المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب (1) الإقالة (2) (3) لمَّا كانت الإقالةُ لرفع المبيع (4) وفسخِه؛ ناسب أن - النهاية في شرح الهداية - السغناقي - جـ ١٤

[الحسام السغناقي]

فهرس الكتاب

‌باب

(1)

الإقالة

(2)

(3)

لمَّا كانت الإقالةُ لرفع المبيع

(4)

وفسخِه؛ ناسب أن تُذكر بعد معظم أبواب البيوع؛ لأنَّ الرَّفعَ يقتضي سبقَ الإثبات

(5)

، ولها مناسبة خاصة بالبيع الفاسد

(6)

والمكروه

(7)

؛ لأنه لمَّا وقع البيع فاسدًا أو مكروهًا وَجبَ على كلِّ واحد من المتعاقدين الرجوعُ إلى ما كان لها

(8)

من رأس المال صونًا لأنفسهما عن مخالطة المحظور

(9)

، ولم يكن ذلك إلَّا بالإقالة؛ لأن وقوع عقدهما محظورًا يستدعي كل واحد من المتعاقدين إلى فسخهما بالتراضي، وهو معنى الإقالة.

(1)

باب: الباب معروف، وباباتُ الكِتابِ: سطورهُ، وَقِيلَ: هِيَ وجوهُه وطُرُقُه. وَمن الْكتاب: الْقسم يجمع مسَائِل من جنس وَاحِد يُقَال هَذَا من بَاب كَذَا، والجمع: أَبْوَاب وبيبان. لسان العرب لمحمد بن مكرم، ابن منظور الإفريقى، الناشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1414 هـ (1/ 224)، المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، الناشر: دار الدعوة، (1/ 75).

(2)

في هامش الأصل تعليق هذا نصه: «الإقالة في اللغة الإسقاط، ولذا قال في الدعاء: اللهم أقل عسرة، أي أسقط ذلتي وارفعها، وكذا العاقدين يرفعان العقد بالإقالة» . للسلب أي إزالة قول المتعاقدين، النهي وهو إزالة البيع السابق، وتصح بلفظين أحدهما مستقبل. في شرح القدوري: الإقالة تثبت بلفظين أحدهما يعبر به عن الماضي الآخر من المستقبل كقول الرجل: أقلني، ويقول: أقلت، وقال محمد: هي كالبيع لا تصح إلا بلفظين يعبر بهما عن الماضي، وفي الفتاوى اختار قول محمد، كذا في الخلاصة.

(3)

تعريف الإقالة: اختلف الأحناف في تعريف الإقالة على أقوال: فعند أبي حنيفة رحمه الله: هي فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما إلا أن لا يمكن جعله فسخا فتبطل، وعند أبي يوسف رحمه الله هو بيع إلا أن لا يمكن جعله بيعا فيجعل فسخا إلا أن لا يمكن فتبطل. انظر: تحفة الفقهاء لمحمد بن أحمد، أبي بكر السمرقندي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1414 هـ - 1994 م (2/ 110)، الهداية في شرح بداية المبتدي لعلي بن أبي بكر المرغيناني، تحقيق: طلال يوسف، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان (3/ 55)، حاشية ابن عابدين لابن عابدين، محمد أمين، الناشر: دار الفكر-بيروت، الطبعة: الثانية، 1412 هـ - 1992 م (5/ 120).

(4)

الْمَبِيعُ: السلعة المثمنة التي يقع عليها البيع. انظر: معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس الرازي المحقق: عبد السلام هارون، الناشر: دار الفكر، عام النشر: 1399 هـ - 1979 م. (3/ 95)، المغرب في ترتيب المعرب لناصر بن عبد السيد المُطَرِّزِىّ، الناشر: دار الكتاب العربي، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ (1/ 70).

(5)

الإثْبات: بالكسر هو الحكمُ بثبوت لآخر وضده النفي. وعند الميزانيين: هو الإيجاب وضدُّه السلبُ، وبالفتح ثقاتُ القوم والمفرد ثَبَت محركة وهو مجاز على حدّ قولهم: فلانٌ حجةٌ إذا كان ثقةً. التعريفات الفقهية لمحمد عميم الإحسان المجددي البركتي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م. (1/ 16).

(6)

البيع الفاسد: هو الصحيح بأصله لا بوصفه كبيع مال غير متقوم بالعرض. التعريفات الفقهية (1/ 48).

(7)

البيع المكروه: هو الصحيح بأصله ووصفه دون مجاوره، كالبيع بعد أذان الجمعة بحيث يفوت السعيُ إلى صلاة الجمعة. التعريفات الفقهية (1/ 49).

(8)

في (ت): لهما.

(9)

المحظور لغة: مأخوذ من الحظر وهو المنع، والمحظور هو الحرام الذي هو ضد الحلال. لسان العرب (3/ 136).

واصطلاحًا: ما يستحق بفعله العقاب، وبتركه الثواب. الفصول في الأصول، لأبي بكر الجصاص، الناشر: وزارة الأوقاف الكويتية، الطبعة: الثانية، 1414 هـ - 1994 م (3/ 247).

ص: 1

ثم اعلم أن قول من يقول: الإقالة مشتقة من القول - والهمزة همزة السلب كأشكى

(1)

- أي أزال القول السابق

(2)

، قول وقع سهوًا لوجوه:

أحدها

(3)

: ما وجدتُّ بخطِّ الإمام تاج الدين الزرنوجي

(4)

رحمه الله صريحًا بهذا القول فقال: (وأما الإقالة في باب البيع فليس من باب القول؛ لأنهم قالوا: قِلتُه البيع بالكسر، وأقلتُه؛ فدلَّ قِلتُه على أن العين ياء

(5)

(6)

.

والثاني: أن في الصحاح

(7)

أوردَ إقالةَ البَيْع في ذكر القاف مع الياء، لا في ذكر القاف مع الواو، فقال:(وأقَلْتُه البيع إقالةً، وهو فسخه، وربما قالوا قِلتُه البيع)

(8)

.

(1)

في (ت): «كالأشكى» .

(2)

انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ لعثمان بن علي، فخر الدين الزيلعي، الحاشية: شهاب الدين أحمد بن محمد الشِّلْبِيُّ، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية - بولاق، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1313 هـ (4/ 70).

(3)

في (ت): أحدهما.

(4)

هو النعمان بن إبراهيم بن الخليل، تاج الدين، الزرنوجي، نسبة إلى زرنوج، من بلاد الترك، شرح "المقامات" وسماه "الموضح"، وتوفي ببخارى، سنة أربعين وستمائة. انظر ترجمته في:"الجواهر المضية في طبقات الحنفية"، لعبد القادر بن محمد القرشي، مير محمد كتب خانة، كراتشي، (2/ 201)، و"تاج التراجم" لأبي الفداء بن قطلوبغا، تحقيق محمد خير رمضان، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1413 هـ، 1992 م، (ص 311). ولم أقف فيمن ترجم للزرنوجي على من نسب له كتابًا في الفقه، وقد نقل عنه البابرتي في موضع واحد بـ "العناية شرح الهداية" لأكمل الدين البابرتي، الناشر: دار الفكر (7/ 84)، ونقل عنه نفس الموضع العيني في "البناية شرح الهداية" لأبي محمد، بدر الدين العينى، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1420 هـ (8/ 339).

(5)

المخصص، لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، المحقق: خليل إبراهم جفال، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1417 هـ 1996 م (1/ 323).

(6)

انظر: "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" لفخر الدين الزيلعي، المطبعة الأميرية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1313 هـ (4/ 70)، وفتح القدير لكمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام، الناشر: دار الفكر (6/ 486).

(7)

كتاب الصحاح: هو الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (المتوفى: 393 هـ)، والكتاب مطبوع.

(8)

انظر: "الصحاح" لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، 1407 هـ، 1987 م، (5/ 1808).

ص: 2

والثالث: ما ذكره في مجموع اللغة

(1)

في: قي وقاله البيع قيلاً، وأقاله فسخه، وهذا الثالث أيضاً بخط الإمام الزرنوجي رحمه الله؛ لقوله عليه السلام: «من أقال [نادمًا] بيعته [أقال الله عثرته يوم القيامة]

(2)

». الحديث

(3)

.

والتمسك

(4)

بهذا الحديث في إثبات جواز الإقالة ظاهرٌ؛ لأنَّ النبي عليه السلام نَدَبَ إلى الإقالة بما يوجب التَّحريضَ علَّها من الثواب، عُلم به أن الإقالة مشروعة

(5)

؛ لأن غير المشروع لا يكون مندوباً

(6)

إليه

(7)

.

والأصل

(8)

أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين وليس بيع في حقهما

(9)

.

(1)

كتاب مجموع اللغة: ذكر اسم الكتاب في البناية (8/ 224) وفي درر الحكام لمحمد بن فرامرز بن علي الشهير بملا - أو منلا أو المولى - خسرو، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ (2/ 178) باسم: مجموع اللغة، وذكره ابن عابدين (5/ 119) باسم مجمع اللغة، ولم أقف على الكتاب ولا على مصنفه.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

أخرجه أبو داود في "السنن"، كتاب البيوع، باب: فضل الإقالة، رقم (3460)، (3/ 274)، وابن ماجه في "سننه"، كتاب التجارات، باب: الإقالة، رقم (2199)، (2/ 741)، والحديث صححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل لمحمد ناصر الدين الألباني، إشراف: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الثانية 1405 هـ - 1985 م. برقم (1334).

(4)

في (ت): فالتمسك.

(5)

في الأصل: «مشروع» .

(6)

المندوب: لغة من الندب، وهو الدعاء إلى الفعل، واصطلاحًا: هو المطلوب فعله شرعًا ولا ذم على تركه مطلقًا. شرح مختصر الروضة لأبي الربيع نجم الدين الطوفي، تحقيق: عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1407 هـ (1/ 354).

(7)

ينظر: "الاختيار لتعليل المختار" لابن مودود الموصلي، تحقيق محمود أبو دقيقة، مطبعة الحلبي، القاهرة، 1356 هـ، 1937 م، (2/ 11)، و"تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" للزيلعي (4/ 70).

(8)

والمراد بالأصل: أي في هذا الباب. يعني باب الإقالة. البناية شرح الهداية (8/ 225).

(9)

قوله: «وليس بيع في حقهما» ليس في (ت)، وهذا على القول المشهور والمعتمد في المذهب، وهي عند أبي حنيفة فسخ قبل قبض المبيع، وبيع بعد قبضه، وذهب أبو يوسف إلى أن الإقالة بيع جديد ما أمكن ذلك، ومثال ذلك أن تكون الإقالة في دار مثلا وأقال البائع المشتري قبل القبض، فإنه يمكن في هذه الصورة أن تكون بيعا، وكذا كل صورة يمكن أن تكون بيعا لا تكون فسخا عند أبي يوسف رحمه الله. انظر:"تحفة الفقهاء" لعلاء الدين السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 هـ (2/ 111)، و"بدائع الصنائع" لعلاء الدين الكاساني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1406 هـ (5/ 306).

ص: 3

وفائدة كونها فسخًا في حقهما يظهر في مواضع:

أحدها: هو أن يجب على البائع ردُّ الثمن، وما نطقا فيه العاقدان بخلافه باطل

(1)

(2)

.

والثاني: أن الإقالة لا تبطل بالشروط

(3)

الفاسدة، ولو كانت بيعًا في حقهما أيضًا لبطلت بالشروط الفاسدة كما يبطل البيع.

وتبطل بها عند أبي يوسف

(4)

رحمه الله في الموضع الذي يجعلها بيعًا

(5)

.

والثالث: بعدما تقايلا قبل أن يُسترد المبيعُ من المشتري لو باعه من المشتري جاز البيع؛ لأنه فسخ في حقهما، ولو كان بيعًا لما جاز له أن يبيعه منه قبل القبض

(6)

، ولو باعه من غير المشتري لا يجوز البيع؛ لأن الإقالة في حق غيره تكون بيعًا جديدًا

(7)

.

(1)

الباطل لغة: من البطلان بمعنى فسد وسقط حكمه فهو باطل. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية لأبي نصر إسماعيل الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة: الرابعة 1407 هـ - 1987 م (1/ 52).

وَالْبَاطِل اصطلاحًا: هو ما كان مشروعا بأصله غير مشروع بوصفه. كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، لعلاء الدين البخاري، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ (1/ 259).

(2)

ينظر: "العناية شرح الهداية" ببابرتي (6/ 487).

(3)

الشرط لغة: قال في الصحاح: الشَرْطُ - بالسكون - معروفٌ، وكذلك الشَريطَةُ، والجمع شُروطٌ وشَرائِطُ. وقد شَرَطَ عليه كذا يَشْرِطُ ويَشْرُطُ، واشْتَرَطَ عليه. والشَرَطُ بالتحريك: العلامةُ. الصحاح (3/ 1136).

الشرط اصطلاحًا: ما يلزم من عدمه عدم الحكم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. انظر: أصول السرخسي لمحمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، الناشر: دار المعرفة - بيروت (2/ 303).

(4)

يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم القَاضِي الْأنْصَارِيّ، أَبُو يُوسُف، من أَصْحَاب الإِمَام [يعني أبا حنيفة]، ولي الْقَضَاء لثَلَاثَة خلفاء: الْمهْدي وَالْهَادِي والرشيد. قَالَ أَحْمد وَابْن معِين وَابْن المديني ثِقَة. مَاتَ بِبَغْدَاد يَوْم الْخَمِيس وَقت الظّهْر لخمس خلون من ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 220).

(5)

ينظر: "بدائع الصنائع"، للكاساني، (5/ 215)، و"فتح القدير" لابن الهمام (6/ 490).

(6)

الْقَبْض بِفَتْح الْبَاء هُوَ مَا قَبضته من مَال أَو غَيره. جمهرة اللغة لأبي بكر بن دريد الأزدي، المحقق: رمزي بعلبكي، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة: الأولى، 1987 م (1/ 354).

(7)

ينظر: "بدائع الصنائع"، للكاساني، (5/ 307).

ص: 4

وفائدة كونها بيعًا جديدًا في حقِّ غيرهما تظهر أيضًا في مواضع:

أحدها: هو أن المبيع لو كان عقارًا

(1)

مما يجب فيه الشُّفْعةُ

(2)

، فسلَّم الشفيعُ الشفعةَ في أصل البيع، ثم تقايلا البيعَ بغير قضاء، وعاد المبيع إلى ملك البائع، فطلب الشفيعُ الشفعةَ في الإقالة، كان له ذلك؛ لأنها بمنزلة البيع في حق ثالث سوى المتعاقدين

(3)

.

والثاني: أن البيع لو كان صرفًا

(4)

، فالتقابض من كلا الجانبين شرط لصحة الإقالة، فيجعل في حق الشريعة كبيع جديد.

والثالث: أنه لو اشترى شيئًا وقبضه قبل نقد الثمن، ثم باعه من آخر، ثم تقايلا وعاد إلى المشتري، ثم إن البائع اشتراه من المشتري بأقل من الثمن قبل النقد جاز، فصار في حق البائع كأنه ملك بسبب جديد

(5)

.

والرابع: أن السلعة لو كانت هبة

(6)

في يد البائع، ثم تقايلا، فليس للواهب أن يرجع، فصار كأن البائع اشتراها في حق الواهب، كذا في شرح الطحاوي

(7)

(8)

.

(1)

العَقَار: ضَيعة الرَّجُل، والجمع العَقارات. يقال ليس له دارٌ ولا عَقارٌ. قال ابن الأعرابيّ: العَقار هو المتاع المَصُون، ورجلٌ مُعْقِر: كثير المتاع. معجم مقاييس اللغة (4/ 95).

(2)

الشُّفْعَةُ مِنْ الشَّفْعِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْوِتْرِ وَقَدْ شَفَعْت الْوِتْرَ بِكَذَا أَيْ جَعَلْته شَفْعًا وَمَنْ لَهُ الشُّفْعَةُ يَشْفَعُ عَقَارَهُ بِالْعَقَارِ الَّذِي يَأْخُذُهُ، وَالشَّفَاعَةُ هِيَ أَنْ يُشْفِعُ نَفْسَهُ بِمَنْ يَشْفَعَ لَهُ فِي طَلَبِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ. طلبة الطلبة لعمر بن محمد، أبو حفص، نجم الدين النسفي، الناشر: المطبعة العامرة، مكتبة المثنى ببغداد، الطبعة: بدون طبعة، تاريخ النشر: 1311 هـ. (1/ 119).

(3)

ينظر: "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" للزيلعي (4/ 72)، و"العناية شرح الهداية" للبابرتي (9/ 411).

(4)

بيع الصَّرف: هو بيع النقد بالنقد. التعريفات الفقهية (1/ 48).

(5)

ينظر: "درر الحكام شرع غرر الأحكام" لمحمد بن فرامرز بن علي الشهير بملا خسرو، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، دت، (2/ 180)، و"مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر"(3/ 104).

(6)

الهبة: من وهب: يقال: وَهَبَ الله لك الشَّيءَ، يَهَبُ هِبَةً. وتَواهَبَهُ النّاسُ بينهمْ. انظر: العين لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد، المحقق: مهدي المخزومي، إبراهيم السامرائي، الناشر: دار ومكتبة الهلال (4/ 97).

(7)

ينظر: "فتح القدير" لابن الهمام، (6/ 492). وزاد الزيلعي موضعًا خامسًا يظهر فيه فائدة كون الإقالة بيعًا جديدًا في حق ثالث، قال:«والخامسة إذا اشترى بعروض التجارة عبدًا للخدمة بعدما حال عليه الحول، فوجد به عيبًا فرده بغير قضاء، واسترد العروض فهلكت في يده، فإنه لا يسقط عنه الزكاة؛ لأنه بيع جديد في حق الثالث وهو الفقير؛ لأن الرد بالعيب بغير قضاء إقالة» .

(8)

أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة المصري المعروف بالطحاوي الإمام، الفقيه، الحافظ، المحدث، كان ثقة، ثبتاً، نبيلاً، انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة في زمنه، ولم يخلف بعده مثله. وصنف الطحاوي كتباً مفيدة، منها " أحكام القرآن "، و " معاني الآثار "، و " بيان مشكل الآثار "، ووفاته سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. انظر: تاج التراجم لأبي الفداء زين الدين أبو العدل قاسم بن قُطلُوبغا، المحقق: محمد رمضان، الناشر: دار القلم - دمشق، الطبعة: الأولى، 1413 هـ -1992 م (1/ 100).

ص: 5

ثم إنما جعلنا

(1)

هكذا، وهو أنَّا جعلناها فسخًا في حق المتعاقدين وبيعًا في حق غيرهما عملًا بلفظ الإقالة ومعناها؛ لأن الإقالة لفظًا ينبئ عن الفسخ

(2)

والرفع على ما ذكر في الكتاب

(3)

، وهي في المعنى مبادلة المال بالمال بالتراضي وهو حدُ البيع فاعتبرنا اللفظ في حق المتعاقدين واعتبرنا المعنى في حق غير المتعاقدين عملًا بالشبهين

(4)

.

وإنما لم يعكس بأن يعتبر اللفظ في حق غيرهما والمعنى في حقهما؛ لأنه حينئذ يلزم ترك العمل بالمعنى في حق البيع؛ وذلك لأن اللفظ قائم بالمتعاقدين، واللفظ لفظ الفسخ، فلما جعل فسخًا في غير المتعاقدين [مع أن اللفظ غير قائم بغير المتعاقدين]

(5)

فلأن

(6)

يجعل فسخًا في حقهما

(7)

وقد نَوَياه بالطريق الأولى، و

(8)

لأَنَّا لما اعتبرنا جانبَ اللفظِ في حقِّ المتعاقدَيْن لقيام اللفظ بهما، تَعيَّن العملُ بالمعنى في حقِّ غيرهما لا محالة؛ للعمل بالشبهين

(9)

.

إلا أن لا يمكن جَعْلُه فسخًا فيبطل، بأن ولدت البيعة

(10)

ولدًا بعد القبض؛ لأن الزيادة بعد القبض إذا كانت منفصلة فالإقالة باطلة عند أبي حنيفة

(11)

رحمه الله؛ لأنه تعذر تصحيحها فسخًا بسبب الزيادة؛ لأن الزيادة المنفصلة مانعة من فسخ العقد حقًا للشرع، وأبو حنيفة رحمه الله لا يصحح الإقالة إلا بطريق الفسخ

(12)

.

(1)

في (ت): جعلناها.

(2)

الفسخ لغةً: بمعنى النقض والبطلان والتفرقة. يُنظر: المصباح المنير لأحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس، الناشر: المكتبة العلمية - بيروت (2/ 472)، لسان العرب (3/ 45).

والفسخ اصطلاحًا: حل ارتباط العقد، أو هو ارتفاع حكم العقد من الأصل كأن لم يكن، فتستعمل كلمة الفسخ أحيانًا بمعنى رفع العقد. ينظر:(الأشباه والنظائر لابن نجيم المصري، تحقيق: الشيخ زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1999 م ص 833).

(3)

ينظر: "فتح القدير" لابن الهمام (6/ 488)، وإطلاق الكتاب عند فقهاء الحنفية ينصرف إلى مختصر القدوري.

(4)

ينظر: "مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر" لشيخي زاده، (2/ 72).

(5)

ما بين المعكوفين سقط من الأصل، وأثبته من (ت).

(6)

في (ت): كان أولى.

(7)

في (ت): حق المتعاقدين.

(8)

في (ت): أو.

(9)

ينظر: "الجوهر النيرة" لأبي بكر علي بن محمد الزبيدي، المطبعة الخيرية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1322 هـ (1/ 208).

(10)

في (ت): المبيعة.

(11)

أَبُو حَنِيْفَةَ النُّعْمَانُ بنُ ثَابِتِ التَّيْمِيُّ، وُلدَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، فِي حَيَاةِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ. وَعُنِيَ بِطَلَبِ الآثَارِ، وَارْتَحَلَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الفِقْهُ وَالتَّدْقِيْقُ فِي الرَّأْيِ وَغوَامِضِهِ، فَإِلَيْهِ المُنْتَهَى، وَالنَّاسُ عَلَيْهِ عِيَالٌ فِي ذَلِكَ. تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً. سير أعلام النبلاء لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، المحقق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1405 هـ/ 1985 م (6/ 430).

(12)

ينظر: "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" لأبي المعالي برهان الدين محمود بن أحمد بن عمر بن مازه، تحقيق: عبد الكريم سامي الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1424 هـ، 2004 م، (7/ 45).

ص: 6

وعند أبي يوسف رحمه الله هو بيع إلا أن لا يمكن جعله بيعًا فيجعل فسخًا، كما لو تقايلا في المنقول قبل القبض، أو تقايلا في بيع العرض بالعرض بعد هلاك أحدهما، فالإقالة في هذه تجعل فسخًا؛ لأنه تعذر جعلها بيعًا فتجعل فسخًا

(1)

.

إلا أن لا يمكن، أي إلا أن لا يمكن جعله فسخًا أيضًا فحينئذ تبطل الإقالة في نفسها كما في بيع العرض بالدراهم إذا تقايلا بعد هلاك العرض، وكما

(2)

لو تقايلا في المنقول قبل القبض على خلاف جنس الثمن الأول بطلت الإقالة؛ لأنه تعذر اعتبارها بيعًا؛ لأن بيع المنقول قبل القبض لا يجوز، وتعذر اعتبارها فسخًا أيضًا؛ لأن الفسخ إنما يكون بالثمن الأول وقد سميا ثمنًا آخر، كذا في الذخيرة

(3)

.

وعند محمد

(4)

رحمه الله هو فسخ كما قاله أبو حنيفة رحمه الله، حتى لو تقايلا بمثل الثمن الأول أو بالأقل يكون فسخًا.

(1)

ينظر: "تحفة الفقهاء" لعلاء الدين السمرقندي، (2/ 111)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (5/ 306).

(2)

في (ت): كما.

(3)

"الذخيرة البرهانية" أو "ذخيرة الفتاوى" لبرهان الدين محمود بن أحمد بن مازة، صاحب "المحيط البرهاني"، و"الذخيرة" مختصرة منه، ولد سنة 551 هـ، وتوفي سنة 616 هـ، والكتاب له عدة نسخ خطية في دار الكتب الوطنية - تونس رقم 5226، 5225، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية -الرياض رقم 03445، ولم نطلع عليه. انظر:"الجواهر المضية"(3/ 42)، و"الفوائد البهية في تراجم الحنفية" لمحمد عبد الحي اللكنوي، دار المعرفة - بيروت (صـ 206)، و"كشف الظنون"(1/ 823) مكتبة المثنى - بغداد، و"الأعلام"(7/ 161) دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة الخامسة عشر 2002 م.

(4)

مُحَمَّد بن الحسن بن فرقد، من موالي بني شيبان، نشأ بالكوفة، فسمع من أبي حَنِيفَةَ وغَلَبَ عليهِ مذهبه وعُرف به، وانتقل إلى بغداد، فولاه الرشيد القضاء بالرقة ثُمَّ عزله، ولما خرج الرشيد إلى خراسان صحبه، فمات في الري، قال الشَّافِعِي:(لو أشاء أن أقول نزل القرآن بلغة مُحَمَّد بن الحسن، لقلت، لفصاحته) ونعته الخطيب البغدادي بإمام أهل الرأي، له كتبٌ كثيرة في الفقه والأصول، منها (المَبْسُوط) في فروع الفقه، و (الزيادات) و (الجامع الكبير)، و (الجامع الصغير)، و (الآثار)، و (السير) توفي بالري سنة (189 هـ). انظر: تاج التراجم (1/ 18)، تاريخ بغداد لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، المحقق: الدكتور بشار عواد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2002 م (2/ 172)، طبقات الحنفية (2/ 42).

ص: 7

إلا إذا تعذر جعله فسخًا بأن تقايلا بأكثر من الثمن الأول أو بخلاف جنس الثمن الأول فهو بيع كما قاله أبو يوسف، إلا أن لا يمكن جعله بيعًا ولا فسخًا فيبطل، كما في بيع العرض بالدراهم إذا تقايلا بعد هلاك العرض على ما ذكرنا.

وذكر صورة أخرى في الذخيرة لما لا يمكن جعلها بيعًا ولا فسخًا في إقالة العبد

(1)

المأذون، فقال: العبد المأذون له في التجارة إذا باع

(2)

جاريةً بألفٍ، ثم إن العبد أقال البيع

(3)

في الجارية فهو على وجهين: إما إن كانت الإقالة قبل قبض المشتري الجارية أو بعد قبضه إياها، وجعل كلَّ وجه على وجهين، إما إن كان الثمن موهوباً أو غير موهوب، فإن كانت الإقالة قبل قبض الجارية والثمن غير موهوب، تصح الإقالة فسخًا عندهم، إلا في فصل وهو ما إذا حصلت الإقالة.

بخلاف جنس الثمن الأول، فإن هناك تبطل الإقالة عندهم

(4)

، فأما في سائر الفصول فلا يبطل، فيجعل فسخًا؛ لأنه تعذر اعتبارها بيعًا جديدًا؛ لأن بيع المنقول قبل القبض لا يجوز، وأمكن جعلها فسخًا إذا كان الثمن غير موهوب للمأذون؛ لأنه لا يكون فسخًا

(5)

بغير ثمن، فيجعل فسخًا، وأما إذا حصلت الإقالة بخلاف جنس الثمن الأول فلأنه كما تعذر اعتبارها بيعًا؛ لأنه [يكون]

(6)

بيع [المنقول]

(7)

قبل القبض، حينئذ

(8)

تعذر اعتبارها فسخًا أيضًا؛ لأن الفسخ ما يكون بمثل الثمن الأول فبطلت ضرورة

(9)

.

وإن كان الثمن موهوبًا للمأذون فالإقالة باطلة عندهم جميعًا في الفصول كلها؛ لأنه تعذر اعتبارها بيعًا؛ لحصوله قبل القبض في المنقول، وتعذر اعتبارها فسخًا لما كان الثمن موهوبًا؛ لأنه يكون فسخًا بغير ثمن، والمأذون لا يملك ذلك؛ لأنه يكون تبرعًا.

(1)

العبد هو الرقيق: والرق لغة: مصدر رق العبد يرق، ضد عتق، يقال: استرق فلان مملوكه وأرقه، نقيض أعتقه، والرقيق: المملوك ذكرًا كان أو أنثى، والرق في الاصطلاح الفقهي موافق لمعناه لغة، فهو كون الإنسان مملوكًا لإنسان آخر. ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت، الطبعة:(من 1404 - 1427 هـ)(23/ 11).

(2)

في نسخة أخرى عن هامش الأصل: «ابتاع» .

(3)

في (ت): «أقال المشتري» .

(4)

في (ت): عندهما.

(5)

في (ت): بيعًا.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

في (ت): فحينئذ.

(9)

ينظر: "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" لابن مازه (7/ 45).

ص: 8

وذكر فيها أيضًا:

ثم هذا الخلاف الذي ذكرنا في الإقالة إذا حصل الفسخ بلفظ الإقالة، فأما

(1)

إذا حصل بلفظ المفاسخة أو

(2)

المتاركة أو

(3)

الرد، فإنها لا تجعل بيعًا وإن أمكن جعلها بيعًا.

فيوفر عليه قضيته، أي فيوفر على اللفظ، قضية اللفظ أي ما اقتضاه من موضوعه اللغوي، وقضية لفظ الإقالة ههنا الفسخ والرفع

(4)

فيجعل فسخًا.

ولأبي يوسف رحمه الله أنه مبادلة المال بالمال بالتراضي، وهذا هو حد البيع فيجعل بيعًا

(5)

.

فإن قيل

(6)

: يُنتقض هذا بالبيع المُبتدأ بهذا اللفظ؛ حيث لا ينعقد البيع بلفظ الإقالة أصلًا، ولو كان لفظ الإقالة محتملًا لمعنى البيع لانعقد به

(7)

؛ لاحتمال لفظه، ووجود

(8)

معنى البيع كما ذكرنا.

قلنا: روى عن بعض المشايخ أنه ينعقد فيمنع.

ولئن سلمنا فالفرق بينهما هو أن قوله: أقلتُك العقدَ في هذا العبد بألف درهم

(9)

، ولم يكن بينهما عقد أصلًا، تعذر تصحيحها بيعًا؛ لأن الإقالة أضيفت إلى ما لا وجود له فيبطل في مخرجها، وما نحن بصدده ليس كذلك؛ لأن الإقالة أضيفت إلى ما له وجودًا

(10)

، أعني به سابقة العقد قبلها، فلم [يكن]

(11)

يلزم من إرادة المجاز

(12)

من اللفظ في موضع؛ لوجود الدلالة على ما أراد من المجاز إرادة المجاز في سائر الصور عند عدم دلالة الدليل على المجاز، إلى هذا أشار في الفوائد الظهيرية

(13)

.

ويرد بالعيب، بمعنى

(14)

إذا وجد البائع بعد الإقالة عيباً حدث عند المشتري يرده.

(1)

في (ت): أما.

(2)

في (ت): و.

(3)

في (ت): و.

(4)

جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، للقاضي عبد النبي بن عبد الرسول، الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2000 م (1/ 105).

(5)

ينظر: "العناية شرح الهداية" للبابرتي (6/ 488)، و"البناية شرح الهداية" للعيني (8/ 226).

(6)

في (ت): «فإن قلت» .

(7)

في (ت): بدونه.

(8)

في (ت): وجود.

(9)

الدرهم: قطعة نقدية من الفضة وزنه 6 دوانق = 48 حبة =2، 979 غراماً، والدرهم الذي توزن به الأشياء مقداره 51 حبة =3، 171 غراماً. معجم لغة الفقهاء (1/ 250).

(10)

في (ت): وجود.

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(12)

المَجَاز: اسمٌ لما أريد به غير ما وَضِعَ له لمناسبة بينهما كتسمية الشجاع أسداً. التعريفات الفقهية (1/ 194).

(13)

ينظر: "العناية شرح الهداية" للبابرتي (6/ 488).

(14)

في (ت): يعني.

ص: 9

وهذه أحكام البيع، وهي بطلان الإقالة بهلاك السلعة، والرَّدِ بالعيب، وثبوت الشُفْعة بها، تدل على أن الإقالة بيعٌ، فالاستدلال

(1)

بالأثر على العلِّة

(2)

إنما يصح إذا كان ذلك الأثر أثرًا مخصوصًا بذلك المؤثِّر؛ كالاستدلال بالدخان على النار، وهذه الأحكام بهذه المثابة؛ لأنها لا توجد بدون البيع، فصح الاستدلال بها، بخلاف الملك فإنه غير مختص بالبيع.

ولأبي حنيفة رحمه الله أن اللفظ ينبئ عن الرفع والفسخ

إلى أن قال فتعين البطلان

(3)

.

فإن قيل: إعمال الألفاظ بمعنى

(4)

من المعاني عند دلالة الدليل عليه أولى من الإبطال، ثم في لفظ الإقالة لما تعذر اعتبار الحقيقة

(5)

وجب أن يجعل عبارةً عن البيع المبتدأ؛ لأن اللفظ محتملة

(6)

، ألا ترى أنا جعلناه بيعًا في حق الثالث.

قلنا

(7)

: إن اللفظ لا يحتمل البيع البتَّة؛ للتضاد بين اللفظين وضعًا، فإن الفسخ ضد العقد لا محالة، واللفظ كيف تجعل مجازاً عن ضده، فأما في حق الثالث فنحن ما جعلنا اللفظ مجازاً عن البيع في حقه، ولكن لما ثبت حكم البيع بهذا اللفظ وهو حصول الملك للبائع ببدل أظهرنا هذا الموجب في حق ثالث، فأما في حقهما فاللفظ إذا لم يكن اعتباره بحقيقته ولا يصلح مجازاً عن البيع لغا في نفسه، كذا في الإيضاح

(8)

.

(1)

في (ت): بالاستدلال.

(2)

العلة: هي المعنى الجالب للحكم. العدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء، حققه وعلق عليه وخرج نصه: د أحمد بن علي بن سير المباركي، الأستاذ المشارك في كلية الشريعة بالرياض - جامعة الملك محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة: الثانية 1410 هـ - 1990 م (1/ 175).

(3)

ينظر: "العناية شرح الهداية" للبابرتي (6/ 488)، و"البناية شرح الهداية" للعيني (8/ 226).

(4)

في (ت): لمعنى.

(5)

الحَقِيقة: هي اسم لما أريد به ما وُضع له، أو كل لفظ يبقى على موضوعه. التعريفات الفقهية (1/ 80).

(6)

في (ت): يحتمله.

(7)

في (ت): «قلت» .

(8)

"الإيضاح" لعبد الرحمن بن محمد بن أميرويه بن محمد بن إبراهيم، ركن الدين، أبو الفضل الكرماني، ولد 457 هـ، وقدم مرو فتفقه وبرع، حتى صار إمام الحنفية بخراسان، من تصانيفه:"شرح الجامع الكبير" و"التجريد" وشرحه وهو "الإيضاح" و"إشارات الأسرار" و"النكت على الجامع الصغير"، وتوفي سنة 543 هـ، والكتاب له عدة نسخ خطية في يني جامع - تركيا 369 وغيرها، ولم نطلع عليه. "سير أعلام النبلاء"(20/ 206)، و"الجواهر المضية في طبقات الحنفية"(1/ 304)، و"تاج التراجم"(صـ 184)، و"الأعلام"(3/ 327).

ص: 10

وذكر في الفوائد الظهيرية

(1)

: ولأبي حنيفة رحمه الله أن الإقالة رفع وفسخ، والعقد إثبات وتحقيق، فكانت بينهما منافاة، فلا يمكن أن يستعار أحدهما للآخر، والمجاز حيث ما يجوز إنما يجوز باعتبار اشتراكهما في معنى يوجد فيها

(2)

، بيانه أن الشجاع يسمى أسدًا؛ لاشتراكهما في معنى الشجاعة؛ لأن لكل منهما شجاعة فأمكن القول بجواز المجاز، وفيما نحن فيه تعذر القول به لتعدي كل واحد منهما عن معنى هذا (شأنه من)

(3)

التنافي والتدافع.

وأما الجواب لأبي حنيفة رحمه الله عما استدل به أبو يوسف رحمه الله من أحكام البيع في الإقالة على أن الإقالة بيع بدلالة وجود تلك الأحكام المخصوصة بالبيع.

قلنا: (الشارع يبدل)

(4)

الأحكام من حكم إلى حكم كدم الاستحاضة حتى أخرجه عن حكم الحدث، ولا

(5)

يغير الحقائق

(6)

، وفساد الإقالة عند هلاك المبيع وثبوت حق الشفعة من الأحكام؛ فجاز أن يغيّر ويثبت ضمنًا للإقالة، أما لا يخرج الإقالة عن الفسخية التي هي حقيقتها.

وكونه بيعًا في حق الثالث إلى آخره؛ جواب سؤال يرد على قول أبي حنيفة رحمه الله، فالجواب أن حكم البيع ثبت في حق الثالث لضرورة دفع الضرر عن الشفيع؛ لأن الضرر إنما يلحقه عند ثبوت الملك لأجنبي لا يرضاه الشفيع، والإقالة مثبتة للملك في حق الثالث، والشارع أثبت الشفعة له عند ثبوت الملك الجديد، ولأن

(7)

لفظ الإقالة يثبت البيع في حق الثالث؛ لما أن حقيقة الإقالة وهي الفسخ قائم بهما لا يعدوهما؛ لأنه لا ولاية

(8)

لهما على الثالث؛ لأن الإقالة لا تبطل بالشروط الفاسدة، بخلاف البيع حيث يبطل البيع بالشروط الفاسدة

(9)

.

فإن قلت: ما الفرق بين الشروط الفاسدة وبين اشتراط قبول الإقالة في المجلس، حيث اعتبرت الإقالة بالبيع في حق اشتراط قبول الإقالة في المجلس، ولم يعتبر في حق الشروط حيث لم يفسد

(10)

الإقالة بالشروط الفاسدة.

(1)

"الفوائد الظهيرية" لأبي بكر محمد بن أحمد بن عمر، المتوفى سنة 619 هـ، له عدة نسخ خطية في مكتبة عارف حكمت، السعودية، رقم (37)، ومكتبة الدولة، برلين، رقم (1468 OCT)، والمكتبة الوطنية، باريس، رقم (85 - 857) ولم أطلع عليه.

(2)

في (ت): بهما.

(3)

في (ت): لما فيه.

(4)

في (ت): للشارع تبديل.

(5)

في (ت): لا.

(6)

في (ت): للحقائق.

(7)

في (ت): لأن.

(8)

في (ت): وية، وهو خطأ.

(9)

"تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" للزيلعي (4/ 72)، و"فتح القدير" لابن الهمام (6/ 490).

(10)

في (ت): تبطل.

ص: 11

قلنا

(1)

: الفرق بينهما: هو أن الإقالة لا تصح بدون القبول كالبيع، والقيام عن المجلس دلالة للإعراض

(2)

والرد، فلا يصح بعد القيام عن المجلس لذلك، وهذا لأن الإقالة وإن كانت ضد البيع ولكن في حق ارتباط أحد اللفظين بالآخر فهو نظيره، فاعتبرت به لكونها نظيرة له في ذلك الحكم

(3)

على ما قلنا.

وأما الشرط الفاسد إذا وجد في العقد صار العقد به ربًا؛ لأن الزيادة يمكن إثباتها في هذا العقد.

وأما الإقالة فرفع ما كان، ورفع ما كان زائدًا على ما كان لا يتصور؛ فلذلك لم يؤثر الشرط الفاسد في الإقالة، إلى هذا أشار في الإيضاح

(4)

.

أو نقول: إن الإقالة لا تبطل بالشروط الفاسدة؛ لأن الشرط يشبه الربا، لأن فيه منعًا لأحد المتعاقدين وهو مستحق بعقد

(5)

المعاوضة

(6)

، خال عن العوض، والإقالة تشبه

(7)

البيع من حيث المعنى، وكان الشرط الفاسد فيها شبهة [شبهتهم] الربا، فلا يؤثر في صحة الإقالة كما لا يؤثر

(8)

شبهة الشبهة في صحة البيع

(9)

.

ثم هذا الذي ذكره بأن الإقالة لا تبطل بالشروط الفاسدة هو قول أبي حنيفة رحمه الله

(10)

-.

فأما

(11)

عند أبي يوسف رحمه الله فإنها تبطل بالشروط الفاسدة؛ لأن الإقالة عنده بيع فيفسد هي كما يفسد سائر البياعات، حتى لو اشترى أمةً بألف درهم وعبدًا بألف درهم، كل واحد منهما في صفقة على حدة، وتقابضا ثم اصطلحا على أن إقالة البيع في الأمة على أن زاده

(12)

مائة درهم في ثمن العبد لم يجز

(13)

الزيادة؛ لأنه أوجب له هذه الزيادة عوضاً عن الإقالة في الأمة، والاعتياض

(14)

عن الإقالة لا يصح، وجازت الإقالة في قول أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأن الإقالة عنده فسخ فلا يبطل بالشرط الفاسد، وعند أبي يوسف رحمه الله لا يجوز الإقالة؛ لأن الإقالة عنده بيع فيبطل بالشرط الفاسد.

(1)

في (ت): قلت.

(2)

في (ت): الإعراض.

(3)

الحكم: هو الأثر المترتب على خطاب الله تعالى، انظر: الإحكام في أصول الأحكام لأبي الحسن الآمدي، المحقق: عبد الرزاق عفيفي، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- لبنان (1/ 95).

(4)

"تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" للزيلعي (4/ 71).

(5)

في (ت): بحق.

(6)

المعاوضة: بضم الميم وفتح الواو من اعتاض، ومنه: أخذ العوض، أي البدل. ينظر:(معجم لغة الفقهاء ص 438).

(7)

في (ت): تشبه.

(8)

في (ت): تؤثر.

(9)

"البناية شرح الهداية"(8/ 227).

(10)

"تحفة الفقهاء" للسمرقندي (2/ 19)، و"فتح القدير" لابن الهمام (6/ 490).

(11)

في (ت): وأما.

(12)

في (ت): يزيده.

(13)

في (ت): تجب.

(14)

الاعتياض: من عوض، أخذ العوض وهو البدل. معجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعجي - حامد صادق قنيبي، الناشر: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988 م (1/ 76).

ص: 12

أما لا يمكن إثباتها في الرفع، أي إثبات الزيادة في الإقالة فيلغو ذكر الزيادة لما بينا إشارةً إلى قوله؛ لتعذر الفسخ على الزيادة؛ لأن فسخ العقد عبارة عن رفعه على الوصف الذي كان قبله من غير زيادة ولا نقصان؛ لأن في الفسخ على الزيادة يلزم رفع ما لم يكن ثابتًا، وفي الفسخ على النقصان يلزم رفع عدم ما كان ثابتًا، ورفع المعدوم محال، فكانا في الإحالة على السواء، فلذلك بطلت الزيادة والنقصان في الإقالة، إلا أن يحدث في المبيع عيب فحينئذ جازت الإقالة بالأقل؛ لأن الحط يجعل بإزاء

(1)

ما فات بالعيب.

صورة هذه المسائل الثلاث:

- ما إذا كانت المبيعة [السلعة] جارية اشتراها بألف درهم وتقايلا العقد فيها بألف درهم، فعلى قوله صحت الإقالة.

- وإن تقايلا بألف وخمسمائة صحت الإقالة بألف، ويلغو ذكر الخمسمائة؛ لأن في الألف وخمسمائة ذكر الألف فيمكن تصحيحها إقالة بألف بإلغاء

(2)

الزيادة.

- وإن تقايلا بخمسمائة: فإن كانت الجارية قائمة في يد المشتري على حالها لم يدخلها عيب صحت الإقالة بألف، ويلغو ذكر الخمسمائة، فيجب على البائع رد الألف على المشتري، وإن دخلها عيب يصير إقالة بخمسمائة، ويصير المحطوط بإزاء نقصان العيب؛ لأنه لما احتبس عند المشتري جزء من المبيع جاز أن يحبس عند البائع بعض الثمن.

[كذا ذكره]

(3)

بعض مشايخنا قالوا: تأويل المسألة أن يكون حصة العيب خمسمائة أو أقل أو أكثر مقدار ما يتعامل

(4)

الناس فيه، ولكن جواب الكتاب مطلق، كذا في الذخيرة

(5)

.

لأنه هو الأصل [عنده]

(6)

، أي لأن البيع هو الأصل عنده، بخلاف ما إذا زاد حيث يجعل بيعًا عند محمد رحمه الله؛ لأنه إذا لم يمكن جعلها فسخًا يجعل بيعًا عنده، وفيما إذا سمى أكثر من الأول أو جنساً آخر تعذر جعلها فسخًا؛ لأن الفسخ يكون بالثمن الأول، ثم فيجعل بيعًا صيانة لكلامه عن الإلغاء، أما في الأقل أمكن جعله فسخًا؛ [لأنه]

(7)

لو سكت عن جميع الثمن صحت الإقالة، فكذا إذا سكت عن البعض، وكذا إذا تقايلا بثمن مؤجل تصح الإقالة والأجل.

(1)

آزى الشيء إيزاؤ ضمه، والإزاء: مصب الماء في الحوض. انظر: الصحاح (6/ 2267)، المعجم الوسيط (1/ 16).

(2)

في (ت): وتلغى.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): يتغابن.

(5)

"المحيط البرهاني" لابن مازه (7/ 45).

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

ص: 13

كذا ذكره الإمام قاضي خان

(1)

(2)

.

فهو فسخ بالأقل لما قلنا إشارة إلى قوله: لأن الحط يجعل بإزاء ما فات بالعيب

(3)

.

ويجعل التسمية لغوًا؛ لأن الإقالة لا يمكن جعلها بيعًا عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما بيع لما بينا، أما عند أبي يوسف فما ذكر أن البيع هو الأصل عنده، وأما عند محمد فهو ما ذكر أنه فسخ عنده إلا إذا تعذر جعله فسخًا فيجعل بيعًا، وههنا تعذر جعله فسخًا؛ لأنّ الفسخ إنما يكون بالثمن الأول، وههنا وقعت الإقالة بغير جنس الثمن الأول فيجعل بيعًا عنده أيضاً.

ولو ولدت المبيعة ولدًا ثم تقايلا: فالإقالة باطلة عند أبي حنيفة رحمه الله

(4)

، وهذا إذا ولدت بعد القبض وأما إذا ولدت قبل القبض فالإقالة صحيحة عنده.

وحاصله أن الجارية

(5)

إذا ازدادت ثم تقايلا، فإن كان قبل القبض صحت الإقالة، سواء كانت الزيادة متصلة كالسمن والحمال أو منفصلة كالولد والأرش

(6)

والعقر

(7)

؛ لأن الزيادة قبل القبض لا تمنع الفسخ منفصلة كانت أو متصلة.

وإن كانت الزيادة بعد القبض: إن كانت منفصلة فالإقالة باطلة عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنه تعذر تصحيحها فسخًا بسبب الزيادة؛ لأن الزيادة المنفصلة مانعة فسخ العقد حقاً للشرع، وأبو حنيفة رحمه الله لا يصحح الإقالة إلا بطريق الفسخ.

وإن كانت الزيادة متصلة فالإقالة صحيحة عنده؛ لأن الزيادة المتصلة عنده لا يمنع

(8)

الفسخ متى

(9)

وجد الرضاء ممن له الحق في الزيادة يبطلان

(10)

حقه في الزيادة، وقد وجد الرضاء لما تقايلا، فأمكن تصحيحها فسخًا عنده، كذا في الذخيرة

(11)

.

(1)

"الفتاوى الخانية" لقاضي خان (1/ 160).

(2)

الحسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الأُوْزجَنْدي، الفرغاني، المعروف بـ"قاضي خان"، فخر الدين. تفقه على أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي نصر الصفّاري، وظهير الدين أبي الحسن علي بن عبد العزيز المرغيناني، وغيرهما. وله "الفتاوي" وشرح "الجامع الصغير" وشرح "الزيادات" وشرح "أدب القاضي" للخصاف. توفي ليلة النصف من رمضان سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (21/ 231)، الأَعْلَام للزركلي (2/ 224).

(3)

"الهداية شرح بداية المبتدي" للمرغيناني (3/ 55)، و"فتح القدير" لابن الهمام (6/ 490).

(4)

"تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" للزيلعي (4/ 70).

(5)

في (ت): الإجارة.

(6)

الأرشُ: هو اسمُ للمال الواجب على ما دون النفس، يعني دية الجراحات. التعريفات الفقهية (1/ 22).

(7)

العُقر: بالضم مقدار أجرة الوطء لو كان الزنا غير موجب للحد، كالوطء بشبهة وهي عُشر مهر مثلها. التعريفات الفقهية (1/ 149).

(8)

في (ت): تمنع.

(9)

في (ت): إذا.

(10)

في (ت): ببطلان.

(11)

"المحيط البرهاني" لابن مازه (7/ 45)، و"تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" للزيلعي (4/ 70).

ص: 14

وهلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة وهلاك المبيع يمنع منها.

فإن قلت يشكل هذا بما

(1)

إذا كان رأس السلم عرضًا معينًا كالعبد والثوب فهلك في يد المسلم إليه ثم تقايلا عقد السلم

(2)

فالإقالة جائزة، مع أن رأس المال عرض معين، والمسلم فيه دين في ذمة المسلم إليه، ولا يغني بالمبيع سوى أنه معين لا يجوز الاستبدال به وبالثمن أنه غير معين يجب في الذمة، فعلم بهذا أن الإقالة بعد هلاك المبيع صحيحة.

قلت: ذكر في المبسوط

(3)

: إنما جازت الإقالة هناك بعد هلاك رأس مال السلم الذي هو معيّن؛ لأن السلم بمنزلة بيع المقايضة

(4)

؛ لأن المسلم فيه مبيع معقود عليه فجازت الإقالة بعد هلاك ما يقابله، وإذا تعينت

(5)

الإقالة فعليه رد قيمة رأس المال لتعذر رد العين.

وهو قائم، أي البيع قائم بالمبيع دون الثمن.

فإن قلت: من أين وقع هذا التفاوت بين المبيع والثمن مع أنهما حالان

(6)

ويشترط ذكرهما في حال انعقاد البيع على السواء.

قلت: لأن للمبيع فضل مزية على الثمن، فإن المبيع مال حقيقة وحكمًا؛ لأنه عين حقيقة وحكمًا، والثمن دين حقيقة وحكمًا إن لم يكن مشاراً إليه.

وإن كان مشاراً إليه دين حكمًا [إلا يرى]

(7)

أن المبيع لا يتعلق بعين المشار إليه وإنما يتعلق بمثله دينًا في الذمة، فلهذا جاز الاستبدال به قبل القبض، والدين في الذمة مال حكمًا وليس بمال حقيقة؛ ولهذا قالوا بأن البراءة عن الدين تصح من غير قبول كالطلاق

(8)

والعتاق

(9)

، ويرتد بالرد لأنه مال حكمًا.

(1)

في (ت): ما.

(2)

قال الأزهري: السَّلَمُ، والسلف واحد. يقال: سَلَّمَ وأَسْلَمَ، وسَلَّفَ وَأَسْلَفَ. بمعنى واحد، هذا قول جميع أهل اللغة، إلا أن السلف، يكون قرضًا أيضًا وحده في الشرع: عقد لموصوف في الذمة، مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد. المطلع على ألفاظ المقنع لمحمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي، أبو عبد الله، شمس الدين (المتوفى: 709 هـ)، المحقق: محمود الأرناؤوط وياسين محمود الخطيب، الناشر: مكتبة السوادي للتوزيع، الطبعة: الطبعة الأولى 1423 هـ - 2003 م (1/ 293).

(3)

هو كتاب في الفقه على المذهب الحنفي، استوعب فيه أبو بكر السَّرَخْسِيّ جميع أبواب الفقه بأسلوب سهل واضح، وبسط فيه الأحكام والأدلة والمناقشة مع المقارنة مع بقية المذاهب، وخاصة المذهب الشافعي والمالكي، وقد يذكر مذهب أحمد والظاهرية. وقد يرجح في المسألة مذهبًا غير الحنفية، ويؤيد رأيه بالأدلة، وقد يجمع بين أدلة الحنفية وغيرهم جمعًا حسنًا ينفي التعارض بينها.

(4)

بيع المقايضة: هو بيع العين بالعين، أي مبادلة مال بمال غير النقدين. التعريفات الفقهية (1/ 49).

(5)

في (ت): ثبتت.

(6)

في (ت): مالان.

(7)

في (ت): ألا ترى.

(8)

الطلاق لغةً: التخلية من الوثاق، يقال: أطلقت البعير من عقاله، وطلقته، وهو طالق وطلق بلا قيد. ينظر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهانى، المحقق: صفوان الداودي، الناشر: دار القلم، دمشق- بيروت، الطبعة: الأولى، 1412 هـ، ص 523.

واصطلاحًا: حل عقد النكاح أو بعضه. ينظر: المبدع في شرح المقنع لإبراهيم بن محمد بن مفلح، أبو إسحاق، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م (6/ 292)، والمطلع على ألفاظ المقنع ص 405.

(9)

الْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ وَالْعَتَاقَةُ زَوَالُ الرِّقِّ. وفي المغرب: العتق: الخروج من المملوكية، يقال: عتق العبد عتقا وعتاقة، وعتاقا وهو عتيق وهم عتقاء وأعتقه مولاه. وقد يقام العتق مقام الإعتاق. طلبة الطلبة (1/ 63)، أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء (1/ 60).

ص: 15

وهبة العين لا تصح من غير قبول، ولا يؤدي

(1)

زكاة العين بالدين؛ لأن الدين أنقص من العين فصار مؤدياً الكامل وبالناقص.

وكذلك

(2)

قالوا فيمن حلف وقال: مالي صدقة (في المساكين)

(3)

، وله ديون على الناس: لا يدخل تحت مطلق اسم المال من غير نية؛ لأنه ناقص في كونه مالاً

(4)

.

وإذا كان للمبيع ضرب مزية على الثمن لا بد من إظهار مزيته، وقد تعذر إظهار مزية المبيع على الثمن في حق انعقاد البيع؛ لأنّه لا بد لانعقاد البيع من ثمن ومثمن، فأظهرنا مرتبة في حق البقاء، فجعلنا بقاء العقد مضافاً إلى قيام المبيع حتى يظهر فصله

(5)

على الثمن في حالة البقاء، فجعلنا قيام البيع حكمًا كله مضافاً إلى البيع

(6)

دون الثمن، فإذا هلك المبيع ارتفع البيع لذلك، وإن بقيت الدراهم والدنانير، كذا في الذخيرة.

ولو تقايضا بالباء

(7)

المنقوطة من تحتها باثنين، أي عقدا بيع المقايضة وهو بيع عرض بعرض، تجوز الإقالة بعد هلاك أحدهما، أي ابتداء، فإن تبايعا عبدًا بجارية فهلك العبد في يد بايع

(8)

الجارية، ثم أقالا البيع في الجارية يجوز ويجب عليه رد قيمة العبد، ولا تبطل بهلاك أحدهما، أي ولا تبطل الإقالة بعد وجودها بهلاك أحدهما، تعني

(9)

لو هَلَك أحدُهما بعد الإقالة لا تبطل الإقالة، أما لو كان أحدهما هالكًا وقت الإقالة، والآخر قائمًا، فصحت

(10)

الإقالة، ثم هلك القائم قبل الرَّد، بطلت الإقالة، كذا في شرح الطحاوي

(11)

.

فإن قلت: ما الفرق بين البيع والإقالة حيث لا يبقى البيع إذا هلك أحد العوضين في بيع المقايضة قبل القبض، ولو

(12)

كان أحدهما هالكًا وقت البيع لا يصح البيع، ويصح

(13)

الإقالة في الصورتين، مع أن الإقالة بمنزلة البيع من حيث الحكم؟ فإنه ذكر في شرح الطحاوي: ولو تبايعا عرضاً بعرض وأحدهما هالك و

(14)

كانا قائمين فهلك أحدهما بعد العقد قبل القبض بطل العقد بخلاف الإقالة

(15)

.

(1)

في (ت): تتأدى.

(2)

في (ت): وكذا.

(3)

في (ت): للمساكين.

(4)

"المحيط البرهاني" لابن مازه (7/ 117).

(5)

في (ت): فضله.

(6)

في (ت): المبيع.

(7)

في (ت): بالياء.

(8)

في (ت): بائع.

(9)

في (ت): يعني.

(10)

في (ت): صحت.

(11)

انظر: "العناية شرح الهداية"(6/ 492)، و"الفتاوى الهندية" للجنة علماء برئاسة نظام الدين البلخي، الناشر: دار الفكر، الطبعة: الثانية، 1310 هـ (3/ 157).

(12)

في (ت): أو.

(13)

في (ت): وتصح.

(14)

في (ت): أو.

(15)

انظر: "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق"(4/ 122)، و"البناية شرح الهداية"(8/ 229).

ص: 16

قلت

(1)

: الإقالة وإن كان لها حكم البيع، ولكن هي ليست ببيعٍ على الحقيقة، فتجوز بعد هلاك أحد العوضين

(2)

.

وأما بيع المقايضة فهو بيع على الحقيقة فلكل واحد من العوضين جهة كونها مبيعًا، فالحق في البيع الحقيقي بالمبيع من كل وجه، وهلاك المبيع من كل وجه مبطل للعقد إذا كان الهلاك قبل تمام العقد بالقبض، سواء كان في الإقالة أو في البيع، فكان فيه عمل بالشبهين بقدر الإمكان.

ثم إنما قيّد في الكتاب في المقايضة بقوله: (يجوز الإقالة بعد هلاك أحدهما)

(3)

؛ احترازًا عن هلاكهما جميعًا، فإن العرضين

(4)

لو هلكا ثم أقالا

(5)

لا يجوز؛ لأن البيع لم يبق بهلاكهما، والإقالة يقتضي

(6)

بقاء البيع

(7)

وقت الإقالة، فلا يجوز عند هلاكها

(8)

جميعًا لذلك.

فإن قلتَ: ما الفرق بين (التصارف والتقابض)

(9)

؟ فإن هلاك البدلين جميعًا في بيع الصرف غير مانعٍ للإقالة، وفي التقابض

(10)

مانعٌ، مع أن في كلّ واحدٍ من العقدين - أعني التقابض

(11)

والتصارف - لكل واحد من العوضين [فيهما

(12)

حُكْم المبيع والثمن؛ لأن المبيع

(13)

لا بد منهما وليس أحدهما بأولى من الآخر في جعله مبيعًا أو ثمنًا، فلذلك كان لكل واحد من العوضين حكم المبيع والثمن، ثم هلاكهما في التقابض يمنع صحة الإقالة وفي التصارف لا يمنع.

قلت: لأن المعقود عليه في التصارف ما استوجب كل واحد منهما في ذمة صاحبه.

ألا ترى أن في

(14)

الإقالة لا يلزمه ردُّ المقبوضِ بعينه، ولكن (إن شاء [ردَّه])

(15)

، وإن شاء ردَّ مثلَه، فلا يكون هلاك المقبوض مانعًا صحةَ الإقالة وإن كان في العوضين جميعًا؛ لأنه لما كانت الإقالة لا يتعلق بأعيانهما لو كانا قائمين، صار هلاكهما كقيامهما، بخلاف بيع (العرض بالعرض)

(16)

؛ لأنهما متى كانا قائمين تتعلق الإقالةُ بأعيانهما، فمتى كانا هالكين لم يبقَ شيءٌ من المعقود عليه، ولا بد لقيام العقد - سواء كان بيعًا أو إقالة - من قيام المعقود عليه، فلم يبقَ المعقودُ عليه أصلاً في هلاك العوضين، وبقي في بيع الصَّرْفِ بعد هلاك البدلين على ما قلنا

(17)

.

(1)

في (ت): «قلنا» .

(2)

انظر: "العناية شرح الهداية"(6/ 492).

(3)

انظر: "الهداية شرح بداية المبتدي"(3/ 56).

(4)

في (ت): العوضين.

(5)

في (ت): تقايلا.

(6)

في (ت): تقتضي.

(7)

في (ت): المبيع.

(8)

في (ت): هلاكهما.

(9)

في (ت): التقايض والتصارف.

(10)

في (ت): التقايض.

(11)

في (ت): التقايض.

(12)

في (ت): فيها.

(13)

في (ت): للبيع.

(14)

في (ت): بعد.

(15)

في (ت): ورد.

(16)

في (ت): «العروض بالعروض» .

(17)

انظر: "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق"(4/ 73)، و"البناية شرح الهداية"(8/ 230).

ص: 17

ثم الإقالة تصح بلفظين: أحدهما يعبّر به عن المستقبل نحو أن يقول: أقلني، فيقول الآخر: أقلت، وقال محمد: لا يقوم

(1)

إلا بلفظين يعبر بهما عن الماضي اعتبارًا بالبيع، ولهما أن الإقالة لا تكون إلا بعد نظر وتأمل، فلا يكون في قوله:(أقلني) مساومة، بل كان تحقيقًا للتصرف، وكما

(2)

في النكاح

(3)

(4)

، وبه فارق المبيع، والله أعلم. هذا كله من المبسوط والذخيرة

(5)

(6)

.

‌باب المرابحة

(7)

و التولية

(8)

لما ذكر أنواع البيوع التي يرجع إلى جانب المبيع من البيوع اللازمة وغير اللازمة بالخيارات، وأتمها بأحكام ما يرفعها شرع في بيان أنواع البيوع التي يرجع أحكامها إلى جانب الثمن؛ من المرابحة والتولية والربا والصرف، وقدم تلك الأنواع لبيان أصالة المبيع وما يتعلق به في

(9)

أحكام البيع.

(1)

في (ت): تقوم.

(2)

في (ت): كما.

(3)

النكاح لغةً: النكاحُ: الوطء، والعقد له، نكح كمنع وضرب، ونكحت وهي ناكح وناكحة: ذات زوج. القاموس المحيط لمجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة: الثامنة، 1426 هـ - 2005 م، ص 246.

واصطلاحًا: النكاح عقد يفيد ملك المتعة بالأنثى قصدًا، أي يفيد حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي. ينظر: الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار لمحمد بن علي بن محمد الحِصْني المعروف بعلاء الدين الحصكفي الحنفي، المحقق: عبد المنعم خليل إبراهيم، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1423 هـ- 2002 م ص 177.

(4)

وبيانه أن المساومة في البيع معتادة، فلو استعمل اللفظ في المستقبل حمل على حقيقته لاحتمال حقيقة البيع والعادة الجارية في هذا الحمل، أما في الإقالة فالمساومة فيها غير معتادة، وكذلك النكاح، فلو استعمل فيهما لفظ مستقبل لم يحمل على حقيقته لعدم إمكانيته حمله على ذلك؛ لأن العادة غير جارية بالمساومة فيهما، فيحمل على الإيجاب. انظر:"بدائع الصنائع"(5/ 306).

(5)

في (ت): هذا كله من المبسوط والذخيرة، والله أعلم.

(6)

"الذخيرة البرهانية"(ل 80) وانظر: "المحيط البرهاني"(7/ 52).

(7)

المُرابحة: عند الفقهاء أن يشترط البائعُ في بيع العَرْض أن يبيع بما اشترى به من زيادة شيء معلوم من الربح. التعريفات الفقهية (1/ 200).

(8)

التولية: عند الفقهاء هو بيع المشتري بثمنه بلا فضل. التعريفات الفقهية (1/ 65).

(9)

في (ت): من.

ص: 18

ثم اعلم أن أنواع البياعات بحسب الثمن الذي يذكر بمقابلة السلعة أنواع أربعة:

المساومة وهي التي لا يلتفت إلى الثمن السابق.

والوضيعة وهي البيع بنقصان من الثمن الأول.

والمرابحة والتولية

(1)

.

وإنما (قيدنا بقولنا)

(2)

بحسب الثمن الذي يذكر بمقابلة السلعة؛ احترازًا عن بيع الصرف؛ لأنا لو قلنا البياعات بالإضافة إلى ذكر الثمن يدخل ذلك

(3)

.

ثم

(4)

اسم المرابحة لما ذكر من التفسير ظاهر.

وأما التولية فهي أن يجعله واليًا، فصار البائع كأنه يجعل المشتري واليًا [لما اشتراه] بما اشتراه.

قال

(5)

: المرابحة نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح

(6)

.

فإن قلت: هذا التعريف غير مستقيم لما طلب منه؛ لأن في كل واحد من هذه القيود مؤاخذة وشبهة.

أما قوله: نقل ما ملكه فهو غير مجرى على عمومه، بل من حقه أن يقال: نقل ما ملكه من السلع

(7)

أو من العروض

(8)

؛ لأن المسألة منصوصة في فتاوى قاضي خان: أنه إذا اشترى بالدراهم الدنانير لا يجوز بيع الدنانير بعد ذلك مرابحة، مع استقامة قولنا في بيع الدنانير بعد ذلك: نقل ما ملكه من الدنانير فعلم بهذا أن المراد به العروض، ولا يجوز ذلك في مقام التعريف؛ لأنه إخلال به.

وكذلك قوله: بالعقد الأول غير مفيد، بل من حقه أن يقال: نقل ما ملكه من السلع بما يملكه؛ لأنه لا يشترط العقد فيما ملك لجواز بيع المرابحة.

ألا ترى أن من غصب

(9)

عبدًا وأبق العبد

(10)

من يد الغاصب، وقضى القاضي على الغاصب بالقيمة ثم عاد العبد؛ فللغاصب أن يبيع العبد مرابحة على القيمة التي أدّاها إلى مالكه، هذا أيضًا في فتاوى قاضي خان، ولم يكن العقد هناك فعلم به أن ذكر العقد مستغنى عنه.

(1)

انظر: أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء لقاسم بن عبد الله بن أمير علي القونوي الرومي الحنفي، المحقق: يحيى حسن مراد، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: 2004 م-1424 هـ (1/ 76).

(2)

في (ت): قيد بقوله.

(3)

انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 73).

(4)

في (ت): في.

(5)

في (ع): قوله.

(6)

العناية شرح الهداية (6/ 495).

(7)

في (ع): السلعة.

(8)

العُرُوضُ الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا تكون حيوانًا ولا عقارًا. المصباح المنير (1/ 209).

(9)

غصبه يغصبه غصبا: أخذه ظلمًا، كاغتصبه، وغضب فلانًا على الشيء: قهره. تاج العروس (3/ 484).

(10)

في (ع): العيب.

ص: 19

وكذلك

(1)

قوله: بالثمن الأول، بل من حقه أن يقال: بما قام عليه، إذ الحصر على الثمن الأول غير مشروط

(2)

، وذلك لأن المراد من قوله بالثمن الأول لا يخلو أما إن كان بعين

(3)

الثمن الأول أو

(4)

بمثل الثمن الأول.

فالأول لا يجوز؛ لأن عين الثمن الأول صار ملكًا للبائع الأول فلا يكون هو مرادًا في

(5)

البيع الثاني، فتعين أن المراد منه بمثل الثمن الأول.

ثم المراد من المثل لا يخلو إما أن كان مثل الثمن الأول من حيث الجنس أو المثل من حيث المقدار.

فلا يصح أن يراد به المثل من حيث الجنس، فإن الرواية منصوصة في الإيضاح والمحيط أنه إذا باعه مرابحة فإن كان ما اشتراه به له مثل جاز، سواء جعل الربح من جنس رأس المال الدراهم

(6)

من الدراهم، أو من غيره

(7)

الدراهم من الدنانير أو [على العكس

(8)

، إذا كان معلومًا يجوز به الشرى؛ لأن الكل ثمن

(9)

.

ولا يصح أيضاً أن يراد به المثل منه حيث المقدار؛ لأنه لو ضم إلى الثمن الأول ما دفع إلى أجرة القصار

(10)

، و الصباغ، و الطراز

(11)

، والفتل جاز، والمدفوع إلى ذلك ليس بثمن للعقد

(12)

الأول، فلا يكون المجموع مثلاً [للثمن

(13)

للأول من حيث المقدار، بل هذا أزيد من الثمن الأول

(14)

.

قلت: بل هو مستقيم غاية الاستقامة، غير أن سلفنا الصالحين رحمهم الله كانوا قدوة في أمور الدين، وهداة في تبيين

(15)

طرق أمور المسلمين، وتاركين التكلف فيما أوضحوا ونابذين التصنع من بيان مسائل سؤالهم فيما أنجحوا اعتمادًا على فهوم من لم يتغطرف

(16)

في استفادة التحقيق واتكالًا على الياء غير المنفقين في مظان التدقيق، وذلك لأن من مسلك في باب الفقه وصرف

(17)

بعض أوقاته في طلبه علم أن الدراهم والدنانير لا يتعينان في العقود والفسوخ، فلما لم يتعين لا يصلح أن تكون مبيعة؛ لأن المبيع هو المتعين، فالمرابحة اسم للبيع الذي يستفاد به من ثمن المبيع الذي اشتراه قبل هذا بثمن معلوم مما له مثل، ولما لم يثبت **

(18)

الدراهم والدنانير لا يثبت فيها عقد المرابحة التي هي مبنية في ثمن المبيع فكان العموم

(19)

في قوله: نقل ما ملكه مصروفًا

(20)

إلى ما هو المعلوم عندهم وهو نقل ما ملكه الذي هو صالح للمبيعية

(21)

، فقال في فتاوى قاضي خان في تعليل تلك المسألة: وهي الشبهة الأولى؛ لأن الدنانير لا يتعين في البيع فلم يكن المقبوض بعقد الصرف مبيعًا في البيع الأول.

(1)

في (ع): ولذلك قيد.

(2)

في (ع): مشروطة.

(3)

في (ع): بغير.

(4)

في (ع): و.

(5)

في (ع): إلى.

(6)

في (ع): لدراهم.

(7)

في (ع): غير.

(8)

في (ع): بالعكس.

(9)

انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق لزين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجيم المصري، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، الطبعة: الثانية - بدون تاريخ (6/ 116).

(10)

القصار: مُحَوِّرُ الثِّيَاب ومُبَيِّضُها. تاج العروس لمحمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي، المحقق: مجموعة من المحققين، الناشر: دار الهداية (13/ 431).

(11)

الطراز: بوزن فعال للتكثير، الذي يطرز الثياب. معجم لغة الفقهاء (1/ 289).

(12)

في (ع): العقد.

(13)

في (ع): الثمن.

(14)

البناية شرح الهداية (8/ 231).

(15)

في (ع): سنن.

(16)

في هامش الأصل تعليق هذا نصه: «التغطرف بالمعنى المعجمة والتكبر ** قعود الرجل على عرقوبيه قائمًا على أطراف أصابعه، الرجل إذا جلس كذلك أي جلس جلوسًا» .

(17)

في (ع): تصرف.

(18)

في (ع): ببيعه.

(19)

في (ع): العلوم.

(20)

في (ع): متصرفا.

(21)

في (ع): للمبيعة.

ص: 20

وأما السؤال الثاني: فإن الغصب هو أحد وجهي المعاوضة عندنا حتى أنه صار سبباً للملك لا مقصودًا فيه بل لكونه سببًا لضمان المعاوضة.

ألا ترى أن إقرار المأذون بالغصوب جائز؛ لما أن الإقرار بالغصب إقرار بالمعاوضة، وإقراره بعقد المعاوضة جائز.

لكن قبل قضاء القاضي بالقيمة على الغاصب كان وجوب القيمة عليه مترددًا، حتى أنه لو عاد من إباقه

(1)

كان يجب عليه رده إلى مولاه، وبعد قضاء القاضي عليه بالقيمة لم يجب عليه رده، فكان وجوب القيمة بعد قضاء القاضي عليه وشراؤه بمثل ذلك القيمة سواء، ولو اشتراه بمثل تلك القيمة لجاز له أن يبيع العبد مرابحة على الثمن الذي أدّاه إلى البائع، فكذلك ههنا يجوز له أن يبيع ذلك العبد مرابحة على القيمة التي أداها إلى المالك.

وأما الثالث فجوابه ما يجيء في هذا الباب.

فإن قلت: في قوله بالثمن [الأول] شبهة أخرى، وهي أن في بيع المرابحة لا يشترط الثمن أيضًا أصلًا وقت يملك الثوب مثلًا، ألا ترى أنه لو ملك أصل الثوب بميراث أو هبة أو وصية

(2)

، فقومه قيمة ثم باعه مرابحة على تلك القيمة جاز، والمسألة في المبسوط

(3)

.

قلت: الأصل في بيع المرابحة والتولية الاحتراز من

(4)

الكذب، وفي هذه المسألة هو موجود، فيجوز بيع المرابحة بذلك

(5)

، وذلك لأنه ما أخبر المشتري بشيء هو كذب، وإنما قال: قيمته كذا أو رقمه كذا، هو

(6)

صادق في ذلك، فإن صار المشتري مغبونًا

(7)

فيه فذلك من قبل جهله، كذا في المبسوط

(8)

.

(1)

أَبَقَ العبدُ يَأْبِقُ ويأْبُقُ إباقاً، أي هرب. الصحاح (4/ 1445).

(2)

الْوَصِيَّةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ هُوَ التَّوْصِيَةُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{حِينَ الْوَصِيَّةِ} [المائدة: 106] ثُمَّ سَمَّى الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّةً، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَفِي الشَّرِيعَةِ: تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَعْيَانِ أَوْ فِي الْمَنَافِعِ. فتح القدير (10/ 411).

(3)

المبسوط لمحمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، الناشر: دار المعرفة – بيروت، الطبعة: بدون طبعة، تاريخ النشر: 1414 هـ - 1993 م (13/ 91).

(4)

في (ع): عن.

(5)

في (ع): لذلك.

(6)

في (ع): وهو.

(7)

الغَبَن: هي الخديعة في البيع والشراء واليسيرُ منه ما يُقوِّم به مُقوِّم والفاحشُ منه ما لا يخل تحت تَقْويم المقوِّمين، وقيل: ما لا يتغابن الناس فيه. التعريفات الفقهية (1/ 156).

(8)

المبسوط (13/ 91).

ص: 21

يقول: غبيت عن الشيء غبية، وغبيته أيضًا غباوة، إذا لم تفطن له، وغبى على الشيء كذلك إذا لم تعرفه، وفلان غبي على فعيل إذا كان قليل الفطنة، وهو من الواو كما في شقي

(1)

.

والذكاء ممدود [ممدودة]: حدة الفؤاد

(2)

، وقد ذكى الرجل بالكسر يذكى ذكاء فهو ذكي، كذا في الصحاح

(3)

.

قبل:

(4)

العقل

(5)

مثقال

(6)

وثلثاه

(7)

التغابي.

قال:

(8)

وتطيب بالنصب للعطف على أن يعتمد.

وقال:

(9)

ولهذا

(10)

كان مبناهما على الأمانة إيضاحًا لقوله أن يعتمد.

وقال: الاحتراز عطف على الأول على وجه التأكيد؛ لأن الاحتراز عن الجناية يستفاد بقوله: مبناهما على الأمانة، لكن لما كان مبنى إلا على المرابحة والتولية على شدة الاستقصاء في الاحتراز عن الجناية احتاج إلى ذكر زيادة تأكيدات لقوله: كان مبناهما على الأمانة والاحتراز عن الجناية وعن شبهتها، وعن هذا لم يصح المرابحة والتولية فيما إذا كان الثمن الأول ذوات القيم؛ لأن المعادلة والمماثلة في ذوات القيم إنما يعرف بالحرز والظن، وكان فيه شبهة عدم المماثلة.

كما لم يجز بيع المجازفة

(11)

في الأموال الربوية؛ لأن زيادة الفضل حقيقة حرام فيها، فكذلك بشبهة

(12)

ثبوت الفضل في الأموال الربوية حرام أيضاً، كما إذا باع صبرة

(13)

حنطة بصبرة حنطة مجازفة، وإن كان فيه احتمال المساواة أيضًا، لكن لما كان معرفة المساواة هناك بسبب الحرز والظن كان فيه احتمال عدم المساواة، وهو المعنى بشبهة الفضل فكان حرامًا كحقيقة الفضل.

(1)

الصحاح (6/ 2443).

(2)

في (ع): الضوء.

(3)

الصحاح (6/ 2346).

(4)

في (ع): وقيل.

(5)

في (ع): الفعل.

(6)

المثقال: في اللغة: ميزانه من مثله، وهو مفرد يجمع على مثاقيل، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، وكل سبعة مثاقيل عشرة دراهم، وفي اصطلاح الفقهاء: المثقال وزن الدينار من الذهب. فتح القدير: (1/ 522).

(7)

في (ع): وثلثاه.

(8)

في (ع): قوله.

(9)

في (ع): وقوله.

(10)

في (ع): وبهذا.

(11)

بيع المجازفة وهو أن يباع الشيء غير مكيل ولا موزون. مفاتيح العلوم لمحمد بن أحمد بن يوسف، أبو عبد الله، الكاتب البلخي الخوارزمي، المحقق: إبراهيم الأبياري، الناشر: دار الكتاب العربي، الطبعة: الثانية (1/ 32).

(12)

في (ع): شبهة.

(13)

الصُّبْرة: يقال: اشتريت الشيء صُبْرة: بلا كيلٍ ولا وزنٍ. والصبرة الطعام المجتمع كالكومة وجمعها صبر بضم الصاد وفتح الباء. انظر: شمس العلوم لنشوان بن سعيد الحميرى اليمني، المحقق: د حسين بن عبد الله العمري - مطهر بن علي الإرياني - د يوسف محمد عبد الله، الناشر: دار الفكر المعاصر (بيروت - لبنان)، دار الفكر (دمشق - سورية)، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999 م (6/ 3652)، البناية شرح الهداية (8/ 20).

ص: 22

فكذلك ههنا كما حرم حقيقة الخيانة بأن كان قوله على خلاف ما اشتراه من تعديد

(1)

الثمن وهو عالم [به]

(2)

يحرم شبهة الجناية قضاء [أيضاً]، كما إذا أراد بيع المرابحة أو التولية فيما ملكه بثمن، وهو من ذوات القيم؛ لأن قدره هناك إنما يعرف بالحرز والظن، فكان فيه شبهة الخيانة

(3)

باعتبار احتمال أن لا يكون الثمن الثاني مثل الثمن الأول حتى [يمكن]

(4)

يتمكن فيه من بيع المرابحة والتولية.

وقيل: كل ما حرم حرم ما يشبهه؛ لأن الحرمة مما يحتاط فيه.

ألا ترى أن الخمر

(5)

حرام وما يشبهه وهو الباذق والمنصف

(6)

أيضًا حرام.

وعبادة الصنم حرام، ولو صلى وبين يديه صورة يكره صلاته، ووقع التفاوت بينهما من الحرمة والكراهة باعتبار قلة [المشابهة]

(7)

.

وذكر في التحفة

(8)

: والأصل في بيع المرابحة أنه مبني على الأمانة، فإنه بيع بالثمن الأول بقول البائع من غير بينة (ولا استخلاف)

(9)

، فيجب صيانته

(10)

عن حقيقة الخيانة وشبهتها، فإذا ظهرت الخيانة يجب رده، كالشاهد يجب قبول قوله فإذا طهرت

(11)

الخيانة

(12)

يرد قوله كذا هنا

(13)

.

ثم صور الاحتراز عن شبهة الخيانة

(14)

في المرابحة كثيرة، فإنه إذا اشترى شيئاً بثمن مؤجل لا يبيعه مرابحة من غير بيانه

(15)

؛ لأن الأجل معنى يزاد في الثمن لأجله فكان فيه شبهة الاعتياض عن الأجل، فلو باعه مرابحة يصير كأنه اشترى شيئين بثمن، فباع أحدهما مرابحة يصير زائدًا، كأنه اشترى شيئين بثمن فباع أحدهما مرابحة إلى على جميع الثمن، فكان فيه شبهة الخيانة

(16)

.

(1)

في (ع): تقدير.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(3)

في (ع): الجناية.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(5)

الخمرة لغة: ما أسكر من عصير العنب، وسميت بذلك لأنها تخامر العقل. ينظر:(لسان العرب 3/ 255).

واصطلاحًا: الخمر تطلق على ما يسكر قليله أو كثيره. انظر: المغني لابن قدامة (9/ 159).

(6)

البَاذَق: هو ماء عِنَبٍ طُبخ فذهب منه أقلُّ النصف، فإن ذهب النصفُ يسمّى المنَصَّف، وإن ذهب الثلثان وبقي الثلث يسمى المُثَلَّث. التعريفات الفقهية (1/ 41).

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(8)

تحفة الفقهاء لعلاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي المتوفى سنة (539 هـ).

(9)

في (ع): واستخلاف.

(10)

في (ع): صيانة.

(11)

في (ع): ظهرت.

(12)

في (ع): الجناية.

(13)

تحفة الفقهاء (2/ 106).

(14)

في (ع): الجناية.

(15)

في (ع): بيان.

(16)

في (ع): الجناية.

ص: 23

وكذلك لو اشترى ثوبين فباع أحدهما مرابحة على حصته

(1)

من الثمن لا يجوز؛ لأن حصة أحدهما من الثمن لا يعرف إلا بالحزر والظن ويجري فيه الغلط.

وكذلك لو كان له على رجل عشرة دراهم فصالحه منها على ثوب لا يبيع الثوب مرابحة على عشرة وإن كانت قيمة الثوب عشرة دراهم؛ لأن الصلح مبناه على التحرز، (ولو وجد)

(2)

الحط حقيقة لا يبيع مرابحة، فكذا إذا تمكنت الشبهة وما ذلك إلا باعتبار أن مبنى المرابحة على الأمانة، والاحتراز عن حقيقة الخيانة

(3)

وشبهة الخيانة، إلى هذا أشار الإمام قاضي خان رحمه الله

(4)

.

فإن قلت: يشكل على هذا مواضع لم يحترز فيها شبهة الخيانة

(5)

وجازت المرابحة.

منها: أنه إذا اشترى جارية فاعوّرت في يد المشتري فإن له أن يبيعها مرابحة على جميع الثمن من غير بيان.

ومنها: أنه إذا اشترى ثوباً فأصابه قرض فأرٍ أو حرق نار يبيعه مرابحة من غير بيان، ولا شك أن المشتري لو علم أنه اشتراه غير معيب بما سمى من البدل لم يلزم له ربحًا على ذلك ما لم يبين بعدما تعيب

(6)

[بعشرة للإنسان ثم من البدل لم يلتزم له ربحا على ذلك ما لم يبين بعدما يعيب]

(7)

.

ومنها: أنه إذا وهب الثوب المشتري بعشرة لإنسان ثم رجع فيه فله أن يبيعه مرابحة على عشرة من غير بيان، مع أن اختلاف الأسباب ينزل منزلة اختلاف الأعيان، فكان

(8)

ينبغي أن لا يجوز المرابحة، وإن بيّن جاز كان ينبغي أن لا يتقاعد

(9)

عن اشتراط البيان

(10)

.

قلت: أما المسألتان المتقدمتان فيذكر جوابهما في الكتاب.

وأما الثالثة: فإن العين بالرجوع يعود إلى قديم ملكه، سواء رجع بقضاء أو بغير قضاء، فصار كأن السبب لم يوجد، وهذا لأن [تغير] بالوصف في الغير إنما يشترط بيانه إذا كان في ستره شبهة الخيانة

(11)

، وهذا ليس كذلك؛ لأن الخيانة إنما يكون أن لو كان لها تأثير في نقصان الثمن، وليس للرجوع بعد الهبة تأثير في نقصان الثمن، فلا يكون فيه الخيانة ولا شبهتها.

ولا يصح المرابحة والتولية حتى يكون العوض مما له مثل، أي حتى تكون الثمن في البيع الأول مما له مثل كالمكيلات والموزونات؛ لأنه لو كان الثمن الأول من ذوات القيم لو اشتراه مشترياً بالمرابحة أو بالتولية لاشتراه بقيمة ذلك الحيوان، إذ لا يمكن رد عينه؛ لأنه ليس هو في ملكه، وكذا رد مثله؛ لأنه لا مثل له، فتعينت القيمة، والقيمة مجهولة [تعرف]

(12)

بالحرز والظن، فيتمكّن

(13)

شبهة الخيانة

(14)

فيحترز عنها، فلذلك

(15)

اشترط

(16)

كون الثمن الأول مما له مثل.

(1)

في (ع): حصة.

(2)

في (ع): ويوجد.

(3)

في (ع): الجناية.

(4)

الهداية في شرح بداية المبتدي (3/ 56).

(5)

في (ع): الجناية.

(6)

في (ع): يبين.

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(8)

في (ع): فإنه.

(9)

في (ع): يتصاعد.

(10)

المبسوط (13/ 88).

(11)

في (ع): الجنابة.

(12)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(13)

في (ع): فيمكن.

(14)

في (ع): الجنابة.

(15)

في (ع): وكذلك.

(16)

في (ع): اشتراط.

ص: 24

ولو كان المشتري مرابحة ممن يملك ذلك البدل.

فقال:

(1)

ممن تملك متعلق بالمشتري.

وقال:

(2)

مرابحةً نصب على التميز، وكشف هذا الكلام هو أنه إذا كان [الثمن]

(3)

الأول [مما لا]

(4)

مثل له فأراد المشتري أن يبيع ما ملكه بالثمن الذي لا مثل له مرابحة، فالحال لا يخلو إما أن يبيعه مرابحة من المشتري الذي لا يملك ذلك البدل، أو من المشتري الذي يملك ذلك البدل، فإن باعه مرابحة من الذي لا يملك ذلك البدل فالبيع فاسد؛ لأنه إذا لم يكن من ذوات الأمثال لو انعقد العقد لانعقد بالقيمة وهي مجهولة، وإن كان الذي اشتراه

(5)

مرابحة [من الذي لا]

(6)

يملك ذلك البدل، فهذا على وجهين:

أما إن قال أبيعك مرابحة بالثوب الذي في يدك، ويربح عشرة دراهم جاز؛ لأنه جعل الربح على الثوب عشرة دراهم، وهي معلومة.

وإن قال أبيعك بربح ده يازده

(7)

فإنه لا يجوز؛ لأن تسمية

(8)

بربح

(9)

ده يازده أو أحد عشر يقتضي أن يكون الربح من جنس رأس المال؛ لأنه لا يكون أحد عشر إلا أن يكون الحادي عشر من جنس العشرة، فحينئذ صار كأنه باع بالثمن الذي هو

(10)

الثوب وبجزء من جنس الثمن الأول، والثوب لا مثل له من جنسه

(11)

، فيصير العقد منعقدًا برأس المال وببعض قيمته، وهذا لا يجوز، كذا في الإيضاح والتحفة.

فمعنى قول

(12)

: ده يازده أي بربح مقدار درهم على عشرة دراهم، فإن كان الثمن الأول عشرين كان الربح بزيادة درهمين، وإن كان ثلاثين كان الربح بثلاثة دراهم

(13)

، فكان معنى قوله: ده يازده أي درهم زايد على عشرة، فإن كان الثمن في البيع الأول مائة درهم فباعه المشتري الأول من آخر بربح ده يازده يصح المرابحة، ويجب على المشتري مائة وعشرة دراهم، وهنا لما كان الثمن ثوباً فيكون الربح من جنسه، والثوب من ذوات القيم، فيجعل بعض قيمة الثوب ربحًا وأنه مجهول، فنذكر صورة لمسألتنا هذه لزيادة كشف في الكلام فيقول: صورته رجل باع عبدًا بثوب، وملك ذلك الثوب غيره بسبب من الأسباب، وذلك الغير الذي في يده الثوب يشتري هذا العبد بذلك الثوب وبربح درهم

(14)

أو شيء من المكيل موصوف جاز، وكان

(15)

البائع والذي

(16)

يبيع الموصوف مرابحة هو المشتري الأول الذي اشترى عبدًا.

(1)

في (ع): فقوله.

(2)

في (ع): وقوله.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(5)

في (ع): اشترى.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(7)

ده يازده: أحد عشر. موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم لمحمد بن علي ابن القاضي محمد حامد بن محمّد صابر الفاروقي الحنفي التهانوي، تقديم وإشراف ومراجعة: د. رفيق العجم، تحقيق: د. علي دحروج، الناشر: مكتبة لبنان ناشرون – بيروت، الطبعة: الأولى - 1996 م. (2/ 1246). وفي رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، الناشر: دار الفكر-بيروت، الطبعة: الثانية، 1412 هـ - 1992 م (5/ 135): وَمَعْنَى قَوْلِهِ: دَهٍ يازده: أَيْ بِرِبْحِ مِقْدَارِ دِرْهَمٍ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ.

(8)

في (ع): تشبه.

(9)

في (ع): ربح.

(10)

في (ع): وهو.

(11)

في (ع): جنس.

(12)

في (ع): قوله.

(13)

الدر المختار وحاشية ابن عابدين (5/ 135).

(14)

في (ع): دراهم.

(15)

في (ع): فكان.

(16)

في (ع): الذي.

ص: 25

وبيع المرابحة هنا

(1)

جائز، وإن لم يكن الثمن وهو الثوب من ذوات الأمثال؛ لأنه يقدر على تسليم ما التزم، وهو الثوب الذي هو الثمن الأول بعينه لهذا العبد، وقادر على تسليم ربح درهم، وليست المرابحة إلا نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح.

فأما

(2)

إذا باع هذا العبد بربح ده يازده فلا يجوز، سواء باعه من الذي يملك الثوب أو ممن لا يملك؛ لأن هذا اللفظ وهو ربح ده يازده إنما يستعمل فيما إذا قام له السلعة بعشرة يبيعها بأحد عشر من جنس ذلك الثمن الذي اشترى السلعة به، والثمن ههنا وهو

(3)

الثوب لبس

(4)

من ذوات الأمثال، بل من ذوات القيم فيصير بائع العبد حينئذ بائعًا للعبد بذلك الثوب وبجزء من أحد عشر جزءًا من الثوب، والجزء الحادي عشر لا يعرف إلا بالقيمة، وهي مجهولة، فلا يجوز، وهذا المعنى يشمل

(5)

مالك الثوب وغيره، وبهذا المعنى صرح في شرح الطحاوي فقال: لا يجوز هذا سواء باعه بهذا اللفظ من الذي عنده الثمن وهو الثوب ههنا أو من غيره؛ لأن الربح ههنا يقتضي أن يكون من جنس الثمن فصار كأنه باعه بذلك الثمن وبجزء منه من أحد عشر جزءًا منه، وهو ليس بمثلي، وذلك مجهول؛ لأنه لا مثل له، وفي الفصل الأول أي في قوله: وقد باعه بربح درهم ممن يملك ذلك الثمن ما سمى الربح من ذلك الثمن المعلوم وهو الثوب، بل سمى درهمًا

(6)

فيجوز

(7)

.

اعلم أن ههنا مسألة تدل على أن الربح على الثمن الأول لا يقتضي أن يكون الربح من جنس الثمن الأول.

وقال:

(8)

بربح

(9)

ده يازده زيادة [يقتضي أن يكون الربح من جنس ذلك فيها يتضح مسألة بربح ده يازده زيادة]

(10)

إيضاح، وهي أن من اشترى من رجل عبدًا بألف درهم نخية

(11)

نقد بيت المال وقيضه، ثم باعه مرابحة عليها بربح

(12)

مائة درهم، فإن المائة الربح يكون من نقد البلد لا من جنس الثمن، وبمثله

(13)

لو باعه مرابحة بربح

(14)

عشرة أحد عشر فإن الربح يكون من النخية لا يكون من نقد البلد، ثبت أن هذا يقتضي أن يكون الربح من جنسه، كذا في شرح الطحاوي.

(1)

في (ع): ههنا.

(2)

في (ع): وأما.

(3)

في (ع): هو.

(4)

في (ع): ليس.

(5)

في (ع): يشتمل.

(6)

في (ع): درهم.

(7)

انظر: العناية شرح الهداية (6/ 499)، ورد المحتار على الدر المختار (5/ 135).

(8)

في (ع): وقوله.

(9)

في (ع): ربح.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(11)

في هامش الأصل تعليق هذا نصه: «دراهم نخية بتشديد الخاء والياء نوع من أجود الدراهم» .

(12)

في (ع): ربح.

(13)

في (ع): ومثله.

(14)

في (ع): ربح.

ص: 26

وذكره في الإيضاح أيضًا أن من اشترى ثوبًا بعشرة خلاف نقد البلد فباعه بربح درهم، فالعشرة مثل ما نقد، والربح من نقد البلد إذا أطلقه؛ لأن مثل الثمن الأول متعين

(1)

في العقد الثاني، والربح مطلق فينصرف

(2)

الربح إلى نقد البلد، فإن نسب الربح إلى رأس المال فقال اتبعك

(3)

بربح العشرة أو ده يازده، فالربح

(4)

من جنس الثمن؛ لأنه عرفه بالنسبة إليه فكان على صفته

(5)

.

ثم اعلم أن من باع المتاع مرابحة كان الثمن هو الذي ملك المبيع به بالذكر دون ما نقده، بيانه أنه إذا اشترى ثوبًا بعشرة فأعطي بها دينارًا أو ثوبًا فرأس المال العشرة؛ لأنها هي الثمن، والدينار ملك

(6)

معقد

(7)

آخر فلم يعتبر.

ولا نقول: اشتريته بكذا كيلا يكون كاذبًا، فإنه ما اشتراه بذلك، وإذا قال: قام علي بكذا فهو صادق في ذلك؛ لأن الشيء إنما يقوم عليه بما يغرم فيه، وقد غرم فيه القدر المسمّى.

فإن قلت: هل تجد في مسائل المرابحة صورة لا يصح أن يقول فيها: اشتريته بكذا، ولا يصح أيضًا فيها أن يقول: قام علي بكذا، ومع ذلك يصح بيع المرابحة.

قلت: نعم، وهي مسألة البيع بالرقم، فإنه إذا اشترى الرجل متاعًا ثم رقمه بأكثر من ثمنه، ثم باعه مرابحة على رقمه فهو جائز، ولكن لا ينبغي أن يقول

(8)

: قام علي بكذا، ولا اشتريته بذلك، فإن ذلك كذب، والكذب لا رخصة فيه، ولكن يقول: رقمه كذا، فأنا أبيعه مرابحة على ذلك، كذا في المبسوط

(9)

.

وسوق الغنم بمنزلة الحمل، وأما الرقيق فله أن يلحقهم [أن يلحق بهم] طعامهم وكسوتهم بالمعروف، ثم يقول: قاموا علي بكذا للعرف الظاهر في ذلك.

بخلاف

(10)

أجر التعليم فإنه إذا أنفق على عبده في تعلم عمل من الأعمال دراهم لم يلحقها برأس المال؛ لأنه ليس فيه عرف ظاهر، وكذلك الشعر والغناء والعربية وأجر تعليم القرآن والحساب، حتى لو كان في شيء من ذلك عرف ظاهر في موضع بإلحاقه برأس المال كان له أن يلحقه.

(1)

في (ع): يتعين.

(2)

في (ع): فيصرف.

(3)

في (ع): أبيعك.

(4)

في (ع): والربح.

(5)

انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الثانية، 1406 هـ - 1986 م (5/ 222).

(6)

في (ع): ملكه.

(7)

في (ع): بعقد.

(8)

في (ع): يقوم.

(9)

المبسوط (13/ 91).

(10)

في (ع): وبخلاف.

ص: 27

ولأن زيادة المالية باعتبار معنى في المتعلم وهو الذهن والذكاء لا بما أنفق على المعلم، فلم يكن ما أنفق موجبًا زيادة في مالية العين بل ذهنه هو الذي أوجب، وعلى هذا أجر الطبيب والرايض

(1)

(2)

والبيطار

(3)

والراعي وجعل الآبق والحجام والختان لا يلحق شيء من ذلك برأس المال لما قلنا

(4)

.

وأما أجر سائق الغنم الذي يسوقها من بلد إلى بلد يلحق برأس المال؛ للعرف الظاهر فيه، ولأن هذا بمنزلة الكراء

(5)

فيما له حمل

(6)

ومؤنة، وكذا أجرة السمسار، فقد

(7)

جرى العرف بإلحاقها برأس المال، فهو كأجر القصّار، وأجر الراعي ليس نظير أجر السائق للغنم؛ لأن الراعي لا يستحق الأجر بالفعل ولا بعمل الرعي بل بحفظ الغنم، فهو

(8)

كأجر البيت الذي يحفظ فيه الغنم.

وكذلك جعل الآبق ليس نظير أجر سائق

(9)

الغنم؛ لأن الإباق نادر، وفي إلحاق شيء برأس المال المعتبر العرف الظاهر، وذلك لا يوجد في النادر، كذا في المبسوط

(10)

.

وأجرة السمسار بضم

(11)

إن كانت مشروطة في العقد بالإجماع

(12)

، وإن لم يكن

(13)

مشروطة بأن كان مرسومة أكثر المشايخه

(14)

على أنها لا تضم، ومنهم من قال تضم.

ولا يضم أجرة الدلال بالإجماع، بخلاف أجرة السمسار والباج الذي يؤخذ في الطريق لا يلحق برأس المال، قال رحمه الله: لو كان في موضع جرت العادة فيما بين التجار بإلحاقه برأس المال يلحق به أيضًا، وما عمل بيده من قصادة أو خياطة أو ما أشبه ذلك من الأعمال لا يضمه

(15)

إلى رأس المال

(16)

.

(1)

في (ع): والرابض.

(2)

الرَّائضُ: الذي يروض الخيل. شمس العلوم (4/ 2675).

(3)

البَيْطَار: الذي يعالج الدواب. وهو البَيْطَر، بحذف الألف. شمس العلوم (1/ 558).

(4)

انظر: العناية شرح الهداية (6/ 499).

(5)

الكِراء: أجرةُ المستأجر وهو في الأصل مصدر من كارَيْتُه. التعريفات الفقهية (1/ 181).

(6)

الحِمْل بالكسر ما يحمل على الظهر ونحوه والجمع أَحْمَال وحُمُول. المصباح المنير (1/ 151).

(7)

في (ع): وقد.

(8)

في (ع): وهو.

(9)

في (ع): سابق.

(10)

المبسوط (13/ 83).

(11)

في (ع): تضم.

(12)

أ جرة السمسار في إضافتها روايتان: الأولى: أنها تضم، وهو ظاهر الرواية. الثاني: أنها لا تضم؛ لأنها لا تزيد في عين السلعة، ولا في قيمتها. الفتاوى الهندية (3/ 162).

(13)

في (ع): تكن.

(14)

في (ع): المشايخ.

(15)

في (ع): يضمنه.

(16)

المحيط البرهاني لأبي المعالي برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مَازَةَ البخاري الحنفي، المحقق: عبد الكريم سامي الجندي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2004 م (7/ 11).

ص: 28

رجل اشترى دجاجة وقبضها فباضت عنده ثلاثين بيضة، فباع البيضات بدرهم، ثم أراد أن يبيع الدجاجة مرابحة، إن أنفق على الدجاجة قدر ثمن البيضات جاز؛ لأنه جعل ثمن البيض عوضًا عما أنفق، وإن

(1)

لم ينفق لا يجوز، وهذا هو الأصل في جنس هذه المسائل أن يقدر ما أصاب من الزيادة إذا

(2)

أنفق من ماله لا يلزمه بيان ذلك في بيع المرابحة، كذا في المحيط

(3)

.

فإن اطلع المشتري على خيانة في المرابحة، وظهور الخيانة إما بإقرار البائع أو بالبينة، كذا في التحفة

(4)

، وذكر في المبسوط

(5)

في تقرير مسألة أخرى: أو بنكوله

(6)

عن اليمين

(7)

فيه.

لمحمد رحمه الله أن الاعتبار للتسمية [إلا

(8)

للتسمية] الثانية، فإذا كان الاعتبار لها ويتعلق العقد بالمسمى وهذا لأن الثمن يجب أن يكون معلومًا، والعلم يحصل بالتسمية، إلا أنه إذا لم يسم فقال: بعتك مرابحة أو تولية فإن كان الثمن الأول معلومًا صح العقد على تقدير أن الثمن في العقد الأول صار معياراً للثمن في هذا العقد فيصير كالمسمى.

وإذا ثبت أن الأصل هو التسمية نقول:

(9)

ذكر المرابحة والتولية للترويج والترغيب فجرى

(10)

مجرى الوصف، كذا في الإيضاح

(11)

.

غير أنه يحط في التولية قدر الخيانة بأن كان اشترى ثوباً بثمانية

(12)

، وقال:

(13)

اشتريته بعشرة ووليتك بمثل ما قام عليّ، ثم علم المشتري، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- يحط الخيانة فيأخذه بثمانية ولا يخير المشتري، وعند محمد

(14)

رحمه الله يخير إن شاء أخذه بعشرة وإن شاء تركه.

(1)

في (ع): فإن.

(2)

في (ع): إن.

(3)

المحيط البرهاني (7/ 12).

