المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ قَدْ ذَكَرْنَا [وَجْهَ] (1) مُنَاسَبَةِ هَذَا الْفَصْلِ بِمَا قَبْلَهُ - النهاية في شرح الهداية - السغناقي - جـ ٢

[الحسام السغناقي]

فهرس الكتاب

‌فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ

قَدْ ذَكَرْنَا [وَجْهَ]

(1)

مُنَاسَبَةِ هَذَا الْفَصْلِ بِمَا قَبْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ.

[تَعْرِيفُ النِّفَاسُ]

وَفِي المغرب

(2)

: (النِّفَاسُ مَصْدَرٌ مِنْ

(3)

نَفَسَتِ الْمَرْأَةُ -بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا: إِذَا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَهُنَّ نُفَاسٌ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه:«إِنَّ أَسْمَاءَ نَفَسَتْ»

(4)

أَيْ: حَاضَتْ، وَالضَّمُّ فِيهِ خَطَأٌ، وَكُلُّ هَذَا مِنَ النَّفْسِ بِسُكُونِ الْفَاءِ

(5)

، وَهِيَ الدَّمُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الدَّمُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ؛ الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِجُمْلَةِ الْحَيَوانِ قِوَامُهَا بِالدَّمِ)

(6)

.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

المغرب في ترتيب المعرب: وهو كتاب في اللغة شرح فيه مؤلفه: أبو الفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي بن المطرز، المتوفى سنة 610 هـ وقد سبق التعريف بالكتاب، ص (65) من هذه الرسالة.

(3)

(من)، ساقطة من (ب).

(4)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 476) في كتاب "الحج"، باب "إحرام النفساء واستحباب اغتسالها للإحرام وكذا الحائض"، حديث رقم (1209).

(5)

(بسكون الفاء)، ساقطة من (ب).

(6)

انظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي: (2/ 318).

ص: 1

وَقَوْلُهُ: (النِّفَاسُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيْبَ الْوَلَدِ)

(1)

(2)

تَسْمِيةً بِالْمَصْدَرِ كَالْحَيْضِ سَوَاءٌ، وأما اشْتِقَاقُهُ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ أَوْ

(3)

خُرُوجِ النَّفَسِ بِمَعْنَى الْوَلَدِ

(4)

فَلَيْسَ بِذَاكَ

(5)

.

[إذا رأت الدم قبل خروج الولد الثاني]

قَوْلُهُ: (وَالدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ ابْتِدَاءً)

(6)

أَيْ: حَالَةَ الْحَبَلِ

(7)

(وَإِنْ كَانَ مُمْتَدًّا)

(8)

(1)

بداية المبتدي: هذا نص المتن وكتاب بداية المبتدي: كتاب نفيس في فقه الإمام أبي حنيفة وهو يعتبر أصل لهذا الشرح الذي نحن بصدد تحقيقه وهو لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، أبو الحسن برهان الدين (المتوفى: 593 هـ) وهذه الطبعة نشرتها: مكتبة ومطبعة محمد علي صبح - القاهرة.

(2)

ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 35)، "شرح فتح القدير لابن الهمام"(1/ 186)، "بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 4).

(3)

في (ب): (أي).

(4)

(بمعنى الولد)، ساقطة من (ب).

(5)

وفي (ب): (كذلك).

(6)

يقول صاحب الهداية: (والدم الذي تراه الحامل ابتداء أو حال ولادتها قبل خروج الولد استحاضة، وإن كان ممتدًا). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 35)

وهنا مسألة وهي هل يمكن أن تحيض الحامل: جاء في فتاوى اللجنة الدائمة الجزء الأول (5/ 431). مانصحه:

(اختلف الفقهاء في الحامل هل تحيض وهي حامل أو لا، والصحيح من القولين أنها لا تحيض أيام حملها، وذلك أن الله سبحانه جعل من أنواع عدة المطلقة أن تحيض ثلاث حيض ليتبين بذلك براءة رحمها من الحمل. ولو كانت الحامل تحيض ما صح أن يجعل الحيض عدة لإثبات براءة الرحم).

(7)

الْحَبَلُ: وَهُوَ الْحَمْلُ، وَذَلِكَ أَنِ الْأَيَّامَ تَمْتَدُّ بِهِ. والحَبَل؛ بالفتح الحمل وقد حبلت المرأة، من باب طرب فهي حبلى، ونسوة حبالى، وحباليات، بفتح اللام فيهما. و حبل الحبلة نتاج النتاج، وولد الجنين.

انظر "مقاييس اللغة لابن فارس"(2/ 132)، "مختار الصحاح، للرازي"(ص: 66)، لسان العرب لابن منظور (11/ 140).

(8)

كتاب الهداية: هو شرح لمتن بداية المبتدي لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، أبو الحسن برهان الدين (المتوفى: 593 هـ) حققه: طلال يوسف ونشرته: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان و عدد الأجزاء (4).

ص: 2

أَيْ: وَإِنْ كَانَ بَلَغَ نِصَابَ الْحَيْضِ، اعْتِبَارًا بِالنِّفَاسِ، يَعْنِي: فِيمَا إِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ، فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ، فَرَأَتِ الدَّمَ؛ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَلَدِ الثَّانِي، فَكَانَتْ [هِيَ حَامِلًا فِي حَقِّ الْوَلَدِ الثَّانِي]

(1)

؛ فَإِنَّهُ نِفَاسٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رحمه الله

(2)

عَلَى مَا يَجِيءُ

(3)

.

وَالنِّفَاسُ: هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنَ الرَّحِمِ

(4)

، كَالْحَيْضَةِ

(5)

، فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ مَا تَرَاهُ الْحَامِلُ مِنَ الدَّمِ، يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرَّحِمِ؛ وَلِأَنَّهُ نَقُوُلُ: إِنَّ الْحَامِلَ، مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ

(6)

، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِمَّا صَغِيرَةٌ، أَوْ آيِسَةٌ

(7)

، أَوْ ذَاتِ الْقُرْءِ، والْحَامِلُ، لَيْسَتْ بِصَغِيرَةٍ، وَلَا آيِسَةٍ؛ لِأَنَّ مَا يُنَافِي الْأَقْرَاءَ؛ يُنَافِي الْحَبَلَ، كَالصِّغَرِ، وَالْإِيَاسِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ؛ وَقَدْ رَأَتْ مِنَ الدَّمِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا؛ جُعِلَ حَيْضاً

(8)

.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

محمد بن الحسن الشيباني: هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، مولاهم، نشأ في الكوفة وتلقى العلم عن الإمام أبي حنيفة أولاً، ثم أتم تلقيه الفقه عن أبي يوسف، وبرع به، ولازم مالكًا مدة، وروى عنه الموطأ، وروى عنه الشافعي فأكثر جدًا، يعود له الفضل في تدوين مسائل الفقه الحنفي، توفي بالري سنة (189 هـ)

انظر: "تاريخ الإسلام" للذهبي ": (4/ 954)، "سير أعلام النبلاء للذهبي ": (9/ 134).

(3)

قال محمد بن الحسن: (النّفاس من الْوَلَد الآخر). ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن الشيباني (1/ 309).

(4)

يشير إلي الخلاف في تعريفه، وهذا الوجه هو قول أبي يوسف وقد ذكر صاحب المحيط البرهاني الوجهين وثمرة الخلاف في وجوب الغسل فقال: فوجه قول أبي يوسف الآخر أن النفاس عبارة عن الدم الخارج من الرحم يقال للمرأة إذا رأت الدم عقيب الولد: نفست، فإذا لم ترَ الدم لم تكن نفساء والغسل من حكم النفاس في هذه الصورة. ووجه قول أبي حنيفة رحمه الله: أن النفاس مأخوذ من كل واحد مما ذكرنا وكل واحد منهما لا يخلو عن بلّة دم، وأكثر المشايخ أخذوا بقول أبي حنيفة رحمه الله وبه كان يفتي الصدر الشهيد رحمه الله، وبعضهم أخذوا بقول أبي يوسف رحمه الله. ينظر:"المحيط البرهاني" بن مازه (1/ 263).

(5)

في (ب): (كالحيض).

(6)

الأقْراءُ: الحِيَضُ، والأَقْراء: الأَطْهار، وَقَدْ أَقْرَأَتِ المرأَةُ، فِي الأَمرين جَمِيعًا، واصله مِنْ دُنُوِّ وقت الشيء. قال الشافعي رحمه الله: القَرْء اسْمٌ للوقت فَلَمَّا كان الحيض يجيء لوقت، والطُّهر يَجِيءُ لوقت جاز أن يكون الأَقْراء حِيَضاً وأطهارًا. انظر: الأم للشافعي (5/ 224)، و" لسان العرب لابن منظور "(1/ 131)، وانظر:"غريب الحديث لابن قتيبة"(1/ 205).

(7)

الآيسة: هي التي انقطع عنها المحيض لكبرها، فعند المالكية: هي بنت الخمسين إلى السبعين. وهى المشكوك في يأسها. وعند الحنفية: هي التي انقطع رجاؤها عن رؤية الدم. لبلوغها من السن ما لا تحيض مثلها فيه. وهي التي لم تحض في مدة خمس وخمسين سنة. وعند الشافعية: هي التي بلغت اثنين وستين سنة. وهي التي بلغت سنا ييئس فيه نساء عشيرتها. وعند الحنابلة: هي التي بلغت خمسين سنة، فانقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب. انظر:"القاموس الفقهي، سعدي أبو حبيب"(ص: 30)

(8)

ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 222)، وكذلك هو قول: السرخسي في "المبسوط"(2/ 20)، والكاساني في"بدائع الصنائع"(1/ 42).

ص: 3

وَمَذْهَبُنَا؛ مَذْهَبُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِإِنَّهَا قَالَتِ: «الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ»

(1)

وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ سَمَاعاً

(2)

؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ

(3)

: «لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ، وَلَا الْحَبَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ»

(4)

فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْحَيْضَ؛ عَلَمًا عَلَى تَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ عَلَمًا عَلَى الْبَرَاءَةِ؛ إِذَا لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَ الْحَبَلِ.

(1)

أخرجه الدارمي في "سننه"(1/ 246) في كتاب الطهارة، باب الحبلى إذا رأت الدم، حديث رقم (945)، وأخرجه الدارقطني في "سننه"(1/ 407) في كتاب الحيض، حديث رقم (849)، وأخرجه البيهقي في"سننه الكبرى"(7/ 423)، كتاب العدد، باب الحيض على الحمل، حديث (15832) و (15833).

والحديث موقوف على عائشة رضي الله عنها وهو ضعيف الإسناد، قال البيهقي: وقد ضعَّف أهل العلم بالحديث هاتين الروايتين عن عطاء. وقال: (كان يحيى يعنى القطان يضعف ابن أبى ليلى ومطرا عن عطاء يعنى كان يضعف روايتهما عن عطاء). "السنن الكبرى للبيهقي"(7/ 695)

(2)

ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 32 - 33).

(3)

أوطاس: كَانَ سَبَبُهَا أنَّ هَوَازِنَ لَمَّا انهزمت ذهبت فِرْقَةٌ منهم، فيهم الرَّئِيسُ مالك بن عوف النصري، فلجئوا إلى الطَّائِفِ فَتَحَصَّنوا بها، وَسَارَتْ فِرْقَة فعسكروا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ أوطاس فَبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً مِنْ أَصْحابه عليهم أبو عامر الأشعري، فقاتلوهم فغلبوهم. انظر: البداية والنهاية، لابن كثير (4/ 386)

(4)

أخرجه أبو داود في "سننه" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (ص: 245) في كتاب "النكاح"، باب " في وطء السبايا" حديث رقم (2157)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 212) في" كتاب "النكاح"، حديث رقم (2790) وقال الحاكم: حديث صحيح، على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وأعله ابن القطان بشريك، وقال: إنه مدلس، وهو ممن ساء حفظه بالقضاء، وعن الحاكم رواه البيهقي في المعرفة في السير وله طريق أخرى مرسلة انظر: " نصب الراية للزيلعي (4/ 252) وقال عنه الألباني في"إرواء الغليل"(1/: 201) قال: (وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح).

ص: 4

وأما

(1)

إِذَا تُصُوِّرَ وُجُودُهُ مَعَ الْحَبَلِ، لَا يَكُونُ الْحَيْضُ عَلَمًا عَلَى الْبَرَاءَةِ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا؛ وَلِأَنَ الْحَامِلَ لَا تَحْبِلُ، وَمَنْ لَا تَحْبِلُ لَا تَحِيضُ، دَلِيلُهُ: الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ؛ وَلِأنَّا لَوْ جَعَلْنَا دَمَ الْحَامِلِ حَيْضًا؛ أَدَّى إِلَى الْمُحَالِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْمُوَالَاةِ بَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ

(2)

، فَإِنَّهَا إِذَا رَأَتِ الدَّمَ، قَبْلَ الْوِلَادَةِ، وَجُعِلَ حَيْضًا، فَوَلَدَتْ أَيْضًا وَرَأَتِ الدَّمَ؛ صَارَتْ نُفَسَاءُ، كَانَ مُوَالَاةً بَيْنَ الدَّمَيْنِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ الْمُوَالَاةُ بَيْنِ دَمَيِ الْحَيْضِ، كَذَا فِي"الْمَبْسُوطَيْنِ"

(3)

وَلِهَذَا كَانَ نِفَاسًا بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ، فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ

(4)

وَمُحَمَّدٍ -رحمهما الله-

(5)

.

وذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ

(6)

رحمه الله فِي "مَبْسُوطِهِ"

(7)

أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ، قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وأبي يُوسُفَ

(8)

(9)

، قُلْتُ: وَهُوَ الْأَوْفَقُ بِالْقِيَاسِ

(10)

، عَلَى مَذْهَبِهِمَا

(11)

، فَقَالَ: فَأَمَّا فِي الْوَلَدِ الْوَاحِدِ إِذَا خَرَجَ أَقَلُّهُ وَبَقِيَ الْأَكْثَرُ فِيهَا، وَجَبَتْ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ، فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ

(12)

؛ حَتَّى قَالُوا: يُحْفَرُ لَهَا حُفَيْرَةٌ، فَلَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ، وَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ؛ لِأَنَّ النُّفَاسَ مَا يَخْرُجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ، وَالْوِلَادَةُ لَا تُوْجَدُ إِلَّا بِخُرُوجِ الْوَلَدِ، وَلَمْ يُوجَدْ خُرُوجُ الْوَلَدِ، لَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ، وَلَا مِنْ حَيْثُ الاعْتِبَارِ.

(1)

في (ب): (فأما).

(2)

في (ب): (الدم والحيض).

(3)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (3/ 166)، "فوائد القُدُوري"(ص 13).

