الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)
كتاب البيوع
قد ذكرنا في صدر الكتاب أن مشروعات الشارع على أربعة أنواع، حقوق الله تعالى خالصة، وحقوق العباد خالصة، وما اجتمع فيه الحقان وحق الله تعالى فيه غالب
(2)
، وما اجتمع فيه الحقان وحق العبد فيه غالب
(3)
.
(1)
"الحمد لله وحده" زيادة في (ب).
(2)
"كالحدود" في (ج).
(3)
"كالقصاص" في (ج).
[أحكام الشارع]
ثم لما
(1)
ذكر حقوق الله تعالى الخالصة، وما غلب فيه حق الله تعالى وما يلحقهما، بدأ
(2)
بذكر حقوق العباد خالصة
(3)
، وهي البيوع والكفالة
(4)
والحوالة
(5)
وغيرها.
(1)
سقط من (ج).
(2)
"لله" زيادة في (ج).
(3)
"الخالصة" في (ب).
(4)
الكفالة في اللغة: الضم قال الله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} . [سورة آل عمران: آية 37] أي: ضمها إلى نفسه يقال: «ضامن، وضمين، وكافل، وكفيل، وحميل- بفتح الحاء المهملة- وزعيم، وقبيل» .. المغرب في ترتيب المعرب (ص: 413)، طلبة الطلبة (ص: 139)، أنيس الفقهاء (ص: 81).
والكفالة شرعاً: يطلق بعض الفقهاء الضمان، ويريدون به ضم ذمة إلى ذمة، فيكون هو والكفالة بمعنى واحد. والبعض يفرق بينه وبين الكفالة: بأن الكفالة تكون للأبدان، والضمان للأموال، ويطلق البعض الآخر الضمان ويريدون به التعويض عن المتلفات والغصب والعيوب والتغيرات الطارئة، ويطلق على ضمان المال والتزامه بعقد أو بغير عقد
…
قال المرغينانى: ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة، وقيل: في الدَّين، ورجح الأول.
قال الماوردي: إن العرف جار باستعمال لفظ الضمان في الأموال، والكفالة في النفوس.
قال ابن قدامة: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق فيثبت في ذمتهما جميعاً.
أنيس الفقهاء (ص: 81)، الهداية في شرح البداية (3/ 1045)، الحاوي الكبير (6/ 436). المغني لابن قدامة (4/ 393).
(5)
الحوالة لغة: بفتح الحاء المهملة وقد تكسر والفتح أفصح، ومعناها: الانتقال والتحول، من قولهم: حال عن العهد إذا انتقل عنه وتغير، وهي مشتقة من التحويل؛ لأنها تحول الحق عن ذمة إلى ذمة أخرى. المغرب في ترتيب المعرب (ص: 134)، تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 203)، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (1/ 600).
وشرعاً: عقد يقتضي نقل الدّين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، عند الحنفية، أو إبدال دين بآخر للدائن على غيره رخصة، أو طرح الدين عن ذمة بمثله في أخرى، وعند المالكية قال ابن عبد البر: الحوالة: تحول الذمم، وتفسير معناها: أن يكون رجل له على آخر دين، ولذلك الرجل دين على رجل آخر، فيحيل الطالب له على الذي عليه مثل دينه، فإذا استحال عليه ورضي ذمته إلى ذمة الآخر برئ المحيل من الدين، ولم يكن عليه، ولا رجوع له على المحيل أبداً. الاختيار لتعليل المختار (3/ 3)، فتح المعين (ص: 355)، فتح الوهاب (1/ 250)، المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 299)، الروض المربع (ص: 377)، التمهيد (18/ 292)، الإشراف على مذاهب العلماء (6/ 229).
والمناسبة الخاصة
(1)
بين البيع والوقف
(2)
هي أن الوقف إزالة الموقوف عن ملك الواقف، أما على قولهما فظاهر
(3)
، وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله
(4)
، بعد حكم الحاكم
(5)
.
وفي البيع إزالة المبيع عن ملك البائع مع إدخاله في ملك المشتري، فكان البيع مشتملاً على ما اشتمل عليه الوقف، وعلى شيء آخر معه
(6)
، وكان مركباً منهما
(7)
، والوقف مشتمل على شيء واحد منهما، فكان مفرداً، والمركب أبداً
(8)
بعد المفرد، فلذلك ذكر بعده.
(1)
"الخالصة" في (ب).
(2)
الوقف: لغة: الحبس، يقال:«وقفت الدار للمساكين» أقفها بالتخفيف، وأوقفت، لغة رديئة، ومعناه: منعت أن تباع أو توهب أو تورث، ووقف الرجل: إذا قام ومنع نفسه من المضي والذهاب، ووقفت أنا: أى تبّت مكاني قائماً وامتنعت من المشي، كلّه بغير ألف. المفردات في غريب القرآن (ص: 881)، النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 216)، التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 340).
واصطلاحاً: الحنفية: حبس العين على ملك الواقف، والتصدق بالمنفعة عند الإمام. وعندهما: حبسها على حكم ملك الله تعالى. المالكية: قال ابن عرفة: الوقف مصدراً: إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه. الشافعية: حبس المملوك وتسبيل منفعته مع بقاء عينه، ودوام الانتفاع به من أهل التبرع على معين يملك بتمليكه أو جهة عامة في غير معصية تقرباً إلى الله تعالى. الحنابلة: قال ابن قدامة: هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة. وانتقده صاحب «المطلع» وقال: لم يجمع شروط الوقف. قال: وحده غيره فقال: تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف في رقبته يصرف ريعه إلى جهة بر تقرباً إلى الله تعالى. الإنصاف للمرداوي (7/ 3)، التعريفات (ص: 253)، فتح الوهاب (1/ 306)، فتح المعين (ص: 400)، الروض المربع (ص: 453)، المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 344)، المبسوط للسرخسي (12/ 27)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 40)، مواهب الجليل (6/ 18)، المغني (6/ 3).
(3)
ينظر: المبسوط للسرخسي (12/ 28).
(4)
عدم زوال الملك بالوقف عند أبي حنيفة. قال في المبسوط: "وظن بعض أصحابنا رحمهم الله أنه غير جائز على قول أبي حنيفة، وإليه يشير في ظاهر الرواية، فنقول: أما أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فكان لا يجيز ذلك، ومراده أن لا يجعله لازماً، فأما أصل الجواز ثابت عنده". المبسوط للسرخسي (12/ 27)، شرح مختصر الطحاوي (4/ 5)، الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 923).
(5)
ينظر: الاختيار لتعليل المختار (3/ 41).
(6)
"منه" في (ب).
(7)
"بهما" في (ج).
(8)
"عدا" في (ج).
[الحكمة من البيع]
ثم محاسن البيوع كثيرة؛ إذ هي سبب بقاء المحتاجين بأحسن وجوه المعاملة؛ إذ كل من الرجال والنساء محتاج إلى الأخذ والإعطاء
(1)
، ولا يتيسر الإعطاء بلا
(2)
عوض إلا لمن هو الغني مطلقاً، {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ}
(3)
، وفي عقد المعاوضة
(4)
صيانة عن تحمل أعباء منَّة
(5)
الغير
(6)
؛ إذ في الإعطاء بلا عوض إدخال حرِّ
(7)
مثله تحت رق
(8)
إحسانه.
كما قيل
(9)
: الإنسان عبيد الإحسان
(10)
.
(1)
"بلا شك" زيادة في (ج).
(2)
"إلا" في (ب).
(3)
جزء من قوله تعالى: " {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
(4)
المعاوضة: لغة: العوض، أو البدل الذي يبذل في مقابلة غيره. تقول:«عاضنى الله من كذا، وأعاضنى منه عوضاً وعوضاً وعياضاً وعوضني» ، والاسم: العوض والمعوضة. واعتاض منه وتعوض منه: أخذ العوض. واستعاضه: سأله العوض، فعاضه: أي: أعطاه إياه. واعتاضه: جاءه طالباً العوض.
واصطلاحاً: عند جمهور الفقهاء: المبادلة بين عوضين.
المصباح المنير (2/ 438)، القاموس المحيط (ص: 648)، الاختيار لتعليل المختار (2/ 3).
(5)
"أغنيائه" في (ج).
(6)
"الغرار" في (ب).
(7)
"حير" في (ب).
(8)
الرقّ: لغة: مصدر: رق العبد يرق، ضد عتق- بكسر الراء-: العبودية، يقال:«استرق فلان مملوكه» ، وأرقه: نقيض أعتقه، والرقيق: المملوك، ذكراً كان أو أنثى، ويقال للأنثى أيضاً:«رقيقة» ، والجمع: رقيق، وأرقاء، وإنما سمى العبيد: رقيقاً؛ لأنهم يرقون لمالكهم، ويذلون، ويخضعون.
عرف الفقهاء: عبارة عن عجز حكمي، شرع في الأصل جزاءً عن الكفر؛ أما إنه عجز؛ فلأنه لا يملك ما يملكه الحر من الشهادة والقضاء وغيرهما، وأما إنه حكمي؛ فلأن العبد قد يكون أقوى في الأعمال من الحر حسًّا.
المفردات (ص: 361)، التقرير والتحبير (2/ 180)، المغرب (ص: 195)، المصباح المنير (1/ 235)، التعريفات (ص: 111)، الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 163).
(9)
"فعل" في (ج).
(10)
ينظر: مفيد العلوم ومبيد الهموم (ص: 514).
ومن أراد الإحسان فهو يتحقق في ضمن عقد المعاوضة بأحسن وجوهه أيضاً، كما حكي عن أبي العباس
(1)
رحمه الله أنه كان يتاجر الفقراء، وكان يشتري منهم بما يساوي درهماً بعشرة وزيادة؛ كيلا يرى الفقير نفسه تحت منَّته التي يوجب الرق.
قال الله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}
(2)
.
فمن أخفى الصدقة فهو خفي على غير الفقير، ظاهر (على الفقير، ومن أخفاها في المعاوضة فقد)
(3)
أخفاها على الفقير أيضاً، فكان هو أحسن وجوه الإحسان، مع كونه معاوضة، ولو لم يكن في المعاوضة إلا إطفاء ثائرة المنازعة والاختطاف
(4)
بالمسارعة لكان كافياً، فإن المحتاج إلى ما في يد غيره إذا لم يجد سبيلاً بالمعاوضة
(5)
لتسارع الناس
(6)
إلى السلب وما في يده يميل إلى الدفع والذب، فيقتتلان ويظهر في الأرض الفساد، فكان في البياعات
(7)
إطفاء ثائرة النِّزاع، وتسكين هيجان النفس بالابتياع.
[تعريف البيع]
ثم يحتاج هنا إلى معرفة ثمانية أشياء: [معرفة معنى البيع لغةً]
(8)
وشرعاً، ودليل جوازه، وسببه، وركنه، وشرعه، وحكمه، وأنواعه. أما اللغة فالبيع عبارة عن تمليك المال
(9)
بالمال
(10)
. وكذا في الشرع، لكن لا
(11)
بد
(12)
فيه قيد التراضي، فقيل: هو عبارة في الشرع عن مبادلة المال/ بالمال على وجه التراضي
(13)
، ثم هو من الأضداد
(14)
. يقال: باع الشئ إذا شراه أو اشتراه، ويعدَّى إلى المفعول الثاني بنفسه وحرف
(15)
الجر نقول: باع الشيء وباعه
(16)
منه، فجمعه بلفظ البيوع على تأويل الأنواع.
(1)
بعد البحث لم أقف على ترجمته.
(2)
[البقرة: 271].
(3)
من كلمة "على" إلى "فقد" سقط من (ب).
(4)
طمس الحرفين في الآخرين من (ب)، "الإحتطان" في (ج).
(5)
طمس من (ب).
(6)
طمس من (ب)، وسقط من (ج).
(7)
وهي الأشياء التي يتبايع بها في التجارة. تهذيب اللغة (3/ 152).
(8)
سقط من (ج).
(9)
المال لغة: ما ملكته من جميع الأشياء، قال سيبويه: من شاذ الإمالة قولهم مال، أمالوها لشبه ألفها بألف غزا، قال: والأعرف أن لا يمال؛ لأنه لا علة هناك توجب الإمالة، قال الجوهري: ذكر بعضهم أن المال يؤنث لمحكم، والجمع أموال. والمحيط الأعظم (10/ 440)، لسان العرب (11/ 635).
وشرعاً: المال ما يميل إليه الطبع، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة. البحر الرائق (5/ 277).
(10)
"على وجه التراضي ثم هو" زيادة في (ب).
(11)
سقط من (ب) وهو الأولى إذا كان بعدها الكلمة الساقطة في (أ) وهي في الهامش الذي بعد هذا الهامش. وقد وجدتها مثبتة في (أ) بخط صغير.
(12)
"زيد" في (ب).
(13)
عند الحنفية: بأنه مبادلة مال بمال، بالتراضي، وقال الموصلي: مبادلة المال المتقوَّم بالمال المتقوَّم تمليكاً وتملكاً، فإن وجد تمليك المال بالمنافع فهو إجارة أو نكاح، وإن وجد مجاناً فهو هبة، وهو عقد مشروع. فتح القدير (6/ 299)، درر الحكام (2/ 142)، الاختيار لتعليل المختار (2/ 3).
(14)
"الاضطداد" في (أ).
(15)
"بـ " زيادة في (ب).
(16)
"وله" في (ج).
[أدلة جواز البيع]
وأما دليل جوازه: فالكتاب، والسُّنَّة، والإجماع، والمعنى المعقول.
أما الكتاب فقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}
(1)
(2)
.
وأما السنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا معشر التجار، إن بيعكم هذا يحضره اللغو والكذب، فشوبوه
(3)
بالصدقة»
(4)
.
وكذا بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتبايعون، فقررهم
(5)
على ذلك، والتقرير أحد وجوه السُّنَّة، وعليه إجماع الأمة
(6)
.
والمعنى المعقول قد مرَّ في ذكر المحاسن
(7)
.
[سبب البيع]
وأما سببه فتعلق البقاء المقدور بتعاطيها
(8)
بيان ذلك أن الله تعالى حكم ببقاء
(9)
العالم إلى قيام الساعة، وهذا البقاء إنما يكون ببقاء جنس الإنس، وذلك يكون بالتوالد، وقد ذكرناه في النكاح
(10)
، وبقاء النفس إلى أجله، وذلك إنما يقوم بما تقوم به المصالح للمعيشة، وما يحتاج إليه كل واحد لكفايته
(11)
، وكل واحد لا يكون حاصلاً في يده، إنما يتمكن من هذا المقصود بالمال، فشرع الله سبحانه اكتساب المال، وهو التجارة عن تراض لما في التغالب من الفساد، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}
(12)
.
(1)
[البقرة: 252].
(2)
[النساء: 29].
(3)
شوب أَي: لا غش وَلا تَخْلِيط. وَيَقُول البَائِع: لا شوب وَلا روب عَلَيْك، أَي: أَنْت بَرِيء من عيبها، لا أشوب وَلا أروب، أَي: لا أخلط عَلَيْك، وأصل الشوب: الخلط، والروب من اللبن. الفائق في غريب الحديث (2/ 269)، النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 507).
(4)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب التجارة وما يخالطها الحلف واللغو، رقم (3326)، (ج 5/ ص 215)، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب التوقي في التجارة، رقم (2145)، (ج 2/ ص 726)، والنسائي، كتاب الأيمان والنذور، باب في الحلف والكذب لمن لم يعتقد اليمين بقلبه، رقم (3797، 3798)، (ج 7/ ص 14)، وفي باب اللغو والكذب، رقم (3799، 3800)، (ج 7/ ص 15)، وأيضاً النسائي في كتاب البيوع، باب الأمر بالصدقة لمن لم يعتقد اليمين بقلبه في حال بيعه، رقم (4463)، (ج 7/ ص 247). قال في المستدرك: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، كتاب البيوع، رقم (2138)، (ج 2/ ص 5).
(5)
"فأقرهم" في (ب).
(6)
ينظر: المغني لابن قدامة (3/ 480).
(7)
ينظر (ص 1).
(8)
"و" زيادة في (ب).
(9)
كتبت هذه الكلمة بالتاء في (ب) وفي بقية الكلمات التي مثلها في نفس السطر.
(10)
ينظر: المبسوط للسرخسي (4/ 193).
(11)
في (ب)"بكفايته".
(12)
آية من كتاب الله، قال تعالى:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205].
[ركن البيع وشروطه]
وأما ركنه فالإيجاب والقبول على ما يجيء.
وأما شرطه فأنواع منها في العاقد، وهو أن يكون عاقلاً مميزاً، ومنها في الآلة وهو أن يكون بلفظ الماضي، ومنها في المحل وهو أن يكون مالاً متقوَّماً، وأن يكون مقدور التسليم، ومنها التراضي، ومنها شرط النفاذ، وهو الملك والولاية.
[حكم البيع]
وأما حكمه
(1)
وضعاً وقصداً، فالملك وهو عبارة عن القدرة على التصرفات في المحل
(2)
شرعاً إلا لمانع، وقولنا: لمانع احترازاً عن تصرف المشتري في المبيع قبل القبض بالبيع، وذلك ممتنع مع كونه ملكاً له؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض
(3)
، ثم هو في حق المشتري في المبيع
(4)
، وفي حق البائع في الثمن.
وأما وجوب الاستبراء
(5)
وثبوت
(6)
الشفعة
(7)
، وعتق القريب وملك المتعة
(8)
في الجارية والخيارات الثابتة في البيع فأحكام للبيع، لكن بطريق الضمن،
(1)
"التراضي" زيادة في (ج).
(2)
في (ب) بدون (ال).
(3)
أخرجه البخاري بلفظ: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما، يقول: أما الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم «فهو الطعام أن يباع حتى يقبض» ، قال ابن عباس: ولا أحسب كل شيء إلا مثله، كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك، برفم (2135)، (3/ 68)، ومسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، (29 - (1525)، (2/ 1159)، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (10875)، (11/ 12)، وابن ماجة، (أبواب التجارات)، (باب النهي عن بيع الطعام حتى يقبض)، برقم (2226)، (3/ 338)، وابن حبان في صحيحه، كتاب البيوع، باب البيع المنهي عنه، برقم (4980)، (11/ 315).
(4)
في (ب)"حق المبيع" بزيادة "حق".
(5)
الاستبراء: أن يشتري الرجل الجارية فلا يطؤها حتى تحيض.
العين (8/ 289)، تهذيب اللغة (15/ 195)، طلبة الطلبة (ص: 3).
وشرعاً: التربص بالمرأة مدة بسبب ملك اليمين حدوثاً، أو زوالاً لبراءة الرحم، أو تعبداً، وهذا جرى على الأصل، وإلا فقد يجب الاستبراء بغير ذلك، كأن وطئ أمة غيره ظاناً أنها أمته، على أن حدوث ملك اليمين أو زواله ليس بشرط، بل الشرط -كما سيأتي- حدوث حل التمتع به، أو روم التزويج ليوافق ما يأتي في المكاتبة والمرتدة وتزويج موطوءته ونحوها. فتح الوهاب (2/ 134)، فتح المعين (ص: 531)، الروض المربع (ص: 612)، تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 287)، المطلع (ص: 424)، التوقيف (ص: 47).
(6)
" ووجوب" في (ب).
(7)
الشفعة في اللغة فقال: الشفعة: الزيادة، وهو أن يشفعك فيما تطلب حتى تضمه إلى ما عندك فتزيده وتشفعه بها، أي تزيده بها، أي إنه كان وتراً واحداً، فضم إليه ما زاده، وشفعه به. تهذيب اللغة (1/ 278)، الصحاح (3/ 1238)، القاموس المحيط (ص: 734).
وشرعاً: الشفعة مأخوذة من الشفع، الذي هو ضد الوتر؛ لما فيه من ضم عدد إلى عدد، أو شيء إلى شيء، ومنه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للمذنبين، فإنه يضمهم بها إلى العابدين، وكذلك الشفيع بأخذه يضم المأخوذ إلى ملكه، فيسمى لذلك شفعة. والشفعة في العقار لأنها ضم ملك البائع إلى ملك الشفيع، وهي تثبت للشفيع بالثمن الذي بيع به رضي المتبايعان أو سخطا، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم. المبسوط للسرخسي (14/ 90)، الاختيار لتعليل المختار (2/ 42)، المغني (5/ 229).
(8)
ملك المتعة هو السبب الموجب للنكاح، قال في المحيط:"وملك المتعة التي هي أصل في باب النكاح"، وقال ابن نجيم:"وملك المتعة عبارة عن ملك الانتفاع والوطء كما في الكشف، ومعنى وروده عليه إفادته له شرعاً، فلو قال: يفيد ملك المتعة، أو يثبت به ملك المتعة قصداً لكان أظهر، والمراد أنه عقد يفيد حكمه بحسب وضع الشرع". ينظر: المبسوط للسرخسي (9/ 59)، المحيط البرهاني (3/ 148)، البحر الرائق (3/ 85).
لا على القصد
(1)
والوضع من شرعية البيع.
[أنواع البيع]
وأما أنواعه فثمانية، أربعة في جانب المبيع، وأربعة في جانب الثمن.
وأما التي في جانب المبيع:
أحدها: بيع العين بالعين
(2)
، كبيع
(3)
السلع بمثلها، نحو بيع الثوب بالعبد، وهو بيع المقايضة
(4)
.
والثاني: [بيع العين بالدين، نحو]
(5)
بيع العين بالأثمان المطلقة، وهو المطلق في البيع عن القيد.
والثالث: بيع الدَّين بالدَّين، وهو بيع الثمن
(6)
المطلق بالثمن المطلق، كبيع الدراهم والدنانير، وهو بيع الصرف.
والرابع: بيع الدين بالعين، وهو السّلم
(7)
، فإن المسلم فيه مبيع، وهو دين.
وأما الأربعة التي في جانب الثمن:
أحدها: المساومة، وهي التي لا يلتفت إلى الثمن السابق.
والثاني: بيع المرابحة
(8)
.
(1)
"العبد" في (ج).
(2)
بيع العين بالعين، أي: مبادلة مال بمال غير النقدين. وهي المقايضة كما سيأتي تعريفها. أنيس الفقهاء (ص: 81)، القاموس الفقهي (ص: 312).
(3)
"كبيع" في (ب) وهو الأصح، وفي (أ)"وبيع".
(4)
المقايضة والمقايلة هما: المبادلة من قولك: «تقيل فلان أباه» ، وتقيضه: إذا نزع إليه في الشبه، وهما قيلان وقيضان: أى مثلان.
والمقايضة شرعاً: تعنى معاوضة عرض بعرض: أى: مبادلة مال بمال كلاهما من غير النقود وقال في التعريفات: "المقايضة: بيع السلعة بالسلعة". انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 134)، تهذيب اللغة (9/ 173)، طلبة الطلبة (ص: 145)، المغرب (ص: 398)، التعريفات (ص: 226).
(5)
سقط من (ج).
(6)
في (ب)"ثمن".
(7)
السلم لغة: التقديم والتسليم، مصدر أسلمت الشيء إلى فلان: إذا أخرجته إليه، ومنه: السَّلَمُ في البيع.
وفي الشرع: اسم لعقد يوجب الملك للبائع في الثمن عاجلاً، وللمشتري في الثمن آجلاً، فالمبيع يسمى مسلمًا به، والثمن، يسمى: رأس المال، والبائع يسمى: مسلمًا إليه. والمشتري يسمى: رب السلم. قال في الاختيار: "وهو في الشرع: اسم لعقد يوجب الملك في الثمن عاجلاً، وفي المثمن آجلاً، وسمي به لما فيه من وجوب تقديم الثمن. وقال القدوري: السلم في لغة العرب: عقد يتضمن تعجيل أحد البدلين وتأجيل الآخر، وهو نوع من البيع". المفردات (ص: 423)، التعريفات (ص: 120) الاختيار (2/ 34) تبيين الحقائق (4/ 110).
(8)
المرابحة لغة: مأخوذة من الربح، وهو النماء والزيادة، تقول:"ربح في تجارته": إذا أفضل فيها، وأربح فيها بالألف: أى صادف سوقاً ذات ربح، وأعطاه مالاً مرابحةً، أي: على الربح بينهما، وبعت الشيء مرابحة. ويقال: بعته السلعة مرابحة على كل عشرة دراهم درهم، وكذلك اشتريته مرابحة. طلبة الطلبة (ص: 111)، لسان العرب (2/ 443)، المصباح المنير (1/ 215).
واصطلاحاً: عرّفها صاحب «الهداية» : بأنها نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح. الهداية شرح البداية (3/ 995)، المحيط البرهاني (7/ 3)، المغرب (ص: 488)، أنيس الفقهاء (ص: 76).
والثالث: بيع التولية
(1)
.
والرابع: بيع الوضيعة
(2)
، وهي ضد المرابحة؛ حيث تضع من رأس المال شيئاً
(3)
، كذا في التحفة
(4)
(5)
وغيرها.
[أصل البيع]
أو نقول: إن أنواع البيع ترتقي إلى عشرين نوعاً أو أكثر، وذلك؛ لأن البيع في أصله نوعان، حلال، واسمه البيع، وحرام، واسمه الربا، والحلال نوعان: لازم، وغير لازم، والحرام كذلك نوعان: ما يعود جائزاً برفع المفسد، وما لا يعود جائزاً بحال، فذلك أربعة أنواع، والحلال الذي هو غير لازم ما كان فيه خيار الفسخ للعاقد.
[أنواع الخيار]
والخيارات أربع
(6)
: خيار الشرط، وخيار الرؤية، وخيار العيب، وخيار بسبب الاستحقاق
(7)
.
(1)
التولية لغة: مصدر ولّى تولية، يقال:"وليت فلانا الأمر": قلدته إياه، ويقال:"وليته البلد وعلى البلد، ووليت على الصبي والمرأة": أي جعلت والياً عليهما، والأصل في التولية: تقليد العمل، يقال:"ولى فلان القضاء والعمل الفلاني". والتولية أيضاً: تصيير مشتر ما اشتراه لغير بائعه بثمنه، قاله ابن عرفة: أن يشتري شيئاً ثم يقول لغيره: وليتك هذا العقد. تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 192)، الصحاح (6/ 2529)، شرح حدود ابن عرفة (ص: 280).
وشرعاً: التولية بيع بثمن سابق - وهو البيع- بالثمن الأول من غير زيادة ولا نقصان. وقال في الاختيار: "التولية بيع بالثمن الأول، والمرابحة بزيادة، والوضيعة بنقيصة؛ لأن الاسم ينبئ عن ذلك، ومبناها على الأمانة؛ لأن المشتري يأتمن البائع في خبره معتمداً على قوله، فيجب على البائع التنَزه عن الخيانة، والتجنب عن الكذب؛ لئلا يقع المشتري في بخس وغرور". تبيين الحقائق (4/ 73)، الاختيار (2/ 28).
(2)
وضع فلان، فهو يوضع وضيعة، إذا نقص من رأس ماله. غريب الحديث لإبراهيم الحربي (3/ 913).
(3)
"سببا" في (ج).
(4)
تحفة الفقهاء في فروع الفقه الحنفي، زاد فيها السمرقندي على مختصر القدوري (ت 428 هـ، 1037 م)، ورتبهما أحسن ترتيب، ثم لما شرحها الكاساني (صاحب كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) وعرض الشرح عليه استحسنه وزوجه ابنته، فقيل: شرح تحفته وتزوج ابنته، وهو مطبوع. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 371). المكتبة الإسلامية (ص: 172).
(5)
ينظر: تحفة الفقهاء (2/ 105)
(6)
"أنواع" زيادة في (ج).
(7)
خيار الاستحقاق، وصورته استحقاق بعض المبيع، فإن كان الاستحقاق قبل القبض خيّر في الكل، وإن كان بعده خيّر في القيمي لا في المثلي. وقال في النتف:"خيار الاستحقاق، وهو على وجهين، أحدهما: قبل القبض، والآخر بعد القبض، أما الذي قبل القبض فإذا اشترى سلعة فاستحق بعضها قبل القبض فهو بالخيار فيما بقي، وإن كان بعد القبض فإنه يسترد حصة ما استحقه منه من الثمن، ولا خيار فيما سواه ". النتف في الفتاوى (1/ 453)، كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم (1/ 767).
ثم البيع أنواع أربعة من جهة المبيع:
• البيع المطلق، وهو بيع العين بعين أو بدين.
• وبيع السلم وهو بيع ما في الذمة.
• وبيع ما يصنعه عيناً، وهو الاستصناع
(1)
.
• وبيع المنافع وهو الإجارة
(2)
.
ومن جهة الثمن أربعة:
• بيع العين بالثمن وهو المطلق.
• وبيع الثمن بالثمن وهو الصرف.
• وبيع العين بمكيل أو موزون أو عددي متقارب في الذمة.
• وبيع العين بثياب موصوفة في الذمة.
ومن جهة الثمن ينقسم إلى أربعة:
• بيع
(3)
مساومة، وهو بيع بالثمن
(4)
الذي يتفقان عليه.
• وبيع مرابحة.
• وبيع تولية.
• وبيع وضيعة، وهو بيع بالنقصان من الثمن الأول.
[البيع الفاسد وما يفسده]
" وأما الفاسد فيفسد بجهات أربع:
• إما لمعنى في المحل مع قيام المالية.
• وإما لمعنى في العاقد [مع قيام الأهلية.
• وإما لمعنى في العقد]
(5)
مع قيام أصله.
• وإما لعدم المالية في البدل"، كذا في الأسرار
(6)
(7)
.
(1)
الاستصناع في اللغة: مصدر استصنع الشيء: أي دعا إلى صنعه، ويقال: اصطنع فلان باباً: إذا سأل رجلاً أن يصنع له باباً، كما يقال: اكتتب أي: أمر أن يكتب له. الصحاح (3/ 1245)، لسان العرب (8/ 208).
وفي الاصطلاح: هو على ما عرفه بعض الحنفية: عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل، فإذا قال شخص لآخر من أهل الصنائع: اصنع لي الشيء الفلاني بكذا درهماً، وقبل الصانع ذلك، انعقد استصناعاً. وقال في التحفة:"ثم تفسير الاستصناع هو عقد على مبيع في الذمة، وشرط عمله على الصانع، والقياس أن لا يجوز، وفي الاستحسان جائز لتعامل الناس". المبسوط للسرخسي (15/ 84)، تحفة الفقهاء (2/ 363)، بدائع الصنائع (5/ 2)، الموسوعة الفقهية (3/ 325).
(2)
الإجارة في اللغة: اسم للأجرة، وهي كراء الأجير، وقد أجره إذا أعطاه أجرته من بابي: طلب وضرب فهو آجر وذلك مأجور. المغرب (ص: 20).
وشرعاً: الإجارة: تمليك المنافع بعوض. وقال الجرجاني: "الإجارة: عبارة عن العقد على المنافع بعوض هو مالٌ. وتمليك المنافع بعوضٍ إجارةٌ، وبغير عوض إعارةٌ". الكليات (ص: 48)، التعريفات (ص: 10)، أنيس الفقهاء (ص: 96).
(3)
سقط من (ب).
(4)
في (ب)"الثمن".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(6)
كتاب الأسرار لأبي زيد الدبوسي اسمه عبيد الله بن عمر بن عيسى القاضي، قال السمعاني: كان من كبار فقهاء الحنفية ممن يضرب به المثل. توفي ببخارى سنة ثلاثين وأربع مائة. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 252). وهو محقق برسالة جامعية في جامعة أم القرى ذات الرقم (2620) من كتاب البيوع إلى كتاب الوقف.
(7)
الأسرار (1/ 84).
قوله
(1)
رحمه الله: البيع ينعقد بالإيجاب والقبول.
[انعقاد البيع]
والانعقاد عبارة عن انضمام كلام أحد العاقدين
(2)
إلى الآخر على وجه يظهر أثره في المحل شرعاً.
والإيجاب عبارة عما يتقدم من أحد العاقدين
(3)
من قولهما: بعت واشتريت.
والدليل عليه ما ذكره مطلقاً بعد هذا
[معنى الايجاب]
بقوله: وإذا أوجب أحد المتعاقدين البيع فإن الإيجاب ههنا هو الإثبات، لا أن يكون المراد منه إلزام حكم على وجه يأثم صاحبه عند
(4)
تركه؛/ لأنه لا ولاية لأحدهما على الآخر، فبقوله: بعت يثبت كلام نفسه، أو يثبت الجواب على الآخر، إما بالرد أو بالقبول، وذلك؛ لأن الإيجاب فعل، والفعل صرف
(5)
الممكن من الإمكان إلى الوجوب، أي: إلى التحقيق والثبوت، فإن قوله: بعت قبل أن يتكلم به البائع كان في حيز [الجواز، فلما قال: بعت فقد صرف من ذلك الحيز إلى الثبوت، فكان هو مثبتاً]
(6)
لكلامه، أو كان مثبتاً الجواب على الآخر، فعلى الوجه الأول كان ينبغي أن يسمى القبول إيجاباً أيضاً
(7)
، إلا أن المشتري لما قبل ما أوجبه البائع سمي قبولاً للتميز بين السابق واللاحق.
[علة البيع]
ثم اعلم أن عِليَّة البيع وما يضاهيه يتوقف على أربعة أشياء كما في الحسيات:
في اتخاذ السرير مثلاً:
• إلى النجار كالعاقد هنا.
• إلى الآلة كالفاس وهو مثل قولنا: بعت.
• وإلى النجر وهو مثل إخراج هذا القول على سبيل الإنشاء.
• وإلى المحل كالخشب، وهو مثل المبيع ههنا.
فلو اختل شيء من هذه الأربعة لا يتحقق فعل النجر في الحسيات، فكذلك في الشرعيات، لو اختل شيء من هذه الأربعة في عِليَّة البيع لم يبق علة.
[صيغ البيع]
قوله: إذا كان بلفظ الماضي وإنما أراد بهذا انعقاد البيع بدون النية، وأما إذا كان انعقاده باللفظ مع النية فيجوز انعقاده وإن كان بلفظ المستقبل
(8)
أو أحدهما لفظ المستقبل، فيحمل حينئذ لفظ الاستقبال على الحال؛ فإنه ذكر في تحفة الفقهاء فقال: "أما ما يتحقق بلفظين فقد يكون بدون النية، وقد يكون مع النية، (أما)
(9)
غير النية ففيما إذا كان اللفظان بصيغة الماضي، نحو أن يقول البائع: بعت منك هذا العبد بكذا، فقال المشتري: ابتعت إذ اشتريت، وكذا إذا بدأ المشتري فقال: اشتريت منك هذا العبد بكذا فقال البائع: بعته منك إذ أعطيته، أو نحو ذلك، وأما الذي لا ينعقد بدون النية
(10)
بأن يخبر عن نفسه في المستقبل، وهو أن يقول البائع: أبيع منك هذا العبد بألف، أو أبدله، أو أعطيكه، فقال المشتري: اشتريته بذلك، أو آخذه ونويا الإيجاب للحال، أو كان أحدهما بلفظ الماضي والآخر بلفظ المستقبل، مع نية الإيجاب للحال فإنه ينعقد؛ لأن صيغة الاستقبال يحتمل الحال فصحت النية، وأما إذا كان بلفظين يعبر بهما عن المستقبل، إما على سبيل الأمر، أو الخبر، بأحدهما من غير نية الحال فإنه لا ينعقد البيع عندنا، وذلك أن يقول البائع: اشتر مني هذا العبد بألف، فقال: اشتريت، أو قال البائع: أبيع منك هذا العبد بألف درهم، فقال المشتري: اشتريت"
(11)
.
(1)
"قال " في (ب).
(2)
" المتعاقدين" في (ب).
(3)
"المتعاقدين" في (ب).
(4)
"عن"في (ب).
(5)
"حرف"في (ج).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب) وهي مثبتة في الهامش.
(7)
سقط من (ج)، وهي في هامشه.
(8)
في (ب)"الاستقبال".
(9)
سقط من (ب).
(10)
"البينة" في (ج).
(11)
انظر: تحفة الفقهاء (2/ 30).
وذكر مثل هذا أيضاً في شرح الطحاوي
(1)
قال: "إذا قال البائع: أبيع منك هذا العبد بألف درهم، وأراد به إيجاب البيع في الحال، فقال المشتري: قبلت، أو قال المشتري: أولاً أشتري منك هذه الجارية بألف درهم، وأراد به إيجاب
(2)
البيع
(3)
في الحال، فقال البائع: بعت منك، تم البيع بينهما"
(4)
، فعلى هذا كان معنى (وَلا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ).
أي: إذا لم ينو به الحال، وأما إذا نوى الحال فينعقد.
[الفرق بين عقد النكاح والبيع]
قوله في الكتاب
(5)
:
(بِخِلافِ النِّكَاحِ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ هُنَاكَ).
فإن أحدهما لو قال للآخر: زوجني، فيقول: زوجتك، ينعقد النكاح؛ لأن هذا توكيل، والواحد يتولى طرفي النكاح، بخلاف البيع.
(لأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ)، والإنشاء إثبات أمرٍ لم يكن، (وَالإِنشاء يعرف بِالشرع)
(6)
[سبب اللفظ الماضي في البيع]
لأن للشارع -وهو الله تعالى- ولاية الإيجاد والاعدام، والإثبات والمحو، فكان له الولاية الكاملة في وضع أسباب الشرائع وأركانها، والنبي صلى الله عليه وسلم مخبر عنه بإعلامه إياه؛ بأن هذا سبب هذا؛ وبأن هذا شرط هذا، وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم لفظ الماضي
(7)
الذي هو عبارة عن الذي تحقق وجوده في انعقاد البيع، فكان الانعقاد مقتصراً عليه؛ إذ القياس لا يجري في وضع الأسباب.
(1)
مختصر الطحاوي، في فروع الحنفية للإمام أبي جعفر: أحمد بن محمد الطحاوي، الحنفي. رتبه: كترتيب: مختصر المزني. وتوفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، قال: جمعت في كتابي هذا أصناف الفقه التي لا يسع الإنسان جهلها، وبينت الجوابات عنها من قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد. وقد أولع الناس في شرحه. كشف الظنون (2/ 1627). قلت: ومن شروحه المطبوعة شرح مختصر الطحاوي في الفقه الحنفي، للإمام أبي بكر الرازي الجصاص.
(2)
في (ب)"الإيجاب".
(3)
في (ب)"في البيع" بزيادة "في".
(4)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنْز الدقائق وحاشية الشلبي (4/ 4)
(5)
مراده كتاب البداية، واسمه بداية المبتدي في الفروع، فقه حنفي، وهو مختصر، ذكر فيه أنه جمع بين (مختصر القدوري)، و (الجامع الصغير). واختار ترتيب (الجامع) تبركاً بما اختاره: محمد بن الحسن، وهو مطبوع لمؤلفه شيخ الإسلام برهان الدين علي أبي بكر المرغيناني (ت 593). كشف الظنون (1/ 227)
(6)
قال في الهداية " والموضوع للإخبار قد استعمل فيه فينعقد به " الهداية شرح بداية المبتدئ (3/ 939).
(7)
لم يرد في الأحاديث -على حد علمي - ما يدل صراحة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل لفظ الماضي في مبايعاته، إلا أن الناس قد تعارفوا على استعمال هذا اللفظ، وأقرهم الإسلام عليه، وعليه فإن الغالب هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون قد استخدمه في عقوده وتعاملاته المالية، وبناءً على هذا الظن الغالب يصرح بعض الفقهاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استعمله. ينظر: بيوع الآجال في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة. ص (236).
والمعنى فيه أن انعقاد البيع في غير التعاطي لما توقف إلى العبارة، اختير له لفظ الماضي من بين سائر العبارات، وذلك؛ لأن المُخبَر به -وهو البيع والشراء- لم يكن بينهما في الزمن الماضي، فيجعل كأن الله تعالى أنشأ بينهما بيعاً وشراءً
(1)
، فهما أخبرا عنهما بقولهما:
(بعت واشتريت) اقتضاءً تصحيحاً لكلامهما، ومثل هذا مرّ في الطلاق في قوله: أنت طالق حيث يجعل هناك قبل قوله: أنت طالق وقوع الطلاق اقتضاءً، وهذا إخبار عنه تصحيحاً لكلامه، فكذا هنا. ولا يرد على هذا قوله:
(خذه
(2)
بكذا)
حيث ينعقد به البيع عند قبول المشتري، مع أنه ليس هو للماضي؛ لأنا نقول: إنه أمره بالأحذ، ولم يكن له ولاية الأمر بالأخذ إلا بأن يبيعه أن يبيح له بالأخذ، فيثبت البيع بطريق الاقتضاء
(3)
، فترجحت
(4)
جهة البيع على جهة الإباحة بدلالة قوله: (بكذا)
وذكر في الإيضاح
(5)
: وإنما خص هذه اللفظة؛ لأن هذه اللفظة التي هي خبر عن الماضي تستدعي سبق المخبر به ليكون الكلام صحيحاً حكمةً وعقلاً،/ فصار الوجود حقًّا له بمقتضى الحكمة، فإذا قصد الإنشاء والإيجاد اختار اللفظ الذي لزمه الوجود، وهو لفظ الإخبار عن الماضي؛ (لأنه يؤدي معناه)
وقد ذكرنا ذلك المعنى قبيل هذا، بأنه أمره بالأخذ وليس له ولاية فيه إلا بسابق البيع اقتضاءً.
(والمعنى هو المعتبر)
"حتى إن الحوالة تصير كفالة عند براءة الأصيل، والكفالة بشرط براءة الأصيل يصير حوالة"
(6)
.
والمراد من النفيس: ما يكثر ثمنه كالعبيد، والإماء.
ومنه الخسيس: ما يقل ثمنه كالبقل والرمانة واللحم والخبر.
فقال: (هو الصحيح)
احتراز عن قول الكرخي
(7)
، فقال الكرخي: "إنما ينعقد البيع بالتعاطي في الأشياء الخسيسة نحو البقل، وعامتهم
(8)
على أنه ينعقد في جميع الأشياء، الخسيسة والنفيسة في ذلك سواء"
(9)
.
(1)
"لم يكن" زيادة في (ب).
(2)
بدون هاء في (ب).
(3)
الاقتضاء، وهو ما يفهم عندَ اللفظ ولا يكون منطوقاً به. تشنيف المسامع بجمع الجوامع (1/ 338).
(4)
" ترجحت " كذا نسخة (ب).
(5)
الإيضاح في فروع الفقه الحنفي، وهوشرح للتجريد، كلاهما لعبد الرحمن بن محمد بن أميرويه بن محمد بن إبراهيم الكرماني ركن الدين، أبي الفضل، توفى بمرو، سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. قال في هداية العارفين "الإيضاح في شرح التجريد له" وبعد البحث فهو لا زال مخطوطاً. هدية العارفين (1/ 519).
(6)
كشف الأسرار (2/ 62)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 174).
(7)
عبيد بن الحسين بن دلال بن دلهم، أبو الحسن الكرخي صنف "المختصر" و"الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" توفي أبو الحسن الكرخي ليلة النصف من شعبان سنة أربعين وثلاثمائة. تاج التراجم (ص: 201)، تاريخ بغداد وذيوله (10/ 352)، لسان الميزان (5/ 321).
(8)
إذا قال الحنفية في كتبهم: قال العامة، فإنهم يقصدون بذلك عامة مشايخهم، وقيل: يقصدون بهم فقهاء العراق والكوفة. مصطلحات المذاهب ص 94.
(9)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 274).
ثم اختلف المشايخ
(1)
أيضاً في أن الشرط في بيع التعاطي، الإعطاء من الجانبين، والإعطاء من أحد الجانبين يكفي، [وأشار محمد
(2)
رحمه الله في الجامع الصغير إلى أن "تسليم المبيع يكفي]
(3)
"
(4)
كذا في الذخيرة
(5)
.
[الكتاب والإرسال في البيع]
(والكتاب كالخطاب)
(6)
وهو أن يكتب فيقول: أما بعد، فقد بعت (عبدي)
(7)
فلاناً منك بألف درهم، فلما بلغه الكتاب قال في مجلسه ذلك: اشتريت، وقال: قبلت، تم البيع بينهما
(وكذا الإرسال) "وهو أن يرسل رسولاً فيقول البائع: بعت هذا من فلان الغائب بألف درهم، فاذهب يا فلان وقل له، فذهب الرسول وأخبره بما قال، فقال المشتري في مجلسه ذلك: اشتريت، أو قال: قبلت، تم البيع بينهما؛ لأن الرسول معتبر وسفير، فينقل كلامه إليه، فإذا اتصل به الجواب ينعقد، وكذا هذا الجواب في الإجارة والهبة
(8)
والكتابة
(9)
.
(1)
مصطلح "المشايخ" عند الحنفية: من لم يدرك الإمام. الدر المختار وحاشية ابن عابدين (4/ 495).
(2)
محمد بن الحسن بن فرقد، أبو عبد الله الشيباني، الإمام، صاحب الإمام، تكرر ذكره فى الهداية، والخلاصة، أصله من دمشق، من قرية حرسته، قدم أبوه من العراق، فولد محمد بواسط، وصحب أبا حنيفة، وأخذ عنه الفقه، ثم عن أبي يوسف، وصنف الكتب، ونشر علم أبي حنيفة. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 42).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(4)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 274)، العناية شرح الهداية (6/ 252).
(5)
الذخيرة هو ذخيرة الفتاوى المشهورة بالذخيرة البرهانية اختصار من الكتاب المشهور بالمحيط البرهاني، كلاهما للإمام برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري. المتوفى: سنة 616. كشف الظنون (1/ 823).
(6)
ويشترط في الكتابة حتى تثبت بها الأحكام شرطان:
أ - أن تكون الكتابة مستبينة، أي: مكتوبة على شيء تظهر وتثبت عليه، فلا عبرة بالكتابة على سطح الماء أو في الهواء، ونحو ذلك.
ب - أن تكون الكتابة مرسومة، أي: مكتوبة بالطريقة المعتادة بين الناس في الخط والخطوط عليه، ليخرج غيرها. انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 292)، شرح القواعد الفقهية (ص: 349)، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (1/ 339).
(7)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(8)
الهبة: التبرع بما ينتفع به الموهوب له، تقول: وهبت الشيء أهبه هبة وموهباً. واتهبت الهبة: قبلتها، قال في النهاية:"الهبة: العطية الخالية عن الأعواض والأغراض، فإذا كثرت سمي صاحبها وهاباً، وهو من أبنية المبالغة". طلبة الطلبة (ص: 106)، مقاييس اللغة (6/ 147)، النهاية (5/ 231).
وفي الاصطلاح: هي تمليك العين بلا عوض. تبيين الحقائق (5/ 91)، البناية شرح الهداية (10/ 159).
(9)
المكاتبة: معنى الكتاب والمكاتبة: أن يكاتب الرجل عبده أو أمته على مال ينجمه عليه، ويكتب عليه أنه إذا أدى نجومه وكل نجم كذا وكذا فهو حر قال:"معاقدة عقد الكتابة وهي أن يتواضعا على بدل يعطيه العبد نجوماً في مدة معلومة، فيعتق به نجوماً، أي: وظائف، جمع نجم، وهو الوظيفة". طلبة الطلبة (ص: 64)، تهذيب اللغة (10/ 87). الصحاح (1/ 209).
وشرعاً: جمع حرية الرقبة مآلاً مع حرية اليد حالاً. درر الحكام (2/ 22)، فتح باب العناية (2/ 377).
وأما في الخلع
(1)
والعتق
(2)
على مال فإنه يتوقف شرط
(3)
العقد من الزوج والمولى على قبول الآخر وراء المجلس بالإجماع
(4)
حتى إن من قال: خالعت امرأتي فلانة الغائبة على ألف درهم، فبلغها الخبر فأجازت أو قبلت صح.
وكذا الإعتاق على مال يتوقف على إجازة العبد وإن كان غائباً، بخلاف البيع والشراء فإنه لا يتوقف، فإن من قال: بعت عبدي هذا من فلان الغائب بألف درهم، وبلغه الخبر فقبله لا يصح؛ لأن شرط العقد لا يتوقف بالإجماع.
فأما النكاح في فلا يتوقف الشرط
(5)
عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وعلى قول أبي يوسف
(6)
رحمه الله يتوقف، ثم في كل موضع لا يتوقف شرط العقد فإنه يجوز من العاقد الرجوع عنه، ولا يجوز تعليقه بالشرط والإحظار؛ لأنه عقد معاوضة، وفي كل موضع يتوقف شرط
(7)
العقد كالخلع والعتق على مال لا يصح الرجوع، ويصح التعليق بالشروط؛ لأنه في جانب الزوج والمولى بمنْزلة التعليق، وفي جانبها بمنْزلة المعاوضة. وكذا في التحفة
(8)
وشرح الطحاوي
(9)
.
(1)
الخلع: بالضم اسم، وخالعت المرأة زوجها، واختلعت منه: إذا افتدت منه بمالها، فإذا أجابها إلى ذلك فطلقها قيل: خلعها، وإنما قيل ذلك؛ لأن كلاً منهما لباس لصاحبه، فإذا فعلا ذلك فكأنهما نزعا لباسهما. المغرب في ترتيب المعرب (ص: 151)، طلبة الطلبة (ص: 59).
وشرعاً: قال في الاختيار: "وهو أن تفتدي المرأة نفسها بمال ليخلعها به، وقال: وهو أن تفتدي المرأة نفسها بمال ليخلعها به، فإذا فعلا لزمها المال، ووقعت تطليقة بائنة" وقال الزيلعي: "عبارة عن أخذ المال بإزاء ملك النكاح بلفظ الخلع وشرط". الاختيار (3/ 156)، تبيين الحقائق (2/ 267)، الجوهرة النيرة (2/ 59).
(2)
العتق والعتاق والعتاقة زوال الرق، العتق القوة وحقيقة الرق الضعف. طلبة الطلبة (ص: 63).
وفي الشريعة: عبارة عن إحداث المالكية والاستبداد للآدمي، ومن ضرورته، انتفاء صفة المملوكية. قال في الاختيار:"زوال الرق عن المملوك، وفيه هذه المعاني اللغوية فإنه بالعتق يقوى على ما لم يكن قادراً عليه قبله من الأقوال والأفعال، ويورثه جمالاً وكرامةً بين الناس، ويزول عنه ما كان فيه من ضيق الحجر والعبودية، فيتسع رزقه بسبب القدرة على الكسب" المبسوط للسرخسي (7/ 60)، الاختيار (4/ 17).
(3)
في (أ)"شطر" وهي كثيرة في كتب الأحناف بمعنى "شرط" وهذه اللفظة الموافقة للمعنى.
(4)
قال في الحاوي الكبير (10/ 17): "قال الحسن البصري: إن طلقها في مجلس خلعه طلقت، وإن طلقها في غيره لم تطلق".
(5)
في (أ)"الشطر".
(6)
يعقوب بن إبراهيم القاضي الأنصاري، أبو يوسف، قال ابن عبد البر: لا يختلفون أن أبا يوسف القاضي هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس بن سعد بن حبتة الأنصاري، مات ببغداد يوم الخميس وقت الظهر، لخمس خلون من ربيع الأول، سنة اثنتين وثمانين ومائة، وقيل: لخمس ليال خلون من ربيع الآخر سنة إحدى أو اثنتين وثمانين ومائة. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 221 - 222).
(7)
في (أ)"الشطر".
(8)
تحفة الفقهاء (2/ 32 - 33).
(9)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي (3/ 8).
قوله رضي الله عنه (وليس له أن يقبل في بعض المبيع إلى آخره .. )
(1)
[بيع اتحاد الصفقة]
وإذا أوجب البائع البيع في شيئين أو ثلاثة، وأراد المشتري أن يقبل العقد في أحدهما دون الآخر فهذا على وجهين، إن كانت الصفقة واحدة فليس له ذلك، وإن كانت متفرقة فله ذلك؛ وهذا لأن الصفقة إذا كانت واحدة فالمشتري بقبول العقد في أحدهما يريد تفريق الصفقة على البائع، وفي ذلك ضرر بالبائع؛ لأن العادة فيما بين الناس أنهم يضمون الرديء إلى الجيد في البياعات، وينقصون شيئاً عن الجيد
(2)
لترويج الرديء بالجيد، فلو ثبت خيار قبول العقد في أحدهما فالمشتري يقبل العقد في الجيد ويترك الرديء على البائع، فيزول الجيد عن ملك البائع بأقل من ثمنه، وفيه ضرر بالبائع.
[ما يوجب اتحاد الصفقة وتفريقها]
وقال القدوري
(3)
رحمه الله: "إلا أن يرضى البائع في المجلس، نحو أن يقول: بعتك (هذا العبد بخمسين، فيقول المشتري: قبلت في نصفه فيرضى به البائع، أو يقول: بعتك)
(4)
هذين القفيزين بعشرة فيقول المشتري: قبلت في أحدهما
(5)
(6)
فيرضى به البائع، ويكون ذلك من المشتري في الحقيقة استئناف إيجاب لا قبول، فإذا رضي به البائع في المجلس يجوز، قال
(7)
: وإنما يصح مثل هذا إذا كان للبعض الذي قبله المشتري حصة معلومة من الثمن على نحو ما ذكرنا من المثال في العبد الواحد وفي القفيزين؛ لأن الثمن ينقسم عليهما باعتبار الأجزاء، فيكون حصة كل قفيز معلومة، فأما إذا كان الثمن ينقسم باعتبار القيمة، نحو أن أضاف العقد إلى عبدين أو ثوبين، لم يصح العقد إذا قبل المشتري في أحدهما، وإن رضي به البائع؛ لأن القبول من المشتري لما جعل بمنْزلة ابتداء إيجاب، فإذا لم يكن حصة كل واحد منها معلومة، لو جاز البيع في الذي قبل كان هذا ابتداء عقد بالحصة، وأنه لا يجوز"
(8)
.
(1)
قال في الهداية: "وليس له أن يقبل في بعض المبيع، ولا أن يقبل المشتري ببعض الثمن؛ لعدم رضا الآخر بتفرق الصفقة، إلا إذا بين كل واحد؛ لأنه صفقات معنى".
(2)
زيادة في (ب)"ثمن".
(3)
أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان، الإمام المشهور، أبو الحسن بن أبي بكر، الفقيه البغدادي، المعروف بالقدوري، صاحب المختصر المبارك، وقال السمعاني: كان فقيهاً صدوقاً، صنف من الكتب المختصر المشهور فنفع الله به خلقاً لا يحصون، وشرح مختصر الكرخي والتجريد فى سبعة أسفار. مات القدوري فى يوم الأحد الخامس عشر من رجب سنة ثمان وعشرين وأربع مائة. الجواهر المضية (1/ 93)، وفيات الأعيان (1/ 87)، وأعلام النبلاء (17/ 575)، والأعلام (1/ 212).
(4)
من "هذا " إلى "بعتك" سقط من (ب)
(5)
سقط من (ب).
(6)
"نصفه" زيادة في (ب).
(7)
أي: القدوري.
(8)
المحيط البرهاني (6/ 279).
ولو قال: بعتك هذين العبدين، هذا بمائة وهذا بمائة، فقبل المشتري البيع في أحدهما، ذكر في بعض المواضع أنه يجوز
(1)
، وذكر في الجامع أنه لا يجوز
(2)
إلا أن يقول: بعتك هذين العبدين، بعتك هذا بمائة، وبعتك
(3)
هذا بمائة، فقبل المشتري (البيع في)
(4)
أحدهما/ جاز.
أما إذا لم يعد لفظ البيع كانت الصفقة واحدة، فلا يصح قبول أحدهما، وإن سمى لكل واحد منهما ثمناً، ثم لابد من بيان معرفة إيجاد الصفقة وتفرقها
(5)
، فنقول: إذا اتحد البيع والشراء والثمن بأن ذكر (الثمن)
(6)
جملة، والبائع واحد، والمشتري واحد، فالصفقة متحدة قياساً، واستحساناً
(7)
، وكذلك تفرق الثمن بأن سمّى لكل بعض
(8)
من المبيع ثمناً على حدة، واتحذ
(9)
الباقي، بأن قال البائع: بعتك هذه الأثواب العشرة، كل ثوب منها بعشرة، كانت الصفقة متحدة أيضاً، وكذلك إذا كان البائع أوالمشتري اثنين، والثمن ذكر جملة، بأن قال البائع لرجلين: بعت هذا منكما بكذا، أو قال المشتريان: اشترينا هذا منك بكذا، كانت الصفقة متحدة، هذا هو الكلام في الاتحاد.
(1)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 137).
(2)
ينظر: فتح القدير (6/ 238).
(3)
سقط من (ب).
(4)
زيادة في (ب) ومثبتة في هامش (أ).
(5)
"وتفرقها " في (ب)، وفي (أ)"وتفرقهما" والصحيح ما أثبته لمناسبة المعنى.
(6)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(7)
الاستحسانُ في اللغةِ: استفعالٌ من الحُسنِ، وهو: أن يرى الشَيء حَسناً، أو يعتقده حَسناً، ومراد الفقهاء بذلك: الرأي والاعتقاد، وهو: أن يعتقد وَيرى أن هذا الحكم في الشرع حَسَن، فإن كان ذلك الدليل شرعياً، فَهو صحيح. وقال الدبوسي: "فاسم لضرب دليل يعارض القياس الجلي، حتى كان القياس غير الاستحسان على سبيل التعارض، وكأنهم سموه بهذا الاسم لاستحسانهم ترك القياس، أو الوقف عن العمل به بدليل آخر فوقه في المعنى المؤثر أو مثله، وإن كان أخفى منه إدراكاً ولم يروا القياس الظاهر حجة قاطعة لظهوره، ولا رأوا الظهور رجحاناً، بل نظروا إلى قوة الدليل في نفسه من الوجه الذي يتعلق به صحته، ولم يكن غرضهم من هذه التسمية -والله أعلم- إلا ليميزوا بين الحكم الأصلي الذي يدل عليه القياس الظاهر، وبين الحكم الممال عن تلك السنن الظاهرة بدليل أوجب الإمالة، فسموا الذي يبقى على الأصل قياساً، والذي يمال استحساناً الاستحسان هو قياس، لكنه خفي غير جلي، وهو ما تفرد به أبو حنيفة وأصحابه، ولذلك سموا أصحاب الرأي. مفاتيح العلوم (ص: 23)، الواضح في أصول الفقه (2/ 100)، تقويم الأدلة (ص: 404)، كشف الأسرار (4/ 2).
(8)
في (ب)"ثمنا".
(9)
"واتحد" في (ب)، وهو الصحيح لمناسبة المعنى في الجملة.
[تفرق الصفقة]
وأما الكلام في جانب التفرق فنقول: إن تفرقت التسمية، فإن سمى لكل بعض ثمناً على حدة، وتكرر البيع والشراء، والبائع والمشتري اثنان، وكان أحدهما اثنين، فالصفقة متفرقة، وكذلك إذا تفرق الثمن وتكرر البيع والشراء، والبائع والمشتري واحد، بأن قال البائع لرجل: بعت منك هذه الأثواب، بعت هذا بعشرة، بعت
(1)
هذا بخمسة، أو قال المشتري: اشتريت منك هذه الأثواب، اشتريت هذه بعشرة (و)
(2)
اشتريت هذه بخمسة، كانت الصفقة متفرقة بالاتفاق، وأما إذا تفرق الثمن، إلا أنه لم يتكرر لفظ البيع والشراء، واختلف العائد بأن كان من أحد الجانبين اثنان، أو كان من كل جانب اثنان، ذكر في بعض المواضع أنها صفقة واحدة، وذكر في بعض المواضع
(3)
أنها صفتان، قيل: الأول استحسان، والثاني قياس، وقيل: الأول قول أبي حنيفة رحمه الله، والثاني قول صاحبيه، كذا في الذخيرة والمحيط
(4)
، ذكر في المغرب
(5)
"الصفقة ضرب اليد على اليد في البيع والبيعة، ثم جعلت عبارة عن العقد نفسه"
(6)
.
[ما يبطل الإيجاب]
وأيهما قام عن المجلس قبل القبول بطل الإيجاب فكان هذا امتناعاً عن إتمام العلة لا إبطالها؛ ذلك لأن إيجاب البائع أحد شطري علة الحكم، والحكم إذا تعلق بعلة ذات وصفين كان للأول حكم السبب، والثاني حكم العلة، [فلما لم يكن للأول قبل قبول الآخر حكم العلة]
(7)
لا يكون إبطال القول بالقيام إبطالاً للعلة فيجوز. ثم إنما ذكر بقوله: وأيهما قام، على وجه التعميم على المتعاقدين، احترازاً عن إيجاب الخلع وإيجاب العتق على مال من الزوج والمولى، فإن حكم البطلان بالقيام لم يعم المتعاقدين، أعني الزوج والمرأة والمولى والعبد؛ حيث لا يبطل الإيجاب بقيام الزوج والمولى، بخلاف قيام المرأة والعبد على ما ذكرنا.
(1)
"بعت" في (ب)، وفي (أ)"بعتك"، والصحيح ما أثبته من (ب) لمناسبتة.
(2)
زيادة في (ب) وبها يكون الكلام متسقيماً.
(3)
"المراجع"في (ب).
(4)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 279).
(5)
المغرب في ترتيب المعرب، لأبي الفتح المطرزي (المتوفى 610 هـ) اختصره المؤلف من كتابه المعرب، تكلم فيه على الألفاظ التي يستعملها فقهاء الحنفية من الغريب. معجم المطبوعات العربية والمعربة (2/ 1760).
(6)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 268).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(لأن القيام دليل الإعرض)
فإن قيل: لا شك أن الصريح أقوى من الدلالة، ثم هو لو قال بعد القيام: قبلت، صريحاً لا يصح أيضاً، فلو كان القيام دليل الإعراض كان ينبغي أن يترجح عليه صريح القبول
(1)
؛ لأن الصريح أقوى من الدلالة، قلنا: لأن رجحان الصريح على الدلالة إنما يكون عند المعاوضة، وذلك إنما يكون قبل أن يثبت الحكم بالدلالة، فلما ثبت حكم الدلالة بنفس القيام الذي هو دليل الإعراض لم يعمل بعد ذلك صريح القبول، وإن كان هو قوياً في نفسه؛ لأنه انفسخ بمجرد القيام ما كان متوقعاً، والمفسوخ لا يلحقه الإجازة
(2)
.
(وله ذلك)
أي: وللمُوجِبِ الرجوع عما أوجب (على ما ذكرنا) وهو قوله للموجب أن يرجع
(3)
لخلوه عن إبطال حق الغير،
[أحوال خيار القبول]
(والحديث محمول على خيار القبول)
(4)
وهو الذي ذكر قبله فالآخر بالخيار، وإن شاء قبل في المجلس، وإن شاء ردَّ (وفيه إشارة إليه) أي: في الحديث
(5)
إشارة إلى خيار القبول، فوجه الإشارة هو أن الأحوال ثلاث: قبل قولهما، وبعد قولهما، والثالث بعد كلام الموجب وقبل قبول الآخر.
(1)
" القول " في (ب).
(2)
الإِجَازة: هي جعل الشيء جائزاً، أي: نافذاً، كنكاح الفضولي إجازة الأصيل. واسْتَجَازَ: طَلَبَ الإِجازَةَ أي الإِذْنَ. القاموس المحيط (ص: 507)، التعريفات الفقهية (ص: 17).
(3)
في (ب) زيادة "على ما أوجبه".
(4)
قال في الهداية: "وإذا حصل الإيجاب والقبول لزم البيع، ولا خيار لواحد منهما، إلا من عيب أو عدم رؤية.
وقال الشافعي رحمه الله: يثبت لكل واحد منهما خيار المجلس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا» ، ولنا أن في الفسخ إبطال حق الآخر، فلا يجوز. والحديث محمول على خيار القبول، وفيه إشارة إليه؛ فإنهما متبايعان حالة المباشرة، لا بعدها، أو يحتمله، فيحمل عليه، والتفرق فيه تفرق الأقوال". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 939).
(5)
الحديث هو قوله عليه الصلاة والسلام: «المتبايعان بالخيار مالم يتفرقا» . أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب "البيعان بالخيار مالم يتفرقا"، رقم (2111)، (279) عن نافع عن عبدالله بن عمر "رضي الله عنهما" أن رسول الله صلى الله عيه وسلم قال:«المتبايعان كل واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرقا، إلا بيع الخيار» وأخرجه مسلم في كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، رقم (1531)، (3/ 1163).
وإطلاق لفظ المتبايعين عليهما في الوجهين الأولين، مجاز
(1)
محض؛ لأن اسم المتبايعين عليهما قبل كلاهما بالبيع والشراء كان باعتبار ما يؤول، وبعد كلامهما بالبيع والشراء كان إطلاق اسم المتبايعين
(2)
عليهما باسم ما كان، وأما إذا وجب أحدهما البيع، والآخر على عرضية القبول كان ذلك الوقت وقت التبايع، فكانا متبايعين حقيقة، وذلك الوقت وقت خيار القبول، على ما ذكرنا، فكان محمولاً عليه؛ ولأن هذه الحالة حالة جامعة لما كان قبل التبايع، وما كان بعده فكانت هي أحق بحقيقة حالة التبايع.
فإن قيل: بعد وجود كلاهما أبقاهما الشارع متبايعين؛ لما أن الشارع أعطى للعقود الشرعية حكم الجواهر لما عرف.
قلنا: الباقي بعد كلامهما حكم كلاهما، لا حقيقة كلامهما؛ فإن الكلام كما وجد يضمحل ويتلاشى.
[حقيقة التفرق في المجلس]
فإن قلت: ففي كل واحد من المحملين -أعني ما حمله الشافعي
(3)
رحمه الله
(4)
فما ذكرت/ وأما فيما حملناه
(5)
فهو أن التفرق من الأوصاف، فقيام ما لا يكون إلا بالأعيان فلو أسند التفرق إلى القول يلزم قيام العرض بالعرض، وذلك لا يجوز، إلا أن يسند إليه بطريق التجوز
(6)
فيجب لذلك أن يسند التفرق إلى البدن؛ ليكون قولاً بحقيقة التفرق، قلت: نعم كذلك، إلا أن إسناد التفريق والتفرق إلى غير الأعيان شايع فاشٍ في مجاري الكلام، فصار هو بسبب فشو الاستعمال (فيه)
(7)
بمنْزلة الحقيقة، قال الله تعالى:{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}
(8)
وقال: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}
(9)
هذان في الاعتقاد، وقال:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ}
(10)
، هذا في النكاح، وقال صلى الله عليه وسلم: «وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة
(11)
»
(12)
هذا أيضاً في الاعتقاد.
(1)
المجاز: القول الذي يدل بتقدير الأصل دون تحقيقه، ومثال ذلك: سل القرية، هذا مجاز؛ لأنه يدل بتقدير الأصل، وهو قولك: سل أهل القرية، قال السرخسي: "والمجاز اسم لكل لفظ هو مستعار لشيء غير ما وضع له، مفعل من جاز يجوز، سمي مجازاً؛ لتعديه عن الموضع الذي وضع في الأصل له إلى غيره، ومنه قول الرجل لغيره: حبك إياي مجاز، أي: هو باللسان دون القلب الذي هو موضع الحب في الأصل، وهذا الوعد منك مجاز، أي: القصد منه الترويج دون التحقيق على ما عليه وضع الوعد في الأصل، ولهذا يسمى مستعاراً؛ لأن المتكلم به استعاره، وبالاستعمال فيما هو مراده بمنْزلة من استعار ثوباً للبس ولبسه، وكل واحد من النوعين موجود في كلام الله تعالى، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكلام الناس، في الخطب والأشعار وغير ذلك. الواضح في أصول الفقه (1/ 127)، أصول السرخسي (1/ 170).
(2)
" المتعاقدين"في (ب).
(3)
قال في الهداية: "وقال الشافعي: يثبت لكل واحد منهما خيار المجلس". الهداية شرح بداية المبتدي (3/ 939)، الحاوي الكبير (5/ 22)، الإقناع (ص: 91)، روضة الطالبين (3/ 434).
(4)
"وما حملناه نوع مجاز، وأما ما حمله الشافعي" زيادة في هامش (أ) وفي هامش (ب).
(5)
"قلناه" في (ب).
(6)
"التحرز"في (ب).
(7)
في (ب).
(8)
[البينة: 4].
(9)
[البقرة: 285].
(10)
[النساء: 130].
(11)
"فرقة" في (ب)، وهي الرواية الثابتة في الحديث كما في الهامش الذي يليه.
(12)
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" أخرجه أبو دواد، أول كتاب السنة، باب شرح السنة، رقم (4596)، (ج 7/ ص 5)، وابن ماجه، أبواب الفتن، باب افتراق الأمة، رقم (3991)، (ج 5/ ص 128)، والترمذي، أبواب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، رقم (2640)، (ج 5/ ص 25) وقال الترمذي: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح".
[الخلاف في خيارالقبول]
وكان الحمل على القول حملاً على ما هو فاشٍ في الاستعمال، وهو بمنْزلة الحقيقة
(1)
يتسارع إليه الأفهام، وصيانة لاسم المتبايعين عن الحمل على المجاز على ما ذكرنا، وذكر في الأسرار "أن المراد من الخيار المذكور في الحديث خيار الإقالة
(2)
، بخلاف النكاح بدليل أنه أضاف إليهما، وإنما الإقالة المبتدأة يتعلق باختيارهما جميعاً، لا الرد بخيار المجلس"
(3)
وذكر في الإيضاح، ولا كلام للشافعي
(4)
من حيث الفقه، فإن قضية العقد اللزوم؛ لأنه تم بهما، وتعلق به حق كل واحد منهما، فثبوت الخيار يستدعي سبباً لا محالة، ولم يوجد، وحمْل الحديث على خيار القبول منقول عن إبراهيم
(5)
رحمه الله.
(أو يحتمله) أي: يحتمل الحديث خيار القبول.
والأعواض
(6)
المشار إليها
(7)
(1)
"من حيث" زيادة في (ب).
(2)
الإقالة في اللغة: الرفع من أقال يقيل إقالة، قال في المصباح: "أقال الله عثرته: إذا رفعه من سقوطه، ومنه الإقالة في البيع؛ لأنها رفع العقد.
وفي الشرع: هي عبارة عن رفع العقد. المصباح المنير (2/ 521)، تبيين الحقائق (4/ 70)، أنيس الفقهاء (ص: 76).
(3)
الأسرار (1/ 374 - 375).
(4)
الفقهاء في ثبوت خيار يثبت خيار القبول للمتعاقدين عند الحنفية ما داما جالسين ولم يتم القبول، ولكل منهما حق الرجوع ما لم يقبل الآخر، ولا يخالفهم الحنابلة في ذلك؛ لأن خيار المجلس عندهم يكون في ابتداء العقد وبعده واحداً، فخيار القبول مندرج تحت خيار المجلس، ولا خيار للقبول عند المالكية والشافعية، غير أنه يجوز الرجوع عند الشافعية، ولو بعد القبول، ما دام ذلك في المجلس، ولا يجوز الرجوع عند المالكية، ولو قبل الارتباط بينهما، إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون الإيجاب أو القبول بصيغة المضارع، ثم يدعي القابل أو الموجب أنه ما أراد البيع، فيحلف ويصدق. تبيين الحقائق (4/ 3)، المغني (3/ 483)، المبدع في شرح المقنع (4/ 62).
(5)
إبراهيم النخعي، فقيه العراق، أبو عمران، إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود، الكوفي الفقيه، وكان بصيراً بعلم ابن مسعود، واسع الرواية، فقيه النفس، كبير الشأن، كثير المحاسن - رحمه الله تعالى- توفي سنة ست، وقيل: خمس وتسعين للهجرة. وفيات الأعيان (1/ 25)، سير أعلام النبلاء (4/ 521).
(6)
العوض: واحد الأعواض، تقول منه: عاضني فلان، وأعاضني، عوضني، وعاوضني، إذا أعطاك العوض. الصحاح (3/ 1092).
(7)
قال في الهداية: "قال: والأعواض المشار إليها لا يحتاج إلى معرفة مقدارها في جواز البيع؛ لأن بالإشارة كفاية في التعريف". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 940).
أي: سواء كانت ثمناً، أو مثمناً، بعد أن لم يكن في الأموال الربوية، فإن الأعواض إذا كانت من الأموال الربوية كالدراهم، والدنانير، والحنطة، والشعير، إذا بيعت بجنسها عند جهالة مقدارها لا يجوز
(1)
، وإن أشير إليها؛ لاحتمال الربا على ما يجيء.
(وجهالة الوصف فيه)
أي وصف المقدار في التعريف.
(لا تفضي إلى المنازعة)؛
لأن الأعواض حاضرة
(2)
، والتقابض حال، بخلاف جهالة وصف المقدار في الْمُسلّم فيه، حيث لا يجوز؛ لأدائها إلى المنازعة؛ لأن الْمُسلّم [فيه ليس بحاضر، ولم يشر العقد إليه، فيطالب رب السلم الْمُسلّم فيه]
(3)
عن الْمُسلّم إليه مقداراً أزيد مما يدفعه الْمُسلّم إليه
(4)
وهو لا يسلم إليه ما يطالبه رب السّلم فيتنازعان.
(والأثمان المطلقة)
(5)
[البيع في الأثمان المطلقة]
أي المطلقة في الثمنية، ثمينة أي: الكاملة فيها، وهي الدراهم والدنانير؛ فإنهما ثمنان على الإطلاق؛ لما أنهما خلقا للثمنية
(6)
لوجهين
(7)
:
[صورة الأثمان المطلقة]
أحدهما: دليل المقابلة، وهو أن ذكر الأثمان المطلقة عقيب قوله: والأعواض المشار إليها مع اختلاف الحكم عُلم أن ذلك الاختلاف لم ينشأ إلا
(8)
بذكر الإشارة وعم ذكرها، والثاني إن ذكر القدر والصفة شرط
(9)
في الثمن إذا لم يكن مشاراً إليه وإن لم يكن هو
(10)
مخلوقاً للثمنية كما في المكيلات
(11)
والموزونات
(12)
(13)
، كما هو شرط في الدراهم والدنانير، فلم يفد الاحتراز عنه حينئذ بذكر الإطلاق، وذلك
(14)
أن الأموال ثلاثة: ثمن محض "كالدراهم والدنانير، وإنما
(15)
خلقت
(16)
للثمينة أبداً قابلها
(17)
أمثالها وأعياناً صحبها حرف الباء أو لا. قال تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} سورة
(18)
فسر الثمن بالدراهم
(19)
، ومبيع محض، وهو الأعيان التي ليست من ذوات الأمثال، إلا الثياب إذا وضعت وضرب لها أجل، فإن في هذه الصورة تصير هي ثمناً، حتى لو اشترى عبداً بثوب موصوف في الذمة ولم يضرب للثوب أجلاً لم يجز، وإن ضرب أجلاً جاز، وما كان متردداً بين مبيع وثمن، فهي المكيلات، والموزونات، والعدديات المتقاربة
(20)
[فإنها مبيعة باعتبار أنها منتفع بأعيانها، ثمن باعتبار أنها مثلية كالدراهم والدنانير، فإن قابلها الدراهم والدنانير فهي مبيع، وأما إذا كان في مقابلتها عين فإن المكيلات والموزونات معينة، فهي مبيعة]
(21)
وثمن؛ لأن البيع لابد له من مبيع وثمن، وليس أحدهما بأن يجعل مبيعاً أولى من الآخر، فجعلنا كل واحد منهما مبيعاً من وجه ثمناً من وجه، أما إذا كانت غير معينة فإن استعملت استعمال الأثمان فهي ثمن، بأن يقول: اشتريت هذا العبد بكذا كذا حنطة، ويصف ذلك، وإذا استعملت استعمال المبيع كانت مبيعة، بأن قال: اشتريت منك كذا حنطة بهذا العبد
(1)
الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 185)، البناية شرح الهداية (8/ 14).
(2)
"خاص"في (ب).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(4)
سقط من (ب).
(5)
قال في الهداية: "لا تصح". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 940).
(6)
"لِما عرف في مسألة الحلي والمطلقة أيضاً عن قيد الإشارة، يعني إذا باع شيئاً بالدراهم أو الدنانير، وهي غير مشار إليها لا يجوز البيع، إلا أن تكون معروفة القدر والصفة، لكن فائدة ذكر الإطلاق ههنا للاحتراز عن كونها مشاراً إليها، لا للاحتراز عن أثمان غير مخلوقة في أصلها للثمنية" زيادة في (ب).
(7)
في هامش (أ) كتب "مطلب في الأموال الثلاثة" باللون الاحمر.
(8)
سقط من (ب).
(9)
سقط من (ب).
(10)
سقط من (ب).
(11)
المكيل والمكيول: الشيء الذي يكال، كالحنطة والشعير والسمسم. الكيل: المكيال. والكيل: مصدر كلت الطعام كيلاً ومكالاً، ومكيلاً، والاسم الكِيلَة. والْمِكْيَال ما كيل به الكيلات. والكيل اسم عام لما يكال به. الصحاح (5/ 1814)، لسان العرب (11/ 604)، المصباح المنير (2/ 546).
(12)
الموزون: الشيء الذي يوزن كالذهب والفضة. والوزن: مصدر من وزنت الشيء وزناً وزنةً. وَالزِّنَةُ قَدْرُ وَزْنِ الشَّيْءِ; وَالأَصْلُ وَزْنَةٌ. وَيُقَالُ: قَامَ مِيزَانُ النَّهَارِ، إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ. وَهَذَا يُوَازِنُ ذَلِكَ، أَي: هُوَ مُحَاذِيهِ. وَوَزِينُ الرَّأْيِ: مُعْتَدِلُهُ. وَهُوَ رَاجِحُ الْوَزْنِ، إِذَا نَسَبُوهُ إِلَى رَجَاحَةِ الرَّأْيِ، وَشِدَّةِ الْعَقْلِ.
مقاييس اللغة (6/ 107)، مختار الصحاح (ص: 337)، الصحاح (6/ 2213).
(13)
سقط من (ب).
(14)
سقطتا من (ب).
(15)
"فإنهما" في (ب).
(16)
"خلقا" في (ب).
(17)
سقط من (ب).
(18)
[يوسف: 20].
(19)
تفسير البغوي (2/ 482)، تفسير القرطبي (9/ 156).
(20)
العدديات المتقاربة كالجوز، والبيض، والفلوس. المبسوط للسرخسي (11/ 51).
(21)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
فلا
(1)
يصح العقد إلا بطريق السلم"
(2)
كذا في الذخيرة والمحيط.
وصورة الأثمان المطلقة قيل: بيان القدر والصفة. أما إذا قال: اشتريت/ هذا الشيء بالذهب، ولم يبين قدره، ولا صفته، وكذا لو قال: بالدراهم، وبيان القدر أن يقول: عشرة أوخمسة، وبيان الصفة أن يقول: بخاري
(3)
أو سمرقندي
(4)
.
(وكل جهالة هذه صفتها)
(5)
وهي كونها مفضية إلى المنازعة، وهذا احتراز عن جهالة لا تفضي إلى المنازعة، فإنها لا تمنع الجواز على ما ذكر قبيل ذلك في قوله: والأعواض المشار إليها لا يحتاج إلى معرفة قدرها
(6)
…
إلى آخره.
وكذا لو باع عبداً من عبدين على أن المشتري بالخيار، وكذا لو باع قفيزاً
(7)
(8)
من صبرة
(9)
طعام مشار إليها.
(1)
"قال" في (ب).
(2)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 274 - 275).
(3)
بخارى مدينة كبيرة عامرة من بلاد ما وراء النهر، ومقر ملك الشرق، وهي مكان رطب ذات فواكه كثيرة ومياه جارية، أهلها رماة وغزاة، ترتفع منها البسط والمصلّيات وثياب من الصوف تستحسن، والشورة التي تحمل إلى الآفاق، ومساحة بخارى اثنا عشر فرسخاً في اثني عشر فرسخاً، يحيط بها بأسرها سور، وبها قلعة ورباطات، وفي داخل هذا السور قرى. حدود العالم من المشرق الى المغرب (ص: 126)، الروض المعطار في خبر الأقطار (ص: 82).
(4)
سمرقند من أجلِّ البلدان، وأعظمها قدراً، وأشدها امتناعاً، وأكثرها رجالاً، وأشدها بطلاً، وأصبرها محارباً، وهي نحر الترك، انغلقت سمرقند بعد أن افتتحت عدة مراراً؛ لمنعتها، وشجاعة رجالها، وشدة أبطالها، افتتحها قتيبة ابن مسلم الباهلي في أيام الوليد بن عبد الملك، وصالح دهاقينها وملوكها، وكان عليها سور عظيم فانهدم فبناه الرشيد أمير المؤمنين. البلدان لليعقوبي (ص: 124).
(5)
قال في الهداية: "لأن التسليم والتسلم واجب بالعقد، وهذه الجهالة مفضية إلى المنازعة، فيمتنع التسليم والتسلم، وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز، هذا هو الأصل". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 940).
(6)
"مقدارها"في (ب).
(7)
القفيز: مكيال، والجمع أقفزة وقفزان، وهومكيال مقداره ثمانية مكاكيك، ويعادل تقديره بالمصرى ستة عشر كيلو جراماً. الصحاح (3/ 892)، تهذيب اللغة (8/ 330)، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (3/ 109).
(8)
"واحد" في (ب) وهي في هامش (أ).
(9)
الصُّبْرَةُ: واحدة صُبَرِ الطعام، والصبرة: الطعام المجتمع كالكومة. النهاية (3/ 9)، الصحاح (2/ 707).
[إطلاق الثمن عند ذكر الصفة]
ومن أطلق الثمن
(1)
أي: عند ذكر الصفة، أي: ذكر القدر دون الصفة، فإنه لو لم يذكرهما كانت هذه المسألة غير
(2)
تلك المسألة التي ذكرها قبلها قبل الاستثناء، وهي قوله: والأثمان المطلقة لا تصح، ولو ذكر فيما كانت عين تلك المسألة بعد الاستثناء، وهي أن تكون معروفة القدر والصفة في الأثمان المطلقة فيلزم التكرار، فلابد من أن يقال: إن معنى الإطلاق هنا هو
(3)
الإطلاق عن ذكر الصفة دون القدر، بأن يذكر القدر دون الصفة، بأن قال: اشتريته بعشرة دراهم، ولم يقل: إنها بخارية أو سمرقندية، ثم في زماننا في بخارى كان ذكر الدراهم منصرفاً إلى ذكر
(4)
الدراهم البخارية؛ لأنها غالب نقد البلد.
[اختلاف نقود البلد]
(وهذا)
(5)
أي: فساد البيع فيما إذا كان كل النقود (في الرواج
(6)
سواء) مع اختلافها في المالية، كالذهب الركني والخليفتي، فإن (الذهب)
(7)
الخليفتي كان أفضل في المالية من
(8)
الركني، ثم إنهما كانا غالب نقد البلد (وهذا إذا كانت مختلفة في المالية)
"أي: فساد البيع بإطلاق الثمن عن الصفة فيما إذا كانت النقود الرابحة مختلفة في المالية كما ذكرناه.
(الثنائي)
ما كان الاثنان منه دانقاً
(9)
، والثلاثي هو ما كان الثلاث منه دانقاً، والنصرتي بسمرقند بمنْزلة الناصري ببخارى، كذا في فوائد مولانا الإمام حميد الدين الضرير
(10)
حمه الله"
(11)
، وحاصل هذا ما ذكر في الذخيرة: "إذا اشترى الرجل شيئاً من آخر بألف درهم، أو بمائة دينار، ولم يسمِّ شيئاً، فهذا على وجهين:
(1)
قال في الهداية: "في البيع". الهداية شرح بداية المبتدي (3/ 941).
(2)
"غير" في (ب)، وفي (أ)"عين"، والصحيح ما أثبته.
(3)
"هو" في (ب)، وفي (أ)"هي"، والصحيح ما في (ب) لمناسبة المعنى.
(4)
سقط من (ب).
(5)
قال في الهداية: "لأنه المتعارف، وفيه التحري للجواز فيصرف إليه، فإن كانت النقود مختلفة فالبيع فاسد، إلا أن يبين أحدهما، وهذا إذا كان الكل في الرواج سواءً؛ لأن الجهالة مفضية إلى المنازعة، إلا أن ترتفع الجهالة بالبيان، أو يكون أحدهما أغلب وأروج، فحينئذ يصرف إليه تحريًّا للجواز" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 940).
(6)
راج المتاع يروج روجاً، من باب قال، والاسم الرواج، نفق وكثر طلابه، وراجت الدراهم رواجاً: تعامل الناس بها. وقال أبو بكر الأزدي: "وراج الأَمر يروج روجاً ورواجاً: إِذا جَاءَك فِي سرعَة فَهُوَ رائج". المصباح المنير (1/ 242)، جمهرة اللغة (1/ 468).
(7)
في (ب).
(8)
في هامش (أ).
(9)
الدانق -بالفتح والكسر-: قيراطان، والجمع دوانق ودوانيق، وقد لقب به أبو الجعفر المنصور، وهو الثاني من خلفاء بني العباس بالدوانقي، وبأبي الدوانيق؛ لأنه لما أراد حفر خندق بالكوفة قسط على كل واحد منهم دانق فضة وأخذه وصرفه في الحفر. المغرب (1/ 169).
(10)
علي بن محمد بن علي الرامشي، البخاري، الضرير، حميد الدين، فقيه، أصولي، محدث، مفسر. من تصانيفه: الفوائد، وشرح النافع، وكلاهما في فروع الفقه الحنفي، وفاته سنة سبع وستين وستمائة. معجم المؤلفين (7/ 217)، الفوائد البهية (211).
(11)
العناية (6/ 263)، البناية (8/ 18).
الأول: أن يكون في البلد [نقدٌ واحد معروف في هذا الوجه جاز العقد، وينصرف إلى]
(1)
نقد البلد بحكم العرف؛ لأن المعروف كالمشروط
(2)
.
والوجه الثاني: إذا كان في البلد نقود مختلفة، فإنه
(3)
على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون الكل في الرواج على
(4)
السواء، ولا صرف
(5)
لبعضها على البعض، وفي هذا الوجه جاز العقد، وإن كان الثمن مجهولاً؛ إذ لم يصر نقداً من النقود، ومعلوماً لا بحكم العرف ولا بحكم التسمية، إلا أن هذه جهالة لا يوقعهما في منازعة مانعة من التسليم والتسلّم، وإن كان لبعضها صرف على البعض، والكل في الرواج على السواء كما في الغطارفة
(6)
مع العدالي
(7)
في الزمان السابق، لا يجوز البيع؛ لأن الجهالة ههنا توقعهما في المنازعة المانعة من التسليم والتسلم، وإن كان لبعضهما فضل على البعض، إلا أن واحداً منها أروج فإنه يجوز؛ لأن العقد ينصرف إلى الأروج"
(8)
.
(إلى ما قدر به)
[بيع الطعام والحبوب]
على بناء [المفعول. ويجوز بيع الطعام والحبوب فاسم الطعام في]
(9)
العرف يقع على الحنطة ودقيقها في البيع والشراء، على ما يجيء في الوكالة -إن شاء الله تعالى-، فعلى هذا لا يكون ذكر الحبوب بعدم الطعام مستدركاً، وكان المراد من الحبوب العدس والحمصة وأمثالها، أو نقول: اسم الطعام غلب على البُر كما في حديث صدقة الفطر، «كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير»
(10)
، كذا في المغرب
(11)
، فكان ذكر الحبوب بعد ذلك واقعاً على ما يعتبر حبه كالباقلي
(12)
والحمصة، فإنهما قد يوكلان حباً حباً
(13)
، ولكن الحق غيرهما بهما بطريق الدلالة؛ لدخول كل منها تحت الكيل.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب) وهي في هامشه.
(2)
هذه القاعدة تندرج تحت قاعدة (العادة محكّمة) وتتفرّع عليها، ومن ألفاظ ورود القاعدة: المعروف بالعرف كالمشروط بالنّصّ، وفي لفظ: المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، وفي لفظ: المعلوم بالعرف كالمعلوم بالنّصّ - أو بالشّرط، وفي لفظ: المعروف كالمشروط. انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 84)، غمز عيون البصائر (1/ 307)، موسوعة القواعد الفقهية (10/ 749).
(3)
"فإنه" هذا الأولى والأنسب للسياق، وكانت في (أ)"وأنه".
(4)
سقط من (ب).
(5)
"لا شراء" كذا فسر معناها في الهامش.
(6)
الغطارفة: يعني الدراهم الغطريفية، وكانت من أعز النقود ببخارى. المغرب في ترتيب المعرب (ص: 341).
(7)
قال الأترازي: وهي لغة فقهاء ما وراء النهر، ويسمون الدرهم عدالياً. البناية (8/ 18).
(8)
البحر الرائق (5/ 298).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(10)
أخرجه البخاري في صحيحه عن عياض بن عبدالله، أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، يقول:«كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب» كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر صاعاً من طعام، رقم (1506)، ص 204، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، رقم (17)، (ج 2/ ص 678).
(11)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 290).
(12)
الباقلي فيه لغتان: التشديد مع القصر، ويكتب بالياء والتخفيف مع المد، ويكتب بالألف ويقال له: الفول. وَيُقَال للباقلاء: الفول، واحدته فولة. تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 109) المخصص، (3/ 187).
(13)
زيادة في (أ).
المكايلة
(بايكد يكر بيمانه معاملت كردن)
(1)
المجازفة
والجزاف فارسي معرب، وهو البيع والشراء، وهو بالحدس بلا كيل ولا وزن. كذا في الصحاح
(2)
(3)
والمغرب
(4)
. قوله:
(وهذا)
[البيع مجازفة]
إشارة إلى البيع مجازفة
(5)
؛ لأن هذا القيد وهو بيعه بخلاف جنسه
(6)
إنما يشترط في المجازفة
(7)
لا في المكايلة؛ لأن هناك يعلم الْمساواة بالكيل.
ثم هذا القيد وهو قوله: (هذا إذا باعه بخلاف جنسه)
إنما يفيد فيما إذا كان شيئاً يدخل تحت الكيل، فأما إذا كان قليلاً فيجوز بيع البعض
بالبعض مجازفة، وإن كان في جنس واحد، حتى لو باع نصف منٍّ
(8)
من الحنطة بمنوين من الحنطة يجوز، كذا في الذخيرة
(9)
.
[إناء الكيل]
(فشابه جهالة القيمة) أي: إذا لم يعرف قيمة المبيع يجوز كما لو عرف، حتى لو اشترى شيئاً بدرهم مثلاً وقيمة ذلك الشيء مجهولة، ولا يعرف أنها زائدة على الثمن، وهو الدرهم، أو ناقصة عنه، يجوز لما أن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة، فلا تكون مانعة من التسليم والتسلم
(10)
.
(1)
جملة فارسية وترجمتها: "مع بعضهم لا زيادة ولا نقصان فالمعاملة متساوية".
(2)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، للشيخ أبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري "332 - 393 هـ" وقيل في ولادته ووفاته غير هذا، من أقدم ما صنف في العربية من معاجم الألفاظ، مرتب على الأبواب والفصول؛ فقد جعل حروف الهجاء أبوابًا، وجعل لكل حرف من هذه الأبواب فصولاً بعدة حروف الهجاء، يرتب الكلمات على أواخرها؛ فما كان آخره النون تجده في باب النون؛ طبع الكتاب في ستة أجزاء طبعة جيدة، بتحقيق السيد أحمد عبدالغفور العطار سنة "1375 هـ - 2956 م" بمصر. لمحات في المكتبة والبحث والمصادر (ص: 309).
(3)
الصحاح (4/ 1337).
(4)
المغرب (ص: 83).
(5)
الجزف: أخذ الشيء مجازفةً وجزافاً، فارسي معرب، المجازفة وهو أن يباع الشيء غير مكيل ولا موزون. مفاتيح العلوم (ص: 32)، الصحاح (4/ 1337).
(6)
قوله في الهداية: "إذا باعه بخلاف جنسه".
(7)
"ربما في الثمن" هكذا في (أ) وقعت فوق كلمة المجازفة.
(8)
المن في اللغة: ما يمن الله به مما لا تعب فيه ولا نصب، فمعناه: الكمأة مما من الله به على خلقه، بغير تعب ولا نصب. تهذيب اللغة (15/ 338)، الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 45).
(9)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 355).
(10)
قوله في الهداية: "لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم، بعد أن يكون يداً بيد» بخلاف ما إذا باعه بجنسه مجازفةً؛ لما فيه من احتمال الربا، ولأن الجهالة غير مانعة من التسليم والتسلم، فشابه جهالة القيمة" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 941).
ويجوز بإناء بعينه لا يعرف مقداره
(1)
قيل: هذا محمول على ما إذا كان الإناء من خزف، أو حديد، أو خشب، أو ما أشبه ذلك، مما لا يحتمل الزيادة والنقصان، وأما إذا كان سبباً يحتمل الزيادة/ والنقصان كالزنبيل
والجوالق
(2)
، الغرائر
(3)
، لا يجوز، كذا في المغني
(4)
. قوله:
(لأن الجهالة لا تفضي إلى المنازعة)
(5)
فإن قيل: يشكل على هذا ما إذا باع أحد العبيد الأربعة على أن المشتري فيه
(6)
بالخيار ثلاثة أيام يأخذ أيهم شاء ويرد الباقين، أو اشترى شيئاً
(7)
بأي ثمن شاء، فإن البيع باطل، وإن لم تكن هذه الجهالة مفضية إلى المنازعة.
قلنا: لأن ثمّة لا يجوز العقد لا لأجل الجهالة، بل لعدم المعقود عليه؛ لأن العقد لم ينعقد في أحدهم عيناً، وفي غير العين لا يفيد انعقاد العقد، فلم ينعقد لأجل
(8)
هذا المعنى، لا لأجل الجهالة، وكذا إذا باع بأي ثمن شاء المشتري فالثمن معدوم؛ لأنه لا يمكن أن يجعل قدراً من الثمن ثمناً في الحال.
وأما ههنا لو امتنع جواز العقد إنما يمتنع لأجل الجهالة؛ لأن المعقود عليه موجود، وكذا في مبسوط
(9)
أبي اليسر
(10)
رحمه الله، وذكر في المبسوط "وإن اشترى بذلك الإناء يداً بيد فلا بأس به؛ لأن في المعين يجوز البيع مجارفة، فبمكيال غير معروف أولى؛ وهذا لأن التسليم عقيب العقد والقدرة على التسليم في الحال ثابتة بقيام المكيال الذي عينه، وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه (لا)
(11)
يجوز في البيع أيضاً؛ لأن البيع في المكيلات والموزونات إما أن يكون مجازفة أو بذكر القدر، ففي المجازفة المعقود عليه ما يشار إليه، وعند ذكر القدر المعقود عليه ما سمي من القدر، ولم يوجد منهما ههنا فإنه ليس بمجازفة، ولا يشترط فيه الكيل إذا لم (يكن)
(12)
المكيال معلوماً، وعن أبي يوسف رحمه الله من بيع العين أن عين مكيالاً ينكبس بالكبس
(13)
.
(1)
قال في الهداية: "قال: ويجوز بإناء بعينه لا يعرف مقداره، وبوزن حجر بعينه لا يعرف مقداره" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 941).
(2)
الجوالق: وعاء، والجمع الجوالق -بالفتح- والجواليق أيضاً. الصحاح تاج (4/ 1454).
(3)
الغَرائر: جمعُ الغِرارة، وهي وعاء من صوف أو شعر، والغرارة: واحدة الغرائر التي للتِبن، وهي التي تكون فيها الأمتعة وغيرها. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 769)، النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 285)، التعريفات الفقهية (ص: 157).
(4)
المغني في أصول الفقه، لعمر بن محمد بن عمر، الإمام جلال الدين الخبازي. قال الذهبي: المفتي الزاهد الحنفي، وله الحواشي المشهورة على الهداية. مات فى آخر سنة إحدى وتسعين وست مائة. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 398). مطبوع ضمن مطبوعات الرسائل الجامعة لأم القرى.
(5)
قال في الهداية: "قال: يجوز بإناء بعينه لا يعرف مقداره وبوزن حجر بعينه لا يعرف مقداره" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 941).
(6)
سقط من (ب).
(7)
سقط من (ب).
(8)
سقط من (ب).
(9)
المبسوط في الفروع، لمحمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى البزدوى، صدر الإسلام، أبو اليسر الحنفي، المتوفى سنة 493، ثلاث وتسعين وأربعمائة. هدية العارفين (2/ 77).
(10)
أبو اليسر هو: محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن مجاهد البزدوي، تقدم، أخو الإمام علي البزدوي، برع في العلوم فروعاً وأصولاً، ملأ بتصانيفه بطون الأوراق. توفي ببخارى سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة من شراح الجامع الصغير والكبير لمحمد بن الحسن. الجواهر المضية (2/ 270)، الفوائد البهية (309).
(11)
في (ب).
(12)
في (ب).
(13)
كبس يكبس كبساً، كبست النهر والبئر كبساً: طممتها بالتراب. واسم ذلك التراب كبس بالكسر. الصحاح (3/ 969)، تهذيب اللغة (10/ 48).
كالزنبيل
(1)
ونحوه، لا يجوز العقد فيه؛ لأنه يتمكن المنازعة بينهما في الكيل، وإن كان شيئاً لا ينقبض ولا ينبسط كالقصعة
(2)
ونحوها يجوز"
(3)
.
وقالا: يجوز في الوجهين
(4)
(5)
أي سواء سمَّى جملة القفران أو لم يسم.
(لجهالة المبيع والثمن)
(6)
فإن قيل: سلمنا أن فيه جهالتهما، ولكن الجهالة إنما تفسد البيع إذا كانت مفضية إلى المنازعة، كما مر
(7)
، وهذه ليست بمفضية إليها؛ لأن كل قفيز مقابل بدرهم، [وقد تراضيا به، فبعد ذلك]
(8)
لا يتفاوت بين أن تكون الصبرة مائه قفيز أو لم تكن، فينبغي أن يجوز كما في الأعواض المشار إليها من غير معرفة القدر والصفة.
[بيع صبرة طعام بقفزان]
قلنا: قد يفضي إلى المنازعة؛ لأن البائع يطالب من المشتري قبض الثمن أولاً، والثمن غير معلوم، وهذا لا يدفع ما لم يعرف قدر ما وجب عليه من الثمن؛ لأن ذلك إنما يكون عند عرفان قدر المبيع، فيتنازعان، وحاصل ذلك أن صيغة العموم إذا أضيفت إلى محل لا يقبل العموم يراد بها أخص الخصوص الذي دل عليه الكلام
(9)
، كما في قوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ}
(10)
الآية.
وههنا أخص الخصوص قفيزاً واحداً فيحمل عليه.
(1)
الزنبيل الذي يحمل فيه العنب إلى الجرين، وزنبيل -بفتح الزاي مع النون- وصوابه: زنبيل -بكسر الزاي- إذا كان فيه النون. وزبيل -بفتح الزاي- إذا حذفت النون. غلط الفقهاء (ص: 28)، تاج العروس (28/ 347).
(2)
القصعة: الصحفة، والجمع قصاع. قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة، ثم القصعة تليها تشبع العشرة، ثم الصحفة تشبع الخمسة، ثم المئكلة تشبع الرجلين والثلاثة، ثم الصحيفة تشبع الرجل. جمهرة اللغة (2/ 886)، الصحاح (4/ 1384).
(3)
المبسوط للسرخسي (12/ 141).
(4)
قال في الهداية: "قال: ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم جاز البيع في قفيز واحد عند أبي حنيفة إلا أن يسمي جملة قفزانها، وقالا: يجوز في الوجهين" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 942).
(5)
ينظر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 5).
(6)
قال في الهداية: "له أنه تعذر الصرف إلى الكل لجهالة المبيع والثمن" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 942).
(7)
ينظر: ص 87.
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(9)
ينظر: تقويم الأدلة (ص: 106)، أصول السرخسي (1/ 148).
(10)
[الحشر: 20].
(أو بالكيل في المجلس)
(1)
وإنما قيد بهذا لأنه إذا سمى جملة قفزانها، أو كان بعد الافتراق عن المجلس، لا يصح، وإنما يصح إذا علم في المجلس؛ لأن ساعات المجلس بمنْزلة ساعة واحدة، فصار العلم في المجلس كالعلم في
(2)
حالة العقد.
وأما إذا افترقا تقرَّر الفساد لجهالة الثمن فلا ينقلب جائزاً.
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا كان الفساد بحكم شرط أجل مجهول، أو شرط الخيار أربعة أيام، فإنه ينقلب جائزاً، إذا رفع المفسد بعد الافتراق عن المجلس أيضاً؟.
قلت: إن الفساد ثمة لم يكن
(3)
في صلب العقد، فلا ينعقد
(4)
بالمجلس؛ لأن أثر الفساد هناك لا يظهر في الحال، بل يظهر عند دخول اليوم الرابع، وامتداد الأجل إلى هذا أشار في الجامع الصغير لقاضي خان
(5)
.
(ولهما أن الجهالة بيدهما إزالتها، ومثلها غير مانع)
فإن قيل
(6)
: بل مثلها/ مانع أيضاً؛ لجواز البيع، كما في البيع بالرقم
(7)
، فإنه فاسد،
(1)
قال في الهداية: "فيصرف إلى الأقل، وهو معلوم، وإلا أن تزول الجهالة بتسمية جميع القفزان، أو بالكيل في المجلس، وصار هذا كما لو أقر وقال: لفلان علي كل درهم، فعليه درهم واحد بالإجماع" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 942).
(2)
سقط من (ب).
(3)
"يتمكن" في (ب).
(4)
"يعقد" في (ب).
(5)
القاضي خان هو: الحسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الأوزجندي الفرغاني، الإمام الكبير المعروف بقاضي خان، فخر الدين، توفي ليلة الاثنين، خامس عشر من رمضان، سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة، وله الفتاوى، أربعة أسفار كبار، وشرح الجامع الصغير فى مجلدين كبيرين. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 205).
(6)
"قلت " كذا في (ب).
(7)
ولا يجوز بيع الشيء برقمه، والمراد الثمن لا يعلم به المشتري حتى ينظره بعد العقد، وهذا قول الحنفية والشافعية والحنابلة. والرقم: علامة يعلم بها مقدار ما وقع البيع به من الثمن. والبيع بالرقم فاسد؛ لأن فيه زيادة جهالة تمكنت في صلب العقد، وهي جهالة الثمن؛ لأنها برقم لا يعلمه المشتري، فصار بمنْزلة القمار؛ للخطر الذي فيه أنه سيظهر كذا وكذا، وإن علم ذلك في المجلس جاز العقد، وإن تفرقا قبل العلم بطل، وورد في المغني لابن قدامة: (قال أحمد: ولا بأس أن يبيع بالرقم، ومعناه: أن يقول: بعتك هذا الثوب برقمه، وهو الثمن المكتوب عليه إذا كان معلوماً لهما حال العقد، وهذا قول عامة الفقهاء، وكرهه طاوس، ولنا أنه بيع بثمن معلوم، فأشبه ما لو ذكر مقداره، أو ما لو قال: بعتك هذا بما اشتريته به وقد علما قدره، فإن لم يكن معلوماً لهما، أو لأحدهما لم يصح؛ لأن الثمن مجهول، وقال في المدونة:"في الذريعة والخلابة قلت: أرأيت إن اشتريت ثياباً ثم رقمتها بستر من شرائي، ثم بعتها من الناس برقومها، ولم أقل: قامت علي بذلك أيجوز هذا البيع أم لا؟ قال: سألت مالكاً عن هذا غير مرة، وسمعته سئل عنه غير مرة فكرهه كراهية شديدة، وخاف في ذلك الذريعة إلى الخلابة وإلى ما لا يجوز".
بدائع الصنائع (5/ 159)، المحيط البرهاني (6/ 368)، البحر الرائق (5/ 292)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين رد المحتار (4/ 514)، المهذب (2/ 19)، مغني المحتاج (2/ 355) المدونة (3/ 204)، المغني (4/ 141).
وإن كانت إزالة الجهالة بيدهما.
قلنا: إنما فسد البيع بالرقم؛ لأن فيه زيادة جهالة تمكنت في صلب العقد، وهو جهالة الثمن بسبب رقم لا يعلمه المشتري، فصار هو بسببه
(1)
بمنْزلة القمار؛ لأنه يحتمل أن يبين البائع قدر الرقم بعشرة دراهم، أو أكثر، أو أقل، وعن هذا قال الشيخ [شمس الأئمة]
(2)
الإمام الحلواني
(3)
رحمه الله: وإن علم بالرقم في المجلس لا ينقلب ذلك العقد جائزاً، ولكن إن كان البائع دائماً على ذلك الرضى فرضي به المشتري ينعقد بينهما عقد ابتداء التراضي، هكذا ذكر في نوع جهالة المبيع والثمن في الفصل السادس من بيوع الذخيرة
(4)
.
وأما مسألتنا قدر المبيع الذي هو الصبرة كما يعلم بكيل البائع فكذلك يعلم بكيل المشتري فكان إزالة الجهالة بيدهما فيحوز، وأما جواب أبي حنيفة رحمه الله من:
(بيع عبد من عبدين)
أن القياس فيه الفساد أيضاً، إلا أنا جوزناه استحساناً بالنص، وأصل هذه المسألة من الطرفين ما ذكره في المبسوط، في باب البيوع الفاسدة، من كتاب البيوع فقال: "والأصل عند أبي حنيفة رحمه الله أنه متى أضاف كلمة كل (إلى)
(5)
(6)
ما لم يعلم منتهاه فإنما يتناول أدناه، وهو الواحد، كما لو قال: لفلان عليَّ كل درهم يلزمه درهم واحد، وكذلك إذا اشترى صبرة
(7)
من حنطة كل قفيز بدرهم، وكذا إذا أجّر داره كل شهر (بدرهم)
(8)
يلزم العقد في شهر واحد عند أبي حنيفة رحمه الله، وإذا كفل بنفقة امرأة عن زوجها كل شهر فإنما يلزم ذلك في شهر واحد عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما هو كذلك فيما لا يكون منتهاه معلوماً بالإشارة إليه، فأما فيما يعلم جملته بالإشارة فالعقد يتناول الكل، كما لو كان معلوم الجنس بالتسمية؛ لأن الإشارة أبلغ من
(9)
التعريف في
(10)
التسمية، فإذا عرفنا هذا الأصل فنقول ههنا: الجملة معلومة بالإشارة، فيجوز العقد في الكل عندهما، ولا جهالة في ثمن كل واحد منهما، والجهالة التي في جملة الثمن لا تفضي إلى المنازعة؛ لأنها ترتفع بالعد وهو عدّ المشار إليه، وعند أبي حنيفة رحمه الله
(11)
- لما لم يكن العد معلوماً عند العقد قائماً يتناول العقد واحداً من الجملة، وبيع شاه من القطيع لا يجوز؛ لأنها متفاوتة، وإن كانت العبرة للإشارة، فثمن جميع ما أشار إليه عند العقد مجهول، وجهالة مقدار الثمن يمنع صحة العقد، وما هو شرط العقد إذا انعدم عند العقد، يفسد العقد ولا يعتبر، فكان إيجاده في الثاني كشرط الشهود في النكاح، وعلى هذا لو باع صبرة حنطة كل قفيز منهما بدرهم إلا
(12)
أبا حنيفة رحمه الله قال:
(1)
"يشبه" في (ب).
(2)
في (ب).
(3)
أبو محمد، عبدالعزيز بن أحمد بن نصر بن صالح، شمس الأئمة، الحلواني، البخاري، نسب إلى الحلاة شمس الأئمة الحلواني؛ ولأن أباه كان يبيع الحلوى ويعطي الفقهاء ويقول: أدعو لابني فنال ابنه ما نال، توفي سنة ببخارى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وقيل: ست وخمسين وأربعمائة. الفوائد البهية 163 - 164، سير أعلام النبلاء (ج 18: ص 177).
(4)
المحيط البرهاني (6/ 368)، الدر المختار (4/ 514).
(5)
في (ب).
(6)
"لا" سقط من (ب)، والأصح إسقاطها حتى يستقيم الكلام.
(7)
سقط من (ب).
(8)
في (ب).
(9)
"في" في (ب).
(10)
"من" زيادة في (ب).
(11)
سقط من (ب).
(12)
في (ب).
هناك العقد جائز في قفيز واحد، فإنه إذا اشترى قفيزاً من الصبرة جاز بالإجماع
(1)
؛ لأن القفزان لا تتفاوت بخلاف الغنم"
(2)
، وفي الفوائد الظهيرية
(3)
.
فإن قيل: ما ذكره أبو حنيفة رحمه الله وصاحباه ينتقض بما إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، أو قال: كل عبد اشتريته فهو حر، فإنه ينصرف إلى كل امرأة يتزوجها، وإلى كل عبد يشتريه، فينبغي أن لا يجوز هذا على ذلك الأصل المذكور
(4)
اتفاقاً، أما على قول أبي حنيفة رحمه الله كما في مسألة الأغنام
(5)
، وأما عندهما ففيما لا يكون منتهاه معلوماً بالإشارة لا يجوز، كقول أبي حنيفة رحمه الله كما في مسألة الإجارة
(6)
، وهذا كذلك.
قلنا: نحن ندعي ذلك فيما يجري فيه المنازعة، لا فيما لا يجري، وبه يقع الانفصال
عما ذكرتم للمشتري الخيار عند تفرق الصفقة
(7)
.
(1)
الحاوي الكبير (5/ 321)، المغني (4/ 78).
(2)
انظر: المبسوط للسرخسي (13/ 5 ـ 6).
(3)
الفوائد الظهرية لمحمد بن أحمد بن عمر القاضي أبي بكر البخاري، ظهير الدين، وهي فوائد على الجامع الصغير للحسام الشهيد، مات سنة تسع عشرة وست مائة رحمه الله تعالى. كشف الظنون (2/ 1298)، الجواهر المضية (2/ 20). والكتاب لا يزال مخطوطاً.
(4)
ينظر: اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى (ص: 202)، الحجة على أهل المدينة (3/ 277).
(5)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 5 - 6).
(6)
"والإجارة لا تخلو من وجهين، إما أن تقع على وقت معلوم، أو على عمل معلوم، فإن وقعت على عمل معلوم فلا تجب الأجرة إلا بإتمام العمل إذا كان العمل مما لا يصلح أوله إلا بآخره، وإن كان يصلح أوله دون آخره فتجب الأجرة بمقدار ما عمل، وإذا وقعت على وقت معلوم فتجب الأجرة بمضي الوقت، إن هو استعمله، أو لم يستعمله، وبمقدار ما مضى من الوقت تجب الأجرة إذا وقعت على عمل معلوم، في وقت معلوم، كقوله: خِط لي هذا الثوب إلى طلوع الشمس، أو إلى غروب الشمس، أو صلاة الظهر، ونحوها، فإنها فاسدة في قول أبي حنيفة؛ لأنه لا يدري أيهما يسبق، وفي قول أبي يوسف ومحمد الإجارة جائزة؛ لأنها وقعت على العمل والوقت للتعجيل" النتف في الفتاوى (2/ 559).
(7)
الصفقة في اللغة: اسم الْمَرَّةِ من الصفق، وهو الضرب باليد على يد أخرى، أو على يد آخر عند البيع أو البيعة. وكانت العرب إذا وجب البيع ضرب أحد المتبايعين يده على يد صاحبه، فمن هنا استعملت الصفقة بمعنى عقد البيع نفسه، يقال: بارك الله لك في صفقة يمينك، ومنه قول عمر رضي الله عنه: البيع صفقة أو خيار، أي بيع بات أو بيع بخيار. هذا عن الصفقة، أما التفريق فلا يحتاج إلى التفسير اللغوي؛ لأن معناه - أو معانيه- كلها مستعملة مفهومة، ويهمنا منها المعنى الناشئ عن إضافة لفظ تفريق إلى الصفقة، وهو متحد مع المعنى الشرعي لهذا المركب الإضافي.
ومعنى تفريق الصفقة في الاصطلاح: أن لا يتناول حكم العقد جميع المعقود عليه، أو يتناوله ثم ينحسر عنه. فتكون الصفقة الواحدة المجتمعة قد تفرقت، أو تبعضت، أو تجزأت، وبكل هذه المترادفات يعبر الفقهاء فيسمونه تفرق الصفقة، أو تبعيضها، أو تجزؤها. الصحاح (4/ 1507)، المعجم الوسيط (1/ 517)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (4/ 526).
فإن قيل: يشكل هذا بما إذا باع الرجلان عبداً بألف درهم من رجل، ثم اشترى أحدهما الكل بخمسمائة قبل نقد الثمن، فإنه يجوز في نصيب الشريك، ولا يجوز في نصيب الذي اشتراه، وليس له الخيار مع تفرق الصفقة، علم بهذا أن تفرق الصفقة لا يوجب الخيار.
قلنا: إنما كان هناك هكذا لأنه لم يجز ذلك الشراء في نصيب نفسه؛ لأن بالجواز يلزم شراء ما باع بأقل مما
(1)
باع قبل نقد الثمن، وذلك لا يجوز عندنا، وكان ذلك الشراء واقعاً في نصيب الشريك بالحصة، كما لو اشترى القنّ
(2)
مع المدبر
(3)
بثمن معلوم يصح الشراء على القن بحصته ولا خيار فيه.
فإن قيل: ينبغي أن لا يخير المشتري على
(قول أبي حنيفة رحمه الله: في قفيز واحد)
[لأنه كان يعلم انصراف البيع إلى قفيز واحد]
(4)
، كما لو اشترى قنًّا مع المدبر حيث لا خيار له في القن؛ لعلمه أن البيع منصرف إليه، وذلك
(لأن تفريق الصفقة) إنما يلزم أن لو كان إيجاب البيع والشراء واقعاً على الكل، ثم هو يقبل البعض، وليس ههنا كذلك على قول أبي حنيفة رحمه الله.
[تفرق الصفقة لا يوجب الخيار]
قلنا: "إن انصراف البيع إلى قفيز واحد مجتهد فيه، والعوام لا علم لهم بأحكام المسائل المجتهد فيها، فيلزم تفريق الصفقة على قولهما، وإن لم يلزم على قول أبي حنيفة رحمه الله". كذا في الفوائد الظهيرية وغيرها
(5)
.
(1)
"ما " في (ب).
(2)
القن: بالضم-: الجبل الصغير، - وبالكسر-: العبد المملوك أبواه، ويساوى فيه الجمع والواحد، وقد يجمع على أقنان وأقنة، وقيل: هو العبد الخالص العبودية: أي: المملوك هو وأبواه. الصحاح (6/ 2184)، المعجم الوسيط (2/ 763).
وفي اصطلاح الفقهاء: القن: العبد الكامل في العبودية بأن لا يكون مكاتباً ولا مدبراً، عبد مملوك هو وأبوه. قال الأصمعي:"القنّ الذي كان أبوه مملوكاً لمواليه، فإذا لم يكن كذلك فهو عبدٌ مملَّك" قال السيد: "هو العبد الذي لا يجوز بيعه ولا شراؤه". التعريفات الفقهية (ص: 177)، دستور العلماء (3/ 67).
(3)
والمدبر من العبيد والإماء مأخوذ من الدبر؛ لأن السيد أعتقه بعد مماته، والممات دبر الحياة فقيل: مدبر، والفقهاء المتقدمون يقولون: المعتق من دبر، أي: بعد الموت. غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 224 - 225).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(5)
العناية شرح الهداية (6/ 269)، البحر الرائق شرح كنْز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 308).
(وكذا إذا كيل في المجلس أو سمي جملة، قفزانها)
(1)
أي للمشتري الخيار أيضاً، وإن لم يكن فيه تفريق الصفقة، ولكن لمعنى آخر، وهو أن حال المشتري إنما انكشفت عليه في الحال في مقدار الواجب عليه ثمناً، فجاز أن يكون في حدسين
(2)
، أن يكون ذلك أقل من الذي ظهر، فقيل: الكل بنى على ذلك الحدس والظن، فلما ظهر أكثر مما ظن كان له الخيار؛ لأنه ربما لا يكون له
(3)
من الثمن بمقدار هذا الذي ظهر، ولا يمكنه أخذ ذلك الزائد بلا ثمن، ولا يمكنه أخذ ما ظن بدون ذلك الزائد؛ لتفرق الصفقة، فكان له الخيار، كما لو لم يره المشتري وقت الشراء، ثم رآه، له خيار الرؤية؛ لأنه بعدما رآء
(4)
ربما لا يعجبه، فأثبت الشارع له فيه خيار الرؤية دفعاً للضرر فكذا هنا، إلى هذا أشار في شرح الجامع الصغير
(5)
(6)
.
[بيع الثوب مذارعة]
وكذلك من باع ثوباً مذارعة
(7)
أي: بشرط الذرع.
اعلم أن هذه المسألة على وجوه ثلاثة:
أحدها: أن تبين جملة الذرعان ولم يبين جملة الثمن فقال: بعت منك هذا الثوبوهو عشرة أذرع- كل ذراع بدرهم، فهو جائز؛ لأن المعقود عليه
(8)
وجملة الثمن صارت معلومة ببيان الذرعان
(9)
الثوب.
والثاني: أن يبين جملة الثمن، ولم يبين جملة المعقود عليه، فقال: بعت منك هذا الثوب بعشرة دراهم، كل ذراع بدرهم، فهو جائز؛ لأنه لما سمى لكل ذراع درهماً، وبيَّن جملة الثمن، صار جميع الذرعان معلوماً.
(1)
قال في الهداية: "لأنه علم ذلك الآن فله الخيار، كما إذا رآه ولم يكن رآه وقت البيع. " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 942).
(2)
الحدس: التوهم في معاني الكلام والأمور. تهذيب اللغة (4/ 165).
(3)
"فيه" زيادة في (ب).
(4)
"رأه"في (ب).
(5)
شرح الجامع الصغير، وهي شروح كثيرة لكتاب الجامع الصغير في الفروع للإمام المجتهد: محمد بن الحسن الشيباني، الحنفي، المتوفى: سنة 187، شرحه جمع من العلماء الأحناف ولمعرفة ذلك ينظر: كشف الظنون (1/ 563). الدر المختار وحاشية ابن عابدين (1/ 70).
(6)
ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 341).
(7)
قال في الهداية: " قال: ومن باع قطيع غنم، كل شاة بدرهم، فسد البيع في جميعها عند أبي حنيفة، وكذلك من باع ثوباً مذارعة، كل ذراع بدرهم، ولم يسم جملة الذرعان" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 942).
(8)
"معلوم" زيادة في (ب)، وهي في هامش (أ).
(9)
هكذا في النسختين، ولعل الصواب (ببيان ذرعان الثوب).
والثالثة: أن يقول: بعت منك هذا الثوب كل ذراع بدرهم، ولم يبين جملة الذرعان، ولا جملة الثمن، وهي مسألة الكتاب
(1)
، فعلى قول أبي حنيفه
(2)
رحمه الله: لا يجوز، وعلى قولهما: يجوز
(3)
، كذا في الجامع الصغير لقاضي خان
(4)
.
[حكم المعدود المتفاوت]
وكذا كل معدود متفاوت
(5)
كالخشب والأواني (لتفرق الصفقة عليه)
(6)
(1)
قال في الهداية: "قال: ومن باع قطيع غنم كل شاة بدرهم، فسد البيع في جميعها عند أبي حنيفة، وكذلك من باع ثوباً مذارعة، كل ذراع بدرهم، ولم يسم جملة الذراعان، وكان كل معدود متفاوت، وعندهما يجوز في الكل لما قلنا، وعنده ينصرف إلى الواحد" لما بينا، غير أن بيع شاة من قطيع غنم، وذراع من ثوب لا يجوز للتفاوت، وبيع قفيز من صبرة يجوز؛ لعدم التفاوت، فلا تفضي الجهالة إلى المنازعة فيه، وتقضي إليها في الأول فوضح الفرق". ومختصر القدوري (78)، الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 942).
(2)
ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 187).
(3)
ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 187)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 338).
(4)
الجامع الصغير لقاضي خان، هو شرح للجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني. قال في كشف الظنون:"وقال الشيخ الإمام الحسن بن منصور الأوزجندي الفرغاني الحنفي المشهور: بقاضيخان المتوفى سنة 592، اثنتين وتسعين وخمسمائة في شرحه للجامع الصغير، واختلفوا في مصنفه؛ قال بعضهم: هو من تأليف أبي يوسف ومحمد، وقال بعضهم: هو من تأليف محمد، فإنه حين فرغ من تصنيف المبسوط أمره أبو يوسف أن يصنف كتاباً، ويروي عنه فصنف، ولم يرتب مسائله، وإنما رتبه أبو عبد الله الحسن بن أحمد الزعفراني الفقيه الحنفي" وهو لا زال مخطوطاً. كشف الظنون (1/ 563). انظر للمسألة: المبسوط للسرخسي (13/ 6)، فتاوى قاضيخان (2/ 70).
(5)
قال في الهداية: "وكذا كل معدود متفاوت، وعندهما يجوز في الكل؛ لما قلنا، وعنده ينصرف إلى الواحد" لما بينا غير أن بيع شاة من قطيع غنم، وذراع من ثوب، لا يجوز للتفاوت، وبيع قفيز من صبرة يجوز؛ لعدم التفاوت، فلا تفضي الجهالة إلى المنازعة فيه، وتفضي إليها في الأول، فوضح الفرق. " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 942).
(6)
قال في الهداية: "قال: ومن ابتاع صبرة طعام على أنها مائة قفيز بمائة درهم، فوجدها أقل، كان المشتري بالخيار، إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن، وإن شاء فسخ البيع؛ لتفرق الصفقة عليه قبل التمام، فلم يتم رضاه بالموجود" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 942).
لأن ما زاد على الموجود إنما يجب على البائع تسليمه بصفقة على حدة؛ لأن الصفقة الأولى وقعت على هذا الموجود، ولم يكن الزائد داخلاً فيها، وقد ذكرنا أن تكرر
(1)
البيع أو الشراء يوجب تفريق الصفقة، وكل واحد من المتعاقدين مخير في الصفقة المستأنفة، إن شاء باشر الصفقة، وإن شاء لم يباشر، فقال: والقدر ليس بوصف
(2)
، بل هو أصل، واعلم أن المشائخ ذكروا في الفرق بين الوصف والأصل حدوداً.
قيل: إنَّ ما يتعيب بالتبعيض والتشقيص فالزيادة والنقصان [فيه وصف، وما لا يتعيب]
(3)
بالتبعيض والتشقيص
(4)
فالزيادة والنقصان
(5)
فيه أصل.
وقيل: الوصف ما لوجوده تأثير في تقوّم غيره، ولعدمه تأثير في نقصان غيره، والأصل ما لا يكون بهذه المثابة.
وقيل: إن ما لا ينقص الباقي بفواته فهو أصل، وما ينقص الباقي بفواته فهو وصف، وهذا القول بالقول الثاني يتقاربان، فبهذا يعلم أن القدر في المكيلات والموزونات أصل، والذرع من المذروعات وصف؛ لأن المكيلات
(6)
لا تتعيب بالتبعيض، والمذروع يتعيب، وكذلك أن العشرة الأقفزة إذا انتفص منها قفيز يشتري التسعة بالثمن الذي كان يخصها مع القفيز الواحد، فيما إذا قال: اشتريت هذه الصبرة بعشرة دراهم على أنها عشرة أقفزة.
وأما الذرع الواحد من الثوب أو الدار إذا انتقص فإن الباقي لا يشترى بالثمن الذي كان يشتري معه، فإن العتابى
(7)
مثلاً إذا كان خمسة عشر ذراعاً فالخمسة الزائدة على العشرة يزيد في قيمة الخمسة وفي قيمة العشرة أيضاً.
(1)
"تكرار" في (ب).
(2)
قال في الهداية: "قال: وإن وجدها أكثر فالزيادة للبائع؛ لأن البيع وقع على مقدار معين، والقدر ليس بوصف" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 942).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وهي مثبتة في هامشه.
(4)
الكلمتان سقط من (ب)، والشقص: طائفة من الشيء، تقول: أعطاه شقصاً من ماله، والشقص -بكسر الشين- قال أهل اللغة: هو القطعة من الأرض، والطائفة من الشيء، والشقيص الشريك، يقال: هو شقيصي أي: شريكي. تهذيب اللغة (8/ 245)، المصباح المنير (1/ 319)، تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 213).
(5)
سقط من (ب) وهي في هامشه.
(6)
"المكيل" في (ب).
(7)
العتابي: نوع من أنواع الثياب، أشار إلى اسمه صريحاً في العناية فقال "الثوب العتابي"، وذكر شيخ الإسلام في شرح «السير» في باب الثوب: إذا كان لحمته من قطن أو كتان، وسداه من إبريسم، فإن كان الإبريسم يرى كره للرجال لبسه، وإن كان لا يرى لا يكره لهم لبسه، فعلى هذا يكره للرجال لبس العتابي، وإليه أشار محمد رحمه الله في هذا الباب أيضاً؛ هذا هو الكلام في غير الحرب. المحيط البرهاني (5/ 341)، العناية (6/ 273).
