الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي التوكيلِ
(1)
بشراءِ نفس العبد
(2)
فصل مسائل شِرَاءِ العبد نفسه من مولاه
(3)
من فصل التوكيل بالشِرَاءِ مع أنه شراء صورة؛ لِأَنَّ ذلك فِي الحقيقة إعتاق
(4)
، فلا تخالفه
(5)
(6)
مسائل التوكيل بالشراء؛ لأنّها موافقةٌ لها صورة، ثُمَّ الألف واللام فِي قوله:(فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ)
(7)
بدل الإضافة
(8)
[وتلك]
(9)
الإضافة [إضافة]
(10)
المصدر إلى الفاعل، وذلك الفاعل العبدُ بالنظر إلى المسألة الأولى، أي: توكيل العبد الأجنبي بشِرَاءِ نفسه والأجنبيُّ بالنظر إلى المسألة الثانية، أي: توكيل الأجنبي العبد بشِرَاءِ نفسه
(11)
.
[توكيل العبد بشِرَاءِ نفسه]
(وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ: اشْتَرِ لِي نَفْسِي مِنَ [مَوْلَايَ]
(12)
بِأَلْفٍ)
(13)
فاشتراه الوكيل
(14)
فهو على وجهين
(15)
:
(1)
الوكالة: تفويض التصرف والحفظ إلى الوكيل. يُنْظَر: تحفة الفقهاء (3/ 227).
(2)
العَبْدُ: الْمَمْلُوكُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. يُنْظَر: رد المحتار (10/ 193).
(3)
الْمَوْلَى: الْمُعْتِقُ. يُنْظَر: البحر الرائق (4/ 244).
(4)
الْعِتْقُ الشَّرْعِيُّ وهو الْخُرُوجُ عن الْمَمْلُوكِيَّةِ. يُنْظَر: البحر الرائق (4/ 238).
(5)
في (أ) و (ب)(فلما خالفت).
(6)
في (ب)(معنى فَصَلَها وألحقها بمسائل التوكيل بالشراء)، والمعنى مستقيم بدونها.
(7)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 144).
(8)
في (ج)(للإضافة).
(9)
[ساقط] من (أ).
(10)
[ساقط] من (ج).
(11)
يُنْظَر: الجامع الصغير للشيباني (1/ 409)، بدائع الصنائع (4/ 76).
(12)
فِي (ب) و (ج)(المَوْلَى) يُنْظَر: بِدَايَة المُبْتَدِي (1/ 161).
(13)
هذا قول: محمد في الجامع الصغير يُنْظَر: المرجع السابق، البناية شرح الهداية؛ للعيني (9/ 261).
(14)
الوكيل: القائم بما فوّض إليه، فعيل بمعنى مفعول؛ لِأَنَّهُ موكول إليه الأمر. يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (2/ 368). وشرعا: إقَامَةُ الانسان غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ في تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ. يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 139).
(15)
أولهما: توكيل العبد رجلاً ليشتريه من مولاه، والثانية: أن يوكل الرجل العبد ليشتريه له من مولاه. فالعبد في الأولى موكل، والثانية وكيل. يُنْظَر: البناية شرح الهداية؛ للعيني (9/ 261).
أما إن أضاف الشراء إلى العبد بأن قال: اشتريت منك عبدَك لعبدك.
أو أضافه إلى نفسه بأن قال: اشتريت عبدك بألف درهم
(1)
.
ففِي الأولى إنْ [أجابه]
(2)
المولى يعتق العبد، (والولاء للمولى)
(3)
، والألف على العبد دون المأمور
(4)
؛ لِأَنَّهُ متى أضاف العقد إلى العبد، فقد جعل نفسه رسولاً، ولا عهدة
(5)
على الرسول فِي البيع
(6)
، بخلاف الوكيل والمأمور، فإن حقوق [العقد]
(7)
[إلى العبد]
(8)
فقد يرجع إليهما كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله
(9)
(10)
.
[حقيقة لفظ الشِرَاء]
وقوله: (اشْتَرَيْتُه لِنَفْسِهِ)، أي: لنفس العبد، [(وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ لِلْمَوْلَى)
(11)
أي: لم يقل الوكيل] للمولى
(12)
اشتريت العبد لنفس العبد]
(13)
؛ (لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ) أي: لِأَنَّ قولهُ: اشتريتُ عبدكَ بألفِ درهم موضوعٌ حقيقة للمعاوضة لا للإعتاق، (وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا) أي: بحقيقة المعاوضة (إِذَا لَمْ يُعَيِّن)، أي: لم يقل اشتريت [عبدك]
(14)
لأجل عبدك، (فَيُحَافِظْ عَلَيْهَا) أي: على المعاوضة (بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ) حيث يجعل هو للإعتاق وَجْهَ الْوُرُودِ، فإنّه لما جعل لفظ الشِرَاء للمعاوضة حقيقة فينبغي أن يحمل على حقيقته أينما كان، ولم يحمل لفظ الشِرَاء على
(15)
المعاوضة فيما إِذَا اشترى العبد نفسَهُ من مولاه ببدلٍ
(16)
، بل حُمِلَ على الإعتاقِ بالبدلِ؛ (لِأَنَّ الْمَجَازَ
(17)
فِيهِ مُتَعَيَّنُ)
(18)
، أي: المجاز، وهو كون الشِرَاء مستعاراً للإعتاق فِي شراء العبد نفسهُ متعيّن؛ لِأَنَّ نفسَ العبدِ ليست بمالٍ فِي [نفسه]
(19)
حتى يُمْلَك ثُمَّ يُعتق؛ لِأَنَّهُ آدمي فِي حق نفسه حتّى وجب الحد
(20)
والقصاص
(21)
عليه بإقراره، والمال [غير]
(22)
الآدمي خُلِقَ لمصلحة الآدمي فلمَّا لم يَكُن إجراءُ الشِرَاء على حقيقتهِ وهي المعاوضة تعيّن بيع المولى العبد من نفسهِ للإعتاق [لانتفاء]
(23)
البيع والإعتاق فِي معنى إزالة الملك؛ لِأَنَّ كلاً منهما مزيل للملك ولا يمتنع أخذُ العوض عن معنى الإعتاق؛ لِأَنَّ الإعتاق قد يكون بعوض (وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً) أي: شِرَاء الوكيل العبد من المولى من غير تعيين للمولى بأنه يشتري العبد لنفس العبد (يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ) أي: للمأمور ثمنًا نُصِبَ على التميز، (فَإِنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ)
(24)
، أي: فإنّ الثمن فِي ذمة المشتري وهو المأمور.
(1)
الدِّرْهَمُ فارسي معرب وكسر الهاء لغة فيه وربما قالوا دِرْهَامٌ وجمع الدرهم دَرَاهِمُ وجمع الدرهام دَرَاهِيمُ، وهو اسم للمضروب المدوَّر من الفضة كالدينار من الذهب وقوله: المعتَبر من الدنانير وزنُ المثَاقيل وفِي الدَارهم وزونُ سَبعة مثاقيل، والمثقال = 4. 25 جرامًا، والدِّرهم = سبعة أعشار من المثقال = 2. 975 جرامًا. يُنْظَر: مختار الصحاح؛ للرازي (ص: 218)، المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (1/ 286).
(2)
فِي (أ)(أجازه).
(3)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 161).
(4)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (11/ 154).
(5)
العهدة: هي ضمان الثمن للمشتري إن استحق المبيع أو وجد فيه عيب. يُنْظَر: التعريفات (204)، معجم لغة الفقهاء (323).
(6)
يُنْظَر: غمز عيون البصائر (3/ 25).
(7)
[ساقط] من (ب).
(8)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(9)
جمال الدين أبو الفضل عبيد الله بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز بن مُحَمَّد بن جعفر بن هارون بن مُحَمَّد بن أحمد بن محبوب بن الوليد بن عبادة بن الصامت الانصاري العبادي الْمَحْبُوبِيّ البخاري الحنفِي، انتهت إليه معرفة المذهب، والمعروف بأَبِي حَنِيفَةَ الثاني، (ت 630 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 336)، سير أعلام النبلاء (22/ 345)، الوافِي بالوفيات (19/ 229).
(10)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِير (18/ 81).
(11)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 161).
(12)
[ساقط] من (ب).
(13)
[ساقط] من (ج).
(14)
[ساقط] من (ج).
(15)
فِي (أ)(ماهو) والمعنى يستقيمُ بدونها.
(16)
البدل: هو العوض وبينهما فرق، وهو أنَّ العوض أشّد مخالفةً للمعوض منه من البدل. يُنْظَر: الصِّحَاح (3/ 230).
(17)
المجاز: الكلمة المستعملة فِي غير ما تدل عليه بنفسها دلالة ظاهرة. يُنْظَر: مفتاح العلوم (1/ 159).
(18)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 145).
(19)
فِي (ب) و (ج)(حقه).
(20)
الحد في اللغة: الحاجز بين الشيئين، والحد: المنع، وهذا أمرٌ حدد: أي منيعٌ حرامٌ لايحلُ أِرتكابه. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (2/ 24). وفي الشرع: عقوبة مقدرة وجبت حقا لله تعالى. يُنْظَر: الدر المختار (4/ 3).
(21)
القصاص في اللغة: أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل. يُنْظَر: التعريفات (ص: 225).
وفي الشرع: الْقِصَاص هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ أَيْضًا. يُنْظَر: درر الحكام شرح مجلة الأحكام (4/ 640).
(22)
في (ج)(عند).
(23)
فِي (ب) و (ج)(لإبقاء).
(24)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 145).
قوله: (وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ)
(1)
وهذا ظاهر فيما إِذَا وقع الشِرَاء للمشتري وأما إِذَا وقع الشِرَاء للعبد نفسه حتى عتق هل يجب على العبد ألف أخرى قال الإمام قَاضِي خَانْ رحمه الله
(2)
فِي الجامع الصغير
(3)
(4)
: وفيما إِذَا بين الوكيل للمولى أنه يشتريه للعبد هل يجب على العبد ألف أخرى لم يذكر فِي الْكِتَابِ
(5)
.
ثُمَّ قال وينبغي أن يجب؛ لِأَنَّ الأول مال المولى فلا يصح بدلاً عن ملكه/ وهذا (بِخِلَافِ [الْوَكِيلِ]
(6)
بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ) أي: من غير العبد بأن يوكل أجنبي
(7)
أجنبياً بشراء العبد من مولاه (حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ) على الوكيل أن يقول وق ت الشراء اشتريته لأجل [العقد من]
(8)
موكلي فِي وقوع الشراء للموكل بل قوله: (اشتريته)
(9)
كاف فيه؛ (لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ هُنَاكَ عَلَى نَمَطٍ
(10)
وَاحِدٍ)
(11)
أي: فِي حق البائع؛ لِأَنَّ البائع فِي كلا الوجهين يطالب بالثمن من المشتري [وفِي كلا الوجهين]
(12)
بيع حقيقة لا إعتاق على ما ذكر فِي الْكِتَابِ
(13)
(14)
، والنَّمَط النوع والطريقة أيضاً، (وَالْمَوْلَى عَسَاهُ لَا يَرْضَاهُ)
(15)
وكان من حق الكلام أن يقول: والمولى عساه أن لا يرضاه أو عسى المولى أن لا يرضاه؛ لِأَنَّ قوله: (لَا يَرْضَاهُ) فِي محل النصب بعسى، ولكن منصوب عسى فِي معنى قارب أو مرفوع عسى فِي معنى قرب كل واحد منهما مشروط أن يكون أنّ مع الفعل المضارع كما فِي قوله تعالى:{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ}
(16)
وقوله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا}
(17)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 161).
(2)
حسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبدالعزيز، فخر الدين، المعروف بقَاضِي خَانْ الأوزجندي الفرغاني: فقيه حنفي، من كبارهم. (ت 592 هـ) روى عنه: العلامة جمال الدين محمود بن أحمد الحصيري، أحد تلامذته، وأملى له (الفتاوي، والأمالي، والواقعات، والمحاضر، وشرح الزيادات، وشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وشرح أدب القضاء للخصاف) وغير ذلك.
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (21/ 231)، الجواهر المضية (3/ 446)، الفوائد البهية (ص 209).
(3)
هذا تصحيف والصحيح شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِقَاضِي خَانْ وهو مخطوط. يُنْظَر: المذهب الحنفِي (2/ 529).
(4)
يُنْظَر: فتاوى قاضيخان (3/ 31).
(5)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 117)؛ للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد القُدُورِي (ت 428 هـ).
(6)
[ساقط] من (ب).
(7)
الأجنبي: البعيد فِي القربة ويقال هو أجنبي من هذا الأمر لاتعلق له به. يُنْظَر: المعجم الوسيط (1/ 138).
(8)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(9)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 161).
(10)
النَّمَطُ: الطريقة والمذهب ومنه: تكلموا على نَمطٍ واحد. وعندي متاع من هذا النمَط: أي من هذا النوع.
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (2/ 330).
(11)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 145).
(12)
[ساقط] من (ب).
(13)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 117)؛ للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد القُدُورِي (ت 428 هـ). يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1632).
(14)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 165).
(15)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 145).
(16)
سورة المائدة من الآية: (52).
(17)
سورة البقرة من الآية: (216).
وذكر ضمير الغائب مقام الظاهر أحد المذاهب الثلاثة للعرب
(1)
، فإنّهم: يقولون عساه أن يفصل لما عرف فِي المفصل لا يرضاه، أي: لا يرضى المولى الإعتاق؛ لِأَنَّهُ لو عتق العبد والمولى لا يعلم به يلزم المولى ضرر لم يرض به؛ لِأَنَّ ولاءه [يكون]
(2)
[للمولى]
(3)
فموجب جنايته يكون عليه أيضاً بحكم الولاء فيتعذر تنفيذه على المولى وأمكن تنفيذه على الوكيل إِذَا أطلق الشراء؛ لِأَنّ الشراء إِذَا وجد نفاذاً على العاقد ينفذ
(4)
، وإِذَا نفذ الشراء على الوكيل يجب الثمن عليه، وإن بيّن للمولى أنه يشتري العبد للعبد حتّى علم المولى أنّ الوكيل لا يشتري العبد لنفسه وإنما يشتريه للعبد لكنه أضاف الشراء إلى نفسه ذكر مُحَمَّد رحمه الله
(5)
فِي كِتَابِ الْوَكَالَة [فِي بَابِ الوكالة]
(6)
بالعتق؛ لِأَنَّ العبد يعتق والمال على العبد دون الوكيل
(7)
.
وذكر فِي بَابِ وكالة المأذون
(8)
والمكاتب
(9)
من كِتَابِ الْوَكَالَة أنّ العبد يعتق والمال على الوكيل، وهكذا ذكر فِي وكالة الجامعِ الكبيرِ
(10)
، وإِذَا وجب المال على الوكيل يرجع الوكيل على العبد وجه رواية الجامع [إنّ توكله بشراء العبد للعبد]
(11)
كتوكله بشراء العبد لغير العبد وهناك يصير هو المطالب بتسليم البدل فكذا هنا.
(1)
المذاهب الثلاث للعرب هي:
1.
إبدال الظاهر من الظاهر.
2.
الإِظهارُ في مقام الإِضمار.
3.
الإِضمار في مقام الإِظهار.
يُنْظَر: النحو الوافي (3/ 681).
(2)
فِي (أ)(لكن).
(3)
في (ج)(له).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 264).
(5)
مُحَمَّد بن الحسن بن فرقد أبو عبدالله الشَّيْبَانِي، فقيه العراق، وصاحب أَبِي حَنِيفَةَ، أخذ بعض الفقه عن أَبِي حَنِيفَةَ، وتمّم الفقه على أبي يُوسُف، وأخذ عنه الشافعي (ت 189 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (3/ 122)، تاج التراجم (1/ 237)، الفوائد البهية (ص 163).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
يُنْظَر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (3/ 585)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 269).
(8)
المأذون: الذي فك حجره. يُنْظَر: أنيس الفقهاء (ص 100).
(9)
المكاتب: السيد مُكاتِب والعَبدُ مُكاتَبٌ إِذَا عَقَدَ عليه. سُمِّيت مُكاتَبة لِما يُكْتَبُ للعبد على السيد من العِتْق.
يُنْظَر: لسان العرب (5/ 3817).
(10)
الجامع الكبير؛ للإمام أبي عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني (ت 189 هـ)، تحقيق أبي الوفاء الأفغاني الحنفي، مطبعة الإستقامة، الطبعة الأولى سنة 1356 هـ. يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 269).
(11)
[ساقط] من (ج).
وعن عيسى بن أبّان
(1)
رحمه الله أنه قال: الصحيح ما ذكر فِي الموضع الآخر دون ما قال فِي الجامع الكبير
(2)
؛ لِأَنَّ الوكيل من جانب العبد فِي العتق سفير ومُعَبِّرٌ
(3)
فإنه لا يستغني عن إضافة العقد إلى الآمر، وليس إليه من قبض المعقود عليه شيء فلا يتوجب عليه المطالبة بتسليم البدل، ألا ترَى أن المولى لو كان هو الذي أمر الرجل ليبيع نفس العبد من العبد بألف درهم إلى العطاء فباعه الوكيل بهذه الصفة يجوز البيع والألف عليه إلى ذلك الأجل والذي يلي قبض الألف [المولى]
(4)
دون الوكيل فكذا هاهنا كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله
(5)
.
قوله: (وَمَنْ قَالَ لِعَبْدٍ: اِشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاكَ فَقَالَ لِمَوْلَاهُ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ)
(6)
، وإنما قيّد بقوله:(بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ)؛ لِأَنَّهُ لو لم يقل لفلان فباعه مولاه يكون البيع للعبد فيعتق، فرق بين هذا وبين الأجنبي؛ فإن الأجنبي إِذَا كان وكيلاً من الآخر فقال للمولى: بعني هذا العبد لفلان، أو لم يقل: لفلان فباعه منه يصير الوكيل مشترياً لفلان فِي الصورتين، ولا يصير مشترياً لنفسه.
وأمّا هاهنا لو لم يقل لفلان يصير مشترياً لنفسه وإنّما كان هكذا؛ لِأَنَّ الوكيل إِذَا كان أجنبياً فلا فرق بين شرائه لنفسه وبين شرائه لغيره فِي حق البائع، وأما إِذَا كان الوكيل هو العبد فبين شرائه لنفسه وبين شرائه لغيره تفاوت فِي حق البائع، فإنه إِذَا اشترى نفسه لنفسه يكون إعتاقاً من البائع، فلما كان كذلك [لا يسوّى]
(7)
بينهما بل يحمل إطلاقه على ما هو الظاهر، والظاهر أن العبد إنما يشتري نفسه لنفسه؛ لِأَنَّ التوكيل من الغير عارضٌ، فما لم يظهر ذلك يجب اعتبار الظاهر، أو نقول: لما كان بيع العبد من نفسه إعتاقاً وبيع العبد من الأجنبي بيعًا احتمل الإطلاق أن يكون بيعًا واحتمل أن يكون إعتاقاً فلا يكون امتثالاً بالشك بل شرطت الإضافة إلى الموكل ليكون امتثالاً بخلاف تصرف الأجنبي بالوكالة من غيره بالشراء؛ [فإنّه شراء]
(8)
فِي الصورتين، ولما وقع شراء وقع امتثالاً، أو نقول عند الإطلاق: يجب أن يكون إعتاقاً؛ وذلك لِأَنَّ المولى [إِذَا باع نفسه منه إنّما يبيع ليكون له ولاؤه، وعلى تقدير صيرورته ملكًا للموكل]
(9)
يفوت هذا الغرض ويختل هذا المقصود كذا فِي شروح الجامع الصغير
(10)
.
(1)
عيسى بن ابان بن صدقة البغدادي، الحنفي أبو موسى، فقيه، اصولي. اخذ عن مُحَمَّد بن الحسن، وولي القضاء عشرين سنة، من تصانيفه: اثبات القياس، خبر الواحد، اجتهاد الرأي، العلل والشهادات، والعلل في الفقه. وتوفي بالبصرة في المحرم (ت 220 هـ).
يُنْظَر: طبقات الحنفية (1/ 15)، الفوائد البهية (ص 151)، الجواهر المضية (1/ 401 - 402).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق (3/ 146).
(3)
السَفِير: الرسول المصْلِح بين القوم ومنه الوكيل سَفير ومُعبّر يعني إذا لم يكن العقدُ معاوضةً كالنكاح والخلع والعتق ونحوها فلا يتعلّق به شيء ولا يُطالَب بشيء. يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (1/ 398).
(4)
[ساقط] من (أ).
(5)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (12/ 362).
(6)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 161).
(7)
فِي (أ)(لايشتري).
(8)
[ساقط] من (ج).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير، أبو عبدالله محمد بن الحسن الشيباني، (ت 189 هـ)، الناشر عالم الكتب، سنة النشر 1406 هـ، مكان النشر بيروت، عدد الأجزاء 1، وهو من كتب الأصول أو ما يسمى كتب ظاهر الرواية. يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 269).
فإن قيل:/ ينبغي أن يقع الشراء للموكل عند الإطلاق؛ لِأَنَّ الكلام لحقيقته
(1)
فِي الأصل فلما تردّد بين الحقيقة والمجاز ينبغي أن يحمل على الحقيقة
(2)
كما هو الأصل، وفيما نحن فيه لو وقع الشراء لموكله كان الشراء محمولاً على حقيقته وهي المعاوضة، ولو وقع الشراء للعبد كان الشراء محمولاً
(3)
بمجازه؛ لِأَنَّ الشراء غير موضوع للإعتاق بل هو موضوع للمعاوضة.
قلنا: عارضت [جهة أصالة الحقيقة]
(4)
جهة أصالة أخرى وهي أن الأصل أن تصرف الإنسان فِي الأصل أن يقع لنفسه
(5)
، ثم رجحنا هذه الجهة بعد المعارضة بحسب مقصود البائع ظاهراً وهو أن لا يفوت ولاء العبد منه، فإنه على تقدير وقوع الشراء للموكل يفوت هذا الغرض كما قلنا فوقع الشراء للعبد لذلك أو نقول: لما وقع التعارض بين الأصلين كما ذكرتم رجحنا جانب الإعتاق لِأَنَّهُ مندوب إليه والمعاوضة مباحة محضة
(6)
.
وذكر فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ
(7)
(8)
: فإن قيل: العبد هنا وكيل بشراء شيء بعينه والوكيل بشراء شيء بعينه لا يملك [الشراء]
(9)
لنفسه خصوصاً فِي فصل الإطلاق، والأولى أن لا يقع الشراء [لنفسه؛ لِأَنَّهُ لما لم يقع الشراء]
(10)
للوكيل عند التصريح بأنه [يشتري]
(11)
لنفسه لما مرّ فالأولى أن لا يقع لنفسه عند الإطلاق.
قلنا: هذا هكذا إِذَا لم يتنوّع التصرف بأنّ كل واحد منهما شراء، أما إِذَا تنوّع بأن كان أحدهما شراء والآخر هبة فلا، وما نحن بصدده الموجود من العبد بتقدير الإضافة إلى الموكل شراء وبتقدير الإطلاق والإضافة إلى نفسه قبول الإعتاق والدليل على هذا أنا أجمعنا على أنه إِذَا باع نفس العبد من العبد ومن أجنبي بطل البيع من الأجنبي؛ لكونه جمعاً بين البيع والإعتاق وإنما يكون جمعًا بينهما إِذَا كان البيع من العبد إعتاقاً فلهذا التنوع كان الشراء للعبد دون الآمر وفيما إِذَا أضاف الشراء إلى الموكل كان الثمن فِي ذمّة العبد حتى يكون مطالباً به لِأَنَّهُ العاقد ويرجع به على الآمر.
(1)
يُنْظَر: أصول السرخسي (2/ 43).
(2)
يُنْظَر: كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي (2/ 60).
(3)
[معمولاً] من (أ) و (ب).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
يُنْظَر: الأشباه والنظائر (1/ 431).
(6)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (6/ 681).
(7)
كتاب الْفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة وهو فوائد على الجامع الصغير للحسام الشهيد سماها الْفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة فِي الفقه، وهو لظهير الدين أبي بكر مُحَمَّد بن أحمد القاضي الفقيه الأصولي، ومن كتبه أيضا الفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة، (ت 619 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 20)، كشف الظنون (رقم 1298)، معجم المؤلفين (8/ 303).
(8)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (6/ 31)، الاختيار لتعليل المختار (2/ 159)، البحر الرائق (7/ 139).
(9)
في (أ) و (ب)(الشرط).
(10)
[ساقط] من (ج).
(11)
[ساقط] من (ج).
[فإن قيل]
(1)
: العبد كان محجوراً عليه والعبد المحجور
(2)
عليه إِذَا توكّل عن غيره بالشراء لا ترجع الحقوق إليه.
قلنا: زال الحَجْرُ هنا [بالعقد]
(3)
الذي باشره مقترنًا بإذن المولى؛ لِأَنَّهُ أجنبي عن ماليته؛ لِأَنَّ ماليته حق المولى حتّى أنّه لو أقرّ بمالية نفسه لغير المولى لا يصح.
وذكر شمس الأئمة [السرخسي]
(4)
رحمه الله
(5)
أما صحة هذا التوكيل فلِأَنَّ العبد مخاطب له عبارة ملزمة كالحر وإنما يصلح الحر أن يكون وكيلاً لغيره بالشراء؛ لِأَنَّ له عبارة صحيحة وكذلك يصلح العبد وكيلاً إلا أن ماليته فِي يده استثناء عن قوله: (لِأَنَّهُ أَجْنَبِيُّ عَنْ مَالِيَّتِهِ)(حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْبَائِعُ الْحَبْسَ بَعْدَ الْبَيْعِ) فإنّه لو أراد البائع حبس العبد (لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ)
(6)
لم يكن له ذلك لِأَنَّ ماليته فِي يده لكونه مأذونًا له وصار هذا كَالْمُودِعِ إِذَا اشترى الْوَدِيعَةَ
(7)
وهي بحضرته لم يكن للبائع احتباسها لاستيفاء الثمن، [ثُمَّ الوجود من العبد]
(8)
بتقدير الإضافة إلى المُوَكَّل إنما يفيد الملك للمُوَكَّل إِذَا وجد الإيجاب من المولى والقبول من العبد حتى (لَوْ قَالَ: الْعَبْدُ بِعْنِي نَفْسِي)
(9)
لفلان فقال: بعت إنّما يتم البيع [بقول العبد بعد ذلك: قبلت وأما إِذَا وقع الشراء للعبد يتم العقد بقول]
(10)
[المولى: بعت مسبوقا بقول]
(11)
العبد: بعني نفسي كذا ذكر فِي الجامع
(12)
بناء على أنّ الواحد يتولى طرفِي الإعتاق على مال إِذَا كان المال مقدّرًا ولا يتولى طرفِي البيع وإن كان المال مقدراً، وفِي الْكِتَابِ
(13)
إشارة إلى أنه يتم بقول المولى بعت؛ لِأَنَّهُ قال ففعل يقول كذا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ
(14)
.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
المحجور: الذي منعه القاضي من التصرف فِي ماله بالفساد. يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب (1/ 181).
(3)
فِي (أ)(العبد).
(4)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(5)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (26/ 75).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 145).
(7)
الْوَدِيعَةَ لغة: ما وضع عند الآخر ليحفظه والوديعة لغة من الإيداع وهو استنابة في الحفظ استحفاظ جائز التصرف متمولا أو ما في معناه تحت يد مثله. يُنْظَر: العين (2/ 224)، الصِّحَاح؛ للجوهري (3/ 1296)، التعاريف (1/ 723)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 296). وفِي اصطلاح الفقهاء: المال المتروك عند إنسان يحفظه وكذلك هو استحفاظ جائز التصرف متمولا أو ما في معناه تحت يد مثله. يُنْظَر: طلبة الطلبة (98).
(8)
[ساقط] من (أ).
(9)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(10)
[ساقط] من (ب).
(11)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(12)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 166).
(13)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 115).
(14)
يُنْظَر: فتح القدير (4/ 240).
وذكر الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيّ
(1)
رحمه الله بعدما ذكر هذه المسألة كما قلنا قال: الأصل فِي هذا أنّ كُلُّ عَقْدٍ يَصْلُحُ الوَاحِدُ فيه وكيلاً من الجانبين يَتِمُّ بالشَّطْرِ [الواحدِ وكُلُّ عَقْدٍ لا يَصْلَحُ الواحد فيه وكيلاً من الجانبين لا يَتِمُّ بالشَّطْرِ]
(2)
(3)
وعلى هذا [لو]
(4)
قال الآخر: بعني عبدك بألف، فقال: بعته لا يتم ما لم يقل الآخر: قبلت، وكذا لو قال: أقِلْنِي فقال: أقَلْتُ لا يتم، ولو قال: لامرأة زوّجي نفسك مني فقالت: زوّجت تم وإن لم يقل الآخر: قبلت، أو قالت لزوجها: اخلعني بألف فقال: فعلت، [أو قال لرجل: اكفلني بنفس فلان أو بمالي عليه فقال: كفلت]
(5)
، أو قال لعبده: اشتر نفسك منّي بألف فقال: اشتريت، أو قال لرجل: هب لي عبدك فقال: وهبت، أو قال: تصدق به على فقال فعلت تمت، وإن لم يقبل الآخر.
وقوله: (وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ)
(6)
جواب شبهة، ذكرنا الشبهة والجواب من [الْفَوَائِدِ]
(7)
الظَّهِيرِيَّةِ
(8)
، ولكنه أتى بجنس تصرف آخر وفِي مثله ينفذ على الوكيل وقد/ ذكرنا ذلك فِي قوله:(وَلَو وَكْلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَينِهِ) إلى آخره
(9)
أنّ الوكيل إِذَا خالف فِي الثمن لا إلى [خير]
(10)
أو خالف إلى جنس آخر غير الذي سماه الموكل يقع الشراء لنفسه لا للموكل والله أعلم.
(1)
أحمد بن إسماعيل بن مُحَمَّد بن أيدغمش، أبو العباس، ظهير الدين ابن أبي ثابت التُّمُرْتَاشِيّ، عالم بالحديث، حنفِي، كان مفتي خوارزم، له كتاب شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (ت 600 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 61).
(2)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (1/ 299).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 145).
(7)
في (ج)(الفتاوى).
(8)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 166).
(9)
(فليس له أن يشتريه لنفسه) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(10)
في (ج)(خبر).
فصل فِي البيع
(1)
لما فرغ من بيان أحكام التوكيل بالشراء مع أنواعه وهو الإثبات، شرع فِي بيان أحكام التوكيل بالبيع، وهو الإزالة [فالإزالة]
(2)
بعد الإثبات وجودًا فكذا ترتيباً.
[بيع الوكيل وشراؤه من أبيه وجده]
قوله: (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ مَعَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله)
(3)
(4)
.
فإن قلت: ما الفرق لأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بين الوكيل والمُضَارِبِ
(5)
، فإنّ المضارب لو باع من هؤلاء بمثل القيمة يجوز سواء ظهر الربح فِي المال أو لم يظهر، مع أنّ المُضَارِبِ قبل ظهور الربح له حكم الوكالة وهاهنا لم يُجِزْ أبو حَنِيفَةَ رحمه الله
(6)
بيع الوكيل ممن لا تقبل شهادته له مطلقاً سواء كان البيع بمثل القيمة أو بالغُبْنِ
(7)
اليسير ذكره فِي مضاربة المَبْسُوط
(8)
(9)
.
(1)
فصل التوكيل في البيع.
(2)
[ساقط] من (ج).
(3)
القول للقدوري رحمه الله. يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162)، اللباب فِي شرح الكتاب (1/ 202).
(4)
المعتمد فِي المذهب قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله واختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
الأول: وجه عند الشافعي أنه يجوز.
والثاني: قول لأبي حنيفة والأصح عند الشافعية، والحنابلة، بأنه لا يجوز ذلك.
والثالث: التفريق وهو قول المالكية، حيث قالوا لا يجوز أن يعقد مع من هم في حجره من صغير أو سفيه، ويجوز أن يعقد مع زوجته ومن ترد شهادته له إذا لم يحابي. يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (12/ 218)، حاشية الدسوقي (3/ 387)، روضة الطالبين؛ للنووي (4/ 304)، المغني؛ لابن قدامة (7/ 230).
(5)
المضاربة: وتسمى القراض، بلغة أهل الحجاز، وهي: عقد بين اثنين من أحدهم المال ومن الآخر العمل، وهما شريكان بالربح والخسارة. يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 263)، الدر المختار (5/ 645).
(6)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية؛ للعيني (8/ 325)، نتائج الأفكار (8/ 79).
(7)
الغبن: بالتسكين في البيع، والغبن بالتحريك في الرأى والغبن في البيع من باب ضرب، وغبن فهو مغبون، وغبن رأيه من باب طرب فهو غبين، يقال غبنته في البيع بالفتح، أي خدعته، وقد غبن فهو مغبون. وغبن رأيه بالكسر إذا نقصه فهو غبين، أي ضعيف الرأى. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (6/ 2172).
(8)
كتاب المَبْسُوط لشمس الدين أبي بكر مُحَمَّد بن أبي سهل السرخسي حققه خليل محي الدين الميس وطبعته دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بلبنان من أصول المذهب الحنفِي فِي الفقة يقول عن كتابه فِي المقدمة:(فرأيت الصواب فِي تأليف شرح المختصر لا أزيد على المعنى المؤثر فِي بيان كل مسألة اكتفاء بما هو المعتمد فِي كل باب)، وشمس الأئمة السرخسي المشهور: بمبسوط السرخسي وهو المراد إذا أطلق: (المبسوط في شرح الهداية). يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1378).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (12/ 388).
قلت: قال بعض مشايخنا تقسيم الحكم فِي المضاربة كان رواية فِي تقسيمه هاهنا فحينئذ كان مطلق ذكر عدم الجواز هنا محمولاً على ما إِذَا باعه الوكيل بالغبن فأمّا البيع بمثل القيمة فجائز فِي الفصلين
(1)
.
وبعضهم
(2)
فرقوا بين الوكيل والمضارب والفرق هو أنّ المضارب كالمتصرف لنفسه من وجه، ألا ترَى أنه لا يجوز [نَهْيُهُ]
(3)
عن التصرف بعدما صار المال عروضاً
(4)
وأنه شريكه فِي الربح فلا تلحقه التهمة فِي البيع بمثل القيمة من هؤلاء؛ لِأَنَّهُ إيثار فِي العين دون المالية وفِي العين هو كالمتصرف لنفسه بخلاف البيع بالغبن فإنه إيثار له فِي شيء من المالية وهو فِي ذلك نائب محض، وأمّا الوكيل فِي العين والمالية جميعًا فنائب؛ فلهذا لا يجوز بيعه من هؤلاء بمثل القيمة إلا أن يكون المُوَكِّلُ قد أجاز له فِي الوكالة بأن قال [بع]
(5)
ممن شئت فما باع به من شيء يجوز بيعه من هؤلاء حينئذ وحاصله أنّ المُضَارِبَ [أَعَمُّ]
(6)
تصرفاً من الوكيل
(7)
؛ فقد يستبد بالتصرف على وجه [لا]
(8)
يملك رب المال نهيه على ما ذكرنا وقد يكون نائباً محضاً فِي بعض الأحوال فلشبهه بالمستبد بالتصرف، قلنا: يجوز تصرفه مع هؤلاء بمثل القيمة [ولشبهه بالنائب]
(9)
، قلنا: لا يجوز تصرفه معهم بغبن يسير، فأمّا الوكيل فنائب محض فهو نائب فِي تصرف خاص فيكون متهمًا فِي تصرفه مع هؤلاء فِي حق الموكل وإن كان بمثل القيمة كذا فِي وكالة المَبْسُوط ومضاربته
(10)
.
ثُمَّ المراد من عدم الجواز فِي قوله: (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ مَعَ أَبِيهِ وَ جَدِّهِ)
(11)
أي: فِي مطلق الوكالة أمّا لو قيد الوكالة بتعميم المشيئة بأن قال: بع ممن شئت يجوز بيعه من هؤلاء على ما ذكرنا بخلاف البيع من نفسه أو من ابن صغير له لا يجوز، وإن قال ذلك هكذا صرّح فِي المَبْسُوط
(12)
، وقال: ولو باعه الوكيل بالبيع من نفسه أو من ابن صغير له لم يجز وإن صرّح الموكل بذلك؛ لِأَنَّ الواحد فِي بَابِ البيع إِذَا باشر العقد من الجانبين يؤدي إلى تضاد الأحكام فإنّه يكون مستزيدًا ومستنقصاً قابضًا ومسلمًا مخاصماً فِي العيب ومخاصمًا، وفيه من التضاد ما لا يخفى
(13)
.
(1)
الفصلين هنا يعني المسألتين وهما تقسيم الحكم في المضاربة وبيع الوكيل والجواب عن الفرق عند أبي حَنِيفَةَ رحمه الله بين الوكيل والمضارب وهو عدم الجواز إذا باعه الوكيل بالغبن وأما بمثل القيمة فجائز في المسألتين.
(2)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (6/ 113).
(3)
فِي (أ)(يمينه).
(4)
العُرُوضُ هي الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا تكون حيوانا ولا عقارا. يُنْظَر: المصباح المنير (ص: 209).
(5)
[ساقط] من (ب).
(6)
فِي (ج)(أعز).
(7)
يُنْظَر: الفروق للكرابيسي (2/ 219).
(8)
[ساقط] من (ج).
(9)
في (ج)(والشبهه الثابته).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (12/ 388).
(11)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(12)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 58).
(13)
حجة الحنفية في المنع من تولي الشخص الواحد لطَرَفَيْ الْعَقْدِ أن الشَّخْص يصير مُطَالِبًا وَمَطْلُوبًا وَمُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لما فيه من التضاد. يُنْظَر: البحر الرائق (3/ 150)، بدائع الصنائع (2/ 232).
(وقَالَا
(1)
: يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ)
(2)
(3)
خصّ قولهما فِي الْكِتَابِ
(4)
فِي حق جواز البيع منهم بمثل القيمة، وكذلك فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ
(5)
فكان فيه إشارة إلى أنّه لا يجوز عندهما أيضاً فِي الغبن اليسير وإلا لم يكن لتخصيص مثل القيمة فائدة.
ولكن ذكر فِي الذَّخِيرَةِ
(6)
(7)
أن البيع منهم بالغبن اليسير يجوز عندهما
(8)
وكان الغبن اليسير ملحقاً بمثل القيمة] على ذلك التقدير فقال فيها الوكيل بالبيع إِذَا باع ممن لا يقبل شهادته له إن كان بأكثر من القيمة
(9)
[يجوز بلا خلاف وإن كان بأقل من القيمة بغبن فاحش لا يجوز] بالإجماع
(10)
، وإن كان بغبن يسير
(11)
[لا يجوز عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
(12)
، وعندهما يجوز وإن كان بمثل القيمة
(13)
، فعن أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله روايتان: ففِي رواية الوكالة والبيوع لا يجوز، وفِي رواية المضاربة يجوز، وبيع المضارب وشراؤه ممن لا تقبل شهادته] له
(14)
بغبن يسير لا يجوز عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله] وبيعه منه بأكثر من القيمة وشراؤه منه بأقل من القيمة يجوز بلا خلاف
(15)
وبمثل القيمة يجوز عندهما وكذلك عند أَبِي حَنِيفَةَ
(16)
[رحمه الله باتفاق الروايات، فأبو حَنِيفَةَ رحمه الله فرّق على رواية الوكالة والبيوع بين المضارب وبين الوكيل الخاص وقد ذكرناه
(17)
.
(1)
وقالا أي: أبو يُوسُفُ و محَمَّد: (يجوز بيعه من الأقارب الذين لا تقبل شهادته لهم بمثل القيمة). يُنْظَر: البناية شرح الهداية؛ للعيني (9/ 266).
(2)
يُنْظَر: بداية المبتدى (1/ 162).
(3)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (12/ 218)، الأختيار لتعليل المختار (2/ 173).
(4)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 117).
(5)
شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ، لأبي جعفر أحمد بن مُحَمَّد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (ت 321 هـ) واسم كتابه (شرح مشكل الاثار) حققه شعيب الأرنؤوط وطبعته دار الرسالة.
(6)
المقصود بالذَّخِيرَةِ: ذخيرة الفتاوى، المشهورة: ب (الذَّخِيرَةِ البرهانية) للإمام برهان الدين: محمود بن أحمد بن عبدالعزيز بن عمر بن مازه البخاري (ت 616 هـ)، والذَّخِيرَةِ اختصرها من كتابه المشهور ب (المحيط البرهاني) كلاهما مقبولان عند العلماء أوله: (الحمد مستحق الحمد والثناء
…
الخ). يُنْظَر: كشف الظنون (1/ 823).
(7)
يُنْظَر: نتائج الأفكار (7/ 511).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (22/ 57).
(9)
ساقط [من (ج).
(10)
المقصود بالإجماع أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله.
(11)
ساقط [من (ج).
(12)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 270).
(13)
يُنْظَر: مختصر القدوري مع شرحه اللباب (2/ 147)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 270).
(14)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(15)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 43)، لسان الحكام (ص 254).
(16)
ساقط [من (ج).
(17)
يشير المصنف رحمه الله إلى مسألة الفرق بين الوكيل والمضارب.
وقوله: (إلَّا مِنْ عَبْدِهِ)
(1)
، قيد فِي المَبْسُوط
(2)
بقوله: (إلَّا مِنْ عَبْدِهِ)
(3)
/ الذي لا دين عليه؛ لِأَنَّ كسبه ملك مولاه [أقول معناه: أن كسبه ملك خالص لمولاه لم يتعلق به حق الغير فبيعه منه كبيعه من نفسه بخلاف العبد المديون]
(4)
فبيعه منه كبيعه من نفسه فكان فيه إشارة إلى أنّه لو كان عليه دين يجوز بيعه منه عند تعميم المشيئة فِي البيع (وَلَا تُهْمَةَ)
(5)
أي: فِي البيع بمثل القيمة وفِي تقييدهما البيع بمثل القيمة نفِي للتهمة من حيث المالية.
وفِي قولهما: (إِذ الْأَمْلَاكُ مُتَبَايِنَةُ وَالْمَنَافِعُ مُنْقَطِعَةُ)
(6)
نفِيٌّ للتهمة من حيث] إيثار العين
(7)
وكان فيه جواب عن قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
(8)
على ما ذكرنا فِي البيع بمثل القيمة تهمة إيثار العين، فإنّه لما كانت المنافع منقطعة لم يكن الوكيل منتفعًا بذلك العين فلا يورث التهمة.
وأما دليل تباين الأملاك فظاهر حيث يحل للابن وطء جاريته ولو لم يكن] ملكه
(9)
متباينًا عن ملك أبيه لكانت جاريته بمنزلة جارية مشتركة ولما حلّ له وطؤها حينئذ وكذلك لا يحلّ [له]
(10)
وطء جارية أبيه لتباين ملك أبيه عن ملكه فلما انتفت التهمة عن الوكيل بالبيع منهم بمثل القيمة من حيث المالية [ومن حيث إيثار العين وجب القول بالجواز كما فِي البيع من الأجنبي
(11)
إلا أنّ أبا حَنِيفَةَ رحمه الله
(12)
يقول: فيه تهمة من حيث إيثار العين إن لم تكن التهمة من حيث [عين]
(13)
المالية]
(14)
وذلك يكفِي للمنع من الجواز
(15)
.
وأما قولهما: (إذ الْأَمْلَاكُ مُتَبَايِنَةُ)
(16)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 60).
(3)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(4)
ساقط [من (ب) و (ج).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 145).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 145).
(7)
في (ج)(الغبن).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (12/ 218)
(9)
[ساقط [من (ج).
(10)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(11)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 173).
(12)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 270).
(13)
[ساقط] من (ب).
(14)
ساقط [من (ج).
(15)
يُنْظَر: البحر الرائق (8/ 114).
(16)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 145).
قلنا: قدر ذلك التباين لما لم يؤثر فِي قبول الشهادة علمنا أن ذلك القدر من التباين وجوده كعدمه فِي مواضع التهمة (وَالْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ)
(1)
وإنّما خصهما بالذكر؛ لِأَنَّ شرعية الإجارة على منافاة الدليل؛ ولِأَنَّ المعقود عليه وهو المنافع معدومة فيزداد [انتفاء]
(2)
شرعيتها بعقد الإجارة مع من لا تقبل شهادته [فيجب أن لا يجوز عقد إجارة
(3)
الوكيل معهم بالإجماع وكذلك عقد الصرف
(4)
يتوقف على شرائط كان يجب أن لا يجوز مع من لا تقبل شهادته]
(5)
بالإجماع، فبيّن بهذا أنهما أيضاً على الاختلاف
(6)
.
[تصرفات الوكيل بالبيع]
(وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيِر وَالْعَرَضِ)
(7)
وبأجل غير متعارف
(8)
(عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله)
(9)
خلافاً لهما
(10)
فِي هذه المسائل الثلاثة [بقيت]
(11)
مسألة الوكيل بالبيع المطلق فيملك البيع بما عزّ وهان وبأي ثمن كان عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
(12)
.
وأمّا البيع بأجل غير متعارف عليه فقد ذكر فِي الذَّخِيرَةِ
(13)
الوكيل بالبيع إِذَا باع بأجل [غير]
(14)
متعارف فيما بين التجار فِي تلك السلعة [جاز عند علمائنا
(15)
(16)
، بأن باع مثلاً إلى خمسين سنة أو ما أشبه ذلك فعلى قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يجوز وعلى قول أبي يُوسُف
(17)
ومُحَمَّد لا يجوز
(18)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 145).
(2)
في (ج)(انتفاع).
(3)
الإجارة عبارة عن العقد على المنافع بعوض هو مال و تمليك المنافع بعوض إجارة و بغير عوض إعارة. يُنْظَر: التعريفات (ص: 23).
(4)
الصرف: بالفتح رد الشيء من حالة إلى أخرى أو إبداله بغيره. والصرف شرعا: بيع الأثمان بعضها ببعض. يُنْظَر: التعاريف (ص: 454)
(5)
[ساقط [من (ج).
(6)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 148)، المهذب (1/ 353)، المدونة (10/ 83)، المغني (5/ 263).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(8)
(إِنْ بَاعَ بِأَجَلٍ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ فِيمَا بين التُّجَّارِ بِأَنْ بَاعَ مَثَلًا إلَى خَمْسِينَ سَنَةٍ أو بغبنٍ فاحشٍ). يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 67).
(9)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(10)
أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-.
(11)
في (أ) و (ب)(ولقب).
(12)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (3/ 588).
(13)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِير (8/ 81).
(14)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(15)
يقصد بهم: الإمام أَبِا حَنِيفَةَ، وصاحبيه. يُنْظَر: الفتح المبين فِي تعريف مصطلحات الفقهاء والأصوليين (55).
(16)
ساقط [من (ج).
(17)
القاضي أبو يُوسُف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفِي، قاضي الكوفة، العلامة، المجتهد، قال عن نفسه: صحبت أبا حَنِيفَةَ سبع عشرة سنة (ت 182 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (3/ 611)، تاج التراجم (1/ 237)، الفوائد البهية (ص 225).
(18)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (3/ 588).
[تحديد الأجل في بيع الوكيل نسيئة]
ثُمَّ قال: وإنّما يجوز البيع بالنسيئة
(1)
إِذَا لم يكن فِي لفظه ما يدل على البيع بالنقد، وأمّا إِذَا كان فِي لفظه ما يدل على البيع بالنقد لا يجوز البيع بالنسيئة وذلك نحو أن يقول: بع هذا العبد واقضِ دَيْنِي، أو قال: بع فإنّ الغرماء يلازمونني، أو قال: بع فإني أحتاج إلى نفقة عيالي ففِي هذه الصور ليس له أن يبيع بالنسيئة (وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجُمْدِ وَالْأُضْحِيَّةِ)
(2)
، وفِي بعض النسخ بشراء اللحم مكان الفحم لكن ذكر الفحم أليق لقران قوله:(بِزَمَانِ الْحَاجَةِ)
(3)
، اعلم أن الجمد بسكون الميم لا غير هو ما جمد من الماء فكان فيه تسمية للاسم بالمصدر كذا فِي الصِّحَاح
(4)
والدِّيوان
(5)
(6)
.
ثُمَّ تفسير تقييد هذه الأشياء بالزمان والأحوال ما ذكره فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(7)
وقال: ولو وَكَّلَهُ بأن يشتري له لحمًا بدرهم فاشترى لحم ضأن أو بقر أو إبل لزم الآمر.
وقيل: إن كان الآمر غريباً ينصرف التوكيل إلى المطبوخ والمشوي، وإن اشترى كرشا أو بطونًا أو أكبادًا أو رؤسا أو أكارعاً لا يلزم الآمر؛ وكذا لو اشترى لحماً قديدًا
(8)
أو لحم الطيور والوحوش لا يلزم الآمر، وكذا لو اشترى شاة حية أو مذبوحة غير مسلوخة وإن اشترى مسلوخة لزم الآمر إلا أن يكون الثمن المدفوع قليلاً والتوكيل بشراء الأضحية يتقيد بشراء الأضحية فِي تلك السنة فِي أيام النحر أو قبلها، وكذا التوكيل بشراء الجمد [يتقيد]
(9)
بأيام الصيف فِي تلك السنة، وكذا التوكيل بشراء الفحم يتقيد بأيام البرد فِي تلك السنة حتى لو اشترى ذلك فِي أيام التضحية من السنة الثانية [أو الجمد فِي الثانية]
(10)
لا يجوز ثم قال: وقيل هذا قولهما أمّا على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله[يجوز]
(11)
لِأَنَّهُ يعتبر إطلاق اللفظ
(12)
.
(1)
النسيئة: يقال باعه بنسيئة أي بتأخير والدين المؤخر و ربا النسيئة خلاف ربا الفضل وهو البيع إلى أجل معلوم من غير تقابض ولو كان بغير زيادة. يُنْظَر: المعجم الوسيط (2/ 916)، اللباب في شرح الكتاب (3/ 365).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(4)
يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (2/ 21).
(5)
كتاب "ديوان الأدب "في اللغة لإسحاق بن إبراهيم الفارابي (ت 350 هـ)، حققه عادل عبدالجبار الشاطي، وطبعته مكتبة لبنان فِي مجلد واحد. كشف الظنون (1/ 774).
(6)
يُنْظَر: ديوان الأدب (ص 9).
(7)
يُنْظَر: فتاوى قضيخان (3/ 19).
(8)
القديد: اللحم المملوح المجفف فِي الشمس. يُنْظَر: النهاية فِي غريب الحديث والأثر (4/ 22).
(9)
[ساقط] من (ب).
(10)
في (ج)(والثالثة).
(11)
[ساقط] من (ج).
(12)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 271).
وذكر فِي الْإِيضَاحِ
(1)
(2)
: وأمّا اللحم فعلى لحم الضأن والمعز وما يشتري الناس وكذلك لحوم البقر والإبل إِذَا جرت العادة بذلك واسم اللحم لا يتناول البطون والأكباد والكروش
(3)
.
ففِي بَابِ/ اليمين إِذَا حلف لا يأكل لحمًا فأكل شيئاً من هذه الأشياء يحنث؛ لِأَنَّهُ يتخذ منها ما يتخذ من اللحم وهي لحوم وَحُكْمُ اليمين مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الوَكَالةِ
(4)
، ألا ترَى أنه لو اشترى قديدًا لم يجز على الآمر؛ لِأَنَّهُ ليس بلحم يباع فِي الأسواق فِي العادة (وَلِأَنَّ الْعَقْدَ
(5)
بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بَيْعٌ مِنْ وَجْهٍ هِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ)
(6)
، ألا ترَى أنه لو حصل من المريض كان معتبراً من ثلثه والأب والوصي لا يملكان البيع بالمحاباة
(7)
الفاحشة بهذا وهو وكيل بالبيع دون الهبة، وأبو حَنِيفَةَ رحمه الله
(8)
يقول: هو مأمور بمطلق البيع وقد أتى ببيع مطلق لِأَنَّ البيع اسم لمبادلة مال بمال
(9)
، وذلك يوجد فِي البيع بالعروض، كما يوجد فِي البيع بالنقود. ولكن من البيع ما يتضمن الشراء فلا يخرج بذلك من أن يكون بيعًا مطلقاً؛ لِأَنَّه تضمن الشراء فِي جانب [العوض]
(10)
لا فِي جانب المبيع، وأمره كان باعتبار المبيع والعقد فيه بيع مطلق، وكذلك البيع بالمحاباة بيع؛ لِأَنَّ ما من جزءٍ من البيع إلا ويقابله جزءٌ من الثمن
(11)
ألا ترَى أنه يستحق الكل بالشفعة
(12)
والشفعة فِي الهبات لا تثبت
(13)
، والدليل عليه أن من حلف أن لا يبيع فباع بالمحاباة يحنث، وكما يراعى العرف فِي [الوكالات يراعى فِي]
(14)
الأثمان
(15)
، ثُمَّ جُعل هذا بيعًا مطلقاً فِي اليمين فكذلك فِي الوكالة
(16)
، وهذا بخلاف الوكيل بالشراء؛ لِأَنَّ الأمر المطلق تخصصه التهمة وفِي الوكيل بالشراء التهمة متمكنة لجواز أن يكون اشترى لنفسه فلما لم يعجبه لغلاء الثمن أراد أن يحوله إلى الآمر ولا يتمكن مثل هذه التهمة فِي الوكيل [بالبيع]
(17)
، وأما الجواب عن الوصية فإن معنى الوصية تظهر فِي القيمة والقيمة غير معقود عليها ونحن إنما نعتبر إطلاق الآمر فِي المعقود عليه وهو المبيع كذا فِي المَبْسُوط والْإِيضَاحِ
(18)
.
(1)
كتاب: الْإِيضَاح فِي الفروع، ومؤلفه: عبد الرحمن بن مُحَمَّد الكرماني الحنفي، شيخ الحنفية بخراسان فِي زمانه، ومن تصانيفه الجامع الكبير والتجريد في الفقه في مجلد وشرحه في ثلاث مجلدات وسماه الْإِيضَاح، (ت 543 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 304)، تاج التراجم (184)، تاريخ الإسلام (11/ 829).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق (4/ 348).
(3)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (6/ 31)
(4)
يُنْظَر: الأشباه والنظائر ـ للإمام تاج الدين السبكي (1/ 181).
(5)
في (أ) و (ب)(البيع).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(7)
المحاباة في اللغة: هي المسامحة والعطاء. وفي الشرع: الزائد على قيمة المثل في الشراء والناقص في البيع محاباة يُنْظَر: المصباح المنير (1/ 120)، الفتاوى الهندية (6/ 110).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 36)، الأختيار لتعليل المختار (2/ 161)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 271).
(9)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (5/ 306).
(10)
فِي (ج)(العرض).
(11)
يُنْظَر: البحر الرائق (8/ 51).
(12)
الشفع: ضد الوتر، والمراد بالشفعة فِي أبواب البيوع: ضم الشفيع المبيع إلى ملكه فيشفعه به كأنه كان واحدا وترا فصار زوجا شفعا. يُنْظَر: تهذيب اللغة (1/ 278)، الصِّحَاح؛ للجوهري (3/ 1238).
(13)
يُنْظَر: الأشباه والنظائر ـ للإمام تاج الدين السبكي (1/ 205).
(14)
[ساقط] من (ج).
(15)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 145)، العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 77).
(16)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِير (8/ 77)، البحر الرائق (7/ 167).
(17)
[ساقط] من (ج).
(18)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 66).
وذكر هذه المسألة فِي الْأَسْرَار
(1)
فِي كتاب البيوع منه وأجاب بما تمسّكا بمسألة المحاباة
(2)
فِي [المرض]
(3)
وبمسألة الأب والوصي فقال: فأما قولهم إنّ المحاباة تعتبر هبة حكمًا.
قلنا: لا تعتبر هبة بشيء من المبيع الذي تعلق الأمر به بل تعتبر للثمن ألا ترَى أن المريض إِذَا حابى ومات ولم يخرج من الثلث قيل للمشتري: [إما أن تزيد إلى الثلث]
(4)
وإما إن ترده، ولا يلزمه ردُّ بعض المبيع حتمًا ولا يلزم الوصي؛ لِأَنَّهُ أُمر ببيع فيه صلاح اليتيم وذلك بيع رابح أو غير خاسر يقينًا فصار مأموراً بالبيع بصفة لا بمطلق البيع والمأمور بالبيع بصفة مرغوب فيها إِذَا فوت الصفة لا يصح
(5)
.
(وَالْبَيْعُ بِالْغَبْنِ أَوْ بِالْعَيْنِ مُتَعَارَفٌ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ) هذا جواب عن قولهما (وَالْمُتَعَارَفُ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوَ بِالنُّقُودِ)
(6)
فلمّا كان كل واحد منهما متعارفاً كان العرف مشتركا بينهما فلا يصلح حينئذ حجة لأحد الخصمين
(7)
على الآخر وأشار فِي المَبْسُوط
(8)
إلى ما قلنا فقال: والعرف مشترك فقد يبيع المرء الشيء للتبرم
(9)
منه، وفِي هذا لا يبالي بقلة الثمن وكثرته وقد يبيعه للاسترباح فعند إطلاق الأمر لا يترجح أحد المقصودين من غير دليل.
(1)
كتاب الْأَسْرَار لعبدالله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي الحنفي. ينسب إلى دبوسية، من أكابر فقهاء الحنفية، ويضرب به المثل فِي النظر واستخراج الحجج. برع فِي علم أصول الفقه، له عدة مؤلفات منها الْأَسْرَار وهو كبير جداً حقق منه كتاب المناسك فِي مصر وبقي الجزء الباقي منه مفقوداً (ت 430 هـ).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (7/ 588).
(3)
في (ج)(العرض).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
(معرفة الغبن اليسير من الفاحش ليست بشرط في صحة التوكيل) يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (11/ 85).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(7)
الخصم من خاصمته فخصَمْته أخصُمه بالضم غلبتُه في الخصومة و قال الجوهري: الخصم معروف، يستوي فيه الجمع والمؤنث، لِأَنَّهُ فِي الأصل مصدر. ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول: خصمان وخصوم، والخصيم أيضاً: الخصم، الجمع خصماء، وخاصمته مخاصمة وخصاماً، الأسم الخصومة. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (5/ 190)، المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (1/ 258).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 66).
(9)
التبرم: السآمة والضجر. يُنْظَر: لسان العرب (12/ 43).
(وَأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِهِ)
(1)
أي: بالغبن أو بالعين فلما جعل هذا بيعًا مطلقاً فِي اليمين كذا فِي الوكالة على ما ذكرنا من المَبْسُوط
(2)
.
فإن قلت: لا يلزم من جريان العرف فِي اليمين فِي نوع جريانه فِي البيع فِي ذلك النوع ألا ترَى أنه لو حلف لا يأكل لحمًا فأكل لحمًا قديدًا يحنث وفِي التوكيل بشراء اللحم لو اشترى الوكيل لحمًا قديدًا يقع على المشتري لا على الآمر [فعلم هذا أنّ العرف قد يختلف بين اليمين والتوكيل]
(3)
فلم تبق مسألة اليمين حينئذ حجة على ما مرّ.
قلت: جوابه أيضاً قد مرّ وهو أن التوكيل بشراء اللحم إنما يقع على لحم يباع فِي الأسواق والقديد لا يباع فِي السوق فلا يقع التوكيل عليه فعلم بهذا أنّ العرف اختلف فِي حقهما فاختلف الجواب لذلك، وأمّا هاهنا فالبيع بالمحاباة لا يخرج عن كونه بيعًا حقيقة وعرفاً أما حقيقة فظاهر، وأما عرفاً فيقال بيع رابح وبيع خاسر.
(وَالْمُقَايَضَةُ) وهي بيع العرض بالعرض
(4)
(شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ)
(5)
جواب عن قولهما أيضاً.
فإن قلت: فمحال أن يوصف الشيء الواحد بصفة وبضدها أيضاً فِي حالة واحدة ولو قلنا بأن بيع المقايضة بيع من كل وجه ثُمَّ هو فِي ذلك الوقت شراء من كل وجه
(6)
يلزم هذا فما وجهه.
قلت: لزوم المحال إنما يكون أن لو قلنا ذلك بجهة واحدة وليس كذلك فِي بيع المقايضة فإنه بيع من كل وجه بالنسبة إلى عرض نفسه وشراء من كل وجه بالنسبة إلى عرض/ صاحبه وليس [ببعيد]
(7)
أيضاً أن ينسب الشيء الواحد إلى الشيئين إلى كل واحد منهما كملاً
(8)
لوجود دليل النسبة إلى كل واحد منهما كملاً
(9)
كالولد يضاف إلى كل واحد من الوالدين بأنّه ولده كملا وكالمرتهنين فِي حق رهن واحد يضاف إلى كل واحد منهما كملا، وإنّما جعلنا هكذا؛ لِأَنَّ البيع لابدّ له من مبيع وثمن وليس كل واحد منهما بأولى من الآخر فِي أن يجعل هو مبيعًا أو ثمنًا فجعل كل واحد منهمًا مبيعًا بمقابلة الآخر وثمنًا بمقابلة الآخر.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (12/ 382).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (2/ 202).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(6)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (12/ 214)، العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 78).
(7)
في (ج)(يتعذر).
(8)
كملاً: قال الليث: هكذا يتكلم به، هو فِي الجميع والوحدان سواء، ليس هذا بمصدر ولا نعت، إنما هو كقولك أعطيته كله. يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (2/ 233).
(9)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 145).
فإن قلت: لا نسلّم أنّ كل واحد منهما ليس بأولى من الآخر فِي أن يجعل مبيعًا أو ثمنًا؛ وذلك لِأَنَّهُ لابدّ من إدخال الباء فِي واحد منهما لتحقيق [اتصاف]
(1)
البدل بالمبدل، وما دخل عليه الباء يتعين للثمنية؛ لِأَنَّ الباء [تصحب]
(2)
الأثمان لما عرف فحينئذ يتعين الآخر لكونه مبيعًا لا محالة.
قلت: قد ذكرنا فِي أوائل كتاب البيوع أن الباء إنما تعين ما دخلت عليه للثمنية إِذَا كان ذلك الشيء من المكيلات والموزونات من غير الدراهم والدنانير إِذَا وجبت فِي الذمة موصوفة بصفة أمّا الدراهم والدنانير فإنّها متعينة للثمنية سواء دخلت الباء أو لم تدخل والعروض المتعينة [متعينة]
(3)
للمبيع سواء دخلت عليها الباء أو لم تدخل، أما المكيلات والموزونات إِذَا كانت غير متعيّنة وهي موصوفة ودخلت عليها الباء تتعين للثمنية كما إِذَا قال: اشتريت هذا العبد بكذا حنطة جيدة، وأمّا إِذَا لم تدخل الباء فلا يتعين للثمنية أيضًا بأن قال: اشتريت [منك]
(4)
كذا حنطة بهذا العبد فلا يصح العقد إلا بطريق السلم كذا فِي الذَّخِيرَةِ
(5)
.
ثُمَّ إنَّ كَلَامَنَا هَاهُنَا فِي بَيْعِ الْمُقَايَضَةِ وَهِيَ تُنْبِئُ عَنْ الْمُسَاوَاةِ يُقَالُ: هُمَا قَيْضَانِ
(6)
: أَيْ مُسَاوِيَانِ، فَكَانَ كِلَا الْبَدَلَيْنِ مُتَعَيَّنًا فَلَا يَتَعَيَّنُ كل وَاحِد مِنْ العوضين لِلْمَبِيعِيَّةِ وَلَا لِلثَّمَنِيَّةِ فَلِذَلِكَ جُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا وَثَمَنًا، لعدم الأولوية لواحد منهما بتعيين أحد ذلك الوصفين، وَإِنْ دَخَلَتْ الْبَاءُ فِي أَحَدِهِمَا
(7)
.
وذكر فِي الذَّخِيرَةِ
(8)
فِي الوكيل ببيع عبد بعبد لو باع العبد بعبد بعينه فإن كانت قيمة ذلك العبد مثل قيمة هذا العبد الذي يبيعه الوكيل أو أقلّ مقدار ما يتغابن الناس فيه يجوز، وإن كانت مقدار ما لا يتغابن الناس فيه لا يجوز هكذا ذكر فِي الزيادات
(9)
.
(1)
في (أ) و (ب)(الصادق).
(2)
في (ج)(تضمنت).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
في (ج)(مثل).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (6/ 216).
(6)
قايضت الرجل مقايضة، أي عاوضته بمتاع. وهما قيضان كما تقول بيعان. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (3/ 241).
(7)
يُنْظَر: فتح القدير (18/ 112).
(8)
يُنْظَر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (4/ 296).
(9)
كتاب الزيادات لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله ولا يزال مخطوطاً وقد جمعه أبي يعقوب يُوسُف بن علي بن مُحَمَّد الجرجاني الحنفي في كتاب (خزانة الأكمل في الفروع) وهو ست مجلدات. ذكر انه محيط بجل مصنفات الأصحاب بدأ بكافي الحاكم ثُمَّ بالجامعين ثُمَّ بالزيادات ثُمَّ بمجرد ابن زياد والمنتقى والكرخي وشَرْح الطَّحَاوِيِّ وعيون المسائل.
قيل: هذا على قولهما فأمّا على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
(1)
يجوز كيف ما كان؛ لِأَنَّهُ وكيل بالبيع المطلق والوكيل بالبيع المطلق يملك [البيع]
(2)
بما عزّ وهان عنده
(3)
.
وقيل: هذا قول الكل؛ لِأَنَّ فِي بيع المقايضة كل واحد من البدلين [مبيعٌ من وجه]
(4)
ثمنٌ من وجه، فكان هذا توكيلاً بالشراء من وجه وبالبيع من وجه.
والغبن عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إن كان يتحمل فِي التوكيل [بالبيع لا يتحمل فِي التوكيل]
(5)
بالشراء
(6)
، والأول أظهر لِأَنَّ الثمنية أصل فيهما وكل ببيعه والعبرة للأصل وباعتبار الأصل هذا بيع، وجعل القول بعدم الجواز فِي بيع المقايضة عند الغبن رواية الحسن-رحمه الله
(7)
عن أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله[في المَبْسُوط
(8)
فقال بعدما ذكر رواية الجواز ووجهها: روى الحسن عن أَبِي حَنِيفَةَ]
(9)
فِي الوكيل بالبيع إِذَا باع بعرض فإن كان يساويه جاز وإلا فلا ثُمَّ قال: وجه هذه الرواية أنّه فِي جانب العرض مشترٍ والوكيل بالشراء لا يشتري للآمر بالمحاباة الفاحشة.
فإن قلت: أنّ كل واحد من عاقدي عقد المقايضة بائع بالنسبة إلى عرضه مشترٍ بالنسبة إلى عرض الآخر، وكذلك فِي بيع الصرف كل [واحد من عاقدي عقد الصرف بائع ومشترٍ لما أن بيع الصرف بيع والبيع لابدّ له من مبيع وثمن وليس أحدهما بأولى من الآخر فِي جعله مبيعًا أو ثمنًا فجعل كل واحد منهما مبيعا وثمنًا ثُمَّ الغبن الفاحش محتمل فِي بيع المقايضة فِي ظاهر الرواية
(10)
على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله خلافاً لرواية الحسن رحمه الله على ما ذكرت من الذَّخِيرَةِ
(11)
والمَبْسُوط
(12)
والغبن الفاحش غير محتمل فِي بيع الصرف]
(13)
فِي قول الكل باتفاق الروايات
(14)
فما وجه الفرق بينهما مع اتحادهما فِي العلة
(15)
، والمسألة فِي بَابِ الوكالة فِي الصرف من صرف المَبْسُوط
(16)
فقال فيه: وإن وكله بألف درهم يصرفها له فباعها بدنانير وحط عنه (بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ)
(17)
لم يجز على الآمر وكذا فِي مختلفات المغني
(18)
أيضاً.
(1)
قولهما: هما أبو يُوسُف ومُحَمَّد -رحمهما الله-. يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (22/ 111).
(2)
[ساقط] من (ب).
(3)
يُنْظَر: إيثار الإنصاف (ص: 316)
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (7/ 414).
(7)
الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفِي، أبو علي، قاض، فقيه، صاحب أَبِي حَنِيفَةَ، أخذ عنه وسمع منه، وكان عالما بمذهبه بالرأي، ولي القضاء بالكوفة سنة 194 هـ، ثم استعفى، واللؤلؤي نسبة إلى بيع اللؤلؤ (ت 204 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (9/ 543)، طبقات الفقهاء (1/ 136)، الوافِي بالوفيات (12/ 15).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 67).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
وهي مسائل مروية عن أصحاب المذهب وهم: أبو حَنِيفَةَ وأبو يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى.
ويلحق بهم: زفر والحسن بن زياد وغيرهما ممن أخذ من أبي حَنِيفَةَ ويسمى هؤلاء: المتقدمين. ثم هذه المسألة التي سميت: مسائل الأصل وظاهر الرواية هي ما وجدت في كتب محمد التي هي: (المبسوط) و (الزيادات) و (الجامع الصغير) و (الكبير) و (السير). وإنما سميت بظاهر الرواية: لأنها رويت عن محمد برواية الثقات فهي: إما متواترة أو مشهورة عنه. يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1282).
(11)
يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (2/ 108)، مجمع الأنهر (2/ 233).
(12)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 66).
(13)
[ساقط] من (ج).
(14)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية؛ للعيني (9/ 275)، قال الطحاوي:(والمقدار الذي يتغابن الناس فيه نصف العشر فأقل منه، هذا غير منصوص عنهم ولكن مذاهبهم تدل عليه). مختصر الطحاوي (ص 111).
(15)
قال أبو المظفر السمعاني فِي تعريف العلة: وأمّا حد العلة: فقد قالوا: إنها الصفة الجالبة للحكم، وقيل إنها المعنى المثير للحكم. يُنْظَر: قواطع الأدلة فِي الأصول (2/ 140).
(16)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (14/ 112 - 113).
(17)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(18)
وهناك كتب سميت بالمغني في المذهب الحنفي وغيره، ولم يظهر لي أي كتاب قصد المصنف والأقرب لي أنه كتاب المغني في أصول الفقه للأمام جلال الدين عمر بن محمّد الخبَّازي (ت 629 هـ) لأنه شرح كتاب الهداية شرح البداية للمرغيناني. (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْعَرَضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فتح القدير (18/ 102).
قلنا: الفرق بينهما إنما نشأ من حيث ورود علة عدم جواز بيع الوكيل بالشراء بالغبن الفاحش هاهنا أيضاً؛ وذلك لِأَنَّ تصرف الوكيل بالشراء بالغبن إنما لا ينفذ عن الموكل للتهمة فإنّ من الجائز أنه عقد لنفسه، فلما علم بالغبن أراد/ أن يلزم ذلك الموكل وهذا المعنى موجود هاهنا، فإنّ الوكيل يملك عقد الصرف لنفسه كذا فِي المَبْسُوط
(1)
، وأمّا فِي بيع المقايضة فليس للوكيل أن يبيع من نفسه ولا أن يشتري لنفسه عرض الآخر بمقابلة عرض [الموكل]
(2)
ولم ترد تلك التهمة التي ترد فِي حق الوكيل بالشراء فلم يمنع [الجواز]
(3)
لذلك فِي ظاهر الرواية على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله-كما فِي الوكيل بالبيع إِذَا باعه بالدراهم أو بالدنانير بالغبن الفاحش.
وذكر فِي الذَّخِيرَةِ
(4)
: والوكيل بالصرف إِذَا اشترى بما لا يتغابن الناس فيه لا يجوز بلا خلاف؛ لِأَنَّ الغبن على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إن كان يجوز باعتبار أنّه بيع من وجه لا يجوز باعتبار أنه شراء من وجه إلا أن الشراء أصل فِي هذا العقد؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّة فِي الدراهمِ والدنانير أصل، والعبرة للأصل
(5)
فكان شراء من كل وجه والغبن الفاحش لا يتحمل فِي الشراء بالاتفاق.
فإن قلت: لما كان بيع (الْمُقَايَضَةِ شِرَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ)
(6)
على ما ذكر فِي الْكِتَابِ
(7)
فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ رَجَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله جَانِبَ الْبَيْعِ فِيهِ حَتَّى نَفِذَ الْبَيْعُ (عَلَى الْآمِرِ) أي: بيع الوكيل ببيع شيء إِذَا باعه بِعَرْضٍ مَعَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ.
قُلْت: إنما رَجَّحَ هُوَ جَانِبَ الْبَيْعِ فيه اسْتِدْلالًا بمسألةٍ مثلها اتفقوا فِي حكمها على أن [حكمها]
(8)
حكم البيع لا حكم الشراء ذكرها فِي المَبْسُوط
(9)
فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالسَّلَمِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ، فقال فيه: ثُمَّ جَانِبَ الْبَيْعِ يَتَرَجَّحُ عَلَى جَانِبِ الشِّرَاءِ فِي الْبَيْعِ بِعَرَضٍ، أَلَا يُرَى أَنَّ أَحَدَ الْمُضَارِبَيْنِ إذا اشْتَرَى بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يتَوَقَّف عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ فَإِنْ بَاعَهُ بِعَرَضٍ يَتَوَقَّفُ أَيْضًا، فإذا أَجَازَه صَاحِبُهُ كَانَ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ جَانِبَ الْبَيْعِ يَتَرَجَّحُ فِيهِ.
(1)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (14/ 113).
(2)
[ساقط] من (ب).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
يُنْظَر: نتاج الأفكار (7/ 511).
(5)
يُنْظَر: غمز عيون البصائر (2/ 361).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(7)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 117).
(8)
[ساقط] من (ج).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (12/ 383).
(لِأَنَّ الْتُّهْمَةَ فِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَعَلَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا لَمْ يُوَافِقْهُ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ)
(1)
والتهمة فِي بَابِ الوكالة معتبرة
(2)
ألا ترَى أن الوكيل بالبيع لا يبيع من أبيه أو ابنه للتهمة؛ ولِأَنَّ الوكيل بالشراء كما يستوجب الثمن فِي ذمّة نفسه يوجب لنفسه مثله فِي ذمة الآمر والإنسان متهم فِي حق نفسه فلا يملك أن يلزم الآمر الثمن ما لم يدخل فِي ملكه [بإزائه]
(3)
ما يعدله ولهذا لو قال: اشتريت وقبضت [ونقدت]
(4)
، وهلك فِي يدي فهات الثمن لا يقبل قوله (بخلاف الوكيل بالبيع)
(5)
فإنّه لو قال: بعت وقبضت الثمن وهلك عندي كان القول قوله، ولِأَنَّ أمره بالشراء يلاقي ملك الغير وليس للإنسان ولاية مطلقة فِي ملك الغير
(6)
فلا يعتبر إطلاق أمره فيه
(7)
بخلاف البيع فإن أمره يلاقي ملك نفسه وله فِي ملك نفسه ولاية مطلقة، ولِأَنَّ اعتبار العموم والإطلاق فِي التوكيل بالشراء غير ممكن؛ لِأَنَّهُ لو اعتبر ذلك اشترى ذلك المتاع بجميع ما يملكه الموكل بما لا يملكه من المال ونحن نعلم أنه لا يقصد ذلك فحملناه على أخصّ الخصوص وهو الشراء بالنقد بغبن يسير.
وفِي جانب البيع اعتبار العموم والإطلاق ممكن، لِأَنَّهُ لا يتسلط به على شيء من ماله سوى المبيع الذي رضي بزوال ملكه عنه وهذه فروق أربعة بين الوكيل [بالبيع وبين الوكيل بالشراء]
(8)
فِي الغبن الفاحش ذكرها فِي كتاب البيوع من المَبْسُوط
(9)
.
[ضابط الغبن اليسير والفاحش]
(حتى لو كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالُوا يَنْفُذُ على الآمِرِ)
(10)
أي: وإن كان مع الغبن الفاحش لعدم التهمة؛ لِأَنَّهُ لا يملك أن يشتريه لنفسه، ثُمَّ قوله:(قالوا ينفذ على الآمر)
(11)
يحتمل أن يريد به قول عامة المشايخ فإنّ فيه اختلاف المشايخ؛ لِأَنَّهُ ذكر فِي الذَّخِيرَةِ
(12)
فأمّا الوكيل بشراء شيء بعينه فلا نص فيه وقد اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا: يتحمل فيه الغبن اليسير دون الفاحش وقال بعضهم: لا يتحمل فيه اليسير أيضاً؛ (لِأَنَّهُ يُطْلِقُ الْعَقْدُ) أي: لا يضيفه إلى الموكل فيقول اشتريت [ولا يقول اشتريت]
(13)
لفلان.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(2)
يُنْظَر: الفروق للكرابيسي (2/ 233)
(3)
في (ج)(بإزالة).
(4)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(6)
يُنْظَر: كشف الأسرار (4/ 164).
(7)
يعني: (إطلاق الأمر وتقييده فيعتبر فيه العرف، والعرف فيه أن يشتري العبد جملة). يُنْظَر: العناية شرح الهداية (8/ 86).
(8)
[ساقط] من (ج).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (25/ 286).
(10)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(11)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(12)
يُنْظَر: نتائج الأفكار (8/ 87 - 88).
(13)
[ساقط] من (ج).
/ (وَقِيلَ فِي الْعُرُوضِ: (ده نيم)
(1)
، وَفِي الْحَيَوَانَاتِ (ده يازده)
(2)
، وَفِي الْعَقَارَاتِ (ده دوازده)
(3)
(4)
وهذا بيان الغبن اليسير ويتحمل هذا المقدار من الغبن فِي هذه الأجناس على هذا الترتيب ثُمَّ إنما كان [هذا]
(5)
هكذا؛ لِأَنَّ المعاملة فِي العروض أكثر بين الناس من المعاملة فِي الحيوانات والمعاملة فِي الحيوانات أكثر من المعاملة فِي العقارات فلما كثرت المعاملة فِي العروض كانت التجربة فيها أوقع فيما يرجع إلى الغبن والربح وكان التاجر بحالها أعرف فيقل الغبن فيها لذلك
(6)
.
وقلّت: المعاملة فِي الحيوانات يتحمل فيها غبن أكثر من الغبن فِي العروض وكذلك فِي العقارات، وعن هذا المعنى ما ذكره فِي الذَّخِيرَةِ
(7)
محالاً إلى كتاب الزكاة من الجامع لشيخ الإسلام رحمه الله
(8)
/ فقال: وتكلّموا فِي الحدّ الفاصل بين الغبن اليسير والفاحش، والصحيح ما روي عن مُحَمَّد رحمه الله فِي النوادر
(9)
(10)
أنَّ كُلَّ غَبْنٍ يدخلُ تحت تقويمِ المُقَوِّمِينَ فهو يَسِيرٌ وما لا يَدخلُ تحت تقويمِ المُقَوِّمِينَ [فهو فاحش]
(11)
(12)
، وإليه أشار فِي الجامع فِي تعليل مسألة فِي كتاب الزكاة قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله
(13)
هذا [التحديد]
(14)
فيما لم يكن له قيمة معلومة فِي البلدة كالعبيد والدواب وغيرهم، فأمّا ماله قيمة معلومة فِي البلدة كالخبز واللحم وغيرهما فزاد الوكيل بالشراء لا ينفذ على الموكل، وإن كان الزيادة شيئاً قليلاً كالفلس
(15)
ونحوه؛ لِأَنَّ هذا مما لا يدخل تحت تقويم المقومين؛ ولِأَنَّهُ إنّما يدخل تحت تقويم المقوّمين ما يحتاج فيه إلى تقويم المقومين وهاهنا لا يحتاج فلا يدخل.
(1)
كلمه فارسية معناها: عشر ونصف.
(2)
كلمة فارسية معناها: عشر إحدى عشر.
(3)
كلمة فارسية معناها: عشر اثنا عشر.
يُنْظَر: ثقافة الاصطلاحات اليومية؛ للدكتور محمد غفراني، والدكتور مرتضى آيت الله زاده شيرازي تحت الإشراف: إبراهيم إقبال، وكتاب المعجم؛ لمصطفى رحيمي نيا.
(4)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(5)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(6)
وهذا الترتيب للمعاملات الذي ذكره الإمام السغناقي رحمه الله فهو يتحدث عن عصرهم، أما الآن فإن المعاملة في العقار أكثر وكذلك الآن البديل عن الحيوانات السيارات ونحوها من أدوات النقل.
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (5/ 70).
(8)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (ص: 206).
(9)
مسائل النوادر هي المسائل المروية عن أصحاب المذهب لكن ليست في كتب ظاهر الرواية وإنما قيل لها: النوادر؛ لأنها لم ترو عن مُحَمَّد بروايات ظاهرة صحيحة ثابتة. يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1282).
(10)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 272).
(11)
[ساقط] من (ج).
(12)
أي أن الغبن الفاحش هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين، كما لو وقع البيع بعشرة فقال بعض المقومين: إنه يساوي خمسة وبعضهم ستة، وبعضهم سبعة، فهذا غبن فاحش لأنه لم يدخل تحت تقويم المقومين أحد، والغبن غير الفاحش أو اليسير هو مايدخل تحت تقويم المقومين. وذلك كما لو وقع البيع بعشرة، فقال بعض المقومين أنه يساوي ثمانية وبعضهم تسعة، وبعضهم عشرة، فإنه غبن يسير لدخوله تحت التقويم. يُنْظَر: البحر الرائق (3/ 176)، اللباب (1/ 202)، المحيط البرهاني (2/ 455).
(13)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (306).
(14)
في (ج)(التعليل).
(15)
الفَلْس يجمع على أفلس في القلة، والكثير فلوس، وقد أفلس الرجل صار مفلسا، كأنما صارت دراهمه فلوسا. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (3/ 97).
[حكم شراء أقل مما وُكِّل به]
(وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ
(1)
فَبَاعَ نِصْفَهُ، جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله)
(2)
، وإنما وضع المسألة فِي العبد ليرتب عليه هذا الاختلاف المذكور؛ لِأَنَّهُ إِذَا باع نصف ما وكل ببيعه وليس فِي تفريقه ضرر كالحنطة والشعير يجوز بالاتفاق؛ لِأَنَّهُ ذكر فِي الْإِيضَاحِ فِي بَابِ الوكالة بالبيع ولو باع الوكيل بعض ما أمر به فإن لم يكن فِي تبعيضه ضرر جاز فِي قولهم؛ لِأَنَّ البيع يتناول الجملة فكان متناولاً للأبعاض وليس فِي التفريق ضرر [كالحنطة]
(3)
.
(أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِثَمَنِ النِّصْفِ يَجُوزُ عِنْدَهُ؟ فَإِذَا بَاعَ النِّصْفَ بِهِ أَوْلَى)
(4)
.
فإن قيل: إنما يجوز بيع الكل بثمن النصف؛ لِأَنَّهُ لم يتضمن عيب الشركة وأمّا بيع النصف فيتضمن عيب الشركة فِي العبد فكان هذا مخالفة من الوكيل إلى شرٍ فلا ينفذ بيعه على الموكل.
قلنا: ضرر الشركة أهون وأقل من ضرر بيع الكل بنصف الثمن فلما جاز ذلك على قوله: فلأن يجوز هذا وهو (ضَرَرِ الشَّرِكَةِ)
(5)
أولى.
(وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِراءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ فَالشِّرَاءُ مَوْقُوفٌ)
(6)
أي: بالاتفاق ثُمَّ اختلف أبو يُوسُف ومُحَمَّد فِي الوكيلِ بِشِرَاءِ عبد إِذَا اشترى نصفه قال: أبو يُوسُف رحمه الله إن أعتقه الآمر جاز وإن أعتقه الوكيل لم يجز وقال مُحَمَّد رحمه الله: إن أعتقه الوكيل جاز وإن أعتقه الموكل لم يجز وأبو يُوسُف رحمه الله يقول بأن العقد موقوف على إجازة الموكل ألا ترَى أنه لو أجاز صريحًا نفذ عليه، والإعتاق إجازة منه ينفذ عليه ولا ينفذ إعتاق الوكيل؛ لِأَنَّ الوكالة تناولت محلاً بعينه فلم يملك الوكيل شراءً لنفسه، ولم يتوقف على إجازته فلا ينفذ أي: إعتاقه، ومُحَمَّد رحمه الله يقول: بأنه قد خالف فيما أمره به وإنما التوقف عليه من حيث إن الخلاف يتوهم رفعه بأن يشتري الباقي فيرتفع الخلاف فقبل أن يشتري بقي مخالفاً فإِذَا أعتقه الآمر لم يجز كذا فِي الْإِيضَاحِ.
(وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ فِي الشِّرَاءِ تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ عَلَى مَا مَرَّ) إشارة إلى قوله: (لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِ مُتَحَقِّقِةٌ، فَلَعَلَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ) إلى آخره
(7)
.
(1)
في (ب) و (ج)(عبده).
(2)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162)
(3)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(5)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(6)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(7)
(والوكيل بالشراء يجوز عقده بمثل القيمة وزيادة يتغابن الناس في مثلها ولا يجوز بما لا يتغابن الناس في مثله لأن التهمة فيه متحققة فلعله اشتراه لنفسه فإذا لم يوافقه ألحقه بغيره) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
وذكر فِي المَبْسُوط
(1)
وأبو حَنِيفَةَ رحمه الله يفرق ويقول: الوكيل بالشراء [لو اشترى]
(2)
بالزيادة الكثيرة لا يجوز [بخلاف]
(3)
الوكيل بالبيع والتهمة فِي جانب الوكيل بالشراء فلعله اشترى النصف [لنفسه]
(4)
، فلما علم أن الشركة عيب أراد أن يحوّله على الآمر يوضح [الفرق]
(5)
أن صحة التوكيل بالشراء بتسمية العبد، ونصف العبد، ليس بعبد فلا يصير به ممتثلاً أمر الآمر إلا أن يشتري ما بقي قبل الخصومة، فأمّا فِي جانب البائع فصحة التوكيل باعتبار ملك الموكل للعين وذلك موجود فِي البعض والكل فيعتبر فيه إطلاقه فلما اعتبر إطلاق أمره فِي بيع العبد ملك المأمور بيع العبد جملة أو نصفه؛ لِأَنَّ الإطلاق يتناولهما بخلاف المأمور بشراء العبد فإنّه لمّا لم يعتبر فيه إطلاق أمر الآمر لمصادقة أمره بملك الغير بطريق الأصالة تقيّد أمره بما هو المتعارف، والمتعارف فيه هو أن يشتري العبد جملة وأما وجوب الثمن فِي ذمة المشتري فذلك تبع فِي البياعات فلم يعتبر إطلاق أمره بالشراء بسبب الثمن؛ لِأَنَّ الثَّمنَ تابعٌ وليسَ بمقصودٍ فِي البِيَاعَاتِ
(6)
لما عرف بعيب لا يحدث مثله كالأصبع الزائدة والسن الشاغبة فلم يكن قضاؤه مستندًا إلى هذه [الحجج]
(7)
.
هذا الذي ذكره دفع بسؤال سائل وهو أن يُقال: لمَّا كان العيب لا يحدث مثله كالأصبع الزائدة فلم يتوقّف قضاء القاضي إلى وجود هذه الحجج من البينة والإقرار وإباء اليمين، بل ينبغي أن يقضي القاضي بالردّ على البائع بعلمه قطعًا بوجود هذا العيب عند البائع لما أن اشتراط وجود هذه الحجج فِي العيب الذي يحدث مثله ليحصل العلم للقاضي بأن العيب كان موجودًا عند البائع وقد علم القاضي بذلك هاهنا بدون/ هذه الحجج فيجب أن لا يشترط وجود هذه الحجج فِي العيب الذي لا يحدث مثله فأجاب عنه بقوله:(وتأويلُ اشتراطِها فِي الْكِتَابِ أنَّ القاضي يعلمُ) إلى آخره
(8)
قوله رحمه الله: (أو بإقرار)
(9)
.
(1)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 78).
(2)
[ساقط] من (ب).
(3)
[ساقط] من (أ).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
فِي (ب)(العرف).
(6)
يُنْظَر: التحبير شرح التحرير (5/ 2297).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
(القاضي يعلم أنه لا يحدث مثله في مدة شهر مثلا لكنه اشتبه عليه تاريخ البيع فيحتاج إلى هذه الحجج لظهور التاريخ) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 147).
(9)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
فإن قيل: إِذَا أقرّ الوكيل بالعيب فلا حاجة حينئذ إلى قضاء القاضي؛ لِأَنَّهُ يقبله لا محالة فما معنى ذكر قضاء القاضي مع الإقرار.
قلنا: يمكن أن يقرّ الوكيل بالعيب ويمتنع بعد ذلك عن القبول؛ فقضاء القاضي كان جبراً عليه على القبول (فَيَفْتَقِرُ إلَيْهَا لِلرَّدِّ)
(1)
أي: إلى الحجج وهي البينة والإقرار والإباء.
(وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّه عَلَيْهِ بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِبَيِّنةٍ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ)
(2)
أي: أنّ الوكيل يردّه على الآمر أيضاً كما [لو]
(3)
يرده (بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ)
(4)
لما ذكر فِي الْكِتَابِ
(5)
وفِي الرد على الآمر فِي قبول الوكيل العبد بإباء يمين خلاف زُفَرَ رحمه الله
(6)
ذكره فِي المَبْسُوط
(7)
.
فإن قيل: إِذَا كان الردّ بالإباء يجب أن لا يلزم الموكل، كمن اشترى شيئاً وباعه من غيره ثُمَّ أن المشتري الثاني وجد به عيباً فردّه على المشتري الأوّل، فبنكوله لم يكن له أن يردّه على بائعه وهذا دليل زُفَر رحمه الله فجعل هذا وما لو ردّه عليه بإقراره سواء فِي حق البائع الأوّل فكذا فِي حق الوكيل ولكنا نقول:(الْوَكِيلُ مُضْطَرٌ فِي النُّكُولِ)
(8)
هذا؛ لِأَنَّهُ لا يمكنه أن يحلف كاذباً إِذَا كان عالماً بالعيب، وإنما اضطر إلى ذلك لعمل بَاشَرَهُ للآمر فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة فيه بخلاف ما إِذَا أقرّ فإنه غير مضطر إلى الإقرار؛ لِأَنَّهُ يمكنه أن يسكت حتى يعرض عليه اليمين ويقضي عليه بالنكول فيكون هو فِي الإقرار مختاراً لا مضطراً، وبخلاف المشتري الأوّل فإنَّه مضطرٌ إلى النكول، ولكن فِي عمل بَاشَرَهُ لنفسه، فلا يرجع بعهدة [عمله]
(9)
على غيره كذا فِي المَبْسُوط
(10)
والْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(2)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(3)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(4)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(5)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 116).
(6)
زُفَر بن الهذيل بن قيس أبو الهذيل العنبري البصري، صاحب الإمام أَبِي حَنِيفَةَ، وأكبر تلامذته، كان أبو حَنِيفَةَ يقول: أقيس أصحابي، كان يدري الحديث ويتقنه، توفِي بالبصرة سنة:(158 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 207)، تاج التراجم (169)، الطبقات السنية فِي تراجم الحنفية (283).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (25/ 243).
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 146).
(9)
[ساقط] من (ب).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (13/ 214).
فمن حيث الفسخ كان له أن يخاصم يعني إِذَا ردّ على الوكيل بسبب العيب الذي يحدث مثله بإقرار الوكيل بقضاء القاضي لا يكون ذلك ردًّا على الموكل ولكن يبقى للوكيل حق الخصومة مع موكله فِي الردّ عليه بخلاف ما إِذَا ردّ على الوكيل بإقراره بدون قضاء القاضي حيث لا يبقى له حق الخصومة، والفرق أنَّ الردَّ لما حصل بقضاء تعذّر اعتباره بيعًا جديدًا
(1)
[لفقد]
(2)
التراضي فكان فسخًا؛ لِأَنَّ هذا فسخ بدليل قاصر؛ فلقصور الحجة لا يكون الرد على الوكيل ردًّا على الآمر، ومن حيث إنه فسخ كان له أن يخاصم الموكل، ومتى كان الرد بالإقرار بغير قضاء كان فسخًا بالتراضي فأمكن اعتباره بيعًا جديدًا فِي الثالث فيبطل حق الخصومة.
فإن قيل: إِذَا كان الرد بإقرار الوكيل بغير قضاء يجب أن يكون له ولاية الرد على الموكل كما قيل فِي الإجارة: فإنّ الوكيل بالإجارة إِذَا آجر وسلّم ثُمَّ طعن المستأجر فيه بعيب فيقبل الوكيل بغير قضاء فإنه يلزم الموكل ولم يعتبر إجارة جديدة فِي حق الموكل حتى يصير كأن الوكيل استأجره من المستأجر، وذلك جائز إِذَا فعل.
قلنا: له فِي الفرق بينهما من أصحابنا من قال: لا فرق بينهما فِي الحقيقة؛ لِأَنَّ المعقود عليه فِي الإجارة فِي الدار لا يصير مقبوضاً بقبض الدار، ولهذا لو تلف بانهدام الدار كان فِي ضمان المؤجر فيكون هذا من البيع بمنزلة ما لو قبله الوكيل بالعيب قبل القبض بغير قضاء وهناك يلزم الآمر فكذا فِي الإجارة.
وقال الإمام شمس الأئمة السَّرَخْسِيُّ
(3)
(4)
رحمه الله: وفِي الْكِتَابِ
(5)
علل للفرق بين الفصلين وقال: لِأَنَّ فسخ الإجارة ليس بإجارة ومعنى هذا أن القبول بالعيب بغير قضاء القاضي فِي البيعِ يجعلُ بمنزلةِ عقدٍ مبتدَإٍ فِي حقِّ غيرِ المُتَعَاقِدَيْنِ
(6)
والموكل غيرهما، وفِي الإجارة [لا يجعل]
(7)
هكذا؛ لِأَنَّه على إحدى الطريقتين الإجارة فِي معنى عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنافع فبعد الردّ بالعيب يمتنع الانعقاد لا أن يجعل ذلك عقدًا مبتدأ وعلى الطريق الأخرى العقد منعقد باعتبار إقامة الدار مقام المعقود عليه وهو المنفعة، وهذا حكم قد ثبت بالضرورة فلا يعدو موضعها، ولا ضرورة إلى أن يجعل الردّ بالعيب عقدًا مبتدأ لتقام رقبة الدار مقام المنفعة هذا [إِذَا كان عيباً يحدث مثله، أما]
(8)
إِذَا كان عيباً لا يحدث مثله فرده عليه بإقراره بقضاء قاض يكون ردًّا على الموكل باتفاق الروايات؛ لِأَنَّ القاضي فسخ البيع بينهما بعلمه بقيام العيب عند البائع لا بإقرار الوكيل فيلزم الأمر كما لو رده بالبينة، وإن ردّه عليه بإقراره بغير قضاء ذكر فِي عامة روايات المَبْسُوط
(9)
أنه لا يلزم الآمر وليس للوكيل أن يخاصمه فِي ذلك.
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني؛ للإمام برهان الدين ابن مازة (7/ 582).
(2)
في (ج)(لتعذر).
(3)
مُحَمَّد بن أحمد بن أبي سهل أبو بكر السرخسي شمس الأئمة، من أهل سرخس بلدة فِي خرسان، كان إمامًا فِي فقه الحنفية، وعلامة حجة متكلمًا فقيهًا أصوليًّا مناظرًا، من مصنفاته المَبْسُوط وقد أملاه فِي السجن، وأصول السرخسي، وشرح السير الكبير لمُحَمَّد بن الحسن، (ت 490 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (3/ 78)، تاج التراجم (234)، سير أعلام النبلاء (10/ 471).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 62).
(5)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (ت 428 هـ). يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1632).
(6)
تكييف فقهي. يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 62).
(7)
في (ج)(لا يحصل).
(8)
[ساقط] من (ج).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 62).
وذكر فِي البيوع أنه يكون ردًّا على الموكل؛ لأنهما فعلا عينَ ما يفعله القاضي لو رُفِعَ الأمر إليه/ فإنهما لو رفعا الأمر إلى القاضي فِي عيب لا يحدث أصلاً ولا يحدث فِي تلك المدة فإن القاضي يردّه عليه ولا يكلّفه إقامة الحجة على ذلك ويكون ردًا على الموكّل كذلك هاهنا وجه عامة الروايات أنّ الردّ بغير قضاء بمنزلة البيع المبتدأ ولو اشتراه منه حقيقة لا يرد.
وقوله
(1)
: بأنهما فعلا عين ما يفعله القاضي.
قلنا: هذا الردّ حصل تمليكًا وتملكًا بالتراضي وليس باستيفاء لعين الحق؛ لِأَنَّ حق المشتري فِي الجزء الغائب لا فِي الردّ فكان بيعًا ما أمكن، وإنما يجعل فسخًا إِذَا تعذر جعله بيعًا فِي حق الثالث وفيما إِذَا كان بعضا تعذر جعله بيعًا؛ لانعدام الرضاء كذا ذكره الإمام الْمَرْغِينَانِيُّ وقَاضِي خَانْ
(2)
وهذا هو الذي أحال بيانه إلى الكِفَايَةِ
(3)
.
قوله: (وَلَا دَلَالَةَ على الْإِطْلَاقِ)
(4)
أي: مبنى الوكالة على التقييد حيث لا تثبت الوكالة بدون التقييد أي: ما لم يقل: وكلتك ببيع هذا الشيء لا يكون وكيلاً ببيع ذلك الشيء ألا ترَى أنه لو قال لغيره وكلتك بمالي أو فِي مالي لم يكن له أن يتصرف فيه بشيء بل يملك بهذا اللفظ الحفظ فقط أما لو دفع المال مضاربة بالنصف كان للمضارب أن يتصرف فيه ما بدا له من التجارة، فمن ادّعى الإطلاق فِي المضاربة كان مدعياً لما هو الأصل فيها فكان القول قوله ومن ادّعى [التقييد]
(5)
فِي الوكالة كان مدعياً لما هو الأصل فيها فكان القول قوله ذكره الإمام قَاضِي خَانْ
(6)
رحمه الله وغيره إلى أي أجل كان عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله عملاً بالإطلاق فإن إطلاق اللفظ فِي التوكيل بالبيع معتبر.
(عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا يَتَقَيَّدُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ والوَجْهُ قَد تَقَدَّم)
(7)
أي: الوجه من الجانبين، قد تقدّم فِي مسألة (الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرَ وَالْعَرَضِ عِنُدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ)
(8)
أَوْ أَخَذَ بِهِ كَفِيلًا فَتَوِيَ
(9)
الْمَالُ عَلَيْه.
(1)
هو محمد بن الحسن الشيباني. يُنْظَر: المحيط البرهاني (7/ 25).
(2)
يُنْظَر: فتاوى قاضيخان (19/ 3).
(3)
لعله يقصد كتاب كفاية المنتهي للإمام الْمَرْغِينَانِيّ رحمه الله.
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 147).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
يُنْظَر: فتاوى قاضيخان (19/ 3).
(7)
يعني: عنده خلافاً لهما. يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 148).
(8)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(9)
الْحَوَالَةُ: نَقْلُ الدَّيْنِ من ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ. يُنْظَر: البحر الرائق (6/ 266).
قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ هَاهُنَا الْحَوَالَةُ
(1)
؛ لِأَنَّ التَّوَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْكَفَالَةِ.
وَقِيلَ: بَل الْكَفَالَة عَلَى حَقِيقَتِهَا، فَإِن التَّوَى يَتَحَقَّقُ فِيهَا بِأَنْ مَات الْكَفِيلُ وَالمَكْفُولُ عَنْه مُفْلِساً.
وذكر فِي الجامعِ الصَّغيرِ المنهاجي والتَّوَى على الكفيل بأن يموت مفلساً فلا ضمان عليه؛ لِأَنَّهُ يزداد بالكفالة والرهن معنى الوثيقة من غير أن يبرأ الْأَصِيل من الثمن وإن هلك الرهن فِي يده
(2)
لم يضمن؛ لِأَنَّ استيفاءَ الرهنِ كاستيفاءِ الثمنِ
(3)
من حيث أنه بدله أقيم مقامه ولو هلك الثمن فِي يده يهلك أمانة فكذلك الرهن بخلاف الوكيل يقبض الدين إِذَا أخذ بالدين رهنًا حيث لا يجوز حيث يتصرف بحكم الآمر حتى لو نهاه الموكل عن القبض صح نهيه [فيقتصر]
(4)
على قدر المأمور دون غيره والرهن ليس بمأمور به فلا يتمكن من قبضه فأمّا الوكيل بالبيع يتصرف فِي الثمن بالولاية دون الآمر حتى لو نهاه الموكل عن قبض الثمن لم يعمل نهيه فينزل الوكيل فِي ذلك منزلة المالك والمالك لو ارتهن به جاز فكذلك الوكيل كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيُّ رحمه الله بخلاف الوكيل بقبض الدين فإنه لا يملك أن يأخذ رهنًا أو يأخذ كفيلاً مكان الدين، والوكيل بالبيع لو احتال بالثمن لم يجز عند أبي يُوسُف؛ لِأَنَّ الحوالة تتضمن إبراء المُحِيلِ، والوكيل لا يملك ذلك عنده ولو ردّ الرهن جاز وضمن للموكل أقل من قيمته ومن الثمن وعند أبي يُوسُف رحمه الله لا يصح ردّه
(5)
كذا/ ذكره الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيّ رحمه الله
(6)
. والله اعلم.
(1)
التَّوَى: أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ له أو يَمُوتُ مُفْلِسًا. يُنْظَر: البحر الرائق (6/ 272).
(2)
[لم يضمن فِي يده] ساقط من (ب).
(3)
يُنْظَر: الفروق للكرابيسي (2/ 75).
(4)
في (ج)(فيقضي).
(5)
(وإن اختلف في ذلك المضارب ورب المال فالقول قول المضارب لأن الأصل في المضاربة العموم ألا ترى أنه يملك التصرف بذكر لفظة المضاربة فقامت دلالة الإطلاق بخلاف ما إذا ادعى رب المال المضاربة في نوع والمضارب في نوع آخر حيث يكون القول لرب المال لأنه سقط الإطلاق فيه بتصادقهما فنزل إلى الوكالة المحضة ثم مطلق الأمر بالبيع ينتظمه نقدا ونسيئة إلى أي أجل كان عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يتقيد بأجل متعارف والوجه قد تقدم، قال ومن أمر رجلا ببيع عبده فباعه وأخذ بالثمن رهنا فضاع في يده أو أخذ به كفيلا فتوى المال عليه فلا ضمان عليه لأن الوكيل أصيل في الحقوق وقبض الثمن منها والكفالة توثق به والارتهان وثيقة لجانب الاستيفاء فيملكهما بخلاف الوكيل بقبض الدين لأنه يفعل نيابة وقد أنابه في قبض الدين دون الكفالة وأخذ الرهن والوكيل بالبيع يقبض أصالة ولهذا لا يملك الموكل حجره عنه). يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 148).
(6)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 173).
فصل [في حكم وكالة الرجلين]
لما ذكر حكم وكالة رجل واحد ذكر فِي هذا الفصل حكم وكالة الرجلين لمَّا أنَّ الاثنين بعد الواحد فكذلك حكمها (وَإِذَا وَكَّلَ وَكِيلَيِنْ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيما وُكِّلَا بِهِ دُونَ الْآخَرِ)
(1)
.
[مسألة وكالة الإثنين]
اعلم أن هذا الحكم الذي ذكره فيما إِذَا وكلهما بكلام واحد فِي دفعة واحدة بأن قال: وكلتكما ببيع عبدي هذا أو بخلع امرأتي، أمَّا إِذَا وكلهما بكلامين كان لكل واحد منهما [على الانفراد]
(2)
أن يتفرد فِي التصرف وبه صرح فِي المَبْسُوط
(3)
فِي بَابِ الوكالة بالبيع والشراء فقال: وإِذَا وكل رجلاً ببيع عبده ووكل آخر به أيضاً فأيهما باعه جاز؛ لِأَنَّهُ رضي برأي كل واحد منهما على الانفراد حين وكله ببيعه وحده، وهذا بخلاف الوصيّين إِذَا أوصى إلى كل واحد منهما فِي عقد على حده حيث لا يتفرد واحد منهما بالتصرف فِي أصح القولين؛ لِأَنَّ وجوب الوصية بالموت وعند الموت صارا وصيين جملة واحدة وهاهنا حكم الوكالة يثبت بنفس التوكيل فإِذَا أفرد كل واحد منهما بالعقد استبد كل واحد منهما بالتصرف؛/ لِأَنَّ الموكل رضي برأيهما لا برأي أحدهما، حتى أنَّ الرجل إِذَا وكل رجلين ببيع أو شراء فباع أحدهما أو اشترى أحدهما والآخر حاضر لا يجوز إلا أن يجيز الآخر وفِي المُنْتَقَى
(4)
وكَّل [رجلين]
(5)
ببيع عبده فباعه أحدهما والآخر حاضر فأجاز بيعه جاز وإن كان غائباً [عنه]
(6)
فأجاز لم يجز فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله كذا فِي الذَّخِيرَةِ.
وذكر فِي المَبْسُوط
(7)
ولو وكَّل رجلين ببيع شيء وأحدهما عبد محجور عليه أو صبي لم يجز للآخر أن يتفرد ببيعه؛ لِأَنَّهُ ما رضي ببيعه وحده حتَّى ضمّ إليه رأي الآخر، ولو كانا حُرَّينِ فباع أحدهما والآخر حاضر فأجاز كان جائزًا؛ لِأَنَّ تمام العقد برأيهما.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(2)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(3)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 91).
(4)
كتاب المنتقى في الفقه الحنفي لمُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد، أبو الفضل المروزي السلمي البَلْخي، الشهير بالحاكم الشهيد، قاض، ووزير، كان عالم مرو، وإمام الحنفية في عصره، ولى قضاء بخارى، (ت 334 هـ)، جمع فيه مصنفه نوادر المذهب الحنفي، بعد مطالعته في ثلاثمائة جزء مؤلف، والكتاب مفقود حسب ما ذكر ذلك الغزي في الطبقات السنية. يُنْظَر: الطبقات السنية (1/ 45)، كشف الظنون (2/ 1851)، الفوائد البهية (ص 305).
(5)
فِي (أ)(رجل).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 80).
ألَّا ترَى أنه لو باعه فضولي
(1)
فأجاز جاز فكذلك إِذَا باعه أحدهما وأجازه الآخر ولو مات [أحدهما]
(2)
أو ذهب عقله لم يكن [للآخر أن يبيعه؛ لِأَنَّهُ ما رضي برأيه وحده (وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا) إلى آخره
(3)
جواب شبهة وهي: أنّه إنما يحتاج إلى الرأي فِي البيع إِذَا لم يكن]
(4)
الثمن مسمّى فِي التوكيل بالبيع.
وأمّا إِذَا سمّى الموكل الثمن لا يجوز للوكيل أن يبيعه بأقل منه فلا يحتاج هذا التوكيل حينئذ إلى الرأي فينبغي أن يتفرد كل واحد منهما بالتصرف فِي البيع بذلك الثمن كما فِي التوكيل بالطلاق والعتاق بغير عوض فأجاب عنه بأنه إن لم ينقص من ذلك الثمن المسمّى تجوز الزيادة عليه فيحتمل عند اجتماعهما أن يزيد المشترى الثمن ويحتاج إلى الرأي أيضاً فِي اختيار المشتري الذي لا يماطل فِي أداء الثمن.
وذكر فِي الذَّخِيرَةِ [وكذلك]
(5)
إن سمّى لهما الثمن فِي البيع والشراء لم يكن لأحدهما أن يتفرد بذلك؛ لِأَنَّ تسمية الثمن إن كان يحجر الوكيل عن الزيادة لايحجره عن النقصان [ولو اجتمعا على الشراء ممّا يمكنهما النقصان وكذلك]
(6)
لو اجتمعا على البيع ربما يمكنهما الزيادة (إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُمَا بِالْخُصُومةِ)
(7)
هذا مستثنى من قوله: (فَلَيسَ لأحدِهِما أن يتصرفَ فيما وُكِّلا به دونَ الآخَرِ)
(8)
يعني أنّ الخصومة وإن كان يحتاج فيها إلى الرأي [فتكلمهما فيها معًا ليس بشرط.
وذكر فِي الذَّخِيرَةِ وكان قضيّة ما قلنا فِي [الوكيلين]
(9)
بالخصومة أن لا يتفرد أحدهما بالخصومة؛ لِأَنَّ الخصومة أمر يحتاج فيه إلى الرأي إلا]
(10)
أنَّ اجتماعهما على الخصومة والتكلم متعذِّر؛ لِأَنَّهُ تلبيس على القاضي ويصير شغباً وأما اجتماعهما على البيع فغير متعذّر.
(1)
الفُضُولي فِي اللغة: من يشتغل بما لا يعنيه وفتح الفاء خطأ. المُغْرِب في ترتيب المُعْرب (2/ 142).
وفِي اصطلاح الفقهاء: من لم يكن وليًا ولا أصيلًا ولا وكيلًا فِي العقد. يُنْظَر: التعريفات (ص: 167).
(2)
[ساقط] من (ج
(3)
(ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة واختيار المشتري). يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 148).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 148).
(9)
فِي (أ)(الوكيل).
(10)
[ساقط] من (ج).
وذكر فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ رجل وكَّل رجلين فِي دَيْنٍ وقبضه قال لأحدهما أن يخاصم ولا يقبضان إلا معًا.
وقال زُفَر رحمه الله: ليس لأحدهما أن يخاصم دون صاحبه
(1)
؛ لِأَنَّ الخصومة يحتاج فيها إلى الرأي والموكل رضي [برأي المثنى لا]
(2)
برأي الواحد ولكنا نقول ما هو المقصود بالخصومة لا يحصل بالاجتماع عليها لما فِي الاجتماع من الإخلال بالاستماع ثُمَّ قال: فإِذَا تفرَّد أحدهما بالخصومة هل يشترط حضرة صاحبه فِي خصومته؟ بعض مشايخنا قالوا: يشترط، وعامة مشايخنا على أنه لا يشترط وإطلاق مُحَمَّد رحمه الله يدل على هذا
(3)
أو بطلاق زوجته بغير عوض، أو يُعتق عبده بغير عوض هذا معطوف على المستثنى وهو قوله:(بِالْخُصُومَةِ)
(4)
لا على المستثنى منه.
وذكر فِي الذَّخِيرَةِ
(5)
ولو وكَّل رجلين بطلاق امرأة فطلّق أحدهما وأبى الآخر أن يطلق فهو جائز؛ لِأَنَّ ايقاع المنفرد [الطلاق]
(6)
لا يحتاج فيه إلى الرأي وكذلك فِي إعتاق عبده.
وفِي الجامع الصغير
(7)
إِذَا وكَّل وكيلين بالطلاق وقال: لا يطلقنّ أحدكما دون صاحبه فطلق أحدهما ثُمَّ طلّق الآخر أو طلق أحدهما وأجاز الآخر لم يجز وكذلك الوكيلان بالعتق ولو قال لهما: طلقاها جميعًا ثلاثاً فطلّقها أحدهما [واحدة ثُمَّ طلقها الآخر بطلقتين لم يقع شيء حتى يجتمعا على ثلاث تطليقات، أو برد وديعة قيّد بردها؛ لِأَنَّهُ إِذَا وكَّل رجلين بقبض وديعة له ليس لكل واحد منهما أن ينفرد بالقبض كذا فِي الذَّخِيرَةِ. فقال: قال مُحَمَّد رحمه الله فِي الأصل
(8)
وإِذَا وكل رجلين بقبض وديعة له فقبض أحدهما]
(9)
بغير إذن صاحبه كان ضامنًا؛ لِأَنَّهُ شرط اجتماعهما على القبض، واجتماعهما على القبض ممكن وللموكل فيه فائدة؛ لِأَنَّ حفظ اثنين أنفع فإِذَا قبض أحدهما صار قابضًا بغير إذن المالك فيصير ضامنًا ثُمَّ قال: فإِنْ قيل: ينبغي أن يصير ضامنًا للنصف؛ لِأَنَّ كل واحد منهما مأمور بقبض النصف.
(1)
يُنْظَر: مجمع الضمانات؛ لأبي محمد البغدادي (1/ 552).
(2)
[ساقط] من (ج).
(3)
لا يشترط حضرة صاحبه عند أبي حَنِيفَةَ ومحمد رحمهما الله تعالى. يُنْظَر: المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة (4/ 626)، الفتاوى الهندية (6/ 309).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 148).
(5)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (3/ 634).
(6)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 225).
(8)
كتاب الأصل في الفروع، للإمام محمد بن الحسن الشيباني الحنفي، (ت 189 هـ)، وهو المبسوط سماه به لأنه صنفه أولا وأملاه على أصحابه رواه عن الجوزجاني وغيره، ثم صنف: الجامع الصغير، الكبير، الزيادات، السير الكبير و الصغير. يُنْظَر: كشف الظنون (1/ 81). وهذه هي المراد بالأصول وظاهر الروايات في كتب الحنفية.
(9)
[ساقط] من (ج).
قلنا: كل واحد منهما مأمور بقبض النصف إِذَا قبض مع صاحبه.
وأما فِي حالة الانفراد فغير مأمور بقبض شيء منه هذا إِذَا قبض أحدهما بغير إذن صاحبه، وأمّا إِذَا قبض [مع صاحبه]
(1)
بأمر صاحبه فإنه لا يضمن؛ لِأَنَّ له أن يودع الكل عند صاحبه بعد القبض فكان له أن يأمر صاحبه بالقبض؛ لِأَنَّهُ ليس فِي أمر صاحبه/ إلا إيداع الكل من صاحبه وله ذلك.
(أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ على الْمَجْلِسِ)
(2)
وإنَّما استدعى الْمَشِيئَة
(3)
؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَة من خواص الْمَالِكِيَّةِ
(4)
هكذا وجدت بخط شيخي رحمه الله
(5)
؛ (ولِأَنَّهُ عَلَّقَ الطلاقَ بفعلِهِمَا فاعْتَبَرَهُ بِدُخُولِهِمَا)
(6)
أي: اعتبر تعليق الطلاق بفعلهما بالتعليق بدخولهما الدار بأن قال لهما: إن دخلتما هذه الدار فامرأته طالق فدخل أحدهما لا تطلق امرأته بل يشترط وجود دخولهما جميعًا لوقوع الطلاق فكذا هنا.
فإن قلت: مثل هذا موجود فِي توكيلهما بالطلاق؛ لِأَنَّ صورة توكيلهما أن يوكلهما معًا لا على التعاقب لما مرّ فحينئذ [يجب]
(7)
أن يشترط فعلهما جميعًا لتعليق الطلاق بفعلهما كما فِي قوله: (أمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا)
(8)
.
قلت: قوله:؛ (ولِأَنَّهُ [عَلَّقَ]
(9)
الطَّلاقَ بِفِعْلِهِمَا) راجع إلى قوله: (طَلِّقَاهَا إِنْ شِئْتُمَا)؛ لِأَنَّ فيه تعليق بصريح حرف الشرط وقوله: (؛ لِأَنَّهُ تَفْويضٌ إِلَى رَأيهما) راجع إليهما أو إلى قوله: (أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا) فلم يوجد فِي توكيلهما بالطلاق بقوله: (طَلِّقْ امْرَأَتِي) لا حرف الشرط حتى يكون معلّقاً بفعلهما كما فِي قوله: (طَلِّقَاهَا إِنْ شِئْتُمَا) ولا هو ممّا يحتاج فيه إلى الرأي كما فِي قوله: (أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا) فلذلك يتفرد كل واحد منهما بالطلاق وإن لم يتفرد فِي تينك الصورتين، وإِذَا [قالا]
(10)
جاز فِي هذا الوجه وهو الوجه الذي يجوز التوكيل فيه بأن قال الموكل للوكيل (اعْمَلْ [فيه]
(11)
بِرَأْيِك)
(12)
، أو أذن له الموكل بالتوكيل (وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي) وهو ما ذكره فِي فصل آخر بقوله:(وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ على الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذلك)
(13)
إلى أن قال: (وَلَوْ قَضَى الثَّاني بمَحْضَرٍ من الأولِ أو قضى الثَّانِي فَأَجَازَهُ الأوّل جَازَ كما فِي الوكالة)
(14)
(فَإِنْ وَكَّلَ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ، جاز)
(15)
.
(1)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 148).
(3)
[التمليك] من (ب).
(4)
يُنْظَر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد؛ لابن رشد (1/ 414)، منح الجليل (9/ 363).
(5)
المقصودُ عند الإطلاقِ باسمِ (الشّيخ) الإمام حافظ الدِّين الكبير البخاري (ت 693 هـ)، فإذا قال الإمام السَّغناقيّ: قال شيخي، سمعتُ شيخي، كذا بخط شيخي، فهو المراد، وهذا الإطلاقُ مستمرٌّ في جميع مصنفاته، وقد صرح بذلك في كتابه (الكافي). يُنْظَر: المنهل الصَّافي (5/ 165)، الطبقات السنيّة (3/ 151).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 148).
(7)
[ساقط] من (ب).
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 148).
(9)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(10)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(11)
[ساقط] من (ج).
(12)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
(13)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 150).
(14)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 107).
(15)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 162).
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين أحد الوكيلين فِي البيع؟ أنه إِذَا باع أحدهما بغير إذن صاحبه لم يكتف هناك بمجرد حضرة صاحبه بل بالإجازة صريحًا على ما ذكرت قبيل هذا من رواية الذَّخِيرَةِ حيث قال فِي الذَّخِيرَةِ: فباع أحدهما أو اشترى والآخر حاضر لا يجوز إلا أن يجيز الآخر فكذلك قيّد بالإجازة فِي المَبْسُوط
(1)
، وهاهنا اكتفى بالحضرة من غير إجازة.
قلت: ما ذكره فِي الجامع الصغير بأن عقد وكيل الوكيل جائز عند حضرة الوكيل الأول محمول على ما إِذَا أجاز الوكيل [الأول]
(2)
عقد الوكيل الثاني لا مطلق الحضرة هكذا ذكره فِي الذَّخِيرَةِ وقال ثُمَّ أن مُحَمَّدا رحمه الله قال فِي الجامع الصغير إِذَا باع الوكيل الثاني بحضرة الوكيل الأوّل جاز، ولم يشترط للجواز إجازة الوكيل الأول وهكذا ذكر فِي وكالة الأصل فِي موضع.
وذكر فِي موضع آخر من وكالة الأصل، وشرط إجازته فقال إِذَا باع الوكيل الثاني والوكيل الأوّل حاضر أو غائب فأجاز الوكيل الأول جاز حكي عن الْكَرْخِيِّ
(3)
رحمه الله أنه كان يقول: [ليس]
(4)
فِي المسألة روايتان ولكن ما ذكر مطلقاً فِي بعض المواضع أنه يجوز إِذَا باع بحضرة الأول محمول على ما إِذَا أجازه فكان يحمل المطلق على المقيد وإلى هذا ذهب عامة المشايخ؛ وهذا لِأَنَّ توكيل [الوكيل]
(5)
الأول لما لم يصح؛ لِأَنَّهُ لم يؤذن له بذلك صار وجود هذا التوكيل والعدم بمنزلة، ولو عدم التوكيل من الأول حتى باعه هذا الرجل والوكيل غائب أو حاضر فإنه لا يجوز عقد هذا الفضولي إلا بإجازته؛ لِأَنَّ الإجازة لبيع الفضولي لا تثبت بالسكوت لكون السكوت محتملاً كذا هاهنا ومتى أجاز فإنما يجوز؛ لِأَنَّ الوكيل يملك بمباشرته بنفسه فيملك إجازته بالطريق الأولى ومنهم من يجعل فِي المسألتين روايتين وجه رواية الجواز من غير إجازة الأول أن بيع الثاني حال غيبة الأول إنما لا يصح لتعدي العقد عن رأي الأول ومتى باع بحضرته فقد حضر هذا العقد رأي الأول وعلى هذا أحد وكيلي البيع والإجارة إِذَا أمر صاحبه بالبيع أو الإجارة فباع بحضرته فِي رواية [لا يجوز إلا بإجازته]
(6)
وفِي رواية يجوز من غير إجازته وإن قدَّر الوكيل الأول للثاني ثمنًا بأن قال بعه بكذا فباعه الثاني بغيبة الأول فيه روايتان فِي رواية كتاب الرهن يجوز؛ لِأَنَّ مقصود [الموكل]
(7)
أن يكون البيع برأي الوكيل الأول وإِذَا قدر الوكيل الأول ثمنًا فبيع الوكيل الثاني بيع برأي الوكيل [الأول]
(8)
.
(1)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 288).
(2)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(3)
عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلاهم أبو الحسن البغدادي الكرخي، انتهت إليه رئاسة المذهب، كان من العلماء العباد ذا تهجد وأوراد وصبر على الفقر والحاجة، توفِي ليلة النصف من شعبان سنة (340 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 493)، تاج التراجم (200)، تاريخ بغداد (12/ 74).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
في (ج)(الوكيل).
(8)
[ساقط] من (أ) و (ج).
وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ (لَا يَجُوزُ)
(1)
؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ كَانَ هُو الذي يُبَاشِر رُبَّمَا يَبِيع بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِك المقدر لِذَكَائِهِ وَهِدَايَتِهِ
(2)
.
(وَتَكَلَّمُوا فِي حُقُوقِهِ)
(3)
فِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ إِذَا بَاعَ واشْتَرى بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَتَّى جَازَ فَالْعُهْدَةُ [على الثاني]
(4)
[عَلَى مَنْ تَكُونُ]
(5)
لَمْ يَذْكُرْ [مُحَمَّدٌ رحمه الله]
(6)
هذا الفصل فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(7)
.
وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ
(8)
رحمه الله فِي فَتَاوَاهُ: أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ، وَفِي حِيَلِ الْأَصْلِ/ وَالْعُيُونِ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الثَّانِي
(9)
.
وذكر الإمام الْمَحْبُوبِيُّ رحمه الله: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْعُهْدَةُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِلُزُومِ الْعُهْدَةِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْعُهْدَةُ عَلَى الثَّانِي إذْ السَّبَبُ وَهُوَ الْعَقْدُ [وقد]
(10)
وُجِدَ مِنْ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي كَالْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ الثَّانِي بِمَوْتِهِ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ الثَّانِي وَهُوَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ، كَذَا ذكره السيد [الإمام رحمه الله]
(11)
فِي الْمُلْتَقَطِ
(12)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 149).
(2)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (7/ 355).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 149).
(4)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
يُنْظَر: فتح القدير (18/ 170).
(8)
محمد بن أبي القاسم بن بابجوك، البقالي الخوارزمي، أبو الفضل الملقب بزين المشايخ، صاحب التّصانيف، (ت 561 هـ)، ويُعرف أيضًا بالأَدَمِي، لِحفْظه فِي النَّحْو " مقدمة الأَدَمِيّ " تلميذ الزَّمَخْشَريّ؛ وجلس بعده فِي حلقته، واشتهر اسمه وبَعُد صِيتُه، وأقبل الطَّلَبَة عَلَى تصانيفه، مات فِي سلْخ جُمادَى الآخرة، وقد نيّف عَلَى السّبعين. يُنْظَر: تاريخ الإسلام (12/ 268)، الأعلام للزركلي (6/ 335).
(9)
يُنْظَر: فتح القدير (18/ 171).
(10)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(11)
[ساقط] من (ج).
(12)
السيد الإمام ناصر الدين أبي القاسم محمد بن يوسف الحسيني السمرقندي (ت 556 هـ)، له الجامع الكبير في الفتاوى، وخلاصة المفتي في الفروع. وكتاب الملتقط في الفتاوى الحنفية وهو محقق ومطبوع، مجلد واحد، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1813).
(وَلَوْ قَدَّرَ الْأَوَّلُ الثَّمَنَ لِلثَّانِي)
(1)
أي: قدّر الوكيل الأوّل الثمن للوكيل الثاني
(2)
الذي وكله بغير إذن موكله فقال له: بعه بكذا، فباعه الثاني بذلك المقدار بغيبة الأول قد ذكرنا قبيل هذا أنّ فيه روايتين وقد اختار جانب الجواز فِي الْكِتَابِ
(3)
كان عرضه رأيه فِي معظم الأمر وهو التقدير فِي الثمن؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ الِاسْتِرْبَاحُ
(4)
، وَالْعَادَةُ جَرَت فِي الْوِكَالَةِ أَنْ يُوَكِّلَ [الموكل
(5)
الْأَهْدَى فِي تَحْصِيلِ الْأَرْبَاحِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي [التَّوْكِيلِ]
(6)
[بِتَقْدِيرِ ثَمَنٍ كان مصلحة في تحصيلِ زِيَادَة الرِّبْحِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ]
(7)
بِتَقْدِيرِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، بثمن المبيع ورأيه إنّما يطلب لأجل هذا فلما حصل ذَلِكَ لم يُبَالِي بعده لِنِيَابَةِ الْآخَرِ عَنْهُ فِي الْعِبَارَةِ
(8)
.
قوله رحمه الله: (معناه التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا)
(9)
إنما احتاج إلى هذا التأويل؛ لِأَنَّ قوله: (أو بَاعَ أو اشْتَرَى لها لم يَجُزْ)
(10)
يحتمل معنيين: أحدهما أن يشتري لها [شيئاً]
(11)
بمال نفسه، والآخر أن يشتري لها بمالها والثاني هو المراد هنا؛ فلذلك قال:(معناه التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا)
(12)
وذكر [الإمام]
(13)
الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله ذمي أو مكاتب أو عبد زوّج ابنته وهي صغيرة حرة مسلمة أو تصرف فِي مالها بيعًا أو شراءً لا يجوز؛ لِأَنَّ اختلاف الدين يمنع الولاية قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)}
(14)
والرق ينفى ولايته على نفسه؛ فلِأَنَّ ينفِي ولايته [على]
(15)
غيره أولى وكذا المكاتب
(16)
.
(1)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 163).
(2)
[بموته ولا ينعزل بموت الموكل الثاني وهو الوكيل الأول إلى] ساقط من (ب) والمعنى يستقيم بدونه.
(3)
المقصود بالكتاب هنا: بِدَايَةُ المُبْتَدِي؛ للمرغيناني (1/ 163).
(4)
يُنْظَر: أصول السرخسي (2/ 336).
(5)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(6)
في (ج)(الوكيل بالبيع).
(7)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(8)
يُنْظَر: فتح القدير (18/ 172).
(9)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 149).
(10)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 163).
(11)
[ساقط] من (ج).
(12)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 149).
(13)
[ساقط] من (ج).
(14)
سورة النساء من الآية: (141).
(15)
[ساقط] من (ج).
(16)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 277).
وقال أبو يُوسُف ومُحَمَّد: وكذلك عندنا
(1)
المرتد إِذَا مات على الردة والحربي المستأمن لا يجوز شراء واحد منهما وبيعه ولا نكاحه على ابنته الصغيرة المسلمة لما مرّ من انقطاع ولاية الكافر على المسلم فإن زوّج المرتد ابنته ثُمَّ أسلم جاز نكاحه؛ لِأَنَّ هذا نكاح له مجيز فِي الحال حتى لو رفع إلى القاضي فأجازه يجوز فكان سبيله التوقف وإِذَا توقف وعادت ولايته تعذر لوجود الإجازة منه وإن تزوّج هو بنفسه لم يجز؛ لِأَنَّ جواز النِّكَاح يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ للمُرتَد
(2)
فإن أسلم بعد هذا لم يحل له إلا بإنشاء النكاح؛ لِأَنَّ هذا نكاح لا مجيز له حال وقوعه فلم يتوقف على إسلامه؛ لِأَنَّ ما لا مجيز له حال وقوعه لا يتوقف ألا ترَى أن الصبي إِذَا زوج عبده أو أعتقه أو وهبه أو تصدق به كان باطلاً لا ينفذ حتى وإن أجازه بعد بلوغه؛ لأنها تصرفات لا مجيز لها حال وقوعها بخلاف المرتد إِذَا زوّج ابنته الصغيرة؛ لِأَنَّ له مجيزاً وهو القاضي أو الولي فيتوقف.
ثُمَّ قوله: (قال أَبُو يُوسُف وَمُحَمَّد: وَالْمُرْتَدٌ إِذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَالْحَرْبِيُّ كَذَلِكَ)
(3)
أي: تصرفهما على المسلم لا يجوز إنما خصّ قولهما مع أنّ هذا حكم مجمع عليه
(4)
؛ لِأَنَّ الشبهة إنما ترد على قولهما (لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ)
(5)
بالبيع والشراء نافذة وإن قتل على ردته عندهما بناء على الملك ولكن تصرفاته على ولده (مَوْقُوفَةٌ)
(6)
بالإجماع؛ (لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ أَبْعَدُ مِنَ الذِّمِّيِّ)
(7)
؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ صَارَ مِنَّا دَارًا وَإِنْ لَمْ يَكُن مِنَّا دِينًا، وتَحَقَّقَ فِي حقِّ الذِّمِّي مَا هُوَ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ، ولم يثبت في حَقِّ الْحَرْبِيِّ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ
(8)
. واللهُ أعلم بالصواب.
(1)
أي عند الأحناف، المبسوط؛ للسرخسي (4/ 408).
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (2/ 173).
(3)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (12/ 187)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد؛ لابن رشد (1/ 450)، نهاية المطلب في دراية المذهب؛ للجويني (17/ 169)، المغني؛ لابن قدامة (5/ 540).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(6)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(7)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 149).
(8)
(ماهو خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَى الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّهُ مُقَابِلٌ بِالْجِزْيَةِ فَالْمَصْلَحَةُ لِلسَّيِّدِ وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مُحَقَّقَةٌ فِيه بِخِلَافِ الْحَرْبِيّ). يُنْظَر: فتح القدير (18/ 176).
باب الوكالة بالخصومة والقبض
لما كانت الوكالة بالخصومة من المهجور الشرعي حتى عدلت عن حقيقتها إلى مطلق الجواب لقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا}
(1)
تأخر ذكرها عما هو مطلق شرعًا ومقر على حقيقته فعلاً وهو أحكام الوكالات التي لا هجران فيها.
(الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ)
(2)
أطلق فِي الرواية ليتناول التوكيل بالخصومة العين والدين جميعًا فإنه ذكر الإمام الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله الوكيل بالخصومة فِي الدين والعين جميعًا وكيل بالقبض عند علمائنا الثلاثة
(3)
(4)
.
[هل الوكيل بالخصومة وكيلاً بالقبض]
(هُوَ يَقُولُ:
(5)
أَنَّهُ رَضِيَ بِخُصُومَتِهِ وَالْقَبْضُ غَيْرُ الْخُصُومَةِ)
(6)
؛ لِأَنَّ الخصومة لإظهار الحق والقبض ليس من الخصومة
(7)
فيختار فِي الخصومة فِي العادة ألح الناس وللقبض آمن الناس فمن يصلح/ للخصومة لا يرضى بأمانته عادة، ولكنا نقول الوكيل بالشيء مأمور بإتمام ذلك الشيء (وَإِتْمَامُ الْخُصُومَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بِالْقَبْضِ)
(8)
؛ لِأَنَّ الخصومة قائمة ما لم يقبض وذلك؛ لِأَنَّهُ ما لم يقبض يتوّهم عليه الإنكار بعد ذلك والمطلُ ويحتاج إلى المرافقة بإثبات الخصومة فلما وكَّله بفصلها والفصل بالقبض دخل تحته [ضمنًا]
(9)
؛ ولِأَنَّ المقصود بالخصومة الوصول إلى الحق وذلك بالقبض يكون والوكيل بالشيء يملك تحصيل ما هو المقصود به كذا فِي المَبْسُوط
(10)
والْأَسْرَار.
(وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رحمه الله)
(11)
(12)
وروى أبو بكر البَلْخي
(13)
أن مُحَمَّد [بن]
(14)
سلمة
(15)
وغيره من مشايخ بَلْخ
(16)
أفتوا بقول زُفَر رحمه الله بأن التوكيل بالقبض غير ثابت نصًّا ودلالة، أمّا نصًّا فظاهر وكذلك دلالة لِأَنَّ الإنسان [قد يوكل غيره بالخصومة والتقاضي ولا يرضى بأمانته وقبضه
(17)
وبه أفتى أيضاً]
(18)
الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله
(19)
كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله.
(1)
سورة الأنفال من الآية: (46).
(2)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(3)
المقصود بالعلماء الثلاثة: (أَبِي حَنِيفَةَ، وأَبِي يُوسُف، ومُحَمَّد)، خلافاً لزفر. يُنْظَر: اللباب شرح الكتاب (3/ 372).
(4)
يُنْظَر: الجامع الصغير مع شرحه لمُحَمَّد بن الحسن (4/ 541)، المبسوط؛ للسرخسي (12/ 204).
(5)
المقصود به زُفَر رحمه الله. يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 149).
(6)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(7)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (6/ 24)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 278)
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 149).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 19).
(11)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 149).
(12)
وإلى هذا القول ذهب متأخري الحنفية، ومشايخ بَلْخ. يُنْظَر: اللباب شرح الكتاب؛ للغنيمي (3/ 372).
(13)
مُحَمَّد بن شجاع أبو عبدالله البغدادي الحنفِي، ويعرف بابن الثلجي، سمع من ابن علية، ووكيع، وكان من بحور العلم، وكان صاحب تعبد وتهجد، ومات وهو ساجد، له كتاب المناسك، قال الذهبي: كان يقف فِي القران، وينال من الكبار (ت 266 هـ). يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (12/ 379)، شذرات الذهب (2/ 151).
(14)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(15)
مُحَمَّد بن سلمة، الإمام المفتي، أبو عبد الله، الحراني، روى عنه الإمام أحمد، قال ابن سعد: كان ثقة فاضلا له رواية وفتوى، روى له مسلم والأربعة، (ت 192 هـ). يُنْظَر: الثقات (9/ 51)، الوافِي بالوفيات (3/ 102).
(16)
بَلْخ: مدينة مشهوره بخراسان ولاية بلخ شمال أفغانستان و عاصمتها مزار شريف. معجم البلدان (1/ 479).
(17)
وهو المعتمد عند المتأخرين قول زُفَر، وعللوه بسبب قلة الأمانة وفساد الذمم. يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 787).
(18)
[ساقط] من (ج).
(19)
عمر بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة أبو مُحَمَّد برهان الأئمة حسام الدين المعروف بالصدر الشهيد، من تصانيفه: الفتاوى الكبرى والصغرى، الجامع الصغير، الواقعات الحسامية، استشهد فِي سنة (536 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 649)، تاج التراجم (217)، سير أعلام النبلاء (20/ 97).
(وَنَظِيرُهُ الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعاً)
(1)
[أي]
(2)
لِأَنَّ التقاضي فِي معنى القبض فِي أصل اللغة؛ لِأَنَّهُ ذكر في الْأَسَاسِ تَقَاضَيْتُهُ دَيْنِي وَبِدَيْنِي وَاقْتَضَيْتُهُ دَيْنِي وَاسْتَقْضَيْتُهُ [وَاقْتَضَيْتُ]
(3)
منه حَقِّي أي: أَخَذْتُهُ
(4)
(إِلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ)
(5)
، لِأَنَّ الناس فِي العرف لا يفهمون من التقاضي القبض [بل يفهمون المطالبة]
(6)
فبسبب عرف الناس صار المجاز بمنزلة الحقيقة لتسارع أفهام الناس فِي التقاضي إلى معنى المطالبة الذي هو المجاز
(7)
(وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله)
(8)
قيّد بقبض الدين؛ لِأَنَّ الوكيل بقبض العين لا يكون خصمًا بالإجماع
(9)
على ما يجيء والكلام فيه يرجع إلى أصل وهو أنَّ [التوكيل]
(10)
إِذَا وقع باستيفاء عين حق الموكل لم يكن وكيلاً بالخصومة؛ لِأَنَّ التوكيل وقع بالقبض لا غير، وإِذَا وقع التوكيل بالتملك كان [وكيلاً]
(11)
بالخصومة؛ لِأَنَّ التملك إنشاء تصرف وحُقُوقُ العقدِ تتعلقُ بالعاقدِ
(12)
فإِذَا ثبت هذا بقول الوكيل بقبض الوديعة لم يقع بالتملك فإنه مستوف عين حقه فلم تتعلّق الحقوق بالقابض فلا ينتصب خصماً والوكيل بالأخذ بالشفعة [والقسمة
(13)
(14)
، والردّ بالعيب
(15)
توكيل بالتمليك [لِأَنَّ الملك]
(16)
فيما يستوفيه الوكيل ليس بثابت للموكل، وإنما يثبت له الملك بأخذ الوكيل فصار بمنزلة التوكيل بالشراء، فأما الوكيل بقبض الدين فهما يقولان بأنّ هذا فِي الشرع [رد]
(17)
استيفاء للحق ولهذا لو قبض أحد الشريكين شيئاً من الدين كان للآخر أن يشاركه فيه ومعنى التمليك ساقط فِي الحكم، وأبو حَنِيفَةَ رحمه الله اعتبر الحقيقة فِي هذا الباب فقال المقبوض ليس بملك للموكل، وإنما هو بدل حقه والشرعُ شَرَعَ ذلك طريقاً للاستيفاء فشابه الشفعة والقسمة كذا فِي الْإِيضَاحِ
(18)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 150)
(2)
في (أ)(أما).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (2/ 184).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 150).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (7/ 100)، البناية شرح الهداية؛ للعيني (8/ 355).
(8)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(9)
يقصد به اتفاق أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف ومُحَمَّد بن الحسن. يُنْظَر: بدائع الصنائع (6/ 25).
(10)
فِي (أ)(التواكيل).
(11)
[ساقط] من (ب).
(12)
يُنْظَر: إيثار الإنصاف (ص: 316).
(13)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 12)، الهداية شرح البداية (3/ 149).
(14)
[ساقط] من (ج).
(15)
يُنْظَر: المَبْسُوط؛ لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِي (5/ 219)، مختصر القُدُورِي (1/ 115).
(16)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(17)
فِي (أ)(عند).
(18)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (3/ 230)، بدائع الصنائع (6/ 25).
وذكر فِي الذَّخِيرَةِ: وإِذَا جحد الغريم
(1)
[الدين]
(2)
وأراد الوكيل بالقبض أن يقيم البيّنة على الدين هل يقبل ببينة على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يقبل وعلى قولهما لا يقبل والأصل فِي جنس هذه المسائل أنَّ التوكيل إِذَا حصل بقبض ما هو ملك الموكل فالوكيل لا يصير خصمًا فِي حق وإِذَا حصل التوكيل بقبض ما هو ملك الغير من كل وجه يحق للموكل عليه فالوكيل ينتصب خصمًا فِي حق الإثبات، وهذا لِأَنَّ التوكيل بالخصومة لم يوجد نصًا فلو ثبت التوكيل بالخصومة إنما يثبت ضرورة أنّ الوكيل لا يتوصل إلى القبض إلا بالخصومة والتوكيل بالشيء توكيل به وبما لا يتوصّل إليه إلا به، إلا أنه قد يمكنه الوصول إلى القبض بدون الخصومة بأن لا يجحد وقد [لا]
(3)
يمكنه الوصول إليه إلا بالخصومة، فأحد الاعتبارين يوجب أن يكون خصماً والآخر [يوجب]
(4)
أن لا يكون خصمًا والعمل بها غير ممكن فِي كل حكم فعملنا بهما فِي حكمين.
فقلنا: إِذَا حصل التوكيل بقبض ما هو ملك الموكل لا ينتصب خصمًا فِي الإثبات وإِذَا حصل التوكيل بقبض عين هو ملك الغير يحق للموكل قبله ينتصب الوكيل خصمًا فِي الإثبات وإنما عملنا على هذا الوجه لأنا لو عملنا على العكس وجعلناه خصماً فِي الإثبات إِذَا حصل التوكيل بقبض ملك الموكل لزمنا أن يجعله خصمًا إِذَا حصل التوكيل بقبض ملك الغير؛ لِأَنَّ الحاجة إلى الخصومة فِي ملك الغير أكثر فحينئذ [يتعطل]
(5)
[العمل]
(6)
بالشيئين إِذَا ثبت هذا فنقول: الوكيل بأخذ الشفعة ينتصب خصمًا فِي حق إثبات الشفعة بالاتفاق لِأَنَّهُ وكيل بقبض [ملك الغير حقيقة وحكمًا بحق للموكل قبله والوكيل بقبض العبد لا ينتصب خصمًا فِي حق الإثبات بالاتفاق لِأَنَّهُ وكيل بقبض]
(7)
عين هو ملك/ الموكل حقيقة وحكمًا.
وأما الوكيل بقبض الدين هل ينتصب خصمًا بالإثبات فهو على الخلاف بين أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه رحمهم الله على نحو ما بيّنا بناءً على أن الوكيل بقبض الدين وكيل بقبض ما هو ملك الموكل أو وكيل بقبض ما هو ملك الغير فوقع عند أبي [يُوسُف]
(8)
ومُحَمَّد أنّه وكيل بقبض ما هو ملك الموكل حكمًا بناء على أنّ المقبوض بجهة الدين عين حق صاحب الدين حكمًا حتى كان له الأخذ من غير قضاء ولا رضاء كما لو كان عنده وديعة أو غصب ووقع عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنه وكيل بقبض ما هو ملك الغير بناء على أن المقبوض بجهة [الدين]
(9)
ملك رب الدين حقيقة لِأَنَّ المقبوض بجهة الدين ليس عين حق صاحب الدين [بل هو بدل حقه، لِأَنَّ حق صاحب الدين فِي الدين]
(10)
وهذا عين والعين مع الدين مختلفان، ولِأَنَّ تصرفات المديون فيما فِي يده نافذة رضي بذلك رب الدين أو لم يرضَ وإِذ صار خصمًا فِي الإثبات عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِأَنَّهُ وكيل بقبض ملك الغير والإثبات سبب لقبضه صار خصمًا فِي إثبات الإيفاء إلى الطالب؛ لِأَنَّ الإيفاء إلى الطالب [وقبض الوكيل سواء؛ لِأَنَّ الوكيل يقبض ليدفع الى الطالب]
(11)
.
(1)
الغريم: من المشترك اللفظي، هو يطلق على صاحب الدين، على المدين، سمي الغريم غريما بذلك للزومه وإلحاحه. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (5/ 1996)، مقاييس اللغة (4/ 419).
(2)
[ساقط] من (ج).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
[ساقط] من (ب).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
في (ج)(حَنِيفَةَ).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
[ساقط] من (ج).
(11)
[ساقط] من (أ) و (ج).
وأمّا الوكيل بأخذ الشفعة إِذَا ادّعى عليه تسليم الآمر فإنه لا يصير خصمًا فِي ذلك؛ لِأَنَّ الوكيل بأخذ الشفعة إنّما صار وكيلاً فِي الإثبات لِأَنَّهُ لا يتوصل إلى الأخذ إلا به والمأمور بالشيء مأمور به وبما لا يتوصل إليه إلا به وهذا المعنى لا يتأتى فِي جانب التسليم؛ لِأَنَّ تسليم الآمر لا يتوصّل إلى القبض بل يبطل حقه فِي القبض فلا ينتصب خصمًا عن الموكل فِي ذلك ثُمَّ إنّ أبا حَنِيفَةَ رحمه الله فرَّق بين الوكيلِ [بقبض الدين وبين الرسولِ والمأمور فجعل الوكيل]
(1)
خصمًا فِي الإثبات ودعوى الايفاء
(2)
ولم يجعل الرسول والمأمور خصمًا فِي إثبات الدين ودعوى الإيفاء عليه.
قوله رحمه الله: (ولأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّه وَكَّلَه بِالتَّمَلُّك)
(3)
، وذكر الإمام الكُشَانيَ رحمه الله
(4)
أَنَّ هذا توكيل بالتمليك والتملك فصار خصمًا.
(لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَي بِأَمْثَالِهَا؛ إِذْ قَبْضُ الدَّيْنِ نَفْسِهِ لَا يُتَصَوَّرُ) فيصير للقبض حكم المبادلة وإنْ كان يفارقها من وجه فإنّه يصح من غير تراضٍ (إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ اسْتِيفَاءَ الْعَيِنْ حَقَّهُ مِنْ وَجْهٍ)، ولهذا يجبر على الأداء ولو كان تمليكًا محضاً لما أجبر عليه وكذلك إِذَا ظفر [بجنس]
(5)
حقه يجوز له الأخذ (فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ) حتى إِذَا قامت عليه البينة بأنَّ الموكل سلم الشفعة صحّت [حيث]
(6)
يقبل البينة ويبطل [الشفعة]
(7)
(وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)
(8)
يعني إِذَا وكّل الواهب رجلاً بأن يرجع فِي الهبة فأراد الوكيل الرجوع فالموهوب له أقام البيّنة على أنّ الواهب أخذ العوض يكون خصمًا فيقبل بينته (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ)
(9)
أي: الوكيل بالشراء خصم حتى يقبل البينة عليه والقسمة بأن وكَّل أحد الشريكين وكيلاً بأن يقاسم مع شريكه فالشريك أقام البينة على الوكيل بأن شريكي الذي هو موكلك أخذ نصيبه يقبل؛ لِأَنَّهُ خصم (وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ) بأن وكّل المشتري رجلاً بردّ المبيع على البائع فأقام البائع البينة على الوكيل أنَّ المشتري رَضِيَ بالعيب تقبل بينته لِأَنَّهُ خصم (وَهَذِهِ أَشْبَهُ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ) أي: الوكيل بقبض الدين أشبه بالوكيل بأخذ الشفعة من الوكيل بالشراء ووجه الشبه ما ذكره فِي الْكِتَابِ
(10)
بقوله: (حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا قَبْلَ الْقَبْضِ) هاهنا (كَمَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ الْأَخْذِ هُنَالِكَ، وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَكُونُ خَصْمًا قَبْلَ مُبَاشَرَةِ الشِّرَاءِ) وقوله: وهذا إشارة إلى مطلع نكتة أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بقوله: (أنّه وكَّله بالتَّمّلُّكِ)
(11)
يعني [إذا]
(12)
كان الموكل أمر الوكيل بالتملك مثل الدين الذي على المديون وذلك مبادلة ومعاوضة والمأمور بالمبادلة يكون أصيلاً فِي حقوق المبادلة.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
[عليه] ساقط من (أ) و (ج).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 150).
(4)
أبو المعالي مسعود بْن الحسن بن الحسين الكُشَانيَ الخطيب السَّمَرْقَنْديّ، قال السمعاني رحمه الله: كتبت عنه ولقيته بسمرقند روى عن الشيخ سيف الدين أبي محمد عبدالله بن علي الكندي والخطيب أبي نصر محمد بن الحسن الباهلي وشمس الأئمة السرخسي، ونقله الخاقان مِن بُخارى إلى سَمَرْقَنْد للتّدريس بالمدرسة الخاقانيَّة وولّاه خَطَابة سَمَرْقَنْد، فبقي عَلَى ذَلِكَ مدَّة، وتُوُفّي في ربيع الأوّل سنة (ت 520 هـ).
يُنْظَر: طبقات الحنفية (1/ 206)، الجواهر المضية (2/ 168)، تاريخ الاسلام (11/ 327).
(5)
فِي (أ)(بحبس).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 150).
(9)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(10)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي؛ للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد القُدُورِي (ت 428 هـ).
(11)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 150).
(12)
[ساقط] من (أ) و (ب).
وذكر فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لقَاضِي خَانْ
(1)
رحمه الله ولَا يُقَالُ لو كان وَكِيلًا بِالْمُبَادَلَةِ وَجَبَ أَنْ تَلْحَقَهُ الْعُهْدَةُ في الْمَقْبُوضِ؛
(2)
لأنَّا نقول إنما [لا تلحقه]
(3)
العهدة فِي المقبوض؛ لِأَنَّ قبض الدين وإن كان مبادلة من الوجه الذي ذكرنا فهو استيفاء عين الحق من وجه؛ لِأَنَّ من الديون ما لا يجوز الاستبدال به فلشبهه بالمبادلة جعلناه خصمًا ولشبهه بأخذ العين لا تلحقه [العهدة]
(4)
عملاً بهما هذا إِذَا ادّعى [الإيفاء وإن ادّعى]
(5)
الإبراء
(6)
فكذلك ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ-رحمه الله (وقف الأمر حتى يحضر الغائب)
(7)
أي: الآمر (لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ) أي: بينة صاحب اليد (قَامَتْ لَا عَلَى خَصْمٍ)؛ لِأَنَّ الوكيلَ بقبض العين ليس بخصم (فَلَمْ تُعْتَبَرْ)[أي: لم تعتبر]
(8)
بينة ذي اليد فِي قطع يد الوكيل بالقبض.
(وَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ أَنَّهُ خَصْمُ) أي: أنّ الوكيل خصم (فِي قَصْرِ يَدِهِ) أي: فِي قصر يد نفسه أي: فِي قصر يد الوكيل (فَتَقْصُرُ يَدُهُ)
(9)
أي: يد الوكيل وكذا العتاق.
وذكر فِي المَبْسُوط
(10)
والْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وإِذَا وكَّل الرجل [الرجل]
(11)
بقبض عبد له أو جارية فادّعى العبد العتق من مولاه وأقام البينة ففِي القياس لا تقبل هذه البينة لأنها قامت على من ليس بخصم فإنّ (الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ)
(12)
لا يكون خصماً والعبد إنما يدّعي العتق على مولاه والمولى غائب ومتى لم تقبل البينة فيما ذكره من الطلاق والعتاق كان للوكيل حق القبض قياساً لِأَنَّ قصر يد الوكيل لو ثبت [إنما يثبت]
(13)
فِي ضمن ثبوت المدّعى وإِذَا امتنع ثبوت المدّعى امتنع ثبوت ما يثبت فِي ضمن ثبوت المدعى أعني به قصر اليد ولكنه استحسن فقال وتقبل هذه البينة فِي قصر يد الوكيل عن العبد دون القضاء بالعتق لأنها تتضمن العتق ومن ضرورته قصر يد الوكيل عن قبضه [والوكيل]
(14)
ليس بخصم فِي أحدهما وهو إثبات العتق على المولى ولكنه خصم فِي إثبات قصر يده عليه وليس من ضرورة قصر يده القضاء بالعتق على الغائب فلهذا قبلنا البينة فِي قصر يد الوكيل عنه وقوله: (وغير ذلك)
(15)
كما إِذَا ادّعى صاحب اليد الارتهان من موكل الوكيل وأقام بينة على ذلك بقصر يد الوكيل عن القبض
(1)
هذا تصحيف والصحيح شرح الجامع الصغير؛ لقاضي خان. يُنْظَر: فتاوى قاضيخان (3/ 19).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 179).
(3)
في (ج)(تجوز).
(4)
[ساقط] من (أ).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
قال الكفوي: الإبراء: هبة الدين لمن عليه الدين، كما يستعمل فِي الإسقاط يستعمل فِي الاستيفاء يقال: أبرأه براءة قبض واستيفاء، لهذا يكتب فِي الصكوك: وأبرأه عن الثمن قبض واستيفاء. يُنْظَر: الكليات (ص 33).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(8)
[ساقط] من (أ).
(9)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 150).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 28 - 29).
(11)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(12)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(13)
[ساقط] من (ج).
(14)
[ساقط] من (ج).
(15)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَى مُوَكِّلِهِ عِنْدَ الْقَاضِي جَازَ إِقْرَارُهُ عَلَيْهِ)
(1)
أطلق إقرار الموكل ليتناول اسم الموكل للمدّعي والمدعى عليه فإنّ هذا الحكم وهو جواز إقرار الوكيل على موكله لا يتفاوت بين أن يكون موكله مدّعياً أو مدّعى عليه سوى أن معنى الإقرار يختلف بحسب اختلاف الموكل؛ فإقرار وكيل المدّعي هو أن [يقر أنّ]
(2)
موكله قبض هذا المال وإقرار وكيل المدّعى عليه هو أنْ يُقِرَّ بوجوب المال على المدعى عليه ثُمَّ القياس فِي هذه المسألة أحد الشيئين: إما شمول الجواز فِي الوجهين أعني جواز الإقرار فِي مجلس القضاء وغير مجلس القضاء كما هو قول أبي يُوسُف رحمه الله-أو شمول العدم كما هو قول زُفَر
(3)
والشافعي
(4)
.
وأمّا جواب الاستحسان فهو القول بالفصل بين الوجهين، وهو جواز الإقرار فِي مجلس القضاء وعدم جوازه فِي غير مجلس القضاء وهو قول أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد إلى هذا أشار فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ رحمه الله
(5)
فعلم بهذا أنّ قوله: (استحسانًا) يتعلق بقوله: (جاز)، وبقوله:(لَمْ يَجُزْ إِلَّا أنه يَخْرَجُ عن الوَكَالَة)
(6)
[يعني لا يدفع المال إليه ولو ادّعى بعد ذلك الوكالة]
(7)
وأقام بينة على ذلك لا يسمع بينة.
وفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ للإمام الْمَحْبُوبِيّ وعند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد رحمهم الله تبطل الوكالة على رواية الأصل لِأَنَّهُ زعم أنه مبطل فِي دعواه ولِأَنَّهُ لا حق له فِي القبض فلا يجعل وكيلاً ويخرج من الوكالة بحكم إقراره
(8)
.
(1)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(2)
فِي (أ)(يقول).
(3)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (3/ 229)، شرح فتح القدير (8/ 114).
(4)
مذهب الشافعية: أن الوكيل بالخصومة من جهة المدعي، يدعي ويقيم البينة ويسعى في تعديلها، ويُحلَّف ويطلب الحكم والقضاء، ويفعل ما هو وسيلة إلى الإثبات. والوكيل من جهة المدعى عليه، ينكر ويطعن في الشهود ويسعى في الدَّفْع بما أمكنه. ولو أقر وكيل المدعي بالقبض، أو الإبراء أو قبول الحوالة، أو المصالحة على مال، أو بأن الحقَّ مؤجل، أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق للمدعي، لم يُقْبَل، سواء أقر في مجلس الحكم، أم في غيره، كما لا يصح إبراؤه ومصالحته؛ لأن اسم الخصومة لا يتناولها، فكذا الإقرار. يُنْظَر: روضة الطالبين (4/ 320)، مغني المحتاج (2/ 221).
(5)
تصحيف والصحيح شرح الجامع الصغير؛ لقاضي خان. يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 69).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
يُنْظَر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (3/ 340).
وذكر هاهنا أنه لا يقضي بدفع المال إليه لزعمه بانتفاء حقه فِي الأخذ (لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ مُنَازَعَةٌ)
(1)
لِأَنَّ الخصومة اسم لكلام يجري بين اثنين على سبيل المنازعة والمشاجرة، والإقرار: اسم لكلام يجري على سبيل [المسالمة]
(2)
والموافقة فكان ضدّ ما أمر به (] وَالْأَمْرُ
(3)
[بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ)
(4)
الوكيل بالخصومة الهبة والبيع والصلح والدليل عليه بطلان إقرار الأب والوصي على الصبي مع أن ولايتهما أعم من ولاية الوكيل وأبو يُوسُف رحمه الله يقول الموكل أقام الوكيل مقام نفسه مطلقاً فيقتضي أن يملك ما كان الموكل مالكاً له والموكل مالك للإقرار بنفسه فِي مجلس القضاء [وفِي غير مجلس القضاء]
(5)
فكذلك الوكيل وهذا؛ لِأَنَّهُ إنما يختص بمجلس القضاء ما لا يكون موجباً إلا بانضمام القضاء إليه كالبينة واليمين، فأمّا الإقرار فموجب للحق بنفسه سواء حصل من الوكيل أو من الموكل فمجلس القضاء فيه وغير مجلس القضاء سواء كذا فِي المَبْسُوط
(6)
ويصح إِذَا استثنى الإقرار بأن وكَّله بالخصومة غير جائز الإقرار عليه هذه المسألة دليل من يقول أن التوكيل بالخصومة لا يتناول الإقرار فوجه الدلالة هو أن التوكيل بالخصومة لو كان مجازًا لمطلق الجواب كان ينبغي أن لا يصح استثناء الإقرار من التوكيل بالخصومة وذلك لِأَنَّ المراد من الجواب أما الإقرار أو الإنكار لا كلاهما بالاتفاق
(7)
.
ثُمَّ فِي صحة استثناء الإقرار عن الجواب يلزم استثناء الكل من الكلّ وذلك لا يجوز والدليل على هذا أن التوكيل بالخصومة غير جائز الإنكار لا يصح لما قلنا علم بهذا أنّ التوكيل بالخصومة ليس بمجاز لمطلق الجواب.
وذكر الإمام الْبَزْدَوِيّ
(8)
رحمه الله فِي طريقته فِي تعليل قول زُفَر
(9)
والشَّافِعِيِّ
(10)
ومما يدل عليه لو وكَّله واستثنى الإقرار فإنّه يصح التوكيل ولا يملك الإقرار/ ولو كان مطلق التوكيل يتناوله لما صحّ استثناؤه كما لو وكَّله بالخصومة واستثنى الإنكار؛ لِأَنَّ الإنكار هو الخصومة فإِذَا استثنى بطل الاستثناء لِأَنَّهُ استثنى جميع ما [تكلف]
(11)
وهنا يصح التوكيل ولا يملك الإقرار علم أنه ليس من الخصومة.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
(2)
في (ج)(المعاملة).
(3)
فِي (أ) و (ب) و (ج)(والتوكيل) ولعل الصواب (والأمر) لموافقته سياق الكلام ولموافقته ماورد فِي كتاب الهِدَايَة (3/ 151).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 7).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة (8/ 735).
(8)
علي بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد الْبَزْدَوِيّ، أبو الحسن، فخر الإسلام. فقيه، أصولي، محدث، مفسر. ولد فِي حدود سنة (400 هـ) وتوفِي سنة (ت 482 هـ)، ودفن بسمرقند.
من تصانيفه: المَبْسُوط، شرح الجامع الكبير للشيباني فِي فروع الفقه الحنفي. يُنْظَر: معجم المؤلفين: (7/ 192)، الطبقات السنية:(ص 238)، تاج التراجم:(ص 14)، سير اعلام النبلاء (18/ 603).
(9)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (6/ 24)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 280).
(10)
يُنْظَر: الحاوي في فقه الشافعي (6/ 515)، المهذب (1/ 349 - 350).
(11)
فِي (ب) و (ج)(تكلم).
وذكر فِي المَبْسُوط
(1)
صحة هذا الاستثناء فِي ظاهر الرواية وعن أبي يُوسُف رحمه الله
(2)
أنه لا يصح؛ لِأَنَّ من أصله أن صحة الإقرار باعتبار قيام الوكيل مقام الموكل وهذا حكم الوكالة فلا يصح استثناؤه كما لو وكّل بالبيع على أن لا يقبض الوكيل الثمن كان الاستثناء باطلاً فأمّا فِي ظاهر الرواية فالاستثناء صحيح، لِأَنَّ صحة إقرار الوكيل باعتبار ترك حقيقة اللفظ إلى نوع من المجاز فهو بهذا الاستثناء يبين أنَّ مراده حقيقة الخصومة لا الجواب الذي هو مجاز بمنزلة بيع أحد الشريكين نصف العبد شائعًا من النصيبين أنه لا ينصرف إلى نصيبه خاصة عند التنصيص عليه بخلاف ما إِذَا أطلق، وكذا لو وكَّله بالجواب مطلقاً فهذه مسألة مبتدأة خلافية ليس إيرادها على وجه الاستشهاد يعني لو وكَّله بالجواب مطلقاً فهو على هذا [الجواب]
(3)
أيضاً كذا فِي المُخْتَلِفَاتِ البُرْهَانِيَّةِ
(4)
.
(وجْهُ الاستحسانِ أنَّ التوكيلَ صحيحٌ قَطعًا)
(5)
أي: التوكيل بالخصومة صحيح من كل وجه بالإجماع
(6)
(وصِحَّتُهُ بتناوُلِهِ ما يملكه قطعًا)
(7)
أي: ما يملك الموكل من كل وجه كما إِذَا وكَّل أحد الشريكين فِي العبد المشترك بينهما يبيع نصفه رجلاً ينصرف التوكيل إلى النصف الذي يملكه الموكل لا إلى النصف الشائع صرفاً للتوكيل إلى [ما]
(8)
يملكه الموكل [وما يملكه الموكل]
(9)
هاهنا مطلق الجواب من الإقرار والإنكار لا الإقرار عينًا لا غير والإنكار عينًا لا غير فإن المدّعي إِذَا كان مبطلاً فِي دعواه يجب الإنكار لا غير، ولو كان محقًا يجب الإقرار لا غير فعلم بهذا أنَّ مالكية الموكل فِي أحد نوعي الجواب من الإنكار والإقرار دائرة مع بطلان الدعوى وحقيقتها فكذلك وكيله لِأَنَّ الوكيل قائم مقام الموكل فعلم بهذا أنَّ ما يملكه الموكل مطلق الجواب بهذا الطريق فكذلك وكيله (وَطَرِيقُ الْمَجَازِ مَوْجُودٌ) أي: بين الخصومة ومطلق الجواب (عَلَى [مَا]
(10)
نُبَيِّنُهُ) وهو قوله: (وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ التَّوْكِيلَ يَتَنَاوَلُ جَوَابًا يُسَمَّى خُصُومَةً) إلى آخره
(11)
(فَيُصْرَفُ إلَيْهِ)
(12)
أي: فيصرف التوكيل بالخصومة إلى مطلق الجواب الذي هو المجاز (وَلَوِ اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ، فَعَنْ أَبِي يُوسُف رحمه الله أَنَّهُ لَا يَصِحُّ) أي: أن الاستثناء (لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ)
(13)
أي: لِأَنَّ الموكل لا يملك الإنكار عينًا لِأَنَّهُ لا يعلم أن الإنكار حقه عينًا لِأَنَّهُ إنما يكون الإنكار حقه عينًا إِذَا علم أنّ المدعي مبطل فِي دعواه عينًا فلو صحّ استثناء الإقرار يبقى توكيلاً بالإنكار عينًا وهو لا يملكه لما قلنا فلا يملك التوكيل به.
(1)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 4).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 280).
(3)
في (أ) و (ب)(الخلاف).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة (8/ 780).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
(6)
بالإجماع يقصد بهم: الإمام أبي حَنِيفَةَ، صاحبيه: أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني.
يُنْظَر: الفتح المبين في تعريف مصطلحات الفقهاء والأصوليين (55)، بدائع الصنائع (6/ 24).
(7)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
(8)
[ساقط] من (ب).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
[ساقط] من (ب).
(11)
(حقيقة أو مجازا والإقرار في مجلس القضاء خصومة مجازا إما لأنه خرج في مقابلة الخصومة أو لأنه سبب له لأن الظاهر إتيانه بالمستحق عند طلب المستحق وهو الجواب في مجلس القضاء فيختص به) يُنْظَر: المرجع السابق.
(12)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(13)
يُنْظَر: المرجع السابق.
وذكر فِي الذَّخِيرَةِ
(1)
ولو وكّله بالخصومة غير جائز الإقرار، وفِي هذا الوجه يصير وكيلاً بالإنكار؛ لِأَنَّ باستثناء الإقرار بين أن التوكيل ما يتناول [نفس]
(2)
الجواب إنما يتناول جواباً مقيدًا بالإنكار هكذا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله ثُمَّ قال وذكر [الشيخ الإمام]
(3)
علي الْبَزْدَوِيّ رحمه الله فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(4)
إن هذا الاستثناء على قول أبي يُوسُف رحمه الله لا يصحّ؛ لِأَنَّهُ لو صحّ يبقى وكيلاً بالإنكار وتعذّر تصحيح الوكالة بالإنكار؛ لاحتمال كونه مبطلاً فيه وهو أنَّه إنما يملك التوكيل بجواب هو حق (وَعَنْ مُحَمَّد رحمه الله أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لِلتَّنْصِيصِ زِيَادَةَ دِلَالَةٍ عَلَى مِلْكِهِ إيَّاهُ)
(5)
أي: للتنصيص
(6)
على الاستثناء زيادة دلالة على أن غرض الموكل من التوكيل الإنكار؛ لِأَنَّهُ لما استثنى الإقرار لا يجوز إقرار الوكيل على الموكل فكان الاستثناء دليلاً على ملك الموكل استثناء الإقرار لما ذكرنا من تقرير شيخ الإسلام رحمه الله بقوله: إن باستثناء الإقرار تبين أن [التوكيل]
(7)
ما يتناول [نص]
(8)
الجواب إنما يتناول جواباً مقيدًا بالإنكار (وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الأُوْلَى)
(9)
يعني إِذَا أطلق الوكالة بالخصومة يحمل ذلك على الأول وهو مطلق الجواب؛ لِأَنَّ [مطلق الجواب]
(10)
هو الثابت للموكل لا أن يكون أحد النوعين من الإقرار والإنكار ثابتًا له عينًا فكذلك فِي وكيله (وَعَنْهُ) أي: وعن مُحَمَّد رحمه الله.
وذكر فِي التَّتِمَّة
(11)
فِي فصل الوكالة بالخصومة، وعن مُحَمَّد رحمه الله يصح استثناء الإقرار من الطالب لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ ولا يصح من المطلوب؛ لِأَنَّهُ مجبور عليه يعني أن الوكيل إِذَا كان من جانب المدّعي صح استثناء الإقرار فإنّ المدعي لما كان مخيّرًا بين الإقرار والإنكار أفاد الاستثناء فائدته فِي حقه فيصح التوكيل به
(12)
.
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة (8/ 788).
(2)
في (أ) و (ب)(بغير).
(3)
في (ج)(شَيْخُ الْإِسْلَام).
(4)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 182).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
(6)
[وهذا لأنه] ساقط من (ب) والمعنى يستقيم بدونه.
(7)
فِي (أ)(الوكيل).
(8)
في (ج)(نفس).
(9)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
(10)
[ساقط] من (ج).
(11)
التتمة في الفتاوى؛ لبرهان الدين، محمود بن أحمد بن عبدالعزيز بن عمر بن مازه البخاري المتوفى سنة (616 هـ)، والتتمة كتاب جمع فيه مصنفه ما وقع إليه من الحوادث، والواقعات، وضم إليها ما في الكتب من المشكلات، وجمع في كل مسألة روايات مختلفة. يُنْظَر: كشف الظنون (1/ 343)، معجم المؤلفين (3/ 796).
