الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصلٌ في التَّنازُعِ في الأيدي]
(1)
لما ذكر
(2)
إثبات المِلك لنفسه بالبيّنة وهو الأقوى ذكر في هذا الفصل: إثبات المِلك بسبب التصرف باليد؛ لأن هذا أضعف؛ لِما أنّهما إذا تعارضا كان الاعتبار للبيّنة لا لليد. فإن الخارج
(3)
وذا اليدِ
(4)
إذا ادَّعيا المِلك لنفسهما في العين
(5)
، وأقاما البيّنة على ما ادّعياه فالاعتبار لبيّنة الخارج لا لذي اليدِ كما مرَّ.
(فالراكب أولى): (لأن تصرفه أظهر).
وأمّا إذا كان أحدهما ممسكًا بلجام
(6)
الدابة والآخر متعلقًا بذنَبها، قال مشايخنا
(7)
: ينبغي أن يقضى للذي هو ممسك بلجامها
(8)
؛ لأنه لا يتعلق باللجام غالبًا إلا المالك. أما الذنَب: فإنه كما يتعلق به المالك يتعلق به غير المالك كذا في الذخيرة
(9)
(10)
.
(1)
ما بين القوسين ساقط من (أ).
(2)
صاحب الهداية.
(3)
الْخَارِجَ: هو الَّذِي يَدَّعِي مِلْكًا مُطْلَقًا دُونَ النِّتَاجِ. يُنْظَر: المغرب (ص: 454).
(4)
ذو اليد: المتصرف في الأملاك والأعيان أو من كانت العين في حيازته، يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (ص: 215).
(5)
العين: جمعها أعيان وهي الحاضر من كل شيء مادي، وهي ضد الدَّين. يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (ص: 326).
(6)
في (أ): للجام.
(7)
المراد بالمشايخ في اصطلاح الحنفية العام من لم يدرك الإمام أبا حنيفة رحمه الله من علماء مذهبه. وقد يخرج بعضهم عنه كصاحب الهداية رحمه الله حيث يريد بقوله: "مشايخنا" علماء ما وراء النهر من بخارى وسمرقند.
يُنْظَر: رد المحتار لابن عابدين (4/ 495)، مقدمة الهداية للكنوي (ص 3).
(8)
اللجام: حبل أو عصا تدخل في فم الدابة وتلزق إلى قفاه، يستخدم لإيقافها. يُنْظَر: لسان العرب لابن منظور 12/ 534.
(9)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 9/ 108.
(10)
الذخيرة هي: ذخيرة الفتاوى، المشهورة بالذخيرة البرهانية؛ لبرهان الدين، محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري المتوفى سنة 616 هـ، والذخيرة البرهانية مختصرة من كتابه المحيط البرهاني؛ لابن مازة، وهذه الفتاوى لها نسخ متعددة منها نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، تحت الرقم (3867 ف)، عن مكتبة تشتربيتي بدبلن بإيرلندا. يُنْظَر: معجم المؤلفين (12/ 146)، كشف الظنون (1/ 823).
(فاللّابس أولى)
(1)
: (لأنه أظهرهما تصرفًا)
ولهذا يصير به غاصبًا، كذا في الإيضاح
(2)
(3)
.
التنازع في البساط
(ولو تنازعا في بساطٍ أحدُهما جالس عليه والآخرُ متعلّق به فهو بينهما):
وكذلك لو كانا جالسين عليه وادعياه فهو بينهما؛
(لأن القعود ليس بيد عليه): لأن اليد على البساط لا تثبت
(4)
إلا بأحد الطريقين: إما بإثبات اليد عليه حسًّا بالنقل والتحويل، وإما بكونه في يده حكمًا بأن كان في بيته، ولم يوجد شيء من ذلك في البساط، فإنا نراه موضوعًا على قارعة الطريق ولا علم أنه ليس في يد غيرهما ولا في يدهما، وهما يدعيان
(5)
يقضى بينهما لاستوائهما في الدعوى، فإن قلت: فلما لم يثبت اليد على البساط بالتعلق وبالقعود؟ وجب أن لا يقضي القاضي بينهما نصفين كما في الدار فإن الرجلين لو كانا قاعدين في الدار كل واحد منهما يدَّعيها لنفسه فإنه لا يقضى بينهما، وعلَّل فيه بقوله: لأن القعود في الدار لا يثبت اليد عليها كما في البساط، ثم قضى القاضي بينهما في
(1)
كلمة (أولى): ساقطة من (ب). ويبدو أنه يسبق عبارة (فاللابس أولى) مسألة أخرى لم تذكر في المخطوطين؛ فقد جاء في البناية شرح الهداية: 9/ 406 ط دار الكتب العلمية ط 2000 م: قال: وكذا إذا تنازعا في قميص، أحدهما لابسه، والآخر متعلق بكمه فاللابس أولى.
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 4/ 325.
(3)
كتاب الإيضاح: يعرف باسم كتاب الإيضاح في الفروع لأبي الفضل الكرماني عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن أميرويه الحنفي مولده بكرمان ووفاته بمرو، سنة 54 هـ. لا يزال مخطوط في ثلاث مجلدات. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 304، تاج التراجم (ص: 184)، كشف الظنون 1/ 345.
(4)
في (أ): لا يثبت.
(5)
في (ب): يدعيا.
البساط ولا يقضي في الدار، مع أن في
(1)
كل واحد منهما لا يثبت اليد بذلك التصرف فما الفرق بينهما؟ قلت: أما وجه القضاء في البساط عند دعواهما له بهذا الطريق فقد بينّاه. وهو: أن البساط إن لم يكن في أيديهما بقعودهما عليه أو بتعلق أحدهما به، ولكن علم القاضي حسًّا وعيانًا أنه ليس في يد غيرهما أيضًا، فكان بمنزلة عين ملقاة في الطريق يدعيها اثنان ولا يدعيها غيرهما، قضى القاضي بينهما؛ لانعدام مدعٍّ غيرهما عيانًا باليد أو بالملك. وأما في الدار: إن علم القاضي أنها ليست في أيديهما بجلوسهما فيها ولكن لم يعلم أنها ليست في يد غيرهما؛ لأن اليد على الدار إنما تثبت بالسُّكنى فيها أو بالاختطاط
(2)
. والقاضي إن علم أنه ليس أحد في الدار ساكن لكن لم يعلم زوال ثبوت يد الاختطاط عنها؛ لأن الدار بعد أن كانت في مكانها الذي يثبت يد المختطِّ فيه عليها لم يتحوَّل عن ذلك إلى مكان آخر فكانت يد المختط لها ثابتة على الدار حكمًا إلا أنه جهل صاحب اليد، وجهالة صاحب اليد لا تجوِّز القضاء لغيره. لما أن القاضي إنما يقضي بما وقع فيه الدعوى بين المتداعيين بحكم الدعوى إذا علم أن المدعى
(3)
به ليس في يد غيرهما ولم يثبت هذا العلم في العقار وثبت في المنقول وعن هذا افترق بينهما، إلى هذا أشار في الذخيرة
(4)
.
(1)
في (ب): في أن كل.
(2)
الخطّ والخطّة والاختطاط: الأرض تنزل من غير أن ينزلها نازل قبل ذلك. وقد خطّها لنفسه خطّا، واختطها: وهو أن يعلم عليها علامة بالخط ليعلم أنه قد احتازها ليبنيها دارًا، والدار يختطها الرجل في أرض غير مملوكة ليتحجرها ويبني فيها، يُنْظَر: لسان العرب 7/ 288.
(3)
في (أ) و (ب): المدعا، والصواب: ما أثبته. وهو موافق للمحيط البرهاني 9/ 108.
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 9/ 108.
التنازع في الثوب
(وإذا كان ثوب في يد رجل وطرف منه في يد آخر فهو بينهما نصفان): وهذا يدل على أن جميع الثوب لو كان في يد رجل وادعى أنه له كان القول قوله.
لكن هذا إذا عرف أن مثل هذا الثوب كان له في العادة وإلا فلا؛ لأنه ذكر في المحيط
(1)
والذخيرة
(2)
: لو خرج رجل من دار رجل وعلى عاتقه متاع فإن كان هذا الرجل الذي على عاتقه هذا المتاع يعرف ببيعه وحمله
(3)
فهو له، وإن لم يُعرَف بذلك فهو لرب الدار. وفي القدوري
(4)
: لو أن خياطًا يخيط ثوبًا في دار رجل وتنازعا في الثوب فالقول قول صاحب الدّار
(5)
. وفي نوادر
(6)
ابن سماعة
(7)
عن أبي يوسف
(8)
رحمهما الله: رجل دخل دار رجل فوجد معه مالًا فقال لربّ الدار: هذا مالي أخذته
(1)
المحيط البرهاني؛ لبرهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازة البخاري، المتوفى سنة (616 هـ) والمحيط البرهاني كتاب مطبوع في الفقه الحنفي، جمع فيه مصنفه مسائل ظاهر الرواية من كتب ظاهر الرواية؛ لمحمد بن الحسن الشيباني وألحق به مسائل النوادر والفتاوى والواقعات وضم إليها عددًا من الفوائد. يُنْظَر: كشف الظنون 2/ 1619، معجم المؤلفين 3/ 796، الفوائد البهية ص 336.
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 9/ 109.
(3)
في (أ): بتبعيه وجمله. وفي (ب): جمله. والصواب ما أثبته. وهو موافق لما في المحيط البرهاني: 9/ 109.
(4)
القدوري: كتاب في فروع الحنفية وهو شرح مختصر الكرخي للقدوري، وقد حُقّقَ الْكِتَاب في جامعة الإمام مُحَمَّد بن سعود الإسلامية من الكتب المعتمدة في فقه أبي حنيفة، لأبي الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان البغدادي، القدوري، انتهت إليه بالعراق رئاسة الحنفية، مات: في رجب سنة 428 هـ. يُنْظَر: الجواهر المضيئة 1/ 93، كشف الظنون 2/ 1631، المذهب الحنفي 2/ 564.
(5)
في (أ): الصدار.
(6)
النوادر: هي المسائل المروية عن أصحاب المذهب في غير كتب ظاهر الرواية. ونوادر ابن سماعه من كتب النوادر عن أبي يوسف ومحمد وكان سبب كتب ابن سماعة النوادر عن محمد أنه رآه في النوم كأنه يثقب الإبر فاستعبر ذلك فقيل هذا رجل ينطق بالحكمة فاجهد أن لا يفوتك منه لفظة. فبدأ حينئذ فكتب عنه النوادر. يُنْظَر: الجواهر المضيئة 2/ 58، كشف الظنون 2/ 1282.
(7)
محمد بن سماعة بن عبيد الله التميمي أخَذ العلم عن أبي يوسف ومحمد جميعًا كتب النوادر عن محمد، ولي قضاء بغداد للمأمون، توفي سنة 233 هـ. يُنْظَر: الجواهر المضيئة 2/ 58، طبقات الفقهاء 1/ 138.
(8)
هو: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، الكوفي، البغدادي (أبو يُوسُف) فقيه، أصولي، مجتهد، وُلد بالكوفة، وتفقَّه على أبي حنيفة، وولي القضاء ببغداد لثلاثة من الخلفاء العباسيين المهدي والهادي وهارون الرشيد، وتوفي ببغداد سنة 182 هـ، من آثاره: كتاب الخراج، المبْسُوط في فروع الفقه الحنفي ويسمى بالأصل. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 220، تاريخ بغداد 14/ 242.
من منزلي قال أبو حنيفة
(1)
رحمه الله: القول قول ربّ الدار. ولا يصدق الداخل في شيء ما خلا ثيابه التي عليه إن كانت الثياب مما يلبسه، وقال أبو يوسف رحمه الله: إن كان الداخل رجلًا يعرف بصناعة شيء من الأشياء، بأن كان حمالًا يحمل الزيت فدخل على رقبته زِقّ
(2)
زيت أو كان ممن يبيع ويطوف بالمتاع
(3)
في الأسواق فالقول قوله ولا أصدِّق قولَ ربّ الدار عليه. وأثبت في هذه المسائل أن صاحب اليد إنما تعتبر
(4)
يده وإن كانت في المنقولات عند دلالة الدليل على أن ذلك الشيء له عادة وإلا فلا.
(لأن الزيادة من جنس الحجة): لأن كل واحد منهما مستمسك باليد إلا أن أحدهما أكثر استمساكًا فلا يوجب ذلك الرجحان كما لو تنازعا في دابّة ولأحدهما عليه خمسون مَنٍّ
(5)
، وللآخر مائة مَنٍّ كانت بينهما نصفين، ولا يعتبر التفاوت بالقلة والكثرة، كما لو أقام
(1)
هو: النعمان بن ثابت، التيمي بالولاء، الكوفي، إمام الحنفية، الفقيه المجتهد المحقق، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. ولد ونشأ بالكوفة .. قال الإمام مالك، يصفه: رأيت رجلا لو كلمته في السارية أن يجعلها ذهبًا لقام بحجته! وعن الإمام الشافعيّ: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة. له: المسند في الحديث، جمعه تلاميذه، والمخارج في الفقه، صغير، رواه عنه تلميذه أبو يوسف. توفي ببغداد سنة (150 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضيئة 1/ 26.
(2)
الزِّق: السقاء، والزِّق من الأهب: كل وعاء اتخذ لشراب ونحوه. يُنْظَر: لسان العرب لابن منظوره 10/ 143.
(3)
الْمَتَاع: التَّمَتُّع وكل مَا ينْتَفع بِهِ ويرغب فِي اقتنائه كالطّعام وأثاث الْبَيْت والسلعة والأداة وَالْمَال. يُنْظَر: المعجم الوسيط (2/ 852)، لسان العرب (8/ 333).
(4)
في (أ) و (ب): يعتبر. والصواب: ما أثبته.
(5)
المنُّ: جمع أمنان، ويقال له المنا الذي يكال به السمن وغيره وقيل الذي يوزن به رطلان. يُنْظَر: لسان العرب 13/ 415، معجم لغة الفقهاء 1/ 460، المصباح المنير 2/ 582.
أحدهما الاثنين من البيّنات والآخر الأربعة، وهذا احتراز عما ذكر قبله بقوله:(وإذا تنازعا في قميصٍ أحدهما لابسه والآخر متعلِّق به، فاللابس أولى)؛ لأن اللبس تصرف آخر سوى التصرف باليد فيثبت به الرجحان للتصرف باليد كما يثبت الرجحان لأحدى البينتين عند دعوى النتاج باليد. فإن قلت: يشكل على هذا أعني: مما
(1)
ذكره في الكتاب
(2)
بقوله؛ (لأن الزيادة من جنس الحجة، فلا يوجب زيادة في الاستحقاق) مما
(3)
ذكره بُعيد هذا في الكتاب من مسألة الحائط
(4)
بقوله: (وإن كان جذوع
(5)
أحدهما أقل من ثلاثة وللآخر ثلاثة فهو لصاحب الثلاثة)؛ حيث جعل الزيادة التي هي من جنس الحجة موجبة للترجيح؛ لأن الشاهد من الطرفين للملك وضع الجذوع، والجذع
(6)
من جنس الجذوع، ومع ذلك رَجَحَ صاحب الجذوع الثلاثة على صاحب جذع واحد بالكثرة قلت: جوابه أيضًا بُعيد هذا وهو في تلك المسألة.
(1)
في (ب): ما.
(2)
الكتاب: المقصود به عند الأحناف هو مُختَصرُ القُدُوري. يُنْظَر: كشف الظنون 2/ 1632.
(3)
في (ب): ما.
(4)
الحائط: هو البستان من النخل إذا كان عليه جدار. يُنْظَر: تاج العروس (19/ 231)، المغرب (ص: 134).
(5)
الجذوع: واحدها جِذْعُ، بالكسر: ساقُ النَّخْلَةِ. يُنْظَر: القاموس المحيط (ص: 708) الصحاح (3/ 1195).
(6)
في (أ): والجذوع.
ادعيا عبدًا وهو في أيديهما
(وإذا كان الصبي في يد رجُل) إلى آخره. وإذا اختصم رجلان في عبدٍ كلُّ واحدٍ منهما يقول: هو عبدي وهو في أيديهما؛ فإن كان العبد صغيرًا لا يعبر عن نفسه فالقاضي لا يقضي لواحد منهما بالملك؛ ما لم يقم البينة، ولكن يجعل في أيديهما، وهذا؛ لأن الصغير
الذي لا يعبر عن نفسه والبهيمة
(1)
سواء، ولو كانت في أيديهما بهيمة وكل واحد منهما يدعي أنها له فالقاضي لا يقضي لواحد منهما [بالمِلك]
(2)
؛ لأنه لم يعرف الملك فيها لواحد منهما وما لم يعرف القاضي لا يقضي به
(3)
إلا ببينة، ولكنه يجعله في أيديهما؛ لأنه عرف يديهما عليه كذا ههنا، وإن كان الغلام كبيرًا يتكلم أو صغيرًا.
(يعبّر عن نفسه، فقال: أنا حر فالقول قوله)
ولا يقضي لهما بشيء لا بالملك ولا باليد ما لم يقيما البينة على ذلك. ولو قال: أنا عبد أحدهما لم يصدّق وهو عبدهما؛ لأنه لما أقرَّ بالرِّق
(4)
فقد ثبَّت يدهما عليه حقيقة وحكمًا؛ لأن يد الحر تثبت على الرقيق
(5)
. ثم هو بقوله: أنا عبد أحدهما يريد إبطال اليد الثابتة عليه لأحدهما حقيقة وحكمًا فلا يقدر عليه؛ بخلاف ما إذا قال: أنا حرّ الأصل لأنه أنكر ثبوت اليد على نفسه واليد لا تثبت للحرّ على الحرّ فكان القول قوله، وكذلك إذا كان العبد في يدي رجل وأقرّ: أنه لآخر لم يصدَّق والقول قول صاحب اليد. ثم شرط في الكتاب أن يكون الغلام كبيرًا يتكلم
(6)
وربما يقول في بعض النسخ إذا كان يعبر عن نفسه. وإنما الشرط أن يتكلم
(7)
ويعقل ما يقول، فإن كان بهذه الصفة يُرجع إلى قوله. كذا في الذخيرة
(8)
.
(1)
البَهِيمةُ: كلُّ ذاتِ أَربَعِ قَوائم مِنْ دَوابّ البرِّ وَالْمَاءِ، وَالْجَمْعُ بَهائم. يُنْظَر: لسان العرب (12/ 56).
(2)
زيادة في (ب).
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
الرِّقُّ: بِالْكَسْرِ مِنَ الْمِلْكَ وَهُوَ الْعُبُودِيَّةُ. يُنْظَر: مختار الصحاح (ص: 127).
(5)
الرَّقيقُ: العبد الْمَمْلُوكُ. يُنْظَر: لسان العرب (10/ 124).
(6)
في (أ): تكلم. بدل: (كبيرًا يتكلم)، وأثبتها في المتن لموافقتها لما في المحيط البرهاني 9/ 106.
(7)
في (أ): بينكما.
(8)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 9/ 106.
(أنا عبد لفلان، فهو عبد للذي في يديه): دلالة
(1)
إذا قال أنا عبد لفلان
(لأنه أقرَّ بأنه لا يد له حيث أقرَّ بالرّق): فإن قلت: الإقرار بالرّق من المضار فكيف صح ذلك الإقرار من الصبي والأقوال الموجبة للضرر غير ثابتة في حق الصبي وإن كان عاقلًا كالطّلاق
(2)
والعتاق
(3)
والهبة
(4)
والإقرار بالدين؟ وكذلك أفعاله، حتى أن فعله لم يقع موجبًا للقصاص والحدود؛ فإن الصبي أبدًا يبعد من المضار ويقرب من المبَار فكيف صح هذا الإقرار ها هنا من الصبي وهو من المضار؟ قلت: ثبوت الرّق هنا ليس بعبارة الصبي بل بدعوى ذي اليد؛ لأن عند معارضته إياه بدعوى الحريّة لا تتقرر يده عليه أي: يد صاحب اليد على الصبي، وعند عدم المعارضة يتقرر يده عليه فيكون القول قوله. رقه بمنزلة الصبي الذي لا يعقل إذا كان في يده؛ ولأن الإقرار بالرق مما في مقدور المقر تداركه؛ لأن التناقض في دعوى الحرية لا يمنع صحة الدعوى. بخلاف الإقرار بالدين؛ لأنه ليس في مقدور المقر تداركه وتلافيه؛ لأن التناقض فيه يمنع صحة الدعوى؛ وكذلك في الطلاق والعتاق.
إن كان الصبي لا يعبر عن نفسه
(وإن كان لا يعبر عن نفسه فهو عبد للذي في يديه): فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين اللقيط
(5)
الذي لا يعبر عن نفسه؟ فإن الملتقط هناك وهو صاحب اليد لو ادعى أنه عبد لا يصدَّق وهنا يصدَّق. قلت: الفرق هو أن صاحب اليد إنما يصدَّق في دعوى الرِّق باعتبار
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
الطلاق: هو في اللغة إزالة القيد والتخلية، وفي الشرع: إزالة ملك النكاح. يُنْظَر: التعريفات (ص: 141).
(3)
العتاق: خِلَافُ الرِّق وَهُوَ الْحَرِيَّةُ. يُنْظَر: لسان العرب (10/ 234).
(4)
الهِبةُ: العَطِيَّة الخاليةُ عَنِ الأَعْواضِ والأَغْراضِ. يُنْظَر: لسان العرب (1/ 803).
(5)
اللقيط: هو بمعنى الملقوط، أي المأخوذ من الأرض، وفي الشرع: اسم لما يطرح على الأرض من صغار بني آدم؛ خوفًا من العيلة، أو فرارًا من تهمة الزنا. يُنْظَر: التعريفات (ص: 193).
يده ويد الملتقط على اللقيط ثابتة من وجه دون وجه؛ لأنها ثابتة حقيقة وليست بثابتة حكمًا؛ لأن الملتقِط أمين في اللقيط، ويد الأمين في الحكم يد غيره فإذا كانت ثابتة من وجه دون وجه لم تصح الدعوى مع الشك ومتى لم يعرف له لقيط فيد ذي اليد عليه ثابتة من كل وجه؛ لأنها ثابتة حقيقة وحكمًا أن يده عليه ليست يد غيره فتصح الدعوى، فإن قيل: وجب أن لا يصدق في دعوى الرّق؛ لأن الحرية ثابتة بالأصل؛ لأن الناس بأسرهم أحرار في الأصل لأنهم أولاد آدم وحواء ومهما كانا حُرّين وكان ما يدعيه من الرق أمرًا عارضًا فلا يقبل قوله إلا بحجة. قلنا: ما هو الأصل إذا اعترض عليه ما يدل على خلافه؟ يبطل ذلك الأصل، واليد على من هذا شأنه دليل على خلاف ذلك الأصل لأنها دليل الملك فيبطل بذلك الأصل، كذا في الفوائد الظهيرية
(1)
(2)
.
تعريف الهرادي
الهرادي: جمع الهردية، بالفارسية وَرّدك، وفي المغْرب
(3)
: الهردية
(4)
عن الليث
(5)
قَصَبَاتٌ
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 408.
(2)
كتاب الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة: هو فوائد على الجامع الصغير للحسام الشهيد سمّاها الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة في الفقه، وهو لظهير الدين أبي بكر مُحَمَّد بن أحمد القاضي الفقيه الأصولي، (ت 619 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضيَّة (2/ 20)، معجم المؤلفين (8/ 303).
(3)
كتاب المغْرِب في ترتيب المعرب: لأبي الفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي بن المطرز حقق الْكِتَاب محمود فاخوري وعبد الحميد مختار وطبعته مكتبة أسامة بن زيد في سوريا يقول في مقدمة الْكِتَاب ترجمتُه بكتاب "المغْرِب في ترتيب المعْرب" لغرابة تصنيفه ورصانة ترصيفه. يُنْظَر: معجم المؤلفين 13/ 71، تاج التراجم (ص: 309).
(4)
يُنْظَر: المغرب 1/ 110.
(5)
هو: الليث بن سعد عبد الرحمن الفهميّ إمام أهل مصر في عصره، حديثًا وفقهًا كان حنفي المذهب قال الشافعي رحمه الله تعالى الليث كان أفقه من مالك، أصله من خراسان، ومولده في قلقشندة، ووفاته في مصر بالقرافة الصغرى. سنة 175 هـ يُنْظَر: الجواهر المضيئة 1/ 416، تاريخ دمشق 50/ 341.
تُضَمُّ مَلْوِيَّةً بطاقات من الْكَرْمِ
(1)
ترسل
(2)
عليها قصبات الْكَرْمَ. وقال ابن السكّيت
(3)
: هو الحردي
(4)
، ولا تقل
(5)
هودي.
إذا كان الحائط لرجل عليه جذوع أو متصل ببنائه
(وإذا كان الحائط لرجل): إلى أن قال: (فهو لصاحب الجذوع).
وهذا عندنا. وقال الشافعي
(6)
(7)
رحمة الله عليه لا يستحق بوضع الجذوع ترجيحًا على صاحبه؛ لأن وضع الجذوع محتمل قد يكون عن ملك، وقد يكون عن استعارة، وقد يكون عن غصب، والمحتمل لا يكون حجة. ولنا، أن واضع الجذوع مستعمل للحائط بوضع حمله عليه والاستعمال يدٌ وعند تعارض الدعويين القول قول صاحب اليد كما لو تنازعا في دابة ولأحدهما عليه حمل كان أولى بها، ولأن الظاهر شاهد له؛ لأن وضعه الجذوع دليل على أنه هو الذي بنى الحائط لحاجته إلى وضع حمله عليه وبمثل هذه العلامة يثبت الترجيح كما إذا اختلف الزوجان في متاع البيت [هنا]
(8)
يجعل ما يصلح للرجال للرجل وما يصلح للنساء للمرأة كذا في
(1)
الْكَرْمُ: شَجَرُ الْعِنَبِ. يُنْظَر: مختار الصحاح (ص: 268).
(2)
في (أ): يرسل.
(3)
هو: يعقوب بن إسحاق البغدادي النحوي مؤلف كتاب إصلاح المنطق، حجة في العربية. وله كتب منها: القلب والإبدال، ومعاني الشعر توفي سنة 244 هـ. يُنْظَر: وفيات الأعيان للبرمكي 6/ 395.
(4)
حردي: جمعها حرادي وَالحرَادِيُّ مَا يُلْقَى عَلَى خَشَبِ السَّقْفِ مِنْ أَطْنَانِ الْقَصَبِ يُنْظَر: المغرب 1/ 110.
(5)
في (أ): يقل.
(6)
محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع أبو عبد الله، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. وإليه نسبة الشافعية كافة. ولد في غزة وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين. وزار بغداد مرتين. وقصد مصر سنة 199 فتوفي بها سنة 204 هـ، له تصانيف كثيرة، أشهرها: كتاب الأم، في الفقه، والمسند، في الحديث، والرسالة في أصول الفقه. يُنْظَر: سير أعلام النبلاء 10/ 5.
(7)
يُنْظَر في مذهب الشافعية: الأم 3/ 230، الحاوي الكبير 6/ 389.
(8)
زيادة في (ب).
المبسوط
(1)
(2)
.
اتصال التربيع
(والمراد بالاتصال): أي من الاتصال المذكور في قوله: (أو متصل ببنائه): (وقد يسمى اتصال تربيع): وذكر في حيطان الذخيرة
(3)
وتفسير التربيع: إذا كان الحائط من مدر
(4)
أو آجُرٍّ
(5)
أن يكون أنصاف لبن الحائط المتنازع فيه، داخلة في أنصاف لبن غير المتنازع فيه وأنصاف لبن غير المتنازع فيه داخلة في المتنازع فيه وإن كان الجدار من خشب، فالتربيع أن يكون ساجة
(6)
أحدهما مركبة في الأخرى. واما إذا نقبت فادخل لا يكون تربيعًا، وإذا كان تفسير التربيع هذا كان لصاحب التربيع مع الاتصال نوع استعمال ولاتصال المجاورة مجرد اتصال من غير استعمال
(7)
. فيكون الاتصال مع الاستعمال أولى، وحاصل دلالة الملك في الحائط وعدم دلالته لا تخلو من وجوه ذكرها في الذخيرة
(8)
، وقال
(9)
: يجب أن يعلم بأن الحائط المتنازع
(1)
كتاب المبْسُوط: لشمس الدين أبو بكر مُحَمَّد بن أبي سهل السَّرَخْسِي حققه خليل محيي الدين الميس وطبعته دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بلبنان من أصول المذهب الحنفي في الفقه يُنْظَر: كشف الظنون 2/ 1378، تاج التراجم (ص: 234).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 88.
(3)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 9/ 135.
(4)
المدر: قِطَعُ الطينِ اليابِسِ. يُنْظَر: القاموس المحيط (ص: 473)، تاج العروس (14/ 95).
(5)
الآجُرُّ: بضمِّ الجيمِ مَعَ تشديدِ الرّاءِ هُوَ طَبِيخُ الطِّين. يُنْظَر: تاج العروس (10/ 29).
(6)
الساجة: قطعة الخشب من الساج وهو شجر عظيم صلب الخشب. وقال الزمخشري
…
الساج خشب أسود رزين يجلب من الهند ولا تكاد الأرض تبليه. يُنْظَر: المصباح المنير 1/ 293، المغرب 1/ 237.
(7)
كذا في (أ) و (ب). وجاء في المحيط البرهاني 9/ 135: "وإذا كان تفسير التربيع هذا كان لصاحب التربيع مع الاتصال نوع استعمال، وللآخر مجرد اتصال من غير استعمال، فيكون الاتصال أولى". وهو أوضح.
(8)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 9/ 135.
(9)
في (أ): وقالت.
فيه بين اثنين إما أن لا يكون متصلًا ببنائهما أو يكون متصلًا ببنائهما أو يكون متصلًا ببناء أحدهما، والاتصال نوعان: اتصال تربيع أو اتصال مجاورة وملازقة ولا يخلو إما أن لا يكون لهما عليه شيء من الجذوع والهرادي أو كان لهما عليه جذوع أو كان لهما عليه هرادي، أو (كان لأحدهما عليه جذوع وللآخر عليه هرادي) فإن لم يكن الحائط متصلًا ببنائهما، ولم يكن لهما عليه شيء من الجذوع وغيره، فإنه يقضي بالحائط بينهما؛ لأنهما استويا في الدعوى. وليس
(1)
ثمة من قارعهما فيه وليس أحدهما بأولى من الآخر فيقضي بينهما. ومعنى القضاء فيه بينهما: أنه إذا عرف كونه في أيديهما قضى بينهما قضاء ترك وإن لم يعرف كونه في أيديهما وقد ادعى كل واحد منهما أنه ملكه وفي يديه يجعل في أيديهما؛ لأنه لا منازع لهما لا أنه يقضي بينهما. وكذلك إن كان لأحدهما هرادي أو بواري
(2)
ولا شيء للآخر عليه يقضي بينهما لأن وضع الهرادي لا يثبت لصاحبه على الحائط يد استعمال. لأن الحائط إنما يبنى للتسقيف وذلك بوضع الجذوع عليه لا بوضع البواري والهرادي وإنما توضع
(3)
البواري والهرادي الاستظلال والحائط لا يُبنى للاستظلال. وهو نظير ما لو كان لأحدهما على الحائط ثوب مبسوط ولا شيء للآخر، وهناك يقضى بالحائط بينهما.
(وإن كان لأحدهما جذوع): عليه ولا شيء للآخر فإنه يقضي به لصاحب الجذوع لأن لصاحب الجذوع يد مستعملة وللآخر مجرد بلا استعمال فيكون صاحب اليد المستعملة أولى.
(1)
في (أ): وليست.
(2)
البواري: جمع بَارِيٍّ وهو الحصير. يُنْظَر المغرب 1/ 42.
(3)
في (أ): يوضع.
التنازع في الدابة
(كدابَّة تنازع فيها) اثنان: (أحدهما راكب والآخر آخذ بلجامها فالراكب أولى)؛
لأن له يدًا مستعملة وإنما اعتبر الاستعمال ترجيحًا إذا استويا في اليد؛ لأن الاستعمال زيادة
دليل على الصدق وليس من جنس اليد. فيصلح للترجيح كيد ذي اليد في دعوى النتاج
(1)
والشراء
(2)
من ثالث، فإن بيِّنة ذي اليد تترجح باليد؛ لأن اليد دليل ذا يد على الصدق وإنه
من خلاف جنس البينة فيصلح لترجيح إحدى البينتين. هك - ذا الاستعمال دليل زائد على
الصدق. وأما إذا كان لأحدهما جذع واحد ولا شيء للآخر، وللآخر عليه هرادي هل يقضى
لصاحب الجذع الواحد؟ لم يذكره محمد
(3)
رحمه الله في ظاهر الرواية
(4)
. وقال: بعض مشايخنا
إنه لا يقضى لصاحب الجذع الواحد؛ لأن الحائط لا يبنى لوضع جذع واحد وإنما ينصب
لأجلها اسطوانة
(5)
. ذكره في المبسوط
(6)
فصار كما إذا كان له هرادي. وروى ابن
(7)
(1)
دعوى النتاج هي: أن يدَّعي كل واحد أن هذه الدابة ملكه نتجت عنده، أي: وُلدت في ملكه. يُنْظَر: فتح القدير 8/ 270، المحيط البرهاني 9/ 23.
(2)
في (أ) و (ب): بالشرى. والصواب: ما أثبته. وهو موافق لما في المحيط البرهاني 9/ 134.
(3)
هو: مُحَمَّد بن الحسن بن فرقد، من موالي بني شيبان، أبو عبد الله، إمام بالفقه والأصول، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة، نشأ بالكوفة، فسمع أبي حَنِيفَةَ وغَلَبَ عليهِ مذهبه وعُرف به، وانتقل إلى بغداد، فولَّاه الرشيد القضاء بالرقة ثُمَّ عزله، ولما خرج الرشيد إلى خراسان صحبه، فمات في الري، له كتبٌ كثيرة في الفقه والأصول، منها (المبْسُوط) في فروع الفقه، و (الزيادات) و (الجامع الكبير)، و (الجامع الصغير)، و (الآثار)، و (السير) توفي بالري سنة (189 هـ). يُنْظَر: تاج التراجم (1/ 18)، تاريخ بغداد (2/ 172)، طبقات الحنفية (2/ 42).
(4)
المقصود بـ (ظاهر الرواية) عند الحنفية هي: كتب مُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله التي رويت عنه بروايات ظاهرة ثابتة تصل إلى حد التواتر وهي ستة كتب (المبْسُوط، الجامع الصغير، الجامع الكبير، السير الصغير، السير الكبير، الزيادات). يُنْظَر: الجواهر المضيَّة في 1/ 560، الطبقات السنية 1/ 34.
(5)
الاسطوانة هي: العمود والسارية. يُنْظَر: المعجم الوسيط (1/ 17).
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 88.
(7)
تكررت في (أ).
سماعة
(1)
عن محمد أنه يقضي لصاحب الجذع الواحد؛ لأن لصاحب الجذع الواحد مع اليد نوع استعمال لأنّا لما قضينا لصاحب الجذوع كان وضع جذع واحد استعمالًا للحائط بقدره وليس للآخر ذلك. هذا إذا لم يكن الحائط المتنازع متصلًا ببنائهما، أما إذا كان الحائط المتنازع متصلًا ببنائهما أي: كان اتصالهما اتصال تربيع أو اتصال ملازقة فإنه يقضي بينهما نصفين
(2)
؛ لأنهما استويا في الدعوى والاتصال. وأما إذا كان اتصال أحدهما اتصال تربيع واتصال الآخر اتصال ملازقة، فصاحب التربيع أولى؛ لأن صاحب التربيع مستعمل للحائط المتنازع فيه؛ لأن قوام حائطه بقدر التربيع بالحائط المتنازع لِما ذكُر من تفسير التربيع فكان لصاحب التربيع على ذلك التفسير مع الاتصال نوع استعمال، وللآخر مجرد اتصال من غير استعمال فيكون الاتصال مع الاستعمال أولى. فكان بمنزلة الراكب على الدابة والمتعلق باللجام، ولو كان لأحدهما اتصال ببناء الآخر
(3)
اتصال ملازقة أو اتصال تربيع وليس للآخر اتصال ولا له عليه جذوع، فإنه يقضي لصاحب الاتصال؛ لأنهما استويا في حق الاتصال بالأرض المملوكة ولأحدهما زيادة اتصال من خلاف جنس الأول وهو الاتصال بالبناء فيترجح على الآخر.
قوله رحمه الله: (وهذا شاهد ظاهر لصاحبه).
وذلك لأن الكل صار في حكم حائط واحد بهذا النوع من الاتصال، وبعضه متفق عليه لأحدهما، فيرد المختلف فيه إلى المتفق عليه ولأنه في الظاهر هو الذي بناه مع حائطه فمداخلة
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 9/ 134.
(2)
نصفين ساقطة من (ب).
(3)
كلمة: الآخر، ساقطة من (أ) و (ب). وقد أضفتها لإكمال المعنى. كما في المحيط البرهاني: 9/ 135.
أنصاف اللبِن لا يتصور إلا عند بناء الحائطين معًا. فكان هو أولى كذا في المبسوط
(1)
؛ ولأنَّ
(2)
الاستعمال بالتربيع سابق على الاستعمال بوضع الجذوع؛ لأن التربيع يكون حالة البناء، والبناء يكون سابقًا على وضع الجذوع فكان صاحب التربيع أولى، ذكره في الذخيرة
(3)
.
إذا كانت الجذوع أقل من ثلاثة
(وإن كان جذوع أحدهما أقل من ثلاثة فهو): وكل
(4)
الحائط (لصاحب الثلاثة):
وإنما ذكر هذا اللفظ ليتناول الاثنين من الجذوع والواحد منها، وذكر حكم الواحد والاثنين في الذخيرة
(5)
؛ وذكر القياس والاستحسان في الواحد ولم يذكرهما في الاثنين. وقال: ولو كان لأحدهما عليه عشر خشبات أو أقل من ذلك إلى الثلاث وللآخر عليه خشبة واحدة. فالقياس أن يقضي بينهما؛ لأن وضع الخشبة الواحدة حجة في هذا الباب؛ لأن به يثبت يد الاستعمال، ولهذا لو كان لأحدهما عليه خشبة واحدة ولا شيء للآخر قضي لصاحب الخشبة على رواية ابن سماعة، فلا يترجح الآخر بزيادة الخشبات لأن إحدى الحجتين لا يترجح بزيادة من جنسها، وفي الاستحسان لا يقضى بينهما؛ لأن وضع الخشبة الواحدة وإن كانت حجة في هذا الباب إلا أنها حجة ناقصة لأن الحائط إنما يبنى للتسقيف والتسقيف لا يحصل بالخشبة الواحدة إلا نادرًا فكانت ناقصة من هذا الوجه والحجة الناقصة لا تظهر بمقابلة الكاملة، ثم قال: وإذا كان لأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر خشبتان، فقد اختلف المشايخ فيه، قال
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 88.
(2)
في (أ): وإن.
(3)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 9/ 135.
(4)
في (ب): أي فكل.
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 9/ 137.
بعضهم: الخشبتان
(1)
بمنزلة الثلاث؛ لأنه يمكن التسقيف بهما، وقال بعضهم: بمنزلة الواحدة إذ لا يمكن التسقيف بهما إلا على الندرة، وذكر في الإيضاح
(2)
: القياس والاستحسان في الواحد والاثنين جميعًا. وقال: ولو كان لأحدهما عليه جذع واحد أو جذعان وللآخر عليه ثلاثة أجذاع أو أكثر، (فالقياس أن يكون بينهما نصفين)؛ لأنهما استويا في أصل الاستعمال والترجيح لا يتبع بزيادة القدر ولكنا استحسنا ولم نجعل بينهما نصفين وهكذا أيضًا في المبسوط
(3)
.
(وللآخر موضع جذعة): أي: ولصاحب الجذع الواحد أو الاثنين موضع جذعه، وذكر في الإيضاح
(4)
يريد به حق الوضع. ثم اعلم أن هذا الذي ذكره من حق الوضع لصاحب الجذع الواحد مع أن الحائط كله لصاحب الجذوع الثلاثة. فيما إذا ثبت ملكه بسبب العلاقة وهي الجذوع الثلاثة لا بالبينة أما إذا ثبت ملكه بالبينة، كان لصاحب الملك أن يمنع صاحب الجذع الواحد من وضع جذعه على جداره. كذا في المبسوط
(5)
وغيره. ثم في مسألة حق الوضع لصاحب الجذع مع الحكم بأن الحائط كله لصاحب الجذوع الثلاثة عند عدم البينة يحتاج إلى الفرق بينها وبين مسألة الدابة إذا كان لأحدهما عليها حمل وللآخر مخلاة
(6)
ووقع التنازع فيها وليس لها بينة كانت الدابة لصاحب الحمل، ويؤمر صاحب المخلاة برفع مخلاته، ولا يؤمر
(1)
في (أ): الخشبات. وما أثبتُّه في المتن من (ب)، وهو موافق لما جاء في المحيط البرهاني 9/ 137.
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 9/ 137.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 89.
(4)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 410.
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 89.
(6)
سُمِّيت المِخْلاة من الخَلى وهو الحشيش الذي يحتش من بقول الربيع، والمِخْلاةُ: مَا وَضَعه فِيه. وخَلى فِي المِخْلاةِ: جَمَع؛ والواحدة خَلاةٌ. يُنْظَر لسان العرب 14/ 243.
صاحب الجذع الواحد برفع جذعه مع أرضه
(1)
في الصورتين قضي المتنازع كله لأحدهما بسبب الاستعمال لا بالبينة. ووجه الفرق يجيء بُعيد هذا في رواية، وهي رواية كتاب الإقرار
(2)
حيث قال في كتاب الإقرار: "أن الحائط كله لصاحب الأجذاع ولصاحب القليل ما تحت جذعيه هي: المتنازع
(3)
"، يريد به حق الوضع، وفي رواية وهي رواية كتاب الدعوى
(4)
حيث قال: في كتاب الدعوى أن الحائط بينهما على قدر الأجذاع، فيكون لصاحب الجذع الواحد موضع جذعه مع أصل الحائط. ثم وجه رواية كتاب الإقرار أن لصاحب عشر خشبات عليه حملًا مقصودًا يبنى الحائط لأجله وليس لصاحب الخشبة الواحدة مثل ذلك؛ لأن الحائط لا يبنى لأجل خشبة واحدة عادة وإنما ينصب لأجلها اسطوانة، وكان صاحب الخشبات أولى به كما في الدابة إذا كان لأحدهما عليها حمل مقصود وللآخر مخلاة يقضى يدًا لصاحب الحمل. إلا أنه لا ترفع خشبة الآخر؛ لأن استحقاق
(5)
صاحب الخشبات باعتبار الظاهر فلا يستحق به دفع الخشبة على الآخر؛ لأن من الجائز أن يكون أصل الحائط لرجل ويثبت للآخر حق الوضع عليه. فإن القسمة لو وقعت على هذا المثال كان جائزًا. وأما وجه رواية كتاب الدعوى: أن الحائط إذا كان يستحق بوضع الجذع. فذلك الوضع الذي هو مشغول بجذعه في يده حقيقة باعتبار الاستعمال، وقد انعدم دليل الاستعمال في الباقي فثبت لكل واحد منهما الملك فيما تحت خشبته لوجود سبب الاستحقاق له في ذلك الموضع فصار هذا كالدار الواحدة إذا كان
(1)
في (ب): مع أن: بدل: مع أرضه.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 89.
(3)
هي المتنازع، ساقطة من (ب).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 89.
(5)
في (أ): لا استحقاق.
فيها أحد عشر منزلًا، عشرة منها في يدي رجل. وواحدة في يد رجل تنازعا في الدار، فإنه يقضى لكل واحد منهما بما في يده كذا ههنا. ثم قيل: ما بين الخشب بينهما أي: نصفان وقيل: على قدر خشبتهما، وهذان القولان إنما يردان على رواية كتاب الدعوى لا على رواية كتاب الإقرار. ثم القول الأول وهو أن يكون بينهما نصفين موافق لرواية الذخيرة
(1)
حيث قال فيها على هذا الوجه وقال: كيف يقضي بما بين الخشبات على رواية كتاب الدعوى اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا: يقضي على أحد عشر سهمًا، وبعضهم قالوا: يقضي بينهما نصفين لاستوائهما في ذلك
(2)
. ألا ترى: أن في مسألة
(3)
الدار التي فيها منازل يقضي.
(بالساحة بينهما نصفين): كذا ههنا، ومخالف لرواية المبسوط فإن في المبسوط
(4)
مكان ذلك القول جعل الدار كله لصاحب الكثير وقال فيه: من أصحابنا من قال يقضي بالكل بينهما على أحد عشر سهمًا: عشرة لصاحب الخشبات، وبسهم
(5)
لصاحب الخشبة الواحدة اعتبارًا لما بين الخشبات بما هو تحت كل خشبة من الحائط، ثم قال: وأكثرهم على أن يقضي به لصاحب عشر خشبات؛ لأن استحقاق الآخر بالخشبة لا بعلامة يستدل بها على أنه هو الذي بنى الحائط، وللآخر علامة يستدل بها على أنه بنى الحائط، وأن الحائط يبنى لعشر خشبات، لا لخشبة واحدة فلهذا كان الكل لصاحب الخشبات إلا موضع الخشبة الواحدة لضرورة استعمال صاحبها والثابت بالضرورة لا يعدو موضعها.
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 9/ 137.
(2)
يُنْظَر هذه المسألة في: البناية شرح الهداية (9/ 410).
(3)
يُنْظَر هذه المسألة في: العناية شرح الهداية (8/ 287).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 89.
(5)
في (أ): بينهم.
وجه الثاني وهو قوله:
(وفي رواية لكل واحد منهما ما تحت خشبته): وهو رواية كتاب الدعوى، وجه الأول وهو قوله:(فهو لصاحب الثلاثة): وهو رواية كتاب الإقرار.
(إلا أنه يبقى له حق الوضع): أي: يبقى لصاحب الجذع الواحد حق وضع جذعه.
(لأن الظاهر ليس بحجة في استحقاق يده): أي: شهادة الظاهر لصاحب الكثير ليست بحجة كاملة. فلا يكون سبيلًا لاستحقاق صاحب الكثير على صاحب القليل حتى يمنع صاحب القليل عن وضع جذعه. هذا احتراز عما لو ثبت ملكه بالبينة فإن فيه له أن يمنع، وذكر في الذخيرة
(1)
الفرق بينهما وقال: الفرق هو أن البينة حجة مطلقة تظهر في حق الدفع والإبطال والاستحقاق على الغير، ألا ترى: أن الملك الثابت بالبينة كما صلح للدفع صلح لاستحقاق الشفعة
(2)
على الغير، وأما اتصال التربيع فهو نوع ظاهر، والظاهر يصلح للدفع والإبطال دون الاستحقاق، ألا ترى: أن الملك الثابت بظاهر اليد لا يصلح لاستحقاق الشفعة وكذا الملك الثابت بالاتصال يصلح للدفع ولا يصلح لإبطال حق صاحب الجذع، وذكر في المبسوط
(3)
هذا الفرق على وجه السؤال والجواب وقال: فإن قيل لمّا قضى بالحائط لصاحب الاتصال ينبغي أن يؤمر الآخر برفع الجذوع؛ لأنه حمل موضوع له على ملك الغير بغير سبب ظاهر لاستحقاقه، كما لو تنازعا في دابة لأحدهما عليه حمل وللآخر مخلاة يقضى لصاحب الحمل ويؤمر الآخر برفع المخلاة، قلنا: لأن وضع المخلاة على دابة الغير لا يكون مستحقًا له
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 410.
(2)
الشُّفْعَةُ: هِيَ اسْمٌ لِلْمِلْكِ الْمَشْفُوعِ وهي حَقُّ تَمَلُّكِ الشِّقْصِ على شَريكهِ المتَجَدِّدِ مِلْكُهُ قَهْرًا بِعِوَضٍ. القاموس المحيط (ص: 734)، المصباح المنير (1/ 317).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 89.
في الأصل بسبب، وكان من ضرورة القضاء بالدابة لصاحب الحمل أمر الآخر برفع المخلاة فأما ههنا: فقد ثبت له حق وضع الجذوع على حائط لغيره بأن كان ذلك مشروطًا في أصل القسمة. وليس من ضرورة الحكم لصاحب الاتصال استحقاق رفع الجذوع على الآخر وهذا بخلاف ما لو أقام أحدهما البينة وقضي له به
(1)
يؤمر الآخر برفع جذوعه لأن البينة حجة للاستحقاق يستحق بها صاحبها على الآخر رفع جذوعه عن ملكه.
إذا كان لأحدهما اتصال وللآخر جذوع
وقال: (ولو كان لأحدهما اتصال وللآخر جذوع فالأول أولى): إلى آخره. هذا هو الصحيح من النسخ ليكون الدليل موافقًا للمدعى وفي بعض النسخ (ولو كان لأحدهما جذوع وللآخر اتصال): وذلك ليس بصحيح؛ لأن الدليل لا يوافق ذلك الترتيب، ثم اعلم أن الاتصال الذي وقع الاختلاف في ترجيح صاحبه على صاحب الجذوع أو على العكس فهو الاتصال الذي وقع في أحد الطرفين، وأما إذا وقع اتصال التربيع في طرف الحائط المتنازع فيه فصاحب الاتصال أولى، وعلى هذا عامة المشايخ
(2)
كذا في الفوائد الظهيرية
(3)
وممن رجح صاحب الاتصال الطحاوي
(4)
رحمه
(1)
في (ب): به له.
(2)
إذا قال: عامة المشايخ فهو يقصد فقهاء الحنفية رحمهم الله. يُنْظَر: فَتحُ الْقَدِيرِ (1/ 477)، الفَوَائِد البهية (ص 242).
(3)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 97.
(4)
هو: أحمد بن مُحَمَّد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي، أبو جعفر: فقيه انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر. ولد ونشأ في طحا من صعيد مصر، وتفقه على مذهب الشَّافِعِي، ثُمَّ تحول حنفيًّا. ورحل إلى الشام سنة 268 هـ فاتصل بأحمد بن طولون، فكان من خاصمته، وتوفي بالقاهرة. من تصانيفه:(شرح معاني الآثار) في الحديث، و (بيان السنة) رسالة، وكتاب (الشفعة) وغيرهم. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 102، تاريخ دمشق 5/ 368.
الله وممن رجح صاحب الجذوع الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي
(1)
وقال في الذخيرة
(2)
: وإن كان الاتصال في طرف واحد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن صاحب الاتصال أولى وبه أخذ الطحاوي والشيخ الفقيه عبد الله المرشد
(3)
وذكر
(4)
شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: أن صاحب الجذوع أولى وذكر فيها قبل هذا فإن كان الاتصال في طرفي الحائط المتنازع فيه فصاحب الاتصال أولى، عليه عامة المشايخ وهكذا رُوي عن أبي يوسف رحمه الله في الأمالي
(5)
فقد رجح صاحب الاتصال على صاحب الجذوع (الساحة فراحي كاه سراي وجزآن)
(6)
كذا في تاج الأسامي
(7)
.
(1)
محمد بن أحمد بن سهل، أبو بكر، شمس الأئمة، قاض، من كبار الأحناف، مجتهد، من أهل سرخس في خراسان، توفي سنة 483 هـ. أشهر كتبه: المبسوط، وله شرح الجامع الكبير للإمام محمد وشرح السير الكبير للإمام محمد يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 28.
(2)
يُنْظَر: هذه المسألة في المحيط البرهاني 9/ 136.
(3)
لم أقف عليه. وقد ذكره صاحب المحيط البرهاني في الفقه النعماني يُنْظَر: (9/ 136).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 88.
(5)
كتاب الأمالي في الفقه لأبي يُوسُف صاحب أبي حَنِيفَةَ وهو من كتب النوادر في المذهب الحنفي التي أملاها أبي يُوسُف من مذهب أبي حَنِيفَةَ رحمه الله بحثت عنه ولم أجد له طبعه ولعله لا يزال مخطوطًا. قال ابن عابدين (والأمالي جمع إملاء وهو أن يقعد العالم وحوله تلامذته بالمحابر والقراطيس فيتكلم العالم بما فتحه الله عليه من ظهر قلبه في العلم وتكتبه التلامذة ثُمَّ يجمعون ما يكتبونه فيصير كتابًا فيسمونه الإملاء والأمالي). يُنْظَر: كشف الظنون 1/ 160، عقود رسم المفتي (ص 17).
(6)
كذا رسمْها في (أ) و (ب). وهي كلمات فارسية.
(7)
تاج الأسامي في اللغة أو تهذيب الأسماء، وهو كتاب في شرح الغريب بالفارسية، مجهول المؤلف، يوجد منه نسخة في المكتبة الوطنية بستراسبورغ، فرنسا، ستراسبورغ، رقم الحفظ:4170. يُنْظَر: خزانة التراث - فهرس مخطوطات 91/ 52.
(لاستوائهما في استعمالهما وهو المرور): ووضع الأمتعة وصب الوضوء كسر الحطب وما أشبه ذلك، فلما كانا في المرور سواء كانا في استحقاق الساحة أيضًا سواء، ولعل مرور صاحب القليل أكثر من مرور صاحب الكثير لزمانة صاحب الكثير وكون صاحب القليل ولَّاجًا خرَّاجًا في الأمور، على أن يقول: الترجيح لا يقع بكثرة ما هو من جنس العلة وصار هذا كالطريق يستوي فيه صاحب الدار والمنزل والبيت، وإن كان بعضها أكثر من بعض؛ وهذا لأن الاستحقاق باعتبار أصل اليد، ألا ترى: أنهما لو تنازعا في ثوب وعامته في يد أحدهما وفي يد الآخر طرف منه أنه يقضي به بينهما نصفين لما أن اليد حجة للاستحقاق، وما يكون حجة للاستحقاق فالقليل منه يساوي الكثير، كما لو تنازعا في شيء فأقام أحدهما شاهدين والآخر مائة من الشهود فإنه يقضى بذلك الشيء بينهما نصفين. فإن قلت: أشكل على هذا مسائل اعتبر في بعضها جانب صاحب الكثير وألغى جانب صاحب القليل أصلًا، وفي بعضها اعتبر جانباهما لكن على حسب القلة والكثرة لا على وجه التنصيف، فمن الأول ما لو أقام
(1)
أحد المدعيين شاهدًا واحدًا والآخر شاهدين حيث اعتبر جانب صاحب الكثير وهو جانب الشاهدين حتى قضى القاضي بالعين له وألغى جانب صاحب القليل، وهو الذي أقام شاهدًا واحدًا، وكذلك لو تنازعا في ثوب في يد أحدهما جميع الثوب، وفي يد الآخر هدبه
(2)
حيث يلغى جانب صاحب الهدب ويقضى بالكل لمن
(3)
في يده جميع الثوب، وكذلك لو أخبر عدل بنجاسة الماء وعدلان بطهارته حيث يحكم بخبر العدلين فكذلك في رواية الأخبار على قول البعض، وكذلك لو تنازع اثنان في حائط ولأحدهما عليه خشبة، والآخر عليه عشر خشبات
(1)
في (أ): قام.
(2)
هُدْبَةُ الثَّوْبِ: طَرَفُ الثوبِ، مِمَّا يَلي طُرَّتَه. يُنْظَر: لسان العرب 1/ 780، المصباح المنير 2/ 635.
(3)
في (أ): ثمن.
فإن بعض الروايات لا يقضى لصاحب الخشبة الواحدة أصلًا. وأما من الثاني: فمسألة الشرب فإنهما لو تنازعا في مقدار الشرب حيث يقسم بينهما على قدر الأراضي. بخلاف مسألة الكتاب التي نحن فيها فإنه يقضى بالساحة بينهما بالسوية من
(1)
غير نظر إلى قدر الأملاك. فكانت مسألة الكتاب مخالفة لهذين النوعين فما وجه الفرق بين هذه المسائل؟ قلت: أما في مسألة الشهادة: فإن اللّه تعالى لم يجعل ما دون الشاهدين حجة شرعًا في الأملاك لقضاء القاضي بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]. وغيرها من الآيات، وقد ذكرناه في الشهادات، وفي الثوب إنما لم يقض لصاحب الهدب بشيء لما أن الاستحقاق إنما يثبت باعتبار اليد على الثوب ويد صاحب الهدب إنما يثبت على الهدب دون الثوب؛ لأن الثوب اسم لمنسوج، والهدب ليس بمنسوج، وأما في الإخبار بنجاسة الماء وطهارته ورواية الأخبار: لأن خبر العدل إنما جعل حجة في أمور الدين باعتبار الصدق. والصدق في خبر العدل راجح على الكذب لما عرف. وزيادة العدد يفيد زيادة الصدق أيضًا. أما ههنا فبخلافه؛ لأنهما استويا في سبب الاستحقاق وهو اليد، فإن يد كل واحد منهما على الساحة باعتبار أنه يتطرق فيه إلى ملكه، ويضع فيه أمتعته وغيرها، وقد استويا فيه فيستويان في الحكم، وأما في مسألة الخشبة: فقد ذكرنا أن صاحب الجذع الواحد غير مستعمل للحائط لما أن الحائط في العادة لا يبنى لوضع خشبة واحدة وإنما يبنى لوضع
(2)
الخشبات، وأما في
(3)
مسألة
(4)
الشرب: فإن الشرب شيء تحتاج إليه الأراضي دون الْأَرْبَابِ
(5)
.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (أ): بوضع.
(3)
في: ساقطة من (ب).
(4)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (8/ 290).
(5)
الأرباب: جمع ربّ، وربّ الدار أي: مالكها. يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (ص: 218).
فبكثرة
(1)
الأراضي كثُر
(2)
الاحتياج إلى الشرب فيستدل به على كثرة حق له في الشرب، وأما السّاحة، فشيء يحتاج إليه الْأَرْبَابِ بنفسه وهما سواء في الاحتياج فاستويا في الاستحقاق لذلك. وكان هذا نظير تنازعهما في سعة الطريق وضيقه حيث يجعل بينهما على قدر عرض باب الدار. إلى هذا أشار الإمام الجويني
(3)
والإمام التمرتاشي
(4)
.
دعوى الرجلين في الدار
(لم يقض بأنها في يد واحد منهما حتى يقيما البينة أنها في أيديهما): لأن اليد حق مقصود، والقاضي كيف يقضي بها لهما ولعلها في يد ثالث. ألا ترى إلى مسألة غفل عنها القضاة: رجل ادعى على رجل أيضا والمُدَّعَى عليه يزعم أنها في يديه، وأقام المدعي بينة أنها ملكه فالقاضي لا يقضي ببينته لجواز أن تكون الأرض في يد ثالث، والمدعي مع المدعى عليه تواطآ و
(5)
تواضعا على ذلك فالقاضي لا يقضي ببينة المدعي. ما لم يثبت كون الدار في يد المدَّعَى عليه بالحجة.
(فإن أقام أحدهما البيِّنة): على اليد قضى باليد له ويكون الآخر
(6)
خارجًا.
(1)
في (أ): وبكثرة.
(2)
في (أ): كثرة.
(3)
هو: عبد اللّه بن عمر بن علي بن محمد، ابن حمويه الجويني السرخسي ويسمى بعبد السلام أبو محمد، تاج الدين مؤرخ باحث، خراساني الأصل. كان شيخ الشيوخ بدمشق ومولده ووفاته فيها. توفي سنة (642 هـ) من كتبه: المسالك والممالك والسياسة الملوكية، والأمالي. يُنْظَر: سير أعلام النبلاء 11/ 138، الأعلام للزركلي 4/ 110.
(4)
أحمد بن إسماعيل بن محمد بن آيدغمش، أبو العباس، ظهير الدين بن أبي ثابت التمرتاشي، عالم بالحديث، حنفي، كان مفتي خوارزم. نسبته إلى تمرتاش من قراها، له مصنفات منها: شرح الجام الصغير، والفرائض والتراويح والفتاوى، توفي سنة 610 هـ تقريبًا. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 60، كشف الظنون 2/ 1221.
(5)
في (أ): أو.
(6)
في (أ): لآخر.
(وإن أقاما): جميعًا.
(البيِّنة) على اليد، قضى لهما بها، وبعدما قضى بها لهما لو طلبا القسمة من القاضي فالقاضي لا يقسم ما لم يقيما البينة على الملك. بعض مشايخنا
(1)
قالوا: هذا على قول أبي حنيفة رحمه الله، وأما على قولهما: فالقاضي يقسم بناء على مسألة أخرى ذكرها في كتاب القسمة وهي: إذا كانت الدار في أيدي ورثة حضور كبار أقروا عند القاضي أنها ميراث في أيديهم من أبيهم التمسوا من القاضي أن يقسمها بينهم، فالقاضي لا يقسمها بينهم حتى يقيموا البينة أن
(2)
أباهم مات وخلفها ميراثًا لهم وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما اللّه يقسمها بينهم بإقرارهم ويُشهد أنه إنما قسمها بينهم بإقرارهم، كذا في الفوائد الظهيرية
(3)
، وذكر الإمام المجدوبي
(4)
رحمه الله في أرض صحراء ادعاها رجلان كل واحد منهما يدَّعي أنها في يده
(5)
فإني لا أقضي بأنها في يد واحد
(6)
منهما
(7)
، لأن القاضي لا يقضي بغير حجة ولا حجة لواحد منهما سوى الدعوى، ومجرد الدعوى لا تكون حجة للقضاء وكذا لو أقرَّ أحدهما أنها في يد صاحبه فإن القاضي لا يجعلها في يده بجواز أن تكون في يد ثالث، وقد تواطأَ على هذه
(1)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 291.
(2)
في (أ): لأن.
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 4/ 329.
(4)
المحبوبي: هو جمال الدين أبو الفضل عبيد الله بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن جعفر بن هارون بن محمد بن أحمد بن محبوب بن الوليد بن عبادة بن الصامت الأنصاري العبادي المحبوبي البخاري الحنفي، انتهت إليه معرفة المذهب، والمعروف بأبي حنيفة الثاني، (ت 630 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 336، الوافي بالوفيات 19/ 229.
(5)
في (ب): يديه.
(6)
تكررت في (أ).
(7)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب 4/ 93.
الحيلة ليجعلها القاضي في يد أحدهما إلا أنه يمنع المقر من أن يزاحم المقر له فيها؛ لأن إقراره حجة في حقه.
إن أقام أحدهما البينة
(وإن أقام أحدهما البيِّنة جعلت في يديه): (لقيام الحجة)، فإن قيل البيِّنة حجة على الخصم وإذا لم يثبت كونها في يد الآخر لا يكون خصمًا. فكيف يقضي باليد فيها للذي أقام البينة؟ قلنا: هو خصم باعتبار منازعته في اليد. ألا ترى أنه يتمكن من إثبات اليد بدعواه لو لم ينازعه الآخر
(1)
ومن كان خثمًا لغيره باعتبار منازعته في شيء شرعًا كانت بينة مقبولة، وذكر الإمام التمرتاشي
(2)
رحمه الله فإن طلب كل واحد يمين صاحبه ما هي في يده، حلف كل واحد منهما ما هي في يد صاحبه على البتات، فإن حلفا لم يقض لهما باليد
(3)
، وبرئ كل واحد منهما عن دعوى صاحبه وتُوقَف الدار إلى أن تظهر حقيقة الحال. وإن نكلا قضي لكل واحد بالنصف الذي في يد صاحبه، وإن نكل أحدهما قضي عليه بكلها، للحالف نصفها الذي كان في يده ونصفها الذي كان بيد صاحبه بنكوله، وإن كانت الدار في يد ثالث لم تنزع من يده؛ لأن نكوله ليس بحجة في حق ثالث، جعلت في يديهما لما بينا وهو قوله:(لقيام الحجة) لوجود التصرف والاستعمال فيها، ومن ضرورته إثبات اليد كالركوب في الدواب واللبس في الثياب، كذا ذكره
(4)
فخر الإسلام
(5)
رحمه الله. والله أعلم
(1)
في (أ): لآخر.
(2)
يُنْظَر: رد المحتار 5/ 580.
(3)
في (ب): باليد لهما.
(4)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 4/ 328.
(5)
فخر الإسلام: من المصطلحات المتعارف عليها عند الحنفية كما هو مذكور في كتبهم وإذا أُطلق يراد به: علي بن محمد البزدوي وهو: علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم، أَبو الحسن، فخر الإسلام البزدوي، من سكان سمرقند، نسبته إلى بزدة، قلعة بقرب نسف، توفي سنة 482 هـ. له تصانيف، منها: المبسوط، كنز الوصول في أصول الفقه، يعرف بأصول البزدوي، وتفسير القرآن. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 380، معجم المؤلفين 7/ 192.
بالصواب.
باب دعوى النسب
(1)
:
لما ذكر الدعوى في الأموال وما في معناها شرع في بيان دعوى النسب وإنما قدم دعوى الأموال لكثرة وقوعها كثرة الوقوع من أسباب التقديم؛ لأن الأهمية في كثرة الوقوع ولا شك أن الأهمية من أسباب التقديم.
(وإذا باع جارية فجاءت بولد فادعاه البائع)،
…
إلى آخره.
هذه المسألة على وجوه ثلاثة: إما أن يعلم أن العلوق كان في ملك البائع بأن ولدت (لأقل من ستة أشهر) من وقت البيع
(2)
، أو كان في ملك المشتري بأن ولدت (لأكثر من سنتين من وقت البيع) ومشكوكًا بأن ولدت لأقل من سنتين، فإن علم أن العلوق
(3)
كان في ملك البائع بأن اشترى جارية فباعها بعد سنتين وولدت لأقل من ستة أشهر فادعى البائع صِحَّةَ دعوته. والقياس: أن لا تصح فكان في دعواه مناقضًا أو ساعيًا في نقض ما تم به وهو البيع فلا يقبل قوله. كما لو قال: كنت أعتقتها أو دبرتها
(4)
قبل أن أبيعها، ولنا أنا تيقنا بحصول العلوق في ملكه، وذلك ينزل منزلة البينة في إبطال حق الغير عنها وعن ولدها وهذا؛ لأن بحصول العلوق في ملكه ثبت له حق استلحاق النسب بالدعوة
(5)
. وذلك لا يحتمل
(1)
العنوان: ساقط من (أ).
(2)
في (ب): اليد.
(3)
العلوق: الولد في بطن أمه. يُنْظَر: لسان العرب 10/ 263.
(4)
التَّدْبِيرُ: الْإِعْتَاقُ عَنْ دُبُرٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ. يُنْظَر: المغرب (ص: 160).
(5)
يوجد على هامش (أ) كلام في الحاشية في شرح كلمة الدعوة لغة، والظاهر أنه لغير المؤلف لأنه لا يوجد في (ب) أيضًا. والكلام هو: الدِّعوة بكسر الدال مختصة بدعوى النسب كما أنها بفتحها مختصة في الطعام تقول: كنا في دعوة فلان وهو مصدر
…
ومن الدعاء إلى الطعام، وروي في لغة عدي عكس ذلك. كذا في الصحاح. الدعوة ثلاث أوجه دعوة استيلاء ودعوة تحرير ودعوة شبهة، كالأب يدعي جارية ابنه وحكم كل قسم وشرطه مذكور في موضعه.
الإبطال. وإنما يبطل بالبيع ما كان محتملًا للإبطال وأما
(1)
ما لا يحتمل الإبطال: فالحال قبل البيع وبعده سواء، وإذا بقي حق استلحاق النسب له بقي على ما كان ثابتًا وهو التفرد به، من غير حاجة إلى تصديق المشتري وخفاء أمر العلوق
(2)
يكون عذرًا له في إسقاط اعتبار التناقض وقبول قوله في إبطال البيع، كما أن الزوج إذا أكذب نفسه بعد قضاء القاضي بنفي النسب يثبت منه وبطل حكم الحاكم ولا ننظر إلى التناقض؛ وهذا؛ لأن الإنسان قد يعلم ابتداءً أن العلوق ليس منه ثم يتبين أنه منه ولا يوجد مثل هذا في دعوى العتق والتدبير فلهذا لا يقبل قول البائع هناك. وأما ههنا: فبخلافه لمكان الخفاء فلا يمنع صحة الدعوى كالمرأة إذا أقامت البينة بعد الخلع
(3)
أنه كان طلقها ثلاثًا قبل الخلع قبلت بينتها، وكذا المكاتب
(4)
إذا أقام البينة أنه كان أعتقه البتة قبل ذلك، قبلت بينته فكذلك ههنا. ثم لو ادعاه المشتري بعد دعوة البائع فعلى طريق القياس يثبت النسب منه، لأن دعوة البائع لم تصح وعلى طريقة الاستحسان لما ثبت النسب من البائع لا تصح دعوة المشتري؛ لأن البيع قد انتقض، وصار هو كأجنبي آخر؛ ولأن الولد استغنى عن النسب بثبوت نسبه من البائع وإن كان المشتري ادعاه أولا ثبت النسب منه؛ لأنها مملوكته في الحال يملك إعتاقها، وإعتاق ولدها فتصح دعوته أيضًا لحاجة الولد إلى النسب، وإلى الحرية، ويثبت لها أمية الولد بإقراره ثم لا تصح دعوة البائع بعد دعوة
(1)
في (ب): فأما.
(2)
في (أ): العلق.
(3)
الخُلع، طلاق الرجل زوجته على مال تبذله له. يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (ص: 199).
(4)
الْمُكَاتَبُ: الْعَبْدُ يُكَاتِبُ عَلَى نَفْسِهِ بِثَمَنِهِ فَإِذَا سَعَى وَأَدَّاهُ عَتَقَ. يُنْظَر: مختار الصحاح (ص: 266).
المشتري؛ لأن الولد قد استغنى عن النسب حين
(1)
ثبت نسبه من المشتري؛ ولأنه ثبت فيه ما لا يحتمل الإبطال وهو حقيقة النسب فيبطل به حق استلحاق النسب الذي كان للبائع ضرورة، فإن ادعياه معا ثبت النسب من البائع عندنا، وقال إبراهيم النخعي
(2)
رحمه الله: يثبت من المشتري؛ لأن للمشتري حقيقة الملك فيها وفي ولدها، وللبائع حق والحق لا يعارض الحقيقة، كما لو جاءت جارية رجل بولد فادعاه هو وأبوه معًا ثبت النسب من المولى؛ لأن له حقيقة الملك فيها وللأب حق فيسقط اعتبار الحق بمقابلة الحقيقة. ولنا أن دعوة البائع دعوة استيلاد؛ لأن أصل العلوق في ملكه، ودعوة المشتري دعوة تحرير. فإن أصل العلوق لم يكن في ملكه ولا تعارض بين دعوة التحرير ودعوة الاستيلاد. كما لا تعارض بين نفس الإعتاق ودعوة الاستيلاد لمعنى وهو أن دعوة الاستيلاد لا تقتصر
(3)
على الحال فدعوة البائع سابقة معنى فكأنها سبقت صورة بخلاف دعوة المولى مع أبيه، فإنّ شرط صحة دعوة الأب بملك الجارية من وقت العلوق إذ ليس في مال ولده حق ملك ولا حقيقة ملك، واقتران دعوة المولى بدعوة الأب يمنع تحصيل هذا الشرط، فلهذا أثبتنا النسب من المولى دون أبيه. كذا في المبسوط
(4)
والجامع الصغير لقاضي خان وهذه دعوة الاستيلاد احتراز عن دعوة التحرير، يعني لما كانت هذه الدعوة دعوة استيلاد لم تفتقر إلى حقيقة الملك لصحة الدعوة في الحال بخلاف دعوة التحرير على ما يجيء، وتحمل على الاستيلاد بالنكاح حملًا لأمره على الصحة، ولا يعتق الولد. كذا ذكره
(1)
في (أ): حتى.
(2)
هو: إبراهيم بن زيد بن قيس بن الأسود، أبو عمران النخعي، من مذحج اليمن من أهل الكوفة، ومن كبار التابعين، أدرك بعض متأخري الصحابة، ومن كبار الفقهاء، قال عنه الصفدي: فقيه العراق، أخذ عنه حماد بن أبي سليمان وسماك بن حرب وغيرهما. يُنْظَر: تذكرة الحفاظ 1/ 59، طبقات ابن سعد (6/ 188 - 199).
(3)
في (أ): يقتضي، وفي (ب): يقتص، والصواب: ما أثبته، وهو موافق لما في المبسوط: 17/ 102.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 102.
الإمام قاضي خان
(1)
.
(فلا يثبت حقيقة العتق): أي: في الولد، (ولا حقه): أي: في الأم.
وقوله: (فإن مات الولد وادعاه البائع).
وقوله: (فإن ماتت الأم فادعاه البائع): وما رتب عليهما من الحكم من عدم صحة دعوة البائع بعد موت الولد وصحة دعوته بعد موت الأم ثابت في حق الإعتاق أيضًا فإنه لو ادعى البائع نسب الولد بعد إعتاقه المشتري لا تصح دعوته وإن كان.
(أقل من ستة أشهر): من وقت البيع ولو ادعى نسبه بعد إعتاق أمه يصح على ما ذكر بعد هذا لقوله عليه السلام: "أعتقها ولدها"
(2)
قاله النبي عليه السلام لمارية
(1)
حسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز، فخر الدين، المعروف بقاضي خان الأوزجندي الفرغاني، والأوزجندي نسبة إلى أوزجند، بنواحي أصبهان، قرب فرغانة، فقيه حنفي، من كبارهم توفي سنة 592 هـ. له: الفتاوى، والأمالي وشرح الجام الصغير. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 205، الفَوَائِد البهية (ص 209).
(2)
أخرجه ابن ماجة (2/ 841)، كتاب العتق: باب أمهات الأولاد، حديث (2516)، والحاكم (2/ 19)، كتاب البيوع: باب بيع أمهات الأولاد، حديث (2191)، والدارقطني (4/ 131)، كتاب المكاتب، حديث (21، 22، 23)، من طريق حسين ابن عبد اللّه عن عكرمة عن بن عباس قال: لما ولدت أم إبراهيم قال: رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أعتقها ولدها".
وهذا إسناد ضعيف؛ فيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس.
قال أحمد: له أشياء منكرة، وقال ابن معين: ضعيف، وقال البخاري قال علي: تركت حديثه، وقال أبو زرعة: ليس بقوي، وقال أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال النسائي: متروك، وقال في موضع آخر: ليس بثقة. يُنْظَر: تهذيب التهذيب (2/ 341 - 342).
وقال الحافظ في التقريب (1/ 176): "ضعيف".
والحديث ذكره الحفظ البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 292)، وقال:"هذا إسناد ضعيف حسين بن عبد اللّه تركه علي بن المديني وأحمد بن حنبل والنسائي وضعفه أبو حاتم وأبو زرعة. وقال البخاري: يقال إنه كان يتهم بالزندقة" ا. هـ.
والحديث ضعفه أيضًا: الزيلعي في نصب الراية (3/ 287)، وابن الملقن في البدر المنير (9/ 756)، وابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 520)، وفي الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 87).
القبطية
(1)
حين ولدت إبراهيم رضي الله عنه من رسول اللّه عليه السلام وقوله: "أعتقها ولدها" حيث جعل الولد أصلًا لثبوت حق العتق في الأم فعرفنا أن الولد هو المقصود بالدعوة والأم تابعة فيها؛ فلذلك قلنا: متى جرى في الولد من المشتري ما يمنع دعوة البائع لم تصح دعوة البائع أصلًا؛ لقيام المانع في الولد وذلك مانع في الأم؛ لأن الحق في الأم ثبت تبعا بخلاف العكس على ما ذكر في الكتاب وإليه أشار الإمام المحبوبي
(2)
.
(وقد أعتق المشتري الأم فهو ابنه يرد عليه بحصته من الثمن): يعني: فهو ابن البائع فيقسم الثمن
(3)
على قيمة الولد وعلى قيمة الأم فما أصاب الأم يلزم المشتري وما أصاب الولد سقط عنه ولا تصير الجارية أم ولد للبائع، لأنه ثبت فيها للمشتري ما لا يحتمل الإبطال وهو: الولاء كذلك الحكم فيما إذا دبرها أو استولدها كذا ذكره الإمام التمرتاشي
(4)
رحمه الله. فإن قلت: كان ينبغي أن يبطل البيع ويبطل إعتاق المشتري؛ لأن نسب الولد قد ثبت بدعوة البائع لكون العلوق في ملكه بيقين، لأن الكلام فيما إذا حبلت الجارية في ملك البائع ثم من حكم
(1)
هي: مارية بنت شمعون القبطية، أمّ إبراهيم: من سراري النبي صلى الله عليه وسلم. مصرية الأصل، بيضاء. ولدت في قرية "حفن" من كورة "أنصنا" بمصر، وأهداها المقوقس القبطي (صاحب الإسكندرية ومصر) سنة 7 هـ إلى النبي صلى الله عليه وسلم هي وأخت لها تدعى "سيرين" فولدت له "إبراهيم" فقال: أعتقها ولدها وماتت في خلافة عمر ودفنت بالبقيع سنة 16 هـ.
يُنْظَر: الأعلام للزكلي 5/ 255، سير أعلام النبلاء 2/ 93.
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية 3/ 174.
(3)
يوجد على الهامش في (أ) حاشية بخط مختلف فيها: بيانه إذا باع جارية قيمتها (ثلاثون) دينارًا
…
فولدت ولدا قيمته عشرة دنانير يقسم الثمن على أربعين لما أصاب الولد وهو سبعة دنانير (ونصف) يرد على المشتري وما أصاب الجارية وهو اثنان وعشرون ونصف سقط عن الباب. كذا في "المستصفى".
(4)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 416.
ثبات نسب الولد صيرورة الجارية أم ولد للبائع كما مثل عتق المشتري الأم، وإن كان هناك إبطال ملك المشتري في الأم كذا هنا؛ ولأنهم قالوا فيمن باع جارية حبلى فولدت ولدين في بطن واحد لأقل من ستة أشهر فأعتق المشتري أحدهما ثم ادعى البائع الولد الآخر، صحت دعوته فيهما جميعًا حتى يبطل عتق المشتري حتى لم يتفاوت هناك وجود دعوة البائع قبل إعتاق المشتري لأحد التوأمين أو بعده فيجب أن يكون ههنا. كذلك قلت: ذاك مسلم، أعني صيرورة الأم أم ولد للمدعي من حكم ثبوت النسب، لكن ليس من ضروراته بحيث لا ينفصل عن النسب بحال بل الانفصال عنه جائز. فإن ولد المغرور يكون حر الأصل ثابت النسب من المستولد وأمه لا تكون أم ولد له، بل تكون رفيقة حتى تباع في السوق ثم صيرورة الأم أم ولد للمدعي لو لم يكن من أحكام ثبوت النسب ولا من ضروراته لا تصير الجارية أم ولد للمدعي سواء ادعى الولد قبل إعتاق المشتري الأم أو بعده ولو كانت من ضروراته بحيث لا تنفصل عنه بحال لصارت الجارية أم ولد له في الحالين جميعًا كما في التوأم. فإذا كانت من أحكامه ولم يكن من ضروراته عملنا بالأمرين وقلنا متى ادعى قبل العتق صارت الجارية أم ولد للمدعي عملًا بكونه من أحكام النسب
(1)
؛ ومتى ادعى بعد العتق لم تصر أم ولد له، لأنها ليست من ضروراته، بخلاف التوأم، لأن ثبوت نسب أحد التوأمين والحكم بصيرورته حر الأصل من أحكام النسب وضروراته لا محالة فلذلك صح قبل العتق وبعده إلى هذا أشار الإمام المحبوبي
(2)
رحمه الله.
(فدعواه باطلة): أي: إذا لم يصدقه المشتري في دعواه.
(1)
تكررت في (ب).
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 8/ 143.
(أن الأصل في هذا الباب): أي: الأصل في باب ثبوت حق العتق للأم بطريق الاستيلاد وهو ثبوت حقيقة العتق للولد بالنسب.
(والأم تابعة له على ما مرّ): وهو قوله: (وإنما كان الولد أصلا لأنها تضاف إليه) إلى آخره.
وفي الوجه الأول وهو: (إذا ما ادعى البائع الولد وقد أعتق المشتري الأم): قام المنع عن الدعوة وهو العتق، الكناية
(1)
راجعة إلى المانع، وقوله من الدعوة صلة للمانع أي: العتق الذي هو (مانع من الدعوة والاستيلاد) إنما قام في البيع في الوجه الأول فلم يؤثر منعه بخلاف الفصل الثاني على ما ذكر.
(وليس من ضروراته): أي: وليس من ضرورات ثبوت العتق في الولد بالنسب ثبوت الاستيلاد في الأم أي: قد ثبت عتق الولد بالنسب ولا تصير أمه أم ولد لأبي الولد (كما في ولد المغرور) وهو ما إذا اشترى الرجل أمه من رجل يزعم أنها ملكه فاستولدها ثم استحقت الأمة فيعتق الولد بالقيمة ولا تصير أمه أم ولد لأبي الولد.
(وكما في المُستَولَدة في النكاح): بأن قالت امرأة لرجل: تزوجني
(2)
فإني حرة، فتزوجها فولدت له ولدًا ثم استحقت.
(وفي الفصل الثاني): وهو فيما إذا أعتق المشتري الولد ثم ادعاه البائع بأنه
(3)
ولده.
(1)
الْكِنَايَةُ: أَنْ تَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ وَتُرِيدَ بِهِ غَيْرَهُ. يُنْظَر: مختار الصحّاح (ص: 274).
(2)
في (أ): فزوجني.
(3)
في (أ): فإنه.