[حالات بيع المذروعات مع المكيلات]
ثم ثمرة كون الذرع أو القفيز من المبيع وصفاً أو أصلاً يظهر في مواضع:
أحدها: هو ما ذكره في الكتاب
(1)
، وهو أنه إذا وجده أزيد مما سماه البائع ففي الأصل كانت الزيادة للبائع، وفي الوصف كانت للمشتري، وأما إذا وجده أنقص مما سماه البائع ففي الأصل كان هذا الموجود للمشتري بما يخصه من الثمن لا كله، وفي الوصف كان له بكل الثمن، والمعنى فيه هو ما ذكره في الكتاب.
والثاني: هو أنه لا يجوز للمشتري أن ينصرف من المبيع قبل الكيل والوزن إذا
(2)
كان اشتراه بشرط الكيل أو الوزن بأن قال: اشتريت
(3)
هذا الطعام على أنها عشرة أقفزة وكذا منا، وفي المذروع يجوز له التصرف قبل الذرع، سواء اشتراه مجازفة، أو على أنه عشرة أذرع؛ لأن الذرع لما كان صفقة في المذروعات لا يلزم فيه اختلاط المبيع بغير المبيع، فيجوز له التصرف قبل
(4)
الذرع؛ لأن الكل له، سواء كان أنقص أو أزيد مما سمي، بخلاف المكيل والموزون؛ لأن الزيادة
(5)
و
(6)
كل قفيز منها أصل، وليس بتبع، فعلى تقدير الزيادة يلزم اختلاط المبيع بغير المبيع، فلذلك لا يجوز التصرف فيه قبل الكيل والوزن.
والثالث: أن بيع الواحد بالاثنين لا يجوز في المكيلات والموزونات، وفي المذروعات يجوز؛ لأن الزيادة لما كانت أصلاً في المكيلات والموزونات كانت شيئاً معتداً به، فلا يجوز بدون المساواة في الأموال/ الربوية، بخلاف الذرع، فلم يعتبر زيادته زيادة مانعة عن البيع؛ لكونه تبعاً. إلى هذا أشير
(7)
في شرح
(8)
الجامع الصغير
(9)
.
[الخلاف في الذرع]
(ألا ترى أنه عبارة عن الطول والعرض)
(10)
(1)
انظر: مختصر القدوري (79).
(2)
سقط من (ب).
(3)
سقط من (ب) وهي في هامشه "بعت".
(4)
سقط من (ب).
(5)
في (ب) بدون "ال" وهو الأصح.
(6)
سقط من (ب) والأصح إسقاطها حتى يستقيم الكلام.
(7)
"أشار" في (ب).
(8)
"شروح" في (ب).
(9)
ينظر: المبسوط للسرخسي (12/ 183)، بدائع الصنائع (5/ 185).
(10)
قال في الهداية: "قال: ومن اشترى ثوباً على أنه عشرة أذرع بعشرة دراهم، أو أرضاً على أنها مائة ذراع بمائة درهم فوجدها أقل فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذها بجملة الثمن، وإن شاء ترك"؛ لأن الذراع وصف في الثوب؛ ألا ترى أنه عبارة عن الطول والعرض" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 25).
فإن قلت: الاستدلال بهذا على أن الذرع وصف غير مستقيم؛ فإن الطول والعرض كما هو وصف، فيقال: شيء طويل وعريض، فكذلك القلة والكثرة أيضاً وصف.
فيقال: شيء قليل أو كثير، ثم عشرة أقفزة من المكيلات كثيرة بالنسبة إلى تسعة أقفزة، فلم يجعل القفيز الزائد وصفاً [هناك، فكيف يجعل الذرع الزائد وصفاً]
(1)
ههنا مع مساواة القفيز فيما هو للذرع
(2)
على ما قلنا.
قلت: نعم كذلك، إلا أن القلة والكثرة من حيث الكيل أو الوزن كان أصلاً، والقلة والكثرة من حيث الذرع كان وصفاً؛ لدخولهما تحت الحدود/ التي ذكرنا في التفرقة بين الأصل والوصف، فإن عشرة أقفزة لا يزداد قيمتها بزيادة القفيز العاشر،
مع أن وصف الكثرة حصل به، وذلك لأن الكثرة فيها
(3)
عبارة عن بيان كثرة الأصول
(4)
، والأصل لا يكون وصفاً للأصل، بخلاف الذرع، فإن عشرة أذرع من الثوب يزداد قيمتها بزيادة الذرع العاشر؛ لأنها تبلغ الثوب الذي يلبس بوجود الذرع العاشر، وبدونه لا يبلغ، فكان التسعة أذرع زيادة قيمة لم يكن هي لها بدون الذرع العاشر، وهذا متعارف فيما بين التجار، فكان الذرع وصفاً.
[الخلاف في الوصف]
(فقال: والوصف لا يقابله شيء من الثمن)
فإن قيل: الأوصاف لو لم يقابلها شيء من الثمن وجب أن لا يرجع بنقصان العيب فيما إذا امتنع الرد، حتى إن رجلاً لو اشترى عبداً فأعتقه أو مات عنه، ثم اطلع على أنه لم يكن أصابع يده تامة يرجع على بائعه بالنقصان، وكمال الأصابع وصف فيه؛ لدخوله تحت حد الوصف الذي ذكرنا.
قلنا: الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن، إلا إذا صارت مقصودة بالتناول، حقيقةً أو حكماً، إما حقيقة كما إذا باع عبداً فقطع البائع يده قبل القبض يسقط نصف الثمن؛ لأنه صار مقصوداً بالقطع، وإما حكماً فبأن يكون امتناع الرد لحق البائع، أو لحق الشارع، أما حق البائع فكما إذا تعيب المبيع عند المشتري، وأما حق الشارع فكما إذا خاط المبيع بأن كان ثوباً ثم وجد به عيباً لوصف متى صار مقصوداً بأحد هذين يأخذ قسطاً من الثمن، كذا في الفوائد الظهيرية
(5)
(كالأطراف في الحيوان)
(6)
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(2)
"المذروع" في (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
"الأصل" في (ب).
(5)
ينظر: البحر الرائق شرح كنْز الدقائق (5/ 314).
(6)
قال في الهداية: "فلهذا يأخذه بكل الثمن، بخلاف الفصل الأول؛ لأن المقدار يقابله الثمن، فلهذا يأخذه بحصته، إلا أنه يتخير لفوات الوصف المذكور لتغير المعقود عليه فيختل الرضى" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 943).
حتى إنه إذا اشترى جارية فأعورت في يد البائع قبل التسليم لا ينتقص شيء من الثمن، وكذلك إذا اشترى جارية فأعورت في يد المشتري، ثم أراد أن يبيعها مرابحة كان له ذلك بدون البيان على ما يجيء في باب المرابحة والتولية إن شاء الله تعالى.
(فكان بمنزلة ما إذا باعه معيباً فإذا هو سليم)
(1)
بأن باع عبداً على أنه أعمى فوجده المشتري بصيراً. قوله:
(بعتكها)
أنت، الضمير ذكر قبله لفظ الثوب على تأويل الثياب أو المذروعات؛ لأن لفظ عشرة أذرع دال عليها.
(لأن الوصف وإن كان تابعاً صار أصلاً بإفراده بذكر الثمن)
فإن قيل: ففي المسألة الأولى أيضاً ينبغي أن يكون كل ذراع أصلاً بنفسه، وإن لم يقل فيه: كل ذراع بدرهم؛ لأنه إن لم يقل فيه: كل ذراع بدرهم
(2)
، لكنه قابل عشرة أذرع بعشرة دراهم، فمقابلة الجمع بالجمع
(3)
يقتضي انقسام الآحاد بالآحاد
(4)
، فصار
(5)
أيضاً هو سبب المقابلة بمنْزلة إفراد كل واحد من الذراع
(6)
بذكر الثمن بمقابلته.
قلنا: الذرع [أصل من وجه، من حيث إنه من أجزاء العين الذي هو مبيع كالقفيز، ووصف من وجه من حيث إنه]
(7)
لا يقابله شيء من الثمن، كالجَمَال والكتابة
(8)
لو
(9)
جعلنا عشرة أذرع منقسمة على الأفراد عند ترك ذكر كل ذراع، يلزم إلغاء جهة الوصفية من كل وجه، فقلنا بالوصفية عند ترك ذكره، وبالأصلية عند ذكره عملاً بالشبهتين فنَزل كل ذراع منْزلة ثوب.
(1)
قال في الهداية: "وإن وجدها أكثر من الذراع الذي سماه فهو للمشتري ولا خيار للبائع؛ لأنه صفة، فكان بمنْزلة ما إذا باعه معيباً، فإذا هو سليم، ولو قال: بعتكها على أنها مائة ذراع بمائة درهم كل ذراع بدرهم فوجدها ناقصة، فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذها بحصتها من الثمن، وإن شاء ترك" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 943).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
أنوار البروق (4/ 276)، المنثور في القواعد الفقهية (3/ 187 - 188).
(5)
"هو" زيادة في (ب).
(6)
الذراع: اليد من كل حيوان، ولكنها من الإنسان من المرفق إلى أطراف الأصباع.
والذراع أيضاً: ما يذرع به، أي: ما يقدر به الذراع. وهو مأخوذ من مسافة ما بين طرفي المرفق إلى نهاية طرف الأصبع الوسطى من اليد. وذرع كل شيء قدره، يقال: ذرعت ذرعاً: قسته بالذراع، والتذرع: تقدير كل شيء بالذراع، وجمع الذراع أذرع، والذراع معروفة كوحدة قياس للطول.
والذرع الشرعي: ست قبضات معتدلات، كل قبضة أربعة أصابع، وهو يعادل اليوم (46. 2) سنتيمترا طولاً.
لسان العرب (8/ 93)، المصباح المنير (1/ 207 - 208)، المكيال والميزان ص 77.
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(8)
"ثم" زيادة في (ب).
(9)
"لو" في (ب) وهو الأصح مناسبة للسقط الذي قبلها، وفي (أ)"فلو".
فإن قلت: لو صار كل ذراع بمنْزلة ثوب ينبغي أن يفسد البيع إذا وجدها أكثر من مائة ذراع، كما في الثوب، فإنه لو قال: بعتك هذه الرزمة
(1)
على أنها خمسون ثوباً، كل ثوب بعشرين درهماً فوجدها
(2)
(3)
زائدة فالبيع فاسد، وكذا لو اشترى عدلاً
(4)
على أنه عشرة أثوابٍ، فإذا هو تسعة، أو أحد عشر، فسد البيع على ما يجيء، وقد ذكرت في الكتاب
(5)
ههنا وإن وجدها زائدة فهو بالخيار ولم يفسد البيع.
قلت
(6)
: الفرق بينهما ما بينا هو أن الذرع -وإن كان أصلاً بتسمية الثوب- فهو وصف حقيقة لما ذكرنا، فصار أصلاً من وجه دون وجه، فمن حيث إنه أصل لا يسلَّم له الزيادة بغير عوض، ومن حيث إنه وصف يكون بعض الذرعان تابعاً للبعض فلا يفسد العقد، وأما بعض الثياب لا يكون تبعاً للبعض، فيبقى
(7)
المبيع مجهولاً بجهالة
(8)
تفضي إلى المنازعة؛ لأن الثياب مختلفة، كذا في الجامع الصغير للإمام قاضي خان
(9)
.
فإن قيل: الذراع لو كان أصلاً على تقدير الأفراد بذكر الثمن بقوله:
(كل ذراع بدرهم)
يجب أن يمتنع دخول الزيادة في العقد، كما إذا باع صبرة على أنها عشرة أقفزة فإذا هي أحد عشر قفيزاً، ألا تدخل الزيادة في العقد وقد جوز أخذ الجميع بحكم البيع في هذه المسألة بقوله:
إن شاء قلنا: الفرق بينهما هو أن الزيادة لو لم تدخل في العقد يفسد العقد؛ لأنه يصير بائعاً بعض ثوب، وأنه لا يجوز، بخلاف الصبرة، فإن الزيادة فيها لو لم تدخل لا يفسد العقد، كذا في الفوائد الظهيرية
(10)
.
(وإنما يلزمه/ الزيادة، لما بينا أنه صار أصلاً)
(1)
رزمت الشيء أرزمه رزماً، إذا جمعته. والرزمة: الثياب المجتمعة وغيرها. العين (7/ 366)، جمهرة اللغة (2/ 709)، تهذيب اللغة (13/ 140).
(2)
سقط من (ب).
(3)
"فإذا هي " زيادة في (ب).
(4)
العَدل: ما عادل الشيء من غير جنسه، والعِدل: ما عادل الشيء من جنسه، يقال: عندي عَدْلُ ثوبك، أي: قيمته من الدراهم والدنانير. قلت: وسيأتي التوضيح من المؤلف بعد ذلك. الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 147)، تهذيب اللغة (2/ 132)، لسان العرب (11/ 433).
(5)
الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 943).
(6)
"قلنا" في (ب)، والمقصود المؤلف.
(7)
طمس من (ب).
(8)
سقط من (ب).
(9)
البناية شرح الهداية (8/ 26).
(10)
البحر الرائق (5/ 314)، البناية شرح الهداية (8/ 26).
أي: من وجه دون وجه، إذ لو كانت أصلاً من كل وجه لما دخلت، كما في مسألة الصبرة، لو وجدها زائدة لا تدخل الزيادة، فكان الذرع ههنا أصلاً، مع رعاية
(1)
جانب الوصفية لم يكن أخذاً بالمشروط، والمشروط هو أن يكون كل ذراع بدرهم، وقالا: هو جائز، وفي شروح الجامع الصغير، وقالا: هو جائز إذا كانت الدار مائة ذراع
(2)
.
وذكر الخصّاف
(3)
رحمه الله في هذه المسألة أن فساد البيع عند أبي حنيفة رحمه الله لجهالة جملة الذرعان، وأما إذا عرفت مساحتها يجوز عنده، وجعل هذه المسألة على قياس ما لو باع كل شاة من القطيع بعشرة، إن كان عدد جملة الشياه معلوماً يجوز عنده، وإن لم يكن معلوماً لا يجوز
(4)
.
وذكر أبو زيد الشُّرُوطِيّ
(5)
رحمه الله في شرحه: أن على قول أبي حنيفة رحمه الله البيع فاسد، وإن علم ذرعان الجملة، وهو جواب الجامع الصغير
(6)
، وهو أصح، كما قاله الخصاف، كذا في المغني
(7)
.
وذكر في الجامع الصغير للإمام شمس الأئمة السرخسي
(8)
رحمه الله، ولم يذكر ههنا ولا في البيوع أنه لو اشترى عشرة أذرع من هذه الدار ولم يقل: من مائة ذراع كيف الحكم فيه على قولهما، فمن أصحابنا من يقول: ينبغي أن لا يجوز العقد بمنْزلة ما لو اشترى سهماً منها، والأصح أنه يجوز عندهما؛ لأن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة، فإنه يمكن أن يذرع جميع الدار، حتى إذا كانت مائة ذراع علم أن المبيع عشرها، وإن كانت خمسين ذراعاً علم أن المبيع خمسها، بخلاف ما لو اشترى سهماً منها ولم يقل من كذا كذا سهماً؛ لأن تلك الجهالة تفضي إلى المنازعة، ولا يمكن رفعها، فسهم من سهمين النصف، وسهم من عشرة أسهم العشر، أما في الذرع فإزالة الجهالة ممكنة.
(1)
"اعتبار" في (ب).
(2)
ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 162).
(3)
أحمد بن عمرو -وقيل: عمر- ابن مهير وقيل: مهران-، أبو بكرالخصاف، الشيباني. ذكره صاحب الهداية، وله عدة مصنفات، مات ببغداد سنة إحدى وستين ومائتين. إكمال تهذيب الكمال (ج 1: ص 96)، وتاريخ الإسلام ووفيات المشاهير (ج 6: ص 325)، وتاج التراجم (ج 1: ص 97).
(4)
المحيط البرهاني (6/ 363).
(5)
أحمد بن زيد الشروطي أبو زيد، ذُكر له من الكتب: كتاب الوثائق، وكتاب الشروط الكبير، وكتاب الشروط الصغير. الجواهر المضية (1/ 68)، تاج التراجم (ص: 113).
(6)
ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 338).
(7)
سبق التعريف به ص 95.
(8)
محمد بن أحمد بن أبي سهل، أبو بكر السرخسي، الإمام الكبير، شمس الأئمة، صاحب المبسوط وغيره، أحد الفحول الأئمة الكبار أصحاب الفنون، كان إماماً علامةً حجةً متكلماً فقيهاً أصولياً مناظراً، مات فى حدود التسعين وأربع مائة الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 28 - 29).
(ولنا أن الذرع
(1)
اسم لما يذرع به)
وهو الخشبة، وقد يستعار للممسوح مجازاً لحلول فعل الذرع فيه، والشائع لا يحله الذرع، فقبل الذرع، محل العقد معلوم أو مجهول، فلا يجوز العقد بخلاف السهم؛ لأنه اسم لجزء شائع فيجوز
(2)
، وكذا ذكره الإمام قاضي خان. قوله:
(وهو المعين)
أي: الذي وقع عليه الذراع معين
(إلا أنه مجهول)
أي: مجهول موضعه، ولا يعلم أن تلك العشرة الأذرع من الدار في الجانب الشرقي منها أو في
(3)
الغربي، أو من صدر الدار أو أسفلها، والمبيع إذا كان معيناً مجهولاً لا يصح، كما إذا قال: بعت منك أحد هذين العبدين، والتعين غير منافي للجهالة؛ لما أن التعين في أمر والجهالة في أمر آخر، فإن المراد من التعين تعين العشرة؛ حيث لم يقل: بعت منك عشرة أذرع، أو أحد عشر، بإدخال كلمة "أو"، فلم يكن المبيع معيناً حينئذ، فههنا عين العشرة، فكان المبيع معيناً، والجهالة في أن تلك العشرة الأذرع في أي موضع من الدار تقع، فلا يجوز للجهالة، وهذه جهالة تفضي إلى المنازعة بخلاف المشاع
(4)
فإنه يجوز بيعه، وهو عشرة أسهم من مائة سهم؛ وإن لم يعلم موضع المبيع هناك أيضاً لما أن عشرة أسهم شائعة في الكل، فلم يلزم في جهالة تفضي إلى المنازعة، فكان صاحب عشرة أسهم شريكاً لصاحب سبعين
(5)
سهماً في جميع الدار على قدر نصيبهما منها، وليس لصاحب الكثير أن يرفع
(6)
صاحب القليل من جميع الدار في قدر نصيبه في أي موضع كان، فلا يؤدي إلى المنازعة؛ وذلك لأن الذراع لما استعير لما يحله الذراع -وهو المراد ههنا- وما يحله الذراع لا يعلم
(7)
، فيكون مجهولاً [جهالة تفضي إلى المنازعة، والمشاع لا يمكن إحلال الذراع فيه، فلا يمكن أن يجعل الذراع مجازاً عن السهم، فيبقى على جهالته]
(8)
(9)
.
(1)
"الذراع" في (ب).
(2)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 163)، الهداية (3/ 942).
(3)
سقط من (ب).
(4)
المشاع والشائع، والشياع غير المقسوم. قال الأزهري:"هو من قولهم: شاع اللبن في الماء إذا تفرق فيه، ولم يتميز، ومنه: قيل سهم شائع؛ لأن سهمه متفرق في الجملة المشتركة". الزاهر (ص: 162)، ألفاظ التنبيه (ص: 212)، المصباح المنير (1/ 329).
(5)
"تسعين" في (ب).
(6)
"يدفع" في (ب).
(7)
سقط من (ب).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(9)
"فلا يجوز" كذا في هامش (أ) وفي (ب).
وقولهما: فأشبه عشرة أسهم غير مستقيم؛ لما أنَّ السهم اسم للشائع من غير أن أخذ المقدار قيداً في مسماه، ألا يرى أن سهماً في مائة سهم في مكان معين لا يساوي سهماً من عشرة أسهم، وذراع من عشرة أذرع، وذراع
(1)
من مائة ذراع سواء، إلى هذا أشير في الفوائد الظهرية
(2)
، "ولو قال: بعتك ذراعاً من هذه الدار
(3)
عيّن موضعه بأن قال: من هذا الجانب، إلا أنه لم يميزه بعد، فالعقد ينعقد غير نافذ حتى لا يجبر البائع على التسليم، وإن لم يعين موضع الدار فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا يجوز أصلاً، وعلى قولهما: يجوز، وتذرع الدار، فإن كانت عشرة أذرع صار شريكاً بمقدار عشر الدار، وإذا باع سهماً من الدار لم يعين موضعه، ذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله أنه لا
(4)
يجوز إجماعاً
(5)
، وفي نسخة ففيه اختلاف المشائخ على قولهما، والأصح أنه يجوز كذا في المغني".
(6)
لا فرق عند أبي حنيفة رحمه الله بين ما إذا علم جملة الذرعان أو لم يعلم)
أي: لا فرق بينما إذا قال: عشرة أذرع هذه الدار من غير ذكر/ ذرعان [جميع الدار، وبين ما إذا قال عشرة أذرع منها مائة ذراع الخصاف يقول: إذا ذكر]
(7)
جملة ذرعان
(8)
الدار يجوز
(9)
؛ لأنه يصير بمنْزلة قوله: عشر الدار، فكان كعشرة أسهم حينئذ فقال:(لبقاء الجهالة)
متصل بقوله: وهو الصحيح.
…
عِدل الشيء -بالكسر- مثله في جنسه، وفي المقدار أيضاً، ومنه عدل
(10)
الجمل. قوله:
(1)
سقط من (ب).
(2)
بدائع الصنائع (5/ 163)، البحر الرائق (5/ 315)، شرح فتح القدير (6/ 255).
(3)
"إن" زيادة في (ب).
(4)
سقط من (ب).
(5)
الحاوي الكبير (5/ 331)، ينظر: المحيط البرهاني (6/ 371).
(6)
"لا" زيادة في (ب).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(8)
سقط من (ب).
(9)
ينظر: تبيين الحقائق (4/ 8).
(10)
في (ب)، وفي (أ) "عدلا". والعَدل: ما عادل الشيء من غير جنسه، والعِدل: ما عادل الشيء من جنسه، يقال: عندي عَدْلُ ثوبك، أي: قيمته من الدراهم والدنانير. قال في الفتح: "وَالْعِدْلُ الْمِثْلُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْغِرَارَةُ الَّتِي هِيَ عِدْلُ غِرَارَةٍ أُخْرَى عَلَى الْجَمَلِ أَوْ نَحْوِهِ أَيْ تُعَادِلُهَا وَفِيهَا أَثْوَابٌ" الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 147)، شرح فتح القدير (6/ 255).
(ولو اشترى عدلاً على أنه عشرة أثواب)
أي: بعشرة دراهم أو نحوها؛ لأنه لو لم يذكر الثمن أصلاً لم يتوقف فساد البيع أصلاً إلى وجود المبيع زائداً أو ناقصاً، بل يفسد، وإن وجده كما سماه.
وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله صورة المسألة بقوله: بعتك هذه الرزمة على أنها خمسون ثوباً بألف، ولم يسمِّ لكل ثوب ثمناً فسد البيع؛ لجهالة المبيع فيما إذا وجده زائداً وهو أحد عشر
(1)
.
(أو الثمن)
(2)
أي: لجهالة الثمن فيما إذا وجده ناقصاً وهو تسعة، وإنما قلنا: في الزيادة جهالة المبيع، وفي النقصان جهالة الثمن؛ لأنه لما وجد المبيع زائداً عما سماه لم يدخل الزيادة تحت البيع؛ لأن الذي دخل تحت البيع هو عشرة أثواب لا غير، فيجب رد الزيادة، وأنها مجهولة جهالة تفضي إلى المنازعة.
وأما إذا وجده ناقصاً فيسقط حصة النقصان عن ذمة المشتري، وتلك الحصة غير معلومة؛ لأن الكلام فيما إذا لم يبين ثمن كل ثوب على حدةٍ، والثوب من ذوات القيم، فكان حصة الثوب الناقص مجهولاً لا محالة، وجهالتها توجب جهالة الباقي من الثمن؛ لأن الثمن مجموعة فيلزم جهالة الثمن، أي: ثمن ما بقي من المبيع، وهو تسعة أثواب.
وذكر في الذخيرة
(3)
: "وإن وجدها أنقص من ذلك إن لم يسمِّ لكل ثوب ثمناً فالبيع فاسد؛ لأن الثمن مجهول؛ لأن حصة الذاهب مجهولة، وجهالة حصة الذاهب توجب جهالة
(4)
الباقي؛ وهذا لأنه إذا لم يسمِّ لكل واحد ثمناً فالثمن ينقسم باعتبار القيمة، ولا يدري قيمة الذاهب بيقين؛ لأنه لا يدري أنه كان جيداً أو وسطاً أو رديئاً، فكان حصة الذاهب مجهولة".
ولو بيَّن لكل ثوب ثمناً جاز في فصل النقصان بقدره، وله الخيار
أي: إن شاء أخذ المشتري الموجود بحصته من الثمن، وإن شاء ترك؛ لأن الثمن معلوم، إلا أنه تغير عليه شرط عقده، فكان له الخيار.
(1)
ينظر: البناية شرح الهداية (8/ 26).
(2)
قال في الهداية: "لهما أن عشرة أذرع من مائة ذراع عشر الدار فأشبه عشرة أسهم. وله أن الذراع اسم لما يذرع به، واستعير لما يحله الذراع وهو المعين دون المشاع، وذلك غير معلوم، بخلاف السهم. ولا فرق عند أبي حنيفة بين ما إذا علم من جملة الذراعان أو لم يعلم هو الصحيح خلافاً لما يقوله الخصاف لبقاء الجهالة. ولو اشترى عدلاً على أنه عشرة أثواب، فإذا هو تسعة، أو أحد عشر، فسد البيع؛ لجهالة المبيع، أو الثمن" الهداية (3/ 943).
(3)
المحيط البرهاني (6/ 374).
(4)
"حصة" زيادة في (ب).
من المشائخ من قال: هذا قول أبي يوسف ومحمد
(1)
-رحمهما الله -، أما على قول أبي حنيفة رحمه الله يفسد العقد؛ لأنه جمع بين الموجود والمعدوم
(2)
في صفقة، فكان قبول البيع في المعدوم
(3)
شرطاً لقبوله في الموجود، فيفسد العقد
(4)
، كما لو جمع بين حر وعبد في صفقة واحدة، وسمى لكل واحد
(5)
ثمناً عند أبي حنيفة رحمه الله لا يجوز البيع في القن، وعندهما يجوز
(6)
فكذا هنا، ومنهم من قال: لا، بل
(7)
هذا قول الكل، وإليه مال الإمام شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله تعالى- فقال
(8)
: لم يجعل قبول العقد في المعدوم شرطاً لقبوله في الموجود، بل قصد بيع الموجود، إلا أنه غلط في العدد
(9)
، كذا ذكره الإمام قاضي خان، وذكر في الذخيرة "أكثر مشائخنا على أنَّ ما ذكر في الكتاب، أن البيع جائز في الثياب الموجودة. قولهما: أما على قول أبي حنيفة فالعقد فاسد في الكل؛ لأنَّ العقد فسد في البعض بمفسد مقارن وهو العدم، والأصل عند أبي حنيفة رحمه الله أن العقد متى فسد في البعض بمفسد مقارن للعقد يفسد الباقي.
وقد ذكر محمد رحمه الله مسألة في الجامع الصغير
(10)
تدل على هذا، وصورتها: رجل اشترى ثوبين على أنهما هرويان، كل ثوب بعشرة، فإذا أحدهما هرَوي والآخر مرْوي، ذكر أن البيع فاسد في الهروي والمروي جميعاً عند أبي حنيفة، وعندهما يجوز في الهروي، والفائت في مسألة الجامع
الصغير
(11)
(الصفة)
(12)
لا أصل الثوب، فإذا كان فوات الصفة في أحد البدلين يوجب فساد العقد [في الكل على مذهبه]
(13)
، فوات
(14)
أحدهما من الأصل
(15)
؛ لأن يوجب فساد العقد
(16)
من الكل عنده
(17)
أولى، وإليه مال شمس الأئمة الحلواني -رحمه الله تعالى-فقال: الصحيح عندي أن على قول
(18)
أبي حنيفة رحمه الله يفسد العقد في الكل "
(19)
.
(1)
ينظر: الأصل (5/ 86).
(2)
تقديم وتأخير في الكلمتين.
(3)
سقطتا من (ب) وهي في هامش (ب).
(4)
تبيين الحقائق (4/ 8)، شرح فتح القدير (6/ 256).
(5)
"منهما" زيادة في (ب).
(6)
بدائع الصنائع (5/ 145).
(7)
"يجوز" زيادة في (ب).
(8)
سقط من (ب).
(9)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 3).
(10)
سقط من (ب).
(11)
سقط من (ب).
(12)
في (ب).
(13)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(14)
"ففوات أحدهما " كذا في هامش (ب).
(15)
سقطتا من (ب).
(16)
سقط من (ب).
(17)
سقط من (ب).
(18)
"قول " مكرر في (ب).
(19)
المحيط البرهاني (6/ 374).
(فإذا أحدهما مرْوي) بسكون الراء يقال: ثوب ثوب هرَوي -بالتحريك-، ومرْوي -بالسكون- منسوب إلى هراة
(1)
ومرو
(2)
، وهما قريتان معروفتان بخراسان
(3)
.
وعن خوهر زاده رحمه الله هما على شط الفرات، كذا في المغرب
(4)
، وما ذكر في الأنساب بالسمعانية
(5)
يدل على أن قولهم: "ثوب مروي" ليس بنسبة إلى مرو بخراسان، فإن النسبة إليها مروزي فقال: المروزي -بفتح الميم والواو
(6)
وبينهما الراء
(7)
الساكنة، وفي
(8)
آخرها الزاي
(9)
- هذه النسبة إلى مروز الشاه خان
(10)
، يعني الشاه حاني موضع الملوك ومستقرهم، ثم قال: وكان إلحاق الزاي في هذه التسمية -فيما أظن-/ للفرق بين التسمية إلى المروي، وهي الثياب المشهورة بالعراق منسوبة إلى قرية بالكوفة، ثم قال:
(1)
هراة وهي في الإقليم الخامس، وهي من أكبر بلاد خراسان، وهي عامرة، وأهلها من أحسن الناس وجوهاً. افتتحها الأحنف بن قيس في خلافة عثمان بن عفان، وأهلها أشراف من العجم، وبها قوم من العرب. وشرب أهلها من العيون والأودية. وخراجها داخل في خراج خراسان. ومن هراة إلى سجستان، ثلاث مراحل. آكام المرجان فى ذكر المدائن المشهورة فى كل مكان (ص: 77).
(2)
مرو وهي في الإقليم الخامس، وبُعدها عن خط المغرب: خمس وثمانون درجة، وعن خط الاستواء ثمان وثلاثون درجة، وهي من أجلّ كور خراسان، افتتحها حاتم بن النعمان الباهلي، في خلافة عثمان، سنة إحدى وثلاثين، وأهلها أشراف من العجم، وبها قوم من العرب من الأزد، وبها ينْزل ولاة خراسان. البلدان لليعقوبي (ص: 98)، آكام المرجان فى ذكر المدائن المشهورة فى كل مكان (ص: 74).
(3)
خراسان بلاد واسعة، أول حدودها مما يلي العراق، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان، وليس ذلك منها، إنما هو أطراف حدودها، وتشتمل على أمّهات من البلاد، منها نيسابور، وهراة، ومرو، وهي كانت قصبتها، وبلخ، وطالقان، ونسا، وأبيورد، وسرخس، وما يتخلل ذلك من المدن التي دون نهر جيحون، ومن الناس من يدخل أعمال خوارزم فيها، ويعدّ ما وراء النهر منها، وليس الأمر كذلك، وقد فتحت أكثر هذه البلاد عنوة وصلحاً، وقال في المعالم: "خراسان كلمة مركبة من «خور» أي: شمس، و «أسان» أي: مشرق، كانت مقاطعة كبيرة من الدولة الإسلامية، تتقاسمها اليوم إيران الشرقية «نيسابور» ، وأفغانستان الشمالية (هراة وبلخ)، ومقاطعة تركمانستان السوفيتية (مرو). المسالك والممالك للبكري (1/ 441)، معجم البلدان (2/ 350)، المعالم الأثيرة في السنة والسيرة (ص: 108).
(4)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 503).
(5)
في هامش (أ) وفي (ب) هكذا.
(6)
قلب في (ب) بين الكلمتين.
(7)
"ألفا" في (ب).
(8)
"هي" كذا في (ب).
(9)
"في" زيادة في (ب).
(10)
"كان" في (ب).
[الفرق بين الثوب الهروي والمروي في البيع]
(المروي) بفتح الميم والراء، هذه النسبة إلى مرو، وهي مدينة بالحجاز ناحية وادي القرى.
(ولا قبول) مبني على الفتح على نفي الجنس، وذكر في المبسوط
(1)
في أول باب البيوع الفاسدة، فقال: "وأكثر مشائخنا يقولون هذا الجواب، قولهما، فأما عند أبي حنيفة رحمه الله فالعقد فاسد كله؛ لأنه فسد بعضه بفسادٍ قوي؛ إذ لا سبب لبطلان البيع أقوى من عدم العقود عليه، واستدلوا عليه بما ذكر في الزيادات
(2)
"
(3)
وهي مسألة الثوبين الهرويين.
"ثم قال رحمه الله: والأصح عندي أن هذا قولهم جميعاً؛ لأن أبا حنيفة رحمه الله في نظائر هذه المسألة
(4)
إنما يفسد فيه العقد في الكل؛ لوجود العلة المفسدة، وهي أنه جعل قبول العقد في ما يفسد فيه العقد شرطاً في قبوله في الآخرة
(5)
، وهذا لا يوجد ههنا، فإنه شرط قبول العقد في المعدوم، ولا قصد إيراد العقد على الموجود
(6)
المعدوم، وإنما قصد إيراده على الموجود فقط، ولكنه غلط في العدد، بخلاف مسألة الزيادات؛ فإن هناك جعل قبول العقد في كل واحد من الثوبين
(7)
شرطاً لقبوله في الآخر، وهو شرط فاسد".
"وحاصل الفرق بينهما هو أن الشيئين الموصوفين بوصف يوصف
(8)
إذا دخلا في عقد واحد، كان قبول كل واحد منهما شرطاً لصحة العقد في الآخر بذلك الوصف، فإذا انعدم ذلك الوصف في أحدهما كان ذلك شرطاً فاسداً في الآخر، فبالنظر إلى وجود ذلك الشيء كان شرطاً، وبالنظر إلى انعدام ذلك الوصف كان فاسداً.
وأما إذا كان أحدهما معدوماً بذاته ووصفه، لم يكن هو داخلاً في نفس العقد حتى يكون قبوله شرطاً في
(9)
صحة العقد في الآخر؛ لأنه معدوم، فلا يتصور القبول في المعدوم، بل يجعل ذلك غلطاً"
(10)
، فلما
(11)
لم يجعل ذلك شرطاً لم يفسد العقد في الآخر، وفي الثاني بتسعة ونصف يخير من التخير، وإنما يثبت له الخيار في الوجهين عند محمد؛ لئلا يلزم عليه
(12)
من اختياره زيادة الثمن كما في الوجه الأول، أو نقصان المبيع كما في الوجه الثاني.
(1)
المبسوط (13/ 3)، بدائع الصنائع (5/ 217).
(2)
الزيادات في فروع الحنفية، للإمام: محمد بن الحسن الشيباني، المتوفى: سنة 189، تسع وثمانين ومائة، وهي من كتبه الستة التي تسمى بكتب ظاهر الرواية، وهو لا يزال مخطوطاً.
(3)
المبسوط (13/ 3).
(4)
كما سبق في مسألة الحر والعبد، وكذا في مسألة الثياب. انظر: ص 110.
(5)
"الآخر" في (ب).
(6)
سقط من (ب).
(7)
"بين " في هامش (أ) وفي (ب).
(8)
سقط من (ب).
(9)
سقط من (ب).
(10)
تبيين الحقائق (4/ 8)، البناية شرح الهداية (8/ 29).
(11)
"فإذا" في (ب).
(12)
سقط من (ب) ومكررة في (أ).
(فيجري عليه)
أي فيجرى على النصف حكم المقابلة، وحكم المقابلة في النصف أنه إذا وجد المشتري عشرة أذرع ونصفاً يجب عليه من الدراهم عشرة دراهم ونصف درهم، فكذلك في صورة النقصان يجب عليه تسعة دراهم ونصف درهم، وفي بعض النسخ: فيجزأ عليه من التجزئة.
[الخلاف في بيع الثوب التي تختلف جوانبه]
(وهو ظاهر، فنزل كل ذراع منزل ثوب)
والثوب إذا بيع بأنه كذا كذا ذراعاً فوجده أنقص، لا يسقط شيء من الثمن، ولكن يثبت، وله الخيار، فكذلك ههنا، فعند عدم الذراع كاملاً عاد الحكم إلى الأصل، وهو الوصف، فصارت العشرة والنصف بمنْزلة العشرة الجيدة، والتسعة والنصف بمنْزلة التسعة الجيدة، كذا ذكره فخر الإسلام
(1)
رحمه الله
(2)
-.
وذكر في الذخيرة "وما قاله: أبو حنيفة رحمه الله أصح؛ لأن الذراع وما دونه في حكم الصفة -على ما مر
(3)
-، وإنما يعتبر أصلاً بمقابلة الثمن به، والمقابلة مقيدة بالذراع، فإذا عدم الذراع لم يثبت صحة الإضافة، فبقيت العبرة؛ لكونها صفة، فصارت زيادة نصف ذراع بمنْزلة زيادة صفة
(4)
الجودة، فيسلم له من غير ثمن، وصار نقصان نصف ذراع بمنْزلة تسعة أذرع جيدة فيتخير"
(5)
.
وأما الجواب عن قول محمد- رحمه الله بأن الدراهم لما قوبل بالذراع كان نصف الدرهم مقابلاً بنصف الذراع ضرورة
(6)
، فإنا نقول: كون الذراع بمنْزلة العين ليس بأصل بل هو صار/ أصلاً باعتبار الإفراد بمقابلة الإفراد، واسم الدرهم لا يقع لما دون الدرهم، وكذلك الذراع، فكانت المقابلة مقتصرة على موضع الإفراد، وهو الدرهم، فلما انعدمت المقابلة من حيث اللفظ رجع الذراع إلى أصل وهو الصفة، وهذا هو الجواب أيضاً عن قول أبي يوسف رحمه الله
(7)
-.
(1)
فخر الإسلام هو: علي بن محمد عبدالكريم بن موسى البزدوي، له تصانيف كثيرة معتبرة، منها: المبسوط، وشرح الجامع الكبير، وشرح الجامع الصغير، يقال له:"أبو العسر"، توفي سنة 482 هـ. الجواهر المضية (1/ 372)، تاج التراجم (ص: 205)، الفوائد البهية (209 - 210).
(2)
ينظر: البناية شرح الهداية (8/ 30).
(3)
راجع ص 132.
(4)
"وصف" كذ في (ب).
(5)
المحيط البرهاني (6/ 375).
(6)
ينظر: المحيط البرهاني (6/ 375).
(7)
قال في الهداية: "لأبي يوسف رحمه الله أنه لما أفرد كل ذراع ببدل نزل كل ذراع منْزلة ثوب على حدة، وقد انتقض. ولأبي حنيفة رحمه الله أن الذراع وصف في الأصل، وإنما أخذ حكم المقدار بالشرط، وهو مقيد بالذراع، فعند عدمه عاد الحكم إلى الأصل" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 943).
(وقيل عن الكرباس
(1)
الذي لا يتفاوت جوانبه إلى آخره .. )
أي: هذه الأقوال الثلاثة من العلماء الثلاثة في الثوب الذي يتفاوت جوانبه كالقميص
(2)
والسراويل
(3)
والعمائم
(4)
والأقبية
(5)
.
"أما إذا اشترى كرباساً لا يتفاوت جوانبه على أنه عشرة أذرع بعشرة دراهم فإذا هو أحد عشر لا يسلم له الزيادة؛ لأن هذا الكرباس/ في معنى المكيل والموزون، وإن
(6)
كان متصلاً بعضه ببعض، لكن ليس في الفصل ضرر صار كالموزون، فلا يتمكن فيه العيب بسبب تميز البعض عن البعض، اعتبر كل قفيز أصلاً، فكذا ههنا.
(1)
الكِرْباسُ -بكسر الكاف- فارسيٌّ معرب، والكِرْباسَةُ أخصُّ منه. والجمع الكرابيس، وهى ثياب خشنة. الصحاح (3/ 970).
(2)
القميص: ما يلبس على الجلد، وهو الدِرع، وقد فُرِّقَ بينهما بأن شَقّ الدرع إلى الصدر، وشَقّ القميص إلى المنكب، قاله القهستاني، وفي جنائز البحر: والقميصُ من المنكب إلى القدم بلا دخاريص؛ لأنها تفعل في قميص الحي ولا جيب ولا كُمّيْن ولا يُكفّ أطراف، والدخريص: الشقُّ الذي يفعل في قميص الحي ليتّسع في المشي، والجيبُ:"الشقُّ النازل على الصدر". التعريفات (ص: 177) وهو ما يحيط بالبدن، وقد يسمى شعاراً أو ما فوقه دثار، وقد يسمى كل ثوب قميصاً، قال الله تعالى:{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [سورة يوسف، الآية 18]، وقيل: هو ثوب مخيط بكتين غيره مفرج، يلبس تحت الثياب، ولا يكون إلا من قطن، وأما الصوف فلا، والجمع: قمصان، وأقمصة، وقمص. وقمّص فلاناً: ألبسه قميصاً فتقمصه: أي: لبسه، ويقال:"قمص هذا الثوب": أي: أقطع منه قميصاً، وقد يؤنث. معجم المصطلحات (3/ 117).
(3)
السراويل يذكر ويؤنث، والجمع السراويلات. قال المطرزي:"السراويل المخرفجة هي الواسعة، التي تقع على ظهر القدم". وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ كَرِهَ السَّرَاوِيلَ الْمُخَرْفَجَةَ» قَالُوا: هِيَ الَّتِي تَقَعُ عَلَى ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ. الصحاح (5/ 1729)، المغرب (ص: 142)، مختار الصحاح (ص: 90).
(4)
العمامة من لباس الرأس، معروفة، وجمعها العمائم، وقد تعممها الرجل واعتم بها، وعمم الرجل: سود؛ لأن العمائم تيجان العرب. تهذيب اللغة (1/ 89)، الصحاح (5/ 1992).
(5)
القباء: الذي يلبس، والجمع الأقبية. وتقبيت قباءً، إذا لبسته وَتَقَبَّى: لَبِسَ الْقَبَاءَ، وَقُبَاءٌ مَمْدُودٌ مَوْضِعٌ بِالْحِجَازِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. الصحاح (6/ 2458)، مختار الصحاح (ص: 247).
(6)
"فإذا" في (ب).
وعلى هذا إذا باع ذراعاً من هذا الكرباس ولم يعين موضعه يجوز، كما في الحنطة إذا باع قفيزاً منها" كذا في الذخيرة
(1)
. "الكرباس -بكسر الكاف- فارسي معرب، والجمع الكرابيس"
(2)
.
(حيث لا يضره الفصل)
بالصاد المهملة، أي: القطع والتميز، كما لا يضر/ الصبرة تميز القفيز منها، والله أعلم.
فصل: [في بيع العقار]
(3)
لما ذكر ما ينعقد به البيع، وما لا ينعقد، وما يلحقهما، ذكر في هذا الفصل ما يدخل في البيع باسم الجملة، وما لا يدخل، وما يلحقهما.
[الخلاف هل العرصة تدخل في بيع الدار]
(لأن اسم الدار يتناول العرصة
(4)
والبناء جميعاً في العرف)
فإن قيل: يشكل على هذا مسألة اليمين؛ فإن هناك لم يجعل اسم الدار متناولاً للبناء حتى لو حلف: لا يدخل هذه الدار، فدخلها بعدما انهدمت، يحنث، فلو كان اسم الدار متناولاً للعرص والبناء لما حنث بعد ارتفاع البناء؛ لأن الكل ينتفي بانتفاء الجزء
(5)
، مع أن الأيمان مبنية على العرف، فكان اعتبار العرف هناك أليق من الاعتبار هنا.
قلنا: قد ذكرنا جوابه هناك، وهو أن البناء وصف للدار، فيقال: دار معمورة، ودار غير معمورة، والوصف إذا كان داعياً إلى اليمين يتقيد بذلك الوصف، كما إذا حلف: لا يأكل هذا البسر
(6)
، فأكله بعدما صار رطباً، لا يحنث
(7)
، وإذا لم يكن داعياً لا يتقيد به "كما إذا حلف لا يأكل لحم هذا الحمل، فأكل لحمه بعدما صار كبشاً، يحنث"
(8)
، والبناء كذلك، ليس بداع إلى اليمين، بل هو داع إلى الدخول، فلم يتقيد الدار إذا كانت حاضرة
(1)
المحيط البرهاني (6/ 375).
(2)
مختار الصحاح (ص: 268).
(3)
كتاب الهداية (3/ 6).
(4)
العرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، والجمع العراص والعرصات. الصحاح (3/ 1044).
(5)
وهذ لفظ ورود القاعدة [الحقيقة المنفية] والمراد بالحقيقة في هذه القاعدة: جملة الشيء وكماله.
فكمال الشيء ينتفي بانتفاء جزئه؛ لأن انتفاء الجزء دليل على عدم كمال الحقيقة. والحقيقة ما لم تكن كاملة فهي منفية - أي معدومة - أي: لا وجود لها، سواء كانت هذه الحقيقة شرعية أو كلامية، والمراد بأجزاء الحقيقة التي يترتب على نفيها نفي الحقيقة هي أركانها التي بها قوامها.
كشف الأسرار (3/ 261)، فتح القدير (9/ 325)، موسوعة القواعد الفقهية (3/ 155).
(6)
البَسْرُ: الاستعجال بالشيء قبل أوانه، نحو: بسَرَ الرجل الحاجة: طلبها في غير أوانها، ومنه قيل لما لم يدرك من التمر: بُسْر، وقوله عز وجل:{ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [سورة المدثر: 22]، قال أبو العباس "البسر من ثمر النخل معروف، وبه سمي الرجل الواحدة بسرة، وبها سميت المرأة، ومنه: بسرة بنت صفوان: صحابية. قال ابن فارس البسر من كل شيء الغض ونبات بسر أي: طري". المفردات في غريب القرآن (ص: 122)، المصباح المنير (1/ 48).
(7)
الأصل (3/ 298)، الهداية (2/ 946)، الاختيار (4/ 68).
(8)
كشف الأسرار (2/ 88).
بوصف البناء، كذلك فيحنث بالدخول بعد الانهدام
(1)
.
واعلم أن هناك ثلاث مسائل:
• مسألة بيع الدار.
• ومسألة بيع المنْزل.
• ومسألة بيع البيت.
فتجئ هذه المسائل بباب على حدة، إن شاء الله تعالى.
(لأنه متصل به للفصل)
أي: لأن الزرع متصل بالأرض على تأويل المكان للفصل ولذلك
(لا يدخل الزرع في بيع الأرض)
فإن قيل: يشكل على هذا بيع جارية
(2)
لها حمل في بطنها، أو بقرة أو شاة لهما ولد في بطنهما، يدخل في البيع، وإن كان اتصاله بالأم للفصل لا محالة، وبين الولد في البطن وبين الزرع في الأرض
(3)
مناسبة قوية
(4)
؛ لقوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ}
(5)
فكيف دخل هناك الولد ولم يدخل الزرع ههنا، مع وجود المعنى
(6)
الجامع بينهما، وهو الاتصال للفصل، ووجود المناسبة بين الزرع والولد؟.
قلنا: لما لم يقدر غير الله تعالى على فصل الولد من أمه ووجود المناسبة
(7)
بينه وبين أمه نزل ذلك منْزلة الجرء من أمه، فلم يعتبر انفصاله في ثاني الحال؛ لوجود معنى الجزئية في الحال من كل وجه، ولعدم إمكان البائع من فصله.
وأما الزرع والشجر فليسا من جنس الأرض، وهو ظاهر فلم يمكن اعتبار معنى الجزئية حتى يصلح تبعاً لها، فبعد ذلك ينظر: إن كان اتصاله للقرار، كما في الشجر كان متصلاً في الحال، وفي ثاني الحال فيدخل بطريق التبعية، لا بطريق الجنسية
(8)
، وإن كان اتصاله للفصل في ثاني الحال، كما في الزرع، يجعل منفصلاً
(9)
في الحال
(10)
كالسلالم المنفصلة
(11)
.
(1)
ينظر: قاعدة فيما إذا اجتمعت الإشارة والعبارة. الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 297).
(2)
"و" زيادة في (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
سقط من (ب).
(5)
[البقرة: 223].
(6)
سقط من (ب).
(7)
"المجانسة" في (ب).
(8)
قال الكاساني: " العلم بالمبيع لا يحصل إلا بالإشارة إليه؛ لأن التعين لا يحصل إلا بها، إلا إذا كان ديناً كالمسلّم فيه، فيحصل العلم به بالتسمية، والعلم بالثمن لا يحصل إلا بالتسمية، والإشارة إليه عندنا مجاز عن تسمية جنس المشار إليه، ونوعه، وصفته، وقدره، على ما يعرف في موضعه -إن شاء الله تعالى-، غير أن المبيع إن كان أصلاً لابد من الإشارة إليه بطريق الأصالة ليصير معلوماً، وإن كان تبعاً يصير معلوماً بالإشارة إلى الأصل؛ لأن البيع كما لا يفرد بعلة على حدة، لا يفرد بشرط على حدة؛ إذ لو أفرد لانقلب أصلاً، وهذا قلب الحقيقة، وبيان ذلك في مسائل: إذا باع جارية حاملاً من غير مولاها، أو بهيمة حاملاً؛ دخل الحمل في البيع تبعاً للأم كسائر أطرافها، وإن لم يسمه، ولا أشار إليه، ولو باع عقاراً دخل ما فيها من البناء والشجر بنفس البيع، ولا يدخل الزرع والثمر إلا بقرينة، وجملة الكلام في بيع العقار أن المبيع لا يخلو من أن يكون أرضاً أو كرماً أو داراً أو منْزلاً أو بيتاً، وكل ذلك لا يخلو: إما إن لم يذكر في بيعه الحقوق، ولا المرافق، ولا ذكر كل قليل وكثير منها، وإما إن ذكر شيئاً من ذلك، فإن كان المبيع أرضاً ولم يذكر شيئاً من القرائن؛ دخل ما فيها من الأبنية والأشجار، ولم يدخل الزرع والثمار عند عامة العلماء، وقال مالك رحمه الله: ثمار سائر الأشجار كذلك، وكذلك ثمر النخل إذا أبر، فأما إذا لم يؤبر؛ يدخل". بدائع الصنائع (5/ 164)، الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 946)، شرح فتح القدير (6/ 261).
(9)
"متصلا" في (ب).
(10)
"فلا يدخل" زيادة في (ب).
(11)
"المتصلة"في (ب).
ومن باع نخلاً أو شجراً فيه ثمر فثمرته للبائع، إلا أن يشترط المبتاع
[بيع النخل أو الشجر بالثمر]
وهو أن يقول المبتاع -وهو المشتري-: اشتريت هذا الشجر مع ثمره
(1)
، وفي الذخيرة
(2)
"إذا باع شجراً وعليه ثمر قد أدرك أو لم يدرك جاز، وعلى البائع قطع الثمر في ساعته؛ لأن المشتري يملك الشجرة، فيجيز البائع على تسليمها فارغة، وكذا لو أوصى بنخلة لرجل وعليها ثمر ثم مات الموصي أجبر الورثة على قطع البسر وهو المختار".
وفي شرح الطحاوي
(3)
إذا اشترى الرجل شجرة أو نخلة فإنه لا يخلو إما أن يكون الثمر موجوداً وقت الشراء أو [أثمر بعد الشراء، أما إذا كان الثمر موجوداً وقت الشراء]
(4)
فالثمر لا يدخل في العقد إلا بالشرط، سواء اشترى الشجرة وحدها أو مع الأرض، وعلى البائع أن يقلع ثمرته من شجر المشتري، وليس له تركها إلى جدارها
(5)
ولا إلى غيره، فإن تركها إلى وقت الإدراك على الشجرة فإنه ينظر: إن تركها بإذن المشتري كان له الفضل، وإن تركها بغير إذن المشتري فإنه ينظر: إن تناهى عظمها
(6)
ولم يبق إلا النضج فتركها حتى نضجت يطيب له ذلك؛ لأنه لم يوجد الزيادة في الكيل أو الوزن، وإن كانت صغاراً لم يتناه عظمها فتركها بغير إذن المشتري فإنه لا يطيب له الفضل.
ولو استأجر البائع من المشتري النخل أو الشجر ليترك الثمر
(7)
وتركها حتى أدركت فإنه لا تجب الأجرة، ويطيب له الفصل
(8)
؛ لأن جواز الإجارة بالاستحسان لتعامل الناس، ولا تعامل للناس في استئجار الأشجار لترك الثمر عليها، فلم يكن إجارة جائرة ولا فاسدة، ويطيب له الفضل؛ لأن الترك حصل بإذن المشتري.
[حكم الأرض وما عليها في البيع]
وأما إذا اشتراه
(9)
والثمر غير موجود ثم أثمر بعد الشراء قبل القبض فالثمر للمشتري؛ لأنه نماء ملكه فهو لمالكه، فإن هلك بآفة سماوية قبل التسليم لا يطرح من الثمر
(10)
شيء، وصار كأنه لم يكن، ولا خيار للمشتري، فإن أكله البائع طرح حصته من الثمن
(11)
، ولا خيار له في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما له الخيار
(12)
،/ إن شاء أخذ الشجر بحصته من الثمن، وإن شاء ترك، كما إذا كان الثمر موجوداً وقت العقد فأكله البائع أن له الخيار بالإجماع
(13)
، هذا إذا لم ينقص من المبيع شيء، فأما إذا أنقص فله الخيار بالإجماع
(14)
.
(1)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 139).
(2)
المحيط البرهاني (6/ 332).
(3)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي (3/ 49)، اللباب في بين السنة والكتاب (2/ 518).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(5)
"جذافها" في (ب).
(6)
وصلت الثمرة إلى منتهى نضجها، وتناهى الخطرُ: انتهى؛ بلغ نهايتَه. معجم اللغة العربية المعاصرة (3/ 2297).
(7)
"إلى وقت" زيادة في (ب).
(8)
"الفضل" في (ب).
(9)
"اشترى" في (ب).
(10)
"الثمن" في (ب).
(11)
"ثم" في (ب).
(12)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 256).
(13)
ينظر: المغني (4/ 52)، الاستذكار (19/ 83)، الحاوي الكبير (5/ 161)، الإشراف (6/ 34).
(14)
المغني (4/ 84).
ولو نبت ولم يصر له قيمة فقد قيل: لا يدخل فيه، وقد قيل: يدخل، وفي شرح القدوري وشرح القاضي الإمام الاسبيجابي
(1)
-رحمهما الله- "أن الزرع إنما لا يدخل في بيع الأرض من غير ذكر إذا لم ينبت بعد، أو نبت وصار له قيمة"
(2)
، أما إذا نبت ولم يصر له قيمة بعد يدخل، وقيل: لا يدخل، والأول أصح.
وفي فتاوي الفضلي
(3)
: إذا باع أرضاً فيها زرع لم ينبت فإن كان البذر قد عفن في الأرض فهو للمشتري، وإلا فهو للبائع، فإن سقاه المشتري حتى نبت، ولم يكن عفن عند
(4)
البيع فهو للبائع، والمشتري متطوع فيما فعل، وكذلك إذا نبت ولم يتقدم بعد
(5)
، واختار الفقيه أبو الليث
(6)
رحمه الله أنه لا يدخل في البيع، ويكون للبائع على كل حال، إلا إذا بيع مع الأرض
(7)
، نصاً أو دلالة كذا في الذخيرة
(8)
.
[ألفاظ البيع في الأرض]
شفر البعير شفته والجمع
(المشافر)
والمنجل ما يحصد به الزرع، والجمع
(المناجل لم يدخلا)
أي الزرع والثمر
(لما قلنا)
وهو قوله:
(لأنهما ليسا منهما، وإن لم يقل: من حقوقها أو من مرافقها دخلا فيه)
ومعنى هذا الكلام أن الأرض إذا بيعت وفيها زرع، وعلى الأشجار ثمر، لو قال البائع وقت بيع الأرض: بعت هذه الأرض بكل قليل وكثير هو له فيها أو منها، ولم يقل مع ذلك: من حقوقها أو لم يقل: من مرافقها دخل الزرع والثمر، وأما إذا زاد على ذلك وقال: من حقوقها، أو قال: من مرافقها لم يدخل الزرع والثمر.
(1)
علي بن محمد بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن محمد بن إسحاق الاسبيجابي، شيخ الإسلام، السمرقندي، تفقه عليه صاحب "الهداية"، توفي بسمرقند يوم الاثنين، الثالث والعشرين من ذي القعدة، سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، وله "شرح مختصر الطحاوي"و"المبسوط". تاج التراجم (ص: 212/ 213)، الفوائد البهية (209).
(2)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 314)، مختصر القدوري (ص: 79).
(3)
فتاوى الفضلي: لأبي عمرو: عثمان بن إبراهيم الأسدي، الحنفي. المتوفى: سنة 508، ثمان وخمسمائة.
(4)
"عن" زيادة في (ب).
(5)
ينظر: البناية شرح الهداية (8/ 36).
(6)
نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه، أبو الليث، المعروف بإمام الهدى. توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث [وتسعين وثلاثمائة]، وقال الصفدي: خمس وسبعين وثلاثمائة. له مؤلفات كثيرة، منها كتاب العيون، والفتاوى، شرح الجامع الصغير وغيرها. طبقات المفسرين للداوودي (2/ 346)، الفوائد البهية (362)، الجواهر المضية (2/ 196)، تاريخ الإسلام (8/ 420).
(7)
"إما" زيادة في (ب).
(8)
العناية (6/ 285)، البناية (8/ 36)، البحر الرائق (5/ 321).
وقال في الذخيرة
(1)
: "وإن ذكر في بيع الأرض الحقوق والمرافق لا يدخل الزرع والثمار لأنهما ليسا من جملة حقوق الأرض ومرفقها، وإن قال: بعتها بكل قليل وكثير هو منها أو فيها إن قال: في أثرها من حقوقها، أو قال: من مرافقها فالثمار والزرع لا يدخلان، وإن لم يقل: في آخرها من حقوقها أو مرافقها يدخلان في البيع"، وكذا أيضاً ذكر في المبسوط في باب الشفعة في الأرضين والأنهار من كتاب الشفعة
(2)
، وحاصل ذلك أن الألفاظ ثلاثة، باع أرضاً مطلقاً من غير ذكر شيء معها، أو باع أرضاً بكل قليل وكثير من حقوقها أو مرافقها ففي هذين الوجهين لا يدخل الزرع والثمر، وفي الوجه الثالث وهو ما إذا باعها بكل قليل وكثير منها أو فيها يدخل الزرع والثمر
(3)
.
[بيع الثمرة قبل بدو صلاحها]
ومن باع ثمرة لم يبدُ صلاحها إلى آخره
(4)
"اعلم أن بيع الثمار على الأشجار على وجهين:
الأول: أن يبيعها قبل الطلوع، أي:/ قبل الظهور، وفي هذا الوجه لا يجوز البيع.
والوجه الثاني: أن يبيعها بعد الطلوع. وأنه على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يبيعها قبل أن يصير منتفعاً بها، بأن لم يصلح لتناول بني آدم وعلف الدواب، وفي هذا الوجه اختلاف المشائخ، ذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي، وشيخ الإسلام خواهر زاده
(5)
أنه لا يجوز
(6)
، وذكر الشيخ أبو الحسن القدوري في شرحه
(7)
، والقاضي الإسبيحابي أنه يجوز، إليه أشار محمد رحمه الله في كتاب الزكاة، في باب العشر والخراج، وفي الجامع في كتاب الإجارات وهو الصحيح، والحلية
(8)
في ذلك حتى يجوز هذا البيع على قول الكل أن يبيعه مع أوراقه، [بأن يبيع الكمثرى في أول ما يخرج من ورده]
(9)
مع أوراقه، فيجوز البيع في الكمثرى تبعاً للبيع
(10)
في الأوراق، ويجعل كأنه ورق كله حتى يجوز البيع.
(1)
المحيط البرهاني (6/ 314).
(2)
المبسوط 14 (/ 162).
(3)
قال الكاساني: "وجملة الكلام في بيع العقار أن المبيع لا يخلو من أن يكون أرضاً أو كرماً أو داراً أو منْزلاً أو بيتاً، وكل ذلك لا يخلو: إما إن لم يذكر في بيعه الحقوق ولا المرافق، ولا ذكر كل قليل وكثير منها، وإما إن ذكر شيئاً من ذلك فإن كان المبيع أرضاً ولم يذكر شيئاً من القرائن؛ دخل ما فيها من الأبنية والأشجار، ولم يدخل الزرع والثمار عند عامة العلماء، وقال مالك رحمه الله: ثمار سائر الأشجار كذلك وكذلك ثمر النخل إذا أبر، فأما إذا لم يؤبر؛ يدخل". بدائع الصنائع (5/ 164)، فتح القدير (6/ 262).
(4)
قال في الهداية: "أو قد بدا جاز البيع". الهداية (3/ 946).
(5)
محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين البخاري المعروف ببكر خواهر زاده، مات ببخارى ليلة الجمعة فى جمادي الأولى فى الخامس والعشرين منه فى سنة ثلاث وثمانين وأربع مائة، وهو صاحب المبسوط. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 49).
(6)
قال في المبسوط: "لأنه إذا كان بحيث لا يصلح لتناول بني آدم، أو علف الدواب، فهو ليس بمال متقوم" المبسوط للسرخسي (12/ 195).
(7)
قال القدروري: "ومن باع ثمرة لم يبد صلاحها، أو قد بدا جاز، ووجب على المشتري قطعها في الحال، فإن شرط تركها على النخل فسد البيع " ص 79.
(8)
"والحيلة" في (ب).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(10)
سقط من (ب).
والوجه الثاني: هو ما إذا باعه بعدما صار منتفعاً به، إلا أنه لم يتناه عظمه، وفي هذا الوجه البيع جائز، إذا باع مطلقاً أو بشرط القطع
(1)
، وإن باع بشرط الترك فالبيع فاسد؛ لأن هذا بيع شرط فيه ما لا يفتضيه البيع ولأحد العاقدين
(2)
منفعة؛ لأن المشتري شرط لنفسه زيادة مال يحصل له سوى ما دخل تحت البيع من مال البائع، ثم إذا جاز البيع إذا باع مطلقاً أو بشرط القطع إذا ترك المشتري حتى أدرك هل [يطيب له الزيادة؟ إن ترك بإذن البائع أو استأجر منه الأشجار]
(3)
يطيب له الزيادة، وإلا فلا؛ لأن الزيادة إنما استفادها المشتري من مال البائع بإذنه/ فيطيب له ذلك
(4)
.
والوجه الثالث: إذا باعه بعدما تناهى عظمه، ولاشك أن البيع
(5)
يجوز في هذا الوجه إذا باعه مطلقاً، أو بشرط القطع، وإن باع بشرط الترك فالقياس أن لا يجوز، وبه أخذ أبو حنيفة وأبو يوسف -رحمهما الله
(6)
-، وفي الاستحسان يجوز، وبه أخذ محمد رحمه الله فقال: إن شرط الترك لو أوجب فساد (العقد)
(7)
في هذه الصورة، إما أن يوجب من حيث إنه بيع شرط فيه إجارة أو إعارة، ولا وجه إليه؛ لأن إجارة النخل وإعارته لا تتحقق، فكان منتفعاً
(8)
من مال البائع بإذنه فيجوز، وأما أبو حنيفة وأبو يوسف -رحمهما الله- يقولان: إن كان لا يثبت بهذا الشرط إجارة أو إعارة أو زيادة مال
(9)
من مال
البائع سوى المبيع، لكن يحصل للبائع/ زيادة جودة وطراوة، و
(10)
للمشتري فيه منفعة، والبيع لا يقتضي هذا، ومثل هذا الشرط يوجب فساد البيع"
(11)
.
"وإذا اشترى ثمار بستان على ما هو العرف ويقال بالفارسية: برباغ، وبعض الثمار قد خرج، وبعضها لم يخرج بعد، هل يجوز هذا البيع؟.
(1)
على أصل أبي حنيفة قال: "وإذا اشترى الرجل ثمرًا قبل أن يبلغ من أصناف الغلة كلها، فإن أبا حنفة رضي الله عنه قال: إذا لم يشترط ترك ذلك الثمر إلى أن يبلغ فإن البيع جائز، ألا ترى أنه لو اشترى قصيلاً يقصله على دوابه قبل أن يبلغ كان ذلك جائزًا". اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى (ص: 20).
(2)
"المتعاقدين" في (ب).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(4)
سقط من (ب).
(5)
سقط من (ب).
(6)
انظر: المحيط البرهاني (6/ 333).
(7)
"البيع"في (ب).
(8)
"به" زيادة في (ب).
(9)
سقط من (ب).
(10)
سقط من (ب).
(11)
المحيط البرهاني (6/ 333 - 334).
ظاهر المذهب أنه لا يجوز، وكان شمس الأئمة الحلواني رحمه الله يفتى بجوازه في الثمار والباذنجان والبطيخ وغير ذلك، وكان يزعم أنه مروي عن أصحابنا وهكذا من الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل البخاري رحمه الله أنه كان يفتي بجواز هذا البيع، وكان يقول: أجعل الموجود أصلاً في هذا العقد وما يحدث بعد ذلك تبعاً، ولهذا شرط أن يكون الخارج أكثر.
وقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: "والأصح عندي أنه لا يجوز؛ لأن المصير إلى هذا الطريق إنما يكون عند تحقق الضرورة، ولا ضرورة ههنا؛ لأنه يمكنه أن يبيع أصول هذه الأشياء
(1)
مع ما فيها من الثمرة، وما يتولد بعد ذلك يحدث على ملك المشتري، وإن كان البائع لا يعجبه
(2)
بيع الأشجار فالمشتري يشتري الثمار الموجودة ببعض الثمن، ونؤخر العقد في الباقي إلى وقت وجوده، أو يشتري الموجود بجميع الثمن، ويحل له البائع الانتفاع كما يحدث، فيحصل مقصودهما بهذا الطريق، ولا ضرورة إلى تجويز العقد في المعدوم"
(3)
.
وحيلة أخرى: أن يشتري أشجار البطيخ والباذنجان ببعض الثمن، ويستأجر الأرض ببعض الثمن مدة معلومة؛ لتملك ما يحدث منه؛ وليتمكن من إبقاء الأشجار، كذا في الذخيرة والمغني
(4)
.
وذكر في المبسوط: "وشرى الثمار قبل أن يصير منتفعاً بها لا يجوز؛ لأنه إذا كان بحيث لا يصح لتناول بني آدم، أو علف الدواب، فهو ليس بمال متقوّم، فإن صار منتفعاً به، ولكن لم يبد صلاحها بعد، فإن كان لا يؤمن
(5)
العاهة والفساد، وعليه فاشتراه بشرط القطع: يجوز، وإن اشتراه بشرط الترك: لا يجوز، وإن اشتراه مطلقاً يجوز عندنا؛ لأن مطلق البيع يقتضي تسليم المعقود عليه في الحال، فهو وشرط القطع سواء"
(6)
.
وعند الشافعي لا يجوز هذا العقد
(7)
«لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، وحتى تزهى، أو قال: حتى تؤمن العاهة»
(8)
وتأويله عندنا في البيع بشرط الترك والمراد به النهي عن بيعها سلماً، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:«أرأيت لو أذهب الله الثمرة، لِمَ يستحل أحدكم مال أخيه؟»
(9)
، وإنما يتوهم هذا إذا اشترى
(10)
بشرط الترك إلى أن يبدو صلاحها، فأما إذا اشتراها بعد ما بدا صلاحها إلا أنها لم تدرك بعد بشرط القطع فجاز، وكذلك مطلقاً، ويؤمر بأن يقطعها في الحال عندنا بمقتضى مطلق العقد، وعند الشافعي
(11)
يتركها إلى وقت الإدراك؛ لأنه المتعارف بين الناس.
(1)
"الأشجار" في (ب).
(2)
"يحب" في (ب).
(3)
المحيط البرهاني (6/ 334).
(4)
البحر الرائق (5/ 325).
(5)
"يأمن" في (ب).
(6)
قال في الهداية: "ومن باع ثمرة لم يبد صلاحها، أو قد بدا جاز البيع؛ لأنه مال متقوّم، إما لكونه منتفعاً به في الحال، أو في الثاني، وقد قيل: لا يجوز قبل أن يبدو صلاحها، والأول أصح، وعلى المشتري قطعها في الحال، تفريغاً لملك البائع، وهذا إذا اشتراها مطلقاً أو بشرط القطع". المبسوط للسرخسي (12/ 193)، الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 946).
(7)
الأم للشافعي (3/ 48)، الشرح الكبير (4/ 345)، مختصر المزني (8/ 177).
(8)
أخرجه مسلم، كتاب البيوع، باب "النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع" برقم (1535)، (3/ 1165)، والترمذي، أبواب البيوع، "باب ما جاء في كراهة بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها"، برقم (1227)، (3/ 521)، والبيهقي في الصغرى، كتاب البيوع، باب "الوقت الذي يحل فيه قطع الثمار"، برقم (1898)، (2/ 252).
(9)
أخرجه البخاري بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، فقيل له: وما تزهي؟ قال: حتى تحمرّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه» ، كتاب البيوع، باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، ثم أصابته عاهة فهو من البائع، برقم (2198)، (3/ 77)، وأخرجه مسلم، كتاب المساقاة، "باب وضع الجوائح"، برقم (1555)، (3/ 1190). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. المستدرك على الصحيحين (2/ 42).
(10)
"اشتراها" في (ب).
(11)
قال أبو الحسن البغدادي: "قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، قيل: يا رسول الله وما تزهي؟ قال: «حتى تحمر». وروى عنه صلى الله عليه وسلم ابن عمر: «حتى يبدو صلاحها» وروى غيره: «حتى تنجو من العاهة» (قال) فبهذا نأخذ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا منع الله جل وعز الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟» دلالة على أنه إنما نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة التي تترك حتى تبلغ غاية إبانها، لا أنه نهى عما يقطع منها، وذلك أن ما يقطع منها لا آفة تأتي عليه تمنعه إنما يمنع ما يترك مدة يكون في مثلها الآفة، كالبلح، وكل ما دون البسر، يحل بيعه على أن يقطع مكانه". قال الماوردي: قد ذكرنا في الباب الماضي الحكم في بيع النخل دون الثمرة، وفى بيع الثمرة مع النخل، وهذا الباب مقصور على بيع الثمرة دون النخل، ولا يخلو حال الثمرة المبيعة من أحد أمرين: إما أن تكون بادية الصلاح، أو غير بادية الصلاح، فإن كانت غير بادية الصلاح فلا يخلو حال بيعها من ثلاثة أقسام: أحدها: أن تباع بشرط التبقية. والثاني: أن تباع بشرط القطع. والثالث: أن تباع بيعاً مطلقاً. فأما القسم الأول، وهو أن تباع بشرط التبقية والترك فبيعها باطل لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، قيل وما تزهي قال: «حتى تحمر». وروى سعيد عن جابر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تشقح، قيل: وما تشقح، قال:«تحمار وتصفار ويؤكل منها» ، وأما القسم الثاني: وهو أن تباع بشرط القطع فالبيع جائز؛ لأنه لا منع من بيعها لأن تنجو من العاهة، وأن لا تعطب فيأخذ الرجل ملك أخيه. وكان اشتراط قطعها يؤمن معه عطبها وحدوث العاهة بها صح البيع، فلو سمح البائع بعد اشتراط القطع على المشتري بترك الثمرة إلى بدو الصلاح جاز؛ لصحة العقد، ولو طالبه بالقطع لزمه ذلك. وأما القسم الثالث، وهو أن تباع بيعاً مطلقاً لا يشترط فيه التبقية والترك، ولا يشترط فيه القطع، فمذهب الشافعي رحمه الله أن البيع باطل". الحاوي الكبير (5/ 191)، المهذب (2/ 44)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (5/ 253).
(أو في الثاني)
أي: في الزمن الثاني، بأن البيع في مثله يجوز كما في بيع الجحش والمهر، وهو إعارة أو إجارة؛ لأنه
(1)
شرط ترك الثمار على النخيل فلا تخلو، إما أن يذكر لها الأجر، أو لم يذكر، فإن ذكر فهو إجارة، وإلا فهو إعارة.
(واستحسنه محمد للعادة)
أي: أجاز محمد شرى الثمرة إذا تناهى عظمها، بشرط الترك استحساناً لتعارف الناس به، (ولو اشتراها مطلقاً)
أي: لو اشترى الثمر التي لم يتناه عظمها من غير شرط الترك، وتركها تصدق بما زاد في
(2)
ذاته، بأن يقوِّم ذلك قبل الإدراك، ويقوِّم بعد الإدراك، فيتصدق بما زاد من قيمته إلى وقت الإدراك
(3)
، ولكن من وقت البيع؛ لأن الزيادة حصلت بقوة الأرض المغصوبة؛
(لأن هذا تغير حالة)
أي: من النيء إلى النضج، لا يتحقق زيادة في الجسم؛ لأن الكلام فيما إذا تناهى عظمها لعدم التعارف؛ لأن التعارف لم يجر فيما
(4)
بين الناس، باستئجار الأشجار والحاجة، أي ولعدم الحاجة؛ لأن الحاجة إلى ترك الثمار على النخيل إنما يتعين إن لو لم يكن له مخلص سوى الاستئجار، وههنا يمكن للمشتري أن يشتري الثمار مع أصولها، فيتركها على الأشجار على ما ذكرنا، فلا يجوز له الاستئجار الذي هو غير متعارف، فبقى الإذن معتبراً، فيطيب له الفضل
(5)
.
فإن قيل: لا نسلِّم بقاء الإذن، فإن الإذن إنما يثبت في ضمن الإجارة، فلما بطلت الإجارة التي هي المتضمنة بطل الإذن المبني عليهما
(6)
، لما أن بطلان المتضمِّن يوجب بطلان المتضمَّن كالوكالة الثابتة في ضمن الرهن، يبطل الوكالة عند بطلان الرهن
(7)
.
(1)
"لو" زيادة في (ب).
(2)
"على"في (ب).
(3)
سقطتا من (ب).
(4)
"فيها" في (ب).
(5)
قال في الهداية: "وإن اشتراها مطلقاً وتركها على النخيل وقد استأجر النخيل إلى وقت الإدراك طاب له الفضل؛ لأن الإجارة باطلة؛ لعدم التعارف والحاجة، فبقي الإذن معتبراً، بخلاف ما إذا اشترى الزرع واستأجر الأرض إلى أن يدرك وتركه حيث لا يطيب له الفضل؛ لأن الإجارة فاسدة للجهالة فأورثت خبثاً" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 947).
(6)
"عليها" في (ب).
(7)
قال الكاساني: "وأما بيان ما ينعزل به العدل ويخرج عن الوكالة وما لا ينعزل، فنقول: التسليط على البيع إما أن يكون في عقد الرهن، وإما أن يكون متأخراً عنه، فإن كان في العقد فعزل الراهن العدل لا ينعزل من غير رضا المرتهن؛ لأن الوكالة إذا كانت في العقد كانت تابعة للعقد، فكانت لازمة بالعقد، فلا ينفرد الراهن بفسخها، كما لا ينفرد بفسخ العقد، وكذا لا ينعزل بموت الراهن، ولا بموت المرتهن؛ لما ذكرنا أن الوكالة الثابتة في العقد من توابع العقد، والعقد لا يبطل بالموت، فكذا ما هو من توابعه، وإن كان التسليط متأخراً عن العقد فللراهن أن يعزله، وينعزل بموت الراهن أيضاً؛ لأن التسليط المتأخر عن العقد توكيل مبتدأ، فينعزل الوكيل بعزل الموكل وموته وسائر ما يخرج به الوكيل عن الوكالة. " بدائع الصنائع (6/ 151).
قلنا: الحال لا يخلو: إما إن كان رب النخيل عالِماً ببطلان الإجارة، أو لم يكن، فإن كان فظاهر؛ لأن الإذن حينئذ كان متفرداً عن الإجارة، فصار كأنه لم يكن فيه إجارة أصلاً، وإن لم يكن عالِماً أنزل عالِماً؛ لأن الجهل في دار الإسلام ليس بعذر
(1)
، وكان الإذن متفرداً عن الإجارة تقديراً
(فاسدة للجهالة)
أي: لجهالة وقت إدراك
(2)
/ الثمار
(ولو اشتراها مطلقاً)
أي: لو اشترى الثمار مطلقاً عن قيد شرط الترك على النخيل؛ لتعذر التميز بين الثمر الذي خرج بعد البيع وبين الثمر الذي كان خارجاً قبل البيع
(3)
(لأنه في يده)
فيكون الظاهر شاهداً له، فلذلك كان القول قوله، كما في سائر الأملاك.
[بيع الثمرة بشرط الإستثناء منها]
ولا يجوز أن تبيع ثمرة ويستثني منها أرطالاً
(4)
معلومة
أطلق الرواية ولم يقيد بأن البيع في الثمر على رؤوس النخيل، أو في ثمرة مجدودة.
وما ذكر في شرح الطحاوي يدل على أن الحكم فيهما سواء، فقال:"وههنا إذا باع الثمر على رؤوس النخيل إلا صاعاً منها يجوز البيع؛ لأن المستثنى معلوم، كما إذا كان الثمر مجدوداً موضوعاً على الأرض، فباع الكل إلا صاعاً يجوز"
(5)
.
وروى الحسن بن زياد
(6)
أنه لا يجوز، كما قال الطحاوي في الكتاب [كذا في شرح الطحاوي، وكأن ما ذكره أولاً في الكتاب
(7)
بأنه لا يجوز كان على رواية الحسن ابن زياد راجعة إلى الصورتين في شرح الطحاوي]
(8)
؛ لأن الباقي بعد الاستثناء مجهول فيفسد.
(1)
قال في التيسير: "ولهم: الجهل في دار الإسلام ليس بعذر؛ لاستفاضة الأحكام وشيوعها فيها، والاستفاضة فيها أقيمت مقام العلم: فعلى هذا كون الجهل عذراً يخص بابتداء الإسلام، لكن مقتضى الدليل ما ذكرناه؛ إذ لا وجه لإقامة الاستفاضة في غير بلده مقام العلم، وإن كان بعيداً، اللهم إلا أن يؤاخذ بترك المهاجرة لطلب العلم مع قدرته عليها". تيسير التحرير (4/ 225)، فتح القدير (2/ 512).
(2)
"إدراك" في (ب)، وفي (أ)"الإدراك".
(3)
قال في الهداية: "ولو اشتراها مطلقاً فأثمرت ثمراً آخر قبل القبض فسد البيع؛ لأنه لا يمكنه تسليم المبيع لتعذر التمييز" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 947).
(4)
الرطل -بكسر الراء وفتحها وكسر الراء أفصح-: معيار يوزن به، وللعلماء في مقدار الرطل العراقي ثلاثة أقوال:
الأول: أصحها، أنه مائة درهم وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم.
الثاني: مائة وثمانية وعشرون.
الثالث: مائة وثلاثون، وإذا أطلق في كتب الفقهاء فالمراد به رطل بغداد، الرطل = 12 أوقية (450 جراماً). المصباح المنير (1/ 230)، معجم المصطلحات (2/ 156).
(5)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي (3/ 52).
(6)
الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، صاحب الإمام أبي حنيفة. قال يحيى ين آدم: ما رأيت أفقه من الحسن بن زياد، ولي القضاء بالكوفة، ثم استعفي عنه. توفي سنة أربع ومائتين رحمه الله تعالى. الجواهر المضية (1/ 194).
(7)
قال في الهداية: "ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالاً معلومة" خلافاً لمالك رحمه الله؛ لأن الباقي بعد الاستثناء مجهول، بخلاف ما إذا باع واستثنى نخلاً معيناً؛ لأن الباقي معلوم بالمشاهدة. قال رضي الله عنه: قالوا هذه رواية الحسن، وهو قول الطحاوي" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 947).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
فإن قيل: نعم، إنه مجهول، ولكن مجهول بجهالة لا تفضي إلى المنازعة؛ لأن الكلام فيما إذا تراضيا على ذلك على أي مقدار بقي، وكل جهالة لا تفضي إلى المنازعة لا تفسد البيع، كما لو باع قفيزاً من هذه الصبرة.
قلنا: يحتمل أن لا يكون الثمرة إلا قدر المستثنى، فيخلو العقد عن الفائدة، فلا يصح، كما لا يصح مثل هذا في المضاربة لهذا المعنى، فكذا ههنا؛ لأن الأصل أن ما يجوز إيراد العقد عليه بانفراده يجوز استثناؤه من العقد
(1)
، فكذلك في العكس، ينعكس الحكم، فإن ما لا يجوز إيراد العقد عليه بانفراده لا يجوز استثناؤه من العقد، كما هو المذكور عن الكتاب، والمعنى فيه هو أن الاستثناء يقتضي أن يكون المستثنى مقصوداً معلوماً حتى إن استثناء الصفقة من الموصوف لا يصح
(2)
؛ لأن الصفقة تدل على التبعية، والاستثناء يدل على أنه مقصود، وبينهما تناف، ولا يصح، وكذلك لو
(3)
استثنى شيئاً مجهولاً لا يصح في البيع؛ لأن جهالة المستثنى يورث جهالة المستثنى منه، وكذلك إيراد العقد عليه تدل على أنه هو المقصود المعلوم، والاستثناء يصرف في اللفظ، وما كان داخلاً تحت اللفظ كان مقصوداً، فيصح استثناؤه، وما يدخل اللفظ على طريق التبعية لا يصح استثناؤه، كأطراف الحيوان فإنها تدخل عند ذكر الحيوان تبعاً فلا يصح استثناؤها
(4)
.
(1)
قال في كشف الأسرار: "وهذا لأن صحة الإقرار لما ثبت حكماً للوكالة ما دامت الوكالة باقية كان حكمها باقياً؛ لأن الشيء إذا بقي بقي بحكمه، ولأن الاستثناء تصرف لفظي، فيقتصر عمله على ما يتناوله اللفظ، ولا يعمل فيما ثبت بطريق الحكم إلا بنقض الوكالة، أي: لا يملك إبطال إقراره عليه، إلا بأن ينقض الوكالة بالعزل؛ لأنه لما ثبت حكماً للوكالة ينتقض بانتقاضها. وقال محمد رحمه الله: وهو ظاهر الرواية، استثناؤه جائز، وللخصم أن لا يقبل هذا الوكيل؛ لأنه لما جاز استثناء الإقرار لا يمكنه الوصول إلى حقه إلا بإقامة البينة، وربما لا يتمكن من ذلك، فلا يفيده مخاصمته، فكان له أن لا يقبل". كشف الأسرار (3/ 146)، فتح القدير (6/ 292).
(2)
"لا يجوز" في (ب).
(3)
"إذا" في (ب).
(4)
قال في الهداية: "قال: ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالاً معلومة" خلافاً لمالك رحمه الله؛ لأن الباقي بعد الاستثناء مجهول، بخلاف ما إذا باع واستثنى نخلاً معيناً؛ لأن الباقي معلوم بالمشاهدة. قال رضي الله عنه: قالوا هذه رواية الحسن، وهو قول الطحاوي؛ أما على ظاهر الرواية ينبغي أن يجوز؛ لأن الأصل أن ما يجوز إيراد العقد عليه بانفراده يجوز استثناؤه من العقد، وبيع قفيز من صبرة جائز، فكذا استثناؤه، بخلاف استثناء الحمل وأطراف الحيوان؛ لأنه لا يجوز بيعه، فكذا استثناؤه. بدائع الصنائع (5/ 175)، الهداية (3/ 947).
وذكر في الإيضاح "لأن الاستثناء استخراج من الكلام، لو قال: بعت منك هذه الصبرة إلا قفيزاً منها بدرهم فالبيع جائز في جميع الصبرة، إلا في قفيز؛ لأنه استثنى ما يجوز إيراد العقد عليه؛ لأنه لو باع قفيزاً من الصبرة يجوز
(1)
، وبمثله له قال: بعت منك هذا القطيع من الغنم إلا شاة منها بغير عينها بمائة درهم، لا يجوز
(2)
؛ لأنه استثنى ما لا يجوز أبداً
(3)
(إفراد)
(4)
العقد عليه؛ لأنه لو باع شاة من الجملة بغير عينها بمائة درهم [لا يجوز
(5)
.
ولو قال: بعت منك هذا القطيع إلا هذه الشاة بعينها بمائة درهم]
(6)
فالبيع جائز؛ لأنه استثنى ما يجوز إيراد العقد عليه، وكذلك الحكم من جميع العددي المتفاوت، مثل الثياب، والعبيد، والحيوان، بخلاف الكيلي والوزني، والعددي المتقارب، فإن استثناء قدر منه، وإيراد العقد على ذلك القدر فيها جائز؛ لعدم أداء الجهالة إلى المنازعة
(7)
.
فإن قلت
(8)
: ما الفرق بين ما إذا قال الرجل: بعت منك هذا القطيع من الغنم إلا هذه الشاة بعينها بمائة درهم فإنه جائز على ما ذكرت في رواية شرح الطحاوي، وبين ما إذا قال: بعت منك هذا القطيع من الغنم كله على أن لي هذه الشاة الواحدة منه بعينها، فإنه لا يجوز، وفي هذه الصورة استثنى الشاة المعنية من القطيع معنى أيضاً، ومع ذلك لا يجوز.
قلت: أصل هذا الفرق راجع إلى ما ذكرنا من أن الاستثناء يقتضي أن يكون المستثنى مقصوداً؛ وذلك لأن الاستثناء هو التكلم بالباقي بعد (الثنيا) فكانت الشاة المعينة في الاستثناء الحقيقي غير داخلة في البيع من الابتداء، على ما هو الأصل
(9)
، بخلاف قوله على أن لي هذه الشاة الواحدة المعينة فإنها دخلت أولاً في الجملة، ثم خرجت بحصتها من الثمن وهي مجهولة، فيفسد البيع في الكل، ونظير هذا ما لو قال: بعت منك هذا العبد إلا عُشره أنه يصح في تسعة أعشاره، ولو قال: بعته بكذا على أن لي عُشره لم يصح لهذا المعنى، إلى هذا أشار في بيوع الخصائل لنجم الدين رحمه الله
(10)
.
(1)
"و" زيادة في (ب).
(2)
"فالبيع فاسد" في (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
أثبته من (ب).
(5)
"فالبيع فاسد" في (ب).
(6)
كذا في هامش (أ) وهي في (ب).
(7)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 156) تبيين الحقائق (4/ 58)، العناية (6/ 293).
(8)
"قيل" في (ب).
(9)
قال في الاختيار: "والأصل أن ما جاز بيعه ابتداء يجوز استثناؤه، كبيع صبرة إلا قفيزاً، وقفيز من صبرة، بخلاف الحمل وأطراف الحيوان، حيث لا يجوز استثناؤه؛ لأنه لا يجوز بيعه ابتداءً" الاختيار لتعليل المختار (2/ 7).
(10)
الخصائل في الفروع لنجم الدين: عمر بن محمد النسفي، الحنفي. المتوفى: سنة 537، سبع وثلاثين وخمسمائة.
وهو كتاب كبير. والخصائل جمع خصلة، وهي القطعة الكبيرة من اللحم، كما في القاموس. كشف الظنون (1/ 706).
[بيع الحنطة]
ويجوز بيع الحنطة في سنبلها
(1)
والباقلي في قشره
(2)
(3)
فإن قلت
(4)
: ما الفرق بين هذه المسألة وبين ما إذا باع حب قطن في قطن بعينه أو باع نوى تمر في تمر بعينه حيث لا يجوز هناك/ مع أن كلها سواء في أن المبيع موجوداً في غلاف؟.
قلت: "أشار أبو يوسف
(5)
رحمه الله إلى الفرق بينهما، وقال: لأن الغالب في السنبلة الحنطة، ألا ترى أنك تقول:[هذه حنطة وهي في سنبلها، ولا تقول: هذا حب وهو في القطن، وإنما تقول]
(6)
هذا قطن، وكذلك في التمر" كذا في الذخيرة
(7)
.
وذكر في شرح الطحاوي "الأصل أنه إذا باع شيئاً وهو في غلافه قبل الإزالة فإنه لا يجوز، إلا الحنطة في سنبلها، أو سائر الحبوب في سنابلها، والذهب في ترابه، والفضة في ترابها، بخلاف جنسه من الثمن، كما لو باع لبناً في الضرع، أو لحماً
(8)
في الشاة، أو شحمها، أو إليتها
(9)
، أو كارعها، أو جلودها، أرباع دقيقاً في هذه [الحنطة، أو زيتاً في هذا]
(10)
الزيتون، أو دهناً في هذا السمسم، أو عصيراً في العنب من الأشياء التي في خلقتها من حيث لا يمكن أخذها أو قبضها إلا بإفساد الخلقة، فلا يجوز البيع فيها
(11)
.
(1)
سقطتا من (ج).
(2)
وللشافعي قولان، فقال في المهذب:"واختلف قوله في بيع الحنطة في سنبلها، فقال في القديم: يجوز؛ لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد" وقال في الجديد: لا يجوز لأن لا يعلم قدر ما فيه من الحب، ولا صفة الحب، وذلك غرر لا تدعو الحاجة إليه فلم يجز" المهذب (2/ 16).
(3)
المختار للفتوى ص 197.
(4)
"قيل" في (ب).
(5)
"حنيفة" في (ج).
(6)
سقط من (ج).
(7)
المحيط البرهاني (6/ 378).
(8)
"لهما" في (ج).
(9)
"لبنها" في (ج).
(10)
سقط من (ج).
(11)
قال الكاساني: "ولا يجوز بيع الدقيق في الحنطة، والزيت في الزيتون، والدهن في السمسم، والعصير في العنب، والسمن في اللبن، ويجوز بيع الحنطة، وسائر الحبوب في سنابلها؛ لأن بيع الدقيق في الحنطة، والزيت في الزيتون، ونحو ذلك بيع المعدوم؛ لأنه لا دقيق في الحنطة، ولا زيت في الزيتون؛ لأن الحنطة اسم للمركب والدقيق اسم للمتفرق، فلا دقيق في حال كونه حنطة، ولا زيت حال كونه زيتوناً، فكان هذا بيع المعدوم، فلا ينعقد بخلاف بيع الحنطة في سنبلها؛ لأن ما في السنبل حنطة، إذ هي اسم للمركب". بدائع الصنائع (5/ 139).
الأغلاق جمع الغلق -بالتحريك- وهو المغلاق، وهو ما يغلق ويفتح بالمفتاح، كذا في المغرب
(1)
.
[ما يدخل في بيع الدار]
(لأنها مركبة فيها للبقاء)
بخلاف الزرع، فإنه لا يدخل في بيع الأرض؛ لأنه ليس للبقاء
(لأنه بمنزلة بعض منه)
(2)
لأن المفتاح بمنْزلة بعض من الغلق؛ إذ لا ينتفع بالغلق بدون المفتاح، فلذلك يدخل المفتاح وإن كان منفصلاً من الغلق ضرورة دخول الغلق.
فإن قيل
(3)
: لا يصح الاستدلال على دخول المفاتيح بعدم الانتفاع بالغلق بدون المفتاح؛ لما أن الانتفاع بالدار لا يمكن إلا بالطريق، ومع ذلك لا يدخل الطريق في بيع الدار
(4)
.
قلنا
(5)
: شراء الدار قد يكون مقصوداً بدون الطريق؛ لأنه يحتمل أن يكون مراد المشتري أخذ الشفعة بسبب ملك الدار المشتراة، وأما المغلاق فلا يكون مقصوداً للمشتري منفرداً عن الدار، بل يدخل الغلق مع ما يتبعه بطريق التبعية للدار فيدخل بدون الذكر، كما إذا استأجر داراً يدخل الطريق
(6)
بدون الذكر؛ لأنه ليس في استئجار الدار مقصود سوى الانتفاع بها، ولا يتمكن من الانتفاع بالدار إلا بالطريق فيدخل الطريق هنا بدون الذكر، فكذا يدخل الغلق مع المفتاح بدون الذكر هنا
(7)
.
وذكر في الذخيرة "والأصل أن ما كان في الدار من البناء، وما كان متصلاً بالبناء يدخل في بيع الدار من غير ذكر بطريق التبعية، وما لا يكون متصلاً بالبناء لا يدخل في بيع الدار من غير ذكر، إلا إذا كان شيئاً جرى العرف فيه فيما بين الناس أن البائع لا يضمن به ولا يمنعه عن المشتري فحينئذ
(8)
يدخل وإن لم يذكره في البيع، وعن هذا قلنا: إن الغلق -فارسيته كليدان- يدخل في البيع من غير ذكر؛ لكونه متصلاً بالبناء، والمفتاح يدخل استحساناً، ولا يدخل قياساً؛ لأنه غير متصل بالبناء فصار كثوب [موضوع في الدار، إلا أنا استحسنا قلنا بالدخول بحكم العرف؛ لأن العرف فيما بين الناس أن بائع الدار لا يمنع المفتاح]
(9)
عن المشتري، ويسلمون الدار بتسليم المفتاح، وإنما دخل المفتاح من غير ذكر بحكم العرف، وأما القفل ومفتاحه لا يدخل، والسِّلَّم [إن كان متصلاً بالبناء يدخل، سواء كان من خشب أو مَدَر
(10)
، وإن كان غير متصل بالبناء]
(11)
لا يدخل.
(1)
المغرب (ص: 343).
(2)
"أي" في (ب) وفي هامش (أ).
(3)
"قلت" في (ج).
(4)
قال في المحيط: "والطريق ثلاثة: طريق إلى الطريق الأعظم، وطريق إلى سكة غير نافذة، وطريق خاص في ملك إنسان، فالطريق الخاص في ملك الإنسان لا يدخل في البيع من غير ذكر إما نصاً، وإما بذكر الحقوق والمرافق، والطريقان الآخران يدخلان في البيع من غير ذكر"، والشافعية يقولون: يدخل الغلق المسمر في الباب، وفي المفتاح وجهان: أحدهما: يدخل فيه؛ لأنه من مصلحته، فلا ينفرد عنه. والثاني: لا يدخل؛ لأنه منفصل، فلم يدخل، كالدلو والبكرة، والصواب أنه على مفتاح الغلق المثبت فيدخل والمنقول لا يدخل، ولا خلاف في ذلك. المحيط البرهاني (6/ 310)، المهذب (2/ 40)، المجموع (11/ 276).
(5)
"قلت" في (ج).
(6)
سقط من (ب).
(7)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 165).
(8)
في (ب).
(9)
سقط من (ج).
(10)
مدر: المدر قطع الطين اليابس، الواحدة مدرة، والعرب تسمى القرية مدرة. تهذيب اللغة (14/ 86)، الصحاح (2/ 812).
(11)
سقط من (ج).
وذكر في فتاوى قاضي خان في بيع الحمام
(1)
يدخل القدر، أي: المركب في الأرض من غير ذكر في البيع، والقصّاع
(2)
لا يدخل وإن ذكر الحقوق والمرافق
(3)
.
(قوله: ومعنى هذا إذا بيع مكايله)
(4)
فإن قال: بعت هذه الصبرة على أنها عشرة أقفزة، إنما قيد بهذا؛ لأنه إذا باعه مجازفة لا يجب على البائع أجرة المكيال؛ لأنه لا يجب عليه الكيل، فلا يجب أجرته.
[أجرة الكيال وناقد الثمن]
(وكذا على هذا أجرة العداد والوزان)
أي: أجرة عداد المبيع كعد الأغنام، وأجرة وزان المبيع كوزن الحديد، فكان المراد من الوزان ههنا وزان المبيع، وأما أجرة وزان الثمن فعلى المشتري على ما يذكر في الكتاب
(5)
، فقال في الذخيرة
(6)
: "وأجرة الكيال والوزان على البائع؛ لأن الكيل والوزن فيما يباع مكايلة، أو موازنة من تمام التسليم، والتسليم على البائع إنما يكون من تمام تسليمه عليه أيضا". وأما النقد فالمذكور وهو ما ذكر أن أجرة ناقد الثمن على البائع.
(والبائع هو المحتاج إليه؛ لتميز ما تعلق به حقه)
(7)
لتميز الناقد ما تعلق به حق البائع وهو الجيد
(من غيره)
أي: من غير حقه، وهو الرديء.
(وفي رواية من ابن سماعة
(8)
عنه)
(1)
الحمام عربي، وهو مذكر باتفاق أهل اللغة، نقل الاتفاق عليه جماعة، وممن أشار إليه الأزهري مشتق من الحميم وهو الماء الحار. قال: يقال: طاب حميمك وحمياك وحمتك للذي يخرج من الحمام، أي: طاب عرقك، وفي المغني: ولا فرق في الحمام بين مكان الغسل وحبب الماء، وبين بيت المسلخ الذي تنْزع فيه الثياب والأتون وكل ما يغلق عليه باب الحمام. المحكم والمحيط الأعظم (2/ 552)، المطلع (ص: 84)، لسان العرب (12/ 154).
(2)
سبق ترجمتها ص 96.
(3)
ينظر: الفتاوى الهندية (2/ 243) الهامش.
(4)
قال في الهداية: "وأجرة الكيال وناقد الثمن على البائع، أما الكيل فلا بد منه للتسليم، وهو على البائع" الهداية شرح البداية (3/ 948).
(5)
قال القدوري: "وأجرة وزان الثمن على المشتري". مختصر القدروي (ص 79).
(6)
المحيط البرهاني (6/ 303).
(7)
"أي" في (ب) و (ج).
(8)
محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر، أبو جعفر، الفقيه البلخي الهندواني، إمام كبير، من أهل بلخ، يقال له: أبو حنيفة الصغير؛ لفقهه، مات ببخارى فى ذي الحجة سنة اثنتين وستين وثلاث مائة، وهو ابن اثنتين وستين سنة. قلت: يورده المؤلف أحياناً بكنيته فيقول: "أبوجعفر" فتنبه. الجواهر المضية (2/ 68).
أي: عن محمد
(على المشتري)
"وبه كان يفتي الصدر الشهيد
(1)
رحمه الله، ويقول بأن أجرة الناقد على [المشتري.
وروي عن محمد رحمه الله أنه جعل أجرة/ الناقد على]
(2)
من عليه الدين، إلا أن يقبض رب الدين [دينه، ثم يدعي أنه من غير نقد، فيكون الأجر على]
(3)
رب الدين، والفرق بين ما قبل القبض وبين ما بعد القبض على هذه الرواية، أن الواجب على المديون أيضاً إيفاء دراهم مقدرة جيدة، فكان النقد قبل القبض لإيفاء الحق في الجودة، كما أن الوزن لإيفاء الحق في القدر، ثم أجرة الوزان على المديون، فكذا أجرة الناقد، فأما إذا قبض رب الدين فقد دخل في ضمانه، فإذا ادعى أنه خلاف حقه كان هو المحتاج إلى النقد ليتمكن من الرد، وذلك يقع لرب الدين، فيكون الأجر عليه"
(4)
.
(فتقدم دفع الثمن ليتعين حق البائع بالقبض تحقيقاً للمساواة)
أي: في تعين حق كل واحد منهما وتحقيقاً للمساواة في المالية أيضاً؛ لأن الدين أنقص من العين ولو كان المبيع غائباً عن حضرتهما فللمشتري أن يمتنع عن تسليم الثمن حتى يحضر المبيع؛ ليتمكن من قبضه عقيب تسليم الثمن
(5)
، كذا في المغني
(6)
.
(1)
الصدر الشهيد هو: عمر بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة، أبو محمد، حسام الدين، إمام الفروع والأصول، تفقه على أبيه برهان الدين الكبير، له "الفتاوى الصغرى" و"الفتاوى الكبرى" وشرح "أدب القضاء" للخصاف وشرح "الجامع الصغير"، رزقه الله الشهادة بسمرقند سنة ست وثلاثين وخمسائة. الفوائد البهية للكنوي ص 242.
(2)
سقط من (ج).
(3)
سقط من (ج).
(4)
قال في الكتاب: "ومن باع سلعة بثمن قيل للمشتري: ادفع الثمن أولاً، فإذا دفع قيل للبائع: سلم البيع، ومن باع سلعة بسلعة أو ثمناً بثمن قيل لهما: سلماً معاً". مختصر القدوري (ص: 79)، المحيط البرهاني (6/ 303).
(5)
قال في البدائع: "وليس للمشتري أن يمتنع من تسليم الثمن إلى البائع حتى يقبض المبيع إذا كان المبيع حاضراً؛ لأن البيع عقد معاوضة، والمساواة في المعاوضات مطلوبة المتعاوضين عادة، وحق المشتري في المبيع قد تعين بالتعيين في العقد، وحق البائع في الثمن لم يتعين بالعقد؛ لأن الثمن في الذمة فلا يتعين بالتعيين إلا بالقبض فيسلم الثمن أولاً ليتعين فتتحقق المساواة، وإن كان المبيع غائباً عن حضرتهما فللمشتري أن يمتنع عن التسليم حتى يحضر المبيع؛ لأن تقديم تسليم الثمن لتتحقق المساواة، وإذا كان المبيع غائباً لا تتحقق المساواة بالتقديم، بل يتقدم حق البائع، ويتأخر حق المشتري؛ حيث يكون الثمن بالقبض عيناً مشاراً إليه، والمبيع لا؛ ولأن من الجائز أن المبيع قد هلك، وسقط الثمن عن المشتري، فلا يؤمر بالتسليم إلا بعد إحضار المبيع" بدائع الصنائع (5/ 237).
(6)
تبيين الحقائق (4/ 14)، العناية شرح الهداية (6/ 297).
والله أعلم بالصواب.
(باب خيار الشرط)
(1)
:
لما ذكر أحكام العلة التامة، وهي علة اسماً ومعنًى وحكماً، وهي
(2)
الأصل
(3)
شرع في بيان الأحكام العلة التي هي ناقصة في العلِّية فإنها علة اسماً ومعنًى لا حكماً، وهي البيع بشرط الخيار [أو تقول: البيع نوعان: لازم وغير لازم، فاللازم ما لا خيار فيه بعد وجود شرائطه، وغير اللازم ما فيه الخيار]
(4)
(5)
.
[أنواع الخيار وموانع البيع]
والخيار في البيع أنواع أربعة: خيار الشرط، وخيار الرؤية، وخيار العيب، وخيار التعيين، فقدم اللازم لكماله، ثم قدم خيار الشرط على سائر الخيارات المتقدمة
(6)
عليها؛ لأن خيار الشرط يمنع ابتداء الحكم، وخيار الرؤية يمنع تمام الحكم، وخيار العيب يمنع لزوم الحكم.
ثم اعلم أن الموانع على خمسة أقسام حساً
(7)
وحكماً
(8)
:
فمانع يمنع أصل العلة كانقطاع الوتر وانكسار قوس
(9)
السهم يمنع فعل الرمي بعد تمام قصد الرامي إلى مباشرته، نظيره في الحكميات إضافة البيع إلى الحر، فإن الحرية تمنع انعقاد أصل العلة.
ومانع يمنع تمام العلة، كإصابة السهم
(10)
حائطاً أو شجرة ترده عن سننه، نظيره في الحكميات إضافة البيع إلى مال الغير.
[ومانع يمنع ابتداء الحكم، كدفع المرمى إليه السهم عن نفسه بترس يجعله أمامه، وفي الحكميات اشتراط خيار البائع]
(11)
.
ومانع يمنع تمام الحكم، كمداوة الجراحة بعدما أصابه حتى اندمل
(12)
وبرأ، وفي الحكميات خيار الرؤية للمشتري.
(1)
سقطت هذه الجملة من (أ).
(2)
سقط من (ب).
(3)
طمس من (ب).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(5)
قال قطلوبغا: "والثالث: علّة اسماً ومعنى لا حكماً، كالبيع بشرط الخيار، فإن البيع علة للملك اسماً؛ لأنه موضوع له، ومعنى؛ لأنه هو المؤثر في ثبوت الملك، لا حكماً، وهو ثبوت الملك متراخٍ". تقويم الأدلة (ص: 382)، خلاصة الأفكار (ص: 176).
(6)
"لتقدمه" في (ب).
(7)
سقط من (ج).
(8)
ينظر مسألة تخصيص العلة وأقسامها إلى: أصول السرخسي (2/ 313)، تقويم الأدلة (ص: 374)، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (4/ 187).
(9)
"قوس" في (ب)، وفي (أ)"فوق" والصحيح ما أثبت.
(10)
"عن مصله" زيادة في (ج).
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(12)
الدمل: أصل بناء اندمل الجرح، إذا برأ. قال ذو الرمة:
هواك الذي ينهاض بعد اندماله
…
كما هاض حاد متعب صاحب الكسر.
جمهرة اللغة (2/ 681)، شمس العلوم (4/ 2167).
ومانع يمنع لزوم الحكم، كصيرورة لمجروح صاحب فراش متطاولاً حتى أمن الموت في
(1)
تلك الجراحة بمنْزلة صاحب الفالج، وفي الحكميات خيار العيب فإنه يمنع لزوم الحكم حتى يتمكن من رده بعد تمام الصفقة بالقبض.
ثم قولنا: خيار الشرط من قبيل إضافة الحكم إلى سببه على ما هو الأصل، فكذا خيار الرؤية وخيار العيب، وكان من حق الشرط أن لا يدخل في البيع؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى من بيع وشرط
(2)
، ولأن في الشرط معنى
(3)
الغرر، وفيه معنى القمار
(4)
، فلا يليق ذلك في الإثباتات، وإنما يليق في الإسقاطات ليحصل به التعليق، ولكن لما وردت السنّة بثبوت خيار الشرط في البيع بحديث حبان بن منقذ
(5)
رضي الله عنه
(6)
لم يكن بد من العمل به، فأظهرنا
(7)
عمله في حق منع الحكم، لا في منع السبب تقليلاً لعمله بقدر الإمكان، بخلاف ما إذا دخل الشرط في الإسقاطات، حيث أظهرنا عمله في السبب بالإعدام
(8)
تكميلاً لمحل عمله؛ لأنه لما كان السبب معدوماً بالشرط كان الحكم معدوماً أيضاً؛ لأن الحكم مبني عليه.
(1)
"من" في (ج) ".
(2)
أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ: "حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع وشرط، البيع باطل، والشرط باطل» باب العين، من اسمه عبدالله، رقم (4361) و (4/ 335)، وفي مسند أبي حنيفة من رواية أبي نعيم، باب العين، روايته عن عمرو بن شعيب (1/ 160) قال في البدر المنير: "قلت: وفي الباب حديث قريب منه، وهو ما رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، في سننهم، وابن حبان في «صحيحه» (و) الحاكم في «مستدركه» من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك» هذا لفظهم خلا ابن حبان، فإن لفظه:«أنه عليه السلام كتب إلى أهل مكة: لا يجوز شرطان في بيع، ولا بيع وسلف جميعاً، ولا ربح ما لم يضمن» قال الترمذي: حديث حسن. البدر المنير (6/ 499).
(3)
سقطتا من (ج).
(4)
القمار: المقامرة وتقامروا: لعبوا القمار، وقامره فقمره، من باب ضَرَبَ: غلبه في لعب القمار، وقامره فقمره من باب نصر فَاخَرَه في القمار فغلبه، والقمار: مصدر قامر، هو كل لعب يشترط فيه غالباً أن يأخذ الغالبُ شيئاً من المغلوب، وأصله أن يأخذ الواحدُ من صاحبه شيئاً فشيئاً في اللعب، ثم عَرَّفوه بأنه تعليقُ الملك على الخطر والمال في الجانبين. مختار الصحاح (ص: 260)، التعريفات الفقهية (ص: 177).
(5)
حبان -بفتح الحاء المهملة وبالباء المعجمة بواحدة- فهو حبان بن منقذ بن عمرو بن مالك الأنصاري، له صحبة، شهد أحداً، وتوفى حبان فى خلافة عثمان. الإكمال (2/ 303)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 884)، تهذيب الأسماء واللغات (1/ 152).
(6)
أخرج الحاكم في المستدرك من حديث محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: كان حبان بن منقذ رجلاً ضعيفاً، وكان قد سفع في رأسه مأمومة، فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار فيما اشترى ثلاثاً، وكان قد ثقل لسانه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بع وقل: لا خلابة» فكنت أسمعه يقول: لا خذابة، لا خذابة، وكان يشتري الشيء ويجيء به أهله، فيقولون: هذا غال فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خيرني في بيعي. قلت: وسيأتي تخريجه.
(7)
"فظهر" في (ج).
(8)
"الانعدام" في (ب).
وذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله في أصول الفقه: "أن البيع بشرط الخيار للبائع علة اسماً ومعنًى لا حكماً؛ لأن خيار الشرط داخل على الحكم، لا على أصل البيع، وكان القياس أن لا يجوز اشتراط الخيار
(1)
في البيع لمعنى الغرر، إلا أنا لو أدخلنا الشرط على أصل السبب دخل على الحكم ضرورة، ولو أدخلناه على الحكم خاصة لم يكن داخلاً على أصل السبب، فكان معنى الغرر والجهالة في هذا أقل"
(2)
.
ثم الكلام في خيار الشرط في مواضع:
[خيار الشرط الفاسد]
أحدها: في
(3)
بيان [شرط الخيار الذي هو مفسد]
(4)
، وشرط الخيار الذي هو ليس بمفسد.
والثاني: في بيان مقدار مدة
(5)
الخيار.
والثالث: في بيان ما يسقط به الخيار.
والرابع: في بيان عمل الخيار وحكمه.
والخامس: في بيان كيفية الفسخ والإجارة.
أما الأول: فالخيار لمفسد ثلاثة أنواع:
أحدها: ذكر الخيار مؤبداً بأن قال: بعت إذا اشتريت على أني بالخيار أبداً.
والثاني: أن يذكر مطلقاً ولم يبين وقتاً أصلاً، فإن قال: على أني بالخيار.
[والثالث: أن يذكر وقتاً مجهولاً بأن قال: على أني بالخيار]
(6)
أياماً.
فالجواب/ في هذه الأنواع الثلاثة، أن البيع فاسد.
[خيار الشرط االمشروع وما يسقطه]
وأما الخيار المشروع فنوع
(7)
واحد، وهو أن يذكر وقتاً معلوماً ولم يجاوز عن ثلاثة أيام
(8)
.
وأما بيان ما يسقط [به الخيار، فنقول: إن الخيار بعد ثبوته يسقط بمعان ثلاثة:
• إما بالإسقاط صريحاً.
• أو بالإسقاط]
(9)
دلالة.
• أو بطريق الضرورة.
فالضرورة
(10)
أن يقول: أسقطت الخيار، أو أبطلت، أو أجزت البيع، بطل الخيار؛ لأن الخيار
(11)
شرع للفسخ، فإذا سقط الخيار والأصل هو لزوم العقد عاد الأصل، وكذلك إذا قال: فسخت العقد وأنقضته، أو أبطلته يسقط؛ لأن الخيار هو التخير بين الفسخ والإجازة، فأيهما وجد يسقط الخيار.
(1)
سقط من (ب).
(2)
أصول السرخسي (2/ 314).
(3)
سقط من (ب).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(5)
سقط من (ب).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(7)
سقط من (ج).
(8)
"أي هذا بالاتفاق، وأما إذا ذكر وقتاً معلوماً زائداً على الثلاثة أيام فمشروع عند أبي يوسف ومحمد أيضاً" في (ب).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(10)
"فالصريح" زيادة في (ب) و (ج).
(11)
سقطتا من (ج).
وأما الإسقاط بطريق الدلالة فهو أن يوجد ممن له الخيار تصرف يدل على إبقاء الملك حتى إذا كان الخيار للمشتري فعرضه على البيع يبطل خياره؛ لأن عرض المشتري المبيع على البيع لاختياره الثمن، ولا يصير الثمن ملكاً له إلا بعد ثبوت الملك في المبدل، فيصير مختار للملك، ولا
(1)
يكون ذلك إلا بإبطال الخيار، فيبطل بطريق الدلالة، وكذلك إذا كان الخيار للبائع في الأصح، ولو أن المشتري إذا كان
(2)
الخيار فباعه، أو أعتقه، أو دبره، أو كاتبه
(3)
، أو رهنه، أو وهبه، سلم أو لم يسلم، أو أجر، فإن هذا كله منه اختيار الإجارة؛ لأن نفاد هذه التصرفات مختص بالملك، فكان الإقدام عليها دليل الملك، وذلك بالإجارة.
وأما سقوط الخيار بطريق الضرورة، فمضي المدة؛ لأن الخيار مؤقت بها فينتهى الخيار عنه انتهاء المدة ضرورة، فيبقى العقد بلا خيار، فيلزم العقد، وكذلك موت
(4)
من شرط له الخيار فإن الخيار يسقط بالموت ولا يورث.
وأما عمل خيار الشرط وحكمه فقال علماؤنا: إن البيع بشرط الخيار
(5)
لا ينعقد في حق الحكم، بل هو موقوف إلى وقت
(6)
سقوط الخيار
(7)
، فيعرف حينئذ، "وأما كيفية الفسخ والإجارة فهي على ضربين:
• أحدهما: بطريق الضرورة.
والآخر: بطريق القصد والاختيار.
[حكم خيار الشرط وأوجه المبيع به]
أما الفسخ والإجارة بطريق الضرورة، يصح من غير حضرة خصمه وعلمه، كمضي مدة الخيار، وهلاك المبيع ونقصانه.
وأما بطريق القصد والاختيار، فهل يشترط فيه حضرة خصمه وعلمه؟، تذكر فيما بعد إن شاء الله. كذا في التحفة"
(8)
.
(قوله: خيار الشرط
(9)
جائز في البيع للبائع والمشتري)
…
(1)
"يصر" زيادة في (ب).
(2)
"له" زيادة في (ب) و (ج).
(3)
"كان" في (ج).
(4)
"موه" في (ج).
(5)
سقطتا من (ب).
(6)
سقطتا من (ج).
(7)
"الحكم" في (ب).
(8)
تحفة الفقهاء (2/ 79).
(9)
صفة خيار الشرط: "صفته: فهي أنه بيع غير لازم؛ لأن الخيار يمنع لزوم الصفقة قال سيدنا عمر رضي الله عنه: البيع صفقة أو خيار؛ ولأن الخيار هو التخيير بين البيع والإجازة، وهذا يمنع اللزوم، كخيار العيب، وخيار الرؤية، ثم الخيار كما يمنع لزوم الصفقة فعدم القبض يمنع تمام الصفقة؛ لأن الثابت بنفس البيع ملك غير متأكد، وإنما التأكد بالقبض، وعلى هذا يخرج ما إذا كان المبيع شيئاً واحداً، أو أشياء، أنه ليس لمن له الخيار أن يجيز البيع في البعض دون البعض من غير رضا الآخر، سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري، وسواء كان البيع مقبوضاً أو غير مقبوض؛ لأن الإجازة في البعض دون البعض تفريق الصفقة في اللزوم، وكما لا يجوز تفريق أصل الصفقة، وهو الإيجاب والقبول، إلا برضا العاقدين، بأن يقبل البيع في بعض المبيع دون البعض بعد إضافة الإيجاب والقبول إلى الجملة، ويوجب البيع بعد إضافة القبول إلى جملته لا يجوز في وصفها، وهو أن يلزم البيع في البعض دون البعض إلا برضاهما. " بدائع الصنائع (5/ 264).
ولهما وكذلك بغيرهما على ما يجيء ذكره في هذا الباب، وذكر في شرح الطحاوي.
أما البيع بشرط الخيار فعلى أربعة أوجه:
إما أن يكون بشرط الخيار للبائع، أو المشتري، أولهما جميعاً، أو شرط أحدهما الخيار لغيره. وذكر في المبسوط: "وإذا اشترط أحد المتابعين الخيار لإنسان من أهله، أو في غيرهم، فهو جائز عندنا بمنْزلة اشتراطه لنفسه، وقال زفر
(1)
رحمه الله: لا يجوز"
(2)
على ما يجيء في الكتاب.
وفي التحفة: "وقال سفيان الثوري
(3)
، وابن شبرمة
(4)
-رحمها الله-: إن كان الخيار
للمشتري يجوز، وإلا فلا، وأصل هذا أن اشتراط الخيار كيف ما كان شرط ينافي موجب
(5)
العقد، وهو ثبوت الملك عند العقد، وإنما عرفنا جوازه بحديث حبان بن منقذ
(6)
، بخلاف القياس إلا إذا كان في معناه"
(7)
.
ثلاثة أيام بالرفع على الابتداء، أو بالنصب على الظرفية، أي في ثلاثة أيام.
حبان ومنقذ -بفتح الحاء المهملة، وبالياء منقطة تحتانية- روى هذا الحديث باللفظ الذي ذكر في الكتاب
(8)
، وهو قد كان يغبن عن البياعات لمأمومة أصابت رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بايعت فقل: لا خلابة
(9)
ولي الخيار ثلاثة أيام»
(10)
، وكان ألثغ
(11)
باللام، وكان يقول: لا خذا به" كذا في المبسوط
(12)
.
(1)
زفر بن الْهُذيْل بن قيس الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ، تكَرر ذكره في الهداية والخلاصة، قَالَ ابْن معِين: ثِقَة مَأْمُون. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ فَقِيهاً حَافِظًا قَلِيل الخطأ، ولد سنة عشر وَمِائَة، وَتُوفِّي بِالْبَصْرَةِ سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَة، وَله ثَمَان وَأَرْبَعين سنة. انظر: الطبقات الكبرى (6/ 361)، الثقات لابن حبان (ج 6/ ص 339)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (ج 1/ ص 243).
(2)
المبسوط للسرخسي (13/ 47).
(3)
هو أبو عبد الله، سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله الثوري، الكوفى، الإمام الجامع لأنواع المحاسن، تابعي التابعين. واتفق العلماء على وصفه بالبراعة فى العلم بالحديث، والفقه، والورع، والزهد، وخشونة العيش. توفى بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة. تهذيب الأسماء واللغات (1/ 222 - 223)، وفيات الأعيان (2/ 386)، الوافي بالوفيات (15/ 174).
(4)
ابن شبرمة، عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان بن المنذر بن ضرار بن عمرو، الضبى الكوفى التابعي، فقيه أهل الكوفة، روى عن الشعبى، وابن سيرين، وآخرين. روى عنه السفيانان، وشعبة، ووهيب، وغيرهم.
توفى سنة أربع وأربعين ومائة. تهذيب الأسماء واللغات (1/ 272)، سير أعلام النبلاء (6/ 347).
(5)
سقط من (ب).
(6)
سبق ترجمته ص 143.
(7)
تحفة الفقهاء (2/ 66).
(8)
قال في الهداية: "والأصل فيه ما روي أن حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه كان يغبن في البياعات، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:«إذا بايعت فقل: لا خلابة، ولي الخيار ثلاثة أيام» . الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 949).
(9)
خلابة يعني الخداع يقال منه: خلبته أخلبه خلابة إذا خدعته. غريب الحديث للقاسم بن سلام (2/ 243).
(10)
رواه الحاكم في المستدرك، من حديث محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: كان حبان بن منقذ رجلاً ضعيفاً، وكان قد سفع في رأسه مأمومة، فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار فيما اشترى ثلاثاً، وكان قد ثقل لسانه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بع وقل: لا خلابة» ، فكنت أسمعه يقول: لا خذابة، لا خذابة، وكان يشتري الشيء ويجيء به أهله، فيقولون: هذا غال فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خيرني في بيعي. كتاب البيوع، وأما حديث إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، رقم (2201)، (2/ 26). والبيهقي في السنن الصغير والكبير، كتاب البيوع، باب خيار المتابعين، رقم (1870)، (2/ 242)، والكبير، كتاب البيوع، باب الدليل على أن لا يجوز الخيار في البيع أكثر من ثلاثة أيام، رقم (10458)، (5/ 449).
(11)
اللثغة في اللسان، هو أن يصير الراء غيناً أو لاماً، والسين ثاءً. وقد لثغ -بالكسر- يلثغ لثغاً، فهو ألثغ، وامرأة لثغاء.
فاللَّثَغَةُ الفَمُ، واللُّثْغةُ ثِقَلُ اللسانِ بِالْكَلامِ، وَهُوَ أَلْثَغُ بيِّنُ اللُّثْغةِ وَلا يُقَالُ: بَيِّنُ اللَّثَغةِ، الصحاح (4/ 1325)، المصباح المنير (2/ 549)، لسان العرب (8/ 448).
(12)
المبسوط للسرخسي (13/ 40).
(فصار كالتأجيل بالثمن)
أي: جوز قليله وكثيره، وإن من كان
(1)
يخالف مقتضى العقد لأجل الحاجة، وجواب أبي حنيفة رضي الله عنه عن التأجيل، هو أن الأجل يشترط للقدرة على الأداء، والقدرة على الأداء يكون بالكسب، والكسب في مرة لا يثبت له القدرة، فلابد من مدة طويلة، كذا في الجامع الصغير لصدر الإسلام رحمه الله
(2)
.
وذكر في الأسرار
(3)
: "هذا بخلاف الأجل (لأن الأجل)
(4)
وإن أخر المطالبة بخلاف موجب العقد، وقد تبين صفة للثمن بأن كان مؤجلاً، وأنه صفة له يوجب ضرب نقصان فيه كصفة الرداءة
(5)
على ما عرف، فكان ملائماً من حيث إنه بين صفة له، كما إذا اشترى عبداً على أنه سارق، أو آبق، فإنه يصح؛ لأنه عيب به، وبيان عوض البيع بما يوجب العقد فإنه مما يفسد بالجهالة، ويصح بالإعلام".
وذكر في المبسوط: "وأبو حنيفة رحمه الله استدل بالحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدر الخيار بثلاثة أيام
(6)
، والتقدير الشرعي إما أن يكون لمنع الزيادة والنقصان، أو لمنع أحدهما، وهذا التقدير ليس لمنع النقصان
(7)
، فإن اشتراط الخيار/ دون ثلاثة أيام يجوز فعرفنا أنه لمنع الزيادة، إذا لو لم تمنع الزيادة لم يبق لهذا التقدير فائدة، وما نص عليه صاحب الشرع في التقدير لا يجوز إخلاؤه عن الفائدة؛ لأنه ما كان يجازف في بيان الأحكام، ثم بسبب اشتراط الخيار يتمكن معنى الغرر، بزيادة المدة يزداد الغرر، وقد كان القياس أن لا يجوز اشتراط الخيار في البيع أصلاً، وهو قياس يشده الأثر
(8)
فإنه صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الغرر»
(9)
غير أنا تركنا القياس في مدة الثلاثة؛ لورود الأثر فيه.
(1)
سقط من (ب).
(2)
سبق ترجمته ص 95.
(3)
الأسرار (1/ 308 - 309).
(4)
(في (ب) وهي في هامش (أ).
(5)
" الزيادة " في (ب).
(6)
أخرجه الدارقطني في سننه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخيار ثلاثة أيام» كتاب البيوع، رقم (3012)، (4/ 11)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب الدليل على أن لا يجوز شرط الخيار في البيع أكثر من ثلاثة أيام، رقم (10461)، (5/ 460) هذا الحديث غير مخرج في "السنن"، وقال الذهبي: لم يثبت. تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (4/ 13)، تنقيح التحقيق للذهبي (2/ 70)، نصب الراية (4/ 8).
(7)
زيادة في (ب)[الزيادة لا] وهذه ليست في المرجع لما نقل كلام أبي حنيفة.
(8)
"أي يقويه" كذا في (أ) فوق كلمة "يشد الاثر".
(9)
أخرجه مسلم في صحيحه وزاد "وعن بيع الحصاة" من حديث أبي هريرة، في كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة، والبيع الذي فيه غرر، رقم (1513)، (3/ 1153)، وأبو داود في سننه، أول كتاب البيوع، باب في بيع الغرر، رقم (3376)، (5/ 259)، وابن ماجه في سننه، من حديث ابن عباس رضي الله عنه، كتاب أبواب التجارات، باب النهي عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر، رقم (2193)، (3/ 314).