(12)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
وأمّا إِذَا كان وكيلاً من جانب المدّعى عليه فلا يصح استثناء/ الإقرار؛ لِأَنَّهُ لا يفيد وذلك لِأَنَّ المدّعي يثبت ما ادّعاه بالبينة على المدّعى عليه أو يضطر المدعى عليه على الإقرار بعرض اليمين عليه فيكون هو مجبوراً على الإقرار فكذلك وكيله إلا أنّ الوكيل عند توجّه اليمين يحيل اليمين على موكله؛ لِأَنَّ النِيَابَةَ لا تجري فِي الأَيْمانِ
(1)
فلا يفيد استثناء الإقرار فائدته (ولَمْ يُصَحِّحْهُ فِي الثَّانِي)
(2)
أي: ولم يصحح مُحَمَّد رحمه الله استثناء الإقرار فِي حق المطلوب (لِكَوْنِهِ مَجْبُورًا عَلَيْهِ)
(3)
أي: لكون المطلوب مجبوراً على الإقرار على ما ذكرنا هذا إِذَا استثنى [الإقرار]
(4)
.
وأمّا إِذَا استثنى الإنكار فهل يصح؟ نذكره وسائر الوجوه فيما بعد إن شاء الله تعالى (وَهُمَا يَقُولَانِ) أي: أبو حَنِيفَةَ ومُحَمَّد (إنَّ التَّوْكِيلَ يَتَنَاوَلُ جَوَابًا يُسَمَّى خُصُومَةً حقيقة) وهو الإنكار (أو مَجَازًا) وهو الإقرار وقد ذكرنا وجه الحقيقة فِي حق الإنكار بأنَّ الخصومة اسم لكلام يجري بين اثنين على سبيل المنازعة
(5)
وذلك إنما يكون بالإنكار فكانت الخصومة للإنكار حقيقة والإقرار ضده فلا يكون الاسم لضده حقيقة فلو أريد الإقرار بالخصومة إنما يراد على طريق المجاز ووجه المجاز ما ذكره فِي الْكِتَابِ
(6)
بقوله: (إِمَّا لِأَنَّهُ خَرَجَ فِي مُقَابَلَةِ الْخُصُومَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ)
(7)
.
وذكر فِي المَبْسُوط
(8)
والْأَسْرَار فجواب الخصم يسمّى خصومة مجازاً وإن لم يكن فِي نفسه خصومة بل كان مساعدة؛ لِأَنَّ سببه كان خصومة الآخر معه أو خرج فِي مقابلة خصومته كما يسمّى جزاء العدوان عدواناً أي: فِي قوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}
(9)
وجزاء السيئة أي: فِي قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}
(10)
وإن لم يكن الثاني سيئة بل كان حقاً؛ لِأَنَّهُ وجب بسبب السيئة وفِي مقابلتها، وإِذَا جاز أن يسمي جواب الخصومة خصومةً مجازاً، وإن لم يكن خصومة فِي نفسه حملت هذه التسمية على الجواب الذي هو مجاز بدلالة وهي أنَّ التوكيل أمرٌ بما هو له والذي يملكه فِي مقابلة خصومة دَعْوَى الْمُدَّعِي جوابه لا الإنكار فحسب فإنّه لا يملك الإنكار إِذَا عرفه محقاً بل يملك الإقرار حينئذ فثبت أنَّ الجواب المملوك له إمّا إقرار وإما إنكار فمطلق التوكيل ينصرف إلى ماله دون ما ليس له كعبد بين رجلين وكَّل أحدهما رجلاً يبيع نصفه فإنّه ينصرف إلى نصفه المملوك له خاصة دون نصف شائع من [النصيبين]
(11)
لِأَنَّهُ وكّله ببيع النصف لينفذ أمره فيه وذلك إنما يكون فِي نصف مملوك له إلا أن ينص فيقول بنصف من [النصيبين]
(12)
جميعًا فكذلك هاهنا ينصرف إلى ماله وهو الجواب عن الدعوى.
(1)
يُنْظَر: تخريج الفروع على الأصول (ص: 83).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
(3)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (5/ 191)، المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (1/ 258).
(6)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي. يُنْظَر: الهِدَايَة شرح بداية المبتدي (3/ 151).
(7)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 8).
(9)
سورة البقرة من الآية: (194).
(10)
سورة الشورى من الآية: (40).
(11)
في (ج)(النصفين جميعاً).
(12)
في (ج)(النصفين).
وأمَّا إِذَا لم يدل الدليل على انصراف اسم النصف إلى [النصف]
(1)
المملوك له خاصة ينصرف إلى النصف الشائع من النصيبين [كما هو حقيقة ألا ترَى أن رجلاً لو جاء وادّعى نصفه واستحقه بالبينة انصرف إلى نصف شائع من النصيبين]
(2)
دون نصف عين أحدهما.
فإن قيل: أجمعنا على أنَّ [الْحَقِيقَة]
(3)
مُرَادَة
(4)
وهي الإنكار فبطل أن يكون مجازها مراداً وهو الإقرار إذ لو كان هو مراداً أيضاً يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.
قلنا: إِذَا أنكر صح [لا]
(5)
؛ لِأَنَّهُ حقيقة بل لِأَنَّهُ جواب الخصم فجواب الخصم يسمى خصومة مجازًا فملك الإنكار لكونه جواب الخصم لا لكونه خصومة ولما ملكه بلفظ المجاز دخل تحته ما يكون جواباً عملاً بعموم المجاز كما إِذَا حلف لا يضع قدمه فِي دار فلان فدخلها ماشياً حنث وهو حقيقة وإِذَا دخلها راكباً حنث أيضاً وهو مجاز؛ لِأَنَّ المراد بهذا اللفظ مجازه وهو الدخول إلا أن الدخول دخول سواء كان ماشياً أو راكباً فيحنث بعموم المجاز فِي الحالين وكذلك لو قال: اليوم الذي يقدم فيه فلان فامرأته طالق فقدم ليلاً أو نهاراً حنث والنهار حقيقة والليل مجاز: لِأَنَّهُ صار كناية عن الوقت مجازاً ثُمَّ عموم المجاز يتناول الليل والنهار فيحنث فِي الحالين بالمجاز لا بالحقيقة فِي حال والمجاز فِي أخرى بخلاف ما إِذَا وكَّله بالخصومة غير جائز الإقرار عليه: لِأَنَّهُ لم يبقَ لما رامه من الصرف إلى ما قاله مُحَمَّد رحمه الله فصار كالتوكيل ببيع نصف العبد من نصيبهما جميعًا فإنَّه لا ينصرف إلى نصفه خاصة؛ لِأَنَّ الأمر لا يحتمله وإنما يطلب تصحيحه على ماله إِذَا احتمل الأمر ذلك.
ولِأَنَّ مجلس الحكم مجلس الخصومة فما يجري فيه يُسَمَّى خصومة مجازاً وهذا لا يوجد فِي غير مجلس الحكم، ولِأَنَّهُ إنما استعان بالوكيل فيما يعجز عن مباشرته بنفسه وذلك فيما استحق عليه والمستحق عليه الجواب فِي مجلس الحكم وبخلاف الأب والوصي فإن تصرفهما مقيّد/ بالشرط الأنظر والأصلح قال الله تعالى:{قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ}
(6)
، وقال الله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
(7)
، وذلك لا يظهر بالإقرار فلهذا لا يملكه ولِأَنَّ الشرع هو الذي وكَّل الأب أو الوصي والشرع إنما وكَّله وأنابه فيما يكتسب لليتيم ما يقوم به مصالح [نفسه]
(8)
عاجلاً لا فِي ما يقوم به مصالحه دينًا وليس فِي الإقرار مصلحة للصغير عاجلاً بل فيه ضرر وإنما يكون فيه مصلحة دينيّة والشرع قد وضعها عنه إلى أن يبلغ حتّى أنه لا يأثم بمطله فيبقى إبطال ملك بلا مصلحة، وأنَّه لا يدخل تحت ولايته كالهبة ونحوها فلذلك لم يصح إقرار الوصي إِذَا أقرّ على اليتيم أو إقرار الأب على الصغير فِي مجلس الخصومة قوله رحمه الله:(إمّا لِأَنَّهُ خرج) أي: لِأَنَّ الإقرار خرج (أو لِأَنَّهُ سَبَبٌ له) أي: لِأَنَّ الخصومة على تأويل التخاصم سبب [للإقرار]
(9)
أي: الخصومة سبب للجواب والجواب سبب للإقرار؛ لِأَنَّ الجواب يكون تارة بنعم وتارة بلا فكانت الخصومة سبباً للإقرار بالواسطة وقد يسمّى المسبب باسم السبب كما يقال صلاة العيد سنة مع أنها واجبة باعتبار أنها تثبت بالسنة وكما سمى جزاء البينة التي هي مسبّب السنة باسم السنة إطلاقاً لاسم السبب على المسبّب (لِأَنَّ الظَّاهِرَ إتْيَانُهُ بِالْمُسْتَحَقِّ) أي: الظاهر من حاله أن يأتي (فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) بما هو المستحق عليه (فَيَخْتَصُّ بِهِ) أي: الجواب المستحق يختص بمجلس القضاء حتى (لَا يُؤْمَرَ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ) أي: إلى الوكيل فإنَّ الوكيل لا يقبض المال لجهة الطالب بعد الإقرار (كَالْأَبِ أَوِ الْوَصِيِّ) إِذَا ادّعى شيئاً للصغير فأنكر المدّعى عليه وصدقه الأب أو الوصي ثُمَّ جاء يدّعي المال (وَلَا يَدْفَعُ الْمَالَ إِلَيْهِمَا)
(10)
؛ لِأَنَّهُ خرج من الولاية والوصاية فِي حق ذلك المال بسبب إقراره بما قاله المدّعى عليه فكذلك هاهنا فكان حاصل هذه المسألة وهي مسألة التوكيل بالخصومة على خمسة أوجه ذكرها فِي الذَّخِيرَةِ فقال وإِذَا وكَّل رجلاً بالخصومة فهو على وجوه: الأول: أن يوكله بالخصومة ولا يتعرض لشيء آخر وفِي هذا الوجه يصير وكيلاً بالإنكار بالإجماع ويصير وكيلاً بالإقرار أيضاً عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله
(11)
؛ لِأَنَّ التوكيل بالخصومة صحيح بالإجماع، وإنما يصح التوكيل بما هو حلال للموكل [ونفس]
(12)
الخصومة ليست بحلال للموكل لا محالة، لِأَنَّه على تقدير أنَّ المدّعي محق فِي الدعوى لا يحلّ للمدعى عليه الإنكار لا محالة أمّا جواب الخصومة وهو قوله:(نعم)
(13)
أو لا حلال له فجعلنا هذا توكيلاً بجواب الخصومة وأمكن [أن]
(14)
يجعل كذلك لِأَنَّ الخصومة مضاف إليها والجواب مضاف وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقام المضاف سائغ فِي اللغة كما فِي قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}
(15)
أي: أهل القرية والإقرار جواب الخصومة [كالإنكار]
(16)
فصحّ ما ادعينا أن التوكيل بالخصومة [منه]
(17)
توكيل بالإقرار.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
[ساقط] من (ج).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (7/ 345).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
سورة البقرة من الآية: (220).
(7)
سورة الأنعام من الآية: (152)، وسورة الإسراء من الآية:(34).
(8)
[ساقط] من (ج).
(9)
فِي (أ)(للجواب).
(10)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
(11)
إجماع العلماء الثلاثة هم: الإمام أبو حَنِيفَةَ وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله، واختلف العلماء فِي هذه المسألة على قولين: الأول: كما ذكر الشارح لعلماء الحنفية ووجه عند المالكية، والثاني: لزُفَر من الحنفية، ووجه عند المالكية، ولجمهور العلماء من الشافعية والحنابلة، فإنه لا يكون وكيلا بالإقرار مطلقا.
يُنْظَر: البحر الرائق؛ لابن نجيم (7/ 182)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد؛ لابن رشد (4/ 85)، الأم (7/ 119)، المغني؛ لابن قدامة (5/ 72).
(12)
فِي (أ)(يفسق).
(13)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
(14)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(15)
سورة يُوسُف من الآية: (82).
(16)
[ساقط] من (ج)
(17)
[ساقط] من (أ) و (ب).
والثاني: أن يوكله بالخصومة غير جائز الإقرار وقد ذكرنا أنَّ فِي هذا الوجه يصير وكيلاً بالإنكار وعلى قول أبي يُوسُف رحمه الله أن هذا الاستثناء لا يصح وقد ذكرنا وجه الطرفين.
والثالث: أن يوكله بالخصومة غير جائز الإنكار وفِي هذا الوجه يصير وكيلاً بالإقرار ويصح الاستثناء فِي ظاهر الرواية وهذا لِأَنَّ الموكل ربما يضرّه الإنكار بأن كان المدّعى به أمانة ولو جحد الوكيل جحودًا أصلياً لا يصح دعوى الردّ بعد ذلك.
وقيل: الجحود يصح دعوى الردّ [فِي التوكيل بالأقرار]
(1)
فيصح استثناء الإنكار كما يصح استثناء الإقرار وعن أبي يُوسُف رحمه الله أنه لا يصح استثناء الإنكار.
والرابع: أن يوكله بالخصومة جائز الإقرار عليه وفِي هذا الوجه يصير وكيلاً بالخصومة والإقرار حتى لو أقرّ صح إقراره على الموكل عندنا
(2)
خلافاً للشَّافِعِيِّ رحمه الله
(3)
ويجب أن يعلم بأنَّ التوكيل بالإقرار صحيحٌ عندنا فلا يصير الموكل مقراً بنفس التوكيل عندنا ذكر مُحَمَّد رحمه الله المسألة فِي بَابِ الوكالة بالصلح حكى عن الشيخ الإمام أحمد الطَّوَاوِيسِي رحمه الله
(4)
أنه كان يقول معنى التوكيل بالإقرار أن يقول الموكل للوكيل [وكلتك]
(5)
أن تخاصم وتذبّ عني وإِذَا رأيت مذمة تلحقني بالإنكار واستصوبت الإقرار فأقر [علي]
(6)
فإني قد أجزت ذلك.
والخامس: إِذَا قال: وكلتك بالخصومة غير جائز الإقرار والإنكار، وقد اختلف المتأخرون فيه: بعضهم قالوا: لا يصح هذا التوكيل أصلاً؛ لِأَنَّ التوكيل بالخصومة توكيل بجواب الخصومة، وجواب الخصومة إقرار وإنكار فإِذَا استثنى كليهما لم يفوّض إليه شيئاً.
وحكى عن القاضي الإمام صَاعِدِ النَّيْسَابُورِيِّ رحمه الله
(7)
أنه/ قال: يصح التوكيل ويصير الوكيل وكيلاً بالسكوت
(8)
متى حضر مجلس [الحكم]
(9)
حتى يسمع البينة عليه، وإنما يصح التوكيل بهذا العذر؛ لِأَنَّ ما هو مقصود الطالب وهو الوصول إلى حقه بواسطة إقامة البينة يحصل به (وَمَنْ كَفَلَ بِمَالٍ عَنْ رَجُلٍ)
(10)
إلى آخره صورة المسألة ما إِذَا وكَّل رب الدين كفيلاً عن المديون بقبض المال عن المديون لا يصح توكيله أبدًا حتى لو هلك المال فِي يده لا يهلك على الموكل وقوله: (أَبَدًا)
(11)
أي: قبل براءة الكفيل وبعدها أما قبل البراءة فللمعنى الذي ذكر فِي الْكِتَابِ
(12)
.
(1)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(2)
أي عند الأحناف.
(3)
يُنْظَر: الفتاوى الفقهية الكبرى؛ للهيثمي (3/ 87)، المجموع شرح المهذب (14/ 163).
(4)
أحمد بن مُحَمَّد بن حامد بن هاشم، أبو بكر، الطواويسي، فقيه حنفي. روى عن مُحَمَّد بن نصر المروزي. وروى عنه نصر بن مُحَمَّد بن غريب الشاشي وأحمد بن إدريس وغيرهما. والطواويسي نسبة إلى طواويس قرية من قرى بخاري (ت 344 هـ). ينظر: الجواهر المضية (1/ 100)، الفوائد البهية (31).
(5)
[ساقط] من (ج)
(6)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(7)
صاعد بن محمد بن أحمد، أبو العلاء، عماد الاسلام: فقيه حنفي. ولي قضاء نيسابور مدة، وتوفي بها. وانتهت إليه رئاسة الحنفية بخراسان، في زمانه (ت 432 هـ). يُنْظَر: الفوائد البهية (83)، تاريخ بغداد (9/ 344).
(8)
يُنْظَر: نتائج الأفكار (8/ 129).
(9)
في (ج)(القاضي).
(10)
(ومن كفل بمال عن رجل فوكله صاحب المال بقبضه عن الغريم لم يكن وكيلا في ذلك أبدا ومن ادعى أنه وكيل الغائب في قبض دينه فصدقه الغريم أمر بتسليم الدين إليه فإن حضر الغائب فصدقه وإلا دفع إليه الغريم الدين ثانيا ويرجع به على الوكيل إن كان باقيا في يده وإن كان ضاع في يده لم يرجع عليه إلا أن يكون ضمنه عند الدفع) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(11)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(12)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي. يُنْظَر: الهِدَايَة شرح بداية المبتدي (3/ 151).
وأمّا بعد البراءة فإنَّه لما لم يوجب وكالة حال وجود التوكيل للمانع لا ينقلب وكالة بعد انعدام المانع كمن كفل الغائب فلم يصّح لعدم قبوله وهو شرط ثُمَّ إِذَا بلغه الخبر فأجاز لا يجوز أيضا عند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد وقد مرَّ.
(لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا صَارَ عَامِلاً لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاء ِذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ)
(1)
أي: ركن الوكالة وهو العمل للغير فانْعَدم عقدُ الوكالةِ لانعدامِ ركنِهِ وذلك لِأَنَّهُ لو صحت الوكالة يصير عاملاً لنفسه فإنَّه فِي قبض الدين يسعى فِي فكاك رقبته وصار هذا كالمحتال إِذَا وكَّل المحيل بقبض الدين من المحتال عليه لا يصير وكيلاً لما قلنا.
فإن قيل: يشكل هذا برب الدين إِذَا وكَّل المديون بإبراء نفسه عن الدين يصح ذكره فِي الجامع الكبير وإن كان المديون فِي إبراء نفسه ساعياً فِي فكاك رقبته.
قلنا: ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله فِي تعليل هذه المسألة
(2)
أنَّ المديون لا يصلح وكيلاً عن الطالب بإبراء نفسه على خلاف المذكور فِي الجامع فكان للمنع فيه مجال كذا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، ولئن سلمنا مسألة الإبراء فنقول: إنَّ الإبراء تمليك بدليل أنّه يرتد بالردّ فلا يرد علينا بقضاء؛ لِأَنَّ كلامنا فِي الوكالة لا فِي التمليك.
فإن قيل: ينبغي أن تصح الوكالة فِي مسألتنا لِأَنَّهُ عامل لربّ الدين قصدًا؛ لِأَنَّ الموكل أصل فِي إثبات الوكالة فكان عمل الوكيل لنفسه واقعًا فِي ضمن عمله لغيره فتصح الوكالة اعتباراً للمتضمن الذي هو الأصل.
قلنا: لا نسلّم بل العمل لنفسه أصل؛ لِأَنَّ الأصل أن يقعَ تصرفُ كلِّ عاملٍ لنفسه لا لغيره
(3)
.
فإن قلت: [لما]
(4)
استويا من هذا الوجه لقيام جهة الأصالة لكل واحد منهما وجب أن تبطل الكفالة بالوكالة هاهنا؛ لِأَنَّ الوكالة طارئة على الكفالة فكانت ناسخة للكفالة كما إِذَا تأخرت الكفالة تكون ناسخة للوكالة، فإن الإمام الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله ذكر فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أنّ الوكيل بقبض الدين إِذَا ضمن المال للموكل يصح الضمان وتبطل الوكالة وكذا يجب أن تبطل الكفالة بالوكالة إِذَا تأخّرت الوكالة [عن الكفالة]
(5)
.
(1)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 179)، الفتاوى الهندية (5/ 442).
(3)
يُنْظَر: الإحكام؛ للآمدي (1/ 128).
(4)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(5)
[ساقط] من (أ) و (ج).
قلت: الكفالة [تصلح]
(1)
ناسخة للوكالة ومبطلة لها [لا]
(2)
على العكس؛ وذلك لِأَنَّ الشيء جاز أن يبطل بما هو مثله أو فوقه لا بما هو دونه، ثُمَّ إنَّ الوكالة دون الكفالة فِي الرتبة فإنّ الكفالة عقد لازم إذ الكفيل لا يتمكّن من إخراج نفسه عنها إلا بالأداء أو بالإبراء.
[للوكيل ولاية عزل نفسه]
[والوكيل]
(3)
يتمكّن من إخراج نفسه بأن يعزل نفسه [فعرفنا أنّ]
(4)
الوكالة دون الكفالة فبطلت الوكالة بالكفالة ولم تبطل الكفالة بالوكالة (فَيَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ لَازِمِهِ) أي: ينعدم التوكيل بانعدام لازمه وهو [قبول]
(5)
قول الوكيل (لِكَوْنِهِ أَمِينًا حَتَّى ضَمِنَ قِيمَتَهُ) سواء كان موسراً أو معسراً فإن (وَكَّلَهُ الطَّالِبُ) أي: فإن وكّل المولى ربّ الدين (بِقَبْضِ الْمَالِ عَنِ الْعَبْدِ كَانَ بَاطِلاً لِمَا بَيَّنَّاهُ)
(6)
وهو قوله: (لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ) والمولى عامل لنفسه لِأَنَّهُ يبرئ به نفسه فلا يصلح وكيلاً (فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ) أي: المديون (أُمِرَ بِتَسْلِيمِ) المال أي: (الدَّيْنِ)
(7)
(لِأَنَّ مَا يَقْبِضُهُ خَالِصُ مَالِهِ)
(8)
أي: لِأَنَّ ما يقتضيه المديون خالص مال المديون؛ لِأَنَّ الديون تقضى بأمثالها فكان ما أدّاه المديون مثل مال رب الدين لا عينه فكان تصديقه إقراره على نفسه بأداء المال، ومن أقرّ على نفسه بالمال يجبر على الأداء.
وذكر فِي الذَّخِيرَةِ
(9)
وفِي المسألة نوع إشكال؛ لِأَنَّ التوكيل بقبض الدين توكيل بالاستقراض
(10)
معنى؛ لِأَنَّ الديون تقضي بأمثالها فما قبضه [رب]
(11)
الدين من المديون يصير مضمونًا عليه وله على الغريم مثل ذلك فيلتقيان قصاصاً وقد ذكرنا أنّ التوكيل بالاستقراض غير صحيح.
(1)
فِي (أ)(تصح).
(2)
[ساقط] من (ج)
(3)
فِي (أ)(التوكيل).
(4)
في (ج)(عن).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
يعني: (ونظير بطلان الوكالة فيما نحن فيه بطلانها في عبد مديون أعتقه مولاه، حتى ضمن للغرماء قيمته، ويطالب العبد بجميع الدين، فلو وكله الطالب بقبض دينه من العبد كان التوكيل باطلاً؛ لما بينا أن الوكيل من يعمل لغيره، وها هنا لما كان المولى ضامنًا لقيمته كان في مقدارها عاملا لنفسه؛ لأنه يبرئ به نفسه، فيكون التوكيل باطلًا). يُنْظَر: العناية شرح الهداية (8/ 125).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
(9)
يُنْظَر: نتائج الأفكار (8/ 115 - 116).
(10)
الاستقراض: طلب القرض. يُنْظَر: شمس العلوم (8/ 5467).
(11)
[ساقط] من (أ) و (ج).
والجواب
(1)
أنّ التوكيل بقبض الدين رسالة بالاستقراض من حيث المعنى وليس بتوكيل بالاستقراض؛ لِأَنَّهُ لابد للوكيل بقبض الدين من إضافة القبض إلى موكله بأن يقول إنَّ فلاناً وكلني بقبض ماله عليك من الدين/ كما لابد للرسول فِي الاستقراض من الإضافة إلى المرسل أن يقول: أرسلني فلان [يقول]
(2)
لك أقرضني كذا بخلاف الوكيل بالاستقراض فإنّه
(3)
يضيف إلى نفسه فيقول أقرضني فصحّ ما ادعينا أنّ هذا رسالة معنى والرسالة بالاستقراض جائزة ثُمَّ هذه المسألة لا تخلو إما أن لا يصدق الوكيل فِي وكالته ومع ذلك دفع الدين أو صدق [رسالته]
(4)
ومع ذلك يريد أن لا يدفع أو أراد الوكيل استحلاف المديون عند إنكاره [الوكالة]
(5)
.
وذكر هذه المسائل فِي المَبْسُوط
(6)
فقال: وإِذَا ادَّعى الرجل أنّ فلاناً وكّله بقبض دينه على هذا فلم يقر الغريم به ودفع المال إليه على الإنكار ثُمَّ أراد أن يسترده منه لم يكن له ذلك لِأَنَّهُ دفع إليه على وجه القضاء فما [لم]
(7)
يتبين الأمر بخلافه لا يكون له حق الاسترداد فإنّ قاضي الدين ينقضي حقه عن المقضي به من كل وجه، ألا ترَى لو قضى الطالب بناء على دعواه لم يسترده ما لم يتبين أنَّه لا دين له عليه فكذلك إِذَا قضاه الوكيل بدعواه الوكالة وإِذَا أقرّ بالوكالة ثُمَّ أراد أن لا يدفع المال إليه فإن القاضي يقضي بالمال عليه للوكيل لما بيّنا أنّ المديون يقضي [الدين]
(8)
بملك نفسه فإنّما أقر بثبوت حق القبض له فِي ملكه وذلك حجّة عليه إلا على قول ابن أبي ليلى
(9)
(10)
رحمه الله فإنّه يقول [لا يجبره القاضي على الدفع إليه ولكن يقول]
(11)
له: أنت أعلم إن شئت فأعطه وإن شئت فاتركه؛ لِأَنَّهُ [لما]
(12)
لم يثبت كونه نائباً عن الطالب فِي حق القاضي وولاية الإجبار بعد ثبوت كونه نائباً عنه عنده ولكنّا نقول قد ثبت [ذلك]
(13)
عنده بخبر الوكيل وتصديق المطلوب إذ ليس هاهنا مكذب لهما وكُلُّ خبرٍ عند القاضي محمولٌ على الصدقِ ما لم يأتِ معارضٌ له
(14)
ولكن إِذَا حضر الطالب فأنكر الوكالة رجع على الغريم بماله؛ لِأَنَّ الوكالة لا تثبت فِي حقّ الطالب لإنكاره ولم يحكم ببراءة الغريم فِي حق الطالب أيضاً؛ لِأَنَّ حجةَ الإخْبارِ قاصرةٌ على المطلوبِ والوكيلِ [وثبوت]
(15)
الحكم بحسب الحجة [يستحلف على إيجاد الوكالة]
(16)
وإن أنكر المطلوب الوكالة فقال الوكيل استحلفه ما وكلني استحلفه على [ذلك]
(17)
فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين قضيت عليه بالمال للوكيل؛ لِأَنَّ [نكوله]
(18)
كإقراره ولم يصدق على الطالب حتى إِذَا أنكر الطالب ذلك كان له أن يأخذ ماله من الغريم.
(1)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 282)، وتعقبه الزيلعي بقوله:«هذا سؤال حسن، والجواب غير مخلص على قول أَبِي حَنِيفَةَ: فإنه لو كان رسولًا لما كان له أن يخاصم» .
(2)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(3)
[ساقط] من (ب).
(4)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(5)
في (ج)(الوكيل).
(6)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 20).
(7)
[ساقط] من (ب).
(8)
فِي (أ)(إلا من).
(9)
مُحَمَّد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى يسار، وقيل: داود بن بلال. أنصاري كوفِي. فقيه من أصحاب الرأي. ولي القضاء 33 سنة لبني أمية، ثم لبني العباس. له أخبار مع أَبِي حَنِيفَةَ وغيره. مات بالكوفة (ت 148 هـ).
يُنْظَر: تهذيب الكمال (25/ 622)، سير أعلام النبلاء (6/ 310)، والأعلام للزركلي (6/ 189).
(10)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (6/ 28).
(11)
[ساقط] من (ج).
(12)
[ساقط] من (ج).
(13)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(14)
يُنْظَر: المحصول للرازي (4/ 628).
(15)
[ساقط] من (ج).
(16)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(17)
في (ج)(ملكه).
(18)
فِي (أ)(يكون له).
وذكر الخَصَّافُ
(1)
(2)
رحمه الله هذا الفصل فِي كتابه وقال: لا يحلّف المطلوب على الوكالة فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
(3)
وفِي قولهما
(4)
يحلّف على العلم وجه قولهما ظاهر فإنّه ادَّعى عليه ما لو أقرّ به لزمه فإِذَا أنكره حلّفه عليه ولكنه استحلاف على فعل الغير فيكون على العلم وأبو حَنِيفَةَ رحمه الله يقول: الاستحلاف يبنى على صحة الدعوى وما لم يثبت كونه نائباً عن الآمر لا يصح دعواه على المطلوب فلا يكون له أن يحلفه وهذا نظير الاختلاف فيما إِذَا ادَّعى المشتري عيب الإباق فِي العبد للحال وجحده البائع أنه عندهما يحلف البائع على العلم وعند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لا يحلّف؛ لِأَنَّ الخصومة فِي العيب لا تكون إلا بعد ثبوته فِي الحال وبدون سبب الخصومة لا يستحلف، وإن أقرّ المطلوب بالوكالة وأنكر الدين فعلى قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يستحلف المطلوب [وعندهما]
(5)
لا يستحلف؛ لِأَنَّ الوكيل بقبض الدين عنده يملك الخصومة وقد تثبت الوكالة بإقراره فِي حقه (فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ) أي: حضر رب الدين [فصدَّق الوكيل كان ما دفع المديون إلى الوكيل قضاء لدينه (وَإِلَّا دَفَعَ إلَيْهِ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ ثَانِيًا)
(6)
أي: وإِذَا لم يصدقه رب الدين]
(7)
وجب على المديون دفع الدين إلى رب الدين ثانياً (وَالْقَوْلُ فِي ذلك قَوْلُه) أي: قول منكر الوكالة وهو ربّ الدين لِأَنَّ الدين كان ثابتاً فالمديون يدَّعي أمراً عارضاً وهو سقوط الدين بأدائه إلى الوكيل والموكل ينكر الوكالة فكان القول قول المنكر (ويرجع به على الوكيل) أي: ويرجع المديون (فله أن ينقض قبضه) أي: فللمديون أن ينقض قبض الوكيل (لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مُحِقٌ فِي الْقَبْضِ)
(8)
أي: لِأَنَّ المديون بتصديق الوكيل كان فِي زعمه أن الوكيل محق فِي قبض الدين وإنكار رب الدين وكالته ظلم منه وكذلك طلب الدين ثانياً من المديون ظلم أيضاً (فكانا) أي: الوكيل والمديون مظلومين [فِي زعم المديون]
(9)
.
(1)
أحمد بن عمرو، قيل: عمر بن مهير، قيل: مهران أبو بكر الشَّيْبَانِي الخصاف الفقيه المحدث، له من المصنفات: الحيل، الشروط الكبير والصغير، الرضاع، غير ذلك، (ت 261 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 230)، الطبقات السنية (1/ 123)، تاج التراجم (97).
(2)
يُنْظَر: شرح أدب القاضي للخصاف (2/ 160 - 161).
(3)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (3/ 229)، البحر الرائق (7/ 184).
(4)
هما مُحَمَّد وأبي يُوسُف. يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 76)، نتائج الأفكار (8/ 135).
(5)
[ساقط] من (ج)
(6)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(7)
[ساقط] من (ج)
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 151).
(9)
[ساقط] من (أ) و (ج).
وقوله: (وهو)
(1)
أي: المديون (مظلوم فِي هذا الأخذ)
(2)
وهو أخذ رب الدين الدين من المديون ثانياً (وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ)
(3)
أي: المديون لا يأخذ/ من الوكيل بعد هلاك ما دفعه إليه؛ لِأَنَّ الوكيل فِي زعم المديون محق فِي قبضه الدين عنه وأخذ المديون مثل الدَّين الذي دفعه إليه بعدما هلك المدفوع ظلم من المديون وفِي المَبْسُوط
(4)
فإن صدَّقه فِي الوكالة ولم يضمّنه لم يرجع به عليه لأنهما تصادقا على أنّه فِي المقبوض [أمين]
(5)
وأن الطالب فِي قبضه من الغريم [ثانياً]
(6)
ظالم ومن ظُلم ليس له أن يظلم غيره.
وذكر فِي الْإِيضَاحِ ولو كان له على رجل دين فجاء إنسان وادَّعى أنّه وكيل الطّالب وقبض ثُمَّ أنكر الطالب أن يكون وكَّله بذلك فهذا على ثلاثة أوجه
(7)
:
إمّا أن يصدقه أو يكذّبه، أو لا يصدّق [ولا يكذّب، أو يصدق]
(8)
ويضمن [أي: ويقول له اضمن لي ما تقبضه لو أنكر الطالب]
(9)
فإن صدقة [في]
(10)
الوكالة ولم يضمنه لم يكن له أن يضمن الوكيل لِأَنَّ فِي زعمه أنّ الوكيل قبض بحق وأنّ الطالب ظالم فليس له أن يظلم غيره وإن كذّبه ودفعه إليه على تكذيب كان له أن يضمن الوكيل لِأَنَّهُ فِي زعمه أنّه قبض بغير حق وأنّ القبض وقع من جهة يقتضي ضماناً فكان مضمونًا وكذلك إن لم يصدق ولم يكذّب لِأَنَّ الأصل عدم التصديق وكذلك إن صدَّقه وضمنه.
قوله: رحمه الله (إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ)
(11)
هذا اللفظ
(12)
مرويّ بالتشديد والتخفيف ففِي التشديد كان الضمير المستكن فِي ضمنه مسندًا إلى المديون والضمير البارز راجعًا إلى الوكيل وفِي التخفيف على العكس فإن معنى التشديد هو أن يجعل المديون الوكيل ضامنًا [عند]
(13)
دفع المال إلى الوكيل ويقول له: اضمن لي ما دفعت إليك من الطالب حتى لو أخذ الطالب من ماله أنا آخذ منك ما دفعته ولفظ المَبْسُوط
(14)
يدل على هذا وقال وإن صدّقه وضمّنه وقال: أنت وكيل ولكني لا آمن أن يجحد الطالب إِذَا حضر فاضمن لي ما يقبضه الطالب منّى وهذا ضمان صحيح؛ لِأَنَّهُ مضاف إلى سبب الوجوب فإنّ الطالب فِي حقهما غاصب فيما يقبضه ثانياً فكأنّه قال: أنا ضامن لك ما يقبضه فلان منك وهذا إضافة للضمان إلى سبب الوجوب فكان صحيحًا ومعنى التخفيف هو أن يقول الوكيل للمديون لو رجع عليك ربّ الدين ثانياً بذلك المال فأنا ضامن لك به وهو صحيح؛ (لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ ثَانِياً مَضْمُونٌ عَلَيْهِ)
(15)
أي: على ربّ الدين (فِي زَعْمِهِمَا)
(16)
أي: فِي زعم المديون والوكيل (وَهَذِهِ كَفَالَةٌ أُضِيفَتْ إلَى حَالَةِ الْقَبْضِ) أي: قبض رب الدين [ثانياً]
(17)
(بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِمَا ذَابَ لَهُ
(18)
عَلَى فُلَانٍ) أي: بما سيجب له على فلان وهذا ماضٍ أريد به المستقبل
(19)
وقد مرّ تقديره فوجه المشابهة بين المسألتين هو أنَّ الكفالة فِي قوله: (بما ذَابَ) كفالة أضيفت إلى حال وجوب فِي المستقبل على المكفول عنه، وهاهنا أيضاً كفالة الوكيل للمديون عن ربّ الدين كفالة أضيفت إلى حال وجوب فِي المستقبل على ربّ الدين وهو المكفول عنه؛ لِأَنَّ قبض الدين وإنْ كان بجهة استيفاء الدين فهو مضمون على القابض لما عُرف أن آخر الدينين يكون قضاء عن الأول وكانت كفالة الوكيل مضافة إلى حالة الوجوب التي هي حالة قبض رب الدين دينه عن المديون فيصح (وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوِكَالَةِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ) أي: ولم يكذبه أيضاً بل كان ساكتًا؛ لِأَنَّ فرع التكذيب يجيء بعد هذا بقوله: (وَكَذَا إِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى تَكْذِيبِهِ إيَّاهُ فِي الْوِكَالَةِ)
(20)
وحاصل هذا أنَّ الذي دفعه إلى الوكيل لو كان قائمًا فِي يده كما كان يستردّه المديون عند إنكار الموكّل الوكالة فِي الوجوه كلها ولو هلك المال فِي يد الوكيل يضمّنه فِي الوجوه الثلاثة:
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(2)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 125).
(5)
[ساقط] من (ج)
(6)
[ساقط] من (ج)
(7)
الصحيح على أربعة أوجه:
1 -
دفعه مع التصديق من غير تضمين.
2 -
دفعه بالتصديق مع التضمين.
3 -
دفعه ساكتاً من غير تكذيب ولا تصديق.
4 -
دفعه مع التكذيب.
(8)
[ساقط] من (ج)
(9)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(10)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(11)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(12)
اللفظ هو: ضمنه.
(13)
[ساقط] من (ج).
(14)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 125).
(15)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(16)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(17)
[ساقط] من (ج)
(18)
كذا في نسخ المخطوط، وشروح الهداية شرح البداية، والمعنى ذَابَ له عليه من الحق كذا أي: وجب وثبت. يُنْظَر: مختار الصحاح؛ للرازي (ص: 226).
(19)
يُنْظَر: البحر الرائق (6/ 257).
(20)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
أحدها:
…
فيما إِذَا دفعه بالتصديق مع التضمين.
والثاني:
…
فيما إِذَا دفعه مع أنّه لم يصدقه ولم يكذّبه بل كان ساكتاً.
والثالث:
…
فيما إِذَا دفعه مع أنه كذبه ثُمَّ إنما يضمنه فيما كان ساكتًا لِأَنَّهُ دفع المال بزعمه وزعمه أن يستفيد المديون البراءة بما يدفعه إليه فيتقيد رضاه به.
وأمّا إِذَا دفعه مع أنّه كذّبه فِي الوكالة لِأَنَّ الوكيل قبض من المديون المال بشرط أن يستفيد المديون البراءة عما فِي ذمّته فإِذَا لم يستفد هذا لم يكن المديون راضياً بقبضه بل هو فِي حقّه كالغاصب فكان له أن يضمّنه كذا فِي المَبْسُوط
(1)
.
(وَهَذَا أَظْهَرُ)
(2)
أي: فِي حق جواز رجوع المديون على الوكيل بالنسبة إلى الصورتين الأوليين لِأَنَّ فِي هذه الصورة دفعه مع التكذيب فلما رجع عليه فِي الصورتين الأوليين مع أنه لم يكذبه فيهما فلأن يرجع عليه فِي هذه الصورة لِأَنَّهُ كذّبه فيما أخذنا بالطريق الأولى لِأَنَّ الوكيل فِي حقه/ بمنزلة الغاصب على ما ذكرنا من رواية المَبْسُوط
(3)
فللمغصوب منه الرجوع على الغاصب
(4)
وقوله: (لِمَا قُلْنَا)
(5)
إشارة إلى قوله: (وَإِنَّمَا دَفَعَه إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ)، (وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا)
(6)
يَعْنِي الْوُجُوهَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ:
الأول: دَفْعُهُ مَعَ التَّصْدِيقِ مِنْ غَيْرِ تَضْمِينٍ.
الثاني: وَدَفْعُهُ بِالتَّصْدِيقِ مَعَ التَّضْمِينِ.
الثالث: وَدَفْعُهُ سَاكِتًا مِنْ غَيْرِ تَكْذِيبٍ وَلَا تَصْدِيقٍ.
الرابع: وَدَفْعُهُ مَعَ التَّكْذِيب.
(إمَّا ظَاهِرًا) أي: فِي حالة التصادق (أو مُحْتَمَلًا) أي: فِي حالة التكاذب، أو إِنْ كَانَ الْوَكِيلُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ، كان صادقاً فِي قوله، أَوْ مُحْتَمَلًا إنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورَ الْحَالِ كان قوله محتملاً الصدق (وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِغَرَضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ)؛ ولِأَنَّ يبقى الإنسان فِي نقص ما تم من جهته مردود، كما إِذَا كان الشفيع وكيل المشتري ليس له الشفعة؛ لِأَنَّهُ لو كان له الشفعة كان سعياً فِي نقض ما تم من جهته وهو البيع؛ لِأَنَّ البيع تم من جهة الشفيع (لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ) فلما أقرّ ببقاء الوديعة على ملك المودع لم يصحّ إقراره لغيره بحق القبض (بِخِلَافِ الدَّيْنِ)
(7)
حيث يؤمر بالدفع إلى الوكيل الذي صدّقه فِي وكالته لِأَنَّ الديون تقضي بأمثالها لا بأعيانها
(8)
فكان إقرار المديون إقراراً على نفسه بحق المطالبة والقبض كذا ذكره الإمام قَاضِي خَانْ رحمه الله ثُمَّ تلك الوجوه الأربعة التي ذكرها في الوكيل بقبض الدين وإرادة في الوكيل بقبض الوديعة أيضاً فقال فِي المَبْسُوط
(9)
: وإِذَا قبض رجل وديعة رجل فقال ربّ الوديعة: ما وكّلتك وحلف على ذلك وضمّن ماله المستودع رجع المستودع بالمال على القابض إن كان عنده بعينه؛ لِأَنَّهُ ملكه بأداء الضّمان وإن قال هلك مني أو دفعته إلى الموكل فهو على التفصيل الذي قلنا إن صدقه المستودع فِي الوكالة لم يرجع عليه بشيء وإن كذّبه أو لم يصدّقه ولم يكذبه أو صدّقه وضمّنه كان له أن يضمنه لما قلنا.
(1)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 124).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(3)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 124).
(4)
(لِأَنَّهُ إذَا كَذَّبَهُ صَارَ الْوَكِيلُ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ قَطْعًا). يُنْظَر: فتح القدير (18/ 236).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(6)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(7)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(8)
يُنْظَر: الأشباه والنظائر (1/ 278).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 163).
وذكر فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ
(1)
فِي فصل الوديعة إِذَا لم يؤمر بالتسليم ومع هذا سلّم ثُمَّ أراد الاسترداد هل له ذلك ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(2)
أنه لا يملك
(3)
الاسترداد؛ لِأَنَّهُ ساعٍ فِي نقض ما أوجبه وقال أيضاً وإِذَا لم يؤمر المودع بالتسليم ولم يسلم حتَّى ضاعت فِي يده هل يضمن؟
قيل: لا يضمن وكان ينبغي أن يضمن؛ لِأَنَّ المنع من وكيل المودع فِي زعمه بمنزلة المنع من المودع والمنع من المودع يوجب الضمان فكذا من وكيله (لَا يَبْقَى مَالَهُ) بالنصب هكذا كان معرباً بإعراب شيخي رحمه الله أي: لا يبقى مال الوديعة مال المودع (بَعْدَ مَوْتِهِ) أي: منسوباً إليه ومملوكًا له فكان انتصابه على تأويل الحال كما فِي كلمته فاه إلى فيّ أي مشافهاً مادام حياً أي: مادام المودع حيًّا (لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ) أي: لِأَنَّ المودع من أهل الملك (فَلَا يُصَدِّقَانِ) أي: مدّعي الشراء والمودع المصدق لشراه (عليه) أي: على المودع (فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ)
(4)
أي: يدفع الغريم الدّين إلى الوكيل بقبض الدين (لِأَنَّ الْوِكَالَةَ قَدْ تَثَبَتْ)
(5)
وكذلك الوكيل يطلب الشفعة إِذَا ادّعى المشتري أنّ الشفيع سلّم وأراد يمينه يؤمر بتسليم الدار إلى الوكيل ويقال له: اتبع الشفيع وحلفه؛ لِأَنَّ الوكالة قد تثبت.
فإن قيل: لا نسلم أن الوكالة قد تثبت فبأي دليل يعلم ثبوت الوكالة ولو قيل: بسبب ادّعاء المديون (أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدِ اسْتَوْفَاهُ)
(6)
فذلك لا يصلح دليلا على صحة ثبوت الوكالة بل هو دليل على عدم صحة الوكالة لِأَنَّ الدين إِذَا كان مستوفى من جانب من له الحق كان التوكيل بالاستيفاء به باطلاً لا محالة فكيف تثبت الوكالة بهذه الدّعوى.
قلنا: لما ادّعى الغريم استيفاء رب الدين دينه كان هو معترفاً لأهل الحق ألا ترَى أن قول المدعى عليه قد قضيتكها إقرار بالدّين عند دعوى المدّعي ذلك فلما ثبت الدين بإقراره ولم ينكر الوكالة كان للوكيل ولاية الطلب فيُقضى عليه بالإيفاء كما لو ادّعى استيفاء رب الدّين عند دعواه بنفسه كان يقضى عليه بالإيفاء فكذا عند دعوى وكيله لِأَنَّ الوكيل قائم مقام الموكل (وَيَتْبَعُ رَبُّ الْمَالِ)
(7)
أي: يتبع المديون رب الدين (رِعَايَةً لِجَانِبِهِ) أي: لجانب الغريم وهو المديون (وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ)
(8)
والنِّيَابة لا تجري فِي الأيمان
(9)
.
(1)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 200)، نتائج الأفكار (8/ 135).
(2)
يُنْظَر: شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ للصدر الشهيد (480 - 482).
(3)
[ذلك] ساقط من (ب) والمعنى يستقيم بدونه.
(4)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(6)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(7)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(9)
يُنْظَر: تخريج الفروع على الأصول (ص: 83).
وذكر فِي الْإِيضَاحِ ولو أراد المطلوب أن يحلّف الوكيل ما [لم]
(1)
يعلم أنّ الطالب [قد]
(2)
يستوفِي الدين لم يحلفه فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف.
(3)
[وقال زُفَر رحمه الله:]
(4)
احلفه على العلم فإن أبى أن يحلف خرج عن الوكالة وكان الطالب على حجته؛ لِأَنَّ/ الوكيل لو أقرّ بذلك بطلت وكالته فجاز أن يحلف عليه وأبو حَنِيفَةَ وأبو يُوسُف يقولان: بأنّه يدّعي حقاً على الموكل لا على الوكيل فلو حلَّفْنا الوكيل لحلَّفْناه بطريق النيابة، والنيابة بالأيمان لا تجري، وهذا بخلاف الوارث حيث يحلف على العلم يعني ما يعلم أنَّ المورث قد استوفى الدين؛ لِأَنَّ الحق ثبت للوارث فكان مدّعياً عليه بطلان حقّه بفعل وجد من المورث فكان الحلف بطريق الأصالة دون النيابة إلا أنّه يستحلف على العلم وفِي مسألتنا الوكيل نائب [وليس بأصيل]
(5)
والنيابة لا تجري فِي اليمين.
(وَإِنْ وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ فِي جَارِيَةٍ)
(6)
أي: وكَّله بردّ الجارية بسبب العيب (بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ) أي: يؤمر المديون بدفع الدّين إلى الوكيل بدون تحليف الوكيل؛ (لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ هُنَالِكَ)
(7)
أي: فِي مسألة الدين وذكر الفرق فِي المَبْسُوط
(8)
بين مسألة الدين ومسألة العيب من وجهين:
أحدهما:
…
أنّ فِي الدّين حق الطالب ثابت بيقين إذ ليس فِي دعوى الاستيفاء والإبراء ما ينافِي ثبوت أصل حقه لكنّه يدعي الإسقاط بعد تقرر السبب الموجب فلا يمتنع على الوكيل الاستيفاء ما لم يثبت المسقط، وأمّا فِي العيب إن علم المشتري بالعيب وقت العقد فيمتنع ثبوت حقه فِي الرد أصلاً فالبائع ليس يدّعي مسقطًا بل يزعم أنّ حقه فِي الردّ لم يثبت أصلاً فلابدّ من أن يحضر الموكل ويحلف ليتمكنّ من الردّ عليه.
وثانيهما:
…
أنّ الردّ بالعيب بقضاء القاضي فسخ للعقد والعقد إِذَا انفسخ لا يعود فلو أثبتنا له حقّ الردّ تضرر به الخصم فِي انفساخ عقده عليه، فأمّا قضاء الدين فليس فيه فسخ عقد، وإِذَا حضر الموكل فأبى أن يحلف يتوصّل المطلوب إلى قضاء حقّه فلهذا أمر بقضاء الدين.
(1)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(2)
فِي (أ)(فلا).
(3)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (3/ 406).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
[ساقط] من (ج)
(6)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(7)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 16).
(وَهَاهُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ)
(1)
أي: التدارك غير ممكن فِي مسألة ردّ الجارية بالعيب، لِأَنَّهُ لا يتمكّن من إعادة البيع بعدما قضى القاضي بالفسخ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ القاضي فِي العقود يَنْفَذُ ظاهراً وباطنًا
(2)
، وإن ظهر بطلان الحجة ألا ترَى أن عند مُحَمَّد رحمه الله إِذَا لم ينفذ قضاء القاضي باطنًا فِي العقود والفسوخ كانت المسألة الثانية والأولى سواء أي: يرد القاضي فيهما جميعًا وعند أبي يُوسُف رحمه الله لو كان المشتري [حاضراً]
(3)
و أراد أن يرد بالعيب لا يردّه القاضي ما لم يستحلف المشتري بالله ما رضيت بهذا العيب، وإن كان البائع لم يدع وإِذَا كان المشتري غائباً ومن مذهبه أنه لا يردّ إلا بعد اليمين لا يرد حتى يحضر المشتري ويحلف صيانة للقضاء عن البطلان كذا ذكره الإمام قَاضِي خَانْ رحمه الله-فِي الجامع الصغير
(4)
.
[(لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ مَاضٍ عَلَى الصِّحِّةِ، وَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله-كَمَا هُوَ مَذْهَبِهِ)
(5)
(6)
فإن القضاء بالردّ ينفذ ظاهراً وباطنًا عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله كذا ذكره الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيّ رحمه الله
(7)
.
وذكر فِي الذَّخِيرَةِ
(8)
فإن لم يكن للبائع بَيِّنَةٌ على رِضَا الْآمِرِ بالعيب وردّ الوكيل الجارية على البائع بالعيب ثُمَّ [حضر]
(9)
الآمر وادّعى الرضا وأراد أخذ الجارية فأبى البائع أن يدفعها وقال قد نقض القاضي البيع فلا سبيل لك عليها فإن القاضي لا يلتفت إلى قول البائع ويرد الجارية على الآمر؛ لِأَنَّ البائع مع الآمر تصادقا على أن الجارية ملك للآمر؛ لِأَنَّ البائع أدعى رضاء الآمر [بالعيب]
(10)
ولزوم الجارية إياه وصدقه الآمر بذلك فاستند التصديق إلى وقت الإقرار [وتحت]
(11)
هذا التصادق أن القاضي أخطأ فِي قضائه بالرد وإن قضاءه بالردّ نفذ ظاهراً لا باطنًا فبقيت الجارية على حكم [ملك]
(12)
الآمر فِي الباطن فكان للآمر أن يأخذه.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(2)
يُنْظَر: إيثار الإنصاف (ص: 344).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
تصحيف والصحيح شرح الجامع الصغير؛ لقاضي خان. يُنْظَر: درر الحكام شرح مجلة الأحكام (4/ 391).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
يُنْظَر: الجامع الصغير للشيباني (ص: 178).
(8)
يُنْظَر: المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة (6/ 552).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
[ساقط] من (ب).
(11)
في (ج)(ويجب).
(12)
[ساقط] من (ج).
بعض مشائخنا قالوا: هذا على قول مُحَمَّد رحمه الله فأمّا على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لا سبيل للآمر على الجارية، و بعضهم قالوا هذا قول الكل وهو الأصح ووجهه أن نقض القاضي هنا البيع لم يكن بناء على دليل موجب للنقض، وإنّما كان لجهله بالدليل المسقط للردّ وهو رضاء الآمر بالعيب ثُمَّ ظهر الدليل بخلافه وفِي مثل هذا لا ينفذ القضاء باطنًا كما لو قضى فِي حادثة باجتهاده وثمة نص بخلافه ذكر هذه المسألة فِي المَبْسُوط
(1)
فِي البَابِ الأول من كِتَابِ الْوَكَالَة وفِي أنواع الفصل التاسع من كِتَابِ الْوَكَالَة من الذَّخِيرَةِ وفِي آخر بَابِ الوكالة بالبيع والشراء من كتاب البيوع من شروح الجامع الصغير
(2)
.
وقوله: (لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ مَاضٍ على الصِّحَّةِ وَإِنْ/ ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ (رحمه الله
(3)
قيل هذا من فروع ما ذكر من قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنّ قضاء القاضي بشهادة الزور ينفذ ظاهراً وباطنًا [فِي العقود والفسوخ وهاهنا أيضاً لما قضى القاضي بالفسخ [نفذ]
(4)
الفسخ ظاهراً وباطنًا]
(5)
عنده وإن ظهر خطؤه عند نكول المشتري عن الحلف بأنّه ما رضي بعيب الجارية فلا يفيد استحلاف المشتري [فائدته فلذلك لا يستحلف هو عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.
(وَأَمَّا عِنْدَهُمَا قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجَوَابُ فِي الْفَصْلَيْنِ)
(6)
(7)
أي: فِي فصل الوكيل بقبض الدين وفِي فصل الوكيل برد الجارية
(8)
أي: كما يدفع الدين إلى الوكيل بدون تأخير أن يحلف ربّ الدّين بأنه لم يستوف كذلك يرد الجارية على البائع بدون تحليف المشتري بأنّه لم يرض بعيب الجارية وذلك؛ لِأَنَّ معنى عدم تأخير دفع الدين إلى تحليف [رب]
(9)
الدين كان هو احتمال التدارك عند ظهور الخطأ واحتمال التدارك فِي قضاء القاضي [بردّ الجارية على البائع بالعيب عند ظهور خطأ قضاء القاضي]
(10)
موجود عندهما؛ لِأَنَّ قضاء القاضي عندهما فِي مثل هذا وهو فيما إِذَا ظهر خطأ قضاء القاضي إنما ينفذ ظاهراً لا باطنًا كما إِذَا ظهر أن قضاءه كان بشهادة الزور فإِذَا ظهر خطأ القضاء عند نكول المشتري عن الحلف بأنّه لم يرض كانت الجارية مردودة على المشتري بعد كونها مردودة على البائع بالعيب (لِبُطْلَانِ الْقَضَاءِ)
(11)
باطلاً عندهما فلذلك (لَا يُؤَخَّرُ) قضاء القاضي بردّ الجارية على البائع أي: تحليف المشتري (لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النَّظَرَ [أي: النظر]
(12)
للبائع (حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمُشْتَرِيَ) أي: القاضي (فَيَنْتَظِرُ لِلنَّظَرِ)
(13)
إن البائع فعل هذا ينبغي أن ينظر فِي الدّين نظراً للغريم (فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ)
(14)
أي: فالعشرة التي أنفقها الوكيل من عند نفسه بمقابلة العشرة التي أخذها من الموكل أي: لا يكون الوكيل متبرعًا فيما أنفق بل ما أخذه من الموكل يكون ملكًا للوكيل وقال الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيّ: رحمه الله هذا إِذَا كانت عشرة الدافع قائمة [عند]
(15)
وقت شرائه النفقة وكان يضيف العقد إليها أو كان مطلقاً لكن كان ينوي تلك العشرة، أمّا إِذَا كانت عشرة الدافع مستهلكة أي كان يشتري النفقة بعشرة نفسه ويضيف العقد إليها يصير مشترياً لنفسه ويكون متبرّعًا بالإنفاق؛ لِأَنَّ الدراهم تتعين
(16)
فِي الوكالة وكذا لو أضاف العقد إلى غيرها (؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَالْحُكْمُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ)
(17)
أي: الحكم فِي الوكيل بالشراء وهو أَ نْ يشتري الوكيل ما وكَّل به بمال نفسه [ثم رجع]
(18)
به على الموكل (وَقَدْ قَرَرْنَاهُ)
(19)
أي: فِي بَابِ الوكالة بالبيع والشراء فِي قوله: (وَإِذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرِاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ)
(20)
وإنما قلنا: أنّ التوكيل بالشراء تجويز للاستبدال؛ لِأَنَّ الوكيل بشراء ما يحتاج إليه الأهل قد يضطر إلى شيء يصلح [لنفقتهم]
(21)
ولم يكن مال الموكل معه فِي تلك الحالة لإنفاق وجود ذلك الشيء فِي تلك الحالة أو يطالبه الأهل بذلك المال فِي زمان لا يكون مال الموكل معه فيحتاج إلى أن يؤدّي ذلك من مال نفسه [وذكر]
(22)
مسألة التوكيل بقضاء الدين إِذَا قضى الدين من مال نفسه فِي وكالة المَبْسُوط
(23)
فِي بَابِ الوكالة فِي الدين وذكر فيها القياس والاستحسان.
(1)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 15).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 186).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(4)
فِي (أ)(بعد). يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 79).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(9)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(10)
[ساقط] من (ج)
(11)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(12)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(13)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(14)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(15)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(16)
تعيين الدراهم والدنانير في حق الاستحقاق لا غير فإنهما يتعينان جنسا وقدرا ووصفا. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (7/ 320).
(17)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(18)
في (أ) و (ب)(لم يرجع).
(19)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(20)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 160).
(21)
فِي (أ)(لنفقته).
(22)
في (ج)(وحكم).
(23)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 99).
(وَفِي الْقِيَاسِ يَصِيرُ مُتَبَرِّعًا)؛ لِأَنَّ أمره بالدفع كان مقيدًا بالمال المدفوع إليه وفِي دفع مال آخر هو كأجنبي آخر فيكون متبرعًا فِي القضاء من مال نفسه دين الغريم ويرد على المطلوب ماله؛ لِأَنَّهُ ملكه دفعه إليه المقصود وقد استغنى عنه وجه الاستحسان أن مقصود الآمر تحصيل البراءة لنفسه ولا فرق فِي هذا فِي المقصود بين الألف المدفوع إلى الوكيل وبين مثلها من مال الموكل والتقييد إِذَا لم يكن مفيدًا لا يعتبر ثُمَّ الوكيل قد يبتلى بهذا بأن يجد الطالب فِي موضع وليس معه مال المطلوب فيحتاج إلى أن يدفع مثله من مال نفسه ليرجع به فِي المدفوع إليه فكان هذا توكيلاً بالمبادلة من وجه وهذا القدر يصح من الوكيل بالمبادلة ولا يكون هو متبرعًا فيما يدفع.
وقيل: هذا استحسان وإنّما ذكر بقوله: (وقيل) احترازًا عن القول الثاني وهو قوله: (وَقِيلَ: الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانْ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ)(وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ)
(1)
أي: ليس للوكيل انفاق عشرة نفسه بمقابلة عشرة الموكل [بل]
(2)
إِذَا أنفق عشرة نفسه كان متبرعًا فيما أنفق ويرد الدراهم المأخوذة على الموكل وإن استهلكها ضمن وجه القياس أنّ الدراهم تتعين فِي الوكالة حتّى/ لو هلكت الدراهم قبل الإنفاق تبطل الوكالة فإِذَا أنفق من مال نفسه [فقد أنفق بغير أمره]
(3)
فيكون متبرعًا [كمن [وكَّل]
(4)
رجلاً ليشتري له عبدًا بألف درهم ودفعها إليه فاشترى عبدًا بألف درهم من مال نفسه يكون مشترياً]
(5)
بنفسه وقد ذكر وجه الاستحسان بقوله: (لِأَنَّ الوكيل بالإنفاق وكيل بالشراء وقيل القياس والاستحسان فِي قضاء الدين) وهو أن يدفع المديون إلى رجل ألف درهم وقال ادفعها إلى فلان قضاء عني فدفع الوكيل غير ذلك من مال نفسه قضاء عنه فِي القياس يكون متبرعًا حتّى إِذَا أراد المأمور أن يحبس الألف التي دفعت إليه لا يكون له ذلك وفِي الاستحسان له ذلك ولا يكون متبرعًا.
وقوله: (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ)
(6)
فلَمَّا لَمْ يَكُنْ قَضَاءُ الدَّيْنِ شِرَاءً لَمْ يَكُنْ الْآمِرُ رَاضِيًا بِثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ لِلْوَكِيلِ فَلَوْ لَمْ نَجْعَلْهُ مُتَبَرِّعًا لَأَلْزَمْنَاهُ دَيْنًا لَمْ يَرْضَ بِهِ فَجَعَلْنَاهُ مُتَبَرِّعًا قِيَاسًا.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
(2)
[ساقط] من (ب).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
فِي (ب)(أمر).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 152).
وأمّا فِي مسألة الإنفاق رضي الآمر بثبوت الدين فِي ذمّته للوكيل؛ لِأَنَّهُ أمره بالإنفاق والأمر بالإنفاق أمر بشراء الطعام والشراء لا يتعلق بعين تلك الدراهم إنما يتعلَّق بمثلها فِي [الذمة]
(1)
ثُمَّ يثبت له حق الرجوع على الآمر فكان راضياً بثبوت الدين فلم يجعل متبرعًا قياساً أيضاً.
وأمّا ما ذكره فِي وجه القياس أنّ الدراهم تتعينّ فِي الوكالات حتّى لو هلكت بعد القبض
(2)
بطلت الوكالة.
قلنا: تتعين هي فِي حق الوكالة و لا تتعيّن فِي حق القضاء حتّى إن للمطلوب أن يدفع إلى الطالب دراهم غير ما دفعها إلى الوكيل والقضاء لا يبطل بهلاكها وباعتبار الوكالة إن صار متبرعًا فباعتبار جانب القضاء لم يصير متبرعًا لأنها لا تتعين فِي حق القضاء [فلا [يجعل]
(3)
متبرعًا حالة الشك بل يترجح جانب القضاء]
(4)
صيانة لملكه عن الزوال بغير بدل كمن دفع إلى غيره ألف درهم ليتصرف فيها فإنّه يجعل قرضاً ولا يجعل هبة وإن احتمل الدفع لهذين الأمرين جميعًا صيانة لملكه عن الزوال بغير بدل وكذا لو أعطى غيره مالاً وقال حج به أو أغز به فِي سبيل الله أو أنفقه على نفسك وعيالك كان قرضاً حتى لو اختلفا فقال المعطي نويت القرض وقال المعطى له أعطيتني صلة فِي سبيل الله فالقول قول المعطي وكذلك لو زوّج الرجل ابنته وسلّمها مع الجهاز إلى الزّوج ثُمَّ ماتت البنت فقال الزوج كان [المال]
(5)
صلة لها ولي منه الميراث وقال الأب لا بل كنت أعرتها [القول قول الأب فِي أن الجهاز كان تبرعا]
(6)
فالقول قول الأب ويحمل على التبرع بطريق العارية صيانة لملكه عن الزوال بغير بدل كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله فِي الجامع الصغير
(7)
وأحال المسألة الأخيرة إلى [آخر]
(8)
شرح السير الكبير
(9)
المنسوب إلى الإمام شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِي رحمه الله (فَلَا يَدْخُلَانِهِ)
(10)
أي: فلا يدخل القياس والاستحسان فيما ذكرنا من مسألة الإنفاق بل كان فيه حكم القياس كحكم الاستحسان فِي أنّ الوكيل لا يكون متبرعًا بالإنفاق من مال نفسه
(11)
. والله أعلم بالصواب.
(1)
فِي (أ)(الأمة).
(2)
وقبل الإتفاق.
(3)
فِي (أ)(يكون).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(7)
يُنْظَر: البحر الرائق (3/ 200).
(8)
[ساقط] من (ج).
(9)
شرح السير الكبير؛ لشمس الأئمة محمد بن أحمد السرخسي (ت 490 هـ)، المحقق محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، سنة النشر (1417 هـ)، عدد المجلدات 5، الطبعة الأولى، وهو شرح لكتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني (ت 189 هـ). يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1013).
(10)
(قال ومن دفع إلى رجل عشرة دراهم لينفقها على أهله فأنفق عليهم عشرة من عنده فالعشرة بالعشرة لأن الوكيل بالانفاق وكيل بالشراء والحكم فيه ما ذكرناه وقد قررناه فهذا كذلك وقيل هذا استحسان وفي القياس ليس له ذلك ويصير متبرعا وقيل القياس والاستحسان في قضاء الدين لأنه ليس بشراء فأما الإنفاق فيتضمن الشراء فلا يدخلانه). يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(11)
(أنه أنفق دراهمه مع بقاء دراهم الموكل)، محل ذلك إذا كانت الدراهم والدنانير سكتها واحده. يُنْظَر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (3/ 338).
باب عزل الوكيل
أخَّر باب العزل إذ العزل يقتضي سبق الإثبات (يُطْلَبُ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ)
(1)
[أي: [بالتماسٍ
(2)
(3)
من جهة المدّعي [قيد بهذين القيدين لِأَنَّهُ لو وكَّل المدعى عليه لا يطلب المدّعي]
(4)
يملك المدعى عليه عزله وكذلك إن كان الوكيل من جانب الطالب يملك الطالب عزله سواء كان ذلك بطلب المدّعى عليه أو لم يكن بطلبه ولكن عدم صحة العزل إِذَا كان بطلب من جهة الطالب فيما إِذَا كان العزل عند غيبة الطالب.
وأمّا إِذَا كان عزله عند حضرة الطالب فيصح عزله سواء رضي به الطالب أو لم يرضَ وهذه القيود مستفادة مما ذكر فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ ذكر فِي الذَّخِيرَةِ
(5)
وإِذَا عزل الوكيل حال غيبة الخصم فهو على وجهين:
الأول:
…
أن يكون الوكيل وكيل الطالب وفِي هذا الوجه العزل صحيح وإن كان المطلوب غائباً؛ لِأَنَّ الطالب بالعزل يبطل حق نفسه لِأَنَّ خصومة الوكيل حق الطالب وإبطال الإنسان حق نفسه صحيح من غير أن يتوقف على حضرة غيره.
الثاني:
…
أن يكون الوكيل [وكيل المطلوب وأنّه على وجهين أيضاً الأول أن يكون التوكيل من غير]
(6)
التماس واحد وفِي هذا الوجه العزل صحيح وإن كان الطالب غائباً والوجه الثاني إِذَا كان التوكيل بالتماس أحدٍ إما/ الطالب أو القاضي وفِي هذا الوجه إن كان الوكيل غائباً وقت التوكيل ولم يعلم أنه بالتوكيل صحّ عزله على كلّ حال؛ لِأَنَّ هذه الوكالة غير نافذة؛ لِأَنَّهُ لا نفاذ لها قبل علم الوكيل فكان العزل رجوعًا وامتناعاً، وإن كان الوكيل حاضراً وقت التوكيل أو كان غائباً ولكن قد علم بالوكالة ولم يردها فإن كانت الوكالة بالتماس الطالب لا يصح عزله حال غيبة الطالب ويصح حال حضرته رضي به الطالب أو سخط؛ لِأَنَّ بالتوكيل يثبت نوع حق للطالب قبل الوكيل وهو حق أن يحضره مجلس الحكم ويخاصمه ويثبت حقه عليه وبالعزل حال غيبة الطالب لو صحّ العزل يبطل هذا الحق أصلاً، وأمّا إِذَا كان الطالب حاضراً فحقه لا يبطل أصلاً لِأَنَّهُ إن كان لا يمكنه الخصومة مع الوكيل يمكنه مع المطلوب ويمكنه أن يطلب من المطلوب أن ينصّب وكيلاً آخر.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(2)
الالتماس: الطلب. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (3/ 975).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة (8/ 663).
(6)
[ساقط] من (ج).
وذكر فِي البَابِ الأول من وكالة المَبْسُوط
(1)
بعدما ذكر أنّ الوكيل فِي الخصومة لا يكون للموكل أن يخرجه من الوكالة إلا بمحضر من الخصم؛ لِأَنَّهُ تعلّق بهذه الوكالة حق الخصم فإنّه إنما خلى سبيله اعتماداً على أنّه يتمكن من إثبات حقه على الوكيل متى شاء فلو جوّزنا عزله بدون محضر من الخصم تضرر به الخصم بأن يعزل الموكل وكيله ويخفِي شخصه فلا يتوصّل الخصم إلى إثبات حقه فلمراعاة حق الخصم لا يتمكن من عزل الوكيل فقال وعلى هذا قال مشائخنا إِذَا وكَّل الزّوج وكيلاً بطلاق امرأته بالتماسها ثُمَّ سافر لا يملك عزل الوكيل إلا بمحضر منها والأصح أنه يملك هناك؛ لِأَنَّهُ لا حق للمرأة فِي سؤال الطلاق والتوكيل عند سفر الزوج وهاهنا للخصم حق فِي أن يمنع خصمه من أن يسافر وأن يلازمه يثبت حقه عليه وإنما ترك ذلك لتوكيله وعلى هذا قال بعض مشائخنا إِذَا قال الزوج للوكيل بالطلاق كلما عزلتك فأنت وكيلي لا يملك عزله؛ لِأَنَّهُ كلما يعزله تتجدد وكالته فإنّ تعليق الوكالة بالشرط صحيح
(2)
.
والأصح عندي أنه يملك عزله بأن يقول عزلتك عن جميع الوكالات فينصرف ذلك إلى المعلّق والمنفذ لأنا لو لم نجوّز ذلك أدّى إلى تغيير حكم الشرع بجعل الوكالة من لوازم العقود وذلك باطل.
(وَصَارَ كَالْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الرَّهْنِ)
(3)
(4)
صورتها إِذَا وضع الرهن على يدي عدل وشرط فِي الرهن أن يكون العدل مسلّطًا على البيع ثُمَّ [إِذَا]
(5)
أراد الراهن أن يعزل العدل عن البيع ليس له ذلك؛ لِأَنَّ البيع صار حقاً للمرتهن وبالعزل يبطل هذا الحق على المرتهن وكذا إِذَا تعلّق حق الوكيل تعيّن من أعيان الموكّل لا يملك إخراجه عن الوكالة نحو [إِذَا]
(6)
أمره أن يبيع ويستوفِي الدين من ثمنه كذا فِي الذَّخِيرَةِ
(7)
.
(1)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 10).
(2)
يُنْظَر: الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي- السبكي الكبير (1/ 128)
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(4)
يعني: (بأن وضع الرهن على يدي عدل، وشرط فِي الرهن أن يكون العدل مسلطاً على البيع، ثم أراد الراهن أن يعزل العدل عن البيع، وليس له ذلك؛ لأن البيع صار للمرتهن، وبالعزل يبطل هذ الحق). يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 139).
(5)
[ساقط] من (ب).
(6)
[ساقط] من (ب).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة (10/ 366).
فإن قلت: من أين وقع الفرق بين الوكيل فِي الخصومة بطلب من جهة الطالب [وبين]
(1)
الوكيل الذي ثبتت وكالته فِي ضمن عقد الرهن حيث يملك الموكل عزل الوكيل حال حضرة الخصم وإن لم يرض به الخصم على ما ذكرت ولا يملك عزل الوكيل الذي ثبتت وكالته فِي ضمن الرهن حال حضرة المرتهن إِذَا لم يرض المرتهن به مع أن فِي كل منهما تعلق حق الغير بوكالة الوكيل فيهما ومع وجود هذه المفارقة كيف شبّه هذا به؟.
قلت: الفرق بينهما من حيث إنّ العزل لو صحّ فيما نحن فيه حال حضرة المدّعي وهو الطالب لا يبطل حق الطالب أصلاً؛ لِأَنَّهُ يمكنه أن يخاصم المطلوب.
وأمّا فِي مسألة الرهن لو صحّ العزل حال حضرة المرتهن [يبطل]
(2)
حقّه فِي [البيع أصلاً؛ لِأَنَّهُ لا يمكنه أن يطالب الراهن بالبيع، وأمّا وجه التشبيه فهو تعلّق حق الغير بوكالة الوكيل وبطلان]
(3)
حق ذلك الغير عند صحة العزل فِي غيبته إلى هذا أشار فِي الذَّخِيرَةِ.
(فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ)
(4)
وهذا عندنا
(5)
وقال الشَّافِعِيُّ
(6)
: رحمه الله ينعزل؛ لِأَنَّ نفوذَ الوكالة لحق الموكل فهو [بالعزل]
(7)
يسقط حق نفسه و يتفرد المرء بإسقاط حق نفسه، ألا ترَى أنه يطلّق زوجته ويُعتق عبده بغير علم منهما فيكون ذلك صحيحًا.
والثاني: أنّ الوكالة للموكل لا عليه ولهذا لا يكون ملزمًا إياه فلو لم ينفرد بالعزل قبل علم الوكيل به كان ذلك عليه من وجه، وذلك لا يجوز ولكنا نقول العزل خطابٌ ملزمٌ للوكيل بأن يمتنع من التصرف وحُكمُ الخطابِ لا يَثْبُتُ فِي حق [المخاطب]
(8)
ما لم يعلم به
(9)
كخطاب الشرع فإنّ أهل قباءٍ كانوا يصلون إلى بيت المقدس بعد الأمر بالتوجه إلى الكعبة [وجوّز]
(10)
لهم رسول الله عليه السلام حين لم يعلموا به وكذلك كثير من الصحابة رضي الله عنهم شربوا الخمر بعد نزول تحريمها قبل/ علمهم بذلك وفيه نزل قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}
(11)
؛ وهذا لِأَنَّ الخطاب مقصود للعمل به ولا يتمكن من العمل ما لم يُعلم به ولو أثبتنا العزل فِي حق الوكيل قبل علمه أدى إلى الإضرار به
(12)
، وهذا بخلاف ما إِذَا أعتق العبد الذي وكله ببيعه؛ (لِأَنَّ هَذَا عَزْلٌ حُكْمِيٌّ) لضرورة فوات المحل (فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ) وهاهنا إنَّما يثبت [العزل]
(13)
قصدًا فلا يثبت حكمه فِي حق الوكيل ما لم يعلم به دفعًا للضرر عنه حتى إِذَا نفّذ القاضي على الوكيل قبل علمه بالعزل كان نافذاً كذا فِي المَبْسُوط
(14)
.
(1)
فِي (أ)(فيبق).
(2)
[ساقط] من (أ).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(5)
أي عند الأحناف.
(6)
يُنْظَر: التنبيه (1/ 110)، الحاوي في فقه الشافعي (6/ 519)، المجموع شرح المهذب (14/ 154).
(7)
فِي (أ)(بالقول).
(8)
في (ج)(الطالب).
(9)
يُنْظَر: كشف الأسرار (4/ 480).
(10)
[ساقط] من (ج).
(11)
سورة المائدة من الآية: (93).
(12)
[والغرور ولم يثبت للموكل عليه ولاية الإضرار به] ساقطه من (ج) والمعنى يصح بدونها.
(13)
فِي (أ)(القول).
(14)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 27).
(لِأَنَّ فِي الْعَزْلِ إضْرَاراً بِهِ) ِ أي: بالوكيل (مِنْ حَيْثُ إبْطَالُ وِلَايَتِهِ)
(1)
وفِي إبطال ولايته تكذيبه؛ لِأَنَّ الوكيل لما زوّج لموكله أو طلّق امرأته أ وباع أو اشترى له على ادّعائه وكيله ثُمَّ لو صحّ عزله من غير علم الوكيل كان تكذيباً للوكيل فيما ادّعى من الوكالة لبطلان ولايته على هذه التصرفات بالعزل وفِي تكذيبِ الإنسانِ فيما يقولُ ضررٌ عليه وهذا المعنى عام يشمل جميع التصرفات من النكاح والطلاق والبيع والشراء (فَيَنْقُدُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ) أي: إِذَا كان وكيلاً من جانب المشتري (وَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ) أي: إِذَا كان وكيلاً من جانب البائع (فَيَضْمَنُهُ) أي: ما نقد من الثمن وما سلّم (من المبيعِ)
(2)
أي: على تقدير صحة العزل (لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ) وهو أن فِي العزل إضراراً به من حيث إبطال ولايته فيتناول (الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ) وكذلك الوكيل إِذَا عزل نفسه لا يصحّ عزله من غير علم الموكل ولا يخرج عن الوكالة وإِذَا جحد الموكل الوكالة وقال: لم أوكله لم يكن ذلك عزلاً كذا فِي الذَّخِيرَةِ
(3)
.
(وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوِ الْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ)
(4)
أي: فِي فصل القضاء بالمواريث من كتاب أدب القاضي فِي قوله: (ولا يكون النهي عن الوكالة حتّى يشهد عنده شاهدان) إلى آخره
(5)
.
[ما تبطل به الوكالة]
(وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ)
(6)
وهذا إنما كان فِي موضع يملك الموكل عزله.
وأما فِي موضع لا يملك عزله لا ينعزل بالجنون إلى هذا أشار فِي الذَّخِيرَةِ فقال بعدما ذكر ما ينعزل به الوكيل فِي وكالة غير لازمة، فأمّا إِذَا كانت الوكالة لازمة بحيث لا يقدر الموكل على عزله [لا يكون لبقاء الوكالة حكم الإنشاء وكان الوكيل فِي هذه الوكالة بمنزلة المالك من حيث إنّه لم يملك الموكل عزله]
(7)
ومن ملك شيئاً من جهة أخرى ثُمَّ جُنّ المالك فإنه لا يبطل ملكه كما لو ملك عينًا فكذا إِذَا ملك التصرف وبهذا الطريق إِذَا جعل أمر امرأته بيدها ثُمَّ جُنَّ الزوج لا يبطل الأمر وكذلك العدل إِذَا سلّط على بيع الرهن فكان التسليط مشروطًا فِي عقد الرهن لا ينعزل الوَكِيلُ بجنونِ المُوكِّل وإن كان الجنون مطبقاً. (لِأَنَّ التَّوْكِيلَ تَصَرُّفٌ غَيْرُ لَازِمٍ، [فَيَكُونُ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ)
(8)
، أمّا كونه غير لازم]
(9)
فقد ذكرنا أنّ الموكل يملك عزله بدون رضاء الوكيل عُلم أنّه غير لازم.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(2)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 153).
(3)
يُنْظَر: المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة (9/ 213).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(5)
(أو رجل عدل وإذا باع القاضي أو أمينه عبدا للغرماء وأخذ المال فضاع واستحق العبد لم يضمن وإن أمر القاضي الوصي ببيعه للغرماء ثم استحق أو مات قبل القبض وضاع المال رجع المشتري على الوصي ورجع الوصي على الغرماء) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 153).
(6)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(9)
[ساقط] من (ج).
فإن قلت: قد جعل كون حكم الابتداء [لدوامه]
(1)
نتيجة كون التصرف غير لازم فكان فيه إشارة إلى أن التصرف إِذَا كان لازمًا لا يكون لدوامه حكم الابتداء فما الفقه فيه.
قلت: الفقه فيه هو أنَّ التصرف إِذَا كان غير لازم كان المتصرف فِي كل لحظة من لحظات دوام التصرف بسبيل من [النقض
(2)
(3)
، والفسخ فلما لم يفسخ جُعل امتناعه عن الفسخ عند إمكانه منه بمنزلة ابتداء تصرف آخر من جنسه إنزالاً [لا]
(4)
يتمكن مكان المبتدئ والمنشي كما قال صاحب الكشاف
(5)
فِي قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى}
(6)
بعد سؤاله لنفسه بقوله: كيف اشتروا الضلالة بالهدى وما كانوا على هدى؟ ثُمَّ أجاب عنه بأنّهم جعلوا على هدى تقديراً لتمكنهم منه فصار كأن الهدى كان فِي أيديهم فإِذَا تركوه إلى الضلالة فقد عطّلوه واستبدلوها به
(7)
وهذا أيضاً كما ذكره الإمام المحقق شمسُ الأئمةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله فِي أصول الفقه فِي أوائل النهي
(8)
بأنّ مذهب أهل السنة والجماعة أنّ ترك الفعل فعل فيه من استعمال أحد الضدّين والانتهاء عن المنهي عنه إنما يتحقّق بالترك؛ وذلك لِأَنَّ حقيقة الانتهاء الامتناع عن [إيجاد]
(9)
المنهي عنه كما فِي شرب الخمر مثلاً ثُمَّ إنْ دعته نفسه إلى الإيجاد يلزمه الترك ليكون ممتنعًا فكان هذا الامتناع عند دعاء نفسه إياه إلى ارتكاب المنهي فعلا منه تقديراً.
وهذا لِأَنَّ المنهي مثاب بالانتهاء لا محالة بقوله تعالى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}
(10)
(1)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(2)
النقض: بيان أن ما اعتمده المستدل من المعنى غير معتبر. يُنْظَر: تقويم النظر (2/ 225).
(3)
في (ج)(التصرف).
(4)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(5)
كتاب الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للعلامة جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (538 هـ) الْكِتَاب مطبوع في أربعة مجلدات طبعته دار الْكِتَاب العربي ـ بيروت عام 1407 هـ.
(6)
سورة البقرة من الآية: (16)، سورة البقرة من الآية:(175).
(7)
يُنْظَر: الكشاف؛ للزمخشري (1/ 107).
(8)
يُنْظَر: أصول السرخسي (1/ 79).
(9)
فِي (أ)(ايجاب) وفي (ج)(الجانب).
(10)
سورة النازعات من الآيتين (40 - 41).
ثم الله تعالى [قصد جزء]
(1)
الأعمال على السعي بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)}
(2)
والسعي/ أمر وجودي فلابدّ أن يكون الانتهاء أمراً وجودياً أيضاً حتى يكون مثاباً به وليس تقدير الفعل فِي الانتهاء إلا بأن يجعل المتمكن مكان المنشئ للفعل؛ لِأَنَّهُ هو فِي الحقيقة إبقاء العدم على العدم الأصلي.
وأمّا إِذَا كان التصرف لازمًا لا يتأتى هذا المعنى؛ لِأَنَّ المتصرف لا يتمكن فِي كل لحظة من الفسخ والعزل فلا يجعل امتناعه عن العزل بمنزلة الابتداء والإنشاء لذلك الفعل؛ لِأَنَّ الشيء إنما يقدر تقديرًا أن لو تصور تحقيقاً
(3)
وله نظائر فِي اليمين الغموس والمنعقدة فإنّ القول بالانعقاد ثُمَّ الحنث فِي حق الكفارة من الأيمان فيما إِذَا تصور [بره]
(4)
فِي الجملة، وأمّا إِذَا لم يتصوّر كما فِي الغموس لم يقل بالانعقاد والحنث لعدم تصوّر الأصل الذي هو البرّ وكذلك وجوب قضاء الصلوات إنما يتحقّق فِي حق من يتصوّر وجوب أدائها فِي الجملة.
وأمّا إِذَا لم يتصوّر وجوب أدائها فلم يقل فيها بوجوب القضاء؛ لِأَنَّ وجوب القضاء مترتب على وجوب الأداء والأداء إنما يجب إِذَا تصوّر أداؤه فِي الجملة ولما كان [لدوام]
(5)
التوكيل الذي هو غير لازم حكم الابتداء وجب أن يكون الموكل موكلاً فِي كل لحظة لتصوّر العزل منه فِي كلّ لحظة وذلك إنّما يكون أن لو كان الموكل صالحًا للتوكيل ثُمَّ ابتداء التوكيل لا يتصوّر من الميت فكذلك لا يبقى مع موت الموكل؛ لِأَنَّهُ ابتداء توكيل تقديري لما قلنا وكذلك لا يصح توكيل المجنون ولا توكيل المرتد الذي لحق بدار الحرب (فَلَابُدَّ مِنْ قِيَام الْأَمْرِ) أي: أمر الموكل بالتوكيل فِي كل ساعة (وَقَدْ بَطَلَ) أي: أمر التوكيل (بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ)
(6)
من الموت والجنون والارتداد.