(فيمتنع ثبوته فيه وفي التبع): أي: فيمتنع ثبوت ما ذكرنا وهو الدعوة والاستيلاد في الأصل الذي هو الولد وفي التبع الذي هو الأم. (وإنما كان الإعتاق مانعًا) أي: وإنما كان إعتاق المشتري الولد مانعًا لدعوة البائع إياه.
(لأنه) أي: لأن الإعتاق (لا يحتمل النقض كحق استحقاق النسب) أي: من البائع في حق الولد. (وحق الاستيلاد) أي: وحق استيلاد البائع في حق الأم.
(فاستويا من هذا الوجه): أي: استوى
(1)
إعتاق المشتري وحق استحقاق النسب وحق
(2)
الاستيلاد من البائع من حيث أنهما لا يحتملان النقض، لكن ترجح إعتاق المشتري على حق استحقاق النسب من البائع لوجه آخر، وهو: أن الذي وجد من (المشتري حقيقة الإعتاق) وما وجد من البائع حق استحقاق النسب والحقيقة أقوى من الحق
(3)
فلذلك لم نقل بصحة دعوة البائع فيما إذا أعتق المشتري الولد وذكر الإمام قاضي خان فإن كان المشتري أعتق الولد ولم يعتق الأم ثم ادعى البائع نسب الولد لا تصح دعوته، لأن المشتري استحق الولاء بالإعتاق وأنه بمنزلة النسب لا يمكن إبطاله ولو ثبت نسبه من المشتري لا تصح دعوة البائع. وكذا
(4)
إذا ثبت ولاؤه للمشتري وإذا بطلت الدعوة في الولد بطلت في الأم، ولا تصير الجارية أم ولد له؛ لأنها تبع الولد في هذه الدعوة على ما ذكرنا، هذا كله فيما إذا علم أن العلوق كان في ملك البائع. فإن كان مشكلًا بأن جاءت بالولد بستة أشهر فصاعدًا ولأقل من سنتين من وقت البيع فادعاه البائع، لا تصح دعوته إلا بتصديق المشتري.
(1)
في (أ) و (ب): استوا. والصواب ما أثبته.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 416.
(4)
في (ب): فكذا.
(وقوله في الفصل الأول): أراد به ما إذا ادَّعى البائع الولد وقد أعتق المشتري الأم.
(ترد عليه بحصته من الثمن قولهما وعنده بكل الثمن وهو الصحيح): هذا احتراز عما ذكره الإمام شمس الأئمة في المبسوط
(1)
والإمام قاضي خان والإمام المحبوبي رحمهم الله في الجامع الصغير
(2)
بأن البائع لا يرد كل الثمن عند أبي حنيفة رحمه الله بل يرد ما يخص الولد من الثمن ويمسك ما يخص الجارية وذكر الإمام قاضي خان
(3)
: ولذا لم يبطل بيع الجارية لا يجب على البائع رد كل الثمن بل يجب عليه رد حصة الولد. ثم قال: من المشايخ من قال على قول أبي حنيفة رحمه الله يسترد كل الثمن، لأن أم الولد لا قيمة لها في قوله. وهذا قول يخالف الرواية. كيف يسترد كل الثمن والبيع لم يبطل في الجارية حتى لم يبطل إعتاق المشتري؟، وذكر الفرق لأبي حنيفة رحمه الله في المبسوط
(4)
، بين ما إذا ماتت الأم ثم ادعى البائع نسب الولد وبين ما إذا أعتق المشتري الأم ثم ادعى البائع نسب الولد ففي الموت يرد البائع جميع الثمن وفي الإعتاق يرد من الثمن حصة الولد لا حصة الجارية. فقال: لأن في الإعتاق كذب القاضي البائع فيما زعم البائع أنها أم ولده حين جعلها معتقة من المشتري أو مدبرة أو أم ولد فلم يبق لزعمه عبرة. وأما في فصل الموت: فبموتها لم يجر الحكم بخلاف ما زعم البائع فبني زعمه معتبرًا في حقه. فلذلك رد جميع الثمن. فكان هذا الفرق جوابًا عما ذكره الإمام المحبوبي سؤالًا في الجامع الصغير بعد ما ذكر أن البائع يرد من الثمن ما أصاب الولد ويمسك ما أصاب الجارية بقوله: فإن قيل: أليس أن البائع لما ادعى فقد أقرَّ أن الجارية أم ولد له وأن عليه رد جميع الثمن؛
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 13/ 130.
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 418.
(3)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 416.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 106.
فيعامل معه بإقراره حتى يلزمه رد جميع الثمن؟ فقال في جوابه: بل أقرَّ به لكن كذب شرعًا في إقراره متى قضى القاضي بصحة العتق من المشتري، والإقرار متى اتصل به التكذيب من القاضي يصير وجوده كعدمه فإن قيل: يجب أن لا يكون للولد حصة من الثمن لأنه حادث بعد قبض المشتري ولا حصة للولد الحادث بعد القبض، قلنا: الولد صورة وإن حدث بعد القبض فمن حيث المعنى حادث قبل القبض فإن البائع بسبيل من فسخ هذا البيع بالدعوة، وإن قبضه المشتري كما قبل القبض بسبيل من الفسخ قبل الاستهلاك، وإذا كان حادثا قبل القبض معنى فله حصة من الثمن إذا استهلكه البائع، وقد استهلك بالدعوة ههنا فيصير له حصة من الثمن. كما لو قيل: الولد الحادث قبل القبض.
باع عبدًا ولد عنده
(ومن): أي: كان أصل العلوق في ملكه ويبطل البيع.
(لأن البيع يحتمل النقض): وتخصيص البيع بأنه يحتمل النقض للاحتراز من الإعتاق والتدبير فإنهما لا يحتملان النقض ولا يكون الولد ابن البائع إذا ادعاه بعد إعتاق المشتري إذا أكذب المشتري البائع في دعواه، وقال في المبسوط
(1)
: ولو كان المشتري أعتق الولد أو أدبره ثم ادعى البائع نسبه لم يصدق على ذلك إذا كذب المشتري فإن الولد مقصود بالدعوة وقد ثبت للمشتري ما لا يحتمل النقض وهو الولاء فيبطل به حق الاستلحاق الذي كان للبائع، لأن الولاء كالنسب وقد بيّنّا أنه لو ثبت النسب من المشتري لم يكن للبائع حق الدعوة، وكذلك إذا ثبت الولاء له. التوأم اسم للولد إذا كان معه آخر في بطن واحد يقال: هما توأمان، وقولهم هما توأم وهما زوج خطأ ويقال للأنثى توأمة كذا في المغرب
(2)
. ولكن الإمام شمس الأئمة
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 106.
(2)
يُنْظَر: المغرب 1/ 58.
السرخسي رحمه الله ذكر في المبسوط
(1)
أن ذكر التوأم مكان التوأمين صحيح في اللغة حتى لو قال: غلامان توأم أو غلامان توأمان كلاهما صحيح عند أهل اللغة.
توأمان ولدا عنده
قوله: (غلامان توأمان ولدا عنده) إلى أن قال: (فهما ابناه وبطل عتق المشتري).
أي: إعتاقه وتأويل المسألة إذا كان علوقهما جميعًا في ملك المدعي؛ لأن دعوة البائع صحت في الدعوى عند البائع لمكان الملك والعلوق فيثبت نسبه فإذا ثبت نسبه (فيثبت نسب الآخر) لإعلاقهما من ماء
(2)
واحد، وبطل عتق المشتري في المشترى ضرورة وليس فيه إبطال عتق المشتري حقيقة بل يظهر أن إعتاقه لم يصح لما أنه إعتاق الحر. هذا إذا كان أصل العلوق في ملكه.
(فأما إذا لم يكن أصل العلوق في ملكه): والمسألة بحالها؛ يثبت نسب الولدين من البائع أيضًا، لأن حكم التوأمين لا يختلف في حق ثبوت النسب. ويعتق الولد الذي عند البائع على البائع، وعتق المشتري على حاله لا يبطل لأن هذه الدعوة دعوى تحرير لا دعوى الاستيلاد لافتقار دعوة الاستيلاد إلى اتصال العلوق بملك من يدعيه فصار كأن البائع أعتقهما، كذا في الفوائد الظهيرية
(3)
.
(بخلاف ما إذا كان الولد واحدًا؛ لأن هناك يبطل العتق فيه مقصودًا): يعني: لو بطل عتق المشتري في تلك الصورة إنما يبطل العتق الثابت مقصودا بسبب حق دعوة البائع وأنه لا يجوز؛ لأن عتق المشتري عتق حقيقي، ومن البائع حق الدعوة والحق أدنى من الحقيقة ولا يعارضها فكيف يدفعها؟ فلذلك لا يبطل عتق المشتري وأما في مسألتنا: وهي مسألة التوأمين
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 105.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 420.
لو بطل عتق المشتري فيما اشتراه إنما يبطل بطريق التبعية لمن هو حر الأصل، الذي
(1)
ثبت مقصودًا من المدعي وهو: دعوة البائع للذي في يده فيصح؛ لأن المبطل بإعتاق المشتري في مسألتنا ثبوت نسب الولد وحرية الأصل وذلك أمر لا يمكن دفعه فيبطل إعتاق المشتري ضرورة إلى هذا أشار الإمام قاضي خان
(2)
رحمه الله أو نقول: في مسألتنا لا يبطل عتق المشتري ثبت منه بل يظهر بدعوة البائع لما في يده من أحد التوأمين أن إعتاق المشتري لم يلاق محله؛ لأنه ظهر أنه كان حر الأصل وتحرير الحر باطل، لأن فيه إثبات الثابت وذلك لا يصح كما ذكرنا من الفوائد الظهيرية
(3)
.
(وهنا) أي: في مسألة التوأمين. (ثبت تبعًا لحريته فيه حرية الأصل) أي: يثبت بطلان إعتاق المشتري بطريق التبعية لحرية المشتري الذي كان الحرية فيه حرية الأصل، وذلك لأن دعوة البائع هنا لما كانت دعوة استيلاد استندت حريتهما إلى وقت العلوق؛ لأنه لما ثبت به حرية الأصل
(4)
للذي عنده كان من ضرورته ثبوت حرية الأصل للآخر؛ لأنهما خلقا من ماء واحد فلذلك بطل البيع والعتق في الذي اشتراه المشتري وأعتقه أي: ظهر بطلانهما فعلى هذا كان إعراب حرية الأصل مجرورًا بطريق البدلية من الحرية؛ لأن هذه دعوة تحرير، لأن أصل علوقهما لما لم يكن في ملك البائع كانت دعوته دعوة التحرير فكان قوله هذا ابني مجازًا لقوله هذا حرًّا، والتوأمان ينفصل أحدهما عن الآخر في الإعتاق وليس من ضرورة عتق أحدهما بدعوة البائع إبطال البيع وإبطال عتق المشتري في الآخر، والدليل على الفرق أن الجارية المشتركة بين اثنين
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 304.
(3)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 419.
(4)
ساقطة من (أ).
إذا ولدت فادعاه أحدهما فإن كان أصل العلوق في ملكهما، لم يضمن المدعي من قيمة الولد شيئًا وإن لم يكن أصل العلوق في ملكهما يضمن نصف القيمة لشريكه إن كان موسرًا لأن دعوته دعوة التحرير فجعل كإعتاقه الولد مقصودًا، كذا ذكره الإمام المحبوبي
(1)
، فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا اشترى الرجل أحد التوأمين واشترى أبوه الآخر فادعى أحدهما
(2)
الذي في يده أنه ابنه ثبت نسبهما منه، ويعتق الذي في يد الآخر أيضًا، وقد ثبت هناك عتق الذي في يد الآخر مع أن علوق التوأمين لم يكن في ملك المدعي، وفيما نحن فيه قد اشترط لإعتاق ما في يد الآخر كون علوقهما في ملك المدعي؟ قلت: الفرق بينها هو أن المدعي إن كان هو الأب فالابن مَلَكَ أخاه فعتق عليه، وإن كان المدعي هو الابن فالأب ملك حافِده فعتق، كذا ذكره الإمام التمرتاشي
(3)
محالًا إلى الشافي
(4)
.
الصبي في يد رجل فقال هو ابن عبدي فلان الغائب ثم قال هو ابني
قال: (هو ابن عدي فلان الغائب): أو الميت.
(ثم قال: هو ابني لم يكن ابنه أبدًا):
يعني: سواء صدقه العبد الغائب أو كذبه أو لم يعرف منه تصديق ولا تكذيب؛ لأنه أقرَّ بثبوت نسبه من الغير. وذلك يمنع ثبوت النسب منه بدعوته وإقراره حجة في حقه ثم لو حضر العبد فهو على ثلاثة أوجه: أما إن صدق المولى بذلك أو كذبه أو لم يصدقه ولم يكذبه ففي
(1)
يُنْظَر: اللباب شرح الكتاب 4/ 53.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 4/ 333.
(4)
الشافي في فروع الحنفية، لعبد اللّه بن محمود شمس الأئمة إسماعيل بن رشيد الدين: محمود بن محمد الكردري. يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1023)، وينقل عنه كثير البخاري الحنفي في المحيط البرهاني. يُنْظَر: المحيط البرهاني 1/ 84، 4/ 236.
الوجه الأول والثالث لم تصح دعوة المولى بعد ذلك بالإجماع وعلل شيخ الإسلام رحمه الله فقال
(1)
: لأنه لم يتصل بإقراره تكذيب من جهة المقر له فبقي إقراره صحيحًا؛ لأن صحته لا تتوقف على التصديق، بل البطلان موقوف على التكذيب وفي الوجه الثاني: وهو ما إذا أكذبه وجحد العبد نسب الصبي من نفسه ثم ادعى المولى نسبه لنفسه لم تصح دعوته عند أبي حنيفة رحمه الله خلافًا لهما كذا ذكره الإمام المحبوبي
(2)
، وذكر في المبسوط
(3)
لكن يعتق عليه وإن لم يثبت نسبه من المولى.
(وقالا: إذا جحد العبد فهو ابن المولى): يعني إذا ادعى المولى لنفسه بعد جحود العبد نسبه لهما أن الإقرار
(4)
هو قوله: (هو ابن عدي فلان الغائب)(والإقرار بالنسب يرتد بالرد؛ وإن كان لا يحتمل النقض) أي: وإن كان النسب لا يحتمل النقض. (ألا يرى: أن يعمل فيه الإكراه) أي: الإكراه يعمل في الإقرار بالنسب حتى لو أكره على الإقرار ببنوة عبد فأقرَّ لا يجوز. كذا وجد بخط شيخي
(5)
رحمه الله، أو نقول: والإقرار بالنسب يرد بالرد أي: حال ابتداء ثبوته فإنه قابل للارتداد وإن كان لا يقبله بعد الثبوت كرد المديون إبراء رب
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 112.
(2)
يُنْظَر: بداية المبتدئ 1/ 171.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 7/ 175.
(4)
يوجد في هامش في (أ) الكلام التالي: لهما أن الإقرار ارتد برد العبد فصار: إن لم يكن والإقرار بالنسب يرتد بالرد وإن لم يحتمل النقض بعد ثبوته وله أن النسب لا يحتمل النقض بعد ثبوته والإقرار بمثله لا يرتد بالرد إذا تعلق به حق المقر له حتى لو صدقه بعد التكذيب يثبت النسب منه
…
تعلق به حق الولد فلا يرتد برد المقر له.
(5)
صرّح المؤلف في شرح الهداية أن: ما ذكر من لفظ الشيخ فالمراد به حافظ الدين وهو: محمد بن محمد بن نصر الإمام حافظ الدين البخاري أبو الفضل كانت ولادته ببخارى سنة (615 هـ) تفقه على شمس الأئمة محمد بن عبد الستار الكردري توفي ببخارى في النصف الثاني من شعبان سنة (693 هـ) ودفن بكلاباذ. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 213، 2/ 121.
الدين فإن الإبراء يرتد بالرد حال ابتداء الإبراء أما لو سكت المديون يصح الإبراء من غير قبول. فبعد ذلك لو رده لا يرتد، ونظير هذا أيضًا الأمر بيد المرأة مطلقًا فإنه يرتد بالرد عند التفويض. أما بعد ذلك فلا يرتد بالرد. وذكر صاحب المحيط
(1)
في مسألة الأمر باليد
(2)
: فنظير هذا الإقرار فإن الإقرار يرتد بالرد قبل التصديق وبعده لا، وأما إذا كان الأمر باليد معلقًا فلا يرتد بالرد أصلًا، لا حالة التفويض ولا بعدها، كذا في الفصول
(3)
للإمام الأستروشني
(4)
، أو لأن الإقرار متى بطل بتكذيب المقر له بني من المولى مجرد النفي فصار كأنه نفاه ثم ادعاه وهناك تصح دعوته كذا هنا. فإنه لو قال لأحد: ليس هو
(5)
بابني. ثم قال: هو ابني. تصح دعوته لنفسه
(6)
وهو: أنه بقوله هذا ليس بابني ينكر أن يكون للابن عليه حقوق مالية، وبقوله هو ابني؛ أقرَّ للابن علي نفسه بالحقوق المالية والإقرار بالحقوق على نفسه بعد إنكارها صحيح، كذا في الذخيرة والجامع الصغير للإمام المحبوبي
(7)
فكذبه البائع ثم قال: أي: المشتري أنه أعتقه يتحول الولاء إليه أي: إلى المشتري فصار كأنه لم يقر أصلًا.
(ولأبي حنيفة رحمه الله: أن النسب مما لا يحتمل النقض بعد ثبوته): ولا يبطل بالرد
(1)
في (أ): المبسوط. ثم ذكر في الهامش المحيط.
(2)
يُنْظَر: المحبط البرهاني 3/ 340.
(3)
يُنْظَر: البحر الرائق 3/ 347.
(4)
هو "الفصول" في المعاملات: لمحَمَّد بن محمود بن حسين أبو الفتح، مجد الدين الأسروشني، وقيل: الأستروشني نسبة إلى "أسروشنة"، وهي بلدة في شرقي سمرقند، فقيه حنفي، أخذ عن أبيه، وعن صاحب الهِدَايَة، وعن السيد ناصر الدين السمرقندي، وظهير الدين مُحَمَّد بن أحمد الْبُخَارِي وغيرهم. من تصانيفه:"الفتاوى"، و"قرة العينين في إصلاح الدارين". يُنْظَر: الفَوَائِد البهية: ص 200، معجم المؤلفين: 11/ 317.
(5)
ساقطة من (ب).
(6)
في (أ) و (ب): لفقه. والصحيح ما أثبته. من المحيط البرهاني: 9/ 313.
(7)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 422.
والتكذيب كمن أقرَّ بحرية عبد إنسان وكذبه المولى لا يبطل إقراره حتى لو
(1)
اشتراه بعد ذلك يعتق عليه، كذا ذكره الإمام قاضي خان، وفي دعوى المبسوط
(2)
وأبو حنيفة رحمه الله يقول في كلامه الأول: إقرار شيئين أحدهما ثبوت النسب من الغير والآخر خروجه عن دعوى هذا النسب أصلًا وتكذيب المقر له إنما يبطل ما هو حقه فأما ما لا حق له فيه فلا يبطل الإقرار فيه بتكذيبه وخروج المقر من دعوى هذا النسب ليس بحق للمقر له فبقي الحال بعد التكذيب على ما كان قبله، والدليل عليه أن بتكذيبه لم يبطل الإقرار لأن النسب مما لا يحتمل الإبطال أصلًا، بل بني موقوفًا على حقه حتى لو ادعاه ثبت نسبه منه فلا يملك المولى دعواه لنفسه في حال توقف نسبه على حق الغير كولد الملاعنة
(3)
إذا ادعى غير الملاعن نسبه لا يثبت نسبه؛ لأنه بني موقوفًا على حق الملاعن فمنع ذلك صحة دعوة غيره وهذا بخلاف الولاء
(4)
؛ فإنه أثر من آثار الملك وأصل الملك يحتمل النقل من شخص إلى شخص. فكذلك أثره إلى أنه لا يحتمل الإبطال بعد تقرر نسبه وهو: العتق من واحد لعدم تصور ذلك السبب من غيره حتى لو تصور بأن كانت أمه، فارتدت ولحقت وسبيت ويملكها رجل وأعتقها كان ولاؤها له دون الأول. بخلاف النسب فردت شهادته لتهمة كالفسق والقرابة ثم ادعاه الشاهد لنفسه لم تصح دعوته.
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 112.
(3)
الملاعنة: بضم الميم وفتح العين، مفاعلة من لاعن: لعن كل واحد الآخر وتكون بشهادات مؤكدات بأيمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حق الرجل، ومقام حد الزنا في حق المرأة. يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (ص: 457).
(4)
الولاء: هو ميراث يستحقه المرء بسبب عتق شخص في ملكه، أو بسبب عقد الموالاة. التعريفات (ص: 255).
(كجرِّ الولاء من جانب الأم إلى قوم الأب): صورته: معتقة تزوجت بعبد ولدت منه أولادًا فجنى الأولاد كان عقل جنايتهم على موالي الأم؛ لأن الأب ليس من أهل الولاء، فكان الولد ملحقًا بقوم الأم فإن أعتق العبد جر ولاء الولد إلى نفسه، هكذا روي عن عمر رضي الله عنه، كذا ذكره الإمام قاضي خان
(1)
.
إذا كان الصبي في يد مسلم ونصراني
(وقد اعترض على الولاء الموقوف): وهو: الولاء من جانب البائع وإنما سماه موقوفًا؛ لأنه على عرضيته التصديق بعد التكذيب. (ما هو أقوى وهو دعوى المشتري) وإنما
(2)
كان دعواه أقوى؛ لأن الملك له قائم في الحال ظاهر فكان
(3)
دعوى الولاء إلى نفسه بسبب الإعتاق مصادفًا محله لوجود شرطه وهو قيام الملك بخلاف النسب على ما مرّ. وهو قوله: أن النسب مما لا يحتمل النقض) إلى آخره، (وهذا يصلح مخرجًا) أي: حيلة (على أصله) أي: على أصل أبي حنيفة
(4)
، (ويخاف عليه): أي: على البائع وذكر الإمام المحبوبي رحمة الله صورته رجل في يديه صبي ولد في ملكه وهو يبيعه ولا يأمر المشتري أن يدعيه البائع يومًا فينتقض البيع فيقر البائع بكون الصبي ابن عبده الغائب حتى ما أمن المشتري انتقاض البيع بالدعوى عند أبي حنيفة رحمه الله فإن هذا يكون حيلة عنده وفي الفوائد الظهيرية
(5)
الحيلة في هذه المسألة على قول الكل أن يقر البائع أن هذا ابن عبده الميت حتى لا يتأتى منه تكذيب فيكون مخرجًا على قول الكل.
(1)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 5/ 28.
(2)
تكررت في (ب).
(3)
في (أ): وكان.
(4)
يُنْظَر: الهداية 3/ 176.
(5)
يُنْظَر: البناية 9/ 423.
(فقال النصراني: هو ابني وقال المسلم: هو عبدي): وقال في الفوائد الظهيرية
(1)
وغيرها: (هو ابن النصراني) إذا كانت الدعوتان معًا وكان في قوله معًا إشارة إلى أن دعوى المسلم لو سبقت على دعوى النصراني بالبنوة يكون عبدًا للمسلم؛ (لأن الإسلام مرجِح) بكسر الجيم على صيغة اسم
(2)
الفاعل.
(فيستدعي تعارضًا ولا تعارض): أي: ههنا يعني أن الإسلام مرجح أينما كان، وعمل الترجيح إنما يكون بعد وجود المعارضة، والمعارضة إنما تكون عند وجود المساواة ولا مساواة بين الرقيّة والحرّية فيما يرجع إلى منفعة الصبي؛ لأن منفعة الحرّية له أكثر؛ لأنه يمكنه أن يكتسب الإسلام بنفسه ولا يمكنه اكتساب الحرية بنفسه، فلما لم تكن المساواة لم تكن المعارضة لأن شرط المعارضة المساواة في القوة. ولما لم تكن المعارضة بينهما لم يحتج إلى الترجيح بالإسلام بخلاف ما إذا ادعيا نسبًا فإنهما لما تعارضا في دعوة النسب رجحا جانب السلم بالإسلام فجعلنا ابن المسلم لا ابن النصراني لوجود أوان الترجيح.
فقال: (ولو كانت دعوتهما دعوة البنوة فالمسلم أولى): (ترجيحًا للإسلام).
فإن قلت: شكل على هذا ما ذكره الإمام المحبوبي في الجامع الصغير
(3)
في تقرير هذه المسألة
(4)
أن غلامًا نصرانيًا قد احتلم لو ادعى على رجل نصراني وامرأة أنه ابنهما وادعاه مسلم ومسلمة أنه ابنهما وأقام كل واحد في الطرفين ببينة فبينة الغلام أولى ولم يترجح بينة المسلمين بإسلامهما بعد وجود المساواة بين الدعويين في دعوى النسب فعلم بهذا أن ما ذكره في
(1)
يُنْظَر: البناية 9/ 422.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
الجامع الصغير: لجمال الدين عبيد اللّه بن إبراهيم المحبوبي شرح فيه الجامِع الصَّغِير للشيباني فِي الْفُرُوع. يُنْظَر: هدية العارفين (1/ 649).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 9/ 322.
الكتاب؛ لأن الإسلام مرجح غير مجرى على عمومه. قلت: هو مجرى على عمومه، لكن اعتراض دليل أقوى منه، لو أوجب عدمه في صورة من الصور، على قول من لا يرى تخصيص العلة، أو منعه عن العمل في موضع لوجود دليل أقوى منه على قول من يرى تخصيص العلة لا يدل على أن الدليل العام الموجب للحكم غير مجرى على عمومه في الإيجاب ثم إنما رجحنا ههنا بينة الغلام على بينة المسلمين لما ذكره في الذخيرة
(1)
فقال: لأن البينتين استوتا في الإثبات، فإن كل بينة تثبت النسب بفراش النكاح وترجحت بينة الغلام من حيث أن الغلام ببيِّنة يثبت حق نفسه، لأن معظم المنفق في النسب للولد لا للوالدين لأن الولد يغير إذا لم يكن له أب معروف، والوالد لا يغير إذا لم يكن له ولد وبينة من ثبت الحق لنفسه أولى بالقبول؛ لأنه أشبه بالمدعين وقال: عليه السلام "البينة على المدعي"
(2)
فمكان جنس البينات واجبًا على. ومن
(1)
يُنْظَر: العناية 8/ 311.
(2)
أخرجه الترمذي (3/ 626)، كتاب الأحكام، باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، ح:(1341) من طريق محمد بن عبيد اللّه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
قال الترمذي: "هذا حديث في إسناده مقال، ومحمد بن عبيد اللّه العرزمي يضعف في الحديث من قبل حفظه ضعفه ابن المبارك وغيره".
وأخرجه الدارقطني (4/ 218)، كتاب الأقضية والأحكام، ح:(53)، من طريق حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم .. فذكره.
قال ابن الملقن في البدر المنير (9/ 680): "حجاج هو ابن أرطاة ولم يسمعه من عمرو، إنما حدث عن العرزمي عنه، وهذا الطريق والذي قبله حديث ابن عباس مغنى عنهما".
وقال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 312): "وخرَّج الترمذي من حديث العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وقال: في إسناده مقال والعرزمي يضعف في الحديث من جهة حفظه
…
، وخرج الدارقطني هذا المعنى من وجوه متعددة ضعيفة".
كان أشبه به كان بينته أولى بالقبول وعلل في الإيضاح
(1)
في هذه المسألة في ترجيح بينة الغلام: أن الرجلين إذا ادعيا عينًا بالشراء من واحد ومع أحدهما قبض فهو أولى. فكذلك ههنا. بينة الغلام أولى؛ لأنه صاحب يد ومعنى المسألة أن تكون المرأة ذات زوج ادعت أنه ابنها من الزوج وأنكر الزوج وإنما لم تصح دعوتها لأنها تحتمل النسب على غيرها وسبب ثبوت النسب وإن كان قائمًا وهو الغراس فليس من ضرورة النسب الولادة فلا تثبت الولادة وتعيين الولد إلا بحجة، وشهادة القابلة حجة في ذلك؛ لأن الولادة لا يحضرها الرجال فيقبل فيها
(2)
قول النساء. وإنما قيدنا
(3)
بأن معنى المسألة: أن تكون المرأة ذات زوج، لأنه إذا لم يكن لها زوج يكون القول قولها من غير بينة كما في الرجل على ما ذكر في الكتاب بعد هذا، ومنهم من أجرى المسألة على إطلاقها، وقال: لا يقبل قولها سواءً كانت ذات زوج أو لم تكن. وهذا القائل يفرق بين الرجل والمرأة والفرق هو: أن الأصل أن كل من ادعى معنى لا يمكنه إثباته بالبينة كان القول قوله فيه من غير بينة كل من يدعي معنى يمكنه إثباته بالبينة لا يقبل قوله إلا بالبينة. وبيان هذا الأصل أن من قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنتِ طالق، وادعت المرأة الدخول وكذبها الزوج لا تصدق إلا ببينة؛ لإمكان الإثبات بالبينة وبمثله لو علق طلاقها بحيضها والمسألة بحالها يقبل قولها من غير بينة لما كان
(4)
العجز عن الإثبات بالبينة إذا ثبت هذا فنقول: المرأة يمكنها إثبات النسب بالبينة، لأن انفصال الولد منها مما يشاهد ويعاين ولا كذلك الرجل، لأن الرجل لا يمكنه إقامة البينة على الإعلاق والإحبال
(5)
لمكان الخفاء والتغيب عن
(1)
يُنْظَر: بداية المبتدئ 1/ 168.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
نا: ساقطة من (ب).
(4)
في (ب): لمكان.
(5)
في (أ): ولا حبال.
عيون الناظرين.
قوله: (بخلاف الرجل) أن يصدق
(1)
الرجل في دعوى الولد بدون (شهادة القابلة) لمعنيين: أحدهما: ما ذكرنا هو أن دعواه دعوى علوق الولد منه وذلك أمر باطل لا يتوقف عليه فقيل قوله من غير (حجة) لما ذكرنا وأما دعوى المرأة، دعوى الولادة، والولادة يمكن إثباتها بحجة، والثاني: أن دعوى الرجل إقرار على نفسه بوجوب النفقة والحفظ والتربية، أما دعوى المرأة: فإقرار على الزوج لا يلزمها شيء من ذلك والدعوى لا تقبل إلا بحجة. هذا كله مما ذكره الإمام المرغيناني
(2)
والإمام قاضي خان رحمهما اللّه.
إن كان الصبي في أيديهما
(وإن كان الصبي في أيديهما): إلى أن قال: (فهو ابنهما).
هذا إذا كان الصبي لا يعبِّر عن نفسه. فإن كان يعبر فالقول لأيهما صدق ثبت نسبه منه بتصديقه، ثم اعلم أن المناقضة في دعوى النسب غير مانعة لصحة الدعوى حتى أن الصبي إذا كان في يد امرأة وقال الرجل: هو ابني منكِ من زنا وقالت: من نكاح ثم قال: الرجل من نكاح ثبت النسب منه لأن المناقضة لا تبطل دعوى النسب. وكذا لو قال: هو ابني من نكاح منكِ، وقالت: هو ابنك مني من زنا لم يثبت النسب منه لعدم اتفاقهما في النكاح. فإن قالت بعد ذلك: هو ابنك مني من نكاح ثبت لما قلنا: أن المناقضة لا تبطل دعوى النسب. كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله وذكر في الإيضاح
(3)
إنما لا تبطل دعوى النسب بالتناقض؛ لأن
(1)
في (ب): أي تصديق.
(2)
هو: برهان الدين، أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الْمَرْغِينَانِي الحنفي، صاحب كتابي (الهِدَايَة) و (البداية) في المذهب، فقيه، فرضي، محدث، حافظ، مفسر، مشارك في أنواع من العلوم، أقرَّ له أهل مصر بالفضل والتقدم، (ت 593 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 383، معجم المؤلفين 7/ 45.
(3)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 425.
التناقض إنما يثبت بين المتساويين ولا مساواة فإن دعوى النسب أقوى من النفي. وذكر فيه
(1)
أيضًا: إذا تصادق الزوجان على أن الولد من الزنا من فلان فالنسب ثابت من الزوج؛ لأن سبب ثبات النسب قائم والنسب يثبت حقًّا للصبي ولا يقبل تصادقهما على إبطال النسب.
وكذلك لو كانت المنكوحة أمة أو كان النكاح فاسدًا؛ لأن الفراش قد وجد.
اشترى جارية فولدت ولدًا عنده، فاستحقها رجل
(ومن اشترى جارية فولدت ولدًا عنده، فاستحقها رجل: غرم الأب قيمة الولد)
إلى آخره.
والأصل في مسألة الغرور: ما رُوي عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيط
(2)
رضي الله عنه قال: "أبقت أمة فاتت بعض القبائل فانتمت إلى بعض قبائل العرب وتزوجها رجل من بني عذرة، فنثرت لهذا بطنها ثم جاء مولاه فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقضى بها لمولاها وقضى على أي الولدان تعدى أولاده الغلام بالغلام والجارية بالجارية"
(3)
وفي هذا الحديث دليل على أن ولد المغرور يكون حرًّا بعوض يأخذه المستحق من المغرور. وأخذ بعض العلماء بظاهرة وقالوا: مضمون المثل الغلام بالغلام والجارية بالجارية وعندنا هو مضمون بالقيمة. وتأويل الحديث الغلام بقيمة الغلام بالولد والجارية بقيمة الجارية والمراد المماثلة في المالية لا في الصورة فإنه قد ثبت بالنص أن الحيوان لا يكون مضمونًا بالمثل كما قال عليه السلام في العبد بين اثنين: "يعتق أحدهما إن كان موسرًا ضمن قيمة نصيب شريكه"
(4)
إذا عرفنا هذا فنقول: أنه أتت رجلًا
(1)
يُنْظَر: بدائع الصنائع 6/ 243.
(2)
هو: يزيد بن عبد اللّه بن قسيط المدني. ثقة، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَة. يُنْظَر: تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني 11/ 342.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 16/ 176.
(4)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج البخاري، كتاب العتق: باب إذا أعتق عبدًا بين اثنين، حديث (2522)، =
فأخبرته أنها حرة فتزوجها على ذلك فولدت ولدًا ثم أقام مولاه البينة أنها أمته فقضى
(1)
بها له فإنه يقضي بالولد أيضًا لمولاه، لأن استحقاق الأصل سبب لاستحقاق المتولد منه فإنه في حكم الجزء له وقد ظهر هذا السبب عند القاضي ولم يظهر ما يوجب حرية الولد وهو الغرور إلا أن يقيم الزوج بينة: أنه تزوجها
(2)
على أنها حرة فإن أقام البينة على هذا: فقد أثبت سبب حرية الأولاد فكان الأولاد أحرارًا لا سبيل عليهم، وعلى أبيهم قيمتهم دينًا في ماله حالًا وقت القضاء به دون مال الولد؛ لأن السبب هو المنع وهو قد وجد من الأب دون الولد، ولا للمستحق على الولد؛ لأنه علق حر الأصل وإنما قررنا الرِّق في حقه ضرورة القضاء بالقيمة له والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة، كذا في المبسوط
(3)
، ذكر في آخر
(4)
كتاب
=
(1)
في (أ): وقضى.
ممم بقية السابق ممم
⦗ص: 49⦘
_
ومسلم، كتاب العتق، حديث (1501) من طريق نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"من أعتق شركًا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوِّم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق".
قال ابن الملقن في البدر المنير (9/ 705): "حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركًا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه العبد قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق" وفي رواية "من أعتق شركًا له في عبد عتق ما بقي في ماله إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد". وفي رواية "إذا كان العبد بين اثنين فعتق أحدهما نصيبه وكان له مال فقد عتق كله" وفي رواية "من أعتق شركًا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد فهو عتيق".
هذا الحديث صحيح بكل هذه الروايات ففي "الصحيحين" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركًا له في عبد فكان له مال
…
".
ممم
(2)
يوجد على هامش هذه الورقة ختم مكتوب فيه: إن وقف هذا الكتاب يوسف (تحداي) خضر عهد عليًّا والده سلطان سليم خان ثالث بشرط أن لا يخرج من خزانته سنة 1209.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 177.
(4)
في (ب): ذكره في.
الدعوى منه.
إذا مات الولد قبل الخصومة
(يعتبر قيمة الولد يوم الخصومة؛ لأنه يوم المنع): وذكر في شرح الطحاوي
(1)
(2)
ويغرم قيمة الولد يوم القضاء به؛ لأن الولد يعلق في حق المستولد حرًّا ويعلق في حق
(3)
المستحق رقيقًا فلا يتحول حقه من العين إلى البدل إلا بالقضاء. فيعتبر قيمة الولد يوم القضاء، كذلك.
(ولو مات الولد لا شئ على الأب): يعني: ولو مات الولد قبل الخصومة ليس على الأب شيء من قيمته لأن الولد لو كان مملوكًا على الحقيقة لم يكن مضمونًا، فإن ولد الغصب أمانة عندنا، فإذا لم يكن مملوكًا أولى أن لا يكون مضمونًا.
(وكذا لو ترك مالًا): أي: ولد المغرور إذا مات وترك مالًا لأبيه فأخذ أبوه المال، لا يجب على الأب للمستحق من قيمة الولد شيء؛ وهذا بدفع شبهة ترد وهي أن رجلًا لو قتل ولد المغرور خطأ فأخذ أبوه ديته يجب على أبيه قيمة الولد المغرور للمستحق كما لو كان الولد حيًّا لما أن ديته قائمة مقام المقتول فمنع دية الولد يمنع الولد وفي منع الولد تجب القيمة فكذا في منع ديته على ما ذكر فعلى هذا كان ينبغي أن تجعل منع تركته بمنزلة منع الولد. فأجاب عنه بقوله:(لأن الإرث ليس ببدل عنه)؛ بخلاف الدية، وذكر في المبسوط
(4)
: فإن قضى له بالدية فلم يقبضها لم يؤخذ بالقيمة؛ لأن المنع لا يتحقق فيما لا يصل إلى يده من البدل فإن قبض من
(1)
يُنْظَر: قرة عين المختار لتكملة رد المحتار 8/ 203.
(2)
شَرْح الطَّحَاوِيِّ: لأبي جعفر أحمد بن مُحَمَّد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة واسم كتابه (شرح مشكل الآثار) حققه شعيب الأرناؤوط وطبعته دار الرسالة. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 102، تاريخ دمشق 5/ 368.
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 177.
الدية قدر قيمة المقتول قضى عليه بالقيمة للمستحق؛ لأن المنع تحقق بوصول يده إلى البدل، فيكون منعه قدر قيمة الولد كمنعه الولد. فإن كان للولد ولد تحرز ديته وميراثه مع الأب، فخرج من الدية مثل القيمة أو دونها قضيت على العبد بمثل ذلك؛ لتحقق المنع في البدل ولا يقضى به في الدية ولا في تركة الابن؛ لأن هذا الضمان مستحق على الأب لمنعه الولد بالحرية؛ وإنما تقضى من تركة الابن ما يكون دينًا على الابن، وإن كان الأب ميتًا قضى به في تركته؛ لأنه دين على الأب فيستوفى من تركته.
(ويرجع بقيمة الولد على بائعه): (كما يرجع بثمنه): يعني: يرجع أبو الولد على البائع بالثمن، وبقيمة الولد؛ لأن المبيع لم يسلم وبعقد المعاوضة استحق سلامتها سليمة عن العيب ولا عيب فوق الاستحقاق فيكون له أن يرجع بما يغرم بهذا السبب على البائع ولا يرجع عليه بالعقد
(1)
عندنا. وعند الشافعي رحمه الله يرجع عليه بالعقد كما يرجع عليه بقيمة الولد؛ لأنه ضمان لزمه بسبب قوة السلامة المستحقة له بالعقد. ولكنا نقول: إنما لزمه العقد عوضًا عما استوفي من منافع البضع فلو رجع به سلم المستوفى له مجانًا والوطء في ملك الغير لا يجوز أن يسلم للواطئ مجانًا ولا يرجع على الواهب والمتصدق والموصي بشيء من قيمة الأولاد عندنا، وعند الشافعي رحمه الله يرجع به؛ لأن الغرور قد تحقق منه بإيجابه الملك في المحل وإخباره أنها مملوكته سواء كان بعوض أو بغير عوض. ولكنا نقول: مجرد الغرور لا يكفي لإثبات حق الرجوع فإن من أخبر إنسانًا أن هذا الطريق آمن فسلك فيه وأخذ
(2)
اللصوص متاعه لم يرجع على المخبر بشيء ثبوت حق الرجوع باعتبار عقد المعاوضة؛ لأن صفة السلامة به تصير مستحقة فأما بعقد التبرع فلا تصير صفة السلامة مستحقة ولهذا لا يثبت له فيه حق الرد
(1)
في (ب): بالعقد عليه.
(2)
في (ب): فأخذ.
بالعيب فلم يكن له أن يرجع على المتبرع بقيمة الأولاد، وهذا؛ لأن عقد التبرع لا يكون سببًا لوجوب الضمان على المتبرع للمتبرع عليه ألا يرى: أن الملك لا يحصل به قبل التسليم لكي لا يلزمه ضمان التسليم كذا في المبسوط
(1)
والمشتري (يرجع على بائعه) بالثمن (وبقية الولد) ثم البائع لا يرجع على بائعه بما رجع عليه المشتري من قيمة الولد في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قولهما
(2)
: يرجع وكذا
(3)
هذا الاختلاف في رجل باع عبدًا ثم باعه المشتري بعد ما قبضه من آخر حتى تداولته الأيدي ثم إن المشتري الآخر وجد به عيبًا قديمًا كالإصبع الزائدة ونحوها فقبل أن يرده على بائعه ازداد عنده عيب آخر فله أن يرجع على بائعه بحصة النقصان وليس للبائع أن يرجع على بائعه عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما
(4)
له أن يرجع، إلى هذا أشار في المبسوط
(5)
. والله أعلم.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 178.
(2)
أي: قول أبي يوسف ومحمد. يُنْظَر: البناية 9/ 427.
(3)
في (ب): وكذلك.
(4)
أي: وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما اللّه. يُنْظَر: البناية (8/ 134).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 178.
كِتَابُ الإقرار
(1)
[باب]
ذكر كتاب الدعوى مع ذكر ما يقفوه من الكتب من الإقرار والصلح والمضاربة، والوديعة ظاهره التناسب وذلك؛ لأن دعوى المدعي إذا توجهت إلى المدعى عليه فأمره لا يخلو إما أن يقر أو ينكر، وإنكاره سبب للخصومة والخصومة مستدعية للصلح قال اللّه تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] وبعد ما حصل له من المال إما بالإقرار، أو بالصلح فأمر صاحب المال بماله لا يخلو إما أن يستربح منه أو لا، فإن استربح منه فلا يخلو إما أن يستربح بنفسه أو بغيره وقد ذكر استرباحه بنفسه في كتاب البيوع للمناسبة التي ذكرنا هناك بما قبله وذكر هنا استرباحه بغيره وهو المضاربة وإن لم يستربح فلا يخلو إما أن يحفظه بنفسه أو بغيره، ولم يذكر حفظه بنفسه؛ لأنه لم يتعلق به حكم في المعاملات فبقي حفظه بغيره: وهو الوديعة، ثم محاسن الإقرار ظاهرة منها إسقاط لواجب الناس عن ذمته وقطع لألسنتهم عن مذمته ومنها إيصال الحق إلى صاحبه وتبليغ المكسوب إلى كاسبه فكان فيه إيقاع صاحب الحق وإرضاء خالق الخلق فكم من صاحب حق لا يعرف حقه وكم من صاحب ملك مكنون لا يعلم مقدار ما استحقه ومنها: إحماد الناس المقر بصدق القول ووصفهم إياه بوفاء العهود وإزالة النول فيحتاج ههنا إلى بيان الإقرار لغةً وشرعًا وبيان سببه وشرطه وكنه وحكمه ودليل كونه حجة وعمله وأنواع المقر به وبيان الفرق بين حال الصحة والمرض.
(1)
العنوان ساقط من (أ).
تعريف الإقرار وبيان سببه وشرطه وركنه وحكمه
أما اللغة: فهو أفعال من قرَّ الشيء أي: ثبت. والإقرار إثبات لما كان متزلزلًا بين الإقرار والجحود فكان الإقرار بخلاف الجحود، وفي الشرع: عبارة عن إخبار بماله ظاهرًا لغيره.
وأمّا سببه: فإرادة إسقاط الواجب عن ذمته بإخباره وإعلامه لئلا يبقى في تبعية الواجب، وأما شرطه: فالعقل والبلوغ بلا خلاف وأما الحرية: فهي شرط في بعض الأشياء دون البعض وكذا الرضا والطوع شرط حتى لا يصح إقرار المكره، وأما ركنه: فالألفاظ المذكورة فيما يجب به موجب الإقرار على
(1)
المقر، وأما حكمه: فلزوم ما أقرَّ به على المقر.
دليل كونه حجة وعمله وأنواع المقر به
وأما دليل كونه حجة على المقر فما يذكر بعد هذا وأما عمله: فإظهار المخبر به لغيره لا التمليك به ابتداءً والدليل على صحة هذه مسائل: أحدها: أن الرجل إذا أقرَّ بعين لا يملكه يصح إقراره حتى لو ملكها المقر يومًا من الدهر يؤمر بالتسليم إلى المقر له فعلم بهذا أن عمل الإقرار بالشيء لا على وجه التمليك به ابتداء لآخر لأنه لا يملك تمليك ما ليس بمملوك له
(2)
، والثانية: أن الإقرار بالخمر للمسلم يصح إقراره حتى يؤمر بالتسليم إليه ولو كان تمليكًا مبتدأ لما صح، والثالثة: أن المريض الذي ليس عليه دين إذا أقرَّ بجميع ماله لأجنبي صح إقراره ولا يتوقف إقراره على إجازة الوارث ولو كان تمليكًا لا ينفذ إلا بقدر الثلث عند عدم الإجازة والرابعة: أن العبد المأذون
(3)
إذا أقرَّ لرجل بعين في يده صح إقراره ولو كان الإقرار سببًا للملك كان تبرعًا من العبد وهو لا يجوز في الكثير. وأما بيان أنواع المقر به فهو في الأصل على نوعين: أحدهما: حقوق اللّه تعالى، والثاني: حقوق العباد، ثم حقوق اللّه تعالى نوعان: أحدهما: أن يكون خالصًا كحدّ الشرب والزنا والسرقة والإقرار به صحيح من الحر والعبد ولو رجع المقر عن ذلك قبل الاستيفاء بطل الحد لاحتمال الصدق في الرجوع فأورث شبهة، وهذه حدود لا تثبت بالشبهة،
(1)
في (أ): عن.
(2)
في الحاشية (أ) يوجد الزيادة التالية: بل على وجه إظهار المخبر به لغيره يعني أن هذا المخبر به ملك لهذا الغير في
…
(3)
العبد المأذون: العبد الذي أطلق له التصرف. ينظر: طلبة الطلبة 1/ 162.
وأما حقوق العباد فأنواع منها: القصاص والدية، ومنها الأموال، ومنها الطلاق والعتاق وحق الشفعة، وأما بيان الفرق بين حالة الصحة والمرض: فيجيء بعد هذا إن شاء اللّه تعالى كذا في التحفة
(1)
وفتاوى قاضي خان وغيرها، قوله: وإنه ملزم أي: وأن الإقرار ملزم على المقر، ما أقرَّ به، وبيان إلزامه، ثابت، بالكتاب، والسنة، والمعنى المعقول، أما الكتاب، فقوله تعالى:{وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [البقرة: 282]. فلو لم يلزم المقر به على المقر بإقراره لم يرجع إلى إملائه ولا نهاه عن الكتمان المستفاد من قوله: {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [البقرة: 282]، ألا ترى أن اللّه تعالى لما نهى الشهود عن كتمان الشهادة دل على أن بإظهارها يتعلق حكم لازم فكذلك ههنا وكذلك قوله تعالى:{بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)} [القيامة: 14] قال ابن عباس رضي الله عنهما أي شاهدة بالحق وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء من: 135]. والمراد به الإقرار وهو أمرٌ مُلزمٌ كإلزام قربته وهو قوله تعالى: {أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135]. فإن الشهادة عليهم أمر ملزم للمشهود به عليهم، فكذا الإقرار وأما السنة فما ذكرها في الكتاب فإن كون الإقرار حجة في الحدود التي تندري بالشبهات كان دليلًا على أنه حجة فيما لا يندري بالشبهات بالطريق الأولى وأما المعنى المعقول فهو: أن المال محبوب المرء
(2)
طبعًا فلا يقر لغيره به كاذبًا، وذلك؛ لأن الإقرار في أصله خبر متردد بين الصدق والكذب وكان محتملًا باعتبار ظاهره، والمحتمل لا يكون حجة ولكنه جعل حجة بدليل معقول وهو أنه ظهر رجحان جانب الصدق على جانب الكذب فيه لأنه غير متَّهم فيما يقر به على نفسه، ففي حق الغير
(1)
تحفة الفقهاء: لمحمد بن أحمد بن أبي أحمد، أبو بكر علاء الدين السمرقندي المتوفى: نحو 450 هـ. والكتاب طبعته دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1405 هـ. يُنْظَر الجواهر المضيَّة 2/ 51.
(2)
في (ب): المراء.
ربما تحمله النفس الأمارة بالسوء على الإخبار به كاذبًا وفي حق نفسه النفس الأمارة بالسوء لا تحمله على الإقرار بالكذب؛ بل ربما تمنعه من الإقرار بالصدق فلظهور دليل الصدق فيما يقر به على نفسه جعل إقراره حجة عليه، إلى هذا أشار في المبسوط
(1)
وغيره.
(لوقوعه دلالة): أي: على وجود المخبر به وتلك المرأة باعترافها وهي الغامدية، امرأة من غامد حي من الأزد.
وقوله: (لأن إقراره عُهد موجبًا تعلق الدين) متصل بقوله: (لا يصح إقراره بالمال؛ لأنه مسلّط عليه من جهته): أي: مسلّط على الإقرار من جهة المولى فإن قلت: لا نسلم بأن العبد المأذون مسلط على الإقرار من جهة المولى فإنه مسلط من جهته على التجارة والإقرار بالمال غير التجارة؛ لأنه إزالة المال بلا عوض فلا يكون تجارة ولما لم يكن تجارة ينبغي أن لا يصح إقراره بالمال كما لا يصح إقراره بالمهر
(2)
والكفالة
(3)
وقتل الخطأ وقطع يد رجل عمدًا أو خطأً؛ لأنها ليست بتجارة قلت: نعم، كذلك إلا أنه لا بد للتجارة منه؛ لأن التاجر بالتجارة يلتزم حقوق الناس، فلا بد أن يصح إقراره بما التزم للناس حتى لا يضيع حقوق الناس ويخرج هو عما التزم بالتجارة؛ ولأنه متى لم يصح إقراره انحسم عليه التجارة لأن الناس لا يبايعونه إذا علموا
(4)
أن إقراره لا يصح إذ لا يتهيأ لهم الإشهاد في كل تجارة يديرونها بينهم وإذا لم يكن للتاجر بد من الإقرار صار الإقرار بالمال من التجارة، فكذلك دخل تحت الإذن بالتجارة، والحاصل أن دين التجارة صار ملحقًا بالتجارة من حيث، أنه لا بد للتجارة منه ولا كذلك ما
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 185.
(2)
الْمَهْرُ: صَدَاقُ الْمَرْأَةِ، المصباح المنير. يُنْظَر:(2/ 582).
(3)
الْكَفَالَةُ: ضَمُّ ذِمَّةٍ فِي الْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ. يُنْظَر: طلبة الطلبة (ص: 139).
(4)
في (أ): عملوا.
ليس هو دين
(1)
التجارة فإنه لم يلحق به وما ذكرته من الصور من المهر وغيره من قبيل ما هو ليس بدين للتجارة فلا يصح إقرار به كذا في مبسوط شيخ الإسلام
(2)
والذخيرة
(3)
.
(لأنه يبقى على أصل الحرية في ذلك): وذلك؛ لأن وجوب العقوبة بناء على الجناية؛ والجناية بناء على كونه مكلفًا وكونه مكلفًا من خواص الآدمية والعبد يبقى على أصل الحرية فيما هو من خواص الآدميين، كذا وجدت بخط شيخي رحمه الله.
جهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار
(وجهالةُ المُقَرِّ به لا تمنع صحة الإقرار): اعلم أن الجهالة التي تتعلق بالإقرار لا تخلو عن ثلاثة أوجه: إما أن تكون الجهالة في المقر له؛ أو في المقر؛ أو المقر به فالأولان: يمنعان صحة الإقرار بخلاف الثالثة. أما جهالة المقر له كما إذا قال لرجل: عليَّ ألف درهم
(4)
أو يقول لزيد: عليَّ ألف درهم لم يصح الإقرار؛ لأن زيدًا في الدنيا كثير إلا أن يعين وكذلك جهالة المقر تمنع صحة الإقرار نحو أن يقول لرجل: لك على أحدنا ألف درهم لأن المقضي عليه مجهول وجهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار والبيان في ذلك إلى المقر؛ لأنه هو المجمل فإليه بيانه كذا في شرح الطحاوي
(5)
.
(والإقرار إخبار عن ثبوت الحق فيصح به): أي: فيصح بكون المقر به مجهولًا فإن
قلت: الشهادة أيضًا إخبار عن ثبوت الحق للمدعي ومع ذلك يمتنع صحتها بجهالة المشهود به وهنا لا يمتنع صحة الإقرار بجهالة المقر به مع اشتراكهما في الإخبار عن ثبوت الحق للغير فما
(1)
تكررت في (أ).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 25/ 84.
(3)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 323.
(4)
الدِّرْهَمُ: اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ مِنْ الْفِضَّةِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ، وَزنه سِتَّةُ دَوَانِقَ. يُنْظَر: المصباح المنير (1/ 193).
(5)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 4/ 5.
الفرق بينهما؟ قلت: اللّه تعالى لم يجعل أداء الشهادة حجة إلا بعد العلم بالمشهود به قال اللّه تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)} [الزخرف: 86] وقال النبي صلى الله عليه وسلم للشاهد: "إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع"
(1)
فمع الجهل لا حاجة إلى الشهادة بل هو ممنوع عن أدائها، فأما من عليه الحقوق
(2)
: فمحتاج إلى إظهار ما عليه بإقراره معلومًا كان عنده أو مجهولًا فقد يعلم أصل الوجوب ويجهل قدر الواجب وصفته فلهذا صح لإقراره بالمجهول؛ ولأن الشهادة لا توجب حقًّا إلا بانضمام القضاء إليها والقاضي لا يتمكن من القضاء إلا بالمعلوم، وأما الإقرار فموجب بنفسه قبل اتصال القضاء به فإذا حصل بالمجهول أمكن إزالة الجهالة بالإخبار (على البيان)، فلهذا صح الإقرار، ولهذا لا يعمل الرجوع عن الإقرار ويصح الرجوع عن الشهادة قبل اتصال القضاء بها. كذا في المبسوط
(3)
.
(1)
أخرجه البيهقي (10/ 263)، كتاب الشهادات: باب التحفظ في الشهادة والعلم بها، ح (20579)، والحاكم (4/ 110)، كتاب الأحكام، ح:(7045) من طريق محمد بن سليمان بن مسمول ثنا عبيد اللّه بن سلمة بن وهرام عند أبي نعيم هرم عن أبيه لم يذكر الحاكم عن أبيه عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنه، ذكر عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الرجل يشهد شهادة
…
فذكر الحديث.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بأن الحديث واهٍ، فعمرو قال ابن عدي كان يسرق الحديث، وابن مسمول: ضعفه غير واحد".
ونقل العقيلي كما في نصب الراية (4/ 82) عن البخاري أنه قال: "سمعت الحميدي يتكلم في محمد بن سليمان بن مسمول المسمولي المخزومي". وأعله أيضًا ابن عدي به في الكامل (6/ 2213)، قال الزيلعي: وأسند ابن عدي تضعيفه عن النسائي، وموافقة، وقال: عامة ما يرويه لا يتابع عليه إسنادا ولا متنا، انتهى.
وضعفه ابن الملقن في البدر المنير (9/ 617)، وابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 478)، وفي الدراية (2/ 172).
(2)
في (ب): الحق.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 185.
(بخلاف الجهالةِ في المُقَرِّ له): فإن ذلك يمنع صحة الإقرار وذكر في الذخيرة
(1)
مسألة محالًا بها إلى واقعات الناطفي
(2)
تدل على أن جهالة المقر له إنما تمنع صحة الإقرار إذا كانت متفاحشة أما إذا لم تكن متفاحشة لا تمنع صورته ما إذا قال: هذا العبد لأحد هذين الرجلين جاز، ويحتاج إلى أن يحلف لكل واحد منهما أما لو قال: هذا العبد لواحد من الناس لا يجوز.
إن قال لفلان: عليَّ شئٌ: لَزِمه أن يبيِّن مالَه قيمةٌ
وقوله: (بصحيح إقراره): بالباء الجارة.
(وإن قال لفلان: عليّ شئٌ: لَزِمه أن يبيِّن مالَه قيمةٌ): بعد أن كان ذلك مما يثبت دينًا في الذمة صح إقراره وبيانه قل ذلك أو كثر نحو: أن يبين أنه حبة أو فلس
(3)
أو جوزة
(4)
وما أشبه ذلك كذا في شرح الطحاوي
(5)
وذكر في الإيضاح
(6)
: ولا بد من أن يبين شيئًا مما يتمانعه الناس ويقصد بالغصب؛ لأن ما لا يقصد به كالتراب لا يسمى غصبًا، ولو بين مما لا يقصده الناس ولا قيمة له قبل قوله فيه نحو أن يقر أنه غصب صبيًّا حرًّا أو جلد ميتة فهذا اختيار مشايخ العراق، وأما اختيار أهل ما وراء النهر: لابد من أن يبين شيئًا له قيمة؛ لأن الإقرار بالغصب إقرار بلزوم موجبه، وموجبه الرد وإنما يتكامل وجوب الرد بإيجاب القيمة عند تعذر رد العين وكذلك إذا فسّرها بما لا يضمن نحو العقار أو غصبه خمر مسلم وذكر في
(1)
يُنْظَر: لسان الحكام 1/ 266.
(2)
كتاب الواقعات: لأحمد بن محمد بن عمر أبو العباس الناطفي، فقيه حنفي، من أهل الريّ. توفي سنة 446 هـ من كتبه: الأجناس، والروضة، وغيرها. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 113.
(3)
الفلس: قطعة من النحاس يتعامل بها الناس. يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (ص: 350).
(4)
الجَوْزة: ضربٌ مِن الْعِنَبِ لَيْسَ بِكَبِير، وَلَكِنَّهُ يَصْفَرُّ جِدًّا إِذا أَيْنَع. يُنْظَر: لسان العرب (5/ 330).
(5)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 4/ 5.
(6)
يُنْظَر: بدائع الصنائع 7/ 214.
المبسوط
(1)
، رجل قال غصبت من فلان شيئًا فالإقرار صحيح ويلزمه به ما يبيّنه ولا بد من أن يبين شيئًا
(2)
هو مال؛ لأن الشيء
(3)
حقيقته اسم لما هو موجود مالًا كان أو غير مال؛ إلا أن لفظ الغصب دليل على المالية فيه فالغصب لا يرد إلا على ما هو مال وما ثبت بدلالة اللفظ فهو كالملفوظ كقوله اشتريت من فلان شيئًا يكون إقرارا بشراء ما هو مال؛ لأن الشراء لا يتحقق إلا فيه ولا بد من أن يبين مالًا يجري فيه التمانع بين الناس حتى لو فسره بحبة حنطة
(4)
لا يقبل ذلك منه؛ لأن إقراره بالغصب دليل على أنه كان ممنوعًا من جهة صاحبه حتى غلب عليه فغصبه وهذا مما يجري فيه التمانع فإذا بين شيئًا بهذه الصفة قبل بيانه؛ لأن هذا بيان مقرر لأصل كلامه وبيان التقرير صحيح موصولًا كان أو مفصولًا، ثم إن ساعده المقر له على ما يبينه أخذه، وإن ادعى غيره فالقول قول المقر مع يمينه؛ لأنه خرج عن موجب إقراره بما بين فإذا كذبه المقر له فيه صار رادًّا لإقراره ينفي دعواه شيئًا آخر عليه وهو لذلك منكر (فالقول قوله مع يمينه)، ويستوي أن يبين شيئًا يضمن بالغصب أو لا يضمن بعد أن يكون بحيث يجري فيه التمانع حتى إذا بين أن المغصوب خمر فالقول قوله وكذلك إن بين أن المغصوب دار فالقول قوله وإن كانت لا تضمن بالغصب عند أبي حنيفة
(5)
رحمه الله واختلف المشايخ فيما إذا بين أن المغصوب زوجته أو ولده فمنهم من يقول: بيانه مقبول؛ لأنه موافق لمبهم كلامه فإن لفظ الغصب يطلق على الزوج والولد عادة والتمانع فيه يجري بين الناس أكثر مما يجري في الأموال وأكثرهم على أنه لا يقبل بيانه بهذا؛ لأن حكم الغصب لا يتحقق إلا فيما هو مال، فبيانه بما
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 185.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
الحنطة: القمح. يُنْظَر: المعجم الوسيط (1/ 202).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 3/ 178.
ليس بمال يكون إنكارًا لحكم الغصب بعد إقراره بسببه وذلك غير صحيح منه وفرق بين هذا وبين الخلع؛ فإن من خالع امرأته على ما في بيتها من شيء فإذا ليس في البيت شيء كان الخلع مجانًا ولم يجعل تسميته الشيء فيه دليلًا على المالية بخلاف تسمية المتاع؛ لأن الخلع من أسباب الفرقة والفرقة قد تكون بغير بدل في العادة فلا يكون فيما صرح به دليل على الماليّة في الشيء المذكور فأما الغصب: فلا يطلق في العادة إلا فيما هو مال ولا يثبت حكمه شرعًا إلا فيما هو مال، فالتنصيص عليه دليل على المالية في الشيء المذكور والعصير قبل التخمر كان مالًا فسد تقومه بالتخمر شرعًا وصار المسلم ممنوعًا من تمولها من غير انعدام أصل المالية فيها ألا ترى أنها بالتحلل تصير مالًا متقومًا وهو ذلك العين، فلهذا صح بيانه؛ ثم الخمر محل لحكم الغصب، ولهذا كان غاصب الخمر من الذميّ
(1)
ضامنًا، فلهذا قبل بيانه.
(وكذا إذا قال لفلان: عليَّ حق): أي: لزمه أن يبين ماله قيمة لأن هذا معطوف على قوله فإن قال لفلان: عليَّ شيء لزمه أن يبين ما له قيمة.
وقوله: (لما بينا) إشارة إلى قوله؛ لأنه أخبر عن الوجوب إلى آخره.
(إلا أنه لا يصدق في أقل من درهم): لأن ما دون الدرهم من الكسور لا يطلق اسم المال عليه عادة كذا في المبسوط
(2)
، وفيه أيضًا:(ولو قال له: عليَّ مال عظيم) من الدراهم فعليه ما يجب فيه الزكاة في قول أبي يوسف ومحمد
(3)
رحمهما الله.
(وهو مائتا درهم): على قياس مذهبهما عند الوصف بالكثرة، ولم يذكر قول أبي حنيفة رحمه الله ههنا، وقيل مذهبه في هذا الفصل كمذهبهما؛ لأنه في الفصل الأول أي:
(1)
الذِّمِّيّ: الْمعَاهد الَّذِي أُعْطِي عهدا يَأْمَن بِهِ على مَاله وَعرضه وَدينه. يُنْظَر: المعجم الوسيط 1/ 315.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 99.
(3)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 174.
في قوله: (دراهم كثيرة): بنى على لفظ دراهم وذلك غير موجود ههنا، وإلا صح أن على قوله يبني على حال المقر في الفقر والغنى فإن القليل عند الفقير عظيم وأضعاف ذلك عند الغني ليست بعظيمة، كما أن المائتين عظيمة في حكم الزكاة فالعشرة مال عظيم في قطع السرقة وتقدير المقر بها فيتعارض فيرجع إلى حال الرجل وعلى حاله يبنى فيما يبنيه، وعلى قول الشافعي
(1)
رحمه الله البيان إلى المقر في ذلك فأي مقدار بيّن يؤخذ به؛ لأن الإيهام حصل من جهته وهذا بعيد فإنه لو قال: عليَّ مال ثم بينه بشيء يقبل ذلك منه فلا يجوز إلغاء قوله عظيم ولو قبلنا بيانه في القليل والكثير كنا ألغينا تنصيصه على وصف العظيم وذلك لا يجوز.
لو قال: لفلان علي أموال عظام
وقوله: (وعنه مثل جواب الكتاب) وهو أن في (قوله لفلان: عليّ مال عظيم لا يصدق في أقل من مائتي درهم): (وهذا إذا قال من الدراهم): أي: بين وقال: بأن مرادي من المال العظيم الدراهم أما إذا قال أي: بين؛ (لأنه أدنى نصاب يجب فيه من جنسه): وإنما اشترط أن يجب فيه من جنسه حق
(2)
حتى يكون عظيمًا؛ لأن عدم إيجاب ما هو من جنسه لقِلَّته وقصوره فلا يكون عظيمًا.
(ولو قال: أموال عظام، فالتقدير بثلاثة نصب من فنٍ سماه): يعني لو قال لفلان عليَّ أموال عظام
(3)
ثم قال أردت من الأموال الدراهم كان عليه ستمائة درهم، وكذلك في كل جنس يريده حتى لو أراد به الإبل تجب عليه من الإبل خمس وسبعون؛ وهذا لأن أقل الجمع ثلاثة فيحمل على ثلاثة أموال. ولو قال عليَّ مال نفيس أو كريم أو خطير أو
(1)
في مذهب الشافعية. يُنْظَر: المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي 2/ 476.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (أ): عظيم.
جليل قال الناطفي
(1)
: لم أجده منصوصًا، وكان الجرجاني
(2)
يقول
(3)
: يلزمه مائتان، ولو قال: عليَّ دريهم أو دُنينير فعليه درهم تام ودينار
(4)
تام؛ لأن الصغير قد يذكر لصغر حجمه بالتصغير وقد يذكر على طريق الاستقلال
(5)
فلا ينقص على الوزن ولو قال: عليَّ حنطة كثيرة. فهذا على خمسة أوساق؛ والوسق ستون صالحًا وهذا على قولهما؛ لأن النصاب في باب العشر تقدر بهذا وأما على قول أبي حنيفة
(6)
رحمه الله فلا نصاب للحنطة فيرجع إلى بيان المقر. ولو قال: غصبته إبلًا كثيرة، فهذا على خمسة وعشرين؛ لأنه إنما تكثر إذا وجبت فيه الزكاة من جنسه، وأقل ذلك ما ذكرنا، كذا في الإيضاح والذخيرة
(7)
.
(ولو قال: كذا كذا درهم لم يصدق في أقل من أحد عشر) إلى آخره، وعلى هذا الدنانير والكيل والوزن حتى إذا قال: كذا كذا مختومًا، من حنطة، عليه أحد عشر مختومًا، ولو قال له: عليَّ كذا كذا درهمًا، وكذا كذا دينارًا، ألزمه من كل واحد منهما أحد عشر، اعتبار لحالة الجمع بحالة الإفراد، بخلاف ما لو قال كذا كذا دينارًا، ودرهمًا، فإنه يلزمه، أحد عشر منهما، بمنزلة ما لو فسر في الفصلين معًا، فإنه لو قال: أحد عشر دينارًا، ودرهمًا، يلزمه من كل
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (9/ 433).
(2)
هو: محمد بن يحيى بن مهدي أبو عبد اللّه، الجرجاني، فقيه من أعلام الحنفية، من أهل جرجان، توفي سنة (397 هـ) سكن بغداد، وكان يدرس فيها بمسجد قطيعة الربيع، وتفقه عليه أبو الحسين القدوري وأحمد بن محمد الناطفي وغيرهما. له كتاب (ترجيح مذهب أبي حنيفة) و (القول المنصور في زيارة سيد القبور). يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 143.
(3)
يُنْظَر المسألة في: تبيين الحقائق 5/ 5، مجمع الضمانات 1/ 377.
(4)
في (أ): دنانير.
(5)
في (ب): الاستقرار.
(6)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المحتار 2/ 129.
(7)
يُنْظَر: بداية المبتدئ 1/ 172.
واحد منهما النصف، بخلاف ما إذا قال: أحد عشر دينارًا، وأحد عشر درهمًا، فكذلك عند إيهام العددين.
(ولو قال: كذا درهما فهو درهم): وذكر في التتمة
(1)
والذخيرة على خلاف هذا حيث قال في: الذخيرة
(2)
محالًا إلى الجامع الصغير
(3)
إذا قال لفلان: عليَّ كذا درهما فعليه درهمان؛ لأن هذا أقل ما يعد؛ لأن الواحد لا يعد حتى يكون معه شيء آخر.
(وإن ثلث بالواو فمائة وأحد وعشرون): أي: وإن ثلث لفظ كذا وثنّى الواو وقال: لفلان عليَّ كذا وكذا وكذا؛ لأن نظيره الذي أرى في المفسر هكذا، حيث يقال لفلان علي مائة وأحد وعشرون ولا يثلث الواو فكذا في لفظ الكناية عن العدد.
(وإن ربّع يزاد عليها ألفٌ): أي: وإن ربع لفظ كذا مع تثليث الواو بأن قال لفلان: عليَّ كذا وكذا وكذا وكذا درهمًا (لأن ذلك نظيره)، أي: لأن أقل العدد الذي يذكر بواوين مائة وأحد وعشرون وكذلك في التربيع؛ لأن أقل العدد الذي يثلث الواو مع تربيع لفظ
(4)
العدد في المفسر هذا الذي ذكره مع زيادة الألف حيث يقال: لفلان عليَّ ألف ومائة وأحد وعشرون، فكذا في لفظ الكناية عن العدد؛ لأن عليَّ صيغة إيجاب؛ لأن عليَّ كلمة
(1)
التتمة في الفتاوى؛ لبرهان الدين، محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازة البخاري المتوفى سنة (616 هـ) والتتمة كتابٌ جمع فيه مصنفه ما وقع إليه من الحوادث والواقعات وضم إليها ما في الكتب من المشكلات وجمع في كل مسألة روايات مختلفة. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 15، كشف الظنون 1/ 823.
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 6.
(3)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير لأبي عبد اللّه مُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ طبعته دار عالم الكتب ببيروت سنة 1406 هـ ويقع في جزء واحد وله شروحات كثيرة منها شرح البزدوي وشرح التُّمُرْتَاشِي. يُنظر: كشف الظنون (1/ 563).
(4)
ساقطة من (ب).
خاصة للإخبار عن الواجب في الذمة واشتقاقه من العلو وإنما يعلوه إذا كان دين في ذمته لا يجد بدًّا من قضائه ليخرج عنه.
لو قال له: قبلي
وكذلك (لو قال قِبَلي فهو إقرار بالدين): لأن هذا عبارة عن اللزوم ألا ترى: أن الصك الذي هو حجة الدين يسمى قبالة؛ وأن الكفيل يسمى قبيلًا؛ لأنه ضامن للمال كذا ذكره في باب من الإقرار بألفاظ مختلفة من إقرار المبسوط
(1)
وذكر الإمام المحبوبي إذا قال الرجل لفلان عليَّ ألف درهم كان إقرارًا بالدين؛ لأنه إن لم يذكر الدين نصًّا فقد ذكره اقتضاءً؛ لأن قوله عليَّ صيغة إيجاب ومحل الإيجاب الذمة وفي الذمة يثبت الدين دون العين
(2)
.
الإقرار يكون الشيء في يده
(ولو قال المُقِرُّ: هو وديعةٌ ووصل صدق) أي في قوله (عليّ وقبلي): لأن آخر كلامه تفسير لأوله فهو محتمل لما فسره فإن قوله: (عليّ): أي: حفظها لا عينها؛ لأن المودع ملتزم حفظ الوديعة ومتى فسر كلامه بما هو محتمل كان مقبولًا منه كذا في المبسوط
(3)
.
(ولو قال: عندي): إلى قوله (فهو أمانة)؛ لأن هذه المواضيع إنما يكون محلًا للعين لا للدين فإن الدين محله الذمة ولو ادعى الطالب أنها قرض
(4)
لم يصدق في لفظ المقر ما يدل عليه. ولو قال: عندي ألف درهم عارية فهو قرض؛ لأن الإعارة تمليك المنفعة ولا يمكنه
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 19/ 168.
(2)
يُنْظَر: قرة عين الأخيار 8/ 231.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 12.
(4)
الْقَرْضُ: مَا تُعْطِيهِ غَيْرَكَ مِنْ الْمَالِ لِتُقْضَاهُ وَالجمْعُ قُرُوضٌ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَقْرَضْتُهُ الْمَالَ إقْرَاضًا وَاسْتَقْرَضَ طَلَبَ الْقَرْضَ وَاقْتَرَضَ أَخَذَهُ. يُنْظَر: المصباح المنير (2/ 498).
الانتفاع إلا بعد الاستهلاك وإذا استهلك وجب عليه رد المثل وهذا هو معنى القرض. كذا في المبسوط
(1)
والإيضاح
(2)
.
(وذلك يتنوع إلى مضمون وأمانة، فيثبت أقلُّهما): فإن قلت: يشكل عليَّ هذا ما لو قال: له قبلي مائة درهم دين وديعة أو وديعة دين فهو دين حيث لم يقل هناك بالأمانة، مع أن الأمانة أقلهما في ذكر الدين، والأمانة صريحًا خ - لا أن فيما نحن فيه يتنوع اللفظ إلى الضمان والأمانة بطريق الاحتمال وفي تلك المسألة ذكر الضمان والأمانة بالصريح ولا ينبعث من الفرق قلت فيما نحن فيه: تنوع اللفظ إلى الضمان، والأمانة إنما نشأ من لفظ واحد وفي تلك المسألة من لفظين بالصريح والأصل أن أحد اللفظين إذا كان للأمانة والآخر للدين فإذا جمع بينهما في الإقرار يترجح الدين كذا في المبسوط
(3)
، وهذا المعنى: هو أن استعارة اللفظ الذي يوجب الدين لما يوجب الأمانة ممكن لا على العكس؛ لأنه ممكن أن يستعار لفظ الوجوب الذي ينبئ عن وجوب أصل الدين إلى وجوب الحفظ في الأمانة وأما لفظ الأمانة الذي ينبئ عن عدم الوجوب في الذمة إلى الوجوب في الذمة: فلا يصح؛ لأنه حينئذ يلزم استعارة الأدنى للأعلى، وذلك لا يصح كما لا يصح استعارة لفظ الطلاق للعتاق. وأما في الأول: فكان فيه استعارة الأعلى للأدنى وهو صحيح كاستعارة العتاق للطلاق، والاستعارة إنما تصح في اللفظين لا في اللفظ الواحد بل في اللفظ الواحد المحتمل للشيئين إنما ينظر إلى ما هو الأعلى المحتمل والأدنى المتيقن فيحمل على الأدنى المتيقن لثبوته يقينًا كما في
(4)
لفظ الوكالة إذا
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 11/ 145.
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية 3/ 220.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 11/ 18.
(4)
ساقطة من (أ).
قال لآخر: وكلتك بمالي كان هو محمولًا على الحفظ فقط ليتقنه لا للتصرف في ماله وكما في قوله أنت واحدة عند إرادة الطلاق فإنه محمول على الطلاق المرجعي
(1)
لقلَّته وتيقنه لا على البائن
(2)
.
قال له رجل: لي عليك ألف فقال: اتَّزِنْهَا
(ولو قال له رجل: لي عليك ألف فقال: اتَّزِنْهَا): إلى آخره كما أن ذكر الجواب بالهاء كان إقرارًا فكذلك قوله نعم، كان إقرارًا أيضًا حتى لو قال: اقضني الألف التي عليك فقال: نعم، فقد أقرَّ بها؛ لأن قوله نعم لا يستقل بنفسه فقد أخرجه مخرج الجواب وهو صالح للجواب فيصير ما تقدم من الخطاب كالمعاد فيه فكأنه قال: نعم، أعطيتك الألف التي لك عليَّ ومتى ذكر في موضع الجواب كلامًا يستقل بنفسه يجعل مبتدأ فيه لا
(3)
مجيبًا إلا أن يذكر فيه ما هو كناية عن المال المذكور فحينئذ لا بد من أن يحمل على الجواب، وبيان ذلك إذا قال: سأعطيكها أو غدًا أعطيكها أو سوف أعطيكها فالهاء أو الألف كناية عن الألف المذكور فصار إعادته بلفظ الكناية كإعادته بلفظ الصريح. بأن يقال: سأعطيك الألف التي لك عليَّ وكذلك إذا قال: فاقعد (فاتَّزِنها أو فانتقدها) أولم يقل اقعد وقال: اتزنها أو خذها ولابد من حمل كلامه على الجواب بخلاف ما إذا قال: اتزن أو انتقد أو خذ فهذا لا يكون إقرارًا؛ لأن هذا الكلام يستقل وليس فيه ما هو الكناية عن المال المذكور فيحمل على الابتداء؛ لأنه مبتدأ بالكلام حقيقة فترك هذه الحقيقة إلى أن
(4)
يجعل كلامه للجواب كان للضرورة، ولا
(1)
الطَّلَاق الرَّجْعِيّ: مَا يجوز مَعَه للزَّوْج رد زَوجته إِلَى عصمته من غير اسْتِئْنَاف عقد. يُنْظَر: المعجم الوسيط 1/ 331.
(2)
البائِنُ: هُوَ الَّذِي لَا يَمْلِك الزوجُ فِيهِ اسِترْجاعَ المرأَةِ إِلَّا بعَقْدٍ جديدٍ. يُنْظَر: لسان العرب (13/ 64).
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
ساقطة من (ب).
ضرورة ههنا. فجعلناه ابتداءً ومعنى قوله اتزن
(1)
أي: اقعد وزانًا للناس واكتسب به ولا تؤذني بالدعوى الباطلة فحصل من هذا كله أن ما لا يستقل كلامًا بنفسه إما بكلمة تصديق أو بالكناية الراجعة إلى المذكور قبله أو بمعنى من المعاني كقوله: لم تحل بعد هذا أو ليست اليوم عندي يكون جوابًا وإقرارًا وإلا فلا؛ لأن التاء
(2)
في قوله: لم تحل كناية عن الألف فكان كلامه جوابًا وهذا اللفظ من دعوى التأجيل، وأن يكون الأجل إلا بعد وجوب أصل المال وكذلك لو قال: غدًا لأن هذا غير مفهوم المعنى بنفسه فلا بد من حمله على الجواب. وهذا استمهال للقضاء للغد فلا يكون ذلك إلا بعد وجوب المال، وكذلك لو قال: واللّه، لا أقضيكها، أو لا أزِنها لك اليوم؛ لأنه نفى القضاء والوزن في وقت بعينه وذلك لا يكون إلا بعد وجوب أصل المال عليه، فأما إذا لم يكن أصل المال واجبًا فالقضاء يكون منتفيًا أبدًا فلا يحتاج إلى تأكيد نفي القضاء باليمين لأنه في نفسه منتف كذا في المبسوط
(3)
.
دعوى الإبراء والصدقة، والهبة
(ودعوى الإبراء): بأن قال: أبرأتني. (وكذا دعوى الصدقة، والهبة): يعني: لو قال تصدقت بها علي، أو وهبتها لي كان إقرارًا، لأن هذا دعوى التمليك منه، ولا يكون ذلك إلا بعد وجوب المال في ذمته، فإن قلت: هل من صورة كان تصديق كلام المدعي ورده كلاهما إقرارا؟ قلت: نعم، وهو كما ذكرت من قوله: واللّه، لا أقضيكها، أو لا أزنها لك اليوم إقرار، وكذلك أقضيتكها اليوم أيضًا إقرار. كما أن سأعطيكها أو غدًا أعطيكها إقرار، وكذا لو قال رجل لآخر: أعطني ثوب عبدي هذا فقال: نعم، فقد أقرَّ له بالثوب والعبد وكذلك لو قال:
(1)
هنا يوجد كلام بين السطرين في (أ) لعله: قيل أي: من زن كمن فكّر بميزان العقل.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 16.
افتح باب داري هذه أو جَصِّص
(1)
داري هذه، أو أسرج دابتي هذه، أو أعطني سرج
(2)
بغلي، أو لجام بغلي هذا فقال: نعم، فهذا إقرار لما بيَّنا أن نعم غير مفهوم المعنى بنفسه فلا بد من حمله على الجواب؛ لأنه لو لم يحمل عليه صار لغوًا. وكلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن ولو قال: لا في جميع ذلك كان إقرارًا أيضًا في بعض نسخ كتاب الإقرار وفي بعضها لم يكن إقرارًا وأما إذا قال: لا أعطيكها اليوم أو لا أعطيكها أبدًا فهذا إقرار؛ لأنه صرح بنفي الإعطاء إما مؤبدًا أو مؤقتًا والكناية المذكورة في كلامه تنصرف إلى
(3)
ما سبق وكأنه قال لا أعطيك سرج بغلك أو لجام بغلك، ولو صرح بهذا كان إقرارًا بملك اليمين فكذا في الكناية كذا في المبسوط
(4)
، فقد جعل كلا طرفي كلام المجيب ههنا إقرارًا كما ترى وفي الذخيرة والفتاوى الظهيرية
(5)
إذا قال المدعى عليه: (كيبس بدوز) أو كيسه بدوزِش) بكسر الزاي لا يكون إقرارًا و (وكيسه دوزَش) بفتح الزاي إقرار ولو قال: (قبض كنِش) بكسر النون لا يكون إقرارًا ولو قال: (قبض كنَش) بفتح النون أو (بكيرَش) بفتح الراء فقد اختلف المشايخ فيه وإلا صح أنه إقرار لزمه الدين حالًا وهذا عندنا، وقال الشافعي
(6)
رحمه الله المال عليه إلى أجله لأنه أقرَّ بمال موصوف بأنه مؤجل إلى وقت فيلزمه بالوصف الذي أقرَّ به وهذا ليس بشيء. فالأجل حق لمن
(1)
جَصَصَ: الجِصُّ والجَصُّ: مَعْرُوفٌ، الَّذِي يُطْلى بِهِ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ. وجَصَصْت الدار عملتها بالجصّ يُنْظَر: لسان العرب 7/ 10. المصباح المنير 1/ 102.