(4)

ينظر: "المبسوط"للسرخسي (3/ 213)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 35)،

(5)

يري محمد بن الحسن عدم جواز الموالاة، بين الحيض والنفاس، دون أن يفصلهما طهر، أقله خمسة عشر يوما، فقال:(كل دمين كَانَا فِي النّفاس بَينهمَا أقل من خَمْسَة عشر يَوْمًا فَذَلِك دم وَاحِد وَهُوَ نِفَاس كُله، وَإِن كَانَ بَينهمَا أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا فَالْأول نِفَاس وَالْآخر حيض)، وقد قاس ذلك على عدم جواز توالي حيضتان دون أن يفصلهما طهر، وقد أشار إلي هذا القياس بقوله:(لأنَّ أَبَا حنيفَة وَجَمِيع أَصْحَابنَا قد أَجمعُوا على أَن الدَّمين فِي الْحيض الَّذِي بَينهمَا طهر خَمْسَة عشر يَوْمًا دمان مُخْتَلِفَانِ وليسا بِدَم وَاحِد فَلَمَّا قَالُوا ذَلِك فِي الْحيض قُلْنَا نَحن فِي النّفاس أحسن مَا عندنَا فِيهِ)، "المبسوط"لمحمد بن الحسن (1/ 455 - 457).

(6)

شيخ الإسلام (خواهر زاده): مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن البُخَارِيّ، الْمَعْرُوف ببكر خواهر زاده، ابْن أخت القَاضِي أبي ثَابت مُحَمَّد بن أَحْمد البُخَارِيّ، قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ إِمَامًا فَاضلا حنفيا وَله طَريقَة حَسَنَة مفيدة جمع فِيهَا من كل فن وَكَانَ يحفظها، مَات ببخارى لَيْلَة الْجُمُعَة في جمادي الأولى في الْخَامِس وَالْعِشْرين مِنْهُ في سنة 483 هـ، من تصانيفه التجنيس في الفروع. شرح أدب القاضي لأبي يوسف. شرح الجامع الكبير للشيباني في الفروع. شرح مختصر القُدُوري. الفتاوى. المبسوط في الفروع وغير ذلك. ينظر:" الجواهر المضية في طبقات الحنفية: عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي"(2/ 49)، و" هدية العارفين للبغدادي"(2/ 76).

(7)

كتاب "المبسوط في الفروع" لأبي بكر خواهر زاده، ت 483 هـ، والكتاب لا يزال مخطوطًا.

(8)

أبو يوسف: هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بُجير بن معاوية الأنصاري، ولد بالكوفة سنة 113 هـ، وجده سعدُ بن بجير: صحابي أنصاري، تلقى العلم عن طائفة من التابعين والمحدثين منهم هشام بن عروة، وعطاء بن السائب وتفقه على الإمام أبي حنيفة، وهو أول من لقب قاضي القضاة، انتشر على يديه فقه أبي حنيفة في العراق، توفي ببغداد سنة 182 هـ انظر:"تاريخ الإسلام للذهبي ": (4/ 1021) و"سير أعلام النبلاء للذهبي ": (8/ 535)، "الجواهر المضية في طبقات الحنفية " للقرشي:(3/ 611)، و"مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد بن الحسن " للحافظ الذهبي.

(9)

ينظر: "فوائد القُدُوري": لأبي بكر خواهر زاده، ت 483 هـ، (ص 13) وكتاب فوائد القُدُوري: لمُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن البُخَارِيّ، الْمَعْرُوف ببكر خواهر زاده، المتوفى سنة 483 هـ، والكتاب لا يزال مخطوطاً (والنقل من صور ضوئية، والترقيم يحسب من أول ورقة الغلاف).

(10)

القياس: في اللغة: القياس في اللغة: التقدير والمساواة. وفي الإصطلاح: هو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما. انظر: "روضة الناظر وجنة المناظر" لابن قدامه المقدسي (2/ 141).

(11)

قوله: (قلت: وهوَ الأرفق بالقياسِ على مذهبهما)، ساقط من (ب).

(12)

(الصلاة): ساقطة من (ب).

ص: 5

فَأَمَّا إِذَا خَرَجَ الْأَكْثَرُ

(1)

؛ فَقَالُوا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُفَ: يَثْبُتُ النِّفَاسُ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ

(2)

-رحمهما الله- لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّ النِّفَاسَ عِنْدَهُمَا؛ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ وَضْعُ الْحَمْلِ كُلِّهِ لَا يَثْبُتُ النِّفَاسُ

(3)

، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ يُعَلَّقُ

(4)

بِوِلَادَةِ الْوَلَدِ، وَقَدْ وَجِدَ وِلَادَةَ الْوَلَدِ، مِنْ حَيْثُ الاعْتِبَارِ، لِمَا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ.

وَكَذَا ذَكَرَ فِي "الْمُحِيطِ"

(5)

فَقَالَ

(6)

:

‌[امْرَأَةٌ خَرَجَ بَعْضُ وَلَدِهَا، وَرَأَتِ الدَّمَ هَلْ تَصِيرُ نُفَسَاءَ

؟]

(امْرَأَةٌ خَرَجَ بَعْضُ وَلَدِهَا، وَرَأَتِ الدَّمَ

(7)

هَلْ تَصِيرُ نُفَسَاءَ؟ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِيهِ، رَوَى خَلَفُ بْن أَيُّوبَ

(8)

(9)

عَنْ [قَوْلِ]

(10)

أَبِي يُوسُفَ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ -رحمهما الله-: أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِيهِ خُرُوجَ أَكْثَرِ الْوَلَدِ

(11)

.

(1)

في (ب): (أكثره).

(2)

زفر: هو زفر بن الهذيل بن قيس، الكوفي، ولد بأصبهان، سنة 110 هـ كان من أصحاب الحديث، فسمع من الأعمش، ومحمد بن إسحاق وحجاج بن أرطاه، وغيرهم، كان من أقيس أصحاب أبي حنيفة وهو من أكبر تلامذته وكان ممن جمع بين العلم والعمل، توفي بالبصرة سنة 158 هـ، انظر:"تاريخ الإسلام للذهبي "(4/ 51)، "سير أعلام النبلاء للذهبي":(8/ 38)"الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي": (2/ 207).

(3)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (3/ 212)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 35 - 36)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة"(1/ 265).

(4)

في (ب): (يتعلق).

(5)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 265).

(6)

القائل: صاحب المحيط البرهاني: برهان الدين محمود بن أحمد، بن مازه البخاري الحنفي توفي 616 هـ.

(7)

سقط هنا كلمة: (يسيل). ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 266).

(8)

في (ب): (خلف بن ميمون)، والصواب ما أثبتُّ.

(9)

خلف بن أيوب: هو خلف بن أيوب أبو سعيد العامري البلخي الحنفي، مفتي أهل بلخ وزاهدهم، سمع من ابن أبي ليلى، وعوف الأعرابي، ومعمر بن راشد، وطائفة، وصحب إبراهيم بن أدهم مدة. واخذ الفقه عن أبي يوسف، روى عنه الإمام أحمد وقد ليّنه ابن معينو هو من أصحاب محمد وزفر، تُوُفّي سنة 205 هـ في أول رمضان، وله تسع وستون سنة. انظر:"تاريخ الإسلام للذهبي "(14/ 74)، و"سير أعلام النبلاء للذهبي "(9/ 541)، و" الطبقات السنية في تراجم السّادة الحنفّية، للدّاري "(1/ 231).

(10)

زيادة من (ب).

(11)

سقط هنا: (كما عرف أن أكثر الشيء له حكم كماله). ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 266).

ص: 6

وَرَوَى الْمُعَلَّى

(1)

عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُفَ: أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ؛ صَارَتْ بِهِ نُفَسَاءَ، وَرَوَى هِشَامٌ

(2)

عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّهَا لَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ؛ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّأْسُ، وَنِصْفُ الْبَدَنِ، أَوِ الرِّجْلَانِ، وأكثر مِنْ نِصْفِ الْبَدَنِ

(3)

، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله: أَنَّهَا لَا تَصِيرُ نُفَسَاءَ؛ حَتَّى يَخْرُجَ جَمِيعُ وَلَدِهَا، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ مُسْتَقِيمٌ؛ فَإِنَّ عِنْدَهُ النِّفَاسَ، تَعَلَّقَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كُلَّهُ)

(4)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: ([وَالسِّقْطُ]

(5)

(6)

الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ) [كَأُصْبُعٍ]

(7)

(8)

.

(1)

المعلى: هو المعلى بن منصور أبو يحيى الرازي العلامة، الحافظ، الفقيه، أبو يعلى الحنفي، ولد: في حدود الخمسين ومائة. نزيل بغداد، ومفتيها، روى عن مالك والليث وحمّاد وابن عيينة، وتفقه على أبي يوسف وغيره، وروى عنه ابن المديني والبخاري في غير الصحيح، وهو من كبار علماء الرأي، قال ابن معين: هو ثقة. وقَالَ ابْن سعد كَانَ صَدُوقًا صَاحب رَأْي وَحَدِيث وَفقه، مَاتَ سنة 211 هـ. انظر:"الطبقات الكبرى لإبن سعد"(7/ 245)، و"تاريخ الإسلام للذهبي"(15/ 411)، و "سير أعلام النبلاء للذهبي "(10/ 365)، و"الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي"(2/ 177).

(2)

هشام: هو هشام بن عبيد الله الرازي، الفقيه أحد أئمة الإسلام تفقه على أبي يوسف، ومحمد وحدث عن: ابن أبي ذئب ومالك بن أنس وحماد بن زيد، قال أبو حاتم: صدوق، وأما ابن حبان فضعفه،

مات سنة 221 هـ انظر: " سير أعلام النبلاء للذهبي "(10/ 446) و" تاريخ الإسلام للذهبي "(5/ 719)،

و" لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني "(8/ 335)، و"الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي"(2/ 205).

(3)

قال صاحب "المحيط البرهاني " ابن مازة رحمه الله: (والرجلين)، وهو خطأ والصواب المثبت كما ذكره صاحبي البناية والعناية.

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 266)، "البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 688).

(4)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 266).

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

السقط: السقط، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ والكسرِ، والكسرُ أَكثر: الْوَلَدُ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ بَطْنِ أُمه قَبْلَ تَمامِه ويطلق عليه، الجَهِيض وهو السِّقْط الَّذِي قَدْ تمَّ خَلْقُهُ وَنُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ مِنْ غَيْرِ أَن يَعِيشَ. لسان العرب لابن منظور (7/ 132)، القاموس المحيط، للفيروز آبادي (ص: 639).

(7)

زيادة من (ب) وفي المطبوع (كأصبع مثلاً). وهي زيادة غير ثابتة في البداية، ولعلها من قول الشارح كما أشار إليه اللكنوي في شرحه على الهداية. ينظر:"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 35)، الهداية مع شرح اللكنوي (1/ 226).

(8)

يقول صاحب الهداية: (والسقط الذي استبان بعد خلقه ولد حتى تصير المرأة به نفساء، وتصير الأمة أم ولد به، وكذا العدة تنقضي به). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 35).

ص: 7

[أحكام السِّقط]

وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ؛ إِذَا أَسْقَطَتْ سِقْطًا، فَإِنْ كَانَ اسْتَبَانَ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، كَأُصْبُعٍ مَثَلًا، فَهِيَ نُفَسَاءُ

(1)

، فِيمَا رَأَتِ الدَّمَ، وَلَهُ حُكْمُ الْوَلَدِ التَّامِّ، وَإِنْ لَمْ [يَسْتَبِنْ]

(2)

شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ؛ فَلَا نِفَاسَ لَهَا

(3)

، وَلَكِنْ إِنْ أَمْكَنَ جُعِلَ الْمَرْئِيِّ مِنَ الدَّمِ حَيْضًا؛ بِأَنْ يَتَقَدَّمَهُ طُهْرٌ تَامٌّ؛ يُجُعَلُ حَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ حَيْضًا؛ فَهُوَ/ اسْتِحَاضَةٌ

(4)

.

فَإِنْ رَأَتْ دَمًا قَبْلَ إِسْقَاطِ السِّقْطِ، وَرَأَتْ دَمًا، بَعْدَ إِسْقَاطِ السِّقْطِ؛ فَإِنْ كَانَ السِّقْطُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ؛ فَمَا رَأَتْهُ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ لَا يَكُونُ حَيْضًا

(5)

، وَهِيَ نُفَسَاءُ فِيمَا رَأَتْ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السِّقْطُ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ، فَمَا رَأَتْهُ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ حَيْضٌ

(6)

إِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا، بِأَنْ وَافَقَ

(7)

أَيَامَ عَادَتِهَا، أَوْ كَانَ مَرْئِيًا عَقِيبَ طُهْرٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ كَانَ

(8)

السِّقْطُ لَا يُدْرَى؛ بِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، بِأَنْ أَسْقَطَتْ فِي الْمَخْرَجِ، وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، وَهِيَ مُبْتَدِأَةٌ فِي النِّفَاسِ، وَصَاحِبَةُ عَادَةٍ فِي الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ، كَأَنَّ

(9)

عَادَتَهَا فِي الْحَيْضِ عَشْرَةً، وَفِي الطُّهْرِ عِشْرِينَ، فَنَقُولُ: عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ السِّقْطَ مَسْتَبِينُ الْخَلْقِ: هِيَ نُفَسَاءُ، وَنِفَاسُهَا يَكُونُ أَرْبَعِينَ

(10)

يَوْمًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ السِّقْطَ؛ لَمْ يَكُنْ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ، لَا تَكُونُ نُفَسَاءَ، وَتَكُونُ عَشْرَةَ أَياَّمٍ، عَقِيبَ الْإِسْقَاطِ حَيْضًا، إِذَا وَافَقَ عَادَتَهَا، أَوْ كَانَ ذَلِكَ عَقِيبَ طُهْرٍ صَحِيحٍ، فَتَتْرُكُ هِيَ الصَّلَاةَ، عَقِيبَ الْإِسْقَاطِ، عَشْرَةَ أَيَّامٍ بِيَقِينٍ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَتُصَلِّي عِشْرِينَ يَوْمًا، بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، بِالشَّكِّ، ثُمَّ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ بِيَقِينٍ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِتَمَامِ

(11)

مُدَّةِ النِّفَاسِ، وَالْحَيْضِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ طُهْرُهَا عِشْرِينَ، وَحَيْضُهَا عَشْرَةً، وَذَلِكَ دَأْبُهَا. كَذَا فِي "الْمُحِيطِ"

(12)

.

(1)

ويرى الحنابلة وغيرهم، أنه يثبت حكم النفاس، بوضع ما تبين فيه خلق إنسان.

انظر "الفروع لابن مفلح "(1/ 187 "كشاف القناع للبهوتي" (1/ 219).

(2)

في (أ): (يستبين) والصحيح لغةً ما أثبت.

(3)

وبه قال محمد بن الحسن، فقد سُئِلَ:(أَرَأَيْت السقط إِذا استبان خلقه هَل يكون بِمَنْزِلَة الْوَلَد وَتَكون الْمَرْأَة فِيهِ بِمَنْزِلَة النُّفَسَاء. قَالَ: نعم). ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 310).

(4)

الاسْتِحَاضَة: أَنْ يَسْتَمِرّ بِالْمَرْأَةِ خُرُوجُ الدَّمِ بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضها الْمُعْتَادَةِ. يُقَالُ اسْتُحِيضَتْ فَهِيَ مُسْتَحَاضَة؛ وَهُوَ اسْتِفْعال مِنَ الحَيْض. "النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير"(1/ 469)

(5)

في (ب): (فما رأته قبل الإسقاط حيض).