(1)
فِي (أ)(وهو جزء).
(2)
سورة النجم من الآية: (39).
(3)
يُنْظَر: شرح فتح القدير؛ لابن الهمام (2/ 166).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
فإن قيل: البيع بالخيار غير لازم ومع ذلك لا يبطل البيع بالموت بل يتقرر البيع ويبطل الخيار.
قلنا: الأصْلُ فِي البيعِ اللُّزُومُ
(1)
وعدم اللزوم بسبب العارض وهو الخيار فإِذَا مات تقرّر الأصل وبطل العارض يقال جنون مُطْبِق بالباء المكسورة أي: دائم والحمى المطبقة هي الدائمة التي لا تفارق ليلاً ولا نهاراً
(2)
كذا بخط الإمام الزُّرْنُوجِي
(3)
رحمه الله.
(لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ) فإن من العبادات ما يكون التقدير فيها بحول كالزكاة (قَالُوا: الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي اللَّحَاقِ) وهو ما ذكر قبل هذا بقوله: (وَلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا)
(4)
وإنما قُيِّدَ باللحاق؛ لِأَنَّهُ لو وكّله وهو مسلم ثُمَّ ارتدّ ثُمَّ أسلم قبل لحاقه بدار الحرب (فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ)
(5)
فِي جميع ذلك؛ لِأَنَّ ملكه لم يزل قبل لحاقه بل توقف وبإسلامه قبل لحاقه تقرر، ألا ترى أنّه لو كان باع بنفسه ثُمَّ أسلم [نفذ]
(6)
البيع وكذلك تبقى وكالة الوكيل فِي جميع ذلك ما خلا النكاح؛ لِأَنَّهُ بالردّة خرج من أن يكون مالكًا للنكاح بنفسه فتبطل الوكالة به أيضاً ثُمَّ لا تعود إلا بالتجديد كذا فِي المَبْسُوط
(7)
وإن كان الموكل امرأة فارتدّت فالوكيل على وكالته حتى تموت.
وذكر فِي المَبْسُوط
(8)
[وأنّ وكالته]
(9)
وتوكيل [المرأة]
(10)
المرتدة بالتصرفات التي تملك مباشرتها بنفسها صحيح وكّلت بذلك مرتدة مثلها أو مسلمًا وكذلك لو كان التوكيل قبل ردتها تبقى بعد الردة؛ لأنها تبقى بعد الردة مالكة للتصرف بنفسها [إلا أن توكل بالتزويج وهي مرتدة فذلك باطل؛ لأنّها لا تملك أن تتزوج بنفسها]
(11)
فلا يصح توكيلها بذلك حتّى لو زوّجها الوكيل فِي حال ردّتها لم يجز وإن لم يزوّجها حتى أسلمت ثُمَّ زوّجها جاز؛ لِأَنَّ التوكيل كالمضاف إلى ما بعد إسلامها بمنزلة المعتدة والمنكوحة إِذَا وكّلت إنسانًا بأن يزوّجها وهذا بخلاف ما إِذَا كان التوكيل فِي إسلامها ثُمَّ ارتدّت ثُمَّ أسلمت فزوجها لم يجز؛ لِأَنَّ ارتدادها إخراج له من الوكالة فإنّها حين كانت مالكة للعقد وقت التوكيل تثبت الوكالة فِي الحال ثُمَّ بردتها تخرج من أن تكون مالكة للعقد فيكون ذلك [عزلاً منها لوكيلها]
(12)
فبعدما انعزل لا يعود وكيلاً إلا بالتجديد كذا فِي المَبْسُوط
(13)
.
(1)
يُنْظَر: الأشباه والنظائر ـ للإمام تاج الدين السبكى (1/ 30).
(2)
يُنْظَر: المعجم الوسيط (2/ 551).
(3)
الإمام برهان الإسلام الزُّرنُوجِي- وقد يُسمى (برهان الدين الزُّرنوجي) - الذي يُنسب إلى (زُرْنوج) وهي بلد مشهور من أعمال تركستان. إمام فقيه، أحد فقهاء الحنفية، وتتلمذ على يد برهان الدين المرغيناني صاحب الهِدَايَة، عاش في خراسان في الفترة ما بين أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع الهجري، وليس هناك تاريخ محدد لوفاته إلا أنها انحصرت فيما بين عامي (593 هـ - 620 هـ (له كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم. يُنْظَر: اكتفاء القنوع (1/ 190).
(4)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(6)
في (أ)(بعد).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 26).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 254).
(9)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(10)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(11)
[ساقط] من (ج).
(12)
في (ج)(توكيلاً).
(13)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 255).
(لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا)
(1)
؛ لِأَنَّ المرتدة [تقتل]
(2)
.
(وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ عَجَزَ أَوِ الْمَأْذُونُ لَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ) إلى أن قال: (فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تُبْطِلُ الْوَكَالَةَ)
(3)
هذا إِذَا كانت الوكالة بالبيع والشراء، فأمّا إِذَا كان التوكيل بقضاء الدين أو القاضي لم يبطل ذلك التوكيل بعجز المكاتب ولا بالحجر على المأذون؛ لِأَنَّ فِي كلّ شيء وليه العبد لا يسقط المطالبة عنه بالحجر عليه بل يبقى هو مطالباً بإيفائه وله ولاية المطالبة باستيفاء ما وجب له؛ لِأَنَّ وجوبه كان بعقده فإِذَا بقي حقه بقي وكيله على الوكالة فيه [وكما]
(4)
لو وكَّله ابتداء بعد [الحجر]
(5)
بعد انعقاد العقد/ بمباشرته صح أيضًا فإن باعه بإذن الغرماء أو مات بطلت وكالة الوكيل فِي جميع ذلك؛ لِأَنَّهُ حين خرج عن ملكه لم يبق له حق المطالبة بالاستيفاء فيبطل وكالة الوكيل حكمًا لخروج الموكل من أن يكون مالكًا لهذا التصرف وليس لمولى العبد عند غيبة العبد أن يتقاضى دينه إن كان عليه دين أو لم يكن؛ لِأَنَّهُ إن كان عليه دين وكسبه حق [غرمائه]
(6)
والمولى منه كسائر الأجانب وإن لم يكن عليه دين فوجوب المال كان بعقد العبد ولا يكون هو فِي هذا دون الوكيل وما وجب من الثمن بعقد الوكيل لا يملك الموكل المطالبة به فهاهنا أولى كذا فِي المَبْسُوط
(7)
والشريكان فافترقا أي: وكل أحد الشريكين الثالث (فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تُبْطِلُ الْوَكَالَةَ عَلَى الْوَكِيلِ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ)
(8)
هذا فيما لم يله الوكيل بنفسه.
وأمّا فِي الذي وليه الوكيل بنفسه فِي المفاوضة فلا تبطل الوكالة بالافتراق؛ لِأَنَّهُ ذكر فِي بَابِ وكالة المضارب من وكالة المَبْسُوط
(9)
وإِذَا وكَّل أحد المتفاوضين وكيلاً بشيء هو وليه ثُمَّ تصرفا واقتسما وأشهدا أنّه لا شركة بينهما ثُمَّ أمضى الوكيل ما وكَّل به وهو يعلم أو لا يعلم جاز ذلك عليهما؛ لِأَنَّ توكيل أحدهما فِي حال بقاء عقد المفاوضة كتوكيلهما فصار هو وكيلاً من جهتهما جميعًا فلا ينعزل بنقضهما الشركة بينهما وإِذَا وكّل أحد شريكي العنان وكيلاً ببيع شيء من شركتهما جاز عليه وعلى صاحبه استحسانًا وكان ينبغي فِي القياس أن لا يجوز؛ لِأَنَّ كل واحد من الشريكين وكيل من جهة صاحبه فِي التصرف.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(2)
فِي (أ) و (ج)(لا تقبل).
(3)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(4)
[ساقط] من (ب).
(5)
فِي (أ) و (ج)(العجز).
(6)
في (ج)(ماله).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 195).
(8)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 189).
[توكيل الوكيل غيرَه]
وليس للوكيل أن يوكل غيره إِذَا لم يأمره الموكل بذلك ولكنه استحسن فقال كلُّ واحد من الشريكين فِي حق صاحبه بمنزلة وكيل فوض الأمر إليه على العموم؛ لِأَنَّ مقصودهما تحصيل الربح وذلك لا يحصل بتصرف واحد فصار مأذونًا له من جهة صاحبه بالتوكيل فيما يعجز عن مباشرته بنفسه
(1)
.
وقوله: (فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تُبْطِلُ الْوَكَالَةَ عَلَى الْوَكِيلِ)
(2)
أي: هذه الوجوه المعترضة من العجز والحجر والافتراق إِذَا اعترضت على الموكل تبطل وكالة وكيله.
وذكر فِي المَبْسُوط
(3)
:
وعَجْزَ المُكَاتِبِ يُبْطِلُ وكالةَ وكيلِهِ فِي العقودِ والخصومات
(4)
إلا فِي تقاضي الدين الذي وليه المكاتب أو قضاء به؛ لِأَنَّ عجزه يوجب الحجر عليه من إنشاء التصرفات فيخرج وكيله من الوكالة ولا يوجب الحجر عليه من قضاء الدين واقتضائه، فكذلك لا يوجب عزل وكيله عن ذلك فإن كُوتِبَ بعد ذلك لم تعد الوكالة التي بطلت؛ لِأَنَّ صحتها كانت باعتبار ملك الموكل التصرف عند التوكيل وقد زال ذلك بالعجز ولم تعد الوكالة بالكتابة الثانية بعد ذلك وكذلك الحكم فِي الإذن فِي التجارة فإن العبد المأذون له لو وكَّل وكيلاً بالبيع أو بالشراء أو الخصومة فِي شيء ولم يله ثُمَّ حجر عليه مولاه بطلت وكالة الوكيل فإن أذن له فِي التجارة لم يكن الوكيل وكيلاً فِي ذلك.
وأمّا لو أخرج المولى وكيل العبد المأذون عن الوكالة وليس ذلك بشيء سواء كان على العبد دين أو لم يكن؛ لِأَنَّ ذلك حجر خاص فِي إذن عام وذلك باطل ألا ترَى أن المولى لو نهى العبد عن ذلك التصرف بنفسه ولم يحجر عليه لا يعمل نهيه وكذلك إذ امتنع وكيله منه؛ لِأَنَّ ذلك من صنيع التجار والمولى لا يملك نهيه مع بقاء الإذن.
فإن قلت: يلزم فِي هذا نقض الأصل الممهد فِي الفقه وهو أن البقاءَ أسهلُ من الابتداءِ
(5)
فإِنَّ صدروَ التوكيل ابتداء من المكاتب أو المأذون غير ممتنع حيث يصح توكيلهما رجلاً ببيع شيء أو شرائه حتى لو أذنا أو كوتبا بعد التوكيل أو أعتقا كان الوكيل على وكالته فكيف ينعزل وكيلهما بالعجز والحجر بقاءً بعد صحة التوكيل [ابتداء]
(6)
.
(1)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب؛ للغنيمي (3/ 358).
(2)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(3)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 194).
(4)
يُنْظَر: أصول السرخسي (2/ 282).
(5)
يُنْظَر: التقرير والتحبير (3/ 273).
(6)
[ساقط] من (ج).
قلت: ذاك لمعنًى فقهيٍّ وهو أن صحة توكيل المحجور عليه قبل الكتابة والإذن لم يكن باعتبار ملك التصرف الذي هو ثابت للآمر وقت الوكالة وإنما ذلك باعتبار ما يحدث له عند التصرف باعتبار الكتابة أو الإذن وقد اعتبر [ذلك]
(1)
فيصحّ.
وأمّا صحة توكيل المكاتب والمأذون فكانت باعتبار ملك التصرف الذي هو ثابت للآمر وقت الوكالة وقد زال ذلك الملك فيزول حكمه معه وهذا نظير رجل تحته أربع نسوة فوكَّل رجلاً أن يزوّجه [امرأة فزوّجه بعدما [فارق إحداهنَّ]
(2)
جاز ذلك ولو كان تزوج أربعًا بعد الوكالة ثُمَّ فارق أحداهنَّ لم يكن للوكيل أن يزوّجه]
(3)
بحكم تلك الوكالة والفرق ما ذكرنا إلى هذا أشار فِي المَبْسُوط
(4)
.
(أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقاً بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ)
(5)
قيّد بالإطباق [وهو الدوام]
(6)
؛ لِأَنَّهُ لو كان ذهب عقله ساعة أو جنّ ساعة ثُمَّ أفاق فالوكيل على وكالته وجعل هذا/ كالنوم كذا فِي التتمة
(7)
.
(وَإِنْ لَحِقَ) الوكيل (بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا أَنْ يَعُودَ مُسْلِماً)
(8)
هذا إِذَا حكم القاضي بلحاقه؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله فِي المَبْسُوط
(9)
وإن لحق الوكيل بدار الحرب مرتدًا فإنه لا يخرج عن الوكالة عندهم جميعًا ما لم يقض القاضي بلحاقه، وهكذا أيضاً فيما أشار إليه الإمام شمس الأئمة السَّرْخَسِيُّ رحمه الله فِي المَبْسُوط
(10)
أن هذا الاختلاف بين أبي يُوسُف ومُحَمَّد فيما إِذَا قضى القاضي باللحاق بدار الحرب حيث قال: ولو ارتد الوكيل ولحق بدار الحرب انتقضت الوكالة لانقطاع العصمة بين من هو فِي دار الحرب وبين من هو فِي دار الإسلام، وإِذَا قضى القاضي بلحاقه فقد موَّته أو جعله من أهل دار الحرب فتبطل الوكالة، ألا ترَى أن ابتداء التوكيل فِي هذه الحالة لا يصح فإن عاد مسلمًا لم تعد الوكالة فِي قول أبي يُوسُف رحمه الله وعادت فِي قول مُحَمَّد رحمه الله وجه قول أبي يُوسُف رحمه الله أن قضاء القاضي بلحاقه بمنزلة القضاء بموته وذلك إبطال منه بالوكالة وبعدما تأكد بطلان الوكالة بقضاء القاضي لا تعود إلا بالتجديد.
(1)
[ساقط] من (ب).
(2)
فِي (أ)(فارقت أحديهن).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 205).
(5)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 22).
(8)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للشيباني (4/ 135).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 228).
وقوله: (وهذا عند مُحَمَّد (رحمه الله إشارة إلى جواز التصرف للوكيل عند عوده مسلمًا، (أَمَّا الْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِهِ)
(1)
وهو العقل والقصد فِي ذلك التصرف فِي الذمة الصالحة له لما أن تصرف المجنون والهازل غير صحيح وتصرف المحجور غير موجب للعهدة.
وفِي المَبْسُوط
(2)
ومُحَمَّد رحمه الله يقول: صحت الوكالة لحق الموكل وحقه قائم بعد لحاقه بدار الحرب ولكنّه عجز عن التصرف بعارض والعارض على شرف الزوال، وإِذَا زال صار كأن لم يكن فبقي الوكيل على وكالته بعد ردّة الوكيل على حاله ولكن [تعذّر]
(3)
على الوكيل تحصيل مقصود الموكل بمنزلة ما لو أغمى على الوكيل زماناً ثُمَّ أفاق فهو على وكالته.
(وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا وَقَدْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ)
(4)
أي: وقد لحق بدار الحرب مرتدًا وقضى القاضي باللحاق ثُمَّ عاد مسلمًا هكذا ذكر فِي المَبْسُوط
(5)
.
(وَعَنْ مُحَمَّد أَنَّهَا تَعُودُ)
(6)
، وحاصله أن أبا يُوسُف رحمه الله سوّى بين الفصلين أي: بين ارتداد الموكل وبين ارتداد الوكيل حيث قال بعدم العود فيهما ومُحَمَّدا رحمه الله يفرق بينهما فِي ظاهر الرواية حيث يقول بعود الوكالة [فِي ارتداد الوكيل إِذَا جاء مسلمًا فِي جميع الروايات وتقدم عودها]
(7)
فِي ارتداد الموكل إِذَا جاء مسلمًا فِي ظاهر الرواية ويقول: إنّ الوكالة تعلقت بملك الموكل وقد زال ملكه بردته ولحاقه فبطلت الوكالة على البتات
(8)
، فأمّا بردة الوكيل فلم يزل ملك الموكل فكان محل تصرف الوكيل باقياً ولكنّه عجز عن التصرف بعارض، وإِذَا زال العارض صار كأن لم يكن وفِي السَّيْرِ الكَبِيرِ
(9)
يقول مُحَمَّد-رحمه الله:
(10)
يعود الوكيل على وكالته فِي هذا الفصل أيضاً؛ لِأَنَّ الموكل إِذَا عاد مسلمًا يعاد عليه ماله على قديم ملكه وقد تعلّقت الوكالة بقديم ملكه فيعود الوكيل على وكالته كما لو (وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ) الموكل (بِنَفْسِهِ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي)
(11)
عاد الوكيل على وكالته فهذا مثله كذا فِي المَبْسُوط
(12)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 154).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 26).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(5)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 26).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
البتات: أبتت عليه القضاء وبتته، أي قطعته. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (1/ 264).
(9)
السير الكبير في الفقه؛ للإمام: محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حَنِيفَةَ (ت 189 هـ)، وهو: آخر مصنفاته صنفه بعد انصرافه من العراق. كشف الظنون (2/ 1013).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 26).
(11)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(12)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 26).
(وَمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِشَيْءٍ ثُمَّ تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ)
(1)
.
وفِي الذَّخِيرَةِ:
(2)
فالأصل فِي جنس المسائل أنَّ الموكل متى أحدث فيما وكَّل ببيعه تصرفاً قبل بيع الوكيل إن كان تصرفاً يعجز الوكيل عن البيع [لا]
(3)
يخرج عن الوكالة وإن كان تصرفاً لا يعجزه عن البيع لا يخرج عن الوكالة؛ لِأَنَّهُ إِذَا عجز عن البيع فقد عجز عن الامتثال [وبالعجز عن الامتثال]
(4)
يخرج الوكيل عن الوكالة إِذَا ثبت هذا فيقول متى باع أو وهب أو تصدّق وسلّم أو وَطِئَ واستولد فالوكيل يخرج عن الوكالة؛ لِأَنَّ هذه التصرفات فِي العين تعجز الوكيل عن البيع ألا ترَى أنَّ الموكل بعد إحداث هذه التصرفات لا يقدر على البيع وكذا وكيله ولو وطئ ولم يستولد أو استخدم أو أذن له فِي التجارة كان على الوكالة؛ لِأَنَّ هذه التصرفات لا تعجز الوكيل عن البيع ألا ترَى أنَّ الموكل بعد إحداث هذه التصرفات يقدر على البيع بنفسه فكذا وكيله وإِذَا رهن أو آجر وسلّم ذكر فِي ظاهر الرواية أنّه لا يخرج عن الوكالة وعن أبي يُوسُف رحمه الله[انّه]
(5)
يخرج (مِثْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ بِكِتَابَتِهِ فَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ)
(6)
يعني يخرج الوكيل عن الوكالة أمّا لو أسره أهل الحرب فأدخلوه فِي دارهم ثُمَّ رجع إلى الموكل بملك جديد بأن اشتراه منهم لم تعد الوكالة.
ولو أخذ من المشتري منهم بالثمن أو ممّن وقع فِي سهمه من الغانمين بالقيمة فهو على وكالته؛ لِأَنَّهُ بالأخذ بهذا الطريق يعيده إلى قديم ملكه/ وقد كانت الوكالة متعلّقة بذلك المال فإِذَا عاد عادت الوكالة ولو وكّله بأن يعتق أمته ثُمَّ أعتقها المولى فارتدت ولحقت بدار الحرب فأسرت وملكها المولى لم يجز عتق الوكيل فيها لِأَنَّهُ كان مأموراً بإزالة الرق الذي كان فيها وقد زال ذلك بإعتاق المولى وهذا الحادث [رقٌ]
(7)
متجدّد بتجدد السبب فلا يكون هو وكيلاً بإزالته إلا بتوكيل مستأنف أو يوكله بتزويج امرأة يعني لو وكَّله بأن يزوّجه امرأة بعينها ثُمَّ تزوجها الموكل بنفسه كان ذلك عزلاً للوكيل عن الوكالة حتى لو أبانها بعد التزوّج لم يكن للوكيل أن يزوّجها إياه؛ لِأَنَّ ما قصد تحصيله بتصرف الوكيل قد حصل له بمباشرته فأوجب ذلك عزل الوكيل، ثُمَّ لا يعود التوكيل بالإبانة؛ لِأَنَّهُ ليس بفسخ لذلك العقد من الأصل وهذا بخلاف ما لو تزوّجها الوكيل ودخل بها ثُمَّ أبانها وانقضت عدّتها ثُمَّ زوّجها إياه جاز؛ لِأَنَّ مقصود الموكل لم يحصل بمباشرة الوكيل للعقد الأوّل مع نفسه ولا منافاة بين حكم ذلك العقد وبين الوكالة، ألا ترَى أن ابتداء التوكيل بعد التزوّج صحيحٌ حتّى إِذَا فارقها زوجها منه فبقاءها أولى وهذا؛ لِأَنَّهُ لو وكَّله بأن يزوّجه امرأة بعينها فإِذَا لها زوج فمات عنها أو طلّقها وانقضت عدّتها ثُمَّ زوّجها إياه الوكيل جاز؛ لأنّها لما لم تكن محلاً عند التوكيل لما أمر به الوكيل صار التوكيل كالمضاف إلى ما بعد صيرورتها محلاً فإن التوكيل يحتمل الإضافة ويحصل مقصود الموكل فِي ذلك ولو ارتدت تلك المرأة والعياذ بالله المُعَيّنة ولحقت بدار الحرب ثُمَّ سُبِيت وأسلمت فزوّجها إياه [الوكيل]
(8)
جاز فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله ولم يجز عندهما لِأَنَّ من أصلهما أن تسمية المرأة مطلقاً فِي التوكيل تنصرف إلى الحرة دون الأمة ومن أصل أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنها لا تتقيد بالحرة فكذلك التوكيل فِي المرأة المعينة ولو كان الموكل زوّج [امها]
(9)
أو ذات محرمٍ منها أو أربعاً سواها يخرج الوكيل من الوكالة؛ لِأَنَّ الموكل صار بحال لا يملك مباشرة العقد عليها بما أحدث من التصرف وذلك عزلٌ منه للوكيل ولو كان الموكل قال: أن تزوّجتها فهي طالقٌ فليس هذا بإخراج له من الوكالة؛ لِأَنَّهُ ما صار بحال لا يملك مباشرة العقد عليها بما أحدث فإنّه لو تزوّجها بعد يمينه صحّ النكاح فبقي الوكيل على وكالته أيضاً وكذلك لو وكَّله بأن يزوّجه امرأة فزوّجه امرأة قد حلف الزوج بطلاقها إن تزوّجها أو [آلى]
(10)
منها أو ظاهرها أو كانت فِي عدةٍ منه فالنكاح جائز؛ لِأَنَّهُ أطلق اسم المرأة فِي التوكيل وذلك يتناولها كما يتناول غيرها كذا فِي المَبْسُوط
(11)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 163).
(2)
يُنْظَر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (3/ 340).
(3)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(4)
[ساقط] من (ج)
(5)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(7)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(8)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(9)
[ساقط] من (ب) و (ج)
(10)
فِي (أ)(آبى).
(11)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 217).
(أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَفَعَلَهُ بِنَفْسِهِ)
(1)
أي: وكله بشراء شيء بعينه ثُمَّ اشتراه الموكل بنفسه كان ذلك عزلاً للوكيل من الوكالة.
وذكر فِي الذَّخِيرَةِ ولو أمره أن يشتري له عبدًا بعينه ثُمَّ اشتراه الآمر بنفسه ثُمَّ باعه ثُمَّ اشتراه المأمور للآمر لم يجز (فَطَلَّقَهَا [الزَّوْجُ]
(2)
ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا)
(3)
.
قيد بالثلاث وقيد بالواحدة بانقضاء العدة والمراد هاهنا ما دون الثلاث لِأَنَّهُ إِذَا وكَّله بالطلاق ثُمَّ طلّقها الموكل تطليقة واحدة أو ثنتين بائنةً أو رجعيةً فإنّه يطلقها الوكيل مادامت فِي العدة.
وأمّا إِذَا طلّقها الموكل طلاقاً ثلاثاً فلا يملك الوكيل طلاقها لا فِي العدة ولا بعدها والأصل فيه أنّ ما كان الموكل فيه قادراً على الطلاق كان وكيله أيضاً قادراً على الطلاق وما لا فلا.
وذكر فِي المَبْسُوط
(4)
وإن وكَّله أن يطلقها ثُمَّ طلّقها الزوج أو خالعها فإنّ طلاق الوكيل يقع عليها مادامت فِي العدة لِأَنَّ المملوك للزوج من الطلاق محصور بالعدد فلا يتغير ما أوقعه الزوج بما فوّضه إلى الوكيل ولكن ما بقي الزوج مالكاً لإيقاع الطلاق عليها فبقي الوكيل على وكالته [وبعد الخلع مادامت فِي العدة يملك الزوج إيقاع الطلاق عليها فبقي الوكيل على وكالته]
(5)
أيضاً وإن انقضت عدتها لم يقع طلاق الوكيل عليها بعد ذلك؛ لِأَنَّ الزوج خرج من أن يكون مالكاً للإيقاع عليها بعد انقضاء العدة فتبطل الوكالة.
وكذلك أن يزوّجها بعد ذلك لِأَنَّ تمكن الزوج من الإيقاع بالسبب المتجدد والوكالة لم تتناوله فلا تعود الوكالة باعتباره وعلى هذا لو ارتدت أو ارتدّ الزوج فإن طلاق الوكيل يقع عليها فِي العدّة لبقاء تمكن الزوج من الإيقاع وإن لحق بدار الحرب مرتدًا فذلك بمنزلة موته/ فلا يقع عليها طلاق الوكيل بعد ذلك.
وفِي الذَّخِيرَةِ إِذَا وكَّل الرجل رجلاً أن يطلّق امرأته ثُمَّ طلّقها الزوج بنفسه قبل طلاق الوكيل فهذا لا يكون عزلاً للوكيل ويقع طلاق الوكيل عليها [ثانياً مادامت فِي العدّة وبعدما انقضت العدة لا يقع طلاق الوكيل عليها]
(6)
تزوجها الزوج أو لم يتزوج وفِي آخر وكالة شرح القُدُورِي
(7)
رحمه الله إِذَا وكَّل الرجل غيره بالطلاق ثُمَّ طلّق الموكل بنفسه خرج الوكيل عن الوكالة وهذا محمول على أن الموكل طلّق ثلاثاً أو انقضت العدة؛ لِأَنَّهُ لم يبق هناك طلاق يقع بتصرف الوكيل، أمّا إِذَا طلق واحدةً وهي فِي العدة فتصرف الوكيل غير متعذّرٍ بأن يوقع الباقي وكذلك لو قال له اخلعها [ثُمَّ خلعها]
(8)
الآمر خرج الوكيل عن الوكالة؛ لِأَنَّ الخلع بعد الخلع لا يصح فيتعذّر التصرف على الوكيل (فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ) قيد بقضاء القاضي فِي الردّ على البائع بالعيب؛ لِأَنَّ الموكل إِذَا قبله بالعيب بعد البيع بغير قضاء قاضٍ (فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى)
(9)
بالإجماع
(10)
وذكر مسألة الرد بقضاء القاضي فِي العيب من غير خلاف فِي جواز البيع للوكيل فِي المَبْسُوط
(11)
ووضع المسألة فِي الأمة فقال ولو باعها الوكيل أو الآمر ثُمَّ رُدت بعيب بقضاء قاضٍ فللوكيل أن يبيعها؛ لِأَنَّ الرد بالعيب بقضاء قاضٍ فسخ من الأصل وعادت إلى قديم ملك الموكل وانتقاضُ الوكالة كان حكمًا لزوال ملك الموكل فإِذَا عاد ملكه عادت الوكالة وكذلك لو كان الرد بخيار شرط كان للبائع أو للمشتري [لرده]
(12)
بفساد البيع أو بخيار الرؤية؛ لِأَنَّ هذه الأسباب تفسخ العقد من الأصل وإن قبلها الموكل بالعيب بغير قضاء قاضٍ بعد قبض المشتري لم يكن للوكيل أن يبيعها وكذلك إن تقايلا البيع فيها؛ لِأَنَّ هذا السبب كالعقد المبتدأ فِي حق [غير]
(13)
المتعاقدين والوكيل غيرهما فكان فِي حق الوكيل كأن الموكل اشتراها ابتداء وكذلك إن رجعت إلى الموكل بميراث أو هبة أو غيره بملك جديد لم يكن للوكيل بيعها لِأَنَّ الوكالة تعلّقت بالملك الأوّل وهذا ملك جديد سوى الأول فلا يثبت فيه حكم الوكالة إلا بتجديد توكيل من المالك.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(2)
[ساقط] من (ب).
(3)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 227).
(5)
[ساقط] من (ج)
(6)
[ساقط] من (ج)
(7)
أحمد بن مُحَمَّد بن أحمد أبو الحسين المعروف بالقُدُورِي، صنف من الكتب المختصر المشهور، شرح مختصر الكرخي، التجريد، التقريب، (ت 428 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 247).
(8)
[ساقط] من (ج).
(9)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
(10)
نظر: الفتاوى الهندية (3/ 592).
(11)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 89).
(12)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(13)
[ساقط] من (أ).
وذكر فِي الذَّخِيرَةِ
(1)
ولو قبله الموكل بعد القبض بالعيب بغير قضاء فإنّه لا يعود وكيلاً؛ لِأَنَّ الردّ بعد القبض [بغير]
(2)
قضاء بيع جديد فِي حق الثالث فصار فِي حق الوكيل كأن الموكّل اشتراه وهناك لا تعود الوكالة؛ لِأَنَّهُ لم يعد إلى الموكل عين ما وكّل ببيعه؛ لِأَنَّ العين تختلف حكمًا باختلاف السبب ولو أقال المشتري فليس للوكيل أن يبيعه إن كانت الإقالة
(3)
بعد القبض؛ لِأَنَّهُ بمنزلة الشراء الجديد فِي حق الثالث، وكذلك إن كانت الإقالة قبل القبض؛ لِأَنَّ الأمر قد انتهى نهايته بالبيع والمقصود من البيع وهو الثمن [فإن فات]
(4)
ولكن من جهة الموكل وفوات المقصود من التصرف من جهة المتصرف لا يلحق التصرف بالعدم؛ لِأَنَّ الوكالة باقية لِأَنَّ العزل لم يوجد لكن بخروج العبد عن ملك الموكل تعذّر البيع على الوكيل (فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ [مِلْكِهِ]) الموكل فيه (كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ) ثانياً كما لو باعه الوكيل ورد عليه بعيب كان له أن يبيعه ثانياً كذا فِي التتمة
(5)
؛ (لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الرُّجُوعِ)[أي: الواهب مختارٌ فِي الرجوع]
(6)
(فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلُ عَدَمِ حَاجَةِ) الواهب إلى الهبة.
وذكر فِي التتمة
(7)
ولو لم يبعه الموكل ولكن باعه الوكيل ثُمَّ رُدّ عليه بعيب بقضاء فهو على وكالته ولو وكّله بأن يهب عبده فوهبه الوكيل ثُمَّ رجع الموكل فِي هبته (لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَهُ مَرَّةً أُخْرَى)
(8)
قال مُحَمَّد رحمه الله: ولا يشبه الهبة البيع؛ لِأَنَّ الوكالة بالبيع لا تنقضي بمباشرة البيع لِأَنَّ الوكيل بعدما باع يتولي حقوق العقد ويتصرف فيها بحكم الوكالة فإِذَا انفسخ البيع والوكالة باقيةٌ جاز له أن يبيعها ثانياً بحكمها، أما الوكالة بالهبة فتنقضي بمباشرة الهبة حتى لا يملك الواهب الرجوع ولا يصح تسليمه فإِذَا رجع فِي هبته فقد عاد إليه العبد ولا وكالة فلا يتمكن الوكيل من الهبة ثانياً والله أعلم بالصواب.
(1)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (3/ 473).
(2)
[ساقط] من (ج).
(3)
الْإِقَالَةُ شرعاً: رفع البيع أو رفع العقد. ينظر: اللباب في شرح الكتاب (ص 125).
(4)
في (ج)(وان كانت).
(5)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (6/ 39).
(6)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(7)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 290).
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 153).
كِتاب الدعوى
لما كانت الدَّعْوَى أعظم المقاصد من شرعية الْوَكَالَة حتى ابتدئ كتاب الْوَكَالَةِ بمسألة الْوَكَالَةِ بالخصومة قضى على كِتَابِ الْوَكَالَة بكِتَابِ الدَّعْوَى لما أنَّ الْوَكَالَة بالخصومة سبب داع إلى الدَّعْوَى عند القاضي
(1)
فالمسبب أبدًا يتلو السبب ومحاسنها ما هي المحاسن في القضاء؛ لأنّ الدَّعْوَى سبب القضاء ومحاسن القضاء ظاهرة؛ لأنَّ القضاء قطع للخصومات التي تلزم في امتدادها فساداً أيَّ فساد {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}
(2)
.
فيحتاج/ هاهنا إلى معرفة ستة أشياء معنى الدَّعْوَى لغة وشرعًا وسببها وشروطها وحكمها وأنواعها.
[تعريف الدَّعْوَى]
أما اللُّغةُ: فالدَّعْوَى اسم للادِّعَاء، الذي هو مصدر ادَّعَى زَيدٌ على عمروٍ مالاً، وألفها للتأنيث، فلا تنون، [وجمعها دَعَاوَى، بفتح الواو، كفتوى وَفَتَاوَى]
(3)
(4)
.
وَقِيلَ الدَّعْوَى في اللُّغَةِ: قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ حَقٍ على غيرهِ
(5)
.
وذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
(6)
والإمام الْمَحْبُوبِيّ
(7)
: الدَّعْوَى في اللُّغةِ: عبارة عن إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ حَالَةَ المُسَالَمَةِ والْمُنَازَعَةِ
(8)
جميعاً، مأخوذ من قولهم ادّعى فلان شيئًا، إذا أضافه إلى نفسه، بأن قال: لي، ومنه [دعوى]
(9)
الولد؛ لأنَّه يضيفه إلى نفسه فيقول: ابني
(10)
.
(1)
ووجه المناسبة بين هذا الكتاب وبين كتاب الوكالة هو أن الوكالة كانت بالخصومة لأجل الدعوى. يُنْظَر: البناية شرح الهداية؛ للعيني (8/ 463).
(2)
سورة البقرة من الآية: (205).
(3)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(4)
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (1/ 288 - 289).
(5)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 159)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 290)، التعريفات (1/ 139).
(6)
قال في الجواهر المضية في طبقات الحنفية: "شَيْخُ الْإِسْلَامِ لقب جماعة من العلماء الأئمة واشتهر بها عند الإطلاق علاء الدين أو بهاء الدين على بن مُحَمَّد بن إسماعيل بن علي بن أحمد الاسبيجابي السمرقندي المعروف بشيخ الإسلام، لم يكن بما وراء النهر في زمانه من يحفظ مذهب أبي حَنِيفَةَ ويعرفه مثله، تفقه على صاحب الهداية شرح البداية، له شرح مختصر الطحاوي، المَبْسُوط (ت 535 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 592)، الفوائد البهية (ص 509).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 51).
(8)
المنازعة: نازعته منازعة ونزاعا، إذا جاذبته في في الخصومة. وبينهم نزاعة، أي خصومة في حق. والتنازع: التخاصم. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (3/ 1289).
(9)
في (ب) و (ج)(دَعْوَةٌ).
(10)
يُنْظَر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (2/ 4)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 290).
وأما شرعا: فيراد بها إضافة الشيء إلى نفسه في حالة مخصوصة وهي حالة المنازعة
(1)
؛ ولهذا قال عليه السلام: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»
(2)
.
وَقِيلَ الْمُدَّعِي لُغَةً: مَنْ يَقْصِدُ إيجَابَ الحَقِّ عَلَى الْغَيْرِ.
(3)
إلَّا أَنَّ إطلاق اسْمَ الْمُدَّعِي فِي عُرْفِ اللسان يَتَنَاوَلُ من لَا حُجَّةَ له وَلَا يَتَنَاوَلُ من له حُجَّةٌ، فإن الْقَاضِيَ يُسَمِّيهِ مُدَّعِيًا قبل إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وأما بعد إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يُسَمِّيهِ مُحِقًّا لَا مُدَّعِيًا وَيُقَالُ لِمُسَيْلِمَةَ
(4)
لَعْنَهُ اللَّه
(5)
مُدَّعِي النُّبُوَّةِ وَلَا يُقَالُ رَسُول الله عليه السلام مُدَّعِي النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَهَا بِالْمُعْجِزَةِ فعرفنا أنَّ إِطْلَاق اسم المُدَّعِي على من لا حُجَةَ لَهُ عُرفاً.
(1)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 191)، مجمع الأنهر (3/ 343).
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الدعاوى والبينات، باب البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه، برقم (21805)، (15/ 393) عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم؛ ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» ، وأصله في الصحيحين بغير هذا اللفظ، أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ} [آل عمران: 77]، برقم (4552)، (8/ 61) عن ابن عباس-رضي الله عنهما وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم
…
اليمينُ على المدَّعى عليه»، وعند مسلم، كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه، برقم (1711)، (3/ 1336)، بلفظ:«لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه» حديث صحيح.
(3)
يُنْظَر: الكليات (1/ 83).
(4)
مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي، أبو ثمامة، مدعي النبوة، ولد ونشأ باليمامة، في نجد. عرف برحمن اليمامة، كتب مسليمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم:(من مسيلمة رسول الله إلى مُحَمَّد رسول الله. سلام عليك، أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قوم يعتدون) فأجابه: (بسم الله الرحمن الرحيم: من مُحَمَّد رسول الله، إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين)، قُتل في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، سنة 12 هـ، يُنْظَر: الأعلام للزركلي (226/ 7).
(5)
اللعن: الطرد والإبعاد من رحمة الله، وهو على قسمين، الأول: اللعن بالوصف كلعن شارب الخمر، وآكل الربا، والسارق، فهذا جائز، عند أكثر أهل العلم، والثاني: لعن المعين، كأن يقول اللهم العن فلاناً، أو فلان عليه لعنة الله، فالأكثر على أنه لا يجوز، حتى لو كان كافرًا؛ لأنه قد يتوب، إلا إذا علمنا أنه مات على الكفر، وقيل يجوز قاله البلقيني شيخ ابن حجر، يُنْظَر: فتح الباري (76/ 12)، فيض القدير (73/ 1)، وشرح النووي على مسلم (185/ 11)، الديباج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (292/ 4).
[سبب الدَّعْوَى]
وأمّا سببها: فما هو السبب الذي ذكرناه في النكاح والبيوع؛ لأنَّ دعوى الْمُدَّعِي لا تخلو إما أن تكون أمراً راجعاً إلى بقاء نسله، أو أمرًا راجعًا إلى بقاء نفسه وما يتبعهما وكلاهما قد ذُكرا.
[شروط صحتها]
وأمَّا شرط صحتها: على [الخصوص]
(1)
فمجلس القضاء؛ لأنَّ الدَّعْوَى لا تصح في غير هذا المجلس حتّى لا يجب على الْمُدَّعَى عليه جواب الْمُدَّعِي، ومن شرائط صحتها أيضاً: أن تكون دعوى الْمُدَّعِي على خصم حاضر، وأن يكون المُدَّعَى به شيئاً معلوماً، وأن يتعلق به حكم على المطلوب، لما أنّ الفاسدة من الدَّعْوَى هي أن لا يكون [الخصم حاضراً أو يكون]
(2)
المُدَّعَى به مجهولاً؛ لأنَّه عند الجهالة لا يمكن للشهود الشهادة ولا للقاضي القضاء به وأن لا يلزم على المطلوب شيء بدعواه نحو أن يدَّعي أنه وكيل هذا الخصم الحاضر في أمر من أموره فإنَّ القاضي لا يسمع دعواه هذه إذا أنكر الآخر [لأنَّه]
(3)
يمكنه عزله في الحال.
[حكم الدَّعْوَى]
وأمَّا حكمها: فوجوب الجواب على الخصم بنعم أو بلا؛ ولهذا وجب على القاضي إحضاره مجلس الحكم حتى يُوفِّي ما استحق عليه من الجواب.
[أنواع الدعوى]
وأمَّا أنواعها: فشيئان: دعوى صحيحة، ودعوى فاسدة، فالصحيحة ما تتعلَّق بها أحكامها وهي إحضار الخصم، والمطالبةُ بالجواب، واليمين إذا أنكر
(4)
، وفي مثل هذه الدَّعْوَى يمكن إثبات المُدَّعَى بالبينة أو بالنكول.
والدَّعْوَى الفاسدةُ ما لا تتعلَّق بها هذه الأحكام.
وفساد الدَّعْوَى بأحد معنيين:
الأول: أن لا يكون ملزماً الخصم [للخصم]
(5)
شيئاً، وإن ثبت على ما قلنا من أن يدَّعي على غيره أنّه وكيله.
والثاني: أن يكون مجهولاً في نفسه، والمجهول كما لا يمكن إثباته بالبينة، فلا يتمكن القاضي من القضاء بالمجهول لا بالبيّنة ولا بالنكول، ثُمَّ الدَّعْوَى الصحيحة لا توجب استحقاق المُدَّعَى [للمُدَّعِي]
(6)
بِنَفْسِهِ لقولهِ عليه السلام: «لَوْ أُعْطِي النَّاسُ بِدَعْوَاهُمُ، لادَّعَى النَّاسُ دِمَاءَ قومٍ وأموالهِم، لكنَّ البَيِنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي واليَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»
(7)
، وفي رواية:«عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» كذا في المَبْسُوطِ
(8)
والتُّحْفَةِ
(9)
والجَامِعِ الصَّغِيرِ
(10)
للإمام الْمَحْبُوبِيِّ-رحمه الله وغيرها
(11)
.
(1)
في (أ)(الخصوم).
(2)
[ساقط] من (ج).
(3)
في (ج)(لا).
(4)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 3).
(5)
[ساقط] من (ب).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
سبق تخريجه، ص (181).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 54).
(9)
يُنْظَر: الذَّخِيرَةِ للقرافي (6/ 117)
(10)
يُنْظَر: البحر الرائق (8/ 466).
(11)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 294).
[الفرق بين المدعي والمدعى عليه]
(ومعرفة الفرق بينهما) / أي بين الْمُدَّعِي والْمُدَّعَى عليه
(1)
(من أهم ما ينبني عليه مسائل الدعوى)
(2)
؛ لأنَّ الإنسان قد يكون مدَّعياً صورة، ومع ذلك يكون القول قوله مع اليمين كما في المُودِعِ إذا ادَّعى الردَّ
(3)
على ما ذكر في الْكِتَابِ
(4)
.
(وقد اختلفت عبارات المشايخ)
(5)
(6)
: منهم من قال الْمُدَّعِي من يشتمل كلامه على الإثبات، ولا يصير خصمًا [ومدَّعياً]
(7)
بالتكلم في النفي؛ فإنَّ الخارج لو قال لذي اليد: هذا الشيء ليس لك لا يكون خصمًا مدعياً ما لم يقل: هو لي
(8)
.
والْمُدَّعَى عليه من يشتمل كلامه على النفي فَيَكْتَفِي به منه، فإنَّ ذا اليد لو قال:[ليس]
(9)
هذا لك كان [خصمًا]
(10)
بهذا القدر، وقوله: هو لي فضل من الكلام غير محتاج إليه
(11)
.
ومنهم من قال
(12)
: [كُلُّ]
(13)
من ادَّعى باطنًا ليزيل به ظاهراً فهو الْمُدَّعِي، وكّل من ادّعى ظاهراً وقرر الشيء على هيئته فهو الْمُدَّعَى عليه.
ومنهم من قال: كل من شهد بما في يد غيره لنفسه فهو مُدَّعٍ، وكل من شهد بما في يد نفسه لنفسه فهو منكر ومدَّعى عليه، وكل من شهد بما في يد غيره لغيره فهو شاهدٌ، وكُلُّ من شهد بما في [يد]
(14)
نفسه لغيره فهو مُقِرٌّ، كذا في المَبْسُوطِ
(15)
وشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ
(16)
.
(1)
المدَّعي: من لا يجبر على الخصومة إذا تركها؛ لأنه طالب.
المدَّعى عليه: من يجبر على الخصومة؛ لأنه مطلوب. يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب؛ للغنيمي (5/ 59).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 155).
(3)
أي رد الوديعة. يُنْظَر: البناية شرح الهداية؛ للعيني (8/ 463).
(4)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 215).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 155).
(6)
أي في الفرق بين المدعي والمدعى عليه. يُنْظَر: البناية شرح الهداية؛ للعيني (9/ 314).
(7)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(8)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 193)، والاختيار لتعليل المختار (2/ 118).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
[ساقط] من (ب).
(11)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 291).
(12)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (5/ 242).
(13)
[ساقط] من (أ).
(14)
[ساقط] من (أ).
(15)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 31).
(16)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 291).
(وقيل: الْمُدَّعِي من يتمسك بغير الظاهر)
(1)
؛ فإنّ الظاهر هو أن تكون الأملاك في يد المُلَّاكِ، وأنَّ الظاهر براءة الذمة، والْمُدَّعِي هو خارج عن تصرف الأملاك يدَّعي الأملاك لنفسه ويدَّعي/ [شغل الذمة]
(2)
فكان الْمُدَّعِي متمسكاً بغير الظاهر (فالقول له) أي للمُودِعِ (مع اليمين)
(3)
، كما أنَّ القول قول المودع مع اليمين، فكذلك بينته تقبل على الردِّ أيضاً، ذكره في بَابِ الاختلاف في البيوع من بيوع المَبْسُوط
(4)
وفي أدب القاضي منه؛ لأنَّه [ينكر]
(5)
الضمان (والقول قول المنكر)
(6)
؛ لتمسكه بالأصل لأن الأصل في الذمم البراءة
(7)
(8)
.
فإن قيل: يُشْكِلُ على هذا ما إذا ادَّعى المديون براءة ذمته بدفع الدين إلى وكيل ربِّ الدين، ثُمَّ حضر ربُّ الدين وأنكر الْوَكَالَة (فالقول لربِّ الدين)
(9)
على ما مرَّ في باب الْوَكَالَةِ بالخصومة، مع أنَّ المديون في دعوى البراءة متمسِّك بالأصل.
قلنا: انعكس الحكم هناك لانعكاس العلة، لما أن المديون هناك يدّعي البراءة بعد الشغل فكان الشغل أصلاً والبراءة عارضاً.
وأمَّا هاهنا كانت البراءة أمراً أصلياً فمن ادّعى البراءة هنا كان متمسكًا بالأصل وكان القول قوله لما أن ذمة المُودِعِ كانت فارغة عن الشغل بالأصل فكان الشغل عارضاً لا محالة، فَرَبُّ الوَدِيعَةِ في إنكار الردِّ يدَّعي الشُّغْلَ، وهو أمر عارض فلا يكون القول قوله:(ولا تقبل الدَّعْوَى حتى يذكر شيئاً معلومًا في جنسه) بأن قال: حنطة مثلاً (وقدره) بأن قال: عشرة أَقْفِزَةٍ
(10)
[حِنْطَةٍ]
(11)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 155).
(2)
في (ج)(حقاً).
(3)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 31)
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 214).
(7)
يُنْظَر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (1/ 59).
(8)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (3/ 399)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 291).
(9)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 214).
(10)
القَفِيزُ: والجمع أقفزة وقفزان، مكيال ثمانية مكاكيك، المكوك صاع ونصف، ويساوي اثنا عشر صاعاً، والصاع خمسة أرطال وثلث رطل، يساوي عند الحنفية (40. 344) لتراً. يُنْظَر: المصباح المنير (2/ 511)، معجم الفقهاء (1/ 443).
(11)
[ساقط] من (ج).
وذكر في الذَّخِيرَةِ
(1)
فإن كان المُدَّعَى مَكِيلاً فإنَّما تصح الدَّعْوَى إذا ذكر الْمُدَّعِي جِنْسَهُ بأنه حنطة أو شعير، ويذكر مع ذلك نوعها أنها سقية أو برية أو خريفية أو ربيعية، ويذكر مع ذلك صفتها (كَندم سييد أو كَندم سرخه)
(2)
، ويذكر أنها جيدةٌ أو وسطٌ أو رديئةٌ، ويذكر قدرها بالكيل فيقول: كذا قفيزًا؛ لأنَّ المُقَدَّرَ في الحنطة الكيل، ويذكر بقفيز كذا؛ لأنَّ القفزان تتفاوت في [ذاتها]
(3)
، ويذكر سبب الوجوب؛ لأنَّ أحكام الدَّيْن تختلف باختلاف أسبابها: فإنَّه إذا كان بسبب السَّلَم يحتاج فيه إلى بيان مكان الإيفاء ليقع التحرُّز عن الاختلاف ولا يجوز الاستبدال به قبل القبض، وإن كان من ثمن بيع يجوز الاستبدال به قبل القبض (ولا يُشْتَرَطُ فيه بيان مكان الإيفاء)
(4)
.
(وكذا في الشهادة) أي: عند أداء الشهادة يكلف الْمُدَّعَى عليه بإحضار المُدَّعَى ليشير الشهود إليه عند أداء الشهادة (ويتعلق بالدَّعْوَى) أي بالدَّعْوَى الصحيحة بمجردها (وجوب الحضور على هذا القضاة)
(5)
أي: على وجوب حضور الْمُدَّعَى عليه القضاة وذلك ثابت بالنصِّ قال الله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)}
(6)
فقد ألحق الوعيد بمن امتنع عن الحضور بعدما طُولِب به وذلك دليل أنَّ الحضور مستحق عليه
(7)
.
(من آخرهم) أي: بأجمعهم وقوله: (لما قلنا) إشارة إلى قوله: (كلف إحضارها ليشير إليها وإن لم تكن حاضرة)
(8)
بأن كانت هالكة في يد الْمُدَّعَى عليه [ذكر الْمُدَّعِي]
(9)
قيمة العين [(فإن كان عيناً في يد الْمُدَّعَى عليه كلف إحضارها ليشير اليها بالدَّعْوَى)
(10)
، وذلك لأنَّ الدَّعْوَى في حكمها أن تقع في معلوم والمنقولات لا تُضْبَطُ بالصفة فوجب إحضارها؛ لتقع الدَّعْوَى على عينها]
(11)
.
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 735).
(2)
كلمة فارسية معناها: قمح أبيض أو قمح أحمر. يُنْظَر: ثقافة الاصطلاحات اليومية؛ للدكتور محمد غفراني، والدكتور مرتضى آيت الله زاده شيرازي تحت الإشراف: إبراهيم إقبال، وكتاب المعجم؛ لمصطفى رحيمي نيا.
(3)
في (ج)(ذلك).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (4/ 129).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 155).
(6)
سورة النور من الآية: (48).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 55).
(8)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 164).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(11)
[ساقط] من (ج).
(والقيمة تعرف به)
(1)
أي: والقيمة شيءٌ تعرف العين بذلك الشيء فلذلك يذكر قيمة العين (وقيل) أي: العين لا تعرف بالوصف وإن بولغ في وصفه لمشاركة كثير من الأعيان إياه في ذلك الجنس ولكن ببيان الوصف طولاً وعرضاً تعرف قيمته كذا وجدت [في الذَّخِيرَةِ]
(2)
بخط شيخي رحمه الله فعلى هذا كان الضمير في (به) راجعاً إلى الوصف وفي الأول إلى خبر القيمة المحذوف وهو شيء.
وفي الذَّخِيرَةِ
(3)
وإن وقعت الدَّعْوَى في عين غائب لا يعرف مكانه بأن ادّعى رجل على رجل أنه غصب منه ثوباً أو جارية لا يدري أنه قائم أو هالك فإن بيَّن الجنس والصفة والقيمة فدعواه مسموعة وبينته مقبولة، وإن لم يبين القيمة أشار في عامة الكتب إلى أنَّها مسموعة
(4)
.
وقال الإمام فخر الإسلام الْبَزْدَوِيُّ:
(5)
رحمه الله إذا كانت المسألة مُخْتَلَفَاً فيها ينبغي للقاضي أن يكلف الْمُدَّعِي بيان القيمة فإذا كلفه ولم يبين يسمع دعواه؛ لأنَّ الإنسان قد لا يعرف قيمة ماله، فلو كلّفه بيان القيمة فقد أضر به؛ إذ يتعذر عليه الوصول إلى حقه، وإذا سقط بيان القيمة من الْمُدَّعِي سقط من الشهود بالطريق الأولى (وقد تعذر مشاهدة العين)
(6)
يعني لما تعذر مشاهدة العين أقيم الوصف والقيمة في الغائب مقام مشاهدة العين في الحاضر
(7)
.
وإلى هذا أشار في المَبْسُوط
(8)
قبيل بَابِ الدَّعْوَى في النِّتاج بقوله: وإن كان العين المُدَّعَى مستهلكًا فحينئذ يتعذر إحضاره فيقام ذكر الوصف [والقيمة]
(9)
مقام الإشارة إلى العين لصحة الدَّعْوَى والشهادة، ولأنَّ/ المُدَّعَى هاهنا في الحقيقة دينٌ في الذِّمَّة وهو القيمة فإعلامه يكون بذكر صفته وقيمته.
(وإن ادَّعى عقاراً حَدَّده)
(10)
أي: ذكر حده
(11)
يقول: حددتُ الدار أَحُدُهَا حَدًا والتحديد مثله والعقار بالفتح الأرض والضِّيَاع والنَّخل ومنه قولهم: ماله دارٌ ولا عقارٌ كذا في الصِّحَاح
(12)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 155).
(2)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(3)
يُنْظَر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (4/ 5).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (8/ 438).
(5)
يُنْظَر: المرجع السابق (8/ 439).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 155).
(7)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 196).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 118).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 164).
(11)
يذكر الحدود الأربعة، وأسماء أصحابها، وأنسابهم. يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب؛ للغنيمي (5/ 62).
(12)
يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (2/ 318).
(وفي العقار لا يكتفي بذكر المُدَّعَى وتصديق الْمُدَّعَى عليه أنه في يده)
(1)
.
وفي المَبْسُوط
(2)
وإذا تنازع رجلان في دار كل واحد منهما يدَّعي أنَّها في يده فعلى كل واحدٍ البينة؛ لأنَّ دعوى اليد مقصودة، كما أن دعوى الملك مقصودة لأنَّه باليد يتوصَّل إلى الانتفاع بالملك والتصرف فيه فإن أقام كل واحد منهما البينة أنَّها في يده جُعِلَ في يد كل واحد منهما نصفها؛ لتعارض البينتين وتساويهما، والمساواة في سبب الاستحقاق توجب المساواة في الاستحقاق.
فإذا كان المُدَّعَى قابلاً للاشتراك يقضي لكل واحد منهما بالنصف لمعنى الضيق والمزاحمة في المحل، فإن أقام أحدهما البينة أنها له قضي بها له؛
(3)
لأنَّه استحق الملك بالبينة فيما في يد صاحبه ولم يقابله صاحبه بمثله، ولا منافاة بين القضاء باليد لصاحبه والملك له بالبينة.
وقد كان أصحابنا يقولون إذا قال الْمُدَّعِي: هذا الشيءُ مِلْكِي وفي يدي لم يسمع القاضي دعواه
(4)
، وقال له: إذا كان ملكك فماذا تطلب مني؟ تأويل [تلك]
(5)
المسألة أنَّ الخصم لا يدَّعي اليد لنفسه فلهذا قَبِلَ دعوى الْمُدَّعِي على اليد والملك وقضى بها له عند إقامة البينة.
وذكر الخَصَّافُ
(6)
رحمه الله أنَّ من ادَّعى داراً في يد غيره أنَّها له وأقام البينة فما لم يشهد الشهود أنّها في يد الْمُدَّعَى عليه لا تُقْبَلُ بينته؛ لجواز أن يكونا تَوَاضَعَا في محدود [في يد ثالث على أن يدَّعيه أحدهما ويقر الآخر بأنَّه]
(7)
في يده ويقيم البينة عليه بذلك، وهو في يد غيرهما.
ولكن تأويل المسألة أنَّ الخصم الآخر لم يثبت يده بالبينة وهاهنا قد أثبت كل واحد منهما يده بإقامة البينة؛ فلهذا قبلنا بينة أحدهما على صاحبه بإثبات الملك له وإنْ [شرط]
(8)
لم يُقِمْ لها بينة على اليد وطلب كُلُّ واحد منهما يمين صاحبه ما هي في يده، فعلى كل واحد منهما أن يحلف البتَّة ما هي في يد صاحبه؛ لأنَّه لو أقرَّ لصاحبه ما ادَّعى لزمه في حقِّه فإذا أنكر يُحَلَّفُ عليه، وإذا حَلَفَ لم يجعلها القاضي في يد واحد منهما؛ لأنَّ حجة القضاء باليد لم تقم لواحد منهما لكن يمنعهما من المنازعة والخصومة من غير حجة، فأيُّهما نكل عن اليمين لم يجعلها في يده؛ لأنَّ صاحبه قد حلف ولم يجعلها في يد الذي حلف بنكول هذا الناكل أيضاً لجواز أن يكون في يد الثالث كونهما تواضعا للتلبيس على القاضي، ولكن يمنع الناكل عن منازعة الآخر؛ لأنَّ نكوله حجة [عليه]
(9)
، فإن وجدها في يد آخر لم ينزعها من يده بالذي أنفذه بين هذين؛ لأنَّ نكولهما ليس بحجة على غيرهما والقضاء بحسب الحجة
(10)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 156).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 63).
(3)
[قضيت بها له] تكررت في (أ).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 63).
(5)
[ساقط] من (أ).
(6)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 64).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(9)
[ساقط] من (أ).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 270).
وذكر في فصول الاسْتَرُوشَنِيّ
(1)
في الفصل الرابع عشر رجل غصب أرضاً وزرعها فادَّعى رجل أنَّها أرضي وغصبها الزَّارِعُ مِنِّي وزرع فلو أثبت غصبه وإحداث يده بالبينة يكون هو ذا اليد، والذي زرع خارجاً، والحكم بينهما معلوم، ولو لم يثبت إحداث يده يكون الزارع صاحب اليد والْمُدَّعِي هو الخارج.
وذكر في دعوى العدَّة عقار في يد رجل جاء رجل وغلب عليه وأحدث يده فيه لا يصير بهذا ذا اليد، ولو علم القاضي يأمر بالتسليم إليه
(2)
.
وفي أوّل دعوى الفتاوى الصغرى
(3)
: إذا ادَّعى المنقول فأقر الْمُدَّعَى عليه أنَّه في يده يقبل إقراره وفي العقار لا يقبل حتّى يقيم البينة وإن أنكر اليد ولم يكن للمدّعي بينة يُحَلِّفْهُ.
وذكر في الذَّخِيرَةِ
(4)
ثُمَّ إذا تعلق رجلان بعين، وأقاما البينة على اليد حتى جعلاه في أيديهما ولو أقام أحدهما بينة أن العين ملكه [قضى]
(5)
له بالنصف الذي في يد صاحبه، وترك النصف الذي في يده على حاله.
وذكر في بعض المواضع
(6)
إذا أقاما البينة على اليد ثُمَّ أقام أحدهما بينة أنَّ العين له قضى بِكُلِّهِ له، فهذا تنصيص أنَّه يقضي بالملك له في كل العين، وأنَّه مشكل؛ لأنَّ العين في أيديهما فبينته على ما في يده بينة صاحب اليد وبينة صاحب اليد على الملك المطلق
(7)
لا تقبل، والجواب أنَّه لما أقام البينة على الملك بعدما أقام البينة على اليد قد أعرض عن تلك البينة فبطلت بينته على اليد، وصارت بمنزلة رجلين تنازعا في عين
(8)
، وأقام أحدهما البينة على اليد والآخر على الملك وهناك يقضي لصاحب الملك كذا هاهنا
(9)
.
(1)
مُحَمَّد بن محمود بن حسين أبو الفتح، مجد الدين الأسروشني، وقيل: الاسْتَرُوشَنِيّ نسبة إلى "أسروشنة"، وهي بلدة في شرقي سمرقند، فقيه حنفي، أخذ عن أبيه، وعن صاحب الهِدَايَة، وعن السيد ناصر الدين السمرقندي، وظهير الدين مُحَمَّد بن أحمد البخاري وغيرهم. من تصانيفه:"الفصول" في المعاملات، و"جامع أحكام الصغار" في الفروع، و"الفتاوى"، و"قرة العينين في إصلاح الدارين" في طاجكستان بآسيا الوسطى.
يُنْظَر: الفوائد البهية (ص 200)، ومعجم المؤلفين (11/ 317)، واللباب في تهذيب الأنساب (1/ 54).
(2)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 9).
(3)
الفتاوى الصغرى للشيخ الإمام عمر بن عبدالعزيز بن مازة المعروف بحسام الدين الشهيد، (ت 536 هـ). يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1224)، أسماء الكتب (1/ 120).
(4)
يُنْظَر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (4/ 93).
(5)
في (أ)(رضي).
(6)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 104).
(7)
(أراد بالمطلق: أن يدَّعي الملك من غير أن يتعرَّض للسبب، بأن يقول: هذا ملكي، ولم يقل: مَلَكه بسبب الشراء، أو الإرث، أو نحو ذلك). يُنْظَر: البناية شرح الهداية؛ للعيني (9/ 320).
(8)
[واحد] في (أ) والمعنى يستقيم بدونها.
(9)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 200)، اللباب شرح الكتاب (1/ 364).
وقوله: (نفياً لتهمة المواضعة) أي: يحتمل أنهما تواضعا/ على أن يصدق الْمُدَّعَى عليه الْمُدَّعِي بأنَّ العقار في يد الْمُدَّعِي ليحكم القاضي باليد للمُدَّعِي حتّى يتصرف الْمُدَّعِي فيه وهو في الواقع في يد الثالث كان ذلك قضاء بالتصرف في مال الغير، أو يؤدي ذلك إلى نقض القضاء عند ظهوره أنَّه في يد الثالث فلا بدَّ من طلبه حتى [يجب]
(1)
على القاضي إعانته.
وقوله: (وعن هذا قالوا في المنقول) إشارة إلى قوله: (يحتمل أن يكون مرهونًا في يده أو محبوساً بالثمن في يده)؛ لأنَّ العين في يد ذي اليد في هاتين الصورتين ليس [معترضاً]
(2)
بل هو محبوس [بحق]
(3)
في يد صاحب اليد وإن [كان]
(4)
هو ملك غير صاحب اليد (لما قلنا) إشارة إلى قوله: (لأنَّ المطالبة حقه فلابدّ من [طلبه)
(5)
لكن لابد من]
(6)
تعريفه بالوصف فإن كان المُدَّعَى به وَزْنِيًّا فإنَّما يصح إذا بيَّنَ الجنس بأن قال: ذهب أو فضة وإن بيَّنَ الجنس بعد ذلك إن كان مضروبا يقول كذا كذا ديناراً ويذكر نوعه بُخَارِيّ الضرب أو نَيْسَابُورِيّ الضرب وينبغي أن يذكر صفته أنه جيِّدٌ أو وسطٌ أو رديءٌ وإنَّما يحتاج إلى ذكر الصفة إذا كان في البلد نقود مختلفة، وأمَّا إذا كان في البلد نقد واحد فلا
(7)
.
وإنْ كان في الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَالْكُلُّ في الرَّوَاجِ
(8)
على السَّوَاءِ وَلَا صَرْف (لِلْبَعْضِ على الْبَعْضِ)
(9)
أي: لا فضل، يجوز البيع ويعطي المشتري البائع أيَّ نقد شاء إلا أنَّ في الدَّعْوَى لابدَّ من تعيين أحدهما وإن كان [أحد]
(10)
النقدين أروج [وللآخر فضل]
(11)
فالعقد جائز وينصرف إلى الأروج ويصير ذلك كالملفوظ في الدَّعْوَى فلا حاجة إلى البيان في الدَّعْوَى إلا إذا كان [مضى]
(12)
زمان طويل من وقت العقد إلى وقت الخصومة بحيث لا يُعْلَمُ الأروج وقت العقد فحينئذ يشترط بيان أنَّ الأروج في ذلك الوقت ما كان، وأنَّ الدَّعْوَى بسبب القرض والاستهلاك.
(1)
في (أ)(يجري).
(2)
في (ب) و (ج)(بغير حق).
(3)
في (أ)(نحو).
(4)
[ساقط] من (أ).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 156).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (7/ 426).
(8)
الرَّوَاجُ: نفق وكثر طلابه ورَاجَتِ الدراهم رَوَاجًا تعامل الناس بها. يُنْظَر: المصباح المنير؛ للفيومي (1/ 242).
(9)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 4)، الهداية شرح البداية (3/ 97).
(10)
[ساقط] من (أ).
(11)
في (ج)(والآخر أفضل).
(12)
[ساقط] من (ج).
فلابدَّ من بيان الصفة على كل حال، وإن كان المُدَّعَى به نُقْرَةً
(1)
أو كان مضروباً ذكر نوعها وهو ما يضاف إليه ويذكر صفتها أنها جيدةٌ أو [وسطٌ]
(2)
أو رديئةٌ ويذكر قدرها أنَّه كذا درهما وزن سبعة؛ لأنَّ وزن الدرهم يختلف باختلاف البلدان والذي في ديارنا وزن سبعة وهو الذي كل عشرة منها بوزن سبعة مثاقيل.
وإن كانت الفضة غير مضروبة إن كانت خالية عن الغش يذكر كذا فضة خالصة ويذكر نوعها نُقْرَةَ كَيْلَجةٍ
(3)
أو نُقْرَةَ طَمْغَاجِيَّةٍ
(4)
ويذكر صفتها أنَّها جيدةٌ أو وسطٌ أو رديئةٌ وقيل: إذا ذكر طمغاجية لا حاجة إلى ذكر الجودة وإن كان المُدَّعَى دراهم مضروبة والغش فيها غالب إن كان يتعامل بها وزنًا يذكر نوعها ومقدار وزنها وصفتها وإن كان يتعامل بها عددًا يذكر عددها، ولو ادَّعى الحنطة أو الشعير بالأَمْنَاءِ
(5)
وبيَّن أوصافها فقد قيل لا تصح هذه الدَّعْوَى وقيل تصح.
وفي الذرة المُجُّ
(6)
يعتبر العرف
(7)
أمَّا في الأشياء الستة فالمقدَّر هو الكيل في الأربعة منها وهي: الحنطة والشعير والتمر والملح وفي الذهب والفضة الوزن.
ثُمَّ إن ادَّعى الحنطة أو الشعير مُكَايَلَةً صحت الدَّعْوَى بلا خلاف.
(1)
النُّقْرة: القطعة المذابة من الذهب أو الفضة ويقال: نُقْرةُ فضةٍ على الإضافة للبيان. يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (2/ 321).
(2)
[ساقط] من (ب).
(3)
الكَيْلَجةُ: مِكْيالٌ والجمع كَيالِجُ وكيالِجةٌ أَيضاً والهاء للعجمة، والكيلجة مكيال سعته نصف صاع، وهو يساوي عند الحنفية (1، 680) ليتراً، وهو مكيال معروف عند أهل العراق. يُنْظَر: لسان العرب (2/ 352)، معجم لغة الفقهاء (1/ 450).
(4)
نسبة إلى جبال طمغاج من أرض الصين، ونقرة طمغاجية: نوع من أنواع الضرب الخالص، يُنْظَر: البداية والنهاية (13/ 98).
(5)
المنُّ: بالفتح والتشديد جمع أمنان، ويقال له المنا، وهو يساوي رطلان، وجمع المنا أمناء، قال ابن سيده: المن كيل، أو ميزان، وهي أداة وزن تساوي رطلين، والرطل = 12 أوقية، فهو مكيال سعته رطلان عراقيان، أو أربعون أستارا وبالأوزان المعاصرة يساوي (39، 815) غراما، يُنْظَر: لسان العرب (13/ 415)، معجم لغة الفقهاء (1/ 460).
(6)
المُجُّ: حبٌ كالعدس إلاّ أنهُ أشدُ استدارة منه. يُنْظَر: تهذيب اللغة (3/ 446).
(7)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 4)، حاشية ابن عابدين (7/ 429).
وإقامة البينة على إقرار الْمُدَّعَى عليه بالحنطة والشعير ولم يذكروا الصفة في الإقرار قبلت البينة في حق الجبر على [البيان]
(1)
لا في حق الجبر على الأداء.
وإن ادَّعى الدقيق بالقفيز لا يصح؛ لانكباسه [بالكبس]
(2)
ومتى ذكر الوزن صحت الدَّعْوَى ولابدَّ أن يذكر خشك آرد أو شسته
(3)
ويذكر مع ذلك ويخته أو ناويخته
(4)
ويذكر مع [ذلك]
(5)
أنَّه جيدٌ أو وسطٌ أو رديءٌ هذا كله من الذَّخِيرَةِ
(6)
وفصول الإمام الاسْتَرُوشَنِيّ.
(7)
رحمه الله.
[ما يفعله القاضي بعد صحَّة الدعوى]
(فإن اعترف: قضى عليه بها)
(8)
ولفظ القضاء هنا [مجاز]
(9)
للزوم؛ لأنَّه لما أقرّ الخصمُ فلا حاجة إلى قضاء القاضي؛ (لأنَّ الإقرار بنفسه موجب)
(10)
وفي الْإِيضَاحِ فإذا أقر به ألزمه إقراره وحكم به عليه ثُمَّ قال: وإطلاق لفظ الحكم بناء على الإقرار توسيع في الكلام؛ لأنَّ الإقرار حجة بنفسه
(11)
؛ لأنَّ الحجة ما يلزم الإنسان موجبها وللإنسان ولاية كاملة على نفسه فكان إقراره حجة لا يتوقف على قضاء القاضي فكان الحكم من القاضي إلزاماً للخروج عن موجب ما أقر به وأنّه على خلاف الحكم بالبينة.
فإنَّ الشهادة خبر يحتمل الصدق والكذب فإذا قضى القاضي بالبينة فقد جعلها حجة وصار جانب احتمال الكذب ساقط العبرة في حق العمل به فصارت البينة بمنزلة الحجج الشرعية/ التي يجب العمل بها كالقياس، وأخبار الآحاد وإنَّما يصير حجة على هذا المثال بعد اتصال القضاء بها فتبيّن أن عمل قضاء القاضي في حق البينة أن يُصَيِّرها حجة والإقرار حجة بنفسه فيلزمه الخروج عن موجب إقراره (فيأمره بالخروج عنه)
(12)
أي: عن موجب الإقرار والدليل على هذا صريح ما ذكره في الْإِيضَاحِ
(13)
على ما قلنا الخطاب في قوله عليه السلام: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ» للمدعي من الحضرمي والكندي في حديثهما
(14)
: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ» ؟ فقال: لا. فقال: «لَكَ يَمِينُهُ» فقال: يَحْلِفُ ولا يُبَالِي، فقال:«لَيْسَ لَكَ إِلَّا هَذا شَاهِدَاكَ أو يَمِينُهُ»
(15)
، فذاك تنصيص على أنَّ اليمين حق الْمُدَّعِي ثُمَّ إنَّما جعل يمين المنكر حق المُدَّعِي والله أعلم.
(1)
في (أ)(النبات).
(2)
[ساقط] من (أ).
(3)
كلمة فارسية معناها: دقيق ناشف أو مبلل.
(4)
كلمة فارسية معناها: حالاً أو يتأخر. يُنْظَر: ثقافة الاصطلاحات اليومية؛ للدكتور محمد غفراني، والدكتور مرتضى آيت الله زاده شيرازي تحت الإشراف: إبراهيم إقبال، وكتاب المعجم؛ لمصطفى رحيمي نيا.
(5)
[ساقط] من (أ).
(6)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 739).
(7)
يُنْظَر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (4/ 4).
(8)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 164).
(9)
في (أ) و (ب)(مجار).
(10)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 156).
(11)
يُنْظَر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 255).
(12)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 156).
(13)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 50).
(14)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 54)، المحيط البرهاني (8/ 683).
(15)
أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، برقم (139)(1/ 123).
ثمَّ إنَّ الْمُدَّعِي يزعم أنَّه صار متوياً حقه بإنكاره
(1)
فالشرع جعل له حق استحلافه حتى إن كان الأمر كما زعم فاليمين الغموس مهلكة للمدعى عليه فيكون اليمين إتواء
(2)
بمقابلة الإتواء، وهو مشروع كالقصاص وإن كان بخلاف ما زعم فالْمُدَّعَى عليه [ينال]
(3)
الثواب بذكر اسم الله تعالى صادقاً، ثُمَّ إنَّما رتب [اليمين]
(4)
على البينة لا على العكس؛ لأنَّ نفس الدَّعْوَى ليست بموجبة استحقاق المُدَّعَى للمُدَّعِي؛ لأنَّ فيه إساءة الظن بالآخر وذلك لا يجوز فوجبت إقامة البينة على المُدَّعَى لإثبات استحقاقه بها فيطالبه القاضي بذلك لا على وجه الإلزام عليه بل على وجه التذكير له فلعله يغفل عن ذلك فلو قدَّمنا اليمين لم يكن فيه نظر للمدَّعى عليه إذ إقامة البينة مشروعة بعد اليمين، ثُمَّ لو حلّفناه أولاً ثُمَّ أقام الْمُدَّعِي البينة افتضح المُدَّعَى [عليه]
(5)
باليمين الكاذبة وأثر كون اليمين حق المدَّعِي هو أن اليمين لا تستوفى إلَّا بطلبه.
فإن قيل: كيف يستحقها بنفس الدَّعْوَى قلنا: كما يستحق الإحضار والجواب على ما ذكرنا من قوله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)}
(6)
والمعنى فيه هو أن دعوى المدّعي وإنكار الْمُدَّعَى عليه خبران قد تعارضا ولا يتمكن القاضي من تركهما على ذلك لما فيه من امتداد الخصومة بينهما فلابدَّ من طلب رجحان جانب الصدق في خبر أحدهما وذلك في بينة المدّعي أو [يمين]
(7)
الْمُدَّعَى عليه إلى هذا أشار في المَبْسُوط
(8)
.
فإن قلت: ما وجه تخصيص جانب المُدَّعِي بالبينة وجانب الْمُدَّعَى عليه باليمين ولم ينعكس مع أنَّ المعنى المطلوب من هذا وهو إظهار صدق كل واحد منهما في هذا يتحقق في العكس أيضاً وما وجه تخصيص عدد الاثنين في البينة؟
قلت: ذاك لمعنىً فقهي بعد ورود الشرع به، وهو أن كل واحد من المُدَّعِي والْمُدَّعَى عليه محتاج إلى نوع تأكيد ليترجح جانب صدقه على الآخر وإن لم يكن ذلك المؤكد حجة ملزمة.
(1)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 52).
(2)
الاتواء: الإتلاف والهلاك. يُنْظَر: المعجم الوسيط (1/ 91)، جمهرة اللغة (1/ 229).
(3)
في (أ)(ينالي).
(4)
[ساقط] من (أ).
(5)
[ساقط] من (أ).
(6)
سورة النور من الآية: (48).
(7)
في (أ) و (ب)(عين).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 55).
ثُمَّ إنَّ الْمُدَّعَى عليه متمسك بما هو الأصل؛ لأنَّ الأصل براءة الذمم وأن تكون الأملاك في يد الملاك
(1)
فهو غير محتاج إلى شيء آخر مؤكد قوله؛ لتمسكه بالأصل وإنَّما المحتاج إليه المُدَّعِي [لدعواه]
(2)
ما هو خلاف
(3)
الظاهر فلما جاء المُدَّعِي بشاهد واحد تقوُّى صدقه لكن صدق الْمُدَّعَى عليه متقوٍ من جهة أخرى أيضاً بشهادة الأصل له على ما ذكرنا فاستويا في احتمال غلبة الصدق لتساويهما فيما يوجب الترجيح فوقعت المعارضة فاحتيج إلى الترجيح فترجح جانب المُدَّعِي بانضمام الشاهد الثاني إلى الأول والمعنى في انضمام الشاهد الثاني إلى جانب المُدَّعِي دون جانب الْمُدَّعَى عليه ظاهر وهو علة مجانسة الشهود أو مجانسة انضمام الحادث إلى الحادث؛ لأنَّ الشاهدين كليهما حادثان.
وأمَّا لو قلنا باليمين على المدّعي فلا يخلو إمَّا أن نقول قبل ترجح جانب المدّعي بشاهد واحد أو بعده لا وجه للقول قبله؛ لأنَّ ذلك يوجب الترجيح قبل المعارضة، والمعارضة إنما تكون بالمساواة [ولا مساواة]
(4)
لقول المُدَّعِي مع قول الْمُدَّعَى عليه؛ لرجحان قول الْمُدَّعَى عليه على ما ذكرنا ولا وجه بعده أيضاً لانعدام علة مجانسة الضم؛ لأنَّ اليمين ليست من جنس الشهود بخلاف الشاهد الثاني فإنَّه من جنس الشاهد الأوّل ولأنَّ معنى الإتواء مقابلة الإتواء الذي هو المشروع كما في القصاص إنَّما يتحقق أن لو جعل اليمين في جانب الْمُدَّعَى عليه [لأنَّ الْمُدَّعَى عليه]
(5)
لما أتوى مال المُدَّعِي بإنكاره جعل الشارع إتواء نفسه باليمين الكاذبة على زعم المُدَّعِي في جانب الْمُدَّعَى عليه [ولو جعل اليمين على المُدَّعَى لا يحصل هذا المعنى فلذلك تعيَّن جانب المُدَّعِي بالبينة وجانب الْمُدَّعَى عليه]
(6)
باليمين؛ (لانتفاء التهمة/ عنها) أي: عن الدَّعْوَى لما روينا وهو قوله عليه السلام: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ»
(7)
(ولابد من طلبه) أي: طلب الاستحلاف (لأن اليمين حقه) أي: حق المدّعي (ألا ترَى كيف أضيف إليه بحرف اللام)
(8)
أي: أضيف إلى المدّعي بحرف اللام بقوله عليه السلام: «لَكَ يَمِينُهُ»
(9)
ثُمَّ اعلم أن يمين الْمُدَّعَى عليه كما [هِيَ حَقُّ]
(10)
المُدَّعِي من حيث أنَّها لا تستوفى بدون طلبه وهي أيضاً حَقُّ للْمُدَّعَى عليه من حيث أن شرعيتها إنَّما كانت لإظهار صدق الْمُدَّعَى عليه وما كان يرجح صدق الإنسان كان حقاً له إلى هذا أشار في المَبْسُوط
(11)
. والله أعلم بالصواب.
(1)
يُنْظَر: الإحكام لابن حزم (5/ 42).
(2)
[ساقط] من (ج).
(3)
في (ب) تكرار (خلاف) والمعنى يستقيم بدونها.
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
سبق تخريجه، ص (197).
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 156).
(9)
سبق تخريجه، ص (197).
(10)
في (أ)(بقي من).
(11)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 69).
باب اليمين
وهذا الترتيب من الترتيب الوجودي لما أنَّ مشروعية اليمين بعد العجز عن إقامة البينة فلما ذكر حكم البينة وما يتعلَّق به ذكر في هذا الباب حكم اليمين معناه حاضرة في المصر احترز به عن البينة الحاضرة في مجلس الحكم فإن البينة لو كانت حاضرة في مجلس الحكم لا يجوز الحكم باليمين بالاتفاق وإن طلب الخصم وقالا:
(1)
إذا لم يكن الشهود في مجلس الحكم فللمدّعي غرض صحيح في الاستحلاف وهو أن يقصر المسافة والمؤنة عليه بإقرار الْمُدَّعَى عليه أو نكوله عن اليمين فيتوسَّل إلى حقه في الحال فكان له أن يطلب يمينه فأبو حَنِيفَةَ رحمه الله يقول: إن المنكر إنَّما يكون متلفاً حق المدّعي بإنكاره إذا لم يكن له شهود حضور ولو استحلف القاضي الخصم مع حضور الشهود لكان في ذلك افتضاح المسلم إذا أقام المدّعي البينة بعد ذلك كذا في المَبْسُوط
(2)
.
لأن اليمين حقه بالحديث المعروف وهو قوله عليه السلام: «لَكَ يَمِينُهُ»
(3)
حيث أضاف إليه اليمين بلام الملك أن ثبوت [الحكم]
(4)
في اليمين يترتب على العجز عن إقامة البينة لما روينا وهو قوله عليه السلام للمدّعي: «أَلَك بَيِّنَةٌ» فقال: لا فقال: «إِذَنْ لَكَ يَمِينُهُ»
(5)
حيث شرط للاستحلاف أن لا يكون للمُدَّعِي شهود حضور كذا في المَبْسُوط
(6)
.
[نُكُول الْمُدَّعَى عليه عَنِ الْيَمِيِن]
(فلا يكون حقه دونه) أي: لا يكون اليمين حقَّ المُدَّعِي (دون العجز عن [إقامة]
(7)
البينة) أي: بغير العجز عن إقامة البينة لا يكون له ولاية الاستحلاف (وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي) وهذه المسألة تجيء بعيد هذه بقوله: (وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عليه عَنِ الْيَمِيِن قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ) إلى آخره
(8)
.
(وجعل جنس الأيمان على المنكرين وليس وراء الجنس شيء)
(9)
، فإن قلت: هذا التمسك بهذا الحديث المذكور إنَّما يصح أن لو تعين الخارج لكونه مدَّعياً وصاحب اليد لكونه منكراً وليس كذلك؛ لأنَّ كل واحد منهما يصلح أن يكون مدَّعياً من وجه ومنكراً من وجه؛ لأنَّ كل واحد منهما يقول لصاحبه هذا الشيء لي وليس لك وإذا كان كذلك تقبل بينة الخارج من حيث أنَّه مدَّعٍ ويقبل يمينه من حيث أنَّه منكرٌ والدليل على صحة هذا مسألة المتبائعين إذا اختلفا في ثمن المبيع حيث يسمع يميناهما وبينتاهما جميعًا فعلى هذا التقدير لم يكن في الحديث دليل على أنَّ اليمين لم تشرع على المدَّعِي.
(1)
هما أبو يوسف ومحمد رحمهما الله. يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 224).
(2)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(3)
سبق تخريجه، ص (197).
(4)
في (ب)(الحق).
(5)
سبق تخريجه، ص (197).
(6)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 223).
(7)
[ساقط] من (ب).
(8)
(وألزمه ما ادعى عليه وينبغي للقاضي أن يقول له إني أعرض عليك اليمين ثلاثا فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما ادعاه فإذا كرر للعرض عليه ثلاث مرات قضى عليه بالنكول) يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 164).
(9)
يُنْظَر: التقرير والتحبير (1/ 190)، تيسير التحرير (1/ 154)، الهداية شرح البداية (3/ 157).