(2)
السَّرْجُ: رَحْلُ الدَّابَّةِ. يُنْظَر لسان العرب: (2/ 297).
(3)
في (أ): إلا.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (18/ 16).
(5)
هو: كتاب الفتاوى الظَّهِيرِيَّة لظهير الدين أبي بكر مُحَمَّد بن أحمد القاضي الفقيه الأصولي، (ت 619 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 20، معجم المؤلفين 8/ 303.
(6)
في مذهب الشافعية يُنْظَر: الأم (3/ 243)، نهاية المطلب (6/ 429).
عليه المال فيكون صفة للمال، ولكنه مؤخر للمطالبة إلى مضيِّه وكان دعواه الأجل كدعواه الإبراء ذكره في باب الاستيفاء من المبسوط
(1)
، وفرق علماؤنا بين مسألة الإقرار ومسألة الكفالة: ففي الكفالة في دعوى الأجل القول قول الكفيل لا المكفول له وفي الإقرار القول قول المدعي وقد مرت المسألة في كتاب الكفالة أي: في باب الضمان منه ببيان الفرق ويستحلف المقر له على الأجل أي: على إنكار الأجل وفي الذخيرة
(2)
في الفصل الأول من كتاب الإقرار ولا يبطل الإقرار بالحلف حتى أن من أقرَّ لرجل بمال ثم أنكر فاستحلفه القاضي فحلف ثم أقام الطالب بيِّنة على إقراره قضى له بالمقر به.
قال له: عليَّ مائة ودرهم
(وإن قال له مائة ودرهم لزمه كلها دراهم): وكذا لو قال: مائة ودرهمان كذا في فتاوى قاضي خان
(3)
. وحجتنا في ذلك أن قوله ودرهم بيان للمائة عادة
(4)
ودلالة أما من حيث العادة: فإن الناس يتحرزون عن تطويل العبارات بالتنصيص على الدراهم عند ذكر كل عدد ويكتفون بذكره مرة وهذا شيء لا يمكن إنكاره ألا ترى أنهم يقولون: أحد وعشرون درهمًا فيكتفون بذكر الدراهم مرة ويجعلون ذلك تفسيرًا للكل وأما من حيث الدلالة: فلأن المعطوف مع المعطوف عليه بمنزلة المضاف مع المضاف إليه إذا كل واحد منهما للتعريف عند الصلاحية؛ والصلاحية موجودة في المكيلات والموزونات؛ لأنها تثبت في الذمة في جميع
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 37.
(2)
يُنْظَر: قرة عين الأخيار 8/ 222.
(3)
يُنْظَر: قرة عين الأخيار 8/ 248.
(4)
يوجد على يمين هذه الصفحة الكلام التالي: وفي الخلاصة إذا تصادقا على أنه قال اتزنها على وجه السخرية لا يكون إقرارًا، وطلب التأجيل ودعوى القضاء لكل منهما يدل على سبق الوجوب، ولو قال لا تخبر فلانًا أن له عليَّ ألف درهم، الصحيح لا يكون إقرارًا ولو اشترى أَمَةً فلما كشفت وجهها قال: أي جاريتي لا يسمع دعواه في الأصح؛ لأن شراءها إقرار منه بأنها للبائع وكذا الاستيداع ونحوه.
المعاملات حالة ومؤجلة ويجوز الاستقراض فيها لعموم البلوى جعلنا العطف فيها تفسيرًا بخلاف قوله: (وثوب) وشاة؛ لأن الثوب لا يثبت في الذمة دينًا إلا مبيعًا مسلمًا فيه والشاة لا تثبت دينًا في الذمة أصلًا يعني: به ثبوتا لازمًا فلا يصح قوله (وثوب) أن يكون تفسيرًا للمائة؛ لأن قوله: (عليَّ مائة) عبارة عما يثبت في الذمة مطلقًا ثبوتًا صحيحًا، فلهذا كان البيان إليه وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما اللّه في قوله:(مائة وثوب) أن الكل من الثياب وكذلك في قوله مائة وشاة ووجهه أن الثياب والغنم تقسم قسمة واحدة بخلاف العبيد فإنها لا تقسم قسمة واحدة وما يقسم قسمة واحدة يتحقق في أعدادها المجانسة. فيمكن أن يجعل المفسر منه تفسيرًا للمبهم.
قال له: مائة وثلاثة أثواب
(ولو قال مائة وثلاثة أثواب): فالكل من الثياب بالاتفاق، لما أنه عطف العدد المبهم على العدد المبهم ثم فسر بما يصلح أن يكون تفسيرًا للكل، فيكون الكل من الثياب والقول في بيان جنسها قول المقر وحاصله أن المعطوف عليه كما يصلح تفسيرًا للمعطوف في قوله: له عليَّ عشرة دراهم ودانق
(1)
فالدانق فضة؛ لأنه عبارة عن سدس الدرهم والمعطوف من جنس المعطوف عليه وكذلك لو قال: عشرة دراهم وقيراط
(2)
فالقيراط من الفضة؛ لأن المعطوف من جنس المعطوف عليه؛ لأن الدرهم أربعة عشر قيراطًا كذلك يكون المعطوف تفسيرًا للمعطوف عليه في قوله: (عليَّ مائة ودرهم) ونحوه كذا في المبسوط
(3)
.
(1)
الدانق: سدس الدينار والدرهم. يُنْظَر: لسان العرب: (10/ 105).
(2)
القيراطُ: نصفُ دانِقٍ. يُنْظَر: الصحاح: (3/ 1151).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 99.
(فبقي على الحقيقة): وهو أن يكون بيان المحمل موقوفًا إلى المحمل لا إلى المعطوف؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه فلا يصلح تفسيرًا له في الأصل إلا إذا دعت الضرورة إلى كونه تفسيرًا له وهو فيما يكثر وجوبه في الذمة.
(وكذا إذا قال: مائة وثوبان): يرجع في بيان المائة إلى المقر، (لِما بيَّنَّا) وهو قوله. أما الثياب، وما لا يكال، ولا يوزن، لا يكثر وجوبها، (فانصرف إليهما): أي: العددين المبهمين.
تعريف القوصرة
(القوصرة): بالتخفيف والتشديد وعاء التمر يتخذ من قصب وقولهم: إنما سُمي بذلك ما دام فيه التمر وإلا فهي زنبيل مبني على عرفهم كذا في المغرب
(1)
. والأصل في جنس هذه المسائل أنما كان الثاني ظرفًا للأول ووعاء له لزماه. نحو: (ثوب في منديل): (وطعام في سفينة
(2)
، وحنطة في جوالق (
(3)
والحمار لبيان محل المغصوب حين أخذه، وغصب الشيء من محل لا يكون مقتضيًا غصب المحل كذا في
(1)
يُنْظَر: المغرب 1/ 401.
(2)
معنى سفينة أي: ما يحمل فيه. يُنْظَر: لسان العرب 13/ 209.
(3)
(الجوالق): بالفتح جمع جوالق بالضم، وإذا أوصى بحنطة في جوالق هو بضم الجيم في الواحد وبفتحها في الجمع وصفة السرج الأدم الذي يغشيه. يُنْظَر: المغرب 1/ 87، طلبة الطلبة 1/ 169.»، وإن كان الثاني مما لا يكون وعاء للأول، نحو قوله غصبتك درهمًا في درهم، لم يلزمه الثاني؛ لأنه غير صالح أن يكون ظرفًا لما أقرَّ بغصبه أولًا. آخر كلامه هذا في كلمة في، وأما الحكم في كلمة من: فما ذكره في الكتاب وهو أن يكون إقرارًا بالغصب في الأول خاصة؛ لأن كلمة من للتبعيض، فإنما يفهم منه الانتزاع، وأما الحكم في كلمة على نحو أن يقول: غصبته إكافًا على حماره، فكان إقرارًا بغصب الإكاف الإِكافُ والأُكاف مِنَ المراكب: شبه الرِّحالِ والأَقْتابِ ووكِافُ الحمار: بَرْذَعَتُهُ. يُنْظَر: لسان العرب (9/ 8)، القاموس المحيط (ص: 792).
المبسوط
(1)
.
من أقرَّ بدابَّة في إسطبل
(ومن أقرَّ بدابَّة في إسطبل لزمته الدابَّه خاصة): ولم يقل كان إقرارا بالدابة خاصة لما أن هذا الكلام إقرار بهما جميعًا إلا أن اللزوم على قولهما أي: على قول أبي حنيفة وأبي يوسف في الدابة خاصة، لأنه ذكر في المبسوط
(2)
بهذا الطريق وقال: ولو قال غصبتك طعامًا في بيت كان هذا بمنزلة قوله طعامًا في سفينة؛ لأن البيت قد يكون وعاءً للطعام فيكون إقرارًا بغصب البيت والطعام إلا أن الطعام يدخل في ضمانه بالغصب والبيت لا يدخل في ضمانه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله الآخر لأنه مما لا ينقل ولا يحول والغصب الموجب للضمان لا يكون إلا بالنقل والتحويل. فإن قال: لم أحول الطعام من موضعه لم يصدق في ذلك، لأنه أقرَّ بغصب تام وفي الطعام يتحقق ذلك بالنقل والتحويل فكان هو في قوله: لم أنقله راجعًا عما أقرَّ به فلم يصدق فكان ضامنًا للطعام وفي قول محمد
(3)
رحمه الله: هو ضامن للبيت أيضًا.
من أقرَّ بخاتم
(ومن أقرَّ بخاتم
(4)
لزمه الحلقة
(5)
والفص (الفص: مَا يركب فِي الْخاتم من الحجَارَة الْكَريمَة وَغَيرهَا. المعجم الوسيط (2/ 691).» إلى آخره.
إذا أقرَّ الرجل أن هذه الدار لفلان، وأقرَّ أن هذه الأرض لفلان وفيها أشجار، أو نخيل أو أقرَّ أن هذه الخاتم لفلان وفيه فص ثم إن المقر أقام بينة بعد ذلك
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 193.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 193.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 194.
(4)
الخاتم: حلقة ذَات فص تلبس فِي الأصبْع. يُنْظَر: المعجم الوسيط (1/ 218).
(5)
الْحلقَة: كل شَيْء اسْتَدَارَ كحلقة الْبَاب وَالذَّهَب وَالْفِضَّة. يُنْظَر: المعجم الوسيط (1/ 193).
أن البناء والنخل والأشجار والفص له لم يصدق ولم تقبل بينته. أما إذا قال: هذا الخاتم لي وفصّه لك، هذا السيف لي وحليته لك، هذه الجبة لي وبطانتها لك، وقال المقر له الكل لي فالقول ما أقرَّ به المقر فبعد ذلك ينظر إن لم يكن في نزع المقر به ضرر للمقر يؤمر المقر بالنزع والدفع إلى المقر له، وإن كان في النزع ضرر فواجب على المقر أن يعطيه قيمة ما أقرَّ به كذا في الذخيرة
(1)
.
(النصل): حديدة السيف (والجفن): الغمد (والحمايل). جمع الحمالة بكسر الحاء وهي علاقة السيف، (الحجلة): بيت يزين بالثياب والأسرة.
(والعيدان): برفع النون جمع عود وهو الخشب، كالديدان في جمع دود.
إن قال: ثوب في عشرة أثواب
(وإن قال: ثوب في عشرة أثواب لم يلزمه إلا ثوب واحد عند أبى يوسف): وهو قول أبي حنيفة رحمهما الله، كذا في المبسوط
(2)
.
(لأن النفيس من الثياب قد يلف في عشرة أثواب فأمكن حمله على الظّرف (
(3)
وقال أبو يوسف: إن العشرة لا يكون وعاء معناه أن الوعاء غير الموعى. والثوب إذا لف في ثياب كل ثوب يكون نوعًا في حق ما وراءه فلا يكون وعاء إلا الثوب الذي هو ظاهر. فإذا كان لا يتحقق كون العشرة وعاء للثوب الواحد كان آخر كلامه لغوًا، وحمله على التقديم والتأخير لا معنى له فإنه اشتغال بإيجاب المال في ذمته بالمحتمل، وأما
(1)
يُنْظَر: قرة عين المختار 8/ 167.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 193.
(3)
الظّرْف: الْوِعَاء كل مَا يسْتَقرّ غَيره فِيهِ. يُنْظَر: المعجم الوسيط (2/ 575).» فحينئذ كان بمنزلة قوله: حنطة في جوالق، أو يحمل كلامه على التقديم والتأخير فيصير كأنه قال: عشرة أثواب في ثوب ساقطة من (أ).
قوله: (لأن النفيس من الثياب قد يلف بعشرة أثواب): فهو منقوض على أصله فإنه لو قال: غصبته كرباسًا
(1)
في عشرة اثواب حرير عند محمد يلزمه الكل في هذه الصورة أيضًا مع ان عشرة أثواب حرير لا يجعل وعاء للكرباس عادة إلى هذا أشار في المبسوط
(2)
.
قال: لفلان علي خمسة في
(ولو قال: لفلان على خمسة في خمسة): إلى أن قال: (لزمه
خمسة): ولو قال: لفلان عليَّ عشرة دراهم
(3)
في عشرة دراهم
(4)
فعليه عشرة دراهم عندنا. وقال زفر
(5)
: عليه عشرون وقال الحسن بن زياد
(6)
: عليه مائة درهم وجه قول الحسن أن العشرة في العشرة عند أهل الحساب مائة فإقراره بهذا اللفظ محمول على ما هو معلوم عند أهل الحساب ولكنا نقول: أن حساب الضرب في الممسوحات لا في الموزونات مع أن عمل الضرب في تكثير الأجزاء لا في زيادة المال وعشرة دراهم وزنًا وإن تكثر أجزاؤها لا يصير أكثر من عشرة وزفر يقول: حرف في بمعنى حرف مع. قال الله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} [الفجر: 29، 30] أي: مع عبادي. فيحمل على هذا
(1)
الكرباس: ثوب فارسية، جمعها كرابيس، وهي القطن. يُنْظَر: لسان العرب 6/ 195، طلبة الطلبة (ص: 127).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 193.
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
ساقطة من (أ).
(5)
زفر بن الهذيل بن قيس العنبري، من تميم، أبو الهذيل، فقيه كبير، من أصحاب الإمام أبي حنيفة. أصله من أصبهان. أقام بالبصرة وولي قضاءها وتوفي بها سنة 158 هـ، يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 243، وفيات الأعيان 2/ 317.
(6)
الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، أبو علي، قاض، فقيه، من أصحاب أبي حنيفة، أخذ عنه وسمع منه، وكان عالما بمذهبه بالرأي. ولي القضاء بالكوفة سنة 194 هـ ثم استعفى. من كتبه: أدب القاضي ومعاني الإيمان والنفقات. نسبته إلى بيع اللؤلؤ. وهو من أهل الكوفة، نزل ببغداد. توفيّ سنة 402 هـ. يُنْظَر: الجواهر المضيئة 1/ 193، تاريخ بغداد 7/ 314.
تصحيحًا لكلامه. ولكنا نقول: حقيقة حرف في للظرف والدراهم لا تكون ظرفًا للدراهم واستعماله في غير الظرف مجاز، والمجاز قد يكون بمعنى حرف مع وقد يكون بمعنى حرف على قال الله تعالى:{وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه من: 71] أي: على جذوع النخل، وليس أحدهما أولى من الآخر، بقي المعتبر حقيقة كلامه.
(فليزمه عشرة): بأول كلامه وما ذكره في آخره لغو وكذلك لو قال: في عشرة دنانير إلا أن يقول: عنيت هذه وهذه، فحينئذ يعمل بيانه؛ لأنه بين أنه استعمل في بمعنى مع، أو بمعنى واو العطف كذا في المبسوط
(1)
ولم يذكر في الكتاب ولا في المبسوط أنه لو أراد به
(2)
معنى على ما حكمه عند علمائنا وذكر في الذخيرة
(3)
أن حكمه أيضًا كحكم في حتى ولو قال لفلان: عليَّ عشرة في عشرة ثم قال: عنيت به على عشرة أو قال: عنيت به الضرب لزمته عشرة عند علمائنا.
قال: عليّ من درهم إلى عشرة
(ولو قال: عليّ من درهم إلى عشرة): إلى أن قال: (وقال زفر يلزمه ثمانية ولا تدخل الغايتان). والقياس ما قاله زفر فإنه جعل الدرهم الأول والآخر حدًّا ولا يدخل الحد في المحدود كمن (قال لفلان: من هذا الحائط إلى هذا الحائط) أو ها بين هذين الحائطين لا يدخل الحائطان في الإقرار فكذلك ها هنا لا يدخل الحدان؛ لأن الحد غير المحدود وأبو يوسف ومحمد قالا: هو كذلك في حد هو قائم بنفسه كما في المحسوسات. فأما فيما ليس بقائم بنفسه فلا؛ لأنه إنما يتحقق كونه حدًّا إذا كان واجبًا فأما ما ليس بواجب فلا يتصور حدًّا لما
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 7.
(2)
في (ب): (بفي) بدل: (به).
(3)
يُنْظَر: درر الحكام 2/ 362.
هو واجب وأبو حنيفة رحمه الله يقول: الأصل ما قاله زفر، أن الحد غير المحدود وما لا يقوم بنفسه حد ذكرا وإن لم يكن واجبًا إلا أن الغاية الأولى لابد من إدخالها لأن الدرهم الثاني والثالث واجب ولا يتحقق الثاني
(1)
بدون الأول ولأن الكلام يستدعي ابتداءً. فإذا أخرجنا الأول من أن يكون واجبًا صار الثاني هو الابتداء فيخرج هو من أن يكون واجبًا، ثم الثالث والرابع هكذا بعده، فلأجل هذه الضرورة لم أدخلنا فيه الغاية الأولى ولا ضرورة في إدخال الغاية الثانية فأخذنا فيها بالقياس ولو قال: له عليَّ ما بين
(2)
كرّ
(3)
شعير إلى كرّ حنطة فعليه في قول أبي حنيفة رحمه الله: كرّ شعير وكرّ حنطة إلا قفيز
(4)
حنطة لأن القفيز الآخر من الحنطة هو الغاية الثانية. وعند أبي يوسف ومحمد يلزمه الكرّان ولو قال: له عليَّ ما في عشرة دراهم إلى عشرة دنانير فعند أبي حنيفة رحمه الله ويلزمه الدراهم وتسعة دنانير وعندهما يلزمه عشرة دراهم وعشرة دنانير
(5)
. وقوله: من كذا إلى كذا بمنزلة قوله ما بين كذا وكذا في جميع ما ذكرنا. والله أعلم.
لما تغيرت المسائل صورة ومعنى وتجنست في نفسها بأنها مسائل الحمل أتى بفصل على حدة لها إلا أنه ألحق مسألة الخيار بها اتباعًا للمبسوط فإن فيه هكذا. ثم اعلم أن الإقرار
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (أ): من.
(3)
الْكُرُّ: كَيْلٌ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ أَكْرَارٌ مِثْلُ قُفْلٍ وَأَقْفَالٍ وَهُوَ سِتُّونَ قَفِيزًا وَالْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ وَالْمَكوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فَالْكُرُّ عَلَى هَذَا الحسَابِ اثْنَا عَشَرَ وَسْقًا. يُنْظَر: المصباح المنير 2/ 530.
(4)
القفيز هُوَ: مِكْيَالٌ تتواضَعُ الناسُ عَلَيْهِ، وهو ثمانية مكاكيك، ويساوي اثنا عشر صاعًا والجمع إقفزة وقفزان، يُنْظَر: لسان العرب 5/ 395، المصباح المنير 2/ 511، معجم الفقهاء 1/ 443.
(5)
يُنْظَر: درر الحكام 2/ 362، قرة عين الأخيار 8/ 258.
للحمل على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يبين سببًا مستقيمًا، والثاني: أن يبين سببًا مستحيلًا والثالث: أن يقر للجنين بمال مطلق من دين أو عين، أما
(1)
الأول: فإنه إذا بيّن سببًا مستقيمًا بأن يقول: (لما في بطن فلانة عليَّ ألف درهم) من جهة ميراث ورثه عن أبيه فاستهلكته أو وصية (أوصي بها له) فاستهلكته فهذا
(2)
صحيح؛ لأنه بين سببًا مستقيمًا لو عايناه حكمنا بوجوب المال عليه، فكذلك إذا ثبت بإقراره، وهذا؛ (لأن هذا الإقرار في الحقيقة للمورث والموصى) فإن المال يبقى على حقه ما لم يصرف إلى وارثه أو إلى من أوصي له به وذلك المورث والموصي من أهل الإقرار له فهو نظير ما لو قال: لدابة فلان عليَّ ألف درهم أوصى لها بالعلف واستهلكه.
(ثم إذا جاءت به في مدة يعلم أنه كان قائمًا): أي: موجودًا (وقت الإقرار لزمه) ثم العلم بأن الولد كان موجودًا وقت الإقرار بوجهين: أحدهما: حقيقي، والآخر: حكمي. فالحقيقي: هو ما إذا وضعته لأقل من ستة أشهر، وأما الحكمي: فهو ما إذا وضعته لأكثر من ستة أشهر لكن المرأة معتدة بعد. فحينئذ إذا جاءت بالولد لأقل من سنتين حتى حكم بثبوت النسب كان ذلك حكمًا بوجوده في البطن حتى مات الموصي والمورث. وإذا لم تكن معتدة وجاءت به الأكثر من ستة أشهر لم يستحق شيئًا.
(1)
في (ب): أو.
(2)
يوجد في (أ) كلام بين السطرين هو: أقر بالجملة أي حامل جارية وحمل شاة لرجل صح إقراره ولزمه لأن له وجهًا صحيحًا وهو أن رجلًا أوصى بها الرجل ومات الموصي فيقر وارثه للموصى له (أنه).
إن جاءت بولدين حيين
(فإن جاءت بولدين حيين فالمال بينهما): لكن إذا كانا ذكرين أو أنثيين كان المال بينهما نصفين. وإن كان أحدهما ذكرًا وكان الآخر أنثى ففي الوصية تقسم بينهما نصفين. وفي الميراث يكون بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، (لأنه بيّن مستحيلًا)؛ لأن البيع والإقرار لا
يتصوران من الجنين حقيقة ولا حكمًا. أما الحقيقة فلا تشكل وأما الحكم: فإنه لا ولاية لأحد على الجنين، حتى يكون تصرفه بمنزلة تصرف الجنين فيصير مضافًا إليه من هذا الوجه، وإذا كان ما بيّنه من السبب محالًا صار كلامه لغوًا فلا يلزمه شيء. فإن قيل: فهذا يكون رجوعًا عن الإقرار إذن والرجوع عن الإقرار لا يصح وإن كان موصولًا قلنا: لا، كذلك بل هو بيان سبب محتمل فقد يشتبه على الجاهل فيظن أن الجنين تثبت عليه الولاية كالمنفصل فيعامله ثم بعد ذلك المال للجنين بناء على ظنه وتبين سببه ثم يعلم أن ذلك السبب كان باطلًا فكان كلامه هذا بيانًا لا رجوعًا. فلهذا كان مقبولًا منه هذاكله في المبسوط
(1)
فإن قلت: كما أن البيع والإقرار لا يتصوران
(2)
من الجنين فكذلك لا يتصوران من الصبي الرضيع أيضًا. ومع ذلك لو أقرَّ أن عليه ألف درهم لهذا الصبي الرضيع بسبب البيع أو الإقراض أو الإجارة
(3)
فإنه صحيح يؤاخذ به قلت: الرضيع إن كان لا يتجر هو بنفسه لكن هو من أهل أن يستحق الدين لهذا السبب بتجارة وليه، وكذلك الإقراض إن كان لا يتصور منه لكن يتصور من نائبه وهو القاضي أو الأب بإذن القاضي وإذا تصور الإقراض من نائبه جاز للمقر إضافة الإقرار إليه لأنه فعل النائب قد يضاف إلى المنوب عنه كما يقال: فلان بنى داره وإن بنى أجراؤه بأمره وأما الإقراض من الجنين لا يتصور لا منه ولا من نائبه، لأنه لا يلي ولا يولى عليه فكان ما أقرَّ به كذبًا محضًا لم يمكن تصحيحه بوجه فلا يتعلق به حكم فكان وجوده وعدمه بمنزلة فصار كمن أقرَّ أنه قطع يد فلان خطأً أو عمدًا ويد فلان صحيحة لا يلزمه بهذا الإقرار شيء لأنه كذب بيقين، إلى
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 197.
(2)
تكررت في (ب).
(3)
الإجارة: عبارة عن العقد على المنافع بعوض هو مالٌ وتمليك المنافع بعوضٍ إجارةٌ. يُنْظَر: التعريفات (ص: 10)، والمغرب (ص:20).
هذا أشار في الذخيرة
(1)
.
(وقد أمكن بالحمل على السبب الصالح): وهو أن يقول: أوصى له فلان أو مات أبوه فورثه وهذا؛ لأنه لما تردد كلامه بين الصحة والفساد حمل على الصحة حملًا لكلام العاقل على الصلاح، وعملًا بحجة الإقرار بقدر الإمكان قياسًا على العبد المأذون أو الصبي المأذون إذا أقرَّ لرجل بدين كان الإقرار صحيحًا؛ لأنه احتمل الجواز بأن كان من التجارة واحتمل الفساد بأن كان صداقًا أو دين كفالة، فكذلك هذا الإقرار يحتمل الجواز بأن حمل على الميراث أو الوصية والفساد بأن حمل على التجارة فوجب بأن يحمل على وجه يصح تحريًّا للجواز وتصحيحًا لكلام العاقل، ولأبي يوسف رحمه الله وجهان: أحدهما: ما ذكر في الكتاب.
(وهو أن الإقرار مطلقه ينصرف إلى
(2)
الإقرار لسبب التجارة فصار كأنه فسره به كما يحمل إقرار العبد المأذون وأحد المتفاوضين عليه): أي: على الإقرار بسبب التجارة ولم يحمل على الإقرار بغير التجارة كدين المهر وأرش
(3)
الجناية حتى يؤاخذ العبد به في حال رقِّه ويؤاخذ الشريك الآخر وفي الإقرار بدين المهر وأرش الجناية لا يؤاخذ العبد المأذون في حال رقِّه ولا الشريك الآخر أبدًا إليه أشار في المبسوط
(4)
. والثاني: هو ما ذكره في الذخيرة
(5)
فقال: بأن هذا إقرار صدر من أهله لأهله وقد احتمل الجواز والفساد كما قاله محمد رحمه الله إلا أن حمله على الجواز متعذر؛ لأن الجواز له وجهان: الوصية، والميراث والجمع بينهما
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 447.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
الأَرْشُ: دِيَةُ الجِراحاتِ. يُنْظَر: الصحاح (3/ 995)، تاج العروس (17/ 63).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 199.
(5)
يُنْظَر: البناية شرح البداية 9/ 447.
متعذر وليس أحدهما بأن يعتبر سببًا بأولى من الآخر فيتعذر الحمل على الجواز فيحكم بالفساد ونظير هذا ما قالوا فيمن اشترى عبدًا بألف درهم فقبضه المشتري قبل نقد الثمن ثم باعه المشتري مع عبد له آخر من البائع بألف درهم وخمسمائة وقيمتهما على السواء، كان البيع في الذي اشترى من البائع فاسدًا. وإن احتمل الجواز؛ لأن للجواز جهتين: بأن يصرف إليه مثل الثمن أو أكثر والجمع بينهما متعذر وليس أحدهما بأولى من الآخر فيتعذر الحمل على الجواز فيحكم بالفساد لهذا بخلاف العبد المأذون إذا أقرَّ حيث يجوز؛ لأن للجواز جهة واحدة وهي: التجارة وللفساد
(1)
جهات: وهذا بخلاف
(2)
ما إذا
(3)
بيَّن سببًا يستقيم وجوب المال به للجنين وصية أو ميراثًا كان الإقرار صحيحًا؛ لأن جهة الجواز متعينة وهي ما صرح به وكان محكومًا بالجواز؛ لأن له وجهًا صحيحًا: وهو الوصية به من جهة غيره. وقد ذكرنا آنفًا أنه إذا كانت جهة الجواز متعددة لا يحمل على الجواز لتزاحم جهات الجواز ولم يكن إحداها في الحمل عليها بأولى من الآخر. وأما إذا تعينت جهة الجواز فيحمل عليها فيصح الإقرار به كما في هذه المسألة فإن مزاحمة الميراث الوصية في حق الحمل عليه غير صحيح؛ لأن الوارث إذا كان له نصيب في الحمل كان له نصيب أيضًا في الأم؛ لشيوع حقه في جميع التركة، وأما الوصية (يحمل الجارية أو يحمل شاة) لا يكون وصية بالأم فتعينت الوصية جهة للجواز فيجوز وهذا هو الفرق لأبي يوسف في صحة إقراره مطلقًا بحمل جارية لإنسان وعدم صحة إقراره مطلقًا للحمل لما ذكرنا أن هناك لصحة إقراره مطلقًا جهتين: الميراث، والوصية وليس أحدهما بأولى من الآخر فيبقى على البطلان.
(1)
في (أ): والفساد.
(2)
في (ب): لخلاف.
(3)
ساقطة من (ب).
من أقرَّ بشرط الخيار
(ومن أقرَّ بشرط الخيار بطل الشرط): صورة المسألة: ما إذا أقرَّ رجل لرجل بدين من قرض أو غصب أو وديعة أو عارية قائمة أو مستهلكة على أنه فيه بالخيار ثلاثة أيام والإقرار جائز والخيار باطل. أما جواز الإقرار: (فلوجود الصيغة الملزمة) بقوله: عليَّ أو عندي لفلان وأما الخيار فباطل؛ لأن الإقرار إخبار فلا يليق به الخيار لأن الخبر إن كان صادقًا فهو صدق اختاره أو لم يختره، وإن كان كذبًا لم يتغير باختياره وعدم اختياره وإنما تأثير اشتراط الخيار في العقود ليتغير به صيغة العقد ويخير به من له خيار بين فسخه وإمضائه؛ ولأن الخيار بمعنى التعليق بالشرط فيما دخل عليه وهو: حكم العقد والإقرار لا يحتمل التعليق بالشرط فكذلك لا يحتمل اشتراط الخيار إلا أن التعليق يدخل على أصل السبب فيمنع كون الكلام إقرارًا والخيار يدخل على حكم السبب فإذا لغى بقي حكم الإقرار وهو: اللزوم ثابتًا ههنا كما أن التعليق بالشرط يمنع وقوع الطلاق واشتراط الخيار لا يمنعه ويستوي إن صدَّقه صاحبه في الخيار أو كذَّبه وهذا بخلاف ما إذا أقرَّ بدين من ثمن بيع على أنه فيه بالخيار ثلاثة أيام فإن هناك يثبت الخيار إذا صدقه صاحبه؛ لأن سبب الوجوب عقد يقبل الخيار فإذا تصادقا عليه صار ذلك كالمعاين في حقهما، وإن كذبه صاحبه لم يثبت الخيار؛ لأن مقتضى مطلق البيع
(1)
اللزوم فمن ادعى تغيره باشتراط الخيار فيه لا يقبل قوله إلا بحجة، فأما فيما سبق
(1)
في (أ) يوجد على الحاشية الكلام التالي: (مطلب إقرار الدين على الميت: أحد الورثة أقر بالدين قيل يلزمه كله وقيل حصته
…
يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ وَأَقَرَّ أحد الورثة به ففي قول أصحابنا يؤخذ من حصة المقر جميع الدين وقال الفقيه أبو الليث هو القياس لكن الاختيار عندي أن لو أخذ منه ما يخصه من الدين وهو قول الشعبي والبصري وابن أبي ليلى وسفيان الثوري وغيرهم ممن تابعهم وهذا القول أبعد من الضرر وذكر شمس الأئمة الحلواني أيضًا قال مشايخنا هنا زيادة شيء لا يشترط في الكتب وهو أن يقضي القاضي عليه بإقراره إذ بمجرد الإقرار لا يحل الدين بل يحل بقضاء القاضي ويظهر ذلك بمسألة ذكرها في الزيادات وهي أن أحد الورثة إذا أقر بالدين ثم شهد هو ورجل أن الدين كان على الميت فإنه يقبل وتسمع شهادة هذا المقر، فلو كان الدين يحل في نصيبه بمجرد إقراره لزم أن لا يقبل شهادته لما فيه من المغرم قال - رحمه الله تعالى - وينبغي أن تحفظ هذه الزيادة فإن فيها فائدة عظيمة كذا في العمادية).
فسبب وجوب المال فعل من قرض أو غصب أو استهلاك وذلك لا يليق به الخيار ولو عاينا اشتراط الخيار فيه كان لغوًا، فلهذا لم يثبت وإن تصادقا عليه، وإن أقرَّ بالدين من كفالة على شرط الخيار مدة معلومة طويلة أو قصيرة فإن صدَّقه المقر به فهو كما قال فالخيار ثابت له إلى آخر المدة لأن الكفالة عقد يصح اشتراط الخيار فيه فيجعل ما تصادقا عليه كالمعاين في حقهما كذا في المبسوط
(1)
.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 197.
بَابُ الاستِثْناءِ ومَا في مَعْناه
لما ذكر حكم ما وجب موجب الإقرار بكماله ذكر في هذا الباب حكم ما يتغيّر به موجب الإقرار بالاستثناء لما أن التغيّر أبدًا إنما يكون بعد عدم التغيّر.
(وسواء استثنى الأقل أو الأكثر): إلا على قول الفراء
(1)
فإنه لا يجوز استثناء الأكثر مما تكلم به؛ لأن العرب لم تتكلم بذلك ولكن نجوز استدلالا بقوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)} [المزَّمل: الآيتان 2، 3]، ولأن طريق صحة الاستثناء أن يجعل عبارة عما وراء المستثنى. ولا فرق بين الاستثناء بالأقل والأكثر وإن لم يتكلم به العرب لم يمنع صحته إذا كان موافقًا لطريقهم كاستثناء الكسور لم يتكلم به العرب وكان صحيحًا ثم هذا الاستثناء لا يتفاوت بين أن يكون المستثنى منه مما يقسم أو لا يقسم فإن الاستثناء فيهما صحيح؛ حتى لو قال: غصبتك هذا العبد أمس إلا نصفه صدق فيه وكذلك لو قال: إلا ثلثيه إلا على قول الفراء
(2)
على ما ذكرنا من استثناء الأكثر من الأقل. أما لو قال: إلا العبد كله كان الاستثناء باطلًا؛ لأنه لا يمكن تصحيحه بأن تجعل عبارة عما وراء المستثنى فإنه لا يبقى وراء المستثنى شيء فكان هذا رجوعًا لا استثناء. والرجوع عن الإقرار باطل موصولًا كان أو مفصولًا وكذلك وقال: على ألف درهم إلا ألف درهم حيث لا يصح الاستثناء لأنه، لم يبق وراء المستثنى
(1)
هو: يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلميّ، مولى بني أسد أو بني منقر أبو زكرياء، المعروف بالفراء، إمام الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. كان يقال: الفراء أمير المؤمنين في النحو. ولد بالكوفة، وتوفي في طريق مكة. سنة 207 هـ، من كتبه: المقصور، والممدود، والمعاني ويسمى معاني القرآن، واللغات. يُنْظَر: وفيات الأعيان 6/ 176، تاريخ بغداد 16/ 224.
(2)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 4/ 142.
شيء مما تناوله كلامه ليصير الكلام عبارة عنه فيكون هذا رجوعًا عن الإقرار لا استثناء والرجوع باطل وإن كان موصولًا؛ لأنه إنما يصح موصولًا ما يكون فيه معنى البيان لأول كلامه والإبطال ليس من البيان في شيء فلم يصح، وإن كان موصولًا كذا في المبسوط
(1)
.
الاستثناء في الإقرار
(فإن استثنى الجميع لزمه الإقرار وبطل الاستثناء): اعلم أن هذا الذي ذكره فيما إذا كان المستثنى من جنس لفظ المستثنى منه. فأما إذا كان المستثنى من خلاف جنس لفظ المستثنى منه صح الاستثناء. وإن أتى على جميع المستثنى منه نحو أن يقول: نسائي طوالق إلا هؤلاء وليس له نساء إلا هؤلاء صح الاستثناء ولم تطلق واحدة منهن ولو قال: نسائي طوالق إلا نسائي لم يصح الاستثناء وطلقن كلهن، وكذا لو قال: عبيدي أحرار إلا عبيدي فلا يصح الاستثناء، وعتقوا كلهم. ولو قال: عبيدي أحرار إلا هؤلاء، وليس له عبيد غير هؤلاء لم يعتق واحد منهم وكذلك لو قال: أوصيت بثلث مالي إلا ألف درهم ومات وثلث ماله ألف درهم صح الاستثناء وبطلت الوصية، ولو قال: أوصيت بثلث مالي لفلان إلا ثلث مالي كان للموصى له ثلث ماله ولا يصح الاستثناء كذا في شرح الطحاوي
(2)
، وهكذا أيضًا ذكره صاحب الهداية
(3)
في الباب الأول من أيمان الزيادات فقال: استثناء الكل من الكل إنما لا يصح إذا كان الاستثناء بعين ذلك اللفظ أما إذا كان بغير ذلك اللفظ يصح، كما إذا قال: نسائي طوالق إلا نسائي لا يصح الاستثناء ولو قال: إلا عمرة وزينب وسعاد حتى أتى على الكل يصح وكذلك في الوصية على ما ذكرنا وهذا لفقه وهو أن الاستثناء تصرف لفظي فيبنى على
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 87.
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 14.
(3)
صاحب الهداية هو برهان الدين علي بن أبي بكر الْمَرْغِينَانِي. يُنْظَر: الهداية 1/ 247.
صحة اللفظ لا
(1)
على صحة الحكم ألا ترى: أنه إذا قال: لامرأته أنت طالق ست تطليقات إلا أربعة يصح الاستثناء حتى يقع تطليقان وإن كانت الست لا صحة لها من حيث الحكم، لأن الطلاق لا مزيد له على الثلاث ومع هذا لا يجعل كأنه قال: أنت طالق ثلاثًا إلا أربعًا لما ذكرنا أن صحة الاستثناء تتبع صحة اللفظ دون الحكم، وتحقيقه وهو: أن الاستثناء متى وقع بغير اللفظ الأول فهو يصلح لإخراج بعض ما تناوله صدر الكلام أو التكلم بالحاصل بعد الثنيا؛ لأنه إنما صار كلا ضرورة عدم ملكه فيما سواه لا لأمر يرجع إلى ذات اللفظ ويتصور أن يدخل في ملكه غير هذه الجواري أو العبيد وإن كان كذلك صح الاستثناء بخلاف ما إذا وقع
(2)
الاستثناء بعين ذلك اللفظ؛ لأنه لا يصح
(3)
لإخراج بعض ما يتناوله ولا للتكلم بالحاصل بعد الثنيا فلم يصح اللفظ فلا يصح الاستثناء.
قال له: عليّ مائة درهم إلا دينارًا
(ولو قال له: عليّ مائة درهم إلا دينارًا) إلى أن قال: (وقال الشافعي رحمه الله: يصح فيهما)
(4)
: اعلم أن الكلام مع الشافعي
(5)
بناء على الخلاف في موجب الاستثناء فعنده موجب الاستثناء امتناع ثبوت الحكم في المستثنى لقيام الدليل المعارض بمنزلة دليل الخصوص في العموم فإذا قال لفلان علي عشرة إلا درهمًا يصير كأنه قال: إلا درهمًا فإنه ليس عليَّ فلا يلزمه الدرهم، للدليل المعارض لأول كلامه، لا لأنه يصير بالاستثناء كأنه لم
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (أ) يوجد في هامش الصفحة الكلام التالي: والاستثناء هو استفعال من الثني وهو الصرف وهو متصل، وهو الإخراج والتكلم بالباقي ومنفصل، وهو ما لا يصح إخراجه. عناية. ولا فرق بين كون المستثنى أقل أو أكثر وهو أيضًا قول الأكثر وقال الفراء استثناء الأكثر لا يجوز. عناية.
(3)
في (ب): يصلح.
(4)
في مذهب الشافعية، يُنْظَر: روضة الطالبين 4/ 407، مغني المحتاج 2/ 258.
(5)
في (أ): الشافي.
يتكلم به. وعندنا موجب الاستثناء بأن يصير كالمتكلم بما وراء المستثنى خاصة ويخرج كلامه في القدر المستثنى من أن يكون إيجابًا وأصل الخلاف بيننا وبينه في التعليق بالشرط. فإنه لا خلاف بيننا وبينه أن الاستثناء والتعليق بالشرط كل واحد منهما بيان إلا أن عنده بالتعليق بالشرط لا يخرج كلامه من أن يكون إيقاعًا فيكون ذلك بيانًا في أحد المحكمين والاستثناء يخرج المستثنى من أن يكون في حكم المذكور أصلًا، فيكون هذا بيانًا أن أصل الإيجاب لم يتناول إلا ما وراء المستثنى ودليله على إثبات أصله قول أهل اللغة: الاستثناء من النفي الإثبات ومن الإثبات نفي. فلو لم يكن حكم الاستثناء ضد حكم أصل الكلام لكان قولهم هذا باطلًا. وفي كلمة الشهادة إثبات التوحيد بالاتفاق، ولو كان عمل الاستثناء فيما قلتم لكان هذا نفيًا للشريك
(1)
لا إثباتًا للتوحيد. فإذا ثبتت هذه القاعدة قلنا يجب العمل بالدليل المعارض بحسب الإمكان فإن كان المستثنى من جنس المستثنى منه كان الدليل المعارض في العين فيمتنع العمل بقدره وإن لم يكن من جنسه كان الدليل المعارض باعتبار القيمة فيمتنع ثبوت الحكم بقدر قيمة المستثنى ودليلنا على إثبات الأكل قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14)} [العنكبوت من: 14]، وامتناع ثبوت الحكم لقيام الدليل المعارض يكون في الإيجاب لا في الإخبار. وإذا لم يجعل الطريق في الاستثناء ما قلنا أن المستثنى منه عبارة عما وراء المستثنى كان هذا رجوعًا واستدراكًا للغلط وذلك لا يجوز على الله تعالى وما زاد على هذا التقدير
(2)
مذكور في أصول الفقه. وإذا ثبت هذا قلنا: إنما يصح الاستثناء لاستخراج ما لولا الاستثناء لكان الكلام متناولًا له ولم يكن أصل كلامه متناولًا للثبوت
(3)
فلم يكن هذا استثناءً بل يكون كلامًا مبتدأً لبيان أنه
(1)
في (ب): للشرك.
(2)
في (ب): التقرير.
(3)
في (ب): الثوب.
ليس عليه شيء من الثياب إنما عليه ألف درهم فقط. وهذا هو القياس، إذا استثنى مكيلًا أو موزونًا أو معدودًا من خلاف جنس المذكور؛ لأن أصل الكلام غير متناول له وإن لم يذكر الاستثناء ولكن استحسن أبو حنيفة، وأبو يوسف رحمهما الله فقالا: المقدرات من
(1)
جنس واحد معنى وإن اختلفت أجناسها صورة؛ لأنه تثبت في الذمة ثمنًا وتثبت حالًا ومؤجلًا ويجوز الاستقراض فيها فكانت في حكم الثبوت في الذمة كجنس واحد معنى وإنما كان الاستثناء استخراجًا بطريق المعنى على أن يصير الكلام به عبارة عما وراء المستثنى، فلهذا صح استثناء المقدر من المقدر، وإن اختلفا في الجنس صورة والعدديات التي لا تتفاوت بمنزلة المقدرات في ذلك بخلاف الثياب والغنم فإنها ليست من جنس المقدرات معنى فلم يكن استثناؤها استخراجًا من الكلام صورة ولا معنى فكان باطلًا. كذا في المبسوط
(2)
.
وقوله: (أو إلا قفيز حنطة لزمه مائة دينار): إلى آخره، وكذلك لو قال: إلا فلسًا أو استثنى شيئًا مما يكال أو يوزن أو يعد عدًّا فهو على هذا الخلاف كذا في المبسوط
(3)
.
(والمكيل والموزون أوصافهما أثمان): أي: كونهما أثمانًا وواجبا في الذمة إنما كان بسبب الوصف كالحنطة الربيعية والخريفية لا بسبب الذات والعينية حتى لو عينهما يتعلق العقد بعينهما فيكون بيع مقايضة، ولا يجب في الذمة حينئذ بخلاف الدراهم والدنانير فإنهما أثمان وواجبة في الذمة سواء عينت أو لم تعين. ولهذا لا تجب بمطلق عقد المعاوضة احترازًا عن السلم فصار تعدده مستثنى
(4)
من الدراهم فصار كأنه ذكر المستثنى منه والمستثنى جميعًا بلفظ الدراهم
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 100.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 13/ 7.
(4)
في (أ): مستثنًا.
وفي الذخيرة
(1)
إن كان للمستثنى مثل من جنسه كالكيلي والوزني والعددي المتقارب نحو أن يقول: لفلان عليَّ دينار إلا درهمًا أو قال: إلا قفيز حنطة أو قال: إلا مائة جوزة صح الاستثناء ويطرح قدر قيمة
(2)
المستثنى عن المقر به وإن كانت قيمة المستثنى تأتي على جميع ما أقرَّ به لا يلزمه شيء وإن لم يكن للمستثنى من جنسه نحو أن يقول: لفلان عليَّ دينار إلا ثوبًا، أو قال: إلا شاة لا يصح الاستثناء إجماعًا عندنا
(3)
خلافًا للشافعي
(4)
رحمه الله.
وقوله: (وما يكون ثمنًا صَلَحَ مُقدِّرًا للدراهم) بكسر الدال على صيغة اسم الفاعل فبقي الاستثناء من الدراهم مجهولًا فلا يصح. وفي بعض النسخ: (فبقي المستثنى من الدراهم مجهولًا فلا يصح). أي: فلا يصح الاستثناء ويجبر
(5)
على البيان ولا يمتنع به صحة الإقرار لما ذكرنا أن جهالة المقر به
(6)
لا تمنع صحة الإقرار ولكن جهالة المستثنى تمنع صحة الاستثناء؛ لأن جهالة المستثنى تورث جهالة في المستثنى منه فبقي المقر به مجهولًا، اعلم أن الذي ذكره من جهالة المقر به عند جهالة المستثنى مخالف لما ذكر
(7)
في الذخيرة
(8)
وقال فيها محالًا إلى المنتقى
(9)
، قال أبو حنيفة: إذا قال الرجل: لفلان عليَّ مائة درهم إلا قليلًا فعليه أحد وخمسون
(1)
يُنْظَر: النتف في الفتاوى للسعدي 2/ 765.
(2)
في (أ): قيمته.
(3)
يُنْظَر: قرة عين الأخيار 8/ 272.
(4)
في مذهب الشافعية. يُنْظَر: البيان في مذهب الإمام الشافعي 13/ 456.
(5)
في (ب): فيجبر.
(6)
ساقطة من (أ).
(7)
في (أ): ذكرنا.
(8)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 192.
(9)
المنتقى: في فروع الحنفية للحاكم الشهيد، وفيه (نوادر من المذهب). ولا يوجد المنتقى في هذه الأعصار. كذا قال: بعض العلماء. وقال الحاكم: نظرت في ثلاثمائة جزء مؤلف، مثل (الأمالي) و (النوادر)، حتى انتقيت كتاب (المنتقى). يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 112، كشف الظنون 2/ 1851.
درهمًا وكذلك في نظائر هذا نحو قوله إلا شيئًا وما أشبهه لأن استثناء الشيء استثناء الأقل عرفًا فإذا أوجبنا النصف وزيادة درهم فقد استثنى الأقل وعن أبي يوسف رحمه الله إذا قال: لفلان عليَّ عشرة دراهم إلا بعضها فهذا نظير قوله: لفلان عليَّ عشرة دراهم إلا شيئًا فعليه أكثر من النصف وذكر قبل هذا
(1)
لو قال: لفلان عليَّ ألف درهم إلا مائة أو خمسين ذكر في رواية أبي سليمان
(2)
رحمه الله أن عليه تسعمائة وخمسين؛ لأنه ذكر كلمة الشك في الاستثناء بين المائة والخمسين فيثبت أقلهما كما لو ذكر كلمة الشك في الإقرار بين شيئين، فإنه يثبت أقلهما وفي رواية أبي حفص
(3)
رحمه الله يلزمه تسعمائة؛ [لأن الشك في الاستثناء يوجب الشك في الإقرار فكأنه قال: عليَّ تسعمائة]
(4)
أو تسعمائة وخمسون قالوا: والأول أصح؛ لأن الشك دخل في الاستثناء ظاهرًا.
(1)
في (أ): قبيل بدل: قبل هذا.
(2)
هو موسى بن سليمان، أبو سليمان الجوزجاني، فقيه حنفي، أصله من جوزجان من كوربلخ بخراسان، تفقه واشتهر ببغداد، عرض عليه المأمون القضاء فامتنع، له تصانيف منها: السير الصغير، الصلاة، الرهن، نوادر الفتاوى، توفي سنة (200 هـ) تقريبًا. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة (2/ 186)، الأنساب للسمعاني (3/ 362)، والنسخة المطبوعة من كتاب الأصل لمحمد بن الحسن جاءت من رواية أبي سليمان الجوزجاني، كما يظهر ذلك في غير موضع في الكتاب فكل ما فيه أبو سليمان عن محمد، فالمراد الجوزجاني.
(3)
هو: أبو حفص الكبير الإمام المشهور من أصحاب محمد بن الحسن واسمه أحمد بن حفص، وفاته سنة سبع عشرة ومائتين. يُنْظَر: تهذيب الأسماء الواقعة في الهداية والخلاصة ص 210، مقدمة الهداية للكنوي 1/ 24، مقدمة الفتاوى التاتاخانية 1/ 39.
(4)
زيادة في (ب). وقد أثبتُّها في المتن لموافقتها لما جاء في تبيين الحقائق (5/ 13)، لسان الحكام (ص: 271).
الاستثناء بـ (إن شاء الله) في الإقرار
(ومن أقرَّ بشيء وقال: إن شاء الله) إلى آخره. قال: في الباب الأول من إقرار المبسوط
(1)
وما
(2)
لو قال: غصبتك هذا العبد أمس إن شاء الله تعالى لم يلزمه شيء استحسانًا وفي القياس استثناؤه باطل؛ لأن ذكر الاستثناء بمنزلة ذكر الشرط وذلك إنما يصح في الإنشاءات دون الإخبارات؛ ولكنه استحسن فقال الاستثناء مخرج للكلام من أن يكون عزيمة لا أن يكون في معنى الشرط فإن الله تعالى أخبر عن موسى عليه السلام حيث قال: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا (69)} [الكهف من: 69]، ولم يصبر ولم يعاتب على ذلك والوعد من الأنبياء كالعهد من غيرهم. فدل أن الاستثناء مخرج للكلام من أن يكون عزيمة، وقال عليه السلام:"من استثنى فله ثنياه"
(3)
والإقرار لا يكون ملزمًا إلا لكلام هو عزيمة لكن إنما يعمل هذا الاستثناء إذا كان موصولًا بالكلام لا إذا كان مفصولًا إلا على قول
(4)
ابن عباس
(5)
رضي الله عنه فإنه قال: يعمل
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 191.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
ذكره ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 458)، قال:"حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من طلق أو أعتق واستثنى فله ثنياه" أبو موسى المديني في ذيل الصحابة من حديث معدي كرب".
وأخرجه البيهقي 7/ 591، كتاب الخلع والطلاق: باب الاستثناء في الطلاق، والعتق والنذور، ح:(15118)، وابن عدي في الكامل 1/ 332 من حديث من حديث ابن عباس من قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله فلا شيء عليه ومن قال لغلامه أنت حر إن شاء الله أو عليه المشي إلى بيت الله فلا شيء عليه.
قال ابن عدي في الكامل: "وقال إسحاق هذا يروي عن الثقات وغيرهم المناكير".
(4)
أثر ابن عباس: أخرجه الحكم في المستدرك (4/ 336)، كتاب الأيمان، رقم:(7833) والبيهقي (10/ 48)، كتاب الأيمان، باب الحالف يسكت بين يمينه واستثنائه
…
إلخ، رقم:(19931) من طريق الأعمش، عن مجاهد عن ابن عباس "أنه كان يرى الاستثناء، ولو بعد سنة". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي".
(5)
ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي، حبر الأمة، الصحابي الجليل. ولد بمكة. لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه الأحاديث الصحيحة. وشهد مع علي الجمل وصفين. وكف بصره في آخر عمره، فسكن الطائف، وتوفي بها سنة 68 هـ. له في الصحيحين وغيرهما. يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (3/ 331).
الاستثناء وإن كان مفصولًا استدلالًا بقوله عليه السلام: "والله لأغزُونَّ قريشًا ثم قال: بعد ستة إن شاء الله"
(1)
ولكنا نقول: الاستثناء مخرج لكلامه من أن يكون عزيمة فكان مغير الموجب مطلق الكلام والتغيير إنما يصح موصولًا بالكلام لا مفصولًا فإن المفصول بمنزلة الفسخ
(2)
والتبديل، والمقر لا يملك ذلك في إقراره فكذلك لا يملك الاستثناء المفصول وهذا بخلاف الرجوع عن الإقرار فإنه لا يصح وإن كان موصولًا؛ لأن رجوعه نفي لما أثبته فكان تناقضًا منه والتناقض لا يصح مفصولًا كان أو موصولًا أما هذا فبيان فيه تغيير فإن الكلام نوعان: لغو، وعزيمة فبالاستثناء تبين أن كلامه ليس بعزيمة وبيان التغيير يصح موصولًا لا مفصولًا بمنزلة التعليق بالشرط، وأما الحديث فقلنا قوله: بعد ستة إن شاء الله لم يكن على وجه الامتثال لما أمر به قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ (24)} [الكهف من: 24].
(1)
أخرجه أبو يعلى في مسنده (5/ 78)، ح:(2674)، والطبراني في المعجم الكبير (11/ 282) ح:(11742)، وابن حبان في صحيحه (10/ 185)، كتاب الأيمان، باب ذكر نفي الحنث عمن استثنى في يمينه بعد سكتة يسيرة، ح:(4343) من طريق شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"والله لأغزون قريشًا، والله لأغزون قريشًا، والله لأغزون قريشًا" ثم قال: "إنْ شاء الله".
وفي هذا الإسناد: شريك بن عبد الله القاضي سيء الحفظ، ورواية سماك عن عكرمة مضطربة. يُنْظَر: تقريب التهذيب (255، 266).
وروي الحديث مرسلًا: أخرجه أبو داود (2/ 250)، كتاب الأيمان والنذور، باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت، ح:(3285)، والبيهقي (10/ 82)، كتاب الأيمان، باب الحالف يسكت بين يمينه واستثنائه، ح:(19929) من طريق قتيبة بن سعيد، ثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
…
فذكره.
قال الزيعلي في نصب الراية (3/ 303): "الصحيح مرسلٌ"، وقد رجح المرسل أيضا أبو حاتم الرازي. يُنْظَر: العلل (1/ 440، ح: 1322).
(2)
في (ب): السيخ.
(لأن الاستثناء بمشيئة الله تعالى إما إبطال أو تعليق): إنما ردد بين هذين اللفظين؛ لأن في الاستثناء بمشيئة الله تعالى مذهبين: أحدهما: أنه لإبطال الكلام فيبطل به الكلام تقدم أو تأخر، والآخر: أنه تعليق بالشرط والتعليق بشرط مشيئة الله تعالى صحيح في المنع من الوقوع كذا ذكره الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في الباب الأول من طلاق الجامع الكبير
(1)
(2)
وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله في ذلك الباب من الجامع اختلف أبو يوسف ومحمد في هذه المسألة
(3)
فقال أبو يوسف رحمه الله التعليق بمشيئة الله تعالى إبطال، وقال محمد
(4)
هو تعليق (بشرطٍ لا يُوقفُ عليه) وإنما يظهر ثمرة الاختلاف فيما إذا قدم المشيئة وقال: إن شاء الله أنت طالق عند أبي يوسف لا يقع الطلاق؛ لأنه إبطال وقال محمد: يقع؛ لأنه تعليق فإذا قدم الشرط ولم يذكر الجزاء، لم يتعلق ونفي الطلاق من غير شرط فوقع.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 8/ 143.
(2)
الجامع الكبير في الفروع: للإمام المجتهد أبي عبد الله مُحَمَّد بن الحسن الشيباني الحنفي المتوفى: سنة 189 هـ، سبع وثمانين ومائة، قال الشيخ: أكمل الدين: هو كاسمه لجلائل مسائل الفقه جامع كبير قد اشتمل على عيون الروايات ومتون الدرايات بحيث كاد أن يكون معجزًا ولتمام لطائف الفقه يُنْظَر: كشف الظنون (1/ 569).
(3)
يُنْظَر: البحر الرائق 4/ 43.
(4)
في (أ) يوجد كلام على الهامش هو: وإن أقر بشرط الخيار لزمه المال وبطل الشرط معناه إذا قال عليَّ لفلان ألف درهم قرض أو غصب أو وديعة أو عارية قائمة أو مستهلكة على أنه بالخيار ثلاثة أيام، وأما إذا قال علي ألفي درهم من ثمن بيع بعضه عليَّ أنه بالخيار صح ويثبت الخيار إذا صدقه المولى أو أقام ذلك بينة بأن المقر به عقد يقبل الخيار فيصح إذا ثبت بحجة وإن كذبه المقر به لم يثبت الخيار وكان القول قول المولى؛ لأنه من العوارض كالأجل والقول في العوارض قول المقر وإن أقر بالدين بسبب كفالة على أنه بالخيار في مدة معلومة طويلة أو قصيرة جاز إن صدقه المقر له؛ لأن الكفالة عقد يصح اشتراط الخيار فيه بخلاف الصور المتفرقة؛ لأنها أفعال لا تقبل الخيار فكذا الإقرار.
الإقرار لا يحتمل التعليق بالشرط
(لأن الإقرار لا يحتمل التعليق بالشرط) إلى أن (قال: عليَّ مائة درهم إذا مت).
والدليل على هذا: ما لو قال الرجل لفلان عليَّ ألف درهم إن شاء فلان فقال فلان: قد شئت. فهذا الإقرار باطل؛ لأنه علقه بشرط في وجوده خطر والإقرار لا يحتمل التعليق بالخطر؛ لأن التعليق بما فيه خطر يمين، والإقرار لا يحلف به؛ ولأنه إخبار يتردد بين الصدق والكذب فإن كان صدقًا لا يصير كذبًا بفوات الشرط، وإن كان كذبًا لا يصير صدقًا بوجود الشرط ولا يليق التعليق به أصلًا إنما التعليق فيما هو إيجاب لتبين بالتعليق أنه ليس بإيقاع ما لم يوجد الشرط، وكذلك كل إقرار علق بالشرط أو الخطر نحو قوله: إن دخلت الدار أو مطرت السماء، أو إن هبت الريح، أو إن قضى اللّه تعالى أو أراده، أو رضيه، أو أحبه، أو قدره، أو يسره أو إن بشرت بذلك، أو إن أصبت مالًا أو إن كان كذلك أو إن كان حقًّا، فهذا كله مبطل للإقرار إذا أوصله بالكلام للمعنى الذي ذكرنا ولو قال: اشهدوا أن له عليَّ ألف درهم إن مت فهو عليه إن عاش أو مات؛ لأن هذا ليس باستثناء ولا مخاطرة فإن موته كائن لا محالة ومراده أن يشهدهم على المال المقر به حتى لا يبقي ذمته مرتهنة به بأن يشهدوا به عليه بعد موته إذا جحد الوارث وامتنع من قضائه فكان راجعًا إلى تأكيد إقراره فيلزمه المال عاش أو مات وكذلك لو قال: له عليَّ ألف درهم (إذا جاء رأس الشهر، أو إذا أفطر الناس)، أو إلى الفطر أو إلى الأضحى؛ لأن هذا ليس بتعليق بل هو دعوى منه الأجل إلى الوقت المذكور أما قوله: إلى
(1)
فغير مشكل وكذلك قوله: إذا، فإنه للوقت. والوقت الذي ذكره آت لا محالة وكان
(2)
إقراره
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): فكان.
صحيحًا ودعوى الأجل غير مقبولة إلى أن يتبين بالبينة أو يقر به الطالب وعلى قول الشافعي
(1)
رحمه الله المال عليه إلى أجله.
وقد ذكرناه كذا في باب الاستثناء، وهو الباب الثاني والعشرون من إقرار المبسوط
(2)
.
(لأن البناء داخل في هذا
(3)
الإقرار معنى لا لفظًا): أي: البناء داخل في لفظ الإقرار بالدار تبعًا لا مقصودًا باللفظ والدليل على هذا فصل البيع فإن البناء في بيع الدار يدخل تحت البيع تبعًا. حتى لو استحق البناء قبل القبض لا يسقط الشيء من الثمن بمقابلته بل يتخير المشتري (بخلاف ما إذا قال: إلا ثلثها أو بيتًا منها) حيث يصح الاستثناء ويكون للمقر له ما عدا ثلث الدار وما عدا البيت، والبيت للمقِر؛ لأن البيت في لفظ الدار دخل مقصودًا حتى لو استحق البيت في بيع الدار تسقط حصته من الثمن كذا في الذخيرة
(4)
.
(بخلاف ما إذا قال: مكان العرصة
(5)
أرضًا حيث يكون البناء للمقر له): [أي]
(6)
أيضًا
(7)
يعني: كما تكون الأرض للمقر له فكذلك بناؤها أيضًا يكون للمقر له لما ذكر
(8)
في الكتاب وهو قوله: (لأن الإقرار بالأرض إقرار بالبناء) فإن قلت: يشكل عليَّ هذا ما لو أقرَّ
(1)
في مذهب الشافعية. يُنْظَر: الأم للشافعي 5/ 106.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 74.
(3)
في (أ): حد.
(4)
يُنْظَر: رد المحتار على الدر المختار 5/ 607.
(5)
عَرْصَةُ الدَّار: سَاحَتُهَا وَهِيَ الْبُقْعَةُ الْوَاسِعَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ. يُنْظَر: المصباح المنير 2/ 402، لسان العرب 7/ 53.
(6)
زيادة في (ب).
(7)
في (أ): أرضًا.
(8)
في (ب): كما: بدل: لما ذكر.
وقال: البناء لفلان والأرض لآخر فكان كما قال حتى كان البناء للأول والأرض للثاني ولم يقل هناك الإقرار بالأرض إقرار بالبناء فما هو وجه الفرق بينهما؟ قلت: الفرق بينهما من حيث أن أول كلامه فيها أوردت إقرار معتبر بالبناء فهب كان آخر كلامه إقرار بالأرض والبناء ولكن إقراره فيما صار مستحقًا لغيره لا يصح فكان للثاني الأرض خاصة وأما فيما نحن فيه فآخر كلامه إقرار بالأرض والبناء وهي جميعًا ملكه فصح إقراره بهما للمقر له؛ وذلك لأن أول كلامه وهو (قوله: بناء هذه الدار لي)
(1)
يخر معتبر؛ لأنه قد كان له ذلك قبل أن يذكره فبقي قوله: وأرضها لفلان والإقرار بالأصل يوجب ثبوت حق المقر له في التبع. كما لو قال: أرض هذه الدار لفلان. استحق فلان الأرض والبناء جميعًا يوضح الفرق بينهما: أن البناء في ملك المسألة لما صار للمقر له الأول خرج من أن يكون تبعًا للأرض حكمًا فإقراره بالأرض للثاني بعد ذلك لا يتعدى إلى البناء. وفي مسألتنا: البناء باقٍ على ملكه فكان تبعًا للأرض فإقراره بالأرض يثبت الحق للمقر له في البناء تبعًا كذا في المبسوط
(2)
. وذكر في الذخيرة
(3)
: واعلم بأن هذا الجنس خمس مسائل، وتخريجها على أصلين، أحدهما: أن الدعوى قبل الإقرار لا تمنع صحة الإقرار بعده والدعوى بعد الإقرار في بعض ما دخل تحت الإقرار لا تصح، والثاني: أن إقرار الإنسان حجة على نفسه وليس بحجة على غيره إذا عرفنا هذا، فنقول: إذا (قال بناء هذه الدار لي) وأرضها لفلان إنما كانت الأرض والبناء لفلان؛ لأن بقوله البناء لي ادعى البناء وبقوله الأرض لفلان أقرَّ لفلان بالبناء تبعًا للإقرار بالأرض والإقرار بعد الدعوى صحيح وإذا قال: أرضها لي وبناؤها لفلان فهو على ما أقرَّ المقر؛ لأنه بقوله أرضها لي ادعى البناء لنفسه
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسري 18/ 76.
(3)
يُنْظَر: رد المحتار 5/ 607.
تبعًا وبقوله: البناء لفلان أقرَّ بالبناء لفلان والإقرار بعد الدعوى صحيح ويؤمر المقر له بنقل البناء من أرضه وإذا قال: أرض هذه الدار لفلان وبناؤها لي فالأرض والبناء للمقر له؛ لأن بقوله: أرضها لفلان أقرَّ لفلان بالبناء تبعًا وبقوله: وبناؤها لي ادعى البناء لنفسه والدعوى بعد الإقرار في
(1)
بعض ما يتناوله
(2)
الإقرار لا يصح، وإذا
(3)
قال: أرض هذه الدار لفلان وبناؤها لفلان آخر فالأرض والبناءكلاهما للمقر له الأول؛ لأن بقوله: أرض هذه الدار لفلان صار مقرًا لفلان بالبناء تبعًا للأرض وبقوله: وبناؤها لفلان آخر حصل مقرًا على الأول والإقرار على الغير لا يصح، وإذا قال: بناء هذه الدار لفلان وأرضها لفلان آخر فهو كما أقرَّ به المقر؛ لأن بقوله: أولًا بناء هذه الدار لفلان صار مقرًا بالبناء له، وبقوله: وأرضها لفلان آخر صار مقرًا على الأول بالبناء للثاني وإقرار
(4)
الإنسان على غيره باطل؛ (لأن الثابت بتصادقهما كالثابت معاينة) ولو عاينا أنه اشترى منه هذا العبد والعبد في يده كان عليه ألف درهم، كذا هاهنا (العبد عبدك ما بعتك وإنما بعتك عبدًا غير هذا) وقبضته ولي عليك ألف درهم ثمنه فإنه يلزمه ألف درهم؛ لأنهما اختلفا في الجهة التي بها وجب الألف واتفقا على الوجوب أما الطالب: فلأنه ادعى وجوب ألف درهم بسبب بيع عبد آخر اشترى منه وقبضه وهو أقرَّ بالوجوب بدلًا عن هذا العبد وقد سلم له هذا العبد فقد تصادقا على الوجوب واختلفا في جهة الوجوب في مثل هذا يقضي بألف درهم كما لو أقرَّ فقال: لفلان علي
(5)
ألف درهم من
(1)
في (ب): به.
(2)
في (ب): تناوله.
(3)
في (ب): فإذا.
(4)
في (أ): والإقرار.
(5)
ساقطة من (ب).
غصب وقال فلان: لا بل من قرض ولا تفاوت في هذا بين أن يكون العبد الذي ادعى المقر أنه اشتراه في يد المقر أو في يد المقر له.
(والثالث: أن يقول: العبد عبدي ما بعتك): وفي هذا أيضًا لا يتفاوت بين أن يكون العبد الذي ادعى المقر أن اشتراه في يد المقر أو في يد المقر له فإنه إذا كان في يد المقر يأخذ العبد منه فلا يلزم على المقر شيء من ثمن العبد لأنهما لم يتصادقا على الوجوب فإن المقر إنما أقرَّ له بألف درهم بدلًا عن هذا العبد فإذا لم يسلم له العبد لا يسلم للمقر له بدله ولو قال: مع ذلك أي: مع إنكار العبد المقر به يدعي لزوم المال ببيع عبد آخر.
(وإذا تحالفا بطل المال): أي: بطل المال من المقر والعبد سالم لمن في يده.
قول المقر له مع إنكار العبد المقر به ما بعته إنما بعتك غيره
(وإن كال: من ثمن عبد ولم يعينه) إلى آخره، وفي المبسوط
(1)
إذا (قال) لفلان: (عليَّ ألف درهم من ثمن متاع اشتريته منه ولم أقبضه) (قال: ذلك موصولًا بإقراره لم يصدق في قول أبي حنيفة رحمه الله (
(2)
عن المال أهو من ثمن البيع أم لا؟ فإن قال: من ثمن البيع فالقول قول المقر أني لم أقبضه وإن قال: من جهة أخرى سوى البيع فالقول قول المقر له وهذا في الحقيقة ليس برجوع ولكنه تفصيل لما أجمله في الابتداء وهو قول محمد.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 22.
(2)
في (ب): رضي الله عنه.»
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: (يصدق إذا كان موصولًا ولا يصدق إذا كان مفصولًا). ثم رجع أبو يوسف عن حرف منه فقال: إذا كان مفصولًا يسأل المقر في (ب): له.
وقوله
(1)
: (وإنكاره القبض في غير المعين
(2)
ينافي الوجوب أصلًا): وذلك؛ لأنه لا يطالب المشتري بأداء الثمن إلا بعد إحضار المبيع وما من متاع يعينه البائع إلا للمشتري أن يقول المبيع غير هذا فيتأخر المطالبة إلى الأبد ثم لو ادعى تأخير المطالبة إلى غاية لم يصدق بأن قال: علي ألف درهم من ثمن بيع إلى شهر فإذا ادعى تأخير المطالبة إلى الأبد أولى أن لا يصدق؛ لأنه لما أقرَّ بوجوب ألف درهم ثم ادعى بقوله: إلا أني لم أقبض تأخر المطالبة إلى الأبد على ما ذكرنا لم يصدق وبهذا يقع الفرق بين هذا وبين ما إذا عين المتاع؛ لأنه أقرَّ بالوجوب ولم يدع ما يوجب تأخير المطالبة؛ لأن المبيع إذا كان حاضرًا فالمشتري يطالب بأداء الثمن أولًا ثم يقبض المبيع فلذلك
(3)
قلنا في قوله لك: عليَّ ألف درهم ثمن هذا المتاع الذي في يدك إلا أني لم أقبض بأنه يُصدق وصل أم فصل كذا في الذخيرة
(4)
.
الإقرار في بيع المتاع
(وإن أقرَّ أنه باعه متاعًا): أي: صدق المقر له المقر في الجهة حيث قال: بأنه باعه متاعًا كما هو إقرار المقر لكن كذبه في إنكاره قبض المبيع.
(فالقول قول المقر): أي سواء وصل أم فصل عندهما. وذكر في الذخيرة
(5)
أما إذا أصدقه في الجهة بأن قال: لي عليك ألف درهم من ثمن
(6)
متاع بعته وقبضت مني والمقر يقول: لم أقبض مفصولًا عن إقراره كان أبو يوسف يقول: أولًا بأنه لا يصدق كما لو كذبه في الجهة
(1)
في (ب): قوله.
(2)
في (أ): العين.
(3)
في (ب): فبذلك.
(4)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 189.
(5)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 189.
(6)
ساقطة من (ب).
ثم رجع فقال: يصدق وصل أم فصل قياسًا على ما لو قال لك: عليَّ ألف درهم ثمن هذا المتاع الذي في يدك إلا أني لم أقبض فإنه يصدق وصل أم فصل وإنما قلنا: أنه بيان مجمل؛ لأن البيع ثبت بتصادقهما وبقي أمر القبض مجملًا؛ لأنه لم يقر بالقبض لا نصًا وأنه ظاهر ولا اقتضاء
(1)
؛ لأنه لو جعل مقرًّا بالقبض اقتضاء اما إن جعل بمقتضى إقراره بالبيع ولا وجه إليه، لأن البيع صحيح ومفيد لحكمه من غير قبض. وأما إن جعل بمقتضى إقراره بوجوب الألف ولا وجه إليه؛ لأن الألف يجب في ذمة المشتري بنفس العقد من غير قبض فلما لم يكن قابضًا بقي أمر القبض مجملًا فيفتقر إلى البيان فيصدق في بيان المجمل وصل أم فصل.
(فإن وافقه الطالب في السبب) أي: صدق المقر له المقر في الجهة وهي البيع.
(وبه لا يتأكد الوجوب) أي: وبمجرد وجوب
(2)
السبب وهو البيع لا يتأكد وجوب الثمن على المشتري: لأن الوجوب عليه قبل قبض المبيع على طريق التزلزل؛ لأنه عسى يهلك المبيع في يد البائع فيسقط الثمن عن المشتري ثم المدعي، وهو: المقر له يدعي قبض
(3)
المقر وهو ينكر كان القول قول المنكر مع اليمين؛ (لأن صدر كلامه للوجوب مطلقًا) على ما ذكر من (قوله رجوعًا إلى كلمة عليّ).
(وآخر يحتمل انتفاؤه) أي: انتفاء الوجوب. وذكر في المبسوط
(4)
(وإن كذبه في السبب فهو بيان مُغيِّر) لمقتضى
(5)
مطلق الكلام؛ لأن مقتضى أول الكلام أن يكون مطالبًا
(1)
في (ب): والاقتضاء.
(2)
في (ب): وجود.
(3)
في (ب): قبل.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 22.
(5)
في (أ): معين: بدل: مغير لمقتضى.
بالمال في الحال ولكن على احتمال أن لا يكون مطالبًا به حتى يحضر المتاع وكان
(1)
بيانه مغيّرًا إلى هذا النوع من الاحتمال وبيان التغيير صحيح إذا كان موصولًا ولا يكون صحيحًا إذا كان مفصولًا.
(فالقول قوله): (بالإجماع)؛ لأنه لم يقر على نفسه بالوجوب لا نصًّا وهذا ظاهر فإنه لم يقل لفلان عليَّ ولا بمقتضى إقراره بالشراء إذ ليس من ضرورة الشراء وجوب الثمن على المشتري فإن الشراء إذا كان بشرط
(2)
الخيار للمشتري لا يجب الثمن عليه وتأخير المطالبة إنما يتصور بعد الثبوت. وأما فيما تقدم فقد أقرَّ بالوجوب، وادعى تأخير المطالبة، فلا يكون القول له.
قال: لفلان عليَّ من ثمن خمر أو خنزير
(وكذلك لو قال: من ثمن خمر
(3)
أو خنزير): يعني (لو قال: لفلان عليَّ من ثمن خمر أو خنزير) أو من ثمن حر أو ميتة أو دم إن صدقه الطالب في ذلك فإنه لا يلزمه بشيء في قولهم جميعًا لأن الثابت بتصادقهما كالثابت معاينة ولو عاينا أنه باعه خمرًا أو خنزيرًا أو حرًّا بألف درهم لم يكن عليه شيء كذلك هاهنا. وأما إذا كذبه في ذلك وقال: لي عليك ألف درهم من ثمن متاع قبضت وقال المقر لا بل من ثمن خمر فإن على قول:
(أبي حنيفة رحمه الله لا يصدق وصل أم فصل ويلزمه ألف درهم) لأنه أقرَّ بوجوب ألف درهم ثم زعم أنه لم يكن واجبًا عليه؛ لأن ثمن الخمر لا يكون واجبًا على المسلم فكان راجعًا عما أقرَّ به كما لو قال: (عليَّ ألف درهم من ثمن متاع باعنيه إلا أني لم أقبضه فإنه لا يصدق في قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يصدق إذا وصل ولا
(1)
في (ب): فكان.
(2)
في (أ): يشترط.
(3)
في (ب): الخمر.
يصدق إذا فصل): كما إذا قال لفلان: عليَّ ألف درهم من ثمن متاع باعنيه إلا أني لم أقبضه وكذبه الطالب في الجهة وذلك؛ لأن الخمر متمولة يجري فيها الشح والفتنة وقد اعتاد الفسقة شراءها
(1)
واداء ثمنها فيحتمل أنه بنى إقراره على هذه العادة فكان آخر كلامه بيانًا مغيِّرًا وهو من محتملات كلامه ولكن فيه تعبير فيصح موصولًا ولو قال: لفلان عليَّ ألف درهم حرام أو قال: ربا
(2)
فهي لازمة قال: لأني لا أدري لعل
(3)
الحرام عنده حلال جائز عند غيره ولعل الربا
(4)
عنده ليس بربا
(5)
ولو قال: عليَّ ألف درهم زورًا أو باطل إن
(6)
صدقه فلان فلا شيء عليه، وإن كذبه لزمه المال والإقرار بالبيع تلجئة على هذا التفصيل كذا في المبسوط والذخيرة
(7)
.
(قلنا: ذاك تعليق؛ وهذا إبطال): والإبطال رجوع، والرجوع بعد الإقرار بوجوب المال لا يصح.
وأما قوله: (إن شاء الله): فصيغته التعليق فالإرسال والتعليق كل واحد منهما متعارف بين أهل اللسان وكان
(8)
ذلك من باب البيان لا من باب الرجوع ووجوب المال عليه من حكم إرسال الكلام فمع صيغة التعليق لا يلزمه في حكم اللسان كذا في أصول الفقه
(9)
لشمس الأئمة رحمه الله.
(1)
في (أ): اشتراؤها. وفي (ب): اسراها. والصواب ما أثبته. وهو موافق لما في المبسوط: 18/ 23 العناية: 8/ 366.
(2)
في (أ) و (ب): ربوا. والصواب ما أثبته. وهو موافق لما في البناية: 9/ 458، البحر الرائق: 7/ 253.
(3)
في (ب): لعلل.
(4)
في (أ) و (ب): الربوا. والصواب ما أثبته. وهو موافق لما في مجمع الضمانات: 1/ 367.
(5)
في (أ) و (ب): بربوا. والصواب ما أثبته.
(6)
في (أ): لأن.
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 122.
(8)
في (ب): فكان.
(9)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (8/ 366).
إذا قال: أنها ستوقة أو رصاص
(وعلى هذا الخلاف إذا قال: هي ستوقة
(1)
أو رصاص): وهذا الذي ذكره في قول أبي حنيفة
(2)
رحمه الله إحدى الروايتين عنه؛ لأنه (إذا قال لفلان عليّ ألف درهم) من ثمن بيع إلا أنها ستوقة أو رصاص (لا يصدق عند أبي حنيفة رحمه الله وصل أم فصل) كما في الزيوف
(3)
. بل أولى؛ لأن الزيوف من جنس الدراهم والستوقة لا، وعن أبي يوسف: روايتان في رواية (لا يصدق وصل أم فصل)؛ لأنه يدعي فساد العقد؛ لأن اسم الدراهم لا يتناوله وفي رواية يصدق إذا وصل وهو قول محمد كذا في الجامع الصغير لقاضي خان والتمرتاشي
(4)
.
(لأن اسم الدراهم يحتمل الزيوف بحقيقته): لأنه من جنس الدراهم حتى يحصل به الاستيفاء في الصرف والسلم ولا يصير استبدالًا فكان آخر كلامه بيانًا ولكن فيه تغيير لما اقتضاه أول الكلام من حيث العادة؛ لأن بياعات الناس تكون بالجياد
(5)
دون الزيوف.
(والستوق بمجازه): لأن الستوق تسمى دراهم مجازًا والنقل من الحقيقة إلى المجاز
(6)
بيان
(7)
فيه تغيير فصح موصولًا.
(1)
الستوق: لفظ معرب واحدها ستوقة: دراهم مغشوشة غلبت فيها المعادن الرخيصة على النفيسة، وقد تُطلى بالفضة. يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (ص: 241).
(2)
في (ب): أبي يوسف.
(3)
زُيُوفٌ جَمْعُ زَيْف، والزَّيفُ: مِنْ وصْفِ الدَّراهم، يُقَالُ: زَافَتْ عَلَيْهِ دَرَاهَمُهُ أَيْ صَارَتْ مَرْدُودَةً عَلَيْهِ لِغِشٍّ فِيهَا وَقِيلَ هِيَ دُونَ البَهْرَجِ فِي الرَّدَاءَةِ لِأَنَّ الزَّيْفَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالْبَهْرَجُ مَا تَرُدُّهُ التُّجَّار. يُنْظَر: لسان العرب (9/ 142)، المغرب (ص: 215).
(4)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 19.
(5)
الجِياد: جمع جيّد والجَيِّد نَقِيضُ الرَّدِيءِ. يُنْظَر: لسان العرب 3/ 135.
(6)
في (أ): مجاز.
(7)
ساقطة من (أ).
(ولأبي حنيفة رحمه الله أن هذا رجوع؛ لأن مطلق
(1)
العقد يقتضي السلامة عن العيب) لأن البيع موجبه سلامة البدن المستحق به عن العيب فيصير دعوى الزيافة من المشتري دعوى أمر عارض يخالف موجب العقد فلا يصح كما لو ادعى البائع البراءة
(2)
عن عيب المبيع وأنكر المشتري دعواه البراءة
(3)
عن موجب البيع فلا يصدق كما إذا قال: بعت هذه الجارية على أنها معيبة
(4)
وأنكر المشتري شرط العيب؛ فإن القول قول المشتري كذا في الإسرار
(5)
وغيره. وحاصل اختلافهم راجع إلى أن الدراهم الزيوف هل هي داخلة في اسم الدراهم المطلق أم لا؟ فأبو حنيفة رحمه الله رجح جانب العيب
(6)
فيها فلم يدخلها تحت مطلق اسم الدراهم حتى كان دعوى الزيافة رجوعًا عما أقرَّ أولًا بمطلق الدراهم، وهما أدخلاها تحت مطلق اسم الدراهم على سبيل التوقف حتى كان دعوى الزيافة بعد ذكر اسم الدراهم بيان تغيير كما في الشرط والاستثناء.