وجواز العقد مع القليل من الغرر لا يدل على الجواز عند كثرة الغرر، وبه فارق الكفالة؛ لأنها تحتمل الغرر والخظر، ألا يرى أنه يجوز تعليق أصل الكفالة، بأن يقول: ما ذاب لك على فلان فهي علي، وبه فارق خيار العيب والرؤية؛ لأنه لا يتمكن الغرر بسببه، وفي حديث عمر
(1)
رضي الله عنه أنه أجاز الخيار
(2)
، وليس فيه بيان خيار الشرط، ولعلّ المراد به خيار الرؤية أو العيب، وأنه أجاز الرؤية بعد الشهرين"
(3)
.
(وله أنه أسقط المفسد قبل تقرره
(4)
[المدة في خيار الشرط]
أي: قبل مضي ثلاثة أيام، وأبو حنيفة رحمه الله يقول: أصل اشتراط الخيار غير مفسد للعقد، وإنما المفسد اتصال اليوم الرابع بالأيام الثلاثة
(5)
، والاتصال ذكراً بعرض الفصل بالإسقاط قبل مجيء اليوم الرابع، فإذا سقط فقد تحقق الانفصال، وزال المعنى المفسد، فبقي العقد صحيحاً، كما لو باع جذعاً في سقف ثم نزعه وسلمه، وإذا مضى جزء من اليوم الرابع فقد تحقق الاتصال في ذلك الجزء وجوداً
(6)
على وجه لا يمكن فصله بالإسقاط؛ لأن عمل الإسقاط فيما بقي لا فيما استوفى، فلهذا لا ينقلب العقد صحيحاً باختياره، ويستوي فيما ذكرنا أن يكون الخيار للبائع والمشتري، كذا ذكره الإمام السرخسي في الجامع الصغير
(7)
.
(1)
بعد البحث وجدت أن هذا الأثر عن ابن عمر، وليس عن عمر، ومعظم كتب الأحناف كذلك، وهذا موافق لمتن الهداية، قال:"وقالا: يجوز إذا سمى مدة معلومة لحديث ابن عمر رضي الله عنه أنه أجاز الخيار إلى شهرين" الهداية (3/ 949).
(2)
قال الزيلعي في نصب الراية (4/ 8): غريب جداً. وقال في البناية (8/ 50): "هذا غريب جداً، والعجب من الأكمل أنه قال: ولهما حديث ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الخيار إلى شهرين» ونفس إسناده إلى ابن عمر لم يصح، فكيف يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الأترازي: وقد روى أصحابنا في شروح "الجامع الصغير": أن ابن عمر شرط الخيار شهرين، كذا ذكر فخر الإسلام. وقال العتابي: إن عبد الله بن عمر باع بشرط الخيار شهراً، وقال في "المختلف" روي عن ابن عمر أنه باع جارية وجعل للمشتري الخيار شهراً، وكل هذا لم يثبت".
(3)
المبسوط السرخسي (13/ 41 - 42).
(4)
ينظر: شرح فتح القدير (6/ 280).
(5)
ينظر: المحيط البرهاني (7/ 170).
(6)
"وجوبا"في (ب).
(7)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 42).
واختلف مشائخنا في حكم هذا العقد في الابتداء على قول أبي حنيفة رحمه الله فمنهم من يقول: هو فاسد ثم ينقلب صحيحاً بالإسقاط قبل اليوم الرابع، وهو مذهب أهل العراق، والأوجه أنه موقوف، فإذا مضى جزء من اليوم الرابع فسد العقد الآن، وهو مذهب أهل خراسان، وإليه مال الإمام السرخسي
(1)
رحمه الله كذا في الذخيرة
(2)
والفوائد الظهيرية
(3)
، وبه قال الإمام قاضي خان رحمه الله ولأبي حنيفة رحمه الله أن شرط الخيار أربعة أيام ما كان مفسداً لعينه، بل لما فيه من تغير مقتضى العقد في اليوم الرابع، ويعتبر مقتضى العقد في اليوم الرابع لا يتحقق قبل دخول اليوم الرابع، وإنما فسد العقد في الحال بحكم الظاهر؛ لأن الظاهر دوامهما على الشرط، فحكمنا بفساد العقد في الحال بحكم الظاهر، فإذا أسقط الخيار قبل دخول اليوم الرابع تبين الأمر، بخلاف الظاهر فبين أنه لم يكن فاسداً، وكذلك في الأجل الفاسد.
[البيع بالرقم]
(كما إذا باعه بالرقم)، الرقم في الأصل الكتابة والختم "والتاجر يرقم الثياب، أي: يعلمها بأن ثمنها كذا" كذا في المغرب
(4)
، والمراد من البيع بالرقم هنا هو أن يعلِّم البائع على الثوب بعلامة، مثل الكتابة يعلم بها الدلال أو غيره بأنه ثمن الثوب كذا درهماً، ولا يعلم المشتري ذلك القدر، فيقول صاحب الثوب أو الدلال: بعتك هذا الثوب برقمه، فقال المشتري: قبلت من غير أن يعلم مقداره، ينعقد البيع فاسداً، ثم لو علم المشتري قدر
ذلك الرقم في المجلس [وقبله ينقلب البيع جائزاً بالاتفاق
(5)
.
(وقيل: ينعقد فاسداً]
(6)
أي: في الابتداء، وهذا على الوجه الأول،
وهو قوله: (وله أنه أسقط المفسد
…
إلى آخره)
(7)
يعنى أن القول بانعقاده فاسداً ثم ارتفاع الفساد بحذف الشرط المفسد، إنما يستقيم على التعليل الأول، فأما التعليل الثاني وهو قوله:
(1)
ينظر: فتح القدير. (6/ 281/ 282).
(2)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 405).
(3)
ينظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (4/ 569)، فتح القدير. (6/ 282).
(4)
المغرب في ترتيب المعرب (ا/ 196).
(5)
العناية شرح الهداية (6/ 303)، البناية شرح الهداية (8/ 52)، البحر الرائق (5/ 296)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 348).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(7)
قال في الهداية: "فيعود جائزاً كما إذا باع بالرقم وأعلمه في المجلس" الهداية (3/ 950).
(ولأن الفساد باعتبار اليوم الرابع
…
إلى آخره)
(1)
فلا يستقيم القول بارتفاع الفساد وبحذف الشرط المفسد؛
(2)
لأنه لم يتصل المفسد بالعقد؛ لأن المفسد هو اتصال اليوم الرابع، ولما أجاز في اليوم الثلاثة علم أن العقد كان جائزاً في الأصل، وهذا كله إشارة إلى ما ذكرنا في اختلاف المشائخ
(3)
في حكم هذا العقد في الابتداء على قول أبي حنيفة رحمه الله أنه انعقد فاسداً أو موقوفاً
(4)
.
[المدة في نقد الثمن]
ولو اشترى على
(5)
أنه لم ينقده الثمن إلى آخره
(6)
،
"اعلم أن هذه المسألة على وجوه:
إما أن لا
(7)
يبين الوقت أصلاً بأن قال: على أنك إن لم تنقد الثمن فلا بيع بيننا، أو يبين وقتاً مجهولاً بأن قال: على أنك إن لم تنقد الثمن أياماً، ففي هذين الوجهين العقد فاسد، وإن بيّن وقتاً معلوماً إن كان ذلك الوقت مقدراً بثلاثة أيام أو دون ذلك فالعقد جائز
(8)
عند علمائنا الثلاثة، والقياس يأبى جواز العقد مع هذا/ الشرط، وبه أخذ زفر رحمه الله؛ لأنه شرْطٌ لا يقتضيه البيع، وهو شرط الفسخ متى لم ينقد الثمن ثلاثة أيام، فكان هذا بيعاً فيه إقالة معلقة بعدم النقد فلا يجوز
(9)
، كما لو باع بشرط الإقالة، ولكن تركنا القياس فيما إذا كان الوقت مقدراً بثلاثة أيام بحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فإنه (باع ناقة بهذا الشرط)
(10)
وقول الواحد من فقهاء الصحابة مقدم على القياس
(11)
،
(1)
قال في الهداية: "فإذا أجاز قبل ذلك لم يتصل المفسد بالعقد، ولهذا قيل: إن العقد يفسد بمضي جزء من اليوم الرابع، وقيل: ينعقد فاسداً ثم يرتفع الفساد بحذف الشرط، وهذا على الوجه الأول" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 950).
(2)
"لأنه لم ينعقد فاسداً" زيادة في (ب).
(3)
يقصد أهل العراق وأهل خرسان.
(4)
قال في المحيط: "وذكر أبو الحسن الكرخي نصاً عن أبي حنيفة في مسألة الخيار أن البيع موقوف على إجازة المشتري في المدة، وأثبت للبائع حق الفسخ قبل الإجازة، ومعنى هذا أن الخيار للمشتري، فيكون ولاية الإلزام له، ولكن لما كان العقد موقوفاً يتمكن البائع من الفسخ؛ لأن كل واحد من المتبايعين يتمكن في فسخ العقد الموقوف". المحيط البرهاني (6/ 405).
(5)
سقط من (ب).
(6)
قال في الهداية: "ولو اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما جاز، وإلى أربعة أيام لا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: يجوز إلى أربعة أيام أو أكثر، فإن نقد في الثلاث جاز في قولهم جميعاً" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 950).
(7)
"لم"زيادة في (ب).
(8)
قال في الاختيار: "الأصل ينفي جواز الشرط؛ لما فيه من نفي ثبوت الملك الذي هو موجب العقد، فلا يصح كسائر موجبات العقد، وكذلك النص ينفيه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام لعتاب بن أسيد حين بعثه إلى مكة: «انههم عن بيع وشرط، وبيع وسلف». وروي أنه عليه الصلاة والسلام «نهى عن بيع وشرط»، إلا أنا عدلنا عن هذه الأصول وقلنا بجوازه ثلاثة أيام؛ لما روينا من حديث حبان، والحاجة إلى دفع الغبن تندفع بالثلاث، فبقي ما وراءه على الأصل، والحاجة للبائع والمشتري، فثبت في حقهما؛ ولو شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام، أو لم يبين وقتاً، أو ذكر وقتاً مجهولاً فأجاز في الثلاث أو أسقطه، أو سقط بموته أو بموت العبد، أو أعتقه المشتري، أو أحدث فيه ما يوجب لزوم العقد ينقلب جائزاً، خلافاً لزفر؛ لأنه انعقد فاسداً فلا ينقلب جائزاً. ولأبي حنيفة أن المفسد لم يتصل بالعقد؛ لأن الفساد باليوم الرابع، حتى إن العقد إنما يفسد بمضي جزء من اليوم الرابع، فيكون العقد صحيحاً قبله، ولأنها مدة ملحقة بالعقد مانعة من انبرامه فجاز أن ينبرم بإسقاطه كالخيار الصحيح، وشرط خيار الأبد باطل بالإجماع" الاختيار لتعليل المختار (2/ 13).
(9)
" البيع" زيادة في (ب).
(10)
لم أجد لهذا الأثر مصدرا ..
(11)
اختلف الأحناف في قبول خبر الصحابي الفقهي وغير الفقهي، فقال في كشف الأسرار:" واعلم أن ما ذكرنا من اشتراط فقه الراوي لتقديم خبره على القياس مذهب عيسى بن أبان، واختاره القاضي الإمام أبو زيد، وخرج عليه حديث المصراة، وخبر العرايا، وتابعه أكثر المتأخرين. فأما عند الشيخ أبي الحسن الكرخي ومن تابعه من أصحابنا فليس فقه الراوي بشرط لتقديم خبره على القياس، بل يقبل خبر كل عدل ضابط إذا لم يكن مخالفاً للكتاب والسنة المشهورة، ويقدم على القياس، قال أبو اليسر: وإليه مال أكثر العلماء؛ لأن التغيير من الراوي بعد ثبوت عدالته وضبطه موهوم. والظاهر أنه يروي كما سمع ولو غير لغير على وجه لا يتغير المعنى، هذا هو الظاهر من أحوال الصحابة والرواة العدول؛ لأن الأخبار وردت بلسانهم، فعلمهم باللسان يمنع من غفلتهم عن المعنى، وعدم وقوفهم عليه، وعدالتهم، وتقواهم تدفع تهمة التزايد عليه والنقصان عنه. قال: ولأن القياس الصحيح هو الذي يوجب وهنا في روايته، والوقوف على القياس الصحيح متعذر، فيجب القبول؛ كي لا يتوقف العمل بالأخبار" أصول السرخسي (1/ 342)، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (2/ 383).
وإن بيّن المدة أكثر من ثلاثة أيام، قال أبو حنيفة رحمه الله: البيع فاسد
(1)
، وقال محمد رحمه الله: البيع حائز"
(2)
، وقول أبي يوسف مضطرب في بعض الروايات، مثل قول محمد اعتباراً بالملحق به
(3)
، وفي بعض الروايات قوله مثل قول أبي حنيفة، فعلى هذه الرواية يحتاج إلى الفرق بين هذا الشرط وبين البيع بشرط الخيار، والفرق له أن القياس يأبى جواز العقد مع هذا الشرط، ومع شرط الخيار، وإنما تركنا القياس في الموضعين بالنص، والنص مع هذا الشرط مقدر
(4)
بثلاثة أيام، وفي شرط الخيار
(5)
ورد النص بالزيادة على ثلاثة أيام، كذا في الذخيرة والجامع الصغير لقاضي خان
(6)
.
(والأصل فيه أن هذا في معنى اشتراط الخيار)
فإن قلت
(7)
: لا نسلِّم أن هذا الشرط في معنى اشتراط الخيار، بل هذا خلاف ذلك؛ وذلك لأن هناك لو سكت حتى مضت المدة تم البيع، وههنا لو سكت حتى مضت المدة يبطل البيع، وجواز البيع مع شرط الخيار ثابت بالنص بخلاف القياس، فلا يلحق به غيره إلا إذا كان في معناه من كل وجه، وبما ذكرت في المعنى، يعلم أنه ليس في معناه من كل وجه فلا يلحق به.
قلت: الاعتبار في كون الشيء بمعنى شيء آخر لما هو المقصود فيهما لا لمعنى زائد فيهما، ثم هذا الشرط من حيث المقصود كشرط الخيار؛ لأنه إنما يشترط الخيار ليتروى النظر فيه، ويكون مخيراً في الأيام الثلاثة
(8)
بين فسخ العقد وإتمامه، وبهذا الشرط أيضاً لا يحصل إلا هذا المقصود، والشرع إنما جوز شرط الخيار لهذا المقصود في حديث حبان بن منقذ رضي الله عنه
(9)
، فألحق به ما هو بمعناه في ذلك لمقصود الذي جاء الشرع لأجله، إلى
(10)
هذا أشار في المبسوط
(11)
.
(1)
وعليه زفر والشافعي. وقال مالك: "مدة الخيار ما يمكن اختبار المبيع في مثله، ويختلف باختلاف الأشياء ". مختصر الوقاية (2/ 46)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (2/ 524).
(2)
قال في الأصل: "وإذا اشترى الرجل ثوباً على أنه إن لم ينقده الثمن إلى أربعة أيام أو إلى شهر فلا بيع بينهما فالبيع في هذا فاسد، لا يجوز، وهذا بمنْزلة الخيار إلى هذه المدة في قول أبي حنيفة، وأما في قول محمد فهو جائز" الأصل (5/ 98)، المحيط البرهاني (6/ 486).
(3)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 346).
(4)
"مقيد" في (ب)، وكتبت في (أ) تحت هذه الكلمة.
(5)
سقط من (ب).
(6)
قال في البدائع: " وأبو يوسف فرق بينهما، ووجه الفرق له: أن القياس يأبى الجواز في الموضعين جميعاً، إلا أن الجواز في شرط الخيار عرفناه بأثر ابن سيدنا عمر رضي الله عنهما فبقي هذا على أصل القياس" ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 17)، بدائع الصنائع (5/ 175)، تبيين الحقائق (4/ 15).
(7)
"قيل" في (ب).
(8)
"ثلاثة أيام" قلب بينهما في (ب).
(9)
تقدم تخريجه ص 141.
(10)
سقط من (ب).
(11)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 17).
(المماطلة) المدافعة وقوله:
(في الفسخ)
متعلق بالمماطلة يعني (ازبهرانز أنا احتراز دار كردن در فسخ)
(1)
بيع أي: لأجل هذا المعنى مست الحاجة إلى الانفساخ عند عدم النقد في ثلاثة أيام، فكان هذا الشرط في معنى خيار الشرط من هذا الوجه.
فإن قلت: هذه الضرورة تنقضي باشتراط الخيار لنفسه ثلاثة أيام؛ فإنه إن لم ينقد الثمن يفسخ العقد في ثلاثة أيام حتى يجوز بيعه من غير خلاف أحد.
قلت: لا يصح هذا؛ لأن الضرورة باقية؛ لأن على قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- لا يملك الفسخ إلا بحضرته، وعسى لا يقدر على الفسخ بحضرته، إلى هذا أشار صدر الإسلام رحمه الله في الجامع الصغير
(2)
.
(وقد مر أبو حنيفة رحمه الله على أصله في الملحق به)
وهو خيار الشرط
(ونفى الزيادة على الثلاث)
أي: جوز الملحق به، وهو خيار الشرط في ثلاثة أيام، ولم يجوِّز في الزيادة على الثلاثة
(3)
، فكذا في الملحق، وهو جواز البيع على تقدير تعليق انفساخ البيع بعدم النقد إلى
ثلاثة أيام، وعدم جوازه في الزائد على ثلاثة أيام.
(وأبو يوسف رحمه الله أخذ في الأصل بالأثر، وفي هذا بالقياس)
المراد من الأصل شرط الخيار، ومن قوله: في هذا قوله: إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام، فإن أثر ابن عمر رضي الله عنه
(4)
بأنه أجاز البيع
(5)
إلى شهرين [في شرط الخيار، ورد في الزائد على ثلاثة أيام، فقلنا بجوازه اتباعاً للأثر، وقلنا في هذا بالقياس؛
(6)
يقتضي أن لا يكون شرط في البيع أصلاً لما ذكرنا: أن البيع من قبيل الإثباتات فلا يكون قابلاً للتعليق أو نقول:
(أبو يوسف رحمه الله أخذ في الأصل بالأثر)
أي: أخذ في ثلاثة أيام من قوله: إن لم ينقد إلى ثلاثة أيام بأثر ابن عمر؛ لأنه ذكر في الفوائد الظهيرية أن عبد الله بن عمر باع ناقة له من رجل بشرط أنه لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا يبيع
(7)
بينهما
(8)
.
(وفي هذا بالقياس)،
أي أبو يوسف رحمه الله أخذ في الزائد على ثلاثة أيام في قوله: إن لم ينقده الثمن إلى أربعة أيام بالقياس، بأنه لا يجوز؛ لأنه لم يرد فيه النص، والقياس يقتضي عدم الجواز على ذكرنا]
(9)
«وهذا الوجه أولى في تفسير قول أبي يوسف رحمه الله؛ لأنه ذكر في المبسوط
(10)
في الفرق له فقال: "إن القياس ما قاله زفر رحمه الله، فإن هذا الشرط من حيث الحكم ليس نظير شرط
(11)
الخيار، ولكن تركنا القياس في ثلاثة أيام بقول أن عمر وفيما زاد على ذلك يأخذ بالقياس، وهذا لأن الغرر يزداد بطول المدة، ويجوز أن يحتمل العقد اليسير من الغرر دون الكثير منه، ألا يرى أنا نجوز شرى أحد الثياب الثلاثة على أنه بالخيار فيها، ثم لا نجوز/ ذلك في الأربعة لما ذكرنا".
(1)
..
(2)
العناية شرح الهداية (6/ 304).
(3)
"أيام" زيادة في (ب).
(4)
"عنهما" في (ب).
(5)
"الخيار" في (ب).
(6)
"لأن القياس" في (ب)، وفي هامش (أ).
(7)
"بيع" في (ب).
(8)
العناية شرح الهداية (6/ 305)، مجمع الأنهر (3/ 36).
(9)
سقط من (ب) وهي في هامشه، ووجدت هذا السقط في اللوح (26 - أ) السطر 7 إلى 15 من نسخة (ب).
(10)
المبسوط السرخسي (13/ 21).
(11)
"شطر" في (ج).
(لتعلقها) أي: لتعلق الإقالة
(بالشرط) وهو عدم النقد
(أو اشتراط الصحيح منها فيه مفسداً)
[أي: اشتراط الإقالة الصحيحة في البيع مفسد للبيع؛ بأن باع وشرط الإقالة]
(1)
بأن قال: بعتك هذا بشرط أن تقيل
(2)
البيع، فإن ذلك معلق بالإقالة المجردة عن الشرط، وهو مفسد للبيع، وفيما نحن بصدده بيع معلق بالإقالة المعلقة بالشرط فأولى أن يفسد البيع بها
(وجه الاستحسان ما بينا)
وهو قوله: إن هذا في معنى اشتراط الخيار أو الحاجة مسّت إلى آخره، وذكر في الفوائد الظهرية
(3)
"ثم إنه إذا لم ينقد [الثمن إلى انقضاء ثلاثة أيام يفسد البيع ولا ينفسخ حتى لو أعتقه المشتري وهو في يده ينفذ عتقه، وإن كان في يد البائع لا ينفذ"، ثم لو كان مثل هذا الشرط للبائع بأن اشترى عبداً أو نقد]
(4)
الثمن على أن البائع إن رد الثمن إلى ثلاثة أيام ولا بيع بيننا جاز البيع بهذا الشرط، ويصير بمنْزلة البيع بشرط الخيار للبائع، حتى إذا قبض المشتري المبيع يكون مضموناً على المشتري بالقيمة، ولو أعتقه المشتري لا ينفذ، ولو أعتقه البائع ينفذ.
وخيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه وهذا عندنا، وقال الشافعي رحمه الله في أحد أقواله
(5)
: يثبت الملك، كما في خيار الرؤية على أصلنا؛ وهذا لأن الثابت حق الفسخ وليس من ضرورة ثبوت حق الفسخ امتناع الملك، كذا في الإيضاح، والوجه لنا ما ذكره في الكتاب
(6)
، وفي المبسوط
(7)
.
[خروج المبيع بشرط الخيار]
وحاصل ذلك أن الخيار إذا كان مشروطاً للبائع فالمبيع لا يخرج عن ملكه بالاتفاق والثمن يخرج عن ملك المشتري بالاتفاق
(8)
، وهل يدخل في ملك البائع؟ على قول أبي حنيفة رحمه الله لا يدخل، وعلى قولهما يدخل، وفي نسخة: ولا يدخل الثمن في ملك البائع إن كان عيناً، ولا يجب له عليه إن كان ديناً عنده، وعندهما يدخل ويجب له الثمن، وإذا كان الخيار مشروطاً للمشتري فالثمن لا يزول عن ملكه بالاتفاق والمبيع يخرج عن ملك البائع بالاتفاق، على نحو ما ذكرنا في خيار البائع.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(2)
"يقبل" في (ج).
(3)
الفتاوى الهندية (2/ 1 - 64).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(5)
قال في نهاية المطلب (5/ 43) في مسألة العتق: "وإن حكمنا بأن خيار البائع باق، فهل له ردّ العتق، فعلى وجهين: أحدُهما- ليس لهُ ذلك؛ فإن رد العتق بعيدٌ بَعدَ الحكم بنفوذهِ. والوجهُ الثاني - له ردّهُ؛ فإن العتق يضاهي الملك، فإذا كان جائزاً، كان العتق مشابهاً لهُ في الجواز". ينظر: الحاوي الكبير (5/ 23). نهاية المطلب في دراية المذهب (5/ 43).
(6)
قال في الهداية: "وخيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه". الهداية (3/ 950).
(7)
المبسوط للسرخسي (13/ 49).
(8)
قال في المحيط: "إذا كان الخيار مشروطاً للبائع، فالمبيع لايخرج عن ملكه بالاتفاق؛ لأن الخيار استثناء لحكم العقد؛ لأنه دخل على العقد، فأوجب تعليقه، ونفس العقد لا يقبل التعليق، وحكمه وهو الملك يقبل، فتخير في هذا الحكم بين أن يثبت وبين أن لايثبت، كما تخير في الابتداء بين أن يباشر العقد وبين أن لا يباشر، فكان هذا هو الخبر الأصلية، والثمن يخرج عن ملك المشتري باتفاق؛ لأن المانع من عمل العقد شرط الخيار، ولا شرط في جانب المشتري وعمل العقد في جانبه في إزالة الثمن عن ملكه، فلهذا قلنا: إن الثمن يزول عن ملك المشتري. " المحيط البرهاني (6/ 487 - 488).
وهل يدخل المبيع في ملك المشتري؟ على قول أبي حنيفة رحمه الله لا يدخل
(1)
وعلى قولهما يدخل كذا في المغني
(2)
.
وذكر في المبسوط: "لا خلاف بين أصحابنا أن البدل الذي منه جانب المشروط له الخيار، ولا يخرج عن ملكه؛ لأن العين لا تخرج عن ملكه بطريق التجارة إلا بعد تمام رضاه به
(3)
، وباشتراط الخيار ينعدم رضاه به، والسبب بدون الشروط لا يكون عاملاً في الحكم كاليمين بالطلاق، فإنه سبب لوقوع الطلاق عند وجود الشرط، فما لم يوجد الشرط لا يثبت الحكم به، وعند وجود الشرط لا يتبين أن الحكم كان ثابتاً قبله كما في حكم الطلاق، وهذا معنى ما نقوله: إن البيع بشرط الخيار في حق الحكم كالمتعلق بسقوط الخيار، وإنما يثبت حقيقة الملك عند سقوط الخيار، ولهذا لو كان المشتري أعتقه قبل ذلك، لم ينفذ عتقه، إلا أن السبب المنعقد في الأصل يسري إلى الزوائد المتصلة والمنفصلة؛ لكونها محلاً له، وعند وجود الشرط كما ثبت الحكم في الأصل ثبت في الزوائد"
(4)
.
[هلاك المبيع وضمانه]
ولو قبضه المشتري وهلك في مدة الخيار، ضمنه بالقيمة، وذكر في المبسوط "لو كان الخيار للبائع فماتت الجارية في يد المشتري فعليه قيمتها، وقال ابن أبي ليلى
(5)
رحمه الله: هو أمين؛ لأنه قبضها بإذن صاحبها، ووجوب ضمان القيمة باعتبار تفويت شيء على صاحبها وذلك غير موجود إن كان القبض برضاه، ولكنا نقول: البائع ما رضي بقبضه إلا بجهة العقد، والمقبوض بجهة العقد يكون مضموناً بالقيمة كالمقبوض على سوم البيع؛ وهذا لأن الضمان الأصلي الثابت بالعقد هو القيمة، وإنما يتحول منها على الثمن عند تمام الرضا، ولم يوجد حتى شرط البائع الخيار لنفسه، فبقي الضمان الأصلي، وهذا بخلاف ما إذا (كان الخيار للمشتري على ما يجيء وفيه القيمة، أي في المقبوض على سوم الشراء القيمة، أي:)
(6)
لم يكن المقبوض مثلياً، وإن كان مثلياً فيضمن مثله"
(7)
. وذكر في التتمة
(8)
"أن المقبوض على سوم الشراء إنما يكون مضموناً إذا كان الثمن مسمًّى، حتى إنه إذا قال: اذهب بهذا الثوب فإن رضيته اشتريته، فذهب به فهلك لا يضمن. ولو قال: إن رضيته اشتريته بعشرة فذهب به فهلك ضمن قيمته، وعليه الفتوى
(9)
".
(1)
قال في البدائع: "وجه قول أبي حنيفة رحمه الله: "إن الخيار إذا كان للبائع، فالمبيع لم يخرج عن ملكه، وإذا كان للمشتري، فالثمن لم يخرج عن ملكه، وهذا يمنع دخول الثمن في ملك البائع في الأول ودخول المبيع في ملك المشتري في الثاني؛ لوجهين: أحدهما: أنه جمع بين البدل والمبدل في عقد المبادلة، وهذا لا يجوز، والثاني: إن في هذا ترك التسوية بين العاقدين في حكم المعاوضة، وهذا لا يجوز؛ لأنهما لا يرضيان بالتفاوت" بدائع الصنائع (5/ 265).
(2)
ينظر: المحيط البرهاني (6/ 487 - 488).
(3)
في هامش (أ)" أن البيع بدون الرضى لا يكون تمام في الملك".
(4)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 65).
(5)
ابن أبي ليلى، العلامة، الإمام، مفتي الكوفة، وقاضيها، أبو عبد الرحمن الأنصاري، الكوفي. ولد سنة نيف وسبعين. ومات أبوه وهو صبي، لم يأخذ عن أبيه شيئاً، بل أخذ عن أخيه عيسى عن أبيه، وكان نظيراً للإمام أبي حنيفة في الفقه. قال أحمد: كان يحيى بن سعيد يضعف ابن أبي ليلى. قال أحمد: كان سيئ الحفظ، مضطرب الحديث، وكان فقهه أحب إلينا من حديثه. سير أعلام (6/ 311)، الأعلام للزركلي (6/ 189).
(6)
كذا في (أ) وهي في هامشه.
(7)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 46).
(8)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 273)، البناية شرح الهداية (8/ 56)، البحر الرائق شرح كنْز الدقائق ومنحة الخالق (6/ 10 - 11).
(9)
قال في رد المحتار: " (فلفظ الفتوى آكد من لفظ الصحيح) أي: اللفظ الذي فيه حروف الفتوى الأصلية بأي صيغة عبر؛ لأن مقابل الصحيح أو الأصح ونحوه قد يكون هو المفتى به؛ لكونه هو الأحوط، أو الأرفق بالناس أو الموافق لتعاملهم، وغير ذلك مما يراه المرجحون في المذهب داعياً إلى الإفتاء به، فإذا صرحوا بلفظ الفتوى في قول علم أنه المأخوذ به، ويظهر لي أن لفظ: "وبه نأخذ، وعليه العمل" مساو للفظ الفتوى، وكذا بالأولى لفظ: "عليه عمل الأمة"؛ لأنه يفيد الإجماع عليه، تأمل". الدر المختار وحاشية ابن عابدين (1/ 73)، المسائل البدرية (2/ 640).
(اعتبار بالصحيح المطلق)
أي: في البيع الصحيح المطلق عن الخيار إذا هلك المبيع في يد البايع ينفسخ البيع
(1)
.
فإن قيل: ما فائدة تقييده بالصحة مع أن الحكم في الفاسد كذلك؟.
قلنا: آجراً لتصرفات المسلمين على ما هو الأليق والأوثق بحالهم من التصرفات الصحيحة دون الفاسدة.
(ولا عهد لنا به في الشرع)
أي: غير معهود، موجود في شريعتنا أن يكون الشيء مملوكاً ولا مالك له.
فإن قيل: يشكل على هذا ما إذا اشترى متولي الكعبة عبداً لسدانة
(2)
الكعبة، وهي خدمتها، يخرج العبد عن ملك البائع ولا يدخل/ في ملك المشتري، كذا في الفوائد الظهيرية والجامع الصغير لقاضي خان
(3)
.
قلنا: قولنا: "غير معهود في الشرع" أي: في باب التجارة، وما ذكر في البعض ليس من باب التجارة، بل هو ملحق بتوابع الأوقاف من المنقولات، والحكم في الأوقاف كذلك
(4)
.
لما ذكرنا في الوقف
(5)
.
(لاجتمع البدلان)
أي: الثمن والمثمن
(في ملك رجل واحد حكماً للمعاوضة)
(6)
(1)
قال ابن الهمام: " (ولا شيء على المشتري اعتباراً بالبيع الصحيح المطلق) عن شرط الخيار فإن فيه: إذا هلك المبيع في يد البائع قبل التسليم انفسخ البيع، والتقييد بالصحيح ليس لإخراج الفاسد؛ لأن الحال في البيع الفاسد، كذلك أعني الانفساخ بهلاك المبيع في يد البائع، بل لأن الاعتبار الأصالة والفاسد يأخذ حكمه منه". فتح القدير (6/ 306).
(2)
وكانت السدانة واللواء في الجاهلية في بني عبد الدار، وكانت السقاية والرفادة إلى هاشم بن عبد مناف، ثم صارت إلى عبد المطلب، ثم إلى العباس، وأقر ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم على حاله في الإسلام والسدانة هي الحجابة. غريب الحديث للقاسم بن سلام (1/ 288).
(3)
ينظر: العناية شرح الهداية (6/ 308)، البناية شرح الهداية (8/ 57)، شرح فتح القدير (6/ 285).
(4)
قال في البحر: " اعلم أن قولهما في دليلهما ولا عهد لنا به في الشرع معناه في باب التجارة والمعاوضات فاندفع عنهما ما أورد من شراء متولي أمر الكعبة إذا اشترى عبداً لخدمتها وعبد الوقف إذا ضعف وبيع واشترى ببدله آخر لم يملكه المشتري؛ لأنه من باب الأوقاف". البحر الرائق (6/ 14).
(5)
قال المؤلف: "الوقف في المنقولات كلها ينبغي أن لا يجوز، وهو القياس؛ لما أن من شرط صحة الوقف التأبيد، والتأبيد في المنقولات كلها لا يتحقق، فكان دليل عدم الجواز شاملاً في الكل" اللوح 527/ أ.
(6)
قال في الهداية: قول أبي حنيفة رحمه الله، "ولأبي حنيفة: أنه لما لم يخرج الثمن عن ملكه، فلو قلنا بأنه يدخل المبيع في ملكه، لاجتمع البدلان في ملك رجل واحد حكماً للمعاوضة، ولا أصل له في الشرع؛ لأن المعاوضة تقتضي المساواة؛ لأن الخيار شرع نظراً للمشتري؛ ليتروى فيقف على المصلحة فيه، ولو ثبت الملك فيه ربما يعتق عليه من غير اختياره، بأن كان قريبه فيفوت النطر" الهداية (3/ 950).
هذا احتراز عن الضمان في غصب المدبر؛ حيث اجتمع البدلان هناك في ملك رجل واحد، فإن الغاصب لو غصب المدبر وأبق المدبر من يده يجب الضمان على الغاصب، ولا يخرج المدبَّر من ملك المدبِّر، فكان المدبَّر وعوضه -وهو الضمان- مجتمعين في ملك المدبِّر.
قلنا: ذاك ضمان جناية، لا ضمان معاوضة، وإنما لم يثبت الملك للغاصب في المدبَّر صيانة لحق المدبِّر، فإنه غير قابل للنقل من ملك إلى ملك، فكان الضمان ضمان جناية لا ضمان معاوضة، وكلامنا في الذي يقبل الانتقال بحكم المعاوضة حتى صح البيع، فيجب أن لا يجتمع البدلان في ملك واحد بحكم المعاوضة.
وذكر في الفوائد الظهيرية: "فما قاله أبو حنيفة رحمه الله من كون الشيء مملوكاً ولا مالك له مشروع في الجملة، كما في العبد المشترى لخدمة الكعبة، وما قالا في اجتماع البدلين في ملك رجل واحد غير مشروع أصلاً
(1)
، فكان التعويل
(2)
على ما قاله أبو حنيفة رحمه الله"
(3)
-.
وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله
(4)
-: يجوز أن يخرج الشيء عن ملك إنسان، ولا يدخل في ملك الورثة
(5)
.
فإن قلت: إن المبيع إذا كان داراً والخيار للمشتري فبيعت دار بجنب هذه الدار كان له حق الشفعة بالإجماع
(6)
، ولو لم يصر مالكاً لها لما استحق بها الشفعة، كما لا يستحق الشفعة بدار السكنى.
(1)
قال في العناية: "فلأنه لما لم يخرج ماله عن ملكه لو دخل لزم اجتماع البدلين في ملك رجل واحد حكماً للمعاوضة، ولا أصل له في الشرع؛ لأن المعاوضة تقتضي المساواة ونوقض بالمدبر، فإن غاصبه إذا ضمن لصاحبه ملك البدل ولم يخرج المدبر عن ملكه، فكان البدلان مجتمعين في ملك واحد". العناية (6/ 307).
(2)
"أي الاعتماد" في (أ).
(3)
البناية (8/ 57)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(4/ 576).
(4)
أبو العباس، ظهير الدين أحمد بن إسماعيل بن محمد بن آيدغمش، ابن أبي ثابت التمرتاشي: عالم بالحديث، حنفي، كان مفتي خوارزم. نسبته إلى تمرتاش من قُراها، صنف شرح الجامع الصغير والفرائض والتراويح والفتاوى. ينطر: الأعلام (1/ 97)، والفوائد البهيةص (35).
(5)
"ولا يدخل في ملك غيره كالتركة المستفرقة بالدين يزول عن ملك الميت" في هامش (أ).
(6)
قال ابن المنذر: "وأجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع: من أرض، أو دار، أو حائط". الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 207)، الإشراف على مذاهب العلماء (6/ 152)، الإقناع لابن المنذر (1/ 267).
قلت: إنما وجبت الشفعة للمشتري هناك؛ لأن المشتري بشرائها "صار أحق بها تصرفاً، لا لأن ملكها بمنْزلة العبد المأذون إذا بيعت دار بجنب داره، ويجب له الشفعة لهذا المعنى فلهذا لو أعتقه المشتري نفد عتقه؛ لأنه صار أحق بالتصرف فيه، وإقدامه على الإعتاق إسقاط منه للخيار" وكذا في المبسوط
(1)
.
وإن هلك في يده
(2)
أي في يد المشتري، وكذا إذا دخله عيب
[متى يضمن المشتري المبيع]
أي: يلزم العقد العقد ويجب الثمن، وهذا إذا كان عيباً لا يرتفع كما إذا قطعت يده، وأما إذا كان عيباً يجوز ارتفاعه كالمرض فهو على خياره إذا زال المرض في الأيام الثلاثة فإن له أن يفسخ بعدما ارتفع العيب في الأيام الثلاثة، وأما إذا مضت الثلاثة والعيب قائم لزم العقد؛ لتعذر الرد، كذا في الإيضاح
(3)
.
وذكر في شرح الطحاوي
(4)
: "يلزم البيع على المشتري إذا كان الخيار له والمبيع في يده إذا صار إلى حال لا يملك المشتري فسخه على تلك الحالة، مثل إن هلك أو ينتقص المعقود عليه في يد المشتري نقصاناً يسيراً، أو فاحشاً بفعل المشتري، أو بفعل البائع، أو بآفة سماوية، أو بفعل الأجنبي، أو بفعل المعقود عليه بطل خياره، ونفذ العقد؛ لأن الرد فسخ، والفسخ إنما يرد على ما كان عليه العقد والقبض، وقد عجز عن رده كما قبض فبطل خياره، ونفذ العقد، وهذا كله عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وعند أبي يوسف رحمه الله كذلك إلا في خصلة واحدة، وهي أن النقصان إذا حصل في يد المشتري بفعل البائع، فلا يبطل خيار المشتري، إن شاء رد عليه، وإن شاء أجازه وأخذ من البائع الأرش
(5)
.
"ولو ازداد المبيع في يد المشتري زيادة متصلة
(6)
متولدة من الأصل كالحسن والجمال والبرؤ من المرض وذهاب البياض من العين، بطل خياره ونفذ البيع في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله- وقال محمد رحمه الله: لا يمنع الرد وهو على خياره، وإن كانت الزيادة متصلة غير متولدة منه كالصبغ والخياطة، أو كسويق لته
(7)
بسمن، أو كانت أرضاً فبنى فيها فإنها مانعة للرد بالإجماع
(8)
، ولو حدثت زيادة منفصلة إن كانت متولدة من الأصل كالولد والأرش والعقر
(9)
واللبن والتمر والصوف فإنها مانعة للرد يبطل الخيار وينفذ البيع، وإن كانت الزيادة منفصلة غير متولدة منه كالكسب
(10)
والعلة
(11)
والهبة والصدقة فإنها غير مانعة للرد، وهو على خياره، إلا أنه إذا اختار البيع فالزوائد له مع الأصل، وإذا اختار الفسخ يرد الأصل مع الزوائد في قول أبي حنيفة رحمه الله.
(1)
المبسوط للسرخسي (13/ 66).
(2)
قال في الهداية: "وإن هلك في يده هلك بالثمن" الهداية (3/ 951).
(3)
بدائع الصنائع (5/ 269)، العناية شرح الهداية (6/ 308).
(4)
الجوهرة النيرة (1/ 192).
(5)
الأرش: دية الجراحات. وأرشت بين القوم تأريشاً: أفسدت. وتأريش الحرب والنار: تأريثهما.
الصحاح (3/ 995)، طلبة الطلبة (ص: 166).
(6)
"من" زيادة في (أ).
(7)
لت الشيء يلته لتا، إذا شدَّه وأوثقه، ولت السويق -بالسين- إذا خلط، يلته لتاً: إذا بسه بالماء أو غيره. جمهرة اللغة (1/ 80)، الصحاح (1/ 264)، المغرب (ص: 421)، شرح غريب ألفاظ المدونة (ص: 83).
(8)
المغني لابن قدامة (4/ 110).
(9)
العقر: الجرح والعاقر: المرأة التي لا تحمل، وهي بينة العقر، ورجل عاقر: لا يولد له. والعقر -بالضم- مقدار أجرة الوطء لو كان الزنا غير موجب للحد، كالوطء بشبهة وهي عُشر مهر مثلها. وقال في شرح الغريبين سمي العقر عقراً؛ لأنه يجب على الواطئ بعقره إياها بإزالة بكارتها، أي: بجرحه من حد ضرب، هذا هو الأصل، ثم صار للثيب وغيرها، والأرش سمي أرشاً اشتقاقاً من التأريش بين القوم وهو الإفساد.
مجمل اللغة (ص: 621)، مقاييس اللغة (4/ 90) التعريفات (ص: 149)، طلبة الطلبة (ص: 45).
(10)
قال الليث: الكسب: طلب الرزق، تقول: فلان يكسب أهله خيراً، ورجل كسوب. وفلان طيِّبُ الكَسْب، وطيب المكسبة مثال المغفرة.
تهذيب اللغة (10/ 48)، الصحاح (1/ 212)، التعريفات (ص: 182).
(11)
العلة: المرض، وصاحبها معتل. قال ابن الأعرابي: علَّ المريض يعل علة فهو عليل. ورجل عللة، أي كثير العلل. والعِلَّة: هي ما يتوف عليه وجود الشيء ويكون خارجاً مؤثِّراً فيه، أو هي عبارة عما يضاف إليه وجوب الحكم ابتداء. مقاييس اللغة (4/ 14)، التعريفات (ص: 151).
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يرد الأصل، والزوائد للمشتري كان من مذهبهما أنه دخل في ملكه، وعند أبي حنيفة رحمه الله كان موقوفاً
(1)
"
(2)
.
(قوله: بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع)
وهلك المبيع في يد المشتري،/ فإن هناك يجب القيمة على المشتري لا الثمن على ما ذكر قبل هذا بقوله
(3)
: فلو قبضه المشتري وهلك في مدة الخيار ضمن بالقيمة
(4)
، وأما إذا تعيب المبيع في يد المشتري والخيار للبائع كان للبائع أن يلزمه البيع فيه، وإن شاء فسخ العقد وضمّنه ما انتقص؛ لأن العيب لا يمنع الفسخ، وإذا انفسخ العقد كان مضموناً على المشتري بالقبض بجميع أجزائه كالمغصوب، وأما إذا تعيب المبيع وهو في يد البائع، والخيار للبائع فهو على خياره؛ لأن ما انتقص بغير فعله فهو غير مضمون على البائع، ألا ترى أنه لو سقطت أطرافه لم يسقط شيء من الثمن، ولكنه يتخير المشتري، كذا ههنا، يبقى البائع على خياره، وإذا ألزم البيع يخير المشتري فيه وإن كان العيب بفعل البائع انتقص البيع فيه؛ لأن ما يحدث بفعل البائع يكون مضموناً عليه، ويسقط حصته من الثمن، فلو بقينا الخيار لتفرقت الصفقة على المشتري، فتضمن
(5)
تنقيصه نقض العهد
(6)
من هذا الوجه، كذا في الإيضاح، بخلاف ما تقدم، وهو ما إذا كان الخيار للبائع والمبيع هلك
(7)
في يد المشتري
(8)
، فإن هناك
(9)
يجب القيمة على ذكرنا.
(ووجه الفرق أنه إذا دخله عيب)
[شراء ملك اليمين بالخيار]
أي: إذا كان المبيع في يد المشتري والخيار للمشتري فدخله عيب يمتنع الرد
(10)
ويبطل الخيار؛ لما
(11)
ذكرنا أنه تعذر عليه رده، كما قبض سليماً من العيب، "وكذلك في الهلاك؛ لأنه [لما أشرف على الهلاك سقط اختياره لعجزه عن رده، كما قبضه فتم البيع
(12)
وهو قائم فلزم الثمن
(13)
، وأما إذا كان الخيار للبائع لم يسقط خياره، وإن أشرف على الهلاك؛ لأنه لم يعجز من التصرف بحكم الخيار، فلو لزم البيع فيه إنما يلزم بعد موته، وذلك لا يجوز؛ لأنه]
(14)
لم يبق محلاً للبيع، فكان مضموناً بالقيمة لذلك" كذا في المبسوط
(15)
.
(1)
ما بين القوسيين المتتاليين سقط من (ب) من قوله: "وهذا الوجه ص 141" إلى قوله: " كان موقوفاً" من هذه الصفحة، ووجدت هذا بداية هذا السقط في اللوح 26 - أ من (ب) السطر 15 وحتى اللوح 28 - أ من (ب) السطر 19.
(2)
ينظر: المبسوط (13/ 103)، بدائع الصنائع (5/ 270).
(3)
سقط من (ب).
(4)
قال في الأصل: "وإذا كان الخيار للبائع وقد قبضها المشتري فماتت في يد المشتري فعليه القيمة؛ لأنه قد أخذها على وجه البيع" الأصل (5/ 126).
(5)
"فنقص" في (ب).
(6)
" العقد" في (ب).
(7)
سقط من (ب).
(8)
"والخيار للمشتري فدخله عيب أو هلك " زيادة في (ب).
(9)
سقطتا من (ب).
(10)
قال في الهداية: "ووجه الفرق أنه إذا دخله عيب يمتنع الرد، والهلاك لا يعرى عن مقدمة عيب فيهلك، والعقد قد انبرم فيلزمه الثمن، بخلاف ما تقدم؛ لأن بدخول العيب لا يمتنع الرد حكماً بخيار البائع فيهلك والعقد موقوف. " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 951).
(11)
"كما " في (ب).
(12)
"ولم أبع" في (ج).
(13)
"المسمى"في (ب)، وفي هامش (أ).
(14)
ما بين المعقوفتين سقط (ج).
(15)
المبسوط للسرخسي (13/ 46).
ومن اشترى امرأته
(1)
قيد
(2)
بشراء امرأته؛ لأن المشتراة إذا لم تكن امرأته لا تفصيل فيه بين كونها بكراً أو ثيباً في أنه يكون مختاراً للبيع بالوطئ بالإجماع
(3)
، سواء نقصها الوطء أو لم ينقصها.
وإن وطئها [له أن يردها]
(4)
أي: وطئها وهي ثيب فلم ينقصها الوطء، أما إذا نقصها فليس له الرد
(5)
(وإن كانت ثيباً) إلى هذا أشار في شرح الطحاوي
(6)
.
(ولهذه المسألة أخوات) أي: نظائر
(بخلاف ما إذا قال: إن اشتريت)
(7)
يعني لو قال: "إن اشتريتك فأنت حر، فاشتراه على أنه بالخيار ثلاثة أيام، عتق عليه بالإجماع
(8)
، أما عندهما فلا يشكل؛ لأنه حنث
(9)
بالشراء، وهو في ملكه فعتق عليه، وأما عند أبي حنيفة رحمه الله فيعتق؛ لأن المعلق بالشرط كالمرسل عند وجود الشرط
(10)
، ولو أرسل العتق بعد شرائه بشرط الخيار ينفذ عتقه" كذا في شرح الطحاوي
(11)
.
(1)
قال في الهداية: "ومن اشترى امرأته على أنه بالخيار ثلاثة أيام لم يفسد النكاح؛ لأنه لم يملكها، لما له من الخيار، وإن وطئها له أن يردها؛ لأن الوطء بحكم النكاح إلا إذا كانت بكراً؛ لأن الوطء ينقصها، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: يفسد النكاح؛ لأنه ملكها" الهداية (3/ 951).
(2)
"قبل" في (ج).
(3)
قال في المغني: "ومتى تصرف المشتري في المبيع في مدة الخيار تصرفاً يختص بالملك، بطل خياره" الحاوي الكبير (5/ 62)، المغني (3/ 487).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(5)
قال في البدائع: "فإن كانت ثيباً لا يبطل خياره عند أبي حنيفة؛ لأن بطلان الخيار لضرورة حل الوطء، ولا ضرورة؛ لأن ملك النكاح قائم، فكان حل الوطء ثابتاً، فلا ضرورة إلى ملك اليمين بحل الوطء، فلم يبطل الخيار". بدائع الصنائع (5/ 265).
(6)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 66)، تحفة الفقهاء (2/ 78).
(7)
قال في الهداية: "كلها تبتني على وقوع الملك للمشتري بشرط الخيار وعدمه، منها: عتق المشتري على المشتري إذا كان قريباً له في مدة الخيار. ومنها: عتقه إذا كان المشتري حلف إن ملكت عبداً فهو حر". الهداية شرح بداية المبتدئ (3/ 951).
(8)
قال ابن المنذر: "ولما أجمع أهل العلم على ثبوت ملك المشتري على العبد الذي قال: إن اشتريته فهو حر، واختلفوا في زوال ملك المشتري عن العبد المشترى بكلام يقدم منه قبل الشراء: لم يجز إزالة ملكه عما ملكه، إلا بإجماع مثله، أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " الإشراف (8/ 106).
(9)
الحنث: الرجوع في اليمين ومعنى الرجوع في اليمين أن يفعل غير ما حلف عليه أن يفعل. الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (1/ 273).
(10)
قال في المبسوط: "ما صحّ تعليقه بالشّرط ينْزل عند وجود الشّرط جملة، إذا لم يكن في لفطه ما يدلّ على التّرتيب"، وقال في غمز العيون:"أما المعلق بالشرط فإنه سبب عند وجود الشرط؛ لأن اعتراض الشرط على السبب يمنع اتصاله بمحله، وبدون الاتصال بالمحل لا يسمى سبباً، وهذا معنى قول أصحابنا: المعلق بالشرط كالمرسل عند وجوده". المبسوط للسرخسي (6/ 136)، غمز عيون البصائر (2/ 160).
(11)
شرح مختصر الطحاوي (3/ 14).
فإن قيل: فلو كان كالمنشأ ينبغي أن ينوب
(1)
عن الكفارة إذا اشترى المحلوف عليه بعتقه ناوياً عن الكفارة. قلنا: جعلنا كالمنشأ، لتصحيح قوله: فهو حر، أما لا يقع
(2)
عن الكفارة؛ لأنه استحقاق الحرية قد ثبت له وقت اليمين، فصار كمن أعتق المدبر ناوياً عن الكفارة، فإنه [يعتق لوجود الشرط، ولا ينوب عن الكفارة]
(3)
لينوب استحقاق الحرية قبله
(4)
.
[حيض المشتراة في وقت الخيار]
(أن حيض المشتراة في المدة لا يجتزأ
(5)
به من الاستبراء عنده، وعندهما يجتزأ)
والاجتزاء وعدم الاجتزاء لا يتفاوتان في الحيضة الكاملة وفي بعض الحيضة؛ [لأنه ذكر في شرح الطحاوي: "فحاضت عنده بعد القبض في مدة الخيار أو حصل بعض الحيضة]
(6)
في مدة الخيار فاختارها صارت للمشتري، ولا يجتزأ بتلك الحيضة من الاستبراء، عند أبي حنيفة، وعندهما يجتزأ [بها من الاستبراء، فلو ردها على البائع لا يجب على البائع الاستبراء عنده، سواء كان الرد قبل القبض أو بعده وعندهما إن كان الرد قبل القبض لا يجب على البائع الاستبراء]
(7)
استحساناً، [والقياس أن يجب إن كان الرد بعد القبض يجب على البائع الاستبراء]
(8)
قياساً واستحساناً، وأجمعوا أن العقد لو كان باتًّا ثم فسخ العقد منهما بإقالة أو بغيرها إن كان قبل القبض القياس أن يجب على البائع الاستبراء، وفي الاستحسان: غير واجب، وإن كان بعد القبض فالاستبراء واجب قياساً واستحساناً
(9)
.
[إذا ولدت المشتراة في مدة الخيار]
(قوله: إذا ولدت المشتراة في المدة بالنكاح لا تصير أم ولد له عنده)
فمعنى المسألة على وجهين: [إما أن يحمل على أن الولادة حصلت في مدة خيار المشتري الذي اشترى منكوحة، لكن الولادة كانت قبل قبض المشتري و]
(10)
إما أن يكون معناها أنه اشترى الأمة التي كانت منكوحة وولدت هي منه ولداً أقبل
(11)
المشتري، ثم اشتراها بشرط الخيار لا تصير هي أم ولد له في مدة الخيار، وعند أبي حنيفة خلافاً لهما.
(1)
"يثوب" في (ج).
(2)
"يقطع" في (ج).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(4)
ينظر: العناية شرح الهداية (6/ 310).
(5)
الاجتزاء: أي: الاكتفاء والجزوء أيضاً، تقول: جزئت الإبل، إذا اكتفت بالرطب عن الماء. العين (6/ 163).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(9)
ينظر: المحيط البرهاني (6/ 488)، فتح القدير (287).
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(11)
في (ب)"قبل".
والدليل على صحة التفسير الثاني ما ذكره الإمام قاضي خان - رحمه/ الله - هذه المسألة بقوله: ومنها أنه إذا اشترى جارية قد ولدت منه بنكاح على أنه
(1)
بالخيار ثلاثة أيام عند أبي حنيفة رحمه الله لا تصير أم ولد له، ولا يبطل خياره، وعندهما تصير أم ولده، ويبطل خياره
(2)
، فعلى هذا التأويل كان قوله: في المدة طرفاً لقوله: لا تصير أم ولد له
(3)
ظرف الولادة، أي: لا تصير أم ولد له في المدة عند أبي حنيفة، وعندهما تصير أم ولد له؛ لاتصال ولادة أمته منه
(4)
بالملك، فكانت أم ولد له، ويبطل الخيار، "وإنما احتجنا إلى أحد هذين التأويلين
(5)
لأنا لو أجرينا على ظاهر اللفظ، وقلنا: إنه إذا اشترى منكوحة بشرط
(6)
الخيار وقبضها، ثم ولدت هي في مدة الخيار، يلزم البيع بالاتفاق، ويبطل خيار الشرط؛ لأن الولادة عيب، فلا يمكن ردها بعد ما تعيبت الجارية في يد المشتري بشرط الخيار"
(7)
، والدليل على هذا ما ذكره في المبسوط
(8)
بقوله: "وإن اشترى جارية على أنه بالخيار وثلاثة أيام فولدت عنده فقد انقطع خياره؛ لأنها تعيبت بالولادة".
(فهلك في يده)
(9)
أي: في يد البائع في المدة أو بعدها هلك على البائع، ويبطل البيع في قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه لما لم يملك المشتري
(10)
ارتفع قبضه بالرد على البائع، فهلك المبيع قبل القبض، وهلاك المبيع قبل القبض يبطل البيع، وعندهما لما ملكه المشتري صار مودعاً ملك نفسه، فصار هلاكه في [يد المودع كهلاكه في]
(11)
يده؛ إذ يد المودَع كَيَدِهِ.
ولو كان الخيار للبائع [فسلمه إلى المشتري، ثم إن المشتري أودعه البائع]
(12)
في مدة الخيار، ثم هلك في يد البائع قبل جواز البيع أو بعده بطل البيع في قولهم جميعاً.
(1)
سقط من (ب).
(2)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 265).
(3)
" لا" زيادة في (ب).
(4)
"أمته" في (ب).
(5)
"التأويلين" في (ب).
(6)
"بترك" في (ج).
(7)
فتح القدير (6/ 288).
(8)
المبسوط (ج 13/ ص 63).
(9)
قال في الهداية: "ومنها: إذا قبض المشتري المبيع بإذن البائع، ثم أودعه عند البائع، فهلك في يده في المدة، هلك مال البائع؛ لارتفاع القبض بالرد؛ لعدم الملك عنده وعندهما من مال المشتري؛ لصحة الإيداع باعتبار قيام الملك". الهداية شرح بداية المبتدئ (3/ 953).
(10)
"عنده" زيادة في (ب).
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(12)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
"ولو كان البيع باتًّا فقبضه المشتري بإذن البائع أو بغير إذنه، والثمن منقود أو مؤجل، وله فيه خيار رؤية وخيار
(1)
عيب، فأودعه البائع فهلك في يد البائع هلك على المشتري، ولزمه الثمن بالإجماع، وكأن
(2)
خيار الرؤية وخيار العيب لا يمنعان وقوع الملك، فصار مودِعاَ ملك نفسه" كذا في شرح الطحاوي
(3)
، وغيره.
[العبد المأذون له بالشراء وبيعه]
(ولو كان المشتري عبداً مأذوناً له فأبرأه
(4)
البائع عن الثمن في المدة بقي خياره عنده)
فإن قلت: قد ذكرت قبل هذا من رواية المغنى
(5)
أن الخيار إذا كان للمشتري لا يخرج الثمن من ملك المشتري بالإجماع، وإذا لم يخرج عن ملكه لا يملكه
(6)
(7)
البائع ضرورة، وإذا لم يملك البائع كيف يصح إبراؤه؟ وإبراء الدين إنما يصح من يملكه، لا ممن تملكه، وإلا يلزم أن يصح إبراء البائع من الثمن المشترى الذي يريد شراه قبل أن يشتريه.
قلت:
(8)
في هذا قياس واستحسان، وما ذكرته فهو وجه القياس، وما ذكره في الكتاب فهو جواب الاستحسان؛ فإنه ذكر في شرح الطحاوي: ثم إن البائع أبرأه من الثمن، فالقياس أن لا يصح إبراؤه؛ لأنه لا يملك الثمن
(9)
، وفي الاستحسان صح إبراؤه
(10)
؛ لأنه حصل بعد وجود سبب الملك، وهو العقد، وذكر في الكتاب وجه المسألة من الطرفين
(11)
، هذا هو الحكم إذا أبرأ البائع العبد الذي اشتراه من الثمن في
(12)
خيار الشرط.
[إسلام الذمي بعد الشراء بالخيار]
أما لو كان العقد باتًّا فبري العبد المأذون عن الثمن بإبراء البائع، فليس له أن يرد السلعة، لا بخيار الرؤية، ولا بخيار العيب، بالإجماع؛ لأن فيه تمليكاً بغير بدل، وهو ليس من أصله، ولو كان المشتري حرًّا
(13)
والمسألة
(14)
له أن يرد بخيار الشرط، وإن برئ من الثمن [في قولهم جميعاً، وهو ظاهر؛ لأن الحر ممن تصح تمليكه ببدل وبغير بدل، وكذا له أن يرد بخيار الرؤية أيضاً قبل القبض، وبعد القبض وإن برئ من الثمن]
(15)
؛ لأنه من أجل
(16)
أن يملك الشيء بغير بدل، ولو وجد به عيباً فأراد أن يرده بعدما برئ من الثمن فإنه ينظر: إن كان قبل القبض فله الرد، وإن كان بعد القبض فليس له الرد؛ لأن العيب قبل القبض
(17)
لا حصة له من الثمن، وكان الرد
(18)
[لعدم رضاه، وبعد القبض له حصته من الثمن، فكان الرد]
(19)
لأجل حصة العيب؛ لأن البائع حبس نقصان العيب عنده، وإنما يظهر ذلك عند تسليم الثمن، ولا ثمن
(20)
، ولا يظهر قبله. كذا في شرح الطحاوي، يعني كان الرد بعد القبض طلباً لما حبسه البائع من الثمن بمقابلة فوت وصف السلامة، وهو لم يعطه شيئاً من الثمن فكيف يطلبه؟.
(1)
سقط من (ب).
(2)
"لأن" في (ب).
(3)
بدائع الصنائع (5/ 266).
(4)
أبرأ الشخص من الدين: خلصه منه وبرَّأ ذمته منه. معجم اللغة العربية (1/ 179).
(5)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 267).
(6)
سقط من (ب) وهي في هامشه.
(7)
"يخرجه" زيادة في (ب).
(8)
"قلنا" كذا في (ب).
(9)
قال في البناية: "عبد مأذون له في التجارة اشترى من حر سلعة بدراهم معلومة على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ثم إن البائع أبرأه عن الثمن، فالقياس أن لا يصح إبراؤه؛ لأنه لا يملك الثمن. " البناية شرح الهداية (8/ 63).
(10)
"من الثمن" زيادة في (ب).
(11)
أي: وجه القياس ووجه الاستحسان.
(12)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(13)
"جزآء" في (ج).
(14)
"بحالها" زيادة في (ب).
(15)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(16)
"أهل" في (ج).
(17)
سقطتا من (ج).
(18)
"لأجل حصة العيب" زيادة في (ج).
(19)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب) وهي في هامشه.
(20)
سقط من (ج).
(وإذا اشترى ذمي من ذمي خمراَ على أنه بالخيار ثم أسلم)
أي: المشتري، ذكر خيار المشتري وإسلامه؛ لأنه إذا كان الخيار للبائع، وأسلم البائع، بطل البيع بالإجماع، ولو كان الخيار للمشتري، وأسلم البائع، لا يبطل البيع بالإجماع
(1)
. وحاصل ذلك ما ذكر في شرح الطحاوي -رحمه الله تعالى- فقال: ويظهر الاختلاف أيضاً في
(2)
ذمي اشترى من ذمي خمراً، أو خنْزيراً، فإن الشراء
(3)
لا يخلو: إما أن يكون/ باتًّا، أو بشرط الخيار للمشتري، أو البائع، ولا يخلو: إما أن يُسلما، أو يُسلم أحدهما قبل قبض الحرام
(4)
، أو بعد قبضه، أما إذا أسلم أحدهما قبل قبض الخمر والخنْزير بطل البيع في الأحوال كلِّها، سواء كان البيع
(5)
باتًّا، أو بشرط الخيار لهما، أو لأحدهما؛ لأنهما أسلما، والحرام غير مقبوض، والإسلام يلاقي الحرية القائمة بالرد، والفائتة بالنفوذ، ولو أسْلمَا
(6)
أو أسلم أحدهما بعد القبض فإنه ينظر
(7)
: إن كان العقد باتًّا لا خيار فيه جاز العقد فلا يبطل؛ لأنهما أسلما والحرام مقبوض، وإن كان العقد بشرط الخيار للبائع، فأسلم البائع، بطل البيع؛ لما
(8)
ذكرنا أن المبيع لم يخرج عن ملكه، والإسلام منع إخراجه عن ملكه بالعقد، ولو أسلم المشتري فلا يبطل البيع
(9)
، وخيار البائع على حاله؛ لأن العقد من جانب المشتري باتٌّ
(10)
، فإن اختار البائع الفسخ عادت الخمر إليه، وإن اختار الإجازة صارت الخمر للمشتري حكماً، والمسلم من أهل أن يتملك الخمر حكماً كما يتملك بالميراث، وإن كان الخيار للمشتري فأسلم المشتري
(11)
بطل العقد
(1)
قال في الدر المختار" لو أسلم البائع لا تظهر فيه ثمرة الخلاف لبقاء الخيار إجماعا كما في الزيلعي، حيث قال: لو اشترى ذمي من ذمي خمرا على أنه: - أي المشتري - بالخيار ثم أسلم المشتري في مدة الخيار بطل الخيار عندهما؛ لأنه ملكها فلا يملك تمليكها بالرد وهو مسلم. وعنده يبطل البيع؛ لأنه لم يملكها فلا يملك تملكها بإسقاط الخيار وهو مسلم. ولو أسلم البائع والخيار للمشتري بقي على خياره بالإجماع؛ ولو ردها المشتري عادت إلى ملك البائع؛ لأن العقد من جانب البائع بات، فإن أجازه صار له، وإن فسخ صار الخمر للبائع". بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 266)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(4/ 578).
(2)
سقط من (ب).
(3)
"المشتري" في (ب).
(4)
"الخمر " في (ب).
(5)
"العقد" في (ب).
(6)
"أسلم" في (ب).
(7)
"يبطل" في (ب).
(8)
"كما" في (ب).
(9)
"العقد" في (ب).
(10)
سقط من (ب).
(11)
سقط من (ب).
في قول أبي حنيفة
(1)
رحمه الله، وفي قولهما تم العقد ولا يبطل؛ لأن في مذهب أبي حنيفة رحمه الله أن المشتري لم يملكه، والإسلام يمنعه عن تملك الخمر بالعقد، وعندهما ملكه، والإسلام منعه عن إخراجه عن ملكه، وإن أسلم البائع لا يبطل بالإجماع، وخيار المشتري على حاله؛ لأن العقد من جانب البائع باتٌّ، فإن اختاره المشتري صار له، وإن فسخ البيع صار الخمر للبائع والمسلم من أهل أن يتملك الخمر حكماً.
وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله "ومنها: مسلم اشترى من مسلم عصيراً بشرط الخيار، فتخمر عصيره في المدة، فسد البيع، وعندهما
(2)
تم"
(3)
.
ثم ذكر الإمام السرخسي رحمه الله وقيل: يتغير العين في ضمانه، ينبغي أن يبطل الخيار عندهم.
ومنها: لو كان المشترى داراً هو ساكنها بإجارة، أو عارية، فاستدام
(4)
السكنى بعد الشرط. قال الإمام السرخسي رحمه الله: "لا يكون اختيار أو ابتداء السكنى اختياراً؛ لأن الدار لا تمتحن بالسكنى"
(5)
.
وقال بكر رحمه الله
(6)
-: "استدامة السكنى اختيار عندهما؛ لأنها بملك اليمين، وعنده ليس باختيار؛ لأنها بالإجارة والعارية، ومنها حلال
(7)
اشترى ظبياً بشرط الخيار فقبضه ثم أحرم والظبي
(8)
في يده ينتقض
(9)
البيع ويرد إلى البائع، وقالا: يلزم المشتري ولو كان الخيار للبائع ينتقض في قولهم، وإن كان الخيار للمشتري فأحرم البائع
(10)
فللمشتري أن يرده"
(11)
، قوله:
(1)
المبسوط للسرخسي (13/ 138)، بدائع الصنائع (5/ 266).
(2)
سقط من (ج).
(3)
البناية شرح الهداية (8/ 63).
(4)
"أمر" زيادة في (ج).
(5)
ينطر: المبسوط للسرخسي (13/ 61).
(6)
بكر هو خواهر زاده، سبق ترجمته ض 127. ينظر البناية شرح الهداية (8/ 63).
(7)
قال اللحياني في نوادره: "لغة أهل الحجاز: حل فلان من إحرامه يحل حلاً ومحلاً، وهو حلال، وحل، وبه نزل القرآن، قال الله تبارك وتعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]. ورجل حل من الاحرام، أي حَلالٌ. الصحاح (4/ 1673)، تحفة المجد الصريح في شرح كتاب الفصيح (ص: 272).
(8)
"والصيد" كذا قي (ب).
(9)
"ينتقص" في (ب).
(10)
سقطتا من (ج).
(11)
البناية شرح الهداية (8/ 64)، مجمع الأنهر (2/ 28).
[تصرف من له الخيار]
ومن شرط الخيار فله أن يفسح، وله أن يجيز وهذا العام يتناول البائع والمشتري والأجنبي؛
لما ذكرنا أن اشتراط الخيار يصح منهم جميعاً، وذكر في شرح الطحاوي
(1)
: "ثم شرط الخيار إن كان للبائع فجواز البيع ونفوذه بإحدى معان ثلاث:
أحدها: أن يجيز البيع
(2)
فيقول: أجزت، جاز البيع، سواء كان
(3)
المشتري حاضراً أو غائباً.
والثاني: بموت البائع في مدة الخيار، فيبطل خياره بموته، وينفذ عتقه
(4)
، ولا يكون الخيار [موروثاً عند علمائنا.
والثالث: أن يمضي مدة الخيار]
(5)
من غير فسخ ممن له الخيار، تم
(6)
البيع ونفذ.
وفسخه بأحد الأمرين: إما بالقول أو بالفعل.
[أما فسخه
(7)
بالقول أن تقول في مدة الخيار: فسخت]
(8)
، فإن كان فسخه بحضرة المشتري انفسخ البيع
(9)
، ولا يحتاج إلى القضاء، ولا إلى رضا المشتري، وإن كان فسخه بغير حضرة المشتري لا يصح الفسخ، ويكون موقوفاً، في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - على ما هو المذكور في الكتاب
(10)
.
وأما الفسخ بالفعل فهو أن يتصرف البائع في مدة الخيار تصرف الملاك، كما إذا أعتق، أو باع، أو كانت جارية فوطئها، أو قبَّلها، أو ما أشبه ذلك، فإن كان
(11)
العقد ينفسخ حكماً، سواء كان المشتري حاضراً أو غائباً؛ لأن هذا فسخ حكماً، والشيء قد يثبت حكماً وإن كان يبطل قصداً، وإذا كان الخيار للمشتري فجواز البيع ونفوذه بإحدى المعاني الثلاث التي ذكرناها في نفوذ البيع إذا كان الخيار للبائع، وبمعانٍ أخر للبايع وبمعان
(12)
أخر سواها، نحو أن يصير في يد المشتري إلى حال لا يملك المشتري فسخه على تلك الحالة، مثل: أن يهلك، أو ينتقص المعقود عليه، إلى آخر ما ذكرنا قبل هذا في هذا الباب. وأما فسخه بأحد أمرين أيضاً
(13)
، إما بالقول أو بالفعل.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 491).
(2)
"البائع" في (ب).
(3)
سقط من (ب) وهي في الهامش.
(4)
"عقده" في (ج).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(6)
"ثم" في (ج).
(7)
سقط من (ب).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(9)
سقط من (ب).
(10)
قال في الهداية: "ومن شرط له الخيار فله أن يفسخ في المدة، وله أن يجيز، فإن أجازه بغير حضرة صاحبها جاز. وإن فسخ لم يجز، إلا أن يكون الآخر حاضراً، عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: يجوز". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 952).
(11)
سقط من (ب).
(12)
سقط من (ب) وهي في هامشه.
(13)
"كما في خيار البائع" زيادة في (ب) وهي في هامش (أ).
أما فسخه بالقول لا يصح إلا بحضرة البائع عند أبي حنيفة ومحمد، خلافاً لأبي يوسف
(1)
رحمهم الله.
وأما فسخه بالفعل: هو أن يكون الثمن عيناً، فيتصرف فيه
(2)
تصرف الملاك، انفسخ العقد، سواء كان البائع حاضراً أو غائباً، على ما ذكرنا في جانب البائع.
وقال أبو يوسف رحمه الله: يجوز، وكذا الرد بخيار الرؤية على الاختلاف.
وأما فسخ البيع لفساد/ في البدل فلكل واحد منهما الفسخ بحضرة صاحبه.
وذكر الإمام الإسيبجابي- رحمه الله عند أبي يوسف بغيبته أيضاً
(3)
، وإن كان الفساد لشرط منفعة لأحدهما فلكل واحد منهما الفسخ قبل القبض، وأما بعده فالفسخ لمن له الشرط بحضرة صاحبه، وليس لصاحبه الفسخ بلا رضاه، كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله، وإنما كني بالحضرة عن العلم بطريق ذكر السبب وإرادة المسبب
(4)
(5)
؛ لأن الحضور سبب العلم، وصار كالوكيل، فإن الوكيل له
(6)
أن يتصرف فيما وكل به، وإن كان الموكل غائباً.
قوله
(7)
: (ولهما أنه تصرف في حق الغير)
أي: أن الفسخ تصرُّفٌ ممن له الخيار في حق من ليس له الخيار، فقوله
(8)
: قولهما: إنه بالفسخ يلزم غيره حقاً فلا يثبت حكم
(9)
تصرفه في حق ذلك الغير ما لم يعلم به، كالموكل إذا عزل الوكيل حال غيبته، لا يثبت حكم العزل في حقه ما لم يعلم به.
وبيان الوصف أن العقد ينعقد مع الخيار، وبالفسخ ارتفع الانعقاد في حق الآخر، وتأثيره أنه لا يتمكن صاحبه من العمل بموجب الفسخ إذا لم يعلم به، [ولا يثبت حكم الخطاب في حق المخاطب ما لم يعلم به
(10)
(11)
، كما في خطابات الشرع يقرره أن البائع لا يطلب لسلعته مشترياً آخر إشكالاً على استتمام البيع بانقضاء المدة، فيتضرر البائع، وهذا ضرر يلحق بتصرف المشتري، والمشتري -وإن كان يتضرر بانتفاع الفسخ- ولكن هذا ضرر يلحق لا من جهة البائع، بل لعجز المشتري عن إيجاد شرط صحة الفسخ، "وهذا بخلاف الإجارة؛ لأنه لا يلزمه البائع بإجازته شيئاً، وهو نظير الرضا بالعيب من المشتري، فإنه يصح من غير علم البائع.
(1)
المحيط البرهاني (6/ 524).
(2)
سقط من (ب).
(3)
ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 301).
(4)
سقطتا من (ج).
(5)
قال البخاري: "والمسبب مفتقر إلى السبب افتقار المعلول إلى العلة؛ لقيامه به، فيصلح ذكر السبب وإرادة ما هو من لوازمه تقديراً، وهو المسبب" كشف الأسرار (2/ 71).
(6)
سقط من (ب).
(7)
سقط من (ج).
(8)
"فوحهه" في (ب) و (ج).
(9)
"حق"في (ب) و (ج).
(10)
القاعدة (حكم الخطاب) وهذه الجملة من ألفاظها. موسوعة القواعد الفقهية (9/ 333).
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
وقوله: إن المشروط له الخيار مسلط على التصرف من جهة صاحبه.
قلنا: لا كذلك، وكيف يقال ذلك وصاحبه لا يملك الفسخ، ولكن إنما يتمكن من الفسخ؛ لأن العقد غير لازم من جانب من له الخيار، بانتفاء وصف اللزوم يتمكن من
(1)
الفسخ من غير رضا صاحبه، ولا يتمكن من الفسخ من غير علمه، كما في الوكالات
(2)
والشركات
(3)
والمضاربات
(4)
، وبهذا الحرف تقع الفرق بين هذا وبين الوكيل؛ لأن الوكيل مسلط على التصرف من الموكل"، كذا في المبسوط
(5)
والفوائد الظهرية.
(لأنه عساه يعتمد)
أي: لأن الغير الذي ليس من جانبه الخيار يعتمد
(تمام البيع السابق فيتصرف فيه، فيلزمه غرامة القيمة بالهلاك)
يعني لو فسخ من له الخيار -وهو البائع مثلاً- في مدة الخيار، وتصرف المشتري بعد مدة الخيار، بناءً على أنه لزم البيع بمضي المدة، والحال أنه قد
(6)
فسخ البائع البيع قبل مضي المدة من غير علم المشتري، يجب القيمة على المشتري حينئذ، على تقدير أن يكون
(7)
الهلاك، وفي الجائز أن يكون القيمة أكثر من الثمن، فيتضرر المشتري بلزوم زيادة
(8)
قيمة لم يلتزمها المشتري، وهذا الضرر على المشتري على تقدير أن يكون الخيار للبائع، وأما الضرر على البائع ففيما إذا كان الخيار للمشتري، وقد مضت المدة، فاعتمد البائع على لزوم البيع، ولم
(9)
يطلب مشترياً آخر، وقد كان فسخ المشتري البيع بدون علم البائع، ولم يصل البائع إلى ما رامه
(10)
من البيع، وقضاء حاجته بثمن سلعته، فلدفع أحد هذين الضررين اللازمين
(1)
سقط في (ب).
(2)
الواو والكاف واللام: أصل صحيح يدل على اعتماد غيرك في أمرك.
وهي شرعاً: تفويض أحدٍ أمرَه لآخَر وإقامتُه مقامَه، ويقال لذلك الشخص: مُوَكِّل، ولمن أقامه وكيلٌ، والأمْرُ موكَّل به. وقال الكاساني: "وفي الشريعة يستعمل في هذين المعنيين أيضاً على تقرير الوضع اللغوي، وهو تفويض التصرف، والحفظ إلى الوكيل؛ ولهذا قال أصحابنا: إن من قال لآخر: وكلتك في كذا، أنه يكون وكيلاً في الحفظ؛ لأنه أدى ما يحتمله اللفظ، فيحمل عليه. الصحاح (5/ 1845)، مقاييس اللغة (6/ 136)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (6/ 20)، التعريفات الفقهية (ص: 239).
(3)
الشركة: مخالطة الشريكين. يقال: اشتركنا بمعنى تشاركنا، وجمع الشريك: شركاء، وأشراك. والخُلْطَةُ -بالضم: الشِرْكةُ، والخليط: الشريك، والخلطة: الشركة -بكسر الخاء-.
قال في الاختيار: "وهي في الشرع: الخلطة وثبوت الحصة".
تهذيب اللغة (10/ 13)، الصحاح (3/ 1124) طلبة الطلبة (ص: 18)، الاختيار (3/ 11)، التعريفات الفقهية (ص: 122).
(4)
المُضَارِب: هو العاملُ في المضاربة، ويقابله رَبُّ المال. وأصل المضاربة من الضرب في الأرض، والمُضَارَبة: في الشرع عقدُ شركة في الربح بمال من رجل وعمل من آخر، وهي إيداعٌ أولاً، وتوكيلٌ عند عمله، وشركةٌ إن ربح، وغَصْبٌ إن خالف، وبضاعةٌ إن شرط كلَّ الربح للمالك، ومقارضةٌ إن شرط كل الربح للمضارب.
شمس العلوم (6/ 3960)، طلبة الطلبة (ص: 148)، التعريفات الفقهية (ص: 209).
(5)
المبسوط للسرخسي (13/ 45).
(6)
سقط من (ب).
(7)
سقط من (ب).
(8)
سقط من (ب).
(9)
الواو سقط من (ب).
(10)
رام يروم إذا طلب. تهذيب اللغة (15/ 202)، تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم (ص: 415).
قلنا: [لا يتفرد
(1)
من له الخيار بالفسخ.
فإن قلت: لو لم ينفرد بالفسخ فيلزم الضرر أيضاً، وهو أن يخفي الذي ليس من جانبه الخيار شخص حتى تمضي مدة الخيار، فيلزمه العقد، شاء أو أبى، فيتضرر من له الخيار إذا أبى لزوم البيع.
قلت]
(2)
: لو لزم هذا الضرر إنما يلزم من جانبه بتقصيره يأخذ الكفيل لا من صاحبه فكان ضرراً مرضياً، بخلاف ما نحن فيه.
وذكر في فتاوى قاضي خان: فإن هذه
(3)
المسألة في باب الخيارات: رجل اشترى شيئاً على أنه بالخيار ثلاثة أيام، فجاء المشتري في الثلاثة إلى
(4)
البائع ليرد البيع فاختفى البائع منه
(5)
، وطلب المشتري من القاضي "أن ينصب
(6)
خصماً عن
(7)
البائع ليرده عليه، اختلفوا فيه قال بعضهم: ينصب خصماً نظراً للمشتري.
وقال محمد بن سلمة
(8)
رحمه الله: لا يجبه القاضي إلى ذلك، ولا ينصب خصماً؛ لأن المشتري لما اشترى ولم يأخذ منه كفيلاً مع احتمال الغيبة، فقد ترك النظر لنفسه، فلا ينظر له، وإن لم ينصب القاضي خصماً وطلب المشتري من القاضي الإعذار عن محمد رحمه الله فيه روايتان، في رواية: يجيبه القاضي إلى ذلك، يبعث
(9)
منادياً
(10)
على باب البائع أن القاضي يقول: إن خصمك فلاناً يريد أن
(11)
يرد المبيع عليك، فإن حضرت وإلا نقضت البيع، فلا ينقض القاضي البيع من غير إعذار، وفي رواية: لا يجيبه القاضي إلى الإعذار أيضاً.
وقيل لمحمد رحمه الله: كيف يصنع المشتري؟، قال: ينبغي للمشتري أن يستوثق ويأخذ منه كفيلاً
(12)
ثقة إذا خاف الغيبة، حتى إذا غاب البائع يرد على الوكيل"
(13)
.
(وصار كعزل الوكيل)
[الخلاف في عزل الوكيل]
فإن عزل الموكل الوكيل قصداً يتوقف على علم الوكيل؛ كيلا
(14)
يتضرر الوكيل بلزوم الثمن فيما إذا كان وكيلاً بالشراء، وببطلان قوله: فيما إذا كان وكيلاً بالبيع.
(1)
سقط من (ب).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(3)
"هل " في (ب).
(4)
"باب" زيادة في (ب).
(5)
سقط من (ب).
(6)
النصب: مصدر نصبت الشيء، إذا أقمته. ونَصَبْتُ لفلانٍ نَصْباً، إذا عاديته. الصحاح (1/ 224 - 225)، مقاييس اللغة (5/ 434).
(7)
"على" في (ب).
(8)
محمد بن سلمة الفقيه أبو عبد الله البلخي، مات سنة ثمان وسبعين ومائتين. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 56)، الفوائد البهية (276).
(9)
"حيث" في (ب).
(10)
"ينادي" زيادة في (ب).
(11)
سقطتا من (ب).
(12)
سقطتا من (ب).
(13)
فتاوى قاضيخان (2/ 92).
(14)
"لئلا" في (ب).
وذكر في الأسرار
(1)
: "لو صح العزل بدون علمه لزمه حكم الحجر
(2)
وهو لا يشعر فمضى على حكم الإذن، فيضمن
(3)
ويلحقه ضرر ذلك، فيكون ذلك العازل هو الذي سبب
(4)
لذلك بعزله، وصار ذلك تغريراً، ولهذا قيل: إن حكم خطاب الشرع لا يلزم العبد
(5)
إلا بعد العلم؛ لأنه لو لزم قبل العلم ولا يمكنه القيام (لتضرر)
(6)
وصار مغروراً".
فإن قلت
(7)
: قد دلت مسائل على أن إلزام الحكم في حق إنسان يثبت في جانب الآخر بدون علم من لزم عليه الحكم:
منها خيار المخيرة، فإنها تختار نفسها بدون علم الزوج [فينفذ ذلك عليه، وإن لم يرض ولم يعلم به، وفيه إلزام حكم الاختيار على الزوج]
(8)
من غير علمه.
ومنها الرجعة [فإن الزوج ينفرد بالرجعة]
(9)
ويلزم حكم الرجعة على المرأة من غير علمها. ومنها الطلاق والعتاق والعفو عن القصاص.
ومنها خيار الأمة المعتقة؛ حيث يصح اختيارها الفرقة بدون علم الزوج.
ومنها (خيار)
(10)
المالك، وهو فيما إذا باع مال غيره، فإن للمالك خياراً فيه، فلو رد ارتد بلا علم المتعاقدين.
ومنها العدة
(11)
، فإنها يلزم على المرأة إذا طلقها زوجها بدون علمها، فعلم بهذا أن
من اللوازم ما يلزم على الإنسان من جانب الغير بدون علمه، فلابد من ذكر الفرق بين مسألة الكتاب على قولهما
(12)
، وبين هذه [المسألة
(13)
، وإلا يلزم أن تكون هذه]
(14)
المسائل ناقضة أصلهما.
(1)
الأسرار (1/ 351).
(2)
الحَجْر في اللغة هو المنع. قال في النهاية: " الحجر: المنع من التصرف، ومنه حجر القاضي على الصغير والسفيه إذا منعهما من التصرف في مالهما. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 624)، النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 342). قال في الاختيار (2/ 94): "الحجر في الشرع: المنع عن أشياء مخصوصة بأوصاف مخصوصة". وقال الزيلعي: "هو منع عن التصرف قولاً لا فعلاً بصغر ورق وجنون". تبيين الحقائق شرح كنْز الدقائق (5/ 190).
(3)
"علم حكم الإذن فيضمن" زيادة في (ج).
(4)
"تسبب" في (ب).
(5)
سقط من (ب) و (ج).
(6)
في هامش (أ).
(7)
"قيل" في (ب).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(10)
في (ب) وهي في هامش (أ)
(11)
العِدَّة: تربُّصٌ يلزَم المرأة عند زوال النكاح المتأكَّد أو شِبْهِه. التعريفات الفقهية (ص: 144).
(12)
قال في الهداية: "ولهما: أنه تصرف في حق الغير، وهو العقد بالرفع، ولا يعرَّي عن المضرة" الهداية (3/ 952).
(13)
نقض قاعدة حكم الخطاب "ولا يثبت حكم الخطاب في حق المخاطب ما لم يعلم به" بما ذكر من أدلة المخالفة لهذه القاعدة.
(14)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
قلت: أما الجواب عن الأول فإن الزوج إنما يلزمه حكم الطلاق بإيجابه، وذلك فوق رضاه وعلمه، فكان بمنْزلة ما يلزم الموكل بتصرف الوكيل، فأما ههنا فلا إيجاب من جانب المشروط عليه الخيار؛ لما ذكرنا أن حكم الشرط في الخيار لا يثبت حكم العقد في حق المشروط له إلا باختياره، وإنه إنما يملك الفسخ بحكم أن العقد غير لازم لا بإيجاب آخر، ومتى بطل التسليط ههنا صارت هذه المسألة كمسألة عزل الوكيل
(1)
، وههنا يتوقف على العلم فكذا هنا، وأما
(2)
عن الرجعة فإن الزوج بالرجعة لا يلزمها حكماً جديداً؛ لأن الطلاق الذي يثبت به الرجعة لا يرفع النكاح، فكان النكاح ثابتاً بحاله قبل الرجعة، وإنما يثبت البينونة عند انقضاء العدة بشرط عدم الرجعة من الزوج في مدة العدة المعلق بالشرط عدم قبل وجود الشرط، وكلامنا في إلزام الحكم الجديد الذي لم يكن قبل الإلزام شيء من ذلك الحكم، فلا يثبت له ولاية هذه الإلزام إلا بعلمه، كما في الموكل يعزل وكيله.
وأما عن الطلاق ونحوه فإنه من الإسقاطات، فلا يلزم من أسقط عنه شيء كإسقاط الحمل عن الدابة، لا يكون إلزاماً، إنما اللزوم في جانب من أسقط، بأن ذهب ملكه، وكلامنا في الحكم الذي يلزم عن
(3)
الآخر، فإنه يتوقف عن
(4)
علمه، كما يتوقف
(5)
عزل الوكيل إلى علمه، وأما خيار الأمة المعتقة، فإنها مسألة لا رواية فيها
(6)
، ثم الجواب عنها إن سلمنا أن الخيار يثبت لها بتخير الشرع إياها، فصار كما لو ثبت بتخير الزوج؛
(7)
لأن للشرع ولاية عليها
(8)
، وقد مرَّ وجه تخير الزوج.
(1)
قال في الدر المختار: "الوكالة من العقود الغير اللازمة، كالعارية، فلا يدخلها خيار شرط، ولا يصح الحكم بها مقصوداً، وإنما يصح في ضمن دعوى صحيحه على غريم، وبيانه في الدرر فللموكل العزل متى شاء، ما لم يتعلق به حق الغير" الدر المختار (ص: 507).
(2)
" يجئ " زيادة في (ب).
(3)
"على" في (ب).
(4)
"على" في (ب).
(5)
"لزوم" زيادة في (ج).
(6)
"بل جاء فيه حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في عتق بريرة، وتخيرها من زوجها، وقصة بربرة شهيرة جداً، أخرجها كثير من العماء، منها رواية القاسم بن محمد - المتفق عليها - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت في بريرة ثلاث سنين أراد أهلها أن يبيعوها، واشترطوا ولاءها، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«اشتريها وأعتيقها؛ فإن الولاء لمن أعتق» وعتقت، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها، فاختارات نفسها، وكان الناس يتصدقون عليها وتهدي لنا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال:«هو عليها صدقة ولنا هدية» . تحقيق الأسرار للدبوسي، رسالة دكتوراة لمؤلفها شرف الدين علي قالاى، جامعة أم القرى.
البخاري، كتاب الطلاق، باب لا يكون بيع الأمة طلاقاً، رقم (5279) و (7/ 47) ومسلم، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، رقم (1504) و (2/ 1143).
(7)
"وأما مسألة" زيادة في (ج).
(8)
سقط من (ب).
[بيع الفضولي]
وأما
(1)
بيع الفضولي
(2)
، وإنما يريد بيع المتعاقدين بدون علمها عند رد المالك؛ لأن العقد في حق المالك لا يوجد إلا بإجازته؛ لأنه ليس لهما على المالك ولاية، فإذا ردَّ فقد عدَم شرط الثبوت في حقه، فانعدم أصلاً في حقه
(3)
، فارتفع الانعقاد حكماً؛ لأنه ما انعقد إلا لكينونته بعرض
(4)
الثبوت في حق المالك بإذنه ليعمل عمله حينئذ، وههنا العقد ثابت، فكان الفسخ فيه إثبات أمر لم يكن يتوقف على العلم، وأما العِدَّة فإنها لا تجب بالطلاق حتى يتوقف على علم من يجب عليه العدة، ألا ترى أنها لا تجب بطلاق مثل الدخول، بل الطلاق لقطع الملك، إلا أنه لم
(5)
لا يقدر على قطع الملك لحقه، فبقي الحق إلى حين، فكان لزوم العدة على المرأة في ضمن أقدار الله تعالى على الزوج على قطع ملكه بالطلاق بعد الدخول، فكان الاعتبار للتضمن لا للمتضمن، فكم من شيء ثبت ضمناً ولا يثبت قصداً
(6)
، وأما ههنا فليس جواز الفسخ لمن له الخيار بتسليط صاحبه؛ لما
(7)
أنه لا يقدر على الفسخ، فكيف يوجد منه التسليط، بل الفسخ ثبت له ابتداء باعتبار
(8)
العقد غير لازم في جانبه، فيتوقف على علم صاحبه، كما في عزل الوكيل، وفسخ عقد الشركة والمضاربة، هذا كله مما أشار إليه القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله في الأسرار
(9)
.
[موت من له الخيار]
وإذا مات من له الخيار بطل خياره [وهذا اللفظ بعمومه يتناول البائع والمشتري وغيرهما، جمعاً وتفرقاً، إذا كان الخيار لهم، ثم إنما قيد لموت من له الخيار له؛ لأنه إذا مات من عليه الخيار]
(10)
، فإن الخيار باق به بالإجماع،/ ثم لما أن الخيار (بطل)
(11)
عندنا يلزم البيع، كذا في المبسوط
(12)
.
(1)
"مسألة" زيادة في (ب) و (ج) وهي في هامش (أ).
(2)
الفضولي: هو من لم يكن وليًا ولا أصيلاً ولا وكيلاً في العقد. التعريفات (ص: 167).
(3)
سقط من (ب).
(4)
"بعرضيته" في (ب).
(5)
"لا " في (ب).
(6)
وكأن أصل هذا اللفظ قاعدة (التابع تابع). ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 103).
(7)
"كما " في (ب).
(8)
" أن العقد" زيادة في (ب).
(9)
ينظر: الأسرار للدبوسي (1/ 349 - 352).
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(11)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(12)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 42).
(كخيار العيب والتعيين) أي: خيار تعين المبيع، كما إذا اشترى أحد الثوبين على أنه بالخيار يأخذ أيهما شاء، وخيار الرؤية على أصلكم، كذا في الأسرار
(1)
.
(ولنا أن الخيار ليس إلا مشيئةَ وإرداة)
بنصب مشيئة
(2)
؛ لأنها بدل عن خبر ليس، أي: ليس الخيار إلا مشيئته، وإنما قلنا: "إن الخيار ليس إلا مشيئةً؛ لأن تفسير الشائي
(3)
أن يكون فاعلاً من ملك واختيار، لا عن أمر وإخبار
(4)
، وهو تفسير الخيار، كذا في الأسرار
(5)
.
(ولا يتصور انتقاله)
أي: انتقال الخيار؛ لأن مشيئة الإنسان تنقطع بموته كقدرته، ولا ينتقل إلى غيره؛ لأنها صفته، والصفة لا يبقى بدون الموصوف، ولا ينتقل إلى غيره كسائر صفاته من القدرة والحياة. "وإنما يورث ما يحتمل الانتقال إلى الوارث، فأما ما لا يحتمل الانتقال إلى الوارث
(6)
كملكه في منكوحته وأم ولده، وكذلك العقد لا ينتقل إلى الوارث؛ لأنه إنما يورث ما كان قائماً، والعقد قول قد مضى، فلا يتصور انتقاله إلى الوارث، وإنما يملك الوارث الإقالة لقيامه مقام المورث في ملكه لا في العقد، فإن الملك يثبت ولاية الإقالة، ألا يرى أن إقال
(7)
الموكل مع (البائع)
(8)
الثاني صحيحة، والعاقد هو الوكيل دون الموكل"، كذا في المبسوط
(9)
والأسرار.
فإن قيل: ما ذكرتم من عدم احتمال الصفة التوريث منقوض بتوريث الأعيان
(10)
، فإن المالكية في الأعيان صفة لمالك الأعيان، ثم هي تنتقل في المورث إلى الوارث في حق الأعيان.
قلنا: لا كذلك، بل العين تنتقل إلى الوارث أولاً، وفي ضمن [انتقال العين يثبت الملك للوارث ابتداءً، لا أن مالكية المورث تنتقل إليه.
فإن قيل: فما يمنعكم من أن تجعلوا في خيار الشرط كذلك، بأن ينتقل المبيع من المورث إلى الوارث، وفي ضمن]
(11)
انتقاله ينتقل الخيار معه إلى الوارث؟.
قلنا: ليس من لوازم المبيع
(12)
الخيار، بل الأصل عدم الخيار، فكم من مبيع ولا خيار
(1)
الأسرار (1/ 335).
(2)
سقط من (ج).
(3)
"الثاني" في (ج).
(4)
"وإجبار" في (ب).
(5)
الأسرار (1/ 336).
(6)
"فلا يورث" زيادة في (ب) و (ج)، وهي في هامش (أ).
(7)
"إقالة" في (ب) و (ج).
(8)
في (ب) و (ج) وهي في هامش (أ).
(9)
المبسوط: (ج 13 ص 43)
(10)
الأعيان: الإخوة بنو أب واحد وأم واحدة. تهذيب اللغة (3/ 131)، الصحاح (6/ 2171).
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(12)
"البيع" في (ب) وهو الصحيح كما في العناية شرح الهداية (6/ 318).
له
(1)
، فلا يلزم من انتقال المبيع إلى الوارث انتقال الخيار، وأما المملوك فلا يتصور بدون المالك.
فإن قيل: قد ينتقل
(2)
حق القصاص إلى وارثه.
قلنا: لا ينتقل، بل يثبت ابتداء له لتشفى الصدور، ولا يمكن أن تجعل الخيار كالقصاص؛ لأن الخيار يثبت بالعقد والشرط، والوارث ليس بعاقد، ولا شارط، فلا يثبت في حقه، فأما تشفى
(3)
الصدور فأمر
(4)
يشتمل الكل، إلا أن المورث لتقدمه على الوارث كان الاستيفاء له، فإذا مات فقد ذهب التقدم (فيخلفه)
(5)
من كان أقرب إليه بعلة كانت ثابتة للخليفة قبل موت المورث.
فإن قيل: قال صلى الله عليه وسلم: «من ترك مالاً أو حقاً فلورثته»
(6)
ذكره في الأسرار
(7)
والخيار حق فيجب لمن
(8)
يورث.
قلنا: المراد من الحق هنا هو الحق الذي يقبل الانتقال، كخيار العيب، والتعين، بدليل ما ذكرنا دفعاً للتناقض
(9)
.
نقل في فوائد الإمام حميد الدين الضرير
(10)
رحمه الله
وذكر في الأسرار
(11)
"فإن قيل
(12)
: عندنا لا يورث خياره ولا مشيئته ولكن البيع بشرط الخيار غير لازم فيورث كذلك غير لازم، وللعاقد في العقود التي هي
(13)
غير لازمة خيار الفسخ كما قلنا
(14)
في المبيع مع العيب.
قلنا: لنا أن ننتظر أن يصير غير لازم بوجوده
(15)
مع شرط الخيار، أو بثبوت الخيار حقاً للمشروط له [وبقائه كذلك حقاً له، فمنع بقاء الخيار اللزوم، وقلنا: صار غير لازم لقيام الخيار حقاً للمشروط له]
(16)
بدليل أنه متى سقط بسبب ما صار لازماً
(17)
كما لو اشترى على أنه بالخيار، فقبض وتعيبت السلعة عنده في مدة الخيار أو أسقطه، فكذا في حق الوارث لا يبقى غير لازم إلا ببقاء الخيار الثابت بالشرط.
(1)
العناية شرح الهداية (6/ 318).
(2)
" الحق إرثاً من المورث على الوارث بدون أن ينتقل محل الحق، وهو العين، كما إذا مات ولي القصاص ينتقل" في (ب) وهي في هامش (أ).
(3)
"إنه" زيادة في (ب).
(4)
سقط من (ب).
(5)
"فيلحقه" في (ب).
(6)
لم أقف في كتب الحديث على كلمة "حقاً"، وإنما على كلمة "مالاً". أخرجه البخاري من طريق أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك كلاً فإلينا» كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب الصلاة على من ترك ديناً، رقم (2398)، (3/ 118). وأخرجه مسلم في كتاب الفرائض، باب من ترك مالاً فلورثته، رقم (1619)، (3/ 1238).
(7)
الأسرار (1/ 335).
(8)
"أن" في (ب).
(9)
"كذا" في (ب) وهي في هامش (أ)"هكذا".
(10)
سبق ترجمته (ص: 91).
(11)
الأسرار (1/ 336 - 337).
(12)
"قلت" في (ج).
(13)
سقط من (ب).
(14)
سقطتا من (ب).
(15)
"يوجد" في (ب).
(16)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(17)
سقط من (ج).
وذلك الخيار ثابت للعاقد صفة له
(1)
وانقطع بموته، ولم يصير ميراثاً للوارث، فيصير البيع لازماً، كما لو لم يمت فسقط الخيار بالعيب، وهذا كما لا يورث عندكم خيار المجلس لو مات أحدهما في المجلس ويصير البيع لازماً، وكذلك البيع بأجل غير موجب للمطالبة بالثمن، وإذا مات المشتري وجبت
(2)
المطالبة بالثمن؛ لأن الحق الثابت بالأجل براءة المشتري
(3)
عن المطالبة، وهو صفته فلا يورث عنه، وإذا لم يورث وجبت المطالبة"
[خيار العيب وتوريثه]
(بخلاف خيار العيب لأن المورث استحق المبيع سليماً، فكذا الوارث)
فكان هذا يورثنا في الأعيان لا في نفس
(4)
الخيار.
وذكر في المبسوط
(5)
: "فأما خيار العيب فلا نقول
(6)
بأنه يورث، ولكن سبب الخيار
(7)
يتقرر في حق الوارث، وهو استحقاق المطالبة بتسليم الجزء والفائت؛ لأن ذلك جزء من المال مستحق للمشتري بالعقد، فإذا طالب البائع بتسليمه وعجز عن التسليم فسخ العقد لأجله، وقد وجد هذا المعنى في حق الوارث؛ لأنه يحلف المشتري في ملك ذلك الجزء، ألا ترى أن/ الخيار قد ثبت ابتداء للوارث، وإن لم يكن ثابتاً للمورث، بأن يتعيب المبيع في يد البائع بعد موت المشتري قبل أن يقبضه الوارث، بخلاف خيار الشرط، فإن السبب -وهو الشرط- لا يوجد في حق الوارث، ولا يمكن التوريث فيه".
وذكر في الأسرار
(8)
في هذه المسألة: "فالخيار في مسألتنا هو الحكم الأصلي، وحكمه راجع إلى العقد، فلا يبقى الحكم بدون أصله، وفي العيب الحكم الأصلي بالبيع صفة سلامة استحقها المشتري، وحكمه عند عدمها في إثبات الخيار لمالك المبيع فأوجب للوارث
(9)
لما
(10)
قام مقامه في ملكه كان هو لقيامه مقامه في السبب.
ألا ترى أن الوكيل بالشراء إذا اشترى على أنه بالخيار لم يثبت للموكل
(11)
بثبوت الملك له، وثبت له خيار العيب بثبوت الملك له، وكذلك خيار الرؤية، لا يورث عندنا، ولكنه لما ثبت للمشتري؛ لأنه
(12)
ملك المبيع مجهول الوصف؛ لعدم الرؤية، والوارث بعد موته قائم مقامه، نائباً عنه في الملك، كأنه هو، وكذلك إذا اشترى أحد الثوبين على أنه بالخيار يأخذ أيهما شاء بعشرة دراهم، ويرد الآخر فمات لم يورث الخيار الثابت بالشرط، وسقط بالموت، ولكن ورث المبيع، وهو مجهول فيثبت له خيار التعين
(13)
كمن اختلط ماله بمال رجل يثبت له خيار التعين، فصار الأصل أن خيار الفسخ متى كان يثبت بوصف ثابت للمبيع ثبت للوارث لانتقال المبيع إليه بوصفه، فيثبت له خيار مبتدأ لا مورث
(14)
كخيار الإقالة، ومتى ثبت الخيار أصلاً بالشرط وبالصفة ثم تعدى حكمه إلى المبيع صح، وانقطع بالموت، وارتفع حكمه؛ لأن نفسه لا تورث، وهو علته، فكذلك حكمه لم يورث. ولهذا نقول: إن خيار الشفعة لا يورث؛ لأنه مشيئة للشفيع بين أن يأخذ المبيع بشراء، وبين أن يدعه بملك كان له عند الشراء، إلا بالقائم عند الأخذ، والخيار لا يورث على ما مر، والملك القائم عند الشراء
(15)
لم يصر للوارث، وإنما صار له ما بقي بعد موته".
(1)
سقط من (ب).
(2)
"وجبت" في (ب).
(3)
"للمشتري" في (ب).
(4)
سقط من (ب).
(5)
المبسوط للسرخسي (13/ 43) باب خيار الشرط.
(6)
"به" زيادة في (ب).
(7)
سقط من (ب).
(8)
الأسرار (1/ 339 - 340 - 341).
(9)
"حكما" زيادة في (ب).
(10)
سقط من (ب).
(11)
"للوكيل" في (ب).
(12)
"ولاية" في (ب).
(13)
لو بين البائع أثمان شيئين أو أشياء من القيميات كل على حدة على أن المشتري يأخذ أياً شاء بالثمن الذي بينه له، أو البائع يعطي أياً أراد كذلك، صح البيع وهذا يقال له: خيار التعيين. مجلة الأحكام العدلية (ص: 63).
(14)
"بحلاف" زيادة في (ب).
(15)
"المشتري" في (ب) و (ج) ..
[الشراء بشرط الخيار للغير]
ومن اشترى شيئاً وشرط الخيار لغيره
أي: لغير المشتري الذي هو غير البائع أيضاً، بدليل خلاف زفر رحمه الله؛ فإنه لو اشترى شيئاً بشرط الخيار للبائع، وهو أن يبيع البائع شيئاً
(1)
على أنه بالخيار يجوز بالاتفاق
(2)
، علم بهذا أن المراد من عموم اسم الغير هنا هو غير العاقد من المشتري [والبائع؛ لأنه ذكر خلاف زفر
(3)
في هذه المسألة.
فأيهما أجاز جاز
أي: أيهما من المشتري و]
(4)
من شرط له الخيار، أجاز جاز.
وذكر في المبسوط
(5)
"وإن اشترط المشتري الخيار لغيرة، ثم إن الذي له الخيار رد البيع بمحضر من البائع فهو جائز؛ لأنه قام مقام المشتري في التصرف بحكم الخيار، وكذلك لو كان المشتري هو الذي رده لما أن اشتراط الخيار لغيره اشتراط منه لنفسه.
(لأن الخيار من مواجب العقد وأحكامه)
أي: لو شرط في العقد يصير حقًّا من
(6)
حقوق العقد، وواجباً من مواجبه
(7)
، وبه صرح الإمام قاضى خان- رحمه الله.
(كاشتراط الثمن على غير المشتري)
إذا اشتراط تسليمه على غير المشتري، أو اشتراط الملك لغيره
(فيقدم الخيار له)
أي: للعاقد
(اقتضاء)
بيانه فيما ذكره القاضي الإمام فخر الدين
(8)
يقول:
"ولنا
(9)
اشتراط الخيار لغير العاقد [اشتراط للعاقد؛ لأنه لا وجه لإثبات الخيار لغير العاقد]
(10)
بطريق الأصالة، ويمكن إثباته بطريق النيابة عن العاقد، فنجعل كأنه شرط الخيار لنفسه، وجعل الأجنبي نائباً عن نفسه في التصرف، بحكم الخيار اقتضاء تصحيحاً لتصرف العاقد بقدر الإمكان"
(11)
.
(1)
سقط من (ب).
(2)
ينظر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 14)، العناية شرح الهداية (6/ 320).
(3)
قال ابن الهمام: "واشتراط الخيار لا يجوز، وهو قول زفر". بدائع الصنائع (5/ 174)، شرح فتح القدير (6/ 297).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(5)
ينظر: المبسوط للسرخسي: (13/ 48).
(6)
"في حقوق" في (ب).
(7)
"مواجباته" في (ب).
(8)
محمد بن عمر الرازي أبو الفضائل، الإمام فخر الدين، مات بهراة سنة ست وست مائة رحمه الله تعالى.
قلت: وذكر صاحب الجواهر (2/ 449) أسامي شراح الجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني، فذكر الإمام قاضي خان وذكر لقبه فقال:"الإمام فخر الدين قاضي خان"، وقد وجدت من خلال تتبعي للمخطوط أنه إذا قيد اللقب بذكر الجامع الصغير فإنه يراد من شرح الجامع الصغير للشيباني، وإذا أطلق هذا اللقب بدون ذكر كتاب فيراد غير الشراح للجامعين الصغير والكبير للشيباني والله أعلم. الجواهر المضية (2/ 103).
(9)
"أن" زيادة في (ب).
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب)
(11)
ينظر: المحيط البرهاني (6/ 524).
وزفر لا يقول بالاقتضاء
(1)
.
فإن قيل: تحت هذا التقرير فساد عظيم ينقض قاعدة من قواعد أصول الفقه فإنه جعل هنا خيار العاقد الذي هو الأصل ثابتاً بطريق الاقتضاء، وقد عرف أن من شرط صحة المقتضي أن يكون هو أحط رتبة وأدون
(2)
منْزلة من المقتضى الذي هو المذكور.
وعن هذا قلنا: لم تثبت الحرية للعبد الحانث في يمينه في قول المولى له: كفِرّ يمينك بالمال، وإن كانت صحة التكفير مقتضية للحرية سابقاً على التكفير بالمال؛ إذ لا يصح هو بدون الحرية لما أن الحرية أصل وأقوى منْزلة من تصرف التكفير، فلم تثبت الحرية لذلك بطريق الاقتضاء؟.
قلنا: نعم كذلك، إلا أن الأصالة قد تثبت لغير العاقد هنا بوجه آخر، فاستوى مع العاقد في الأصالة، فلذلك جاز أن يثبت خيار العاقد اقتضاء، وذلك أن شرط الخيار من قبيل الألفاظ، بحيث لا يثبت بدون اللفظ، وغير العاقد أصل في هذا في حق اللفظ؛ لأنه أثبت له الخيار باللفظ/ قصداً، وأما الحرية فليست من خواص اللفظ؛ إذ الحرية تثبت في شراء القريب وإرثه بدون اللفظ، فكانت الحرية خالية من جهة التبعية، فلا تثبت في ضمن ما هو تبع لها، وهو التكفير، وأما ههنا فالعاقد تبع لغير العاقد في اشتراط الخيار
(3)
في حق اللفظ، فيثبت بطريق الاقتضاء.
(يعتبر تصرف العاقد)
أي: سواء كان فسخاً أو إجارة.
(في رواية)
أي: في رواية كتاب بيوع المبسوط.
(وتصرف الفسخ)
[أي: ويعتبر تصرف الفسخ]
(4)
، سواء كان ذلك الفسخ من العاقد أو من غير العاقد.
(في أخرى)
في رواية أخرى، وهي رواية ما دون المبسوط.
(وجه الأول: أن تصرف العاقد أولى)
لأن الصادر عن بيانه لا يصلح معارضاً للصادر عن أصالة
(5)
.
فإن قيل: هذا يشكل بما إذا وكل الرجل رجلاً بأن يطلِّق امرأته بالسنة، فطلقها الوكيل والموكل، وخرج الكلامان معاً، فالواقع طلاق أحدهما لا طلاق الموكل عيناً
(6)
.
(1)
ينظر: تبيين الحقائق (4/ 19).
(2)
الدون: الخسيس، زيد دونك. ودون: ظرف، ونعت، لا يشتق منه فعل، وهذا أدون ذاك. ويكون دون بمعنى غير، وبمعنى فوق، وتحت. المحيط في اللغة (9/ 359).
(3)
"له" كذا في (ب).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(5)
"أصله" في (ب).
(6)
وخالف هذا ابن الهمام فقال: "والتصرف الصادر عن أصالة أقوى من التصرف الصادر عن نيابة، واستشكل بما إذا وكل رجلاً آخر بطلاق امرأته، فطلقاها معاً فالواقع طلاق أحدهما، لا طلاق الموكل عيناً، ولو كان المرجح الأصيل تعين طلاقه. " فتح القدير (6/ 322).
قلنا: الوكيل في باب الطلاق سفير
(1)
كالوكيل في باب النكاح، بدليل أن الحالف حانث بفعل كل واحد منهما، فكان الموجود من الوكيل موجوداً من الموكل، فكان الصادر عن كل واحد منهما صادراً عن أصالة، بخلاف الوكيل بالبيع.
(وجه الثاني: أن الفسخ أقوى؛ لأن المجاز يلحق الفسخ، والمفسوخ لا تلحقه الإجازة
(2)
فإن قيل: لا نسلم بأن المفسوخ لا تلحقه الإجازة، بل المفسوخ تلحقه الإجازة، ألا ترى أن الخيار إذا كان للبائع أو للمشتري فالتقيا فتناقضا البيع ثم هلك عند المشتري، أي: قبل أن يقبضه البائع بحكم الإقالة، فعلى المشتري الثمن، إن كان الخيار له، والقيمة إن كان الخيار للبائع؛ لأن تمام الفسخ بالتسليم إلى البائع.
ثم قال في المبسوط
(3)
: "وهذا؛ لأن الفسخ بحكم الخيار محتمل للفسخ في نفسه حتى لو تقاسما ثم تراضيا على فسخ الفسخ وعلى إجازة
(4)
العقد بينهما جاز"، وفسخ الفسخ ليس إلا هو إجازة البيع في المفسوخ.
قلنا: هذا لا يلزم؛ لأنا قلنا: الإجازة لا ترد على المنتقض، ولا إجارة فيما ذكرتم، كذا في الفوائد الظهيرية
(5)
.
وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله
(6)
-: والصحيح ما ذكر المأذون
(7)
؛ لأن النقض أقوى من الإجازة، فإن النقض يرد على الإجازة، والإجازة لا ترد على النقض، والأدنى لا يعارض الأقوى، كنكاح الحرة مع الأمة
(8)
[إذا اجتمعا يصح نكاح الحرة؛ لأن نكاح الحرة يرد على نكاح الأمة]
(9)
ونكاح الأمة لا يرد على نكاح الحرة.
(وأبو يوسف رحمه الله يعتبرهما)
أي: يعتبر تصرف الموكل وتصرف
(10)
الوكيل، ويجعل العبد مشتركاً بالنصف بين المشترين، [ويجيز كل واحد من المشترين]
(11)
، إن شاء أخذ النصف بنصف الثمن، وإن شاء نقض
(12)
البيع.
(1)
"معير" في (ب).
(2)
قاعدة أصولية فقهية وهي (المفسوخ) وهذه الجملة (المفسوخ لا تلحقة إجازة) من ألفاظها، واالمفسوخ: هو العقد الذي أبطله العاقدان بعد تمامه، إذ يدخله الفسخ بسبب من الأسباب. موسوعة القواعد الفقهية (10/ 793).
(3)
المبسوط للسرخسي (13/ 49).
(4)
"إعادة" في (ب).
(5)
ينظر: المبسوط للسرخسي (25/ 188).
(6)
ينظر: البحر الرائق (6/ 22).
(7)
كتاب المأذون ويسمى "المأذون الكبير" وله "المأذون الصغير" لمحمد بن الحسن الشيباني. قلت: ولم أعثر على خبره، هل هو مطبوع أم لا زال مخطوطاً؟، فالله اعلم. المحيط في اللغة (9/ 359)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 239).
(8)
"الأمة" في (ب) وفي (أ)"الإمام". والأصح ما في (ب) لمناسبة المعنى.
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(10)
سقط من (ب).
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(12)
"يقبض" في (ج).
فإن قيل: لما اعتبر تصرفهما
(1)
أبو يوسف في مسألة بيع الوكيل والموكل كيف يستخرج من ذلك أن تصرف الفاسخ أولى عنده في مسألتنا؟.
قلنا
(2)
: يعلم من ذلك أنه لم يرجح تصرف المالك كما رجحه محمد
(3)
رحمه الله فلما لم يرجح تصرف المالك ظهر أثر ذلك في مسألة بيع الموكل والوكيل بكون العبد بين المشتريين بالنصف، فلما لم يثبت الرجحان
(4)
هناك لتصرف المالك لمالكيته، والرجحان ثابت
(5)
هنا لتصرف الفسخ في نفسه، لما
(6)
ذكرنا أنه وارد على الإجازة لا على العكس رجحنا بحال التصرف وهو تصرف الفسخ؛ لأنه لا معارض لهذا الرجحان شيء
(7)
بعد مساواة تصرف المالك مع تصرف غير المالك فقلنا به.
[بيع عبدين بالخيار ثلاثة أيام في أحدهما]
(والمسألة على أربعة أوجه)
(8)
ووجه الانحصار على هذه الأربعة ضروري؛ لأن الاثنين إذا دار في الاثنين يكون
(9)
أربعة لا محالة، وههنا كذلك؛ وذلك لأن الخيار وتفصيل الثمن كليهما معا موجودان في العبدين، أو هما غير موجودين، أو وجد الخيار دون تفصيل الثمن، أو على العكس، والبيع في الوجه الأول
(10)
فيما ذكرنا من الأوجه جائز دون الأوجه الثلاثة.
(وفساده لجهالة الثمن والمبيع)
أما جهالة المبيع فهي ما ذكر في الكتاب، فإن الذي فيه الخيار لما لم يكن معلوماً، وهو غير مبيع كان
(11)
الآخر هو المتعين؛ لكونه مبيعاً غير معلوم، وأما جهالة الثمن؛ فلأنه لو ثبت حكم العقد الذي لا خيار فيه يثبت بحصته من الثمن، وهو غير معلوم، وجهالة المبيع أو الثمن توجب فساد العقد، فجهالتهما أولى. وقبول العقد في الذي فيه الخيار جواب شبهة، وهي أن يقال: ينبغي أن يفسد البيع في هذه الصورة أيضاً؛ لوجود المفسد، وهو قبول العقد في الذي لم يدخل في العقد؛ لأن العبد الذي فيه الخيار غير داخل في العقد حكماً، وقبول كل واحد منهما شرط لصحة الآخر، فكان بمنْزلة من جمع بين قن وحر وباعهما أنه لا يجوز، وإن فصل الثمن؛ لما ذكرنا أنه جعل قبول العقد في الحر شرطاً لصحة العقد في القن، وإنه شرط مفسد، فقال: ليس هذا كذلك، فإن الحر غير داخل في العقد لا انعقاداً ولا حكماً؛ لأنه ليس بمحل للبيع أصلاً، فلذلك كان قبول العقد فيه شرطاً مفسداً للعقد في القن، وأما ههنا الذي فيه الخيار محل للبيع فكان داخلاً تحت البيع في حق الانعقاد، وإن لم يكن داخلاً في الحكم، فكان نظير من جمع بين قن ومدبر وباعهما بألف صح البيع في القن بحصته من الثمن، وإن تعلق صحة البيع فيه بقبول البيع في المدبر؛ لأن المدبر داخل تحت البيع، ولهذا لو قضى القاضي بجواز بيعه نفذ، فكان قبوله شرطاً صحيحاً كذا هنا، وكذا هذا لو كان الخيار للمشتري، كذا ذكره الإمام التمرتاشي
(12)
.
(1)
العناية شرح الهداية (6/ 322).
(2)
سقط من (ب).
(3)
"قول محمد؛ أنه يقدم ولاية الملك على ولاية النيابة". بدائع الصنائع (5/ 271).
(4)
سقط من (ج).
(5)
"بينا" زيادة في (ب).
(6)
"كما"في (ب).
(7)
سقط من (ب).
(8)
قال في الهداية: "قال: ومن باع عبدين بألف درهم على أنه بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام فالبيع فاسد، وإن باع كل واحد منهما بخمسمائة على أنه بالخيار في أحدهما بعينه جاز البيع، والمسألة على أربعة أوجه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 954).
(9)
"المجموع" زيادة في (ب).
(10)
قال في الهداية: " أحدها: أن لا يفصِّل الثمن ولا يعين الذي فيه الخيار. وهو الوجه الأول في الكتاب" الهداية (3/ 954).
(11)
"فإن" في (ب).
(12)
ينظر: تبيين الحقائق (4/ 20).
(والثالث: أن يفصل ولا يعيّن)
أي: أن يفصل الثمن، ولا يعين الذي فيه الخيار، بأن قال: بعت منك هذين العبدين كل واحد منهما بخمسمائة على أني بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام، فهو فاسد لجهالة المبيع
(1)
.
(والرابع: أن يعيّن)
الذي فيه الخيار.
(ولا يفصل)
ثمن كل واحد منهما، فقال: بعت منك هذين العبدين بألف على أني بالخيار في هذا (العبد)
(2)
بعينه ثلاثة أيام، وهو فاسد؛ لجهالة الثمن، كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله.
فإن قلت: ما الفرق بين الوجه الأول الذي لم يفصل الثمن ولم يعين الذي فيه الخيار والوجه الرابع الذي عين فيه الخيار ولم يفصل الثمن، وبين الذي اشتري عبدين بألف درهم فإذا أحدهما
(3)
مدبر أو مكاتب، أو كان المبيع جاريتين فإذا إحداهما أم الولد
(4)
، فإن العقد ينعقد صحيحاً في القن، وإن لم يكن فيه تفصيل الثمن، وكان الانعقاد في القن بالحصة لما إن العقد لا ينعقد في المدبر والمكاتب وأم الولد، حتى لو حلف لا يبيع فباع هؤلاء لا يحنث، وفي البيع بشرط الخيار يحنث، فكان أولى أن يكون قِرَانُ المدبر ونحوه مفسدًا لبيعِ القنِ، ومع ذلك لم يكن القبول
(5)
في هؤلاء شرطاً مفسداً للبيع في القن عند عدم تفصيل الثمن، [وأفسد عدم تفصيل الثمن]
(6)
بيع الذي ليس فيه الخيار فيما نحن فيه.
قلت: من مشائخنا من لم يشتغل بالفرق بينهما، وقال: قياس ما ذكره ههنا أنه لا يجوز العقد في القن في تلك المسائل، ويصير ما ذكر هنا رواية في تلك المسائل، ومنهم من اشتغل بالفرق، وهو الصحيح، والفرق ما ذكرنا أن بشرط الخيار يمنع انعقاد العقد في حق الحكم، ويجعل العقد في حق الحكم كالمعدوم فيما شرط فيه الخيار، وإذا لم ينعقد العقد في حق الحكم في حق المشروط فيه الخيار لو انعقد في حق الآخر ينعقد ابتداءً بالحصة، والعقد لا ينعقد ابتداءً بالحصة، أما في المدبر والمكاتب وأم الولد العقد ينعقد في حق الحكم إذا لم يوجد في حقهم ما يمنع انعقاد العقد، ولهذا لو قضى القاضي يجوز، لكن لم يثبت الحكم لحق محترم واجب الصيانة، والصيانة تحصل بمجرد منع الحكم، فلا ضرورة إلى أن يجعل العقد غير مباشر في حق الحكم كما انعقد في حق القن، ثم وجب قسمة الثمن بعد ذلك عند فسخ العقد على هؤلاء، والانقسام أبداً يكون بالحصة، ولا يوجب خللاً في العقد، كما لو جمع بين عبدين وأحدهما عبده وباعهما صفقة واحدة، وفيما نحن فيه البيع مقيد بالخيار، فالحاصل أن المانع من حكم العقد، فيما نحن فيه مقترن بالعقد لفظاً ومعنى، فأثّر المفسدُ، [وفي بيع القن مع هؤلاء المانع مقترن بالعقد معنًى لا لفظاً، فلم يؤثر المفسد]
(7)
، ونظيره المشتري من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المولى البيع جاز الاعتاق، والمشتري ممن باع على أنه بالخيار إذا أعتق ثم أجاز لا ينفذ
(8)
؛ لما أشرنا إليه، كذا في الذخيرة
(9)
والفوائد الظهيرية.
(1)
قال في البدائع: "هذا يخرج ما إذا اشترى ثوبين أو عبدين أو دابتين على أن المشتري أو البائع بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام، ولم يعين الذي فيه الخيار من الذي لا خيار فيه، ولا بين حصة كل واحد منهما من الثمن، أن البيع فاسد فيهما جميعاً؛ لجهالة المبيع والثمن، أما جهالة المبيع: فلأن العقد في أحدهما باتٌّ، وفي الآخر خيار، ولم يعين أحدهما من الآخر، فكان المبيع مجهولاً". بدائع الصنائع (5/ 157)، المحيط البرهاني (6/ 363)، تبيين الحقائق (4/ 20).
(2)
في (ب) وفي هامش (أ) وسقط من (ج) ..
(3)
"أم الولد" زيادة في (ج).
(4)
أم الولد هي: المملوكة التي ثبت نسب ولدها من مالك كلها أو بعضها. درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 19)
(5)
"القول" في (ج).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(8)
"ينعقد" في (ب).
(9)
المحيط البرهاني (6/ 230).
ثم اعلم أن مسألة الكتاب، وهي إذا باع عبدين بألف درهم على أنه بالخيار في أحدهما نظير دليل الخصوص بدليل الخصوص
(1)
يشبه الناسخ من حيث الصيغة على معنى أن الخيار لا يمنع دخولهما تحت الإيجاب، ويشبه الاستثناء من حيث الحكم على معنى أن الخيار يمنع انعقاد العقد في حق الحكم، فلشبهه بالناسخ إذا عين الذي فيه الخيار بين الثمن يجوز لدخوله تحت الإيجاب، بخلاف الحر أو الميتة؛ فإنه لا يدخل في الإيجاب، فيفسد البيع هناك، فصل الثمن أو لم يفصل، ولشبهه بالاستثناء إذا لم يعين الذي فيه الخيار، أو لم يفصل الثمن لا يجوز، وأما الذي يشبه الناسخ في البيع من كل وجه ما إذا باع عبدين فمات أحدهما قبل التسليم، أو استحق، أو وجد مدبراً، والذي يشبه الاستثناء فيه من كل وجه ما إذا أضيف البيع إلى حر وعبد بثمن واحد، أو أضيف البيع إلى حي وميت على ما هو المعروف في أصول/ الفقه
(2)
.
[من اشترى ثوبين بالخيار في أحدهما]
ومن اشترى ثوبين
(3)
على أن يأخذ أيهما شاء هذا
(4)
من قبيل اطلاق اسم الكل على البعض مجازاً
(5)
؛ لأن المشتري اشترى أحد الثوبين، لا الثوبين، على ما يذكر في الكتاب، فكان هذا نظير قوله تعالى:{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}
(6)
أضاف الخروج إليهما، وإن كان من أحدهما
(7)
، وكذا هنا. وذكر فخر الإسلام
(8)
رحمه الله وإنما قال: اشترى ثوبين وإن اشترى أحدهما مجازاً؛ لاحتمال أن يكون كل واحد منهما هو المبيع، والقياس أن يفسد البيع في الكل؛ لجهالة المبيع، كما لو قال: بعت منك أحد هذين الثوبين، ولم يذكر الخيار، وكما لو كانت الثياب أربعة، وذكر الخيار أو لم يذكر، "فإن المبيع أحد الثياب، وهي متفاوتة في نفسها، وجهالة المبيع فيما يتفاوت يمنع صحة العقد. ألا ترى أنه لو لم يسم لكل ثوب ثمنه
(9)
كان العقد فاسداً؛ لجهالة المبيع، وكذلك لو لم يشترط الخيار لنفسه كان العقد فاسداً بجهالة المبيع، فكذلك إذا شرط الخيار؛ لأن شرط الخيار يزيد في معني الغرر، ولا يزيله، ووجه الاستحسان أن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة؛ لأنه شَرَطَ الخيار لنفسه، ويحكم خياره يستبدُّ
(10)
بالتعين
(11)
، والجهالة لا تفضي إلى المنازعة، فلا يمنع صحة العقد، كما لو اشترى قفيزاً من الصبرة، بخلاف ما إذا لم يشرط الخيار لنفسه، فالجهالة هناك تفضي إلى المنازعة، وبخلاف ما إذا لم يسمِّ لكل ثوب ثمناً؛ لأن هناك ثمناً ما يتناوله العقد مجهولاً، فإنما فسد العقد بجهالة الثمن، ثم الجهالة التي يمكن بسبب [عدم تعين المبيع معتبرة بالغرر الذي يتمكن بسبب]
(12)
شرط الخيار، وذلك يحتمل في الثلاث وما دونه، ولا يحتمل في الزيادة على ذلك، فكذلك هذا اعتبار للمحل
(13)
بالزمان؛ وهذا لأن احتمال هذه الجهالة
(14)
لأجل الحاجة، وهي متحققه في
(15)
المحل حسب تحققها في الزمان، على ما ذكر في الكتاب"
(16)
، كذا في المبسوط.