(6)

(حَيْضٌ) ساقط من (ب) ومكانه: (قولان السقط لا يدرى بأنه كان). وبه قال محمد بن الحسن، فعندما سُئِل:(أَرَأَيْت امْرَأَة أسقطت سقطا لم يتَبَيَّن شَيْء من خلقه أتعدها نفسَاء قَالَ: لَا. قلت: فكم تدع الصَّلَاة. قَالَ: أَيَّام حَيْضهَا حَتَّى تستكمل مَا بَينهَا وَبَين الْعشْرَة الْأَيَّام). ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 311).

(7)

في (ب): (يوافق).

(8)

(وإن كان)، ساقط من (ب).

(9)

في (ب): (كان).

(10)

في (ب): (أربعون).

(11)

في (ب): (ثم تغتسل في أيام مدة النفاس والحيض).

(12)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 266 - 267)، واصل هذا الكلام في "المبسوط" للسرخسي (3/ 214).

ص: 8

قَوْلُهُ رحمه الله: (واقَلُّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ)

(1)

(2)

.

وَفِي "الْمُحِيطِ": وَلَيْسَ لَعَلَّهُ لَهُ

(3)

غَايَةً، عَلَى ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا،

[أَقَلُّ مُدَّةِ النِّفَاسِ]

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله

(4)

أَنَّهُ قَالَ: أَقَلُّ مُدَّةِ النِّفَاسِ مُقَدَّرٌ

(5)

بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

(6)

: أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا

(7)

.

وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله فِي " مَبْسُوطِهِ ": (اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ مَا يُوجَدُ، فَإِنَّهَا كَمَا وَلَدَتْ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ، سَاعَةً ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ؛ فَإِنَّهَا تَصُومُ، وَتُصَلِّي، وَكَانَ مَا رَأَتْ نِفَاسًا، لَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ أَصْحَابِنَا، إِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا وُجِدَ

(8)

أَقَلُّ النِّفَاسِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ

(9)

، بِأَنْ قَالَ لَهَا: إِذَا وَلَدْتِ؛ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي، أَيْ مِقْدَارٌ يُعْتَبَرُ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ مَعَ ثَلَاثِ حِيَضٍ؟

(1)

قال صاحب الهداية: (واقل النفاس لا حد له، لأنَّ تقدم الولد علم الخروج من الرحم فأغنى عن امتداد جعل علما عليه كما في الحيض). ينظر "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 35).

(2)

اختلف العلماء في أقل النفاس، فذهب مالك إلى أنه لا حد لأقله، وبه قال الشافعي رحمه الله وذهب

أبو حنيفة رحمه الله وقوم إلى أنه محدود، فقال أبو حنيفة: هو خمسة وعشرون يومًا وقال أبو يوسف صاحبه: أحد عشر يوما، وقال الحسن البصري: عشرون يومًا.

انظر: (1/ 188)، "بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد القرطبي"(1/ 58).

وفي الفقه المالكي: " الإشراف على نكت مسائل الخلاف" للبغدادي.

وفي مذهب الشافعية: الأم للشافعي (5/ 195).

(3)

في النقل اختصار حيث إنه حذف كلامًا من هذا الموضع، تمامه:(وليس لعله له غاية على ظاهر رواية أصحابنا رحمهم الله؛ لأنه لم يرد الشرع بتقديره، القليل منه كالكثير من حق كونه حدثًا فيكون هو نفاسًا، بخلاف قليل الحيض حيث يقدّر وهو في نفسه لورود الشرع بتقديره، ولا تقدير ها هُنَا فيتبع فيه القياس؛ ولأن دم الترك ما يكون من الرحم ولديه النفاس علامة يستدل بها على أنه من الرحم وهو خروج الولد بخلاف دم الحيض، فإنه له علامة عليه، فيستدل على ذلك بالامتداد ومقدار الاعتداد عرف بالشرع، وعن أبي يوسف).

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 263).

(4)

ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 455)، و"المبسوط" للسرخسي (3/ 211).

(5)

(مقدر)، ساقط من (ب).

(6)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (3/ 211).

(7)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 263).

(8)

في (ب): (إنما الخلاف فيما إذا وجبت اعتبار أقل النفاس).

(9)

الْعِدَّةُ: عدّة الْمَرْأَة شهورًا كَانَت أَو أَقراء أَو وضع حَمْل كَانَت حملتْه من الَّذِي تعتدّ مِنْهُ. يُقَال: اعتدَّت الْمَرْأَة عِدَّتَها من وَفَاة زَوجهَا وَمن تطليقه إِيَّاهَا اعتدادًا. وَجمع العِدّة عِدَد، واصل ذَلِك كلّه من العَدّ

وشرعاً: اسم لمدة معينة تتربصها المرأة؛ تعبداً لله عز وجل، أو تفجعاً على زوج، أو تأكداً من براءة رحم.

انظر: تهذيب اللغة للأزهري (1/ 69).

ص: 9

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَعْتَبِرُ أَقَلَّهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله بِأَحَدَ عَشَرَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِسَاعَةٍ)

(1)

.

وأما فِي حَقِّ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، فَأَقَلُّهُ مَا يُوجَدُ.

[إذا وَلَدَتْ وَلَدًا وَلَمْ تَرَ دَمًا]

وَفِي " الْمُحِيطِ ": (وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا وَلَمْ تَرَ دَمًا فَهِيَ نُفَسَاءُ، فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ

(2)

عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

(3)

، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ: هِيَ طَاهِرَةٌ.

وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ؛ تَظْهَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْغُسْلِ، فَأَمَّا الْوُضُوءُ فَوَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ

(4)

، وأكثر الْمَشَايِخِ؛ أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبهِ كَانَ يَفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ

(5)

رحمه الله، وَبَعْضُهُمْ أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ)

(6)

.

(1)

ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 187: 188)، و" البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 691)، و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 230).

(2)

الحسن: هو الحسن بن زياد اللّؤلؤيّ الفقيه، أبو عليّ. مولى الأَنْصَار، صاحب الإمام أبي حنيفة قال يحيى ين آدم ما رأيت أفقه من الحسن بن زياد ولى القضاء بالكوفة ثم استعفى عنه وكان محبا للسنة واتباعها، أخذ عنه: محمد بن شجاع الثّلجيّ، وشعيب بن أيّوب الصّريفينيّ، وهو كوفيّ نزل بغداد، وتوفّي سنة أربع ومائتين. انظر:"تاريخ الإسلام للذهبي"(14/ 98)، "سير أعلام النبلاء للذهبي"(9/ 543)، "تاريخ بغداد للخطيب البغدادي وذيوله "(7/ 325)، "الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي"(1/ 193).

(3)

في (ب): (عن أبي حنيفة).

(4)

الإجماع: اتفاق علماء العصر على حكم النازلة، ويُعْرَفُ اتفاقُهُم: بقولِهِم، أو قول بعضهم وسكوت الباقين، حتى ينقرض العصر عليه. وقيل: هو مأخوذ من العزم على الشيء، يقال: أجمع فلان على كذا ومعناه: عزم عليه. والدليل على أنه حجة قوله عز وجل: [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا]{النساء: 115} انظر: "العدة في أصول الفقه"لإبن الفراء (1/ 170).

(5)

الصدر الشهيد: هو: عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري، برهان الأئمة أبو محمد حسام الدين المعروف بالصدر الشهيد الإمام ابن الإمام والبحر ابن البحر، له الفتاوى الصغرى والفتاوى الكبرى ومن تصانيفه شرح الجامع الصغير المطول، و تفقه على يد أبيه العلامة أبي المفاخر، حتى برع، وصار يضرب به المثل، وعظم شأنه عند السلطان، وبقي يصدر عن رأيه، إلى أن رزقه الله -تعالى- الشهادة على يد الكفرة، بعد وقعة قطوان وانهزام المسلمين فقتل صبرا بسمرقند، في صفر، (536 هـ) وله ثلاث وخمسون سنة.

انظر: "سير أعلام النبلاء للذهبي"(20/ 97)، و" الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي"(1/ 391).

(6)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 263).

ص: 10

قَوْلُهُ رحمه الله: (فَأَغْنَى عَنِ امْتِدَادِ جُعِلَ عَلَمًا علَيْهِ

(1)

فِي الْحَيْضِ)

(2)

أَيْ: عَنِ امْتِدَادِ دَمٍ مَجْعُولٍ، عَلَامَةً عَلَى خُرُوجِ الدَّمِ

(3)

مِنَ الرَّحِمِ؛ الْمُسْتَقِرِّ فِي الْحَيْضِ، أَيْ: اشْتَرَطَ

(4)

امْتِدَادَ الدَّمِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ شَرْعًا فِي بَابِ الْحَيْضِ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الدَّمَ؛ مِنَ الرَّحِمِ

(5)

؛ وَهُوَ مَخْصُوصٌ فِي الْحَيْضِ، وأما فِي بَابِ النِّفَاسِ، قَامَ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ، فَيُعْلَمَ بِذَلِكَ الدَّلِيلُ؛ عَلَى أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ مِنَ الرَّحِمِ، [وَهُوَ بَعْدَ]

(6)

خُرُوجِ الْوَلَدِ؛ فَلِذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الامْتِدَادِ فِي النِّفَاسِ، فَإِنَّ فَمَ الرَّحِمِ؛ كَانَ مُنْسَدًّا بِالْوَلَدِ، فَلَمَّا خَرَجَ الْوَلَدُ؛ زَالَ الانْسِدَادُ، وَخَرَجَ الدَّمُ مِنَ الرَّحِمِ، فَكَانَ قَوْلُهُ:(جُعِلَ عَلَمًا) جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ، وَقَعَتْ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ، وَهِيَ (عَنِ امْتِدَادِ) فَكَانَ التَّقْدِيرُ مَا قُلْنَا.

[أَكْثَرُ مُدَّةِ النِّفَاسِ]

قَوْلُهُ: (وأكثره أَرْبَعُونَ يَوْمًا)

(7)

(8)

(1)

يعود الضمير إلى خروج الدم من الرحم.

(2)

بدون أداة التشبيه (كما) قبل (في الحيض)، فإن صاحب الهداية رحمه الله قال:(فأغنى عن امتداد جعل علما عليه كما في الحيض). ينظر "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 35)، وذكره الشارح "بخلاف الحيض" وهو الصواب والأنسب للمعني. ينظر: البناية شرح الهداية للعيني (1/ 692)، شرح اللكنوي (1/ 226)، الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي (1/ 306).

(3)

في (ب): (ولد الدم).

(4)

في (ب): (اشتراط).

(5)

في (ب): (من الحيض).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

لحديث رواه الترمذي في سننه حديث رقم (139) عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «كانت النُّفَساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً» . قال الترمذي: هذا حديث غريب أ. هـ "سنن الترمذي (1/ 256) ورواه أبو داود في سننه، حديث رقم (315) (1/ 302)، وابن ماجه، حديث رقم (648) (1/ 213)، والحاكم في المستدرك (1/ 175)، وحسنه النووي في المجوع (2/ 525)، وينظر لطرقه وشواهده " نصب الراية للزيلعي " (1/ 24)، " التلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني" (1/ 171).

(8)

وأما أكثره فقال مالك مرة: هو ستون يومًا، ثم رجع عن ذلك، فقال: يسأل عن ذلك النساء، وأصحابه ثابتون على القول الأول، وبه قال الشافعي. وأكثر أهل العلم من الصحابة على أن أكثره أربعون يوما، وبه قال أبو حنيفة. وقد قيل تعتبر المرأة في ذلك أيام أشباهها من النساء، فإذا جاوزتها فهي مستحاضة، وفرق قوم بين ولادة الذكر وولادة الأنثى، فقالوا: للذكر ثلاثون يوما، وللأنثى أربعون يوما. وسبب الخلاف عسر الوقوف على ذلك بالتجربة لاختلاف أحوال النساء في ذلك، ولأنه ليس هناك سنَّة يعمل عليها كالحال في اختلافهم في أيام الحيض والطهر). انظر:(1/ 188)، "بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد القرطبي" (1/ 58). وفي الفقه المالكي:" الإشراف على نكت مسائل الخلاف"للبغدادي، وفي مذهب الشافعية: الأم للشافعي (5/ 195).

ص: 11

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: سِتُّونَ يَوْمًا

(1)

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ

(2)

: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ، مُقَدَّرٌ بِأَرْبَعَةِ أَمْثَالِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ؛ عِنْدَنَا عَشْرَةً: فَأَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ أَرْبَعُونَ، وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا: فَأَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ سِتُّونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى سَبِيلِ الابْتِدَاءِ.

[إِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ واحد]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ

(3)

؛ فَنِفَاسُهَا مِنَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ، عَنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا)

وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ

(4)

(فَإِنَّ الْمَشَايِخَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ فِيمَا إِذَا كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ عَلَيْهَا النِّفَاسُ؛ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنَ الْوَلَدِ الثَّانِي بِالاتِّفَاقِ

(5)

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجِبُ عَلَيْهَا النِّفَاسُ أَصْلًا، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُفَ مِنَ الْوَلَدِ الثَّانِي، بَلْ كَمَا وَضَعَتْ بِالْوَلَدِ

(6)

الثَّانِي تَغْتَسِلُ، وَتُصَلِّي؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ، فَلَا يَجِبُ النِّفَاسُ بَعْدَهَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ"

(7)

؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى/ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا.

(1)

ينظر: " مختصر المزني في فروع الشافعية"لإسماعيل بن يحيى المزني، (ص: 21).

(2)

ينظر " البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري "(1/ 231)

(3)

سقط هنا كلمة (واحد) من جميع النسخ. ينظر "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 35).

(4)

من هنا بداية كلام صاحب المحيط البرهاني ابن مازة رحمه الله.

(5)

(بالاتفاق)، ساقط من (ب).

(6)

في (ب): (الولد)

(7)

ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن الشيباني (1/ 241).

ص: 12

ذوَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ -رحمهما الله-: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: هَذَا لَا يَكُونُ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ

(1)

: وَإِنْ كَانَ؟!

قَاَلَ: لَا نِفَاسَ لَهَا، مِنَ الْوَلَدِ الثَّانِي، وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي يُوسُفَ، وَلَكِنَّهَا تَغْتَسِلُ، كَمَا تَضَعُ الْوَلَدَ الثَّانِي وَتُصَلِّي؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ)

(2)

كَذَا فِي" الْمُحِيطِ "

(3)

وَبَعْضُهُ مَذْكُورٌ فِي"الجَامِعِ الصَّغِيرِ "

(4)

لِلْإِمَامِ السَّرْخَسِيِّ رحمه الله

(5)

.