(4)

اللباب في شرح الكتاب لعبد الغني بن طالب بن حمادة بن إبراهيم الغنيمي الدمشقي الميداني الحنفي، حققه، وفصله، وضبطه، وعلق حواشيه: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العلمية، بيروت - لبنان (2/ 34).

(5)

المبسوط (13/ 89).

(6)

النُّكُول بمعنى القُيود وسميت القيود أَنْكالاً لأَنها يُنْكَل بها أَي يُمنع ومنه النُّكول في اليمين وهو الامتناع منها وترك الإِقدام عليها.

(7)

في (ع): الثمن.

(8)

في (ع): أي.

(9)

في (ع): فيقول.

(10)

في (ع): يجري.

(11)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 75).

(12)

في (ع): بالثمانية.

(13)

في (ع): فقال.

(14)

في (ع): أبي حنيفة.

ص: 29

وفي المرابحة يحط منه ومن الربح أي من رأس المال ومن الربح، بيانه أن من باعه مرابحة باثني عشر درهمًا يربح درهمين، وقد كان هو اشتراه بثمانية دراهم

(1)

فيحط قدر الخيانة وهو درهمان من رأس المال، وخمس الدرهمين من الربح؛ لأنه إذا قسم الربح على العشرة يبقى

(2)

الخمس بمقابلة الخيانة فيحط هو، وصورة

(3)

أخرى: وهو

(4)

أنه إذا ابتاع ثوبًا بعشرة

(5)

على ربح خمسة بل

(6)

ظهر أن البائع اشتراه بثمانية وباعه منه بعشرة على ربح خمس يحط قدر الخيانة من الأصل وهو درهمان، وما قابله من الربح وهو درهم، فيأخذ الثوب باثني عشر درهمًا؛ لأن هذا ربح الكل، وقد ظهرت خيانته

(7)

في الكل، فيظهر الأثر فيما خان من الربح أيضًا والذي يقابل الخيانة بين الربح درهم

(8)

.

ولو

(9)

هلك قبل أن يرده إلى آخره.

قال الإمام التمرتاشي:

(10)

ثم على قول من مال بالحط إذا هلك المبيع أو استهلك

(11)

أو انتقص فله الحط

(12)

، ومن قال بالفسخ إذا امتنع الفسخ لزمه جميع الثمن.

ولو وجد المولى

(13)

بالمبيع عيبًا ثم حدث عنده عيب حتى امتنع الرد إذا أبى البائع.

فقال:

(14)

لا يرجع المشتري بنقصان العيب؛ لأنه لو رجع يصير الثمن الثاني أنقص من الأول، وقضية التولية أن يكون مثل الأول

(15)

.

ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن شبهة حصول الربح بالعقد الثاني ثابتة، يعني أن الربح الذي استفاده بالعقد الأول كان على شرف السقوط [بأن يرد عليه بعيب فإذا (أشر أن)

(16)

من المشتري فأكد

(17)

ما كان على شرف السقوط]، وللتأكيد في بعض المواضع حكم الإيجاب.

(1)

في (ع): درهم.

(2)

في (ع): يقع.

(3)

في (ع): صورة.

(4)

في (ع): وهي.

(5)

في (ع): لعشرة.

(6)

في (ع): ثم.

(7)

في (ع): جنايته.

(8)

البحر الرائق (6/ 120).

(9)

في (ع): فلو.

(10)

أحمد بن إسماعيل بن مُحَمَّد إيدغمش التُّمُرْتَاشِي الخوارزمي، الحنفي ظهير الدين، أبو مُحَمَّد مفتي خوارزم. توفي في حدود سنة 600 هـ. من مؤلفاته: شرح الجامع الصغير. تاج التراجم (1/ 108)، الأَعْلَام للزركلي (1/ 97)، معجم المؤلفين لعمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة الدمشقي، الناشر: مكتبة المثنى - بيروت، دار إحياء التراث العربي بيروت (1/ 167).

(11)

في (ع): استهلكه.

(12)

في (ع): الخيار.

(13)

المولى الحليف، وهو من انضم إليك فعز بعزك وامتنع بمنعتك. (لسان العرب 15/ 408).

(14)

في (ع): فقوله.

(15)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ (4/ 76).

(16)

في (ع): اشتراه.

(17)

في (ع): تأكد.

ص: 30

ألا ترى أنهم لو شهدوا على رجل بالطلاق قبل الدخول ثم رجعوا يضمنون نصف المهر

(1)

؛ لتأكد ما كان على شرف السقوط، فإذا

(2)

اعتبر التأكيد إيجابًا يصير البائع في مسألتنا مشتريًا بالعقد الثاني ثوباً وخمسة دراهم بعشرة، فيكون الخمسة بإزاء الخمسة، ويبقى الثوب بخمسة دراهم فيبيعه مرابحة على خمسة

(3)

.

ولهذا لم يجز المرابحة فيما أخذ بالصلح وهو ما ذكرنا صورته وهي أن يكون لرجل على آخر عشرة دراهم فصالحه منها على ثوب، لا يبيع الثوب مرابحة على عشرة؛ لأن الصلح مبناه على التجوز، ولو وجد الحط حقيقة لا يبيع مرابحة، فكذا إذا تمكنت الشبهة، فثبت

(4)

أن الشبهة ملحقة

(5)

بالحقيقة في بيع المرابحة، وكذلك في مسألة شرى شيء بثمن مؤجل، وشرى ثوبين مع عدم جواز بيع أحدهما مرابحة، وقد ذكرنا منهما في هذا الباب.

فيصير كأنه اشترى

(6)

خمسة وثوبًا بعشرة فيطرح خمسة، فلذلك

(7)

يبيعه مرابحة بخمسة، وهذا في (الصورة التي)

(8)

باعه بخمس

(9)

عشر.

فإن قيل: لو كان كذلك ينبغي أن لا يجوز الشرى بالعشرة فيما إذا باعه بالعشرين؛ لأنه حينئذ على هذا التقدير يصير في الشرى الثاني كأنه اشترى ثوبًا وعشرة بعشرة، فكان

(10)

فيه شبهة الربا، وهي حصول الثوب بلا عوض.

قلنا: للتأكيد شبهة الإيجاب في حق [الإيجاب]

(11)

العباد احترازًا عن الخيانة

(12)

على ما ذكرنا لا

(13)

في حق الشرع، وشرعية جواز المرابحة لمعنى راجع إلى العباد، فيؤثر التأكيد في المرابحة، وأما جواز البيع وعدمه في شبهة الربا فحق

(14)

الشرع، فلا يكون للتأكيد فيه شبهة الإيجاب، كذا نقل من فوائد مولانا حميد الدين رحمه الله

(15)

.

(1)

المهر في اللغة: صداق المرأة، وفي الاصطلاح: المال يجب في عقد النكاح على الزوج في مقابلة منافع البضع، إما بالتسمية أو بالعقد. ينظر: العناية شرح الهداية (3/ 316).

(2)

في (ع): وإذا.

(3)

المبسوط (17/ 4).

(4)

في (ع): قلت.

(5)

في (ع): يلحقه.

(6)

في (ع): يشري.

(7)

في (ع): فكذلك.

(8)

في (ع): الثاني.

(9)

في (ع): بخمسة.

(10)

في (ع): كان.

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(12)

في (ع): الجناية.

(13)

في (ع): لأن.

(14)

في (ع): حق.

(15)

علي بن علي، حميد الدين الضرير الرامشي: من فقهاء الحنفية، من أهل بخارى، انتهت إليه رياسة العلم في عصره بما وراء النهر، له تصانيف، منها " الفوائد " الحاشية على الهداية في الفقه، و " شرح المنظومة النسفية " و " شرح الجامع الكبير " و " المنافع في فوائد النافع " حاشية على كتاب " الفقه النافع " للسمرقندي. الجواهر المضية (1/ 373)، الأعلام (4/ 333).

ص: 31

بخلاف ما إذا تخلل ثالث بأن اشترى من مشتري

(1)

مشتريه

(2)

(3)

.

وإذا اشترى العبد المأذون له إلى قوله وعليه دين يحيط برقبته

(4)

.

وإنما قيد بالدين المحيط برقبته

(5)

؛ لأنه لو لم يكن على العبد دين فباع العبد من مولاه شيئًا فإنه لا يصح، فإن هذا البيع لا يفيد للمولى شيئًا لم يكن له قبل البيع لا ملك الرقبة ولا ملك التصرف، هكذا وجدت بخط شيخي رحمه الله

(6)

في حاشية ما دون هذا الكتاب محالًا إلى شيخ الإسلام جواهر زاده

(7)

رحمه الله

(8)

.

وإلى ما ذكرنا من فائدة هذا القيد أشار شمس الأئمة

(9)

وفخر

(10)

الإسلام

(11)

رحمهما

(12)

الله في جامعيهما.

(1)

في (ع): يشتري.

(2)

في (ع): شريه.

(3)

العناية شرح الهداية (6/ 502).

(4)

في (ع): رقبته.

(5)

في (ع): رقبته.

(6)

برهان الدين، أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الْمَرْغِينَانِي الحنفي، صاحب كتابي (الهِدَايَة) و (البداية) في المذهب، فقيه، فرضي، محدث، حافظ، مفسر، مشارك في أنواع من العلوم، أقر له أهل مصر بالفضل والتقدم، (ت 593 هـ). سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (21/ 232)، الجواهر المضية (1/ 383)، معجم المؤلفين (7/ 45).

(7)

خواهر زاذة، شيخ الحنفية، اسمه محمد بن الحسين بن محمد، أبو بكر البخاري، الحنفي، ابن أخت القاضي أبي ثابت البخاري، ولهذا قيل له بالعجمي: خواهرزاذة، ومعناه: ابن أخت عالم. كان أبو بكر إماما كبير الشأن، بحرا في معرفة المذهب، توفي ببخارى 483 هـ. له (المبسوط) و (المختصر) و (التجنيس) في الفقه. تاريخ الإسلام (10/ 520)، الأعلام (6/ 100).

(8)

العناية شرح الهداية (6/ 504).

(9)

مُحَمَّد بن أحمد بن أبي سهل؛ أبو بكر؛ السَّرَخْسِي من أهل سرخس بلدة في خراسان. ويلقب بشمس الأئمة. كان إمامًا في فقه الحنفية، وعلامة حجة متكلمًا ناظرًا أصوليًّا مجتهدًا في المسائل. توفي سنة 483 هـ. من تصانيفه:(المَبْسُوط) في الفقه؛ و (الأصول) في أصول الفقه. الفَوَائِد البهية: (1/ 158)، الجواهر المضية (2/ 28)، الأَعْلَام للزركلي (6/ 208).

(10)

في (ع): فخر.

(11)

علي بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد البزدوي، أبو الحسن، فَخْرُ الْإِسْلَام. فقيه، أصولي، محدث، مفسر. ولد في حدود سنة 400 هـ وتوفي سنة 482 هـ، ودفن بسمرقند، من تصانيفه: المَبْسُوط، شرح الجامع الكبير للشيباني في فروع الفقه الحنفي. تاج التراجم (1/ 14)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (18/ 603).

(12)

في (ع): رحمه.

ص: 32

فقال فخر الإسلام: وههنا تمكنت الشبهة؛ لأن العقد الذي جرى بين المولى

(1)

وبين العبد صحيح له شبهة العدم؛ لأنه عبده، وإنما صح العقد لمكان

(2)

الدين مقام

(3)

قيام المانع، وهو كون العبد ملكًا للمولى ولا حكم له.

وذكر شمس الأئمة: أما جواز هذا العقد بين العبد والمولى فلكونه مفيدًا، فإن المولى من كسب العبد المديون كأجنبي آخر، فبهذا

(4)

العقد يدخل في كسبه

(5)

ما لم يكن فيه، ويسلم للمولى ما لم يكن سالمًا [له]

(6)

من قبل

(7)

.

ثم الأصل أن بيع المرابحة بيع

(8)

أمانة

(9)

تنفى

(10)

عنه كل تهمة وخيانة ويتحرز فيه من كل كذب.

والمسامحة بين المولى والعبد في المعاملة ظاهرة لا يمكن إنكارها؛ لعلم

(11)

كل واحد منهما أن ما يحصل لصاحبه لا يبعد عنه، فإنما يبيعه مرابحة على ما يتيقن بخروجه من ملكه بمقابلة هذا الثوب، وذلك أقل الثمنين، ما يسلم

(12)

البائع

(13)

الثوب ابتداء

(14)

، فأما الزيادة على ذلك دايرة بين العبد والمولى فلا يتم خروج ذلك من ملك المولى أو على العكس، فلهذا لا يبيعه مرابحة إلا

(15)

على أقل الثمنين.

ولكن ذكر هذه المسألة وأخواتها في المبسوط من غير ذكر دين العبد فقال: وإذا اشترى شيئًا من أبيه أو أمه أو ولده أو مكاتبه أو عبده، أو اشترى [شيئًا]

(16)

العبد أو المكاتب

(17)

من مولاه بثمن قد قام على البائع بأقل منه، لم يكن له أن يبيعه مرابحة إلا بالذي قام [مرابحة لا بالذي قام]

(18)

على البائع في العبد والمكاتب بالاتفاق؛ لأن بيع المرابحة على ما يتيقن بخروجه من ملكه بمقابلة هذه

(19)

العين، وهو المدفوع

(20)

إلى البائع الأول، فأما الربح الذي حصل لعبده

(21)

لم يخرج من ملكه؛ لأن كسب العبد لمولاه وما حصل لمكاتبه من وجه كأنه له أيضًا، فللمولى حق الملك في الكسب

(22)

المكاتب وتنقلت

(23)

ذلك حقيقة الملك بعجزه.

(1)

في (ع): مولى.

(2)

في (ع): لما كان.

(3)

في (ع): مع.

(4)

في (ع): فيها.

(5)

في (ع): كسب العبد.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(7)

فتح القدير (6/ 503).

(8)

في (ع): مع.

(9)

في (ع): أمانته.

(10)

في (ع): بقي.

(11)

في (ع): إذ لم يكن.

(12)

في (ع): سلم.

(13)

في (ع): لبائع.

(14)

في (ع): أبدا.

(15)

في (ع): لا.

(16)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(17)

المكاتَب: العبد يشتري نفسه بشيءٍ يؤديه، قال تعالى: فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً. شمس العلوم (9/ 5762).

(18)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(19)

في (ع): هذا.

(20)

في (ع): المرفوع.

(21)

في (ع): بعده.

(22)

في (ع): كسب.

(23)

في (ع): وينقلب.

ص: 33

فأما في غير المماليك من الآباء والأولاد والأزواج والزوجات، فكذلك

(1)

الجواب عند أبي حنيفة رحمه الله

(2)

-.

وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: له أن يبيعه مرابحة على ما اشتراه به من هؤلاء؛ لتباين الأملاك بينهما.

وأبو حنيفة رحمه الله

(3)

- يقول: ما يحصله المرء لهؤلاء بمنزلة ما يحصله لنفسه من وجه، ولهذا لا يقبل شهادته لهؤلاء، فباعتبار هذا الوجه صاروا في حقه كالعبد، وبيع المرابحة يؤخذ فيه بالاحتياط وهو أقل الثمنين كما في العبد والمكاتب؛ لجوازه مع المنافي، وهو كون العبد ملكًا للمولى، فصار هو بائعًا ملك نفسه من ملك نفسه، وكذلك في الشراء

(4)

، والدليل على هذا ما ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله بقوله في تعليل هذه المسألة: لأن بيع المولى من عبده المأذون المديون والمكاتب وبيعهما من المولى وإن كان جائزًا فله شبهة العدم؛ لأن مال العبد لا يخلو عن حق السيد، ولهذا كان للمولى أن يمنع كسب العبد لنفسه، ويقضي الديون من مال نفسه، والمكاتب إذا عجز ورد إلى الرق كان كسبه للمولى فكان بائعًا من نفسه من وجه، وبيع الإنسان من نفسه باطل فإذا بطل البيع الثاني لا يبيعه مرابحة على الثمن المذكور [في البيع الثاني وإنما يبيع على الثمن المذكور] في العقد

(5)

الأول.

في الفصل الأول: وهو ما إذا باعه العبد من مولاه وكأنه يبيعه للمولى، أي يبيعه مرابحة لأجل المولى، في الفصل الثاني: وهو ما إذا باعه المولى [من]

(6)

عبده.

وإن قضى بجوازه عندنا خلافًا لزفر

(7)

رحمه الله، وقال زفر: لا يجوز بيع رب المال من المضارب، ولا بيع المضارب من رب المال

(8)

، يريد به إذا لم يكن في المال ربح؛ لأن البيع تمليك المال بالمال، وأنه

(9)

معدوم ههنا، ولكنا نقول: كل واحد منهما بهذا العقد يستفيد ملك اليد إن كان لا يستفيد ملك الرقبة، فكان مفيدًا صحيحًا، وهذا لأن البيع مأخوذ من يد البائع، سمى بيعًا؛ لأن كل واحد منهما بعد البيع يمد باعه إلى ما في يد صاحبه، والبيع مأخوذ

(10)

هنا

(11)

على هذا الوجه، كذا في الفوائد الظهيرية، مع أنه اشترى ماله بماله، أي مع أن رب المال يشتري مال نفسه بمال نفسه؛ لما فيه من استفادة ولاية التصرف؛ لأن بالتسليم إلى المضارب انقطعت ولاية رب المال عن [رب]

(12)

ماله في التصرف فيه، فبالشراء عن المضارب يحصل له ولاية التصرف [فيه]

(13)

.

(1)

في (ع): فلذلك.

(2)

في (ع): رضي الله عنه.

(3)

في (ع): رضي الله عنه.

(4)

المبسوط (13/ 88).

(5)

في (ع): النقد.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(7)

زُفَر بن الهذيل بن قيس، كنيته أبو الهذيل، من أصحاب أبي حَنِيفَةَ، وكان زُفَر متقنًا حافظًا قليل الخطأ، وكان أقيس أصحابه وأكثرهم رجوعًا إلى الحق إذا لاح له، ومات بالبصرة (158 هـ). الجواهر المضية (1/ 243)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبي بكر ابن خلكان، المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر – بيروت، الطبعة من 1900 – 1994 م (2/ 317).

(8)

البناية شرح الهداية (8/ 241).

(9)

في (ع): فإنه.

(10)

في (ع): موجود.

(11)

في (ع): ههنا.

(12)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(13)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

ص: 34

وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله: لو صار مال المضاربة

(1)

عارية

(2)

فليس لرب المال أن يطأها، وإن لم يكن فيها ربح؛ لأن للمضارب حق التصرف، ألا ترى أن رب المال لا يملك منعه

(3)

، وأحاله إلى الإيضاح

(4)

.

والانعقاد يتبع الفائدة، ألا ترى أنه إذا جمع بين (عبده وعبد)

(5)

غيره واشتراهما صفقة واحدة جاز البيع فيهما، ودخل عبده في شرائه؛ لفائدة

(6)

انقسام الثمن ثم يخرج.

فكذلك ههنا يجوز البيع بين رب المال ومضاربه؛ لفائدة استفادة ولاية التصرف.

ففيه شبهة العدم، أي ففي هذا البيع شبهة عدم الجواز؛ لما ذكرنا من تعليل زفر رحمه الله.

ألا ترى أنه وكيل عنه، أي أن المضارب وكيل عن رب المال، وهذا لإيضاح قوله:[ففيه]

(7)

شبهة العدم؛ لأن المضارب لما كان وكيلًا عنه وجب أن لا يجوز البيع بينهما، كما لا يجوز البيع بين الموكل وبين وكيله فيما وكله فيه.

بيعها مرابحة ولا يبين، أي لا يقول أنها كانت سليمة فاعوّرت في يدي، وكذلك في الوطء

(8)

؛ لأن الأوصاف التابعة لا يقابلها الثمن.

فإن قيل: كما أن أعضاء المبيع للمبيع وصف، فكذلك الأجل في البيع وصف للثمن، يقال: ثمن مؤجل و ثمن حال، كما يقال: ببيع

(9)

سليم ومبيع معيب، فكيف لم يجب بيان تلك الأوصاف في بيع المرابحة ووجب بيان وصف الأجل فيه على ما يأتي.

قلنا: جوابه أيضًا يأتي هناك وهو أن الأجل وإن كان وصفًا لكن له قسط من الثمن على ما يأتي، وكذا منافع البضع

(10)

لا يقابلها الثمن.

(1)

المضاربة على وزن مفاعلة (مشتقة من الضرب في الأرض) وهو السير فيها، قال الله عز وجل:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} وعقد المضاربة في الاصطلاح إعارة المال إلى من يتصرف فيه ليكون الربح بينهما على ما شرطا. البناية شرح الهِدَايَة (10/ 42)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق لزين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجيم المصري، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، الطبعة: الثانية - بدون تاريخ (7/ 263).

(2)

في (ع): جارية.

(3)

في (ع): بيعها.

(4)

في (ع): جارية.

(5)

في (ع): عبد.

(6)

لم أقف عليه.

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(8)

مِنْ مَعَانِي الْوَطْءِ لُغَةً: النِّكَاحُ وَالْجِمَاعُ، أَمَّا الْفُقَهَاءُ فَيَسْتَعْمِلُونَهُ بِمَعْنَى الْجِمَاعِ. الموسوعة الفقهية الكويتية (30/ 294).

(9)

في (ع): مبيع.

(10)

البضع هو الفرج نفسه وقيل هو الجماع. ينظر: لسان العرب (8/ 14)، غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 74)، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي لمحمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور، المحقق: مسعد عبد الحميد السعدني، الناشر: دار الطلائع ص 200.

ص: 35

فإن قيل: لا يسلم، بل المستوفى من منافع البضع بمنزلة الجزء، والجزء إذا قصد إتلافه كان له قسط من الثمن، والدليل على ما قلنا أنه لو اشترى جارية فوطئها ثم وجد بها عيبًا لا يتمكّن من الرد، وإن كانت هي ثيبًا

(1)

وقت الشراء، وذلك باعتبار أن المستوفى من الوطء بمنزلة احتباس جزء المبيع عند الشرى.

قلنا: عدم جواز الرد بالعيب لا باعتبار ما ذكرت؛ لما أن ذلك تصرف في ملك نفسه، وذلك لا يمنعه من الرد، بل لمعنى

(2)

آخر وهو أنه لو ردّها لا يخلو ما

(3)

أن يردها مع العقر احترازًا عن الوطء مجانًا، أو من غير عقره

(4)

، لا وجه إلى الأول؛ لأنّه يعود إليه الجارية كما خرجت من يده وزيادة بالفسخ، والفسخ إنما يرد على ما ورد عليه العقد، والعقد لم يرد على الزيادة، فلا يرد الفسخ عليها، ولا وجه إلى الثاني؛ لأن الجارية يعود

(5)

إلى قديم ملك البائع ويسلم للمشتري الوطء بلا عوض باعتبار البيع، وذلك لا يجوز.

بخلاف الواهب إذا رجع في الهبة والموهوب جارية بعدما وطأها الموهوب له يصح الرجوع، ولا يلزم الموهوب له شيء؛ لأن الأصل وهو الجارية يسلم

(6)

للموهوب له بلا عوض، فيجوز أن يسلم [له]

(7)

وطئها بلا عوض، ولا يجوز في صورة البيع أن يفسخ البيع ويسلم للمشتري أو للبائع زيادة متولدة من العيب

(8)

أو شيء وجب بإتلاف العين؛ كالولد والأرش والعقر، فكذا الوطء، كذا في الفوائد الظهيرية.

وهو قول الشافعي

(9)

(10)

[رحمه الله]

(11)

، وهو أيضاً قول زفر [رحمه الله]

(12)

، لكنهما يختلفان في التخريج، فعند زفر إنما يجب البيان باعتبار أن المشتري لو علم أنه اشتراه غير معيب بما سمى من البدل لم يلتزم له ربحًا

(13)

على ذلك، ما لم يبين [بعد ما تعيب]

(14)

.

(1)

الثيِّب: التي تزوجت ثم ثابت. ويقال: رجل ثيِّب أيضاً، يقع على الذكر والأنثى. شمس العلوم (2/ 916).

(2)

في (ع): بمعنى.

(3)

في (ع): إما.

(4)

في (ع): عقر.

(5)

في (ع): تعود.

(6)

في (ع): ويسلم.

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(8)

في (ع): العين.

(9)

هو محمد بن إدريس بن العباس الهاشمي القرشي المطلبي، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه نسبة الشافعية كافة، رحل إلى الإمام مالك وأخذ عنه، له تصانيف كثيرة أشهرها كتاب (الأم)، و (الرسالة)، وقصد مصر فتوفى بها سنة 204 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، المحقق: د. محمود الطناحي، د. عبد الفتاح الحلو، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1413 هـ (2/ 71)، وفيات الأعيان (4/ 163)، سير أعلام النبلاء (10/ 5).

(10)

انظر: الأم، للإمام الشافعي، أبي عبد الله محمد بن إدريس، الناشر: دار المعرفة – بيروت، الطبعة: بدون طبعة، سنة النشر: 1410 هـ/ 1990 م (7/ 120).

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(12)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(13)

في (ع): صريحا.

(14)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

ص: 36

وأما

(1)

الشافعي رحمه الله فيقول بوجوب البيان بناء على

(2)

مذهبه بأن الأوصاف

(3)

من الثمن حصة وأن التعيب

(4)

بآفة سماوية من وضع من العباد فيه سواء عنده

(5)

.

ولكنا نقول بأن المشتري غير حابس شيئًا من المعقود عليه فيكون له أن يبيعه مرابحة كما لو تغير السعر، وهذا لأن الفائت وصف، فيكون تبعًا لا يقابله شيء من البدل إذا فات من غير صنع أحد، وإنما البدل كله بمقابلة الأصل، وهو باق على حاله فيبيعه مرابحة، أرأيت لو اصفر الثوب أو توسخ أو تكسر أكان ذلك يمنعه من البيع مرابحة؟

وفي نوادر

(6)

هشام

(7)

ذكر محمد -رحمه

(8)

الله- قال: هذا إذا نقصه

(9)

العيب شيئًا يسيرًا، فإن نقصه

(10)

العيب (قدر ما لا)

(11)

يتغابن الناس فيه لم يجز بيعه مرابحة، كذا في المبسوط

(12)

.

وأما إذا فقأ عينها بنفسه

(13)

، أي المشتري فقأ عين الجارية بنفسه، وفي بعض النسخ: قلنا مقام قوله: وأما، فعلى ذلك التقدير كان جواباً لقول أبي يوسف والشافعي -رحمهما الله-.

ثم إنما خص فقأ المشتري وفقأ الأجنبي؛ لأن الجارية لو فقأت عين نفسها [بنفسها فهو كما لو تعيب بآفة سماوية، فصار بمنزلة الإعوار الذي ذكر حكمه بأنه لا يجب البيان] في بيع المرابحة، كذا ذكر في المبسوط

(14)

، فقال: وكذلك إن تعيب بفعل المبيع بنفسه؛ لأنه هدر، بعدما ذكر حكم التعييب بآفة سماوية من اعورار [الخادم]

(15)

وغيره بأنه لا يجب البيان.

(1)

في (ع): أما.

(2)

في (ع): هذا.

(3)

في (ع): للأوصاف.

(4)

في (ع): العيب.

(5)

المبسوط (5/ 75).

(6)

نوادر هشام: لهشام بن عبيد الله الرازي (المتوفى 201 هـ)، وقد جمع فيه الروايات المتفرقة في المذهب الحنفي، ويرمز له في المذهب بالرمز (نو). قال في كشف الظنون: والنوادر تسع، ثم ذكر في أولها (نوادر هشام). انظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لمصطفى بن عبد الله، الشهير بحاجي خليفة، الناشر: مكتبة المثنى – بغداد، تاريخ النشر: 1941 م (2/ 1282).

(7)

هشام بن عبيد الله الرازي، تفقه على أبي يوسف، ومحمد، وحدث عن مالك، وابن أبي ذئب، وحماد بن زيد، وطبقتهم، وحدث عنه بقية بن الوليد وأبو حاتم، وجماعة. قال هشام: لقيت ألفًا وسبع مائة شيخ أصغرهم عبدالرزاق. قال أبو حاتم: صدوق، وما رأيت أحدًا أعظم قدرًا، ولا أجل من هشام بن عبيد الله بالري. من تصانيفه:"النوادر"، و"صلاة الأثر". توفي 201 هـ. سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (10/ 246)، الجواهر المضية (2/ 205)، الفَوَائِد البهية (ص 223).

(8)

في) ع): رحمهما.

(9)

في) ع): نفقه.

(10)

في) ع): بعضه.

(11)

في) ع): قد مر ما.

(12)

المبسوط (13/ 79).

(13)

في) ع): بنفسها.

(14)

المبسوط (13/ 79).

(15)

ما بين المعقوفين زيادة من) ع).

ص: 37

أو فقأها أجنبي فأخذ أرشها، كأن ذكر أحد

(1)

الأرش وقع اتفاقًا؛ لأنه لما فقأ الأجنبي يجب عليه ضمان الأرش، ووجوب ضمان الأرش سبب لأخذ الأرش فأخذ

(2)

حكمه.

ألا ترى أنه لو فقأ المشتري يجب عليه البيان مع أنه لا يجب عليه الضمان، لكن وجوب الضمان فيه تقديري، فإن ثبوت الملك يمنعه عن وجوب الضمان التحقيقي، وههنا يجب الضمان حقيقة فأولى

(3)

أن يجب عليه البيان؛ لأن الوصف الجامع في وجوب البيان عليه هو التعيب مقصودًا بصنع من العباد، وهو موجود في فعل الأجنبي، وإن لم يوجد

(4)

[أخذ]

(5)

منه الأرش بعد، والدليل عليه إطلاق ما ذكره في المبسوط من غير تعرض لأخذ الأرش حيث قال: وإن تعيب بفعل المشتري فليس

(6)

له أن يبيعه مرابحة حتى تبين؛ لأنه

(7)

حابس لجزء من المبيع بما أحدث فيه من العيب، وما يكون تبعًا إذا صار مقصودًا بالتناول كان له حصة من الثمن، ثم قال: وكذلك (إن عيبه)

(8)

أجنبي بأمر المشتري أو بغير أمره، فإن فعله بأمر المشتري فهو كفعل المشتري بنفسه، وبغير أمره جناية موجبة ضمان النقصان عليه، فيكون المشتري حابساً بدل جزء من المعقود

(9)

عليه، وذلك يمنعه من بيع المرابحة حتى يبين

(10)

.

فإن باعه ولم يبين كان للمشتري رده إذا علم به.

ثم ذكر في المبسوط

(11)

مسائله

(12)

لا بد من ذكرها؛ لاحتياج

(13)

هذه التفريعات إليها وقال: فإن لم يصبه عيب، ولكنه أصاب من علة الدار، أي انتفع بها أو الدابة أو الخادم شيئًا فله أن يبيع المشتري مرابحة على ثمنه؛ لأن العلة ليست بمتولدة من العين، فلا يكون حابسًا شيئًا من المفقود

(14)

عليه باعتبارها، ولأن العلة بدل المنفعة، واستيفاء المنفعة لا يمنعه من بيعها مرابحة، فكذا بدلها، وهذا لأنه أنفق عليها بإزاء ما نال من المنفعة.

وإذا ولدت الجارية أو السالمة أو أثمر النخيل فلا بأس يبيع الأصل مع الزيادة مرابحة؛ لأنه لم يحبس شيئاً من المعقود عليه، وإن نقصتها الولادة فهو نقصان بغير فعل أحد، وبإزائه ما يجبره وهو الولد.

(1)

في) ع): أخذ.

(2)

في) ع): وأخذ.

(3)

في) ع): فأرى.

(4)

في) ع): يكن.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من) ع).

(6)

في) ع): وليس.

(7)

في) ع): أنه.

(8)

في) ع): أن يبيعه.

(9)

في) ع): المقصود.

(10)

المبسوط (13/ 79).

(11)

المبسوط (13/ 79).

(12)

في) ع): مسائل.

(13)

في) ع): لا تحتاج إلى.

(14)

في) ع): المعقود.

ص: 38

ففي مثل هذا النقصان له أن يبيعه مرابحة، وإن لم يكن بإزاء النقصان ما يجبره، فإذا

(1)

كان بإزائه ما يجبره أولى فإن استهلك المشتري الزيادة لم يبع الأصل مرابحة حتى يبين ما أصاب من ذلك؛ لأن ما استهلكه متولد

(2)

من العين، ولو استهلك جزءاً من عينها لم يبعها مرابحة من غير بيان، فكذلك إذا استهلك ما تولد من العين، وكذلك ألبان الغنم وأصوافها وسمونها إذا أصاب من ذلك شيئاً فلا يبيع الأصل مرابحة حتى تبين ما أصاب منها؛ لأن ما أصاب في حكم جزء من عينها، وعند الشافعي رحمه الله له أن يبيعها مرابحة بناءً على مذهبه أن الزيادة المنفصلة وإن كانت متولدة من العين فهي بمنزلة الغلة، حتى لا يمنع رد الأصل بالعيب وإن كان أنفق عليها [ما]

(3)

يساوي ذلك في علفها وما يصلحها فلا بأس بأن يبيعها مرابحة من غير بيان؛ لأن حصول الزيادة له باعتبار ما أنفق عليها من حاله

(4)

، والغنم مقابل بالغرم

(5)

.

قرض فأر من قرض الثوب بالمقراض قطعه.

وذكر في الفوائد الظهيرية: فأصابه قرض فأر والفرض بفاء معجمة من فوقها بواحدة نص على ذلك

(6)

صدر الإسلام أبو اليسر

(7)

وغيره بالقاف

(8)

(9)

.

والمعنى ما بيناه، أي في هاتين الصورتين في حق قرض فأر.

وفي حق الثوب الذي تكسر ينشره، أما في حق قرض فأر فهو قوله؛ لأن الأوصاف تابعة لا يقابلها الثمن، وأما في حق بكسر الثوب ينشره فهو قوله؛ لأنه صار مقصودًا بالإتلاف.

ومن اشترى غلاها

(10)

بألف درهم نسبة

(11)

فباعه يربح

(12)

مائة ولم يبين، فعلم المشتري فإن شاء رده، وإن شاء قبل، ولم يذكر ههنا وجوب البيان صريحًا في بيع المرابحة أنّه اشتراه نسيه

(13)

، ولكن ذكر في المبسوط

(14)

فقال: وإذا اشترى شيئًا (بنسبة فليس)

(15)

له أن يبيعه مرابحة حتى يبين أنه اشتراه بنسبة

(16)

.

(1)

في) ع): وإذا.

(2)

في) ع): متولدة.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من) ع).

(4)

في) ع): ماله.

(5)

المبسوط (13/ 80).

(6)

في) ع): هذا.

(7)

مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبدالكريم بن موسى بن مجاهد، أبو اليسر البزدوي، فقيه، أصولي ولي القضاء بسمرقند، ملأ الكون بتصانيفه في الأصول والفروع، توفي ببخارى (493 هـ). الجواهر المضية (2/ 270)، الفَوَائِد البهية (1/ 188).

(8)

في) ع): باتفاق.

(9)

فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَيْ أَكَلَهُ وَقَطَعَهُ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ. طلبة الطلبة (1/ 128).

(10)

في) ع): غلامًا.

(11)

في) ع): نسيئة.

(12)

في) ع): بربح.

(13)

في) ع): نسيئة.

(14)

المبسوط (13/ 78).

(15)

في) ع): بنسيئة وليس.

(16)

في) ع): بنسيئة.

ص: 39

وذكر صدر الإسلام في الجامع الصغير

(1)

فقال: رجل اشترى من رجل غلامًا بألف درهم نسبة

(2)

فباعه بربح درهم ولم يبين إلى آخره.

ثم قال: وهذا يدل على أنه ليس له أن يبيعه مرابحة ما لم يبين، وإنما كان هذا هكذا؛ لأن الدين المؤجل في معنى التأوي

(3)

، ولهذا المعنى إذا شهد شاهدان على رجل بتأجيل الدين وقضى القاضي بذلك ثم رجعا يضمنان ذلك الدين؛ لأن الدين المؤجل غير منتفع به فيصير من وجه كأنه ملك هذا الشيء بلا ثمن فلا يكون له أن يبيعه مرابحة، ولأن المشتري لو علم بذلك عسى لا يرضى بشرائه بذلك الثمن الذي اشتراه بايعه فضلًا من المرابحة، فلا يجوز البيع ما لم يبين؛ لأن للأجل شبهًا بالمبيع.

ألا ترى أنّه يزاد

(4)

في الثمن لأجل الأجل.

فإن قلت: وهذا لا

(5)

يكفي لوجوب البيان، فإن التجار يشترون الغلام الذي هو سليم الأعضاء بأزيد في الثمن من الغلام الذي هو ناقص الأعضاء، ومع ذلك إذا فاتت أعضاؤه بآفة سماوية في يد المشتري لم يجب عليه البيان في بيع المرابحة بأنه كان سليم الأطراف حين اشتراه على ما ذكر آنفًا.

فقال: ومن اشترى جارية فاعورت بيعها مرابحة ولا يبين، ولا شك أنها إذا لم (يعور بزيد)

(6)

التجار في ثمنها من الثمن الذي يشترونها به في وقت الاعورار.

قلت: (لا كلام)

(7)

في زيادة الثمن باتفاق الحال من غير شرط، وفي سليم

(8)

الأعضاء إنما يزاد الثمن بهذا الطريق، أعني من غير شرط، فإنهم لا يقولون: زدت هذا [على]

(9)

المقدار من الثمن؛ لسلامة

(10)

يده أو رجله أو عينه، (أما يقولون إن أجلتني)

(11)

بكذا من المدة في ثمنه فأنا أيضًا أزيد من ثمنه بهذا المقدار فيثبت زيادة الثمن في الأجل بالشرط، ولا يثبت ذلك في سلامة الأعضاء.

(1)

الجامع الصغير هو من تأليف: أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني (المتوفى: 189 هـ)، ولأهمية الكتاب قام العديد من الأحناف بشرحه وترتيبه ومن هؤلاء الذين شرحوه: صدر الإسلام البزدوي (المتوفى 493 هـ). انظر: تحقيق كتاب شرح الجامع الصغير من أول كتاب الحدود إلى نهاية كتاب البيوع، دراسة وتحقيقًا، رسالة ماجستير أعدتها: نادية بنت هشام اللحيان، جامعة أم القرى، كلية الشريعة الدراسات الإسلامية، قسم الفقه وأصوله، للعام 1429 - 1430 هـ.

(2)

في) ع): نسيئة.

(3)

في) ع): التأويل.

(4)

في) ع): يزداد.

(5)

في) ع): أن.

(6)

في) ع): تعور يزيد.

(7)

في) ع): الكلام.

(8)

في) ع): السليم.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من) ع).

(10)

في) ع): بسلامة.

(11)

في) ع): إنا لا نقول أن رجلين.

ص: 40

وذكر في المبسوط

(1)

يوضحه

(2)

: أن المؤجل أنقص في المالية من الحال، ولهذا حرّم الشرع النساء عند وجود أحد الوصفين للفضل الخالي عن المقابلة حكمًا، فإذا باعه وكتم ذلك، فالمشتري بالخيار إذا علم التدليس الموجود من البائع؛ لأن الأجل لا يقابله شيء من الثمن، أي حقيقة، وبه

(3)

صرح الإمام قاضي خان رحمه الله كيلا

(4)

يلزم التناقض بما ذكر قبله بقوله.

ألا ترى أنّه يزاد

(5)

في الثمن لأجل الأجل، فكان التوفيق بينهما هو أن الأجل في نفسه ليس بمال، فلا يقابله شيء من الثمن إذا لم يشترط زيادة الثمن بمقابلته قصدًا، ويزاد

(6)

إذا ذكر الأجل بمقابلة زيادة الثمن قصدًا، ولما كان كذلك ثم لما باع مرابحة ما اشتراه نسبة

(7)

مطلقًا عن بيان النسيّة

(8)

ثم علم المشتري أنّه كان اشتراه البائع من بائعه نسيّه

(9)

بما ذكره من الثمن، وقد دلّس في بيع نفسه كان للمشتري الخيار في فسخ البيع إذا كان المبيع قائمًا، نظر

(10)

الجانب أجل يزاد بمقابلة الثمن قصدًا، وإذا هلك المبيع أو استهلكه المشتري لم يبق الخيار، بل يلزم

(11)

البيع بما اشتراه من الثمن وهو ألف ومائة درهم نظر الجانب أجل لا يقابله شيء من الثمن حقيقة، يعني إذا لم يذكر زيادة الثمن بمقابلته عملًا بجانب

(12)

الأجل الثابتين له.

و [قد]

(13)

ذكر في الفوائد الظهيرية: فإن استهلك

(14)

المشتري [لم يبق]

(15)

المبيع أو هلك عنده بطل الخيار؛ [لأن الخيار] بهلاك

(16)

المبيع يبطل اعتبارًا بعامة

(17)

الخيارات من خيار الشرط والرؤية، وذكر في المحيط: ثم في الأجل المشروط إذا باعه من غير بيان وعلم به المشتري فله الخيار، إن شاء رضي به وأمسكه، وإن شاء رده.

ذكر المسألة في الأصل

(18)

والجامع الصغير، ويصير ذكر هذه المسألة رواية فيمن اشترى شيئًا وصار مغبونًا فيه غبنًا فاحشًا أن له أن يرده على البائع بحكم الغين

(19)

.

(1)

المبسوط (13/ 78).

(2)

في) ع): توضيحه.

(3)

في) ع): وبها.

(4)

في) ع): لكيلا.

(5)

في) ع): يزداد.

(6)

في) ع): أو يزداد.

(7)

في) ع): نسيئة.

(8)

في) ع): النسيئة.

(9)

في) ع): نسيئة.

(10)

في) ع): نظير.

(11)

في) ع): يلزمه.

(12)

في) ع): بجانبي.

(13)

ما بين المعقوفين زيادة من) ع).

(14)

في) ع): استهلكه.

(15)

ما بين المعقوفين زيادة من) ع).

(16)

في) ع): لهلاك.

(17)

في) ع): لعامة.

(18)

الأصل عند الأحناف هو كتاب المَبْسُوط لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله. عقود رسم المفتي لابن عابدين (ص 19).

(19)

في) ع): الغبن.

ص: 41

وإليه أشار محمد رحمه الله في كتاب الصلح [في باب الصلح]

(1)

عن العيوب

(2)

.

وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي

(3)

يحكي عن أستاذه أنّه كان يقول: في المسألة روايتان عن أصحابنا، وكان يفتي برواية الرد رفقًا بالناس.

وكان القاضي الإمام صدر الإسلام أبو اليسر والقاضي الإمام ركن الإسلام أبو بكر الزرنجري

(4)

والقاضي الإمام جمال الدين الديغدموني جدي رحمهم الله يفتون أن البائع إن كان قال للمشتري: قيمة متاعي كذا، أو

(5)

قال: متاع

(6)

يساوي كذا، فاشترى بناء على ذلك، ثم ظهر بخلافه أن له الرد بحكم التغرير، أما إذا لم يقل ذلك فليس له الرد، وغيرهم كانوا لا يفتون بالرد على كل حال، والصحيح أن يفتي بالرد إذا وجد التغرير، وبدونه لا يفتي بالرد

(7)

.

فإن

(8)

كان ولاه أباه

(9)

ولم يبين، أي ففي هذه المسألة التي اشترى غلامًا نسيئة بألف درهم عقد مع آخر عقد التولية، أي باعه بألف بمثل ما اشترى من غير زيادة ولا نقصان مكان عقد المرابحة، ولم يبين أنه كان اشترى الغلام بألف نسيئة، ثم علم المشتري الذي اشتراه بطريق التولية أن البائع خان

(10)

يترك

(11)

ذكر النسيئة كان للمشتري هذا الخيار؛ لأن الخيانة في التولية مثلها في المرابحة، أي في أنّه يجب الاحتراز عن حقيقة الخيانة وعن شبهتها في المرابحة

(12)

.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من) ع).

(2)

التنبيه على مشكلات الهداية لصدر الدين عليّ بن عليّ ابن أبي العز الحنفي، تحقيق ودراسة: عبد الحكيم بن محمد شاكر (جـ 1، 2، 3) - أنور صالح أبو زيد (جـ 4، 5)، أصل الكتاب: رسالة ماجستير- الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الناشر: مكتبة الرشد ناشرون - المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م (4/ 350).

(3)

الحسين بن الخضر بن مُحَمَّد الفقيه القشيديرجي القاضي أبو علي النسفي، قال السمعاني كان إمام عصره تفقه ببغداد، وله أصحاب وتلامذة مات سنة أربع وعشرين وأربع مائة وقد قارب الثمانين. الجواهر المضية (1/ 211)، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن أحمد ابن العماد العَكري الحنبلي، أبو الفلاح، حققه: محمود الأرناؤوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: دار ابن كثير، دمشق – بيروت، الطبعة: الأولى، 1406 هـ - 1986 م (3/ 227).

(4)

أبو الفضل بكر بن محمد بن علي بن الفضل الأنصاري الخزرجي، السلمي، الجابري، البخاري، الزرنجري. وزرنجر: من قرى بخارى، كان يضرب به المثل في حفظ المذهب، وتفرد، وعلا سنده، وعظم قدره، حتى كان يقال له: أبو حنيفة الأصغر، مات في تاسع عشر شعبان سنة اثنتي عشرة وخمس مائة. سير أعلام النبلاء (19/ 415).

(5)

في) ع): و.

(6)

في) ع): متاعي.

(7)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 7).

(8)

في) ع): وإن.

(9)

في) ع): إياه.

(10)

في (ع): خانه.

(11)

في) ع): بترك.

(12)

العناية شرح الهداية (6/ 508).

ص: 42

وكذلك

(1)

في التولية؛ لأن بناهما على الأمانة، لزمه بألف حالة؛ لما ذكرنا، وهو قوله: لأن الأجل لا يقابله شيء من الثمن، وقيل: يقوم بثمن حال إلى آخره.

وهذا القول

(2)

قول أبي جعفر

(3)

رحمه الله

(4)

، أي يقوم المبيع بثمن حال وبثمن مؤجل حتى أنه لو كان يشتري في الأجل بدينار ودانق

(5)

، وبدون الأجل يشتري بدينار ويرجع بفضل ما بينهما، وهو الدانق، كتأخير القبول إلى آخر المجلس بأن قال البائع في أول المجلس: بعت، وقال المشتري في آخر المجلس: اشتريته

(6)

يصح وإن طال المجلس؛ لأن ساعات

(7)

المجلس كساعة واحدة.

ونظيره بيع الشيء برقمه بسكون القاف

(8)

، وقد ذكرنا صورته فيما قبل، فإن التاجر (برقم الثبات)

(9)

أي يعلمها بعلامة بأن ثمنها كذا، فيبيع بذلك الثمن الذي هو معلوم للبائع غير معلوم للمشتري، ثم لو علم المشتري قدر ذلك الثمن في ذلك المجلس، وإن كان بعد القبول يصح البيع، فيجعل كأنه علم وقت القبول؛ لاتحاد المجلس، والله أعلم

(10)

[بالصواب]

(11)

.

‌فصل

لما اختلف جنس المسائل المتفرقة التي قيدت كل واحدة منها (بوصف زايد)

(12)

على البيع الذي تجرد

(13)

عن تلك الأوصاف ألحق بتلك المسائل

(14)

المرابحة والتولية التي قيدت بوصف، وخرجت عن جنس البيع الذي تجرد عن أوصاف زائدة؛ لاتحادهما في الوصف الزائد، ولكن أتى بالفصل؛ لأن هذه

(15)

المسائل ليست من مسائل المرابحة والتولية.

(1)

في) ع): فكذلك.

(2)

في) ع): قول.

(3)

في) ع): حفص.

(4)

أبو جعفر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد، الفقيه البَلْخي الحنفي. الهِنْدُواني [المتوفى: 362 هـ] كان يقال له من كماله في الفقه: " أبو حنيفة الصغير " تُوُفّي ببُخارى سنة (362). تاريخ الإسلام لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، المحقق: الدكتور بشار عوّاد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 2003 م (8/ 207).

(5)

الدانق: سدس الدينار والدرهم. لسان العرب (10/ 105).

(6)

في) ع): اشتريت.

(7)

في) ع): البياعات.

(8)

الرقم وشي الثَّوْب وكل نقش رقم والمنقوش المرقوم. وهو في الأصل الكتابة والنقشُ ثم قيل للنقش الذي يرقم التاجر على الثياب علامة على أن ثمنها كذا. اتفاق المباني وافتراق المعاني لسليمان بن بنين بن خلف بن عوض، تقيّ الدين، الدقيقي المصري، المحقق: يحيى عبد الرؤوف جبر، الناشر: دار عمار - الأردن، الطبعة: الأولى، 1405 هـ 1985 م، (1/ 197)، التعريفات الفقهية (1/ 105).

(9)

في) ع): يرقم الثياب.

(10)

العناية شرح الهداية (6/ 509).

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من) ع).

(12)

في) ت): يوصف زائد.

(13)

في) ع): مجرد.

(14)

في) ع): لمسائل.

(15)

في) ع): هذا.

ص: 43

فقال

(1)

: ومن اشترى شيئًا مما (ينقل ويحول)

(2)

لم يجز له أن يبيعه حتى يقبضه.

قيد بالبيع ولم يقل: أن

(3)

يتصرف فيه بتصرف؛ ليقع المسألة على الاتفاق، فإن عند محمد رحمه الله يجوز الهبة والصدقة قبل القبض، فكان عدم جواز البيع على الاتفاق.

وعم في قوله مما ينقل ويحول، ولم يبال خلاف مالك

(4)

فيما سوى الطعام، فإن عند مالك [فيما سوى الطعام فإن عند مالك]

(5)

ما يجوز جميع التصرفات من البيع والهبة قبل القبض فيما سوى الطعام

(6)

.

احتج مالك رحمه الله بما روي عن النبي عليه السلام

(7)

أنه خص

(8)

الطعام بالذكر

(9)

عند النهي، فذلك دليل على أن الحكم فيما عداه بخلافه، وإلا فليس لهذا

(10)

التخصيص فائدة.

وحجتنا ما روي عن النبي عليه السلام

(11)

«أنّه نهى عن بيع ما لم يقبض»

(12)

.

وكذلك في حديث عتّاب بن أسيد

(13)

رضي الله عنه، وكلمة ما للتعميم فيما لا يعقل

(14)

.

(1)

في) ع): قوله.

(2)

في) ع): ينتقل ويتحول.

(3)

في) ع): لم.

(4)

مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبد الله: إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية، مولده ووفاته في المدينة. كان صلبا في دينه، بعيدا عن الأمراء والملوك، وشي به فضربه سياطا انخلعت لها كتفه. وسأله المنصور أن يضع كتابا للناس يحملهم على العمل به، فصنف الموطأ. وفيات الأعيان (4/ 135)، الأَعْلَام للزركلي (5/ 257).

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من) ع).

(6)

المدونة (3/ 134).

(7)

في) ع): صلى الله عليه وسلم.

(8)

في) ع): اختص.

(9)

في) ع): بذكره.

(10)

في) ع): هذا.

(11)

في) ع): صلى الله عليه وسلم.

(12)

قال حكيم بن حزام: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا، وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ قَالَ:«فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا، فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» . أخرجه أحمد في «مسنده» (15316)، وأبو داود في كتاب البيوع- باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (3503)، والترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (1232)، والنسائي في كتاب البيوع- باب بيع ما ليس عند البائع (4613)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع الصغير وزياداته» ، الناشر: المكتب الإسلامي، (7206).

(13)

عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَكَّةَ، وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَتَّابٌ عَامِلُهُ عَلَى مَكَّةَ وفي المؤرخين من يذكر أنه عاش واليا على مكة إلى أواخر أيام عمر، فتكون وفاته في أوائل سنة 23 هـ. معرفة الصحابة لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، تحقيق: عادل العزازي، الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة: الأولى 1419 هـ - 1998 م، (4/ 2223)، الأعلام (4/ 200).

(14)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ: " إِنِّي قَدْ بَعَثْتُكَ إِلَى أَهْلِ اللهِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ فَانْهَهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا أَوْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوا، وَعَنْ قَرْضٍ، وَبَيْعٍ، وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ ". أخرجه أحمد بن الحسين، أبو بكر البيهقي في الكبرى، المحقق: محمد عبد القادر، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنات، الطبعة: الثالثة، 1424 هـ - 2003 م، (10682)، وقال: تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْأَيْلِيُّ وَهُوَ مُنْكَرٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

ص: 44

ثم تخصيص الشيء بالذكر عندنا

(1)

لا يدل على أن الحكم فيما عداه بخلافه، قال الله تعالى:{فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}

(2)

، وذلك لا يدل على أنّه يجوز ذلك في غير أشهر الحرم، كيف وراوي هذا الحديث ابن عباس

(3)

رضي الله عنهما، وقال بعد روايته: وأحسب

(4)

كل شيء مثله

(5)

.

ثم قال محمد رحمه الله: كل تصرف لا يتم إلا بالقبض فذلك جائز في المبيع قبل القبض إذا سلّطه

(6)

على قبضه فقبضه؛ لأن تمام هذا العقد لا يكون إلا بالقبض والمانع زائل

(7)

عند ذلك.

بخلاف البيع والإجارة فإنّه يلزم بنفسه، وقاس هذا بهبة الدين لغير

(8)

من عليه الدين، فإنها يجوز إذا سلّطه

(9)

على قبضه، بخلاف البيع.

وأبو يوسف رحمه الله يقول: البيع أسرع نفاذاً من الهبة؛ بدليل أن الشيوع فيما يحتمل القسمة يمنع تمام الهبة دون البيع، ثم البيع في المبيع قبل القبض لا يجوز؛ لأنه تمليك العين ما ملكه في حال قيام الغرر

(10)

في ملكه فالهبة أولى؛ لأن الهبة في استدعاء الملك القوي

(11)

من البيع حتى يجوز البيع من المكاتب والمأذون

(12)

له دون الهبة، كذا في المبسوط

(13)

.

(1)

في (ع): عنده.

(2)

[التوبة: 36].

(3)

عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس بْن عَبْد المطلب بْن هاشم بْن عَبْد مناف، ابْنُ عم رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان يسمى البحر، لسعة علمه، ويسمى حبر الأمة، واستعمله عليّ بْن أَبِي طَالِب عَلَى البصرة، فبقي عليها أميرًا، ثُمَّ فارقها قبل أن يقتل عليّ بْن أبي طَالِب، وعاد إلى الحجاز، وشهد مَعَ عليّ صفين، وكان أحد الأمراء فيها. وروى ابْنُ عَبَّاس: عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعن عُمَر، وعلي، ومعاذ بْن جبل، وأبي ذر. أسد الغابة (3/ 291).

(4)

في (ع): واجب.

(5)

أخرجه البخاري في كتاب البيوع _ باب بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك (2135)، ومسلم في كتاب البيوع _ بَابُ بُطْلَانِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (1525).

(6)

في (ع): سلط.

(7)

في (ع): زائد.

(8)

في (ع): بغيره.

(9)

في (ع): سلط.

(10)

بيع الغَرَر: هو البيع الذي فيه خطر انفساخه بهلاك المبيع، والغرر- محركة-: التعريضُ للهلكة وما طوي عنك علمُه، وفي "المبسوط":"الغرر ما كان مستورَ العاقبة". وفي "المغرب": "الغرر" هو الخطر الذي لا يدري أيكون أم لا". التعريفات الفقهية (1/ 48).

(11)

في (ع): أقوى.

(12)

في (ع): المأذون.

(13)

المبسوط (13/ 8).

ص: 45

الغرر ما طوي عنك علمه وقد ذكرناه.

غرر

(1)

انفساخ

(2)

العقد، أي العقد الثاني.

فإن قلت: غرر الانفساخ فيما بعد القبض متوهم أيضاً على تقدير ظهور الاستحقاق، مع أن عدم الهلاك ههنا أصل، كما أن عدم ظهور الاستحقاق هناك أصل، فاستويا

(3)

من هذا الوجه في الغرر، فيجب أن يستويا في الحكم، وهو عدم جواز البيع.

قلت: لو قلنا به يلزم اسنداد

(4)

باب البيع أصلًا، وهو مفتوح، ولخلا قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}

(5)

عن فائدة إثبات الإحلال.

ولأن قبض

(6)

القبض ذلك متوهم، وهذا أيضًا متوهم، وإن اشتركا في أحد المعنيين الموجب لعدم الجواز فامتاز ما قبل القبض بما هو السالم له، وهو غرر انفساخ العقد على اعتبار الهلاك، فلذلك اختص بحكم يمتاز به عن حكم ما بعد القبض، وهو عدم جواز البيع قبل القبض.

ولا غرر فيه؛ لأن الهلاك في العقار نادر.

حتى قال بعض أصحابنا: جواب أبي حنيفة رحمه الله

(7)

- في موضع لا يخشى عليه أن يصير بحراً، أو يغلب عليه الرحال، فأما في موضع لا يؤمن

(8)

عليه ذلك لا يجوز، كما في المنقول، كذا ذكره الإمام المحبوبي رحمه الله

(9)

(10)

.

فإن قيل: العقار وإن كان لا يتوهم انفساخ العقد فيه بالهلاك يتوهم انفساخ العقد فيه بالرد بالعيب.

قلنا: لم قلتم أنه يتوهم انفساخ العقد فيه بالرد متى جاز البيع فيه قبل القبض، بل هذا لا يصح؛ لأنّه متى جاز البيع فيه قبل القبض يصير ملكًا للمشتري، وحينئذ لا يملك المشتري الأول الرد فلا يتوهم الانفساخ فيه بالرد حينئذ، كذا في الفوائد الظهيرية

(11)

.

فإن قيل: التعليل بقوله: لأن

(12)

الهلاك في العقار نادر تعليل في موضع النص، وهو ما روي عن النبي عليه السلام

(13)

«أنّه نهى عن بيع ما لم يقبض»

(14)

، وأنه عام على ما ذكر من المبسوط فيتناول العقار وغيره، والتعليل بخلاف النص في موضع النص لا يقبل.

(1)

في (ع): عند.

(2)

في (ع): الانفساخ.

(3)

في (ع): فيستويان.

(4)

في (ع): انسداد.

(5)

[البقرة: 275].

(6)

في (ع): قبل.

(7)

في (ع): رضي الله عنه.

(8)

في (ع): يؤم.

(9)

جمال الدين أبو الفضل عبيد الله بن إبراهيم، انتهت إليه معرفة المذهب، والمعروف بأبي حنيفة الثاني، (ت 630 هـ). سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (22/ 345)، الوافي بالوفيات لصلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي، المحقق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، الناشر: دار إحياء التراث - بيروت، عام النشر: 1420 هـ- 2000 م، (19/ 229).

(10)

فتح القدير (6/ 513).

(11)

البناية شرح الهداية (8/ 249).

(12)

في (ع): بأن.

(13)

في (ع): صلى الله عليه وسلم.

(14)

تقدم.

ص: 46

قلنا: ذاك حديث خص منه مواضع فيخص العقار بهذا الدليل.

وذلك لأن معنى ما روى: نهى عن بيع ما لم يقبض، أي ما لم يقبض من ملكه الذي ثبت

(1)

ملكه بسبب من أسباب الملك.

ثم إن المرأة لو تصرفت في الصداق قبل قبضها بالبيع أو الهبة أو

(2)

غيرهما جاز، وكذلك الزوج في بدل الخلع

(3)

.

وكذلك رب الدين في الدين وملك

(4)

غيره وسلّطه

(5)

على قبضه يجوز.

وذكر

(6)

في المبسوط

(7)

: والحديث عام دخله خصوص؛ لإجماعنا

(8)

على جواز التصرف في الثمن والصداق قبل القبض، ومثل هذا العام يجوز تخصيصه بالقياس

(9)

، [فيحمل

(10)

على المنقول؛ بدليل ما ذكرنا، والدليل عليه أن حق الشفعة يثبت للشفيع قبل القبض، أي قبل قبض المشتري، والشفيع يتملك ببدل

(11)

، فلو كان العقار قبل القبض لا يحتمل التمليك ببدل لما ثبت للشفيع حق الأخذ قبل القبض، والغرر المنهي

(12)

غرر انفساخ

(13)

العقد.

والحديث معلول به، أي بذلك الغرر، والدليل عليه أن التصرف في الثمن قبل القبض جائز؛ لأنّه لا غرر في الملك، وكذلك التصرف في المهر قبل القبض جائز عندنا؛ لانعدام الغرر في الملك، فإن

(14)

بالهلاك لا يبطل ملكها، ولكن على الزوج قيمته لها، والدليل عليه أن التصرف الذي لا يمتنع بالغرر نافذ في المبيع قبل القبض وهو العتق

(15)

والتزويج، وبه

(16)

تبين

(17)

فساد قولهم: أن تأكد

(18)

الملك بتأكد

(19)

السبب، وذلك بالقبض؛ لأنا نقول أن العتق في استدعاء ملك تام في المحل فوق البيع، ثم يجوز ذلك في المبيع قبل القبض كذا في المبسوط

(20)

.

(1)

في (ع): يثبت.

(2)

في (ع): و.

(3)

الخلع لغة: من النزع والتجريد، تقول خلعت الثوب والرداء والنعل إذا نزعته وجردته، وخلع الرجل امرأته، واختلعت منه وخالعته إذا افتدت منه بمالها فطلقها وأبانها من نفسه. ينظر: لسان العرب مادة خلع (8/ 76)، المصباح المنير (1/ 178).

واصطلاحًا: مفارقة المرأة بعوض مأخوذ. ينظر: (تحرير ألفاظ التنبيه لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المحقق: عبد الغني الدقر، الناشر: دار القلم - دمشق، الطبعة: الأولى، 1408، ص 260)، (المطلع على ألفاظ المقنع ص 403).

(4)

في (ع): فهلك.

(5)

في (ع): وسلط.

(6)

في (ع): ذكر.

(7)

المبسوط (13/ 10).

(8)

في (ع): إجماعنا.

(9)

القياس: رد فرع إلى أصل بعلة جامعة بينهما. العدة في أصول الفقه (1/ 174).

(10)

في (ع): فيحمله.

(11)

في (ع): ببدله.

(12)

في (ع): النهي.

(13)

في (ع): الانفساخ.

(14)

في (ع): وإن.

(15)

في (ع): العين.

(16)

في (ع): به.

(17)

في (ع): يبين.

(18)

في (ع): تأكيد.

(19)

في (ع): بتأكيد.

(20)

المبسوط (13/ 10).

ص: 47

والأصل فيما يجوز تصرّفه قبل القبض وما لا يجوز هو أن كل عوض ملك بعقد ينفسخ العقد فيه بهلاكه قبل القبض لم يجز التصرف فيه؛ كالبيع والأجرة وبدل الصلح إذا كان معينًا، وما لا ينفسخ العقد فيه بهلاكه فالتصرف فيه جائز قبل القبض؛ كالمهر وبدل الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد

(1)

، وكان الفقه فيه أن المطلق للتصرف هو الملك وقد وجد، لكن الاحتراز عن الغرر واجب ما أمكن، فإذا كان يتوهم غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه لم يجز بناء عقد آخر عليه، وإذا لم يتوهم غرر

(2)

الانفساخ انتفى المانع، فجاز العقد، ولهذا

(3)

المعنى جوّز أبو حنيفة رضي الله عنه

(4)

.

وما لا يجوز بيعه قبل القبض فكذلك إجارته؛ لأن صحة

(5)

الإجارة بملك الرقبة، فإذا ملك التصرف في الرقبة -وهي الأصل- ملك في البائع

(6)

وما لا فلا، كذا في الإيضاح.

والإجارة قيل على هذا الاختلاف، وقبل

(7)

أنّه لا يجوز بلا خلاف، وهو الصحيح؛ لأن المنافع بمنزلة المفعول

(8)

والإجارة تمليك

(9)

المنافع فيمتنع جوازها لذلك، كذا في الفوائد الظهيرية

(10)

.

ومن اشترى مكيلاً كالحنطة

(11)

والشعير مكايلة، أي بشرط الكيل بأن قال: اشتريت هذا الطعام على أنه عشرة أقفزة

(12)

، أو موزونًا كالحديد والذهب موازنة، أي بشرط الوزن بأن قال: اشتريت هذا الحديد على أنه عشرة أمناء وقبضه، لا يجوز له أن يتصرف فيه قبل الكيل أو الوزن؛ لنهي النبي عليه السلام «عن بيع الطعام

الحديث»

(13)

.

ثم قال: ومن اشترى مكيلاً، مكايلة قيود بها يقع الاحتراز عن مسائل أخَر

(14)

.

قيّد بالاشتراء؛ لأنه إذا ملك مكيلًا أو موزونًا بهبة أو ميراث أو وصية جاز لمن ملك أن يتصرف فيه قبل القبض وقبل الكيل.

وقيّد بكون المكيل أو

(15)

الموزون مبيعًا حتى قال: ومن اشترى مكيلاً فإنه إذا كان ثمنًا يجوز التصرف فيه، وإن كان معينًا عندنا، على ما يجيء متصلًا بهذه المسألة.

(1)

في (ع): العقد.

(2)

في (ع): عقد.

(3)

في (ع): وبهذا.

(4)

المغني لابن قدامة (4/ 87).

(5)

في (ع): بصحة.

(6)

في (ع): البيع.

(7)

في (ع): قيل.

(8)

في (ع): المنقول.

(9)

في (ع): بتمليك.

(10)

فتح القدير (6/ 515).

(11)

الحنطة: القمح، جمع: حنط. المعجم الوسيط (1/ 202).

(12)

في (ع): العشرة.

(13)

تقدم.

(14)

العناية شرح الهداية (6/ 515).

(15)

في (ع): و.

ص: 48

وقيد بكونه مكايلة أو موازنة؛ لأنّه إذا باع المكيل أو الموزون مجازفة جاز التصرف فيه قبل القبض وقبل الكيل بالبيع أو بالأكل أو غيرهما على ما يجيء.

وإلى

(1)

هذا أشار في الإيضاح و الجامع الصغير لقاضي خان

(2)

.

فاكتاله أو اتزنه، أي كال لنفسه ووزن لنفسه.

ثم باعه مكايلة أو موازنة، أي ثم باع المشتري بشرط الكيل أيضًا فاشتراه

(3)

من المكيل

(4)

بشرط الكيل، لم يجز للمشتري [منه إن

(5)

لم يجز للمشتري] الثاني من المشتري الأول أن يبيعه حتى يعيد الكيل لنفسه، كما كان كذلك الحكم في حق [المشتري] الأول.

فإن اكتاله لنفسه حين اشتراه لم يكف

(6)

ذلك للمشتري الثاني، وإن كان ذلك الكيل يحضره

(7)

المشتري الثاني، فلذلك ذكر [في]

(8)

قوله في الكتاب: ثم باعه مكايلة أو موازنة؛ ليتحقق فيه اشتراط الكيلين.

وحاصله أن

(9)

ما إذا كان البيع والشراء مرتين في المكيلات بشرط الكيل لا بد أن يكون الكيل مرتين؛ عملًا بما روي عن النبي عليه السلام

(10)

: «نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان

(11)

، صاع البائع وصاع المشتري»

(12)

.

(1)

في (ع): إلى.

(2)

اللباب في شرح الكتاب (2/ 35).

(3)

في (ع): ما اشتراه.

(4)

في (ع): الكيل.

(5)

في (ع): أي.

(6)

في (ع): يكتف.

(7)

في (ع): بحضرة.

(8)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(9)

في (ع): أنه.

(10)

في (ع): صلى الله عليه وسلم.

(11)

الصاع هو الذي يكال به وتدور عليه أحكام المسلمين، وهو أربعة أمداد، كل مد أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما. وقد اختلف العلماء في مقدار الصاع فقال أبو حنيفة، ومُحَمَّد: ثمانية أرطال بالبغدادي وقال مالك، والشَّافِعِي، وأحمد بن حنبل: خمسة أرطال وثلث رطل بالبغدادي، وهو مذهب أهل الحجاز. والرطل البغدادي مائة وثمانية وعشرون درهماً، وأربعة أسباع درهم. وقيل: مائة وثمانية وعشرون درهماً. ومقدار الصاع عند الحنفية: 4 أمداد = 8 أرطال = 57، 1028 درهماً = 362، 3 لتراً = 5، 3261 غراماً، ومقداره عند غير الحنفية: 4 أمداد = 3/ 1، 5 رطلاً = 7، 685 درهماً = 748، 2 لتراً = 2172 غراماً. تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 518)، معجم لغة الفقهاء (1/ 270).

(12)

أخرجه ابن ماجه في كتاب التجارات – باب النهي عن بيع الطعام قبل ما لم يقبض (2228)، وحسنه الألباني.

ص: 49

وهذا الذي قلته إنما ينكشف ويتضح تمام انكشاف واتضاح بما ذكره الإمام المحقق ظهير الدين المرغيناني

(1)

رحمه الله في فوائده

(2)

فقال: أما المكيلات فهي على (أقسام ثلاثة)

(3)

:

منها ما يحتاج إلى الكيل مرتين، وهو السلم على ما يجيء -إن شاء الله تعالى-، وبيع العين بأن باع مكيلًا مكايلة بعدما اشتراه مكايلة يحتاج فيه إلى كيلين، ولا يكفي المشتري كيل البائع لنفسه، وإن كان بحضرته؛ للحديث الذي ذكرنا.

وما يحتاج فيه إلى صاع البائع وصاع المشتري إنما يكون فيما إذا كان شراؤه بشرط الكيل ثم يبيعه من غيره بشرط الكيل.

وإنما كان كذلك؛ لأن الكيل من تمام القبض فيما يبيع مكايلة، وأصل القبض شرط لجواز التصرف في المبيع

(4)

، فيكون تمام القبض شرطًا أيضًا، وذلك لأن القدر معقود عليه فيما بيع

(5)

مكايلة.

ألا ترى أنّه يلزم رد الزيادة إذا

(6)

ازداد، وينقص من الثمن حصة

(7)

ما انتقص، والقدر [والقبض] غير متعين قبل الكيل؛ لتوهم الزيادة والنقصان، ولا ينوب قبض المشتري الأول عن قبض المشتري الثاني، وإن كان بحضرته، فكذا الكيل الذي هو من تمام القبض.

ومن صورة المكيلات ما يكتفي فيه بكيل واحد، وهو القسم الثاني، وهو ما إذا اشترى المسلم إليه حنطة مجازفة، أو استفادهما

(8)

زراعة أو إرثًا

(9)

، أو استقرض حنطة على أنها كرثم أوفاها

(10)

رب السلم أو باعها مكايلة، احتيج فيه إلى كيل واحد، وهو كيل المشتري، أو كيل البائع بحضرة المشتري.

وإنما احتيج إلى كيل واحد؛ لإباحة التصرف؛ لأن

(11)

الكيل شرط لجواز التصرف فيما بيع مكايلة لمكان الحاجة إلى تعيين المقدار.

وإنما يكتفى به؛ لأن الكيل غير محتاج إليه فيما اشتراه مجازفة؛ لأن البيع وقع على المشار

(12)

إليه دون مقدار بعينه، وكذلك فيما استفاده زراعة أو إرثًا.

(1)

الحسن بن علي بن عبد العزيز بن عبد الرزاق ابن أبي النصر المرغيناني أبو المحاسن، ظهير الدين أستاذ مسعود بن الحسين الكشاني. روى عنه صاحب " الهداية "" كتاب الترمذي " بالإجازة. الجواهر المضية (2/ 378).

(2)

يعني الفوائد الظهيرية. انظر: البناية شرح الهداية (8/ 251).

(3)

في (ع): ثلاثة أقسام.

(4)

في (ع): البيع.

(5)

في (ع): يبيع.

(6)

في (ع): وإذا.

(7)

في (ع): حصته.

(8)

في (ع): استفادها.

(9)

في (ع): وزنا.

(10)

في (ع): إذا رآها.

(11)

في (ع): ولأن.

(12)

في (ع): مشار.

ص: 50

وكذلك فيما استفاده قرضًا بشرط الكيل، وإن كان الاستقراض تملكًا بعوض فكان كالشرى، إلا أنّه شرى صورة عادته حكمًا؛ لأن ما يرده عين المقبوض حكمًا، ولهذا لم يجب قبض بدله في حال الصرف، فكان تملكًا بغير عوض حكمًا.

ومن صورة المكيلات ما لا يحتاج فيه إلى الكيل أصلًا، وهو القسم الثالث، وهو ما إذا اشترى حنطة مجازفة وقبضها ثم باعها مجازفة؛ لأنه لا حاجة هنا إلى تعيين

(1)

المقدار بالكيل.

وأما إذا ملك المكيل ثمنًا على أنه كر فقبضه، ثم تصرف فيه قبل الكيل جاز؛ لأن الكيل من تمام القبض، والقبض أصله ليس بشرط في الأثمان، فكذلك

(2)

لا يشترط ما كان من تتماته

(3)

.

ولو اشتراها مكايلة ثم باعها من غيره مجازفة قبل الكيل وبعد القبض في ظاهر الرواية

(4)

لا يجوز؛ لما قلناه

(5)

.

وفي نوادر ابن سماعه

(6)

قال: يجوز.

بخلاف ما إذا باعه مجازفة وقبضه المشتري، حيث يجوز للمشتري أن يتصرف فيه قبل الكيل والوزن؛ لأنه لما اشتراه مجازفة ملك جميع ما كان مشارًا إليه فكان متصرفًا في ملك نفسه.

بخلاف القدر أي الكيل.

ولو كاله البائع بعد البيع بحضرة المشتري قيل: لا يكتفى به؛ لظاهر

(7)

الحديث

(8)

.

وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله: فإن كان البائع كاله قبل البيع بحضرة المشتري أو عند غيبته لا يكتفى به؛ لما ذكرنا أن المشتري لم يملك إلا مقدرًا، واحتمال الزيادة والنقصان ثابت.

وإن كاله

(9)

بعد البيع بحضرة المشتري قال: بعضهم يحتاج إلى الكيل ثانيًا؛ لظاهر

(10)

النص

(11)

.

(1)

في (ع): التعيين.

(2)

في (ع): وكذلك.

(3)

في (ع): تمامه.

(4)

المقصود ب (ظاهر الرواية) عند الحنفية هو ما روي عن الأئمة الثلاثة في المذهب أبي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف ومُحَمَّد وهي كتب مُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله التي رويت عنه بروايات ظاهرة ثابتة تصل إلى حد التواتر وهي ستة كتب (المَبْسُوط، الجامع الصغير، الجامع الكبير، السير الصغير، السير الكبير، الزيادات). رد المحتار (1/ 69).

(5)

في (ع): قلنا.

(6)

نوادر ابن سماعة: وهي مسائل جمعها ابن سماعة من كتب مُحَمَّد بن الْحَسَن والمسماة بالنوادر، وهي مسائل الطبقة الثانية، ليست من ظاهر الرواية، وذلك جمعت هذه الْمَسَائِل من قبل أصحابه وكل من جمع كتب باسمه، فسميت نوادر ابن سماعة، ونوادر ابن سليمان. ينظر كَشْف الظُّنُونُ (2/ 126).

(7)

في (ع): بظاهر.

(8)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/ 128).

(9)

في (ع): كان له.

(10)

في (ع): بظاهر.

(11)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 82).

ص: 51

وقال بعضهم: لا يشترط وهو الصحيح؛ لأن سبب وجوب الكيل هو البيع بشرط الكيل، ولم يوجد إلا بيع واحد، وبالكيل الواحد صار البيع معلومًا عند المشتري، وقد ذكرنا أن الحديث محمول على ما إذا وجد عقدان بشرط الكيل.

قلت: وبما

(1)

ذكر الإمام قاضي خان والإمام المرغيناني -رحمهما الله- يعلم أن

(2)

اشتراط الكيلين فيما إذا وجد العقدان بشرط الكيل، كما هو مقتضى لفظ الكتاب في أول المسألة أيضًا، وهو قوله: ومن اشترى مكيلًا مكايلة أو موزونًا موازنة فاكتاله أو

(3)

اتزنه ثم باعه مكايلة أو موازنة لم يجز للمشتري منه أن يبيعه حى

(4)

يعيد الكيل، ثم ذكر في آخر هذه المسألة في الكتاب بقوله: والصحيح أنّه يكتفى به، أي بالكيل الواحد، وهو يقتضي أن يكون وضع المسألة فيما إذا وجد عقد واحد بشرط الكيل؛ (لما أن)

(5)

الاكتفاء بالكيل الواحد في الصحيح من الرواية إنما هو في العقد الواحد بشرط الكيل.

وأمّا إذا وجد العقدان كل واحد منهما بشرط الكيل فالاكتفاء

(6)

بالكيل الواحد منهما

(7)

ليس بصحيح من الرواية، بل جواب المسألة فيه الكيلان لا غير على ما يقتضيه الصحيح من الرواية.

وأمّا على قول من تمسك بظاهر الحديث في تلك الصورة، أعني صورة وجود العقدين كل واحد منهما بشرط الكيل، فيجب أربع من الكيل؛ لأن كل واحد من العقدين عقد بشرط الكيل. ومن باع مكيلًا مكايلة أي بشرط الكيل، فعند من تمسك بظاهر الحديث فيه كيلان، فإذا وجد عقدان بذلك الوصف كان في كل واحد منهما كيلان فيهما أربع من الكيل لا محالة.

فعلى هذا التقدير الذي ذكرت

(8)

يلزم في لفظ الكتاب في وضع أول المسألة مع [هذا]

(9)

الحكم في آخرها نوع تناقض.

اللهم إلا أن يريد بما ذكر في آخر المسألة بقوله: والصحيح أنه يكتفى به آخر

(10)

البيعين، وهو البيع الثاني دون الأول؛ لما أنه لم يذكر في أول المسألة لفظ البيع إلا مرة واحدة، فجعل المقصود فيه البيع الثاني، وفي حقه أجري ذلك الحكم وجعل البيع المفهوم من قوله: ومن اشترى مكيلًا مكايلة غير ملتفت إليه فيما ذكر من الحكم في آخر المسألة.

ودل عليه قوله: ومحمل الحديث اجتماع الصفقتين على ما نبين

(11)

في السلم، فعلم بهذا (أنه أنكر)

(12)

اجتماع الصفقتين هنا

(13)

بهذا اللفظ، وليس ذلك إلا بأن يجعل الصفقة الأولى غير منظور إليها.

(1)

في (ع): ولما.

(2)

في (ع): أو.

(3)

في (ع): و.

(4)

في (ع): حتى.

(5)

في (ع): لأن.

(6)

في (ع): بالاكتفاء.

(7)

في (ع): فيهما.

(8)

في (ع): ذكر.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(10)

في (ع): أحد.

(11)

في (ع): تبين.

(12)

في (ع): أن.

(13)

في (ع): ههنا.

ص: 52

ثم صورة ما أحاله إلى باب السلم بقوله: على ما نبين

(1)

في باب السلم، هي

(2)

قوله في باب السلم: ومن أسلم في كر

(3)

فلما حل الأجل اشترى المسلم إليه من رجل كرًا وأمر رب السلم بقبضه، لم يكن قبضًا، وإن أمره أن يقبضه ثم بقبضه لنفسه فاكتاله له ثم اكتاله لنفسه جاز؛ لأنه اجتمعت الصفقتان بشرط الكيل، فلا بد من الكيل مرتين، (في هذا)

(4)

هو محمل الحديث.

ولو اشترى المعدود عدّا فهو كالمذروع فيما يروى عنهما، أي عن أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله-

(5)

.

وحاصل ذلك أن الأموال في هذا النوع من التقدير ثلاث

(6)

مقدرات، مثل: الكيلي والوزني، وعدديات

(7)

متقاربة، ومذروعات

(8)

، فالتصرف في ذلك كله قبل القبض باطل، وإن اشتراه

(9)

بشرط كيل أو وزن أو عدد أو ذرع وقبضه، فلا يجوز التصرف في المكيل والموزون قبل الكيل والوزن؛ لما روي عن النبي عليه السلام «أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان

(10)

الحديث»

(11)

، والنهي عن البيع يدل على الفساد إذا كان لمعنى في البيع، وهو جهالة المبيع، وفيه ذلك.

وأما في المذروعات فإن البيع جائز بعد القبض قبل الذرع، سواء اشترى مجازفة أو على أنّه عشرة أذرع؛ لأن المشتري ملك الثوب المشار إليه، وإن كان ذرعانه أكثر؛ لأن الذرع صفة، ألا ترى أنّه لو ذرع فازداد لم يرد شيئًا، ولو انتقص لم يرجع بشيء فلم يكن في ذلك جهالة.

وأما في العدديات

(12)

فإنه إذا اشترى المعدود مجازفة وقبضه جاز له التصرف قبل العد؛ لما ذكرنا في الكيلي والوزني، وإن اشتراه على أنه كذا وقبضه فباعه أو تصرف فيه تصرفًا آخر قبل العد لم يذكر هذا في الكتاب.

وروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه لا يجوز، وهو اختيار الكرخي

(13)

، وعنه في رواية أخرى أنّه يجوز، وهو قول أبي يوسف ومحمد، لهما أنه كما يجوز بيع الواحد بالاثنين في المذروعات يجوز في العدديات

(14)

، ولا يجوز في المكيلات وكأن العددي ملحق بالمذروع.

(1)

في (ع): يبين.

(2)

في (ع): وهي.

(3)

الكُرّ: مكيالٌ لأهل العراق، تَسَع فيه اثنا عشر وَسْقا. شمس العلوم (9/ 5711).

(4)

في (ع): وهذا.

(5)

البناية شرح الهداية (8/ 253).

(6)

في (ع): ثلاثة.

(7)

في (ع): عدديات.

(8)

الذِّراعُ: مَا يُذْرَعُ بِهِ. ذَرَع الثَّوْبَ وَغَيْرَهُ يَذْرَعُه ذَرْعاً: قدَّره بالذِّراع، فَهُوَ ذارِعٌ، وَهُوَ مَذْرُوع، وذَرْعُ كُلِّ شَيْءٍ: قَدْرُه مِنْ ذَلِكَ. والتذَرُّع أَيضاً: تَقْدِير الشَّيْءِ بذِراع الْيَدِ. لسان العرب (8/ 94).

(9)

في (ع): اشترى.

(10)

في (ت): الصاعان.

(11)

تقدم.

(12)

في (ت): المعدودات.

(13)

عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم أبو الحسن الكرخي، انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حَنِيفَةَ، وكان كثير الصوم والصلاة صبورًا على الفقر والحاجة مولده سنة ستين ومائتين وتوفي ليلة النصف من شعبان سنة أربعين وثلاث مائة. تاريخ الإسلام (15/ 426)، الجواهر المضية (1/ 337).

(14)

في (ت): المعدودات.

ص: 53

ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن التصرف في المكيل والموزون إنما كان حرامًا قبل الكيل؛ لاختلاط المبيع بغير المبيع، والاختلاط ههنا موجود

(1)

.

ألا ترى أن من اشترى جوازًا

(2)

على أنها ألف، فوجدها أكثر لا نسلم

(3)

له الزيادة، ولو كان أقل من ألف يسترد حصة النقصان من البائع، فإذا اشتركا في العلة اشتركا في الحكم، كذا ذكره الإمام فخر الإسلام وقاضي خان -رحمهما الله-.

والتصرف في الثمن قبل القبض جائز، وكذلك قبل الكيل والوزن فيما يكال ويوزن، سواء كان ذلك الثمن مما يتعين أو لا يتعين من المكيلات والموزونات، حتى أنه لو باع شيئًا بمكيل أو موزون على أنه كر وقبضه من غير كيل جاز له أن يتصرف فيه قبل الكيل؛ لأن التصرف في الثمن قبل القبض جائز، فقبل الكيل أولى.

وكذا

(4)

إذا ملك مكيلًا أو موزونًا بهبة أو ميراث أو وصية جاز له التصرف قبل القبض على ما ذكرنا.

وذكر في الإيضاح

(5)

: ويجوز التصرف في الأثمان قبل القبض.

وقال الشافعي: إن كانت عينًا لم يجز التصرف فيه؛ لأنه حال التعيين الثمن والمبيع سواء عنده؛ لما أن الأثمان يتعين

(6)

بالتعيين في العقود والفسوخ عنده، وإن لم يكن

(7)

معينة لم يجز أيضًا في أحد القولين؛ لأنه يقول: الثمن إذا لم يتعين فالمستحق بالعقد ما يعيّنه في الثاني من الزمان، والاستدلال [والاستبدال] يفوت هذا المعنى فلا يجوز كالمسلم فيه

(8)

.

ونحن نقول بأن الثمن ما وجب في الذمة، والقبض

(9)

لا يرد عليه حقيقة، فإنما

(10)

طريق قبضه أن يقبض مثله عينًا فيصير مضمونًا عليه فيلتقيان قصاصًا، وإذا كان طريق القبض هذا لم يقع التفرقة بين أن يكون المقبوض من جنسه أو من خلاف جنسه؛ لأنه مضمون بمعناه، والمقاصة يقع

(11)

بالمعنى.

وقد روي عن ابن عمر

(12)

رضي الله عنهما أنه قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع

(13)

، فنأخذ مكان الدراهم الدنانير ومكان الدنانير الدراهم، فكان

(14)

يجوّزه رسول الله عليه السلام

(15)

.

(1)

المبسوط (12/ 129).

(2)

في (ت): جوزًا.

(3)

في (ت): تسلم.

(4)

في (ت): وكذلك.

(5)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 234).

(6)

في (ت): تتعين.

(7)

في (ت): تكن.

(8)

فتاوى ابن الصلاح (1/ 284).

(9)

في (ت): فالقبض.

(10)

في (ت): وإنما.

(11)

في (ت): تقع.

(12)

عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوى أمه زينب بنت مظعون ولد سنة ثلاث من المبعث النبوي فيما جزم به الزبير بن بكار قال هاجر وهو ابن عشر سنين وكذا قال الواقدي حيث قال مات سنة أربع وثمانين. الإصابة في تمييز الصحابة لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى - 1415 هـ، (4/ 181).

(13)

البقيع بفتح أوّله، وكسر ثانيه، وعين مهملة: هو بقيع الغرقد، مقبرة المدينة. قال الأصمعي: قطعت غرقدات في هذا الموضع، حين دفن فيه عثمان بن مظعون، فسمّى بقيع الغرقد لهذا. وقال الخليل: البقيع من الأرض: موضع فيه أروم شجر، وبه سمّى بقيع الغرقد، والغرقد: شجر كان ينبت هناك. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1403 هـ، (1/ 265).

(14)

في (ت): وكان.

(15)

أخرجه أبو داود في "سننه"، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا - بيروت، في كتاب البيوع- باب في اقتناء الذهب من الورق (3354)، والترمذي "سننه"، تحقيق وتعليق: أحمد شاكر، الناشر: البابي الحلبي - مصر، الطبعة: الثانية، 1395 هـ - 1975 م، في كتاب البيوع- باب ما جاء في الصرف (1242)، والنسائي في "سننه الصغرى"، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب، الطبعة: الثانية، 1406 - 1986، في كتاب البيوع- باب بيع الفضة بالذهب وبيع الذهب بالفضة (4582)، وابن ماجة "سننه"، تحقيق: محمد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية - البابي الحلبي، في كتاب التجارات- باب اقتناء الذهب من الورق والورق من الذهب (2262)، وضعفه الألباني.

ص: 54

بخلاف السلم؛ لأنه [وإن كان ديناً]

(1)

ولكن الشرع جعل المقبوض في السلم حكم عين المستحق بالعقد؛ لأن الأصل فيه أن يكون مبيعًا، والاستبدال (عن المبيع)

(2)

لا يجوز.

ويجوز للمشتري أن يزيد البائع في الثمن إلى قوله: ويتعلق الاستحقاق بجميع ذلك، أي يتعلق حق المرتد له بجميع ذلك في الأصل والزيادة، سواء كان تابعًا أو مشتريًا حتى تملك البائع حبس المبيع حتى يستوفي المزيد عليه والزيادة

(3)

.

وكذلك المشتري فإنه لا يملك مطالبة المبيع من البائع حتى يدفع المزيد عليه والزيادة.

وفي صورة الحط يستحق المشتري مطالبة المبيع كله بتسليم ما بقي بعد الحط.

وكذلك إذا استحق المبيع يرجع المشتري على البائع بالأصل والزيادة.

وكذا

(4)

يستحق الشفيع الشفعة بما بقي بعد الحط.

ولا يشكل على هذا ما إذا زاد المشتري في شرى

(5)

العقار على أصل الثمن فللشفيع أن يأخذ شفعته لأصل

(6)

دون الزيادة، فلا يكون

(7)

الزيادة ملتحقة

(8)

بأصل العقد في حق الشفيع.

لما ذكر في الكتاب باق

(9)

البائع والمشتري لا يملكان إبطال حق

(10)

الثابت له بأصل الثمن، ويستوي أن تكون الزيادة من العاقدين أو من الأجنبي.

لأنه يصير ملكه عوض ملكه؛ لأن المشتري ملك المبيع قبل الزيادة، فلو زاد في الثمن مع ذلك كانت الزيادة لأجل ملك نفسه، وهو المبيع، وذلك لا يجوز كالمودع إذا اشترى الوديعة من المودع.

وهذا في حق الأجنبي أظهر، فإنه لا يملك شيئًا من المبيع، فكيف يلتزم

(11)

الثمن بمقابلة ما لا يملكه.

ألا ترى أن الزيادة في الصداق

(12)

لا يلحق

(13)

بأصل العقد، حتى لا ينتصف بالطلاق قبل الدخول، وقاساه بحط الكل

(14)

.

وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}

(15)

، أي من فريضة بعد الفريضة، وذلك تنصيص على أن حكم الزيادة المفروضة بعد العقد كحكم المفروض في العقد، إلا ما قام الدليل عليه، وقد قام الدليل على أنه لا ينتصف بالطلاق قبل الدخول إلا ما

(16)

تأكد بالتسمية في أصل العقد بالنص، ففيما سوى ذلك حكم الزيادة حكم الأصل.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

في (ت): بالمبيع.

(3)

العناية شرح الهداية (6/ 519).

(4)

في (ت): وكذلك.

(5)

في (ت): شراء.

(6)

في (ت): بالأصل.

(7)

في (ت): تكون.

(8)

في (ت): ملحقة.

(9)

في (ت): بأن.

(10)

في (ت): حقه.

(11)

في (ت): يلزم.

(12)

في (ت): المهر.

(13)

في (ت): تلتحق.

(14)

[النساء: 24].

(15)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (5/ 249).

(16)

في (ت): بما.

ص: 55

وأما قوله: أنه يلتزم

(1)

العوض عن ملكه، فقلنا: قيام العقد بقيام المعقود عليه، والمعقود عليه قام

(2)

في يد المشتري على وجه يجوز الاعتياض عنه، فصح منه التزام العوض بمقابلته أيضًا.

ولأنه تبع، والعوض بمقابلة الأصل دون السبع كما في أطراف الحيوان، كذا في المبسوط

(3)

.

لأن وصف الشيء يقوم به لا بنفسه.

فكذلك ههنا يقوم

(4)

الزيادة بالثمن لا بنفسها.

بخلاف حط الكل، حيث لا يلتحق بأصل العقد؛ لأن عمل الحط في إخراج القدر المحطوط من أن يكون ثمنًا، فالشرط فيه قيام الثمن، فأما حط الجميع فإنه غير مغير لوصف العقد؛ لأن الإنسان لا يكون مغبوبًا

(5)

بجميع الثمن، ولو التحق بأصل العقد فأما أن يفسد به العقد؛ لأنه يبقى بيعًا بلا ثمن، وقد علمنا أنهما لم يقصدا ذلك؛ لأنه (حينئذ يكون تغييرًا من)

(6)

مشروع إلى غير مشروع، أو يصير ذلك العقد هبة، وقد كان قصدهما التجارة في المبيع دون الهبة، فأما حط البعض فلو التحق بأصل العقد تحقق بمقصودهما

(7)

فيجوز، إلى هذا أشار في المبسوط

(8)

.

وعلى اعتبار الالتحاق جواب عن تعليل زفر والشافعي في أن الزيادة يصير ملكه عوض ملكه.

ويظهر حكم الاستحقاق

(9)

التولية، فإن البائع إذا حط بعض الثمن عن المشتري، ثم [إن]

(10)

المشتري إذا باعه بيع التولية، فقال الآخر: وليتك هذا الشيء يقع عقد التولية هذا على ما بقي من الثمن بعد الحط، وكان

(11)

الحط بعد العقد ملحقًا بأصل العقد.

ثم [إن]

(12)

الزيادة [لا تصح]

(13)

أي الزيادة في الثمن، أما الزيادة في المبيع بعد هلاك المبيع ففي البقالي يجوز ذلك، بخلاف الزيادة في الثمن في ظاهر الرواية، وهكذا ذكر ابن سماعة

(14)

.

(1)

في (ت): يلزم.

(2)

في (ت): قائم.

(3)

المبسوط (13/ 85).

(4)

في (ت): تقوم.

(5)

في (ت): مغبونًا.

(6)

في (ت): يكون حينئذ تغيير أمر.

(7)

في (ت): به مقصودهما.

(8)

المبسوط (13/ 86).

(9)

في (ت): الالتحاق في.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

في (ت): فكان.

(12)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(13)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(14)

مُحَمَّد بن سماعة بن عبد الله بن هلال، أبو عبد الله، التميمي فقيه، محدث، أصولي حافظ، حدث عن الليث ابن سعد وأبي يُوسُف ومُحَمَّد، وأخذ الفقه عنهما. الفَوَائِد البهية (ص 170)، الجواهر المضية (2/ 58).

ص: 56

وأما الزيادة في الثمن فلا يصح بعد هلاك المبيع على ظاهر الرواية

(1)

.

فقيد بظاهر الرواية؛ احتراز

(2)

عما روى الحسن عن أبي حنيفة -رحمهما الله- فقال: يصح زيادة الثمن بعد هلاك المبيع

(3)

.

وروى عن محمد أن شرط صحة زيادة الثمن كون المبيع قائلًا

(4)

للمقابلة في نفسه لا كونه قائلًا

(5)

للمقابلة في حق المشتري، حتى أن على هذه الرواية يصح الزيادة من المشتري في الثمن بعدما باع المشتري المبيع أو وهب وسلم أو تصدق وسلم؛ لأن المبيع بقي محلًا للمقابلة في نفسه.

وفي ظاهر الرواية لا يصح الزيادة؛ لأن المبيع لم يبق محلًا للمقابلة في (حق المشتري)

(6)

(7)

.

والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية؛ لأن طريق تصحيح الزيادة في الثمن بغير العقد، والعقد بعد هلاك المعقود عليه لا يقبل التغيير؛ لأن التغيير يرد على الموجود والعقد كلام كما وجد تلاشي وانعدم، وإنما يجعل باقيًا ببقاء محله، ومحله المبيع فإذا هلك المبيع فات محل العقد، فلا يبقى العقد فلا يمكن القول بالتغيير.

هذا الذي ذكرنا

(8)

في حكم الزيادة في المبيع أو الثمن، وأما حكم الحط فيقول: حط بعض الثمن صحيح، ويلتحق بأصل العقد كالزيادة، غير أن بين الزيادة والحط فرقًا من وجهين؛ أحدهما: أن الحط صحيح سواء بقي المبيع محلًا للمقابلة وقت الحط أو لم يبق، بخلاف الزيادة على ظاهر الرواية؛ لأن الحط إخراج ما تناوله الحط من أن يكون ثمنًا للحال، ويستند إلى حال كمال العدم، فيشترط له قيام الثمن لا قيام المبيع، وأما الزيادة فإثبات صورة المقابلة للحال، ويستند إلى حال كمال الثبوت، فيشترط لها قيام المبيع بشرط أن يكون محلًا للمقابلة.

والثاني: أن من اشترى عبدين صفقة واحدة بألف درهم، فحط عنه المشتري [البائع] مائة، كان الحط نصفين، ولو زاد المشتري مائة في هذه الصورة ينقسم الثمن على قدر قيمتهما، والفرق أن الحط يكون من الثمن، ولا تعلق له بالمبيع، فإذا قال: حططت عن ثمنهما مائة فقد أدخلهما في الحط على السواء، فانقسم الحط عليهما نصفين، بخلاف الزيادة في الثمن؛ لأنها تقابل المبيعين، وقد قابلهما بهما مطلقًا، والمقابلة المطلقة يقتضي

(9)

الانقسام على المتيقن [المتعين]، وهذا وباقي المسائل التي تتعلق بمسألتنا هذه مذكورة في الذخيرة

(10)

.

(1)

الجوهرة النيرة لأبي بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي الزَّبِيدِيّ اليمني الحنفي، الناشر: المطبعة الخيرية، الطبعة: الأولى، 1322 هـ (1/ 211).

(2)

في (ت): احترازًا.

(3)

فتح القدير (6/ 522).

(4)

في (ت): قابلًا.

(5)

في (ت): قابلًا.

(6)

في (ت): نفسه.

(7)

البناية شرح الهداية (8/ 254).

(8)

في (ت): ذكرناه.

(9)

في (ت): تقتضي.

(10)

المحيط البرهاني (6/ 483).

ص: 57

وفي البقالي والفرق بين الزيادة في المبيع حيث

(1)

يجوز بعد هلاك المبيع؛ لأنها تثبت بمقابلة الثمن، والثمن قائم بخلاف الزيادة في الثمن؛ لأنها تثبت بمقابلة المبيع، هكذا وجدت بخط شيخي رحمه الله

(2)

.

وفي المبسوط

(3)

: وكذلك لا (يثبت بالزيادة)

(4)

بعد العتاق والتدبير؛ لأنه لم يبق المعقود عليه على وجه يجوز الاعتياض عنه، وهذا لأنه لا بد لإثبات الزيادة عوضًا من

(5)

اعتبار الحال ثم الاستناد إلى وقت العقد، وقد تعذر إثباتها في الحال فلا يظهر فيها حكم الاستناد كما قلنا في البيع الموقوف: أنّه لا بد من قيام المعقود عليه عند الإجارة؛ ليثبت الملك مستندًا إلى وقت العقد، وبالاتفاق في البيع بشرط الخيار للبائع، وعلى هذا الحط إلا أن عمل الحط في إخراج القدر المحطوط من أن يكون ثمنًا، فالشرط فيه قيام الثمن لا قيام المعقود عليه والثمن باق، فيثبت الحط على سبيل الالتحاق بأصل العقد.

لأنه، أي لأن المبيع بحال يمكن إخراج البدل عما يقابله معنى لا يمكن إثبات الثمن بمقابلة الهالك، ويمكن إخراج الثمن وإسقاطه

(6)

بمقابلة الهالك؛ لأن الحط يلائم الهالك

(7)

.

وقد ذكرناه

(8)

، أي وقد ذكرنا أن الجهالة اليسيرة متحملة في الكفالة

(9)

، وفي تأجيل الدين كما في الحصاد والدياس

(10)

.

بخلاف الجهالة في البيع

(11)

إلى أجل مجهول حيث لا يصح

(12)

، وإن كانت الجهالة يسيرة من قبل، أي في أواخر باب البيع الفاسد صار مؤجلًا؛ لما ذكرنا، وهو قوله: لأن الثمن حقه، إلا القرض فإن تأجيله لا يصح، أي لا يلزم، لكن هذا التأويل

(13)

وهو قولنا: أي لا يلزم إنما يصح على تقدير النكتة الأولى، وهي عند إلحاق الفرض بالعارية

(14)

نظرًا إلى حالة الابتداء، وأما على تقدير النكتة الثانية، وهي إلحاقه بالمعاوضة نظرًا إلى حالة الانتهاء، فكان قوله: لا يصح

(15)

على حقيقته، إذ في جوازه يلزم الربا، والربا حرام محض، فلا يصح التأجيل أصلًا، لكن المعوّل هو النكتة الأولى؛ لانفتاح باب القرض إجماعًا، وفي النظر إلى جانب المعاوضة يلزم انسداد بابه وهو متروك بالاتفاق، ثم معنى قولنا: لا يلزم التأجيل، أي لمن أجل إبطاله، كما في تأجيل العواري، وهذا بخلاف ما إذا أوصى أن يقرض من ماله ألف درهم فلانًا، أي ههنا يلزم التأجيل مع أن فيه تأجيل القرض أيضًا، لكن ذاك باعتبار الوصية، وفي الوصية يلزم ما لا يلزم في غيره، ألا ترى أنه لو أوصى بثمرة بستانه لفلان تنصّح ويلزم، وإن كانت الثمرة معدومة وقت الوصية، فكذلك ههنا يلزم التأجيل في القرض حتى لا يجوز للورثة أن يطالبوا الموصى له بالاسترداد قبل السنة، كما في الوصية بالخدمة والسكنى، حيث يصح

(16)

الوصية فيهما ويلزم تنفيذه، فكذلك في الإقراض والجامع بينهما معنى التبرع بالمنافع، وهذه المسألة مبسوطة في شرح الطحاوي

(17)

، ولكن حاصل ذلك ما ذكر في الكتاب، وذكر في شرح الأقطع: ولو شرط الأجل في ابتداء القرض بطل الشرط وصح (القرض، فكذلك)

(18)

إذا شرطاه في الثاني، والله أعلم بالصواب.