(بخلاف الجودة): أي: بخلاف ما إذا قال إلا أنها زيوف فإن في قوله إلا أنها زيوف
(1)
في (أ): (مطلق المجاز بيان).
(2)
في (ب): البراة.
(3)
في (ب): البراة.
(4)
في (أ): معيَّنة.
(5)
كتاب الْأَسْرَارِ: لعبد الله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي الحنفي، ينسب إلى دبوسية، وهي قرية بين بخارى وسمرقند، كان من أكابر فقهاء الحنفية، ويضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، برع في علم أصول الفقه، له عدة مؤلفات منها هذا الْكِتَاب الْأَسْرَارِ وهو كبير جدًّا حقق منه كتاب المناسك في مصر وبقي الجزء الباقي منه مفقودًا (430 هـ). يُنْظَر: كشف الظنون 1/ 81، تاج التراجم (ص: 192).
(6)
في (أ): الغيب.
استثناء للدراهم الجيدة عن الوجوب في ذمته فإن الاستثناء عندنا هو التكلم بما بقي بعد الثنيا في ذمته الدراهم الزيوف فكانت الدراهم الجيدة مستثناة
(1)
لا محالة.
كما في (قوله لفلان: عليَّ ألف درهم): إلى مائة والباقي بعد الثنيا تسعمائة فكانت المائة مستثنى إلا أن هناك المستثنى قدر وهو المائة وههنا المستثنى وصف
(2)
شامل على كل المستثنى منه وهو الجودة فلذلك لم يقع صورة المستثنى والمستثنى منه على وزان ذلك ولكن فيما ذكرنا من معنى الاستثناء وهو التكلم بالباقي بعد الثنيا يستويان فإن قلت: ما عذرة
(3)
أبي يوسف ومحمد عن إجماعهم بأن (استثناء الوصف لا يجوز كاستثناء البناء في الدار) والجودة أو الزيافة وصف لا محالة واستثناء الوصف لا يجوز بالإجماع. فكيف صححنا استثناء الزيافة عن الدراهم؟ قلت: صححنا
(4)
ذلك من حيث المعنى. فإن ذلك من حيث المعنى عين ليس بوصف.
وإن قوله لفلان: (عليّ ألف من ثمن متاع إلا أنها زيوف): صار بمنزلة قوله إلا أنها نقد بلد كذا ونقد ذلك البلد زيوف هذا البلد وهناك صح ذلك البيان موصولًا بالإجماع وهذا في معناه فينبغي أن يصح؛ لأن قوله: إلا أنها زيوف وقوله: إلا أنها نقد بلد آخر واحد وكان
(5)
بيانًا محتملًا فإن ابتداء العقد به جائز فصار ذلك نوعًا للدراهم لا وصفًا بمنزلة (قوله في
(1)
في (أ) و (ب): مستثنى. وهو لا يناسب السياق.
(2)
في (أ): وهو بدل وصف.
(3)
جاء على هامش النسخة (ب) في شرح كلمة عذرة: اسم للاعتذار.
(4)
في (ب): صححا.
(5)
في (ب): فكان.
الحنطة إلا أنها رديئة) إلى هذا أشار في الأسرار والفوائد الظهيرية
(1)
.
(لأن الرداءة نوع لا عيب): فإن قلت: هذا دعوى ساذج من غير برهان فما الدليل
(2)
على أن الزيافة عيب أو وصف؟ والرداءة ليست بعيب أو ليست بوصف وفي الوصفية كلتاهما متوازيتان. فإنه كما يقال: درهم زيف. فكذلك يقال: حنطة رديئة وكذلك في معنى العيب
(3)
فإنهما يشتركان؛ فإنه كما ترد
(4)
الدراهم بالزيافة إذا باع عينًا بمطلق الدراهم فكذلك ترد
(5)
الحنطة بعيب الرداءة إذا لم يشترط الرداءة بالبيع؟ قلت: نعمَ، ما قلتَ، كنتُ في غمةٍ مِن هذا زمانًا والتباسِ شبهةٍ في هذا أحيانًا إلى أن وجدت الفرق بينهما على ما ذكر في الكتاب بحكم شرعي في الأسرار وبمعنى معقول في المبسوط فقال: في تعليل قول أبي حنيفة رحمه الله.
(وبخلاف قوله على كُرِّ حنطة إلا أنها رديئة؛ لأن الرداءة في الحنطة ذكر نوع لا ذكر عيب)، ألا يرى أنه لو قال: بعتك هذه الحنطة وأشار إليها والمشتري كان رآها فوجدها رديئة ولم يكن علمها
(6)
لم يكن له خيار الرد بالعيب. ولو قال: بعتك بهذه الدراهم وأشار إليها وهي زيف استحق مثلها جيادًا لا زيافة فيها فعلم بهذا أن الزيافة عيب وكانت بمنزلة ما لو قال: بعتك هذه الجارية وهي معيبة فإن المشتري يستحقها غير معيبة وفي المبسوط
(7)
ولو قال له: عليَّ كُرّ حنطة من ثمن بيع أو قرض ثم قال: هو رديء فالقول قوله في ذلك وصل أم فصل؛
(1)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 190.
(2)
في (أ): فالدليل.
(3)
في (أ): الغيب.
(4)
في (أ) و (ب): (يرد). ولا يناسب السياق.
(5)
في (ب): يرد.
(6)
في (أ): عليها.
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 13.
لأن الرداءة في الحنطة ليست بعيب. فإن العيب ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة والحنطة قد تكون رديئة في أصل الخلقة. فهو في معنى بيان النوع وليس بمطلق العقد مقتضى في نوع دون نوع ولهذا لا يصح الشراء
(1)
بالحنطة ما لم يبين أنها جيدة أو وسط أو رديئة فليست في بيانه تغيير
(2)
موجب أول كلامه فصح موصولًا كان أو مفصولًا والرداءة ليست بعيب وإن كان الجيد أفضل في المالية لزيادة الرغبة فيه ولكن تلك
(3)
الزيادة لا تصير مستحقة بمطلق التسمية.
(وعن أبي حنيفة رحمه الله في غير الأصول أنه يصدق في الزيوف إذا وصل): يعني
(4)
في القرض؛ لأن المستقرض إنما يصير مضمونًا على المستقرض بالقبض فهو بمنزلة الغصب.
(قيل: يصدق): (بالإجماع): يعني: إذا وصل؛ لأن صفة الجودة إنما تصير مستحقة بمقتضى عقد التجارة فإذا لم يصرح في كلامه بجهة التجارة لا تصير صفة الجودة مستحقة عليه؛ وهذا لأنا لو حملنا مطلق إقراره على جهة التجارة لم يصح قوله إلا أنها زيوف ولو حملناه على جهة أخرى يصح منه ذلك فحمل كلامه على الوجه الذي يصح أولى.
(وقيل: لا يصدق): أي: على قول أبي حنيفة رحمه الله (ينصرف إلى العقود لتعيّنها) فحينئذ كان مطلق إقراره بالدين بقوله له:
(5)
(عليَّ ألف درهم زيوف): وما لو بين سبب التجارة بقوله:
(1)
في (أ) و (ب): الشرى. والصواب ما أثبته.
(2)
في (أ): تصير.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
ساقطة من (ب).
(لفلان عليّ ألف درهم): من ثمن عبد إلا أنها (زيوف أو نبهرجة (
(1)
فحصل من هذا كله أن جنس هذه المسائل لم يخل من أربعة أوجه: فإنه إذا أقرَّ بوجوب الدين عليه إما أن يذكر له
(2)
سبب الوجوب أو لا، فإن ذكر سبب الوجوب فهو على ثلاثة أوجه: لأنه إما أن يكون ثمن بيع أو قرضًا أو غصبًا أو لم يذكر سبب الوجوب بل أطلق بقوله لفلان عليَّ ألف درهم زيوف فحكم الكل مذكور في الكتاب؛ (لأن الستوقة ليست من جنس الدراهم) حقيقة ولهذا لا يجوز التجوز بها في باب الصرف والسلم فكان في هذا الكلام
(3)
تغيير لما اقتضاه أول كلامه من تسمية الدراهم؛ لأن ذلك اللفظ يتناول الدراهم صورة وحقيقة وبآخر
(4)
كلامه تبين ان مراده الدراهم صورة لا حقيقة وبيان التغيير صحيح موصولًا لا مفصولًا.
(وإن قال: في هذا كله): أي: في البيع والقرض والغصب، (إلا أنّه ينقص كذا):(بأن قال لفلان: عليَّ ألف درهم إلا أنها وزن خمسة)، أو وزن ستة:(فإنه يصح ولو كان الفصل ضرورة انقطاع الكلام بسبب انقطاع النفس).
أو بسبب أخذ السعال فعن أبي يوسف رحمه الله أنه يصح وصله بعد ذلك وعليه الفتوى؛ لأن الإنسان يحتاج إلى أن يتكلم بكلام كثير ويذكر الاستثناء بآخره ولا يمكنه أن
(1)
"النبهرج": الدراهم التي فضتها رديئة كلُّ مردودٍ عِنْدَ الْعَرَبِ بَهْرَجٌ ونَبَهْرَجٌ. يُنْظَر: لسان العرب 2/ 217.»: سواء في أنه لا يصدق في دعواه الزيافة وصل أم فصل في قول أبي حنيفة رحمه الله هذا كله من المبسوط يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 13.
(2)
في (أ): به.
(3)
في (ب): البيان.
(4)
في (أ): تأخر.
يتكلم يحميع ذلك بنفس واحد فكان عفوًا كذا ذكر الإمام قاضي خان [رحمه الله]
(1)
وغيره
(2)
.
(فقال: لا بل أخذتها غصبًا): فالقول للمقر له مع يمينه والمقر ضامن إلا أن يَنْكُلُ
(3)
(4)
المقر له عن اليمين: (وهذا بخلاف ما إذا قال: أخذتها منك وديعة وقال الآخر: لا بل قرضًا حيث يكون القول للمقر وإن أقرَّ بالأخذ): وهكذا أيضًا في البيع مكان القرض فإنه لو قال: أخذت هذا الثوب منك عارية وقال المقر له: بل أخذته مني بيعًا فالقول قول الآخذ مع يمينه لأنهما تصادقا على أن الأخذ حصل بإذن المالك وذلك لا يكون سببًا لوجوب الضمان على الآخذ إلا باعتبار عقد الضمان فالمقر له يدعي عقد الضمان وهو منكر وكان القول قوله كذا في المبسوط
(5)
.
(فإن قال: هذه الألف كانت وديعة لي
…
): إلى قوله: (والقول للمنكر)
(6)
: أي: بالإجماع، وكذلك لو قال: أقرضتك ألف درهم ثم أخذتها منك ذكره في الأسرار
(7)
.
قال: آجرت دابتي هذه فلانًا
(وإن قال: آجرت دابتي هذه فلانًا): إلى قوله: (وقالا
(8)
: القول قول الذي أخذ منه الدابة): هذا كله إذا لم يكن الدابة والثوب معروفًا للمقر، أما لوكان الثوب معروفًا أنه للمقر أو الدابة أو الدار فقال: أعرته فلانًا وقبضته منه فكان القول قول المقر في قوله؛ لأن
(1)
زيادة في (ب).
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 20.
(3)
في (أ): ينكر.
(4)
نَكُل: أَي جَبُنَ ونَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ امْتَنَعَ منْهَا يُنْظَر: لسان العرب (11/ 677)، المصباح المنير (2/ 625).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 3.
(6)
في (أ) قول المنكر: بدل: للمنكر.
(7)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 5/ 21.
(8)
أي: أبو يوسف ومحمد (رحمهما الله). يُنْظَر: البناية شرح الهداية (9/ 464).
الملك فيه معروف للمقر فلا يكون مجرد اليد فيه لغيره بسبب الاستحقاق عليه كذا في المبسوط والإيضاح
(1)
.
(فهو على هذا الاختلاف في الصحيح): احتراز عن قول بعضهم فإنهم قالوا: أن القول في هذا قول المقر بالإجماع، فيكون ذلك دليلًا لأبي حنيفة رحمه الله
(2)
ولكن مشايخنا رحمهم الله
(3)
قالوا: هو
(4)
على الخلاف أيضًا. إلى هذا أشار في المبسوط.
(وجه القياس: ما بيَّناه في الوديعة): وهو قوله: (لأنه أقرَّ باليد له وادعى
(5)
استحقاقها عليه وهو ينكر فيكون القول قوله في كيفيته) لأنه أقرَّ فيما في يده بإيجاب اليد لغيره فيقبل قول المقر أن اليد له كانت من قبله كما لو كان في يده عبد فقال: هذا عبدي بعته من فلان ولم أسلمه إليه بعد فقال المقر له: لا بل كان عبدي لم أشتره منك، أن القول قول المقر دون المقر له لهذا المعنى أن المقر أقرَّ له بالملك من جهة نفسه فإذا ادعى المقر له أن الملك له من جهة أخرى لا من جهته لا يقبل القول وذكر في الأسرار هذه المسألة بقوله: ملكتك عبدي هذا بألف درهم ولم أقبض الثمن فلي أن أحبسه فإن القول قوله. وله حق الحبس؛ وإن أنكر الآخر وزعم أنه ملكه (ولا كذلك مسألة الوديعة؛ لأنه قال فيها
(6)
كانت وديعة لي وقد تكون الوديعة من غير صنعة): كاللقطة أمانة ووديعة في يد الملتقط، وإن لم يدفعها إليه
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 109.
(2)
في (ب): رضي الله عنه.
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
ساقطة من (أ).
(5)
في (ب): الدعي.
(6)
في (أ): فيما.
صاحبها، وكذا الثوب إذا هبت به الريح فألقته في دار إنسان فإنه يكون وديعة عند صاحب الدار وإن لم يدفع إليه صاحبه وكذلك
(1)
المودع إذا مات تصير
(2)
الوديعة في يد وارثه وديعة وإن لم يدفع إليه صاحبها فثبت أن الإقرار بالوديعة لا يدل على إثبات اليد من قبله.
(وليس مدار الفرق على ذكر الأخذ في طرف الوديعة وعدمه في الطرف الآخر).
وهذا
(3)
احتراز عن قول الإمام القمي
(4)
رحمه الله فإنه قال: إنما وجب الرد في مسألة الوديعة؛ لأنه قال فيها: أخذتها منه فيجب جزاؤه وجزاء الأخذ الرد في العارية هذا كله في الجامع الصغير
(5)
للإمام المحبوبي رحمه الله واختاره وهما: الإسكان والعارية.
(لأنه ذكر الأخذ في وضع الطرف الآخر وهو الإجارة وأختاها (
(6)
فقال: ولأن في الإجارة والإعارة لو أخذنا
(7)
المعير والمؤاجر بإقرارهما يمانع الناس عن الإجارة والإعارة فلا يؤاخذان
(8)
بإقرارهما استحسانًا كيلا
(1)
في (ب): وكذا.
(2)
في (أ) و (ب): يصير. والصواب ما أثبته. لمناسبة السياق.
(3)
في (ب): هذا.
(4)
هو: علي بن موسى بن يزداد وقيل يزيد القمي صاحب أحكام القرآن إمام الحنيفة في عصره سمع محمد بن حميد الرازي وغيره روى عنه أبو الفضل أحمد بن أحمد الكاغذي وغيره وتوفي سنة (305 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 380، تاج التراجم (ص: 206).
(5)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 465.
(6)
أي: العارية والسكنى.»: ووجه آخر ذكره الإمام قاضي خان يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 21.
(7)
لو أخذنا: تكررت في (ب).
(8)
في (أ): يواخذ. وفي (ب): نواخذ. والصواب ما أثبته. وهو موافق لما في فتح القدير لابن الهمام: 8/ 378.
تنقطع
(1)
الإجارة والإعارة. وأما في الوديعة: فمنفعة الإيداع تعود إلى المالك فلو أخذنا المالك بإقراره لا ينقطع الإيداع.
قال: اقتضيت من فلان ألف درهم
(وهذا بخلاف ما إذا قال: اقتضيت من فلان ألف درهم): إلى آخره، صورته ما ذكره في المبسوط
(2)
فقال: وإذا أقرَّ الرجل أنه اقتضى من رجل ألف درهم كانت له عليه وقبضها فقال: فلان أخذت مني هذا المال ولم يكن لك عليَّ شيء فرده عليَّ فإنه يجبر على أن يرد المال بعد أن يحلف أنه ما كان له عليَّ شيء، وروى أبو يوسف عن ابن أبي ليلى رحمهما الله أنه لا شيء على المقر. ووجهه: أنه ما أقرَّ بشيء على نفسه لغيره إنما أقرَّ بوصول حقه إليه وذلك غير ملزم إياه شيئًا ولكنا نقول الاقتضاء عبارة عن قبض مال مضمون من ملك الغير؛ لأن المقتضي يستوفي من مال المديون مثل ما له عليه فيصير قصاصًا بدينه والقبض المضمون من ملك الغير سبب لوجوب الضمان عليه وقد أقرَّ ثم ادعى لنفسه دينًا على صاحبه ولا يثبت الدين له على صاحبه بدعواه ولكن يتوجه اليمين فإذا حلف لزمه رد المقبوض، وكذلك لو أقرَّ أنه قبض من فلان ألف درهم كانت وديعة له عنده أو هبة وهبها له فقال: بل هي مالي قبضته مني، فعليه أن يرده بإقراره بقبض المال من يد الغير وعلى اليد ما أخذت حتى ترد ولم يثبت ما ادعى من الحق فيه لنفسه.
(1)
في (أ) و (ب): ينقطع. والصواب ما أثبته لمناسبة السياق.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 108.
الإقرار بأن فلانًا زرع الأرض
(ولو أقرَّ أن فلانًا زرع هذه الأرض لي
…
إلى قوله: فالقول للمقر): فحصل من هذا كله أن جنس هذه المسائل على ثلاثة أنواع: ففي نوع منها: كان القول قول المقر له بالإجماع. وهو: مسألة الوديعة والإقراض والاقتضاء وفي نوع منها كان القول: قول المقر
بالإجماع وهو مسألة بيع العبد ومسألة زرع هذه الأرض أو بناء هذه الدار ومسألة خياطة الثوب دون ذكر القبض منه وفي نوع منها اختلفوا فيه فعند أبي حنيفة رحمه الله
(1)
القول قول المقر كما في النوع الثاني. وعندهما القول قول المقر له، كما في النوع الأول وهو: مسألة الإجارة والإسكان والإعارة وخياطة الثوب مع ذكر القبض والقول للمقر؛ لأنه ما أقرَّ باليد إنما أقرَّ بمجرد فعل منه هذا احتراز عما إذا أقرَّ الرجل أن فلانًا ساكن في هذا البيت وادعى فلان البيت فإنه يقضى به للساكن على المقر؛ لأن السكنى تثبت اليد للساكن على المسكن وإقراره باليد للغير حجة عليه. وما ثبت بإقراره كالمعاين في حقه كذا في المبسوط
(2)
. والله أعلم بالصواب
(3)
.
(1)
في (ب): رضي الله عنه.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 10/ 174.
(3)
ساقطة من (أ).
باب إقرار المريض
(1)
لما فرغ من بيان أحكام إقرار الصحيح وهو الأصل شرع في بيان أحكام إقرار المريض وهو العارض والفرع؛ لأن المرض بعد الصحة. وأفرده باب على حدة لاختصاصه بأحكام ليست هي للصحيح والدّين المعروفة الأسباب فقدم صورته: رجل استقرض مالًا في مرضه وعاين الشهود دفع المقرض المال إلى المريض المستقرض أو اشترى شيئًا وعاين الشهود قبض المبيع أو استأجر شيئًا بمعاينة الشهود أو تزوج امرأة بمهر مثلها وعاين الشهود النكاح وعليه ديون
(2)
الصحة، فإن هذه الديون تساوي ديون الصحة مع أن ديون الصحة تعلقت بماله سابقًا على تعلق حق أصحاب هذه الديون وإنما كان كذلك؛ لأن حق الغرماء متعلق بمعنى الأموال وهو المالية لا بأعيانها ولئن كان خرج بعض أمواله إلى هذه الوجوه فقد أدخل مثلها في المالية في ملكه، وما أدخل في ملكه صالح بقضاء حق غرماء الصحة. وفي بعض هذه التصرفات إن كان إبطال حق غرماء الصحة وهو النكاح والاستئجار إلا أن ذلك من حوائجه الأصلية وحاجته الأصلية مقدمة على حق غرماء الصحة. ألا ترى: أن حاجته في ثمن الأدوية وأجرة الطبيب ومأكله وملبسه
(3)
وما أشبهها مقدمة على حق غرماء الصحة كذا في الذخيرة
(4)
. وهو الإقرار الصادر عن عقل ودين وإنما تعرض لهذين الوصفين؛ لأن العقل والدين هما اللذان يمنعان المرء عن الكذب في إخباره، والإقرار إخبار عن الواجب في ذمته فلا يكذب في إقراره لوجود هذين
(1)
العنوان ساقط من (أ).
(2)
في (أ): دين.
(3)
في (ب): وما ألبسه.
(4)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 24.
الوصفين في المقر. وفي هذا لا يتفاوت بين أن يكون المقر صحيحًا أو مريضًا. بل بالمرض يزداد معنى
(1)
رجحان جانب الصدق لما أن المرض حالة التوبة والإنابة ومحل الوجوب الذمة العاملة للحقوق وهي ذمة الحر البالغ العاقل.
(ولنا أن الإقرار لا يعتبر دليلًا إذا كان فيه إبطال حق الغير، وفي إقرار المريض ذلك) لأن المريض إنما حجر عن الإقرار بالدين بسبب دين الصحة وكان
(2)
في تصحيح إقراره إبطال دين الصحة فلا ينفذ ذلك. كمن رهن ماله أو أجره ثم أقرَّ به لغيره فإنه لا ينفذ في حق المرتهن والمستأجر أو نقول: أن أحد الإقرارين وجد في حالة الإطلاق والآخر في حالة الحجر فيقدم ما وجد في حالة الإطلاق على ما وجد في حالة الحجر، كالعبد إذا أقرَّ بدين في حالة الإذن وبدين آخر في حالة الحجر وإنما قلنا: بأنه محجور؛ لأنَّ بسبب المرض يلحقه الحجر لتعلق حق الغرماء والورثة بماله حتى لا يجوز تبرعه بشيء إذا كان الدين محيطًا وفيما زاد على الثلث إذا لم يكن عليه دين لتعلق حق الورثة بماله.
وقوله: بأن المرض دليل على صدقه في إقراره. قلنا: هو في حق من ترجح أمر دينه على هواه، فأما في حق من يرجح هواه على أمر دينه فهذه الحالة حالة المبادرة إلى ما كان يريده ويهواه مما قدم نفسه فيها. فلما آيس من نفسه آثر من يهوى على من هو المستحق لماله، وعلى الحقيقة لا يتبين عليه إحدى الحالتين عن الأخرى إلا بوصي، فعلقت التهمة بالسبب الداعي إلى الوصية وصلة الناس بماله وهو مرض الموت فإن قيل الإقرار بالوارث في مرضه يصح مع أنه يبطل به حق سائر الورثة. فلِم لَمْ يصح الإقرار بالدين مع استوائهما في إبطال حق
(1)
في (ب): المعنى.
(2)
في (ب): فكان.
الورثة؟ قلنا: إن استحقاق الوارث المال بالنسب والموت جميعًا والاستحقاق يضاف إلى آخرهما وجودًا فيضاف إلى الموت. ألا ترى: أن شاهدي النسب قبل الموت إذا رجعا بعد الموت وأخذ المشهود له المال لم يضمنا شيئًا. فأما الدين: فلا يجب بالموت بل بالإقرار. كذا في المبسوط
(1)
والأسرار.
(ولهذا منع من التبرع والمحاباة (
(2)
وهي تشارك غرماء الصحة مع أن هذا النكاح لم يكن من الحوائج الأصلية؛ لأنه ليس له رجاء بقاء النسل ولا احتياج قضاء الشهوة قلنا: النكاح في أصل الوضع من مصالح المعيشة، والعبرة لأصل الوضع لا للحال فإن الحال مما لا يوقف عليها ليبنى الأمر عليها. إلى هذا أشار في الأسرار
(3)
.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 27، وتبيين الحقائق 5/ 24.
(2)
المحاباة: بضم الميم من حابا يحابي حباء، اختصاص الشخص بشيء دون غيره من أقرانه يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (ص:407).»: ففي هذا جواب عما ادّعاه الشافعي رحمه الله من استواء حال الصحة وحال المرض. فإنه لو كانتا متساويتين لما منع من التبرع والمحاباة في حالة المرض، كما لا يمنع عنهما في حالة الصحة، وإن استغرق الديون جميع أمواله.
(إلا لقدر الثلث): أي: فيما إذا لم يكن عليه دين وأما إذا كانت الديون محيطة بماله فلا يجوز تبرعه أصلًا في الثلث وما دونه كما ذكرنا؛ لأنه من الحوائج الأصلية؛ لأن إبقاء النفس من الحوائج الأصلية وليس له طريق إلى ذلك إلا بالتناسل وطريقه النكاح، والمرء غير ممنوع عن صرف ماله إلى الحوائج الأصلية وإن كان ثمة دين الصحة كالصرف إلى ثمن الأدوية والأغذية فإن قيل: لو تزوج وهو لا يحتاج إليه بسبب أن له نساء وجواري أو هو شيخ كبير لا يولد له عادة، أو تزوج آيسة الآيسة: مؤنث الآيس وَشرعًا الْمَرْأَة الَّتِي لم تَحض فِي حَيَاتهَا. يُنْظَر: المعجم الوسيط (1/ 34).
(3)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 469.
(لأن حق الغرماء تعلق بالمالية لا بالصورة): والمالية باقية وإن فاتت الصورة.
(وهذه حالة العجز): أي: حالة المرض. (وحالتا المرض حالة واحدة): أي: حالة أول
المرض وحالة آخر المرض بعد أن يتصل بهما الموت حالة واحدة، هذا جواب لسؤال مقدر يرد
على قوله: (لأن حق غرماء الصحة تعلق بهذا المال) بأن يقال: لو كان تعلق الدين المقدم مانعًا عن الإقرار بدين آخر ينبغي أن لا يصح إقرار المريض بالدين ثانيًا بعد ما أقرَّ أولًا في حال مرضه لتعلق حق المقر له الأول بماله كما لا يصح إقراره في حالة المرض إذا كان له غرماء الصحة لتعلق حق غرماء الصحة بماله فأجاب عنه. وقال: ليس كذلك؛ لأن الإقرارين في حالة المرض بمنزلة إقرار واحد لكون أحوال المرض بمنزلة حالة واحدة في حق الحجر. كما أن أحوال الصحة كلها بمنزلة حالة واحدة في حق الإطلاق. أما حالة الصحة مع حالة المرض فتختلفان
(1)
لاختلاف صفتهما من الإطلاق والحجر فلذلك صار تعلق حق غرماء الصحة بماله مانعًا عن صحة إقراره في حالة المرض وعلم وجوبه بغير إقراره بأن ثبت وجوبه بمعاينة القاضي، أو بالبينة لا يقدم أحدهما على الآخر لما بينّا. إشارة
(2)
كذلك إلى قوله (لأنه من الحوائج الأصلية).
وقوله: (لأنه لا تهمة في ثبوتها ولا يجوز للمريض أن يقضي دين بعض الغرماء دون البعض): أي: لا يجوز قضاء دين بعض الغرماء الذي لم يدخل بدل ذلك الدين في ملك المريض حال مرضه. أما إذا دخل: فيجوز على ما يجيء. وذكر في المبسوط
(3)
: ولو قضى بعض
(1)
في (أ): فيختلفان.
(2)
يوجد كلام على الهامش لعل مكانه هنا وهو: إلى موجبه لأنه لا تهمة في ثبوتها فإن تلك العلة أعني عدم التهمة في الثبوت كما تتمشى في الدين اللازم في المرض بأسباب معلومة بناء على أن المعاين لأمره.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 28.
غرماء الصحة دينه ثم مات لم يُسَلِّم المقبوض للقابض بل يكون ذلك بين الغرماء بالحصص عندنا. وقال الشافعي
(1)
رحمه الله
(2)
المقبوض سالم للقابض وهو بناء على أصله أن بسبب المرض لا يلحقه الحجر عن السعي في فكاك رقبته. وقضاء الدين سعي منه في فكاك رقبته فكان فعله في المرض والصحة سواء؛ وهذا؛ لأنه ناظر لنفسه فيما تصنع فإنه قضى دين من كان حاجته أظهر ومن يخاف أن لا يسامحه بالإبراء بعد موته بل يخاصمه في الآخرة وتصرفه على وجه النظر منه لنفسه يكون صحيحًا فلا يرد. ولنا أن حق الغرماء تعلق بماله بالمرض وهو بقضاء دين بعضهم مبطل حق سائر الغرماء عما دفعه إلى هذا وهو لا يملك إبطال حق الغرماء عن شيء مما تعلق به حقهم كما لو وهب شيئًا.
(وغرماء الصحة والمرض في ذلك سواء): أي: وغرماء الصحة وغرماء المرض الذين كانوا غرماء في المعروفة الأسباب سواء في عدم جواز إيثار البعض على البعض بقضاء الدين.
(إلا إذا قضى ما استقرض في مرضه) إلى آخره، هذا استثناء من قوله:(ولا يجوز للمريض أن يقضي دين بعض الغرماء). وقوله: (في مرضه): متعلق بالفعلين جميعًا. أعني: قضى واستقرض يعني: إلا إذا قضى في مرضه ما استقرض في مرضه.
وكذلك قوله: (أو نقد ثمن ما اشترى في مرضه): أي: نقد في مرضه ثمن ما اشترى في مرضه. فحينئذ يجوز للمريض أن يخص المقرض والبائع بقضاء دينهما دون غيرهما؛ وليس لغيرهم أن يشاركهما فيما قضى لهما من الدين وإنما كان هكذا؛ لأن حق الغرماء متعلق بمالية
(1)
يُنْظَر: الحاوي الكبير (7/ 29).
(2)
ساقطة من (ب).
التركة لا بعين التركة. فإن المريض لو أخرج عن مِلكه ما قضى به دينًا وقد أدخل بدلًا يعادله فلا يكون إبطالًا لحق الغرماء بل يكون نقلًا من محل إلى محل، وذكر في الإيضاح
(1)
بعد ما ذكر ولا يجوز للمريض أن يقضي دين بعض الغرماء دون البعض قال: إلا أن يكون استقرض في مرضه ألفًا وقبضه، أو اشترى شيئًا بمثل قيمته وقبضه ثم قضى القرض ونقد ثمن ما اشترى فإن ذلك يجوز على الغرماء إذا علم سببه؛ لأن هذا ليس بإيثار ولا بإبطال للحق؛ لأنه حصل له مثل ما نقد وحق الغرماء يتعلق بمعنى التركة لا بالصورة فإذا حصل له مثله معنى لم يعد ذلك تفويتًا وذكر في المبسوط
(2)
: ولو قضى دين هذا الذي أخذ منه في المرض كان جائزًا وهو له دون غرماء الصحة، لأنه حول حق الغرماء من محل إلى محل يعدله فليس له هذا القضاء إبطال حقهم عن شيء فكان مباشرته في الصحة والمرض سواء، أرأيت: لو رد ما استقرض بعينه أو فسخ البرع ورد المبيع بعيب أكان يمتنع سلامته للمردود عليه لحق غرماء الصحة لا يمتنع ذلك. فكذلك إذا رد بدله لأن حكم البدل حكم المبدل فعلم بهذا كله أن تعميم عدم الجواز في قوله: ولا يجوز للمريض أن يقضي دين بعض الغرماء فيما إذا لم يدخل في ملك المريض ما يعادل للذي قضى به دين بعض الغرماء في مرضه
(3)
حتى يتحول حق الغرماء إليه. أما إذا دخل ما يعادله، فيجوز لتحول حقهم إليه وذكر في الذخيرة
(4)
ما وضح من هذا فقال: فإن قضى المريض ديون هؤلاء، هل لغرماء الصحة أن يشاركوهم فيما قبضوا؟ قال:
(1)
يُنْظَر: رد المحتار 5/ 611.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 28.
(3)
في (أ): موضعه.
(4)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 24.
لا يشاركون المقرض والبائع ويشاكون المرأة والآجر
(1)
؛ ولأن المريض بقضاء دين المقرض والبائع لم يبطل على غرماء الصحة لما ذكرنا أن حق غرماء الصحة في معنى مال المريض لا في أعيانها. وهذا لا يكون إبطالًا لحقهم بل كان نقلًا لحقهم. وله ولاية النقل ألا ترى
(2)
: أنه لو باع ماله ليوفي حقوقهم كان له ذلك. فأما النكاح والإجارة بقضاء المهر والأجر أبطل حق غرماء الصحة عن عين المال وعن ماليته؛ لأن ما وصل إليه من المنفعة لا يصلح لقضاء حقوقهم فصار وجود هذا العوض في حقهم وعدمه بمنزلة وكان إبطالًا لحقهم وليس له ولاية الإبطال؛ لأن الإقرار في ذاته صحيح؛ لأن إقرار المقر محمول على الصدق في حقه حتى يكون حجة عليه. فأما في حق الغير فهو محمول على الكذب لكونه متهمًا في حق الغير كذا في المبسوط
(3)
.
أقر الرجل في مرضه بدين
(وإن لم يكن عليه ديون في صحته جاز إقراره): أي: وإن أقرَّ بكل ماله وقال أصحابنا القياس أن لا يجوز إقراره إلا في الثلث؛ (لأن الشرع قصر تصرفه على الثلث) وتعلق بالثلثين حق الورثة. ألا ترى
(4)
: أنه لو تبرع بجميع ماله لم ينفذ إلا في الثلث، فكذا الإقرار وجب أن لا ينفذ إلا فيه وإنما تركوا القياس ونفّذوا الإقرار في الكل لأثر جاء عن عمر صلى الله عليه وسلم وكان الفقه فيه أن الثلث لما جعل محل تصرفه نفذ الإقرار في الثلث فكان له حق التصرف في الثلث الباقي؛ لأن محل الوصية الثلث بعد الدين. فنفذ الإقرار في هذا الثلث
(1)
في (أ): ولا: بدل: والآجر.
(2)
في (ب): يرى.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 27.
(4)
في (ب): يرى.
الثاني ثم لا يزال يصح إلى أن يأتي الإقرار على الجميع كذا في الإيضاح
(1)
وهذه
المسألة بهذا التعليل تجيء في الكتاب بُعيد هذا فإن قلت: هذا الفقه الذي ذكر في
الإيضاح في حق إقرار المريض بجميع المال في حق جواز الإقرار يحميع المال وارد أيضًا في الوصية
يحميع المال فينبغي أن تجوز وصيته يحميع المال إذا لم يكن عليه دين بهذا الطريق الذي ذكر،
لأن المريض كان له حق التصرف بثلث ماله بدون إجازة الورثة فلما صح تصرفه في ثلث ماله كان له حق التصرف أيضًا في الثلث الباقي لما أن جميع ماله بعد الثلث الخارج جعل كأنه هو في الابتداء فيجب أن تنفذ وصيته في ثلثه أيضًا ثم وثم هكذا إلى أن يأتي الكل. قلت: نعم كذلك إلا أن بين الإقرار والوصية فرقًا في أصله وهو أن الوصية بالمال إنشاء تبرع محض من الابتداء وتبرعه مقصور على الثلث بالضرع. وأما الإقرار فهو إخبار في نفسه ليس بإنشاء تبرع إنما جعل تبرعًا في حق غرماء الصحة لئلا يبطل حقهم الثابت شرعًا من كل وجه ولما كان هو إخبارًا في نفسه كان الظاهر من حال العاقل أنه لا يكذب في إخباره فأخذ به إذا لم يتضمن إبطال حق غرماء الصحة فصار هو كالوكيل بالبيع إذا عزله الموكل فقال: كنت بعته لم يصدق إذا كان إخباره بعد العزل ويصدق إذا كان إخباره بالبيع قبل العزل؛ لأن إخبار العاقل يحمل على الصدق في أصله إذا لم يتضمن إبطال حق الغير فكان إقراره بجميع المال لآخر عند وجود غرماء الصحة بمنزلة إقرار الوكيل بالبيع بعد العزل من حيث يضمن إخباره إبطال حق الغير فلا يصح عند وجود غرماء الصحة إلى هذا أشار في الأسرار.
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 471، اللباب شرح الكتاب 2/ 85.
(ولأن قضاء الدين من الحوائج الأصلية):
إذ فيه رفع الحائل بينه وبين الجنة قال النبي
(1)
عليه السلام: "الدين حائل بينه وبين الجنة"
(2)
.
إقرار المريض لوارث
(وإذا أقرَّ المريض لوارثه لا يصح): وهو بإطلاقه يتناول العين والدين.
(وقال الشافعي
(3)
رحمه الله
(4)
: يصح): بناء على أصله أن الحجر بسبب المرض عن التبرع بما
(5)
زاد على الثلث مع الأجنبي وعن التبرع بشيء مع الوارث ولا حجر عليه فيما يرجع إلى السعي في فكاك رقبته فكان إقراره في الصحة والمرض سواء كذا في المبسوط
(6)
.
(وبوديعة مستهلكة للوارث): أي: أقرَّ باستهلاك وديعة معينة للوارث فإنه صحيح والجواب عنه أنا لو لم نعتبر إقراره يصير أنه مات مجهلًا فيجب الضمان فلا يفيد رد إقراره ولأن الوديعة بكونها معينة للوارث تندفع
(7)
التهمة، وذكر في الجامع الكبير
(8)
صورته فقال: رجل أودع
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وذكره صاحب الاختبار لتعليل المختار 5/ 86.
وأخرجه أحمد (37/ 163)، ح:(22493)، والنسائي (7/ 314)، باب التغليظ في الدَّين، ح:(4684)، والحاكم في المستدرك (2/ 29)، ح:(2212) من طريق محمد بن جحش، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا حيث توضع الجنائز، فرفع رأسه قبل السماء، ثم خفض بصره، فوضع يده على جبهته، فقال:"سبحان الله سبحان الله، ما أنزل الله من التشديد" قال: فعرفنا وسكتنا، حتى إذا كان الغد، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ما التشديد الذي نزل؟ قال:"في الدين، والذي نفس محمد بيده لو قتل رجل في سبيل الله، ثم عاش وعليه دين، ما دخل الجنة حتى يقضي دينه".
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
(3)
يُنْظَر: المجموع شرح المهذب (20/ 293).
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
في (أ): وبما.
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسري 18/ 28.
(7)
في (ب): يندفع. يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 182.
(8)
أباه ألف درهم في حال صحة الأب أو مرضه بمعاينة الشهود فلما حضرته الوفاة قال: استهلكتها ثم مات؛ وأنكر ذلك سائر الورثة. فإن إقرار المريض جائز والألف من تركته للابن المقر له خاصة؛ لأن تصرف المريض إنما يرد للتهمة لا لخلل فيه ولا تهمة في هذا ألا يرى: أنه
(1)
إذا كذبناه فمات وجب الضمان أيضًا في تركته، لأنه مات مجهلًا. وفي المبسوط
(2)
وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام: "ألا لا وصية لوارث ولا الإقرار بالدين"
(3)
إلى أن هذه الزيادة شاذة غير
(1)
في (ب): أنا.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 24.
(3)
هذا الحديث روي عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم منهم: أبو أمامة، وأنس بن مالك، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس وغيرهم.
حديث أبي أمامة رضي الله عنه: أخرجه أبو داود (3/ 290)، كتاب الوصايا: باب الوصية للوارث، ح:(2870)، والترمذي (4/ 433)، كتاب الوصايا: باب لا وصية لوارث ح: (2120)، وابن ماجه (2/ 905)، كتاب الوصايا: باب لا وصية لوارث،، ح:(2713)، من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: "إن الله تبارك وتعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث".
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه (2/ 906)، كتاب الوصايا: باب لا وصية لوارث، ح (2714)، والدارقطني (70/ 4)، كتاب الفرائض، ح:(8)، والبيهقي (6/ 433)، (كتاب الوصايا: باب نسخ الوصية للوالدين والأقربين، ح:(12451)، من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سعيد بن أبي سعيد عن أنس به.
قال البوصيري في الزوائد 2/ 368: "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".
حديث علي رضي الله عنه: أخرجه الدارقطني (4/ 97)، كتاب الفرائض، ح:(91)، وابن عدي في الكامل (7/ 190) من طريق يحيى بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق الهمداني عن عاصم بن صخرة عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين قبل الوصية ولا وصية لوارث".
وهذا إسناد ضعيف، يحيى بن أبي أنيسة، قال أحمد: متروك الحديث، وقال ابن المديني: لا يكتب حديثه، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: لا يتابع حديثه وليس بذاك، وقال النسائي: متروك الحديث، أسند ذلك ابن عدي في الكامل عنهم. يُنْظَر: الكامل لابن عدي (7/ 190).
حديث ابن عباس: أخرجه الدارقطني (4/ 97)، كتاب الفرائض، ح:(89)، والبيهقي (6/ 431) كتاب الوصايا: باب نسخ الوصية للوالدين والأقربين، ح:(12533)، من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس.
وقد جمع طرق هذه الأحاديث أو بعضها الزيلعي في نصب الراية (4/ 403 - 405)، وابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 106 - 107)، وأحسنها إسنادًا حديث أبي أمامة، وأما بقية الأحاديث فلا يخلو شيء منها من مقال؛ قال الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 372):"ولا يخلو إسناد كل منها من مقال، لكن بمجموعها يقتضي أن للحديث أصلًا".
مشهورة، وإنما المشهور قول ابن عمر رضي الله عنه أراد به ما روي عن ابن عمر:"إذا أقرَّ الرجل في مرضه بدين لرجل غير وارث فإنه جائز"
(1)
.
(وإن أحاط ذلك بماله).
وإن أقرَّ لوارث فهو باطل إلا أن يصدقه الورثة
(2)
وبه أخذ علماؤنا وقول الواحد من فقهاء الصحابة عندنا مقدم على القياس، (ففي تخصيص البعض به إبطال حق الباقين) فيذكر
(3)
ها هنا ما ورد من الإشكال الذي ذكرنا على هذا اللفظ وهو: أن إبطال حق الباقين كما يبطل بتخصيص البعض بالإقرار بالدين، فكذلك يبطل حقهم بالإقرار بوارث آخر؛ وهو صحيح بالاتفاق. فينبغي أن يصح هذا الإقرار أيضًا وقد ذكرناه وجوابه عن قريب.
(1)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 182.
وأثر عمر رضي الله عنه بذلت جهدي في الحث عنه ولم أقف عليه مسندًا.
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ.
(3)
في (أ) و (ب): فتذكر، والصواب ما أثبته. لمناسبة السياق.
إقرار المريض لأجنبية
(فإن أقرَّ لأجنبية ثم تزوجها لم يبطل إقراره لها): هذا الإطلاق من غير ذكر الخلاف فيما إذا كان المقر صحيحًا. أما إذا أقرَّ المريض لأجنبيته ثم تزوجها ثم مات بقي
إقراره صحيحًا عندنا خلافًا لزفر فإن عنده يبطل الإقرار، ذكره في وصايا الجامع الصغير لقاضي خان
(1)
.
(ولا كذلك الزوجية لأنها تقتصر على زمان التزوج فبقي إقراره لأجنبية) فإن قلت: يشكل هذا بما
(2)
إذا أقرَّ المريض لأخيه وللمقر ابن فمات الابن قبله ثم مات المقر فإن إقراره للأخ باطل فلو كانت الزوجية ها هنا مقتصرة على زمان التزوج يجب أن يكون الوراثة في تلك المسألة مقتصرة على زمان موت الابن حتى يبقى إقراره لغير الوارث كما كان كذلك وقت الإقرار. والإقرار لغير الوارث صحيح فما الفرق بينهما حتى
(3)
اعتبر وقت الإقرار ها هنا ولم يعتبر هناك مع أن كل واحد منهما غير وارث وقت الإقرار؟ قلت: أن الحجر عن الإقرار يثبت بالمرض وارث المقر له فإن الإقرار للأجنبي صحيح بجميع ماله إذا لم يكن عليه دين كما يصح
(4)
ذلك من الصحيح فإذا وجد الإقرار قبل سبب الإرث وقد وجد قبل وجود أحد وصفي علة الحجر فلا يثبت فيه حكم الحجر بوجود الوصف بعده كما إذا أقرَّ للوارث في صحته ثم مرض. بخلاف الإقرار للأخ؛ لأنه وارث بالأخوة إلا أنه محجوب بالابن وإذا
(5)
زال الحاجب قبل الموت صار وارثًا بالنسب الموجود حين الإقرار فاستند الحجر إليه. فأما ها هنا: فالإرث بسبب بعد الإقرار فلا يمكن إسناد الحجر إلى ما قبل العلة كذا في الأسرار. وحاصل جنس هذه المسائل على خمسة أوجه: أما إن كان المقر له وارثًا للمقر بطريق الاستمرار من وقت
(1)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 26.
(2)
في (أ): إنما.
(3)
في (أ): حيث.
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
في (ب): فإذا.
الإقرار إلى وقت الموت أو لم يكن وارثًا بطريق الاستمرار، أو كان وارثًا وقت الإقرار دون الموت، أو على العكس، أو كان وارثًا وقت الإقرار والموت لا فيما بينهما. أما في الوجه الأول: يبطل الإقرار وفي الوجه الثاني: لا يبطل وهما ظاهران. وأما الوجه الثالث: وهو ما إذا كان وارثًا وقت الإقرار دون الموت بأن أقرَّ المريض لأخيه فولد
(1)
له ابن، أو كان ابنه كافرًا أو رقيقًا فأسلم وعتق وصار
(2)
هو الوارث دون الأخ جاز إقراره، لأن المانع في صحة الإقرار كونه وارثًا والوراثة إنما تثبت عند الموت فإذا لم يكن من ورثته عند الموت كان هو والأجانب سواء. وأما عكسه: فهو أن لا يكون وارثًا عند الإقرار ثم صار وارثًا عند الموت بأن أقرَّ لأخيه وله ابن ثم مات الابن قبله حتى صار الأخ وارثًا بطل إقراره له عندنا. وقال زفر: إقراره له صحيح وقد ذكرنا أن
(3)
الإقرار موجب الحق بنفسه
(4)
وإنما ينظر إلى حال الإقرار وقد حصل لمن
(5)
ليس بوارث فلا يبطل يصير ورثه وارثًا بعد ذلك، كما لو أقرَّ له في صحته ثم مرض كما لو أقرَّ لأجنبية ثم تزوجها ولنا أنه وارث بسبب كان قائمًا وقت الإقرار. فيتبين أن إقراره حصل لوارثه وذلك باطل وهذا، لأن الحكم مضاف إلى سببه فإذا كان السبب قائمًا وقت الإقرار تتبين صفة الوراثة
(6)
للمقر له من ذلك الوقت، بخلاف الأجنبية إذا
(7)
تزوجها؛ لأنها صارت وارثة بسبب حادث بعد الإقرار والحكم لا يسبق سببه. فلا يتبين أن الإقرار حين حصل كان للوارث
(1)
في (أ): فيولد.
(2)
في (ب): فصار.
(3)
في (ب): (ذكرناه لأن).
(4)
في (ب): لنفسه.
(5)
في (أ): لك.
(6)
في (ب): الواراية.
(7)
تكررت في (ب).
وبخلاف ما لو أقرَّ في الصحة ثم مرض، لأن المرض حادث بعد الإقرار فالحجر بسببه لا يستند إلى وقت الإقرار. وأما الوجه الخامس: فهو أن يكون وارثًا في الوقتين أعني: وقت الإقرار، ووقت الموت لا فيما بينهما بأن أقرَّ لامرأته ثم أبانها وانقضت عدتها ثم تزوجها ثم مات أو كان والى رجلًا فأقرَّ له بعد ما مرض ثم فسخ الولاء، ثم عقدا ثانيًا ثم مات من مرضه فالإقرار باطل في قول أبي يوسف وجائز في قول محمد، وجه قول محمد رحمه الله وهو القياس هو أنه إنما ورث بسبب حادث بعد الإقرار فلا يؤثر ذلك في إبطال الإقرار كما لو أقرَّ لها بعد انقضاء العدة ثم تزوجها ثانيًا؛ لأن العقد الثاني متجدد وهو غير الأول فلا أثر له في إبطال الإقرار وهو قياس ما إذا أقرَّ له في مرضه ثم صح ثم مرض ثم
(1)
مات ووجه قول أبي يوسف رحمه الله وهو الاستحسان الإقرار حصل للوارث وتثبت له هذه الصفة عند الموت وكان الإقرار باطلًا كما لو لم يطلقها ولم يفسخا عقد الولاء، وهذا لأن الإقرار للوارث إنما لا يصح لتكمن تهمة الإيثار فإذا كان سبب الوراثة موجودًا وقت الإقرار كانت هذه التهمة متمكنة والعقد المتجدد قائم مقام
(2)
الأول في تقرير صفة الوراثة عند الموت فيجعل كأن الأول قائم بحاله بخلاف ما إذا تقدمت صفة الوراثة عند الإقرار، لأن تهمة الإقرار غير متقررة ثم فصح الإقرار مطلقًا كذا في المبسوط
(3)
والذخيرة. والله أعلم.
(1)
في (ب): و.
(2)
في (أ): مقامه.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 18/ 33.
فصل
(1)
أقر بغلام يولد مثله لمثله وليس له نسب معروف أنه ابنه
قدم الإقرار بالمال لكثرة وجوده على الإقرار بالنسب لقلته.
(وصَدَّقه الغلام): أي: فيما إذا كان (الغلام يعبر عن نفسه). وأما إذا كان لا يعبر فيثبت نسبه وإن لم يصدقه لما مر في كتاب الدعوى وحاصله: أن من أقرَّ بالولد فيشترط لصحته ثلاث شرائط - أن يكون المقر له يولد لمثله - وأن لا يكون المقر له ثابت النسب من الغير - وأن يصدق المقر له المقِر في إقراره إذا كان له عبارة صحيحة، وكذلك تشترط
(2)
هذه الشرائط الثلاث في صحة الإقرار بالوالد خلا أن لا يكون المقر ثابت النسب من الغير فكان المقر له بتلك الصفة هناك ويذكر شرائط الإقرار بالمرأة والمولى.
(لأن النسب مما يلزمله (
(3)
. (بخلاف الصغير على ما مرّ من قبل): أي: في باب دعوى النسب من كتاب الدعوى في قوله: وإن كان الصبي في أيديهما فإن المراد منه إذا كان صبيًّا لا يعبر عن نفسه أما إذا عبَّر فالتعيين إليه.
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
في (أ) و (ب): يشترط. والصواب، ما أثبته. لمناسبة السياق.
(3)
في (أ): لا يلزمه.»: أي: ليس فيه حمل النسب على الغير بل هو حق يلزمه خاصة فيقبل إقراره فيه كذا في شرح الأقطع كتاب شرح الأَقْطَع لأحمد بن محمد بن محمد، أبو نصر البغدادي المعروف بالأقطع فقيه حنفي، من تلاميذ القدوري. شرح فيه مختصر القدوري في مجلدين، برع في الفقه والحساب. توفي 474 هـ. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 119، معجم المؤلفين 2/ 148، تاج التراجم ص:104.
الإقرار بالوالدين
(ويجوز إقرار الرجل بالوالدين) إلى آخره. اعلم أن هذا الذي ذكره هنا من صحة إقرار المقر بالأم حيث قال: بالوالدين موافق لرواية تحفة الفقهاء ورواية شرح الفرائض للإمام سراج الدين
(1)
المصنف
(2)
رحمه الله ومخالف لعامة النسخ من المبسوط والإيضاح والجامع الصغير للإمام المحبوبي وغيرها
(3)
والله أعلم بالصحة
(4)
. وذكر في التحفة
(5)
أما الإقرار بالوارث من المريض أو من الصحيح نوعان: في حق النسب وفي حق الميراث أما في النمسب: فمن الرجل يصح لخمسة نفر بالوالدين وبالولد وبالزوجة وبالولاء، ومن المرأة تصح بأربعة نفر بالوالدين وبالزوج وبالولاء دون الولد؛ (لأن فيه تحميل النسب على الغير) وذكر في المبسوط
(6)
أن إقرار الرجل يصح بأربعة نفر: بالأب والابن والمرأة ومولى العتاقة وإقرار المرأة يصح بثلاثة نفر: بالأب والزوج ومولى العتاقة ولا يصح إقرارها بالولد، والأصل فيه أن إقرار الرجل على نفسه حجة وعلى غيره ليس بحجة فالرجل في الإقرار بالأب يلزم نفسه الانتساب إليه لأنه يجب على الولد أن ينتسب إلى أبيه شرعًا. قال عليه السلام:"من انتسب إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا"
(7)
وكذلك إذا أقرَّ بمولى
(1)
هو: محمد بن محمد بن عبد الرشيد بن طيفور، سراج الدين أبو طاهر السجاوندي: رياضي حنفي فرضي توفي نحو 600 هـ. له: السراجية نسبة إلى كنيته سراج الدين في الفرائض والمواريث، وشرح السراجية والوقف والابتداء.
يُنْظَر ترجمته: الجواهر المضيَّة 2/ 119، معجم المؤلفين: 11/ 233.
(2)
في (أ): المص.
(3)
يُنْظَر هذه المسألة في: العناية شرح البداية 8/ 395.
(4)
في (ب): بصحته.
(5)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء 3/ 202.
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 17/ 118.
(7)
أخرجه أبو داود (4/ 330)، كتاب الأدب: باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه، ح:(5115)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وابن ماجة (2/ 870)، كتاب الحدود: باب من ادعى إلى أبيه أو تولى غير مواليه، ح:(2609)، من حديث ابن عباس. وفي إسناد ابن ماجة ابن أبي الضيق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم. قال البوصيري في مصباح الزجاجة 2/ 325، هذا إسناد فيه مقال، ابن أبي الضيق اسمه: محمد بن أبي الضيق، لم أر من جرحه، ولا من وثقه، وباقي رجاله الإسناد على شرط مسلم. وفي الباب أحاديث أخرى يُنْظَر: التلخيص الحبير ط العلمية (3/ 495). وبلفظ آخر في الصحيحين: البخاري (8/ 156)، كتاب الفرائض: باب من ادعي إلى غير أبيه، حديث (6766)، ومسلم (1/ 80)، كتاب الإيمان: باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه، حديث (114 - 63)، من حديث سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ادعى أبا في الإسلام إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام".
العتاقة فإنما أقرَّ على نفسه لوجوب الانتساب إلى المولى
(1)
وكذلك إذا أقرَّ بالمرأة فإنه يقر لها على نفسه بحقوق النكاح، وكذلك إذا أقرَّ بابن فإنما يقر على نفسه؛ لأن الأب يحمل نسب الولد على نفسه وكذلك إذا أقرَّ بولاء العتاقة الأسفل؛ لأن الولاء بمنزلة النسب. فإذا كان يحمل على نفسه كان مقبول القول في ذلك إذا صدق
(2)
صاحبه في جميع هذه الفصول إلا في الولد إذا كان صغيرًا في يده أو كان مملوكًا له لا يحتاج إلى التصديق وكذلك المرأة في حق الثلاثة؛ لأن الأنوثة لا تمنع صحة إقرارها على نفسها وسواء كان هذا الإقرار في صحة أو مرض؛ لأن حالة المرض إنما تخالف حالة الصحة باعتبار تعلق حق الغرماء والورثة بالتركة فما لا يتعلق به حق الغرماء والورثة كان الإقرار به في الصحة والمرض سواء والنسب والنكاح والولاء لا يتعلق به حق الغرماء والورثة، فإن قلت: لأي معنى يثبت نسب الولد من الأب دون الأم مع أن الولد ولد منهما؟ وما فائدة ثبوت نسبه من الأب دون الأم؟ وما فائدة ثبوت النسب من الرجل في الأربعة أو الخمسة المذكورة دون من سواهم؟ مع أن الرجل إذا أقرَّ بالأخ بعد موت أبيه يعامل به ما يعامل من ثبت نسبه حتى شاركه في تركة ابنه على ما ذكر في الكتاب وكذلك تجب عليه
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): صدقه.
نفقة الأخ المقر له حال حياته، ذكره في المحيط والذخيرة
(1)
قلت: أما الأول: فإنما نسب الولد إلى الأب دون الأم لقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب من:5]، وقوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة من:233] حيث أضاف الولد إلى الأب بلام التمليك ولذلك اختص الأب بالنسب وعليه انعقد الإجماع، حيث أجمعوا على صحة خلافة أولاد الخلفاء من الإماء. علم بهذا أن الولد منسوب إلى الأب لا إلى الأم وبه قال الشاعر:(وإنما أمهات الناس أوعية)
(2)
وأما اختصاص فائدة ثبوت النسب
(3)
من الأب هي صحة إقرار الأب بالابن ووجوب نفقة الولد على الأب على وجه الاختصاص حتى لا يشاركه فيها أحد كما لا يشاركه أحد في نسبه. وأما فائدة ثبوت النسب في حق هذه الأربعة أو الخمسة هي ثبوته على طريق العموم لا على طريق الخصوص أي: أن حقوق المقر له كما تلزم على المقر كذلك تلزم على غير المقر تقديرًا لصحة إقراره حتى أنه إذا أقرَّ بالابن مثلًا فالابن المقر له يرث من المقر مع سائر ورثته وإن جحد سائر الورثة ذلك ويرث من أب المقر وهو جد المقر له وإن كان الجد يجحد بنوَّته لابنه، وأما فيما سوى الأربعة لما لم يصح إقرار المقر به ظهر أثره في موضعين: أحدهما: عدم اعتبار إقراره فيما يلزم غيره من الحقوق حتى أن من أقرَّ بأخ وله ورثة سواه يجحدون أخوته فمات المقر لا يرث الأخ مع سائر ورثته ولا يرث من أب المقر وأمه بخلاف من صح إقراره في حقه على ما ذكرنا، والثاني: صحة رجوع المقر عما أقرَّ في حق من سوى الأربعة وعدم صحته في حق الأربعة فإن من أقرَّ في مرضه بأخ وصدقه المقر له ثم رجع عما أقرَّ يصح حتى أنه لو أوصى بماله كله لإنسان بعد الإقرار بأخ كان ماله كله للموصى له؛ لأن النسب لما لم يثبت كان إقراره
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني 8/ 169.
(2)
وَإِنَّما أُمَّهاتُ الناسِ أَوعِيَةٌ
…
مُستَودِعاتٌ وَلِلأَحسابِ آباءُ، لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. يُنْظَر: صيد الأفكار 1/ 79.
(3)
في (ب): نسبه.
بالأخ وقع باطلًا فصح رجوعه عما أقرَّ ولكن عند عدم المزاحم. وأما أخذ الأخ المقر له تركته لا باعتبار صحة الإقرار بالنسب بل صار ذلك بمنزلة الموصى له بجميع المال أو باعتبار أن إقراره حجة في حق نفسه لا في حق غيره. ولذلك قلنا باستحقاق المقر له النفقة على المقر حال حياته إلى هذا أشار في الذخيرة
(1)
والجامع الصغير للإمام المحبوبي، ثم الإقرار بالمرأة يصح إذا صدقته المرأة، وإذا
(2)
كانت خالية عن الزوج وعِدّتُه وأن لا يكون تحت المقر أختها ولا أربع سواها. والإقرار بالمولى يصح أراد بالمولى مولى العتاقة سواء أراد بالمولى المعتِق على صيغة اسم فاعل أو المعتَق على صيغة اسم المفعول فإن الإقرار بكل واحد منهما صحيح. هذا أيضًا إنما يصح إذا صدقه المقر له وأن لا يكون ولاؤه ثابتًا من الغير؛ لأن الولاء بمنزلة النسب، وثبوت النسب من الغير يمنع صحة الإقرار بالنسب، فكذلك في الولاء إلى هذا أشار في الذخيرة
(3)
. وذكرنا في إقرار المرأة تفصيلًا في كتاب الدعوى أي: في إقرار المرأة بالولد تفصيلًا وهو أن إقرارها بالولد إنما لا يصح إذاكانت المرأة ذات زوج. وأما إذا لم تكن منكوحة ولا معتدة قالوا يثبت النسب منها بقولها؛ لأن فيه إلزامًا على نفسها دون غيرها. وتفصيل آخر هو أن شهادة القابلة إنما يشترط إذا ادعت المرأة نسب الولد من زوجها وزوجها ينكر. وأما إذا زعمت أنه ابنها منه وصدقها فهو ابنهما
(4)
وإن لم تشهد قابلة بذلك، وكذا تصديق الزوجة أي: لو أقرَّ الرجل بأن هذه المرأة زوجته ثم مات فصدقته المرأة بعد موته جاز تصديقها بالاتفاق؛ لأن حكم النكاح باق وهو العدة؛ لأن العدة واجبة بعد الموت فإنها أثر من آثار النكاح، ألا ترى أنها تغسله بعد
(1)
يُنْظَر: بدائع الصنائع 7/ 229.
(2)
في (أ): إذا.
(3)
يُنْظَر: قرة عين الأخيار 8/ 307.
(4)
في (أ): ابنها.
الموت لقيام النكاح ولم يكن له أن يغسلها بعد موتها فلذلك جاز تصديقها لبقاء النكاح من وجه، وأما في عكسه بأن أقرت المرأة بالزوج فصدقها الرجل بعد موتها فلم يصح في قول أبي حنيفة
(1)
رحمه الله
(2)
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله التصديق جائز، لأن النكاح ينتهي بالموت ولا يبطل كالنسب على السواء، والمنتهي متقرر في نفسه فيصح التصديق؛ وهذا لأن التصديق قد وجد والإقرار قائم؛ لأن التكذيب من المقر له لم يوجد والمقر به وهو النكاح يبقى بعد موتها في حق الميراث لو ثبت النكاح معاينة وكذا
(3)
إذا ثبت بإقرارها يبقى بعد موتها في حق الميراث. أيضًا فهو معنى قولنا: أن التصديق قد وجد والمقر به قائم فكان الإقرار قائمًا فيعمل تصديقه وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يصح، لأن النكاح انقطع بالموت. وأما الإرث فحكم يثبت بعد الموت والنكاح إنما ينتهي في حق حكم كان قبل الموت. فأما في المستقبل فالنكاح معدوم فمتى صححنا الإقرار صححنا لإثبات الإرث ابتداء فيكون التصديق واقعًا في شيء هو للحال معدوم من كل وجه وهو النكاح وهذا لا يجوز فإن قيل إذا أقرَّ رجل لرجل بعبد فمات العبد وترك كسبًا اكتسبه بعد الإقرار ثم صدقه المقر له استحق الكسب والإرث. وفي مسألتنا كذلك قلنا: أن الكسب يقع ملكًا من الابتداء لمالك الرقبة، لأنه في حكم المنفعة؛ ومن ملك رقبة ملك منافعها حكمًا لها فيصير الإقرار بالعبد إقرارًا بأن الكسب للمقر له فيصير قيامه بمنزلة قيام العبد فأما الإرث فإنما يثبت بعد موت المرأة على سبيل الخلافة عنها بسبب
(1)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 27.
(2)
في (ب): رضي الله عنه.
(3)
في (ب): فكذا.
الزوجية لا بحكم الإقرار فالمستحق عليها بالنكاح يفوت بموتها فبقي تصديقه بعد ذلك دعوى
إرث مبتدأ كذا في الأسرار والإيضاح
(1)
وغيرهما.
الإقرار بالنسب من غير الوالدين
(ومن أقرَّ بنسب من غير الوالدين): إلى قوله: (لا يقبل إقراره): وذكر في التحفة
(2)
لا بد فيه من البينة.
وقوله: (فإن كان له وارث معروف) بالفاء بعد قوله: (لا يقبل إقراره بالنسب): وقع في حجره؛ لأن هذا
(3)
نتيجة ذلك فصورة ذلك أن الرجل إذا أقرَّ في مرضه بأخ له من أبيه وأمه أو بابن ابن له ثم مات وله عمة أو خالة أو مولى موالاة فالميراث للعمة أو الخالة أو المولى فلا شيء للمقر له؛ لأن النسب لا يثبت بإقراره فلا يستحق المقر له مع وارث معروف ولو لم يكن له وارث من القرابة وغيرها كان ماله لهذا المقر له لأنه
(4)
أقرَّ له بشيئين بالنمسب وباستحقاق ماله بعده وهو في النسب مقر على غيره وفي استحقاق المال إنما يقر على نفسه فيعتبر إقراره في ذلك؛ لأنه غير متهم في ذلك الإقرار فيما يرجع إلى المال؛ لأنه يملك إيجابه له بطريق الوصية ابتداءً فلهذا يعتبر إقراره باستحقاق المال، كذا في المبسوط
(5)
.
(وللآخر خمسون): يعني كان لأخيه أن يأخذ الخمسين من الغريم بعد ما يحلف بالله ما يعلم أن أباه
(6)
قبض منه
(1)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 28.
(2)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء 3/ 202.
(3)
في (أ): هذه.
(4)
في (أ): لأمه.
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 29/ 18.
(6)
في (أ) و (ب): (تعلم أن أباك). والصواب ما أثبته. وهو موافق لما جاء في فتح القدير 8/ 401: " (قال)، أي: محمد رحمه الله في الجامع الصغير: (ومن مات وترك ابنين، وله)، أي: وللميت (على آخر مائة درهم، فأقر أحدهما)، أي: أحد الابنين (أن أباه قبض منها)، أي: من المائة (خمسين) درهما (لا شيء للمقر)، أي: لا شيء من المائة للابن المقر. (وللآخر)، أي: وللابن الآخر (خمسون) منها، يعني: كان للابن الآخر أن يأخذ الخمسين من الغريم بعد أن يحلف بالله ما يعلم أن أباه قبض منه المائة".
الخمسين
(1)
. ثم الأخ
(2)
الساكت إنما يأخذ الخمسين من الغريم لأن إقرار الأخ المقر إنما رجع إلى نصيب نفسه خاصة تصحيحًا لكلامه. كالعبد بين اثنين باع أحدهما نصيبه
(3)
، وكذا لو أوصى بنصف الدار لثالث ينصرف إلى كل نصيبه.
وقوله: (فلا شيء لِلمُقرِّ): لأنه لما كان إقراره منصرفًا إلى نصيبه فلا يكون له بعد ذلك منه شيء، أو لأن الإقرار بالقبض كالإقرار بالدين للغريم فإن الديون تقضى بأمثالها، فيجب للمديون على صاحب الدين مثل ما لصاحب الدين عليه ثم يصير قصاصًا، ولما انصرف ما أقرَّ به أحد الابنين على أبيه أي: إلى
(4)
نصيبه خاصة لم يبق له شيء ونصيب الآخر على حاله لإنكاره قبض الأب كذا ذكره الإمام التمرتاشي والمحبوبي
(5)
رحمهما الله فإن قلت لما جعل إقرار المقر ها هنا بمنزلة قبض نصف الدين على ما ذكر في الكتاب بقوله: لأن الاستيفاء إنما يكون بقبض مضمون والمقبوض نصف الدين؛ لأن المقر ها هنا بمنزلة قبض نصف الدين
(6)
؛ لأن أباه قبض خمسين في زعمه من المائة يجب أن يكون المقبوض والباقي مشتركًا بينهما لئلا يلزم قسمة الدين قبل القبض، ألا ترى
(7)
: أن الدين المشترك بين اثنين إذا قبض أحدهما نصيبه أو شيئًا
(1)
في (ب): المائة.
(2)
في (ب): الأخذ.
(3)
على هامش (أ): نصفه.
(4)
أي إلى: ساقطة من (ب).
(5)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 29.
(6)
لأن المقر ها هنا بمنزلة قبض نصف الدين: ساقطة من (ب).
(7)
في (ب): يرى.
منه
(1)
كان المقبوض والباقي مشتركًا بينهما؟ بهذا قلت: هناك كون المقبوض مشترك بينهما لا باعتبار ذلك بل باعتبار أن المقبوض ازداد في مالية نفسه إذ مالية الدين باعتبار عاقبة القبض وهذه الزيادة راجعة إلى أصل الحق فصار كزيادة الثمرة
(2)
والولد على ما يجيء في كتاب الصلح إن شاء الله تعالى وأما ها هنا لم تزدد
(3)
مالية المقبوض بل تلفت ماليته بحيث لم يبق للمقر ولاية مطالبة الغريم بنصيبه فإقرار كل مقر حجة في نفسه لا في حق غيره فلذلك لم يتعد إقراره إلى نصيب أخيه. (فإذا كذَّبه أخوه استغرق الدَّيْنُ نصيبه): أي: استغرق هلاك الدَّين نصيب المقر لا غير، وذلك لأن الإقرار بالاستيفاء
(4)
إقرار بالدَّين على نفسه؛ لأن الديون تقضى بأمثالها. فصح إقراره في حقه لا في حق غيره كما لو أقرَّ على أبيه بدَين صح إقراره في حصته حتى يلزمه قضاء ذلك من حصته خاصة فسقط حصته وبقي حصة الآخر كذا ذكره الإمام قاضي خان كما هو المذهب عندنا أي: خلافًا لابن أبي ليلى أي: هلاك الدين على الغير بسبب الإقرار يختص عندنا بنصيب المقر وعند ابن أبي ليلى يشيع في النصيبين، أصل المسألة
(5)
ما ذكره في باب إقرار الوارث بوارث آخر من إقرار الإيضاح بقوله: قال أبو حنيفة رحمه الله
(6)
إذا أقرَّ أحد الابنين بأخ ثالث وكذبه أخوه المعروف فيه أعطاه المقر نصف ما في يده وقال ابن أبي ليلى:
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (أ): الثمن: بدل الثمرة.
(3)
في (ب): يزدد.
(4)
في (أ): بالاستثناء.
(5)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 400.
(6)
في (ب): رضي الله عنه.
يعطيه ثلث ما في يده؛ لأن المقر أقرَّ له بثلث شائع في النصفين فنفذ إقراره في حصته وبطل ما كان في حصة الأخ فيكون له ثلث ما في يده. ونحن نقول أن في زعم المقر أنه يساويه في الاستحقاق فإن المنكر ظالم واجعل ما في يده كالهالك فيكون الباقي بينهما بالسوية، ولما كان إقرار المقر رجع إلى نصيبه هناك حتى جعل نصيب أخيه المعروف كالهالك جعل ها هنا كذلك بأن جعل (الخمسون) الباقي كالهالك. حتى لو
(1)
لم يشارك المقر أخاه في ذلك ولم يبق للمقر ها هنا شيء، لأن زعمه كذلك بحسب رجوع إقراره إلى ما في يده بخلاف الإقرار بالأخ الثالث حيث لم يقر هناك بكل ما في يده للأخ الثالث بل بالسوية وذلك إنما يكون عند تنصيف ما في يده.
(أنهما تصادقا على كون المقبوض مشتركًا): أي: على كون الخمسين الباقية على الغريم التي يقبضها الأخ المنكر مشتركًا بين الأخ المقر والمنكر، وذلك، لأن جميع الدين كان مشتركًا بينهما فكذلك كل جزء من أجزائه يكون مشتركًا بينهما فما هلك يهلك مشتركًا وما بقي يبقى مشتركًا. لكن الأخ الجاحد لما أنكر الهلاك حتى لم يؤثر الهلاك في نصيبه ولم ينكر الاشتراك فيما بقي بعد الهلاك وهو الخمسون الباقي ينبغي أن يكون ذلك مشتركًا بينهما لكن الجواب هو ما ذكره في الكتاب: بأنا لو قلنا ذلك يفضي ذلك إلى الدور فلا يفيد الشركة فلذلك لم نقل بها. والله أعلم.
(1)
ساقطة من (أ).
كِتَابُ الصّلْحِ
[باب]
قد ذكرنا وجه التناسب في أول الإقرار، ثم لا حاجة لنا إلى بيان محاسن الصلح. إذا هو باسمه ومعناه دال على حسنه الذاتي؛ لأن الصلح اسم للمصالحة والتصالح وهما خلاف المخاصمة والتخاصم. فمن لفظه يشتق الصلاح ضد الفساد؛ والإصلاح ضد الإفساد والصلح الذي بمعنى السلم هي ضد الحرب، كما أن القبح الذاتي في أضداده كان الحسن الذاتي في الصلح وأشباهه إذ بالضد تتبين الأشياء. كم من فساد توجَّه دُفِع ذلك بالصلح واتبع بالفلح والنجح وكثيرًا ما يكون مكان الصلح من أحد المحاسن والمناظم ومن أجل معالي الأمور والمعالم قال الله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات من:9]. ألا يرى إلى ما حكي: أن فتنة وقعت في قبيلة بسبب نميمة غلام فهاجت بينهم فتنة فقتل منهم أربعون ألفًا وامتد التحارب منشبًا للمنازعة
(1)
الظاهرة إلى أن وقع الصلح مطفيًا لهذه النائرة
(2)
؛ ولأن الصلح في المداينات على نوعين: إما على الإقرار وإما على الإنكار ففي كل منهما حسن وصلاح ونصح ونجاح، لأن من طلب الصلح بعد الإقرار بما يدعيه المدعي لا يطلب منه إلا الإمهال إلى اليسار بالإجلال، أو يطلب منه العفو عن الكل أو البعض بوجه الإفصال والفساد في ترك هذا الصلح ظاهر؛ لأنه إذا طالبه بجميع حقه وهو معسر ربما تحمله شدة لزوم المطالبة وخوف الحبس قبل أن يوسر على الإنكار ورفض الإقرار فحينئذ
(3)
يهلك حقه كله قبل أن يصل إليه شيء من حقه قله أو جله. وأما في ترك الصلح على الإنكار: فالفساد من وجهين:
(1)
في (ب): المنازعة.
(2)
النائرة: العداوة والشحناء. يُنْظَر: المغرب (1/ 473)، لسان العرب (5/ 247).
(3)
في (أ): فح. وهي اختصار (فحينئذ).
فإنه إذ أقام المدعي البينة فالمدعى عليه يكذبها فتكبر العداوة وتهيج الفتن بين المدعي والمدعى عليه والشهود والقاضي فإن المدعى عليه يظن بالقاضي الميل والجور بالرشوة وإلى هذا أشار النبي عليه السلام: "ردوا الخصوم كي يصطلحوا"
(1)
فالصلح على الإنكار أظهر حسنًا وصلاحًا من الصلح على الإقرار. وعن هذا حكي عن الشيخ الإمام أبي منصور الماتريدي
(2)
رحمه الله: لم يعمل الشيطان في إيقاع العداوة والبغضاء في بني آدم مثل ما عمل من أبطل الصلح على الإنكار. ثم يحتاج ها هنا إلى بيان الصلح لغة، وشرعًا، وسببه، وركنه، وشرطه، وحكمه، وأنواعه، ودليل جوازه
(3)
. أما اللغة: فقد ذكرنا أنه: اسم للمصالحة التي هي المسالمة. وأما شرعًا: فعبارة عن عقد وضع لرفع المنازعة بالتراضي وأما: سببه فما هو السبب في سائر المعاملات وهو البقاء المقدور بتعاطيه وقد بينا وجهه في أول البيوع. وأما ركنه: فالإيجاب، والقبول، الموضوعان للصلح. وأما شرطه: فأن يكون المصالح عنه مالًا أو حقًّا يجوز الاعتياض عنه كالقصاص بخلاف ما إذا كان حقًّا لا يجوز الاعتياض عنه كحق الشفعة والكفالة بالنفس لا يجوز الصلح عنه وأما قبول الصلح: هل هو شرط؟ ذكر أنه: إذا وقعت
(4)
الدعوى فيما
(1)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 303)، كتاب البيوع، باب هل يطرد القاضي الخصوم حتى يصطلحوا حديث (15304)، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 534)، كتاب البيوع والأقضية، باب في الصلح بين الخصوم، حديث (22896)، من طريق محارب بن دثار، قال: قال عمر: "ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث بين القوم الضغائن".
(2)
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي، من أئمة علماء الكلام، نسبته إلى ما تريد محلة بسمرقند من كتبه: التوحيد وأوهام المعتزلة والرد على القرامطة ومآخذ الشرائع في أصول الفقه، مات بسمرقند سنة 333 هـ يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 130، تاج التراجم (ص: 249).
(3)
في (أ): جواز.
(4)
في (أ) و (ب): (وقع). والصواب، ما أثبته. لمناسبة السياق.
يتعين بالتعيين فقال المدعى عليه للمدعي: صُلح كُنْ أزِين مدّعا يامن يده درم كه بتؤدَهم
(1)
فقال المدعي: فعلت لا يتم الصلح ما لم يقل المدعى عليه قبلت، وكذلك إذا وقع الدعوى فيما لا يتعين بالتعيين نحو الدراهم والدنانير وطلب الصلح على جنس آخر وأما إذا وقع الدعوى في الدراهم والدنانير، وطلب الصلح منه على ذلك الجنس: يتم الصلح بقول المدعي: فعلت، ولا يحتاج فيه إلى قبول المدعى عليه؛ لأن هذا طلب إسقاط بعض الحق والإسقاط يتم بالمسقط بخلاف الأول؛ لأن ذلك طلب البيع من غيره ومن طلب البيع من غيره فقال ذلك الغير: بعت لا يتم البيع ما لم يقل الطالب قبلت، وأما شرطه: على التفصيل فيما ألحق هو بعقد من العقود كالبياعات والإجارات فما هو الشرط المذكور في ذلك العقد؟ شرط في ذلك الصلح الملحق به أيضًا على ما يجيء إن شاء الله تعالى وأما حكم في جانب البدل وهو المصالح عليه وقوع الملك فيه للمدعي سواء كان المدعى عليه مقرًّا أو منكرًا وفي
(2)
جانب المبدل وقوع الملك فيه للمدعى عليه إذا كان مما يحتمل التمليك. كالمال إن كان المدعى عليه مقرًّا به وإن كان مما لا يحتمل التمليك كالقصاص. فحكمه وقوع البراءة للمدعى عليه عن القصاص، وأما إذا كان منكرًا: فحكمه في جانب المبدل وقوع البراءة عن دعوى المدعي سواء كان المبدل شيئًا يحتمل التمليك أو لا يحتمل التمليك وأما أنواعه: بحسب أحوال المدعى عليه فما هو المذكور في الكتاب وهو ثلاثة أنواع. وأما أنواعه بحسب [أحوال]
(3)
المصالح عليه والمصالح عنه: فعلى أربعة أوجه
(4)
: على القسمة العقلية؛ لأنه لا يخلو إما: أن يقع عن معلوم على معلوم بأن يدعي المدعي حقًّا
(1)
ساقط من (ب)، وهو كلام فارسي.
(2)
في (ب): ففي.
(3)
زيادة في (ب).
(4)
في (ب): أنواع.
معلومًا في دار في يدي رجل فصالحه المدعى عليه وأنه جائز، وإما: أن يقع عن مجهول على مجهول وإنه على وجهين: إن كان لا يحتاج فيه إلى التسليم والتسلم بأن ادعى رجل حقًّا في دار في يدي رجل ولم يسمِّه وادعى المدعى عليه في أرض في يدي المدعي ولم يسمه فاصطلحا على أن يترك كل واحد منهما دعواه قبل صاحبه وأنه جائز وأما: إذا كان يحتاج فيه إلى التسليم والتسلم بأن اصطلحا على أن يدفع أحدهما من عند نفسه مالًا ولم يبينه على أن يترك الآخر دعواه أو على أن يسلم إليه ما ادعاه فإنه لا يجوز وإما: أن يقع عن مجهول على معلوم وأنه على وجهين: أيضًا أما
(1)
: إن كان المصالح عنه بحيث يحتاج إلى تسليمه لا يجوز كما إذا
(2)
ادعى حقًّا في دار
(3)
في يدي رجل ولم يسمه فاصطلحا على أن يعطيه المدعي مالًا معلومًا ليسلم
(4)
المدعى عليه للمدعي ما ادعاه وأنه لا يجوز وإن كان المصالح عنه بحيث لا يحتاج إلى تقسيمه بأن اصطلحا في هذه
(5)
الصورة على أن يعطي المدعى عليه مالًا معلومًا للمدعي ليترك المدعي دعواه فهو جائز. وأما أن يقع عن معلوم على مجهول وإنه على وجهين أيضًا: إن كان يحتاج فيه إلى التسليم والتسلم لا يجوز وإن كان لا يحتاج فيه إلى التسليم والتسلم يجوز والأصل في ذلك أن الجهالة لا تفسد العقد لعينها؛ بل لغيرها. وهي المنازعة المانعة من التسليم والتسلم ألا ترى: أنه لو باع قفيزًا من صبرة يجوز البيع مجهولًا إلا أن هذه الجهالة لا تفضي إلى
(6)
المنازعة
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): لو: بدل: إذا.
(3)
في (أ): داره.
(4)
في (أ): لتسلم.
(5)
في (أ): هذا.
(6)
ساقطة من (ب).