وَالْعِدَّةُ تَعَلَّقَتْ بِوَضْعِ حَمْلٍ مُضَافٍ إِلَيْهَا؛ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}

(6)

وَمَا بَقِيَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا فِي بَطْنِهَا؛ كَانَ الْحَمْلُ مَوْجُودًا، وَانْقِضَاءُ الْأَجَلِ مُعَلَّقٌ فِي حَقِّهِنَّ بِوْضَعِ حَمْلِهِنَّ

(7)

فَكَانَ مُعَلَّقًا بِوَضْعِ الْوَلَدِ الْأَخِيرِ ضَرُورَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌بَابُ الْأَنْجَاسِ وَتَطْهِيرِهَا

[تَعْرِيفُ النَّجَاسَةِ]

لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَتَطْهِيرِهَا، شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَتَطْهِيرِهَا؛ إِذِ الطَّهَارَةُ عَنْهُمَا؛ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ، لَكِنَّ النَّجَاسَةَ الْحُكْمِيَّةَ؛ أَقْوَى فِي كَوْنِهَا نَجَاسَةً؛ حَتَّى أَنَّ [قَلِيلَهَا]

(8)

يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ بِالاتْفِاقِ

(9)

، وَلَا يُعْذَرُ بِمَا لَا يُسْتَطَاعُ الاحْتِرَازُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ فَإِنَّ الْقَلِيلَ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ

(10)

الاحْتِرَازُ عَنْهُ، مَعفُوٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله

(11)

، وَعِنْدَنَا قَدْرُ الدِّرْهَمِ

(12)

، وَمَا دُونَهُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ؛ وَلِأَنَّ وَجُوبَ الطَّهَارَةِ؛ عَنِ الْحُكْمِيَّةِ لَا يَسْقُطُ أَصْلًا بِعُذْرٍ مَا، إِمَا أَصْلًا، أَوْ خَلَفًا، بِخِلَافِ الْحَقِيقِيَّةِ، فَلِقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ قَدَّمَ بَيَانَهَا.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (3/ 212 - 213)، و" الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 35).

(3)

ينظر: " المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 265).

(4)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (3/ 212 - 213).

(5)

السَرخسي: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي. فقيه أصولي حنفي. ينسب إلى "سرخس " وهي بلدة قديمة من بلاد خراسان. أخذ الفقه والأصول عن شمس الأئمة الحلواني. وبلغ منزلة رفيعة عده ابن كمال باشا من المجتهدين في المَسائلِ. كان عالمًا عاملاً ناصحًا للحكام. سجنه الخاقان بسبب نصحه له توفى سنة 483 هـ، انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (2/ 28).

(6)

سورة الطلاق: (4).

(7)

في (ب): (بوضع حملين بوضع).

(8)

في (أ): (قليلهما)، وهو خطأ، والصحيح ما اثبت من (ب).

(9)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 68)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 197)، و" الاختيار لتعليل المختار" للموصلي (1/ 16).

(10)

في (ب): (يستطاع في).

(11)

ينظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (1/ 295)، و"الوجيز في فقه الإمام الشافعي" للغزالي ص:(62)، و"العزيز شرح الوجيز" للرافعي (2/ 20 وما بعدها)، و"روضة الطالبين وعمدة المفتين" للنووي (1/ 279)، و"منهاج الطالبين وعمدة المفتين" للنووي ص:(106).

(12)

ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 79 - 81)، و"المبسوط" للسرخسي (1/ 46)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي (1/ 64)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 80)، "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 188).

والمقصود بقدر الدرهم عند الأحناف: كما قال صاحب كتاب الجواهر النيرة: هو (المثقال الذي وزنه عشرون قيراطا ثم قيل المعتبر بسط الدرهم من حيث المساحة، وقيل وزنه والتوفيق بينهما أن البسط في الرقيق والوزن في الثخين). الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي (1/ 38)

ص: 13

قَولُهُ رحمه الله: (الْأَنْجَاسُ) جَمْعُ: النَّجَسِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ كُلُّ مَا اسْتَقْذَرْتَهُ

(1)

؛ وَهُوَ فِي الأصل مَصْدَرٌ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الاسْمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}

(2)

.

أَيْ: ذُوو

(3)

نَجَسٍ

(4)

.

[إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ]

وَقَوْلُهُ رحمه الله: (تَطْهِيرُهَا) أَيْ: وَتَطْهِيرُ الْبَدَنِ، أَوِ الثَّوْبِ، أَوِ الْمَكَانِ عَنِ النَّجَاسَةِ. وَلَكِنْ لَمَّا

(5)

أَضَافَ التَّطْهِيرَ، إِلَى ضَمِيرِ الْأَنْجَاسِ أَنَّثَهُ، وَكَانَتْ

(6)

هَذِهِ الْإِضَافَةُ، نَظِيرَ إِسْنَادِ النَّزحِ إِلَى الْبِئْرِ

فِي قَوْلِهِ رحمه الله: (إِذَا

(7)

وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ نُزِحَتْ):

أَيِ: الْبِئْرُ، مِنْ حَيْثُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ذِكْرَ الشَّيْءِ؛ وَإِرَادَةَ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ

(8)

بَيْنَهُمَا: أَنَّ فِي الْأَوَّلِ ذِكْرَ الْمَحَلِّ، وَإِرَادَةَ الْحَالِ، وَها هُنَا ذِكْرُ الْحَالِ، وَإِرَادَةُ الْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّ تَطْهِيرَ عَيْنِ النَّجَاسَةِ مُحَالٌ.

ثُمَّ الْكَلَامُ ها هُنَا فِي مَوَاضِعٍ: فِي الدَّلِيلِ الَّذِي يُوجِبُ التَّطْهِيرَ، وَفِي الْآلَةِ؛ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّطْهِيرُ، وَفِي بَيَانِ أَنْوَاعِ النَّجَاسَةِ، وَفِي كَيْفِيَّةِ التَّطْهِيرِ، وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي يَصِيرُ الْمَحَلُّ بِهِ نَجِسًا.

وَفِيمَا يَتَعَذَّرُ التَّطْهِيرُ فِيهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «حُتِّيهِ وَاقْرُصِيهِ»

(9)

الْحَتُّ: الْقَشْرُ بِالْيَدِ، أَوِ الْعُودِ، وَالْقَرْصُ: بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ كِلَاهُمَا مِنْ بَابِ طَلَبِ، كَذَا فِي " المغرب "

(10)

.

(1)

في (ب): (كل شيء ما استقذر به). والمثبت في المتن هو الصحيح ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (2/ 193).

قلت: والاستقذار ليس دليلاً على النجاسة فان المخاط والبصاق مما تستقذره الطباع عامة، ولم يقل احد بنجاستهما.

(2)

سورة التوبة: جزء من آية (28).

(3)

في (ب): (ذو).

(4)

ينظر: " الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" للزمخشري (2/ 261).

(5)

في (ب): (إنما).

(6)

في (ب): (فكانت).

(7)

في (ب): (وإذا). ونسخة (ب) هي الأقرب للصواب. ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 24).

(8)

في (ب): (لا فرق) وهو خطأ.

(9)

يشير إلي حديث أسماء، قالت: جاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب، كيف تصنع؟ قال صلى الله عليه وسلم:«تحته، ثم تقرصه بالماء، وتنضحه، وتصلي فيه» أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 109) في كتاب "الوضوء" باب "غسل الدم" حديث رقم (225)، ومسلم في "صحيحه"(ص 139) في كتاب "الطهارة" باب "نجاسة الدم وكيفية غسله" حديث رقم (291).

(10)

ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (1/ 179).

ص: 14

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِأَنَّ الاسْتِعْمَالَ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ يَشْمَلُ

(1)

الْكُلَّ)

(2)

وَهُوَ الْبَدَنُ، وَالثَّوْبُ، وَالْمَكَانُ، فَلَمَّا كَانَ وُرُودُ عِبَارَةِ النَّصِّ؛ فِي الثَّوْبِ كَانَ وُرُودًا فِي الْآخَرِينَ، بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّطْهِيرِ، بِسَبَبِ أَنَّ الصَّلَاةَ مُنَاجَاةُ الرَّبِّ؛ وَهُوَ أَعْلَى حَالَاتِ الْعَبْدِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، عَلَى أَحْسَنِ حَالَاتِهِ، شَرْعًا، وَعَقْلًا، ثُمَّ وَجَبَ عَلَيْهِ شَرْعًا، مَعَ

(3)

مُسَاعَدَةِ الْعَقْلِ إِيَّاهُ، تَطْهِيرُ الثَّوْبِ مَعَ تَصَوُّرِ

(4)

انْفِصَالِهِ عَنِ الْمُصَلِّي، فَلِأَنَّ يَجِبُ تَطْهِيرُ الْبَدَنِ، وَالْمَكَانِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى

(5)

؛ لِأَنَّ انْفِصَالَهَا

(6)

عَنْهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ.

ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي طَهَارَةِ الْمَكَانِ تَحْتَ قَدَمِ الْمُصَلِّي؛ حَتَّى لَوِ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَتَحَتَ قَدَمِهِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنَ النَّجَاسَةِ، فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْقِيَامِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقَدَمِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ؛ فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ

(7)

؛ لِأَنَّ السُّجُودَ رُكْنٌ كَالْقِيَامِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يَجُوزُ

(8)

. كَذَا فِي " الْإِيضَاحِ "

(9)

.

(1)

في (ب): (يشتمل).

(2)

هذا تعليل لكلام سابق لصاحب الهداية لم يذكره الشارح هنا، وهو قوله رحمه الله: (تطهير النجاسة واجب من بدن المصلي وثوبه والمكان الذي يصلي عليه " لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدَّثر: 4]

وقال صلى الله عليه وسلم «حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء، ولا يضرك أثره» وإذا وجب التطهير بما ذكرنا في الثوب وجب في البدن والمكان فإن الاستعمال في حالة الصلاة يشمل الكل). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 36).

(3)

(مع)، ساقطة من (ب).

(4)

(مع تصور)، ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): (بالطريق الأول).

(6)

في (ب): (انفصالهما).

(7)

ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 207)، "المبسوط" للسرخسي (1/ 204).

(8)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 204).

(9)

ينظر: كشف الظنون لحاجي خليفه (1/ 211) وينظر" بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 82).

ص: 15

[طُرُقِ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ]

قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ تَطْهِيرُهَا بِالْمَاءِ وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ) إِلَى آخِرِهِ

(1)

.

وَالْعِلَّةُ الطَّرْدِيَّةُ

(2)

لِمُحَمَّدٍ رحمه الله فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: أَنَّ هَذَا مَعْنَى مَنْعِ

(3)

جَوَازِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَزُولُ بِغَيْرِ الْمَاءِ، قِيَاسًا عَلَى النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَهِيَ الْحَدَثُ، وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ، وأبو يُوسُفَ

(4)

بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ»

(5)

وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يُغْسَلُ بِهِ، فَكَانَ جَمِيعُ مَا يُغْسَلُ بِهِ دَاخِلًا تَحْتَ الْحَدِيثِ

(6)

، وَطَرْدِيَّتِهُمَا، وَهِيَ أَنَّ هَذَا مَائِعٌ طَاهِرٌ يُزِيلُ الْعَيْنَ، فَتَزُولُ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، قِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِ فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، إِزَالَةُ الْعَيْنِ، وَالْأَثَرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ، بِالْمِقْرَاضِ أَجْزَأَهُ

(7)

.

(1)

يقول صاحب الهداية: (ويجوز تطهيرها بالماء وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به كالخل وماء الورد ونحوه مما إذا عصر إنعصر وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-، وقال محمد وزفر والشافعي -رحمهما الله-: لا يجوز إلا بالماء لأنه يتنجس بأول الملاقاة والنجس لا يفيد الطهارة إلا أن هذا القياس ترك في الماء للضرورة ولهما أن المائع قالع والطهورية بعلة القلع والإزالة والنجاسة للمجاورة فإذا انتهت أجزاء النجاسة يبقى طاهرا وجواب الكتاب لا يفرق بين الثوب والبدن وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله، وعنه أنه فرق بينهما فلم يجوز في البدن بغير الماء). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 36).

(2)

الْعلَّة الطردية: هِيَ الْوَصْف الَّذِي أعتبر فِيهِ دوران الحكم مَعَه وجودا فَقَط عِنْد الْبَعْض ووجودا وعدما عِنْد الْبَعْض من غير نظر إلى ثُبُوت أَثَره فِي مَوضِع بِنَصّ أَو إِجْمَاع. انظر: " قواعد الفقه للبركتي"(ص: 387)

(3)

في (ب): (يمنع).

(4)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 61).

(5)

أخرجه الدارقطني في "سننه "(1/ 230) في كتاب "الطهارة" باب " نجاسة البول والأمر بالتنَزه منه والحكم في بول ما يؤكل لحمه" حديث رقم (458). وقال الدارقطني في "سننه"(1/ 230): (لم يروه غير ثابت بن حماد وهو ضعيف جداً، وإبراهيم، وثابت ضعيفان)، قال الزيلعي في "نصب الراية للزيلعي " (1/ 211):(له متابعة)، وقال بن حجر العسقلاني في"الدراية في تخريج أحاديث الهداية" (1/ 92):(وأخرجه ابْن عدي وَضَعفه وأخرجه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ لَكِن وَقع عِنْده عَن حَمَّاد بن سَلمَة بدل ثَابت بن حَمَّاد وَهُوَ خطأ).

(6)

في (ب): (الحدث). وهو خطأ

(7)

كذا في (أ) وفي (ب): (أجزاءه). والصحيح ما أثبت.

ص: 16

وَإِزَالَةُ الْحَقِيقِيِّ، كَمَا تَحْصُلُ بِالْمَاءِ، تَحْصُلُ بِالْخَلِّ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الدُّهْنُ، وَاللَّبَنُ، وَمَا لَا يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ؛ لِأَنَّا قُلْنَا: مَائِعٌ طَاهِرٌ، يُزِيلُ النَّجَاسَةَ، بِأَصْلِهَا، وَاللَّبَنُ، وَالدُّهْنُ

(1)

مِمَّا لَا يَسْتَأْصِلُ النَّجَاسَةَ، بَلْ يَبْقَى أَثَرُ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْعَصِرُ/ بِالْعَصْرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ يهما الْإِزَالَةُ.

[الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ سَقَطَ الْقِيَاسُ، فِي حَقِّ الْمَاءِ]

وأما قَوْلُهُ رحمه الله: (بِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَطْهُرَ بِالْمَاءِ؛ إِلَّا أَنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ الْمَاءِ).