(1)

في (ت): بحيث.

(2)

البحر الرائق (6/ 130).

(3)

المبسوط (13/ 85).

(4)

في (ت): تثبت الزيادة.

(5)

في (ت): عن.

(6)

الإْسْقَاطُ لُغَةً: الإْزَالَةُ، وَاصْطِلَاحًا: إِزَالَةُ الْمِلْكِ أَوِ الْحَقِّ لَا إِلَى مَالِكٍ أَوْ مُسْتَحِقٍّ. الموسوعة الفقهية الكويتية (1/ 143).

(7)

في (ت): الهلاك.

(8)

العناية شرح الهداية (6/ 453).

(9)

الكفالة: وهي في اللغة: الضم، وفي المغرب: الكفيل: الضامن، والكفالة ضم ذمة إلى ذمة في حق المطالبة. أنيس الفقهاء (1/ 81).

(10)

الدِّياس: هو أن يدوس أهلُ الولاية ضروعهم، والدياسة في الطعام أن يوطأ بقوائم الدواب ويكرر عليه المدوس يعني الجرجر حتى يصير تِبناً. التعريفات الفقهية (1/ 97).

(11)

في (ت): المبيع.

(12)

في (ت): تصح.

(13)

التأويل: تفسير ما يؤول إليه الشيء. وقد أولته وتأولته تأويلاً بمعنى. (الصحاح 4/ 255).

(14)

العاريَّة: معروفة، ومعناها: إباحة المنافع، وقيل: هي تمليك المنافع، والأول أصح، لأنها لو كانت تمليك المنافع لكان للمستعير أن يعيرها، وأن يؤاجرها. شمس العلوم (7/ 4821).

(15)

في (ت): تصح.

(16)

في (ت): تصح.

(17)

فتح القدير (6/ 524).

(18)

في (ت): العقد فكذا.

ص: 58

‌باب الربا

لما ذكر أبواب البيوع التي أمر الشارع بمباشرتها بقوله تعالى: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}

(1)

ذكر [في] هذا الباب أنواع البيوع التي نهى الشارع عن مباشرتها بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا}

(2)

، وقد نبهت مرارًا بأن النهي يعقب الأمر ويقفوه؛ لما أن المنع

(3)

يقتضي سبق الوجود، ثم للربا تفسير لغوي وشرعي، أما اللغة: فهو

(4)

الزيادة، من ربا المال زاد، وينسب

(5)

إليه فيقال

(6)

: ربوي بكسر الراء، ومنه الأشياء الربوية، وفتح الراء خطأ، كذا في المغرب

(7)

.

وأما الشرعي فيذكر

(8)

بعد [هذا]

(9)

.

اعلم أن الله تعالى جعل المال سببًا لإقامة مصالح العباد في الدنيا، وشرع التجارة لها طريقًا، والتجارة نوعان حلال، يسمى في الشرع: بيعًا، وحرام يسمى: ربا، وكل واحد منهما تجارة، والأصل فيهما قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(10)

.

و

(11)

حد البيع: مبادلة المال بالمال، وهذا أمر كان معهودًا بينهم، والشرع جاء بتقريرهم على ذلك.

وقوله

(12)

تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(13)

، هذا مجمل، فإن الربا في اللغة: عبارة عن الفضل والزيادة على ما ذكرنا، وليس المراد بهذا مطلق الفضل بالاتفاق، إذ البيع ما شرع في أصله إلا لاكتساب الفضل.

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أبواب الربا

(14)

، وكان من أرباب اللسان.

واختلفت الصحابة رضي الله عنهم في الربا، وكان من مذهب ابن عباس [رضي الله عنهما]

(15)

أن لا ربا إلا في النسيّة

(16)

، ثم رجع عن ذلك

(17)

، فدل اختلافهم أن المراد بالكتاب ليس بمطلق

(18)

الفضل، وإنما المراد به فضل مخصوص بجهة.

(1)

[الجمعة: 10].

(2)

[آل عمران: 130].

(3)

في (ت): البيع.

(4)

في (ت): فهي.

(5)

في (ت): إذ ينسب.

(6)

في (ت): فتقول.

(7)

المُغْرِب في ترتيب المعرب لأبي الفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي بن المطرز حقق الْكِتَاب محمود فاخوري وعبدالحميد مختار وطبعته مكتبة أسامة بن زيد في سوريا.

(8)

في (ت): فنذكره.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(10)

[البقرة: 275].

(11)

في (ع): أو.

(12)

في (ع): وقال.

(13)

[البقرة: 275].

(14)

أخرجه البخاري في كتاب الأشربة - باب الخمر من العنب (5581)، ومسلم في كتاب التفسير - باب في نزول تحريم الخمر (3032).

(15)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(16)

أخرجه البخاري في كتاب البيوع - باب بيع الدينار بالدينار (2178)، ومسلم في كتاب المساقاة - باب بيع الطعام مثلًا بمثل (1596).

(17)

أخرجه ابن ماجه في كتاب التجارات - باب من قال: لا ربا إلا في النسيئة (2258)، وصححه الألباني، وانظر: إرواء الغليل (5/ 186).

(18)

في (ت): مطلق.

ص: 59

واختلفوا في ذلك، قال علماؤنا رحمهم الله: الربا نوع بيع فيه فضل مستحق لأحد المتعاقدين، خال عما يقابله من عوض شرط في هذا العقد، وعلى هذا سائر أنواع [البيوع] الفاسدة؛ كالبيع بأجل مجهول، أو بشرط منفعة لأحد المتعاقدين، وما أشبه ذلك، من قبيل الربا بتقدير فضل مستحق خال عما يقابله من العوض المشروط، فكان معنى اللغة وهو الفضل معتبرًا

(1)

.

وعند الشافعي رحمه الله: البيع هو التصرف المشروع بحده، والربا اسم جعل علمًا على تصرف ينشئه العبد لا على الحد المشروع

(2)

، من غير اعتبار معنى اللغة فيه، بل صار يعرف استعمال الشرع موضوعًا لهذه الجملة، فعلى ما عليه قاعدة الخصم لا طريق لمعرفة البيع والربا إلا من جهة الشارع؛ لأن البيع هو التصرف [المشروع]، والربا ما ليس بمشروع، والمشروعية تتلقى من قبل الشارع، وعلى ما عليه قاعدة كلامنا صفة المشروعية تثبت لأصل البيع الذي كان متعارفًا بين أهل اللسان، فإن الله تعالى أثبت الحل للبيع، فانصرف إلى البيع المعهود؛ لأن اللام للتعريف، والربا مخصوص من هذه الجملة بإثبات وصف التحريم.

والدليل على حرمة الربا: الكتاب والسنة.

أما الكتاب فقوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا}

(3)

، وقد ذكر الله تعالى لآكل الربا (خمسًا من العقوبات أحدها)

(4)

: التخبط، قيل في معناه: ينتفخ بطنه يوم القيامة بحيث لا تحمله قدماه، وكلما رام القيام يسقط

(5)

، فيكون بمنزلة الذي أصابه مس من الشيطان، فيصير كالمصروع الذي لا يقدر على أن يقوم.

والثاني: المحق، والمراد به: الهلاك والاستئصال، وقيل: ذهاب البركة والاستمتاع حتى لا ينتفع هو به ولا ولده بعد موته.

والثالث: الحرب.

والرابع: الكفر، قال الله تعالى:{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)}

(6)

، وقال:{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)}

(7)

، أي كفار باستحلال الربا.

والخامس: الخلود في النار

(8)

.

والسنة جاءت بتأييد ما قلنا فإن النبي عليه السلام قال: «أكل درهم واحد من الربا أشد من ثلاث وثلاثين زنية يزنيها الرجل»

(9)

، ومن نبت لحمه بحرام فالنار أولى به

(10)

، والمقصود من بيان كتاب البيوع بيان الحلال الذي هو بيع شرعًا، والحرام

(11)

الذي هو ربا، ولهذا لما قيل لمحمد رحمه الله: ألا تصنف [لنا]

(12)

شيئًا من الزهد [في كتابك]

(13)

، قال:

(14)

قد صنفت كتاب البيوع

(15)

، ومراده بينت فيه ما يحل ويحرم، وليس [هذا]

(16)

الزهد إلا الاجتناب من الحرام، والرغبة في الحلال، ولهذا بدأ الكتاب بحديث رواه عن أبي حنيفة عن عطية العوفي

(17)

، وعن أبي سعيد الخدري

(18)

رضي الله عنهم، عن رسول الله عليه السلام أنه قال:«الذهب بالذهب مثل بمثل يد بيد والفضل ربا، والفضة بالفضة مثل بمثل ويد بيد والفضل ربا»

(19)

، وكذا عد الحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، على هذا الطريق، وهذا حديث مشهور تلقته العلماء بالقبول والعمل به.

(1)

البناية شرح الهداية (8/ 260).

(2)

المرجع السابق.

(3)

[البقرة: 275].

(4)

في (ت): خمس عقوبات أحدها.

(5)

في (ت): سقط.

(6)

[البقرة: 278]

(7)

[البقرة: 276].

(8)

المبسوط (12/ 109).

(9)

أخرجه أحمد في «مسنده» ، المحقق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001 م، (5/ 225)، ورواه سليمان بن أحمد، أبو القاسم الطبراني، في "المعجم الأوسط"، المحقق: طارق بن عوض الله، الناشر: دار الحرمين - القاهرة، (1/ 142)، وأبو الحسن علي بن عمر الدارقطني في سننه (295)، حققه وضبط نصه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط، حسن عبد المنعم شلبي، عبد اللطيف حرز الله، أحمد برهوم، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2004 م، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها"، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة: الأولى (1033).

(10)

أخرجه الإمام أحمد في المسند (14441)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519).

(11)

الحرام، ضد الواجب، وهو ما ذم فاعله شرعًا. شرح مختصر الروضة لسليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصري، أبي الربيع، نجم الدين، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1407 هـ/ 1987 م، (1/ 359).

(12)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(13)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(14)

في (ت): فقال.

(15)

المبسوط (12/ 110).

(16)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(17)

عطية بن سعد بن جنادة العوفيّ الجدلي القيسي الكوفي، أبو الحسن: من رجال الحديث. كان يعدّ من شيعة أهل الكوفة. خرج مع ابن الأشعث، ثم لجأ إلى فارس. واستقر بخراسان بقية أيام الحجاج، فلما ولي العراق عمر بن هبيرة أذن له في القدوم فعاد إلى الكوفة، وتوفي بها. الأعلام (4/ 237).

(18)

سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد، صحابي، كان من ملازمي النبي عليه الصلاة والسلام، وروى عنه أحاديث كثيرة، غزا اثنتي عشرة غزوة، وله 1170 حديثا، توفي في المدينة، (ت 74 هـ). الاستيعاب (2/ 602).

(19)

أخرجه البخاري في كتاب البيوع- باب بيع الفضة بالفضة (2177)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب الربا (1584).

ص: 60

ومدار هذا الحديث على أربعة نفر من الصحابة عمر بن الخطاب

(1)

، وعبادة بن الصامت

(2)

، وأبي سعيد الخدري، ومعاوية بن أبي سفيان

(3)

رضي الله عنهم، مع اختلاف ألفاظهم، كذا في المبسوط والإيضاح

(4)

.

قوله رحمه الله: الربا في كل مكيل أو موزون، أي حكم الربا الذي هو حرمة الفضل والنسيئة ثابت أو جار في كل مال هو قابل للكيل أو الوزن.

وقوله: بيع بجنسه، صفة للنكرة، وهي مكيل أو موزون من، أي تلك الحرمة وهي حرمة الفضل وحرمة النساء جميعًا إنما يكون في مكيل إذا بيع تمليك من جنسه، وكذلك في الموزون.

فالعلة

(5)

: الكيل مع الجنس، أي علة وجوب المساواة التي يلزم عند فوتها الربا: الكيل مع الجنس، أو الوزن مع الجنس.

ويقال: القدر مع الجنس، وهو أشمل؛ لأنه يتناول الكيل والوزن معًا، بخلاف لفظ الكيل؛ لأنه لا يتناول الوزن، ولفظ الوزن لا يتناول الكيل، وأما لفظ القدر فيشملهما معًا.

ثم قوله: الحنطة بالحنطة ليس المراد منه بيع ما ينطلق عليه اسم الحنطة [بالحنطة]، فإن بيع حبّة [من حنطة] بحبّة منها لا يجوز؛ لعدم التقوم مع وجود اسم الحنطة فيها

(6)

، علم بهذا أن المراد منها حنطة موصوفة بوصف، وهي الحنطة التي تدخل تحت المماثلة؛ بدلالة قوله: مثلًا بمثل.

(1)

عمر بن الخطّاب بن نفيل القرشي العدوي رضي الله عنه، ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان إليه السفارة في الجاهلية، وكان عند المبعث شديدًا على المسلمين، ثم أسلم، فكان إسلامه فتحًا على المسلمين، وفرجا لهم من الضيق. قتله أبو لؤلؤة فيروز الفارسيّ غيلة، بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح. الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 484)، الأعلام (5/ 45).

(2)

عبادة بن الصامت بن قيس يكنى: أبا الوليد، عقبي، بدري، أحدي، شجري، نقيب، شهد المشاهد، وسعد بعقد المعاقد حين بايعوا الرسول على النصرة والتعاضد، وتوفي ببيت المقدس، وقيل: بالرملة، سنة أربع وثلاثين، وهو ابن اثنين وسبعين سنة. معرفة الصحابة (4/ 1919)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، المحقق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 1992 م (2/ 807).

(3)

معاوية بن أبي سفيان واسم أبي سفيان: صخر بن حرب بن أمية، يكنى: أبا عبد الرحمن، كان من الكتبة الحسبة الفصحة، أسلم قبيل الفتح، وقيل: عام القضية وهو ابن ثماني عشرة، وعده ابن عباس من الفقهاء، توفي للنصف من رجب سنة ستين، وله نحو من ثمانين سنة. معرفة الصحابة (5/ 2496)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 1461).

(4)

البناية شرح الهداية (8/ 261).

(5)

في (ت): والعلة.

(6)

في (ت): فيمها.

ص: 61

والمراد بالمماثلة: المماثلة من حيث الكيل في المكيلات، ومن حيث الوزن في الموزونات.

[ومعنى قوله: علة الربا القدر والجنس علة وجوب للسيادات التي يلزم عند كون الربا أو علة كون المال ربوياً أو علة حرمة الفضل]؛ بدلالة ما يروى فيه بروايات أخر: كيلًا بكيل، [أو]

(1)

: وزنًا بوزن

(2)

، مكان قوله: مثلًا بمثل، وكذلك ليس المراد (من المماثلة)

(3)

من حيث الصفة؛ بدلالة حديث عبادة بن الصامت قال: جيدها ورديها سواء

(4)

، وكذلك في حديثه أيضًا: تبره وعينه سواء

(5)

، وهذا تنصيص على أن المراد من المماثلة من حيث الكيل والوزن دون الصفة، وكلام رسول الله عليه السلام يفسر بعضه بعضًا.

ثم معنى قوله عليه السلام: «الحنطة بالحنطة»

(6)

أي بيعوا الحنطة بالحنطة، وذلك لأن (الباء كلمة)

(7)

إلصاق دخلت على الاسم، فيقتضي إضمار الفعل لا محالة، كقولنا: بسم الله [الرحمن الرحيم]

(8)

، وذلك الفعل المضمر على تقدير رواية الرفع: بيع الحنطة بالحنطة، وعلى تقدير النصب: بيعوا، ثم الدليل على إضمار بيعوا قوله عليه السلام في حديث آخر:«لا تبيعوا البر بالبر إلا سواء بسواء»

(9)

، والنهي عن الشيء أمر بضده، والأمر للوجوب، والبيع في نفسه مباح لا يأثم تاركه، فلا بد من صرف الأمر إلى معنى يتحقق به الوجوب، وهو وجوب التسوية؛ بدلالة قوله: إلا سواء بسواء، أو بدلالة قوله:[إلا]

(10)

مثلًا بمثل.

وقد ذكرنا أن المراد بالمثل لقدر

(11)

، فكم من شيء يكون مباحًا في نفسه ولكن يكون واجب الرعاية في صفته وقت مباشرة ذلك الفعل المباح

(12)

؛ كالنكاح، فإنه أمر مباح في نفسه، ولكن عند مباشرته يلزم إحضار الشهود، وكصلاة

(13)

النافلة

(14)

أمر مندوب في نفسها، ولكن عند الإقدام عليها يجب على من أقدم استحضار ما تصح به الصلاة من شروطها حسب وجوبه في صلاة الفرض.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

أخرجه أحمد (7171)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.

(3)

في (ت): بالمماثلة المماثلة.

(4)

هذا اللفظ غير محفوظ، ولكن معناه في حديث بيع التمر الجمع بالجنيب الذي أخرجه البخاري في كتاب البيوع - باب إذا أراد بيع تمر بتمر (2201)، ومسلم في كتاب المساقاة - باب بيع الطعام مثلًا بمثل (1593) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

أخرجه أبو داود في كتاب البيوع - باب في الصرف (3349)، وصححه الألباني.

(6)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1588).

(7)

في (ت): وكلمة الباء كلمة.

(8)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(9)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1587)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

في (ت): القدر.

(12)

المباح: كل فعل مأذون فيه لفاعله، لا ثواب له في فعله، ولا عقاب في تركه. ينظر:(العدة في أصول الفقه 1/ 167).

(13)

في (ت): كصلاة.

(14)

النَّافِلَةُ في الصلاة زيادة على الفريضة و الجمع (نَوَافِلُ). المصباح المنير (2/ 619).

ص: 62

وأما رواية: بيع الحنطة فهو إخبار في معنى الأمر، فكان

(1)

كل ما ذكر في حق الأمر مذكورًا في حقه.

ثم المراد من قوله: مثل بمثل المماثلة من حيث القدر دون الوصف وقد ذكرناه.

ومن قوله: يدًا بيد المراد [به]

(2)

عندنا عين بعين، وعند الشافعي رحمه الله: قبض بقبض.

والفضل ربا، فتأويله عندنا: الفضل من حيث الكيل حرام، وعند الشافعي تأويله: فضل ذات أحدهما على الآخر حرام، إلى هذا أشار (القاضي الإمام)

(3)

أبو زيد

(4)

رحمه الله.

والحكم معلول بإجماع القايسين؛ احترازًا عن قول داود

(5)

من المتأخرين وقول عثمان البتي

(6)

من المتقدمين، فعندهما حكم هذا النص غير معلول بالعلة المتعدية إلى غيرها، بل الحكم مقصور على هذه الأشياء الستة، كذا في المبسوط

(7)

.

والجنسية شرط، أي شرط لعمل العلة عملها، حتى لا يعمل العلة وهي الطعم في المطعومات، والثمنية في المثمنيات عنده إلا عند وجود الجنسية.

ولا يجعل هو للجنسية أثرًا في تحريم النساء، وعندنا الجنسية بانفرادها يحرم النساء، حتى أنه لو أسلم هرويًا في ثوب هروي لا يجوز عندنا، وعند الشافعي رحمه الله يجوز؛ بناءً على أن الجنسية (عنده شرط)

(8)

، كذا في المبسوط

(9)

.

فعلم بهذا أن فائدة كون الجنسية شرطًا عنده واحد

(10)

وصفي علة الربا عندنا إنما يظهر فيما إذا وجدت الجنسية في غير الأموال الربوية هل يحرم النساء، كما لو أسلم ثوبًا هرويًا في ثوب هروي، عندنا لا يجوز؛ لوجود أحد وصفي العلة، فيثبت الحكم على حياله

(11)

بحسب قوله، وذلك حرمة النساء، وعنده يجوز؛ لأن الجنسية عنده شرط العلة، وإنما يعمل

(12)

العلة عند وجود شرطها؛ لأن الشرط يعمل شيئًا من العمل عند عدم العلة.

(1)

في (ت): وكان.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

في (ت): الإمام القاضي.

(4)

عبدالله بن عمر بن عيسى الدبوس، أبو زيد. نسبته إلى دبوسية، قرية بين بخارى وسمرقند، من أكبر أكابر فقهاء الحنفية. من تصانيفه:(الْأَسْرَارِ في الأصول والفروع)، و (تقويم الأدلة في الأصول). الجواهر المضية (1/ 279)، الأَعْلَام للزركلي (4/ 109).

(5)

داود بن علي بن خلف الأصفهاني: ولد سنة 202 ومات سنة 270، وأخذ العلم عن إسحاق بن راهويه وأبي ثور، وكان زاهداً متقللاً، وكان من المتعصبين للشافعي، وصنف كتابين في فضائله والثناء عليه وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد. طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي، المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار الرائد العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1970، (1/ 92).

(6)

عثمان البتي، فقيه البصرة، أبو عمرو، بياع البتوت وأصله من الكوفة. حدث عن: أنس بن مالك، والشعبي، وعبد الحميد بن سلمة، والحسن. سير أعلام النبلاء (6/ 148).

(7)

المبسوط (12/ 112).

(8)

في (ت): شرط عنده.

(9)

المبسوط (12/ 122).

(10)

في (ت): وأحد.

(11)

في (ت): حاله.

(12)

في (ت): تعمل.

ص: 63

والمساواة مخلص، أي يتخلص

(1)

من الحرمة بسبب المساواة، وينتفي

(2)

الحرمة عند ذلك.

لأنه، أي لأن الشارع نص على شرطين، وهما التقابض والمماثلة.

لأنه قال: يدًا

(3)

بيد، مثل بمثل، أي قابضًا يدًا بيد، ومماثلًا بمماثل آخر، وهما نصب على الحال، والعامل فيه الفعل المضمر الذي اقتضاء

(4)

الجار في قوله: الحنطة بالحنطة، أي بيعوا الحنطة بالحنطة في هاتين الحالتين، والأحوال شروط كما في قوله: إن دخلت الدار راكبة فأنت طالق، إلا أنه عدل عن النصب إلى الرفع الذي يدل على الابتداء؛ للدلالة على الثبوت، والدليل على هذا رواية النصب بقوله: إن دخلت الدار راكبة فأنت طالق، إلا أنه عدل عن النصب إلى الرفع الذي يدل على الابتداء؛ للدلالة على الثبوت، والدليل على هذا رواية النصب بقوله: يدًا بيد مثلًا بمثل، وكل ذلك يشعر بالعزة، أي توقيف حل البيع في هذه الأشياء إلى اشتراط التقابض والمماثلة يعلم على أن الموقوف الذي حل بيعه إلى وجود الشرائط

(5)

عظيم الخطر وجليل القدر عند الشارع.

ألا ترى أن واحدًا من الخلفاء والسلاطين عند جلالة قدره وعظمة حاله كيف يعسر وصوله إلى شرائط ومقدمات؛ من اشتماله قلوب الحجاب،

(6)

واسترضاء الوزراء والكتّاب بالصلات

(7)

والجوائز، فيجعل ذلك دليل عن من توقف أمره إلى شرائط ومقدمات فيما بيننا، فكذلك

(8)

ههنا، فلا

(9)

توقف أمر حل تناول هذه الأشياء في البياعات إلى مقدمات من اشتراط التقابض والمماثلة بالاتفاق وجب أن يعلل بعلة تناسب خطرها وهي الطعم والثمنية، كما في النكاح لما عظم أمر الفروج

(10)

توقف حل تناوله إلى شرائط ومقدمات، خصوصًا على أصله من عبارة الرجال وحضور الولي والشهود.

ولا أثر للجنسية في ذلك فجعلناه شرطًا، والحكم قد يدور مع الشرط

(11)

.

(1)

في (ت): مخلص.

(2)

في (ت): فتنتفي.

(3)

في (ت): يد.

(4)

في (ت): اقتضاه.

(5)

في (ت): الشرط.

(6)

الحاجب: الَّذِي يحجب الْملك يحجب النَّاس عَنهُ وَأَرَدْت أمرا فحجبني عَنهُ فلَان مَنَعَنِي وَهُوَ حَاجِب لي. اتفاق المباني وافتراق المعاني، لسليمان بن بنين بن خلف بن عوض، تقيّ الدين، الدقيقي المصري، المحقق: يحيى عبد الرؤوف جبر، الناشر: دار عمار - الأردن، الطبعة: الأولى، 1405 هـ 1985 م، (1/ 222).

(7)

الصِّلَة: الوصل. شمس العلوم (11/ 7180).

(8)

في (ت): وكذلك.

(9)

في (ت): فلما.

(10)

في (ت): الفرج.

(11)

يَدُورُ، دَوْرًا" ودَوَرَانًا طاف به، وقولهم "دَارَتِ" المسألة أي كلما تعلقت بمحلّ توقف ثبوت الحكم على غيره فينقل إليه ثُمَّ يتوقف على الأول. المصباح المنير (ص: 107).

ص: 64

وهذا الدفع شبهة ترد على جعله الطعم والثمنية علة بأن يقال: كما أن الطعم والثمنية موجودان في هذه الأشياء الستة فالجنسية أيضًا موجودة، وكما أن [دوران]

(1)

حكم الربا موجود مع الطعم والثمنية على أصلك، فكذلك

(2)

دوران حكم الربا أيضًا موجود مع الجنسية في هذه الأشياء، فلم لم تجعل الجنسية علة كما جعلها خصومك أحد وصفي علة الربا مع مشاركة الجنسية للطعم والثمنية فيما لها من وجودهما في هذه الأشياء، ودوران حكم الربا معهما.

فأجاب عنه بهذا وقال: نعم كذلك، إلا أن العلية للوصف الذي له أثر في استجلاب ذلك الحكم لا بمجرد الدوران؛ لأن الحكم قد يدور مع الشرط كالرجم بدون الإحصان

(3)

في الزنا، مع أن الزنا علة، والإحصان شرط، وإنما الاعتبار للتأثير، وقد وجدت التأثير للطعم والثمنية لا للجنسية، فلذلك جعلتهما علة لا الجنسية.

إلى هذا أشار في المبسوط

(4)

في تقرير قوله فقال: ثم ههنا المعنى الذي تنبئ عن الخطر في الذهب والفضة الثم؛ نية لأنهما خلفا لذلك، وبالثمنية

(5)

حياة الأموال، والمعنى الذي ينبئ عن زيادة الخطر في الأشياء الأربعاء الطعم؛ لأن بالطعم حياة النفوس فعرفنا أن العلة الموجبة لهذين الشرطين وهما المساواة واليد باليد [مع]

(6)

الطعم والثمنية.

فلذلك جعلنا الجنسية شرطًا لا علة؛ لأن الحكم يدور مع الشرط وجودًا وعدمًا كما يدور مع العلة.

لكن الفرق بينهما بالتأثير، وإذا لم يكن في الجنسية ما ينبئ عن زيادة الخطر ولا يثبت الحكم إلا عند وجوده جعلناه شرطًا لا علة.

أنه أوجب المماثلة شرطًا، أي الحديث أوجب المماثلة شرطًا؛ لما ذكرنا أن تقدير قوله عليه السلام:«مثل بمثل»

(7)

أي مماثلًا بمماثل، فكان منصوبًا على الحال، والأحوال شروط كما في قوله: أنت طالق إذا دخلت راكبة، لا تطلق إذا دخلت غير راكبة.

وهو المقصود بسوقه، أي والمماثلة هي المقصودة بسوق الحديث، لكن ذكر الضمير الراجع إلى المماثلة ههنا؛ لأنه مبتدأ فاتصف بصفة خبره وهو المقصود.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

في (ت): فلذلك.

(3)

الإحصان: هو أن يكون الرجل عاقلاً بالغاً مسلماً دخل بامرأة بالغة عاقلة حرةٍ مسلمة بنكاح صحيح. التعريفات الفقهية (1/ 19).

(4)

المبسوط (12/ 115).

(5)

في (ت): والثمنية.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1587).

ص: 65

إذ هو ينبئ عن التقابل، أي البيع ينبئ عن التقابل؛ لأن البيع مقابلة المال بالمال.

وذلك، أي التقابل يحصل بالتماثل؛ لأنه لو كان أحدهما أنقص من

(1)

الآخر لا يحصل التقابل من كل وجه؛ فيكون

(2)

المماثلة شرطًا؛ لأجل تحقيق معنى البيع الذي هو التقابل، أو صيانة لأموال الناس عن التّوى؛ لأن أحد البدلين لو كان أنقص من الآخر ومع ذلك تبادلا كان فيه إضاعة فضل مال من له

(3)

فضل في ماله، فلذلك كانت المماثلة شرطًا لصيانة الأموال عن التّوى.

أو تتميمًا للفائدة باتصال [التسليم] به، أي بالتماثل، يعني في الذهب والفضة اشترط التماثل بالقبض، فإنهما لا يتعينان بالتعيين، فيحتاج إلى القبض؛ لتحقيق [معنى]

(4)

المماثلة، فكان تتميم الفائدة فيه باتصال التسليم بالتماثل، أي بعد كون كل واحد منهما مثلًا للآخر يجب أن يتصل التسليم بالتماثل حتى يتم فائدة العقد.

ويحتمل أن يكون معناه عامًا في الأموال كلها، أي لو لم يكن كل واحد منهما مماثلًا للآخر لا يتم الفائدة بالقبض؛ لأنه إذا كان أحدهما أنقص يكون نفعًا

(5)

في حق أحد المتعاقدين وضررًا في حق الآخر، وإذا كان مثلًا للآخر يكون نفعًا في حقهما، فتكون الفائدة وهي ثبوت الملك أتم بعد القبض؛ لأنه يكون نفعًا في حقهما جميعًا، بخلاف ما إذا كان أحدهما أنقص من الآخر.

ثم يلزم عند فوته، أي فوت الشرط وهو المماثلة.

والمعيار يسوي الذات، أي الصورة والجنسية يسوي المعنى، فإن كيلًا من بر يساوي كيلًا من در

(6)

من حيث القدر والصورة، لا من حيث المعنى، وكذلك قفيز

(7)

حنطة بقفيز شعير يتساويان صورة لا معنى.

ولا يعتبر الوصف فيه وهو أن يكون أحدهما أجود من الآخر، فإن الجودة ساقطة العبرة عند المقابلة بجنسها، وذكر في الإيضاح: فإذا استوى الذاتان صورة ومعنى تساويا في المالية، والفضل من حيث الجودة ساقطة العبرة في المكيلات والموزونات؛ [لأن التفاوت في ذلك نقل، وهذا يرجع إلى العرف، فإن الناس لا يعدون التفاوت في المكيلات والموزونات] إلا من باب اليسير، ولهذا صير لمعرفة

(8)

قدر المالية إلى الكيل دون بيان الأوصاف.

(1)

في (ت): عن.

(2)

في (ت): فتكون.

(3)

في (ت): ماله.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

في (ت): بيعًا.

(6)

الدُّرُّ: عِظامُ اللؤلؤ، وهو معتدل في الحرارةِ والبُرودةِ واليُبْسِ والرطوبة، ينفع من خَفَقانِ القلبِ والفَزَعِ والحُزْنِ الحادِثِ من المِرَّةِ السوداء، ويُصفِّي الذهنَ ويجفف رطوباتِ العين. ويقال: إِن الدُّرَّ إِذا حُلَّ حتى يصيرَ ماءً وطُلي به البَرَصُ أذهبه في أول طَلْيَة. شمس العلوم (4/ 1989).

(7)

القَفِيزُ: مكيال وهو ثمانية مكاكيك، ويساوي اثني عشر صاعاً، والجمع أقفزة وقفزان. معجم الفقهاء (1/ 443).

(8)

في (ت): معرفة.

ص: 66

أو لأن في اعتباره سد باب البياعات، في اعتبار الوصف سد باب البياعات؛ لأن الحنطة لا تكون مثلًا لحنطة أخرى من كل وجه لا محالة.

والسبيل في مثلها الإطلاق، أي السبيل في مثل الأشياء التي يتعلق بها وجوه

(1)

المنافع التوسعة والإطلاق لا التضييق، فإن السنة الإلهية جرت في حق جنس الإنس وسائر الحيوانات أينما كان الاحتاج

(2)

إليها أكثر كان أمرها في الوجود وإطلاق الشرع فيها (أو تبع)

(3)

، فاعتبره

(4)

(بالهواء والماء)

(5)

وعلف الدواب والناس والخبز والسكر والترياق

(6)

، ولا شك أن احتياج المخلوقين إلى الهواء أكثر من احتياجهم إلى الماء، فكذلك فيما بعدهما على الترتيب، وإذا كان كذلك كان تعليله بما يوجب التضييق والسنة الإلهية في مثله التوسعة تعليلًا بفساد الوضع أن

(7)

عليه يقتضي ما يضاد وضعه في الحكم؛ لأن المعنى من فساد الوضع هو أن يفسد وضع ذلك الحكم على ذلك الدليل؛ [لأنه] يقتضي خلاف ذلك الحكم، كإيجاب الفرقة بإسلام أحد الزوجين، والإسلام عهد عاصمًا للإملاك لا مفرقًا، ثم إسناد الفرقة إلى الإسلام كان فاسدًا في وضعه، وهنا كذلك، فعلم بهذا أن قوله: فتعلل بعلة تناسب إظهار الخطر إلى آخره كان فاسدًا في مخرجه، بل كان ذلك ينافر

(8)

حكم خطره ولا يناسبه، وذكر في المبسوط

(9)

في جواب قوله: وهذا

(10)

ولأن الطعم عبارة عن أعظم وجوه الانتفاع بالمال، وكذلك الثمنية، فإنها تنبئ عن شدة الحاجة إليه، وتأثير الحاجة في الإباحة لا في الحرمة؛ كتناول الميتة يحل باعتبار الضرورة، ولا معنى لما قال أن الشرع ما حرم البيع في هذه الأموال إلا بشرطين، فإن الشرع ما حرم في هذه الأموال إلا ما حرم في سائر الأموال وهو الفضل الخالي عن المقابلة، وهذا لأن [هذه]

(11)

الأموال بذلة

(12)

كسائر الأموال حتى يجوز تناولها بدون الملك بالإباحة وبالملك بغير عوض وهو الهبة.

(1)

في (ت): وجود.

(2)

في (ت): الاحتياج.

(3)

في (ت): أوسع.

(4)

في (ت): فاعتبر.

(5)

في (ت): بالماء والهواء.

(6)

الترياق بكسر التاء: دواء السموم، فارسيٌّ معرّب. والعربُ تسمِّي الخمر تِرْياقاً وتِرْياقةً، لآنّها تذهب بالهم. الصحاح تاج اللغة (4/ 1453).

(7)

في (ت): إذ.

(8)

في (ت): ينافي.

(9)

المبسوط (12/ 119).

(10)

في (ت): هذا.

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(12)

في (ت): تبذل.

ص: 67

بخلاف البضع فإنه مصون عن الابتذال ملحق بالنفوس، فيجوز أن يشترط في النكاح زيادة شرط؛ لإظهار خطر المحل، والذي قال: القدر أي المساواة علة للخلاص.

قلنا: لا كذلك فقد بينا أن جواز البيع في هذه الأموال أصل، فحيث يفسد إنما يفسد لوجود العلة المفسدة، فأما

(1)

الجواز باعتبار الأصل لا باعتبار المخلص، وإن كان هذا مخلصًا فهو مخلص في حالة التساوي، وعلة الربا في حالة الفضل، والشيء الواحد يتضمن حكمين في محلين كالنكاح يثبت الحل في المنكوحة والحرمة في أمها، وإنما جعلنا القدر مخلصًا؛ لأن الخلاص عن الربا بالمساواة في القدر، وذلك لا يعرف إلا بالكيل والوزن، وكذلك

(2)

الوقوع في الربا بالفضل على القدر، وذلك لا يعرف إلا بالكيل والوزن، وإنما قلنا أن الجواز أصل في الأموال الربوية؛ لأن النبي عليه السلام قال:«الحنطة بالحنطة مثل بمثل»

(3)

، فقد أوجب المماثلة لجواز، العقد ثم جعل الفضل بعد تلك المماثلة ربا بقوله: والفضل ربا.

وفي الحديث الآخر قال: «لا تبيعوا البر بالبر إلا سواء بسواء»

(4)

، وبالإجماع المراد المساواة في الكيل، فعرفنا أن المراد اشتراط المماثلة لجواز العقد؛ لأن الكلام المقيد بالاستثناء يصير عبارة عما وراء المستثنى، فيكون المعنى فساد البيع عند عدم المماثلة التي هي واجبة، وإذا ثبت أن الحكم وجوب

(5)

المماثلة، ولا يتصور ثبوت الحكم بدون محله عرفنا أن المحل الذي لا يقبل المماثلة لا يكون مال الربا أصلًا، والحفنة

(6)

والنفاحة لا تقبل هذه المماثلة بالاتفاق، فلم يكن مال الربا فكانت باقية تحت قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}

(7)

، فيحل بيعها وإن تفاضلا، هذا على طريق التغليب

(8)

، فإن المراد منه فإن فضل أحدهما على الآخر، ثم لما ذكر جواز البيع في المكيل والموزون عند المماثلة بالمعيار الشرعي، وعدم الجواز عند التفاضل، أي عند فضل أحدهما على الآخر عند التسوية بالمعيار الشرعي لزم

(9)

الجواز فيما لا يدخل تحت المعيار الشرعي سواء كان ذلك في المكيل أو في الموزون، فلذلك قلنا بجواز بيع الحفنة بالحفنتين، وجواز بيع ذرة بذرة في الذهب والفضة.

(1)

في (ت): وأما.

(2)

في (ت): فلذلك.

(3)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1588).

(4)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1587)، من حديث عبادة رضي الله عنه.

(5)

في (ت): وجود.

(6)

الحَفْنَةُ: ملء الكفين من طعام. الصحاح تاج اللغة (5/ 2102).

(7)

[البقرة: 275].

(8)

في (ت): الفضل.

(9)

في (ت): لزمنا.

ص: 68

وفي مختلفات الغني

(1)

(2)

رحمه الله: وفي الذهب والفضة إذا كان بحيث لا يدخل تحت الوزن كالذرة لا يثبت ربا الفضل، كما في بيع الحفنة بالحفنتين.

وذكر في مبسوط شيخ الإسلام

(3)

(4)

رحمه الله في مسألة بيع الفلس

(5)

بالفلسين: ولهذا [لا]

(6)

يجوز بيع الذرة بالذرة التي لا تدخل تحت الوزن، كبيع الحفنة بالحفنتين؛ لإهدار التفاوت في الوصف بقوله: جيّدها ورديها سواء

(7)

، ويجوز بيع الحفنة بالحفنتين، الحفنة ملء الكف، والاختلاف بيننا وبين الشافعي غير منحصر في بيع الحفنة بالحفنتين، والتفاحة بالتفاحتين، بل الاختلاف ثابت في بيع الحفنة بالحفنة، وبيع التفاحة بالتفاحة أيضًا، فعندنا يجوز فيهما جميعًا، وعنده لا يجوز فيهما جميعًا؛ لوجود الطعم وعدم المسوي، كذا في شرح الطحاوي

(8)

.

ولهذا كان مضمونًا بالقيمة عند الإتلاف، وهذا لإيضاح أن الحفنة والحفنتين والتفاحة والتفاحتين لم يدخل

(9)

تحت المعيار الشرعي، فلا يكون هي من المكيلات والموزونات، والدليل على هذا وجوب القيمة عند الإتلاف لا مثلها، [فلو بقيت مكيلة أو موزونة لوجب مثلها، فإن المكيلات والموزونات كلها من ذوات الأمثال لا من ذوات] القيم، وما دون نصف صاع فهو في حكم الحفنة، أي يجوز بيع الواحد بالاثنين فيما لا يدخل تحت نصف الصاع من المكيلات، حتى أنه لو باع خمس حفنات من الحنطة بست حفنات منها وهما لم يبلغا حد نصف الصاع جاز البيع.

(1)

في (ت): المغني.

(2)

المختلفات، في فروع الحنفية، لأبي الليث السمرقندي. كذا: في فهرس (جامع الفصولين). وأبو الليث هو: نصر بن محمد أبو الليث الفقيه السمرقندي، المشهور بإمام الهدى، (ت 373 هـ). كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لمصطفى بن عبد الله المشهور باسم حاجي خليفة أو الحاج خليفة، الناشر: مكتبة المثنى - بغداد، تاريخ النشر: 1941 م، (2/ 1638).

(3)

المَبْسُوط لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله ويطلق عليه الأصل عند الأحناف وهو مطبوع في خمس مجلدات بتحقيق أبي الوفا الأفغاني، طبعته إدارة القرآن والعلوم الإسلامية في كراتشي.

(4)

الأصل المعروف بالمبسوط لأبي عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، المحقق: أبو الوفا الأفغاني، الناشر: إدارة القرآن والعلوم الإسلامية - كراتشي، (5/ 57).

(5)

عملة من غير الذهب والفضة وكانت تقدر بسدس الدرهم. المعجم الوسيط: (2/ 700).

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

هذا اللفظ غير محفوظ، ولكن معناه في حديث بيع التمر الجمع بالجنيب الذي أخرجه البخاري في كتاب البيوع - باب إذا أراد بيع تمر بتمر (2201)، ومسلم في كتاب المساقاة - باب بيع الطعام مثلًا بمثل (1593) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(8)

فتح القدير (10/ 92).

(9)

في (ت): يدخلا.

ص: 69

ثم اعلم أن ههنا دقيقة وهي أن الحنطة أو سائر المكيلات يجوز بيعها

(1)

فيما دون نصف صاع بجنسها من غير اعتبار التسوية، فيما إذا كان كل واحد من البدلين لا يدخل تحت نصف الصاع، وأما إذا كان أحد البدلين (يبلغ حد)

(2)

نصف الصاع والآخر (يبلغ حد)

(3)

نصف الصاع أو أكثر فبيع أحدهما بالآخر لا يجوز، نص على هذا في المبسوط

(4)

، وقال

(5)

: لو باع حفنة بقفيز لا يجوز، والفقه فيه هو أن سقوط قيمة الجوزة

(6)

في الأموال الربوية باعتبار (شرط تحقيق)

(7)

المساواة، وقد ذكرنا أن المساواة إنما تكون بالكيل الشرعي في المكيلات، فكانت المساواة حينئذ باعتبار الذات، ويظهر الفضل الخالي عند المقابلة، فيكون الواحد بالاثنين أو أكثر فيحرم، بخلاف الحفنة بالحفنتين، فإن كل واحد من البدلين ههنا تقابل الآخر في البيع من غير اعتبار القفيز وهو المسوي الشرعي بدون

(8)

اعتباره للجودة قيمة، ولا

(9)

يظهر الفضل الخالي عن

(10)

المقابلة، وإذا قوبل

(11)

الحفنة بالحفنتين يجعل كان

(12)

الحفنة هي الجيدة تقابل بجودتها الحفنتين اللتين

(13)

هما دونها في الجودة فيتساويان في القيمة، وإن لم يتساويا في الذات فيجوز، وعنده [لا]

(14)

يجوز؛ لعدم الطعم والثمنية.

وأما لو تبايعا وزنيًا بوزني وهو مأكول أو مشروب؛ كالدهن والزيت والرب في الحل لا يجوز إلا وزنًا بوزن في قولهم جميعًا لكن باختلاف التخريج.

أما عندنا؛ فلوجود الوزن، وأما عند الشافعي؛ فلوجود

(15)

الطعم.

وإذا عدم الوصفان إلى أن قابل حل التفاضل.

فإن قيل: كيف أضاف وجود الحل إلى عدم الوصفين، والعدم ليس بشيء، ومثبت الحل والحرمة يجب أن يكون شيئًا، إذ إثبات العدم شيئًا من الأشياء محال عقلًا وشرعًا.

قلنا: الأصل في البياعات الإباحة على ما ذكرنا، والحظر إنما كان لمانع، فإذا عدم الحاظر من البيع أثبت الدليل الوجودي الذي هو الأصل في الإباحة إباحته، وهو قول الله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}

(16)

، لا أن العدم أثبت الحل، لكن أضيف الحكم إلى وقت انعدام الحاظر؛ لثبوت الحل عند فوت ثبوت الانعدام، كما لو حلف لا يكلم فلانًا إلى شهر، فمضى الشهر حل التكلم من غير حنث

(17)

باعتبار الإباحة الأصلية؛ لأن انعدام

(18)

الشهر أثبت

(19)

حل التكلم، ومع ذلك قد يضاف حل التكلم إلى انعدام الشهر بجواز، فكذا هنا، فصار تقدير قوله: وإذا عدم الوصفان حل التفاضل، أي إذا عدم الوصفان حينئذ جاء، وأن دليل الحل أن يعمل عمله.

(1)

في (ت): بيعهما.

(2)

في (ت): يدخل تحت.

(3)

في (ت): يدخل تحت.

(4)

المبسوط (12/ 119).

(5)

في (ت): وقالوا.

(6)

في (ت): الجودة.

(7)

في (ت): تحقيق شرط.

(8)

في (ت): وبدون.

(9)

في (ت): فلا.

(10)

في (ت): عند.

(11)

في (ت): قوبلت.

(12)

في (ت): كأن.

(13)

في (ت): اللتان.

(14)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(15)

في (ت): لوجود.

(16)

[البقرة: 275].

(17)

الحنث: الذنب العظيم، ويقال: بلغ الغلام الحنث أي بلغ مبلغًا جرى عليه القلم في المعصية والطاعة. والحنث إذا لم يبر بيمينه، وقد حنث يحنث. ينظر: العين (3/ 206).

(18)

في (ت): بانعدام.

(19)

في (ت): ثبت.

ص: 70

والمعنى المضموم إليه وهو القدر، أي (الوزن أو الكيل)

(1)

.

والنساء بالمد لا غير التأخير، يقال: بعته بنساء، كذا في المغرب

(2)

.

وحرمة النساء بأحدهما، حتى لو باع عبدًا بعبد إلى أجل لا يجوز؛ لوجود الجنسية، وهي بانفرادها تحرم النساء.

وقال الشافعي رحمه الله: الجنس بانفراده لا يخدم

(3)

النساء

(4)

؛ لأن الجنسية عنده (شرط لا علة)

(5)

(6)

، والنكتة له في هذا أن هذا العقد جمع بين بدلين لو قوبل كل واحد منهما بجنسه عينًا حل التفاضل بينهما، فيجوز إسلام أحدهما في الآخر كالهروي مع الهروي، وتأثير هذا أن باعتبار التأجيل في أحد البدلين يظهر التفاوت في المالية [حكمًا، والتفاوت في المالية] حقيقة أكثر تأثيرًا من التفاوت في المالية حكمًا، فإذا كان التفاوت في المالية في هذه الأموال حقيقة لا أثر لها في المنع من جواز العقد فالتفاوت حكمًا أولى.

وحجتنا في ذلك ما روي عن النبي عليه السلام: أنه نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة

(7)

، ولا يحمل هذا على النسيئة من الجانبين؛ لأن ذلك مستفاد بنهيه عليه السلام عن الكالئ بالكالئ

(8)

، ولأنه إذا قيل: باع فلان عبده بالحيوان نسيئة، فإنما يفهم منه النسيئة في البدل خاصة، ومطلق الكلام محمول على ما يتفاهمه

(9)

الناس، ولا يستقيم اعتبار النساء بربا الفضل؛ لاتفاقنا على أن ربا النساء أعم حتى يثبت في بيع الحنطة بالشعير اعتبارًا، وإن كان لا يثبت ربا الفضل، ولأن إسلام الشيء في جنسه يؤدي إلى إخلاء العقد عن الفائدة، وإلى أن يكون الشيء الواحد عوضًا ومعوضًا، وعلى فضل خال عن العوض مستحق بالبيع، وذلك باطل.

(1)

في (ت): الكيل أو الوزن.

(2)

المغرب (1/ 462).

(3)

في (ت): يحرم.

(4)

الشرح الكبير للرافعي (8/ 166).

(5)

في (ت): ليس بعلة.

(6)

جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود لشمس الدين محمد بن أحمد بن علي بن عبد الخالق، المنهاجي الأسيوطي ثم القاهري الشافعي، حققها وخرج أحاديثها: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م، (1/ 56).

(7)

أخرجه أبو داود في كتاب البيوع - باب في الحيوان بالحيوان نسيئة (3356)، وصححه الألباني.

(8)

أخرجه الحاكم (2342)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الذهبي: على شرط مسلم.

(9)

في (ت): يفهمه.

ص: 71

بيانه: أنه إذا أسلم ثوبًا هرويًا في ثوب هروي فإنه يلزم تسليم رأس المال في الحال، ثم إذا حل الأجل يرد ذلك الثوب بعينه، والمقبوض بحكم السلم في حكم عين ما يتناوله العقد، فلو جوزناه

(1)

هذا العقد لم يكن مفيدًا شيئًا، ويكون الثوب الواحد عوضًا ومعوضًا.

وإذا أسلم ثوبًا هرويًا في ثوبين هرويين لو جوزنا ذلك لكان إذا حل الأجل أخذ منه ذلك الثوب بعينه وثوبًا آخر، فالثوب الآخر [يكون] فضلًا خاليًا عن العوض مستحقًا بالبيع وهو الربا بعينه، كذا في المبسوط

(2)

.

وقوله: وقال الشافعي _رحمه الله_: الجنس بانفراده لا تحرم النساء

(3)

، خص الجنس بانفراده، وليس للتخصيص به عنده زيادة فائدة، فإن عند الشافعي كما أن الجنس بانفراده لا يحرم النساء، فكذلك

(4)

الكيل

(5)

والوزن

(6)

انفراده

(7)

أيضًا لا يحرم النساء.

وحاصله أن وجود أحد وصفي الربا من الجنس والقدر لا يحرم النساء، فإن عنده إسلام الثوب الهروي في الثوب الهروي يجوز، وكذلك إسلام المكيلات في المكيلات، والموزونات في الموزونات؛ نحو الحديد والرصاص يجوز عنده.

والشافعي ينكر حرمة النساء، فورد عليه حرمة النساء في المطعوم.

فيقول: التقابض في بيع المطعوم [بالمطعوم] شرط جواز العقد، فينعدم الجواز؛ لانعدام التقابض لا لكونه نساء.

قلنا: هذا خرق لإجماع الصحابة رضي الله عنهم، قال

(8)

الصحابة اتفقوا على حرمة النساء، كذا في الإيضاح

(9)

.

فالشبهة أولى [أي أولى]

(10)

أن لا يكون مانعة

(11)

.

نظرًا إلى القدر، أي نظرًا إلى أن القدر الواحد وهو الكيل جمعهما كما في الحنطة مع الشعير بأن

(12)

كان أحدهما نقدًا والآخر نسيئة.

أو الجنس أي أولى، أي نظراً إلى أن الجنس الواحد [الذي]

(13)

جمعهما كما في الثوب الهروي مع الثوب الهروي إذا كان أحدهما نقدًا والآخر نسيئة. فيتحقق شبهة الربا وهي مانعة، أي عن جواز البيع في النسيئة.

وهذا لما عرف أن كل حكم تعلق بوصفين مؤثرين لا يتم نصاب العلة إلا بهما فلكل واحد منهما شبهة [العلية

(14)

، فبوجود القدر أو الجنس يثبت شبهة العلة.

(1)

في (ت): جوزنا.

(2)

المبسوط (12/ 123).

(3)

الشرح الكبير للرافعي (8/ 166).

(4)

في (ت): وكذلك.

(5)

في (ت): المكيل.

(6)

في (ت): والموزون.

(7)

في (ت): بانفراده.

(8)

في (ت): فإن.

(9)

العناية شرح الهداية (7/ 12).

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

في (ت): مانعًا.

(12)

في (ت): فإن.

(13)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(14)

في (ت): العلة.

ص: 72

والنقدية أوجبت فضلًا في المالية فيتحقق شبهة الربا فيثبت بشبهة العلة، وهي أحد الوصفين.

ثم هو علة تامة لحرمة النساء، وإن كان جزء

(1)

[الأصل والتفاضل والنساء يوم الجنس والقدر يوم العلة الموجبة للحرمة، إذ الأصل الجواز على ما بينا، والحرمة تعارض فيجوز ما لم يثبت، ودليل الحرمة مظهر] العلة؛ لحرمة الفضل فلا يؤدي إلى توديع

(2)

أجزاء الحكم على أجزاء العلة.

ثم اعلم أن علة الربا علة ذات وصفين: القدر والجنس، ولها من حكم الربا حكمان: حرمة حقيقة الفضل، وحرمة شبهة الفضل، وهي نساء

(3)

أحد البدلين عند نقد

(4)

الآخر؛ لما ذكرنا أن

(5)

للنقد من المزية على النساء، فكان للنقد شبهة الفضل، فإذا وجد أحد وصفي علة الربا كان له شبهة العلة أيضًا، فيثبت به أيضًا حرمة شبهة الفضل، وهي حرمة نقد أحد البدلين عند [فقد]

(6)

نساء الآخر وفاقًا وطباقًا لما بين العلة وحكمها؛ لأن عند اجتماع وصفي علة الربا كانت العلة حقيقة، فيثبت به أيضًا حرمة حقيقة الفضل وشبهة

(7)

.

فلما انحط درجة العلية

(8)

من الحقيقة إلى الشبهة عند وجود أحد وصفي علة الربا، أو حيث حرمة شبهة الفضل؛ للمناسبة بين العلة وحكمها، ولو

(9)

انعكس [الحكم]

(10)

بأن يثبت حرمة حقيقة الفضل عند وجود شبهة العلة حينئذ بربا الحكم على العلة فلا يبقى الطباق والمناسبة بين العلة وحكمها.

فإن قيل: النساء حرام في الأموال الربوية باعتبار شبهة الربا، وهي وجود نقد ما يقابلها من البدل في أن للنقد شبهة المزية على النساء، ثم الأموال التي ليست هي في أصلها من الأموال الربوية كالهروي مع الهروي صارت شبهة الأموال الربوية باعتبار وجود أحد وصفي علة الربا فيها، وهو

(11)

الجنسية، فحينئذ كان في اعتبار حرمة النساء في تلك الأموال اعتبار

(12)

لشبهة الشبهة، وهي غير معتبرة في موضع من المواضع.

قلنا: نعم كذلك، إلا أن كل قياس بمقابلة النص يتقال ويتصور، وكل معقول بمقابلة السمعي يتصاغر ويتهور، وقد ذكرنا من نهي النبي عليه السلام عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، فثبت بهذا أن ما يتراءى أي أنه من شبهة الشبهة فهي

(13)

شبهة الربا، وقد نهى النبي عليه السلام عن شبهة الربا؛ لما روي عن النبي عليه السلام أنه نهى عن الربا أو الريبة

(14)

، وذلك لأنه لما وجدت الجنسية في شيء من الأموال كانت شبهة على

(15)

الربا موجودة فيه لما ذكرنا أن اسم شبهة الربا إنما يطلق على الشيء الذي يوجد فيه أحد وصفي الربا، أو

(16)

قد وجدت الجنسية، فكانت شهبة علة الربا موجودة فيترتب عليها حكمها.

(1)

في (ت): حق.

(2)

في (ت): توزيع.

(3)

في (ت): حرمة نقد.

(4)

في (ت): فقد.

(5)

في (ت): ما.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

في (ت): وشبهته.

(8)

في (ت): العلة.

(9)

في (ت): إذ لو.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

في (ت): وهي.

(12)

في (ت): اعتبارًا.

(13)

في (ت): فهو.

(14)

قال عمر إن آخر ما نزل من القرآن آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قبض ولم يفسرها فدعوا الربا والريبة» . أخرجه أحمد (246)، وابن ماجه في كتاب التجارات - باب التغليظ في الربا (2276)، وصححه الألباني.

(15)

في (ت): علة.

(16)

في (ت): و.

ص: 73

وقال

(1)

: إلا أنه إذا أسلم النقود في الزعفران

(2)

، هذا استثناء من قوله: فإذا وجد أحدهما وعدم الآخر حل التفاضل وحرم النساء، فإن ذلك اللفظ بإطلاقه يتناول كل ما يوجد فيه أحد وصفي الربا من الجنس والقدر، ولا

(3)

يجوز إسلام أحدهما في الآخر، كإسلام الثوب الهروي في الثوب الهروي؛ لوجود الجنسية، وإسلام الحنطة في الشعير؛ لوجود الكيل فيهما، وإسلام الحديد في الرصاص؛ لوجود الوزن فيهما.

ثم ورد عليه إسلام النقود في الزعفران، فإنه يجوز مع أن الوزن فيهما موجود، فكان أحد وصفي علة الربا موجودًا

(4)

، فينبغي أن لا يجوز نظرًا إلى ذلك الإطلاق، واستثنى

(5)

ذلك بقوله: إلا أنه إذا أسلم النقود في الزعفران ونحوه؛ كالقطن والحديد، يجوز وإن جمعهما الوزن.

وكذا [ذكر]

(6)

في الإيضاح

(7)

بقوله

(8)

: وإسلام الموزونات في الموزونات لا يجوز عندنا، إلا في مسألة واحدة وهي [مسألة]

(9)

إسلام الدراهم والدنانير فيما يوزن يجوز، وإن جمعهما أحد الوصفين وهو الوزن.

ثم اختلف تعليل مشايخنا في ذلك على وجهين، ذكرهما في الإيضاح فقال: وإنما جاز ذلك؛ لأن الشرع رخص في السلم، والأصل في رأس المال هو الدراهم والدنانير، فمتى قلنا بامتناع الجواز؛ لوجود أحد الوصفين ينسد باب السلم في الموزونات على ما عليه الأصل والغالب، فأثر شرع

(10)

الرخصة في التجويز، وهذا ظاهر من الفرق.

ووجه آخر: وهو أن الوزن في الدراهم والدنانير وسائر الموزونات وإن اتحد صورة، فقد اختلف معنى، فإن الوزن في الدراهم والدنانير أخذ معنى تعيين المستحق بالعقد، وفي غيرهما لم يأخذ معنى تعيين المستحق بالعقد، فإن من اشترى (دنانير أو دراهم)

(11)

موازنة كان له أن يبيعه موازنة من غير أن يعيد الوزن، وبمثله لو اشترى زعفرانًا موازنة لم يكن له أن يبيعه موازنة حتى يعيد الوزن، فإذا اختلف

(12)

معنى الوزن من هذا الوجه بقول إذا اتفقا في الوزن من كل وجه امتنع النساء لشبهة الربا؛ لوجود أحد وصفي علة الربا، فإذا وجد الاتفاق في الوزن من وجه دون وجه انحطت الشبهة إلى شبهة الشبهة وأنها غير معتبرة.

(1)

في (ت): وقوله.

(2)

الزَّعْفَران: صِبْغٌ وهو من الطِّيبِ. كتاب العين (2/ 333).

(3)

في (ت): لا.

(4)

في (ت): موجود.

(5)

في (ت): فاستثنى.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 186).

(8)

في (ت): لقوله.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(10)

في (ت): شرعية.

(11)

في (ت): دراهم أو دنانير.

(12)

في (ت): اختلفا.

ص: 74

وفي المبسوط

(1)

: رد الوجه الأول من التعليل، ذكره في تفسير قول إبراهيم النخعي

(2)

رحمه الله فقال:

وقوله لا يسلم ما يوزن فيما يوزن غير مجرى على ظاهره، بل المراد إذا كانا [متفقين] في المعنى بأن كانا مثمنين؛ كالزعفران مع القطن، فأما إذا كانا مختلفين في المعنى فذلك جايز، كما لو أسلم النقود في الزعفران أو الحديد أو القطن.

ثم قال: والعراقيون من مشايخنا يقولون: الجواز للحاجة؛ لأن رأس المال يكون من النقود عادة، والحاجة يمس إلى إسلامها في الموزونات والمكيلات جميعًا.

ولكن هذا كلام من يجوز تخصيص العلة

(3)

الشرعية، ولسنا نقول به، بل نقول اتفاقهما

(4)

في الوزن صورة لا معنى وحكمًا.

فإن الوزن في النقود ليس نظير الوزن في الزعفران، فإن الزعفران يوزن بالأمناء، ويكون مثمنًا يتعين في العقود، والنقد يوزن بالصنجات

(5)

ويكون ثمنًا لا يتعين في العقد.

ومن حيث الحكم صفة الدين يلزم في الزعفران، حتى لو اشترى زعفرانًا بشرط الوزن ليس له أن يتصرف فيه قبل أن يزنه، فما كان هذا إلا نظير الموزون مع المكيل، فإنهما استويا من حيث أن كل واحد منهما مقدر صفته

(6)

.

ولكن لما اختلفا في المعنى والحكم جوّز إسلام أحدهما في الآخر، فكذلك النقود مع سائر الموزونات.

فلما علمنا ما هو المذكور في الكتابين [أي الإيضاح والمبسوط] حينًا إلى لفظ الكتاب، والنقود توزن بالصنجات، الصنجة: ستك ترازو، وصنجة الميزان (معد به)

(7)

، ولا يقال: سنجة بالسين عن ابن السكيت

(8)

، هكذا كان بخط الإمام تاج الدين الزرنوجي

(9)

رحمه الله.

(1)

المبسوط (12/ 121).

(2)

إبراهيم بن زيد بن قيس بن الأسود، أبو عمران النخعي، من مذحج اليمن من أهل الكوفة، ومن كبار التابعين، أدرك بعض متأخري الصحابة، ومن كبار الفقهاء، قال عنه الصفدي: فقيه العراق، الطبقات الكبرى، لأبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 هـ - 1990 م، (6/ 188 – 199)، الأَعْلَام للزركلي (1/ 80).

(3)

في (ت): العلل.

(4)

في (ت): اختلافهما.

(5)

سَنْجَةُ الميزان معرب و الجمع (سَنَجَاتٌ) مثل سجدة وسجدات ويقال (صَنْجَةُ) الميزان بالصاد والسين أعرب وأفصح فهما لغتان. المصباح المنير (1/ 291).

(6)

في (ت): صورة.

(7)

في (ت): معربة.

(8)

يعقوب بن إسحاق، أبو يوسف، ابن السكيت: إمام في اللغة والأدب. أصله من خوزستان تعلم ببغداد. واتصل بالمتوكل العباسي، فعهد إليه بتأديب أولاده، وجعله في عداد ندمائه، ثم قتله، لسبب مجهول، من كتبه " إصلاح المنطق "، و " الألفاظ " و " الأضداد " و " القلب والإبدال ". وفيات الأعيان (6/ 396)، الأعلام (8/ 195).

(9)

النعمان بن إبراهيم بن الخليل الزرنوجي، تاج الدين: أديب، من أهل بخارى. أصله من زرنوج له " الموضح " في شرح المقامات الحريرية. وتوفي ببخارى، يوم الجمعة عاشر المحرم، سنة أربعين وستمائة. تاج التراجم (1/ 311)، الأعلام (8/ 35).

ص: 75

وفي المغرب

(1)

: الصنجات بالتحريك جمع صنجة بالتسكين.

وعن الفراء

(2)

: السين أفصح

(3)

.

وأنكره القتبي

(4)

أصلاً، ذكره في باب الصاد

(5)

.

فقال

(6)

: ولو

(7)

باع بالنقود موازنة، هكذا صح في متن الكتاب، أي باع الزعفران وأشباهه بالنقود، وفي حاشية الكتاب: ولو باع النقود جعل نسخة، يعني باع النقود بالعروض، ثم

(8)

كتب شيخي رحمه الله في حاشية كتابه في المبسوط كما ذكر في المتن، وفي الإيضاح كما أثبت في الحاشية

(9)

.

[وقوله]

(10)

: وقبضها، أي وقبض النقود، وهي الدراهم والدنانير صح التصرف فيها قبل الوزن، أي في النقود، فهذا يتبين عدم اتفاق

(11)

الزعفران مع الدراهم والدنانير في الحكم أيضاً، وهو عدم جواز التصرف في الزعفران قبل الوزن، وجوازه في النقود قبل الوزن، يعني أنه إذا باع الزعفران بشرط الوزن بأن يقول: بعت هذا الزعفران على أنه منّ أو منّان، وقبل المشتري ذلك، ليس للمشتري أن يتصرف فيه بالبيع وغيره من غير إعادة الوزن، كما في سائر السلع.

(1)

المغرب (1/ 273).

(2)

أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي، المعروف بالفراء، الديلمي الكوفي، كان أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، وتوفي سنة سبع ومائتين في طريق مكة، وعمره ثلاث وستون سنة، رحمه الله تعالى. من كتبه " المقصور والممدود " و " المعاني " ويسمى " معاني القرآن ". وفيات الأعيان (6/ 176)، الأعلام (8/ 146).

(3)

تهذيب اللغة، لمحمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، المحقق: محمد عوض مرعب، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 2001 م (10/ 312).

(4)

أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وقيل المروزي، النحوي اللغوي صاحب كتاب " المعارف " و " أدب الكاتب "؛ كان فاضلاً ثقة، سكن بغداد وحدث بها، مولده ببغداد، وأقام بالدِّينورِ مدةً قاضياً فنسب إليها. وكانت ولادته سنة ثلاث عشرة ومائتين، وتوفي في منتصف رجب سنة ست وسبعين ومائتين. وفيات الأعيان (3/ 42)، سير أعلام النبلاء (13/ 296).

(5)

أدب الكاتب، لأبي محمد عبد الله بن قتيبة الدينوري، المحقق: محمد الدالي، الناشر: مؤسسة الرسالة، (1/ 387).

(6)

في (ت): وقوله.

(7)

في (ت): ومن.

(8)

في (ت): كذا.

(9)

البناية شرح الهداية (8/ 274).

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

في (ت): اتحاد.

ص: 76

أما لو باع منًّا من الزعفران بالنقود المشار إليها، فقال المشتري: اشتريت هذا الزعفران بهذه النقود المشار إليها، بشرط أنها خمسة أو عشرة دنانير، فقيل

(1)

البائع منه ذلك، فللبائع أن يتصرف في تلك النقود بأن يشتري بها شيئاً أو يتصرف فيها بوجه آخر قبل إعادة الوزن في النقود، فعلم بهذا أنهما لم يتفقا حكمًا [أيضًا]

(2)

كما لم يتفقا في صورة الوزن، على ما ذكرنا، وإذا

(3)

اختلفا فيه صورة ومعنى وحكماً.

هذا على طريق اللف والنشر

(4)

، فإن نظير الصورة ما ذكر أولًا، وكذا باقيه على الترتيب؛ لأن نظير الصورة هو ما ذكره، فإن ذلك أي الزعفران يوزن بالأمناء، وهذا يوزن بالصنجات، وكانا

(5)

مختلفين صورة.

وأما معنى فإن ذلك يتعين وهذا لا، وأما حكمًا فإنه لا يجوز التصرف فيه قبل القبض، وفي هذا يجوز، فكانا مختلفين معنى وحكمًا، فتنزل الشبهة فيه إلى شبهة الشبهة، يعني أنه لو اتفقا البدلان في الوزن من كل وجه، وهما ليسا من أموال الربا فكان فيهما شبهة الربا في النسيئة، كما لو أسلم الحديد في القطن، ولما لم يتفق البدلان ههنا، وهو ما إذا أسلم النقود في الزعفران في الوزن من كل وجه، بل اختلفا صورة ومعنى وحكمًا كان اتفاق الوزن فيهما شبهة الشبهة وهي غير معتبرة في المنع عن الجواز، على ما ذكرنا من تقرير الإيضاح

(6)

.

وذكر في الذخيرة

(7)

أصلًا آخر في هذا وقال: وربا النساء يحرم بأحد وصفي علة الربا وهو الجنس أو الوزن أو الكيل في مثمنين أو ثمنين، حتى أنه إذا أسلم قفيز حنطة في قفيز شعير لا يجوز؛ لوجود المكيل في مثمنين، وكذا إذا أسلم الدراهم في الذهب لا يجوز؛ لوجود الوزن في ثمنين، وإذا أسلم الحديد في الزعفران لا يجوز؛ لوجود الوزن في مثمنين، وإذا أسلم الدراهم في الزعفران يجوز؛ لأنه لم يوجد الوزن في مثمنين أو ثمنين إنما وجد في ثمن ومثمن.

(1)

في (ت): فقبل.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

في (ت): فإذا.

(4)

اللف والنشر: هو أن تلف شيئين ثم تأتي بتفسيرهما جملة؛ ثقة بأن السامع يرد إلى كل واحد منهما ما له، كقوله تعالى:{وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)} . كتاب التعريفات (1/ 193).

(5)

في (ت): فكانا.

(6)

العناية شرح الهداية (7/ 13).

(7)

المحيط البرهاني (7/ 75).

ص: 77

فإن قلت: لما كان شرط عدم جواز السلم في الشيء إيجاد

(1)

البدلين في الوزن أو في الكيل ينبغي أن يجوز إسلام الحنطة أو الشعير في الدراهم أو الدنانير، حيث لم يجمعهما لا كيل ولا وزن، ومع ذلك لا يجوز ذلك سلمًا.

قلنا

(2)

: إنما كان هكذا؛ لأن الدراهم لا يصلح مسلمًا فيها، وكذلك الدنانير؛ لأن المسلم فيه مبيع، والدراهم والدنانير متعينة للثمنية.

وهل يجوز بيعًا، قيل: إن كان بلفظ البيع يجوز البيع بثمن مؤجل، وإن كان بلفظ السلم، فقد قيل: لا يجوز.

وقال الطحاوي رحمه الله: وينبغي

(3)

أن يجوز البيع بثمن مؤجل، كذا في الذخيرة

(4)

.

فهو مكيل أبدًا.

واتفقت الروايات عن أصحابنا: أن ما ثبت كيله بالنص، لا يجوز بيعه بجنسه وزنًا، وإن تماثلا وزنًا؛ كالحنطة وأشباهها؛ لأن الشرع ورد فيها بالجواز بشرط التماثل (في الكيل)

(5)

.

وقال في فتاوى أهل سمرقند

(6)

: لو علم أنهما تماثلا كيلاً يجوز، كذا في الذخيرة

(7)

.

لأن النص أقوى من العرف؛ لأن العرف يحتمل أن يكون على الباطل، وأما

(8)

النص بعد ثبوته فلا يحتمل أن يكون على الباطل، ولأن العرف حجة على الذين تعارفوا به، وليس بحجة على من

(9)

لم يتعارفوا به، وأما

(10)

النص فحجة على الكل.

لأنها دلالة، أي لأن عادات الناس دلالة على جواز الحكم فيما وقعت عليه عادات الناس؛ لقوله عليه السلام:«ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن»

(11)

.

(1)

في (ت): اتحاد.

(2)

في (ت): قلت.

(3)

في (ت): ينبغي.

(4)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 87).

(5)

في (ت): بالكيل.

(6)

سمرقند: بلد معروف مشهور قيل: إنه من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر، قال أبو عون: سمرقند في الإقليم الرابع طولها تسع وثمانون درجة ونصف وعرضها ست وثلاثون درجة ونصف، وقال الأزهري: بناها شمر أبو كرب، فسميت شمر كنت فأعربت فقيل سمرقند هكذا تلفظ به العرب في كلامها وأشعارها. معجم البلدان لشهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، الناشر: دار صادر، بيروت، الطبعة: الثانية، 1995 م، (3/ 246).

(7)

المحيط البرهاني (7/ 75).

(8)

في (ت): فأما.

(9)

في (ت): ما.

(10)

في (ت): فأما.

(11)

أخرجه أحمد (3600)، قال الألباني في السلسلة الضعيفة (2/ 17): لا أصل له مرفوعًا، وإنما ورد موقوفًا على ابن مسعود قال:"إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون .... " إلخ.

ص: 78

لأن

(1)

النص على ذلك لكان

(2)

العادة، أي لأن النص بالكيل

(3)

في المكيل وبالوزن في الموزون في ذلك الوقت إنما كان لمكان العادة فيه، فكان المنظور إليه العادة أيضًا في ذلك الوقت، وقد تبدلت يجب

(4)

أن يثبت الحكم على وفاق ذلك ....... (نقص كلام).

لا يجوز عندهما أي عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-، إلا أنّه يجوز الإسلام في الحنطة وزنًا أي على ما هو اختيار الطحاوي

(5)

.

و [ذكر]

(6)

في المبسوط

(7)

في آخر الباب الأول من كتاب البيوع: ولا خير في أن يبتاع حنطة بحنطة مجازفة، وكذلك كل مكلل

(8)

أو موزون؛ لأن المساواة في القدر شرط لجواز العقد.

وإن

(9)

تبايعا صبرة بصبرة مجازفة ثم كيلتا بعد ذلك (وكانتا متساويتين)

(10)

لم يجز العقد عندنا.

وقال زفر: يجوز

(11)

؛ لأن ما هو شرط الجواز وهو المماثلة، قد تبين أنّه كان موجودًا وإن لم يكن معلومًا للمتعاقدين.

وحجتنا في ذلك: أن المعتبر لجواز العقد [بالمساوة]

(12)

العلم بالمساواة عند العقد؛ لأنه إذا لم يعلم ذلك كان الفضل معدومًا موهومًا، وما هو موهوم الوجود يجعل كالمتحقق فيما بنى

(13)

أمره على الاحتياط.

ثم قال: وكذلك لو باع الحنطة بالحنطة وزنًا بوزن لا يجوز؛ لأن الحنطة مكيل

(14)

، وشرط الجواز فيها المماثلة في الكيل، وبالمساواة

(15)

في الوزن لا يعلم المماثلة في الكيل.

وهذا بخلاف ما لو أسلم في الحنطة وزنًا فإنه يجوز على ما ذكره الطحاوي؛ لأن في المسلم فيه لا يعتبر المماثلة إنما يعتبر الإعلام على وجه لا يبقى بينهما منازعة في التسليم، وذلك يحصل بذكر الوزن كما يحصل بذكر الكيل، وذكر في التتمة

(16)

: إذا أسلم مكايلة فيما ثبت وزنه نصاً أو موازنة فيما ثبت كيله نصاً، ذكر في المجرد

(17)

عن أصحابنا أنه لا يجوز، وروى الطحاوي عن أصحابنا أنه يجوز، فصار في هذا الفصل روايتان.

(1)

في (ت): ولأن.

(2)

في (ت): لمكان.

(3)

في (ت): بالمكيل.

(4)

في (ت): فيجب.

(5)

بدائع الصنائع (2/ 73).

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

المبسوط (12/ 191).

(8)

في (ت):.

(9)

في (ت): فإن.

(10)

في (ت): فكانا متساويين.

(11)

الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 212).

(12)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(13)

في (ت): بني.

(14)

في (ت): مكيلة.

(15)

في (ت): والمساواة.

(16)

التتمة في الفتاوى؛ لبرهان الدين، ابن مازة المتوفى سنة (616 هـ)، وقد جمع فيه مصنفه ما وقع إليه من الحوادث والواقعات وضم إليها ما في الكتب من المشكلات وجمع في كل مسألة روايات مختلفة. كشف الظنون (1/ 823)، الفوائد البهية (ص 336).

(17)

المجرَّد للحسن بن زياد العلامة فقيه العراق أبو علي الأنصاري مولاهم الكوفي اللؤلؤي صاحب أبي حنيفة نزل بغداد وصنف وتصدر للفقه وكان أحد الأذكياء البارعين في الرأي ولي القضاء مات سنة أربع ومئتين. الأعلام للزركلي (2/ 191).

ص: 79

فإن قلت: هذا الذي ذكر كله في الفرق (بين الوزني أو الكيلي)

(1)

نصًا، وبين كونه عادة في الجنسين المختلفين، وهل يختلف الحكم بين الوزني نصًا وبين الوزني عادة في متحدي الجنس كما في إنائين مصوغين من جنس واحد، أحدهما أكثر وزنًا من الآخر، وفي إنائين مصوعين

(2)

من ذهب أحدهما أكثر وزنًا من الآخر، وكذلك في الفضة في البيع أم لا.

قلت: نعم، ففي الأول: يجوز، وفي الثاني: لا [يجوز]

(3)

، بيان ذلك فيما ذكره من المبسوط

(4)

في الباب الأول من كتاب البيوع فقال: ولا بأس بأن يبيع إناء مصوعًا

(5)

بإناء مصوع

(6)

من نوعه يدًا بيد، وإن كان أكثر منه في الوزن

(7)

، (إذا كان ذلك)

(8)

الإناء لا يباع وزنًا؛ لأنه عددي متفاوت كالثياب، وهذا بخلاف أواني الذهب والفضة، فإنه يجري فيها ربا الفضل، وإن كانت لا تباع وزنًا في العادة؛ لأن صفة الوزن في الذهب والفضة منصوص عليها، فلا يتغير ذلك بالصنعة ولا يخرج من أن يكون موزونًا بالعادة، والعادة

(9)

لا تعارض النص، وأما في الحديد والشبه وما أشبه ذلك، فصفة الوزن ثابتة بالعرف، فيخرج من أن يكون موزونًا بالصنعة بالعرف، ويتعارف الناس بيع المصنوع [نصف]

(10)

منه عددًا.

الرطل

(11)

بالكسر والفتح لغة: نصف منا، المنا مقصور الذي يوزن به، وهو أفصح من المن

(12)

. وقال أبو عبيد

(13)

(14)

: الرطل وزنه مائة درهم وثمانية وعشرون درهمًا وزن سبعة

(15)

.

(1)

في (ت): بين الكيلي والوزني.

(2)

في (ت): مصوغين.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

المبسوط (12/ 181).

(5)

في (ت): مصوغًا.

(6)

في (ت): مصوغ.

(7)

في (ت): الورق.

(8)

في (ت): فإن.

(9)

في (ت): فالعادة.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

الرطل بفتح الراء وكسرها وهو ثنتا عشر أوقية بأواقي العرب، والأوقية أربعون درهماً، فذلك أربعمائة وثمانون درهماً، وجمعه أرطال. لسان العرب (11/ 285).

(12)

المنُّ: بالفتح والتشديد جمع أمنان، ويقال له المنا، وهو يساوي رطلان، وجمع المنا أمناء، قال ابن سيده: المن كيل، أو ميزان، وهي أداة وزن تساوي رطلين، والرطل = 12 أوقية " = 39، 815 غراما. معجم لغة الفقهاء (1/ 460).

(13)

في (ت): أبو عبيدة.

(14)

القاسم بن سلام، أبو عبيد، كان إماما في اللغة والفقه والحديث. توفي بمكة سنة 224، من تصانيفه: كتاب (الأموال)، و (الغريب)، و (الأمثال). التاريخ الكبير لمحمد بن إسماعيل البخاري، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن، (7/ 172)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1952 م، (7/ 111).

(15)

البناية شرح الهداية (8/ 276).

ص: 80

الأوقية

(1)

بالتشديد: أربعون درهمًا، وهي أفعولة من الوقاية؛ لأنها تقي صاحبها من الضر.

وعند الأطباء: (الأوقية وزن)

(2)

عشرة مثاقيل وخمسة أسباع درهم، وهو أستار وثلثا أستار

(3)

.

وفي كتاب العين

(4)

: الوقية وزن من أوزان الدهن وهي سبعة مثاقيل، كذا في المغرب

(5)

.

وذكر في الصحاح

(6)

: الأوقية في الحديث: أربعون درهمًا، وكذلك كان فيما مضى، فأما

(7)

اليوم (فيما يتعارفه)

(8)

الناس ويقدر عليه الأطباء فالأوقية عندهم: وزن عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم، وهو أستار وثلثا أستار، والجمع (الأواقي في مثل)

(9)

أثفية وأثافي، وإن شئت حققت (المثافي الجميع)

(10)

، والأواقي أيضًا جمع واقية، وكل ما ينسب إلى الرطل إلى آخره.

قال الإمام الإسبيجاني

(11)

(12)

رحمه الله: وفائدة هذا أنه لو باع ما ينسب إلى الرطل بجنسه متفاضلًا في الكيل متساويًا في الوزن يجوز.

وقال

(13)

: بخلاف سائر المكاييل متصل بقوله: لأنها قدرت بطريق الوزن، حيث لم يقدر المكاييل بطريق الوزن، فكان الاعتبار في المكاييل للمكيل

(14)

، لذلك

(15)

حتى لو باع قفيز حنطة بقفيز حنطة (لا يدري)

(16)

قدر القفيز وزنًا فإنه يجوز.

(1)

الأوقية بالتشديد معيار للوزن جمعها أواق ويختلف مقدارها شرعاً باختلاف الموزون والأوقية من غير الذهب والفضة أربعون درهماً (127) غراماً وأوقية الفضة أربعون درهماً ولكن درهم الفضة يساوي (2، 975) غراماً وعلى هذا أوقية الفضة 119 غراماً وأوقية الذهب سبعة مثاقيل ونصف مثقال وهي تساوي (29، 75) غرام). معجم لغة الفقهاء (1/ 115).

(2)

في (ت): وزن الأوقية.

(3)

لسان العرب (15/ 404).

(4)

كتاب العين (5/ 240).

(5)

المغرب (1/ 493).

(6)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2527).

(7)

في (ت): وأما.

(8)

في (ت): فما تعارفه.

(9)

في (ت): أواقي مثل.

(10)

في (ت): الياء في الجمع.

(11)

علاء الدين أو بهاء الدين علي بن مُحَمَّد بن إسماعيل السمرقندي الْإِسْبِيجَابِي، المعروف بشيخ الإسلام، لم يكن بما وراء النهر في زمانه من يحفظ مذهب أبي حَنِيفَةَ ويعرفه مثله، عمّر في نشر العلم، وسماع الحديث، تفقه على صاحب الهِدَايَة، له (شرح مختصر الطحاوي)، (المَبْسُوط)(ت 535 هـ). الجواهر المضية (2/ 592)، الفَوَائِد البهية (ص 509).

(12)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 89).

(13)

في (ت): وقوله.

(14)

في (ت): المكيل.

(15)

في (ت): وكذلك.

(16)

في (ت): ولا يدري.

ص: 81

وذكر في المبسوط

(1)

: وكل شيء وقع عليه كيل

(2)

الرطل فهو موزون، ثم قال: يريد به الإدهان

(3)

ونحوها؛ لأن الرطل إنما يعدل بالوزن، إلا أنه يشق عليهم وزن الدهن بالأمنا والصنجات في كل وقت؛ لأنه لا يستمسك إلا في وعاء، وفي وزن كل وعاء نوع خرج، فاتخذ الرطل لذلك تيسيرًا، فعرفنا أن كيل الرطل فهو موزون، فيجوز السلم فيه بذكر الوزن.

(ماء وهاء هاء يوزن)

(4)

، هاء بمعنى خذ، ومنه قوله تعالى:{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)} [الحاقة: 19]، أي كل واحد من المتعاقدين يقول لصاحبه: هاء، فيتقابضان والقصر خطأ، كذا في المغرب

(5)

.

وما سواه، أي وما سوى جنس الأثمان مما فيه الربا كالحنطة بالحنطة، خلافاً للشافعي رحمه الله في بيع الطعام

(6)

، ذكر لفظ الطعام مطلقًا؛ ليتناول كل مطعوم، سواء اختلف الجنس أو اتحد بأن باع كر حنطة بكر حنطة، أو كر حنطة بكر شعير أو تمر، فافترقا من غير قبض، فإنه يجوز العقد عندنا، وعند الشافعي: لا يجوز، كذا ذكره الإمام الزوزني

(7)

رحمه الله في تعليقاته.

ولنا أنه مبيع متعين، فلا يشترط فيه القبض كالثوب.

فإن قلت: لو قال الخصم: أجمعنا على اشتراط القبض في البدلين في بيع الصرف؛ استدلالًا بقوله عليه السلام: «يدًا بيد»

(8)

، ثم أنتم تستدلون بهذا اللفظ بعينه على اشتراط التعيين في بيع الطعام بالطعام، واللفظ الواحد كيف يفيد حكمين مختلفين في محلين [مختلفين]، (فلما أجمعنا في معناه)

(9)

في بيع الأثمان على أن المراد منه القبض، يجب أن يكون في حق الطعام كذلك، وإلا يلزم تعميم المشترك في موضع الإثبات، أو الجمع بين الحقيقة والجاز

(10)

، وكلاهما منتف، فينتفي إرادة التعيين منه لذلك ضرورة.

(1)

المبسوط (12/ 173).

(2)

في (ت): المكيل.

(3)

الإدهان: من الدُّهْن، ويقال دَهَنْتُه أَدْهُنُه دَهْنا، والدِّهان: ما يُدْهَن به، والإِدْهانُ: في الأصل جَعْلُ نحو الأَديم مدهوناً بشيء ما من الدّهن. معجم مقاييس اللغة (2/ 308)، تاج العروس (35/ 41).

(4)

في (ت): هاؤها بوزن.

(5)

المغرب (1/ 499).

(6)

انظر: الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، لأبي الحسن بالماوردي، المحقق: علي معوض، عادل عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1419 هـ -1999 م (5/ 82).

(7)

الزوزني: هو محمد بن محمود بن محمد تاج الدين أبو المفاخر بن أبي القاسم السديدي الزوزني. من آثاره: نصاب الذرائع في فروع الفقه الحنفي، وشرح منظومة عمر النسفي في الخلاف وسماه ملتقى البحار من منتقى الأخبار. انظر: تاج التراجم (2/ 88)، معجم المؤلفين (12/ 6).

(8)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1587)، من حديث عبادة رضي الله عنه.

(9)

في (ت): فلما اجتمعا.

(10)

في (ت): والمجاز.

ص: 82

قلت:

(1)

لم يختلف حكمه عندنا، بل المراد في كلتا الصورتين التعيين، إلا أن تعيين كل موضع يختلف بحسب حاله، ففي الدراهم والدنانير التعيين لا يكون إلا بالقبض؛ (لأنهما)

(2)

لا يتعينان في العقود والفسوخ، فكان تعيينهما لم يكن إلا بالقبض، فكان القبض هناك من ضرورة وجوب التعيين، لا أن يكون القبض مرارًا

(3)

هناك أيضًا، وأما الطعام فهو مما يتعين بالتعيين ثمنًا كان أو مثمنًا فلم يحتج لذلك إلى أن يتوقف تعيينه على

(4)

وجود القبض فلم يلزم حينئذ بما قلنا تعميم المشترك، ولا الجمع بين الحقيقة والمجاز.

فإن قلت: كونه مما يتعين بالتعيين لا يسقط اشتراط التقابض، ألا ترى أن من باع إناء فضة بإناء فضة أو بإناء ذهب بشرط

(5)

التقابض، مع أن إناء الفضة أو [إناء]

(6)

الذهب مما يتعين بالتعيين -على ما يجيء في كتاب الصرف إن شاء الله تعالى- فكان التعليل في إسقاط التقابض في بيع الطعام بالطعام بأنهما مما يتعين بالتعيين فلا يحتاج إلى القبض تعليلًا منقوضًا به.

قلت: ليس بمنقوض، بل هو مستقيم غاية الاستقامة، وذلك لأن إناء فضة [بإناء فضة]

(7)

أو إناء ذهب (أن الحق)

(8)

بما يتعين بالتعيين بسبب الصنعة، لكن لم يسقط عنه شبهة عدم التعيين؛ لكونه ثمنًا خلقه

(9)

فيشترط القبض؛ اعتبارًا للشبهة في الربا.

بخلاف الطعام فإنه ما خلق للثمنية، فلا يكون [فيه]

(10)

شبهة عدم التعيين، فلما تعين بالتعيين من غير شبهة إغنانًا عن التقابض فيهما.

وإلى ما ذكرنا أولًا أن وجوب القبض في بدل الصرف للتعيين أشار في المبسوط

(11)

، وقال: وهذا بخلاف الصرف، فإن هناك لا يشترط القبض الذي هو حكم العقد، وإنما يشترط التعيين؛ لأن التعيين من شروط العقد؛ بدليل نهي النبي عليه السلام

(12)

عن الكالئ بالكالي

(13)

، والنقود لا يتعين

(14)

في العقود، فكان اشتراط القبض للتعيين، وليس أحد البدلين والصرف أولى من الآخر، (بهذا فشرطنا)

(15)

القبض فيهما للتعيين، فكان المراد من قوله عليه السلام:«يدًا بيد»

(16)

التعيين؛ لأن التعيين إنما يكون بالإشارة باليد، كما أن القبض يكون باليد، فصلح ذكر اليد كناية

(17)

عنهما، أي عن القبض وعن التعيين، لكن لو كان مراده القبض لقال: يد

(18)

من يد، فلما قال: يدًا بيد عرفنا أنه بمنزلة قوله عينًا بعين.

(1)

في (ت): قلنا.

(2)

في (ت): إذ هما.

(3)

في (ت): مرادًا.

(4)

في (ت): إلى.

(5)

في (ت): يشترط.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

في (ت): إن ألحق.

(9)

في (ت): له.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

المبسوط (14/ 17).

(12)

في (ت): صلى الله عليه وسلم.

(13)

أخرجه الحاكم (2342)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وقال الذهبي: على شرط مسلم.

(14)

في (ت): تتعين.

(15)

في (ت): فلهذا شرطنا.

(16)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1587)، من حديث عبادة رضي الله عنه.

(17)

الكناية في اللغة: أن يتكلم بشيء يستدل به على المكنى عنه كالرفث والغائط. والكناية في الاصطلاح: فهي كلام استتر المراد منه بالاستعمال وإن كان معناه ظاهرًا في اللغة، سواء أكان المراد به الحقيقة أم المجاز. المصباح المنير (2/ 542)، كتاب التعريفات لعلي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني، المحقق: ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت -لبنان، الطبعة: الأولى 1403 هـ -1983 م، (1/ 187).

(18)

في (ت): يدًا.

ص: 83

وتعاقب القبض هذا جواب عن قوله: ولأنه إذا لم يقبض في المجلس يتعاقب القبض، وتفسير الجواب: هو أن التجار لا يفصلون في المالية بين المقبوض في المجلس وغير المقبوض بعد أن يكون حالاً، وإذا لم يتمكن (فضل خال)

(1)

عن المقابلة كان العقد جائزًا كما في بيع العبيد.

والدّواب بجنسه أو بغير جنسه.

ويجوز بيع البيضة بالبيضتين، والثمرة بالثمرتين، والجوزة بالجوزتين، هذا إذا كان البدلان موجودين، ولو كان كلاهما أو أحدهما نسيئة لا يجوز؛ لأن الجنس بانفراده يحرم النساء، كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(2)

.

فإن قيل: الجوز والبيض جعلا (مثالًا في ضمان)

(3)

المستهلكات، فينبغي أن لا يجوز بيع الواحد بالاثنين.

قلنا: لا مماثلة بينهما حقيقة للتفاوت صغيرًا كان أو كبيرًا، (إلا أن الناس)

(4)

اصطلحوا على إهدار التفاوت، فيعمل لذلك

(5)

في حقهم، وهو ضمان العدوايات دون الربا الذي هو حق الشرع عليهم، كذا في الذخيرة

(6)

.

ويجوز بيع الفلس بالفلسين بأعيانهما إلى آخره، وهو على أربعة أوجه:

إن باع فلسًا بغير عينه بفلسين بغير أعيانهما لا يجوز؛ لأن الفلوس

(7)

(الرابحة أمثال)

(8)

متساوية قطعًا؛ لاصطلاح الناس على سقوط قيمة الجودة منها، فيكون أحد الفلسين فضلًا خاليًا عن العوض مشروطًا في العقد، وذلك هو [فالبائع] الربا بعينه.

وإن باع فلسًا بعينه بفلسين بغير أعيانهما لم يجز أيضًا؛ لأنه لو جاز [فالبائع أمسك]

(9)

الفلس العين

(10)

، وطالبه [بفلس]

(11)

آخر، أو سّلم إليه الفلس المعين ثم قبضه

(12)

ذلك منه بعينه مع فلس آخر؛ لاستحقاقه فلسين في ذمته، فيكون الفلس الآخر خاليًا عن العوض.

(1)

في (ت): فصل حالًا.

(2)

العناية شرح الهداية (7/ 20).

(3)

في (ت): أمثالًا في حق ضمان.

(4)

في (ت): لأن الناس.

(5)

في (ت): بذلك.

(6)

المحيط البرهاني (6/ 357).

(7)

الفلوس جمع فلس، وتطلق الفلوس ويراد بها ما ضرب من المعادن من غير الذهب والفضة، وصارت عرفًا في التعامل وثمنًا باصطلاح الناس. ينظر:(المصباح المنير 2/ 165)، وبلغة السالك لأقرب المسالك المعروف بحاشية الصاوي على الشرح الصغير (الشرح الصغير هو شرح الشيخ الدردير لكتابه المسمى أقرب المسالك لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ)، لأبي العباس أحمد بن محمد الخلوتي، الشهير بالصاوي المالكي، الناشر: دار المعارف، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ، (3/ 345).

(8)

في (ت): الرائجة مثال.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(10)

في (ت): المعين.

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(12)

في (ت): قبض.

ص: 84

وكذلك لو باع فلسين بأعيانهما بفلس آخر بغير عينه؛ لأنه لو جاز لقبض المشتري الفلسين ثم دفع إليه أحدهما مكان ما استوجب في ذمته، فيبقى الآخر له بغير عوض.

أما إذا باع فلسًا بعينه بفلسين بأعيانهما، فيجوز في قول أبي يوسف، وهو قول أبي حنيفة -رحمهما الله-، (ولا يجوز في قول محمد)

(1)

رحمه الله.

وبهذا يتبين أن الفلس لا يتعين بالتعيين مادام رائجًا عند محمد رحمه الله، وعندهما يعين

(2)

بالتعيين إذا قوبل بجنسه، حتى لو هلك أحدهما قبل القبض بطل العقد عندهما، فمحمد

(3)

يقول: الفلوس الرائجة ثمن، والأثمان لا يتعين

(4)

في العقود بالتعيين كالدراهم والدنانير.

ألا ترى أنها لو قوبلت بخلاف جنسها لم يتعين، حتى لو اشترى بفلوس معينة شيئًا فهلكت قبل التسليم لا يبطل العقد، ولو استبدل بها جاز، فكذلك إذا قوبلت بجنسها؛ لأن ما يتعين بالتعيين فالجنس وغير الجنس فيه سواء؛ كالمكيلات والموزونات، ولا ما يتعين فالجنس وغير الجنس فيه سواء؛ كالذهب والفضة.

وهما يقولان: (الفلوس وعددية)

(5)

والعددي يتعين بالتعيين، ويجوز بيع الواحد منه بالاثنين، كما لو باع جوزة بجوزتين بأعيانهما، كذا في المبسوط

(6)

.

ولهما أن الثمنية (تثبت في حقهما)

(7)

باصطلاحهما، والدليل على أن معنى الثمنية في الفلوس بالاصطلاح أنها ثمن الخسيس من الأشياء دون النفيس، وأنها تروح في بعض الأوقات دون البعض بخلاف الذهب والفضة، وإذا بطلت الثمنية يتعين بالتعيين.

فإن قيل

(8)

: إذا كسدت الفلوس باتفاق الكل لا يكون لنا

(9)

باصطلاح المتعاقدين، فيجب أن لا يكون عروضًا أيضًا باصطلاح المتعاقدين؛ لأن اتفاق الكل على ثمنيتها سوى المتعاقدين [باقي]

(10)

بعد.

قلنا: الأصل أن تكون الفلوس عروضًا، فاصطلاحهما على الثمنية بعد الكساد كان على خلاف الأصل، فلا يجوز أن يكون ثمنًا باصطلاحهما؛ لوقوع اصطلاحهما على خلاف الأصل، وأما إذا اصطلحا على كونها عروضًا كان اصطلاحهما على وفاق الأصل، وهو كونها عروضًا فيجوز، وإن كان اتفاق من سواهما على الثمنية.

ولا يعود وزنيًا؛ لبقاء الاصطلاح على العدّ هذا جواب إشكال ذكره في المبسوط فقال:

(1)

في (ت): وقال محمد لا يجوز.

(2)

في (ت): يتعين.

(3)

في (ت): ومحمد.

(4)

في (ت): تتعين.

(5)

في (ت): الفلوس عددية.

(6)

المبسوط (12/ 183).

(7)

في (ت): في حقهما تثبت.

(8)

في (ت): فإن قلت.

(9)

في (ت): ثمنًا.

(10)

في (ت): باق.

ص: 85

فإن قيل: تحت هذا الكلام فسادٌ عظيم، فإنه إذا خرج في حقهما عن أن يكون ثمنًا كان هذا بيع قطعة صفر بقطعتي صفر، وذلك لا يجوز، فلم يكن في إبطال وصف الثمنية تصحيح هذا العقد.

قلنا: الاصطلاح في الفلوس كان على صفة الثمنية فيها والعدد

(1)

، وهما في هذه المبايعة أعرضا عن اعتبار صفة الثمنية فيها، وما أعرضا عن اعتبار صفة العدد

(2)

فيها، وليس من ضرورة خروجها من أن يكون ثمنًا في حقهما خروجها من أن يكون عددية؛ كالجوز والبيض فهو عددي وليس بثمن، فهذا باتفاقهما يصير

(3)

بهذه الصفة وحصل من هذا أنه لم يلزم من بطلان الثمنية بطلان العدد

(4)

؛ لأنهما ليسا بمتلازمين بل هما يفترقان وجودًا وعدمًا.

أما وجودًا ففي فصل الدراهم والدنانير، فإنهما ثمن وليسا بمعدود، وأما عدمًا ففي فصل الجوز والبيض والبطيخ، فإنها معدودة وليست بأثمان.

الكالئ من كلأ الدين: تأخر، كلوا فهو كالئ، ومعنى الكالي بالكالي: النسيئة بالنسيئة

(5)

.

ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق إلى آخره، أي لا يجوز متساويًا ولا متفاضلًا، لا بالكيل ولا بغيره؛ لعدم إمكان المماثلة بين الحنطة والدقيق، ولا يجوز البيع بينهما؛ لشبهة الفضل باعتبار شبهة المجانسة.

فإن قيل: الحرمة في الربا حرمة مؤقتة إلى غاية وجود المساواة، فلو ثبت الحرمة بينهما على ذلك الطريق لكانت الحرمة مطلقة لا ينتهي

(6)

أبدًا، وحينئذ كان على خلاف ما اقتضاه النص في الأصل وهو قوله عليه السلام:«لا تبيعوا البر بالبر إلا متساويًا»

(7)

، وهذا فرع ذلك فيجب أن يكون على وفاق الأصل، وإلا يلزم أن يكون مثل ظهار الذمي

(8)

، وذلك لا يجوز لهذا المعنى لما عرفت

(9)

.

قلنا: الحرمة المتناهية في الربا هي حرمة حقيقة الفضل، فإن تلك الحرمة ينتهي

(10)

بالمساواة، وأما الحرمة الثانية

(11)

بشبهة الفضل، فتلك الحرمة غير مؤقتة.

(1)

في (ت): والعد.

(2)

في (ت): العد.

(3)

في (ت): تصير.

(4)

في (ت): العد.

(5)

في (ت): النسيئة.

(6)

في (ت): تنتهي.

(7)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1587)، من حديث عبادة رضي الله عنه.

(8)

الذِّمِّي هو: المعاهد الذي أعطي عهدا يأمن به على ماله، وعرضه، ودينه. القاموس الفقهي لغة واصطلاحا للدكتور سعدي أبو حبيب، الناشر: دار الفكر. دمشق - سورية، الطبعة: الثانية 1408 هـ = 1988 م، تصوير: 1993 م، (ص: 138).

(9)

في (ت): لما عرف.

(10)

في (ت): تنتهي.

(11)

في (ت): الثابتة.

ص: 86

ألا ترى أن حرمة النساء حرمة لشبهة الفضل لا ينتهي

(1)

إلى غاية، ولا ينتهي

(2)

بالمسوّي بل يبقى

(3)

إلى أن يبقى النساء، فكذلك ههنا يبقى

(4)

حرمة بيع الحنطة بالدقيق؛ لعدم إمكان المساواة ما دام ذلك البيع باقيًا؛ لما أن هذه الحرمة حرمة شبهة الربا وهي لا تنتهي؛ لأن المجانسة باقية من وجه؛ لأن الدقيق بالطحن لم يوجد إلا تفريق الأجزاء، والمجتمع بالتفريق لا يصير شيئًا آخر، ولهذا بقي حرمة ربا الفضل بين الدقيق والحنطة.