قلت: التمسك بهذا الحديث على هذا الوجه صحيح وذلك لأنَّ ظاهر قوله عليه السلام: «البَيِّنَةُ على المُدَّعِي واليَمِينُ على مَنْ أَنْكَرَ»
(1)
يقتضي أنَّ لا بينة إلا على المنكر والمنكر غير المدَّعِي؛ لأَنَّ النبي عليه السلام قسَّم الخصوم فجعل قسمًا مدَّعياً وقسمًا منكراً، وقسم [الحجة]
(2)
نوعين فجعل نوعًا على المدَّعِي ونوعًا على المنكر والقسمة تقتضي التمييز فميزنا على هذا الوجه وهو أن جعلنا الخارج مدَّعياً والْمُدَّعَى عليه منكراً؛ لأَنَّ [أوَّل]
(3)
أقوالهما في الخصومة على هذا الطريق؛ ولأَنَّ ما يصدر من أوَّل أقوال المدَّعِي هو دعوى ما في يد الْمُدَّعَى عليه وأوَّل أقوال الْمُدَّعَى عليه في جوابه إنكار ما ادَّعاه فسمى كل واحد منهما بأوَّل ما يصدر منهما جميعًا في الخصومة مقصودًا والمقصود هو المقدَّم وما ذكرته من إنكار المدَّعِي لإنكار الْمُدَّعَى عليه ودعوى الْمُدَّعَى عليه لما في يده وقع ضمنًا لا قصدًا فلا يستحقان للأسماء المميزة في بيان الشرع بالمعاني الضمنية.
وأمَّا حكم المتبائعين من قبول بينتهما ويمينهما فحكم ثبت بالنص بخلاف القياس فلا يقاس عليه غيره إلى هذا أشار في الْأَسْرَار.
(وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ فيِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ)
(4)
قُيَّدَ بالملك المطلق احترازاً عن الملك المقيّد بدعوى النِّتاج وعن الملك المقيّد بما إذا ادَّعيا تلقي الملك من واحد وأحدهما قابض وبما إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ من اثْنَيْنِ/ وَأَرَّخَا وتَارِيخ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ فإنَّ في هذه الصور تقبل بينة ذي اليد بالإجماع كذا في المَبْسُوط
(5)
والْأَسْرَار
(6)
.
(وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى)
(7)
يعني أنّ بينة الخارج وبينة ذي اليد إذا تعارضتا على الملك المطلق فبيّنة الخارج أولى بالقبول عندنا وفي أحد قولي الشافعي رحمه الله
(8)
تهاترت البينتان ويكون المُدَّعَى لذي اليد تركا في يده وهذا قضاء ترك لا قضاء ملك وفي القول الآخر
(9)
ترجح بينة ذي اليد فيقضي به لذي اليد قضاء ملك بالبينة فصار كالنِّتاج بأَنْ يدَّعي كلٌّ من الخارج، وذي اليد أنَّ هذه الدابة نتجت عنده، وأقاما البيِّنة على ذلك، ولأحدهما يد، فإنَّه يُقضي لصاحب اليد
(10)
.
(1)
سبق تخريجه، ص (181).
(2)
في (ب)(الحجج).
(3)
[ساقط] من (ب).
(4)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 164).
(5)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 104).
(6)
يُنْظَر: الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (4/ 77).
(7)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 164).
(8)
يُنْظَر: الحاوي في فقه الشافعي (17/ 304)، نهاية المطلب في دراية المذهب؛ للجويني (19/ 94).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 58).
(10)
مسألة النِّتاج. يُنْظَر: الكفاية (7/ 163).
وكذلك إذا تنازعا في نكاح امرأة وأقاما البينة وهي في يد أحدهما فصاحب اليد أولى ودعوى الملك مع الإعتاق بأن يكون عبد في يدي رجل أقام الخارج البينة أنه عبده أعتقه وأقام ذو اليد [البينة]
(1)
أنّه أعتقه وهو يملكه فبينة ذي اليد أولى من بيّنة الخارج على العتق ذكره في بَابِ العتاق من دعوى المَبْسُوط
(2)
، ثُمَّ قال: هناك لأنَّ المقصود هناك إثبات الولاء على العبد والولاء كالنسب
(3)
، وإنَّما أثبته كل واحد منهما على العبد فلما استوت البينتان في الإثبات يترجح جانب ذي اليد بيده وكذلك في دعوى الاستيلاد والتدبير ولنا أن بينة الخارج أكثر إثباتاً فكان أولى بالقبول بدليل
(4)
البائع مع المشتري إذا اختلفا في مقدار الثمن فالبائع يقول: كان الثمن ألفين، والمشتري يقول: ألفاً، وأقاما البينة على ما ادّعيا فبيّنة البائع أولى لما قلنا، وكذا هاهنا.
وتحقيق هذا الكلام ظاهر وهو أن البينتان شرعتا لإثبات الحقوق فأيُّهما كانت أكثر إثباتًا كانت هي أولى لأن الأخرى لا تعارضها؛ لأنَّه إنَّما يصار إلى الترجيح إذا استوت الحجتان فأمَّا إذا لم تستويا لا يصار إلى الترجيح وهاهنا لا مساواة بين بينة المدعي وبين بينة صاحب اليد؛ لأنَّ المدَّعِي ببينته يثبت الملك ابتداءً؛ لأنَّ الملك لم يكن له فالآن يثبت له ببينته والْمُدَّعَى عليه لا يُثبِت الملك؛ لأنَّ الملك ثابت له بظاهر
(5)
اليد وبينة الخارج لم توجب زوال ملكه لأنَّها لا توجب الملك بنفسها وإنَّما تصير موجبة للحكم عند اتصال القضاء بها، فقبل القضاء يكون الملك ثابتًا للمدَّعَى عليه كما كان وإثبات الثابت لا يتصوّر
(6)
فلا تكون بينته مثبتة للملك وإنَّما هو مؤكد لملك ثابت والتأكيد إثبات وصف للموجود لا إثبات أصل الملك وبينة الخارج تثبت أصل الملك فصحَّ قولنا أنَّها أكثر إثباتاً فكانت أولى بالقبول ولا يلزم على كلامنا مسألة النِّتاج وما يشبه النِّتاج من النَّسْج الذي لا يتكرر ونحوه؛ لأنَّ البينتين استوتا في الإثبات؛ لأنَّهما قامتا على النِّتاج وأنَّه توجب أوليَّة الملك لصاحبه واليد دليل على مطلق الملك لا على أوليّة الملك فصاحب البينة يثبت ببينته ما ليس بثابت له كالخارج فاستويا، ثُمَّ اليد دليل على بقاء
(7)
ذلك الملك فصارت مرجحة.
(1)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 150).
(3)
يُنْظَر: كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي (4/ 561).
(4)
وفي (ب)(دليله).
(5)
وفي (ب)(بذلك).
(6)
يُنْظَر: كشف الأسرار (1/ 127).
(7)
في (ب)(نفاذ).
وأما هاهنا فالكلام في مطلق الملك من غير تعرض للسبب ولا للوقت فكانت الدَّعْوَى واقعة في [الملك]
(1)
في الحال واليد تدل عليه فيكون الثابت بالبينة ثابتًا بظاهر اليد وكان عمل بينة صاحب اليد في توكيل هذا الثابت فافترقا من هذا الوجه كذا في الطريقة اليرغرية قوله: (ولنا أن بينة الخارج أكثر إثباتًا) أي: في علم القاضي (أو إظهاراً)
(2)
أي: في الواقع فإنّ الخارج ببينته يظهر ما كان ثابتًا في الواقع (بخلاف النِّتاج)
(3)
يعني إذا ادّعى كل واحد من الخارج وذي اليد النِّتاج فبينة صاحب اليد أولى فإن قيل فعلى ما ذكرت من أنّ البينتين أيهما أكثر إثباتاً كانت أولى ينبغي أن يقبل بينة الخارج في دعوى النِّتاج أيضاً لأن بينته أكثر إثباتًا لأنها تثبت اليد والنِّتاج وببينة صاحب اليد [تثبت]
(4)
النِّتاج لا غير فكانت هي أقل إثباتًا قلنا إنما رجحنا بينة الخارج في غير النِّتاج لأن بينة أكثر إثباتًا لأنه يثبت الملك على خصم هو مالك وبينة ذي اليد لا تثبت الملك على خصم هو مالك لأن بمجرد إقامة الخارج البينة لم يثبت الاستحقاق له قبل [القضاء]
(5)
فلا يصير هو مقضياً عليه لو قضى ببينة ذي اليد.
وإذا قضى ببينة الخارج صار ذو اليد مقضيًا عليه فلزيادة الإثبات رجحنا بينة الخارج بخلاف دعوى النِّتاج فإن كل واحد من البينتين هناك/ تثبت أولية الملك لصاحبه وذلك لا يكون استحقاقًا على غيره ولهذا لا يصير ذو اليد مقضيًّا عليه إذا أقام البينة على النِّتاج حتى لو أقام ذو اليد البينة على النِّتاج بعد قضاء القاضي للخارج وجب قبول بينته فلما استويا في الإثبات رجحنا بينة ذي اليد كذا في المَبْسُوط
(6)
.
وذكر في الْإِيضَاحِ
(7)
وإذا ثبت أن معنى البينة هو الإثبات نقول الخارج يثبت على ذي اليد ملكًا لم يكن ثابتًا فأما ذو اليد فلا يثبت على الخارج ملكًا لم يكن ثابتًا فلا يقبل بينته إلا على سبيل الدفع لبينة المدعي ولهذا لم يقبل بينة ذي اليد قبل بينة الخارج على أصل
(8)
لأنه لا حاجة إلى الدفع وهذا أصل هذه المسائل وهو أن بينة الخارج تقبل للإثبات وبينة ذي اليد تقبل إذا كانت متضمنة لدفع بينة الخارج فإذا قامت البينتان على مطلق الملك كانت بينة الخارج في محلّها لأنها قامت للإثبات وليس في بينة ذي اليد ما يدفع بينة الخارج فلم تقبل فأمّا المسائل الإلزامية فخارجة على هذا الأصل فإنّهما إذا تنازعا في النِّتاج فبينة صاحب اليد متضمنة لدفع بينة الخارج لأنها تقوم على أولية الملك وأولية الملك لا تثبت إلا لأحدهما فإذا قدرنا ثبوتها لصاحب اليد كانت بينته متضمنة دفع بينة الخارج بخلاف مطلق الملك لأنه يتصور ثبوت الملك لهما على التعاقب إن لم يتصوّر على الانتظام فلم يكن في ظاهر بينة ذي اليد ما يدفع بينة الخارج فلا تقبل
(9)
.
(1)
[ساقط] من (ب).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 157).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 157).
(4)
[ساقط] من (ب).
(5)
[ساقط] من (ب).
(6)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 60).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 127).
(8)
وفي (ب)(أصله).
(9)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 295).
فإن قلت: فما جوابنا عن قول من قال
(1)
ينبغي أن يبقي العين عند تعارض البينتين في الملك المطلق في يد ذي اليد كما كان قبل التعارض كما في الأدلة الشرعية وهذا لأنّه لما تعارضت البينتان تيقن القاضي بكذب أحدهما لأنّ العين الواحد في وقت واحد لا يكون كلها ملكًا لكل واحد منهما فبطلت البينتان وبقي العين في يد ذي اليد بحكم يده لأن البينة في إيجاب الحكم على القاضي بمنزلة الأدلة الشرعية في إيجاب الحكم على الكل.
قلت: الفرق بينهما ظاهر وهو أن الأدلة الشرعية حجة في النفي والإثبات فيتحقق التعارض وهاهنا البينتان للإثبات لا للنفي وحاجة ذي اليد إلى نفي استحقاق الخارج فلم يتحقق التعارض لذلك فلما لم يعارض بينة ذي اليد ببينة الخارج صار وجودها بمنزلة عدمها فلو قامت بينة الخارج عند عدم بينة ذي اليد كان الحكم للخارج فكذا إذا قامت بينة ذي اليد عند معارضتها إلى هذا أشار في المَبْسُوط
(2)
.
وقوله: (وكذا على الإعتاق وأختيه)
(3)
أي: اليد لا يدل على الإعتاق والاستيلاء والتدبير فتعارضت بينة الخارج مع بينة ذي اليد ثُمَّ ترجحّت بينة ذي اليد.
وذكر في الذَّخِيرَةِ
(4)
بخلاف ما لو تنازعا في عبد ادّعى كل واحد أنه عبده دبّره أو أعتقه وأقاما البينة فإنه يقضي ببينة صاحب اليد لأن هناك الدَّعْوَى في الحاصل في الولاء لأن العتق حاصل للعبد بتصادقهما وقد استوت البينتان في إثبات الولاء وترجح صاحب اليد بحكم يده ثُمَّ قال هذا إذا لم يذكر تاريخًا فأمّا إذا ذكرا تاريخًا إن كان تاريخهما على السواء يقضي للخارج منهما لأن عند استوائهما في التاريخ يسقط اعتبار التاريخ وتبقى الدَّعْوَى في الملك المطلق وإن أرّخا وتاريخ أحدهما أسبق فعلى قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
(5)
للتاريخ عبرة في دعوى الملك المطلق إذا احتجا على التاريخ [يجبر]
(6)
فيقضى لأسبقهما ثُمَّ إن كان أسبقهما تاريخا الخارج فلا إشكال لأنهما لو كانا في التاريخ على السواء كان يقضى للخارج فإذا كان هو سابقاً في التاريخ كان أولى وإن كان أسبقهما تاريخا ذا اليد فلأنه أثبت الملك في وقت سابق على وقت الخارج ففي بينته زيادة إثبات واستحقاق من حيث الوقت وفي بينة الخارج زيادة استحقاق من حيث أنه يستحق على صاحب اليد الملك الثابت له بظاهر اليد فاستويا في إثبات الاستحقاق من هذا الوجه وترجح بينة صاحب اليد بحكم اليد كما في دعوى النِّتاج أنّ كل بينة لما أثبت أولية الملك لصاحبها ولم يحتمل التملك في هذا من جهة صاحبه واستويا في الإثبات رجحنا بينة ذي اليد بحكم اليد لأن يده دليل على زيادة صدقه في دعواه فكذا هنا
(7)
.
(1)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 80).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 60).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 157).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 761).
(5)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (8/ 4).
(6)
[ساقط] من (ب).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 760).
وقال الشافعي
(1)
رحمه الله: لا يقضي به بل يردّ اليمين على المدّعي فإن حلف أخذ المال وإن أبى انقطعت المنازعة بينهما والترفع عن الصادقة كما فعل عثمان
(2)
/ رضي الله عنه فإنه نكل عن اليمين وقال: أضاف أن يوافقه قضاء فيقال إن عثمان حلف كاذباً فلما احتمل لم يكن حجة
(3)
، (ولنا أن النكول دلّ على كونه باذلًا)
(4)
أي: على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله (أو مُقِرًّا) أي: على قولهما
(5)
(إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب)
(6)
لأنّه عليه السلام قال: «واليمين على من أنكر»
(7)
وكلمة على للوجوب.
فإن قلت: هذا التعليل كله في معرض النص فلا يسمع؛ لأن الحديث المعروف وهو قوله عليه السلام: «البينة على المدّعي واليمين على من أنكر»
(8)
دلّ على أن فصل الخصومات أما بالبينة أو باليمين لا بغيرهما فمن فصل بالنكول فقد فصل بغير المشروع ولأن اليمين في جانب الْمُدَّعَى عليه في الابتداء لكون الظاهر شاهدًا له فبنكوله صار الظاهر شاهدًا للمدّعي فتعود اليمين إلى جانب المدعي ولهذا بدأنا بالأيمان من جانب الزوج في اللعان لشهادة الظاهر له فإنه لا يلوّث فراشه كاذباً وإن كان هو مدّعياً وبدأنا في القسامة بيمين الولي لشهادة الظاهر له وإن كان مدعياً ولأن ما قاله الشافعي
(9)
رحمه الله مؤيّد بما روي عن علي رضي الله عنه فإنه حلّف المدعي بعد نكول الْمُدَّعَى عليه
(10)
.
(1)
يُنْظَر: الأم (7/ 128)، الحاوي في فقه الشافعي (16/ 317)، روضة الطالبين (12/ 47).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 32).
(3)
أخرجه البيهقي في الكبرى، كتاب الشهادات، باب النكول ورد اليمين، برقم (21257)، (10/ 184)، بلفظ: أن المقداد استقرض من عثمان بن عفان رضي الله عنه سبعة آلاف درهم، فلما تقاضاه قال: إنما هي أربعة آلاف، فخاصمه إلى عمر رضي الله عنه، فقال: إني قد أقرضت المقداد سبعة آلاف درهم، فقال المقداد: إنما هي أربعة آلاف، فقال المقداد: أحلفه أنها سبعة آلاف، فقال عمر رضي الله عنه: أنصفك، فأبى أن يحلف، فقال عمر: خذ ما أعطاك. قال البيهقي: إسناد صحيح، إلا أنه منقطع.
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 157).
(5)
يعني: (إن كان النكول بذلًا كما هو مذهب أبي حنيفة، أو مقرًّا إن كان إقرارًا كما هو مذهبهما) أي الصاحبين رحمهما الله، فيصير المدَّعى عليه بالنكول مقرَّاً عندهما. يُنْظَر: العناية شرح الهداية (8/ 177).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 157).
(7)
سبق تخريجه، ص (181).
(8)
سبق تخريجه، ص (181).
(9)
يُنْظَر: الأم (7/ 128)، الحاوي في فقه الشافعي (16/ 317)، روضة الطالبين (12/ 47).
(10)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 184) باب النكول ورد اليمين بلفظ (اليمين مع الشاهد فإن لم يكن له بينة فاليمين على المدعى عليه إذا كان قد خالطه فإن نكل حلف المدعى).
قلت: أما الحديث المعروف ففيه أن الفصل ببينة المدعي إن وجدت أو بيمين المنكر إن وجدت وإن عدمتا فلا ذكر له فوجب طلب الفاصل بالرأي.
وأمّا اللعان
(1)
فإن كلمات اللعان شهادات عندنا
(2)
مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن قائمة مقام حدّ القذف فكان معنى اليمين فيها غير مقصود وقد مرّ ولأن معنى اليمين في اللعان قائم مقام الحد وجب أصالة لا خلفاً فلا يمكن الإيفاء إلا بكلمات اللعان.
وأمّا اليمين هاهنا صارت حقاً للمدعي إذا عدمت البينة وليست بأصل لأنه لا يدعيها فثبت أنه خلف عن أصل والأصل ما ادّعاه من المال وإذا كان كذلك لم يمكن قياس هذا عليه وكذلك اليمين في دعوى القصاص يثبت بطريق الأصالة لأن الْمُدَّعَى عليه لو قال إني لا أعرف ما تقول ولا أنازعك فيما تدعي لم يمكِّنه القاضي من القتل بعصمة أوجبها الله تعالى حقاً للآدمي عن التناول إلا بذنب بخلاف المال فإن ذا اليد لو قال إني لا أعرف ما تقول ولكني لست بمنازع إياك على أخذك مكن
(3)
القاضي المدّعي من أخذه فثبت أن اليمين في دعوى القصاص لم تجب خلفاً عن حق له في القتل ولكن وجب أصلاً للمدّعي بنفس الدَّعْوَى بلا بينة تعظيماً لأمر الدماء كما في قتيل المحلّة
(4)
يجب القسامة مع الدّية ولما وجب أصلاً لم يمكن الإيفاء إلا بها عينها فيحبس حتى يحلف لما لم يجز فيه النيابة وهذا كما قلنا في مانع الزكاة أن القاضي يحبسه حتى يؤدي ولا يأخذ بنفسه لأن الزكاة لا تتأدى بمثله.
وأما ما روي عن علي رضي الله عنه أنه حلّف المدّعي فكان ذلك بناء على مذهبه لأنّه كان يحلف المدعي مع تمام حجة
(5)
القضاء بالبينة ولسنا نأخذ بذلك ثُمَّ مذهبنا أيضاً مؤيد بإجماع الصحابة رضي الله عنهم وروي عن علي رضي الله عنه أيضاً موافقة الإجماع فإنه روى عن شُرَيِح رضي الله عنه
(6)
أن المنكر طلب منه ردّ اليمين إلى المدّعي فقال: ليس لك إليه سبيل فقضى بالنكول بين يدي عليّ فقال له علي رضي الله عنه: قالون وهي بلغة الرومية أصبت
(7)
.
(1)
يُنْظَر: التعريفات للجرجاني (1/ 246).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق (4/ 122).
(3)
في (ب)(مكنت).
(4)
قتيل المحلة: المقتول الذي وجد في الدار أو الموضع الذي يقرب من المصر بحيث يسمع الصوت منه. يُنْظَر: الفتاوى الهندية (6/ 77).
(5)
في (أ)(الحجة).
(6)
أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، الكوفي، ويقال: شريح بن شرحبيل، أو شراحيل، أدرك النبي رحمه الله، ولم يلقه، وروى عن كبار الصحابة؛ كعمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود رضي الله عنهم، وروى عنه النخعي، والشعبي، ومجاهد بن جبر، ومحمد بن سيرين، ولاَّه عمر بن الخطاب قضاء الكوفة، وأقره علي بن أبي طالب عليها، وولي قضاء البصرة سنة، ومكث في القضاء ستين سنة، واستعفى الحجاجَ بنَ يوسف من القضاء فأعفاه، وكان من أعلم الناس في زمانه بالقضاء، وكان فقيهاً، ذا فطنة وذكاء، توفي سنة ثمانٍ وسبعين من الهجرة.
يُنْظَر: طبقات الفقهاء (80)، تهذيب الكمال (12/ 435)، سير أعلام النبلاء (4/ 100).
(7)
أخرجه البيهقي في السنن الصغرى، عن الشعبي برقم (2786)، باب تصديق المرأه فيما يمكن فيه انقضاء عدتها، (6/ 439) وفي سنن الدارمي، برقم (927)، باب الطهر كيف هو، (1/ 260)، وفي فتح الباري لابن حجر قوله: باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض (1/ 425).
ورُوي عن عمر رضي الله عنه أن امرأة ادّعت على زوجها أنّه قال لها: حبلك على غاربك فحلّف عمر رضي الله عنه الزوج بالله ما أردت طلاقاً فنكل فقضى عليه بالفرقة
(1)
.
وكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنه وهو مذهب أبي موسى الأشعري رضي الله عنه هذا كله في المَبْسُوط
(2)
والْأَسْرَار
(3)
.
فترجح هذا الجانب إلى جانب كونه باذلاً أو مقراً على جانب التورع؛ لأن الشرع ألزمه التورّع عن اليمين الكاذبة دون الترفّع عن اليمين الصّادقة فلذلك ترجّح هذا الجانب في نكوله ولأنّه لا يتمكّن من الترفع عن اليمين الصادقة إلا ببذل المال لأنّه إنما يترفع ملتزمًا للضرر لا ملحقاً بالغير يمنع الحق كذا في المَبْسُوط
(4)
.
ولا يجوز أن يكون لاشتباه الحال إذ لو كان كذلك لاستمهل من القاضي لينكشف عليه الحال ولا وجه لرد اليمين لما قدّمنا إشارة إلى قوله: (ولا تردّ اليمين على المدّعي لقوله عليه السلام إلى آخره
(5)
.
(لإعلامه بالحكم) أي: الحكم بالنكول (إذ هو موضع الخفاء) لأنّ القضاء بالنكول مجتهد فيه فإنّ عند الشافعي
(6)
رحمه الله لا يحكم بالنكوّل بل يرد اليمين إلى المدّعي فإن نكل المدعي انقطعت الخصومة على ما ذكرنا/ لما قدّمنا وهو قوله: (ولنا أنّ النكول دل على كونه باذلاً) إلى آخره
(7)
هو الصحيح احتراز عن قول بعضهم فإنّهم قالوا
(8)
: لو قضى القاضي بالنكول في المرة الأولى لا ينفذ (والأوّل أولى) أي: العرض (ثلاث مرات أولى)
(9)
أي: القضاء بالنكول بعد العرض مرة جائز ولكن الأولى هو القضاء بالنكول بعد العرض ثلاث مرات وإن كان القضاء بالنكول بعد العرض مرة جائزاً فصار هذا كإمهال المرتد ثلاثة أيام فإنّه أولى وإن قتل ولم يمهل جاز كذا في أدب القاضي
(10)
الطرش أهون الصمم يقال هو مولد
(11)
.
(1)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/ 343) باب ماجاء في كنايات الطلاق، وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 551) باب ماجاء في الخلية والبرية بلفظ (انه كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق ان رجلا قال لامرأته حبلك على غاربك فكتب عمر بن الخطاب إلى عامله ان مره يوافيني بمكة في الموسم فبينما عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال عمر من أنت فقال انا الذي أمرت أن أجلب عليك فقال له عمر أسألك برب هذه البنية ما أردت بقولك حبلك على غاربك فقال له الرجل لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك أردت بذلك الفراق فقال عمر بن الخطاب هو ما أردت.
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 61).
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 296).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 62).
(5)
«البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر» يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 156).
(6)
يُنْظَر: الأم (7/ 38)، الحاوي في فقه الشافعي (17/ 146)، نهاية المطلب في دراية المذهب؛ للجويني (18/ 665).
(7)
(أو مقرا إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعا للضرر عن نفسه) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 156).
(8)
منهم أبي يوسف ومحمد رحمهما الله. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (7/ 436).
(9)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 157).
(10)
شرح أدب القاضي (2/ 263 - 264).
(11)
يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (3/ 146).
وذكر في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(1)
: صورة المسألة وقال: رجل قدم رجلاً إلى القاضي فادّعى عليه مالاً أو ضيعة في يده أو حقاً من الحقوق فأنكر واستحلفه القاضي فإن أبى أن يحلف فإنّه ينبغي للقاضي أن يقول له إني أعرض عليك اليمين ثلاث مرات فإن حلفت وإلا ألزمك المدّعي
(2)
ثُمَّ يقول له القاضي: احلف بالله ما لهذا عليك هذا المال الذي يدعي وهو كذا وكذا ولا شيء منه فإن أبى أن يحلف في المرة الأولى يقول له في المرة الثانية كذلك فإن أبى أن يحلف في المرة الثانية يقول له: بقيت الثالثة ثُمَّ أقضي عليك إن لم تحلف، ثُمَّ يقول له ثالثاً: احلف بالله ما لهذا عليك هذا المال ولا شيء منه فإن أبى أن يحلف يقضى عليه بدعوى المدّعي وإن قضى القاضي بالنكول في المرة الأولى نفذ قضاؤه، ثُمَّ إن كان الاستحلاف عند غير القاضي كان المدعي على دعواه؛ لأنّ المعتبر يمين قاطعة للخصومة واليمين عند غير القاضي غير قاطعة وإن كان الاستحلاف الأوّل من القاضي لا يحلّفه ثانياً، وكذا لو اصطلحا على أنّ المدّعي لو حلف فالْمُدَّعَى عليه ضامن للمال وحلف فالصلح باطل ولا شيء على الْمُدَّعَى عليه.
وذكر الإمامُ اللَّامِشِيُّ رحمه الله
(3)
أنّ المُدَّعِي لو قال: إن حلف الْمُدَّعَى عليه فأنا بريء أو قال: فدعاواي باطلة لا يبطل دعواه كذا في الفصول
(4)
ثُمَّ إذا قطع القاضي الخصومة بيمين الْمُدَّعَى عليه بين الخصمين فالمدّعي على دعواه بعد ذلك أيضاً ولكن لا يخاصم الْمُدَّعَى عليه ما لم تقم له البينة على وفق دعواه فإذا وجد بينة فله ذلك؛ لأنه ذكر في المَبْسُوط
(5)
في بَابِ الاستحلاف من أدب القاضي وبعض القضاة من السّلف كانوا لا يسمعون البينة بعد يمين الخصم وكانوا يقولون كما يترجح جانب الصدق في جانب المُدَّعِي بالبينة، ويتعيّن ذلك حتّى لا ينظر إلى يمين المنكر بعده فكذلك يتعيّن جانب الصدق في جانب الْمُدَّعَى عليه إذا حلف فلا يلتفت إلى بينة المُدَّعِي بعد ذلك ولسنا نأخذ بذلك، وإنّما نأخذ فيه بقول عمر رضي الله عنه
(6)
فقد جوّز قبول البينة من المُدَّعِي بعد يمين الْمُدَّعَى عليه، وبقول شُرَيحٍ رحمه الله قال: اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة
(7)
، ولسنا نقول بيمين الْمُدَّعَى عليه يتعين معنى الصدق في إنكاره
(8)
ولكن المُدَّعِي لا يخاصمه بعد ذلك؛ لأنه لا حجة [له]
(9)
؛ لأنّ حجة المدعي أحد الأشياء الثلاثة: البينة أو إقرار الخصم أو نكوله، فإذا وجد الحجة كان له أن يثبت حقه بها ثُمَّ إنّ المُدَّعِي إذا أقام البينة بعد يمين الْمُدَّعَى عليه هل يظهر كذب الْمُدَّعَى عليه أم لا؟
(1)
يُنْظَر: فتاوى قاضيخان (2/ 420).
(2)
في (ب)(المدعى عليه).
(3)
أبو علي الحسين بن علي أبي القاسم، عماد الدين اللامشي، نسبة إلى لامش، وهى قرية من قرى فرغانة من بلاد ما وراء النهر، إمام، فاضل، مناظر، سمع الحديث عن القاضي أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم القصار، والقاضي أبي بكر محمد بن الحسن بن منصور النسفي، سمع منه السمعاني، وتوفي بسمرقند فى يوم الإثنين خامس رمضان سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة، وكان على طريق السلف من طرح التكلف، والقول بالحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يُنْظَر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 215)، الأنساب للسمعاني (5/ 671).
(4)
فصول العمادي في فروع الحنفية لجمال الدين بن عماد الدين المرغيناني الحنفي رتبها على: أربعين فصلا في المعاملات فقط، قال في أوله: وترجمت هذا المجموع: (بفصول الأحكام لأصول الأحكام) وقال: نجز في أواخر شعبان سنة 651 هـ. يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1270).
(5)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 229).
(6)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (3/ 182)، بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 364)، الاختيار لتعليل المختار (2/ 120).
(7)
أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار (14/ 308) باب البينة بعد اليمين برقم (20074).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 229).
(9)
[ساقط] من (أ) و (ج).
ذكر في الفصول محالاً على فتاوى رشيد الدين أنَّ المديون إذا حلف أن لا دَيْنَ عليه ثُمَّ أقام المُدَّعِي بينة على الدَّيْنِ عند مُحَمَّد رحمه الله لا يظهر كذبه في يمينه
(1)
، وعند أبي يُوسُف رحمه الله يظهر كذبه في يمينه
(2)
والفتوى في مسألة الدين أنّه إذا ادّعى المال من غير السبب فحلف، ثُمَّ أقام البينة يظهر كذبه، وإن ادّعى الدين بناء على السبب [هل يظهر كذب الْمُدَّعَى عليه بعد اليمين إذا قامت على خلافه]
(3)
ثُمَّ حلف أنّه لا دّيْنَ له عليه ثُمَّ أقام البينة على السبب لا يظهر كذبه بالبينة؛ لجواز أنه وُجد القرض ثُمَّ وجد الإبراء بعده أو الإيفاء.
[الدعوى في النكاح والرجعة]
وفي البَابِ الأوّل من شهادات الجامع
(4)
: رجل قال: أن امرأته طالق إن كان لفلان عليه شيء فشهد شاهدان أنَّ فلانًا أقرضه ألف درهم قبل اليمين فقضى القاضي بالمال لا يحنث، ولو شهدا أنَّ لفلان عليه ألف درلهم، وقضى القاضي بذلك يحنث في يمينه والمعنى في ذلك أنَّه جعل شرط حنثه وجوب شيء من المال [عليه]
(5)
وقت اليمين وحين شهدوا على القرض لم يظهر كون المال عليه وقت اليمين بخلاف ما لو شهدوا أنّ المال عليه.
(ولا يُسْتَحْلفُ عنده في النكاحِ والرَّجْعَةِ) إلى آخره
(6)
وصورة ذلك أن ادّعى رجل على امرأة أنّه تزوّجها وأنكرت المرأة ذلك، أو ادّعت المرأة النكاح وأنكر الرجل، أو ادّعى الرجل بعد الطلاق و/ انقضاء العدّة أنّه كان راجعها في العدّة وأنكرت المرأة، أو ادّعت المرأة ذلك وأنكر الزوج، أو ادّعى الزوج بعد انقضاء مدّة الإيلاء أنّه كان فاء إليها في المدة وأنكرت المرأة، أو ادّعت المرأة ذلك وأنكر الزوج أو ادّعى على مجهول أنّه عبده أو ادّعى المجهول علي ذلك أو اختصما على هذا الوجه في ولاء العتاقة أو ولاء الموالاة أو ادّعى [على]
(7)
رجل أنّ الْمُدَّعَى عليه ولده أو والده أو ادّعت المرأة على مولاها أنّها ولدّت منه هذا الولد أو ادّعت أنّها ولدت منه ولدًا وقد مات الولد وأنّها أم ولد له عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لا يستحلف المنكر في هذه المسائل السّبع وعندهما يستحلف
(8)
وإذا نكل يقضي بالنكول وفي الاستيلاد لا يتصوّر الطرف الآخر؛ لأن المولى إذا أقرّ به صحّ إقراره فلا حاجة حينئذ إلى الاستحلاف وفي اللعان لا يستحلف في قولهم وصورته إذا ادّعت المرأة على زوجها أنَّه قذفها قذفًا موجباً للعان وأنكر الزّوج لا يستحلف؛ لأن موجب قذف الزوج زوجته معتبر بموجب قذف الأجنبي وفيه لا يقضي بالنكول فهذا مثله؛ لأنّ كل واحد منهما يندرئ بالشبهات حتى لا يثبت مالاً بدل من الحجج ككتاب القاضي [إلى القاضي]
(9)
والشهادة على الشهادة وشهادة رجل وامرأتين ولا يعمل فيه البذل والإباحة، وهذا كله إذا لم يكن المقصود مالاً، وإن كان المقصود دعوى مال بأن ادّعت المرأة على رجل أنَّه تزوّجها وطلّقها قبل الدخول بها ولها عليه نصف المهر وأنكر يستحلف في قولهم فإن نكل يقضي عليه بنصف المهر على ما يجيء بعدها في الْكِتَابِ
(10)
.
(1)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 296).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 206).
(3)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(4)
يُنْظَر: الجامع الكبير (151).
(5)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(6)
(والفيء في الإيلاء والرق والاستيلاد والنسب والولاء والحدود واللعان وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يستحلف في ذلك كله إلا في الحدود واللعان) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 159).
(7)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(8)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 122)، اللباب في شرح الكتاب (1/ 362).
(9)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(10)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 218).
وسئل الشيخ الإمام عبد الواحد الشَّيْبَانِي
(1)
رحمه الله عن المرأة إذا كانت تعلم بالنكاح ولا تجد بينه تقيمها لإثبات النكاح والزوج ينكر ماذا يصنع القاضي حتى لا تبقى هذه المرأة معلّقة أبد الدهر قال: يستحلفه القاضي إن كانت هذه امرأة لك فهي طالق حتى يقع الطلاق باليمين إن كانت امرأة له لتتخلّص منه وتحل للأزواج
(2)
وذكر الصَّدرُ الشَّهِيدُ رحمه الله في أدب القاضي في بَابِ اليمين أنَّ الفقيه أبا الليث
(3)
رحمه الله أخذ بقولهما في هذه المسألة؛ لكثرة وقوعها
(4)
، وهكذا في الواقعات
(5)
أيضاً.
وكيفية الاستحلاف عندهما
(6)
أن يحلف على الحاصل إن كانت المرأة هي المدعية بالله ما هذه المرأة امرأتك بهذا النكاح الذي ادّعته وإن كان الزوج هو المُدَّعِي [تحلف]
(7)
بالله ما هذا زوجك على ما أدعى والمتأخرون من مشايخنا
(8)
على أنَّه ينبغي للقاضي أن ينظر في حال الْمُدَّعَى عليه فإن رآه متعنتًا يحلّفه ويأخذ بقولهما، وإن رآه مظلومًا لا يحلفه أخذاً بقول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
(9)
وهو كما اختاره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله
(10)
في التوكيل بالخصومة بغير محضر من الخصم أو بغير رضاه أن القاضي إن علم بالمدّعي التعنت في إباء التوكيل لا يمكنه من ذلك ويقبل التوكيل بغير محضر من الخصم، وإن علم بالموكل القصد إلى الإضرار بالمُدَّعِي في التوكيل لا يقبل ذلك إلا برضى الخصم حتى يكون دافعًا للضرر من الجانبين كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ
(11)
والْمَحْبُوبِيّ
(12)
وفي الحدود لا يستحلف بالإجماع
(13)
إلا إذا تضمن حقاً بأن علق عتق عبده بالزنا وقال: إن زنيت فأنت حرّ فادّعى العبد أنه قد زنى ولا بيّنة له عليه يستحلف المولى حتّى إذا نكل ثبت العتق دون الزنى كذا ذكره الصدر الشهيد في أدّب القاضي
(14)
؛ لأنّه يدل على كونه كاذباً في الإنكار على ما قدّمناه إشارة إلى قوله: (إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعًا للضرر عن نفسه)
(15)
يعني أن النكول إقرار؛ لأن نكوله عن اليمين يدل على أنه كان كاذباً فيما أنكر لدعوى المدّعي قبل هذا؛ لأنه لو لم يكن كاذباً في ذلك الإنكار لما نكل عن اليمين الصادقة إذ فيه حصول الثواب له بإجراء ذكر اسم الله تعالى على لسانه بطريق التعظيم ودفع تهمة الكذب عن نفسه لما أنّه واجب على كل مسلم أن يدفع تهمة الكذب عن نفسه وإبقاء ماله لنفسه على ما كان، وهذه الفوائد الثلاث [أي: حصول الثواب ودفع تهمة الكذب وإبقاء ماله لنفسه]
(16)
تحصل عند إقدامه على اليمين الصادقة عنده فالعاقل لا يفوت الفائدة الفذة عند إمكان تحصيلها فكيف يفوّت الثلاثة فعلم بهذا كله أنّه إنما نكل عن اليمين بسبب أنه لو حلف إنما يحلف كاذباً واليمين الكاذبة مهلكة لنفسه فكان نكوله صيانة لنفسه عن الإهلاك باليمين الكاذبة.
(1)
عبدالواحد بن علوان بن عقيل بن قيس، الشيباني، البغدادي، أبو الفتح، الشيخ المسند، سمع أبا نصر أحمد بن محمد بن حسنون، وأبا القاسم الحرفي، وحدث عنه: قاضي المارستان، وولده عبد الباقي، وإسماعيل بن السمرقندي، كان مولده سنة ثلاث وأربعمائة (ت 491 هـ). يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (19/ 128).
(2)
يُنْظَر: لسان الحكام (1/ 232)، نتائج الأفكار (8/ 190).
(3)
نصر بن مُحَمَّد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه، أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقه على الفقيه أبو جعفر الهندواني وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة (373 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (3/ 544)، تاج التراجم (310)، سير أعلام النبلاء (16/ 322).
(4)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 122)، شرح أدب القاضي (2/ 125).
(5)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 297 - 298)، الفتاوى الهندي (4/ 15).
(6)
هما أبو حَنِيفَةَ ومحمد، لأن أبي يوسف يرى التحليف على السبب.
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 362).
(7)
[ساقط] من (ب).
(8)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 297 - 298)، البحر الرائق (7/ 208)، والفتاوى الهندية (4/ 15).
(9)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (1/ 368)، نتائج الأفكار (8/ 208).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 8 - 9).
(11)
تصحيف والصحيح شرح الجامع الصغير؛ لقاضي خان. يُنْظَر: فتاوى قَاضِي خَانْ (2/ 429).
(12)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (1/ 365).
(13)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 206 - 207)، الفتاوى الهندية (4/ 18).
(14)
يُنْظَر: شرح أدب القاضي (2/ 147).
(15)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 157).
(16)
[ساقط] من (ب).
وكذب اليمين إنما يكون إذا كان كاذباً في إنكاره/ فيما قبل وتكذيبه إنكاره المتقدّم إقرار بالمال فيلزم من هذا أن النكول إقرار بالمال وطرديتها أن هذه الحقوق تثبت مع الشبهات فيقضي فيها بالنكول قياساً على الأموال والوكالات والوصايا وعكسها الحدود والقصاص وهذا لأنّ النكول بمنزلة الإقرار لكن فيه شبهة لأنّه سكوت في نفسه فيكون حجة فيما لا يسقط بالشبهات دون ما يسقط كشهادة التسامع الرجال، فإن قيل يشكل على هذا ما ذكره في الجامع
(1)
رجل اشترى نصف عبد ثُمَّ اشترى النصف الباقي ثُمَّ وجد به عيباً فخاصمه في النصف الأوّل فأنكر البائع ونكل عن اليمين فردّ عليه ثُمَّ خاصمه في النصف الباقي فأنكر لم يلزمه ويستحلف عليه ولو جعل النكول إقراراً للزمه النصف الآخر بنكوله في المرة الأولى كما لو أقر في تلك المرة.
قلنا: أن النكول ليس بإقرار في نفسه ولكن يجعل مقام الإقرار لوجوب قطع الخصومة بالإقرار أو باليمين وإنّما يلزمه القطع بقدر الحجة فيقوم النكول مقام الإقرار بقدر الحاجة على الخصوص، ألا ترَى أنَّه لا يصح إلا في مجلس القضاء؛ لأنه يثبت بحسب حاجة القاضي إليه.
وأما الإقرار فحجة لا لوجوب قطع الخصومة عليه حتّى لو أقرّ في غير مجلس القضاء أو قبل الدَّعْوَى صحّ وإذا كان كذلك يجعل النكول فيما وراء الوجوب كأنّه نكل في غير مجلس القضاء باستحلاف الخصم نفسه، فإن قيل الوكيل بالبيع إذا ادّعى عليه عيب في المبيع واستحلف فنكل فإنّه يلزم المؤكل ولو جعل إقراراً للزم الوكيل.
قلنا: أنّه وإن كان كالإقرار فهو أمر لزمه بسبب البيع بحيث لا اختيار له والموكل أدخله فيه فعليه أن يخرجه منه كما لو استحق البيع بعد الهلاك فإنَّ الوكيل يضمن فيرجع به على الموكل فأمّا إذا أقرّ فهو شي لزمه باختياره الإقرار فإنّه كان ينقضي عن الدَّعْوَى بالسكوت والنكول كما إذا ثبت الاستحقاق بإقراره يلزمه الضمان ولا يرجع به، فإن قيل يشكل على ما قالا مسألة ذكرها في المَبْسُوط
(2)
وهي: أن الرجل إذا قال: كفلت لك بما يقرّ لك به فلان فادّعى المكفول له على فلان مالاً فأنكر فحلّف فنكل فقضى القاضي بنكوله لا يقضي بالمال على الكفيل ولو كان النكول إقرارًا لقضى به.
قلنا: أنهما يقولان: أن النكول بدل عن الإقرار وليس بإقرار
(3)
ولهذا لا يثبت المُدَّعِي بنفس النكول بخلاف الإقرار حيث يثبت المدّعي بنفس الإقرار كذا في الْأَسْرَار
(4)
والْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ
(5)
وكان إقراراً أو بدلاً عنه بفتح الدال المهملة أي: وكان النكول إقراراً أو خلفاً عن الإقرار جاز أن يكون هذا الترديد لدفع بعض هذه الشبهات التي ترد عليها في القول بالإقرار ولأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنه بذل وتفسير البذل عنده ترك المنازعة والإعراض عنها وغير مفسّر بالهبة والتمليك
(6)
.
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (4/ 440).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (20/ 30).
(3)
[وليس بإقرار] تكرار في (أ) والمعنى يستقيم بدونها.
(4)
يُنْظَر: الاسرار (1/ 54).
(5)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 32).
(6)
يُنْظَر: الكافي شرح الوافي (2/ 545).
ولهذا قلنا: أنّ الرجل إذا ادّعى نصف دار على إنسان فأنكر الْمُدَّعَى عليه يقضي فيه بالنكول وهبة نصف الدار شائعا لا يصح؛ لأن هبة المشاع فيما يُستطاع فيه القسمة لا تجوز علم أن تفسير البذل ما قلنا كذا في الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ
(1)
؛ لأن معه لا يبقى اليمين أي: مع البذل لا يبقى اليمين علم أن النكول بذل؛ لأنّ اليمين تجب إذا كانت الخصومة باقية وبالبذل لا يبقى الخصومة فلا تكون اليمين واجبة فإن قيل هذا المعنى مشترك وهو أنَّ اليمين كما لا تبقى مع البذل كذلك لا تبقى مع الإقرار فلو جعل أبو حَنِيفَةَ رحمه الله عدم بقاء اليمين مع البذل دليلاً على أنّ النكول بذل كان لهما أن يجعلا عدم بقاء اليمين مع الإقرار دليلاً على أن النكول إقرار فما وجه ترجيح مذهب أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله في هذا التعليل.
قلنا: لما كان كذلك كان جعل النكول دليلاً على البذل أولى من جعله دليلاً على الإقرار؛ وذلك لأنّه لو كان إقراراً يكون الْمُدَّعَى عليه مناقضاً لكلامه الأوّل؛ لأنّه أنكر مرّة ثُمَّ لو جعل نكوله إقراراً كان كلامه متناقضاً والصون عن التناقض واجب.
وما ذكره في الْأَسْرَار
(2)
من التعليل لأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أولى مما ذكره في الْكِتَابِ
(3)
لعدم ورود صورة التناقض وقال لأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أن هذه حقوق لا يستباح تناولها بالإذن ابتداء فلا يُقضى بها بالنكول قياساً على القصاص في النفس وعلى عكسه الأموال وتفسير هذا الكلام أن رجلاً لو قال للقاضي: أنا حر ولكن هذا الرجل يؤذيني بالدَّعْوَى فأبحت له أن يسترقني لم يحل وكذلك لو قال: أنا ابن فلان ولكن هذا يؤذيني بالدَّعْوَى/ فأبحت له أن يدّعيني وكذلك إذا قال: لست بموليّ له وأنا حر الأصل أو معتق فلان لكن أبحت لهذا لم يثبت بالإباحة وكذلك المرأة إذا قالت: أنا لست بامرأة له ولكن أبحت له الإمساك بالنكاح ولو قال: هذا المال ليس له ولكن أبحت له تناوله حلّ وكذلك لو قال: بإزاء ما أدعى جاز وكان صلحا على الإنكار وكذلك إذا قال: لم أوكله بما فعل ولكن أذنت للحال وكذلك كل ما جعل للمنكر أن يثبته بإذنه فهذا تفسير هذا الكلام هو أن كلّ محلّ يقبل الإباحة بالإذن ابتداء من قبله قضى عليه بنكوله وما لا فلا وكان هذا أولى من أن يجعله إقراراً؛ لأنّ الخصومة كما تنقطع بالإقرار تنقطع بالبذل والتمليك بلا إقرار كما تنقطع الخصومة بالصلح على الإنكار وهو تمليك بدل الأصل فثبت أنّه جائز في الأصل مثله.
(1)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 207).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (5/ 6)، المحيط البرهاني (8/ 756).
(3)
المقصود بالكتاب هنا الجامع الصغير؛ لمحمد بن الحسن الشيباني يُنْظَر: (ص: 389)
فقلنا: بالبذل الذي هو عبارة عن ترك المنازعة لكون العمل بالبذل عملاً بأدنى الأمرين وكون البذل أقرب إلى الإنكار الذي سبق منه أولاً لأنّ الكلام فيه فحينئذ يبقى هو محق في إنكاره ويحلّ الأخذ للمدعي بدعواه التي هي حق عنده.
وأما لو جعلنا النكول إقراراً كنا جعلنا المنكر كاذباً في حقه فإن قيل لو كان هذا بذلاً مبتدأ كالهبة من قبل المقضي عليه كما في الصلح على الإنكار لقيل إذا استحق ما أدّى بقضاء لا يضمن شيئاً آخر كما لو صولح
(1)
على إنكار فاستحق بدل الصلح فإنّه لا يضمن شيئاً ولكن المُدَّعِي يرجع إلى الدَّعْوَى.
قلنا: لأنّ بدل الصلح وجب بالعقد فإذا استحق بطل العقد فعاد الحكم إلى الأصل وهو الدَّعْوَى فأمّا هاهنا فالمدّعي يقول أنا آخذ هذا بإزاء ما وجب لي عليه في ذمته بالقضاء فإذا استحق رجعت بما في الذمة، فإن قيل ما لا يجاب في الذمة ابتداء لا يصح.
قلنا: بل يصح كما في الكفالة والحوالة فالذمة تقبل الشغل بالدين والحقوق بسبب صحيح كالحوالة وكذلك بالمداينات فإن قيل وجوب الحكم على القاضي بالنكول دليل على أنّه إقرار لا بذل؛ لأن البذل يبيح الأخذ للمدعي ولكن لا يلزم القاضي أن يقضي به كالصلح على الإنكار.
قلنا: إذا كان البذل [هو]
(2)
صريحًا فهو بذل من العبد فلا يلزم القاضي.
وأمّا إذا كان نكولاً فهو بذل بحكم الشرع لما أن المدّعي يستحق ما ادّعاه بنفس الدَّعْوَى لولا منازعة المنكر بيده أو بذمته والْمُدَّعَى عليه أبطله بالمنازعة والشرع أبطله إلى اليمين ثُمَّ لما منع المنكر اليمين عاد الأمر إلى الأصل بحكم الشرع فيلزم القاضي قطع منازعته والتمكين منه بالقضاء بالأصل؛ لأنّه لا يمكنه استيفاؤه منه جبراً فانتقل بحكم الشرع إلى الأصل فإن قيل يشكل هذا بالعبد المأذون فإنه يقضي عليه بالنكول وكذلك الصبي المأذون وبذلهما باطل.
قلنا: إنا عللنا لبيان المحال التي تستحق بالبذل ابتداء والتي لا تُستحق، ولم نعلل لبيان الباذلين وعدم صحة البذل هناك إنَّما نشاء من عدم أهلية الباذل لا من المبذول على أنّ المأذون فيهما يصح بذله بقدر ما دخل تحت الإذن من الإطعام و [إلا]
(3)
هذا المأكول والإعارة ونحوها، والبذل بالنكول مما دخل تحت الإذن فإنَّه يستحلف بالخصومات ويقبل نكوله فإن قيل يقضي بالقصاص في الأطراف بالنكول ولا يعمل فيها البذل.
قلنا: البذل عامل إذا كان مفيدًا نحو أن يقول لآخر أقطع يدي وبها آكلة فقطعها حلّ ولم يأثم وبغير إذنه يأثم ولا يحلّ وفيما نحن فيه النكول مفيد؛ لأنّه يحترز به عن اليمين وله ولاية الاحتراز عن اليمين فإن كان صادقاً فأمّا إذا قال: جزافاً اقطع يدي فلا يحلّ له؛ لأنّه لا فائدة فيه بل فيه ضرر محض هذا كله مما أشار إليه في الْأَسْرَار إلا أن هذا بذل لدفع الخصومة فيملكه المكاتب والعبد المأذون هذا جواب إشكال تقديري على ما ذكرنا الإشكال من الْأَسْرَار
(4)
وهو أن النكول إذا كان بذلاً ينبغي أن لا يملكه المكاتب والمأذون لما أنَّ في البذل معنى التبرع وهما لا يملكان التبرع فقال في جوابه أنّهما يملكان لما لابدّ له من التجارة كما في الضيافة اليسيرة
(5)
وبذلهما بالنكول كان من جملة ذلك وصحة الضمير راجع إلى القضاء بالنكول وهذا جواب سؤال تقديري وهو أن يقال: أنّ الدين وصف في الذمة فكيف يجري فيه البذل؟.
(1)
في (ب)(صالح).
(2)
[ساقط] من (ب).
(3)
[ساقط] من (ب).
(4)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 207).
(5)
يُنْظَر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 334).
فأجاب بما ذكر في المتن على وجه يقع به الفرق بين الدين وبين الأشياء السبعة حيث يجري البذل في الدين ولا يجري في الأشياء السبعة أي: صحة النكول في حق أخذ (الدين بناء على/ زعم المدّعي والبذلُ معناه هنا ترك المنع)
(1)
وترك المنع جائز في المال لأنّ (أمرُ المالِ هَيِّنٌ).
وأما أمر هذه الأشياء ليس بهين فلا يجوز ترك المنع فيها ويستحلف السّارق يريد به إذا أراد المسروق منه أخذ المال دون القطع؛ لأنّ المال حقه فأمكن القول فيه بالاستحلاف فيستحلف على المال بالله ماله عليك هذا المال؛ لأنّ المال يثبت مع الشبهات ألا ترَى أنه يثبت بكتاب القاضي إلى القاضي والشهادة على الشهادة وشهادة رجل وامرأتين فجاز أن يثبت بالنكول الذي هو بذل أو إقرار فيه شبهه والحدود لا تقام بحجة فيها شبهة ألا ترَى أنها لا تقام بكتاب القاضي إلى القاضي والشهادة على الشهادة وشهادة رجل وامرأتين وكذلك لا تقام بالنكول فلهذا لا يجري اليمين في الحدود عن مُحَمَّد
(2)
أنه قال: القاضي يقول للمدّعي ماذا تريد فإن قال: أريد القطع فالقاضي يقول له أن الحدود لا يستحلف فيها فليس لك يمين، وإن قال: أريد المال فالقاضي يقول له [فإنه يسقط بالرجوع عنده هو القطع ويثبت المال بالإقرار ولايسقط بالرجوع]
(3)
دع دعوى السرقة وأنبعث على دعوى المال كذا ذكره الإمام الْمَرْغِينَانِيّ والْمَحْبُوبِيّ
(4)
كما إذا شهد عليها رجل وامرأتان فإنه يقضي بالمال ولا يقطع كذا هذا وكما إذا أقر هنا [يرد يمكن أنَّ الاطلاق يغني عن ذلك، وليس فيه توهم التقييد بذلك]
(5)
(6)
بالسرقة ثُمَّ رجع وإذا ادّعت المرأة طلاقاً قبل الدخول وفائدة تعيين صورة المسألة في الطلاق قبل الدخول هي تعليم أنّ دعوى المهر لا تتفاوت بين أن تكون الدَّعْوَى في كل المهر أو نصفه وسواء كان دعوى المهر في ضمن الطلاق أو بدون الطلاق لأنه ذكر بعد هذا صورة دعوى جميع المهر عند بقاء النكاح بقوله: وكذا في النكاح إن ادّعت هي الصداق وكذا في النسب إذا ادّعى حقاً كالإرث بأن ادّعى رجل على رجل أن المدّعي [مع]
(7)
أخو الْمُدَّعَى عليه مات أبوهما وترك مالاً في يد الْمُدَّعَى عليه أو طلب من القاضي فرض النفقة على الْمُدَّعَى عليه بسبب الأخوة فإنّه يستحلف على النسب بالإجماع
(8)
فإن حلف برئ وإن نكل يقضي بالمال ولا يقضي بالنسب كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ
(9)
رحمه الله.
(1)
يعني أنه: (جواب عما يقال: إنه لو كان بذلًا لما جرى في الدين؛ لأنه وصف في الذمة، والبذل لا يجري فيها). يُنْظَر: العناية شرح الهداية (8/ 186).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (8/ 756)، مجمع الأنهر (3/ 351).
(3)
[ساقط] من (ب).
(4)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 299).
(5)
[ساقط] من (ب).
(6)
يُنْظَر: أصول الْبَزْدَوِيّ (1/ 132 - 133)، أصول السرخسي (1/ 268).
(7)
[ساقط] من (ب).
(8)
يُنْظَر: مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (3/ 352).
(9)
تصحيف والصحيح شرح الجامع الصغير؛ لقاضي خان. يُنْظَر: فتاوى قاضيخان (2/ 430).
والحَجْرُ [وهو بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم: المَنْع من التصَرُّف إلى آخره]
(1)
في اللقيط إلى آخره بأن كل صبي قصر في يد رجل التقطه وهو لا يعبر عن نفسه فادّعت امرأة حرة الأصل أنه أخوها تريد قصر يد الملتقط لما لها من حق الحِضَانَة [وأما الحِضَانَةُ فهي بكسر الحاء المهملة والضاد المعجمة من الحِضْن: وهو ما دُونَ الإِبْطِ إِلى الكَشْحِ قال: حضَنَتَ المرءة ولدها، والحمامة بيضها، إذا ضم كل أبن منهما إلى نفسه تحت جناحها، فكذلك المرءة للولد تضمه إلى جنبها رحمة من الله عليه]
(2)
، وأرادت استحلافه فنكل ثبت به لها حق نقل الصبي إلى حجرها ولا يثبت النسب، وكذا إذا ادّعى رجل النفقة بسبب الأخوة بأن ادّعى وهو زمن أنه أخو الْمُدَّعَى عليه وهو موسر وأنكر الْمُدَّعَى عليه أُخوَّته فإنه يُسْتحلف بالإجماع أيضاً، فإن حلف برئ وإن نكل يقضي بالنفقة ولا يقضي بالنسب وكذلك امتناع الرجوع في الهبة بأنْ وهب لإنسان عينًا ثُمَّ أراد الواهب الرجوع فيها فقال الموهوب له: أنا أخوك يريد به إبطال حقه في الرجوع فإنّ الواهب يستحلف بالإجماع فإن نكل يثبت الامتناع ولا تثبت الأخوة كذا في أدب القاضي
(3)
للصدر الشهيد وغيره وإنما يستحلف في النسب المجرّد عندهما إذا كان يثبت بإقراره قيّد النسب بالمجرد احترازاً عن دعوى النسب المقرون بدعوى المال بحيث لا يصل إلى المال إلا بدعوى النسب فحينئذ يستحلف على النسب بالإجماع على ما ذكرنا؛ لأنّ الاستحلاف يجري في دعوى المال فكان دعوى المال فيه مقصودًا فاستحلف فيه بالإجماع وحاصل هذا ما ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله
(4)
هو أن النكول لما كان بذلاً عن الإقرار جرى اليمين فيما يجري فيه الإقرار لأن المقصود من اليمين النكول وعن هذا قالا
(5)
أن كل نسب لو أقرّ به الْمُدَّعَى عليه يثبت يستحلف عليه من غير دعوى المال وكل نسب لو أقرّ به الْمُدَّعَى عليه لا يثبت لا يستحلف إلا إذا ادّعى المال بذلك النسب فإنّه لو ادّعى مالاً في يده أو قبله ولا يثبت له ذلك المال إلا بثبوت النسب يستحلف على النسب بيانه أن إقرار الرجل يصح بأربعة نفر بالأب والابن والزوجة والمولى وإقرار المرأة يصح بثلاثة نفر بالأب والزوج والمولى ولا يصح بالولد لأن فيه حمل النسب على الغير فيكون إقراراً على الغير فلا يصح إذا ثبت هذا فنقول يستحلف الرجل عند دعوى الأبوة والبنوة عليه لأنه لو أقرّ به يثبت فيستحلف لرجاء النكول الذي هو إقرار عندهما
(6)
، وأمّا عند دعوى الأخوة والعمومة عليه لا يستحلف؛ لأنّه لو أقرّ به لا يثبت لما فيه من حمل النسب على الغير فكان إقراراً على الغير فلا يصح إلا إذا ادّعى ميراثاً أو حقاً بسببه على ما ذكرنا من دعوى الميراث أو النفقة فحينئذ يستحلف [عليه]
(7)
بالإجماع.
(1)
[ساقط] من (ب) يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (1/ 181)، النهاية في غريب الأثر (1/ 896).
(2)
[ساقط] من (ب) يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (5/ 379)، المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (1/ 210).
(3)
يُنْظَر: شرح أدب القاضي (2/ 218).
(4)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 205).
(5)
هما: أبو يوسف ومحمد. يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (1/ 365).
(6)
عند أبي يوسف ومحمد. نظر: المحيط البرهاني (8/ 696).
(7)
[ساقط] من (ب).
ثُمَّ ذكر كيفية التحليف في دعوى المال بالنسب في المَبْسُوط
(1)
في بَابِ دعوى العتاق من كتاب/ الدَّعْوَى فقال: ولو أنّ رجلاً ورث داراً من أبيه فادّعى آخر أنه أخوه لأبيه قد ورث أباه معه هذه الدار وجحد ذو اليد ذلك لم يستحلف على النسب هاهنا بالاتفاق أما عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
(2)
فلا يشكل وعندهما
(3)
كل نسب لو أقرّ به لا يصح لا يستحلف على ذلك النّسب إذا أنكره لما أنّ النكول عندهما قائم مقام الإقرار والأخوة لا تثبت بإقراره لو أقر بها فكذلك لا يستحلف عليها بخلاف البنوّة ولكن يستحلف بالله ما تعلم له في هذه الدار نصيباً كما [يدعي لأنه]
(4)
يدعي المال قبله والاستحلاف يجري في المال إلا أنه استحلاف على فعل الغير لأنّه يدعي الإرث من الميت [بسبب]
(5)
بينهما والاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم لا على الثبات والأب في حق المرأة يعني إذا ادّعت المرأة على رجل أنّه أبوها (لأنّ في دعواها) أي: إقرارها (والمولى) أي: السيّد (والزوج في حقهما)
(6)
أي: في حق الرجل والمرأة خصوصاً إذا كان امتناع القصاص لمعنى من جهة من عليه وإنما قيّد امتناع القصاص بمعنى من جهة من عليه في حق وجوب المال احترازاً عن امتناع القصاص لمعنى من جهة من له القصاص فإن هناك لا يجب على الْمُدَّعَى عليه شيء لا القصاص ولا المال، كما إذا أقام مدّعي القصاص على ما ادّعى رجلاً و امرأتين أو الشهادة على الشهادة فإنّه لا يقضي بشيء؛ لأن الحجة قامت بالقصاص لكن استيفاء القصاص امتنع، والأصل فيه أنّ المال مشروع إذا أضيف التعذّر إلى من عليه اعتباراً بالخطأ واستدلالاً به وإذا أضيف إلى الولي بطل معنى المنة فلم يجب المال وفي مسألة الخلاف أضيف التعذر إلى الذي عليه وذلك أنه لم يصرّح بالإقرار فأشبه الخطأ وفي الفصل الآخر وهو ما إذا أقام رجلاً وامرأتين أضيف إلى الولي الذي أقام تلك البينة فلم يجب المال، ولأن الطالب يدعي القصاص ويتبرأ من المال فكيف يقضي له بغير ما يدّعيه وتعذّر استيفاء القصاص لمعنى من جهة المدّعي وهو امتناعه من إقامة شاهدين واشتغاله باستحلاف الخصم وهذا بخلاف شهادة رجل وامرأتين أو الشهادة على الشهادة في السرقة أن المال يجب كما يجب في النكول؛ لأنّ المال ثمة أصل ثُمَّ يتعدّى إلى الحدود وإذا قصر لم يتعدّ فبقي الأصل، وهاهنا الأصل المشهود به القصاص ثُمَّ يتعدّى إلى المال إذا وجد شرطه فإذا لم يوجد بطل وشرطه أن يكون مشروعًا بطريق المنّة للخصمين جميعًا [أي]
(7)
المنّة على القاتل فإن سلمت نفسه والمنة على المقتول بأن لم يهدر دمه وعلى هذا الأصل الذي ذكرنا وهو أنه متى تعذّر استيفاء القصاص لمعنى من جانب الْمُدَّعَى عليه يقضي بالمال كما لو قال: قتلت ولي عمدًا فقال: لا بل قتلته خطأ ومتى تعذّر استيفاء القصاص لمعنى من جانب المدّعي لا يقضي بالمال كما لو قال: قتلت وليي خطأ فقال: لا بل قتلته عمدًا وعلى هذا الأصل سوّيا بين النفس وما دون النفس وقالا عند النكول يقضي بالمال إلا أن أبا حَنِيفَةَ رحمه الله قال: يستحلف في النفس وإن كان لا يقضي فيها بالنكول؛ لأن اليمين حق مقصود لتعظيم أمر الدم ولهذا شرعت مكرّره في القسامة، وإذا نكل فقد امتنع من إيفاء حق مقصود وهو ممّا لا يجري فيه النيابة فيحبس إلى أن يحلف أو يقر كما إذا التعن الزوج ونكلت المرأة عن اللّعان، وفي سائر ما تقدم اليمين ليس بحق مقصود وإنما المطلوب منه القضاء بالنكول فما لا يجوز القضاء فيه بالنكول لا يشتغل بالاستحلاف كذا ذكره العلمان في التحقيق الإمام شمس الأئمة السَّرَخْسِيِّ، والإمام فخر الإسلام الْبَزْدَوِيّ في الجامع الصغير
(8)
أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال من حيث أنّ الأطراف خلقت وقاية للأنفس كالأموال، فلما كان كذلك جرى البذل في الأطراف كما في الأموال ألا ترَى أنّه لو قال: اقطع يدي فقطعه لا يجب الضمان لا من حيث القصاص ولا من حيث المال بخلاف الأنفس حيث لا يجري البذل فيها ألا ترَى أنّه لو قال: لآخر اقتلني فقتله يؤخذ بالقصاص في رواية وبالدية في أخرى
(9)
وفي التتمة تجب الدية في قول علمائنا الثلاثة كذا ذكره التُّمُرْتَاشِيّ رحمه الله.
(10)
(1)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 315).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (8/ 122).
(3)
عند أبي يوسف ومحمد. يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (3/ 44).
(4)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(5)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 158).
(7)
[ساقط] من (ب).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (30/ 163)، والمحيط البرهاني (8/ 684).
(9)
(وبعضهم نفى القصاص وجعل الروايتين في وجوب الدية وعدمه). يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (8/ 75).
(10)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 201).
(وهذا إعْمَالٌ للبذلِ) أي: عدم وجوب الضمان إعمال للبذل (إلا أنه لا يباح)
(1)
أي: لا يباح القطع هذا جواب إشكال وهو أن يقال: لو كان الأطراف تجري مجرى الأموال لجاز قطع يده من غير إثم عند.
قوله: اقطع يدي كما يباح أخذ ماله/ عند قوله: خذ مالي فقال: (إنه لا يباح لعدم الفائدة) في قطعه كما هو في المال كذلك [أي]
(2)
لا يباح عند عدم الفائدة بأن قال: ألق مالي في البحر أو احرقه إلى هذا أشار فخر الإسلام رحمه الله
(3)
فإن قيل: لما قطع الطرف عند أَبِي حَنِيفَةَ بالنكول باعتبار أن الطرف يُسلك به مسلك الأموال
(4)
كان ينبغي أن يجري الاستحلاف في قطع اليد في السرقة أيضاً ويثبت القطع عند النكول كما في النكول في قصاص الأطراف
(5)
.
قلنا: القطع في السرقة خالص حق الله تعالى جزاء فلا يثبت مع الشبهة، أمّا القصاص في الطرف فحق العبد الذي يسلك به مسلك الأموال فعومل به معاملة الأموال في ثبوته مع الشبهة
(6)
.
(يحبس به) أي: بحق اليمين (كما في القسامة)
(7)
فإنّهم إذا نكلوا عن اليمين يحبسون حتى يقروا أو يحلفوا قيل لخصمه اعطه كفيلاً بنفسك، والقياس أن لا يكفل قبل إقامة البينة وأخذ الكفيل بمجرّد الدَّعْوَى استحسان عندنا فهو نظير الاستحلاف والخصم يستحلف عند طلب المدّعي بعد إنكاره وإن لم يتوجّه له حق بتلك الدَّعْوَى ولكن فيه منفعة للمدّعي من غير ضرر فيه على الخصم إذا كان محقاً في إنكاره وكذلك الأشخاص إلى بَابِه يثبت بنفس الدَّعْوَى لما فيه من النظر للمدّعي، فكذلك أخذ الكفيل كذا في المَبْسُوط
(8)
حتى يُعدى عليه من الأعداء على لفظ المجهول يقال: استعدى فلان الأمير على من ظلمه أي: استعان به فأعداه الأمير عليه أي: أعانه عليه ونصره
(9)
ومنه قول الشاعر
(10)
:
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 158)
(2)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(3)
يُنْظَر: الكافي شرح الوافي (2/ 546).
(4)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 300).
(5)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (11/ 499 - 500).
(6)
يُنْظَر: نتائج الأفكار (8/ 200).
(7)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 158).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (20/ 136).
(9)
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (2/ 47).
(10)
يُنْظَر: بهجة المجالس وأنس المجالس؛ لابن عبد البر (1/ 79).
ونَسْتَعْدِي الأميرُ إِذَا ظُلمنا فمن يُعدي إِذَا ظَلَمَ الأميرُ
(وَلَا فَرْقَ في الظَّاهِرِ بين الْخَامِلِ وَالْوَجِيهِ وَالْحَقِيرِ من الْمَالِ وَالْخَطِيرِ)
(1)
أي: في الظاهر من الرواية وهذا احتراز عما رُوي عن مُحَمَّد رحمه الله
(2)
أنّه قال: إن كان معروفاً فالظاهر من حاله أنّه لا يخفي شخصه بذلك القدر لا يجبر على إعطاء الكفيل لكن إذا أعطى مختاراً يؤخذ وكذا إذا كان المدّعي به حقيراً لا يخفي المرء نفسه بذلك لا يجبر على إعطاء الكفيل
(3)
كذا ذكره الصدر الشهيد رحمه الله في أدب القاضي
(4)
أو شهودي غيب هذا بفتحتين [على التخفيف]
(5)
أو بضمة الغين على [التثقيل]
(6)
يقال: قوم غيب بفتحتين مثل خادم وخدم وأما غيب فقياس كذا في المُغْرِب
(7)
(8)
.
(فإن فعل)
(9)
أي: أعطى الكفيل (لا يكفل)
(10)
لعدم الفائدة لأنّه لا فائدة في أخذ الكفيل هاهنا؛ لأنّ الفائدة هي الحضور عند حضور الشهود وذلك في الهالك محال ولأن الغائب كالهالك من وجه وليس كل غائب يؤدب وإن أراد المدّعي استحلاف الخصم يتمكّن منه في الحال فلا معنى للاشتغال بأخذ الكفيل وكذلك إذا أقام شاهدًا واحدًا لأن بالشاهد [الواحد]
(11)
لا يثبت للمدّعي شيء كما لا يثبت بنفس الدَّعْوَى، وإن قال: لا بينة لي وأنا أريد أن أستحلفه فخذ لي منه كفيلاً لم يأخذ منه كفيلاً ولكنه يستحلفه مكانه لأن حكم اليمين لا يختلف باختلاف الأوقات والقاضي مأمور بفصل الخصومة في أوّل أحوال الإمكان، وإن قال: بينتي حاضر فخذ لي منه كفيلاً فقال: المطلوب ليس لي كفيل فإنّه يأمر الطالب أن يلزمه إن أحب حتّى يحضر شهوده كذا في المَبْسُوط
(12)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 159).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 210 - 211).
(3)
يُنْظَر: الكافي شرح الوافي (2/ 554)، البحر الرائق (7/ 210 - 211).
(4)
يُنْظَر: شرح أدب القاضي (277 - 278/ 2).
(5)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(6)
في (أ)(الشغل).
(7)
كتاب المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ لإبي الفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي بن المطرز حقق الكتاب محمود فاخوري وعبدالحميد مختار وطبعته مكتبة أسامة بن زيد في سوريا يقول في مقدمة الكتاب (ترجمتُه بكتاب "المُغْرِب في ترتيب المُعْرب" لغرابة تصنيفه ورصانة ترصيفه وإلى الله سبحانه وتعالى أبتهل في أن ينفعني به وأئمةَ الإسلام ويجمعني وإياهم ببركات جمعه في دار السلام).
(8)
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (2/ 119).
(9)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 165).
(10)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 159).
(11)
[ساقط] من (ب).
(12)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (20/ 137)
وذكر في أدّب القاضي
(1)
للصدر الشهيد رحمه الله هذا إذا عُلم أنه مسافر أما إذا أشكل على الحاكم أمره فإنّه يسأل عن أهل محلته أو أصحابه أو يحلّفه عليه أو ينظر في زيّه وعن أبي يُوسُف
(2)
رحمه الله أنه يأخذ كفيلاً إلى جلوس القاضي مجلساً آخر حتّى إذا كان يجلس في كل أسبوع مرّة يأخذ الكفيل إلى [ستة]
(3)
أيام وإذا كان يجلس في كل خمسة عشر يومًا يأخذ منه كفيلاً إلى خمسة عشر يومًا وهذا القول أحسن وهو أرفق بالناس في الزمان الأوّل وما قلناه أرفق بهم في زماننا حيث يجلس القاضي في كل يوم [فإن أبى (لازمه) أي: دار معه أينما سار فلا يمنع من التصرف والسفر ولا يجلسه في موضع؛ لأنه حبس وهو غير مستحق عليه وعن مُحَمَّد رحمه الله
(4)
أن للمُدَّعِي أن يحبسه في مسجد محلته أو بيته؛ لأنه ربما يطول في الأسواق بغير حاجه فيتضرر المُدَّعِي كذا في آخر كتاب الحجر في الشروح]
(5)
(فالاستثناء منصرف إليهما) أي: الاستثناء المذكور بقوله: (إلا أن يكون غريباً)
(6)
منصرف إلى الملازمة والتكفيل وهذا التفسير إنما يحتاج إليه على رواية القُدُورِي رحمه الله؛ لأنه لم يذكر هناك (مقدار مجلس القاضي) في تقدير مدة الملازمة ولا التكفيل ومدته، وإنّما قال:(فإن فعل وإلا أمر بملازمته إلا أن يكون غريباً) على الطريق.
وأمّا هاهنا فقد ذكر الملازمة ومدّتها وكذا ذكر مدة التكفيل ولا يحتاج إلى قوله: (فالاستثناء منصرف إليهما)؛ لأنه ذكر مدة كلّ واحد من الملازمة والتكفيل باستثناء على حدة (زيادة على ذلك)
(7)
أي: على مقدار مجلس القاضي. والله أعلم.
فصل في [كيفية اليمين و الاستحلاف]
(8)
لما ذكر نفس اليمين في أيّ موضع يحلف ذكر في هذا الفصل صفتها لما أنّ [الصفة]
(9)
تقتضي سبق الموصوف وكيفية الشيء صفته واليمين بالله/ تعالى دون غيره [لقوله عليه السلام: «ولا تحلفوا بأبائكم ولا بالطواغيت من كان حالفا فليحلف بالله تعالى أو فليصمت»
(10)
(11)
، والحر والمملوك والرجل والمرأة [في اليمين]
(12)
سواء؛ لأن المقصود هو القضاء بالنكول وهؤلاء في اعتقاد الحرمة في اليمين [الكاذبة]
(13)
سواء كذا في المَبْسُوط
(14)
.
(1)
يُنْظَر: شرح ادب القاضي (3/ 270 - 271).
(2)
يُنْظَر: الكافي شرح الوافي (2/ 553)، والبحر الرائق (7/ 210).
(3)
في (ب)(سبعة).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 41).
(5)
[ساقط] من (ب).
(6)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 165).
(7)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 159).
(8)
في (ج)(صفة اليمين).
(9)
في (ج)(الوصف).
(10)
لم أجده بهذا اللفظ وأخرجه البخاري، في كتاب الأدب، بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَوْ جَاهِلًا، برقم (6108)، (8/ 27) بلفظ:«أَلَا، إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ» ، ومسلم، كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، برقم (1646)، (3/ 1267)، بلفظ:«ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» .
(11)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(12)
[ساقط] من (أ).
(13)
[ساقط] من (ج).
(14)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 232).
(وقد تؤكد بذكر أوصافه وهو التغليظ) أي: بذكر أوصافه بدون حرف العطف حتى لو قال: والله والرحمن والرحيم صارت أيمانًا والمستحق عليه يمين واحدة (إلا أنّه يحتاط كيلا يتكرر عليه اليمين)
(1)
، والمراد من الاحتياط هو أن يذكره بغير [عاطف]
(2)
[واو فإنّه لو ذكر قوله: والله والرحمن والرحيم بالواوات صارت ثلاثة]
(3)
أيمان والمستحق عليه يمين واحدة كذا في مبسوط فخر الإسلام
(4)
رحمه الله.
(وقيل في زماننا إذا ألحّ الخصم ساغ للقاضي أن يحلّف بذلك لقلة مبالاة الْمُدَّعَى عليه باليمين بالله)
(5)
لكن ذكر الإمام الاسْتَرُوشَنِيّ رحمه الله في الفصول
(6)
أنّ القاضي إذا حلف الْمُدَّعَى عليه بالطلاق فنكل لا يقضي عليه بالنكول؛ لأنّه نكل عمّا هو منهي عنه شرعًا، وكذا إذا حلفه [وحلَف]
(7)
ثُمَّ حلفه بالله (اين سوكَند راست خوردى؟)
(8)
فنكل عن هذه اليمين لا يقضى عليه؛ لأنّ حقه في اليمين مرة وقد حلَف مرة وذكر فيه أيضاً الشاهد إذا أنكر الشهادة لا يحلِّفه القاضي ولو قال الْمُدَّعَى عليه: الشاهد كاذب وأراد تحليف المُدَّعِي ما تعلم أنّه كاذب لا يحلّفه وكذا لو قال الْمُدَّعَى عليه: (اين شاهد مقر آمده است بيش از كَوا هى كه اين مال محدود منست)
(9)
وأراد تحليف الشاهد أو المدّعي لا يحلَّف.
وذكر في المَبْسُوط
(10)
ولا يحلّف الشاهد؛ لأنّا أمرنا بإكرام الشهود وليس من إكرامه استحلافه [لقوله عليه السلام: «من كان حالفا فليحلف بالله»؛ ولأن القسم ينتفع بتعظيم المقسم به]
(11)
؛ ولأنّ الإستحلاف بشيء على الخصومة ولا خصم للشّاهد.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 159).
(2)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 105).
(5)
يُنْظَر: الهدية (3/ 159).
(6)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (8/ 777)، ونتائج الأفكار تكملة فتح القدير (8/ 205)، والفتاوى الهندية (4/ 24).
(7)
[ساقط] من (أ).
(8)
هذه العبارة فارسية بمعنى: هل أنت صادق في هذا الحلف؟.
(9)
هذه العبارة فارسية بمعنى: هذا شاهد أقر قبل الشهادة أن هذا المال المحدد ملكي أنا. يُنْظَر: ثقافة الاصطلاحات اليومية؛ للدكتور محمد غفراني، والدكتور مرتضى آيت الله زاده شيرازي تحت الإشراف: إبراهيم إقبال، وكتاب المعجم؛ لمصطفى رحيمي نيا.
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 229).
(11)
[ساقط] من (ب) و (ج).
[استحلاف المجوسي وغيره]
وفي الخلاصة
(1)
ولو حلّفه القاضي بالطلاق فنكل وقضى بالمال لا ينفذ قضاؤه وذكر الإمام قَاضِي خَانْ رحمه الله في فتاواه
(2)
وإن أراد المدّعي تحليفه بالطلاق أو العتاق في ظاهر الرواية لا يجيبه القاضي إلى ذلك؛ لأن التحليف بالطلاق أو العتاق ونحو ذلك حرام وبعضهم جوّزوا ذلك في زماننا والصحيح ظاهر الرواية ذكر في المُغْرِب
(3)
ابن صوريا
(4)
بالقصر اسم أعجمي [ووجه النشد (سوكَند دادن)
(5)
من حد نصر أقول غير صاحب معراج الدراية العربية حيث قال: النشد التحليف في حد نصر انتهى]
(6)
النشيد سوكند دادن من حدّ نصر وفي المُغْرِب
(7)
نشد الضالة طلبها نشدانا ومنه قولهم في الاستعطاف نشدتك بالله والله وناشدتك الله وبالله أي: سألتك بالله وطلبت إليك بحقه؛ لأنّ في ذكر النار مع اسم الله تعالى تعظيمها وما ينبغي أن تُعظم؛ لأنّ النار كغيرها من المخلوقات فكما لا يستحلف المسلم بالله الذي خلق الشمس فكذلك لا يستحلف المجوسي بالله الذي خلق النار فكأنه وقع عند مُحَمَّد رحمه الله أنهم يعظمون النار تعظيم العبادة فلمقصود النكول [؛ وذلك لأنَّ اليمين لاتجوز بغير الله تعالى وهم يعظمون هذه الأشياء واليمين بها لايمكن بموجب أن يستحلفوا بالله تعالى ويجعل ما يعظمونه مضاف إلى فعله ليستعظموا اليمين به.
(1)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 213)، ولسان الحكام (1/ 232).
(2)
يُنْظَر: فتاوى قَاضِي خَانْ (2/ 420).
(3)
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (1/ 486).
(4)
عبدالله بن صوريا ويقال بن صور الأعور وكان من أحبار اليهود يقال أنه أسلم ثم ارتد. يُنْظَر: الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 133). أخرج مسلم في كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، برقم (1700)، (3/ 1327)، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محممًا مجلودا فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال: «هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم» . قالوا: نعم، فدعا رجلًا من علمائهم فقال:«أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك.
(5)
كلمة فارسية بمعنى: استحلاف. يُنْظَر: ثقافة الاصطلاحات اليومية؛ للدكتور محمد غفراني، والدكتور مرتضى آيت الله زاده شيرازي تحت الإشراف: إبراهيم إقبال، وكتاب المعجم؛ لمصطفى رحيمي نيا.
(6)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(7)
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (2/ 302).
فأما الصابئة
(1)
فإن كانوا يؤمنون بإدريس عليه السلام استحلفوا بالله الذي أنزل الصحف على إدريس عليه السلام
(2)
وإن كانوا يعبدون الكواكب بالله الذي خلق الكواكب]
(3)
قال: يذكر ذلك في اليمين كذا في المَبْسُوط
(4)
؛ لأنَّ الكفرة بأسرهم يعتقدون [الله]
(5)
وإنما يعبدون الأصنام
(6)
تقرباً إلى الله بزعمهم قال الله تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}
(7)
فيمتنعون من الحلف كاذباً بالله فيحصل المقصود وهو النكول ولا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان ولا مكان.
وقال الشافعي رحمه الله
(8)
: إذا كانت اليمين في قسامة أو في لعان أو في مال عظيم [يبلغ عشرين مثقالاً على ما ذكره في الكافي ومائتي مثقالاً على ما ذكره الزيلعي وفي غاية البيان عشرين دينارا]
(9)
أنها تختص بمكان إن كان بمكة فبين الركن والمقام وإن كان بالمدينة فعند قبر النبي عليه السلام وفي بيت المقدس عند الصخرة وفي سائر البلاد في الجامع [في الجوامع إن كان ثم جامع وإن لم يكن ثم جامع ففي المسجد كذا في الكافي والكفاية]
(10)
وكذلك يشترط يوم الجمعة وبعد العصر كذا في المَبْسُوط
(11)
، وشرح الأقطع
(12)
وفي النكاح بالله ما بينكما نكاح قائم هذا على قولهما لما أنّ الاستحلاف في النكاح قولهما فيحلّف على الحاصل، وهو أن يُحلّف في البيع ما بينكما بيع قائم وفي الغصب [بالله]
(13)
ما يستحق عليك ردّه وفي النكاح ما بينكما نكاح قائم على ما ذكر إلا إذا عرض [المدعى عليه]
(14)
بما ذكرنا.