قُلْنَا: الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ سَقَطَ الْقِيَاسُ، فِي حَقِّ الْمَاءِ، ذَلِكَ الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَائِعَاتِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ؛ إِنَّمَا سَقَطَ حُكْمُ الْقِيَاسِ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ؛ يُزِيلُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ، فَلَوْ تَنَجَّسَ الْمَاءُ، بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، حَالَةِ الاسْتِعْمَالِ، لَمْ تُفِدِ

(2)

الْإِزَالَةُ فَائِدَتَهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ زَالَ الْأَوْلَى خَلَفَهُ أُخْرَى، وَهِيَ نَجَاسَةُ الْمَاءِ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْقِيَاسِ، لِيُفِيدَ إِزَالَةُ الْمَاءِ فَائِدَتَهُ

(3)

، فَكَذَا هُنَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْقِيَاسِ؛ لِيُفِيدَ إِزَالَةُ هَذِهِ الْمَائِعَاتِ فَائِدَتَهَا، هَذَا كَمَا أَنَّ مُحَمَّدًا أَسْقَطَ حُكْمَ الْقِيَاسِ، حَالَ وُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ، بِأَنَّ غَسْلَ الثَّوْبِ النَّجِسِ، أَوِ الْعُضْوِ النَّجِسِ، فِي إِجَّانَةٍ

(4)

وَإِنْ لَمْ يُصَبَّ الْمَاءُ عَلَيْهِ صَبًّا، لِيَفِيدَ إِزَالَةُ الْمَاءِ فَائِدَتَهُ، وَإِنْ كَانَتِ الضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِإِسْقَاطِ النَّجَاسَةِ؛ حَالَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَذَلِكَ أَقْوَى فِي التَّطْهِيرِ؛ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْمَاءِ الْجَارِي، فَكَذَلِكَ هَذَا، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله فِي

" مَبْسُوطِهِ "

(5)

.

(1)

في (ب): (والدهن واللبن).

(2)

في (ب): (يفد).

(3)

في (ب): (فائدتها).

(4)

الإِجّانَةُ: والإِنْجانةُ والأَجّانةُ؛ الأَخيرة طَائِيَّةٌ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: المِرْكَنُ، وافصحُها إجّانةٌ وَاحِدَةُ الأَجاجينِ؛ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ إِكَّانه؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا تَقُلْ إنْجانة. والمِئْجَنةُ: مِدقَّةُ القَصّارِ، وترْكُ الْهَمْزِ أَعلى لِقَوْلِهِمْ فِي جَمْعِهَا مَواجن؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المِئْجَنةُ الخشبةُ الَّتِي يَدُقُّ بِهَا القصّارُ، والجمعُ مآجِنُ، واجَنَ الْقَصَّارُ الثوبَ أَي دَقَّه. والأُجْنةُ، بِالضَّمِّ: لُغَةٌ فِي الوُجْنةِ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ الوُجَنات ينظر " لسان العرب لابن منظور "(13/ 8).

(5)

ذكره مختصراً في "فوائد القُدُوري"(ص 13).

ص: 17

وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ

(1)

رحمه الله فَقَالَ: وَفِي "شَرْحِ أَبِي ذَرٍّ"

(2)

يَجُوزُ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ

(3)

.

قُلْتُ: جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا، عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ -رحمهما الله- بِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ

(4)

، وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ

(5)

، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ

(6)

رحمه الله.

(1)

التُّمُرْتاشي: هو أحمد بن إسماعيل بن محمد بن آيدغمش، أبو العباس، ظهير الدين ابن أبي ثابت التمرتاشي: عالم بالحديث، حنفي، كان مفتي خوارزم. نسبته إلى تمرتاش (من قراها) صنف (شرح الجامع الصغير - خ) في شستربتي، و (الفرائض) و (التراويح) و (الفتاوى - خ) توفي سنة 610 هـ، انظر " الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (2/ 293)، "الأعلام" للزركلي (1/ 97).

(2)

في (ب): (وفي شرح بني ذر رحمه الله. والكتاب - حسب علمي - لا يزال مطبوعاً.

(3)

ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 704).

(4)

يقصد هنا الماء المستعمل. ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 77)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 66)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (1/ 77)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة " (1/ 119)، و"فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي" (1/ 90)، و"الاختيار لتعليل المختار للموصلي " (1/ 16).

(5)

ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 26).

(6)

المحبوبي: هو تاج الشريعة الإمام الكبير الأصولي صاحب الفنون عبيد الله بن مسعود المحبوبي البخاري الحنفي، انْتَهَت إِلَيْهِ مَعْرِفَة المَذْهَبِ، وَكَانَ ذَا هَيْبَةٍ وَتعبُّدٍ، تَفقَّه بِالعَلاَّمَة عِمَاد الدِّيْنِ عُمَر بن بَكْرٍ الزَّرَنْجَرِيّ، وَتَفَقَّهَ أَيْضًا بِفَخْرِ الدِّيْنِ حَسَنِ بن مَنْصُوْرٍ قاضي خان، كَانَ محدّثا، مدرّسا، عارفا بمذهب أبي حنيفة، وإليه انتهت رئاسةُ الحنفية بما وراء النهر، وُلِدَ في جُمَادَى الأولى سَنَة ستٍّ وأربعين وخمسمائة، وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى أيضا سَنَة 630 هـ، وصلّى عليه ابنه شمس الدِّين أحمد بكلاباذ، وله أربع وثمانون سنة.

انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (45/ 392)، سير أعلام النبلاء للذهبي (16/ 251)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (2/ 365).

ص: 18

ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ رحمه الله فَقَالَ

(1)

: وَكَذَا نَقُولُ فِي دَمٍ يُغْسَلُ بِالْبَوْلِ: إِنَّ نَجَاسَةَ الدَّمِ قَدْ

(2)

زَالَتْ، وَحَلَّتْ نَجَاسَةُ الْبَوْلِ؛ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، رَخَّصْنَا فِيهِ؛ مَا لَمْ يَفْحُشْ، وَلَوْ حَلَفَ مَا فِيهِ دَمٌ لَمْ يَحْنَثْ

(3)

.

ثُمَّ قَالَ

(4)

: وَذَكَرَ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله: وَاخْتُلِفَ فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ، بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّطْهِيرَ بِالنَّجِسِ لَا يَكُونُ؛ لِتَضَادٍّ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ.

وَفِي " الْمَبْسُوطِ "

(5)

وأما الطَّهَارَةُ عَنِ الْحَدَثِ، فَطَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ، فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، فَلَا يَجُوزُ

(6)

؛ إِلَّا بِمَا تَعَبَّدَنَا بِهِ، وَإِنَّمَا تَعَبَّدَنَا

(7)

بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ مَوْجُودٍ، لَا يَلْحَقُ النَّاسَ حَرَجٌ فِي

(8)

إِفْسَادِهِ بِالاسْتِعْمَالِ، بِخِلَافِ الْمَائِعَاتِ؛ فَإِنَّهَا أَمْوَالٌ، يَلْحَقُ النَّاسَ حَرَجٌ فِي إِفْسَادِهَا، وأبو يُوسُفَ رحمه الله فَرَّقَ بِهَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ النَّجَاسَةِ، عَلَى الْبَدَنِ وَعَلَى الثَّوْبِ، فَقَالَ: مَا كَانَ عَلَى الْبَدَنِ فَهُوَ

(9)

نَظِيرُ الْحَدَثِ الْحُكْمِيِّ؛ لِأَنَّ فِي تَطْهِيرِ الْبَدَنِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، بِخِلَافِ مَا كَانَ عَلَى الثَّوْبِ

(10)

.

(1)

(فقال): ساقطة من (ب).

(2)

في (ب): (وقد).

(3)

ينظر: "فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي"(1/ 196) وينظر الأسرار للدبوسي (1/ 561).

(4)

القائل: الإمام التمرتاشي رحمه الله.

(5)

الأنسب أن توضع عبارة (وفي المبسوط) بعد قوله السابق (وذكر السرخسي)، إذ أنها معترضة لنص كلام السرخسي في المبسوط.

(6)

في (ب): (تجوز). والصحيح (فلا تجوز). ينظر: " المبسوط" للسرخسي (1/ 96).

(7)

في (ب): (يعيدوا بأنه إنما يعيد) وهو خطأ. ينظر: " المبسوط" للسرخسي (1/ 96).

(8)

(في): ساقطة من (ب).

(9)

في (ب): (وهو).

(10)

ينظر: " المبسوط" للسرخسي (1/ 96).

ص: 19

[النَّجَاسَةِ الَّتِي لَهَا جُرْمٌ هل تطهر إذا يبست]

قَوْلُهُ: (فَجَفَّتْ فَدَلَّكَهُ بِالْأَرْضِ جَازَ)

(1)

:

وَفِي " الْمُحِيطِ ": (ذَكَرَ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

(2)

فِي النَّجَاسَةِ؛ الَّتِي لَهَا جُرْمٌ؛ إِذَا أَصَابَ الْخُفَّ، أَوِ النَّعْلَ، وَحَكَّهُ، أَوْ حَتَّهُ

(3)

، بَعْدَمَا يَبِسَ أَنَّهُ يَطْهُرُ، فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وأبي يُوسُفَ، وَذَكَرَ فِي "الأصل"

(4)

؛ إِذَا مَسَحَهُمَا بِالتُّرَابِ تَطْهُرُ

(5)

.

قَالَ مَشَايِخُنَا: لَوْلَا الْمَذْكُورُ؛ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

(6)

لَكُنَّا نَقُولُ: لَا يَطْهُرَانِ، مَا لَمْ يَمْسَحْهُمَا بِالتُّرَابِ، لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالتُّرَابِ، لَهُ أَثَرٌ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْمُسَافِرِ إِذَا أَصَابَ يَدَهُ نَجَاسَةٌ: يَمْسَحُهُ بِالتُّرَابِ

(7)

، وأما الْحَكُّ فَلَا أَثَرَ لَهُ، فِي بَابِ الطَّهَارَةِ، فَالْمَذْكُورُ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

(8)

بَيَّنَ أَنَّ لِلْحَكِّ أَثَرًا أَيْضًا.

وَقَالَ الْقُدُورِيُّ

(9)

فِي " شَرْحِهِ ": وَمَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ أَنَّ الْخُفَّ، أَوِ النَّعْلَ، يَطْهُرُ؛ أَيْ: فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ مَعَهُ، أَمَّا لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ، يَعُودُ نَجِسًا، عَلَى إِحْدَى

(10)

الرِّوَايَتَيْنِ

(11)

، واصْلُ الْمَسْأَلَةِ؛ الْأَرْضُ

(12)

إِذَا ذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ عَنْهَا، ثُمَّ أَصَابَهَا الْمَاءُ؛ فَإِنَّهُ يَعُودُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)

(13)

.

(1)

يقول صاحب الهداية: (وإذا أصاب الخف نجاسة لها جرم كالروث والعذِرة والدم والمني فجفت فدلكه بالأرض جاز، وهذا استحسان). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 36).

(2)

ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 80).

(3)

في (ب): (حطّه).

(4)

ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 113).

(5)

في (ب): (يطهر).

(6)

ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 80).

(7)

ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 113).

(8)

ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 80).

(9)

القُدُوري: أَحْمَد بن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن جعفر بن حمدان أَبُو الحسين الفقيه المعروف بالقُدُوري ولد

سنة 362 هـ وسمع عبيد اللَّه بن مُحَمَّد الحوشبي. انتهت إليه بالعراق رياسة أصحاب أَبِي حنيفة، وروى عنه أبو بكر الخطيب صاحب التاريخ، وله المختصر المبارك (مختصر القُدُوري) توفي عام 428 هـ ببغداد. انظر "تاريخ بغداد للخطيب البغدادي"(6/ 31)، " وفيات الأعيان لابن خلكان "(1/ 78)، "سير أعلام النبلاء للذهبي "(17/ 574)، "الجواهر المضية في طبقات الحنفية" للقرشي (1/ 93).

(10)

في (ب): (أحد القولين).

(11)

روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يطهر، وذكر الكرخي أنه يطهر وجه رواية الحسن أن القياس أن لا يطهر في الثوب إلا بالغسل، وإنما عرفناه بالحديث، وانه ورد في الثوب بالفرك فبقي البدن مع أنه لا يحتمل الفرك على أصل القياس وجه قول الكرخي أن النص الوارد في الثوب يكون واردا في البدن من طريق الأولى؛ لأنَّ البدن أقل تشربا من الثوب، والحت في البدن يعمل عمل الفرك في الثوب في إزالة العين. ينظر:"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 81).

(12)

في (ب): (والأصل في مسألة الأرض).

(13)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 203).

ص: 20

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ)(وَهُوَ الْقِيَاسُ):

أَيْ: عَلَى الثَّوْبِ، أَوِ البِّسَاطِ، بِجَامِعِ أَنَّ النَّجَاسَةَ تَدَاخَلَتْ؛ فِي أَجْزَاءِ الْخُفِّ، كَتَدَاخُلِهَا فِي أَجْزَاءِ الثَّوْبِ؛ حَتَّى أَنَّهَا تَبْقَى مُتَّصِلَةٌ بِالْخُفِّ، بَعْدَ الْجُفُوفِ.

وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ

(1)

أَيْضًا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بِالرَّيِّ

(2)

، لِمَا رَأَى مِنْ كَثْرَةِ السِّرْقِينُ

(3)

فِي طُرُقِهِمْ كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(4)

.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وأبو يُوسُفَ

(5)

: يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ بِالْأَرْضِ، اسْتِحْسَانًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ:«أَتَانِي جِبْرِيلُ واخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا أَذًى، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيُقَلِّبْ نَعْلَيْهِ، فَإِنْ رَأَى فِيهِمَا قَذَرًا فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ»

(6)

(7)

(8)

.

(1)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 82).

(2)

مدينة الرَّيِّ: هي مدينة تاريخية تقع اليوم بالقرب من طهران في إيران. فتحت الري في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وذلك بقيادة نعيم بن مقرن رضي الله عنه، ويقال أن زرادشت قد خرج منها. كما ينسب إليها عدد من علماء المسلمين ومنهم فخر الدين الرازي، صاحب تفسير مفاتيح الغيب، والكيميائي محمد بن زكريا الرازي انظر:" معجم البلدان لياقوت الحموي"(3/ 116)، و "آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني" (ص: 375) و " حدود العالم من المشرق إلى المغرب تحقيق يوسف الهادي "(ص: 152).

(3)

السِّرْقِينُ: هي (الْمَزْبَلَةُ) وهو مَوْضِعُ الزِّبلِ. ينظر " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: 206)، "لسان العرب لابن منظور"(11/ 300)

(4)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 203) و الجوهرة النيرة على مختصر القُدُوري (1/ 36).

(5)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 82).

(6)

أخرجه أبو داود في "سننه"(ص 92) في كتاب "الصلاة"، باب "الصلاة في النعل"، حديث رقم (650)، والدارمي في "سننه"(1/ 370)" في كتاب "الصلاة"، باب "الصلاة في النعلين" حديث رقم (1378)، واحمد في "مسنده" (18/ 379)، حديث رقم (11877) أبو سعيد الخدري صلى الله عليه وسلم.

قال الحاكم في "المستدرك"(1/ 391): صحيح على شرط مسلم.

(7)

الْمَسْجِدَ: قال في اللسان: والمسجد بالفتح والمسجد بالكسر: الذي يسجد فيه: (3/ 204) وهو كثير في اللغة.

(8)

جاء في المبسوط: (فَلْيَمْسَحْهُ بِالْأَرْضِ). ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 82).

ص: 21

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ سَاقِطٌ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَقْبِلِ الصَّلَاةَ؛ قُلْنَا: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَظْرَ مَعَ النَّجَاسَةِ نَزَلَ حِينَئِذٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(1)

.