(1)
قال السرخسي: "إن دليل الخصوص بمنْزلة الاستثناء في حق الحكم، وبمنْزلة الناسخ باعتبار الصيغة؛ لأن بدليل الخصوص يتبين بأن المراد إثبات الحكم فيما وراء المخصوص، لا أن يكون المراد رفع الحكم عن الموضع المخصوص بعد أن كان ثابتاً". أصول السرخسي (1/ 148).
(2)
ينظر: أصول السرخسي (1/ 150)، كشف الأسرار (1/ 310).
(3)
قال في المحيط: "وقد اختلف ألفاظ الفسخ في هذه المسألة: وقع في بعضها اشترى شيئين، ووقع في بعضها اشترى أحد الشيئين وهو الصواب" المحيط البرهاني (6/ 512).
(4)
سقط من (ج).
(5)
قال الزركشي: "فمقتضى كلام الإمام الرازي أن أولاها إطلاق الكل على البعض؛ لأنه جعل التخصيص جزءاً من المجاز، والتخصيص من المجاز هو كذلك" كشف الأسرار (2/ 27)، البحر المحيط في أصول الفقه (3/ 133).
(6)
[الرحمن: 22].
(7)
{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} ، المرجان صغار اللؤلؤ واحدتها مرجانة، وإنما يخرج اللؤلؤ من أحدهما فخرج مخرج: أكلت خبزاً ولبناً. مجاز القرآن (2/ 244).
(8)
سبق ترجمته ص 118.
(9)
"ثمنا" في (ب).
(10)
"فسد" في (ب).
(11)
"المعنى" في (ب).
(12)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(13)
سقط من (ب).
(14)
سقطتا من (ب).
(15)
"من" في (ب).
(16)
المبسوط للسرخسي (13/ 55).
(والحاجة إلى هذا النوع
(1)
من البيع متحققة)
[الحاجة إلى الخيار في الثوب وما يماثله]
لأن الإنسان قد يشتري شيئاً لعياله ولا يعجبه استصحاب العيال مع نفسه إلى السوق، والبائع لا يسمح برؤيته
(2)
بالدفع إليه إلا أن يبتاعه، والذي يعجب [عياله من هذا النوع]
(3)
لا يدري ما هو، فتحسن حاجته إلى البيع على هذا الوجه
(4)
.
قوله:
(ولا يمكنه البائع من التمكين من الحمل إليه)
أي: إلى من يثق به،
(وكان في معنى ما ورد به الشرع)
(5)
وهو شرط الخيار ثلاثة أيام، كذا في الفوائدة الظهيرية والجامع الصغير لقاضي خان
(6)
(والرخصة
(7)
ثبوتها بالحاجة، وكون الجهالة يحركون
(8)
أي: والرخصة إنما تثبت شرعاً لوصفين
(9)
، وهما الحاجة، وعدم إفضاء الجهالة إلى المنازعة، فلا يثبت بأحدهما، وهو الحاجة، فلا يثبت الرخصة، وإن كان الآخر موجوداً وهو عدم إفضاء الجهالة.
[الخلاف في تعيين المشتري بشرط الخيار]
(ثم قيل: يشترط أن يكون في هذا العقد خيار الشرط مع خيار التعين)
قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في الجامع الصغير: وهو الصحيح، وقيل: لا يشترط
(10)
. قال فخر الإسلام رحمه الله في الجامع الصغير: والصحيح عندنا أنه ليس بشرط، كذا ذكر في الجامع، وذكر في الفوائد الظهيرية فقال: قول هذا القائل إذا لم يشترط خيار الشرط يلزم العقد في أحدهما حتى لا يردهما. وعلى قول الكرخي رحمه الله له أن يردهما؛ لأن عنده هذا الخيار بمنْزلة خيار الشرط.
(1)
قال في البناية (8/ 74): "أراد بهذا النوع أن يشتري أحد الثوبين أو أحد العبدين على أن يأخذ أيهما شاء بثمن معلوم".
(2)
في (ب)، وفي (أ) "قرويته.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(4)
قال في الهداية: "لأنه يحتاج إلى اختيار من يثق به، أو اختيار من يشتريه لأجله" الهداية (3/ 955).
(5)
قال في الهداية: "ولا يمكنه البائع من الحمل إليه إلا بالبيع، فكان في معنى ما ورد به الشرع، غير أن هذه الحاجة تندفع بالثلاث؛ لوجود الجيد والوسط والرديء فيها، والجهالة لا تفضي إلى المنازعة في الثلاثة لتعيين من له الخيار، وكذا في الأربع، إلا أن الحاجة إليها غير متحققة". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 955).
(6)
ينظر: شرح فتح القدير (6/ 301)، العناية (6/ 325)، تبيين الحقائق (4/ 21).
(7)
الرُّخْصَةُ فِي الأَمْرِ خِلافُ التَّشْدِيدِ فِيهِ وَقَدْ (رُخِّصَ) لَهُ فِي كَذَا (تَرْخِيصًا فَتَرَخَّصَ) هُوَ فِيهِ أَيْ لَمْ يَسْتَقْصِ. مختار الصحاح (ص: 120).
(8)
لعلها كلمة فارسية.
(9)
"لوجهين" في (ب).
(10)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 345).
وقال الإمام قاضي خان رحمه الله في الجامع الصغير: وضع محمد رحمه الله المسألة هنا فيما إذا بين مدة الخيار فقال: يأخذ أيهما شاء بعشرة دراهم، وهو بالخيار ثلاثة أيام، وهكذا ذكر في المأذون، ووضع المسألة في الجامع وغيره، على أن يأخذ أيهما
شاء بكذا، ولم يذكر الزيادة
(1)
.
واختلف المشايخ فيه، فقال بعضهم: يصح العقد وإن لم يذكر الزيادة؛ لأن خيار التعيين مما لا يتوقف
(2)
، فلا يتعلق به جواز العقد بتلك الزيادة، وذكر هذه الزيادة في الكتاب وقع اتفاقاً. وقال أكثر المشائخ: لا يصح العقد ما لم يشترط الخيار لنفسه وقتاً معلوماً ثلاثة أيام فما دونها في قول أبي حنيفة
(3)
- رحمة الله عليه -، وزيادة على ذلك في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -؛ لأن القياس يأبى جواز هذا العقد بجهالة المبيع وجهالة وقت لزوم العقد، وإنما جاز استحساناً بطريق الإلحاق بموضع السنة، وهو شرط الخيار، فلا يصح بدونه، فإن شرط ذلك ثبت له خيار الشرط مع خيار التعين، فإن ردهما بخيار الشرط في الأيام الثلاثة، أو رد أحدهما بخيار التعين كان له ذلك، وإذا مضت الأيام الثلاثة يبطل خيار الشرط، فلا يملك ردهما، ويبقى له خيار التعين فيرد أحدهما.
وإن مات المشتري في الأيام الثلاثة يبطل خيار الشرط ويبقى للوارث خيار التعيين، فلا يردها الوارث، وله أن يرد أحدهما
(4)
.
وذكر في الذخيرة
(5)
: "هذا إذا حصل البيع بشرط خيار/ التعيين [للمشتري، فإن حصل البيع بشرط خيار التعيين]
(6)
للبائع بأن قال البائع: بعتك أحد هذين الثوبين على أني بالخيار أعين
(7)
(8)
في أحدهما دون الآخر، لم يذكر محمد رحمه الله هذه المسألة لا في بيوع الأصل ولا في الجامع الصغير، "وذكر الكرخي في مختصره
(9)
: أنه يجوز استحساناً، قالوا: وإليه أشار في المأذون؛ لأن هذا بيع يجوز مع خيار المشتري، فيجوز مع خيار البائع قياساً على خيار الشرط، وذكر في المجرد
(10)
أنه لا يجوز؛ لأن هذا البيع
(11)
مع خيار المشتري إنما جوز بخلاف القياس باعتبار الحاجة إلى اختيار ما هو الأرفق بحضرة من يقع الشراء له، وهذا المعنى لا يتأتى في جانب البائع؛ لأنه لا حاجة إلى اختيار الأرفق؛ لأن المبيع كان معه قبل البيع فيرد جانب البائع إلى ما يقتضيه القياس".
(1)
المحيط البرهاني (6/ 514)، تبيين الحقائق (4/ 21).
(2)
"على خيار الشرط" في هامش (ب).
(3)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 178).
(4)
العناية شرح الهداية (6/ 329)، تبيين الحقائق (4/ 21)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين «4/ 586).
(5)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 514).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(7)
"أعني" في (ب).
(8)
"البيع" في (ب) و (ج)، وهي في هامش (أ).
(9)
مختصر الكرخي، في فروع الحنفية للإمام أبي الحسين: عبد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم الكرخي. المتوفى: سنة 340 هـ، أربعين وثلاثمائة. وشرحه الإمام أبو الحسين: أحمد بن محمد القدوري، والإمام أبو بكر، أحمد ابن علي، المعروف: بالجصاص، الحنفي. ولا يزال مخطوطا. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1634).
(10)
كتاب المجرد للحسن بن زياد اللؤلؤي، وهي من كتب مسائل النوادر، التي تروى عن أصحاب المذهب، قال في كشف الظنون:"اعلم أن مسائل أصحابنا الحنفية، على ثلاث طبقات: الأولى: مسائل الأصول، وتسمى: ظاهر الرواية. والثانية: مسائل النوادر، وهي: مسائل مروية عن أصحاب المذهب المذكورين. والثالثة: مسائل الفتاوى والواقعات" الفهرست (ص: 254)، كشف الظنون (2/ 1282)، هدية العارفين (1/ 266).
(11)
"بيع" في (ب).
(وبمدة معلومة أنها كانت عندهما)
أي: زائدة على الثلاثة.
فإن قيل: ينبغي أن لا يجوز خيار التعيين في الزائد على الثلاثة عند أبي يوسف رحمه الله؛ لأن أبا يوسف أخذ بالقياس في قوله: إن لم ينقد الثمن إلى الأربعة أيام فلا بيع بينهما
(1)
.
قلت: قوله: إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام تعليق، فلا يلحق بخيار الشرط، فلا يكون الأثر الوارد [في خيار الشرط وأراد فيه]
(2)
، وأما خيار التعيين من جنس خيار الشرط؛ لأن في كل منهما خياراً بغير حرف التعليق، فكان الأثر الوارد في خيار الشرط وأراد في خيار التعيين.
[هلاك أحد الثوبين أو تعيبه]
(ولو هلك أحدهما، أو تعيب، لزمه البيع فيه بثمنه، وتعين الآخر للأمانة)
يعنى إذا هلك الآخر بعد ما هلك الأول، أو تعيب، لا يلزم عليه شيء من قيمة الآخر.
فإن قلت: لا يكون قبض الآخر أقل
(3)
من المقبوض على سوم الشراء، وهناك تجب القيمة عند الهلاك، فينبغي أن يكون هنا كذلك.
قلت: لا كذلك، فإن قبض أحدهما حصل على حقيقة البيع، والآخر بإذن المالك لا على حقيقة البيع، ولا على جهته؛ لأنه لم يقبض الآخر ليشتريه حتى يكون قابضاً بجهة العقد، فلما لم يكن مقبوضاً بجهة العقد وقد قبضه بإذن المالك كان قبض أمان فيهلك أمانة فلا يجب عليه شيء من قيمته، كذا ذكره شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده.
فإن قلت: وكيف انعكس هنا حكم المسألة مع حكم مسألة الطلاق والعتاق، وهو "ما إذا طلق إحدى امرأتيه وأعتق أحد عبديه، ثم ماتت
(4)
أحدهما فتعين الباقية للطلاق دون الهالكة، وكذلك في العتاق، وههنا يتعين الهالك للبيع.
قلت: قال علي القمي
(5)
(6)
رحمه الله: لا فرق بين المسألتين في الحاصل؛ لأن في الفصلين ما يهلك يهلك على ملكه، أما العبد فلأنه يهلك على ملكه حيث يتعين الباقي للرد، وفي الطلاق كذلك تهلك الهالكة على ملكه حتى يتعين الباقية للطلاق، فكان الطلاق هناك بمنْزلة الرد هنا، إلا أن الصحيح ما ذكرنا في
(7)
الفرق بينهما، ووجه الفرق فيه هو أن العبد لما أشرف على الهلاك خرج من أن يكون محلاً للرد؛ لأنه عجز عن رد ما اشترى كما اشترى، فتعين العقد فيه، وتقيد الباقي للرد ضرورة، وأما في الطلاق والعتاق فحين أشرفت على الهلاك لم يبق محلاً لوقوع الطلاق عليها، فلو وقع الطلاق عليها إنما يقع بعد الموت، والطلاق لا يقع بعد الموت، فيتعين الباقيه للطلاق، وهذا بخلاف ما إذا اشترى كل واحد منهما بعشرة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فهلك أحدهما عنده فإنه لا يرد الباقي؛ لأن العقد تناولهما جميعاً، ألا ترى أنه يملك إتمام العقد فيهما، فبعد ما تعذر عليه رد أحدهما لا يتمكن من رد الأجزاء بما فيه من تفريق الصفقه على البائع قبل التمام، وههنا العقد يناول أحدهما، ألا ترى أنه لا يملك إتمام العقد فيهما، فبعد ما هلك أحدهما أو تعيب كان له رد الباقي"
(8)
، كذا في المبسوط.
(1)
ينظر: المبسوط للسرخسي (26/ 2).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(3)
"أولى" في (ب).
(4)
"مات" في (أ).
(5)
علي بن موسى بن يزداد، وقيل: يزيد القمي، صاحب أحكام القرآن، إمام الحنفية فى عصره، توفي سنة خمس وثلاث مائة، كذا ذكره السمعاني، قال أبو إسحاق في الطبقات: وله كتب فى الرد على أصحاب الشافعي. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 380).
(6)
في هامش (أ)"القمي" بضم القاف والميم المكسورة، بهذه النسبة إلى قم إن شاء الله، وهي بلدة بين أسبهان وساوة كبيرة، غير أن أكثر أهلها الشيعة ".
(7)
"من" في (ب).
(8)
المبسوط للسرخسي (13/ 56).
(ولو هلكا جميعاً معاً يلزمه نصف ثمن كل واحد منهما)
[هلاك الجاريتين معا]
وإنما قيد بقوله: معاً؛ لما ذكرنا أنهما لو هلكا على التعاقب كتعين الأول للبيع فيجب تمام ثمنه، ويعين الثاني للأمانة، فلا يجب من ثمنه شيء، وأما لو هلكا معاً فعليه نصف ثمن كل واحد منهما؛ لأن كل واحد منهما ليس بأولى من الآخر؛ لكونه مبيعاً، وكذلك لو هلكا على التعاقب ولكن لا يدري السابق لزم
(1)
نصف ثمن كل واحد منهما.
ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله
(2)
-.
وذكر في المبسوط: "وإن هلكا معاً فعليه نصف ثمن كل واحد منهما إن كان الثمن متفقاً أو مختلفاً؛ لأن أحدهما بغير عين مبيع لزمه ثمنه بالهلاك في يده والآخر أمانة، وليس أحدهما لتعينه مبيعاً أولى من الآخر؛ لأن حالهما قبل الهلاك سواء، فبعد الهلاك لا يتحقق تعين المبيع في أحدهما وللمعارضة قلنا: يشيع
(3)
حكم الأمانة وحكم البيع فيهما، فيكون هو أميناً في نصف كل واحد منهما/ مشترياً في
(4)
نصف كل واحد منهما، ولأن كل واحد من الثمنين يلزم من وجه دون وجه، فلهذا يلزمه نصف ثمن كل واحد منهما"
(5)
.
فإن قلت: كما أنه تعذر [رد أحدهما بعد الهلاك فكذلك تعذر]
(6)
ردهما بعد أن حدث العيب بهما؛ لأنه لا يمكنه ردهما، أو رد أحدها كما قبض.
وقد ذكر في المبسوط
(7)
"له أن يرد أيهما شاء بعد حدوث العيب بهما معا" فما وجهه؟.
قلت: إن الهالك ليس بمحل لابتداء البيع فيه، فلا يكون محلاً لتعين البيع [فيه، والمعيب محل لابتداء البيع فيه]
(8)
فيكون محلاً لتعين البيع أيضاً، فلهذا يبقى خياره بعدما يعينا معاً؛ إذ ليس أحدهما لتعين البيع فيه أولى من الآخر، ولكن ليس له أن يردهما بخلاف ما قبل التعيب؛ لأن العقد قد لزم
(9)
في المبيع
(10)
منهما فالتعيب
(11)
، فسقط
(12)
خيار الشرط فيه، فلهذا لا يتمكن من ردهما.
وإذا
(13)
رد أحدهما في القياس يرد معه نصف قيمة العيب
(14)
اعتباراً للجزء بالجملة.
(1)
"لزمه" في (ب).
(2)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 263).
(3)
"البيع" في (ج).
(4)
في (ب).
(5)
المبسوط للسرخسي (13/ 56).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(7)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 57).
(8)
ما بين العقوفتين سقط من (ب).
(9)
"لزمه" في (ب).
(10)
"البيع" في (ج).
(11)
في التعيب" في (ب).
(12)
"فيسقط" في (ب).
(13)
"أراد" زيادة في (ب).
(14)
"المعيب" في (ب).
"وفي الاستحسان: ليس عليه رد شيء من حصة عيبه؛ لأن من ضرورة تعين أحدهما للبيع، تعين الآخر للأمانة، وتعيب الأمانة في يد الأمين لا يوجب عليه شيئاً من الضمان، وهذا لأن بالقبض ما لزمه إلا ضمان ثمن أحدهما، ألا ترى أنهما له هَلَكَا لم يلزمه إلا نصف ثمن
(1)
(2)
كل واحد منهما، وقد وجب عليه كمال ثمن أحدهما وهو الذي عينه للبيع، فلا يلزم مع ذلك
(3)
(البائع)
(4)
شيء من قيمة الآخر
(5)
"، كذا في المبسوط
(6)
.
(ولو كان فيه خيار الشرط لا يردهما جميعاً)
"لأنه أمين في أحدهما، فرده
(7)
بحكم الأمانة، وفي الآخر مشتري قد شرط الخيار لنفسه فيتمكن من رده، وإن اختار أحدهما لزم
(8)
ثمنه؛
لأنه عين البيع فيه ولزمه
(9)
، وكان في الآخر أميناً، فإن ضاع عنده وبعد ذلك لم يكن عليه فيه ضمان" كذا في المبسوط
(10)
.
(11)
وهذا التقرير محتاج إليه لمذهب أبي حنيفة رحمه الله إشارة إلى أول التعليل بقوله:
(لأن طلب الشفعة يدل على اختياره الملك إلى آخره)
(12)
(1)
سقط من (ب).
(2)
"من" زيادة في (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
في (ب).
(5)
"للآخر" في (ب).
(6)
المبسوط للسرخسي (13/ 57).
(7)
"فيرده" في (ب).
(8)
"لزمه" في (ب).
(9)
"فلزمه" في (ب).
(10)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 56).
(11)
"قوله" زيادة في (ج).
(12)
قال في الهداية: "ومن اشترى داراً على أنه بالخيار، فبيعت دار أخرى بجنبها فأخذها بالشفعة فهو رضا"؛ لأن طلب الشفعة يدل على اختياره الملك فيها؛ لأنه ما ثبت إلا لدفع ضرر الجوار، وذلك بالاستدامة، فيتضمن ذلك سقوط الخيار سابقاً عليه، فيثبت الملك من وقت الشراء، فيتبين أن الجوار كان ثابتاً، وهذا التقرير يحتاج إليه لمذهب أبي حنيفة خاصة قال:"وإذا اشترى الرجلان عبداً على أنهما بالخيار، فرضي أحدهما فليس للآخر أن يرده" عند أبي حنيفة، وقالا: له أن يرده، وعلى هذا الخلاف خيار العيب وخيار الرؤية، لهما أن إثبات الخيار لهما إثباته لكل واحد منهما، فلا يسقط بإسقاط صاحبه؛ لما فيه من إبطال حقه، وله أن المبيع خرج عن ملكه غير معيب بعيب الشركة، فلو رده أحدهما رده معيباً به، وفيه إلزام ضرر زائد، وليس من ضرورة إثبات الخيار لهما الرضا برد أحدهما؛ لتصور اجتماعهما على الرد". الهداية شردح بداية المبتدئ (3/ 954 - 955).
وإنما ذكر هذا؛ لأنه عند أبي حنيفة
(1)
رحمه الله خيار المشتري مانع لدخول المبيع في ملكه، فاحتاج إلى هذا التكليف ليكون دليلاً على ثبوت الملك عنده، أما عندهما فالمبيع يدخل في ملك المشتري، فلا يحتاج إلى التقرير الذي يؤدي إلى اختيار الملك.
[الشفعة في الدار]
وذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: "أما وجوب الشفعة للمشتري فواضح على مذهبهما؛ لأنه مالك الدار
(2)
المبيعة، وأما عند أبي حنيفة رحمه الله فلأنه صار أحق بالتصرف فيها، وذلك يكفيه لاستحقاق الشفعة بها، كالمأذون المستغرق بالدين، والمكاتب إذا بيعت دار بجنب دارهما، فإنهما يستحقان الشفعة، وإن لم يملكا رقبة دارهما، وهذا بخلاف
(3)
ما إذا كان الخيار للبائع فالمشتري هناك لم يصر أحق هو
(4)
للتصرف فيها
(5)
. وذكر الإمام التمرتاشي: اشترى داراً لم يرها، ثم بيعت دار بجنبها، فطلب شفعتها لم يبطل خياره
(6)
المختار من الرواية
(7)
، بخلاف خيار الشرط؛ لأن هذا دليل الرضا
(8)
، فيعتبر بصريح الرضا، ولو قال:[رضيت، يبطل به خيار الشرط، ولا يبطل به]
(9)
خيار الرؤية، كذا هنا
(10)
، وكذا يبطل خيار العيب بعيب فيه، "وكذلك خيار الرؤية، بأن اشتريا شيئاً لم يرياه، ثم رأياه، فأراد أحدهما أن يرد ليس له ذلك عنده، وعندهما له ذلك"
(11)
.
(فلو رده أحدهما رده معيباً به)
(1)
المبسوط للسرخسي (13/ 167).
(2)
"للدار" في (ب).
(3)
"الخلاف" في (ب).
(4)
سقط من (ب).
(5)
ينظر: المبسوط للسرخسي (26/ 9).
(6)
"وهو" زيادة في (ب).
(7)
"توسم هذه الفتوى بهذا الاصطلاح في حكم مسألة معينة، للدلالة على اختيارهم لهذه الفتوى دون غيرها من بقية الفتاوى؛ لا لقوة الدليل، وإنما للضرورة، أو لعموم البلوى، أو لتغير الزمان وفساده". المصطلحات الفقهية (117).
(8)
قال في الهداية: "ومن اشترى داراً على أنه بالخيار فبيعت دار أخرى إلى جنبها فأخذها بالشفعة: فهو رضا" الهداية (3/ 955).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب) وهي في هامش (أ).
(10)
"وهذا" زيادة في (ب).
(11)
المبسوط للسرخسي (13/ 50).
[شراء الرجلين عبدًا ورضى أحدهما به]
لأن الشركة في الأعيان المجتمعة عيب؛ وذلك لأن البائع بتقدير
(1)
الرد لا يمكن من الانتفاع به إلا بطريق التهايؤ، وكان قبل البيع متمكناً من الانتفاع متى شاء، والخيار يثبت إيجاد من له الخيار ما هو الأوفق
(2)
، والأوفق
(3)
على وجه لا يلحق الضرر لغيره.
فإن قيل: البائع رضي بالتبعيض لما باعه منهما.
قلنا: إنما رضي في ملكها، لا في ملك نفسه، كذا ذكره الإمام المرغيناني
(4)
والتمرتاشي - رحمهما الله -. وذكر في المبسوط
(5)
: "ولئن كان البائع راضياً بعيب التبعيض فإنما يرضى به في ملك الغير، وذلك لا يدل على أنه رضي به في ملك نفسه، ألا ترى أن المشتري لو زوج المبيعة ثم وجد بها عيباً لا يردها؛ لأنها تعيبت بعيب النكاح، وقد سلط البائع على تزويجها، وذلك أقوى من الرضا بتصرفه، ولكن إنما رضي به في ملك الغير، لا في ملك نفسه، ولا يقال: هذا العيب حدث في يد البائع؛ لأن تفرق الملك يثبت بالعقد قبل القبض؛ لأنا نقول: إنه -وإن
(6)
حدث في ملك البائع- لكن إنما حدث بفعل المشتري، والمشتري إذا عيب المعقود عليه في يد البائع لم يكن له أن يرده بحكم خياره،
إلا أن هذا العيب يعرض الزوال بأن يساعده الآخر على الرد، فإذا انعدم/ ذلك ظهر عمله في المنع
(7)
من الرد، ولا معنى لما قالا: إن في امتناع الرد
(8)
ضرراً
(9)
على الراد؛ لأن هذا
ضرر يلحق بعجزه عن إيجاد شرط الرد، لا يتصرف من الغير".
ومن باع عبداً على أنه خباز وكاتب
…
إلى قوله: (لأن هذا وصف مرغوب فيه)
(10)
[بيع العبد بخلاف ما بيع لأجله]
فإن قلت: فلِمَ جاز البيع هنا بهذا الشرط مع أن مثل هذا الشرط مفسد (للبيع)
(11)
كما لو باع شاة على أنها حامل، أو باعها على أنها تحلب كذا؛ فإن البيع فيه وفي أمثاله فاسد، مع أنه وصف مرغوب فيه؟
قلت: الفرق بينهما ظاهر؛ لأن الحبل في البهائم زيادة، وهي زيادة مجهولة، لا يدري أن انتفاخ بطنها من ريح أو ولد، وأن الولد حي أو ميت، والميت
(12)
إذا
(13)
ضم إلى المعلوم يصير الكل به مجهول
(14)
، وكذلك إن شرط أنها تحلب، كذا فالبيع فاسد؛ لأنه لا يدري لعل الشرط باطل، يعني لك اشتراط مقدار من المبيع ليس في وسع البائع تحصيله، ولا طريق له إلى معرفته كان شرطاً مفسد للعقد، حتى لو اشترط أنها حلوب أو لبون، "ذكر الطحاوي رحمه الله أن هذا شرط لا يفسد به العقد؛ لما أن هذا شرط وصف مرغوب فيه، وكذلك قوله: على أنه خباز أو كاتب، كان من قبيل بيان الوصف، لا من قبيل بيان الشرط؛ لأن هذا وصف مرغوب فيه، ولمعرفته سبيل للبائع، كما إذا اشترى فرساً
(15)
على أنه هملاج
(16)
، أو اشترى كلباً على أنه صائد، فإنه يجوز" كذا ههنا، كذا في المبسوط
(17)
، وحاصله أن هذا الوصف لما كان وصفاً مرغوباً فيه، ولمعرفته سبيل بأن يأمره بالخبز والكتابة، كان هذا الوصف من بيان وصف المبيع بأنه على هذا الوصف المرغوب، لا على وجه الشرط، فكان ذكر ذلك الوصف على هذا التقدير لو كان شرطاً كان مما
(18)
يقتضي أن يكون المبيع والثمن معلوماً بما له من الأوصاف، وذكر الشرط إذا كان مما يقتضيه العقد لا يفسد البيع، على ما يأتي تفصيل الشروط التي تفسد العقد والتي لا تفسد في باب البيع الفاسد إن شاء الله تعالى.
(1)
"بعد" في (ب).
(2)
"الأرفق" في (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
قال في الهداية: "لأن طلب الشفعة يدل على اختياره الملك فيها؛ لأنه ما ثبت فيها إلا لدفع ضرر الجوار، وذلك بالاستدامة، فيتضمن ذلك سقوط الخيار سابقاً عليه" الهداية شرح بداية المبتدئ (3/ 955).
(5)
المبسوط للسرخسي (13/ 51).
(6)
سقط من (ب).
(7)
"المبيع" في (ب).
(8)
سقط من (ب).
(9)
طمس من (ب).
(10)
قال في الهداية: "ومن باع عبداً على أنه خباز أو كاتب، وكان بخلافه: فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء ترك؛ لأن هذا وصف مرغوب فيه" الهداية شرح بداية المبتدئ (3/ 956).
(11)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(12)
"والمجهول" في (ب).
(13)
سقط من (ج).
(14)
هذا اللفظ من ألفاظ القاعدة (المجهول والمعلوم) ومعنى هذه القاعدة ومدلولها: المجهول هنا: يراد به مجهول الذّات أو الوجود، فإذا ضمّ العقد أو التّصرّف شيئاً مجهولاً أو مشكوكاً في وجوده إلى شيء معلوم الوجود فإنّ الكلّ يصير مجهولاً، وإذا صار الكلّ مجهولاً بطل العقد أو التّصرّف؛ لأنّ العقد لا يصحّ على مجهول. قال في المبسوط:"وضم المجهول إلى المعلوم يوجب جهالة الكل". المبسوط للسرخسي (13/ 7)، موسوعة القواعد الفقهية (10/ 516).
(15)
"فرساً" في (ب)، وفي (أ)"قريباً" والصحيح ما أثثبته.
(16)
في هامش (أ) (مشي الهملاج من البراذين، وهي مشي سهل كالرهوجة
…
؟ ..... ) الهملجة: حسن سير الدابة في سرعة وبخترة. الذكر والأنثى الهِمْلاجُ -بالكسر- من البراذين، وهي من الخيل: ما كان من غير نتاج العراب. ينظر: كتاب العين (4، 118)، وتهذيب اللغة (15، 42)، والقاموس المحيط (1، 210).
(17)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 20).
(18)
"يقتضيه العقد؛ لأن العقد" زيادة في (ب)، وهي في هامش (أ).
وذكر في الذخيرة
(1)
"قال محمد رحمه الله في الزيادات: وإذا اشترى الرجل
(2)
من آخر عبداً على أنه كاتب أو خباز فالبيع جائز، فإن قبضه المشتري ووجده كاتباً أو خبازاً على أدنى ما ينطلق الاسم لا يكون له حق الرد؛ لوجود المشروط، فإن المستحق [لمطلق الشرط؛ إذ في ما ينطلق عليه الاسم، لا النهاية في الجودة، كما وصف السلامة المستحق]
(3)
بمطلق العقد أدنى ما ينطلق عليه الاسم، لا النهاية في الجودة، كذا هنا.
[أقل ما يصلح به الخباز أو المكاتب]
وقوله: أدنى ما ينطلق عليه الاسم، معناه: أن يفعل من ذلك ما يسمى الفاعل به خبازاً أو كاتباً؛ وهذا لأن كل واحد -في
(4)
العادة- لا يعجز من
(5)
أن يكتب على وجه يستبين حروفه، وأن يخبز مقدار ما يدفع الهلاك عن نفسه، وبذلك لا يسمى كاتباً وخبازاً. وشرط الإتيان بأدنى ما ينطلق عليه اسم الكاتب والخباز باعتبارٍ، ولهذا قال: وإن وجده لا يحسن الكتابة والخبز، ومعناه أن لا يعرف
(6)
ذلك مقدار ما يسمى الفاعل به كاتباً أو خبازاً كان للمشتري الرد، فإن امتنع الرد بسبب من الأسباب رجع المشتري على البائع بحصته من الثمن؛ لأنه فات عليه شرط مرغوب فيه، فيقوم العبد كاتباً أو خبازاً على أدنى ما يطلق عليه الاسم؛ إذ هو المستحق بالشرط، ويقوم غير كاتب وخباز، فينظر إلى تفاوت ما بين ذلك، فإن كان مثلاً العشر يرجع على البائع بعشر الثمن، كما في خيار العيب، وإن كان التفاوت مثلاً الخمس يرجع على البائع بخمس الثمن.
وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله - أنه ليس للمشتري أن يرجع على البائع ههنا بشيء؛ لأن ثبوت الخيار للمشتري إنما كان بالشرط، لا بالعقد، وتعذر الرد في خيار الشرط للمشتري لا يوجب الرجوع للمشتري على البائع بشيء، ولكن ما ذكر في ظاهر الرواية أصح؛ لأن ثبوت الخيار للمشتري
(7)
، بل أثره في صيرورة المشروط مستحقاً بالعقد، ثم ثبوت الخيار لعجز البائع عن تسليم ما صار مستحقاً للمشتري بالعقد، فصار كعجز البائع عن تسليم صفة السلامة، فإن وقع الاختلاف بين المشتري
(8)
والبائع في هذه الصورة بعدما مضى حين من وقت البيع فقال المشتري: لم أجده كاتباً ولا خبازاً، وقال البائع: إني سلمته إليك كاتباً وخبازاً، ولكنه نسي عندك، وقد ينسى ذلك في مثل تلك المدة، فالقول قول المشتري؛ لأن الاختلاف وقع في وصف عارض؛ لأن الأصل عدم الكتابة والخبز. قال في الجامع
(9)
: وكذلك لو قال البائع: هو الساعة كما شرطت، وقال
(1)
المحيط البرهاني (6/ 398).
(2)
سقط من (ب).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(4)
"في" في (ب).
(5)
سقط من (ب).
(6)
"من" زيادة في (ب).
(7)
(ههنا كان بحكم الشرط، وليس أثر الشرط في إثبات الخيار للمشتري) في (ب)، وهو في هامش (أ).
(8)
"وبين" زيادة في (ب).
(9)
" الصغير" في هامش (أ).
العبد: أنا كذلك، إلا أني لا أفعل، كان القول قول المشتري، ولا يعتبر قول العبد، إما لأنه لا شهادة له، أو/ لأنه شهادة فرد"
(1)
. وإذا اشترى جارية من غير شرط طبخ ولا خبز، وهي تحسن ذلك فنسيت في يد البائع ردها؛ لأن الجارية بالعقد صارت مستحقة على الصفة الموجودة، وصار الاستحقاق بحكم الوجود كالاستحقاق [بحكم الشرط بمنْزلة الذكورة والأنوثة]
(2)
في الحيوانات، مثل الفرس والبقر والغنم، بخلاف الذكورة والأنوثة في بني آدم؛ فإنها يورث فيهم
(3)
اختلاف الجنس؛ لفحش التفاوت؛ لما عرف في باب المهر من النكاح، وإذا أخذ أخذه بجميع الثمن، لكن لو امتنع الرد بسبب حدوث عيب في يد المشتري يرجع بالنقصان على البائع، كما
(4)
ذكرناه في رواية الذخيرة.
باب خيار الرؤية
لما شرع
(5)
في بيان باب الخيار قدم ما هو أكثر تأثيراً في العقد، ثم وثم إلى أن أتم، وذلك لما ذكرنا أن خيار الشرط يمنع ابتداء الحكم، وخيار الرؤية
(6)
يمنع تمام
(7)
الحكم، وخيار العيب يمنع لزوم الحكم، فنحتاج ههنا إلى بيان صورة مسألة
(8)
خيار الرؤية، وإلى بيان مشروعيتة، وإلى بيان مواضع ما يثبت فيه خيار الرؤية، وإلى بيان أنه في أي وقت يثبت، وإلى بيان أنه يثبت مطلقاً أم مؤقتاً، وإلى حكمه، وإلى بيان ما يسقط.
[صورة خيار الرؤية]
أما الأول منه ذكر في الذخيرة
(9)
: "فقال: صوره المسألة
(10)
خيار الرؤية، هي أن يقول الرجل لغيره: بعت منك الثوب الذي في كمي هذا وصفته كذا، أو الدرة التي في كفي هذه وصفتها كذا، أو لم يذكر الصفة أن يقول: بعت منك هذه الجارية المنتقبة
(11)
، وأما إذا قال: بعت ما في كمي هذا، وما في كفي هذه من شيء، هل يجوز هذا البيع؟ لم يذكر في المبسوط، فإن عامة مشائخنا بإطلاق الجواب
(12)
يدل على جوازه عندنا، ومنهم من قال: لا يجوز ههنا". وأشار في المبسوط
(13)
إلى أن صورة مسألة خيار الرؤية التي اختلفنا فيها
(14)
نحن والشافعي
(15)
، فيما إذا أشار إلى المعقود عليه، أو إلى مكانه، فإن أشار إلى جارية قائمة بين يديه منتقبة
(16)
، أو أشار إلى مكانها، وليس في ذلك المكان مسمى بذلك الاسم غيرها"، وأما لو
(17)
قال: بعت منك عبداً، ولم يشر إليه، ولا إلى مكانه، لا يجوز البيع بالإجماع
(18)
، بحيث جعل هذه
(19)
المسألة الأخيرة فيه مقيساً عليه للشافعي.
(1)
المحيط البرهاني (6/ 398).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(3)
"فيه" في (ب).
(4)
"لما" في (ب).
(5)
سقطتا من (ج).
(6)
"الرته" في (ب)، والصحيح الرؤية كما في (أ).
(7)
سقط من (ب) وهي في هامشه.
(8)
سقط من (ب).
(9)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 398).
(10)
"مسألة" في (ب).
(11)
"المنتصبة" في (ب) و"لنفسه" في (ج).
(12)
"الجواز" في (ب).
(13)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 69).
(14)
"فيه" في (ب).
(15)
هذا مذهب الشافعي في القديم، أما مذهبه في الجديد فقال بعدم جوازه، قال في الأم:"قال الشافعي: رحمه الله: ولا بأس ببيع الطعام كله جزافاً، ما يكال منه، وما يوزن، وما يعد، كان في وعاء أو غير وعاء، إلا أنه إذا كان في وعاء فلم ير عينه فله الخيار إذا رآه. قال الربيع: رجع الشافعي فقال: ولا يجوز بيع خيار الرؤية، ولا بيع الشيء الغائب بعينه؛ لأنه قد يتلف ولا يكون عليه أن يعطيه غيره، ". الأم للشافعي (3/ 75)، الحاوي الكبير (5/ 16).
(16)
"متقنعة" في (ب).
(17)
"إذا " في (ب).
(18)
ينظر: شرح معاني الآثار (4/ 9)، التمهيد (13/ 306).
(19)
سقط من (ب).
وذكر في الأسرار
(1)
: "ذلك -أي الذي اختلفنا فيه- في شراء عبدٍ أو أمة منتقبة مشار
(2)
إليها حاضرة فإنه جائز عندنا، وله الخيار إذا كشفت، وعنده لا يجوز، وكذلك الدرة
(3)
في الحقة
(4)
(5)
المشار إليها، وكذلك العين الغائب المشار إلى مكانه، وليس في ذلك المكان بذلك الاسم غير ما سمى، والمكان معلوم [باسمه والعين معلوم]
(6)
في هذه المسائل، ثم قال
(7)
: لأن كلامنا في عين وهو بحال لو كانت الرؤية حاصلة لكان البيع جائز" أي: بالإجماع
(8)
.
وأما بيان مشروعيته: قال أصحابنا بأن خيار الرؤية مشروع في شراء ما لم يره المشتري فيجوز الشراء، ويثبت له الخيار إذا رآه
(9)
.
"وقال الشافعي رحمه الله: إن لم يكن جنس المبيع معلوماً للمشتري فالعقد باطل قولاً واحداً، وإن كان جنس المبيع معلوماً فله فيه
(10)
قولان
(11)
" كذا في المبسوط
(12)
.
"وأما بيان وقت ثبوت الخيار، فقول: يثبت الخيار عند رؤية المشتري، لا قبلها، حتى لو أجاز البيع قبل الرؤية لا يلزم البيع، ولا يسقط الخيار، وهل يملك الفسخ قبل الرؤية؟ لا رواية في هذا، واختلف المشائخ فيه، قال بعضهم: لا يملك
(13)
الإجازة قبل الرؤية، فلا يملك الفسخ؛ لأن الخيار لم يثبت، وبعضهم قالوا: يملك الفسخ لا بسبب الخيار؛ لأنه غير ثابت، ولكن شراء ما لم يره المشتري غير لازم، والعقد الذي ليس بلازم يجوز فسخه كالعارية والوديعة" كذا في التحفة
(14)
.
(1)
الأسرار (1/ 214 - 215).
(2)
سقط من (ب).
(3)
الدرة: كثرة اللبن وسيلانه. معجم ديوان الأدب (3/ 36).
(4)
الحقة: هي التي استكملت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، سميت بها لاستحقاقها الحمل والركوب. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 16).
(5)
"الحاضرة" زيادة في (ب).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(7)
أي: صاحب الأسرار. الدر المختار (4/ 530).
(8)
ينظر: الحاوي الكبير (5/ 13)، المغني لابن قدامة (3/ 495).
(9)
بدائع الصنائع (5/ 292)، المحيط البرهاني (6/ 531)، الاختيار لتعليل المختار (2/ 15).
(10)
سقط من (ب).
(11)
الحاوي الكبير (5/ 23)، نهاية المطلب (5/ 11)، كفاية النبيه في شرح التنبيه (9/ 52).
(12)
المبسوط للسرخسي (13/ 68).
(13)
"لأنه لا يملك" زيادة في (ب).
(14)
تحفة الفقهاء (2/ 82).
وذكر في شرح الطحاوي
(1)
مطلقاً بقوله: ويجوز الرد قبل الرؤية؛ لأن الرد بخيار الرؤية فسخ، وقبل الرؤية أقرب إلى الفسخ، والرضا به قبل الرؤية لا يجوز، وله الخيار إذا رآه؛ إذ
(2)
إقدامه على الشراء كان رضاً منه، ومع ذلك يثبت الخيار في الرد، وكذلك إذا رضي به قبل الرؤية.
وأما بيان مواضعه: فقد ذكر في شرح الطحاوي
(3)
والذخيرة
(4)
، وخيار الرؤية إنما يثبت في كل عقد ينفسخ بالرد، كالإجارة، والصلح عن دعوى مال، والقسمة، والشراء، وما أشبه ذلك من العقود التي (ينفسخ العقد برده، ولا يثبت خيار الرؤية في كل عقد لا ينفسخ برده، كالمهر، وبدل الخلع، وبدل الصلح عن القصاص، وما أشبه ذلك من العقود)
(5)
التي يكون المردود مضموناً بنفسه، لا بما
(6)
يقابله؛ لأن الرد في هذه المواضع لا يفيد؛ لأنه بالرد لا يرتفع العقد، وقيام العقد يوجب مطالبة العين
(7)
، فإذا قبض
(8)
يرده أيضاً فيؤدي إلى ما لا يتناهى. وكذلك الرد بالعيب الفاحش/ واليسير إنما يثبت في حق كل عقد ينفسخ بالرد [فيكون مضموناً بنفسه، لا بما يقابله، كالمهر، وبدل الخلع؛ فإنه لا يرد بالعيب اليسير، وإنما يرد]
(9)
بالعيب الفاحش؛ لأنه لا فائدة في الرد بالعيب اليسير؛ لأنه لو رده يرجع ببدله، وقد يدخل العيب اليسير في بدله أيضاً، فيحتاج إلى الرد.
وأما بيان أن الخيار مطلق أم مؤقت: اختلف المشائخ فيه، قال بعضهم: يثبت مطلقاً، فيكون له الخيار في جميع العمر، إلا إذا وجد ما يسقطه، وبعضهم قالوا: مؤقت بوقت إمكان الفسخ بعد الرؤية، حتى لو تمكن من الفسخ ولم يفسخ سقط (خيار)
(10)
الرؤية، وإن لم يوجد منه الإجازة والرضا صريحاً أو دلالة.
(1)
قال في المحيط (6/ 533): "والرد بخيار الرؤية فسخ قبل القبض وبعده، حتى لا يحتاج فيه إلى قضاء القاضي، ولا إلى رضا البائع، لكن لا يصح هذا الرد إلا بمحضر من البائع، عند أبي حنيفة ومحمد".
(2)
"لأن " في (ب) و (ج).
(3)
قال في بدائع الصنائع (5/ 292): "ولهذا يثبت خيار الرؤية في الإجارة والصلح عن دعوى المال والقسمة، ونحو ذلك؛ لأن هذه العقود تنفسخ برد هذه الأشياء، فيثبت فيها خيار الرؤية، ولا يثبت في المهر، وبدل الخلع، والصلح عن دم العمد، ونحو ذلك؛ لأن هذه العقود لا تحتمل الانفساخ برد هذه الأموال، فصار الأصل أن كل ما ينفسخ العقد فيه برده يثبت فيه خيار الرؤية، وما لا فلا".
(4)
ينظر: فتح القدير (6/ 338)، تبيين الحقائق (4/ 24).
(5)
ما بين القوسين مكرر في هامش (أ).
(6)
سقط من (ب).
(7)
"الغير" في (ب).
(8)
"اقتصر" في (ب).
(9)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(10)
في (ب).
وأما حكمه فهو التخيير بين الإجازة والفسخ، ولا يمنع ثبوت الملك في البدلين، ولكن يمنع اللزوم، بخلاف خيار الشرط.
[ما يسقط خيار الرؤية]
" وأما ما
(1)
يسقط به الخيار فيقول: إن خيار الرؤية لا يسقط بالإسقاط صريحاً، فإن قال المشتري: أسقطت خياري، كذا روى ابن رستم
(2)
عن محمد رحمه الله لا قبل الرؤية ولا بعدها، بخلاف خيار الشرط، وخيار العيب، ثم خيار الرؤية
(3)
إنما يسقط بصريح الرضا، ودلالة الرضاء بعد الرؤية لا قبل الرؤية، ويسقط بتعذر الفسخ، وبلزوم العقد حكماً، وضرورة، قبل الرؤية وبعدها؛ لأنه يجوز أن يثبت بالشيء ضرورة، وإن كان لا يثبت قصداً، كالموكل لا يملك عن الوكيل بدون علمه قصداً، ويملك ضرورة، بأن باع الموكل بنفسه، فيعزل الوكيل".
كذا في التحفة
(4)
(5)
؛ لأن المبيع مجهول، وذلك لأنه لم يعرف من المعقود عليه إلا الاسم، فلا يجوز البيع، كما لو قال: بعت منك عبداً
(6)
ولم يشر إليه، ولا إلى مكانه، "ولعلمائنا العمومات المجوزة للجواز بلا قيد الرؤية، فلا يزيد عليه قيداً؛ لأن قيد الآية تجري مجرى النسخ
(7)
، وعن النبي صلى الله عليه وسلم في المشاهير:«من اشترى شيئاً لم يره فهو بالخيار، إذا رآه»
(8)
ولم يقل: فهو فاسد.
(1)
سقط من (ب).
(2)
إبراهيم بن رستم أبو بكر المروزي، أحد الأئمة الأعلام، قال إسحاق بن إبراهيم الحفصي: مات إبراهيم بن رستم المروزي بنيسابور سنة إحدى عشرة ومائتين. انظر: الطبقات السنية في تراجم الحنفية (ج 1، ص 60) والجواهر المضية في طبقات الحنفية (ج 1، ص 37).
(3)
"الشرط" في (ب).
(4)
تحفة الفقهاء (2/ 90).
(5)
"الذخيرة" في (ب).
(6)
سقط من (ب).
(7)
ينظر: درر الحكام (2/ 157).
(8)
أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة من طريق محمد بن سيرين، كتاب البيوع، رقم (2805)، (3/ 382)، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب البيوع والأقضية، باب في الرجل يشتري الشيء ولا ينظر إليه من قال: هو بالخيار إذا رآه، إن شاء أخذ، وإن شاء ترك، رقم (19974)، (4/ 268)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب من قال: يجوز بيع العين (10729)، (5/ 268). قال عمر الكردي: وأخبرني فضيل بن عياض، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، قال عمر أيضاً: وأخبرني القاسم بن الحكم، عن أبي حنيفة، عن الهيثم، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، قال الدارقطني: وعمر بن إبراهيم هذا يقال له: الكردي، يضع الأحاديث، وهذا باطل لا يصح، لم يروه غيره، وإنما يروي عن ابن سيرين من قوله، انتهى. قال ابن القطان في كتابه: والراوي عن الكردي داهر بن نوح، وهو لا يعرف، ولعل الجناية منه، انتهى. وأما المرسل فرواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والدارقطني ثم البيهقي، وهو في سننيهما: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن عبد الله أبي مريم، عن مكحول، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من اشترى
…
»، إلى آخره"، وزاد:«إن شاء أخذه، وإن شاء تركه» ، قال الدراقطني: هذا مرسل، وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف، انتهى. تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (4/ 9) نصب الراية (4/ 9). البدر المنير (6/ 460)، إتحاف المهرة لابن حجر (15/ 534).
فإن قيل: أراد به خيار الشراء.
قلنا: هذا الخيار إن تعلق بالرؤية فلا يتعلق برؤية مشتر لم يره، والنبي صلى الله عليه وسلم علقه [برؤيته، فعلم به أنه]
(1)
خيار يتعلق برؤيتة خاصة، وذلك خيار الرؤية
(2)
والإجازة، كذا في المبسوط والأسرار
(3)
.
(فصار كجهالة بالوصف
(4)
العاين
(5)
في المشار إليه)
بأن اشترى ثوباً مشاراً إليه غير معلوم عدد ذرعانه، فإنه يجوز؛ وذلك لأن الجهالة إنما تفسد العقد إذا كانت تفضي إلى المنازعة، كما في بيع شاة من القطيع، فأما إذا كانت لا تفضي إلى المنازعة فلا يفسد العقد، كبيع القفيز من الصبرة، وجهالة الأوصاف بسبب عدم الرؤية لا تفضي إلى المنازعة بعد ما صار معلوم العين، وإنما تأثير هذه الجهالة في انعدام تمام الرضا به، وذلك شرط انبرام العقد، لا شرط جوازه، ألا ترى أن البيع يجوز مع خيار الشرط، ولا يلزم لانعدام تمام الرضاء، وكذلك في
(6)
العيب، إلا أن هناك السبب المانع من تمام الرضاء شرط الخيار، وهو محتمل للإسقاط، وإذا أسقطه تم الرضا به، وههنا السبب هو الجهل
(7)
بأوصاف المعقود عليه، وذلك لا ينعدم إلا بالرؤية، فلهذا لا يسقط خياره، إن أسقطه قبل الرؤية "ولأنه ليس في هذا أكثر من أن ما هو المقصود، وبالعقد مشتر بغيره، وهذا لا يمنع جواز الشراء، كما إذا اشترى جوزاً، أو بيضاً، أو اشترى قفاعاً
(8)
في كوز يجوز، والمقصود بالعقد مستتر بغيره" كذا في المبسوط
(9)
.
فإن قلت: ينبغي أن لا يجوز شراء ما لم يره؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم من بيع ما ليس عند إنسان
(10)
، والمراد ما ليس بحاضر مرئي للمشتري، لإجماعنا على أن المشتري إذا كان رآه فالعقد جائز، وإن لم يكن حاضراً عند العقد؛ ولأن البيع نوعان: بيع عين، وبيع دين بطريق معرفة المبيع فيما هو دين الوصف، يعنى المسلم فيه، فيما هو عين المشاهد، ثم ما هو
(11)
طريق بمعرفة المعقود عليه في بيع الدين، وهو الوصف، إذا تراخى عن حالة العقد لم يجز العقد، فكذلك ما هو الطريق للمعرفة في بيع العين، وهو الرؤية إذا تراخى عن حالة العقد، لا يجوز
(12)
عن
(13)
العقد، ألا ترى أن بيع اللبن في الضرع، وبيع الجنين في البطن، لا يجوز مع وجود المالية لهذا المعنى.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(2)
"الرد" في (ب).
(3)
الأسرار (1/ 219 - 220).
(4)
"في العاين" حرف في زيادة في (ب).
(5)
"المعيان" في (ب).
(6)
سقط من (ب).
(7)
"الجهل" في (ب) وهو ما أثبته وفي (أ)" الجهات".
(8)
نبات متقفع، كأنه قرون صلابة إذا يبس، قال الأزهري: يقال ليابسه: كف الكلب.
ينظر: تهذيب اللغة (1/ 179)، لسان العرب (8/ 289)، تاج العروس (22/ 58).
(9)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13، 70).
(10)
أخرجه أبو داود في سننه، من حديث حكيم بن حزام قال: يا رسول الله، يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي أفأبتاعه له من السوق؟ فقال:«لا تبع ما ليس عندك» . كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، رقم (3503)، (3/ 283). وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليس عندك وعن ربح مالم يضمن، رقم (2187)، (2/ 737). والنسائي في السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب بيع ما ليس عندك، رقم (6162)، (6/ 59). وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1938).
(11)
"هذا " في (ب).
(12)
سقط من (ب).
(13)
في (ب).
قلت: تأويل النهي عن بيع ما ليس عند إنسان بيع ما ليس في ملكه بدليل قصة الحديث، فإن حكيم بن حزام
(1)
رضي الله عنه قال: يا رسول الله، إن الرجل يطلب مني سلعة ليست عندي فأبيعها منه، ثم أدخل السوق فأستجيدها فأشتريها فأسلمها إليه فقال صلى الله عليه وسلم:«لا تبع ما ليس عندك»
(2)
.
والدليل على أن المراد من النهي هذا أيضاً؛ أنه لو باع عيناً حاضراً عنده لا يملكه ثم ملكه فسلم لم يجز، ولو باع عيناً في ملكه غائباً عن حضرته وقد رآه المشتري جاز إذا بين مكانه، وإذا حضر عنده، وقد كان في كفه ولم يره المشتري لم يجز عند الخصم وقد
(3)
باع ما عنده، وأما السلم فإنما لا يجوز عند ترك الوصف.
"لما أن جهالة الوصف هناك تفضي إلى المنازعة المانعة عن التسلِيم
(4)
والتسلُّم؛ لأن العقد في باب السلم يرد على الأوصاف؛ لأن الدَّين وصف في الذمة والبدل بمقابلها، فإذا لم يذكر الأوصاف عند العقد
(5)
لانعدام المعقود عليه، وبيع الجنين في البطن إنما لا يجوز لانعدام المالية فيه مقصوداً، فإن في البطن جزءاً من أجزاء الأم، ألا ترى أنه لا يحتمل التزويج مقصوداً، فكذلك البيع بخلاف ما نحن فيه" كذا في المبسوط
(6)
والأسرار؛ [لأن الخيار معلق بالرؤية؛ لما روينا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «من اشترى شيئاً لم يره فله الخيار]
(7)
إذا رآه»
(8)
، ولما كان خيار الرؤية ثبت عند الرؤية، فالإبطال قبل الرؤية إبطال قبل الثبوت، فلا يصح لما أن المعلق بالشيء
(9)
عدم قبل وجود ذلك الشيء، فلذلك لا يصح إسقاطه قبل الرؤية.
(1)
حَكِيْمُ بنُ حِزَامِ بنِ خُوَيْلِدِ بنِ أَسَدٍ الأَسَدِيُّ بْنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلَابٍ، أَبُو خَالِدٍ القُرَشِيُّ الأَسَدِيُّ. أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ. وَغَزَا حُنَيْناً وَالطَّائِفَ. وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، وَعُقَلَائِهَا، وَنُبَلَائِهَا. وَكَانَتْ خَدِيْجَةُ عَمَّتَهُ، وَكَانَ الزُّبَيْرُ ابْنَ عَمِّهِ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنَاهُ؛ هِشَامٌ الصَّحَابِيُّ، وَحِزَامٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَيُوْسُفُ بنُ مَاهَكَ، وَآخَرُوْنَ، وَعِرَاكُ بنُ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سِيْرِيْنَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ. مات سنة ستين وهو ابن عشرين وَمِائَةِ سَنَةٍ، عَاشَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سِتِّينَ سَنَةً، وَفي الإِسْلامِ سِتِّينَ سَنَةً- قَاله إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ. التاريخ الكبير (3/ 11)، تهذيب الكمال (5/ 587) سير أعلام النبلاء (3/ 44).
(2)
سبق تخريجه ص 211.
(3)
"ولو" في (ب).
(4)
"السلم" في (ج).
(5)
"لم يجز العقد" زيادة في (ب) و (ج).
(6)
ينظر: المبسوط للسرخسي. (13/ 70).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(8)
سبق تخريجه ص 211
(9)
سقط من (ب).
[الفسخ قبل الرؤية]
فإن قيل: لو لم يكن له خيار قبل الرؤية وجب أن لا يكون له حق الفسخ قبل الرؤية؛ لما أن جواز الفسخ من نتاج
(1)
ثبوت الخيار له.
قلنا: له من وجهين:
أحدهما: أنه لو لزم العقد بالرضا قبل الرؤية يلزم امتناع الخيار عند الرؤية، والخيار ثابت عند الرؤية بالنص، فما أدى إلى إبطاله كان باطلاً.
والثاني: أن صحة الفسخ تعتمد عدم اللزوم، والعقد هنا قبل الرؤية لا يوصف
(2)
باللزوم لخلل ممكن في الرضا؛ لأن الرضا لم يوحد هنا؛ لأن الرضا عبارة عن الاستحسان، واستحسان الشيء مع الجهل بأوصافه لا يتحقق، فلا يلزم العقد فكان بسبيل من الفسخ، كذا في الفوائد الظهيرية
(3)
، فعلى هذا التقدير الذي ذكرنا في السؤال والجواب كان المذكور في الكتاب بقوله:(وحق الفسخ بحكم أنه عقد لازم لا مقتضى الحديث)
جواب سؤال مقدر يرد على قوله:
(إن الخيار معلق بالرؤية، فلا يثبت قبله) بأن
(4)
يقال: لما لم يثبت الخيار قبل الرؤية، كان ينبغي أن لا يتمكن من الفسخ فقال في جوابه: وتمكنه من الفسخ باعتبار أنه اشترى شيئاً قبل الرؤية، وهو عقد غير لازم، فيتمكن من فسخه لوهاء في العقد، لا للبناء على الخيار الذي اقتضاه الحديث؛ لأن ثبوت الخيار له عند الرؤية بمقتضى الحديث، فكان الخيار عدماً قبل الرؤية، فكيف يكون الفسخ من حكم الخيار، والخيار معدوم، فلا يعتبر قوله: رضيت قبل الرؤية، وفيه إشارة إلى أن يعتبر قوله: رضيت بعد الرؤية.
وذكر في الذخيرة
(5)
"والرضا به على ضربين: رضاً بالصريح، ورضاً بالدلالة، فالرضا
(6)
بالصريح أن يقول بعد الرؤية: رضيت أو يقول: أجزت، والرضا بالدلالة أن يراه ثم يشتريه أو يراه بعد الشراء فيقبضه أو يتصرف فيه بعد الرؤية تصرف الملاك".
ومن باع ما لم يره فلا خيار له،
[الخيار في بيع ما لم ير]
وذكر في المبسوط: "إذا لم يرد البائع المبيع قط بأن ورث شيئاً فباعه قبل الرؤية، فالبيع جائز عندنا، وكان أبو حنيفة رضي الله عنه أولاً يقول: له الخيار، ثم رجع وقال: لا خيار له. وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز بيعه قولاً واحداً، والدليل على جوازه ما روي أن عثمان ابن عفان رضي الله عنه إلى آخره على ما هو المذكور في الكتاب
(7)
فقد اتفقوا على جواز الشراء ثم حكم جبير
(8)
(1)
"إسقاط قبل الرؤية" زيادة في (ج).
(2)
"لأبي يوسف" في (ج).
(3)
ينظر: المحيط البرهاني (6/ 533).
(4)
"ولا" في (ب).
(5)
المحيط البرهاني (6/ 534).
(6)
"فالرضا" في (ب) وفي (أ)" فالفرض" والصحيح ما أثبته من (ب).
(7)
قال في الهداية: "وروي أن عثمان بن عفان باع أرضاً له بالبصرة من طلحة بن عبيد الله، فقيل لطلحة: إنك قد غبنت، فقال: لي الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أره. وقيل لعثمان: إنك قد غبنت، فقال: لي الخيار؛ لأني بعت ما لم أره. فحكم بينهما جبير بن مطعم. فقضى بالخيار لطلحة، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 958).
(8)
جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ، أَسْلَمَ مَا بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْفَتْحِ، أُمُّهُ أُمُّ جَمِيلٍ. وَقِيلَ: أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ شُعْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَسَلٍ، وَأُمُّهَا أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: أَبُو عَدِيٍّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ. وَقِيلَ: ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ، وَقِيلَ: تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ وَلِلْعَرَبِ قَالَ مصعب الزبيري: كان جبير بن مطعم من حلماء قريش وساداتهم، وكان يؤخذ عنه النسب. معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 518)، مشاهير علماء الأمصار (ص: 32)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 232).
بالخيار لطلحة
(1)
(2)
.
ولهذا رجع أبو حنيفة رحمه الله؛ حيث بلغه الحديث وقال: لا خيار للبائع"
(3)
. وقوله
(4)
:
(اعتباراً لخيار العيب وخيار الشرط)
أي: إن هذين الخيارين لا يختصان بجانب المشتري، بل يجوزان من جانبها
(5)
، فكذا خيار الرؤية، ينبغي أن يجوز من جانبهما، ثم جواز خيار الشرط من الجانبين ظاهر على ما ذكرناه، وأما خيار العيب فإنه إذا وجد البائع الثمن زيفاً
(6)
، كان له الخيار، إن شاء تجوز وإن شاء رد، كالمشتري إذا وجد المبيع معيباً، إلا أن الفرق بين البائع والمشتري في حق انفساخ العقد عند الرد، حيث ينفسخ العقد برد المشتري المبيع، ولا ينفسخ برد البائع الثمن، وذلك إنما نشأ من أصالة المبيع، وعدم أصالة الثمن، كما في الإقالة على ما يجيء إن شاء الله تعالى
(1)
طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب أبو محمد القرشي التيمي المدني أحد العشرة وأحد السابقين ومن هاجر قبله وأحد الستة أصحاب الشورى، وسادس من في المدنيين لمسلم وأمه الصعبة أخت العلاء بن الحضرمي من المهاجرات وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بينه وبين الزبير بن العوام ثم بالمدينة بينه وبين أبي أيوب الأنصاري غاب عن بدر فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره وشهد أحدا وما بعدها وكان أبو بكر إذا ذكر أحدا قال ذاك يوم كله لطلحة، قتل طَلْحَة بن عبيد الله يَعْنِي يَوْم الْجمل. التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة (1/ 472)، التعديل والتجريح، لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح (2/ 601).
(2)
أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 10)، من كتاب "البيوع" باب "تلقي الركبان" عن علقمة بن وقاص الليثي قال:"اشترى طلحة بن عبيد الله من عثمان بن عفان مالاً، فقيل لعثمان: إنك قد غبنت، وكان المال بالكوفة وهو مال آل طلحة الآن بها. فقال عثمان: لي الخيار؛ لأني بعت ما لم أر. فقال طلحة: إلي الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أر. فحكم بينهما جبير بن مطعم، فقضى أن الخيار لطلحة، ولا خيار لعثمان" وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى "كتاب البيوع" باب "من قال: يجوز بيع العين الغائبة" برقم "10424".
(3)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 70).
(4)
"باب" في (ج).
(5)
"جانبهما" في (ب) و (ج).
(6)
زافت عليه دراهمه، أي: صارت مردودة عليه لغش فيها، وقد زيفت إذا ردت، ودرهم زيف وزائف، ودراهم زيوف وزيف، والزيف: من وصف الدراهم، يقال: زافت عليه دراهمه، أي: صارت مردودة لغش فيها، وقد زيفت إذا ردت. المغرب في ترتيب المعرب (ص: 215)، لسان العرب (9/ 142).
(زوالاً)
أي: في جانب البائع.
(وثبوتاً)
أي: في جانب المشتري، أي: لا يزول ملك البائع إلا برضاه، ولا يثبت الملك للمشتري إلا برضاه، وإنما يفترق خيار العيب وخيار الرؤية في قوله: رضيت قبل الرؤية وقبل العلم بالعيب، حيث يعتبر رضاه قبل العلم بالعيب؛ لأن الرضاء بالعيب إسقاط لما يستحق من وصف السلامة بالمبيع، فيعتبر بعد الشراء لوجوده بعد سببه؛ لأنه إنما لا
(1)
يستحق
(2)
وصف السلامة بالشراء، وقد رضي به بعد الشراء فيجوز، بخلاف خيار الرؤية، فإن الخيار إنما يثبت عند الرؤية بالنص، على ما ذكرنا، فكان الخيار معدوماً قبل الرؤية فلا يعتبر الرضاء الذي هو حكم الخيار قبل الرؤية لذلك
(3)
.
(لا يتحقق ذلك)
أي: تمام الرضا.
(ووجه الرجوع
(4)
إليه أنه معلق بالشراء؛ لما
(5)
روينا فلا يثبت دونه)
أي: لا يثبت بغير الشراء؛ لأن المعلق بالشيء إنما يوجد عند وجود ذلك الشيء بعينه، لا عند وجود غير ذلك الشيء، كما في تعليق الطلاق بدخول الدار
(6)
لا يثبت بدون دخول الدار من سائر الأفعال، كالأكل والشرب، فلما كان كذلك لو ثبت خيار الرؤية للبائع إنما يثبت بالقياس على ثبوت خيار الرؤية للمشتري، وليس للبائع نظير المشتري في المعنى الذي ثبت خيار الرؤية للمشتري؛ لما ذكر في الإيضاح
(7)
، وقال بأن جانب البائع لا يشبه جانب المشتري؛ لأن المشتري يظنه خيراً مما اشترى، فيرده لفوات الوصف المرغوب، والبائع لو رده لرد باعتبار أن المبيع أزيد مما ظن، فصار كما لو باع عبداً لشرط
(8)
(9)
أنه معيب، فإذا هو صحيح لم يثبت للبائع خيار، فكذا هنا
(10)
، بل يبقى
(11)
إلى أن يوجد ما يبطله؛ لأنه ثبت حكماً لانعدام الرضا، فيبقى إلى أن يوجد ما يبطله، كخيار العيب.
(1)
سقط من (ب) و (ج) ..
(2)
"أستحق" في (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
"المرجوع" في (ب) و (ج) ..
(5)
"على ما" في (ب).
(6)
وهنا لمحة عجيبة لحرف الفاء في وقوع هذا اللفظ على الطلاق، قال الرجراجي:" قولك: إن دخلت الدار فأنت طالق، وقولك: إن دخلتَ الدار فأنت حر، لو حذف الفاء لوقع الطلاق، والعتق في الحال من غير توقف على دخول الدار؛ لأن الموجب لتعليق الطلاق والعتق على دخول الدار إنما هو الفاء في الجملة الاسمية، فإذا عدمت الفاء انقطع الكلام عما قبله، فصار إنشاءً لا تعليقًا من جهة دلالة اللفظ لا من جهة الإرادة والفتيا، فإذا كانت الفاء هي التي ترتب دل على أنها للترتيب". رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (2/ 216).
(7)
ينظر: العناية (6/ 340).
(8)
سقط من (ب).
(9)
"على" زيادة في (ب).
(10)
"هذا" في (ب).
(11)
أي: خياره.
وذكر في الإيضاح
(1)
: ولو رأى المبيع فقبضه بعد الرؤية كان رضا به؛ لأن القبض
(2)
إنهاء لحكم العقد، فصار القبض بعد الرؤية كالعقد، فيلزم العقد.
ثم ذكر في الكتاب ما يبطل خيار الرؤية بقوله:
(وما يبطل خيار الشرط من تعيب أو تصرف يبطل خيار الرؤية)
فإن قلت: يشكل على هذا الكلي الذي ذكره، ما يبطل خيار الشرط من تصرف يبطل خيار الرؤية مسألتان:
[ما يبطل خيار الرؤية]
أحدهما: "أنه لو اشترى داراً لم يرها فبيعت دار بجنبها فأخذها بالشفعة، لا يبطل خيار الرؤية في ظاهر الرواية، ويبطل خيار الشرط.
والثانية: إذا عرض المشتري المبيع على بيع بطل خيار الشرط، ولا يبطل خيار الرؤية"، والمسألتان في فتاوي قاضي خان
(3)
.
قلت: الأصل فيهما هو أن خيار الرؤية لا يبطل بصريح الرضا قبل الرؤية؛ لما ذكرنا، فلا يبطل
(4)
بدليل الرضا بالطريق الأولى؛ لأنه دونه، ثم الأخذ بالشفعة والعرض على البيع دليل الرضا، فلذلك لا يعملان في إبطال خيار الرؤية، ثم فصَّل ذلك التصرف في الكتاب، أنه في أي وقت يبطل فقبل الرؤية أو بعدها بقوله:
(ثم إن كان تصرفاً لا يمكن رفعه إلى آخره)
(5)
فذكر ههنا أن التصرف الذي يبطل خيار الشرط يبطل خيار الرؤية، ولم يذكر في باب
(6)
خيار الشرط ما يبطل خيار الشرط من التصرف، وذلك
(7)
في الذخيرة
(8)
إذا كان الخيار للمشتري فنفوذ البيع بما ذكرنا في المعاني الثلاثة التي ذكرناها في خيار الشرط، وبمعنى آخر سواها، وهو أن يتصرف المشتري في المبيع تصرف الملاك.
والأصل فيه: أن كل فعل باشر المشتري فالمشترَى
(9)
بشرط الخيار فعلاً يحتاج إليه للامتحان، ويحل في غير الملك بحال، فالاشتغال به أول مرة لا يكون دليل الاختيار حتى لا يسقط خياره، وكل فعل لا يحتاج إليه للامتحان [أو يحتاج إليه للامتحان]
(10)
، إلا أنه لا يحل في غير الملك بحال؛ فإنه يكون دليل الاختيار؛ وهذا لأنه متى فعل فعلاً يحتاج إليه للامتحان ويحل في غير الملك متى جعل دليل الاختيار وسقط خياره أول مرة لا يفيد الخيار فائدة؛ لأن فائدة شرط الخيار إمكان الرد متى لم يوافقه بعد الامتحان، فمتى لزمه البيع بفعل الامتحان أول مرة يفوت فائدة الخيار إذا ثبت هذا، فنقول: إذا اشترى جارية على أنه بالخيار فاستخدمها مرة لا يبطل خياره؛ لأن الاستخدام يحتاج إليه للامتحان، وإنه يحل بدون الملك في الجملة، فلم يكن اشتغال
(11)
به مرة دليل الاختيار، فيبقى على خياره، بخلاف ما لو وطئها حيث يبطل خياره، وإن كان الوطئ (محتاجاً إليه للامتحان؛ لأنها تشترى للوطئ ولا يعلم كونها صالحة للوطئ بالنظر إليها، وإنما كان كذلك؛ لأن الوطء تصرف لا يحل بدون الملك بحال، فكان الإقدام عليه اختيار للملك حتى لا يقع وطؤه في غير الملك، ولا كذلك الاستخدام فإنه يحل في غير الملك، وإن استخدامها بمرة أخرى، فإن كان في النوع الذي استخدمها في المرة الأولى كان اختياراً للملك؛ لأن المرة الأخرى في ذلك النوع غير محتاج إليه للامتحان، والعرض على البيع والتقبيل واللمس عن شهوة ولبس الثوب مرة أخرى، وركوب الدابة مرة أخرى، كل ذلك يسقط الخيار؛ لما أنه غير محتاج إليه للامتحان، أو لا يحل في غير الملك" وأمثالها مذكورة في الفتاوي
(12)
.
(1)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 295).
(2)
"إنما كان" زيادة في (ب).
(3)
فتاوى قاضيخان (2/ 96).
(4)
"ايضا" زيادة في (ب).
(5)
قال في الهداية: " ثم إن كان تصرفاً لا يمكن رفعه، كالإعتاق والتدبير، أو تصرفاً يوجب حق للغير، كالبيع والرهن والإجارة: يبطله قبل الرؤية وبعدها" الهداية شرح بداية المبتدئ (3/ 958).
(6)
في (ب) وفي هامش (أ).
(7)
"وذكر" في (ب).
(8)
المحيط البرهاني (6/ 498).
(9)
"في المشترى" في (ب).
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(11)
"الاشتعال" في (ب) و (ج) ..
(12)
المسائل البدرية (2/ 628 - 629)، الفتاوى الهندية (3/ 60).
قوله:
(ثم إن كان تصرفاً لا يمكن رفعه
…
إلى أن قال: يبطله قبل الرؤية وبعدها)
(1)
فإن قيل: لو بطل خياره قبل الرؤية يكون مخالفاً لحكم النص؛ لأن النص أثبت الخيار إذا رآه بقوله: فله الخيار.
قلنا: ذاك فيما إذا أمكن العمل بحكم النص، أما هذه الأفاعيل فمبنية على الملك، والملك ثابت فصحت هذه التصرفات، بناءً على قيام الملك، وبعد صحتها لا يمكن رفعها فيسقط الخيار ضرورة.
وذكر في الذخيرة
(2)
: "إذا تصرف المشتري في المبيع قبل الرؤية تصرف الملاك فهو على وجهين: إن كان تصرفاً لا يمكن فسخه بعد وقوعه ونفاده، نحو الإعتاق والتدبير
(3)
، لزم البيع وبطل خياره؛ لأنه ملك المشترى قبل الرؤية فنفذت هذه التصرفات، وبعد نفاذ هذه التصرفات يتعذر الفسخ فيبطل الخيار ضرورة، وكذلك لو علق المبيع حقاً للغير بأن أجر أو رهن، أو باع بشرط الخيار للمشتري؛ لأن هذه الحقوق مانعة من الفسخ فيبطل الخيار ضرورة، حتى لو افتك المرهون، أو مضت مدة الإجازة، أو رَدَّ المشتري عليه بخيار الشرط، ثم رآه لا يكون له الرد، وإن كان تصرفاً لم يتعلق به حق الغير فإن باع بشرط الخيار لنفسه، أو وهب ولم يسلم، أو عرض على البيع لا يبطل خياره، وإن كانت هذه التصرفات من بعد الرؤية يبطل خياره.
ذكر القدوري رحمه الله هذه الجملة في كتابه
(4)
.
(1)
قال في الهداية: "ثم إن كان تصرفاً لا يمكن رفعه، كالإعتاق، والتدبير، أو تصرفاً يوجب حقًّا للغير، كالبيع المطلق، والرهن، والإجارة، يبطله قبل الرؤية وبعدها؛ لأنه لما لزم تعذر الفسخ، فبطل الخيار، وإن كان تصرفاً لا يوجب حقًّا للغير، كالبيع بشرط الخيار، والمساومة، والهبة من غير تسليم، لا يبطله قبل الرؤية؛ لأنه لا يربو على صريح الرضا، ويبطله بعد الرؤية". الهداية (3/ 958).
(2)
المحيط البرهاني (6/ 534).
(3)
التدبير: مشتق من الدبر، ودبر كل شيء آخره وأدبار الأمور عواقبها، فالتدبير آخر الأمور، وسوقها إلى ما يصلح به أدبارها، أي: عواقبها، والتدبير: هو أن يدبر الرجل عبده أو أمته، فيقول: هذا حر بعد موتي.
شرعاً: تعليق بمطلق موته كـ "إذا متّ فأنت حرٌّ، أو أنت حرٌّ يوم أموت، أو عن دبرٍ منّي، أو مدبّرٌ، أو دبرتك". فلا يباع ولا يوهب.
مفاتيح العلوم (ص: 39)، الفروق اللغوية للعسكري (ص: 27)، المغرب (ص: 160)، مختار الصحاح (ص: 101)، الدر المختار (ص: 276)، كنْز الدقائق (ص: 324).
(4)
قلت: لم أجد هذه العبارة في كتابه.
والفرق بينهما قبل الرؤية وبينهما بعد الرؤية في حق التصرفات التي لم يتعلق بها حق الغير: أن خيار الرؤية لو بطل بهذه التصرفات، إنما يبطل من حيث إنها دليل الرضاء بالإمساك، لا باعتبار تعلق حق الغير، إلا أن خيار الرؤية لا يسقط بصريح الرضا قبل الرؤية، فدليل الرضا أولى، وأما بعد الرؤية يسقط هذا الخيار بصريح الرضا، فكذا يسقط بدليله أيضاً".
أو إلى ظاهر الثوب مطوياً وفي الإيضاح
(1)
وإن كان ثياباً فلابد أن ينظر إلى ظاهر كل ثوب.
أو إلى وجه الجارية ذِكْرُ الجارية وقع اتفاقاً، فإن الحكم في الغلام كذلك؛ لأنه ذكر في الإيضاح
(2)
والمعتبر في العبد والأمة النظر إلى الوجه، والنظر إلى غيره من الجسد لا يبطل الخيار؛ لأن العلم به وبصفاته يتحقق برؤية الوجه.
[البيع بالأنموذج]
وذكر في الذخيرة
(3)
أصلاً لجنس هذه المسائل فقال: "والأصل فيه أن غير المرئي إن كان تبعاً للمرئي فليس له رد غير المرئي، فإذا سقط الخيار في الأصل سقط في التبع، بيانه: إذا اشترى جارية أو عبداً، ورأى وجهه ورضي به، لا يكون له الخيار بعد ذلك، ولو رأى ظهرها وبطنها ولم ير وجهها فله خيار الرؤية؛ لأن سائر الأعضاء في العبيد والجواري تبع للوجه، ألا ترى أنه تتفاوت القيمة بتفاوت الوجه مع التساوي في سائر الأعضاء".
قوله:
(لتعذره)، أما في العبد والأمة فظاهر؛ لأن في رؤية جميع بدنهما رؤية مواضع عورتهما، ففي العبد لا يجوز أصلاً، سواء فسخ العقد أو لم يفسخ، وأما في الأمة فإنه لو فسخ البيع بخيار الرؤية بعد رؤية عورتها
(4)
، كان نظره إلى عورتها واقعاً في غير ملكه؛ لأن الفسخ رفع العقد عن الأصل فصار كأن العقد لم يوجد، فكأن نظيره وقع حراماً في أصله، وأما في الثوب المطوي فيتضرر البائع بانكسار ثوبه بالنشر والطي على تقدير اشتراط رؤية جميع أجزائه. وفي الصبرة لا يمكن اشتراط رؤية كل حبة من حبات الحنطة لأدائه إلى أمرٍ متعذر ومانع غايته أو أمر غير مفيد؛ لأن الصبرة في ذوات الأمثال، فيكفي برؤية ما ظهر منها لذلك
(5)
.
(1)
الجوهرة النيرة (1/ 195).
(2)
مختصر القدوري ص (81).
(3)
المحيط البرهاني (6/ 538)، تبيين الحقائق (4/ 26).
(4)
"عورتهما" كذا في (أ) والصحيح "عورتها "؛ لأن الشارح يتكلم عن الأمة.
(5)
قال في الاختيار: "والأصل أن المبيع إذا كان أشياء إن كان من العدديات المتفاوتة، كالثياب، والدواب، والبطيخ، والسفرجل، والرمان، ونحوه لا يسقط الخيار إلا برؤية الكل؛ لأنها تتفاوت، وإن كان مكيلاً، أو موزوناً، وهو الذي يعرض بالأنموذج أو معدوداً متقارباً، كالجوز، والبيض، فرؤية بعضه تبطل الخيار في كله؛ لأن المقصود معرفة الصفة، وقد حصلت، وعليه التعارف، إلا أن يجده أردأ من الأنموذج، فيكون له الخيار". الاختيار (2/ 17)، درر الحكام (2/ 157)، اللباب (3/ 39 - 40).
(والأصل في هذا
(1)
أن رؤية جميع المبيع غير مشروط لتعذره، ويكتفى برؤية ما يدل على العلم بالمقصود)
كان هذا في الفعل نظير العموم في القول إذا لم يكن أجزاؤه على العموم، وهو أن صيغة العموم إذا أضيفت إلى محل لا يقبل العموم يراد بها أخص الخصوص الذي دل عليه الكلام
(2)
، كما في قوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}
(3)
فكان عدم الاستواء بينهما من حيث الفوز والنجاة؛ لتعذر أجزاء العموم
على عمومه؛ لوجود الاستواء بينهما من حيث الوجود والإنسانية والتكليف وغيرهما
(4)
، ففي هذا أيضاً لما لم يشترط رؤية جميع المبيع للتعذر لما قلنا: اكتفى باشتراط رؤية ما هو المقصود.
(وعلامته)
أي: وعلامة الشيء الذي لا يتفاوت إجادة.
(النموذج)
بالفتح، والأنموذج -بالضم- تعريب نموذه، كذا في المغرب
(5)
.
(1)
أي: إسقاط خيار الرؤية.
(2)
ينظر: ص 116.
(3)
[الحشر: 20].
(4)
قال الجصاص: "لا يصح الاحتجاج بعمومه في نفي المساواة بينهما في شيء من الأحكام متى اختلفنا في مساواة الكافر المسلم في القصاص والشهادة ونحوهما؛ وذلك لأنه معلوم أنه لم يرد بذلك نفي المساواة بينهما في كل شيء، ولا يصح اعتقاد ذلك فيهما؛ لأن المساواة قد حصلت قبل ذلك بينهما في أمور كثيرة من حيث هما جسمان ومحدثان، وسوى بينهما في تكليف الإيمان والفرائض، وما لا يحصى من الأشياء التي تساويا فيها، فصار تقدير اللفظ لا يستويان في بعض الأشياء، ثم لا يخلو ذلك (البعض) من أن يحصل معلوماً عند المخاطبين؛ لدلالة الحال عليه، ويكون حكمه موقوفاً على البيان، ودلالة الحال الموجبة لكون المعنى معلوماً ظاهرة في الآية، وهو قول الله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20]. فإنما نفى المساواة بينهم في الآخرة. ومنه قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: 19] معلوم أنه لم يرد به نفي المساواة في كل شيء، وإنما أراد المساواة في معنى البصر (وإدراك الأشياء به، فشبه الكافر بالأعمى، والمؤمن بالبصير) فلا يصح الاحتجاج به في نفي المساواة بينهما في الشهادة والبيع والشراء ونحو ذلك. وكثير من المخالفين الذين لا يرجعون إلى تحصيل فيما يقولون (يحتجون) بهذا وأشباهه، إما جهلاً منهم بمواضع الاحتجاج، وإما قلة دين". الفصول في الأصول (1/ 72).
(5)
ينظر: المغرب ص 473.
(إلا إذا كان الباقي أردى مما رأى، فحينئذ يكون له الخيار)
لأنه إنما رضي به إذا كان بالصفة التي رأى
(1)
، فإذا تغير لم يتم الرضا به.
وإن اختلفا فقال المشتري: قد تغير، وقال البائع: لم يتغير، فالقول قول البائع مع يمينه، وعلى المشتري البينة؛ لأن دعواه التغير بعد ظهور سبب لزوم العقد، وهو رؤية جزء من المعقود عليه بمنْزلة دعوى العيب في المشترى، ولو ادعى عيباً بالمبيع فعليه أن يثبت ذلك بالبينة، والقول قول البائع مع يمينه إن لم يكن له بينة، فهذا مثله كذا في المبسوط
(2)
.
وذكر في الذخيرة
(3)
: "والمكيل والموزون نظير العدديات المتقاربة يكتفى فيه برؤية البعض إذا كان في وعاء واحد بلا خلاف. وإذا كان في/ وعائين فرأى ما في أحد [الوعائين، اختلف المشائخ فيه، قال مشائخ العراق: إذا رضي بما رأى يبطل خياره في الكل إذا وجد ما في]
(4)
الوعاء الآخر مثل ما رأى أو فوقه، أما إذا وجده دونه فهو على خياره، ولكن إذا أراد الرد فرد الكل، وهو الصحيح".
(من هذا القبيل)
(5)
أي: من القبيل الذي يتفاوت آحاده.
(1)
طمس من (ج).
(2)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 72).
(3)
المحيط البرهاني (6/ 539).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(5)
قال في الهداية: "وإن كان تتفاوت آحادها، كالثياب، والدواب، لا بد من رؤية كل واحد منها، والجوز والبيض من هذا القبيل فيما ذكره الكرخي، وكان ينبغي أن يكون مثل الحنطة والشعير؛ لكونها متقاربة. إذا ثبت هذا فنقول: النظر إلى وجه الصبرة كاف؛ لأنه يعرف وصف البقية؛ لأنه مكيل يعرض بالنموذج، وكذا النظر إلى ظاهر الثوب مما يعلم به البقية، إلا إذا كان في طيه ما يكون مقصوداً كموضع العلم، والوجه هو المقصود في الآدمي، وهو والكفل في الدواب فيعتبر رؤية المقصود، ولا يعتبر رؤية غيره. وشرط بعضهم رؤية القوائم. والأول هو المروي عن أبي يوسف رحمه الله. وفي شاة اللحم لا بد من الجس؛ لأن المقصود، وهو اللحم يعرف به. وفي شاة القنية لا بد من رؤية الضرع. وفيما يطعم لا بد من الذوق؛ لأن ذلك هو المعرف للمقصود. قال: "وإن رأى صحن الدار فلا خيار له، وإن لم يشاهد بيوتها" وكذلك إذا رأى خارج الدار، أو رأى أشجار البستان من خارج. وعند زفر لا بد من دخول داخل البيوت، والأصح أن جواب الكتاب على وفاق عادتهم في الأبنية، فإن دورهم لم تكن متفاوتة يومئذ، فأما اليوم فلابد من الدخول في داخل الدار للتفاوت، والنظر إلى الظاهر لا يوقع العلم بالداخل" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 959).
قنوت المال جمعته قنواً وقَنُّو وأقنيته: اتخذته لنفسي قنية، أي: أطلب مالاً للنسل لا للتجارة، كذا في المغرب
(1)
.
وذكر في الذخيرة وفي شاة القنية
(2)
، لابد من النظر في ضرعها وسائر جسدها، وفي شاة اللحم لابد من المشي حتى يتبين به الهزل والسَّمن.
[ما يكفي في رؤية الدار]
(وأما اليوم فلابد من الدخول في داخل الدار)
كما قال زفر
(3)
رحمه الله فأما جواب الكتاب
(4)
:
"فبناء على دورهم بالكوفة فإنها تختلف بالضيق والسعة، وفيما وراء ذلك يكون بصفة واحدة، وهذا يصير معلوماً بالنظر إلى جدارنها من خارج، فأما في ديارنا فماليَّة الدور تختلف بقلة المرافق وكثرتها، وذلك لا يصير معلوماً إلا بالنظر إليها من داخل، فالجواب عما قال زفر رحمه الله فمن حقق الخلاف في المسألة فحجة زفر رحمه الله هذا الحرف
(5)
الذي ذكرناه، وحجتنا أن النظر إلى كل جزء من أجزائها متعذر، فإنه يتعذر عليه أن ينظر إلى ما تحت السَّرر، وإلى ما بين الحيطان من الجذوع والأسطوانات، وإذا سقط شرط رؤية الكل للتعذر أقمنا رؤية جزء منها مقام رؤية الجميع تيسراً" كذا في المبسوط
(6)
.
وذكر في المحيط والذخيرة
(7)
، وبعض مشائخنا قالوا: "في الدور يعتبر رؤية ما هو المقصود، حتى إنه إذا كان في الدار بيتان شتويان وبيتان صيفان، وبيتاً طابق يشترط رؤية الكل، كما يشترط
(8)
رؤية صحن الدار، ولا يشترط رؤية المطبخ والمزبلة والعلو إلا في بلد يكون العلو مقصوداً كما في سمرقند، وبعضهم شرطوا رؤية الكل، وهو الأظهر والأشبه".
(1)
ينظر: المغرب (ج 1: ص 392).
(2)
وَشَاةُ الْقُنْيَةِ: هِيَ الَّتِي تُحْبَسُ فِي الْبُيُوتِ لأَجْلِ النَّتَاجِ. البحر الرائق (6/ 32).
(3)
قال في الهداية: "وعند زفر لا بد من دخول داخل البيوت" الهداية (3/ 959).
(4)
أي: القدوري، قال:"ومن رأى صحن الدار فلا خيار له، وإن لم يشاهد بيوتها" مختصر القدوري ص (119).
(5)
الحرف: الوجه. يقال: فلان من أمره على حرف: أي: على وجه واحد، وطريقة واحدة. قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ
…
مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ}. أي: على وجه واحد، {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} [الحج: 11]. شمس العلوم (3/ 1384).
(6)
المبسوط للسرخسي (13/ 77).
(7)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 538).
(8)
سقطتا من (ج).
ونظر الوكيل كنظر المشتري، ولا يكون نظر الرسول كنظره.
[الفرق بين الرسول والوكيل]
قيل في الفرق بين الرسول والوكيل: إن الرسول هو الذي لا يستغنى عن إضافة العقد إلى مرسله، بخلاف الوكيل، فإنه يعقد بالاستبداد. ويثبت الفرق بينهما أيضاً في كتاب الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}
(1)
، وقال:{وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}
(2)
، وقال:{لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}
(3)
نفي الوكالة منه وأثبت الرسالة عليه؛ لأن الرسالة نيابة، والوكالة أصالة في حق العقد والقبض؛ لأن الحقوق راجعة إليه، ولا كذلك الرسول، كذا وجدت بخط شيخي
(4)
رحمه الله فذكر في الفوائد الظهيرية
(5)
وصورة التوكيل، أن يقول المشتري لغيره: كن وكيلاً عني في قبض المبيع، وصورة الرسول أن يقول: كن رسولاً عني، أو يقول: أمرتك بقبضه.
وقالا
(6)
: هما سواء
أي: حكم الوكيل بمنْزلة حكم (الرسول)
(7)
حتى نفي الخيار بعد رؤيتهما، "وأما الوكيل بالشراء فرؤيته تسقط بالخيار بالإجماع، وإنما قيد بالوكيل بالشراء للاحتراز عن مسألتين:
أحدهما: الوكيل بالقبض، وهو مختلف فيه والكلام فيه.
والثانية الرسول بالشراء، فإن رؤيته لا يكون كرؤية المرسل" كذا في المحيط
(8)
.
"التوكيل قبول الوكالة، ومنه وكله بالبيع، فتوكل، أي: قبل الوكالة" كذا في المغرب
(9)
.
(وصار خيار العيب والشرط والإسقاط قصداً)
"بأن اشترى شيئاً معيباً قبل الرؤية، ثم وكل رجلاً يقبضه فقبضه الوكيل، رأينا عيبه لا يسقط خيار العيب عن الموكل، وكذا إذا اشترى الرجل شيئاً بخيار الشرط، ثم وكل رجلاً آخر بقبضه، فقبضه لا يسقط خيار الشرط عن الموكل.
(1)
[المائدة: 67].
(2)
[الأنعام: 107].
(3)
[الأنعام: 66].
(4)
قلت: وقد تبين لي من خلال هذه الجملة أنه يقصد بشيخي أنه صاحب الفوائد الظهيرية الإمام ظهير الدين محمد بن أحمد البخاري، فقال: إن قال بخط شيخي فقال "فذكر في الفوائد الظهيرية"، والله أعلم.
(5)
العناية (6/ 345)، البناية (8/ 92)، درر الحكام (2/ 158)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (4/ 599).
(6)
قال في الأصل: "وأما في قول أبي يوسف ومحمد فالوكيل والرسول في ذلك سواء" الأصل (5/ 150).
(7)
في هامش (أ).
(8)
المحيط البرهاني (6/ 542).
(9)
ينظر: المغرب (ج 1: ص 494).
وأما صورة الإسقاط قصداً فهي أن الوكيل بالقبض إذا قبضه مستوراً، ثم رآه فأسقط الخيار قصداً لا يسقط الخيار"
(1)
.
تام وهو أن يقبض وهو يراه
(2)
، وإنما سمي هذا النوع من القبض تاماً لمسألتين:
إحداهما: أن خيار الرؤية يبطل بمثل هذا القبض، [وبقاء خيار الرؤية يمنع تمام القبض، فلما بطل خيار الرؤية بهذا القبض]
(3)
علمنا أن هذا القبض تام.
والثانية: أن تفريق الصفقة بعد هذا القبض جائز، بأن يشتري شيئين وقبضهما وهو يراهما، ثم وجد بأحدهما عيباً، فلو رده خاصة يجوز، ولا يلزم تفريق الصفقة، بخلاف ما إذا قبضها مستورين ثم وجد بأحدهما عيباً لا يرده خاصة، بل يردهما لو أراد كما قبل القبض.
(ولا يتم مع بقاء خيار الرؤية)
أي: ولا يتم القبض مع بقاء خيار الرؤية؛ لأنه لو تم القبض مع بقائه لقدر على تفريق الصفقة فلا نقدر كما بيَّنا.
(والموكل ملكه بنوعيه، فكذا الوكيل)
أي: ملك القبض بنوعيه من التام والناقص، فكذا الوكيل؛ لأنه قائم مقامه.
فإن قلت: هذا الوكيل لم يقم مقام موكله في مسألتين في هذا، فيجب أن لا يقوم مقامه في النظر عند القبض، وإن كان القبض تاماً.
وأما المسألتان فأحدهما: أن الوكيل لو رأى قبل القبض لم يسقط بالخيار، ولو قام مقام الموكل لسقط كالموكل نفسه لو رأى ولم يقبض، والمسألة في الأسرار
(4)
.
والثانية: أن الموكل لو قبضه مستوراً ولم يره ثم رآه بعد القبض فأبطل الخيار قصداً، يبطل خيار الرؤية، ولو قبضه الوكيل مستوراً ثم أبطل الخيار قصداً بعدما رآه لا يبطل، فلما لم يتم مقام الموكل في هاتين المسألتين وجب أن لا يقوم مقام الموكل فيما نحن فيه؛ لما أن كل واحدة من هذه المسائل الثلاث نظيرة الأخرى.
قلت: الأصل فيما نحن فيه، وهو أن الوكيل بالقبض لو قبضه وهو يراه إنما يبطل خيار الرؤية ضمناً لإتمام قبضه؛ لأنه وكله بالقبض، فوجب أن يكون قبضه تاماً، ولا يتم قبضه لو اختار الرؤية، فمن ضرورة إتمام القبض يبطل خيار الرؤية، فلذلك لم يملك إبطال الخيار قصداً وفيما ليست هذه الضرورة.
وذكر في الأسرار إنما يملك الوكيل إبطال الخيار بمقتضى ملكه تمام القبض فيتقدر بقدره، ولم يملك قصداً، كمن قال لآخر: اعتق عبدك عني على ألف درهم، فإن المأمور ملك البيع عنه بمقتضى الإعتاق عنه، فلذلك لو قال: أعتقت ثبت البيع، ولو قال: بعت مقصوداً بغير عتق لم يتم البيع، فلذلك قلنا في المسألة الأولى: لا يملك الوكيل الفسخ؛ لأنه لو لم يؤمر ولا الإجازة قبل القبض، وإن لم يوكل به وإنما وكل بالقبض التام ولا تمام ألا بسقوط الخيار برؤيته، فثبت ذلك بمقتضى ملكه تمام القبض فيتقدر بقدره؛ لأن الثابت في ضمن الشيء لا يثبت بدون ذلك الشيء، فكم من بيع يثبت ضمناً ولا يثبت قصداً، وكذلك في المسألة الثانية لما قبضه الوكيل مستوراً وجد القبض الناقص فاكتفى به؛ لضرورة وجود القبض، وإن كان ناقصاً كالبيع الفاسد بعد القبض في إثبات الملك قام مقام الصحيح وكالصلاة الناقصة بترك الواجبات ساهياً قائمة مقام الكاملة في الإجزاء عن الخروج عما وجب في ذمته من الفرض فلما اكتُفى به؟.
(1)
شرح فتح القدير (6/ 346).
(2)
قال في الهداية: "وله: أن القبض نوعان: تام/ وهو أن يقبضه وهو يراه، وناقص، وهو أن يقبضه وهو مستور". الهداية (6/ 959).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(4)
الأسرار (1/ 389).
ثم لو قلنا بسقوط الخيار بإسقاطه لكان إسقاط الخيار مقصوداً، وهو لا يملك ذلك فلا يبطل؛ لتصرف فيما لم يوكل به، بخلاف الموكل وأنه يملك؛ لأن تصرفه بطريق الأصالة لا بطريق الوكالة من الغير، فلم يلزم في تصرفه أنه تصرف فيما وكل به، أو فيما لم يوكل به، بخلاف خيار العيب؛ لأنه لا يمنع تمام الصفقة؛ لأنه لا يمنع تمام القبض، "ولهذا ملك بعد القبض رد المعيب خاصة، يوضحه أن خيار العيب لثبوت حق المطالبة بتسليم الجزء الغالب وذلك للموكل، فالوكيل لا يملك إسقاطه؛ لأنه فوض إليه الاستيفاء
(1)
دون الإسقاط"، كذا في المبسوط
(2)
.
والفقه فيه هو أن المشتري رضي بالعقد على اعتبار السلامة، والعقد ورد على التسليم ظاهراً، والثمن يقابل الذات، لا الوصف، والغالب وكان الصفقة تامة، ولهذا لا يملك الرد إلا بقضاء أو رضاء؛ لأنه ينقصها بعد التمام، فكان محتاجاً إلى الموكل، وخيار الشرط على الخلاف.
فقد ذكر القدوري
(3)
أن من اشترى شيئاً على أنه بالخيار فوكل وكيلاً يقبضه بعد ما رآه فهو على الخلاف، وأيضاً في الذخيرة
(4)
.
(فالموكل لا يملك التام منه)
أي: من القبض، فإن الموكل إذا قبض ما اشتراه بشرط الخيار وهو يراه لا يتم قبضه بهذا، بل يبقى له خيار الشرط كما كان، وبقاء خيار الشرط والرؤية يمنع تمام القبض، وهذا لأن المشتري إنما شرط الخيار لنفسه ليَتَرَوى فيه هل هو يصلح له أم لا؟ وذلك إنما يكون بعد القبض وينظر إليه، وإنما لم يسقط خيار الشرط بقبض الموكل، وهو الأصل لم يسقط بقبض وكيله الذي هو ثابت عنه أيضاً. "وبخلاف الرسول، فإن الرسول ليس إليه إلا تبليغ الرسالة، فأما إتمام ما أرسل به فليس إليه كالرسول بالعقد ليس من القبض والتسليم شيء" كذا في المبسوط
(5)
. وقد ذكرنا الفرق قبل هذا [بين الوكيل والرسول بأتم من هذا
(6)
(7)
.
(1)
الاستيفاء: استوفى حقه: إذا أخذه وافياً. وهو علم بقوانين يعرف بهَا ضبط مدَاخِل أَمْوَال الدِّيوَان، وإخراجاتها لكيفيات المحاسبات وكمياتها وقال في معجم المصطلحات: "تقول: وفّيته فتوفّي واستوفى. والاستيفاء: مصدر استوفى، وهو أخذ المستحق حقه كاملاً، وقد يكون برضى من عليه الحق، وقد يكون بغير رضاه، كما قد يكون بناءً على حكم قضائي، وقد يكون من غير قضاء، فهو أعم من الظفر بالحق، ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى. شمس العلوم (11/ 7240)، معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم (ص: 157)، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (1/ 170).
(2)
المبسوط للسرخسي (13/ 114).
(3)
ينظر: شرح فتح القدير (6/ 320).
(4)
المحيط البرهاني (6/ 541).
(5)
المبسوط للسرخسي: (13/ 73).
(6)
ينظر: ص 153.
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
[بيع الأعمى وشراؤه]
وبيع الأعمى وشراؤه جائز والكلام في هذا في فصول:
أحدها: جواز العقد عندنا من الأعمى بيعاً كان أو شراء
(1)
. وقال الشافعي: إن كان بصيراً فعمي فكذلك الجواب، وإن كان أكمه
(2)
فلا يجوز بيعه وشراؤه أصلاً؛ لأنه لا
(3)
يعرف لون الأشياء وصفتها
(4)
.
وهذا غلط، والناس تعارفوا معاملة عميان من غير نكير منكر، وتعامل الناس من غير نكير أصل في الشرع
(5)
، ثم من أصله من لا يملك أن يشتري لنفسه لا يملك أن يأمر غيره به، وإذا احتاج الأعمى إلى مأكول ولا يتمكن من أن يشتري، أو يوكل به مات جوعاً،/ وفيه من القبح ما لا يخفى، وإذا ثبت جواز شرائه فأما إن كان المشترى مما يعرف بالحس أو الذوق فهو كالبصير في ذلك، وإن كان مما يعرف صفته بالحس كما يعرف بالرؤية فالمس منه كالرؤية من البصير حتى لو مسه وقال: رضيت»
(6)
به سقط خياره
(7)
، وما لا يمكن معرفته بالمس كالعقارات فإنه يوصف له بأبلغ ما يمكن
(8)
، وإذا (قال: قد)
(9)
رضيت به سقط خياره؛ لأن رؤية الوكيل رؤية الموكل.
(1)
مختصر القدوري ص 81.
(2)
الكمه: العمى. وقد كمه يكمه فهو أكمه، إذا عمي. وقيل: هو الذي يولد أعمى. وقد كمه من باب طرب. تفسير غريب ما في الصحيحين (ص 481)، النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 201)، مختار الصحاح (ص 273).
(3)
"لما" في (ج).
(4)
مذهب الشافعية: فيه وجهان: أصحهما: أنه لا يصح بيع الأعمى وشراؤه. وأما المذاهب الثلاثة: الحنفية والمالكية والحنابلة فقالوا بجواز بيع الأعمى وشرائه، وهو الراجح؛ لأن في ذلك تعطيلاً لمصالح ذلك الشخص مع شدة بلائه، ولأن الأعمى يرى ببصيرته وحدسه وفهمه أكثر من لو كان بصيراً، والله أعلم. الاختيار (2/ 10)، مواهب الجليل (5/ 118)، المجموع (9/ 302)، المغني (4/ 154).
(5)
ومن القواعد [تعامل الناس]. أولاً: لفظ ورود القاعدة: تعامل الناس من غير نكير مُنْكرِ أصل من الأصول كبير. هذه من قواعد العادة والعرف.
معنى هذه القاعدة ومدلولها: مفاد هذه القاعدة أن تعامل الناس في بيعهم وشرائهم وتصرفاتهم من غير إنكار أو اعتراض على ذلك التعامل من أهل العلم، والحكم دليل على أن هذا التعامل مشروع، ولا يعارض نصوص الشرع، ولا مقاصد التشريع؛ إذ لو كان هذا التعامل مخالفاً لوُجد من ينكر على الناس تعاملهم به؛ لأن الله سبحانه أخذ الميثاق على العلماء أن لا يكتموا الحق، ولا يسكتوا على باطل يرونه أو يعلمون به. المبسوط للسرخسي (12/ 138)، موسوعة القواعد الفقهية (2/ 371).
(6)
سقط من قوله: "محتاجاً" في صفحة (104) إلى قوله: "رضيت" في هذه الصفحة (107).
(7)
قوله في الهداية: "ثم ييسقط خياره بجسه المبيع إذا كان يعرف بالجس، وبشمه إذا كان يعرف بالشم، وبذوقه إذا كان يعرف بالذوق" الهداية (3/ 960).
(8)
قوله في البداية: "ولا يسقط خياره في العقار حتى يوصف له؛ لأن الوصف يقوم مقام الرؤية في السلم" الهداية (3/ 960).
(9)
في (ب).
"وقال بعض أئمة بلخ
(1)
بمس الحائط والأشجار فإذا قال: قد رضيت سقط خياره، ولأن الأعمى إذا كان ذكيًّا يقف على مقصوده في ذلك بالمس، وحكي أن أعمى اشترى أرضاً فقال: قودوني إليها، فجعل يمس الأرض حتى انتهى إلى موضع منها فقال: أموضع كدس
(2)
هذا؟، فقالوا: لا، فقال: هذه الأرض لا تصلح؛ لأنها لا تكسو نفسها فكيف تكسوني، فكان كما كان. فإذا كان الأعمى بهذه الصفة فرضي بها بعدما مسها سقط خياره" وكذا في المبسوط
(3)
.
(كتحريك الشفتين وإجراء الموسى)
(4)
[رؤية أحد الثوبين وحكم الرد فيهما]
ذكر في الفوائد الظهيرية
(5)
باللزوم فيهما، وقال: لأن المصير إلى التشبه عند إعواز الحقيقة واجب، كالمحرم إذا أراد التحلل وقد قرع رأسه، يلزمه إجراء الموسى عليه تشبيهاً بالمحلقين. وكذلك الأخرس يلزمه تحريك الشفتين عند القراءة، وذكر في الذخيرة بعدما ذكر هذه الأقوال، وفي الحقيقة لا اختلاف بين الروايات، والمنظور في الروايات كلها أقصى ما يتصور، ثم قال: ولو وصف له فقال: رضيت، ثم أبصر، فلا خيار
(6)
؛ " (لأن العقد قد تم حين وصف له، وسقط الخيار ولا يعود بعد ذلك.
(1)
بلخ لها كور ومدائن، فتحها عبد الرحمن بن سمرة في أيام معاوية بن أبي سفيان، ومدينة بلخ مدينة خراسان العظمى، وفيها كان الملك طرخان ملك خراسان ينْزل بها، وهي عظيمة القدر، عليها سوران، سور خلف سور، وقد كان عليها في متقدم الأيام ثلاثة ولها اثنا عشر باباً. ويقال: إن مدينة بلخ وسط خراسن، فمنها إلى فرغانة ثلاثون مرحلة مشرقاً، ومنها إلى الرّيّ ثلاثون مرحلة مغرباً. ومنها إلى سجستان ثلاثون مرحلة مما يلي القبلة، ومنها إلى كابل وقندهار ثلاثون مرحلة. ومنها إلى كرمان ثلاثون مرحلة، ومنها إلى قشمير ثلاثون مرحلة، ومنها إلى خوارزم ثلاثون مرحلة. البلدان لليعقوبي (ص: 116)، معجم البلدان (1/ 479)، الروض المعطار (ص: 96).
(2)
الكُدْس -بالضم-: واحد أكداس الطعام، وهو المتراكب الكثير، لا يزايل بعضه بعضاً، وهو الحبُّ المحصود الَمجموع، الكدس -بالفتح-: إسراع المثقل في السير. وقد كدست الخيل. وتكدس الفرس، إذا مشى كأنه مثقل. تاج العروس (16/ 432)، القاموس المحيط (1/ 592).
(3)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 78).
(4)
قال في الهداية: "لأن التشبه يقام مقام الحقيقة في موضع العجز، كتحريك الشفتين يقام مقام القراءة في حق الأخرس في الصلاة، وإجراء الموسى مقام الحلق في حق من لا شعر له في الحج" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 960).
(5)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 77)، تبيين الحقائق (4/ 29).
(6)
"له" زيادة في (ب).
ولو اشترى البصير ثم عمي انتقل الخيار إلى الصفة؛ لأن المعنى الناقل للخيار من النظر إلى الصفة العجز، وفي هذا كونه أعمى وقت العقد وصيرورته أعمى بعد العقد قبل الرؤية سواء"
(1)
. (كيلا يكون تفريق للصفقة قبل التمام)
(2)
الصفقة: عبارة عن العقد الذي تناهى في حق موجبه.
قال عمر رضي الله عنه: البيع صفقة أو خيار
(3)
معناه إما أن يكون متناهياً في اللزوم، أو ينبغي اللزوم شرط الخيار، فعبر بالصفقة عن التناهي في اللزوم.
وخيار الشرط ينفي هذا، وكذلك خيار الرؤية، وكذا في الإيضاح
(4)
.
ثم تفريق الصفقة حرام؛ لما جاء في الحديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تفريق الصفقة
(5)
.
فإن قيل: ينبغي أن يكون في هذه الصورة ولاية رد أحد الثوبين الذي لم يره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من اشترى شيئاً لم يره فله الخيار»
(6)
.
قلنا: العمل بموجب قوله: نهى عن تفريق الصفقة أولى من حديث خيار الرؤية لوجوه:
أحدها: أن موجب قوله نهي عن تفريق الصفقة محكم في إفادة التحريم، أي: موجبه ثابت في جميع الصور وموجب قوله صلى الله عليه وسلم: «من اشترى شيئاً لم يره» غير ثابت في جميع الصور، ألا ترى أنه لا يملك الرد إذا تعيب أو أعتق أحد العبدين، أو دبره، فكان النهي عن تفريق الصفقة راجحاً، هذا جواب نقل عن الإمام العلامة مولانا شمس الدين الكردري
(7)
، أو لأن قوله: محرم، والمحرم راجح على المبيح، أو لأن قوله نهى عن تفريق الصفقة متأخر عن المبيح، وإلا يلزم تكرار النسخ لما عرف، أو لأن الرد كما كان غير ممكن؛ لأن رد أحد الثوبين لا يكون رداً؛ لأنه اشترى الثوبين، لا أحد الثوبين، والرد إنما يصح أن لو كان ذلك المردود على الحالة الأولى.
(1)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 540).
(2)
قال في الهداية: "قال: "ومن رأى أحد الثوبين فاشتراهما، ثم رأى الآخر جاز له أن يردهما"؛ لأن رؤية أحدهما لا تكون رؤية الآخر؛ للتفاوت في الثياب، فبقي الخيار فيما لم يره، ثم لا يرده وحده، بل يردهما كي لا يكون تفريقاً للصفقة قبل التمام؛ وهذا لأن الصفقة لا تتم مع خيار الرؤية قبل القبض وبعده، ولهذا يتمكن من الرد بغير قضاء ولا رضا، ويكون فسخاً من الأصل" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 960).
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب في تفسير بيع الخيار، رقم (10454)، (5/ 455)، وكذلك في السنن والآثار، كتاب البيوع، باب الخيار بين المتبايعين، رقم (10998)، (8/ 21). قال أحمد: حديثهم يروى أيضاً عن مطرف، تارة عن الشعبي، عن عمر، وتارة، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر:«البيع صفقة أو خيار» . ورواه محمد بن عبد الرحمن، عن نافع، وليس بمحفوظ، وقيل: عن شيخ من بني كنانة، عن عمر، وكل ذلك منقطع، ومجهول كما قال الشافعي، عن عمر رضي الله عنه: البيع صفقة أو خيار وكلاهما مع الأول ضعيف؛ لانقطاع ذلك. السنن الكبرى للبيهقي (5/ 447)، معرفة السنن والآثار (8/ 21).
(4)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 264).
(5)
بعد البحث لم أجد معناه.
(6)
سبق تخريجه ص 204.
(7)
محمد بن عبد الستار بن محمد بن العمادي الكردري، المنعوت بشمس الدين، كنيته أبو الوجد، مات ببخارى يوم الجمعة، تاسع محرم، سنة اثنتين وأربعين وست مائة، ودفن بسبذمون. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 83)، الفوائد البهية (290).
وذكر في الفوائد الظهيرية
(1)
: "والأصل في هذا أن خيار الرؤية يمنع تمام الصفقة، وكذا خيار الشرط، وكذا خيار العيب قبل القبض، وخيار العيب بعد القبض لا يمنع تمام الصفقة، أما خيار الشرط وخيار الرؤية فباعتبار الخلل في الرضا، وكذلك العقد قبل القبض غير تام؛ لأنه لا يفيد ملك التصرف، وإن كان يفيد ملك الرؤية، وخيار العيب بعد القبض لا يمنع تمام الصفقة؛ لأنه إنما يثبت لفوات وصف من أوصاف المبيع، وفوات بعض الأوصاف لا يكون أقوى من فوات بعض المبيع، وذلك لا يمنع تمام الصفقة إذا اتصل به القبض، وتفريق الصفقة قبل التمام لا يجوز اعتباراً بابتداء الصفقة، فإنه إذا أوجب البيع في شيئين لا يمكن المشتري القبول في أحدهما؛ لما فيه من الإضرار بالبائع لجريان العادة، فيما بين الناس بضم الرديء إلى الجيد ترويجاً للرديء بالجيد
(2)
.
فإن قيل: هذا المعنى موجود في خيار العيب بعد القبض، ومع ذلك يملك التفريق، وإن كان فيه احتراز بالبيع.
قلت: التفريق قبل القبض أضر؛ لمكان التفرد والاستبداد بالرد؛ لأنه يرتد بمجرد الرد، والتفريق بعد القبض أخف ضرر؛ لافتقار الرد بعد القبض الى الرضاء والقضاء. وقوله:
(ثم لا يرده وحده، بل يردهما)
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين مسألة الاستحقاق إذا اشترى ثوبين أو عبدين واستحق أحدهما لا يرد الباقي وههنا، وفي خيار الشرط إذا رد أحدهما يرد الآخر أيضاً.
قلت: الفرق بينهما من/ حيث لزوم تفريق الصفقة، وعدم لزومه، ففي خيار الرؤية والشرط لو رد أحدهما دون الآخر يلزم تفريق الصفقة؛ لما ذكرنا أن الصفقة لا تتم مع بقاء
(3)
خيار الرؤية والشرط، وأما في فصل الاستحقاق ففيما ذكرنا من الصورة أن الباقي»
(4)
غير معيب بعيب الشركة، ولم تتفرق الصفقة على المشتري قبل التمام، بل الصفقة تمت فيما كان ملك البائع، حتى إذا كان المبيع عبداً واحداً في فصل الاستحقاق بأن استحق بعضه كان له أن يرد الباقي أيضاً، كما في خيار الرؤية والشرط؛ لأن الشركة في الأعيان المتجمعة عيب، والمشتري لم يرض بهذا العيب، لكن في صورة الاستحقاق ولاية رد الباقي لدفع ضرر يلزم المشتري، وفي خيار الرؤية والشرط لزوم رد الآخر لدفع ضرر يلزم البائع. إلى هذا أشار في الجامع الصغير لقاضي خان
(5)
.
(1)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 293).
(2)
قال في المحيط: "لأن ضم الرديء إلى الجيد لترويج الكل بالثمن الجيد معتاد فيما بين الناس، فلو جاز التفريق فالمشتري يأخذ الجيد ويرد الرديء، ويتعذر على البائع ترويج الرديء بعد ذلك بثمن الجيد، فيلحق البائع ضرر مالي من هذا الوجه" المحيط البرهاني (6/ 490).
(3)
في هامش (أ).
(4)
ما بين القوسين المتتاليين سقط من (ب) في ترتيب الألواح ..
(5)
العناية شرح الهداية (6/ 351).
(إلا إذا كان لا يعلمه برؤيته
(1)
أي: لا يعلم أنه هو الذي رآه.
(وإن اختلفا في التغير فالقول (قول)
(2)
البائع)
أي: مع يمينه؛ لأن المشتري يدعي عارضاً، والبائع ينكر، وعلى المشتري البينة؛ لأن دعواه التغير بعد ظهور سبب لزوم العقد، وهو رؤية جزء من المعقود عليه بمنْزلة دعوى العيب
(3)
في المشترى، وفي ذلك الحكم، هكذا فكذا هنا
(4)
إلا إذا بعدت المدة فحينئذ كان القول قول المشتري؛ لأن الظاهر يشهد له؛ لأن الشيء يتغير بطول الزمان. وإليه مال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله وقال: "أرأيت لو كانت جارية شابة فرآها واشتراها بعد ذلك بعشرين سنة، وزعم البائع أنها لم تتغير، أكان يُصَدَّق على ذلك"
(5)
، وبه كان يفتي الصدر الشهيد حسام الدين
(6)
والشيخ الإمام ظهير الدين المرغيناني
(7)
- رحمهما الله - كذا في المبسوط
(8)
والذخيرة. قوله:
(بخلاف ما إذا اختلفا في الرؤية)
يتصل بقوله، فالقول للبائع، وذكر في الإيضاح
(9)
: "وإذا اختلف البائع والمشتري في رؤية ما اشترى، فالقول قول المشتري؛ لأن البائع يدعي عليه العلم بالصفات، وأنه أمر حادث، والمشتري ينكر، فكان القول قوله مع اليمين".
الزط: جبل في الهند ينسب إليهم الثياب الزطية، كذا في المغرب
(10)
.
[بيع ثوب من العدل الزطي]
ومن اشترى عدل زطي ولم يره وقبضه فباع منه ثوباً
(11)
.
كذا لفظ الجامع الصغير
(12)
، وإنما قيد بالقبض؛ لأنه لو لم يكن مقبوضاً لا يصح تصرف المشتري فيه ببيع أو هبة؛ ولأنه لو كان قبل القبض فالخيارات الثلاثة من خيار الشرط والرؤية والعيب سواء في عدم جواز رد شيء منها، فلا يصح حينئذ. قوله:
(1)
"مريته" في (ب).
(2)
في (ب).
(3)
"البيع" في (ب).
(4)
"هذا" في (ب).
(5)
المبسوط للسرخسي (13/ 73).
(6)
سبق ترجمته ص 139.
(7)
علي بن عبد العزيز المرغيناني الإمام، أبو الحسن ظهير الدين، مات يوم الثلاثاء، تاسع رجب، سنة ست وخمس مائة، قبل الزوال. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 364).
(8)
المبسوط للسرخسي (13/ 73).
(9)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 541).
(10)
المغرب (ج: ص 208).
(11)
"ومن اشترى عدل زطي ولم يره فباع منه ثوباً أو وهبه وسلمه لم يرد شيئاً منها إلا من عيب". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 961).
(12)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 342).
إلا من عيب؛ لأنه إذا اشترى شيئين ولم يقبضهما ثم وجد بأحدهما
(1)
عيباً ليس له أن يرد المعيب خاصة، بل يردهما إن شاء. ذكر الضمير أولاً بقوله: فباع منه، ثم أنثه بقوله: لم يرد (شيئاً)
(2)
لها
(3)
منها ردًّا إلى اللفظ والمعنى؛ لأن عدل زطي مذكر لفظاً، إلا أنه في معنى الثياب الزطية فكان نظير قوله تعالى:{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}
(4)
.
وكذلك خيار الشرط
أي: ليس له أن يرد لها
(5)
(شيئاً)
(6)
منها بخيار الشرط إذا كان اشترى عدل زطي بخيار الشرط فقبضه وباع ثوباً منه أو وهب، وحاصل ذلك ما ذكره الإمام قاضي خان في الجامع الصغير وقال: هذا جنس مسائل خيار الشرط وخيار الرؤية، وخيار العيب وخيار الاستحقاق، وكل ذلك على وجوه ثلاثة: أما إن كان المشتري قبض المبيع أو قبض بعضه أو لم يقبض شيئاً ففي خيار الرؤية والشرط لا يرد البعض بحال ما؛ لأنه تفريق للصفقة قبل التمام، وفي خيار العيب إن كان قبل القبض فكذلك؛ لأن الصفقة لا تتم قبل القبض؛ لأن تمام الصفقة إنما يحصل بانتهاء الأحكام، والمقصود من ذلك لا يكون قبل التسليم وثبوت ملك اليد، وإن كان قبض بعضه فكذلك؛ لأن بتسليم البعض لا يتناهى حكم العقد، وإن قبض الكل فوجد لبعضه عيباً إن كان المبيع شيئاً واحداً كالثوب والدار والعبد يرد الكل أو يمسك، وإن كان المبيع شيئين كالثوبين والعبدين وقبضهما، ثم وجد بأحدهما عيباً رد المعيب خاصة على ما يجيء في
(7)
خيار العيب؛ لأن العيب وجد بأحدهما، وخيار العيب لا يمنع تمام الصفقة؛ لأنه رضي بالعقد على اعتبار السلامة، والسلامة عن العيب ثابتة من حيث الظاهر، وكان
(8)
الصفقة تامة، فلهذا لا يملك الرد بحكم العيب بعد القبض إلا بقضاء أو رضاء، وفي خيار الشرط والرؤية ينفرد بالرد وفي فصل الاستحقاق إن استحق بعض المبيع قبل القبض أو بعد قبض المبيع كان له أن يرد غير المستحق؛ لأن باستحقاق البعض تفرقت الصفقة على المشتري قبل التمام،/ وإن كان قبض الكل ثم استحق بعضه، وإن كان المبيع عبداً واحداً أو ثوباً واستحق بعضه، كان له أن يرد الباقي، وإن كان عبدين واستحق أحدهما لا يرد الباقي، وقد ذكرناه.
(1)
سقط من (ب).
(2)
في (ب)
(3)
سقط من (ب) لكن ليس لها معنى والصحيح حذفها.
(4)
[الأعراف: 4].
(5)
سقط من (ب) وهو الصحيح حتى يستقيم المعنى.
(6)
في (ب).
(7)
"باب" في (ب) وهي في هامش (أ).
(8)
"وكانت" في (ب).
(وفيه وضع المسألة)
أي: وفي المقبوض على ما ذكرنا، ولو عاد إليه سبب هو فسخ بأن رد المشتري الثاني بالعيب بقضاء القاضي، وعن أبي يوسف
(1)
رحمه الله أنه لا يعود خيار الرؤية بعد سقوطه، ذكر في فتاوي قاضي خان
(2)
وهو الصحيح، والله أعلم بالصواب
(3)
.
باب خيار العيب
(4)
فترتيب أبواب الخيارات من الشرط والرؤية والعيب على حسب ترتيب قوة تأثيراتها في البيع، وقد ذكرناه. "العيب هو ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة" كذا في المبسوط
(5)
.
"اعلم أن مسائل خيار العيب في [مواضع في بيان شرعية خيار العيب، وفي]
(6)
بيان العيوب
(7)
الثمن
(8)
توجب الخيار جملة وتفصيلاً، وفي بيان ما يمنع الرد ويسقط الخيار، وفي بيان ما يمنع الرجوع بنقصان العيب وما لا يمنع، وفي بيان الإبراء عن العيوب.
أما الأول
(9)
فلأن سلامة البدلين في عقد المبادلة مطلوبة عادة فيكون بمنْزلة المشروط صريحاً، ولو اشترى جارية على أنها بكر أو خبازة، ولم توجد يثبت الخيار؛ لفوات غرضه كذا هذا
(10)
.
وأما إثبات
(11)
العيوب الموجبة للخيار في الجملة فنقول: كل ما أوجب نقصان القيمة والثمن في عادة التجار فهو عيب يوجب الخيار.
وأما تفصيل العيوب فعلى نوعين:
أحدهما: يوجب فوات جزء من المبيع أو تغيره
(12)
من حيث الظاهر دون الباطن.
والثاني: ما يوجب النقصان من حيث المعنى دون الصورة.
أما الأول فكثير نحو الأعمى
(13)
، والعور، والشلل، والزمانة
(14)
، والأصبع الناقصة، والسن السوداء، أو السن الساقطة، وغيرها.
والثاني فنحو السعال القديم، وارتفاع الحيض في زمانه، والزنا في الجارية وغيرها" كذا في التحفة
(15)
.
(1)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 74).
(2)
ينظر: فتاوى قاضيخان (2/ 282).
(3)
سقط من (ب).
(4)
الجملة ساقطة من (أ) وفي (ج)"فصل".
(5)
المبسوط للسرخسي (12/ 185).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(7)
"التي" زيادة في (ب) و (ج) ..
(8)
سقط من (ب) والكلمة غير مناسبة في هذا المكان فإسقاطها أولى.
(9)
أي: شرعية خيار العيب.
(10)
"هنا" في (ب).
(11)
"بيان" في (ب) و (ج).
(12)
"غيره" في (ب).
(13)
"العمى" في (ب) و (ج).
(14)
يقال: رجل زمن، أي: مبتلى. والزمانة: المرض الدائم.
معجم ديوان الأدب (2/ 253)، التوقيف على مهمات التعاريف (1/ 187).
(15)
ينظر: تحفة الفقهاء (2/ 93 - 94).
(لأن مطلق
(1)
العقد يقتضي وصف السلامة)
(2)
[سبب خيار الشرط]
أي: سلامة المعقود عليه من العيب؛ لما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه اشترى من عدا بن خالد
(3)
بن هَسْودة
(4)
عبداً وكتب في عهدته: هذا ما اشترى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العدا بن خالد بن هسودة عبداً لا داء ولا غائلة
(5)
ولا خِبثة
(6)
بيع المسلم من المسلم»
(7)
ففي هذا تنصيص على أن البيع يقتضي سلامة المبيع عن العيب، وتفسير الداء فيما رواه الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله المرض في الجوف والكبد
(8)
، وأن المرض ما يكون في سائر البدن، والدماء
(9)
يكون في الجوف والكبد والرئة. وفيما روي عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: الداء المرض، والقائلة ما تكون من قبل الأمثال، كالإباق والسرقة، والخبثة هي الاستحقاق، وقيل: الجنون، ثم المرجع في خبثة العيوب إلى عرف التجار، وفي كل شيء إنما يرجع إلى أهل ملك الصنعة، فما يعدونه عيباً فهو عيب، يُردّ به، أو ما ينقص المالية فهو عيب؛ لأن المقصود بالبيع الاسترباح، وذلك بالمالية، فما ينقص المالية فهو عيب، يمكن خللاً في المقصود، وذلك عيب يرد به" كذا في المبسوط
(10)
، وذكر في المغرب في باب العين مع الدال، الصحيح
(11)
أن المشتري كان هو العداء، البائع كان رسول الله
(12)
صلى الله عليه وسلم.