(1)
الصائبة يؤمنون بأربعة أنبياء؛ أولهم آدم عليه السلام وآخرهم يحيى عليه السلام، وقد اختلف العلماء في معنى الصابئة، وربما تكون إلى لغتهم المسمّاة المندائيّة، حيث تلفظ الغين همزة، فبدل أن يقولوا صبغ نجدهم يقولون صبأ. فالصابئة هم إذن الصابغة، وسمّوا بذلك لأنّ مِن أهم طقوسهم الدينية الاصطباغ بالماء، أي التعميد بالمفهوم النصراني، والصابئة تدعي أن مذهبها هو الاكتساب عكس الحنفاء تدعي أن مذهبها هو الفطرة، ويعيش معظمهم في العراق.
يُنْظَر: الملل والنحل؛ للشهرستاني (2/ 4).
(2)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (7/ 459).
(3)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 231).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
الصنم تمثال من حجر أو خشب أو معدن كانوا يزعمون أن عبادته تقربهم إلى الله. يُنْظَر: المعجم الوسيط (1/ 526)
(7)
سورة الزمر من الآية: (3).
(8)
يُنْظَر: الأم (2/ 217)، المجموع شرح المهذب (17/ 439).
(9)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(10)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(11)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 229).
(12)
شرح لمختصر القُدُورِي للإمام أحمد بن محمد بن محمد بن نصر البغدادي المعروف بأبي نصر الأقطع الحنفي، سكن ببغداد، درس الفقه على مذهب الامام أبي حَنِيفَةَ على أبي الحسين القُدُورِي حتى برع فيه توفي رحمه الله برام هرمز سنة 474 هـ. يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 119)، الفوائد البهية (40).
(13)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(14)
[ساقط] من (أ) و (ب).
وصفة التعريض أن يقول الْمُدَّعَى عليه إذا عرض القاضي اليمين على الْمُدَّعَى عليه بالله ما بعت أيها القاضي والإنسان قد يبيع شيئاً ثُمَّ يقابل فيه. فحينئذ يلزم القاضي الإستحلاف على حكم الشيء في الحال وصار العدول عن اليمين على مقتضى الدَّعْوَى حقًا للمدّعى عليه حتى طالب به كذا في شرح الأقطع.
وذكر في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(1)
: وإن ادّعى مالاً بسبب يُحلّف بالمال بذلك السبب بالله ما استقرضت منه هذا المال أو بالله ما اغتصبت منه هذا المال ونحو ذلك إلا أن [يعرّض]
(2)
الْمُدَّعَى عليه للقاضي فيقول لا تحلفني على هذا الوجه فإن الرجل قد يستقرض مالاً ثُمَّ لا يكون ذلك المال [عليه]
(3)
عند الدَّعْوَى بأن ردّه أو أبرأه فإذا عرّض له على هذا الوجه حينئذ يحلّفه على الحاصل كما ذكرنا وبه أخذ بعض المشايخ
(4)
.
وقال شمس الأئمة الحَلْوَانِيِّ رحمه الله
(5)
(6)
: ينظر إلى جواب الْمُدَّعَى عليه [دعوى المدعي]
(7)
إن أنكر الْمُدَّعَى عليه الاستقراض والغصب فقال: ما استقرضت منه شيئاً ولا غصبت يحلّف على/ السبب بالله ما استقرضت منه شيئاً ولا غصبت، وإن قال الْمُدَّعَى عليه في الجواب ليس له عليّ هذا المال الذي يدّعي ولا شيء منه يحلّف على الحاصل قال رحمه الله: وهذا أحسن الأقاويل هكذا أيضاً في الذَّخِيرَةِ وهذا هو الذي ذكر في الْكِتَابِ بقوله: (إن أنكر السبب يحلف عليه وإن أنكر الحكم يحلف على الحاصل فالحاصل هو الأصل عندهما)
(8)
أي: التحليف على الحاصل أصل عندهما وهو أن يقول: بالله ماله حق الردّ بهذا العيب الذي يدّعيه، فإن قيل التحليف على السّبب ضرر بالْمُدَّعَى عليه أيضاً لجواز أنّه اشترى ولا شفعة له بأن سلّم أو سكت عن الطلب.
(1)
يُنْظَر: فتاوى قاضيخان (2/ 425).
(2)
في (ب)(يعترض).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 124).
(5)
عبدالعزيز بن أحمد بن نصر بن صالح الحلواني، الملقب شمس الأئمة، من أهل بخارى، إمام أصحاب أبي حَنِيفَةَ بها فى وقته، توفي سنة ثمان أو تسع وأربعين وأربع مائة بكش وحمل إلى بخارى ودفن فيها.
يُنْظَر: لسان الميزان (4/ 24)، الجواهر المضية (1/ 318)، الفَوَائِد البهية (ص 95).
(6)
يُنْظَر: الكافي شرح الوافي (2/ 566).
(7)
[ساقط] من (أ).
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 160).
قلنا: القاضي لا يجد يدًا من إلحاق الضرر بأحدهما وكان مراعاة جانب المدّعي أولى؛ لأنّ السّبب الموجب للحق وهو الشراء إذا ثبت يثبت الحق له وسقوطه [إنّما]
(1)
يكون بأسباب عارضة فيجب التمسّك بالأصل حتّى يقوم الدليل على العارض كذا ذكره الصدر الشهيد رحمه الله في أدب القاضي
(2)
، وإن كان سبباً لا يرتفع إلى أن قال: إذا ادّعى العتق على مولاه وجحد المولى لا يحلّف المولى على الحاصل، وإنّما يحلف على السّبب لأنّه لا ضرورة إلى التحليف على الحاصل إذ لا يجوز أن يعود رقيقاً بعد الإعتاق ولو تصوّر عود الرق إنما يتصوّر على تقدير وقوع الاستيلاء عليه بعد الارتداد [ولا يمكن ذلك بالنسبة إلى العبد المسلم؛ لأنه يقتل بالارتداد]
(3)
ولا يكرّر ذلك على العبد المسلم؛ لأنّه إذا ارتد قتل بخلاف العبد الكافر والأمة مطلقاً فالتحليف على السبب بالإجماع
(4)
بأن قال: والله ما أعتقت؛ لأنّه لا علم له بما صنع المورث فلا يحلّف على البتات، وأصل هذا أن الدَّعْوَى إذا وقعت على فعل الْمُدَّعَى عليه من كل وجه بأن ادّعى عليه رجل أنك سرقت هذا العين مني أو غصبت يستحلف على البتات وإن وقعت الدَّعْوَى على فعل الغير من كل وجه يحلف على العلم حتّى لو ادّعى ديناً على ميت بحضرة وارثه بسبب الاستهلاك أو ادّعى أن أباك سرق هذا العين مني [أو غصب هذا العين مني]
(5)
يحلف على العلم وهذا مذهبنا قال شمس الأئمة [الحلواني]
(6)
رحمه الله
(7)
: هذا الأصل مستقيم في المسائل كلها أن التحليف على فعل الغير يكون على العلم إلا في الرد بالعيب يريد به أن المشتري إذا ادّعى أنّ العبد سارق أو آبق
(8)
وأثبت إباقه أو سرقته في يد نفسه وادّعى أنّه آبق أو سرق في يد البائع وأراد تحليف البائع يحلف على البتات بالله ما أبق ما سرق في يدك، وهذا تحليف على فعل الغير وإنّما كان هكذا؛ لأنّ البائع ضمن تسليم المبيع سليمًا عن العيوب فالتحليف يرجع إلى ما ضمن بنفسه فيكون على البتات.
(1)
في (ج)(لا).
(2)
يُنْظَر: شرح أدب القاضي (2/ 169 - 170)،
(3)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(4)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (3/ 359)، الذخيرة (11/ 66)، الأم (1436)، المغني (14/ 228).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
في (ج)(السرخسي).
(7)
يُنْظَر: الكافي شرح الوافي (2/ 566).
(8)
العبد الآبق: المملوك الذي يفر ويروغ من مالكه قاصداً. أبقَ العبد أبقاً: إذا هرب من سيده من غير خوف ولا كدِّ عمل، أما إذا هرب العبد من ظلم سيده لا يسمى آبقاً بل يسمى هارباً، وعلى هذا الإباق عيب والهروب ليس بعيب. يُنْظَر: لسان العرب (10/ 3)، التعريفات (1/ 20).
وقد قيل: إن التحليف على فعل الغير إنما يكون على العلم إذا قال الذي استحلف: لا علم لي بذلك، فأمّا إذا قال: لي علم بذلك يحلّف على البتات ألا ترَى أن المودع إذا قال: قبض صاحب الوديعة الوديعة منّي فإنّه يحلّف المودع على البتات وكذلك الوكيل بالبيع إذا باع وسلّم إلى المشتري ثُمَّ أقرّ البائع أن الموكل قبض الثمن وجحد الموكل فالقول قول الوكيل مع يمينه فإذا حلف برئ المشتري، ويحلّف الوكيل على البتات بالله لقد قبضه الموكل وهذا تحليف على فعل الغير ولكن الوكيل يدّعي أن له علمًا بذلك فإنّه قال: قبض الموكل الثمن فكان له علم بذلك فيحلّف على البتات كذا في الفصول الاسْتَرُوشَنِيّة
(1)
وذكر الإمام قَاضِي خَانْ رحمه الله أمّا الوارث فلا علم له بما صنع المورث ولعل المال كان أمانة في يده فلو حلّف على البتات يتضرر فيحلّف على العلم إذ الشراء سبب لثبوت الملك وضعًا وكذا الهبة
(2)
.
فإن قلت: بهذا التعليل لا يقع الفرق بين الإرث وغيره فإنّ الإرث أيضاً سبب موضوع للملك شرعًا كالهبة فكيف استحلف في الإرث بالعلم وفي الهبة والشراء بالبتات.
قلت: معنى قوله: (إذ الشراء سبب لثبوت الملك وضعًا)
(3)
أي: أنّ ذلك السبب يثبت باختيار المشتري الشراء ومباشرته ولو لم يعلم المشتري بأن ذلك العين الذي اشتراه ملك البائع لما باشر الشراء باختياره، وكذا الموهوب له في قبول الهبة بخلاف الإرث فإنه يثبت الملك للوارث جبراً من غير اختياره ولا علم له بحال ملك المورث فلذلك يستحلف الوارث بالعلم والمشتري والموهوب له بالبتات إلى هذا أشار فخر الإسلام رحمه الله في الجامع الصغير
(4)
فقال المشتري والموهوب له [مالك]
(5)
بسبب شرعي وضع له وهذا يفيده علمًا بأنّه ملكه لا ملك غيره فصحّ تحليفه بالبتات
(6)
.
(1)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 22)، والبحر الرائق (7/ 218).
(2)
وكذلك فإن الشراء سبب لثبوت الملك باختيار المشتري، ومباشرته، ولو لم يعلم المشتري أن العين التي اشتراها ملك البائع لما باشر الشراء اختيارًا، وكذا الموهوب له في قبول الهبة، بخلاف الإرث، فإنه يثبت الملك للوارث جبرًا، من غير اختياره، ولا علم له بحال ملك المورث، يُنْظَر: نتائج الأفكار (8/ 211)، فتاوى قاضيخان (2/ 437).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 161).
(4)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 389).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
يُنْظَر: فتح القدير (5/ 413).
فإن أبى/ وقد امتنع عما هو مطلق له فصار باذلاً فأمّا الوارث فلا علم له بما صنع المورث فطولب بعلم إن كان له وإذا لم يفعل مع الإمكان صار باذلاً وذكر صاحب المحيط رحمه الله
(1)
الفرق بينهما بوجه آخر ذكر في بَابِ القضاء بالأيمان من قضايا الجامع الصغير فقال: والفقه فيه أن الوارث خلف عن الميت والنيابة لا تجري في اليمين حتى يحلف على البتات كالمورث ولا كذلك المشتري؛ لأنّه أصل بنفسه لا نائب عن غيره وذكر الإمام اللَّامِشِيِّ
(2)
رحمه الله أن في كل موضع وجبت اليمين على البتات فحلف على العلم لا يكون معتبراً أو إذا نكل عن اليمين على العلم لا يعتبر ذلك النكول ولو وجبت على العلم فحلّف على البتات يسقط عنه [يقضي عليه الحلف على العلم ولو نكل عنه]
(3)
يقضى عليه؛ لأنّ [النكول عن]
(4)
الحلف على البتات أقوى كذا في الفصول
(5)
، ومن ادّعى على آخر مالاً فافتدى يمينه أو صالحه فالإفتداء قد يكون بمال هو مثل المُدَّعَى به وقد يكون هو أقلّ من المُدَّعَى به.
وأمّا الصلح عن اليمين على المال فإنَّما يكون على مال أقلّ من المُدَّعَى به في الغالب؛ لأنّ الصلح ينبئ عن الحطيطة
(6)
وكلاهما مشروع وهو مأثور عن عثمان رضي الله عنه فقد اختلفت روايات الكتب في أن عثمان رضي الله عنه كان مدعى عليه [في ذلك]
(7)
أم مدّعياً ففي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أنّه ادّعى عليه أربعين درهمًا فأعطى شيئاً وافتدى يمينه ولم يحلف فقيل ألا تحلف وأنت صادق فقال: أخاف أن يوافق قدر منيتي فيقال هذا بسبب يمينه الكاذبة
(8)
.
وذكر في الباب الأوّل من دعوى المَبْسُوط
(9)
في احتجاج الشافعي رحمه الله
(10)
في مسألة رد اليمين على المدّعي أن عثمان رضي الله عنه كان مدّعياً فقال: وحجته في ردّ اليمين على المدّعي ما روي أن عثمان
(11)
رضي الله عنه ادّعى مالاً على المقداد رضي الله عنه بين يدي عمر رضي الله عنهم إلى أن قال ليحلف لي عثمان وذكر الإمام الْمَحْبُوبِيّ
(12)
رحمه الله تمام القصّة فقال: روي أن مقداد بن الأسود رضي الله عنه استقرض من عثمان رضي الله عنه سبعة آلاف درهم ثُمَّ قضاه أربعة آلاف فترافعا إلى عمر رضي الله عنه في خلافته فقال المقداد رضي الله عنه: ليحلف يا أمير المؤمنين أن الأمر كما يقول وليأخذ سبعة آلاف فقال عمر لعثمان رضي الله عنه أنصفك المقداد احلف أنّها كما تقول وخذها فلم يحلف عثمان رضي الله عنه فلما خرج المقداد قال عثمان لعمر: إنّها كانت سبعة آلاف قال: فما منعك أن تحلف، وقد جعل ذلك إليك فقال عثمان رضي الله عنه عند ذلك ما قاله
(13)
.
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 695).
(2)
يُنْظَر: نتائج الأفكار (8/ 211 - 212).
(3)
[ساقط] من (أ) و (ب)
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(6)
الحَطِيطَةُ فعيلة بمعنى مفعولة و اسْتَحَطَّهُ من الثمن كذا فَحَطَّهُ له وانْحَطَّ السعر نقص، والحَطِيطَةُ كذا وكذا من الثمن، وقوله تعالى:{وقولوا حِطّة} أي حُط عنا أوزارنا. يُنْظَر: المصباح المنير (1/ 141)، مختار الصحاح؛ للرازي (ص: 167).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
سبق تخريجه، ص (209).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 61).
(10)
يُنْظَر: المهذب (2/ 301).
(11)
سبق تخريجه، ص (209).
(12)
يُنْظَر: المبسوط (17/ 32).
(13)
سبق تخريجه، ص (209).
ثُمَّ قال في المَبْسُوط
(1)
: وتأويل حديث المقداد أنّه ادّعى الإيفاء على عثمان رضي الله عنه وبه نقول؛ ولأنّه إذا حلف يتوقع الوقيعة في عرضه وأنّه بالإفتداء يُذّب عن عرضه وذلك مستحسن قال عليه السلام: «ذبوا عن أعراضكم بأموالكم»
(2)
وعن علي رضي الله عنه: "إياك وما يقع عند الناس إنكاره وإن كان عندك اعتذاره فليس كل سامع نكراً تستطيع أن توسعه عذراً "
(3)
، ولأن الْمُدَّعَى عليه بذل المال لدفع القيل والقال، والمدّعي أخذه عوضاً عن إسقاط حقه وهو اليمين فيجوز وإن لم يكن الحق مالاً كما لو صالح عن القصاص، ويجوز أن يكون العقد واحدًا ثُمَّ يختلف حكم البدل من الجانبين كمن أقرّ بحرية عبد، ثُمَّ اشتراه فما يعطى من الثمن بدل ملك الرقبة في زعم البائع وهو فداء في حق المشتري حتى يعتق العبد ويتخلّص عن ذل الرق وكما في الصلح على الإنكار فكذلك هاهنا [ثم]
(4)
لما بطل حقه في اليمين في لفظه الفداء والصلح [في الفرق بين شراء اليمين وبين هذا اليمين]
(5)
لا يكون له أن يستحلفه بعد ذلك وبه فارق الشراء فإنّه لو اشترى يمينه بعشرة دراهم لم يجز وكان له أن يستحلفه لأنّ الشراء عقد تمليك المال بالمال واليمين ليست بمال كذا ذكره الإمام الْمَرْغِينَانِيّ
(6)
وقَاضِي خَانْ
(7)
والْمَحْبُوبِيّ رحمهم الله
(8)
. والله أعلم بالصواب.
(1)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 62).
(2)
أخرجه أبو بكر في الغيلانيات (رقم 801)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (18/ 193)، وأخرجه الخطيب في تاريخه (9/ 107) عن أبي هريرة، والديلمي في الفردوس (3143) عن عائشة وصححه الألباني في صحيح السلسلة (1461) وتمام لفظه (قالوا: كيف نذب يا رسول الله بأموالنا عن أعراضنا؟ قال: "تعطون الشاعر ومن تخافون لسانه" حديث صحيح. يُنْظَر: السلسلة الصحيحة؛ للألباني (3/ 445).
(3)
يُنْظَر: مرقاة المفاتيح (6/ 335).
(4)
[ساقط] من (أ).
(5)
[ساقط] من (أ) و (ج)
(6)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 218).
(7)
يُنْظَر: فتاوى قاضيخان (2/ 444).
(8)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 304).
باب التحالف
(1)
لما ذكر حكم الواحد في اليمين ذكر في هذا الباب حكم الاثنين فيها لما أنّ الاثنين بعد الواحد وجودًا وكذا ذكراً، والبينة أقوى منها لما أنَّ بالبينة يلزم على القاضي الحكم؛ [لأنها أقوى لا يعارضها بمجرد الدَّعْوَى]
(2)
وبمجرّد الدَّعْوَى لا يلزم عليه الحكم (ولو كان الاختلاف)[أي: بين المتبائعين]
(3)
(في الثمن والمبيع جميعًا فبيّنة البائع أولى في الثمن وبيّنة المشتري أولى في المبيع)
(4)
.
وذكر في بيوع المَبْسُوط
(5)
صورة لهذا وقال: وإن قال البائع بعتك هذه الجارية بمائة دينار وقال المشتري: بعتني معها هذا] الوصف
(6)
بخمسين ديناراً وأقاما البيّنة فهما جميعًا للمشتري بمائة دينار، وتقبل البينتان جميعًا ويقضي بالعقدين؛ لأنّ كل واحد/ منهما يثبت زيادة في حقه فبيّنة كل واحد منهما على ما تثبت من الزيادة في حقه مقبولة وقيل هذا قول أَبِي حَنِيفَةَ الآخر رحمه الله
(7)
وأمّا في قوله الأوّل وهو قول زُفَر رحمه الله
(8)
يقضي بهما للمشتري بمائة وخمسة وعشرين ديناراً ونظير هذه المسألة في الإجارات.
ثُمَّ المراد من قوله: (ولو كان الإختلاف في الثمن والمبيع جميعًا)
(9)
أي: في قدرهما على ما ذكرنا من صورة المسألة.
وأمّا إذا اختلفا في جنس الثمن وأقاما البينة فالبينة بينة من لا اتفاق على قوله: كما لو قال البائع بعتك هذه الجارية بعبدك هذا وقال المشتري اشتريتها منك بمائة دينار وأقاما البينة لزمه البيع بالعبد وتقبل بينة البائع دون المشتري؛ لأنَّ حق المشتري في الجارية ثابت باتفاقهما، وإنما الإختلاف في حق البائع فبينته على حقه أولى بالقبول، ولأنّه يثبت ببينة الحق لنفسه في العبد والمشتري ينفي ذلك والبينات للإثبات لا للنفي كذا في المَبْسُوط
(10)
.
[أقول في التعليل الثاني بحث:
أما أولاً: فالمعارضة فإن المشتري يثبت ببينة الحق للبائع في مائة دينار والبائع ينفي ذلك والبينات للإثبات لا للنفي فينبغي أن تقبل بينة المشتري دون البائع.
(1)
التحالف: حَلِفُ الْمُتَعَاقِدِينَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ في قَدْرِ الثَّمَنِ أو الْمَبِيعِ أَيْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي في قَدْرِ أَحَدِهِمَا يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 218).
(2)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(3)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(4)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 166).
(5)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (13/ 65).
(6)
في (ب) و (ج)(الوصيف).
(7)
يُنْظَر: حاشية رد المحتار (2/ 78).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (13/ 65).
(9)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 166).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (13/ 65).
وأما ثانياً: فبالنقض فإنه لو تم بهذا التعليل لاقاه عدم قبول بينة المشتري عند انفراده بإقامة البينة أيضاً أخرج بنفي القول المشترك أيضاً ببينة حق البائع فيما ادعاه والبينات للإثبات لا للنفي مع أن المسألة على أنه إذا أقام أحدهما البينة قضى له بها قطعًا.
وأما ثالثاً: فبالمنع فإن الأسلم أن المشتري ينفي ببينة البائع بل هو يثبت بها ما يدعيه نفسه وهو كونه يشبه حق البائع مائة دينار ويسكت عما يشبه البائع وهو كون حقه في العبد، فإن حصل مما يثبته المشتري نفي ما يثبته البائع فإنما هو بالتبع والتضمن لا بالأصالة والقصد، وذلك لا ينافي كون وضع البينات للإثبات دون النفي]
(1)
.
(فإذا عَلِمَا بِهِ) أي: بالفسخ (يَتَرَاضَيَانِ) أي: بمدّعي كل واحد منهما (فإن لم يتراضيا)
(2)
أي: بأن يعطي كل واحد ما يدّعي صاحبه.
[وذكر في المُغْرِب
(3)
أبوخازم القاضي
(4)
بالخاء المعجمة، وذكر في المتشابه بالحاء المهملة]
(5)
، (وهذا التحالف قبل القبض)
(6)
أي: قبل قبض المشتري السلعة وهذا الذي ذكره اختيار أبي خازم القاضي.
(7)
وأمّا في أصل رواية المَبْسُوط
(8)
لم يشترط في أنّ التحالف مخالف للقياس هذا الشرط فقال: وإذا اختلف البائع والمشتري في الثمن والسلعة قائمة في يد البائع أو المشتري فإنهما يتحالفان ويترادان استحسانًا وفي القياس القول قول المشتري؛ لأنهما اتفقا على أصل البيع وادّعى البائع زيادة في حقه وهو الثمن والمشتري منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه لقوله عليه السلام: «واليَمِينُ على منْ أنْكَر»
(9)
، ولكنا تركنا القياس بالسنة، والمروي في الباب حديثان:
(1)
[ساقط] من (ب) و (ج)
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 161).
(3)
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (1/ 254).
(4)
الفقيه العلامة قاض القضاة أبو خازم عبدالحميد بن عبدالعزيز قاضي بغداد، وأصله من البصرة، جليل القدر ولي القضاء بالشام والكوفة والكرخ من مدينة السلام تفقه عليه أبو جعفر الطحاوي وأبو طاهر الدباس، وتولى القضاء للمعتضد ثم ابنه المكتفي بعده. قال عنه الامام الذهبي: وكان ثقة دينا ورعا عالما. (ت 292 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 296)، سير أعلام النبلاء (13/ 539).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 161).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (6/ 505).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (13/ 53).
(9)
سبق تخريجه، ص (181).
أحدهما: حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنّ النبي عليه السلام قال: «إذا اختلف المُتَبَائِعَانِ والسِّلْعَة قَائِمَةٌ بِعَينِها فالقولُ ما يقوله البائِعُ ويَتَرَادَّان»
(1)
.
والثاني: بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال: «إذا اختلف المتبائعان تحالفا وترادّا»
(2)
، فالحديث صحيح مشهور
(3)
فيترك كل قياس بمقابلته ثُمَّ قال: وكان أبو خازم القاضي رحمه الله يقول: إن كانت السلعة في يد البائع فالتحالف بطريق القياس؛ لأنّ كل واحد منهما يدّعي لنفسه حقاً على صاحبه على ما ذكرنا فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه قياساً وإن كانت في يد المشتري فالتحالف بخلاف القياس؛ لأنّ المشتري لا يدّعي لنفسه على البائع شيئا فإن المبيع مسلّم إليه باتفاقهما وهو الصحيح احترازا عن القول الأوّل لأبي يُوسُف رحمه الله
(4)
بأنه يبدأ بيمين البائع؛ (لأنّ المشتري أشدُّهما إنكاراً)
(5)
؛ لأن المشتري هو المبتدأ به في حقوق العقد وهو تسليم الثمن فكان هو البادئ بالإنكار.
ولهذا قلنا: في بيع المقايضة فإنّ القاضي يبدأ بيمين أيهما شاء؛ لأنّه لا يجب على أحدهما التسليم قبل صاحبه أو؛ (لأنّه يتعجل فائدة النكول)
(6)
أي: يتوجّه على المشتري الإلزام بالنكول في الحال بخلاف البائع فإن الإلزام بالنكول عليه يتأخر (وأقل فائدته التقديم) أي: النبي عليه السلام جعل القول قول البائع وهذا يقتضي الاكتفاء بيمينه فإن كان لا يكتفى بيمينه فلا أقلّ من يبدأ بيمينه كذا في المَبْسُوط
(7)
.
(1)
أخرجه أصحاب السنن بألفاظ متقاربة، أخرجه أبو داود برقم (3511)(3/ 780)، والترمذي برقم (1270)(3/ 570)، والنسائي برقم (4648)(7/ 302)، وابن ماجه برقم (2186)(2/ 737)، والحديث له طرق لا تخلو من ضعف ولكن يعضد بعضها بعضاً، قال الزيلعي:(أنه حديث حسنٌ يُحتجُ به) يُنْظَر: نصب الراية (4/ 107).
(2)
سبق تخريجه في الهامش السابق.
(3)
المشهور من الحديث هو ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة ما لم يبلغ حد التواتر، ويرى بعض الحنفية أن المشهور هو المتواتر الذي فقد شرط التواتر في طبقة الصحابة فقط، فباعتبار الأصل هو من الآحاد، وباعتبار الفرع هو متواتر، يُنْظَر: أصول الْبَزْدَوِيّ (1/ 152)، وأصول السرخسي (1/ 292).
(4)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 129)، بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 410).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 162).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 162).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (13/ 54).
(لِأَنَّ الْأَيْمَانَ على ذلك وُضِعَتْ) أي: على النفي وضعت لا على الإثبات؛ لأنّه لم يثبت ما ادّعاه كلّ واحد منهما حتّى إذا اصطلحا على شيء تركا على ذلك (أو يُقَالُ إذَا لم يَثْبُتْ الْبَدَلُ) أي: للتعارض والإختلاف (وَلَا بُدَّ من الْفَسْخِ في فَاسِدِ الْبَيْعِ)
(1)
وهما لم يفسخاه فلابد أن يقوم القاضي مقامهما في الفسخ ولكن ذكر في بَابِ الإختلاف في البيوع من بيوع المَبْسُوط
(2)
في أثناء الكلام أنّ القاضي إنما يفسخ البيع عند طلب أحدهما فما لم يفسخ حلَّ للمشتري وطؤها لو كان المبيع جارية، ولو فسد البيع بالتحالف لما حل للمشتري وطؤها ولما تأخر حكم الفسخ إلى طلب أحدهما (وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا عن الْيَمِينِ لزمه دعوى الآخر)؛ لأنّ النكول حجة في بَابِ الأموال (وإن اختلفا في الأجل
…
فلا تحالف بينهما)
(3)
والقول قول البائع وهذا عندنا
(4)
.
[الاختلاف في الأجل في البيع]
وقال زُفَر
(5)
والشافعي
(6)
يتحالفان؛ لأنّ هذا في معنى الإختلاف في مقدار مالية الثمن، فإن المؤجل أنقص من الحال في المالية، ولكنّا نقول
(7)
أختلفا في مدّة ملحقة بالعقد شرطًا فيكون القول قول من أنكرها ولا يجري التحالف كما لو اختلفا في خيار الشرط/، وهذا لأنّ حكم التحالف عُرِف بالنص، وإنّما ورد النص عند الاختلاف فيما يتم به العقد والأجل مما يتم به العقد فلم يكن في معنى المنصوص فأخذنا فيه بالقياس وجعلنا القول قول البائع سواء أنكر زيادة الأجل أو أصل الأجل وفرق بين هذا وبين الأجل في بَابِ السلم فإن هناك القول قول من يدّعي الأجل عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
(8)
، وهنا القول [قول]
(9)
من ينكر الأجل من قبل أن هناك الأجل من شرائط صحة العقد فإقراره بالعقد إقرار به [وبما هو من شرائط العقد فإذا أنكر الأجل بعد ذلك فقد رجع عن الإقرار بعدما أقرّ به]
(10)
فلا يصدق، وأمّا هاهنا فالأجل ليس من شرائط العقد، ولا من مقتضياته؛ لأنّ العقد يقتضي إيفاء الثمن والمعقود عليه في المجلس فالمشتري يدّعي عليه التأخير وهو منكر وكان القول قول المنكر وإذا اتفقا في الأجل واختلفا في مضية فالقول قول المشتري؛ لأن الأجل حقه وهو منكر استيفاء حقّه كذا في بيوع المَبْسُوط
(11)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 162).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (13/ 59).
(3)
يُنْظَر: بدية المبتدي (1/ 166).
(4)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 262).
(5)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (11/ 524).
(6)
يُنْظَر: الأم (3/ 136 - 137)، الحاوي في فقه الشافعي (5/ 297).
(7)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (1/ 363)، الاختيار لتعليل المختار (2/ 130).
(8)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 33).
(9)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(10)
[ساقط] من (ج).
(11)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (13/ 64).
أو في استيفاء بعض الثمن ولو اختلفا في استيفاء كل الثمن فالحكم كذلك [حيث يكون اليمين على البائع لا غير وإنّما لم يذكره؛ لأن ذلك]
(1)
مفروغ منه باعتبار أنّه صار ذلك بمنزلة سائر الدعاوى (وهذا لأنّ بانعدامه) أي: بانعدام ما ذكرنا من الأجل وشرط الخيار واستيفاء بعض الثمن (لا يختل ما به قوام العقد)
(2)
لأنّ العقد بلا شرط وأجل جائز [الشرط والأجل]
(3)
فإذا اختلفا في الشرط أو في الأجل وحلفا بقي العقد بلا شرط وأجل وإنه لا يوجب الفساد.
وأمّا إذا اختلفا في الثمن أو المثمن وحلفا لم يثبت ما ادّعاه أحدهما فيبقى الثمن [أو المثمن]
(4)
مجهولاً
(5)
وذلك يوجب الفساد.
ووجه آخر وهو أن الاختلاف في الثمن أو المثمن يوجب الاختلاف في العقد، ألا ترَى أنّه لو اختلف الشاهدان فشهد أحدهما بالبيع بألف درهم والآخر بالبيع بالدنانير لا يقبل وإذا اختلفا في العقد كان كل منهما مدّعياً ومنكراً أما الإختلاف في الشرط والأجل لا يوجب الإختلاف في العقد ألا ترَى أنّه لو شهد أحدهما أنّه باعه بألف إلى شهر [حالّةٍ]
(6)
وشهد الآخر أنّه باعه بألف يقضي بالعقد بألفٍ حالّةٍ وكذا لو شهد أحدهما أنّه باعه [بشرط الخيار ثلاثة أيام وشهد الآخر أنّه باعه]
(7)
ولم يذكر الخيار جازت الشهادة كذا ذكره الإمام قَاضِي خَانْ رحمه الله في الجامع
(8)
.
(بخلاف الاختلاف في وصف الثمن) بأنّه جيّد أو رديء وجنسه بأنّه دراهم أو دنانير (لأنّ ذلك) أي: الاختلاف في الوصف (فإن الثمن دَيْنٌ وهو يعرف بالوصف)، فلما اختلفا في الوصف وهو مُعرّف صار الاختلاف في المعرّف، وهو الثمن (لأنَّه ليس بوصف)
(9)
أي: لأنّ الأجل ليس بوصف بل هو أصل بنفسه لكنّه يثبت بواسطة الشرط.
[الاختلاف في الثمن بعد هلاك المبيع]
(فإن هلك المبيع) أي: بعد قبض المشتري (ثُمَّ اختلفا)
(10)
أي: في مقدار الثمن هكذا ذكر في المَبْسُوط
(11)
وقال: وإن كانت السلعة قد هلكت في يد المشتري [ثُمَّ اختلفا في الثمن]
(12)
فعلى قول أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف القول قول المشتري مع يمينه
(13)
وعند مُحَمَّد
(14)
والشافعي
(15)
يتحالفان ويترادان العقد على القيمة لظاهر قوله عليه السلام: «إذا اختلف المتبائعان تحالفا وترادا»
(16)
، ولا يمنعنا من الاستدلال لظاهر هذا الحديث ما في الحديث الآخر من ظاهر قوله عليه السلام:«والسلعة قائمة بعينها»
(17)
؛ لأنّ ذلك مذكور على سبيل التنبيه أي: تحالفا وإن كانت السلعة قائمة؛ لأن عند ذلك يتأتّى تمييز الصادق من الكاذب بتحكيم قيمة السلعة في الحال ولا يتأتّى ذلك بعد هلاك السلعة، وإذا كان يجري التحالف مع إمكان تمييز الصادق من الكاذب فعند عدم الإمكان أولى ولأنّ التحالف عند قيام السلعة إنما يصار إليه [أي: يتحالفان في هاتين الصورتين بالإجماع]
(18)
؛ لأنّ كل واحد منهما يدّعي عقدًا ينكره صاحبه فالبيع بألف غير البيع بالفين ألا ترَى أنّ شاهدي البيع إذا اختلفا في مقدار الثمن لا تقبل الشهادة والدليل عليه أنه لو انفرد كل واحد منهما [بإقامة البينة وجب قبول بينته.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 162).
(3)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 259).
(6)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
تصحيف والصحيح شرح الجامع الصغير؛ لقاضي خان. يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (1/ 363).
(9)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 162).
(10)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 166)
(11)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (13/ 56).
(12)
في (ج)(في مقدار الثمن).
(13)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 130).
(14)
يُنْظَر: شرح فتح القدير (8/ 213)، البناية في شرح الهداية (8/ 443).
(15)
مذهب الشافعية: أنه إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن، أو جنسه، أو صفته ولم يكن لأحدهما بيّنة، تحالفا، سواء كانت السلعة باقية أو تالفة ثم يفسخ البيع بعد التحالف. فإن كان المبيع باقيًا لزم المشتري ردّه، ويبقى له الولد والثمرة والكسب والمهر. وإن كان تالفًا، لزمه قيمته، سواء كانت أكثر من الثمن الذي يدعيه البائع أم لا. يُنْظَر: روضة الطالبين (3/ 577 - 584)، مغني المحتاج (2/ 97).
(16)
سبق تخريجه، ص (251).
(17)
سبق تخريجه، ص (251).
(18)
[ساقط] من (أ) و (ج)
فعرفنا أنّ كلّ واحد منهما]
(1)
يدّعي حقاً ينكره صاحبه فيُحلّف كلّ واحد منهما على دعوى صاحبه وهذا المعنى عند هلاك السلعة متحقق فصار كما لو ادّعى أحدهما البيع والآخر الهبة أو كان البيع مقايضة وهلك أحد البدلين ثُمَّ اختلفا ثُمَّ إذا حلفا فقد انتفى كلّ واحد من الثمنين بيمين المنكر منهما فيبقى البيع بلا/ ثمن والبيع [بلا]
(2)
ثمن يكون فاسدًا والمقبوض بحكم عقد فاسد يجب ردّ عينه في حال قيامه وردّ قيمته بعد هلاكه وأبو حَنِيفَةَ وأبو يُوسُف
(3)
استدلا بقوله عليه السلام: «البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر»
(4)
والبائع هو المدّعي والمشتري منكر فكان القول قوله مع اليمين فأمّا المشتري فلا يدّعي لنفسه شيئاً على البائع؛ لأنَّ المبيع مملوك له مسلم إليه باتفاقهما وهذا هو القياس حال قيام السلعة أيضاً ولكن تركناه بالنصّ وهو قوله عليه السلام: «إذا اختلف المتبائعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا»
(5)
.
وقوله عليه السلام: «والسلعة قائمة» مذكورة على وجه الشرط لا على وجه التنبية لأنّ قوله عليه السلام: «إذا اختلف المتبائعان» شرط وقوله عليه السلام: «والسلعة قائمة بعينها» معطوف على الشرط وكان شرطًا؛ لأن موجب العطف الإشتراك والمخصوص من القياس بالسنة لا يلحق به إلا ما كان في معناه وحال هلاك السلعة ليس في معنى حال قيام السلعة؛ لأنّ عند قيام السلعة يندفع الضرر عن كل واحد منهما بالتحالف فإنه يفسخ العقد فيعود إلى كل واحد منهما رأس ماله بعينه وبعد هلاك السلعة لا يحصل ذلك، فالعقد بعد هلاك السلعة لا يحتمل الفسخ ألا ترَى أنه لا يفسخ بالإقالة والردّ بالعيب فكذلك بالتحالف وهذا؛ لأنّ الفسخ لا يردّ إلا ما ورد عليه العقد والمعقود عليه [فات لا]
(6)
إلى بدل فإن القيمة قبل الفسخ لا تكون واجبة على المشتري والفسخ على غير محلّه لا يتأتى بخلاف بيع المقايضة فإن أحد العوضين هناك قائم وهو معقود عليه؛ ولهذا جاز الفسخ بالإقالة والرد بالعيب فكذلك بالتحالف ولا معنى لقوله أنّ كلّ واحد منهما يدّعي عقداً آخر فإن [العقد لا يختلف]
(7)
باختلاف الثمن، ألا ترَى أن الوكيل بالبيع بألف يبيع بألفين وأن البيع بألف قد يصير بألفين بالزيادة في الثمن والبيع بألفين يصير [بألف]
(8)
عند حطّ بعض الثمن واختلاف الشاهدين في مقدار الثمن إنما يمنع قبول الشهادة لا لاختلاف العقد بل لأنّ المدعى يكون أحدهما وقبول بينة المشتري عند الانفراد لأنه مدّعٍ صورةً لا معنًى، وذلك يكفي لقبول بينته، ولكن لا يتوجّه به اليمين على خصمه كالمودع يدّعي ردّ الوديعة ولا يتوجّه به اليمين على خصمه، وإن كانت بينته تقبل عليه والدليل عليه أن المشترى لو كان جارية حلّ للمشتري وطؤها ولو كان الاختلاف في الثمن موجباً اختلاف العقد لما حلّ له وطؤها كما إذا ادّعى أحدهما البيع والآخر الهبة وبهذا تبطل دعوى الفساد وهو قوله: أنهما لما حلفا يبقى العقد بلا ثمن؛ لأنّه لو كان هكذا لما حلّ له وطئها والحديث المطلق فيه ما يدلّ على قيام السلعة وهو لفظ التراد؛ لأنّه لما كان المراد ردّ المأخوذ حساً وحقيقة فذلك يتأتى عند قيام السلعة وإن كان المراد ردّ العقد فقد بيّنا أنّ الفسخ إنما يتأتى عند قيام السلعة مع أنّ المطلق والمقيّد في حادثة واحدة في حكم واحد إذا وردا فالمطلق محمول على المقيد كذا في المَبْسُوط
(9)
.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
في (ب)(بغير).
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 309)، مجمع الأنهر (3/ 364).
(4)
سبق تخريجه، ص (181).
(5)
سبق تخريجه، ص (251).
(6)
في (ج)(فإن رد).
(7)
في (ج)(العبد لا يحلّف).
(8)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (13/ 59).
(إذَا خَرَجَ الْمَبِيعُ عن مِلْكِهِ) أي: ملك المشتري (وَأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ)
(1)
أي: وأنّ التحالف يفيد إعطاء المشتري زيادة الثمن التي يدعيها البائع على تقدير نكول المشتري عن الحلف فإنّ فائدة الثمن النكول، وهذا جواب سؤال مقدّر وهو أن يقال ما فائدة التحليف على قول مُحَمَّد رحمه الله بعد الهلاك مع عدم حكمه فإن حكم التحالف التراد فامتنع التراد بالهلاك ولا فائدة في التحالف فأجاب عنه فقال بل فيه فائدة وهي دفع المشتري الزيادة التي يدّعيها البائع عمّا أقر به المشتري على تقدير نكول المشتري؛ فلذلك يتحالفان. فإن قيل هذا يحصل بتحليف المشتري حينئذ فما فائدة تحليف البائع.
قلنا: لم يحصل [نهاية]
(2)
الفائدة بتحليف المشتري فإن المشتري إذا نكل يجب الثمن الذي ادّعاه البائع والبائع إذا نكل يندفع عن المشتري ما ادّعاه البائع عليه من الزيادة فيتحالفان كما إذا اختلفا في جنس الثمن بعد هلاك السّلعة فإنّه إذا ادّعى أحدهما العقد بدراهم والآخر بدنانير تحالفا ولزم على المشتري ردّ القيمة كذا في الْأَسْرَار
(3)
.
(لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ) أي: بهلاك المبيع (فلم يَكُنْ في مَعْنَاهُ)
(4)
أي: [فلم]
(5)
يكن وقت هلاك السلعة في معنى وقت قيام السلعة لعدم إمكان توفير موجب التحالف/ وهو الفسخ حيث لم يبق الفسخ لعدم محلّه فلا يتحالفان (وَلِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِالِاخْتِلَافِ في السَّبَبِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ) هذا جواب عن قوله: (يدّعي كل واحد منهما غير العقد الذي يدّعيه صاحبه فيختلف السبب)
(6)
.
قلنا: إذا حصل المقصود لغى السبب، والمقصود للمشتري من هذا السبب ملك المبيع وقبضه وهو قد حصل ولا يبالي حينئذ بإختلاف السبب كمن أقرّ لغيره بألف من ثمن عبد وقال المقرُّ له لا بل غصبت مني ألفاً تجب الألف على المقر، وإنما يراعى من الفائدة ما يوجبه العقد وهو ملك المعقود عليه وقبضه وهذا أيضاً جواب عما قاله مُحَمَّد
(7)
رحمه الله من فائدة التحالف بعد هلاك السلعة بقوله: (وإنه يفيد دفع زيادة الثمن)
(8)
أي: يفيد إعطاء المشتري زيادة الثمن التي يدّعيها البائع على تقدير نكول المشتري عن اليمين على ما ذكرنا.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 163).
(2)
في (ب) و (ج)(تمام).
(3)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 222)، الدر المختار (5/ 561).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 163).
(5)
[فلم] تكرار في (أ) يستقيم المعنى بدونها.
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 163).
(7)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 311).
(8)
يُنْظَر: المرجع السابق.
قلنا: [تلك الفائدة]
(1)
ليست من موجبات العقد بل هي من موجبات نكول المشتري عن اليمين وليست اليمين من موجبات العقد حتى يكون النكول من موجباته بل موجب العقد هو ملك المعقود عليه للمشتري وهو حاصل فلا يتحالفان وهذا أيضاً أعني قوله: (وإنما يراعي من الفائدة ما يوجبه العقد) يصلح جواباً لما يرد من الشبهة على قوله: (ولأنّه لا يبالي بالإختلاف في السبب بعد حصول المقصود) بأن قيل هذا يشكل بما إذا ادّعى أحدهما البيع والآخر الهبة فإنّهما يتحالفان على ما ذكرنا من المَبْسُوط
(2)
في تعليل مُحَمَّد رحمه الله فأجاب عنه بقوله: (وإنّما يراعي من الفائدة ما يوجبه العقد)
(3)
، وليس التحالف هناك أيضاً من موجب العقد [بل موجب العقد]
(4)
ثبوت الملك للموهوب له أو للمشتري، فإن قيل لو اعتبرنا لحصول المقصود من غير اعتبار لاختلاف السبب كان ينبغي أن لا يتحالفا عند قيام السلعة لأنّ المقصود وهو ملك المعقود عليه حاصل للمشتري حتّى لو كان جارية حلّ للمشتري وطئها.
قلنا: نعم كذلك لكن هو ثابت بالنصّ بخلاف القياس فقلنا به وهذا إذا كان الثمن دينًا بأن كان دراهم أو دنانير أو من المكيلات أو الموزونات الموصوفة الثابتة في الذمة (فإن كان عينًا)
(5)
أي: فإن كان الثمن عينًا بأن كان الثمن [غير الدراهم والدنانير]
(6)
وغير الموصوف من المكيلات والموزنات الثابتة في الذمة يعني إذا كان البيع بيع مقايضة فهلك المبيع يبقى جواز التحالف والمراد من هلاك المبيع في بيع المقايضة هلاك أحد العوضين لما أنّ المبيع غير متعيّن لكونه مبيعاً حينئذ؛ لأنّ كل واحد من [العوضين]
(7)
مبيع وثمن والدليل على هذا ما ذكره بعده بقوله: (لأنّ المبيع في أحد الجانبين قائم)
(8)
حيث سمّى القائم مبيعًا بعدما سمّى الهالك مبيعًا، ودخول الباء ليس بمعين للثمنية في العوضين المعينين لما ذكرنا في أوائل كتاب البيوع ولما كان كذلك كان حكم التحالف وهو التراد بقدر الإمكان ثابتًا (فيتحالفان) لقيام المبيع كما هو كاف لصحة الإقالة فكان كافياً للتحالف (وإن هلك أحد العبدين)
(9)
أي: بعد قبضهما المشتري؛ لأنّه ذكر في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ
(10)
رحمه الله رجل اشترى عبدين وقبضهما ومات أحدهما ثُمَّ اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري مع اليمين ثُمَّ قال بعد هذا في حجة مُحَمَّد رحمه الله
(11)
بأنّه [يتحالفان عليهما بقوله: ولهذا لو هلك أحدهما قبل القبض يتحالفان، وبهذا يعلم أن بعض المبيع إذا هلك قبل القبض]
(12)
يتحالفان بالإجماع
(13)
(وفي الجامع الصغير القول قول المشتري) أي: فيهما (مع يمينه)
(14)
كذا ذكره الإمام الكشاني رحمه الله وإنّما أعاد ذكر لفظ الجامع الصغير
(15)
؛ لأنّ لفظ الجامع الصغير يقتضي أن يكون المستثنى منه يمين المشتري ولفظ المَبْسُوط
(16)
يقتضي أن يكون المستثنى منه عدم التحالف؛ لأن المذكور قبل الاستثناء هناك قوله: (لم يتحالفا)
(17)
.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (13/ 56).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 163).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 163).
(9)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 166).
(10)
تصحيف والصحيح شرح الجامع الصغير؛ لقاضي خان. يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (1/ 363).
(11)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 130)،
(12)
[ساقط] من (ج).
(13)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 130)، الفتاوى الهندية (4/ 33).
(14)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 166).
(15)
يُنْظَر: الجامع الصغير مع شرحه النافع الكبير (1/ 339).
(16)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (18/ 253).
(17)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 166).
وذكر في الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ
(1)
وتكلّم المشايخ في قوله: (إلا أن يشاء البائع أن يأخذ العبد الحي ولا يأخذ من ثمن الهالك شيئاً)
(2)
على ما ذكر في الْكِتَابِ
(3)
.
وتكلّموا أيضاً أن هذا الاستثناء إلى ماذا ينصرف قال مشايخ بَلْخ رحمهم الله
(4)
: ينصرف إلى يمين المشتري ومعناه أنّ البائع يأخذ الحي منهما صُلحًا عمّا يدّعيه قبل المشتري من الزيادة فيجعل صلحهما على هذا العبد كصلحهما على عبد آخر وصار تقدير ما قال في الْكِتَابِ على قول هؤلاء لا يتحالفان عند أَبِي حَنِيفَةَ
(5)
رحمه الله/ ويكون القول قول المشتري مع يمينه إلا أن يأخذه البائع الحي ولا يأخذ شيئاً آخر فحينئذ لا يحلّف المشتري قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ المعروف بخُوَاهَرْ زَادَه رحمه الله
(6)
إلا أنّ هذا لا يقوى؛ لأنّ الأخذ معلّق بمشيئة البائع
(7)
ولو كان أخذ الحي بطريق الصلح لكان معلقاً بمشيئتهما وعامة مشايخنا
(8)
على أن الاستثناء منصرف إلى التحالف وصار تقدير ما قال في الْكِتَابِ
(9)
على قول هؤلاء لا يتحالفان عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
(10)
إلا أن يشاء البائع أن يأخذ الحي ولا يأخذ من ثمن الميت شيئاً فيتحالفان وهذا؛ لأنّ المذكور التحالف دون [يمين]
(11)
المشتري فكان صرف الاستثناء إلى المذكور أولى وبعضهم قالوا لا بل ينصرف إلى يمين المشتري على معنى أن البائع إذا رضي أن يأخذ الحي ولا يأخذ من ثمن الميت فحينئذ [لا]
(12)
يحلف المشتري؛ لأن المشتري إنّما يُحلّفُ إذا أنكر ما يدّعيه البائع والبائع إذا أعرض عن دعواه لا معنى لتحليف المشتري وقال الإمام الكشاني رحمه الله يأخذ البائع في حق الهالك من المشتري ما يقرّ به المشتري فحينئذ لا يحلّف لأن الاستحلاف إنّما شرع في حق المشتري إذا كان ينكر ما يدّعيه البائع من الزيادة فإذا ترك البائع دعوى الزيادة وأخذ الحي ورضي به المشتري فلا حاجة إلى استحلاف المشتري
(13)
والصحيح هو ترك دعوى الزيادة [من الثمن لا ترك ثمن الميت لأن البائع لا يترك من ثمن الميت ما أقرّ به المشتري إنما يترك دعوى الزيادة]
(14)
.
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (6/ 515 - 517).
(2)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 166).
(3)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 218)؛ للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد القُدُورِي (ت 428 هـ).
(4)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 230).
(5)
يُنْظَر: الجامع الصغير مع شرحه النافع الكبير (1/ 339).
(6)
الإمام شيخ الاسلام أبي بكر محمد بن الحسين بن محمد بن الحسن البخاري المعروف ببكر خُوَاهَرْ زَادَه، وكان من عظماء ماوراء النهر، قال السمعاني: كان إماما فاضلا حنفيا وله طريقة حسنة مفيدة جمع فيها من كل فن وكان يحفظها، وله كتاب المبسوط. (ت 483 هـ). يُنْظَر: تاج التراجم (1/ 259)، الجواهر المضية (2/ 49).
(7)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 209).
(8)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 340).
(9)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (6/ 516)، المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 218).
(10)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (7/ 474).
(11)
[ساقط] من (ج).
(12)
[ساقط] من (ج).
(13)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 309).
(14)
[ساقط] من (ج).
ومعنى قوله: (لا يأخذ شيئاً)
(1)
أي: لا يأخذ من الزيادة التي يدّعيها شيئاً وعلى هذا التقدير يكون الاستثناء منصرفاً إلى يمين المشتري ومن أصحابنا من قال
(2)
: الاستثناء ينصرف إلى التحالف؛ لأن البائع إذا رضي أن لا يأخذ شيئاً [سوى]
(3)
الحي يتحالفان وهو ليس بصحيح لما بيّنا ولأنّ المذكور استحلاف المشتري لا ترك التحالف والاستثناء ينصرف إلى المذكور لا إلى غير المذكور ولأَبِي حَنِيفَةَ
(4)
رحمه الله أن التحالف على خلاف القياس إلى أن قال: (ولأنه لا يمكن التحالف في القائم إلا على اعتبار حصته من الثمن) إلى آخره
(5)
.
فإن قلت: ما الفرق لأَبِي حَنِيفَةَ
(6)
رحمه الله بين هذه المسألة وبين مسألة الإجارة فيما إذا أقام القصار بعض العمل في الثوب ثُمَّ وقع الاختلاف بين القصّار وبين رب الثوب في مقدار الأجرة ففي حصة ما أقام العمل القول قول رب الثوب مع يمينه وفي حصّة ما بقي يتحالفان بالإجماع
(7)
اعتباراً للبعض بالكل فكان استيفاء بعض المنفعة بمنزلة هلاك أحد العبدين من حيث أن بالهلاك والاستيفاء لا يبقى التحالف ثم في هلاك بعض المبيع لا يبقى التحالف عنده وفي استيفاء بعض المنفعة يبقى التحالف في حق ما لم يستوف
(8)
.
قلت: الفرق بينهما من حيث أن عقد البيع في العبدين عقد واحد فإذا تعذّر فسخه في البعض بالهلاك تعذّر في الباقي.
[وأمّا عقد الإجارة في حكم عقود متفرقة يتجدّد انعقاده بحسب ما هو يقيم من العمل فبأن تعذّر فسخه في البعض لا يتعذّر فسخه في الباقي]
(9)
هكذا ذكر في بَابِ الرجل يستصنع الشيء من إجارات المَبْسُوط
(10)
معناه لا يأخذ من ثمن الهالك شيئاً أصلاً وعلى هذا التقدير ينصرف الاستثناء إلى التحالف وعلى قول هؤلاء ينصرف الاستثناء إلى يمين المشتري لا إلى التحالف لأنّه إذا ترك البائع دعوى الزيادة وأخذ الحي ورضي به المشتري فلا حاجة إلى استحلاف المشتري على ما ذكرنا من الجامع الكشاني
(11)
رحمه الله ثُمَّ تفسير التحالف على قول مُحَمَّد رحمه الله ما بيّناه.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 163).
(2)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 33).
(3)
[ساقط] من (ب).
(4)
يُنْظَر: البحر الرائق (6/ 91).
(5)
(فلا بد من القسمة على القيمة وهي تعرف بالحزر والظن فيؤدي إلى التحالف مع الجهل وذلك لا يجوز إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك أصلا لأنه حينئذ يكون الثمن كله بمقابلة القائم ويخرج الهالك عن العقد فيتحالفان) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 163).
(6)
يُنْظَر: فتح القدير (6/ 439).
(7)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 232 - 233).
(8)
يُنْظَر: نتائج الافكار (8/ 230).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (15/ 247).
(11)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 309).
(في القائم)
(1)
أي: في بقاء المبيع كله وهو قوله: (وصفة اليمين أن يحلف البائع بالله ما باعه بألف) إلى آخره
(2)
وإنّما لم تختلف صفة التحالف بعد هلاك أحد العبدين عند مُحَمَّد رحمه الله لما أن قيام السلعة ليس بشرط عنده للتحالف فيتحالفان في الصورتين بصفة واحدة ويأمر القاضي المشتري برد الباقي وقيمة الهالك والقول في قيمة الهالك قول المشتري؛ لأنّ البائع يدّعي عليه زيادة قيمة وهو ينكر فيكون القول قوله مع اليمين كما لو اختلفا في قيمة المغصوب أو المقبوض بحكم عقد فاسد [أقول القائل أن يقول بهذا الفرق إنما يتمشى بالنظر إلى الدليل الأول وأما بالنظر إلى الدليل الثاني فلا لأن عقد الإجارة وإن كان في حكم عقود متفرقة إلا أنه في الصورة المذكورة كان بصفقة واحدة لم يعين فيها لكل جزء من المعقود عليه أجرة معلومة فلابد من القسمة وهي بالجرم والظن فيؤدي إلى التحالف مع الجهل بعين ما قيل في عقد البيع فينبغي أن لا يجوز أيضاً]
(3)
وعند أبي يُوسُف رحمه الله
(4)
يتحالفان على القائم لأنهما لو كانا قائمين يتحالفان عليهما ولو كانا هالكين لا يتحالفان فإذا كان أحدهما قائمًا يتحالفان في القائم؛ لأنّ فائدة التحالف الفسخ وبعد هلاك
أحد العبدين يمكن فسخ العقد في القائم ولهذا لو تقايلا بعد هلاك أحد العبدين صحت الإقالة فيه وصورة التحالف عند أبي يُوسُف
(5)
رحمه الله أن يحلف المشتري أولاً بالله ما اشتريت العبدين منه بالثمن الذي يدّعي البائع فإن نكل يثبت [ما ادّعاه]
(6)
البائع وإن حلف يحلف البائع [في القائم]
(7)
بالله ما بعتهما بالثمن الذي يدّعي المشتري فإن نكل يثبت ما ادّعاه المشتري وإن حلف لم يثبت فيفسخ العقد بينهما في القائم ويرد القائم ويتقرر على المشتري حصة الهالك من الثمن الذي يقر به المشتري ولا يلزمه قيمة الهالك؛ لأنّ وجوب القيمة حكم انفساخ العقد والعقد في الهالك [لم ينفسخ عند أبي يُوسُف رحمه الله
(8)
ومن الناس من قال على قول أبي يُوسُف رحمه الله]
(9)
لا يتحالفان على هذا الوجه بل يتحالفان في القائم لا غير؛ لأنّ العقد ينفسخ في القائم لا في الهالك وهذا ليس بصحيح لأن المشتري لو حلف بالله ما اشتريت القائم بحصته من الثمن الذي يدّعيه البائع يحلف ويكون صادقاً فإن من اشترى شيئين بألف درهم إذا حلف أنّه ما اشترى أحدهما بألف [درهم]
(10)
كان صادقاً، وكذلك البائع لو حلّف بالله ما بعت القائم بحصته من الثمن الذي يدّعي المشتري يحلف ويكون صادقاً فيه فلا يفيد التحالف فيحلف على الوجه الذي قلنا.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 163).
(2)
(ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين فإن حلفا فسخ القاضي البيع بينهما وإن نكل أحدهما عن اليمين لزمه دعوى الآخر) يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 166).
(3)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(4)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (3/ 364).
(5)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 310).
(6)
[ساقط] من (أ).
(7)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(8)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (6/ 522).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
[ساقط] من (ب).
[صورة التحالف عند أبي يُوسُف رحمه الله
-]
وقوله: (واختلفوا في تفسيره على قول أبي يُوسُف رحمه الله)
(1)
ولم يذكر تفسير التحالف على قول أَبِي حَنِيفَة
؛ لأن عنده لم يجري التحالف عند هلاك السلعة أو بعضها لأنّ التحالف بعد القبض عرف نصًا والنصّ ورد حال قيام السلعة والسلعة اسم للكل فإذا هلك البعض فات الشرط الذي يتعلّق به التحالف ثُمَّ قال أبو حَنِيفَةَ رحمه الله إلا أن يشاء البائع بأن يأخذ الحي ولا يأخذ من ثمن الميت شيئاً وقد ذكرنا معناه هذا كله ممّا ذكره الإمام قَاضِي خَانْ رحمه الله.
(والصحيح أن يحلف المشتري بالله ما اشتريتهما) إلى آخره
(2)
.
هذا احتراز عن القول الآخر الذي ذكرناه بأنّ بعض الناس يقولون بل يتحالفان عند أبي يُوسُف رحمه الله في القائم لا غير.
(ويلزم المشتري حصة الهالك ويعتبر قيمتهما في الانقسام يوم القبض)
(3)
يعني يقسم الثمن الذي أقر به المشتري على العبد القائم والهالك على قدر قيمتهما يوم القبض فإن اتفقا أن قيمتهما يوم القبض كانت واحدة يجب على المشتري نصف الثمن الذي أقرّ به المشتري وسقط عنه نصف الثمن وإن تصادّقا أن قيمتهما يوم القبض كانت على التفاوت فإن تصادّقا أن قيمة الهالك كانت على النصف من قيمة القائم يجب على المشتري ثلث ما أقرّ به من الثمن.
[الاختلاف في قيمة القائم والهالك]
وإن اختلفا في ذلك فقال المشتري كانت قيمة القائم يوم القبض ألفاً وقيمة الهالك خمسمائة وقال البائع كان على العكس كان القول قول البائع مع يمينه؛ لأنهما اتفقا على وجوب الثمن الذي أقرّ به المشتري [ثُمَّ المشتري]
(4)
بدعواه على هذا الوجه يدّعي سقوط زيادة من الثمن والبائع ينكر فكان البائع مستبقياً لما كان واجباً والمشتري بدعواه يسقط ما كان واجباً فكان البائع متمسّكًا بالأصل؛ فلذلك كان القول قول البائع مع يمينه فإن قيل لماذا يعتبر قيمتهما يوم القبض دون العقد في حق انقسام الثمن ومسائل الزيادات تدلّ [على هذا حتى قال مُحَمَّد رحمه الله
(5)
: قيمة الأم تعتبر يوم العقد وقيمة الزيادة يوم الزيادة وقيمة الولد يوم القبض؛ لأن الأم صارت مقصودة بالعقد والزيادة بالزيادة والولد بالقبض وكلّ واحد من العبدين هنا صار مقصودًا بالعقد فوجب اعتبار قيمتها يوم العقد لا يوم القبض.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 164).
(2)
(بما يدعيه البائع فإن نكل لزمه دعوى البائع وإن حلف يحلف البائع بالله ما بعتهما بالثمن الذي يدعيه المشتري فإن نكل لزمه دعوى المشتري وإن حلف يفسخان العقد في القائم وتسقط حصته من الثمن ويلزم المشتري حصة الهالك ويعتبر قيمتهما في الانقسام يوم القبض) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 164).
(3)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(4)
[ساقط] من (ب).
(5)
يُنْظَر: نتائج الافكار (8/ 233).
قال الإمام ظهير الدين رحمه الله صاحب الفوائد
(1)
: هذا إشكال هائل أوردته على كلّ قرم
(2)
حَصِيف [الحَصِيفُ: المُحْكَمُ العَقْل]
(3)
نحرير
(4)
فلم يتهدّ أحد إلى جوابه ثُمَّ قال: والذي تخايل لي بعد طول التجشم [جشمه الأمر من باب فهمه وتجشمه أي: تكلّفه على مشقة وجشمه الأمر تجشيما وأجشمه أي: كلفه إياه الصِّحَاح
(5)
التجشم على شي بمشقةٍ]
(6)
أن فيما ذكر من المسائل لم يتحقق ما يوجب الفسخ فيما صار مقصودًا بالعقد.
وفيما نحن بصدده تحقق ما يوجب الفسخ فيما صار مقصودًا بالعقد وهو التحالف أما في الحي منهما فظاهر وكذلك في الميت منهما؛ لأنّه إن تعذّر الفسخ في الهالك لمكان الهلاك لم يتعذّر اعتبار ما هو من لوازم الفسخ في الهالك وهو اعتبار قيمته يوم القبض؛ لأنّ الهالك مضمون بالقيمة يوم القبض على تقدير الفسخ كما هو مذهب مُحَمَّد رحمه الله
(7)
/ حتّى قال: يضمن المشتري قيمة الهالك على تقدير التحالف عنده فيجب إعمال التحالف في اعتبار قيمة الهالك يوم القبض فلهذا يعتبر قيمتها يوم القبض وأيهما أقام البينة قبلت بينته لأنّه نوّر دعواه بالحجة وإن أقاما البينة فبيّنة البائع أولى لأنّ البائع يدعي زيادة في قيمة الهالك والبينات شرعت لإثبات الزيادات فإن قيل المشتري يدّعي زيادة في قيمة القائم فوجب أن تقبل بينته.
(لإثباته الزيادة)
(8)
قلنا: أن الذي وقع الاختلاف فيه مقصودًا قيمة الهالك والاختلاف في قيمة القائم يثبت ضمنًا للاختلاف في الهالك وبينة البائع قامت على ما وقع الاختلاف فيه مقصودًا فكانت أولى بالاعتبار كذا ذكره الإمام الْمَرْغِينَانِيّ وقَاضِي خَانْ وهو قياس ما ذكره في بيوع الأصل (اشترى عبدين) إلى آخره ذكر تلك المسألة التي أحالها على بيوع الأصل
(9)
الإمام قَاضِي خَانْ رحمه الله في الجامع الصغير وأحالها على الجامع الكبير
(10)
فيجوز أن تكون مذكورة فيهما جميعًا (وينقسم الثمن على قيمتهما)
(11)
أي: على قيمتهما يوم القبض (فإن اختلفا في قيمة الهالك)
(12)
أي: في مسألة الأصل؛ (لأنها تتوجه على أحد العاقدين) أي: لا على الوكيل والنائب لما أن اليمين لا تجري فيها النيابة والبائع منكر حقيقةً؛ لأنه ينكر سقوط الزيادة (فلهذا تقبل بينته أيضاً) أي: كما أن الاعتبار في الأيمان ليمين البائع حتى كان القول قوله باليمين فكذلك في البينات الاعتبار لبينة البائع لكون بينته أكثر إثباتًا من بينة المشتري ويترجح بالزيادة الظاهرة على ما مرّ وهو قوله: (لأنها أكثر إثباتًا ظاهراً وهذا يبيّن لك معنى ما ذكرناه من قول أبي يُوسُف رحمه الله)
(13)
أي: ما ذكر في الأصل يتبين لك صحة ما ذكرنا من قول أبي يُوسُف رحمه الله من تفسيره في التحالف وتفريعاته التي ذكرت في مسألة الجامع الصغير
(14)
.
(1)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(2)
القرم من الرجال: السيد المعظم. يُنْظَر: الصحاح (5/ 2009).
(3)
[ساقط] من (أ) و (ب). يُنْظَر: النهاية في غريب الأثر (1/ 981)، لسان العرب (9/ 48).
(4)
النحرير هو العالم بالشي المجرب له. يُنْظَر: معجم مقاييس اللغة (5/ 400).
(5)
يُنْظَر: الصِّحَاح (5/ 166).
(6)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (24/ 274).
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 164).
(9)
(اشترى عبدين وقبضهما ثم رد أحدهما بالعيب وهلك الآخر عنده يجب عليه ثمن ما هلك عنده ويسقط عنه ثمن ما رده وينقسم الثمن على قيمتهما). يُنْظَر: المبسوط؛ للشيباني (4/ 50).
(10)
يُنْظَر: الفتاوى الهندي (3/ 27).
(11)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 166).
(12)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 166).
(13)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 164).
(14)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (6/ 522).
وذكر في الجامع الصغير لصدر الإسلام
(1)
رحمه الله، والبائع منكر حقيقة فتجب عليه اليمين
(2)
، والبائع أيضاً مدّع من حيث الظاهر فإنّه يدعي زيادة قيمة الهالك فتكون البينة بينته، وهذا هو الاصل في الدّعاوى فكذلك في مسألتنا المشتري يدعي سقوط الزيادة من الثمن الذي أقرّ به والبائع ينكر فكان القول قوله مع اليمين والبينة بينة البائع أيضاً لما بيّنا (ومن اشترى جارية وقبضها)
(3)
أي: ونقد الثمن أيضاً.
وذكر الإمام قَاضِي خَانْ
(4)
رحمه الله رجل اشترى جارية بألف وتقابضا ثُمَّ اختلفا في الثمن فإنهما يتحالفان ويعود البيع الأوّل أراد به إذا تقايلا ولم يسلّم الجارية إلى البائع بحكم الإقالة حتّى اختلفا في الثمن؛ لأن التحالف قبل القبض موافق للقياس فيتعدّى إلى الإقالة ثُمَّ في فصل البيع إذا حلفا وتعذر إمضاء البيع لتعذّر الترجيح يُفسخ العقد ليعود كل واحد منهما إلى أصل حقه فكذلك في الإقالة وقبل الإقالة كان حق البائع]
(5)
في الثمن وحق المشتري في المبيع فإذا حلفا تفسخ الإقالة حتى يعود كل واحد منهما إلى أصل حقه ويعود البيع الأوّل معناه أنه يعود البيع الأول إذا فسخ القاضي أو فسخا بأنفسهما الإقالة؛ لأنّ الإقالة لا تنفسخ إلا بالفسخ كالمبيع كذا ذكره صدر الإسلام ثُمَّ الإقالة قابلة للفسخ حتى أن المبيع إذا هلك في يد المشتري قبل الرد إلى البائع بعد الأقالة فأنه تنفسخ الأقالة ويعود البيع الأول حتى يكون الهالك في ضمان المشتري كذا كان بخط شيخي رحمه الله (ونحن ما أثبتنا التحالف فيه) أي: في التقايل (بالنص) إلى آخره
(6)
هذا جواب لسؤال مقدر وهو أن يقال ينبغي أن لا يجري التحالف في التقايل كما لا يجري فيه التحالف إذا وقع الاختلاف بينهما بعد قبض البائع المبيع بعد الإقالة عندهما خلافاً لمُحَمَّد رحمه الله لثبوت التحالف بين المتبائعين بالسنة بخلاف القياس فأجاب عنه بهذا على وجه يقع الفرق فيما إذا وقع الاختلاف في الثمن بين ما إذا قبض البائع المبيع بحكم الإقالة وبين ما إذا لم يقبض وأنكر ثبوت التحالف بخلاف القياس فيما إذا لم يقبض البائع المبيع بحكم الإقالة.
(1)
محمد بن محمد بن الحسين بن عبدالكريم، أبو اليسر، صدر الإسلام الْبَزْدَوِيّ: فقيه بخاري، ولي القضاء بسمرقند. انتهت إليه رياسة الحنفية في ما وراء النهر، وهو أخو فخر الإسلام الْبَزْدَوِيّ، له تصانيف، منها (أصول الدين) توفي في بخارى. يُنْظَر: تاج التراجم (2/ 149)، الأعلام للزركلي (7/ 22).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (25/ 77).
(3)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 166).
(4)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (3/ 171).
(5)
[ساقط] من (ج).
(6)
قوله عليه السلام: «إذا اختلف المتبائعان تحالفا وترادا» ، (لأنه ورد في البيع المطلق والإقالة فسخ في حق المتعاقدين وإنما أثبتناه بالقياس لأن المسألة مفروضة قبل القبض والقياس يوافقه) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 164).
(لأن المسألة مفروضة قبل القبض) أي: قبل قبض البائع (المبيع بعد الإقالة)
(1)
ولهذا نقيس الإجارة إيضاحا لقوله: (وإنما أثبتناه بالقياس الإجارة على البيع قبل القبض)
(2)
يعني إذا اختلف المؤجر والمستأجر قبل استيفاء المعقود عليه في الأجرة والقيمة على/ العين فيما إذا استهلك المشتري استُهلك بضم التاء على صيغة بناء المفعول والمشتري على صيغة اسم المفعول أي: نقيس قيمة المشتري المستهلك التي وجبت على المستهلك الذي استهلكه في يد البائع على العين الذي في يد البائع يعني أن المتبائعين إذا اختلفا في ثمن المبيع الذي لم يقبض يجري التحالف بينهما بالنص الذي يوافق القياس فكذلك إذا استَهلك مُستهلِكٌ المبيع في يد البائع وقد قامت قيمته مقام المبيع في بقاء البيع حتى كان للمشتري اختيار الشراء بأن يدفع الثمن ويأخذ القيمة ثُمَّ لو اختلف المتبائعان في ثمن المشتري المستهلك الذي قامت القيمة مقام المشتري يجري التحالف بينهما بالقياس على جريان التحالف عند بقاء العين المشتري لكون النص الذي ورد بالتحالف حال بقاء العين معقول المعنى.
وذكر في المَبْسُوط
(3)
إذا قُتل المبيع قبل القبض فالقيمة هناك واجبة على القاتل وهي قائمة مقام العين في إمكان فسخ العقد عليهما لأن القيمة الواجبة قبل القبض لما ورد عليها القبض المستحق بالعقد كانت في حكم المعقود عليه ثُمَّ هاهنا عبارة الْكِتَابِ فيما (إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري)
(4)
هكذا كانت على حاشية نسخة قوبلت بنسخة المصنف رحمه الله[ونقيس القيمة على العين يعني إذا استهلك غير المشتري العين المبيعة في يد البائع وضمن القيمة قامت القيمة مقام العين المستهلكة فإن اختلف العاقدان في القيمة يجري التحالف بينهما بالقياس على جريان التحالف عند بقاء العين المشتراة لكون النص إذ ذاك معقول المعنى وفي غاية البيان وهذه هي النسخة المقابلة بنسخة المصنف وفي بعض النسخ فيما إذا استهلك المشتري وفي بعضها فيما إذا استهلك المبيع قال الإمام حافظ الدين الكبير البخاري رحمه الله على حاشية كتابه الصحيح عنه استهلك المشتري انتهى.
وفي معراج الدراية الصواب إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري وهذه العبارة على حاشية نسخه قوبلت بنسخه المعراء الصواب استُهلك به المشتري بضم التاء على صيغة نائب المفعول والمشترى على صيغة المفعول انتهى قال الإمام الخبازي رحمه الله
(5)
: في حاشيتة على الهداية: الصحيح (استهلكه في يد البائع غير المشتري)
(6)
فنقول أن هذه العبارات مسطورة في حاشية كتاب المصنف انتهى]
(7)
(لأنَّه يرى النص معلولاً بعد القبض)
(8)
أي: قوله عليه السلام: «إذا اختلف المتبائعان تحالفا وترادا»
(9)
معلول بكون وجود الإنكار من كل واحد من المتبائعين لأنّ كل واحد منهما يدعي عقدًا ينكره صاحبه؛ لأن البيع بألف غير البيع بألفين فلذلك يُحلّف كل واحد منهما على دعوى صاحبه لوجود الإنكار منهما جميعًا وهذا المعنى لا يتفاوت بين أن يكون المبيع في يد البائع ثُمَّ وقع الاختلاف أو في يد المشتري ثُمَّ وقع الاختلاف ولما كان النص عنده معلولاً تعدى حكمه من البيع إلى الإقالة وإن كان بعد قبض البائع المبيع بعد الإقالة، وقد ذكرنا قبل هذا في هذا الباب أن كون النص بعد القبض حال قيام السلعة غير معلول هو اختيار القاضي أبي خازم
(10)
رحمه الله.
(1)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 166).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 164).
(3)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (14/ 140).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 164).
(5)
عمر بن محمد بن عمر الإمام، جلال الدين، الخبازي، قال الذهبي: المفتي، الزاهد، الحنفي، وله الحواشي المشهورة على الهداية شرح البداية، وله أيضا المغني في أصول الفقه، وانتفع الناس بهما، (ت 691 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 398)، شذرات الذهب (5/ 419)، تاج التراجم (2/ 220).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 164).
(7)
[ساقط] من (ب).
(8)
يعني: (لأنه معلول بوجود الإنكار من كل واحد من المتبايعين لما يدعيه الآخر، وهذا المعنى لا يتفاوت بين كون المبيع مقبوضاً، أو غير مقبوض). يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 164)، العناية شرح الهداية (8/ 226).
(9)
سبق تخريجه، ص (251).
(10)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 223 - 225)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (8/ 307) ..
وأمّا عند غيره
(1)
فمعلول مادامت السلعة قائمة سواء كان قبل القبض أو بعده واختصاص مُحَمَّد
(2)
رحمه الله بأنه يرى النص معلولاً إنما يظهر فيما إذا وقع الاختلاف بعد هلاك السلعة وقد ذكرناه (فالقول قول المسلم إليه)
(3)
أي: مع يمينه وذكر صدر الإسلام رحمه الله
(4)
فالقول قول المسلم إليه ولا يتحالفان ولا يعود السلم لأن الإقالة في بَابِ السلم ليس بيع بل هو إبطال من كل وجه فإن رب السّلم لا يملك المسلم فيه بالإقالة بل يسقط المسلم فيه أصلاً فلم يكن فيها معنى البيع حتى يتحالفا فاعتبر فيه حقيقة الدَّعْوَى والمسلم إليه هو المنكر حقيقة؛ (لأنّ الإقالة في بَابِ السلم لا تحتمل النقض)
(5)
أي: الفسخ يعني أنّ التحالف لا يجري في بَابِ السّلم، وإن وقع اختلاف المتعاقدين في الثمن بل كان القول قول المسلم إليه مع اليمين ولا يعود السلم أما وجوب اليمين على المسلم إليه دون رب السّلم لأنّ ربّ السّلم يدّعي على المسلم إليه زيادة من رأس المال وهو ينكر أمّا المسلم إليه لا يدعي شيئاً على ربّ السّلم؛ لأن المسلم فيه قد سقط عنه بالإقالة.
وأمّا عدم عود السّلم؛ لأنّ ذلك أثر الفسخ الذي هو موجب التحالف ولا يجري التحالف في إقالة السّلم وإن كان اختلافهما واقعًا في الثمن وذلك؛ لأنّ التحالف شرع للفسخ وإقالة السّلم ما لا يحتمل الفسخ ألا ترَى أن رأس المال لو كان عرضاً فردّه بعيب على ربّ السّلم ولم يسلّم إليه حتى هلك في يده [مما]
(6)
لا يعود السّلم وبمثله لو اشترى عرضاً فردّه بعيب ولم يسلّم إلى البائع حتى هلك في يده يبطل الرد ويعود البيع والفقه فيه أنّ المسلم فيه يسقط بالإقالة فلو انفسخت الإقالة كان حكم انفساخها عود المسلم فيه والساقط لا يحتمل العود ولو تصوّر لا يعود برأس المال؛ لأنّه دين أمّا الإقالة في البيع حكمها عود المبيع إلى البائع فإذا انفسخت الإقالة يعود إلى ملك المشتري وملك العين مما لا يحتمل العود كذا ذكره الإمام قَاضِي خَانْ رحمه الله
(7)
.
فإن قيل الإقالة في بيع العين بعد قبض المبيع إنما اعتبرت بيعًا جديدًا في حق غير المتعاقدين فأمّا في حق المتعاقدين اعتبر فسخًا، ألا ترَى أنّ القبض لما كان من حقهما اعتبرت الإقالة في حق القبض فسخًا فيما بينهما حتى أن البائع لو باع المبيع من المشتري بعد الإقالة قبل القبض جاز ولو باع من غيره لم يجز
(8)
.
(1)
يُنْظَر: فتح القدير (6/ 501).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 222).
(3)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 164).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (6/ 559).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 164).
(6)
[ساقط] من (ب).
(7)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 310).
(8)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (5/ 130).
والتحالف حقهما بدليل/ أنهما لو تَركا تُركا وإذا كانت فسخًا في حق التحالف وجب أن لا يتحالفا لما ذكرنا أنّ التحالف عرفت شرعيتها في العقود لا في الفسوخ ألا ترَى أنّه لو حصل الفسخ بخيار الرؤية أو بخيار الشرط أو بالردّ بالعيب بالقضاء بعد القبض والثمن منقود ثُمَّ اختلفا في مقداره لا يتحالفان.
قلنا: الإقالة بعد القبض فسخ فيما بينهما فيما كان من حقوق العقد الذي وقعت الإقالة عنه كما قلنا في القبض: فإنّه من حقوق البيع؛ لأنه وجب بالبيع لإتمامه فأمّا في حق ما كان من حقهما وليس من حقوق العقد الذي وقعت الإقالة عنه فإنه يعتبر بيعًا جديداً في حقه كما في حق الثالث ولا يعتبر فسخًا كما في الأجل فإن من له على آخر دين مؤجّل فاشترى به عبدًا ثُمَّ تقايل العقد لا يعود الأجل لأن الأجل ليس من حقوق العقد الذي وقعت الإقالة عنه فكذا التحالف ليس من حقوق العقد الذي وقعت الإقالة عنه لأنّه لا يجب بالبيع لأن شرعيته لنقضه لا لإتمامه بخلاف ما إذا كان الرد بخيار الشرط والرؤية لأنه تعذر اعتباره بيعًا في حق الثالث لانتفاء الرضاء وكذا إذا كان الرد بقضاء [القاضي]
(1)
.
فإن قيل ما الفرق لمُحَمَّد
(2)
رحمه الله بين إقالة السّلم وبين ما إذا هلكت السلعة ثُمَّ اختلفا في مقدار الثمن فإنهما يتحالفان فيما إذا هلكت السلعة ولا يتحالفان في إقالة السّلم إذا اختلفا في مقدار رأس المال وإن مات المعقود عليه في الفصلين جميعًا
(3)
.
قلنا: الإقالة في السلم قبل قبض المسلم فيه فسخ من كل وجه على ما ذكرنا والتحالف بعد هلاك السلعة يجري في البيع لا في الفسخ كذا في الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ
(4)
.
[اختلاف الزوجين في المهر]
(فأيُّهما أقام البيِّنةَ: قُبلت) أما قبول بينة المرأة فظاهر؛ لأنها تدّعي ألفين
(5)
والإشكال إنما يرد في قبول بينة الزوج؛ لأنّه منكر لزيادة ما أقر وكان على المنكر اليمين لا البينة فكيف قبلت بينته هاهنا.
قلنا: إنما تقبل بينة الزوج لأنّه مدّعي صورة؛ لأنه يدعي على المرأة تسليم نفسها عند أداء ما أقرّ به من المهر وهي تنكر.
وقد قلنا: أنّ الدَّعْوَى صورة كافية لقبول البينة كما إذا ادّعى المودع تسليم الوديعة لمالكها وذكر الإمام قَاضِي خَانْ رحمه الله
(6)
وإن كان الزوج هو الذي أقام البينة قبلت بينته؛ لأنّه مدع صورة فتقبل بينته ثُمَّ قال: ويجوز أن يكون القول قوله مع اليمين كالمودع إذا ادّعى رد الوديعة أو الهلاك فإنه يقبل يمينه وبينته مع ذلك فكذلك [هاهنا]
(7)
معناه إذا كان مهر مثلها أقل مما ادعته أمّا إذا كان مهر مثلها مثل ما ادّعته أو أكثر ممّا ادّعته فبينة الزوج أولى؛ لأن بينة الزوج تثبت الحط وبينة المرأة لا تثبت شيئاً؛ لأنّ ما ادّعته ثابت بشهادة مهر المثل ذكر الإمام قَاضِي خَانْ
(8)
رحمه الله وإن كان مهر مثلها ألفي درهم أو أكثر كان القول قولها مع اليمين يعني إذا لم يكن لهما أو لأحدهما بينة؛ لأنّ الزوج يدّعي عليها الحط وهي تنكر فإن نكلت يقضي بألف درهم؛ لأنّها أقرّت بالحط وإن حلفت يقضي لها بألفي درهم ألف بطريق التسمية لاتفاقهما على تسمية الألف وألف باعتبار مهر المثل يخبر الزوج في هذا الألف إن شاء أعطى الدراهم وإن شاء أعطى الدنانير، وإن أقام الزوج البينة قبلت بينته لأنه يثبت الحط وإن أقامت المرأة البينة على الألفين قبلت بينتها أيضاً؛ لأنها مدّعية صورة فيقضي لها بألفي درهم بطريق التسمية لاخيار للزوج فيه وإن أقاما البينة الصحيح أن بينة الزوج أولى؛ لأن بينته تثبت ما ليس بثابت ظاهراً وبينة المرأة تثبت ما هو ثابت بدون البينة فكانت بينته أكثر إثباتًا وكان أولى بالقبول وإن لم يكن لها بينة تحالفا عند أَبِي حَنِيفَةَ
(9)
رحمه الله.
(1)
[ساقط] من (ب).
(2)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (3/ 196).
(3)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (2/ 300).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (6/ 560).
(5)
لأنها تُثبت الزيادة. يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب؛ للغنيمي (5/ 102).
(6)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (5/ 154).
(7)
[ساقط] من (ب).
(8)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (1/ 308).
(9)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب؛ للغنيمي (1/ 307).