[تطهير النَّجَاسَةُ الرَّطْبَةُ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَفِي الرَّطْبِ)

(2)

:

أَيِ: الرَّوْثُ، وَالْعَذِرَةُ، وَالدَّمُ، أَصَابَتِ الْخُفَّ، وَهِيَ رَطْبٌ بَعْدُ، لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْأَرْضِ؛ لَا يُزِيلُهَا، إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَشَى عَلَى الرَّوْثِ؛ ثُمَّ مَسَحَ خُفَّهُ عَلَى الْأَرْضِ؛ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، وَلَا رَائِحَتِهَا، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَاعْتَبَرَ الْبَلْوَى

(3)

فِيهِ

(4)

.

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله: وَهُوَ صَحِيحٌ

(5)

، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِلضَّرُورَةِ

(6)

، كَذَا فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ"

(7)

لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ رحمه الله، وَإِطْلَاقُ مَا يُرْوَى؛ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«فَإِنْ كَانَ يهما قَذَرٌ، فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ»

(8)

(9)

مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ/ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ فَإِنْ قُلْتَ: كَمَا أَنَّ مَا يُرْوَى؛ لَا يُفَصِّلُ بَيْنَ الرَّطْبِ، وَالْيَابِسِ، فَكَذَلِكَ لَا يُفَصِّلُ أَيْضًا؛ بَيْنَ النَّجَاسَةِ؛ الَّتِي لَهَا جُرْمٌ، وَبَيْنَ الَّتِي لَا جُرْمَ لَهَا، فَإِنَّ اسْمَ الْقَذَرِ، أَوِ

(10)

الْأَذَى، يَنْطَلِقُ عَلَيْهُمَا، ثُمَّ أَنْتُمْ تُفَصِّلُونَ بَيْنَهُمَا، وَالْحَدِيثُ لَمْ يُفَصِّلْ،

(1)

من أول قوله: (فإن قيل: هذا الحديث) من كلام الشارح وليس من كلام السرخسي. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 82).

(2)

يقول صاحب الهداية: (وفي الرطب لا يجوز حتى يغسله، لأنَّ المسح بالأرض يكثره ولا يطهره وعن أبي يوسف رحمه الله أنه إذا مسحه بالأرض حتى لم يبق أثر النجاسة يطهر لعموم البلوى وإطلاق ما يروى وعليه مشايخنا رحمهم الله. ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (1/ 36).

(3)

عُمُومُ البلْوَى: وهوَ في الأمْرِ الَّذِي يَعْسُرُ الانفِكَاكُ عنهُ، كالنَّجاسةِ الَّتي يشقُّ الاحتِرازُ عنهَا، كمنْ بهِ سلسُ بوْلٍ، واحتمالِ يسيرِ الغَبْنِ في البُيُوع، ونحوَ ذلكَ. انظر:" خلاصة تاريخ التشريع "لعبد الوهاب خلاف

(ص: 196) و" تيسير علم أصول الفقه" للعنزي (ص: 64).

(4)

ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 62)، و"المبسوط" للسرخسي (1/ 83)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 36)، و" العناية شرح الهداية " للبابرتي (1/ 196).

(5)

الذي قاله السرخسي رحمه الله: (وهو الصحيح من المذهب) دون ذكر إن عليه الفتوي. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 85).

(6)

(للضرورة): ساقطة من (ب).

(7)

" الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 196).

(8)

في (ب): (على الأرض).

(9)

أخرجه أبو داود في "سننه"(ص 66)، كتاب الطهارة، باب الأذى يصيب النعل، حديث (385)، و (386)، وأخرجه الطبراني في"الأوسط"(3/ 148)، حديث (2759)، أخرجه الحاكم في"المستدرك" (1/ 271: 272)، كتاب، حديث (590) و (591). وقال الحاكم عن حديث (591):(هذا حديث صحيح على شرط مسلم فإن محمد بن كثير الصنعاني هذا صدوق وقد حفظ في إسناده ذكر ابن عجلان ولم يخرجاه)، وقال ابن حجر العسقلاني في"التلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني" (1/ 661):(وهو معلول اختلف فيه على الأوزاعي وسنده ضعيف).

(10)

في (ب): (و).

ص: 22

قُلْتُ: بَلْ فَصَّلَ الْحَدِيثُ النَّجَاسَةَ؛ الَّتِي لَا جُرْمَ لَهَا، وأخرجها بِالتَّعْلِيلِ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ»

(1)

.

أَيْ: تُزِيلُ نَجَاسَتَهُمَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ

(2)

يَقِينًا، أَنَّ الُخُفَّ إِذَا تَشَرَّبَتِ

(3)

الْبَوْلَ، أَوِ الْخَمْرَ، لَا يُزِيلُهُ الْمَسْحُ، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَجْزَاءِ الْجِلْدِ، فَكَانَ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ؛ مَصْرُوفًا إِلَى الْقَذَرِ، الَّذِي يَقْبَلُ الْإِزَالَةَ بِالْمَسْحِ؛ وَهُوَ الْقَذَرُ الَّذِي لَهُ جُرْمٌ؛ حَتَّى أَنَّ الْبَوْلَ، أَوِ الْخَمْرَ، لَوِ اسْتَجْسَدَ

(4)

بِالرَّمْلِ، أَوْ

(5)

بِالتُّرَابِ، فَجَفَّ؛ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ أَيْضًا بِالْمَسْحِ عَلَى الْأَرْضِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ رحمه الله: إِذَا مَشَى الرَّجُلُ عَلَى بَوْلٍ، أَوْ خَمْرٍ، ثُمَّ مَشَى عَلَى الرَّمَادِ، أَوِ الرَّمْلِ، أَوِ التُّرَابِ، فَالْتَصَقَ بِهِ، وَجَفَّ، فَمَسَحَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى تَنَاثَرَ، أَنَّهُ يَطْهُرُ، وَمَا الْتَصَقَ بِهِ؛ كَالْجُرْمِ لِتِلْكَ النَّجَاسَةِ

(6)

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله: وَهُوَ صَحِيحٌ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُرْمٌ لِلنَّجَاسَةِ

(7)

مِنْهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، هَكَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ

(8)

،

(1)

لا يعرف بهذا اللفظ، والمحفوظ فإن التراب لهما طهور وقد روي عن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما مرفوعاً. أما حديث عائشة فأخرجه أبي داود في "سننه"(ص 66) في كتاب "الطهارة"، باب "في الأذى يصيب النعل"حديث رقم (385)، وابن حبان في "صحيحه"(4/ 249) في كتاب "الطهارة"، باب "تطهير النجاسة" حديث رقم (1403).

ومدار الحديث علي عبد الله ابن سمعان وهو ضعيف، حيث قال الإمام أحمد في "العلل" (1/ 188):(سمعت إِبْرَاهِيم بن سَعْد يحلف بالله، لقد كان ابن سَمْعَان يكذب) وقال الدارقطني في "سننه"(3/ 85): (متروك الحديث).

وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه أبو داود في سننه (ص 66) في كتاب "الطهارة" باب "في الأذى يصيب النعل" حديث رقم (385)، وابن حبان في صحيحه (4/ 249) في كتاب "الطهارة" باب "تطهير النجاسة" حديث رقم (1403)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 272) في كتاب "الطهارة" حديث رقم (591)، وقال الحاكم في "المستدرك" (1/ 272):(هذا حديث صحيح على شرط مسلم فإن محمد بن كثير الصنعاني هذا صدوق وقد حفظ في إسناده ذكر بن عجلان ولم يخرجاه).

(2)

في (ب): (فعُلم).

(3)

في (ب): (تشرّب).

(4)

انظر: "شرح سنن أبي داود" للعيني (2/ 221).

(5)

في (ب): (و).

(6)

ينظر: " المبسوط للسرخسي (1/ 82) "البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري " (1/ 235)، "رد المحتار " لابن عابدين (1/ 310).

(7)

في (ب): (النجاسة).

(8)

أبو جعفر: هو محمد بن عبد الله بن محمد، الفقيه أبو جعفر البلخي الحنفي، كان يقال له من كماله في الفقه:" أبو حنيفة الصغير ". يروي عن: محمد بن عقيل وغيره. وقد تفقه على أبي بكر محمد بن أبي سعيد الفقيه. أخذ عنه جماعة. وكان يعرف "بالهندواني" من محلة باب هندوان، وعاش اثنتين وستين سنة وثلاث مائة، وكان من أعلام أئمة مذهبه. توفى: 362 هـ ينظر" تاريخ الإسلام للذهبي "(8/ 207).

ص: 23

وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ

(1)

عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ ذَلِكَ؛ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطِ الْجَفَافَ

(2)

[طُرقِ تَطهيرُ الثَّوْبِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِأَنَّ الثَّوْبَ لِتَخَلْخُلِهِ

(3)

يَتَدَاخَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ)

(4)

أَيْ: لِفِرَجٍ خِلَالِهِ، وَقَوْلُهُمْ: أَجْزَاءُ الثَّوْبِ مُتَخِلْخِلَةٌ

(5)

: أَيْ فِي خِلَالِهَا فِرَجٍ، لِرَخَاوَتِهَا، وَكَوْنِهَا مُجَوَّفَةٌ، غَيْرَ مُكْتَنِزَةٍ، كَذَا فِي "المغرب"

(6)

.

[طهارة المني]

قَوْلُهُ رحمه الله: (أَجْزَأَهُ

(7)

فِيهِ الْفَرْكُ)

(8)

هَذَا جَوَابُ الاسْتِحْسَانِ

(9)

، وَالْقِيَاسُ، أَنْ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ، إِلَّا أَنَّهُ يُصْبِحُ ثَخِينًا؛ فَهُوَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الدَّمِ، لَا يَطْهُرُ إلا بِالْغُسْلِ، لَكِنِ اسْتَحْسَنَ عُلَمَاؤُنَا

(10)

، فَقَالُوا: يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ

(11)

. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: (إِنْ كَانَ الْمَنِيُّ غَلِيظًا، فَجَفَّ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا، لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغُسْلِ،

وَقَالَ: إِذَا أَصَابَ الْمَنِيُّ ثَوْبًا ذَا طَاقَيْنِ؛ فَالطَّاقُ الْأَعْلَى يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، وَالْأَسْفَل، لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُصِيبُهُ الْبَلَّةُ دُونَ الْجُرْمِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ؛ فَإِنَّ الْفَحْلَ، لَا يُمْنِي حَتَّى يُمْذِي

(12)

، وَالَمَذْيُ

(13)

-بِالتَّخْفِيفِ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الْمَذْيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ مَغْلُوبًا، مُسْتَهْلَكًا، بَالْمَنِيِّ، فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْمَنِيِّ؛ دُونَ الْمَذْيِ)

(14)

.

(1)

محمد بن الفضل: هو: الإمام، العلامة، شيخ الحنفية، مفتي بخارى، شمس الأئمة، أبو الفضل بكر بن محمد بن علي بن الفضل الأنصاري، الخزرجي، السلمي، الجابري، البخاري، الزرنجري، كان يضرب به المثل في حفظ المذهب، مولده: سنة سبع وعشرين وأربع مائة، ومات: في تاسع عشر شعبان،

سنة 512 هـ. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي: (4/ 205)، سير أعلام النبلاء للذهبي (19/ 415)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (1/ 173).

(2)

انظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 203).

(3)

في (ب): (لتخلله) والمثبت في المتن هو الصحيح، ينظر:"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 36).

(4)

تعليل لقول صاحب الهداية: (والثوب لا يجزي فيه إلا الغسل وإن يبس لأنَّ الثوب لتخلخله يتداخله كثير من أجزاء النجاسة فلا يخرجها إلا الغسل). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 36).

(5)

في (ب): (متخللة)، والمثبت في المتن هو الصحيح، ينظر:" المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (1/ 270).

(6)

ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (1/ 270).

(7)

في (ب): (أجزاءه). وهو خطأ

(8)

ما بين القوسين من كلام صاحب الهداية حيث يقول: (والمني نجس يجب غسله إن كان رطبا، فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها " فاغسليه إن كان رطبا وافركيه إن كان يابسا ".

وقال الشافعي رحمه الله المني طاهر والحجة عليه ما رويناه وقال صلى الله عليه وسلم: إنما يغسل الثوب من خمس وذكر منها المني ولو أصاب البدن.

قال مشايخنا رحمهم الله: يطهر بالفرك لأنَّ البلوى فيه أشد وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يطهر إلا بالغسل لأنَّ حرارة البدن جاذبة فلا يعود إلى الجرم والبدن لا يمكن فركه).

ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 36 - 37).

(9)

معنى الاستحسان عند الأحناف: قال الدبوسي رحمه الله: فالاستحسان هو اعتقاد حسن الشيء. يقال: استحسنت كذا أي: اعتقدته حسنا، واستقبحت كذا أي: اعتقدته كذلك، ومحل ظن بعض الفقهاء أن من قال بالاستحسان قد ترك القياس والحجة الشرعية باستحسانه تركها من غير دليل يطلق وطعن بهذا على علمائنا) انظر:" قواطع الأدلة في الأصول" للدبوسي (2/ 268).

والخلاصة: أنه إذا أطلق الحنفية الاستحسان أرادوا به القياس الخفي، وإذا أطلقوا القياس أرادوا به القياس الجلي، فالاستحسان عندهم هو أحد القياسين لا أنه يكون قسماً آخر اخترعوه بالتشهي من غير دليل. فاستعملوا عبارة القياس والاستحسان للتمييز بين الدليلين المتعارضين، وخصوا أحدهما بالاستحسان لكون العمل به مستحسناً، ولكونه مائلاً عن سنن القياس الظاهر، فسموه بهذا الاسم لوجود معنى الاسم فيه

(10)

في (ب): (أصحابنا)؛ المثبت بالمتن هو الصحيح. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 81).

(11)

وجه الاستحسان قوله: صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها «فاغسليه إن كان رطبا وافركيه إن كان يابسا» وهو حجة على الشافعي رحمه الله في جعله طاهرًا مستدلًا بحديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: «المني كالمخاط فأمطه عنك ولو بإذخرة» ينظر: "الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 197).

(12)

في (ب): (يمني حين يمذي).

(13)

المذيِّ: بفتح الميم وسكون الذال المعجمة: وهو البلل اللزج الذي يخرج من الذكر عند ملاعبة النساء أو تذكر الجماع أو إرادته، لسان العرب لابن منظور:(15/ 274)

(14)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 81 - 82).

ص: 24

ثُمَّ حُجَّةُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي طَهَارَةِ الْمَنِيِّ، حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ

(1)

رضي الله عنه قَالَ: «الْمَنِيُّ كَالْمُخَاطِ، فَأَمِطْهُ عَنْكَ وَلَوْ بِإِذْخِرَةٍ»

(2)

، وَلِأَنَّهُ أَصْلُ خِلْقَةٍ لِلْآدَمِيِّ

(3)

، فَكَانَ طَاهِرًا كَالتُّرَابِ؛ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، خُلِقُوا مِنْ شَيْءٍ نَجِسٍ

(4)

.

وَلَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه

(5)

: «إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ

(6)

، وَالدَّمِ، وَالْمَنِيِّ، وَالْقَيْءِ»

(7)

فَالاسْتِدْلَالُ بِهِ، أَنَّهُ أَمَرَهُ بِغَسْلِ الثَّوْبِ، مِنَ الْمَنِيِّ، بِكَلِمَةِ: إِنَّمَا، وَهِيَ لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيِ مَا عَدَاهُ، وَإِثْبَاتُ الْمَذْكُورِ بِنَفْيِ مَا عَدَاهُ؛ يَدُلُّ عَلَى التَّحْقِيقِ لَا عَلَى النَّدْبِ.

(1)

ابن عباس: هو الصحابي الجليل: عَبْد اللَّه بن عَبَّاس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أَبُو الْعَبَّاس الْقُرَشِيّ الهاشمي. ابْنُ عم رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كني بابنه الْعَبَّاس، وهو أكبر ولده، وأمه لبابة الكبرى بِنْت الحارث بن حزن الهلالية. وهو ابن خالة خالد بن الوليد، وكان يسمى البحر، لسعة علمه، ويسمى حبر الأمة، كان له عند موت النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة. مات سنة 70 هـ وهو بالطائف، وقال أبو نعيم: مات سنة 68 هـ، التاريخ الكبير للبخاري (5/ 3)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1/ 522) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (4/ 121)، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (3/ 186).

(2)

أخرجه الترمذي في "سننه"(1/ 201) أبواب "الطهارة"، باب "غسل المني من الثوب" حديث رقم (117).

قال الدارقطني في "سننه"(1/ 225): لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك عن محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى ثقة في حفظه شيء، وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (21/ 334): ثابتة عن ابن عباس وقبله سعد بن أبي وقاص وأما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فمنكر باطل لا أصل له لأنَّ الناس كلهم رووه عن شريك موقوفًا.

(3)

في (ب): (الآدمي).

(4)

ينظر: "الأم للشافعي ": (1/ 55 - 56).

(5)

عَمَّارُ بن يَاسِرِ بن عامر بن مالك بن كنانة بن قَيْس بن الحصين بن الوذيم بن ثَعْلَبَة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس، وكان عمّار يكنى أَبَا اليقظان، مولى بني مخزوم شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله عُمَر بن الخطاب عَلَى الكوفة، قتل يوم صفين، قال أبو حفص بن علي سمعت أبا عاصم يقول قتل عمار بن ياسر وهو ابن ثلاث وتسعين سنة. انظر: الطبقات الكبرى لإبن سعد (3/ 186)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (4/ 2070)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1/ 487)، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (4/ 122).

(6)

الغائط: هو المطمئن من الأرض الواسع، ومنه قيل لموضع قضاء الحاجة: الغائط .. لأن العادة أن الحاجة تقضى في المنخفض من الأرض حيث هو أسَترُ له، ثم قيل للبراز نفسه، وهو الحدث: غائط كنايه عنه إذا كان سببا له انظر: النهاية: (3/ 395)، لسان العرب لابن منظور:(7/ 365) أي المراد المجاز وهو قضاء الحاجة، لا عين المجيء من المكان المطمئن من الأرض.

(7)

تقدم تخريجه (ص: 92).

ص: 25

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَرَنَهُ بِالْأَشْيَاءِ؛ الَّتِي هِيَ نَجَسٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَانَ حُكْمُهُ؛ كَحُكْمِ مَا قُرِنَ بِهِ، لِأَنَّ الْقِرَانَ فِي الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ

(1)

، وَكَوْنُهُ أَصْلُ خِلْقَةِ الْآدَمِيِّ؛ لَا يَنْفِي صِفَةَ النَّجَاسَةِ، كَالْمُضْغَةِ، وَالْعَلَقَةِ

(2)

، وَتَعَلُّقُهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رحمه الله لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَلَئِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ، مَرْفُوعًا، فَنُقُولُ: الْحَدِيثُ يَشْهَدُ لَنَا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِمَاطَةِ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَالتَّشْبِيهِ بِالْمُخَاطِ، وَالْبُزَاقِ، وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ

(3)

لَهُ فَظَاهِرُ الْأَمْرِ يَشْهَدُ لَنَا فَسَقَطَ الاحْتِجَاجُ بِهِ كَذَا فِي

" الْمَبْسُوطَيْنِ"

(4)

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْحَافِظُ

(5)

رحمه الله: وَالْمَنِيُّ الْيَابِسُ؛ إِنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ إِذَا كَانَ رَأْسُ الذَّكَرِ [طَاهِرًا]

(6)

وَقْتَ خُرُوجَهُ، بِأَنْ كَانَ بَالَ، وَاسْتَنْجَى، وأما إِذَا لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا، لَا يَطْهُرُ

(7)

، قَالُوا، وَبِكَذَا

(8)

رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ -رحمهما الله- وَكَذَلِكَ؛ إِنَّمَا يَطْهُرُ الْمُصَابُ، بِالْفَرْكِ، إِذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ؛ قَبْلَ خُرُوجِ الْمَذْيِ، فَأَمَّا إِذَا خَرَجَ الْمَذْيُ، عَلَى رَأْسِ الْإِحْلِيلِ

(9)

، ثُمَّ خَرَجَ الْمَنِيُّ؛ لَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ؛ بِالْفَرْكِ، ثُمَّ إِذَا فُرِكَ الْمَنِيُّ، الْيَابِسُ عَنِ الثَّوْبِ، وَحُكِمَ بِطَهَارَةِ الثَّوْبِ، ثُمَّ أَصَابَ الْمَاءُ ذَلِكَ الثَّوْبَ؛ هَلْ يَعُودُ نَجِسًا؟

(1)

في (ب): (الناقضة).

(2)

العلقة: المني ينتقل بعد طوره فيصير دما غليظا متجمدا. تهذيب الأسماء واللغات للنووي: (4/ 36). وفي الطب الحديث: المرحلة التي تعلق فيها الكرة الجرثومية بجدار الرحم. انظر: الوجيز في علم الأجنة، د/ محمد بار:(ص 39).

(3)

(يشهد)، ساقطة من (ب).

(4)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 81 - 82).

(5)

أبو إسحاق: هو إبراهيم بن يوسف بن ميمون بن قدامة البلخي، وقيل ابن رزين أبو إسحاق الباهلي الفقيه عرف بالماكياني نسبة إلى جده، شيخ بلخ وعالمها في زمانه لزم أبا يوسف حتى برع وروى عن سفيان بن عيينة وإسماعيل بن علية وحماد بن زيد، مات في جمادى الأولى، سنة 239 هـ، وكان من أبناء التسعين رحمه الله.

انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (17/ 78)، سير أعلام النبلاء للذهبي (11/ 63)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (1/ 51)

(6)

كذا في نسخة (ب) وفي (أ): (طاهر). وهو خطأ والصحيح ما أثبت.

(7)

ينظر: "المستصفى" للنسفي (1/ 392).

(8)

في (ب): (وهكذا).

(9)

الْإِحْلِيلُ: وَهُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ. انظر " مقاييس اللغة لابن فارس "(2/ 20)

ص: 26

فَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(1)

.

وعن الفضلي

(2)

رحمه الله: (أنَّ منيَّ المرأةِ لا يطهرُ بالفركِ، لأنَّهُ رقيقٌ)

(3)

، وَاخْتُلِفَ؛ فِيمَا إِذَا كَانَ لِلثَّوْبِ طَاقٌ آخَرَ، فَنَفَذَتِ، الْبِلَّةُ إِلَى الطَّاقِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ

(4)

يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنِيِّ، كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ

(5)

رحمه الله.

[النَّجَاسَةُ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى جُرْمٍ أَمْلَسٍ]:

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالنَّجَاسَةُ إِذَا أَصَابَتِ الْمِرْآةَ)

(6)

وَفِي " الْمُحِيطِ: (السَّيْفُ أَوِ السِّكِّينُ

(7)

؛ إِذَا

(8)

أَصَابَهُ بَوْلٌ أَوْ دَمٌ، وَذَكَرَ فِي "الأصل"

(9)

، أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ، وَإِنْ أَصَابَهُ عَذِرَةٌ؛ إِنْ كَانَتْ رَطِبَةً؛ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً؛ طَهُرَتْ بِالْحَتِّ؛ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُفَ -رحمهما الله-، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ، وَالْكَرْخِيُّ

(10)

/ ذَكَرَ

(11)

فِي "مُخْتَصَرِهِ"

(12)

: أَنَّ السَّيْفَ يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ، مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَالْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ

(13)

.

(1)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 205 - 206).

(2)

الفضلي: هو محمد بن الفضل أبو بكر الفضلي الكماري ورد نيسابور وأقام بها متفقها ثم قدمها حاجا فحدث بها وكتب ببخارى في سنة تسع وخمسين وعقد له مجلس الإملاء ومات ببخارى يوم الجمعة لست بقين من شهر رمضان سنة

(381 هـ) وهو ابن ثمانين سنة رحمه الله. انظر "الجواهر المضية في طبقات الحنفية" للقرشي (2/ 108).

(3)

ينظر: "فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي"(1/ 200)، و" تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 72).

(4)

(أنه)، ساقطة من (ب).

(5)

ينظر: "فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي"(1/ 200).

(6)

يقول صاحب الهداية: (والنجاسة إذا أصابت المرآة أو السيف اكتفى بمسحهما لأنه لا تتداخله النجاسة وما على ظاهره يزول بالمسح) ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 37).

(7)

في (ب): (أو السيف أو السكين)، والنسخة (ب) هي الصواب، حيث جاءت في وسط سياق الكلام حيث قال صاحب المحيط:(قال نجم الدين النسفي رحمه الله: لا تجوز صلاتهُ إلا إذا غسله بالماء ثلاثًا وجففه في كل مرَّة، وحكم هذا حكم الثوب لا حكم الخف أو السيف أو السكين). ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 204).

(8)

في (ب): (أي إذا). والمثبت هو الصحيح. ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 204).

(9)

ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 80).

(10)

الكرخي: هو عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم الكرخي، وهو أحد أئمة الحنفية المشهورين، وكان رأسًا في الاعتزال أخذ الحديث عن إسماعيل بن إسحاق، والفقه عن أبي سعيد البردعي، ومن تلاميذه: الجصاص، وابن شاهين، وابن حيوة، وله مصنفات كثيرة منها: رسالة في الأصول، والمختصر في الفقه، وشرح الجامعين لمحمد بن حسن ولد سنة 260 هـ وتوفي سنة 340 هـ. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، للقرشي (2/ 493)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (1/ 200)، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، للعكري (2/ 358).

(11)

في (ب): (ذكره).

(12)

مختصر الكرخي: هو كتاب في فروع الفقه الحنفي، للإمام، أبي الحسين: عبد الله بن الحسين بن دلال ابن دلهم الكرخي. المتوفى: سنة (340 هـ). وهو لا يزال مخطوطًا، وشرحه: الإمام، أبو الحسين: أحمد بن محمد القُدُوري. المتوفى: سنة 428 هـ. (2/ 1635) ينظر: " كشف الظنون لحاجي خليفه (2/ 1634)

(13)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 84).

ص: 27

وَفِي "الْفَتَاوَى "

(1)

سُئِلَ الْقَاسِمُ

(2)

عَمَّنْ ذَبَحَ الشَّاةَ بِالسِّكِّينِ؛ ثُمَّ مَسَحَ السِّكِّينَ عَلَى صُوفِهَا، أَوْ بِمَا يَذْهَبُ أَثَرُ الدَّمِ: أَنَّهُ يَطْهُرُ

(3)

.)

(4)

[التَّطْهِيرُ بِالْجَفَافِ]

قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَصَابَ

(5)

الْأَرْضَ نَجَاسَةٌ فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ)

(6)

الْجَفَافُ بِالشَّمْسِ

(7)

قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا شَرْطِيٌّ؛ حَتَّى لَوْ جَفَّتْ

(8)

بِالظِّلِّ؛ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا

(9)

أُطْلِقَ فِي " الْمَبْسُوطِ "

(10)

، وَ" الْإِيضَاحِ "

(11)

.

قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِهِ التَّيَمُّمُ)

(12)

:

(1)

في المخطوطة (أ) ورد بزيادة (أبا) وقد جاء بدون ذكر أبي القاسم، ينظر:"فتاوى قاضي خان"(ص 32).

(2)

القاسم: هو القاسم بن معن بن عبد الرحمن الهذلي ابن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود، الإمام الفقيه، المجتهد، قاضي الكوفة، ومفتيها في زمانه، أبو عبد الله الهذلي المسعودي، الكوفي، أخو الإمام أبي عبيدة بن معن، ولد: بعد سنة مائة. وحدث عن: منصور بن المعتمر، وحصين بن عبد الرحمن، وعبد الملك بن عمير، وهشام بن عروة، وسليمان الأعمش، وطائفة سواهم. روى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وغيره، انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: (8/ 190)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (1/ 412)

(3)

في (ب): (أو ما يذهب به أثر الدم وانه يطهر). النسخة (ب) هي الصواب، ينظر:"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 204).

(4)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 204).

(5)

في (ب): (وإن أصابت). النسخة (ب) هي الصواب. ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 37).

(6)

يقول صاحب الهداية: (وإن أصابت الأرض نجاسة فجفت بالشمس وذهب أثرها جازت الصلاة على مكانها، وقال زفر والشافعي -رحمهما الله- لا تجوز لأنه لم يوجد المزيل).

ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 37).

(7)

(الجفاف بالشمس)، ساقطة من (ب).

(8)

في (ب): (جفّ).

(9)

في (ب): (وبهذا).

(10)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 205).

(11)

ينظر: "المستصفى" للنسفي (1/ 394).

(12)

يقول صاحب الهداية: (ولهذا لا يجوز التيمم به، ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: زكاة الأرض يبسها). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 37).

ص: 28

وَذَكَرَ [ابْنُ كَاسٍ]

(1)

النَّخْعِيُّ

(2)

عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنِّهُ حُكِمَ بِطَهَارَةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ

(3)

؛ حَيْثُ

(4)

ذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ؛ بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، كَذَا فِي "الْمَبْسُوطِ"

(5)

.

(«ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا»)

(6)

(7)

جَعَلَ فِي "الأسرار": (هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها

(8)

ثُمَّ قَالَ: وَالَّذكَاةُ عِبَارَةٌ عَنِ الطَّهَارَةِ، كَذَكَاةِ الشَّاةِ

(9)

.

(1)

علي بن مُحَمَّد بن الحسن بن مُحَمَّد بن عُمَر بن سعد بن مالك بن لحي بن عَمْرو بن يَحْيَى بن الحارث أَبُو القاسم النخعي القاضي المعروف بابن كاس، وكان ثقة فاضلا عارفا بالفقه على مذهب أَبِي حنيفة، يقرئ القرآن، ولي قَضَاء دمشق وَغَيرهَا وَكَانَ إِمَامًا فِي الْفِقْه كَبِير الْقدر، توفّي حادي عشْرين جُمَادَى الأولى سنة تسع عشرَة وست مائَة بنصيبين، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (13/ 540)، الوافي بالوفيات للصفدي (21/ 284)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (2/ 406).