ومن وجه زائلة؛ لأن اختلاف المجانسة إنما يثبت باختلاف الاسم والصورة واختلاف المعاني كما بين الحنطة والشعير، وههنا إن نظرنا إلى الاسم فالاسم قد زال فإنه لا يسمى حنطة، ولهذا قالوا: من وكل رجلًا بأن يشتري له حنطة فاشترى له دقيقًا فإنه لا يجوز، والصورة متبدلة، والمعاني مختلفة، فإن ما ينبغي من الحنطة لا ينبغي من الدقيق من التبذير واتخاذه هريسة وسويقًا، والمجانسة زالت من وجه وبقيت من وجه، وربا الفضل بين الحنطة والحنطة كانت ثابتًا قبل الطحن، ثم وقع الشك في أنه زال بالطحن، فمن حيث أن المجانسة قائمة من وجه لا يزول، ومن حيث أن المجانسة قد زالت يزول، فلا تزول الحرمة بالشك، وإذا ثبت الربا بينهما لم يثبت المخلص بالتساوي كيلًا في هذه الحالة؛ لأن الشرع إنما اعتبر التساوي بالكيل مخلصًا عن الحرمة حال قيام المجانسة من كل وجه، فإنه قال: الحنطة بالحنطة مثل بمثل كيل بكيل، كذا في مبسوط شيخ الإسلام رحمه الله

(5)

.

الاكتناز اكندة شدن مغر وخوشه وايجه بدان ماند.

يقال: اكتنز الشيء اكتنازاً أي اجتمع وامتلأ.

وقولهم: إجزاء الروث

(6)

(متخلخلة)

(7)

، أي في خلالها فرح لرخاوتها وكونها مجوفة غير مكتنزة، كذا في المغرب

(8)

.

و [يجوز]

(9)

بيع الدقيق بالدقيق متساويًا كيلًا جائز.

وانتصاب متساويًا وكيلًا على أنهما حالان متداخلتان

(10)

؛ لأن العامل في متساويًا (لفظ بيع)

(11)

، والعامل في كيلًا لفظ متساويًا، كقوله

(12)

تعالى: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)} [النصر: 2]، ففي قوله: يدخلون العامل قوله: ورأيت، وفي أفواجًا يدخلون على هذا الطريق.

(1)

في (ت): لا تنتهي.

(2)

في (ت): ولا تنتهي.

(3)

في (ت): تبقى.

(4)

في (ت): تبقى.

(5)

الأصل المعروف بالمبسوط (5/ 59).

(6)

في (ت): الثوب.

(7)

في (ت): متخلى له.

(8)

المغرب (1/ 153).

(9)

في (ت): يجوز.

(10)

في (ت): متداخلان.

(11)

في (ت): اللفظ.

(12)

في (ت): لقوله.

ص: 87

وإنما جاز البيع بينهما عند التساوي بالكيل؛ لأن المجانسة بينهما قائمة من كل وجه، والاتفاق في القدر ثابت، فبيان المجانسة ظاهر.

وأما بيان الاتفاق في القدر: أن الدقيق كيلي، فإن الناس اعتادوا بيعه كيلًا، ولهذا جاز السلم فيه كيلًا، ويجوز بيعه في الذمة كيلًا، وكذا يجوز استقراضه كيلًا.

وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله

(1)

أن بيع الدقيق بالدقيق إذا تساويا كيلًا إنما يجوز إذا كانا مكبوسين، كذا في الذخيرة

(2)

.

ولا يجوز بيع الدقيق بالمقلية، أي بالحنطة المقلية، وهي المشوية [يقال:]

(3)

مقلية ومقلوة من قلى البر إذا شواه، يقلي والثانية

(4)

من قلا يقلو.

وما ذكر من الطعن على محمد رحمه الله كان ينبغي أن يقول: حنطة مقلوة، وحنطة غير مقلوة لا مقلية جهل من الطاعن؛ لأنهما لغتان فصيحتان، إلى هذا أشار في المغرب

(5)

.

وعندهما يجوز، أي كيف ما كان متساويًا أو

(6)

متفاضلًا بعد أن يكون يدًا بيد؛ لأنهما جنسان مختلفان، فإن الاسم مختلف والمقصود مختلف؛ لأنه يقصد بالدقيق اتحاد الخبز والقصايد

(7)

والأطرية منه، ولا يحصل شيء من ذلك بالسويق، وإنما يلت بالسمن أو العسل فيؤكل كذلك، أو يشرب بالماء، وكان التفاوت بينهما في المقصود أظهر من التفاوت في الهروي و

(8)

المروي من الثبات

(9)

.

وكذلك (لا يصير كل واحد منهما)

(10)

مثل صاحبه بحال، فالسويق

(11)

لا يصير دقيقًا، والدقيق لا يصير سويقًا بحال، ثم اتحاد الأصل لا يمنع اختلاف الجنس باعتبار هذه المعاني.

(1)

مُحَمَّد بن الْفضل أَبُو بكر الفضلي الكماري ذكره صَاحب الْهِدَايَة فِي الكراهبية بِفَتْح الْكَاف وَالْمِيم تشبه النِّسْبَة وَهِي اسْم لجد بعض الْعلمَاء الْعَلامَة الْكَبِيرَة قَالَ الْحَاكِم في تَارِيخ نيسابور ورد نيسابور وَأقَام بهَا متفقها ثمَّ قدمهَا حَاجا فَحدث بهَا وَكتب ببخارى في سنة تسع وَخمسين وَعقد لَهُ مجْلِس الْإِمْلَاء وَمَات ببخارى يَوْم الْجُمُعَة لست بَقينَ من شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 107).

(2)

البناية شرح الهداية (8/ 284).

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): والثاني.

(5)

المغرب (1/ 393).

(6)

في (ت): و.

(7)

في (ت): العصائد.

(8)

في (ت): أو.

(9)

في (ت): الثياب.

(10)

في (ت): كل واحد منهما لا يصير.

(11)

في (ت): والسويق.

ص: 88

وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه يجوز البيع متساويًا لا متفاضلًا؛ لأن الدقيق قد يصير سويقًا بأن يرش عليه الماء ثم يقلى فيصير سويقًا، ببغداد يتخذ السويق بهذه الصفة فيعتبر المساواة بينهما؛ لجواز العقد باعتبار المال.

ولأبي حنيفة رحمه الله طريقان:

أحدهما: أن السويق أجزاء حنطة مقلية، والدقيق أجزاء حنطة غير مقلية، وبيع الحنطة المقلية بغير المقلية لا يجوز بحال، فكذلك بيع الدقيق مع السويق.

والطريق الآخر: أن بيع الحنطة بالسويق لا يجوز بالاتفاق، وربا الفضل لا يثبت إلا باعتبار المجانسة، ولا مجانسة بين الحنطة والسويق صورة، فعرفنا أن المجانسة باعتبار ما في الضمن، والذي في ضمن الحنطة دقيق

(1)

، فيثبت

(2)

المجانسة بين الدقيق والسويق بعد الطحن، كما يثبت

(3)

المجانسة بين السويق والحنطة باعتبار ما في الضمن قبل الطحن، وليس

(4)

فيه أكثر من أنّه فات بعض المقاصد بالسويق، وبه لا يختلف الجنس كالحنطة المقلية مع غير المقلية، والعلكة مع الرخوة، والتي أكلها السويق فإنها لا تصلح للزراعة، والهريسة والكشك منها، ولا يوجب ذلك اختلاف الجنس، فكذلك الدقيق مع السويق، إلى هذا أشار في المبسوط

(5)

.

علكة أي جيدة.

يقال: حنطة بعلكة

(6)

[جيدة]

(7)

، أي يتلزح كالعلك من جودتها وصلابتها، التلزح: التمدد من غير انقطاع.

السوسة: العتة، وهي دودة تقع في الصوف والثياب والطعام، ومنه قوله: حنطة مسوسة بكسر الواو والمشددة، كذا في المغرب

(8)

.

ثم ذكر بيع الحنطة المقلية مع غير المقلية وبيع الدقيق بالمقلية في أنه لا يجوز، ولم يذكر بيع المقلية بالمقلية فأما حكمه ذكر في الذخيرة (أنه لا يجوز)

(9)

..

وقال: وأما بيع المقلية بالمقلية فيجوز إذا تساويا كيلًا؛ لأن المجانسة بينهما قائمة من كل وجه، فيكتفى لجواز البيع بالمماثلة الحالية.

وذكر في المبسوط

(10)

: أنه لا يجوز، والله أعلم بصحته.

وقال محمد رحمه الله: إذا باعه بلحم من جنسه لا يجوز.

وإنما قيّد بقوله: بلحم من جنسه، وهو أن يباع لحم الشاة بالشاة؛ لأنهما لو كانا مختلفين بأن باع لحم البقر بالشاة وما أشبه يجوز بالاتفاق من غير اعتبار بالقلة والكثرة، كما في بيع اللحمان المختلفة على ما يجيء.

(1)

في (ت): دقيقا.

(2)

في (ت): تثبت.

(3)

في (ت): تثبت.

(4)

في (ت): فليس.

(5)

المبسوط (12/ 179).

(6)

في (ت): علكة.

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

المغرب (1/ 239).

(9)

في (ت): أنه يجوز.

(10)

المبسوط (12/ 184).

ص: 89

ثم قوله: إذا باعه بلحم من جنسه فيما إذا باع لحم الشاة بالشاة الحية [وزنًا]

(1)

، وفيه خلاف محمد رحمه الله.

وأما إذا كانت الشاة مذبوحة مسلوخة جاز إذا تساويا وزنًا وإلا فلا بالاتفاق.

وأراد بالمسلوخة المفصولة عن السقط، وإن كانت مذبوحة غير مسلوخة لا يجوز إلا على سبيل الاعتبار بأن يكون اللحم المفصول أكثر، وأراد بغير المسلوخة غير المفصولة عن السقط.

ثم حاصل اختلافهما في المسألة المختلف فيها وهي بيع لحم الشاة بالشاة أن محمدًا جعلهما جنسًا واحدًا، والقياس معه؛ لوجود الجنسية بينهما باعتبار ما في الضمن، كما في العصير مع العنب، واللبن مع السمن وأمثالهما.

وهما جعلاهما جنسين مختلفين، فيجوز من غير اعتبار [كما]

(2)

.

وأما كونهما جنسين مختلفين عرفناه بالنص قال الله تعالى: {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}

(3)

، أي بعد نفخ الروح، فقد سماه خلقًا آخر بعد نفخ الروح فعلمنا (أن الحي جنس)

(4)

آخر غير [جنس]

(5)

الجماد، فلذلك جعلنا

(6)

الشاة الحية مع اللحم جنسين [أيضًا]

(7)

مختلفين نصًا، فيجوز بيع أحدهما بالآخر من غير اعتبار، كما إذا باع لحم البقر بالشاة، إلى هذا أشار في الذخيرة

(8)

.

ولهما أنه باع الموزون بما ليس بموزون.

وذكر في الذخيرة

(9)

: أنهما جعلاهما جنسين مختلفين كما ذكرنا

(10)

.

فإن قلت: فعلى كلا التقديرين أعني بيع الموزون بغير الموزون وبيع شيء بخلاف جنسه يقتضي أن يجوز بيع أحدهما بالآخر نسيئة.

فقد ذكر في المبسوط

(11)

: أنه لا يجوز نسيئة إجماعًا فما وجهه.

قلت: وجهه ما ذكر فيه، وقال: إن كانت النسيئة في الشاة الحية فهو سلم في الحيوان، وإن كان في البدل الآخر فهو سلم في اللحم، وكلاهما لا يجوز.

ثم قال: ولو كانت الشاتان مذبوحتين قد سلختا اشتراهما بشاة مذبوحة لم تسلخ فهو جائز من غير ذكر خلاف، فوجهه أن المثل من لحم الشاة بمقابلة المثل من الشاتين، والباقي من لحم الشاتين كان بإزاء الجلد والسقط فيجوز ذلك، حتى إذا كانت الشاة ليس معها جلد كان ذلك فاسدًا؛ لأن العقد حينئذ اشتمل على اللحم فقط من الجانبين، واللحم موزون فإذا وجدت الجنسية والوزن حرم التفاضل.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

[المؤمنون: 14].

(4)

في (ت): أن الجنس آخر.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

في (ت): جعلناه.

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

العناية شرح الهداية (7/ 25).

(9)

العناية شرح الهداية (7/ 26).

(10)

في (ت): ذكر.

(11)

المبسوط (12/ 120).

ص: 90

وسقط المتاع: رذالته، وأراد به ههنا ما هو الذي لا يطلق عليه اسم اللحم من الشاة من الجلد والكرش والأمعاء والطحال.

أو من حيث زيادة اللحم بأن قوبل اللحم بالسقط أولًا.

الحل: دهن السمسم غير مطيب.

التجير: ثقل كل شيء يعصر.

لا إذا، أي لا يجوز على ذلك التقدير أي على تقدير النقصان بالجفاف.

ثم في قوله: انتقص

(1)

إذا جف إشارة إلى أنه يشترط لجواز العقد المماثلة في أعدل الأحوال، وهو ما بعد الجفوف، ولا يعرف ذلك المساواة

(2)

بالكيل في [الحال واعتبار المثالة في]

(3)

أعدل الأحوال صحيح، كما في بيع الحنطة بالدقيق، فإنه لا يجوز؛ لتفاوت بينهما بعد الطحن، ولأنه لو كان ثمرًا إلى آخره.

فإن قيل

(4)

: فبالنظر إلى هذا (الترديد سعى)

(5)

أن يجوز بيع الحنطة المقلية بغير المقلية؛ لأن المقلية لا يخلوا

(6)

أما

(7)

إن كانت حنطة أو لم يكن

(8)

، فإن كانت حنطة فيجوز بيعها بالحنطة لقوله عليه السلام:«الحنطة بالحنطة»

(9)

، وإن لم يكن

(10)

حنطة (يجوز أيضًا)

(11)

؛ لقوله عليه السلام: «إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم»

(12)

.

قلنا: هذا جواب جدلي

(13)

؛ لأجل دفع الخصم.

أما الجواب لأبي حنيفة رحمه الله عن قوله: أو ينقص إذا جف، فإطلاق النبي عليه السلام التمر على الرطب.

وذكر في المبسوط

(14)

: ودخل أبو حنيفة رحمه الله بغداد فسئل عن هذه المسألة وكانوا شديدًا عليه؛ لمخالفته الخبر، فقال: الرطب لا يخلوا ما

(15)

أن يكون تمرًا أو لم يكن، فإن كان تمرًا جاز العقد عليه [بأول الحديث، وإن كان غير تمر فبآخره وهو قوله]

(16)

لقوله عليه السلام: «التمر بالتمر»

(17)

، وإن لم يكن تمرًا جاز لقوله عليه السلام: «إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف

(1)

في (ت): أو ينقص.

(2)

في (ت): بالمساواة.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): قلت.

(5)

في (ت): التردد ينبغي.

(6)

في (ت): تخلوا.

(7)

في (ت): إما.

(8)

في (ت): تكن.

(9)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1588).

(10)

في (ت): تكن.

(11)

في (ت): فيجوز بيعها أيضًا.

(12)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1587)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

(13)

في (ت): جدل.

(14)

المبسوط (12/ 185).

(15)

في (ت): إما.

(16)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(17)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1588).

ص: 91

شئتم»

(1)

، فأورد عليه حديث سعد

(2)

، فقال: هذا الحديث دار على زيد بن أبي عباس

(3)

، وزيد بن أبي عباس ممن لا يقبل حديثه، واستحسن أهل الحديث منه هذا الطعن، حتى قال ابن المبارك

(4)

رحمه الله: كيف يقال: أبو حنيفة رحمه الله لا يعرف الحديث، وهو يقول: زيد بن أبي عباس ممن لا يقبل حديثه، وهذا الكلام حسن في المناظرة؛ لدفع شغب الخصم، ولكن الحجة لا تتم بهذا، الجواز أن يكون ههنا قسم ثالث كما في المقلية بغير المقلية، ولكن الحجة لأبي حنيفة رحمه الله الاستدلال بقوله عليه السلام:«التمر بالتمر مثل بمثل»

(5)

، وقد بينا أن اسم التمر اسم لثمرة خارجة من النخل من حين ينعقد صورتها إلى أن يدرك، وما يتردد عليها من الأوصاف باعتبار الأحوال لا يوجب تبدل اسم العين، كالآدمي يكون صبيًا ثم شابًا ثم كهلًا ثم شيخًا، وإذا ثبت أن الكل تمر يراعى وجود المماثلة حالة العقد على الصفة التي دخلت في العقد إلى آخره.

(1)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1587)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

(2)

سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بْنُ مَالِكِ، أسلم بعد ستة، وكان عمره لما أسلم سبع عشرة سنة. وهو أحد الَّذِينَ شهد لهم رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأحد العشرة سادات الصحابة، وأحد الستة أصحاب الشورى، توفي سنة أربع وخمسين. أسد الغابة لأبي الحسن علي الجزري، عز الدين ابن الأثير، الناشر: دار الفكر - بيروت، عام النشر: 1409 هـ - 1989 م، (2/ 214).

(3)

زَيْد بن عَيَّاش، أَبُو عَيَّاش الزرقي، رَوَى عَن: سَعْد بْن أَبي وقاص. رَوَى عَنه: عَبد اللَّهِ بْن يَزِيد وعِمْران بْن أَبي. روى لَهُ الأربعة حديثا واحدا. روى له البخاري، وعمران بن أبي أنس. وروى له مسلم. تهذيب الكمال في أسماء الرجال ليوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، جمال الدين المزي، المحقق: د. بشار عواد، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1400 - 1980، (10/ 101)، وميزان الاعتدال في نقد الرجال لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: علي البجاوي، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1382 هـ - 1963 م، (2/ 105).

(4)

عبدالله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء، التميمي، المروزي أبو عبد الرحمن: الحافظ، شيخ الإسلام، المجاهد التاجر، صاحب التصانيف والرحلات. ولد سنة 118 هـ، وجمع الحديث والفقه والعربية كان من سكان خراسان، ومات منصرفا من غزو الروم سنة 181 هـ. التاريخ الكبير (5/ 212)، الأَعْلَام للزركلي (4/ 115).

(5)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1588).

ص: 92

فإن قيل: لو كان الرطب تمرًا ينبغي أن يحنث

(1)

فيما إذا حلف لا يأكل رطبًا فأكل تمرًا.

قلنا: مبنى الأيمان على العرف، وفي العرف الرطب غير التمر.

وأما الجواب عن بيع الحنطة بالدقيق: فإن بالطحن يفرق الأجزاء ولا يفوت (جزء شاغل للكيل)

(2)

، فيتبين بالتفاوت بينهما بعد الطحن لم

(3)

يكونا متساويين عند العقد.

وكذلك المقلية بغير المقلية، فإن بالقلي لا يتفاوت (جزء شاغل للكيل)

(4)

، وإنما ينعدم اللطافة التي كانت الحنطة بها مبنية، (ولما ظهر التفاوت بعد)

(5)

القلي عرفنا أن هذا التفاوت كان موجودًا عند العقد.

ثم صاحب الشرع أسقط اعتبار التفاوت في الجودة بقوله: ثم جيدها ورديئها سواء

(6)

، واعتبر التفاوت بين النقد والنسيئة، حتى شرط اليد باليد، وصفة الجودة لا تكون حادثة بصنع العباد، والتفاوت بين النقد والنسيئة حادث بصنع العباد

(7)

وهو اشتراط الأجل، فصار هذا أصلًا أن كل تفاوت يبتنى

(8)

على صنع العباد، فلذلك مفسد للعقد، وفي المقلية بغير المقلية والحنطة بالدقيق التفاوت بهذه الصفة، وكل تفاوت يبتنى

(9)

على ما هو ثابت بأصل الخلقة من غير صنع العباد فهو ساقط الاعتبار، والتفاوت بين الرطب والثمن بهذه الصفة، فلا يكون معتبرًا كالتفاوت بين الجيد والرديء.

ثم تأويل الحديث الذي روياه وهو قوله عليه السلام لماذا إن صح قيل: كان السائل وصيًا ليتيم، فلم ير رسول الله عليه السلام في ذلك التصرف منفعة لليتيم باعتبار النقصان عند الحقوق،

(10)

فمنع الوصي منه على طريق الاشتقاق

(11)

لا على طريق بيان فساد العقد.

وقيل: لا يجوز بالاتفاق، والفرق لأبي حنيفة رحمه الله بين بيع التمر بالرطب وبين بيع العنب بالزبيب على هذه الرواية هو أن النص ورد بإطلاق لفظ الثمن على الرطب في قوله: عليه السلام «أو كل تمر خيبر هكذا» ،

(12)

أو

(13)

لم يرد مثل هذا بإطلاق اسم الزبيب على العنب فافترقا، والرطب بالرطب يجوز متماثلًا كيلًا عندنا، أي خلافًا للشافعي رحمه الله فإنه لا يجوّز ذلك، وكذلك الخلاف بيننا وبينه في بيع (الباقلي بالباقلي)

(14)

، كذا في المبسوط

(15)

.

(1)

في (ت): يختلف.

(2)

في (ت): جزئيًا على الكل.

(3)

في (ت): فلم.

(4)

في (ت): جزئيًا على الكل.

(5)

في (ت): ولما ظهرت بعد.

(6)

هذا اللفظ غير محفوظ، ولكن معناه في حديث بيع التمر الجمع بالجنيب الذي أخرجه البخاري في كتاب البيوع - باب إذا أراد بيع تمر بتمر (2201)، ومسلم في كتاب المساقاة - باب بيع الطعام مثلًا بمثل (1593) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

في (ت): العبد.

(8)

في (ت): يبنى.

(9)

في (ت): يبنى.

(10)

في (ت): الجفاف.

(11)

في (ت): الإشفاق.

(12)

أخرجه البخاري في كتاب البيوع - باب إذا أراد بيع تمر بتمر (2201)، ومسلم في كتاب المساقاة - باب بيع الطعام مثلًا بمثل (1593) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(13)

في (ت): و.

(14)

في (ت): الباقلاء بالباء.

(15)

المبسوط (12/ 185).

ص: 93

وكذا بيع الحنطة الرطبة أو المبلولة بمثلها، أي الحنطة الرطبة بالحنطة الرطبة، والحنطة المبلولة بالحنطة المبلولة والحنطة الرطبة بالحنطة المبلولة [أو اليابسة]

(1)

، أي بيع الحنطة الرطبة أو المبلولة باليابسة، كذا في الذخيرة وفتاوى قاضي خان

(2)

.

وقال محمد رحمه الله: لا يجوز [جميع] ذلك، قال شمس الأئمة الحلواني

(3)

: أن الرواية محفوظة عن محمد أن بيع الحنطة اليابسة بالمبلولة إنما لا يجوز إذا ابتلت الحنطة وانتفخت، أما إذا لم تنتفخ بعد ذلك لكن بلت من ساعته يجوز بيعها باليابسة إذا تساويا كيلًا، كذا في المحيط والذخيرة.

أو التمر أو

(4)

الزبيب المنقع بالمنقع منهما، أي من التمر والزبيب.

وقال:

(5)

المنقع بالفتح مخففًا لا غير من أنقع الزبيب في الخايبة

(6)

، ونقعه: ألقاه فيها ليبتل ويخرج منه الحلاوة، واسم الشراب نقيع، كذا في المغرب

(7)

.

وأما النقيع

(8)

بالتشديد من التنقيع، لم يورد

(9)

في الكتب المتداولة من اللغة، وكذا أبو يوسف رحمه الله عملًا بإطلاق الحديث، وهو قوله عليه السلام: «التمر بالتمر مثل بمثل الحنطة

(10)

بالحنطة مثل بمثل»

(11)

، إلا أنه ترك هذا الأصل في بيع الرطب بالتمر؛ لما (روينا)

(12)

وهو قوله عليه السلام: «لا إذن

(13)

»

(14)

.

ووجه الفرق لمحمد رحمه الله إلى آخره، فمحمد يفرق بين هذه الفصول، وهي بيع الحنطة الرطبة أو المبلولة إلى آخرها، وبين بيع الرطب بالرطب، فيقول هناك: التفاوت يظهر بعد خروج البدلين عن الاسم الذي عقد به العقد، ولا يكون ذلك تفاوتًا في المعقود عليه، وفي هذه الفصول يظهر التفاوت بعد الجفوف

(15)

، مع بقاء البدلين على الاسم الذي عقد به العقد، وهو الحنطة والزبيب والتمر، فكان هذا تفاوتًا في المعقود عليه، ولهذا لا يجوز بيع الرطب بالتمر؛ لأن التفاوت يظهر مع بقاء أحد البدلين على الاسم الذي عقد به العقد، كذا في المبسوط

(16)

.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

فتح القدير (7/ 30).

(3)

عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح الحلواني، الملقب شمس الأئمة، من أهل بخارى، إمام أصحاب أبي حَنِيفَةَ بها في وقته، توفي سنة ثمان أو تسع وأربعين وأربع مائة. الجواهر المضية (1/ 318)، الفَوَائِد البهية (ص 95).

(4)

في (ت): و.

(5)

في (ت): وقوله.

(6)

في (ت): الخانية.

(7)

المغرب (1/ 473).

(8)

في (ت): المنقع.

(9)

في (ت): يورده.

(10)

في (ت): والحنطة.

(11)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1588).

(12)

في (ت): رويناه لهما.

(13)

في (ت): إذًا.

(14)

أخرجه أبو داود في كتاب البيوع - باب في التمر بالتمر (3359)، والترمذي في كتاب البيوع - باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة (1225)، والنسائي في كتاب البيوع - باب اشتراء التمر بالرطب (4546)، وصححه الألباني.

(15)

في (ت): الجفاف.

(16)

المبسوط (12/ 187).

ص: 94

وحاصله أن عند محمد ظهور التفاوت مع بقاء [أحد البدلين على الاسم الذي عقد عليه]

(1)

(اسم كل المعقود عليه أو مع بقاء اسم البعض)

(2)

المعقود عليه مفسد للعقد، وأما ظهور التفاوت بعد زوال اسم كل المعقود عليه لا يفسد العقد.

ولو باع البسر

(3)

بالتمر متفاضلًا لا يجوز، وإن كان البسر لم يحمر ولم يصفر، وذكر في الذخيرة

(4)

: أما بيع البسر بالتمر فلا ذكر له في الكتب، وذكر شمس الأئمة الحلواني: أنه يجوز بالإجماع إذا تساويا كيلًا يدًا بيد.

الكفري بضم الكاف وفتح الفاء وتشديد الراء كم النخل؛ لأنه يستر ما في جوفه، كذا في المغرب

(5)

.

وفارسيته غنجة آخر ما وهو أول ما ينسق

(6)

عنه النخل.

وفي المبسوط

(7)

: ولا بأس بأن يشتري الكفري بما شئت

(8)

من التمر يدًا بيد؛ لأن الكفري ليس بتمر ولا يكال [أيضًا]

(9)

، ولا خير فيه إذا كان الكفري نسيئة؛ لأنه مجهول فيه الصغير والكبير، وهو عددي متفاوت، فإن آحاده يتفاوت في المالية.

فإن هذا الاسم، أي اسم التمر، له، أي للبسر

(10)

من أول ما ينعقد

(11)

صورته لا قبله، فإن قبل انعقاد صورته اسمه الكفري

(12)

لا التمر كالإنسان، فاسم الإنسان له تعدى

(13)

تمام صورته وتمام خلقه ودخول الروح فيه، وقبله علقة ومضغة، وبعد

(14)

دخول الروح وإن كان يختلف اسمه من الجنين والطفل والصبي والشباب لا يخرج عن كونه إنسانًا، فكذا في التمر لا يخرج عن اسم التمر بعد انعقاد صورته، وإن كان يختلف اسمه بالبسر والحصرم

(15)

وغيرهما.

وقال

(16)

: والكفري عددي متفاوت يحتمل أن يكون هذا جواب إشكال يرد على قوله: لأنه ليس بتمر بأن

(17)

قيل: لما لم يكن تمرًا وجب أن يجوز إسلام الثمن

(18)

في الكفري، فقال في جوابه: الكفري عددي متفاوت.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

في (ت): أو بقاء اسم.

(3)

البُسْر من كل شيء: الغَضُّ منه ونبات بُسْرٌ: أي طريّ. وماء بُسْرٌ: أي قريب العهد بالمطر. شمس العلوم (1/ 522).

(4)

العناية شرح الهداية (7/ 32).

(5)

المغرب (1/ 411).

(6)

في (ت): ينشق.

(7)

المبسوط (12/ 191).

(8)

في (ت): ينبت.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(10)

في (ت): البسر.

(11)

في (ت): تنعقد.

(12)

في (ت): للكفري.

(13)

في (ت): بعد.

(14)

في (ت): فبعد.

(15)

(حصرم): قَالَ اللَّيْث: الحِصْرِم: العَوْدَقُ. قلت: هُوَ الكحْب. وَهُوَ حبُّ العِنَب إِذا صَلُب، وَهُوَ حامضٌ. وَقَالَ أَبُو زيد: الحِصْرِم حشَفُ كلّ شَيْء. تهذيب اللغة (5/ 209).

(16)

في (ت): وقوله.

(17)

في (ت): فإن.

(18)

في (ت): التمر.

ص: 95

ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت، أي بيع ثمرة الزيتون بالزيت، وذكر في المغرب

(1)

: الزيتون من العضاه

(2)

، ويقال كثمرة

(3)

الزيتون أيضًا ولدهنه الزيت.

ثم اعلم أن الأصل في جنس هذه المسائل أن المجانسة بين الشيئين قد يكون باعتبار العين

(4)

تارة وباعتبار ما في العين

(5)

أخرى، ففيما وجدت المجانسة عينًا لا يعتبر ما في الضمن حتى يجوز بيع قفيز حنطة علكة بقفيز حنطة أكلها السوس، ولا يعتبر ما في الضمن وفي

(6)

الحنطة بالدقيق، يعتبر المجانسة بما

(7)

الضمن حقيقة وإن كان شيئًا آخر حكما ثم لا مجانسة بين الزيتون والزيت صورة، وإنما يعتبر المجانسة بما في الضمن وهو الزيت الذي في الزيتون، وبيع أحدهما بالآخر على أربعة أوجه، إن علم أن ما في الزيتون من الزيت أكثر من المنفصل، فقد تحقق الفضل الخالي عن العوض، فلا يجوز البيع، وكذلك إن علم أنه مثله

(8)

؛ لأن ثفل الزيتون يكون فضلًا خاليًا عن العوض، وإن كان لا يعلم (كيف هؤلاء)

(9)

لا يجوز العقد عندنا، وقال زفر: يجوز؛ لأن الأصل في مقابلة مال متقوم بمال متقوم جواز

(10)

العقد، وإنما الفساد بوجود الفضل الخالي عن العوض، فما لم يعلم به لا يفسد البيع.

وعندنا الفضل الذي هو متوهم الوجود كالمتحقق في باب الربا؛ لما روي أن النبي عليه السلام

(11)

: نهى عن ببيع الربا والريبة

(12)

والريبة شبهة الربا.

أو

(13)

قال ابن مسعود

(14)

: رضي الله عنه كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الحرام

(15)

.

(1)

المغرب (1/ 214).

(2)

في (ت): العصارة.

(3)

في (ت): للثمرة.

(4)

في (ت): عينه.

(5)

في (ت): الضمن.

(6)

في (ت): وهو.

(7)

في (ت): بما في.

(8)

في (ت): مثل له.

(9)

في (ت): كيف هو.

(10)

في (ت): فجاز.

(11)

في (ت): صلى الله عليه وسلم.

(12)

قال عمر إن آخر ما نزل من القرآن آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قبض ولم يفسرها فدعوا الربا والريبة» . أخرجه أحمد (246)، وابن ماجه في كتاب التجارات – باب التغليظ في الربا (2276)، وصححه الألباني.

(13)

في (ت): و.

(14)

عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، كان إسلامه قديما فِي أول الإسلام، شهد بدرا والحديبية، وهاجر الهجرتين جميعا: الأولى إِلَى أرض الحبشة، والهجرة الثانية من مكة إِلَى المدينة، فصلى القبلتين، ومات ابْن مَسْعُود رحمه الله بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بالبقيع. الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 987)، سير أعلام النبلاء (1/ 461).

(15)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (14683) عن عمر.

ص: 96

وإن علم أن ما في الزيتون من الزيت أقل من المنفصل فالبيع جائز؛ لأن المثل تصير بإزاء المثل، والباقي من الزيت بإزاء الثفل

(1)

، فلا يظهر الفضل الخالي عن المقابلة بهذا الطريق.

وكذلك دهن السمسم بالسمسم وأمثاله، ولا خير في شيء من ذلك نسيئة؛ لوجود الجنسية باعتبار ما في الضمن، كذا في المبسوط

(2)

.

وذكر في فتاوى قاضي خان

(3)

: وإنما يشترط أن يكون الخالص أكثر إذا كان الثفل في البدل الآخر شيئًا له قيمة، أما إذا كان شيئًا لا قيمة له كما في الزبد بعد إخراج السمن منه فإن في هذا الوجه إذا كان السمن الخالص مثل ما فيه من السمن يجوز، [هو] مروي ذلك عن أبي حنيفة رحمه الله.

وقال:

(4)

فالتخير وبعض الدهن فضل منصرف

(5)

إلى قوله: كان أكثر.

(وقال: أو)

(6)

التجبر وحده فضل ينصرف إلى قوله: أو مساويًا

(7)

له.

فإن قيل: ينبغي (أن لا يجوز)

(8)

بيع دهن السمسم بالسمسم بأي وجه كان؛ لأن الدهن وزني والسمسم كيلي.

قلنا: المقصود من السمسم ما في السمسم وهو دهنه، فكان فيه حينئذ بيع الجنس بالجنس.

فإن قيل: لما كان ما في السمسم مقصودًا ويخبره

(9)

أيضًا مقصود حتى (يجعل بمقابلته)

(10)

شيء من الدهن، ينبغي أن يجوز بيع السمسم بالسمسم متفاضلًا صرفًا لكل واحد من الدهن والثجير إلى خلاف الجنس، كما في مسألة الإكرار وهي بيع كر حنطة وكر متعير

(11)

بثلاثة إكرار حنطة وكر شعير.

قلنا: ذلك الصرف إلى خلاف الجنس إنما يصح في المنفصل خلقة كما في مسألة الإكرار؛ لأنه لما كان منفصلًا [حقا]

(12)

خلقة [كما في مسألة الإكرار]

(13)

أمكن اعتباره منفصلًا في حق الصرف إلى خلاف الجنس أيضًا، ولأن السمسم إذا

(14)

كان زايدًا في أحد الجانبين كان (ما في ضمن السمسم الزايد من الدهن أيضًا زايدًا)

(15)

على الدهن الذي هو في ضمن السمسم الأقل بمقابلته، والدهن وزني فكان فيه بيع الدهن بالدهن متفاضلًا في الوزن.

(1)

الثُّفْلُ: نَثرُكَ الشيءَ بمَرّةٍ. والثُّفل: ما رَسَبَ خُثارتُه وعَلَا صفوُه من كل شيءٍ. وثُفْل القدر والدواء ونحوه. كتاب العين (8/ 226).

(2)

المبسوط (12/ 180).

(3)

فتح القدير (7/ 32).

(4)

في (ت): وقوله.

(5)

في (ت): ينصرف.

(6)

في (ت): وقوله و.

(7)

في (ت): متساويًا.

(8)

في (ت): أن يجوز.

(9)

في (ت): فالتخيرة.

(10)

في (ت): جعل بمقابلة.

(11)

في (ت): شعير.

(12)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(13)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(14)

في (ت): لما.

(15)

في (ت): في ضمن الزائد من السمسم أيضًا دهنًا زائدًا.

ص: 97

وذكر في الإيضاح

(1)

: وأما الأدهان فالحل والزيت جنسان؛ لاختلاف أصليهما.

قال: وإن كان أصلهما واحدًا واختلف المضاف إليه كالبنفسج مع

(2)

الخيري؛ لأن المقاصد بينهما يختلف

(3)

، فسقط حكم اتحاد الأصل.

الشيرج: الدهن الأبيض، ويقال للعصير أو النبيذ قبل أن يتغير: شيرج أيضًا، وهو تعريب شيره، كذا في المغرب

(4)

.

واختلفوا في القطن بغزله.

وذكر في الإيضاح والذخيرة

(5)

: ولا يجوز بيع غزل القطن بالقطن متساويًا؛ لأن القطن ينقص

(6)

بالغزل، وهو

(7)

نظير الحنطة مع الدقيق.

فذكر

(8)

في فتاوى قاضي خان

(9)

في موضع: ولا يجوز بيع الغزل بالقطن إلا متساويًا؛ لأن أصلهما واحد وكلاهما موزون، وإن خرجا من الوزن أو خرج أحدهما من الوزن فلا بأس به إن بيع واحدًا باثنين.

وبيع الغزل بالثوب جايز على كل حال، وعن محمد رحمه الله: أن بيع القطن بالثوب لا يجوز متفاضلًا، وعنه: أنه لا يجوز مطلقًا، ثم ذكر بعد هذا: ولا بأس ببيع المحلوج

(10)

بالقطن، والغزل بالقطن إذا كان يعلم أن الخالص أكثر مما في الآخر، وإن كان لا يدري لا يجوز.

ويجوز بيع اللحمان المختلفة بعضها ببعض متفاضلًا، وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز؛ لأن المقصود من اللحم شيء واحد وهو التعدي

(11)

والتقوي، واختلاف المقاصد بعد ذلك يرجع إلى الوصف.

ونحن نقول بأن اللحوم فروع أصول مختلفة، واختلاف الأصل يوجب اختلاف الفرع ضرورة كالأدهان، وما ذكر من الاتحاد في التغدي

(12)

فذلك اعتبار المعنى العام؛ كالطعم في الطعومات

(13)

، والتفكه في الفواكه، والمعتبر الاتحاد في المعنى الخاص، كذا في الإيضاح.

فأما البقر والجواميس جنس واحد، يعني لا يجوز بيع لحم أحدهما بالآخر متفاضلًا.

فإن قلت: يشكل

(14)

على حرمة بيع اللحوم في الجنس الواحد بعضها ببعض متفاضلًا (بيع لحم) الطير بعضه ببعض متفاضلًا، فإنه يجوز وإن كان من جنس واحد.

(1)

العناية شرح الهداية (5/ 485).

(2)

في (ت): و.

(3)

في (ت): تختلف.

(4)

المغرب (1/ 247).

(5)

الجوهرة النيرة (1/ 215).

(6)

في (ت): ينقض.

(7)

في (ت): فهو.

(8)

في (ت): وذكر.

(9)

فتح القدير (7/ 34).

(10)

يُقَال: حلجت الْقطن أحلجه حلجًا إِذا أخرجت حبه. جمهرة اللغة (1/ 440).

(11)

في (ت): التغدي.

(12)

في (ت): التغذي.

(13)

في (ت): المطعومات.

(14)

في (ت): بشكل.

ص: 98

قلت: ذاك باعتبار أنه لا يوزن في العادة، كذا في الإيضاح.

وإذا لم يوزن لا يكال أيضًا، وهو ظاهر فلما لم [يكن] له مقدر شرعي (ألحق بغير المكيل والموزون)

(1)

، وهناك يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلًا وإن كان من جنس واحد كالثياب فكذا ههنا.

ولنا أن الأصول مختلفة حتى لا يكمل نصاب أحدهما بالآخر في الزكاة

(2)

.

وأما قوله: لاتحاد المقصود، قلنا: لم يتحد المقصود أيضًا، فإن (مقصودين الثمن)

(3)

يحصل بلبن البقر دون لبن الإبل، ولكن مع اختلاف الجنس، فالألبان واللحوم موزونة كلها، فلذلك لا يجوز بيع البعض بالبعض نسيئة، ويجوز متفاضلًا يدًا بيد؛ لانعدام أحد الوصفين، كذا في المبسوط

(4)

.

فكذا إجزاؤها، أي إجزاء الأصول أيضًا مختلفة بحسب اختلاف الأصول، وأما في حق الجنس الواحد فمتحد، حتى جاز في الألبان التي هي مختلفة الأصول كألبان البقر مع ألبان الشاة يجوز بيع بعضها بالبعض متفاضلًا، ولا يجوز في الألبان التي اتحد أصلها كألبان الشاة بيع (بعضها بالبعض)

(5)

متفاضلًا.

إذا لم يتبدل بالصنعة، يعني إذا تبدل بالصنعة حينئذ لا يعتبر (اتحاد الفصل

(6)

، بل يصير

(7)

جنسين بسبب تبدلهما

(8)

بالصنعة، وإن كان أصلهما واحدًا كالزندنيجي

(9)

مع الوذاري

(10)

، والهروي مع المروي.

(1)

في (ت): ألحق بغير الموزون والمكيل.

(2)

نصاب الزكاة: في الذهب عشرون دينارًا، ونصاب الفضة مائتا درهم، فإن لم يتم هذا النصاب عند مالكه فلا زكاة عليه وذلك مجمع عليه. ونصاب الزكاة في الفلوس وفي الأوراق النقدية عند من أوجب فيها الزكاة يقوم بتقويمهما بالدينار والدرهم. ونصاب الزكاة: في عروض التجارة يقوم بالدينار أو الدرهم الشرعيين كذلك. انظر: الْمُغْنِي لأبي محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي، الناشر: مكتبة القاهرة، الطبعة: بدون طبعة، تاريخ النشر: 1388 هـ - 1968 م، (3/ 33).

(3)

في (ت): المقصود السمن.

(4)

المبسوط (12/ 177).

(5)

في (ت): بعضها ببعض.

(6)

في (ت): الأصل.

(7)

في (ت): فيصير.

(8)

في (ت): تبدل أحدهما.

(9)

الثَّوْبَ الزَّنْدَنِيجِيَّ مَا يُنْسَجُ عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ سَوَاءٌ نُسِجَ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَالزَّنْدَنِيجِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى زَنْدَنَةَ قَرْيَةٍ بِبُخَارَى. المغرب (1/ 211).

(10)

(الْوَذَارِيُّ) ثَوْبٌ مَنْسُوبٌ إلَى (وَذَارَ) قَرْيَةٌ بِسَمَرْقَنْدَ. المغرب (1/ 481).

ص: 99

وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده

(1)

: فإذا تبدلت صارا نوعين فيجوز البيع كيف ما كان، كبيع الحنطة أو الدقيق بالخبز.

الدقل نوع من أردأ التمر، وإنما خص خل (الدقل)

(2)

وإن وصل كان حكم خل سائر التمور كذلك؛ لأنهم يجعلون الخل من الدقل، فكان هو إخراج الكلام مخرج العادة، ثم لما كان هذان الخلان جنسين جاز بيع أحدهما بالآخر متفاضلًا، لكن لا يجوز بيع أحدهما بالآخر نسيئة؛ لأنه جمعهما قدر واحد وهو (الوزن والكيل)

(3)

، كذا في المبسوط

(4)

.

وشعر المعز وصوف الغنم جنسان.

فإن قيل

(5)

: يجب أن يكونا جنسًا واحدًا؛ لأن المعز والغنم جنس واحد حتى اعتبر اتحادهما في حق الألبان وفي حق تكميل النصاب.

قلنا: نعم كذلك، إلا أن المقاصد فيهما قد اختلفت، فإن الحبال الصلبة والمسوج

(6)

إنما يتخذ من شعر المعز دون صوف

(7)

الضأن، واللبود

(8)

واللفافة

(9)

إنما يتخذ من صوف الضأن دون شعر المعز، فصارا بسبب اختلاف المقاصد جنسين مختلفين.

وحصل من هذا كله أن ما يوجب اختلاف الجنس في الشيء أنواع ثلاثة:

أحدها: اختلاف الأصول؛ كألبان البقر والغنم وكذا لحومهما.

والثاني: التبدل بالصنعة مع اتحاد الأصل؛ كالوذاري والزندنيجي، والخبز مع الدقيق.

وذكر في المبسوط

(10)

: وكذلك الزيت المطبوخ مع غير المطبوخ، والدهن المربى بالبنفسج مع غير المربى، يجوز بيع بطل

(11)

من المطبوخ والمربى برطلين من غير المطبوخ وغير المربى؛ لأن تلك الرايجة بمنزلة زيادة في عينها.

(1)

خواهر زاده: هو محمد بن الحسين بن محمد بن الحسن البخاري، المعروف بأبي بكر خواهر زاده، قال السمعاني كان إمامًا فاضلاً نحويًا، وله طريقة حسنة مفيدة جمع فيها من كل فن، وله كتاب المبسوط. توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. تاج التراجم (2/ 69).

(2)

في (ت): التمر.

(3)

في (ت): الكيل والوزن.

(4)

المبسوط (12/ 180).

(5)

في (ت): فإن قلت.

(6)

في (ت): والمنسوج.

(7)

في (ت): أصواف.

(8)

(اللِّبْدُ) بِوَزْنِ الْجِلْدِ وَاحِدُ (اللُّبُودِ) وَ (اللِّبْدَةُ) أَخَصُّ مِنْهُ. (اللُّبَادَةُ) مَا يُلْبَسُ مِنْهُ لِلْمَطَرِ. مختار الصحاح لزين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي، المحقق: يوسف الشيخ محمد، الناشر: المكتبة العصرية - الدار النموذجية، بيروت - صيدا، الطبعة: الخامسة، 1420 هـ/ 1999 م، (1/ 278).

(9)

(اللِّفَافَةُ) مَا يُلَفُّ عَلَى الرِّجْلِ وَغَيْرِهَا، وَالْجَمْعُ (اللَّفَائِفُ). مختار الصحاح (1/ 283).

(10)

المبسوط (12/ 177).

(11)

في (ت): رطل.

ص: 100

وذكر في الذخيرة

(1)

: لو باع قمقمة

(2)

من حديد أو صفر (و)

(3)

نحاس بقمقمتين من جنسها يجوز يدًا بيد؛ لأن الناس تركوا وزنها مع الإمكان، وترك الوزن مع الإمكان فيما ثبت

(4)

وزنه باصطلاحهما إعراض عن الاصطلاح على الوزن، وخروجها عن الاصطلاح [على الوزن]

(5)

لم يكن إلا باعتبار

(6)

الصنعة، فعلم أن للصنعة في تغيير الأجناس تأثيرًا.

والثالث: اختلاف المقصود وإن لم يتبدل الأصل والصنعة؛ كشعر العنز

(7)

[العنز: الماعز، وهي الأنثى في المعز] وصوف الضأن، فإن أصلهما جنس واحد، ولم يمس

(8)

الصنعة فيهما بعد، ومع ذلك صار

(9)

جنسين مختلفين بسبب اختلاف المقصود، وكالعبد مع الأمة على ما مر.

فإن قيل: شعر العنز

(10)

وصوف الضأن بالنظر إلى الأصل هما جنس واحد؛ لأن اسم الغنم يتناول الكل كما في الزكاة، وبالنظر إلى المقصود هما جنسان فينبغي أن لا يجوز بيع الواحد بالاثنين؛ ترجيحًا لجانب الحرمة عند تعارض دليلي الحل والحرمة.

قلنا: إنما يصار إلى الترجيح عند التعارض، ولا تعارض بين الصورة والمعنى؛ لأن المعنى وهو المقصود راجح

(11)

.

فإن قيل: لو جعلتهما جنسين بالنظر إلى المقصود يجب أن يجعل ألبان البقر والغنم جنسًا واحدًا بالنظر إلى المقصود، فإن المقصود منهما جميعًا واحد.

قلنا: لا نسلم اتحاد المقصود، فإن لبن البقر قد يضر الإنسان في بعض الأحوال، ولبن الغنم لا يضر

(12)

في تلك الحالة التي يضره لبن البقر.

لأن الخبز صار عدديًا، أي عند محمد رحمه الله.

أو موزونًا، أي عند أبي يوسف رحمه الله.

لا خير فيه، أي لا يجوز على وجه المبالغة؛ لأنه نكره

(13)

في موضع النفي فعم نفي (جمع الخيرية)

(14)

.

والفتوى على الأول، وهو أن بيع الخبز

(15)

بالحنطة أو الدقيق جايز، وكذا السلم في الخبز جايز في الصحيح؛ احترازًا عما روي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يجوز، ذكره في المبسوط

(16)

، وقال: وأما السلم في الخبز فلا يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله، ولا يحفظ عنهما خلاف ذلك.

(1)

المحيط البرهاني (6/ 358).

(2)

القُمْقُم إناء صغير من نحاس أو فضة. المعجم الوسيط (2/ 760).

(3)

في (ت): أو.

(4)

في (ت): يثبت.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

في (ت): لاعتبار.

(7)

في (ت): المعز.

(8)

في (ت): تكن.

(9)

في (ت): صارا.

(10)

في (ت): المعز.

(11)

في (ت): أرجح.

(12)

في (ت): يضره.

(13)

في (ت): يكره.

(14)

في (ت): جميع الخبرية.

(15)

في (ت): الحنطة.

(16)

المبسوط (14/ 31).

ص: 101

ومن أصحابنا من يقول: يجوز عندهما على قياس السلم في اللحم.

ومنهم من يقول: لا يجوز؛ لما علل به في النوادر

(1)

عن أبي حنيفة رحمه الله

(2)

- أنه قال: لأنه لا يوقف على حده، معناه أنه يتفاوت بالعجن والنضج عند الخبز، ويكون منه الثقيل والخفيف.

ثم بهذه العلة أفسد أبو حنيفة رحمه الله الاستقراض فيه؛ لأن السلم (أو بيع)

(3)

بابًا من القرض، حتى يجوز السلم في الثياب، ولا يجوز الاستقراض، فإذا لم يجز السلم في الخبز لهذا المعنى فلأن لا يجوز الاستقراض أولى.

وأبو يوسف رحمه الله يقول: الخبز موزون عادة، والاستقراض فإذا لم يجز السلم في الخبز لهذا المعنى، فلأن آلى في الموزونات وزنًا يجوز.

وذكر في الذخيرة

(4)

محالًا إلى شيخ الإسلام جواهر زاده رحمه الله: لا

(5)

يجوز السلم في الخبز عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- لا وزنًا ولا عددًا، وعلى قول أبي يوسف: يجوز وزنًا.

واختار المشايخ [للنسوي] قول أبي يوسف إذا أتى بشرايطه

(6)

؛ لحاجة الناس، لكن يجب أن يحتاط وقت القبض حتى يقبض من الجنس الذي (سمى)

(7)

حتى لا يصير استبدالًا بالمسلم فيه قبل القبض.

(وقال)

(8)

: والتقدم والتأخر، يعني في أول التنور أو في آخره.

وهذا إذا كان مأذونًا ولم يكن عليه دين.

فإن قلت: قد ذكرت في باب المرابحة أن المبايعة بين المولى وعبده المأذون [له، ولم يكن عليه دين، فإن قلت: قد ذكر في باب المرابحة أن المبايعة بين المولى وعبده المأذون له]

(9)

؛ لأنه إنما تصح إذا كان على العبد دين يحيط برقبته وإلا لا يجوز.

فكيف أجاز المبايعة بينهما ههنا بدون الدين، قلت: ههنا أيضًا لم يدل شيء على أنه [لا]

(10)

يجوز، بل دل الدليل على أنه لا يجوز، وهو قوله: لأن العبد وما في يده ملك المولى

(11)

، فلا يتحقق الربا، أي فلا يتحقق البيع، فلذلك لا يتحقق الربا؛ لما أن بيع الإنسان في ملكه بملكه باطل، وعدم تحقق الربا دليل على عدم صحة البيع؛ لأن البيع إذا وجد بحقيقته في دار الإسلام فوجد الربا بشرايطه

(12)

يكون ربًا لا محالة.

(1)

النوادر هي المسائل المروية عن أصحاب المذهب لكن ليست في كتب ظاهر الرواية وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية: لأنها لم ترو عن مُحَمَّد بروايات ظاهرة صحيحة ثابتة. كشف الظنون (2/ 1282).

(2)

في (ت): رضي الله عنه.

(3)

في (ت): أوسع.

(4)

المحيط البرهاني (7/ 82).

(5)

في (ت): ولا.

(6)

في (ت): بشرائطه.

(7)

في (ت): سمي به.

(8)

في (ت): قوله.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

في (ت): للمولى.

(12)

في (ت): شرائطه.

ص: 102

لهما الاعتبار بالمستأمن

(1)

، أي يتحقق الربا بين المسلم والمستأمن في دارنا، فكذا في دارهم، والجامع تحقق الفضل الخالي عن العوض المستحق بعقد البيع، والجواب ما ذكره في الكتاب، والله أعلم

(2)

.

[باب الحقوق]

(3)

كان من حق

(4)

مسائل هذا الباب أن يذكر في الفصل المفصل بأول كتاب البيوع، إلا أن

(5)

التزم المصنف رحمه الله ترتيب الجامع الصغير المرتب فيما هو من مسائله، وهناك هكذا وقع فكذا هنا، ولأن الحقوق توابع فيليق ذكرها بعد ذكر مسائل المتبوع

(6)

.

بكل حق هو له، أي الحق الذي للمنزل من الطريق الذي فيه حق الخروج والدخول.

وقال:

(7)

فيه، أي في المنزل مما ينتفع به نحو الميزاب

(8)

(9)

.

وقال

(10)

: بكل حق هو له أو بمرافقه، أو بكل قليل وكثير، أي قال ذلك اللفظ الأول وهو قوله: بكل حق هو له، ولم يقل غيره، أو قال الثاني ولم يقل غيره، أو قال الثالث ولم يقل غيره.

فههنا أسام ثلاثة:

الدار.

والبيت.

والمنزل.

فالجواب في الكل هو أن العلو يدخل في ذكر الدار من غير نص باسمه الخاص ومن غير ذكر الحقوق، وفي البيت لا يدخل إلا بذكر اسمه الخاص.

وفي المنزل يدخل بذكر الحقوق.

وذكر في الفوائد الظهيرية محالًا إلى شفعة مبسوط شمس الأئمة السرخسي رحمه الله

(11)

: أن البيت اسم لمسقف واحد له دهليز

(12)

، والمنزل اسم لما يشتمل على بيوت وصحن مسقف ومطبخ، يسكنه الرجل بعياله، والدار اسم لما يشتمل على بيوت ومنازل وصحن غير مسقف، فكان المنزل فوق البيت دون الدار.

(1)

المستأمن هو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها وهؤلاء أربعة أقسام رسل وتجار ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن فإن شاؤوا دخلوا فيه وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم. أحكام أهل الذمة لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، المحقق: يوسف بن أحمد البكري - شاكر بن توفيق العاروري، الناشر: رمادى للنشر - الدمام، الطبعة: الأولى، 1418 - 1997، (2/ 874).

(2)

العناية شرح الهداية (7/ 39).

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): جنس.

(5)

في (ت): أنه.

(6)

في (ت): البيوع.

(7)

في (ت): وقوله.

(8)

في (ت): الميراث.

(9)

(الْمِيزَابُ) الْمِثْقَبُ وَجَمْعُهُ مَآزِيبُ مِنْ وَزَبَ الْمَاءُ إذَا سَالَ. المغرب (1/ 24).

(10)

في (ت): وقوله.

(11)

المبسوط (30/ 176).

(12)

دهلز: الدِّهْلِيز: الدِّلِّيج، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. والدِّهْلِيز، بِالْكَسْرِ: مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالدَّارِ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَالْجَمْعُ الدَّهالِيز. لسان العرب (5/ 349).

ص: 103

قال

(1)

أبو زيد عبيد الله بن أبي بكر بن الحسن

(2)

المعروف أبوه بخواهر زاده -رحمهما الله-: وإنما كان الجواب هكذا؛ لأن العلو بمنزلة البناء من وجه، وبمنزلة البيت من وجه، من حيث أن قوام

(3)

العلو بالسفل كان بمنزلة البناء، ومن حيث أنه يبنى لينتفع بنفسه لا ليصير السفل به منتفعًا به فهو كبيت آخر.

بخلاف البناء فإنه لا يبنى لينتفع بنفسه، وإنما يثنى

(4)

ليصير داخل البناء منتفعًا به بالبناء، وإذا كان كذلك يوفر على الشبهين حظهما في المسائل الثلاث، فيجعل للعلو منزلة بين المنزلتين فيها، فيقال: متى ذكر الحقوق دخل، وإن لم ينص على العلو كالبناء يدخل من غير التنصيص عليه، ومتى لم يذكر الحقوق لا يدخل كبيت آخر، والشيء لا يكون تبعًا لمثله.

فإن قيل: يشكل على هذا المستعير فإن له أن يعير فيما لا يختلف باختلاف المستعمل، والمكاتب فإن له أن يكاتب.

قلنا: المراد من عدم التبعية ههنا في اللفظ الواحد بأن يكون اللفظ موضوعًا لشيء، فعند ذكر الشيء أن يدخل هو ومثله فإنه لا يصح، بل ما كان تبعًا لذلك الشيء يدخل تبعًا للمذكور الذي وضع له اللفظ مقصودًا، وأما في الإعارة والمكاتب لم يتبع للفظه

(5)

ما هو مثله أيضًا، ولكن لما أعار لرجل فقد ملكه المنافع، وولاية الإعارة للمستعير إنما نشأت من يملكه المنافع كالمالك، إلا أنه لم يملك فيما يختلف باختلاف المستعمل.

بخلاف المالك؛ لأن المستعار أمانة في يده، وفيما يختلف باختلاف المستعمل احتمال وقوع التغير فيه بسبب استعمال المستعير الثاني، فمنع منه حذار وقوع التغير به.

وكذلك المكاتب لما اختص لمكاسبه

(6)

كان هو أحق بتصرف ما يوصله إلى مقصوده.

وفي كتابة عبده تسبب

(7)

إلى ما يوصله إلى مقصوده، عسى عند ذكر التوابع وهو قوله: بكل حق أو أمثاله.

الكنيف: المستراح.

وذكر في الجامع الصغير لقاضي خان

(8)

: الظلة هي الساباط، [والساباط: سقيفة بين حائطين

(9)

بينهما طريق، والجمع: سوابيط وساباطات، في جواهر زاده] الذي يكون أحد طرفيه على الدار المبيعة والطرف الآخر على دار أخرى، (أو)

(10)

على الأسطوانات في السكة ومفتحة [مفتحها] في الدار.

(1)

في (ت): وقال.

(2)

لم أعرفه.

(3)

في (ت): أقوام.

(4)

في (ت): يبنى.

(5)

في (ت): اللفظ.

(6)

في (ت): بمكاسبه.

(7)

في (ت): سبب.

(8)

المحيط البرهاني (6/ 308).

(9)

الحائط هو البستان من النخل إذا كان عليه جدار. تاج العروس (19/ 231).

(10)

في (ت): و.

ص: 104

وذكر في المغرب

(1)

: وقول الفقهاء ظلة الدار يريدون السدة التي فوق الباب، إلا بذكر ما ذكرنا وهو قوله: بكل حق قبوله.

فيدخل بذكر التوابع وهو وقوله: بكل حق.

بخلاف الإجارة، أي حيث يدخل الطريق فيها بدون قوله: بكل حق في استئجار الدار و المسيل

(2)

والشرب في استئجار الأرض، وإن لم يذكر الحقوق والمرافق؛ لأن الإجارة تمليك المنفعة

(3)

، ولهذا لا يصح فيما لا ينتفع به في الحال [كالأرض]

(4)

كالسبخة

(5)

، والمهر الصغير ونحو ذلك، والانتفاع بالدار بدون الطريق لا يكون فمست الضرورة إلى إدخالها في الإجارة.

أما البيع فتمليك العين لا تمليك المنفعة، ولهذا يجوز بيع ما لا ينتفع به في الحال كالأرض السبخة ونحوها، فلما جاز البيع بدونها لا يدخل إلا بالذكر، كذا في الجامع الصغير لقاضي خان

(6)

.

فإن قيل: ما ذكرتم يشكل بالقسمة فإن الدار إذا كانت بين رجلين، وفيها [صفة وفيها] ثبت

(7)

، وباب البيت في الصفة، ومسيل ماء ظهر البيت على ظهر الصفة فاقتسما، فأصاب الصفة أحدهما وقطعة من الساحة، ولم يذكروا طريق

(8)

ولا مسيل داء

(9)

، وصاحب البيت لا يستطيع أن يفتح بابه فيما أصابه من الساحة، ولا يقدر أن يسيل

(10)

ماءه في ذلك، فالقسمة فاسدة، فعلى قياس ما ذكرتم ينبغي أن يدخل الطريق والمسيل، وإن لم يذكر

(11)

الحقوق والمرافق؛ تحريًا لجواز القسمة، كما أنهما يدخلان في الإجارة؛ تحريًا لجواز الإجارة، وما

(12)

الفرق بينهما.

قلنا: الفرق بينهما هو أن في باب الإجارة موضع الشرب [ليس] مما تناولته الإجارة، ولكن يتوصل به إلى الانتفاع بالمستأجر، والآجر إنما يستوجب الأجر إذا تمكن المستأجر من الانتفاع، ففي إدخال الشرب توفير المنفعة عليهما، وأما ههنا فموضع الطريق والمسيل داخل في القسمة؛ لأنهما كانا داخلين في الملك المشترك، فموجب القسمة اختصاص كل واحد منهما بما هو نصيبه، فلو أثبتنا لأحدهما حقًا في نصيب الآخر يضر به الآخر، ولا يجوز الإضرار به بدون رضاه، وإنما دليل الرضا اشتراط الحقوق والمرافق، فلهذا لم يدخل الطريق والمسيل بدون ذكر الحقوق.

(1)

المغرب (1/ 299).

(2)

المسيل: بفتح فسكون مصدر سال: مجرى الماء وغيره جمعه مسايل ومسل ومسلان. معجم لغة الفقهاء (1/ 429).

(3)

في (ت): المنافع.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

في (ت): السبخة.

(6)

العناية شرح الهداية (7/ 42).

(7)

في (ت): بيت.

(8)

في (ت): طريقًا.

(9)

في (ت): ماء.

(10)

في (ت): سيل أن.

(11)

في (ت): يذكروا.

(12)

في (ت): فما.

ص: 105

فإن قيل: ما الفرق بين هذا وبين البيع.

فإن في البيع إذا ذكر الحقوق يدخل الطريق والمسيل، وإن أمكنه أن يفتح الباب فيما ابتاع، ولسيل ماءه فيه، وفي القسمة إذا أمكنه أن يفتح بابه فيما أصابه من الساحة ويسيل ماءه فيه فإنه لا يدخل المسيل والطريق وإن ذكر الحقوق والمرافق.

قلنا: الفرق بينهما هو أن المقصود بالبيع إيجاب الملك، وقصد المشتري التمكن من الانتفاع، وذلك إنما يتم بالطريق والمسيل، إلا أن ذلك خارج من المحدود، فلا يدخل في البيع بمطلق تسمية البيت إلا بذكر الحقوق، وأما المقصود بالقسمة فيميز أحد الملكين من الآخر، واختصاص كل واحد منهما بالانتفاع بنصيبه على وجه (لا شركة للآخر)

(1)

فيه، وإنما يتم هذا المقصود إذا لم يدخل الطريق والمسيل؛ ليتميز نصيب أحدهما عن

(2)

نصيب الآخر من كل وجه، فلهذا لم يدخلا مع ذكر الحقوق والمرافق، كذا في الفوائد الظهيرية

(3)

، والله أعلم.

[باب الاستحقاق]

(4)

مناسبة البابين كل واحد منهما بالآخر ظاهرة من حيث اللف والمعنى، وإن أقر بها لرجل لم يتبعها ولدها ولا أرشها، ثم القضاء باستحقاق المبيع على المشتري لا يوجب انفساخ العقد الذي جرى بينه وبين البائع، ولكن يوجب وقفه على إجارة المستحق، ثم في هذه المسألة إنما لم يتبعها ولدها إذا لم يدع المقر له الولد، أما إذا ادّعى الولد كان له؛ لأن الظاهر [يشهد]

(5)

له، وإن لم يدعه لم يحكم له، كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(6)

.

فيظهر بها ملكه من الأصل، فيكون الولد متفرعًا عن جارية مملوكة فيكون له، ولهذا [لا]

(7)

يرجع الباعة بعضهم على بعض.

أما الإقرار فحجة قاصرة؛ لانعدام الولاية على الغير، فيثبت الملك مقصوراً على الحال، ولهذا لا يرجع الباعة بعضهم على بعض، وهو أقر بالجارية فلم يجعل إقراراً بالولد، وهذا لأن الإقرار لما كان حجة [قاصرة]

(8)

يثبت الملك به مقصوراً على الحال بعض، وهو أقر والولد منفصل عنها في الحال لم يتعد حكم الملك إليه.

وأما حجة البينة إنما

(9)

يثبت الملك للمستحق من الأصل.

(1)

في (ت): لا يشركه الآخر.

(2)

في (ت): من.

(3)

المبسوط (15/ 14).

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

فتح القدير (7/ 45).

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(9)

في (ت): فإنما.

ص: 106

وذلك ملك سابق على الانفصال عنها، وذلك لأن الإقرار ينشئه المقر باختياره، وهو يتمكن من إنشاء سبب الملك فيها في الحال غير متمكن من ذلك فيما مضى، فإنما يثبت الملك بإقراره مقصورًا على الحال لهذا.

وأما عند قيام البينة الشهود لا يتمكنون من إنشاء ملك للمستحق فيه في الحال، ولا القاضي يتمكن من ذلك، فلابد من أن يجعل ذلك إظهار الملك كان له من

(1)

الأصل، كذا في الجامع الصغير للإمام شمس

(2)

الأئمة السرخسي وقاضي خان [وغيرهما]

(3)

-رحمهما الله

(4)

-.

وقيل: يشترط القضاء بالولد، وهو الأصح؛ لأن محمدًا رحمه الله قال: إذا قضى القاضي بالأصل ولم يعرف الزوايد لم يدخل الزوايد تحت الحكم؛ لأنه منفصل وقت القضاء، كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(5)

.

ومن اشترى عبدًا، أي على ظن أنه عبد، ولفظ الإمام التمرتاشي رحمه الله: شخص قال لرجل: اشتر لي فإني عبد فلان، فاشتراه فإذا هو حر ببينة أقامها، فإذا هو حر بسكون الألف؛ لأنها إذا المفاجأة، وقد قال العبد للمشتري: اشتر فإني عبد، إنما قيد بهذين القيدين؛ لأنه لو قال وقت البيع: إني عبد، ولم يأمره بالشرى، أو قال: اشترني، ولم يقل: إني عبد لا يرجع عليه بالثمن في قولهم، كذا ذكره الإمام التمرتاشي في الجامع الصغير محالاً إلى شيخ الإسلام رحمه الله.

لم يرجع عليه على [كل]

(6)

حال، أي لم يرجع المرتهن على هذا العبد المقر في حال من الأحوال، سواء كان البائع [الراهن]

(7)

حاضرًا أو غائبًا، أي غيبة كانت لا ترجع

(8)

فيهما، أي في البيع والرهن

(9)

؛ لأن الرجوع بالمعاوضة أو بالكفالة، أي في هذا العقد لما أن أنواع الرجوع على الغير بالضمان كثيرة.

وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في الجامع الصغير

(10)

: قول محمد مع قول أبي يوسف -رحمهما الله-، ولهما وهو ظاهر الرواية أن المشتري إنما أقدم على المشري

(11)

معتمدًا على كلام العبد، فصار بمنزلة المغرور من جهته، والغرور في المعاوضات التي يقتضي

(12)

سلامة العوض يجعل سببًا للضمان؛ دفعًا للغرور بقدر الإمكان، فإذا ظهرت حرية العبد وأهلية الضمان وتعذر الاستيفاء من جهة البائع يؤاخذ هو بذلك، كالمولى إذا قال لأهل السوق: هذا عبدي، وقد أذنت له في التجارة فبايعوه، ولحقه ديون ثم ظهر أنه كان حرًا رجعوا عليه بديونهم؛ يحكم

(13)

الغرور كذلك ههنا، وهذا الغرور وقع في عقد هو معاوضة وهو البيع، وبه وقع الفرق بين هذا وبين الرهن؛ لأن الرهن ما شرع معاوضة، ولهذا قيل: حكم الرهن ملك اليد بجهة استيفاء الدين ليتوصل به إلى حقيقة الاستيفاء من مالية الرهن لا من عينه، ولهذا قال علماؤنا: أن الرهن برأس [مال] السلم أو بالمسلم فيه إذا هلك يقع به الاستيفاء، ولو كان معاوضة لكان استبدالاً برأس مال السلم أو بالمسلم

(14)

فيه وأنه حرام.

(1)

في (ت): في.

(2)

في (ت): لشمس.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

فتح القدير (7/ 44).

(5)

مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر لعبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده، يعرف بداماد أفندي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ، (2/ 92).

(6)

فما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

في (ت): يرجع.

(9)

الرَّهْن: هو في اللغة مطلق الحبس، وفي الشر: حبس شيء مالي بحق كالدين يمكن استيفاؤه منه ويسمَّى الشيء مرهوناً ورهناً. التعريفات الفقهية (1/ 107).

(10)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 101).

(11)

في (ت): الشراء.

(12)

في (ت): تقتضي.

(13)

في (ت): بحكم.

(14)

في (ت): أو المسلم.

ص: 107

وكذا هذا في الصرف، فلم يكن هذا غرورًا في عقد [هو]

(1)

معاوضة فلا ينهض سببًا للضمان.

ولهذا قلنا: أن الرجل إذا سأل غيره عن أمن الطريق، فقال له: اسلك هذا الطريق فإنه

(2)

آمن، فسلكه

(3)

فإذا فيه لصوص سلبوا أمواله وانتهبوها لم يضمن المخبر شيئًا؛ لما أنه غرور فيما ليس بمعاوضة، وكذلك لو قال: كل هذا الطعام فإنه غير مسموم، فأكل ثم ظهر بخلافه، لا يضمن؛ لأنه تغرير في غير موضع المعاوضة، ويعزر لارتكابه المنكر، إلا أن يجعل ذلك الطعام في حلقه حينئذ جعل قاتلًا.

أو نقول: الثمن يجب بالبيع، فجاز أن يكون الأمر به ضمانًا، والدين لا يجب بعقد الرهن، فلا يكون الأمر به ضمانًا؛ لأنه حينئذ لا يكون ساعيًا في إتلاف المال ولا في إتوائه، وإنما يرجع العبد على البائع إذا قدر عليه وإن لم يأمره البائع بالضمان؛ لأنه أدى دينه وهو مضطر إلى ذلك، فصار كمعير الرهن، كذا ذكره الأئمة في شروحهم الإمام

(4)

المرغيناني [رحمه الله]

(5)

، وقاضي خان، والتمرتاشي رحمهم الله.

ثم في وضع المسألة ضرب إشكال على ما ذكر، وقول محمد رحمه الله في الكتاب: فإذا العبد حر محتمل يحتمل حرية الأصل، ويحتمل (الحرية بعتاق)

(6)

عارض، فإن أراد

(7)

به حرية الأصل فلقبول بينة العبد وجهان:

أحدهما: ما قاله عامة المشايخ

(8)

أن الشهادة القائمة على حرية الأصل يقبل

(9)

من غير دعوى العبد عندهم جميعًا؛ لأنها لا تخلوا عن حرمة الفرج؛ لأن الشهود في شهادتهم مفتقرون

(10)

إلى تعيين الأم، وفي ذلك تحريمها وتحريم أخواتها وبناتها؛ لأنه لو كان حر الأصل يكون فرج الأم حرامًا على مولاه، وحرمة الفرج حق الله تعالى، وفي حقوق الله تعالى (الدعوى ليست)

(11)

بشرط كما في سائر عتق الأمة، فلا يكون التناقض فيه مانعًا؛ لأنه لم يوجد التناقض في الدعوى؛ لعدم اشتراط الدعوى حتى لو خلت عن تضمن تحريم الفرج، كولد المغرور وهو حر الأصل، ولا يتضمن حرمة فرج الأم تكون الدعوى فيه شرطًا، والتناقض فيه يكون مانعًا.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

في (ت): فإنها.

(3)

في (ت): فسلكها.

(4)

في (ت): للإمام.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

في (ت): حرية لعتاق.

(7)

في (ت): أريد.

(8)

المراد أكثر علماء المذهب عند الحنفية. الفوائد البهية في تراجم الحنفية، ص 242.

(9)

في (ت): تقبل.

(10)

في (ت): يفترقون.

(11)

في (ت): فالدعوى فيه ليس.

ص: 108

والوجه الثاني: ما قاله بعض المشايخ: أن الدعوى وإن كانت شرطًا أيضًا في حرية

(1)

الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله، لكنه تعذر في التناقض؛ لخفاء حال العلوق

(2)

، وكل ما كان مبناه على الخفاء فالتناقض فيه عفو

(3)

.

وإن أراد به العتق المبتدأ وهو العتق العارض فلقبول بينة العبد وجه واحد، وهو أن التناقض فيه عفو أيضًا؛ لأن المولى يستبد بالإعتاق فيعتق العبد، ولا علم له به فيكون التناقض منه عفوًا أيضًا، كما في المختلعة والمكاتب على ما يجيء.

[و]

(4)

إلى هذا أشار الإمام قاضي خان وغيره، كالمختلعة تقيم البينة على الطلقات الثلاث قبل الخلع، وإنما قيد بالثلاث؛ لأن فيما دون الثلاث يمكن أن يقيم الزوج البينة أنه

(5)

قد تزوجها بعد الطلاق الذي أثبتته المرأة بينتها (قبل يوم)

(6)

أو يومين، وأما في الثلاث فلا يمكن، (ثم)

(7)

المرأة والمكاتب يستردان بدل الخلع والكتابة بعد إقامتهما البينة على ما ادعياه.

ثم اعلم ههنا مسألة الجامع الكبير

(8)

(9)

وهي الأصل في مسائل الاستحقاق، وهي رجل اشترى من آخر ثوبًا فقطعه قميصًا وخاطه ثم حاء

(10)

مستحق واستحق القميص، وقال: هذا القميص لي، وأثبته بالبينة، فالمشتري لا يرجع بالثمن على البائع؛ لأن الاستحقاق ما ورد على ملك البائع؛ لأنه لو كان ملكه من الأصل ينقطع بالقطع والخياطة، فإن من غصب من آخر ثوبًا فقطعه قميصًا وخاطه ينقطع حق المالك عنه إلى الضمان، فكان واردًا على حدوث ملك المشتري فلا يرجع بالثمن على البائع، والأصل في هذا هو أن الاستحقاق إذا ورد على ملك البائع، أعني به الملك من الأصل يرجع المشتري بالثمن على البائع، وإذا ورد الاستحقاق على حدوث ملك المشتري، أعني به مقصورًا على ملك المشتري لا يرجع بالثمن على البائع، كذا في الجامع الكبير

(11)

يصدر

(12)

الدين الحميد.

(1)

في (ت): حرمة.

(2)

عَلَقَتْ الْإِبِلُ مِنْ الشَّجَرِ عَلْقًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَعُلُوقًا أَكَلَتْ مِنْهَا بِأَفْوَاهِهَا وَعَلِقَ الشَّوْكُ بِالثَّوْبِ عَلَقًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَتَعَلَّقَ بِهِ إذَا نَشِبَ بِهِ وَاسْتَمْسَكَ وَالْمَصْدَرُ الْعُلُوقُ. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/ 425).

(3)

في (ت): عفوًا.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

في (ت): لأنه.

(6)

في (ت): بيوم.

(7)

في (ت): في.

(8)

الجامع الكبير في الفروع للإمام المجتهد أبي عبد الله مُحَمَّد بن الحسن الشيباني الحنفي المتوفى: سنة سبع وثمانين ومائة قال الشيخ أكمل الدين: هو كاسمه لجلائل مسائل الفقه جامع كبير قد اشتمل على عيون الروايات ومتون الدرايات بحيث كاد أن يكون معجزا ولتمام لطائف الفقه. كشف الظنون (1/ 569).

(9)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 508).

(10)

في (ت): جاء.

(11)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 102).

(12)

في (ت): لصدر.

ص: 109

ومن ادعى حقًا إلى آخره، دلت المسألة على شيئين:

أحدهما: أن الصلح عن المجهول على معلوم جايز

(1)

.

والثاني: دلت المسألة على أن صحة الدعوى ليست بشرط لصحة الصلح؛ لأن دعوى الحق في الدار ليست بصحيحة؛ لجهالة الدعوى، حتى لو أقام البينة عليه لا تقبل بينة، إلا إذا ادعى إقرار المدعى عليه بالحق، فحينئذ تصح الدعوى وتقبل البينة، كذا في الفوائد الظهيرية

(2)

، والله أعلم.

[فصل في بيع الفضولي]

(3)

مناسبة هذا الفصل باب الاستحقاق ظاهرة؛ لأن بيع الفضولي من صور الاستحقاق؛ لأن المستحق إنما يستحق ويقول عند الدعوى: هذا ملكي، ومن باعك إنما باعك بغير إذني، فهو عين

(4)

بيع الفضولي.

[والفضولي] بضم الفاء لا غير، وذكر في المغرب

(5)

: بفضل

(6)

الزيادة، وقد غلب على جمعه على ما لا خير فيه حتى قيل: فضول بلا فضل، وسن بلا سنًا، وطول بلا طول، وعرض بلا عرض، ثم قيل: لمن يشتغل بما لا يعينه فضولي؛ لأنه لما صار بالغلبة لهذا المعنى صار كالعلم له ولم يصر إلى واحدة في النسب، كما في أعرابي وأنصاري.

وهو في اصطلاح الفقهاء: من ليس بوكيل، وفتح الفاء خطأ.

الأصل في تصرف الفضولي عندنا أن يقول: أن العقود يتوقف

(7)

على الإجازة إذا كان لها مخير حالة العقد، [وإن]

(8)

لم يكن لها مخير حالة العقد (لا يتوقف، ويقع)

(9)

باطلاً والشرى

(10)

لا يتوقف على الإجازة إذا وجد نفاذًا على العاقد، وإن لم يجد نفاذًا عليه فإنه يتوقف.

وقال الشافعي رحمه الله: لا يتوقف العقود

(11)

، بيان هذا الأصل هو أن الصبي المحجور عليه إذا باع ماله، أو اشترى شيئًا، أو تزوج امرأة، أو زوج أمته، أو كاتب عبده، أو عقد عقدًا يجوز عليه لو فعله وليه في حالة الصغر، فإذا فعله بنفسه في حالة الصغر يتوقف على إجازة وليه في حالة الصغر، فلو بلغ الصبي قبل أن يجيزه الولي فأجاز بنفسه جاز، ولا يجوز بنفس البلوغ من غير إجازة بعده.

ولو أن الصبي طلق امرأته أو خلعها، أو أعتق عبده على مال أو بغير مال، أو وهب ماله أو تصدق به، أو زوج عبده امرأة، أو باع ماله بمحاباة فاحشة، أو اشترى شيئًا بأكثر من قيمته قدر ما لا يتغابن الناس في مثله، أو

(12)

غير ذلك من العقود مما لو فعله وليه في حال صغره لا يجوز عليه، فهذه العقود كلها باطلة لا يتوقف، وإن أجازها الصبي بعد البلوغ لم يجز؛ لأن هذه العقود لا مخبر لها وقت العقد فلا يتوقف على الإجازة إلا إذا كان لفظ إجازته بعد البلوغ مما يصلح لابتداء العقد، فحينئذ يصح على جهة

(13)

الابتداء على جهة

(14)

الإجارة، نحو أن يقول بعد البلوغ: أوقعت ذلك الطلاق أو العتاق فيقع؛ لأنه يصلح للابتداء، كذا في شرح الطحاوي

(15)

.

(1)

في (ت): جائز.

(2)

فتح القدير (7/ 49).

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): غير.

(5)

المغرب (1/ 362).

(6)

في (ت): الفضل.

(7)

في (ت): تتوقف.

(8)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(9)

في (ت): لا تتوقف وتقع.

(10)

في (ت): والشراء.

(11)

انظر: المجموع (9/ 260).

(12)

في (ت): و.

(13)

في (ت): وجه.

(14)

في (ت): وجه.

(15)

النهر الفائق شرح كنز الدقائق (2/ 227).

ص: 110

لأنها بالملك أو بإذن المالك، أي لأن الولاية الشرعية.

ولا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية والقدرة إما بالملك أو بالإذن.

ولنا أن تصرف تمليك هذا من قبيل إضافة العام إلى الخاص كعلم الطب، أي تصرف هو تمليك، وإنما قيد بالتمليك احترازًا عن تصرف هو إسقاط؛ كالطلاق والعتاق، فإن الصبي إذا طلق امرأته، أو أعتق عبده على مال أو على غير مال، لا يتوقف على إجازة الولي ولا على إجازة نفسه بعد البلوغ.

بخلاف ما إذا باع ماله، أو اشترى شيئًا، أو تزوج امرأة، أو زوج أمته، فإن هذه التصرفات منه يتوقف على

(1)

إجازة الولي، أو إجازة نفسه بعد البلوغ كما ذكرناه

(2)

.

وقد صدر من أهله في محله.

أما بيان الأهلية فإن التصرف كلام، والأهلية للكلام حقيقة بالتمييز، واعتباره شرعًا بالخطاب.

وأما بيان المحلية فإن البيع تمليك مال بمال، فالمحل إنما يكون محلاً بكونه مالاً متقومًا

(3)

، وبانعدام الملك للعاقد في المحل لا ينعدم المالية والتقوم.

ألا ترى أنه لو باعه بإذن المالك يجوز، وما ليس بمحل لا يصير محلاً بالإذن، ولو باعه المالك بنفسه جاز، والمحلية (لا يختلف يكون)

(4)

المتصرف مالكًا وغير مالك.

فإن قيل: اعتبار التصرف شرعًا لحكمه لا لعينه، والمراد بالأسباب الشرعية أحكامها، واشتراط الملك في المحل لأجل الحكم، فالتمليك لا يتحقق إلا من المالك، فإذا لم يكن المتصرف مالكًا لغا تصرفه؛ لانعدام حكمه.

قلنا: الجواب عن هذا السؤال طريقان:

أحدهما: لا نسلم أن الحكم لا يثبت بهذا التصرف، بل يثبت حكم يليق بالسبب، فإنه يثبت بالسبب الموقوف ملك موقوف، كما يثبت بالسبب البات ملك بات، ولهذا لو أعتق المشتري ثم أجاز المالك البيع نفذ عتقه، وهذا لأنه لا ضرر على المالك في إثبات ملك موقوف لهذا السبب، كما لا ضرر عليه في انعقاد السبب، فأما الضرر ففي زوال ملكه، وبالملك الموقوف لا يزول ملكه الثابت.

والثاني: أن السبب إنما يلغو إذا خلا عن الحكم شرعًا، فأما

(5)

إذا تأخر عنه الحكم فلا؛ لأن الحكم تارةً يتصل بالسبب وتارةً يتأخر كما في البيع بشرط الخيار، والعلة لا تبطل بتأخر حكمها لمانع، فإن أصل البيع صحيح من المالك، والحكم متأخر على أصل الشافعي إلى أن يتفرقا؛ لأنه تأخر لمانع وهو الخيار، وكذلك الراهنان إذا تبايعا برهنا

(6)

برهن بغير إذن المرتهن انعقد وتوقف الحكم لحق

(7)

المرتهنين.

(1)

في (ت): إلى.

(2)

في (ت): ذكرنا.

(3)

في (ت): منقولا.

(4)

في (ت): لا تختلف بكون.

(5)

في (ت): وأما.

(6)

في (ت): رهنًا.

(7)

في (ت): في.

ص: 111

وكذلك الطلاق

(1)

إلى شهر سبب للإيقاع صحيح، والحكم يتأخر

(2)

، وكذلك شهر رمضان سبب لوجوب الصوم، والوجوب متأخر في حق المسافر والمريض، ولا يلزم طلاق الصبي الذي يعقل امرأته، فإنه لا ينعقد، وإن كان هو أهل الكلام حتى لو طلق امرأة غيره صح بأن وكله رجل بطلاق امرأته، والمحل موجود وهو المنكوحة.

لأنا نقول أن الشرع ألحق الصبي بالذي لا عقل له فيما يضره من الأحكام؛ نظراً له حتى لا يلزمه حقوق الله تعالى، وإن تحققت الأسباب من إدراك وقت الصلاة، وتحققت الشروط من ملك الزاد والراحلة؛ لأن اللزوم ضرر في نفسه فالتحق شرعًا بالبهيمة، والطلاق احتراز

(3)

؛ لأنه إبطال ما شرع مصلحة كالهبة، فلا يبقى أهلاً للكلام من ذلك الوجه، كما لم يبق أهلاً لوجوب حقوق الله تعالى، ولأن امرأة الصبي ليست بمحل لوقوع الطلاق عليها بالإيقاع [فلا تبقى]

(4)

.

ألا ترى أنه لا يقع عليها بإذن الولي ولا بإيقاعه، وهذا لأنا عرفنا محلية الطلاق شرعًا، ولولا شرع الله الطلاق بعد النكاح لما كانت محلاً كالأمة.

فأما مال الغير فمحل لحكم البيع حتى يثبت فيه حكم البيع عند إذن المالك أو مباشرته بنفسه، كذا في [الذخيرة و]

(5)

الأسرار

(6)

والمبسوط في باب الاستبراء

(7)

من كتاب البيوع

(8)

.

فإن قلت: لا شك أن تصرف المالك في ملكه بالبيع بعد ورود النهي عنه أنفذ من تصرف غير المالك في ملك الآخر بعد ورود النهي في حقه أيضاً؛ لما روي عن النبي عليه السلام

(9)

«نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان»

(10)

.

(1)

في (ت): الإطلاق.

(2)

في (ت): متأخر.

(3)

في (ت): إضرار.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

الْأَسْرَارِ لعبدالله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي الحنفي، ينسب إلى دبوسية، وهي قرية بين بخارى وسمرقند، كان من أكابر فقهاء الحنفية، ويضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، برع في علم أصول الفقه، له عدة مؤلفات منها هذا الْكِتَاب الْأَسْرَارِ وهو كبير جداً حقق منه كتاب المناسك في مصر وبقي الجزء الباقي منه مفقوداً (430 هـ).

(7)

الاستبراء لغة: طلب البراءة. لسان العرب (1/ 33).

وشرعًا يستعمل في معنيين: الأول: في الطهارة بمعنى نظافة المخرجين من الأذى. والثاني: في النسب بمعنى: طلب براءة المرأة من الحبل ومن ماء الغير، كما عبروا عنه باستبراء الرحم. ينظر: المغني لابن قدامة (1/ 75 - 7/ 552).

(8)

المبسوط (13/ 145).

(9)

في (ت): صلى الله عليه وسلم.

(10)

أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 402)، وأبو داود في كتاب البيوع- باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (3503)، والترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (1232)، والنسائي في كتاب البيوع- باب بيع ما ليس عند البائع (4613)، وابن ماجه في كتاب التجارات- باب النهي عن بيع ما ليس عندك (2187)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (7206).

ص: 112

بيان هذا أن المشتري إذا باع المبيع قبل القبض ثم قبضه لا ينفذ البيع، وكذا لو أجازه البائع، وكذلك لو باع عبده الآبق ثم رجع من إباقه لم ينفذ ذلك البيع؛ لورود النهي في حقهما، فلما لم يتوقف تصرفهما فيهما إلى النفاذ مع أنهما مالكان لما تصرفا فيه بالبيع حتى أن الإعتاق فيهما

(1)

جائز فيهما، فلأن لا يتوقف إلى تنفيذ منفذ تصرف من هو منهي عنه وهو غير مالك لما تصرف فيه بالطريق الأولى.

وكذلك لو باع مال الغير ثم اشترى من المالك أو ورثه يبطل بيعه ولا ينفذ، فإذا لم يجز أن ينفذ هذا العقد من جهة العاقد باعتبار ملكه وعقده فلأن لا ينفذ

(2)

من جهة غيره بإجارته أولى.

قلت: الكلام هو في الانعقاد بأن تصرف الفضولي هل ينعقد، أم لا ينعقد، أم يقع لغوًا، فعند الخصم يقع لغوًا، وعندنا يقع منعقدًا غير نافذ حكمه، فبيع الآبق والمبيع قبل القبض كذلك ينعقد ولا يقع لغوًا، ولكن يقع انعقاده فاسدًا؛ للنهي أو لانعدام شرط الصحة، وهو قدرة العاقد على

(3)

تسليم المعقود عليه بيده، فكان ذلك طردًا

(4)

حينئذ؛ لانقضاء ما قلنا، وفائدة تصرفهما في ملكهما في موضعين

(5)

أثرت ثبوت

(6)

الملك عند اتصال قبض المشتري، بخلاف بيع الفضولي فإن المشتري منه لا يملك ما اشتراه وإن اتصل قبضه به، ما لم يجز المالك بيعه فكانت صفة الأولية في تصرف المالك

(7)

معمولة، بخلاف ما زعم الخصم.

وأما ما ذكره أنه

(8)

لو باع مال الغير ثم اشترى من المالك يبطل بيعه.

قلنا: إنما كان كذلك؛ لأن حكم ذلك السبب لا يمكن إثباته باعتبار الملك الحادث، فحكم السبب ثبوت الملك للمشتري من وقت العقد، وإنما يتأتى ذلك باعتبار

(9)

ملك من كان مالكًا وقت العقد، وقد زال ذلك الملك بإزالته، فلو نفذ باعتبار الملك الحادث نفذ مقصوده على الحال، وحكم السبب ليس هذا، وأما عند الإجارة فيثبت الملك للمشتري من وقت العقد، ولهذا يستحق بزوايده المتصلة والمنفصلة، وهذا هو تأويل النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان أن المراد به إذا باعه ثم اشتراه وأراد تسليمه بحكم ذلك العقد؛ بدليل قصة الحديث، فإن حكيم بن حزام

(10)

رضي الله عنه قال: يا رسول الله، إن الرجل ليأتيني فيطلب مني سلعة ليست عندي فأبتاعها منه ثم أدخل السوق فاشتراها ** فأسلمها فقال عليه السلام:«لا تبع ما ليس عندك»

(11)

، كذا في المبسوط

(12)

.

(1)

في (ت): منهما.

(2)

في (ع): ينعقد.

(3)

في (ع): إلى.

(4)

العِلَّة الطردية: هي الوصفُ الذي اعتبر فيه دوران الحكم معه وجوداً فقط عند البعض ووجوداً وعدماً عند البعض من غير نظر إلى ثبوت أثره في موضع بنص أو إجماع. التعريفات الفقهية (1/ 151).

(5)

في (ع): ذلك الموضعين.

(6)

في (ع): بثبوت.

(7)

في (ع): الملك.

(8)

في (ع): بأنه.

(9)

في (ع): السبب لا يمكن إثباته.

(10)

حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو خالد من مسلمة الفتح، من المؤلفة، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين مائة بعير ثم حسن إسلامه، ولد في الكعبة، عاش مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام، أحد المذكورين من قريش بالبذل والعطية والبر والهدية ذهب بصره قبل موته ما صنع في الجاهلية شيئا من المعروف إلا صنع في الإسلام مثله توفي بالمدينة سنة أربع وخمسين. معرفة الصحابة (2/ 701).

(11)

أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 402)، وأبو داود في كتاب البيوع- باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (3503)، والترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (1232)، والنسائي في كتاب البيوع- باب بيع ما ليس عند البائع (4613)، وابن ماجه في كتاب التجارات- باب النهي عن بيع ما ليس عندك (2187)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (7206).

(12)

المبسوط (13/ 155).

ص: 113

وله الإجارة، أي وللمالك الإجارة، إذا كان المعقود عليه باقياً والمتعاقدان بحالهما.

ثم اعلم أن بقاء الفضولي إنما يشترط لصحة الإجارة في البيع لا في النكاح، ألا ترى أن رجلاً لو زوج ابنته الصغيرة من رجل غائب، ثم مات الأب، وبلغ الزوج النكاح فأجاز ذلك فهو جائز، وهذا نص أن موت الأب لا يبطل نكاح الصغيرة.

وقال في متفرقات نكاح المحيط

(1)

: رجل زوج

(2)

ابنته الصغيرة من ابن كبير لرجل بغير إذنه، خاطب عنه أبوه ثم مات أبو الصغيرة قبل أن يخبر

(3)

الابن النكاح يبطل النكاح، ولو كان مكان الصغيرة كبيرة زوجها بغير إذنه، والمسألة بحالهما

(4)

لا يبطل النكاح بموت الأب.

وهذا دليل على أن بقاء الفضولي في باب النكاح ليس بشرط لصحة الإجازة، وفي

(5)

باب البيع شرط كذا في الفصول

(6)

الاستروشنية

(7)

(8)

.

هذا إذا كان الثمن دينًا، وأما إذا كان عرضاً متعينًا إنما يصح الإجارة إذا كان ذلك العرض باقياً، كذا في الإيضاح.

وحاصل ذلك ما ذكره في شرح الطحاوي

(9)

في بيع الفضولي فقال: فإن بيعه على وجهين، إما أن يبيعه بثمن عين أو بثمن دين، أما إذا باعه بثمن دين؛ كالدراهم والدنانير والفلوس والكيلي والوزني [في]

(10)

الموصوف لغير

(11)

عينه، فإن البيع موقوف على إجازة المالك، وقيام الأربعة شرط للحوق الإجارة البائع والمشتري والمالك والمبيع، وقيام الثمن في يد البائع ليس بشرط، فإن أجاز المالك في حال قيام الأربعة جاز البيع، فيكون الإجارة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة، ويكون البائع كالوكيل للمجيز، والثمن للمجيز إن كان قائمًا، وإن هلك في يد البائع هلك أمانة، إلى أن قال: هذا إذا باعه بثمن دين، أما إذا باعه بثمن عرض مما يتعين للعقد إذا عين فههنا قيام الخمسة شرط للحوق الإجارة، فالأربعة

(12)

ما ذكرنا، والخامس: قيام ذلك العرض وهو الثمن شرط أيضاً، فإن أجاز المالك عند قيام الخمسة جاز البيع، ويكون الثمن للبائع دون المجيز، وله

(13)

أن يرجع على البائع بقيمته إن لم [يكن]

(14)

له مثل، وإن كان له مثل فله أن يرجع عليه بمثله، وإنما كان كذلك؛ لأن الثمن إذا كان عرضاً صار البائع مشترياً من وجه، والشرى لا يتوقف على الإجارة إذا وجد نفاذاً على العاقد

(15)

، وههنا وجد النفاذ على العاقد؛ لأن العاقد من أهله غير أنه صار ناقدًا

(16)

مال غيره بغير إذنه في عقد عقده لنفسه، فإذا أجاز

(17)

مالكه صار مجيزًا

(18)

للنقد

(19)

لا للعقد.

(1)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 189).

(2)

في (ع): تزوج.

(3)

في (ع): يجيز.

(4)

في (ع): بحالها.

(5)

في (ع): في.

(6)

في (ع): فضول.

(7)

الفصول: لمجد الدين أبي الفتح محمد بن محمود بن حسين الأستروشني الحنفي، (ت 633 هـ). تاج التراجم (1/ 279).

(8)

معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام لأبي الحسن، علاء الدين، علي بن خليل الطرابلسي الحنفي، الناشر: دار الفكر، (1/ 153).

(9)

المحيط البرهاني (7/ 117).

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(11)

في (ع): بغير.

(12)

في (ع): والأربعة.

(13)

في (ع): له.

(14)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(15)

في (ع): العاقلة.

(16)

في (ع): نافذا.

(17)

في (ع): أجازه.

(18)

في (ع): مخيرًا.

(19)

في (ع): للعقد.

ص: 114

ولا كذلك إذا كان الثمن دينًا؛ لأنه يكون بايعًا

(1)

من كل وجه، ولا يكون مشتريًا من وجه، فإذا أجازه

(2)

صاحبه كان مجيزًا للعقد فكان بدله له.

في يده، أي في زيد

(3)

الفضولي؛ لأن الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة من حيث أن كل واحدة

(4)

منهما يثبت الحكم، أو من حيث أن كل واحدة منهما دافعة للمانع.

فإن قيل: لا نسلم أن الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة [السابقة]

(5)

، ألا ترى أن الفضولي إذا باع ملك الغير، والمشتري من الفضولي [باع من غيره، ثم أجاز المالك بيع الفضولي لا ينفذ بيع المشتري من الفضولي].

قلنا: الملك الموقوف إذا طرأ عليه الملك البات أبطل الموقوف، وههنا ملك المشتري من الفضولي يكون باتًا بإجازة المالك فيبطل ملك الشخص الذي اشتراه من مشتري الفضولي، كما إذا تزوجت أمة الغير بدون إذن المالك، ثم مات المالك فأجاز وارثه النكاح، لا يجوز؛ لما قلنا أن الملك البات إذا طرأ على ملك موقوف أبطله على ما يجيء إن شاء الله تعالى.

وللفضولي أن يفسخ قبل الإجارة، إلى أن قال: بخلاف الفضولي في النكاح، أي لا يجوز للفضولي أن يفسخه قبل إجازة الموقوف (له)

(6)

أو فسخه.

قلت: هذا إذا كان الفسخ بالقول، أما إذا كان الفسخ بالفعل فإن الفضولي يملكه، حتى لو قال الفضولي قبل الإجازة: نقضت ذلك النكاح، لا ينتقض، أما لو زوج رجلاً امرأة برضاها فقبل إجازة الزوج زوجة أختها كان بقضاء للنكاح الأول، كذا ذكره في الفضولي

(7)

الاستروشنية

(8)

.

وذكر بعد هذا التوقف

(9)

في الفعل أيضاً، أما لو وكل الموقوف له النكاح هذا الفضولي يتزوج

(10)

امرأة بغير عينها فإنه يملك فسخ النكاح بالفعل، في جميع الروايات على ما يجيء.

وأصل هذا ما ذكره في شرح الطحاوي: وهو أن الفضولي الذي باع ملك الغير بغير إذنه كان له أن يفسخ؛ لأن حقوق العقد يتصرف

(11)

إليه، فله أن يتحرز عن التزام العهدة، وكذلك للمشتري أن يفسخه فيفسخ بفسخه.

وأما في باب النكاح: لو أن فضولياً خاطب امرأة لرجل بغير

(12)

أمره، فزوجت المرأة نفسها من ذلك الرجل، فإن النكاح موقوف على إجازته، فإن فسخ هذا الفضولي النكاح قبل الإجازة ففسخه باطل؛ لأن حقوق العقد لا تنصرف إليه وهو فيه معبر فإذا عبّر فقد انتهى، فصار هو بمنزلة الأجنبي، ولو فسخت المرأة النكاح قبل الإجارة انفسخ.

(1)

في (ت): بائعًا.

(2)

في (ت): أجاز.

(3)

في (ت): يد.

(4)

في (ت): واحدٍ.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

في (ت): عليه.

(7)

في (ت): الفصول.

(8)

المحيط البرهاني (3/ 39).

(9)

في (ت): بالتوقف.

(10)

في (ت): بتزويج.

(11)

في (ت): تنصرف.

(12)

في (ت): بغيره.

ص: 115

وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله-في نكاح فتاواه

(1)

(2)

: رجل زوج رجلاً امرأة بغير إذنه، لم يكن لهذا العاقد أن يفسخ العقد في قول محمد رحمه الله، وقال أبو يوسف رحمه الله آخرًا: له أن يفسخ العقد، قال: العاقدون في الفسخ أربعة، عاقد لا يملك الفسخ قولاً وفعلاً وهو الفضولي، حتى لو زوج رجلاً امرأة بغير إذنه، ثم قال: قيل: إجازته فسخت لا ينفسخ، وكذا لو زوج منه أخت ملك

(3)

المرأة متوقف

(4)

الثاني أيضاً.

وعاقد [فسخًا [يملك [الفسخ]

(5)

قولاً ولا فعلاً، وهو الوكيل بنكاح امرأة بعينها إذا خاطب عنها فضولي، فإن هذا الوكيل يملك الفسخ بالقول، ولو زوّجه أخت تلك المرأة لا ينفسخ العقد الأول.

وعاقده

(6)

يملك الفسخ فعلاً لا قولاً، وهو الفضولي إذا زوج رجلاً امرأة بغير إذنه، ثم إن الزوج [وكله] بأن تزوجه امرأة بغير عينها فزوجه أخت تلك المرأة ينفسخ نكاح الأولى، ولو فسخ ذلك العقد بالقول لا ينفسخ.

وعاقد يملك الفسخ قولاً وفعلاً، وهو الوكيل بتزويج امرأة بغير عينها، إذا زوجه امرأة خاطب عنها فضولي، فإن فسخ الوكيل هذا النكاح يصح فسخه، ولو زوّجه أخت تلك المرأة ينفسخ العقد الأول، كذا في الفصول الاستروشنية

(7)

.

ثم الإجازة إجازة نقد لا إجازة عقد، أي الإجازة في هذه الصورة وهي ما إذا كان ثمن المبيع عرضاً معينًا كانت الإجازة من المالك إجازة (أن ينقد)

(8)

الثمن من مال المالك، لا إجازة عقد موقوف، فإن العقد في هذه الصورة وقع لازمًا على الفضولي ونافذاً من غير إجازة المالك، فلا يحتاج حينئذ توقف العقد إلى إجازة المالك، وذلك لما ذكرنا من شرح الطحاوي: أن الثمن إذا كان عرضاً كان الفضولي ببيع مال الغير مشترياً للعرض من وجه، والشراء لا يتوقف إذا وجد نفاذًا

(9)

لم

(10)

لما أجاز المالك البيع في هذه الصورة كان مقرضاً ملكه للفضولي، وكان الفضولي مستقرضاً في ضمن الشراء فصح ذلك حكمًا؛ لصحة الشراء

(11)

، فحصل من هذا أن بيع المقايضة لما كان شراء من وجه وقع لازمًا

(12)

على الفضولي من غير توقف على إجازة المالك؛ لأن الشراء لا يتوقف، وإنما يتوقف النقد إلى إذن المالك لينقد الفضولي الثمن الذي هو العرض من مال المالك لا العقد، بخلاف ما إذا كان الثمن دينًا بأن كان من الدراهم أو الدنانير كان العقد موقوفاً هناك إلى إذن المالك لا النقد.