فإن قلت: النص شرعية التحالف إنّما ورد في البيع والنكاح ليس في معناه وهو ظاهر فكيف تعدي حكم النص من البيع إلى النكاح أو يقول أن التحالف إنما شرع في عقد يحتمل الفسخ لما أن الفسخ من أحكام التحالف ولا فسخ في النكاح بعد التحالف بالاتفاق فيجب أن لا يشرع فيه التحالف لعدم حكمه.
قلت: أمّا الأول: وهو ورود النص في البيع قلنا أنّ المعنى الموجب للتحالف هناك موجود هاهنا من كل وجه فيثبت التحالف في النكاح أيضاً بدلالة النص، وذلك لأن الموجب للتحالف هناك هو أن كلّ واحد من المتعاقدين مدّع ومنكر ولم يمكن ترجيح أحدهما على الآخر في الدَّعْوَى/ والإنكار لتساويهما فيهما فكذلك قبلت بينتهما ويمينهما لأنّ كل واحد منهما يُنكر لما يدّعيه الآخر فحُلّف كلّ واحد منهما على دعوى صاحبه تمسُّكًا لقوله عليه السلام:«البينة على المدعي واليمين على من أنكر»
(1)
.
وأما الثاني: وهو أن الفسخ حكم التحالف والفسخ ليس بثابت هاهنا فجوابه مذكور في الْكِتَابِ
(2)
وإيضاح ذلك هو أنّ التحالف إنما أوجب الفسخ في البيع؛ لأنه لما تعذّر إثبات دعوى كل واحد منهما بسبب يمين الآخر لزم إخلاء العقد عن البدل والبدل إذا خلا عن البيع يفسد البيع والفاسد يفسخ وأمّا النكاح إذا خلا العوض عنه فلا يفسد كما لو لم يذكر التسمية وإذا لم يفسد النكاح لا يفسخ إذا الفسخ إنما كان بسبب الفساد فافترقا إلى هذا أشار في الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ ولكن بحكم مهر المثل وهذا استدراك عن قوله: (ولا يفسخ النكاح) في قوله: (وإن لم تكن لهما بيِّنةٌ: تحالفا عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله ولا يُفسَخ النكاح)
(3)
[قوله:]
(4)
(لأنهما لما تحالفا لم تثبت الزيادة) أي: بسبب يمين الزوج (ولا الحط عنه) أي: بسبب يمين المرأة ولهذا انعدم [في الوجوه]
(5)
أي: التحالف (في الوجوه كلها)
(6)
أي: فيما إذا كان مهر المثل مثل ما اعترف به الزوج أو أقل منه أو مثل ما ادعته المرأة أو أكثر [منه]
(7)
أو كان مهر المثل أكثر مما اعترف به الزوج أو أقلّ ممّا ادّعته المرأة ففي هذه الوجوه الخمسة كلها يعدم التحالف عند أبي الحسن الكَرْخِيِّ
(8)
رحمه الله؛ لأنهما اتفقا على أصل التسمية فكانت التسمية صحيحة في أصلها والتسمية الصحيحة تمنع المصير إلى مهر المثل وإذا حلفا تعذر الحكم بالتسمية فصارت التسمية كأن لم تكن فيحكم مهر المثل واحترز بقوله: في الوجوه كلها عن قول أبي بكر الرازي رحمه الله
(9)
فإنّه لا يقول بالتحالف فيه إلا في وجه واحد وهو ما إذا لم يكن مهر المثل شاهدًا لأحدهما بأن يكون أكثر مما أقرّ به الزوج وأقلّ مما ادّعته المرأة فعنده يتحالفان
(10)
.
(1)
سبق تخريجه، ص (181).
(2)
يُنْظَر: مختصر القدوري (1/ 217).
(3)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 167).
(4)
[ساقط] من (ب).
(5)
[ساقط] من (ب).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 165).
(7)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(8)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (1/ 319).
(9)
الإمام أبو بكر أحمد بن علي الرازي المعروف بالجصاص، وهو لقب له، ورد بغداد في شبيبته، ودرس الفقه على أبي الحسن الكرخي، ولم يزل حتى انتهت إليه رئاسة الحنفية، وله من المصنفات: أحكام القرآن، وشرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي، وشرح مختصر الطحاوي، قال الخطيب في حقه: كان إمام أصحاب أبي حَنِيفَةَ في وقته وكان مشهوراً بالزهد، والورع. (ت 370 هـ). يُنْظَر: الطبقات السنية (1/ 412)، الجواهر المضية (1/ 84).
(10)
يُنْظَر: البحر الرائق (3/ 193).
وأمّا إذا كان مهر المثل مثل ما يقوله الزوج أو أقلّ فالقول قوله مع يمينه وإن كان مثل ما تقول المرأة أو أكثر فالقول قولها مع يمينها وهذا هو الأصح لأنّ تحكيم مهر المثل هاهنا ليس لإيجاب مهر المثل بل لمعرفة من يشهد له الظاهر، ثُمَّ الأصل في الدعاوى أن يكون القول قول من يشهد له الظاهر مع يمينه كذا ذكر الإمام قَاضِي خَانْ والْمَحْبُوبِيّ
(1)
، فإن قيل فعلى قوله ولكن يحكم مهر المثل فإن كان مثل ما اعترف به الزوج أو أقل قضى بما قال الزوج؛ لأنّ الظاهر شاهد له وكذلك في طرف المرأة بشكل المتبائعان فإنهما إذا اختلفا في الثمن وقيمة المبيع مثل ما يدّعيه أحدهما لا يعتبر قوله وإن كان الظاهر شاهدًا له ما الفرق بينهما.
قلنا: القضاء هناك بما يدّعيه أحدهما غير ممكن و [إن كانت القيمة]
(2)
مطابقة لما يدّعيه أحدهما؛ لأنّ القيمة لا يمكن إثباتها ثمناً بمطلق العقد ومهر المثل يمكن إثباته مهراً لمطلق العقد وهذا هو الفرق بينهما إلى هذا أشار في الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ
(3)
ويبدأ بيمين الزوج عند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد؛ لأنّ أوّل التسليمين عليه فيكون أوّل اليمينين عليه كذا في الفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ
(4)
.
وذكرنا خلاف أبي يُوسُف رحمه الله
(5)
فإنّ أبا يُوسُف قال القول قول الزوج في جميع ذلك قبل الطلاق وبعده ولا يحكم مهر المثل؛ لأن المرأة تدّعي الزيادة والزوج ينكر وكان القول قول المنكر كما في ساير الدعاوى، وإنما عرفنا التحالف في البيع وفي مبادلة المال بالمال نصًّا بخلاف القياس فلا يتعدى إلى غيره فكان القول قول الزوج مع يمينه إلا أن يأتي بشيء يسير مستنكر شرعًا وفي تفسير ذلك روايتان عن أبي يُوسُف رحمه الله على ما مرّ في النكاح (يكون لها قيمتها)
(6)
أي: بعد التحالف معناه.
(1)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (2/ 275).
(2)
[إن كانت القيمة] تكرار يستقيم المعنى بدونها.
(3)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (19/ 108).
(4)
يُنْظَر: البحر الرائق (3/ 194).
(5)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (7/ 476).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 165).
[الاختلاف في الإجارة]
(اختلفا في البدل) أي: الأجرة (أو في المبدل) أي: المعقود عليه وهو المنافع وهذا احتراز عن اختلافهما في الأجل فإنّه لا يجري التحالف بينهما فيه بل القول فيه قول من ينكر الزيادة؛ لأن التحالف في البيع قبل القبض على وفاق القياس من حيث أنّ كل واحد منهما منكر لما يدّعيه صاحبه فكان اليمين على المنكر.
وقوله: (على ما مرّ) إشارة إلى قوله في أوّل هذا الباب بقوله: (لأنّ البائع يدّعي زيادة الثمن والمشتري ينكرها) إلى آخره
(1)
وتبيّن أنّه لا عقد فحينئذ/ ظهر أنّه لا قيمة للمنفعة وإذا كان كذلك كان المبيع غير قائم ولا الذي يقوم مقامه فامتنع التحالف (وإذا امتنع) أي: التحالف وفي المَبْسُوط
(2)
، ومُحَمَّد رحمه الله يفرق بين هذا والبيع فيقول التحالف هناك مفيد؛ لأنَّ المبيع عين مال متقوم بنفسه فيمكن ايجاب قيمتة بعد انتفاء العقد بالتحالف، وأمّا المنافع فلا يتقوّم إلا بالعقد ولو تحالفا هاهنا انتفى العقد بالتحالف فلا يمكن إيجاب شيء للقصار وكان جعل القول قول رب الثوب مع يمينه أنفع للقصار فلذلك لا يصار إلى التحالف هاهنا (وهو سالم للعبد)
(3)
أي: التصرف للحال سالم للعبد لاتفاق العبد والمولى على ثبوت الكتابة فلا يكون العبد مدّعياً بل يكون منكراً لما يدّعيه المولى من الزيادة فحسب، وإنما ينقلب مقابلاً بالعتق عند الأداء فكان هذا نظير إجارة الدار حيث جعلنا رقبة الدار في ابتداء العقد في الإجارة أصلاً ثُمَّ تنقل منها إلى المنفعة وهي المطلوبة آخراً فكذا في الكتابة جعلنا الفك في حق اليد والتصرف أصلاً في ابتداء العقد ثُمَّ عند الأداء جعلنا العتق أصلاً وانتقل من اليد وفك الحجر إلى [العتق]
(4)
فكانت الإجارة والكتابة متساويتين في هذا.
وذكر في بَابِ مكاتبة أم الولد من عتاق المَبْسُوط
(5)
حكم التحالف في البيع ثابت نصاً بخلاف القياس فلا يلحق به ما ليس في معناه من كل وجه والكتابة ليست في معنى البيع أمّا من حيث الصورة فالبيع مشروع للاسترباح مبني على الضيق والمماكسة
(6)
، والكتابة للإرفاق مبنية على التوسع ومن حيث المعنى الكتابة بعد تمامها بأداء البدل لا تحتمل الفسخ بخلاف البيع وفي الحال موجب العقد إثبات صفة المالكية يداً في المنافع والمكاسب فما مضى منه فايت لا يتحقق ردّه فعرفنا أنه ليس في معنى المنصوص من كل وجه فلو الحق به بالمشاركة في بعض الأوصاف كان قياساً والثابت بخلاف القياس لا يمكن إثباته بطريق المقايسة
(7)
يوضحه أنّ البيع لازم من الجانبين فكان المصير إلى التحالف فيه مفيدًا حتى إذا نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه وفي الكتابة هذا لا يتحقق فإنّ المكاتب لو نكل لا يلزمه شيء وكان له أن يعجز نفسه فإذا انعدم التحالف وجب اعتبار الدَّعْوَى والإنكار فيكون القول قوله مع يمينه لإنكاره الزيادة وإن أقاما البينة فالبينة بينة المولى لأنه يثبت الزيادة ببينته إلا أنّه إذا أدّى مقدار ما أقام البينة عليه يعتق لأنه أثبت الحرية لنفسه عند أداء هذا المقدار فوجب قبول بينته على ذلك بمنزلة ما لو كاتبه على ألف درهم على أنّه متى أدّى خمسمائة عتق وهذا لأنّه لا يبعد أن يكون عليه بدل الكتابة بعد عتقه كما لو أدّى الكتابة بمال مستحق يعتق وبدل الكتابة عليه بحاله.
(1)
(والمشتري يدعي وجوب تسليم المبيع بما نقد والبائع ينكره فكل واحد منهما منكر فيحلف) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 165).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (15/ 174).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 166).
(4)
في (أ)(العين).
(5)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (7/ 306).
(6)
المماكسة: مكس في البيع يمكس بالكسر مكسا. وماكس مماكسة ومكاسا. والمكس أيضا: الجباية. والماكس: العشار، والمكس: ما يأخذه العشار. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (3/ 117).
(7)
المقايسة: قست الشئ بغيره وعلى غيره، أقيسه قيسا وقياسا فانقاس، إذا قدرته على مثاله، قايست بين الامرين مقايسة وقياسا. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (3/ 105).
[اختلاف الزوجين في متاع البيت]
(فما يصلح للرجال فهو للرَّجل)
(1)
أي: مع اليمين وكذا في جانب المرأة كذا ذكره الإمام قَاضِي خَانْ
(2)
، والْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيّ
(3)
.
وقال الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيّ رحمه الله
(4)
: وما يصلح للنساء فالقول فيه للمرأة مع اليمين إلا إذا كان الرجل صايغا وله أساور وخواتيم النساء وحلي وخلخال وأمثال ذلك فحينئذ لا يكون مثل هذه الأشياء للمرأة وكذلك إذا كانت المرأة تبيع ثياب الرجال كالعِمامة والقوس والدرع والمنِطقِة.
(وما يَصلُح للنساء) كالدِرع والخِمَارِ وَالمِلْحَفَةِ.
(وما يَصلُح لهما) كالآنية والذهب والفضة والأمتعة والعقار
(5)
.
ثُمَّ اعلم أنّ هذه المسألة مسبّعة فإن فيها لسبعةٍ من العلماء أقاويل
(6)
أمّا أقوال علمائنا الثلاثة رحمهم الله
(7)
فكما ذكر في الكتاب
(8)
.
وقال ابن أبي ليلى رحمه الله
(9)
: ما يصلح للرجال والنساء فهو للزوج إن كان حياً ولورثته إن كان ميتًا.
وعلى قول ابن شِبْرِمَة: رحمه الله
(10)
المتاع كله للرجال إلا ما على المرأة من ثياب بدنها
(11)
.
وقال زُفَر رحمه الله المتاع كله نصفان
(12)
بينهما إذا لم يقم لواحد منهما بينة وهو قول مالك
(13)
رحمه الله واحد أقاويل الشَّافِعِيِّ رحمه الله
(14)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 166).
(2)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 132)، اللباب في شرح الكتاب (1/ 370).
(3)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 247).
(4)
يُنْظَر: لسان الحكام (1/ 238).
(5)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (2/ 308).
(6)
يُنْظَر: الحجة على أهل المدينة (4/ 48).
(7)
يُنْظَر: تبين الحقائق (4/ 312).
(8)
يُنْظَر: مختصر القدوري (1/ 218).
(9)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 313).
(10)
عبدالله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان بن المنذر بن ضرار الضبى، أبو شبرمة الكوفى القاضى (ت 144 هـ)، فقيه أهل الكوفة، من صغار التابعين، قال مسدد: حدثنا ابن داود قال سمعت سفيان يقول: فقهاؤنا ابن شبرمة قال علي قلت لسفيان: كان ابن شبرمة جالس الحسن قال: لا ولكن رآى ابن سيرين بواسط. يُنْظَر: رواة التهذيبين (3380)، التاريخ الكبير (5/ 117).
(11)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (5/ 386)، مجمع الأنهر (3/ 368).
(12)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (2/ 308).
(13)
الصواب أن قول مالك رحمه الله: أن ما كان للرجال عادة فهو له، وما كان للنساء فهو لها. يُنْظَر: البهجة في شرح التحفة (1/ 477)، الكافي في فقه أهل المدينة (2/ 928).
(14)
يُنْظَر: الأم (7/ 132)، الحاوي في فقه الشافعي (17/ 408).
وفي قول آخر المشكل بينهما نصفان
(1)
.
وعلى قول الحسن البصري رحمه الله
(2)
(3)
إذا كان البيت بيت المرأة فالمتاع كله لها إلا ما على الزوج من ثياب بدنه وإن كان البيت بيت الزوج فالمتاع له لأن يد صاحب اليد على ما في البيت أقوى وأظهر من يد غيره، ولأنّ المرأة ساكنة البيت، ألا ترَى أنها تسمى قعيدة
(4)
فإذا [كان البيت لها فالبيت مع ما فيه في يدها]
(5)
وعند دعوى مطلق الملك القول قول ذي اليد ومن يقول المتاع كله للزوج قال لأن المرأة في يد زوجها فما في بيتها/ يكون في يد الزوج أيضاً ألا ترَى أنه صاحب البيت وأن المنزل يضاف إليه ولهذا لو تنازع رجلان في امرأة وهي في بيت أحدهما وأقاما البينة كانت بينة صاحب اليد أولى فيكون هذا بمنزلة المؤاجر مع المستأجر إذا اختلفا في متاع الحانوت
(6)
وهناك القول قول المستأجر وليس للمؤاجر إلا ما عليه من ثياب بدنه فهذا مثله.
ومن يقول الكل بينهما نصفان يقول استويا في سبب الاستحقاق؛ لأنهما ساكنان في البيت والبيت مع ما فيه في يدهما ولا معتبر في الدَّعْوَى والخصومات بالشبه، ألا ترَى أن إسكافاً
(7)
، وعطاراً
(8)
لو تنازعا في آلات الأساكفة أو آلات العطارين وهي في أيديهما قضى بينهما نصفان
(9)
ولا ينظر إلى ما يصلح لكل واحد منهما
(10)
؛ وهذا لأن الإنسان قد يتخذ الشيء لاستعماله وقد يتخذ ليتجر فيه فكذا هنا ومن يقول أن المشكل بينهما يقول لكل واحد منهما فيما يصلح له نوع ترجيح من حيث الظاهر أنه هو الذي اتخذه لاستعماله فيترجح به كما لو تنازع صاحب الدار مع ساكنها في لوح موضوع في الدار ونقشه يشبه نقش الألواح التي في السقف وموضعه من السّقف ظاهر فإن القول قول صاحب الدار لأجل شهادة الظاهر له ولو لم يكن بهذه الصفة فالقول قول الساكن كسائر الأمتعة، فأمّا المشكل فلا ترجيح لواحد منهما فيعتبر فيه المساواة في سبب الاستحقاق ويكون بينهما نصفين كذا في المَبْسُوط
(11)
.
(1)
هذا القول قال به زفر رحمه الله. يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 312).
(2)
أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، وأبوه مولى زيد بن ثابت الإنصاري، وأمه خيرة مولاة أم سلمة زوج النبي رحمه الله، توفي سنة (110 هـ) جمع كل فن من علم وزهد وورع وعبادة كان من سادات التابعين. يُنْظَر: سير اعلام النبلاء (4/ 563)، وفيات الأعيان (2/ 69).
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 312).
(4)
قَعيدةُ الرجل وقِعادُهُ بالكسر امرأته، لانها تقاعده. يُنْظَر: مختار الصحاح؛ للرازي (1/ 560).
(5)
في (أ)(البيت لهما فالبيت مع مافيه في يدهما).
(6)
الحانوتُ: دُكَّانُ الخَمَّارِ. يُنْظَر: القاموس المحيط (1/ 193)
(7)
الإسكاف: صانع الخفاف، وقيل النجار، وقيل يطلق على كل صانع. يُنْظَر: لسان العرب (9/ 156).
(8)
العطار: بائع العطر. يُنْظَر: المعجم الوسيط (2/ 608).
(9)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 247).
(10)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية؛ للعيني (8/ 463).
(11)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (5/ 187).
فإن قلت: ما وجه الفرق لعلمائنا بين ما يختص لكل واحد من الزوجين وبين آلات الأساكفة وآلات العطارين حيث لو تنازع الإسكاف والعطار في تلك الآلات وهي في أيديهما تكون بينهما [نصفين]
(1)
ولم يقل ما يصلح للإسكاف فهو له وما يصلح للعطّار فهو له عملاً بالظاهر وقيل في متاع الزوجين ما يصلح للرجل فهو له وما يصلح للمرأة فهو لها عملاً بالظاهر
(2)
.
قلت: ذكر وجه الفرق بينهما في بَابِ الدَّعْوَى في النِّتاج من كتاب دعوى المَبْسُوط
(3)
في مسألة ثبوت النسب من العبدين فقال: [وفي متاع البيت]
(4)
إنما قلنا بما ذكرنا وهو أن ما يصلح للرجل فهو له وما يصلح للنساء فهو لها عندنا لترجيح بالاستعمال لا بالشبة يعني يجعل الرجل في حق المتاع المختص له كالعمامة هو المستعمل وفي حق المِلْحَفَةِ للمرأة هي المستعملة لا غير فلذلك قلنا كذلك
(5)
.
وأما في الأساكفة والعطارين فلم يشاهد استعمالهما وشاهدنا كون هذه الآلات في أيديهما على السّواء فلذلك جعلناها بينهما نصفين (بخلاف ما يختص بها) أي: يكون لمن يختص به (لأنه يعارضه ظاهر أقوى منه)
(6)
أي: لأن ظاهر يد الزوج يعارضة ظاهر آخر أقوى منه وهو يد الإختصاص والإستعمال فإن ما هو صالح للرجال فهو مستعمل للرجال وما هو صالح للنساء فهو مستعمل للنساء ولو وقع الاشتباه في مثل هذا يُرجح بالاستعمال حتى لو تنازع الرجلان في ثوب وأحدهما لابسه والآخر متعلق [بذيله]
(7)
يجعل القول قول المستعمل وهو اللابس بشهادة الاستعمال فهو للباقي منهما أيهما كان كذا في المَبْسُوط
(8)
وهذا الذي ذكرنا قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله واختصاص ذكر أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله هاهنا إنما يظهر في جوابه في المشكل [بعد [موت]
(9)
أحديهما
(10)
.
وأمّا ما ذكر من الجواب فيما يختص به كل واحد من الزوجين وهو له في حالة الحياة فبالإجماع
(11)
وما ذكر من الجواب في المشكل]
(12)
في حالة الحياة بأنه للزوج فهو قول أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد وقوله: (وقال أبو يُوسُف رحمه الله يدفع إلى المرأة ما يجهّز به مثلها)
(13)
وهذا الذي ذكره أبو يُوسُف رحمه الله في المشكل
(14)
وأمّا فيما يختصّ به كل واحد من الزوجين فقوله كقولها من غير اعتبار جهاز مثلها هكذا في المَبْسُوط
(15)
وشروح الجامع الصغير وفي لفظ الْكِتَابِ
(16)
نوع تخليط حيث لم يذكر قول أبي يُوسُف رحمه الله[هذا فيما ذكر قولهما في حق المشكل وكان من حقه أن يقول وما يصلح لهما كالآنية فهو للرجال.
(1)
[ساقط] من (ب).
(2)
يُنْظَر: نتائج الأفكار (8/ 248).
(3)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (5/ 187)
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية؛ للعيني (8/ 463).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 166).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (5/ 187).
(9)
[ساقط] من (ب).
(10)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 312).
(11)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (2/ 483 - 484).
(12)
[ساقط] من (ج).
(13)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 167).
(14)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 248).
(15)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (5/ 389).
(16)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي؛ للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد القُدُورِي (ت 428 هـ).
(وقال أبو يُوسُف رحمه الله]
(1)
يدفع إلى المرأة ما يجهز به مثلها) وقوله: (لما قلنا لأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله)
(2)
أي: في دليل أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وهو دليل أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد ثُمَّ لما كانت المرأة وما في يدها للزوج والورثة يقومون مقام المورث صار الحكم في حالة الموت بمنزلة الحكم في حالة الحياة وفي حالة الحياة كان ما يصلح لهما للزوج فيكون بعد موت أحدهما لمن يقوم مقام الزوج.
[وذكر في الفوائد
(3)
فمُحَمَّد رحمه الله يقول ورثة الزوج يقومون/ مقام الزوج]
(4)
؛ لأنّهم [خلفاه]
(5)
فيما له فكما أن في المشكل القول قوله في حياته فكذلك بعد مماته كان القول قول ورثته وأبو حَنِيفَةَ رحمه الله يقول يد الباقي منهما إلى المتاع أسبق
(6)
؛ لأن الوارث إنما يثبت يده بعد موت المورث وكما يقع الترجيح فيما نحن فيه بقوة اليد نظراً إلى صلاحية الاستعمال وكذا يقع الترجيح بسبق اليد؛ ولأنّ يد الباقي منهما يد نفسه ويد الوارث خلف عن يد المورث فلهذا النوع من الترجيح كان المشكل للباقي منهما وللحي بعد الممات سواء كان الحي حراً أو مملوكًا [هلك]
(7)
أو وقع في عامة نسخ شروح الجامع الصغير من شرح صدر الإسلام [وقَاضِي خَانْ وغيرهما رحمهم الله
(8)
، ولكن ذكر العلمان في التحقيق شمس الأئمة والإمام فخر الإسلام]
(9)
وللحر بعد الممات وذكر شمس الأئمة رحمه الله في شرح الجامع [الصغير]
(10)
(11)
في رجل وامراته يختلفان في متاع البيت
(12)
، وأحدهما مملوك أنّ المتاع للحر منهما وكذلك إن مات أحدهما كان المتاع للحر منهما، ثُمَّ قال وقع في بعض النسخ للحي منهما وهو سهو وقالا العبد المأذون له في التجارة والمكاتب بمنزلة الحر
(13)
.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 167).
(3)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (1/ 370).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
في (ب) و (ج)(خلفاؤه).
(6)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (5/ 388).
(7)
في (ب) و (ج)(هكذا).
(8)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 312).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
[ساقط] من (أ).
(11)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(12)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (2/ 484).
(13)
يُنْظَر: الجامع الصغير مع شرحه النافع الكبير (1/ 239).
وأمّا في المحجور فجوابهما كجواب أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله في مطلق المملوك، لأنه لا يد للمحجور ألا ترَى أن الحر مع المحجور إذا اختصما في شيء في أيديهما يقضي به للحر لأنه لايد للمحجور وكذا ذكره الإمام قَاضِي خَانْ رحمه الله؛ لأن لهما يدًا معتبرة في الخصومات ولهذا لو اختصم الحر والمكاتب في شيء وهو في أيديهما يقضي بينهما لاستوائهما في اليد [ولو كان في يد ثالث وأقاما البينة استويا فيه فكما لا يترجح الحر]
(1)
بالحرية في ساير الخصومات فكذلك [في الخصومة]
(2)
في متاع البيت وأبو حَنِيفَةَ رحمه الله
(3)
يقول يد المملوك لا تكون مساوية ليد الحر، فإنّ يد الحر يد نفسه من كل وجه ويد المملوك من وجه لغيره وهو المولى ويد الحر يد ملك حقيقة ويد المملوك ليست بيد ملك وعند الاختلاف في متاع البيت يحصل الترجيح بقوة اليد، ألا ترَى أنهما لو كانا حرين فما يصلح للرجال فهو للرجل لقوة يده فيه وما يصلح للنساء فهو للمرأة لقوة يدها، فكذلك يترجح الحر منهما في حالة الحياة وبعد موت أحدهما باعتبار قوة اليد فأما في سائر الخصومات الاستحقاق بأصل اليد، ولا يقع الترجيح بقوة اليد حتى لو تنازع إسكاف وعطار في أداة الأساكفة والعطارين وهي في أيديهما استويا فيه يوضحه أن يد كل واحد منهما على المتاع في البيت باعتبار سكناه فيه والحر في السكنى أصل.
وأمّا المملوك فليس بأصل في السكنى فعند المنازعة لا يكون سكنى المملوك معارضة لسكنى الحر وفي سائر الدعاوى اليد لكل واحد منهما باعتبار معنى يستوي فيه الحر والمملوك يعني به التجارة بالإذن كذا في الجامع الصغير لشمس الأئمة السَّرَخْسِيِّ رحمه الله هذا على تقدير أن الرواية وللحر بعد الممات
(4)
.
وأمّا على تقدير وللحي بعد الممات فما ذكره في الْكِتَابِ
(5)
وذكر الإمام قَاضِي خَانْ
(6)
ولو وقع الاختلاف بعد موت أحدهما في هذا الفصل فالقول قول الحي منهما حراً كان أو مملوكًا أمّا إذا كان حراً فلأنهما لو كانا حيين كان للحرّ فهنا أولى
(7)
.
وأمّا إذا كان الحي هو المملوك؛ فلأنه لا يد للميت حتى تعتبر يد المملوك عند المقابلة. والله أعلم بالصواب.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
[ساقط] من (ب).
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 313).
(4)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (7/ 193).
(5)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 218).
(6)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 313).
(7)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (2/ 485).
فصل فيمن لا يكون خصمًا
لما ذكر أحكام من يكون خصمًا ذكر في هذا الفصل أحكام من لا يكون خصمًا لمناسبة المضادة بينهما وقدم الأول لما أنّه ينبئ عن الوجود والموجود شيء والشيء خير من لا شيء أو لأنّ الأوّل ينبئ عن صحة الخصومة لأنّ الرجل إنما يكون خصمًا لغيره شرعًا إذا صحّت خصومته بصحة دعواه والثاني عن فسادها والأصل هوالصحة فكان تقديم الأصل أولى، (وإن قال الْمُدَّعَى عليه هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب) إلى آخره
(1)
وكذلك لو قال الْمُدَّعَى عليه أنّه عارية عندي أو ما أشبه ذلك كذا في الذَّخِيرَةِ
(2)
.
[قول المدعى عليه لمدعي الملك: أَودَعَنِيه فلانٌ الغائب]
وقال في المَبْسُوط
(3)
: ولو ادّعى عينًا في يد رجل أنّها له وقال الذي في يديه أودعنيها فلان أو أعارنيها أو وكَّلني بحفظها لم يخرج من خصومة المدّعي إلا أن يقيم البينة على ما قال عندنا
(4)
.
وقال ابن أبي ليلى رحمه الله
(5)
: يخرج من خصومته بمجرد قوله من غير بينة.
وقال ابن شبرمة
(6)
رحمه الله: لا يخرج من خصومته وإن أقام البينة على ما قال أمّا ابن أبي ليلى رحمه الله فقال كلام ذي اليد إقرار منه بالملك للغائب والإقرار يوجب الحق/ بنفسه لقوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)}
(7)
؛ ولأنه لا تهمة فيما يقرّ به على نفسه فيثبت ما أقرّ به بنفس إقراره ويتبين أن يده يد حفظ لا يد خصومة والدليل [على]
(8)
صحة هذه القاعدة أن من أقر بعين لغائب ثُمَّ أقرّ بها لحاضر فرجع الغائب وصدقه يؤمر بالتسليم إليه وكذلك الصحيح [أي: الرجل الصحيح]
(9)
إذا أقرّ لغيره بشيء ثُمَّ مرض وصدّقه المقر له كان إقراره إقرار الصحة.
وأمّا ابن شبرمة رحمه الله فقال: إن بهذه البينة يثبت الملك [للغائب وهو ليس بخصم في إثبات الملك له
(10)
(11)
؛ لأنه لا ولاية لأحد على غيره في إدخال شيء في ملكه بغير رضاه ثُمَّ خروجه من الخصومة في ضمن إثبات الملك لغيره، وإذا لم يثبت ما هو الأصل لا يثبت ما في ضمنه
(12)
كالوصية بالمحاباة إذا ثبتت في ضمن البيع فببطلان البيع تبطل الوصية ولنا أن هذه البينة تثبت أمرين:
(1)
(أو رهنه عندي أو غصبته منه وأقام بينته على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 167).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (7/ 317).
(3)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 66).
(4)
يُنْظَر: البحر الرائق (8/ 500).
(5)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 313).
(6)
يُنْظَر: شرح كتاب أدب القاضي (3/ 270).
(7)
سورة القيامة من الآية: (14).
(8)
[ساقط] من (أ).
(9)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(10)
يُنْظَر: شرح كتاب أدب القاضي (3/ 270).
(11)
[ساقط] من (ج).
(12)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 367).
أحدهما: الملك للغائب والحاضر ليس بخصم فيه
(1)
.
والثاني: دفع خصومة المدّعي عنه وهو خصم في ذلك فكانت مقبولة فيما وجدت خصمًا فيه كمن وكَّل وكيلاً بنقل امرأته أو أمته فأقامت البينة أن الزوج طلقها ثلاثا أو أنّ المولى أعتقها تقبل هذه البينة لقصر يد الوكيل عنها، ولا تقبل في وقوع الطلاق والعتاق ما لم يحضر الغائب؛ وهذا لأنّ مقصود ذي اليد ليس هو إثبات الملك للغائب إنما مقصوده إثبات أن يده يد حفظ وليست بيد خصومة، وفي هذا المدّعي خصم له فيجعل إثباته بالبيّنة عليه بمنزلة إقرار خصمه، وهذا بخلاف ما إذا ادّعى المدعي غصباً على ذي اليد حيث لا تندفع الخصومة عنه بهذه البينة
(2)
؛ لأنّه هناك إنما صار ذو اليد خصمًا بدعوى الفعل عليه فأمّا في الملك المطلق فإنما صار [خصمًا]
(3)
بيده ألا ترَى أن دعوى الغصب مسموعة على ذي اليد ودعوى الملك غير مسموعة فإذا ثبت أن يده يد غيره التحق في الحكم بما ليس في يده.
فلهذا قلنا: بمجرد قوله قبل إقامة البينة لا تندفع الخصومة عنه؛ لأنّ المدعي استحق عليه الجواب فصار هو خصمًا له بظهور الشيء في يده فلا يملك إسقاطه بمجرّد قوله وهو لا يثبت إقراره بالبيّنة، كما زعم هو إنما يثبت بالبينة [إسقاط]
(4)
حق مستحق عليه عن نفسه وهو جواب الخصم.
وعن أبي يُوسُف
(5)
رحمه الله إن كان ذو اليد رجلاً معروفاً بالحِيَلِ لا تندفع الخصومة عنه بإقامة البينة وإن كان صالحًا تندفع الخصومة رجع إلى هذا حين ابتُلي بالقضاء وعرف أحوال النّاس فقد يحتال المحتال فيدفع ماله سراً إلى من يريد السّفر ويأمره أن يودعه علانية حتّى إذا ادّعاه إنسان يقيم البينة على أنّه مودع فيدفع الخصومة عن نفسه، ومقصوده من ذلك الإضرار بالمدعي ليتعذّر عليه إثبات حقه بالبينة فلا تندفع عنه الخصومة إذا كان متهمًا بمثل هذه الحيلة كذا في دعوى المَبْسُوط
(6)
.
فإن قلت: ما الفرق بين ما إذا كان العين قائما في هذه المسألة وبين ما إذا كان هالكاً حيث لا تندفع الخصومة فيما إذا كان هالكاً عن ذي اليد، وأن إقامة ذو اليد البينة على أنه كان وديعة عنده من فلان الغائب.
(1)
يُنْظَر: الكافي شرح الوافي (2/ 618).
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 313 - 314)
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
في (ج)(إثبات).
(5)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 44)، اللباب في شرح الكتاب (1/ 367).
(6)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 69).
قلت: الفرق بينهما هو أن العين إذا كان قائما فالدَّعْوَى تقع في العين والْمُدَّعَى عليه إنما ينتصب خصمًا له في العين بظاهر يده فإنّ ظاهر اليد يدل على الملك إلا أنّه يحتمل أنّه ليس يد ملك وبإقامة البينة أنّ العين وديعة عنده يظهر أن يده ليست يد ملك فتندفع عنه الخصومة، أمّا إذا كان العين هالكاً فالدَّعْوَى تقع في الدين ومحل الدين الذمة والْمُدَّعَى عليه [ينتصب]
(1)
خصمًا للمدعي بذمته وبما أقام الْمُدَّعَى عليه من البينة أنّ العين كان في يده وديعة لا يتبين أنّ ذمته لغيره فلا تتحوّل الخصومة عنه ألا ترَى أنّ القاضي يقضي بالقيمة على مودع الغاصب وإن كان يده في العين يد غيره.
فإن قيل كان ينبغي أن لا يقضي بقيمة العبد هناك؛ لأنه لا يمكن القضاء بقيمة العبد للمدّعي إلا بعد القضاء له بملك العبد لأنه لا يجوز أن تكون قيمة العبد لإنسان ويكون الملك في العبد لغيره وقد تعذّر القضاء هاهنا للمدّعي بملك العبد على ذي اليد؛ لأنّ ذا اليد أثبت أن يده في العبد ليست يد ملك وأنّ الملك في [العبد]
(2)
للغائب.
قلنا: ليس من ضرورة القضاء بقيمة العبد للمدّعي القضاء بملك العبد للمدّعي إذ يجوز [أن يكون]
(3)
العبد لإنسان وبدله لغيره ألا ترَى أي: إلى ما قال أصحابنا
(4)
رحمهم الله في/ رجل قال لغيره بعت منك هذا العبد الذي في يديك بألف درهم ولي عليك ألف درهم فقال ذلك الرجل: ما بعته مني ولا اشتريته أنا وأنا بريء مما تقول لا علم لي به قط فأقام المدعي البينة على ذلك وجب على المنكر ثمن العبد ولم يكن العبد ملكًا له.
فإن قلت: ما الفرق بين دعوى الملك المطلق وبين دعوى الفعل
(5)
حيث يكون صاحب اليد خصمًا للمدعي في دعوى الفعل [حتى أنّ مدعيًا لو ادّعى على ذي اليد الفعل]
(6)
بأن قال: هذا العين ملكي غصبته مني أو قال آجرته منك أو رهنته وقال ذو اليد أنه لفلان الغائب أودعه عندي وأقام بينة على ذلك لا تندفع الخصومة عن ذي اليد.
قلت: أنّ في دعوى الملك المطلق صاحب اليد انتصب خصمًا بيده؛ لأن دعوى الملك المرسل لا تصح إلا على ذي اليد فإنه لو ادّعى داراً في يد رجل وليس في يده دار لا تصح دعواه فعلم أن في دعوى الملك المطلق صاحب اليد إنما انتصب خصمًا بحكم يده ويده مترددة بين أن يكون له فيكون خصمًا وبين أن يكون لغيره فلا يكون خصمًا وبما أقام من البينة أثبت أن يده يد غيره، وإنما ليست بيد خصومة إنما هي يد حفظ أمّا في دعوى الفعل صاحب اليد إنما ينتصب خصمًا بدعوى الفعل عليه وهو الغصب لا بحكم اليد، ألا ترَى أن دعوى الغصب كما تصح على ذي اليد تصح على غير ذي اليد حتّى أن من ادّعى على آخر أنّه غصب عبده وليس في يده عبد صحّت دعوته وتلزمه القيمة لما أن فعله لا يتردد بين أن يكون له وبين أن يكون لغيره حتى يقال بهذه البينة يتبين أن فعل صاحب اليد فعل غيره بل فعله مقصور عليه فلذلك لا تندفع الخصومة عنه في دعوى الفعل ثُمَّ يبنى على هذا الأصل ما إذا كان العبد في يدي رجل جاء رجل وأقام بينة أنه [عبده]
(7)
اشتراه من ذي اليد بألف درهم ونقده الثمن وأقام صاحب اليد بينة أنه وديعة عنده من فلان لا تندفع الخصومة [عن ذي اليد؛ لأنّ ذا اليد انتصب خصمًا للمدّعي بدعوى الغصب عليه لأنّ هذه المسألة موضوعة فيما إذا ادّعى المدعي شراه ونقد الثمن، ولم يذكر قبض المبيع فكان المدّعي يدّعي عليه فعلاً وهو وجوب تسليم المبيع [إلى]
(8)
المشتري فيبقى دعوى الفعل معتبراً، وذو اليد متى انتصب خصمًا بدعوى الفعل عليه لم تندفع الخصومة]
(9)
عنه بإقامة البينة على الإيداع من الغائب؛ لأنّ المدّعي يدّعي عليه وجوب التسليم وهو فعل في ذمته والأفعال الواجبة في ذمة الإنسان لا يتصوّر تحويلها إلى غيره فلا يقدر على تحويل هذه الخصومة إلى غيره.
(1)
في (ج)(يثبت).
(2)
في (ج)(اليد).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 285).
(5)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 367).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
(أما) في (أ).
(9)
[ساقط] من (ج).
فأمّا إذا ادّعى الشراء والقبض منه وشهد الشهود بذلك والمسألة بحالها فقد اختلف المشايخ فيها بعضهم قالوا تندفع الخصومة عن ذي اليد
(1)
، وبعضهم قالوا لا تندفع هذا كله مذكور في الفصل الثاني والعشرين من [دعوى]
(2)
الذَّخِيرَةِ
(3)
.
(كما بيناه من قبل)
(4)
أي: في بَابِ الْوَكَالَة بالخصومة من كتاب الْوَكَالَة (كما قاله ابن أبي ليلى (رحمه الله
(5)
(6)
فإنه يقول تندفع الخصومة عن ذي اليد بدون إقامة البينة على ما قال وقد ذكرنا (كما إذا ادَّعى تَحَوُّلَ الدين)
(7)
أي: الحوالة أي: فصار كما إذا أقام البينة أنّه أحال بالدين على آخر
(8)
[كما]
(9)
في شرح الأقطع
(10)
فالجواب (كما قلناه) أي: تندفع الخصومة بإقامة البينة (لأن المحتال من الناس قد يدفع ماله إلى مسافر) أي: ماله باعتبار ظاهر اليد ولكن هو في الحقيقة مال الغير لأنّه إذا كان ماله حقيقة لا يحتاج هو إلى مثل هذه الحيلة.
وذكر في الذَّخِيرَةِ
(11)
في هذا الموضع؛ لأن مثل هذا الافتعال يوجد فيما بين الناس فالإنسان يأخذ مال غيره غصباً ثُمَّ يدفعه سراً إلى من يريد أن يغيب عن البلدة حتى يودعه علانية بشهادة الشهود حتى إذا جاء المالك وأراد أن يثبت ماله، فالْمُدَّعَى عليه يقيم بينة على الإيداع من الغائب ويدفع خصومة المالك بذلك والقاضي نصب ناظراً للمسلمين فينبغي أن ينظر في حق المدّعي وذلك بأن لا يلتفت إلى بيّنة الْمُدَّعَى عليه إن عرفه بالافتعال والتزوير.
(ولو قال الشهود أودعه رجل لا نعرفه) إلى آخره
(12)
.
(1)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 45).
(2)
[ساقط] من (أ).
(3)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (7/ 528).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 167).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (8/ 521).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 167).
(7)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 167).
(8)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (367/ 6)، الكافي شرح الوافي (620/ 2).
(9)
في (ب)(كذا).
(10)
يُنْظَر: شرح كتاب ادب القاضي (270/ 3)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (313/ 4).
(11)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 274).
(12)
(لا تندفع عنه الخصومة لاحتمال أن يكون المودع هو هذا المدعي ولأنه ما أحاله إلى معين يمكن المدعي اتباعه فلو اندفعت لتضرر به المدعي) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 167).
وإذا وجب قبول البينة فلا يخلوا إما أن يدّعي أنه أودعه رجل معروف بنسبه ويقيم البينة بذلك أو يدّعي أنه أودعه رجل مجهول ويقيم البينة به أو يقيم البينة أنّه أودعه رجل يعرفون وجهه ولا يعرفون نسبه أما في الفصل الأول فالشهادة مقبولة؛ لأنهم أحالوا/ الخصومة إلى معروف يصح طلبه ولا يُشكل أنّه غير المدّعي وفي الفصل الثاني لا يقبل بالإجماع وفي الفصل الثالث يقبل عند أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف
(1)
ولا يقبل عند مُحَمَّد
(2)
رحمه الله وحاصله أن مُحَمَّدا اعتبر في هذه المسائل جهة الحوالة إلى معروف لا يتعطّل به حق المدّعي واعتبر أبو حَنِيفَةَ وأبو يُوسُف جهة الدفع لا غيركذا ذكره فخر الإسلام رحمه الله[في الجامع]
(3)
(4)
.
وقوله: (أودعه رجل لا نعرفه) أي: أصلاً لا باسمه ولا بنسبه ولا بوجهه وفي المسألة الأولى: يعرفونه بوجهه واسمه ونسبه (فكذلك الجواب عند مُحَمَّد (رحمه الله أي: لا تندفع الخصومة عنه (للوجه الثاني) وهو قوله: (ولأَنَّه ما أحاله إلى معيّن)
(5)
.
وفي المَبْسُوط
(6)
وجه قول مُحَمَّد رحمه الله أنّه أحاله على مجهول لا يمكنه اتباعه ليخاصمه فصار هذا بمنزلة قوله: أودعه رجل لا نعرفه وهذا لأنّ المعرفة بالوجه لا تكون معرفة على ما روي أن رسول الله عليه السلام قال لِرَجُلٍ: «أَتَعْرِفُ فُلَانًا» قال: نعم، فقال:«هل تَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ» فقال: لا قال: «إذًا لَا تَعْرِفُهُ»
(7)
ومن حلف لا يعرف فلاناً وهو يعرف وجهه ولم يعرف اسمه و [لا]
(8)
نسبه لا يحنث وأبو حَنِيفَةَ رحمه الله
(9)
قال قد أثبت [ببينته]
(10)
أنه ليس بخصم لهذا المدّعي فإنا نعلم أن مودعه ليس هو المدّعي؛ لأنّ الشهود يعرفون [المودع]
(11)
بوجهه ويقولون أنّه غير هذا المدّعي ومقصود ذي اليد إثبات أن يده يد حفظ وأنّه ليس بخصم لهذا الحاضر وهذه البينة كافية لهذا المقصود، ثُمَّ إن تضرّر المدّعِي بأن لا يقدر على اتباع خصمه فذلك الضرر يلحقة من قبل نفسه حيث نسي خصمه لا من جهة ذي اليد ونحن نسلم أنّ المعرفة بالوجه لا تكون معرفة تامة فإن كان الغائب لا يمكن استحضاره به ولكن ليس على ذي اليد تعريف خصم المدّعي إنّما عليه أن يثبت أنّه ليس بخصم وهذا كله بناء على أصلنا أنّ القضاء على الغائب بالبينة لا يجوز
(12)
فلابدّ من خصم حاضر للمدّعي ليقيم عليه البينة فأمّا عند الشَّافِعِيِّ
(13)
رحمه الله فالقضاء على الغائب بالبيّنة جائز وقد ذكرناه في كتاب القاضي إلى القاضي بخلاف الفصل الأول وهو ما إذا (قال الشهود أودعه رجل لا نعرفه) بوجهه (فلم تكن يده يد خصومة) أي: في هذا الفصل لم تكن يد المودع يد خصومة فيما إذا قال الشهود: (نعرفه بوجهه) والمدّعي هو الذي أضرّ بنفسه جواب عن قول مُحَمَّد رحمه الله وهو قوله: (فلو اندفعت لتضرّر به المدّعي)
(14)
(أو أضرّه شهوده) أي: شهود الْمُدَّعَى عليه وهو ذو اليد [ومن اشترى شيئاً فوجد في يد غيره وقبل أن ينقد الثمن لايكون له أن يأخذ من صاحب اليد إلا أن يدعي الْوَكَالَة بالقبض من البائع قَاضِي خَانْ رحمه الله]
(15)
(وقد ذكرنا الأقوال الخمسة)
(16)
أي: في هذا الفصل وترتيبه ذكر أولاً: قول ابن شبرمة ثُمَّ قول ابن أبي ليلى ثُمَّ قول أبي يُوسُف ثُمَّ قول مُحَمَّد ثُمَّ قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله.
(1)
يُنْظَر: الكافي شرح الوافي (2/ 622 - 623).
(2)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية؛ للبابرتي (8/ 253).
(3)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(4)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 126).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 167).
(6)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 69).
(7)
لم أقف على هذا الحديث في شيء من دواوين السنة، ووجدت أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وله أكثر من طريق، وقد خرَّج الشيخ الألباني رحمه الله طريقاً لهذا الأثر ومالَ إلى تصحيحه؛ وكذلك صححه ابن السكن، بينما ضعف الأثرَ العقيليُّ في الضعفاء رقم (1659):
قال العجلوني: قال عمر للذي كان يعرِّف عنده بعض الشهود: هل صحبته في السفر الذي يستدل له على مكارم الأخلاق فقال: لا قال ما أراك تعرفه انتهى.
ثم قال النجم أيضاً: ولأثر عمر تتمة؛ فعند أبي القاسم البغوي بإسناد حسن والخطيب في الكفاية وغيرهم عن خرشة بن أبحر قال شهد عند عمر بن الخطاب رجل شهادة؛ فقال له: لست أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك فأت بمن يعرفك. فقال رجلٌ من القوم: أنا أعرفه. فقال بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل. قال: فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قال: لا. قال: فمعاملك في الدينار والدرهم اللذين يستدل بهما على الورع؟ قال: لا. قال: فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا.
قال: لست تعرفه. ثم قال للرجل: ائت بمن يعرفك.
ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت بلفظ: أن عمر رأى رجلا يثني على رجل فقال: أسافرت معه؟ قال: لا. قال أخالطته قال: لا. قال: والله الذي لا إله إلا هو ما تعرفه. يُنْظَر: إرواء الغليل (8/ 260)، كشف الخفاء (1/ 549 - 550)، الضعفاء الكبير، للعقيلي (7/ 213).
(8)
[ساقط] من (ب).
(9)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 126)
(10)
[ساقط] من (ج).
(11)
في (أ)(المدّعي).
(12)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 39).
(13)
يُنْظَر: إعانة الطالبين (4/ 242)، الحاوي في فقه الشافعي (16/ 303).
(14)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 167).
(15)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(16)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 168).
(وإن قال ابتعته من الغائب) أي: وإن قال ذو اليد وهو الْمُدَّعَى عليه: اشتريت هذا العين من الغائب (إلا أنّه لم يعيِّنْه دَرْءًا للحدِّ شفقةً عليه)
(1)
ووصولاً إلى حقه؛ وذلك لأنّ المدّعي لما لم يسمِّ السّارق كان بمنزلة تعيين صاحب اليد للسّرقة ولو عيّنه كذلك أنه لا تندفع الخصومة عن ذي اليد وإن اقام ذو اليد البينة على ما ادّعى فهاهنا كذلك؛ وذلك لأنّا إذا جعلناه سارقاً لا تندفع الخصومة عنه ويقضي القاضي بالعين للمدّعي ويسلّم العين إليه فإذا ظهر السّارق بعد ذلك بيقين لا تقطع يده؛ لأنّه إنّما ظهرت سرقته بعد وصول المسروق إلى المالك ولو لم نجعله سارقاً تندفع الخصومة عنه ولا يقضي بالعين للمدّعي فمتى ظهر السّارق بعد ذلك بيقين تقطع يده؛ لأنّه ظهرت سرقته قبل أن تصل العين إلى المالك فكان في جعله سارقاً احتيال لدرء الحدّ إذا لم يتعلّق به عقوبة سوى الضمان، أمّا في السّرقة بخلافه إلى هذا أشار في الذَّخِيرَةِ
(2)
والله أعلم.
(1)
(وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو استحسانٌ، وقال الاسبيجابي: والصحيحُ الاستحسان، وعليه اعتمد الأئمَّة والمصحِّحون). يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب؛ للغنيمي (5/ 84).
(2)
(وهذه المسألة مخمسة كتاب الدعوى وقد ذكرنا الأقوال الخمسة وإن قال ابتعته من الغائب فهو خصم لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما وإن قال المدعي غصبته مني أو سرقته مني لا تندفع الخصومة وإن أقام ذو اليد البينة على الوديعة لأنه إنما صار خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده بخلاف دعوى الملك المطلق لأنه خصم فيه باعتبار يده حتى لا يصح دعواه على غير ذي اليد ويصح دعوى الفعل وإن قال المدعي سرق مني وقال صاحب اليد أودعنيه فلان وأقام البينة لم تندفع الخصومة وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو استحسان وقال محمد تندفع لأنه لم يدع الفعل عليه فصار كما إذا قال غصب مني على مالم يسم فاعله ولهما أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل لا محالة والظاهر أنه هو الذي في يده إلا أنه لم يعينه درءا للحد شفقة عليه وإقامة لحسبة الستر فصال كما إذا قال سرقت بخلاف الغصب لأنه لا حد فيه فلا يحترز عن كشفه وإن قال المدعي ابتعته من فلان وقال صاحب اليد أودعنيه فلان ذلك أسقطت الخصومة بغير بينة لأنهما توافقا على أن أصل الملك فيه لغيره فيكون وصولها إلى يد ذي اليد من جهته فلم تكن يده خصومة إلا أن يقيم البينة أن فلانا وكله بقبضه لأنه أثبت ببينته كونه أحق بإمساكها) يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 321) الهداية شرح البداية (3/ 168).
باب [ما يدعيه الرجلان]
(1)
لما ذكر حكم الواحد من المدعين ذكر في هذا الباب حكم الاثنين منهم يقال تهاترت [الشهادات]
(2)
أي: تساقطت وبطلت مأخوذ من الهِتر بكسر الهاء وهو السقط من الكلام والخطأ فيه كذا في المُغْرِب
(3)
.
[مايدَّعيه الرجلان معاً]
(وإذا ادّعى اثنان عينًا في يد آخر، كلُّ واحد منهما يزعم أنّه له)
(4)
/ وإنّما وضع المسألة في دعوى ملك العين؛ لأنّهما لو تنازعا في نكاح امرأة (وأقاما) كل واحد منهما (البيِّنة) أنّها امرأته (لم يقض) القاضي (بواحدةٍ)
(5)
منهما بالاتفاق
(6)
.
وفي دعوى الخارجين؛ لأنّ الدَّعْوَى لو كانت بين الخارج وصاحب اليد وأقاما بينة فبيّنة الخارج أولى عندنا
(7)
.
وفي أحد قولي الشافعي
(8)
رحمه الله تهاترت البينتان ويكون المُدَّعَى لذي اليد تركا في يده وهو قضاء ترك لا قضاء ملك وفي القول الآخر يرجح بينة ذي اليد فيقضى به لذي اليد قضاء ملك وفي الملك المطلق لا في الملك المقيّد بالسّبب المعيّن أو بالتاريخ لأن الخارجين إذا ادّعيا الملك بسبب الشراء من جهة واحدة وأرّخ أحدهما فإنّه يقضي به للمؤرّخ
(9)
وكذلك إذا ادّعى كل واحد من الخارجين أنّه اشتراها من صاحب اليد وأرّخا وتاريخ أحدهما أسبق يقضي لصاحب التاريخ الأسبق ولو ادّعى الخارجان الشراء من اثنين والدار في يد ثالث وأرّخا وتاريخ أحدهما أسبق يقضي لأسبقهما تاريخًا عند أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف
(10)
آخِرا وقال مُحَمَّد رحمه الله
(11)
يقضي به بينهما ولو ادّعيا ملكا مطلقاً بأن ادّعيا عينًا في يدي رجل ملكًا مطلقاً وأرّخا وكان تاريخ أحدهما أسبق يقضي لأسبقهما تاريخًا على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وهو قول أبي يُوسُف رحمه الله آخِراً وعلى قول مُحَمَّد رحمه الله آخِراً يقضي بينهما ولا يكون للتاريخ عبرة إلى هذا أشار في الفصول.
(1)
في (ج)(دعوى الرجلين).
(2)
في (أ)(الشهادة).
(3)
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (2/ 377).
(4)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 168).
(5)
(بواحدةٍ من البيِّنتين). يُنْظَر: المرجع السابق.
(6)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب؛ للغنيمي (5/ 71)، مختصر القُدُورِي (1/ 215).
(7)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 73).
(8)
يُنْظَر: روضة الطالبين (ص 2015)، أسنى المطالب (2/ 114).
(9)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (8/ 18).
(10)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 761).
(11)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 241).
ثُمَّ الخارجان إذا ادّعيا ملكًا مطلقاً وأقاما البينة على ذلك يقضي بالملك بينهما نصفين عندنا
(1)
.
وعلى قول مالك
(2)
رحمه الله يقضي بأعدل البينتين وعند الأوْزَاعِيِّ
(3)
رحمه الله يُقضي لأكثرهما عددًا في الشهود
(4)
وعند الشَّافِعِيِّ رحمه الله
(5)
كما ذكر في الْكِتَابِ
(6)
فمالك
(7)
رحمه الله يقول: الشهادة إنما تصير حجة بالعدالة والأعدل في كونه حجة أقوى والضعيف لا يزاحم [القوي]
(8)
والأوزاعي
(9)
رحمه الله يقول طمأنينة القلب إلى الجماعة أكثر منها إلى قول المثنى فيترجّح أكثرهما شهودًا بزيادة طمأنينة القلب في قولهم والشافعي رحمه الله
(10)
على القول الذي يقول بالتهاتر يقول: قد تيقن القاضي بكذب أحد الفريقين ولا يعرف الصادق من الكاذب فيمتنع [من]
(11)
العمل بهما كما لو شهد شاهدان أنّه طلق امرأته يوم النحر بمكة وآخران أنّه أعتق عبده بالكوفة في ذلك اليوم وهذا لأنّ تهمة الكذب تمنع العمل بالشهادة فالتيقّن أولى واستدلّ بملك النكاح لو تنازعا اثنان في امرأة وأقام كلّ واحد منهما البينة أنها امرأته لم يقض القاضي لواحد منهما وعلى القول الذي يقول بالقرعة
(12)
استدلّ بحديث سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنّ رجلين تنازعا في أمةٍ بين يدي رسول الله عليه السلام وأقام كل واحد منهما البينة أنّها أمته فأقرع رسول الله عليه السلام بينهما فقال: «اللهم أنت تقضي بين عبادك بالحق»
(13)
ثُمَّ قضى بها لمن خرجت قرعته.
(1)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 234).
(2)
يُنْظَر: المدونة (13/ 37)، الكافي في فقه أهل المدينة (2/ 927).
(3)
عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الاوزاعي، إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، وأحد الكتاب المترسلين. ولد في بعلبك، ونشأ في البقاع، وسكن بيروت وتوفي بها (ت 157 هـ) له كتاب (السنن) في الفقه، و (المسائل) ويقدر ما سئل عنه بسبعين ألف مسألة أجاب عليها كلها. يُنْظَر: الأعلام للزركلي (3/ 320).
(4)
يُنْظَر: المغني (14/ 288).
(5)
(اختلف أصحابنا على وجهين: فمنهم من قال: لا حكم لإقراره، ومنهم من قال: تترجح بينة المقر له).
يُنْظَر: نهاية المطلب في دراية المذهب؛ للجويني (19/ 167).
(6)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 218).
(7)
يُنْظَر: الذخيرة؛ للقرافي (10/ 235).
(8)
(الأقوى) في (ب) و (ج).
(9)
عند الحنابلة في هذه المسألة روايتان: الأولى: وهي المذهب وعليه جماهير الأصحاب تسقط البينتان، ويقترع المدعيان على اليمين، كما لو لم تكن بينة والرواية الثانية: تستعمل البينتين، وفي كيفية استعمالهما روايتان، إحداهما: تقسم العين بينهما، والثانية: تقدم إحداهما بالقرعة. يُنْظَر: المغني (14/ 294)، الإنصاف (29/ 175 - 176).
(10)
يُنْظَر: الوسيط (7/ 432).
(11)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(12)
القرعة والاقتراع: الاختيار. يقال: اقترع فلان، أي اختير. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (3/ 399).
(13)
أخرجه أبو داود في المراسيل، باب ما جاء في الشهادات، رقم (388)، (444 - 445)، والبيهقي في الكبرى، كتاب الدعاوى والبينات، باب المتداعيين يتداعيان ما لم يكن في يد واحد منهما ويقيم كل واحد منهما بينة بدعواه، برقم (21769)، (10/ 259)، عن ابن المسيب مرسلاً، وقال الألباني: إسناده مرسل صحيح، يُنْظَر: الإرواء (8/ 278)، ورواة الطبراني في الأوسط، باب من اسمه علي، برقم (3985)، (4/ 204)، والبيهقي في الكبرى، كتاب الدعاوى والبينات، باب المتداعيين يتداعيان ما لم يكن في يد واحد منهما ويقيم كل واحد منهما بينة بدعواه، برقم (21772)، (10/ 259)، مرفوعًا عن أبي هريرة، قال ابن حجر: إسناده حسن، يُنْظَر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 178)، تنبيه: في كلا الروايتين إبهام المختصم فيه، ولم أقف على تعيين المختصم فيه بأنه أمة، والله أعلم.
ورُوي أنّ رجلين تنازعا في بغلة بين يدي علي رضي الله عنه، وأقام أحدهما شاهدين والآخر خمسة من الشهود فقال علي رضي الله عنه لأصحابه:(ماذا ترون)؟ فقالوا: يقضي لأكثرهما شهودًا قال: (فلعل الشاهدين خير من خمسة ثُمَّ قال في هذا قضاء وصلح أما الصلح فإن تجعل البغلة بينهما سهاماً على عدد شهودهما، وأمّا القضاء فإن يحلف أحدهما ويأخذ البغلة فإن تشاحا على الحلف أقرعت بينهما وقضيت بها لمن خرجت قرعته)
(1)
؛ ولأنّ استعمال القرعة لتعيين المستحق أصل في الشّرع كما في قسمة المال المشترك.
ولنا حديث تميم بن طرفة الطائي رضي الله عنه «أن رجلين تنازعا في عين بين يدي رسول الله عليه السلام، وأقاما البينة فقضى به رسول الله عليه السلام بينهما نصفين»
(2)
، وعن أبي الدرداء
(3)
رضي الله عنه أن رجلين اختصما بين يديه في شيء وأقاما البينة فقال: "ما أحوجكما إلى سلسلة كسلسلة بني إسرائيل كان داود عليه السلام إذا جلس لفصل القضاء تدلت [نزلت]
(4)
سلسلة من السماء فأخذت بعنق الظالم، ثُمَّ قضى به رسولنا عليه السلام بينهما نصفين"
(5)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب البيوع، باب في الرجلين يختصمان في الشيء فيقيم أحدهما بينته، برقم (7)(5/ 135)، وعبد الرزاق في مصنفه، برقم (15202 - 15203)(8/ 276)، وأبو داود كتاب الأقضية، باب الرجلين يدعيان شيئاً وليست لهما بينة، برقم (3613)(4/ 37)، والبيهقي في السنن الصغرى، باب الرجلين يتنازعان شي في أيديهما، برقم (4394)، (9/ 251)، وفي معرفة السنن والآثار برقم (20296) (14/ 359). قال الزيلعي: هَذَا مُنْقَطِعٌ. يُنْظَر: نصب الراية (4/ 109).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده، حديث أبي موسى الأشعري، برقم (19603)، (32/ 378)، وأبو داود، كتاب الأقضية، باب في الرجلين يدَّعيان شيئًا وليست لهما بينة، برقم (3610)، (4/ 226)، والنسائي في الكبرى، كتاب القضاء، باب الشيء يدعيه الرجلان ولكل واحد منهما بينته، برقم (5997)، (3/ 487)، وأخرجه ابن ماجه بلفظ:"ليس لواحدٍ منهما بينة"، كتاب الأحكام، باب الرجلان يدعيان السلعة وليس بينهما بينة، برقم (2330)، (4/ 19 - 20)، والحديث فيه اضطراب في السند، فمرة يروى موصولاً، ومرةً يروى موقوفًا، وفيه كذلك اضطراب في المتن، فقد روى بألفاظ مختلفة، وقد ضعفه الألباني، وأورد الزيلعي احتمالاً أنه حديثان، وليسا حديثًا واحدًا، واستبعد ذلك البيهقي، وقال: والحديث معلول عند أهل الحديث مع الاختلاف في إسناده، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
يُنْظَر: أرواء الغليل (8/ 273)، نصب الراية (4/ 109)، السنن الكبرى للبيهقي (10/ 257).
(3)
عويمر بن عامر بن مالك بن زيد بن قيس بن أمية بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج وقيل: اسمه عامر بن مالك وعويمر لقب. تأخر إسلامه قليلا كان آخر أهل داره إسلاما وحسن إسلامه. وكان فقيها عاقلا حكيما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عويمر حكيم أمتي" اشتهر بالشجاعة والنسك وولاه معاوية قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب، وهو أول قاض بها. قال ابن الجزري: كان من العلماء الحكماء. وهو أحد الذين جمعوا القرآن، حفظا، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف مات بالشام. سنة 32 هـ. يُنْظَر: أسد الغابة (1/ 1168)، الاعلام للزركلي (5/ 98).
(4)
[ساقط] من (ب).
(5)
أخرجه البيهقي في الكبرى، كتاب الدعاوى والبينات، باب المتداعيين يتداعيان ما لم يكن في يد واحد منهما ويقيم كل واحد منهما بينة بدعواه، برقم (21776)، (10/ 260)، ولكنه موقوف على أبي الدرداء، وليس مرفوعًا، وذكر الزيلعي أن أبا إسحاق رواه موقوفًا أيضًا، إلا أني لم أقف عليه في مسنده، والله أعلم.
وما روي من استعمال القرعة فقد كان في وقت كان القمار
(1)
مباحاً ثُمَّ انتسخ ذلك بحرمة القمار؛ لأنّ تعيين المستحق بمنزلة الاستحقاق ابتداءً، فكما أن تعليق الاستحقاق بخروج القرعة يكون قماراً فكذلك تعيين المستحق بخروج القرعة يكون قماراً أيضاً بخلاف قسمة المال المشترك فللقاضي هناك ولاية التعيين من غير قرعة وإنما يقرع تطييباً لقلوبهما ونفياً لتهمة [الميل]
(2)
عن نفسه فلا يكون ذلك في معنى القمار.
وحديث علي رضي الله عنه يعارضه ما روي عن عمر وعلي رضي الله عنه في رجلين تنازعا في ولد أنهما قضيا بأنه ابنهما ولم/ يستعملا القرعة فيه، وقد كان علي رضي الله عنه استعمل القرعة في مثل هذه الحادثة واليمين في عهد رسول الله عليه السلام
(3)
فدلّ أنّه عرف انتساخ ذلك الحكم بحرمة القمار والمعنى فيه أنهما استويا في سبب الاستحقاق والمُدَّعَى قابل للاشتراك فيستويان في الاستحقاق كالغريمين في التركة إذا كانت التركة بقدر حق أحدهما والموصي لهما كل واحد منهما بالثلث يقتسمان الثلث بينهما نصفين؛ وذلك لأن كل واحد من البينتين احتملت الصحة، فإنّ صحة أداء الشهادة لا تعتمد وجود الملك حقيقة إذ لا علم للعباد بحقائق الأمور، وإنما تعتمد ظاهر الحال فإنّ من رأى شيئاً في يد غيره حلّ له أداء الشهادة بالملك بناء على الظاهر فإذا عاين أحدهما بسبب الملك كالشراء أو ما أشبه ذلك جاز له أيضاً أداء الشهادة، وإذا صحت البينتان نقول قد أمكن العمل بهما في حق المحل؛ لأنّ الملك في المحلّ مما يقبل الوصف بالتجزيء؛ فقضينا لكل واحد بالنصف وصار هذا على مثال العلل الشرعية نحو: أن باع فضولي مال إنسان وباع فضولي آخر من آخر وأجاز المالك البيعين ثبت الملك لكل واحد في النصف كذلك هاهنا بخلاف ملك النكاح فإنّه لا يحتمل الاشتراك.
(1)
القمار: أن يأخذ من صاحبه شيئا فشيئا في اللعب وفي لعب زماننا كل لعب يشترط فيه غالبا من المتغالبين شيئا من المغلوب، يقال: تقمر فلان، أي غلب من يقامره. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (2/ 363).
(2)
في (ج)(اليد).
(3)
أخرجه البيهقي في الكبرى، كتاب الدعوى والبينات، باب من قال يقرع بينهما إذا لم يكن قافة، برقم (21818)، (10/ 267)، وأبو داود، كتاب الطلاق، باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد، برقم (2263)، (3/ 106)، بلفظ (عن زيد بن أرقم قال: كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من أهل اليمن فقال: إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا رضي الله عنه يختصمون إليه في ولد وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد فقال للاثنين منهما طيبا بالولد لهذا فغلبا ثم قال للاثنين طيبا بالولد لهذا فغلبا فقال أنتم شركاء متشاكسون إني مقرع بينكم فمن قرع فله الولد وعليه لصاحبيه ثلثا الدية فأقرع بينهم فجعله لمن قرع فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه أو قال نواجذه)، ورواه ابن ماجة، كتاب الأحكام، باب القضاء بالقرعة، برقم (2348)، (4/ 30)، والنسائي في السنن الصغرى، كتاب الطلاق، باب القرعة في الولد إذا تنازعوا فيه، برقم (3490)، (6/ 183)، وقال في الكبرى (3/ 380) بعد ذكر روايات الحديث: هذه الأحاديث كلها مضطربة الأسانيد، وقال في الصغرى (6/ 184) بعد الرواية التي ليس فيها زيد بن أرقم، وليست مرفوعة: هذا صواب، وصححه الألباني، يُنْظَر: صحيح سنن ابن ماجه (2/ 259).
وقوله: إنّ القاضي يتيقن بكذب أحدهما ضعيف، وكل واحد منهما اعتمد سبباً أطلق له أداء الشهادة وهو معاينة اليد لمن شهد له وبه فارق مسألة مكة والكوفة على العادات الغالبة التي يبتني عليها الأحكام وقد يتوالى يدان لشخصين على عين واحدة في وقتين فلهذا وجب القضاء هاهنا بهما بحسب الإمكان كذا في المَبْسُوطِ والْإِيضَاحِ
(1)
.
ويرجع إلى تصديق المرأة لأحدهما؛ لأنّ تصادقهما [في حقّهما]
(2)
أقوى من البينة.
وحُكي عن ركن الإسلام علي السُّغدي رحمه الله
(3)
: أنّه لا يترجّح أحدهما إلا بإحدى معانٍ ثلاث:
أحدها:
…
إقرار المرأة.
الثانية:
…
كونها في يد أحدهما.
الثالثة:
…
دخول أحدهما بها إلّا أن يقيم الآخر البينة أنّ نكاحه أسبق كذا في الخلاصة
(4)
.
فلا ينقض بما هو مثله أي: في الظَّنِّيات لا يُرفع المثل بالمثل كالقياس فإنّه لا يرفع القياس بالقياس بخلاف السمعيات بل دونه أي: بل دعوى المدّعي الآخر دون دعوى المدّعي الأول؛ لأن الأول قد اتصل القضاء به.
(إلا أن يؤقت شهود الثاني سابقاً)
(5)
أي: أثبت المدّعي الثاني بالشهود أن نكاحه أسبق من نكاح المدّعي الأول فحينئذ يحكم بصحة نكاح المدّعي الثاني فإنّ المدعي الثاني ثاني ظهوراً ولكن هو سابق وقوعًا لسبق نكاحه بالبينة والثابت بالبيّنة كالثابت معاينة فلو عاينا نكاح إنسان كان نكاح الآخر مع بقائه باطلاً فكذا هنا.
وذكر في نكاح المَبْسُوط
(6)
ولو تنازع رجلان في امرأة كل واحد منهما يدّعي أنّها امرأته ويقيم البينة فإن كانت في بيت أحدهما أو كان دخل بها فهي امرأته؛ لأن البينتين إذا تعارضتا [على العقد]
(7)
يترجّح أحدهما بالقبض كما لو ادّعى رجلان تلقي الملك في عين من ثالث بالشراء، وأحدهما قابض وأقاما البينة كان بينة صاحب اليد أولى؛ ولأن فعل المسلم محمول على الصحة والحل ما أمكن والإمكان ثابت هاهنا بأن يجعل نكاح الذي دخل بها ثابتًا حين دخل، وهذا لأن تمكنه من الدخول بها أو من نقلها إلى بيته دليل سبق عقده ودليل التاريخ كالتصريح بالتاريخ إلا أن يقيم الآخر البينة أنه تزوّجها قبله فحينئذ يسقط اعتبار الدليل في مقابلة التصريح بالسّبق، وإن لم يكن في يد أحدهما فأيهما أقام البينة أنّه أول فهو أحق بها؛ لأن شهوده شهدوا بسبق التاريخ في عقده والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة أو بإقرار الخصم
(8)
.
(1)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 77).
(2)
[ساقط] من (ج).
(3)
علي بن جعفر بن علي السعدي، أبو القاسم، المعروف بابن القطاع: عالم بالأدب واللغة، من أبناء الأغالبة السعديين أصحاب المغرب. ولد في صقلية. ولما احتلها الفرنج انتقل إلى مصر، فأقام يعلم ولد الافضل الجمالي .. له تصانيف، منها "كتاب الافعال" ثلاثة أجزاء، في اللغة، و أبنية الاسماء و لمح الملح جمع فيه طائفة من شعر الأندلسيين، والعروض البارع (ت 515 هـ). يُنْظَر: الاعلام للزركلي (4/ 269)، إنباه الرواة على أنباة النحاة (2/ 236).
(4)
يُنْظَر: ونتائج الأفكار (8/ 260).
(5)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 168).
(6)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 75).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 126).
وإن لم يكن لهما على ذلك بينة فأيهما أقرت المرأة أنّه تزوجها قبله أو أنه تزوّجها دون الآخر فهي امرأته إما لأن بينته تترجح بإقرارها له كما بينا في جانب الزوج، أو لأن البينتين لما تعارضتا وتعذّر العمل بهما بقي تصادق أحد الرجلين مع المرأة على النكاح فيثبت النكاح بينهما بتصادقهما كل واحد منهما أنّه اشترى منه أي: من الثالث الذي هو صاحب اليد معناه من صاحب اليد وإنّما قيد به؛ لأنّ كل واحد منهما لو ادّعى الشراء من غير صاحب اليد فهو لا يخلو أمَّا إن ادّعيا الشراء من واحد أو من اثنين فالحكم على التفصيل يجيء بعد/ هذا في الْكِتَابِ
(1)
.
وذكر في المَبْسُوط
(2)
: أن دارًا في يد رجل فادّعى رجل أنّه اشتراها منه بمائة درهم ونقده الثمن، وادّعى الآخر أنه اشتراها منه بمائتي درهم ونقده الثمن ولم يوقت واحدة من البينتين وقتًا فكلّ واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصفه بنصف الثمن الذي بيّن شهوده وإن شاء ترك لأنهما تصادقا على أنّ الملك كان في الأصل لذي اليد وادّعى كل واحد منهما التملك عليه بسبب شراء وقد استويا في ذلك ولو استويا في إقامة البينة على الملك المطلق عليه قضى به بينهما نصفين فكذلك هاهنا، فإن قيل فقد تيقن القاضي بكذب أحد الفريقين؛ لأن البيعين على دار واحدة من رجلين من كل واحد منهما بكماله لا يتصوّر في وقت واحد فينبغي أن تبطل البينتان.
قلنا: الشهود شهدوا بنفس البيع لا بصحته ولم يشهدوا بوقوع البيعين معًا ويتصوّر البيعان في وقتين من واحد لعين واحدة فكل واحد منهما اعتمد سبباً أطلق له الشهادة فيجب العمل به بحسب الإمكان
(3)
؛ ولأنّ البيعين يتصوّر وقوعهما في وقت واحد من وكيلي المالك فيضاف عقد الوكيل إلى الموكل مجازاً بأن وكّل رجلين بأن يبيعا داره فباع كل واحد منهما [من رجل فإنّه يجوز وعقد الوكيل كعقد الموكل.
وثبت أنّه لا يستحيل ورود البيعين في زمان واحد من رجل واحد ويقضي لكل واحد من المشتريين بنصفها ويتخيّر كل واحد منهما]
(4)
لنفرق الصفقة عليه فإنه أثبت عقده في الكل فَلِتَبَعُّضِ الملك عليه حين لم يسلم له إلا النصف خيرناهما فإن رضيا به فعلى كل واحد منهما من الثمن بقدر ما يسلم له من المبيع وذلك النصف بخلاف ما لو قال [ذلك]
(5)
قبل تخيير القاضي حيث يكون له أن يأخذ الجميع؛ لأنه أثبت شراه في الكل ولم يفسخ القاضي بيعه في شيء، وإنما كان القضاء له بالنصف لمزاحمة صاحبه معه فإذا زالت المزاحمة قضى به بالكل كالشقيقين إذا سلم أحدهما قبل قضاء القاضي لهما يقضي للآخر بجميع الدار بخلاف ما لو كان تسليمه بعد القضاء فإنّه لا يكون للآخر إلا نصف الدار ولو وقت أحديهما ولم توقت الأخرى فهو لصاحب الوقت.
(1)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (1/ 21).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 319).
(3)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 107).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
[ساقط] من (ب).
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا ادّعيا الشراء من رجلين وأقاما بينة فوقتت إحدى البينتين دون الأخرى [حيث]
(1)
يقضي به بينهما نصفين وهاهنا يقضي لصاحب الوقت؟
قلت: جواب هذا يجيء بعد هذا بورق في الْكِتَابِ
(2)
، وأوضح الفرق بينهما في المَبْسُوط
(3)
، وقال: لأنّ كل واحد منهما هناك خصم عن بائعه في إثبات الملك له وتوقيت أحدهما لا يدل على سبق ملك بائعه فلعلّ ملك البائع الآخر أسبق فلهذا قضينا به بينهما أمّا هاهنا [فاتفقا]
(4)
على ملك البائع الواحد فإنّما حاجة كل واحد منهما إلى إثبات سبب الانتقال إليه لا إلى إثبات الملك وسبب الملك في حق الذي وقّت شهوده أسبق، وذلك لأن شراهما حادث فإنما يحال بحدوثه إلى أقرب الأوقات ما لم يثبت التاريخ
(5)
، وإنّما يثبت شراء الدار الذي لم يوقت شهوده في الحال فقد أثبت الآخر شراه سابقاً فكان (هو أولى ومعناه أنَّه في يده)
(6)
أي: القبض ثابت في يده معاينة في الحال ثُمَّ قوله: ومعناه أنّه في يده إنما احتاج إلى التفسير بهذا؛ لأن قوله: (ومع أحدهما قبض)
(7)
يجوز أن يحمل على أن يكون معناه أي: أثبت قبضه بالبينة فيما مضى من الزمان وهو في الحال في يد البائع جاز أن يكون الحكم هناك على خلاف هذا حيث ذكر في الذَّخِيرَةِ
(8)
ثبوت اليد لأحد المدّعين بالمعاينة لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شراه وذلك لأنّ كل واحد منهما لما لم يثبت تاريخ الشراء كان شراهما ثابتًا في الحال لما ذكرنا من المَبْسُوط
(9)
أن شراهما حادث فيحال بحدوثه إلى أقرب الأوقات ما لم يثبت التاريخ ولما كان كذلك كان شراء الذي لم يقبض مقارنًا لقبض صاحب اليد لأن كلاً منهما ثابت في الحال ثُمَّ شراء [القابض]
(10)
متقدّم على قبضه لا محالة لأنّ قبضه مبني على شراه إذ جواز قبضه إنما استفيد من شراه متقدّمًا عليه فلما تقدم شراه على قبضه كان هو متقدّمًا أيضاً على ما هو مقترن بقبضه وهو شراء المدّعي الذي لم يقبض فكان تاريخ شراء القابض متقدّمًا على شراء خصمه بهذا الطريق وقد ذكر قبل هذا (وإن ذَكَرَ كلُّ واحدٍ منهما تاريخًا: فهو للأول منهما).
(1)
[ساقط] من (ب).
(2)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 218).
(3)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 55).
(4)
في (ج)(فالقضاء).
(5)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 370)
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 169).
(7)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 168).
(8)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 779).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 107).
(10)
في (أ)(التقابض).
فإن قلت: ما الفرق بين/ هذا وبين ما إذا ادّعيا الشراء من اثنين وأقاما البينة وأحدهما قابض فإنّ هناك الخارج أولى.
قلت: وجهه أنّ هناك كل واحد من المدعيين محتاج إلى إثبات الملك لبائعه [أولاً فاجتمع في حق البائعين بينة الخارج وبينة ذي اليد فكان بينة الخارج أولى فأما هاهنا فلا يحتاجان إلى إثبات الملك للبائع]
(1)
بل هو ثابت بتصادقهما عليه إنما حاجتهما إلى إثبات سبب الاستحقاق عليه وسبب القابض أقوى لتأكده بالقبض فكان هو أولى لما أن تمكن القابض من القبض دليل سبق عقده على ما ذكرنا وهو دليل معاين والتاريخ في حق الخارج مخبرٌ به «وليس الخبر كالمعاينة»
(2)
.
(وكذا لو ذكر الآخر وقتًا)
(3)
أي: لو ذكرت بينة الخارج وقتًا لشراء الخارج فهناك أيضاً كان العبد لصاحب اليد؛ لأنّ بذكر الوقت من شهود الخارج لا يزول احتمال سبق العقد لذي اليد فلا ينقض قبضه إلا أن يشهدوا أن بيع الخارج كان قبل بيع ذي اليد فحينئذ يكون بيع الخارج أولى لأن تقدم عقده ثبت بنص من شهوده وتبين أن القابض اشترى من غير المالك هذا كله من المَبْسُوط
(4)
.
وذكر في الذَّخِيرَةِ
(5)
أنّ دعوى الخارج مع ذي اليد الملك بسبب من جهة غيرهما لا يخلو من وجهين:
1 -
أمَّا إن ادّعيا تلقي الملك من جهة واحدة والحكم فيه أنهما إذا أرّخا وتاريخهما على السّواء.
2 -
أو لم يورّخا فذو اليد أولى.
[لأنهما استويا في إثبات الشراء و لأحدهما يد والشراء يتأكد باليد فكان صاحب اليد وأنه يثبت آكد الشرائين أولى وإن أرّخ أحدهما فكذلك ذو اليد أولى]
(6)
بخلاف ما إذا كانت الدار في يد البائع و [لان مع]
(7)
أحد المدعيين تاريخ حيث كان المؤرّخ أولى لأنا إنما جعلنا المؤرّخ أولى ثمة تعليلاً لنقض ما هو ثابت وتعليل النقض هاهنا في جعل صاحب اليد أولى؛ فلذلك جعلنا صاحب اليد أولى بيانه أنا إذا قضينا لصاحب التاريخ هاهنا احتجنا إلى نقض شراء ذي اليد مع يده ويده ثابتة معاينة ومتى قضينا لصاحب اليد احتجنا إلى نقض شراء الآخر وتاريخه الثابت بالبينة والثابت معاينة فوق الثابت بالبينة وكان نقض الثابت معاينة أكثر من نقض الثابت بالبينة فإذًا في الموضعين يقضي بتعليل نقض ما هو ثابت.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
هذا طرف من حديث أخرجه أحمد في مسنده (1/ 215) برقم (1842)، وابن حبان في صحيحه (14/ 96) برقم (6213) قال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح.
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 169).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 107).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 779).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
[ساقط] من (أ) و (ج).
وقوله: (لما بيّنا) إشارة إلى قوله: (لأن يمكنه من قبضه)
(1)
يدلّ على سبق شرائه معناه من واحد، وإنّما احترز به من أن يكون من اثنين فإنّهما سواء فيه ولا أولوية للشراء على الهبة حينئذ على ما يجيء بعد هذا في قوله:(ولو ادّعى أحدهم الشِّراءَ من رجلٍ والآخر الهبةَ والقبضَ من غيره) إلى أن قال: (قضى بينهم أرباعاً)
(2)
؛ لأن الشراء أقوى لكونه معاوضة من الجانبين، ولأنه يثبت الملك بنفسه والملك في الهبة يتوقف على القبض.
فإن قلت: هاتان النكتتان ثابتتان فيما إذا ادّعيا الشراء والهبة من اثنين ومع ذلك لم يجعل الشراء أقوى من الهبة في ذلك على ما ذكرت مع أنّ ضعف الهبة من الشراء في الوجه الذي ذكر لا يختلف في أن يكون دعواهما سبب الملك من واحد أو من اثنين.
قلت: نعم كذلك لا نختلف ولكن المدّعيين يستويان فيما إذا كان الملك اثنين لمعنى آخر وهو أنهما إذا ادّعيا الشراء والهبة من واحد لا يحتاجان إلى إثبات الملك لمن ملّكهُما فإنه ثابت بتصادقهما وإنّما الحاجة إلى إثبات سبب الملك عليه وفي إثبات سبب الملك لنفسهما الشراء أقوى من الهبة لأنّه عقد ضمان يوجب الملك في العوضين والهبة تبرّع؛ ولأن سبق ثبوت الملك بالشراء على ثبوت الملك في الهبة إنما يتصور فيما إذا كان الملكُ واحدًا لما أن الشراء موجب للملك بنفسه والهبة لا توجب الملك إلا بعد القبض فكان ملك مدّعي الشراء سابقاً فكان [هو]
(3)
أولى.