المانعة من التسليم والتسلم فيجوز إذا ثبت هذا فنقول: في كل موضع لا يحتاج إلى التسليم والتسلم فالجهالة فيه لا تفضي إلى مثل هذه
(1)
المنازعة، فلا تمنع جواز الصلح وفي كل موضع يحتاج إلى التسليم والتسلم فالجهالة تفضي إلى مثل هذه المنازعة فيمتنع جواز الصلح وأما دليل جوازه: ثابت بالكتاب والسنة أما الكتاب: فقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء من:128] وفي هذا بيان أنه نهاية في الخيرية. وأما السنة: فما روي أن النبي عليه السلام صالح أهل مكة عام الحديبية على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين ودخل رسول الله عليه السلام المسجد فرأى رجلين يتنازعان في ثوب فقال لأحدهما: هل لك إلى الشطر هل لك إلى الثلثين؟ فقد دعاهما إلى الصلح وما كان يدعوهما إلا إلى عقد جائز كذا في المبسوط والذخيرة وغيرهما فإن قلت: لا يصح التمسك بالآية في تعميم الصلح؛ لأن الآية سيقت في الصلح بين الزوجين بدليل سياق الآية: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء من:128]، ثم ذكر الصلح معرفًا بلام العهد بعد ذكره منكرًا وفي مثله كان المذكور الثاني عين الأول كما في قوله تعالى:{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزَّمل من:16]. وهو معروف، قلت: قال: في الأسرار قوله: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء من:128] وأنه كلام مستقل بذاته فلا يربط بسببه ولأن الله تعالى أخرجه مخرج التعليل لما رغب فيه من الصلح المشروع قبله أي: و
(2)
صالحوا؛ لأن الصلح خير، والعلة لا تتقيد بمحل الحكم الذي علل به بل أينما وجد ثبت حكمها وأيد ذلك قوله: عليه السلام "الصلح جائز بين المسلمين"
(3)
أما دعوى العهد: فهو غير مسلم في جميع الصور بل يقع
(1)
مثل هذه: ساقطة من (أ).
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
أخرجه الترمذي (3/ 626)، كتاب الأحكام: باب الصلح بين الناس حديث (1352)، وابن ماجه (2/ 788)، كتاب الأحكام: باب الصلح حديث (2353)، والدارقطني (3/ 27)، كتاب البيوع، حديث (98)، والحاكم (4/ 113)، كتاب الأحكام، ح:(7059)، والبيهقي (6/ 107)، كتاب الصلح: باب صلح المعاوضة، ح:(11352)، من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا، والمسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا" لفظ الترمذي.
وقال الترمذي: "حسن صحيح".
وسكت عنه الحاكم وتعقبه الذهبي فقال: واه.
وكثير بن عبد الله.
قال النسائي: متروك الحديث، وقال الحافظ ابن حجر: ضعيف منهم من نسبه إلى الكذب.
يُنْظَر: الضعفاء والمتركين للنسائي رقم (529)، تقريب التهذيب (2/ 132).
وقد عقب الذهبي في الميزان 3/ 406، على تصحيح الترمذي لهذا الحديث فقال:"وأما الترمذي فروى من حديثهم أي كثير بن عمرو بن عوف: "الصلح جائز بين المسلمين" وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي". اهـ.
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي 4/ 487: "وفي تصحيح الترمذي هذا الحديث نظر، فإن في إسناده كثير بن عبد الله بن عوف وهو ضعيف جدًّا، قال فيه الشافعي، وأبو داود: هو ركن من أركان الكذب، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن حبان: له عن أبيه عن جده نسخة موضموعة، وتركه أحمد، وقد نوقش الترمذي في تصحيح حديثه قال الذهبي: أما الترمذي فروى من حديثه: الصلح جائز بين المسلمين وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه. وقال ابن كثير في إرشاده، وقد نوقش أبو عيسى يعني الترمذي في تصحيحه هذا الحديث وما شاكله".
التخلف في مواضع منها قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة من:48] والكتاب الثاني غير الكتاب الأول فيما
(1)
تغاير بين العرفين
(2)
فأولى أن يتغاير فيما نحن فيه.
(1)
في (ب): فلما.
(2)
في (ب): المعرّفين.
أنواع الصلح
قوله رحمه الله
(1)
: (الصلح على ثلاثة أضرب): فوجه الانحصار ظاهر؛ و
(2)
هو أن المدعى عليه عند دعوى المدعي يجيب لدعواه أو لا يجيب فإن أجاب فلا يخلو
(3)
: إما أن يقر أو لا يقر وهو الإنكار فإن لم يجب وهو السكوت. وإنما لم يتنوع السكوت؛ لأن السكوت عبارة عن عدم الجواب والعدم لا يتنوع، (وهذا لهذه الصفة): أي: الصلح على الإنكار موصوف بصفة أنه (أحل حرامًا وحرم حلالًا)، وذلك لأن المدعي إن كان محقًا كان أخذ المدعى به حلالًا له قبل الصلح حرم عليه بالصلح وإن كان مبطلًا فقد كان أخذ المال على الدعوى الباطلة حرامًا عليه قبل الصلح حل بالصلح، فهو صلح أحل حرامًا أو نقول: وهذا بهذه الصفة؛ لأن المدعى عليه إذا كان منكرًا لم يتوجه عليه بدعوى المدعي حق فبقي بذل المال من المدعى عليه رشوة ودفعًا للخصومة عن نفسه وإذا صار تمليكًا بهذه الجهة لا يقع التمليك من المدعي إلا بهذه الجهة، لأن ما بذل
(4)
حق المدعى عليه وملكه فلا يثبت لغيره ملك إلا بالجهة التي يملكها، وهو قد
(5)
ملَّكه بجهة الرشوة وهي حرام. ولكنا نقول: ليس المراد هذا، لأن الصلح مع الإقرار لا يخلو عن هذا أيضًا؛ لأن الصلح في العادة يقع على بعض الحق؛ فما زاد على المأخوذ إلى تمام الحق كان حلالًا للمدعي أخذه قبل الصلح حرم بالصلح، وكان حرامًا على المدعى عليه منعه قبل الصلح حل بالصلح فعرفنا أن المراد به غير هذا، وأن الصلح الذي حرم حلالًا أن يصالح إحدى زوجتيه على أن لا يطأ الأخرى أو يصالح زوجته على أن لا يطأ
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (أ): فلا يخ.
(4)
في (أ): يدل.
(5)
ساقطة من (أ).
جاريته والذي أحل حرامًا: أن يصالح على خمر أو خنزير وهذا النوع من الصلح باطل عندنا. وحمله
(1)
على هذا أولى؛ لأن الحرام المطلق ما هو حرام بعينه والحلال المطلق ما هو حلال بعينه. وأما قوله: بأن التمليك يقع بالجهة التي
(2)
يملكها قلنا: لا تسلم بل هو في زعم المدعي هو عين حقه فهو حلال له أخذه وأكله وفي حق المدعى عليه دفع المال لدفع الشر عن نفسه حلال أيضًا؛ لأن المال ما خُلِقَ إلا لذلك وعن هذا قال أبو حنيفة رحمه الله
(3)
: إنَّ
(4)
أجوز ما يكون من الصلحِ الصلحُ على الإنكار؛ لأن معنى الصلح على التمام إنما يتحقق فيه وهو قطع المنازعة والخصومة وأما في صورة الإقرار: فلا يؤخذ في
(5)
معنى الصلح على التمام إذا ليس هناك خصومة ومنازعة حتى يحتاج إلى الصلح، بل هو إسقاط بعض الحق عن طوع ورغبة أو صلح على عين أخرى
(6)
وأن يضرب له أجلًا فالأول: يسمى إبراءً لبعض الحق والثاني: تبعًا، والثالث: تأجيلًا لا صلحًا. إلى هذا أشار في المبسوط والإيضاح
(7)
.
(ودفع الرشوة لدفع الظلم أمر جائز): ولا يقال: قوله عليه السلام: "لعن الله الراشي والمرتشي
…
"
(8)
عام فينبغي أن يكون حرامًا في هذا أيضًا؛ لأنا نقول: أن هذا الحديث محمول
(1)
في (ب): جمله.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (ب): رضي الله عنه.
(4)
في (أ): أي.
(5)
في (ب): فلا يوجد.
(6)
في (أ) و (ب): آخر. والصواب ما أثبته. لمناسبة السياق.
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 20/ 143.
(8)
أخرجه الترمذي (3/ 614)، كتاب الأحكام: باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم، رقم (1336)، وأحمد (15/ 8 - 12)، ح:(9023)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وأخرجه أبو داود (3/ 300)، كتاب الأقضية: باب في كراهية الرشوة، رقم (3580)، والترمذي (3/ 615)، كتاب الأحكام: باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم، رقم (1337)، وابن ماجة (2/ 775)، كتاب الإحكام: باب التغليظ في الحيف والرشوة، رقم (2313)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صمحيح.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
على ما إذا كان على صاحب الحق ضرر محض في أمر غير مشروع كما إذا دفع الرشوة حتى أخرج الوالي أحد الورثة عن الإرث وأما دفع الرشوة لدفع الضرر عن نفسه: فجائز للدافع وعن الفقيه أبي الليث عن أبي يوسف رحمهما الله أنه كان يجيز للأوصياء المصانعة في أموال اليتامى وبه يفتى وإليه الإشارة
(1)
في كتاب الله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف من: 17]، جاز التعييب في مال اليتيم مخافة أخذ المتغلب. كذا
(2)
في أحكام
(3)
الصغار
(4)
، وقد ذكرنا تقسيم الرشوة. فإن قلت: فعلى هذا إذا ادعى رجل على رجل ألف درهم وأنكر المدعى عليه ثم تصالحا على دنانير مسماة ثم افترقا قبل القبض ينبغي أن يجوز؛ لأن هذا الصلح في زعم المدعى عليه لدفع الخصومة عن نفسه لا للمعاوضة ومع هذا لا يجوز، قلت: عدم الجواز بناء على زعم المدعي وفي زعم المدعي أنه صرف، لأنه صالحه عن الدراهم على الدنانير وفي الصرف يشترط القبض في المجلس، كذا ذكره في المبسوط
(5)
في باب الصلح
(6)
في الدين دون جهالة المصالح عنه؛ لأنه يسقط فلا يفضي إلى المنازعة كما يقول
(1)
في (ب): إشارةٌ.
(2)
يُنْظَر: مجمع الضمانات (ص: 397).
(3)
في (أ): أحكامه.
(4)
أحكام الصغار: في الفروع لمحمد بن محمود بن حسين، مجد الدين الأسروشني. وقد سمي كتابه هذا:(بجامع الصغار)، لكنه لم يعرف به. يُنْظَر: كشف الظنون (1/ 1)، تاج التراجم 1/ 279.
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 27.
(6)
في (أ): الصحاح.
السفراء بين المتخاصمين: هي دعوى (كه تراست بروي باين مقدار مال صلح كردي)،
(ويشترط القدرة على تسليم البدل) حتى دو صالح على عبد آبق
(1)
لا يصح.
الصلح عن مال بمنافع
(وإن وقع عن مال بمنافع يعتبر بالإجارات): فكل منفعة يجوز استحقاقها بعقد الإجارة يجوز استحقاقها بعقد الصلح وما لا فلا، حتى أنه لو صالح على سكنى بيت بعينه إلى مدة معلومة جاز وإن قال أبدًا أو حتى يموت لا يجوز، وكذلك: إن صالح على أن يزرع أرضًا له بعينها سنين مسماة يجوز ودون بيان المدة لا يجوز كما في الإجارة والاعتبار في العقود لمعانيها كالهبة بشرط العوض بيع، والكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، والحوالة بشرط مطالبة الأصيل كفالة، (ويبطل الصلح بموت أحدهما؛ لأنه إجارة) ويرجع المدعي في دعواه بقدر ما لم يستوف من المنفعة. كذا في الإيضاح
(2)
.
(ويجوز أن يختلف حكم العقد في حقهما كما يختلف حكم الإقالة في حق المتعاقدين): يعني: يجوز أن يختلف حكم المتصرف الواحد بالنسبة إلى الأشخاص المختلفة ألا ترى
(3)
: أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق الثالث، وكذلك الخلع معاوضة من جانب المرأة عين من جانب الزوج، وكذلك الجهة الواحدة في تحري القوم عند اشتباه القبلة قبلة في حق شخص وليست بقبلة في حق شخص وحكم النكاح حل في حق امرأته تحريم مؤبد في أم امرأته وهو كثير النظير. وذكر في المبسوط
(4)
وفي هذا بيان أن المال عوض عن المدعى به في حق من يأخذه وإن كان فداء لقطع الخصومة في حق صاحبه ومثله
(1)
أَبَقَ الْعَبْدُ يَأْبِقُ وَيَأْبُقُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا أَيْ: هَرَبَ. يُنْظَر: مختار الصحاح (ص: 11).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق 7/ 256.
(3)
في (ب): يرى.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 20/ 141.
جائز كمن اشترى عبدًا أقرَّ بحريته فما يعطى من الثمن بدل ملك الرقبة في حق البائع وهو فداء في حق المشتري حتى يعتق العبد فلا يثبت كونه عوضًا في حقه بالشك. مع أن
(1)
حمل السكوت على الإنكار أولى؛ لأنه
(2)
فيه دعوى تفريغ الذمة وهو الأصل.
(لأنه يأخذها على أصل حقه): أي: لأن المدعى عليه يستبقي الدار مملوكة لنفسه كما كانت لا أنه يشتريها والمرء
(3)
مؤاخذ بما في زعمه ولا يلزمه زعم غيره وكان
(4)
معنى قوله
(5)
: يأخذها أي: يبقيها في يده وملكه كما كانت وما يدفعه من المال يدفعه لدفع الخصومة لا أن يكون عوضًا عن الدار إلى هذا أشار في الأوضح
(6)
.
(فتلزمه
(7)
الشفعة بإقراره): أي: بإقرار المدعي (وإن كان المدعى عليه يكذبه) فصار كأنه قال: اشتريتها من المدعى عليه وهو ينكر فتجب الشفعة فيها كذا في شرح الأقطع
(8)
.
(رجع المدعى عليه بحصة ذلك من العوض): أي: من بدل الصلح.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): لأن.
(3)
في (ب): المراد.
(4)
في (ب): فكان.
(5)
ساقطة من (ب).
(6)
كتاب الأوضح: في الفقه وهو على الهداية لأبي بكر بن محمد بن أبي الفتح النيسابوري يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 273، كشف الظنون 1/ 202، تاج التراجم (ص: 334).
(7)
في (أ) و (ب): فيلزمه، وقد أثبتها تبعًا لما جاء في البناية شرح الهداية 10/ 7، العناية شرح الهداية 8/ 410.
(8)
يُنْظَر هذه المسألة في: البناية شرح الهداية 10/ 7.
(رجع المدعي بالخصومة): أي: إلى المستحق؛ لأن المستحق قام مقام المدعى عليه؛ لأن الدار في يد المستحق على زعم أنها ملكه.
(ورد العوض): أي: رد المدعى بدل الصلح الذي أخذه
(1)
من المدعي عليه إلى المدعى عليه؛ لأنه ظهر أنه لم يكن له ولاية أخذ بدل الصلح.
(فيبقى العوض في يده): أي: فيبقى بدل الصلح في يد المدعى.
(غير مشتمل على عرضه): أي: عرض المدعى عليه؛ لأن عرضه بقاء الدار على ملك المدعى عليه من غير خصومة خصم فيها وقد ظهر خصم آخر غير المدعي وهو المستحق، فلذلك يسترد ما دفعه إلى المدعي منه؛ لأنه كان أعطى لتنقطع
(2)
خصومته على ظن أن غيره لا يخاصمه فلما خاصمه غيره فيها بالاستحقاق لم يتم مقصود المدعى عليه فيما أعطى (فيسترده) لذلك فصار كما لو دفع المكفول عنه المال إلى الكفيل ليؤدي إلى رب الدين ثم أدى المكفول عنه قبل أداء الكفيل يسترد المال من الكفيل، وذكر في المبسوط
(3)
: ولو ادعى في دار رجل حقًّا فصالحه على دراهم ودفعها إليه ثم استحقت الدار من يد المدعى عليه كان له أن يرجع بدراهمه؛ لأن الصلح مبني على زعم المدعي؛ وفي زعمه أنه أخذ الدراهم عوضًا عن الدار فإذا استحقت كان عليه رد المقبوض من البدل كالمبيع إذا استحق وإن جعلناه مبنيًا على زعم المدعى عليه ففي زعمه أنه أعطى المال بغير حق وأن له حق الاسترداد.
وقوله: فيما قبله (لأن المدعى عليه ما بذل العوض إلا ليدفع خصومته عن نفسه) إلى آخره فإن قلت: يشكل على هذا التعليل ما إذا ادعى رجل دارًا وأنكر المدعى عليه ودفع
(1)
في (ب): أخذ.
(2)
في (أ) و (ب): لينقطع والصواب ما أثبته.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 20/ 149.
المدعي شيئًا إلى ذي اليد بطريق الصلح وأخذ الدراهم منه ثم استحقت الدار فإن المدعي لا يرجع بما دفع على المدعى عليه مع أن المدعي إنما دفع إلى المدعى عليه شيئًا لقطع
(1)
خصومته. (فإذا ظهر الاستحقاق تبين أنه لا خصومة له) فينبغي أن يسترد ما دفعه إليه كما لو دفعه المدعى عليه إلى المدعي؛ لأجل ذلك المعنى والمسألة في الفصل السابع من الفصول الأُسْتُروشَنِيَّة قلت: الفرق بينهما من وجهين: أحدهما: أن صحة الصلح مبنية على زعم المدعي ففي مسألة الكتاب وهي: ما إذا دفع المدعى عليه شيئًا إلى المدعي واستبقى الدار لنفسه فالمدعي يقول: إني بائع الدار بهذه الدراهم فإذا استحقت كان للمدعى عليه أن يرجع كما للمشتري ذلك، وأما في تلك المسألة: ففي زعم المدعي أن ما دفعته
(2)
ليس بواجب علي؛ لأني أخذت ملكي فكان متبرعًا فيما أعطى فلا رجوع للمتبرع بسبب الاستحقاق، والثاني: وهو الأوجه هو: أن المدعى عليه مضطر في مسألة الكتاب في دفع ما دفع بقطع الخصومة، لأنه دفعه ضرورة والثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة فلما لم تنقطع
(3)
الخصومة بظهور الاستحقاق زالت الضرورة فرجع المدعى عليه إلى أصل ماله وأما في تلك المسألة: فالمدعي ليس بمضطر فيما أعطى؛ لأن المدعي في دعواه على خيرة فلما دفع باختياره لم يظهر عدم الاختيار عند ظهور الاستحقاق فلا يسترد ما أعطى.
(وإن استحق بعض ذلك): أي: المصالح عنه وهو بعض
(4)
الدار التي في يد المدعى عليه.
(1)
في (أ): يقطع.
(2)
في (أ): دفعت.
(3)
في (أ) و (ب): ينقطع والصواب ما أثبته.
(4)
ساقطة من (ب).
(ردّ حصته): أي: رد المدعي من بدل الصلح ما يقابل حصة ما استحق من الدار إلى المدعى عليه (ورجع بالخصومة) أي: رجع المدعي بخصومته على المستحق؛ لأن المستحق قام مقام المدعى عليه لما أن بعض الدار التي استحقها
(1)
في يد المستحق ولم يسلم المدعى بعض ما أخذ من بدل الصلح، فلذلك يرجع بخصومته على المستحق فيه أي: وفي أصل الدعوى.
(لأنه خلا العوض في هذا القدر من العوض) أي: لأن الأمر والشأن أن بدل الصلح الذي أخذه المدعي في حق ذلك القدر الذي أخذه المستحق من المدعى عليه خلا عن عوض المدعى عليه؛ لأن المدعى عليه إنما دفع مجموع ذلك العوض ليسلم له المصالح عنه بجميع أجزائه ولم يسلم بعض المصالح عنه فلذلك يسترد ما يقابله من العوض من المدعي وهو بعض بدل الصلح.
(ولو استحق المصالح عليه): أي: بدل الصلح، (رجع بكل المصالح عنه): أي: رجع المدعى عليه بكل المصالح عنه وهو الدار؛ لأن المدعي إنما ترك ما ادعاه على المدعى عليه ليسلم له بدل الصلح ولم يسلم فيرجع بمبدله كما في البيع.
الصلح عن إنكار أو سكوت
(وإن كان الصلح عن إنكار أو سكوت رجع إلى الدعوى): أي: رجح المدعي إلى دعواه السابقة مع المدعى عليه، لأنه إنما كان ترك دعواه ليسلم له بدل الصلح. فلما لم يسلم بدل ترك الدعوى وهو بدل الصلح يرجع المدعي بذدك إلى (المبدل وهو الدعوى وهذا بخلاف ما إذا باع منه) أي: باع المدعى عليه من المدعي (مع إنكاره شيئًا) معينًا أي: أجرى لفظ البيع في مقام الصلح صورته إذا ادعى رجل على آخر دارًا مثلًا وأنكر المدعى عليه ثم صالح عن هذه الدعوى على عبد فقال: بعت منك هذا العبد بهذه الدار ثم استحق العبد
(1)
في (أ): استحقه.
(حيث يرجع) المدعي على المدعى عليه (بالمدعى) به لا بالدعوى وهو الدار ويأخذ الدار لا بالدعوى
(1)
.
(لأن الإقدام على البيع إقرار منه): أي: من المدعى عليه بأن المدعي محق في دعواه والحكم في البيع كذلك. (في الاستحقاق في
(2)
الفصلين): أي: في فصل الإقرار وفصل الإنكار. (على ما قدمناه في البيوع): أي: في آخر باب الاستحقاق من كتاب البيوع وذكرنا هناك فائدة المسألة
(3)
من وجهين.
الصلح على دعوى الدار
(ولو ادعى دارًا فصالح على قطعة منها لم يصح الصلح): هذا الذي ذكره جواب غير ظاهر الرواية فيما ذكره في الذخيرة
(4)
وأما: في ظاهر الرواية فإنه يصح فقال: رجل ادعى دارًا في يدي رجل واصطلحا على بيت معلوم من الدار فهذا على وجهين: إن وقع الصلح على بيت معلوم من دار أخرى للمدعى عليه فهو جائز. وإن وقع الصلح على بيت معلوم من الدار التي وقع فيها الدعوى فذلك الصلح جائز؛ لأن في زعم المدعي أنه أخذ بعض حقه وترك البعض وفي زعم المدعى عليه أنه فدى عن يمينه وإذا جاز هذا الصلح هل يسمع دعوى المدعي بعد ذلك؟ وهل يقبل بينته
(5)
على باقي الدار؟ ففيما إذا وقع الصلح على بيت من دار أخرى لا يسمع دعواه باتفاق الروايات؛ لأن هذه معاوضة باعتبار جانب المدعي فكأنه باع ما ادعى بما أخذه وفيما وقع الصلح على بيت من هذه الدار ذكر الشيخ الإمام نجم
(1)
وهو الدار ويأخذ الدار لا بالدعوى: ساقطة من (ب).
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
يُنْظَر هذه المسألة في: العناية شرح الهداية 8/ 411.
(4)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 10.
(5)
في (ب): بيته.
الدين النسفي
(1)
في شرح الكافي
(2)
: أنه يسمع، وذكر شيخ الإسلام
(3)
رحمه الله
(4)
في شرحه: أنه لا يسمع دعواه، وجه من قال: يسمع أن المدعي بهذا الصلح استوفى بعض حقه وأبرأ عن الباقي إلا أن الإبراء لاقى عينًا والإبراء عن الأعيان باطل. فصار وجوده وعدمه بمنزلة وجه ظاهر الرواية. أن الإبراء لاقى عينًا ودعوى فإن المدعي كان يدَّعي جميع الدار لنفسه والإبراء عن الدعوى صحيح وإن كان الإبراء عن العين لا يصح فإن من قال لغيره: أبرأتك عن دعوى هذا العين صح الإبراء حتى لو ادعاه بعد ذلك لا يسمع، وذكر في المبسوط
(5)
وإذا ادعى في بيت في يد رجل دعوى فصالحه من ذلك على أن يبيت على سطحه سنة فهو جائز؛ لأن في زعم المدعي أنه يستوفي
(6)
تلك المنفعة باعتبار ملكه الأصل ولم يذكر ما إذا صالحه على أن يبيت على سطح بيت آخر بعينه سنة والجواب في ذلك: أنه يجوز أيضًا؛ لأن السطح مسكن كالأرض ولو استأجر أرضًا معلومة من الأرض لينزل فيها مدة معلومة، جاز وكذلك
(7)
السطح؛ وهذا لأنه يتمكن من السكنى عليه بنصب خيمة فيه أو يلحق به ذكر البراءة عن
(1)
هو: عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل، أبو حفص، نجم الدين النسفي عالم بالتفسير والأدب والتاريخ، من فقهاء الحنفية. ولد بنسف وإليها نسبته، وتوفي بسمرقند سنة 537 ص. قيل: له نحو مئة مصنف، منها: الأكمل الأطوال في التفسير، وتاريخ بخارى وطلبة الطلبة. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة في طبقات الحنفية 1/ 394، تاج التراجم (34 - 35).
(2)
بذلت جهدي في البحث عنه ولم أجده.
(3)
هو: علي بن محمد بن إسماعيل، بهاء الدين الأسبيجاني السمرقندي، فقيه حنفي، يُنعت بشيخ الإسلام. من أهل سمرقند. وبها وفاته سنة 535 هـ. له كتب، منها: الفتاوى وشرح مختصر الطحاوي، وكتاب الزاد. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 370، معجم المؤلفين 7/ 183.
(4)
ساقطة من (أ).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 20/ 150.
(6)
في (أ): لمستوفي.
(7)
في (ب): فكذلك.
دعوى الباقي فإن قلت: كيف صورة الإبراء؟ قلت: هي أن يقول: قد برئت هذه الدار أو
(1)
قال: قد برئت من دعواي
(2)
في هذه الدار فهذا جائز حتى لو ادعى بعد ذلك وجاء ببينته لا يقبل أما لو قال: أبرأتك عن هذه الدار أو قال: قد أبرأتك عن خصومتي في هذه الدار فهذا وأمثاله باطل، وله أن يخاصم فيها بعد ذلك وفرق بين قوله: برئت وبين قوله: أبرأتك فإن في قوله: أبرأتك إنما أبرأه من ضمانه لا من الدعوى، وعن هذا قالوا أن عبدًا في يد رجل [لو قال له رجل: برئتُ منه كان بريئًا منه]
(3)
ولو قال: له أبرأتك منه كان له أن يدعيه وإنما أبرأه من ضمانه كذا في الذخيرة
(4)
. والله أعلم.
(1)
في (أ): و.
(2)
في (أ): دعوى.
(3)
ما بين المعكوفتين مكررة في (أ).
(4)
يُنْظَر: البحر الرائق 7/ 261.
فصل: في الصلح عن دعوى المال
فصل: لما ذكر مقدمات الصلح من شرائطه وأنواعه، ذكر في هذا الفصل ما يجوز من الصلح وما لا يجوز.
وقوله: (والمنافع): بالجر أي: وعن دعوى المنافع. (لأنها تملك بعقد الإجارة فكذا بالصلح): يعني: يجوز أخذ العوض عنها في العقود وكذا
(1)
بالصلح كذا في زاد الفقهاء
(2)
وذكر في المغني
(3)
وإذا أوصى الرجل لرجل بخدمة عبده سنة وهو يخرج من ثلث ماله فصالحه الوارث من الخدمة على دراهم جاز، وكذلك لو صالحه على خدمة آخر يجوز أيضًا، وكذلك لو صالحه على ركوب دابة شهرًا أو لبس ثوبًا شهرًا فهو جائز أما الأول: فلقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة من:178] الآية. وذلك بطريق الصلح كذا في المبسوط
(4)
.
وقوله: (أما الأول): أي: الصلح عن جناية العمد
(5)
.
وقوله: (أنها نزلت في الصلح) أي: (عن دم العمد).
وللآية معنيان: أحدهما: وهو قول ابن عباس والحسن والضحاك: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة من:178] أي: فمن أعطي له في سهولة وارتد به ولي القتيل من أخيه أي:
(1)
في (ب): فكذا.
(2)
كتاب زَاد الْفُقَهَاء: لأَبي المعالى بهاء الدَّين مُحَمَّد بن أحْمَد بن يُوسُف الأسبيجابى المرغينانى الحنَفِيّ شرح فيه مُخْتَصر القدورى، لَعَلَّه توفى فِي أواخر الْقرن السَّادِس. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 27، وهدية العارفين 2/ 105. تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 256).
(3)
المغني في أصول الفقه: لعمر بن محمد بن عمر الخبازي الخجنديّ، أبو محمد، جلال الدين فقيه حنفي، من أهل دمشق. جاور بمكة سنة وعاد إليها، توفي سنة 691 هـ. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة في طبقات الحنفية 1/ 398، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 221)، معجم المؤلفين (7/ 315).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 9.
(5)
في (أ): العبد.
من جهة أخيه المقتول شيء أي: شيء من المال بطريق الصلح ونكره؛ لأنه مجهول القدر فإنه يقدر بما تراضيا عليه {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة من:178]. أي: فلولي القتيل اتباع المصالح ببدل الصلح على مجاملة وحسن معاملة {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة من:178]. أي: وعلى المصالح أداءٌ إلى ولي القتيل بإحسان في الأداء
(1)
والثاني: هو ما قاله جماعة وهو مروي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم
(2)
الآية في عفو بعض الأولياء ويدل عليه قوله شيء فإنه يراد به البعض وتقديره: فمن عفي عنه وهو القاتل من أخيه في الدين وهو المقتول شيء من القصاص بأن كان للقتيل أولياء فعفا
(3)
بعضهم فقد صار نصيب الباقين مالًا وهو الدية على حصصهم من الميراث باتباع بالمعروف أي: فليتبع الذين لم يعفوا
(4)
القاتلَ بطلب حصصهم بالمعروف أي: بقدر حقوقهم من غير زيادة وأداء إليه بإحسان أي: وليؤدِّ القاتل إلى غير العافي
(5)
حقه وافيًا غير ناقص كذا في التيسير
(6)
(7)
.
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
في (أ) و (ب): فعفى. والصواب ما أثبته. وهو موافق لما في البناية شرح الهداية 13/ 119.
(4)
في (أ): يعفو.
(5)
في (أ): الباقي.
(6)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 414، البناية شرح الهداية 10/ 11.
(7)
كتاب التيسير في التفسير: لنجم الدين أبي حفص، عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل أبي حفص نجم الدين النسفي، عالمٌ بالأصول والتفسير والأدب والتاريخ، من فقهاء الحنفية، توفي سنة (537 هـ) بسمرقند، وكتابه التفسير مخطوط في مكتبة أحمد الثالث برقم (1756) ويوجد له نسخة على شكل مايكرو فيلم في جامعة الملك عبد العزيز. يُنْظَر: تاج التراجم (ص: 220)، معجم المؤلفين (7/ 305 - 306)، الفوائد البهية (ص 150).
(وهو بمنزلة النكاح): أي: الصلح عن دم العمد بمنزلة النكاح وقال في المبسوط
(1)
: ثم كل ما يصلح أن يكون صداقًا في النكاح يصلح أن يكون عوضًا في الصلح عن القصاص؛ لأنه مال يستحق عوضًا عن ما
(2)
ليس بمال بالعقد وعلى هذا يحوز التصرف في بدل الصلح قبل القبض وإن كان عينًا كما يجوز التصرف في الصداق؛ لأنه لم يبق في الملك المطلق للتصرف غرر حتى لا يبطل بالهلاك ولكن تجب قيمته، وكذلك لو استحق العبد كان على القاتل قيمته، لأن بالاستحقاق لا يبطل الصلح ولكن بقدر استيفاء العبد مع قيام السبب الموجب له فتجب قيمته كما في الصداق؛ وهذا لأن الصلح عن القود لا يحتمل الفسخ بالتراضي. كالنكاح بخلاف الصلح عن المال وعن هذا قالوا: لو صالحه في دم عمد على سكنى دار أو خدمة عبد سنة جاز؛ لأن المنفعة المعلومة يجوز استحقاقها عوضًا في الصلح عن المال. ففي الصلح عما ليس بمال أولى. ولما بينا أن العوض ها هنا بمنزلة الصداق في النكاح والسكنى والخدمة إذا كانت معلومة ببيان المدة يصلح صداقا وإن كان صالحه عليه أبدًا أي
(3)
: على ما في بطن أمته أو على غلة نخله سنين معلومة أبدًا لم يجز؛ لأن هذا كله لا يثبت صداقًا بالتسمية في النكاح وكذلك لا يستحق عوضًا عن دم العمد في الصلح، وهذا بخلاف الخلع فإنها لو اختلعت نفسها على ما في بطن أمتها صحت التسمية؛ لأن المرأة بالخلع لا تستحق شيئًا هو متقوم؛ ولكن يبطل ملك الزوج عنها والبضع عند خروجه من ملك الزوج غير متقوم وكان التزامها البدل بمنزلة الالتزام بالوصية والإقرار وذلك صحيح، مضافًا إلى ما في البطن ولهذا: لو اختلعت بمال في مرضها اعتبر من ثلثها كالوصية أما في الصلح عن القود: فالقاتل يستفيد العصمة
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 11.
(2)
في (ب): عما.
(3)
في (ب): أو.
والتقوم في نفسه ولهذا لو صالح في مرضه على قدر الدية اعتبر من جميع ماله وكان المال عوضًا عما هو متقوم في حق من التزمه والجنين لا يصلح عوضًا في مثله.
وقوله: (حتى أن ما صلح مسمى فيه صلح ها هنا): لا على العكس أي: لا يمكن أن يقال أن كل ما يصلح بدل القصاص صلح مسمى للنكاح فإن عفو القصاص يصلح بدلًا للقصاص ولا يصلح مسمى فإنه ذكر في المبسوط
(1)
: ولو صالحه على أن عفا عن هذا الدم على أن عفا الآخر عن قصاصٍ له قِبل رجلٍ آخر كان جائزًا، وعفو القصاص لا يصلح مسمى فإن قلت: ما وجه الفرق بينهما؟ قلت: ففي القصاص أن كل واحد منهما أسقط حقه عن ما
(2)
له من القود كل واحد منهما متقوم صالح للاعتياض عنه حتى صلح المال عوضًا عن قصاص
(3)
ويجوز
(4)
أن يجعل أحدهما عوضًا عن الآخر لكونه متقوم بخلاف النكاح. حيث لا يصلح القصاص أن يكون صداقًا، لأن الشرط في الصداق أن يكون مالًا، قال الله تعالى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء من:24] والقصاص ليس بمال وفي القصاص الشرط أن يكون ما يستحق بالصلح متقومًا وذلك موجود في القصاص على ما قررنا، وكذلك لو صالح عن القود على أقل من عشرة دراهم يجوز. وإن كان ما دون العشرة لا يستحق صداقًا، كذا في المبسوط
(5)
.
(إلا عند فساد التسمية): كما إذا صالح على دابة أو ثوب غير معينين.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 13.
(2)
في (ب): عما.
(3)
في (ب): للقصاص: بدل: عن قصاص.
(4)
في (ب): فيجوز.
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 13.
(هنا): أي: في الصلح عن جناية العمد أي: على القاتل الدية في ماله عند فساد التسمية؛ لأن فساد التسمية لا يمنع سقوط القود كما أن فساد التسمية لا يمنع صحة النكاح وإذا سقط القود وجبت الدية؛ لأن المولى ما رضي بسقوط حقه مجانًا وقد صار مغرورًا من جهة القاتل بما سمى
(1)
له فيرجع عليه ببدل ما سلم له وبدل النفس الدية. وإنما تجب في مال القاتل؛ لأن بدل الصلح لا يجب على العاقلة؛ لأنه وجب بعقده فكان عليه خاصة كذا في المبسوط والإيضاح
(2)
.
(لأنه لا يجب بمطلق العفو): أي: لأن المال لا يجب بمطلق العفو معنى
(3)
لما لم يسم مالًا متقومًا في الصلح عن دم العمد صار ذكر الخمر والسكوت عنه سواء فبقي مطلق العفو عن القصاص وفي مطلق العفو عن القصاص (لا يجب شيء). وكذا
(4)
في ذكر الخمر في الصلح.
(وفي النكاح يجب مهر المثل في الفصلين): أي: في فصل فساد تسمية الصداق كما إذا تزوجها على ثوب غير معين وفي فصل ما إذا تزوجها على خمر وحاصله أن الصلح عن دم العمد يشبه النكاح في بعض الأحكام، وهو أن الصلح عن دم العمد على ما في البطن لا يجوز كما أن تسمية الصداق به
(5)
في النكاح لا تجوز كما أن اعتبار الصلح عن دم العمد من جميع المال وكذلك الصداق يعتبر من جميع المال بخلاف الخلع في هذين الحكمين على ما ذكرنا.
(1)
في (ب): يسمي.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 13، البناية شرح الهداية 11/ 10.
(3)
في (ب): يعنى.
(4)
في (ب): فكذا.
(5)
ساقطة من (أ).
ويشبه الخلع في بعض الأحكام. وهو فيما إذا صالح عن
(1)
دم العمد أو قطع يد رجل عمدًا على خمر أو خنزير أو حر وهو يعرفه كان عفوًا فلا يجب على القاتل شيء كما في الخلع يقع الطلاق ولا يجب على المرأة شيء. بخلاف النكاح فإنه لو تزوجها على خمر أو خنزير كان لها مهر مثلها. والوجه في ذلك كله هو أن استحقاق مهر المثل هناك باعتبار صحة النكاح لا باعتبار تسمية العوض حتى لو لم يسم شيئًا وجب مهر المثل وفي الخلع والصلح عن دم العمد استحقاق البدل باعتبار تسمية العوض حتى لو لم يسم شيئًا كان العفو مجانًا وعلى هذا التحقيق يتبين أنه لا فرق فإنا نجعل تسمية الخمر والخنزير وجودها كعدمها في المواضع كلها؛ وهذا لأنه يتملك الزوج بالنكاح ما هو متقوم مصون عن الابتدال فلا يتملكه إلا بعوض إظهارًا لخطره. وها هنا من له القود يسقط القود ولا يملك القاتل شيئًا وإسقاط القود غير مصون عن البدل، فلهذا لا يجب المال إلا باعتبار تسمية عوض هو مال متقوم إلى هذا أشار في المبسوط
(2)
.
(لأنه الموجب الأصلي): أي: لأن مهر المثل هو الموجب الأصلي في النكاح، وكان وجوب المهر في باب النكاح من ضرورات العقد فإن عقد النكاح ما شرع إلا بالمال.
فإذا لم يكن المسمى مالًا لغت التسمية أصلًا فصار كما لو تزوجها ولم يسم لها مهرًا فيجب مهر المثل. وأما في باب الصلح فوجوب المال ليس من ضرورات الصلح فإنه لو عفا ولم يسم مالًا لم يجب شيء كذا في الإيضاح
(3)
.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 13.
(3)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 11.
(ويجب مع السكوت عنه حكمًا): أي: ويجب المهر في عقد النكاح مع السكوت عن ذكر المهر شرعًا (ويدخل في إطلاق جواب الكتاب) وهو قوله: ويصح عن جناية العمد.
الصلح عن حق الشفعة
(وهذا بخلاف الصلح عن حق الشفعة على مال؛ حيث لا يصح) قيد الصلح في الشفعة بالصلح عن حق الشفعة احترازًا عن الصلح على أخذ نصف الدار أو على بيت بعينه. فإن الصلح مع الشفيع فيهما جائز؛ لأنه ذكر في المبسوط
(1)
أن صلح الشفيع مع المشتري على ثلاثة أوجه: في وجه يصح: وهو أن يصالح على أخذ نصف الدار بنصف الثمن وفي وجه: لا يصح ولا تبطل شفعته وهو أن يصالح على أخذ بيت بعينه من الدار بحصته من الثمن؛ لأن حصته مجهولة ولا تبطل شفعته؛ لأنه لم يوجد منه الإعراض عن الأخذ بالشفعة بهذا الصلح وفي وجه تبطل شفعته [لوجود الإعراض]
(2)
ولا يجب المال وهو: أن يصالح على أن يترك الشفعة بمال يأخذه من المشتري. فها هنا تبطل شفعته لوجود الإعراض منه
(3)
عن الأخذ بالشفعة ولا يجب المال؛ لأن ملك المشتري في الدار لم يتغير لهذا الصلح بل بقي على ما كان قبل الصلح حق الشفعة ليس بمال ولا يؤول مالًا بحال فالاعتياض عنه بالمال لا يجوز بخلاف القصاص فإن نفس القاتل كانت مباحة في حق من له القصاص، وبالصلح تحدث له العصمة في دمه فيجوز أن يلزمه العوض بمقابلته كذا في المبسوط
(4)
.
(ولا حق في المَحَلِّ قبل التملُّك): أي: لا حق للشفيع في الدار المشتراة قبل أن يأخذها بالشفعة أصلًا وأما في القصاص: فمن عليه القصاص مملوك لمن له القصاص في حق
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 20/ 163.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (أ): فيه.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 20/ 163.
فعل القصاص فكان أخذ العوض ممن عليه القصاص بمنزلة أخذ العوض من عبده في الإعتاق على مال فيجوز وأوضح هذا المعنى في الإيضاح
(1)
فقال: والوجه في الفرق بينهما أن حق الشفعة حق أن يتملك محيلًا هو مملوك للغير وقبل التملك لا حق في المحل بوجه ما فأما في باب القصاص فالمحل صار مملوكًا في حق إقامة الفعل حتى إذا وقع الفعل، اتصف بكونه حقًّا وإذا صار المحل مملوكًا في حق إقامة الفعل قبل الفعل ظهر الحق في المحل فملك الاعتياض.
(والكفالة بالنفس بمنزلة حق الشفعة): أي: في عدم الجواز يعني إذا كفل رجل عن نفس رجل فجاء المكفول له وصالح الكفيل على شيء من المال على أن يأخذ المكفول له ويخرج الكفيل من الكفالة لا يصح الصلح وقال: في شفعة المبسوط
(2)
في باب ما لا تجب فيه الشفعة: وهذا الصلح باطل؛ لأنه بإسقاط حقه بالكفالة بالنفس لا يملك الكفيل شيئًا فلا يستحق عليه عوضًا (غير أن في بطلان الكفالة روايتين) في رواية كتاب الشفعة والحوالة والكفالة
(3)
تبطل وبه نُفتي وهو: رواية أبي حفص رحمه الله وفي الصلح من رواية أبي سليمان رحمه الله
(4)
لا يبطل فوجه البطلان هو: أن السقوط لا يتوقف على العوض وإذا سقطت لا يعود وفي رواية الكفالة بحالها فوجهه أن الكفالة بالنفس سبب من الوصول إلى المال فأخذ حكمه من هذا الوجه. فإذا رضي بسقوط حقه بعوض لم يسقط مجانًا كذا في الإيضاح والذخيرة
(5)
.
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 12، العناية شرح البداية 8/ 416.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 20/ 5.
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
ساقطة من (أ).
(5)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 12، العناية شرح البداية 8/ 416.
الصلح عن جناية العمد والخطأ
(إلا أنه لا تصح
(1)
الزيادة على قدر الدية) إلى قوله: (بخلاف الصلح عن القصاص حيث تجوز الزيادة) وكذلك الصلح عن دم العمد والصلح عن القتل الخطأ يفترقان أيضًا في فساد الصلح بتسمية الخمر والخنزير. فإن في الصلح عن دم العمد على الخمر والخنزير لا يستحق ولي القصاص شيئًا وقد ذكرناه وفي القتل الخطأ تجب الدية فكان الفرق بينهما في موضعين
(2)
أي: في موضع الزيادة على قدر الدية وفي موضع فساد التسمية وقال في المبسوط
(3)
: ولو كان القتل خطأ [في الصلح أي]
(4)
: عن القتل على الخمر والخنزير كان عليه الدية؛ لأن هذا صلح عن مال فيكون نظيرًا لصلح عن سائر الديون إذا بطل بقي المال واجبًا كما كان وهو الدية. ثم اعلم أن الصلح بالزيادة على قدر الدية في جناية الخطأ إنما لا تجوز إذا كان ذلك الصلح منفردًا وأما إذا كان الصلح عن دم العمد منضمًا بالصلح عن الخطأ؛ يجوز وإن زاد بدل الصلح على قدر الدية، صورته: رجل قتل رجلًا عمدًا أو
(5)
قتل آخر خطأ ثم صالح أولياءهما على أكثر من ديتين فالصلح جائز، ولصاحب الخطأ الدية وما بقي فلصاحب العمد فصار هذا كرجل عليه مائة دينار لرجل وألف درهم لآخر، فصالحهما على ثلاثة ألاف درهم يجوز فلصاحب الألف ألف والباقي لصاحب الدنانير كذا في المغني
(6)
.
(أما إذا صالح على غير ذلك، جاز): بأن يصالح على مكيل أو موزون.
(1)
في (أ) و (ب): يصح. والصواب ما أثبته لمناسبة السياق.
(2)
في (أ): ضعين.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 13.
(4)
في (ب): أي في الصلح.
(5)
في (أ): و.
(6)
يُنْظَر: العناية شرح البداية 8/ 417.
(كيلا يكون افتراق عن دين بدين): أي: عن دين الدية بدين بدل الصلح.
(فلو كان
(1)
قضى القاضي بأحد مقاديرها فصالح على جنس آخر) إلى آخره.
صورته: قضى القاضي بمائة من الإبل، ثم صالح أولياء القتيل على أكثر من مائة
(2)
بقرة فهو جائز: لأن القاضي عيَّن الواجب في الإبل وخرج غيره من أن يكون واجبًا بهذا الفعل فكان ما يعطى عوضًا عن الواجب. فصحّ إن كان يدًا بيد أما لو صالح على شيء من الوكيل
(3)
أو الموزون سوى الدراهم أو الدنانير إلى أجل فهو باطل؛ لأن القاضي عين الحق في الإبل فكان هذا اعتياضًا عن دين بدين فلا يجوز كذا في الإيضاح
(4)
منها أي: من مقادير الدية.
(بخلاف الصلح ابتداءً): أي: لا يجوز إذا كان الصلح ابتداءً على أحد مقادير الدية زائدًا على قدر الدية؛ (لأن تراضيهما على بعض المقادير بمنزلة القضاء) ولو قضى القاضي
(5)
بأحد المقادير زيادة على مقدار الدية لا يجوز وكذا
(6)
هذا (على ما تعيَّن): أي: شرعًا.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): مائتي.
(3)
في (أ): الوكيل.
(4)
يُنْظَر: العناية شرح البداية 8/ 417، بدائع الصنائع 6/ 47.
(5)
يوجد في هامش (أ) الكلام التالي: التعيين للقاضي في تعيين بعد المقادير في الدية. ويوجد كلمة (عين) منفردة.
(6)
في (ب): فكذا.
الصلح من دعوى الحد
(ولا يجوز الصُّلح من دعوى حَدٍّ): صورته: رجل أخذ زانيًا أو سارقًا يسرق من غيره أو أخذه في شرب خمر أو أراد أن يرفعه إلى الحاكم
(1)
فصالح المأخوذ على مال على أن لا يرفعه إلى السلطان فالصلح باطل. ويرجع عليه بما دفع من المال، وكذلك لو ادعى رجل على رجل قذفًا فصالح المدعى عليه بدراهم على أن يعفو عنه فالصلح باطل. كذا في شرح المختصر
(2)
للعامري
(3)
(4)
وعلل في المبسوط في هذه المسألة في باب الصلح في الصدقة وقال: لأن المرافعة إلى السلطان لحق الشرع فالمقصود إقامة الحد الذي هو محض حق الله تعالى وذلك مما لا يحتمل السقوط بإسقاطه سواء أسقطه
(5)
بعوض أو بغير عوض وهي حقيقة أكل المال بالباطل والصلح على تحريم الحلال أو تحليل الحرام باطل، ولا يجوز الصلح مع الشاهدين بمال على أن لا يشهدا عليه بكذا أي: هو حق كان، لأن أداء الشهادة مستحق على الشاهد لحق الشرع.
(ولهذا
(6)
لا يجوز الاعتياض، إذا ادعت المرأة نسب ولدها): صورته: إذا
(7)
ادعت امرأة على رجل أن هذا الصبي الذي في يدها ابنه منها وجحد الرجل ولم تدع المرأة النكاح وقالت: قد طلقني وأقرَّ الزوج أنه كان قد طلقها وبانت فصالح من النسب على مائة درهم
(1)
في (ب): الحكام.
(2)
بذلت جهدي في البحث عنه ولم أجده.
(3)
في (أ): العامري.
(4)
هو: أَبُو عَاصِم اسْمه مُحَمَّد بن أَحمْد العامري كَانَ قاضيًا إِمَامًا بِدِمَشْق وَمن تصانيفه الْمَبْسُوط نَحْوًا من ثَلَاثِينَ مُجَلدًا مقره بالنورية بِدِمَشْق. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 256.
(5)
في (أ): أسقط.
(6)
في (أ): فلهذا.
(7)
ساقطة من (ب).
فالصلح باطل؛ لأن النسب حق الصبي فلا يجوز للأم إسقاطه. كذا في شرح القدوري
(1)
وهكذا أيضًا في الإيضاح غير أن في الإيضاح نسب هذه الرواية إلى أبي يوسف وقال: فالصلح باطل؛ لأن النسب يثبت حقًّا للصبي فلا يملك الاعتياض لإسقاطه؛ لأنه لا يقبل الإسقاط أصلًا فاستوى فيه وجود العوض وعدمه.
(فلا يجوز أن يصالح واحد): لأنه بقي لبقية المسلمين الخصومة فيها والمطالبة بقلعها فلم يستفد صاحب الظلة
(2)
بدفع العوض فائدة فلا يصح الصلح. كذا في شرح القدوري.
وقوله: (إلى طريق العامة): قيد به؛ لأنه لو كانت الظلة على طريق غير نافذ فصالحه رجل من أهل الطريق فالصلح جائز، لأن الطريق مملوك لأهلها فيظهر في حق الأفراد والصلح معه مفيد، لأنه يسقط حقه ويتوصل إلى تحصيل رضا الباقين فجاز كذا في الإيضاح
(3)
. فإن قلت: يشكل عليَّ هذا ما ذكره في صلح فتاوى قاضي خان
(4)
رجل له باب في غرفة أو كوة
(5)
فخاصمه جاره فصالحه
(6)
على دراهم معلومة يدفعها إلى الجار ليترك الكوة ولا يسدها كان ذلك باطلًا وما يقابل الكوة من دار الجار مملوك للجار. ومع ذلك لم يجز الصلح فيه قلت: الفرق بينهما ظاهر أما في مسألة الكوة: فالجار ظالم في منع صاحب الكوة عن الانتفاع بمال نفسه والجار إنما يأخذ المال ليمتنع عن الظلم والامتناع عن الظلم واجب على كل أحد دون
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 14/ 10.
(2)
الظلة: هي التي أحد طرفي جذوعها على حائط هذه الدار وطرفها الآخر على حائط الجار المقابل. يُنْظَر: التعريفات (ص: 144).
(3)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 14.
(4)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 275.
(5)
الكَوَّةُ: الخَرْق فِي الحائِطِ والثَّقْب فِي الْبَيْتِ وَنَحْوُهُ. يُنْظَر لسان العرب 15/ 236.
(6)
ساقطة من (ب).
الصلح فلا يجوز الصلح. وأما بناء الظلة: فليس بتصرف في ملك نفسه إنما هو بناء في هواء مشترك بين قوم معلومين فيجوز وفي مسألة الكوة لو جرى الصلح بينهما على أن يأخذ صاحب الكوة دراهم ليسد الكوة والباب كان باطلًا أيضًا؛ لأن الجار إنما دفع المال ليمتنع صاحب الكوة عن التصرف في ملكه والانتفاع بمال نفسه وكان
(1)
باطلًا إلى هذا أشار في فتاوى قاضي خان
(2)
.
وقوله: (واحد على الانفراد): إنما قيد به؛ لأنه لو صالح الإمام صاحب الظلة على دراهم على أن يترك الظلة جاز الصلح وإن كانت في طريق العامة إذا كان في ذلك صلاح المسلمين
(3)
ويضع ذلك في بيت المال؛ لأن الاعتياض من الشركة العامة جائز من الإمام فإنه لو باع شيئًا من بيت المال يجوز كذا في مبسوط شيخ الإسلام والذخيرة
(4)
.
(لأن المغلَّب
(5)
فيه حق حكم الشرع): ولهذا لا يجوز عفوه ولا يورث بخلاف القصاص.
(وكان في معنى الخلع): أي: في زعم الزوج والخلع
(6)
بلفظ البراءة صحيح. فإن أقام بينة على تزويجه بعد الصلح لم أقبل ذلك منه؛ لأن بزعمه ما جرى بينهما كان
(7)
خلعًا ولا فائدة بعد الخلع في إقامة البينة على النكاح كذا في المبسوط.
(1)
في (ب): فكان.
(2)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 275.
(3)
في (ب): للمسلمين.
(4)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 418.
(5)
في (أ): الغلب.
(6)
ساقطة من (أ).
(7)
بينهما كان: تكررت في (أ).
(ولا يحل له أن يأخذ فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان مبطلًا في دعواه): وهذا عام في جميع أنواع الصلح والدليل عليه ما ذكره في كتاب الإقرار: أن من أقرَّ لغيره بمال والمقَر له يعلم أنه كاذب في إقراره، فإنه لا يحل له ذلك المال فيما بينه وبين الله تعالى إلا إن سلمه بطيب من
(1)
نفسه فيكون تمليكًا على طريق الهبة كذا في مبسوط شيخ الإسلام
(2)
رحمه الله.
(هكذا ذكر) بفتح الذال على بناء الفاعل استدلالًا بقوله قال فيما بعده (وفي بعضها قال: لم يجز) وهو المذكور في شرح القدوري
(3)
.
(وإن لم يجعل).
أي: وإن لم يجعل ترك الدعوى فرقة، صار كأنه لم يصالح ومع ذلك أعطى المال فلم يفد دفع فائدته فلم يكن ما أخذت عوضًا عن شيء فكان رشوة فلا يجوز كذا في شرح الأقطع
(4)
وإنما قلنا: أن دفع المال هنا لم يفد فائدته؛ وذلك لأن ما تبذل المرأة بضع، وما يبذل الرجل مال وبذل البضع بالمال لا يجوز إلا بالنكاح، وهذا ليس بنكاح وهي لم تترك الدعوى؛ لأن الفرقة لم توجد وكانت دعواها في زعمها على حالها لبقاء النكاح فلم يفد دفع المال فائدته. فلا يجوز.
(1)
في (أ): عن.
(2)
يُنْظَر: لسان الحكام 1/ 265، مجمع الضمانات 1/ 365.
(3)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 419، البناية شرح الهداية 10/ 16.
(4)
يُنْظَر: درر الحكام 2/ 398.
ادعى على رجل أنه عبده فصالحه
(وإن ادعى على رجل أنه عبده فصالحه): أي: ادعى على رجل مجهول الحال أنه عبده وأنكر المدعى عليه ذلك ثم صالحه على مائة درهم فهو جائز كذا في المبسوط
(1)
.
وقوله: (ولهذا يصح على حيوان في ذمته) إيضاح لقوله: (وكان في حق المدعى بمنزلة الإعتاق): والأصل أن الحيوان إنما يجب دينًا في الذمة إذا كان ذلك الدين بمقابلة ما ليس بمال كما في النكاح والديات يعني: لو كان هذا بمنزلة مبادلة مال بمال لما صح الحيوان دينًا في الذمة والدليل أيضًا على أن هذا الصلح في زعم المدعي بمنزلة الإعتاق على مال: أنه لو أقام المدعي البينة بعد ذلك أنه عبده لم تقبل بينته في إثبات الملك؛ لأن ما جرى بينهما كان بمنزلة العتق كذا في المبسوط
(2)
.
(لإنكار العبد): أي: لكونه عبدًا للمدعي وعتقه.
(إلا أن يقيم البينة): أي: على أنه عبده.
(فتقبل): أي: في حق الولاء، لأنه صالحه على المال بعد كونه عبدًا فيكون صلحه بمنزلة الإعتاق على مال (فيثبت الولاء).
(وإذا قتل العبد المأذون له رجلًا عمدًا لم يجز له أن يصالح عن نفسه): أي: سواء كان عليه دين أو لم يكن.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 20/ 153.
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 17/ 10.
إذا قتل العبد المأذون له رجلًا فصالحه
(وإن قتل عبد له): أي: لهذا العبد المأذون عبد فذلك العبد قتل رجلًا.
(فصالحه جاز): أي: سواء كان عليه دين أو لم يكن ثم اعلم أنه لم يصح صلح المأذون عن نفسه لكن ليس لولي القتيل أن يقتله بعد الصلح؛ لأنه لما صالحه فقد عفا عنه
ببدل فصح العفو عنه
(1)
؛ ولم يجب البدل في حق الولي
(2)
فتأخر إلى ما بعد العتق؛ لأن صلحه عن نفسه إن لم يجز في حق المولى جاز في حق العبد، لأنه مكلف فكان كالأمة البالغة إذا طلقها زوجها بمال وقبلت فإن المال يجب في حقها وإن لم يجب في حق المولى، حتى تؤاخذ به بعد العتق فصار كأن الزوج طلقها بمال مؤجل ولهذا كان الطلاق بائنًا؛ لأنه طلقها بعوض وكذلك
(3)
ها هنا ولي القصاص لما صالح مع المأذون فصار كأنه صالحه على بدل مؤجل يؤاخذ به بعد العتق ولو فعل هكذا يجوز الصلح ولم يكن لولي القتيل أن يقتله ولا أن يتبعه بشيء ما لم يعتق فكذا هذا
(4)
كذا ذكره الإمام المحبوبي
(5)
رحمه الله
(6)
وهذا جواب عمن أورد الإشكال بأن الصلح إن لم يصلح وقد سقط القتل لتضمن الصلح العفو وقد اعترف به المولى فلِمَ لَمْ يخاطب المولى بالدفع أو بالفداء؟ قلنا: لما كان هذا عبارة عن صلح مؤجل بدله إلى ما بعد العتق فلا يطالب به المولى في الحال فإن قلت: ما الفرق بين العبد المأذون وبين المكاتب؟ فإن المكاتب إذا قتل رجلًا عبدًا
(7)
ثم صالح لنفسه على شيء من كسبه جاز الصلح والمأذون إذا صالح لنفسه من القصاص على شيء من كسبه لا يجوز على ما ذكرت قلت: إنما جاء الفرق بينهما من حيث أن المكاتب أعلى حالًا من المأذون فكان يده على نفسه أقوى من يد المأذون، ولهذا لو ادعى إنسان رقبة المكاتب ينتصب المكاتب خصمًا للمدعي ولو قطع شيء
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): المولى.
(3)
في (ب): فكذلك.
(4)
في (ب): هنا: بدل: هذا.
(5)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 420.
(6)
ساقطة من (أ).
(7)
في (ب): عمدًا.
من طرفه كان البدل له ولو قتل خطأ كان البدل له ويقضي
(1)
بدلُ الكتابة وسائرُ ديونه فألحقناه بالحر باعتبار قوة يده في حق جواز الصلح وأما المأذون: فلا ينتصب خصمًا عن نفسه للمدعي وبدل يده ونفسه للمولى فيلحق بما قبل الإذن لضعف يده ولو صالح قبل الإذن عن القصاص لا يجوز، فكذا بعد الإذن كذا ذكره الإمام المحبوبي.
وقوله: (لم يجز له أن يصالح عن نفسه): أي على مال. (ولهذا لا يملك التصرف فيه): أي: في رقبته بتأويل العضو أو الجزء. (بيعًا): قُيد بالبيع؛ لأنه يملك التصرف في رقبته إجارة كذا ذكره الإمام التمرتاشي
(2)
.
(فكذا استخلاصًا بمال المولى): لأن ما أعطاه من بدل الصلح فهو مال المولى.
(وصار كالأجنبي): أي: وصار العبد كالأجنبي في حق نفسه؛ لأن نفسَه مالُ المولى والأجنبي إذا صالح عن مال مولاه دون إذنه لا يجوز. فكذا هنا بخلاف صلح هذا العبد المأذون عن عبده فإنه يجوز، لأنه مأذون له في
(3)
التجارة وهذا من باب التجارة وتحقيق هذا الفرق فيما ذكر
(4)
صدر الإسلام في الجامع الصغير
(5)
وقال: لم يجز صلحه في حق نفسه؛ لأنه ليس للمأذون أن يتصرف في نفسه بيعًا بل ولاية التصرف في نفسه للمولى أما في كسبه ولاية التصرف له والصلح على مال في معنى الشراء فإن العبد صار كالمستحق بقتل العمد ولو زال
(1)
في (ب): يقضى به.
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 17.
(3)
في (أ): وفي.
(4)
في (ب): ذكره.
(5)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 17.
عبده عن ملكه بملك شراه فيملك الصلح أيضًا ولو زالت نفسه عن ملك المولى لا يملك شراء نفسه. فكذا لا يملك الصلح أيضًا.
(ومن غصب ثوبًا يهوديًا قيمته دون المائة فاستهلكه فصالحه منها على مائة درهم جاز عند أبي حنيفة رحمه الله
(1)
: يهود: قومٌ من أهل الكتاب ينسب إليهم الثوب فيقال: ثوب يهودي، هذا الذي ذكره وضع الجامع الصغير وذكر هذه المسألة
(2)
في الأصل ووضعها في العبد ثم قال: إن كان العبد قائمًا جاز الصلح سواء كان البدل حالًا أو مؤجلًا وسواء كان الصلح عن إقرار أو إنكار وسواء كان الصلح على أضعاف قيمته أو لم يكن، وإن كان العبد مستهلكًا فصالحه على دراهم مسماة مثل قيمة العبد أو أقل جاز حالًا كان أو مؤجلًا. وأما إذا صالحه على أكثر من قيمة العبد دراهم أو دنانير: إن كان حالًا فهو على الخلاف وكذلك الخلاف في كل ما لا مثل له ثم اعلم أنا نحتاج ها هنا إلى بيان القيود الإجماعية وإلى بيان منشأ أصل الخلاف بينهم مماذا؟ فنقول: وبالله التوفيق، فقيد أولًا: بالغصب؛ لاستدعاء الصلح ذلك عادة فإن الثوب الموصوف لو كان على رجل بالبيع لا يقع منه الصلح عادة ولو استهلكه كان حكمه حكم الثوب المستهلك غصبًا وقيد بالثوب احترازًا عن غصب المثلي فإن إذا كان لرجل على رجل كر حنطة وصالح منها على دراهم أو دنانير فالصلح جائز بالإجماع. سواء كانت الدراهم والدنانير أكثر من قيمتها أو أقل لكن القبض شرط وإن كانت الدراهم والدنانير بأعيانها حتى لا يقع الافتراق عن دين بدين؛ لأن هذه الأشياء ثمن فلا تتعلق بالتعيين وفيه أيضًا احتراز عما وجب على رجل دراهم بطريق القرض أو وجب على أحد الشريكين في العبد إذا أعتق نصيبه فصالحه الساكت من نصيبه على أكثر من نصف قيمة
(1)
في (ب): رضي الله عنه.
(2)
يُنْظَر: الجامع الصغير 1/ 420، البناية شرح الهداية 10/ 18.
العبد لا يجوز الصلح بالإجماع؛ وقيد بكونه يهوديًّا لتعرف
(1)
قيمته فإن عندهما لا تجوز الزيادة في الصلح على قيمته إلا بقدر ما يتغابن الناس فيه. فلابد أن يكون الثوب المدعى به موصوفًا حتى
(2)
تعرف تفاوت القيمة وقيد بالاستهلاك؛ لأن الثوب إذا كان قائمًا على حاله يجوز الصلح على أكثر من قيمته بالإجماع وقد ذكرناه
(3)
وقيد بقوله: على مائة درهم؛ لأنه لو صالحه على طعام موصوف في الذمة حالًا وقبضه قبل الافتراق عن المجلس جاز بالإجماع ثم هذا الخلاف فيما إذا لم يقض القاضي بقيمة الثوب على الغاصب أما لو قضى القاضي عليه بالقيمة ثم صالحه على أكثر منها لا يجوز الصلح بالإجماع. وأما منشأ أصل الاختلاف بينهم راجع إلى: أن وجوب الشيء الذي وقع عليه الصلح من الدراهم والدنانير بمقابلة ماذا في الغصوب فعند أبي حنيفة رحمه الله
(4)
ذلك
(5)
بمقابلة عين المغصوب أما تحقيقًا فيما إذا كان قائمًا أو تقديرًا فيما إذا كان مستهلكًا فإن أصح الأقوال: أن الصلح جائز عنده على أكثر من قيمة المغصوب وإن مستهلكًا ولما كان كذلك جاز الصلح عنده على أكثر من قيمته؛ لأن الدراهم أو الدنانير إنما وقعت بمقابلة عين الثوب المغصوب ولا ربا بين الدراهم وبين عين الثوب فيجوز الصلح وإن كان الذي وقع عليه الصلح أكثر من قيمة الثوب وأما عندهما: فالذي وقع عليه الصلح من الدراهم أو الدنانير بمقابلة قيمة المغصوب والقيمة مقدرة في الدراهم أو الدنانير فلو زاد ما وقع عليه الصلح من الدراهم أو الدنانير من قيمة المغصوب لا يجوز الصلح لكونه ربا هذه فوائد
(1)
في (ب): ليعرف.
(2)
في (ب): يعرف.
(3)
في (أ): ذكرنا.
(4)
في (ب): رضي الله عنه.
(5)
في (ب): ذاك.
مقتبسة من إشارات المبسوط وشروح الجامع الصغير وشرح الطحاوي والذخيرة
(1)
فقال في الذخيرة: والوجه لأبي حنيفة رحمه الله: أن هذا اعتياض عن الثوب والحيوان حكمًا فيجوز بالغًا ما بلغ كالاعتياض عن الثوب القائم والحيوان القائم حقيقة وإنما قلنا: أن هذا اعتياض عن الحيوان والثوب حكمًا فيجوز
(2)
لأن الواجب في رقبة الغاصب حقًّا للمالك مثل الحيوان والثوب من جنسه؛ لأنه ضمان عدوان فيكون مقيدًا بالمثل والمثل من كل وجه هو المثل صورة ومعنى ولهذا كان الواجب من جنسه في غير الثوب والحيوان نحو المكيلات والموزونات وإيجاب الحيوان والثوب ممكن. كما في النكاح والدية، إلا أن عند الأخذ يصار إلى القيمة ضرورة أن أخذ المثل صورة ومعنى غير ممكن إلا بسابقة
(3)
التقويم والآخذ والدافع لا يغرمان ذلك حقيقة لما فيه من التفاوت الفاحش ولا ضرورة في الوجوب؛ لأن الوجوب بإيجاب الله تعالى والله تعالى عالم بذلك فصح ما ادعيناه أن هذا اعتياض عن الثوب والحيوان فيجوز كيف ما كان. وفي المبسوط
(4)
ولأبي حنيفة رحمه الله
(5)
طريقان: أحدهما: أن المغصوب بعد الهلاك باق على ملك المغصوب منه ما لم يتقرر حقه في ضمان القيمة بدليل أنه لو اختار ترك التضمين بقي العبد هالكًا على ملكه حتى تكون الكفن عليه ولو كان آبقًا فعاد من إباقه كان مملوكًا له وإذا كان كذلك فإنه لم صالح على أكثر من قيمته فالمال الذي وقع عليه الصلح يكون عوضًا عن ملكه في العبد أو الثوب ولا ربا بين العبد والدراهم كما لوكان العبد قائمًا بعينه حتى صالحه والطريق الآخر: أن الواجب على الغاصب ضمان الرد كما قال عليه السلام: "على اليد ما أخذت حتى
(1)
يُنْظَر: الجامع الصغير 1/ 420، البناية شرح الهداية 1/ 18.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (أ): بساقبة.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 56.
(5)
ساقطة من (ب).
ترد"
(1)
وهو الضمان الأصلي في الغصب. وإنما تجب القيمة عند تعذر رد العين لتقوم
(2)
القيمة مقام العين في أداء الضمان الأصلي بها وكان
(3)
ذلك لأجل الضرورة حتى لا يصار إليه إلا عند العجز عن رد العين فإذا صالحه على شيء كان ما وقع عليه الصلح عوضًا عن الضمان الأصلي وهو رد العين فلا يكون رِبًا وإن كان الذي وقع عليه الصلح أكثر من قيمة المغصوب فإن قلت: ما جواب أبي حنيفة عن احتجاجهما بمسائل مجمع عليها تدل على أن الواجب على الغاصب بعد هلاك العين القيمة وعلى أن ما وقع عليه الصلح إنما وقع بمقابلة القيمة الواجبة في ذمته لا بمقابلة العين؟ أحدها: هي: أنه لو صالحه على طعام موصوف في الذمة إلى أجل لا يجوز ولو كان ما وقع
(4)
عليه الصلح بدلًا عن العبد المغصوب لجاز؛ لأن الطعام الموصوف بمقابلة العبد يكون ثمنًا وبمقابلة القيمة يكون مبيعًا والثانية: أنه لو صالح من الدية على أكثر من ألف دينار أو أكثر من عشرة آلاف درهم لا يجوز والثالثة: أنه إذا قضى القاضي بالشفعة للشفيع بأكثر من الثمن الذي اشترى به المشتري ورضي به الشفيع لا يجوز لما أن
(1)
أخرجه أبو داود (ح: 3561)، كتاب البيوع، باب في تضمين العارية مؤداة، ح (3/ 296)، والترمذي (3/ 566)، كتاب البيوع، باب ما جاء أن العارية مؤداة، ح:(1266)، وابن ماجه (2/ 802)، كتاب الصدقات، باب العارية، ح:(2400)، وأحمد (5/ 8، 12، 13)، ح:(20098، 20143، 20168)، والحاكم (2/ 55)، ح:(2302) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه"، وعند الترمذي وأحمد:"تؤدى"، وزاد أبو داود والترمذي والحاكم: "ثم إن الحسن نسي قال: هو أمينك لا ضمان عليه، وزاد الترمذي يعني العارية.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه".
وقال الترمذي: "حسن صحيح".
(2)
في (ب): ليقوم.
(3)
في (ب): فكان.
(4)
في (ب): يقع
العوض تقدر شرعًا بما أعطى المشتري فلم تجز الزيادة عليه وكذا
(1)
هنا والرابعة: هي أن ما وقع عليه الصلح إذا كان ممكنًا جعله بمقابلة عين
(2)
المغصوب حين كان قائمًا وليس بممكن أصلًا جعله بمقابلته حتى كان مستهلكًا ألا ترى
(3)
: أنه لم يجعل كذلك في حق صحة البيع حتى أنه لو باع عين المغصوب بعد الهلاك أو الاستهلاك من الغاصب لا يجوز حيث، لم يجعل في حق صحة البيع منه بمنزلة القائم حكمًا فكيف يجعل في حق الصلح بمنزلة القائم؟ مع أن للصلح
(4)
في الأموال حكم البيع. قلت: أما الجواب عن الأول: وهو أنه إذا صالحه على طعام موصوف في الذمة مؤجلًا له لا يجوز، لا لأن الطعام بدل عن القيمة، ولكنه بدل عن العبد إلا أن العبد المستهلك أو الثوب المستهلك لا يوقف على أثره وما لا يوقف على أثره يكون في حكم الدين والدين بالدين حرام ألا ترى
(5)
: أنه لو صالحه على طعام موصوف في الذمة حالًا وقبضه في المجلس جاز ولو كان ذلك بدلًا عن القيمة لا يجوز، لأن الطعام إذا قوبل بالدراهم يكون مبيعًا وبيع ما ليس عند الإنسان لا يجوز إلا بطريق السلم وأما الجواب عن مسألة الدية: فإنه إنما جعل ما وقع عليه الصلح بمقابلة الدية، لأنه لا وجه لحمله على الاعتياض عن المقتول. وأما في مسألة الشفعة: فالمشتري
(6)
مجبور على إزالة الملك إلى الشفيع ببدل مقدر وهو الثمن فلا يملك التغيير وأما الجواب عن المسألة الرابعة: فإنما لا يجوز ابتداءً البيع من الغاصب بعد الهلاك؛ لأن البيع تمليك مال متقوم بمال وبعد الهلاك ليس بمال وأما الصلح: فيمكن تصحيحه بطريق
(1)
في (ب): فكذا.
(2)
في (أ): العين.
(3)
في (ب): يرى.
(4)
في (أ): الصلح.
(5)
في (ب): يرى.
(6)
(أ): والمشتري.
إسقاط الملك وما يأخذ من العوض يكون بإزاء إسقاط الملك وصحة الإسقاط لا تستدعي المالية والتقوم فلذلك صح الصلح بعد الهلاك ولم يصح البيع إلى هذا أشار في المبسوط والجامع الصغير لقاضي خان
(1)
أو حقه في مثله صورة ومعنى؛ لأن ضمان العدوان بالمثل والمثل من كل وجه للشيء هو المثل له صورة ومعنى حتى إن عند مالك رحمه الله بقي ذلك فإن عنده يجب المثل صورة ومعنى في ذوات القيم وكان إيجاب القيمة مجتهدًا فيه والفرق لأبي حنيفة رحمه الله
(2)
أن القيمة في العتق منصوص عليه وهو قوله عليه السلام: "من أعتق شقصًا
(3)
من عبد بينه وبين شريكه قوم عليه نصيب شريكه فيضمن إن كان موسرًا أو يسعى العبد"
(4)
وقد مر في العتاق وذكر في المبسوط
(5)
: وليس هذا كضمان العتاق، لأن هذا الساكت غير متمكن من استدامة الملك في نصيبه ولكن يجبر على إزالته شرعًا إما إلى المعتق بالضمان أو إلى العبد بالاستسعاء، وقد تقدر البدل بنصف القيمة فلا يملك
(6)
الزيادة على ذلك، لأن فيه تغيير ما استحق عليه شرعًا. وها هنا هو غير مجبر على إزالته لا محالة بل هو متمكن من يبرأ الغاصب عن الضمان لكون الهلاك في ملكه. والله أعلم.
(1)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 421.
(2)
في (ب): رضي الله عنه.
(3)
الشقص: القطعة من الأرض، والطائفة من الشيء، والشقيص: الشريك، يقال: هو شقيصي، أي شريكي في شقص من الأرض. يُنْظَر: الصِّحَاح (3/ 1043).
(4)
أخرجه البخاري (3/ 139)، كتاب الشركة، باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقية العدل، حديث (2491)، ومسلم (2/ 1140)، كتاب العتق وفي الأيمان باب من أعتق شركًا له في عبد حديث (1501) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 7/ 106.
(6)
في (أ): يمكن.
بابُ التَّبَرُّعِ بِالصُّلْحِ والتَّوكِيلِ بِه
(1)
:
لما كان تصرف المرء لنفسه أصلًا قدّمه على التصرف لغيره وهو المراد بالتبرّع بالصلح لما أن الإنسان في العمل لغيره متبرّع.
(ومن وكَّل رجلا بالصلح عنه فصالح لم يلزم الوكيل ما صالح عنه): أي: عن الموكل وفي شرح الأقطع
(2)
ما صالح عليه أي: على الموكل.
(والمال لازم للموكل): وفي شرح الأقطع
(3)
والمال لأزم على الموكل أي: المال لازم على الموكل قبل أن يضمنه الوكيل وأما إذا ضمنه الوكيل: فالمال على الوكيل؛ لأنه ضمنه، فيجب على الضامن ما ضمن كما في الخلع، (وتأويل هذه المسألة إذا كان الصلح عن دم العمد) حتى يكون إسقاطًا أي: تأويل أن المال غير لازم على الوكيل في هذه الصورة (أو كان الصلح على بعض ما يدَّعيه من الدين) حتى يكون إسقاطًا لبعض الدين وهذا الذي ذكره من التأويل لا يكتفى لتأويل المسألة فإن فيه قيدًا آخر وهو: أنه إذا كان الصلح على الإنكار فلا يجب بدل الصلح على الوكيل من شيء وإن كان الصلح في المعاوضات لأنه ذكر في المبسوط
(4)
في باب الصلح في العقار ولو ادعى رجل في دار رجل حقًّا فصالحه عنه آخر بأمره أو بغير أمره إلى أن قال: ولا يجب المال على المصالح إلا أن يضمنه للذي صالحه، لأن الصلح على الإنكار معاوضة بإسقاط الحق فيكون بمنزلة الطلاق يحعل، والعفو عن القصاص بمال وذلك جائز مع
(1)
العنوان: ساقط من (أ).
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 1/ 213.
(3)
يُنْظَر: العناية شرح البداية 8/ 422.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 20/ 149.
الأجنبي كما يجوز مع الخصم إلا أن الأجنبي إن ضمن المال فهو عليه بالالتزام ولا يدخل في ملكه بإزاء ما التزم شيء؛ لأن المسقط يكون متلاشيًا ولا يكون داخلًا في ملك أحد؛ وإن لم يضمن لم يلزمه المال بمطلق العقد ولكن إن كان الصلح بأمر المدعى عليه فالمال عليه أي: على المدعى عليه؛ لأن الأجنبي معتبر عنه، ألا ترى
(1)
: أنه لا يستغني عن إضافة العقد إليه وإن كان بغير أمره فهو موقوف على إجارته؛ لأن المال لم يجب على المصالح ولا يمكن إيجابه على المدعى عليه بغير رضاه والمدعي لم يرض بسقوط حقه إلا بعوض يجب له فيتوقف على رضا المدعى عليه فإن قلت: فعلى ما ذكرت من رواية المبسوط بأن الصلح لا يستغني عن إضافة العقد إلى المدعى عليه كان ينبغي أن يكون الصلح نظير النكاح في الأمر بالصلح وليس كذلك. فإن الأمر بالنكاح لا يكون أمرًا بالضمان حتى أن المأمور بالنكاح مطلقًا لو زوج المرأة الآمر وأدى المهر لا يرجع به على الآمر لما قلنا. وأما: إذا أمر المدعى عليه رجلًا بالصلح فكان أمرًا بالضمان حتى
(2)
يرجع المأمور بما أدى من بدل الصلح على المدعى عليه وكذلك في الخلع حتى أن مأمور المرأة بالخلع إذا ضمن بدل الخلع أو أدي يرجع به على المرأة قلت: ذكر الفرق بين هذه المسائل على هذا الطريق في شرح الطحاوي
(3)
فقال: الآمر بالصلح آمر بالضمان وكذلك الخلع بخلاف النكاح فإن الآمر بالنكاح لا يكون آمرًا بالضمان حتى ظهر أثرهما في الرجوع وعدم الرجوع. والفرق بينهما: أن الخلع يجوز على المرأة بغير أمرها ألا يرى: أن الفضولي لو قال للزوج: اخلع امرأتك على مائة من مالي فخلع جاز فلماكان الخلع يجوز على المرأة بغير أمرها ففائدة أمرها الرجوع عليها بالضمان الذي وجب، وكذلك الأمر بالصلح أمر بالضمان لهذا
(1)
في (ب): يرى.
(2)
في (ب): ومتى.
(3)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة 1/ 322.
المعنى وأما النكاح: فلا يجوز على الرجل بغير أمره، ففائدة أمره جواز النكاح لا ثبوت الرجوع فلذلك اختلفا.
وجوه تصرف الفضولي في الصلح
(وإن صالح عنه رجل
(1)
بغير أمره فهو على أربعة أوجه): فوجه الانحصار ظاهر وهو: أن الفضولي عند الصلح على المال لا يخلو إما إن قرن بالمال ضمان نفسه أم لا فإن قرن فهو الوجه الأول، وإن لم يقرن فلا يخلو إما: أن أضاف ذلك المال إلى نفسه أم لا، فإن أضاف فهو الوجه الثاني، وإن لم يضف فلا يخلو إما: أن يسلم
(2)
ذلك المال المذكور في الحال أم لم يسلم، فإن سلم فهو الوجه الثالث، وإلا فهو الوجه الرابع. ولكن يرد في هذا وجهان آخران: وهو أن المال المذكور الخالي عن الإضافة لا يخلو إما إن كان ذلك المال ذكر معرفًا أو منكرًا كل واحد منهما هل قرن به التسليم أم لا؟ فذكر وجهي حكم المنكر وبقي وجها
(3)
حكم المعرّف ولكن عرف وجه حكم المعرف المسلم بذكر التسليم في المنكر فبقي حكم المعرف غير المسلم وهو الذي ذكره المصنف
(4)
بقوله: (قال العبد الضعيف ووجه آخر أن يقول: صالحتك على هذه الألف).
قوله رحمه الله: (إن صالحه بمال وضمنه تم الصلح): يعني: إذا كان الصلح بغير أمر المدعى عليه فالحال لا يخلو
(5)
إما إن أضاف الفضولي الضمان إلى نفسه أم لا، فإن أضاف الضمان إلى نفسه فالضمان لازم عليه من قبل أن الصلح يصح بطريق الإسقاط والساقط
(1)
في (ب): رجل عنه.
(2)
في (ب): سلم.
(3)
في (أ): يبقى: بدل: وجها.
(4)
في (أ): المص. وهي اختصار.
(5)
في (ب): تخلو.
يتلاشى وينعدم فاستوى فيه الفضولي والمدعى عليه فصلح
(1)
أن يكون أصيلًا
(2)
في الضمان إذا أضاف (الضمان إلى نفسه) كالزوج إذا خالعت امرأته مع أجنبي وضمن ذلك الأجنبي كان بدل الخلع عليه وكان أصيلًا
(3)
في هذا الضمان ويصير (متبرعًا على المدعى عليه) بإسقاط الخصومة عنه (كما لو تبرع بقضاء الدين عنه) وأما إذا لم يضف الضمان إلى نفسه بل صالح على مال مطلقًا ولم يقل: على أني ضامن فالصلح
(4)
موقوف.