(1)

في (ت): فتاويه.

(2)

رد المحتار (3/ 100).

(3)

في (ت): تلك.

(4)

في (ت): يتوقف.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

في (ت): وعاقد.

(7)

رد المحتار على الدر المختار (3/ 100).

(8)

في (ت): نقد.

(9)

في (ت): النفاذ.

(10)

في (ت): ثم.

(11)

في (ت): المشتري.

(12)

في (ت): شراء.

ص: 116

وثمرة الفرق بينهما إنما يظهر في ثبوت الملك في الثمن، فإنه إذا كان دينًا كان ملكًا للمالك، فيأخذه المالك من يد البائع الذي هو الفضولي، وأما إذا كان عرضًا كان ملكًا للفضولي، ثم يضمن الفضولي للمالك مثل ذلك العرض إن كان مثليًا كالمكيلات والموزونات، ويضمن قيمته إن لم يكن مثلياً.

فإن قيل: لو كان بيع المقايضة شراء من وجه لما ملكه الوكيل بالبيع لما أن الوكيل بالبيع لا يكون وكيلًا بالشرى

(1)

؛ لأنه ضده وهو يملك ذلك.

ألا ترى أنه إذا وكله ببيع العبد فباع العبد بالجارية يصح، خصوصًا على قول أبي حنيفة رحمه الله على ما يجيء في موضعه -إن شاء الله-.

قلنا: جوابه هناك أيضًا، فإن أبا حنيفة رحمه الله يعتبر إطلاق لفظ الوكالة في غير موضع التهمة، والوكالة بالبيع بإطلاقها يتناول البيع بالدين وبالعين، كما يتناول البيع بالقليل والكثير، فلذلك يجري على إطلاقه.

والشراء لا يتوقف، أي ينفذ على المشتري، هذا إذا لم يضف الشراء إلى آخر، ووجد الشرى

(2)

النفاذ، ولم يسبق التوكيل من آخر، فأما إذا كان الأمر بخلاف هذه الأشياء الثلاثة فالشرى

(3)

يتوقف أو ينفذ على الموكل، فإنه ذكر في شرح الطحاوي

(4)

: إذا اشترى الرجل لرجل شيئاً بغير أمره كان ما اشترى

(5)

[له]

(6)

لنفسه أجاز

(7)

الذي اشتراه له، أو لم يجزه، وهذا لما ذكرنا أن الشراء إذا وجد نفاذًا على العاقد فإنه لا يتوقف، ولو لم يجد النفاذ على العاقد فإنه يتوقف (على إجازة من)

(8)

اشترى له، كالصبي المحجور والعبد المحجور إذا اشتريا لغيرهما، فإنه يتوقف على الإجازة، فإن أجازه جاز [تصرفه]

(9)

، وينصرف عهدته إليه دون العاقد.

وهذا إذا أضاف العقد إلى نفسه، وأما إذا أضاف العقد إلى الذي اشتراه

(10)

له (نحو)

(11)

أن يقول للبائع: بع عبدك من فلان بكذا، فقال الآخر: بعت، وقبل المشتري هذا البيع منه لأجل فلان، أو يقول البائع: بعت هذا العبد من فلان بكذا، وقبل الآخر لأجل فلان، فإنه يتوقف إلى إجازة ذلك الرجل.

(1)

في (ت): بالشراء.

(2)

في (ت): الشراء.

(3)

في (ت): فالشراء.

(4)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 105).

(5)

في (ت): ما اشتراه.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

في (ت): أجازه.

(8)

في (ت): إلى الإجازة لمن.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(10)

في (ت): اشترى.

(11)

في (ت): فإنه يجوز مثل.

ص: 117

أما

(1)

إذا قال المشتري: اشتريت [منك]

(2)

هذا العبد منك بكذا لأجل فلان، فقال البائع: بعت، أو قال البائع: بعت منك هذا العبد بكذا لأجل فلان، وقال المشتري: اشتريت نفذ الشرى

(3)

على نفسه، ولا يتوقف هذا إذا لم يسبق من فلان التوكيل والأمر، ولو سبق من فلان التوكيل والأمر فاشترى الوكيل نفذ على الموكل، وإن أضاف الوكيل الشرى

(4)

إلى نفسه وينصرف إليه العهدة إن كان من أهل الشراء لنفسه، وإن لم يكن من أهل الشرى لنفسه ينصرف عهدته إلى الموكل، إلى هذا من شرح الطحاوي

(5)

.

فحصل بمجموع هذا أن قوله: والشرى

(6)

لا يتوقف يحتاج إلى قيود ثلاثة:

أحدها: أنه إذا وجد الشراء نفاذًا، وأما إذا لم يجد فيتوقف.

والثاني: أنه إذا لم يضف العقد (من الطرفين)

(7)

من طرف

(8)

البائع والمشتري إلى آخر، وأما إذا أضافا

(9)

إلى آخر فيتوقف.

والثالث: إذا لم يسبق التوكيل من آخر في حق المشتري.

وأما إذا سبق فالشراء ينفذ على الموكل لا على المشتري.

في الفصلين، أي فيما إذا كان الثمن دينًا أو عرضًا فلا يجوز بإجازة غيره.

فإن قيل: يشكل هذا بما إذا تزوجت أمة لرجل وطئها مولاها فمات مولاها قبل الإجازة وورثها ابنها، يتوقف النكاح إلى إجازة الوارث وهو الابن، حتى لو أجاز الابن صح النكاح، وإلا فلا، والأمة (أيضًا في نكاحها)

(10)

هذا فضولية، ومع ذلك توقف إلى إجازة الوارث.

قلنا: عدم توقف تصرف الفضولي إلى إجازة الوارث لمعنى أنه ملك [في نكاحها]

(11)

بات، أو حل بات طرأ على ملك موقوف، أو حل موقوف يبطله، وأما إذا لم يطرأ أحل

(12)

أو ملك عليه لا يبطله، بل يتوقف إلى إجازة الوارث؛ لأن المعنى من توقفه إلى إجازة المورث كان لدفع الضرر عنه، وفي هذا قام

(13)

الوارث مقامه فيتوقف إلى إجازة الوارث أيضاً؛ لدفع الضرر عن الوارث، وههنا لم يطرأ الحل البات على الحل الموقوف؛ لأن الأمة لا يحل للابن وطئها، حتى أنه لو حل له وطئها بأن لم يطأها أبوه يبطل النكاح أيضاً، ولم يتوقف لورود الحل البات على الحل الموقوف.

(1)

في (ت): وأما.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

في (ت): الشراء.

(4)

في (ت): الشراء.

(5)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق (7/ 148).

(6)

في (ت): والشراء.

(7)

في (ت): في الطريقين.

(8)

في (ت): من طريق.

(9)

في (ت): أضاف.

(10)

في (ت): في نكاحها أيضًا.

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(12)

في (ت): حل.

(13)

في (ت): أقام.

ص: 118

ولو صورت المشتري مقام الوارث فالحكم فيه أيضاً كذلك على التفصيل، إن كان المشتري ممن يحل له وطئها يبطل نكاحها، (وإلا)

(1)

يتوقف إلى إجازته، إلى هذا أشار في الفصول الاستروشنية محالًا إلى باب نكاح مخاطبة الجامع

(2)

؛ لأن الشك وقع في شرط الإجازة فلا يثبت مع الشك.

فإن قيل: الشك هو ما استوى طرفاه، وههنا طرف البقاء راجح؛ لأن الأصل في كل موجود بقاؤه ما لم يتيقن بالمزيل، وههنا لم يتيقن بالمزيل فكان باقياً؛ عملاً بالأصل.

قلنا: ذاك الذي قلته عمل باستصحاب الحال

(3)

، وهو يصلح حجة للدفع لا للإثبات، وهنا

(4)

محتاج

(5)

إلى نفاذ البيع، وثبوت الملك في المعقود عليه لمن وقع له الشراء فلا يصلح [له]

(6)

الاستصحاب

(7)

[الحال]

(8)

حجة فيه، [فكما]

(9)

فكان هذا نظير استحقاق الشفعة بظاهر الملك للشفيع بما في يده عند إنكار المشتري ملكه، حيث لا يكتفى به في حق استحقاق الشفعة، ما لم يقم البينة على أن ما في يده ملكه في الحال، مع أن الأصل هو أن يكون الأملاك في يد الملاك؛ لما أن الشفيع محتاج إلى إثبات الملك الجديد فيما يطالبه بالشفعة، فاستصحاب الحال منه لا يكون حجة مع أن الذي في يده ملكه؛ عملاً بالأصل، بل يحتاج إلى دليل موجب للملك في الحال يقينًا، ولما لم يقم البينة على ذلك كان شكًا في إثبات الملك بهذا الطريق، فكذلك ههنا.

ومن غصب عبدًا إلى آخره، وهذه هي المسألة الثانية التي جرت فيها المحاورة بين أبي يوسف ومحمد حين عرض عليه هذا الكتاب، فإن أبا يوسف رحمه الله قال: ما رويت لك عن أبي حنيفة رحمه الله أن العتق [فيها]

(10)

جائز، وإنما رويت أن العتق باطل، وقال محمد رحمه الله: بل رويت لي أن العتق جائز، ثم ما ذكره محمد قياس، فوجه القياس أن هذا العقد توقف نفوذه على إجازة مالك ظاهر الملك وهو المغصوب منه، فلا يجوز أن ينفذ من جهة من يحدث له الملك كالمشتري بشرط الخيار للبائع إذا أعتقه ثم أسقط البائع خياره، كذا ذكره الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في الجامع الصغير

(11)

.

(1)

في (ت): ولا.

(2)

رد المحتار على الدر المختار (4/ 569).

(3)

استصحاب الحال هو: اعتقاد كون الشيء في الماضي أو الحاضر يوجب ظن ثبوته في الحال أو الاستقبال. أو هو ظن دوام الشيء بناء على ثبوت وجوده قبل ذلك. شرح مختصر الروضة لسليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصري، أبو الربيع، نجم الدين، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1407 هـ/ 1987 م، (3/ 148).

(4)

في (ت): وها هنا.

(5)

في (ت): يحتاج.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

في (ت): استصحاب.

(8)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

المبسوط (11/ 63).

ص: 119

وقال محمد رحمه الله: لا يجوز؛ لأنه لا عتق بدون الملك، إلى أن قال: وكذا لا يصح بيع المشتري من الغاصب، فمحمد قاس الإعتاق بالبيع، يعني أن رجلاً لو اشترى العبد من الغاصب فباعه من آخر، ثم أدى الغاصب الضمان

(1)

، أو أجاز المالك لا يجوز بيع المشتري من الغاصب، فكذا

(2)

لا يجوز إعتاق [المشتري من]

(3)

الغاصب، مع أن المبيع أقل احتياجًا

(4)

إلى الملك في النفوذ من العتق؛ لأن الغاصب إذا باع ثم أجاز المالك يصح البيع أما إذا أعتق ثم أجاز المالك لا يصح الإعتاق، وقال الإمام قاضي خان

(5)

: وحاصل الخلاف راجع إلى أن عند محمد بيع الفضولي لا ينعقد في حق الحكم؛ لانعدام الولاية، فكان الإعتاق حاصلاً في ملك الغير فيبطل، كما لو باعه المشتري الأول، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- بيع الفضولي أوجب

(6)

الملك على وجه التوقف؛ لأن الأصل في البيع المنعقد تعجيل الحكم، والتراخي إلى وقت الإجارة لدفع

(7)

الضرر عن المالك، والضرر في النفاذ لا في ثبوت الملك على وجه لا يظهر أثره في التصرفات الضارة، فإعتاق المشتري صارف

(8)

ملكًا موقوفًا فيتوقف، وإنما لا ينفذ البيع الثاني؛ لأن المولى إذا أجاز البيع الأول يثبت الملك للمشتري الأول على وجه الثبات، وطروء الملك البات يبطل الملك الموقوف، وهذا لا يوجد في الإعتاق، فينفذ إعتاق المشتري ويكون الولاية

(9)

، والمصحح للإعتاق الملك الكامل.

فإن قيل: لا نسلم [أن الملك الكامل شرط لصحة الإعتاق]

(10)

، بل الملك الناقص يكفي لصحة الإعتاق، ألا ترى أنه لو أعتق المكاتب يصح، والملك في المكاتب ناقص بدليل حرمة وطء المكاتبة، بخلاف المدبرة

(11)

، فإن الملك فيها كامل والرق ناقص، وفي المكاتبة على العكس.

قلنا: نعم كذلك، إلا أن الكتابة

(12)

ينفسخ

(13)

في ضمن الإعتاق؛ لما أن عقد الكتابة غير لازم في جانب العبد، وأنه لما رضي بالإعتاق بالبدل (كان أرض)

(14)

للإعتاق بدون البدل؛ لما روينا، وهو قوله عليه السلام:«لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم»

(15)

، ولهذا لا يصح أن يعتق الغاصب ثم يؤدي الضمان، يعني أن الغاصب لو أعتق ثم ضمن القيمة لم ينفذ عتقه، مع أن الملك الثابت له بالضمان أقوى من الملك الثابت للمشتري ههنا، حتى ينفذ بيعه لو باعه هناك، ولا ينفذ بيع المشتري ههنا لو كان باعه، ثم هناك لم ينفذ عتقه فههنا أولى، ثم ههنا لما لم ينفذ إعتاق الغاصب مع إدائه الضمان إلى المالك فإعتاق من يتلقى الملك من جانبه وهو إعتاق المشتري من الغاصب أن لا ينفذ أولى.

(1)

في (ت): و.

(2)

في (ت): فكذلك.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): احتياطًا.

(5)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 107).

(6)

في (ت): واجب.

(7)

في (ت): الإجازة كدفع.

(8)

في (ت): صادق.

(9)

في (ت): الولاء له.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

التَّدْبيرُ: عِتْق العَبْدِ والأَمَة بعد الموت، سمي تدبيراً لوقوعه دَبْرَ الحياة وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام:«المدَبَّرُ حُرٌّ من الثُلث» . شمس العلوم (4/ 2025).

(12)

المكاتبة لغة: من كاتب يكاتب كتابا ومكاتبة، وهي معاقدة بين العبد وسيده. ينظر: المصباح المنير مادة " كتب "(2/ 525).

واصطلاحًا: المكاتبة تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة. ينظر: (فتح الباري شرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي، الناشر: دار المعرفة - بيروت، 1379، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، 5/ 184).

(13)

في (ت): تنفسخ.

(14)

في (ت): لكان أرضى.

(15)

أخرجه أبو داود في كتاب الطلاق، باب في الطلاق قبل النكاح (2190) وأحمد في مسنده (2/ 185)، وحسنه الألباني.

ص: 120

ولا أن يعتق المشتري، والخيار للبائع ثم يخير البائع، أي لا ينفذ إعتاقه، فههنا

(1)

أولى أن لا ينفذ، وذلك البيع بشرط الخيار أقوى من البيع الموقوف، فإنه متفق على جوازه، وكذا لا يصح بيع المشتري من الغاصب فيما نحن فيه، أي المشتري من الغاصب إذا باع من الغير، ثم أجاز المالك البيع الأول لا يصح هذا البيع الثاني، فكذلك إذا أعتق ينبغي أن يكون كذلك مع أنه أسرع نفاذًا، أي مع أن البيع أسرع نفاذًا من العتق.

ألا ترى أن الغاصب إذا باع ثم ضمن نفذ بيعه، ولو أعتق ثم ضمن لم ينفذ عتقه، والكاتب بملك مثله، [و]

(2)

يملك البيع لنفسه ولا يملك الإعتاق، ولما لم ينفذ بيع المشتري من الغاصب من آخر عند الإجازة مع شرعه نفوذ البيع لما قلنا؛ فلأن لا ينفذ إعتاق المشتري من الغاصب مع بطئ نفوذه عند الإجازة بالطريق الأولى حتى نفذ من الغاصب أي البيع.

وقوله

(3)

: ينصرف مطلق احتراز عن البيع بشرط الخيار موضوع لإفادة الملك احتراز عن الغصب؛ لأن الغصب ليس بموضوع لإفادة الملك، وصار كإعتاق المشتري من الراهن، والجامع إعتاق في بيع موقوف، وهناك كذلك بخلاف إعتاق الغاصب [بنفسه]، يعني أن الغاصب لو أعتق ثم ضمن القيمة لم ينفذ عتقه، وعلل فقال: لأن الغصب غير موضوع لإفادة الملك، وبهذا التعليل لا يتم ما ادعاه فإنه يرد عليه أن يقال: ولما كان الغصب لم يوضع لإفادة الملك يجب أن لا ينفذ بيعه أيضًا عند إجازة المالك، كما لا ينفذ عتقه عند إجازة المالك؛ لما أن كلاً من جواز البيع وجواز العتق محتاج إلى الملك، والملك هنا بالإجازة، ولكن وجه تمام التعليل فيما ذكره في المبسوط وقال: وهذا بخلاف الغاصب إذا أعتق ثم ضمن القيمة؛ لأن المستند به حكم الملك لا حقيقة الملك، ولهذا لا يستحق الزوايد المنفصلة، (وحكم)

(4)

الملك يكفي لنفوذ البيع دون العتق؛ كحكم ملك المكاتب في كسبه، وههنا الثابت للمشتري من وقت العقد حقيقة الملك، ولهذا استحق الزوايد المتصلة والمنفصلة.

وبخلاف ما إذا كان في البيع خيار البائع، فإن السبب هناك غير تام، فإن قوله: على أني بالخيار مقرون بالعقد نصًا، وقران العقد بالشرط يمنع كونه سببًا قبل وجود الشرط فينعقد به أصل العقد، ولكن يكون في حق الحكم كالمتعلق بالشرط، والمتعلق بالشرط معدوم قبله.

ألا ترى أنه لو قال: إذا جاء غدًا فلله علي أن أتصدق بدرهم، فتصدق به اليوم [فإنه]

(5)

لا يجوز، بخلاف ما لو قال: لله [علي] أن أتصدق بدرهم غدًا، فتصدق به اليوم يجوز، فعرفنا أن التوقف لا يمنع تمام السبب، والتعليق بالشرط يمنع منه، وقران الشرط به أي بالبيع.

(1)

في (ت): وههنا.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

في (ت): قوله.

(4)

في (ت): وحق.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

ص: 121

وبخلاف المشتري من الغاصب؛ لأن بالإجارة يثبت للبائع وهو المشتري من الغاصب ملك بات، وطروء الملك البات على الملك الموقوف يبطله، وهذا المعنى فقهي، وهو أنه لا يتصور اجتماعهما، أعني الملك البات والملك الموقوف في محل واحد، والبيع بعدما

(1)

بطل لا يلحقه الإجازة.

وكذلك لو وهبه مولاه للغاصب، أو تصدق به عليه، أو مات فورثه منه، فهذا كله مبطل للملك الموقوف لطروء الملك النافذ في المحل كذا في المبسوط

(2)

.

فإن قيل: يشكل على هذا الأصل ما إذا باع الغاصب ثم أدى الضمان ينقلب بيع الغاصب جايز

(3)

، أو إن طرأ الملك الذي ثبت للغاصب

(4)

بأداء الضمان على ملك المشتري الذي اشترى منه وهو موقوف.

قلنا: أن ثبوت الملك للغاصب [بأداء الضمان]

(5)

ملك ضروري؛ لأن الملك ثبت له ضرورة وجوب الضمان عليه، فلم يظهر في حق إبطال ملك المشتري.

فإن قيل: لما كان طروء الملك البات يبطل الملك الموقوف بعد الثبوت فأولى أن يمنعه؛ لأن المنع أسهل من الدفع، وفي الإبطال دفع

(6)

للثابت، فعلى هذا يجب [أن لا ينتفع

(7)

بيع الفضولي؛ لأن للمالك ملكًا باتًا فيجب] أن يمنع بيع الفضولي عن الانعقاد بالطريق الأولى.

قلنا: البيع الموقوف غير موجود في حق الملك، بل يوجد من الفضولي، والمنع إنما يكون بعد الوجود، أما المالك إذا أجاز بيع الفضولي ثبت للمشتري ملك بات فأبطل الموقوف؛ لما ذكرنا من المبسوط: أن الملك البات والموقوف لا يتصور اجتماعهما في محل واحد.

وأما إذا كان إذا أدّى الغاصب الضمان ينفذ إعتاق المشتري منه فكان هذا منعًا؛ لما ذكره محمد رحمه الله بقوله: وكذا لا يصح إعتاق المشتري من الغاصب إذا أدّى الغاصب الضمان، والمنع هو الأصح.

ولئن سلمنا أنه لا ينفذ، إنما لا ينفذ؛ لأنه لا ينفذ العتق من الغاصب، فأولى أن لا ينفذ عليه، أما ههنا ينفذ العتق من المالك، فكذا ينفذ من المشتري؛ لأنه يتلقى الملك من جهته.

وحقيقة الفرق على تقدير التسليم هي ما ذكره في المبسوط

(8)

فقال: وأما إذا أعتقه المشتري ثم نفذ البيع بتضمين

(9)

الغاصب فالأصح أنه ينفذ العتق أيضاً، هكذا - ذكره هلال

(10)

رحمه الله في كتاب الوقف

(11)

فقال: ينفذ وقفه

(12)

على طريق

(13)

الاستحسان

(14)

، فالعتق أولى، وبعد التسليم يقول هناك: المشتري يملكه من جهة الغاصب، وقد بينا أنه لا يستند للغاصب حقيقة الملك، فكيف يستند لمن يتملكه من جهته، ولهذا لا ينفذ عتقه، وههنا إنما يستند الملك [له]

(15)

إلى وقت العقد من جهة المخبر والجيز

(16)

كان مالكًا [له]

(17)

حقيقة، فيمكن إثبات حقيقة الملك للمشتري من وقت العقد بالطريق الذي قلنا، فلهذا نفذ عتقه، هذا كله من كتاب الغصب من المبسوط وبيوع الأسرار وغيرهما

(18)

.

(1)

في (ت): بعدها.

(2)

المبسوط (11/ 66).

(3)

في (ت): جائز.

(4)

في (ت): الغاصب.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

في (ت): رفع.

(7)

في (ت): ينعقد.

(8)

المبسوط (11/ 65).

(9)

في (ت): بضمان.

(10)

هلال بن يحيى بن مسلم البصرى المشهور بـ: هلال الرأى من أهل الْبَصْرَة كَانَ ينتحل مَذْهَب الْكُوفِيّين، لَهُ مُصَنف فى الشُّرُوط وَله أَحْكَام الْوَقْف وتَفْسِير الْقُرْآن وكتاب الْحُدُود وكتاب الشُّرُوط مَاتَ سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 207). هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين لإسماعيل بن محمد الباباني البغدادي، الناشر: طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية استانبول 1951، أعادت طبعه: دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان، (2/ 510).

(11)

أحكام الوقف: للشيخ، الإمام: هلال بن يحيى البصري، الحنفي. المتوفى: سنة 245. وللشيخ الإمام أحمد بن عمرو المعروف بالخصاف المتوفى سنة 261، وهذان مشهوران بوقفي الهلال والخصاف. و مختصر وقفي الهلال والخصاف للشيخ الإمام أبي محمد عبدالله الناصحي القاضي المتوفى سنة 447 وهو كتاب مفيد ذكر فيه انه اختصره منهما. كشف الظنون (1/ 1).

(12)

الوقف هو حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة. الاختيار لتعليل المختار (1/ 29).

(13)

في (ت): طريقة.

(14)

الاستحْسان: هو ترك القياس والأخذ بما هو أرفق للناس قال السيد: "هو في اللغة: عدُّ الشيء واعتقاده حسناً، واصطلاحاً: هو اسم لدليل من الأدلة الأربعة يعارض القياس الجلي ويعمل به إذا كان أقوى منه، وسمّوه بذلك لأنه في الأغلب يكون أقوى من القياس الجلي فيكون قياساً مستحسناً. قال البزدوي: "هو أحد القياسين". التعريفات الفقهية (1/ 24).

(15)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(16)

في (ت): المخير والمجيز.

(17)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(18)

المبسوط (11/ 65).

ص: 122

فإن قطعت يد العبد، أي في يد المشتري من الغاصب.

وأخذ أرشها، أي وأخذ المشتري أرشها، ثم أجاز المالك البيع فالأرش للمشتري، وكذلك كل زوايد زيدت في يد المشتري، وذكر في المبسوط

(1)

: وكل ما حدث

(2)

للجارية عند المشتري من ولد أو كسب أو أرش جناية وما شابهها فهو للمشتري، كان إجازته ينفذ العقد وثبت

(3)

الملك للمشتري من وقت البيع، فإن سبب الملك هو العقد، وكان

(4)

تامًا في نفسه، ولكن امتنع ثبوت الملك له لمانع وهو حق المغصوب منه، فإذا ارتفع ذلك بالإجازة ثبت الملك له من وقت السبب؛ لأن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء، فتبين أن الزوايد حديث على ملكه.

فإن لم يسلم البيع وأخذها أخذ جميع

(5)

ذلك معها؛ لأنه بقي ملكه متقررًا فيها، وإنما يملك الكسب والأرش والولد بملك الأصل.

وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله

(6)

: وإذا صحت الإجازة كان القطع حاصلاً في ملك المشتري فيكون الأرش له.

ثم قال: وهذا بخلاف ما إذا غصب من آخر عبدًا فقطعت يده وأدى الغاصب ضمانه حيث لا يكون الأرش للغاصب، وإن ملك المضمون عند أداء الضمان من وقت الغصب؛ لأن الغصب لم يوضع سببًا للملك، وإنما ثبت الملك في المضمون مستندًا لمكان الضرورة (على ما)

(7)

عرف، والاستناد لا يظهر في المنفصل.

أما البيع سبب موضوع للملك فجاز أن يعمل في المتصل والمنفصل؛ لأن الملك ثم له من وقت الشراء فتبين، أي بطريق الاستناد أن القطع حصل على ملكه فيكون الأرش للمشتري لذلك

(8)

..

فإن قيل: يشكل هذا بالفضولي إذا قال لمنكوحة غيره: أمرك بيدك فطلقت نفسها، ثم بلغ الزوج الخبر فأجاز صح التفويض دون التطليق

(9)

، وإن ثبت المالكية لها من حين التفويض حكمًا للإجازة

(10)

.

قلنا: في الفرق بينهما أن كل تصرف توقف

(11)

حكمه على شيء فالأصل أن يجعل ذلك التصرف معلقًا بالشرط؛ لأن في جعله سببًا من وقت وجوده تخلف الحكم عن السبب، إلا أن التصرف الذي لا يحتمل التعليق بالشرط كالبيع ونحوه تعذر جعله معلقًا فاعتبرناه سببًا من وقت وجوده متأخرًا عنه حكمه إلى وقت الإجازة، فعند الإجازة [تصير كأنه وجد الآن، فلا يثبت حكمه إلا من وقت]

(12)

يثبت الملك من وقت العقد، أما التصرف الذي يحتمل التعليق إذا توقف حكمه على شيء فيجعل معلقًا، والتفويض يحتمل التعليق، فجعلنا المأخوذ

(13)

من الفضولي معلقًا بالإجازة، فعند الإجازة يصير [الإجازة]

(14)

كأنه وجد الآن فلا يثبت حكمه إلا من وقت الإجازة، كذا في الفوائد الظهيرية.

(1)

المبسوط (11/ 62).

(2)

في (ت): يحدث.

(3)

في (ت): ويثبت.

(4)

في (ت): فكان.

(5)

في (ت): الجميع.

(6)

فتح القدير (6/ 522).

(7)

في (ت): لما.

(8)

في (ت): كذلك.

(9)

في (ت): التعليق.

(10)

في (ت): بالإجازة.

(11)

في (ت): موقوف.

(12)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(13)

في (ت): الموجود.

(14)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

ص: 123

وهو

(1)

حجة على محمد رحمه الله، أي كون الأرش للمشتري حجة على محمد في عدم تجويزه الإعتاق في الملك الموقوف، كما

(2)

أنه لو لم يكن للمشتري شيء من الملك لما كان له الأرش عند الإجازة، كما في الغصب حيث لا يكون له ذلك عند أداء الضمان.

والعذر له، أي والجواب لمحمد رحمه الله عن هذه الحجة التي ترد عليه.

بخلاف الإعتاق، أي لا ينفذ إعتاق المشتري فيما إذا كان الخيار للبائع على ما مر، وهو قوله:[و]

(3)

بخلاف ما إذا كان [في البيع](الخيار للبائع)

(4)

؛ لأنه ليس بمطلق، وقران الشرط به يمنع انعقاده.

ويتصدق بما زاد على نصف الثمن؛ لأنه لم يدخل في ضمانه إلى آخره؛ لأن أرش اليد قام مقام نصف الثمن؛ لأن أرش اليد الواحدة في الحر نصف الدية وفي العبد نصف القيمة، والذي دخل في ضمانه هو ما كان بمقابلة الثمن، فما زاد على نصف الثمن يكون ربح ما لم يضمن، أو فيه شبهة عدم الملك؛ لأن الملك يثبت يوم القطع

(5)

[اليد]

(6)

مستندًا إلى وقت البيع، وهو ثابت من وجه دون وجه، وبهاتين النكتين

(7)

يخرج الجواب عما لو قيل في البيع الصحيح: إذا قطع لم يجب قيمته بالغة ما بلغت.

فإن باعه المشتري من آخر، أي باع المشتري من الغاصب من آخر؛ لما ذكرنا وهو قوله: لأن بالإجازة يثبت للبائع ملك بات إلى آخره، ولأن فيه غرر الانفساخ على اعتبار عدم الإجازة في البيع الأول.

فإن قيل: هذا التعليل شامل لبيع الغاصب من مشتريه وبيع الفضولي أيضاً؛ لأنه يحتمل أن يجيز المالك بيعهما أو لا يجيز

(8)

، ومع ذلك انعقد بيع الفضولي والغاصب موقوفاً.

قلنا: صح بيع الفضولي موقوفًا؛ لما ذكر

(9)

من (التعليل بأنه)

(10)

لا ضرر فيه للمالك مع تخيره، بل فيه نفعه من حيث يكفي فوته طلب المشتري إلى آخره، فلما كان فيه نوع نفع للمالك رجحنا جانب نفعه على الجانب

(11)

غرر الانفساخ، فقلنا: ينعقد موقوفًا، [و]

(12)

مثل هذا النفع

(13)

لا يوجد في البيع الثاني؛ لأنه لم يملك المشتري الأول حتى يطلب مشتريًا آخر فتجرد البيع الثاني عرضة لغرر الانفساخ، فلم ينعقد ذلك؛ لأنا لو اعتبرنا نفس غرر الانفساخ [من غير اعتبار]

(14)

لما فيه من النفع يلزم أن لا يصح بيع أصلًا خصوصًا في المنقولات؛ لأنه يحتمل أن ينفسخ البيع بعد انعقاده، بأن يهلك

(15)

قبل القبض، وذلك متروك إجماعًا، فيجب أن يعتبر غرر الانفساخ الذي فيه نفع وذلك في البيع الثاني، فلذلك اعتبر فيه دون غيره، بخلاف الإعتاق عندهما؛ لأنه لا يؤثر فيه الغرر، ألا ترى أن البيع قبل القبض في المنقولات لا يصح؛ لغرر الانفساخ، والإعتاق قبل القبض يصح.

(1)

في (ت): وهذه.

(2)

في (ت): لما.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): خيار البائع.

(5)

في (ت): قطع.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

في (ت): النكتتين.

(8)

في (ت): لا يجيزه.

(9)

في (ت): لما ذكرنا.

(10)

في (ت): الدليل فإنه.

(11)

في (ت): على جانب.

(12)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(13)

في (ت): البيع.

(14)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(15)

في (ت): هلك.

ص: 124

فيكون المبيع فإنما

(1)

بقيام خلفه، يعني إذا قتل المبيع في يد البائع كان البيع باقيًا على بدله وهو قيمته، ويخبر المشتري فيكون البدل للمشتري على تقدير الإجازة، فلم

(2)

تقبل ببينته؛ للتناقض.

وذكر في الفوائد الظهيرية

(3)

شبهة في هذا وهي ما ذكره في الكتاب فقال:

فإن قيل: هذا يشكل بما ذكره محمد رحمه الله في الزيادات

(4)

وهو

(5)

رجل اشترى جارية بألف درهم، وقبضها ونقد الثمن، ثم أقام البينة على إقرار البائع أن الجارية لفلان، وفلان يدعيها قبلت بينته، وإن كان متناقضًا، ولا فرق بينهما سوى أن البلائع

(6)

هناك أصيل وهنا

(7)

وكيل.

قلنا: في مسألة الكتاب قال بعض مشايخنا: ما ذكره محمد هنا محمول على أن المشتري أقام البينة على إقرار البائع قبل البيع، أما إذا أقام بينة على إقرار البائع بعد البيع

(8)

أن رب العبد لم يأمره بالبيع فيقبل ببينته؛ لأن إقدام المشتري على الشراء يناقض دعواه إقرار البائع بعدم الأمر قبل البيع، أما لا يناقض دعواه إقرار البائع بعدم الأمر بعد البيع، قال: ومسألة الزيادات يجب أن تكون محمولة على هذا أيضًا، فحينئذ تقع الغنية عن التفرقة بين المسألتين، ولم يتضح لي فيه شيء سوى هذا بعد أن تأملت فيه برهة من الدهر.

وإن أقر البائع، أي أقر بعدم أمر رب العبد عند القاضي، وإنما قيد به؛ لأن البينة إنما تكون حجة عند القاضي.

أن المشتري إذا صدق مدعيه ثم أقام البينة إلى آخره، أي ادعى رجل على المشتري أن

(9)

ذلك العبد له، وصدقه المشتري في ذلك، ثم أقام على البائع البينة أنه أقر أن المبيع للمستحق هذا يقبل، وإن كان دعوى إقرار البائع منه تناقضًا

(10)

إذ هو بالإقدام على الشراء أقر بأنه ملك البائع.

والتناقض لم يمنع صحة الدعوى ههنا، أي في مسألة الزيادات، والفرق أن موضوع مسألة الكتاب فيما إذا كان العبد في يد المشتري فيكون العبد المبيع سالمًا له، فلا يثبت له حق الرجوع بالثمن مع سلامة المبيع له، إذ شرط الرجوع بالثمن عدمها.

(1)

في (ت): قائمًا.

(2)

في (ت): لم.

(3)

المحيط البرهاني (9/ 73).

(4)

كتاب الزيادات لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله قد جمعه أبو يعقوب يُوسُف بن علي بن مُحَمَّد الجرجاني الحنفي في كتاب (خزانة الأكمل في الفروع) وهو أربع مجلدات طبعته دار الكتب العلمية عام 2015.

(5)

في (ت): وهي.

(6)

في (ت): البائع.

(7)

في (ت): وهناك.

(8)

في (ت): الثبوت.

(9)

في (ت): بأن.

(10)

في (ت): مناقضًا.

ص: 125

وأما مسألة الزيادات فموضوعها في أن العبد في يد المستحق فلا يكون المبيع سالمًا للمشتري فيثبت له حق الرجوع؛ لأنه وجد [له]

(1)

شرط الرجوع، هكذا وجدت بخط شيخي رحمه الله.

في هذه المسألة وهي مسألة الكتاب، وهي ما إذا أقام المشتري البينة على إقرار البائع بأنه لم يأمره رب العبد.

وفي تلك في يد غيره، أي وفي مسألة الزيادات أن العبد في يد (غير المشتري)

(2)

.

وذكر في زيادات الإمام قاضي خان رحمه الله

(3)

فقال: وحقيقة الفقه في هاتين المسألتين أن المشتري غير متناقض من كل وجه؛ لأنه لا ينكر العقد أصلًا، ولا ملك الثمن للبائع، فإن بيع مال الغير منعقد، وإنما ينكر وصف العقد وهو الصحة واللزوم بعد الإقرار به من حيث الظاهر، فكان متناقضًا من وجه دون وجه، فجعلناه متناقضًا في الفصل الأول؛ لأنه لا يفيد فائدة الرجوع بالثمن، ولم نجعله متناقضًا في الفصل الثاني؛ لأنه يفيد فائدة الرجوع بالثمن، وإنما جعلناه هكذا؛ عملًا بالشبهين بقدر الإمكان، والله أعلم بالصواب.

‌باب السلم

لما ذكر أنواع البيوع التي لا يشترط في المجلس قبض العوضين أو أحدهما بقي منها النوعان، أحدهما: أنه يشترط في المجلس قبض أحد العوضين وهو السلم، والثاني: يشترط فيه قبض العوضين جميعًا وهو الصرف، فشرع في بيانهما.

ثم قدم العقد الذي يشترط فيه قبض أحد البدلين على العقد الذي يشترط فيه قبض البدلين؛ لما أنّ الترقي إنما يكون من الأقل إلى الأكثر، لا على العكس، فإنّ الواحد قبل الاثنين، والمفرد قبل المركب، أو نقول: البيوع فيما يرجع إلى الثمن والمثمن أنواع أربعة؛ بيع العين بالعين، وهو بيع المقايضة، وبيع العين بالدين، وهو بيع السلع بالأثمان المطلقة، وفرغ من بيانهما وبقي النوعان:

أحدهما: بيع الدين بالعين، وهو بيع السلم، فإن المسلم فيه مبيع، وهو دين ورأس المال قد يكون عينًا وقد يكون دينًا، ولكن اشترط قبضه قبل الافتراق فيصير عينًا.

والثاني: بيع الدين بالدين، وهو عقد الصرف، فشرع في بيانهما، وقدم السلم؛ لأن أحد عوضيه العين، والعين هو الأصل، فكان أولى بالتقديم، ثم الكلام في السلم في خمسة مواضع، ولو ضممت إليها مواضع الشرائط كان الكلام فيه في اثنين وعشرين موضعًا.

أما الخمسة فهي الكلام في بيان مشروعيته، وفي تفسيره لغة وشرعًا، وبيان ركنه وشرائطه

(4)

وأحكامه.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

في (ت): يد المستحق.

(3)

العناية شرح الهداية (7/ 66).

(4)

في (ت): وشرطه.

ص: 126

أما الأول: فالقياس أن لا يجوز السلم؛ لأنه بيع المعدوم، وفي الاستحسان هو جائز بالحديث، بخلاف القياس على ما تذكر

(1)

.

وأما لغة: فإن السلم بمعنى السكف

(2)

، وهو نوع من البيوع يعجل فيه الثمن، وهذا النوع من البيع يسمى [سلمًا] وإسلامًا، كما سمي سلفًا وإسلافًا.

وإنما سمي هذا بالإسلام وهو التسليم؛ لأنه يشترط تسليم الثمن في مجلس العقد.

وأما شرعًا: فإن السلم أخذ عاجل بآجل، وهو نوع بيع لمبادلة المال بالمال، فكان الشرعي بمعنى اللغوي، إلا أن في الشرع اقترنت به زيادة شرائط.

وأما ركنه: فهو الإيجاب والقبول بأن يقول رب السلم لآخر: أسلمت إليك عشرة دراهم في كثر

(3)

حنطة، أو أسلفت، فقال الآخر: قبلت، ويسمى هذا رب السلم، والآخر يسمى المسلم إليه، ويسمى الحنطة المسلم فيه، ولو قال المسلم إليه لآخر: بعت مثل كر حنطة بكذا، وذكر شرائط السلم فإنه ينعقد أيضًا، فإنه بيع على ما روي أنه عليه السلام «نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان»

(4)

، «ورخص في السلم»

(5)

.

وأما شرائط جواز السلم فسبعة عشر: ستة في رأس المال، وأحد عشر في المسلم فيه.

أما الستة التي في رأس المال:

أحدها: في بيان الجنس أنه دراهم، أو دنانير، أو من المليك

(6)

، [أو من الموزون]

(7)

، حنطة أو شعير، [أو من الموزون قطن أو حديد]

(8)

، ونحو ذلك.

(1)

في (ت): ما ذكر.

(2)

في (ت): السلف.

(3)

في (ت): كر.

(4)

أخرجه أبو داود في كتاب البيوع- باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (3503)، والترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (1232)، والنسائي في كتاب البيوع- باب بيع ما ليس عند البائع (4613)، وابن ماجه في كتاب التجارات- باب النهي عن بيع ما ليس عندك (2187)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (7206).

(5)

لم أَجِدهُ هَكَذَا نعم هما حديثان أَحدهمَا لَا تبع ما ليس عنْدك وَقد تقدم. ثَانِيهمَا الرُّخْصَة فِي السّلم وَلم أره بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا أَن الْقُرْطُبِيّ فِي شرح مُسلم ذكره أَيْضا. وهو حديث: «مِنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» . أخرجه البخاري في كتاب السلم- باب السلم في وزن معلوم (2241)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب السلم (1604).

(6)

في (ت): من المكيل.

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

ص: 127

والثاني: أنه بيان النوع أنه دراهم غطريفية

(1)

أو عدلية

(2)

، أو دنانير محمودية أو هروية.

وهذا إذا كان في البلد نقود مختلفة، [و]

(3)

أما إذا كان في البلد [إلا]

(4)

نقد واحد فذكر الجنس كاف.

والثالث: بيان الصفة، أنه جيد أو رديء أو وسط.

والرابع: إعلام قدر رأس المال على ما يجيء.

والخامس: كون الدراهم والدنانير منتقدة شرط الجواز عند أبي حنيفة رحمه الله أيضًا مع إعلام القدر.

والسادس: تعجيل رأس المال وقبضه قبل افتراق العاقدين على ما يجيء

(5)

.

وأما الشرائط الأحد عشر في المسلم فيه:

أحدها: بيان جنس المسلم فيه حنطة أو شعير.

والثاني: بيان نوعه حنطة سقية أو نحسية أو جبلية أو سهلية.

والثالث: بيان الصفة حنطة جيدة أو رديئة أو وسط.

والرابع: إعلام قدر المسلم فيه أنه كر أو قفيز بكيل معروف عند الناس.

والخامس: أن لا يشمل البدلين أحد وصفي علة الربا، وهو القدر المتفق أو الجنس؛ لأنه يتضمن ربا النساء، والعقد الذي فيه ربا فاسد.

والسادس: أن يكون المسلم فيه مما يتعين بالتعيين، حتى لا يجوز السلم في الدراهم والدنانير.

وأما التبر هل يجوز السلم فيه فعلى قياس رواية الصرف لا يجوز؛ لأنه ألحقه بالمضروب، وعلى قياس رواية الكتاب الشركة يجوز؛ لأنه ألحقه بالعروض.

والسابع: الأجل في المسلم فيه شرط الجواز عندنا على ما يجيء.

[لم يذكر الثامن والظاهر أنه وجود المسلم فيه من حين العقد إلى حين المحل]

(6)

.

والتاسع: أن يكون العقد باتًا ليس فيه خيار الشرط لهما أو لأحدهما، حتى لو أسلم عشرة دراهم في كر حنطة على أنه بالخيار ثلاثة أيام، وقبض المسلم إليه رأس المال وتفرقا بأبدانهما يبطل عقد السلم؛ لأن البيع بشرط الخيار ثبت، بخلاف القياس؛ لحاجة الناس ولا حاجة إليه في السلم، ولو أبطلا الخيار قبل التفرق ورأس المال في يد المسلم إليه ينقلب جائزًا عندنا خلافًا لزفر، ولو كان رأس المال هالكًا لا ينقلب إلى الجواز بالإجماع، وخيار الرؤية في رأس المال وخيار العيب لا يفسد السلم؛ لأنه لا يمنع ثبوت الملك.

(1)

الْغِطْرِيفِيُّ هُوَ الدِّرْهَمُ الْمَنْسُوبُ إلَى غِطْرِيفِ بْنِ عَطَاءٍ الْكِنْدِيِّ أَمِيرِ خُرَاسَانَ أَيَّامَ الرَّشِيدِ، وَالدَّرَاهِمُ الْغِطْرِيفِيَّةُ كَانَتْ مِنْ أَعَزِّ النُّقُودِ بِبُخَارَى. المغرب (1/ 342).

(2)

العدالي: بفتح العين المهملة وتخفيف الدال المهملة وباللام المكسورة، أي الدراهم المنسوبة إلى العدالي وكأنه اسم ملك نسب إليه درهم فيه غش. البناية شرح الهداية (8/ 411).

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

تحفة الفقهاء (2/ 8).

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

ص: 128

والعاشر: بيان مكان الإيفاء

(1)

فيما له حمل ومؤنة على ما يجيء.

والحادي عشر: أن يكون المسلم فيه مما يضبط بالوصف، وهو أن يكون من الأجناس الأربعة المكيل والموزون والمزروع والمعدود

(2)

المتقارب

(3)

.

وأما بيان حكم السلم: [و]

(4)

هو ثبوت الملك لرب السلم في المسلم فيه مؤجلًا بمقابلة ثبوت الملك في رأس المال المعين أو الموصوف معجلًا للمسلم إليه.

ثم البيع والسلم يختلفان في بعض الأحكام منها: أن الاستبدال برأس مال السلم قبل القبض لا يجوز، والاستبدال بالثمن جائز إذا كان دينًا؛ لأن قبض رأس المال شرط، وبالاستبدال يفوت البعض حقيقة، وإن وجد من حيث المعنى، وأما قبض الثمن ليس بشرط، والبدل يقوم مقامه معنى، وأما الاستبدال بالمسلم فيه (قبل القبض لا يجوز)

(5)

، كالاستبدال بالمبيع العين

(6)

؛ لأن المسلم فيه مبيع وإن كان دينًا فيكون بيع المبيع المنقول قبل القبض وأنه لا يجوز، بخلاف سائر الديون فإنه ليس بمبيع، وأما الاستبدال برأس المال بعد الإقالة أو بعد انفساخ السلم (يأتي)

(7)

طريق كان لا يجوز في قول علمائنا استحسانًا، والقياس أنه يجوز، وهو قول زفر، سواء كان رأس المال عينًا أو دينًا.

وأجمعوا على أن الاستبدال ببدل الصرف بعد الإقالة قبل القبض جائز، وأجمعوا أن قبض رأس المال بعد الإقالة في باب السلم في مجلس الإقالة ليس بشرط لصحة الإقالة، وفي الصرف شرط لصحة الإقالة، وأجمعوا على أن السلم إذا كان فاسدًا في الأجل

(8)

فلا بأس بالاستبدال فيه قبل القبض، فلا يكون حكم السلم كسائر الديون

(9)

.

ومنها أن المسلم إليه (أن إبراء)

(10)

رب السلم عن رأس المال لا يصح بدون قبول رب السلم، فإذا قبل يصح الإبراء ويبطل السلم؛ لأنه فات قبض رأس المال؛ لأنه لا يتصور قبضه بعد صحة الإبراء ولو رده أو لم يقبله بقي عقد السلم صحيحًا، ولو إبراء

(11)

عن ثمن البيع صح من غير قبول إلا أنه يريد بالرد، والفرق أن قبض رأس المال في المجلس شرط صحة عقد السلم، ولو صح الإبراء من غير قبول الآخر لانفسخ السلم من غير رضاء صاحبه، وهذا لا يجوز، بخلاف الثمن؛ لأن قبضه ليس بشرط، ولو إبراء عن المسلم فيه جاز؛ لأن قبضه ليس بشرط، وهو دين فيملك ذلك، ولو إبراء عن المبيع لا يصح؛ لأن الإبراء عن الأعيان لا يصح، كذا في التحفة وغيرها

(12)

.

(1)

في (ت): الاستيفاء.

(2)

في (ت): والعددي.

(3)

تحفة الفقهاء (2/ 13).

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

في (ت): لا يجوز قبل القبض.

(6)

في (ت): المعين.

(7)

في (ت): بأي.

(8)

في (ت): في الأصل.

(9)

تحفة الفقهاء (2/ 18).

(10)

في (ت): إذا أبرأ.

(11)

في (ت): أبرأ.

(12)

تحفة الفقهاء (2/ 19).

ص: 129

أحل السلف المضمون، أي السلم الواجب في الذمة.

وقال

(1)

: المضمون صفة مقررة لا مميزة، فكان هو لبيان الحقيقة، لما أن المسلم فيه يجب في ذمة المسلم إليه لا محالة، فكان هو للتقرير لا للتمييز، كما في قول الله تعالى:{يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ}

(2)

.

وقال

(3)

: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}

(4)

وقوله عليه السلام: «ما أبقته الفرائض فلأولى رجل ذكر»

(5)

.

ثم قيل: يكون باطلًا، وقيل ينعقد بيعًا.

هذا الخلاف

(6)

فيما إذا أسلم الحنطة أو

(7)

غير ذلك من العروض في الدراهم أو

(8)

الدنانير، أما لو كان كلاهما من الأثمان بأن أسلم عشرة دراهم في عشرة دراهم أو في دنانير فإنه لا يجوز بالإجماع.

وذكر في المبسوط

(9)

: ولو أسلم الحنطة في الذهب والفضة لا يجوز عندنا، وللشافعي قول في القديم أن ذلك يجوز؛ بناءً على مذهبه أن النقد يصلح أن يكون مبيعًا حتى يتعين بالتعيين، فأما عندنا فالذهب والفضة لا تصلح أن تكون مبيعًا و

(10)

المسلم فيه مبيع، فإذا لم يكن هذا سلمًا قال عيسى بن أبان

(11)

رحمه الله: يكون عقدًا باطلًا.

وكان أبو بكر الأعمش

(12)

رحمه الله يقول أنه بيع الحنطة بالدراهم المؤجلة

(13)

فيكون صحيحًا؛ لأن يحصل

(14)

مقصود المتعاقدين بحسب الإمكان واجب، وقد قصدا مبادلة الحنطة بالدراهم المؤجلة.

(1)

في (ت): وقوله.

(2)

[المائدة: 44].

(3)

في (ت): وقوله تعالى.

(4)

[الأنعام: 38].

(5)

أخرجه البخاري في كتاب الفرائض، باب ميراث الولد من أبيه وأمه (6732) ومسلم في كتاب الفرائض، باب ألحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر (1615).

(6)

في (ت): الاختلاف.

(7)

في (ت): و.

(8)

في (ت): و.

(9)

المبسوط (12/ 121).

(10)

في (ت): من.

(11)

عيسى بن أبان بن صدقة أبو موسى، من أهل بغداد. فقيه وأصولي حنفي. تفقّه على مُحَمَّد بن الحسن، ولزمه لزومًا شديدًا، وتفقه عليه القاضي عبد الحميد، كان حسن الحفظ للحديث. الفَوَائِد البهية (1/ 151)، معجم المؤلفين (8/ 18).

(12)

سليمان بن مهران الأسدي بالولاء، أبو مُحَمَّد، الملقب بالأعمش، تابعي، مشهور، أصله من بلاد الري، ومنشأه ووفاته في الكوفة، كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض. تهذيب التهذيب لأبي الفضل أحمد بن علي حجر العسقلاني، الناشر: مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة: الطبعة الأولى، 1326 هـ، (4/ 195)، وصفة الصفوة لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، المحقق: أحمد بن علي، الناشر: دار الحديث، القاهرة، مصر، الطبعة: 1421 هـ/ 2000 م، (3/ 117).

(13)

في (ت): مؤجلة.

(14)

في (ت): تحصيل.

ص: 130

وما ذكره عيسى [بن أبان]

(1)

أصح؛ لأن المعقود عليه في السلم المسلم فيه، فإنما يشتغل بتصحيح العقد في المحل الذي أوجبا العقد فيه، وذلك غير ممكن، ولا وجه لتصحيحه في محل آخر؛ لأنهما لم يوجبا العقد فيه

(2)

.

وكذا في المزروعات يجوز، (وصي كالثياب)

(3)

والبُسُط والحُصُر والبواري.

فإن قيل: ينبغي أن لا يجوز السلم في المزروعات؛ لأن السلم ثبت بخلاف القياس؛ لأنه بيع المعدوم، والنص ورد في الكيلي والوزني؛ لقوله عليه السلام:«من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم»

(4)

، والكيل والوزن ليسا بموجودين في المزروع فيجب أن لا يجوز.

قلنا: يلحق المزروعات بالمكيلات والموزونات بدلالة النص؛ لما أن قوله [عليه السلام]

(5)

: فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إنما اقتضى الجواز في المكيل والموزون بالمكيلات والموزونات]

(6)

باعتبار إمكان التسوية في التسليم على ما وصف في المسلم فيه، والتسوية كما تتحقق بالكيل

(7)

كذلك تتحقق بالزرع

(8)

، فيجوز السلم في المزروعات بطريق الدلالة.

فإن قيل: إنما يجوز العمل بدلالة النص

(9)

إذا لم يعارضه عبارة النص، وهنا عبارة قوله عليه السلام:«لا تبع ما ليس عندك»

(10)

نافية لإلحاق المزروع بالكيلي؛ لأن تلك العبادة

(11)

لما خصت بالكيلي والوزني بقوله

(12)

عليه السلام: «من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم»

(13)

انحصر الجواز في الكيلي والوزني، وبقي ما ورائهما تحت [نفي] عبارة قوله عليه السلام:«لا تبع ما ليس عندك»

(14)

، والمزروع مما ورائهما، فكانت العبارة نافية للدلالة، فلا يصح العمل بالدلالة حينئذ.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

المبسوط (12/ 121).

(3)

في (ت): وهي الثياب.

(4)

أخرجه البخاري في كتاب السلم- باب السلم في وزن معلوم (2241)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب السلم (1604).

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

في (ت): بالمكيل.

(8)

في (ت): بالمزروع.

(9)

عرفه الشاشي الحنفي بقوله: "وَأما دلَالَة النَّص فَهِيَ مَا علم عِلّة للْحكم الْمَنْصُوص عَلَيْهِ لُغَة لَا اجْتِهَادًا وَلَا استنباطا مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ وَلَا تنهرهما} . أصول الشاشي (ص: 104).

(10)

أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 402)، وأبو داود في كتاب البيوع- باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (3503)، والترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (1232)، والنسائي في كتاب البيوع- باب بيع ما ليس عند البائع (4613)، وابن ماجه في كتاب التجارات- باب النهي عن بيع ما ليس عندك (2187)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (7206).

(11)

في (ت): العبارة.

(12)

في (ت): لقوله.

(13)

أخرجه البخاري في كتاب السلم- باب السلم في وزن معلوم (2241)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب السلم (1604).

(14)

تقدم.

ص: 131

قلنا: هذا الذي ذكرته حجة عليك؛ لأن العام من الكتاب إذا خص منه البعض لا يبقى [الباقي] حجة أصلًا عند أبي الحسن، فكيف في السنة، وعلى القول المختار إن بقي

(1)

حجة ولكن مرتبته دون مرتبة القياس، وخبر الواحد بدليل جواز التخصيص بالقياس.

ولاشك أن دلالة النص أقوى من القياس وخبر الواحد، حتى وجبت بها الحدود والكفارات، ولم يثبت هي بالقياس وخبر الواحد، فعلم بهذا أن دلالة النص أقوى من الذي هو أقوى من العام الذي خص منه البعض، وهو

(2)

القياس وخبر الواحد، فلما لم يصلح

(3)

العام الذي حصل

(4)

منه البعض معارضًا لما هو أدنى من دلالة النص وهو القياس وخبر الواحد، فلأن لا يكون معارضًا لدلالة النص أولى، فثبت أن حكم دلالة النص بقي سالمًا عن المعارض، فلذلك عملنا به وأجرينا حكم السلم في المزروعات والعدديات المتقاربة؛ إلحاقًا بالمكيلات والموزونات بدلالة النص.

فإن قلت: من شرط دلالة النص أن يكون الثابت بها

(5)

مساويًا

(6)

لما ثبت بالنص من جميع الوجوه، كما في رجم غير ماعز، وأقوى منه كما حرمة الضرب والشتم في حق الأبوين؛ لما عرف حتى لو اختلت المساواة في بعض الوجوه كان ذلك قياسًا لا دلالة، وبعدما ثبت حكم جواز السلم بخلاف القياس، لا يمكن أن يقال بأن جواز السلم في المزروعات بالقياس، ثم هذا الشرط وهو المساواة بين المزروعات وبين المكيلات والموزونات من جميع الوجوه غير ثابت، بل الفرق بينهما ثابت بوصف أعظم وجوه التفاوت، وهو أن الثياب وإن بولغ في ذكر ضبطها بذكر الذرع والصفة والصنعة لم تخرج من أن تكون من ذوات القيم، حتى لو استهلك ثوبًا وأتى بيوت ثوبًا وأتى بيوت يساويه في الذرع والصفة والصنعة لم يجبر على القبول؛ لأن الواجب هو القيمة لا مثل الثوب، بخلاف المكيلات والموزونات، وهذا من أعظم وجوه التفاوت؛ لأن كثيراً من الأحكام يختلف بحسب اختلاف الأموال بكونها من ذوات الأمثال، أو

(7)

من ذوات القيم، فمع وجود هذا التفاوت كيف يمكن أن يقال أن المزروعات مساوية للمكيلات والموزونات من جميع الوجوه.

قلت:

(8)

جواز السلم في الثياب إنما كان

(9)

بطريق الاستحسان، والذي ذكرته هو وجه القياس، فكم من تفاوت بين الشيئين يتحمل ذلك في المعاملات دون الاستهلاكات، فلذلك يجب فيها القيمة؛ لأنه موضع استهلاك لا معاملة مع وجود المساواة من جميع الوجوه.

(1)

في (ت): بقاؤه.

(2)

في (ت): و.

(3)

في (ت): يبق.

(4)

في (ت): خص.

(5)

في (ت): لها.

(6)

في (ت): متساويًا.

(7)

في (ت): و.

(8)

في (ت): قلنا.

(9)

في (ت): يكون.

ص: 132

وذكر في الإيضاح:

(1)

إنما جوزنا السلم في الثياب استحسانًا؛ لأنها مصنوع العبد، والعبد يصنع بالآلة، فإذا اتحد الصانع والآلة يتحد المصنوع، فلا يبقى بعد ذلك إلا قليل تفاوت، وقد يتحمل قليل التفاوت في المعاملات، ولا يتحمل في الاستهلاكات، ألا ترى أن الأب لو باع [ثمن مال ابنه]

(2)

بغبن يسير كان متحملًا، ولو استهلك شيئًا يسيرًا وجب عليه الضمان.

قال:

(3)

ولا بد منها، أي من هذه المذكورات، وهي الزرع والصفة والصنعة.

ويجيء ذكر الثياب بعد هذا بأن ذكر الوزن في الحرير شرط.

وكذا في المعدودات التي لا يتفاوت، أي يجوز كالجوز والبيض.

وقيد

(4)

بالتي

(5)

لا يتفاوت احترازًا عن التي يتفاوت كالرمان والبطيخ على ما ذكر، والفرق بينهما مذكور

(6)

عن أبي يوسف رحمه الله، وذكر في المبسوط

(7)

: وأصل هذا الجنس مروي عن أبي يوسف، قال: ما يتفاوت آحاده في القيمة فهو عددي متفاوت، لا يجوز السلم فيه عددًا، وما لا يتفاوت آحاده، وإنما يتفاوت أنواعه فهو عددي ذي متقارب، يجوز السلم فيه عددًا، والرمان والبطيخ يتفاوت آحاده [في المالية]، والباذنجان وما أشبه ذلك لا يتفاوت آحاده في المالية، وعلى هذا الأصل يجوز السلم في (الجوز والبيض)

(8)

عددًا؛ لأن آحاده في المالية لا يتفاوت، فإنك

(9)

لا ترى جوزة بفلس وجوزة بفلسين، وإنما يتفاوت أنواعه في المالية، وذلك التفاوت يزول بذكر النوع.

وقيل: هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-، أي ما ذكر في الجامع الصغير

(10)

بقوله: ويجوز السلم في الفلوس عددًا مطلقًا من غير ذكر خلاف أحد، محمول على أن ذلك الإطلاق وقع على قولهما، خلافًا لمحمد رحمه الله استدلال بمسألة أخرى وهي على هذا الخلاف، فيصلح أن يكون هذه المسألة مبنية عليها، وهي أن الفلوس أثمان باصطلاح جميع الناس، فلا يسقط ثمنيتها بإسقاط المتعاقدين عنده، حتى أخرى الربا فيها، فقال: لا يجوز بيع فلس بفلسين عند محمد خلافًا لهما على ما مر، ولما كانت ثمنًا [عنده] لا يجوز السلم في الأثمان بالإجماع، كما لو سلم في الدراهم والدنانير، وعندهما يسقط ثمنيتها بإسقاط المتعاقدين فيجوز السلم فيها عددًا عندهما، والدليل على صحة هذا ما رواه أبو الليث الخورزمي

(11)

عن محمد نصًا

(12)

: أن السلم في الفلوس لا يجوز.

(1)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 79).

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

في (ت): قوله.

(4)

في (ت): وقيدنا.

(5)

في (ت): بالذي.

(6)

في (ت): مروي.

(7)

المبسوط (12/ 136).

(8)

في (ت): البيض والجوز.

(9)

في (ت): فإنه.

(10)

فتح القدير (7/ 75).

(11)

نصر بن مُحَمَّد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه، أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقه على الفقيه أبي جعفر الهندواني وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفي سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة. الجواهر المضية (2/ 196)، الأَعْلَام للزركلي (8/ 27).

(12)

في (ت): أيضًا.

ص: 133

ومن المشايخ من قال: جواز السلم في الفلوس قول الكل، وهذا القائل يفرق لمحمد بين السلم والبيع، والفرق أن من ضرورة جواز السلم كون المسلم فيه منمياً

(1)

، فتضمن إقدامهما على السلم إبطالًا لذلك الاصطلاح في حقهما، أما ليس من ضرورة جواز البيع كون المبيع مثمنًا فإن بيع الأثمان كبيع الدراهم بالدراهم وبيع الدنانير بالدنانير جائز فلا يتضمن بإقدامهما

(2)

على البيع إبطالًا

(3)

لذلك

(4)

الاصطلاح في حقهما، فيبقى ثمنًا كما [لو]

(5)

كان فلا

(6)

يجوز بيع الواحد بالاثنين، كذا في الذخيرة

(7)

.

وذكر مثل هذا في المبسوط

(8)

، ثم قال: وما ذكره في الكتاب من جواز السلم في الفلوس أصح؛ لأن صفة الثمنية في الفلوس عارضة باصطلاح الناس، والمتعاقدان أعرضا عن هذا الاصطلاح حين عقد السلم فيه، وأما

(9)

أعرضا عن الاصطلاح على كونه عدديًا وليس من ضرورة خروجه في حقهما من أن يكون ثمنًا خروجه من أن يكون عدديًا كالجوز والبيض.

وأما الذهب والفضة فثمن بأصل الخلقة ولا ينعدم ذلك بجعلهما إياه مبيعًا، ألا ترى أن الفلوس تزوج تارة، وتفسد

(10)

أخرى، وتروح في ثمن الجنسين

(11)

من الأشياء دون النفيسة

(12)

، بخلاف النقود.

ولا يجوز السلم في الحيوان.

وقال الشافعي رحمه الله: يجوز إلا في الخلفات؛ لأن اسم الخلفة اسم لمجهول الحال؛ لأن الحبل لا يدري حقيقة بحال، ألا ترى أنه إذا باع عينًا على أنها خلفة لا يجوز.

والخلاف في الحيوان الموصوف كما ذكر.

وأما في الحيوان مطلقًا فلا يجوز بلا خلاف.

[قوله]

(13)

: ببيان الجنس نحو الإبل، والسن نحو الجذع

(14)

والثني

(15)

، والنوع كالبختي

(16)

والعرني، والصفة كالسمن

(17)

والهزال.

(1)

في (ت): مثمنا.

(2)

في (ت): إقدامهما.

(3)

في (ت): إبطال.

(4)

في (ت): ذلك.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

في (ت): فلأن.

(7)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 78).

(8)

المبسوط (12/ 137).

(9)

في (ت): وما.

(10)

في (ت): وتكسد.

(11)

في (ت): الخسيس.

(12)

في (ت): النفيس.

(13)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(14)

الجَذَع: من الغنم ما أتي عليه أكثرُ الحول وفي "الهداية": "الجذعُ من الضأن: ما تمَّت له ستةُ أشهر في مذهب الفقهاء". التعريفات الفقهية (1/ 70).

(15)

الثَّنِي: الذي يلقى ثنيَّته وهو من الإبل ما تمَّ له خمسةُ أحوال، ومن البقر ما تم له حولان، ومن الغنم ما تم له حولٌ. التعريفات الفقهية (1/ 67).

(16)

البُخْتِيّ: واحد البُخْت، وهي الإِبل الخراسانية. يقال هي لغة عربية، ويقال: إِنها أعجمية معرّبة. شمس العلوم (1/ 442).

(17)

في (ت): نحو.

ص: 134

يبقى تفاوت فاحش في المالية باعتبار المعاني الباطنة كالهلجة

(1)

وشدة العدو

(2)

، وذلك لأن بعد ذكر الأوصاف التي يشترط الخصم يبقى تفاوت عظيم في المالية، فإنك تجد فرسين مسويين

(3)

في السن والصفة، ثم يشتري أحدهما بأضعاف ما يشتري به الآخر؛ لتفاوت بينهما في المعاني الباطنة.

وكذلك في البعيرين، وهذا في بني آدم لا يخفى فإن العيدين

(4)

أو الأمتين يتساويان في السن والصفة ويختلفان في المالية؛ لتفاوتهما

(5)

في الذهن والكياسة، وفيه يقول القائل:

[إلا]

(6)

رب [من كان]

(7)

واحد يعدل ألفان

(8)

أبدًا

(9)

وألوف تراهم لا يساوون واحدًا

كذا في المبسوط والأسرار

(10)

.

وذكر في المغرب: المهملة العين والبيت غير مستقيم، وإنما هو الإرب:

فرد يعدل الألف زايدًا

وألف تراهم لا يساوون واحدًا

الهملجة

(11)

مشى بأسهل للبرازين كالرهوجة.

فإن قلت: هذا الذي ذكرته مستقيم في الحيوانات التي يختلف صورها

(12)

ومعانيها الباطنة كما في العبيد والإماء والأفراس والإبل، وما قولك في الحيوانات التي لا يختلف لا صورة ولا معنى كالعصافير والحمامات التي هي للأكمل

(13)

، وهذه الحيوانات لا يخالف

(14)

بعضها بعضاً أصلاً لا صورة ولا معنى، ولو خالف فهو يسير، ومثل ذلك أو أكثر منه يوجد في الثياب الفاخرة كالذبائح، ومع ذلك السلم فيها جائز فأولى أن يجوز في مثل هذه الحيوانات.

قلت: نقول في [مثل] هذا ما قاله محمد رحمه الله حين سأله عمرو بن أبي عمرو حيث قال في المبسوط

(15)

: وقد ذكر عمر بن أبي عمرو عن محمد -رحمهما الله- قال: قلت له: إنما لا يجوز السلم في الحيوان؛ لأنه غير مضبوط بالوصف، قال؛ لا، فإنا نجوّز السلم في الذبائح، ولا نجوّز في العصافير.

(1)

في (ت): كالهملجة.

(2)

العَدْو: بسكون الدال وخفَّة الواو الجَرْيُ والركضُ. التعريفات الفقهية (1/ 144).

(3)

في (ت): مستوين.

(4)

في (ت): العبدين.

(5)

في (ت): تتفاوت.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

في (ت): الألف.

(9)

في (ت): زائدا.

(10)

المبسوط (12/ 132).

(11)

الهَمْلَجةُ: حسنُ سَيْرِ الدّابّة في سرعة وبخترة. الذّكَرُ والأُنثى نعتهما: هملاج. وقد هملج. وأمر مُهَمْلَجٌ: مُدَلَّل مُنْقاد قال العجّاج، العين (4/ 118).

(12)

في (ت): صورتها.

(13)

في (ت): للأكل.

(14)

في (ت): يختلف.

(15)

المبسوط (12/ 133).

ص: 135

ولعل ضبط العصافير بالوصف أهون من ضبط الذبابح

(1)

، ولكنه السنة، أي السنة منعت عن السلم في الحيوان، وهي ما روي عن النبي عليه السلام أنه نهى عن السلم في الحيوان

(2)

، مع إمكان الضبط بالوصف ومثل هذا أيضاً يجيء بعد مذكوراً من الذخيرة.

فإن قلت: ما جوابنا عما تمسك به الشافعي بقوله: إن النبي عليه السلام اشترى بعيراً ببعيرين إلى أجل

(3)

، وأمر به عبد الله بن عمرو

(4)

أنه عليه السلام استقرض بكراً وقضاه رباعياً

(5)

والسلم أقرب إلى الجواز من الاستقراض، فإذا ثبت جواز استقراض الحيوان بهذا الحديث ثبت جواز السلم فيه بالطريق الأولى.

(1)

في (ت): الذبائح.

(2)

أخرجه الحاكم (2341)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ووافقه الذهبي. قال صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ جُوتَى قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الحديث جداً، ويأتي عَنْ الثِّقَاتِ بِالْمَوْضُوعَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: رَوَى أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً، انْتَهَى. نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي لجمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي، قدم للكتاب: محمد يوسف البَنُوري، صححه ووضع الحاشية: عبد العزيز الديوبندي، إلى كتاب الحج، ثم أكملها محمد يوسف الكاملفوري، المحقق: محمد عوامة، الناشر: مؤسسة الريان للطباعة والنشر - بيروت -لبنان/ دار القبلة للثقافة الإسلامية- جدة - السعودية، الطبعة: الأولى، 1418 هـ/ 1997 م، (4/ 46).

(3)

أخرجه أبو داود في كتاب البيوع- باب في الرخصة في ذلك (3357)، وضعفه الألباني.

(4)

عبد الله بْن عَمْرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم يكنى أَبَا مُحَمَّد. أمه ريطة بِنْت منبه بْن الْحَجَّاج السهمية، ولم يفته أبوه فِي السن إلا باثنتي عشرة، ولد لعمرو: عَبْد اللَّهِ، وَهُوَ ابْن اثنتي عشرة سنة. أسلم قبل أَبِيهِ، وَكَانَ فاضلا حافظا عالما، قرأ الكتاب واستأذن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي أن يكتب حديثه، فأذن لَهُ، مات بمكة سنة سبع وستين، وَهُوَ ابْن اثنتين وسبعين سنة. الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 956)، أسد الغابة (3/ 245).

(5)

أخرجه البخاري في كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس _ باب استقراض الإبل (2390)، ومسلم في كتاب المساقاة _ باب من استسلف شيئا فقضى خيرا منه، وخيركم أحسنكم قضاء (1601).

ص: 136

والمعنى فيه أنه مبيع معلوم مقدور التسليم فيجوز عقد السلم فيه كالثياب والمكيلات، والدليل عليه أن بني إسرائيل استوصفوا البقرة فوصفها الله تعالى لهم، وأدركوا بتلك الصفة حيث قالوا: الآن جئت بالحق، والدليل عليه أنه يثبت في الذمة مهراً، وأن الدعوى والشهادة في الحيوان يسمع بذكر الوصف، فدل أنها تصير معلومة بذكر الوصف.

قلت: أما شرى

(1)

البعير قيل: أنه كان [قبل] نزول آية الربا، أو كان ذلك في دار الحرب، وعندنا لا يجري الربا بين المسلم والحربي

(2)

في دار الحرب، فتجهيز الجيش وإن كان في دار الإسلام فنقل الآلات كان من دار الحرب؛ لعزتها في دار الإسلام يومئذ.

وأما ما روي أنه استقرض بكرًا، فالمراد استعجل في الصدقة، ثم لم يجب الزكاة على صاحبها فردها رباعيًا، أو استقرض لبيت المال، وكما يجوز أن يثبت حق مجهول لبيت المال يجوز أن يثبت ذلك على بيت المال أيضًا.

وأما وصف الله تعالى البقرة لبني إسرائيل، وهو إنما ذكر الله تعالى لبني إسرائيل الأوصاف الظاهرة، وذلك يمكن إعلامه عندنا، ثم كان المقصود التشديد عليهم لما استقصوا

(3)

في الاستيصاف، هكذا قاله ابن عباس رضي الله عنهما

(4)

.

وكذلك سماع الدعوى والشهادة؛ لأن الأوصاف الظاهرة منها تصير معلمة.

وثبوته في الذمة مهرًا؛ لكون النكاح على التوسع، فإن المقصود به شيء آخر سوى المالية، بخلاف السلم، ولهذا يجوز من غير بيان الوصف هناك، والمعنى فيه أنه أسلم في المجهول فلا يجوز، كما لو أسلم في الخلفات أو الجواهر، وذلك لأن بعد ذكر الأوصاف التي يشترط الخصم يبقى تفاوت عظيم

(5)

في المالية، كذا في المبسوط

(6)

.

وقد صح أن النبي عليه السلام نهى عن السلم في الحيوان

(7)

.

(1)

في (ت): شراء.

(2)

الْحَرْبِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى الْحَرْبِ، وَهِيَ الْمُقَاتَلَةُ وَالْمُنَازَلَةُ، وَدَارُ الْحَرْبِ: بِلَادُ الأَْعْدَاءِ، وَأَهْلُهَا: حَرْبِيٌّ وَحَرْبِيُّونَ. الموسوعة الفقهية الكويتية (37/ 168).

(3)

في (ت): استوصفوا.

(4)

المبسوط (12/ 133).

(5)

في (ت): عظيمة.

(6)

المبسوط (12/ 132).

(7)

أخرجه الحاكم (2341)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ووافقه الذهبي. قال صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ جُوتَى قَالَ فِيهِ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الحديث جداً، ويأتي عَنْ الثِّقَاتِ بِالْمَوْضُوعَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: رَوَى أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً، انْتَهَى. نصب الراية (4/ 46).

ص: 137

فإن قلت: هذا

(1)

الحديث بظاهره لا يصح التمسك به على إثبات ما ادعاه

(2)

، فإن للخصم أن يجري هذا الحديث على ظاهره فيقول

(3)

: نحن

(4)

نسلم أن السلم في مطلق الحيوان لا يجوز، وإنما الكلام في الحيوان المخصوص بذكر جنسه ونوعه وسنه وصفته على ما ذكر، وهذا الحديث في مطلق الحيوان من غير ذكر الوصف، ونحن نقول: بأنه لا يجوز السلم فيه، وعدم جواز السلم في الحيوان غير الموصوف بهذه الأوصاف لا يدل على عدم الجواز في الحيوان المخصوص، كما في الثياب بالاتفاق، حيث يجوز في الموصوف، ولا يجوز في غير الموصوف، فإن الحكم يختلف بينهما بترك الوصف وذكره، ألا ترى أن الحيوان إذا كان موصوفًا بوصف يصلح أن يكون مهرًا في الذمة، وعند ترك الوصف لا يصلح.

قلت: قد فسّر هذا الحديث محمد بن الحسن في أول كتاب المضاربة

(5)

أن ابن مسعود رضي الله عنه دفع مالًا مضاربةً

(6)

إلى زيد بن خليدة

(7)

، فأسلمها زيد إلى عتريس

(8)

بن عرقوب

(9)

(10)

في قلايص

(11)

(12)

معلومة، فقال ابن مسعود: اردُد مالنا لا نسلم أموالنا

(13)

، كذا في المبسوط

(14)

.

(1)

في (ت): فهذا.

(2)

في (ت): ادعى.

(3)

في (ت): ونقول.

(4)

في (ت): فنحن.

(5)

العناية شرح الهداية (7/ 78).

(6)

في (ت): فضاربه.

(7)

زيد بن خليدة: قال ابن حبان في الثقات من التابعين: زيد بن خليدة اليشكري، والد محمد بن زيد، يروى عن ابن مسعود. روى عنه ابنه. مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار لأبي محمد محمود بن أحمد الغيتابي الحنفي بدر الدين العيني، تحقيق: محمد حسن، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 2006 م، (1/ 356).

(8)

في (ت): عريس.

(9)

في (ت): عوف.

(10)

عَتْرِيس بن عُرْقُوب الشيباني. يروي عن ابن مسعود، عِدَادُه في أهل الكوفة، روى عنه أهلها. وروى عنه إبراهيم النخعي. الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة لأبي الفداء زين الدين قاسم بن قُطْلُوْبَغَا السُّوْدُوْنِي (نسبة إلى معتق أبيه سودون الشيخوني) الجمالي الحنفي، دراسة وتحقيق: شادي بن محمد بن سالم آل نعمان، الناشر: مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن، الطبعة: الأولى، 1432 هـ - 2011 م، (7/ 72).

(11)

في (ت): فلاص.

(12)

الْقَلُوصُ هِيَ النَّاقَةُ الشَّابَّةُ وَجَمْعُهَا الْقَلَائِصُ وَقَالَ فِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ يُقَالُ إنَّ الْقَلُوصَ النَّاقَةُ الْبَاقِيَةُ عَلَى السَّيْرِ قَالَ وَيُقَالُ هِيَ الطَّوِيلَةُ الْقَوَائِمِ وَأَقْلَصَ الْبَعِيرُ إذَا ظَهَرَ سَنَامُهُ سِمَنًا. طلبة الطلبة (1/ 148).

(13)

أخرجه عبد الرزاق (14149)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار، كتاب الصلح: باب القراض (3703). وقال الألباني: وهذا إسناد متصل، ضعيف. إرواء الغليل (5/ 293).

(14)

المبسوط (12/ 132).

ص: 138

فعلم بهذا أن عدم جواز السلم في الحيوان لم يكن باعتبار ترك الوصف.

والأكارع يعني بايحها.

وفي المغرب

(1)

: الكراع ما دون الركبة من الدواب، وجمعه الأكارع.

ولا في الجلود عددًا، أي في جلود الإبل والبقر والغنم.

وقال مالك رحمه الله: أنه يجوز؛ لأنه مقدور التسليم معلوم المقدار بالوزن والصفة بالذكر

(2)

.

ولكنا نقول: الجلود لا توزن عادةً، ولكنها تباع عددًا، وهي عددية متفاوتة، فيها الصغير والكبير، فلا يجوز السلم فيها.

وفي

(3)

الحاصل هذا مبني على السلم في الحيوان فقد قامت الدلالة لنا على أن السلم في الحيوان لا يجوز، فكذلك في أبعاض الحيوان، ولهذا لا يجوز السلم في الأكارع والرؤوس.

وكذلك لا يجوز السلم في الأدم والورق، إلا أن يشترط من

(4)

الورق والأدم ضربًا

(5)

معلوم الطول والعرض والجودة، فحينئذ يجوز السلم فيه كالثياب، كذا في المبسوط

(6)

.

وذكر في الذخيرة

(7)

: وإن تبين للجلود ضربًا معلومًا يجوز، والأدم إذا كان يباع وزنًا يجوز السلم فيها بذكر الوزن، إذا بينوا على وجه لا يتمكن المنازعة بينهما في التسليم والتسلم.

ولا في الحطب حزمًا أو أوقارًا؛ لأن هذا مجهول لا يعرف طوله ولا عرضه و

(8)

غلظه، فإن عرف ذلك فهو جائز، كذا في المبسوط

(9)

.

ولا في الرطبة يعني سبست كه علف اثيب باشد حرزا.

[حرزًا جمع الحرز]

(10)

بتقديم الراء المهملة على الزاي المعجمة، وهي القبضة من القث ونحوه، أو الحزمة؛ لأنها أول قطعة من الحرز، وهو القطع ومنها قولهم: باع القت حرزًا، وما سواه تصحيف كذا في المغرب

(11)

.

وأما الجزز بكسر الجيم وبالزاين

(12)

المعجمتين فجمع جزه، وهي الصوف المجزوز، وهذا ليس بموضعه إذا كان على وجه لا يتفاوت، أي بالشد نحو الطاخ

(13)

أما

(14)

إذا كان يتفاوت نحو السوك، والسوس فلا يجوز؛ لإفضائه إلى المنازعة.

ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه موجود

(15)

من حين العقد إلى حين المحل، أي إلى وقت حلول (أجل السلم)

(16)

، والمحل بكسر الحاء مصدر بمعنى الحلول من حد ضرب، كذا بخط الإمام الزرنوخي رحمه الله

(17)

.

(1)

المغرب (1/ 406).

(2)

التاج والإكليل لمختصر خليل (6/ 476).

(3)

في (ت): وهي.

(4)

في (ت): في.

(5)

في (ت): ضرب.

(6)

المبسوط (12/ 131).

(7)

المبسوط (12/ 131).

(8)

في (ت): ولا.

(9)

المبسوط (12/ 131).

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

المغرب (1/ 80).

(12)

في (ت): وبالزائين.

(13)

في (ت): الطباخ.

(14)

في (ت): وأما.

(15)

في (ت): موجودًا.

(16)

في (ت): الأجل.

(17)

رد المحتار على الدر المختار (5/ 214).

ص: 139

وحد الانقطاع ما ذكره الفقيه أبو بكر البلخي

(1)

رحمه الله: هو أن لا يوجد في السوق الذي يباع فيه، وإن كان يوجد في البيوت، كذا في الذخيرة

(2)

.

وهذه المسألة منقسمة على أربعة أوجه، وهي القسمة العقلية:

أحدها: أن يكون المسلم فيه موجودًا عند العقد، منقطعًا عن أيدي الناس عند حلول الأجل، فهذا لا يجوز بالاتفاق؛ لأن المسلم إليه بالعقد يلتزم التسليم عند حلول الأجل، فإذا لم يكن مقدور التسليم عند ذلك لا يجوز العقد.

والثاني: عكسه، وهو أن يكون منقطعًا وقت العقد، موجودًا في أيدي الناس عند حلول الأجل، فهذا لا يجوز عندنا، وعند الشافعي يجوز.

والثالث: أن يكون موجودًا عند العقد وعند حلول الأجل، ولكنه منقطع عن أيدي الناس فيما بين ذلك، وهذا لا يجوز عندنا، وعلى قول

(3)

مالك

(4)

والشافعي

(5)

يجوز.

والرابع: أن يكون موجودًا من وقت العقد إلى وقت المحل، على وجه لا ينقطع فيما بين ذلك، فيكون العقد صحيحًا بالاتفاق

(6)

.

وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام: «لا تسلموا في الثمار حتى يبدو صلاحها»

(7)

.

وفي الحديث المعروف أن النبي عليه السلام: «نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها»

(8)

، ولم يرد به النهي عن بيعها عينًا؛ لأن ذلك جائز بشرط القطع، فعرفنا أن المراد به النهي عن بيعها سلمًا.

ولأن

(9)

شرط الجواز أن يكون المبيع مقدور التسليم للعاقد لا مقدور التسليم في نفسه؛ لأن السلم [التسليم] يجب على العاقد، فما لم يكن مقدور التسليم للعاقد لا يثبت له القدرة على التسليم.

(1)

مُحَمَّد بن أحمد أبو بكر الإسكاف البلخي. فقيه حنفي. إمام كبير جليل القدر، أخذ الفقه عن مُحَمَّد بن سلمة وعن أبي سليمان الجوزجاني. وتفقه عليه أبو بكر الأعمش مُحَمَّد بن سعيد وأبو جعفر الهندواني. من تصانيفه:"شرح الجامع الكبير للشيباني". الجواهر المضية (2/ 28)، الفَوَائِد البهية (1/ 160).

(2)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (5/ 223).

(3)

في (ت): قولك.

(4)

شرح مختصر خليل للخرشي (5/ 204).

(5)

الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (3/ 55).

(6)

المبسوط (12/ 134).

(7)

أخرجه أبو داود في أبواب الإجارة – باب في السلم في ثمرة بعينها (3467)، وضعفه الألباني.

(8)

أخرجه مسلم في كتاب البيوع _ باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع (1538).

(9)

في (ت): ولا.

ص: 140

ألا ترى أن بيع الآبق لا يجوز، وأنه مقدور التسليم في نفسه حيث هو؛ لأنه غير مقدور التسليم للعاقد، وإنما يصير الرطب مقدور التسليم للبائع بوجوده في الأوان، وحياة هذا البائع، كالعين إنما يصير مقدور التسليم للبائع بقيامه ووصول يد البائع إليه، وإذا

(1)

تعلقت القدرة التي هي شرط ببقاء الحياة إلى حين [المحل] والبقاء قد شك فيه، فلا تثبت القدرة للحال والقدرة مشكوك فيها.

فإن قيل

(2)

: الحياة ثابتة وزوالها فيه شك، فلا يثبت الزوال بالشك.

قلنا

(3)

: نعم، أن الحكم بحياته إلى حين المحل بحياته الثابتة للحال لا يقع إلا بعدم دليل الممات، كحياة المعقود

(4)

الذي اشتبه حاله، لا بدليل موجب للحياة، وما يحكم بثبوته بناء على أصل ثابت عدم

(5)

دليل زواله يكون ثابتًا على الاحتمال؛ لأنا لم نعلم عدم دليل الزوال، كما لم نعلم وجوده، والزوال محتمل كالوجود

(6)

فتعارضا، فما كان ثابتًا من الأحكام لا يزول بالاحتمال، وما كان معدومًا لا يثبت بالاحتمال كالمعقود

(7)

، ولما

(8)

احتمل حيًا وميتًا للحال لم يزل ملكه الثابت له، ولا يثبت له ملك أبيه إذا مات، بل يوقف، فالقدرة في حق البائع للحال غير ثابتة، وإنما تثبت باتصال وجوده في أوانه بحياته، ولا

(9)

اتصال للحال فلا تثبت بالاحتمال، وكان بمنزلة ثمر

(10)

حائط رجل بعينه لم يجز؛ لتوهم هلاك ذلك الثمر، كذا في المبسوط والأسرار

(11)

.

فإن قلت: يشترط الوجود وقت العقد؛ لأنه وقت انعقاد السبب، ويشترط حين المحل أيضًا؛ لأنه وقت وجود التسليم، [وأما فيما بين ذلك، لا وقت انعقاد السبب، ولا وقت وجوب

(12)

التسليم]، فلا

(13)

يشترط الوجوب

(14)

فيما بين هذين الوقتين، كما في النصاب في باب الزكاة، لا يشترط بقاء كماله فيما بين الوقتين لهذا المعنى.

وكذلك بقاء الملك على المرأة في حق وقوع الطلاق عليها في التعليقات، بل يشترط في وقت التعليق وفي وقت نزول الجزاء، ولا يشترط فيما بين ذلك؛ لهذا المعنى فيجب أن يكون ههنا

(15)

كذلك.

(1)

في (ت): ولا.

(2)

في (ت): قلت.

(3)

في (ت): قلت.

(4)

في (ت): المفقود.

(5)

في (ت): وعدم.

(6)

في (ت): الوجود.

(7)

في (ت): كالمفقود.

(8)

في (ت): لما.

(9)

في (ت): فلا.

(10)

في (ت): ثمرة.

(11)

المبسوط (11/ 62).

(12)

في (ت): ووجوب.

(13)

في (ت): ولا.

(14)

في (ت): الوجود.

(15)

في (ت): هنا.

ص: 141

قلت: نعم كذلك، إلا أن ههنا معنى آخر يقتضي استمرار الوجود في مدة الأجل من حين العقد إلى حين المحل، وذلك لأن ما يعد العقد ههنا بمنزلة حال

(1)

المحل؛ لأن زمان المحل وقت وجوب التسليم يشترط بقائه حيًا إلى ذلك الوقت، وذلك موهوم، وما بعد العقد وقت وجوب التسليم بشرط موته، وذلك موهوم [أيضًا]

(2)

.

وقد أجبنا عن قول من يقول: يترجح جانب الحياة، فلما استويا من هذا الوجه قلنا بشرط الوجود وقت المحل بالاتفاق؛ لوجود

(3)

التسليم [بشرط بقائه حيًّا]

(4)

في

(5)

ذلك الوقت، فيجب أن يشترط الوجود

(6)

من وقت

(7)

العقد إلى وقت المحل؛ لتوهم وجود الموت فيما بين ذلك، ووجوب التسليم عليه في ذلك الوقت، والموهوم ههنا ملحق بالمتحقق.

ألا ترى أنه إذا أسلم في تيمان

(8)

[فيمان] رجل بعينه أو ثمر حائط رجل بعينه لم يجز؛ لتوهم هلاك ذلك القيمان

(9)

، ويوهم هلاك الثمر من حائط دون سائر الحوايط

(10)

أندر من هلاك الحي، فلما اعتبر الموهوم هناك بحيث

(11)

أن يعتبر هنا

(12)

بالطريق الأولى، كذا في المبسوط والأسرار.

أو نقول: اشتراط استمرار الوجود هنا بمنزلة النصاب، والتعليق أيضاً من حيث أن هلاك النصاب فيما بين الوقتين يبطل انعقاد السبب، وكذلك زوال المحلية في حق المرأة فيما بين الوقتين يبطل التعليق، فكذلك ههنا انقطاع الوجود فيما بين الوقتين يبطل عقد السلم فكانت المسائل كلها مطردة لا منتقضة.

ولو انقطع بعد المحل فرب السلم بالخيار إن شاء فسخ السلم وإن شاء انتظر وجوده.

فإن قلت: انقطاع السلم فيه من أيدي الناس في العجز عن تسليمه بمنزلة هلاك العين في العجز عن تسليمه، ثم لو هلك المبيع في بيع العين قبل التسليم بطل البيع، فكذلك إذا انقطع المسلم فيه من أيدي الناس وإن كان هو دينًا كما لو اشترى بفلوس شيئًا فكسدت قبل القبض يبطل العقد فكذا هنا.

قلت: هذا الذي ذكرته هو وجه

(13)

زفر في قوله: أنه يبطل العقد ويسترد رأس المال لهذا، وإنا نقول: أنه تعذر تسليم المعقود عليه بعارض على شرف الزوال فيتخير العاقد فيه، كما لو أبق المبيع قبل القبض، وهذا لأن المعقود عليه دين، وبقاء الدين ببقاء محله، ومحل الدين إنما هو الذمة، فكان المعقود عليه باقيًا ببقاء الذمة، ولكن تأخر تسليمه إلى أوان وجوده [فيه]

(14)

، وفيه تغيير شرط العقد فيثبت للعاقد الخيار بين أن يفسخ العقد ويسترد رأس المال وبين أن يصير حتى يأتي أوانه فيأخذ المسلم فيه، وبه فارق هلاك العين، فإن المعقود عليه هناك يفوت أصلًا.

(1)

في (ت): حالة.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

في (ت): لوجوب.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

في (ت): إلى.

(6)

في (ت): الوجوب.

(7)

في (ت): حين.

(8)

في (ت): ثمار.

(9)

في (ت): الثمار.

(10)

في (ت): الحوائط.

(11)

في (ت): يجب.

(12)

في (ت): ههنا.

(13)

في (ت): حجة.

(14)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

ص: 142

وكذلك الفلوس إذا كسدت، فإن العقد إنما يتناول فلوسًا هي

(1)

ثمن، وبعد الكساد لا يبقى ثمنًا أصلًا ولا يرجى رواجه، ولو رجي لا يُعلم متى يروج، بخلاف ما نحن فيه، فإن لإدراك الثمار والقدرة على التسليم أوانًا

(2)

معلومًا، فيتخير رب السلم إن شاء رضي بالتأخير، وإن شاء فسخ العقد وأخذ رأس ماله، كذا في المبسوط

(3)

.

وحاصل الفرق بين هلاك المبيع في يد البائع وبين انقطاع المسلم فيه بعد محل الأجل قبل التسليم أن المعقود عليه هلك في تلك الصورة وفي صورة السلم [فيه]

(4)

لم يهلك، بل عجز رب السلم عن تسليم المسلم فيه لعارض

(5)

معنى، وذلك لأن المعقود عليه في السلم الدين في الذمة، وهو باق لبقاء الذمة، وبه وقع الفرق.

يقال: سمك مليح ومملوح، ولا يقال: مالح إلا في لغة ردية، وهو المقدد الذي فيه ملح، كذا في المغرب

(6)

.

المملوح من ملح القدر ألقي فيها الملح، وأنشد لعذافر:

بصيرية تزوجت بصيرتا أطعمها المالح والطريا.

وكفى بذلك حجة للفقهاء، كذا بخط الإمام الزرنوخي

(7)

.

ويجوز السلم في السمك المالح، وذكر في شرح الطحاوي

(8)

: أن السلم في السمك لا يخلو إما أن يكون طريًا أو مالحًا، ولا يخلو إما أن يسلم فيه عددًا أو وزنًا، فإن أسلم فيه عددًا لا يجوز السلم فيه طريًا كان أو مالحًا؛ لأنه متفاوت، وإن

(9)

أسلم فيه وزنًا ينظر إن كان مالحًا يجوز، وإن كان طرياً إن كان العقد في حينه، ولا ينقطع فيما بين ذلك يجوز، وإلا فلا، وهذا حاصل ما ذكر في المبسوط

(10)

.

وقال: ولا خير في السلم في السمك الطري في غير حينه؛ لأنه ينقطع عن أيدي الناس، ولأنه مختلف.

ثم قال: والنكتة الأولى تدل على أنه إذا أسلم في حينه يجوز، والنكتة الثانية تمنع من ذلك.

وحاصل الجواب: أن السلم

(11)

فيه في غير حينه لا يجوز وزنًا، ولا [يجوز]

(12)

عددًا.

وفي حينه يجوز وزنًا، ولا يجوز عددًا؛ لأن فيه الصغير والكبير.

وذكر في الإيضاح

(13)

: والصحيح من المذهب أن السمك الصغار يجوز السلم فيها كيلاً ووزنًا، وفي الكبار روايتان.

(1)

في (ت): وهي.

(2)

في (ت): وقتا.

(3)

المبسوط (12/ 136).

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

في (ت): بعارض.

(6)

المغرب (1/ 445).

(7)

الجوهرة النيرة (1/ 218).

(8)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 113).

(9)

في (ت): فإن.

(10)

المبسوط (12/ 138).

(11)

في (ت): المسلم.

(12)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(13)

مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/ 99).

ص: 143

ولا خير في السلم في اللحم، أي لا يجوز على وجه المبالغة؛ لأنه لو كان فيه نوع من الخير لما وقع في موضع نفي الجنس، وهو يقتضي انتفاء الخيرية من كل وجه.

وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله، وقال ابن أبي ليلى

(1)

: لا بأس به.

وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: إذا أسلم في موضع منه معلوم وسمى صفة معلومة فهو جائز.

قيل: لا خلاف بينهما وبين أبي حنيفة رحمه الله، بل جواب أبي حنيفة رحمه الله فيما إذا أطلق السلم في اللحم، وهما لا يجوّزانه، وجوابهما فيما إذا بيّن منه موضعًا معلومًا، وأبو حنيفة يجوّز ذلك، والأصح أن الخلاف ثابت، فإن عند أبي حنيفة رحمه الله لما

(2)

يجوز السلم فيه وإن بيّن منه موضعًا معلومًا، ووجه قولهما: أنه موزون معلوم فيجوز السلم فيه كسائر الموزونات، وبيان الوصف أن الناس اعتادوا بيعه وزنًا، ويجوز استقراضه وزنًا، ويجري فيه الربا بعلة الوزن، ثم الموزون المثمن معتبر بالمكيل المثمن، ويجوز السلم فيه، وإن اشتمل على ما هو مقصود وعلى ما هو ليس بمقصود، كالتمر

(3)

فما فيه من التوى

(4)

غير مقصود، ولا يمنع ذلك جواز السلم، فكذلك

(5)

ما في اللحم من العظم، وكذلك يجوز السلم في الشحم؛ لأنه موزون، فكذلك اللحم.

ولأبي حنيفة رحمه الله طريقان: أحدهما أن اللحم يشتمل على ما هو مقصود وعلى ما ليس بمقصود وهو العظم، فيتفاوت ما هو المقصود

(6)

يتفاوت ما ليس بمقصود منه.

ألا ترى أنه يجري المماكسة بين البائع والمشتري في ذلك، فالمشتري

(7)

يطالبه بالنزع، والبائع يدسه فيه، وهذا النوع من الجهالة والمنازعة بينهما لا يرتفع ببيان الموضع وذكر الوزن.

بخلاف النوى في التمر فالمنازعة لا يجري في نزع ذلك، وكذلك العظم الذي في الإلية، وعلى هذا الطريق إذا أسلم في لحم منزوع العظم يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله، وهو اختيار محمد بن شجاع

(8)

رحمه الله.

(1)

مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أنصاري كوفي. فقيه من أصحاب الرأي. ولي القضاء 33 سنة لبني أمية، ثُمَّ لبني العباس. له أخبار مع أبي حَنِيفَةَ وغيره. مات بالكوفة 148 هـ. الجرح والتعديل (7/ 322)، الأَعْلَام للزركلي (6/ 189).

(2)

في (ت): لا.

(3)

في (ت): كالثمر.

(4)

في (ت): النوى.

(5)

في (ت): وكذا.

(6)

في (ت): بمقصود.

(7)

في (ت): والمشتري.

(8)

مُحَمَّد بن شجاع الثلجي، أبو عبد الله، البغدادي، الحنفي، من أصحاب الحسن بن زياد، فقيه أهل العراق في وقته، والمقدم في الفقه، والحديث، وقراءة القرآن. روى عن يحيى بن آدم، ووكيع، وابن عُليَّة، وقرأ على اليزيدي. له ميل إلى مذهب المعتزلة. من تصانيفه:"المناسك"، و"تصحيح الآثار"، و"النوادر"، و"كتاب المضاربة". الجواهر المضية (2/ 60)، شذرات الذهب (2/ 151).

ص: 144

والطريق الآخر أن اللحم تشتمل على السمن والهزال، ومقاصد الناس في ذلك لمختلفة

(1)

. وذلك يختلف باختلاف فصول السنة، وبقلة الكلأ وكثرة الكلأ، والسلم لا يكون إلا مؤجلاً، ولا ندري أن عند حلول الأجل على أي صفة يكون، وهذه الجهالة لا ترتفع بذكر الوصف، فكان السلم في اللحم بمنزلة السلم في الحيوان، وبه فارق الاستقراض، والقرض

(2)

لا يكون إلا حالاً، وفي الحال صفة السمن والهزال معلومة، بخلاف الشحم والإلية فالتفاوت بينهما

(3)

من حيث القلة والكثرة، وبذكر الوزن يزول ذلك، وعلى هذا الطريق منزوع العظم وغير منزوع العظم سواء، وهو الأصح، كذا في المبسوط

(4)

.

وذكر في الذخيرة

(5)

: وعلى قول أبي يوسف ومحمد إذا بين الجنس بأن قال: شاة أو بقرة، وبيّن السمن

(6)

بأن قال: جذع أو ثني، وبين النوع بأن قال: حصى

(7)

أو فحل، وبين صفة اللحم بأن قال: سمين أو مهزول، وبين الموضع بأن قال: من الجنب مثلاً، وبين القدر بأن قال: عشرة أمناء، فالجهالة تنعدم ببيان هذه الأشياء، ولو لم يجز السلم هنا

(8)

إنما لم يجز لمكان الجهالة.

ولأبي حنيفة رحمه الله وجهان:

أحدهما: أن اللحم يتفاوت باختلاف العظم؛ لأنه نقل

(9)

اللحم عند عظم العظم، ويكثر عند صغره، فكان المسلم فيه مجهولاً إلى آخره.

وقال: ولهذا يضمن بالمثل إيضاح لقوله: لأنه موزون.

بخلاف لحم الطيور؛ لأنه لا يمكن وصف موضع معلوم منه، أي من لحم الطيور؛ لأن

(10)

عضو جنس الطير قليل، ولا يشتري لحم العضو عادة.

وذكر في الذخيرة

(11)

: ولا خير في السلم في شيء من الطيور ولا في لحومها، أما في الطيور فلا يجوز؛ لأنه سلم في الحيوان.

فإن قيل: السلم في الحيوان إنما كان باطلاً لتفاوت الحيوان في نفسه تفاوتًا يعتبره الناس، ومن الطيور ما لا يتفاوت تفاوتًا يعتبره الناس كالعصفور، فكان ينبغي أن يجوز السلم فيه، كما في الجوز والبيض، فالجواب

(12)

عنه من وجهين:

أحدهما

(13)

: أن بطلان السلم في الحيوان ثابت نصاً

(14)

، والعبرة في المنصوص عليه لعين النص لا للمعنى، والنص لم يفصل بين حيوان وحيوان، وإليه أشار محمد رحمه الله حين سئل: لماذا لا يجوز السلم في الحيوان وقد ذكرناه.