(1)
"مقتضى" في (ب).
(2)
قال في الهداية: "وإذا اطلع المشتري على عيب في المبيع فهو بالخيار، إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده" الهداية (3/ 962).
(3)
العداء بْن خَالِد بْن هوذة بْن رَبِيعَة بْن عَمْرو بْن عَامِر بْن صعصعة. وربيعة هُوَ أنف الناقة. بصري، أسلم بعد الْفَتْح وحنين، وليس هُوَ من بني أنف الناقة الذين مدحهم الحطيئة، وَهُوَ القائل: قاتلنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلم يظهرنا الله ولم ينصرنا، ثُمَّ أسلم فحسن إسلامه. الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1237)، أسد الغابة (4/ 3).
(4)
"هوذة" في (ب) و (ج).
(5)
يقال: غاله يغوله، واغتاله يغتاله: أي ذهب به وأهلكه. والغائلة: صفة لخصلة مهلكة. والغائلة في البيع كل ما أدى إلى تلف الحق وذهابه. وقال الزمخشري: " الغائلة: الْخصْلَة الَّتِي تغول المَال أَي تهلكه من إباق وَغَيره". غريب الحديث للخطابي (1/ 258)، الفائق في غريب الحديث (1/ 350)، النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 397).
(6)
والخبثة: أَن يكون قد أَخذ من قوم لا يحل سَبْيهمْ. وقال ابن الأثير: "أراد بالخبثة الحرام، كما عبر عن الحلال بالطيب. والخبثة: نوع من أنواع الخبيث، أراد أنه عبد رقيق، لا أنه من قوم لا يحل سبيهم، كمن أعطي عهداً أو أماناً، أو من هو حر فى الأصل". غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 261)، النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 5).
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه تعليقاً قبل الحديث رقم (2079)، كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا، (3/ 58)، وابن ماجه في سننه، أبواب التجارات، باب شراء الرقيق، رقم (2251)، (3/ 360)، والترمذي كتاب البيوع، باب ما جاء في كتابة الشروط، رقم (1216)، (3/ 512)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب الشروط، رقم (11688)، (10/ 359) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عباد بن ليث، وقد روى عنه هذا الحديث غير واحد من أهل الحديث.
(8)
"والرية" زيادة في (ج).
(9)
"الداء" في (ب) و (ج).
(10)
المبسوط للسرخسي (13/ 108).
(11)
سقط من (ج).
(12)
المغرب (ج 1: ص 307).
(لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن)
وذلك لأنه لا يخلو إما أن يقابل الثمن بالوصف والأصل، أو بالأول دون الثاني، أو بالثاني دون الأول، [لا يجوز الأول]
(1)
والثاني؛ لئلا يؤدي إلى مزاحمة البيع الأصل فتعين الثالث؛ ولأن الثمن عين، فيجب أن يكون مقابلاً بالعين دون الوصف. قوله:
(في مجرد العقد)
احتراز عما إذا كانت الأوصاف مقصودة بالتناول، فحينئذ يكون لها قسط من الثمن، حتى إن البائع إذا قطع يد العبد بعد البيع قبل قبض
(2)
المشتري
(3)
سقط من الثمن بقدره فيجيز المشتري، وعن هذا قلنا: إن الرجل إذا اشترى شاة أو بقرة فحلبها وشرب اللبن، ثم علم بعيبها لم يكن له أن يردها بالعيب، ولكن يرجع بنقصان العيب عندنا
(4)
.
وقال الشافعي
(5)
رحمه الله يردها بالعيب بجميع الثمن. وذكر في المبسوط "أن هذه الزيادة في حكم المبيع، ولكن ليس في مقابلتها شيء من الثمن؛ لأنها تبع محض، والثمن يقابل الأصل دون البيع، كأطراف المبيع،/ لا يقابلها شيء من الثمن، إلا أن يصير مقصوداً بالتناول، ومثل هذه الزيادة إن حدثت قبل القبض ثم (قبضها) المشتري مع الأصل صارت مقصودة بالتناول فيقابلها جزء من الثمن ومن ضرورة ذلك (استحقاقه) صفة السلامة فيها، فإذا وجد بها عيباً كان له أن يردها لذلك وقبل القبض لما كان لا يقابلها شيء من الثمن لا يردها مقصوداً، ولكن يردها مع الأصل تبعاً، فأما الزيادة الحادثة بعد القبض فلم تصر مقصودة بالتناول والقبض بحكم العقد فلا يقابلها ثمن، فلهذا لا يكون له أن يردها، ولا يرد الأصل دونها بجميع الثمن؛ لأنها تبقى مبيعة سالمة للمشتري بغير عوض، والربا ليس إلا هذا، ولهذا لا يملك ردها وإن رضي البائع؛ لأنه تعذر الرد بحق الشرع، فلهذا رجع بنقصان العيب" كذا في المبسوط
(6)
.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(2)
"القبض" في (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
قال القدوري: "إذا طلع المشتري على عيب في المبيع فهو الخيار: إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده، وليس له أن يمسكه ويأخذ النقصان" مختصر القدوري (ص: 81).
(5)
قال الشافعي: (ولأني لو قلت: يرجع على البائع بما نقص من القيمة أدى إلى أن يحصل للمشتري الثمن والمثمن؛ لأنه قد يشتري عبدًا بمائة يساوي مائتين، فإذا وجد به عيبًا ينقص نصف قيمته، وقد حدث عنده عيب آخر .. جاز له أخذ الأرش، فيأخذ ما نقص وهو مائة، فيحصل له الثمن والمثمن، وهذا لا يجوز). البيان في مذهب الإمام الشافعي (5/ 307)، كفاية النبيه في شرح التنبيه (9/ 19).
(6)
المبسوط للسرخسي (13/ 105).
(ولأنه لم يرض بزواله عن ملكه)
أي: ولأن البائع لم يرض بزوال المبيع عن ملكه.
(بأقل من المسمى)
ففي إمساك المشتري المبيع مع أخذ نقصان العيب يلزم ذلك، [أي: يلزم زوال المبيع عن ملك البائع بأقل من المسمى]
(1)
فيتضرر البائع، فلذلك لا يجوز ذلك.
فإن قيل: يشكل هذا بما إذا باع معيباً فإذا هو سليم، فلا خيار للبائع، وإن كان البائع يتضرر في تلك الصورة بثمن المعيب في السليم؛ لما أن الظاهر أنه نقص الثمن على ظن أنه معيب، فعلى ذلك ينبغي أن لا يثبت الخيار للمشتري ههنا إذا ظهر السليم معيباً، إن كان يتضرر به المشتري، أو يثبت الخيار هناك للبائع
(2)
، كما يثبت للمشتري ههنا.
قلنا: المبيع كان في يد البائع وتصرفه وممارسته طول زمان فأنزل عالِماً بصفة ملكه، فلا يكون له الخيار، وإن ظهر بخلافه، وأما المشتري؛ فإنه ما رأى المبيع أصلاً، فلو قلنا بلزوم العقد مع العيب يتضرر المشتري من غير علم حصل له به، فيثبت له الخيار.
(والمراد عيب كان عند البائع ولم يره المشتري عند البيع)
وأما إذا رآه المشتري عند الشراء فاشتراه كان راضياً به فلا يثبت له الخيار
(3)
، وكذلك أن يبرأ
(4)
البائع منه؛ لأنه استثناء من العقد فلم يبق صفة السلامة مستحقه له.
فليس ذلك بعيب حتى يعاوده بعد البلوغ
[ما يكون عيبا يوجب النقصان]
[أي: الموجود قبل البلوغ في يد البائع إذا وجد في يد المشتري بعد البلوغ]
(5)
فليس ذلك بعيب، يعني أن البول، والإباق عيب ما لم يبلغ
(6)
، بأن كان عبداً صغيراً بال في الفراش فباعه، وبال في يد المشتري أيضاً وهو صغير يرده، حتى إذا بلغ في يد المشتري وعاود البول لا يرده؛ لأنه عيب حادث، وأما إذا كان كبيراً في يد البائع، وبال في الفراش ثم باعه فعاوده في يد المشتري يرده؛ لأن العيب واحد، وهو معنى قوله: حتى يعاوده بعد البلوغ، وحاصل ذلك أن إيجاد الحالين شرط في المعاودة، سواء كان قبل البلوغ أو بعد البلوغ، على ما ذكر من الكتاب
(7)
.
وذكر في الإيضاح
(8)
والسرقة والبول في الفراش، في حالة الصغر قبل أن يأكل وحده ويشرب وحده [ليس بعيب؛ لأنه لا يعقل ما يفعل، وبعد ذلك هو عيب ما دام صغيراً
(9)
، وكذا الإباق.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(2)
"أيضاً" زيادة في (ب).
(3)
قوله في الهداية: "لأن ذلك رضا به". الهداية (3/ 962).
(4)
"بين" في (ب).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(6)
قوله في الهداية: "والإباق والبول في الفراش، والسرقة في الصغير: عيب ما لم يبلغ" الهداية (3/ 962).
(7)
مختصر القدوري (ص 82).
(8)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 108)، تحفة الفقهاء (2/ 95).
(9)
قوله في الهداية: "إذا ظهرت عند البائع في صغره ثم حدثت عند المشتري في صغره فله أن يرده؛ لأنه عين ذلك، وإن حدثت بعد بلوغه لم يرده؛ لأنه غيره، وهذا؛ لأن سبب هذه الأشياء يختلف بالصغر والكبر، فالبول في الفراش في الصغر لضعف المثانة، وبعد الكبر لداء في باطنه" الهداية (3/ 962).
وذكر في الذخيرة
(1)
والسرقة والبول في الفراش والإباق في حالة الصغير قبل أن يأكل وحده ويشرب وحده]
(2)
، ليس بعيب، وبعد ذلك هو عيب ما دام صغيراً؛ فإذا بلغ فهو عيب آخر سوى الذي كان، حتى لو أبق أو سرق في يد البائع قبل البلوغ ثم فعل عند المشتري بعد البلوغ لم يكن له أن يرده.
ثم قال
(3)
: "ومن مشائخنا من قال: إنما تكون هذه الأشياء عيباً إذا كان الصغير بحيث يميز، أما إذا كان صغيراً جدًّا لا يكون عيباً، وبعض مشائخنا قالوا: البول في حالة الصغر إنما يكون عيباً إذا كان ابن خمس فما فوق، وأما إذا كان ابن سنة أو سنتين فليس ذلك بعيب. فأما الجنون فهو عيب واحد في حالة الصغر والكبر، حتى لو جن في يد البائع قبل البلوغ ثم جن عند المشتري بعد البلوغ فله الرد
(4)
، وتكلم المشائخ في مقدار ما يكون عيباً من الجنون، قال بعضهم: الجنون وإن كان ساعة فهو عيب، وقال بعضهم: إن كان أكثر من يوم وليلة فهو عيب، وأما يوم وليلة فما دون فليس بعيب، وقال بعضهم: المطبق
(5)
عيب، وغير المطبق ليس بعيب. والسرقة وإن كانت أقل من عشرة دراهم عيب؛ لأن السرقة إنما كانت عيباً لأن الإنسان لا يأمن من السارق على مال نفسه، وفي حق هذا المعنى العشرة وما دونها سواء، وقيل: وما دون الدرهم نحو فلس أو فلسين أو ما أشبه ذلك لا يكون عيباً، والعيب في السرقة لا يختلف
(6)
بين أن يكون من المولى أو من غيره إلا في المأكولات، فإن سرقة ما يؤكل لأجل الأكل من المولى لا يعد عيباً، ومن غير المولى يعد عيباً، وسرقة ما يؤكل لأجل الأكل، بل للبيع عيب من المولى وغيره"
(7)
.
(1)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 544).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(3)
أي: صاحب الذخيرة.
(4)
قال في المحيط: " لأن الجنون عيب واحد؛ لأن سببه واحد، وهو آفة تخل الدماغ، ففي أي حالة وجد في يد المشتري فهو عين ما كان في يد البائع". المحيط البرهاني (6/ 577)، الهداية (3/ 962).
(5)
المطبق -بكسر الباء- الثابت المالئ المشَدد. طلبة الطلبة (1/ 25)، وقال في تحرير ألفاظ التنبيه: المطبق -فتح الباء- الذي أطبق جنونه، ودام متصلاً، ومنه قول العرب: الحمى المطبقة -بفتح الباء- وهي الدائمة. تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 271).
(6)
اللوح (45/ ب) واللوح (46/ أ) من مخطوط (ب) في غير محلها. وبعد البحث اتضح لي أن هذين اللوحين لا توافق بين هذه الألواح والتي قبلها، فالكلام لا يستقيم بعد الانتقال من هذه الأولواح والصحيح ما في النسخة (أ).
(7)
المحيط البرهاني (6/ 544 - 545).
وعلل في المبسوط
(1)
حكم أنه لا تختلف بين المولى وغيره، وقال:"فإن كونه سارقاً يخل بمقصود المولى؛ لأنه لا يتمكن من استخدامه؛ إذ لا يأمنه على ماله، ويشق عليه حفظ ماله عند آناء الليل والنهار، وإن سرق مال غيره فقطع بسببه" فيكون عيباً فيهما.
/ "وإذا نقب
(2)
البيت ولم يختلس
(3)
فهو عيب، والإباق ما دون السفر عيب بلا خلاف بين المشائخ، وتكلموا في أنه: هل يشترط الخروج من البلدة؟ وهذا؛ لأن الإباق إنما كان عيباً؛ لأنه يوجب فوات المنفعة على المولى، وفي حق هذا المعنى
(4)
السفر وما دون السفر سواء، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف
(5)
- رحمهما الله -: رجل اشترى أمة وأبقت عنده ثم وجدها، واستحقها مستحق ببينة، فعيب الإباق لازم لها أبداً
(6)
، وكذلك لو أبقت من رجل كانت عنده بإجارة أو عارية أو وديعة، ولو أبقت من الغاصب إلى مولاها فهذا ليس بإباق، وإن أبقت فلم ترجع إلى الغاصب ولا إلى المولى وهي تعرف منْزل مولاها، وتقوى على الرجوع إليه، فهو عيب، وإن كانت لا تعرف منْزل مولاها، أو لا تقوى على الرجوع إليه فهو ليس بعيب"، كذا في الذخيرة
(7)
.
وقال في الفوائد الظهيرية
(8)
: وهنا مسألة عجيبة، وهي أن من اشترى عبداً صغيراً فوجده يبول في الفراش كان له أن يرد، فإن لم يتمكن من
(9)
الرد حتى تعيب عنده بعيب آخر كان له أن يرجع بنقصان العيب، فإذا رجع بنقصان العيب ثم كبر العبد هل للبائع أن يسترد ما أعطى من النقصان لزوال ذلك العيب بالبلوغ؟ لا رواية لهذه المسألة في الكتب. ثم قال
(10)
: قال رضي الله عنه: وكان والذي يقول: ينبغي أن يسترده استدلال بمسألتين:
(1)
المبسوط للسرخسي (13/ 106).
(2)
النَّقْبُ في الحائط ونحوه يخلص فيه إلى ما وراءه. العين (5/ 179)، مجمل اللغة (ص: 880).
(3)
خَلَسَ: الْخَاءُ وَاللامُ وَالسِّينُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الاخْتِطَافُ وَالالْتِمَاعُ. يُقَالُ: اخْتَلَسْتُ الشَّيْءَ، خلست الشيء واختلسته وتخلسته، إذا اسْتَلَبْتَهُ. والتَخالُسُ: التَسالُبُ. والاسم الخُلْسَةُ بالضم. الصحاح (3/ 923)، مقاييس اللغة (2/ 208).
(4)
سقط من (ب).
(5)
يطلق اصطلاح النوادر على الكتب التي حوت مسائل رويت عن الأئمة الثلاثة، قال ابن عابدين:"مسائل النوادر، وهي المروية عن أصحابنا المذكورين، لكن لا في الكتب المذكورة؛ بل إما في كتب غير محمد: كالمجرد للحسن وغيره، ومنها كتب الأمالي المروية عن ابي يوسف: إما برواية مفردة؛ كرواية ابن سماعة، والعلي بن منصور وغيرها من مسائل معينة" حاشية بن عابدين (1/ 74)، المصطلحات الفقهية ص 106.
(6)
تبيين الحقائق (4/ 33).
(7)
المحيط البرهاني (6/ 545).
(8)
العناية شرح الهداية (6/ 358).
(9)
"من" زيادة في (ب).
(10)
أي: صاحب الفوائد الظهيرية.
إحداهما: أن الرجل إذا اشترى جارية فوجدها ذات زوج، كان له أن يردها، فإن تعيبت عنده بعيب آخر رجع بالنقصان، فإذا رجع بالنقصان ثم أبانها زوجها، كان للبائع أن يسترد النقصان؛ لزوال ذلك العيب، فكذا فيما نحن فيه.
والثانية: إذا اشترى عبداً فوجده مريضاً كان له أن يرده
(1)
، فإن تعيب عنده بعيب آخر ورجع
(2)
بالنقصان، فإذا رجع ثم [كذا من
(3)
ئ]
(4)
مرضه هل للبائع أن يسترد النقصان؟ قالوا: إن كان
(5)
البرؤ بالمداواة لم يكن له أن يسترده، وإلا فله ذلك، والبلوغ هنا لا بالمداواة، فكان له أن يسترده.
والجنون في الصغير عيب، ومعناه أي: معنى قوله: أبداً
أنه لا يختلف بين حالة الصغر والكبر.
(وليس معناه)
أي: معنى قوله: "أبداً" أنه لا يشترط المعاودة كما في البول، والإباق، وذكر في الفوائد الظهيرية والجنون في الصغير عِيب أبداً، من المشائخ من قال معناه: إذا جن عند البائع وجب الرد وإن لم يعاوده عند المشتري؛ لأنه لا يرتفع مأثوه
(6)
ذلك تبين في حماليق
(7)
عينيه، والصحيح أن المعاودة شرط، وهي منصوص عليها في المبسوط
(8)
والجامع
(9)
؛ لأن احتمال الزوال بحيث لا يبقى أثره ثابت، والأصل في البيع اللزوم فلا يثبت ولاية الرد، يعنى
(10)
ما قال في الكتاب، أن ولاية الرد تثبت بتقدير المعاودة، وإن كان الجنون عند البائع حالة الصغر والمعاودة عند المشتري حاله الكبر لاتحاد السبب، وهو فساد الباطن، على ما قيل: إن العقل معدنه القلب، وشعاعه إلى الدماغ
(11)
، والجنون انقطاع ذلك الشعاع بيبس الدماغ.
[الجنون في الصغر]
وذكر في الذخيرة
(12)
: "وإن اختلفوا المشائخ في فصل الجنون أن معاودة الجنون في يد المشتري هل هو شرط للرد، بعضهم قالوا: إنها ليست بشرط، بل إذا ثبت وجوده عند البائع يرد له، وإليه مال شمس الأئمة الحلواني
(13)
، وشيخ الإسلام
(14)
- رحمهما الله - وهو رواية المنتقى
(15)
، وبعض مشائخنا قالوا: المعاودة في يد المشتري شرط، وهو المذكور في المبسوط وفي الجامع الكبير".
(1)
"يرده" في (ب)، وفي (أ)"يردها".
(2)
"رجع" في (ب) و (ج)، و"يرجعى" في (أ).
(3)
هذه الكلمة بين الكلمتين تتم المعنى فنقول لما في (ب)" ثم برئ من ".
(4)
ما بين المعقوفتين كلام في (أ) لم يعرف معناه وهو "برئ " في (ب).
(5)
سقط من (ج).
(6)
"أثاره" في (ب).
(7)
حملقَ الرجلُ، إِذا أدَار حماليق عينه في نظره. والحملاق والحُمْلوق واحد، وهو باطن الجفن. جمهرة اللغة (2/ 1143)، الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 71).
(8)
المبسوط للسرخسي (13/ 108).
(9)
ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 349).
(10)
"ومعنى" في (ج).
(11)
لم أجد لهذا المثل مصدراً.
(12)
المحيط البرهاني (6/ 545).
(13)
سبق ترجمته ص 98.
(14)
اصطلاح شيخ الإسلام يطلق على كل من تصدر للإفتاء، وحل مشاكل الناس، والإجابة على تساؤلاتهم، وقد اشتهر بذلك مجموعة من علماء المائة الخامسة والسادسة، ويقصد به هنا شيخ الإسلام خواهر زاده. ينظر للنص: مصطلحات المذاهب الفقهية (94).
(15)
المنتقى للحاكم الشهيد محمد بن محمد بن أحمد بن عبدالله، المروزي البلخي، قتل شهيداً في ربيع الآخر، سنة 344 هـ. الطبقات الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 441)، الفوائد البهية (305).
قال في المنتقى: "أنه إذا جن في صغره أو كبره مرة واحدة فذلك عيب فيه أبداً، ولم يعادوه، وفي الجامع الصغير يقول: الجنون عيب أبداً، وهذا لأن الجنون آفة تحل بالدماغ، وهي إذا تمكنت لا تزول، هكذا قاله أهل الطب، وإذا بقت في نفسه كان للمشتري حق الرد إن لم يجن في يده". المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 545).
[عيوب الجارية]
والبخر عفن رائحة الفم، والذفر رائحة مؤذية يجيء في الإبط، كذا في المبسوط
(1)
، وذكر في المغرب: "الدفر مصدر دفر إذا خبث رائحته، وبالسكون النتن، وأما الذفر -بالذال المعجمة وبالتحريك لا غير-، وهو حدة الرائحة أينما كانت، ومنه مسك أذفر وإبط ذفر وهو مراد الفقهاء في قولهم، والبخر والدفر عيب في الجارية وهكذا في
الرواية"
(2)
.
"وليس بعيب في الغلام؛ لأنه يستخدمه بالبعد من نفسه، إلا أن يكون فاحشاً لا يكون في الناس مثله، فهذا يكون لداء
(3)
في البدن، وهو ينقص الثمن، والبخر عيب وهو انتفاخ ما تحت السرة وبه سمي بعض الناس أبخر"، كذا في المبسوط
(4)
.
(وهو الاستفراش وطلب الولد)
(5)
"أي: كون الجارية ولد الزنى يخل لمقصود
(6)
المولى منها، وهو الاستيلاد، فإن ولده يعير بأمه إذا كانت ولد الزنى"
(7)
.
[الكفر عيب في الجارية والغلام]
(فلو اشتراه على أنه كافر فوجده مسلماً لا يرده)
وهذا عندنا، " وقال الشافعي
(8)
رحمه الله له أن يرده؛ لأنه وجده بخلاف شرطه، وله في هذا الشرط عرض قديماً يستخدمه في المحقرات من الأمور، ولا يستجيز من نفسه أن يستخدم المسلم في مثله، فإذا فات عليه مقصوده يمكن رده فأصحابنا قالوا: الكفر عيب فذكْره في العقد لا يكون على وجه الشرط، بل على وجه التبرؤ من العيب، وكأنه اشتراه على أنه معيب، فإذا هو سليم؛ وهذا لأنه وجد بأزيد ما
(9)
شرط، وثبوت حق الرد لدفع الضرر عن نفسه، فإذا وجده أزيد مما شرط فلا حاجة إلى دفع الضرر عنه
(1)
المبسوط (13/ 107).
(2)
المغرب (1/ 165).
(3)
"كداء" في (ب).
(4)
المبسوط (13/ 107).
(5)
قال في الهداية: "والبخر والدفر عيب في الجارية"؛ لأن المقصود قد يكون الاستفراش وطلب الولد وهما يخلان به، وليس بعيب في الغلام؛ لأن المقصود الاستخدام ولا يخلان به، إلا أن يكون من داء؛ لأن الداء عيب. والزنا وولد الزنا عيب في الجارية دون الغلام؛ لأنه يخل بالمقصود في الجارية، وهو الاستفراش وطلب الولد، ولا يخل بالمقصود في الغلام، وهو الاستخدام، إلا أن يكون الزنا عادة له على ما قالوا؛ لأن اتباعهن يخل بالخدمة. قال: والكفر عيب فيهما؛ لأن طبع المسلم ينفر عن صحبته؛ ولأنه يمتنع صرفه في بعض الكفارات فتختل الرغبة" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 962).
(6)
"بمقصود" في (ب).
(7)
البناية شرح الهداية (8/ 106).
(8)
المجموع (12/ 331)، نهاية المحتاج (4/ 57).
(9)
"مما" في (ب).
بإثبات حق الرد له"، كذا في المبسوط
(1)
.
[ارتفاع الدم واستمراره علامة الداء]
فلو كانت الجارية بالغة لا تحيض وهي مستحاضة فهو عيب فإن أدعى المشتري الانقطاع في مدة كثيرة، فينبغي أن يدعي له انقطاع بأحد السببين: إما بالداء، أو بالحبل حتى يُسمع دعواه، والدليل عليه ما ذكر في فتاوي الفضيلي
(2)
إذا اشترى جارية وهي طاهرة، فامتد طهرها ولم تحض من غير طهور الحبل بها ليس له أن يردها على بايعها ما لم يدع في
(3)
ارتفاع الحيض بالحبل أو بالداء؛ لأن الارتفاع بدون هذين السببين لا يعد عيباً، فالمرجع في الحبل إلى قول النساء، والمرجع في الداء إلى قول الأطباء
(4)
، ثم العيب الذي لا يثبت إلا بقول الأطباء ما لم يتفق عليه عدلان منهم لا يثبت بالعتق
(5)
في حق سماع الخصومة، بخلاف ما لا يطلع عليه الرجال؛ حيث يثبت بقوله: امرأة واحدة في سماع الخصومة كذا في الذخيرة
(6)
والتمتة
(7)
.
(لأن ارتفاع الدم واستمراره علامة الداء)
لأن ذلك دلالة داء في الباطن. قال شيخ الإسلام: "الحيض مركب في بنات آدم، فإذا لم تحض فالظاهر أنها لا تحيض لداء فيها، فذلك الداء يكون عيباً فيها لا عدم الحيض"
(8)
.
(1)
المبسوط للسرخسي (13/ 106).
(2)
فتاوى الفضلي لأبي عمرو: عثمان بن إبراهيم الأسدي، الحنفي. المتوفى: سنة 508، ثمان وخمسمائة. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1227).
(3)
سقط من (ب).
(4)
فتاوى النوازل ص 352.
(5)
"العيب" في (ب).
(6)
قال في المحيط: "وأما الباطن فنوعان: نوع يعرف بآثار قائمة، كالثيابة والحبل والداء في موضع لا يطلع عليها الرجال، ونوع لا يعرف بآثار قائمة، كالسرقة والإباق والجنون، فإن كانت الدعوى في عيب ظاهر يعرفه القاضي بالمشاهدة ينظر إليه، فإن وجده سمع الخصومة وما لا فلا، ثم إذا سمع الخصومة، فإن كان العيب قديماً أو حادثاً لا يحدث من وقت البيع إلى وقت الخصومة كان للمشتري أن يرد؛ لأنا عرفنا قيامه للحال بالمعاينة، وتيقنا بوجوده عند البائع إذا كان لا يحدث مثله، أو لا يحدث في مثل هذه المدة، فيرده المشتري، إلا أن يدعي البائع سقوط حق المشتري الرد بالرضا أو غيره، ويكون القول قول المشتري فيه مع يمينه، ثم عند طلب البائع يمين المشتري يحلف المشتري باتفاق الروايات، وعند عدم طلبه هل يحلف المشتري عامة المشايخ على أنه لا يحلف في ظاهر الرواية". المحيط البرهاني (6/ 573).
(7)
تبيين الحقائق (4/ 34).
(8)
البناية شرح الهداية (8/ 107).
والذي يؤيد هذا التعليل ما ذكره الصدر الشهيد في الفتاوَى الأصغر
(1)
رجل اشترى جارية فوجدها لا تحيض، لا تُسمع منه الخصومة ما لم يدَّع أن ارتفاع الحيض بسبب الداء والحبل، وكذلك الاستحاضة؛ لأن الاستحاضة لداء حل فيها
(2)
في عرقها، إليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال لتلك المرأة: ذاك عرق (انقطع)
(3)
عند أو قال (عرق)
(4)
انفجر
(5)
"
(6)
، وإنما
(7)
يعرف هذا إذا أشكل أو وقعت في ذلك منازعة بقول الأمة؛ لأنه لا طريق لمعرفته إلا هذا. قالوا: هذا قول محمد رحمه الله وظاهر الرواية
(8)
لا قول للأمة في ذلك
(9)
، "واعلم أن المشتري إذا ادعى انقطاع الحيض فالقاضي يسأله عن مدة الانقطاع، فإن ادعى الانقطاع في مدة قصيرة، فلا يلزم القاضي الإصغاء إلى ذلك، وإن كان ذلك في مدة مديدة، فالآن يلزمه الإصغاء إلى دعواه لابد من معرفة الفارق بين المدتين.
(1)
"الفتاوى الصغرى" للشيخ عمر بن عبدالعزيز بن مازه، برهان الأئمة أبي محمد المعروف بالحسام الشهيد، والصدر الشهيد، المقتول سنة 536 هـ، وهي التي بوبها نجم الدين يوسف بن أحمد الخاصي كالكبرى، ثم انتخبها الشيخ يوسف السجستاني، وألحق بها، وسماه "منية الغني" وهو مخطوط. توجد منه نسخة في مكتبة الملك فهد تحت رقم [B 150]. كشف الطنون (2/ 1224)، الأعلام (5/ 51)، تاج التراجم ص 217.
(2)
سقط من (ب).
(3)
في (ب).
(4)
في (ب).
(5)
"انفجر" في (ب) وهوالصحيح وفي (أ)"لعجد".
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحيض، باب الاستحاضة، رقم (306)، (49/ 1)، ومسلم في صحيحه من طريق عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر. أفأدع الصلاة؟ فقال:«لا، إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصل» كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، رقم (333)(62)، (1/ 262)، وفي رواية أخرى أن المرأة أم حبيبة بنت جحش أخرجه مسلم في صحيحه كما سبق، برقم (334)(63)، ورقم (334)(64).
(7)
"والما" في (أ).
(8)
ظاهر الرواية هي مسائل رُويت عن أصحاب المذاهب، وهم أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد رحمهم الله تعالى، لكن الغالب الشائع في ظاهر الرواية، أن يكون قول الثلاثة، أو قول بعضهم. ثم هذه المسائل التي تُسمى بظاهر الرواية والأصول، هي ما وجد في كتب محمد التي هي:"المبسوط"، "والزيادات"، "والجامع الصغير"، "والجامع الكبير"، "والسِّيَر". وإنما سميت بظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن محمد بروايات الثقات، فهي ثابتةٌ عنه؛ إما متواترة، أو مشهورة.
المصطلحات الفقهية (105).
(9)
البحر الرائق (6/ 46).
وروي عن أبي يوسف رحمه الله أن المدة المديدة مقدرة بثلاثة أشهر، وعن محمد أنه قدرها بأربعة أشهر وعشر، وعن أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله - بأنهما قدراها بسنتين، وإذا عرفت المدة المديدة فما دونها قصيرة، فبعد ذلك إن كان القاضي من أهل الاجتهاد أخذ بما أدى إليه اجتهاده، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد أخذ بما اتفق عليه أصحابنا
(1)
(2)
.
وإذا سمع الدعوى ينبغي أن يسأل البائع: أهي كما يدعي المشتري؟ فإن قال: نعم ردها على البائع بالتماس المشتري، وإن قال: هى كذلك للحال، وما كانت كذلك عندي لوجهة الخصومة على البائع؛ لتصادقهما
(3)
على قيام العيب للحال، فإن طلب المشتري يمين البائع يحلف البائع، فإن حلف برئ، وإن نكل
(4)
ردت عليه، وإن شهد للمشتري شهود لا تقبل شهادتهم
(5)
، بخلاف الاستحاضة؛ حيث يقبل؛ لأن الاستحاضة مما يمكن الاطلاع عليه، وانقطاع الدم على وجه يعد عيباً لا يمكن الاطلاع عليه، وإن أنكر البائع انقطاع
(6)
حيضها في الحال هل يستحلف على ذلك؟، عند أبي حنيفة رحمه الله لا، وعندهما يحلف
(7)
، كذا في الفوائد الظهيرية
(8)
.
(فترد إذا انضم إليه نكول البائع)
[اعتبار قول الجارية في الدم]
أي
(9)
: الأمة إذا انضم إلى قول الأمة بأنها تحيض، أو هي مستحاضة امتناع البائع عن اليمين عند الاستحلاف، وشهادة النساء مثل قول الأمة في الأحكام، وقال: هو الصحيح احترازاً عن قول أبي يوسف رحمه الله، فإنه يفرق بين القبض وعدمه في حق عدم انضمام نكول البائع إلى قول الأمة.
وفي الجامع الصغير لقاضي خان
(10)
: "أما عدم الحيض والاستحاضة؛ لأن العادة في التي خلقت
(11)
على السلامة الحيض في أوانه، والمعاودة على وجه لا يدوم، فإذا جاوزت أقصى العدة، وهو سبعة عشر سنة، ولم تحض، أو حاضت ولم تنقطع، كان ذلك لداء في باطنها والداء عيب، فإن أنكر البائع ذلك لا يرد عليه إلا بحجة، ويقبل فيه قول الأمة ضرورة أنه لا تقف عليها غيرها، فإن كان ذلك بعد القبض لا ترد بقولها؛ لأن على قول هذا القائل شهادة الأمة بمنْزلة شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال، يثبت العيب في حق سماع الدعوى ولا يكفي للرد فيستحلف البائع، فإن نكل يرد عليه بنكوله.
(1)
"وهي سنتان" ينظر: فتح القدير (6/ 343).
(2)
البناية شرح الهداية (8/ 158).
(3)
"لتصادقهما" في (ب)، وفي (أ)"لتصاقهما".
(4)
يقال: نكل الرجل عن الأمر ينكل نكولاً إذا جبن عنه، ورجل ناكل عن الأمور: ضعيف عنها. والنًّكالُ: اسم لما جعلته نَكالاً لغيره، إذا بلغه، أو رآه خاف أن يعمل عمله. العين (5/ 372)، حلية الفقهاء (ص: 207)، طلبة الطلبة (ص: 43) تهذيب اللغة، (10/ 138)، مجمل اللغة (ص: 883).
(5)
سقط من (ب).
(6)
سقط من (ب).
(7)
"يستحلف" في (ب).
(8)
ينظر: المحيط البرهاني (6/ 576)، فتح القدير (6/ 334).
(9)
"ترد" زيادة في (ب).
(10)
ينظر: العناية شرح الهداية (6/ 362).
(11)
"خلقت" في (ج).
وإن كان ذلك قبل القبض فكذلك في ظاهر الرواية لا يرد بشهادة النساء ولا بشهادة الأمة هنا، وعند أبي يوسف أنها ترد قبل القبض بشهادة النساء؛ لأن العقد لم يتأكد قبل القبض، فجاز أن يفسخ بشهادة النساء، فعلى قياس تلك الرواية جاز أن يفسخ بقول «الأمة عند من يجعل قولها حجة، وذكر في فتاوى قاضي خان
(1)
رجل اشترى جارية فقبضها فلم تحض عند المشتري [شهراً وأربعين، قال القاضي الإمام رحمه الله ارتفاع الحيض عيب وأدناه شهر واحد إذا ارتفع هذا القدر]
(2)
عند المشتري كان له أن يرد إذا ثبت أنه كان عند البائع.
[اطلاع المشتري على عيب عند البائع]
(وإذا حدث عند المشتري عيب) إلى قوله: (ولا يرد المبيع)
(3)
"وقال ابن أبي ليلى: "ردَّ المبيع وردَّ معه نقصان العيب الحادث عنده"
(4)
؛ لأن رد البدل عند تعذر رد العين، ولكنا نقول: حق الرد للمشتري إنما يثبت كي يدفع به الضرر عن نفسه، وإنما يدفع الضرر عن نفسه بطريق لا يلحق الضرر فيه بالبائع، وبعد ما تعيب عنده لو رده كان في ذلك إلحاق الضرر بالبائع" كذا في المبسوط
(5)
. فقال رحمه الله:
(عنه)
(6)
أي: عن البائع.
(فتعين الرجوع
(7)
ولا يقال بأن الأوصاف لا حصة لها من الثمن حالة الوجود، ألا ترى أنها لو سقطت بآفة
(8)
لم يسقط شيء من الثمن، فكيف نجعل لها حصة؟، لا معنى لهذا؛ لأنا أثبتنا لهذه الأوصاف حصة بالإخراج من الاستحقاق لضرورة خبر
(9)
حقه، فصارت أصولاً في حق الإخراج؛ وجائز أن يصير الوصف أصلاً بفعل يحله، كما لو صارت الأوصاف مقصودة بالإتلاف؛ صارت لها حصة، وسقطت حصتها من الثمن فكذا هذا، وكذا في الإيضاح»
(10)
.
(1)
البحر الرائق شرح كنْز الدقائق (6/ 47).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(3)
هذا قوله في الهداية: (وإذا حدث عند المشتري عيباً، فاطلع على عيب، كان عند البائع: فله أن يرجع بالنقصان ولا يرد المبيع). الهداية (3/ 963).
(4)
اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى (ص 13).
(5)
المبسوط (13/ 97).
(6)
قال في الهداية: "لأن في الرد إضراراً بالبائع؛ لأنه خرج عن ملكه سالِماً، ويعود معيباً فامتنع، ولا بد من دفع الضرر عنه، فتعين الرجوع بالنقصان، إلا أن يرضى البائع أن يأخذه بعيبه؛ لأنه رضي بالضرر". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 963).
(7)
"بالنقصان" في (ب) و (ج) وهي في هامش (أ).
(8)
"سماوية" زيادة في (ب).
(9)
"جبر" في (ب).
(10)
ما بين القوسين المتتاليين وجدت هذا السقط في (ب) ليس مرتباً حسب ترتيب الأولواح المرقمة، والذي يظهر لي أن هناك خلطاً في الألواح وترقيمها، فأنا في اللوح 48، وهذا المتن بداية اللوح رقم 45/ ب وحتى السطر 14 من اللوح نفسه.
[(لحقه) أي: لحق البائع]
(1)
، [وقد ذكرنا جواب هذه الشبهة في أوائل كتاب البيوع في مسألة:
ومن اشترى ثوباً على أنه عشرة أذرع بأتم من هذا]
(2)
.
[(ولو اشترى ثوباً
…
إلى قوله: رجع بالنقصان)
(3)
وهذا؛ لأن المشتري استحق صفة السلامة لمطلق العقد، فإذا علم بالعيب بعد القطع وبالقطع تعيب المبيع بعيب زائد؛ فقد عجز عن رده كما قبض، فيرجع بنقصان العيب نظراً لهما.
فإن قيل: "ما الفرق بين هذا وبين ما إذا اشترى بعيراً فنحره، فلما شق بطنه فوجد أمعاءه فاسدة، لا يرجع بنقصان العيب عند أبي حنيفة
(4)
رحمه الله وهنا قال: يرجع بالنقصان؟.
قلت
(5)
: الفرق بينهما "أن النحر إفساد للمالية؛ لأنه بالنحر صار عرضاً للنتن والفساد، ولهذا لا تقطع يد السارق بسرقته، فيختل معنى قيام المبيع في فصل النحر دون القطع"
(6)
، كذا ذكره الإمام قاضي خان، والإمام المرغيناني]
(7)
.
[(لأنه امتنع
(8)
الرد بالقطع فإنه عيب حادث)
وهذا لأن "حق الرد للمشتري إنما ثبت كي يدفع به الضرر عن نفسه، وإنما يدفع الضرر عن نفسه بطريق لا يلحق الضرر فيه بالبائع، وبعدما تعيب عنده لو رده كان في ذلك إلحاق الضرر بالبائع.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).
(2)
ما بين المعقوفتين في (ب) في اللوح 45/ ب السطر 16 الى السطر 17 من اللوح نفسه.
(3)
قال في الهداية: "ومن اشترى ثوباً فقطعه فوجد به عيباً رجع بالعيب؛ لأنه امتنع الرد بالقطع، فإنه عيب حادث فإن قال البائع: أنا أقبله كذلك كان له ذلك؛ لأن الامتناع لحقه وقد رضي به، فإن باعه المشتري لم يرجع بشيء؛ لأن الرد غير ممتنع برضا البائع، فيصير هو بالبيع حابساً للمبيع، فلا يرجع بالنقصان، فإن قطع الثوب وخاطه أو صبغه أحمر، أو لت السويق بسمن ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه؛ لامتناع الرد بسبب الزيادة؛ لأنه لا وجه إلى الفسخ في الأصل بدونها؛ لأنها لا تنفك عنه، ولا وجه إليه معها؛ لأن الزيادة ليست بمبيعة، فامتنع أصلاً، وليس للبائع أن يأخذه؛ لأن الامتناع لحقِّ الشرع لا لحقه، فإن باعه المشتري بعدما رأى العيب رجع بالنقصان" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 963).
(4)
العناية شرح الهداية (6/ 366).
(5)
سقط من (ج).
(6)
تبيين الحقائق شرح كنْز الدقائق وحاشية الشلبي (4/ 35).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وقد وجدت هذا السقط في اللوح 46/ أ السطر 3 إلى السطر 12 من (ب).
(8)
سقط من (ج).
فإن قيل: ينبغي أن يرجح جانب المشتري
(1)
دفع الضرر عنه؛ لأن البائع دلس
(2)
له العيب، والمشتري صار مغروراً من جهته.
قلنا: المعصية الصادرة لا تمنع عصمة المال، كما في الغاصب إذا عمل في الثوب المغصوب بالخياطة أو صبغه بالحمرة، فلما كان الشرع نظر لهما، والضرر عن المشتري يندفع إذا أثبتنا له حق الرجوع بحصة العيب من الثمن، فإن لم يندفع فذلك لعجزه عن الرد كما قبض لا لتصرف باشره البائع، ولو رده تضرر البائع بتصرف باشره المشتري، وهو رده عليه، فكان مراعاة جانب البائع أولى من هذا الوجه، فإذا لم يرده رجع بنقصان العيب من الثمن إلا أن يرضى البائع]
(3)
"، إلى هذا أشار في المبسوط
(4)
. (لحقه أي: لحق البائع)
(5)
.
[فإن باعه المشتري، أي: باعه بعد القطع قبل الخياطة ثم علم بالعيب بعد البيع.
لم يرجع بشيء
لأن من حجة البائع أن يقول: أنا أقبله كذلك، فكان المشتري بالبيع حابساً المبيع، وقد ذكرنا أن المشتري إذا حبس البيع ليس له الرجوع بالنقصان، لإمكان رد المبيع وأخذ الثمن، والأصل في جنس هذه المسائل ما ذكره في الفوائد الظهيرية
(6)
فقال: "والأصل في جنس هذه المسائل أن في كل موضع يكون المبيع قائماً على ملك المشتري، ويمكنه الرد برضا البائع، فإذا أخرجه عن ملكه لا يرجع بنقصان العيب في كل موضع يكون المبيع قائماً، ولا يمكنه الرد، وإن رضي به البائع؛ فإذا أخرجه عن ملكه يرجع بنقصان العيب".
ولهذا قلنا: أن من اشترى ثوباً فقطعه لولده الصغير وخاطه ثم وجد به عيباً لا يرجع بنقصان العيب؛
(7)
لأنه صار واهباً بالقطع مسلماً إليه قبل الخياطة، فلم يكن الرد ممتنعاً قبل عمل الهبة، ولو كان الولد كبيراً رجع بالعيب؛ لأنه لم يصر مسلماً إلا بعد
(1)
"في" زيادة في (ب).
(2)
دلس: التَدْليسُ في البيع: كِتمانُ عَيب السِلعة عن المشتري. والمُدالَسَةُ، كالمخادعة. يقال: فلان لا يُدالِسكَ، أي لا يخادعك ولا يُخفي عليك الشيء فكأنه يأتيك به في الظلام. والدَلَسُ بالتحريك: الظُلْمة. الصحاح (3/ 930)، مجمل اللغة (ص: 333)، لسان العرب (6/ 7).
(3)
ما بين المعقوفتين في (ب) من اللوح 45/ ب السطر 16 إلى اللوح 46/ أ السطر 3.
(4)
المبسوط للسرخسي (13/ 97).
(5)
ما بين القوسين مكرر في ص 244.
(6)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 563).
(7)
"ولهذا قلنا: إن من اشترى ثوباً فقطعه" زيادة في (ج).
الخياطة، فكان الرد ممتنعاً قبل عمل/ الهبة.
فإن قطع الثوب وخاطه
…
إلى أن قال: رجع بنقصانه
(1)
لأن امتناع الرد بعد الخياطة كان]
(2)
«بسبب الزيادة لا بسبب إمساك الثاني، وكان الحال بعد البيع كالحال قبله، وقيل: البيع له أن يرجع بنقصان العيب على كل حال، كذلك ههنا، الأصل في هذا أن انتقاض المبيع في يد المشتري أنه متى كان بآفة سماوية، أو بفعل المشتري، أو بفعل الأجنبي، ثم اطلع المشتري على عيب كان عند البائع لا يرد بالعيب من غير رضا البائع، لما في الرد من الإضرار بالبائع، ولكن يرجع بالنقصان إن كان الانتقاص بآفة سماوية، أو بفعل المشتري؛ دفعاً للضرر عن المشتري، وللبائع أن يقول: أنا أقبله كذلك؛ لأن امتناع الرد هنا [لدفع الضرر عن البائع، وإن كان النقصان بفعل الأجنبي حتى وجب الإرش؛ ليس للبائع أن يقول: أنا أقبله كذلك؛ لأن امتناع الرد هنا]
(3)
لحق البائع من حيث إن الرد إضرار بالبائع، ولحق الشرع باعتبار الربا؛ لأنه لا يمكن رد الأرش؛ لأن العقد لم يرد عليه، فلا يرد الفسخ؛ لأن الأصل اتحاد موردهما؛ لكون الفسخ رفعاً للعقد عن المحل الذي انعقد فيه، إلا في موطن تعين الفسخ طريقاً لاستدفاع الضرر، كما إذا استهلك المبيع أجنبي قبل القبض أو اختلفا في الثمن بعد هلاك المبيع عند محمد رحمه الله والفسخ فيما نحن فيه لم يتعين طريق لاستدفاع الضرر؛ لإمكان الرجوع بالنقصان، فإذا امتنع الفسخ هنا تعذر رد الأرش، ورد المبيع بدون رد الأرش متعذر؛ لأن الأرش يبقى في يده بلا عوض في عقد المعاوضة فيكون رباً؛ لأن الربا اسم لما يستحق بالمعاوضة بلا عوض يقابله، هذا الذي ذكرنا في انتقاض المبيع في يد المشتري.
[الزيادة في المبيع]
وأما الزياده في يده
(4)
فنقول: الزيادة نوعان: متصلة ومنفصلة، فالمنفصلة ضربان: غير متولدة من المبيع، كالصبغ والخياطة، وأنها تمنع الرد بالعيب بالاتفاق
(5)
وليس للبائع أن يقول: أنا أقبله كذلك؛ لأنه لا يمكن الفسخ في الزيادة؛ لما ذكرنا، وهو أن الفسخ إنما يرد على ما ورد عليه العقد، ولم يكن الصبغ والخياطة وقت العقد، ولهذا قلنا: إن الزيادة المتصلة تمنع الرجوع في الهبة لما أن الهبة لم ترد عليها، فلا يمكن إيراد الفسخ عليهما.
(1)
قال في الهداية: "فإن قطع الثوب وخاطه أو صبغه أحمر، أو لت السويق بسمن ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 963).
(2)
بداية هذا المتن في اللوح 46/ أ السطر 12 من (ب).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(4)
أي: في يد المشتري.
(5)
قال في البحر الرائق (6/ 115): " ينبغي تقييد المسألة بما إذا كانت هذه الزيادة حدثت بعد القبض لأنها لو كانت قبل القبض ينبغي أن لا تمنع الإقالة كما لا تمنع الرد بالعيب تأمل، وأقول: وإنما تمنع المنفصلة إذا كانت متولدة من المبيع أما إذا لم تكن متولدة منه ككسب وغلة لا تمنع الفسخ بسائر أسباب الفسخ". ينظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(5/ 125)، فتح القدير (6/ 368).
والضرب الثاني، زيادة متولدة من المبيع، كالسمن والجمال، فإنها لا تمنع الرد بالعيب في ظاهر الرواية
(1)
؛ لأن فسخ العقد في الزيادة ممكن هذا تبعاً للأصل؛ لأن الزيادة هنا تمحضت تبعاً للأصل، باعتبار التولد والتفرع، بخلاف الأرش والصبغ والخياطة، أما الأرش فلا يبعه فيه لمكان الانفصال ولعدم التولد والتفرغ، وأما الصبغ والخياطة فللوجه الثاني، وهو عدم التولد، وإن قال البائع: أنا أقبله كذلك وأبى المشتري ذلك، كان للبائع ذلك عند محمد رحمه الله، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ليس له ذلك لما في ذلك من إبطال حق المشتري في الزيادة، وصار كالموهوب إذا أراد دار زيادة متصلة وجه قول محمد: إن حق البائع هنا فيما هو أصل، وحق المشتري فيما هو بيع؛ أعني به الزيادة، فكان اعتبار الأصل أولى من العكس.
"والزيادة المنفصلة نوعان أيضاً:
متولدة، كالولد والثمن فإنها تمنع الرد بالعيب والفسخ؛ لأنه لا سبيل إلى فسخه مقصوداً؛ لأن العقد لم يرد على الزيادة، ولا سبيل إلى فسخه تبعاً لانقطاع التبعية بالانفصال.
وغير متولدة
(2)
من المبيع، كالكسب، فإنه لا يمنع الفسخ والرد بالعيب، وطريقه أن يفسخ العقد في الأصل دون الزيادة، ونسلم الزيادة للمشتري مجاناً بخلاف الولد، والفرق أن الكسب ليس بمبيع بحال ما؛ لأنه تولد من المنافع، والمنافع غير الأعيان، ولهذا كان منافع الحر مالاً، وإن لم يكن الحر مالاً، وكسب المكاتب والمدبر لا يكون مكاتباً ولا مدبراً، والولد متولد من المبيع، فيكون له حكم المبيع، فلا يجوز أن يسلم له مجاناً؛ لما فيه من الربا
لما قلنا"
(3)
، كذا في الفوائد الظهيرية، وشرح الطحاوي، والجامع الصغير لقاضي خان
(4)
.
وقوله: أو صبغه أحمر، إنما قيد بالأحمر ليكون الزيادة في المبيع بالاتفاق، وأما لو صبغه أسود فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد؛ لأن السواد عندهما كالحمرة، وعند أبي حنيفه رحمه الله السواد نقصان كالقطع، وإنما تعذر الرد ببيعه إياه فلا يرجع بنقصان العيب]
(5)
ويذكر هذا في كتاب الغصب
(6)
"
(7)
إن شاء الله تعالى.
(1)
المبسوط للسرخسي (13/ 103)، المسائل البدرية (2/ 621).
(2)
النوع الثاني من الزيادة المنفصلة.
(3)
بدائع الصنائع (5/ 270)، المحيط البرهاني (6/ 554)، تبيين الحقائق (4/ 35)، العناية شرح الهداية (6/ 367).
(4)
ينظر: فتاوى قاضيخان (2/ 105).
(5)
من قوله: "بسبب الزيادة " في ص 180 إلى قوله: "العيب" سقط من (ب).
(6)
مخطوط رقم 924/ أ ونسخ ص 209.
(7)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 98).
(لأن الامتناع لحق الشرع)
لأن الخياطة زيادة، والزيادة تمنع من الرد حقًّا للشرع، فلا يرتفع المانع برضا البائع بخلاف الفصل الأول؛ لأن القطع نقصان، ولهذا لو أغصب ثوباً فقطعه لا/ ينقطع حق المالك، ولو خاطه قميصاً ينقطع كذا في الجامع الصغير لقاضي خان
(1)
،
فإن باعه المشتري
أي: الثوب المخيط، أو الثوب المصبوغ بالحمرة، والسويق
(2)
الملتوت بالسمن، أي المخلوط به.
(قبْله) أي: قبل البيع.
(وعن هذا) أي: عما لو كان المشتري حابساً المبيع لا يرجع بنقصان العيب عند ظهور العيب، وما
(3)
لم يكن حابساً، بل امتناع الرد بالعيب لمعنى آخر يرجع بنقصان العيب،
[قالوا
(4)
: مسألتين: إحداهما:
(اشترى ثوباً فقطعه لباساً لولده الصغير، وخاطه، ثم اطلع على عيب لا يرجع بنقصان العيب)]
(5)
لأنه لما قطعه لباساً لولده الصغير كان واهباً له
(6)
، وقابضاً لأصله، فتم الهبة بنفس الإيجاب، ويد الواهب ههنا تقوم مقام يد الصغير، وحق الرد كان ثاتباً قبل القطع، وبالقطع لولده الصغير أبطل حق الرد بالعيب، وكانت
(7)
الخياطة بعد القطع له مبطلة حق الرجوع بنقصان العيب؛ لأن علمه بالعيب إنما كان بعد إخراج المبيع عن ملكه، وذلك لا يسوغ له الرجوع بنقصان العيب، وإن ازداد المبيع بالخياطة بعده فصار كما لو وهب
(8)
الأجنبي
(9)
وسلم ثم علم بالبيع
(10)
، وكان ذكر الخياطة [في هذه الصورة]
(11)
وعدم ذكرها بمنْزلة؛ لأنه انقطع حق الرد لمجرد القطع له قبل الخياطة، إلا أنه ذكرها بمقابلة الصورة الثانية وهي المسألة الثالثة، وهي ما إذا كان الولد كبيراً فقطع الثوب الذي اشتراه
(12)
لباساً له وخاطه، ثم علم بالعيب، يرجع بنقصان العيب؛ لأنه لما كان الولد كبيراً لم يتم الهبة له إلا بالتسليم، فكانت الخياطة على ملكه، وكان امتناع الرجوع بسبب الخياطة التي هي زيادة في المبيع، كما لو قطع الثوب المشتري وخاطه لنفسه، أو صبغه أحمر كما مر، لا تحكم الهبة، فلما امتنع حكم الرد في ملكه بسبب
(13)
الزيادة بالخياطة لم يتفاوت بعد ذلك إن أخرجه عن ملكه بالبيع، أو بالهبة بعد العلم بالعيب، أو لم يخرجه في جواز الرجوع بنقصان العيب، كما لو باع المشتري الثوب الذي خاطه لأجل نفسه، أو صبغه أحمر بعد العلم بالعيب، فإن بيعه ذلك لا يمنع الرجوع بنقصان العيب كما مر، فكذلك ههنا لو سلم لولده الكبير بالهبة بعد الخياطة، والعلم بالعيب لا يمنع الرجوع بنقصان العيب فكان ما ذكرنا في الأصل
(14)
من
(15)
الفوائد الظهيرية وهو المذكور في المبسوط مطرداً في هذه المسائل، وهو أن في كل موضع له حق رد المبيع برضا البائع، فإذا باعه المشتري لم يكن له أن يرجع بنقصان عيبه، وفي كل موضع لم يكن له أن يرده، وإن رضي البائع فبيعه إياه لا يمنعه
(16)
من
(17)
الرجوع بنقصان العيب؛ لأن تعذر الرد
(18)
ببيع المشتري إياه، فكأنه حبسه عنده، وأراد الرجوع بنقصان العيب، وكان قطع الثوب لولده الصغير بمنْزلة البيع لما كان في ملكه كما كان، ثم علم بالعيب، فلو باعه ثم علم بالعيب لم يكن له أن يرجع بنقصان العيب، فكذا إذا علم بالعيب بعد القطع لولده الصغير، والقطع والخياطة لولده الكبير بمنْزلة خياطة الثوب الذي في ملكه لأجل نفسه، أو صبغه أحمر، أو لت السويق بسمن فامتنع الرد حينئذ، لا للجنس، بل لأمر شرعي، وهو الزيادة المتصلة بالمبيع، فلم يمنع المبيع
(19)
بعد ذلك عن الرجوع بنقصان العيب، وإن كان عالِماً بعيبه وقت البيع؛ لأن التمليك حصل في الأول، وهو ما إذا قطعه لباساً لولده الصغير، وفي الثاني وهو ما إذا قطع الثوب لباساً لولده الكبير.
(1)
ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 303).
(2)
السويق: دقيق القمح المقلو والشعير والذرة وغيرها. مجمع بحار الأنوار (3/ 152).
(3)
"لو" زيادة في (ب).
(4)
"قلنا" في (ب) وهي في هامش (أ).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(6)
سقط من (ب) و (ج).
(7)
"وكانت" في (ب)، وفي (أ)"وكان".
(8)
"وهبه" في (ب).
(9)
سقط من (ب).
(10)
"بالعيب" في (ب) و (ج).
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب)، وهي في هامشه.
(12)
"له" زيادة في (ب).
(13)
"بسبب" في (ب) و (ج) وفي (أ)"بسلب".
(14)
سقطتا من (ب).
(15)
"في" في (ب).
(16)
"إياه فلا تمنعه " زيادة في (ب).
(17)
سقط من (ب).
(18)
"ههنا بمعنى حكمي دون بيع المشتري إياه، وفي الأول إنما أراد تعذر الرد" في (ب)، وهي في هامش (أ).
(19)
"البيع" في (ب).
[اعتق المشتري العبد ثم اطلع على عيب فيه]
(والامتناع حكمي لا بفعله)
(1)
أي: امتناع الرد بالعيب، إنما ثبت حكماً للموت، كما في الخياطة والصبغ بالحمرة، لا بفعله، كالبيع والقتل، وفيه إشارة إلى أن امتناع الرد بالعيب لو كان بفعله يمنع الرجوع بنقصان العيب، كما إذا باعه أو قتله.
فإن قيل
(2)
: يشكل هذا بما إذا صبغه أحمر ثم اطلع على عيب لرجع بنقصان العيب، ولاشك أن الصبغ بفعله.
قلنا: نعم ذلك بفعله، لكن امتناع الرد هناك سبب وجود الزيادة في المبيع
(3)
بسبب ذلك الفعل، فكان الامتناع لحق الشرع، وهو شبهة الربا، على ذكرنا، فعلى هذا يجب أن يزاد في لفظ الكتاب قيد آخر بأن يقال: فالامتناع حكمي لا بفعله الذي لا يوجب الزيادة في ملكه، ثم بالقتل لا يثبت الزيادة
(4)
، وبالبيع يزول عن ملكه، فالقياس أن لا يرجع، وهو قول زفر، كذا ذكره الإمام قاضي خان
(5)
.
(وهذا) أي: جواز الرجوع بنقصان العيب عند الانتهاء.
(لأن الشيء بانتهائه يتقرر، فنجعل حينئذ كأن الملك باق)
"ولهذا يثبت الولاء بالعتق، والولاء
(6)
أثر من آثار الملك، فبقاؤه كبقاء/ أصل الملك، ثم إذا انعقد الرد مع بقاء الملك المستفاد بالشراء حقيقة أو حكماً، رجع بنقصان العيب؛ لأنه استحق ذلك بصفة السلامة، كما لو تعيب في يده" فكذا هنا، كذا في المبسوط
(7)
.
(والتدبير والاستيلاء
(8)
بمنزلته)
(1)
قال في الهداية: "ومن اشترى عبداً فأعتقه، أو مات عنده، ثم اطلع على عيب: رجع بنقصانه، أما الموت، فلأن الملك ينتهي به، والامتناع حكمي لا بفعله" الهداية شرح بداية المبتدي (3/ 964).
(2)
"قلت" في (ب).
(3)
"لا" زيادة في (ب).
(4)
"فيها" زيادة في (ج).
(5)
تبيين الحقائق (4/ 36).
(6)
"العتق" كذا في هامش (أ) وفي (ب) مكتوبة بعد موقعها هذا بثلاث كلمات وفوقها كلمة "الملك".
(7)
المبسوط (13/ 100).
(8)
الاستيلاء لغة: وضع اليد على الشيء، والتمكّن منه، والغلبة عليه. وفي اصطلاح الفقهاء: هو إثبات اليد على المحلّ، أو الاقتدار على المحلّ حالاً ومآلاً. المصباح (2/ 672) مادة "ولي"، معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء (ص: 59)، بدائع الصنائع (7/ 121)، البحر الرائق (5/ 103).
[ما يكون بمنزلة الإعتاق عند تعذر الرد]
أي: بمنْزلة الإعتاق، من حيث تعذر الرد؛ لما في العتق حقيقة الإنهاء، وفي التدبير والاستيلاء نوع إنهاء من حيث [الرد؛ لما في]
(1)
عدم قبول النقل من ملك إلى ملك، فكان بمنْزلة الإعتاق فقال:(مع بقاء المحل) احتراز عن الموت والإعتاق، وقوله:
(بالأمر الحكمي) احتراز عن القتل.
فإن قتل المشتري العبد، أو كان طعاماً، فأكله إلى آخره
(2)
.
[تصرف المشتري في المبيع المعاب]
والفرق بين الإعتاق وبين القتل والأكل يظهر من الأصل الذي ذكره في شرح الطحاوي
(3)
، "وهو أنه
(4)
امتنع الرد من المشتري لفعلٍ مضمون بطل حقه"، [ومتى امتنع لا من جهته، أو من جهته لكن لفعل غير مضمون، لا يبطل حقه]
(5)
في الرجوع الأول، نحو أن يملكه من غيره، أو يقتله، أو يعتقه على مالٍ أو يكاتبه، والثاني: هو أن يهلك بآفة سماوية، أو انتقص، أو ازداد زيادة ما بعد
(6)
للرد، والثالث: هو أن يعتقه على غير مال، والدليل على أنه غير مضمون، أن الوكيل يقبض العبد المشترى قبل نقد الثمن لو قبضه ومات في يده كان البائع أن يضمن الوكيل القيمة، ولو لم يوكله بالقبض، ولكن وكله بالعتق، فأعتقه جاز، ويصير قابضاً؛ لأن العتق في الشراء قبض، وليس للبائع أن يضمن الوكيل القيمة، فصار كالموت حتف أنفه؛ لأن الميت مقتول بأجله عندنا، يقال:"مات حتف أنفه إذا مات على الفراش، قيل هذا في الآدمي، ثم عم في كل حيوان إذا مات بغير سبب" كذا في المغرب
(7)
.
(أن القتل لا يوجد إلا مضموناً)
لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس في الإسلام دم مفرجٌ
(8)
»
(9)
أي: مبطلٌ دمه.
(1)
"الرد لما في" زيادة في (ب).
(2)
قال في الهداية: (فإن قتل المشتري العبد، أو كان طعاماً فأكله، لم يرجع بشيء عند أبي حنيفة رحمه الله). الهداية (3/ 964).
(3)
شرح مختصر الطحاوي (3/ 72).
(4)
"متى" زيادة في (ب).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(6)
"مانعة" في (ب) وهي في هامش (أ).
(7)
المغرب (1/ 102).
(8)
الْمُفْرَج: قيل: هو القتيل يوجد بأرض فلاة، ولا يكون قريباً من قرية، فإنه يودى من بيت المال، ولا يطل دمه. وقيل: هو الرجل يكون في القوم من غيرهم، فيلزمهم أن يعقلوا عنه. وقيل: هو أن يسلم الرجل ولا يوالي أحداً، حتى إذا جنى جناية كانت جنايته على بيت المال؛ لأنه لا عاقلة له. والمفرج: الذي لا عشيرة له. وقيل: هو المثقل بحق دية، أو فداء، أو غرم. ويروى بالحاء المهملة". الفائق في غريب الحديث (3/ 96)، النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 423)، المغرب في ترتيب المعرب (ص: 354).
(9)
لم أجد هذا اللفظ بعد البحث في كتب الحديث. ووجدته بلفظ آخر، وقد خرجه الطبراني في الكبير المعجم من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يترك مفرج في الإسلام» زاد ابن نمير في حديثه «حتى يضم إلى قبيلة» رقم (36)، (17/ 24). قال في مجمع الزوائد رقم (10750):"رواه الطبراني وفيه كثير بن عبد الله المزني، وهو ضعيف، وقد حسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات". مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (6/ 293).
(كالمستفيد به)
(1)
أي: يملك العبد، فإن المشتري لو قتل عبده استفاد
(2)
سلامة نفسه بسبب الملك؛ لأنه لولا الملك لَقُتل به أو وجبت القيمة، فبالملك لا يجب القصاص، ولا
(3)
القيمة، فصار كأنه أخذ عوضاً بإزالة ملكه بالقتل، كما لو باع وأخذ الثمن، وهناك لا يرجع بنقصان العيب، فكذا هنا، بخلاف الإعتاق، فإنه ليس بعقد موجب للضمان على الإنسان في ملك الغير مطلقاً؛ لأن إعتاقه في ملك الغير لا ينفذ، ومن أخذ الشريكين وإن نفذ فلا يتعلق به الضمان مطلقاً، حتى إذا كان معسراً لم يضمن شيئاً، فهو لم يستفد عوضاً عن ملكه حقيقة وحكماً
(4)
.
[أكلُ المشتري للطعام المعاب]
(وأما الأكل فعلى الخلاف عندهما يرجع)
أي: بنقصان العيب.
(وعنده) أي: وعند أبي حنيفة رحمه الله.
(لا يرجع)، وذكر في الخلاصة
(5)
والفتوى على قولهما: "وله أنه تعذر الرد بفعل مضمونة منه في المبيع، فلا يرجع بنقصان العيب، كالإحراق والقتل؛ وهذا لأن الأكل واللبس موجب للضمان عليه في ملك العبد
(6)
، وإنما استفاد البراءة باعتبار ملكه في المحل، فلذلك
(7)
بمنْزلة عوض يسلم" كذا في المبسوط
(8)
.
(ولا معتبر بكونه مقصوداً)
هذا جواب عن قولهما:
(بأنه صنع في المبيع ما يقصد بشرائه)
"لأن الطعام كشيء واحد، لا يرد بعضه بالعيب دون البعض، وعن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله
(9)
- روايتان فيما إذا أكل البعض في إحدى الروايتين رجع لنقصان العيب
(10)
في الكل؛ لأن الطعام في حكم شيء واحد، فلا يرد بعضه بالعيب.
(1)
قال في الهداية: "أما القتل فالمذكور ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يرجع؛ لأن قتل المولى عبده لا يتعلق به حكم دنياوي، فصار كالموت حتف أنفه، فيكون إنهاءً. ووجه الظاهر أن القتل لا يوجد إلا مضموناً، وإنما يسقط الضمان هاهنا باعتبار الملك، فيصير كالمستفيد به عوضاً، بخلاف الإعتاق؛ لأنه لا يوجب الضمان لا محالة، كإعتاق المعسر عبداً مشتركاً، وأما الأكل فعلى الخلاف، فعندهما يرجع وعنده لا يرجع استحساناً". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 965)، فتح القدير (6/ 341).
(2)
"استغلا" في (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
قال في الهداية: (لأنه لا يوجب الضمان لا محالة، كإعتاق المعسر عبداً مشتركاً). الهداية (3/ 965).
(5)
متى أطلق "الخلاصة" فالمراد بها "شرح التهذيب"، وأما المشهورة فتقيد بالفتاوى. الثمار الجنية في الفوائد الحنفية (ص: 11).
(6)
"الغير" في (ب) وهي في هامش (أ).
(7)
"فذلك" في (ب).
(8)
المبسوط للسرخسي (13/ 101).
(9)
سقطتا من (ب).
(10)
سقط من (ب).
وأكل الأكل عندهما لا يمنعه من الرجوع بنقصان العيب، فأكل البعض أولى، وفي الرواية الأخرى يرد ما بقي؛ لأن هذا ما لا يضره التبعيض، فهو قادر على الرد في البعض كما قبضه، ويرجع بنقصان العيب فيما أكله، وبعد بيع البعض عنهما روايتان في إحدى الروايتين لا يرجع بشيء، كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الطعام في حكم شيء واحد، فبيع البعض فيه كبيع الكل، وفي الرواية الأخرى يرد ما بقي؛ لأنه لا يضره التبعيض، ولكنه لا يرجع بنقصان العيب فيما إذا باع، اعتباراً للبعض بالكل"، كذا في المبسوط
(1)
.
[شراء ما مأكوله في جوفه]
ومن اشترى بيضاً أو بطيخاً
…
إلى آخره
(2)
والفواكه على هذا إذا وجدها فاسدة بعد الكسر، وله أن يرجع بالجميع إذا لم يكن منتفعاً بها
(3)
بأن كسرها فوجدها منتنة أو مُرَّة، بحيث لا تصلح لأكل الناس، ولا للعلف.
قال الإمام الحلواني رحمه الله
(4)
-: هذا إذا أذاقه فوجده كذلك فتركه، فإن تناول شيئاً منه بعدما أذاقه لا يرجع عليه بشيء، وحاصل هذا إن
(5)
كان يصلح لتناول بعض الناس؛ بأن يأكله الفقراء دون الأغنياء، أو يصلح للعلف، يرجع بحصة العيب من الثمن، إلا أن يتناول شيئاً منه بعد العلم، فلا يرجع بشيء، كذا في الجامع الصغير للإمام المحبوبي.
وذكر في الذخيرة
(6)
قال الإمام شمس الأئمة الحلواني: يؤيد ما ذكره في الكتاب
(7)
يعني قوله: "له أن يرده، ويأخذ الثمن كله إذا وجده خاوياً، أو وجده منتن اللب، أو وجد البيض مذرَّةً
(8)
، وأما إذا وجده قليل اللب، أو لم يكن مكتنَزاً
(9)
فهو في باب العيب، وليس من باب الفساد، وقد تعذر الرد بسبب الكسر، ويرجع بنقصان العيب، إلا أن يرضى البائع بأن يأخذ مكسوراً حتى لو وجده بهذه الصفة قبل الكسر، كان له حق الرد بسبب العيب؛ لأنه
(10)
الرد ممكن، وهذا إذا كان كسره ولم يعلم بالعيب، أما إذا كسره وهو عالم لعيبه
(11)
صار راضياً، فيبطل حقه من
(12)
كل وجه".
(1)
المبسوط (ج 13: ص 102).
(2)
قال في الهداية: "ومن اشترى بيضاً أو بطيخاً أو قثاءً أو خياراً أو جوزاً، فكسره فوجده فاسداً: فإن لم ينتفع به رجع بالثمن كله". الهداية (3/ 965).
(3)
سقط من (ب).
(4)
سبق ترجمته ص 98، وقوله مخرج في الصفحة التابعة.
(5)
"إذا" في (ب).
(6)
المحيط البرهاني (6/ 570).
(7)
قال في الهداية: "لأنه ليس بمال فكان البيع باطلاً، ولا يعتبر في الجوز صلاح قشره على ما قيل؛ لأن ماليته باعتبار اللب، وإن كان ينتفع به مع فساده لم يرده؛ لأن الكسر عيب حادث، ولكنه يرجع بنقصان العيب دفعاً للضرر بقدر الإمكان" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 965).
(8)
مذرت البيضة مذراً فهي مذرة فسدت. المحكم والمحيط الأعظم (2/ 21)، أساس البلاغة (2/ 200)، النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 311).
(9)
"منتنا" في (ب).
(10)
"لأن " في (ب).
(11)
"بعيبه" في (ب).
(12)
"من" في (ب) وهذا الأصح لسياغ الجملة، وفي (أ) "وهو". ينظر: المحيط البرهاني (6/ 570).
ثم ما ذكر في الكتاب مستقيم في البيض؛ فإنه لا قيمة لقشره، فإذا وجده فاسداً تبين أن البيع لم يكن مالاً، فتعين أن البيع كان باطلاً؛ لعدم مصادفته محله، فيرده ويرجع
(1)
بجميع الثمن، وفي الجوز أيضاً متسقيم إذا لم يكن للقشرة قيمة، أما إذا كان للقشرة قيمة، بأن كان في موضع يعز الحطب، ويستعمل قشر الجوز استعمال الحطب، فوجده خاوياً، اختلف المشائخ فيه، منهم من قال: يرجع بحصة اللب، ويصلح
(2)
العقد في القشرة بحصته؛ لأن العقد في قشره صادف محله، ومنهم من قال: يرد القشر، ويرجع بجميع الثمن؛ لأن مالية الجوز قبل الكسر باعتبار اللب دون القشر، وإذا كان اللب لا يصلح له
(3)
لم يكن محل البيع موجوداً، وإن كان للقشرة قيمة فتبين أن البيع وقع باطلاً، وإليه مال شمس الأئمة السرخسي
(4)
رحمه الله.
"وأما إذا اشترى بيض نعامة فكسرها ووجدها مذرة، ذكر بعض المشائخ في شرح الجامع الصغير أنه يرجع بنقصان العيب، وهذا الفصل يجب أن يكون بلا خلاف؛ لأن مالية بيض النعامة قبل الكسر باعتبار القشر وما فيه، بخلاف قشر الجوز على قول بعض المشائخ"
(5)
وقوله: وإن لم ينتفع به
(6)
.
كالقرع إذا وجده مراً أو البيضة إذا كانت مذرة، كذا ذكر الإمام قاضي خان.
[مقدار ما يكون به فساد ما مأكوله في جوفه]
(ولا معتبر في الجوز؛ لصلاح قشره على ما قيل)
(7)
هذا احتراز عن القول الذي ذكرته الآن من رواية الذخيرة.
(قلنا: التسليط على الكسر في ملك المشتري)
[أي: إن البائع رضي بكسر المشتري]
(8)
ملك نفسه، لا ملك البائع، فيجب مراعاة الحقَّين، وذلك في الرجوع بنقصان العيب، كما إذا كان ثوباً فقطعه ثم وجد به عيباً، وهناك الحكم على ما قلنا بالإجماع مع أن القطع حصل بتسليط البائع، فكذا هذا لما ذكرنا من المعنى.
(ولو وجد البعض فاسداً)
يعني أن جواز المسألة التي تقدمت فيما "إذا وجد الكل فاسداً، وأما إذا وجد البعض بهذه الصفة فالكلام في حصة ذلك كالكلام في الكل إذا وجده فاسداً، إلا أن في الجوز إذا كان الفاسد منه مقدار ما لا يخلو الجوز عنه عادة، كالواحد والمثنى في كل مائة، فليس له أن يخاصم البائع لأجله؛ لأنه عند الإقدام على الشراء راض به على الوجه المعتاد، والجوز في العادة لا يخلو عن هذا، فلا يخاصم فيه لأجل ذلك"، كذا في المبسوط
(9)
.
(1)
سقط من (ب).
(2)
"يصح"في (ب).
(3)
"به" في (ب).
(4)
المبسوط للسرخسي (13/ 114).
(5)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 571).
(6)
"له" في (أ) والصحيح ما أثبته من (ب).
(7)
ينظر: هامش رقم (2) ص 176.
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(9)
المبسوط للسرخسي (13/ 115).
(وإن كان الفاسد كثيراً)
أراد بالكثير هنا ما وراء الثلاثة في المائة، لا الكثير الذي هو ما زاد على النصف؛ لأنه ذكر في الذخيرة
(1)
"وإذا اشترى [مائة بيضة فوجد فيها واحداً أو اثنين أو ثلاثة مذرة
(2)
لا يكون له أن يرجع بشيء، وجعل الثلاثة في المائة قليلة، وأما إذا اشترى]
(3)
عشرة من الجوز فوجدها
(4)
(5)
خمسة خاوية، اختلف المشائخ فيه، بعضهم قالوا
(6)
:
(7)
يجوز العقد في الخمسة التي فيها (اللب)
(8)
أن
(9)
بنصف الثمن بالإجماع، وبعضهم قالوا: يفسد العقد
(10)
في الكل بالإجماع، وبعضهم قالوا: انعقد فاسداً في الكل عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه جمع في العقد بين ما له قيمة، وبين ما له قيمة له، فصار [عند أبي حنيفة رحمه الله]
(11)
- كالحي والميتة، وعندهما يصح العقد في الخمسة التي فيها لبُّ أن
(12)
بنصف الثمن، وهو الأصح؛ لأن هذا المعنى
(13)
الثمن المفضل
(14)
عندهما، فإن الثمن ينقسم على الأجر لا على القيمة".
فإن قبله بقضاء القاضي
(15)
بإقرار
(16)
قَبِل المشتري الأول المبيع الذي باعه من آخر بقضاء القاضي الذي قضى بإقرار المشتري الأول لوجود العيب في المبيع، ثم أنكر إقراره، وأثبت المشتري الثاني إقراره بذلك بالبينة فقضى القاضي؛ يرد المبيع عليه بسبب إقراره
(17)
. وقوله:
(لأنه فسخ من الأصل)
فإن قيل: ينتقض هذا بمسائل:
وأحدها
(18)
: أن المبيع لو كان عقاراً لا يبطل حق الشفيع في الشفعة، وإن كان الرد بالعيب بالبينة، ولو كان [فسخاً من الأصل لبطلت الشفعة لبطلان البيع من الأصل.
(1)
المحيط البرهاني (6/ 271 - 572).
(2)
سبق التعريف ص 269.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(4)
"فوجد" في (ب).
(5)
" فيها" زيادة في (ب).
(6)
"قال" في (ب).
(7)
"بعضهم" زيادة في (ب).
(8)
في (ب).
(9)
سقط ممن (ب).
(10)
قلب في الكلمتين في (ب).
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(12)
سقط من (ب).
(13)
"بمعنى" في (ب).
(14)
"المنفصل" في (ب).
(15)
"الذي قضى" زيادة في (ب).
(16)
قال في الهداية: "فإن قبل بقضاء القاضي بإقرار أو بينة أو بإباء يمين: له أن يرده على بائعه" الهداية (3/ 966).
(17)
قال في فتح القدير: "وقد قدمنا أن معنى الإقرار الشهادة عليه به، ولأنه إذا قبله بغير قضاء فقد رضي بالعيب، فلا يرده على بائعه" شرح فتح القدير (6/ 346).
(18)
"وأحديها" في (أ).
والثانية: أن الرجل إذا باع أمته الحبلى من رجل، وسلمها إليه،
ثم إن المشتري طعن
(1)
فيها بعيب فردها بقضاء القاضي، ثم ولدت ولداً، ثم ادعاه أبو البائع، لا تصح الدعوة
(2)
، ولو كان الرد]
(3)
بالبينة فسخاً للعقد من كل وجه لصحت الدعوة، كما يصح من أمة ابنه التي لم يبعها ابنه أصلاً.
والثالثة: رجل باع عبداً من/ إنسان، ثم أحال بالثمن على المشتري غريمه، ثم إن المشتري رده بالعيب بقضاء القاضي، لا تبطل الحوالة، ولو كان الرد بالبينة فسخاً للعقد [من كل وجه في]
(4)
الأصل ليطلب الحوالة، قلنا: ذكر محمد رحمه الله في مواضع أن الرجوع في الهبة يعود ملك الموهوب إلى قديم ملك الواهب فيما يستقبل لا فيما مضى، ألا ترى أن من وهب
(5)
مال الزكاة لرجل قبل الحول وسلمه إليه ثم رجع في هبته بعد الحول فإنه لا يجب على الواهب في حق
(6)
زكاة ما مضى، ولا يجعل الموهوب عائداً إلى قديم ملك الواهب في حق الزكاة ما مضى من الحول. وكذلك الرجل إذا وهب داراً لآخر، وسلمها إليه، ثم بيعت دار بجنبها، ثم رجع الواهب فيها، لم يكن للواهب
(7)
أن يأخذها بالشفعة، ولو عاد الموهوب إلى قديم ملك الواهب فيما مضى، وجعل كأن الدار لم يزل عن ملك الواهب لكان
(8)
له الأخذ بالشفعة،
(9)
إذا ثبت هذا
(10)
الأصل يخرج عليه
(11)
فيما يستقبل لا فيما مضى، وكذلك المسألة
(12)
الثانية؛ لأن الأب
(13)
إنما تصح دعوته باعتبار ولاية كانت له زمان العلوق
(14)
، وأنه معنى سابق على الرد، وقد بطل قبل الرد، فلا يظهر حكم الرد فيه، وكذلك المسألة الثالثة؛ لأن الحوالة كانت ثابتة قبل الرد، فلا يظهر حكم الرد فيها؛ لأنها سابقة على الرد.
(1)
"اطلع" في (ب).
(2)
"دعوته" في (ب).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(5)
سقط من (ب).
(6)
سقطتا من (ج).
(7)
"فيها" زيادة في (ب).
(8)
"وكان" في (ب).
(9)
حرف" الواو" زيادة في (ب).
(10)
سقط من (ب).
(11)
"ما أحصينا من المسائل، أما مسألة الشفعة فلا حق الشفيع كان ثابتاً قبل حكم الرد يظهر" في (ب)، وهي في هامش (أ).
(12)
سقط من (ب).
(13)
سقط من (ب).
(14)
العلوق: ما يعلق بالإنسان. قال: والمنية علوق، وما تعلقه الإبل وترعاه. تهذيب اللغة (ج 1: ص 164)، مجمل اللغة (ج 1: ص 627).
قال شيخ الإسلام المعروف بجواهر زادة
(1)
رحمه الله: قول القائل: الرد بقضاء القاضي فسخ للعقد، وجعل له كأنه لم يكن متناقضاً متعارضاً؛ لأن العقد إذا جعل كأن لم يكن جعل الفسخ كأن لم يكن؛ لأن فسخ العقد بدون العقد لا يكون، فإذا انعدم العقد من الأصل انعدم الفسخ من الأصل، فإذا انعدم الفسخ من الأصل عاد العقد لانعدام ما ينافيه، فيتمكن في هذه الدعوى دور وتناقض من هذا الوجه، ولكن يقال: العقد يجعل كأن لم يكن، على التفسير الذي قلنا، كذا في الفوائد الظهيرية
(2)
.
(غاية الأمر أنه أنكر قيام العيب)
هذا جواب سؤال مقدَّر يعني غاية الأمر، تقرير باقي هذه المسألة أن يرد فيها السؤال.
فإن قيل: لما أنكر البائع الثاني العيب، كيف يصح رده على بائعه بالعيب الذي أنكره إذ ذاك منقاضة منه؟.
وأجاب عنه: بأنه ارتفعت مناقضته لما كذَّبه الشارع في إنكاره بقضاء القاضي بالبينة
(3)
، كمن اشترى شيئاً وأقر أن البائع باع ملك نفسه، ثم جاء إنسان واستحق بالبينة، لا يبطل حقه في الرجوع بالبينة على البائع بالثمن، كذلك ههنا لما ذكرنا، ويجيء نظير هذا أيضاً في الكفالة وغيرها
(4)
إن شاء الله تعالى. وقوله:
(ومعنى القضاء بالإقرار أنه أنكر الإقرار، وأثبت بالبينة)
وإنما احتاج إلى هذا التأويل؛ لأنه إذا لم ينكر إقراره بالعيب
(5)
بعد الإقرار، لا يحتاج إلى القضاء، بل يرد عليه؛ لإقراره بالعيب، فإذا رد عليه بإقراره بدون القضاء، لم يكن له أن يرده على بائعه، وهي المسألة الثانية؛ لأنه إقالة، وقوله:
(وهذا بخلاف الوكيل)
متعلق بمحذوف؛ لأنه تقديره، والبيع قائم بنفسه، فلم ينفسخ البيع الأول بفسخ البيع الثاني، بخلاف الوكيل بالبيع إلى آخره
(6)
، وبهذا صرح فخر الإسلام في الجامع الصغير.
(1)
هذه اللفظة يقال لجماعة من العلماء كانوا أولاد أخت عالم، والمشهور بهذه اللفظة عند الإطلاق اثنان متقدم فى الزمن ومتأخر عنه، فالمتقدم أبو بكر محمد بن الحسين البخاري، ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن حسين البخاري، والمتأخر خواهر زاده الإمام بدر الدين محمد بن محمود الكردري، ابن أخت الشيخ شمس الدين الكردري. والذي يعنينا هنا هو محمد بن الحسين البخاري المعروف، أبوبكر خواهر زاده، توفي سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. الجواهر المضيئة (1/ 236)، الأعلام (6/ 100)، تاج التراجم (1/ 256).
(2)
ينظر: فتح القدير (6/ 448).
(3)
قال في الهداية: (لكنه صار مكذَّبًا شرعًا بالقضاء). الهداية (3/ 966).
(4)
سقط من (ب).
(5)
سقط من (ب) و (ج).
(6)
قال في الهداية: "وهذا بخلاف الوكيل بالبيع إذا رد عليه بعيب بالبينة؛ حيث يكون ردًّا على الموكل؛ لأن البيع هناك واحد، والموجود هاهنا بيعان، فيفسخ الثاني، والأول لا ينفسخ، وإن قبل بغير قضاء القاضي ليس له أن يرده؛ لأنه بيع جديد في حق ثالث، وإن كان فسخاً في حقهما والأول ثالثهما". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 966).
وإن رد عليه
(1)
بغير قضاء بعيب
(2)
لا يحدث مثله كالإصبع الزائدة أو الناقصة.
(وهذا يبين أن الجواب فيما يحدث)
كالقروح والأمراض.
(وفيما لا يحدث سواء)
أي: وضع المسألة في الجامع الصغير
(3)
من العيب الذي لا يحدث مثله في عدم ولاية الخصومة عند قبوله بغير القضاء يبين أن العيب الذي يحدث مثله والعيب الذي لا يحدث مثله سواء في عدم ولاية الخصومة مع البائع الأول؛ وذلك لأنه لما لم يتمكن من الرد في العيب
(4)
الذي لا يحدث مثله، مع أنا نتيقن أن ذلك العيب كان موجوداً في يد البائع الأول؛ كان أولى أن لا يتمكن من الرد في العيب الذي يحدث مثله؛ لأنه يحتمل أنه حدث عند المشتري، لا عند البائع، فهذا هو فائدة وضع الجامع الصغير.
[قبض المشتري العبد وادعى عيبا به قبل نقد الثمن]
وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في الجامع الصغير
(5)
: ولو رده المشتري الآخر على بائعه بغير قضاء القاضي فليس له أن يرده على بائعه أبداً، سواء كان عيباً يحدث مثله أو لا يحدث، في أصح الروايتين، وذكر في بعض نسخ البيوع
(6)
(7)
، أن في العيب الذي لا يحدث مثله يرده على بائعه، سواء رد عليه بقضاء أو بغير قضاء؛ (لأنا)
(8)
تيقنا بوجود العيب عند البائع الأول، فقد فعل بدون القاضي غير ما يأمر به القاضي لو رجعا
(9)
الأمر إليه، ووجه الرواية الصحيحة أن الرد بغير قضاء القاضي إقالة يعتمد التراضي فيكون بمنْزلة بيع جديد في حق غيرها، وهو البائع الأول، فلا يعود إليه الملك المستفاد من جهة البائع الأول ليخاصمه.
ومن اشترى عبداً فقبضه، وادعى عيباً لم يجبر أي: المشتري.
على دفع الثمن حتى يحلف البائع، أو يقيم المشتري بينة
وإن قلت: ما وجه صحة هذا اللفظ، أو ظاهره يقتضي فساد المعنى؛ لأنه غيَّا عدم إجبار المشتري على دفع الثمن إلى أحد الشيئين، وهما: حلف البائع، وإقامة المشتري بينة على أن العيب كان عند البائع، وما بعد الغاية يخالف ما قبل الغاية
(10)
، فيلزم إجبار المشتري على دفع الثمن عند وجود أحدهما، وكأن المعنى لا يجبر المشتري على دفع الثمن حتى يحلف البائع، أو يقيم المشتري بينة على أن العيب كان عند البائع، فحينئذ يجبر، وهذا مستقيم في حلف البائع، وأما في إقامة المشتري بينة على أن العيب كان عند البائع فغير مستقيم أصلاً؛ لأن عند إقامة المشتري بينة على أن العيب كان عند البائع يرد المبيع على بائعه بالعيب، فكيف يجبر على دفع الثمن؟.
(1)
"بعيب" زيادة في (ب).
(2)
سقط من (ب).
(3)
قال في الجامع الصغير: "وإن رد عليه بغير قضاء بعيب لا يحدث مثله لم يكن له أن يخاصم الذي باعه". الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 353).
(4)
"بالعيب" في (ب).
(5)
ينظر: المبسوط للسرخسي (18/ 135).
(6)
"البيع" في (ب).
(7)
"من المبسوط" زيادة في (ج).
(8)
في (ب)، وفي هامش (أ).
(9)
"رفعا" في (ب).
(10)
قال ابن مفلح: "التخصيص بالغاية، كـ (أكرم بني تميم حتى أو إِلى أن يدخلوا)، فيقصر على غيرهم؛ لأن ما بعد الغاية يخالف ما قبلها، وإلا لم تكن غاية، بل وسطًا بلا فائدة. وقال نجم الدين: «فيفيد أن حكم ما بعد الغاية يخالف ما قبلها»، كالحل بعد نكاح زوج غيره، وجواز القربان بعد التطهر، ومنع القتال بعد أداء الجزية، وأن لا صيام بعد دخول الليل، ولا غسل واجب بعد المرافق والكعبين". أصول الفقه لابن مفلح (3/ 942)، شرح مختصر الروضة (2/ 758).
قلت: نعم كذلك، إلا أنه يدرج لفظ عام يدخل تحته الغايتان، فيقال: لم يجبر على دفع الثمن حتى يظهر وجه الحكم، أي: حكم الإجبار، وحكم عدم الإجبار؛ لأن لكل واحد من الحلف وإقامة البينة حكماً من الأحكام، وكان شيخي رحمه الله في قوله:"علفتهما تبناً وماءً بارداً"
(1)
، يقول: يجعل
(2)
العلف في معنى فعل عام، يدخل تحته العلف والسقي، وهو أطعمتها فلا يحتاج حينئذ إلى إدراج، وسقيتها ماءً بارداً؛ إذ الإطعام يستعمل في معنى السقي، كما استعمل الطعم في معنى الشرب في قوله تعالى:
{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}
(3)
أي: ومن لم يشربه
(4)
.
وذكر في الفوائد الظهيرية بعدما ذكر لفظ رواية الجامع الصغير كما ذكرت في لفظ الكتاب فقال: وفي هذا التركيب نظر؛ لأنه جعل أحدهما غاية لنفي الإجبار على الأداء، ونفي الإجبار على الأداء لا ينتهي بإقامة البينة بل يستمر، ثم قال: وأمكن تصحيحه بتقدير الخبر للمذكور ثابتاً، ومعناه: أو يقيم المشتري البينة فيستمر عدم الإجبار، وإنما لم يجبر على الأداء؛ لأن القاضي لا يشتغل بما لا يفيد؛ لأنه لو قضى ربما يحتاج إلى نقض القضاء، وأمكن تحقيق معنى الصيانة بالتلوم والانتظار إلى انكشاف الحال.
(1)
بيت من الشعر لا يعرف قائله، وهو من أبيات الرجز عند العرب، تمامه: حتى شتت همّالة عيناها. تأويل مشكل القرآن (ص: 3)، كتاب الشعر أو شرح الأبيات المشكلة الإعراب (ص: 533)، أمالي ابن الشجري (3/ 82)، المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (5/ 22)، تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر (ص: 465).
(2)
سقط من (ب).
(3)
[البقرة: 249].
(4)
قال الرازي: "قال أهل اللغة: (لم يطعمه) أي: لم يذقه، وهو من الطعم، وهو يقع على الطعام والشراب، هذا ما قاله أهل اللغة، وعندي إنما اختير هذا اللفظ لوجهين من الفائدة: أحدهما: أن الإنسان إذا عطش جداً ثم شرب الماء، وأراد وصف ذلك الماء بالطيب واللذة قال: إن هذا الماء كأنه الجلاب، وكأنه عسل، فيصفه بالطعوم اللذيذة، فقوله: ومن لم يطعمه معناه: أنه -وإن بلغ به العطش إلى حيث يكون ذلك الماء في فمه كالموصوف بهذه الطعوم الطيبة- فإنه يجب عليه الاحتراز عنه، وأن لا يشربه، والثاني: أن من جعل الماء في فمه وتمضمض به ثم أخرجه من الفم، فإنه يصدق عليه أنه ذاقه وطعمه، ولا يصدق عليه أنه شربه، فلو قال: ومن لم يشربه فإنه مني كان المنع مقصوراً على الشرب، أما لما قال: ومن لم يطعمه كان المنع حاصلاً في الشرب وفي المضمضة، ومعلوم أن هذا التكليف أشق، وأن الممنوع من شرب الماء إذا تمضمض به وجد نوع خفة وراحة. تفسير الماتريدي (2/ 227)، مفاتيح الغيب (6/ 510)، تفسير القرطبي (3/ 253).
(حيث أنكر تعين حقه)
أي: أنكر المشتري تعين حقه في المبيع المعيب؛ لأنه يقول: حقي في السليم لا في المعيب، فكان منكراً فلا يجبر.
فإن قيل: الموجب للجبر وهو البيع مع القبض متحقق، وما ادعاه المشتري من العيب موهوم، والموهوم لا يعارض المتحقق
(1)
.
قلنا: وإن كان ما ادعاه المشتري موهوماً لكن يجب على القاضي صيانة قضائه عن البطلان، فإنه لو أجبر المشتري على أداء الثمن، ثم أقام المشتري البينة على ما ادعاه يحتاج القاضي إلى نقض قضائه، وسعيُ الإنسان في نقض ما تم من جهته مردود.
استحلف البائع ودفع الثمن
كلاهما بصيغة المجهول.
(وليس في الدفع كثير ضرر به
(2)
أي: بالمشتري.
(لأنه على حجته)
(3)
لو حضر شهوده كان سبيلاً من إقامة البينة، ورد المبيع على البائع بالعيب بالحجة وهي إقامة البينة، وفي قول: لأنه على حجته [دلالة على أن إقامة البينة من المدعي بعد عين المدعي عليه]
(4)
معتبرة، كذا وجدت بخط شيخي- رحمه الله.
وفي الجامع الصغير للإمام التمرتاشي رحمه الله: فقال في أدب القاضي: قال رجل: "لا بينة لي، فحلف خصمه، ثم أتى ببينة، يقبل في قول أبي حنيفة، وقال محمد: لا يقبل، ولا يحفظ في هذا رواية عن أبي يوسف، وفي جمع النسفي في قبول هذه البينة عن أصحابنا روايتان، ولو قال: ليست لي بينة حاضرة، ثم أتى ببينة، يقبل في الروايات كلها، وفي روضة القضاة
(5)
: بينتي غائبة عن المصر
(6)
لم يحلف عند أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف: يحلف"
(7)
.
وفي الأجناس
(8)
: وكذا لو قال: لي بينتي حاضرة وأحلفه، فإن حلف جيت بالبينة لم يحلف في قول أبي حنيفة رحمه الله خلافاً لأبي يوسف، وإن قال: بينتي غيب فأحلفه،
(1)
"يعني أن الحق متى ثبت بيقين لا يؤخر لحق يتوهم ثبوته؛ لأن التأخير إبطال من وجه، والثابت بيقين لا يجوز إبطاله بالشك". غمز عيون البصائر (3/ 180)، موسوعة القواعد الفقهية (11/ 1150).
(2)
سقط من (ب).
(3)
"لأنه" زيادة في (ب).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(5)
روضة القضاة، وطريق النجاة، مجلد كبير، في فروع الحنفية، لفخر الدين الزيلعي. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 931).
روضة القضاة في آداب القضاء - لأبي القاسم علي ابن أحمد بن محمد السمناني الحنفي المتوفى سنة 499 تسع وتسعين وأربعمائة. إيضاح المكنون (3/ 596).
(6)
ومصر: بلد معروف، وكل بلد عظيم فهو مصر. جمهرة اللغة (2/ 744).
(7)
انظر: شرح فتح القدير (6/ 350).
(8)
"الأجناس" في (ب)، وفي (أ)"الأخراس"، والصحيح ما أثبته من (ب)، وهو من مصنفات أحمد بن محمد بن عمر أبي العباس الناطفي، أحد الفقهاء الكبار، وأحد أصحاب الواقعات والنوازل، ومن تصنيفه: الأجناس والفروق فى مجلد. مات بالري سنة ست وأربعين وأربع مائة رحمه الله تعالى. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 113).
فإن حلف جئت ببينتي؛ يحلف في قولهم.
وفي الجامع الصغير للإمام شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله
(1)
-: وإن قال: شهودي بالشام فأمهلني حتى يجيء شهودي، أو آتيك بكتاب حكمي، لم يلتفت القاضي إلى كلامه، ولكنه يأمره بدفع الثمن إذا حلف البائع بعدما طلب المشتري يمينه، ثم هو على حجته، أو أحضر شهوده؛ لأن السبب الموجب لأداء الثمن على المشتري -وهو البيع
(2)
- معلوم، وما يدعيه المشتري من البائع -وهو العيب- موهوم، والموهوم لا يعارض المعلوم.
(لأنه حجة فيه)
أي: لأن النكول
(3)
حجة في ثبوت العيب، وهذا احتراز عن النكول في الحدود والقصاص بالإجماع
(4)
، وعن النكول في الأشياء الستة على قول أبي حنيفة.
ومن اشترى عبداً، أو ادعى إباقاً أي: كذبه البائع.
[اشترى العبد وادعى الإباق]
لم يحلف البائع
…
إلى آخره
(5)
ثم إنما عين وضع المسألة في الإباق، وكذلك في السرقة والجنون، والعيوب التي لا تشاهد ليبتني عليه مسألة التحليف؛ لأن المشتري إذا ادعى عيباً ظاهراً بالمبيع، وهو مما لا يحدث مثله، كالإصبع الزائدة أو الناقصة، فإن القاضي يقضي بالرد من غير تحليف إذا طلب المشتري؛ لأنا تيقنَّا لوجوده في يد البائع، كذا في الإيضاح
(6)
. وحاصل ذلك ما ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله في الجامع الصغير فقال: "المشتري إذا ادعى بالبيع عيباً فهو على وجوه أربعة:
أحدها: أن يدعي عيباً ظاهراً، كالعمى، والإصبع الزائدة، السن الشاغية
(7)
، أو
باطناً لا يعرفه إلا الأطباء، كوجع الكبد والطحال، أو عيباً يطلع عليه النساء دون الرجال، كالقرن
(8)
والرتق
(9)
، أو يدعي عيباً لا يعرف إلا بالتجربة والإخبار، كالإباق، والسرقة،
(1)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 350).
(2)
"البائع" في (ج).
(3)
سبق ص 248.
(4)
الحاوي الكبير (17/ 142)، المغني لابن قدامة (10/ 212).
(5)
هذا معنى قوله في الهداية: (لم يحلف البائع حتى يقيم المشتري البينة أنه أبق عنده). الهداية (3/ 966).
(6)
المبسوط للسرخسي (18/ 137).
(7)
الشاغية: هي الزائدة على الأسنان، وهي التي تخالف نبتتها نبتة غيرها من الأسنان.
معجم ديوان الأدب (4/ 43)، مختار الصحاح (1/ 66)، لسان العرب (8/ 100).
(8)
القرن في الفرج مانع يمنع من سلوك الذكر فيه، إما غدة غليظة، أو لحمة مرتتقة، أو عظم (وامرأة قرناء) بها ذلك. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 111)، المغرب في ترتيب المعرب (ص: 381)، أنيس الفقهاء (ص: 53).
(9)
الرتق -بفتح التاء-: وَهُوَ انْسِدَادُ الرَّحِمِ بِعَظْمٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمَرْأَةُ الرَّتْقَاءُ الَّتِي لا يَصِلُ إلَيْهَا زَوْجُهَا. وقال في المغرب:"إذا لم يكن لها خرق إلا المبال". طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 46)، المغرب في ترتيب المعرب (ص: 183)، تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 255)، أنيس الفقهاء (ص: 53).
والبول في الفراش، والجنون.
ففي الوجه الأول يسمع القاضي دعوى المشتري، فلا يكلفه إثبات العيب لسماع الدعوى؛ لأنه ثابت عياناً، وإذا سمع دعواه؛ فإن كان
(1)
لا يحدث فيما مضى من الزمان بعد البيع، فإن القاضي يرده على البائع؛ لأن القاضي تيقن بوجود العيب عند البائع فيرده، إلا إذا ادعى البائع
(2)
الرضا أو الإبراء، ويثبت ذلك بالبينة، وإن لم يكن له بينة، يستحلف المشتري على ما ادعى؛ لأنه ادعى عليه معنى لو أقر به يلزمه، فيحلف لرجاء النكول، هذا إذا كان العيب لا يحدث مثله عند المشتري، وإن كان يتصور حدوثه عند المشتري؛ فإن القاضي إذا سمع دعوى المشتري يقول للبائع: هل كان هذا العيب عندك؟ فإن
(3)
قال: نعم، يرده عليه، إلا إذا ادعى الرضا والإبراء، ويكون هذا والوجه الأول سواء، وذكر باقيه في الكتاب، وإن كان العيب باطناً لا يعرفه إلا الأطباء، كوجع الكبد والطحال، ونحو ذلك، وإن كان البائع مقرًّا بقيام العيب للحال بقول القاضي للبائع: هل كان هذا العيب عندك؟ فإن قال: نعم، أو أنكر فاستحلف فنكل، أو أقام المشتري ببينة على أنه كان عنده رد عليه، إلا إذا ادعى الرضا أو الإبراء، وإن أنكر البائع قيام العيب للحال يريه أهل العلم بذلك، وإن أخبر بذلك رجل واحد يثبت العيب في حق سماع الدعوى، وتوجه اليمين على البائع، لا في حق الرد، فيقول القاضي للبائع: هل كان هذا العيب عندك؟ فإن قال: نعم، أو أقام المشتري ببينة قضى عليه بالرد، وإن لم يكن ببينة يستحلف البائع، إلا أن يدعي الرضا أو الإبراء. وإن ثبت العيب بشهادة عدلين مسلمين، وإن كان قبل القبض يرد على البائع، وكذا إذا كان بعد القبض؛ لأنه لا يحتمل الحدوث عند المشتري؛ لأن العيب يثبت بما هو حجة فيرد، وإن كان يحتمل الحدوث عند المشتري وأنكر البائع أن يكون عنده يحلف البائع، وإن حلف انقطعت الخصومة، وإن نكل رد عليه، وإن كان عيباً لا يطلع عليه الرجال فإن
(4)
القاضي يريه النساء، والواحدة تكفي والثنتان أحوط، وإن قلن: بها هذا العيب للحال يثبت العيب في حق توجه الخصومة.
ثم المسألة على وجهين: إن كان بعد القبض لا يرد بشهادة النساء بالاتفاق
(5)
، لكن يحلف البائع، وإن حلف لا يرد، وإن نكل يرد عليه بنكوله، وإن كان قبل القبض "ذكر الخصاف أنه على قول أبي يوسف من غير يمين البائع، وقال محمد: لا يرد حتى يحلف البائع "
(6)
.
(1)
"عيباً" زيادة في (ب).
(2)
سقط من (ب).
(3)
"فإن " في (ب).
(4)
"فإن" في (ب).
(5)
المحيط البرهاني (6/ 574)، البحر الرائق (6/ 66).
(6)
ينظر: المحيط البرهاني (6/ 575).
وأما الوجه الرابع هو: الإباق والسرقة والبول في الفراش والجنون، فالقاضي لا يسمع دعوى المشتري حتى يثبت وجود هذه العيوب عند المشتري، إلا أن الإباق والسرقة والبول في الفراش يعتبر مع ذلك اتحاد الحالة لصحة الدعوى، وفي الجنون لا يشترط اتحاد الحالة لما ذكرنا، فإن أقام المشتري بينة أنه أبق عنده، أو جنَّ، أو سرق، أو بال، سمع دعواه، ويقول القاضي للبائع: هل كان كذا -هذا العيب- عندك في الحالة التي كانت عند المشتري؟؛ إن قال: نعم، رده عليه، إلا إذا ادعى الرضا أو الإبراء، وإن أنكر أن يكون عنده، أو ادعى الاختلاف في الحالة في الإباق والبول في الفراش والسرقة، يقول القاضي للمشتري: ألك بينة؟، فإن أقامها عليه، رده عليه، إلا إذا ادعى الرضا أو الإبراء، وإن لم يكن له بينة على ذلك يستحلف البائع على البتات لما ذكرنا.
حتى يقم المشتري بالبينة أنه أبق عنده أي
(1)
: عند المشتري.
(والمراد التحليف على أنه لم يأبق عنده)
أي: عند البائع، واعلم بأنه قيام العيب في الحال شرط لاستماع الخصومة.
فإن قيل: أي فرق بين هذا وبين الدَّين، فإن من ادعى على آخر ديناً وأنكر المدعى عليه قيام الدين فالقاضي يأمر المدعي عليه بالجواب/ وإن لم يثبت قيام الدين في الحال، وكما أن السلامة عن العيب أصل، والعيب عارض، فكذلك سلامة الذمم عن الدين أصل والشغل
(2)
عارض
(3)
.
قلنا: "الفرق بينهما هو أن قيام الدين في الحال، لو كان شرطاً لاستماع الخصومة لا يتوسل
(4)
المدعى إلى إحياء حقه عسى؛ لأنه ربما لا يكون له بينة أصلاً، أو كانت له بينة لكنه لا يقدر على إقامتها، إما لموتهم، أو لغيبتهم، وأما في دعوى العيب لو شرطنا قيام العيب للحال لاستماع الخصومة يتوسل المشتري إلى إحياء حقه؛ لأن العيب إذا كان مما يعاين ويشاهد أمكن إثباته بالتعرف عن آثاره، وإن لم يعرف بالآثار أمكن التعرف عنه بالرجوع إلى الأطباء والقوابل
(5)
" كذا في الفوائد الظهيرية
(6)
.
(1)
"أو" في (ب).
(2)
"والعيب" في (ب).
(3)
هذه الجملة تندرج تحت قاعدة "الأصل براءة الذمة" وهي مأخوذة من الحديث الشريف وهو قوله صلى الله عليه وسلم «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه» . قال ابن نجيم: "ولذا لم يقبل في شغلها شاهد واحد.؛ ولذا كان القول قول المدعى عليه لموافقته الأصل، والبينة على المدعي لدعوة ما خالف الأصل". الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 50)، موسوعة القواعد الفقهية (1/ 2/ 108).
(4)
"يتوصل" في (ب).
(5)
القوابل جمع قابلة، وهي التي تتلقى الوالد عند ولادة المرأة، يقال: قبلت القابلة الولد -بكسر الباء- تقبله -بفتحها- قبالة -بكسر القاف-. قال الجوهري: ويقال للقابلة أيضاً: قبيل وقبول. تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 245).
(6)
العناية شرح الهداية (6/ 381).
(ومعرفته)
أي: معرفة قيام العيب.
(إن شاء حلفه بالله ما له حق الرد عليك)
أي: ليس للمشتري حق الرد عليك أيها البائع،
(أو بالله ما أبق عندك قط)
أي: عندك أيها البائع، كان من حق الحلف أن يقول: بالله ما أبق عندي قط، لكن القاضي يخاطب البائع بهذا، والبائع عند الحلف أن
(1)
يقول: ما آبقٌ عندي قط.
فإن قيل: في دعوى الإباق والسرقة ينبغي
(2)
أن يحلف على العلم دون البتات؛ لأنه تحليف على فعل الغير، فإن المراد به سرقة العبد وإباقه، والعبد غير البائع.
قلنا: له من وجهين:
أحدهما: ما قاله شمس الأئمة الحلواني: قولنا: "التحليف على فعل الغير يكون على العلم يطرد في جميع المسائل، إلا في دعوى الإباق والسرقة، وإنما يحلف على البتات؛ لأن البائع ضمن تسليم المبيع سليماً، فالاستحلاف يرجع إلى ما ضمن بنفسه فلذلك يحلَّف على البتات"
(3)
.
والثاني: أن التحليف على فعل الغير إنما يكون على العلم إذا ادعى الذي يحلف أنه لا علم له بذلك، أما إذا ادعى أن لي علماً بذلك، فيحلف على البتات، ألا ترى أن المودع إذا قال: قبض المودع الوديعة، فالقول قول المودع، ويحلف على البتات؛ لادعائه العلم بذلك، وإن كان القبض فعل المودع. كذا في الفوائد الظهيرية
(4)
.
وذكر في الجامع الصغير لشمس الأئمة السرخسي رحمه الله: "ويستحلف البائع على البتات؛ لأنه استحلاف
(5)
على فعل نفسه، وهو تسليم المعقود عليه سليماً، كما التزمه".
قوله: (لأن فيه ترك النظر للمشتري)
أي: في هذا المذكور، وهو قوله:
(بالله: لقد باعه وما به هذا العيب)
وقوله:
(بالله لقد باعه وسلمه وما به هذا العيب الأول)
وهو قوله: بالله لقد باعه وما به هذا العيب.
(ذهول عنه)
أي: غفلة عنه، يقال: ذهلت عن الشيء -بالكسر- ذهولاً غفلت.
والثاني: وهو قوله: بالله لقد باعه وسلمه وما به هذا العيب، وهو يتعلق بالشرطين، وهما: العيب حالة البيع، وحالة التسليم، وكأن تأويل البائع وغرضه من هذه اليمين عدم وجود العيب في الحالتين جميعاً، فإذا وجد في حاله التسليم بعد البيع كان بارًّا في يمينه؛ لأن الكل ينتفي بانتفاء الجزء، فيتضرر به المشتري حينئذ، وإنما قال: يوهم، إشارة إلى أن تأويل البائع ذلك في يمينه هذه ليس بصحيح، ولكن يوقعه في وهم الصحة؛ للوجه الذي ذكرنا، وهو أن ينتفي بانتفاء الجزء، أو
(6)
نقول: إن قوله: وما به هذا العيب، الواو فيه للحال فيوهم أنه يتأول أنه حال أحدهما لا حالهما، وإنما قلنا: إن تأويله ذلك ليس بصحيح لما ذكر في المبسوط هذه المسألة فقال: "وإن لم يكن للمشتري بينة يحلف البائع البتة بالله: لقد باعه وسلمه وما به هذا العيب، وإنما
(7)
يذكر التسليم لجواز أن يكون العيب حدث بعد العقد قبل التسليم، إلا أنهم قالوا: النظر للمشتري ينعدم إذا ما استحلفه بهذه الصفة، فإن العيب لو كان حادثاً بعد العقد قبل التسليم كان للمشتري حق الرد، والبائع بار في يمينه، فإن العيب لم يكن موجوداً عند العقد، فالأحوط أن يحلفه بالله لقد سلمه بحكم هذا العقد إليه، ولم يكن به هذا العيب.
(1)
سقط من (ب).
(2)
"يعي" في (ب).
(3)
المحيط البرهاني (8/ 162 - 163).
(4)
ينظر: البناية شرح الهداية (9/ 350).
(5)
"استحلف" في (ب).
(6)
"و" في (ب).
(7)
"ولم" في (ب).
ثم قال: قال الشيخ رحمه الله: عندي الأول أصح؛ لأن البائع ينفي العيب عند البيع وعند التسليم، فلا يكون بارًّا في يمينه إذا لم يكن العيب منتفياً في الحالتين جميعاً"
(1)
.
(على قيام العيب عنده)
أي: عند نفسه، وهو المشتري.
(ما نعلم أنه آبق عنده)
[صحة التحليف على إقامة البينة وصحة الدعوى]
أي: عند المشتري، وإنما يحلف البائع ههنا بالعلم؛ لأنه يحلف على فعل غيره بعد وجود التسليم، ثم إذا استحلف القاضي البائعَ عندهما في هذه الصورة، فنَكَلَ، يحلف البائع مرة أخرى على البتات في الجنون: بالله لقد باعه وقبض المشتري وما جن قبل ذلك قط. وفيما سوى الجنون يحلف بالله: لقد باعه وقبضه المشتري وما أبق وما سرق
(2)
وما بال منذ بلغ مبلغ
(3)
الرجال؛ لما ذكرنا في الفرق. كذا ذكره فخر الإسلام وقاضي خان رحمهما الله
(4)
-.
(لهما
(5)
أن الدعوى معتبرة)
إلى أن قال:/ (فكذا يترتب التحليف)
(6)
أي: صحة التحليف يترتب على إقامة البينة، فإن في كل موضع يصح إقامة البينة
يصح التحليف
(7)
، وههنا يصح إقامة البينة من المشتري بالاتفاق فيصح التحليف؛ ولأن المشتري ادعى على البائع معنى لو أقر به يلزمه، فإذا أنكر يستحلف على العلم؛ لأنه استحلاف على فعل الغير.
(1)
المبسوط للسرخسي (13/ 110).
(2)
سقط من (ب).
(3)
سقط من (ج).
(4)
قال في المحيط: "وهذا بناءً على ما قلنا: إن الجنون لا يختلف باختلاف الحالة وما عداه من السرقة والإباق والبول في الفراش يختلف باختلاف الحالة، واتحاد العيب شرط ثبوت حق الرد". المحيط البرهاني (6/ 578).
(5)
المبسوط للسرخسي (13/ 111).
(6)
قال في الهداية: "واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة رحمه الله لهما أن الدعوى معتبرة حتى يترتب عليها البينة، فكذا يترتب التحليف". في شرح بداية المبتدي (3/ 967).
(7)
كلّ ما يترتّب عليه البيِّنة يترتّب عليه التّحليف، سوى بيِّنة أقيمت لإثبات الخصومة.
المراد بالبيِّنة: الإشهاد، ويكون من طرف المدَّعي.
والتّحليف: هو توجيه اليمين على المدعى عليه، عند عدم بيّنة المدَّعي.
فمفاد القاعدة: أنّ الدّعوى إذا قبلت البيّنة لإثباتها، يقبل فيها أيضاً تحليف المدّعى عليه عند عدم بيّنة المدَّعِي. ولكن خرج عن ذلك صورة: وهي: إذا أقام المدّعي دعوى لإثبات الخصومة، ولا بيِّنة عنده، وطلب تحليف المدّعى عليه فلا يمكن ذلك؛ لأنّ اليمين لا تكون إلا في دعوى صحيحة، وإثبات الخصومة ليس دعوى صحيحة. موسوعة القواعد الفقهية (8/ 576).
(وله: على ما قاله البعض أن الحلف يترتب على الدعوى الصحيحة إلى آخره)
(1)
ففي هذا إشارة إلى أنه لا يشترط لترتيب البينة على الدعوى أن تكون الدعوى صحيحة، بل تقوم البينة فيما لا دعوى فيه أصلاً، كما في الحدود، فأولى أن تقوم عند فوات صحتها، وإذا كان كذلك لم يلزم من صحة
(2)
ترتيب البينة على مثل هذه الدعوى -التي هي فاسدة- أن يلزم صحة ترتيب التحليف عليها؛ لأنه يجوز أن يقبل البينة في موضع ولا يقبل التحليف، ألا ترى أن الوكيل والوصي يعتبر إقامة بينتهما على الوكالة والوصاية، ولا يستحلف منكر الوكالة والوصاية، وكذلك في باب الحدود.
وإنما قلنا: إن الدعوى ليست بصحيحة؛ لأن الدعوى إنما تصح ممن هو خصم للمدعى عليه [ولا يصير المدعي -وهو المشتري ههنا- خصماً للمدعى عليه]
(3)
-وهو البائع- إلا بعد إثبات العيب بالحجة الشرعية على أنه موجود في الحال، ولم يقدر على إثباته، بل عجز عن إقامة البينة [على قيام العيب في المبيع في الحال، فلا يكون خصماً، ثم الفرق من إقامة البينة]
(4)
والتحليف حيث لم يشترط صحة الدعوى في البينة، واشترطت في التحليف هو أن التحليف شرع
(5)
لقطع الخصومة فكان مقتضياً سابقة
(6)
الخصم، ولن يكون المشتري خصماً للبائع هنا إلا بعد إثبات قيام العيب في يد المشتري، ولم يثبت ذلك، فلا يكون خصماً، فلم يشرع التحليف لانتفاء موجبه، وهو قطع الخصومة، وأما البينة فمشروعة لإثبات كونه خصماً، فيكون أبداً من غير خصم
(7)
، ألا ترى أن الرجل يقيم البينة على أنه وارث فلان أو وكيل فلان فإنه يصح، فبالوراثة
(8)
والوكالة تثبت الخصومة بينهما، لدعوى كل واحد منهما خلاف ما
(9)
يدعيه الآخر.
(1)
قال في الهداية: "وله على ما قاله البعض أن الحلف يترتب على دعوى صحيحة، وليست تصح إلا من خصم، ولا يصير خصماً فيه إلا بعد قيام العيب. وإذا نكل عن اليمين عندهما يحلف ثانياً للرد على الوجه الذي قدمناه. قال رضي الله عنه: إذا كانت الدعوى في إباق الكبير يحلف ما أبق منذ بلغ مبلغ الرجال؛ لأن الإباق في الصغر لا يوجب رده بعد البلوغ". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 967).
(2)
"حجة" في (ب).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(5)
"شرط" في (ب).
(6)
"مسابقة" في (ب).
(7)
سقط من (ب).
(8)
سقط من (ب).
(9)
سقط من (ب).
(على الوجه الذي قدمنا)
أي: من صفة التحليف بأنه يحلف على البتات، يحلف ما أبق منذ بلغ مبلغ الرجال؛ لأنه لو حُلّف مطلقاً كان فيه ترك النظر في حق البائع؛ لأنه إذا أبق في يد المشتري بعد البلوغ، وقد كان أبق في يد البائع في حالة الصغر، ومثل هذا الإباق غير موجب للرد لما ذكرنا، فيمتنع البائع عن الحلف بأنه لم يأبق حذاراً من اليمين الكاذبة، فيقضى عليه برد العبد، بسبب نكوله عن اليمين، مع أنه ليس للمشتري ولاية الرد في هذا، فيتضرر البائع، فيكون القول للقابض، كما في الغصب فهذا أحق، ولأن المنازعة بينهما في مقدار المقبوض، فالمشتري ينكر الزيادة، ثم البيع انفسخ في المردود بالرد
(1)
، وذلك مسقط للثمن من المشتري، والبائع يدعي لنفسه بعض الثمن عليه بعدما ظهر سبب المسقط، والمشتري منكر لذلك، فالقول قوله
(2)
مع يمينه.
وكذا إذا اتفقا على مقدار المبيع واختلفا في المقبوض أي: في مقدار المقبوض بأن كان المبيع جاريتين ثم اختلفا، فقال البائع للمشتري: قبضتهما، وقال المشتري: ما قبضت إلا أحدهما، فالقول قول المشتري
(3)
هناك، فهنا أولى؛ لأن كون المبيع شيئين كان أمارة ظاهرة في أن المقبوض أيضاً شيئان؛ لأن العقد عليهما سبب مطلق لقبضهما، ومع ذلك كان القول قول القابض هنا
(4)
أولى.
(لما بينا) إشارة إلى أنه إذا وقع الاختلاف في مقدارات
(5)
المقبوض كان القول قول القابض؛ لأنه أعرف بما قبضه.
(لأن الصفقة تتم بقبضهما)
(6)
[الخلاف في مقدار المقبوض]
أي: البيع اللازم، وهو الذي لا خيار فيه، إنما يتم بقبض المبيع؛ لما أن تصرف المشتري بالمبيع
(7)
قبل القبض لا يصح، فكانت الصفقة غير تامة قبل القبض، وإنما قلنا: إن معنى الصفقة هذا استدلالاً بما ذكر في الإيضاح، وقال فيه: وتفسير الصفقة هو العقد الذي تناهى في حق موجبه. قال عمر رضي الله عنه: "البيع صفقة أو خيار"
(8)
معناه: إما أن يكون متناهياً في اللزوم، أو ينفي اللزوم بشرط الخيار
(9)
.
(1)
سقط من (ب).
(2)
أي: المشتري.
(3)
قال في الهداية: "ومن اشترى جارية وتقابضا فوجد بها عيباً فقال البائع: بعتك هذه وأخرى معها، وقال المشتري: بعتنيها وحدها، فالقول قول المشتري" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 967).
(4)
"هناك فههنا" في هامش (أ)، و"هناك" ليست في (ب).
(5)
"مقدار" في (ب).
(6)
قال: "ومن اشترى عبدين صفقة واحدة فقبض أحدهما ووجد بالآخر عيباً فإنه يأخذهما أو يدعهما؛ لأن الصفقة تتم بقبضهما، فيكون تفريقها قبل التمام، وقد ذكرناه، وهذا؛ لأن القبض له شبه بالعقد، فالتفريق فيه كالتفريق في العقد، ولو وجد بالمقبوض عيباً اختلفوا فيه. ويروى عن أبي يوسف رحمه الله أنه يرده خاصة، والأصح أنه يأخذهما أو يردهما؛ لأن تمام الصفقة تعلق بقبض المبيع، وهو اسم للكل" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 967)
(7)
"البيع" في (ج).
(8)
سبق تخريجه ص 231.
(9)
"قوله: وقد ذكرنا إشارة إلى قوله قبيل باب خيار العيب: لأن الصفقة تتم مع خيار العيب بعد القبض وإن كان لا تتم قبله". زيادة في (ب).
وهذا لأن القبض له شبه بالعقد لوجهين:
أحدهما: أن القبض مثبت ملك التصرف، وملك اليد، كما أن العقد مثبت ملك الرقبة، والغرض من ملك الرقبة ملك التصرف، وملك اليد
(1)
.
والثاني: أن القبض مؤكد لما أثبته العقد، ألا ترى أن شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا
(2)
يضمون المهر؛ لأن نصف المهر كان على شرف الزوال تمكينها
(3)
ابن الزوج
(4)
، فالشهود أكدوا نصف المهر، فصار وكأنهم ألزموا نصف المهر على الزوج. وحكم الشبه
(5)
حكم ذلك الشيء عن
(6)
وجه، ألا ترى العبادة على النار حرام، ولو صلى متوجهاً/ إلى نار مكروه، وكذلك الصلاة بقرب النجاسة مكروه
(7)
.
(وصار كحبس
(8)
المبيع
(9)
لما تعلق زواله)
أي: زوال الجنس في المبيع تعلق بقبض كل الثمن لا ببعضه، فكذا هنا لما تعلق تمام الصفقة بالقبض وجب أن يتعلق بقبض الكل لا ببعضه اعتباراً لجانب المبيع
(10)
بجانب الثمن.
(ولو قبضهما ثم وجد بأحدهما عيباً، يرده خاصة)
"قيل: هذا في شيئين يمكن إفراد أحدهما بالانتفاع كالعبدين، أما إذا لم يمكن كزوجي الخف ومصراعي الباب، فإنه يردهما أو يمسكهما، حتى قال مشائخنا: إذا اشترى زوجي ثور وقبضهما، ثم وجد بأحدهما عيباً وقد ألف أحدهما بالآخر، بحيث لا يعمل بدونه؛ لا يملك رد المعيب خاصة"
(11)
، ثم في الشيئين الذين يمكن إفراد أحدهما بالانتفاع لو قال المشتري: أنا أمسك المعيب وآخذ النقصان، ليس له ذلك؛ لأنه إذا رضي بهذا المعيب فات حقه في صفة السلامة، فلم يكن له أن يطالبه بالنقصان. والاستحقاق بمنْزلة العيب قبل القبض وبعده، كذا في الإيضاح والفوائد الظهيرية
(12)
.
(ولا يعرى
(13)
عن ضرر)
أي: البائع لا يعرى عن ضرر عند التفريق، وإن كان بعد القبض؛ لأن العادة جرت بضم الجيد إلى الرديء، وهذا لا يتفاوت بما بعد القبض أو قبل القبض.
(1)
تبيين الحقائق (4/ 41).
(2)
"جمعوا" في (ج).
(3)
"لتمكيننها" في (ب).
(4)
"زوجها" في (ب).
(5)
"الشبيه" في (ب).
(6)
"من" في (ب).
(7)
ينظر: فتح القدير (6/ 355).
(8)
سقط من (ج).
(9)
سقط من (ب).
(10)
سقطتا من (ب).
(11)
ينظر: العناية شرح الهداية (6/ 388).
(12)
ينظر: فتح القدير (6/ 356).
(13)
العراء: كل شيء أعريته من سترته، تقول: استره من العراء، ولا يعرى من الموت أحد، أي: لا يخلص. العين (2/ 234).