(فإن أجازه) المطلوب (جاز ولزمه) المال وإن رد (بطل)؛ لأن (الأصل في العقد) أنه يكون مع (المدعى عليه)؛ لأن النفع يحصل له فإنما
(5)
(يصير الفضولي أصلًا) في هذا العقد إذا أضاف (الضمان إلى نفسه فإذا
(6)
لم يضف بقي عاقدًا من جهة المطلوب فيتوقف
(7)
على إجازته) كذا في الإيضاح
(8)
.
وقوله: (كالفضولي في الخلع): أي: من جانب المرأة. وقوله: (ويكون متبرعًا): بالواو ويدل
(9)
عليه ما ذكرنا من رواية الإيضاح.
(1)
في (ب): وصلح.
(2)
في (ب): أصلا.
(3)
في (ب): أصلا.
(4)
في (أ): فبالصلح.
(5)
في (ب): وإنما.
(6)
في (ب): وإن.
(7)
في (أ): وتوقف، وفي (ب): فتوقف. وما أثبته في المتن موافق لما جاء في متن، الهداية شرح البداية 3/ 143.
(8)
يُنْظَر هذه المسألة في: البناية شرح الهداية 10/ 23، العناية شرح الهداية 8/ 424.
(9)
ساقطة من (ب).
(بخلاف ما إذا كان بأمره): أي: لا يكون متبرعًا على المدعى عليه حينئذ ولا يكون لهذا المصالح شيء من المدعى. (وإنما ذك للذي
(1)
في يده): أي: لا يصير الدين المدعى به ملكًا للمصالح وإن كان المدعى عليه مقرًا بالدين أي: لا يجعل المصالح مشتريًا المدعى به من المدعي بهذا الصلح وإن كان المدعى عليه مقرًا فرق بين هذا وبين ما لو كان المدعى به عينًا والمدعى عليه مقرًا فإنه يصير مشتريًا لنفسه متى كان بغير أمره وذلك؛ لأن العين يصح شراه من المالك وإن كان في يد غيره، وأما شراء الدين من صاحبه لا يجوز من غير المديون؛ لأنه حينئذ يلزم تمليك الدين من غير من عليه الدين وهو لا يجوز.
(لأن تصحيحه بطريق الإسقاط): أي: دون المبادلة فإذا سقط فلم يبق شيء فأي شيء يثبت له بعد ذلك.
(ولا فرق في هذا): أي: في أنه لا يملك الدين المدعى به أما (إذا كان منكرًا) فظاهر؛ لأن في زعم المدعى عليه أنه لا شيء عليه وزعم المدعي لم يتعد إليه أما (إذا كان مقرًا) بالدين وبالصلح كان ينبغي أن يصير المصالح مشتريًا ما في ذمته بما أدى إلا أن شراء الدين إذا كان من غير المديون كان فيه تمليك الدين من غير من عليه الدين. فلذلك لا يصح شراؤه لنفسه.
(ولو قال: صالحتك على ألف فالعقد موقوف): هذا اختيار بعض المشايخ وقال: بعضهم بل ينفد ها هنا على المصالح وإنما التوقف
(2)
في قوله: صالح فلانًا على ما يذكر
(3)
بعد
(4)
هذا (إلا أن الفضولي يصير أصلًا بواسطة إضافة الضمان إلى نفسه)
(1)
في (أ): الذي.
(2)
في (ب): توقف.
(3)
في (ب): تذكر.
(4)
في (أ): بعد من.
والدليل
(1)
على أنه صار أصلًا في صورة الضمان فإنه يجبر على الأداء كما يجبر الأصيل وقال في المبسوط
(2)
ولو صالحه على دراهم وضمنها ثم قال: لا أؤديها [أجبرته على أن يؤديها]
(3)
؛ لأنه التزم بالضمان والزعيم غارم وشرط على نفسه أن يؤدي المال والوفاء بالشرط لازم خصوصًا إذا كان الشرط في عقد لازم ولو لم يكن ضمنها لم يكن عليه شيء ولكن الصلح موقوف على قبول المدعى عليه فإن قيل: لزمه المال وإن رد فالصلح باطل.
قوله رحمه الله
(4)
: (قال العبد الضعيف ووجه آخر): أن يقول: صالحتك على هذه الألف إلى آخره وفيه أوجه أخر غير ما ذكر في الكتاب قال: في الذخيرة
(5)
إذا صالح الرجل عن المدعى عليه بغير أمره لا يخلو إما إن قال المصالح للمدعي: صالح فلانًا على ألف درهم من دعواك على فلان وفي هذا الوجه يقف الصلح على إجازة المدعى عليه ولا ينفذ لا على المصالح ولا على المدعى لم عليه وإن رد المدعى عليه بطل وإن أجاز جاز وكان المطالب بالمال هو المدعى عليه، وأما إن قال المصالح: صالحني وفي هذا الوجه ينفذ الصلح على المصالح وكذلك إذا قال صالح فلانًا على ألف من مالي وكذلك صالح فلانًا على ألف على أني ضامن ففي هذه الأوجه الثلاثة ينفذ الصلح على المصالح ولا يرجع بالمال على المدعى عليه ولا يصير المدعى به ملكًا له وأما إذا قال: صالحتك على ألف درهم ولم يزد. على هذا اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا: هو نظير قوله: صالحني وقال بعضهم هو نظير قوله: صالح فلانًا هذا إذا
(1)
في (أ): والدليل خلافًا.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 20/ 149.
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
ساقطة من (أ).
(5)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 425.
صالح المدعي بغير أمر المدعى عليه وأما إذا صالحه بأمر المدعى عليه وهو أيضًا على وجوه هذا كله فيما إذا كان المدعى عليه منكرا لدعوى المدعي وأما إذا كان مقرًا فهو أيضًا على وجهين: إما إن صالح المصالح بأمره أو بغير أمره وتلك الأوجه المذكورة في صورة الإنكار تجيء ها هنا أيضًا.
قوله رحمه الله
(1)
: (ولم يلتزم شيئًا سواه): لأنه متبرع بالتزام بدفع هذا المعين فلو قلنا: بالتزام
(2)
شيء آخر كان إلزاما عليه شيئًا لم يلتزمه وذلك لا يجوز على المتبرع ولهذا لو وهب شيئًا لم يجبر على تسليمه؛ لأن التسليم تبرع آخر وهو لم يلتزمه فلا يلزم. والله أعلم بالصواب
(3)
.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): بإلزام.
(3)
ساقطة من (ب).
بابُ الصُّلْح في الدَّين
(1)
:
لما ذكر حكم الصلح عن عموم الدعاوي ذكر في هذا الباب حكم صلح الخاص من الدعوى وهو: دعوى الدين؛ لأن الخصوص أبدًا يكون بعد العموم.
(وكل شيء وقع عليه الصلح): أي: كل شيء هو بدل الصلح، (وهو مستحق بعقد المداينة): أي: بدل الصلح من جنس الذي استحقه المدعي على المدعى عليه يعني: ما وقع عليه الصلح من جنس ما يستحقه المدعي على المدعى عليه بالعقد الذي جرى بينهما بطريق المداينة وهي البيع بالدين، صورته باع ثوبًا معينًا مثلًا بعشرة دراهم وافترقا من غير قبض الدراهم من غير ذكر الأجل ثم تصالحا على خمسة دراهم فإنه يجوز. وإن افترقا من غير قبض بدل الصلح الذي هو خمسة دراهم، لأن هذا الصلح محمول على (أنه استوفى بعض حقه وأسقط باقيه) وإنما قيدنا بقولنا: من غير ذكر الأجل فإنه لو كانت له ألف مؤجلة (فصالحه على خمسمائة) حالة لم يجز ما يجيء بالكتاب وإنما حمل هذا على الإسقاط دون المبادلة؛ لأن مبادلة العشرة بالخمسة لا تجوز فيكون مسقطًا بعض الحق بغير عوض وذلك صحيح مع ترك القبض فيما بقي كذا في المبسوط
(2)
ثم إنما ذكر عقد المداينة مع أن الحكم في الغصب كذلك حملًا لأمر المسلم على الصلاح فكان هذا نظير قوله عليه السلام: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"
(3)
ثم اعلم أن فائدة الجهل على استيفاء البعض
(1)
العنوان: ساقط من (أ).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 27.
(3)
أخرجه البخاري (1/ 122)، كتاب الصلاة، باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر، حديث (597)، ومسلم (1/ 477)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب قضاء الصلاة الفائتة رقم (684)، من حديث أنس رضي الله عنه.
وإسقاط البعض لا على المعاوضة إنما يظهر في ثلاث مسائل: أحدها: في القدر كما إذا صالح ألفًا على خمسمائة فلو كان معاوضة لما جاز مثل هذا الصلح لكونه رِبا، والثانية: في الأجل حتى إذا صالح ألفًا حالة على ألف مؤجلة جاز ولو كان معاوضة لما جاز، والثالثة: في نفس نقد البعض وإن كان من جنس ما يستحق بعقد المداينة، لأن فيه شبهة الربا؛ لأن للنقد زيادة مزية على النسيئة وهو فيما ذكره في الكتاب بقوله: (ولو كانت
(1)
له ألف مؤجلة فصالحه على خمسمائة حالة لم يجز) (لأن المعجل خير من المؤجل) والتعجيل ليس بمستحق بالعقد فكان التعجيل بإزاء ما حطّ
(2)
وهو معاوضة معنى فلا يجوز وها هنا ينبغي أن يراد في لفظ الرواية قيد آخر وهو أن يقال: (وكل شيء وقع عليه الصلح وهو مستحق يعقد المداينة) ولا يمكن حمله على بيع الصرف
(3)
لم يحمل على المعاوضة. وإنما قلنا ذلك؛ لأنه إذا أمكن حمله على بيع الصرف يحمل على بيع الصرف، وهو معاوضة وإن كان هو من جنس ما هو مستحق بعقد المداينة فبعد ذلك ينظر إن كان مؤجلًا يبطل الصلح وإلا فلا. ألا ترى
(4)
: أنه لو كان عليه ألف درهم سود حالة فصالحه على ألف درهم بختية
(5)
إلى أجل لا يجوز والبختية
(6)
اسم لما هو أجود من السود ولكن كل واحد منهما من جنس الدراهم وإنما لم تجز في هذه الصورة؛ لأن هذه مصارفة إلى أجل لأنهما قصدا أن تصير الجودة للطالب وذلك لا
(1)
في (أ) و (ب): كان، وما أثبته موافق للأصل، يُنْظَر: الهداية شرح البداية 3/ 195.
(2)
حطّ: أسقط، أو أنقص، والحَطِيطةُ: مَا يُحَطُّ مِنْ جُمْلَةِ الحسَابِ فيَنْقُصُ مِنْهُ. يُنْظَر: لسان العرب 7/ 275.
(3)
الصَّرْفُ فَضْلُ الدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ وَمِنْهُ اُشْتُقَّ اسْمُ الصَّيْرَفِيِّ وَالصَّرَّافِ لِتَصْرِيفِهِ بَعْضِ ذَلِكَ فِي بَعْضٍ، يُنْظَر: طلبة الطلبة 1/ 113، المصباح المنير 1/ 338.
(4)
في (ب): يرى.
(5)
في (ب): بخية.
(6)
في (ب): البخية.
يكون إلا بعد الصرف والصرف إلى أجل باطل بخلاف ما إذا لم يكن للبختية
(1)
صرف على السود فإنه يجوز هذا الصلح؛ لأنه حينئذ
(2)
لم يكن هذا العقد مصارفة بل كان تأجيلًا عليه فيجوز، ألا ترى
(3)
: أنه لو صالحه ألف درهم سود على ألف درهم سود إلى أجل يجوز كذا في الذخيرة
(4)
، وذكر فيها جنس هذه المسائل فقال: وهي على أربعة أوجه: أحدها: هو الذي ذكرنا وهو أن يصالح ألف درهم سود حال على ألف درهم بختية إلى أجل فإنه لا يجوز وقد ذكرنا وجهه، والثاني: عكسه في التأجيل وهو أن يكون عليه ألف درهم سود مؤجل فصالحه على ألف درهم بختية
(5)
حالة جاز إذا نقد البختية
(6)
في المجلس؛ لأن هذه مصارفة بدين وجب قبل عقد الصرف وقد قبض بدله في المجلس، والثالث: إذا كان عليه ألف درهم بختية
(7)
حالة فصالحه على ألف درهم سود إلى أجل وهو جائز؛ لأن هذا من صاحب الدين إبداء عن الجودة وتأجيل للباقي في
(8)
كل ذلك جائز، والرابع: إذا كان عليه ألف بختية
(9)
مؤجلة فصالحه على ألف سود حالة فإنه لا يجوز، لأنه اعتياض عن الأجل.
(1)
في (ب): للبخية.
(2)
في (أ): ح.
(3)
في (ب): يرى.
(4)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 231.
(5)
في (ب): بخية.
(6)
في (ب): البخية.
(7)
في (ب): بخية.
(8)
في (ب): و.
(9)
في (ب): بخية.
وقوله: (يتحرى): أي: يطلب؛ لأن بيع الدراهم بمثلها نسيئة لا تجوز لأن ذلك بيع الدين بالدين؛ لأن كل ذلك من الدراهم ثابت في الذمة (فحملناه على الأخير)؛ لأن التأخير تصرُّف في حق نفسه لا في حق غيره.
(ولو صالحه على دنانير إلى شهر لم يجز): أي: سواء كان مقرًا أو جاحدًا؛ لأنه إن كان مقرًا كان هذا صرفًا بالنسيئة وذلك لا يجوز، وإن كان جاحدًا؛ فلأن الصلح بناء على زعم المدعي وفي زعمه أن هذا صرف بالنسيئة وذلك لا يجوز وكذلك إذا صالحه منها على طعام في الذمة مؤجلًا أو غير مؤجل وتفرقا قبل القبض فهو باطل؛ لأن هذا افتراق عن دين بدين كذا في الذخيرة
(1)
.
(ولا وجه له سوى المعاوضة): لأنه لما لم يكن حمله على التأخير وهو تصرف في حقه بإسقاط حق التعجيل لما أن الدنانير غير مستحقة بعقد المداينة لا بد أن يكون تصرفه مشتملًا على حق الغير مع حق نفسه وهو المعاوضة إذ التصرف في الديون في مسائل الصلح لا يخلو عن أحد هذين الوجهين وهما: وجه الإسقاط، ووجه المعاوضة. وفي التأخير معنى الإسقاط فلما لم يكن حمله على ذلك حمل على المعاوضة.
(وهو غير مستحق بالعقد): أي: المعجل لم يكن مستحقًا له بل المؤجل كان مستحق العقد فإذا صالح على مال موصوف بصفة وفي تلك الصفة نفع للمدعي كان محمولًا على المعاوضة.
(فيكون بإزاء ما
(2)
حطّ عنه): أي: فيكون تعجيل الخمسمائة التي كانت مؤجلة في
(1)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 232.
(2)
ساقطة من (أ).
الأصل بمقابلة الخمسمائة المحطوطة من الألف، وذكر في الإيضاح
(1)
في هذا وقال: لأن الذي أخذ أفضل مما وجب له فإن المعجل خير من المؤجل فتكون هذه الزيادة بإزاء ما حط عنه.
وقوله: (ألف سود): المراد من السود هي الدراهم المضروبة من النقدة السوداء.
إذا صالح عن الألف البيض على خمسمائة سود
(لأن البيض غير مستحقة بعقد المداينة): فلم يمكن حمله على الإسقاط.
(بخلاف ما إذا صالح عن الألف البيض على خمسمائة
(2)
سود فإنه يجوز لأنه إسقاط كله قدرًا ووصفًا بخلاف ما إذا صالح على قدر الدين وهو أجود): أي: بدل الصلح أجود من الدين فإنه يجوز وإن كان معاوضة وذكر في شرح الطحاوي
(3)
: ولو صالح عن حقه على أزيد من جهة الوصف يجوز الصلح والقبض قبل الافتراق شرط نحو أن يكون حقه ألف درهم نبهرجة فصالحه منها على ألف درهم بخية نقد بيت المال جاز الصلح ولكن القبض قبل الافتراق شرط؛ لأنه صرف فإن قلت: ما الفرق بين المسألتين؟ ففي المسألة الأولى: معاوضة لم يجز الصلح وها هنا أيضًا معاوضة جاز الصلح قلت: الأصل في جنس هذه المسائل هو ما ذكره في أول هذا الفصل وهو
(4)
أن ما وقع عليه الصلح إن كان مستحقًا بعقد المداينة قدرًا ووصفًا لم يحمل على المعاوضة وإن لم يكن مستحقًا من حيث القدر أو الوصف يحمل على المعاوضة فبعد ذلك ننظر لو لزم فيه الربا يبطل الصلح وإن وجد القبض في المجلس، وإن لم يلزم فيه الربا بل يلزم عقد الصرف وبه لا يبطل الصلح، ولكن يشترط قبض بدل الصلح في المجلس ففي المسألة الأولى وهي: ما إذا صالح فيه ألفًا سودًا على خمسمائة بيض لزم الربا وذلك؛ لأن
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 1/ 26، العناية شرح الهداية 8/ 426.
(2)
في (ب): خمسة.
(3)
يُنْظَر هذه المسألة في: الجوهرة النيرة 1/ 321.
(4)
ساقطة من (أ).
هذا الصلح باعتبار صفة الجودة في بدل الصلح كان معاوضة؛ لأن الجيد لم يكن مستحقًا بعقد المداينة ولكن المدعى به وبدل الصلح كلاهما
(1)
من جنس واحد فيعتبر فيه المساواة في القدر فبطل الصلح لفوات المساواة في القدر وفي المسألة الثانية: وهي: ما إذا صالح ألفًا على ألف أجود منه لم يبطل الصلح وإن كان هو معاوضة؛ لأنه لم يلزم الربا إلا أن
(2)
ذلك بيع صرف مع مساواة القدر في البدلين وصح
(3)
بيع الصرف وصح الصلح بناء عليه وذكر في الإيضاح
(4)
والأصل في هذا: أنه إذا كان الذي يستوفيه أدون من حقه فهو إسقاط، وإذا كان أزيد قدرًا أو وصفًا أو ما هو بمعنى الزيادة كتعجيل المؤجل، فإنه يعتبر معاوضة لأن هذه الزيادة غير مستحقة له فلايمكن أن تجعل استيفاء فتعتبر
(5)
معاوضة؛ (أو لأن معنى الإسقاط فيه ألزم (
(6)
فيكون الإسقاط ألزم.
(ومن له على آخر ألف درهم): وذكر في شرح
(7)
الجامع الصغير
(8)
من البزدوي وقاضي خان والمحبوبي ألف درهم حالّة (وقال أبو يوسف رحمه الله: لا يعود عليه): أي: برئ عن الباقي سواء دفع إليه الخمسمائة في الغد أو لم يدفع، قال: لأنه شرط ضائع؛ لأن
(1)
في (ب): كليهما.
(2)
في (ب): لأن.
(3)
في (ب): فصح.
(4)
يُنْظَر: العناية شرح الهداي 8/ 427.
(5)
في (أ) و (ب): فيعتبر. والصواب ما أثبته.
(6)
ساقطة من (ب).» لأن الصلح ينبئ عن الحطيطة والحط هنا ألزم في (ب): أكثر.
(7)
في (ب): شروح.
(8)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 27.
النقد واجب عليه اليوم وغدًا؛ لأن المال حال بخلاف ما إذا قال: فإن لم ينقد فلا صلح؛ لأنه مفيد وهو تعليق الفسخ بعدم النقد ألا ترى
(1)
: أن من باع متاعًا بخمسمائة على أن يعجلها اليوم فلم يعجل لا يبطل البيع ولم يكن الشرط معتبرًا وقال: إن لم ينقده اليوم أو إلى يوم أو إلى ثلاثة أيام فلا بيع بيننا كان معتبرًا كما شرط ولهما أن كلام العاقل محمول على الفائدة والصحة ولو حمله على الاشتراط لا يصح لما قال: فيجعل مجازًا عن تعليق انتقاض البراءة لعدم التعجيل أو يجعل مجازًا عن اشتراط الخيار في الصلح ولو صرح بذلك يصح، كما في الوجه الثاني الذي يجيء في الكتاب فكذلك ها هنا بخلاف الوجه الثالث في الكتاب على ما يجيء إلى هذا أشار في الأسرار والجامع الصغير
(2)
لقاضي خان.
(والأداء لا يصلح عوضًا لكونه مستحقًا عليه): لأنه في عين حقه فلا يصلح عوضًا لأن حد المعاوضة أن يستفيد كل واحد منهما بالمعاوضة ما
(3)
لم يكن استفادة قبل ذلك كذا في مبسوط
(4)
شيخ الإسلام.
(ولهما أن هذا إبراء مقيد بالشرط فيفوت بفواته): أي: مقيد بشرط أن يسلم له خمسمائة في الغد فلما لم يسلم فات رضاه في الإبراء فيفوت الإبراء بفوات الشرط المقيد وذكر في الفوائد الظهيرية ولهما أن هذا حط بعوض وقد فات العوض فيه فيبطل الحط كما لو حط بشرط أن يعطيه بالباقي رهنًا أو كفيلًا فلم يعطه وبيان أن هذا حط بعوض أنه حط خمسمائة بشرط أن ينقد خمسمائة الغد ونقد خمسمائة في الغد تصلح عوضًا عن الحط؛ لأن الطالب
(1)
في (ب): يرى.
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 43.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 28، العناية شرح الهداية 8/ 428.
ينتفع به كما هو المعروف وما قال أبو يوسف رحمه الله
(1)
: أن النقد لا يصلح عوضًا عن الحط؛ لأن النقد قبل الحط كان واجبًا قلنا: النقد قبل الحط كان واجبًا في المداينة وبهذا
(2)
الشرط جعل عوضًا عن الحط فيعتبر واجبًا مرة أخرى ليصير عوضًا عن الحط فيبطل الحط بفواته إذ الثابت مرة يعتبر ثابتًا مرة أخرى إذا أفاد اعتباره ثابتًا مرة أخرى بدليل: أن من ظاهرَ من امرأته مرارًا صح لما أن بيانه
(3)
مرارًا يفيد شيئًا وهو وجوب الكفارة. فكذلك ها هنا النقد وإن كان واجبًا بحكم المداينة قبل الصلح إلا أنه يعتبر واجبا مرة أخرى؛ لأنه يفيد إيجابه مرة أخرى ليصير عوضًا عن الحط فيبطل الحط بفواته.
فإن قيل: ما أشار إليه هنا من اعتباره واجبًا مرة أخرى ليصير عوضًا عن الحط موجود فيما إذا قال: أبرأتك عن خمسمائة من الألف على أن تعطيني خمسمائة غدًا قلنا: قال صدر الإسلام في الجامع الصغير
(4)
عقيب التعليل لقولهما أما إذا قال: أبرأتك عن خمسمائة على أن يؤدِّي
(5)
إليَّ خمسمائة ينبغي أن يكون الجواب هكذا أيضًا وفيه إشارة إلى أن للمنع مجالًا فيما إذا بدأ بالإبراء وثنى بالتقييد، ثم الفرق بينهما أنه متى بدأ بالإبراء فأداء الخمسمائة لا يصلح أن يكون عوضًا مطلقًا لكنه يصلح شرطًا فوقع الشك في تقييده بالشرط فلا يتقيد به. بخلاف ما إذا بدأ بالأداء؛ لأن الإبراء حصل مقرونًا به فمن حيث أنه لا يصلح عوضًا يقع مطلقًا ومن
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): وبعد.
(3)
في (ب): إثباته.
(4)
الجامع الصغير: لمحمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم، أَبو اليسر، صدر الإسلام البزدوي: فقيه بخاريّ، ولي القضاء بسمرقند. انتهت إليه رياسة الحنفية في ما وراء النهر. له تصانيف، منها: أصول الدين، توفي في بخارى سنة 493 هـ. يُنْظَر: الجواهر المضيئة 2/ 270.
(5)
في (أ): إلى أن يؤدى.
حيث أنه يصلح شرطًا لا يقع مطلقًا فلا يثبت الإطلاق بالشك فهي محتملة للشرط.
(لوجود معنى المقابلة): يعني أن المعاوضة عبارة عن مقابلة الشيء بالشيء وفي الشرط المقابلة موجودة؛ لأن فيه لم مقابلة الشرط بالجزاء فجاز أن يستعار كلمة المعاوضة للشرط لوجود معنى المقابلة فيه. (أو لأنه متعارف): أي: ولأن
(1)
مثل هذا الشرط متعارف في الصلح بأن يكون تعجيل البعض مقيدًا بإبراء الباقي يعني أن لجواز استعمال مثل هذا الشرط في الصلح معنيين: أحدهما: أن تكون
(2)
كلمة المعاوضة وهي كلمة على مستعارة للشرط لوجود معنى المقابلة بين الشرط والجزاء والثاني: كون مثل هذا الشرط متعارفًا فيه.
(والإبراء مما يتقيد بالشرط وإن كان لا يتعلق به): ثم اعلم أن الفرق ثابت بين التقييد بالشرط والتعليق به لفظًا ومعنى. أما لفظًا: فهو أن في التقييد بالشرط لا يستعمل لفظ الشرط صريحًا وفي التعليق بالشرط يستعمل صريح
(3)
لفظ الشرط كان، وإذا، ومتى، وأما معنى: فإن في تقييد الإبراء بالشرط يحصل الإبراء في الحال بشرط وجود ما قيد به حتى أنه إذا لم يوجد المقيد يعود الدين وأما في تعليق الإبراء بالشرط: لا يوجد الإبراء أصلًا في الحال، لأن المعلق بالشرط عدم قبل وجود الشرط وذلك، لأن التقييد بوقت بمنزلة الإضافة إلى ذلك الوقت والإضافات أسباب في الحال بخلاف التعليق. حتى إن من حلف لا يطلق امرأته فأضاف الطلاق إلى الغد وقال: أنت طالق غدًا، يحنث في يمينه ولو علق طلاقه بمجيء الغد فقال: أنت طالق إذا جاء غد لا يحنث وبيان ذلك مستقصى في أصول الفقه للإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي رحمه الله بعضه في بيان تقسيم السبب وبعضهم في بيان تقسيم العلة. ثم في مسألتنا هذه وهي ما
(1)
في (ب): أو لأن.
(2)
في (ب): يكون.
(3)
في (أ): بصريح.
(إذا كال: أد إليَّ غدًا منها خمسمائة على أنك بريء من الفضل) لم يستعمل صريح لفظ الشرط ولكن فيه معنى الشرط فلذلك سميناه
(1)
تقييدًا لا تعليقًا وتقييد الإبراء بمعنى الشرط جائز وتعليق الإبراء بالشرط لا يصح. حتى لو قال لغريم أو كفيل إذا أديت إلى خمسمائة أو متى أديت إلى أم إن أديت إلي، فأنت بريء عن الباقي فهو باطل ولا يبرئ عن الباقي، وإن أدى إليه خمسمائة سواء ذكر لفظة الصلح أو لم يذكر؛ لأنه صرح بالتعليق فيبطل كما لو قال: إن دخلت الدار فقد أبرأتك بخلاف مسألتنا فإنها صحت؛ لأنه لم يصرح فيها بالتعليق بل ذاك تقييد فإن قلت: ما المعنى في أن الإبراء لا يصح مع التعليق ويصح مع التقييد وإن كان فيه أيضًا معنى التعليق؟ قلت: المعنى فيه هو أن في الإبراء معنى الإسقاط ومعنى التمليك. أما معنى الإسقاط: فهو: أن الإبراء عبارة عن إزالة حق شرعي له متعلق بالغير وكان
(2)
نظير الطلاق والعتاق وكذلك من حيث الحكم فإن الإبراء لا يتوقف صحته إلى القبول كما في الطلاق والعتاق والعفو عن القصاص. وأما معنى التمليك فيه: فلأن الله تعالى سمى إبراء الدين التصدق في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة من: 280] والتصدق عبارة عن تمليك المال. وكذلك من حيث الحكم. فإن
(3)
الإبراء يرتد بالرد كما في سائر التمليكات. ثم التمليك المحض فباطل تعليقه بالشرط كما في تعليق البيع والهبة لما فيه من شبهة القمار وأنه حرام، والإسقاط المحض جائز تعليقه من كل وجه كتعليق الطلاق والعتاق ولما كان الإبراء مشابهة بهما جميعًا قلنا: إذا صرح بحرف التعليق لا يصح اعتبار الشبهة بالتمليك، وإذا لم يصرح بحرف التعليق الذي هو عبارة عن: التقييد يصح اعتبار الشبهة
(1)
في (ب): سمينا.
(2)
في (ب): فكان.
(3)
في (أ): فلأن.
بالإسقاط عملًا بالشبهين وتوفيرًا لحظهما جميعًا بقدر الإمكان ولا يقال أن إبراء الكفيل إسقاط محض حتى لا يرتد بالرد فوجب أن يصح تعليقه بالشرط إلا أنا
(1)
نقول: إبراء الكفيل وإن كان إسقاطًا إلا أنه لا يحلف به كإبراء الأصيل فصح تعليقه بشرط متعارف ولا يصح تعليقه بما ليس بمتعارف. وقد مر نظيره في كتاب الكفالة هذا كله مما أفادني أستاذي
(2)
(3)
رحمه
(4)
الله وإليه أشار في الجامع الصغير لقاضي خان
(5)
أيضًا.
(كما في الحوالة).
يعني
(6)
: أن البراءة مما تتقيد كالحوالة فإنها تتقيد؛ لأن الحوالة على نوعين مطلقة ومقيدة.
إلى هذا أشار الإمام قاضي خان ووجدت بخط شيخي رحمه الله يعني أن: الحوالة تتقيد بشرط السلامة حتى لو مات المحتال عليه مفلسًا يعود الدين إلى ذمة المحيل، فتكون صحة الحوالة مقيدة بشرط السلامة خصوصًا في الحوالة المقيدة فإنه إذا أحال رجلًا إلى رجل من ثمن متاع باعه ثم فسخا البيع عادت الحوالة إلى ذمة المحيل فكانت الحوالة في تقييدها بشرط السلامة نظير مسألتنا: في أن إبراء الخمسمائة مقيد بشرط تسليم الخمسمائة في الغد ومستخرج البداية
(1)
في (ب): لأنا: بدل: إلا أنا.
(2)
صرّح المصنّف أن ما ذكر من لفظ الأستاذ فالمراد به فخر الدين المايمرغي، وهو: محمد بن محمد بن إلياس الملقب فخر الدين المايمرغي تلميذ الكردري وروى الهداية عنه عن مصنفها وهو أستاذ السغناقي وعنه روى الهداية عن الكردري عن المصنف رحمة الله عليهم. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 213، 2/ 115.
(3)
في (ب): أستاذاي.
(4)
في (أ) و (ب): رحمهما وهو لا يناسب السياق.
(5)
يُنظر: الدر المختار 5/ 640.
(6)
في (أ): معنى.
بالإبراء هذا عذر لما قاس عليه أبو يوسف بقوله: كما إذا أبرأ بالإبراء والتخريج الذي وعده هو في قوله: (والثالث: إذا قال أبرأتك من خمسمائة من الألف على أن تعطيني الخمسمائة غدًا) إلى آخره.
(وهذه المسألة على وجوه): أي وجوه خمسة: فوجه الحصر فيها هو: أن رب الدين في تعليق الإبراء بأداء بعض الدين لا يخلو إما أن بدأ بالأداء أم لا، فإن بدأ به فلا يخلو إما أن يذكر معه بقاء الباقي على المديون صريحًا عند عدم الوفاء بالشرط أم لا، فإن لم يذكره فالوجه الأول، وإن ذكره فالوجه الثاني، وإن لم يبدأ بالأداء فلا يخلو إما: إن بدأ بالإبراء أم لا، فإن بدأ فالوجه الثالث: وإن لم يبدأ بالإبراء فلا يخلو إما أن بدأ بحرف الشرط أم لا: فإن لم يبدأ فالوجه الرابع: وإن بدأ فالوجه الخامس.
قوله: رحمه الله
(1)
فالإبراء
(2)
فيه واقع).
أي: بالإجماع.
(لأنه أطلق الإبراء أولًا وأداء الخمسمائة لا يصلح عوضًا): لأن العوض ما لا يكون حاصلًا له وها هنا أداء الخمسمائة حاصل له لأنه واجب عليه دون إبراء بعضه وذكر الإمام المحبوبي أن قوله: أبرأتك عن خمسمائة إبراءً مطلقًا فإنما يصير مقيدًا من حيث إنه جعل إعطاء الخمسمائة عوضًا عن الإبراء وهو لا يصلح عوضًا إن كان يصلح شرطًا فمن حيث أنه
(3)
لا يصلح عوضًا لا يصير الإبراء مقيدًا، ومن حيث أنه يصلح شرطًا يصير مقيدًا فلا يصير مقيدًا بالشك.
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
في (ب): والإبراء.
(3)
ساقطة من (ب).
(فوقع الشك في تقييده بالشرط): أي: في تقييد الإبراء.
قوله رحمه الله
(1)
: (ففعل): أي: أخَّر ربُّ الدين دينَه عمن قال هذا القول أو حط عن دينه شيئًا جاز عليه أي جاز هذا التصرف وهو التأخير أو الحط على رب الدين أي: نافذ ولازم عليه حتى أنه بعد التأخير لا يتمكن من مطالبتها في الحال وفي الحط لا يتمكن من مطالبته بما حط أبدًا؛ لأنه ليس بمكره لإمكانه من إقامة البينة أو التحليف فينكل، وكذلك الصلح على الإنكار يجوز فكان التأخير أو الحط صادرًا عن رب الدين عن طوع واختيار صحيح فيلزم على رب الدين موجبة غاية ما في الباب أن رب الدين مضطر في هذا التصرف من التأخير والحط؛ لأنه لو لم يفعل ذلك لا يقر. قلنا: أن تصرف المضطر نافذ كتصرف غيره ألا ترى
(2)
: أن من أصابته مجاعة فباع عينًا من أعيان ماله بطعام ليأكله كان تصرفه نافذًا وإن كان مضطرًا فيه، فكذلك
(3)
إذا أخر أو حط مضطرًا إلى هذا أشار الإمام المرغيناني والمحبوبي في شرح الجامع الصغير
(4)
.
(يؤخذ به) أي: يؤخذ المقر بالمال في الحال. والله أعلم.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): يرى.
(3)
في (ب): وكذلك.
(4)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 30.
فصلٌ في الدَّين المُشترك
(1)
أخّر بيان حكم الدَّين المشترك عن حكم الدَّين المفرد لما أن الاثنين يتلوان الواحد أبدًا.
(وإذا كان الدَّين بين شريكين) إلى آخره، وإنما وضع المسألة في الدَّين المشترك
(2)
؛ لأن دعوى شِركة الرجلين إذا كانت في دار (فصالح أحدهما) على شيء لم يشركه الآخر فيه. وقد ذكر في باب الصلح في الغصب من صلح المبسوط
(3)
: ولو أن رجلين ادعيا في دار دعوى ميراث عن أبيهما فصالح رب الدين أحدهما على مال لم يشركه الآخر فيه إن كان المصالح منكرًا أو مقرًا؛ لأنهما يتصادقان على أن المدعى ملكهما فإن المصالح بائع لنصيبه وتصادقهما يكون حجة في حقهما وذكر هذه المسألة في آخر صلح فتاوى قاضي خان رحمه الله
(4)
، وذكر هذا الحكم ولكن فيما إذا كان المدعى عليه منكرًا أو قال: رجلان ادعيا أرضًا أو دابة في يد رجل وقالا هي لنا ورثناها من أبينا فجحد الذي في يديه فصالحه أحدهما عن حصته على مائة درهم فأراد الابن الآخر أن يشاركه في المائة لم يكن له أن يشاركه؛ لأن الصلح معاوضة في زعم المدعي فداء عن اليمين في زعم المدعى عليه فلم يكن معاوضة من كل وجه فلا يثبت للشريك حق الشركة في بدل الصلح بالشك
(5)
فصالح أحدهما من نصيبه قيد بالمصالحة من نصيب أحدهما؛ لأنه إذا اشترى أحدهما بنصيبه سلعة لم يشركه الآخر فيها على ما يجيء في الكتاب.
(1)
العنوان: ساقط من (أ).
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 59.
(4)
ساقطة من (أ).
(5)
في (ب): في الشك.
وقيد بالمصالحة (على ثوب) ليستقيم ما ذكره من حكم الخيار للقابض (بقول: إلا أن يضمن له شريكه ربع الدين) ونص في المبسوط
(1)
على أن الخيار للقابض في الصلح على الثوب وأما إذا صالح على نصيبه من جنس حقه من الدراهم أو الدنانير أو أحد نصيبيه من هذين الجنسين من المديون ليس الخيار للقابض وإنما الخيار لشريكه وقال
(2)
في المبسوط: كل عرض بين رجلين غصبه رجل واستهلكه ثم صالحه أحدهما من نصيبه على دراهم أو دنانير كان لشريكه أن يشاركه فيها؛ لأن الواجب بعد الاستهلاك القيمة وهي مشتركة بينهما فإنها وجبت بسبب واحد
(3)
وهو الغصب عوضًا عما هو مشترك بينهما وهو المغصوب فيكون مشتركًا بينهما، كما لو باعا من واحد بثمن واحد وأحد الشريكين في الدين إذا استوفى نصيبه كان للآخر أن يشاركه في المقبوض ثم قال ولو صالحه على ثوب فلشريكه أن يرجع عليه ولكن للقابض عليه
(4)
الخيار؛ إن شاء أعطاه نصف ذلك الثوب؛ وإن شاء أعطاه ربع قيمة العرض بخلاف الأول. فهناك يلزمه أن يدفع إليه نصف ما قبض؛ لأن ما وقع عليه الصلح هناك من جنس القيمة دراهم أو دنانير فيكون مشتركًا بينهما فكان مستوفيًا لبعض حقه وذلك المستوفى جزء عما هو مشترك بينهما فيلزمه دفع نصيبه بعينه إلى شريكه وها هنا الثوب ليس من جنس القيمة فكان
(5)
هو بالصلح مباشرًا سبب الملك لنفسه في الثوب بنصيبه من الدين فيكون بمنزلة: بمنزلة: ما لو اشترى نصيبه من الدين ثوبًا إلا أن في الشراء حق الشريك قبله يتعين في نصف
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 12/ 148.
(2)
في (ب): فقال.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
في (أ): وكان.
نصيبه من القيمة؛ لأن مبنى الشراء على الاستقصاء وفي الصلح يتخير المصالح؛ لأن مبنى الصلح على التجوز بدون الحق فمن حجته أن يقول: إنما وصلت إلى حقي؛ لأني تجوزت بدونه فيجوز أنت بمثل ذلك إن أردت مشاركتي فيعطيه نصف الثوب بهذه الحجة إن شاء، وإن شاء أمسك الثوب؛ لأنه هو المباشر لسبب
(1)
الملك وهو المعاوضة وأعطى صاحبه ربع القيمة كما في الشراء.
قوله رحمه الله
(2)
: (إلا ان يضمن له شريكه): هذا استثناء عن قوله: (فشريكه بالخيار): أي: حينئذ لا خيار لشريكه في اتباع الغريم أو شريكه القابض على ما ذكرنا من تنصيص المبسوط على ذلك.
الدين المشترك بين اثنين
(وأصل هذا: أن الدين المشترك بين اثنين إذا قبض أحدهما شيئًا منه): أي: من الدين كالدراهم والدنانير، (فلصاحبه أن يشاركه في المقبوض)، وهو الدراهم والدنانير وأما إذا أخذ بمقابلة نصيبه ثوبًا ليس لصاحبه أن يشاركه في المقبوض بل الخيار للقابض على ما ذكرنا في تنصيص رواية المبسوط وإشارة رواية الكتاب؛ (لأنه ازداد بالقبض)، أي: لأن الدين ازداد خيرًا بسبب كونه منقودًا يعني فلصاحبه أن يشاركه في المقبوض حتى يساوي الساكت القابض. فإن نصيب الساكت دين؛ ونصيب القابض عين؛ والعين أفضل من الدين.
(ولكِنَّه قَبْلَ المشاركة): أي: ولكن المقبوض قبل أن يختار الشريك مشاركة القابض في المقبوض والمقبوض
(3)
(باقٍ على ملك القابض) وهذا الاستدراك جواب لسؤال مقدر وهو أن
(1)
في (ب): سبب.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
في (ب): فالمقبوض.
يقال: لو كانت زيادة الدين بالقبض (كزيادة الثمرة
(1)
والولد) لما جاز تصرف القابض في المقبوض. كما لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في الثمرة والولد بغير إذن الآخر.
(والدَّين المشترك إلى قوله: إذا كان صفقة واحدة): قيد بها؛ لأنه إذا كان عبد بين رجلين باع أحدهما نصيبه من رجل بخمسمائة وباع الآخر نصيبه منه بخمسمائة كتبا عليه صكًّا واحدًا بألف ثم قبض أحدهما منه شيئًا لم يكن للآخر أن يشاركه، فيه لأن نصيب كل واحد منهما وجب على المطلوب بسبب آخر فلا تثبت الشركة بينهما باتحاد الصك كما لو أقرضه كل واحد منهما خمسمائة كتبا بالألف صكًّا واحدًا. ثم ينبغي أن لا يكتفى بقوله: إذا كان صفقة واحدة بل ينبغي أن يزاد على هذا ويقال: إذا كان صفقة واحدة بشرط أن يتساويا في قدر الثمن وصفته؛ لأنهما لو باعاه صفقة واحدة على أن نصيب فلان منه بمائة ونصيب فلان بخمسمائة ثم قبض أحدهما منه شيئًا لم يكن للآخر أن يشاركه فيه؛ لأن تفرق التسمية في حق البائعين
(2)
كتفرق الصفقة. بدليل أن للمشتري أن يقبل البيع في نصيب أحدهما وكذلك لو اشترط أحدهما أن نصيبه خمسمائة بخية ونصيب الآخر خمسمائة سود لم يكن للآخر أن يشارك فيما قبضه الآخر
(3)
؛ لأن التسمية تفرقت وتميز نصيب أحدهما عن نصيب الآخر وصفًا. كذا في باب الصلح في الدين من صلح المبسوط
(4)
وذكر في شركة التتمة والذخيرة
(5)
(1)
في (أ): الثمن، وفي (ب): الثمر. والصواب ما أثبته، وهو موافق لما في العناية شرح الهداية 8/ 433.
(2)
في (أ): العاقدين.
(3)
في (أ): للآخر.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 41.
(5)
يُنْظَر: قرة عين الأخيار 8/ 338.
رجلان لهما على آخر ألف درهم وأراد
(1)
أحدهما أن يأخذ حصته ولا يكون لشريكه سبيل. قال: نصير
(2)
رحمه الله يهب الغريم له مقدار حصته ويقبض أي: أحد الشريكين ثم يبرئ الغريم من حصته وقال أبو بكر
(3)
: في النوازل: يبيع من المطلوب كفًّا من زبيب بمقدار حصته من الدين وسلم إليه الزبيب ثم يبرئ الغريم عن حصته دينه ويطالبه بثمن الزبيب ويأخذ منه فلا يكون لشريكه في ذلك شيء
(4)
.
وقوله: (لأن مبنى البيع على المماكسة (
(5)
كاملًا فلو ألزمناه دفع ربع الدين يتضرر به فيتخير
(6)
القابض).
يعني: أن المصالح بالصلح صار كأنه أبراه عن بعض نصيبه واستوفى البعض فمتى يعطيه ربع الدين من غير خيار يتضرر به المصالح؛ لأنه لم يستوف نصف الدين لما ذكرنا أن الصلح ينبئ على الحطيطة كذا ذكره شيخ الإسلام
(7)
.
وقوله: (كما ذكرنا): إشارة إلى قوله: (إلا أن يضمن له شريكه)، وقد ذكرنا أن فيه دلالة
(1)
في (ب): فأراد.
(2)
هو: نصير بن يحيى وقيل نصر البلخي تفقه على أبي سليمان الجوزجاني عن محمد روى عنه أبو عتاب البلخي مات سنة 268 هـ. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 200.
(3)
بذلت جهدي في البحث عنه ولم أجده.
(4)
يُنْظَر: هذه المسألة في الفتاوى الهندية 2/ 338.
(5)
المكس: انتقاص الثمن في البياعة. والمماكسة في البيع انتقاص الثمن واستحطاطه والمنابذة بين المتبايعين. يُنْظَر: لسان العرب 6/ 220.»: تعليل لقوله: (لأنه صار قابضًا حقه بالمقاصّة في (أ): بالمقايضة.
(6)
في (ب): فيخيّر.
(7)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 46.
على خيار القابض؛ لأن تقدير كلامه
(1)
فشريكه الساكت بالخيار في الاتباع إلا أن يضمن الشريك القابض للشريك الساكت (ربع الدَّين). فحينئذ لم يبق الخيار للشريك الساكت (والاستيفاء) بالدفع أي: استيفاء دين القابض للقابض إنما حصل (بالمقاصة بين ثمن الثوب وبين الدَّين) وهذا جواب لسؤال مقدر وهو أن يقال: ينبغي أن يكون الثوب مشتركًا بين الشريكين لحصوله بدين مشترك. فأجاب عنه بهذا وقال: لم يكن بدين مشترك بل بدينه الخاص بطريق المقاصة فإن قيل: في هذا الجواب ورد سؤال آخر وهو: أن قسمة الدين قبل القبض لا تصح وفي المقاصة بدينه
(2)
الخاص تلزم قسمة الدين قبل القبض قلنا: قسمة الدين قبل القبض إنما لا تجوز قصدًا أما ضمنًا فجائز. وها هنا وقعت قسمة الدين في ضمن صحة الشراء كما وقعت في المسألة الأولى في ضمن صحة المصالحة (وللشريك أن يتبع الغريم في جميع ما ذكرنا) وهو الصلح من نصيبه على ثوب واستيفاء نصيبه بالدراهم والدنانير وشرى السلعة بنصيبه.
(لكن له حق المشاركة): أي: للشريك الساكت. (فلو سلَّم): أي
(3)
: الشريك الساكت) أي: للشريك القابض (ما قبض) وهو الثوب الذي هو بدل الصلح والدراهم والدنانير والثوب المشترى (ثم نوى مما على الغريم) بأن مات مفلسًا يعني: إذا قال الشريك الساكت للقابض: إني سلمت لك ما قبضت فلا أرجع عليك بنصف ما قبضت ولكن أرجع على الغريم بنصيبي ثم مات الغريم مفلسًا، كان له أن يرجع على الشريك القابض في نصف ما قبض أو قيمته كالمحتال له بعد قبول الحوالة إذا مات المحتال عليه مفلسًا يرجع على المحيل،
(1)
في (ب): الكلام.
(2)
في (أ): بدين.
(3)
في (أ): أن.
فكذلك هاهنا. وذكر في الإيضاح
(1)
فإن سلَّم له ذلك ثم نوى الدين على الغريم وله
(2)
أن يرجع على الشريك إلا أنه ليس له أن يرجع في عين تلك الدراهم وللقابض أن يمسكها ويعطيه مثلها، لأن حقه سقط عن تلك
(3)
العين
(4)
بالتسليم فإذا نوى عاد حقه في مثله لا في عينه.
(ولو وقعت المقاصّة بدين كان عليه من قبل): أي: بدين كان على أحد الشريكين للمديون قبل الدين المشترك بأن أقرَّ أحد الشريكين إن عليه دينًا للمديون قبل ثبوت الدين المشترك.
(لم يرجع عليه الشريك، لأنه قاضٍ): أي: مؤدٍ دينه. (لا مقتض).
أي: لا مستوف دينه وإنما قلنا: أن هذا قضاء لنصيبه في الدين اقتضاء؛ لأن آخر الدينين يصير قضاء عن أولهما؛ لأن القضاء لا يسبق الوجوب وإنما يشاركه الآخر فيما يقبض فإذا لم يصر بهذا الطريق قابضًا شيئًا لا يكون للآخر أن يشاركه فيه كما لو أبرأه من نصيبه أو وهبه له
(5)
وكذلك لو جنى عليه عمدًا بدون النفس جناية يكون أرشها خمسمائة كذا
(6)
في المبسوط
(7)
.
(ولو أبرأه عن البعض كانت قسمة
(8)
الباقي على ما بقي من السهام): حتى لو كان
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 35.
(2)
في (ب): فله.
(3)
في (أ) و (ب): ذلك. والصواب. ما أثبته.
(4)
في (أ): العتق.
(5)
في (أ): له عليه: بدل: له.
(6)
في (ب): كذلك.
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 40.
(8)
في (ب): القسمة.
لهما على المديون عشرون درهما فأبرأ أحد الشريكين عن نصف نصيبه كان له المطالبة بالخمسة وللساكت المطالبة بالعشرة.
إذا أخّر أحد الشريكين نصيبه
(ولو أخر أحدهما عن نصيبه صح عند أبي يوسف رحمه الله ولا يصح عندهما): اعلم أن هذا الذي ذكره
(1)
من صفة الاختلاف مخالف لما ذكره في عامة روايات الكتب من المبسوط والأسرار والإيضاح
(2)
وغيرها حيث ذكر فيها قول
(3)
محمد مع قول أبي يوسف فقال في المبسوط
(4)
، وغيره: وإذا كان لرجلين على رجل ألف ألف درهم من ثمن بيع حالة فأخر أحدهما حصته لم يجز ذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله
(5)
وجاز في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وذكر في التتمة والذخيرة قول محمد: في أنه يجوز التأخير مخالفًا لقول
(6)
أبي حنيفة رحمه الله
(7)
ولم يذكر قول أبي يوسف ثم هذا الاختلاف بينهم بينهم كيف ما كان في إنشاء التأخير، وأما إذا أقرَّ أحد الشريكين أن الدين مؤجل إلى سنة وأنكر الآخر صح إقرار المقر في نصيبه بالإجماع وهو حجة أبي يوسف ومحمد فإنهما يقيسان إنشاء التأجيل على الإقرار بالتأجيل كذا في المبسوط
(8)
.
قوله: رحمه الله؛ (لأنه يؤدي إلى قسمة الدين قبل القبض): فإن قلت: هاهنا سؤالان
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 35.
(3)
مع قول محمد: تكررت في (أ).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 37.
(5)
في (ب): رضي الله عنه.
(6)
في (أ): وأما إذا: بدل مخالفًا لقول.
(7)
ساقطة من (أ).
(8)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 37.
أحدهما: هو أن أبا حنيفة رحمه الله لم يجعل الإبراء المطلق من أحد الشريكين قسمة الدين قبل القبض وجعل الإبراء المؤقت وهو: التأخير من أحدهما قسمة الدين قبل القبض مع أن في كل منهما تصرف لأحد الشريكين في نصيبه على وجه يخالف به وصف أحد النصيبين للآخر وكان
(1)
به تميز حاصل لأحد النصيبين من الآخر وهو معنى القسمة كان ينبغي أن يجوز كلاهما أو لا يجوز كلاهما. فما وجه الفرق لأبي حنيفة بينهما؟ والثاني: ما المعنى الفقهي في عدم جواز قسمة الدين قبل القبض؟ قلت: أما الفرق فإنه لا يلزم في إبراء نصيبه قسمة الدين قبل القبض؛ لأنه لا يبقى نصيبه بعد الإبراء أصلًا والقسمة إنما تكون مع بقاء نصيب كل واحد منهما وفي التأخير بقي نصيب كل واحد منهما في أصل الدين على حاله حتى أن الآخر إذا قبض نصيبه ثم حل الأجل كان للمؤخر أن
(2)
يشاركه في المقبوض وما بقي مشتركًا بينهما والباقي هو ما كان مؤجلًا. فلما بقي نصيب كل واحد منهما في أصل الحق كما كان أمكن أن يقال بالقسمة لتميز وصف النصيبين بأن أحدهما حال والآخر مؤجل وإنما قلنا: أن هذا قسمة؛ لأن نصيب أحدهما يصير مخالفًا لنصيب الآخر في الوصف والحكم أما في الوصف به
(3)
يقال لأحد لأحد النصيبين حال وللآخر مؤجل وأما في الحكم: فإن للساكت أن يطالب المديون بنصيبه في الحال وللمؤخر لا والقسمة ليست إلا أن يصير أحد النصيبين مخالفًا للآخر والثاني من الفرق بينهما أي: في جواز الإبراء وعدم جواز التأخير وجود الضرر وعدمه؛ وذلك لأن في تصرف المؤخر إضرار بشريكه وأحد الشريكين إذا تصرف في نصيبه على وجه يلحق الضرر بصاحبه لم ينفذ تصرفه في حق شريكه كما لو كان أحد الشريكين في العبد نصيبه كان للآخر
(1)
في (ب): فكان.
(2)
في (أ): إذ.
(3)
في (ب): فإنه: بدل: به.
أن يبطل الكتابة وهاهنا كذلك في التأخير ضرر بدون الإبراء بيان ذلك أنه يجعل مؤونة المطالبة بجميع الدين على شريكه؛ لأنه إذا أخر نصيبه ثم استوفى النصيب الآخر فهو يشاركه عند حلول الأجل في المقبوض فلا يزال
(1)
يفعل هكذا حتى تكون مؤونة المطالبة في جميع الدين على شريكه وفيه من الضرر ما لا يخفى بخلاف الإبراء، فإنه ليس في تصرفه هناك إضرار بشريكه؛ لأنه لا يشاركه فيما يقبض بعد ذلك وأما الجواب عن السؤال الثاني: وهو أن قسمة الدين قبل القبض إنما لا تجوز لانعدام حد القسمة لعدم شرطها وهو وجود النصيبين فصاعدًا حسًا وذلك، لأن القسمة تمييز وما في الذمة لا يتصور فيها التمييز
(2)
وفي العين القسمة بدون التمييز لا تحصل
(3)
فإنه لو كان بين رجلين صبرة طعام وقالا: اقتسمنا على أن هذا الجانب لي والجانب الآخر لك لا يجوز فهاهنا أولى: ولأن في القسمة تمليك كل واحد منهما نصف نصيبه من شريكه عوضًا عما يتملكه عليه وتمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز؛ لأن في ذلك نقلًا للوصف من محل إلى محل آخر قصدًا والانتقال على الأوصاف محال والدين وصف شرعي في الذمة يظهر أثره عند المطالبة إلى هذا أشار في المبسوط
(4)
، وزيف الإمام القاضي الدبوسي
(5)
التعليل في هذه المسألة في جانب أبي حنيفة بلزوم
(6)
قسمة الدين قبل القبض وقال: عامة مشايخنا يحتجون في المسألة أن التأخير يؤدي إلى قسمة الدين قبل القبض وأنه محال إلى
(1)
في (ب): يزل.
(2)
في (أ): تمييز.
(3)
في (أ) و (ب): يحصل. والصواب ما أثبته. لمناسبة السياق.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 13/ 70.
(5)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 48.
(6)
في (أ): يلزم.
أن قال: وهذا كلام ظاهر الاختلال؛ لأن أبا يوسف ومحمدًا رحمهما الله يقولان التأجيل لا يوجب القسمة؛ لأنه تصرف في المطالبة فأصل الدين يبقى على ما كان مشتركًا بينهما وبالتأخير يتغير صفة نصيب لم أحدهما بأن لا يبقى مطالبًا به للحال وتغير صفة النصيب لا يدل على انقطاع الشركة ألا ترى
(1)
: أن أحدهما لو أقرَّ بأن نصيبه لفلان صح وقد تغير صفة الملك فإنه كان مضافًا إليه والآن صار مضافًا إلى غيره وكذلك لو كان عينا لا يحتمل القسمة فوهب أحدهما نصيبه لأجنبي وسلم صح والشركة باقية وقد يغير المالك وتغير الصفة؛ لأن حكم الهبة يخالف حكم المشتري. ولكن الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي رحمه الله
(2)
في المبسوط
(3)
اختار هذا التعليل المذكور في الكتاب. وقال: وإنما قلنا: أن هذه قسمة؛ لأن نصيب أحدهما يصير مخالفًا لنصيب الآخر في الوصف والحكم، والقسمة ليست إلا هذا. فإن القول ما قالت حذام
(4)
.
(1)
في (ب): يرى.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 38.
(4)
هِيَ حذام بنت الريان وَقعت بَين أبيها وَبَين عاطس بن علاج بن ذِي الجنَاح حَرْب فتحاجزا لما عضهما الْقرح وَرجع كِلَاهُمَا إِلَى عسكره ثمَّ إِن الريان هرب من ليلته فسارها والغد وَلَا يلوي على شَيْء فَلَمَّا أصبح عاطس أتبعه فُرْسَانًا حَتَّى إِذا قربوا من الْمَكَان نبهوا القطا فطار مُقبلا نَحْو أَصْحَاب الريان فَقَالَت حذام لَو ترك القطا لَيْلًا لنام فَرَفَضُوا قَوْلَهَا وأخلدوا إِلَى الْمضَاجع قَالَ دميس بن ظَالِم الأعصري (الوافر): (إِذا قَالَت حذام فصدقوها
…
فَإِن القَوْل مَا قَالَت حذام) فارتحلوا حَتَّى لاذوا بواد قريب مِنْهُم فوجدوهم قد امْتَنعُوا فَرَجَعُوا وَقيل قَائِله لجيم بن صَعب وحذام امْرَأَته وَهِي قد خوفته بيات الْعَدو فكذبها ثمَّ بيتوها فنجا مِنْهُم فَقَالَ ذَلِك يضْرب في تَصْدِيق الرجل أَخَاهُ عِنْد إخْبَاره. يُنْظَر: المستقصى في أمثال العرب (1/ 340)، مجمع الأمثال (2/ 106).
الاستئجار بين الشريكين
(والاستئجار بنصيبه قبض): صورة المسألة ما إذا كان لرجلين على رجل ألف درهم
فاستأجر أحدهما بنصيبه من الألف دارًا من الغريم سنة وسكنها، فأراد شريك المستأجر اتباعه فإن له ذلك؛ لأنه صار مقتضيًا نصيبه وقد قبض ما له حكم المال من كل وجه؛ لأن ما عدا منافع البضع من المنافع جُعل مالًا من كل وجه عند ورود العقد عليها حتى لم يثبت الحيوان دينًا في الذمة بدلًا عن النفقة كما في غيرها من الأموال. كذا في مبسوط
(1)
شيخ الإسلام. وذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في المبسوط
(2)
بعد ما ذكر أن الاستئجار بمنزلة القبض حتى أن للآخر أن يرجع على المستأجر بنصف نصيبه قال: وروى ابن سماعة عن محمد رحمه الله هذا إذا استأجر أحدهما بخمسمائة أي مطلقًا من غير إضافته إلى نصيبه من الدين ثم صار قصاصًا بنصيبه فأما: إذا استأجر بحصته من الدين لم يكن للآخر أن يرجع عليه بشيء وجُعل هذا بمنزلة النكاح؛ لأن المنفعة ليست بمال مطلق. فإذا كان بدل نصيبه المنفعة لا يضمن باعتباره مالًا مطلقًا لشريكه وكذا الإحراق. وفي بعض النسخ الإصداق، ولكن في المبسوط وغيره.
حرق الثوب بين الشريكين
(وكذا
(3)
الإحراق): وفي
(4)
المنظومة
(5)
: (ألْفٌ على زيد لعمرو وعمر، أحرق عمرو ثوب زيد بشرر)؛ ولأنه عطف عليه قوله والتزوج به إتلاف فيجب أن يكون المعطوف غير المعطوف عليه ولا يوجد ذلك في لفظ الإصداق قبل، صورة المسألة المختلف فيها ما إذا رمى بالنار على ثوب المديون فأحرقه. وأما إذا أخذ الثوب ثم أحرقه فإن للشريك الساكت أن يتبع
(1)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 436.
(2)
انظر: المبسوط للسرخسي 21/ 43.
(3)
في (ب): ذكر: بدل: وكذا.
(4)
ساقطة من (أ).
(5)
منظومة في الفقه: لعمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل، أبو حفص، نجم الدين النسفي 1/ 394، تاج التراجم (ص: 220).
المحرق بالإجماع؛ لأنه حينئذ يكون الاستهلاك بعد الغصب وذكر حكم الغصب بأنه بمنزلة قبض حصته من الدين فيرجع عليه الشريك بدفع الدين إذا كان الثوب يساوي خمسمائة بالإجماع وما ذكر في المبسوط في تعليلهما يدل على صحة هذا القيد فإن محمدًا يقول: أنه بالإحراق صار قابضًا متلفًا لمال مضمون فيكون ذلك كالغصب والمديون صار قابضًا
(1)
لنصيبه بطريق المقاصة فيجعل المحرق مقتضيًا، وقال أبو يوسف: لا يرجع عليه بشيء؛ لأنه متلف نصيبه بما صنع لا قابض فالإحراق إتلاف. وكان
(2)
هذا نظير الجناية فإنه لو جنى على نفس المديون حتى سقط نصيبه من الدين لم يكن للآخر أن يرجع عليه بشيء، فكذلك إذا جنى على ماله بالإحراق.
(والتَّزَوُّجُ به): أي: التزوج بنصيبه من الدين. (إتلاف): حتى لا يرجع الآخر على المتزوج
(3)
وإنما قيد بنصيبه؛ لأنه لو تزوج أحد الشريكين المديونة على خمسمائة ونصيبه خمسمائة ولكن لم يضف إلى الدين فإن ثمة يتبع الساكت الزوج؛ لأن الزوج صار مستوفيًا نصيبه بطريق المقاصة فيرجع الساكت عليه ولا كذلك إذا
(4)
أضاف العقد إلى الدين؛ لأن النكاح تعلق به فيسقط بنفس القبول فصار بمنزلة الإبراء. وهناك لا يتبع فكذا هنا كذا في مبسوط
(5)
شيخ الإسلام رحمه الله
(6)
.
(1)
في (ب): قاضيًا.
(2)
في (ب): فكان.
(3)
في (أ): التزويج.
(4)
تكررت في (أ).
(5)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 36.
(6)
ساقطة من (أ).
(في ظاهر الرواية): هذا احتراز عما روى بشر
(1)
عن أبي يوسف رحمهما
(2)
الله: أن للآخر أن يشاركه فيضمنه نصف نصيبه من الدين كذا في المبسوط
(3)
وذكر في الإيضاح
(4)
ولو كان دين بين شريكين على امرأة فتزوجها أحدهما على حصته من الدين فقد اختلفت الرواية عن أبي يوسف ففي رواية يرجع بنصف حقه من ذلك؛ لأن القبض وقع بطريق المقاصة كما في بدل البيع وفي رواية لا يرجع وهو قول محمد، لأن ما سلم له لم يكن المشاركة فيه فالدين وإن صار مقبوضًا لكن لابد من النظر فيما سلم فإذا لم يسلم له شيء لم يمكنه المشاركة فيه ولم يظهر معنى الزيادة له فلا يرجع كما لو أبرأ.
(وكذا الصلح): معطوف على قوله: والتزوج له إتلاف أي الصلح (عن جناية العمد) إتلاف أيضًا حتى لم يكن للآخر أن يشاركه فيه؛ لأنه ما صار مستوفيًا مضمونًا أو شيئًا قابلًا للشركة إنما صار متلفًا لنصيبه فلا يكون للآخر أن يرجع عليه بشيء كذا في المبسوط
(5)
. وقيل: وقيل: إنما قيد بحناية العمد
(6)
؛ لأن في جناية الخطأ يرجع. ولكن لفظ الإيضاح مطلق غير متعرض للعمد ولا للخطأ فقال: ولو شجَّ
(7)
الطالبُ المطلوبَ موضحة
(8)
فصالحه على حصته
(1)
هو: بشر بن الوليد بن خالد، أبو الوليد، الكِندي. والكندي نسبة إلى كندة بكسر الكاف. قبيلة مشهورة باليمن. فقيه حنفي، قاضي العراق. وهو أحد أصحاب أبي يوسف خاصمة، وعنه أخذ الفقه. سمع مالكًا وحماد بن زيد وغيرهما. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة (1/ 166)، تاريخ بغداد (7/ 80).
(2)
في (أ): رح.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 42.
(4)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 36.
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 40.
(6)
في (أ): العبد.
(7)
الشَّجُّ: وهو كسر الرأس من حَدِّ دخل. يُنْظَر: طلبة الطلبة 1: 165.
(8)
الموضحة هي: التي تقشر الجلدة التي بين اللحم والعظم أو تشقها حتى يبدو وضح العظم، وهي التي يكون فيها القصاص خاصة، لأنه ليس من الشجاج شيء له حد ينتهي إليه سواها. يُنْظَر: لسان العرب 2/ 635.
حصته لم يلزمه لشريكه شيء؛ لأن الصلح عن الموضحة بمنزلة النكاح.
في السلم بين شريكين
(وإذا كان السَّلَمُ بين شريكين): أي: المسلم فيه، (فصالح أحدهما من نصيبه)، أي: من المسلم فيه، (على رأس المال)، أي: صالح أحد ربي المسلم مع المسلم إليه على أن يأخذ نصيبه من رأس المال ويفسخ عقد السلم في نصيبه، (لم يجز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله)، أي: بدون إجازة الشريك الآخر أما إذا أجاز صلحه فيجوز عندهم جميعًا وذكر هذه المسألة في المبسوط
(1)
في وسط الباب الأول من كتاب البيوع فقال: وإذا أسلم الرجلان إلى رجل في طعام فصالحه أحدهما من نصيبه على رأس ماله فالصلح موقوف عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
(2)
فإن اجازه الآخر جاز وكان المقبوض من رأس المال مشتركًا بينهما وما بقي من طعام السلم مشتركًا بينهما وإن لم يجزه فالصلح باطل. وعند أبي يوسف الصلح جائز بين المصالح والمسلم إليه؛ لما أن الصلح عن المسلم فيه على رأس المال كالصلح عن سائر الديون على أي بدل كان عنده ثم أحد ربي الدين إذا صالح عن نصيبه مع المديون على بدل جاز الصلح ويخير الآخر بين أن يشاركه في المقبوض وبين أن يرجع على المديون بنصيبه من ذلك الدين كذلك هاهنا. وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا: في هذا الصلح قسمة الدين قبل القبض وذلك لا يجوز وبيانه إن كان صلحه عن نصيبه خاصة لا يتحقق ذلك إلا بأن يتميز نصيبه عن نصيب صاحبه وهذا
(3)
هو القسمة وإن كان صالحه عن النصف من النصيبين جميعًا لا يمكن تصحيحه بدون إجازة الآخر لتناوله نصيبه.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 12/ 147.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (أ): ولهذا.
اشتريا عبدًا فأقال أحدهما
وقوله: (بما إذا اشتريا عبدًا فأقال أحدهما): أي: يجوز بدون رضى الآخر فيجب
أن يكون هنا كذلك بخلاف شراء العين جوابًا لقوله وبما إذا اشتريا عبدًا فأقال أحدهما فإن العين هناك كان موجودًا حسًّا ومعاينة قبل العقد، وكان محلا لتصرف كل واحد منهما بالفسخ إلا أن يكون ثبوت ولاية التصرف فيه لكل واحد منهما بالعقد. فلهذا أجاز الفسخ من كل واحد منهما (في نصيبه) كأنه كان منفردًا به. وهاهنا المسلم فيه لم يكن موجودًا قبل العقد وجواز التصرف باعتبار وجوده بالعقد وكان
(1)
كل واحد منهما في التصرف كشطر العلة، وشطر العلة لا يثبت شيء من الحكم ما لم يتم ذلك (بإجازة الآخر) كالمعتقة بين الرجلين تزوجها أحدهما لا يصح، لأن الولاية تثبت بالولاء؛ والولاء بكمال العتق كماله يثبت بهما فانعدم بانعدام أحدهما، وكذلك كل حكم ثبت بعلة
(2)
ذات وصفين ينعدم بانعدام أحدهما. وذلك لأن العقد في باب السلم أصل لوجود المسلم فيه؛ لأنه بالعقد يثبت دينًا في الذمة وكذلك في الرفع يكون أصلًا بنفسه لسقوط السلم (بخلاف شراء العين) فإن العين أصل لوجود العقد. فإن العين ما لم تكن موجودة لا يوجد العقد وإن تعاقدا
(3)
فكذلك
(4)
عند الرفع تكون العين أصل لصحة الرفع عنه فإذا كان العين أصلًا والعين مشترك ذو أنصباء ملك كل واحد بنصيبه؛ لأن ملك العين علة لنفاذ التصرف فيه من المالك فكانت العلة تامة. فأما هاهنا يثبت الولاية بالعقد. وقد ثبت بهما جميعًا ولا أيضًا هو شيء مشترك بينهما بل هو علة وجوب الشركة في السلم فاعتبر أبو حنيفة رحمه الله
(5)
جانب العقد لا جانب الدين وما (1) قاله أبو
(1)
في (ب): فكان.
(2)
في (أ): بعد.
(3)
في (أ): تعاقد.
(4)
في (ب): وكذلك.
(5)
في (ب): رضي الله عنه.
يوسف رحمه الله
(1)
ظاهر؛ لأن السلم دين كسائر الديون وما قاله أبو حنيفة ومحمد رحمها الله أدق في الفرق كذا في المبسوط والأسرار
(2)
.
(لأن المُسْلَم فيه صار واجبًا بالعقد): أي: موجودًا به. (قالوا: هذا إذا خلطا رأس المال)، وعقدا مع المسْلَم إليه عقد السَّلمِ وأما إذا لم يخلطا فصلح أحدهما على رأس المال بدون إجازة الآخر جائز من غير خلاف
(3)
اعلم أن هذا الاختلاف بين المتأخرين في أن اختلاف المتقدمين في صورة خلط رأس المال أو على الإطلاق إنما نشأ بسبب وضع المبسوط فإن محمدًا رحمه الله ذكر هذه المسألة في البيوع على هذا الاختلاف مع ذكر الخلط، وذكر أيضًا في كتاب الصلح في باب الصلح في السَّلم مع تصريح عدم الخلط وقد ذكرنا صورة ما ذكر في بيوع المبسوط قبل هذا. وأما صورة ما ذكر في كتاب الصلح
(4)
منه فقال: وإذا أسْلَم رجلان عشرة دراهم في كرِّ حنطة فنقد هذا من عنده خمسة وهذا من عنده خمسة ولم يخلطا العشرة ثم صالح أحدهما على رأس ماله وأخذه فهو جائز. ولا يشركه الآخر فيه في قول أبي يوسف؛ لأن أصل رأس المال لم يكن مشتركًا بينهما ولم يذكر قول أبي حنيفة ومحمد في هذا الكتاب أي: في كتاب الصلح وذكره في كتاب البيوع ثم قال: فمن
(5)
أصحابنا من يقول هذا على الخلاف أيضًا إذ لا فرق بين أن يكون رأس المال الذي نقداه مختلطًا بينهما أو غير مختلط
(1)
في (ب): فما.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 49.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 21/ 51.
(5)
قال فمن: تكررت في (ب).
ومنهم من يقول: بل جوابهما هاهنا كجواب أبي يوسف وهذا لاختلاف
(1)
الطريق لهما في تلك المسألة وعلى الطريق الذي قلنا أن وجوب المسلم فيه باعتبار عقدهما كل واحد منهما كشطر العلة. الجواب في الفصلين واحد أي: الاختلاف في الفصلين ثابت. وعلى الطريق الذي قلنا أن تجويز صلح أحدهما يؤدي إلى أن يبطل حق رب السلم عن المسلم فيه ويتقرر برأس المال ثم يعود في المسلم فيه هذا الجواب قولهم جميعًا؛ لأن ذلك إنما يتحقق باعتبار مشاركة الساكت مع المصالح في المقبوض وليس له حق المشاركة ها هنا، إذا لم يكن بينهما شركة فيما نقدا من رأس المال ثم قال: ولو لم يأخذ من رأس المال وقبض شيئًا من السلم شاركه صاحبه فيه؛ لأن طعام السلم وجب بالعقد مشتركًا بينهما والعقد صفقة واحدة، فيشارك أحدهما صاحبه فيما يقبض من الدين المشترك بينهما.
قوله رحمه الله
(2)
: (وعلى
(3)
الوجه الأول) إشارة إلى قوله: (أنه لو جاز في نصيبه خاصة يكون قسمة الدّين في الذمة) إلى أن قال: (والعقد قائم بهما وعلى الوجه الثاني): إشارة إلى قوله: (ولأنه لو جاز
(4)
لشاركه في المقبوض على الاتفاق) أي: على الجواز. والله أعلم.
(1)
في (أ): الاختلاف.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
في (ب): فعلى.
(4)
في (أ): أجاز.
فَصْلٌ في التَّخارُج
(1)
أخَّر هذا؛ لأن هذا
(2)
أقل وقوعًا في الصلح لأن أحدًا لا يرضى أن يأخذ ما هو مجهول القدر في نصيبه والظاهر أن ما أخذه قليل من نصيبه؛ لأن عرض
(3)
باقي الورثة في هذا ذلك غالبًا مع أن الصلح يقتضي ذلك أيضًا فيحتاج هاهنا إلى معرفة التخارج، لغة، وشرعًا وسببه، وشرطه.
تعريف التخارج، وبيان سببه وشرطه
أما لغة: فالتخارج التناهد وهو: إخراج كل واحد من الرفقة نفقة على قدر نفقة صاحبه كذا في الصحاح
(4)
(5)
، وأما في اصطلاح أهل الشرع: هو عبارة عن إخراج أحد الورثة عما يستحقه من التركة بمال يدفع إليه وفي المبسوط
(6)
: وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يتخارج أهل الميراث يعني: يخرج بعضهم
(7)
بعضًا بطريق الصلح وأما سببه: فطلب الخارج من الورثة ذلك عند رضى غيره به. وأما شرطه: فأن لا تكون
(8)
التركة مشغولة بالدين كلها أو بعضها وأن يكون ما أعطوه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس إذا كان ما أعطوه وفي الذي صولح
(1)
العنوان: ساقط من (أ).
(2)
لأن هذا: ساقطة من (أ).
(3)
في (أ): عوض.
(4)
الصِّحَاح هو: تاج اللغة وصحاح العربية تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي المتوفى: 393 هـ إمام في علم اللغة؛ وخطّه يضرب به المثل في الحسن، حقق كتاب الصِّحَاح أحمد عبد الغفور عطار وطبعته دار العلم للملايين في لبنان. يُنْظَر: كشف الظنون 2/ 1073.
(5)
يُنْظَر: 2/ 546.
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 20/ 136.
(7)
ساقطة من (ب).
(8)
في (أ) و (ب): يكون. والصواب ما أثبته.
عنه من جنس الدراهم والدنانير وأن تكون
(1)
أعيان التركة معلومة على قول لبعض بأنها من أي جنس هي عند الصلح على المكيل والموزون.
قوله: (لأنه أمكن تصحيحه بيعًا): وإنما تعين البيع فيه للجواز دون الإبراء عما زاد من نصيبه؛ لأنا لو قلنا بالإبراء يلزم الإبراء عن الأعيان غير المضمونة وهو لا يصح فتعين البيع، فإن قلت: لو كان تصحيح هذا الصلح على وجه البيع لشرط معرفة مقدار حصة المخرج من التركة لما أن معرفة مقدار الحصة في البيع شرط وفي هذا الصلح معرفة ذلك ليس بشرط بالاتفاق ذكره في التتمة
(2)
قلت: نعم، كذلك إلا أن هذا البيع
(3)
لا يحتاج فيه إلى التسليم وبيع ما لم يعلم البائع والمشتري مقداره إذا كان لا يحتاج فيه إلى التسليم جائز، ألا ترى
(4)
: أن من أقرَّ أنه غصب من فلان شيئًا أو أقرَّ أن فلانًا أودعه شيئًا ثم أن المقر اشترى ذلك الشيء من المقر له جاز وإن كانا لا يعرفان مقداره كذا ها هنا، كذا في الذخيرة
(5)
وهذه هي المسألة التي ذكرها في في آخر ما نحن فيه في الكتاب بقوله: ولو كانت التركة غير المكيل والموزون لكنها أعيان غير معلومة إلى آخره.
(1)
في (أ) و (ب): يكون. والصواب ما أثبته.
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 50.
(3)
في (ب): بيع.
(4)
في (أ) و (ب): يرى. والصواب ما أثبته.
(5)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 50.
أثر عثمان رضي الله عنه
-
(وفيه أثر
(1)
عثمان رضي الله عنه): إلى آخره روي عن عمر وابن دينار أن إحدى نساء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه صالحوها على ثلاثة وثمانين ألفًا على أن أخرجوها من
الميراث. وهي تماضر
(2)
كان طلقها في مرضه فاختلفت الصحابة رضي الله عنهم
(3)
في ميراثها منه. ثم صالحوها على الشطر وكان له أربع نسوة وأولاد فحظها ربع الثُمن جزء من اثنين وثلاثين جزءًا فصالحوها على نصف ذلك وهو: جزء من أربعة وستين جزءًا وأخذت بهذا الحساب ثلاثة وثمانين ألفًا. ولم يفسر ذلك في الكتاب، وذكر في كتب الحديث ثلاثة وثمانين ألف دينار. فهذا دليل ثروة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ويساره وكان قد قاسم الله تعالى ماله أربع مرات في حياته تصدق في كل مرة بالنصف وأمسك النصف، فهو دليل على أنه لا بأس بجمع المال واكتساب الغنى من حله. فابن عوف من عِلية الصحابة من العشرة الذين لهم شهد رسول الله عليه السلام
(4)
بالجنة وأيَّد هذا القول قوله عليه السلام: "نعم المال الصالح للرجل الصالح"
(5)
. ولكن مع هذا ترك الجمع والاستكثار وإنفاق
(6)
المال في سبيل الله تعالى أولى فهذا الطريق
(1)
لم أقف عليه بهذه اللفظ.
(2)
تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة الكلبية زوج عبد الرحمن بن عوف، سكنت المدينة وأدركت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن الفقيه. يُنْظَر: الإصابة في تمييز الصحابة 8/ 56، تاريخ دمشق لابن عساكر 69/ 79.
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
في (ب): صلى الله عليه.
(5)
أخرجه أحمد (4/ 197، 202)، ح:(17763)، والبخاري (1/ 112)، كتاب الأدب المفرد، باب المال الصالح للرجل الصالح حديث (299)، والحاكم في المستدرك (2/ 3) كتاب البيوع، ح:(2130)، من طريق موسى بن علي، عن أبيه، أنه سمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمرو نعم المال الصالح مع للرجل الصالح".
وقال الحاكم في الموضع الأول: صمحيح على شرط مسلم، وفي الثاني: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي في الموضعين.
وصحح إسناده الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (4/ 1891).
(6)
في (أ): فانفاقي.
الذي اختاره رسول الله عليه السلام لنفسه بقوله: "اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين"
(1)
وفي حديث عبد الرحمن ما يدل عليه فإن النبي عليه السلام قال له يومًا: ما بطأ بك عني يا عبد الرحمن؟ قال وما ذاك يا رسول الله؟ قال: إنك آخر أصحابي لحوقًا بي يوم القيامة، وأقول أين كنت فتقول منعني منك المال كنت محبوسًا محاسبًا ما تخلصت إليك حتى الآن
(2)
غير أن الذي أي: غير أن الوارث الذي في يده بقية التركة إن كان جاحدًا أي: لكون التركة في يده يكتفى بذلك القبض أي: بالقبض السابق والأصل في هذا أنه متى تجانس القبضان ناب أحدهما مناب الآخر يعني: أن يكون كلاهما قبض أمانة أو قبض ضمان أما إذا اختلفا ينوب المضمون عن غير المضمون ولا ينوب غير المضمون عن المضمون وإن كان مقرًا لا بد من تجديد القبض وهو: الانتهاء إلى مكان يتمكن من قبضه.
(1)
أخرجه الترمذي 4/ 499، كتاب الزهد: باب مجالسة الفقراء ح: (4126)، وعبد بن حميد في المنتخب من المسند ص 308، رقم 1002، والخطيب في تاريخ بغداد 4/ 11، كلهم من طريق يزيد بن سنان عن أبي المبارك عن عطاء عن أبي سعيد الخدري قال: أحبوا المساكين فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم أحيني مسكينًا وأمتني واحشرني في زمرة المساكين". ومن هذا الطريق أورده ابن الجوزي في الموضموعات 3/ 141، وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال البوصيري في الزوائد 3/ 275: هذا إسناد ضعيف، وأبو المبارك لا يعرف اسمه وهو مجهول ويزيد بن سنان التيمي أبو فروة ضعيف.
وقد تعقب السيوطي ابن الجوزي في اللآلئ 2/ 324، فقال: ويزيد بن سنان قال فيه أبو حاتم: محله الصدق، قال الزكشي في تخريج أحاديث المختصر: أساء ابن الجوزي بذكره له في الموضوعات اهـ.
وللحديث طريق آخر عن أبي سعيد: اللهم أحيني مسكينًا، أخرجه الحاكم 4/ 322، والبيهقي 7/ 13، كلاهما من طريق خالد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الدمشقي عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد به.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(2)
أخرجه أبو نعيم في الحِلية (1/ 99).