(1)

في (ت): مختلفة.

(2)

في (ت): والفرق.

(3)

في (ت): فيهما.

(4)

المبسوط (12/ 136).

(5)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 80).

(6)

في (ت): السن.

(7)

في (ت): خصي.

(8)

في (ت): ههنا.

(9)

في (ت): يقل.

(10)

في (ت): ولأن.

(11)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 81).

(12)

في (ت): أجيب.

(13)

في (ت): الأول.

(14)

في (ت): بالنص.

ص: 145

والثاني: أن العصفور وإن كان من العدديات المتقاربة إلا أنه بمعنى المنقطع؛ لأنه مما لا يقتنى، ولا يحبس للتوالد، وقد يمكن أخذه، وقد لا يمكن، ولا رجحان لإمكان الأخذ على عدم الإمكان، حتى يقام مقام الموجود في أيدي الناس فيبقى العبرة للانقطاع، بخلاف السمك الطري؛ لأن إمكان الأخذ في السمك راجح

(1)

على عدم الإمكان، فيكون العبرة لإمكان الأخذ فيقام إمكان الأخذ مقام الموجود في أيدي الناس.

وأما في لحومها، أما عددًا فلا إشكال أنه لا يجوز؛ لأنه عددي متفاوت.

وأما وزنًا هل يجوز، فظاهر ما ذكر محمد يدل على أنه لا يجوز؛ لأنه أطلق إطلاقًا، فمن مشايخنا من قال: بأن

(2)

المسألة على الاختلاف لا يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما يجوز، كما لو أسلم في اللحم، ومنهم من يقول: لا يجوز عند الكل، إلا أنه حمل المذكور من لحم الطيور على طيور لا يقتنى ولا يحبس للتوالد، فيكون البطلان بسبب أنه أسلم في المنقطع فلا

(3)

يجوز بسبب الانقطاع عندهم جميعًا، وإن ذكر الوزن، فأما

(4)

فيما يقتنى ويحبس للتوالد يجوز عند الكل؛ لأن ما يقع من التفاوت في اللحم يسبب

(5)

العظم في

(6)

الطيور تفاوت لا يعتبره الناس، فإنه لا تجري المماكسة بسببه، فكان بمنزلة عظم الإلية وعظم السمك، وإلى هذا مال

(7)

شيخ الإسلام المعروف بجواهر

(8)

زاده

(9)

.

وذكر في المبسوط

(10)

: وعن أبي يوسف رحمه الله قال: ما لا يتفاوت آحاده في المالية كالعصافير ونحوها يجوز السلم في لحومها.

وقال: لا يجوز على الوجه الثاني، وهو التعليل بالسمن والهزال والتضمين بالمثل جواب عن قولهما فالمثل أعدل من القيمة؛ لأن فيه رعاية الصورة والمعنى.

وقال

(11)

: ولأن القبض يغاير

(12)

هذه النكتة؛ لأجل التفرقة بين الاستقراض والسلم، ففي الاستقراض يقبض حالاً وترتفع الجهالة بالقبض، فلا يفضي

(13)

إلى المنازعة، وأما في السلم فإن المسلم فيه إنما يعرف بالوصف، وبالوصف لا ترتفع الجهالة فيفضي إلى المنازعة، فلما لم يعرف الوصف تمام التعريف لم يكتف بالوصف في حق اللحم في السلم.

(1)

في (ت): أرجح.

(2)

في (ت): أن.

(3)

في (ت): ولا.

(4)

في (ت): وأما.

(5)

في (ت): بسبب.

(6)

في (ت): وفي.

(7)

في (ت): أشار.

(8)

في (ت): خواهر.

(9)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 82).

(10)

المبسوط (12/ 136).

(11)

في (ت): وقوله.

(12)

في (ت): تغابن.

(13)

في (ت): يؤدي.

ص: 146

ولا يجوز السلم إلا مؤجلًا.

وقال الشافعي رحمه الله: يجوز [حالاً]

(1)

؛ لإطلاق الحديث: "ورخص في السلم" إلى آخره.

قيل: ترك كل منا ومن الشافعي مذهبه، (وأن من)

(2)

مذهب الشافعي حمل المطلق على المقيد، وعندنا على عكسه، ثم مذهبنا ومذهبه يختلفان في السلم والكتابة على طريق المضادة في اشتراط الأجل، أعني إن سلم الحال لا يجوز عندنا، وعنده يجوز، وفي الكتابة على العكس، فإن الكتابة الحالة جائزة عندنا، وعنده لا يجوز

(3)

.

ثم أنه إنما ترك أصله وهو حمل المطلق على المقيد هنا فقال: لأني وجدت الأصول متعارضة، حيث وجدت البيع غير مؤجل، والكتابة مؤجلة على أصلي، كما تركت أصلي هذا في صوم كفارة اليمين؛ لأني وجدت الأصول متعارضة، فإن صوم المتعة مشروع بصفة التصرف [التفريق]، وصوم الظهار

(4)

مشروع بصفة التتابع، فتركت صوم كفارة اليمين مطلقاً على حاله إن شاء فرق كما في صوم المتعة، وإن شاء تابع كما في صوم الظهار.

وعندنا المل

(5)

بالمقيد هنا، لا على طريق حمل [المطلق على]

(6)

المقيد، بل لما ورد الإطلاق والتقييد هنا في الحكم، وهو جواز عقد السلم عند ذكر الأجل، وعدم الجواز عند تركه كان التقييد بشرط الأجل وصفاً زايدًا على الحكم المطلق، فلما تعلق الجواز بقيد الأجل لا يبقى مطلقاً حينئذ فعملنا

(7)

بالزيادة، كما عملنا

(8)

بنص التتابع في صوم كفارة اليمين عند ورود النصين بالإطلاق والتقييد فيه.

واحتج الشافعي في ذلك بالحديث: "ورخص في السلم" فقد أثبت في السلم رخصة مطلقة، واشتراط

(9)

التأجيل فيه زيادة على النص، والمعنى فيه أنه معاوضة مال بمال، فيكون الأجل فيه يرقيها لا شرطًا كالبيع والإجارة، ولأن الظاهر من حال العاقد أنه لا يلتزم تسليم ما لا يقدر على تسليمه، فكان الظاهر أنه يقدر على تسليمه، وذلك يكفي لجواز العقد، ولئن لم يكن قادراً على التسليم فيما يدخل في ملكه من رأس المال يقدر على التحصيل والتسليم، ولهذا أوجبنا تسليم رأس المال على رب السلم أولاً قبل قبض المسلم فيه، وبهذا فارق الكتابة الحالة، قال: فإني لا أجوز الكتابة الحالة، فإن العبد يخرج من

(10)

بر

(11)

مولاه غير مالك لشيء، فلا يكون قادراً على تسليم البدل، وبما يدخل في ملكه لا يقدر على التحصيل إلا بمدة، ولهذا

(12)

لا أجوزه إلا مؤجلاً.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

في (ت): فإن.

(3)

في (ت): تجوز.

(4)

الظهار لغةً: مأخوذ من الظهر، يقال ظاهر من امرأته وتظاهر منها، وهو أن يقول الرجل لامرأته أنت كظهر أمي أو نحوه، أي إذا أراد تحريمها. ينظر:(المصباح المنير في غريب الشرح الكبير 2/ 388)، (مختار الصحاح مادة: ظهر 197). واصطلاحًا: هو تشبيه زوجته، أو ما عبر به عنها، أو جزء شائع منها، بعضو يحرم نظره إليه من أعضاء محارمه، نسبًا أو رضاعًا، كأمه وابنته وأخته. ينظر:(التعريفات للجرجاني 144).

(5)

في (ت): العمل.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

في (ت): علمنا.

(8)

في (ت): علمنا.

(9)

في (ت): فاشترط.

(10)

في (ت): عن.

(11)

في (ت): يد.

(12)

في (ت): فلهذا.

ص: 147

وحجتنا فيه قوله عليه السلام: «من أسلم فيسلم

(1)

في كيل معلوم ووزن معلوم، إلى

(2)

أجل معلوم»

(3)

، فقد شرط الجواز السلم إعلام الأصل

(4)

كما في شرط إعلام القدر، والمراد بيان أن الأجل من شرائط السلم، كالرجل يقول: من أراد الصلاة فليتوضأ، إلا أن يكون المراد أنه إذا أسلم مؤجلاً ينبغي أن يكون الأجل معلومًا، بل ظاهره يحرم السلم على من أراد إلا لهذه

(5)

الأوصاف، كرجل يقول: من دخل داري فليدخل غاض البصر، ومن كلمني فليتكلم بالصواب، فتقيد السلم المطلق في حديث الرخصة بهذا، فجاء من هذا أن الأجل المعلوم شرط لجواز السلم.

ولأن النبي عليه السلام نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان

(6)

ورخص في السلم، أخبر أنه جوزه رخصة، والرخصة ما استبيح لعذر مع قيام المحرم، علم بهذا أن الحكم الأصلي في باب السلم أن لا يجوز؛ لأنه بيع ما ليس بعين و ما ليس بملك، وملك المبيع شرط لجواز العقد مع العينية.

ولأن المراد من النهي [عن]

(7)

بيع ما ليس في ملكه، ولا

(8)

بيع ما ليس بحضرته بدليل أنه إذا باع ما بحضرته قبل الملك ثم ملك

(9)

فسلم لم يجز، وإذا باع شيئاً غائباً قد رآه المشتري وهو في ملكه صح، قبلت

(10)

أن الأصل في باب السلم الفساد، وإنما أبيح رخصة، والرخصة اسم لما أبيح بعذر مع قيام المحرم تيسيراً على العباد، وكل الأعذار للعبادة في العجز، والعجز في باب السلم حاجة الفقير إلى ثمن السلعة لعسرته، والعجز بسبب المعدوم

(11)

لا يرتفع إلا بالتمليك، وذلك لا يحصل عادة إلا بزمان يكسب فيه، أو مجيء

(12)

حين الحصاد، فلم يبح لذلك إلا بالأجل؛ ليتمكن فيه من الكسب فيقدر على التسليم، فصار الأجل شرطًا لا لعينه بل للقدرة على التسليم كما قال الشافعي في الكتابة.

(1)

في (ت): فليسلم.

(2)

في (ت): و.

(3)

أخرجه البخاري في كتاب السلم- باب السلم في وزن معلوم (2241)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب السلم (1604).

(4)

في (ت): الأجل.

(5)

في (ت): بهذه.

(6)

أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 402)، وأبو داود في كتاب البيوع- باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (3503)، والترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (1232)، والنسائي في كتاب البيوع- باب بيع ما ليس عند البائع (4613)، وابن ماجه في كتاب التجارات- باب النهي عن بيع ما ليس عندك (2187)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (7206).

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

في (ت): لا.

(9)

في (ت): ملكه.

(10)

في (ت): فثبت.

(11)

في (ت): العدم.

(12)

في (ت): بمجيء.

ص: 148

إلا أنا نقول في الكتابة: أن البدل في الكتابة معقود به لا معقود عليه، والقدرة على تسليم المعقود [عليه] ليست بشرط لجواز العقد كالثمن في البيع.

فأما المسلم فيه فمعقود عليه، والقدرة على تسليم المعقود عليه شرط

(1)

لجواز العقد كما في بيع العين، ولأن الكتابة إرفاق، فالظاهر أن المولى لا يضيق عليه في المطالبة بالبدل.

وأما السلم فعقد تجارة، وهو مبني على الضيق، فالظاهر أنه يطالبه بالتسليم بمقدار عقيب العقد، وهو عاجز عن ذلك، فلهذا لم يجوّزه إلا مؤجلاً، كذا في المبسوط والأسرار

(2)

.

الحاجة نقص يرتفع بالمطلوب وينجبر به.

يقال: أفلس الرجل أي صار مفلساً

(3)

، كأنما صارت دراهمه فلوساً كما يقال: أخبث الرجل إذا صار أصحابه

(4)

خبثاً.

ويجوز أن يراد به أنه صار إلى حال يقال فيها: ليس معه فلس، كما يقال: أقهر الرجل أي صار إلى حال يقهر عليها.

والمفاليس جمع المفلس على الوجهين.

ولأنه شرع رخصة دفعًا لحاجة المفاليس، فلا بد من الأجل ليقدر على التحصيل فيه.

فإن قلت: لو كان

(5)

شرعية عقد السلم دفعًا لحاجة المفاليس لاختصت

(6)

بحالة الإفلاس وليس كذلك، ألا ترى أنه يجوز بيع الحنطة سليمًا

(7)

وعنده إكرار حنطة.

قلت: أن الشيء لا يباع سليمًا

(8)

إلا بأدنى الثمنين، والعاجز

(9)

لا يبيع إلا للربح، فدل البيع بأدنى الثمنين على أنه لا يبيع إلا للعجز

(10)

عن الربح، ولا عجز إلا بأن يجعل ما عنده مستغرقاً لحاجته، ولأن حقيقة العدم أمر باطن لا يمكن الوقوف عليه حقيقة، والشرع بنى هذه الرخصة على العدم، فيبنى على السبب الظاهر الدال على العدم؛ ليمكننا تعليق الحكم به والبيع بالخسران دليل على العدم، وهذا كما علق رخصة المسافر بالمشقة، وهي أمر باطن في الإنسان، فأقام الشرع السبب الظاهر المشير للمشقة من السفر مقام حقيقة المشقة، وإن لم يكن في السفر

(11)

مشقة أصلاً، فإن السلطان إذا تنزه من بستان إلى بستان، ومقصده مسيرة تصرفاته يترخص برخص المسافر

(12)

، وكذلك النكاح الظاهر أقيم مقام الماء الباطن في باب النسب

(13)

، ونظائره كثيرة، ولهذا المعنى وهو معنى العدم، والله أعلم.

(1)

في (ت): شرطا.

(2)

المبسوط (12/ 126).

(3)

المُفْلِس: هو من لم يبقَ له مالٌ ويقابله المَليُّ والغَنيُّ. والمُفَلَّسُ: هو المحكومُ بإفلاسه من جهة القاضي. التعريفات الفقهية (1/ 213).

(4)

في (ت): أهله.

(5)

في (ت): كانت.

(6)

في (ت): لاختص.

(7)

في (ت): سلما.

(8)

في (ت): سلما.

(9)

في (ت): التاجر.

(10)

في (ت): لعجز.

(11)

في (ت): سفره.

(12)

في (ت): المسافرين.

(13)

في (ت): السبب.

ص: 149

سمي السلم سليمًا

(1)

؛ لأن من شرط البيع أن يكون بعد الملك، وهذا البيع

(2)

قبل الملك، فكان استعجالاً للبيع عن حينه، والسلم والسلف في اللغة واحد، والسلف ينبئ عن التعجيل كالسلف من الناس وهم الذين تعجلوا

(3)

إلى الله تعالى، والعقود خصت بأسماء دالة على معانيها كالنكاح سمي به؛ لما فيه من الازدواج والضم، والصرف سمي به؛ لما فيه من تراد الإبدال في المجلس لا بد منه، والاستصناع سمي به؛ لما فيه من طلب الصناعة للعين الذي يريده، وكذلك الحوالة

(4)

والكفالة.

فإن قيل: إنما سمي عقد السلم سلمًا لما فيه من استعجال رأس المال.

قلت: أن السلم اسم للمسلم فيه دون رأس المال، فلا يكون الاسم مبيناً عما ليس بمقصود في العقد، والدليل أيضاً على أن سلم الحال لا يجوز هو أنا اتفقنا على وجوب تسليم رأس المال أولاً، فلو جاز أن يكون المسلم فيه حالاً لم يجب تسليم رأس المال أولاً؛ لأن قضية المعاوضة التسوية بين المتعاقدين في الملك والتسليم، يعني لما كان أحد البدلين وهو المسلم فيه على ما هو قول الخصم جائز التسليم في الحال، كان ينبغي أن يكون الحكم كذلك في رأس المال بأن يكون جائز التسليم لا واجب التسليم؛ لما أن مقتضى العقد التسوية، ولم يكن كذلك بل كان رأس المال واجب التسليم في حال العقد، علم بهذا أن الأجل في المسلم فيه ليس بجائز بل هو واجب، ويتضح هذا فيما إذا كان رأس المال عينًا، وأن

(5)

أول التسليمين في البدل الذي هو دين كالثمن في بيع العين، والدليل عليه أن السلم اختص بالدين مع مشاركة العين الدين فيما هو المقصود، فما كان كذلك

(6)

[إلا]

(7)

لاختصاصه بحكم يختص به الدين، وليس ذلك إلا الأجل، كذا في المبسوط والأسرار وغيرهما

(8)

.

(1)

في (ت): سلما.

(2)

في (ت): بيع.

(3)

في (ت): تعجلون.

(4)

الحوالة: قال ابن فارس: هي قولك: تحول فلان عن داره إلى مكان كذا وكذا، وكذلك الحق، تحول مال من ذمة إلى ذمة. وقال صاحب "المستوعبِ": الحَوَالة مشتقة من التَّحَوُّل؛ لأنها تنقل الحق من ذمة المحيل، إلى ذمة المحال عليه، ويقال: حال على الرجل، وأحال عليه بمعنى، نقلهما ابن القطاع. المطلع على ألفاظ المقنع لمحمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي، المحقق: محمود الأرناؤوط وياسين الخطيب، الناشر: مكتبة السوادي للتوزيع، الطبعة: الطبعة الأولى 1423 هـ - 2003 م، (1/ 299).

(5)

في (ت): فإن.

(6)

في (ت): ذلك.

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

المبسوط (12/ 126).

ص: 150

ولو كان قادرًا على التسليم لم يوجد المرخص وهو العجز عن التسليم، يعني لو كان قادرًا على تسليم المسلم فيه، ومع ذلك باع سلمًا بأن

(1)

باع وهو معدوم لا يجوز؛ لوجود النافي، وهو القياس؛ لأن القياس يبقي السلم؛ لأنه بيع المعدوم، أو النافي هو ما روي عن النبي عليه السلام: أنه نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان

(2)

، وهو معنى قوله: فبقي على وهو من النفي، لا الباقي

(3)

من البقاء

(4)

.

وقيل: ثلاثة أيام، وهو ما ذكره أحمد بن أبي عمران البغدادي

(5)

أستاذ الطحاوي -رحمهما الله- عن أصحابنا اعتبارًا للأجل بالخيار الذي ورد الشرع فيه بالتقدير ثلاثة أيام.

وقيل: أكثر من نصف يوم؛ لأن المعجل ما كان مقبوضًا في المجلس، والمؤجل ما يتأخر قبضه عن المجلس، ولا يبقى المجلس بينهما في العادة أكثر من نصف يوم.

ومن مشايخنا من يقول: أدنى الأجل شهر؛ استدلالًا بمسألة كتاب الأيمان إذا حلف المديون ليقضين حقه عاجلًا، فقضاه قبل تمام الشهر برَّ في يمينه، فإذا كان ما دون الشهر في حكم العاجل كان الشهر وما فوقه في حكم الأجل، كذا في المبسوط

(6)

.

وذكر في الذخيرة

(7)

: وعن أبي الحسن الكرخي رحمه الله أنه ينظر إلى مقدار المسلم فيه وإلى عرف الناس في تأجيل مثله، فإن كان قدر

(8)

ما أجل أجلاً يؤجّل بمثله

(9)

في العرف والعادة يجوز السلم، وما لا فلا.

(1)

في (ت): فإن.

(2)

أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 402)، وأبو داود في كتاب البيوع- باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (3503)، والترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (1232)، والنسائي في كتاب البيوع- باب بيع ما ليس عند البائع (4613)، وابن ماجه في كتاب التجارات- باب النهي عن بيع ما ليس عندك (2187)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (7206).

(3)

في (ت): النافي.

(4)

في (ت): النفي.

(5)

أحمد بن أبي عمران موسى بن عيسى. أبو جعفر البغدادي الحنفي الفقيه. أحد المشاهير. نزل مصر، وحدث بها عن: عاصم بن علي، ومحمد بن عبد الله بن سماعة، وسعيد بن سليمان سعدويه، وطائفة. وعليه تفقه: أبو جعفر الطحاوي؛ وكان قد قدم مصر على قضائها. وذهب بصره بأخرة. وكان أحد الموصوفين بالحفظ. روى حديثا كثيرا من حفظه. وتوفي بمصر سنة 280. تاريخ الإسلام (6/ 503).

(6)

المبسوط (12/ 127).

(7)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 70).

(8)

في (ت): قدره.

(9)

في (ت): مثله.

ص: 151

ثم قال: وعن محمد رحمه الله أنه قد

(1)

راد

(2)

الشهر

(3)

فصاعدًا وعليه الفتوى؛ لأنه يتأخر فيه التسليم، فربما يضيع فيؤدي إلى المنازعة، حتى أنه لو اشترى بذلك إلا يدًا بيد فلا بأس به؛ لأن في المعيّن يجوز البيع مجازفة، فبمكيال غير معروف أولى، وهذا لأن التسليم عقيب العقد، والقدرة على التسليم في الحال ثابتة؛ لقيام المكيال الذي عينه.

وقد مر من قبل، أي في أول كتاب البيوع.

الكيس ابناشتن من حد ضرب والانكباس ابناشته شدن.

الزبيل معروف، فإذا كسوته

(4)

يقتلان

(5)

.

قلت: أبيل وزنبيل؛ لأنه قيس

(6)

في الكلام فعليل بالفتح، كذا في الصحاح

(7)

.

أرأيت، أي أخبرني، ثم قال النبي عليه السلام:«بم يستحل أحدكم»

(8)

، وهذا بيان من النبي عليه السلام بطريق [التعليل]

(9)

لعدم الجواز (في ثمرة)

(10)

قرية بعينها [أو ثمرة محله إلى آخره]

(11)

.

وقال: مال أخيه أراد به رأس المال، أي لو لم تحصل الثمرة فبأي طريق يحل رأس المال للمسلم إليه.

ولو كانت النسبة إلى قرية لبيان الصفة لا على شرط القرية المعينة، بل على بيان أن صفة تلك الحنطة التي هي المسلم فيه مثل صفة حنطة تلك القرية المعيّنة كالحشمراني ببخارى يجوز عقد السلم، فإن تعيين الحشمراني لا باعتبار أن يكون الحنطة من الحشمران لا غير، بل باعتبار أن صفة الحنطة مثلاً بمثل صفة حنطة الحشمران.

وذكر في المبسوط

(12)

: وإذا أسلم في حنطة من حنطة هراة

(13)

خاصة، وهي تنقطع عن أيدي الناس فلا خير فيه، كما لو أسلم في طعام فراح عيّنه، قيل: لم يرد بهذا هراة خراسان، وإنما مراده قرية في الفرات تسمى هراة، وطعام تلك القرية

(14)

يتوهم أن يصيبها

(15)

آفة، أما هراة خراسان فلا يتوهم انقطاع طعامه، فهو والسلم

(16)

في طعام العراق والشام سواء.

(1)

في (ت): قدر.

(2)

في (ت): أدناه.

(3)

في (ت): بالشهر.

(4)

في (ت): كسرته.

(5)

في (ت): سددت.

(6)

في (ت): ليس.

(7)

الزبيل معروف، فإذا كسرته شددت فقلت زبيل أو زنبيل يصنع من جريد النخل. الصِّحَاح (4/ 1715).

(8)

أخرجه البخاري في كتاب الزكاة _ باب من باع ثماره، أو نخله، أو أرضه، أو زرعه، وقد وجب فيه العشر أو الصدقة، فأدى الزكاة من غيره، أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة (1487)، ومسلم في كتاب المساقاة _ باب وضع الجوائح (1554).

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(10)

في (ت): قال ولا في طعام.

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(12)

المبسوط (12/ 175).

(13)

هَرَاةُ: بالفتح: مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان لم أر بخراسان عند كوني بها في سنة 607 مدينة أجلّ ولا أعظم ولا أفخم ولا أحسن ولا أكثر أهلا منها، فيها بساتين كثيرة ومياه غزيرة وخيرات كثيرة محشوّة بالعلماء ومملوّة بأهل الفضل والثراء، وقد أصابها عين الزمان ونكبتها طوارق الحدثان وجاءها الكفّار من التتر فخربوها حتى أدخلوها في خبر كان، فإنّا لله وإنا إليه راجعون، وذلك في سنة 618. معجم البلدان (5/ 396).

(14)

في (ت): القرات.

(15)

في (ت): تصيبها.

(16)

في (ت): والمسلم فيه.

ص: 152

وإذا أسلم في ثوب هروي فلا بأس به، من أصحابنا من يقول بأن الثوب الهروي لا يتوهم انقطاعه بخلاف الطعام، فالجراد قد يستأصل طعام هراة، ولا يستأصل حوكه هراة، وهذا ضعيف، قالوا: قد يستأجل

(1)

حوكة هراة، ولكن المعنى الصحيح في [الطعام]

(2)

الفرق أن نسبة الثوب إلى هراة لبيان جنس المسلم فيه، لا لتعيين المكان، فإن الثوب الهروي ما ينسج على صفة معلومة، فسواء نسج على تلك الصفة بهراة أو بغير هراة يسمى هرويًا بمنزلة الزندنيجي والوداري، فقال: وإلى هذا أشار في الكتاب، فقال: الثوب الهروي من الثياب بمنزلة الحنطة من الحبوب، يعني بهذا بيان الجنس بخلاف الحنطة، وأن

(3)

حنطة هراة ما ينبت بأرض هراة حتى أن النابت في موضع آخر لا ينسب إلى هراة، وإن كان تلك

(4)

الصفة فكان هذا تعيينًا للمكان وذلك يتوهم انقطاعه.

قال مشايخنا: إن نسب الطعام إلى موضع يعلم أن مراده بذلك بيان الصفة فذلك لا يفسد السلم أيضاً كالحشمراني ببخارى، فإنه يذكر ذلك لبيان جودة الحنطة، ولا يختص له ما ينبت بتلك القرية، فكأنه قال: في حنطة جيدة.

وقع في الأصل: والثوب الهروي لا يصنع بغير تلك البلاد، وهو غلط، بل الصحيح أن الثوب الهروي يصنع في غير تلك البلاد على ما بيّنا أنه اسم منسوج بصفة فسمى به، وأن نسج بغير هراة.

النجسي خلاف السقي منسوب إلى النجس وهي الأرض التي يسقيها السماء؛ لأنها منجوسة الحظ من الماء.

ثم بمكيال معروف، أي معروف المقدار.

والأصل فيه ما روينا، وهو قوله عليه السلام:«من أسلم منكم»

(5)

إلى آخره.

والفقه فيه ما بينا وهو قوله: ولأن الجهالة فيه مفضية إلى المنازعة.

ومعروفة

(6)

مقدار رأس المال إذا كان يتعلق العقد على مقداره كالمكيل.

وإنما قيد بهذا احترازًا عن ما لا يتعلق عقد السلم بمقداره

(7)

كالمذروعات؛ لأن الذُرعان في الثوب المعين صفة، ولهذا لو اشترى ثوبًا على أنه عشرة أذرع فوجده أحد عشر ذراعًا يسلم له الزيادة، ولو وجده تسعة أذرع لا يحط عنه شيء من الثمن، والمسلم فيه لا ينقسم على عدد الذرعان ليشترط إعلامه، بخلاف ما إذا كان رأس المال هو

(8)

المكيلات والموزونات، فإن إعلامه شرط عند أبي حنيفة رحمه الله، وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقول الفقيه من الصحابة مقدم على القياس.

(1)

في (ت): يستأصل.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

في (ت): فإن.

(4)

في (ت): بتلك.

(5)

أخرجه البخاري في كتاب السلم- باب السلم في وزن معلوم (2241)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب السلم (1604).

(6)

في (ت): ومعرفة.

(7)

في (ت): بمقدار.

(8)

في (ت): من.

ص: 153

والمعنى فيه أن هذا مقدر

(1)

يتناوله عقد السلم فلا بد من إعلام قدره كالمسلم فيه.

وتحقيقه أن جهالة قدر رأس المال يؤدي إلى جهالة المسلم فيه؛ لأن المسلم إليه ينفق رأس السلم

(2)

شيئًا فشيئًا، وربما يجد بعض ذلك زيوفاً فيرده، فلا

(3)

يستبدله في مجلس الرد، فيبطل العقد بقدر ما رده، فإذا لم يكن مقدار رأس المال معلومًا لا يعلم في كم انتقص السلم وفي كم بقي، وإذا كان مقدار رأس المال معلومًا يوزن المردود فيعلم به في كم انتقص العقد، وما يؤدي إلى جهالة المسلم فيه يجب الاحتراز عنه، وإن كان ذلك موهومًا، ألا ترى أنه لو أسلم في مكيل بمكيال رجل بعينه لا يجوز العقد؛ لأنه يتوهم هلاك ذلك المكيال، وهو مخالف لغيره من المكاييل، فإذا هلك صار مقدار المسلم فيه مجهولاً، فكذلك ههنا يجب التحرز عن هذه الجهالة بإعلام مقدار رأس المال، بخلاف ما إذا كان رأس المال ثوباً؛ لأن الذرعان في الثوب المعين صفة فلا يتعلق عقد السلم بمقداره إلى آخر ما ذكرنا

(4)

، كذا في المبسوط

(5)

.

إذا كان له حمل ومؤنة، الحمل بالفتح مصدر حمل الشيء، ومنه ما له حمل ومؤنة، يعنون ما له نقل يحتاج في حمله إلى ظهر أو أجرة حمال، وبيانه في لفظ الأصل مال

(6)

مؤنة في الحمل، كذا في المغرب

(7)

.

وإنما قيد بهذا؛ لأنه إذا لم يكن له حمل ومؤنة فلا خلاف أن بيان مكان الإيفاء وليس

(8)

بشرط.

ولكن عند أبي يوسف ومحمد [رحمهما الله]

(9)

في أظهر الروايتين: يجب تسليمه في مكان العقد؛ لأنه موضع الالتزام.

وفي رواية أخرى عنهما: أنه يسلم إليه حيث ما لقيه

(10)

، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله سواء بيّنا

(11)

المكان أو لم يبيّنا

(12)

؛ لأن الشرط الذي ليس بمفيد

(13)

لا يكون معتبرًا، والمالية فيما لا حمل له ولا مؤنة لا

(14)

يختلف باختلاف الأمكنة، إنما نختلف

(15)

لعزة

(16)

الوجود وكثرة الوجود، وأما فيما له حمل ومؤنة

(17)

فيختلف ماليته باختلاف المكان، وأن

(18)

الحنطة والحطب موجود في المصر والسوار

(19)

جميعًا، ثم يشتري في المصر بأكثر ما يشتري به في السواد

(20)

، وما كان ذلك إلا لاختلاف المكان، كذا في المبسوط

(21)

.

(1)

في (ت): معيار.

(2)

في (ت): المال.

(3)

في (ت): ولا.

(4)

في (ت): ذكر.

(5)

المبسوط (12/ 129).

(6)

في (ت): ماله.

(7)

المغرب (1/ 182).

(8)

في (ت): ليس.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(10)

في (ع): يصيبه.

(11)

في (ع): عينا.

(12)

في (ع): يعينا.

(13)

في (ع): بمقيد.

(14)

في (ع): ولا.

(15)

في (ع): يختلف.

(16)

في (ع): بغيره.

(17)

في (ع): مؤنة.

(18)

في (ع): فإن.

(19)

في (ع): والسواد.

(20)

السَّواد: القُرى. التعريفات الفقهية (1/ 117).

(21)

المبسوط (12/ 128).

ص: 154

فهاتان مسألتان، أي لاختلاف

(1)

بين أبي حنيفة وصاحبيه في هاتين المسألتين.

وإنما ذكر هذا؛ ليبين أن كل واحدة

(2)

من المسألتين يحتاج إلى إقامة الدليل من الطرفين بطريق الاستبداد.

فأشبه الثمن والأجرة، يعني إذا جعل المكيل أو الموزون ثمن

(3)

المبيع أو الأجرة في الاستئجار، وأشار إليهما ولا يعرف مقدارهما يجوز بالإشارة، فكذا ينبغي أن يكتفى

(4)

بالإشارة في رأس المال.

قلنا: ما ذكرناه من [أن]

(5)

انفساخ عقد السلم على تقدير الرد، وعدم الاستبدال في مجلس الرد لا يلزم ههنا، فإن البيع أو عقد الإجارة لا ينفسخ برد الثمن، وترك الاستبدال في مجلس الرد، وكذلك الأجرة، فافترقا [من هذا]

(6)

الوجه.

وصار كالثوب، أي إذا جعل الثوب رأس مال السلم يجوز وإن لم يبين ذرعانه

(7)

، فلو لم يعلم قدره لا يدري في كم بقي.

فإن قيل: في هذا اعتبار لشبهة

(8)

شبهة [وجه]

(9)

الشبهة أو أكثر، وذلك لأن وجود بعض رأس

(10)

المال زيوفاً فيه شبهة واحتمال؛ لأنه يحتمل أن لا يجد زيفاً وهو

(11)

الظاهر، وبعد الوجود الرد محتمل، وبعد [الوجود والرد محتمل، وبعد الرد] ترك الاستبدال في مجلس الرد محتمل، فالمعتبر هو شبهة الشبهة دون النازل عنها.

قلنا: هذه

(12)

شبهة

(13)

واحدة؛ لأن كلاً منها مبني على وجوده زيفاً فكانت

(14)

شبهة واحدة؛ [لأن كلاً منهما]

(15)

فيعتبر.

والموهوم في هذا العقد كالمتحقق كما ذكرنا من عدم جواز عقد السلم في المكيل بمكيال

(16)

رجل بعينه لوهم الهلاك.

ومن فروعه، أي من

(17)

فروع الاختلاف في معرفة مقدار رأس المال: إذا أسلم في جنسين [إلى أن قال: أو أسلم جنسين]

(18)

.

فصورتهما جميعًا مذكورتان في المبسوط

(19)

:

(1)

في (ع): الاختلاف.

(2)

في (ع): واحد.

(3)

في (ع): بثمن.

(4)

في (ع): يكفي.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(7)

في (ع): ورعاية.

(8)

في (ع): بشبهة.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(10)

في (ع): الرأس.

(11)

في (ع): هو.

(12)

في (ع): هذا.

(13)

في (ع): الشبهة.

(14)

في (ع): وكانت.

(15)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(16)

في (ع): فيكال.

(17)

في (ع): ومن.

(18)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(19)

المبسوط (12/ 143).

ص: 155

أما الأولى: فهي ما إذا أسلم الرجل مائة درهم في كر [حنطة وكر شعير]، ولم يبين رأس مال

(1)

كل واحد منهما فلا خير فيه عند أبي حنيفة رحمه الله

(2)

-، وهذا بناء على (ما بينا أن)

(3)

إعلام قدر رأس المال فيما يتعلق العقد على قدره شرط عنده، وههنا

(4)

المائة

(5)

التي ينقسم على الحنطة والشعير باعتبار القيمة، وطريق معرفة الحزر، فلا يكون مقدار رأس المال لكل

(6)

واحد منهما معلومًا، وعندهما الإشارة إلى العين يكفي لجواز العقد، وقد وجدت.

وأما الثانية: فهي ما إذا أسلم دراهم ودنانير في طعام، وقد علم وزن أحدهما ولم يعلم وزن الآخر، فلا خير فيه عند أبي حنيفة – رحمه الله

(7)

-، وجائز عندهما؛ لأن إعلام قدر رأس المال عندهما ليست

(8)

بشرط، فالإشارة إلى العين يكفي، وعند أبي حنيفة رحمه الله

(9)

- إعلام القدر فيما يتعلق العقد بقدره شرط، وإذا لم يعلم وزن أحدهما بطل العقد في حصته؛ لانعدام شرط الجواز، فيبطل في حصة الآخر أيضاً؛ لاتحاد الصفقة، أو لجهالة حصة الآخر، والسلم في المجهول لا يصح ابتداءً.

ولهما في الثانية، أي في المسألة الثانية، وهي بيان [أن]

(10)

مكان التسليم لا يحتاج إليه عندهما، أن إمكان

(11)

العقد يتعين لوجود العقد الموجب لتسليم

(12)

فيه؛ لأن السبب الموجب لتسليم

(13)

وهو العقد وجد فيه، كما في بيع العين، وأن

(14)

من باع حنطة بعينها بسواد يجب تسليمها في موضع الحنطة؛ لأنه ملكها في ذلك الموضع، ولأن أحد البدلين وهو رأس المال يجب تسليمه في موضع العقد، فكذلك البدل الآخر؛ لأن العقد في حكم

(15)

مكان التسليم مطلق

(16)

فيقتضي المساواة بين البدلين.

فإن قيل: لو تعيّن مكان العقد لبطل ببيان مكان آخر، كما في بيع العين فإنه لو اشترى كر حنطة، وشرط على البائع الحمل إلى هذا

(17)

فإن البيع يفسد، سواء اشتراه في المصر أو خارج المصر، [أو]

(18)

اشتراه بجنسه أو بخلاف جنسه، والمسألة في الذخيرة

(19)

.

(1)

في (ع): المال.

(2)

في (ع): رضي الله عنه.

(3)

في (ع): بيان.

(4)

في (ع): ههنا.

(5)

في (ع): المالية.

(6)

في (ع): بكل.

(7)

في (ع): رضي الله عنه.

(8)

في (ع): ليس.

(9)

في (ع): رضي الله عنه.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(11)

في (ع): مكان.

(12)

في (ع): للتسليم.

(13)

في (ع): للتسليم.

(14)

في (ع): فإن.

(15)

في (ع): الحكم.

(16)

في (ع): مطلقا.

(17)

في (ع): منزله.

(18)

ما بين المعقوفين زيادة من (ع).

(19)

البناية شرح الهداية (8/ 350).

ص: 156

قلنا: لما عين مكاناً آخر بالنص صار أولى من مكان العقد الذي كنا نعينه بدلالة

(1)

السلب

(2)

الموجب للتسليم من غير نص، غير أن هذا

(3)

الشرط يفسد بيع العين؛ لأن المشتري يملك العين بالشرى، وإذا

(4)

شرط عليه حملاً زايدًا فقد اشترط عليه عملاً في ملكه مع ما اشترى العين منه، ثم سمى الثمن بإزاء ذلك كله صار ما يقابل الحمل إجارة، فيصير صفقة في صفقة فيبطل بالشرط الفاسد، ورب السلم لا يملك عينًا قبل القبض، فيكون النقل إلى مكان آخر

(5)

عملاً من البائع في مال نفسه، فلا يصير مؤاجراً لغيره

(6)

، فلا يصير هذا الشرط صفقة في ص، فقة فلا يصير فاسدًا، كذا في المبسوط والأسرار

(7)

.

وذكر في الفوائد الظهيرية

(8)

: فإن قيل: لم قلتم بأن في بيع العين متعين

(9)

مكان البيع مكاناً للتسليم، والدليل على أنه لا يتعين ما يروى عن محمد رحمه الله في رجل باع طعاماً، والطعام في السواد، وإن

(10)

كان المشتري يعلم مكان الطعام فلا خيار له، وإن كان لا يعلم فله الخيار، ولو تعين مكان البيع مكاناً للتسليم لما كان له الخيار.

ثم قيل: إنما يجوز البيع إذا كانت خواني

(11)

الحنطة في بيت واحد، فإن كانت في مصر وسواد فالبيع فاسد؛ لإفضائه إلى المنازعة؛ لأن المشتري يطالبه بالتسليم في أقرب الأماكن

(12)

، والبائع (يسلمه إليه في أبعد الأماكن)

(13)

.

وهذا كله دليل على أن مكان البيع لا يتعين مكاناً للتسليم في بيع [العين]

(14)

.

قلنا: مكان البيع يتعين مكاناً بالتسليم

(15)

إذا كان المبيع حاضراً، والمبيع في السلم حاضر؛ لأنه في ذمة المسلم إليه، والمسلم إليه حاضر في مكان العقد، فيكون المبيع حاضراً بحضوره، وفي بيع العين إذا كان المبيع حاضراً في مكان البيع يستحق تسليمه فيه، وإن كان غائباً يستحق تسليمه في مكانه الذي استحق تسليم الثمن، ثم في السلم يستحق تسليم رأس المال في مكان العقد فيستحق تسليم ما يقابله في ذلك المكان أيضاً تسوية بينهما بقدر الوسع والإمكان.

(1)

في (ع): دلالة.

(2)

في (ع): السبب.

(3)

في (ع): لهذا.

(4)

في (ع): فإذا.

(5)

في (ت): لآخر.

(6)

في (ت): العين.

(7)

المبسوط (23/ 19).

(8)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/ 176).

(9)

في (ت): يتعين.

(10)

في (ت): فإن.

(11)

في (ت): حوالق.

(12)

في (ت): المواضع.

(13)

في (ت): على عكسه.

(14)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(15)

في (ت): للتسليم.

ص: 157

فيصير نظير (أو لا وقال)

(1)

الإمكان، يعني أن الجزء الأول يتعين لنفس الوجوب بعدم مزاحمة الآخر، وإن لم يتعين لوجوب الأداء، والجمع بينهما من حيث عدم مزاحمة الآخر كالقرض والغصب، أي يتعين مكان القرض والغصب للتسليم.

ولأبي حنيفة رحمه الله: أن التسليم غير واجب (في الحال، أي)

(2)

في السلم، فلا يتعين.

بخلاف (القرض والغصب)

(3)

، وذلك لأن موضع الالتزام إنما يتعين للتسليم بسبب يستحق به التسليم بنفس الالتزام، كالقرض والغصب، والاستهلاك والسلم لا يجوز إلا مؤجلاً، فعرفنا أنه لا يستحق التسليم عقيب العقد فيه بحال، وإنما استحقاق التسليم عند حلول الأجل، وعند ذلك لا يدري أنه في أي مكان يكون.

ثم قال: أرأيت لو عقد عقد السلم في السفينة في لجة البحر أكان يتعين في موضع العقد للتسليم عند حلول الأجل، هذا مما لا يقوله عاقل.

والدليل عليه أن مكان العقد لو تعين (لتسليم المسلم)

(4)

فيه لم يجز تغييره بالشرط لمكان

(5)

المبيع

(6)

في بيع العين، فإنه لو باع [فإنه لو باع]

(7)

حنطة في السواد بشرط أن يسلمها في المصر لا يجوز العقد، ولما جاز ههنا لبيان

(8)

مكان الإيفاء عرفنا أن موضع العقد غير متعين، وصار

(9)

كجهالة الصفة.

يعني [أن]

(10)

باختلاف الصفة تختلف القيم، فكذلك باختلاف الأمكنة تختلف القيم.

وعن هذا، أي وعن اختلاف القيم باختلاف المكان، أن الاختلاف فيه، أي في المكان يوجب التخالف كما في الصفة، أي الاختلاف في صفة الثمن، أو

(11)

المثمن يوجب التخالف بأن اختلفا في جودته ورداته.

وقال في الكتاب في باب التخالف من كتاب الدعوى والاختلاف

(12)

: في وصف الشيء

(13)

وجنسه بمنزلة الاختلاف في القدر في جريان التحالف، وقيل على عكسه، أي لا يوجب التخالف عنده، وعندهما يوجب؛ لأن تعيين

(14)

المكان عندهما لما ثبت بمجرد وجود العقد فيه كان من جملة قضية العقد، والاختلاف فههنا

(15)

يوجب التخالف بالإجماع، فيجب أن يكون ههنا كذلك، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعين المكان لما لم يكن من مقتضيات العقد صار بمنزلة الأجل، والاختلاف فيه لا يوجب التخالف فكذا هنا.

(1)

في (ت): أوقات أول أوقات.

(2)

في (ت): للحال.

(3)

في (ت): الغصب والقرض.

(4)

في (ت): التسليم.

(5)

في (ت): كمكان.

(6)

في (ت): البيع.

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

في (ت): بيان.

(9)

في (ت): فصار.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

في (ت): و.

(12)

فتح القدير (7/ 95).

(13)

في (ت): الثمن.

(14)

في (ت): تعين.

(15)

في (ت): فيها.

ص: 158

وعلى هذا الخلاف الثمن والأجرة والقسمة، أي هل يشترط بيان مكان إيفاء الثمن إذا كان له حمل ومؤنة في ثمن بيع العين أم لا؟

فعند أبي حنيفة رحمه الله يشترط، حتى لو لم يبينا مكان إيفاء الثمن ليفسد

(1)

البيع عنده، وعندهما لا يفسد، وذكر الإمام قاضي خان وكذا أيضاً في المبسوط

(2)

: وكل شيء أسلم فيه وله حمل ومؤنة، ولم يبين المكان الذي يوفيه فيه فهو فاسد، وما ليس له حمل و [لا]

(3)

مؤنة، ولم يسم المكان فهو جائز، ويوفيه

(4)

في المكان الذي أسلم فيه، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: وكذلك ما له حمل ومؤنة يجوز السلم فيه، فإن هنا

(5)

المكان تعين ذلك المكان، وهو قول أبي حنيفة الأول، وهذا الاختلاف في فصول أربعة:

أحدها: السلم وهو الذي ذكرناه، والثاني: إذا باع عبدًا بحنطة موصوفة في الذمة إلى أجل، يشترط بيان مكان الإيفاء لجواز العقد عند أبي حنيفة، وعندهما لا يشترط بيان مكان الإيفاء، ومن المشايخ من قال في ثمن المبيع: لا يشترط البيان عند الكل، والصحيح أنه على الخلاف؛ لأن الثمن في البياعات كالأجرة في الإجارات، والثالث: إذا استأجر داراً بما له حمل ومؤنة دينًا في ذمته، وعند

(6)

أبي حنيفة رحمه الله يشترط بيان مكان الإيفاء، وعندهما يتعين موضع الدار (للإيفاء لا موضع العقد)

(7)

، والرابع: إذا اقتسما داراً بينهما واحد أحدهما زيادة على نصيبه، وشرط على نفسه مكيلاً أو موزونًا دينًا في الذمة له حمل ومؤنة، عند أبي حنيفة رحمه الله يشترط بيان مكان الإيفاء، وعندهما لا يشترط.

ومكان تسليم الدابة للإيفاء، يعني إذا استأجر الدابة وجعل أجرتها مقداراً من الحنطة [يجب]

(8)

إيفاء الحنطة في الموضع الذي سلم الآجر الدابة إلى المستأجر، وما لم يكن له حمل ومؤنة (مثل الزعفران)

(9)

وصغار اللؤلؤ، قيل

(10)

: لا يتعين؛ لأنه لا يفيد؛ لأنه لا يلزمه نقله مؤنة، ولا تختلف ماليته باختلاف الأمكنة كبقعة واحدة فيما ذكرنا، وهو أنه لا تختلف قيمته باختلاف المحلة، وعن هذا قالوا: من دفع ماله مضاربة إلى رجل ليعمل بالكوفة، وله

(11)

أن يعمل به في أي مكان، وفي أي محلة كانت بالكوفة، وكذلك لو استأجر دابة ليعمل عليها بالكوفة فالإجارة جائزة.

(1)

في (ت): يفسد.

(2)

المبسوط (14/ 38).

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): يوفيه.

(5)

في (ت): بينا.

(6)

في (ت): عند.

(7)

في (ت): لإيفاء الأجرة.

(8)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(9)

في (ت): كالزعفران.

(10)

في (ت): وقيل.

(11)

في (ت): فله.

ص: 159

ولا يصح السلم حتى يقبض رأس المال، أي لا يبقى صحيحًا بعد وقوعه على الصحة إذا لم يوجد قبض رأس المال في مكان العقد قبل أن يفارقه، أي قبل أن يفارق كل واحد من المتعاقدين عن الآخر بدناً لا مكانًا، حتى لو مشى العاقدان فرسخًا

(1)

بعد العقد ولم يقبض المسلم إليه رأس المال، لا يبطل العقد إذا لم يوجد مفارقة أحدهما من الآخر قبل القبض، بل لو مشيا فرسخًا ثم سلم قبل أن يفارقه صح التسليم

(2)

، كذا في المبسوط

(3)

[وغيره]

(4)

.

كلأ الدين كلوا، أي تأخر من حد منع، ومنه: نهى النبي عليه السلام عن الكالئ بالكالئ

(5)

. وذكر في المبسوط

(6)

: وأما تعجيل رأس المال فنقول: إذا كان رأس المال دراهم أو دنانير يكون التعجيل شرطًا قياساً واستحسانًا؛ لأن الدراهم والدنانير لا يتعينا

(7)

في العقود، فيكون هذا بيع الدين بالدين، وذلك لا يجوز؛ لنهي النبي عليه السلام عن بيع الكالي بالكالي

(8)

، أي

(9)

النسيئة بالنسيئة.

فأما إذا كان رأس المال عروضاً فهل يكون التعجيل شرطاً؟ القياس أن لا يكون شرطًا، وفي الاستحسان يكون شرطًا، وجه القياس أن العروض سلعة تتعين في العقود، بخلاف الدراهم، فلو لم يشترط التعجيل لما يؤدي إلى بيع الدين بالدين، وجه الاستحسان أن السلم أحد

(10)

عاجل بأجل، والمسلم فيه أجل

(11)

، فوجب أن يكون رأس المال عاجلاً ليكون حكمه ثابتًا على ما يقتضيه الاسم لغة، كالصرف والحوالة والكفالة، فإن هذه العقود تثبت أحكامها بمقتضيات أساميها

(12)

لغة.

قوله: وإن كان عينًا فهو كالثوب والحيوان، وهذا الذي ذكرنا هو مذهبنا، وقال مالك رحمه الله: يجوز عقد السلم وإن لم يقبض رأس المال يومًا أو يومين، بعد أن لا يكون مؤجلاً بمنزلة الثمن في البيع، فإنه لا يشترط قبضه في المجلس، إلا أن يكون حالاً؛ لأن ما يقابله مؤجل، والنسيئة بالنسيئة حرام، ولا ينعدم صفة الحلول بترك القبض فيه يومًا أو يومين

(13)

.

(1)

الْفَرسخ: ثلاثة أميالٍ هاشميةٍ، والطولي منه اثنا عشر ألفَ ذراع، والسطحيّ منه هو مربع الطولي، والجسميّ منه هو مكعَّب الطولي. التعريفات الفقهية (1/ 163).

(2)

في (ت): السلم.

(3)

المبسوط (12/ 128).

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

أخرجه الحاكم (2342)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وقال الذهبي: على شرط مسلم.

(6)

المبسوط (12/ 127).

(7)

في (ت): لا يتعينان.

(8)

تقدم.

(9)

في (ت): يعني بيع.

(10)

في (ت): أخذ.

(11)

في (ت): آجل.

(12)

في (ت): أسمائها.

(13)

المقدمات الممهدات (2/ 29).

ص: 160

ولكنا نقول: السلم أخذ عاجل بآجل، فيشترط كون أحد البدلين فيه معجلاً، كما يشترط أن يكون الآخر مؤجلاً؛ ليتوفر على هذا العقد مقتضاه، والتعجيل إنما يحصل بالقبض في المجلس، فكان ينبغي (أن يشترط)

(1)

اقتران القبض بالعقد، فإنه أتم ما يكون من التعجيل، ولكن الشرع جعل ساعات المجلس كحالة العقد؛ تيسيراً كما في عقد الصرف.

لينقلب المسلم إليه فيه فيقدر على التسليم، أي اشترط

(2)

قبض رأس المال في المجلس لينصرف المسلم إليه في رأس المال، فيقدر المسلم إليه على تسليم المسلم فيه.

ولهذا قلنا: إيضاح لاشتراط القبض المستفاد من قوله: ولأنه لا بد من تسليم رأس المال إذا كان فيه، أي في السلم؛ لأنه، أي لأن خيار الشرط يمنع تمام القبض؛ لأن الخيار يمنع الملك فيمنع صحة تمام القبض، وأنه

(3)

شرط بالإجماع.

لكونه مانعًا من الانعقاد في حق الحكم، أي لكون خيار الشرط مانعًا من انعقاد العقد في حق الحكم، وهو ثبوت الملك، فيكون مانعًا لما هو مبني على الملك، وهو القبض.

وهذا بخلاف الاستحقاق، فإن رأس المال إذا وجد مستحقاً لم يمنع الاستحقاق تمام القبض، حتى لو افترق

(4)

بعد القبض ثم أجاز المالك صح العقد، وإن كان الاستحقاق يمنع الملك؛ لأن امتناع الملك ليس بقضية السبب، فإن السبب وجد مطلقاً لا مانع فيه، وإنما امتناع الملك لتعلق حق ثالث، فإذا أجاز المالك التحقت الإجازة بحالة العقد، وبقاء حقه قبل الإجازة لا يمنع صحة القبض الذي يتم به العقد، كما لا يمنع عن

(5)

انعقاد العقد عليه، أما خيار الشرط فيعدم الملك، ويجعل العقد في حق الحكم كالمتعلق بشرط سقوط الخيار، فكان تأثيره أكثر من تأثير عدم القبض، وعدم قبض رأس المال في المجلس مبطل للسلم، فاشتراط الخيار فيه أولى.

وهذا لأن القبض حكم العقد، وقد صار العقد بشرط الخيار في حق الحكم كالمتعلق، والمعلّق بالشرط معدوم قبله، وعن هذا قلنا أن إعتاق المشتري لا يتوقف، أي لا يصح أصلاً إذا كان في البيع خيار للبائع، وإعتاق المشتري من الفضولي يتوقف.

وبهذا يتبين أن القبض لا يتم بخيار الشرط، فالافتراق

(6)

قبل تمام القبض مبطل للعقد، كذا في الإيضاح والمبسوط

(7)

.

لأنه غير مقيد، أي لأن خيار الرؤية لا يثبت في السلم غير مقيد فائدته؛ لأن فائدة خيار الرؤية الفسخ بحكم خيار الرؤية، والفسخ بخيار الرؤية لا يثبت في السلم، وذلك لأنه متى رئي

(8)

المقبوض لخيار

(9)

الرؤية لا ينفسخ السلم

(10)

؛ لأن الفسخ لم يرد [على]

(11)

عين ما تناوله العقد، وأن

(12)

العقد لم يتناول هذا المقبوض بعينه، وإنما يتناول مثله دينًا في الذمة (فلا ينفسخ)

(13)

العقد برده، بل يعود حقه إلى مثله، فإذا

(14)

لم يفد لا يثبت في بيع العين ينفسخ بالرد بخيار الرؤية فيفيد فائدته فيثبت، كذا في مبسوط شيخ الإسلام

(15)

.

(1)

في (ت): اشتراط.

(2)

في (ت): اشتراط.

(3)

في (ت): فإنه.

(4)

في (ت): افترقا.

(5)

في (ت): من.

(6)

في (ت): والافتراق.

(7)

المبسوط (12/ 143).

(8)

في (ت): رد.

(9)

في (ت): بخيار.

(10)

في (ت): المسلم.

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(12)

في (ت): فإن.

(13)

في (ت): فانفسخ.

(14)

في (ت): وإذا.

(15)

المبسوط (13/ 7)، الأصل المعروف بالمبسوط (5/ 279).

ص: 161

وحاصله أن رد المسلم فيه لا يوجب الفسخ؛ لأنه لو رد بخيار الرؤية كان الواجب في ذمته كما كان؛ لأن هذا عين، وما وجب في ذمة المسلم إليه بعقد السلم دين، فكان المقبوض غير المبيع، وخيار الرؤية ثابت في المبيع لا في غير المبيع.

فإن قلت: يشكل على هذا الاستصناع، فإن ذلك دين في ذمة الصانع، ومع ذلك كان للمستصنع خيار الرؤية على ما يجيء، فعلى ما ذكرت من الوجه بأن

(1)

خيار الرؤية ثابت في المبيع بالنص لا في غير المبيع ينبغي أن لا يثبت فيه خيار الرؤية.

قلت: لا نسلم ذلك، بل المعقود عليه في الاستصناع هو العين لا الدين، على ما يجيء في مسألة الاستصناع -إن شاء الله تعالى-.

وكذا لا يثبت فيه خيار الرؤية، أي لا يثبت خيار الرؤية في المسلم فيه دور

(2)

رأس المال، فإن خيار الرؤية أو خيار العيب في رأس المال لا يفسد السلم؛ لأنه لا يمنع بثبوت

(3)

الملك، كذا في التحفة

(4)

.

ولو

(5)

أسقط خيار الشرط قبل الافتراق ورأس المال قائم حار

(6)

.

وإنما قيد بقيام رأس المال؛ لأنه إذا كان هالكاً وقت إسقاط الخيار بأن أنفقه حتى صار دينًا عليه لم يصح العقد بإسقاط الخيار؛ لأن ابتداء العقد برأس مال هو دين لا يجوز، فكذلك إتمامه بإسقاط الخيار، كذا في المبسوط

(7)

.

وقد مر نظيره، وهو ما إذا باع إلى أجل مجهول ثم أسقط الأجل قبل حلول ينقلب جائزًا عندنا، خلافاً لزفر.

وقال

(8)

: إعلام رأس المال مشتمل على بيان جنسه وقدره ووصفه

(9)

، والقدرة على تحصيله بأن كان موجودًا من وقت العقد إلى حين الحل.

فإن أسلم مائتي درهم في كر حنطة، مائة منها دين على المسلم إليه، ومائة نقد، والسلم

(10)

في حصة الدين باطل.

وإنما قيد لقوله:

(11)

مائة منها دين على المسلم إليه؛ لأن المائة لو كانت دينًا على الأجنبي، والمسألة بحالها تشيع الفساد في الكل، على ما يجيء.

ثم المسألة على وجهين: إما أن أطلق

(12)

العقد بأن قال: أسلمت إليك مائتي درهم في كر حنطة، ولم نصف

(13)

إلى الدين، ثم جعلا مائة من رأس المال قصاصاً بالدين، وهذا لا يشكل بأن الفساد لا يشيع في الكل؛ لأن الفساد طارئ، والفساد الطارئ لا يفسد العقد، كما إذا

(14)

باع عبدين، ثم مات أحدهما قبل القبض، كان الباقي مبيعًا بالبيع

(15)

بالحصة طارئاً.

(1)

في (ت): أن.

(2)

في (ت): دون.

(3)

في (ت): ثبوت.

(4)

تحفة الفقهاء (2/ 23).

(5)

في (ت): فلو.

(6)

في (ت): جاز.

(7)

المبسوط (12/ 144).

(8)

في (ت): وقوله.

(9)

في (ت): وصفته.

(10)

في (ت): فالسلم.

(11)

في (ت): بقوله.

(12)

في (ت): يطلق.

(13)

في (ت): يصف.

(14)

في (ت): لو.

(15)

في (ت): فالبيع.

ص: 162

وأما إذا قيد بأن أضاف السلم إلى ذلك الدين فقال: أسلمت [إليك] مائتي درهم في كر حنطة مائة منها الدين الذي عليك، فكذلك؛ لأن الدراهم لا تتعين في العقود إذا كانت عينًا، فلا

(1)

تتعين إذا كانت دينًا، ولهذا لو اشترى من رجل شيئاً بدين له عليه، ثم تصادقا أن لا دين، لا يبطل العقد، وإذا لم يتعين الدين كانت الإضافة إلى الدين والإطلاق فيه سواء.

فإن قيل: ما ذكرتم منتقض بمسائل ثلاث:

إحداها: أن الرجل إذا قال: إن بعت هذا العبد بهذا الكر وبهذه

(2)

الدراهم فهما (في المساكين)

(3)

صدقة، فباعه بهما يحنث ويلزمه التصدق بالكر، وهذا أنه تعين النقود في العقود.

والثانية: أن الرجل إذا باع ديناراً بعشرة، فنقد الدينار ولم يقبض العشرة حتى اشترى بالعشرة ثوباً، فالبيع فاسد.

والثالثة: إذا باع عينًا بدين، وهما يعلمان أن لا دين، فالبيع فاسد، ولو كان الإطلاق والتقييد سواء لجاز العقدان، ولما جيب في المسألة الأولى.

قلنا:

(4)

أما الأولى فنحن ندعي أن العقود

(5)

لا يتعين

(6)

في العقود، أي استحقاقاً لا جوازاً فلا يلزم؛ (لأنها يتعين جواز الاستحقاق)

(7)

.

وأما الثالثة: فلأن البيع إنما لم يجز لمكان التهازل بالبيع؛ لأن هذا بيع بلا ثمن، فيكون منهما تهازلاً به، وهي تتعين في حق الجواز، وهكذا نقول في المسألة الثانية؛ (لانتقاضه الصرف)

(8)

، باختلاف المجلس بالاشتغال بالعقد الآخر، فيتحقق البيع بلا ثمن، فيمتنع الجواز باعتبار التهازل، كذا في الفوائد الظهيرية.

وقيل: هذا إذا أسلم مائتين مطلقاً ثم قاصدًا المائة بما عليه، فأما إذا قال: أسلمت مائة الدين وهذه المائة النقد بطل العقد فيهما عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن حصة الدين بطل

(9)

العقد فيها

(10)

، وقد جعل حصته شرطًا في الباقي فبطل الجميع، والصحيح أن الجواب فيهما واحد؛ لأن العقد لا يتقيد بالدين، وإن قيّد أنه

(11)

بدليل أنه لو اشترى عينًا بدين ثم تصادقا أن لا دين لا يبطل العقد، إلا إذا كان (العلمان علم)

(12)

الدين كان فاسدًا؛ لأنه بيع بلا ثمن، بخلاف المائة على ثالث حيث يشيع الفساد؛ لأنها

(13)

ليست بمال في حقهما، كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(14)

.

(1)

في (ت): ولا.

(2)

في (ت): وهذه.

(3)

في (ت): للمساكين.

(4)

في (ت): قيل.

(5)

في (ت): النقود.

(6)

في (ت): تتعين.

(7)

في (ت): من تعينها جواز تعينها استحقاقًا.

(8)

في (ت): انتقاض التصرف.

(9)

في (ت): يبطل.

(10)

في (ت): فيهما.

(11)

في (ت): به.

(12)

في (ت): يعلمان عدم.

(13)

في (ت): فإنها.

(14)

فتح القدير (7/ 100).

ص: 163

وهذا

(1)

الذي ذكرنا

(2)

من أصل المسألة كله عندنا، وعن زفر رحمه الله: أن العقد في الكل باطل، أما في حصة الدين فلنهي النبي عليه السلام عن الكالئ بالكالئ

(3)

، وهذا فساد قوي يمكن في البعض فيفسد به الكل، باعتبار أنه جعل قبول العقد في حصة الدين شرطًا للقبول في حصة العين، وهذا شرط فاسد.

ومذهبنا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ثم

(4)

يعتبر البعض بالكل في الدين والعين جميعًا، وحقيقة المعنى أن العقد انعقد صحيحًا في الكل، حتى لو نقد جميع المائتين في المجلس كان العقد صحيحًا لما أن العقد لا يتعلق بالدين المضاف إليه، وإنما يتعلق بجنسه إلى آخره، كذا في المبسوط

(5)

.

ولا يجوز التصرف في رأس المال إلى أن قال: ولا يجوز الشركة والتولية، فصورة الشركة أن يشرك آخر [معه]

(6)

في المسلم فيه، وأنه بيع بعض المبيع قبل القبض، وصورة التولية ظاهرة.

فإن قيل: فأي فائدة في تخصيص الشركة والتولية بعدما ذكر الأعم منهما وهو قوله: ولا يجوز التصرف في رأس مال السلم والمسلم فيه قبل القبض.

قلنا: أن أحدًا لا يشتري المسلم فيه مرابحةً؛ لكونه دينًا، لا وضيعة؛ لكونها ضرراً ظاهراً، فلو

(7)

اشترى بما

(8)

يشتريه بمثل ما اشتراه رب السلم رغبة في كله، وهو التولية، أو في بعضه، وهو الشركة، فلذلك

(9)

خصّهما بالذكر؛ لتصور التصرف فيهما من هذا الوجه.

ووجدت بخط شيخي رحمه الله: وإنما وضع [هذه]

(10)

المسألة في التولية؛ لنوع إشكال، وذلك أن

(11)

من العلماء من يجوّز

(12)

التولية في بعض

(13)

العين والسلم قبل القبض، وقال: التولية إقامة معروف، فإنه يولي غيره ما تولى، فوضع المسألة فيها؛ ليبين أن ذا ليس بشيء؛ لأن التولية بيع، إلا أنه يمثل الثمن الأول.

وفي المبسوط

(14)

: لا

(15)

يستطيع رب السلم أن يبيع ما أسلم فيه قبل القبض؛ لأن المسلم فيه مبيع، وبيع المبيع قبل القبض لا يجوز؛ لأنه لما بعث رسول الله عليه السلام عتاب بن أسيد رضي الله عنه قاضياً وأميراً قال: «انههم عن ِأربعة: [عن بيع] ما لم يقبضوا، وعن ربح ما [لم]

(16)

يضمنوا، وعن شرطين في بيع، وعن بيع وسلف»

(17)

، ولأن العين أقبل للتصرف من الدين، ثم المبيع العين إذا كان منقولاً لا يجوز التصرف فيه قبل القبض؛ لبقاء الغرر في الملك المطلق للتصرف، فإذا كان دينًا أولى، وذلك الغرر ههنا قائم، فإن

(18)

الدين يتوى بفوات محله، يعني إذا مات المديون مفلساً، ولهذا يبطل

(19)

الحوالة.

(1)

في (ت): هذا.

(2)

في (ت): ذكرناه.

(3)

تقدم.

(4)

في (ت): لم.

(5)

المبسوط (12/ 143).

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

في (ت): ولو.

(8)

في (ت): إنما.

(9)

في (ت): فكذلك.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

في (ت): لأن.

(12)

في (ت): جوز.

(13)

في (ت): بيع.

(14)

المبسوط (12/ 163).

(15)

في (ت): ولا.

(16)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(17)

أخرجه البيهقي في الكبرى (10682)، وقال: تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْأَيْلِيُّ وَهُوَ مُنْكَرٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

(18)

في (ت): بأن.

(19)

في (ت): تبطل.

ص: 164

وكما لا [يصح]

(1)

يبيع

(2)

المسلم فيه قبل القبض، لا يشرك فيه شريكًا ولا تولية أحدًا؛ لأن التولية تمليك ما ملك بمثل ما ملك به، والإشراك تمليك نصف ما ملك بمثل نصف ما ملكه، فكما لا يجوز هذا التصرف منه في الكل، لا يجوز في البعض، لا نأخذ إلا سلك [أي المسلم فيه]

(3)

، أي لا يأخذ إلا المسلم فيه حال بقاء العقد، أو رأس مالك أي عند الفسخ.

وهذا لأن الإقالة بيع جديد، هذا التعليل لبيان أن رأس المال أخذ (شبه المبيع)

(4)

، فوجه الاستدلال بهذا هو أن الإقالة بيع جديد في حق الثالث، وهو حق الشرع هنا، ولا بد للبيع من وجود المعقود عليه لا محالة، ثم بعد ذلك ههنا

(5)

لا يخلو إما أن يكون رأس المال وهو المعقود عليه أو المسلم فيه، لا يجوز أن يكون المسلم فيه هو المعقود عليه؛ لأن المسلم فيه انعدم ههنا؛ لأن ذلك كان دينًا في ذمة المسلم إليه، وقد سقط بالإقالة، وقد ذكرنا أن قيام المعقود عليه شرط صحة البيع إلى وقت القبض، فلما سقط المسلم فيه ههنا بالإقالة فقد هلك المبيع قبل القبض فتبطل الإقالة حينئذ، كما يبطل البيع بهلاك المعقود عليه قبل القبض، وقد صحت الإقالة هنا

(6)

، فلا بد أن يقال بقيام المعقود عليه، وليس ذلك إلا رأس المال؛ لسقوط المسلم فيه.

لأنه دين مثله، أي لأن رأس المال دين مثل المسلم فيه، والمسلم فيه يصلح أن يكون مبيعًا مع كونه دينًا، فكذلك رأس المال ينبغي أن يكون يصلح لكونه مبيعًا بعد الإقالة، مع كونه دينًا بالطريق

(7)

الأولى.

وذلك لأن عقد السلم ابتداء بيع من كل وجه، وقد صلح

(8)

الدين وهو المسلم فيه لكونه مبيعًا، فالإقالة التي هي بيع من وجه؛ لأنه بيع في حق الثالث لا في حق المتعاقدين، وجب أن يصلح الدين، وهو رأس المال لكونه مبيعًا أولى.

إلا أنه لا يجب قبضه في المجلس، أي إلا أن رأس المال لا يجب قبضه بعد الإقالة في مجلس الإقالة.

هذا الاستثناء لجواب شبهة، وهي أنه لما ذكر أن الإقالة بمنزلة بيع جديد كانت إقالة بيع المسلم بمنزلة بيع السلم، وفي بيع السلم كان قبض رأس المال في مجلس البيع شرطًا، فيجب أن يكون قبض رأس المال بعد الإقالة في مجلس الإقالة شرطًا؛ قياساً لحكم الانتهاء بالابتداء.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

في (ت): بيع.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): شبها بالمبيع.

(5)

في (ت): هنا.

(6)

في (ت): ههنا.

(7)

في (ت): بطريق.

(8)

في (ت): صح في.

ص: 165

وأجاب عنه بهذا وقال: لا يشترط قبض رأس المال في مجلس الإقالة، وإن كان يشترط

(1)

قبضه في ابتداء عقد السلم.

لأنه، أي لأن الإقالة على تأويل تصرف الإقالة أو عقدها، أي لأن تصرف الإقالة في كونه تبعًا

(2)

ليس في حكم ابتداء عقد السلم؛ لأن ذلك بيع من كل وجه في حق الكل، وهذا فسخ في حق المتعاقدين، وليس من ضرورة اشتراط القبض في البيع من كل وجه اشتراط القبض في البيع من وجه دون وجه.

وذلك لأن اشتراط القبض في الابتداء كان للاحتراز عن بيع الكالي بالكالي، والمسلم فيه سقط بالإقالة فلا يتحقق فيه

(3)

بيع الكالي بالكالي، فلا يشترط القبض، وحاصله أن رأس المال

(4)

بعد الإقالة صار بمنزلة المسلم فيه، والقبض ليس بشرط للمسلم فيه، فكذا (في حق)

(5)

رأس مال السلم.

وكذلك رأس المال بعد الإقالة صار

(6)

نظير المسلم فيه من حيث حرمة الاستبدال عندنا.

وفيه خلاف زفر رحمه الله، أي وفي جعل رأس المال مبيعًا بعد الإقالة خلاف زفر، هو يقول: بعد الإقالة صار رأس المال دينًا في ذمة المسلم إليه، فكما يجوز الاستبدال بسائر الديون فكذا بهذا الدين.

والدليل على أنه ملحق بعد الإقالة بسائر الديون عدم استحقاق القبض في المجلس، يعني كما أن سائر الديون لا يستحق قبضه

(7)

في المجلس فكذا لا يستحق قبض رأس المال في مجلس الإقالة، علمنا أنه ملحق بسائر الديون فيجوز الاستبدال بسائر الديون، فكذا هنا.

وما ذكره قياس، والذي قاله علماؤنا استحسان، وقالوا: لا يجوز الاستبدال برأس المال للحديث المعروف، أن أحد سلمك أو رأس مالك، ولو

(8)

استبدل كان (آخذاً شيئاً)

(9)

آخر غير رأس المال، وغير المسلم فيه، وذلك غير جائز.

ثم حال رب السلم مع المسلم إليه بعد الفسخ كحال المسلم إليه مع رب السلم حال قيام العقد قبل قبض رأس المال، فكما لا يجوز الاستبدال هناك فكذلك لا يجوز ههنا، فاعتبرنا حال الفسخ بحال العقد في المنع من الاستبدال، كذا في المبسوط

(10)

.

والحجة عليه ما ذكرناه وهو قوله: وهذا لأن الإقالة بيع جديد إلى آخره.

وذكر في المبسوط

(11)

حاصل هذا فقال: وإن [شاء]

(12)

تتاركا السلم ورأس المال ثوب، وهلك عند المسلم إليه فعليه قيمته، ولا يبطل الإقالة، وكذلك لو تتاركا بعد هلاكه، ثم قال: وهذه فصول

(13)

أربعة:

(1)

في (ت): شرط.

(2)

في (ت): بيعا.

(3)

في (ت): منه.

(4)

في (ت): مال السلم.

(5)

في (ت): قبض.

(6)

في (ت): فصار.

(7)

في (ت): قبضها.

(8)

في (ت): فلو.

(9)

في (ت): أخذ شيء.

(10)

المبسوط (12/ 149).

(11)

المبسوط (12/ 169).

(12)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(13)

في (ت): الفصول.

ص: 166

أحدها: أن يشتري عينًا بدراهم فتقابضا ثم تقايلا، ثم هلك المبيع قبل الرد بطلت الإقالة، سواء كان الثمن قائمًا أو هالكًا؛ لأن الإقالة رفع للعقد

(1)

، وإنما يرفع العقد من المحل الوارد عليه، ومحل العقد المعقود عليه، والمعقود

(2)

عليه المبيع دون الثمن، فإن الثمن معقود به، ولهذا شرط قيام الملك في المبيع عند العقد دون الثمن، وإذا

(3)

كان المبيع هالكًا عند الإقالة فالإقالة باطلة؛ لفوات محلها، وكذلك إذا هلك بعد الإقالة قبل الرد؛ لأن العارض من هلاك المحل بعد الإقالة قبل الرد كالمقترن بالإقالة.

ألا ترى أن هلاك المعقود عليه بعد العقد قبل القبض مبطل للعقد، ويجعل كالمقترن بالعقد.

والثاني: لو تبايعا عند إجارته وتقابضا

(4)

ثم تقايلا، ثم هلك أحدهما بقيت الإقالة؛ لأن ابتداء الإقالة بعد هلاك أحد العوضين صحيح، فإن كل واحد منهما معقود عليه، بدليل أنه يشترط به قيام الملك في العوضين جميعًا للمتعاقدين بخلاف الثمن.

ألا ترى أن بعد هلاك أحدهما يمكن فسخ العقد برد

(5)

الآخر بالعيب، فكذلك الإقالة

(6)

، فإذا

(7)

جاز ابتداء الإقالة بعد هلاك أحدهما، فكذلك يبقى الإقالة وعليه رد قيمة الهلاك؛ لأن القيمة قائمة مقام العين، ولو هلكا جميعًا بعد الإقالة قبل الرد بطلت الإقالة؛ لأن ابتداء الإقالة بعد هلاكها

(8)

باطل، أو

(9)

لم يبق شيء من المحل الذي تناوله العقد، فكذلك لا تبقى الإقالة بعد هلاكهما.

والثالث: إذا تقايلا السلم ورأس المال عين، فهلك بعد الإقالة لم يبطل الإقالة؛ لأن ابتداء الإقالة بعد هلاك رأس المال صحيح، فإن السلم بمنزلة بيع المقايضة؛ لأن السلم فيه مبيع معقود عليه فجازت الإقالة بعد هلاك ما يقابله، وإذا

(10)

بقيت الإقالة فعليه رد قيمة رأس المال؛ لتعذر رد العين مع بقاء السبب الموجب له، والقول قول المطلوب في مقدار القيمة إذا اختلفا؛ لأن الطالب يدّعى عليه زيادة وهو منكر لتلك الزيادة.

والرابع: الصرف فإنهما لو تصارفا ديناراً بعشرة دراهم وتقابضا، وهلك البدلان جميعًا، ثم تقايلا، أو تقايلا ثم هلك البدلان قبل التراد جازت الإقالة؛ لأن المعقود عليه ما استوجب كل واحد منهما في ذمة صاحبه.

(1)

في (ت): العقد.

(2)

في (ت): فالمعقود.

(3)

في (ت): فإذا.

(4)

في (ت): وتقايضا.

(5)

في (ت): ليرد.

(6)

في (ت): بالإقالة.

(7)

في (ت): وإذا.

(8)

في (ت): هلاكهما.

(9)

في (ت): إذ.

(10)

في (ت): فإذا.

ص: 167

ألا ترى أن بعد الإقالة لا يلزمه رد المقبوض بعينه، ولكن إن شاء رده، وإن شاء رد مثله، فلا يكون هلاك

(1)

المقبوض مانعًا صحة الإقالة، وقد ذكرنا بعض هذا في مسائل الإقالة.

قال الأزهري

(2)

: الكرستون قفيزًا، والقفيز ثمانية مكاكيل، والمكول صاع ونصف، كذا في المغرب

(3)

.

[لم يكن]

(4)

قبضا، أي إذ ألحقه، ولفظ شروح الجامع الصغير: وأمر رب السلم أن يقبضه منه قبضاً لحقه، فاقتضاه رب السلم لا يكون اقتضاء حتى يكيله مرتين.

اجتمعت الصفتان، أحديهما

(5)

: صفقة عقد السلم، والثانية: هي الصفقة التي جرت [بين] المسلم إليه وبايعه.

هذا

(6)

على ما اقتضاه لفظ الكتاب، وأما على تقدير صاحب الفوائد

(7)

: والصفقة

(8)

الثانية هي الصفقة التقديرية بين المسلم إليه وبين رب السلم، والأولى هي صفقة المسلم إليه من

(9)

بايعه، فقال: قد تحقق ههنا صفقتان بشرط الكيل، صفقة جرت بين المسلم إليه وبايعه، وصفقة أخرى جرت بين المسلم إليه ورب السلم؛ لأن المسلم إليه يصير بايعًا ما اشترى من رب السلم.

قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله

(10)

: المقبوض في باب السلم غير المسلم فيه حقيقة؛ لأن العقد تناول دينًا في الذمة، والعين عبر

(11)

الدين، فباعتبار هذه الحقيقة لم يكن المقبوض عين ما تناوله العقد، فلا بد من طريق يجعل بذلك الطريق كأنه عين المعقود عليه، وذلك بأن يجعل عند القبض كأنهما جددا ذلك العقد على المقبوض، وهو معنى قول المتقدمين للقبض في باب السلم: حكم عقد جديد، وذلك لأن المسلم إليه حين

(12)

عقد عقد السلم صار بايعًا دينًا.

(1)

في (ت): رد.

(2)

مُحَمَّد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الهروي أبو منصور أحد الأئمة في اللغة والأدب. مولده ووفاته بهراة، نسبته إلى جده الأزهر، عني بالفقه فاشتهر به أولا، ثُمَّ غلب عليه التبحر في العربية. فرحل في طلبها. وقصد القبائل، وتوسع في أخبارهم. وقع في إسار القرامطة، من مصنفاته:(تهذيب اللغة)، و (الزاهر في غريب ألفاظ الشَّافِعِي التي أودعها المزني في مختصره). البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة لمجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى، الناشر: دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى 1421 هـ- 2000 م (1/ 59).

(3)

المغرب (1/ 405).

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

في (ت): أحدهما.

(6)

في (ت): وهذا.

(7)

يعني "الفوائد الظهيرية" لأبي بكر محمد بن احمد بن عمر.

(8)

في (ت): فالصفقة.

(9)

في (ت): وبين.

(10)

المبسوط (12/ 150).

(11)

في (ت): غير.

(12)

في (ت): لما.

ص: 168

وإنما يصير بايعًا للعين عند اقتضاء رب السلم، إلا أن هذا العين جعل عين حقه حكمًا حتى لا يصير مستبدلًا [للعين]

(1)

، أما فيما وراء ذلك فهو كالبائع عند الاقتضاء، وإذا صار المسلم إليه بائعًا من رب السلم وجدت الصفقتان بشرط الكيل، فيستحق على رب السلم كيلان؛ لأن كل واحدة من هاتين الصفقتين صفقة بشرط [الكيل]؛ لأن المسلم إليه اشترى الكر، وهو اسم لأربعين قفيزًا أو ستين قفيزًا على ما ذكرنا، فيكون هذا شراء بشرط الكيل، وكذلك عقد السلم؛ لأنه أسلم في كر.

وهذا هو محمل الحديث على ما مر، وهو ما ذكر في الفصل المتصل بباب المرابحة والتولية بقوله: ومحمل الحديث اجتماع الصفقتين على ما نبين.

وقال

(2)

: "والسلم إن

(3)

كان سابقاً لكن قبض المسلم فيه لاحق" جواب سؤال مقدر بأن يقال: أن بيع المسلم إليه مع

(4)

رب السلم كان سابقًا على شرى

(5)

المسلم إليه من بايعه، فلا يكون المسلم إليه بايعًا بعد

(6)

الشرى

(7)

، فلم يجتمع

(8)

الصفقتان، فلا يدخل تحت النهي.

فأجاب عنه بهذا وقال: نعم [كان]

(9)

كذلك هو سابق إلا أنه في التقدير لاحق، فتجتمع الصفقتان في التقدير، وإن لم تجتمع في التحقيق، وبيان الاجتماع ما ذكرنا.

والدليل أيضاً على أن للقبض

(10)

في باب السلم حكم عقد جديد قال في الزيادات

(11)

: لو

(12)

أسلم إلى رجل مائة درهم في كر حنطة، ثم اشترى المسلم إليه من رب السلم كر حنطة بمائتي درهم إلى سنة فقبضه، فلما حل السلم أعطاه ذلك الكر لم يجز؛ لأنه اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن، وإنما يكون كذلك إذا جعلا عند القبض كأنهما جددا العقد عليه، وإذا صار المسلم إليه بايعًا من رب المسلم وجدت الصفقتان بشرط الكيل، فيستحق على رب السلم كيلان، كيل لصفقة جرت بين المسلم إليه وبايعه، وكيل لصفقة جرت بين المسلم إليه ورب السلم بعد شرى

(13)

المسلم إليه من بايعه.

وإن جعل عينه أن هذه للوصل، أي وإن جعل المقبوض عين الدين في حق حكم خاص، أي دعت الضرورة إلى جعل المقبوضة عين الدين كيلا يتحقق الاستبدال فيجعل عينه لتلك الضرورة، فأما في الحكم الذي لا ضرورة فيه فيعمل بالحقيقة، وهي أن العين غير الدين.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

في (ت): وقوله.

(3)

في (ت): وإن.

(4)

في (ت): من.

(5)

في (ت): شراء.

(6)

في (ت): عند.

(7)

في (ت): الشراء.

(8)

في (ت): تجتمع.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(10)

في (ت): القبض.

(11)

المبسوط (12/ 150).

(12)

في (ت): ولو.

(13)

في (ت): شراء.

ص: 169

فحينئذ يتحقق البيع بعد الشرى

(1)

، أي يتحقق بيع المسلم إليه من رب السلم بعد شرى

(2)

المسلم إليه من بايعه.

وإن لم يكن سلمًا وكان قرضاً، أي لو كان [مكان]

(3)

المسلم إليه مستقرضاً، يعني إذا استقرض كراً، ثم اشترى المستقرض كراً من الغير، ثم أمر المقرض بقبض ذلك الكر جاز، ويكتفى بكيل واحد؛ لأن القرض إعارة؛ لأنه لو لم يكن كذلك يلزم تمليك الشيء بجنسه نسيئة، وهو ربا، ولهذا لا يلزم التأجيل في القرض؛ لأن التأجيل في العواري لا يلزم، فيكون المقبوض عين ما في ذمته حكمًا، فلا يتحقق الصفقتان بشرط الكيل.

وذكر الإمام قاضي خان

(4)

: فأما إذا كان أحد الدينين قرضاً، بأن كان على الرجل كر من سلم فاستقرض

(5)

المسلم إليه كرًا من رجل، وأمر رب السلم بقبضه من المقرض أيضاً

(6)

، وإن كان على الرجل كر قرض، فاشترى

(7)

المستقرض إلى آخره، كما ذكرنا يكتفى بكيل واحد، ثم قال: والفرق بين القرض والسلم أن عقد السلم يوجب الكيل، والقرض لا يوجب الكيل؛ لأنه عقد مساهلة، والتفاوت اليسير لا يفضي إلى المنازعة، ولهذا لو استقرض من إنسان حنطة على أنها عشرة أقفزة كان له أن يتصرف فيها قبل الكيل، فيكتفى بكيل واحد، وكذلك لو اشترى المسلم إليه حنطة مجازفة، أو استفاد من أرضه أو بميراث أو هبة

(8)

أو وصية وأوفاه رب السلم وكالة بمحضر منه يكتفى بكيل واحد؛ لأنه لم يوجد إلا عقد واحد وهو السلم.

ففعل وهو غائب، أي وكال

(9)

المسلم إليه الكر في غراير

(10)

رب السلم، ورب السلم غائب لم يكن قبضاً، حتى لو هلك يهلك من مال المسلم إليه.

هذا إذا لم يكن في غراير [رب]

(11)

السلم طعام رب

(12)

السلم، فأما إذا كان في الغراير طعام لرب السلم، وكاله فيه بأمره قيل: لا يصير قابضاً [ههنا]؛ لما ذكرنا أن أمره غير معتبر في ملك الغير.

(1)

في (ت): شراء.

(2)

في (ت): شراء.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 120).

(5)

في (ت): استقرض.

(6)

في (ت): اقتضاء.

(7)

في (ت): فاشتراء.

(8)

في (ت): بهبة.

(9)

في (ت): مكان.

(10)

الغرارة: الجُوالق الكبير من غزل صوف الشاء أو شعر الماعز تتخذ للحَبّ وللتبن، وجمعها: غرائر، وهي حية في اللهجات اليمنية. شمس العلوم (8/ 4878).

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(12)

في (ت): لرب.

ص: 170

قال رضي الله عنه: والأصح عندي أنه يصير قابضاً ههنا؛ لأن أمره يخلط طعام السلم بطعامه على وجه لا يمكن التمييز معتبر فيصير بهذا الخلط قابضاً.

وهو مثل ما ذكر في كتاب الصرف: لو

(1)

دفع إلى صانع نصف درهم، وقال: زد من عندك نصف درهم، وضع لي منهما خاتمًا، ففعل ذلك جاز وصار

(2)

بالخلط قابضاً له، كذا في المبسوط

(3)

.

ولو كانت الحنطة مشتراة، فإنه لو اشترى حنطة بعينها ودفع غرايره إلى البائع وقال: اجعلها في غرايري، ففعل والمشتري حاضر أو غائب يصير قابضاً.

والفرق أن في شرى

(4)

العين أمر المشتري بالكيل صادف ملك نفسه؛ لأنه ملك الطعام بنفس العقد فصح الأمر، وإذا صح الأمر صار البائع وكيلاً في إمساك الغراير، فبقيت الغراير في يد المشتري حكمًا، فما وقع فيه يصير في يد المشتري حتى لو كانت الغراير [في يد]

(5)

للبايع

(6)

، روي عن محمد رحمه الله أنه لا يصير قابضاً، أما في السلم أمر رب السلم بالكيل صادف ملك المسلم إليه؛ لأن السلم دين في الذمة، وإنما يتعين (في الاستيفاء)

(7)

، فلم يصح، فبقي المسلم إليه عاملاً في ملك نفسه، ويصير مستعيرًا للغراير، فلا يصير رب السلم قابضاً.

ألا ترى أنه لو أمره بالطحن كان الطحن

(8)

أي الدقيق في السلم للمسلم إليه، ولا يكون لرب السلم أن يقبضه؛ لأنه ح

(9)

يصير مستبدلاً، كذا في المبسوط والجامع الصغير لقاضي خان

(10)

.

ولهذا يكتفى بذلك الكيل في الشرى

(11)

في الصحيح، هذا

(12)

احتراز عما قيل بأنه لا يكتفى بكيل واحد؛ تمسكًا بظاهر ما روي عن النبي عليه السلام: أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان

(13)

؛ صاع البائع، وصاع المشتري

(14)

.

لأنه نائب عنه في الكيل، أي لأن البائع نائب عن المشتري في الكيل.

والقبض بالوقوع في غراير المشتري، أي القبض يتحقق ويثبت بالوقوع في غراير المشتري كان هذا جواب إشكال بأن يقال: أن البائع مسلم فكيف يكون متسلمًا وقابضاً؛ لأنه استعار غرايره ولم يقبضها؛ لأن العارية تبرع، فلا تتم هي بدون القبض، فلم يصر المشتري قابضاً؛ لأنه مستعير لم يقبض.

(1)

في (ت): ولو.

(2)

في (ت): فصار.

(3)

المبسوط (14/ 49).

(4)

في (ت): شراء.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

في (ت): البائع.

(7)

في (ت): بالاستيفاء.

(8)

في (ت): الطحين.

(9)

في (ت): حينئذ.

(10)

المبسوط (12/ 177).

(11)

في (ت): الشراء.

(12)

في (ت): هو.

(13)

في (ت): الصاعان.

(14)

أخرجه ابن ماجه في كتاب التجارات – باب النهي عن بيع الطعام قبل ما لم يقبض (2228)، وحسنه الألباني.

ص: 171

ولو اشترى حنطة بعينها وخلى البائع بينها وبين المشتري في بيت البائع، فعلى قول أبي يوسف: لا يصير قابضاً كما في السلم، وعلى قول محمد: يصير قابضاً، كذا في الفوائد

(1)

[الظهيرية]

(2)

.

ولو اجتمع العين والدين والغراير للمشتري إلى آخره.

صورته: رجل أسلم في كر حنطة فلما حل الأجل اشترى رب السلم كر حنطة أخرى بعينها من المسلم إليه، ودفع المشتري وهو رب السلم الغراير إلى المسلم إليه وهو البايع، لأن

(3)

يجعل المسلم إليه هذا الكر المسلم فيه والكر المشترى في تلك الغراير، فالحال لا يخلو إما (أن جعل)

(4)

أن يجعل الكر المسلم فيه وهو المراد بالدين أولاً في الغراير، ثم يجعل الكر المشترى وهو المراد بالعين على الكر المسلم فيه، أو على العكس.

إن بدأ بالعين صار قابضاً، أي إن بدأ البائع وهو المسلم إليه يجعل الكر المشترى في الغراير، ثم يجعل الكر المسلم فيه على ذلك الكر المشتري صار المشتري قابضاً لهما جميعًا.

أما العين، أي أما صحة قبض العين وهو الكر المشتري؛ لأن الأمر قد صح، وكان

(5)

[فعل]

(6)

المأمور [كفعل الآمر، فإن

(7)

قلنا: أن الأمر قد صح؛ لأنه يملك الكر المعين بمجرد الشراء فكان فعل المأمور] مصادفاً ملك الآمر فيصح أمره في ملكه فيصح أمر في ملكه، فيصير قابضاً بفعل المأمور.

وأما الدين، أي وأما صحة قبض الدين وهو الكر المسلم فيه؛ لأنه لما صبته على الكر المشتري صار هو متصلاً بملك المشتري، فيصح القبض بمثله على ما ذكر في الكتاب.

وإن بدأ بالدين لم قابضاً، أي وإن بدأ المسلم إليه [يجعل المسلم فيه أولاً في غراير رب السلم، ثم يجعل الكر المشترى عليه لم يصر] المشتري قابضاً لهما.

أما الدين، أي أما عدم صحة قبض الدين فلعدم صحة الأمر؛ لما

(8)

ذكر

(9)

أن أمره لم يصادف ملك الآمر؛ لأن حق رب [السلم] في الدين لا في العين، وهذا عين فلا يكون حقه، فكان

(10)

المأمور يجعل الدين في الغراير متصرفاً في ملك نفسه، فلا يكون فعله كفعل الآمر، فلا يكون الآمر بذلك قابضاً لذلك.

(1)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 283).

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

في (ت): بأن.

(4)

في (ت): بجعل.

(5)

في (ت): فكان.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

في (ت): وإنما.

(8)

في (ت): فلما.

(9)

في (ت): ذكرنا.

(10)

في (ت): وكان.

ص: 172

وهذا الخلط غير موصى به، هذا جواب سؤال مقدّر ذكر ذلك السؤال في الفوائد الظهيرية

(1)

وقال:

فإن قيل: الخلط حصل بإذن المشتري فينبغي أن لا ينتقض البيع، قلنا: إن الخلط على هذا الوجه لم قلت بأن

(2)

حصل بإذن المشتري، بل الخلط على وجه يصير الآمر قابضاً

(3)

حصل بإذنه وهو ما إذا بدا العين.

وجعل الإمام قاضي خان رحمه الله

(4)

ما ذكر من جواب الكتاب قول محمد فقال: وفي قول أبي يوسف: إذا كال

(5)

الدين أولاً ثم كال العين بعده صار قابضاً للدين ضرورة اتصاله بملكه، كما لو كال العين أولاً ثم الدين، وعند محمد إن كال العين أولاً يصير قابضاً لهما، وإن كال الدين أولاً يصير قابضاً للعين دون الدين؛ لأنه لما كال الدين أولاً لم يملكه المشتري، وبقي على ملك البائع، وصار مستعيراً من المشتري، فإذا كال العين بعده فقد خلط البائع ملك المشتري بملك نفسه فلا يبرأ عن الدين، وإنما يصير قابضاً العين في هذه الصورة؛ لأنه بالخلط صار مستهلكًا للعين بإذنه، بخلاف الصورة الأولى؛ لأنه لما

(6)

كال

(7)

العين أولاً صار العين مسلمًا إلى المشتري، فإذا كال

(8)

الدين بعده فقد خلط الدين بملك المشتري فيصير المشتري قابضاً.

كما لو استقرض كراً من طعام وأمر المقبوض

(9)

بأن يزرعها، فزرع يصير المستقرض قابضاً.

وكمن دفع إلى صائغ خاتمًا، يعني لو دفع خاتمًا أو ديناراً إلى صائغ، وأمره بأن يزيد من عنده نصف دينار، ويصوغ له [ذلك]

(10)

حلياً بذلك، جاز ويصير قابضاً للنصف بحكم اتصاله بملكه.

فإن قيل: يشكل هذا بالصباغ، فإنه إذا صبغ الثوب بعدما استؤجر عليه، فالمستأجر وهو صاحب الثوب لا يصير قابضاً مع وجود مثل هذا الاتصال، فلم صار قابضاً فيما نحن فيه باعتباره.

قلنا: المعقود عليه في الإجارة الفعل، وهو الصبغ لا العين، وهو الصنع؛ لأن العين لا يستحق على

(11)

الأجر

(12)

بعقد الإجارة، والفعل أعني به الصبغ لا يجاوز الفاعل ولا يتعداه؛ لأنه من قبيل الإعراض، والإعراض لا انتقال لها عن محالها فلم يكن المعقود عليه متصلاً بالثوب، فلا يصير قابضاً.

(1)

العناية شرح الهداية (7/ 107).

(2)

في (ت): بأنه.

(3)

في (ت): فأيضا.

(4)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 449).

(5)

في (ت): كان.

(6)

في (ت): إذا.

(7)

في (ت): كان.

(8)

في (ت): كان.

(9)

في (ت): المقرض.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

في (ت): به.

(12)

في (ت): العقد.

ص: 173

فإن قيل: ينبغي أن لا يصير قابضاً؛ لأن البائع لا يصلح زايدًا عن المشتري في القبض، ألا ترى أنه لو وكله بذلك نصاً لا يصح.

قلنا: الأمر بالقبض هنا ثبت ضمنًا لا قصدًا، والشيء يجوز أن يثبت ضمنًا وإن كان لا يثبت قصدًا، كما في قوله

(1)

: اعتق عبدك عني على ألف درهم، [على ألف فإن البيع هنا] حيث يثبت البيع ضمنًا للأمر بالإعتاق، وإن كان لا يثبت قصدًا، كذا في الفوائد الظهيرية

(2)

.

وإن

(3)

أسلم جاريةً في كر حنطة إلى أخرى

(4)

، وقد ذكرنا هذه المسألة في هذا الباب الأصل في جنس هذه المسائل ما ذكر

(5)

الفوائد الظهيرية

(6)

: أن في بيع المقايضة وهو بيع ما يتعين بما يتعين، هلاك أحدهما لا يمنع ابتداء الإقالة ولا بقاؤها، وهلاكها يمنع الإقالة ابتداء وبقاء، في بيع المساومة وهو بيع ما تعين

(7)

بما لا يتعين، هلاك الثمن لا يمنع الإقالة ابتداء وبقاء، وهلاك العرض يمنع الإقالة ابتداء وبقاء، والمعنى

(8)

في ذلك أن الإقالة صحتها بقيام العقد؛ لأنها فسخ للعقد وإبطال له، وإبطال العقد بدون العقد

(9)

لا يكون في المقايضة العقد

قائم بقيام أحد العوضين؛ لأن قيام العقد عند قيامهما بقيامهما؛ لأن أحدهما لا يتعين لإضافة القيام إليه، وإذا كان قيام العقد بقيامهما

(10)

لا يبطل العقد بهلاك أحدهما؛ لما عرف أن الثابت بالبينتين

(11)

لا يزول بزوال أحدهما، فيكون قائمًا بقيام أحدهما، فتصح الإقالة، وفي بيع ما يتعين مما لا يتعين قيام العقد بما يتعين؛ لأن ما يتعين له ضرب مزية على ما لا يتعين؛ لأن ما يتعين مال حقيقة وحكمًا، وما لا يتعين مال حكمًا لا حقيقة؛ لأنه [دين]، ولهذا لو قال: مالي في المساكين صدقة، وله ديون على مليئ ومفلس لا يدخل، وإذا كان ما يتعين مخصوصاً بضرر مزية على ما لا يتعين لا بد من إيابه هذه المزية، ولا يمكن إبانتها

(12)

حالة البقاء، فبقينا العقد ببقائه فصحت الإقالة باعتبار بقائه ابتداء وبقاء، وفي

(13)

بيع ما لا يتعين بما لا يتعين وهو الصرف يصح الإقالة، وإن هلكا أو هلك أحدهما بخلاف المقايضة، وقد ذكرنا وجهه (في هذا)

(14)

الباب منقولاً

(15)

من المبسوط

(16)

.

(1)

في (ت): قولك.

(2)

فتح القدير (9/ 70).

(3)

في (ت): ومن.

(4)

في (ت): آخره.

(5)

في (ت): ذكرنا.

(6)

الاختيار لتعليل المختار (2/ 12).

(7)

في (ت): يتعين.

(8)

في (ت): المعنى.

(9)

في (ت): المعقود عليه.

(10)

في (ت): هنا.

(11)

في (ت): بالسببين.

(12)

في (ت): إبانتهما.

(13)

في (ت): في.

(14)

في (ت): وهذا.

(15)

في (ت): منقول.

(16)

المبسوط (25/ 168).

ص: 174

فماتت في يد المشتري، أي المسلم إليه، وإنما سماه مشترياً نظراً إلى اشتراه

(1)

الجارية بالحنطة التي هي دين، وكانت الجارية هي المبيع من كل وجه.

ولو تقايلا بعد هلاك الجارية جاز، والقول في القيمة قول المطلوب، والبينة بينة الطالب** وهو رب السلم، كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(2)

.

وفي السلم المعقود عليه إنما هو المسلم فيه؛ لأنه مبيع، لما روي عن النبي عليه السلام:«أنه نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان»

(3)

، «ورخص في السلم»

(4)

، جعل المسلم فيه مبيعًا ورأس المال بمنزلة الثمن.

فصحت الإقالة في المسلم فيه، وإذا انفسخ في المسلم فيه ينفسخ في رأس المال ضرورة، فيجب عليه رد الجارية، وقد عجز عن ردها بحكم الهلاك مع قيام الموجب للرد فيعدم قيمتها، كذا ذكره الإمام قاضي خان

(5)

.

وإذا جاز ابتداءً أولى أن يبقى، أي وإذا جازت الإقالة بعد هلاك الجارية في المسألة الثانية فلأن يبقى الإقالة بعد هلاك الجارية في الأولى بالطريق الأولى.

فإن قيل: ينبغي أن لا يصح الإقالة بعد هلاك الجارية؛ لأن الجارية بعد الهلاك صارت بمنزلة المسلم فيه من حيث وجوب قيمتها دينًا في الذمة، والمسلم فيه أيضاً قد سقط بالإقالة، فصارا بمنزلة هلاك العوضين في بيع المقايضة، وذلك يمنع الإقالة هناك فكذا هنا، وذلك أنه إذا هلك أحد العوضين في المقايضة ثم تقايلا ثم هلك الآخر يبطل الإقالة.

قلنا: في المقايضة الرد واجب بعد الإقالة، وهلاك المبيع قبل القبض يوجب فسخ العقد، وفي السلم قامت قيمة الجارية مقام الجارية فلم يكن رد عين الجارية واجباً، فكان

(6)

قيام القيمة بمنزلة قيام الجارية فصار بمنزلة بقاء أحد العوضين في بيع المقايضة، فهناك يصح الإقالة فيه فكذا هنا.

ومن أسلم إلى رجل دراهم في كر حنطة فقال المسلم إليه: شرطت ردياً إلى آخره.

الأصل فيه في هذه المسائل أيهما إذا اختلفا في الصحة، فإن خرج كلام أحدهما مخرج التعنت كان باطلاً، وكان القول قول من يدعي الصحة، وإن خرج مخرج الخصومة قال أبو حنيفة رحمه الله: القول قول من يدعي الصحة أيضاً إذا اتفقا على عقد واحد، وإن كان خصمه هو المنكر.

وقال أبو يوسف ومحمد: القول قول المنكر وإن أنكر الصحة.