[عادة ضم الجيد إلى الرديء]
قلنا: إنَّ تضرر البائع إنما جاء من قبل تدليسه، فلا يعتبر في حق المشتري، وهذه النكتة يقتضي أن يتمكن من رد المعيب قبل قبضهما أيضاً، لكن لو قلنا [به فيما قبل القبض يلزم تفريق الصفقة قبل التمام، فلا يجوز ذلك، كما في خيار الشرط والرؤية؛ لأن الصفقة فيهما غير تام،]
(1)
وإن اقترن القبض بهما. وأما في خيار العيب فإن الصفقة تتم بالقبض [لوجود تمام الرضا من المشتري عند صفة السلامة، كما أوجده العقد، بخلاف خيار الشرط والرؤية، فلما تمت الصفقة بالقبض]
(2)
في خيار العيب لم يكن بالتفريق بأس بعد القبض؛ لأن ذلك تصرف من المشتري ابتداء في ملكه، ولما كان كذلك تعلق جواز التفريق بقبض المبيع، وعدم الجواز بعدم قبض المبيع.
وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: "إن وجد العيب بالمقبوض اعتبر الآخر مقبوضاً حتى كان له أن يرد المعيب خاصة، وإن وجد العيب بغير المقبوض اعتبر الآخر غير مقبوض حتى لا يرد المعيب خاصة؛ لأن الوجهين تعارض موجب
(3)
العمل بهما"
(4)
، والصحيح جواب الكتاب
(5)
وهو إطلاق قوله: فإنه يأخذهما أو يدعهما؛ لأنهما لما تعارضا بقي على ما كان، وهو عدم ولاية الرد، إلى هذا أشار شمس الأئمة
(6)
وفخر الإسلام
(7)
رحمهما الله - على ما مر إشارة إلى ما ذكر في خيار الرؤية بقوله: لأن الصفقة لا تتم مع خيار الرؤية قبل القبض وبعده، وما ذكر بعده بخطوط، بخلاف خيار العيب؛ لأن الصفقة تتم مع خيار العيب بعد القبض، وإن كانت لا تتم قبله؛ وذلك لأن الصفقة تتم بالرضى، والرضى يتم بالعلم، والعلم يثبت بالرؤية، وقبل الرؤية لا علم له، فلا تكون له رضاً، فلا تتم الصفقة بدون الرضى، علم أن خيار الرؤية مانع تمام الصفقة. [وأما خيار العيب لا يمنع تمام الصفقة]
(8)
؛ لوجود تمام الرضا من المشتري عند القبض عند صفة السلامة، كما أوجبه العقد، والأصل صفة السلامة، فكانت الصفقة
(9)
تامة بظاهر العقد
(10)
.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(3)
"فوجد" في (ب).
(4)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 287).
(5)
قال في الهداية: "ومن اشترى عبدين صفقة واحدة فقبض أحدهما ووجد بالآخر عيباً فإنه يأخذهما أو يدعهما". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 967).
(6)
إذا أطلق اللفظ فيقصد به السرخسي.
(7)
عند الإطلاق يراد به علي بن الحسين البزدوي، وقد سبق ترجمته ص 118. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 380).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(9)
سقطتا من (ب).
(10)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 596).
(ولهذا لو استحق أحدهما)
أي: بعد قبضهما.
(ليس له أن يرد الآخر)
أي: ليس للمشتري أن يرد الآخر، بل يلزم العقد على المشتري في الآخر، وبهذا يستدل على أن تفريق الصفقة بعد القبض جائز، وإن كان لا يجوز قبل القبض
(1)
في صورة الاستحقاق، فيجب أن يكون في خيار العيب كذلك، وهو أن لا يجوز قبل القبض، ويجوز بعد القبض، ولكن هذا الذي ذكره في الاستحقاق بأنه يلزم العقد في الآخر، ولا يبقى له ولاية رد الآخر بعد القبض فيما لا يضره التبعيض كالعبدين، فاستحق أحدهما، وأما إذا كان يضره التبعيض كالعبد الواحد، أو كالثوب الواحد فاستحق بعض العبد أو بعض الثوب، فله أن يرد الآخر، وهو قوله في الكتاب بعد هذا مخطوط بقوله: وإن كان ثوباً فله الخيار، ومراده بعد القبض إنما قيد بهذا؛ لأنه إذا كان قبل القبض لا يتفاوت الحكم من المكيل والموزون وبين سائر الأعيان من العبيد والثياب، في أنه لا يجوز تفريق الصفقة برد المعيب خاصة، بل عدم جواز التفريق شامل في الكل، سواء كان في خيار العيب أو في خيار الاستحقاق، وسواء كان في العبيد والثياب، أو في المكيل والموزون، [وأما إذا كان بعد القبض فيجوز التفريق فيما عدا المكيل والموزون]
(2)
، وأما المكيل
(3)
والموزون فلا يجوز التفريق بعد القبض فيهما، خاصة إذا كان في وعاء واحد، على ما هو اختيار المشائخ، كما لا يجوز قبل القبض/ فيهما وفي سائر الأعيان.
وقيل: هذا إذا كان في وعاء واحد. "وبعض المتأخرين يقولون: هذا إذا كان الكل في وعاء واحد، فأما إذا كان في وعائين فوجد ما في أحد الوعائين معيباً، فله أن يرد ذلك بالعيب
(4)
إن شاء، بمنْزلة الثوبين والجنسين، كالحنطة والشعير؛ لأنه يرده على الوجه الذي خرج منه ضمان البائع، والأظهر في الجنس الواحد بصفة واحدة أنه كشيء واحد، سواء كان في وعاء واحد أو في وعائين، فأما أن يرد الكل أو يمسك الكل" كذا في المبسوط
(5)
.
(لأن المكيل إذا كان من جنس واحد)
كالحنطة مثلاً، هذا إصدار عما إذا كان المكيل من جنسين، كالحنطة والشعير، فإن هناك لا يكونان كشيء واحد حتى جاز للمشتري أن يرد المعيب هناك خاصة.
(فهو كشيء واحد)
كالثوب والدار والعبد، ففي الشيء الواحد إذا وجد ببعضه عيباً ليس له إلا رد الكل أو إمساك الكل؛ لأنه لو رد الجزء المعيب في الشيء الواحد
(6)
كان شركة بين البائع والمشتري في ذلك العين، والشركة في الأعيان المجتمعة عيب، فلو رد المعيب خاصة يرده بعيب زائد، وليس له ذلك، ولو تعيب المبيع عند المشتري بعيب لم يبق له ولاية الرد فكذا هنا.
(1)
"ويجوز بعد القبض، ولكن هذا الذي ذكره في" زيادة في (ب).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(3)
"في "زيادة في (ب).
(4)
" المعيب" في (ب).
(5)
المبسوط (13/ 90).
(6)
"إذا وجد ببعضه عيبا ليس" زيادة في (ج).
فإن قيل: يشكل بالعبدين له أن يرد أحدهما بعد القبض فما الفرق بينهما؟.
قلنا: هما مميزان حقيقة، فلا يكون التميز فيهما موجباً زيادة العيب؛ لأن مالية السليم لا تكون ثابتة في حق المعيب؛ لأنه منفصل عن السليم، فتميز المعيب لا يوجب زيادة عيب في المعيب، وتوضيحه أن المكيل والموزون كشيء واحد من حيث التقدير، وإن كان أشياء من حيث التحقيق؛ لأن المالية والتقوم في المكيلات والموزونات باعتبار الاجتماع؛ لأن الحبة بانفرادها ليست لها صفة التقوم حتى لا يجوز بيعها، فإذا كان كذلك كان الكل كشيء واحد، ولهذا جعل رؤية البعض كرؤية الكل، كالثوب الواحد، بخلاف العبدين والثوبين؛ لأن كل واحد منهما بصفة الانفراد.
فإن قيل: لو كان المكيل والموزون كشيء واحد في الحكم، كان يجب أن يقال: إذا استحق البعض بعد القبض يكون له حق رد الباقي كما في الثوب الواحد والعبد الواحد، وليس كذلك بالإجماع.
قلنا: في استحقاق البعض بعد القبض عن أبي حنيفة رحمه الله روايتان، فعلى إحدى الروايتين السؤال ساقط، وعلى الرواية الأخرى يقول في الاستحقاق: تعتبره شيئاً واحداً أيضاً كما في العيب، إلا أن استحقاق بعض المكيل والموزون لا يوجب عيباً فيما استحق، ولا
(1)
فيما لم يستحق
(2)
في المالية وغير المستحق سواء، فلا يزول بسبب الاستحقاق شيء من المالية في الباقي حتى يكون عيباً، وكذلك لا يوجب نقصاناً في الانتفاع بالباقي؛ لأنهما يقتسمان، بخلاف ما لو وجد بالبعض عيباً وميزه ليرده؛ لأن تميز المعيب من غير المعيب يوجب زيادة عيب، كذا في الجامع الصغير البرهاني
(3)
والفوائد الظهيرية
(4)
.
ولو استحق بعضه أي: لو استحق بعض الشيء الذي اشتراه مما يكال ويوزن وقبضه.
فلا خيار له في رد ما بقي بل يلزم العقد على المشتري في الباقي، ففي هذا افتراق
(5)
حكم الاستحقاق مع حكم العيب؛ لأنه ذكر قبله.
ومن اشترى شيئاً مما يكال أو يوزن، فوجد ببعضه عيباً: رده كله وأخذه
(6)
(1)
سقط من (ب).
(2)
"لأن المستحق" زيادة في (ب).
(3)
الجامع الصغير البرهاني هو شرح للجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني، أحد كتبه التي تسمى بكتب ظاهر الرواية، شرحه صاحب المحيط برهان الدين، وبعد البحث تبين أنه لا زال مخطوطاً. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 449).
(4)
ينظر: العناية شرح الهداية (6/ 389).
(5)
"افترق" في (ب).
(6)
هذه العبارة متأخرة عن الجمل التي قبلها ففي الهداية قال: "ومن اشترى شيئاً مما يكال أو يوزن فوجد ببعضه عيبا رده كله أو أخذه كله، ومراده بعد القبض؛ لأن المكيل إذا كان من جنس واحد فهو كشيء واحد؛ ألا يرى أنه يسمى باسم واحد، وهو الكر ونحوه. وقيل: هذا إذا كان في وعاء واحد، فإذا كان في وعاءين فهو بمنْزلة عبدين حتى يرد الوعاء الذي وجد فيه العيب دون الآخر. ولو استحق بعضه فلا خيار له في رد ما بقي؛ لأنه لا يضره التبعيض، والاستحقاق لا يمنع تمام الصفقة؛ لأن تمامها برضا العاقد لا برضا المالك، وهذا إذا كان بعد القبض، أما لو كان قبل القبض فله أن يرد ما بقي؛ لتفرق الصفقة قبل التمام". قال: "وإن كان ثوباً فله الخيار؛ لأن التشقيص فيه عيب، وقد كان وقت البيع حيث ظهر الاستحقاق، بخلاف المكيل والموزون" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 968).
[العيب فيما يكال ويوزن]
ومراده بعد القبض حيث لم يلزم العقد على المشترى في غير المعيب إذا كان المشترى مما يكال أو يوزن، وفي فصل بعض
(1)
الاستحقاق ألزم العقد على المشتري في غير المستحق، وحصل من هذا أن حكم العيب مع حكم الاستحقاق يستويان فيما قبل القبض في جميع الصور، سواء كان المشتري يكال أو يوزن أو غيرهما، ويستويان أيضاً فيما بعد القبض في غير المكيل والموزون؛ لأنه ذكر في العبدين، ولهذا لو استحق أحدهما ليس له أن يرد الآخر، ويفترقان في المكيل والموزون إذا كان بعد القبض، وهو قوله: ولو استحق بعضه فلا خيار له.
وإن كان ثوباً فله الخيار
أي: إذا كان المشترى ثوباً وقد قبضه المشتري ثم استحق مستحق بعض الثوب، فللمشتري الخيار في رد ما بقي، وإنما قيدنا بقوله
(2)
: وقد قبضه المشتري؛ لأنه لو ظهر الاستحقاق قبل القبض كان الثوب وغيره سواءً في ثبوت الخيار له في رد ما بقي، فلا يكون حينئذ لتخصيص الثوب فائدة، وأما إذا كان بعد قبض المبيع ففي المكيل والموزون لا يكون له الخيار في رد ما بقي، وفي الثوب يكون، وكذلك قيدنا باستحقاق بعض الثوب؛ لأن هذه المسألة مبنية على قوله: ولو استحق بعضه؛ ولأنه لو استحق الكل لا يبقى البيع
(3)
وهو ظاهر، وأما استحقاق البعض فله الخيار؛/ لأن الشركة في الأعيان المجتمعة عيب، والمشتري لم يرض بهذا العيب؛ فكان له رد ما بقي
(4)
.
(وقد كان وقت البيع)
أي: التشقيص.
(كان وقت البيع حيث ظهر الاستحقاق)
أي: إن عيب الشركة في ذلك الثوب لم يحدث في يد المشتري، بل كان في يد البائع حيث ظهر الاستحقاق، فلذلك كان للمشتري أن يرده.
(لأن ذلك دليل قصده الاستيفاء
(5)
أي: الاستيفاء في ملكه؛ وذلك لأن المداواة لإزالة العيب وقيام العيب لا يمنع الرد، بل هو شرط التمكن من الرد، فكانت المداواة دليل الإمساك، ودليل الرضا بالعيب، إذ الإمساك مع الرد لا يجتمعان، فلما وجد دليل الإمساك انتفى دليل الرد ضرورة
(6)
.
(1)
سقط من (ب).
(2)
" بقولنا " في (ب).
(3)
"المبيع" في (ب).
(4)
ينظر: تبيين الحقائق (4/ 29).
(5)
سبق ص 227.
(6)
قال الكاساني: "لو كان المبيع أشياء فوجد بالكل عيباً فأراد رد البعض دون البعض أن المردود إن كان مما لو كان العيب به وحده لكان له رده وحده كالعبدين والثوبين - فله ذلك؛ لأنه إذا أمسك البعض فقد رضي بعينه، فبطل حق الرد فيه؛ لأنه تبين أن صفة السلامة لم تكن مشروطة ولا مستحقة بالعقد فيه، فصار كأنه كان صحيحاً في الأصل، ووجد بالآخر عيباً، فيرده، وإن كان المردود مما لو كان العيب به وحده لكان لا يرده، كالخفين والنعلين ونحوهما، ليس له ذلك لما ذكرنا أن التفريق بينهما تعييب". بدائع الصنائع (5/ 288).
[ركوب الدابة لردها]
وان ركبها ليردها
…
إلى قوله فليس برضا
(1)
،
وذكر الإمام التمرتاشي- رحمه الله "وإن ركبها ليردها على البائع فليس برضا، سواء كان له منه بداً أو لا، وإن ركبها ليسقيها، فإن كان له منه بد فهو رضا، وإن لم يكن له منه بد لصعوبتها أو لعجزه عن المشي فليس برضا"
(2)
، ولو اختلفا فقال البائع: ركبتها لحاجتك، وقال المشتري: لا، بل أردها عليك، فالقول للمشتري في الجامع الصغير لقاضي خان رحمه الله
(3)
-. وإن ركبها في خيار العيب للسقي أو للرد لا يبطل خياره؛ لأنه إذا كان لا يقدر على الرد إلا بالركوب كان الركوب من ضرورات الرد، وكذلك الركوب للسقي من ضرورات الرد؛ لأنه لا يتمكن من الرد إلا على اعتبار البقاء، ولا بقاء إلا بالسقي، وكذا إذا ركبها لحمل العلف.
(إما لصعوبتها)
أي: لكونها جموحاً
(4)
وشموساً
(5)
، وبه صرح في الفوائد الظهيرية.
وذكر في الصحاح
(6)
"الصّعبُ
(7)
نقيض الذلول"
(8)
.
(أو لعجزه)
أي: عن الشيء.
(أو لكون العلف في عدل
(9)
واحد)
وإنما قيد به؛ لأنه لو كان العلف في عدلين وركب كان الركوب دليل الرضا، لأن حمل العلف ممكن بدون الركوب، كذا ذكره الإمام قاضي خان
(10)
.
ولم يعلم به
(11)
(1)
قال في الهداية: "ومن ركبها ليردها على بائعها، أو ليسقيها، أو ليشتري لها علفاً فليس برضا" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 969).
(2)
وهذا على الأصل عندهم قياساً، لكن يجوز ذلك استحساناً. ينظر: الأصل (5/ 181)، المبسوط للسرخسي (13/ 99).
(3)
ينظر: فتح القدير (6/ 359).
(4)
جمح الفرس جموحاً وجماحاً، إذا اعتز فارسه وغلبه، فهو فرس جموح. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 360).
(5)
الدابة الشموس؛ لأنها تجمح بصاحبها، وقيل: الشموس الذي يمنع السرج. الجراثيم (2/ 111)، غريب الحديث لإبراهيم الحربي (2/ 447).
(6)
"الإيضاح" في (ب).
(7)
سقط من (ج).
(8)
الصحاح (1/ 163).
(9)
"العدل" في (ب).
(10)
قال في المحيط: "إن جوالق العلف إذا كان واحداً فركبها مع الجوالق لا يكون رضاً بالعيب؛ لأنه (لا) يمكنه حمل الجوالق الواحد إلا بالركوب، ولو كان جوالقين فركب يكون رضاً، لأنه يمكن حملها بدون الركوب". المحيط البرهاني (6/ 499)، فتح القدير (6/ 358).
(11)
قال في الهداية: "ومن اشترى عبداً قد سرق ولم يعلم به فقطع عند المشتري له أن يرده ويأخذ الثمن عند أبي حنيفة رحمه الله. وقالا: يرجع بما بين قيمته سارقاً إلى غير سارق" وعلى هذا الخلاف إذا قتل بسبب وجد في يد البائع. " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 41).
أي: لا وقت الشراء، ولا وقت القبض، كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله.
له أن يرده ويأخذ الثمن أي: كل الثمن.
عند أبي حنيفة رحمه الله
وهكذا ذكر في عامة شروح الجامع الصغير
(1)
وبعض روايات المبسوط، وذكر في الجامع للإمام التمرتاشي رجع بنصف الثمن عند أبي حنيفة
(2)
رحمه الله وهكذا في بعض المواضيع من المبسوط، والتوفيق بينهما هو ما ذكر في المبسوط
(3)
فقال: "وعند أبي حنيفة رحمه الله يرجع المشتري بنصف الثمن؛ لأن قطع اليد كان مستحقاً عليه بسبب كان عند البائع، فاليد من الآدمي نصفه فينتقص قبض المشتري في النصف، فيكون للمشتري الخيار، إن شاء رجع بنصف الثمن عليه، وإن شاء رد ما بقي
(4)
ويرجع بجميع الثمن على البائع، كما لو قطعت يده عند البائع"، ولما ثبت له الخيار بين الرد وإمساكه كان قول من قال: نأخذ الثمن كله منصرفاً إلى اختيار رد
(5)
العبد المقطوع، وقول من قال: يرجع بنصف الثمن منصرفاً إلى اختيار إمساكه.
[من اشترى عبدًا قد سرق ولم يعلم به]
وذكر في المبسوط
(6)
أيضاً: "وإن مات العبد من ذلك القطع قبل أن يرده لم يرجع إلا بنصف الثمن؛ لأن النفس ما كانت مستحقة في يد البائع، ألا ترى أن على الإمام أن يتحرز من السِّراية
(7)
بأن لا يقطع في البرد الشديد، [ولا في الحر الشديد]
(8)
،
وأن يحسم بعد القطع فقبض المشتري لا ينتقص في النصف الباقي وإن سرى".
(وعلى هذا الخلاف إذا قتل بسبب وجد في يد البائع)
وهذا الإطلاق يتناول القتل العمد والردة، وبه صرح في المبسوط.
(وأنه لا ينافي المالية)
(9)
بدليل أنه لو مات كان الثمن متعذراً على المشتري، ولو
(10)
[تصرف فيه المشتري نفذ]
(11)
تصرفه، وليس لولي القصاص [حق في ماليته]
(12)
، حتى إن المشتري إذا اشتراه وولي القصاص يأباه صح البيع وملكه المشتري، ولو كان له حق في ماليته لما صح بيعه، كحق المرتهن في الرهن، فعلم بهذا أن استحقاق العقوبة يتعلق بآدميته [لا بكونه مالاً، فلا يجري
(1)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 352).
(2)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 557).
(3)
المبسوط للسرخسي (13/ 117).
(4)
"الباقي" في (ب).
(5)
"رب" في (ب).
(6)
المبسوط للسرخسي (13/ 117).
(7)
العدوى وهي السراية، وسرى الجرح إلى النفس، أي: أثر فيها حتى هلكت. طلبة الطلبة، (ص: 47)، المغرب في ترتيب المعرب (ص: 225).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(9)
قال في الهداية: "والحاصل أنه بمنْزلة الاستحقاق عنده، وبمنْزلة العيب عندهما. لهما أن الموجود في يد البائع سبب القطع والقتل، وأنه لا ينافي المالية، فنفذ العقد فيه، لكنه متعيب، فيرجع بنقصانه عند تعذر رده" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 42).
(10)
"لقد" في (ج).
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(12)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
مجرى الاستحقاق؛ لأن المستحق مستحق لماليته ولآدميته]
(1)
، كذا في المبسوط والأسرار
(2)
.
(لكنه متعيب)
لأن العبد السارق الذي حلت يده والقاتل الذي حل دمه لا يشترى كالذي هو سالم عنه، فإن هذا المعنى أشد من المرض، وأنه عيب بالإجماع
(3)
، فكذا هذا كذا في الأسرار.
(فيرجع بنقصانه عند تعذر رده)
فتعذر الرد في صورة القتل ظاهر، وأما في صورة قطع اليد فإنه استوفى قطع يده في يد المشتري، والاستيفاء غير الوجوب، وكان بمنْزلة عيب حادث في يد المشتري، ولو حدث عيب في المبيع في يد المشتري وقد اطلع على عيب كان عند البائع يرجع هناك بنقصان العيب، فكذا هنا.
(وصار كما إذا اشترى حاملاً وماتت في يده بالولادة، فإنه يرجع بفضل ما بين قيمتها حاملاً إلى غير حامل)
يعني إذا لم يعلم لحملها
(4)
وقت الشراء، وبه صرح الإمام قاضي خان رحمه الله في الجامع الصغير/، يعني لم يرجع هناك بجميع الثمن، وإن كان أصل السبب في يد البائع، فكذا في القصاص يجب أن يكون كذلك، واختار صدر الإسلام أبو اليسر رحمه الله قولهما، ذكره في الجامع الصغير بعد ما ذكر تعليل أبي حنيفة رحمه الله فقال: إلا أن ما قاله أبو يوسف ومحمد أحسن
(5)
؛ لأن الاستحقاق يثبت بذلك السبب، ولكن الاستحقاق لا يفوت المالية ما لم يتصل به الفوت
(6)
إلى آخره، فيكون الوجود مضافاً إلى السبب السابق.
فإن قلت: يشكل هذه بمسائل:
منها: "أنه إذا اشترى جارية فوجدها محمومة فلم يردها حتى ماتت في يد المشتري، فلا يضاف ذلك إلى السبب السابق حتى لا يرجع بجميع الثمن بل بالنقصان، وإن كان موتها بسبب الحمى التي كانت عند البائع.
ومنها أن البائع إذا قطع يد العبد، أو قطعها غيره، ثم باعه المولى ولم يعلم به المشتري، فمات العبد من ذلك القطع يرجع بنقصان العيب لا بكل الثمن؛ وإن كان الموت بسبب كان عند البائع.
ومنها [أن الرجل إذا زوج أمته البكر ثم باعها وقبضها المشتري وهو لا يعلم بالزوج، ثم وطئها الزوج في يد المشتري لا يرجع بنقصان البكارة؛ وإن كان زوالها بسبب كان عند البائع]
(7)
.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(2)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 116).
(3)
ينظر: الأصل (5/ 196)، المبسوط للسرخسي (13/ 115).
(4)
"بحملها" في (ب).
(5)
ينظر: الأصل (5/ 196)، المبسوط للسرخسي (13/ 115).
(6)
"الموت" في (ب).
(7)
سقط من (ب).
ومنها أن العبد لو زنى عند البائع فجلد في يد
(1)
المشتري، فمات منه، لا يرجع بالثمن على البائع، وإن كان موته بسبب كان عند البائع.
ومنها أنه لو سرق في يد البائع فقطعت يده في يد المشتري، فسرى القطع من ذلك فمات، يرجع بنصف الثمن لا بكله، وإن كان موته بسبب كان عند البائع.
فهذه خمس مسائل تشكل على ذلك الأصل.
قلت: أما الأولى فإن الجارية لا تموت بمجرد الحمى، بل تموت بزيادة آلام بترادف وزيادة يعتريها عند الموت، وهذا الضعف وزيادة الآلام لم تكن عند البائع، ولا كذلك ما نحن فيه.
وأما الثانية: فإن البيع لما ورد فإن قطع البائع أو الأجنبي قطع سراية القطع؛ لأن السراية حق البائع، فتنقطع السراية ببيع من له السراية، وفيما نحن فيه السراية لغير من كان البيع منه، فيمتنع انقطاع السراية بالبيع.
وأما الثالثة: فإن البكارة لا تستحق بالبيع، بدليل أن من اشترى جارية فوجدها ثيباً لا يتمكن من الرد، ونحن إنما قلنا
(2)
فيما يستحق بالبيع لا بالشرط.
وأما الرابعة: فقولنا فيها: يستحق هو بسبب كان عند البائع، والمستحق على العبد الزاني هو الضرب المؤلم، واستيفاء ذلك لا ينافي المالية في المحل، وموته بذلك الضرب إنما كان لمعنى عارض عرض في يد المشتري، وهو خرق
(3)
الجلاد، أو ضعف المجلود، فلم تكن تلك الزيادة مستوفاة جداً، فلا تضاف إلى الزنا فلم يكن ذلك مضافاً إلى ما وجد عند البائع.
وأما الخامسة: فقد ذكرنا جوابها في المبسوط" هذا كله من المبسوط والفوائد الظهيرية
(4)
. وأما قولهما بأن سبب القتل لا ينافي المالية. قلنا: نعم كذلك، إلا أن "استحقاق النفس بسبب القتل، والقتل متلف للمالية في هذا المحل.
فكان بمعنى علة العلة، وعلة العلة تقام مقام العلة في الحكم
(5)
، فمن هذا الوجه صار المستحق كأنه المالية لما أنه لا يصور لبقاء المالية في هذا المحل بدون النفسية، والنفسية مستحقة بالسبب الذي كان عند البائع، فيجعل ذلك بمنْزلة استحقاق المالية؛ لأن ما لا ينفك عن الشيء بحال كأنه هو، وأما إذا مات
(6)
في يد المشتري فيتقرر الثمن على المشتري لما أنه لم يتم الاستحقاق في حكم الاستيفاء، فلهذا هلك في ضمان المشتري، وإذا قتل فقد تم الاستحقاق، ولا يبعد أن يظهر الاستحقاق في حكم الاستيفاء دون غيره، كملك الزوج بضع زوجته، وملك من له القصاص نفس من عليه القصاص، لا يظهر إلا في حكم الاستيفاء، حتى إذا وطئت المنكوحة بشبهة فالمهر لها، وإذا قتل من عليه القصاص إنسان فإن الدية يكون لورثته دون من له القصاص" كذا في المبسوط
(7)
.
(1)
سقط من (ب).
(2)
"ما قلنا " زيادة في (ب).
(3)
الخرق: ضد الرفق. جمهرة اللغة (1/ 590).
(4)
ينظر: شرح فتح القدير (6/ 361).
(5)
القاعدة: علة العلة، لفظ ورود القاعدة: علة العلة تقوم مقام العلة في الحكم. أصولية فقهية، والعلة: هي السبب الظاهر الذي يبنى عليه الحكم. وعلة العلة: لها معنيان: الأول: بمعنى الحكمة من تشريع الحكم؛ لأن المراد بالحكمة المصلحة المناسبة لتشريع الحكم، كالمشقة في السفر والمرض، فالسفر والمرض علة، والمشقة فيهما هي علة العلة، وهي لما كانت غير منضبطة لم يبن الحكم عليها. والمعنى الثاني لعلة العلة: هو سبب السبب المباشر لوقوع الحكم، فمن رمى سهماً، أو أطلق رصاصة، فأصاب شخصاً فقتله، فإن علة القتل هي الإصابة، ولكن علة الإصابة الرمي، فلولا الرمي لم يُصب السهم ولا الطلقة. فمفاد القاعدة: أن علة العلة بنوعيها يمكن أن تقوم مقام العلة في بناء الحكم عليها، والنوع الثاني: واضح في قيامه مقام العلة؛ لظهوره وانضباطه، وأما النوع الأول ففيه خلاف بين الأصوليين، والراجح عندهم أنه لا يبنى حكم على الحكمة؛ لعدم انضباطها. كشف الأسرار (1/ 161)، موسوعة القواعد الفقهية (7/ 440).
(6)
"كانت" في (ج).
(7)
المبسوط للسرخسي (13/ 116).
وما ذكر من المسألة ممنوعة وهي مسألة الحامل، وقال الإمام القاضي أبو زيد
(1)
والإمام القاضي خان - رحمهما الله -: وأما مسألة الحامل قيل: ذلك قولهما، وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله فالمشتري يرجع على البائع بكل الثمن، إذا ماتت من الولادة، كما هو مذهبه فيما إذا اقتص العبد المشتري، ولئن سلَّمنا فنقول: ثمة سبب الموت المرض المتلف، والمرض المتلف حصل عند المشتري.
كذا في المبسوط
(2)
، " وأما الحامل فهناك السبب الذي كان عند البائع يوجب انفصال الولد، لا موت الأم، بل الغالب عند الولادة السلامة، وهو نظير الزاني إذا جلد.
فإن قلت: العذر في الحامل بأن الغالب في الولادة السلامة لا يصح؛ لأنه يشكل/ على أصل أبي حنيفة رحمه الله حينئذ الجارية المغصوبة إذا حبلت ثم ردها الغاصب فماتت في نفاسها رجع المغصوب منه على الغاصب بقيمتها كلها.
قلت: لا يشكل؛ لأن الواجب على الغاصب فسخ فعله، وهو أن يرد المغصوب كما غصب، ولم يوجد ذلك حين ردها حاملاً، وههنا الواجب على البائع تسليم المبيع، كما أوجبه العقد، وقد وجد ذلك، ثم إن تلف بسبب كان الهلاك منه مستحقاً عند البائع ينقض قبض المشتري فيه، وإن لم يكن مستحقاً لا ينقض قبض المشتري فيه".
فإن قلت: لما كانت غلبة السلامة في ولادة الحامل عذراً في أن لا يرجع بكل الثمن على البائع في قول أبي حنيفة على رواية طريقة التسليم كما هو قولهما، يجب أن لا يرجع في العبد المشترى الذي هو حلال الدم إذا قتل في يد المشتري بذلك السبب الذي وجد في يد البائع؛ لأن ذلك السبب من وجوب القصاص، أو وجوب القتل، بسبب الردة نظير الحمل من حيث إن كلاً من هذه الأشياء لا تؤدي إلى القتل لا محالة؛ لأن العفو في القصاص مرجو بل هو الظاهر؛ لكونه مندوباً، وكذلك التوبة في الردة هي الظاهرة، إما حقيقةً أو ظاهراً حذار معرة
(3)
السيف، وذلك كاف لدفع القتل، فكان الكل منهما شيئاً متردداً، فلا يضاف التلف حينئذ على ما وجد عند البائع، بل يضاف إلى استيفاء ولي القصاص، واستدامة الكفر إلى وقت القتل، وهما أمران عارضان في يد المشتري كحصول المرض المتلف في حق الحامل، وهناك لا يرجع بكل الثمن على تلك الرواية؛ لوجود الموت بأمرٍ عارض عرض في يد المشتري، فكذلك ههنا.
(1)
سبق ترجمته. ص 110
(2)
المبسوط للسرخسي (13/ 116).
(3)
المعرة: الأذى. وقال الخطابي"وهي الشدة والمشقة تصيب الإنسان، ومنه قول الله تعالى:{فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح: 25]. تهذيب اللغة (1/ 75)، غريب الحديث للخطابي (3/ 83).
قلت: الفرق ظاهر بين مسألة الحامل وبين ما نحن فيه وذلك؛ لأن معنى قولنا: لا تردد في القصاص، هو أن القاضي ملجأ في استيفاء القصاص بعد شهادة الشهود بالقتل العمد، فصار كأن الشهود أكرهوا القاضي على استيفاء القصاص، ولهذا يجب ضمان ما أتلف القاضي على الشهود إذا رجعوا، كما في الإكراه الحقيقي، فلما كان القاضي مجبراً على استيفاء من جهتهم، انتقل الإتلاف إليهم، ولم يكن القاضي مختاراً في ذلك باختيار صحيح، فكان القتل غير متردد في وجوده على ذلك التقدير، وكذلك الولي؛ لأن القصاص حقه، ولا يمكنه الإعراض عنه إلا بفوت حقه، وإذا لم يتمكن من هذا القتل إلا بترك الحق لم يسمَّ مختاراً مطلقاً بين الترك والفعل، كمن أكره على فعل بتهديد إتلاف المال عليه، وأما في الردة فلما وجد القتل سببها وإن استدامت أضيف القتل إلى أول السبب، كما ذكرنا في مسائل المرتدين في كتاب السير
(1)
وأول السبب كان موجواً في يد البائع، فلذلك يرجع بكل الثمن. إلى هذا أشار في المبسوط والأسرار
(2)
.
(وإن قبله بثلاثة الأرباع)
(3)
[ما يرجع للبائع من العبد المقطوع يده بالسرقة]
أي: لو قبل البائع هذا العبد المقطوع من السرقتين اللتين وجدت إحداهما في يد البائع، والثانية في يد المشتري، يرجع المشتري على البائع بثلاثة أرباع الثمن، أما نصف الثمن فلرد المشتري العبد، فرجع على البائع بنصف الثمن لذلك، وأما النصف الثاني فقد فات بسبب قطع اليد؛ لأن اليد الواحدة من الآدمي نصفه، إلا أن ذلك القطع مضاف إلى السرقتين الموجودتين عند البائع والمشتري، فانقسم عليهما نصفين، فكان نصف هذا النصف فواته بسبب كان عند البائع، فلذلك يرجع المشتري عليه بثلاثة أرباع الثمن، فإن قلت: أليس إنه إذا حدث عند المشتري عيب في المشتري
(4)
اطلع على عيب كان عند البائع فرضي البائع برده وقبله بذلك العيب الحادث يرجع المشتري هناك بجميع الثمن، فلم ينتقص ههنا ربع الثمن، مع أن هذه المسألة نظيرة تلك المسألة.
(1)
لوح (502/ أ)
(2)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 116).
(3)
قال في الهداية: " ولو سرق في يد البائع، ثم في يد المشتري فقطع بهما عندهما يرجع بالنقصان كما ذكرنا. وعنده لا يرده بدون رضا البائع للعيب الحادث، ويرجع بربع الثمن، وإن قبله البائع فبثلاثة الأرباع؛ لأن اليد من الآدمي نصفه وقد تلفت بالجنايتين، وفي إحداهما رجوع فيتنصف؛ ولو تداولته الأيدي ثم قطع في يد الأخير رجع الباعة بعضهم على بعض عنده، كما في الاستحقاق، وعندهما يرجع الأخير على بائعه، ولا يرجع بائعه على بائعه؛ لأنه بمنْزلة العيب. وقوله: "في الكتاب ولم يعلم المشتري" يفيد على مذهبهما؛ لأن العلم بالعيب رضا به، ولا يفيد على قوله في الصحيح؛ لأن العلم بالاستحقاق لا يمنع الرجوع" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 969).
(4)
"المشترى" في (ب).
قلت: "لا نسلم أن هذه نظيرة تلك؛ لما أن هذا القول هو الرجوع بثلاثة الأرباع، قول أبي حنيفة رحمه الله لا قولهما، فإن عندهما يجري هذا مجرى العيب، وعند أبي حنيفة رحمه الله يجري مجرى الاستحقاق والغصب، كما ذكر في الكتاب، لا يجرى العيب وفي الغصب الحكم كذلك، فإنه إذا غضب عبداً فسرق عند الغاصب فرده على المالك فقطع في يد المالك فإن المالك يرجع على الغاصب بنصف القيمة، فكذلك ههنا "
(1)
كذا في الفوائد الظهيرية، فالبائع لو قبل إنما قبل العبد المقطوع حتى يتمكن من رده؛ فإن المشتري كان لا يتمكن من رده بدون قبوله، ولكن لم يقبل ما انتقص من العبد بسبب كان في يد المشتري كما في الغصب، فلذلك ينتقص.
(الباعة)
جمع البائع كالحاكة
(2)
والقافة
(3)
/ في جمع الحايك والقايف.
(وعندهما: يرجع الأخير على بايعه)
لأن المشتري الأخير لم يصر حابساً؛ حيث لم يبعه، ولا كذلك الآخرون، فإن البيع يمنع الرجوع بنقصان العيب لما ذكر قبل هذا في مسألة قتل المشتري العبد بقوله: ألا ترى أن البيع مما يقصد بالشراء، ثم هو يمنع الرجوع، وإن أعتقه المشتري فقطعت يده أو قتل فعندهما: يرجع بنقصان العيب، كما في سائر العيوب، وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يرجع؛ لأن القطع هو القتل لم يتضمنا تفويت المالية هنا لانعدام المالية يوم القطع، والقتل كذا ذكره الإمام قاضي خان
(4)
.
(في الكتاب) أي: كتاب الجامع الصغير.
(ولم يعلم المشتري) وهو الذي ذكره في أول هذه المسألة.
(ولا يفيد على قوله في الصحيح)
وهذا احتراز عن الرواية الأخرى عن أبي حنيفة رحمه الله فإنه لا يرجع
(5)
في تلك الرواية كما هو قولهما
(6)
.
(1)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 115)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 557).
(2)
الحائك: النساج، نسج الحائك الثوب ينسجه نسجاً. المحكم والمحيط الأعظم (7/ 278)، جمهرة اللغة (1/ 476)، شمس العلوم (3/ 1620).
(3)
القافة: جمع قائف، وهو الذي يقوف الآثار ويتتبعها. غريب الحديث للخطابي (1/ 700).
(4)
تبيين الحقائق (4/ 43).
(5)
قال في فتح القدير (6/ 363): "احترازاً عما روي عن أبي حنيفة أنه لا يرجع؛ لأن حل الدم من وجه كالاستحقاق، ومن وجه كالعيب حتى لا يمنع صحة البيع".
(6)
قال في المحيط: "فعندهما لزمه العبد ولا يرجع بنقصان العيب؛ لأنه عيب رضي به، وأما عند أبي حنيفة فمن مشايخنا من قال: إنه عند أبي حنيفة كذلك، وهو غير صحيح، إنما الصحيح أن عند أبي حنيفة رحمه الله العلم والجهل سواء؛ لأن هذا بمنْزلة الاستحقاق عنده، والعلم بالاستحقاق لا يمنع الرجوع، وأن يداوله البيوع، ثم قتل عند المشتري الآخر يراجعون عند أبي حنيفة بمنْزلة الاستحقاق، وعندهما بمنْزلة العيوب، وإن كان المشتري أعتق العبد ثم قتل، فعندهما يرجع بنقصان العيب، وأما عند أبي حنيفة فعلى قول ما ذكرنا في الوجه الأول له أن بالقتل يموت يد المشتري مضافاً إلى سبب كان في يد". المحيط البرهاني (6/ 557).
وذكر في المبسوط
(1)
"إذا اشتره وهو يعلم محلَّ دمه ففي أصح الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يرجع بالثمن أيضاً إذا قتل عنده؛ لأن هذا بمنْزلة الاستحقاق، وفي الرواية الأخرى قال: لا يرجع؛ لأن حل الدم من وجه كالاستحقاق، ومن وجه كالعيب، حتى لا يمنع صحة البيع، فلشبهه بالاستحقاق، قلنا عند الجهل به: يرجع بجميع الثمن ولشبهه بالعيب، قلنا: لا يرجع عند العلم بشيء؛ لأنه إنما جعل هذا كالاستحقاق لدفع الضرر عن المشتري، وقد اندفع حين علم به واشتراه".
ومن باع عبداً وشرط البراءة
…
إلى آخره
(2)
[بيع البراءة من العيوب]
اعلم أن البيع بالبراءة من العيوب جائز في الحيوان وفيما سواه، ويدخل في البراءة ما علمه البائع وما لم يعلمه، وما وقف عليه المشتري وما لم يقف عليه، وسواء سمي جنس العيوب أو لم يسمه، أشار إليه أو لم يشر، وتبرأ من كل عيب موجود به وقت البيع وعما يحدث بعده إلى وقت التسليم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وقال محمد رحمه الله: لا يبرأ في الحادث، وأجمعوا أن البيع لو كان بشرط البراءة من كل عيب به؛ أنه لا يبرأ عن الحادث
(3)
؛ لأنه لما قال به اقتصر على الموجود، كذا في شرح الطحاوي
(4)
.
و"كان ابن أبي ليلى
(5)
يقول: لا يصح البراءة من العيب مع التسمية ما لم يره المشتري، وقد جرى
(6)
هذه المسألة بينه وبين أبي حنيفة -رحمهما الله- في مجلس أبي جعفر الدوانقي
(7)
فقال له أبو حنيفة رحمه الله: أرأيت لو باع جارية في موضع المائي منها عيب؛ أكان يجب على البائع أن يرى المشتري ذلك الموضع منها، أرأيت لو أن بعض حرم أمير المؤمنين باع عبداً برأس ذكره برصٌ أكان يلزمه أن يرى المشتري ذلك، وما زال متى أفحمه، وضحك الخليفة بما صنع به"، كذا في المبسوط
(8)
.
(1)
المبسوط للسرخسي (13/ 116).
(2)
قال في الهداية: "ومن باع عبداً وشرط البراءة من كل عيب: فليس له أن يرده بعيب، وإن لم يسمِّ العيوب بعددها" الهداية (3/ 970).
(3)
بدائع الصنائع (5/ 277)، البناية شرح الهداية (8/ 13)، فتح القدير (6/ 365).
(4)
شرح مختصر الطحاوي (3/ 75 - 76).
(5)
سبق ترجمته ص 158.
(6)
"جرت" في (ب).
(7)
الدوانيقي أبُو جَعْفَر الْمَنْصُور الْخَلِيفَة، و"الدانق" نقد أخذت تسميته من الفارسية، من "دانك". وقد بقي مستعملاً في الإسلام. وقد عرف الخليفة "أبو جعفر المنصور" بـ "الدوانيقي" نسبة إلى هذا النقد. نزهة الألباب في الألقاب (2/ 292)، المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام (16/ 357).
(8)
المبسوط للسرخسي (13/ 93).
(وقال الشافعي رحمه الله: لا تصح البراءة
(1)
وفي البيع بشرط البراءة عن كل عيب له قولان في أحد القولين: البيع فاسد، وفي القول الآخر: البيع صحيح، والشرط باطل، هو يقول: إن في الإبراء معنى التمليك حتى يرتد بالرد، فإن رب الدين لو أبرأ المديون عن دينه فرد المديون إبراءه ولم يقبله، لا يصح الإبراء، وكذلك لا يصح تعليقه بالخطر، والإسقاطات كالطلاق، والعتاق، يصح تعليقهما بالخطر، ولا يرتدان بالرد، ولنا أن الإبراء إسقاط، فجهالة الساقط لا تمنع صحته؛ قياساً على إعتاق عبيده، وطلاق نسائه وهو لا يدري كم هم؛ وهذا لأن الجهالة بنفسها لا تبطل التمليكات، بل لمعنى فيها، وهو تفويت التسليم الواجب بالعقد، ألا ترى أن بيع قفيزين من صبرة يجوز؛ لأنه لا يؤدي إلى المنازعة وفوت التسليم، وبيع شاة من القطيع لا يجوز للمنازعة بينهما بسبب التفاوت، ثم الدليل على أن الإبراء إسقاط لا تمليك أنه لا يصح تمليك العين بهذه اللفظة؛ ولأنه يصح الإبراء بقوله: أسقطت عنك ديوني، وكذلك المعنى؛ لأن الإبراء بين الشياه
(2)
لا يفيد على الحقيقة إلا براءة ذمته عن الوجوب، وكذلك الحكم؛ لأنه يتم بلا قبول كالطلاق، والتمليك لا يتم إلا بالقبول، وأما قول: إن يرتد بالرد، فنعم؛ لما فيه من معنى التمليك حكماً، وهذا الشبه
(3)
لا تؤثر في فساد ما قلناه؛ لأنا قلنا: إن محض التمليك لا يبطل بجهالة لا تفوت التسليم بها، فإن الجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة محض التمليك، كجهالة القفيز من الصبرة؛ فلأن لا تمنع صحة الإسقاط والمسقط يكون مثلاً شيئاً، ولا يحتاج فيه إلى التسليم، والجهالة لا تفضي إلى المنازعة أولى أن لا تمنع، ولأن هذا الشرط يقرر مقتضى العقد؛ لأن مقتضاه اللزوم، والعقد بهذا الشرط يلزم
(4)
، سليماً كان المبيع أو معيباً
(5)
؛ وذلك لأن المبيع إذا كان معيباً فالبائع عاجز عن تسليمه سليماً، وعند هذا الشرط يقدر على التسليم، والقدرة على التسليم شرط جواز العقد لا أن يكون موجباً فساد
(6)
العقد. إلى هذا أشار في المبسوط
(7)
والأسرار.
(1)
ينظر: الحاوي الكبير (5/ 271)، المهذب (2/ 56)، المجموع شرح المهذب (12/ 355)، نهاية المحتاج (4/ 36).
(2)
سقط من (ب).
(3)
"الشبهة" في (ب).
(4)
"مقتضى العقد لأن مقتضاه اللزوم" زيادة في (ج).
(5)
"معيباً" في (ب) وفي (أ)"مبيعاً"والصحيح ما أثبته من (ب).
(6)
"فاسداً" في (ب).
(7)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 93).
(ويدخل في هذه البراءة/ العيب الموجود والحادث قبل القبض)
وإنما قيد بقوله: في هذه البراءة احترازاً عن البراءة التي قال البائع: بعت هذا العين على أني بريء من كل عيب به، فإنه لا يبرأ من الحادث بالإجماع
(1)
على ما ذكرنا من رواية شرح الطحاوي، وكذلك في الإيضاح
(2)
أيضاً.
وقوله: في قول أبي يوسف رحمه الله "جعل هذا القول في المبسوط قول أبي حنيفة رحمه الله وظاهر القول من أبي يوسف، وجعل في شرح الطحاوي قول أبي حنيفة وأبي يوسف على ما ذكرناه، وقال محمد رحمه الله: لا يدخل فيه الحادث، وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله؛ لأن ذلك مجهول، لا يدري أيحدث أم لا، وأي مقدار يحدث"
(3)
وأبو يوسف رحمه الله
(4)
لما جعل
(5)
"العيب الحادث قبل القبض كالموجود عند العقد في ثبوت حق الرد به، فكذلك يجعل كالموجود عند العقد في دخوله في شرط البراءة من كل عيب؛ وهذا لأن مقصود البائع إثبات صفة اللزوم للعقد، وفي هذا لا فرق بين العيب الموجودة والحادث قبل القبض" كذا في المبسوط
(6)
.
فإن قلت: كيف يصح هذا القول من أبي يوسف رحمه الله وهو إدخال العيب الحادث في مطلق البراءة من كل عيب، والرواية منصوصة في شرح الطحاوي
(7)
، وفي المبسوط أيضاً "بأنه لو باع بشرط البراءة عن كل عيب وما يحدث فالبيع فاسد بالإجماع"
(8)
، والحكم الذي يفسد تنصيصه كيف يدخل في مطلق البراءة عنده؟.
قلت: ذكر في الذخيرة "أنه إذا باع بشرط البراءة عن كل عيب يحدث بعد البيع قبل القبض يصح عند أبي يوسف، خلافاً لمحمد"
(9)
- رحمهما الله - وذكر في المبسوط
(10)
في موضع آخر: "ولا رواية عن أبي يوسف فيما إذا نص على البراءة من العيب الحادث، ثم قال: وقيل ذلك صحيح عنده باعتبار أنه يقيم السبب -وهو العقد- مقام العيب الموجب للرد في صحة الإسقاط، ولئن سلمنا فنقول: ههنا ظاهر لفظه يتناول العيوب الموجودة، ثم يدخل
(11)
فيها قبل القبض تبعاً؛ لأن ذلك يرجع إلى تقرير مقصودها، وقد تدخل في التصرف تبعاً ما لا يجوز أن يكون مقصوداً بذلك التصرف، كالشرب في بيع الأرض والمنقولات في وقف
(12)
القرية".
(1)
ينظر: الحاوي الكبير (5/ 274)، المغني لابن قدامة (4/ 135).
(2)
المبسوط للسرخسي (13/ 91).
(3)
المبسوط للسرخسي (13/ 93).
(4)
"يقول" زيادة في (ب).
(5)
سقطتا من (ب).
(6)
المبسوط للسرخسي (13/ 94).
(7)
تحفة الفقهاء (2/ 103).
(8)
المسألة فيها قولان. ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 92).
(9)
ينظر: تحفة الفقهاء (2/ 103).
(10)
المبسوط للسرخسي (13/ 94).
(11)
"ما يحدث" في (ب) وهي في هامش (أ).
(12)
"فريد" زيادة في (ج).
وذكر في شرح الطحاوي
(1)
: ولو وجد المشتري بالمبيع عيباً فجاء يرده بعد ما وقع العيب بشرط البراءة من كل عيب، فاختلفا فقال البائع: كان هذا العيب موجوداً ودخل في البراءة، وقال المشتري: هو حادث ولم يدخل في البراءة، فعلى قول أبي يوسف رحمه الله لا فائدة لهذا الاختلاف؛ لأنه إبراء عنهما جميعاً عنده، وإنما هذا على قول محمد رحمه الله فعلى قوله: القول قول البائع، مع يمينه على العلم أنه حادث؛ لأن بطلان حق المشتري في الفسخ ظاهر بشرط البراءة [وثبوت حق البراءة]
(2)
وثبوت حق الفسخ له بحدوث العيب باطن، فإذا ادعى المشتري باطناً ليزيل به ظاهراً لم يصدق، والله أعلم.
باب البيع الفاسد
قدم البيع الصحيح بنوعيه من اللازم وغير اللازم على البيع الفاسد؛ لأن البيع الصحيح هو الأول
(3)
؛ لأنه مشروع بأصله ووصفه، بخلاف الفاسد، فإنه مشروع بأصله دون وصفه، وذكر في شرح الطحاوي
(4)
: "البيع على أربعة أوجه، بيع جائز، وبيع فاسد، وبيع باطل، وبيع موقوف على الإجازة، أما البيع الجائز فإنه توقع الملك بمجرد العقد إذا كان خالياً من شرط الخيار، والبيع الفاسد لا يوقع بمجرد العقد ما لم يتصل به القبض بإذن البائع".
[أنواع البيع الفاسد]
ثم البيوع الفاسدة أنواع منها: "أن يكون المبيع مجهولاً، أو الثمن مجهولاً لا جهالة توجب المنازعة؛ لأنها مانعة من التسليم والتسلم، ومنها أن يكون ثمن البيع محرماً، ومنها أنه إذا تعلق بالمبيع حق محترم للغير، ومنها أن المبيع إذا كان لا يقدر على تسليمه، ومنها أن يكون في المبيع غرر مثل بيع السمك في الماء، ومنها بيع ما هو مملوك له لكن قبل القبض، ومنها إدخال الشرطين في بيع، وذلك أن يقول: إن أعطيتني حالاً فبألف وإن أجَّلتَ شهراً بألفين، ومنها بيع الأتباع مقصوداً نحو (بيع)
(5)
الآلية في الشاة الحية، ومنها البيع بشرط وهو أنواع، ومنها أن يشتري شيئاً بثمن معلوم ثم يبيعه من البائع بجنس الثمن الأول بأقل مما باعه قبل نقد الثمن" كذا في التحفة
(6)
.
ثم لقب الباب بالفاسد دون الباطل، مع أنه ابتدأ بالبيع الباطل بقوله:
كالبيع بالميته والدم؛
(1)
ينظر: المحيط البرهاني (6/ 597).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 200).
(5)
في (ب) و (ج)، وهي في هامش (أ).
(6)
تحفة الفقهاء (2/ 45 - 49).
لأن الفاسد أعم من الباطل وأشمل؛ لأن الفساد موجود في الفاسد والباطل بخلاف الباطل، فإنه ليس بموجود في الفاسد؛ لأن الأدنى/ يوجد في الأعلى، ولا ينعكس
(1)
، والفاسد أدنى الحرمتين، فكان موجوداً في الصورتين؛ لأن المعنى
(2)
في الفاسد هو أن يكون مشروعاً بأصله دون وصفه، والباطل هو الذي لا شرعية فيه، لا في الأصل ولا في الوصف، بل فيه صورة البيع لا غير، من غير وجود ركنه فيه؛ لأن ركن البيع هو مبادلة المال بالمال، فكان هذا التلقيب نظير تلقيب باب الأوقاف التي يكره فيها الصلاة، ثم قدم هناك ذكر عدم الجواز في الصلاة بقوله: لا يجوز الصلاة لكون الكراهة أعم محلاً من عدم الجواز
(3)
.
(هذه فصول جمعها) القدوري رحمه الله.
(فنقول
(4)
: البيع بالميتة والدم باطل)
وإنما ذكر هذا اللفظ، ولم يقل: بيع الميتة والدم باطل؛ ليثبت
(5)
حكم البطلان من بيع الميتة والدم بالطريق الأولى؛ وذلك
(6)
لأن
(7)
الباء تدخل في الأتباع والوسائل، ولهذا يقال: كتبت بالقلم، والأثمان أتباع، ألا ترى أن البيع يجوز وإن لم يكن الثمن موجوداً، ولا يجوز عند عدم المبيع، إلا في موضع خاص، فلذلك قال ههنا: البيع بالميتة والدم باطل؛ لأنه لما بطل البيع عند جعل الميتة والدم ثمناً؛ لأن يبطل يجعلهما مبيعاً أولى، ثم هذا اللفظ -أعني قوله: البيع بالميتة والدم باطل- محتاج إلى التأويل، فإن البيع محلى بالألف واللام؛ فكان متناولاً لجميع البياعات، من بيع المسلم والكافر، وهذا اللفظ يجري على عمومه فيما إذا أريد بالميتة الحيوان الذي مات حتف أنفه، وأما إذا أريد بها المنخنقة
(8)
أو الموقوذة
(9)
فليس بمجرى على عمومه، فإن بيع المنخنقة والموقوذة جائز عند أهل الكفر، وإن كانت ميتة عند المسلمين، والدليل على هذا ما ذكره المصنف
(10)
رحمه الله في التجنيس
(11)
فقال: "أهل الكفر إذا باعوا الميتة فيما بينهم لا يجوز؛ لأنها ليست بمال عندهم، ولو باعوا ذبيحتهم، وذبيحتهم أن يخنقوا الشاة أو يضربوها حتى تموت، جاز؛ لأنها عندهم بمنْزلة الذبيحة عندنا، ألا ترى أن المجوسي لو ذبح وباع فيما بينهم يجوز، وإن كان هذا ميتة عندنا.
(1)
"لا على العكس" في (ب)، وهي تؤدي نفس المعنى.
(2)
" وفيه بحث؛ لأن مشروعية الأصل إذا اعتبرت في الفاسد فكيف توجد في الباطل؛ لأنه ما لا شرعية فيه أصلاً، أي: لا في أصله ولا في وصفه على ما اعترف به فلا يجتمعان" كذا في هامش (أ) وليست في (ب).
(3)
قال الهروي: "والفرق بين الباطل والفاسد: أن الباطل هو الذي لا يكون صحيحاً بأصله، وذلك لفوات ركنه، فلا يفيد الملك أصلاً، والفاسد هو الذي يكون صحيحاً بأصله لا بوصفه، فيفيد الملك بالقيمة عند القبض". فتح باب العناية (2/ 468)، فتاوي النوازل ص 356.
(4)
"بقوله" في (ب).
(5)
"لثبت" في (ب).
(6)
"وذكر" في (ب).
(7)
"أن" في (ب).
(8)
المنخنقة يقال: خنقه فاختنق وانخنق، فأما الانخناق فهو انعصار الخناق في عنقه، والاختناق: فعله بنفسه، والمنخنقة التي تختنق فتموت، ولا يدرك ذكاتها. قال ابن عباس:" والمنخنقة وَهِي الَّتِي اختنقت بالحبل حَتَّى تَمُوت". تهذيب اللغة (7/ 19)، الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 283)، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (ص: 88)، المغرب (ص: 155)، طلبة الطلبة (ص: 71).
(9)
والموقوذة: التي تضرب فتموت، ولا يدرك ذكاتها. قال ابن عباس:"الموقوذة وَهِي الَّتِي تضرب بالخشب حَتَّى تَمُوت". تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (ص: 2)، تهذيب اللغة (9/ 202)، الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 283)، لسان العرب (3/ 519)، التعريفات الفقهية (ص: 221).
(10)
"المصنف"في (ب)، وفي (أ)"المص" وهي اختصار لما في (ب).
(11)
التجنيس والمزيد، وهو لأهل الفتوى غير عتيد في الفتاوى. للإمام، برهان الدين: علي بن أبي بكر المرغيناني، الحنفي. المتوفى: سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، قال: وهذا الكتاب لبيان ما استنبطه المتأخرون، ولم ينص عليه المتقدمون، إلا ما شذ عنهم في الرواية. انتهى. وهو مطبوع. كشف الظنون (1/ 352).
(وهو مبادلة المال بالمال)
(1)
بطريق الاكتساب؛ لئلا ينتقض هذا اللفظ بالهبة بشرط العوض، فإن ذلك ليس ببيع مطلق حتى لا يملكه المأذون والأب والوصي، وإن كان هو أيضاً مبادلة مال بمال.
(عند أحد
(2)
أي: على تقدير أن يموت الحيوان حتف أنفه في حق الميتة كما ذكرنا، أو المراد بقوله:"عند أحد" أي: ممن له دين سماوي
(3)
.
(فإنه مال عند البعض)
(4)
كان من حقه أن يقول: فإنه مال عندنا، كما صرح به في الأسرار، فقال في جواب الشافعي: أما الجواب عن القياس على الحر وشراء الخمر، أما الحر فليس بمال، والبيع لا ينعقد في غير المال، وأما الخمر فقد
(5)
نهينا عن تحول عينها، والشراء تحول، ألا ترى أن مستهلك عينها لا يضمن، ولا قيمة لعينها، وكلامنا في بيع قابل للتحويل والتملك
(6)
في نفسه، وليس الشراء بالخمر كالشراء بالدم؛ لأن الدم ليس بمال، ولا مملوك أصلاً، والخمر مال عندنا ولها قيمة في حق أهل الذمة، "إلا أن الشرع أبطلها في حق المسلمين؛ لئلا يتمولوها
(7)
؛ لأنه لا قيمة لها في نفسه
(8)
، كما أبطل قيمة الجودة بانفرادها في المكيل والموزون"
(9)
، وكذا ذكر في المبسوط
(10)
والإيضاح كون الخمر مالاً من غير تعرض للبعض فقال في المبسوط: وكذلك في البيع بالخمر، أي: ينعقد موجباً للملك عند القبض "فإن محل ركن العقد المالية في البدلين وبتخمر العصير لا ينعدم المالية، وإنما ينعدم التقوم شرعاً فإن المالية تكون العين منتفعاً بها، وقد أثبت الله تعالى في ذلك في الخمر بقوله:{وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}
(11)
ولأنها كانت مالاً متقوماً قبل التحريم، وإنما ثبت بالنص حرمة التناول ونجاسة العين، وليس من ضرورته انعدام المالية كالسرقين
(12)
، إلا أنه فسد تقومها شرعاً؛ لضرورة وجوب الاجتناب عنها بالنص
(13)
، ولهذا بقيت مالاً متقوماً في حق أهل الذمة، فانعقد العقد بوجود ركنه في محله بصفة الفساد"، وكذا في الإيضاح
(14)
أيضاً فقال: إذا اشترى بالخمر أو الخنْزير فقد ذكر مالاً، وأنها متقومة في حق أهل الذمة، وكذا أيضاً ذكر في الكتاب بعد هذا
(15)
.
(1)
"أي" زيادة في (ب).
(2)
"فواحد" في (ج).
(3)
الدِّين -بالكسر-: الإسلام، والعادة، والجزاء، والمكافآت، والقضاء، والطاعة. والدين الاصطلاحي: قانون سماوي سائق لذوي العقول إلى الخيرات بالذات، كالأحكام الشرعية النازلة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي شق القمر من معجزاته العالية، واخضرار الشجر من بيناته المتعالية. دستور العلماء أو جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (2/ 83).
(4)
قال قي الهداية: "وإذا كان أحد العوضين أو كلاهما محرماً فالبيع فاسد، كالبيع بالميتة والدم والخنْزير والخمر، وكذا إذا كان غير مملوك كالحر، قال رضي الله عنه: هذه فصول جمعها، وفيها تفصيل نبينه -إن شاء الله تعالى- فنقول: البيع بالميتة والدم باطل، وكذا بالحر؛ لانعدام ركن البيع، وهو مبادلة المال بالمال، فإن هذه الأشياء لا تعد مالاً عند أحد، والبيع بالخمر والخنْزير فاسد؛ لوجود حقيقة البيع -وهو مبادلة المال بالمال- فإنه مال عند البعض، والباطل لا يفيد ملك التصرف " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 971).
(5)
سقط من (ب).
(6)
سقط من (ب).
(7)
قال الأزهري: تمول مالاً: اتخذه قنية، فقول الفقهاء: ما يتمول أي: ما يعد مالاً في العرف، والمال عند أهل البادية: النعم. وقد سبق تعريف المال ص 66. المصباح المنير (2/ 586).
(8)
"نفسها" في (ب).
(9)
العناية شرح الهداية (6/ 402).
(10)
المبسوط للسرخسي (13/ 25).
(11)
جزء من الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 219].
(12)
السرقين الذي يخلط بالتراب، يسمى قبل الخلط خثة، فإذا خلط فهو ذيرة، فإذا طلي على أطباء الناقة لكيلا يرضعها الفصيل فهو ذيار. فسره البُخَارِيّ بزبل الدَّوَابّ، وَهُوَ بِكَسْر السِّين وَسُكُون الرَّاء، وَهِي فارسية السرجين بِالْجِيم. تهذيب اللغة (15/ 10)، مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2/ 213)، لسان العرب (4/ 313).
(13)
"لعلكم تفلحون" زيادة في (ج).
(14)
ينظر: البحر الرائق (6/ 77).
(15)
"بقوله" في هامش (أ).
(ووجه الفرق أن الخمر مال)
ولأنه لو كان مراده من قوله: فإنه مال عند البعض، نفى ماليته عنده لا يصح دعواه بقوله: البيع بالخمر والخنْزير فاسد؛ لأنه لو لم يكن مالاً يكون الشراء به باطلاً لا فاسداً، كما إذا اشترى بالدم. فثبت بهذه الوجوه أن قوله:"فإنه مال عند البعض" غير مستقيم، إلا إذا أراد بقوله:"فإنه مال عند البعض" أي: مال متقوم عند البعض، وهم أهل الكفر.
[هلاك المبيع في يد المشتري في البيع الباطل]
(ولو هلك المبيع في يد المشتري فيه) أي: في البيع الباطل.
(يكون أمانة عند بعض المشائخ)
"فمنهم الشيخ الإمام أحمد الطواويسي
(1)
، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله. وعند البعض يكون مضموناً، ومنهم الشيخ الإمام شمس الإئمة السرخسي
(2)
- وبعضهم قالوا: عند أبي حنيفة رحمه الله أمانة وعندهما مضمون"
(3)
كذا في التتمة.
(لأنه لا يكون أدنى حالاً من المقبوض على سوم الشراء)
فإنه مضمون [فكذا هنا، ثم المقبوض على سوم الشراء إنما يكون مضموناً]
(4)
إذا كان الثمن مسمى، نص عليه الفقيه أبو الليث
(5)
في العيون
(6)
، فإنه ذكر إذا قال:
"اذهب بهذا الثوب فإنه رضيته اشتريته
(7)
، فذهب به فهلك لا يضر
(8)
.
ولو قال: إن رضيته اشتريته بعشرة وذهب به فهلك ضمن قيمته وعليه الفتوى"، كذا في التتمّة، وقد ذكرناه مرة.
[اتصال القبض في البيع الفاسد يفيد الملك]
(والفاسد يفيد الملك عند اتصال القبض به)
أي: إذا كان ذلك القبض بإذن المالك ففيه اتفاق الروايات على أن المشتري يملكه
(9)
، فأما إذا قبضه بعد الافتراق عن المجلس بغير إذن البائع هل يملك؟ ذكر في المأذون
(10)
أنه لا يملك، قالوا: ذلك محمول على ما إذا كان الثمن شيئاً لا يملك البائع بالقبض، كالخمر والخنْزير، فأما إذا كان شيئاً يملك البائع فبقبض الثمن منه يكون إذناً له بالقبض، كما ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله في الجامع الصغير
(11)
.
(1)
الطواويسي -بفتح الطاء والواو وبعد الألف واو ثانية مكسورة وياء ساكنة مثناة-: أحمد بن محمد بن حامد بن هاشم، أبو بكر الطواويسي، توفي فى الحمام سنة أربع وأربعين وثلاث مائة، بسمرقند، رحمه الله تعالى. الجواهر المضيئة (1/ 100) و (2/ 327).
(2)
قال في المبسوط: "لأن خمر الذمي يجوز أن يكون مضموناً في يد المسلم". المبسوط للسرخسي (11/ 104).
(3)
العناية شرح الهداية (6/ 404).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(5)
سبق ترجمته ص 125.
(6)
عيون المسائل (ص: 133)، البناية شرح الهداية (8/ 56).
(7)
"بعشرة" زيادة في (ب).
(8)
"لا يضمن" في (ب).
(9)
تحفة الفقهاء (2/ 59).
(10)
من مؤلفات محمد بن الحسن الشيباني. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1282)، تاج التراجم (ج 1/ ص 239).
(11)
العناية شرح الهداية (6/ 404).
فإن قلت: هذا
(1)
لو أفاد البيع الفاسد الملك للمشتري عند اتصال القبض بالمبيع لجاز للمشتري أن يطأ جارية اشتراها بشراء فاسد، والحكم أنه لا يحل له وطؤها، وكذا لا شفعة للشفيع في الدار المشتراة بشراء فاسد، وكذا لا يحل أكل طعام اشتراه بشراء فاسد. قلت: "هذا مستدل مشائخ العراق، في أن جواز التصرف للمشتري فيما إذا اشترى بشراء فاسد، هو ملك التصرف فيه باعتبار تسليط البائع على ذلك، لا بناء على ملك العين استدلالاً، فهذه المسائل التي ذكرت؛ إذ لو ملك العين لكان الحكم على خلاف ذلك، وأما مشائخ بلخ فقالوا: إن جواز التصرف له بناء على ملك العين، وهو الأصح، بدليل أن من اشترى داراً بشراء فاسد فقبضها فبيع بجنبها دار فللمشتري بشراء فاسد أن يأخذ تلك الدار بالشفعة لنفسه، وكذا لو اشترى جارية بشراء فاسد، وقبضها، ثم ردها على البائع، وجب على البائع الاستبراء، ولو باع الأب أو الوصي عبداً ينم، بيعاً فاسداً
(2)
وقبضه المشتري وأعتقه جاز عتقه، ولو كان عتقه على وجه التسلط لما جاز؛ لأن عتقهما أو تسليطهما على العتق، لا يجوز، فعلم بهذه الأحكام أنه لا
(3)
يملك العين، وإنما لم يحل
(4)
وطء الجارية ولم تثبت الشفعة فيما ذكرت؛ لأن في قضاء القاضي بالشفعة تأكيد الفساد وتقريره، وفي الاشتغال
(5)
بالوطء إعراض عن الرد، فلا يجوز له أن يطأها.
وقال الإمام الحلواني
(6)
: يكره الوطء ولا يحرم، كذا في التتمة
(7)
، فكذا لا يحل أكله؛ لما فيه إعراض عن الرد، كذا في فتاوى قاضي خان
(8)
.
(وإن كان قوبل)
أي: الخنْزير أو الخمر بعين معين.
[بيع الخمر والخنزير بمقابل]
(فالبيع فاسد حتى يملك ما يقابله، وإن كان لا يملك عين الخمر والخنزير)
"فإن قيل: تحت هذا القول فساد عظيم؛ لأن البيع اسم
(9)
لمبادلة مال بمال حتى لا ينعقد بدونه بالإجماع
(10)
، فإذا لم يجب الملك في الثاني بما تبادلا صارت المبادلة بالقبض بغير ما ذكر، أو انعدمت المبادلة الأولى، فبقي القبض على جهة
(11)
البيع دون حقيقة البيع، والقبض على جهة البيع لا يوجب ملكاً كالمقبوض على سوم الشراء.
(1)
سقط من (ب).
(2)
سقط من (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
"له" زيادة في (ب).
(5)
" الاشغال" في (أ).
(6)
سبق ترجمته ص 92.
(7)
تبيين الحقائق شرح كنْز الدقائق وحاشية الشلبي (4/ 62).
(8)
ينظر: فتاوى قاضيخان (2/ 85)، المسائل البدرية (2/ 612 - 613).
(9)
سقط من (ب).
(10)
ينظر: الحاوي الكبير (5/ 11)، الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 224).
(11)
"وجه" في (ب).
قلنا
(1)
: إن العقد الصحيح يقع مضموناً بالقيمة، وكذلك القبض بحق العقد، حتى إذا اشترى شيئاً هو عنده مضمون
(2)
لم يحتج إلى قبض جديد للشراء حتى يكون الهلاك عليه ويتم العقد، إلا أن ضمان القيمة لا يظهر لقيام المشروط منهما بتراضيهما، وهو الثمن مقام ذلك، ولهذا نقول: المقبوض على
(3)
سوم الشراء مضمون بالقيمة، وهو ضمان عقد عندنا؛ لأن الثمن بعد لم يثبت، فلم يسقط الضمان الأصلي، وههنا بالفساد لم يجب الثمن بنفس الشرط، فلم يسقط الضمان الأصلي، فوجب القيمة حتى تم العقد بالقبض، ووقع الملك بالضمان الذي يوجبه العقد متى انعقد البيع، ولم يكن غيره". كذا في الأسرار
(4)
.
(ووجه الفرق)
[سبب بطلان بيع الخمر]
أي: بين الصورة الأولى والثانية؛ حيث يقع البيع
(5)
باطلاً في الصورة الأولى، وفاسداً في الصورة (الثانية)
(6)
، وحاصل ذلك الفرق هو أن الخمر لو وقع بيعاً يكون البيع باطلاً فلا يثبت الملك، فبما يقابل الخمر وهو الدراهم لمن قبضها؛ لأنه يكون فيه إعزاز للخمر؛ لأن المبيع هو المقصود في البياعات، والشرع أمر/ بإهانتها لا بإعزازها، ولو وقع الخمر ثمناً يكون البيع فاسداً فيثبت الملك فيما يقابل الخمر، وهو الثوب مثلاً لمن قبضه؛ لأنه يكون فيه إعزاز للثوب؛ لكونه مبيعاً لا للخمر، وإذا دخل الباء في الخمر فظاهر، فإن الثوب يكون مبيعاً لتعين الخمر للثمنية لدخول الباء، وكون
(7)
الخمر مما يجب في الذمة بخلاف الثوب؛ فإنه فيما سوى الموضع الخاص لا يجب في الذمة، وأما إذا أدخل الباء في الثوب، يكون البيع بيع مقايضة، فكان في الخمر جهة الثمينة؛ لما أن في بيع المقايضة كل واحد من العوضين يكون ثمناً ومثمناً، وأما في الصورة الأولى -وهي ما إذا قابل الخمر بالدراهم- يكون البيع باطلاً، سواء أدخل الباقي الخمر، أو في الدرهم؛ لتعيّن الدراهم للثمينة خلقة، فحينئذ كان الخمر هو المبيع فيبطل البيع، ولما آل الأمر
(8)
على هذا احتجنا إلى معرفة المبيع والثمن والتفرقة بينهما.
(1)
طمس من (ج).
(2)
"بالقيمة" زيادة في (ب) و (ج).
(3)
سقط من (ب).
(4)
الأسرار (1/ 96 - 97).
(5)
في (ب) و (ج)، وقد؛ لأن التي في الأصل لم أستطع قراءتها.
(6)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(7)
"وكون" في (ب)، وفي (أ)"ولو".
(8)
"مطلب مهم في معرفة المبيع والثمن والتفرقة بينهما ". كذا في هامش (أ).
قال في الذخيرة
(1)
في الفصل الذي يتصل بالفصل الأول من كتاب البيوع: "وقال القدوري رحمه الله: ما يتعين بالعقد فهو مبيع، وما لا يتعين فهو ثمن، إلا أن يقع عليه لفظ البيع، ثم قال: الدراهم والدنانير أثمان أبداً؛ لأنها في الأصل خلفت ثمن الأشياء وقيمتها قال الله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)}
(2)
. فسر الثمن بالدراهم" "وقال الفراء
(3)
: الثمن ما يكون في الذمة
(4)
"
(5)
"والدراهم والدنانير لا يتعينان على أصلنا في عقود المعاوضات، وإنما ينعقد على مثلها ديناً في الذمة، فجعلوا الدراهم والدنانير أثماناً لهذا، والأعيان التي ليست من ذوات الأمثال كغير المكيلات والموزونات مبيعة أبداً، والمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة فهي مبيعة وثمن، فإن قابلها بالدراهم والدنانير فهي مبيعة، وإن كان في مقابلتها عين، فإن كانت المكيلات والموزونات معينة فهي مبيعة وثمن؛ لأن البيع لابد له من بيع وثمن، وليس أحدهما بأن يجعل مبيعاً بأولى من الآخر؛ لأن المكيل والموزون يتعينان في البياعات كالعروض، فجعلنا كل واحد منهما مبيعاً من وجه، ثمناً من وجه، وإن كانت المكيلات والموزونات غير متعينة، فإن استعملت استعمال الأثمان فهي ثمن، نحو أن يقول: اشتريت هذا العبد بكذا كذا حنطة، ويصف ذلك، وإن استعملت استعمال المبيع كان مبيعاً، بأن قال: اشتريت منك كذا حنطة بهذا العبد، فلا يصح العقد إلا بطريق السَّلم.
وذكر شيخ الإسلام خواهرزادة رحمه الله في شرح شهادات الجامع أن المكيل والموزون إذا لم يكن معيناً
(6)
فهو ثمن، دخل عليه حرف الباء أو لم يدخل؛ لأن المكيل والموزون من ذوات الأمثال حتى يضمن بالمثل في الإتلاف، فصار نظير الدراهم والدنانير، والدراهم والدنانير أثمان دخل عليها حرف الباء أو لم يدخل، فكذا المكيل والموزون، والفلوس بمنْزلة الدراهم والدنانير في أنها لا يتعين"
(7)
. وقوله:
(1)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 274).
(2)
[يوسف: 20].
(3)
الحسين بن مسعود، أبو محمد البغوي الفراء، الملقب بمحيي السنة، الحافظ، صاحب كتاب شرح السنة والتفسير وكتاب المصابيح، وغير ذلك، وهو إمام من أئمة أهل النقل، حسن التصانيف، كان من كبار الفقهاء المجتهدين، صنف عدداً من الكتب، منها:«معالم التنْزيل» و «مشكل القرآن» و «مصابيح السنة» ثم «شرح السنة» ، توفي في سنة ست عشرة وخمسمائة. التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد (ص: 251)، تاريخ إربل (2/ 87).
(4)
لم أجد هذا القول في تفسيره "معالم التنْزيل ".
(5)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 233).
(6)
"معيبا" في (ج).
(7)
المحيط البرهاني (6/ 274 - 275).
(وكذا إذا باع الخمر بالثوب)
[بيع الخمر بالثوب]
أي: يكون البيع فاسداً لا باطلاً، وإن كان فيه شبهة كون الخمر مبيعاً؛ لدخول الباء في الثوب، ولكن قد ذكرنا أن المكيلات والموزونات إذا كانت مبيعة فهي مبيعة وثمن، والكلام فيما إذا كان الخمر والثوب متعينين، فلما كانت في الخمر جهة الثمنية رجحنا جانب الفساد على جانب البطلان؛ صوناً لتصرف العاقلين المسلمين عن الإلغاء والبطلان بقدر الإمكان؛ لكونه مقايضة، المقايضة هي بيع العرض بالعرض، وسمي بها لتساوي العرضين في العينية، يقال: هما قيضان، أي: متساويان، كذا وجدت بخط الإمام تاج الدين الزرنوجي
(1)
رحمه الله.
[تكملة البيوع الفاسدة]
وبيع أم الولد، والمدبر والمكاتب فاسد (ومعناه: باطل
(2)
فإن قلت
(3)
: لو كان بيع هؤلاء باطلاً لكان بيع هؤلاء وبيع الحر سواء، من حيث إن بيع كل واحد منهما باطل، فحينئذ يجب أن يفسد البيع في القن إذا ضم مع هؤلاء في البيع، كما يفسد بيعه إذا ضم مع الحر، وليس كذلك، فإنه ذكر في المبسوط في باب البيوع الفاسدة
(4)
: "وإذا اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبر ومكاتب، أو اشترى جاريتين فإذا أحدهما أم ولد جاء البيع في الآخر، سواء سمى لكل واحد منهما ثمناً أو لم يسم"، وكذا أيضاً ذكره هكذا في الكتاب فيما بعد، فما وجهه؟.
قلت: المراد من معنى البطلان في قوله: ومعناه باطل هو أن لا يملك هؤلاء عند اتصال القبض بهم، كما يملك المبيع عند اتصال القبض به في سائر البياعات الفاسدة، من نحو ما باع عبداً على أن يعتقه المشتري أو يدبره، وكالبيع إلى النيروز والمهرجان
(5)
على ما يجيء، وكبيع الثوب بالخمر على ما مر، وأما هؤلاء -وهم أم الولد والمكاتب والمدبر - فلا يملكون ببيعهم، وإن اتصل القبض بهم، فكان هؤلاء والحر سواءً من هذا الوجه، فصح قوله: ومعناه باطل؛ إذ لو اقتصر على قوله: وبيع أم الولد والمدبر والمكاتب فاسد، لتوهم أنهم يملكون عند اتصال القبض بهم، والحكم بخلافه. وأما صحة بيع المضموم إليهم من القن في البيع فلكون هؤلاء محل البيع في الجملة على ما يجيء، فكان القن داخلاً في البيع لدخول هؤلاء في البيع؛ لاعتبار الصلاحية في الجملة، ثم يخرجون من حكم البيع بعد الدخول لاستحقاقهم نوع الحرية، فيبقى القن في البيع بحصته من الثمن، فالبيع بالحصة بقاء جائز، وإن لم يكثر ابتداءً على ما يجيء.
(1)
سبقت ترجمته ص 28.
(2)
قال أبو الليث السمرقندي في فتاوى النوازل ص 357: "لأنه ثبت استحقاقاً الحرية فيهم".
(3)
سقطتا من (ج).
(4)
المبسوط للسرخسي (13/ 4).
(5)
سيأتي معناهما في كلام المؤلف بعد ذلك.
وذكر في المبسوط في بيان صلاحية هؤلاء للدخول في البيع فقال
(1)
: "توضيحه أن البيع في المدبر ليس بفاسد على الإطلاق، بدليل جواز بيع المدبر من نفسه، فإنه إذا باع نفس المدبر من نفسه يجوز، بدليل أن القاضي إذا قضى بجواز بيع المدبر ينفذ قضاؤه، وكذلك المكاتب فإن بيعه في نفسه جائز، ولو باعه من غيره برضاه جاز في أصح الروايتين، وكذلك بيع أم الولد عن نفسها جائز، لو قضى القاضي بجواز بيع أم الولد نفذ قضاؤه عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ولم ينفذ عند محمد؛ لأن عند محمد رحمه الله إجماع التابعين على فساد بيعها برفع الخلاف الذي كان في عهد الصحابة، وعندهما ليس لإجماع التابعين من القوة ما يرفع الخلاف الذي كان بين الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-، فكان قضاءً في فصل مجتهد فيه". وقوله:
(لأن استحقاق العتق قد ثبت لأم الولد)
[سبب استحقاق العتق]
وتفسير حق العتق هو استحقاق لا يدخل عليه الإبطال، كذا في الجامع لفخر الإسلام رحمه الله
(2)
.
(«أعتقها ولدها»
(3)
وهذا اللفظ -وإن كان بظاهره يوجب العتق
(4)
- لكن حمل على حق العتق لا على حقيقته، لما ذكرنا في باب الاستيلاد من كتاب العتق
(5)
"وقالا: عليه قيمتهما، وهو رواية عنه، فالروايتان عن أبي حنيفة رحمه الله في حق المدبر، فروى المعلى
(6)
عن أبي حنيفة - رحمهما الله - أنه يضمن قيمة المدبر بالبيع كما يضمن بالغصب، وأما في حق أم الولد فاتفقت الروايات عن أبي حنيفة رحمه الله أنها لا تضمن بالبيع والغصب، والفرق لأبي حنيفة رحمه الله بين ضمان الغصب وبين ضمان البيع في المدبر، في رواية أن ضمان البيع إن كان يشبه ضمان الغصب من حيث إنه يدخل في ضمانه بالقبض، لكن لابد من اعتبار جهة البيع؛ لأن الملك إنما ثبت باعتبار هذه الجهة، وإذا لم يكن محلاً للبيع انهدرت هذه الجهة، فبقي قبضاً بإذن المالك، فلا يجب الضمان" كذا في الفوائد الظهيرية والجامع الصغير لقاضي خان
(7)
.
(1)
المبسوط للسرخسي (13/ 4 - 5).
(2)
هذا مخالف للأصل عندهم. انظر: تبيين الحقائق شرح كنْز الدقائق وحاشية الشلبي (4/ 45)، شرح فتح القدير (6/ 373).
(3)
أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب العتق، باب أمهات الأولاد، رقم (2517)، (3/ 560)، وكتاب السير، كتاب المكاتب، رقم 4233)، (4/ 400)، وأحمد في مسنده، رقم (2759)، (4/ 484)، وابن أبي شيبة في مصنفه كتاب البيوع والأقضية، بيع أم الولد إذا سقطت، رقم (21478)، (4/ 400). قال في المستدرك: حسين متروك، وقال في التلخيص: في إسناده حسين بن عبد الله، وهو ضعيف جدًّا. المستدرك على الصحيحين للحاكم (2/ 23). التلخيص الحبير (4/ 520).
(4)
"الحقيقي" في (ب) و (ج)، وهي في هامش (أ)" الإعتاق الحقيقي".
(5)
اللوح [418/ أ].
(6)
المعلى بن منصور، أبو يحيى الرازي، ذكره صاحب الهداية، وروي عن أبي يوسف ومحمد قال ابن سعد: كان صدوقاً، صاحب رأي وحديث وفقه. مات سنة إحدى عشرة ومائتين، قلت: لم يذكر روايته عن أبي حنيفة. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 178).
(7)
العناية شرح الهداية (6/ 407).
(وهذا الضمان به)
(1)
أي: بالقبض.
(فصار كمال المشتري)
(2)
"يعني إذا باع عبداً مع عبد المشتري من المشتري يقسم الثمن على قيمتهما، فيأخذ المشتري عبد البائع بحصته من الثمن، فيصبح البيع في حق عبد البائع"
(3)
، وهو الأصح ذكره في التتمة
(4)
وقال: إذا جمع بين ماله ومال غيره، وباع من ذلك الغير صفقة واحدة لا يجوز أصلاً، هكذا ذكر في بعض المواضع، وبه كان يفتي ظهير الدين رحمه الله وفي بعض المواضع أنه لا يبطل البيع في الآخر، وهو الأصح.
ولا يجوز بيع السمك قبل أن يصطاد
(5)
[بيع السمك في الماء]
هذه المسألة على وجهين، إما أن أخذها أولاً، ثم ألقاها في الحظيرة، أو لم يأخذ، فإن لم يأخذها لا يجوز بيعها؛ لأنه باع ما لا يملك إذ الصيد لا يملك قبل القبض، ألا ترى أن الصيد إذا باضت في أرض إنسان، أو أفرخت، أو تكسرت
(6)
في أرض إنسان لا يملكه صاحب الأرض ما لم يأخذ، وإذا أخذها ثم ألقاها في الحظيرة، فإن كانت الحظيرة كبيرة لا يمكن أخذها إلا بتكلف واحتيال لا يجوز؛ لأنه باع ما لا يقدر على تسليمه، فلا يجوز كبيع الآبق والفرس الغائر، الذي لا يمكن أخذه إلا بحيلة، وإن كانت الحظيرة صغيرة يمكن أخذها من غير تكلف واصطياد جاز؛ لأنه باع مملوكاً يقدر على تسليمه، وإذا سلمها إلى المشتري كان للمشتري خيار الرؤية، وإن كان رآها في الماء؛ لأن السمك يتفاوت خارج الماء، فصار كأنه اشترى ما لم يره، وكذا السمك إذا دخلت الحظيرة باحتياله بأن سد فوهة النهر حتى دخلت الحظيرة، أو سد موضع الدخول حتى لا يمكنها الخروج، فهو بمنْزلة ما لو أخذها بيده وألقاها في الحظيرة؛ لأنه لما احتال لدخولها على هذا الوجه، صار كأنه نصب الشبكة لأخذ الصيد، كذا في الجامع الصغير لقاضي خان
(7)
(1)
قال في الهداية: "قال: وإن ماتت أم الولد أو المدبر في يد المشتري فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة، وقالا: عليه قيمتهما، وهو رواية عنه لهما أنه مقبوض بجهة البيع، فيكون مضموناً عليه كسائر الأموال، وهذا لأن المدبر وأم الولد يدخلان تحت البيع حتى يملك ما يضم إليهما في البيع، بخلاف المكاتب؛ لأنه في يد نفسه فلا يتحقق في حقه القبض" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 972).
(2)
قال في الهداية: "وله أن جهة البيع إنما تلحق بحقيقة في محل يقبل الحقيقة، وهما لا يقبلان حقيقة البيع، فصارا كالمكاتب، وليس دخولهما في البيع في حق أنفسهما، وإنما ذلك ليثبت الهداية في حكم البيع فيما ضم إليهما، فصار كمال المشتري لا يدخل في حكم عقده بانفراده، وإنما يثبت حكم الدخول فيما ضمه إليه، كذا هذا" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 972).
(3)
العناية شرح الهداية (6/ 409).
(4)
قال في بدائع الصنائع (5/ 145): " ولو جمع بين ما هو مال، وبين ما ليس بمال في البيع بأن جمع بين حر، وعبد أو بين عصير، وخمر أو بين ذكية، وميتة، وباعهما صفقة واحدة، فإن لم يبين حصة كل، واحد منهما من الثمن لم ينعقد العقد أصلا بالإجماع، وإن بين فكذلك عند أبي حنيفة، وعندهما يجوز في العصير، والعبد، والذكية، ويبطل في الحر، والخمر، والميتة، ولو جمع بين قن، ومدبر أو أم ولد، ومكاتب أو بين عبده، وعبد غيره، وباعهما صفقة واحدة؛ جاز البيع في عبده بلا خلاف".
(5)
قال أحمد السمرقدي في كتاب معين الأمة: "ولا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه، كالطير في الهواء، والسمك في الماء، والعبد الآبق، بالاتفاق". (2/ 12).
(6)
"تكنس" في (ب).
(7)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 328).
(إلا إذا اجتمعت فيها بأنفسها)
أي: اجتمعت السماك في الحظيرة بأنفسها من غير أن يأخذها أحد.
(ولم يسد عليها المدخل)
(1)
"لا يجوز بيعها، وفيه إشارة إلى أنه لو سد صاحب الحظيرة
(2)
عليها المدخل ملكها، وأما إذا لم يسد عليها المدخل فلا يملكها/ صاحب الأرض بمجرد الاجتماع في ملكه، ألم تر أنه لو باض الطير فيها أو أفرخت لم يملكه لعدم الإحراز، فهنا أولى.
فإن قلت: يشكل على هذا ما لو عسَّل النحل في أرضه، فإن العسل يكون له بمجرد اتصال العسل بملكه من غير أن يحرزه، أو يهيئ له موضعاً.
قلت: إن النحل لما عسَّل في أرضه صار العسل قائماً بأرضه على وجه القرار، فصار تابعاً لأرضه كالشجر والزرع، ينبت فيها فلذلك كان العسل لصاحب الأرض، بخلاف بيض الطير وفرخها، والسماك المجتمعة في الأرض بأنفسها، فإنها ليست فيها على وجه القرار "
(3)
، إما حالاً وإما مآلاً، إلى هذا أشار الإمام التمرتاشي رحمه الله ثم فرع على هذا مسائل فقال: هذا كله إذا لم يكن هيأ أرضه للاصطياد، أما إذا هيأ بأن حفر بئراً للصيد فوقع فيها، أو نصب شبكه فتعقل
(4)
(5)
فيها، أو هيأ موضعاً ليجعل الطير ثمة وكراً فهو له؛ لأنه صار آخذا حكماً. وكذا لو دخل الصيد داره فأغلق عليه الباب كان الصيد له، وفي النوازل
(6)
(7)
"بسط ذيله عند النثَّار
(8)
ليقع فيها ما نثر، أو وضع الطست ليقع فيه المطر فهو له؛ لأنه أحرزه، وكذا لو هيأ أرباب المواشي مرابض لمواشيهم ليجتمع بعرها فهم أحق بها، وكذا لو كانوا يجمعون، وفي غير هذا فهم وسائر الناس في الأخذ سواء، وفي فتاوى الفضلي: أهل الشبكة كانوا يرمون بالرماد والتراب والسرقين في ساحة هي ملك لرجل، أن ذلك لمن سبق بالرفع سواء هيأ المكان له أو لا"
(9)
.
(1)
قال في الهداية: "قال: ولا يجوز بيع السمك قبل أن يصطاد؛ لأنه باع مالاً يملكه، ولا في حظيرة إذا كان لا يؤخذ إلا بصيد؛ لأنه غير مقدور التسليم، ومعناه إذا أخذه ثم ألقاه فيها لو كان يؤخذ من غير حيلة جاز، إلا إذا اجتمعت فيها بأنفسها ولم يسد عليها المدخل لعدم الملك" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 973).
(2)
" الأرض" زيادة في (ج).
(3)
العناية شرح الهداية (6/ 410).
(4)
فتعقل، فاعتقل فيها حبس فيها. هذا من هامش (أ).
(5)
"شريره" زيادة في (ج).
(6)
النوازل للفقيه أبي الليث السمرقندي. الطبقات السنية في تراجم الحنفية (ص: 12).
(7)
"النوادر" في (ج). ولعل هذا الصحيح لأني لم أجد هذا القول في كتاب النوازل.
(8)
النثار: ما يتناثر من الشيء كالسقاط اسم لما يسقط، والضم لغة تشبيهاً بالفضلة التي ترمى، وقيل: نثارة الحنطة والشعير. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/ 592)، تاج العروس (14/ 171).
(9)
شرح فتح القدر (6/ 375).
(ولو أرسله من يده)
(1)
أي: لو أخذ الصيد ملكه، ثم لو أرسله فباعه بعد ذلك لا يجوز أيضاً، وإن كان ملكه غير مقدور التسليم، فكان عدم جواز البيع قبل الأخذ لعلتين، وهما: عدم الملك، وعدم القدرة على التسليم، وبعد الأخذ عدم الجواز للعلة الثابتة، وهي عدم قدرته على التسليم، "وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله: ولو باع طيراً يذهب ويجيء كالحمام، فالظاهر أنه لا يجوز، وذكر في فتاوي قاضي خان: وإن باع طيراً له يطير في الهواء، إن كان داجناً يعود إلى بيته ويقدر على أخذه من غير تكلف جاز بيعه، وإلا فلا"
(2)
.
[بيع الحمل ونتاجه]
ولا بيع الحمل بسكون الميم، أي: لا يجوز بيع الجنين، ثم ذكر النتاج بعده بقوله:
(ولا النتاج) يعني نتاج الحمل، وهو حبل الحبلة في الحديث، يقال: نتجت الناقة على ما لم يسم فاعله ينتج نتاجاً، وقد نتجها أهلها نتجاً، والنتاج في الأصل مصدر نتجت الناقة -بالضم- ولكن أريد به المنتوج ههنا، وأما الحديث نهى عن حبل الحبلة
(3)
، "والحبل مصدر حبلت المرأة حبلاً، فهي حبل، فسمي به المحمول
(4)
كما سمي بالحمل، وإنما أدخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه؛ لأن معناه أن يبيع ما سوف يحمله الجنين إن كان أنثى، ومن روى الحبلة -بكسر الباء- فقد أخطأ"، كذا في الصحاح
(5)
والمغرب
(6)
.
وذكر في المبسوط
(7)
: "فمنهم من يروي الحبلة -بالكسر- فيتناول بيع الحمل، ومنهم من يروي بفتح الحبلة، فيكون المراد بيع ما يحمل هذا الحمل أو ولدت، ثم حبلت ولدها، فالمراد بيع حمل ولدها، وكانوا في الجاهلة يعتادون ذلك، فأبطل ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهيه عن بيع المضامين
(8)
والملاقيح
(9)
، وعن بيع حبل الحبلة"
(10)
.
(1)
قال في الهداية: "قال: ولا بيع الطير في الهواء؛ لأنه غير مملوك قبل الأخذ، وكذا لو أرسله من يده لأنه غير مقدور التسليم" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 973).
(2)
شرح فتح القدير (/ 377).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع حبل الحبلة» ، وكان بيعاً يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها، كتاب البيوع، باب بيع الغرر وحبل الحبلة، رقم (2143)، (7/ 70)، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم حبل الحبلة، رقم (5 - 1514)، (3/ 1153).
(4)
"المجهول" في (ج).
(5)
ينظر: الصحاح (4/ 1665).
(6)
المغرب (1/ 101 - 102).
(7)
المبسوط للسرخسي (12/ 195).
(8)
المضامين ما في أصلاب الفحول. غريب الحديث للقاسم بن سلام (1/ 208)، جمهرة اللغة (1/ 559).
(9)
الملاقيح ما في البطون، وهي الأجنة والواحدة منها ملقوحة. غريب الحديث للقاسم بن سلام (1/ 208)، جمهرة اللغة (1/ 559).
(10)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، باب العين، من طريق عكرمة عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة» برقم (11851)، (11/ 230)، وكذا البزار (عن ابن عباس) ورواه البزار عن ابن عمر، قال الهيثمي: فيه إبراهيم بن إسماعيل بن جبيبة: وثقه أحمد، وضعفه جمهور الأئمة، وأخرجه عبدالرزاق، قال ابن حجر: وسنده قوي. فيض القدير (6/ 307)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 104)، الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 149).
ولأن فيه غرراً. قال شيخي رحمه الله: الغرر ما طوى عنك علمه، وذكر في المبسوط
(1)
: "الغرر ما يكون مستور العاقبة". وذكر في المغرب: "في الحديث نهي عن بيع الغرر
(2)
، هو الخطر الذي لا يدري أيكون أم لا، كبيع السمك في الماء، والطير في الهواء"
(3)
.
ولا اللبن في الضرع
(4)
لا كيلاً ولا مجازفة، والإعراب في "ولا اللبن" الرفع والجر، على حذف المضاف، وهو البيع، وإبقائه تقديراً، وكذلك:
في الصوف على ظهر الغنم بالرفع والجر، وربما يزداد
(فيختلط المبيع بغيره)
[بيع ما يزداد]
يعني "أن اللبن يزداد ساعة فساعة، وتلك الزيادة لا يتناولها البيع، واختلاط المبيع بما ليس بمبيع من ملك البائع على وجه يتعذر تميزه مبطل للبيع، ثم تمكن المنازعة بينهما في التسليم؛ لأن المشتري يستقصي في الحلب
(5)
والبائع يطالبه بأن يترك [داعية اللبن" كذا في المبسوط
(6)
.
(لأنه من أوصاف الحيوان)
لأن الصوف قبل الجزاز وصف الحيوان؛ لأن ما يكون]
(7)
متصلاً بالحيوان هو وصف محض بخلاف ما يكون متصلاً بالشجر هو عين مال مقصود من وجه، فيجوز بيعه لذلك، وقوله: (ولأنه
(8)
ينبت من أسفل)
بالضم على البناء، كقوله تعالى:{مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}
(9)
؛ لأنه من الجهات الست فيبنى على الضم عند اقتطاع ما أضيف هو إليه
(10)
كأخواته.
(1)
المبسوط (12/ 194)، (13/ 68).
(2)
سبق تخريجه ص 150.
(3)
المغرب (1/ 338).
(4)
قال في الهداية "قال: "ولا اللبن في الضرع" للغرر فعساه انتفاخ، ولأنه ينازع في كيفية الحلب، وربما يزداد فيختلط المبيع بغيره " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 973).
(5)
سقطتا من (ب).
(6)
المبسوط (12/ 195).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(8)
سقط من (ب).
(9)
جزء من قوله تعالى: {فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: 4].
(10)
الجهات الستّ، كخَلْفٍ، وقُدّام، وفَوْقٍ، وتَحْتٍ، ويَمْنَةٍ، ويَسْرَةٍ، ووَراءٍ، ومكانٍ، ونحو ذلك، وإنما كانت الجهات الست مبهمة من حيث كانت متوقفة في معقوليتها على ما تضاف إليه مثل: فوق وتحت وأمام وخلف، فحمل عليه من ظروف المكان ما كان متوقفاً في معقوليته على مضافه مثل: لدى وعند وتلقاء وتجاه وحذاء ووسط وبين، ونحو ذلك.
شرح المفصل لابن يعيش (1/ 426)، أمالي ابن الحاجب (2/ 566)، شرح شافية ابن الحاجب (1/ 169).
(بخلاف القوائم
(1)
(2)
حيث يجوز بيعها.
(لأن القوائم يزيد من أعلاه)
(3)
حتى لو ربطت خيطاً في أعلاها وتركت أياماً يبقى الخيط/ أسفل مما في رأسها الآن، وإلا على ملك المشتري وما وقع من الزيادة يقع في ملك المشتري، فلا يختلط المبيع مع غيره، فيجوز بيعها لذلك، أما الصوف فإن نموه في أسفله فيلزم الاختلاط.
وقال في المبسوط
(4)
: "وذلك يبين فيما إذا خضب الصوف على ظهر الشاة ثم تركه حتى نما"، فالمخضوب يبقى على رأسه لا في أصله.
القوائم (خادها)
(5)
وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل
(6)
رحمه الله يقول: الصحيح عندي أن بيع قوائم الخلاف لا يجوز؛ لأن وإن كان نحو من أعلاه، فموضع القطع مجهول، [فهو كمن اشترى شجرة على أن يقطعها لا يجوز؛ لأن موضع القطع مجهول]
(7)
، "وبيع الكراث يجوز، وإن كان ينمو من أسفله للتعامل"
(8)
كذا في التمتمة.
[علة بطلان بيع الصوف على ظهر الغنم]
(والقطع في الصوف
(9)
يتعين فيقع التنازع في موضع القطع)
يعني فلذلك لا يجوز.
فإن قلت
(10)
: هذا التعليل أوله مع آخره يترآ أي متناقضاً؛ لأنه ذكر أولاً تعين القطع، ثم ذكر آخراً وقوع التنازع لذلك، والتعين مناف للتنازع، فكيف يكون سبباً له؟ وعن هذا غيَّر بعضهم لفظ الكتاب بقوله: والقطع في الصوف غير متعين.
قلت: أخطأ من غيَّر ذلك خطأً فاحشاً، وذلك؛ لأن المصنف رحمه الله إنما ذكر تعين القطع في الصوف بمقابلة مسألة القصيل
(11)
(12)
التي ذكر قبل هذا؛ ليقع الفرق بين مسألة القصيل وبين مسألة الصوف، ولهذا لم يقل: وموضع القطع في الصوف متعين، بل قال: والقطع في الصوف متعين، أي: القصيل يقطع ويقلع، فلو وقع التنازع في القصيل من حيث القطع فلا يقع من حيث القلع، وأما الصوف فالقطع متعين، ولم يعهد القطع، وهو النتف منه، فبعد ذلك يقع التنازع في موضع القطع، فلذلك لا يجوز بيع الصوف لأدائه إلى التنازع. وأيد ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعه على ظهر الغنم
(13)
على ما ذكر في الكتاب
(14)
. وذكر في شرح الطحاوي أصلاً لجنس هذه المسائل، فقال: "والأصل إذا باع شيئاً وهو في غلافه قبل الإزالة؛ فإنه لا يجوز إلا الحنطة في سنبلها، أو سائر الحبوب في سنابلها، والذهب في ترابه، أو الفضة في ترابها، بخلاف جنسه من الثمن، وأما الذي لا يجوز في غلافه فما كان إذا باع لبناً في الضرع أو لحماً في الشاة الحية، أو شحمها وإليتها، أو أكارعها، أو جلودها، أو باع دقيقاً في هذه الحنطة، أو سمناً في اللبن، وما أشبه ذلك من
(1)
قوائم الخلاف -بالكسر وتخفيف اللام- نوع من الصفصاف، والصفصاف يورق ولا يثمر. ينظر: حاشية ابن عابدين (5/ 63)، (1/ 301).
(2)
"شاخهاى درخت" في هامش (أ).
(3)
قال في الهداية: "وبخلاف القصيل؛ لأنه يمكن قلعه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 973).
(4)
المبسوط للسرخسي (12/ 195).
(5)
لم أجد لها ترجمة.
(6)
محمد بن الفضل أبو بكر الفضلي الكماري، تفقه على الأستاذ أبي محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب السبذموني مات ببخارى يوم الجمعة لست بقين من شهر رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة وهو ابن ثمانين سنة رحمه الله تعالى. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 108).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(8)
نقله صاحب البناية عن الفتاوى الصغرى، البناية شرح الهداية (8/ 149).
(9)
"فيه" زيادة في (ب).
(10)
"قيل" في (ب).
(11)
القصل: قطع الشيء، ومنه القصيل، وهو الفصيل، وهو الشعير يجز أخضر لعلف الدواب، والفقهاء يسمون الزرع قبل إدراكه قصيلاً، والقصيل: الزرع يقصل، أي: يقطع. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 19)، المغرب في ترتيب المعرب (ص: 387).
(12)
"الفصل" في (ج).
(13)
قال الزيلعي: روي موقوفاً، ومرفوعا مسنداً، ومرسلاً، فالمرفوع المسند: رواه الطبراني في معجمه عن ابن عباس، قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم، ولا يباع صوف على ظهر، ولا لبن في ضرع" برقم (11935)، (11/ 338)، والدارقطني في سننه، كتاب البيوع، رقم (2835)، (3/ 400)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب جماع أبواب الخراج بالضمان والرد بالعيوب وغير ذلك، باب ما جاء في النهي عن بيع الصوف على ظهر الغنم، واللبن في ضروع الغنم، والسمن في اللبن، رقم (10857)، (5/ 555). قال البيهقي: تفرد برفعه عمرو بن فروخ، وليس بالقوي. قال في البدر المنير: قلت: تفرد بهذه المقالة فيه، وقد وثقه ابن معين وأبو حاتم، ورضيه أبو داود. نصب الراية (4/ 11)، البدر المنير (6/ 462).
(14)
قال في الهداية: "وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الصوف على ظهر الغنم، وعن لبن في ضرع، وسمن في لبن، وهو حجة على أبي يوسف في هذا الصوف؛ حيث جوز بيعه، فيما يروى عنه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 973).
الأشياء التي في خلقتها من حيث لا يكون
(1)
أخذها وقبضها إلا بإفساد الخلقة"
(2)
.
وجذع في سقف وذراع في ثوب
(3)
[بيع ما لا يمكن تسليمه إلا بضرر]
أي: لا يجوز بيع جذع من سقف وذراع من ثوب، ولكن لو نزع الجذع وسلم يعود صحيحاً، وكذلك في الثوب إذا قطع البائع الذراع من الثوب وسلمه إلى المشتري يعود صحيحاً، ثم عدم الجواز في الثوب قبل القطع والتسليم إذا كان ثوباً يضره التبعيض، والقطع كالقميص والعمامة، وأما الكرباس
(4)
فلا، بل يجوز فيه بيع ذراع منه، كما يجوز بيع قفيز من صبرة، كذا ذكره الإمام العتابي
(5)
رحمه الله وغيره
(6)
.
وأما الجذْع (فعين)
(7)
غير
(8)
موجود، فلذلك لا
(9)
يجوز فيما إذا قلع الجذع وسلمه، بخلاف بزر
(10)
البطيخ.
فإن قلت: هذا يشكل بما لو باع جلد الشاة المعينة قبل الذبح، فإنه لا يجوز، ولو ذبح الشاة وسلخ جلدها وسلمه لا ينقلب البيع إلى الجواز وإن كان الجلد عيناً موجوداً، وكذلك لو باع كرشها أو كارعها ثم ذبح الشاة وسلم كرشها، وأكارعها إلى المشتري لا ينقلب إلى الجواز وإن كان موجوداً.
قلت: لجنس هذه المسائل علتان مستقلتان، لكل واحدة منهما تأثير في سلب الجواز، أحديهما وهي: ما ذكر في الكتاب.
[بيع المغيبات]
(بأن في وجودهما احتمالاً)
(11)
، أي: هو شيء مغيب، وهو في غلافه، فلا يجوز بيعه، على ما ذكر في شرح الطحاوي، وذلك يستقيم في نوى التمر وبزر البطيخ.
(1)
"يمكن " في (ب).
(2)
البحر الرائق شرح كنْز الدقائق (6/ 81).
(3)
"ولكن الثوب" زيادة في (ج).
(4)
سبق ص 119.
(5)
أحمد بن محمد بن عمر، أبو نصر، وقيل: أبو القاسم، زين الدين، العتابي -نسبة إلى العتابية، أو عتابة: محلة ببخارى- كان من العلماء الزاهدين، أوحد المتبحرين في علوم الدين، مات يوم الأحد من سنة ست وثمانين وخمسمائة ببخارى. التراجم لابن قطلوبغا (ص 103)، الفوائد البهية (ص 66).
(6)
ذكره الطحاوي. فتح القدير (6/ 378).
(7)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(8)
سقط من (ب).
(9)
سقط من (ب).
(10)
كل حب يزرع يقال له: بذر وبزر. البزر: كل حب ينثر للنبات، تقول: بزرته وبذرته. تهذيب اللغة (13/ 134)، مجمل اللغة (ج 1/ ص 125).
(11)
قال في الهداية: "ذكرا القطع أو لم يذكراه"؛ لأنه لا يمكن التسليم إلا بضرر، بخلاف ما إذا باع عشرة دراهم من نقرة فضة؛ لأنه لا ضرر في تبعيضه، ولو لم يكن معيناً لا يجوز؛ لما ذكرنا، وللجهالة أيضاً، ولو قطع البائع الذراع أو قلع الجذع قبل أن يفسخ المشتري يعود صحيحاً لزوال المفسد، بخلاف ما إذا باع النوى في التمر أو البذر في البطيخ حيث لا يكون صحيحاً. وإن شقهما وأخرج المبيع؛ لأن في وجودهما احتمالاً، أما الجذع فعين موجود" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 974).
والثانية: هي أن يكون المبيع وإن كان موجوداً لكنه متصل بغير المبيع اتصال خلقة وكان تابعاً له، فكان العجز عن التسليم هناك [معنى أصلياً، لا أنه اعتبر عاجزاً حكماً لما فيه من إفساد شيء غير مستحق]
(1)
بالعقد، وذلك يستقيم في الجلد
(2)
والأكارع، بخلاف الجذع فإنه عين مال في نفسه، وإنما يثبت الاتصال بينه وبين غيره بعارض فعل العباد، إلا أنه عد عاجزاً عن التلسيم حكماً؛ لما فيه من إفساد دين غير مستحق بالعقد، فإذا انقلع والتزم الضرر زال المانع فيجوز.
فإن قلت: ما الفرق بين بعض المغيبات من المبيع فيجوز بيعها كالحنطة في سنبلها وسائر الحبوب في سنابلها، وبين بعضها فلا يجوز بيعها، كحب القطن في قطن بعينه، ونوى تمر بعينه على ما ذكر في شرح الطحاوي؟.
قلت: الفرق فيه هو أن في كل موضع يصح إطلاق اسم ذلك/ المبيع الذي باعه عليه وعلى ما يتصل به يجوز البيع، إعمالاً لتصحيح لفظه وما لا فلا، ثم الحنطة وإن كانت في سنبلها صح أن يقال: هذه حنطة، وكذلك في سائر الحبوب، يقال: هذه ذرة،
وهذا أرز، وأما في حب القطن فلا يجوز أن يقال
(3)
: هذا حب وهو في القطن [وإنما يقال: هذا قطن]
(4)
، وكذلك في بزر البطيخ ونوى التمر لا يقال: هذا بزر، بل يقال: هذا بطيخ، وهذا تمر، هذا كله فيما أشار إليه في الذخيرة
(5)
.
"ضرب الشبكة على الطائر ألقاها عليه، ومنه نهى عن ضربة القانص
(6)
وهو الصائد، وفي تهذيب الأزهري
(7)
عن ضربة القانص، وهو الغواص على اللآلي، وذلك أن يقال للتاجر: أغوص لك غوصة فما أخرجت فهو لك بكذا"
(8)
.
والمزابنة: المدافعة من الزَّبْن، وهو الدفع، وسمي هذا النوع من البيع بها؛ لأنها تؤدي إلى النِّزاع والدفاع، "خرص النخلة حرز ما فيها خرصاً" في حد نصر كذا في المغرب
(9)
.
وقوله: ولأن فيه غرراً
(10)
(1)
ما بين معوقفتين سقط من (ب).
(2)
" الجملة" في (ج).
(3)
سقطتا من (ب).
(4)
ما بين المعوقوفتين سقط من (ب).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (6/ 414).
(6)
قال في الهداية: "وضربة القانص "وهو ما يخرج من الصيد بضرب الشبكة مرة؛ لأنه مجهول ولأن فيه غرراً" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 974).
(7)
تهذيب اللغة (12/ 18).
(8)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 281).
(9)
المغرب في ترتيب المعرب (1/ 142).
(10)
هذا المتن متأخر عن مكانه فهو قبل الكلام في بيع المزابنة كما في الهداية.
لأنه يجوز أن لا يدخل في الشبكة شيء من الصيد.
[بيع المزابنة]
وبيع المزابنة وهو: بيع التمر على النخل بتمر مجذوذ
الأول بالتاء المنقوط بالثلاث، والثانية بالتاء المنقوطة باثنتين، كذا وجدت بخط شيخي وخط الإمام الزرنوجي -رحمهما الله -، ولأن ما على رؤوس النخيل لا يسمى تمراً، بل رطباً، وإنما التمر هو المجذوذ، وأما التمر فعام.
مثل كيله خرصاً
(1)
أي: مثل كيل التمر الذي على رأس النخيل من التمر المجذوذ من حيث الجزء والظن لا من حيث الكيل الحقيقي أو الوزن الحقيقي؛ لأنه وجد الكيل الحقيقي في البدلين لم يبق التمر على رؤوس النخيل، بل يكون حينئذ تمراً مجذوذاً كالذي يقابله من المجذوذ، فكان انتصاب خرصاً على التميز من مثل كيله، فلا يجوز بطريق الخرص؛ لأن فيه شبهة الربا والشبهة في باب الربا ملحقة بالحقيقة في التحريم.
[وقال الشافعي رحمه الله: يجوز فيما دون خمسة أوسق
ولا يجوز]
(2)
فيما زاد على خمسة أوسق، وله
(3)
في مقدار خمسة أوسق قولان
(4)
.
فقال
(5)
:
وهو أن يباع بخرصها تمراً
بالنصب على التميز من يخرصها، فإن قوله: أن يباع مسند إلى ضمير راجع إلى التمر الذي على رأس النخل؛ لأن الكلام فيه، وأنت ضميره البارز في يخرصها على أنه جمع الثمرة، وفي مثله يجوز التذكير والتأنيث لما عرف، فكان تقديره.
(وهو)
أي: بيع العرايا
(6)
.
(أن يباع)
التمر التي على رأس النخل.
(فجذرها
(7)
تمراً)
أي: بتمر مجذوذ مثله جزراً، وحجتنا في رد ما قاله الشافعي من الحل في خمسة أوسق في بيع التمر على رؤوس النخيل بتمر مجذوذة مثله
(8)
حرزاً قوله: صلى الله عليه وسلم «والتمر بالتمر، كيل بكيل»
(9)
، وما على رؤس النخيل تمر فلا يجوز بيعه بالتمر إلا كيلاً بكيل، وهذا الحديث عام متفق على قبوله، فيترجح على الخاص المختلف في قبوله والعمل به.
(1)
قال في الهداية: "لأنه عليه الصلاة والسلام «نهى عن المزابنة والمحاقلة» فالمزابنة ما ذكرنا، والمحاقلة بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصاً؛ ولأنه باع مكيلاً بمكيل من جنسه، فلا تجوز بطريق الخرص كما إذا كانا موضوعين على الأرض، وكذا العنب بالزبيب على هذا " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 974).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(3)
ويقصد به الشافعي.
(4)
مختصر المزني (8/ 179)، اللباب في الفقه الشافعي (ص: 237)، الحاوي الكبير (5/ 216).
(5)
سقط من (ب).
(6)
العرية مأخوذة من عري يعرى، كأنها عريت من جملة التحريم فعريت أي: خلت وخرجت منها فهي عرية: فعيلة بمعنى فاعلة، وهي بمنْزلة المستثناة من الجملة، وجمعها العرايا. تهذيب اللغة (3/ 99).
(7)
في متن الهداية في النسخة التي عندي " بخرصها ".
(8)
سقط من (ب).
(9)
هذا جزء من حديث "أبي سعيدٍ الخدريِّ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «التمرُ بالتمرِ، والذهبُ بالذهبِ، والفضةُ بالفضةِ، والسُّلتُ بالسُّلتِ، كَيلاً بكَيلٍ، وزناً بوزنٍ» . فقالَ له رجلٌ: فإنَّ صاحبَ تمرِكَ يَبيعُ ويَزيدُ، فنَهاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلكَ، وقالَ:«بِعْ بثمنٍ واشتَرِ به تمراً» . المخلصيات (2/ 277).
وأما العرية التي فيها الرخصة بقوله:
[معنى العرايا وفيما تكون]
(ورخص في العرايا)
فهي العطية دون البيع، قال صلى الله عليه وسلم للخرّاجين:«خففوا في الخرص فإن في المال العرية والوصية»
(1)
، والمخروص له
(2)
لا يستحق التخفيف بسبب البيع، بل بسبب العطاء، وقال القائل في صفة النخلة: فليست بسنهاء ولا رجبية، ولكن عرايا في السنين الحوائج
(3)
، والافتخار بالعطاء دون البيع، وتفسير العرية أن يهب الرجل ثمرة نخلة من بستانه لرجل ثم يشق على المعرِى دخول المعرَى له في بستانه كل يوم؛ لكون أهله في البستان، ولا يرضى من نفسه خلف الوعد والرجوع في الهبة، فيعطيه مكان ذلك تمراً مجذوذ بالخرص، فيدفع ضرره عن نفسه، ولا يكون مخلفاً للوعد، وهذا عندنا جائز؛ لأن الموهوب لم يصر ملكاً للموهوب له ما دام متصلاً بملك الواهب، فما يعطيه من التمر لا يكون عوضاً عنه، بل هبة مبتدأة، وإنما سمى ذلك بيعاً مجازاً؛ لأنه في الصورة عوض يعطيه للتحرز عن خلف الوعد، واتفق إن ذلك كان فيما دون خمسة أوسق فظن الراوي أن الرخصة مقصورة على هذا فنقل كما وقع عنده، والقياس معنا في المسألة؛ لأنه باع مكيلاً بمكيل من جنسه، فلا يجوز بطريق الخرص، كما لو كانا موضوعين على الأرض، أو كان على رؤس النخيل، وكما في سائر المكيلات من الحنطة والشعير فإنه لو باع الشعير المستحصد بشعير مثله بطريق الخرص لم يجز، وكذلك الحنطة إنما سميت عرية؛ لأن فيها معنى الإتيان من "عروت الرجل، أي: أتيته طالباً معروفه عرواً، فكانت العرية هي النخلة يعريها صاحبها رجلاً محتاجاً أي: يجعل له ثمرتها عامها؛ لأنها تؤتى للاجتناء، وكذا قالوا للمعرى: العاري والمعتري، وقيل لأنها عريت من التحريم، أو لأنه لما وهبه ثمرتها فكأنه جردها من الثمرة، فعلى الأول فعيله بمعنى مفعولة، وهو الصحيح، وعلى الثاني بمعنى فاعله،
"والشعر لسويد ابن الصامت
(4)
، وهو أقوى شاهد/ لما قلنا من تفسير العرية؛ لأنه لو كان الأمر كما
(1)
أخرجه أبو داود في مراسيله، كتاب الطهارة، باب الصلاة رقم (116)، (1/ 221)، قالَ أَبُو دَاوُدَ: الصَّحِيحُ الوَطِيَّةُ، يَعْنِي مَنْ يَغْشَى الأَرْضَ وَيَأْكُلُ مِنْهَا. قال العيني" قلت: إسناده صحيح، وهو مرسل، والمرسل حجة عندنا". عمدة القاري شرح صحيح البخاري (11/ 302)، إتحاف المهرة رقم (25354)، (19/ 559).
(2)
سقط من (ب).
(3)
بيت من الشعر سيأتي ذكر قائله في المتن.
(4)
سويد بن الصامت بن خالد بن عقبة بن خوط بن حبيب بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي، شك في إسلامه وكان شاعراً محسناً كثير الحكم في شعره، وكان قومه يدعونه الكامل، لحكمة شعره وشرفه فيهم، وهو القائل:
ألا رب من تدعو صديقاً ولو ترى مقالته بالغيب ساءك ما يفري
مقالته كالشهد ما كان شاهداً
…
وبالغيب مأثور على ثغرة النحر
قال الذهبي: فإن صحّ ما قالوا لم يعدّ في الصحابة؛ لأنه لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً. أسد الغابة (2/ 595)، الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 247).
تزعموا لما كان هنا مدحاً. السنهاء النخلة التي تحمل سنة وسنة، الرُجبية -بضم الراء، وفتح الجيم- هي النخلة التي بنى حولها رحبة، وهي جدارٌ، أو نحوه؛ لتعتمد عليه؛ لثقلها، أو لضعفها، والجوائح جمع جائحة، وهي السَّنه المجدبة"، كذا في المبسوط والمغرب
(1)
، وأسند الشعر إلى حسان بن ثابت
(2)
في شرح الطحاوي
(3)
.
(فيكون براً مبتدأ)
(4)
أي: فيكون إعطاء المعري الثمر المجذوذ براً مبتدأ التساوم، في السوم يقال: سام البائع السلعة أي: عرضها وذكر ثمنها وسامها المشتري بمعنى استامها سوماً.
(فإذا لمسها المشتري)
(5)
أي: السلعة أي (لزم البيع)
(6)
، رضي البائع أو لم يرض.
[بيوع الجاهلية]
(وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم «من بيع الملامسة والمنابذة»
(7)
(1)
المغرب في ترتيب المعرب (ص/ 313)، المبسوط للسرخسي (12/ 193).
(2)
حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا الوليد، وهو الأشهر، يقال له: شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي حسان قبل الأربعين في خلافة علي، وقيل: بل مات سنة خمسين، وقيل: سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة. أسد الغابة (1/ 253 - 254)، الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 55).
(3)
في شرح مختصر الطحاوي (3/ 44) لم يسنده الى حسان بن ثابت بل قال: "ويدل عليه قول الشاعر" ثم ذكر وصف النخلة.
(4)
قال في الهداية: " قلنا: العرية: العطية لغة، وتأويله أن يبيع المعرى له ما على النخيل من المعري بتمر مجذوذ، وهو بيع مجازاً؛ لأنه لم يملكه فيكون براً مبتدأ". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 975).
(5)
قال في الهداية: "قال: "ولا يجوز البيع بإلقاء الحجر والملامسة والمنابزة، وهذه بيوع كانت في الجاهلية، وهو أن يتراوض الرجلان على سلعة، أي: يتساومان، فإذا لمسها المشتري، أو نبذها إليه البائع، أو وضع المشتري عليها حصاة لزم البيع؛ فالأول بيع الملامسة، والثاني المنابذة، والثالث إلقاء الحجر" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 975).
(6)
في (ب).
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع المنابذة، رقم (2146)، (3/ 70) وله شاهد آخر في كتاب اللباس، باب اشتمال الصماء، رقم (5820)، (7/ 147) حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عامر بن سعد، أن أبا سعيد الخدري، قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين، وعن بيعتين، نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع» والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك. والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخر ثوبه، ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض، واللبستين: اشتمال الصماء، والصماء: أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب. واللبسة الأخرى: احتباؤه بثوبه وهو جالس، ليس على فرجه منه شيء.
وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب إبطال بيع الملامسة والمنابذة، رقم (1511)، (3/ 1151).
والحديث لم يتعرض لبيع القاء الحجر، ولكن الحق هو بيع الملامسة والمنابذة بطريق الدلالة (ولأن فيه تعليقاً بالحظر). لأنه صار بمنْزلة ما إذا قال البائع للمشتري: أي ثوب ألقيت الحجر عليه فقد بعته، فكان فيه تعليق البيع بإلقاء الحجر، وكذلك في غيره
(1)
.
[بيع الكلأ وإجارته]
الكلأ "واحد الأكلاء، وهو ما رعته الدواب من الرطب واليابس "كذا في المغرب
(2)
والمراد الكلأ، وإنما احتاج إلى هذا التفسير؛ لأن لفظ المرعى يقع على موضع الرعي، وهو الأرض، وعلى الكلأ، وعلى مصدر رعي كالرعي، كذا في الصحاح
(3)
(4)
، ولو لم يفسر بالكلأ لوقع على أرضه، وهو لا يصح؛ لأن بيع الأراضي جائز، سواء كان فيه الكلأ، أو لم يكن؛ لاشتراك الناس فيه بالحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«الناس شركاء في الثلاث: الماء، والكلأ، والنار»
(5)
.
فالمشتري لم يستفد
(6)
بهذا العقد شيئاً لم يكن فيبطل، ومعنى الحديث أي "لهم الانتفاع بضوءها والاصطلاء
(7)
بها، والشرب، وسقي الدواب، والاستقاء من الآبار والحياض والأنهار المملوكة، والاحتشاش من الأراضي المملوكة، وله أن يمنع أحداً من الدخول في أرضه، فإذا منعه
(8)
لغيره أن يقول له: وإن لي في أرضك حقاً، فإما أن توصلني إلى حقي، أو تحتشه فتدفعه إليَّ، أو تدعني آخذ، كثوب لرجل (وقع في دار رجل)
(9)
، وكذا حوض
(10)
في كرم
(11)
، وإن باعه بعدما أحرزه جاز؛ لأنه صار أخص به من غيره، فجاز بيعه"، كذا ذكره الإمام قاضي خان والإمام التمرتاشي
(12)
.
(1)
قال في الهداية: "قال: (ولا يجوز بيع ثوب من ثوبين)؛ لجهالة البيع، ولو قال: على أنه بالخيار في أن يأخذ أيهما شاء جاز البيع استحساناً، وقد ذكرناه بفروعه". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 976).
(2)
المغرب في ترتيب المعرب (2/ 228).
(3)
سقط من (ب).
(4)
مختار الصحاح (ص: 125).
(5)
أخرجه أحمد في مسنده، برقم (23082)، (38/ 174)، وابن ماجه، كتاب الرهون، باب: المسلمون شركاء في ثلاث، رقم (2472)، (3/ 528)، والبيهقي في الصغرى، كتاب البيوع، باب ما لا يجوز إقطاعه من المعادن الظاهرة، رقم (2196)، (2/ 329)، وكذا في الكبرى، كتاب إحياء الموات، باب ما لا يجوز إقطاعه من المعادن الظاهرة، رقم (11832)، (6/ 248).
قال البيهقي في المعرفة: وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ثقات، وترك ذكر أسمائهم في الإسناد لا يضر إن لم يعارضه ما هو أصح منه، انتهى. وقال في الدراية: حديث: «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» ابن ماجة من حديث ابن عباس بلفظ: «المسلمون» وزاده في آخره: «وثمنه حرام» . وأخرجه الطبراني من حديث ابن عمر، بغير الزيادة، وأبو داود من طريق جرير بن عثمان، عن حبان بن زيد أبي خداش، عن رجل من الصحابة قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، أسمعه يقول
…
فذكر مثله، وأخرجه أحمد، وابن أبي شيبة، وابن عدي، ورجاله ثقات. نصب الراية (4/ 294)، الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 246).
(6)
"يقصد" في (ج).