وقال في الخلاصة
(1)
: محالًا إلى وقف شرح الطحاوي
(2)
بعد
(3)
ما قال ما ذكرت ولو كان الشيء في يده بالوديعة أو بالعارية فباعه المالك منه فها هنا يحتاج إلى قبض جديد ولا ينوب القبض الأول عن الثاني. فإذا انتهى إلى مكان يتمكن من قبضه الآن يصير قابضًا بالتخلية فلا بد أن يكون ما أعطوه أكثر من نصيبه حتى لو كان ما أعطوه أقل من نصيبه أو كان مساويًا لنصيبه أو لا يعلم مقدار نصيبه من الدراهم لم يجز الصلح. أما في صورة المساواة؛ لأنه يبقي العروض خالية عن العوض وفي الأقل كذلك؛ لأنه يبقي العروض وبعض الدراهم خالية عن العوض فتعذر تجويز هذا الصلح بطريق المعاوضة وتعذر تصحيحه بطريق الإبراء عن الباقي، لأن التركة عين؛ والإبراء عن الأعيان باطل وأما في صورة عدم العلم بنصيبه أيضًا كذلك لم يجز الصلح، لأن هذا الصلح فسد من وجهين: فيما إذا كان مساويًا لنصيبه: وفيما أخذه هو أقل من نصيبه وصح من وجه وهو: فيما إذا كان ما أخذه أكثر فكانت
(4)
العبرة لجانب الفساد وقال الحاكم
(5)
أبو الفضل رحمه الله إنما يبطل الصلح على مثل نصيبه من الدراهم وعلى أقل من نصيبه من الدراهم حالة التصادق. أما حالة المناكرة بأن ادعت امرأة ميراثها على ورثة زوجها فصالحوها وهم جاحدون أنها امرأة الميت على أقل من نصيبها من المهر ومن الميراث
(1)
هي: خُلَاصَة الدَّلَائِل في تَنْقِيح الْمسَائِل شرح على مُخْتَصر الْقَدُورِيّ للإِمَام حسام الدّين: عَليّ بن أَحمْد بن مكي الرَّازِيّ. توفي سنة 598 هـ يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 353.
(2)
مجمع الضمانات 1/ 217.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
في (ب): فكانت.
(5)
هو: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عبد الله بن عبد المجيد بن إسماعيل المروزى أَبُو الْفضل البلخي الشهير بالحاكم الشَّهِيد، من أكابر فُقَهَاء الحنَفِيَّة ولي قَضَاء بُخَارى توفي شَهِيدًا سنة 334 هـ. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة (2/ 112)، هدية العارفين (2/ 37).
فالصلح جائز؛ لأن حالة المناكرة المعطي يعطي المال لقطع المنازعة ويفدي به يمينه فلا يتمكن الربا كذا في الذخيرة والتتمة
(1)
.
(احترازًا عن الربا): لأنه لا يمكن تجويز الصلح بطريق الإبراء لأن الإبراء عن الأعيان باطل؛ لأن الإسقاط إنما يستعمل في الديون لا في الأعيان. وها هنا عين فتعين تجويزه بطريق المعاوضة ولا يمكن ها هنا؛ لأنه يبقى شيء من التركة بلا ثمن في ضمن المعاوضة فيكون رِبا، فلا بد من أن يزيد على نصيبه حتى ينتفي الربا كذا في مبسوط
(2)
شيخ الإسلام.
(ولو كان بدل الصلح عرضًا جاز مطلقًا): أي قل أو أكثر وجد التقابض في المجلس أو لم يوجد.
ما يبطل به الصلح في التخارج
(على أن يخرجوا المصالِح): بكسر اللام على صيغة اسم الفاعل (عنه): أي: عن الدين (فالصلح باطل): أي: في الكل في
(3)
العين والدين جميعًا. أما حصة الدين فلكونه تمليك الدين من غير من عليه الدين. وأما حصة العين: فلأن الصلح لما فسد في حصة الدين يفسد في حصة العين أيضًا لاتحاد الصفقة، وهذه المسألة ترد نقضًا على أبي يوسف ومحمد فيما إذا أسلم حنطة في شعير وزيت فإنهما مالًا يصح في حصة الزيت ويفسد في حصة الشعير. وها هنا أفسد الكل. هذا مما يحفظ كذا في مبسوط شيخ الإسلام
(4)
.
(1)
يُنْظَر: قرة عين الأخيار 8/ 394، الفتاوى الهندية 6/ 427.
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 51.
(3)
في (أ) يوجد في الهامش العنوان التالي: مطلب في أن الإبراء عن الأعيان باطل.
(4)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 51.
على (أن يبرأ الغرماء منه): أي: من نصيبه من الدين. (فلا يرجع عليهم): أي: على الغرماء وهم المديونون.
(وفي الوجهين ضرر ببقية الورثة): أما في الوجه الأول: فإن بقية
(1)
الورثة لا يمكنهم الرجوع على الغرماء وفي الوجه الثاني: لزوم النقد عليهم بمقابلة الدين الذي هو نسيئة والنقد خير من الدين. (والأوجه: أن يقرضوا المصالح مقدار نصيبه) وفي الذخيرة
(2)
: وإن أرادوا إدخال الدين في الصلح فالوجه أن تستقرض المرأة منهم مثل نصيبها من الدين؛ ثم تحيلهم بذلك على الغريم لتعطيهم من نصيبها ويقبل الغريم ذلك ثم يصالحوها عن بقية المال فيصير جميع الدين والعين ملكًا لهم.
(قيل: لا يجوز لاحتمال الربا): وهو قول الشيخ الإمام ظهير الدين المرغيناني رحمه الله فقال: لا يجوز الصلح على المكيل والموزون لما كان فيه من احتمال الربا بأن كان في التركة مكيل أو موزون ونصيبها من ذلك مثل بدل الصلح أو أقل.
(وقيل: يجوز): وهو قول الفقيه أبي جعفر رحمه الله وقال:
(3)
يجوز هذا الصلح؛ لأنه يحتمل أن لا يكون في التركة من جنس
(4)
بدل الصلح وإن كان يحتمل أن يكون نصيبهما من ذلك أكثر من بدل الصلح أو أقل فيكون فيه احتمال الاحتمال، وذلك لا يكون معتبرًا كذا في الذخيرة
(5)
وذكر في فتاوى قاضي خان
(6)
والصحيح ما قاله الفقيه أبو جعفر؛ لأن الثابت ها
(1)
في (ب): لبقية.
(2)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 6/ 428.
(3)
في (ب): فقال.
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 6/ 428.
(6)
يُنْظَر: قرة عين الأخيار 8/ 398.
هنا شبهة الشبهة وذلك لا يعتبر.
(والأصح أنه يجوز، لأنها لا تفضي إلى المنازعة): فإن نفس الجهالة غير مانعة لجواز البيع بل الجهالة المفضية إلى المنازعة مانعة. ألا ترى
(1)
: أنه لو باع قفيزًا من صبرة يجوز البيع مع الجهالة، وكذلك لو باع المغصوب منه المغصوب
(2)
للغاصب والغاصب لا يعلم مقداره يجوز البيع القيام المصالح عنه في يد البقية من الورثة)، لأن المسأدة موضوعة فيه حتى لو كان بعض التركة في يد المصالح ولا يعرفون ما مقداره لا يجوز، لأنه يحتاج إلى التسليم فيفضي إلى المنازعة، كذا في مبسوط
(3)
شيخ الإسلام.
الصلح على دين الميت المستغرق
(وإن كان على الميت دين مُستَغْرق لا يجوز الصلح ولا القسمة):
في فتاوى قاضي خان
(4)
فإن كان على الميت دين فصولحت المرأة عن ثمنها على شيء لا يجوز هذا الصلح، لأن الدين القليل يمنع جواز التصرف في التركة فإن طلبوا الجواز فطريق ذلك أن يضمن الوارث دين الميت بشرط أن لا يرجع في التركة أو يضمن أجنبي بشرط براءة الميت أو يؤدوا دين الميت من مال آخر ثم يصالحوها عن ثمنها أو صداقها على نحو ما قلنا، لأن الكفالة بشرط براءة الميت حوالة فتخلو التركة عن الدين ويجوز الصلح (وذكر الشيخ الكرخي
(5)
رحمه
(1)
في (أ) و (ب): يرى. والصواب ما أثبته. لمناسبة السياق.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 444.
(4)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 269.
(5)
هو: عبيد الله بن الحسين الكرخي، أبو الحسن فقيه، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق. مولده في الكرخ ووفاته ببغداد سنة 340 هـ. انظر: الجواهر المضيَّة 1/ 337، طبقات الفقهاء 1/ 142، تاريخ بغداد: 10/ 353.
رحمه الله
(1)
في القسمة أنها لا تجوز استحسانًا وتجوز قياسًا): وذكر في مبسوط
(2)
شيخ الإسلام رحمه الله
(3)
والذخيرة جواب القياس والاستحسان كما ذكر في الكتاب. لكن من غير نسبته إلى الكرخي فقال شيخ الإسلام: هذه المسألة على وجهين: إما أن يكون الدين مستغرقًا أو غير مستغرق ففي الأول: لا يقسم، لأنه لا ملك لهم في التركة، لأن الدين المستغرق يمنع وقوع الملك في التركة عندنا. فلهذا لا يقسم وفي الوجه الثاني: والقياس
(4)
: أن لا يقسم ولكن يوقف الكل، وفي الاستحسان يحبس قدر الدين للغرماء ويقسم الباقي فيما بينهم بناء على أن الدين إذ لم يكن مستغرقًا هل يمنع ملك الوارث في التركة أم لا؟ فالقياس أن لا يملك الوارث شيئًا من التركة، لأن ما من جزء إلا وهو مشغول بالدين، وفي الاستحسان يملك التركة حتى لو كان الموروث جارية حل له وطؤها استحسانًا نفيًا للضرر عن الورثة، لأن التركة لا تخلو عن قليل الدين وإذا ملكوا جميع التركة استحسانًا كان يجب أن يقسم الكل بينهم إلا أنه لا يقسم قدر الدين حتى لا يحتاج إلى نقض قضائه ولا يأخذ القاضي كفيلًا بشيء من ذلك. والله أعلم.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 41.
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
في (ب): فالقياس.
كِتَابُ الْمُضَارَبَة
[باب]
قد ذكرنا وجه المناسبة في أول الإقرار. وأما محاسن المضاربة: فقد ذكر بعضها في الكتاب وهو: أن الله تعالى بحكمته البالغة خلق الخلق مختلف الطبائع ومتغاير الصنائع لينتظم الائتلاف عند الاختلاف ويرتفع الاعتساف
(1)
عند الانتصاف
(2)
فكم من رجل متنوق
(3)
في الحِرَف وليس لآخر فيها كِسفٍ
(4)
ولكن الآخر قِذعل
(5)
له قناطير
(6)
مقنطرة من الذهب والمتنوق غيداقٌ
(7)
صِنتِيتٌ
(8)
ليس له شيء إلا فضل كالضِرَب
(9)
وهو الغالب في صروف عنقفير
(10)
الدهر وخنفقير
(11)
العصر. وقد يحتاج ذلك الفاضل الغطريف
(12)
إلى ما أنيل به العقنجح
(1)
في (أ) يوجد ما بين السطرين شرح لكلمة الاعتساف: الظلم.
(2)
في (أ) يوجد ما بين السطرين شرح لكلمة الانتصاف: العدل.
(3)
في هامش (أ): والنوَّاق من الرجال الذي يروض الأمور ويصلحها. وفي هامش (ب): تنوَّق في الإبراء وتأنق فيه أي عمل فيه بنيقة وكيا
…
(ولعلها كياسة).
(4)
يوجد شرح للكلمة في هامش (أ) ولكنه غير واضح. وفي (ب): الكسف: جمع كسفة وهي القطعة.
(5)
في هامش (أ): رجل قذعل مثل سِيحل: هين خسيس. وفي هامش (ب): رجل قِذعل أي خسيس.
(6)
في هامش (أ): والقنطار معيار ويروى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال أنه ألف ومائتا أوقية ويقال هو مائة وعشرون رطلًا وقال ملء مسك النور ذهبًا ومنه قولهم قناطير مقنطرة. وفي هامش (ب): قناطير أي كثرة غاية الكثرة.
(7)
في هامش (أ): والغيداق الرجل الكريم. صحاح. وفي هامش (ب): الغيداق: الرجل الكريم.
(8)
في هامش (ب): الصنتيت: السيد الكريم.
(9)
في (ب) يوجد تحت كلمة الضِرَب: عسل أبيض. بيض.
(10)
يوجد شرح للكلمة في الهامش ولكنه غير واضح. وفي هامش (ب): العنقفير: الداهية.
(11)
في هامش (ب): الخنفقير: الداهية.
(12)
في هامش (ب) عند كلمة الغطريف: كلمة سيد ولعلها شرحٌ لها.
العتريف
(1)
، وتارة ينعكس الأمر وتنقلب الجدد وحيث يضطر هذا الدِفناس
(2)
مع صِيرته
(3)
وضيقته
(4)
إلى فضل ذلك الهرماس
(5)
ونيقته وبإعانة كل واحد منهما للآخر بما ناله يستتب أمر أمر كل منهما فيما له، وبهما ينتظم أمر الدنيا والدين وبه حكم أحكم الحاكمين، وإليه وقعت الإشارة في قوله تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)} [البقرة من:254]. فيحتاج ها هنا إلى بيان المضاربة
(6)
لغة وشرعًا وكنها وشروطها
(7)
المصححة والشروط الفاسدة فيها وحكمها.
تعريف المضاربة وبيان ركنها
أما تفسيرها لغة: فما هو المذكور في الكتاب حيث سُمِّي هذا العقد بها، لأن المضارب لأن المضاربة يسير في الأرض غالبًا طلبًا للربح. وأهل المدينة يسمون هذا العقد مقارضة وذلك يروى عن عثمان رضي الله عنه فإنه دفع مالًا إلى رجل مقارضة وهي مشتقة من القرض وهو القطع فصاحب
(8)
المال قطع ذلك القدر من المال عن تصرفه وجعل التصرف فيه إلى العامل بهذا العقد إلا أنا اخترنا اللفظ الأول لأنه موافق لكتاب الله تعالى قال الله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (20)} [المزَّمل من: 20] يعني: السفر للتجارة وأما تفسيرها شرعًا: فهي عبارة عن دفع المال إلى غيره ليتصرف فيه ويكون الربح بينهما على ما
(1)
ما بين السطرين في (ب) تحت كلمة العقنجح العتريف: أحمق خبيث.
(2)
في هامش (أ) و (ب): الدفناس: الأحمق.
(3)
في هامش (ب): الصيرة: حظيرة الغنم.
(4)
في (ب): رفيقته.
(5)
في هامش (أ) و (ب): هرماس: الأسد.
(6)
في (ب): المضارة.
(7)
في (ب): وشروطها وركنها، بدل، وكنها وشروطها.
(8)
في (أ): وصاحب.
شرطا فيكون الربح لرب المال بسبب ماله، لأنه نماء ماله وللمضارب باعتبار عمله الذي هو سبب وجود الربح، وأما كنيا: فالألفاظ التي تثبت
(1)
بها المضاربة وهي أن يقول: دفعت هذا المال إليك مضاربة أو مقارضة
(2)
أو معاملة أو خذ هذا المال فاعمل
(3)
به على أن ما رزق الله تعالى من شيء فهو بيننا نصفان، أو على أن لك ربعه، أو خمسه، أو عشره.
شروط المضاربة الصحيحة والفاسدة
وأما شرائطها المصححة فكثيرة فمنها: أن يكون رأس المال من الأثمان المطلقة كل
(4)
ما يصلح لرأس مال الشركة يصلح لرأس مال المضاربة وإلا فلا، وقد ذكرناه في الشركة ومنها أن يكون الربح جزءًا مشاعًا في الجملة وأما
(5)
إذا عين فقال: على أن لك من الربح مائة درهم ونحوها لا يصح. ومنها انقطاع يد رب المال عن رأس المال حتى قالوا في المضارب إذا دفع المال إلى رب المال مضاربة بالثلث. فالمضاربة الثانية فاسدة. ومنها إعلام قدر الربح، لأن الربح هو المعقود عليه فجهالته توجب فساد العقد. ومنها كون رأس المال معلومًا عند العقد حتى لا يقعان في المنازعة في الثاني والعلم به بأحد الطريقين: إما بالإشارة، أو بالتسمية، ومنها أن يكون رأس المال عينًا لا دينًا فالمضاربة بالديون لا تجوز حتى أن من كان له على آخر ألف درهم فأمره
(6)
صاحب الدين أن يعمل بها مضاربة لا يجوز المضاربة، لأن سبيل مال المضاربة أن أن يكون أمانة في يد المضارب، لأن المضارب أمين في حق رأس المال. ولا يتصور أن يكون
(1)
في (ب): يثبت.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (ب): واعمل.
(4)
في (ب): فكل.
(5)
في (ب): فأما.
(6)
في (أ): وأمره.
المضارب أمينًا فيما عليه من الدين، وأما الشروط الفاسدة فيها فعلى نوعين: نوع منها يفسد الشرط في نفسه وتبقى المضاربة صحيحة كما كانت فإنه إذا قال رب المال للمضارب لك ثلث الربح وعشرة دراهم في كل شهر عملت فيها للمضاربة فالمضاربة جائزة، والشرط باطل ولو دفع ألفًا مضاربة بالنصف على
(1)
أن يدفع رب المال أرضه إليه يزرعها سنة أو على أن يسكن داره سنة فالشرط باطل والمضاربة جائزة، ولو كان المضارب هو الذي شرط عليه أن يدفع أرضًا له يزرعها رب المال سنة
(2)
أو يدفع داره سنة لرب المال يسكنها سنة فسدت المضاربة، لأن رب المال جعل نصف الربح عوضًا عن عمله وأجرة للدار فصار حصة العمل مجهولة وذكر شيخ الإسلام
(3)
في أول المضاربة: أن المضاربة لم لا تبطل بالشروط الفاسدة وإذا شرط للمضارب ربح عشرة فسد. لا لأنه شرط فاسد لكن، لأنه شرط تنتفي به الشركة في الربح.
حكم المضاربة
وأما حكمها فنقول: حكم المضاربة شرعًا: صيرورة المضارب كيلًا بعد تسليم رأس المال إليه؛ لأنه أمره بالشراء ويكون رأس المال أمانة في يده، لأنه قبضه بإذن مالكه ليرده عليه وكان بمنزلة المودع، وفي الانتهاء إذا ظهر الربح يصير شريكًا، لأنه يستحق بعض الربح وإنما سمينا هذه الأشياء حكم المضاربة، لأن حكم الشيء ما يثبت به والذي يثبت بالمضاربة هذا، كذا في المبسوط
(4)
والتحفة
(5)
والذخيرة
(6)
والمغرب
(7)
وغيرها.
(1)
في (ب): وعلى.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 3/ 320.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 20.
(5)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء 3/ 21.
(6)
يُنْظَر: قرة عين الأخيار 8/ 418.
(7)
يُنْظَر: المغرب ص: 281
وذكر في الأسرار قال أصحابنا: المضاربة تنعقد لإيجاب الشركة في الربح كالشركة تنعقد لإيجاب الشركة في العمل ورأس المال لشركة المضاربة رأس المال من جانب صاحبه والعمل من جانب العامل لرب المال نقول: فلان غبي على فعيل إذا كان قليل الفطنة وهو واوي كالشقي الصِفر بكسر الصاد الخالي يقال: بيت صفر من المتاع ورجل صفر اليدين.
أدلة مشروعية المضاربة
قوله رحمه الله
(1)
: (وبعث النبي صلى الله عليه وسلم والناس يباشرونه).
هذا بيان أن هذا العقد ثابت بالسنة، وقال في المبسوط
(2)
: ثم جواز هذا العقد عرف بالسنة والإجماع فالسنة ما روي: أن العباس بن عبد المطلب كان إذا دفع مالًا مضاربة شرط على المضارب أن لا يسلك به بحرًا، وأن لا ينزل به واديًا ولا يشتري به ذات كبد رطب. فإن فعل ذلك ضمن فبلغ ذلك رسول الله عليه السلام فاستحسنه.
(ثم المدفوع إلى المضارب أمانة في يده): وإذا أراد رب المال أن يجعل المال مضمونًا على المضارب فالحيلة في ذلك: أن يقرض المال من المضارب ويشهد على ذلك شهودًا ويسلمه إليه ثم يأخذ منه مضاربة بالنصف أو بالثلث ثم يدفع إلى المستقرض يستعين به في العمل حتى أنه لو هلك في يده هلك كالقرض عليه وإذا ربح ولم يهلك يكون الربح بينهما على الشرط، وحيلة أخرى أن يقرض جميع المال من المضارب إلا درهمًا واحدًا ويسلمه إليه ثم أنهما يشتركون في ذلك شركة عنان على أن يكون رأس مال المقرض درهمًا ورأس مال المستقرض جميع ما استقرض. على أن يعملا جميعًا وشتَّى على أن الربح بينهما ثم بعد ذلك يعمل المستقرض خاصة في المال. فإن هلك المال في يده فالقرض عليه على حاله ولو ربح فالربح بينهما على
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 18.
الشرط، كذا في شرط الطحاوي
(1)
.
(قبضه بأمر مالكه لا على وجه البدل): احترازًا عن المقبوض على سوم الشراء.
(والوثيقة): أي: لا على وجه الوثيقة احتراز عن الرهن. (وإذا فسدت ظهرت الإجارة حتى استوجب العامل أجر مثله): بخلاف الشركة فإن الشريك لا يستحق شيئًا سوى الربح المشروط في العقد، كذا في الإيضاح.
(ومراده الشركة في الربح): يعني لا الشركة في رأس المال مع الربح، لأن رأس المال
(2)
لرب المال. (ولا مضاربة بدونها): أي: بدون الشركة.
ما تصح به المضاربة
(ولا تصح إلا بالمال الذي تصح به الشركة): وهو أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أو فلوسًا رائجة
(3)
عند محمد رحمه الله حتى أن المضاربة مما سوى هذه الأشياء لا تجوز
(4)
إجماعًا. كذا في الذخيرة
(5)
وحاصله: أن القروض لا تصلح لرأس مال المضاربة عندنا خلافًا لمالك رحمه الله وكذلك الكيلي أو الوزني خلافًا لابن أبي ليلى وقال مالك رحمه الله: المضاربة بالعروض تصلح، لأن العرض مال متقوم يستربح عليه بالتجارة عادة فيكون كالنقد فيما هو المقصود بالمضاربة
(6)
كما يجوز بقاء المضاربة على
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 44، بدائع الصنائع 6/ 108.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
في (أ) و (ب): رابحة. والصواب ما أثبته وهو موافق لما في البناية شرح الهداية 10/ 46، العناية شرح الهداية 8/ 447.
(4)
في (ب): يجوز.
(5)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 46.
(6)
في (أ): بالمضارب.
العروض يجوز ابتداؤها بالعروض
(1)
. ولكنا نستدل بنهي
(2)
النبي عليه السلام "عن ربح ما لم يضمن"
(3)
والمضاربة بالعروض تؤدي
(4)
إلى ذلك؛ لأبها أمانة
(5)
في يد المضارب وربما
(6)
ترتفع ترتفع قيمتها بعد العقد. فإذا باعها حصل الربح واستحق المضارب نصيبه من غير أن يدخل شيء في ضمانه بخلاف النقد فإنه يشتري به وأبها يقع الشراء بثمن مضمون في ذمته فما يحصل له يكون ما قد ضمن وأما إن كان رأس المال مكيلًا أو موزونًا من غير النقود فالمضاربة فاسدة أيضًا. وقال ابن أبي ليلى: هي
(7)
جائزة لأنها من ذوات الأمثال فيمكن تحصيل رأس المال بمثل المقبوض ثم قسمنا الربح بينهما وحجتنا في ذلك: أن المكيل والموزون يتعين في العقد كالعروض، وأول التصرف بها يكون بيعًا وقد يحصل بهذا البيع ربح بأن يبيعه ثم يرخص سعره بعد ذلك فيظهر ربحه بدون الشراء فيكون هذا استئجارًا للبيع بأجرة مجهولة وذلك باطل؛ كما
(1)
يوجد على الهامش في (ب): بيان ربح ما لم يضمن.
(2)
في (أ): نهى.
(3)
أخرجه أبو داود (3: 769)، كتاب البيوع: باب الرجل يبيع ما ليس عنده، ح:(3504)، والترمذي (3: 535 - 536)، كتاب البيوع: باب كراهية بيع ما ليس عندك ح: (1234)، والنسائي (7/ 837 - 738)، كتاب التجارات باب النهي عن بيع ما ليس عندك ح:(2188)، وأحمد (2/ 178 - 179)، والدارمي (2/ 253)، كتاب البيوع: باب النهي عن شرطين في بيع، وابن الجارود في المنتقى ح:(601)، والدارقطني (3/ 57)، كتاب البيوع: باب النهي عن بيع ليس عندك، كلهم من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
قال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الحاكم: هذا حديث على شرط جماعة من أئمة المسلمين صحيح، ووافقه الذهبي.
(4)
في (ب): يؤدي.
(5)
في (أ): إما: بدل: أمانة.
(6)
في (أ): ومما: بدل: ربما.
(7)
في (أ): علي: بدل: هي.
في العروض، كذا في المبسوط
(1)
.
الحكم لو قال: اعمل به مضاربة في ثمنه
(واعمل به مضاربة في ثمنه جاز): وقال الشافعي
(2)
رحمه الله
(3)
: لا يجوز. دليلنا دليلنا أنه جعل إليه الشراء بثمن ما جعل إليه بيعه فجاز أن يصح، كما لو قال كلتك ببيع هذا العبد وشراء هذا بثمنه والمسألة مبنية على جواز تعليق الوكالة بالحظر
(4)
. كذا في شرح الأقطع
(5)
.
(لأنه يقبل الإضافة من حيث إنه توكيل وإجارة): أي: لأن عقد المضاربة يقبل الإضافة إلى زمان في المستقبل، لأن عقد المضاربة مشتمل على الوكالة والإجارة لما عرف. كل واحد منهما يقبل الإضافة إلى زمان في
(6)
المستقبل فيجب أن يكون المشتمل عليهما
(7)
وهو عقد المضاربة قابلًا للإضافة إلى زمان في المستقبل أيضًا، لئلا يخالف الكل للجزء
(8)
، فإن الشذور
(9)
الذهبية من جوهر الذهب لا محالة. وذكر في، الإيضاح
(10)
: وإضافة عقد المضاربة إلى زمان في المستقبل جائز، لأنا إن اعتبرنا معنى الوكالة أو الوديعة أو الإجارة فليس في شيء
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 33.
(2)
في مذهب الشافعية يُنْظَر: الشرح الكبير للرافعي 12/ 2.
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
الحظر هو: المنع والحوز ومنه حظيرة الإبل والمحظور خلاف المباح؛ لأنه ممنوع منه، يُنْظَر: المغرب 1/ 121.
(5)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 46.
(6)
ساقطة من (أ).
(7)
في (ب): لهما.
(8)
في (ب): لجزؤ.
(9)
الشذور: جمع شذر والشذر: قطع من الذهب تلقط من معدنه بلا إذابة، أو خرز يفصل بها النظم، يُنْظَر: القاموس المحيط 1/ 414.
(10)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية 8/ 447.
من ذلك ما يمنع صحة الإضافة إلى وقت في المستقبل فكذلك المضاربة. وفي المبسوط
(1)
ولو
قال: بعْ عبدي هذا واقبض ثمنه واعمل فيه مضاربة بالنصف فهو جائز على ما اشترطا، لأنه كله ببيع العبد أولًا فكان بيع الوكيل له كبيعه بنفسه. ثم عقد المضاربة على الثمن المقبوض من دراهم أو دنانير وهو أمانة في يد الوكيل فقد وجد شرط صحة المضاربة وأكثر ما فيه أنه أضاف عقد المضاربة إلى ما بعد البيع وقبض الثمن وذلك؛ لأن
(2)
لا يفسد المضاربة غير أني أكره أن يقول بعد وخذ الثمن مضاربة على أن الربح بيننا نصفان، لأن بيع العبد ليس من المضاربة وقد صار كأنه شرطه
(3)
فيها فلهذا أكرهه، فإن شبهة الشر كحقيقته في وجوب التجوز عنه وقال
(4)
وقال
(5)
صلى الله عليه وسلم: "من اتقى الشبهات سلم له دينه"
(6)
وأما إذا قال: خذ هذا العمد مضاربة وقيمته وقيمته ألف درهم على أن رأس مالي قيمته على أن يبيعه ويشتري بثمنه ويبيع فيما رزق الله تعالى على أن الربح بيننا نصفان فهذه مضاربة فاسدة، لأن رأس المال فيها العبد. وهو يتعين كسائر العروض ولا يمكن أن تجعل قيمته رأس المال، لأن القيمة تختلف باختلاف المقومين ولا يمكن تحصيلها هينًا ليظهر الربح بعدها.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 36.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (أ): شرط.
(4)
في (ب): قال.
(5)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وذكره السرخسي في المبسوط (22/ 37).
وأخرجه البخاري (1/ 20)، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، ح:(52)، ومسلم (3/ 1219)، كتاب المساقاة باب أخذ الحلال وترك الشبهات، ح:(1599) من حديث النعمان بن بشير، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه
…
".
(6)
الحكم لو قال له: اقبض مالي على فلان واعمل به مضاربة
وكذا إذا قال له
(1)
: (اقبض مالي على فلان واعمل به مضاربة جاز). وكذا إذا قال للأجنبي: اقبض من المديون جميع مالي عليه واعمل به مضاربة بالنصف فقبض المأمور نصف ما على المديون ثم عمل به مضاربة فهو جائز فإن قلت: يشكل عليَّ هذا ما إذا قال للأجني: فاقبض جميع الألف التي لي
(2)
على فلان ثم اعمل بها مضاربة فقبض المأمور نصف ما على المديون وعمل به مضاربة فإنه لا يجوز. كلتا الصورتان مستويتان إلا أن: الأولى: بالواو والثانية: بثم
(3)
قلت: إنما
(4)
نشأ الفرق أيضًا من ذاك وذلك، لأن حرف ثم
(5)
للتعقيب
(6)
مع التراخي فهو أخَّر الأمر
(7)
بالعمل مضاربة عن قبض جميع المال. فما لم يقتضي جميع الألف لا يأتي أوان العمل بالواو مضاربة، وإذا عمل بالبعض قبل أن يقبض الكل كان مخالفًا ألا ترى
(8)
أنه لو قال لزوجته: اقبضي جميع المال الذي على فلان ثم أنت طالق فقبضت البعض دون البعض لم تطلق ولو قال:
(9)
اقبضي جميع الألف التي على فلان وأنت طالق طلقت للحال قبل قبل أن تقبض شيئًا إذا لم يرد الزوج واو الحال. وأما في قوله: اقبض من المديون جميع ما لي عليه واعمل به مضاربة فهو على المضاربة، لأن رأس المال فيه ما قبضه اعتبار للبعض بالكل،
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
(ب): بثمة.
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
في (ب): ثمة.
(6)
في (أ): للتعنيف.
(7)
في (أ): للأمر.
(8)
في (أ) و (ب): يرى. والصواب. ما أثبته.
(9)
ساقطة من (ب).
لأن الواو للعطف من غير أن تقتضي الترتيب فكان هو في كل جزء من المال مأمورًا بالقبض والعمل به مضاربة وإذا قبض البعض وعمل به كان ممتثلًا أمر رب المال كذا ذكر في باب شراء المضارب وبيعه من مضاربة المبسوط
(1)
.
(لما قلنا): إشارة إلى قوله، لأنه يقبل الإضافة من حيث أنه توكيل. (بخلاف ما إذا قال: اعمل بالدين الذي في ذمتك حيث لا تصح المضاربة): أي: بالاتفاق فكان قوله بعد ذلك، لأن عند أبي حنيفة رحمه الله
(2)
.
وقوله: (وعندهما يصح): لبيان التخريج لا لبيان الاختلاف في عدم صحة المضاربة فكان عدم صحة المضاربة ها هنا من قبيل المسائل التي فيها اتفاق، الجواب على اختلاف التخريج كما قلنا نحن، والشافعي رحمه الله
(3)
لعدم جواز البيع في بيع السمسم المقدر شرعًا إلا عند المساواة بالاتفاق على اختلاف التخريج ومثله كثير، (لأن نحد أبي حنفة رحمه الله
(4)
لا يصح هذا الوكيل) فلما لم يصح التوكيل كان المشتري مشتريًا إياه لنفسه فلا يصلح أن يكون رأس مال المضاربة من مال المضارب فلا تصح
(5)
المضاربة عنده لذلك.
قوله: رحمه الله
(6)
(على ما مرّ في البيوع): أي: في بيوع الوكالة وهي باب الوكالة بالبيع والشراء من كتاب الوكالة لا من كتاب البيوع وهو قوله: (قال: ومن لى على آخر ألف فأمره
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 58.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
في (ب): رضي الله عنه.
(5)
في (ب): يصح.
(6)
ساقطة من (أ).
أن يشتري بها هذا العبد) إلى آخره. وأصل الاختلاف بينهم في الوكالة راجع إلى: أن الدراهم والدنانير هل يتعينان في الوكالة أم لا؟ عندهما لا يتعينان كما في سائر المعاوضات وعند أبي حنيفة رحمه الله
(1)
يتعين فيها وذكر في الإيضاح
(2)
: ولا تجوز المضاربة عند أصحابنا بدين وأنه على وجهين: أحدهما: أن يكون الدين على إنسان فنقول له: اعمل بالدين الذي بذمتك مضاربة بالنصف فإن اشترى بها وباع فجميع ذلك للمشتري والدين في الذمة بحاله في قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يكون مشتريًا للآمر والمضاربة لا تصح، وهذا ينبني على أصل وهو: أنه إذا كله بالشراء بالدين في ذمته لم يصح في قول أبي حنيفة رحمه الله خلافًا لهما فمذهبهما ظاهر وهو: أن الشراء لا يتعلق بالدين فإن الدراهم العين لا تتعين بالتعيين في العقد فالدين أولى وإذا لم يتعين بقي الآمر بالشراء مطلقًا ثم أمره أن ينقد ما عليه منه فكان جائزًا وأبو حنيفة رحمة الله يقول بأن الدراهم وإن كانت لا تتعين بالشراء بها
(3)
ولكنها تتعين في الوكالة وإذا أمره بالشراء بها فقد أمره بما لا يتصور، لأن المضاربة تقتضي أن يكون رأس المال فيها مما لا يتعين بالتعيين فلم يصح الأمر
(4)
أصلًا فوقع الشراء للمأمور وإنما لم تصح
(5)
المضاربة على أصلهما، لأن الشراء وقع للموكل فتصير
(6)
المضاربة بعد ذلك مضاربة بالعروض فلا تصح والوجه الثاني في الدين هو: أن يكون الدين على ثالث (فقال له: اقبض مالي على فلان واعمل به
(1)
في (ب): رضي الله عنه.
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 9/ 258.
(3)
في (ب): به.
(4)
في (أ): للآمر.
(5)
في (أ) و (ب): يصح. والصواب ما أثبته.
(6)
في (أ) و (ب): يصير. والصواب ما أثبته.
مضاربة جاز) لأنه: أضاف المضاربة إلى حين القبض وحين القبض يصلح أن يكون رأس المال
والإضافة إلى زمان في المستقبل جائز على ما ذكرنا.
إن شرط زيادة في عقد المضارب
(فإن شرط): لأحدهما (زيادة عشرة): بالفاء وهي للتفسير زيادة عشرة أي: على المشروط كالنصف والثلث.
(ولا يجاوز بالأجر القدر المشروط خلافًا لمحمد): أي: عنده تجاوز ويبلغ بالغًا ما بلغ. (ويجب به
(1)
الأجر (
(2)
: إذا فسدت المضاربة. الآن أجر الأجير يجب بتسليم المنافع): كما في أجير الوحد
(3)
، فإنه يسلم نفسه، وفي تسليم نفسه تسليم منافع نفسه. (أو العمل): أي: يجب الأجر بتسليم العمل كما في الأجير المشترك.
(ولا
(4)
يجب اعتبارًا بالمضاربة الصحيحة): وفي الصحيحة إذا لم يربح لا يستحق شيئًا. فكذلك في المضاربة الفاسدة.
(مع أنها فوقها): أي: مع أن المضاربة الصحيحة فوق المضاربة الفاسدة في إمضاء حكمها وفي استحقاق الربح ولم يجب شيء في الصحيحة إذا لم يربح ففي الفاسدة أولى أن لا يجب شيء فإن قلت: ما جواب ظاهر الرواية عن هذا التعليل الصحيح لأبي يوسف رحمه الله؟ وهو: أن العقد الفاسد يؤخذ حكمه أبدًا من العقد الصحيح من جنسه كما في البيع الفاسد
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (أ): أجر.» أي في (ب): يعني.
(3)
أَجِيرُ الْوَحْدِ على الإضافة خلاف الأجير المشترك فيه من الوحد بمعنى الوحيد ومعناه أجير المستأجر الواحد وفي معناه الأجير الخاص. يُنْظَر: المغرب 1/ 479.
(4)
في (ب): لا.
قلت: جوابه وهو أن الفاسد إنما يعتبر بالجائز إذا كان انعقاد الفاسد مثل انعقاد الجائز كالبيع. وها هنا
(1)
المضاربة الصحيحة تنعقد شركة لا إجارة والمضاربة الفاسدة تنعقد إجارة فإنما تعتبر
(2)
بالإجارة الصحيحة في استحقاق الآخر عند إيفاء العمل ولو تلف المال في يده فله أجر مثله فيما عمل كذا في المبسوط
(3)
.
المال في المضاربة الفاسدة
(والمال في المضاربة الفاسدة غير مضمون بالهلاك): وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله
(4)
أنه ضامن للمال فقيل: المذكور في الكتاب قول أبي حنيفة رحمه الله وهو بناء على اختلافهم في الأجير المشترك إذا تلف المال في يده من غير صنعه. فإن هذا العقد انعقد إجارة وهو بمنزلة الأجير المشترك، لأن له أن يأخذ المال بهذا الطريق من غير واحد والأجير المشترك عند أبي حنيفة رحمه الله
(5)
لا يضمن إذا هلك المال في يده من غير صنعه وعندهما هو ضامن إذا هلك في يده بما يمكن التجوز عنه فكذلك
(6)
الحكم في كل مضاربة فاسدة. كذا في المبسوط
(7)
.
(ولأنه عين مستأجرة في يده): أي: رأس مال المضاربة عين استؤجر المضارب ليعمل به هو لا غير فلا يضمن كأجير الوحد وبهذا التعليل تبين أن المضارب بمنزلة الأجير
(8)
الوحد من
(1)
في (ب): وهنا.
(2)
في (أ) و (ب): يعتبر. والصواب ما أثبته.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 22.
(4)
في (أ): رح.
(5)
ساقطة من (ب).
(6)
في (ب): فكذلك في.
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 23.
(8)
في (ب): أجير.
حيث أنه أجير لا يمكن له أن يؤاجر نفسه في هذا
(1)
الوقت لآخر، لأن العين الواحد لا يتصور أن يكون مستأجرًا
(2)
لمستأجرين في الوقت الواحد. كما لا يمكن أجير الوحد من أن يؤجر
(3)
نفسه لمستأجرين في الوقت الواحد. وهذا الذي ذكره في الكتاب: بأن المال في المضاربة الفاسدة غير مضمون الهلاك
(4)
، قول الفقيه أبي جعفر الهندواني
(5)
رحمه الله وما ذكره بأنه
(6)
مضمون عندهما بناء على الخلاف المعروف قول الطحاوي رحمه الله والفرق لهما بين الأجير المشترك وبين المضارب في المضاربة الفاسدة على قول الفقيه أبي جعفر في أن مال المضاربة الفاسدة غير مضمون بالاتفاق والذي عند الأجير المشترك مضمون عندهما هو: أن المضاربة متى فسدت فهي إجارة معنى من حيث أن المضارب ابتغى بعمله عوضًا ومضاربة لفظًا فعملنا بالمعنى فأوجبنا له أجر مثل عمله ربح أو لم يربح. كما لو استأجره وعملنا باللفظ وجعلنا المال أمانة في يده. فأما الإجارة الفاسدة: إجارة لفظًا ومعنى وكان
(7)
الأجير أجيرًا مشتركًا لفظًا ومعنى فيكون المال مضمونًا عند الأجير المشترك عندهما، إلا أن يكون الهلاك بأمر لا يمكن التجوز عنه، كذا في الذخيرة
(8)
.
(1)
في (ب): ذلك.
(2)
في (ب): العين المستأجر: بدل: مستأجرًا.
(3)
في (أ) و (ب): يؤاجر. والصواب ما أثبته، وهو موافق لما في العناية شرح الهداية 8/ 450.
(4)
في (ب): بالهلاك.
(5)
هو: محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر أبو جعفر الفقيه البلخي الهندواني، إمام كبير من أهل بلخ، المعروف بأبي حنيفة الصغير من فقهاء الحنفية توفي ببخارى سنة 362 هـ. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة (2/ 68).
(6)
في (أ): فإنه.
(7)
في (ب): فكان.
(8)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 55.
حكم جهالة الربح في المضاربة
(وكل شرط يوجب جهالة في الربح يفسده).
أي: يفسد عقد المضاربة؛ لأن الربح هو المعقود عليه وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد نحو أن يعقد عقد المضاربة يشترط أن يدفع المضارب أرضه سنة إلى رب المال ليزرعها رب المال أو يدفع داره إلى رب المال يسكنها سنة فسدت المضاربة، لأنه جعل نصف الربح عوضًا عن عمله وأجرة الدار فصارت
(1)
حصة العمل مجهولة فلم يصح. بخلاف ما إذا عقدا عقد المضاربة بشرط
(2)
أن يدفع رب المال أرضه إلى المضارب يزرعها سنة أو على أن يسكن داره فالشرط باطل والمضاربة جائزة، لأنه ألحق بها شرطًا فاسدًا فيبطل
(3)
الشرط كذلك في الإيضاح
(4)
وكذلك لو ردد في الربح أيضًا تفسد المضاربة نحو أن يقول: بشرط
(5)
أن يكون لك لك ثلث الربح أو نصفه لجهالة في الربح
(6)
.
(1)
في (أ) و (ب): فصار. والصواب ما أثبته. لمناسبة السياق.
(2)
في (أ): يشترط.
(3)
في (ب): فبطل.
(4)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 288.
(5)
في (أ): يشترط.
(6)
يوجد في الهامش عند هذه الكلمة الإضافة التالية: فإن قلت هذا الكلي منقوض بما ذكر بعد (شد الخطوط) وهو قوله وشرط العمل على رب المال مفسد للعقد فإن هذا الشرط داخل تحت ذلك الكلي؛ لأن هذا الشرط لا يوجب جهالة في الربح ومع ذلك أفسد عقد المضاربة وعلى قضية ذلك الكلي ينبغي أن لا يفسد المضاربة لأنه غير الذي يوجب جهالة في الربح قلنا نعم كذلك إلا أنه يحتمل أن يريد بقوله غير ذلك من الشروط الفاسدة لا يفسدها الشرط الذي لا يمنع موجب العقد وأما إذا كان شرطًا يمنع موجب العقد يفسد بسببه العقد؛ لأن العقد إنما شرع لإثبات موجبه
…
وقوله هذا الجواب لا يشفي الغليل لأن كون المراد بقوله وغير ذلك الشرط الذي لا يمنع موجب العقد أنه مجرد احتمال محض لا يدل عليه اللفظ (المذكور لعمد) مفسد لما هو المقصود في المقام إذ المقصود ها هنا بيان أصل ينضبط به أحوال الشروط الفاسدة في باب المضاربة (قبل بقدر) أي يكون المراد (بقوله) وغير ذلك الشرط الذي لا يمنع موجب العقد
…
الشرط الذي يمنع موجب العقد ولا يوجب جهالة في الربح خارجًا عن مسمى (سوا) الأصل فلا يتحقق الانضباط.
اشتراط الوضيعة على المضارب
قوله: رحمه الله
(1)
(كاشتراط الوضيعة على المضارب): الوضيعة: اسم لجزء هالك من المال ولا يجوز أن يلزم غير رب المال. إلا أنه لم يوجب الجهالة في الربح فلم تفسد
(2)
المضاربة، وذكر في الإيضاح والذخيرة
(3)
في هذا الموضع مثل أن يشترط الوضيعة عليهما ولكن ذكر في التحفة
(4)
كلا اللفظين. فقال: وإن كان لا يؤدي إلى جهالة الربح يبطل الشرط ويصح العقد مثل أن يشترط الوضيعة على المضارب أو عليهما فالشرط يبطل ويبقى العقد صحيحًا.
اشتراط تسليم المال للمضارب
(لأن المال أمانة في يده فلا بد من التسليم إليه): ولأن فيها معني الإجارة من حيث أنه شرط بمقابلة عمله بدل فيجب العمل فيها بمعنى الإجارة فعملنا به في تسليم رأس المال لأن تسليم محل العمل في الإجارة شرط جواز الإجارة وحكى القاضي الإمام أبو عاصم العامري عن الفقيه محمد بن إبراهيم الضرير
(5)
رحمهما
(6)
الله: إذا شرط رب المال لنفسه أن يتصرف في المال بانفراده متى بدا له وأن يتصرف المضارب في جميع المال بانفراده متى بدا له جازت المضاربة. وإنما لا يجوز شرط عمل رب المال مع المضارب إذا شرط العمل جملة، لأنه حينئذ لا يصير المال مسلمًا إلى المضارب كذا في الذخيرة
(7)
.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): يفسد.
(3)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 50.
(4)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء 3/ 21.
(5)
هو: محمد بن إبراهيم الضرير الميداني أبو بكر قال الذهبي من أئمة الحنفية. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 2/ 6.
(6)
في (أ): رحمهم.
(7)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 50، قرة عين الأخيار 8/ 417.
(فلو شرط خلوص اليد لأحدهما لم تنعقد الشركة): لأن الشركة انعقدت على العمل منهما فمتى شرطنا انتفاء يد رب المال منه لم تنعقد الشركة أصلًا
(1)
كذا في الإيضاح
(2)
.
(وسواء كان المالك عاقدًا كالبالغ أو غير عاقد كالصغير): صورته: أن الأب والوصي إذا دفعا مال الصغير مضاربة وشرطا عمل الصغير لا يجوز، لأن الصغير إذا كان مالكًا كانت يده على المال بجهة الملك كالكبير.
اشتراط العمل على العاقد مع المضارب
(فبقاء يده يمنع كونه مسلمًا إلى المضارب وكذا أحد المتفاوضين وأحد شريكي العنان إذا دفع المال مضاربة وشرط عمل صاحبه): أي: مفسد للعقد، لأن للشريك فيه ملكًا فيمنع صحة الدفع مع قيام يد المالك. (واشتراط العمل على العاقد مع المضارب وهو غير مالك يفسده إن لم يكن من أهل المضاربة فيه): أي: في المال.
(كالمأذون بخلاف الأب والوصي): معنى هذا: أن العاقد إذا لم يكن مالكًا فشرط أن يتصرف في المال مع المضارب فإن كان العاقد ممن يجوز أن يأخذ ماله مضاربة لم تفسد
(3)
المضاربة كالأب والوصي إذا دفعا مال الصغير مضاربة وشرطا على أنفسهما أن يعملا مع المضارب بجزء من الربح فهو جائز، لأنهما لو أخذا
(4)
المال مضاربة بأنفسهما جاز فكذلك إذا شرطا عملهما مع المضارب وصارا كالأجنبيين وإن كان العاقد ممن لا يجوز أن يأخذ المال مضاربة فشرط عمله يفسد العقد كالمأذون يدفع مالًا مضاربة ويشترط عمله مع المضارب؛ لأن المأذون وإن لم يكن مالكًا لذاته ولكن يد التصرف ثابتة فنزل منزلة المالك فيما يرجع إلى
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 50.
(3)
في (أ) و (ب): يفسد. والصواب ما أثبته.
(4)
في (أ): أخذ.
التصرف فكان قيام يده مانعًا لصحة المضاربة وإن شرط المأذون عمل مولاه مع المضارب ولا دين عليه فالمضاربة فاسدة، لأن المولى مالك للمال فإذا حصل الملك في يده فقد وجد يد المالك فلا تتم المضاربة وإن كان عليه دين فالمضاربة جائزة في قول أبي حنيفة رحمه الله
(1)
؛ لأنه لا حق للمولى فيه فصار كالأجنبي. وأما المكاتب إذا شرط عمل مولاه لم تفسد المضاربة؛ لأن المولى أبعد من مال المكاتب منه من مال المأذون، لأنه ليس له أن ينزعه من يده أصلًا فصار كالأجنبي كذا في الإيضاح
(2)
.
الحكم إذا صحت المضاربة مطلقًا
(وإذا صحت المضاربة مطلقًا): هو أن لا يكون مقيدًا بزمان ولا مكان فقال في الذخيرة
(3)
: وإذا دفع مالًا مضاربة بالنصف ولم يزد على هذا فهذه مضاربة مطلقة وله أن يشتري به ما بدا له من سائر التجارات، لأن المطلق يتناول الأنواع كلها وله أن يعمل ما هو من عادات التجار كالإبضاع.
(جاز للمضارب أن يبيع): أي: بالنقد والنسيئة عندنا وقال ابن أبي ليلى
(4)
رحمه الله: ليس له أن يبيع بالنسيئة؛ لأن ذلك تصرف يوجب قصر يده عن مال المضاربة والتصرف فيه فيكون ضدًا لما هو مقصود رب المال بمنزلة الإقراض، ألا ترى: أن البيع بالنسيئة من المريض يعتبر من الثلث فعرفنا أنه بمنزلة التبرع، ولكنا نقول: البيع بالنسيئة من صنيع التجار وهو أقرب إلى تحصيل مقصود رب المال وهو الربح فالربح في الغالب إنما يحصل بالبيع بالنسيئة دون البيع بالنقد، ولأن تسليط المضارب على المال ليس بمقصود رب المال إنما مقصوده تحصيل الربح
(1)
في (ب): رضي الله عنه.
(2)
يُنْظَر: بدائع الصنائع 6/ 58.
(3)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 288.
(4)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 58.
بطريق التجارة وذلك حاصل. والدليل على أن البيع بالنسيئة تجارة مطلقة قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} [البقرة من:282] فبهذا تبين: أن التجارة قد تكون غايته وليس ذلك إلا البيع بالنسيئة كذا في المبسوط
(1)
.
(وعن أبي يوسف رحمه الله أنه ليس له أن يسافر): وفي المبسوط
(2)
وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما
(3)
الله أنه ليس له أن يسافر به ما لم يأذن له فيه صاحب المال، لأن فيه تعريض المال على الهلاك وجه ظاهر الرواية ما ذكره في الكتاب: بأن اشتقاق المضاربة من الضرب بالأرض وإنما يتحقق ذلك بالمسافرة إلى آخره، ثم قال: ورُوي عن أبي يوسف أنه قال: إن دفع المال في مِصره وهو من أهل ذلك المِصر فليس له أن يسافر به، وإن دفع المال في غير مصره فله أن يسافر به؛ لأن الغالب في المقام أن الإنسان يرجع إلى وطنه ولا يستديم الغربة مع إمكان الرجوع فلما أعطاه مع علمه أنه غريب في هذا الموضع كان ذلك منه دليل الرضا بالمسافرة بالمال عند رجوعه إلى وطنه وذلك لا يوجد فيما إذا دفع المال إليه وهو مقيم في مصره ولكن هذا التفصيل فيما له حمل ومؤونة بناء على ما روينا عن أبي يوسف في المودع: أنه لا يسافر بالوديعة إذا كان لها حمل ومؤونة.
وقوله: (الظاهر ما ذكر في الكتاب): إشارة إلى قيل والمسافرة أي: المسافرة من صنيع التجار فينتظم العقد لما هو من صنيع التجار.
(لأن الشيء لا يتضمن مثله): أي: لا يستبقه. (لتساويهما
(4)
في القوة).
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 38.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 39.
(3)
في (أ): رح. وهو اختصار.
(4)
في (أ): فمتساويهما.
فإن قلت: يشكل على هذا جواز إذن المأذون لعبده فإن المولى إذا أذن لعبده في التجارة واشترى عبده المأذون له عبدًا فأذن له بالتجارة فإنه يجوز سواء كان عليه دين أو لم يكن.
والإذن مثل الإذن. ومع ذلك يضمنه هناك والرواية في شرح الطحاوي والذخيرة
(1)
والإيضاح
(2)
.
وكذلك يشكل على هذا أيضًا جواز الكتابة للمكاتب والإجارة للمستأجر والإعارة للمستعير فإنه يجوز للمكاتب أن يكاتب عبده، وللمستأجر أن يؤاجر، وللمستعير أن يعير فيما لا يختلف باختلاف المستعمل وهذه الأشياء كلها أمثال لما يجانسها وقد تضمنت أمثالها فما وجهه؟ قلت: أما على رواية شرح الطحاوي فلا يشكل، لأنه قال: والأصل أن الشيء يتضمن ما هو مثله أو دونه ولا يتضمن ما هو فوقه فتضمَّنَ الإذنُ الإذنَ والكتابةُ الكتابةَ وكذا في غيرها؛ لأنه مثله، وأما على هذه الرواية: فإنما افترقت المضاربة والإذن في التجارة من حيث تضمن الأمانة وعدم تضمنها فإن أول العقود التي تضمنها المضاربة الأمانة وليس للمودع أن يودع إلى آخر إلا بإذن المالك. فكذلك ليس للمضارب أن يضارب إلا بإذن المالك ولا كذلك إذن العبد في التجارة، لأن الثابت بالإذن في التجارة فك الحجر عن التجارة، ثم العبد بعد ذلك يتصرف بحكم المالكية الأصلية وعن هذا قلنا: أن الإذن بالتجارة لا يتخصص بنوع دون نوع بل الإذن في نوع يكون إذنًا في الأنواع كلها، وكذلك لا يتخصص بمكان دون مكان ولا بزمان دون زمان بل تعم
(3)
الأماكن والأزمان كلها. ولما كان كذلك كان فك الحجر عن التجارة بمنزلة إسقاط الملك عن العبد بالإعتاق، لأن فك الحجر عبارة عن إسقاطه ثم المعتق يعتق عبده فكذلك المأذون بإذن عبده وأما المضاربة: ففيها معنى الوديعة والوكالة كما أن المودع لا يودع
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 52.
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 59.
(3)
في (ب): يعم.
والوكيل لا يوكل فكذلك المضارب لا يضارب. والمعنى فيه: أن الإذن لما كان بناؤه على التعميم في صنوف التجارة تناوله
(1)
الإذن أيضًا، لأن الإذن من صنيع التجار. فملكه المأذون وأما المضاربة، فليست هي في اقتضاء التعميم مثل الإذن ألا ترى
(2)
: أنها تتخصص بما خصه في نوع من أنواع التجارة وكذلك تخصص بالزمان والمكان عند التخصيص بخلاف الإذن، ولأن فيها معنى الأمانة والوكالة وإن كانت المضاربة تتناول المضاربة
(3)
من حيث أنها من صنيع التجار ولكن لا تتناولها من حيث أن فيها معنى الأمانة والوكالة والأصل عدم التناول فلا تتناول
(4)
المضاربة بالشك كذا في الذخيرة
(5)
غيرها. وأما الجواب عن فصل الكتالة والإجارة والإعارة فيجيء في مواضعها وفي المبسوط
(6)
ولا يدفع المال مضاربة، لأن بالدفع مضاربه يستوي غيره بنفسه في حق الغير وهو لا يملك ذلك، ألا ترى
(7)
: أن الوكيل بالبيع مطلقًا لا يوكل به غيره، ولأنه يوجب لغيره شركة في الربح ورب المال لم يرض بالشركة لغيره في ربح ماله ولا يشاركه به أيضًا؛ لأن الشركة له
(8)
بمنزلة الدفع مضاربة أو أقوى منه ثم قال: فإن قيل: أليس أن المضارب بإذن
(9)
العبد من مال المضاربة في التجارة ويصح ذلك منه
(1)
في (ب): تناول.
(2)
في (أ) و (ب): يرى. والصواب ما أثبته.
(3)
في (ب): المضارب.
(4)
في (أ) و (ب): يتناول. والصواب ما أثبته.
(5)
يُنْظَر: تبيين الحقائق 5/ 59.
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 11/ 179.
(7)
في (أ) و (ب): يرى. والصواب ما أثبته.
(8)
ساقطة من (ب).
(9)
في (ب): يأذن.
وإطلاق التصرف بالإذن في التجارة بمنزلة الدفع مضاربة أو فوقه قلنا: قد روى ابن رستم
(1)
عن محمد رحمهما الله أنه لا يملك الإذن في التجارة بمنزلة الدفع مضاربة وأما الفرق بينهما على ظاهر الرواية: أن المأذون لا يصير شريكًا في الربح فيكون الإذن في التجارة نظير الإبضاع لا نظير الدفع مضاربة والشركة به وبخلاف الإقراض حيث لا يملكه وإن (قيل له اعمل برأيك) هذا وأمثاله يجيء بعد هذا في فصل فيما يفعله المضارب مفصلة أنواعه.
(لأنه لا تجوز الزيادة عليه): أي: على القرض فإنه إذا أقرض عشرة ليستوفي منه أحد عشر لا يجوز. فلما لم يحصل الربح الذي هو الغرض
(2)
لم يتناوله اللفظ الذي هو موضوع لتحصيل هذا الغرض وهو لفظ المضاربة (فيدخل تحت هذا القول) وهو قوله: (اعمل برأيك): لأن الشركة والخلط بماله من صنيع التجار فيملكهما المضارب عند
(3)
هذا القول.
إن خص رب المال للمضارب التصرف في بلد بعينه
(وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه): هذا احتراز عن سوق بعينه فإن ذلك غير مقيد حتى جاز له أن يتجاوز السوق التي عينها إلا إذا صرح التخصيص بطريق النهي فقال: لا يعمل في غير هذا السوق حينئذ يتقيد بذلك السوق الذي عينه على ما ذكر في الكتاب (وفي التخصيص فائدة فيتخصص) والفائدة بوجوه أحدها: أنه
(4)
قصد صيانة
(1)
هو: إبراهيم بن رستم أبو بكر المروزي، أحد الأعلام تفقَّه على محمد بن الحسن، مات بنيسابور، من تصانيفه:"النوادر" كتبها عن مُحَمَّد. سنة 211 هـ. يُنْظَر: الجواهر المضيَّة 1/ 37، الفَوَائِد البهية:(ص 9).
(2)
في (ب): العَرَض.
(3)
في (أ): عن.
(4)
ساقطة من (ب).
ماله عن خطر الطريق فإن المال في السفر بعرضيّة التلف والقطع إليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
في قوله: "المسافر وماله علي"
(2)
قلت: إلا ما وقاه الله تعالى: والمودع لو قال للمودع: احفظ الوديعة بالكوفة
(3)
يجب مراعاة هذا الشرط عليه
(4)
فكذا هذا والثاني: أنه قصد صيانة ماله عن خيانة
(5)
المضارب. فإنه إذا كان يعمل بالكوفة ولو قصد الخيانة
(6)
في ماله أمكنه المنع عنها.
(1)
في (ب): عليه السلام.
(2)
لم أقف عليه مسندًا، وقال ابن الملقن في البدر المنير (7/ 305):"هذا الحديث غريب؛ ليس في الكتب الستة ولا المسانيد، وتبع ابن الرفعة الرافعي فذكره في "مطلبه" (كذلك مرفوعًا، وصاحب "المهذب" ذكره في باب الحجر والقرض بلفظ: يروى "أن المسافر) وماله على قلت".
قال النووي في "تهذيبه": ليس هذا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو من كلام بعض السلف، قيل: إنه عن علي بن أبي طالب. وذكر ابن السكيت والجوهري في "صحاحه": أنه عن بعض الأعراب قال: والقلت: بفتح (القاف) واللام وآخره تاء مثناة فوق، وهو الهلاك، قال الجوهري: تقول منه: قلت - بكسر اللام - والمقلتة - بفتح الميم - المهلكة.
قلت: وظفرت به في رحلتي الثانية إلى الشام المحروس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ذاكرني به بعض الحفاظ، وأنه في "أخبار أبي العلاء المعري" للحافظ أبي طاهر السلفي، فأحضره لي، فرأيته ساقة، فقال: ثنا أبو إبراهيم الخليل بن عبد الجبار بن عبد الله (القرائي) بقزوين - وكان ثقة - ثنا أبو (العلاء) أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي (المعري) بمعرة النعمان، ثنا أبو الفتح محمد بن (الحسن) بن روح، حدثنا خيثمة بن سليمان (القرشي)، نا أبو عتبة الحمصي، نا بشر بن زاذان، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو علم الناس رحمة الله بالمسافر لأصبح الناس وهم على سفر، إن المسافر ورحله على قلت، إلا من وقى الله تعالى".
قال الخليل: (لم أسمع من أبي العلاء غير هذا الحديث ولم يرو لي أنا عنه حديثًا سوى الخليل). والقلت: الهلاك،
…
.". يُنْظَر: المقاصد الحسنة (1/ 212).
(3)
الكُوفَةُ: بالضم: المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق، يُنْظَر: معجم البلدان للحموي 4/ 490.
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
في (أ): جناية.
(6)
في (أ): الجناية.
فكان شرطًا مقيدًا والثالث: أن الأسعار من حيث الغلاء والرخص تختلف باختلاف البلدان، وكذا النقود تختلف باختلاف البلدان لم من حيث الجودة والرداءة فكان شرطًا مفيدًا، والرابع: أن المضارب ما دام في المصر لا يستحق النفقة في
(1)
مال المضاربة وفي السفر يستحقها في مال المضاربة، فكان الشرط مفيدًا، والشرط متى كان مفيدًا يجب اعتباره. كذا ذكره الإمام قاضي خان والإمام المحبوبي
(2)
.
(فاشترى ضمن): لم يرد به ابتداء الضمان بالشراء. بل الضمان واجب بالإخراج عنها لكن أراد به استقرار الضمان على ما ذكر في الكتاب.
(وكان ذلك له): أي: وكان المشتري ملكًا خاصًّا للمضارب. (لأنه تصرف بغير أمره) فصار غاصبًا فلم يبق مضاربًا. (وكذا إذا رد بعضه واشترى ببعضه) أي: وقد كان اشترى ببعضه. (في المصر): أي: في المصر الذي عينه. (لما قلنا): إشارة إلى قوله لبقائه
(3)
في يده بالعقد السابق وأما إذا اشترى ببعضه في غير الكوفة واشترى بما بقي منه
(4)
في الكوفة: فهو مخالف
(5)
فيما اشتراه بغير الكوفة ضامن لذلك القدر من المال وله ربحه وعليه وضيعته لتحقق الخلاف منه في ذلك القدر وفيما بقي من المال هو منصرف على المضاربة، لأنه ليس من
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
يُنْظَر: البناية 10/ 54.
(3)
في (أ): لبقاء.
(4)
ساقطة من (أ).
(5)
ساقطة من (ب).
ضرورة ضرورته مخالفًا ضامنًا لبعض المال انتفاء حكم المضاربة فيما بقي ما لم يتقرر فيه الخلاف
والبعض معتبر بالكل كذا في المبسوط
(1)
.
التصريح بالنهي في المضاربة
(إلا إذا صرح بالنهى بأن قال: اعمل في السوق ولا تعمل في غير السوق): يعني: حينئذ لو عمل به في غير السوق يكون مخالفًا ضامنًا. (لأنه صرح بالحجر والولاية إليه).
فإن قلت: يشكل على هذا ما ذكره في الذخيرة
(2)
فإنه لو قال: على أن تبيع بالنسيئة ولا تبيع بالنقد أو قال: بِع بالنسيئة ولا تبع بالنقد فباع بالنقد جاز ولا يكون مخالفًا مع صريح النهي في هذا، أيضًا إذا كان السفر بالنقد والنسيئة لا يتفاوت قلت
(3)
هذه مخالفة إلى خير فلا تكون مخالفة عندنا خلافًا لزفر رحمه الله
(4)
وهذا كما إذا كله بأن يبيع عبده بألف درهم فباعه بألفين، فإنه يجوز عندنا وعند زفر لا يجوز. ولأن التقييد بالسوق والنهي عن غير السوق مفيد من وجه من حيث أن: الكوفة ذات أماكن مختلفة حقيقة وكذلك حكمًا فإنه إذا شرط الحفظ على المودع في محله ليس له أن يحفظها في محلة أخرى وقد تختلف
(5)
الأسعار باختلاف أماكن المصر وغير مفيد من وجه آخر، وهو: أن المصر مع تباين أطرافها جعل كمكان واحد كما في السلم إذا شرط الإيفاء في المصر صح وإن لم يبين المحلة ثم لو كان مفيدًا من كل وجه يعتبر سواء قرنه بالنهي أو لم يقرنه ولو لم يكن مفيدًا من كل وجه لا يعتبر سواء قرنه بالنهي أو لا ولما كان ذكر السوق مفيدًا من وجه دون وجه على ما ذكرنا اعتبرناه حالة النهي ولم يعتبر حالة
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 40.
(2)
يُنْظَر: العناية 8/ 455.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
ساقطة من (أ).
(5)
في (أ) و (ب): يختلف. والصواب ما أثبته.
الأمر بخلاف الأمر بالبيع بالنسيئة والنهي عن البيع بالنقد فإنه غير مفيد من كل وجه فلم يعتبر فكان ذلك نظير الأمر بحفظ الوديعة باليمين. فإن استدامة
(1)
الحفظ باليمين شاق على المودع وليس في الحفظ باليمين زيادة فائدة فجعلنا الأمر والنهي فيه سواء كما لو قال المودع: لا تضعها عن يديك ليلًا ولا
(2)
بهارًا كان هذا النهي لغوًا منه. كذا هنا
(3)
كذا في الذخيرة والجامع الصغير للإمام المحبوبي
(4)
.
التخصيص في المضاربة
(ومعنى التخصيص): أي: واللفظ الذي يستفاد منه التخصيص هذه الألفاظ التي ذكر من قوله (أن يقول: على أن تعمل كذا) إلى آخره. وفي المبسوط
(5)
وإذا دفعه إليه مضاربة على على أن يعمل به في الكوفة ليس له أن يعمل به في غيرها لأن كلمة على للشرط والشرط في العقد متى كان مفيدًا يجب اعتباره وهذا شرط مفيد لصاحب المال ليكون ماله محفوظًا في المصر.
(وكذا إذا قال: خذا هذا المال تعمل به في الكوفة): وقوله: تعمل على إعرابين بالجزم على جواب الأمر وبالرفع على الحال.
(1)
في (أ): استدانة.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
في (ب): ههنا.
(4)
يُنْظَر: الهداية 3/ 202.
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 40.
ألفاظ التخصيص
اعلم أن مجموع هذه الألفاظ ثمانية: ستة منها تعتبر شرطًا واثنان منها تعتبر
(1)
مشورة، فأما الستة فقوله: دفعت إليك المال مضاربة بالنصف على أن تعمل بها بالكوفة أو
لتعملَ
(2)
بها بالكوفة أو تعملْ بالكوفة بالجزم أو تعملُ بالرفع أو فاعمل بها في الكوفة أو قال دفعت إليك مضاربة بالنصف بالكوفة وأما اللذان تعتبر مشورة فقوله: دفعت إليك مضاربة بالنصف واعمل بها بالكوفة بالواو أو قال: دفعت إليك مضاربة بالنصف اعمل بالكوفة بغير واو لا يجب مراعاته في هاتين الصورتين حتى لو خرج بالمال من الكوفة لا يصير ضامنًا والأصل في معرفة الشرط من المشورة أن رب المال إذا ذكر عقيب لفظة المضاربة كلامًا لا يستقل بنفسه ولو اعتبر متعلقًا بما تقدم يصح فإنه يعتبر متعلقًا كي لا يلغو ومتى ذكر عقيب لفظ
(3)
المضاربة كلامًا يستقل بنفسه أي: يصح الابتداء به فإنه لا يعتبر متعلقًا بما تقدم لانعدام الضرورة في التعليق إذا ثبت هذا قلنا ففي الألفاظ الستة لا يستقيم الابتداء بالمذكور بعد المضاربة فإنه لا يستقيم الابتداء بقوله: على أن يعمل بالكوفة وكذلك في أخواتها فاعتبرت متعلقة بما قبلها فصارت بمعنى الشرط وأما قوله: اعمل بالكوفة مما يستقيم الابتداء به وكذلك واعمل؛ لأن الواو مما يجوز أن يبدأ به فاعتبر كلامًا مبتدأ غير متعلق بما قبله فلم يصر شرطًا بل كان مشورة من رب المال، كأنه قال: إنك إن فعلت كذا كان أحسن وأنفع ولهذا قالوا: لو قال الرجل لامرأته أنت طالق أو إن دخلت الدار أنت طالق لا يصير تعليقًا حتى يقع الطلاق في الحال كذا هنا
(4)
، كذا في الذخيرة والجامع الصغير للمحبوبي
(5)
، وقال في المبسوط
(6)
ولو قال: خذه مضاربة تعمل به في الكوفة أو قال: فاعمل به في الكوفة فعمل في غير الكوفة فهو ضامن، لأن
(1)
في (أ) و (ب): يعتبر. والصواب. ما أثبته.
(2)
في (أ): يستعمل.
(3)
في (ب): لفظة.
(4)
في (ب): ههنا.
(5)
يُنْظَر: العناية 8/ 475.
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسري 22/ 41.
قوله: فاعمل
(1)
تفسير لقوله: خذه مضاربة فالكلام
(2)
المبهم إذا تعقبه تفسير فالحكم لذلك التفسير.
وقوله: (فاعمل به): في معنى التفسير أيضًا، (لأن الفاء للوصل) والتعقيب والذي يتصل بالكلام المبهم ويتعقبه تفسيره وكذلك لو (قال: خذه مضاربة بالنصف بالكوفة؛ لأن الماء للإلصاق) فذلك
(3)
يقتضي أن يكون موجب كلامه ملصقًا بالكوفة وموجب كلامه العمل بالمال وإنما يتحقق إلصاقه بالكوفة إذا عمل بها وكذلك لو قال: خذه مضاربة بالنصف في الكوفة؛ لأن حرف في للظرف والمكان إنما يكون ظرفًا للعمل إذا كان حاصلًا فيه فهذا كله اشتراط العمل في الكوفة، وقد قلنا: أن هذا شرط مفيد ولو قال: خذه مضاربة بالنصف (واعمل به في الكوفة فله أن يعمل) به حيث شاء، (لأن الواو للعطف) والشيء لا يعطف على نفسه وإنما يعطف على غيره وقد يكون الواو للابتداء خصوصًا بعد الجملة الكاملة.
وقوله: خذه مضاربة بالنصف جملة تامة.
وقوله: واعمل عطفًا أو ابتداءً فيكون مشورة أشار به عليه لا شرطًا في الأمر الأول فإن قيل: لماذا لم لمجعل لمعنى الحال كما في قوله: أَدِّ إليَّ ألفًا وأنت حر، قلنا: لأنه غير صالح للحال ها هنا. وحال العمل لا يكون وقت الأخذ وإنما يكون العمل بعد الأخذ مع أن الواو تستعار للحال مجاز، وإنما يصار إليه للحاجة إلى تصحيح الكلام والكلام صحيح ها هنا باعتبار الحقيقة فلا حاجة إلى حمل حرف الواو على الحال؛ (لأن فائدة الأول) وهو قوله: على أن يشتري بها من أهل الكوفة (التقييد بالمكان) وهو مكان الكوفة وقد وجد ذلك لما اشترى من
(1)
في (ب): تعمل.
(2)
في (ب): والكلام.
(3)
في (أ): ولذلك.
رجل كان بالكوفة وإن لم يكن كوفيًّا مراد رب المال من هذا القول أن لا يشتري ولا يبيع في غير الكوفة لا أن يكون ذلك الرجل كوفيًا فإن قلت: في هذا الذي ذكرته من أن المراد به أن لا يشتري في غير الكوفة عدول عما اقتضاه ظاهر اللفظ فإن ظاهر اللفظ يقتضي أن يوجد شراؤه من كوفي لا من غير كوفي سواء كان في الكوفة أو في غيرها. قلت: إنما يعلم ذلك المراد منه من كمال عقل رب المال ولا شك أنه إنما يقول هذا للاحتياط في حفظ ماله على ما يقتضيه العقل، والاحتياط في حفظ المال. إنما يوجد في ذلك المراد الذي قلنا لا فيما يقتضيه ظاهر اللفظ، وذلك، لأن أهل الكوفة جم غفير وجمع كثير غير محصور بأشخاص معدودة فكانوا على آراء مختلفة وطبائع متفاوتة كما كان عليه أهل سائر البلدان وهم بجملتهم لا يتفقون في المعاملة وقضاء الديون في السهولة. بل منهم من يستقضي ويناقش في الحساب ومنهم من يتساهل في الخطاب فعلمنا بهذا أن مراده تقييد التصرف بالكوفة وقد وجد ذلك في التصرف بالكوفة سواء تصرف بالكوفة مع أهل الكوفة أو مع الغرباء بها إلى هذا أشار
(1)
في المبسوط
(2)
.
(وفائدة الثاني التقييد بالنوع): أي: كان هذا من رب المال تخصيصًا لنوع بيع وهو بيع الصرف؛ لأنه لما يخص المعاملة بشخص بعينه بل خص من تعامل ذلك النوع في معاملاته وهم الصيارفة علم بهذا أن مراده تخصيص بيع الصرف وكان
(3)
له (أن يشتري) من غير الصيارفة ما بدا له من الصرف.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 42.
(3)
في (ب): فكان.
حكم شراء المضارب من يعتق على رب المال
(من يعتق على رب المال لقرابة
(1)
أو غيرها): كالمحلوف بعتقه، فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين الوكيل بشراء العبد مطلقًا بألف درهم؟ فإنه يملك أن يشتري بها عبدًا يعتق على موكله بالقرابة أو باليمين ولا يصير به مخالفًا هناك والمضارب لو فعل ذلك يكون به مخالفًا. مع أن أحد أحوال المضارب الوكالة قلت: الفرق بينهما هو أن في باب الوكالة أطلق الوكالة إطلاقًا وفي المضاربة لم يطلق بل قيدها بوصف وهو الشراء بما
(2)
يظهر فيه الربح بالبيع فإذا اشترى ما لا يقدر على البيع فقد خالف قيده فيكون مخالفًا فلا يقع على المضاربة، وفي باب الوكالة: لو قيدها أيضًا وقال اشتر لي جارية أو عبدًا بألف درهم أبيعه فاشترى عبدًا يعتق عليه صار مخالفًا ولا فرق بينهما حينئذ كذا في شرح الطحاوي
(3)
.
وقوله: (بخلاف البيع الفاسد) متعلق بقوله: (شراء ما لا يملك بالقبض) أي: لا يدخل في عقد المضاربة ذلك ويدخل البيع الفاسد فيه؛ لأن المشترى بالبيع الفاسد مما يملك إذا قبض فلا يكون المضارب مخالفًا لرب المال بمباشرته
(4)
البيع الفاسد.
(ولو فعل): أي: اشترى من يعتق على رب المال، (صار مشتريًا لنفسه دون المضاربة): لأن رب المال إنما أمره بأن يشتري بالمال ما يمكنه بيعه فإن المقصود الاسترباح ولهذا أوجب له الشركة في الربح وذلك لا يحصل إلا بالبيع بعد الشراء فلم يكن هذا من جملة ما تناوله الأمر على تقدير وقوعه على المضاربة؛ لأنه يعتق على رب المال فلم يمكنه بيعه بعد ذلك فصار هذا كما لو قال لغيره: اشتر لي جارية أطؤها فاشترى أخت الموكل من الرضاعة
(1)
في (أ): أقرابة.
(2)
في (أ): إنما.
(3)
يُنْظَر: بدائع لصنائع 6/ 96.
(4)
في (أ): لمباشرته.
أو جارية مجوسية. لم يلزم الأمر لهذا، لأن الشراء متى وجد نفاذًا على المشتري نفذ عليه إنما قيد بهذا؛ لأنه إذا لم يجد نفاذًا يتوقف كما إذا اشترى العبد المحجور أو الصبي المحجور يتوقف شراؤهما إلى إجازة المولى والولي، ثم لما وقع هذا على المشتري لا على المضاربة وهو قد نقد ثمنه من مال المضاربة يتخير رب المال بين أن يسترد المقبوض من البائع ويرجع البائع على المضارب بمثله وبين أن يضمن المضارب مثل ذلك؛ لأنه قضى بالمضاربة دينًا عليه هذا كله من المبسوط
(1)
.
(لم يجز له أن يشتري من يعتق عليه): أي: على المشتري وهو المضارب. (لأنه يعتق عليه نصيبه ويفسد نصيب رب المال): أي: على قول أبي حنيفة رحمه الله
(2)
. (أو يعتق) أي: على قولهما (ولا في ملكه الزيادة): أي: نصيبه من الربح.
(فصار كما إذا ورثه مع غيره): صورته: امرأة اشترت ابن زوجها ثم ماتت وتركت زوجًا وأخًا. (ويسعى العبد في قيمة
(3)
نصيبه منه): أي: نصيب رب المال من العبد وهو رأس المال ونصيبه من الربح وذكر في المبسوط
(4)
وعليه السعاية في رأس المال وحصة رب المال من الربح لتتميم
(5)
العتق، لأنه احتبس ذلك القدر عنده من ملك رب المال فعليه أن يسعى له في ذلك.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 163.
(2)
في (ب): رضي الله عنه.
(3)
في (أ): قيمته.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 163.
(5)
في (أ): لتتميمه.
(احتسبت
(1)
ماليته عنده): أي: عند العبد.
(والمدَّعي موسر): قيد به لنفي الشبهة وهي أن الضمان بسبب دعوة المضارب ضمان إعتاق في حق الولد وضمان الإعتاق يختلف باليسار والإعسار فينبغي أن يضمن المضارب لرب المال إذا كان موسرًا، ومع ذلك قال: لا يضمن.
(حملًا على فراش النكاح): وهو الاستيلاد بالنكاح.
(لكنه) أي: لكن الادعاء. (كمال المضاربة إذا صار أعيانًا لا يظهر الربح) كما لو اشترى بألف المضاربة عبدين كل واحد منهما يساوي ألفًا لا يظهر الربح وبدون الملك لا يصح الاستيلاد. وها هنا أيضًا الجارية وولدها كل واحد منهما مشغول برأس المال فلا يظهر الربح وإذا كان كذلك لا يكون للمضارب نصيب لا في الجارية ولا في ولدها. حتى لو أعتقها المضارب لا ينفذ عتقه فيجعل في الحكم كأن كل واحد منهما ليس معه الآخر. فلا تصح الدعوى
(2)
ويضمن المضارب عقد الجارية لاعترافه بوطء جارية مملوكة لرب المال. وقد امتنع وجوب الحد لمكان الشبهة، وكان العقد في المضاربة وللمضارب أن يبيعها وولدها جميعًا فإن قلت: يشكل على هذا الذي ذكر: بأن مال المضاربة إذا صار أعيانًا لا يظهر الربح ما إذا كان المضارب معه
(3)
رأس المال ألف درهم اشترى بها عبدًا يساوي ألفين كان له الربع، وكذلك لو اشترى فرسين كل واحد منهما يساوي ألفًا كان له ربعهما حتى لو وهب الربع لرجل وسلمه إليه صح. قلت: هذا الذي ذكرته مما تشبث به زفر رحمه الله
(4)
في إثبات مذهبه: بأن المضارب
(1)
في (أ): أحتبس.
(2)
في (أ) و (ب): فلا يصح الدعوة. ولعل الصواب ما أثبتُّه.
(3)
في (أ): مع.
(4)
ساقطة من (أ).
لو اشترى بها
(1)
عبدين كل واحد منهما يساوي ألفًا فعنده للمضارب الربع من كل واحد منهما؛ لأنه ربح ألفًا فيكون له النص وهو ربع كل واحد منهما استدلالًا بها بين المسألتين إلا أنا نقول: أن حقه في الربح ولا يتحقق الربح إلا بعد تحصيل رأس المال وقد ثبت من مذهب أبي حنيفة رحمه الله
(2)
أن العبيد بين اثنين لا يقسمون جملة. بل كل واحد يكون بينهما على حياله وإذا اعتبر وحده لم يفصل شيء منه عن رأس المال. بخلاف الفرسين؛ لأنهما يقسمان جملة وإذا اعتبر جملة حصل البعض ربحًا. وكذلك لو كان العبد واحد، وكذلك مذهبهما لأنهما يقولان: إن العبيد
(3)
بمنزلة أجناس مختلفة حكمًا إلا أن يرى
(4)
القاضي الصلاح في الجمع أو يتراضوا
(5)
على ذلك. ولم يوجد ذلك في مسألتنا كذا في الأسرار
(6)
فإن قيل: لماذا لا يجعل الجارية رأس المال وجميع الولد ربحًا لما أن الجارية كانت متعينة لرأس المال قبل الولد فيجب أن يبقى كذلك؟ قلنا: أن تعينها كان لعدم المزاحمة لا أنها رأس المال؛ لأن رأس المال دراهم وبعد الولد تحققت المزاحمة فذهب تعيينها لرأس المال ثم إنما لم
(7)
يتعين أحدهما لرأس المال؛ لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر للتعين لرأس المال.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (ب): رضي الله عنه.
(3)
في (أ): العبد.
(4)
في (أ): يرى أن: بدل: أن يرى.
(5)
في (أ): تراضوا.
(6)
يُنْظَر: البناية 10/ 62.
(7)
في (ب): لا.
(فإذا زادت قيمة الغلام الآن ظهر الربح فنفذت الدعوة السابقة): ويثبت النسب منه؛ لأن الدعوى
(1)
كانت صحيحة حملًا لأمره على الصلاح
(2)
على الاستيلاد بحكم النكاح، ولكن لم يعمل.
(لعدم المِلك بخلاف ما إذا أعتق الولد) أي: المضارب إذا أعتق الودد. (ولا يضمن لرب المال شيئًا).