(1)

في (ت): اشترائه.

(2)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 122).

(3)

تقدم.

(4)

تقدم.

(5)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 121).

(6)

في (ت): وكان.

ص: 175

وللمعنت

(1)

لغة: من تبطلت العَنَت، وهو وقوع الإنسان فيما لا يستطيع الخروج عنه، قال الله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ}

(2)

، قال الزجاج [رحمه الله]

(3)

: أي لأهلككم، والإهلاك: إيقاع فيما لا يستطيع الخروج عنه.

والمراد بالتعنت شرعًا: من ينكر ما ينفعه، والمخاصم من ينكر ما بصره

(4)

، كذا في الفوايد الظهيرية

(5)

.

فالقول قول المسلم إليه؛ لأنهما اتفقا على عقد واحد، واختلفا فيما لا يصح العقد بدونه، وهو بيان الوصف، فمن يدعيه يدعي صحة العقد، فكان الظاهر شاهدًا له؛ لأن الظاهر من حالهما مباشرة العقد بوصف الصحة دون الفساد، والقول قول من يشهد له الظاهر؛ لأنه أقرب إلى الصدق، كذا ذكره الإمام قاضي خان

(6)

.

لأن المسلم فيه يربو على رأس المال في العادة.

فإن قيل: لا نسلم، بل رأس المال جبر، وإن قل من المسلم فيه، وإن جل [لما أن]

(7)

رأس المال نقد، والمسلم فيه نسيئة، وقد قيل عصفور في يدي جبر

(8)

من تزكى في الهواء، وفي المثل] السائر: [النقد خير من النسيئة.

قلت

(9)

: نعم كذلك، إلا أن ذلك متروك هنا بالعرف والعادة، فإن الناس مع وفور عقلهم يعدمون في عقد السلم، وما ذلك

(10)

إلا لفائدة زائدة رأوها فيه، فكان الفاء مزية

(11)

النقدية بمقابلة زيادة فائدة رأوها في المسلم فيه، مع كونه نسيئة، وإنما ذكر ربا المسلم فيه لإثبات المعادلة بينه وبين رأس المال؛ لأن المسلم فيه، وإن كان أكثر مالية عادة إلا أنه آجل، ورأس المال وإن كان أقل مالية إلا أنّه عاجل، والعاجل خير من الآجل فينجبر قصور كل واحد منهما لوفور كل واحد منهما فيتعادلان

(12)

، ثم رب السلم متعنت؛ لإنكاره الصحة، وقول المتعنت مردود، فكان القول قول المسلم إليه.

وذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي

(13)

: فالقول قول المسلم إليه؛ لأنه هو الذي يلتزم الطعام بعقد السلم.

فالقول قوله في بيان صفة ما التزمه ثم اتفاقهما على أصل العقد يكون اتفاقاً منهما على ما هو شرط جواز العقد، ومن شرط جوازه بيان صفة الطعام، فقول رب السلم لم يسم صفة الطعام يكون رجوعًا عما أقر به وسعيًا في نقض ما تم به.

(1)

في (ت): والمتعنت.

(2)

[البقرة: 220].

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): يضره.

(5)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 122).

(6)

العناية شرح الهداية (7/ 108).

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

في (ت): خير.

(9)

في (ت): قلنا.

(10)

في (ت): ذاك.

(11)

في (ت): زيادة.

(12)

في (ت): فيتعادلا.

(13)

المبسوط (12/ 217).

ص: 176

وفي عكسه يعني لو كان رب السلم يدعي بيان الوصف والمسلم إليه ينكر لم يذكر هذا في الكتاب وينبغي أن يكون على الاختلاف على قول أبي حنيفة رحمه الله القول [قول] من يدعي الصحة.

وعلى قول أبي يوسف ومحمد القول قول المسلم إليه كذا ذكره الإمام قاضي خان

(1)

.

وسنقرره من بعد [أن

]

(2)

وهو قوله: بعده لخطوط القول لرب السلم عندهما؛ لأنه ينكر حقًا عليه إلى آخره.

لأن المسلم إليه متعنت؛ لأنه ينكر ما ينفعه.

والفساد لعدم الأجل غير متيقن، هذا جواب سؤال مقدر، وقال الإمام قاضي خان

(3)

: والقول قول رب السلم، وهذا استحسان، والقياس أن يكون القول قول الآخر، وعلى هذا النكاح والإجارة وكل عقد، إذا ادّعى أحدهما فساد العقد في القياس يكون القول مدعي

(4)

الفساد؛ لأنه ينكر استحقاق موجب العقد الجائز، فكان القول قوله.

و

(5)

لأن السلم

(6)

فيه لما كان يربو على رأس [المال] لا يكون منكر لزوم قول شيء، هو زايد في المالية على ما يقابله متعنتًا.

ولكنا نقول: القول قول رب السلم وهو استحسان

(7)

؛ لأنهما اتفقا على عقد واحد، واختلفا في الصحة والفساد فيقبل قول من يدعي الصحة؛ لأن الظاهر من حالهما مباشرة العقد بصفة الصحة، فالإقرار بالعقد إقرار بموجب العقد الجائز طاهراً

(8)

فلا يقبل إنكاره بعد ذلك.

وأما تفسير ما ذكر في الكتاب من الجواب هو أن فساد السلم بسبب ترك ذكر الأجل فساد مجتهد فيه، وإن

(9)

سلم الحال جائز عند الشافعي [رحمه الله]

(10)

، فلما لم يكن فساده قطعًا عند ترك الأجل لم يلزم من إنكار الأجل رد ر، أس المال فلا يكون النفع حاصلاً للمسلم إليه بهذا الإنكار من كل وجه، فلم يعتبر نفع رد رأس المال فلذلك كان متعنتًا؛ لإنكاره النفع الظاهر، وهو الأجل؛ لأن كونه مؤجلاً نفع له ليقدر

(11)

في ذلك الوقت على تحصيل المسلم فيه.

بخلاف عدم الوصف، أي لو قال المسلم إليه: شرطت لك ردياً، وقال رب السلم: لم يشترط شيئاً، وهي المسألة الأولى، كان القول قول المسلم إليه؛ لأن فساد السلم بسبب ترك الوصف متيقن به غير مجتهد فيه من [كان

(12)

رب السلم هناك متعنتًا.

(1)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 236).

(2)

ما بين المعقوفين زيادة غير واضحة في (ت).

(3)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 307).

(4)

في (ت): من يدعي.

(5)

في (ت): أو.

(6)

في (ت): المسلم.

(7)

في (ت): الاستحسان.

(8)

في (ت): ظاهرًا.

(9)

في (ت): فإن.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

في (ت): ليقع.

(12)

في (ت): وكان.

ص: 177

وفي عكسه بأن ادعى المسلم إليه الأجل ورب السلم ينكره.

وقال: كرب المال إذا قال للمضارب: شرطت لك نصف الربح إلا عشرة، هذا هو الصواب من النسخة.

ووقع في بعض النسخ: شرطت لك نصف الربح وزيادة عشرة، وهذا ليس بصحيح؛ لأن على ذلك التقدير كان القول قول المضارب، وفي صورة [لفظ]

(1)

الاستثناء كان القول قول رب المال، والمقيس والمقيس عليه في هذه المسألة في شروح المبسوط وشروح الجامع الصغير للإمام قاضي خان والتمرتاشي والفوائد الظهيرية والتتمة وغيرها

(2)

بلفظ الاستثناء لما ذكرنا أن في صورة لفظ الاستثناء كان الفعل

(3)

قول رب المال، وفي قوله: وزيادة عشرة كان القول للمضارب بالإجماع.

وذكر شيخ الإسلام المعروف بجواهر زاده

(4)

: الفرق بين المضاربة وبين المتنازع فيه من طرف أبي حنيفة رضي الله عنه في مبسوطه فقال: ولا يلزم [في]

(5)

المضاربة؛ لأن في المتنازع فيه اتفقا على عقد واحد، وفي المضاربة ما اتفقا بل اختلفا، فرب المال ادّعى الإجارة، فإن

(6)

المضاربة متى فسدت جنازة

(7)

إجارة فاسدة، وإذا

(8)

جازت كانت شركة، فادعى المضارب المضاربة والشركة، وأنكر رب المال ذلك وأقر له بالإجارة، فيكون القول لرب المال، وههنا اتفقا على عقد واحد وهو السلم، فإن السلم للحال سلم فاسدًا وليس بعقد آخر.

ألا ترى أنه بحيث

(9)

به في حلفه لا يسلم، فقد اتفقا في عقد واحد واختلفا في جوازه وفساده، فكان القول لمدعي الجواز.

فإن قيل: هذا العذر الذي ذكرتم في المضاربة يشكل بما لو قال: شرطت لك نصف الربح وزيادة عشرة، وقال المضارب: لا بل شرطت [لي] في نصف الربح، فالقول للمضارب، ولم يقل إنهما اختلفا في نوع العقد.

قلنا: هذا لا يلزم؛ لأن المضارب إن ادعى المضاربة والشركة، إلا أن رب المال أقر له بذلك لما قال: شرطت لك نصف الربح، فهو بقوله:"وزيادة عشرة" يدعي فساد العقد بعدما أقر له فالجواز

(10)

؛ لأن قوله: "وزيادة عشرة" معطوف على قوله: "شرطت لك نصف الربح" فأول الكلام لا يقف على وجوده لمن

(11)

قال: أنت طالق وطالق لغير المدخول بها، بخلاف ما لو قال: إلا عشرة؛ لأن هذا استثناء، وأول الكلام مما يقف على الاستثناء، وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله

(12)

: ولأبي حنيفة رحمه الله أنهما اتفقا على عقد واحد، واختلفا في الصحة والفساد فيكون القول قول من يدعي الصحة كالمتناكحين إذا اختلفا، فأحدهما يدعي النكاح بغير شهود، والآخر بشهود، كان القول قول من يدعي النكاح بشهود، بخلاف مسألة المضاربة؛ لأن ثمة ما اتفقا على عقد واحد؛ لأن المضاربة إذا صحت يكون شركة، وإذا فسدت كانت

(13)

إجارة للعامل، فإن

(14)

كان الظاهر من حالة

(15)

أنه لا يباشر الفاسد، لا يكون الظاهر من حالة أنه لا يباشر العقد الآخر.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

العناية شرح الهداية (7/ 111)، قرة عين الأخيار لتكملة رد المحتار لعلاء الدين محمد بن (محمد أمين المعروف بابن عابدين) بن عمر بن عبد العزيز عابدين الحسيني الدمشقي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، (8/ 420).

(3)

في (ت): القول.

(4)

المبسوط (22/ 91).

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

في (ت): لأن.

(7)

في (ت): صارت.

(8)

في (ت): فإذا.

(9)

في (ت): يحنث.

(10)

في (ت): بالجواز.

(11)

في (ت): كمن.

(12)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 122).

(13)

في (ت): تكون.

(14)

في (ت): وإن.

(15)

في (ت): حاله.

ص: 178

ولا يلزم على ما قلنا إذا اختلفا في النكاح، فقال الزوج: تزوجتك حال ما كنت صغيرًا، وقال

(1)

المرأة: تزوجني بعد البلوغ، فإن القول قول الزوج، وإن كان فيه فساد العقد؛ لأن ثمة ما أقر بالعقد، بل أنكر العقد، حيث أسنده إلى حال عدم الأهلية.

قال: لأنه ليس بلازم، أي لأن عقد المضاربة (ليست بعقد لازم)

(2)

؛ لأن كل واحد من رب المال والمضارب يتمكن من فسخه بعد عقد المضاربة، وإذا كان غير لازم يرتفع العقد باختلاف المتعاقدين، وإذا ارتفع العقد بالإنكار بقي دعوى المضارب

(3)

في مال رب المال، فالقول للمنكر وهو رب المال.

أما السلم فعقد لازم، فبالاختلاف لا يرتفع العقد [بالإنكار]

(4)

، وإنما يرتفع عند رفع المتعاقدين معًا، فلما كان كذلك كان مدعي الفساد متعينًا؛ لأنه لا فائدة في إنكاره، فكان قوله مردودًا.

وإن خرج خصومة بأن ادعى المسلم إليه الأجل، ورب السلم

(5)

ينكره، [فالقول قول المدعي للصحة عنده، وعندهما للمنكر، وإن أنكر الصحة]

(6)

.

يقال: رفعه

(7)

هذا الثوب، أي جودته (يراد غلظه)

(8)

وثخانته، وإن كان ثوب حرير لا بد من بيان ** أيضاً.

وذكر في المبسوط

(9)

: وإذا أسلم في الحرير ينبغي أن يشترط الوزن؛ لأن قيمة الحرير تختلف باختلاف الوزن، وينبغي أن يشترط الطول والعرض مع الوزن؛ لأن المسلم إليه ربما يأتي وقت حلول الأجل يقطع الحرير بذلك الوزن، ونحن نعلم يقينًا أنه لم يرد به قطع الحرير، وأما في الثياب فلا يشترط الوزن.

وذكر في الذخيرة

(10)

: قال بعض مشايخنا: ولا شك أن بيان الوزن في الكرباس

(11)

ليس بشرط؛ لأن الكرباس لا يختلف باختلاف الوزن.

وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله

(12)

: اشتراط الوزن في الوداري

(13)

وما يختلف بالنقل والخفة، ثم ذكر اشتراط الوزن في الحرير كما ذكر في المبسوط

(14)

، ثم قال: وفي المنتقى

(15)

: إذا باع ثوب خر

(16)

بثوب خريداً تبدلاً يجوز، إلا وزنًا فلا

(17)

خير فيه، أي لا يجوز؛ لأن في الجواز خيراً، وإن استصبغ

(18)

به شيئاً من ذلك بغير أجل جاز استحساناً.

(1)

في (ت): وقالت.

(2)

في (ت): ليس بلازم.

(3)

في (ت): المضاربة.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

في (ت): رب المال.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

في (ت): رقعة.

(8)

في (ت): مراده غلظته.

(9)

المبسوط (12/ 133).

(10)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 79).

(11)

الكِرْباسُ فارسيٌّ معرب، بكسر الكاف. والكِرْباسَةُ أخصُّ منه. والجمع الكرابيس، وهى ثياب خشنة. الصحاح (3/ 970).

(12)

العناية شرح الهداية (7/ 113).

(13)

في (ت): الوادري.

(14)

المبسوط (12/ 133).

(15)

المنتقى في الفقه الحنفي لمُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد، أبو الفضل المروزي السلمي البلخي، الشهير بالحاكم الشهيد، قاض، ووزير، كان عالم مرو، وإمام الحنفية في عصره، ولى قضاء بخارى، (ت 334 هـ)، جمع في مصنفه نوادر المذهب الحنفي. كشف الظنون (2/ 1851).

(16)

في (ت): حرير.

(17)

في (ت): لا.

(18)

في (ت): استصنع.

ص: 179

اعلم أن صورة الاستصناع هي ما ذكره صدر الإسلام رحمه الله في الجامع الصغير

(1)

وقال: صورته أن يجيء إنسان إلى آخر فيقول: احرز لي خفًا صفته

(2)

كذا، وقدره كذا بكذا درهمًا، وسلم

(3)

له جميع الدراهم، (أو لا نسلم)

(4)

أو يسلم بعضه، وإنما يجوز الاستصناع فيما للناس فيه تعامل؛ للإجماع الثابت بالتعامل؛ لأن الجواز ثابت بالإجماع، وإنما الاختلاف في أنه بيع أو عدة.

فإن قيل: يشكل على الاستبدال على الجواز لتعامل الناس مسألة المزارعة على قول أبي حنيفة رحمه الله، فإن (المزارعة والمعاملة)

(5)

فاسدتان عنده، وإن كان للناس فيهما تعامل.

قلنا: لا كذلك، فإن الخلاف فيهما كان ثابتًا في الصدر الأول، (وهذا كان)

(6)

على الاتفاق، كذا ذكره الإمام قاضي خان

(7)

.

وفي القياس لا يجوز؛ لأن المستصنع

(8)

فيه مبيع، وهو معدوم، وبيع المعدوم لا يجوز؛ لنهي النبي عليه السلام عن بيع ما ليس عند الإنسان

(9)

، هذا في حكم بيع العين، فلو كان موجودًا غير مملوك للعاقد لم يجز بيعه، فإذا كان معدومًا أولى.

ولكنا تركنا القياس؛ لتعامل الناس في ذلك، فإنهم

(10)

تعاملوه من لدن رسول الله عليه السلام إلى يومنا هذا من غير نكير [منكر]

(11)

، وتعامل الناس من غير نكير أصل من الأصول كبير؛ لقوله عليه السلام:«ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن»

(12)

، وقال:«لا تجتمع أمتي على الضلالة»

(13)

، وهو نظير دخول الحمام بأجر جائز؛ لتعامل الناس، وإن كان مقدار المكث، وما يصب من الماء مجهولاً.

(1)

درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 198).

(2)

في (ت): صورته.

(3)

في (ت): يسلم.

(4)

في (ت): ولا يسلم.

(5)

في (ت): المعاملة والمزارعة.

(6)

في (ت): وكان هذا.

(7)

فتح القدير (7/ 115).

(8)

في (ت): الاستصناع.

(9)

أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 402)، وأبو داود في كتاب البيوع- باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (3503)، والترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (1232)، والنسائي في كتاب البيوع- باب بيع ما ليس عند البائع (4613)، وابن ماجه في كتاب التجارات- باب النهي عن بيع ما ليس عندك (2187)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (7206).

(10)

في (ت): لأنهم.

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(12)

أخرجه أحمد (3600)، قال الألباني في الضعيفة ح 533: لا أصل له مرفوعا، وإنما ورد موقوفا على ابن مسعود قال:"إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد .. " إلخ.

(13)

أخرجه الترمذي في أبواب الفتن - باب ما جاء في لزوم الجماعة (2167)، وصححه الألباني.

ص: 180

وكذلك شرب الماء من السقا [صار من غير بيان قدر المشروب] بفلس، والحجامة تاجر جائز

(1)

؛ لتعامل الناس، وإن كان مقدار ما يشرط أو يضع من الكبة على ظهره غير معلوم.

وفي الحديث أن النبي عليه السلام استصنع خاتمًا

(2)

، واستصنع المنبر

(3)

، فإذا ثبت هذا (يترك كل)

(4)

قياس في مقابلته.

وكان الحاكم الشهيد

(5)

رحمه الله يقول: الاستصناع مواعدة، وإنما ينعقد العقد بالتعاطي إذا جاء مفروغًا عنه، ولهذا يثبت الخيار لكل واحد منهما، والأصح أنه معاقدة، فإنه أجرى

(6)

فيه القياس والاستحسان والمواعيد يجوز قياساً واستحساناً، كذا في المبسوط

(7)

.

وذكر صدر الإسلام في الجامع الصغير

(8)

: وبثبوت الخيار لكل واحد منهما (لا يتبين على أنه)

(9)

ليس ببيع، ألا ترى أن اثنين لو تبايعا عرضاً بعرض، ولم ير كل واحد منهما ما اشترى، فلكل واحد منهما الخيار وهو بيع محض

(10)

.

وقال

(11)

: لا عدة نفي القول

(12)

الحاكم الشهيد كما ذكرنا، والدليل على أنه معاقدة بيع لا مواعدة من وجوه:

أحدها: جريان القياس والاستحسان كما ذكرنا.

والثاني: أنه فصل في جوازه بين الناس فيه تعامل، وبين ما لا تعامل فيه، ولو كان مواعدة لجاز في الكل.

والثالث: أثبت فيه خيار الرؤية، وخيار الرؤية إنما يكون في البيع.

والرابع: تسمية محمد رحمه الله لذلك شرى

(13)

، فقال: كان المستصنع إذا رآه بالخيار؛ لأنه اشترى ما لم يره، فقد [سماه] شرى

(14)

.

(1)

في (ت): جاز.

(2)

أخرجه البخاري في كتاب اللباس- باب فص الخاتم (5870)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة- باب لبس النبي خاتمًا من ورق، نقشه محمد رسول الله، ولبس الخلفاء له من بعده (640).

(3)

أخرجه البخاري في كتاب الصلاة - باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد (448)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة- باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة (544).

(4)

في (ت): ترك من.

(5)

محَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد، أبو الفضل المروزي السلمي البلخي، الشهير بالحاكم الشهيد، قاض، ووزير، كان عالم مرو، وإمام الحنفية في عصره، ولى قضاء بخارى، (ت 334 هـ)، من كتبه (الكافي) و (المنتقى) كلاهما في فروع الحنفية. الجواهر المضية (2/ 112)، الأعلام (7/ 20).

(6)

في (ت): جرى.

(7)

المبسوط (12/ 139).

(8)

فتح القدير (9/ 95).

(9)

في (ت): تبين أنه.

(10)

في (ت): مخصوص.

(11)

في (ت): وقوله.

(12)

في (ت): لقول.

(13)

في (ت): شراء.

(14)

في (ت): شراء.

ص: 181

والخامس: أنه إذا قبض الآخر

(1)

فإنه يملكه، ولو كانت مواعدة ولا معاقدة لكان لا يصير الآخر

(2)

ملكًا له، كذا في الذخيرة.

والمعدوم قد يعتبر موجودًا كالناسي للتسمية عند الذبح يجعل التسمية موجودًا

(3)

؛ لعذر النسيان.

وكذلك الطهارة للمستحاضة يجعل موجودة؛ لعذر جواز الصلاة، لئلا يتضاعف الصلاة عليها، فالتسمية والطهارة معدومتان، فيتقدر [حقيقة]

(4)

جعلتا موجودتين؛ لما ذكرنا، كما أن الموجود حقيقة يجعل معدومًا للعذر؛ كالماء المعد لدفع العطش، يجعل معدومًا حتى جاز التيمم (بوجوده)

(5)

حقيقة، فكذلك ههنا المستصنع معدوم، يجعل موجودًا حكمًا للتعامل، والمعقود عليه العين دون العمل، حتى لو حاط

(6)

الصانع بالمستصنع لا من صنعه

(7)

، أو صنعه الصانع قبل الأمر بالصنعة

(8)

، يجبر الآمر على القبول، علم أن المعقود عليه هو العين لا العمل، ولهذا ينفي

(9)

قول أبي سعيد البردعي، فإنه يقول: المعقود عليه هو العمل؛ لأن الاستصناع استفعال من الصنع، وهو العمل، فتسمية العقد به دليل على أنه هو المعقود عليه، والأديم والصرم فيه لمنزلة الآلة للعمل، لكن الأصح أن المعقود عليه المستصنع فيه، وذكر الصنعة لبيان الوصف، فإن المقصود هو المستصنع فيه، والدليل عليه أن محمدًا رحمه الله قال: إذا جاء به مفروغًا عنه فللمستصنع الخيار؛ لأنه اشترى شيئاً لم يرده، وخيار الرؤية إنما يثبت فيه بيع العين فعرفنا أن المبيع هو المستصنع فيه، كذا في المبسوط

(10)

.

فإن قيل: لو كان بيعًا لما بطل بموت الصانع أو المستصنع.

وذكر الإمام قاضي خان في الجامع الصغير

(11)

: يبطل الاستصناع بموت [أحدهما]، والسلم لا يبطل لموته

(12)

بهما، وكذلك

(13)

[في]

(14)

سائر البياعات، قلنا: الاستصناع شبه بالإجارة من حيث أن فيه طلب الصنع وهو العمل، وشبه بالبيع من حيث أن المقصود منه عين المستصنع فليشهد بالإجازة.

(1)

في (ت): الأجر.

(2)

في (ت): الأجر.

(3)

في (ت): موجودة.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

في (ت): مع وجوده.

(6)

في (ت): لو جاء.

(7)

في (ت): صنعته.

(8)

في (ت): باستصناعه.

(9)

في (ت): انتفى.

(10)

المبسوط (12/ 139).

(11)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 124).

(12)

في (ت): بموتهما.

(13)

في (ت): وكذا.

(14)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت.

ص: 182

قلنا: يبطل بموت أحدهما، ولشبهه بالبيع وهو المقصود أجرينا القياس والاستحسان، وأثبتنا خيار الرؤية، ولم يوجب تعجيل الثمن في مجلس العقد ما في بيع العين، وذكر في الذخيرة: وينعقد الاستصناع إجارةً ابتداءً بيعًا انتهاءً متى سلم، ولكن قبيل التسليم لا عند التسليم، بدليل أنهم قالوا بأن الصانع إذا مات قبل تسليم العمل بطل الاستصناع، ولا يستوفي المصنوع من ركنه

(1)

، ولو انعقد بيعًا ابتداءً وانتهاءً لكان لا يبطل بموته، كما في بيع العين والسلم، قال

(2)

محمد: إذا أتى به الصانع كان المستصنع بالخيار؛ لأنه اشترى شيئاً لم يره، ولو انعقد إجازة

(3)

ابتداءً وانتهاءً لم يكن [له]

(4)

خيار الرؤية، كما في الخياط والصباغ، ولو كان ينعقد عند التسليم لا قبله بساعة لم يثبت خيار الرؤية؛ لأنه يكون مشترياً ما رآه، وخيار الرؤية لا يثبت في المرئي، والمعنى في ذلك أن المستصنع طلب منه العمل والعين جميعًا، ولا بد من اعتبارهما جميعًا، واعتبارهما جميعًا في حالة واحدة متعذر؛ لأن بين الإجارة والبيع تنافياً، (فجوزنا إجازة)

(5)

ابتداء؛ لأن عدم المعقود [دار من غير بيان المدة ومقدار الماء ** يستعمل، كذا في البدائع

(6)

عليه لا يمنع انعقاد الإجازة

(7)

، ويمنع انعقاد البيع فاعتبرناهما جميعًا؛ توفيراً على الأمرين حفظهما، كما فعلنا هكذا في الهبة بشرط العوض، اعتبرناها تبرعًا في الابتداء عملاً باللفظ، وبيعًا انتهاء عملاً بالمعنى، فكذا هنا، فلما كان بيعًا انتهاء، أورده محمد في كتاب البيوع

(8)

.

فإن قيل: لو كان ينعقد إجارة لكان الصانع يجبر على العمل، ويجبر المستصنع على إعطاء الدراهم كما في سائر الإجارات، ولو أتى الصانع لمصنوع

(9)

صنعه قبل العقد يرى

(10)

الصانع عما لزمه بالاستصناع، ولو انعقد إجازة

(11)

لا يستحق عليه العمل بعد العقد.

قلنا: الروايات في لزوم الاستصناع وعدم لزومه مختلفة، روى

(12)

أبو

(13)

يوسف عن أبي حنيفة -رحمهما الله-: أن الصانع لا يجبر على العمل، بل يتخير إن شاء فعل، وإن شاء (لم يفعل)

(14)

.

(1)

في (ت): تركته.

(2)

في (ت): وقال.

(3)

في (ت): إجارة.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

في (ت): فجوزناه إجارة.

(6)

بدائع الصنائع (5/ 3).

(7)

في (ت): الإجارة.

(8)

بدائع الصنائع (6/ 119).

(9)

في (ت): بمصنوع.

(10)

في (ت): برئ.

(11)

في (ت): إجارة.

(12)

في (ت): روي عن.

(13)

في (ت): أبي.

(14)

في (ت): ترك.

ص: 183

وإذا أتى الصانع بالمصنوع لا يجبر المستصنع على القبول، فوجه ذلك: أما

(1)

الصانع إنما لم يجر على العمل، وإن كان ينعقد إجارته

(2)

؛ لأنه لا يمكنه العمل إلا بالإتلاف

(3)

عين والإجارة يفسخ بهذا القدر.

ألا ترى أن المدارع

(4)

له أن يمتنع من العمل إذا كان البذر من جهته، ورب الأرض كذلك؛ لأنه لا يمكنه المعنى

(5)

بهذه الإجازة

(6)

، الإتلاف

(7)

عين، وكذلك لو استأجر رجلاً ليقطع يده، وقد وقعت فيها أكلة، كان له أن يمنع، فكذا هذا، ولا يجبر المستصنع على إعطاء الدراهم، وإن شرط تعجيله؛ لأن هذه الإجارة في الأجرة شرى

(8)

، ما لم يره، ومن اشترى ما لم يره كان له أن ينفسخ

(9)

العقد، ولا يعطي البدل، ولأن جواز الاستصناع بخلاف القياس؛ لأجل الحاجة والضرورة في الجواز لا في اللزوم، وعن هذا قلنا: أن للصانع أن يبيع المصبوغ

(10)

قبل أن يراه المستصنع؛ لأن العقد ليس بلازم، فإذا رآه ورضي به ليس له أن يبيعه؛ لأن الصانع بالإحصار

(11)

أسقط خياره، ولزم العقد من جانبه، فإذا رضي به المستصنع ثبت اللزوم في حقه أيضاً، وقال أبو يوسف رحمه الله: آخر الأخبار

(12)

لواحد منهما، بل يجبر الصانع على العمل، ويجبر المستصنع على القبول، فوجه ذلك أما

(13)

الصانع ضمن العمل فيجبر عليه، وأما المستصنع فلأنه لو لم يجبر على القبول يتضرر به الصانع؛ لأنه عسى لا يشتريه غيره منه أصلاً، أولاً

(14)

يشتري بذلك القدر من الثمن فيجبر على القبول؛ دفعًا للضرر عن الصانع.

وأما قوله: لو أتى بمصنوع صنعه قبل العقد لم يجبر على العمل، قلنا: المقصود من العمل المعمول، فإذا سلم [المعمول]

(15)

سقط عنه العمل، هذا كله من الذخيرة.

ولا يتعين إلا بالاختيار، أي باختيار المستصنع، وقوله: وهذا كله هو الصحيح راجع إلى قوله: أنه يجوز

(16)

بيعًا لا عدة.

وقال

(17)

: والمعقود عليه العين دون العمل.

(1)

في (ت): أن.

(2)

في (ت): إجارة.

(3)

في (ت): بإتلاف.

(4)

في (ت): المزارع.

(5)

في (ت): المضي.

(6)

في (ت): الإجارة.

(7)

في (ت): إلا بإتلاف.

(8)

في (ت): شراء.

(9)

في (ت): يفسخ.

(10)

في (ت): المصنوع.

(11)

في (ت): بالإحضار.

(12)

في (ت):. الإجبار

(13)

في (ت): لأن.

(14)

في (ت): ولا.

(15)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(16)

في (ت): ينعقد.

(17)

في (ت): وقوله.

ص: 184

وقال

(1)

: ولا يتعين إلا بالاختيار لما أن في كل منهما قولاً آخر، وقد ذكرناه، وهو الخيار

(2)

، أي المستصنع بالخيار، ولا خيار للصانع، هذا مخالف لما ذكرنا من رواية الذخيرة في رواية [عن]

(3)

أبي يوسف عن أبي حنيفة -رحمهما الله-: أن الصانع لا يجبر على العمل، بل ينجبر

(4)

إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل.

وكذا أيضاً ذكره

(5)

الإمام قاضي خان

(6)

رحمه الله هذه الرواية من غير خلاف أحد، فقال: وإذا كان عقدًا كان للمستصنع خيار الرؤية في ظاهر الرواية؛ لأنه اشترى [شيئاً] لم يره، وهل للصانع خيار أن لا يعمل له ذلك لأنه لا يتمكن من العمل إلا بإتلاف المال، وهو قطع الأديم ونحوه، فلا يجبر على ذلك، كما لو أخذ أرضاً مزارعة على أن البذر من قبل العامل، فإنه لا يجبر على العمل.

وقال

(7)

: إلا بضرر، أي إلا بإتلاف شيء هو عين، وهو قطع الصرم، وغيره كإتلاف الحنطة في ضرره

(8)

.

فإن قيل: قطع الصرم وغيره وإن كان ضرراً لا يعتبر ضرراً في حق الصانع؛ لأنه ضرر مرضي في حقه.

قلنا: جاز أن يكون رضاه بسبب ظن أن المستصنع مجبور على القبول، فلا علم أن المستصنع مختار في القبول (إلا برضى)

(9)

، حينئذ بقطع الصرم غاية الأمر أن هذا التقرير يقتضي اعتبار الجهل عذراً، والجهل ليس بعذر في دار الإسلام؛ لأنا نقول خيار المستصنع اختيار بعض المتأخرين من أصحابنا، وليس على كل واحد من المسلمين في دار الإسلام علم أقوال جميع المجتهدين من اختياراتهم، إذ لو كان مشروطًا ذلك كان كل الناس علماء

(10)

وأهل الفتوى، وليس ذلك بمأخوذ على الناس أجمع بالإجماع، فقد يخفى على العلماء الذين هم في تفتيش المسائل الليل والنهار بعض أقوال المجتهدين من أولي الأبصار، فكيف على العامي الذي بناء أمره على التقليد، وقد لا يكون ذلك على التسديد، وأما قولهم: الجهل ليس بعذر في دار الإسلام فذلك في الفرائض التي لا بد لإقامة دينه منها، لا في خياره اجتهاد [و]

(11)

جميع المجتهدين.

أما الصانع فلما ذكرنا، يعني لا خيار للصانع لما ذكر أن الاستصناع يجوز بيعًا لا عدة، والبائع إذا باع شيئاً لم يره لا يكون له الخيار؛ لأنه لا يشتريه غيره بمثله، وقد لا يشتريه غيره أصلاً، كما لو استصنع منبراً من يعظ للناس عليه، فالعامي لا يشتريه أصلاً، فلذلك لم يجعل للمستصنع خيار الرؤية، كما في السلم ليس لرب السلم خيار الرؤية، ولكن هذا غير ظاهر الرواية.

(1)

في (ت): وقوله.

(2)

في (ت): بالخيار.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): يخير.

(5)

في (ت): ذكر.

(6)

المبسوط (12/ 139).

(7)

في (ت): وقوله.

(8)

في (ت): جزئه.

(9)

في (ت): لا يرض.

(10)

في (ت): عالما.

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

ص: 185

وقال في المبسوط

(1)

: وفرق في ظاهر الرواية بين هذا والسلم.

وقال: لا فائدة في إثبات الخيار في السلم؛ لأن المسلم فيه دين في الذمة، وإذا رد المقبوض عاد دينًا كما كان.

وههنا إثبات الخيار مفيد؛ لأنه مبيع عين فبرده ينفسخ العقد ويعود إليه رأس ماله، وصح يوضح الفرق أن إعلام الدين بذكر الصفة، إذ لا يتصور فيه المعاينة، فقام ذكر الوصف في المسلم فيه مقام الرؤية في بيع العين.

فأما

(2)

إعلام العين فتمامه بالرؤية، والمستصنع فيه مبيع عين، فلهذا يثبت فيه خيار الرؤية، ولا يجوز فيما لا يعامل فيه كالثياب، فإنه إذا أمر نساجاً ينفسخ

(3)

ثوباً من عدل نفسه لا يجوز؛ لأنه لا يعامل فيه، وإنما قال: بغير أجل وهو قوله في أول مسألة الاستصناع: وإن استصنع شيئاً من ذلك بغير أجل [جاز]

(4)

؛ لأنه لو ضرب الأجل فيما فيه تعامل

(5)

يصير سلمًا عند أبي حنيفة رحمه الله، إنما قيد لفظه

(6)

فيما فيه تعامل

(7)

؛ احترازاً عن ضرب الأجل فيما لا تعامل فيه، كالثياب فإنه يصير سلمًا بالاتفاق على ما ذكر في الكتاب، ثم المراد بضرب الأجل ما هو المراد من ضرب الآجال التي يضرب بها للسلم

(8)

، فقال في المبسوط: هذا إذا ذكره

(9)

المدة على سبيل الاستمهال، أما إذا كان على سبيل الاستعجال بأن قال: على أن يفرغ عنه غدًا أو بعد غد، فهذا لا يكون سلمًا **

(10)

، ذكر المدة للنزاع

(11)

من العمل لا لتأخير المطالبة بالتسليم، ألا ترى أنه ذكر (أو في مدة يمكنه)

(12)

الفراغ فيها من العمل، ويحكى عن الهندواني

(13)

قال: إن كان ذكر المدة من قبل المستصنع فهو للاستعجال، فلا يصير به سلمًا، وإن كان الصانع هو الذي ذكر المدة فهو سلم؛ (لما يذكره)

(14)

على سبيل الاستمهال

(15)

.

وقيل: إن ذكر أدنى مدة يتمكن فيها من العمل فهو الاستصناع

(16)

، وإن كان أكثر من ذلك فهو سلم؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأعمال، فلا يمكن تقديره بشيء معلوم، ثم فيما كان سلمًا يعتبر فيه شرائط السلم من قبض رأس المال في المجلس، ولا خيار للمستصنع إذا أتى بالمصنوع على الوصف الذي وصفه، لهما أن اللفظ حقيقة للاستصناع

(17)

إلى آخره، هما يقولان: ذكر الأجل يقتضي أن يكون سلمًا، وذكر الاستصناع يقتضي أن يكون غير سلم، إلا أن ذكر الأجل محتمل؛ لأنه يحتمل أن يكون ذكره للتعجيل، ويحتمل أن يكون للاستمهال.

(1)

المبسوط (12/ 139).

(2)

في (ت): وأما.

(3)

في (ت): لينسج.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

في (ت): التعامل.

(6)

في (ت): بقوله.

(7)

في (ت): التعامل.

(8)

في (ت): السلم.

(9)

في (ت): ذكر.

(10)

في (ت): لأن.

(11)

في (ت): للفراغ.

(12)

في (ت): أدنى مدة يمكنه.

(13)

المبسوط (12/ 140).

(14)

في (ت): لأنه لا يذكر.

(15)

في (ت): الاستعجال.

(16)

في (ت): استصناع.

(17)

في (ت): الاستصناع.

ص: 186

و

(1)

الاستصناع محكم في تناول ما وضع له غير محتمل لشيء آخر، فيحمل لمحتمل

(2)

على الحكم

(3)

، فيقال: إن ذكر الأجل للتعجيل؛ ليترجح الحكم

(4)

على المحتمل، وليكون الاستصناع على حقيقة.

وذكر في المبسوط

(5)

: أن الاستصناع بدون ذكر الأجل عقد جائز غير لازم، فيذكر الأجل فيه لا يصير لازمًا كعقد الشركة والمضاربة، وهذا لأن ذكر الأجل أثر فيه تأخير المطالبة، ولا يعتبر العقد من جنس إلى جنس آخر، ولو كان الاستصناع بذكر الأجل فيه يصير سلمًا، فصار السلم بحذف الأجل منه استصناعاً، ولو كان هذا سلمًا لكان سلمًا فاسدًا؛ لأنه شرط فيه صنعة صانع بعينه، وذلك مفسد للسلم، وأبو حنيفة رحمه الله يقول: هذا مبيع دين، والمبيع الدين لا يكون إلا سلمًا، كما لو ذكر لفظة السلم، وبيانه ما ذكرنا أن المستصنع فيه مبيع، والأجل لا يثبت إلا في الديون، فلما ثبت فيه الأجل ههنا [عرفنا] أنه مبيع دين، وتأثيره أن المعتبر ما هو المقصود، وبه يختلف العقد، لا باعتبار اللفظ، ألا ترى أنه لو قال: ملكتك هذه العين بعشرة دراهم كان بيعًا، ولو قال: سكنى هذه الدار شهراً كان إجارة، فعرفنا أن المعتبر ما هو المقصود، ثم السلم أقرب إلى الجواز من الاستصناع، فإن

(6)

كل واحد منهما مستحسن، ولكن الآثار في السلم مشهورة، وهو جائز فيما للناس فيه تعامل، وفيما لا تعامل فيه، فكان الأصل فيما قصداه

(7)

السلم، إلا إذا تعذر جعله سلمًا بأن لم يذكر فيه أجلاً، فحينئذ يجعل استصناعاً، فأما إذا أمكن جعله سلمًا بأن ذكر الأجل يجعل سلمًا، ولأن الأجل مؤخّر للمطالبة، ولا يكون ذلك إلا بعد لزوم العقد، واللزوم في السلم دون الاستصناع، فثبوت الأجل فيه دليل على أنه سلم، فذكر الصنعة لبيان وصف المسلم فيه، ولهذا لو جاء به مفروغًا عنه لا من صنعته يجبر على القبول، وبهذا يتبين فساد قولهم: أنه سلم شرط فيه صنعة صانع بعينه، وما قالا

(8)

بأن السلم يحذف

(9)

الأجل (لا يصير)

(10)

استصناعاً يشكل بالمتعة لا يصير نكاحاً بحذف المدة عنها، ثم النكاح بذكر المدة فيه يصير متعة، وهو ما إذا تزوج امرأة شهراً، كذا في المبسوط

(11)

.

(1)

في (ت): أو.

(2)

في (ت): المحتمل.

(3)

في (ت): المحكم.

(4)

في (ت): المحكم.

(5)

المبسوط (15/ 86).

(6)

في (ت): وإن كان.

(7)

في (ت): قصد له.

(8)

في (ت):. قالاه

(9)

في (ت): بحذف.

(10)

في (ت): يصير.

(11)

المبسوط (12/ 140).

ص: 187

وفي تعاملهم الاستصناع نوع شبهة، فإن الشافعي ينكر شرعيته، ولأنه نقل من الصحابة رضي الله عنهم تعاملهم السلم، وفي فعل الصحابة في تعاملهم الاستصناع [نوع]

(1)

شبهة، فكان الحمل على السلم أولى، والله أعلم.

[مسائل منثورة]

(2)

ذكر القدوري

(3)

(4)

رحمه الله: بيع كل ذي ناب من السباع، وذي محلب

(5)

من الطيور جائز، معلمًا كان أو غير معلم، في رواية الأصل، ولا شك في جواز بيع الكلب المعلم؛ لأنه آلة الحراسة والاصطياد فيكون محلاً للبيع.

ألا ترى جاز بيع البازي المعلم والصقر المعلم، وإنما جاز؛ لأنه آلة الاصطياد، وهذا لأنه إذا كان آلة الحراسة والاصطياد كان منتفعًا به حقيقة وشرعًا، فيكون مالاً؛ لأن المال غير الآدمي خلق المنافع

(6)

الآدمي، والمال

(7)

محل للبيع.

وأما بيع كلب غير معلم، فقد ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله

(8)

: أنه إذا كان بحال يقبل التعليم يجوز بيعه، قال رحمه الله: هو الصحيح من المذهب، وهذا لأنه إذا كان يقبل التعليم كان منتفعًا به، فيكون مالاً محلا لبيع

(9)

، الدليل عليه أنه ذكر في النوادر:(أنه لو)

(10)

باع الحر، ويجوز

(11)

بيعه؛ لأنه يقبل التعليم، وإنما لا يجوز بيع العقور الذي لا يقبل التعليم، وهكذا نقول في الأسد:[أنه]

(12)

إذا كان بحيث يقبل التعليم ويصطاد به أنه يجوز بيعه، وإن كان لا يقبل التعليم والاصطياد به لا يجوز البيع، والعهد

(13)

والبازي يقبلان التعليم على كل حال، فيجوز بيعهما على كل حال.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان أبو الحسين القدوري: فقيه حنفي. ولد ومات في بغداد. انتهت إليه رئاسة الحنفية في العراق، وصنف المختصر المعروف باسمه (القدوري) في فقه الحنفية. ومن كتبه (التجريد) في سبعة أجزاء يشتمل على الخلاف بين الشافعيّ وأبي حنيفة وأصحابه، وتوفي يوم الأحد الخامس من رجب سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ببغداد. وفيات الأعيان (1/ 78)، الأعلام (1/ 212).

(4)

العناية شرح الهداية (7/ 118).

(5)

في (ت): مخلب.

(6)

في (ت): لمنافع.

(7)

في (ت): والمحال.

(8)

المبسوط (12/ 20).

(9)

في (ت): للبيع.

(10)

في (ت): ولو.

(11)

في (ت): وجاز.

(12)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(13)

في (ت): والفهد.

ص: 188

وأما القرد فقد اختلفت الروايات فيه عن أبي حنيفة، روى الحسن رحمه الله: أنه يجوز بيعه، وروى أبو يوسف عنه: أنه لا يجوز بيعه.

وروى ابن رستم

(1)

عن محمد: أن

(2)

بيعه وبيع الفيل جائز؛ لأنه منتفع به حقيقة وشرعًا، فهو كسائر الحيوانات

(3)

.

وأما الهرة فقد ذكر شيخ الإسلام: أنه يجوز بيعها، وسئل عطاء بن رباح

(4)

عن ثمن الهرة، فقال: لا بأس به، كذا في الذخيرة والمحيط

(5)

.

وذكر الإمام التمرتاشي

(6)

: بيع كل ذي ناب من السباع و [كل]

(7)

ذي مخلب من الطيور

(8)

جائز، معلمًا كان (أو لا)

(9)

، إلا الخنزير.

وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز بيع الكلب والنمر والأسد.

أن من السحت مهر البغي، [وثمن الكلب]

(10)

، أي أن من الحرام أجرة الزانية من بغت المرأة بغا بالكسر والمد أي زنت فهي بغي، والجمع بغايا، وقوله تعالى:{وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}

(11)

مثل قوله: ملحفة حديد.

عن الأخفش

(12)

: كذا في الصحاح

(13)

، يعني كان من حقها

(14)

أن يقال: [أنها]

(15)

بغية لأنها فعيل بمعنى فاعلة، والحكم فيه أنه يفرق بين المذكر والمؤنث كعليم وعليمة، إلا أنه قد يشبه فعيل فاعل تفعيل بمعنى مفعول فلا يفرق بينهما، بالثامنة قولهم: ملحقة جديد وهذا ملحق به، فكان متيقنًا به، أي فكان جواز البيع متيقنًا.

(1)

إبراهيم بن رستم، أبو بكر المروزي، فقيه حنفي من أصحاب مُحَمَّد بن الحسن، أخذ عن مُحَمَّد وغيره من أصحاب أبي حنيفة، وسمع من مالك والثوري وحماد بن سلمة وغيرهم، وعرض المأمون عليه القضاء فامتنع. وثقه بعض أهل الحديث، وقال بعضهم: منكر الحديث، من تصانيفه:"النوادر" كتبها عن مُحَمَّد. الجواهر المضيئة (1/ 38)، الفَوَائِد البهية (1/ 9).

(2)

في (ت): أنه يجوز.

(3)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 348).

(4)

عطاء بن أبى رباح القرشي، واسم أبى رباح أسلم، نشأ بمكة وكان أسود أعور أشل أعرج، ثُمَّ عمى في آخر عمره، وكان من سادات التابعين فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلًا لم يكن له فراش إِلاَّ المسجد الحرام إلى أن مات سنة أربع عشرة ومائة. التاريخ الكبير (6/ 463)، الجرح والتعديل (6/ 330).

(5)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 348).

(6)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 126).

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

في (ت): الطير.

(9)

في (ت): أو غير معلم.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

[مريم: 28].

(12)

أبو الحسن عليّ بن سليْمان بن الفضل، قَدِم مِصرَ سنة سبع وثمانين ومئتين، وخرج إلى حلب، ثم عاد إلى بغداد، وتوفي بها، وهو ابن 80 سنة. له تصانيف، منها " شرح سيبويه " و " الأنواء " و " المهذب ". طبقات النحويين واللغويين لمحمد بن الحسن بن عبيد الله بن مذحج الزبيدي الأندلسي الإشبيلي، أبي بكر، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة: الثانية، الناشر: دار المعارف (1/ 115)، الأعلام، (4/ 291).

(13)

الصحاح تاج اللغة (6/ 2282).

(14)

في (ت): حقه.

(15)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

ص: 189

ولنا أنه نهى عليه السلام عن بيع كلب، إلا كلب صيد، [أو ماشية

(1)

(2)

.

فإن قلت: المدعي جواز بيع جميع الكلاب المعلم وغير المعلم، وهذا الحديث يقتضي جواز بيع كلب الصيد والماشية لا غير فما وجه

(3)

.

قلت: إيراد الحديث لإبطال مذهب الخصم، لا لإثبات المدعي، فإن الخصم يدعي شمول عدم الجواز في أنواع الكلاب كلها، فيثبت بهذا الحديث أن شمول عدم الجواز في أنواع الكلاب كلها غير ثابت.

وأما إثبات المدعي فبحديث ذكره في الأسرار برواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: «قضى رسول الله عليه السلام في كلب بأربعين درهمًا»

(4)

، فذكره مطلقاً من غير تخصيص في أنواع الكلاب في التضمين، وتضمين المتلف دليل على تقوم المتلف، أو يقول المدعي: جواز بيع الكلب المعلم وغير المعلم سوى العقور فيثبت ذلك بهذا الحديث، وذلك لأن جواز بيع الكلب المعلم استفيد بقوله: إلا كلب صيد، وجواز بيع الكلب غير المعلم بقوله: أو ماشية، [وذلك]

(5)

لأن كل كلب يصلح لحراسة الماشية، إذ من عادة الكلاب نباحها عند حس الذئب أو السارق، فبقي العقور تحت المستثنى منه، ولأنه منتفع به حراسته، فكان

(6)

مالاً فيجوز بيعه، وهذا لأن محل البيع مال متقوم.

وكذلك المضمون بالغصب [مال متقوم]

(7)

، والكلب مال متقوم (مثل العهد)

(8)

؛ لأن المال اسم لما يقع عليه ملك اليمين بالاستيلاء، وهو الذي خلق لمصالح الآدمي مما في البر والبحر؛ لأن الله تعالى يقول:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}

(9)

، أضاف إلينا بلام التمليك، فدل أنها في الأصل خلقت مملوكة لبني آدم، فصار الآدمي مالك المال في الأصل، وصار المال اسمًا لغير الآدمي مما يصلح لمصالح الآدمي، والملك يثبت بالإفراز

(10)

والقيمة بالتمول، فإن الصيد قبل الإحراز لا يكون مملوكًا، وما لا يتمول من الأملاك كحبة حنطة وشربة ماء من المياه وكف تراب لا يتقوم؛ لأنه لا يتمول، ولأن الكلب يورث ويوصى به فيصح، وغير الملك لا يورث ولا يصح به الوصية، وكذلك الخمر لا يتقوم؛ لأن الشرع نهانا عن تمولها، ففسد التمول شرعًا، وانعدم

(11)

حكمًا، وإن وجد حقيقة، وإذا ثبت هذا، والكلب غيرنا فكان مالاً، وملك (بالأجر ثم تمول)

(12)

تمولاً صحيحًا؛ لأن الشرع أباح الانتفاع به لما جعله آلة الاصطياد، فصح التمول بإباحة الشرع، فثبت حكمه وهو القيمة.

(1)

أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد _ باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية (5481)، ومسلم في كتاب المساقاة _ باب الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخه، وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد، أو زرع، أو ماشية ونحو ذلك (1571).

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

في (ت): وجهه.

(4)

أخرجه الدارقطني في سننه، سنن الدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، تحقيق: شعيب الارنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2004 م (5/ 436). وقال ابن حجر:"هَذَا إِسْنَادٌ وَاهٍ جِدًّا". انظر: المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، لأبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني، الناشر: دار العاصمة، دار الغيث - السعودية، الطبعة: الأولى، 1419 هـ (7/ 93).

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

في (ت): فيكون.

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

في (ت): كالعهد.

(9)

[البقرة: 29].

(10)

في (ت): بالإحراز.

(11)

في (ت): والعدم.

(12)

في (ت): بالإحراز ثم يكون.

ص: 190

قولنا

(1)

: آلة الاصطياد دل على هذه المعاني؛ لأن آلة الصيد غير الصايد، والآدمي صايد، ودل على إباحة المنفعة والانتفاع.

فإن قيل: الكلب تمسك

(2)

للانتفاع لمنافعه

(3)

لا لعينه، والآدمي ينتفع بمنافعه بالإجارة، ولا يدل على أن عينه مال.

قلنا: أن الانتفاع بالمنفعة نفع من الكلب تبعًا لملك

(4)

العين لا قصدًا في المنفعة.

ألا ترى (أنه لا يورث)

(5)

، والمنفعة وحدها لا تورث، فيجري مجرى الانتفاع بمنافع العبد والأمة ولثوب

(6)

وجميع ما لا يؤكل عينه، ولا يتلف إلا بالانتفاع بمنافعه، دل عليه أنا ما جعلنا الانتفاع بها دليلاً على أنه غير محرم العين، فإن مما حرم عينه (لم يجز)

(7)

الانتفاع به كالخمر والخنزير ونحوهما، وهذه الأموال المخلوقة لنا، لا يبطل قيمتها مع قيام للتمول إلا بتحريم الشرع، فإذا أبيح التمول بضرب

(8)

منفعة صح التمول وثبت حكمه وهو القيمة.

فإن قيل: شعر الخنزير ينتفع به الأساكفة، (ولا يجوز)

(9)

بيعها.

قلنا: أن الخنزير محرم العين شرعًا، لا يباح إمساكه لمنفعة توجه فتثبت الحرمة في كل جزء منه؛ من الشعر والعظم وكل شيء، وسقطت القيمة، ثم الإباحة لضرورة الحزر، ولا يدل على رفع الحرمة عن أصله فيما عدا الضرورة؛ كإباحة لحمه حالة الضرورة، لا يدل على صحة التمول وجواز البيع، فأما الكلب فما

(10)

ثبت فيه تحريم مطلق.

ثم إباحة لضرورة

(11)

ليبقى وراها

(12)

على التحريم، هذا كله من الأسرار.

والحديث محمول على الابتداء؛ لأنه روي عن إبراهيم

(13)

أنه قال: روي أن رسول الله عليه السلام: رخص في ثمن كلب الصيد

(14)

، فيذكر الرخصة [فيه]

(15)

يتبين انتساخ ما رووا من النهي، وهذا لأنهم كانوا العفو

(16)

اقتناء الكلاب، وكانت الكلاب (منهم يؤذي)

(17)

الضيفان والغرباء، فنهوا عن اقتنائها، فشق (عليهم ذلك)

(18)

، فأمروا بقتل الكلاب، ونهوا عن بيعها؛ تحقيقاً للزجر عن العادة المألوفة، ثم شبه رخص لهم بعد ذلك في ثمن ما يكون منتفعًا به من الكلاب، وهو كلب الصيد، والحزر

(19)

والماثم

(20)

، [ثم]

(21)

أنه منتفع به في حالة الاختيار، ويجوز تمليكه بغير عوض في حالة الحياة بالهبة، وبعد الموت بالوصية، فيجوز تمليكه بالعوض أيضاً، وبهذا يتبين أنه ليس بنجس العين، فإن الانتفاع (بما هو ينجس)

(22)

العين لا يحل في حالة الاختيار؛ كالخمر، ولا يجوز تمليكه قصدًا بالهبة والوصية، كذا ذكره

(23)

هذه المسألة في كتاب الصيد من المبسوط

(24)

.

(1)

في (ت): وقولنا.

(2)

في (ت): يمسك.

(3)

في (ت): بمنافعه.

(4)

في (ت): لمالك.

(5)

في (ت): أنه يورث.

(6)

في (ت): والثوب.

(7)

في (ت): يحرم.

(8)

في (ت): لصرف.

(9)

في (ت): ويحرم.

(10)

في (ت): فكما.

(11)

في (ت): الضرورة.

(12)

في (ت): ما وراءه.

(13)

إبراهيم بن زيد بن قيس بن الأسود، أبو عمران النخعي، من مذحج اليمن من أهل الكوفة، ومن كبار التابعين، أدرك بعض متأخري الصحابة، ومن كبار الفقهاء، قال عنه الصفدي: فقيه العراق، أخذ عنه حماد بن أبي سليمان وسماك بن حرب وغيرهما. الطبقات الكبرى (6/ 279)، الجرح والتعديل (2/ 144).

(14)

أخرجه النسائي في كتاب الصيد والذبائح – الرخصة في ثمن كلب الصيد (4295)، وصححه الألباني.

(15)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(16)

في (ت): ألفوا.

(17)

في (ت): فيهم تؤذي.

(18)

في (ت): ذلك عليهم.

(19)

في (ت): والحرث.

(20)

في (ت): والماشية.

(21)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(22)

في (ت): بنجس.

(23)

في (ت): ذكر.

(24)

المبسوط (11/ 235).

ص: 191

ولو سلم فيحرم التنازل دون البيع كما في السرقين، فإن عندنا يجوز بيع

(1)

البقر والسرقين، وقال الشافعي [رحمه الله]

(2)

: لا يجوز؛ لأنه نجس العين بمنزلة العذري

(3)

، ولنا أنه قال: منتفع عند الناس من غير نكير.

وأما القدرة

(4)

فلا ينتفع بها، إلا إذا اختلط بالتراب، فحينئذ جاز بيعها تبعًا، كذا ذكره الإمام قاضي خان في الجامع الصغير، فإنه ليس بمال [متقوم في]

(5)

عندنا

(6)

، أي ليس بمال متقوم، ولأنهم مكلفون، أي بالإيمان وبموجب المعاملات.

وذكر في المبسوط

(7)

: ولا يجوز بين أهل الذمة شيء من بيوع الصرف في السلم وغيرهما، إلا ما يجوز بين أهل الإسلام ما خلا بيع الخمر والخنزير، فإني أجيز ذلك بينهم واستحسن ذلك؛ لأنها أموال متقومة في حقهم، ثم لما كانوا مكلفين بهذه الأشياء كانوا محتاجين إلى ما يبقى به أنفسهم، كما في حق المسلمين، ولا يبقي الأنفس إلا بالطعام والشراب والكسوة

(8)

والسكنى، ولا تحصل هذه الأشياء إلا بمباشرة الأسباب المشروعة، ومن تلك الأسباب المشروعة: البيع، فيجب أن يكون البيع مشروعًا في حقهم، كما في حق المسلمين؛ ليتمكنوا من ** أنفسهم، "ولوهم بيعها" الخطاب للعمال، أي اجعلوهم

(9)

ولاة بيعها، والتولية أن يجعله والياً.

ومن قال لغيره: بع عبدك من فلان بألف درهم، على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن سوى الألف إلى آخره.

صورة المسألة هي ما ذكره الإمام المرغيناني، فالإمام

(10)

الكسائي

(11)

-رحمهما الله- وهي

(12)

: أن يطلب إنسان من آخر شرى

(13)

عبده بألف درهم، وهو لا يبيع إلا بألف وخمسمائة، والمشتري لا يرغب فيه إلا بألف، فيجيء آخر ويقول لصاحب العبد: بع عبدك هذا من هذا الرجل بألف، على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن سوى الألف، فيقول صاحب العبد: بعت، ويكون قوله: بعت جواباً للكل.

(1)

في (ت): البيع.

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

في (ت): العذرة.

(4)

في (ت): العذرة.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

في (ت): حقنا.

(7)

المبسوط (13/ 137).

(8)

الكُسْوة من اللِّباس وقد كَسَوته الثوبَ كَسْوا واكتَسَى - لَبِس الكُسْوة وكساهُ: ألْبَسَه، ورجلٌ كاسٍ: ذُو كُسوةٍ. القاموس المحيط (ص: 1712).

(9)

في (ت): اجعلهم.

(10)

في (ت): والإمام.

(11)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 126).

(12)

في (ت): وهو.

(13)

في (ت): شراء.

ص: 192

ولو لم يوجد إباء ولا مساومة، ولكن إيجاب العبد بألف حصل عقيب ضمان الرجل ذلك، كان كذلك استحساناً.

وأما

(1)

ضمانه بعد الإباء والمساومة يصح قياساً واستحساناً.

وذكر فخر الإسلام رحمه الله

(2)

: وأصل ذلك أن أصل الثمن لم يشرع بغير مال

(3)

يقابله، وأما فضول الثمن فيستغني عن ذلك، ويجوز أن يقابله تسمية المال لا حقيقة، ألا ترى أن من باع عبدًا بألفين، وقيمته ألف، أن الألف الزايد

(4)

لا يقابله مال إلا تسمية، فصار الفضل في ذلك بمنزلة بدل الخلع بأصله، وقد صح شرطه على غير العاقد هناك، أعني غير المرأة، فكذلك ههنا، وإن قال:[من] الثمن [فقد]

(5)

وجدت صورة المقابلة، وإن لم يقل

(6)

من الثمن لم يوجد صورة المقابلة ولا معناها.

وقال الإمام التمرتاشي

(7)

: في قوله: و

(8)

قال: بعه بألف على أني ضامن لك خمسمائة من الثمن سوى الألف، فباعه جاز البيع للمشتري بألف وخمسمائة على الأجنبي؛ لأنه جعل زيادة في الثمن، ولا يجوز في حق المشتري حتى لو أدى الألف إلى البائع له أن يقبض العبد، وليس للبائع أن يحبسه لأجل الخمسمائة، ولو أراد المشتري أن يبيعه مرابحة ببيعه مرابحة يبيعه على ألف، وإن كانت داراً فللشفيع أخذها بألف، ولو تقايلا البيع فللأجنبي أن يسترد الخمسمائة من البائع.

وفي قياس قول أبي يوسف رحمه الله أن الإقالة بيع جديد ينبغي أن لا يسترد.

وكذا [لو]

(9)

رده (بعيب بغير قضاء، وبقضاء يسترد)

(10)

.

ولو ضمن الأجنبي بأمر المشتري، وباقي المسألة بحالها، فالزيادة صارت واجبة في حق المشتري، وللبائع أن يحبس العبد حتى يصل إليه ألف وخمسمائة؛ لأنه لما ضمن بأمر المشتري كان للضمين

(11)

أن يرجع على المشتري، فصار كأن المشتري اشتراه بألف وخمسمائة.

وله أن يبيعه مرابحة عليه؛ لأن المرابحة يكون

(12)

بما قام عليه، وللشفيع أحدها

(13)

بذلك.

ولو أراد المشتري رده بعيب بقضاء أو بغير قضاء أو تقايلا فالبائع يرد الألف على المشتري والزيادة على الضمين.

(1)

في (ت): أما.

(2)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 127).

(3)

في (ت): ما.

(4)

في (ت): الزائدة.

(5)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(6)

في (ت): يوجد.

(7)

العناية شرح الهداية (7/ 123).

(8)

في (ت): ولو.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(10)

في (ت): بعيب بقضاء وبغير قضاء يسترد.

(11)

في (ت): للتضامن.

(12)

في (ت): تكون.

(13)

في (ت): أخذها.

ص: 193

وذكر الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي رحمه الله

(1)

: الفرق بين المسألتين من وجهين فقال في المسألة الأولى: ضمن الأجنبي الخمسمائة وصير نفسه زعيمًا حيث قال: من الثمن فيجب عليه، بخلاف ما إذا [قال]

(2)

له: بعه من فلان بألف درهم، على أني ضامن لكن خمسمائة، ولم يقل: من الثمن، فباعه بألف درهم، فإن البيع جائز بألف درهم، ولا شيء على الضامن؛ لأن هناك رشاه على البيع بما سمي من المال، والرشوة حرام لا يلتزم بالضمان.

ثم تحقيق هذا الفرق من وجهين:

أحدهما: أن البيع سبب موجب للثمن، فإذا قال: من الثمن، فإنما جعل الخمسمائة على نفسه مستحق

(3)

للبائع بالبيع، وذلك جائز، وإذا لم يقل: من الثمن، فإنما جعل الخمسمائة للبائع على نفسه بالالتزام ابتداء لا بالبيع، وذلك رشوة التزمها لتحصيل المقصود.

والثاني: أنه إذا قال: من الثمن فقد صار مضيفاً الالتزام

(4)

في

(5)

ما بعد البيع؛ لأن وجوب الثمن يكون بعد البيع، وإذا لم يقل: من الثمن كان هذا التزاماً منه في الحال، بشرط أن يبيعه منه بألف درهم، وذلك [منه]

(6)

غير صحيح.

فإن قيل: كيف يجب شيء من الثمن عليه بالبيع ولم يدخل في ملكه شيء من المعقود عليه.

قلنا: التزام الثمن بالبيع مقصودًا لا يكون إلا ممن يدخل المبيع في ملكه، فأما بيعًا فقد يكون من غير ملكه من يدخل المبيع في ملكه، ولهذا جوزنا من المشتري الزيادة في الثمن، وهذا

(7)

لا يملك شيئاً بمقابلة هذه الزيادة؛ لأن المبيع صار مملوكًا [له]

(8)

كله بالثمن الأول، ولكن لما كانت هذه الزيادة تثبت تبعًا

(9)

وإن لم يملك بمقابلتها شيئاً، كذلك ههنا القائل [إنما]

(10)

يلتزم الخمسمائة من الثمن تبعًا.

فإن قيل: لو ثبتت هذه الخمسمائة ثمنًا له لتوجهت الطالبة [المطالبة] بها على المشتري، ثم الضامن يكون متحملاً عنه، وبالاتفاق لا يطالب المشتري بها.

قلنا: نعم لا يطالب بها؛ لأنه لم يلتزمها، وإنما يطالب بها من التزمها، ويكون من الثمن في حق من التزمها، لا في حق من لم يلتزمها؛ لأن ثبوت الحكم بحسب السبب، وهو كالرجل يقول: بفلان

(11)

على فلان ألف درهم، وإنابة

(12)

كفيل

(13)

[به]

(14)

، وأنكر الأصيل ذلك، فإن الكفيل يصير مطالباً بالألف، والأصيل لا يصير مطالباً بشيء منه لهذا المعنى، وذكر في الفوائد الظهيرية

(15)

سؤالاً وجواباً بوجه آخر فقال:

(1)

المبسوط (22/ 157).

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(3)

في (ت): مستحقا.

(4)

في (ت): للالتزام.

(5)

في (ت): إلى.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(7)

في (ت): وهو.

(8)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(9)

في (ت): ضمنا.

(10)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(11)

في (ت): لفلان.

(12)

في (ت): وأنا.

(13)

الكَفيل: هو الذي ضَمَّ ذمَّته إلى ذمة الآخر والآخرُ هو الأصيل والمكفول عنه والطالبُ هو الدائنُ وهو المكفول له والشيءُ الذي تعهَّد الكفيل بأدائه وتسليمه هو المكفول به. التعريفات الفقهية (1/ 183).

(14)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(15)

العناية شرح الهداية (7/ 123).

ص: 194

فإن

(1)

قيل: يجب أن لا تصح الزيادة في الثمن من الأجنبي؛ لأن أصل الثمن لا يجوز أن يجب على الأجنبي، والمبيع لغيره، فكذلك الزيادة يجب أن لا تجوز من الأجنبي إذا كان ما بإزائها يحصل لغيره.

قلنا: ذكر الفقيه أبو بكر الجصاص

(2)

(3)

، عن الشيخ أبي الحسن الكرخي رحمهم الله أورد هذا السؤال ومنع وقال: يجوز أن يكون أصل الثمن على الأجنبي، والمثمن لغيره، كما تجوز الزيادة في الثمن من الأجنبي وما بإزائها لغيره، وقال: ولا يعرف في هذا رواية منصوص عليها عن أصحابنا.

بخلاف ما قلنا فساغ [لنا]

(4)

المنع، فعلى هذا لا يحتاج إلى الفرق، ثم قال الجصاص: هذا المنع الذي ذكره الكرخي مما يبعد، وذلك لأن عن أصحابنا رواية في هذا، فإن محمدًا رحمه الله ذكر في كتاب الصرف وغيره: أن من اشترى شيئاً بدين له على غيره لا يصح هذا الشراء عند علمائنا؛ لأنه اشترى بشرط أن يكون تسليم الثمن على غيره والثمن لغيره، وإذا كان الشراء بشرط أن يكون تسليم الثمن على غيره والثمن لغيره، وإذا كان الشراء بشرط أن يكون تسليم الثمن على غيره باطلاً، فلا

(5)

يبطل الشراء إذا كان بشرط أن يكون وجوب الثمن والتسليم على غير المشتري أولى، وإذا كان كذلك لم يكن بد من الفرق، والفرق أن القياس بأي

(6)

جواز

(7)

الزيادة

(8)

من الأجنبي في الثمن؛ لأنها بدل المال معاوضة من غير أن يحصل بإزائه عوض، وذلك لا يجوز؛ اعتباراً بأصل الثمن، إلا أنا تركنا القياس بالنص الوارد بجواز قضاء الدين من الأجنبي شرعًا، وهو حديث أبي قتادة الأنصاري

(9)

رضي الله عنه حيث امتنع النبي عليه السلام عن الصلاة على رجل من الأنصار لمكان

(10)

(دين عليه)

(11)

، قال أبو قتادة: هو على وإلي، وفي **

(12)

يا رسول الله، وجود

(13)

ذلك منه، حتى صلى على الميت

(14)

، وذلك القضاء منه بذل المال عوضاً عن دينه من غير أن يحصل له عوض بإزائه، والشرع جوز ذلك؛ لما أشرنا إليه، والزيادة من الأجنبي في الثمن في معناه، فكانت ملحقة به؛ (استدلالاً به)

(15)

.

(1)

في (ت): وإن.

(2)

أحمد بن علي بن الحسين بن شهريار، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص من أهل الري، من فقهاء الحنفية، سكن بغداد ودرس بها تفقه الجصاص على أبي سهل الزجاج، وعلى أبي الحسن الكرخي، انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته. كان إمامًا، رحل إليه الطلبة من الأفاق. من تصانيفه:(أحكام القرآن)، و (شرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي)، و (شرح الجامع الصغير). الجواهر المضية (1/ 84)، والأَعْلَام للزركلي (1/ 171).

(3)

العناية شرح الهداية (7/ 123).

(4)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(5)

في (ت): فلأن.

(6)

في (ت): بأن.

(7)

في (ت): جوازه.

(8)

في (ت): بزيادة.

(9)

أبو قتادة الأنصاري اسمه الحارث بن ربعي بن بلدمة الأنصاري الخزرجي السلمي فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف في شهوده بدرا، فقال بعضهم: كان بدريا. وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد كلها. توفي بالكوفة في خلافة علي، وصلى عليه علي فكبر سبعا. أسد الغابة في معرفة الصحابة (6/ 244).

(10)

في (ت): لما كان.

(11)

في (ت): عليه دينا.

(12)

في (ت): مال.

(13)

في (ت): وجوز.

(14)

أخرجه مسلم في كتاب الحوالات- باب إن أحال دين الميت على رجل جاز (2291).

(15)

في (ت): استدلاله.

ص: 195

قلت: لكن الأولى في هذا ما قاله العالمان

(1)

في التحقيق؛ أعني بهما: الإمام شمس الأئمة السرخسي والإمام فخر الإسلام؛ لأنها

(2)

لو استدللنا في جواز التزام الزيادة من الأجنبي بهذا الحديث، وهو حديث أبي قتادة ينبغي أن يجوز من الأجنبي التزام أصل الثمن أيضاً، كما يجوز التزام الزيادة على الثمن؛ لأن حكم الحديث لا لفرق بينهما، وبالاتفاق أن التزام أصل الثمن لا يجوز منه، ولأن حكم الحديث إنما كان بعد الوجوب والتزام الزيادة من الأجنبي يجوز وقت المعاقدة قبل وجوب أصل الثمن على المشتري، فعلم أن بينهما فرق

(3)

.

فالنكاح جائز؛ لوجود سبب الولاية، وهو الملك في الرقبة على الكمال، أي سبب ولاية التزويج.

فإن قلت: كما

(4)

أن الملك في الرقبة على الكمال سبب ولاية التزويج، فكذلك هو أيضاً سبب ولاية التصرف، فمن أين وقعت المفارقة بين النكاح وبين البيع، حيث جاز التزويج قبل القبض، ولم يجز البيع قبله، ولو قيل فبالحديث

(5)

، فما الحكمة في تخصيص البيع دون سائر التصرفات.

قلت: الفرق بينهما من وجهين:

أحدهما: أن البيع يبطل بالغر

(6)

، والنكاح لا يبطل؛ لأن معنى الغرر يتحقق فيه؛ لاحتمال

(7)

الانفساخ بالهلاك قبل القبض، والنكاح لا ينفسخ بهلاك العقود

(8)

عليه قبل القبض وبعده.

والثاني: أن القدرة على التسليم شرط لصحة البيع، وذلك إنما يكون بعد القبض، وهي ليست بشرط لصحة النكاح.

ألا ترى أن بيع الآبق لا يجوز، ونكاح الآبقة جائز، فلما ثبتت المفارقة بينهما من هذين الوجهين، وقد ورد النهي عن البيع قبل القبض اختص بالبقيع

(9)

، ولم يكن ورود النهي عن البيع ورودًا في النكاح، وفي الفوائد

(10)

: وذكر

(11)

الصدر الشهيد

(12)

في الفتاوى الأكبر

(13)

: اشترى جارية ثم زوّجها قبل القبض، إن تم البيع جاز النكاح، وإن انتقض بطل في قول أبي يوسف، خلافاً لمحمد رحمه الله، قال: والمختار قول أبي يوسف؛ لأن البيع متى انتقض قبل القبض انتقض من الأصل، فصار كأن

(14)

لم يكن، فكان النكاح باطلاً.

(1)

في (ت): العلمان.

(2)

في (ت): لأنا.

(3)

في (ت): فرقا.

(4)

في (ت): وكما.

(5)

في (ت): بالحديث.

(6)

في (ت): بالغرر.

(7)

في (ت): معنى احتمال.

(8)

في (ت): المعقود.

(9)

في (ت): بالبيع.

(10)

الفتاوى الهندية (1/ 334).

(11)

في (ت): ذكر.

(12)

عمر بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة، أبو مُحَمَّد، حسام الدين، الحنفي، المعروف بالصدر الشهيد فقيه، أصولي، من أكابر الحنفية، تفقه على والده برهان الدين الكبير عبد العزيز، وناظر العلماء ودرس للفقهاء، وكان الملوك يصدرون عن رأيه، وتوفي شهيداً، من تصانيفه:"الفتاوى الكبرى"، و"الفتاوى الصغرى"، و"عمدة المفتي والمستفتي"، و"شرح أدب القاضي". الجواهر المضية (1/ 391)، الأَعْلَام للزركلي (5/ 501).

(13)

" الفتاوى الكبرى - مخطوط " في المكتبة العربية بدمشق.

(14)

في (ت): كأنه.

ص: 196

فعلى ما اختاره إنما يصير المشتري قابضاً بعيب يبقى على تقدير الرد، لا بعيب لا يبقى على تقدير الرد.

وذكر [الإمام]

(1)

القاضي الإمام الزرنكري

(2)

رحمه الله في هذه المسألة: لو ماتت الجارية قبل القبض لا يبطل النكاح، وإن بطل البيع، ومتى لم يطأها حتى ماتت يجب المهر للمشتري بتسليط من جهة، [أي من جهة]

(3)

المشتري.

والقياس أن يصير قابضاً بنفس التزويج، وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله، حتى إذا هلكت بعد ذلك فهو من مال المشتري؛ لأن التزويج عيب فيها حتى لو وجدها المشتري ذات زوج له أن يردها، فالمشتري

(4)

إذا عيب المعقود عليه يصير قابضاً، ويجعل التزويج كالإعتاق أو

(5)

التدبير.

ولكنه استحسن فقال: لا يكون قابضاً لها بنفس التزويج، حتى إذا هلكت فهو

(6)

من مال البائع؛ لأنه لم يتصل من المشتري فعل بها، وإنما التزويج عيب من طريق الحكم على معنى أنه تقل رغبات الناس فيها، وينتقض لأجل الثمن، وهو في معنى نقصان السعر، والتزويج لما كان عيباً من طريق الحكم كان نظير الإقرار عليه بالدين، والمشتري لو أقر عليها بدين

(7)

لا يصير قابضاً لها.

بخلاف العيب الحقيقي، فذلك باعتبار فعل يتصل من المشتري بعينها، وهو إتلاف الجزء من عينها، كذا في المبسوط

(8)

، في باب جناية البائع والمشتري على المبيع قبل القبض.

أن في الحقيقي استيلاء، أي في التعييب الحقيقي، بأن اشترى جارية، وفقأ عينها أو قطع يدها يكون قبضاً، فكذا بالوطء؛ لأنه استيلاء على المحل بالفعل الحسي

(9)

.

فإن قيل: يشكل على هذا الإعتاق والتدبير، فإن المشتري يصير قابضاً لهما

(10)

، وهما ليسا باستيلاء على [هذا]

(11)

المحل بالفعل الحسي.

قلنا: قال في المبسوط

(12)

: الإعتاق أنها للملك فيها وإتلاف للمالية، ولهذا يثبت له الولاء

(13)

، فمن ضرورته أن يصير قابضاً.

وكذلك التدبير نظير

(14)

العتق

(15)

في استحقاق الولاء، وثبوت حق الحرية للمدبر به.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

البناية شرح الهداية (8/ 386).

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): والمشتري.

(5)

في (ت): و.

(6)

في (ت): فهي.

(7)

في (ت): بالدين.

(8)

المبسوط (13/ 170).

(9)

في (ت): الحقيقي.

(10)

في (ت): بهما.

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(12)

المبسوط (13/ 178).

(13)

في (ت): الولاية.

(14)

في (ت): نظيرًا.

(15)

في (ت): للعتق.

ص: 197

ومن اشترى عبدًا فغاب، أي المشتري قبل نقد الثمن، فأقام البائع البينة أنه باعه إياه، أي أقر البائع بأن البائع باع هذا العبد من ذلك المشتري الغائب، وأقام البينة على ذلك، ثم إنما ذكر إقامة البينة؛ لأن البائع لو طلب من القاضي أن يبيعه لثمنه، وقص عليه القصة، فالقاضي لا يجيبه من غير بينة؛ للتهمة، وإنما وضع المسألة في المنقول؛ لأن القاضي لا يبيع العقار على الغائب، وهاتان المسألتان في الجامع الصغير (للإمام التمرتاشي)

(1)

(2)

.

فإن قلت

(3)

: كيف يقبل البينة من غير خصم حاضر ينكر موجب شهادة البينة، مع أن شرط قبول البينة إنكار خصم حاضر، والمشروط لا يثبت بدون شرطه.

قلت: قال الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله

(4)

: أما قبول هذه البينة من غير خصم حاضر فلتكشف

(5)

الحال، أو لأنه يدعي ثبوت ولاية النظر للقاضي في هذا المال بسبب غيبة صاحبه، فالقاضي ناظر لكل من عجز عن النظر لنفسه، والحاجة إلى النظر [لنفسه] ههنا حاجة ماسة لهما جميعًا، أما للمشتري

(6)

فلأن العبد ملكه، وهو محتاج إلى النفقة، وأما البائع لأنه

(7)

يعرض الهلاك في يده، وبهلاكه يسقط حقه في الثمن، فلهذا قبل

(8)

البينة.

وحاصله أن حكم القاضي هذا في الحقيقة حكم بإقرار المقر، وإنما اشترط

(9)

مع ذلك إقامة البينة؛ لإظهار الأمر عند القاضي، ونفي التهمة، لا لإثبات الملك للغائب والدين عليه، وإنكار الخصم في الدعوى إنما يشترط لقبول البينة أن لو كان المدعي يدعي إثبات الحق على المدعى عليه، والقاضي يقضي بموجب إقامة البينة، وأما ههنا فالقاضي يقضي بموجب إقرار المقر بما في يده، فلا يحتاج لذلك إلى إنكار الخصم حاضر، وهذا لأن العبد في يد البائع، والقول قول الإنسان فيما في يده، ألا ترى أنه لو ادعى أنه ملكه كان القول قوله، فإذا أقر بالبيع فقد أقر للغائب بالملك على وجه يكون مشغولاً لا بحقه؛ لأن الثمن تعلق بالمبيع، فيعتبر إقراره واشتراط البينة؛ لينفي

(10)

التهمة، إلى هذا أشار الإمام قاضي خان رحمه الله

(11)

.

(1)

في (ت): لقاضي خان.

(2)

الجامع الصغير (1/ 366).

(3)

في (ت): قيل.

(4)

المبسوط (11/ 38).

(5)

في (ت): فكشف.

(6)

في (ت): المشتري.

(7)

في (ت): فلأنه.

(8)

في (ت): قبلت.

(9)

في (ت): يشترط.

(10)

في (ت): لنفي.

(11)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 128).

ص: 198

وفيه إبطال حق المشتري، أي وفي

(1)

البيع.

وإن لم يدر أين هو بيع العبد (واوافى)

(2)

الثمن بنصب الثمن؛ لأنه المفعول الثاني للإيفاء، أي أوفى البائع الثمن.

فإن قلت: في البيع فسادان:

أحدهما: لزوم بيع المنقول قبل القبض، وذلك لا يجوز؛ لأن كلامنا فيما إذا لم يقبضه المشتري على ما يجيء.

والثاني: لزوم القضاء على الغائب بزوال الملك، وهو أيضاً لا يجوز.

قلت: أما الجواب عن الأول: فمن مشايخنا من قال: ينصب القاضي من يقبض العبد للمشتري، ثم يبيع؛ لأن بيع القاضي كبيع المشتري، وبيع المشتري قبل القبض لا يجوز، فكذا بيع القاضي، ولكن

(3)

فيه نظر؛ لأن المشتري ليس له أن يقبضه قبل نقد

(4)

الثمن

(5)

، فكذا من يجعل وكيلاً عنه، وقيل: لا ينصب القاضي وكيلاً ليقبضه للمشتري؛ لأن البيع هناك

(6)

ليست

(7)

بمقصود، وإنما المقصود النظر للبائع؛ إحياء لحقه، والبيع يحصل في ضمن النظر، ويجوز أن يثبت الشيء ضمنًا، وإن كان لا يثبت قصدًا، كذا في الفوائد الظهيرية

(8)

.

وأما الجواب عن الثاني: فهو فيما ذكرناه من تقرير الإمام قاضي خان: بأن هذا ليس بقضاء على الغائب، بل هو اعتبار قول صاحب اليد فيما في يده، والقضاء على الغائب إنما لا يجوز إذا وقع مقصودًا، وأما لو وقع القضاء عليه في ضمن شيء مقصود سواه فيجوز، على ما يجيء قبيل باب التحكيم، ثم اعلم أن مسألتنا هذه فيما إذا غاب المشتري قبل القبض حتى صح بيع القاضي لإيفاء ثمن البائع؛ لأن البائع إنما يكون أحق بمالية العبد إذا كان قبل القبض، فإن له أن يحبسه حتى يستوفي الثمن، حتى لو مات المشتري مفلساً في هذه الحالة كان البائع أحق [بمالية] العبد من سائر الغرماء، كالمرتهن يكون أحق بالرهن من سائر الغرماء، ثم المرهون يباع في دين المرتهن إذا تعذر استيفاء الدين من الراهن، فكذلك يستوفي الثمن من مالية العبد بالبيع إذا تعذر استيفاؤه من المشتري، والمبيع قبل القبض في يد البائع بمنزلة الرهن في يد المرتهن.

وأما إذا كان البائع سلمه إلى المشتري والمسألة بحالها فلا يقبل بينة البائع؛ لأن حق البائع هناك في الثمن غير متعلق بمالية العبد بل هو دين في ذمة المشتري، والبينة لإثبات الدين على الغائب غير مقبولة عندنا، فلا يتمكن القاضي من قضاء الدين من مال الغائب قبل ثبوت الدين وإثباته، إنما يكون بالبينة عند حضور الخصم، إلى هذا أشار شمس الأئمة رحمه الله

(9)

، فللحاضر أن يدفع الثمن كله ويقبضه إلى أجره

(10)

، وأجمعوا أنهما لو كانا حاضرين وأراد أحدهما أن ينقد حصته ليقبض نصيبه ليس له ذلك، فالخلاف بين أبي يوسف وصاحبيه في موضعين:

(1)

في (ت): في.

(2)

في (ت): وافى.

(3)

في (ت): لكن.

(4)

في (ت): النقد.

(5)

في (ت): للثمن.

(6)

في (ت): هنا.

(7)

في (ت): ليس.

(8)

العناية شرح الهداية (7/ 126).

(9)

المبسوط (17/ 30).

(10)

في (ت): آخره.

ص: 199

أحدهما: في قبض جميع العبد، على تقدير نقد جميع الثمن، [والباقي]

(1)

في احتباس نصيب الغائب عنه إذا حضر؛ لأنه يستوفي نصيبه من الثمن.

وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله

(2)

: فالحاضر

(3)

لا يملك قبض نصيبه إلا بنقد جميع الثمن، فلو

(4)

نقد اختلفوا في مواضع:

الأول: هل يجبر البائع على قبول نصيب الغائب، عند أبي يوسف: لا يجبر، خلافاً لهما.

والثاني: لو قبل، هل يجبر على تسليم نصيب الغائب إلى الحاضر، عنده لا، خلافاً لهما.

والثالث: لو قبض الحاضر العبد، هل يرجع على الغائب بما نقد عليه عنده، خلافاً لهما.

وقال أبو يوسف: إذا دفع الحاضر الثمن كله لم يقبض إلا نصيبه، أي يقبض نصيبه بطريق المهايأة، ولهما أنه مضطر فيه إلى قوله: كمعير الرهن.

فإن قلت: لو كان التعليل بالاضطرار معولاً عليه لما تفاوت الحكم بين أن يكون شريكه حاضراً وغائباً، كما في صاحب العلو، فإنه يبني السفل ليبني عليه علوه، فإنه لا يكون متبرعًا ببناء السفل، سواء كان صاحب السفل حاضراً أو غائباً، وههنا لو كانا حاضرين ثم أراد أحدهما أن ينقد حصته ليقبض نصيبه ليس له ذلك بالإجماع، ولو نقد نصيبه كان متبرعًا فيما نقد بالإجماع.

قلت: الملك للغائب إنما يثبت في نصيبه باعتبار قبول الحاضر؛ لأن من خاطب اثنين بالبيع فقبل أحدهما دون الآخر، لم يملك شيئاً منه، وإذا ثبت أن الملك له باعتبار قبول الحاضر كان الحاضر بمنزلة الوكيل عنه بالشراء، فإذا نقد الثمن تمكن من قبض المبيع، وثبت له حق الرجوع على صاحبه بنصيبه، إلا أنه وكيل من وجه دون وجه؛ لأنه لا يكون مطالباً بنصيب صاحبه من الثمن بعد قبوله، فمن هذا الوجه يكون كالمتبرع، والأصل أن ما تردد بين شهرين يوفر حظه عليهما فلشبهه بالمتبرع.

قلنا: إذا كان صاحبه حاضراً لا يرجع عليه ولشبهه بالوكيل.

قلنا: إذا كان صاحبه غائباً يرجع

(5)

عليه بما أدّى عنه، ويتمكن من قبض نصيبه، وهذا لأن في حال حضرته هو غير مضطر إلى إيفاء جميع الثمن من مال

(6)

؛ لأنه يمكنه أن يخاصمه إلى القاضي حتى ينقد نصيبه من الثمن؛ ليتمكن من هو من قبض نصيبه من العبد، وفي حال غيبته هو مضطر إلى ذلك؛ لأنه لا يتوصل إلى نصيبه من العبد إلا بدفع جميع الثمن، فإن الصفقة في حق البائع واحدة، فلهذا

(7)

جعلناه كالوكيل في هذه الحالة؛ ليقبض جميع العبد إذا نقد جميع الثمن، ثم يرجع على صاحبه بنصيبه، ويحبس نصيبه عنه؛ ليستوفي منه ما ثبت له حق الرجوع به، كما يثبت للوكيل حق حبس المبيع إذا نقد الثمن من مال نفسه، كذا في الجامع الصغير

(8)

لشمس الأئمة السرخسي رحمه الله

(9)

.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 129).

(3)

في (ت): والحاضر.

(4)

في (ت): ولو.

(5)

في (ت): رجع.

(6)

في (ت): ماله.

(7)

في (ت): ولهذا.

(8)

شرح الْجَامِع الصَّغِير للشيباني فِي الْفُرُوع.

(9)

المبسوط (14/ 110).

ص: 200

وأما صاحب العلو فإنه مضطر إلى أن يتوصل إلى حقه من بناء العلو، سواء كان صاحب السفل حاضراً أو غائباً؛ لأنه ليس له أن يخاصمه في أن يبني السفل ليبني هو عليه علوه، فلذلك افترقا، كمعير الرهن بأن أعار شيئاً ليرهنه فرهنه، ثم أفلس الراهن، وهو المستعير، أو غاب فافتكه المعير يرجع بما أدى من الدين على الراهن، وإن [كان]

(1)

قضى دين الراهن بغير أمره؛ لأنه مضطر في القضاء، أو

(2)

لا يتمكن من الانتفاع بماله إلا بقضاء الذين

(3)

، فكذلك ههنا.

فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا استأجر الرجلان داراً، فغاب أحدهما قبل نقد الأجر لصاحب الدار، فنقد الحاضر كل الأجر، فإنه يكون متبرعًا بالإجماع.

قلت: لأنه غير مضطر في نقد نصيب صاحبه من الآجر من قبل أنه ليس للآجر جنس الدار لاستيفاء الأجر، كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(4)

.

ومن اشترى جاريةً بألف مثقال ذهب وفضة، بأن قال: خريدم بهزار مثقال زر ونقرة فهما نصفان، ولفظ رواية الأصل من الجامع الصغير

(5)

: يعقوب

(6)

، عن أبي حنيفة -رحمهما الله- في رجل يقول لرجل: أبيعك هذه الجارية بألف مثقال ذهب جيد وفضة، قال: هما نصفان خمسمائة مثقال ذهب وخمسمائة مثقال فضة، قال أبو جعفر رحمه الله: فائدة هذا الكتاب

(7)

أن قوله: أبيعك كقوله: بعتك، فظاهره العدة، ويراد به الإيجاب، وليست هذه اللفظة في كتاب البيوع، إنما فيه: إذا باع جارية، ولكن ذكر فخر الإسلام رحمه الله في الجامع الصغير: أن قوله: أبيعك ليس بإبجاب، بل هو من باب المساومة.

وفائدة أخرى أن في مسألة البيوع قدم الفضة وأخر الذهب، فقال: ألف مثقال فضة وذهب جيد، وفي هذه الرواية: ذكر الذهب، ثم الجيد، ثم الفضة، فلولا هذه الرواية لقيل: أن مقدار المثقال غلب استعماله في الذهب لا في الفضة، فإذا قدم الذهب وأضاف المثقال إليه ثم قال: وفضة، لم يستعمل المثقال في الفضة، فصار كأنه باع بألف مثقال ذهب وبفضة

(8)

مجهولة المقدار، فالبيع باطل، وأما إذا قال: ألف

(9)

مثقال فضة، فقد أضاف المثقال إلى الفضة فلابد من اعتباره فيها، ثم عطف عليه الذهب الذي يليق بذلك المقدار، فاجتمعا جميعًا في المثقال، وأخذ من كل جنس بصفة، فرواية الجامع أزالت هذه الشبهة.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

في (ت): إذ.

(3)

في (ت): الدين.

(4)

العناية شرح الهداية (7/ 128).

(5)

فتح القدير (7/ 129).

(6)

أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم.

(7)

في (ت): الكلام.

(8)

في (ت): وفضة.

(9)

في (ت): بألف.

ص: 201

فإن قيل: الجودة صفة لهما أو للذهب خاصة.

قلنا: فهما

(1)

جميعًا؛ لأنه عطف أحدهما على الآخر.

ألا ترى أن رجلاً لو قال: عبدي حر غدًا، وامرأتي طالق، أنهما يقعان جميعًا غدًا، وكذلك لو قال: عبده حر وامرأته طالق غدًا، كذا في كشف الغوامض

(2)

.

قال

(3)

: وبمثله، وهذا

(4)

اللفظ في استعمال الفقهاء فيما إذا كانت المسألتان يتشابهان صورة ويختلفان حكمًا، وهنا كذلك، ولو

(5)

اشترى جارية بألف من الذهب والفضة، يجب من الذهب مثاقيل، ومن الفضة دراهم وزن سبعة، يعني خمسمائة يكون من مثقال ذهب، وخمسمائة من الدراهم، يكون بوزن سبعة.

وذكر في المبسوط

(6)

: وإذا باع جارية بألف مثقال وذهب وفضة، أو دراهم ودنانير، كان له من كل واحد منهما النصف؛ لأن الواو للعطف، ومطلق العطف يوجب الاشتراك على وجه المساواة بين المعطوف والمعطوف عليه، إلا أنه إن كان قال: ألف مثقال فعليه خمسمائة مثاقيل ذهب وخمسمائة مثقال فضة؛ لأنه فسّر المثاقيل بالذهب والفضة، وإن قال: ألف من الدراهم والدنانير، فعليه خمسمائة دينار بالمثاقيل وخمسمائة درهم وزن سبعة؛ لأنه هو المتعارف في وزن الدراهم فينصرف إليه، وقال الإمام التمرتاشي: اشترى جارية بألف مثقال ذهب وفضة، وهما

(7)

نصفان؛ لأنه أضاف العقد

(8)

إليهما على السواء، ويشترط بيان صفتهما

(9)

، بخلاف الدراهم والدنانير ينصرف إلى الجيد.

وكذا لو قال: له علي مائة مثقال ذهب وفضة، فعليه من كل واحد النصف، وكذا هذا في جميع ما يقر به من المكيل والموزون والثياب وغيرهما

(10)

، قرضاً أو سلمًا أو غصباً أو وديعة أو بيعًا أو شراء أو مهراً أو جعلاً (في خلع)

(11)

أو وصيةً أو كفالةً أو غير ذلك، وكذا لو قال: له علي كر حنطة (وشعير وسمسم)

(12)

، كان عليه الثلث من كل جنس، وهو لا يعلم، أي رب الدين لا يعلم.

لأن حقه في الوصف مرعي كهو

(13)

في الأصل، أي حق رب الدين في وصف الدين من حيث الجودة واجب رعايته، كحقه في

(14)

الأصل من حيث القدر، فلو كان المقبوض دون حقه قدراً لم يسقط حقه في المطالبة بقدر النقصان، فكذلك إذا كان دون حقه وصفاً، إلا أنه يتعذر عليه الرجوع بفضل القيمة؛ لأنه لا قيمة للجودة عند المقابلة

(15)

بجنسها، فيرد

(16)

عين المقبوض إن

(17)

كان قائمًا، ومثل المقبوض إن كان مستهلكًا؛ لأن مثل الشيء يحكى عينه، ولهما أنه من جنس حقه، أي أن الزيوف

(18)

من جنس حقه الذي هو الجياد، حتى لو تجوز به، أي لو أخذه مساهلاً

(19)

لنقصان حقه فيما

(20)

لا يجوز الاستبدال كما في الصرف والسلم جاز، وإنما عين ذلك الموضع؛ لأنه لو تجوز بالأخذ فيما يجوز الاستبدال فيه لا يكون ذلك دليلاً على أن ذلك المأخوذ من جنس حقه، حتى أنه لو كان له دين على آخر في غير موضع الصرف والسلم جاز له أن يستبدل

(21)

بالثياب وغيرها.

(1)

في (ت): لهما.

(2)

كتاب كشف الغوامض لأبي جعفر الهنداوني الفقيه ذكر فيه: بعض ما أورده مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ في: (الجامع الصغير) توفي: سنة 963 هـ. كشف الظنون (2/ 1493).

(3)

في (ت): قوله.

(4)

في (ت): فهذا.

(5)

في (ت): لو.

(6)

المبسوط (12/ 162).

(7)

في (ت): فهما.

(8)

في (ت): النقد.

(9)

في (ت): صفتها.

(10)

في (ت): وغيرها.

(11)

في (ت): أو خلعا.

(12)

في (ت): أو سمسم أو شعير.

(13)

في (ت): كما.

(14)

في (ت): و.

(15)

في (ت): المطالبة.

(16)

في (ت): ويرد.

(17)

في (ت): إذا.

(18)

الزيوف: الرديئة، يقال: درهم زيف وزائف: إذا كان رديئًا. قَالَ بَعْضُهُمْ الزُّيُوفُ هِيَ الْمَطْلِيَّةُ بِالزِّئْبَقِ الْمَعْقُودِ بِمُزَاوَجَةِ الْكِبْرِيتِ وَكَانَتْ مَعْرُوفَةً قَبْلَ زَمَانِنَا وَقَدْرُهَا مِثْلُ: سَنْجِ الْمِيزَانِ. المصباح المنير (1/ 361).

(19)

في (ت): مقابلا.

(20)

في (ت): وفيما.

(21)

في (ت): يستبدله.

ص: 202

ومعلوم أن الثياب ليست من حقه، (وفي السلم والصرف)

(1)

لا يجوز الاستبدال، ولو لم يكن الزيوف من جنس حقه لكان استبدالاً في الصرف والسلم، وهو لا يجوز، فعلم بهذا أن الزيوف من جنس حقه، ولا يمكن تداركها بإيجاب ضمانها؛ لما ذكرنا، وهو قوله: لأنه

(2)

لا قيمة لها عند المقابلة بجنسه.

لأنه إيجاب له عليه، أي إيجاب لأجله عليه، ولا نظير له في الشرع بأن يجب الضمان لنفسه على نفسه بالنسبة إلى شيء واحد لنفسه، وهو وصوله إلى دراهمه الجيدة، وإنما قيدنا بقولنا: بالنسبة إلى شيء واحد؛ احترازاً عما يجب نفقة المرأة أو

(3)

العبيد على الزوج والمولى بمقابلة انتفاعه منهم؛ لأنهما شيئان

(4)

مختلفان فيه، فإن من له الحق فيه مختلف؛ لأن من له الحق في

(5)

الانتفاع بملك المتعة

(6)

والرقبة الزوج والمولى، وفي الانتفاع بالنفقة المرأة والعبيد.

وأما ههنا فالمقبوض [كله]

(7)

ملكه، قوله

(8)

الحق ومن عليه الحق شخص واحد، وهو رب الدين، فليس له نظير في الشرع، وذكر في الفوايد الظهيرية

(9)

في تعليل قول أبي يوسف: ولا يقال بأن

(10)

ملكه فكيف يقضي عليه بضمانه، ثم قال: لأنا نقول جاز أن يقضي عليه بضمان ما هو ملكه إذا كان فيه فائدة، ألا ترى أن كسب المأذون له المديون مضمون على المولى وإن كان ملكًا له، حتى لو اشتراه

(11)

صح، وكذلك المرهون مضمون على الراهن، وإن كان ملكًا له، وهنا في التضمين فائدة، وهي إحياء حقه في صفة الجودة.

ولأبي حنيفة رضي الله عنه ما قال في الكتاب، والفرق بين هذا وبين ما استشهدا به (أن الضمان)

(12)

يجب بجعالة

(13)

، ولا سبيل إليه، والضمان هناك يجب للغرماء، وإلى ذلك سبيل، وفي النوازل: اشترى داراً بالجياد، ونقد الزيوف، أخذها الشفيع بالجياد؛ لأنه إنما يأخذ بما اشترى، ولو باعها مرابحةً فإن رأس المال الجياد.

وفي الأجناس: اشترى بالجياد ونقد الزيف، ثم حلف أنه اشتراها بالجياد، قال أبو حنيفة رحمه الله: لا يحنث، وقال أبو يوسف رحمه الله: بحيث

(14)

، كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(15)

.

(1)

في (ت): وفي الصرف والسلم.

(2)

في (ت): لأنها.

(3)

في (ت): و.

(4)

في (ت): سببان.

(5)

في (ت): و.

(6)

في (ت): المنفعة.

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

في (ت): ومن له.

(9)

فتح القدير (10/ 181).

(10)

في (ت): أن المقبوض.

(11)

في (ت): اشترى منه.

(12)

في (ت): ههنا.

(13)

في (ت): حقا له.

(14)

في (ت): يحنث.

(15)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 130).

ص: 203

وكذا إذا انكسر فيها ظبي، وفي بعض الروايات: إذا نكس أي دخل في الكناس وهو موضعه، وإنما قيد بالتكسر؛ لأنه لو كسره أحد يكون له الشيء بريان كردن، فصار كنصب سبكه للخفاف فيعقل بها صيد لا له ما لم يكفه [فتؤمل]

(1)

، أما إذا ضمه

(2)

ذلك إلى [نفسه]

(3)

، أو كان قصد لذلك وتهيأ له، فحينئذ

(4)

يكون له ما وقع في ثيابه، وكذا إذا هيأ مكاناً لسرقين الدواب، فما وقع فيما

(5)

يكون له عند البعض، كذا ذكره الإمام قاضي خان

(6)

، بخلاف ما إذا عسل النحل في أرضه، حيث يكون العسل لصاحب الأرض، فرق بين هذا وبين العسل، والفرق أن العسل فيه معنى الصيدية، لا في الحال ولا في المال، والأرض في يد صاحبها، فما [يكون]

(7)

فيها يكون في يد صاحبها، وذلك لأن العسل صار قائمًا بأرضه على وجه القرار، فصار تابعًا لأرضه، كالشجر والزرع يثبت فيها، وهذا كله إذا لم يكن هيأ أرضه للاصطياد.

وأما إذا هيأ بأن حفر بئراً للصيد فوقع

(8)

فيها فهو له، كذا ذكره الإمام المرغيناني والتمرتاشي

(9)

؛ لأنه عد من أنزاله بفتح الهمزة، أي من أنزال أرضه، تناول المكان كما في قوله: ولا أرض أنقل أثقالها، والنزل هو الزيادة والفضل، ومنه قوله: العسل ليس من أنزال الأرض، أي من ريعها وما يحصل منها، كذا في المغرب

(10)

.