وأمّا إذا ادّعيا الشراء والهبة من اثنين فهما محتاجان إلى إثبات الملك لمن ملّكهما وينتصب كل واحد منهما خصمًا عمن مَلّكَه في إثبات الملك له أولاً ثُمَّ لنفسه والحجتان في إثبات الملك لهما سواء فيقضي به بينهما لذلك كذا ذكر في المَبْسُوط
(4)
ثُمَّ قال فإن قيل إنما وضع المسألة في الدار فكيف يجوز القضاء بالهبة في جزء منها مشاعًا.
قلنا: قد قيل هذه المسألة موضوعة في الدابة [وإن]
(5)
كانت في الدار فكلّ واحد منهما أثبت سبب استحقاقه في الكلّ/ إلا أنه لأجل المزاحمة يسلم له البعض وهذه المزاحمة بعد القبض فكان شيوعًا طارئًا وذلك لا يبطل الهبة والصدقة (لما بيّنا) أي: من المعنيين في أنّ الشراء أقوى من الهبة وكذلك هو أقوى من الصدقة أيضاً (ولا ترجيح باللزوم) أي: لا ترجيح للصّدقة على الهبة بسبب أنّ الصّدقة [قد]
(6)
تقع لازمة حيث لا يصح الرجوع فيها بخلاف الهبة وهذا جواب إشكال ذكره في المَبْسُوط
(7)
يعني فينبغي أن يرجح الصدقة على الهبة بسبب أن الصدقة تقع لازمة أينما وقعت فأجاب عنه بهذا وقال: (ولا ترجيح) للصدقة (باللزوم لأنِّه) أي: لأنّ اللزوم (يرجع إلى المَآل)
(8)
أي: أن أثره إنما يظهر في ثاني الحال؛ لأنّ اللزوم عبارة عن عدم صحة الرجوع في المستقبل فكان ظهور أثره في ثاني الحال؛ ولأن امتناع الرجوع لحصول المقصود بها وهو الثواب لا لقوة السبب ولو حصل المقصود بالهبة وهو صلة الرحم لم يرجع فيها أيضاً؛ (لأنّ الشيوعَ طارئٌ) وهو لا يمنع صحة الهبة كما لو استحق نصف الموهوب بعد القبض (وعند البعض لا يصحّ؛ لأنّه تنفيذ الهبة في الشائع)
(9)
جعل هذا القول أصحّ في المَبْسُوط
(10)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 169).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 169).
(3)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 110).
(5)
(ولئن) في (ب).
(6)
[ساقط] من (ب).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 110).
(8)
يعني: (وتقريره أن الترجيح باللزوم ترجيح بما يرجع إلى المآل: أي بما يظهر أثره في ثاني الحال، إذ اللزوم عبارة عن عدم صحة الرجوع في المستقبل ولا ترجيح بما يرجع إلى المآل). يُنْظَر: العناية شرح الهداية (8/ 255).
(9)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 170).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 117).
وذكر هذه المسألة فيه بأوضح بيان فقال ولو ادَّعى رجل هبة مقبوضة فادَّعى الآخرصدقة مقبوضة وأقاما البينة فإن وقتت إحدى البينتين ولم توقت الأخرى قضيت بها لصاحب الوقت؛ لأنّ كل واحد منهما أثبت سبب ملك حادث فإنّما يحال بحدوثه على أقرب [الأوقات وقد أثبت أحدهما تاريخًا سابقاً بالتوقيت فيقضي بها له وإن كان في يد من لم يوقت شهوده قضيت بها له؛ لأن قبضه دليل سبق عقده وهو دليل]
(1)
معاين فالتوقيت في حق الآخر مخبر به وليس الخبر كالمعاينة إلا أن يقيم الآخر بينة أنّه الأوّل فحينئذ يكون هو أولى لإثباته الملك في وقت لا ينازعه الآخر فيه وإن لم يكن هناك تاريخ ولا قبض معاين لأحدهما ففيما لا يقسم يقضي به بينهما نصفان لاستوائهما في سبب الاستحقاق، وفيما يحتمل القسمة كالدار ونحوها تبطل البينتان جميعًا إذا لم يكن فيهما ما يرجح أحديهما من قبض أو تاريخ؛ لأنا لو عملنا بهما قضينا لكل واحد منهما بالنصف والهبة والصدقة [في مشاع]
(2)
يحتمل القسمة لا تجوز
(3)
قيل هذا قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
(4)
، أما عند أبي يُوسُف ومُحَمَّد
(5)
فينبغي أن يقضي لكل واحد منهما بالنصف على قياس [قول]
(6)
هبة الدار لرجلين وقيل ينبغي على قولهم أن يقضي جميعًا لكل واحد منهما [بالنصف لأنّ كل واحد منهما]
(7)
أثبت قبضه في الكل ثُمَّ الشيوع بعد ذلك طارئ وذلك لا يمنع صحة الهبة والصدقة، والأصح أنّ المذكور في الْكِتَابِ
(8)
قولهم جميعًا؛ لأنا لو قضينا لكلّ واحد منهما بالنصف فإنما نقضي بلعقد الذي شهد به شهوده وعند اختلاف العقدين لا تجوز الهبة لرجلين عندهم جميعًا، وإنما يثبت الملك بقضاء القاضي وتمكن الشيوع في الملك المستعاد بالهبة مانع لصحتها وهذا عند أبي يُوسُف رحمه الله
(9)
يعني يقضي لكل واحد منهما بالنصف ثُمَّ للمرأة بنصف القيمة على الزوج ويرجع المشتري عليه بنصف الثمن إن كان نقده إياه فوجهه ما ذكر قبله بقوله: لأنّ كل واحد منهما معاوضة يثبت الملك بنفسه وكانا بمنزلة الشرائين بل النكاح أقوى من الشراء من وجه؛ لأنّ الملك في الصداق يثبت بنفس العقد متأكدًا حتى لا يبطل بالهلاك قبل التسليم بخلاف الملك في المشترى ويجوز التصرف في الصداق قبل القبض بخلاف المشترى فإن لم يترجح جانب النكاح بهذا فلا أقل من المساواة.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
[ساقط] من (ج).
(3)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (1/ 222).
(4)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (5/ 104).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (1/ 10).
(6)
[ساقط] من (ب).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
يُنْظَر: مختصر القُدُورِي (1/ 215).
(9)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 1)، المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (ت 428 هـ).
وقوله
(1)
: لأنّه أمكن العمل بالبينتين بتقديم الشراء يعني أن تصحيح البينات والعمل بها واجب مهما أمكن؛ لأنها حجج من حجج الشرع والعمل بحجج الشرع واجب بحسب الإمكان
(2)
، وهاهنا يمكن العمل بالبينتين بأن يجعل الشراء سابقاً؛ وذلك لأنّا لو قدّمنا النكاح عليه لم يصحّ الشراء بعد ذلك بل يبطل إذا لم تجزه المرأة ولو قدمنا الشراء يصح العقدان لما أن من تزوج امرأة على دار لغيره صحّ العقد والتسمية جميعًا وإن لم يجز صاحبها حتّى يجب الرجوع إلى قيمتها دون مهر المثل فرجحنا جهة الصحة.
وأمّا جواب أبي يُوسُف عمّا قاله مُحَمَّد فهو أن المقصود من ذكر السّبب ملك العين والنكاح إذا تأخّر لم يوجب ملك المسمّى كما أذا تأخّر الشراء وهما سواء في حق ملك العين، ولأن فيما قاله محمد رحمه الله إثبات تاريخ لم يشهد به الشهود والتاريخ بين العقدين لا يثبت من غير حجة كذا في/ المَبْسُوط والْأَسْرَار
(3)
.
(وفي القياس الهبة أولى) وهو رواية كتاب الشهادات؛ (لأنها تثبت الملك) أي: لأنّ الهبة تثبت ملك العين والرهن لا يثبته فكانت البينة المثبتة لملك العين أكثر إثباتًا فكان أولى (وعقد الضمان أقوى) أي: من عقد التبرع؛ ولأنّ بينة الرهن تثبت بدليلين المرهون والدين والهبة لا تثبت إلا بدلالة واحداً فكانت أكثر إثباتًا فكان أولى فصاحب التاريخ الأقدم ِأولى هذا قول أَبِي حَنِيفَةَ وقول أبي يُوسُف آخراً وبه قال مُحَمَّد رحمه الله أولاً فأمّا على قول مُحَمَّد رحمه الله-آخراً يقضي بينهما ولا يكون للتاريخ عبرة
(4)
.
وأمّا لو أرّخ أحدهما ولم يؤرّخ الآخر ففي النوادر عن أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله
(5)
أنه يقضي بينهما لأنّه لا عبرة للتاريخ عنده حالة الانفراد في دعوى الملك المطلق في أصحّ الروايات وعلى قول أبي يُوسُف رحمه الله يقضي للذي أرّخ وعلى قول مُحَمَّد رحمه الله يقضي للذي لم يؤرخ؛ لأنّه يدّعي أولية الملك كذا في الذَّخِيرَةِ
(6)
.
وأقاما البينة على تاريخين فالأوّل أولى وفي هذا الحكم لا يتفاوت بين أن يكون بائعها واحداً أو اثنين لما أنّ صاحب التاريخ الأقدم أولى وإنما يتفاوت الحكم بينهما فيما إذا وقت إحدى البينتين ولم توقت الأخرى على ما ذكر بعد هذا بقوله: (بخلاف ما إذا كان البائع واحداً).
(1)
هو محمد رحمه الله. يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 240).
(2)
يُنْظَر: كشف الأسرار (4/ 34)، تقويم الأدلة (1/ 410).
(3)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 111).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 761).
(5)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (8/ 18).
(6)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 761).
وقوله: (إنه أثبته في وقت لا منازع له فيه)
(1)
يعني أنه استحقها من ذلك الوقت فتبين أنّ الآخر اشتراها من غير المالك فكان شراه باطلاً ولو ادّعيا الشراء من واحد معناه من غير صاحب اليد ففي تقييده بقوله: (معناه من غير صاحب اليد)
(2)
ليست زيادة فائدة فإن في هذا الحكم المرتّب عليه وفي سائر الأحكام لا يتفاوت أن يكون دعواهما الشراء من صاحب اليد أو من غيره بعد أن يكون البائع واحداً؛ لأنّه ذكر في الذَّخِيرَةِ
(3)
دار في يد رجل ادّعاها رجلان كلّ واحد منهما يدّعي أنّه اشتراها من صاحب اليد بكذا فإن أرّخا وتاريخهما على السّواء أو لم يؤرّخا فالدار بينهما نصفان؛ لأنهما استويا في الدَّعْوَى والحجة وإن أرّخا وتاريخ أحدهما أسبق فالسّابق أولى؛ لأنّه أثبت شراؤه في وقت لا ينازعه فيه أحد فيثبت شراؤه من ذلك الوقت ويتبين أن الآخر اشتراها من غير المالك وإن أرّخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر فالمؤرخ أولى تعليلاً لنقض ما هو ثابت؛ لأنّا إذا جعلنا المؤرخ أولى فقد نقضنا شراء الآخر لا غير.
وأمّا إذا قضينا للذي لا تاريخ له لنقضنا على صاحب التاريخ شراؤه وتاريخه بعدما يثبت الأمر بالبينة وإذا ادّعى الخارجان تلقي الملك من واحد آخر بأن ادّعى رجل أنه اشترى هذه الدار من فلان بكذا سمّى رجلاً آخر وجاء رجل آخر فادّعى أنه اشترى هذه الدار من فلان ذلك بعينه فإن لم يؤرخا أو أرّخا وتاريخهما على السّواء يقضي بالدار بينهما وإن أرّخا وتاريخ أحدهما أسبق يقضي لأسبقهما تاريخًا وإن أرّخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر فالمؤرّخ أولى لما قلنا فإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من آخر يعني هر يكي از ديكَرى
(4)
[عيدوي]
(5)
بأن ادّعيا الشراء من رجلين كل واحد منهما من رجل بخلاف الأول (وذكرا تاريخًا فهما سواء)
(6)
أي: ذكرا تاريخًا واحداً.
وأمّا لو ذكرا تاريخين فالسّابق أولى لإثبات الملك لبائعه في وقت لا ينازعه الآخر فيه ويرجع الآخر بالثمن على البائع لاستحقاق المبيع في يده كذا في المَبْسُوط
(7)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 170).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 170).
(3)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 238).
(4)
كلمة فارسية معناها: كل واحد عن آخر. يُنْظَر: ثقافة الاصطلاحات اليومية؛ للدكتور محمد غفراني، والدكتور مرتضى آيت الله زاده شيرازي تحت الإشراف: إبراهيم إقبال، وكتاب المعجم؛ لمصطفى رحيمي نيا.
(5)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 170).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 109).
فإن قلت: ما وجه الفرق لمُحَمَّد رحمه الله بين هذا [وهو مسألة الشراء]
(1)
، وبين مسألة الميراث فإن الخارجين إذا ادّعيا إرثاً من أبويهما وأرّخا وتاريخ أحدهما أقدم فعلى قول مُحَمَّد رحمه الله آخراً وهو قول أبي يُوسُف رحمه الله أولاً يقضي بينهما فلم يعتبر لسبق التاريخ مُحَمَّد رحمه الله في الميراث واعتبره في الشراء
(2)
.
قلت: الفرق بينهما من حيث أن المشتري حادث يثبت بسبب حادث وهو الشراء وكل واحد من المشتريين يثبت لنفسه ملكًا حادثاً لا تعلُّق له بملك البائع فمن اثبت لنفسه الملك في وقت لا ينازعه فيه أحد كان أولى فأمّا ملك [الوارث]
(3)
فهو ليس بملك جديد بل هو عين ما كان ثابتًا للمورث لأن الوراثة خلافه ولا تاريخ في ملك المورثين فاستويا فعن هذا الوجه افترقا كذا في الذَّخِيرَةِ
(4)
.
(فيصير كأنهما حضرا)
(5)
أي: حضر البائعان وادّعيا ثُمَّ يخير كل واحد منهما كما ذكرنا من قبل وهو قوله: (وكل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصف العبد/ بنصف الثمن وإن شاء ترك لأنهما اتفقا) أي: في حق البائع الواحد على أنّ الملك لا يُتلقى إلا من جهته وإنما حاجة كل واحد منهما إلى إثبات سبب الانتقال إليه لا إلى إثبات الملك وسبب الملك في حق الذي وقت شهوده [اسبق]
(6)
فكان هو بالدّار أولى؛ لأنهم يتلقون الملك من بائعهم وفي بعض النسخ من باعتهم وكلاهما على طريق التغليب؛ لأن البائع واحد من المملكين الأربع فكان المراد منه من مملكيهم وفي بعض النسخ من ملقيهم استدلالاً بلفظ (يتلقون وعنه) أي: وعن مُحَمَّد رحمه الله (أنّه لا تقبل بينة ذي اليد رجع إليه)
(7)
أي: إلى قوله: الذي لا يقبل بينة ذي اليد في الصّور كلها إلا في النِّتاج.
وفي المَبْسُوط
(8)
وذكر ابن سماعة في نوادره
(9)
عن مُحَمَّد أنّه رجع عن هذا القول وهو أن بينة ذي اليد إذا كانت أقدم تاريخًا من بينة الخارج كانت أولى بعد انصرافه من الرقة، وقال لا أقبل من ذي اليد بينة على تاريخ ولا عبرة إلا للنتاج
(10)
وما في معناه؛ وهذا لأنّ التاريخ ليس بسبب لأولية الملك بخلاف النِّتاج؛ لأنّ البينتين قامتا على مطلق الملك ولم يتعرضا لجهة الملك وهذا احتراز عما لو قامت البينتان بالتاريخ في الشراء أو إحداهما أسبق تاريخًا من الأخرى فالأسبق أولى سواء كان البائع واحداً أو اثنين؛ لأنه ذكر في المَبْسُوط
(11)
ولو ادّعيا الملك بالشراء كل واحد منهما من [رجلين]
(12)
أو من واحد وأرّخا وأحدهما أسبق تاريخًا كان صاحب أسبق التاريخين أولى وبينة ذي اليد على الدفع مقبولة فإنّ من ادّعى على صاحب اليد عينًا وأنكر صاحب اليد لدعواه وأقام البيّنة على أنّه اشتراه تندفع الخصومة وقد مرّ قبل هذا قبول بينة صاحب اليد في أن العين وديعة في يده حتى تندفع عنه دعوى المدّعي عند إقامة البينة ولما قبلت بينة ذي اليد على الدفع صارت هاهنا بينة ذي اليد بذكر التاريخ قبل بينة الخارج متضمنة دفع بينة الخارج على معنى أنّها لا تصح إلا بعد إثبات التلقي من قبله فيقبل لكونها [متضمنة]
(13)
للدفع أو نقول أنّ صاحب أسبق التاريخين أثبت الملك لنفسه في وقت لا ينازعه فيه غيره [فهو أولى خارجًا كان أو صاحب يد وهذا لأنّ يد ذي اليد]
(14)
دلّت على الملك ولكن لا تدلّ على سبق التاريخ فوجب قبول بينته على التاريخ كما وجب قبول بينته على النِّتاج؛ لأنّه إنّما وجب قبول بينته على النِّتاج لكون تاريخه أسبق فكذا هنا إلى هذا أشار في المَبْسُوط والْإِيضَاحِ
(15)
.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 238)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (5/ 267).
(3)
في (ج)(المورث).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 775).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 170).
(6)
[ساقط] من (أ).
(7)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 171).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 44).
(9)
مُحَمَّد بن سماعة بن عبدالله بن هلال، أبو عبدالله، التميمي فقيه، محدث، أصولي حافظ. حدث عن الليث ابن سعد وأبي يُوسُف ومُحَمَّد، وأخذ الفقه عنهما. يُنْظَر: تهذيب التهذيب (9/ 204)، الفوائد البهية (ص 170).
(10)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 369 - 370).
(11)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 79).
(12)
(رجل) في (أ) و (ج).
(13)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(14)
[ساقط] من (ج).
(15)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 80).
وعلى هذا الخلاف (لو كانت الدار في أيديهما)
(1)
أي: لو كانت الدار في أيديهما كان صاحب الوقت الأوّل [أولى]
(2)
في قول أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف
(3)
وعند مُحَمَّد
(4)
رحمه الله لا يعتبر الوقت فكأنهما قامتا على مطلق الملك فيكون بينهما كذا في الْإِيضَاحِ
(5)
والمعنى ما بيّنا وهو ما ذكر من الدليل في الطرفين ووقتت أحديهما دون الأخرى إنما قيّد بالتوقيت؛ لأن الخارج وذا اليد إذا أقاما بينة على ما ادّعياه في الملك المطلق من غير ذكر التاريخ لا تقبل بينة ذي اليد عند علمائنا كلّهم وإنّما وقع الاختلاف بين علمائنا في دعوى الملك المطلق بين الخارج وذي اليد عند ذكر التاريخ
(6)
.
لأني قد ذكرت قبل هذا من المَبْسُوط
(7)
.
قوله: والأصل أن بينة الخارج وبيّنة ذي اليد إذا تعارضتا على الملك المطلق فبيّنة الخارج أولى بالقبول عندنا
(8)
.
وفي أحد قولي الشافعي رحمه الله
(9)
تهاترت البينتان ويكون المُدَّعَى لذي اليد تركا في يده وهذا قضاء ترك لا قضاء ملك وفي القول الآخر يرجح بينة ذي اليد فيقضي به لذي اليد قضاء ملك بالبيّنة وحاصل هذه الجملة وتقسيماتها ما ذكره في شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بقوله: فالجملة في هذا أن يقول إذا تنازع اثنان في عين فهذا لا يخلوا إما أن يكون في أيديهما أو في يد أحدهما أو في يد ثالث سواهما وادّعيا ملكًا بينهما أو ميراثاً أو شراء من واحد أو من اثنين ولم يؤرّخا أو أرّخا تاريخًا واحدًا أو أحدهما أسبق تاريخًا من الآخر أو أرّخ أحدهما أو لم يؤرّخ الآخر.
أمّا إذا ادّعيا ملكًا بينهما فإن كان في يد ثالث سواهما ولم يؤرّخا أو أرّخا تاريخًا واحداً فهو بينهما نصفان وإن أرّخا واحدهما أسبق تاريخًا من الآخر فعلى قول أَبِي حَنِيفَةَ [وأبي يُوسُف الآخر يقضي لأسبقهما تاريخاً وفي قول]
(10)
أبي يُوسُف رحمه الله الأوّل وهو قول مُحَمَّد رحمهم الله يقضي بينهما نصفين ولم نذكر هذا الاختلاف في الأصل
(11)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 171).
(2)
[ساقط] من (أ).
(3)
يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 242).
(4)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 75).
(5)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (8/ 18).
(6)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (3/ 378)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 324).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 311).
(8)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 73).
(9)
يُنْظَر: أسنى المطالب في شرح روضة الطالب (2/ 114).
(10)
[ساقط] من (ج).
(11)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 315).
وإن/ أرّخ أحدهما ولم يؤرّخ الآخر فلا عبرة للوقت في قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله ويقضي بينهما نصفين وفي قول أبي يُوسُف رحمه الله يقضي لصاحب التاريخ وفي قول مُحَمَّد رحمه الله يقضي للذي لم يؤرّخ هذا إذا كان الشيء في يد ثالث سواهما ولو كان في يد أحدهما يقضي للخارج إلا إذا أرّخا وتاريخ صاحب اليد أسبق فيُقضى له وإن أرّخ أحدهما ولم يؤرّخ الآخر فلا عبرة للوقت في قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله ويقضي بينهما نصفين وفي قول مُحَمَّد رحمه الله يقضي به للذي لم يؤرّخ وفي قول أبي يُوسُف رحمه الله يقضي به للذي أرّخ
(1)
.
و [إن]
(2)
ادّعيا الميراث كل واحد منهما يقول هذا لي ورثته من أبي فإن كان العين في يد ثالث فإن لم يؤرّخا أو أرّخا تاريخًا واحداً فهو بينهما نصفان.
وإن كان أحدهما أسبق تاريخًا يقضي له عند أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف
(3)
[فكان المورثين]
(4)
.
وقال مُحَمَّد رحمه الله
(5)
يقضي بينهما نصفين لأن الموت لا يكون تاريخاً للملك لأنهما قاما مقام المورثين فكأنّ الموُرثين حضرا وادّعيا من غير تاريخ إلا إذا أرّخ لملك المورثين فحينئذ يقضي لأسبقهما تاريخًا بالإجماع ولو أرّخ أحدهما ولم يؤرّخ الآخر يقضي بينهما بالإجماع وإن كان في يد أحدهما فهو للخارج إلا إذا كان تاريخ صاحب اليد أسبق فهو أولى به عندهما وعند مُحَمَّد رحمه الله يقضي به للخارج؛ لأنه لا عبرة للوقت في الميراث عنده، وإن أرّخ أحدهما ولم يؤرّخ الآخر فهو للخارج بالإجماع ولو كان بأيديهما فهو بينهما إلا إذا كان تاريخ أحدهما أسبق فهو أولى ولو ادّعيا الشراء والدّار في يد ثالث، فإن ادّعى كلّ واحد منهما الشراء من صاحب اليد ولم يؤرّخا وأقاما جميعاً البينة يقضي به بينهما نصفين لكل واحد منهما بنصف الثمن إلى أن قال ولو ادّعيا تلقي الملك من اثنين فما عرفت من الجواب في الميراث فهو جوابك في هذا سواء ادّعيا بسبب واحد أو بسببين مختلفين ويقع الفرق بين هذا وبين ما ادّعيا تلقي الملك من واحد في فصلين: أحدهما أن هاهنا إذا أرّخ أحدهما ولم يؤرّخ الآخر يقضي بينهما إذا كان الشيء في يد ثالث وإذا ادّعيا تلقي الملك من واحد يقضي لصاحب التاريخ والثاني أنّ الدار إذا كانت في يد أحدهما هاهنا يقضي بها للخارج إلا إذا كان تاريخ صاحب اليد أسبق، وإذا ادّعيا تلقي الملك من واحد يقضى لصاحب اليد إلا إذا كانا أرّخا وتاريخ الخارج أسبق هذا كله إذا أقاما جميعًا البينة فلو لم يكن لهما بينة يحلّف صاحب اليد [لهما بأن يقول ليس هذا العين لك ولا لمن يلقى الملك منه]
(6)
، وإن حلف لهما يترك في يده قضاء ترك لا قضاء استحقاق حتى أنهما لو أقاما جميعًا بعد ذلك يقضي لهما وإن نكل لهما جميعًا يقضي بينهما نصفين على ما ذكرنا فبعد ذلك إذا أقام صاحب اليد البينة أنّه ملكه لا يقبل وكذلك إذا ادّعى أحد المدعيين على صاحبه وأقام على ذلك البينة لا تقبل لأنّ صاحب اليد صار مستحقًا عليه الجميع بالبينة وكل واحد من المتنازعين صار مستحقاً عليه النصف بالبينة والأصل أن المستحق عليه بالبينة لا يستحق على المستحق إلا إذا ادّعى الاستحقاق من جهته أو يدّعي النِّتاج.
(1)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 374).
(2)
(لو) في (ب) و (ج).
(3)
يُنْظَر: اللباب شرح الكتاب (1/ 366).
(4)
[ساقط] من (ب) و (ج).
(5)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 238).
(6)
[ساقط] من (ب) و (ج).
قوله رحمه الله: (وصار كما في دعوى الشراء إذا أرّخت إحداهما)
(1)
يعني إذا ادّعيا الشراء من بائع واحد وأرّخ أحدهما دون الآخر حينئذ يقضي به للمؤرخ.
وأمّا إذا ادّعيا الشراء من بائعين ووقّت أحدهما دون الآخر قضى به بينهما نصفين وقد مرّ وأمّا على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يقضي للخارج؛ لأنّه لا عبرة للتاريخ في دعوى الملك المطلق حالة الانفراد فيسقط اعتبار التاريخ ويبقى دعوى الملك المطلق فيقضي به للخارج وهو الصحيح من مذهبه وذلك لأن الذي لم يؤرخ سابق على الذي أرّخ من وجه لا حق من وجه سابق من حيث أنّ دعوى الملك المطلق دعوى أولية الملك حكمًا فبهذا الاعتبار غير المؤرخ يكون سابقاً على المؤرخ ولاحقاً من حيث أن دعوى مطلق الملك يحتمل التملك من جهة الْمُدَّعَى عليه بعد تاريخ المؤرخ فبهذا الاعتبار يكون لاحقاً وإذا كان غير المؤرخ سابقاً من وجه ولاحقاً من وجه كان المؤرخ أيضاً سابقاً من وجه لاحقاً من وجه فقد استويا في السّبق واللحوق فيجعل كأنهما ملكا [معًا]
(2)
وعند ذلك لا يمكن اعتبار معنى التاريخ فهو معنى قولنا أنّ دعوى التاريخ حالة الانفراد ساقط الاعتبار بخلاف ما إذا أرّخا و/ تاريخ أحدهما أسبق حيث يقضي لاسبقهما تاريخًا [عنده لأنّ أسبقهما تاريخًا]
(3)
سابق من كل وجه والآخر لاحق من كل وجه فعلى قول أبي يُوسُف الآخر وهو قول مُحَمَّد أولاً للتاريخ عبرة وغير المؤرخ أسبقهما تاريخًا معنىً لأنه يدعي أولية الملك فيقضي لغير المؤرخ كذا في الذَّخِيرَةِ ولهما أن بينة ذي اليد إنما تقبل لتضمنه معنى الدفع على ما ذكرنا قبيل هذا فيما إذا أقام للخارج وذو اليد بينة على ما ادّعيا وأرّخا وتاريخ بينة ذي اليد أقدم من تاريخ للخارج كانت بينة ذي اليد أولى [عند أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف (ولا دفع هاهنا حيث وقع الشك في التلقي من جهته) أي: من جهة ذي اليد يعنى أنّ الاحتمال والتردّد وقع في معنى الدّفع هاهنا فلا يترجّح بينة ذي اليد]
(4)
؛ لأنّه لما أرّخت بينة ذي اليد ولم تؤرّخ بينة الخارج لم نستيقن فإنّه يجب أن يكون الملك للخارج متلقىً من جهة ذي اليد لجواز أن الخارج لو وقت شهوده كان أقدم فإذا وقع التردد والاحتمال في تضمنه معنى الدفع لم يقبل بينة ذي اليد مع الشك وعلى هذا إذا كانت الدار في أيديهما فأقام أحدهما بينة على ملك مؤرّخ وأقام الآخر على مطلق الملك سقط التاريخ عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وقال أبو يُوسُف رحمه الله الذي وقّت أولى والوجه ما بيّنا كذا في الْإِيضَاحِ.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 171).
(2)
[ساقط] من (ج).
(3)
[ساقط] من (ج).
(4)
[ساقط] من (ج).
(ولو كانت في يد ثالث والمسألة بحالها) أي: وقتت بينة أحد الخارجين في الملك المطلق دون الأخرى (فهما سواء) أي: فالخارجان سواء فصارا كأنهما أقاما البينة على ما ادّعياه ولم يوقت واحد منهما (لأنّه [ادعى]
(1)
أوليةَ الملك بدليل استحقاق الزوائد)
(2)
وهي الأولاد والاكساب فكان مدّعي مطلق الملك كان مدّعياً للملك من الأصل فكان ملك الأصل أولى من التاريخ (كما لو ادّعيا الشراء) أي: ادّعيا الشراء من بائع واحد ثُمَّ أرّخ أحدهما دون الآخر كان صاحب التاريخ أولى وأبو حَنِيفَةَ رحمه الله يقول بأنّ الاحتمال لما وقع في التاريخ أنه هل هو متقدم أم لا سقط اعتباره فقوله: (يُضامّهُ)
(3)
أي: يزاحمه بخلاف الشراء هذا جواب عن قول أبي يُوسُف رحمه الله يعني أنّهما لما ادّعيا الشراء اتفقا على الحدوث ولابد للحدوث من التاريخ فكان صاحب التاريخ أولى كذا في الْإِيضَاحِ فصاحب اليد أولى سواء أقام صاحب اليد بينة على دعواه قبل القضاء بها للخارج أو بعده وهذا جواب الاستحسان.
وأمّا جواب القياس فالخارج أولى وبه أخذ ابن أبي ليلى رحمه الله
(4)
ووجهه أنّ بينة الخارج أكثر استحقاقاً من بينة ذي اليد لأنّ الخارج بينته كما يثبت استحقاق أوليّة الملك بالنِّتاج يثبت استحقاق الملك الثابت لذي اليد بظاهر يده وذو اليد بينته لا تُثبت استحقاق الملك الثابت للخارج بوجهٍ مّا فكانت بينة الخارج أولى بالقبول كما في دعوى الملك المطلق وجه الاستحسان ما رواه أبو حَنِيفَةَ رحمه الله عن الهيثم رحمه الله عن رجل عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: " أن رجلاً ادّعى ناقة في يد رجل وأقام البينة أنّها ناقته نتجها وأقام ذو اليد البيّنة أنها ناقته نتجها فقضى رسول الله عليه السلام بها للذي هي في يده"
(5)
، ولأنّ يد ذي اليد لا تدل على أوّلية الملك فهو ببينته يثبت ما ليس بثابت بظاهر يده فوجب قبول بينته ثُمَّ يترجح بيده بخلاف الملك المطلق فإنّ هناك لا [يثبت]
(6)
ببينته إلا ما هو ثابت له بظاهر يده ومعنى هذا الكلام أنّ حاجة ذي اليد إلى دفع بينة الخارج وفي إقامته البينة على النِّتاج ما يدفع بينة الخارج لأن النِّتاج لا يتكرّر فإذا ثبت أنه نتجها اندفع بينة الخارج فيدفع استحقاق الخارج ضرورة فأمّا في الملك المطلق فليس في بينته ما يدفع بينة الخارج لأنّ ملكه في الحال لا ينفي ملكًا كان للخارج فيه من قبل فلهذا عملنا ببينة الخارج هناك.
(1)
في (ب): (دعوى).
(2)
يعني: (الزوائد المتصلة كالسمن، والمنفصلة كالأكساب، فكان ملكاً للأصل، وملك الأصل أولى من التاريخ). يُنْظَر: العناية شرح الهداية (8/ 265).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 171).
(4)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (3/ 378).
(5)
البيهقي في الكبرى، كتاب الدعاوى والبينات، باب المتداعيين يتنازعان شيئا فى يد أحدهما ويقيم كل واحد منهما على ذلك بينة، برقم (21757)، (10/ 256)، وروي من طريق أبي حَنِيفَةَ عن هيثم الصيرفى عن الشعبى عن جابر، أخرجه البيهقي في الكبرى، كتاب الدعاوى والبينات، باب المتداعيين يتنازعان شيئا في يد أحدهما ويقيم كل واحد منهما على ذلك بينة، برقم (21758)، (10/ 256) وروي هذا الحديث من طريق الشافعي أنبأنا ابن أبى يحيى عن إسحاق بن أبى فروة عن عمر بن الحكم عن جابر، أخرجة الشافعي في مسنده، كتاب الدعاوى والبينات، برقم (1528)، (1/ 330).
(6)
[ساقط] من (ج).
ثُمَّ إنّما قلنا: أن ذا اليد لو أقام بينة على دعوى النِّتاج بعدما قضى للخارج يقبل ببينته لأن الخارج ببينته لم يستحق على ذي اليد شيئاً فلم يصر ذو اليد مقضيًّا عليه فيسمع ببينته كما يسمع بينة أجنبي آخر وفي دعوى الملك المطلق [لوتفرد الخارج بإقامة البينة وقضى له ثُمَّ أقام صاحب اليد بينة أنّه [له]
(1)
لا تسمع بينته لأن الخارج استحق ببينته على ذي اليد الملك الثابت له بظاهر يده فصار ذو اليد مقضيًا عليه فلا يسمع بينته]
(2)
بعد ذلك بخلاف النِّتاج فإن ذا اليد لما ادّعى النِّتاج وأقام على ذلك بينة/ وترجّحت بينته باليد يسمع بينته سواء كان ذلك قبل القضاء للخارج أو بعده فتندفع ببينته بينة الخارج سواء ادّعى الخارج النِّتاج أو الملك المطلق.
وأمّا قوله: (أن بينة الخارج أكثر استحقاقاً)
(3)
قلنا: نعم كذلك إلا أنّ في بينة ذي اليد سبق التاريخ لأنّها تثبت أولية الملك على وجه لا يحتمل التملك من جهة الغير فكان أولى ألا ترَى أنهما لو ادّعيا ملكًا مطلقاً وأرّخا وذو اليد أسبقهما تاريخًا يقضي لذي اليد وإن كان في بينة الخارج زيادة استحقاق على ذي اليد إلى هذا أشار في المَبْسُوط
(4)
والذَّخِيرَةِ
(5)
.
فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا ادّعى ذو اليد النِّتاج وادّعى الخارج أنّه ملكه غصبه منه ذو اليد كانت بينة الخارج أولى وكذا إذا ادّعى ذو اليد النِّتاج وادّعى الخارج أنّه ملكه آجره أو أودعه منه أو أعاره منه كانت بينة الخارج أولى.
قلت: قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله
(6)
: الحاصل أنّ بينة ذي اليد [إنّما يترجّح على بينة الخارج]
(7)
على النِّتاج أو ادّعى الخارج الملك المطلق إذا لم يدع الخارج فعلاً على ذي اليد نحو الغصب أو الوديعة أو الإجارة أو الرهن أو ما أشبه ذلك أما إذا ادّعى الخارج فعلاً مع ذلك فبينة الخارج أولى، وأشار مُحَمَّد رحمه الله إلى المعنى فقال:؛ لأنّ بينة الخارج في هذه الصورة أكثر إثباتاً
(8)
؛ لأنّها تثبت الفعل على ذي اليد وهو الغصب والاستيجار وما أشبه ذلك وأنّه ليس بثابت أصلاً وذو اليد ادّعى أولية الملك واليد إن كانت لا تدل على أوليّة الملك تدل على أصل الملك فكان ما ادّعاه ذو اليد ثابتًا من وجه بظاهر يده وما ادّعاه الخارج من الغصب والإعارة وغير ذلك غير ثابت أصلاً فكانت بينته أكثر إثباتاً فكانت أولى بالقبول كذا في الذَّخِيرَةِ
(9)
، وهذا هو الصحيح خلافاً لما يقوله عيسى ابن أبان رحمه الله: أنه تهاتر البينتان ويترك في يده
(10)
فوجه قوله: أن القاضي تيقن بكذب أحدهما إذ لا تصوّر لنتاج دابة من [دابتين]
(11)
وفي مثل هذا بتهاتر البينتان كما في مسألة كوفة ومكة على ما ذكرنا في أوّل هذا الباب لكنا نقول الصحيح أنه يترك في يد صاحب اليد على وجه القضاء فوجه الصحة هو أنّ مُحَمَّدا-رحمه الله ذكر في خارجين أقام كل واحد منهما بينة على النِّتاج أنه يقضي [به]
(12)
بينهما نصفين
(13)
ولو كان الطريق ما قاله لكان يترك في يد ذي اليد وكذلك قال ولو كانت الشاة المذبوحة في يد أحدهما وسواقطها في يد آخر وأقام كل واحد منهما البينة على النِّتاج فيها يقضي بها وبالسواقط لمن في يده أصل الشاة ولو كان الطريق تهاتر البينتين لكان يترك في يد كل واحد منهما ما في يده ولا معنى لقوله:
(14)
أن القاضي تيقن بكذب أحدهما؛ لأنّ الشهادة على النِّتاج ليست بمعاينة الانفصال من الأم بل برؤية الفصيل
(15)
يتبع الناقة وكل واحد من الفريقين اعتمد سبباً ظاهراً لأداء الشهادة فيجب العمل بها ولا يُصار إلى التهاتر بمنزلة شهادة الفريقين على الملكين حيث [لا]
(16)
تتهاتر البينتان مع أنّ العين الواحد لا يتصوّر أن تكون مملوكًا لشخصين في زمان واحد لكل واحد منهما بكماله ولكن لما وجد القاضي بشهادة كل واحد من الفريقين محملاً يطلق له أداء الشهادة بأن عاين أحد الفريقين أحد الخصمين باشر سبب الملك وعاين الفريق الآخر يتصرف فيه تصرف الملاك قبل شهادة الفريقين كذا هنا وعن هذا خرج الجواب عن مسألة مكة وكوفة لأنّ القاضي تيقن أن أحدهما كاذب لأنّ الشخص الواحد في يوم واحد لا يكون في مثل ذلك المكانين على ما عليه العادة ولم يجد لشهادتها مَحملاً يطلق له أداء الشهادة؛ لأنّ المطلق للشهادة بالطلاق والعتاق معاينة الشهود إيقاع الطلاق والعتاق ولا يتصوّر سماع الفريقين إيقاع الطلاق والعتاق في يوم واحد من شخص واحد بكوفة ومكة لما ذكرنا فتهاترت البينتان كذلك، أما هنا فبخلافه.
(1)
[ساقط] من (أ) و (ج).
(2)
[ساقط] من (ج).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 157).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 33).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 760).
(6)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (8/ 30).
(7)
[ساقط] من (ج).
(8)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 126).
(9)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 132).
(10)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 372).
(11)
(اثنين) في (أ) المبسوط؛ للسرخسي (17/ 120).
(12)
[ساقط] من (أ).
(13)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 321).
(14)
يشير رحمه الله الى قول عيسى بن ابان رحمه الله.
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 128).
(15)
الفَصِيلُ: ولد الناقة لأنه يفصل عن أمه فهو فعيل بمعنى مفعول والجمع "فِصلاْنٌ" بضم الفاء وكسرها وقد يجمع على "فِصَال" بالكسر. يُنْظَر: المصباح المنير (1/ 246).
(16)
[ساقط] من (ج).
ثُمَّ ثمرة الخلاف إنما تظهر في حق تحليف ذي اليد وعدمه فعند عيسى بن أبان يحلف ذو اليد للخارج؛ لأنّ البينتين لما تهاترتا صار كأن البينتين لم تقوما بالشهادة أصلاً فيقضي لذي اليد قضاء ترك بعدما/ حُلّف للخارج وعندنا
(1)
لا يحلف كذا في المَبْسُوط
(2)
والذَّخِيرَةِ
(3)
.
[يقال]
(4)
: تلقّاه أي: استقبله بالقبول والأخذ
(5)
(ولو تلقى كل واحد منهما)
(6)
أي: ولو أخذ كل واحد من الخارج وذي اليد الملك من رجل على حدة فكان البائع رجلين وأقاما البينة على النِّتاج عنده الضمير راجع إلى رجل.
وذكر في الذَّخِيرَةِ
(7)
هذه المسألة بهذه العبارة فقال: عبد في يدي رجل ادّعاه أنه عبده اشتراه من فلان وأنّه قد وُلد في ملك فلان الذي باعه [وأقام على ذلك بينة وأقام صاحب البينة أنه عبده اشتراه من فلان يريد به رجلاً آخر وأنّه قد ولد في ملك فلان الذي باعه]
(8)
قضى به لذي اليد لأنّ كل واحد منهما ببينته يثبت أولية الملك بالولادة ثُمَّ يثبت الانتقال إلى نفسه فكأنّ المملكين حضرا وادّعيا ذلك وأحدهما صاحب يد وهناك يقضي لصاحب اليد كذا هاهنا وذكر فيها أيضاً قبل هذا من جنسها فقال: شاةٌ في يدي رجل أقام رجل البينة على أنّها شاته ولدت في ملكه وأقام صاحب اليد بينة أنها شاتة تملكها [من جهة فلان وأنها ولدت في ملك فلان ذلك الذي تملكها]
(9)
منه قضى لصاحب اليد؛ لأنّ صاحب اليد خصم عمّن تلقى الملك من جهته ويده يد المتلقي منه فصار كأن المتلقي منه حضر وأقام البينة على النِّتاج والشاة في يده وهناك يقضي بالشاة له كذا هنا وفي عكسه أيضاً يقضي لصاحب اليد.
وذكر في المَبْسُوط
(10)
بعدما ذكر هذه المسائل وكذلك لو أقام البينة على وراثه أو وصية أو هبة مقبوضة من رجل وأنّه ولد في ملك ذلك الرجل لأنه يتلقى الملك من جهة مورثه أو من موصيه فيكون خصمًا عنه في إثبات نتاجه وكذا إذا كان الدَّعْوَى بين خارجين فبينة النِّتاج أولى يعني أنّه إذا ادّعى رجل عبدًا في يدي رجل بأنّه ملكه مطلقاً وادّعاه آخر أنّه ملكه [ولد في ملكه]
(11)
وأقاما البينة على ذلك فبيّنة النِّتاج أولى من بينة الملك مطلقاً لما ذكرنا وهو قوله: (لأنّ بينته) أي: بينة صاحب النِّتاج قامت على أولية الملك (إلا أن يعيدها ذو اليد)
(12)
أي: فحينئذ يقضى له وإلاّ فلا وذلك لأنّ القضاء بالبينة الأولى كان على خصمه خاصّة فيُجعل إقامتها في حق الثاني وجوده وعدمه بمنزلة؛ لأنّ المقضي به الملك وثبوت الملك بالبينة في حق شخص لا يقتضي ثبوته في حق آخر ألا ترَى أنّ في الملك المطلق [لا]
(13)
يصير ذو اليد مقضيًّا عليه دون غيره من الناس فإن أعاد بينته قضى بها له تقديمًا لبينة ذي اليد على بينة الخارج في النِّتاج فإن لم يعد قضى بها للمدّعي كذا في المَبْسُوط
(14)
؛ لأن الثالث لم يصر مقضيًا عليه بتلك القضية لأن التملك بالنِّتاج لا يكون استحقاقً على أحد لأنّه يتبين أنّه من الابتداء كان ملكًا له وهو لا يتكرر فلما لم يصر الثالث مقضيًّا عليه في تلك الحادثة يسمع ببينته والحاصل أن من صار مقضيًّا عليه في حادثة بالبينة لا يصير مقضيًّا له في تلك الحادثة كما ذكرنا من الذَّخِيرَةِ
(15)
(16)
في قوله: وفي دعوى الملك المطلق [لو تفرد]
(17)
الخارج بإقامة البينة وقضى له ثُمَّ أقام صاحب اليد بينة [أنه له لا يسمع بينته لأن الخارج ببينته]
(18)
استحق على ذي اليد الملك الثابت له بظاهر يده فصار ذو اليد مقضيًّا عليه فلا يسمع بينته بعد ذلك وفي النِّتاج على عكس ذلك فإنّ الخارج لو تفرّد بإقامة البينة وقضى له ثُمَّ أقام صاحب اليد البينة على النِّتاج تقبل بينته ويقضي له بالدابة لما أن الخارج ببينته لم يستحق على ذي اليد شيئاً وذلك؛ لأنّ النِّتاج يدلّ على أولية الملك صريحًا وبعدما ثبت الملك لذي اليد بسبب النِّتاج لا يتصوّر أن يصير الخارج بسبب النِّتاج؛ لأنّ النِّتاج مما لا يتكرّر فلا يمكننا أن نجعل ما يستحقه الخارج من الملك الثابت لذي اليد بظاهر اليد استحقاقاً على ذي اليد بخلاف دعوى الملك المطلق لأنّه كما يحتمل أن يكون له من الأصل يحتمل أن يكون له من جهة صاحب اليد فأمكننا أن نجعل ما يستحقّه الخارج من الملك الثابت لذي اليد بظاهر اليد استحقاقا على ذي اليد فجعلناه كذلك في حق ترجيح بينة الخارج على بينة ذي اليد ولما لم يصير ذو اليد مقضيًّا عليه في حق النِّتاج يسمع بينته بالنِّتاج كما يسمع بينة أجنبي آخر.
(1)
يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (6/ 234).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 105).
(3)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 157).
(4)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(5)
يُنْظَر: لسان العرب (15/ 253)، مختار الصحاح؛ للرازي (1/ 612).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 171).
(7)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (3/ 92).
(8)
[ساقط] من (ج).
(9)
[ساقط] من (ج).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 128).
(11)
[ساقط] من (ج).
(12)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 172).
(13)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(14)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 144).
(15)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 127).
(16)
[ساقط] من (ج).
(17)
في (ج)(لزوم).
(18)
[ساقط] من (ج).
ثُمَّ اعلم أن الرجل/ إذا صار مقضيًّا عليه في الملك المطلق كما لا يسمع بينته بعد ذلك فكذلك إذا صار مقضيًّا عليه في النِّتاج بعد ذلك لا يسمع بينته وإن أعاد بينته في النِّتاج وأيضاً كما يشترط على ذي اليد الأوّل إعاده البينة فكذلك يشترط ذلك على ذي اليد الثاني عند دعوى [المدّعي]
(1)
بالنِّتاج، فصورة ذلك ما ذكره في الذَّخِيرَةِ
(2)
فقال: عبدٌ في يدي بخاري
(3)
مثلاً أقام عليه سَمرْقَنْدِيّ
(4)
البينة أنّه عبده ولد في ملكه، وأقام البخاري بينة بمثل ذلك وقضى القاضي بالعبد للبخاري وأبطل بينة السمرْقَنْدِيّ ثُمَّ حضر خُجَنْدِيُّ
(5)
وأقام بينة على [البخاري أنه عبده وُلد في ملكه فإنّه يستحقه ببينته إلا أن يعيد البخاري البينة على الخجندي أنّه عبده ولد في ملكه ولا يكتفي بالبينة الأولى فإن لم يقدر أي: البخاري]
(6)
على إعادة البينة قضى القاضي بالعبد للخُجَنْدِيِّ، ثُمَّ أحضر البخاري البينة أنّ العبد عبده ولد في ملكه قضى القاضي به للبخاري وإن لم يُعد البخاري البينة ولكن حضر أَوْسِيُّ
(7)
وأقام البينة أنّه عبده ولد في ملكه فإنّ القاضي يقول للخُجَنْدِيُّ أعد بينتك على أنّه عبدك ولد في ملكك بمحضر من الأَوْسِيِّ فإن أحضرها كان هو أحقَّ بالعبد من الأوسي فإن حضر السَّمَرْقنْديُّ وهو المدّعي الأوّل وأقام البينة أنّه عبده ولد في ملكه لم تقبل بينته؛ لأنّه قد قضى عليه به مرّة فلا تقبل بينته على أحد بعد ذلك وكذا المقضي عليه بالملك المطلق إذا أقام البينة على النِّتاج تقبل صورته ما إذا اقام الخارج البينة على ذي اليد في دابة معينة بالملك المطلق فقضى القاضي بها له ثُمَّ أقام ذو اليد البينة على النِّتاج يقضي بها له وينقض القضاء الأوّل وهذا استحسان وفي القياس لا يقبل بينته لأنه صار مقضيًّا عليه بالملك فلا تقبل بينتة إلا أن يدعي تلقي الملك من جهة المقضي له وجه الاستحسان أن من يقيم البينة على النِّتاج يثبت أوّلية الملك لنفسه وأنّ هذه العين حادثة على ملكه فلا يتصوّر استحقاق هذا الملك على غيره فلم يصر ذو اليد به مقضيًّا عليه وقد تبيّن بإقامة البينة أنّ القاضي أخطا في قضائه وأن أوليّة الملك لذي اليد فلهذا نُقض قضاؤه بخلاف الملك المطلق فإن قيل القضاء ببينة الخارج مع بيّنة ذي اليد على النِّتاج مجتهد فيه فعند ابن أبي ليلى رحمه الله بينة الخارج أولى
(8)
فينبغي أن لا ينقض قضاء القاضي لمصادقته موضع الاجتهاد.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 136).
(3)
البُخَاري: بضم الباء الموحدة وفتح الخاء المعجمة والراء بعد الالف، هذه النسبة إلى البلد المعروف بما وراء النهر يقال لها بخارا، خرج منها جماعة من العلماء في كل فن يجاوزون الحد والآن مدينة بخارى في أوزبكستان بآسيا الوسطى. يُنْظَر: الأنساب؛ للسمعاني (1/ 293).
(4)
سمرقند: بلد معروف مشهور قيل: إنه من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر، وقال الأزهري: بناها شمر أبو كرب، فسميت شمر كنت فأعربت فقيل سمرقند هكذا تلفظ به العرب في كلامها وأشعارها وهي الآن مدينة في أوزبكستان بآسيا الوسطى. يُنْظَر: معجم البلدان (3/ 246).
(5)
الخُجَنْدِيُّ: بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون وفي آخرها الدال، هذه النسبة إلى خجند، ويقال لها بزيادة التاء خجندة أيضا، فتحت خجند سنة ثلاث ومائة في خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان، الآن مدينة في كازاخستان بآسيا الوسطى. يُنْظَر: الأنساب؛ للسمعاني (2/ 327).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
الأَوْسِيُّ: بفتح الالف وسكون الواو وفي آخرها سين مهملة، هذه النسبة إلى الأوس وهو بطن من الأنصار بالمدينة المنورة. يُنْظَر: الأنساب؛ للسمعاني (1/ 228).
(8)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 320).
قلنا: إنما يكون قضاؤه عن اجتهاد إذا كانت بينة ذي اليد قائمة عنده وقت القضاء فيترجّح باجتهاده بينة الخارج عليها وهذه البينة [ما]
(1)
كانت قائمة عنده عند قضائه فلم يكن قضاؤه عن اجتهاد بل كان لعدم ما يدفع البينة من ذي اليد فإذا أقام حجة الدفع انتقض قضاؤه الأوّل كذا في المَبْسُوط
(2)
.
(وكذلك النَّسْج) أي: النَّسْج كالنِّتاج في أنّه (لا يتكرّر)
(3)
وكل حكم عرفته في النِّتاج فهو في النَّسْج كذلك هذا إذا ادّعى ثبوت الملك لنفسه بسبب النَّسْج فإن النَّسْج سبب من أسباب الملك كالغزل حتّى أن من غصب غزل غيره ونسجه ملكه كما إذا غصب قطن غيره وغزله وكذلك شهوده أيضاً إذا شهدوا أنّه له.
وأمّا إذا شهدوا أنّه نسجه ولم يشهدوا أنّه له [لم يقض له به لأنّه]
(4)
لم يشهدوا له بالملك ايضاً فقد ينسج للإنسان ثوب الغير بإذنه فلا يملكه كالنّساج ينسج ثياب الناس وكذلك لو أقام البيّنة في دابة أنها نتجت عنده وفي أَمَةٍ أنّها ولدت عنده فليس هذا اللفظ شهادة بالملك للمدّعي فلا يستحقّ به شيئاً كذا في المَبْسُوط
(5)
.
ثُمَّ صورة المسألة إذا ادّعى رجل [ثوباً في يد رجل]
(6)
أنّه ملكه بأن نسجه في ملكه وأقام على ذلك بينة وأقام صاحب اليد بينة على مثل ذلك قضى بالثوب لصاحب اليد كما في الغزل فإنَّه في الغزل كذلك ذكره في الذَّخِيرَةِ
(7)
وقال وإذا ادّعت امرأة غزل قطن في يد امرأة أخرى أنه ملكها غزلته وأقامت على ذلك بينة وأقامت صاحبة اليد بينة على مثل ذلك قضى بالغزل لصاحبة اليد لأنّه بمعنى دعوى النِّتاج بيانه أنّ كل واحدة منهما ادّعت سبب الملك لنفسها في العين المدّعي به وهو الغزل لأنّ الغزل سبب الملك فإن من غصب من آخر قطنًا وغزله ملكه وغزل القطن لا يتكرّر فكان/ بمنزلة دعوى النِّتاج فيقضي به لصاحب اليد كما في النِّتاج في الثياب التي لا تنسج إلا مرّة هذا احتراز من الثياب التي تنسج [مرّة]
(8)
بعد أخرى كالخز.
وقال في المَبْسُوط
(9)
: النَّسْج في الثوب موجب لأولية الملك فيه وهو ممّا لا يتكرّر كالنِّتاج في الدّابة إلا أن يكون الثوب بحيث ينسج مرة بعد مرة كالخز ينسج ثُمَّ ينكث فيغزل وينسج ثانياً فحينئذ يقضي للخارج والحاصل أنّ النِّتاج مخصوص من القياس بالسنة فلا يلحق به إلا ما كان في معناه من كلّ وجه.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 144).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 172).
(4)
[ساقط] من (ج).
(5)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 73).
(6)
[ساقط] من (ج).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 144).
(8)
(من) في (أ).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 120).
وأما ما ليس في معناه إلا من بعض الوجوه فلا يلحق به لأنه لو ألحق به كان بطريق القياس ولا يقاس على المخصوص من القياس إلا ما كان في معناه من كلّ وجه لأنّ قياس الأصل يعارضه وكلّ قياس لا ينفك عما يعارضه فهو باطل وإذا ثبت هذا فنقول ما لا يتكرر فهو في معنى النِّتاج من كل وجه فيلحق به ويكون إثبات الحكم فيه بدلالة النص وما يتكرّر ليس في معنى النِّتاج من كل وجه [لأن قياس الأصل يعارضه وكلّ قياس لا ينفك عما يعارضه فهو باطل وإذا ثبت هذا فنقول ما لا يتكرر فهو معنى النِّتاج من]
(1)
فيعاد فيه إلى أصل القياس قوله رحمه الله: (كحلب اللبن واتخاذ الجبن) إلى آخره
(2)
ذكر في المَبْسُوط
(3)
.
وهذه المسألة على خمسة أوجه:
أحدها:
…
أنّ الدَّعْوَى إذا كانت في جُبُنٍ فأقام الخارج وذو اليد البيّنة على أنّه جبنه صنعه في ملكه فهو للذي في يديه؛ لأنّ الجبن لا يصنع إلا مرّة فهو سبب لأوليّة الملك بمنزلة النِّتاج.
والثاني:
…
إذا أقام كلّ واحد منهما البينة أنّ اللبن الذي صنع منه هذا الجبن ملكه فيقضي به للمدّعي لأنّ أصل المنازعة في اللبن وبينة كلّ واحد منهما قامت على الملك المطلق.
والثالث:
…
أن يقيم كل واحد منهما البينة أنّه حلب اللبن الذي صنع منه هذا الجبن من شاته في ملكه فيقضي به لذي اليد لأنّ الحلب في اللبن لا يتكرّر فكان في معنى النِّتاج.
والرابع:
…
إذا أقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّ الشاة التي حلب منها هذا اللبن الذي صنع منه هذا الجبن ملكه فيقضي به للمدّعي لأنّ المنازعة في ملك الشاة وبينة كل واحد منهما قامت على الملك المطلق.
والخامس:
…
أن يقيم كلّ واحدة منهما البيّنة أن الشاة التي حلب منها هذا اللبن الذي صنع منه هذا الجبن شاته ولدت في ملكه من شاته فالبيّنة بينة ذي اليد لأنّ الحجتين قامتا على النِّتاج في الشاة التي كانت المنازعة فيها.
المِرْعِزَّى إذا شدَّدت الزاي قصَرْت وإذا خفَّفت مدَدْت والميم والعين مكسورتان وقد يقال مَرْعِزَاء بفتح الميم مخفّفاً ممدوداً وهي كالصُوف تحت شعر العَنْز
(4)
والميم [فيه]
(5)
زائدة؛ لأن صاحب المُغْرِب ذكرها في بَابِ الزاي من المُغْرِب.
(1)
[ساقط] من (ب)(ج).
(2)
(واللبد والم عز وجل ي وجز الصوف وإن كان يتكرر قضي به للخارج بمنزلة الملك المطلق). يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 172).
(3)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 139).
(4)
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (1/ 333).
(5)
[ساقط] من (أ).
وفيه أيضاً الخَزّ اسم [دابَّة]
(1)
ثُمَّ سمي الثوب المتَّخذُ من وبَره خزّاً
(2)
قيل هو ينسج فإذا بلي يغزل مرة أخرى ثُمَّ ينسج.
قوله: (وإن كان يتكرّر قضى به للخارج بمنزلة الملك المطلق)
(3)
والمعنى فيه أن الثوب الذي ينسج مرة بعد مرة يجوز أن يصير لذي اليد بالنَّسْج ثُمَّ يغصبه الخارج مرة وينفضه وينسجه مرّة أخرى فيصير ملكًا له بهذا السبب بعدما كان ملكًا لذي اليد فكان بمعنى دعوى الملك المطلق من هذا الوجه بخلاف الفصل الأوّل فإنّ الثوب الذي لا ينسج إلا مرّة إذا صار لذي اليد ينسجه لا يتصوّر أن يصير للخارج بنسجه فكان في معنى دعوى النِّتاج.
(والبناء والغرس وزراعة الحنطة)
(4)
أمّا في البناء بأن كانت المنازعة بينهما في دار وهي في يد أحدهما أقام كلّ واحد منهما البينة أنها داره بناها بماله يقضي بها للخارج لأنّ البناء يكون مرة بعد مرة فلم يكن في معنى النِّتاج وكذلك إذا تنازع الخارج وذو اليد في الغرس يقضي به للخارج لأنّ الشجر يُغرس غير مرة فقد يغرسُ التَّالَّةَ
(5)
إِنْسَان ثُمَّ يقلعها غيره ويغرسها فلم يكن في معنى النِّتاج وكذلك إذا كانت الدَّعْوَى في الحنطة بأن قام كل واحد منهما البينة أنها حنطته زرعها في أرضه قضيت بها للمدّعي لأن الزرع قد يكون غير مرة فإنّ الحنطة قد تزرع في الأرض ثُمَّ يغربل
(6)
التراب فيميّز الحنطة منها ثُمَّ تزرع ثانية فلم يكن هذا في معنى النِّتاج.
(7)
(فإن أشكل يرجع إلى أهل الخبرة)
(8)
أي: إذا كان الثوب أو نحوه لا يستبين أنّه ينسج مرة أو مرتين يسأل القاضي أهل العلم عن ذلك يريد به العدول منهم ويبني الحكم على قولهم الواحد منهم يكفي والاثنان أحوط قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
(9)
هذا كله من المَبْسُوط
(10)
والذَّخِيرَةِ
(11)
.
(1)
[ساقط] من (ج).
(2)
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (1/ 253).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 172).
(4)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(5)
التَالُ ما يُقطَع من الأمهات أو يُقْلَع من الأرض من صغار النخل فيُغرَس الواحدة تَالةٌ ومنه غصَب تالةً فأبنَتها وقوله التالةُ للأشجار كالبَذْر للخارج منه يعني أن الأشجار تَحصُل من التالَةِ لأنها تُغرسَ فتعظُم فتصير نخلاً كما أن الزَّرْع يحصُل من البَذْر. يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (1/ 110).
(6)
غَرْبَلَ الشيء نَخَله والغِرْبالُ ما نُقِّيَ به الدقيق وغيره ويقال غَرْبَلَه إِذا قطعه والمُغَرْبَلُ المُنْتقى. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (5/ 58)، المعجم الوسيط (2/ 648).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 125).
(8)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 172).
(9)
سورة النحل من الآية: (43).
(10)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 125).
(11)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 147).
(فإن أشكل عليهم)
(1)
أي: على أهل الخبرة (فإذا لم يعلم يرجع إلى الأصل)
(2)
وهو القضاء للخارج فإن أقام الخارج البيّنة إلى أن قال كان صاحب اليد أولى ذكر في الفصول
(3)
فالحاصل أن الخارج مع ذي اليد إذا ادّعيا ملكًا مطلقاً ففي كل الصور الخارج أولى إلا أذا أقام صاحب اليد بينة على النِّتاج وأرّخا وتاريخ صاحب اليد أسبق وفي هذه الصورة التي ذكرها في الْكِتَابِ
(4)
يترجّح بينة صاحب اليد أيضاً وهي فيما إذا أقام الخارج البينة على الملك وأقام صاحب اليد البيّنة على أنه اشتراه من المدّعي لأنّ المدّعي إن كان أثبت أوليّة الملك فهذا تلقي منه فحصل من هذا أنّ بيّنة ذي اليد تترجّح على بيّنة الخارج في هذه الصور الثلاث التي ذكرناها (وإن أقام كلّ واحد منهما) أي: من الخارج وصاحب اليد (البينة على الشراء من الآخر)
(5)
أي: قال الخارج اشتريت من ذي اليد هذا وقال ذو اليد اشتريت من الخارج هذا وذكر صورة هذه المسألة في بَابِ الشهادة في البيع والشراء من شهادات المَبْسُوط
(6)
فقال دار في يدي رجل فأقام رجل البينة أنه اشتراها من ذي اليد وأقام ذو اليد البيّنة أنه اشتراها من المدّعي ولا يدري أي: ذلك أوّل فإنه يقضي بها لذي اليد وتبطل البينتان جميعًا لأنّ كل واحد منهما أثبت إقرار صاحبه بالملك له فكلّ مشتر مقراً بالملك لبائعه وكلّ بائع مقرّ بوقوع الملك للمشتري فيجعل هذا بمنزلة إقامة كل واحد منهما البينة على إقرار صاحبه بالملك له، وهاهنا تهاترت البينتان كما لو سمعنا الإقرار منهما معًا.
وذكر في الجامع أن هذا قول أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف.
وأمّا عند مُحَمَّد رحمه الله
(7)
فيقضي بالبينتين جميعًا فيجعل كأنّ ذا اليد اشتراها أولاً وقبضها ثُمَّ باعها فيؤمر بتسليمها إلى الخارج؛ لأنّ القضاء بالعقدين ممكن بهذا الطريق ثُمَّ وضع هذه المسألة في الْكِتَابِ
(8)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 172).
(2)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(3)
هي الفصول العمادية؛ لعماد الدين المرغيناني. يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 78).
(4)
يُنْظَر: المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 215).
(5)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 169).
(6)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 103).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للشيباني (5/ 21).
(8)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 216).
وفي المَبْسُوط
(1)
بين الخارج وذي اليد كما ترى.
وذكر في الذَّخِيرَةِ
(2)
سواء كان المبيع في يد أحدهما أو في يد ثالث والثالث يجحد وسواء شهد الشهود بالشراء والقبض أو شهدوا بالشراء ولم يشهدوا بالقبض وسواء كان الثمنان على السّواء أو كان أحدهما أنقص من الآخر إلا أنّ المبيع إذا كان في يد أحد المتداعيين، فإنّه يترك في يده قضاء ترك على الروايات كلها وإذا كان في يد ثالث ذكر في بيوع الجامع في الباب القصير أنّه يقضي بالعين المُدَّعَى بين المدعيين نصفين إن كان لا يقضي بالعقدين وذكر في الباب الطّويل أنّه يترك في يد الثالث قضاء ترك
(3)
.
(ولا يعكس الآمر)
(4)
أي: ولا يجعل كأن الخارج اشترى ذلك العين من ذي اليد أولاً ثُمَّ باعه من ذي اليد لأن في ذلك يلزم البيع قبل القبض [وذلك لايجوز]
(5)
ولأن قبض ذي اليد صادر عن عقده الذي أثبته بالبيّنة فذلك دليل سبق عقده هذا إذا لم يشهد الشهود بالقبض.
وأما إذا شهد الشهود بالقبض يجعل عقد الخارج سابقاً على ما ذكر بعد هذا في الْكِتَابِ
(6)
بقوله: (ولو شهد الفريقان بالبيع والقبض تهاترتا بالإجماع)
(7)
؛ ولأن السّبب [للشراء]
(8)
يراد لحكمه وهو الملك ولا يمكن القضاء لذي اليد إلا بملك مستحق يعني لو قضينا ببينة صاحب اليد كان هذا قضاء بالعقد ليزول ملكه إلى غيره والسبب لا يراد لنفسه وإنّما يراد لحكمه فإذا لم يقع الحكم له في المال لم يكن السبب معتبراً كذا في الْإِيضَاحِ، فالقصاص مذهب مُحَمَّد رحمه الله
(9)
للوجوب عنده فإن البيعين لما ثبتا عنده كان كلّ واحد منهما موجباً للثمن على مشتريه فيتقاص الوجوب بالوجوب (ولو شهد الفريقان)
(10)
أي: فريقا شهود الخارج وذي اليد تهاترتا بالإجماع
(11)
لكن على اختلاف التخريج فعندهما
(12)
باعتبار أنّ دعواهما مثل هذا البيع إقرار من كل واحد منهما بالملك لصاحبه وفي مثل هذا الإقرار تهاتر الشهود فكذلك هاهنا وعند مُحَمَّد
(13)
رحمه الله باعتبار أن بيع كل واحد منهما جائز لوجود البيع بعد القبض وليس في البيعين ذكر التاريخ ولا دلالة التاريخ [حتى يجعل أحدهما سابقاً والآخر لاحقاً بخلاف ما إذا لم يذكر القبض حيث يجعل شراء صاحب اليد سابقاً وبيعه لاحقاً لدلالة التاريخ عليه]
(14)
وهي القبض إذ لو جعلنا بيع الخارج لاحقاً يلزم البيع قبل القبض على ما ذكرنا.
(1)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (16/ 315).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (5/ 415).
(3)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 256).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 172).
(5)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(6)
المقصود بالكتاب: مختصر القُدُورِي (1/ 215).
(7)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 173) والمراد إجماع أئمة الحنفية رحمهم الله.
(8)
[ساقط] من (أ) و (ب).
(9)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 77).
(10)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 173).
(11)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (2/ 127).
(12)
هما أبو حَنِيفَةَ وأبو يوسف –رحمهما الله-. يُنْظَر: تبين الحقائق (4/ 322).
(13)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (4/ 77).
(14)
[ساقط] من (ج).
وأمّا هاهنا لما أثبتوا البيع والقبض/ لكل واحد منهما كان بيعهما جائزا وليس أحدهما بأولى من الآخر في القبول فتساقطا للتعارض فتبقى العين على يد صاحب اليد كما كان لأنّ شهادة الفريقين لما تساقطت بالتعارض صار كأنهما لم يشهدا وهو معنى قوله: (لأنّ الجمع غير ممكن)
(1)
أي: لما لم يكن دلالة على سبق بيع أحدهما على الآخر لجواز بيع كل واحد منهما لوجود البيع بعد القبض لم يمكن العمل بشهادة الفريقين لتعارض شهادة كل واحد منهما بالآخر سقطت شهادتهما فكانت شهادتهما بمنزلة تعارض النصين بحيث لم يمكن الترجيح ولا الحمل على الحالتين يسقط العمل بهما فبعد ذلك كان العمل بما بعدهما من الحجة لما عرف وهاهنا أيضاً لما سقطت شهادتهما بالتعارض تبقي العين في يد صاحب اليد كما كان [فكان]
(2)
المراد من الجمع المذكور في قوله: (؛ لأنّ الجمع غير ممكن)
(3)
العمل به على وجه يندفع التعارض كما هو المعروف في حق النصين المتعارضين الأصل هو الجمع ثُمَّ الترجيح ثُمَّ التهاتر.
وحاصل قول مُحَمَّد رحمه الله ما ذكره في المَبْسُوط
(4)
هو أنّ الشهود إذا لم يشهدوا بالقبض يجعل شراء ذي اليد سابق وبيعه متأخراً فيؤمر بتسليمه إلى الخارج، وإن شهدوا بالقبض يجعل شراء الخارج سابقاً وبيعه متأخراً؛ لأن قبضه منقض عيانًا وانقضاء قبضه دليل على سبق عقده وقيام قبض الآخر دليل تأخر عقده ولأنا لو جعلنا عقد ذي اليد سابقاً كان قبضه غصباً حراماً، ولو جعلنا عقده متأخراً كان يحق فلهذا أثبتنا التاريخ بين العقدين بهذه الصفة.
وأمّا عندهما فتهاتر الشهادتين في الصورتين جميعًا.
وذكر في الذَّخِيرَةِ
(5)
: فأمّا إذا شهدوا بالعقد والقبض، وإنما يجعل القبض المعاين آخر القبضين، لأنَّ الأصل أن القبض إذا ثبت عقيب عقد يحال به على ذلك [العقد]
(6)
؛ لأنَّه ظهر سببه والحكم متى ثبت عقيب سبب فإنما يحال به على ما ظهر من السّبب لا على غيره.
(ولأنَّ) أي: الشراءين قدمناه في هذه الصورة يصح العقدان فيقدّم شراء الخارج حتّى لا يحتاج إلى نقض القبض المعاين بالشك (وإن وقّتت البينتان في العقار)
(7)
قيد بالعقار ليظهر ثمرة الخلاف كما ذكر وحاصله ما ذكره في المَبْسُوط
(8)
بقوله: فإن وقّت الشهود وقتين فهو على وجهين:
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 173).
(2)
[ساقط] من (أ).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 173).
(4)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 103).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 791).
(6)
وفي (ب)(القبض).
(7)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 173).
(8)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 114).
1 -
إمَّا أن يكون وقت الخارج سابقاً.
2 -
أو وقت ذي اليد.
وكل وجه على وجهين:
1 -
إمّا أن يشهد الشهود بالقبض.
2 -
أو لم يشهدوا به.
فإن كان وقت الخارج سابقاً فإن لم يشهد الشهود بالقبض قضى بها لذي اليد عند أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف
(1)
؛ لأنَّ شراءه ثبت سابقاً ثُمَّ اشتراه منه ذو اليد قبل التسليم وبيع العقار عندهما قبل القبض [جائز.
(وعند مُحَمَّد رحمه الله يقضي بهذا للخارج لأنّه لا يجوز بيع العقار قبل القبض]
(2)
وإن شهد الشهود بالقبض يقضي بها لذي اليد)
(3)
عندهم جميعًا
(4)
؛ لأنّ الخارج باعها من بائعه بعدما قبضها وذلك صحيح فإن كان وقت ذي اليد سابقاً يقضي بها للخارج سواء شهد الشهود بالقبض أو لم يشهدوا أمّا إذا شهدوا بالقبض فلا إشكال فيه وكذلك إن لم يشهدوا به؛ لأنّ ذا اليد قابض وقد أثبت شراءه سابقاً فيجعل قبضه صادراً عن عقده ثُمَّ الخارج إنما اشتراها منه بعد قبضه فيؤمر بتسليمها إليه قوله رحمه الله: (وإن أثبتنا قبضًا يقضي لصاحب اليد) أي: بالإجماع
(5)
؛ لأنّه يجعل أنّ الخارج باعها من بائعه بعدما قبضها وذلك جائز بالاتفاق
(6)
.
(يقضي للخارج في الوجهين)
(7)
أي: سواء شهد الشهود بالقبض أو لم يشهدوا به فهما سواء وعند الأَوْزَاعِيِّ رحمه الله
(8)
إذا كانت الدَّعْوَى في عين كل واحد من المدعيين يدعي كله يقضي لأكثرهما عددًا في الشهود ذكره في بَابِ الدَّعْوَى في الميراث من دعوى المَبْسُوط
(9)
.
والترجيح ليس بكثرة العلل بل بقوتها
(10)
ألا ترَى أن الخبر لا يترجّح بخبر آخر يروى ولا الآية بآية أخرى؛ لأنّ كل واحد منهما علة بنفسه، أمَّا إذا كانت إحدى الآيتين تحتمل التأويل والأخرى لا تحتمل فكان غير المحتمل أولى؛ لأنّه لما لم تحتمل التأويل كان مفسراً وكونه مفسراً وصف فيه والمفسّر راجح على النص والظاهر
(11)
، كذلك الشهادتان إذا تعارضتا وإحداهما مستورة والأخرى عادلة ترجّحت العادلة بالعدالة؛ لأنها صفة الشهادة ولا يترجّح بزيادة عدد الشهود؛ لأنّها ليست بصفة لما هو حجة من الشهادة بل مثلها وشهادة كل عدد ركن مثل شهادة/ الآخر لا أن يكون بعضها صفة للبعض إلى هذا أشار في التقويم
(12)
.
(1)
يُنْظَر: المرجع السابق (17/ 115).
(2)
[ساقط] من (ج).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 173).
(4)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (3/ 101).
(5)
إجماع الحنفية. يُنْظَر: المحيط البرهاني (7/ 28).
(6)
يُنْظَر: فتح القدير (6/ 513).
(7)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 173).
(8)
الصواب من قول الأوزاعي أنه يقسم على عدد الشهود، فإذا شهد لأحدهما شاهدان، وللآخر أربعة، قسمت العين بينهما أثلاثًا؛ لأن الشهادة سبب الاستحقاق، فيوزع الحق عليها، يُنْظَر: المغني (14/ 288).
(9)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 41).
(10)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (5/ 576).
(11)
يُنْظَر: التقرير والتحبير (3/ 23).
(12)
يُنْظَر: تقويم الأدلة (1/ 339).
(فصاحب الجميع يضرب بكل حقه سهمين)
(1)
أي: يأخذ بحسب كل حقه سهمين وفي المُغْرِب
(2)
، وقال الفقهاء فلان يضرب فيه بالثلث أي: يأخذ منه شيئاً بحكم ماله من الثلث.
(ولهذه المسألة نظائر وأضداد)
(3)
فمن نظائرها الموصى له بجميع المال وبنصفه عند إجازة الورثة والموصى له بعين مع الموصى له بنصف ذلك العين إذا لم يكن للميّت مال سواه، ومن أضدادها العبد المأذون له المشترك إذا أدانه أحد الموليين مائة درهم وأجنبي مائة ثُمَّ بيع بمائة درهم فالقسمة بين المولى المدين والأجنبي عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بطريق العول
(4)
أثلاثاً
(5)
وعندهما
(6)
بطريق المنازعة أرباعاً
(7)
.
وكذلك الْمُدَبَّر
(8)
إذا قتل رجلاً خطأ وفقأ
(9)
عين آخر وغرم المولى قيمته لهما وكذلك العبد إذا قتل رجلاً عمدًا وآخر خطأ وللمقتول عمدًا اثنان فعفى أحدهما ثُمَّ دفع العبد بالجنايتين ومما اتفقوا على أن القسمة فيها بطريق العول التركة بين الورثة والغرماء إذا ضاقت التركة عن إيفاء حقهم والموصى له بالثلث مع الموصى له بالسدس إذا لم يجز الورثة وممّا اتفقوا على أنّ القسمة فيه بطريق المنازعة فضولي باع عبد رجل بغير أمره وباع فضولي آخر نصفه وأجاز المولى البيعين [فالقسمة]
(10)
بين المشتريين بطريق المنازعة أرباعاً فأصَّل أبو [يُوسُف]
(11)
ومُحَمَّد أن قسمة العين متى وجبت لسبب حق في العين كانت القسمة على طريق العول كالتركة بين الورثة ومتى وجبت لا بسبب حق كان في العين في الأصل فالقسمة على طريق المنازعة كما في بيع الفضولي فإنّ حق كل واحد من المشتريين كان في الثمن يتحول بالشراء إلى المبيع وفي مسألة الدَّعْوَى حق كل واحد من المدّعيين في العين فكانت القسمة على طريق العول بمعنى أنّ حق كل واحد منهما شائع في العين فما من جزء إلا وصاحب القليل يزاحم فيه صاحب الكثير بنصيبه فلهذا كانت القسمة فيه بطريق العول والأصل عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنّ كل واحد منهما إذا كان [يُدلي]
(12)
بسبب صحيح معلوم فالقسمة على طريق العول كالورثة في التركة وإذا كان [يدلي]
(13)
لا بسبب صحيح ثابت فالقسمة على طريق المنازعة وما لا منازعة فيه لصاحب القليل يسلم لصاحب الكثير كما في بيع الفضوليين فإن بيع كل واحد منهما غير صحيح قبل إجازة المالك؛ وهذا لأنّ المضاربة إنّما يصار إليها عند الضرورة وذلك عند قوة السّبب واستواء السببين في صفة الصحة، وفي مسألة الدَّعْوَى سبب استحقاق كل واحد منهما الشهادة وهي لا توجب شيئاً قبل اتصال القضاء بها فلم يكن كل واحد من السببين معلوم الصحة فلهذا كانت القسمة على طريق المنازعة وما قالاه يبطل بحق الغرماء في التركة فإنَّ قسمة العين بينهم بسبب حق كان في الذمة ومع ذلك كانت القسمة عوليّة كذا في المَبْسُوط
(14)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 173).
(2)
يُنْظَر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرب؛ للمطرزي (2/ 7).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 173).
(4)
العول في اللغة الميل إلى الجور والرفع وفي الشرع زيادة السهام على الفريضة فتعول المسألة إلى سهام الفريضة فيدخل النقصان عليهم بقدر حصصهم وعول الفريضة، وقد عالت، أي ارتفعت، وهو أن تزيد سهاما فيدخل النقصان على أهل الفرائض. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (5/ 1778)، التعريفات (1/ 205).
(5)
يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (4/ 323).
(6)
هما أبو يوسف ومحمد. يُنْظَر: البحر الرائق (7/ 246).
(7)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية (6/ 62).
(8)
التدبير: عتق العبد عن دبر، وهو أن يعتق بعد موت صاحبه، فهو مدبر. يُنْظَر: الصِّحَاح؛ للجوهري (2/ 655).
(9)
فَقَأَ العَينَ والبَثْرةَ: كسَرَها. وَقِيلَ قَلعها وبَخَقَها أَي شَقها. والفَقْءُ: الشَّقُّ والبَخْصُ. يُنْظَر: لسان العرب (1/ 123).
(10)
[ساقط] من (ج).
(11)
في (ج)(حَنِيفَةَ).
(12)
في (ج)(يدعي).
(13)
في (ج)(يدعي).
(14)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 154).
ثُمَّ إنما وضع المسألة في دعوى الخارجين؛ لأنّه لو كانت الدار في أيديهما وهي المسألة الثانية ودعواهما هكذا، و أقاما البينة فالدار كلها لمدّعي الجميع فوجه ذلك هو أنّ دعوى كل واحد منهما منصرفة إلى ما في يده أولاً؛ لتكون يده يدًا محقة في حقه؛ وهذا لأن حمل أمور المسلمين على الصحة واجب فصاحب النصف لا يدّعي شيئًا مما في يد صاحب الجميع وصاحب الجميع يدعي شيئاً مما في يد صاحب النصف فعليه إثباته بالبينة، وإن أقاما البينة فالدّار كلها لصاحب الجميع لأنّه اجتمع بينة الخارج وبينة ذي اليد فيما [في يد]
(1)
صاحب النصف، فبيّنة الخارج أولى بالقبول وإن أشكل ذلك كانت بينهما هذا الذي ذكره من الجواب في الخارجين، أمّا إذا كانت الدَّعْوَى بين الخارج وذي اليد في النِّتاج وأقاما البينة ووقت البينتان في الدّابة وقتين فإن كانت الدّابة على وقت بينة المدّعي قضيت بها له؛ لأن علامة الصدق ظهرت في شهادة شهوده وعلامة الكذب ظهرت في شهادة شهود ذي اليد.
وأمّا إذا كانت البينة على وقت بينة ذي اليد أو كانت مشكلة قضيت بها لذي اليد إما لظهور علامة صدق في شهوده أو سقوط اعتبار التوقيت إذا كانت مشكلة كذا في المَبْسُوط
(2)
ولم يذكر فيه ما إذا كانت سن الدابة بين الوقتين اللذين ذكرهما بينتا الخارج وذي اليد.
وذكر في الذَّخِيرَةِ
(3)
في ذلك عامة المشايخ على أنّها تهاتر البينتان وتترك الدّابة في يد صاحب اليد.
(وإن خالف سن الدابة الوقتين) أي: في دعوى الخارجين (بطلت البينتان كذا ذكره الحاكم)
(4)
(5)
هكذا ذكر الجواب في الْإِيضَاحِ
(6)
.
وذكر في المَبْسُوط
(7)
من مشايخنا من أجاب بهذا بأنّه إذا كان سنها على غير الوقتين يُعلم ذلك يبطل البينتان.
ثُمَّ قال والأصحّ ما قاله مُحَمَّد رحمه الله
(8)
من الجواب: وهو أن تكون الدّابة بينهما في الفصلين يعني فيما إذا كانت سن الدابة مشكلة، وفيما إذا كانت على غير الوقتين في دعوى الخارجين، أما إذا كانت مشكلة فلاشك فيه وكذلك إن كانت على غير الوقتين؛ لأنّ اعتبار ذكر الوقت لحقهما وفي هذا الموضع في اعتباره إبطال حقهما فيسقط اعتبار ذكر الوقت أصلاً وينظر إلى مقصودهما وهو إثبات الملك في الدّابة وقد استويا في ذلك فوجب القضاء به بينهما نصفين.
(1)
في (ج)(يدعي).
(2)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 122).
(3)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (10/ 130)
(4)
الحاكم الشهيد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد بن عبدالله، أبو الفضل السلمي المروزي الحنفي، كان يحفظ الفقهيات، ويتكلم على الحديث، (ت 334 هـ)، وكتابه: الكافي. يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 112).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 173).
(6)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (1/ 368).
(7)
يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (17/ 122).
(8)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (8/ 27).
وهذا لأنَّا لو اعتبرنا التوقيت بطلت البينتان وهي في يد ذي اليد وقد اتفق الفريقان على استحقاقها على ذي اليد فكيف يترك في يده مع قيام حجة الاستحقاق عليه (فهو بينهما لاستوائهما)
(1)
؛ لأنَّ المودع لمّا جحد الوديعة صار كالغاصب. والله أعلم بالصواب.
(1)
(أقام رجلان عليه البينة أحدهما بغصب والآخر بوديعة فهما سواء). يُنْظَر: الهداية شرح البداية (3/ 173).