(7)
والصلاء: الاصطلاء بالنار، وأصليته إصلاءً، صلا النار والتسخن بها. جمهرة اللغة (2/ 1077)، النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 51).
(8)
"كان" في (ب) وهي في هامش (أ).
(9)
في (ب) و (ج)، وهي في هامش (أ).
(10)
حوض: حوض الماء، واستحوض الماء: اتخد لنفسه حوضاً، وحوضى: موضع. والمحوض: كالحوض يجعل للنخلة تشرب منه. مجمل اللغة (ص: 258)
(11)
الكَرْم: شجر الْعِنَب، والكَرْمُ أيضاً القِلادةُ.
جمهرة اللغة (2/ 798)، الصحاح (5/ 2020)، مجمل اللغة (ص: 782).
(12)
شرح فتح القدير (6/ 384).
فإن قلت: لو كان كونه أخص به من غيره مجوزاً للبيع ينبغي أن يجوز بيع الكلأ إذا أنبته صاحب الأرض بالسقي والتربية في أرضه.
قلت: فيه اختلاف الرواية، فإنه ذكر في الذخيرة والمحيط
(1)
: "ولو باع حشيشاً في أرضه إن كان صاحب الأرض هو الذي أنبت؛ بأن سقاها لأجل الحشيش فنبت بتكلفة جاز له؛ لأنه ملكه، ألا ترى أنه ليس لأحد أن يأخذه بغير إذنه، وإن نبت بنفسه لا يجوز؛ لأنه ليس بمملوك له، بل هو مباح الأصل، ألا ترى أن لكل أحد أن يأخذه، فلهذا لم يجز بيعه. هكذا ذكر في النوازل وفي القدوري، ولا يجوز بيع الكلأ في أرضه، وكذا لا يجوز بيع الكمأة في الأرض، قال: ولو ساق الماء إلى أرضه ولحقته مؤنة حتى خرج الكلأ لم يجز بيعه قال: لأن الشركة في الكل
(2)
ثابتة بالنص، وإنما ينقطع الشركة بالحيازة
(3)
، وسوق الماء إلى الأرض ليس بحيازة للكلأ، فبقي الكلأ على الشركة فلا يجوز بيعه، وما ذكره القدوري يخالف ما ذكر في النوازل"، ولكن ذكر الإمام التمرتاشي جوازه مطلقاً فقال: وفي الإسبيجابي عن المتأخرين إذا نبت الكلأ بسقي رب الأرض وقيامه على ذلك ملك، وجاز بيعه قبل الاحتشاش، ولو احتشه إنسان بلا إذن كان له الاسترداد" وهو مختار الشهيد، وذكر بكر
(4)
في اختلاف أبي حنيفة إذا ثبت الكلأ في ملكه بإنباته جاز بيعه، وكذا لو حدق
(5)
حول أرضه وهيأها للإنبات حتى نبت القصب وصار ملكاً له.
ثم قال: ولم يذكر أن إجارة الكلأ وقعت فاسدة أم باطلة، وذكر في الشرب أنها فاسدة حتى يملك
(6)
الآجر الأجرة بالقبض، وينفذ عتقه فيها، ذكر الحلواني عن محمد رحمهما الله - الكلأ ما ليس له ساق، وما قام على الساق فليس بكلأ، مثل الحاج
(7)
، وكان الفضيلي يقول: هو كلأ"
(8)
.
وأما الإجارة فلأنها عقدت
(9)
على استهلاك عين
(10)
(1)
المحيط البرهاني (6/ 340).
(2)
"الكلأ " في (ب).
(3)
الحيازة: مصدر حاز، والحيازة: حيازة الرجل ما في حوزته من مال أو عقار والأرض الزراعية. القاموس الفقهي (ص: 104)، المعجم الوسيط (1/ 206).
(4)
سقط من (ب).
(5)
قال أبو عبيدة: كل ما أحدق به البناء فهو حديقة، وما أحدق به الشجر من ذلك، يقال: حدق وأحدق، أي أحاط. تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم (ص: 369).
(6)
سقط من (ب).
(7)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 413).
(8)
فتح القدير (6/ 384).
(9)
"وردت" زيادة في (ب).
(10)
قال في الهداية: "قال: ولا يجوز بيع المراعي ولا إجارتها" المراد الكلأ، أما البيع فلأنه ورد على ما لا يملكه لاشتراك الناس فيه بالحديث، وأما الإجارة فلأنها عقدت على استهلاك عين مباح، ولو عقد على استهلاك عين مملوك بأن استأجر بقرة ليشرب لبنها لا يجوز، فهذا أولى" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 976).
[أي: هذه الإجارة، وهي إجارة الكلأ، عقدت على استهلاك عين]
(1)
؛ لأن الكلأ عين فلذلك [لا يجوز إجارته بالطريق الأولى، لأن الإجارة إذا عقدت على]
(2)
استهلاك عين مملوك لا يجوز، فهنا أولى؛ لأن الكلأ مباح، وليس بمملوك لأحدٍ، وكان عدم جواز إجارة الكلأ لمعنيين: أحدهما: وقوع الإجارة في عين غير مملوك. والثاني وقوعها في استهلاك العين؛ لما أن شرعية الإجارة إنما/ كانت في استهلاك المنافع، لا في استهلاك العين. وذكر في الفوائد الظهيرية: "وكذلك لا يجوز الإجارة؛ لأن المستحق بالإجارة على الآخر المنافع دون الأعيان، إلا إذا كانت الأعيان آلة لإقامة العمل المستحق بالإجارة كالصبغ في أشجار الصباغ، واللبن في استئجار الظئير
(3)
؛ لكونه آلة للحضانة والظؤورة"
(4)
. وذكر الإمام التمرتاشي بخلاف استئجار الظئير حيث يجوز؛ لأن لبن بنات آدم في حكم المنفعة، ولهذا لا يجوز بيعه، ولا يضمن متلفه والانتفاع بما يخرج منه لا بعينه، فبقوله: لا بعينه، وقع الاحتراز عن بيع المهر
(5)
والجحش
(6)
فإنهما -وإن كانا لا ينتفع بهما في الحال- ولكن يتنفع بهما في المآل بأعيانها، فيجوز البيع.
[بيع النحل]
"الكوَّارة -بالضم والتشديد- عن الثوري
(7)
: معسل النحل إذا سوى من طين، وفي التهذيب: كوارة النحل وكوارة -مخففة-، وفي باب الكاف: الكوار والكوارة، هكذا مقيدان بالكسر من غير تشديد، كذا في المغرب
(8)
، وقيد الزمخشري
(9)
بفتح الكاف، وفي الغريبين
(10)
بالضم"
(11)
. كذا ذكره الكرخي في مختصره هكذا ذكر هنا، "وذكر في موضع آخر أن هذا قول القدوري، وأنكر أبو الحسن -وهو الكرخي- جواز بيع النحل مع العسل
(12)
وقال: إنما يدخل الشيء في بيع تبعاً لغيره إذا كان من حقوقه، كالشرب والطريق، وهذا ليس من حقوقه" كذا في الفوائد الظهيرية
(13)
. "وعن محمد رحمه الله: يجوز كيف ما كان، وعليه الفتوى، كذا ذكره الإمام المحبوبي، فكذا هو اختيار الصدر الشهيد" ذكره في الظهيرية.
(1)
سقط من (ب).
(2)
سقط من (ب).
(3)
الظئر -بكسر الظاء المعجمة بعدها همزة ساكنة-: الحاضنة، والحاضن أيضاً، وجمعه أظآر.
المغرب (ص: 297)، المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 317).
(4)
درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 171).
(5)
يُقالُ لولدِ الفَرَسِ: المُهْرُ، والجمع: أمْهارٌ ومِهارٌ ومِهارَةٌ. والأنثى مهرة، والجمع: مهر ومهرات. الفرق للسجستاني (ص: 247)، الصحاح (2/ 821).
(6)
الجحش: ولد الْحمار الأهلي والوحشي. وَرُبمَا سمي الْمهْر جحشاً تَشْبِيها بذلك. جمهرة اللغة (1/ 438).
(7)
"الغودي" في (ب).
(8)
المغرب (ص: 418).
(9)
مَحْمُود بن عمر بن مُحَمَّد الزَّمَخْشَرِيّ، الإِمَام الْكَبِير، الْمَضْرُوب بِهِ الْمثل فى علم الأَدَب، لَقِي الْفُضَلاء وصنف التصانيف: التَّفْسِير، وغريب الحَدِيث، وَغَيرهمَا، وشهرته تغني عَن الأَطْنَاب بِذكرِهِ، ولد بزمخشر -قَرْيَة من قرى خوارزم- فى رَجَب سنة سبع وَسِتِّينَ وَأَرْبع مائَة، وَتُوفِّي بجرجانية خوارزم، لَيْلَة عَرَفَة من سنة ثَمَان وَثَلاثِينَ وَخمْس مائَة. الجواهر المضية (2/ 161).
(10)
كتاب الغريبين: غَرِيب الْقُرْآن وغريب الحَدِيث فِي نظام وَاحِد، تأليف أبي عبيد أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي عبيد الْهَرَوِيّ رحمه الله. فهرسة ابن خير الإشبيلي (ص: 61)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1209).
(11)
شرح فتح القدير (6/ 385).
(12)
قال في الهداية: "قال: ولا يجوز بيع النحل، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله. وقال محمد رحمه الله: يجوز إذا كان محرزاً، وهو قول الشافعي رحمه الله؛ لأنه حيوان منتفع به حقيقةً وشرعاً، فيجوز بيعه وإن كان لا يؤكل كالبغل والحمار. ولهما أنهما من الهوام، فلا يجوز بيعه، كالزنابير، والانتفاع بما يخرج منه لا بعينه، فلا يكون منتفعاً به قبل الخروج، حتى لو باع كوارة فيها عسل بما فيها من النحل يجوز تبعاً له، كذا ذكره الكرخي رحمه الله" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 45).
(13)
المحيط البرهاني (6/ 347).
ولا يجوز بيع بيضه
(1)
[بيع دود القز وبيضه]
أي: بيض دود القز، وهو الذي يقال بالفارسية: نخم
(2)
بلَّه.
عند أبي حنيفة رحمه الله
"لما ذكره من الدليل في بيع النحل، وهو أن الانتفاع بما يخرج منه لا بعينه، فلا يكون منتفعاً به قبل الخروج، فلا يجوز البيع، ففي مسألة دود القز مرَّ أبو حنيفة رحمه الله على أصله المذكور في بيع النحل، وكذا محمد رحمه الله مرَّ على أصله فقال بالجواز فيهما، وأما أبو يوسف رحمه الله ففرق بيع النحل مع أبي حنيفة، وفي بيع دود القز مع محمد فقال: ما ظهر من القز متنفع به في المستقبل، فكان بمنْزلة المهر بخلاف النحل، كذا في الفوائد الظهيرية، وعندهما يجوز لمكان الضرورة. قال الإمام المحبوبي: وعليه الفتوى. وكذا ذكره في الذخيرة وقال: فإنه اختيار الصدر الشهيد"
(3)
.
(وكان أشهد)
(4)
أي: للرد على المولى؛ لأنه أمانة عنده، حتى لو هلك قبل الوصول إلى المولى هلك من مال المولى.
(وقبض الأمانة لا ينوب عن قبض المبيع)
لأن قبض المبيع قبض ضمان، ألا ترى أن المقبوض على سوم الشرى مضمونة بالقيمة، ولكن وجوب الثمن في البيع مانع عن وجوب القيمة، فقبض الضمان أقوى من قبض الأمانة؛ لتأكد قبض الضمان باللزوم والملك، أما اللزوم فإن المشتري لو امتنع عن قبض المبيع يجبر على قبضه وبعدما قبض ليس للبائع فسخه بخلاف الهبة، وأما الملك فإن الضمان يثبت الملك من الجانبين، على ما هو الأصل، بخلاف قبض الوديعة.
(1)
قال في الهداية: "لا يجوز بيع دود القز عند أبي حنيفة؛ لأنه من الهوام، وعند أبي يوسف رحمه الله يجوز إذا ظهر فيه القز تبعاً له، وعند محمد رحمه الله يجوز كيفما كان؛ لكونه منتفعاً به، ولا يجوز بيع بيضة عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يجوز؛ لمكان الضرورة. وقيل: أبو يوسف مع أبي حنيفة رحمه الله كما في دود القز والحمام إذا علم عددها، وأمكن تسليمها، جاز بيعها؛ لأنه مال مقدور التسليم". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 976).
(2)
"كرم" في (ج).
(3)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 347).
(4)
قال في الهداية: "ولا يجوز بيع الآبق؛ لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عنه، ولأنه لا يقدر على تسليمه، إلا أن يبيعه من رجل زعم أنه عنده؛ لأن المنهي عنه بيع آبق مطلق، وهو أن يكون آبقاً في حق المتعاقدين، وهذا غير آبق في حق المشتري؛ ولأنه إذا كان عند المشتري انتفى العجز عن التسليم، وهو المانع، ثم لا يصير قابضاً بمجرد العقد إذا كان في يده، وكان أشهد عنده أخذه؛ لأنه أمانة عنده" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 977).
(ولو كان لم يشهد يجب أن يصير قابضاً)
وذكر الإمام التمرتاشي: وإن لم يشهد، فكذلك عند أبي يوسف رحمه الله أي: لا يصير قابضاً، وعندهما يصير قابضاً عقيب الشرى، وإن كان أخذه لنفسه يصير قابضاً عقيب الشرى عندهم جميعاً.
[بيع العبد الآبق]
(ولو باع الآبق ثم عاد من الإباق لا يتم ذلك العقد)
"ويحتاج إلى بيع جديد، وبه أخذ جماعة من مشائخنا، وبه كان يفتي أبو عبد الله البلخي
(1)
، وهكذا ذكر شيخ الإسلام؛ لأن شرط جواز العقد -وهو القدرة على التسليم- كان فائتاً وقت البيع، فلا يجوز، وإن وجد من بعد، كما لو باع طيراً في الهواء، أو سمكاً في الماء، ثم أخذ وسلمه في المجلس فإنه لا يجوز البيع"
(2)
؛ لانعدام المحلية؛ لأن محل البيع هو مال مقدور التسليم، والآبق ليس بمقدور التسليم، ولأن المالية في الآبق ثاوية، فهو كالمعدوم حقيقة في المنع
(3)
من البيع.
فإن قيل: فلم جاز إعتاقه؟.
قلنا: الإعتاق إبطال الملك فيلائم تواه
(4)
بالإباق، وأما البيع فإثبات الملك للمشتري والتوى ينافيه فلا يثبت.
(وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يتم بالعقد)
"وبه أخذ الكرخي وجماعة من مشائخنا وهكذا ذكر القاضي الاسبيجابي
(5)
، وبعد ظهور الآبق فأيهما امتنع من البائع والمشتري يجبر على التسليم، والتسليم لا يحتاج إلى بيع جديد، إلا إذا كان المشتري رفع الأمر إلى القاضي فطلب التسليم من البائع، وظهر عجزه عن التسليم، وفسخ القاضي العقد بينهما، ثم ظهر العبد، فحينئذ يحتاج إلى بيع
جديد" كذا في الذخيرة
(6)
.
(والمانع قد ارتفع، وهو العجز عن التسليم)
(7)
(1)
لعله ابن سماعة: سبق ترجمته ص 139.
(2)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 345).
(3)
"المبيع" في (ب).
(4)
توى: أي: لا ضَياع ولا خَسَارةَ، من قولهم: تَوَى عليه المَالُ: إذا هَلَك يَتْوِي، وتَوِي حَقُّ فُلانٍ على غَريمِه إذا ذَهَب تَوًى وتَواءً. والقَصْر أَجْود، فهو تَوٍ وتَاوٍ. ويقال:"توى المال على الكفيل" بأن مات مفلساً. الصحاح (6/ 2290)، العين (8/ 144)، تهذيب اللغة (14/ 249)، المجموع المغيث (1/ 249)، التعريفات الفقهية (ص: 65).
(5)
"رحمه الله" زيادة في (ب).
(6)
المحيط البرهاني (6/ 344 - 345).
(7)
قال في الهداية: "إذا لم يفسخ؛ لأن العقد انعقد لقيام المالية، والمانع قد ارتفع -وهو العجز عن التسليم-، كما إذا أبق بعد البيع، وهكذا يروى عن محمد رحمه الله". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 977)
"فإذا زال صار كأن لم يكن، كالراهن يبيع المرهون ثم يفتكه
(1)
/ قبل الخصومة"، كذا في المبسوط
(2)
. ولو باع الآبق من ابنه الصغير لا يجوز، ولو وهبه له أو ليتيم في حجره جاز؛ لأن ما بقي له من اليد في الآبق يصلح لقبض الهبة دون البيع، وإعتاق الآبق عن الكفارة جائز، إذا علم حياته
(3)
ومكانه، كذا ذكره التمرتاشي.
[بيع لبن المرأة]
ولا بيع لبن امرأة في قدح
(4)
"قيل
(5)
: ذكر القدح اتفاقي، فإن حرمة نفعه غير موقوفة إلى كونه في القدح، بل لا يجوز، سواء كان في ثدي المرأة أو في القدح، ولكنه أخرج الكلام مخرج العادة فقال: ولا بيع لبن امرأة في قدح؛ لأن العادة جارية بأن يجعل اللبن في القدح، ولكن الأصح فيه أن يقال: إن هذا قيد مفيد؛ وذلك أنه لو لم يذكر القدح لتوهم أنه يجوز بيعه إذا كان في القدح، وإنما لا يجوز بسبب كونه في الثدي، كما هو الحكم في ألبان سائر الحيوانات، أنه إذا باعه وهو في الضرع لا يجوز، وإذا كان في القدح أو في غيره من الإناء يجوز.
إلى هذا المعنى أشار الإمام أبو جعفر- رحمه الله في كشف الغوامض
(6)
"
(7)
بقوله بأن رواية الجامع الصغير أزالت الشبهة التي ترد في وضع
(8)
رواية كتاب الإجارات، وعلل شمس الأئمة رحمه الله في حرمة بيعه بقوله: إن لبن الآدمية في حكم المنفعة حتى يجوز استحقاقه بعقد الإجارة، وبيع مثله لا يجوز، وإلى هذه النكت أشار ابن سماعة
(9)
عن محمد - رحمهما الله - فقال: جواز استئجار الظئير دليل على فساد بيع لبن الآدمية، وفساد استئجار الأنعام لمنفعة اللبن
(10)
دليل على جواز بيع ألبانها، وفي تجويز بيع لبن الآدمية فساد فإنه يثبت حرمة المصاهرة بين صاحبة اللبن وبين من يربى به من الصبيان، فإذا لم يكن معلوماً يتمكن فساد في الأنكحة بين الناس، والله لا يحب الفساد
(11)
"
(12)
.
(1)
"هتكه" في (ج).
(2)
المبسوط للسرخسي (13/ 10).
(3)
"حيوية" في (أ)، بالرسم العثماني.
(4)
قدح: القدح: من الآنية. مجمل اللغة لابن فارس (ص: 746).
(5)
سقط من (ب).
(6)
كشف الغوامض في الفروع، لأبي جعفر الهنداوني، الفقيه. ذكر فيه بعض ما أورده محمد، في: الجامع الصغير.
وتوفي: سنة 963 هـ، ثلاث وستين وتسعمائة.
(7)
البناية شرح الهداية (8/ 164).
(8)
" مواضع" في (ب).
(9)
محمد بن سماعة بن عبد الله بن هلال بن وكيع بن بشر التميمي، أبو عبد الله، ذكره صاحب الهداية فى البيوع: الإمام، أحد الثقات الأثبات. توفى ابن سماعة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وله مائة سنة وثلاث سنين. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 58).
(10)
سقط من (ب).
(11)
جزء من الآية: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205].
(12)
تبيين الحقائق (5/ 12).
(لأنه مشروب طاهر)
(1)
(2)
[سبب الخلاف في بيع لبن المرأة]
ذكر الطهارة بعد كونه مشروباً احترازاً عن الخمر وعما لا يتقوم في نفسه مع كونه طاهراً، كحبات الحنطة؛ لعدم الانتفاع
(3)
، فإنه
(4)
لا يجوز بيعهما لفوات وصف الطهارة في الخمر، وفوات وصف التقوم في حبات الحنطة.
(ولنا أنه جزء الآدمي)
فلا يكون مالاً؛ لأن المال هو غير الآدمي خلق لمصلحة الآدمي مما يجري فيه الشًّح والضنة
(5)
، ومحل البيع هو المال حتى لا ينعقد في غيره أصلاً، وأما الدلالة أن اللبن جزء الآدمي فهو أن الشرع أثبت حرمة الرضاع بمعنى البعضية، فلما كان هو جزءه الآدمي بجميع أعضائه، مكرم، مصون عن الابتذال بالبيع
(6)
وغيره، فلذلك لا يجوز بيعه. "فإن قيل: أجزاء الآدمي مضمونة بالإتلاف، فكذلك اللبن وجب أن يكون كذلك.
قلنا: أجزاء الآدمي لا تضمن بالإتلاف، بل يضمن ما انتقص من الأصل، ألا ترى أن الجرح إذا اتصل به البرء سقط الضمان، وكذلك السن إذا نبتت إلا ما يستوفى بالوطء، فإنه مضمون وإن لم ينقص شيئاً تغليظاً لباب البضع، ألا ترى أنه
(7)
يجب وإن أذنت بالاستيفاء إذا لم يجب الحد، بخلاف الطرف، فإنه لا ضمان فيه مع الإذن؛ وهذا لأن ما يستوفي بالوطئ ملحق حكماً بالنفس في حق الضمان؛ لأنه احترام للماء الذي منه نفس، بخلاف من جزّ صوف
(8)
شاةٍ ثم نبت آخر لم يسقط عند ضمان الأول، وبإتلاف اللبن لا ينتقص من الأصل شيء فلا يضمن" كذا في الأسرار
(9)
.
(1)
مذهب الشافعية أنه يجوز بيع لبن الآدميات بدون كراهة؛ لأنه طاهر منتفع به. الوسيط في المذهب (3/ 20)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (5/ 61)، فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير للرافعي (8/ 121).
(2)
قال في الهداية: "وقال الشافعي رحمه الله: يجوز بيعه؛ لأنه مشروب طاهر" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 977).
(3)
"بها" زيادة في (ب).
(4)
سقط من (ب).
(5)
الضنة والضن والمضنة، كل ذلك من الإمساك والبخل، ورجل ضنين. قال الله عز وجل:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] ما هو ببخيل كتوم لما أوحي إليه. لسان العرب (13/ 261)، الفرق بين الضاد والظاء فى كتاب الله عز وجل وفى المشهور من الكلام (ص: 38).
(6)
قال في الهداية: "ولا فرق في ظاهر الرواية بين لبن الحرة والأمة. وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يجوز بيع لبن الأمة؛ لأنه يجوز إيراد العقد على نفسها، فكذا على جزئها. قلنا: الرق قد حل نفسها، فأما اللبن فلا رق فيه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 46).
(7)
أي: إن الضمان.
(8)
سقط من (ب).
(9)
الأسرار (1/ 260 - 261).
فإن قلت: لما كان للبن الآدمي حكم المنفعة على ما ذكره شمس الأئمة
(1)
في تعليله [ومنفعة الآدمي تستحق بعقد الإجارة، والإجارة نوع بيع]
(2)
فيجب أنه يستحق لبن الآدمي أيضاً بالبيع كمنفعة.
قلنا: للبن الآدمي حكم المنفعة من حيث جواز استئجار الظئير دون البقرة ليشرب لبنها، ولكن ليس بمنفعة حقيقة؛ لأن المنافع لا تتولد من العين، ولكنها أعراض تحدث في العين شيئاً فشيئاً، فكانت غير الآدمي، ولما كانت غيره جاز أن تستحق بالعقد كسائر الأموال، وأما اللبن فإنه عين
(3)
(4)
متولد من الآدمي حقيقة، والآدمي خلق مالكاً للمال، وبين كونه مالكاً للمال وبين كونه مالاً منافاة، وإليه أشار الله تعالى في قوله:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}
(5)
، والأجزاء للآدمي في الحكم ما لعينه، ترى أن شعر الآدمي لاينتفع به إكراماً للآدمي، وإن غائط الآدمي يدفن، وما ينفصل من سائر الحيوانات ينتفع به.
وأما قوله: إنه مشروب طاهر، قلنا: "لا نسلم بأن اللبن مشروب على الإطلاق، وإنما هو غذاء في تربية الصبيان؛ لأجل الضرورة، فهم لا يتربون إلا بلبن الجنس عادة، كالميتة يكون غذاءً عند الضرورة، ولا يدل هذا على أنها مال
(6)
متقوم، وهذا نظير النكاح؛ فإن البضع يمتلك بالعقد للحاجة إلى اقتضاء الشهوة وإقامة النسل، ولا يحصل ذلك إلا بالجنس، ثم ذاك لا يدل على أنه مال متقوم، مع أن الغذاء ما في الثدي من اللبن، وذلك لا يحتمل البيع بالاتفاق، فإما يحُلب في القوارير، فقلما يحصل به/ غذاء الصبي، وفي تجويز بيع ذلك فساد على ما بيَّنا"، إلى هذا أشار في إجارات المبسوط
(7)
.
(لأنه) أي: لأن الرق.
(يختص بمحل القوة التي هي ضده) أي: ضد الرق.
(وهو الحي) أي: محل القوة التي هي ضد الرق الحي،
(ولا حياة للبن)
فلا يكون محلاً للعتق ولا للرق، فإنهما صفتان يختص بهما الأحياء، فلا يجوز بيعه إهانة له.
فإن قلت: جعل البيع في مسألة لبن الآدمي وشعره دليلاً للإهانة حيث قال: إنه مكرَّم مصون عن الابتذال بالبيع، وجعله دليل الإعزاز في مسألة شعر الخنْزير؛ لأنه جعل عدم جواز بيعه إهانة له
(8)
، فكان بيعه إعزازاً لا محالة، فكيف يكون الشيء الواحد دليل الإعزاز ودليل الإهانة وهو هو؟.
(1)
"السرخسي رحمه الله" زيادة في (ب).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
"غير" زيادة في (ب).
(5)
[البقرة: 29].
(6)
سقط من (ب).
(7)
المبسوط للسرخسي (15/ 125).
(8)
قال في الهداية: " قال: "ولا يجوز بيع شعر الخنْزير؛ لأنه نجس العين، فلا يجوز بيعه إهانةً له" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 977).
قلت: قال شيخي رحمه الله في جواب هذا: إن الإعزاز
(1)
والإهانة يتفاوتان بتفاوت محليهما، كالإحراق؛ فإنه إهانة في حق الآدمي، إعزاز في حق الحطب؛ حيث اعتبر به دون غيره.
(ويجوز الانتفاع به للخرز)
(2)
[ما يجوز بيعه من الخنْزير]
خص الخرز؛ لأنه لا يجوز الانتفاع بشعر الخنْزير لغير الخرز، وإنما جوز الانتفاع به للخرز للضرورة؛ لأن غيره لا يعمل عمله فلا ضرورة إلى البيع، وقيل: إذا كان لا يوجد إلا بالبيع جاز بيعه، لكن الثمن لا يطيب للبائع.
"وقال الفقيه أبو الليث: إن كانت الأساكفة
(3)
لا يجدون شعر الخنْزير إلا بالشرى ينبغي أنه يجوز لهم الشرى؛ لأن ذلك حالة الضرورة، فأما البيع فيكره للبائع، ولا بأس للأساكفة أن يصلّوا مع شعر الخنْزير، وإن كان أكثر من قدر الدرهم"
(4)
.
وفي الشافي
(5)
: لو صلَّى ومعه شعر الخنْزير، وهو زائد على قدر الدرهم وزناً عند بعضهم وبسطا عند آخرين، لم يجز عند أبي يوسف، وقال محمد رحمه الله: يجوز، وفي الحيرة كله في المنتوف، وأما المجزوز طاهر، كذا في الجامع الصغير للتمرتاشي وقاضي خان.
(1)
"إن الإعزاز في مسألة شعر الحنزير لأنه جعل عدم جواز بيعه إهانة له فكان بيعه والإهانة" زيادة في (ج).
(2)
خرز: الْخَاءُ وَالرَّاءُ وَالزَّاءُ يَدُلُّ عَلَى جَمْعِ الشَّيْءِ إِلَى الشَّيْءِ، وَضَمِّهِ إِلَيْهِ. فَمِنْهُ خَرْزُ الْجِلْدِ. وَمِنْهُ الْخَرَزُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ؛ لأَنَّهُ يُنْظَمُ وَيُنْضَدُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، والْخَرْزُ -بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا زَايٌ مُعْجَمَةٌ-: مَصْدَرُ خَرَزَ الْخُفَّ وَغَيْرَهُ، فَيَسْتَعْمِلُهُ الْخَفَّافُ فِي زَمَانِهِمْ، وَكَذَا تَسْتَعْمِلُهُ النِّسْوَانُ لِتَسْوِيَةِ الْكَتَّانِ؛ لأَنَّ غَيْرَهُ لا يَعْمَلُ عَمَلَهُ.
مقاييس اللغة (2/ 166)، المحكم والمحيط الأعظم (5/ 96)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/ 59).
(3)
هو إسكاف من الأساكفة وهو الخزاز، وقيل: كل صانع. أساس البلاغة (1/ 466).
(4)
ينظر: المحيط البرهاني (1/ 476)، تبيين الحقائق (4/ 51).
(5)
قلت: لا أعلم هل هذه الكلمة مختصر لكلمة الشافعي أم إنه كتاب عند الحنفية، فقد وجدت كتاباً لابن الأثير مجد الدين أبي السعادات اسمه الشافي في شرح مسند الشافعي، وبحثت عن هذه المسألة لم أجد كلاماً وافياً لما كتب. ينظر: الجواهر المضية (1/ 442).
(«لعن الله الواصلة والمستوصلة»
(1)
(2)
[الخلاف في بيع شعر الآدمي]
" فالواصلة التي تصل الشعر، والمستوصلة التي تفعل بها ذلك" كذا في الصحاح
(3)
.
"إنما يستحق اللعن بالانتفاع بما لا يجوز الانتفاع به، ثم الآدمي مكرم شرعاً، ولكرامته لا ينتفع بشيء مما ينفصل عنه، بل يدفن، ألا ترى أن غائط الآدمي يدفن ولا ينتفع به [كما هو، فكذلك شعره يدفن ولا ينتفع به]
(4)
. وروي عن محمد رحمه الله أنه جوز الانتفاع بشعر الآدمي استدلالاً بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث
(5)
حلق رأسه وقسم شعره بين أصحابه فكانوا يتبركون به
(6)
، ولو كان نجساً لما فعل، فإنه لا يتبرك بالنجس.
(1)
أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب وصل الشعر، رقم (5937) حدثني محمد بن مقاتل أخبرنا عبدالله أخبرنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عتهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة» وقال نافع: الوشم في اللثة.
(2)
قال في الهداية: "فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه، ويوجد مباح الأصل، فلا ضرورة إلى البيع، ولو وقع في الماء القليل أفسده عند أبي يوسف. وعند محمد رحمه الله لا يفسده؛ لأن إطلاق الانتفاع به دليل طهارته، ولأبي يوسف رحمه الله أن الإطلاق للضرورة، فلا يظهر إلا في حالة الاستعمال، وحالة الوقوع تغايرها. قال: "ولا يجوز بيع شعور الإنسان ولا الانتفاع بها"؛ لأن الآدمي مكرم لا مبتذل، فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهاناً ومبتذلاً وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لعن الله الواصلة والمستوصلة» الحديث، وإنما يرخص فيما يتخذ من الوبر فيزيد في قرون النساء وذوائبهن" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 978).
(3)
الصحاح (5/ 1842).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(5)
"جين" في (ب).
(6)
أخرجه الحميدي في مسنده عن أنس بن مالك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رمى الجمرة، ونحر نسكه، ناول الحالق شقه الأيمن، فحلقه، ثم ناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم شقه الأيسر، فحلقه، ثم ناوله أبا طلحة وأمره أن يقسمه بين الناس» ، رقم (1254)، (2/ 318)، والحاكم في مستدركه كتاب الصيام، باب أول كتاب المناسك، برقم (1743)، (1/ 647)، والبيهقي في الصغرى، كتاب المناسك، باب ما يكون بمنى بعد رمي جمرة العقبة، رقم (1690)، (2/ 191) قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
ألا ترى أن أبا طيبة رضي الله عنه حيث شرب دمه على قصد التبرك به
(1)
نهاه أن يعود إلى
مثله في المستقبل"
(2)
.
كذا في الجامع الصغير لشمس الأئمة السرخسي رحمه الله.
وذكر
(3)
في الجامع الصغير لفخر الإسلام رحمه الله وقال [أصحابنا: "إن شعر الإنسان طاهر هو الصحيح عندنا"
(4)
، "وقال الشافعي]
(5)
: رحمه الله نجس، واحتج بحرمة الانتفاع به"
(6)
، واحتج أصحابنا بالضرورة في الاحتراز عن تناثر الشعور؛ ولأن شعر غير الإنسان لا ينجس بالمزايلة
(7)
، فشعر الإنسان هو أطهر أولى؛ ولأنه لا حياة فيه، فأما الانتفاع فإنما حرم لشرفه لا لخبثه، بخلاف الخنْزير، وفي الجامع الصغير لقاضي خان
(8)
"ولو وقع شعر الآدمي في الماء القليل لا يفسده؛ لأنه طاهر بجميع أجزائه".
(فيزيد في قرون النساء وذوائبهن)
أي: يزيد في أصول الشعر للتكثر، وفي الزوائد للتطويل.
ولا يجوز بيع جلود الميتة قبل أن تدبغ (لأنه غير منتفع به)
(9)
[بيع جلود الميته وعظامها]
ولا يقال: نجاستها لما اتصل بها من الدسومات
(10)
، فلا يمنع ذلك جواز بيعها كالثوب النجس؛ لأنا نقول: إن هذه الدسومات في الجلد باعتبار أصل الخلقة، فما لم يزايله بالدبغ
(11)
فهو كعين الجلد، وبهذا الطريق يكون الجلد محرم العين، فأما النجاسة في الثوب ليس بأصل الخلقة جاورته بعد أن لم يكن متصلة بالثوب، فلا يعتبر حكم أصل الثوب من حيث الانتفاع به وجواز بيعه. كذا في الجامع الصغير لشمس الأئمة السرخسي رحمه الله؛ لأنها طهرت بالدباغ؛ لأن الدباغ تأثيره في إزالة الرطوبات والدماء المتشربة كالذكاة
(12)
، ثم الجلد يطهر بالذكاة، فكذا يطهر بالدباغ "كذا في الفوائد الظهيرية
(13)
.
(1)
حديث «أن أبا طيبة الحجام شرب دم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه» .
هذا الحديث غريب من هذا الوجه، لا أعلم من خرجه بعد شدة البحث عنه. قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح في «كلامه على الوسيط»: هذا الحديث غريب عند أهل الحديث، لم أجد له ما يثبت به. وقال النووي في «شرح المهذب»: هذا الحديث معروف، لكنه ضعيف. البدر المنير (1/ 473)، التلخيص الحبير (1/ 168).
(2)
تبيين الحقائق (4/ 51).
(3)
سقط من (ب).
(4)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 329).
(5)
ما بين المعقوفتين" سقط من (ب).
(6)
المجموع شرح المهذب (1/ 232).
(7)
الْمُزايلَةُ: المفارَقَة. معجم ديوان الأدب (3/ 443)، الصحاح (4/ 1720).
(8)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 329).
(9)
قال في الهداية: "قال عليه الصلاة والسلام: «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب» وهو اسم لغير المدبوغ على ما عرف في كتاب الصلاة، ولا بأس ببيعها والانتفاع بها بعد الدباغ؛ لأنها قد طهرت بالدباغ، وقد ذكرناه في كتاب الصلاة، ولا بأس ببيع عظام الميتة، وعصبها، وصوفها، وقرنها، وشعرها، ووبرها، والانتفاع بذلك كله؛ لأنها طاهرة لا يحلها الموت؛ لعدم الحياة، وقد قررناه من قبل". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 978).
(10)
الدسم أن يكون مع الخراز شحم يدهن به الخرز. غريب الحديث لإبراهيم الحربي (2/ 515).
(11)
" الفع" في (ب).
(12)
الذكاء والذكاة: الذبح. المحكم والمحيط الأعظم (7/ 133).
(13)
شرح فتح القدير (6/ 392).
(والفيل كالخنزير نجس العين عند محمد رحمه الله، وعندهما بمنزلة السباع)
[التعلّي ليس بمال]
وذكر في الذخيرة
(1)
"مطلقاً من غير خلاف أحد، بأن بيع الفيل جائز؛ لأنه منتفع به حقيقةً وشرعاً، فهو كسائر الحيوانات"، وفي العيون: "لا بأس ببيع عظام الفيل وغيره من الميتة؛ لأن الموت لا يحل العظام، ولا دم فيه، فلا ينجس، فيجوز بيعه، [إلا عظم الآدمي والخنْزير؛ فإن بيعها لا يجوز، قالوا: وهذا إذا لم يكن على عظم الفيل وأشباهه دسومة، وأما إذا كانت فهو نجس، فلا يجوز بيعه]
(2)
"
(3)
.
فباع صاحب (العلو)
(4)
علوة أي: حق التعلي.
(والمال هو المحل للمبيع
(5)
(6)
"فإنه محل البيع، هو مال، أو حق يتعلق بالعين، وحق التعلي حق يتعلق بالهواء، والهواء ليس/ بمال؛ لأن المال ما يمكن قبضه وإحرازه"
(7)
، كذا في الجامع الصغير لقاضي خان.
[بيع الشرب]
(لأنه حظ من الماء)
(8)
والماء عين مال، فكان بيع الشرب بمنْزلة بيع العين، أو بيع حق يتعلق بالعين، فيجوز، بخلاف حق التعلي؛ فإن التعلي عرض، فحق التعلي متعلق بالهواء، على ما ذكرنا، فلا يجوز بيعه.
فإن قيل: لو كان بيع الشرب بمنْزلة بيع العين، وهو الماء، ينبغي أن لا يجوز البيع إذا كان الماء معدوماً في الأرض.
قلنا: إنما يجوز للضرورة، ولعرضية وجوده، كما في السلم والاستصناع، هكذا نقل من
(9)
فوائد مولانا حميد الدين الضرير رحمه الله.
(1)
بدائع الصنائع (5/ 144)، المحيط البرهاني (6/ 348).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(3)
المحيط البرهاني (6/ 349).
(4)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(5)
"للبيع" في (ب)، وفي نسخة الهداية التي عندي كذلك. الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 978).
(6)
قال في الهداية: "وإذا كان السفل لرجل وعلوه لآخر فسقطا أو سقط العلو وحده فباع صاحب العلو علوه لم يجز؛ لأن حق التعلي ليس بمال؛ لأن المال ما يمكن إحرازه، والمال هو المحل للبيع" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 978).
(7)
ينظر: البناية شرح الهداية (8/ 168).
(8)
قال في الهداية: "بخلاف الشرب؛ حيث يجوز بيعه تبعاً للأرض، باتفاق الروايات، ومفرداً في رواية، وهو اختيار مشايخ بلخ؛ لأنه حظ من الماء، ولهذا يضمن بالإتلاف، وله قسط من الثمن، على ما نذكره في كتاب الشرب" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 978).
(9)
ينظر: البناية شرح الهداية (8/ 169).
(وله قسط من الثمن، على ما ذكره في كتاب الشرب)
فإنه لو ادعى أرضاً في يد إنسان أنه اشتراها، فاشتراها بألف وأقام شاهدين، فشهد أحدهما كذلك، وشهد الآخر أنه اشتراها بألف، ولم يذكر الشرب، لم تقبل؛ لأنهما اختلفا في ثمن الأرض، كذا في الجامع الصغير لقاضي خان
(1)
.
(فإن كان للأول)
(2)
أي: المراد الأول، وهو رقبة الطريق، ورقبة المسيل، لكن في بيع رقبة المسيل مع اعتبار حق التسيل، ولكن لم يبين حد ما شغله الماء وقدره، ألا ترى أنه علل عدم الجواز بأنه لا يدري قدر ما يشغله من الماء، وإنما قلنا ذلك لأنه لو باع رقبة النهر من غير اعتبار حق التسيل أو بين قدر التسيل فالبيع جائز، فإنه ذكر شمس الأئمة السرخسي بعد ما ذكر رواية الجامع الصغير، فمن أصحابنا من يقول: المراد من حق تسيل الماء لا عين المسيل، فإن عين المسيل مملوك يجوز بيعه كالطريق، وقال: والرواية محفوظة فيما إذا باع عشر
(3)
النهر أن ذلك يجوز. وكذلك
(4)
الإمام قاضي خان فقال: وإن باع رقبة الأرض لتسييل الماء إن بيَّن حدوده وموضعه جاز، وإن لم يبين لا يجوز. وقوله:
[بيع رقبة الطريق ومسيل الماء]
(إن الطريق معلوم؛ لأن له طولاً وعرضاً معلوماً)
هذا إذا بيَّن الطول والعرض، وأما إذا لم يبينهما فهو جائز أيضاً؛ لأنه تقدر بعرض باب الدار العظم.
(وجه الفرق على أحديهما بينه وبين حق التسييل)
أي: بين حق المرور، فإنه يجوز على تلك الرواية، وبين حق التسييل فإنه لا يجوز أصلاً، وقوله:
(على الأرض)
معطوف على قوله:
(على السطح)
أي: بيع المسيل، لا يجوز، سواء كان على السطح أو على الأرض.
ووجه الفرق بين حق المرور حيث يجوز بيعه في رواية، وبين حق التعلِّي حيث لا يجوز أصلاً. وقوله:
(1)
المحيط البرهاني (7/ 149).
(2)
قال في الهداية: "قال: وبيع الطريق وهبته جائز، وبيع مسيل الماء وهبته باطل" والمسألة تحتمل وجهين: بيع رقبة الطريق والمسيل، وبيع حق المرور والتسييل، فإن كان الأول فوجه الفرق بين المسألتين أن الطريق معلوم؛ لأن له طولاً وعرضاً معلوماً، وأما المسيل فمجهول؛ لأنه لا يدرى قدر ما يشغله من الماء، وإن كان الثاني ففي بيع حق المرور روايتان، ووجه الفرق على إحداهما بينة وبين حق التسييل أن حق المرور معلوم؛ لتعلقه بمحل معلوم، وهو الطريق، أما المسيل على السطح فهو نظير حق التعلي وعلى الأرض مجهول؛ لجهالة محله". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 979).
(3)
"عن" في (ج).
(4)
"ذكر" في هامش (أ)، وهي سقط من (ب).
(على إحدى الروايتين)
يتعلق بقوله:
(بين حق المرور)
أي: بين حق المرور الذي هو جائز على إحدى الروايتين، وحاصل ذلك أن المذكور في رواية الجامع الصغير "بأن بيع الطريق جائز، وبيع سبل الماء لا يجوز"
(1)
، لا يخلو عن ثمانية أوجه، فإن بيع الطريق لا يخلو عن ثلاثة أوجه؛ "لأنه إما أن أراد به بيع رقبة الطريق، أو أراد به حق التطرق، وهو المذكور في الكتاب بحق المرور، فلو أراد به بيع رقبة الطريق فلا يخلو إما أن يبيِّن طول الطريق وعرضه، أو لم يبيِّن، فبيع رقبة الطريق في الوجهين جائز على ما ذكرنا من رواية الجامع الصغير لقاضي خان، وإن أراد ببيع الطريق حق التطرق دون رقبة الأرض ذكر في الزيادات
(2)
أنه لا يجوز، وروى ابن سماعة أنه يجوز، وذكر في كتاب القسمة، وجعل الحق المرور قسطاً من الثمن، وأنه يدل على جواز البيع، فعلى رواية الجواز فرق بين حق المرور
(3)
وحق التعلي على ما تذكر.
وبيع المسيل لا يخلو عن خمسة أوجه: لأنه إما أن يريد بها بيع رقبة المسيل، وهي النهر، فهو جائز على ما ذكرنا من رواية شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، أو أراد به رقبة الأرض لتسييل الماء، فهو على وجهين
(4)
: أن يبيِّن حدوده، وموضعه، فهو جائز أيضاً، وإن لم يبيِّن لا يجوز، وإما أن يريد به حق التسيل فهو لا يخلو من وجهين: إما إن كان هو
(5)
في السطح وفي الأرض وكلاهما غير جائز، [أما عدم الجواز]
(6)
في السطح فلمعنيين أحدهما: أنه متعلق بالهواء، فكان بمنْزلة حق التعلي، وبيع حق التعلي لا يجوز باتفاق الروايات
(7)
، فكذا بيع حق التسييل في السطح، والثاني بسبب الجهالة؛ لأن التسييل مجهول يختلف بقلة الماء وكثرته، وعدم جواز بيع حق التسييل في الأرض بمعنى واحد، وهي الجهالة، هذا حاصل ما ذكره الإمام شمس الأئمة السرخسي وقاضي خان وغيرهما
(8)
، ووجه الفرق بين المرور -حيث يجوز بيعه في رواية- وبين حق التعلي -حيث لا يجوز بيعه في جميع الروايات-، مع أنه في كل منهما بيع الحق لا بيع العين، هو أن حق المرور حق يتعلق برقبة الأرض، ورقبة الأرض مال، وهو
(9)
عين، فما يتعلق به/ كان له حكم
(10)
المال أيضاً، أما حق التعلي حق يتعلق بالهواء،
(1)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 330).
(2)
من كتب ظاهر الرواية: محمد بن الحسن الشيباني. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 560).
(3)
"وبين" زيادة في (ب).
(4)
"إما" زيادة في (ب).
(5)
سقط من (ب).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(7)
بدائع الصنائع (5/ 166).
(8)
قال في المبسوط: "فإن الضرر يتفاوت بقلة الماء وكثرته، وإعلام مقدار الماء غير ممكن، فربما لا يأخذ الماء جميع الموضع الذي عيَّنه، وربما يزداد عليه، فللجهالة قلنا: لا يجوز الاستئجار". المبسوط للسرخسي (16/ 33).
(9)
"الواو" في "وهو" سقط من (ب).
(10)
"حق" في (ب).
والهواء ليس بعين مال ولا له حكم المال فلا يجوز" كذا في الجامع الصغير لقاضي خان
(1)
.
فإذا هو غلام
(2)
ذكر المبتدأ بتذكير الخبر، وإن كان الضمير راجعاً إلى المؤنث، كقوله تعالى:
(3)
كما يؤنث بتأنيث الخبر كقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا}
(4)
(والفرق يبنى على الأصل الذي ذكرنا في النكاح لمحمد رحمه الله
[بيع متحدي ومختلفي الجنس]
أي: ذلك الأصل الذي ذكرنا
(5)
هو متفق عليه في حكمه، لكن ذكرنا ذلك الأصل المتفق عليه في وجه قول محمد في مسألة ما إذا تزوجها على دن من الخل فإذا هو خمر، فلاتفاقهم على ذلك الأصل لم يقع الخلاف ههنا في مسألة من باع جارية فإذا هي غلام، ففي مختلفي الجنس يتعلق العقد بالمسمى، وإنما كانت العبرة للتسمية في مختلفي الجنس؛ لأن التسمية أبلغ في التعريف من الإشارة؛ لأن الإشارة لتعريف الذات، فإنه إذا قال هذا صار الذات
(6)
معيَّناً، والتسمية لإعلام الماهية، وأنه أمر زائد على أصل الذات، فكان أبلغ في التعريف، ونحن نحتاج في مقام التعريف إلى ما هو أبلغ تعريفاً، فلذلك علقنا الحكم بالمسمى دون المشار إليه، وأما إذا كان المشار إليه من جنس المسمى فكانت العبرة للإشارة؛ لأن ما سمي وجد في المشار إليه، فصار حق التسمية مقتضياً بالمشار إليه، [فبقيت
(7)
الإشارة
(8)
لتميز الذات، فلذلك تعلق الحكم بالمشار إليه]
(9)
. كذا في الفوائد الظهيرية
(10)
.
(1)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 148)، تبيين الحقائق (4/ 52)، البناية شرح الهداية (8/ 170).
(2)
قال في الهداية: "قال: ومن باع جارية فإذا هو غلام فلا بيع بينهما، بخلاف ما إذا باع كبشاً فإذا هو نعجة حيث ينعقد البيع ويتخير" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 979).
(3)
[الأنعام: 76].
(4)
[الأنعام: 23].
(5)
قال في الهداية: "والفرق ينبني على الأصل الذي ذكرناه في النكاح لمحمد رحمه الله وهو أن الإشارة مع التسمية إذا اجتمعتا، ففي مختلفي الجنس يتعلق العقد بالمسمى، ويبطل لانعدامه، وفي متحدي الجنس يتعلق بالمشار إليه، وينعقد لوجوده، ويتخير لفوات الوصف، كمن اشترى عبداً على أنه خباز فإذا هو كاتب، وفي مسألتنا الذكَر والأنثى من بني آدم جنسان للتفاوت في الأغراض، وفي الحيوانات جنس واحد للتقارب فيها " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 979).
(6)
"الدار" في (ج).
(7)
"فيثبت" في (ب).
(8)
سقط من (ب).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(10)
فتح القدير (6/ 396)، تبيين الحقائق (4/ 53).
وذكر فخر الإسلام رحمه الله إنما يتعلق العقد بالمشار إليه في متفقي الجنس؛ لأن الجمع بين الإشارة والتسمية هناك
(1)
ممكن، بأن تجعل الإشارة للتعريف والتسمية للترغيب، حتى لو قال: بعت هذا العبد الخباز، فإذا هو ليس بخباز، كان البيع صحيحاً، فكان ذكر الوصف للترغيب، وإذا كان بخلاف جنس المسمى تعلق العقد بالمسمى
(2)
؛ لأن العقد ينبني على المسمى وهو المقصود، والبناء على المقصود واجب، وتخير لفوات الوصف" وذكر في الفوائد الظهرية:"ويثبت الخيار إذا كان الموجود أنقص" هكذا ذكر هنا، وهكذا أيضاً ذكره صدر الإسلام في الجامع الصغير
(3)
.
وذكر صاحب المحيط: "أن المشتري يتخير من غير تقيد بكونه أنقص"
(4)
وهو الصحيح؛ لفوات المقصود المدلول عليه بالاشتراط جنسان للتفاوت في الإغراض، فإن الجارية تصلح للفراش، والغلام لا يصلح. ثم اختلفوا أن هذا البيع باطل أم فاسد؟، [قال بعضهم: باطل؛ لأنه باع المعدوم، وبيع المعدوم باطل، وقال بعضهم: فاسد]
(5)
، وهو اختيار الكرخي رحمه الله؛ لأنه باع المسمى، وأشار إلى غيره، فصار كأنه باع شيئاً على أن يسلم غيره، وذلك فاسد" كذا ذكر في الجامع الصغير القاضي خان
(6)
.
(وهو المعتبر في هذا دون الأصل)
(7)
أي: المعتبر في أنهما جنسان مختلفان، أو متحدان تفاوت الأغراض وتقاربها دون أصل المادة حتى قالوا: إن الخل والدبس جنسان مع اتحاد أصلهما.
"الوذاري -بفتح الواو وكسرها والذال المعجمة-، ثوب منسوب إلى وذار
(8)
:
(1)
سقط من (ب).
(2)
سقط من (ب).
(3)
النافع الكبير شرح الجامع الصغير (ص: 328).
(4)
المحيط البرهاني (6/ 372).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(6)
تبيين الحقائق (4/ 53).
(7)
قال في الهداية: "وهو المعتبر في هذا دون الأصل، كالخل والدبس جنسان. والوذاري والزندنيجي على ما قالوا جنسان مع اتحاد أصلهما. " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 979).
(8)
وَذَارُ -بالفتح، وآخره راء-: من قرى سمرقند على أربعة فراسخ منها، فيها منارة وجامع وحصن حسن، وهي كبيرة، كثيرة البساتين والزروع، في سهل وجبل ومباخس، ووذار وكسّ من قرى هذا الرستاق لقوم من بني بكر بن وائل يعرفون بالساعية، كانت لهم ولاية وضيافات ومساع حسنة، ينسب إليها من المتأخرين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الله بن الحسن بن صالح الخطيب السمرقندي ثم الوذاري، مولده بوذار سنة 487، وأبو مزاحم سباع بن النضر ابن مسعدة السكّري الوذاري، كان له معروف وأفضال. معجم البلدان (5/ 369)، مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع (3/ 1430).
قرية بسمرقند، والزندنيجي ثوب منسوب إلى زندنه
(1)
: قرية ببخارا " كذا في المغرب
(2)
.
(أو بالعرض)
(3)
[بيع الجارية بعد القبض وقبل نقد الثمن الأول]
يعني اشترى بألف ثم باعها بالعرض
(4)
قبل نقد الثمن، وقيمة العرض أقل من الألف، فإنه جائز بالاتفاق
(5)
، وإنما قيَّد بيعه بالعرض؛ لأن البائع الأول لو باعها بالدراهم ثم اشتراها بدنانير وقيمة الدنانير أقل من الثمن الأول لا يجوز عندنا
(6)
استحساناً، خلافاً لزفر رحمه الله.
(ولنا قول عائشة
(7)
رضي الله عنها إلى آخره)
(8)
(1)
زندنة -بالفتح، ثم السكون، ودال مهملة مفتوحة، ونون-: قرية كبيرة من قرى بخارى فى شماليها، بينهما أربعة فراسخ. ينسب إليها أبو جعفر محمد بن سعيد بن حاتم بن عطية بن عبد الرحمن البخاري الزندني حدث عن سعيد بن مسعود، وعبيد الله بن واصل وغيرهما. الأماكن، ما اتفق لفظه وافترق مسماه (ص: 503)، مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع (2/ 673).
(2)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 481) و (ص: 211).
(3)
قال في الهداية: " قال: ومن اشترى جارية بألف درهم حالة أو نسيئة فقبضها ثم باعها من البائع بخمسمائة قبل أن ينقد الثمن الأول لا يجوز البيع الثاني، وقال الشافعي رحمه الله: يجوز؛ لأن الملك قد تم فيها بالقبض، فصار البيع من البائع ومن غيره سواءً، وصار كما لو باع بمثل الثمن الأول أو بالزيادة أو بالعرض" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 979 - 980).
(4)
عرض: عرض الشيء يعرض عرضاً، فهو عريض. والعرض خلاف الطول. وفلان يعرض علينا المتاع عرضاً للبيع والهبة ونحوهم. العين (1/ 271).
(5)
البناية شرح الهداية (8/ 173).
(6)
سقط من (ب).
(7)
عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: حبيبة حبيب الله، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أم المؤمنين، المبرأة من فوق سبع سماوات، أم عبد الله، كان النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بمكة -ولم يتزوج بكرًا غيرها- وهي بنت ست سنين، ودخل بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين، بعد سبعة أشهر من مقدمه المدينة، وقبض وهي بنت ثمان عشرة سنة، وبقيت إلى خلافة معاوية، وتوفيت سنة ثمان، وقيل: سبع وخمسين، وقد قاربت السبعين، وأوصت أن تدفن بالبقيع، وكان وصيها: عبد الله بن الزبير بن العوام. معرفة الصحابة لابن منده (ص: 939)، رجال صحيح مسلم (2/ 412)، الاستيعاب (4/ 1881)، طبقات الفقهاء (ص: 48).
(8)
قال في الهداية: "ولنا قول عائشة رضي الله عنها لتلك المرأة وقد باعت بستمائة بعدما اشترت بثمانمائة" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 980).
وهو أن امرأة دخلت على عائشة وقالت: إني بعت من زيد بن
أرقم
(1)
جارية بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم اشتريت منه بستمائة درهم قبل محل الأجل، فقالت عائشة رضي الله عنها: بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب، فأتاها زيد بن أرقم معتذراً فتلت قوله تعالى:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}
(2)
(3)
، فهذا دليل على أن فساد هذا العقد كان معروفاً فيما بينهم، وأنها سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأن أجزية الجرائم لا تعرف بالرأي، وقد جعلت جزاءه على مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد، فعرفنا أن ذلك كالمسموع من رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتذار زيد إليها دليل على ذلك؛ لأن المجتهدات كان يخالف بعضهم بعضاً، وما كان يعتذر أحدهما إلى صاحبه فيها، ولا يجوز أن يقال: إنما ألحقت الوعيد به للأجل إلى العطاْ؛ لأنا نقول: إن مذهب عائشة رضي الله عنها جواز البيع إلى العطاء؛ ولأنها قد كرهت العقد الثاني بقولها بئسما اشتريت، وليس فيه هذا المعنى/، فعرفنا أنها كرهت لما قلنا، وإنما كرهت العقد الأول لأنهما تطرقا به إلى الثاني، والمعنى فيه أنه استربح على ما ليس في ضمانه، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن
(4)
، وبيان ذلك أن الثمن لا يدخل في ضمانه قبل القبض، فإذا عاد إليه الملك الذي زال عنه بعينه، وبقي له بعض الثمن، فهذا ربح حصل لا في
(5)
ضمانه، ولا يوجد هذا المعنى فيما إذا اشتراه لمثل الثمن الأول، أو أكثر فالربح هناك
(6)
يحصل للمشتري (والربح
(7)
قد دخل في ضمانه، ولا كذلك فيما إذا باعه من غيره؛ لأنه لا يحصل للمشتري هناك ربح لا على ضمانه)
(8)
، وكذا إذا اشتراه البائع الأول من المشتري الثاني؛ لأنه لم يعد إليه الملك المستفاد من جهته؛ لأن اختلاف أسباب الملك بمنْزلة اختلاف الأعيان، "وكذلك لو حصل
(9)
في المبيع عيب ثم اشتراه البائع بأقل من الثمن الأول؛ لأن الملك لم يعد إليه على الصفة التي خرج عن ملك
(10)
فلا يتحقق فيه ربح ما لم يضمن، ولكن يجعل النقصان بمقابلة الجزء الذي احتبس عند المشتري، سواء كان ذلك النقصان بقدر ذلك أو دونه، حتى إذا كان النقصان نقصان السعر فهو غير معتبر في العقود؛ لأنه فتور في رغبات الناس فيه وليس فيه فوات جزء من العين. كذا ذكره في المبسوط" في باب العيوب
(11)
.
(1)
زيد بن أرقم الأنصاري، يكنى أبا عمرو الخزرجي، مختلف في كنيته، فقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو عامر، وقيل: أبو عمر، وقيل غير ذلك، أول مشاهده الخندق، وقيل: المريسيع. توفي بالكوفة سنة ست وستين، وقيل: ثمان وستين. الاستيعاب (2/ 535)، الإصابة (2/ 487).
(2)
[البقرة: 275].
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب البيوع، رقم (30003)، (3/ 478)، والبيهقي في الكبرى، كتاب جماع أبواب الخراج بالضمان والرد بالعيوب وغير ذلك، باب الرجل يبيع الشيء إلى أجل ثم يشتريه بأقل، رقم (10798)، (5/ 539)، قال في التنقيح: هذا إسنادٌ جيدٌ، وإن كان الشافعيُّ رحمه الله قال: إنَّا لا نثبت مثله على عائشة، قال الدارقطني في العالية: هي مجهولة، لا يحتج بها، فيه نظر، فقد خالفه غيره. تنقيح التحقيق لابن عبدالهادي (4/ 69)، نصب الراية (4/ 16).
(4)
أخرجه الدارمي في سننه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع، وعن شرطين في بيع، وعن ربح ما لم يضمن» ، كتاب البيوع، باب في النهي عن شرطين في بيع، رقم (2602)، (3/ 1667)، والنسائي في الكبرى، كتاب البيوع، باب سلف وبيع، وهو أن يبيع السلعة على أن يسلفه سلفاً، رقم (6180)، (6/ 66)، وكذا في الصغرى، كتاب البيوع، باب سلف وبيع، وهو أن يبيع السلعة على أن يسلفه سلفاً، رقم (4629)، (7/ 295). قلت: ورواية "نهى" لم أجد لها تخريجاً، وإنما بلفظ:"لا يحل". قال الترمذي: حسن صحيح، واختصره ابن ماجه، فذكر منه ربح ما لم يضمن، وبيع ما ليس عندك فقط، ورواه الحاكم في المستدرك، وقال: حديث صحيح على شرط جماعة من أئمة المسلمين. نصب الراية (4/ 19).
(5)
"على" في (ب).
(6)
"هنا" في (ب).
(7)
"والمبيع" كذا في هامش (أ) و (ج).
(8)
في (ب)، وفي هامش (أ).
(9)
"دخل" في (ب).
(10)
"ملكه" في (ب).
(11)
المبسوط للسرخسي (13/ 123).
(بئسما شريت)
"أي: بعت؛ لأن الشرى يستعمل في معنى البيع، قال الله تعالى:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ}
(1)
أي: باعوه، ثم إنما ذمت
(2)
العقد الثاني؛ لأن الفساد فيه مقصود، وفي الأول باعتبار الوسيلة"
(3)
.
فإن قيل: لم ذمت البيعين والموصوف بالحرمة الثاني دون الأول؟.
قلنا: قد ذكرنا جوابه من المبسوط بقوله: "أنهما تطرقا به إلى الثاني"
(4)
.
فإن قيل: يحتمل أنها ذمت البيع الثاني باعتبار أنه بيع المبيع قبل القبض، والقبض لم يذكر في الحديث.
قلنا: لا يصح هذا؛ لأنها ذمت البيع الثاني لأجل الربا، حتى تلت عليه آية الربا، وليس في بيع المبيع قبل القبض الربا.
فإن قيل: فقد جاء الوعيد أيضاً في تفريق الولد عن الوالد بالبيع، ومع ذلك أنه لو باعه فالبيع جائز لا فاسد.
قلنا: الوعيد هناك للتفريق لا للبيع، حتى لو فرق بدون البيع كان الوعيد لاحقاً أيضاً، فلما أمكن الانفصال بين البيع والتفريق في الجملة اعتبر منفصلاً في حق جواز البيع، وكره ذلك البيع؛ لتسببه
(5)
إلى
(6)
التفريق، وأما ههنا لما كان الوعيد لشبهة الربا
(7)
، [والربا مخصوص بالبيع كان هو أكثر اتصالاً بالبيع، فأوجب الفساد؛ ولأن في هذا لما كان شبهة الربا أوجب الفساد؛ لأن شبهة الربا ملحقة بحقيقتة فأوجبت الفساد بحقيقته، كذا في الفوائد الظهيرية وغيرها
(8)
.
(لأنه لابد أن يجعل بعض الثمن بمقابلة التي لم يشترها منه]
(9)
فيكون مشترياً للأخرى)
(10)
(1)
[يوسف: 20].
(2)
في هامش (أ)"ذمّت"، وفي (أ) و (ب) و (ج) "قدمت" والصحيح ما أثبته؛ لأن المقصود عائشة رضي الله عنها عندما ذمت هذا البيع. ينظر: فتح القدير: (6/ 399).
(3)
فتح القدير: (6/ 399).
(4)
المبسوط للسرخسي (13/ 122).
(5)
"لشبهة" في (ب).
(6)
سقط من (ب).
(7)
سقط من (ب) وهي في هامشه.
(8)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 199).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(10)
قال في الهداية: "قال: ومن اشترى جارية بخمسمائة ثم باعها وأخرى معها من البائع قبل أن ينقد الثمن بخمسمائة فالبيع جائز في التي لم يشترها من البائع ويبطل في الأخرى؛ لأنه لا بد أن يجعل بعض الثمن بمقابلة التي لم يشترها منه فيكون مشترياً للأخرى بأقل مما باع، وهو فاسد عندنا، ولم يوجد هذا المعنى في صاحبتها، ولا يشيع الفساد؛ لأنه ضعيف فيها؛ لكونه مجتهدا فيه، أو لأنه باعتبار شبهة الربا، أو لأنه طارئ؛ لأنه يظهر بانقسام الثمن أو المقاصة فلا يسري إلى غيرها " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 980).
"أي: فيكون البائع الأول مشترياً التي باعها بأقل مما باع، فكان حينئذ يرد حكم المسألة الأولى -وهي شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن- وهو فاسد، فكذا هذا في حق الجارية التي اشتراها، ثم باعها من البائع مع أخرى بمثل الثمن الأول وهو خمسمائة؛ لأنه لابد من تقسيم الخمسمائة عليهما، فيصيب لكل واحدة منهما بعض الخمسمائة، فيكون البائع الأول مشترياً التي باعها بأقل مما باعها [قبل نقد الثمن لا محالة، فيفسد العقد في التي باعها]
(1)
، ثم اشتراها لما قلنا.
فإن قلت: علة الفساد في التي باعها ثم اشتراها لو كانت أصابة الثمن لها في حصتها أقل من خمسمائة عند تقسيم الثمن عليهما للزوم شرى
(2)
ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن في حقها كان ينبغي أن لا يفسد البيع في التي اشتراها المشتري بخمسمائة لو باعها وأخرى معها من البائع بألف وخمسمائة؛ لأن عند تقسيم الثمن يصيب كل واحد منهما أكثر من خمسمائة، فلا يكون فيه شرى ما باع
(3)
، ومع ذلك كان البيع فيها
(4)
أيضاً فاسداً، كذا أورده العلَمَان في الاتفاق في الكشف والبيان شمس الأئمة وفخر الإسلام رحمهما الله - في جامعهما.
قلت: إنما فسد فيها
(5)
؛ لأن جهات جواز العقد فيها كثير؛ لأنا لو جعلنا بإزاء ما باعها ألفاً جاز، وإن جعلنا بإزائها ألفاً وحبه جاز أيضاً، ثم هكذا وهكذا، وإذا تعدد جهة الجواز وليس البعض في الحمل عليها بأولى من البعض، فامتنع الجواز، بخلاف الأكرار
(6)
وأمثالها حيث يتحرى الجواز فيها لتعيب
(7)
جهة الجواز على ما يجيء في كتاب الصرف إن شاء الله تعالى"
(8)
.
(ولا يشيع الفساد؛ لأنه ضعيف فيها)
(9)
أي: في المشتراة؛ لكونه مجتهداً فيه؛ لما ذكرنا أن شرى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن جائز عنده، فلما ضعف الفساد فيها لم يتعد الفساد إلى المضمومة إليها، كما لو باع عبداً ومدبراً حيث يصح البيع في/ العبد لضعف فساد البيع في المدبر لم يتعد فساده إلى القن.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(2)
"شرى" في (ب).
(3)
"بأقل مما باع" في (ب)، وفي هامش (أ).
(4)
سقط من (ب).
(5)
"فيهما" في (ب).
(6)
والكر: الحبل الذي يصعد به على النخل، والكر أيضاً: واحد الأكرار، وهي التي تضم بها الظلفتان وتدخل فيهما. والكر أيضاً: حبل الشراع، وجمعه كرور. معجم ديوان الأدب (3/ 6)، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 804).
(7)
"لتعين" في (ب).
(8)
فتح القدير (6/ 401).
(9)
قال في الهداية: "لأنه ضعيف فيها؛ لكونه مجتهداً فيه، أو لأنه باعتبار شبهة الربا" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 980).
فإن قلت: هذا الذي ذكرته
(1)
وهو أن عدم شيوع الفساد في الكل بسبب ضعف الفساد، ولكونه مجتهداً منقوض بمسألة ذكرها في المبسوط عند ذكر مسائل السلم "وهي أن الرجل إذا سلم قوهية
(2)
في قوهية ومروية فإنه باطل في الكل على قول أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - يصح، كما لو أسلم حنطة في شعير وزيت كان باطلاً في الكل عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما يجوز في حصة الزيت، ثم إن فساد العقد بسبب الجنسية مجتهد فيه، وليس بمجمع عليه؛ لأنه لو أسلم ثوباً هروياً في ثوب هروي يجوز عند الشافعي، وكذلك يجوز إسلام القوهي في القوهي، ومع ذلك تعدى فساد ذلك إلى المقرون به، وهو إسلام القوهى في المروي مع كونه مجتهداً فيه، علم أن التعليل في هذه المسألة في عدم الشيوع في الكل؛ بأن الفساد في المشتراه ضعيف لكونه مجتهداً فيه ليس بمستقيم.
قلت: نعم كذلك، فإن الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله استضعف ذلك التعليل في المبسوط في الباب الأول من كتاب البيوع، وقال بعد ذكر إسلام القوهية في القوهية والمروية، وبهذا يتبين أن الطريق ما قلنا في تعليل قول أبي حنيفة رضي الله عنه في مسألة إسلام الحنطة في الشعير والزيت بأن العلة المفسدة للعقد قد وجدت في الكل، أما في حصة الشعير فظاهر، وفي حصة الزيت فقد جعل قبول العقد في الشعير شرطاً في قبول العقد في الزيت؛ لأن من جمع بين الشيئين في العقد الواحد فإنه يكون شارطاً
(3)
عليه قبول العقد في كل واحد منهما، ولهذا لو قبل العقد في أحدهما دون الآخر لا يجوز، وهذا شرط فاسد، والسّلم بالشرط الفاسد يفسد، بخلاف بيع القن والمدبر؛ لأن العقد في المدبر ليس بفاسد، ولهذا لو أجاز القاضي بيعه جاز"
(4)
.
ثم ذكر مسألة [إسلام القوهية في]
(5)
القوهية والمروية فقال: ولهذا تبين أن الطريق ما قلنا دون ما قاله بعض مشائخنا لأبي حنيفة رحمه الله: إن الفساد إذا كان قويًّا مجمعاً عليه تمكن في البعض تعدى إلى ما بقي، فإن فساد العقد بسبب الجنسية غير مجمع عليه، وقد سوَّى بين الفصلين -أي فصل إسلام الحنطة وفصل إسلام القوهية على ما ذكرنا-.
(1)
"ذكره" في (ب).
(2)
القوهي: ضرب من الثياب بيض منسوبة إلى قوهيسان. تهذيب اللغة (6/ 182)، الصحاح (6/ 2246)، مختار الصحاح (ص: 263)، المعجم الوسيط (2/ 768).
(3)
"شرطا" في (ب).
(4)
المبسوط للسرخسي (12/ 182).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
ثم العجب من الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله استضعف هذه النكتة في المبسوط في تعليل قول أبي حنيفة رحمه الله، ثم هو رحمه الله علل بذلك التعليل أيضاً في الجامع الصغير في هذه المسألة، وهي التي نحن فيها، فقال: وفساد العقد في المبيعة بهذا السبب ضعيف؛ لكون سببه مخفياً مجتهداً فيه، فلا يتعدى
(1)
عن محله إلى غيره، والله أعلم.
ولكن هو
(2)
رضي الله عنه أعلى حالاً وأجل قدراً من أن يقال في حقه التناقض والفساد في قوله، ولكن للمجتهدين اختيارات فيختارون في كل موضع ما يليق به.
قوله:
(أو لأنه)
أي: لأن الفساد في المشتراة.
(باعتبار شبهة الربا)
"فلو اعتبرنا تلك الشبهة في الجارية التي ضمت إلى المشتراه لكنّا اعتبرنا شبهة الشبهة وذلك لا يجوز، وبيان قولنا أن في المشتراة شبهة الربا ما ذكره الإمام القاضي خان رحمه الله وهو أن في المسألة الأولى إنما لا
(3)
يصح شرى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن لشبهة الربا، وذلك؛ لأن
(4)
الألف -وإن وجب للبائع
(5)
الأول- لكنها على شرف السقوط؛ لاحتمال أن يجد المشتري بها عيباً فيرد فيسقط الثمن عن المشتري، وبالبيع الثاني يقع الأمن عنه، فيصير البائع بالعقد الثاني مشترياً ألفا
(6)
بخسمائة من هذا الوجه، والشبهة ملحقة بالحقيقة في باب الربا احتياطاً، ولما أن للتأكيد شبها بالإيجاب، كشهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا"
(7)
.
(ولأنه طارئ)
أي: لأن الفساد طارئ، فلا يتعدى إلى الآخر، وبيان ذلك ما ذكره في الفوائد الظهيرية وهو أن ما شرط في العقد أن يكون بإزاء ما باعه أقل من الثمن الأول، بل قابل الثمن بالجاريتين، وهذه المقابلة صحيحة، ولكن بعد ذلك أن الثمن ينقسم على قيمتهما، فيصير البعض بإزاء ما باع، والبعض بإزاء ما لم يبع، فحينئذ يفسد البيع فيما باع، وهذا فساد طارئ فلا يتعدى إلى الآخرى، لكن هذا ينتقض بما إذا جمع بين عبد ومدبر وباعهما صفقة واحدة، فالمفسد مقارن للعقد؛ لما أن قبول كل واحدٍ منهما شرطا لصحة العقد في
(8)
الآخر، ومع هذا يجوز البيع
(9)
في القن، غير أن الشيخ شمس الأئمة السرخسي رحمه الله قال في مسألة
(10)
العبد والمدبر: "البيع في المدبر غير فاسد، ولهذا لو أجاز القاضي بيعه جاز، ولكنه غير نافذ لحق المدبر"
(11)
، وذلك معنى فيه لا/ في العقد، فلهذا لا يتعدى إلى الآخر.
(1)
" العقد" زيادة في (ب).
(2)
أي: السرخسي.
(3)
"لم" في (ب) و (ج).
(4)
"كأن" في (ب).
(5)
"بالعقد" زيادة في (ب).
(6)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(7)
البناية شرح الهداية (8/ 176).
(8)
"على " في (ب).
(9)
سقط من (ب).
(10)
"مبسوطه" في (ب).
(11)
المبسوط للسرخسي (13/ 4).
(أو
(1)
المقاصة)
(2)
أي: لطرق
(3)
الفساد في المشتراه وجهان، أحدهما: أنه إنما يظهر بانقسام الثمن، وقد ذكرناه، والثاني بالمقاصة، وبيان ذلك ما ذكره أبو المعين
(4)
رحمه الله في الجامع الصغير فقال: إن فساد شرى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن إنما يكون طارئاً؛ لأن المقاصة تقع بين الثمن الثاني والثمن الأول، فيبقى من الثمن الأول فضل من غير أن يقابله عوض؛ وذلك لأن بائع الجارية أولاً لما باعها بألف ثم اشتراها قبل نقد الثمن بخمسمائة فتقاص الخمسمائة بخمسمائة مثلها، فبقي للبائع فضل خمسمائة أخرى مع الجارية، والمقاصة تقع عقيب وجوب الثمن على البائع بالعقد الثاني، فيفسد عند وقوع المقاصة، فيكون الفساد طارئاً؛ لأن الشرط الأول -وهو أن يطرح عنه مكان كل ظرف خمسين رطلاً- شرط لا يقتضيه العقد؛ لأن مقتضى العقد أن يطرح عنه وزن الظرف ما يوجد، وعسى يكون وزنه أقل من ذلك أو أكثر، فإذا شرط أن يطرح عنه مكان كل ظرف خمسين رطلاً فقد شرط شرطاً يخالف مقتضى العقد، فيفسد العقد، بخلاف الشرط
(5)
الثاني -وهو أن يطرح عنه بوزن الظرف
(6)
- فإنه شرط يقتضيه العقد، فيجوز فالقول قول القابض، ضميناً كان كالغاصب أو أميناً كالمودع.
[بيع السمن في ظرفه]
(وإن اعتبر اختلافاً في السمن فهو في الحقيقة اختلاف في الثمن، فيكون القول للمشتري)
(7)
أي: مع اليمين.
(1)
"أما" في (ب).
(2)
قال في الهداية: "لأنه يظهر بانقسام الثمن أو المقاصة فلا يسري إلى غيرها. " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 980).
(3)
" لظهور" في (ب).
(4)
ميمون بن محمد بن محمد بن معتمد بن محمد بن محمد بن مكحول بن الفضل، أبو المعين النسفي المكحولي، الإمام الزاهد، مصنف التمهيد لقواعد التوحيد، وتبصرة الأدلة. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 189).
(5)
سقط من (ب).
(6)
قال في الهداية: "قال: ومن اشترى زيتاً على أن يزنه بظرفه فيطرح عنه مكان كل ظرف خمسين رطلا فهو فاسد، ولو اشترى على أن يطرح عنه بوزن الظرف جاز؛ لأن الشرط الأول لا يقتضيه العقد والثاني يقتضيه". الهداية شرح بداية المبتدي (6/ 981).
(7)
قال في الهداية: " قال: "ومن اشترى سمناً في زق فرد الظرف، وهو عشرة أرطال، فقال البائع: الزق غير هذا، وهو خمسة أرطال، فالقول قول المشتري؛ لأنه إن اعتبر اختلافاً في تعيين الزق المقبوض، فالقول قول القابض، ضميناً كان أو أميناً، وإن اعتبر اختلافاً في السمن فهو في الحقيقة اختلاف في الثمن، فيكون القول قول المشتري؛ لأنه ينكر الزيادة" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 981).
(لأنه ينكر الزيادة) فإن قلت: ههنا شبهتان:
إحداهما: هي أنه جعل في مثل هذه الصورة القول قول البائع، وهي أنه إذا باع عبدين وقبضهما ومات أحدهما عند المشتري وجاء بالآخر يرده بالعيب فاختلفا في قيمة الميت كان القول هناك قول البائع، والمسألة تجيء في باب التحالف إن شاء الله.
والثانية: هي أنه جعل هذا الاختلاف في الحقيقة اختلافاً في الثمن، والاختلاف في الثمن يوجب التحالف لا الحلف فكيف أوجب ههنا؟.
قلت: أما الأولى فهي طرد لا نقض؛ لأنا جعلنا ههنا القول قول المشتري لإنكاره الزيادة، وهناك أيضاً القول قول البائع لإنكاره زيادة ما يدعيه المشتري، وذلك لأنهما لما اتفقا في وجوب الثمن، ثم المشتري يدعي زيادة السقوط بنقصان قيمة الهالك والبائع ينكره، والقول قول
(1)
للمنكر.
وأما الثانية: فإن التحالف ورد على خلاف القياس فيما إذا كان الاختلاف في الثمن
(2)
قصداً، وههنا وقع الاختلاف في الثمن ضمناً للاختلاف
(3)
في الزقّ
(4)
فلا يكون في معناه فلا يلحق به، والفقه فيه هو أن الاختلاف في الثمن ابتداء إنما أوجب التحالف ضرورة أن كل واحد منهما يكون مدعياً عقداً آخر، وأما الاختلاف في الثمن بناء على اختلافهما في الزق لا يوجب الاختلاف في البيع فلا يوجب التحالف لذلك.
[أحوال بيع وشراء المسلم مع النصراني]
وإذا أمر المسلم نصرانيًّا ببيع خمر أو شرائها ففعل جاز عند أبي حنيفة رحمه الله ويؤمر بالتصدق بالثمن، ويكره هذا التوكيل أشد الكراهة
(5)
، كذا ذكره الإمام المحبوبي رحمه الله أما لو وكل المسلم ذميًّا بهبة الخمر وبتسلمها لا يجوز؛ لأن أحكام العقد ترجع إلى الموكل فصار كالرسول، كذا ذكره الإمام الثمرتاشي رحمه الله لهما أن
(6)
الموكل
(7)
لا يليه فغيره لا يولية كالمسلم يوكل مجوسيًّا بأن يزوجه مجوسية حيث لا يصح بالاتفاق
(8)
.
(ولأبي حنيفة رحمه الله أن العاقد هو الوكيل بأهليته إلى آخره)
(9)
.
(1)
سقط من (ب).
(2)
سقطتا من (ب).
(3)
"لاختلاف" في (ب).
(4)
الزِّق: وعاء للشراب، وهو الجلد يجز شعره ولا ينتف نتف الأديم، والسقاء الْعَظِيم. ويسمى الزق أيضاً جحلاً. جمهرة اللغة (1/ 439)، العين (5/ 13).
(5)
"ابتداء الكرامة" زيادة في (ج).
(6)
"أنه" في (ب).
(7)
سقط من (ب).
(8)
المبسوط للسرخسي (12/ 216)، تبيين الحقائق (4/ 56).
(9)
قال في الهداية: "ولأبي حنيفة رحمه الله أن العاقد هو الوكيل بأهليته وولايته، وانتقال الملك إلى الآمر أمر حكمي فلا يمتنع بسبب الإسلام كما إذا ورثهما، ثم إن كان خمراً يخللها وإن كان خنْزيرا يسيبه.
قال: "ومن باع عبداً على أن يعتقه المشتري، أو يدبره، أو يكاتبه، أو أمة على أن يستولدها فالبيع فاسد"؛ لأن هذا بيع وشرط، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 981).
[اعتبار الأهلية في التصرف]
وحاصله أن الواجب في هذا الباب اعتبار أهلية الوكيل للتصرف المأمور به، واعتبار أهلية الموكل لحكم ذلك التصرف وههنا كذلك، فيجب أن يصح؛ لأن الملك يثبت للموكل إرثاً واستيلاء، فكذلك توكيلاً، فصورة الإرث
(1)
بأن أسلم النصراني وله خنازير وخمور، ومات قبل تسييب الخنازير وتخليل الخمر، وله وارث مسلم يملكها.
فإن قيل: الوراثة ليست نظيرة مسألتنا؛ لأن الوراثة أمر جبري، والتوكيل أمر اختياري، والأمر الحكمي يوافق الجبري لا الاختياري.
قلنا بثبوت الملك للموكل بعد تحقيق الوكالة أمر جبري أيضاً؛ حيث يثبت الملك له بدون اختياره، كما في الموت
(2)
بالاتفاق أن المأذون له إذا كان نصرانياً اشترى خمراً ومولاه مسلم يثبت الملك له فيها فيجب أن يكون هنا كذلك.
فإن قيل: فيثبت بين الوكيل والموكل أحكام المبايعة حتى يجعل الوكيل بمنْزلة البائع، والموكل بمنْزلة المشتري، ألا ترى أن التحالف يجري بينهما عند التجاحد، ويثبت احتباس المبيع بالثمن، فيثبت الرد بالعيب، هذه أحكام المبايعة تثبت بسبب الوكالة، فينبغي أن يمنع عن التوكيل الذي يثبت هذه الأحكام؛ لأن المسلم كما هو ممنوع عن حقيقة الشرى ممنوع أيضاً/ عما هو شبه الشراء بمباشرة حكمه، ألا ترى أنه يمنع عن قبض الخمر حكماً للشرى الموجود منه حال كفره.
قلنا: هذه الأحكام تثبت مضافة إلى الشرى لا إلى الوكالة، والشرى وجد باختيار الوكيل لا حكماً للوكالة، بخلاف القبض؛ لأنه يثبت بفعله واختياره، وقد منع عن حقيقة البيع باختياره، فكذلك منع عما ثبت به شبهة الشرى باختياره وهو القبض، وأما قولهما: إن الموكل لا يليه فغيره لا يوليه فمنقوض بمسائل:
منها: أن رجلاً لو توكل عن غيره بشرى عبد بعينه، ثم وكل هذا الوكيل غيره
(3)
بشرى ذلك العبد جاز، ويثبت الملك للوكيل الأول، وإن كان هو بنفسه لا يملك الشراء لنفسه، ذكره في وكالة المبسوط
(4)
"ومنها أن القاضي إذا أمر ذميًّا ببيع خمر أو خنْزير خلّفه ذمي آخر يصح، والقاضي لا يملك التصرف بنفسه، ويملك التفويض إلى غيره، ومنها أن الذمي إذا أوصى إلى مسلم وقد ترك خمراً أو خنْزيراً، فإن الوصي يوكل ذميًّا ببيعه وقسمته، وإن كان لا يملك هو بنفسه هذا"
(5)
كله من الفوائد الظهيرية وغيرها
(6)
.
(1)
"مسلم" في (ج).
(2)
"و" الواو زيادة في (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
المبسوط للسرخسي (19/ 66).
(5)
البناية شرح الهداية (8/ 180).
(6)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(ثم جمله المذهب فيه أن يقال
…
إلى آخره)
(1)
أي: الجملة الكلية
(2)
لاختيار الأصل الشامل لفروع أصحابنا أن يقال:
(كل شرط إلى آخره)
(3)
[البيع بالشرط في العبد والأمة وغيرها]
وحاصله ما ذكر في المبسوط فقال: "ثم الشرط في البيع على أوجه:
إما أن الشرط شرطاً يقتضيه العقد كشرط الملك للمشتري في البيع، أو بشرط تسليم الثمن، أو تسليم المبيع، فالبيع جائز؛ لأن هذا المطلق العقد يثبت فالشرط لا يزيده إلا وكادةً، وإن كان شرطاً لا يقتضيه العقد، ولكن
(4)
فيه عرف ظاهر، فكذلك جائز أيضاً، كما لو اشترى نعلاً أو شراكاً بشرط أن يحذوه البائع؛ لأن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي
(5)
؛ ولأن في التروع
(6)
عن العادة الظاهرة حرجاً بيِّناً، وإن كان شرطاً لا يقتضيه العقد وليس فيه عرف ظاهر، فإن كان فيه منفعة لأحد المتعاقدين فالبيع فاسد؛ لأن الشرط باطل في نفسه والمبيع
(7)
به غير راض بدونه، فيتمكن المطالبة بينهما بهذا الشرط، فلهذا أفسد به البيع، وكذلك إن كان فيه منفعة المعقود عليه، وذلك نحو ما بيَّنا؛ أنه إذا اشترى عبداً على أن لا يبيعه فإن العبد يعجبه
(8)
أن لا تتداوله الأيدي، وتمام العقد بالمعقود عليه حتى لو زعم أنه حرُّ كان البيع باطلاً، فاشتراط منفعة كاشتراط منفعة أحد المتعاقدين، وإن لم يكن فيه منفعة لأحد فالشرط باطل والبيع صحيح، نحو ما إذا اشترى دابة بشرط أن
(9)
يبيع؛ لأنه لا مطالب له في
(10)
هذا الشرط، وأنه لا منفعة فيه لأحد فكان لغواً، والبيع صحيح، إلا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله قال: يبطل به البيع، نص عليه في آخر المزارعة؛ لأن في هذا الشرط ضرراً على المشتري من حيث إنه يتعذر عليه التصرف في ملكه، والشرط الذي فيه ضرر كالشرط الذي فيه منفعة لأحد المتعاقدين، ولكنا نقول: لا معتبر بعين الشرط بل بالمطالبة
(11)
، والمطالبة يتوجه بالمنفعة في الشرط دون الضرر"
(12)
. وقوله: (كل شرط يقتضيه العقد)
(1)
قال في الهداية: "ثم جملة المذهب فيه أن يقال: كل شرط يقتضيه العقد كشرط الملك للمشتري لا يفسد العقد لثبوته بدون الشرط" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 981).
(2)
"لمذهبنا" في (ج).
(3)
كما في هامش (5).
(4)
"ليس" في (ج).
(5)
"أما العرف العام: فيرى الحنفية أنه حيث لا نص فإن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي، وأن الثابت بالعرف كالثابت بالنص، فحيث لم يجد في الفرع نص، ولم يمض له قياس ولا استحسان نظر إلى ما عليه تعامل الناس، ولهذا نجد مسائل كثيرة خالف فيها المتأخرون أبا حنيفة وأصحابه، لأن العرف تقاضاهم هذه المخالفة في الفرع". موسوعة القواعد الفقهية (2/ 537)، المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية (ص: 94).
(6)
"التورع" في (ب).
(7)
"المنتفع" في (ب).
(8)
"يحبه" في (ب).
(9)
"لا" زيادة في (ب).
(10)
سقط من (ب).
(11)
"به" زيادة في (ب).
(12)
المبسوط للسرخسي (13/ 14 - 15).
ومعناه أن يجب بالعقد من غير شرط؛
(لأن فيه زيادة عارية عن العوض فيؤدي إلى الربا)
(1)
[الحكمة من شرع الأسباب في المعاملات]
لأنهما لما قصد المقابلة بين المبيع والثمن خلا الشرط عن العوض، وقال: شرط فيه من المنفعة لأحدهما مال حتى جاز أخذ العوض عليه؛ لأن ذلك مثل أن يقول: بعت هذا منك
(2)
بشرط أن تقرضني عشرة دراهم في وقت كذا، وبعت هذه الدار بشرط أن أسكن فيها شهراً ونحوهما، والربا مال مُلِك بالبيع من غير عوض، أو لأنه يقع
(3)
بسببه المنازعة فيعرى العقد غير
(4)
مقصوده؛ لأن المقصود من شرع الأسباب في المعاملات قطع التنازع وذلك؛ لأن الذي يشتري شيء يرغب فيه كل طالب، فلو أراد راغب أخذه لاحتياجه إليه والآخر أيضاً محتاج إليه فيريد أخذه لاحتياجه إليه، وكذلك الآخر فلو لم يشرع الشارع سبباً مختصًّا به من مباشر ذلك السبب أدى إلى منازعة تفضي إلى التقاتل والتغابن، وذلك ليس بحكمة، والشارع موصوف بالحكمة الكاملة فشرع أسباباً
(5)
تنقطع بها المنازعة؛ لأنه لما علم كل واحد إن كان من فاز بالسبب فاز بالاختصاص لمسببه، وهو الشيء المرغوب فيه، وظن نفسه بالإياس عن ذلك الشيء إذا لم يوجد منه المباشرة لذلك السبب الذي يؤدي إلى اختصاص مسببه
(6)
فلا ينازعه فيه، وإذا ثبت أن شرعية العقد لقطع المنازعة، ثم لو شرط فيه شرطاً ربما لا يساعد المشتري البائع في الجري على موجب الشرط، والبائع يطالبه فيؤدي إلى المنازعة، فلم يفد حينئذ شرعية العقد ما هو المراد منها وهو قطع المنازعة.
فإن قيل: لما شرط المشتري أو البائع شرطاً في العقد فالظاهر أنه يجري على موجبه، فلا يؤدي الشرط حينئذ إلى المنازعة.
قلنا: يفسد العقد بالشرط، فظاهر ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم:«نهى عن بيع وشرط»
(7)
، فبعد ذلك لا يجري الشارط على ما شرطه؛ لأن الشرط إنما يراعى في البيع الصحيح، لا في البيع الفاسد، فعلى أي وجه كان الشرط الذي لا يقتضي العقد يفسد العقد. وقوله:
(1)
قال في الهداية: " وكل شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين أو للمعقود عليه -وهو من أهل الاستحقاق- يفسده، كشرط أن لا يبيع المشتري العبد المبيع" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 48).
(2)
سقط من (ب).
(3)
سقط من (ب) وهي في الهامش.
(4)
"عن" في (ب).
(5)
"أسبابها" في (ب).
(6)
في (ب) بعد هذه الكلمة مكرره.
(7)
سبق تخريجه ص 143.
(هو الظاهر من المذهب)
(1)
احتراز عما روي عن أبي يوسف رحمه الله على ما ذكرنا من رواية في المبسوط.
(لأنه انعدمت المطالبة)
(2)
أي: من جانب الدار.
(والتخير)
(3)
أي: قضية العقد أن يكون المشتري مخيراً في جميع التصرفات في المشترى، لا أن
(4)
يكون ملزماً على التصرف الواحد، كالإعتاق، أو التدبير، أو أن لا يبيع العبد، والشرط يقتضي الإلزام على واحد من تلك التصرفات لاشتراطه ذلك، وكان الشرط مخالفاً لموجب العقد.
(والشافعي رحمه الله وإن كان مخالفاً في العتق)
أي: في قولٍ؛ لأن له فيما إذا اشترى عبداً بشرط أن يعتق قولين
(5)
.
كذا في الأسرار
(6)
. قوله: (ويقيسه على بيع العبد نسمة)
[أي: ويقيس الشافعي رحمه الله شرى العبد بشرط الإعتاق على بيع العبد نسمة]
(7)
(8)
غير مستقيم فيما ذكره في المبسوط في تفسير الشافعي رحمه الله بيع العبد نسمة حيث قال من جانب الشافعي رحمه الله: "ولأن الشرى بشرط الإعتاق متعارف بين الناس؛ لأن بيع العبد نسمة متعارف في الوصايا وغيرها، ثم قال: وتفسيره البيع بشرط العتق، فكان بيع العبد نسمة على ذلك التفسير هو عين البيع بشرط العتق، فلا يصح قوله ويقيسه على بيع العبد نسمة؛ لأنه يلزم حينئذ قياس الشيء على نفسه، وذلك لا يصح. والشافعي في هذا تمسك بحديث بريرة
(9)
فإنها جاءت إلى عائشة رضي الله عنها تستعينها في المكاتبة قالت: إن شئت عددتها لأهلك وأعتقتك، فرضيت بذلك فاشترتها وأعتقتها، وإنما اشترتها بشرط العتق، وقد أجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
(10)
"
(11)
.
(1)
قال في الهداية: "متعارفا؛ لأن العرف قاض على القياس، ولو كان لا يقتضيه العقد ولا منفعة فيه لأحد لا يفسده وهو الظاهر من المذهب" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 982).
(2)
قال في الهداية: " فلا يؤدي إلى الربا، ولا إلى المنازعة" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 982).
(3)
قال في الهداية: "إذا ثبت هذا فنقول: إن هذه الشروط لا يقتضيها العقد؛ لأن قضيته الإطلاق في التصرف والتخيير لا الإلزام حتماً، والشرط يقتضي ذلك وفيه منفعة للمعقود عليه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 982).
(4)
سقط من (ب).
(5)
قال الشافعي رحمه الله في كتابه الأم: "وإذا باع الرجل العبد على أنه لا يبيعه، أو على أن يبيعه من فلان، أو على أن لا يستخدمه، أو على أن ينفق عليه كذا، أو على أن يخارجه، فالبيع فاسد، كله فيه فاسد؛ لأن هذا كله غير تمام ملك، ولا يجوز الشرط في هذا إلا في موضع واحد، وهو العتق اتباعاً للسنة، ولفراق العتق لما سواه. فنقول: إن اشتراه منه على أن يعتقه فأعتقه جائز .. ". الأم للشافعي (7/ 107)، المهذب (1/ 268).
(6)
الأسرار (1/ 296).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(8)
"لكن هذا اللفظ وهو قوله: ويقيسه على بيع العبد نسمة" في هامش (أ)، وسقط من (ب).
(9)
بريرة مولاة عائشة بنت أبي بكر الصديق، كانت مولاة لبعض بني هلال فكاتبوها، ثم باعوها من عائشة، وجاء الحديث فِي شأنها بأن الولاء لمن أعتق. وعتقت تحت زوج، فخيرها رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فكانت سنة. واختلف فِي زوجها هل كَانَ عبدًا أَوْ حرًا، ففي نقل أهل المدينة أنه كَانَ عبدًا يسمى مغيثًا، وفي نقل أهل العراق أنه كَانَ حرًا. الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1795)، أسد الغابة (7/ 37)، الوافي بالوفيات (10/ 78).
(10)
صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المكاتب، باب المكاتب، ونجومه في كل سنة نجم، رقم (2560) وفي باب ما يجوز من شروط المكاتب، ومن اشترط شرطاً في كتاب الله، رقم (2561)، (3/ 152)، ومسلم في صحيحه، كتاب العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق، رقم (6 - 1504)، (2/ 1141).
(11)
المبسوط للسرخسي (13/ 15).
قلنا: " تأويل ذلك ما ذكرنا من تفسير بيع العبد نسمة فإن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة مطلقاً، ووعدت لها أن تعتقها لترضى هي بذلك، فإن بيع المكاتبة لا يجوز
(1)
بدون رضاها" كذا في المبسوط
(2)
.
النسمة: النفس من نسيم الريح، ثم سميت بها لنفس، ومنها أعتق النسمة. ثم
(3)
انتصاب قوله نسمةً في قوله: على بيع العبد نسمةً على الحال، على معنى: معرضاً للعتق؛ وإنما صح هذا لأنه لما كثر ذكرها في باب العتق خصوصاً في قوله صلى الله عليه وسلم: «فُكَّ الرقبة وأعتق النسمة»
(4)
وصارت كأنها اسم لما هو يعرض العتق، فعوملت معاملة الأسماء المتضمنة بمعنى الأفعال. كذا في المغرب
(5)
.
(فالحجة عليه ما ذكرناه)
(6)
(1)
سقط من (ب).
(2)
المبسوط للسرخسي (13/ 16).
(3)
سقط من (ب).
(4)
أخرجه أحمد في مسنده عن البراء بن عازب قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، علمني عملاً يدخلني الجنة، فقال:"لئن كنت أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة: أعتق النسمة، وفك الرقبة". فقال: يا رسول الله، أوليستا بواحدة؟ قال:"لا، إن عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها، والمنحة الوكوف، والفيء على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع، واسق الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من الخير" برقم (18647)، (30/ 600)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفريقه بين عتق النسمة وفك الرقبة برقم (2743)، (7/ 164)، وابن حبان في صحيحه، كتاب البر والإحسان، ذكر الخصال التي إذا استعملها المرء أو بعضها كان من أهل الجنة، برقم (347)، (2/ 97)، والدارقطني في سننه، كتاب الزكاة، باب الحث على إخراج الصدقة وبيان قسمتها، (2055)، (3/ 54)، والحاكم في مستدركه، كتاب المكتاب، برقم (2861)، (2/ 236)، والبيهقي في الصغرى، كتاب العتق، باب العتق، برقم (3410)، (4/ 200) وكذا في الكبرى، كتاب العتق، باب فضل إعتاق النسمة وفك الرقبة، (21313)، (10/ 461) قال في مجمع الزوائد: رواه أحمد، ورجاله ثقات. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 240).
(5)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 463).
(6)
قال في الهداية: "وتفسير المبيع نسمة أن يباع ممن يعلم أنه يعتقه لا أن يشترط فيه، فلو أعتقه المشتري بعدما اشتراه بشرط العتق صح البيع حتى يجب عليه الثمن عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا: يبقى فاسداً حتى يجب عليه القيمة؛ لأن البيع قد وقع فاسداً فلا ينقلب جائزاً" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 982).
أي: من الحديث والمعقول، فالحديث قوله صلى الله عليه وسلم:«نهى عن بيع وشرط»
(1)
والمعقول ما ذكرناه من وقوع المنازعة بسبب ذلك الشرط، وكونه مخالفاً لمقتضى العقد.
(كما إذا تلف)
أي: كما إذا تلف الملك.
(بوجه آخر)
من الموت والقتل والبيع، ولأنهما يقيسان على التدبير والاستيلاء، فإن هناك بقي
(2)
مضمونة بالقيمة سواء وفَّى الشرط أو لم يف، فكذلك ههنا اعتباراً لحقيقة الحرية بحق الحرية، إلى هذا أشار في المبسوط.
(ولأبي حنيفة رحمه الله أن شرط العتق
(3)
…
إلى قوله: ولكن
(4)
حيث حكمه يلائمه)
(5)
(لأنه مُنْهٍ للملك)
فإن قلت: فلما نقلت
(6)
العقد إلى الجواز عند
(7)
الوفاء بالشرط، كان ينبغي أن يقع هذا الشرط جائزاً في ابتداء العقد أيضاً، لما أن تحقيق الشرط الفاسد يوجب تحقيق الفساد، وتحقيق الشرط الجائز يوجب تحقيق الجواز، والعقد الواقع فاسداً بالشرط إنما ينقلب إلى الجواز إذا رفع ذلك الشرط بالمخالفة لا ما
(8)
إذا وفيّ، كما في البيع إلى النيروز والمهرجان، وههنا انعكس الحكم؛ حيث انقلب إلى الجواز عند الوفاء بالشرط،
فكان ينبغي على هذا أن يقع من الابتداء جائزاً، وليس كذلك بالإجماع
(9)
، فما وجهه؟.
قلنا
(10)
: هو أن هذا الشرط ذو وجهين: شرط فاسد من حيث الذات والصورة؛ لعدم ملائمة العقد صورة، وشرطٌ جائزٌ من حيث الحكم والمعنى؛ لملائمته العقد حكماً على ما ذكر في الكتاب، فعملنا بصورته في ابتداء العقد وقلنا بالفساد، وعملنا بحكمه إذا وفَّى بالشرط، وقلنا بالجواز عملاً بالوجهين، أما الجواب عن الاستيلاء والتدبير فإن الملك لا ينتهي بهما، ومعنى الملائمة باعتبار إنهاء الملك به فلذلك تعين جهة الفساد هناك وفَّى بالشرط أو لم يفِ./
(1)
سبق تخريجه ص 143.
(2)
"هي" في (ب).
(3)
سقط من (ب) وهي في هامشه.
(4)
"من" في (ب)، وهي في هامش (أ).
(5)
قال في الهداية: " ولأبي حنيفة رحمه الله أن شرط العتق من حيث ذاته لا يلائم العقد على ما ذكرناه، ولكن من حيث حكمه يلائمه؛ لأنه منه للملك والشيء بانتهائه يتقرر، ولهذا لا يمنع العتق الرجوع بنقصان العيب، فإذا تلف من وجه آخر لم تتحقق الملاءمة فيتقرر الفساد، وإذا وجد العتق تحققت الملاءمة فيرجح جانب الجواز فكان الحال قبل ذلك موقوفاً" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 982).
(6)
"انقلب" في (ب).
(7)
"في" في (ب).
(8)
مطموسة في (ب).
(9)
المحلى بالآثار (7/ 327).
(10)
"وجهه" زيادة في (ب) و (ج).
(وكان الحال قبل ذلك موقوفاً) أي: فكان حال العقد قبل الإعتاق موقوفاً بين أن يبقى فاسداً كما كان، أو ينقلب إلى الجواز بالإعتاق؛
[بيع العين بشرط الأجل]
(لأن الأجل في المبيع العين
(1)
باطل) قيّد بالعين
(2)
احترازاً عن المسَلَّم فيه في السَّلم، فإن المسَلَّم فيه مبيع، ولكن ليس بعين، فصح الأجل وذلك؛ لأن الدين غير حاصل، فكان الأجل
(3)
للترفيه؛ لأن فائدة شرط الأجل في الديون هي اتساع المدة التي يتمكن المشتري تحصيل الثمن فيها، أما العين فحاصل، فلا حاجة إلى ذلك الأجل للترفيه، والأصل أن ما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه من العقد؛ لأن عدم صحة إفراده بالعقد دليل على أنه تبع لا مقصود، لما أن التَّبع يدخل عند دخول المتبوع
(4)
، فلا حاجة إلى إيراد العقد على التبع، واستثناء مثل هذا لا يصح؛ لأن الاستثناء يُعلِم أن المستثنى مقصود موجب العقد أن يكون الحمل تابعاً كأطراف الحيوان، فكان الاستثناء مخالفاً لموجب العقد في استثناء الحمل، فلذلك لا يصح استثناء الحمل في العقد.
وحاصل هذه المسألة ما ذكره في شرح الطحاوي فقال: "الاستثناء لما في البطن في العقود على ثلاث مراتب، في وجهٍ العقد فاسد [والاستثناء فاسد، وفي وجه العقد جائز والاستثناء فاسد، وفي وجه الاستثناء جائز والعقد جائز]
(5)
.
[شِراء جارية إلا حملها]
أما الوجه الذي العقد فيه فاسد والاستثناء فاسد فهو البيع، والإجارة، والكتابة، والرهن؛ لأن هذه العقود يبطلها الشروط الفاسدة واستثناء ما في البطن بمنْزلة شرط فاسد.
وأما الوجه الذي يجوز العقد فيه ويبطل الاستثناء فهو الهبة، والصدقة، والنكاح، والخلع، والصلح عن دم العمد؛ لأن هذه العقود لا يبطلها الشروط الفاسدة فيصح ويبطل الاستثناء. ودخل في العقد الأم والولد جميعاً، وكذلك العتق إذا أعتق الجارية واستثنى ما في بطنها صح العتق ولم يصح الاستثناء.
(1)
" المعين"في (ب).
(2)
سقط من (ب).
(3)
" فيه" زيادة في (ب).
(4)
حكم التبع حكم المتبوع، وكثير من الأَشياء لها أصول ولأصولها توابع وفروع، فالأَصل هو المتبوع والفرع هو التابع والتبع. ولما كان التابع وجوده بوجود أصله كان حكمه تابعاً لحكم أصله، فلا يفرد بالحكم إلا استثناءً، وبالمقابل يسقط حكم الفرع إذا سقط أصله. المبسوط للسرخسي (3/ 178)، موسوعة القواعد الفقهية (3/ 167).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
وأما الوجه الذي يجوز فيه كلاهما فهو الوصية، إذا أوصى بجاريته لرجل واستثنى ما في بطنها فإنه يصح؛ لأن الوصية أخت الميراث، فقد جعل الجارية وصية وما في بطنها ميراث، والميراث يجري فيما في البطن، وليس هذا كما أوصى بجاريته لرجل استثنى خدمتها وغلتها للورثة، فالوصية صحيحة، والاستثناء باطل؛ لأن الخدمة والغلة لا يجري فيهما الميراث بدون الأصل، ألا ترى أنه لو أوصى بخدمتها وغلتها لإنسان ثم مات الموصى له بعدما صحت الوصية له، فإنها تعود إلى ورثة الموص، ولا يكون الغلة والخدمة موروثة عند الموصى له، وبمثله لو أوصى بما في بطن جاريته لإنسان والمسألة بحالها فإن الولد يكون موروثاً عن الموصى له "
(1)
، غير أن (المفسد في)
(2)
الكتابة ما يتمكن في صلب العقد منها بأن كاتب المسلم عبده على خمر أو خنْزير أو على قيمته، فالكتابة فاسدة؛ لتمكن الشرط المفسد في صلب العقد، وأما لو شرط على المكاتب أن لا يخرج من الكوفة
(3)
فله أن يخرج؛ لأن هذا الشرط يخالف مقتضى العقد، وهو مالكية اليد على جهة الاستبداد، فبطل
(4)
الشرط وصح
(5)
العقد؛ لأنه شرط
(6)
لم يتمكن في صلب العقد وذلك؛ لأن الكتابة تشبه البيع أي انتهاء، وتشبه النكاح فألحقناها بالبيع في شرط تمكن في صلب العقد، وبالنكاح في شرط لم يتمكن في صلب العقد. إلى آخره على ما يجيء في مكاتب هذا الكتاب إن شاء الله تعالى
(7)
. (وكذا الوصية لا تبطل به)
(8)
(1)
ينظر: بدائع الصنائع (6/ 117 - 118)، الجوهرة النيرة (1/ 203)، البناية (10/ 207).
(2)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(3)
الكوفة -بالضم-: المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق، سمّيت الكوفة لاستدارتها، أو لاجتماع الناس بها. وقيل: سمّيت كوفة بموضعها من الأرض، وذلك أنّ كل رملة يخالطها حصى سمّى كوفة، وقيل غير ذلك. هي على الفرات، وهواؤها صحيح، وماؤها عذب. والكوفة مدينة العراق الكبرى، وقبة الإسلام، ودار هجرة المسلمين، وهي خطط لقبائل العرب. وبالكوفة قبر أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه. مصّرها سعد بن أبي وقاص في خلافة ابن الخطاب، وهي أول مدينة اختطها المسلمون بعد البصرة. يقال لها أيضاً: كوفان. آكام المرجان فى ذكر المدائن المشهورة فى كل مكان (ص: 38)، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (4/ 1141)، مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع (3/ 1187).
(4)
"قبل" في (ب).
(5)
طمس من (ب).
(6)
هامش (ب).
(7)
رقم اللوح 863/ ب و 364/ أ وص 97 - 103.
(8)
قال في الهداية: "قال: ومن اشترى جارية إلا حملها فالبيع فاسد، والأصل أن ما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه من العقد، والحمل من هذا القبيل؛ وهذا لأنه بمنْزلة أطراف الحيوان؛ لاتصاله به خلقة، وبيع الأصل يتناولهما فالاستثناء يكون على خلاف الموجب، فلا يصح، فيصير شرطاً فاسداً، والبيع يبطل به، والكتابة والإجارة والرهن بمنْزلة البيع؛ لأنها تبطل الشروط الفاسدة، غير أن المفسد في الكتابة ما يتمكن في صلب العقد منها، والهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد لا تبطل باستثناء الحمل، بل يبطل الاستثناء؛ لأن هذه العقود لا تبطل الشروط الفاسدة، وكذا الوصية لا تبطل به، لكن يصح الاستثناء حتى يكون الحمل ميراثاً، والجارية وصية؛ لأن الوصية أخت الميراث، والميراث يجري فيما في البطن، بخلاف ما إذا استثنى خدمتها؛ لأن الميراث لا يجري فيها" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 983).
أي: باستثناء [الحمل بأن قال: أوصيت بهذه الجارية لفلان إلا حملها، حيث تصح الوصية والاستثناء]
(1)
(2)
، بل يبطل، وتصح الوصية بأن قال: أوصيت بهذه الجارية لفلان إلا خدمتها يستحق الموصى له الجارية مع خدمتها.
فإن قيل: هذا يشكل على الأصل الذي ذكره أولاً وهو قوله:
(والأصل: أن ما لا يصح افراده بالعقد لا يصح استثناؤه)
[ويلزم من هذا أن ما يصح إفراده بالعقد استثناؤه]
(3)
.
والخدمة في الوصية مما يصح استثناؤه إجراءً لذلك الأصل.
قلنا: يمنع أولاً لزوم ذلك العكس، ألا ترى أنه ذكر في الإجارات بقوله:"وما جاز أن يكون ثمناً في البيع جاز أن يكون أجرة"
(4)
، ولم يلزم من هذا أن كل ما لا يصح ثمناً لا يصلح أجرة، بل يصلح أجرة وإن لم يصلح ثمناً، كالأعيان التي لا تجب في الذمة، فإنها لا تصلح أثماناً وتصلح أجرة، ثم لو سلمنا ذلك فالجواب من عدم صحة الاستثناء [وجوه:
أحدها: أن الاستثناء تصرف في اللفظ، فيصح الاستثناء]
(5)
فيما يدخل فيه المستثنى منه، ولفظ الجارية لا يتناول الخدمة، فلم يصح استثناؤها.
والثاني: أن الوصية ليست بعقد، ألا ترى أنه/ يصح قبول الموصي له بعد موت الموصى فلا يتناولهما ما ذكره من لفظ العقد، وكذلك يدخل الموصى به في ملك رؤية الموصَى له بدون القبول، بأن مات الموصى له قبل القبول، فلا يكون عقداً.
والثالث: أنا لو قلنا بصحة الاستثناء والخدمة يلزم أن يرد الخدمة إلى ورثة الموصي، والإرث لا يجري في الخدمة؛ لأن الإرث يجري في الأعيان دون المنافع، فلذلك قلنا
(6)
بالاستثناء لا يصح على ما مر وهو قوله:
(لأنه لو كان الخدمة والسكنى يقابلهما شيء من الثمن إلى آخره)
(7)
.
(1)
"بخلاف ما إذا استثنى خدمتها حيث لا يصح الاستثناء" في (ب) وهي في هامش (أ).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب) وهي في هامش (ب).
(4)
الهداية (3/ 1267).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب) وهي في هامش (ب).
(6)
"أن" زيادة في (ب).
(7)
قال في الهداية: "قال: وكذلك لو باع عبداً على أن يستخدمه البائع شهراً، أو داراً على أن يسكنها، أو على أن يقرضه المشتري درهماً، أو على أن يهدي له هدية؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد، وفيه منفعة لأحد المتعاقدين؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف؛ ولأنه لو كان الخدمة والسكنى يقابلهما شيء من الثمن يكون إجارة في بيع، ولو كان لا يقابلهما يكون إعارة في بيع. وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن صفقتين في صفقة. قال: ومن باع عيناً على أن لا يسلمه إلى رأس الشهر فالبيع فاسد؛ لأن الأجل في المبيع العين باطل فيكون شرطاً فاسداً؛ وهذا لأن الأجل شرع ترفيها فيليق بالديون دون الأعيان" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 982).
ومن اشتراى نعلاً على أن يحذوها
أراد بالنعل الصَّرمَ، وهذا إطلاق اسم على الشيء باسم ما يؤول إليه، حذا النعل بالمثال قطعها به، وحذا
(1)
نعلاً عَمِلها، "شرك النعل: من التشريك أن
(2)
وضع عليها الشراك، وهو سيرها الذي على ظهر القدم، وهو مثل في القلة" كذا في المغرب
(3)
، ووجهه ما بيَّنا وهو قوله:
[شراء الثوب أو النعل من البائع بالشرط]
(لأنه شرط لا يقتضيه العقد، وفيه صفقة
(4)
لأحد المتعاقدين إلى آخره)
(5)
(وفي الاستحسان: يجوز للتعامل)
ومن أنواعه أيضاً ما ذكره في شرح الطحاوي
(6)
، "هو أن يشتري صَرْماً على أن يُخرز
(7)
البائع له خفاً، أو قلنسوة
(8)
بشرط أن ينظر له البائع
(9)
، فالبيع بهذا الشرط جائز؛ لأن للناس فيه تعاملاً"
(10)
.
(فصار كصبغ الثوب)
(11)
أي: يترك القياس للتعامل كما في استئجار الصّباغ لصبغ
(12)
الثوب، فإن القياس لا يجوِّز هذا الاستئجار؛ لأن الإجارة هي بيع المنافع لا بيع العين، وفي صَبْغ الصّباغ يلزم بيع العين هو الصبغ، لا المنفعة المجردة، فينبغي أن لا يجوز، كما إذا استأجر بقرة ليشرب لبنها لكن جواز استئجار الصّباغ مع ذلك للتعامل
(13)
وترك القياس فيه؛ لأن للتعامل تأثيراً في ترك القياس كما ترك القياس في الاستصناع أيضاً، وهو بيع المعدوم، فينبغي أن لا يجوز؛ لما أن بيع الموجود وهو غير مقدور التسليم لا يجوز
(14)
بيع المعدوم، ولكن جوَّز ذلك للتعامل، وصورة الاستصناع سيجيء في باب السّلم إن شاء الله تعالى.
(1)
"لي" زيادة في (ب).
(2)
سقط من (ب).
(3)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 249).
(4)
"منفعة " في (ب).
(5)
قال في الهداية: "قال: ومن اشترى ثوباً على أن يقطعه البائع ويخيطه قميصاً أو قباءً فالبيع فاسد؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد، وفيه منفعة لأحد المتعاقدين؛ ولأنه يصير صفقة في صفقة على ما مر" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 984).
(6)
الفتاوى الهندية (21/ 386).
(7)
"يجد" في (ب).
(8)
شيء من ملابس الرأس معروفٌ .. لسان العرب (6/ 181)، التعريفات الفقهية (ص: 177).
(9)
"من عنده" زيادة في (ب).
(10)
قال العناية شرح الهداية (6/ 451): "فمن اشترى صرماً واشترط أن يحذوه، أو نعلاً على أن يشركها البائع فالبيع فاسد في القياس، ووجهه ما بيناه أنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين. وفي الاستحسان: يجوز للتعامل، والتعامل قاض على القياس لكونه إجماعاً فعليًّا".
(11)
قال في الهداية: "قال: ومن اشترى نعلاً على أن يحذوها البائع قال: أو يشركها، فالبيع فاسد" قال رضي الله عنه: ما ذكره جواب القياس، ووجهه ما بينَّا، وفي الاستحسان: يجوز للتعامل فيه فصار كصبغ الثوب، وللتعامل جوزنا الاستصناع" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 984).
(12)
في هامش (أ)"مطلب في ترجيح التعامل على [القياس] " ما بين المعقوفتين من كلامي؛ لعدم اكتمال المعنى فأكملته بما يناسب المعنى العام للمسألة.
(13)
سقط من (ب) وهي في هامشه.
(14)
"فأولى أن لا يجوز" في (ب) وهي في هامش (ب).
ومن صورة الاستئجار التي ترك فيها القياس للتعامل: دخول الحمام؛ إذ فيه استهلاك الماء وهو عين، واستئجار الظئير، ومنه استهلاك اللبن وهو عين.
النيروز أصله النوردز وهما تعربان
(1)
، فقد تكلم به عمر رضي الله عنه فقال: كل يوم لنا نورز
(2)
حين كان يبتهجون باليوم الذي يسمونه النوروز وهو يوم في طرف الربيع، والمهرجان يوم في طرف الخريف (تعريب مهر كان آن وقت كه برك ديزر ودرتير ماه)
(3)
أي: تأجيل الثمن على المشتري إلى النيروز، وهو يوم غير معلوم، فلذلك فسد البيع، والدليل على هذا تعليله في الفساد بقوله:
[البيع بجهالة الأجل]
(لجهالة الأجل وارتفاع الفساد)
(4)
وعند معلومه بقوله:
(إلا إذا كانا يعرفانه)
أي: حينئذ يجوز تأجيل الثمن إلى هذه الأوقات؛ [لأنه لو كان المراد منه تأجيل المبيع إلى هذه الأوقات أي: لا يسلمه إلى هذه الأوقات]
(5)
لا يصح التعليل بالجهالة؛ لأن تأجيل المبيع إلى الوقت المعلوم مفسد للبيع بدليل قوله:
ومن باع
(6)
عيناً على أن (لا)
(7)
يسلمها إلى رأس الشهر فالبيع فاسد
وقد ذكره مرة فلا يذكره ثانياً، مع أنه لا يساعده لتعليله بالجهالة، وكذلك لا يجوز أن يراد منه توقيت البيع
(8)
إلى هذه الأوقات، فإن ذلك باطل، سواء كان ذلك الأجل معلوماً أو مجهولاً؛ لأن نفس التوقيت مفسد للبيع؛ لكونه على خلاف موجبه الذي هو التأبيد فتعين ما قلنا: إن به
(9)
المراد منه تأجيل الثمن إلى هذه الأوقات المجهولة، فعند عرفان تلك الأوقات يرتفع الفساد؛ لأن الثمن قابل للتأجيل؛ ولأنه (صرح)
(10)
بذكر الثمن وتأجيله في آخر هذه المسألة في الكتاب
(11)
، فقال:"بخلاف البيع فإنه لا يحتملها في أصل الثمن فكذا في وصفه، بخلاف ما إذا باع مطلقاً ثم أجل الثمن"، [وكذا صرح
(12)
الإمام الأجل أبو الفضل رحمه الله في الإيضاح بالثمن]
(13)
فقال: وإن كان الثمن ديناً فالأجل معلوم
(14)
فيه جائز، والأصل
(15)
المجهول لا يجوز، ثم قال: الأجل المجهول هو أن يبيع إلى الحصاد والدَّياس، وذلك مما يتقدم ويتأخر، وكذلك التأجيل إلى قدوم الحاج، أو إلى القطاف
(16)
، أو إلى النيروز والمهرجان إذا كان لا يعرفان، ثم اعلم أن هذا الذي ذكرنا -وهو أن البيع إلى النيروز، وكذا إلى غيره من الآجال المجهولة- لا يصح في الثمن الذي هو الدراهم والدنانير، وأما إذا كانت الآجال معلومة فيجوز، وأما إذا كان الثمن عيناً فضرب فيه الأجل فسد البيع، سواء كان الأجل معلوماً أو مجهولاً؛ لأن الأجل في العين باطل، وكذا إذا ضرب الأجل في تسليم المبيع فهو باطل، كذا في شرح الطحاوي
(17)
.
(1)
"معربان" في (ب).
(2)
بعد البحث لم أقف على هذا الأثر من مصادره.
(3)
قال في الهداية: "قال: "والبيع إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطر اليهود إذا لم يعرف المتبايعان ذلك فاسد" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 98450).
(4)
قال في الهداية: "وهي مفضية إلى المنازعة في البيع" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 984).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(6)
سقطتا من (ب).
(7)
في (ب).
(8)
"المبيع" في (ب).
(9)
"به " سقط من (ب)، وإسقاطها أولى.
(10)
في (ب).
(11)
الهداية (3/ 984).
(12)
"به" زيادة في (ب).
(13)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(14)
"المعلوم" في (ب).
(15)
"الاجل" في (ب) و (ج).
(16)
"الحصاد" في (ب).
(17)
تبيين الحقائق (4/ 59)، فتح باب العناية (2/ 479).
(لابتنائها على المماكسة)
(1)
أي: لابتناء المنازعة على المماكسة، والمماكسة/ موجودة في البيع عادة، فكانت المنازعة موجودة لوجود موجبها، وذكر في المغرب
(2)
"المكس في البيع استنقاص الثمن من باب ضرب، والمماكسة والمماكس في معناه".
(لأن مدة صومهم بالأيام معلومة) وهي خمسون يوماً. ذكره التمرتاشي رحمه الله.
(وكذلك إلى
(3)
الحصاد)
بفتح الحاء وكسرها، أي: إلى وقت الحصاد، وكذلك في غيره هو قطع الزروع، قال الله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}
(4)
:
وفي التيسير
(5)
قرأ ابن كثير
(6)
ونافع
(7)
وحمزة
(8)
والكسائي
(9)
بكسر الحاء، والباقون بفتحها، ثم قال: وهما لغتان، كما في الجداد والقطاف، وفي المغرب
(10)
: "حصد الزرع جزه حصداً وحصاداً من بابي ضرب وطلب". والدياس أصله الدِواس فصار ياءً لانكسار ما قبلها، كالقيام من الدَّوس، وهو شدة وطء الشيء بالقدم، فإن الدياس والدياسة في الطعام أن يوطأ بقوائم الدَّواب، والقطاف قطع العنب من الكرم، والفتح فيه لغة. الجزاز من جز الصوف. والنخل إذا صرمه فهو كالجداد وإلا أن الجداد خاص في النخل، والجزاز فيه وفي الزرع والصوف والشعر. فقوله:
(1)
قال في الهداية: " لابتنائها على المماكسة، إلا إذا كانا يعرفانه؛ لكونه معلوماً عندهما، أو كان التأجيل إلى فطر النصارى بعدما شرعوا في صومهم؛ لأن مدة صومهم معلومة بالأيام فلا جهالة فيه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 50).
(2)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 444).
(3)
سقطتا من (ج).
(4)
[الأنعام: 141].
(5)
ينظر: التيسير في القراءات السبع، (1/ 107).
(6)
ابن كثير المكي هو عبد الله بن كثير الداري، مولى عمرو بن علقمة الكناني، والداري العطار، ويكنى أبا معبد وهو من التابعين، وتوفى بمكة سنة عشرين ومائة. التيسير في القراءات السبع (ص: 4)
(7)
نافع المدنى هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، مولى جعونة ابن شعوب الليثى، حليف حمزة بن عبد المطلب أصله من أصبهان، ويكنى أبا رويم، وقيل: أبا الحسن، وقيل: أبا عبد الرحمن. وتوفى بالمدينة سنة تسع وستين ومائة. التيسير في القراءات السبع (ص: 4).
(8)
حمزة الكوفي هو حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الزيات الفرضي التميمي، مولى لهم، ويكنى أبا عمارة وتوفي بحلوان فى خلافة أبي جعفر المنصور، سنة ست وخمسين ومائة. التيسير في القراءات السبع (ص: 6/ 7).
(9)
أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي، أحد القراء السبعة، توفي في الري، سنة تسع وثمانين ومائة، تاريخ العلماء النحويين للتنوخي (ص: 192).
(10)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 117).
(لأن الجهالة اليسيرة متحملة في الكفالة)
(1)
[فإن قيل: كون الجهالة اليسيرة]
(2)
متحملة في موضع لا يدل على أن يكون التأجيل إلى هذه الأوقات المجهولة متحملاً، ألا ترى أن الصداق يحتمل
(3)
الجهالة اليسيرة حيث يحتمل جهالة الوصف، ثم لا يصح فيه اشتراط هذه الآجال، وفي
(4)
هذا إشكال ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله ثم أجاب عنه فقال: جواب هذا الفصل غير محفوظ في الكتب، وبين مشائخنا فيه اختلاف
(5)
، والأصح أنه تثبت هذه الآجال في الصداق؛ لأنه
(6)
لا شك أن اشتراط هذه الآجال لا تؤثر في أصل النكاح، بخلاف البيع، فبقي هذا آجلاً في الدين المستحق بالعقد، ومن يقول: لا يثبت بقول ما هو المعقود عليه في النكاح وهو المرأة لا يحتمل الجهالة، فكذا الأجل في البدل وهو الصداق
(7)
المشروط فيه، بخلاف الكفالة كذا في الفوائد الظهيرية
(8)
.
(يسيرة مستدركة)
(9)
أي: يمكن تداركها، وإزالة حالتها.
(لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم فيها)
أي: في هذه الجهالات هل هى مانعة لجواز البيع أم لا، فقالت عائشة رضي الله عنها بالجواز، فإنها كانت تجيز البيع إلى العطاء، وكان ابن عباس
(10)
رضي الله عنهما لا يجيز ذلك، ونحن أخذنا بقول ابن عباس، كذا في المبسوط
(11)
.
(1)
قال في الهداية: "قال: ولا يجوز البيع إلى قدوم الحاج"، وكذلك إلى الحصاد والدياس والقطاف والجزاز؛ لأنها تتقدم وتتأخر، ولو كفل إلى هذه الأوقات جاز؛ لأن الجهالة اليسيرة متحملة في الكفالة" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 984).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(3)
"يتحمله" في (ب).