وإنما جعل العسل من أنزال الأرض بخلاف بيض الطير التي باضت فيها؛ لأن العسل لا يحصل في مطلق المواضع وبمطلق الأغدية، بل بغداء خاص ومكان خاص، فإذا عسل في أرض

(11)

علم أنه من نبات ذلك الأرض، فكان من أجزاء تلك الأرض، فيكون لمالك الأرض كما إذا نبت في أرضه شجرة، أما البيض فإنه أصل الصيد

(12)

، ولهذا لو كسر

(13)

الحرم

(14)

كان عليه الجزاء، وإمكان الأخذ من غير حيلة لا تخرجه من الصيدية، كصيد لتكسر

(15)

رجله في أرض إنسان، فذلك كان للآخذ دون صاحب الأرض.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(2)

في (ت): ضم.

(3)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(4)

في (ت): حينئذ.

(5)

في (ت): فيها.

(6)

البناية شرح الهداية (8/ 392).

(7)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(8)

في (ت): فما وقع.

(9)

مجمع الأنهر (2/ 110).

(10)

المغرب (1/ 461).

(11)

في (ت): أرضه.

(12)

في (ت): للصيد.

(13)

في (ت): كسره.

(14)

في (ت): المحرم.

(15)

في (ت): انكسر.

ص: 204

[قوله: و

(1)

كان استبداله

(2)

، أي حينئذ

(3)

ما وقع من الشك

(4)

في بيان

(5)

من

(6)

استعد له فكان

(7)

قوله: أكان

(8)

معطوفاً على محذوف بعد قوله: ما لم يكفه أي وأكفه، أو كان مستعدًا [كان]

(9)

له، أي المكان أو المستعد

(10)

، والله أعلم [بالصواب، وإليه المرجع والمآب]

(11)

.

‌كتاب الصرف

آخر كتاب الصرف عن بيان أنواع البيوع، أما لما ذكرنا في أول باب السلم، أو لأن الصرف بيع الأثمان، والثمن في البياعات يجري مجرى الوصف، والبيع والمبيع يجري مجرى الأصل؛ لتوقف جواز البيع إلى وجود المبيع، والقدرة على التسليم، وتوقف صحة الإقالة إلى بقائه، وعدم جواز الاستبدال به، ويخالفه الثمن في هذه الأشياء الأربعة، فلذلك أخر ذكر البيع عن ذكر الأصل؛ لأن الأصل هو الأسبق وجودًا، فكذا ذكر، أو قد ذكر في الكتاب معنى الصرف لغةً وشرعًا.

وأما شروطه فعلى الخصوص ثلاثة:

أحدها: أن لا يفترق إلا عن تقابض في البدلين، والمراد منه يفرق الأبدان. لا الذهاب عن موضع العقد على ما يجيء.

والثاني: أن لا يكون في هذا العقد خيار الشرط لأحدهما؛ لأن الخيار استثناء لحكم العقد، وهو الملك عن العقد، فيمتنع الملك ما بقي الخيار، وإذا امتنع الملك يمتنع القبض الذي يحصل به التعيين الذي هو شرط جواز العقد والشرط.

والثالث: أن لا يكون في هذا العقد أجل؛ لأن بشرط الأجل ينعدم استحقاق القبض الذي به يحصل التعيين، فحينئذ يرجع الكل إلى معنى واحد، وهو أن الفساد بسبب انعدام القبض الذي به يحصل التعيين، فخيار الرؤية وخيار العيب يخالف خيار الشرط والأجل في هذا الباب؛ لأن بخيار العيب والرؤية لا يمتنع الملك، فكان القبض الذي يحصل به التعيين ثابتًا، فيصح العقد، ولا كذلك الأجل وخيار الشرط.

فإن قيل: كيف يجوز أن يقال بأن قبضه بدل الصرف قبل الافتراق شرط جواز العقد، وأنه يشترط بعد العقد لإحالة العقد، وشرط الجواز ما يشترط حالة العقد، كالشهادة في باب النكاح، والمالية في البيع، فأما ما يجب بعد العقد يكون حكم العقد، لا شرط جواز العقد.

(1)

في (ت): أو.

(2)

في (ت): مستعدا له.

(3)

في (ت): حين.

(4)

في (ت): السكر.

(5)

في (ت): بيانه.

(6)

في (ت): لمن.

(7)

في (ت): وكان.

(8)

في (ت): أو كان.

(9)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

(10)

في (ت): للمستعد.

(11)

ما بين المعقوفين زيادة من (ت).

ص: 205

قلنا: شرط الجواز ما يشترط مقارنًا لحالة العقد، إلا أن اشتراط القبض مقارنًا لحالة العقد من حيث الحقيقة غير ممكن من غير تراض؛ لما فيه من إثبات اليد على مال الغير بغير رضاه، فعلّقنا الجواز بقبض يوجد في المجلس؛ لأن في المجلس العقد حكم [حالة العقد كما] في الإيجاب والقبول، فصار القبض الموجود بعد العقد إذا وجد في مجلس العقد كالموجود وقت العقد من حيث الحكم، ولو كان موجودًا وقت العقد من حيث الحقيقة كان شرط جواز العقد.

فكذا إذا كان موجودًا وقت العقد من حيث الحكم، ثم اختلف المشايخ أن التقابض قبل الافتراق شرط صحة العقد أو شرط بقائه على الصحة، فعلى قول من يقول: أنه شرط بقاء العقد لا يتأتى هذا الإشكال، وعلى قول من يقول: شرط صحة العقد يتأتى هذا الإشكال، ولكن وجه الجواب ما ذكرنا، كذا في الذخيرة والمحيط.

وذكر في المبسوط

(1)

: الصرف اسم لنوع بيع، وهو مبادلة الأثمان بعضها ببعض، والأموال أنواع ثلاثة: نوع منها في العقد ثمن على كل حال، وهو الدراهم والدنانير، صحبها حرف الباء أو لم يصحبها، سواء كانا يقابلها من جنسها أو من غير جنسها.

ونوع منها: هو مبيع على كل حال، وهو ما ليس من ذوات الأمثال من العروض والدواب والمماليك.

ونوع: هو ثمن من وجه ومبيع من وجه، كالمكيل والموزون، فإنها إذا كانت معينة في العقد يكون مبيعة، وإذا لم يكن معينة فإن صحبها حرف الباء وقابلها مبيع فهي ثمن، وإن لم يصحبها حرف الباء وقابلها ثمن فهي مبيعة، وهذا لأن الثمن ما يثبت دينًا في الذمة، والنقود لا يستحق بالعقد إلا دينًا في الذمة، وإذا قلنا: أنها لا تتعين بالتعيين فكانت ثمنًا على كل حال، والعروض لا يستحق بالعقد إلا عينًا فكانت مبيعة، والسلم في بعضها رخصة شرعية فلا يخرج به من أن يكون مبيعًا، والمكيل والموزون مستحق عينًا بالعقد تارة ودينًا أخرى، فيكون ثمنًا في حال [مبيعًا في حال]

(2)

.

قال: أولاً لا يطلب منه إلا الزيادة، إذ لا ينتفع بعينه، يعني أن غير الدراهم والدنانير ينتفع بعينه كاللحم والثوب.

وأما في الدراهم والدنانير فإنما ينتفع بغيرهما، وهو يقابلها من المبيع، فلما كان كذلك لا يطلب في بيع الدراهم والدنانير إلا زيادة يحصل فيما يقابلهما من الجودة والصناعة؛ لأنه لو لم يطلب الزيادة، وذلك العين بدون الزيادة حاصل له، فلا فائدة لهما في بيع الصرف، بخلاف شراء اللحم مثلاً، فإن مقصود المشتري هو حصول نفس اللحم، لا زيادة قيمته؛ لأن مقصوده دفع الجوع، وهو يحصل بنفس اللحم، فلما كان كذلك كانت إرادة الزيادة مطلوبة في بيع الصرف قطعًا، والصرف هو الزيادة لغة، وكذلك اختص بيع الصرف بذلك الاسم، وهذا الذي ذكرنا في بيع الجنس بالجنس نحو بيع الذهب بالذهب، أو بيع الفضة بالفضة ظاهر.

(1)

المبسوط (14/ 2).

(2)

المبسوط (14/ 2).

ص: 206

وكذلك في بيع الذهب بالفضة؛ لأنهما بسبب الثمنية خلقة جعلا جنساً واحداً، ومنه سميت العبادة النافلة صرفاً، ومنه قوله عليه السلام:«من انتمى إلى غير الله، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً»

(1)

، العدل هو الفرض، والصرف هو النفل، سماه عدلاً؛ لكونه أداء الحق إلى المستحق، ولكن ذكر في الفائق

(2)

: حديثًا آخر في هذا فسره بتفسير آخر، وقال في ذكر المدينة:"من أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة، لا يقبل منه صرف ولا عدل"

(3)

الصرف القوية؛ لأنه صرف للنفس إلى البر عن الفجور، والعدل الفدية من العادلة، المراد من إحداث الحدث الفعل الذي يوجب الحد، وذكر في الْغَرِيبَيْنِ

(4)

: وقيل: الصرف: النافلة، والعدل: الفريضة

(5)

.

وذكر في شرح الطحاوي

(6)

: الصرف اسم لعقود ثلاثة، بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وأحدهما بالآخر، ثم لما اختص باسم الصرف، واختص بشرائط ثلاثة، وذكر تلك الشرائط التي ذكرناها، ثم قال: ويحتاج إلى شرط رابع في عقد الصرف، إذا كان المقعود عليهما من جنس واحد، وهو التساوي في الوزن، فإن باع فضة بفضة، أو ذهباً بذهب لا يجوز إلا مثلاً بمثل، والمثلية شرط في جميع الأموال الربوية عند العقد، علمًا ووجودًا، لا وجودًا لا غير، بيان ذلك: أنهما لو تبايعا حنطة بحنطة مجازفة لا يجوز.

(1)

أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة- باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم (7300) واللفظ له، ومسلم في كتاب الحج- باب فضل المدينة ودعاء النبي (1370).

(2)

الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله، المحقق: علي محمد البجاوي -محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار المعرفة - لبنان، الطبعة: الثانية، (2/ 294).

(3)

أخرجه البخاري في كتاب فضائل المدينة: حرم المدينة (1870)، ومسلم في كتاب الحج- باب فضل المدينة (1370) من حديث عليّ.

(4)

الْغَرِيبَيْنِ: غريب الحديث لأبي عُبيد القاسم بن سلاّم، وغريب الحديث لابن الجوزي.

(5)

غريب الحديث لأبي عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي، المحقق: د. محمد عبد المعيد خان، الناشر: مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد- الدكن، الطبعة: الأولى، 1384 هـ - 1964 م، (3/ 168)، وغريب الحديث لجمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المحقق: الدكتور عبد المعطي أمين القلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1405 - 1985، (3/ 586).

(6)

الجوهرة النيرة (1/ 221).

ص: 207

وكذلك كل مكيل أو موزون، وإن كانا متساويين في الواقع حتى لو تبايعا صبرة بصبرة مجازفة ثم كيلياً بعد ذلك فكانا متساويين لم يجز العقد عندنا، وقال زفر: يجوز؛ لأن ما هو شرط الجواز وهو المماثلة قد يبني أنه كان موجودًا، وإن لم يكن ذلك معلومًا للمتعاقدين، وحجتنا في ذلك أن المعتبر بجواز العقد العلم بالمساواة عند العقد؛ لأنه إذا لم يعلم ذلك كان الفضل معدومًا موهومًا، وما هو موهوم الوجود يجعل كالمتحقق فيما بنى أمره على الاحتياط، كذا في المبسوط

(1)

.

لكن هذا إذا كيلتا أو وزنا بعد الافتراق، وأما إذا علم مساواتهما بالكيل أو بالوزن في مجلس العقد يجوز البيع والصرف، وكذلك لو كان بين رجلين فضة أو ذهب فاقتسما بينهما مجازفة لم يجز إلا إذا علم تساويهما في المجلس؛ لأن القسمة بمنزلة البيع، والبيع مجازفة لا يجوز، وكذلك القسمة، كذا في شرح الطحاوي

(2)

.

«الذهب بالذهب، مثلاً بمثل، وزنًا بوزن، يدًا بيد»

(3)

فانتصاب [مثلاً] ووزنًا ويدًا على الحال، والعامل فيهما ما اقتضاه الجار والجرور من معنى الفعل، وهو بيعوا على تقدير نصب الذهب، أو بيع الذهب على تقدير رفعه بإقامته مقام المضاف، أي مماثلاً بمماثل، وموزونًا بموزون، ومقبوضاً بمقبوض؛ لما روينا، وهو قوله: يدًا بيد، وإن استنظرك أن يدخل بيته يجيء بعيد هذا، أول الحديث يخاطب به لأحد عاقدي الصرف، أي إن سألك صاحبك أن يدخل بيته لإخراج بدل الصرف أو غيره، فلا تمهله، فكان هذا دليلاً ظاهراً على أن قبض بدلي الصرف في المجلس شرط، ولأنه لا بد من قبض أحدهما ليخرج العقد به عن الكالئ بالكالئ، ثم لا بد من قبض الآخر تحقيقاً للمساواة.

فإن قلت: يشكل على هذا التعليل ما إذا باع المضروب بالمصبوغ، فإن المصبوغ مما يتعين بالتعيين، على ما يجيء بعيد هذا، ومع ذلك يشترط قبضهما أيضاً، فعلى هذا التعليل ينبغي أن لا يشترط قبض المصبوغ إذا وجد قبض المضروب؛ لحصول المساواة بينهما في العينية في المضروب بالقبض، وفي المصبوغ بالصباغة، وبحصول العينية فيهما يخرجان عن بيع الكالئ بالكالئ، إذ النسيئة وإنما يكون باعتبار عدم التعيين.

قلت: جوابه أيضاً يجيء بعيد هذا، وهو قوله: ولأنه إن كان يتعين ففيه شبهة عدم التعيين؛ لكونه ثمنًا حلقة، فيشترط قبضه؛ اعتباراً للشبهة في الربا.

(1)

المبسوط (12/ 191).

(2)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/ 145).

(3)

أخرجه أحمد (5885)، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف.

ص: 208

فإن قيل: على هذا التقدير يلزم في بيع المضروب بالمصبوغ نسبة شبهة الشبهة، وهي غير معتبرة، وذلك لأن في بيع المضروب بالمضروب نسبة شبهة الفضل؛ لأنه لما قبض أحد البدلين ولم يقبض الآخر كان بيع النقد بالكالئ، وفيه شبهة فضل النقد على النسبة، ثم باع المضروب بالمصبوغ نسيئة، والمصبوغ في نفسه مما يتعين بالتعيين، لكن بالنظر إلى أصله بأن حلق ثمنًا شبهة عدم التعيين كانت فيه شبهة زايدة على تلك الشبهة التي هي شبهة فضل النقد على النسيئة، فكانت شبهة الشبهة، وهي غير معتبرة.

قلنا: عدم الجواز في بيع المضروب نسيئة تعين النص بقوله: يدًا بيد، لا بالشبهة؛ لأن في موضع النص الحكم غير مضاف إلى القلة، فحينئذ كانت الحرمة في هذه الصورة باعتبار الشبهة.

أو نقول: شبهة الشبهة إنما لا تعتبر إذا لم يكن منصوصاً عليها، وأما إذا كانت الحرمة منصوصاً عليها في الموضع الذي فيه شبهة الشبهة كان ثبوت الحرمة باعتبار النص لا باعتبار شبهة الشبهة، وفيما نحن فيه وهو بيع المضروب بالمصبوغ جاءت الحرمة نصاً، ذكره في المبسوط

(1)

، وهو ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال:«الذهب بالذهب مثل بمثل، والورق بالورق مثل بمثل، لا تفضلوا بعضها على بعض، لا يباع منها غائب يتأخر، فإني أخاف عليكم الدماء، والدماء وهو الربا، وإن استنظرك إلى أن يدخل بيته فلا تنظره»

(2)

، ومعنى قوله: لا يباع منها غائب يتأخر، أي نسيئة بنقد، واسم الذهب والورق يتناول المصبوغ منهما، فلما كان كذلك كانت الحرمة فيه ثابتة بالنص، لا بشبهة الشبهة.

وقال: فلا يتحقق بالنصب على جواب النفي بالفاء، وهو قوله: ثم لا بد لإطلاق ما روينا وهو قوله عليه السلام: «الذهب بالذهب»

(3)

، وفيما بعده: والفضة بالفضة، ثم ذكر في الكتاب اشتراط التقابض في المجلس، وإن كانا يتعينان كالمصبوغ، ولم يذكر اشتراط المساواة في الوزن إذا كانا مصبوغين من الذهب والفضة.

ولا يقال: قد ذكر ذلك؛ لأنه قال: فإن باع فضة بفضة أو ذهباً بذهب لا يجوز، إلا مثلاً بمثل، فاسم الذهب والفضة يتناول المصبوغ منهما وغير المصبوغ.

لأنا نقول: كما ذكر ذلك ذكر قوله أيضاً: ولا بد من قبض العوضين، أي من الذهب والفضة المذكورين، ومع ذلك ذكر قوله: فوجب قبضهما، سواء كانا يتعينان كالمصبوغ، أو لا يتعينان كالمضروب، حيث أعاد ذكر القبض في المصبوغ مع ذكره في مطلق الذهب والفضة، ولم يعد ذكر المساواة في الوزن في المصبوغ، كما أعاد ذكر القبض فيه، ثم اعلم أن المساواة في الوزن شرط في الذهب والفضة إذا بيع كل واحد منهما بجنسه، وإن كان هو إناء مصبوغًا، حتى لو باع إذا قبضه بإناء فضة متفاضلاً لا يجوز، وإن كان يدًا بيد؛ لأن المساواة شرط في الأموال الربوية إذا قوبلت بجنسها.

(1)

المبسوط (14/ 17).

(2)

تقدم.

(3)

أخرجه البخاري في كتاب البيوع- باب بيع الفضة بالفضة (2177)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب الربا (1584).

ص: 209

فإن قلت: يشكل على هذا ما لو باع إناءه مصبوغًا من نحاس بإناء مصبوغ متفاضلاً يجوز، مع أن بيع النحاس بالنحاس متفاضلاً لا يجوز، وكذلك في الإناء المتخذ من الشبه أو الصفر أو الحديد بإناء من جنسه متفاضلاً يجوز، ولا يجوز بيع الحديد بالحديد متفاضلاً، فعلى هذا ينبغي أن يجوز بيع إناء فضة بإناء فضة متفاضلاً، وإن كان لا يجوز بيع الفضة بالفضة متفاضلاً.

قلت: قد فرق بينهما حيث قيل بجواز بيع [إناء] مصبوغ من غير الذهب والفضة بإناء مصبوغ من جنسه متفاضلاً، وعدم جوازه في بيع الإناء المصبوغ من الذهب والفضة بإناء مصبوغ من جنسه متفاضلاً.

ووجه الفرق وهو أن صفة الوزن في الذهب والفضة منصوص عليها، فلا يتعين ذلك بالصفة، ولا يخرج من أن يكون موزونًا في العادة، والعادة لا تعارض النص.

وأما في الحديد والشبه وما أشبه ذلك؛ فصفة الوزن ثابتة بالعرف، فيخرج من أن يكون موزونًا بالصنعة بالعرف، ويتعارف [الناس] بيع المصبوغ منه عددًا، كذا في المبسوط

(1)

في أواخر الباب الأول من كتاب البيوع، وقد ذكرناه مرة في باب الربا في جهة واحدة قيد بها؛ لأنهما لو مشيا في جهتين مختلفتين يبطل الصرف؛ لوجود الافتراق بالأبدان.

وذكر في الذخيرة

(2)

: ولو قاما عن مجلس الصرف وذهبا معًا في جهة واحدة فرسخًا أو ما أشبه ذلك، ثم تقابضا قبل أن يفارق أحدهما صاحبه جاز العقد، وكذلك لو طال قعودهما في مجلس العقد.

"وإن وثب عن سطح فثب معه"، أول الحديث هو ما ذكره في المبسوط

(3)

فقال: وعن ابن جبلة

(4)

، قال: سألت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقلت: إنا نقدم أرض الشام ومعنا الورق الثفال النافقة، وعندهم الورق الكاسدة، أو نبتاع ورقهم العشرة بتسعة ونصف، فقال: لا تفعل، ولكن بع ورقك بذهب، واشتر ورقهم بالذهب، ولا تفارقه حتى تستوفي، وإن وثب من سطح فثب معه

(5)

.

(1)

المبسوط (12/ 183).

(2)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 172).

(3)

المبسوط (14/ 4).

(4)

جبلة بن سحيم التَّيْمِيّ، ويُقال: الشيباني أبو سريرة الكوفي. رَوَى عَن: عامر بْن مطر الشيباني، وعَبْد اللَّهِ بْن الزبير بْن العوام. وعَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الخطاب. رَوَى عَنه: جعفر بْن عُمَر الدرمكي، وحجاج ابن أرطاة ورقبة بْن مصقلة، وزيد بْن أَبي أنيسة، وسفيان الثوري. وذكره مُحَمَّد بْن سعد في الطبقة الرابعة، وَقَال: توفي فِي فتنة الوليد بْن يزيد. تهذيب الكمال (4/ 498).

(5)

أخرجه أبو يوسف في الآثار (837).

ص: 210

وفيه دليل أن المفتي إذا بيّن جواب ما سئل عنه فلا بأس أن يبين المسائل بالطريق الذي يحصل مقصوده، مع التحرز عن الحرام، ولا يكون هذا مما هو مذموم من تعليم الحيل، وفيه دليل على أن القيام عن المجلس من غير افتراق لا يمنع بقاء العقد، وأنه قال: وإن وثب عن سطح فثب معه، التحرز عن مفارقة أحدهما صاحبه قبل القبض.

بخلاف خيار المجبرة، وعن محمد رحمه الله في رواية أخرى أنه جعل الصرف بمنزلة خيار المخيرة، حتى قال: يبطل بما هو دليل الإعراض كالقيام عن المجلس، كذا في الذخيرة

(1)

.

الذهب بالصرف ربا، أي حرام؛ لأن الربا الذي هو الفضل لغة لما كان مستلزمًا للحرام، في باب الربا أطلق لفظ الربا على الحرام، "إلا هاء وهاء"، هاء بوزن هاع بمعنى خذ، ومنه:{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)}

(2)

، أي كل واحد من المتعاقدين يقول لصاحبه: هاء، فيتقابضان، وفي بعض الروايات: إلا يدًا بيد هاء وهاء، وهو تأكيد لقوله: إلا يدًا بيد، كأنه قال: إلا نقدًا مع التقابض، كذا في المغرب

(3)

.

فإن افترقا في الصرف قبل قبض العوضين أو أحدهما بطل العقد قبل القبض، في باب الصرف شرط لبقاء العقد لا لصحة العقد، استدلاله بهذا اللفظ فإنه قال في الكتاب: فإن افترقا في الصرف إلى أن قال: بطل العقد، ولا بطلان إلا بعد الصحة.

وقال في شرح الطحاوي

(4)

: العقود في حق التقابض على ثلاثة أوجه:

في وجه: التقابض من الجانبين قبل التصرف شرط لصحته، فهو عقد الصرف.

وفي وجه: لا يجعل التقابض شرطًا، وهو ما إذا تبايعا عينًا بعين في غير عقد الصرف، فإن التقابض ليس بشرط، وكذلك لو تبايعا عينًا بدين كالحنطة بالدراهم.

وفي وجه: يجعل التقابض من أحد الجانبين شرطًا لصحة العقد، وهو ما إذا تبايعا دراهم بفلوس، فالقبض في أحد الجانبين شرط؛ لأنهما لو افترقا من غير قبض من الجانبين حصل الافتراق عن دين بدين؛ لأن الدراهم والفلوس لا يتعينان وإن عيّنت، وإنما يتعين بالقبض، ولو وجد التقابض من أحد الجانبين جاز؛ لأنهما افترقا عن عين بدين، وكذلك إذا تبايعا كيلياً بكيلي، أو وزنياً بوزني، الذي يحرم فيه النساء، وأحدهما عين والآخر دين، والدين منهما ثمن، فإنه يجوز [ثمن] يشترط إحضاره وقبضه قبل التفريق بالأبدان؛ لأن الدين لا يتعين بالإحصار ما لم يقبض، وكذلك في عقد السلم يشترط القبض من أحد الجانبين، وهو رأس المال، ولهذا لا يصح شرط الخيار فيه، أي في الصرف بأن قال: اشتريت هذا الدينار بهذه الدراهم، على أني بالخيار ثلاثة أيام، وكذلك الأجل.

(1)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 172).

(2)

[الحاقة: 19].

(3)

المغرب (1/ 499).

(4)

بدائع الصنائع (5/ 204).

ص: 211

ثم اعلم أن بين الفساد في بيع الصرف بسبب الافتراق قبل القبض، وبين بيع الصرف الذي انعقد في أصله على الفساد من الابتداء بسبب ذكر الأجل، أو شرط الخيار فرق على قول أبي حنيفة رحمه الله، فإنه إذا كان لرجل جارية، وفي عنقها طوق فضة، ووزن الطوق مائة، فباعهما جميعًا من رجل بألف درهم حالة جاز البيع فيهما جميعًا، ويكون الطوق بمائة درهم من الألف صرفاً، والجارية بتسعمائة درهم، ولو افترقا عن غير القبض من الجانبين بطل الصرف، وبيع الجارية بتسعمائة صحيح، وبمثله لو باعهما بألف إلى أجل، والصرف باطل بالإجماع، ويبطل بيع الجارية أيضاً عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند صاحبيه لا يبطل البيع في الجارية بتسعمائة، فأبو حنيفة رحمه الله فرق بين المسألتين، فقال في المسألة الأولى: لا يبطل البيع في الجارية؛ لأن [العقد] فيهما جميعًا انعقد على الصحة، غير أن الصرف إنما يبطل؛ لفوات شرط من شرايطه قائم، يوجب ذلك إبطال البيع في الجارية، كما إذا اشترى عبدين بألف درهم، فاستحق أحدهما، وفي المسألة الثانية إنما يبطل بيع الجارية؛ لأن عقد الصرف انعقد على الفساد، فأوجب ذلك فساد بيع الجارية، كما إذا اشترى عبدين، فإذا أحدهما حر، كذا في شرح الطحاوي

(1)

.

لأن بأحدهما، أي بشرط الخيار، وبالثاني، أي وبالأجل، إلا إذا أسقط الخيار في المجلس فيعود إلى الجواز، ذكر إسقاط الخيار، ولم يذكر إسقاط الأجل؛ لأنه لو سلم في المجلس يجوز، وإن لم يوجد الإسقاط ذكرا قبل تقرره، أي تقرر الفساد حقاً لله تعالى؛ لأن الربا حرام حقاً لله تعالى.

وفي تجويزه، أي تجويز شراء الثوب ببدل الصرف من أحد المتعاقدين بعد الصرف كما نقل عن زفر، وإنما ذكره بكلمة: عن؛ لأن الظاهر من مذهب زفر رحمه الله كمذهب علمائنا الثلاثة في أن الاستبدال ببدل الصرف قبل القبض لا يجوز، ذكره في الذخيرة

(2)

.

فينصرف العقد إلى مطلقها، أي مطلق الدراهم، بأن اشترى الثوب، ولم يضف إلى بدل الصرف، فإنه يجوز، وكذلك إذا أضاف إلى بدل الصرف؛ لأن الدراهم والدنانير لا يتعينان، وإن كانت موجودة مشاراً إليها، فكذلك إذا كانت دينًا؛ لأن ما لا يتعين بالتعيين إذا كان عينًا لا يتعين بالتعيين إذا كان دينًا، وإذا كان كذلك كانت الإضافة إلى بدل الصرف والإطلاق سواء، إلا أنا نقول: أن قبض بدل الصرف واجب بالسنة، والاستبدال يفوت القبض المستحق، فكان شرط إيفاء الثمن من بدل الصرف شرطًا فاسدًا، فيمنع الجواز؛ لإسقاط الثمن به، والدين يتعين في حق القدر والوصف والاستحقاق فيما يرجع إلى الإسقاط، كذا في الفوائد الظهيرية والجامع الصغير لقاضي خان

(3)

.

(1)

الجوهرة النيرة (1/ 221).

(2)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 216).

(3)

فتح القدير (7/ 140).

ص: 212

وليس من ضرورة كونه مبيعًا أن يكون متعينًا، هذا جواب سؤال مقدر وهو أن يقال: لو كان بدل الصرف مبيعًا يجب أن يكون متعينًا؛ لأن المبيع متعين.

قلنا: المسلم فيه مبيع، ومع ذلك هو غير متعين، بل هو واجب في الذمة غير عين، ولأن شبهة كونه متعينًا قد ظهرت في البيع الثاني، وهو شراء الثوب ببدل الصرف حتى يحصل به تقدير الثمن، وإن لم يكن متعينًا في نفسه، وهو نظير ما إذا غصب الدراهم واشترى بها شيئاً بأن أشار إليهما ودفع منها يحرم الانتفاع بالمشترى، مع أن الدراهم والدنانير لا يتعينان في العقود، لكن لما حصل بها تقدير الثمن، وإسقاط ما وجب في ذمته بها.

قلنا: بحرمة الانتفاع بالمشترى، والشبهة في باب الربا ملحقة بالحقيقة.

فإن قيل: ينبغي أن يتعين الدراهم في مسألتنا للثمنية؛ لدخول الباء فيها حيث قال: باع ديناراً بعشرة دراهم، والباء مخصوصة؛ لدخولها في الأثمان.

قلنا: ذلك في الأثمان الجعلية

(1)

، كالحنطة والشعير والحديد من المكيلات والموزونات التي ليست من الدراهم والدنانير إذا كانت دينًا، وأما في بيع الصرف وكل واحد من البدلين ثمن ومثمن؛ لتعينهما للثمنية حلقه، كالسلع التي ليست من الموزونات والمكيلات كل واحد من البدلين ثمن ومثمن، فجعل كل واحد منهما ثمنًا ومثمنًا.

وقال: فيجعل كل واحد منهما مبيعًا؛ لعدم الأولوية، هذا هو الوجه الثاني الذي ذكره في الذخيرة في تعليل المسألة

(2)

.

فوجهه أن عقد الصرف بيع؛ لأنه مبادلة مال بمال، ولهذا لو حلف لا يبيع فصار ويحنث في يمينه، والبيع ما يشتمل على مبيع وثمن، وليس كل واحد منهما من بدل الصرف بأن يجعل أحدهما مبيعًا والآخر ثمنًا أولى من الآخر، فجعل كل واحد مبيعًا من وجه وثمنًا من وجه ضرورة انعقاد البيع، وإن كان كل واحد منهما ثمنًا حقيقة.

ألا ترى في بيع العرض بالعرض، اعتبر كل واحد منهما ثمنًا من وجه مبيعًا من وجه ضرورة انعقاد البيع، وإن كان كل واحد منهما مبيعًا حقيقة كذا ههنا، وإذا كان كذلك لو جاز الاستبدال به قبل القبض، من حيث أنه ثمن لا يجوز الاستبدال به، من حيث أنه مثمن فلا يجوز بالشك، كما قلنا في التأجيل في بدل الصرف: إن جاز من حيث أنه ثمن لا يجوز من حيث أنه ثمن لا يجوز من حيث أنه مثمن، فلا يجوز بالشك كما قلنا.

(1)

الجعل بالضم الأجر، يقال: جعلت له جعلا، والجعالة بكسر الجيم وبعضهم يحكي التثليث. ينظر: المصباح المنير (1/ 102)، الصحاح (4/ 1656).

واصطلاحًا: ما يُجعل للإنسان على شيء يفعله. انظر: تبيين الحقائق (3/ 93).

(2)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 216).

ص: 213

وأما الوجه الأول: فهو ما ذكره فيها بأن الاستبدال ببدل الصرف قبل القبض يفوت قبض بدل الصرف من حيث الحقيقة إلى آخره.

فإن قيل: لو جعل كل واحد منهما مبيعًا يشترط قيام الملك في كل واحد منهما حالة العقد حتى لا يصير بايعًا ما ليس عنده، وبالإجماع لم يشترط قيام الملك في الدراهم والدنانير وقت العقد، فقد ذكر في الكتاب: لو باع من آخر ديناراً بدرهم، وليس في ملك هذا دينار ولا في ملك هذا دراهم، ثم استقرض هذا دراهم، ودفعها إلى مسير بها، واستقرض من الآخر ديناراً، ودفعه إلى مسيرته فإنه يجوز.

قلنا: الدنانير والدراهم قبل العقد وحالة العقد ثمن من كل وجه، وإنما يعتبر مثمنًا من وجه بعد العقد؛ لأن اعتباره مثمنًا بسبب العقد ضرورة أن العقد لا بد له من مثمن، كما لا بد له من ثمن، فيعتبر كونه مثمنًا بعد العقد لا قبله، فلا يشترط قيام الملك فيه قبل العقد، وهذا كما في بيع العرض بالعرض، فإن كونه ثمنًا لا يثبت قبل العقد بوجه من الوجوه؛ لأنه مثمن في الأصل، وإنما يصير ثمنًا بسبب العقد ضرورة أن العقد لا بد له من ثمن، فيعتبر كونه مثمنًا قبل العقد حتى يشترط قيام الملك في كل واحد منهما حالة العقد، ويتعلق العقد بهما، ويعتبر كونه ثمنًا بعد العقد، حتى لا ينفسخ العقد بهلاك أحدهما بعد البيع قبل القبض، كما لو كان ثمنًا من كل وجه، كذا هنا، وإذا اعتبرت الثمنية قبل العقد في البدلين من كل وجه، لا يشترط قيام الملك فيهما قبل العقد، ولا يتعلق العقد بالمشار إليه.

فإن قيل: أليس أنه لو اشترى قلب فضة بدراهم، واستبدل بالدراهم قبل القبض لا يجوز عندكم، مع أن الدراهم بمقابلة القلب ثمن من كل وجه، إذ لا ضرورة إلى جعلها مثمنًا من وجه؛ لأن القلب بمقابلتها مثمن من كل وجه، فعلم بهذا أن حرمة الاستبدال فيما نحن فيه لا باعتبار أن كل واحد من البدلين مبيع.

قلنا: جواز الاستبدال ببدل القلب إن كان لا يمتنع للوجه الثاني؛ لأن الدراهم بمقابلة القلب من كل وجه بمبيع للوجه الأول، وهو أن الاستبدال ببدل القلب لو صح يفوت قبض بدل القلب في الصرف، وفوت قبض بدل القلب يوجب فساد الصرف، وما يكون سبباً لفساد العقد يكون فاسدًا في نفسه، كذا في الذخيرة

(1)

.

بخلاف بيعه بجنسه مجازفة؛ لما فيه من احتمال الربا، وإن كان متساويين في الوزن في الواقع لا يجوز أيضاً؛ لأن العلم بتساويهما حالة العقد شرط صحة العقد، وقد ذكرنا أنهما لو تبايعا ذهباً بذهب مجازفة، وافترقا بعد التقابض، ثم علما بالوزن أنهما كانا متساويين لا يجوز عندنا، خلافاً لزفر، وقد ذكرناه في أوائل هذا الكتاب الذي نحن فيه؛ لأن قبض [حصة] صحة الطوق واجب في المجلس؛ لأنه صرف، ولا يتفاوت في بيع الصرف بأن يكون مع أحد بدليه العرض، بل يكون العقد صرفاً في الأثمان.

(1)

المحيط البرهاني (7/ 217).

ص: 214

وذكر في أول كتاب الصرف من المحيط

(1)

: الصرف اسم لنوع بيع، وهو مبادلة الأثمان بعضها ببعض من الذهب والفضة مفردًا أو مجموعًا مع غيره، يريد بقوله: أو مجموعًا مع غيره، أما إذا باع ثوباً وذهباً بفضة، فحصة الذهب صرف؛ لأنه يقابله ثمن، وحصة الثوب بيع، والظاهر منه الإتيان بالواجب، فيحمل عليه، كما إذا ترك سجدة صلبية في الصلاة، وبينها أيضاً، ثم أتى بسجدة السهو، وسلم بصرف إحدى سجدتي السهو إلى الصلبية، وإن لم ينوها؛ ليكون الإتيان بها على وجه الصحة.

وكذلك لو طاف طواف الصدر، ولم يطف طواف الزيارة، فإن طواف الصدر ينقل إلى طواف الزيارة؛ ليكون الإتيان بالحج على وجه الصحة، والخروج عن عهدة الفرض، وذلك فيما قلنا لما بينا.

وهو قوله: والظاهر منه الإتيان بالواجب؛ لأن الاثنين قد يراد بذكرهما الواحد، أي قد يراد الواحد بذكرهما الواحد، أي قد يراد الواحد بذكر الاثنين عند قيام الدلالة على ذلك، ومن الدليل فيما نحن فيه وجوب أداء ثمن الحلية في المجلس؛ لكونه صرفاً دون ثمن السبق، فإنه ليس بصرف.

{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)}

(2)

، وإنما يخرجان من الملح دون العذب، وإنما قال:"منهما" مع أن الخروج من أحدهما؛ لما أن العذب والملح يلتقيان، فيكون العذب كاللقاح للملح، كما يقال: يخرج الولد من الذكر والأنثى، وإنما تلده الأنثى، وقيل: من عادة العرب أنها تجمع شيئين لأحدهما فعل، فيجعل الفعل لهما، وهو كقوله تعالى:{فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا}

(3)

، وكان الناسي صاحب موسى عليه السلام وحده.

وقال: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}

(4)

، والرسل من الإنس دون الجن، كذا في التيسير

(5)

.

وذكر في الجامع

(6)

: ولو قال رجل لامرأتيه: إذا حضتما حيضة فأنتما طالقان، أو قال: إذا ولدتما ولدًا فأنتما طالقان، ففي القياس: هذا لغو من الكلام، ولا يتعلق به حكم؛ لأن ولادة ولد واحد، وطهور حيضة واحدة من المرأتين لا يتصور، ولكنا عملنا بالاستحسان بالمجلس؛ كيلا يلغو كلامه، وقلنا: إذا حاضت إحداهما وقع الطلاق عليهما، وكذلك إن ولدت إحداهما ولدًا وقع الطلاق عليهما، وقد يضاف الشيء إلى الاثنين والمراد به واحد كما في النظائر، بخلاف ما إذا قال لهما: إذا حضتما فأنتما طعان فحاضت إحداهما لم يقع على أحد شيء، حتى تحيض الأخرى فإن حاضتا وقع الطلاق عليهما، وكذلك له قال: إن ولدتما فأنتما طالقان، فولدت إحداهما لا تطلق حتى تلد الأخرى؛ لما أن العمل بالحقيقة ممكن، فإن فعل الحيض والولادة منهما متصور، فيشترط وجوده منهما؛ لأن الجزاء لا يتوزع على أجزاء الشرط، بل إنما ينزل الجزاء عند تمام الشرط، وذلك فيما إذا وجد الحيض والولادة منهما جميعًا.

(1)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 169).

(2)

[الرحمن: 22].

(3)

[الكهف: 61].

(4)

[الأنعام: 130].

(5)

التيسير في التفسير لنجم الدين أبي حفص، عمر بن إسماعيل أبي حفص نجم الدين النسفي، عالمٌ بالأصول والتفسير والأدب والتاريخ، من فقهاء الحنفية، توفي سنة (537 هـ) بسمرقند، وكتابه التفسير مخطوطاً في مكتبة أحمد الثالث برقم (1756) ويوجد له نسخة على شكل مايكرو فيلم في جامعة الملك عبد العزيز. تاج التراجم (34 - 35)، معجم المؤلفين (7/ 305 - 306).

(6)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 130).

ص: 215

وأما لو قال: خذ هذه الخمسين من ثمن السيف خاصة، وقال الآخر: نعم، أو قال: لا، وتفرقا على ذلك، انتقض البيع في الحلية؛ لأن الترجيح بالاستحقاق عند المساواة في العقد أو الإضافة، ولا مساواة بعد تصريح الدافع، يكون المدفوع من ثمن السيف خاصة، والقول في ذلك قوله؛ لأنه هو المالك، فالقول في بيان جهته

(1)

.

قال: كذا في المبسوط

(2)

، في باب الإجارة من عمل التموية من كتاب الصرف، إلا أنه وضع المسألة في اشتراء القلب مع الثوب والحلية في مسألتنا، إذا كانت يتخلص من السيف بدون الضرر صارت بمنزلة القلب مع الثوب، والطوق مع الجارية، وهذا إذا كانت الفضة المفردة أزيد مما فيه.

وفي المبسوط

(3)

: فأما بيعها، أي بيع الحلية مع السيف بالفضة فعلى أربعة أوجه:

إن كان يعلم أن فضة الحلية أكثر فهو فاسد، وكذلك إن كانت الحلية مثل البعد في الوزن؛ لأن الجفن والحمايل فضل خال عن العوض، فإن مقابلة الفضة بالفضة في البيع يكون بالإجزاء، وإن كان يعلم أن الفضة في الحلية أقل جاز العقد، على أن يجعل المثل بالمثل، والباقي بإزاء الجفن والحمايل عندنا، خلافاً للشافعي، وإن كان لا يدري أيتهما أقل فالعقد فاسد عندنا؛ لعدم العلم بالمساواة عند العقد، وتوهم الفضل، وعند زفر هذا يجوز؛ لأن الأصل هو الجواز، والمفسد هو الفضل الخالي عن العوض، فما لم يعلم به يكون العقد محكومًا بجوازه.

والجواب: ما ذكر في الكتاب وجهه الفساد من وجهين فترجحت، فالوجهان ما إذا كان الذي لا يدري أنه مثل الحلية في السيف، أو مثل الطوق في الجارية، وما إذا كان أقل من الحلية أو من الطوق.

وأما وجه الجواز ما إذا كان الذي لا يدري أزيد من الحلية في السيف، أو من الطوق في الجارية.

فإن قيل: الترجيح إنما يكون لشيء لا يكون علة لإثبات الحكم ابتداء، وههنا كل واحد من الجهتين -أعني المساواة والنقصان- من المقرر علة عدم الجواز ابتداء، فلا يصلح للترجيح.

قلنا: مراده أنه إذا كان أحدهما يكفي للحكم، فما ظنك عند اجتماعهما، لا للترجيح الحقيقي، كذا نقل عن العلامة مولانا شمس الدين الكردري

(4)

رحمه الله.

(1)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 137).

(2)

المبسوط (14/ 76).

(3)

المبسوط (14/ 5).

(4)

محمد بن عبد الستار بن محمد، العمادي، أبو الوحدة، المعروف بـ"شمس الأئمة الكردري. تفقه على برهان الدين، أبي الحسن، علي بن أبي بكر، صاحب الهداية، والورشكي، والعتَّابي، وغيرهم. وتوفي ببخارى يوم الجمعة، تاسع المحرم، سنة اثنتين وأربعين وستمائة. شرح مختصر الشيخ حسام الدين الأخسيكثي. تاج التراجم (1/ 267).

ص: 216

لأنه صرف كله، وبهذا يحترز عن المسألتين المتقدمتين، وهما: بيع جارية وفي عنقها طوق فضة بألفي مثقال، وبيع سيف محلى بمائة درهم، فإن كل واحدة منهما بيع وصرف، فأثبت الحكم فيهما على حسب ما يقتضيه الدليل.

ومن قضية الانقسام، أي ومن قضية المقابلة على تأويل التقابل الانقسام على الشيوع، لا على التعيين.

ألا ترى أن من اشترى جاريةً وعبدًا بفرس وثوب، ثم استحق العبد يرجع بقيمة العبد من الثوب والفرس جميعًا، ولولا أن قضية المقابلة الانقسام على الشيوع لما رجع في الثوب والفرس جميعًا.

وذكر في الإيضاح

(1)

: ومعنى الشيوع هو أن يكون لكل واحد من البدلين حظ من جملة الآخر، كما إذا اشترى قلباً أي وزنه عشرة بعشرة دراهم، وإن أمكن تصحيحه بصرف الألف إليه أي إلى المشتري؛ لأنه لو صرف الألف إلى المشتري لا يكون شراء ما باع بأقل مما باع، بل يكون شراء ما باع بمثل ما باع، ومع ذلك لا يصرف الألف إلى المشتري؛ لأنه لو صرف يلزم تغيير العقد؛ لما ذكرنا، وهو قوله: من قضية الانقسام على الشيوع لا على التعيين، والتعيين لا يجوز.

ولا يصرف إلى الثوب، أي ولا يصرف الدرهم إلى الثوب.

ولنا أن المقابلة المطلقة تحتمل مقابلة الفرد بالفرد، كما في الجنس بالجنس، كما إذا باع قفيز حنطة بقفيزي حنطة يبطل العقد؛ لأن القفيز الواحد يقابل القفيز الواحد، والقفيز الآخر يبقى فضلاً، فلا يجوز لذلك.

وأنه طريق متعين للصحة، أي وأن مقابلة الفرد بالفرد بأن يكون الواحد بالواحد والاثنين بالاثنين، فيلزم منه صرف الشيء إلى خلاف جنسه فيما نحن فيه، فيصح العقد، ادعى أولاً احتمال مقابلة الفرد بالفرد نفياً لقول الخصم، فإنه يقول بالانقسام في الشيوع، وعدم احتمال العقد مقابلة الفرد بالفرد، ثم ذكر تعين مقابلة الفرد بالفرد ههنا؛ لتعين صحة العقد فيه فيحمل عليه.

فإن قيل: لا نسلم بأن طريق الصحة متعين فيما قلتم، بل له وجوه أخر أيضاً، وهو أن يقال: درهم من الدرهمين بمقابلة درهم، ودينار من الدينارين بمقابلة دينار، ودينار من الدينارين بمقابلة درهم باق من الدرهمين.

قلنا: ما قلنا متعين للصحة؛ لقلة وقوع التغيير، وذلك لأن فيما ذكرنا تغييرين، وذلك صرف درهم إلى دينار، ودينارين إلى درهمين، وفيما ذكرت ثلاث تعبيرات، وهي صرف درهم إلى درهم، ودينار إلى دينار، ودرهم إلى دينار، فكان الذي هو أقل تغييراً متعينًا في التصحيح.

وذكر في الإيضاح

(2)

: الأصل في هذا الباب أن صفقة البيع إذا اشتملت على إبدال وجبت قسمة أحد البدلين على الآخر، وتظهر الفائدة في الرد بالعيب، والرجوع بالثمن عند الاستحقاق، ووجوب الشفعة فيما يجب فيه الشفعة، فإن كان العقد لا ربا فيه، وإن كان مما لا يتفاوت فالقسمة على الإجزاء، وإن كان مما يتفاوت فالقسمة على القيمة، وأما ما فيه الربا فإنه يجب القسمة على الوجه الذي يصح العقد مبادلة، إذا باع عشرة دراهم بخمسة دراهم ودينار صح العقد، فيكون الخمسة بالخمسة، والخمسة الأخرى بإزاء الدينار.

(1)

العناية شرح الهداية (7/ 144).

(2)

فتح القدير (7/ 147).

ص: 217

وكذلك لو قابل جنسين بجنسين كما في مسألة الكتاب، بأن باع درهمين وديناراً بدينارين ودرهم صح العقد، ويجعل كل جنس بمقابلة الجنس الآخر، وهذا مذهبنا.

وقال الشافعي رحمه الله: البيع باطل في جميع ذلك؛ لأن مطلق المقابلة يقتضي أن يكون بطريق الشيوع، وهو أن يكون لكل واحد من البدلين حظ من جملة الآخر.

وذكر في الذخيرة

(1)

: الأصل في جنس هذه المسائل أن الأموال الربوية يصرف الجنس إلى الجنس في المبادلات، إذا لم يكن في صرف الجنس إلى الجنس فساد المبادلة، وإن كان في صرف الجنس إلى الجنس فساد المبادلة يصرف الجنس إلى خلاف الجنس، وإنما وجب صرف الجنس إلى الجنس عند جواز العقد بالنص، وهو قوله عليه السلام:«الذهب بالذهب، مثل بمثل، والفضة بالفضة، مثل بمثل»

(2)

، فقد جعل الجنس بالجنس حالة المماثلة، وحال المماثلة في الأموال الربوية حالة جواز العقد، ونوع من المعنى يدل عليه أنا لو صرفنا الجنس إلى خلاف الجنس احتجنا إلى التقويم بآرائنا واجتهادنا، وإذا صرفنا الجنس إلى الجنس استغنينا عن الاجتهاد فإنه لا مزية لأحدهما على الآخر في المالية؛ لأن المالية تنشأ عن الذات، فإذا استويا في الذات استويا في القيمة من حيث القطع.

وإنما وجب صرف الجنس إلى الجنس إلى خلاف الجنس إذا كان في صرف الجنس إلى الجنس فساد المبادلة؛ لأن صرف الجنس إلى الجنس إذا لم يكن فيه فساد العقد بالنص، ولا نص فيما إذا كان في صرف الجنس إلى الجنس فساد العقد فيطلب له دليل آخر، وقد وجد دليل آخر يوجب صرف الجنس إلى خلاف الجنس، وهو ظاهر عقلهما ودينهما؛ لأن الظاهر من حال العاقل المتدين مباشرة الجائز من العقود دون الفاسد، والجواز ههنا في صرف الجنس إلى خلاف الجنس.

وفيه تغيير وصفه لا أصله، أي وفيما قلنا من مقابلة الفرد بالفرد تغيير وصف العقد؛ لما أن وصف العقد يقتضي الانقسام بالشيوع، كما قاله الخصم؛ لأنه قابل الجملة بالجملة، وذلك يقتضي الانقسام بالشيوع، لكن في الانقسام بالشيوع تغيير أصل العقد؛ لأن أصل العقد الصحيح يثبت الملك قبل القبض، فلو قلنا بالانقسام بالشيوع يفسد العقد ولا يثبت الملك قبل القبض، وكان تغييراً لأصل العقد بسبب ** وصف العقد، وفيما قلنا وهو مقابلة الفرد بالفرد إبقاء لأصل العقد على قضيته، وهو ثبوت الملك في الكل قبل القبض، مع تغيير الوصف كما قلنا، فكان هو أهون التغييرين، فكان أولى.

(1)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 244).

(2)

أخرجه البخاري في كتاب البيوع- باب بيع الفضة بالفضة (2177)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب الربا (1584).

ص: 218

وذكر في المبسوط

(1)

: ولو صرف الجنس إلى خلاف الجنس صح العقد، ولا معارضة بين الجائز والفاسد، والجائز مشروع بأصله ووصفه، والفاسد مشروع بأصله حرام بوصفه، وإذا لم يتحقق المعارضة يترجح ما هو مشروع من كل وجه على ما هو مشروع من وجه.

بخلاف مسألة المرابحة؛ لأنه يصير تولية في القلب يصرف الربح إلى الثوب، والتولية ضد المرابحة، والشيء لا يتناول ضده وهو قد صرح بقوله: بعتهما مرابحة، فلو صرفنا قوله: مرابحة إلى الثوب خاصة كان تابعًا للقلب الذي وزنه عشرة دراهم بعشرة دراهم، وهو تولية في القلب، ولو صرفنا المرابحة فيهما كما ذكر يفسد العقد؛ لأنه يصير ربًا في القلب، فلذلك تعين فيه البطلان، والطريق في المسألة الثانية غير متعين، أي طريق الجواز في صرف الألف إلى المشتري غير متعين؛ لأنه لو صرف الألف وما زاد عليه إلى المشتري متعين يجوز أيضاً.

وذكر في المبسوط

(2)

: وأما مسألة العيدين فقلنا: معنى المعارضة يتحقق هناك، فإن جهات الجواز تكثر، فإنه إن جعل بمقابلته مثل الثمن الأول جاز، وكذلك إن جعل بمقابلته أكثر من الثمن الأول بدرهم، وكذلك إن جعل بمقابلته أكثر من الثمن الأول بدرهمين إلى آخره، فلكثرة جهات الجواز يتحقق معنى المعارضة فيجب المصير إلى الانقسام باعتبار القيمة، وههنا لا وجه للجواز إلا واحد، وهو صرف الجنس إلى خلاف الجنس.

فإن قيل: ههنا المعارضة تتحقق أيضاً، فإنه إذا جعل الدرهم بمقابلة الدينارين يجوز، وإن جعل نصف درهم بمقابلة نصف درهم، والنصف الباقي لمقابلة الدينار، ونصف دينار بمقابلة نصف دينار، والباقي بمقابلة درهم ونصف يجوز أيضاً.

قلنا: نعم، ولكن هذا طريق صرف الجنس إلى خلاف الجنس، ونحن ادعينا أنه لا وجه للجواز ههنا، إلا هذا الطريق وهو طريق صرف الجنس إلى خلاف الجنس، فكيف ما يشتغل به، لا يخرج الطريق به من أن يكون متعينًا، أي لا يخرج من أن يكون صرف الجنس إلى خلاف الجنس طريقاً متعينًا في الجواز، ورأيت جواب هذه الشبهة مكتوباً بخط شيخي رحمه الله.

قلنا: نعم، إلا أن التعدد إنما يمنع الجواز إذا لم يكن لأحدهما ترجيح، ولما ذكرناه رجحان؛ لأن العقد ورد على اسم الدرهم، فتجويزه مع بقاء اسم الدرهم أولى مما لم يبق فيه اسم الدرهم، وفيما ذكرتم لم يبق فيه اسم الدرهم، وفيما قلنا بقي، وكان أولى، والمعين ضده أي ضد المنكر قائمًا كان ضده لم يتناول النكرة المعرفة عينًا، والتعيين في المسح شرط جواز العقد، فانتفى المشروط لانتفاء الشرط.

(1)

المبسوط (12/ 190).

(2)

المبسوط (12/ 190).

ص: 219

وفي الأخيرة، أي وفي المسألة الأخيرة، وهي ما إذا باع درهمًا وثوباً بدرهم وثوب وافترقا من غير قبض فسد البيع في الدرهمين، قلنا هناك: العقد صحيح من غير أن يصرف الجنس إلى خلاف الجنس، فإن القبض في المجلس شرط بقاء العقد صحيحًا، لا بشرط الانعقاد صحيحًا.

ونحن إنما صححنا هذا لتصحيح العقد لا للبقاء صحيحًا، فلا يلزم، كذا في المبسوط

(1)

، فإنا قد ذكرنا من الذخيرة

(2)

بأن صرف الجنس إلى الجنس أصل في البياعات إذا لم يكن فيه فساد العقد، وههنا كذلك، فصرفنا الجنس إلى الجنس؛ عملاً بالأصل، وصح العقد أيضاً؛ لانعدام فصل أحدهما على الآخر عند صرف الجنس [إلى] الجنس، ثم فسد العقد بعد الصحة بسبب معنى طارئ، وهو الافتراق من غير قبض في بيع الصرف، وليس كلامنا في الفساد الطارئ فلا يرد علينا نقض.

ومن باع أحد عشر درهمًا بعشرة دراهم ودينار، كانت المسألة التي قبل هذا في بيع الصرف أيضاً، لكن كل واحد من طرفي بدليه مشتملاً على جنسين مختلفين، وهنا أحد الطرفين في جنس واحد، والآخر مشتمل على جنسين مختلفين، لكن بزيادة في الجنس الواحد على ما روينا، وهو قوله عليه السلام:«الفضة بالفضة، مثل بمثل»

(3)

.

والظاهر أنه أراد به ذلك، أي أن البائع أراد بهذا العقد الذي ذكرناه، وهو أن يكون العشرة بمثلها، والدينار بدرهم؛ حملاً لأمره على الصلاح، وهو الإقدام في العقد الجائز لا في الفاسد والجائز فيما قلنا.

ولو تبايعا فضة بفضة، ومع أقلهما شيء آخر تبلغ قيمته باقي الفضة جاز، صورته: إذا باع عشرة دراهم ولو بالخمسة عشر درهمًا، وذكر هذه المسألة في الإيضاح

(4)

على الخلاف فقال: وروي عن محمد أنه إذا باع الدراهم بالدراهم في أحدهما فصل من حيث الوزن، وفي الجانب الذي لا فصل فيه فلوس، قال: هو جائز في الحكم، ولكني أكرهه، وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا بأس به؛ لأنه أمكن التصحيح، بأن يجعل الجنس بالجنس، والزيادة بإزاء الفلوس، وإنما كره محمد رحمه الله ذلك؛ لأنه إذا جاز على هذا الوجه ألف الناس التفاضل فاستعملوه فيما لا يجوز، وكذا أيضاً في المحيط

(5)

.

(1)

المبسوط (12/ 191).

(2)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 224).

(3)

أخرجه البخاري في كتاب البيوع- باب بيع الفضة بالفضة (2177)، ومسلم في كتاب المساقاة- باب الربا (1584).

(4)

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 192).

(5)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 227)، فتح القدير (7/ 148).

ص: 220

وقيل: إنما يكره؛ لأنه احتال السقوط الربا ليأخذ الزيادة بالحيلة فيكره، كبيع العينة فإنه مكروه

(1)

لهذا.

فإن قيل: لو كان هذا مكروهًا لكان البيع في المسألة التي قبلها مكروهًا أيضاً، إذ هي عين هذه المسألة؛ لأنهما تبايعا فضة بفضة؛ لأن الدراهم عين الفضة، ومع أقلهما شيء آخر، وهو الدينار.

قلنا: إنما لم يذكر الكراهة هناك؛ لأنه وضع المسألة فيما إذا كان الزايد الدينار بمقابلة الدرهم، وقيمة الدينار يبلغ الدرهم ويزيد، في هذه الصورة لا كراهة، وإنما الكراهة فيما إذا لم يبلغ قيمة ذلك الشيء المضموم قيمة باقي الفضة على ما ذكر في الكتاب

(2)

.

قال: وإن لم يبلغ كالجوزة وكف من زبيب، ومن له على آخر عشرة دراهم، فباعه الذي عليه العشرة ديناراً بعشرة دراهم، ودفع الدينار وتقاصا العشرة بالعشرة، فهو جائز، هذا جواب الاستحسان. وفي القياس: لا يجوز، وهذه المسألة على وجهين: أما إن باع الدينار بالعشرة التي له عليه، أو باع الدينار بعشرة مطلقة، وقبض الدينار، وجعلا ثمن الدينار قصاصاً بالعشرة، فالأول جائز بلا خلاف لما يجيء، والثاني جائز استحساناً، والقياس أن لا يجوز، وهو قول زفر، وأجمعوا على أنهما ما لم يتقاصا لا تقع المقاصة، وجه [القياس]: أن هذا استبدال ببدل الصرف، فلا يجوز، كما لو أخذ ببدل الصرف عرضاً أو ديناراً، أو كما فعل بدل الصرف قصاصاً بدين وجب بعقد ناشرة بعد الصرف لا يجوز، ولهذا لو جعلا رأس مال السلم قصاصاً بدين واجب قبل السلم لا يجوز، وكما لا يجوز الاستبدال برأس مال السلم، لا يجوز ببدل الصرف.

أو نقول: لو صح القصاص ههنا لا يخلو إما أن يصير قصاصاً صح بقاء الصرف الأول أولاً مع بقائه، لكن بانفساخ الأول وانعقاد الآخر لا وجه إلى الثاني لوجهين:

أحدهما: أن ذلك يكون بطريق الاقتضاء، وزفر لا يقول به.

والثاني: أن كونه قصاصاً يبقى تقدير الانفساخ والانعقاد؛ لأن بتقدير الانفساخ والانعقاد لا يتحقق القصاص؛ لاقتصار القصاص إلى سبق الإيجاب، ولا وجه إلى الأول؛ لأن القصاص حينئذ يكون استبدالاً للاستيفاء؛ لأن علامة الاستيفاء قبض عين مضمون من جنس بدل الصرف بعد عقد الصرف.

(1)

المَكْروه: ما هو راجح الترك فإن كان إلى الحرام أقربَ تكون كراهةً تحريميّةً، وإن كان إلى الحلِّ أقربَ تكون تنزيهيّةً. ومعنى القرب إلى الحرمة أنه يستحق فاعلُه العتابَ ومعنى القرب إلى الحلِّ أنه لا يستحق فاعله العتاب، بل يستحقُّ تاركه أدنى الثواب. التعريفات الفقهية (2/ 251).

(2)

فتح القدير (7/ 148).

ص: 221

وجه الاستحسان: أنهما لما أقدما على المقاصة، ولا صحة للمقاصة مع بقاء عقد الصرف لما [إلا لما قال زفر، وهو لزوم الاستبدال في بدل الفرق قبل القبض] انفسخ بيع الدينار بالعشرة المطلقة مقتضى به، كما في قوله: اعتق عبدك عني على ألف، وإذا انفسخ بيع الدينار بالعشرة بقى إيفاء الدينار بالدراهم التي عليه، فيصير صرفاً بدين سبق وجوبه، وذلك جائز؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنه: أنه سأل رسول الله عليه السلام فقال: إني أكتري إبلاً بالبقيع إلى ملكه بالدراهم، وآخذ مكانها دنانيراً وقال: بالدنانير وآخذ مكانها دراهم، فقال عليه السلام:«لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل»

(1)

، وهذا وجه اختاره مشايخ العراق، [قال مشايخنا]: وهذا غير سديد؛ لأنه لو انفسخ الصرف الأول يجب على مشتري الدينار رد الدينار على البائع بحكم الإقالة؛ لأن إقالة الصرف لها حكم الصرف، ولهذا لو جعل بدل الصرف قصاصاً بدين تأخر وجوبه بعقد باشر بعد الصرف في المجلس لا يجوز، ولو أمكن تصحيح المقاصة بالدين المتأخر في مسألتنا بانفساخ العقد الأول، وتجديد العقد كما لو قالوا: أمكن تصحيح المقاصة، ويصير الدين المتأخر بمنزلة المتقدم، والوجه الصحيح أنهما لما أقدما على المقاصة وجب تصحيحها ما أمكن، وأمكن تصحيح المقاصة بأن يجعل العقد المضاف إلى الدراهم المطلقة مضافاً إلى الدراهم الواجب يقبل الصرف، [فيكون] تغييراً لوصف العقد مع بقاء أصل العقد كما قلنا في الزيادة على الثمن.

بخلاف ما إذا جعله قصاصاً بدين متأخر، صورته إذا اشترى ديناراً بعشرة دراهم، وقبض الدينار ولم ينقد الدراهم، حتى لو باع في المجلس ثوباً من بائع الدينار بعشرة دراهم، وجعلا ثمن الثوب قصاصاً ببدل الصرف، ذكر في رواية أبي سليمان رحمه الله: أنه يجوز، وفقهه: ما ذكرنا لمشايخ العراق، وذكر في رواية أبي حفص رحمه الله: لا يجوز، فعلى رواية أبي حفص -وهو الصحيح- يحتاج إلى الفرق بين الدين المتقدم والمتأخر، والفرق أن العقد إذا تغير تصحيحًا للمقاصة بالدين المتقدم يصير كأنهما باشرا العقد في الابتداء إلى دين سبق وجوبه، وذلك جائز، وفي الدين المتأخر يصير كأنهما باشرا العقد في الابتداء إلى دين سيحدث، وذلك باطل لو نص عليه.

(1)

أخرجه أحمد في «مسنده» (5555)، وأبو داود في كتاب البيوع- باب في اقتناء الذهب من الورق (3354)، والترمذي في كتاب البيوع- باب ما جاء في الصرف (1242)، والنسائي في كتاب البيوع- باب بيع الفضة بالذهب وبيع الذهب بالفضة (4582)، (4583)، وابن ماجه في كتاب التجارات- باب اقتناء الذهب من الورق والورق من الذهب (2262).

ص: 222

وبخلاف ما لو جعلا رأس مال السلم قصاصاً بدين سبق وجوبه؛ لأن المسلم فيه دين، ولو صحت المقاصة برأس المال يصير افتراقاً عن دين بدين، وذلك حرام بالنص، أما ههنا أحد العوضين وهو الدينار مقبوض، فلو صحت المقاصة يصير افتراقاً عن عين بدين، وهو غير منهي، كذا في الجامع الصغير لقاضي خان، والفوائد الظهيرية

(1)

، جئنا إلى لفظ [الكتاب وقوله: ومعنى المسألة إذا باع بعشرة مطلقة، أي من غير أن يقيد بذلك بأن قال: بالعشرة التي عليه]، قيد بذلك فقال: بالعشرة التي عليه يجوز البيع بلا خلاف، وقد ذكرناه بخلاف المطلقة، فإن ذلك جائز عندنا، وهو جواب الاستحسان، وقال زفر: لا يجوز، وهو جواب القياس، وقد ذكرناه، ووجهه أي وجه جواب الاستحسان يجب تعينه بالقبض؛ لما ذكرنا، وهو قوله: ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق؛ لما روينا من قوله عليه السلام: «يدًا بيد»

(2)

، فلا تقع المقاصة لعدم المجانسة؛ لأنه لا مجانسة بين العين والدين، فإن بدل الصرف يجب أن يكون معينًا بالقبض؛ لما روينا، وهذا دين سبق وجوبه، فينبغي أن لا يجوز، وإن تقاصا كما في السلم فإنه لا يجوز في الدين السابق، بأن أسلم بدين في ذمة المسلم إليه قبل عقد السلم، فإنه لا يجوز، لكن في صورة المقاصة في الصرف يجوز؛ لما ذكر في الكتاب، فإذا تقاصا يتضمن ذلك فسخ الأول، والإضافة إلى الدين بنصب الإضافة بالعطف على فسخ، يعني عند اتفاقهما على المقاصة يجعل كأنهما فسخا الأول، ثم جدداه مضافاً إلى ذلك الدين.

فإن قيل: في هذا يلزم الدور، فيجب أن يثبت واحد منهما، أي من الفسخ والمقاصة، وذلك لأن المقاصة إنما صحت إذا كان وجوب بدل الصرف قائمًا، فإذا بطل عقد الصرف بالفسخ كيف توجد المقاصة، والمقتضى هو الفسخ، إنما يكون لتصحيح المقتضي، وهو المقاصة، فيبطل المقتضي ههنا عند تحقيق المقتضي؛ لأنه لو بطل الصرف لأجل الاحتراز عن الاستبدال ببدل الصرف بطل المقاصة، إذ المقاصة تقتضي قيام وجوب دين الصرف، فلا يثبت واحد منهما.

قلنا: إنما يبطل بالمقاصة إذا لم يتحدد عقد جديد عند بطلان عقد الصرف، وهنا عند بطلان عقد الصرف صارا كأنهما حددا عقدًا جديدًا، فيصح المقاصة بدين سابق.

فإن قيل: لو فسخ الصرف ضمنًا للمقاصة ينبغي أن يكون القبض شرطًا؛ لأن الإقالة بيع في حق الثالث والشرع ثالثهما، فكان بيعًا جديدًا في حقه.

(1)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 140).

(2)

أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (1587)، من حديث عبادة رضي الله عنه.

ص: 223

قلنا: صارت الإقالة ههنا في ضمن المقاصة، فجاز أن لا يثبت حكم البيع بمثل هذه الإقالة، بل حكم البيع لها في حق الثالث فيما إذا كانت الإقالة ثابتة قصدًا.

وفي الإضافة إلى الدين، أي إلى العشرة التي عليه، هذا إذا كان الدين سابقاً [عليه]، أي على عقد الصرف، ولو كان لاحقاً بأن اشترى ديناراً بعشرة دراهم، وقبض الدينار، ثم إن مشتري الدينار باع الثوب من بائع الدينار [بعشرة دراهم] على ما ذكرناه، فأراد أن يتقاصا، قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله

(1)

: لا تجوز المقاصة هنا؛ لأن الدين لاحق، والنبي عليه السلام جوّز المقاصة في دين سابق قبل عقد الصرف، وهو ما ذكرناه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفي رواية: تقع المقاصة، وهو الأصح، وهو رواية أبي سليمان

(2)

، هكذا اختاره أيضاً فخر الإسلام رحمه الله

(3)

.

وأما شمس الأئمة السرخسي وقاضي خان -رحمهما الله- اختارا عدم الصحة، وهو رواية أبي حفص رحمه الله

(4)

، وقد ذكرناها، فوجه الصحة: هو أن عقد الصرف ينتقص بإرادتهما المقاصة، وصارا كأنهما جددا عقدًا جديدًا، فكان الدين سابقاً على المقاصة، فصار كأنه اشترى بعشرة دراهم بدل الدينار العشرة التي هي بدل الثوب فصحت المقاصة.

الغلة من الدراهم المقطعة التي في القطعة، منها: قيراط أو طسوح أو حبة، كذا في المغرب

(5)

.

فيردهما بيت المال، لا لزيادتها، بل لكونها قطعًا، ووجهه تحقق المساواة، وما عرف من سقوط اعتبار الجودة، أي الذي عرف من اعتبار سقوط الجودة؛ لقوله عليه السلام:«صدقا وردها سواء»

(6)

، أي لوجود علة الجواز التي هي علة ذات وصفين، وهما المساواة وسقوط الجودة، ولما كان كذلك صرفت الصحاح بمقابلة الغلات، لا أن يجعل الصحيحات بمقابلة الغلة، ولا الغليان بمقابلة الصحيح، فلسقوط الجودة اشترطت المساواة في الوزن في جنس الدراهم عند المقابلة، وفي ذلك لا يتفاوت الحكم بين الدرهم الصحيح والغلة، وكذا لا يجوز الاستقراض بها إلا وزنًا أي لا عددًا [كما] في الفلوس، وإن كان الغالب عليهما الغش فليسا في حكم الدراهم والدنانير؛ اعتباراً للغالب، وهذا الذي ذكره إذا كانت الفضة لا يخلص من الغش؛ لأنها صارت مستهلكة فلا اعتبار بها، وأما إذا كانت تخلص من الغش فليست بمستهلكة، كذا ذكره في شرح الأقطع

(7)

.

(1)

المبسوط (14/ 19).

(2)

موسى بن سليمان أبو سليمان الجوزجاني سمع: عبد الله بن المبارك، وعمرو بن جميع، وكان فقيها بصيرا بالرأي، يذهب مذهب أهل السنة في القرآن، وسكن بغداد، وحدث بها، فروى عنه عبد الله بن الحسن الهاشمي، وأحمد بن محمد بن عيسى البرتي، وبشر بن موسى الأسدي. وَقَالَ ابن أبي حاتم: كتب عنه أبي، وسئل عنه، فقال: كَانَ صدوقًا. تاريخ بغداد (15/ 26).

(3)

المبسوط (14/ 20).

(4)

أحمد بن حفص أبو حفص الكبير. أخذ عن محمد بن الحسن. وله أصحاب كثير ببخارى. كان في زمن محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح، توفّي بِمصْر فى سنة أَربع ورابعين وَثَلَاث مائَة رَحمَه الله تَعَالَى وَقيل سنة سِتّ وَرمي بالإعتزال. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 68)، تاج التراجم (1/ 94).

(5)

المغرب (1/ 344).

(6)

هذا اللفظ غير محفوظ، ولكن معناه في حديث بيع التمر الجمع بالجنيب الذي أخرجه البخاري في كتاب البيوع - باب إذا أراد بيع تمر بتمر (2201)، ومسلم في كتاب المساقاة - باب بيع الطعام مثلًا بمثل (1593) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

الأقطع - أحْمَد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن نصر الْبَغْدَادِيّ أَبُو نصر الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بالأقطع توفى برامهرمز سنة 474 ارْبَعْ وَسبعين وأربعمائة لَهُ شرح مُخْتَصر الطَّحَاوِيّ. هدية العارفين (1/ 88).

ص: 224

وذكر في الإيضاح

(1)

: فيما إذا كان الغش غالباً أن الفضة إذا كانت يتخلص من النحاس في الفلوس، ويبقى النحاس على حاله، واشتراها رجل بأقل ما فيها من الفضة لم يجز حتى يشتريها بأكثر مما فيها، فيكون الفضة بالفضة، والزيادة بإزاء النحاس؛ لأنه إذا أمكن تمييز أحدهما من الآخر، ويبقى كل واحد منهما بحاله لم يصر أحدهما مستهلكًا، فصار جامعًا بين شيئين في العقد، وإن كان لا يخلص ويحترق الفضة [ويبقى النحاس] فهو نحاس كله؛ لأن الفضة مستهلكة فلا يعتبر بها، وإن كانت الفضة السوداء يخلص منها النحاس لا بد أن تكون الفضة الصافية أكثر، وإن كان النحاس يحترق فهي فضة تغيير المماثلة، وبيع البهرجة والزيوف بالخيار لا يجوز إلا مثلاً بمثل؛ لأن الغالب عليها الفضة، والستوق

(2)

عندهم ما كان الصفراء والنحاس غالباً، فإذا باع الستوقة بالخيار لم يجز إلا على طريق الاعتبار، وهو أن يكون الجياد أكثر، فيكون الفضة بمثلها، والزيادة بإزاء النحاس، وإنما اعتبرنا الفضة التي في الستوق؛ لأنها تخلص ويتميز كل واحد عن الآخر.

وقال: فهو على الوجوه التي ذكرناها في حلية السيف، يعني إن كانت الفضة الخالصة مثل تلك الفضة التي في الدراهم أو أقل أو لا يدري لا يصح، وإن كانت أكثر يصح، وإن بيعت بجنسها، أي الدراهم المغشوشة التي غشها غالب بجنسها من الدراهم المغشوشة متفاضلاً جاز.

وقال: ولكنه صرف جواب لإشكال، وهو أن يقال: ينبغي أن لا يشترط القبض في هذه الصورة؛ لأنه لما صرف الجنس إلى خلاف الجنس، أي الفضة إلى الصرف، لم يبق صرفاً، ولما لم يبق صرفاً لا يشترط التقابض في المجلس.

قلنا: إنما صرفنا الجنس إلى خلاف الجنس؛ لحاجتنا إلى جواز العقد، فإذا جاز العقد بذلك الطريق لا حاجة لنا إلى البقاء، فلم يكن كل واحد منهما مصروفاً إلى خلاف الجنس في حق القبض، بل صرف إلى جنسه؛ ليشترط التقابض في المجلس؛ لعدم الحاجة إلى بقاء العقد على الصحة؛ لأن الحاجة إنما تمس في نفي المفسد المقارن؛ ليكون تصرفهما على الصحة لا في نفي المفسد الطارئ، ومشايخنا رحمهم الله لم يفتوا بجواز [ذلك الجواز] التفاضل في هذه الأموال لم يعتوا؛ لأنه لو جاز حل الربا في أعز الأموال لقاسوا عليه جواز الربا في الذهب والفضة بالتدريج.

(1)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 331).

(2)

السَّتُّوقُ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا مُشَدَّدَةَ التَّاءِ فَهِيَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَفَارِسِيَّتُهُ سَهِّ تَاهَ وَهُوَ عَلَى صُورَةِ الدَّرَاهِمِ وَلَيْسَ لَهُ حُكْمُهَا إذْ جَوْفُهُ نُحَاسٌ وَوَجْهَاهُ جُعِلَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْ الْفِضَّةِ لَا يَخْلُصُ. طلبة الطلبة (1/ 109).

ص: 225

الغطارفة أي الدراهم الغطريفية منسوب إلى غطريف بن عطاء الكندي أمير خراسان أيام الرشيد، كذا في المغرب

(1)

.

وقيل: هو خال هارون الرشيد

(2)

.

وإن كان البائع يعلم بحالها، أي بحال الدراهم الزيفة بأنها زيفة، وإذا اشترى بها أي بالدراهم المغشوشة، ثم كسدت فترك الناس المعاملة بها، أي في كل البلاد.

وفي عيون المسائل: أن عدم الرواج إنما يوجب فساد البيع إذا كان لا يروج في جميع البلدان؛ لأنه حينئذ يصير هالكًا، ويبقى البيع بلا ثمن، فأما إذا كان لا يروج في هذه البلدة ويروج في غيرها لا يفسد البيع؛ لأنه لم يهلك، ولكنه تعيّب، فكان للبائع الخيار إن شاء قال: اعط مثل النقد الذي وقع عليه البيع، وإن شاء أخذ قيمة ذلك دنانير.

قالوا: وما ذكر في العيون يستقيم على قول محمد رحمه الله، وأما على قولهما فلا يستقيم، وينبغي أن يكتفى البيع بالكساد في تلك البلدة بناء على اختلافهم في بيع الفلس بالفلسين، عندهما يجوز اعتبار الاصطلاح بعض الناس، وعند محمد لا يجوز اعتبار الاصطلاح الكل، فالكساد يجب أن يكون على هذا القياس أيضاً.

وفي القدوري

(3)

(4)

: إذا اشترى بفلوس وكسدت قبل القبض فسد العقد في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما: لا يفسد، كذا في الذخيرة

(5)

.

(1)

المغرب (1/ 341).

(2)

هارون الرشيد ابن مُحَمَّد المهدي ابن المنصور العباسي، أبو جعفر: خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، وأشهرهم. ولد بالري سنة 149 هـ، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي، وكان عالما بالأدب وأخبار العرب والحديث والفقه، فصيحا، شجاعا كثير الغزوات، يحج سنة ويغزو سنة، توفي في سناباذ سنة 193 هـ، وبها قبره. الأَعْلَام للزركلي (8/ 62).

(3)

أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان، أبو الحسين، بن أبي بكر القدوري، البغدادي، صاحب "المختصر". ولد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة. وتفقه على أبي عبد الله محمد بن يحيى الجرجاني. وروى الحديث وكان صدوقا. وانتهت إليه رئاسة الحنفية بالعراق. وعظم عندهم قدره، وارتفع جاهه. وكان حسن العبارة في النظر، جريئاً بلسانه مديما لتلاوة القرآن. صنف "المختصر" وشرح "مختصر" الكرخي. مات ببغداد في يوم الأحد منتصف رجب سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. تاج التراجم (1/ 99).

(4)

مختصر القدوري في الفقه الحنفي لأحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان أبي الحسين القدوري، المحقق: كامل محمد محمد عويضة، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م، (1/ 91).

(5)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (6/ 305).

ص: 226

وقال أبو يوسف رحمه الله: قيمتها يوم البيع، وعليه الفتوى، فإنه ذكر في الذخيرة

(1)

: الدراهم أو الفلوس إذا انقطعت عن أيدي الناس قبل القبض فللبائع قيمة الدراهم يوم وقع البيع في قول أبي يوسف الآخر، وعليه الفتوى، ثم إذا فسد البيع بالكساد أو بالانقطاع فإن لم يكن المبيع مقبوضاً فلا حكم لهذا البيع أصلاً، وإن كان مقبوضاً إن كان قائمًا رده على البائع، وإن كان مستهلكًا أو هالكًا رجع البائع عليه بقيمة البيع، إن لم يكن المبيع مثلياً، أو بمثله إن كان مثلياً، هذا إذا كسدت الدراهم أو الفلوس، فأما إذا غلب بأن ازدادت قيمتها فالبيع على حاله ولا يتخير المشتري، وإذا انتقضت قيمتها [فالبيع على حاله ولا يتخير المشتري، وإذا انتقضت قيمتها] ورخصت فالبيع على حاله، ويطالبه بالدراهم بذلك العيار الذي كان وقت البيع، والذي ذكرنا من الجواب في الكساد فهو الجواب في الانقطاع، إذا انقطعت الدراهم من أيدي الناس قبل القبض فسد البيع عند أبي حنيفة رحمه الله، وحد الانقطاع أن لا يوجد في السوق، وإن كان يوجد في يد الصيارفة وفي البيوت.

ولأبي حنيفة رحمه الله أن الثمن يهلك بالكساد فيبطل البيع، كما لو هلك المبيع قبل القبض، ولا يقال أن العقد تناول عينها، والعين باق بعد الكساد، وهو مقدور التسليم.

لأنا نقول أن العقد يناولها بصفة الثمنية؛ لأنها مادامت رابحة فهي تثبت دينًا في الذمة، وبالكساد ينعدم منها صفة الثمنية، وصفة الثمنية في الفلوس والدراهم المغشوش التي غلب غشها كصفة المالية في الأعيان، ولو انعدمت المالية بهلاك المبيع قبل القبض أو يتخمر العصير فسد البيع، فهذا مثله، ذكر مسألة التخمر لهذا الطريق في المبسوط

(2)

؛ لأن الثمنية بالاصطلاح، وبالكساد لم يبق الاصطلاح على الثمنية فلم يبق ثمنًا، والبيع بلا ثمن باطل.

وقال: وما بقي، أي ولم يبق الاصطلاح على الثمنية، وكلمة ما للنفي، ولما لم يبق الاصطلاح على الثمنية بقي بيعًا بلا ثمن.

وأما الجواب عن الرطب والرطب مرجو الوصول في العام الثاني غالباً، فلم يكن هلاكًا من كل وجه، فلم يبطل الثمن أصلاً، أما الكساد في الدراهم المغشوشة التي غلب غشها فهلاك الثمنية على وجه لا يرجى الوصول إلى ثمنيتها في ثاني الحال؛ لأن الكساد أصلي، والشيء إذا رجع إلى أصله قلما ينتقل عنه.

وإذا باع بالفلوس النافقة إلى قوله: وهو نظير الاختلاف الذي بيناه، أي في الدراهم المغشوشة، أي يبطل البيع عند أبي حنيفة رحمه الله، ويجب على المشتري قيمتها يوم البيع عند أبي يوسف، وقيمتها آخر ما يتعامل الناس بها عند محمد.

(1)

المرجع السابق (6/ 305).

(2)

المبسوط (13/ 24).

ص: 227

اعلم أن هذا الاختلاف الذي ذكره في الكتاب في البيع بالفلوس، فخالف الرواية للأسرار والمبسوط وشرح الطحاوي

(1)

، حيث ذكر بطلان البيع عند كساد الفلوس في هذه الكتب من غير خلاف بين أصحابنا الثلاثة، فقال في الأسرار

(2)

: إذا اشترى شيئاً بفلوس في الذمة فكسدت قبل القبض بطل الشراء عندنا، وقال زفر: لا يبطل؛ لأنه تحت الفساد، إلا العجز عن تسليمه، والعقد لا يبطل بالعجز عن تسليم البدل، كما لو أبق العبد، وكما لو أسلم في الرطب فانقطع أوانه، وكمن اشترى عصيراً فتخمر قبل القبض، بل أولى منه؛ لأن التخمر يسقط مالية العين وقيمته أصلاً، والكساد لا، إلا أنا نقول: أن هلاك المثمن قبل القبض يبطل العقد، فكذلك هلاك الثمن؛ لأن العقد عقد معاوضة، لا ينعقد الأصل كالملك على سبيل المساواة وقوعًا، وكذلك بقاء ومالية الثمن في الفلوس كانت بالرواج.

وإذا كسدت ذهبت العلة فهلكت المالية، كمالية العبد لما كانت بحياته فإذا ذهب الحياة بالموت ذهبت المالية، وهذا بخلاف إباق العبد؛ لأنه مال مملوك حيث هو، وإنما بعد عن يد البائع فعجز عن تسليمه، وبخلاف من اشترى عصيراً فتخمر؛ لأن العصير عين مشار إليه، وبالتخمر تبدل وصفه لا عينه، وهذا التبدل لا يبطل مسلك العين، والعين مشار إليها باقية، وملكه منها باق، لكنه عجز عن تسليمها بمنع الشرع من ذلك، ولم يبطل العقد بنفس العجز، كالعبد الآبق، إلا أن المشتري يخير لتغير الوصف، فأما البدل في مسألتنا فموصوف في الذمة بالثمنية، فصار هلاك هذا الوصف والعقد المتعلق به بمنزلة هلاك العين.

وفي شرح الطحاوي

(3)

: ولو اشترى مائة فلس بدرهم، فقبض الفلوس أو الدراهم، ثم نقد [تفرق] فأجاز البيع؛ لأنهما تفرقا عن عين بدين، فإن كسدت الفلوس بعد ذلك فإنه ينظر؛ إن كان الفلس هو المقبوض فلا يبطل البيع؛ لأن كساد الفلوس بمنزلة هلاكها، وهلاك المعقود عليه بعد القبض لا يبطل البيع، ولو كانت الفلوس غير مقبوضة بطل البيع استحسانًا؛ لأن كساد الفلوس بمنزلة هلاكها، وهلاك المعقود عليه قبل القبض يبطل البيع، والقياس أن لا يبطل؛ لأنه قادر على أداء ما وقع عليه العقد، ولو اشترى فاكهة أو شيئًا بعينه بفلوس، ثم كسدت الفلوس قبل أن ينقدها، وقد قبض المبيع فسد البيع، وعليه أن يرد المبيع، وهكذا أيضًا ذكر في المبسوط

(4)

وقال: ولو اشترى فاكهة بالفلوس، وقبض ما اشترى، ثم كسدت الفلوس قبل أن ينقدها، فالبيع سينقض استحسانًا؛ لأنها تبدلت معنى حين خرجت من أن يكون ثمنًا، وماليتها كانت بصفة الثمنية ما دامت رايجة، فبفواتها تفوت المالية، ولهذا يبطل العقد، ثم إنما قيد بالكساد؛ لأنها إذا غلت أو رخصت كان عليه رد المثل بالاتفاق، كذا في شرح الطحاوي

(5)

وغيره.

(1)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 143).

(2)

العناية شرح الهداية (7/ 156).

(3)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 142).

(4)

المبسوط (14/ 28).

(5)

الجوهرة النيرة (1/ 224).

ص: 228

وموجبه، أي موجب القرض، أو وموجب الإعارة على تأويل عقد الإعارة معنى أي حكمًا.

وذكر في المبسوط

(1)

: أن بدل القرض في الحكم كان عين المقبوض، إذ لو لم يجعل كذلك كان مبادلة الشيء بجنسه نسيئة، وذلك لا يجوز، فيصير من هذا الوجه كأنه غصب منه فلوساً فكسدت، فهناك يبرأ برد عينها، فههنا أيضاً يبرأ برد مثلها، وهذا لأن جواز الاستقراض [جائز] في الفلوس، لم يكن باعتبار صفة الثمنية، بل بكونها من ذوات الأمثال.

ألا ترى أن الاستقراض جائز في كل مكيل وموزون أو عددي متقارب؛ كالجوز والبيض، وبالكساد لم يخرج من أن يكون من ذوات الأمثال.

بخلاف البيع؛ لأن دخولها في العقد هناك بصفة الثمنية، وقد فات ذلك بالكساد.

فصل فيه، أي في القرض، إذ القرض لا يختص به، أي بالثمن في الفلوس، أو بالثمنية على تأويل معنى الثمنية.

وأصل الاختلاف، أي أصل الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد، وإنما قيدنا به؛ لأنه بنى هذا الاختلاف على الاختلاف في غصب المثلي كالرطب مثلاً، وفيه كان الاختلاف بينهما نظير الاختلاف الذي نحن فيه على ما يذكر.

وقول محمد رحمه الله: انظر، أي للمقرض والمستقرض، أما للمقرض فبالنسبة إلى قول أبي حنيفة رحمه الله، فإن عند أبي حنيفة رحمه الله يلزم على المستقرض مثل تلك الفلوس الكاسدة وليس فيه نظر للمقرض.

وأما للمستقرض فبالنسبة إلى قول أبي يوسف رحمه الله، وأن الواجب عليه عند أبي يوسف قيمتها يوم القبض، فلا شك أن قيمتها صارت أقل يوم الكساد من قيمتها يوم القبض، فكان فيه نظر للمستقرض، فكان فيما قال أبو حنيفة رحمه الله، وهو إيجاب عين ذلك يتضرر المقرض، وفيما قاله أبو يوسف يتضرر المستقرض، فقلنا بقيمة يوم الكساد؛ نظراً للجانبين؛ لأن ذلك بينهما، وقول أبي يوسف رحمه الله أيسر؛ لأن قيمة الفلوس كانت معلومة يوم القرض للمقرض والمستقرض ولغيرهما، كما هي معلومة للمتعاقدين يوم البيع وللناس أجمع، فلما كانت قيمتها معلومة كان الأخذ بها أيسر في العمل، وأقل اختلافاً بين الناس، وأما قيمته يوم الانقطاع فغير معلومة للناس، بل يختلفون في قيمته يوم الانقطاع اختلافاً كثيراً، فلا يكون هو أيسر في معرفة حكم الشرع.

وذكر في فتاوى قاضي خان في باب الصرف

(2)

في هذه المسألة: وقال محمد رحمه الله: عليه قيمتها في آخر يوم كانت رائجة، وعليه الفتوى، وذكر في المحيط

(3)

: فقد ذكر القيمة على قولهما من غير فصل بين ما إذا كانت قائمة أو هالكة، والفلوس المغصوبة إذا كسدت فإن كانت قائمة رد عليها بالإجماع، وإن كانت هالكة فعلى الاختلاف الذي مر، وهذه المسألة في الحاصل فرع المسألة أخرى في كتاب الغصب، أن من غصب من آخر رطباً وهلك عنده، أو استهلكه ثم انقطع أوان الرطب، قال أبو حنيفة رحمه الله: قيمته من الغصب يوم الخصومة، وقال أبو يوسف رحمه الله: عليه قيمته يوم الغصب، وقال محمد رحمه الله: يوم الانقطاع، وكثير من المشايخ كانوا يفتون بقول محمد، وبه كان يفتي الصدر الكبير برهان الأئمة، والصدر الشهيد حسام الدين -رحمهما الله-، وبعض مشايخة زماننا أفتوا بقول أبي يوسف، وقال: إلى الصواب أقرب في زماننا.

(1)

المبسوط (14/ 30).

(2)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/ 219).

(3)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 128).

ص: 229

ومن اشترى [شيئاً] بنصف درهم فلوس جاز، قيد بنصف درهم؛ لأنه لو قال بدرهم فلوس لا يجوز عند محمد على ما يجيء.

وقال: بنصف درهم فلوس، أي على نصف درهم ثمن هذا، وذلك النصف من الدرهم من الفلوس لا من الفضة، وهذا إنما يصح أن لو كان ما يدفع من عدد الفلوس بمقابلة نصف درهم معلومًا، وعليه أي وعلى المشتري؛ لأنه هو المذكور بقوله: ومن اشترى شيئاً بنصف درهم ما يباع بنصف درهم من الفلوس.

وقال: من الفلوس بيان لقوله: ما يباع، أي يجب على المشتري إذا اشترى شيئاً بهذا اللفظ الذي ذكره قدر ما يباع من عدد الفلوس بمقابلة نصف درهم فضة، إذا بيعت الفلوس بمقابلة نصف درهم في سوق الصيارفة [فارسي]، يعني وقني كه نيم درهم دهدبصرافانوازايشان فلوس خردا يشان در مقابله نيم درهم نقره جند فلوس من دهند بدين مشتري همان مقدار فلوس لازم شود.

وفي المغرب

(1)

: الدانق بالفتح والكسر قيراطان، والجمع دوانق ودوانيق.

وفي الصحاح

(2)

: الدانَق والدانِق سدس الدرهم، والقيراط نصف دانق، وأصله قراط بالتشديد؛ لأن جمعه قراريط، فأبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء على ما ذكر في دينار.

وقال زفر: لا يجوز في جميع ذلك؛ لأنه يعتبر العدد في الفلوس، فلا يجوز العقد ما لم يبين عدد الفلوس؛ لأن العقد لا يتعلق بالدانق ولا بالدرهم، وإنما يتعلق بالفلوس، فلا بد من أن تكون معلومة العدد، ولا يحصل ذلك بتسمية الدانق والدرهم؛ لأن الناس قد يستقصون في بيع الفلوس وقد يسامحون.

وقول أبي يوسف احتج احتراز عن قول محمد وزفر، فوجه الأصح هو أن يذكر الدرهم والدانق يصير عدد الفلوس معلومًا؛ لأن قدر ما يوجد بالدرهم أو الدرهمين من الفلوس معلوم في السوق، فكانت تسمية الدرهم كتسمية ما تقابله من عدد الفلوس في الإعلام على وجه لا يتمكن المنازعة بينهما.

ومن أعطى صيرفياً، أي صرّافاً وهو من قولهم: للدرهم على الدرهم صرف في الجودة والقيمة أي فصل، وقيل لمن يعرف هذا الفصل ويميز هذه الجودة: صرّاف وصيرفي، كذا في المغرب

(3)

.

وقال له بعدها: أعطني الدرهم بنصف الدرهم فلوساً، وبنصفه نصفاً إلا حبة، أي أعطني بنصف الدرهم درهمًا صغيراً يساوي نصف الدرهم إلا حبة، فعندهما جاز في الفلوس، وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يجوز في الكل؛ لأن الفساد قوي؛ لأن فيه مقابلة نصف درهم بنصف درهم مع نقصان حبة وهو ربا، فيشيع الفساد في الكل؛ لأن الصفقة واحدة، كما إذا جمع بين حر وعبد في البيع.

(1)

المغرب (1/ 169).

(2)

الصحاح (4/ 1477).

(3)

المغرب (1/ 266).

ص: 230

وفي المبسوط

(1)

: رجل أعطى رجلاً درهمًا فقال: أعطني بنصفه كذا فلساً، وأعطني بنصفه درهمًا صغيراً وزنه نصف درهم، فهو جائز؛ لأنه جمع بين عقدين يصح كل واحد منهما على الانفراد، فإن افترق قبل أن يقبض الفلوس والدرهم الصغير بطل في الدرهم الصغير؛ لأن العقد فيه صرف، وقد افترقا قبل قبض أحد البدلين، ولم يبطل في الفلوس؛ لأن العقد فيها بيع، وإنما افترقا قبل قبض أحد البدلين، ولو لم ينقد الدرهم الثمن حتى افترقا بطل الكل؛ لأنهما افترقا عن دين بدين، وإن كان دفع إليه الدرهم وقد قال: أعطني بنصفه كذا [فلسًا]، قلنا: وأعطني بنصفه درهمًا صغيراً يكون فيه نصف درهم إلا حبة، ففي قياس قول أبي حنيفة رحمه الله يفسد البيع كله، وفي قول أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- يجوز في الفلوس، ويبطل في حصة الصرف؛ لأن العقد في الدرهم الصغير يفسد لمعنى الربا، فإن مقابلة نصف درهم بنصف درهم إلا حبة لا يكون ربًا، وعند أبي حنيفة رحمه الله إذا فسد العقد في البعض لمعنى الربا يفسد في الكل، قال رحمه الله: والأصح عندي أن العقد يجوز في حصة الفلوس عندهم جميعًا على ما وضع عليه المسألة في الأصل، فإنه قال: وأعطني بنصفه الباقي درهمًا، وإذا كرر الإعطاء يتفرق العقدية، وفساد أحد العقدين لا يوجب فساد الآخر.

ألا ترى أن على هذا الوضع لا يكون قبول العقد في أحدهما شرطًا للقبول في الآخر، إلا أن تكون وضع المسألة على ما ذكره الحاكم

(2)

في المختصر

(3)

: وبنصفه الباقي درهمًا صغيراً، فحينئذ يكون العقد واحدًا؛ لأنه لم يتكرر [ما به] ينعقد العقد، وهو قوله: أعطني، ولو قال: أعطني به كذا فلساً ودرهمًا صغيراً وزنه نصف درهم إلا قيراطاً كان جائزًا كله إذا تقابضا قبل أن ينصرفا؛ لأنه قابل الدرهم ههنا بما سمى من الفلوس، ونصف درهم إلا قيراطاً فيكون مثل وزن الدرهم الصغير من الدرهم بمقابلته، والباقي كله بإزاء الفلوس، كذا في المبسوط

(4)

.

(1)

المبسوط (14/ 27).

(2)

هو الحاكم الشهيد.

(3)

مختصر للمبسوط واسمه الْكَافِي فِي الْفُرُوع للْحَاكِم الشَّهِيد - مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عبد الله ابْن عبد المجيد بن إسماعيل المروزى أَبُو الْفضل البلخى الشهير بالحاكم الشَّهِيد من أكابر فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة توفى شَهِيدا سنة 334 ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة. من تصانيفه الْغرَر فِي الْفِقْه. الْكَافِي فِي الْفُرُوع. المستخلص من الْجَامِع فِي الْفُرُوع. الْمُنْتَقى فِي الْفُرُوع. هدية العارفين (2/ 37).

(4)

المبسوط (14/ 28).

ص: 231

وحصل من هذا كله أن هنا مسائل ثلاثاً:

أحدها: ما لو قال بعد إعطاء الدرهم الكبير: أعطني بنصفه فلوساً وبنصفه نصفاً إلا حبة، حيث أعاد قوله: وبنصفه، ولكن لم يعد نصف الإعطاء، والحكم كما ذكر جائز عندهما في حصة الفلوس، وعند أبي حنيفة رحمه الله يبطل في الكل.

والثانية: هي في هذه الصورة أيضاً، لكن أعاد لفظ الإعطاء بأن قال: أعطني بنصفه كذا فلساً، وأعطني بنصفه الباقي درهمًا صغيراً، فالحكم أن العقد في حصة الفلوس جائز بالإجماع، وفساد أحد العقدين لا يوجب فساد الآخر، بمنزلة ما لو قال لغيره: بعني بنصف هذه الألف عبدًا وبنصفها كذا رطلاً من خمر، هناك لا يبطل العقد في العبد، وإن بطل في الخمر؛ لأن الصفقة متفرقة، وحكى عن الفقيه أبي جعفر الهندواني والفقيه المظفر بن اليمان

(1)

والشيخ الإمام شيخ الإسلام

(2)

رحمهم الله: ههنا أيضاً لا يصح العقد، وإن كرر لفظ الإعطاء لما أن الصفقة متحدة؛ لأنها لو تفرقت إنما تفرقت بتكرر قوله: أعطني، ولا وجه إليه؛ لأن قوله: أعطني مساومة، وبتكرار المساومة لا يتكرر البيع.

ألا ترى أن بذكر المساومة لا ينعقد البيع، حتى أن من قال لغيره: بعني، فقال: بعت، ولا ينعقد البيع ما لم يقل الآخر: اشتريت، وإذا كان لا ينعقد البيع بذكر المساومة، فبتكراره كيف يتكرر العقد فكانت الصفقة واحدة.

والثالثة: ما لو قال: أعطني به كذا وكذا فلساً ودرهمًا صغيراً وزنه نصف درهم إلا حبة كان ذلك جائز كله.

بخلاف المسألة الأولى؛ لأن في المسألة [الأولى] صرح بالفساد، حيث جعل بازل الدرهم الصغير نصف درهم من الدرهم الكبير إلا حبة، وهو ربا، والعاقدان متى صرحا بفساد العقد لا يحمل على وجه الصحة.

وأما في هذه المسألة لم يصرح لفساد العقد، وأنه لم يبين للدرهم الصغير حصة من الدرهم الكبير فكان وجه الجواز كما ذكرنا من المبسوط، وإلى هذا أشار في الذخيرة

(3)

: والفساد قوي؛ لأن هذا الفساد مجمع عليه، وقد مر نظيره، وهو ما إذا جمع بين حر وعبد وباعهما صفقة واحدة، فلو لم يتبين ثمن كل واحد منهما يشيع الفساد في الكل بالإجماع، وإن بيّن يشيع الفساد على قول أبي حنيفة رحمه الله.

(1)

مظفر الدين أحمد بن علي بن ثعلب المعروف بابن الساعاتي البغدادي الحنفي والمنشأ الْمَعْرُوف بِابْن الساعاتى من كبار فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة لكَون ابيه عمل السَّاعَات الْمَشْهُورَة على بَاب المستنصرية توفى سنة 694 ارْبَعْ وَتِسْعين وسِتمِائَة لَهُ من التصانيف بديع النظام الْجَامِع بَين كتابي البزدودى والاحكام. الدّرّ المنضود فِي الرَّد على ابْن كمونة فيلسوف الْيَهُود. شرح مجمع الْبَحْرين فِي مجلدين. مجمع الْبَحْرين وملتقى النهرين فِي الْفُرُوع. نِهَايَة الْوُصُول إِلَى علم الاصول وَغير ذَلِك. هدية العارفين (1/ 101).

(2)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 177).

(3)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني (7/ 176).

ص: 232

وقال: هو الصحيح احتراز عما ذكرنا في رواية الذخيرة من قول الفقيه أبي جعفر والفقيه المظفر وشيخ الإسلام.

ولو قال: أعطني نصف درهم فلوس، فانجرار فلوس على البدلية من درهم، أي أعطني نصف درهم وهو فلوس، ويجوز النصب على البدل من نصف، ونصفاً إلا حبة جاز.

والفرق بين هذه وبين الأولى ما ذكرنا أنه لم يقل ههنا: وبنصفه نصفاً على وجه المقابلة، بخلاف الأولى فإنه قال به هناك، فكان فيه مقابلة نصف درهم بنصف درهم مع نقصان الجهة، فكان ربا في أكثر نسخ المختصر أي مختصر القدوري

(1)

، والله أعلم بالصواب.

(1)

مختصر القدوري (1/ 91).

ص: 233