يعني موسرًا كان أو معسرًا؛ لأن نفوذ العتق لمعنى حكمي لا صنيع للمضارب فيه وهو ظهور الفضل في قيمته وذلك يمنع وجوب الضمان عليه لشريكه كما لو ورث بعض قريبه فإن قيل الضمان ها هنا يجب بالإفساد بدعوته وذلك صنع منه قلنا: لا كذلك بل الإفساد حصل بالدعوى
(3)
وبزيادة القيمة جميعًا والأصل: أن الحكم متى ثبت بعلة ذات وصفين يحال به إلى آخر الوصفين وجودًا إذا وجدا على الترادف، أصله مسألة السفيه والقدح الأخير ودليله: ما رُوي عن أبي بكر رضي الله عنه أن رجلًا أقرَّ بين يده بالزنا ثلاث مرات فقال له أبو بكر: إياك والرابعة فإنها الموجبة. فإذا تعذر التضمين صير إلى الاستسعاء؛ (لأن الألف المأخوذ لما استحق برأس المال لكونه مقدمًا في الاستيفاء) وإنها صار هو مقدمًا رأس المال؛ لأن رأس المال دراهم والألف المأخوذ من الاستستعاء دراهم فكان هو من جنس حقه. فكان هو أولى بالاستيفاء من الجارية.
(1)
في (أ) و (ب): الدعوة. ولعل الصواب ما أثبتُّه.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (أ) و (ب): الدعوة. ولعل الصواب ما أثبتُّه.
(ظهر أن الجارية كلها ربح فيكون بينهما): وكذلك إذا زادت قيمتها على ألف حتى صار المضارب شريكًا فيها تصير أم ولد له (بخلاف ضمان الولد): لأنه ضمان إعتاق فلا بد من التعدي ولم يوجد ولما صارت الجارية ربحًا فعقرها الواجب على المضارب تصير
(1)
ربحًا أيضًا فيكون بينهما.
وقوله على (ما مر): إشارة إلى قوله: (ولا يضمن لرب المال شيئًا من قيمة الولد، لأن عتقه بالنسب والملك، والملك آخرهما ولا صنيع له فيه): هذا كله مما ذكره الإمام المرغيناني
(2)
، وقاضي خان والمحبوبي رحمهم الله تعالى
(3)
. والله أعلم
(4)
.
(1)
في (ب): يصير.
(2)
يُنْظَر: الهداية 3/ 204، البناية 10/ 63، والجامع الصغير 1/ 422.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
ساقطة من (أ).
بابُ الْمُضَارِبُ يُضَارِب
(1)
لما ذكر حكم المضاربة في الأولى ذكر في هذا الباب حكم المضاربة الثانية، لأن الثانية تتلو الأولى أبدًا فكذا بيان حكمها أو نقول: لما ذكر حكم المضاربة المفردة ذكر في هذا الباب
(2)
حكم المضاربة المركبة والمركب أبدًا يتلو الفرد وقد ذكر قبل هذا في الكتاب: ولا يضارب المضارب إلا أن يأذن له رب المال؛ لأن الشيء لا يتضمن مثله وقد ذكرناه
(3)
وما ورد عليه من الشبهة ثم (المضارب) و (دفع) إلى (غيره مضاربة) بغير إذن (رب المال) وإن كان لا يجوز له ذلك فأخذه ذلك الغير منه ولم يخلطه حتى ضاع من يده، فلا ضمان على المضارب ولا على الذي أخذ منه قبل عمل الذي أخذ منه في ظاهر رواية علمائنا الثلاثة، لأنه لو وجب الضمان إما أن يجب بمجرد العقد ولا وجه إليه، لأن مجرد العقد قول على وجه الإنشاء وأنه لا يؤثر في ضمان المال ولهذا لا يضمن الفضولي بمجرد بيع مال الغير، ولا يجوز أن يجب الضمان على الأول بالتسليم لأجل التصرف فيه ولا
(4)
على الثاني بالقبض لأجل التصرف، لأن لهما ذلك. ألا ترى
(5)
: أن للمضارب أن يدفع المال إلى غيره بضاعة والدفع والقبض بضاعة دفع وقبض لأجل التصرف بعد هذا شرط أبو حنيفة رحمه الله للضمان تصرف الثاني مع الربح لا مجرد التصرف وهما اكتفيا بمجرد التصرف وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: (إذا عمل به
(1)
العنوان ساقط من (أ).
(2)
في (ب): في هذا الباب ذكر.
(3)
في (أ): ذكرنا.
(4)
ساقطة في (ب).
(5)
في (أ) و (ب): يرى. والصواب ما أثبته.
فمن رجع أو لم يرجع وهو ظاهر الرواية) هكذا ذكره شيخ الإسلام في المبسوط
(1)
وجعل وجوب الضمان بمجرد العمل ظاهر رواية أصحابنا وجعل اشتراط الربح مع العمل لوجوب الضمان رواية أبي يوسف. هذا كله من الذخيرة
(2)
.
(وهذا الدفع على وجه المضاربة): لأن الكلام فيه فيضمن الأول بالدفع، والثاني بالأخذ فكان كل واحد منهما ضامنًا كالمودع إذا أعار الوديعة من غيره كذا في المبسوط
(3)
.
(فكان الحال مراعى قبله): أي: قبل العمل أي: الحال موقوف إن عمل ضمن وإلا فلا.
تحقق الضمان بالمضاربة
(والفعلان يملكهما
(4)
المضارب فلا يضمن بهما إلا أنه إذا ربح) إلى آخره، لأنه متى ربح الثاني فقد ثبت له الشركة في الربح والربح ملك رب المال؛ وإثبات الشركة في مال الغير سبب الضمان. فأما قبل الربح فالموجود مجرد التصرف وأنه ليس سبب الضمان وهذا؛ لأنه إنما يصير مضمونًا إذا صار مخالفًا وذلك باشتراك
(5)
الغير في ربح ماله. ولهذا: لا يضمن إذا أبضع أو أودع؛ لأنه ليس في ذلك اشتراك الغير في الربح والشركة في الربح لا تتحقق قبل حصول الربح فسبب الخلاف إنما
(6)
يتحقق إذا حصل الربح، كذا في المبسوط
(7)
والذخيرة.
(1)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب 2/ 134.
(2)
يُنْظَر: البناية 1/ 56، العناية 8/ 461.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 99.
(4)
في (أ): ملكهما.
(5)
في (ب): بإشراك.
(6)
ساقطة من (أ).
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 99.
(وهذا إذا كانت المضاربة صحيحه): أي: إنما يتحقق
(1)
الضمان عليهما عند الربح أو بالعمل على الاختلاف الذي ذكرنا فيما إذا كانت المضاربة صحيحة ثم أطلق لفظ المضاربة ولم يذكر أن المراد بها المضاربة الأولى أو الثانية ليتناول كلًّا منهما. فإن المراد بهما: كل واحدة منهما سواء كانت الأولى أو الثانية أو كلتيهما
(2)
جميعًا. والدليل على الذي قلته ما ذكره في الذخيرة
(3)
فقال: وإنما يجب الضمان عليهما إذا كانت المضاربتان جائزتين. فأما إذا كانتا فاسدتين فلا ضمان على واحد منهما، حتى لو هلك المال في يد الثاني فلا ضمان؛ لأن الضمان على الأول بسبب اشتراك الثاني في الربح، وإذا كانتا فاسدتين فما أثبت الأول للثاني شركة في الربح، بل استأجر الثاني ليعمل في مال المضاربة، والمضارب إذا استأجر أجيرًا ليعمل في مال المضاربة فعمل الأجير فلا ضمان على واحد منهما، وكذلك إن كانت الأولى جائزة والثانية فاسدة فلا ضمان؛ لأن الثانية إذا كانت فاسدة لا تثبت للثاني شركة في الربح، بل يكون أجيرًا، وللمضارب أن يستأجر أجير، للعمل في مال المضارب، وكذلك إذا كانت الأولى فاسدة والثانية
(4)
جائزة، لأن الأولى متى كانت فاسدة تكون
(5)
المضاربة الثانية
(6)
فاسدة
(7)
أيضًا؛ لأبها لا تفيد الشركة في الربح، لأن الربح كله لرب المال. إذا كانت الأولى فاسدة فلا تفيد الثانية شركة في الربح كل مضاربة لا تفيد شركة في الربح تكون فاسدة وإذا كانت
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
في (أ): كليهما.
(3)
يُنْظَر: بدائع بالصنائع 6/ 97.
(4)
في (أ): الثاني.
(5)
في (ب): يكون.
(6)
في (أ): الثاني.
(7)
في (أ): الفاسدة.
المضاربة الثانية فاسدة لا تثبت للثاني شركة في الربح والضمان إنما تجب إذا ثبت للثاني شركة في الربح فإن قيل: إذا كانت المضاربة الثانية تفسد عند فساد الأولى لا يتأتى هذا التقسيم وهو ما إذا كانت الأولى فاسدة والثانية جائزة قلنا: المراد من جواز الثانية في هذه الصورة كون المشروط للثاني من الربح مقدار ما تجوز به المضاربة في الجملة بأن كان المشروط للأول من الربح مائة أو نصف الربح مع زيادة مائة والمشروط للثاني نصف الربح أو ثلثه كله من الذخيرة
(1)
.
(أما المضارب الثاني: يعمل فيه لنفع نفسه): بغير إذن رب المال. (لا على الوجه الذي رضي به): أي: رب المال فإن رب المال لم يرض بما فعل به المضارب الأول.
(وإن ضمن الثاني رجع على الأول بالعقد): أي: بسبب العقد يرجع على الأول بالعهدة وفي نسخة بالعهدة.
(لأنه عامل له): أي: لأن المضارب الثاني عامل لأجل المضارب الأول فإن قيل: بين هذا وبين ما تقدم وهو قوله: (أما المضارب الثاني: يعمل فيه لنفع نفسه) تناقض ظاهر حيث جعل المضارب الثاني في حق عمل واحد عاملًا لنفسه ولغيره قلنا: نعم، كذلك إلا أن ذلك بحسب اختلاف الجهة لما أن المضاربة مشتملة على عقود فالمضارب الثاني عامل لنفسه بسبب شركته في الربح وعامل لغيره، بسبب أنه في الابتداء مودع المودع وعمل المودع وهو الحفظ للمودع وتسمية الشيء الواحد باسمين مختلفين بسبب اختلاف الجهة لا يكون تناقضًا كشخص له أب وابن فيسمى
(2)
ذلك الشخص بالأب والابن بحسب اختلاف الجهة لا يكون تناقضًا.
(1)
يُنْظَر: قرة عين الأخيار 8/ 418.
(2)
في (ب): يسمى.
(كما في المودع): أي: مودع الغاصب إذا ضمن يرجع على الغاصب المودع. (وتصح المضاربة): أي: المضاربة الثانية.
(لأن قرار الضمان على الأول فكأنه ضمنه
(1)
ابتداء): فدإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين مسألة الرهن؟ وهي ما إذا رهن من آخر عبدًا فأبِق العبد من يد المرتهن ثم جاء مستحق واستحق العبد فإن ضمن الراهن كما صحت
(2)
المضاربة هنا وسقط دين المرتهن وإن ضمن المرتهن فالمرتهن يرجع بما ضمن للمستحق على الراهن وبالدين أيضًا ولا يصح الرهن مع أن قرار الضمان على الراهن هناك أيضًا. وها هنا جوَّز المضاربة فيما بين الأول والثاني متى اختار تضمين الثاني لكون قرار الضمان على الأول ذكره في المغني، قلت: لأن استرداد القيمة كاسترداد العين فينتقض قبض المرتهن باسترداد المستحق القيمة منه وبدون
(3)
قبضه لا يكون مرهونًا وهنا أيضًا استرداد المثل كاسترداد العين. ولكن لا ينعدم به ابتداء اليد للمضارب على المال واستدامته ليست بشرط لحكم المضاربة حتى إذا رد المضارب المال على رب المال واستعلن به في التصرف كان الربح بينهما على الشرط
(4)
. ولو رد المرتهن المرهون على الراهن بعارية أو غيرها خرج من ضمان الرهن كذا في المبسوط
(5)
.
(1)
في (أ) يوجد إضافة على الهامش: لرب المال. ولعلها شرح.
(2)
في (أ): صحَّ.
(3)
في (ب): وبدو.
(4)
في (أ): السر.
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 99.
(ولا يُعَرَّى عن نوع خُبْثٍ): لأنه ثابت من وجه دون وجه. فمن حيث أنه لا ملك
(1)
له تمكَّن الخبث فيه فيكون سبيله التصدق.
شرط المضارب لرب المال
(فإن كان رب المال قال له: على أن ما رزق الله
(2)
تعالى فهو بيننا نصفان
(3)
: أو قال: ما كان من رزق الله فهو بيننا نصفان. أو قال: خذ هذا المال مضاربة بالنصف فالحكم واحد كذا في المبسوط
(4)
، (فينصرف تصرفه إلى نصيبه): وإن لم يكن هو على قدر نصيبه كأحد الشريكين في العبد إذا باع ثلثه و (يطيب لهما ذلك)؛ لأن المضارب الأول والثاني يعني: وإن لم يعمل المضارب الأول بالتصرف في المال فيطيب له السدس، لأنه باشر العقدين وإن لم يعمل بنفسه شيئًا ألا ترى
(5)
: لو أنه أبضع المال مع غيره أو أنصفه رب المال حتى ربح كان نصيب المضارب من الربح طيِّبًا له وإن لم يعمل بنفسه.
(وإن كان قال له: على أن ما رزقك الله تعالى فهو
(6)
بيننا نصفان): أو قال ما ربحت في هذا من شيء، أو قال: على أن ما كان لك فيه من فضل الربح، أو قال: على أن ما كسبت فيه من كسب أو قال
(7)
: على أن ما رزقت فيه من شيء أو قال: على أن ما صار لك فيه من ربح فهو بيننا نصفان وقال له: اعمل فيه برأيك فدفعه الأول (إلى آخر مضاربة بالنصف) أو بثلثي الربح أو بخمسة أسداس الربح كان ذلك صحيحًا وللثاني من الربح جميع
(1)
في (أ): يملك.
(2)
في (ب): رزق.
(3)
في (أ): نصفا.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 103.
(5)
في (أ) و (ب): يرى. ولعل الصواب ما أثبته.
(6)
ساقطة من (أ).
(7)
في (ب): مال.
ما شرط له والباقي بين الأول وبين رب المال نصفين؛ لأن رب المال بهذه الألفاظ ما شرط لنفسه نصف جميع الربح، وإنما شرط لنفسه نصف ما يحصل للأول من الربح؛ لأنه أضاف إليه بحرف الخطاب وهو الكاف أو
(1)
التاء بخلاف الأول رب المال هناك شرط نصف ربح جميع المال لنفسه؛ لأنه أضاف الرزق والربح إلى المال دون المضارب الأول كذا في المبسوط
(2)
.
(لأنه جعل لنفسه): أي: جعل رب المال لنفسه.
(نصف مطلق الفضل): ولا نسلم
(3)
له النصف المطلق إلا وإن ينصرف شرط المضارب الأول النصف الثاني إلى نصيبه خاصة فانصرف إليه وصار النصف لرب المال والنصف الآخر للمضارب الثاني وخرج الأول من البين، وأما في الفصل الأول: فقد شرط رب المال لنفسه نصف ربح ينسب إلى المضارب الأول حيث قال: فما ربحت من شيء فهو بيننا فلما سلم للمضارب الأول نصف الربح منسوبًا إليه، صار ذلك النصف بينه وبين رب المال كما شرطه
(4)
شرطه
(5)
رب المال. إلى هذا أشار في الذخيرة
(6)
.
(ولأنه غَرَّه في ضمن العقد): وهو أي: الغرور في ضمن العقد سبب الرجوع، وإنما قيد بالغرور في ضمن العقد، لأن الغرور لو لم يكن في ضمن العقد لا يكون موجبًا للضمان كما لو قال لآخر: هذا الطريق آمن وهو ليس بآمن فدخل فيه فقطع الطريق قاطع الطريق وأخذ ماله فلا ضمان عليه. والله أعلم.
(1)
في (أ): و.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 104.
(3)
في (ب): يسلم.
(4)
في (أ): شرط.
(5)
يُنْظَر: البناية 10/ 70.
(6)
فصل: هذه المسألة
(1)
تجانس الأولى من حيث اشتراط المضارب في الربح وتخالفها من حيث إدخال عبد رب المال في استحقاق الربح فلذلك فصلها بفصل ووصلها بإيراد.
(ولعبد رب المال ثلث الربح): فالتقييد بعبد رب المال لا للشرط فإن الحكم في عبد المضارب كذلك أيضًا. وحاصل هذا ما ذكره في الذخيرة
(2)
والمغني فقال: إذا شرط في المضاربة بعض الربح لغير المضارب ورب المال فهو على وجوه: أحدها: إذا شرط ذلك لأجنبي وفي هذا الوجه إن شرط عمل الأجنبي، فالمضاربة جائزة، والشرط جائز ويصير رب المال دافعًا المال مضاربة إلى رجلين وإن لم يشترط عمل الأجنبي، فالمضاربة جائزة والشرط باطل ويجعل المشروط للأجنبي كالمسكوت عنه فيكون لرب المال، والوجه الثاني: إذا شرط بعض الربح لعبد المضارب أو لعبد رب المال فإن شرط عمل العبد مع ذلك فالمضاربة جائزة والشرط جائز أيضًا على كل حال. وإن لم يشترط عمل العبد مع ذلك إن لم يكن على العبد دين صح الشرط سواء كان عبد المضارب أو عبد رب المال، لأنه تعذر تصحيح هذا الشرط في حق العبد؛ لأن الربح إنما يستحق إما برأس المال، أو بالعمل، أو بضمان العمل ولم يوجد واحد من
(3)
هذه الأسباب في حق العبد وأمكن تصحيحه في حق مولاه، لأن ما شرط للعبد مشروط لمولاه.
(إذا لم يكن عليه دين وإن كان على العبد دين): فإن كان عبد المضارب فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله
(4)
لا يصح الشرط، ويكون المشروط كالمسكوت عنه فيكون لرب المال؛ لأنه تعذر تصحيح هذا الشرط للعبد وتعذر تصحيحه للمضارب، لأنه لا يملك كسب عبد عند أبي
(1)
في (ب): مسألة.
(2)
يُنْظَر: البناية 10/ 72.
(3)
في (أ): في.
(4)
في (ب): رضي الله عنه.
حنيفة رحمه الله إذا كان على العبد دين وعندهما يصح الشرط ويجب الوفاء به وإن كان عبد رب المال فالمشروط يكون لرب المال بلا خلاف، والوجه الثالث: إذا شرط بعض الربح أن لا يقبل شهادة المضارب أو شهادة رب المال له نحو الابن والمرأة والمكاتب ومراتبهم فالجواب فيه كالجواب فيما إذا
(1)
شرط بعض الربح للأجنبي
(2)
، والوجه الرابع: إذا شرط بعض الربح لقضاء دين المضارب أو لقضاء دين رب المال فهو جائز ويكون المشروط للمشروط له قضاء دينه.
شرط المضارب لرب المال ثلث الربح
وقيل: (ولعبد رب المال ثلث الربح على أن يعمل معه): فيعلم بما ذكرنا إن ذكر عمل العبد خرج على وفاق العادة. لا أن يكون شرطًا مصححًا للجواز ويجوز أن يكون ذلك للاحتراز عن اشتراط عمل رب المال فإن ذلك شرط مفسد للمضاربة، لأنه لا تقع به التخلية بين المضارب، والمال بخلاف اشتراط عمل عبده فإنه ليس بمفسد.
وقوله: (فهو جائز): أي: سواء كان على العبد دين أو لم يكن، لأن عبد رب المال في حق المضاربة كعبد أجنبي آخر، ألا ترى
(3)
: أن لرب المال أن يدفع ماله إليه مضاربة فما هو شرط المضاربة؟ يوجد مع اشتراط عمل
(4)
رب المال وهو التخلية بين المضارب
(5)
والمال بخلاف شرط عمل رب المال فإنه لا يدفع المال إلى نفسه مضاربة وهذا، (لأن للعبد يدًا معتبرة) وليست يده بيد رب المال فتحقق خروج المال من يد رب المال اشتراط عمل عبده وإذا ثبت
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
في (ب): لأجنبي.
(3)
في (أ) و (ب): يرى. والصواب ما أثبته.
(4)
في (ب): عمل عبد.
(5)
في (أ): المضاربة.
هذا في عبده فهو في مكاتبه وابنه وأبيه أظهر كذا في المبسوط
(1)
.
(ولهذا يجوز بيع المولى من عبده
(2)
المأذون):
أي: إذا كان مديونًا على ما يجيء في كتاب المأذون إن شاء الله تعالى
(3)
، وقد مرَّ
(4)
أيضًا في باب المرابحة والتولية: أنه إذا لم يكن على العبد دين فباع العبد من مولاه شيئًا أو باع مولاه منه شيئًا فإنه لا يصح. والله أعلم.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 84.
(2)
في (أ): عبد.
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
ساقطة من (أ).
فصلٌ في الْعَزلِ والْقِسمَةِ
لما ذكر حكم المضاربة والربح إلى الآمر ذكر الحكم الذي يوجد بعده وهو عزل المضارب وقسمة مال المضاربة فذكره في هذا الفصل.
ما تبطل به الوكالة
قوله رحمه الله
(1)
: (لأنه توكيل وموت الموكل يبطل الوكالة، وكذا موت الوكيل).
إلى آخره فإن قلت: لم يجعل المضارب بمنزلة الوكيل في مسائل منها: أن الوكيل إذا دفع إليه الثمن قبل الشراء وهلك في يده بعد الشراء فإنه يرجع به على الموكل ثم لو هلك ما أخذه ثانيًا لا يرجع به مرة أخرى
(2)
. وأما المضارب: فيرجع به على رب المال مرة بعد أخرى إلى أن يصل الثمن إلى البائع على ما يجيء في الكتاب ومنها أن المضارب إذا اشترى بمال المضاربة عروضًا ثم عزله رب المال عن المضاربة لا يعمل عزله وإن علم بعزله والوكيل ينعزل، ومنها:(أن رب المال لو ارتد ولحق بدار الحرب) ثم عاد مسلمًا فالمضارب على مضاربته بخلاف الوكيل، فإنه ليس على وكالته، وإن جاء الموكل مسلمًا ثم جعل ها هنا موت رب المال بمنزلة موت الموكل وموت المضارب بمنزلة موت الوكيل. فما الفرق بين هذه المسائل؟ قلت: أما المسألة الأولى: فقد تجيء في الكتاب وحاصل الفرق بينهما أن شراء الوكيل يوجب الثمن عليه للبائع وله على الموكل فإذا رجع على الموكل بعد الشراء صار مقتضيًا ما استوجبه دينًا عليه وصار مضمونًا عليه
(3)
بالقبض. فإذا هلك يهلك في ضمانه، فلا يرجع ثانيًا وأما المضارب إذا رجع
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
ساقطة من (أ).
على رب المال فما يقبضه يكون أمانة في يده؛ لأنه من رأس ماله. ألا ترى
(1)
: أن عند القسمة يرد
(2)
على رب المال أولًا
(3)
جميع ما استوفى منه ثم
(4)
يقاسم الربح ومن شرط المضاربة أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب. فإذا هلك ثانيًا كان هلاكه على رب المال فيرجع عليه مرة بعد أخرى. وفي مسألتنا أيضًا لم يتفاوت حال المضارب والوكيل في أن المال أمانة في أيديهما فكان حكمهما واحدًا لا محالة إلى هذا أشار في المبسوط
(5)
. وأما المسألتان الأخريان فيجيئان بعد هذا إن شاء الله تعالى. بطلت المضاربة هذا إذا لم يعد مسلمًا أما إذا رجع المرتد وهو رب المال مسلمًا جاز جميع ما فعل من البيع والشراء فكان عقدهما المضاربة على ما اشترطا.
بخلاف الوكالة فإن الموكل (إذا ارتد ولحق بدار الحرب) ثم عاد مسلمًا لم يعد الوكيل على وكالته. أما إذا لم يتصل قضاء القاضي بلحاقه
(6)
؛ فلأن هذا بمنزلة الغيبة فلا يوجب عزل الوكيل ولا بطلان المضاربة. وأما بعد اللحاق والقضاء به فالوكيل إنما ينعزل بخروج محل التصرف عن ملك الموكل وأما ها هنا لا يبطل؛ لمكان حق المضارب كما لو مات حقيقة كذا في المبسوط
(7)
.
(1)
في (أ): و (ب): يرى. والصواب. ما أثبته.
(2)
في (أ): رد.
(3)
في (أ): وإلا.
(4)
في (أ): مم.
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 76.
(6)
في (أ): للحاقة.
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 12/ 60.
(لأنه يتصرف له): أي: لأن المضارب يتصرف لأجل رب المال وكان
(1)
تصرف المضارب بمنزلة تصرف رب المال
(2)
. فلو تصرف رب المال في هذه الصورة لكان تصرفه موقوفًا عند أبي حنيفة رحمه الله لارتداده وكذا
(3)
تصرف نائبه وهو المضارب.
إن كان المضارب هو المرتد
(ولو كان المضارب هو المرتد فالمضاربة على حالها): أي: في قولهم جميعًا حتى لو اشترى وباع وربح أو وضع ثم قتل على رِدَّته أو مات أو لحق بدار الحرب فإن جميع ما فعل من ذلك جائز. والربح بينهما على ما اشترطا؛ لأن توقف تصرفاته عند أبي حنيفة رحمه الله
(4)
لتعلق حق ورثته بماله أو لتوقف ملكه باعتبار توقف نفسه وهذا المعنى لا يوجد في تصرفه في مال المضاربة؛ لأنه نائب فيه عن رب المال أو هو متصرف في منافع نفسه ولا حق لورثته في ذلك، فلهذا نفذ تصرفه والعهدة في جميع ما باع واشترى على رب المال في قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن حكم العهدة يتوقف بردته؛ وهذا لأنه لو لزمته العهدة لكان قضى ذلك من ماله ولا تصرف له في ماله فإذا تنحَّت العهدة عنه فإن قتل على ردته تعلق بمن انتفع بتصرفه
(5)
بمنزلة الصبي المحجور عليه إذا توكل بالشراء للغير وبالبيع وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله
(6)
حاله في التصرف بعد الردة كحاله قبل الردة فالعهدة عليه ويرجع بذلك على رب المال كذا في المبسوط
(7)
والإيضاح
(8)
.
(1)
في (ب): فكان.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
في (ب): فكذا.
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
في (ب): بالتصرفه.
(6)
ساقطة من (أ).
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 128.
(8)
يُنْظَر: العناية 8/ 468.
(فله أن يبيلعها ولايمنعه العزل من ذلك): ففي هذه المسألة يخالف المضارب الوكيل ثم لما لم يمنعه عزل رب المال عن بيعها ملك بيعها نقدًا أو نسيئة حتى لو نهاه رب المال عن البيع نسيئة لا يعمل نهيه، وكذلك لا يصح نهيه عن المسافرة في الروايات المشهورة. هكذا ذكر في الإيضاح
(1)
وقال: فليس لرب المال أن ينهاه وإن نهاه لم يتعلق في نهيه حكم حتى ينضَّ
(2)
ثمنه نحو أن يقول: لا تبع
(3)
بالنسيئة؛ لأن حق التصرف ثابت له فإنه يحتاج إلى أن يبيعه ليظهر ليظهر الربح فإذا نهاه عن ذلك فقد أبطل حقه بالتصرف فلم يصح وإذا لم يملك عزله حتى ينضَّ المال لم يملك تخصيص الإذن أيضًا؛ لأنه عزل من وجه وأما إذا نهاه عن المسافرة لم يصح نهيه على الرواية
(4)
المشهورة؛ لأنه لا يملك المسافرة بإطلاق العقد وعلى الرواية التي لا يملك المسافرة
(5)
إلا بتعميم التفويض إليه
(6)
فالنهي صحيح. تنضيض
(7)
الماء: خروجه من الحجر أو أو نحوه وسيلانه قليلًا قليلًا من حد ضرب، ومنه خذ ما نض كل من دينك أي: إن تيسر وحصل وفي الحديث "يقتسمان ما نضَّ بينهما من العين"
(8)
أي: صار ورقًا وعينًا بعد أن كان
(1)
يُنْظَر: البناية 10/ 77.
(2)
في هامش النسخة (ب) يوجد شرح لكلمة ينضّ: ينقُد.
(3)
في (أ): لأن فيه: بدل: لاتبع.
(4)
في (ب): الروايات.
(5)
في (أ): المسافر.
(6)
في (ب): عليه.
(7)
في (ب): نضيض.
(8)
ذكره ابن الأثير في النهاية (5/ 72)، ورمز له من عند الهروي فقال:" (هـ) ومنه حديث عكرمة في الشريكين إذا أرادا أن يتفرقا "يقسمان ما نض بينهما من العين، ولا يقسمان الدين" كره أن يقسم الدين، لأنه ربما استوفاه أحدهما، ولم يستوفه الآخر، فيكون ربا، ولكن يقتسمانه بعد القبض".
كان متاعًا والناض عند أهل الحجاز الدراهم والدنانير. كذا في المغرب
(1)
.
قوله رحمه الله
(2)
: (له
(3)
أن يبيعها بجنس رأي المال): إنما قيد به؛ لأنه ليس له أن يشتري بما نقد العروض. فإن
(4)
لم يكن النقد من جنس رأس المال فإنه ذكر في الذخيرة
(5)
: وإذا الذخيرة
(6)
: وإذا كان مال المضاربة من خلاف جنس رأس المال من كل وجه بأن كان مال المضاربة عرضًا فنهي رب المال إياه لا يعمل في الحال أصلًا. بل يقف إلى أن يصير مال المضاربة مثل رأس المال وإن كان مال المضاربة من جنس رأس المال من حيث الثمنية إلا أنه من خلاف جنسه من حيث الحقيقة، بأن كان رأس المال دراهم ومال المضاربة دنانير أو على العكس يعمل نهي رب المال إياه عما هو شراء من كل وجه حتى لا يملك شراء العروض به ويملك صرفه بما هو من جنس رأس مال المضاربة.
موت رب المال في بيع العروض
(وعلى هذا موت رب المال في بيع العروض): يعني: إذا مات رب المال والمال عروض فللمضارب أن يبيع العروض حتى ينض رأس المال ونحوها بأن كان رأس المال دراهم والمال دنانير كان له أن يبيع الدنانير بالدراهم كما في العزل. وفي الذخيرة
(7)
: كل جواب جواب عرفته في الفصول كلها إذا منع رب المال المضارب عن التصرف فهو الجواب فيما إذا مات رب المال ففي كل موضع انعزل المضارب يمنع رب المال إياه وعزله ينعزل بموت رب المال
(1)
يُنْظَر: المغرب 1/ 467.
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
في (ب): وإن.
(5)
يُنْظَر: البحر الرائق 7/ 268.
(6)
يُنْظَر: البناية 11/ 152.
(7)
وفي كل موضع لا ينعزل بمنع رب المال وعزله لا ينعزل بموت رب المال. فقد سوى بين العزل القصدي، والحكمي في حق المضارب ففي
(1)
كل موضع لم يصح العزل القصدي لم يصح العزل الحكمي؛ لأن العزل القصدي في حق المضارب إنما لم يصح لما فيه من إبطال حق مستحق للمضارب وذلك لا يتفاوت بين القصدي والحكمي؛ (لأنه وكيل محض والمتبرع لا يجبر على إيفاء ما تبرع وبه) ولا يقال: أنه قد وجب رد رأس المال عليه على الصفة التي أخذ. وينبغي
(2)
أن يجبر على الاقتضاء حتى بمثل ما أخذ، لأنا نقول: الواجب عليه رفع يده لا التسليم كالمودع؛ فإذا أحال به فقد أزال يده عنه فلا يلزمه أكثر منه كذا وجدت بخط شيخي رحمه الله، السمسار: اسم لمن يعمل للغير بالأجر بيعًا أو شراء. روى قيس بن أبي عروة الكناني وقال: كنا نبتاع في الأسواق بالأوساق
(3)
بالمدينة ونسمي أنفسنا السماسرة فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
فسمانا باسم هو أحسن من اسمنا وقال: "يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة"
(5)
، وإذا دفع الرجل إلى سمسار ألف درهم وقال: اشتر بها لي رطبًا بأجر عشرة دراهم
(6)
فهذا فاسد. لأنه استأجره لعمل مجهول فالشراء قد يتم
(7)
بكلمة واحدة
(1)
في (ب): في.
(2)
في (ب): فينبغي.
(3)
في (أ): الأسواق. وفي (ب): الأوساق، والصحيح: في الأسواق بالأوساق. لأن هذا نص الحديث.
(4)
في (ب): عليه السلام.
(5)
أخرجه أبو داود (5/ 215)، كتاب البيوع، باب في التجارة يخالطها الحلف واللغو، ح:(3326)، والترمذي (3/ 506)، كتاب أبواب البيوع، باب ما جاء في التجار، وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم ح:(1208)، وابن ماجه (2/ 726)، كتاب التجارات، باب التوقِّي في التجارة ح:(2145) من حديث قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه.
قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
(6)
في (أ): درهم.
(7)
في (أ): يتم به بكلمة.
وقد لا يتم بعشر كلمات. استأجره على عمل لا يقدر على إقامته بنفسه فإن الشراء لا يتم به ما لم يساعده البائع على البيع، وكذلك إن سمى له عدد الثياب أو استأجره على بيع
(1)
طعام أو شرائه
(2)
ثم الحيلة في جواز هذا: هو أن يستأجره يومًا إلى الليل بأجر معلوم ليبيع له أو ليشتري له، فهذا جائز؛ لأن العقد يتناول منافعه هاهنا وهو معلوم ببيان المدة والأجير قادر على إيفاء المعقود عليه ألا ترى
(3)
: لو أنه سلم نفسه إليه في جميع المدة استوجب الأجر وإن لم لم يتفق له بيع أو شراء بخلاف الأول فإن المعقود عليه هناك البيع والشراء حتى لا يجب الأجر بنفس التسليم إذا لم يقم العمل وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إن شاء ذلك أمره بالبيع والشراء ولم يشترط له أجرًا فيكون كيلًا معينًا له ثم يعوضه بعد الفراغ من العمل مثل الأجر وأبو حنيفة رحمه الله
(4)
لا يخالفهما فإن التعويض في هبة الأعيان مندوب إليه عند الكل.
فكذلك في هبة المنافع وقد أحسن إليه بالإعانة فإنما جزاء الإحسان الإحسان. كذا في باب السمسار من إجارات المبسوط
(5)
.
(وما هلك من مال المضاربة فهو من الربح لا من رأس المال): إلى قوله: (تراد الربح حتى يستوفي رب المال رأس المال).
صورة هذا: ما ذكره في المبسوط
(6)
: وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف
(1)
في (ب): لبيع: بدل: على بيع.
(2)
في (أ): شراء.
(3)
في (أ) و (ب): يرى. والصواب ما أثبته.
(4)
في (ب): رضي الله عنه.
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 15/ 115.
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 105.
فربح
(1)
ألفًا واقتسما الربح فأخذ كل واحد منهما خمسمائة لنفسه وبقي رأس مال المضاربة في يد المضارب على حاله حتى هلك أو عمل بها فوضع فيها أو نوى بعد ما عمل بها فإن قسمتها باطلة والخمسمائة التي أخذها رب المال تحسب من
(2)
رأس ماله فيغرم له المضارب الخمسمائة التي أخذها لنفسه؛ فيكون له من رأس ماله وما هلك فهو من الربح؛ لأن الربح لا يتبين قبل وصول رأس المال إلى رب المال، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"مثل المؤمن كمثل التاجر لا يسلم ربحه حتى يسلم له رأس ماله"
(3)
فكذلك المؤمن لا تسلم له نوافله حتى تسلم عزائمه، أو قال: فرائضه؛ وهذا لأن رأس المال أصل والربح فرع وما بقي من رأس المال في يد المضارب فهو أمين فيه فإذا هلك من عمله أو غير عمله لا يكون مضمونًا عليه. ولكن ما هلك كأن لم يكن فتبين أن الباقي من المال كان
(4)
مقدار الألف وصل إلى رب المال من
(5)
ذلك خمسمائة وأخذ المضارب لنفسه خمسمائة وما أخذه لنفسه فهو مضمون عليه فيغرم لرب المال الخمسمائة التي أخذها حتى يصل إليه كمال رأس ماله وقسمة الربح هنا قبل وصول رأس المال إلى رب المال بمنزلة قسمة الوارث التركة مع قيام الدين على الميت. فلو أن الورثة عزلوا من التركة مقدار الدين وقسموا ما بقي ثم هلك المعزول قبل أن يصل إلى الغرماء بطلت القسمة؛ وعليهم ضمان ما أخذوا لحق الغرماء لما أن حق الغرماء سابق على حق الورثة في التركة؛ فكذلك هنا حق رب المال في رأس المال سابق على حقهما في الربح وذكر في الذخيرة
(6)
: اعلم أن قسمة الربح قبل
(1)
في (أ): فالربح.
(2)
في (أ): عن.
(3)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وذكره السرخسي في المبسوط 22/ 105.
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
في (أ): عن.
(6)
يُنْظَر: البحر الرائق 7/ 268.
قبض رأس المال موقوفة إن بقي ما أعد لرأس المال في يد المضارب حتى قبضه رب المال كانت القسمة جائزة. ويتبين أن المقسوم كان ربحًا وإن هلك ما أعد لرأس المال في يد المضارب كانت القسمة باطلة. وتبين أن المقسوم كان رأس المال والحيلة
(1)
لهما أن لا ينقض تلك القسمة أن يستوفي رب المال رأس المال أولًا ثم يقسمان الربح ثم يرد رب المال رأس المال على المضارب ويقول له: اعمل بها على المضاربة التي كانت وتكون
(2)
هذه مضاربة مستقبلة، لو هلك المال في يد المضارب بعد ذلك لا تنتقض القسمة الأولى لا يوجب انتقاض الاقتسام الأول. والله أعلم.
(1)
في (ب) يوجد إشارة إلى الهامش تحت كلمة: الحيلة وهي جملة: حيلة أن لا ينتقض القسمة بهذا كرأس المال.
(2)
في (أ) و (ب): يكون. والصواب ما أثبته.
فصلٌ فيما يَفْعَلُهُ المُضَارِب
(1)
ذكر في هذا الفصل ما لم يذكره في أول المضاربة من أفعال المضارب زيادة للإفادة وتنبيهًا على مقصودية أفعال المضارب بالإعادة.
وقوله: (لا يبيع التجار إليه): هو صفة للنكرة لا جواب المسألة. أي: إلى أجل طويل بحيث لا يبيع التجار إليه بأن باع إلى عشر سنين
(2)
.
ما يجوز للمضارب أن يفعله وما لا يجوز
(ولهذا كان له أن يشتري دابة للركوب وليس له أن يشتري سفينة للركوب (
(3)
: ولو كان رب المال دفع المال إليه مضاربة بالنصف ولم يسمِّ ما يشتري به فاشترى به طعامًا وسفينة يحمل عليها الطعام أو اشترى دوابًّا جاز ذلك على المضاربة؛ لأنه يملك التجارة في المدفوع إليه مطلقًا وجميع ما اشترى به من عقود التجارة. وأما إذا دفعه إليه مضاربة على أن يشتري به الطعام خاصة فله أن يستأجر لنفسه دابة إذا خرج في الطعام خاصة كما يستأجر للطعام؛ لأنه لا يجد بُدًّا من ذلك فهو من توابع التجارة في الطعام وله أن يشتري حمولة يحمل عليها الطعام فإن ذلك من صنيع التجار. فإن اشترى سفينة يحمل عليها الطعام فإن ذلك لا
(1)
العنوان ساقط من (أ).
(2)
في (أ) يوجد إشارة إلى الهامش بعد كلمة: (إلى عشر سنين) وهي: الجملة التالية: (لخروجه حينئذ من صنيع التجار).
(3)
في (ب): في الركوب.»: وهذا الحكم الذي ذكره في حق المضارب الخاص بنوع كالطعام مثلًا وأما إذا لم يخص رب المال بالتجارة في شيء بعينه كان له شراء السفينة والدواب؛ لأنه ذكر في المبسوط يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 45.
يجوز على رب المال؛ لأن شراء السفينة لا يعد من توابع التجارة في الطعام.
وقوله: (في الرواية المشهورة): قيد بها احترازًا عما روي من رستم عن محمد رحمهما
(1)
الله أنه لا يملك الإذن بالتجارة؛ لأنه بمنزلة الدفع مضاربة. وقد ذكرنا الفرق بينهما: أن المأذون لا يصير شريكًا في الربح وقد ذكرناه في أوائل المضاربة.
(فالمضارب أولى (
(2)
: وإذا باع المضارب متاع المضاربة وسلمه إلى المشتري ثم أخر الثمن من المشتري بعيب أو بغير عيب فهو جائز على المضاربة ولا يضمن المضارب بهذا التأخير شيئًا.
(بخلاف الوكيل): فهناك عند أبي يوسف لا يصح تأجيله في الثمن
(3)
وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
(4)
يجوز ويصير ضامنًا للموكل؛ لأن المضارب يملك أن يشتري ما باع بمثل ذلك الثمن ثم يبيعه بمثله مؤجلًا، فكذلك يملك أن يؤجله في ذلك الثمن؛ لأن ذلك من صنيع التجار، وهو يملك ما هو صنيع التجار. وأما الوكيل في حق الموكل لا يملك الشراء والبيع ثانيًا بثمن مؤجل فكذلك تأجيله في حق الموكل لا يصح.
(1)
في (ب): رحمه.
(2)
في (أ): أولا.»: لأن ولاية المضارب أعم؛ لأنه شريك في الربح أو بفرضيَّة أن يصير شريكًا.
(إلا أن المضارب لا يضمن): فيه إشارة إلى أن الوكيل يضمن وفي المبسوط يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 47.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
ساقطة من (أ).
قوله رحمه الله
(1)
: (أي لأن
(2)
له أن يقايل ثم يبيع نسيئة): فلما ملك المضارب الإقالة والبيع بالنسيئة جعلنا تأجيله الثمن بمنزلة الإقالة والبيع بالنسيئة فلذلك ملك تأجيل الثمن.
(ولا كذلك الوكيل): فإن الوكيل يضمن إذا أخذ الثمن.
(لأنه لا يملك ذلك): أي: لأن الوكيل لا يملك الإقالة والبيع بالنسيئة بعدها أي: بعد ما باع مرة فلم يمكن أن يجعل تأجيله الثمن بمنزلة الإقالة والبيع بالنسيئة بعدها، فلذلك يضمن الوكيل بتأجيل الثمن عندهما وأما عند أبي يوسف رحمه الله فلا يملك الوكيل تأخير الثمن وتأجيله فلا يرد عليه
(3)
الضمان وعدم الضمان على قوله رحمه الله
(4)
.
(أما عند أبي يوسف؛ فلأنه يملك الإقالة): أي: فلأن المضارب.
(ولو احتال): أي: لو قبل المضارب الحوالة على رجل (أعسر) من المشتري (جاز)؛ لأنه لو أقال العقد مع الأول ثم باعه بمثله على المحتال عليه جاز فكذلك إذا قبل الحوالة والثمن عليه وبه فارق الوكيل كذا في المبسوط
(5)
وهو ما ذكرنا إشارة إلى قوله: (ويجوز للمضارب أن يبيع بالنقد والنسيئة) إلى قوله: (والأصل أن ما يفعله المضارب ثلاثة أنواع: وهو أن يشتري) الضمير للاستدانة
(6)
إلا أنه ذكَّر
(7)
المبتدأ ليُذكِّر
(8)
الخبر وهو قوله: (أن
(1)
ساقطة من (أ).
(2)
ساقطة من (أ).
(3)
في (ب): فيه.
(4)
ساقطة من (أ).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 47.
(6)
في (أ): الأستدانة.
(7)
في (أ): دل.
(8)
في (ب): لتذكير.
يشتري).
وقوله: (وما أشبه ذلك): أي: من أنواع الاستدانة هذا الذي ذكره وما أشبهه، ومما أشبه هذا ما ذكره في الإيضاح
(1)
بقوله: وإن اشترى سلعة بأكثر من مال المضاربة وهو: الألف مثلًا كانت حصة الألف للمضاربة وما زاد فللمضارب له ربحه وعليه وضيعته والمال دين عليه؛ لأن الاستدانة نفذت عليه خاصة ومما أشبهه أيضًا أن رأس المال لو كان ألف درهم فليس له أن يشتري بالمكيل والموزون والمعدود؛ لأنه اشترى بغير رأس المال فكان هذا استدانة فلا ينفذ على المضاربة. أما لو كان في يده دراهم فاشترى بدنانير نفذ على المضاربة استحسانًا؛ لأنهما كالجنس الواحد في الثمنية فصار كما لو كان ذلك الجنس في يده.
(لأنه يصير المال زائدًا على ما انعقد عليه المضاربة ولا يرضى به ولا تشغل ذمته بالدين): يعني: أن رب المال لا يرضى بزيادة مال المضاربة، وإن كان فيها نفع لمقابلة ضرر يفوقها وهو شغل الذمة بالدين وذكر في الفوائد الظهيرية
(2)
: إما لا يملك الاستدانة على المضاربة؛ لأن الاستدانة عليها تصرف في غير رأس مال
(3)
المضاربة والتوكيل مقيد برأس المال وعند التنصيص عليها يصير التصرف بمنزلة شركة الوجوه ولا يكون مضاربة؛ لأنه ليس لواحد منها رأس المال وقد مر تفسير السفاتج
(4)
(5)
في آخر الحوالة.
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 85.
(2)
يُنْظَر: المرجع السابق.
(3)
في (أ): المال.
(4)
في (أ) و (ب): السفاتح. والصواب ما أثبته، وهو موافق لما في البناية شرح الهداية: 10/ 85.
(5)
السفاتج: جمع سفتجة والسَّفْتَجَةُ قِيلَ بِضَمِّ السِّينِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَأَمَّا التَّاءُ فَمَفْتُوحَةٌ فِيهِمَا فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ هِيَ كِتَابُ صَاحِبِ الْمَالِ لِوَكِيلِهِ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا قَرْضًا يَأْمَنُ بِهِ مِنْ خَطَرِ الطَّرِيقِ يُنْظَر: التعريفات للجرجاني 1/ 12، المصباح المنير 1/ 278.
(فإن دفع شيئًا من مال المضاربة إلى رب المال بضاعة فاشترى رب المال وباع فهو على المضاربة): وهذا اللفظ كما ترى يقتضي أن يكون المدفوع إلى رب المال بعض مال المضاربة. وفي تقييده يدفع بعض مال المضاربة يتوهم في أن الحكم في دفع كله بخلاف ذلك، وليس كذلك فإن الحكم وهو بقاء المضاربة على حالها لا يتفاوت بين
(1)
أن يكون المدفوع كل مال المضاربة أو بعضها. وبه صرح في الذخيرة
(2)
وذكر أيضًا في المبسوط
(3)
وإذا دفع إلى رجل مالًا مضاربة بالنصف فرده المضارب على رب المال وأمره أن يشتري له ويبيع على المضاربة ففعل رب المال ذلك فربح ولم يلِ المضارب شيئًا من
(4)
العمل فهذه مضاربة جائزة؛ لأن رب المال معين للمضارب في
(5)
إقامة العمل والمال في يده على سبيل البضاعة ثم إنما قيد بدفع المضارب مال المضاربة إلى رب المال؛ لأن رب المال إذا أخذ مال المضاربة من منزل المضارب بغير أمره وباع واشترى به إن كان رأس المال ناضًا دراهم أو دنانير
(6)
فهو نقض للمضاربة وإن صار رأس المال عرضًا لا يكون نقضًا للمضاربة؛ وذلك؛ لأنه لا يمكن أن يجعل رب المال معينًا للمضارب؛ لأن الاستعانة لم توجد من المضارب فيجعل عاملًا لنفسه وفي ضرورة كونه عاملًا لنفسه انتقاض المضاربة ثم هذا النقض اقتضاء لا يربو على النقض صريحًا ولو نقض رب المال المضاربة صريحًا وكان رأس المال عرضًا لا يعمل نقضه للحال ولو كان ناضًا
(1)
في (ب): من.
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية 10/ 87.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 85.
(4)
في (أ): في.
(5)
ساقطة من (ب).
(6)
دراهم أو دنانير: ساقطة من (ب).
يعمل كذا ها هنا كذا في الذخيرة
(1)
.
الإبضاع في المضاربة
(والإبضاع توكيل منه): فأن قيل: تفسير الإبضاع: أن يكون ربح
(2)
المال للمبضع والعمل من الآخر وهاهنا ليس للمبضع مال فلم يصر بضاعة لعدم ركنه قلنا: لا نسلم أن تفسيره ذلك. بل تفسير الإبضاع وهو الاستعانة ورب المال يصلح معينًا له؛ لأنه أشفق الناس إليه تصرفًا فلما صح استعانة المضارب بالأجنبي أولى أن يصح استعانته برب المال؛ فإن قيل: الأجنبي يصلح معينًا للمضارب؛ لأنه عامل في مال غيره بأمره ورب المال يعمل فيما هو مال له ولا
(3)
يصلح له
(4)
معينًا ألا ترى
(5)
: أن من استأجر خياطًا ليخيط له ثوبًا واستعان الأجير بالمستأجر في الخياطة فعمل المستأجر وهو الخياطة لا تتحول إلى الأجير حتى لا يقضي له بالأجر فعلى هذا التقدير ينبغي أن لا يكون للمضارب من هذا الربح نصيب قلنا: في المضاربة معنى الإجارة والشركة جميعًا ومعنى الشركة فيها راجح حتى جازت من غير توكيل وكانت العبرة للشركة دون الإجارة وفي الشركة يجوز أن لا يستوجب أحد الشريكين بعض الربح بعمل
(6)
صاحبه وإن لم يعمل بنفسه؛ ولأن المضارب الذي يستوجبه لا يستوجبه عوضًا عن المنفعة بدليل أنه إذا عمل ولم يربح شيئًا لا يقضى له بشيء. وإنما يستوجب باعتبار أنه فرع عمله وإذا كان الاستئجار بهذا الطريق صلح رب المال معينًا للمضارب لثبوت عمله
(7)
تقديرًا (فلا
(1)
يُنْظَر: البناية 8/ 474.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (ب): فلا.
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
في (أ) و (ب): يرى. والصواب ما أثبته.
(6)
في (أ): لعمل.
(7)
في (ب): عليه.
تبطل
(1)
به المضاربة
(2)
الأولى)؛ لأنه لما لم تصح المضاربة الثانية لما ذكر فقد حصل مال المضاربة في يد رب المال بعد صحة المضاربة وبه لا تبطل المضاربة. كما أن حصول الرهن في يد الراهن بالعارية لا يبطل الرهن حتى كان للمرتهن أن يعيده إلى نفسه فكذا هنا كذا
(3)
في شرح
(4)
الجامع الصغير للبرهاني والمرغيناني
(5)
والمحبوبي
(6)
.
نفقة المضارب إذا سافر
(وإن سافر فطعامه وشرابه): إلى أن قال: (في المال): أي: في المضاربة والقياس: أن لا نفقة للمضارب في مال المضاربة ولا على رب المال؛ لأن المضارب بمنزلة الوكيل والمستبضع عامل لغيره بأمره أو بمنزلة الأجير لما شرط لنفسه من بعض الربح وواحد من هؤلاء لا يستحق النفقة في المال الذي يعمل به إلا أنا تركنا هذا القياس فيما إذا سافر بالمال لأجل العرف. ولما ذكر في الكتاب بخلاف الوكيل والمستبضع فإنه متبرع في عمله لغيره وبخلاف الأجير؛ لأن عامل له ببدل مضمون في ذمة المستأجر؛ وذلك يحصل له بيقين فأما هذا غير متبرع ولا هو مستوجب بدلًا بل حقه في ربح عسى يحصل وعسى لا يحصل؛ فلا بد من أن يجعل له بإزاء ما تحمل من المشقة شيئًا معلومًا وذلك نفقته
(7)
من المال وهو بمنزلة الشريك والشريك إذا سافر بمال الشركة فنفقته في ذلك المال مروي عن محمد رحمه الله فالمضارب كذلك، كذا في المبسوط
(8)
.
(1)
في (أ) و (ب): يبطل. والصواب ما أثبته.
(2)
تكررت في (ب).
(3)
ساقطة من (أ).
(4)
في (ب): شروح.
(5)
يُنْظَر: الهداية 3/ 209.
(6)
يُنْظَر: البناية 15/ 89.
(7)
في (أ): نفقة.
(8)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 63.
(بالسكنى الأصلي): فلا يكون محبوسًا بمال المضاربة فلذلك
(1)
لا تجب نفقته في مال المضاربة؛ لأنه أجير فلا يستحق النفقة وإن سافر (لانتهاء الاستحقاق) وكان
(2)
عليه رد ما بقي كالحاج عن الغير إذا بقي معه شيء من النفقة بعد رجوعه؛ وكالمولى إذا بوَّأ أمته مع زوجها بيتًا ثم نقلها لخدمته وقد بقي معها شيء من النفقة كان للزوج أن يسترد ذلك منها، كذا في المبسوط
(3)
.
(ومن ذلك غسل ثيابه): وفي الفوائد الظهيرية
(4)
: وما يحتاج إليه في غسل الثياب وأجرة الحمام والحلاق في مال المضاربة وكان ينبغي أن لا يجب في مال المضاربة؛ لأن هذا مما لا يحتاج إليه في عموم الأوقات والنفقة ما لا بد للإنسان منه في عموم الأوقات. فيجب أن لا يكون واجبًا كأجرة الحجام والفصاد. إلا أنا نقول: أوجبناه في مال المضاربة؛ لأنه من صنيع التجار؛ فإنهم يحلقون رؤوسهم ويقصون شواربهم وينقون ثيابهم لتزداد
(5)
رغبات الناس في مبايعتهم ومعاملتهم. فإن الإنسان متى كان طويل الشعر وسخ الثياب كان من عداد المفاليس والصعاليك، فيقل معاملوه فصار أجر الحمام والحلاق من جملة النفقة، وكذلك ثمن الحرض والصابون.
(1)
في (ب): فكذلك.
(2)
في (ب): فكان.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 63.
(4)
يُنْظَر: البناية 10/ 90.
(5)
في (ب): ليزداد.
(وإذا ربح أخذ رب المال ما أنفق من رأس المال): يريد بهذا أنه يأخذ رب المال جميع رأس المال وما بقي يكون بينهما على ما اشترطا فتكون
(1)
النفقة مصروفة إلى الربح ولا تكون مصروفة إلى رأس المال؛ لأن ما أنفقه يجعلك التَّاوِي
(2)
. وقد بينا أن العقد يبقى في الكل بعد هلاك بعض رأس المال فيحصل جميع رأس المال وما بقي فهو بينهما على الشرط. كذا في المبسوط
(3)
والجامع الصغير
(4)
لصدر الإسلام. وذكر في الذخيرة
(5)
: ويبدأ برأس المال ثم ثم يثني بالنفقة ثم يثلث بالربح وإنما بدأ برأس المال مع أن في المال دينًا وسبيل الدين أن يقدم ألا ترى
(6)
: انه لو كان في المضاربة دين آخر يقدم على رأس المال؛ لأن النفقة بدل عمل المضارب وبدل عمله من الربح فكما يبدأ برأس المال فكذا يبدأ به قبل النفقة وإن هلك مال المضاربة لم يرجع على رب المال شيء؛ لأن النفقة بدل عمله وبدل عمله في المال وإن كان أنفق من مال المضاربة قبل أن يشتي بها شيئًا يستوفي رب المال رأس المال وذلك ألف أولًا. وكان ينبغي أن يستوفي خمسمائة؛ لأن أكل المضارب بأمر رب المال كأكل رب المال بنفسه. والجواب أن
(7)
محل النفقة الربح إلا أنه كان للمضارب أن ينفق من رأس المال قبل ظهور الربح ليصير ما أنفق من رأس المال دينًا للمضاربة متى ظهر الربح فإذا ظهر الربح وجب استيفاء ذلك من الربح.
(1)
في (ب): فيكون.
(2)
يقال: تَويَ المال بالكسر يتوى توى والتَوى مقصورٌ: هلاكُ المال، يُنْظَر: الصحاح للفارابي 6/ 2290.
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 64.
(4)
يُنْظَر: البناية 10/ 92.
(5)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 313.
(6)
في (أ) و (ب): يرى. والصواب ما أثبته.
(7)
ساقطة من (ب).
(فإن باع المتاع مرابحة): يعني: بعد ما أنفق، (حسب ما أنفق على المتاع من الحملان ونحوه): كأجرة السمسار
(1)
والقصار
(2)
والصباغ
(3)
.
(ولا يحتسب ما أنفق على نفسه): بيان هذا فيما ذكره صدر الإسلام رحمه الله
(4)
الله
(5)
في الجامع الصغير
(6)
وقال: يريد بهذا أن ما أنفق على المتاع يضم إلى رأس المال ويبيع مرابحة على الكل حتى لو اشتراه بألف درهم واستأجر دوابا يحمله إلى مصر بمائة درهم فإنه يبيعه مرابحة على ألف ومائة ولكن لا يقول اشتريته بألف ومائة بل يقول قام عليَّ بكذا.
والجملة في ذلك: أن ما يوجب زيادة في رأس المال حقيقة أو حكمًا نضمه إلى رأس المال بأن اشترى ثيابًا وصبغها من مال المضاربة أو حملها و
(7)
نقلها من بلدة إلى بلدة من مال المضاربة يضمه إلى رأس المال؛ لأن هذا يوجب زيادة في القيمة من حيث الحقيقة أو من حيث الحكم فيكون في معنى الثمن؛ فله أن يضمه إلى رأس المال
(8)
. وكذلك ما اعتاد التجار ضمه إلى رأس رأس المال كأجرة السمسار يضمه إلى رأس المال.
(1)
السِّمْسارُ؛ بالكسر: المَتَوَسِّطُ بين البائِعِ والمشْتَرِي. يُنْظَر: القاموس المحيط (ص: 410).
(2)
القَصَّارُ: من كانت حِرْفَتُه القِصَارَة وهو مُحَوِّرُ الثِّيَاب ومُبَيِّضُها. يُنْظَر: تاج العروس 13/ 431، الصحاح 2/ 794.
(3)
الصّباغ: من كانت حِرْفَتُه الصِّبَاغَةُ؛ بالكَسْرِ وهو من عمله تلوين الثِّيَاب وَنَحْوهَا. يُنْظَر: المعجم الوسيط 1/ 506، تاج العروس 22/ 523.
(4)
ساقطة من (أ).
(5)
يُنْظَر: البناية 10/ 92.
(6)
في (أ): أو.
(7)
في (أ): إلى بلدة وكذلك.
(8)
(وإن
(1)
صبغها أحمر فهو شريك): خص الحمر؛ لأن السواد نقصان عند أبي حنيفة رحمه الله
(2)
فأما سائر الألوان فمثل الحمرة. كذا ذكره فخر الإسلام في الجامع الصغير
(3)
.
(بخلاف القَصارة): بفتح القاف؛ لأن القِصارة بكسر القاف حرفة القصّار وبالفتح فعله مصدر من قصر الثوب يعني: (بخلاف القصارة والحمل فإنه ليس بعينِ مالٍ)؛ لأنه
(4)
يزيل الدرن ولا يزيد فيه شيئًا ويبقى الثوب أبيضًا على ما كان أصله. فلما كان كذلك لا يصير شريكًا؛ لأن شركة الأملاك إنما تكون بالمال. ولهذا إذا فعله الغاصب ضاع ولا يضيع إذا صبغ المغصوب يعني إذا قصر الغاصب ثوب إنسان بغير إذنه فازدادت قيمته بقصارته كان للمالك أن يأخذ ثوبه مجانًا بغير عوض. وأما إذا كان الغاصب صبغه أحمر أو أصفر لم يكن للمالك أن يأخذه مجانًا. بل يتخير رب الثوب إن شاء أخذ الثوب وأعطاه قيمة ما زاد الصبغ فيه يوم الخصومة لا يوم الاتصال بثوبه وإن شاء ضمنه جميع قيمة الثوب أبيض يوم صبغه وترك الثوب عليه؛ فلما كان كذلك ينبغي أن لا يكون المضارب أشقى حالًا من الغاصب في حق الصبغ حتى لا يهدر صبغه كما هدر قصارته. ثم ها هنا لم يضمن المضارب بصبغه أحمر وإن لم يكن مأذونًا فيه والغاصب يضمنه على الوجه الذي ذكرنا. وإنما لم يضمن المضارب بصبغه الثوب أحمر ها هنا مع أنه لم تكن له ولاية الصبغ؛ لأن لصبغه أحمر جهتين مختلفتين: إحداهما: يقتضي جواز فعل الصبغ له والأخرى: تقتضي عدم جواز فعل الصبغ له أما جهة الجواز: فهي أن في صبغه أحمر خلطًا لمال المضاربة بمال نفسه؛ لأن قيمة الثوب ازدادت بصبغه أحمر والصبغ
(1)
في (ب): فإن.
(2)
في (ب): رضي الله عنه.
(3)
يُنْظَر: البناية 10/ 93.
(4)
ساقطة من (ب).
عين مال المضارب القائم في الثوب الذي هو مال المضاربة فكان خلطًا ولهذا المضارب ولاية الخلط؛ لأن الكلام في المضارب الذي قال له رب المال: (اعمل برأيك) وله فيه ولاية الخلط ولما اختلط ماله بمال
(1)
المضاربة صار هو شريكًا لرب المال. وأما جهة عدم الجواز: فإن في صبغه أحمر معنى الاستدانة على مال المضاربة؛ لأن بهذا الصبغ تزداد
(2)
قيمة الثوب وما أنفق في الصبغ يكون دينًا على رب المال إذا لم يكن فعله تعديًا ثم هو لا يملك به استدانة على رب المال إلا بالتنصيص عليها ولا يملكها بمجرد قوله: اعمل برأيك فلما دار فعله في صبغ الحمرة بين كونه مأذونًا وبين كونه غير مأذون على الوجه الذي ذكرنا ارتقى فعله عن فعل الغاصب حتى صار شريكًا ولم يكن ضامنًا. بخلاف الغاصب. فإنه لا يصير شريكًا في العين بهذا الفعل بل يصير ضامنًا وإن حط
(3)
درجته عن درجة مضارب مأذون فيه من كل وجه حتى لم يقع فعله ذلك مضاربة، بل إذا بيع الثوب فيما يخص قيمة الصبغ من الثمن يكون للمضارب وما يخص قيمة الثوب الأبيض كان على المضاربة. وهو نظير ما لو هبت الريح وألقته في صبغ الغير فإن صاحب الصبغ يكون شريكًا حتى يباع الثوب، فيقسم الثمن بينهما على قيمة الصبغ وقيمة الثوب بخلاف القصارة والحمل فإنه لما لم يبق عين للمضارب في الثوب لم تقع به الشركة له. وبهذا التقرير خرج الجواب عن شبهة قالوها وهي: أنه لما لم ينفذ صبغة الثياب على رب المال لكونه استدانة ينبغي أن يضمن كما في الغاصب لوجود الخلط على وجه لا يمكنه التمييز وخرج الجواب عن شبهة أيضًا وهي: أن فعله هذا إما أن يقع مأذونًا أو غير مأذون فإن وقع مأذونًا ينبغي أن يقع على المضاربة وإن وقع غير مأذون ينبغي أن يضمن المضارب كالغاصب
(1)
في (أ): مال.
(2)
في (أ) و (ب): يزداد. والصواب ما أثبته.
(3)
في (أ): انحط.
هذه فوائد مجموعة من شروح الجامع الصغير
(1)
للإمام شمس الأئمة فخر الإسلام والمحبوبي رحمهم الله.
وقوله: (انتظام الخلطة (
(2)
: (ويخرج نصيب المضارب وهو: الربع من المضاربة؛ لأنه مضمون عليه ومال المضاربة أمانة وبينهما منافاة).
اعلم أن الرجل إذا دفع إلى إنسان مالًا مضاربة فهلك قبل التصرف فيه بطلت المضاربة؛ لأن العقد انعقد على
(3)
المال المعين في العقد فإذا هلك محل العقد بطل. فالقول
(4)
قول المضارب في هلاكها إن لم يعلم ذلك مع يمينه؛ لأنه بمنزلة المودع ولو استهلك المضارب رأس المال وأنفقه أو أعطاه رجلًا فاستهلكه لم يكن له أن يشتري عليه شيئًا؛ لأنه صار مضمونًا عليه بالتعدي ومن حكم المضارب أن يكون أمينًا فإن أخذه من الذي استهلك كان له أن يشتري
(1)
يُنْظَر: البناية 10/ 93.
(2)
في (أ): الخلط.» أي: تناول؛ (قوله اعمل برأيك): للصبغ أحمر كما تناول ذلك القول بخلط مال المضاربة بمال نفسه أو بمال الغير فلا يضمنه حتى لو لم يقل اعمل برأيك يصير غاصبًا فيضمن. والله أعلم بالصواب.
فصل: آخر مسائل هذا الفصل. مسائل متفرقة تتعلق بمسائل المضاربة فلما لم تكن هذه المسائل من أنفس مسائل المضاربة التي لا بد للمضاربة منها أخَّر ذكرها.
نصيب المضارب من المضاربة
قوله رحمه الله ساقطة من (أ).
(3)
في (أ): يوجد في الهامش الكلام التالي: أخرته فتأخر والآخر بعد الأول وهو صفة نقول جاء آخرًا أي أخيرًا وتقديره فاعل والأنثى آخرة والجمع أواخر والآخر بالفتح أحد الشيئين وهو اسم على أفعل والأنثى أخرى إلا أن فيه معنى الصفة؛ لأن أفعل في كذا لا تكون إلا في الصفة (جومرك).
(4)
في (ب): والقول.
على المضاربة رواه الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله
(1)
؛ لأنه أخذ العوض وصار
(2)
بمنزلة الثمن.
وروى محمد رحمه الله أن المضارب إذا أقرضه فإن رجعت إليه الدراهم بعينها رجعت على المضاربة؛ لأنه زال التعدي وإن أخذ مثلها لم يرجع؛ لأن الضمان قد استقر بهلاك العين وحكم المضاربة لا يجتمع مع الضمان كذا في الذخيرة
(3)
. وإذا كان كذلك خرج نصيب المضارب وهو الربع عن المضاربة لكونه مضمونًا عليه والمضارب في شراء ربع العبد عامل لنفسه باعتبار حصته من الربح فلا يرجع بما يلحقه من العهدة في ذلك الربع على رب المال، وأما كون ثلاثة الأرباع مضمونة على رب المال فغير مانع للمضاربة؛ لأن رب المال موكل. وقرار الضمان إنما يكون على الموكل فلذلك تبقى ثلاثة الأرباع على المضاربة وكان المضارب في شراء ثلاثة أرباعه كان عاملًا لرب المال فيرجع عليه بالعهدة في ذلك القدر. فإذا دفع الألفين إلى البائع وقبض العبد وباعه بأربعة آلاف فالحكم كما ذكر في الكتاب كذا في المبسوط
(4)
.
(إلا أن فيه شبهة العدم): أي: شبهة عدم جواز البيع فصار كأنه لم يبع رب المال من المضارب شيئًا.
إذا كان مع المضارب عشرة دراهم فاشترى بها عبدًا قيمته ألفان
(وقد مر في البيوع): أي: في باب المرابحة في قوله: وإذا كان مع المضارب عشرة دراهم (فاشترى بها عبدًا قيمته ألفان) وقيد بالألفين؛ لأنه لو كانت قيمته ألفًا فتدبير الجناية إلى رب المال؛ لأن الرقبة على ملكه لا ملك للمضارب فيها فإن اختار رب المال الدفع واختار المضارب الفداء مع ذلك فله ذلك؛ لأنه يستبقي بالفداء مال المضارب وله ذلك؛ لأن الربح
(1)
في (أ): ر ح.
(2)
في (ب): فصار.
(3)
يُنْظَر: بدائع الصناع 6/ 113.
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 175.
يتوهم كذا في الإيضاح
(1)
. ثم اعلم أن العبد المشترى في المضاربة إذا جنى جناية خطأ فالعبد لا يدفع بالجناية حتى يحضر المضارب، ورب المال سواء كان الأرش مثل قيمة العبد أو أقل أو أكثر؛ لأن الملك مشترك بينهما وكذلك إذا كانت قيمة العبد ألف درهم لا غير فجنى جناية لا يدفع إلا بحضرتهما؛ لأن المضارب له في العبد حق ملك حتى إن رب المال لو أراد أن يأخذ العبد ويمنعه من البيع لم يكن له ذلك كالعبد المرهون إذا جنى جنابة خطأ لا يدفع إلا بحضرة الراهن والمرتهن. لما أن الراهن صاحب الملك؛ والمرتهن صاحب الحق. والحاصل أنه يشترط حضرة رب المال والمضارب للدفع دون الفداء؛ لأن الفداء ملك خالص لرب المال وكان
(2)
لكل واحد منهما أن يفديه كالأجنبي وهذا بخلاف ما لو كانت قيمته مثل رأس المال واختار رب المال الدفع وأبى المضارب الدفع والفداء جميعًا حيث يدفعه رب المال إذا لا شركة للمضارب حقيقة وفي الامتناع عن الفداء يتعنت في حق ولي الجناية فيثبت لرب المال ولاية الدفع فإن كان أحدهما غائبًا وقيمة العبد ألفا درهم ففداه الحاضر كان متطوعًا؛ لأنه أدى دين غيره بغير أمره وهو غير مضطر فيه فإنه لو أقام البينة على الشركة لا يطالب بحصة صاحبه لا بالدفع ولا بالفداء وكان
(3)
متبرعًا كالأجنبي كذا ذكره الإمام المحبوبي
(4)
.
(وإذا فديا خرج العبد عن المضاربة أما نصيب المضارب لما بيناه): إشارة إلى ما ذكر في المسألة المتقدمة بقوله ويخرج نصيب المضارب وهو: الربع من المضاربة؛ لأنه مضمون عليه وذكر الإمام قاضي خان
(5)
(1)
يُنْظَر: البحر الرائق 7/ 272.
(2)
في (ب): فكان.
(3)
في (ب): فكان.
(4)
يُنْظَر: البناية 10/ 98.
(5)
يُنْظَر: البحر الرائق 7/ 272.
والمحبوبي
(1)
ولا يكون الدفع والفداء إلى المضارب خاصة؛ لأن الدفع والفداء ليس من أحكام المضاربة؛ لأن المقصود من المضاربة الاسترباح
(2)
والدفع. والفداء ليس باسترباح، فلهذا كان ذلك إليهما فإن شاءا دفعاه وإن شاءا فدياه وأيهما فعل بطل عقد المضاربة. أما الدفع فظاهر؛ لأن مال المضاربة صار هالكًا؛ وأما الفداء؛ (فلأن العبد بالجناية صار كالزائل عن ملكهما) إلى آخره؛ ولأن بالفداء يتميز نصيب أحدهما من نصيب الآخر حكمًا. فإن المضارب يفدي الربع الذي هو نصيبه ورب المال يفدي ثلاثة أرباعه وفي المضاربة إذا تميز المضارب من نصيب رب المال تبطل المضاربة كما إذا تميز بالقسمة فصار الفداء من كل واحد منهما نصيبه في معنى القسمة، والقسمة توجب انتهاء المضاربة وكذلك بالدفع على ما قلنا بخلاف ما تقدم أراد به ما إذا ضاع الألفان في المسألة المتقدمة حيث لا تنتهي المضاربة هناك بل بقيت على ما كانت وذكر في الفوائد الظهيرية
(3)
فرق بين هذا وبين ما تقدم حيث لا يخرج هناك ما يخص رب المال عن المضاربة وهنا يخرج. والفرق: أن الواجب فيما تقدم ضمان التجارة، وضمان التجارة لا ينافي المضاربة. والواجب هنا ضمان الجناية وضمان الجناية ليس من التجارة في شيء. فلا يبقي على المضاربة فيرجع مرة بعد أخرى بخلاف الوكيل وذكر الإمام المحبوبي
(4)
ثلاثة أوجه في الفرق بينهما، أحدها: ما ذكره في الكتاب والثاني: أنا لو لم نحمل ما قبضه الوكيل على الاستيفاء لأبطلنا حق الموكل أصلًا؛ لأنه إذا رجع عليه بألف أخرى ضاع ذلك أصلًا. فأما هنا حق رب المال لا يضيع إذا حمل على الأمانة؛ لأنه يلحق برأس المال ويستوفيه من الربح. ولو حمل على
(1)
يُنْظَر: البناية 10/ 98.
(2)
في (أ): استرباح.
(3)
يُنْظَر: الدر المختار 5/ 659.
(4)
يُنْظَر: البناية 10/ 101.
الاستيفاء يلحق
(1)
المضارب ضرر فوجب
(2)
اختيار أهون الأمرين؛ والثالث: أن الوكيل لما اشترى فقد انعزل عن الوكالة فلا يرجع على الموكل بعده فأما المضارب فلا ينعزل بالشراء ويتصرف في كل مرة لرب المال ويرجع عليه في كل مرة. والله أعلم.
فصل: في اختلاف رب المال والمضارب
فصل: في الاختلاف لما بين أحكام مسائل الاتفاق فيما بين رب المال والمضارب. شرع في بيان مسائل الاختلاف بينهما لما أن الأصل هو الاتفاق؛ لأن اتفاقهما مبني على تصادقهما عند ابتداء عقد المضاربة والأصل هو أن يصدق المسلم المسلم فيما قاله؛ لأن الاختلاف في الحقيقة في مقدار المقبوض قيَّدَ بالمقدار؛ لأن الاختلاف إذا وقع في صفة المقبوض فالقول فيه قول رب المال على ما سيجيئ من كون المال في يد ذي اليد قرضٌ
(3)
أو بضاعة. وعن هذا خرج الجواب عن سؤال من سأل ما الفرق بين ما إذا قال رب المال
(4)
ألفين؟ كان القول: للمضارب وبين ما إذا قال رب المال والمال عندك بضاعة؟ كان القول: قول رب المال.
(وفي مثله): أي: وفي مثل هذا الاختلاف وهو الاختلاف في مقدار المقبوض. (القول قول القابض ضمينًا) كالغاصب أو (أمينًا) كالمودع. ألا ترى
(5)
: أنه لو أنكر القبض أصلًا كان القول قوله، فكذا في مقداره يكون القول قوله كذا في الإيضاح
(6)
.
(1)
في (أ): فلحق.
(2)
في (ب): فيجب.
(3)
في (ب): قرضًا.
(4)
ساقطة من (أ).
(5)
في (أ) و (ب): يرى. والصواب؛ ما أثبته.
(6)
يُنْظَر: البناية 10/ 102.
(ولو اختلفا مع ذلك في مقدار الربح): أي: لو اختلفا في مقدار المشروط من الربح مع الاختلاف في رأس المال صورته ما ذكره في الإيضاح وقال: وإذا اختلف رب المال والمضارب في رأس المال والربح فقال رب المال: رأس المال ألفان وشرطت لك ثلث الربح وقال المضارب: رأس المال ألف وشرطتَ لي
(1)
النصف فالقول قول المضارب في قدر رأس المال والقول قول رب المال فيما شرط له من الربح.
(فالقول فيه لرب المال): لأن المضارب يدعي الزيادة فيما شرط له ورب المال ينكر ولو أنكر أصل الشرط بأن قال: كان المال في يده بضاعة فالقول قوله، فكذلك فيما أنكر الزيادة فيما شرط له. (وأيهما أقام البينة على ما ادعى من فصل قبلت).
أي: بينة رب المال تقبل فيما ادعى من الفصل في رأس المال وبينة المضارب تقبل فيما ادعى من الفصل في الربح.
(والبيّنة بينة المضارب): (لأن المضارب يدعي عليه التملك): أي: تملك الربح فالبينة بينة المدعي (وهو ينكر) فكان القول قول رب المال عند عدم البينة لإنكاره التمليك عليه فإن قلت: ما وجه الفرق بين هذا وبين ما إذا انعكست صورة المسألة؛ بأن ادعى رب المال القرض وادعى المضارب المضاربة؟ فالبينة هناك: بينة رب المال والقول قول المضارب.
قلت: وجه الفرق فيه انعكاس العلة؛ لأن رب المال لما ادعى القرض والمضارب المضاربة قد اتفقا على أن الأخذ كان بإذن ورب المال يدعي ضمانًا وهو ينكر فكان القول قوله والبينة بينة رب المال؛ لأنه مدَّعٍ للضمان فالبينة بينة المدعي كذا في الإيضاح
(2)
.
(1)
في (أ): في.
(2)
يُنْظَر: البناية 10/ 103.
(وقال الآخر): وهو المضارب. (فالقول للمضارب): في دعوى العموم أي: مع اليمين كذا في المبسوط
(1)
، اعلم أن العموم في المضاربة كما يثبت بالتنصيص عليه يثبت بمقتضى لفظة المضاربة وهو فيما قال في الكتاب وإن قال المضارب: دفعت إلي المال مضاربة بالنصف ولم تسمِّ شيئًا. وقال رب المال: دفعت المال مضاربة في البُرِّ
(2)
؛ أو في الطعام فإن كان قبل التصرف التصرف فالقول قول رب المال ونجعل إنكار رب المال العموم نهيًا له عن العموم؛ ولو ثبت العموم بالنص أو باتفاقهما ثم نهاه رب المال عن العموم قبل التصرف عمل نهيه فهنا أولى وإن كان هذا الاختلاف بعد التصرف فالقول قول المضارب مع يمينه استحسانًا؛ وإن كان رب المال يدعي العموم فالقول قوله قياسًا
(3)
واستحسانًا كذا في الذخيرة
(4)
.
(لأن الأصل فيها العموم والتخصيص يعارض الشرط بخلاف الوكالة؛ لأن الأصل فيها الخصوص): والدليل على هذا الأصل أنه لو قال: خذ هذا المال مضاربة بالنصف يصح ويملك به جميع التجارات فلو لم يكن مقتضى مطلق العقد العموم لم يصح العقد إلا بالتنصيص على ما يوجب التخصيص كالوكالة وإذا
(5)
ثبت أن مقتضى مطلق العقد العموم فالمدعي لإطلاق العقد متمسك بما هو الأصل والآخر يدعي تخصيصًا زائدًا فيكون القول قول من يتمسك بالأصل. كما في البيع إذا ادعى أحدهما شرطًا زائدًا من خيار أو أجل كذا في المبسوط
(6)
.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 90.
(2)
في (ب): البَزِّ.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
يُنْظَر: البحر الرائق 7/ 273.
(5)
في (ب): فإذا.
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي 22/ 43.
(والبينة بينة المضارب لحاجته إلى نفي الضمان): عن نفسه؛ ورب المال أيضًا محتاج إلى إثبات ما دعاه ليصير حقه إليه بل بينة رب المال أولى بالقبول لإثباتها أمرًا عارضًا وهو الضمان وشرعية البينات لإثبات الأمر العارض غير الظاهر كما في بينة الخارج مع بينة ذي اليد وكان
(1)
هذا مما يتأمل في صحته وإن كانت رواية الإيضاح تساعده أيضًا. وأما صاحب الذخيرة
(2)
رحمه الله
(3)
وشكر مساعيه جعل حكم بينتي المضارب ورب المال في دعوى الخصوص والعموم وفي دعواهما الخصوص واحد فقال: في دعواهما الخصوص والعموم. فإن أقاما البينة فإن وقَّتا وقتًا أحدهما قبل صاحبها يقضى بالبينة التي تثبت آخر الأمرين ويكون هذا من باب العمل بالبينتين؛ لأن العمل بهما ممكن بأن يجعل كأنه أذن له بالعموم أولًا ثم نهاه عن العموم وأذن له بالخصوص أو أذن له بالخصوص أولا ثم أذن له بالعموم وإن لم تؤقت البينتان وقْتًا أو وقَّتا وقتًا على السواء أوقتت إحداهما وقتًا دون الأخرى قضي ببينة رب المال؛ لأنه تعذر القضاء بهما لا معًا؛ لأبهما لا تقعان معًا
(4)
ولا على الترتيب؛ لأن الشهود لم يشهدوا بالترتيب وإذا تعذر القضاء بالأمرين تعذر العمل بالبينتين فيعمل ببينة رب المال؛ لأبها تثبت ما ليس بثابت
(5)
. هكذا ذكر في الأصل وفي القدوري
(6)
إذا أقاما البينة فإن نص شهود المضارب أنه أعطاه مضاربة في كل تجارة، فالبينة بينته وإن لم يشهدوا بهذا الحرف فالبينة بينة رب المال وإذا
(1)
في (ب): فكان.
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق 7/ 273.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
في هامش (أ) إضافة: وهو ضمان المضارب. وربما كان مكانها هنا.
(6)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية 4/ 323.
اتفقا على الخصوص واختلفا في النوع الذي وقع فيه الخصوص، فالقول قول رب المال؛ لأنهما اتفقا على تغيير العقد والإذن يستفاد من رب المال وكان
(1)
القول قوله ثم قال: وإن أقاما جميعًا البينة فالجواب فيه على التفصيل الذي مر في الفصل المتقدم.
قوله رحمه الله
(2)
: (ولو وقِّتت البيِّنتان): بأن قال: رب المال بدعوى الخصوص دفعت إليك ألفًا مضاربة في بَزٍّ
(3)
في رمضان وأقام على ذلك بينة، وقال المضارب: دفعت إلي ألفًا في شوال في طعام أقام على ذلك بينة، كل بينة شهدت بالتوقيت كما هو دعوى المدعي كان بينة المضارب أولى؛ لأن الثاني ناسخ للأول. والله أعلم.
(1)
في (ب): فكان.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
الْبَز: نوع من الثِّيَاب وَالسِّلَاح. يُنْظَر: المعجم الوسيط (1/ 54)، تاج العروس (10/ 28).