(4)
سقط من (ب).
(5)
"خلاف" في (ب).
(6)
سقط من (ب).
(7)
سقطتا من (ب).
(8)
ينظر: المبسوط للسرخسي (19/ 173)، البحر الرائق (6/ 96).
(9)
قال في الهداية: "وهذه الجهالة يسيرة مستدركة؛ لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم فيها"الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 984).
(10)
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو العباس، القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كني بابنه العباس، وهو أكبر ولده، وأمه لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهلالية، وهو ابن خالة خالد ابن الوليد، وكان يسمى البحر؛ لسعة علمه، ويسمى حبر الأمة، ولد والنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بالشعب من مكة، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه بريقه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل غير ذلك، ورأى جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس. وتوفي بالطائف سنة ثمان وستين. وقيل: سنة سبعين، وصلى عليه محمد بن الحنفية، وسماه ربانيَّ هذه الأمة. أسد الغابة (3/ 291)، تهذيب الأسماء واللغات (1/ 274)، مختصر تاريخ دمشق (12/ 296)، سير أعلام النبلاء (3/ 331).
(11)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 26 - 27).
ثم قيل
(1)
: الجهالة اليسيرة هى ما كان لاختلاف في التقدم والتأخر، فأما إذا اختلف في وجوده كهبوب الريح كانت فاحشة.
(ولأنه معلوم الأصل)
أي: لأن الدَّين معلوم أصله.
(بأن تكفل بما ذاب على فلان فإنه لا يحتملها)
(2)
أي: فإن البيع لا يحتمل الجهالة.
(في أصل الثمن، فكذا في وصفه)
وهو الأجل، فإن قلت: لا يلزم من عدم تحمل أصل الثمن الجهالة؛ لما أن الوصف أضعف من الأصل؛ إذ الأصل يوجد بدون الوصف [دون عكسه، فحينئذ جاز أن لا يبالي بجهالة الوصف دون الأصل]
(3)
، فكانت جهالة الأصل أكثر تأثيراً في إفساد البيع من جهالة الوصف، ألا ترى أن الفتح المقترن
(4)
بأصل النهي عنه أكثر تأثيراً من الفتح المقترن بوصف المنهي عنه في النهي وذلك؛ لأنه المراد من الوصف ههنا الأجل، فيجوز أن لا يكون في الثمن أجل أصلاً، ولا يجوز أن يقال: أن لا يوجد في البيع
(5)
ثمن أصلاً، فكيف استدل بعدم تحمل الأصل على عدم تحمل الوصف.
قلت: الاشتراك في العلة يوجب الاشتراك في الحكم
(6)
، وما نشأ عدم تحمل أصل الثمن للجهالة، إلا لأداء تلك الجهالة إلى المنازعة، وذلك موجود في جهالة الوصف فيترتب عليه ذلك الحكم الذي ترتب على الأصل.
(وهذه الجهالة فيه)
أي: في الدَّين متحملة، وقوله أيضاً في قوله:
(جاز)
البيع أيضاً متصل بالمتصل الذي قبله وهو قوله:
(إلى هذه الأوقات)
(7)
(1)
"قال" في (ب).
(2)
قال في الهداية: " ألا ترى أنها تحتمل الجهالة في أصل الدين بأن تكفل بما ذاب على فلان ففي الوصف أولى، بخلاف البيع فإنه لا يحتملها في أصل الثمن، فكذا في وصفه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 984).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(4)
"المقرون" في (ب).
(5)
"المبيع" في (ب).
(6)
قال الزركشي: "إذا علق الشارع حكماً على علة كما لو قال: حرمت الخمر لكونه مسكراً، هل يعم؟، حتى يؤخذ الحكم في جميع صور وجود العلة، فيعم كل مسكر على قول فإذا قلنا: يعم فعمومه بالشرع قياساً، أو باللغة يجتمع ثلاثة أقوال: أصحها أن عمومه بالشرع قياساً، بناءً على الاشتراك في العلة، فإن ذكر الوصف عقب الحكم تفيد عليته، والاشتراك في العلية، يوجب الاشتراك في الحكم، فيكون الحكم عامًّا لعموم علته، لا لأن اللفظ يفيد تعميمه" تشنيف المسامع بجمع الجوامع (2/ 698)، الأشباه والنظائر للسبكي (2/ 287).
(7)
قال في الهداية: " بخلاف البيع فإنه لا يحتملها في أصل الثمن، فكذا في وصفه، بخلاف ما إذا باع مطلقاً ثم أجل الثمن إلى هذه الأوقات حيث جاز؛ لأن هذا تأجيل في الدين وهذه الجهالة فيه متحملة بمنْزلة الكفالة، ولا كذلك اشتراطه في أصل العقد؛ لأنه يبطل بالشرط الفاسد" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 985).
حيث جاز.
[البيع آجلا بشرط الرضى]
ولو باع إلى هذه الآجال ثم تراضيا
…
إلى آخره
(1)
،
إنما قيد بقوله: إلى هذه الآجال وهي النيروز والمهرجان، وصوم النصارى وغيرها احترازاً عن البيع إلى هبوب الريح وأمطار السَّماء، ثم تراضيا على إسقاط تلك الأجال، فإن هناك لا ينقلب العقد إلى الجواز؛ لأن هذا غرر بخلاف الأول؛ لأنه جهالة المدة هكذا صرح به الإمام التمرتاشي
(2)
.
وأشار إليه في المبسوط
(3)
أيضاً فقال: "وهذا بخلاف البيع إلى هبوب الريح وأمطار السماء؛ لأن ذلك ليس بأجل ما يكون منتظر الوجود وهبوب الريح وأمطار السماء قد يتصل بكلامه، فعرفنا أنه ليس بأجل، بل هو شرط فاسد، ولأجله فسد العقد".
فصار كاسقاط
(4)
الأجل في النكاح إلى أجل
(5)
.
أي: على أصلكم، وأما على قول زفر: فالنكاح إلى أجل جائز والشرط باطل لما مر في النكاح
(6)
، وإنا نقول: المانع من صحة البيع زال قبل تقرره، فيصبح البيع/ كما لو باع فصًّا في خاتم، أو جذعاً في سقف، ثم نزعه وسلمه إلى المشت، كان البيع صحيحاً، فكذا هذا.
فإن قلت: يشكل هذا بالنكاح بغير شهود؛ فإنه لا ينقلب صحيحاً بالإشهاد بعد النكاح، وكذا إذا باع بألف ورطل من خمر ثم أسقط الخمر لا ينقلب إلى الجواز، ذكره في الفوائد الظهيرية
(7)
، وكذا لو باع إلى أن تهب الريح ثم أسقط الأجل.
(1)
قال في الهداية: "ولو باع إلى هذه الآجال، ثم تراضيا بإسقاط الأجل قبل أن يأخذ الناس في الحصاد والدياس وقبل قدوم الحاج جاز البيع أيضاً. وقال زفر رحمه الله: لا يجوز؛ لأنه وقع فاسداً فلا ينقلب جائزاً" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 985).
(2)
ينظر: المحيط البرهاني (6/ 405).
(3)
المبسوط للسرخسي (13/ 27 - 28).
(4)
"كأشراط" في (ب).
(5)
قال في الهداية: "وصار كإسقاط الأجل في النكاح إلى أجل، ولنا أن الفساد للمنازعة، وقد ارتفع قبل تقرره وهذه الجهالة في شرط زائد لا في صلب العقد فيمكن إسقاطه، بخلاف ما إذا باع الدرهم بالدرهمين ثم أسقطا الدرهم الزائد؛ لأن الفساد في صلب العقد، وبخلاف النكاح إلى أجل؛ لأنه متعة وهو عقد غير عقد النكاح، وقوله في الكتاب ثم تراضيا خرج وفاقاً؛ لأن من له الأجل يستبد بإسقاطه؛ لأنه خالص حقه". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 985).
(6)
المبسوط للسرخسي (13/ 27)، العناية شرح الهداية (6/ 455).
(7)
المحيط البرهاني (6/ 405).
قلت: "أما النكاح فإن المفسد هناك انعدام شرط الجواز، وهو ترك الإشهاد ولا يزول ذلك بالإشهاد بعد العقد، وأما ههنا (فنفس)
(1)
الأجل غير مفسدٍ للبيع، وإنما المفسد جهالة في وقت الحصاد، وذلك غير موجود في الحال، فإذا أسقطه قبل
(2)
أوان الحصاد فقد تحقق الانفصال فبقى العقد صحيحاً، حتى لو جاء أوان الحصاد وتحقق الاتصال على وجه لا يمكن فصله يتقرر الفساد، وأما إذا باع بألف ورطل من خمر فإن ذلك العقد ينقلب صحيحاً عندنا إذا اتفقنا على إسقاط الخمر. نص عليه في آخر الصرف، إلا أن هناك لا يتفرد به البائع؛ لأنه تصرف في البدل فلا يتم إلا بهما، وههنا يتفرد من له الأجل؛ لأنه خالص حقه فيسقط بإسقاطه"، وأما الجواب عن هبوب الريح فقد ذكرنا جوابه بأن ذلك ليس بأجل
…
إلى آخره، هذا كله من المبسوط
(3)
.
بطل البيع فيهما
(4)
(وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله.
[بيع شيئين أحدهما لا يجوز البيع فيه]
وقوله: وهذا إشارة إلى مطلق الجمع بين الحر والعبد في البيع؛ لأن عنده يفسد البيع
(5)
في القن أيضاً، سواء فصل الثمن أو لم يفصل، ولفظة المبسوط
(6)
بلفظ الفساد فيهما فقال: "فإذا أحدهما حر فالبيع فاسد فيهما"، ولاشك أن لفظ الفساد هناك في حق الحر مستعار عن البطلان، وما ذكر في أصول الفقه لشمس الأئمة رحمه الله يدل على أن العقد في القن فاسد لا باطل؛ حيث قال: قال: أبو حنيفة رحمه الله فيما إذا باع حرًّا وعبداً وسمى ثمن كل واحد منهما لم ينعقد العقد في العبد صحيحاً، ولم يقل
(7)
: لم ينعقد العقد في العبد أصلاً. وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - أن سمى لكل واحد منهما ثمناً بأن قال
(8)
: اشتريتها بألف كل واحد منهما بخمسمائة جاز في العبد والذكية
(9)
.
(وقال زفر رحمه الله: فسد فيهما)
(10)
(1)
"فنفس" في (ب) و (ج)، وهي في هامش (أ).
(2)
"مجيء" في هامش (أ)، وسقط من (ب).
(3)
المبسوط للسرخسي (13/ 27 - 28)، المسائل البدرية (2/ 612).
(4)
قال في الهداية: "قال: ومن جمع بين حر وعبد أو شاة ذكية وميتة بطل البيع فيهما" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 985).
(5)
"العقد" في (ب).
(6)
المبسوط للسرخسي (13/ 3).
(7)
سقط من (ب).
(8)
سقط من (ب).
(9)
ينظر: فتح القدير (6/ 419).
(10)
قال في الهداية: "وإن جمع بين عبد ومدبر، أو بين عبده وعبد غيره، صح البيع في العبد بحصته من الثمن" عند علمائنا الثلاثة، وقال زفر رحمه الله: فسد فيهما" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 985).
أي: في الجمعين المذكورين، وهما الجمع بين الحر والعبد، والجمع بين المدبر والعبد، وحاصل ذلك أنه لا تفاوت عنده في جميع الصور في أنه يفسد البيع
(1)
في الكل على ما يجيء.
(ومتروك التسمية عامداً كالميتة)
فإن قيل: كان ينبغي أن يكون الجمع من الذبيحة ومتروك التسمية عامداً كالجمع بين القن والمدبر؛ لضعف الفساد في متروك التسمية عامداً؛ لكونه مجتهداً فيه، فإن الشافعي - رحمه - قال بحله
(2)
، فحينئذ يصلح البيع في الذبيحة، سواء فصل الثمن أو لم يفصل، كما هو الحكم فيما
(3)
إذا جمع بين قن ومدبر في البيع.
قلنا: هو ليس بمجتهد فيه؛ لوقوع ذلك خطأً بيِّناً؛ لمخالفته الدليل الظاهر من قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}
(4)
حتى إن القاضي لو قضى بحل متروك التسمية عامداً لا ينفذ القضاء، فلما كان كذلك كان هو بمنْزلة من جمع حراً وعبداً فكان القبول في الحر شرطاً للبيع في العبد، وهذا شرط فاسدٌ.
فإن قيل: إذا بيَّن ثمن كل واحد منهما يكون الصفقة متفرقة، فحينئذ لا يكون قبول الحر شرطاً للبيع في العبد.
قلنا: وقد ذكرنا في أوائل البيوع من رواية الذخيرة
(5)
أن البائع إذا فرق الثمن فإن سمّى لكل بعض من المبيع ثمناً على حدةٍ واتحد الباقي بأن قال البائع: بعتك هذه الأثواب العشرة كل ثوب منها بعشرة كانت الصفقة متحدة أيضاً، فعند اتحاد الصفقة كان قبولٌ لكل واحد منهما شرطَ صحة البيع في الآخر، فكان قبول الحر شرطاً لصحة البيع
(6)
في العبد وهو شرط فاسد، فيفسد به البيع.
فإن قيل: الشرط الفاسد هو ما يكون منه منفعة لأحد المتعاقدين حتى يكون هو في معنى الربا، أفلا يوجد ذلك في اشتراط قبول الحر في حق القن فلا يفسد.
قلنا: ذاك غير مسلم في كل شرط، بل وجود شرط هو مخالف بمقتضى العقد كاف في إفساد البيع، ولئن سلمنا ذلك، قلنا: هو موجود في قبول الحرية أيضاً؛ وذلك لأن قبول الحر قبول لبدله، وبدل الحر مال متقوم، والحر ليس بمال فلا يكون بدله مقابلاً بمال، فكان بدله خالياً عن العوض فكان رباً، وذلك لأنه إذا باعهما بألف صار كأن البائع قال: بعت هذا العبد بخمسمائة على أن تُسلم إلىّ خمسمائة أخرى وهو عين الربا، باعتبار أنه فضل
(7)
خال عن العوض في البيع.
(1)
سقط من (ب).
(2)
العزيز شرح الوجيز (12/ 36)، المجموع شرح المهذب (8/ 412).
(3)
"كما" في (ب).
(4)
[الأنعام: 119].
(5)
ينظر: المحيط البرهاني (6/ 279).
(6)
"العقد" في (ب).
(7)
"حصال" في (ب).
(فكان القبول في الحر شرطاً
…
إلى آخره)
(1)
وذكر في المبسوط
(2)
جوابهما عن هذا فقال: "وقالا إنما يشترط قبول العقد في أحدهما لقبول العقد في الآخر إذا صح الإيجاب فيهما، حتى لا يكون المشتري ملحقاً للضرر بالبائع في قبول العقد في أحدهما/ دون الآخر وذلك ينعدم إذا لم يصح الإيجاب في أحدهما، فصار هذا كما إذا اشترى عبداً، أو مكاتباً، أو مدبراً فالبيع يفسد في المدبر، ويبقى العقد صحيحاً في العبد كذا هنا، وأبو حنيفة رحمه الله يقول: البائع لما جمع بينهما في الإيجاب فقد شرط في قبول العقد في كل منهما قبول العقد في الآخر، بدليل أن المشتري لا يملك قبول العقد في أحدهما دون الآخر، واشترط قبول العقد في الحر في بيع العبد شرطاً فاسداً، والبيع يبطل بالشرط الفاسد، وقولهما: إن هذا عند صحة الإيجاب، قلنا: عند صحة الإيجاب فيهما يكون هذا شرطاً صحيحاً، ونحن إنما ندعي الشرط الفاسد وذلك عند فساد الإيجاب؛ لأن هذا الشرط باعتبار جمع البائع بينهما في كلامه لا باعتبار وجود المحليَّة فيهما، وقد ذكر الكرخي رجوع أبي يوسف -رحمهما الله- في فصل من هذا الجنس، إلى قول أبي حنيفة رحمه الله، وهي مسألة الطَّوق
(3)
والجارية إذا باعهما بثمن مؤجل كما بيَّنا في الصرف، فاستدلوا برجوعه في تلك المسألة على رجوعه في جميع هذه
(4)
المسائل؛ لأن الفرق بينهما لا يتضح".
(1)
قال في الهداية: "والمكاتب وأم الولد كالمدبر له الاعتبار بالفصل الأول؛ إذ محلية البيع منتفية بالإضافة إلى الكل ولهما أن الفساد بقدر المفسد فلا يتعدى إلى القن، كمن جمع بين الأجنبية وأخته في النكاح، بخلاف ما إذا لم يسمِّ ثمن كل واحد منهما؛ لأنه مجهول ولأبي حنيفة رحمه الله وهو الفرق بين الفصلين أن الحر لا يدخل تحت العقد أصلاً؛ لأنه ليس بمال، والبيع صفقة واحدة، فكان القبول في الحر شرطاً للبيع في العبد، وهذا شرط فاسد، بخلاف النكاح؛ لأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة، وأما البيع في هؤلاء فموقوف، وقد دخلوا تحت العقد لقيام المالية، ولهذا ينفذ في عبد الغير بإجارته". الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 985).
(2)
المبسوط للسرخسي (13/ 4).
(3)
الطَّوْقُ: حَلْيٌ يُجْعَلُ فِي الْعُنُقِ. وَكُلُّ شَيْءٍ اسْتَدَارَ فَهُوَ طَوْقٌ كطَوْق الرَّحى الَّذِي يُدِير القُطْب وَنَحْوِ ذَلِك وجمعها أطْواقٌ. وتَطَوَّقَ: لَبِسَه.
مختار الصحاح (ص: 194)، لسان العرب (10/ 231)، القاموس المحيط (ص: 905).
(4)
سقط من (ب).
"وقال زفر رحمه الله: إذا اشترى عبدين، فإذا أحدهما مدبر لم يجز
(1)
البيع في العبد سواء سمَّى لكل واحد منهما ثمناً أو لم يكن، فقال: لأن الإيجاب في المدبر والمكاتب وأم الولد فاسد؛ لما ثبت لهم من حق العتق، وقد جعل ذلك شرطاً لقبول العقد في القن منهما
(2)
فيفسد العقد كله، كما في مسألة الحر.
وجه قولنا
(3)
لكل واحد منهما: دخل في العقد؛ لأن دخول الآدمي في العقد باعتبار الرق والتقوُّم، وذلك موجود فيهما، ثم استحق أحدهما نفسه فكان بمنْزلة ما لو استحقه غيره، بأن باع عبدين فاستحق أحدهما، وهناك البيع جائز في الآخر، سواء سمّى لكل واحد منهما ثمناً، أو لم يسم"
(4)
، قوله:
(وفي المكاتب برضاه في الأصح)
[الجمع بين العبد والمكاتب]
" احتراز عمّا روى عن أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- في النَّوادر بخلافه، وذلك غير معتمد عليه"
(5)
.
(وكذلك في أم الولد عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-)
"ومسألة أم الولد كانت مختلفاً فيها في الصدر الأول، فكان عمر رضي الله عنه يقول: "بأن بيع أم الولد لا يجوز، وعلي رضي الله عنه كان يقول بأنه يجوز"
(6)
، ثم من بعدهم من السلف اتفقوا على أن بيع أم الولد لا يجوز، والحاصل أن الإجماع المتأخر هل يرفع الاختلاف المتقدم عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-؟ لا يرفع، وعند محمد يرفع، وقضاء القاضي بخلاف الإجماع لا ينفذ، وعندهما ليس لإجماع التابعين من القوة ما يرفع الخلاف الذي كان بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
(7)
، فكان هذا قضاءً في فصل
(8)
مجتهد فيه، وإذا ثبت أن المحل قابل للبيع حتى ينفذ قضاء القاضي منه، وقضاء القاضي في غير محله لا ينفّذ عرفنا أنه دخل العقد ثم خرج فصار كما لو خرج بالهلاك قبل القبض، فبقي العقد صحيحاً في الآخر حتى إذا كان قبضهما لزم البيع في القن بحصته من الثمن، وكذلك إن كان عالِماً وقت البيع فإن لم يكن عالِماً به وقت البيع ثم علم بذلك قبل القبض كان له أن يرد القن منهما لتفرق الصفقة قبل التمام، فإن خيار تفرق الصفقة بمنْزلة خيار العيب، فإنما يثبت إذا لم يكن معلوماً " كذا في المبسوط
(9)
.
(1)
سقط من (ب) وهي في هامشه.
(2)
"بينهما" في (ج).
(3)
"أن" زيادة في (ب) و (ج).
(4)
المبسوط للسرخسي (13/ 4).
(5)
المبسوط للسرخسي (13/ 5).
(6)
قال أبو يوسف في الآثار (ص: 192) قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ «بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ حَرَامٌ، إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ لِسَيِّدِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا رِقٌّ بَعْدَهُ» وأخرج عبدالرزاق في مصنفه، كتاب الطلاق، باب بيع الأمهات، رقم (13229)، (7/ 292) قال: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ أَذِنَ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ قَالَ: فَقَالَ ابْنِ عُمَرَ: لَكِنَّ أَبَا حَفْصٍ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - أَتَعْرِفُونَهُ؟ «لَمْ يَأْذَنْ بِبَيْعِهُنَّ وَأَعْتَقَهُنَّ» ، وأخرج البيهقي في الكبرى، كتاب عتق أمهات الأولاد، باب الرجل يطأ أمته بالملك فتلد منه، رقم (21776)، (10/ 575) قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، أنبأ أبو سعيد بن الأعرابي، ثنا الحسن بن محمد الزعفراني، ثنا محمد بن عبيد، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن عبيدة السلماني، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " استشارني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بيع أمهات الأولاد، فرأيت أنا وهو أنها عتيقة، فقضى بها عمر حياته، وعثمان رضي الله عنهما بعده، فلما وليت أنا، رأيت أن أرقهن ". قال: فأخبرني محمد بن سيرين أنه سأل عبيدة عن ذلك، فقال:" أيهما أحب إليك "، قال:" رأي عمر وعلي رضي الله عنهما جميعا أحب إلي من رأي علي رضي الله عنه حين أدرك الاختلاف ".
(7)
سقط من (ب).
(8)
سقط من (ب).
(9)
المبسوط للسرخسي (13/ 5).
(إلاَّ أن المالك باستحقاق المبيع وهؤلاء باستحقاقهم أنفسهم).
هذا استثناء عن قوله: وقد دخلوا تحت العقد، فكان هذا إشارة إلى قوله:
(ردوا البيع كان إشارة إلى بقاء البيع في حق هؤلاء)
أي: إشارة إلى دخولهم تحت البيع؛ لأن رد البيع بدون انعقاد البيع لا يصح، ولا بيع بالحصة ابتداءً بما ذكر هذا؛ لأن البيع بالحصة بقاء لا يفسد البيع.
(كما إذا اشترى عبدين فمات أحدهما قبل القبض). قوله:
(وهذا لا يكون شرطاً لقبول البيع في غير المبيع، ولا بيعاً بالحصة ابتداءً)
(1)
احترازاً عما
(2)
جمع القن مع الحر فباعهما فإن هناك يلزم ذانك الفسادان، وأما جمع القن مع المدبر في البيع فلا، لدخول المدبر ومثله في البيع على ما ذكرنا فيه، أي: فيما إذا باع المدبر مع القن، والله أعلم.
(فصل في أحكامه)
(3)
[أحكام البيع الفاسد]
لما ذكر أنواع البيع الفاسد، ذكر في هذا الفصل أحكامه إذ الحكم أثر ببيع
(4)
موصيه
(5)
وبعفوه وجوداً وكذا ذكر،
أو إذا قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر البائع، وفي العقد عوضان كل واحد منهما مال: ملك المبيع ولزمته قيمته
ففي هذه القيود فائدة، ذكر قبض المشتري لترتيب الملك عليه؛ لأن الملك لما ثبت في البيع الفاسد
(6)
قبل القبض، وذكر البيع الفاسد احترازاً عن البيع الباطل؛ لما أن الملك لا يثبت في البيع الباطل، وإن اتصل القبض به، وقد مرّ، وذكر بأمر البائع المراد منه/ الإذن حتى إنه ذكر في الكتاب ذلك بلفظ الإذن بعد هذا، أو أراد به الأمر بعد الافتراق.
ثم الإذن بالقبض على ضربين: صريح ودليل.
فالصريح أن يأمره بقبضه فقبضه
(7)
المشتري بحضرة البائع أو بعد
(8)
حضرته.
فأمَّا الدليل فهو أن يقبضه المشتري عقيب العقد بحضرة البائع ولم ينهه عن القبض ملكه أيضاً، ولو قبضه بغير حضرته لم يملكه إذا لم يوجد من البائع صريح الأمر بالقبض، كذا في شرح الطحاوي
(9)
. وفي العقد عوضان كل واحد منهما مال، ذكر فائدة في الكتاب مَلَك المبيع هذا قول عامة مشائخنا، وأمَّا قول مشائخنا من أهل العراق أن المبيع في البيع الفاسد مملوك التصرف غير مملوك العيب
(10)
، وهذا غير صحيح
(11)
؛ لأن محمداً رحمه الله نصَّ في كتاب الشهادات
(12)
.
(1)
قال في الهداية: "ولهذا لا يشترط بيان ثمن كل واحد فيه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 987).
(2)
"إذا" زيادة في (ب).
(3)
في (ب).
(4)
"ممتنع" في (ج).
(5)
"موجبه" في (ج).
(6)
سقط من (ب).
(7)
"فيقبضه" في (ب).
(8)
"بغير" في (ب).
(9)
ينظر: مختصر الطحاوي (3/ 117).
(10)
"العين" في (ب).
(11)
تبيين الحقائق (4/ 62)، العناية شرح الهداية (6/ 459).
(12)
كتاب الشهادات لعيسى بن أبان بن صدقه بن عدى بن مروانشاه القاضى، أبو موسى البغدادي الحنفي، المتوفى بالبصرة سنة 220 هـ، عشرين ومائتين. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1431).
وقال: إذا ادعى
(1)
عليه الشيء فهو خصم فيه؛ لأنه يملك الرقبة، ويدل عليه أيضاً شواهد الأصول، وهي أن المشتري إذا أعتق العبد ثبت الولاء منه دون البائ، ولو لم يكن مالكاً للرقبة لما ثبت الولاء منه، ولو باعه المشتري فالثمن له وعليه القيمة لبائعه، ولو كان تصرفه بتسليط البائع كان يرتفع عن الضمان والثمن للبائع، ولو كان المشترى داراً فبيعت دار بجنبها تثبت الشفعة للمشتري دون البائع، ولو كان عبداً فأعتقه البائع لا ينفذ عتقه فيه كذا في شرح الطحاوي
(2)
.
وقد ذكرنا فيما ذكرنا مرة في أوائل باب البيع الفاسد ما يتشبث
(3)
به مشائخ العراق
(4)
، وجوابه هناك.
(وقال الشافعي رحمه الله: لا يملكه وأن قبضه
(5)
(6)
.
وحاصله أن عند الشافعي البيع على ضربين: بيع جائز، وبيع باطل، لا غير، وعندنا البيع على أربعة أوجه: بيع جائز، وبيع فاسد، بيع باطل، ويبع موقوف، كذا في شرح الطحاوي
(7)
، هذا التقسيم من حيث إثبات الملك وعدم إثباته، أو إثباته على طريق التوقف، وأما تقسمه فيما سوى ذلك فأكثر منه، وقد ذكرناه في أول كتاب البيوع.
(فلا ينال به نعمة الملك) بل نعمة الملك إنما تنال بالمباح، كنعمة ملك المتعة أصالة أو تبعاً إنما تنال بالنكاح الصحيح والشرى الصحيح.
(ولأن النهي نسخ للمشروعية للتضاد)
لأن المشروعية يقتضي كونه حسناً وكونه منهياً يقتضي أن يكون قبيحاً، وبين القبح والحسن تضاد، فأيما ورد أحدهما على الآخر فسخه، أي رفعه لا محالة للتضاد، وذكر في المبسوط
(8)
"وفي الحقيقة هذه المسألة تنبني على مسألة من أصول الفقه
(9)
، وهي أن النهي عن العقود الشرعية
(10)
لا تخرجها من أن يكون مشروعية [عندنا فإن ذلك موجب النسخ، والنهي غير النسخ، وعنده يخرجها من أن يكون]
(11)
مشروعة بمقتضى النهي
(12)
فإن
(13)
القبح من ضرورة النهي، كما أن صفة الحسن من ضرورة الأمر، والمشروع ما يكون مرضياً، والقبيح لا يكون مرضيًّا، فينعدم أصل العقد لضرورة النهي ومقتضاه، لكنا نقول: موجب النهي الانتهاء على وجه يكون المنتهي مختاراً منه، كما أن موجب الأمر الائتمار على وجه يكون المؤتمر مختاراً فيه، فإن استحقاق الثواب والعقاب ينبني على ذلك، وذلك لا يكون إلاَّ بعد تقرر المشروع مشروعاً باعتبار هذا الأصل، ثم نخرج المقتضَى عليه بحسب الإمكان أولى من إعدام المقتضي بالمقتضَى، وهذه في أصول الفقه، وأما التخريج
(14)
ههنا على الأصل المتفق عليه، وهو أن النهي متى كان لمعنى في غير المنهي عنه لا يعدم المشروعية
(15)
كالنهي عن البيع وقت النداء، ومتى كان لمعنى في عين المنهي عنه يعدمه كالنهي عن بيع المضامين والملاقيح، والشافعي رحمه الله يقول في البيوع الفاسدة: النهي لمعنى في غير المنهي عنه، ولهذا فسد البيع
(16)
، ويتضح هذا في البيع بالخمر والبيع مبادلة مال متقوم لمال
(17)
، والخمر (ليس)
(18)
بمال متقوم حتى لا يملك بالعقد، وإن قبضت فلا ينعقد موجباً حكمه، فعرفنا أنه غير منعقد في حق حكمه وهو الملك".
(1)
سقط من (ب).
(2)
المبسوط للسرخسي (16/ 171).
(3)
تشبثت بالشَّيْء إِذا تعلّقت بِهِ. جمهرة اللغة (1/ 259)، الصحاح (1/ 284)، مقاييس اللغة (3/ 239).
(4)
سقطتا من (ب).
(5)
ينظر: فتح العزيز (8/ 212)، روضة الطالبين (3/ 410).
(6)
قال في الهداية: "لأنه محظور، فلا ينال به نعمة الملك؛ ولأن النهي نسخ للمشروعية للتضاد، ولهذا لا يفيده قبض القبض، وصار كما إذا باع بالميتة أو باع الخمر بالدراهم" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 986).
(7)
ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 200).
(8)
المبسوط للسرخسي (13/ 23).
(9)
أصول السرخسي (1/ 86 - 87).
(10)
"المشروعية" في (ب).
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(12)
"عن العقود المشروعة" زيادة في (ب).
(13)
"صفة" في (ب) وهي في هامش (أ).
(14)
"نخرج" في (ب).
(15)
" المشروع" كذا في (ب).
(16)
"به" في (ب).
(17)
"متقوم" زيادة في (ب) و (ج).
(18)
في (ب)، وفي هامش (أ).
وثبوت الضمان بالقبض ليس من حكم
(1)
انعقاد العقد كالمقبوض على سوم البيع مضمون بالقيمة ولا عقد، وهذا؛ لأن الملك مشروع محبوب فيستدعي سبباً
(2)
مرضياً شرعياً، بخلاف الكتابة الفاسدة؛ حيث انعقدت مع صفة الفساد؛ ولأن فيها معنيين معنى المعاوضة واليمين؛ لأن تعليق العتق بشرط الأداء والحرمة لا تمنع صحة التعليق، كما لو قال: إن زنيت فأنت حرة، فإنما يقول
(3)
العتق هناك لمعنى التعليق دون المعاوضة، وحجتنا في ذلك من حيث التخريج على الأصل المجمع عليه، [أن يقول: هذا النهي لمعنى في غير المنهي عنه؛ لأن البيع ينعقد بالإيجاب]
(4)
والقبول في محل قابل له، ولا يختل شيء من ذلك بالشرط الفاسد، وانعقاد العقد بوجود ركنه من أجله، والنهي كان للشرط وهو وراء ما يتم العقد به، وكذلك النهي عن الربا للفضل الخالي عن المقابلة، وهو وراء ما يتم به العقد فلا ينعدم به/ أصل العقد، والعقد لا ينعقد شرعاً إلاّ موجباً حكمه، والأسباب الشرعية تطلب
(5)
لأحكامها، فإذا كانت خالية عن الحكم يكون لغواً، ولكن الحكم يتصل بها تارة ويتأخر أخرى كالهبة؛ فإنها عقد تمليك، ثم الملك يتأخر بها إلى القبض، وقوله: بأن البيع يفسد به، قلنا: لأن النهي اتصل بوصفه، فإن الخيار والأجل لو كان جائزاً كان عمله في تغير وصف العقد لا في تغير [أصله، فكذلك إذا كان فاسداً يكون عمله في تغير]
(6)
وصف العقد حتى يصير العقد فاسداً، وليس من ضرورة انعدام الوصف انعدام الأجل، بل من ضرورته انعقاد الأصل، فالصفة لا تكون بدون الموصوف
(7)
، والدليل عليه أن المقبوض يصير مضموناً، والضمان إنما يجب بطريق الجبران، أو بالعقد، وههنا وجوب الضمان ليس بطريق الجبران؛ لأنه يقبض بإذن المالك، فعرفنا أن وجوب الضمان بالعقد، وهكذا نقول في المقبوض على سوم الشراء: إنه مضمون بالعقد، ولكن على وجه هو أن يجعل الموعود من العقد كالمتحقق، وإذا ثبت هذا في البيع مع الشرط الفاسد فكذلك في الربا؛ لأن الفساد يكون لمعنى في وصف العقد فإن بالفضل يصير البائع رائجاً، وكذلك في البيع بالخمر، وقد ذكرناه.
(1)
"أحكام" في (ب).
(2)
سقط من (ب).
(3)
"يترك " في (ب).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(5)
"تبطل" في (ج).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(7)
قال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام: "الأمر بإيجاد الصفة وإدخالها في الوجود يقتضي الأمر بالموصوف؛ لاستحالة دخول الصفة في الوجود بدون الموصوف، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد يكون الأمر بالصفة على تقدير وجود الموصوف، وقد يحتمل الحال الأمرين كقوله صلى الله عليه وسلم:«أفشوا السلام بينكم» هل المراد إدخال إفشاء السلام في الوجود فيكون أمراً بأصل السلام، أو المراد إفشاؤه على تقدير وجوده أي: إذا سلمتم فليكن فاشياً. البحر المحيط في أصول الفقه (3/ 351)، المبسوط للسرخسي (13/ 24).
(وفيه الكلام)
(1)
أي: المسألة مصورة فيما إذا كان العوضان مالاً.
(لاقتضائه التصور)
(2)
أي: لاقتضاء النهي يصور المنهي عنه، وإلا يلزم ورود النهي في شيء لا يتكون، وهو سفه حتى لا يقال للآدمي: لا نظر، ولا للأعمى لا تبصر؛ لئلا يلزم هذا.
(إنما المحظور ما يجاوره كما في البيع وقت النداء)
فإن قلت: في هذا اللفظ شبهتان:
إحداهما: هي أن إلحاق ما تنازعنا فيه بالبيع وقت النِّداء من حيث مجاورة المحظور المنهي عنه مخالف لرواية أصول الفقه، فإن في رواية أصول الفقه جعل البيع وقت النِّداء من قبيل ما جاوره المعنى جمعاً
(3)
، والذي تنازعنا فيه مع الخصم من قبيل ما اتصل به المعنى
(4)
وصفاً.
والثانية: كيف يصبح إلحاق هذا بذاك مع اختلافهما في الحكم؟ فإن الحكم هناك الكراهة، والحكم ههنا الفساد.
قلت: غرض المصنف رحمه الله من ذكر المجاورة بيان أن المحظور ليس لمعنى في عين المنهي عنه كما هو مزعوم الخصم، فالمجاور جمعاً مع المتصل وصفاً يتَّحدان في أنهما ليسا بمحظورين لمعنى في عين المنهي عنه، ومن هذا الوجه صار حكم المتصل وصفاً كحكم المجاور جمعاً، فيصبح قياس أحدهما على الآخر؛ لاشتراكهما في أمر هو مقصود المصنف رحمه الله. وكذلك أيضاً الجواب عن الشبهة الثانية فإن غرض المصنف رحمه الله بيان أن حكم المنهي عنه ليس هو البطلان كما هو ذلك عند الخصم، ثم الكراهة مع الفساد يشترطان في عدم البطلان من حيث إن حكم كل واحد منهما ليس بباطل.
(وإنما لا يثبت الملك قبل القبض
…
إلى آخره)
(5)
فإن قيل: ينبغي أن لا يثبت الملك بعد القبض أيضاً كما لا يثبت قبله؛ لأن كل ما يمنع ثبوت الملك بالبيع قبل القبض يمنع بعد القبض كخيار الشرط، وهذا في معناه أيضاً؛ لأن الرضاء لا يتم مع خيار الشرط، فكذلك لا يتم رضاء البائع بالفساد؛ لأن رضاه فمن
(6)
الثمن لا في القيمة؛ لتصور زيادته على القيمة.
(1)
قال في الهداية: "ولنا أن ركن البيع صدر من أهله، مضافاً إلى محله فوجب القول بانعقاده، ولا خفاء في الأهلية والمحلية. وركنه: مبادلة المال بالمال، وفيه الكلام والنهي يقرر المشروعية عندنا" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 986).
(2)
قال في الهداية: "لاقتضائه التصور فنفس البيع مشروع، وبه تنال نعمة الملك" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 986).
(3)
ينظر: تقويم الأدلة في أصول الفقه (ص: 52).
(4)
"المنهي" في (ب).
(5)
قال في الهداية: "وإنما لا يثبت الملك قبل القبض كي لا يؤدي إلى تقرير الفساد المجاور" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 986).
(6)
"في" في (ب).
قلنا: المانع في ثبوت الملك في الخيار [غير المانع في البيع الفاسد، فلم يلزم من عدم ثبوت الملك بعد القبض في الخيار]
(1)
عدم ثبوته في البيع الفاسد؛ وذلك لأن ثبوت الملك في الخيار معلق معنًى بسقوط الخيار؛ لأنه يقول: على أني بالخيار، والمتعلق بالشرط معدوم قبل وجود الشرط
(2)
، وتعلق بالشرط لم
(3)
يختلف بين وجود القبض وعدمه، فلم يثبت الملك بعد القبض؛ لعدم سقوط الخيار، وأمَّا هنا لو ثبت الملك قبل القبض يثبت بغير عوض، فإن المسمَّى لا يجب لفساد العقد، والضمان لا يجب إلاَّ بالقبض، فلهذا تأخر الملك إلى ما بعد القبض؛ ليكون الملك بمقابله الضمان، أو لأنه تأخر الملك ههنا، أي وقت القبض؛ لضعف في البيع الفاسد، واحتاج إلى انضمام ما يقويه إليه وهو القبض، كعقد التبرع" إلى هذا أشار في المبسوط
(4)
.
(كيلا يؤدي إلى تقرير الفساد)
لأنه لو ثبت الملك قبل القبض يجب على البائع تسليم المبيع، وإذا وجب عليه تسليم المبيع يجب على المشتري تسليم الثمن، وهما من مواجب العقد، فيؤدي إلى تقرير الفساد؛ لأن في المطالبة بتسليم المبيع والثمن تقرير للفساد، والعقد الفاسد واجب الرفع، فيجب أن نقول قولاً لا يؤدي إلى تقرير الفساد لذلك، وليس ذلك إلاَّ أن يقول بعدم ثبوت الملك قبل القبض.
فإن قلت: لو ثبت الملك بعد القبض كان فيه تقرير الفساد أيضاً فينبغي أن لا يثبت بعده أيضاً على ذلك التقدير.
قلت: الأصل في الدلائل إعمالها على حسب ما سَنَحَت
(5)
لنا لا إلغاء/ أوصافها من القوة والضعف، فإنّا لو قلنا في البيع الفاسد بثبوت الملك قبل القبض لسويناه مع البيع الصحيح، ولو ألغينا الملك مع وجود القبض لسّويناه مع البيع الباطل، وتثبت اقتدار الأدلة، فلا يجوز لنا إلغاؤها، وقد ظهر لنا
(6)
بالدليل أن موجب البيع الفاسد هو بين موجبي البيع الصحيح والبيع الباطل، فلا بُدَّ أن يثبت حكمه أيضاً بين حكمي البيع الصحيح والبيع الباطل، وذلك فيما قلناه من عدم ثبوت الملك قبل القبض، وثبوته بعد القبض، فاخترنا القبض مقويًّا لضعفه؛ لأن للقبض شبه الإيجاب، فصار كأن إيجاب البيع الفاسد ازداد قوة في نفسه فألحق بالبيع الصحيح عند ذلك في إثبات الملك، ولأنَّا لو أثبتنا الملك [قبل القبض لكنا مثبتين ذلك بالبيع الفاسد؛ لأنه موجب للملك]
(7)
هناك سواهُ، فكان فيه تقرير الفساد على ما قلنا وجهه، والبيع المشروع بشرع الله تعالى فكان الفساد حينئذ مضافاً إلى الشارع، ولا يجوز ذلك، أمَّا لو قلنا بثبوت الملك بعد القبض كان القبض مثبتاً للملك؛ لوجوب الضمان على القابض، كما في القبض على سوم الشراء، فكان تقرير الفساد مضافاً إلى العباد، وذلك ليس ببعيد.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(2)
قال في كشف الأسرار: "من العمل بالوجوه الفاسدة أن الشافعي رحمه الله جعل التعليق بالشرط يوجب العدم، لا خلاف أن المعلق بالشرط معدوم قبل وجود الشرط، ولكن هذا العدم عندنا هو العدم الأصلي الذي كان قبل التعليق، وعنده هو ثابت بالتعليق، ففي قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، عدم الطلاق قبل وجود الشرط ولكن بالعدم الأصلي الذي كان قبل التعليق، واستمر إلى زمان وجود الشرط، وعنده هو ثابت بالتعليق مضاف إلى عدم الشرط، وحاصله أن وجود الشرط يدل على وجود المشروط، وعدمه يدل على انتفائه عند القائلين بالمفهوم أجمع". كشف الأسرار (2/ 271)، موسوعة القواعد الفقهية (9/ 475).
(3)
"لا" في (ب).
(4)
المبسوط للسرخسي (13/ 24).
(5)
"أي ظهرت" في (أ).
(6)
سقط من (ب).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(إذ هو واجب الرفع بالاسترداد)
أي: البيع الفاسد بعد القبض واجب الرفع بالاسترداد رفعاً للفساد.
(فبالامتناع عن المطالبة أولى)
(1)
أي: لو قلنا: وجوب رفع البيع
(2)
الفاسد بامتناع المشتري عن مطالبة تسليم المبيع عن البائع أولى عن قولنا بوجوب الرفع بالاسترداد؛ لأن هذا أسهل وأبعد عن العبث؛ لأن علينا رفع الفساد، فلو قلنا: يسلم لم يسترد المبيع من المشتري بعد القبض كان فيه نوع عبث؛ لأن معنى العبث هو أن يفعل فعلاً بلا فائدة حكمةٍ، وفيه ذلك؛ لأنّ رفع الفساد يوجد بدون ذلك، وهو أن يمتنع المشتري عن مطالبة البائع بتسليم المبيع، ثم ذلك الامتناع إنما يتحقق إن لو لم يثبت الملك قبل القبض؛ لأنه لو ثبت الملك في المبيع للمشتري قبل القبض يطالب المشتري البائع بتسليم المبيع فيقبضه فيثبت الملك له بعد القبض، ثم بعد ذلك لا يخلو إمَّا أن يرد أو لا يرد، فإن ردَّ يلزم فيه نوع عبث لما قلنا، وإن لم يرد يلزم تقرير الفساد، فلذلك كان القول بوجوب رفع الفساد بالامتناع عن المطالبة أولى عن القول بوجوب الرفع بالاسترداد.
(ولو كان الخمر مثمناً فقد خرجناه)
أي: لو كان الخمر مثمناً فيما إذا اشترى الخمر بالدراهم والدنانير يقع البيع باطلاً، فقد ذكرنا تخريجة في أوائل
(3)
البيع الفاسد، وهو قولنا: "ووجه الفرق وهو الخمر مال، وكذا الخنْزير
…
" إلى آخره، فلا يلزم حينئذ ما ذكره الخصم من بطلان البيع فيما إذا كان الخمر مثمناً بطلان البيع فيما تنازعنا فيه.
(وشيء آخر)
أي: ودليل آخر غير ذلك الدليل الذي ذكرنا هناك.
(وهو أن (في)
(4)
الخمر الواجب هو القيمة وهي)
أي: القيمة.
(تصلح ثمناً لا مثمناً)
يعني لو انعقد البيع على الخمر يجب قيمة الخمر لا عين الخمر؛ لأن الْمُسلم ممنوع عن تسليم الخمر وتسلُّمها، ثم لو قلنا بانعقاد البيع فيه أي فيما إذا اشترى الخمر بالدراهم، أو الدنانير لجعلنا القيمة مثمناً؛ لأن كل عين من الأعيان بمقابلة الدراهم والدنانير في البيع هو مثمن، أي مبيع؛ لتعيّن الدراهم والدنانير للثمنية خلقة شرعاً، وما عهد أن تكون القيمة مثمناً في صورة من صور البياعات، فلو قلنا بذلك يؤدي إلى تغيير المشروع، فلذلك حكمنا عليه بالبطلان، وأمَّا إذا جُعل بمقابلة الخمر، فلو قلنا بذلك يؤدي إلى تغيير المشروع، فلذلك حكمنا عليه بالبطلان، وأمَّا إذا جعل بمقابلة الخمر ثوباً أو غيره من العروض كانت الخمر ثمناً، والثمن يجري مجرى الوصف فيجب على المشتري قيمة الثوب فكانت القيمة في محلها فلا يحكم بالبطلان، لكنه يفسد البيع مع ذلك؛ لأن الخمر مال غير متقوَّم في حق المسلمين.
(1)
قال في الهداية: "ولأن السبب قد ضعف لمكان اقترانه بالقبيح فيشترط اعتضاده بالقبض في إفادة الحكم بمنْزلة الهبة، والميتة ليست بمال فانعدم الركن" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 986).
(2)
سقط من (ب).
(3)
"باب" زيادة في (ب).
(4)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(ثم شرط أن يكون القبض بإذن البائع)
أراد به قوله بأمر البائع، فعلم بهذا أن المراد من الأمر الإذن.
(إلاَّ أنه يكتفى به)
أي: بالإذن، وقوله:
(هو الصحيح)
(1)
احترازاً عما ذكره صاحب الإيضاح، وسمّاها الرواية المشهورة، "فقال: وما قبضه بغير إذن البائع في البيع الفاسد فهو كما لم يقبض، وهذه الرواية هي المشهورة. ثُمَّ قال: وذكر في الزيادات: أنه إذا قبضه بحضرته ولم ينهه أنه يثبت الملك، ولم يحك خلافاً؛ لأن العقد تسليط له على القبض، وإذا قبضه بمحضر
(2)
منه ولم يمنع ثبت الملك، ووجه المشهور في الرواية أن العقد إذا وقع فاسداً لم يتضمن تسليطاً على القبض؛ لأن التسليط لو ثبت إنما يثبت بمقتضاه شرعاً، والفاسد يجب إعدامه فلم يثبت المقتضي، وهو التسليط على القبض، وهذا بخلاف ما إذا وهب أن يكون تسليطاً/ على القبض استحساناً ما دام في المجلس؛ لأن التصرف وقع صحيحاً، فجاز أن يكون تسليطاً
(3)
لمقتضاه، وإنما توقف على المجلس؛ لأن القبض ركن في باب الهبة، وأنه ينْزل منْزلة القبول في حق الحكم، فكما أن القبول يتوقف على المجلس فكذا التسليط على القبض يتوقف عليه"
(4)
.
"وفي الذخيرة وعن الفقيه أبي جعفر رحمه الله أنه قال: يجب أن يكون القبض بعد الافتراق عن المجلس بغير إذنه إذا كان أدى الثمن، والتخلية في البيع الفاسد ليس بقبض"
(5)
.
(فيخرج عليه)
أي: على اشتراط المال في العوضين في البيع الفاسد حتى يثبت الملك عند القبض.
(البيع بالميتة والدَّم والحر والريح)
(6)
(1)
قال في الهداية " إلا أن يكتفى به دلالة كما إذا قبضه في مجلس العقد استحسانا وهو الصحيح؛ لأن البيع تسليط منه على القبض، فإذا قبضه بحضرته قبل الافتراق ولم ينهه كان بحكم التسليط السابق، وكذا القبض في الهبة في مجلس العقد يصح استحسانا، وشرط أن يكون في العقد عوضان كل واحد منهما مال ليتحقق ركن البيع وهو مبادلة المال " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 987).
(2)
"بحضرته" في (ب).
(3)
"تسليطا" في (ب)، وفي (أ)"سليطا".
(4)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 420_421)، العناية شرح الهداية (6/ 463).
(5)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 421).
(6)
قال في الهداية: " فيخرج عليه البيع بالميتة والدم والحر والريح والبيع مع نفي الثمن، وقوله: لزمته قيمته، في ذوات القيم، فأما في ذوات الأمثال فيلزمه المثل؛ لأنه مضمون بنفسه بالقبض فشابه الغصب؛ وهذا لأن المثل صورة ومعنى أعدل من المثل معنى" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 987).
أي: بيع الشيء بالريح الذي تهب.
[أمثلة البيع الباطل]
(والبيع مع نفي الثمن)
هذا كلَّه من البيوع باطل لا فاسد، لما ذكر أن شرط البيع الفاسد أن يكون العوضان كل واحد منهما مالاً، هذه الأشياء ليست بأموال أصلاً، فيكون بيع هذه الأشياء أو البيع بهذه الأشياء كان باطلاً في الوجهين، أي: فيما إذا كانت مبيعة أو ثمناً، إلاَّ أنه ذكر البطلان فيما إذا كانت ثمناً ليستدل به على بطلان البيع فيما إذا كانت مبيعة، بالطريق الأولى، بخلاف الخمر حيث يبطل البيع فيما إذا كانت مبيعة لا فيما إذا كانت ثمناً.
ولكل واحدٍ من المتعاقدين فسخه
(1)
[كان من حقه أن يقول: ويجب على كل واحد من المتعاقدين فسخه]
(2)
؛ لأن فسخ البيع الفاسد فيما فيه ولاية الفسخ واجب؛ لكيلا يقع تصرفه على العين المشترى بالفساد مكروهاً أو حراماً، فإنه ذكر في الإيضاح ويكره للمشتري أن يتصرف فيه بتمليك، أو انتفاع؛ لأن الفسخ مستحق حقًّا لله تعالى؛ لأن إعدام الفساد واجب، والتصرف فيه تقرير للفساد، إلاَّ أن مراد المصنف رحمه الله من هذا إثبات ولاية الفسخ لكل واحد من المتعاقدين.
(إذا كان الفساد في صلب العقد)
(3)
"المراد من الفساد في صلب العقد هو أن يكون لمعنى في البدل والمبدل، كبيع درهم بدرهمين، وبيع ثوب بخمر، وكل واحدٍ منهما
(4)
في هذه الصورة يملك فسخه بحضرة صاحبه عندهما، وعند أبي يوسف رحمه الله بحضرة صاحبه وبغير حضرته"
(5)
، وأمَّا إذا لم يكن الفساد قوياً دخل في صلبه، وإنما الفساد بشرط منفعة لأحد المتعاقدين، فكل واحد منهما يملك فسخه قبل القبض، وأما بعد القبض فالذي له الشرط له أن يفسخه بحضرة صاحبه، وليس للآخر الفسخ، هذا إذا كان المبيع
(6)
قائماً بحاله في يد المشتري لم يزود ولم ينقص، "وأمَّا لو
(7)
ازداد المبيع في يد المشتري فالزيادة لا تخلو إمَّا أن يكون متصلة أو منفصلة، فكل واحدةٍ منهما على ضربين: إمَّا أن يكون متولدة من الأصل، [أو غير متولدة من الأصل]
(8)
، وكذلك في جانب الانتقاص متنوع إلى أن يكون النقصان بآفة سماوية، أو بفعل الغير، وذلك الغير إمَّا أن يكون بائعاً، أو مشترياً، أو أجنبياً، فوجوهه كثيرة، يعرف ذلك " في شرح الطحاوي
(9)
.
(1)
قال في الهداية: "قال: ولكل واحد من المتعاقدين فسخه؛ رفعاً للفساد، وهذا قبل القبض ظاهر؛ لأنه لم يفد حكمه فيكون الفسخ امتناعاً منه، وكذا بعد القبض" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 987).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(3)
قال في الهداية: " إذا كان الفساد في صلب العقد لقوته، وإن كان الفساد بشرط زائد فلمن له الشرط ذلك دون من عليه لقوة العقد، إلا أنه لم تتحقق المراضاة في حق من له الشرط" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 987).
(4)
طمس منة (ب).
(5)
ينظر: تبيين الحقائق (4/ 64)، العناية شرح الهداية (6/ 465).
(6)
"البيع" في (ج).
(7)
"إذا" في (ب).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(9)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 302)، المحيط البرهاني (6/ 553).
وأكثر أحكام هذه الوجوه -أي: وجوه الزيادة والنقصان- ملحق بأحكام الغصب، ففي كل موضع للمالك ولاية الاسترداد
(1)
، وههنا للبائع فيه ولاية الاسترداد، وإن كان يقع التفاوت بينهما في بعض الأحكام، وإنما أريد بالفساد في صلب العقد [ما كان راجعاً إلى البدل والمبدل؛ لأن صلب الشيء ما يقوم به ذلك الشيء وقيام البيع بالعوضين، فكل فساد يمكن في أحد العوضين يكون فساداً في صلب العقد]
(2)
.
فإن باعه المشتري أي: فإن باع المشتري شراءً فاسداً ما قبضه.
نفذ بيعه فيه
(3)
؛ (لأنه مَلَكَه، فَمَلَك التصرف فيه)
أي: من البيع، والهبة، والإعتاق.
أمَّا لو كان مأكولاً لما يحل له أكله، ولو كان جارية لا يحل له وطؤها، على ما ذكرناه من رواية شرح الطحاوي
(4)
.
(وسقط حق الاسترداد لتعلق حق العبد الثاني
(5)
وهو المشتري الثاني
(6)
، وذكر في الذخيرة
(7)
:
[التصرف في البيع الباطل]
" ويبطل به حق البائع في الاسترداد، وسواء كان تصرفاً يحتمل النقص كالبيع، أو لا يحتمل كالإعتاق، إلاّ الإجارة والنكاح، فإن هذه لا تبطل حق البائع في الاسترداد؛ لأن الإجارة عقد ضعيف يفسخ بالإعذار، وفساد الشرى عذر في فسخها، ولم يذكر محمد رحمه الله من يفسخ الإجارة، وذكر
(8)
في النوادر أن القاضي هو الذي يفسخ، والتزويج يشبه الإجارة؛ لوروده على المنفعة، والبيع يرد على ملك الرقبة، والفسخ يرد على ملك الرقبة أيضاً، فتعلق حق الزوج
(9)
بالمنفعة لا يمنع الفسخ على الرقبة، والنكاح على حاله قائم"، وكذا أيضاً في الإيضاح
(10)
.
(1)
قال الكاساني: "إذا كان المغصوب حنطة فزرعها الغاصب، أو نواة فغرسها حتى نبتت، أو باقلة فغرسها حتى صارت شجرة، أو بيضة فحضنها حتى صارت دجاجة، أو قطناً فغزله، أو غزلاً فنسجه، أو ثوباً فقطعه، أو خاطه قميصاً، أو لحماً فشواه أو طبخه، أو شاة فذبحها وشواها أو طبخها، أو حنطة فطحنها، أو دقيقاً فخبزه، أو سمسماً فعصره، أو عنباً فعصره، أو حديداً فضربه سيفاً، أو سكيناً أو صفراً أو نحاساً فعمله آنية، أو تراباً له قيمة فلبنه أو اتخذه خزفاً، أو لبناً فطبخه آجراً، ونحو ذلك: أنه ليس للمالك أن يسترد شيئاً من ذلك عندنا، ويزول ملكه بضمان المثل أو القيمة". بدائع الصنائع (7/ 148).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(3)
في هامش (أ) وهي سقط من (ب).
(4)
ينظر: مختصر الطحاوي (3/ 117 - 118).
(5)
"بالثاني" في (ب).
(6)
سقط من (ب) وهي في هامشه.
(7)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 421 - 422).
(8)
سقط من (ب) وهي في هامشه.
(9)
"الرجوع" في (ب).
(10)
تبيين الحقائق (4/ 64).
وذكر في المبسوط
(1)
"وإنما نعذر الرد باعتبار هذه التصرفات نحو البيع والهبة، وما أشبه ذلك فإن المشترى شراءً فاسداً لما باع من غيره وسلمه إليه تعلق بهذا العين حق المشتري الثاني وحق الله تعالى أيضاً من حيث فسخ العقد بالرد على البائع الأول، وحق الله تعالى مع حق العباد إذا اجتمعا يقدم حق العبد، لا تهاوناً في حق الله تعالى، ولكن لأن الله تعالى أغنى عنه والعفو عنه/ أرجى، بخلاف المشتري بخلاف المشتري من الغاضب؛ لأن ثم تعلق به حق المشتري وحق المغصوب منه، وكل واحد من الحقين حق العبد فيترجح حق المغصوب منه؛ لأنه أسبق". وقوله: وسقط حق الاسترداد لتعلق حق العبد وهو المشتري الثاني.
فإن قلت: يشكل على
(2)
هذا ما إذا مات المشتري شراءً فاسداً فملك ما اشتراه وارثه بالإرث لم ينقطع حق استرداد البائع من وارث المشتري وإن تعلق به حق الوارث، بل له أن يسترده من وارث المشتري، بخلاف ما إذا أوصى المشتري بما اشتراه لآخر ثم مات لم يبق للبائع حق الاسترداد من الموصي له.
قلت: إنما كان كذلك (لأن)
(3)
ملك الوارث في حكم عين ما كان للمورث، ولهذا يردُّ بالعيب ويردُّ عليه، وذلك الملك كان مستحق النقض
(4)
، فانتقل إلى الوارث كذلك، حتى لو مات البائع كان لوارثه أن يسترد المبيع من
(5)
المشتري بحكم الفساد، وأما الموصَى له فهو بمنْزلة المشتري الثاني؛ لأن له ملكاً متجدداً؛ لثبوته بسبب اختياري منشإٍ، ولهذا لا يرد بالعيب"، إلى هذا أشار في الذخيرة
(6)
. وقوله:
(وحق العبد يقدم
(7)
لحاجته)
(8)
فإن قلت
(9)
: يشكل على هذا ما إذا كان حلالاً وفي يده صيد، ثم أحرم، يجب عليه إرساله وفيه تقديم لحق الله تعالى على حق العبد.
قلنا: بل الواجب فيه الجمع بين الحقين؛ لأنه ممكن لا الترجيح، وإنما يصار إلى الترجيح إذا لم يمكن، وههنا ممكن بأن يرسل من يده في موضع بحيث لا يضيع ملكه. (وقوله)
(10)
:
(1)
المبسوط للسرخسي (13/ 25 - 26).
(2)
سقط من (ب).
(3)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(4)
"البعض" في (ج).
(5)
"يد" زيادة في (ب).
(6)
المحيط البرهاني (6/ 422)، العناية شرح الهداية (6/ 467).
(7)
غير منقوطة في (أ) وهي في (ب).
(8)
قال في الهداية: "ونقض الأول لحق الشرع، ولأن الأول مشروع بأصله دون وصفه، والثاني مشروع بأصله ووصفه فلا يعارضه مجرد الوصف" الهداية (3/ 987).
(9)
"قيل" في (ب).
(10)
في (ج).
(ولأنه)
أي: ولأن البيع الثاني وهو بيع المشتري شراءً فاسداً.
(حصل بتسليط من جهة البائع)
أي: البائع الأول، وهو البائع بيعاً فاسداً، فلا يتمكن البائع من الاسترداد من المشتري الثاني؛ [لوجود ذلك البيع الثاني]
(1)
بتسليط منه، ثم لو يمكن من الاسترداد مع ذلك كان سعياً في نقص ما تم من جهته، وهو لا يجوز؛ لأدائه إلى المناقضة.
فإن قيل: ما اعتبرتم ذلك في بيع نفسه قبل وجود البيع الثاني، حتى إن له ولاية الاسترداد قبل أن يبيع المشتري شراءً فاسداً وإن لزم فيه نقض ما تم من جهته.
قلنا: إذا لم يبعه المشتري شراءً فاسداً [ترجح حق البائع لسبق وبقاء المحل على ما كان من غير تعلق حق المشتري الثاني، ولوهاء في بيعه لفساده، وكان ذلك التمكن منه باعتبار رفع الفساد لا باعتبار نقض ما تم من جهته، فلما باع المشتري شراءً فاسداً]
(2)
جعل ذلك العين غير ذلك العين؛ لأن تبدل الأسباب ينَزل منْزلة تبدل الأعيان، فلم يبق له حق للاسترداد بعد ذلك؛ إذ لو بقي له حق الاسترداد يكون فيه السعي في نقض ما تم من جهته خالصاً لما أتى البيع. الثاني صحيح، ولا فساد فيه، حتى بحال تمكن الاسترداد منه إلى رفع الفساد، بخلاف البيع الأول، فقوله:
([فلا يعارضه مجرد الوصف]
(3)
بخلاف تصرف المشتري في الدار المشفوعة)
وجه الورود هو أنه لما ذكر أن تصرفات المشتري شراءً فاسداً فيما اشتراه من البيع والهبة وغيرها معتبرة، بحيث لم يبق للبائع بيعاً فاسداً ولاية الاسترداد من المشتري الثاني؛ لتعلق حق المشتري الثاني بما اشتراه، أو لاعتبار تصرف المشتري شراءً فاسداً، فإن تصرفه ذلك صحيح [وإن كان شراه فاسداً]
(4)
ورد عليه تصرفات المشتري في الدار المشفوعة من البيع، والهبة، والبناء وغيرها؛ حيث يبقى للشفيع أن ينقضَ هذه التصرفات كلها، وإن تعلق بها حق الغير، فأجاب رحمه الله عنه بقوله:
(لأن كل واحد منهما حق العبد)
[أي: كل واحد من تصرف المشتري وأخذ الشفيع حق العبد]
(5)
وكل واحد من التصرف أيضاً مشروع غير موصوف بالفساد، فلما استويا أي حق الشفيع وحق المشتري الدار المشفوعة في هذين الوصفين، أي: في أنهما حق العبد، وأنهما مشروعان ترجح حق الشفيع لمعنيين:
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج)
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
أحدهما: أن حق الشفيع مقدم فالترجيح للأسبق
(1)
.
والثاني: أن هذه التصرفات التي وجدت من المشتري في الدار المشفوعة ما وجدت بتسليط من الشفيع حتى يقال كان
(2)
في نقضها سعي في نقض ما تم من جهته، بخلاف البيع بيعاً فاسداً، فإن تصرف المشتري هناك وجد بتسليط من البائع فلا يجوز له نقض تصرفات المشتري منه؛ إذ لو جاز يلزم السعي في نقض ما تم من جهته، وأمَّا ههنا فبخلافه؛ لأنه
(3)
لم يوجد منه التسليط.
وذكر في الذخيرة
(4)
"لأن التسليط إنما يثبت بالإذن نصًّا، أو بإثبات الملك المطلق للتصرف، ولم يوجد واحد منهما" من الشفيع وعليه القيمة؛ لما ذكرنا وهو قوله: لأنه مضمون بنفسه بالقبض، إلاَّ أنه يعود حق الاسترداد بعجز المكاتب، وفك الرهن
(5)
، وليس لتحقيقها في عود الاسترداد زيادة فائدة؛ لما أن عود الاسترداد/ ثابت في جميع الصور إذا انتقض هذه التصرفات من البيع، والهبة، وهذين التصرفين، حتى إنه لو رُدَّ عليه بعيب في البيع قبل أن يقضي القاضي بالقيمة كان له ولاية الاسترداد، "وكذلك إذا رجع في الهبة بقضاء أو بغير قضاء يعود للبائع حق الاسترداد؛ لأنه عاد إليه قديم ملكه في الوجهين، ثم عود حق الاسترداد في جميع هذه الصور للبائع إنما يكون إذا لم يكن القاضي قضى على المشتري بالقيمة، [وأمَّا إذا كان ذلك كله -أعني عجز المكاتب، وفك الرهن، ورجوع الواهب، ورد المبيع إلى البائع بعد قضاء القاضي بالقيمة]
(6)
- فقد تم تحويل الحق إلى القيمة فلا يعود في العين بعد ذلك، كما لو أبق المغصوب وقضى القاضي بقيمته على الغاصب ثم عاد" كذا في المبسوط
(7)
.
(1)
"للسابق" في (ب).
(2)
سقط من (ب).
(3)
"لو" زيادة في (ب).
(4)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 422).
(5)
قال في الهداية: "قال: ومن اشترى عبداً بخمر أو خنْزير فقبضه وأعتقه، أو باعه، أو وهبه، وسلمه، فهو جائز وعليه القيمة؛ لما ذكرنا أنه ملكه بالقبض فتنفذ تصرفاته، وبالإعتاق قد هلك فتلزمه القيمة، وبالبيع والهبة انقطع الاسترداد على ما مر، والكتابة والرهن نظير البيع؛ لأنهما لازمان، إلا أنه يعود حق الاسترداد بعجز المكاتب وفك الرهن لزوال المانع، وهذا بخلاف الإجارة؛ لأنها تفسخ بالأعذار، ورفع الفساد عذر؛ ولأنها تنعقد شيئاً فشيئاً فيكون الرد امتناعاً" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 987).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(7)
المبسوط للسرخسي (13/ 26).
وليس للبائع في البيع الفاسد أن يأخذ المبيع حتى يرد الثمن
(1)
[رد الثمن قبل أخذ المبيع الفاسد]
أي: القيمة التي أخذها من المشتري هذا الحكم، ليس مخصوصاً بالبائع بيعاً فاسداً، بل هذا الحكم ثابت في الإجارة الفاسدة، والرهن الفاسد، والقرض الفاسد، فقال الإمام التمرتاشي رحمه الله: لو اشترى عبداً بيعاً فاسداً، أو استأجره إجارة فاسدة ونقد الثمن والأجرة، أو ارتهن رهناً فاسداً، أو أقرضه قرضاً فاسداً، أو أخذ به رهناً، فله أن يحبس ما اشترى، وما استأجر، وما ارتهن حتى يقبض ما نقد اعتباراً بالعقد الجائز إذا تفاسخا؛ لأن هذه عقود معاوضة فيوجب التسوية بين البدلين، فإن مات البائع، أو المؤاجِر، أو الراهن، أو المستقرض فالذي في يده العبد والرهن أحق بثمنه من غرماء الميت، بخلاف ما إذا مات المحيل وعليه دين، ولم يكن قبض المحتال له الدين أو الوديعة من المحتال عليه، حيث لا يختص المحتال
(2)
بدين الحوالة والوديعة.
فإن قيل: دين المحيل على المحتال عليه صار مشغولاً بحق المحتال له يجب أن يكون المحتال له أخص به كما في الرهن.
قلنا: مجرد الحق بدون ثبوت اليد لا يوجب الاختصاص، كالمأذون إذا لحقه دين يتعلق حق صاحب الدين برقبته وكسبه، ثم لو لحقه دين آخر كان رقبته وكسبه بين الكل بالحصص.
(فيصير محبوساً به كالرهن)
أي: المبيع يصير محبوساً به
(3)
في يد المشتري بمقابله الثمن الذي أداه إلى البائع حتى صار له ولاية أن لا يرفع المبيع إلى أن يأخذ الثمن من البائع كما في الرهن، والإلحاق بالرهن من هذا الوجه، ولكنهما يفترقان من جهة آخر وهو أن الرهن مضمون بقدر الدين لا غير، وههنا المبيع مضمون بجميع قيمته كما في الغصب.
(لأنه تقدّم عليه في حياته)
(4)
أي: لأن المشتري بشراء فاسد يقدم على البائع في المبيع في حياة البائع، حتى كان للمشتري منع المبيع من البائع إلى أن يأخذ ما أداه من القيمة، فكذا بعد الممات فقدّم على ورثته.
([فكذا على ورثته]
(5)
وغرمائه بعد وفاته، كالمرتهن)
يعني إذا مات الراهن وله ورثة وغرماء فالمرتهن أحق بالرهن من الورثة، وسائر الغرماء حتى يستوفي الدين، فكذا ههنا كان المشتري أحق بالمبيع من ورثة البائع وغرمائه حتى يستوفي ما أداه. وقوله:
(1)
قال في الهداية: "لأن المبيع مقابل به فيصير محبويا به كالرهن" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 988).
(2)
"له" في هامش (ب).
(3)
سقط من (ب) و (ج).
(4)
قال في الهداية: "وإن مات البائع فالمشتري أحق به حتى يستوفي الثمن" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 988).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(هو الأصح)
(1)
.
احتراز عن رواية أبي حفص
(2)
رحمه الله تعالى.
[قال الإمام التمرتاشي رحمه الله: "ذكر بكر
(3)
رحمه الله فإن كان المفقود قائماً هل يتعيّن؟ على رواية أبي حفص: لا]
(4)
، وعلى رواية أبي سليمان
(5)
: يتعيّن، وكذا
(6)
لو باع دراهم بدراهم إلى أجلٍ فهو فاسد.
وهل يتعيّن المقبوض للرد؟ فهو على الروايتين، والأظهر أنه يتعيّن، وعلى هذا يجب أن يكون المقبوض بقرض فاسد، ذكر البرغري
(7)
رحمه الله في الجامع الدراهم في البيع الفاسد إنما يتعيّن إذا كان البيع الفاسد صريحاً، [وإن لم يكن صريحاً]
(8)
لا يتعيّن
(9)
.
(لأنه بمنزلة الغصب)
أي: الثمن في يد البائع بمنْزلة المغصوب، وبه صرح الإمام قاضي خان"
(10)
.
(وإن كانت مستهلكة أخذ مثلها)
"ذكر في الفوائد الظهيرية: وإن كان البائع استهلك الثمن بيع المبيع بحقه، أي: بحق المشتري، ولكن ذكر الإمام قاضي خان كما هو المذكور في الكتاب فقال: وإن كان البائع استهلك الثمن يرد مثله؛ لأن المقبوض بالبيع الفاسد مضمون بالمثل إن كان مثليًّا"
(11)
. وقوله
(12)
:
(1)
قال في الهداية: "ثم إن كانت دراهم الثمن قائمة يأخذها بعينها؛ لأنها تتعين في البيع الفاسد، وهو الأصح" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 988).
(2)
أحمد بن حفص، المعروف بأبي حفص الكبير، البخاري، الإمام المشهور، أخذ العلم عن محمد بن الحسن، وله أصحاب لا يحصون. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 67).
(3)
شيخ الإسلام بكر، المعروف بخواهر زاده، سبق ترجمته. الدر المختار (1/ 70).
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(5)
موسى بن سليمان، أبو سليمان الجوزجاني. من تصانيفه: السير الصغير، وكتاب الصلاة، وكتاب الرهن. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 187).
(6)
"وذلك" في (ب).
(7)
قلت: هل يقصد بهذا اللفظ "البزدوي" رحمه الله؟ لأني لم أقف على ترجمة أو لفظ "البرغري" لا في كتب الفقه ولا في كتب التراجم عند الأحناف حسب بحثي.
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(9)
ينظر: فتح القدير (6/ 431).
(10)
العناية شرح الهداية (6/ 470)، البناية شرح الهداية (8/ 206).
(11)
قال في تبيين الحقائق (4/ 66): "قال فخر الدين قاضي خان في شرحه للجامع الصغير: فإن كان البائع استهلك الثمن يرد مثله؛ لأن المقبوض بالبيع الفاسد مضمون بالمثل إن كان مثليًّا، وأما إذا كان الثمن الذي أخذه البائع قائماً فهل يتعين للرد؟ فيه روايتان في رواية كتاب الصرف يتعين وإليه ذهب فخر الإسلام والصدر الشهيد؛ وذلك لأن البيع الفاسد في حكم النقض والاسترداد كالغصب وفي رواية لا يتعين كما في البيع الجائز. قال علاء الدين العالم في طريقة الخلاف والمختار عدم التعيين يعني في العقود الفاسدة".
(12)
سقط من (ج).
(لما بيّنا)
إشارة إلى قوله: لأنه بمنْزلة الغصب فالحكم في المغصوب كذلك.
(ثُمَّ شك بعد ذلك في الرواية)
(1)
[بيع الدار بيعا فاسدا]
أي: في حفظ الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله لا في مذهب أبي حنيفة
(2)
، بل مذهب أبي حنيفة أنه ينقطع حق البائع بالبناء من غير شك على ما يذكر. "وقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله هذه المسألة
(3)
(4)
الثالثة التي جرت المحاورة فيها بين أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله-، [وقال أبو يوسف رحمه الله: ما رويت عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يأخذ قيمتها وإنما رويت لك أنه ينقض البناء، وقال محمد رحمه الله: بل رويت لي عنه/ أنه يأخذ قيمتها"
(5)
ثُمَّ قال شمس الأئمة هذا -رحمه
(6)
الله]
(7)
-، وقد أشار إلى ذلك في بعض النسخ فقال:
ثم شك يعقوب
(8)
في هذه المسألة بعد ذلك.
(حتى يحتاج فيه إلى القضاء)
أو الرضاء ولا يورث.
(بخلاف حق البائع)
(9)
فإنه يورث، وقد ذكرنا أن البايع بيعاً فاسداً إذا مات فلوارثه حق الاسترداد.
(وله: أن البناء والغرس مما يقصد به الدوام)
(10)
هذا احتراز عن الإجارة بخلاف حق الشفيع، وإنه وإن كان ضعيفاً لكن لم يوجد منه التسليط على البناء، فلذلك كان له حق نقض البناء، بخلاف البائع، ألا يرى أن المشتري لو بنى في الدار ثم استحق موضع البناء ونقض البناء رجع المشتري بقيمة البناء على البائع، والشفيع لو بنى ثم استحقت ونقض لا يرجع، فإذا ثبت بما ذكرنا أن حق البائع قد انقطع في الاسترداد كان للشفيع أن يأخذ بشفعتة بالقيمة؛ لأن البيع الفاسد لا يوجب الشفعة ما دام حق الاسترداد باقياً
(11)
، فلما انقطع حق البائع بالبناء في الاسترداد عند أبي حنيفة رحمه الله كان للشفيع الشفعة؛ لأنه لما انقطع حق البائع صار هذا بمنْزلة البيع الصحيح فينقض الشفيع بناء المشتري، وإن باعها المشتري من آخر فالشفيع أخذها بالبيع الثاني بالثمن أو بالبيع الأول بالقيمة، وإن كان لا شفعة في البيع الفاسد؛ لأن ههنا انقطع حق البائع، وإن وهبها المشتري يأخذ
(12)
الشفيع بالبيع الفاسد بالقيمة، واتفقت
(13)
الروايات أن الطلب في البيع الفاسد يعتبر وقت انقطاع حق البائع لا وقت الشرى
(14)
.
(1)
قال في الهداية: "قال: ومن باع داراً بيعاً فاسداً فبناها المشتري فعليه قيمتها" عند أبي حنيفة رحمه الله رواه يعقوب عنه في الجامع الصغير، ثم شك بعد ذلك في الرواية. "وقالا: ينقض البناء وترد الدار، والغرس على هذا الاختلاف. لهما أن حق الشفيع أضعف من حق البائع حتى يحتاج فيه إلى القضاء ويبطل بالتأخير" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 988).
(2)
المحيط البرهاني (7/ 255).
(3)
سقط من (ب).
(4)
"هي المسألة " في (ب)، وهي في هامش (أ).
(5)
العناية شرح الهداية (6/ 472).
(6)
"رَحْمَة" في (ب).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(8)
أي: القاضي أبو يوسف، وقد سبق ترجمته.
(9)
قال في الهداية: " ثم أضعف الحقين لا يبطل بالبناء فأقواهما أولى" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 989).
(10)
قال في الهداية: "وله أن البناء والغرس مما يقصد به الدوام وقد حصل بتسليط من جهة البائع فينقطع حق الاسترداد كالبيع، بخلاف حق الشفيع" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 989).
(11)
"قائما" في (ب).
(12)
"يأخذها" الهاء زيادة في (ب).
(13)
"وأثبتت" في (ب).
(14)
ينظر: المحيط البرهاني (7/ 271)، شرح فتح القدير (6/ 433)، مجمع الأنهر (2/ 480).
فإن قيل: على قول أبي حنيفة رحمه الله إذا انقطع حق البائع في الاسترداد بالغرس والبناء فالشفيع يأخذها بالشفعة، وينقض البناء والغرس لحق الشفيع، فإذا وجب نقض البناء والغرس لحق الشفيع وفيه تقرير العقد الفاسد وجب نقضهما لحق البائع، [وفيه إعدام الفاسد بالطريق الأولى.
قلنا: لا يلزم من نقض البناء لحق الشفيع نقضه لحق البائع]
(1)
؛ لأن البائع جان
(2)
والشفيع برئ عن الجناية؛ ولأن البائع سلطه على الغرس والبناء دون الشفيع.
فإن قيل: إذا نقض البناء والغرس على تقدير الأخذ بالشفعة يجب أن يعود حق البائع في الاسترداد لقيام المقتضى لولاية الاسترداد وزوال المانع منه وهو البناء، كما إذا باع المشتري شراءً فاسداً من إنسان بيعاً صحيحاً، ثم انتقض البيع بما هو نقض من كل وجه، يعود حق البائع في الاسترداد لزوال المانع
(3)
.
قلنا: المانع من الاسترداد يزول بعد ثبوت الملك للشفيع، وإنه مانع من الاسترداد أيضاً، ألا يرى أن المشتري لو باعها ينقض الشفيع البيع الثاني، ولم يقل هناك لما نقض البيع الثاني صار
(4)
كأن البيع الثاني لم يكن فيجب أن يعود حق البائع في الاسترداد، بل لا يعود حق البائع في الاسترداد؛ لأن نقض البيع الثاني إنما كان لحق الشفيع ومقتضى التملك بالشفعة إنما كان بذلك البيع فلا يثبت على وجه يبطل به حق الشفيع؛ وذلك لأن النقض إنما وجب ضرورة إبقاء حق الشفيع، فصار النقض مقتضَى صحة التسليم إلى الشفيع، فلم يجز أن يثبت المقتضَى مناقضاً للمقتضِي وهو التسليم إلى الشفيع؛ ولأنه لم ينتقض إلا وحق الشفيع يخلفه، كذا ذكره فخر الإسلام
(5)
، والمرغيناني
(6)
، والتمرتاشي رحمهم الله[رواية عن أبي حنيفة رحمه الله]
(7)
، " وشك يعقوب في حفظه الرواية لا في مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه
(8)
بأن حق البائع قد انقطع في الاسترداد بسبب البناء والغرس، والدليل على ذلك: ما نصه محمد رحمه الله على الاختلاف في الشفعة فيه
(9)
، فعند أبي حنيفة رحمه الله للشفيع الشفعة في هذه الدار التي اشتراها المشتري شراءً فاسداً، وبنى فيها أو غرس، وعندهما لا شفعة للشفيع فيها، فاستحقاق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع في الاسترداد، وعدم استحقاق الشفعة مبني على بقاء حق البائع في الاسترداد؛ وذلك لأنه لا شفعة في البيع الفاسد ما دام حق الاسترداد باقياً؛ كيلا يؤدي إلى تقرير الفساد، ولما لم يشك في مذهب أبي حنيفة رحمه الله في حق ولاية طلب الشفعة للشفيع في هذهِ الدار التي اشتراها المشتري شراءً فاسداً، وبنى فيها أو غرس وجب أن لا يشك في مذهبه أيضاً في أن حق البائع قد انقطع عن الاسترداد ببناء المشتري فيها أو بغرس الأشجار فيها، ولما انقطع حقه عن الاسترداد، وجبت القيمة على المشتري" إلى هذا أشار شيخ الإسلام رحمه الله في المبسوط
(10)
، فعلى هذا كان قوله:
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من (ج).
(2)
"خان" في (ب).
(3)
"لمانع من الاسترداد لزوال المانع" زيادة في (ج).
(4)
سقط من (ب) وهي في هامشه.
(5)
ينظر: فتح القدير (6/ 433).
(6)
الهداية (3/ 988).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(8)
سقطتا من (ب).
(9)
قال محمد: " وأما شك يعقوب في الرواية يريد به أنه سمع منه أم لا وحتى أبطل مشايخنا الاختلاف، لكن ذكر في كتاب الشفعة في غير موضع من غير شك" الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 332).
(10)
العناية شرح الهداية (6/ 472)، شرح فتح القدير (6/ 432).
(وقد نص محمد على الاختلاف
…
إلى آخره)
(1)
لتأكيد قوله: وشك يعقوب/ في حفظ رواية عن أبي حنيفة رحمه الله لا في مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
(مبني على انقطاع حق البائع بالبناء
(2)
فكل من يقول (بانقطاع حق البائع)
(3)
بثبوت الشفعة
(4)
، وكل من يقول ببقاء حق البائع في الاسترداد يقول بأنه
(5)
لا شفعة للشفيع. وقوله:
(وثبوتُه) بالرفع عطفاً على قوله مبنى على انقطاع حق البائع (أي وثبوت حق الشفعة على الاختلاف فعند ابي حنيفة يثبت حق الشفعة فكأن انقطاع حق البائع)
(6)
في الاسترداد
(7)
بالبناء
(8)
، وعندهما لا يثبت حق الشفعة؛ لأنه لم ينقطع حق البائع عندهما في
الاسترداد.
[الربح في البيع الفاسد بعد التقابض في الجارية]
ومن اشترى جارية بيعاً فاسداً فتقابضا، فباع الجارية، وربح فيها، تصدق بالربح، وتطيب للبائع ما ربح في الثمن
(9)
والأصل فيه أن المال على نوعين: نوع يتعيّن في العقد، ونوع لا يتعيّن.
والخبث نوعان: خبث لعدم الملك، وخبث لفساد الملك، والخبث لعدم الملك يعمل في النوعين جميعاً حتى أن الغاصب أو المودَع إذا تصرَّف في المغصوب أو الوديعة، والوديعة أو المغصوب عَرْض أو من النقود وأدّى ضمانها للمالك وبقي الربح يتصدّق بالربح في قول أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله-
(10)
؛ ولأن فيما يتعيّن بالتعين هذا بدل مال الغير [فيثبت حقيقة الخبث، وفيما لا يتعين بالتعين إن لم يكن بدل مال الغير]
(11)
؛ لأن العقد لا يتعلق به بل يتعلق بمثل ذلك في الذمة، لكن إنما
(12)
توسَّل إلى الربح بأداء المغصوب والوديعة يمكن
(13)
فيه شبهة الربح فيتصدق بالربح، والخبث لفساد الملك دون الخبث لعدم الملك، فيوجب شبهة الخبث فيما يتعيّن وشبهة الشهبة فيما لا يتعيّن، فلهذا قال يتصدق المشتري بالربح ويطيب للبائع ما ربح من الثمن، وهذا على الرواية التي لا يتعين الدراهم والدنانير للرد في البيع الفاسد، أمَّا على الرواية التي يتعيَّن يكون بمنزلة المغصوب، كذا في الجامع الصغير لقاضي خان رحمه الله
(14)
.
(1)
قال في الهداية: "وشك يعقوب في حفظ الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله، وقد نص محمد على الاختلاف في كتاب الشفعة، فإن حق الشفعة مبني على انقطاع حق البائع بالبناء؛ وثبوته على الاختلاف" الهداية شرح البداية (3/ 988).
(2)
"بالبيع" في (ج).
(3)
في (ب) و (ج)، وهي في هامش (أ).
(4)
"للشفيع" زيادة في (ب).
(5)
سقط من (ب).
(6)
في (ب) و (ج).
(7)
" ثابتا" زيادة في (ب) و (ج).
(8)
سقط من (ب).
(9)
قال في الهداية: "والفرق: أن الجارية مما يتعين فيتعلق العقد بها فيتمكن الخبث في الربح" الهداية شرح بداية المبتدي (3/ 988).
(10)
المبسوط للسرخسي (15/ 138).
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ب) و (ج).
(12)
وفي هامش (أ)"لما".
(13)
سقط من (ب).
(14)
ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 333)، فتح القدير (6/ 434).
(والدراهم والدنانير لا يتعينان)
بمعنى عدم التعين فيها أنه لو أشار الشرى
(1)
إليها بأن قال: اشتريت منك هذا العبد بهذه الدراهم كان له أن يتركها، ويدفع إلى البائع غيرها من الدراهم لما أن الثمن عند الشرى
(2)
يجب في ذمة المشتري لا باعتبار تلك الدراهم المشار إليها.
(في العقود)
أي: عقود البياعات، وبه يقع الاحتراز عن المغصوب، والودائع، والشركات.
فإن قلت: قد ذكر قبيل هذا بحطوط
(3)
أنها يتعين في البيع الفاسد وهو الأصح؛ لأنها بمنْزلة المغصوب فكيف ذكر ههنا بأنها لا يتعين؟.
قلت: فيه اختلاف الروايتين بأنها يتعين أو لا يتعين، فذكْر هذه المسألة مبنية على قول من يقول بأنها لا يتعين، وإن لم يكن هي أصح على ما ذكرنا في رواية الجامع الصغير لقاضي خان.
(فلم يتعلق العقد الثاني بعينها)
(4)
أي: لم يتعين شرى البائع بعين دراهم الجارية التي باعها.
(وهذا في الخبث الذي سببه فساد الملك)
أي: وهذا الفرق بين ما يتعيّن وبين ما لا يتعيّن.
(أمَّا الخبث لعدم الملك)
(5)
كالجارية المغصوبة، والدراهم المغصوبة، والوديعة تشمل النوعين وهما: النقود، والعروض
(6)
.
(من حيث إنه يتعلق به)
(7)
أي: بما لا يتعيّن.
(سلامة المبيع)
بأن نقد من الدراهم المغصوبة.
(8)
بأن أشار إلى الدارهم المغصوبة، ونقد من غيرها.
(وعند فساد الملك تنقلب الحقيقة شبهة، والشبهة تنزل إلى شبهة الشبهة)
(9)
([أو تقدير الثمن])
حقيقة الخبث فيما يتعيّن بالتعين، وشبهة الخبث فيما لا يتعين بالتعين واللام في الحقيقة والشبهة للمعهود، أي: صار الخبث بين الفساد، وفيما يتعيّن نظير الخبث؛ لعدم الملك فيما لا يتعيّن فوجب التصدق بالربح، فأمَّا فيما لا يتعيّن لما كان عند حقيقة الخبث لعدم الملك لا يثبت إلاّ شبهة الخبث، فعند شبهة الخبث وهي الخبث بسبب الفساد لو ثبت يثبت شبهة الشبهة، وذلك غير معتبر بالحديث، وما روى أنه صلى الله عليه وسلم «نهى عن الربا والرِّيبة»
(10)
، والريبة هي الشبهة، ولم يعتبر النازل عنها؛ لأن شبهة الشبهة لو كانت معتبرة لكانت دونها معتبرة أيضاً، فإذن لا يكون البيع خالياً عما يشبه
(11)
الشبهة فيؤدي حينئذٍ إلى انسداد باب التجارة وهو مفتوح، ولأن الأصل في الكسب التوسعة، وقد عدل عن هذا الأصل في حق الشبهة فبقي ما انحط عنها على الأصل
(12)
.
(1)
"المشتري" في (ب).
(2)
كما في هامش (5).
(3)
"الخطوط" في (ب) و (ج).
(4)
قال في الهداية: "والدراهم والدنانير لا يتعينان على العقود، فلم يتعلق العقد الثاني بعينها، فلم يتمكن الخبث فلا يجب التصدق" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 988).
(5)
قال في الهداية: "أما الخبث لعدم الملك فعند أبي حنيفة ومحمد يشمل النوعين لتعلق العقد فيما يتعين حقيقة، وفيما لا يتعين شبهة" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 988).
(6)
سقط من (ب).
(7)
قال في الهداية: "سلامة المبيع أو تقدير الثمن" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 988).
(8)
سقط من (ب).
(9)
قال في الهداية: "والشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 988).
(10)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، والحديث عن عمر بن الخطاب بلفظ "عَنْ قَتَادَةَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ شَاةٍ بِشَاتَيْنِ إِلَى الْحَيَاةِ، فَقَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه فَقَالَ عمر- رضي الله عنه: إِنَّ آخِرَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الرِّبَا، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُفَسِّرَهَا لَنَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. أخرجه أحمد (1/ 361، رقم 246)، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب التغليط في الربا (3/ 380، رقم 2276). إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (3/ 312).
(11)
"شبهة" في (ب).
(12)
يقول ابن نجيم في البحر الرائق (4/ 153): "شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ سَاقِطَةُ الاعْتِبَارِ بِالإِجْمَاعِ".
(لأن الخبث لفساد الملك ههنا)
(1)
لأنه قبض الدراهم بدلاً عما يزعم أنه ملكهُ وهو الدين، فإذا ظهر أنه لم يكن عليه
دين كان المقبوض بدل المستحق، وبدل المستحق مملوك فاسداً، والخبث لفساد الملك لا يظهر فيما لا يتعيّن كذا، ذكره الإمام قاضي خان
(2)
.
(وبدل المستحق)
البدل هو الدراهم المقبوضة والمستحق هو الدين.
(لأن الدين وجب بالتسمية)
وهو دعواه على آخر مالاً.
(ثم استحق)
أي: الدين.
(بالتصادق وبدل المستحق مملوك)
سواء كان المستحق عيناً أو ديناً، أما عيناً/ فإنه إذا اشترى عبداً بجارية ثم أعتق العبد فاستحقت الجارية يصح عتق العبد، فلو لم يكن بدل المستحق مملوكاً لما صح عتق العبد مع أن العبد هنا بدل الجارية المستحقة، والعتق لا يجوز في غير الملك لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم»
(3)
، فلما ملك بدل المستحق فلا
(4)
كان المستحق مما يتعيّن فأولى أن يملك بدل المستحق فيما لا يتعيّن وهو الدين
(5)
، وهو الذي نحن فيه.
وذكر الإمام قاضي خان في الجامع الكبير
(6)
في تعليل ما نحن فيه، وقال: لأنه قبض الدراهم بدلاً عمّا يزعم أنه ملكه وهو الدين في الذمة؛ إذ الديون تقضى بأمثالها، ثُمَّ لما ظهر أنه لم يكن عليه دين كان المستحق، وهو الدين في الذمة، والدراهم بدل المستحق، وبدل المستحق مملوك، بدليل ما لو حلف وقال لغريمه: والله لا أفارقك حتى استوفي منك حقي، ثُمَّ باعه المديون عبداً لغيره بذلك الدين، ثُمَّ فارقه الحالف بعدما قبض العبد، ثُمَّ إن مولى العبد استحقه ولم يجز البيع، لا يحنث الحالف؛ (لأن المديون ملك ما في ذمته في هذا البيع
(7)
في أن ثمن المستحق ممك فلا يحنث الحالف)
(8)
والله أعلم بالصواب.
(1)
قال في الهداية: "قال: "وكذلك إذا ادعى على آخر مالاً فقضاه إياه، ثم تصادقا أنه لم يكن عليه شيء وقد ربح المدعي في الدراهم يطيب له الربح؛ لأن الخبث لفساد الملك هاهنا" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 989).
(2)
ينظر: الفتاوى الهندية (3/ 208).
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك» زاد ابن الصباح: «ولا وفاء نذر إلا فيما تملك» كتاب الطلاق، باب في الطلاف قبل النكاح، رقم (2190)، (3/ 513)، والترمذي، كتاب أبواب الطلاق واللعان، باب ما جاء: لا طلاق قبل النكاح، رقم (1181)، (3/ 478)، واالنسائي بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على رجل بيع فيما لا يملك» ، كتاب البيوع، باب بيع ما ليس عندك (4612)، (7/ 288).
قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب، انتهى. نصب الراية (4/ 44).
(4)
"فيما" في (ب).
(5)
سقطتا من (ب).
(6)
فتح القدير (6/ 435).
(7)
"المبيع" في (ب).
(8)
في (ب)، وفي هامش (أ).
فصل فيما يكره
(1)
:
والمكروه أدنى درجة في الفساد، ولكن هو شعبة من شعب الفاسد، فلذلك الحق المكروه بالفاسد، وأخَّر ذكرها.
[ما يكره من بيوع النجش]
النجش -بفتحتين- أن تتسام السلعة بأزيد من ثمنها وأنت لا تريد شراءها، بل ليراك الآخر فيقع فيه، وكذا في النكاح وغيره، منه الحديث:«نهى عن النجش»
(2)
، ورواه بالسكون، «ولا تناجشوا»
(3)
" أي: لا تفعلوا ذلك كذا في المغرب
(4)
.
وذكر في شرح الطحاوي
(5)
في مسألة النجش، وهذا -أي النهي- فيما إذا طلب الراغب فيها من صاحبها بمثل ثمنها، وأما إذا كان الراغب فيها يطلب السلعة من صاحبها بدون ثمنها فزاد رجل في ثمنها إلى ما يبلغ قيمتها فلا بأس به
(6)
، وإن لم يكن له رغبة في ذلك لا يسام
(7)
الرجل على سوم غيره، هذا أنقى في معنى النهي، وهذا أبلغ، كما أن إخبار الشارع أبلغ في استدعاء الوجوب مع الآخر، وصورة السوم على سوم غيره هي ما ذكره في شرح الطحاوي، فقال: صورته أن يتساوم الرجلان على السلعة، والمشتري والبائع رضيا بذلك، ولم يعقد عقد البيع حتى دخل آخر على سومه، واشترى منه فإنه يجوز في الحكم ولكنه يكره،
وهذا إذا جنح
(8)
قلب البائع (إلى البيع)
(9)
من الأول بما يطلب منه من الثمن، وأمَّا إذا لم يجنح قلبه إليه ولم يرض بذلك فلا بأس للثاني أن يشتريه؛ لأن هذا بيع من يريد، وقد روى عن أنس
(10)
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «باع قدحاً وحلساً ببيع من يزيد»
(11)
، وكذلك الرجل إذا خطب امرأة وجنح
(12)
قلبها إليه يكره لغيره أن يخطبها، وإن لم يجنح قلبها إلى الأول فلا بأس لغيره أن يخطبها.
(1)
في (ب).
(2)
أخرجه البخاري من حديث نافع عن عبدالله ابن عمر بلفظه، كتاب الحيل، باب ما يكره من التناجش، رقم (6963)، (9/ 24)، ومسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سومه، وتحريم النجش، وتحريم التصرية، رقم (13 - 1516)، (3/ 1156).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً» ، كتاب الأدب، باب "يأيها الذين ءامنوا اجتبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا " [الحجرات: 12]، رقم (6066)، (8/ 19)، ومسلم، كتاب االبر والصلة والأدب، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها، رقم (30 - 2563)، (4/ 1985).
(4)
المغرب (ص: 456).
(5)
بدائع الصنائع (5/ 233).
(6)
سقط من (ب).
(7)
"يستام" في (ب) و (ج).
(8)
"أي مال" في (أ).
(9)
في (ب) وهي في هامش (أ).
(10)
أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد النجاري الخزرجي الأنصاري، أبو ثمامة، أو أبو حمزة: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه. ولد بالمدينة، وأسلم صغيراً، وخدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض. روى عن النبي وأبي بكر وعمر وعثمان وابن مسعود وغيرهم. يعد من مفسري الصحابة الذين ليس لهم تصانيف. رحل إلى دمشق بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ومنها إلى البصرة، فكان آخر من مات فيها من الصحابة. روى عنه رجال الحديث 2286 حديثاً. تهذيب التهذيب (1/ 376)، تاريخ الطبري (11/ 674)، التاريخ الكبير (2/ 27)، المتفق والمفترق (1/ 120).
(11)
أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي بكر الحنفي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، رقم (11968)، والنسائي في سننه، كتاب البيوع، باب البيع فيمن يزيد، رقم (4508)، (7/ 259).
(12)
"مال" في (أ).
(وما ذكرناه مجمل النهي في النكاح أيضاً)
(1)
أي: يكره الخطبة على خطبة غيره إذا تراضى المتعاقدان على المهر، وركن أحدهما إلى الآخر، وأمَّا إذا لم يركن أحدهما إلى الآخر فلا بأس بالخطبة.
وعن تلقي الجلب
(2)
[صورة تلقي الجلب]
جَلَبَ الشيء: جاء به من بلدٍ إلى بلدٍ للتجارة جلباً، والمجلوب.
ومنه نهى عن تلقي الجلب
(3)
(4)
كذا في المغرب
(5)
.
وذكر في شرح الطحاوي
(6)
"وصورته هي أن واحداً من أهل المصر أخبر بمجيء قافلة بميرة
(7)
عظيمة، وأهل المصر في قحط وجدوبة
(8)
، فتلقاهم
(9)
ذلك الواحد، واشترى منهم جميع ما يمتارون، وأدخله المصر، ويبيعه على ما أراده من الثمن، فلو تركهم وأدخلوا ميرتهم بأنفسهم وباعوها من أهل المصر متفرقاً توسع أهل المصر بذلك، فإذا كان الأمر على ما وضعنا فهو مكروه، وإن كان أهل الحضر
(10)
لا يتضررون بذلك فإنه لا يكره، ثم قال: وقال بعضهم: صورته أن يتلقاهم رجل من أهل المصر فاشترى منهم بأرخص من سعر المصر وهم لا يعلمون سعر المصر، فالشرى جائز في الحكم، ولكنه مكروه؛ لأنه غرهم، سواء تضرر به أهل المصر، أو لم يتضرروا به".
(1)
قال في الهداية: "قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش، وهو أن يزيد في الثمن ولا يريد الشراء ليرغب غيره وقال: "لا تناجشوا".
قال: "وعن السوم على سوم غيره" قال صلى الله عليه وسلم: "لا يستم الرجل على سوم أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه"؛ ولأن في ذلك إيحاشاً وإضراراً، وهذا إذا تراضى المتعاقدان على مبلغ ثمناً في المساومة، فأما إذا لم يركن أحدهما إلى الآخر فهو بيع من يزيد، ولا بأس به على ما نذكره، وما ذكرناه محمل النهي في النكاح أيضاً" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 989).
(2)
قال في الهداية: "وهذا إذا كان يضر بأهل البلد، فإن كان لا يضر فلا بأس به، إلا إذا لبس السعر على الواردين فحينئذ يكره لما فيه من الغرور والضرر. " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 989).
(3)
سقط من (ب) وهي في هامشه.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب تحريم تلقي الجلب، رقم (1519)، (3/ 1157).
(5)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 86).
(6)
ينظر: بدائع الصنائع (5/ 232).
(7)
الميرة وهي الطعام. يقال: مار الرجل أهله يميرهم ميراً. ومنه قوله تعالى: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} [يوسف: 65]. الصحاح (2/ 821)، مقاييس اللغة (5/ 289)، مختار الصحاح (ص: 301).
(8)
"الجدب نقيض الخصب" كذا في هامش (أ).
(9)
"فتلقى منهم" في (ب).
(10)
"المصر" في (ب).
وعن بيع الحاضر للبادي
(1)
قيل: هو أن يتولى المصري عمن جاء خارج المصر ليغالي في القيمة.
وذكر في شرح الطحاوي
(2)
"صورته أن الرجل إذا كان له طعام وعلف، وأهل المصر في قحط منهما وهو لا يبيعهما من أهل المصر حتى يتوسعوا، ولكنه يبيعهما من أهل البادية بثمن غال، وهم يتضررون بذلك فهو مكروه، وأمَّا إذا كان أهل المصر في سعة، ولا يتضررون بذلك، فلا بأس ببيعهما منهم".
فعلى ما ذكره في شرح الطحاوي كان اللام في البادي بمعنى من أي من البادي.
"العَوَز الضيق، وأن يعوزك الشيء أي: يقل عندك، وأنت محتاج إليه، يقال: أعوزني المطلوب أي: أعجزني" كذا في المغرب
(3)
.
(ثُمَّ فيه إخلال بواجب السعى على بعض الوجوه)
(4)
يعني إذا قعدا أو وقفا قائمين لأجل البيع، وأمَّا إذا كان يمشيان ويبيعان، فلا بأس بذلك، كذا ذكره أبو اليسر
(5)
في أصول الفقه.
[البيع عند أذان الجمعة]
(وقد ذكرنا الأذان المعتبر فيه)
(6)
وهو قوله: المعتبر هو/ الأذان الأول إذا كان بعد الزوال.
كل ذلك يكره
أي: المذكور من أول الفصل إلى هنا
(7)
.
ولا يفسد به البيع
حتى يجب الثمن ويثبت الملك قبل القبض، وتفسيره ما بيناه، وهو استيام الرجل على سوم الآخر قبل أن يركن أحدهما إلى الآخر. إلى أن قال:
فهو بيع من يزيد نوع منه
(8)
(1)
قال في الهداية: "فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لا يبع الحاضر للبادي" وهذا إذا كان أهل البلد في قحط وعوز، وهو أن يبيع من أهل البدو طمعاً في الثمن الغالي؛ لما فيه من الإضرار بهم أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس به لانعدام الضرر. " الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 989).
(2)
العناية شرح الهداية (6/ 478)، فتح القدير (6/ 437 - 438).
(3)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 331).
(4)
قال في الهداية: "قال: والبيع عند أذان الجمعة، قال الله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ثم فيه إخلال بواجب السعي على بعض الوجوه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 990).
(5)
سبق ترجمته ص 95.
(6)
قال في الهداية: "في كتاب الصلاة" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 990).
(7)
قال المرغيناني في بداية المبتدي (ص: 137): " وَنهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن النجش وَعَن السّوم على سوم غَيره، وَعَن تلقي الجلب، وَعَن بيع الْحَاضِر للبادي وَالْبيع عِنْد أَذَان الْجُمُعَة كل ذَلِك يكره".
(8)
قال في الهداية: "قال: وكل ذلك يكره؛ لما ذكرنا، ولا يفسد به البيع؛ لأن الفساد في معنى خارج زائد لا في صلب العقد ولا في شرائط الصحة.
قال: "ولا بأس ببيع من يزيد" وتفسيره ما ذكرنا. وقد صح أن النبي عليه الصلاة والسلام باع قدحاً وحلساً ببيع من يزيد؛ ولأنه بيع الفقراء والحاجة ماسة إلى "نوع منه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 990).
أي: نوع من البيع المكروه، وإنما فصل هذا عن ذلك؛ لأن هذا الذي يذكر مسائل مختلفة يجمعها معنى واحد في الكراهة وهو التفريق، فكأنه أشار بذلك إلى أنه بكثرة
(1)
تفريقه يكفي لفصل على حدة، وإن كان أصله يرجع إلى معنى (واحد)
(2)
كقبيلة اجتمعت ولها قرابات يكفي؛ لكونها قرية بقبيلتها نفسها، بخلاف الأول، فإن فيه مسائل شتى، ولها أصول مختلفة، أو لأن الكراهة في الذي يذكر لمعنى راجع إلى المعقود عليه، والكراهة في
الذي ذكره لمعان راجعة إلى غير المعقود عليه.
[التفرقة بين مملوكين صغيرين]
ومن ملك مملوكين
(3)
ذكر لفظ الملك ليتناول وجوه سبب الملك من قبل الهبة، والوصية، والشرى، والإرث.
قوله صلى الله عليه وسلم: (من فرق بين والدة وولدها
(4)
(5)
الحديث، فالوعيد جاء للتفريق، فكان التفريق غير مباح، ولم يتعرض للبيع فلذلك لم نقل بعدم جواز البيع، ولكن لما كان سبب التفريق المورث للوعيد البيع قلنا بكراهة البيع.
(1)
"يكره" في (ب).
(2)
في (ب) و (ج)، وهي في هامش (أ).
(3)
قال في الهداية: "قال: ومن ملك مملوكين صغيرين أحدهما ذو رحم محرم من الآخر لم يفرق بينهما، وكذلك إن كان أحدهما كبيراً، والأصل فيه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 990).
(4)
أخرجه أحمد في مسنده، حديث أبي أيوب الأنصاري، رقم (23499)، (38/ 485)، والترمذي، أبواب السير، باب في كراهية التفريق بين السبي، برقم (1566)، (4/ 134)، والطبراني في المعجم الكبير، باب الخاء، عبدالله ابن يزيد أبو عبدالرحمن الحبلي، عن أبي أيوب، رقم (4080)، (4/ 182)، والبيهقي في الصغرى، كتاب السير، باب التفريق بين ذوي الأرحام، رقم (2903)، (3/ 410)، وكذا في الكبرى، جماع أبواب السير، باب التفريق بين المرأة وولدها، رقم (18309)، (9/ 212). انفرد بهذا الحديث الترمذيُّ من بين أصحاب "السنن"، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرِّجاه، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (4/ 100)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (2/ 63).
(5)
قال في الهداية: "قوله صلى الله عليه وسلم: "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة". ووهب النبي صلى الله عليه وسلم لعلي -رضي الله تعالى عنه- غلامين أخوين صغيرين ثم قال له: "ما فعل الغلامان؟ " فقال: بعت أحدهما، فقال: "أدرك أدرك" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 990).
(ويروى أردد
(1)
(2)
أي: استرِدّ.
(وقد أوعد عليه)
أي: أوعد النبي صلى الله عليه وسلم من لم يرحم (بالتفريق)
(3)
لقوله: «من فرق بين والدة» الحديث
(4)
.
(ثم المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح)
(5)
أي: المنع عن التفريق معلول بها، لكن بشرط أن يكون كلاهما أو أحدهما صغيراً؛ لما نذكر بعد هذا من تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين أمتين كبيرتين، فعلم بهذا أن إطلاق قوله: ثم المنع معلول إلى آخره مقيد بالصغير في الكل، أو في البعض.
(1)
أخرجه الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهة الفراق بين الأخوين، رقم (1284)، (3/ 580) حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الحَجَّاجِ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: وَهَبَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ غُلَامُكَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: رُدَّهُ رُدَّهُ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ السَّبْيِ فِي البَيْعِ. وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُوَلَّدَاتِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي أَرْضِ الإِسْلَامِ. وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ. وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فِي البَيْعِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ اسْتَأْذَنْتُهَا بِذَلِكَ فَرَضِيَتْ.
(2)
قال في الهداية: "ويروى: "اردد اردد"؛ ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير والكبير يتعاهده فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس، والمنع من التعاهد وفيه ترك المرحمة على الصغار" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 991).
(3)
في (ب) و (ج)، وهي في هامش (أ).
(4)
سبق تخريجه ص 405.
(5)
قال في الهداية: "ثم المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب، ولا قريب غير محرم، ولا يدخل فيه الزوجان حتى جاز التفريق بينهما؛ لأن النص ورد بخلاف القياس فيقتصر على مورده" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 992).
فإن قلت: لو كان منع التفريق معلولاً بالقرابة المحرمة للنكاح لما جاز التفريق أبداً عند وجود هذه العلة، وقد جاز التفريق في سبعة مواضع مع وجود هذه العلة، وإن كان أحدهما صغيراً فبعد ذلك، إمّا أن يقول في حق تلك المواضع بتخصيص العلة وهو غير جائز عند عامة مشائخنا، أو لفساد الكل وهو غير جائز عند الكل.
أمَّا المواضع فالأول: ما إذا صار أحد المملوكين، وهما ذو رحم محرم في ملكه إلى حال لا يمكن للمولى بيعه، فلا بأس بأن يبيع الذي هو محل البيع، وإن حصل فيه التفريق نحو أن يدبر أحدهما، أو يستولد إن كانت أمة.
والثاني: أنه إذا جنى أحدهما جناية في بني آدم فلا بأس بأن يدفع المولى
(1)
الجاني منهما، وإن حصل فيه التفريق مع المولى مخير بين الدفع والفداء في الجناية، وكذا إذا استهلك أحدهما مال إنسان، فإنه يباع فيه، مع أن للمولى ولاية المنع عن
(2)
البيع بأداء قيمته.
والثالث: أن الحربي الذي له مملوكان صغيران، وهما ذو رحم محرم يبيع أحدهما يجوز للمسلم أن يشتريه، وفي الموضع الذي يكره التفريق بالبيع للبائع يكره للمشتري شراؤه أيضاً، وههنا لا يكره شراؤه وإن لزم فيه التفريق.
والرابع: أنه لو كان ثلاثة أخوة في ملك رجل وأحدهم صغير والأخوان كبيران، يجوز للمالك أن يبيع أحد الكبيرين استحساناً، وإن لزم فيه تفريق أحد المملوكين وأحدهما صغير.
والخامس: أنه لو اشتراهما جميعاً لنفسه، ثم وجد بأحدهما عيباً كان له أن يرده ويمسك الباقي
(3)
، هذا هو ظاهر الرواية مع لزوم التفريق باختياره.
والسادس: أنه يجوز أن يكاتب أحدهما، أو يعتق على مال، أو غير مال، وفيه إخراج عن ملكه، فكان فيه تفريق باعتبار الإخراج.
والسابع: أنه إذا كان في ملك رجل أمة ولها ولد صغير مراهق يجوز له أن يبيع الصغير باختياره ورضاء أمه، والمسائل في المبسوط
(4)
والإيضاح، وشرح الطحاوي.
قلت: يقول في هذه المواضع كما يقول في الصورة التي يدعي فيها تخصيص العلة من تجوزه، فنقول: المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح لكن هذه العلة تنعدم عند وجود علة أقوى منها، وكان تخلف الحكم هناك؛ لانعدام علتنا هذه عند عامة مشائخنا، وعند من يجوز تخصيص العلة، كانت هذه العلة موجودة، إلاَّ أنها لم تعمل، لوجود علة أقوى منها فكان فيه تخصيص هذه العلة فنبين بتوفيق الله تعالى
(5)
، ذكر تلك العلة التي
(6)
هي مُعْدِمَة هذه العلة، وهي أقوى من هذه، فعمل بالأقوى في هذه المواضع بطريق التفصيل، أمَّا الأول: فإنه لما لم يمكن بيع أحدهما لمعنى شرعي، ثم لو منعناه عن بيع الآخر لحق المولى الضرر فيه (ونحن)
(7)
إنما لا نبيح التفريق بينهما، مع أن الدليل يقتضي جواز التفريق لما
(1)
سقط من (ب).
(2)
"ولاية البيع على البيع" في (ج).
(3)
"الثاني" في (ج).
(4)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 139 - 140).
(5)
سقط من (ب).
(6)
سقط في (ب) وهي في هامشه.
(7)
في (ب) و (ج)، وهي في هامش (أ).
أنه يتصرف/ في ملكه لئلا
(1)
يلزم نوع ضرر بالمملوك، وذلك إنما يتحمل أن لو لم يتضرر المولى فيه قال الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}
(2)
فعند تعارض الضررين حمْل نفي الضرر إلى جانب المولى أولى من الحمل إلى جانب المملوك؛ لئلا يلزم الحجر عن التصرف في ملكه.
وكذلك نقول في جواب الثاني: فإنا لو ألزمنا الفداء على المولى بدون اختياره بسبب نفي ضرر التفريق على الصغير لتضرر المولى، وليس من شرط رفع الضرر عن شخص إلحاق الضرر لغيره.
وأمَّا الجواب عن الثالث: فإنا إنما نجوز التفريق؛ لئلا يتضرر الصغير ولو لم يجوز
(3)
شرى المسلم منه عند بيع أحدهما لذهب
(4)
الحربي بهما إلى دار الحرب، وضرر نشِئه في دار الحرب ثابت في الدنيا الآخرة، أمّا في الدنيا فعرضية الأمر القتل؛ لأن الظاهر من ينشأ في حال صغره بينهم كان على دينهم وفيه ذلك، وأما ضرر الآخرة فظاهر.
وأمَّا الرابع: فإن منع التفريق لحق الصغير وحقه مرعي إذا كان معه أحد الكبرين فإنه يستأنس به ويقوم الكبير بحوائجه، فلذلك لم يمكن بيع الآخر باس عملاً بالدليل الذي هو قيام الملك، فإن قيام الملك يطلق لجميع التصرفات، مع أن فيه رواية عن أبي يوسف
رحمه الله أنه يكره أيضاً
(5)
.
وأمَّا الجواب عن السؤال
(6)
الخامس: فهو الجواب عن السؤال الثاني؛ لأن هذا تفريق لحق مستحق في أحدهما فيجوز كالدفع بالجناية
(7)
والبيع بالدين؛ وذلك لأن المثبت لحق الرد له هو العيب وهو مقصور على
(8)
المعيب حقيقة وحكماً، فلا يتمكن به من رد الآخر بعد تمام الصفقة فلزم جواز التفريق ضرورة عدم جواز ردّ غير العيب
(9)
لما أن رد السالم عن العيب حرام من كل وجه، والتفريق مكروه فيما فيه الكراهة، والاحتراز عن الحرام أوجب عن الاحتراز عن المكروه.
وأمَّا السادس فإن الإعتاق هو عين الجمع بأكمل الوجوه لا التفريق؛ وذلك لأن المعتق أو المكاتب صار أحق بنفسه، فيدور هو حيثما دار أخوه، ويتعاهد أموره على ما أراد، ولا اعتبار لخروجه عن ملكه بعدما حصل المعنى الموجب وإبقائهما جميعاً مع زيادة وصفٍ وهي استبداد بنفسه.
(1)
سقط من (ب).
(2)
[الحج: 78].
(3)
"نجز" في (ب).
(4)
"لهذب" في (ب).
(5)
قال في المبسوط (13/ 142): " وفي القياس يكره ذلك، وهو رواية عن أبي يوسف؛ لأن الصغير يستأنس بكل واحد منهما في حقه كالمنفرد به وفي الاستحسان قال: هذا يمنع لحق الصغير وحقه مراعى إذا ترك معه أحد الكبيرين فإنه يستأنس به ويقوم الكبير بحوائجه فلا بأس ببيع الآخر".
(6)
سقط من (ب).
(7)
"بالخيار" في (ب).
(8)
"عن" في (ب).
(9)
"المعيب" في (ب).
وأمَّا السابع: فإن ما هو المذكور من الجواب فيه
(1)
اختيار
(2)
بعض المشائخ، ووجهه أن المنع عن التفريق للاحتراز عن الضرر بهما، فلما رضيا بالتفريق لم يبق الضرر فيجوز، وهذا كله مما أشارت إليه تلك الكتب التي عددتها في السؤال حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب، كالرضاع والمصاهرة فإنه لو كان أمة وابنها من الرضاع، أو كان صبيًّا وامرأة أبيه يجوز التفريق بينهما.
(ولا قريب غير محرم)
(3)
كأولاد الأعمام، والعمات، والخالات؛ لأن النص ورد على خلاف القياس؛ لأن
القياس يقتضي أن يجوز التفريق؛ لأن المالك يتصرف في ملكه كيف يشاء من الجمع والتفريق، كما لو كان كبيرين، وكما في غير بني آدم.
فإن قلت: هذا الذي ذكره من دعوى خلاف القياس مخالف لما ذكر قبله من المعنى المعقول وهو قوله: ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير إلى آخرهِ
(4)
، فلما ورد هذا النص موافقاً للمعنى المعقول كيف يصح الدعوى بعد ذلك أنه مخالف للقياس؟.
قلت: الشارع موصوف بالحكمة، ومن الحكمة هو
(5)
أن لا يتناقض حججه،
والعقل حجة شرعية كالنص، فلا بُدَّ أن يكون ورود النص موافقاً للمعنى المعقول، إلا أنا لا
(6)
ندرك حقيقة في نص معنى معقول، ولم ندركه من حيث الظاهر الذي هو مسمى بدليل القياس لقصور فهمنا سميناه نصًّا ورد بخلاف القياس، ألا يرى أنا نقول أن حديث القهقهة
(7)
في نقض الطهارة ورد مخالفاً للقياس، وإن كان فيه معنى معقول في نقض الطهارة من وجه آخر، وهو أن الصلاة مناجاة الرب، وهو أعلى مقامات العبد، فلمّا صدر منه فعلا هو معصية في مثل هذا المقام ينبئ عن الغفلة جوْزي بمنع مقصوده من المضيّ على الصلاة بتلك الطهارة، فأوجب نقض الطهارة
(8)
، وكذلك نقول: إن حديث بقاء الصوم
(9)
في أكل الناس ورد بخلاف القياس، وإن كان فيه معنى معقول وهو أن كتاب الله تعالى يوجب فساد الصوم إذا ترك الإتمام مختاراً؛ لأن الله تعالى أمرنا بذلك بقوله:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
(10)
، والإتمام هو أن لا يترك الصوم مختاراً، وهذا ليس بمختار، بل هو محمول عليه من جانب من له الحق؛ لأنه لا يقدر على أن لا ينسى، فعلى هذا كان بقاء صوم الناسي معقولاً، وكذلك نقول في نص السلم أنه ورد على خلاف القياس وإن كان
(11)
شرعه
(12)
لأجل دفع
(13)
الحاجة، وإنه بيع المفاليس، وشرعه لأجل
(1)
"فهو" زيادة في (ب).
(2)
"احتراز" في (ب).
(3)
قال في الهداية: "حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 990).
(4)
قال في الهداية: "ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير والكبير يتعاهده، فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس، والمنع من التعاهد وفيه ترك المرحمة على الصغار، وقد أوعد عليه" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 991).
(5)
سقط من (ب).
(6)
"لم" في (ب).
(7)
رواه ابن عمر. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ضحك في الصلاة قهقهة فليعد الوضوء والصلاة» ، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين القبل والدبر، (3/ 46) رواه ابن عدي في (الكامل) من حديث بقية، حدثنا أبي عمرو بن قيس عن عطاء عن ابن عمر، والأحاديث يفسر بعضها بعضاً. فإن قيل: قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح؛ فإن بقية من عادته التدليس. ورواه الدارقطني من عدة وجوه، بعدة أسانيد، كلها ساقطة. فتلخص من كلام الأئمة ضعف رفع هذا الحديث (و) صحة وقفه. عمدة القاري شرح صحيح البخاري (3/ 48)، فيض القدير شرح الجامع الصغير (6/ 225)، البدر المنير (2/ 405).
(8)
جمهور الفقهاء -وهم المالكية، والشافعية، والحنابلة- لا يعتبرون القهقهة من الأحداث مطلقاً، فلا ينتقض الوضوء بها أصلاً ولا يجعلون فيها وضوءاً؛ لأنها لا تنقض الوضوء خارج الصلاة، فلا تنقضه داخلها، ولأنها ليست خارجاً نجساً، بل هي صوت، كالكلام والبكاء. الحاوي الكبير (1/ 205)، اختلاف الفقهاء للمروزي (ص: 114)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/ 46).
(9)
"على الصلاة بتلك الطهارة" زيادة في (ب).
(10)
[البقرة: 187].
(11)
"دفعه" زيادة في (ب).
(12)
"شرع" في (ب).
(13)
سقط من (ب).
الحاجة معنىً معقول، وإن كان/ معدوماً في الحال، وكذلك في عامة ما ورد في النصوص بخلاف القياس، عُلم بهذا أن مطلق وجود المعنى لا يدل على أن يكون النص معقول المعنى، بل كان النص مخالفاً للقياس لمخالفته الدليل الظاهرة، وههنا كذلك؛ لأن المملوكين الصغيرين ملكُه، والملك عبارة عن المطلق الحاجر، والقياس الظاهر يقتضي أن يجوز تصرفه فيه بالجمع والتفريق، كما يجوز تصرفه في سائر الأملاك سوى العبيد والإماء
(1)
، وفيهما أيضاً في الكبيرين، فلما ورد النص بالحجر عن التفريق في الصغيرين، سمَّى النص نصاً بخلاف القياس لمخالفته الدليل الظاهر، وإن كان فيه معنى معقول في وجهٍ آخر كما في النظائر
(2)
.
(حتى لو كان أحد الصغيرين له، والآخر لغيره، لا بأس ببيع واحد منهما)
(3)
اعتباراً للتفرق الملك حقيقة، ثم ذكر الغير مطلقاً في قوله، والآخر لغيره ليتناول جميع من هو غير للمالك، سواء كان
(4)
الغير ابناً صغيراً
(5)
له، أو كبيراً، أو هو
(6)
في مؤنته أولاً، سواء كان زوجته أو مكاتبه فإنه ذكر في شرح الطحاوي
(7)
وإن كان أحدهما في ملكه والآخر في ملك ولده الصغير، وهو يملك بيعهما جميعاً فلا بأس ببيع أحدهما؛ لأنهما لم يجتمعا في ملك مالكٍ واحد، فلما لم يكره بيع أحدهما فيما إذا كان أحدهما في ملك ولده الصغير، أو زوجته فلان
(8)
لا يكره بيع أحدهما فيما إذا كان أحد المملوكين في ملك الآخر، وإن كان ألصق
(9)
وأقرب به بالطريق الأولى، ثم كما يجوز بيع أحدهما إذا كان أحد المملوكين في ملكه، والآخر في ملك ولده الصغير كذلك لا يجوز في ضده أيضاً، "بأن اجتمع أخوان في ملك رجل لا ينبغي له أن يبيع أحدهما من ابن صغير له في عياله؛ لأن هذا تفريق بينهما في المبيع
(10)
والملك"، كذا في المبسوط
(11)
.
(1)
سقط من (ج).
(2)
ينظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (3/ 311).
(3)
قال في الهداية: "ولا يدخل فيه الزوجان حتى جاز التفريق بينهما؛ لأن النص ورد بخلاف القياس فيقتصر على مورده، ولا بد من اجتماعهما في ملكه لما ذكرنا" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 990).
(4)
"ذلك" في (ب) وهي في هامش (أ).
(5)
سقطتا من (ب) وهي في الهامش.
(6)
"هما" في (ب) و (ج).
(7)
ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 229).
(8)
"فلا يكره" في (ج).
(9)
"الصغير" في (ج).
(10)
"البيع" في (ب).
(11)
المبسوط للسرخسي (13/ 142).
(ولو كان التفريق لحق مستحق لا بأس به)
أي: بالتفريق.
(كدفع أحدهما بالجناية)
(1)
(2)
وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: إذا جنى أحدهما أنه يستحب الفداء؛ لأنه مخير بين أن يدفع أو يفدي، فكان الفداء أولى"، كذا في الإيضاح
(3)
.
(وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يجوز في قرابة الولاد)
(4)
فعلى هذه الرواية فرق بين القرابات؛ لقوة الولادة، وضعف القرابة
(5)
المتجردة عن الولاد "وحمل قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه في هذه الرواية أدرِك
(6)
على طلب الإقالة أوسع الآخر ممن باع من أحدهما، وهو تأويل الحديثين عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-، والقياس لهما؛ فإن النهي عن بيع أحدهما لمعنى في غير البيع غير متصل بالبيع، وهو الوحشة، وذلك ليس من البيع في شيء، والنهي متى كان لمعنى في غير المنهي عنه لا يفسد العقد، كالنهي عن البيع وقت النداء"، كذا في المبسوط
(7)
.
"وهذا كله إذا كان المالك مسلماً حرًّا كان، أو مكاتباً، أو مأذوناً له، وأمَّا إذا كان المالك كافراً فلا يكره التفريق؛ لأن ما فيه من الكفر أعظم والكفار غير مخاطبين بالشرائع"، كذا في شرح الطحاوي
(8)
.
والله أعلم بالصواب.
(1)
قال في الهداية: "وبيعه بالدين ورده بالعيب؛ لأن المنظور إليه دفع الضرر عن غيره، لا الإضرار به" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 992).
(2)
"وروي" زيادة في (ب).
(3)
العناية شرح الهداية (6/ 483)، فتح القدير (6/ 446).
(4)
قال في الهداية: "قال: فإن فرق كره له ذلك وجاز العقد، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يجوز في قرابة الولاد، ويجوز في غيرها. وعنه أنه لا يجوز في جميع ذلك لما روينا، فإن الأمر بالإدراك والرد لا يكون إلا في البيع الفاسد. ولهما أن ركن البيع صدر من أهله في محله، وإنما الكراهة لمعنى مجاور فشابه كراهة الاستيام، وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما؛ لأنه ليس في معنى ما ورد به النص، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام فرق بين مارية وسيرين، وكانتا أمتين أختين، والله أعلم" الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 992).
(5)
"ممن باع منه" كذا في هامش (أ).
(6)
سبق تخريجه ص 410.
(7)
المبسوط للسرخسي (13/ 140).
(8)
العناية شرح الهداية (6/ 485)، شرح فتح القدير (6/ 447).