(2)

كذا في نسخة (ب) وفي (أ): (ابن كامين)، وهو خطأ، والصواب ما اثبت. ذكره السرخسي باسم:(ابن كاسر النخعي)، وذكره النسفي باسم (ابن كأس)، ينظر:"المبسوط" للسرخسي (1/ 119)، و"المستصفى" للنسفي (1/ 394).

(3)

(المكان)، ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): (حتى).

(5)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 119).

(6)

روي عن أبي جعفر وأبي قلابة: أما رواية أبي جعفر: أخرجها ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1/ 430) في كتاب "الطهارة"، باب " في الرجل يطأ الموضع القذر، يطأ بعده ما هو أنظف" حديث رقم (629)، قال الزيلعي في "نصب الراية للزيلعي " (1/ 211): غريب، وقال بن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/ 92): لم أره مرفوعًا وإنما من قول أبي جعفر محمد بن علي. وأما رواية أبي قلابة فأخرجها الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص 348) حديث رقم (257) فالحديث: لا يصح وقفًا ولا رفعًا. ونسبته إلي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لا أصل له أيضًا.

(7)

ما بين القوسين لصاحب الهداية حيث يقول: (ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: زكاة الأرض يبسها). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 37).

(8)

قال ابن حجر في " الدراية في تخريج أحاديث الهداية ": هذا الحديث لم يوجد في كتب الحديث، وهذا لا أصل له لأنه لم يثبت بنقل العدل أو يكون ذلك النقل بالمعنى عند من جوزه. ينظر:" الْعِنَايَة شرح الهداية = للبابرتي "(1/ 191)، " البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 720).

(9)

" الأسرار للدبوسي ": (1/ 569).

ص: 29

وأما الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا، هُوَ

(1)

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا أَرْضٍ جَفَّتْ فَقَدْ زَكَتْ»

(2)

وَكَذَا أَيْضًا فِي "مَبْسُوطِ "

(3)

شَيْخِ الْإِسْلَامِ رحمه الله.

وَفِي " المغرب " (وَقَوْلُ

(4)

مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ

(5)

رحمه الله: زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا، أَيْ أَنَّهَا إِذَا يَبِسَتْ؛ مِنْ رُطُوبَةِ النَّجَاسَةِ

(6)

؛ طَهُرَتْ وَطَابَتْ، كَمَا بِالذَّكَاةِ، تَطْهُرُ الذَّبِيحَةُ، وَتَطِيبُ، وَمِنْهُ:«أَيُّمَا أَرْضٍ جَفَّتْ؛ فَقَدْ ذَكَتْ» أَيْ: طَهُرَتْ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ: وَهَذَا مِمَّا لْمَ أَجِدْهُ فِي

(7)

الْأُصُولِ)

(8)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِأَنَّ طَهَارَةَ الصَّعِيدِ

(9)

ثَبتتْ شَرْطًا بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا يَثْبُتُ

(10)

بِالْحَدِيثِ).

يَعْنِي أَنَّ اشْتِرَاطَ طَهَارَةِ

(11)

التُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ ثَبَتَ

(12)

بِعِبَارَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى

(13)

؛ فَلَا تَحْصُلُ تِلْكَ الطَّهَارَةُ الْمَشْرُوطَةُ بِالْعِبَارَةِ بِالطَّهَارَةِ؛ الَّتِي أَثْبَتَهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ

(14)

، فَإِنَّ فِيهِ نُوعَ مُعَارَضَةٍ، لِمَا أَنَّ الْقِيَاسَ؛ يَأْبَى طَهَارَةَ الْأَرْضِ، لِأَنَّ النَّجَاسَةَ؛ لَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ، كَمَا فِي الثَّوْبِ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ مَكَانِ الْمُصَلِّي، فَإِنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ، بِدَلَالَةِ النَّصِّ، لَا بِالْعِبَارَةِ، فَجَازَ، أَنْ يُعَارِضَهُ، فَأُثْبَتَ

(15)

بِخَبَرِ الْوَاحِدِ

(16)

.

(1)

في (ب): (وهو).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1/ 431) في كتاب "الطهارة"، باب " من قال إذا كانت جافة فهو زكاتها" حديث رقم (630، 631). ولا يعرف الأثر مرفوعا إلي النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره الشارح.

(3)

المبسوط للسرخسي (1/ 205).

(4)

في (ب): (في قول).

(5)

محمد بن على بن أبى طالب يقال له محمد بن الحنفية كنيته أبو القاسم وقد قيل أبو عبد الله كان من أفاضل أهل البيت وكانت الشيعة تسميه المهدى كان مولده لثلاث سنين بقيت من خلافة عمر بن الخطاب ومات برضوى سنة ثلاث وسبعين ودفن بالبقيع. انظر " مشاهير علماء الأمصار لابن حبان"(ص: 103).

(6)

(النجاسة): ساقطة من (ب).

(7)

في (ب): (آخذه من).

(8)

ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (1/ 306).

(9)

(الصعيد)، ساقطة من (ب). الصعيد: وجه الأرض ترابا كان أو غيره: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي: (1/ 473)، وقصره البعض على التراب فقط (حلية الفقهاء لابن فارس (ص 59) وله معان أخرى (لسان العرب لابن منظور:(3/ 254)، "الصحاح، للجوهري": (2/ 498)، القاموس المحيط للفيروز آبادي:(1/ 307).

(10)

في (ب): (ثبت).

(11)

(طهارة)، ساقطة من (ب).

(12)

(ثبت)، ساقطة من (ب).

(13)

وهي قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}

[النساء: 43].

(14)

خبر الواحد: هو كل خبر يرويه الواحد والاثنان فصاعداً لا عبرة لعدد فيه بعد أن يكون دون المشهور والمتواتر: " كشف الأسرار للبخاري ": (2/ 370)، " المغني للخبازي"(194)

(15)

في (ب): (ما ثبت).

(16)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 119)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 53)، و" تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 72)، و" الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 200).

ص: 30

فَإِنْ قُلْتَ: الْحُكْمُ الثَّابِتُ، بِدَلَالَةِ النَّصِّ، كَالْحُكْمِ الثَّابِتِ بِعِبَارَةِ النَّصِّ

(1)

، فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ قَطْعًا؛ حَتَّى تَثْبُتَ

(2)

الْحُدُودُ، وَالْكَفَّارَاتُ، بِدَلَالَاتِ النُّصُوصِ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ؛ مُعَارَضَةُ خَبَرِ الْوَاحِدِ، لِعِبَارَةِ

(3)

الْكِتَابِ؛ لَا يَجُوزُ أَيْضًا، مُعَارَضَتُهُ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ، قُلْتُ: نَعَمْ، كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ اشْتِرَاطَ طَهَارَةِ الصَّعِيدِ؛ ثَبَتَ [بِالْآيَةِ]

(4)

؛ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْهَا الْخُصُوصُ، فَبَقِيَتْ قَطْعِيَّةً كَمَا كَانَتْ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ ابْتِدَاءً بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وأما اشْتِرَاطُ طَهَارَةِ الْمَكَانِ؛ ثَبَتَ بِالدَّلَالَةِ؛ الَّتِي دَخَلَهَا الْخُصُوصُ

(5)

، لِأَنَّ الْقَلِيلَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الاحْتِرَازُ عَنْهُ، مَخْصُوصٌ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَعِنْدَنَا قَدْرُ الدِّرْهَمِ، وَمَا دُونَهُ مَخْصُوصٌ عَنْهُ، فَلَمْ يَبْقَ قَطْعِيًّا، فَجَازَ تَخْصِيصُهُ [بَعْدَ ذَلِكَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، كَذَا أَفَادَ شَيْخِي رحمه الله وَلَكِنَّ الْفَرْقَ الصَّحِيحَ بَيْنَهُمَا، أَيْ بَيْنَ عَدَمِ]

(6)

جَوَازِ التَّيَمُّمِ

(7)

بِالْأَرْضِ؛ الَّتِي أَصَابَتْهَا النَّجَاسَةُ، فَجَفَّتْ، وَذَهَبَ

(8)

أَثَرُهَا، [لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهَا]

(9)

وَبَيْنَ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله فِي "مَبْسُوطِهِ"

(10)

هُوَ أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْأَرْضِ؛ مَتَى أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ، رَطْبَةٌ، يُنَشَّفُ بَعْضُهَا إِلَى نَفْسِهَا، فَيَدْخُلُ بَعْضُ أَجْزَائِهَا فِي بَاطِنِهَا، وَيَبْقَى الْبَعْضُ عَلَى ظَاهِرِهَا، فَتُحْرِقُهَا الشَّمْسُ، وَتَسْفِيهَا

(11)

الرِّيحُ، [وَمَا تُنَشِّفُهَا الرِّيحُ]

(12)

يَذْهَبُ عَنْهَا، وَمَا دَخَلَ

(13)

تَحْتَ الْأَرْضِ، يَبْقَى

(14)

، فَتَقِلُّ

(15)

النَّجَاسَةُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ

(16)

، وَقَلِيلُ النَّجَاسَةِ فِي الطَّهُورِ يَمْنَعُ التَّطَهُرُ

(17)

بِهِ، فَلَا

(18)

يَمْنَعُ أَدَاءَ الصَّلَاةِ، كَقَطْرَةِ بَوْلٍ تَقَعُ فِي الْمَاءِ، يَمْنَعُ التَّوَضُّئَ بِهِ، وَلَوْ أَصَابَتْ ثَوْبَهُ، يَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ، إِذَا كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ، إِلَّا أَنَّهُمْ؛ جَعَلُوا الْحَدَّ الْفَاصِلَ، بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ، بَقَاءَ الْأَثَرِ، وَذَهَابَ الْأَثَرِ.

(1)

زاد في (ب): (فجاز أن يعارضه ما ثبت).

(2)

في (ب): (يثبت).

(3)

في (ب): (بعبارة).

(4)

وفي (أ): (ثبت بالعبارة).

(5)

طهارة المكان ثبتت بدلالة قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدَّثر: 4]، وإنما جاز تخصيص الآية لكونها ظنية الدلالة، فقد اختلف المفسرون في تفسيرها، فقيل: المراد به تطهير الثوب، وقيل: تقصيره للمنع عن التكبر والخيلاء، فإن العرب كانوا يجرون أذيالهم تكبرا، وقيل المراد تطهير النفوس عن المعائب. والأخلاق الرديئة، فلما كانت ظنية الدلالة جاز تخصيصها بخبر الواحد. ينظر:" الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 200 وما بعدها)، و" البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 723) بتصرف.

(6)

زيادة من هامش (أ): وهي مثبته في (ب): ما عدا قوله: (أي بين عدم).

(7)

(جواز التيمم)، ساقطة من (ب)

(8)

في (ب): (وذهبت).

(9)

زيادة من (ب).

(10)

ينظر: "فوائد القُدُوري"(ص 14).

(11)

في (ب): (وتنشفها).

(12)

زيادة من (ب).

(13)

(وما دخل)، سقط من (ب)

(14)

في (ب): (تبقى).

(15)

في (ب): (فيقل).

(16)

قال السرخسي بمثل ما قاله شيخ الإسلام. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 205).

(17)

(التطهير)، ساقطة من (ب).

(18)

في (ب): (ولا).

ص: 31

وَذَكَرَ فِي " الأسرار ": (الْفَرْقُ بِوَجْهٍ آخَرَ؛ وَهُوَ أَنَّ الطَّهُورَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ، فَإِنَّ الْخَلَّ طَاهِرٌ، وَلَيْسَ بِطَهُورٍ

(1)

، وَكَذَلِكَ سُؤْرُ

(2)

الْحِمَارِ طَاهِرٌ، وَلَيْسَ بِطَهُورٍ، فَكَذَلِكَ

(3)

هَذِهِ الْأَرْضُ، عِنْدَنَا طَاهِرَةٌ

(4)

، وَلَيْسَتْ بِطَهُورٍ)

(5)

فَالْمَوْضِعُ

(6)

؛ مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ، كَمَا فِي سُؤْرِ الْحِمَارِ، وَبِمَا قُلْنَا أَثْبَتْنَا الطَّهَارَةَ؛ حَتَّى جَازَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا، وَبِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، أَزَلْنَا

(7)

الطَّهُورِيَّةَ؛ حَتَّى لَمْ يَجُزِ التَّيَمُّمُ بِهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ.

[الْخَشَبُ، والشجر والحصى إِذَا أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ ثم أصابه المطر]

وَفِي " فتاوى قاضي خان

(8)

": (الْخَشَبُ، إِذَا أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ؛ ثُمَّ أَصَابَهُ الْمَطَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلِ، كَالْأَرْضِ؛ إِذَا أَصَابَتْهَا النَّجَاسَةُ، ثُمَّ أَصَابَهَا الْمَطَرُ بَعْدَ ذَلِكَ

(9)

، كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلِ، وَإِنْ لَمْ يُصِبِ الْمَطَرُ، فَالْأَرْضُ تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ، إِذَا لَمْ يَبْقَ

(10)

أَثَرُ النَّجَاسَةِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّجَرِ

(11)

وَالْكَلَأِ مَادَامَ قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ، يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ، وَبَعْدَمَا قُطِعَ لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ؟

(1)

قال بمثله الزبيدي في "الجوهرة النيرة"(1/ 37).

(2)

الآسار: جمع سؤر وهو بقية طعام الحيوان وشرابه ويعم بقية كل شيء، ومراد الفقهاء بالسؤر اللعاب ورطوبة الفم. انظر: المطلع على ألفاظ المقنع؛ للبعلي: (ص 40)، لسان العرب لابن منظور:(4/ 339)، المجموع شرح المهذب؛ للنووي:(1/ 237)، تهذيب الأسماء واللغات للنووي:(3/ 140).

(3)

في (ب): (وكذلك).

(4)

في (ب): (طاهر).

(5)

"الأسرار" للدبوسي: (1/ 255) وقال بمثله الزبيدي في "الجوهرة النيرة"(1/ 37).

(6)

في (ب): (والموضع).

(7)

في (ب): (إزالة).

(8)

سبقت ترجمته في (ص: 23).

(9)

(بعد ذلك)، ساقطة من (ب).

(10)

(يبق)، ساقطة من (ب).

(11)

في (ب): (الخشب).

ص: 32

وَكَذَا الْحَصَى حُكْمُهُ؛ حُكْمَ الْأَرْضِ، أَمَّا الْآجُرَّةُ

(1)

، إِنْ كَانَتْ مَفْرُوشَةً؛ فَحُكْمُهَا حُكْمَ الْأَرْضِ، تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً، تُنْقَلُ

(2)

وَتُحَوَّلُ، إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ

(3)

عَلَى الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي الْأَرَضَ، جَازَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ، عَلَى الْجَانِبِ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْمُصَلِّي؛ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ)

(4)

.

قُلْتُ: اشْتُرِطَ فِي عَامَّةِ الْمَوَاضِعِ/ ذَهَابُ الْأَثَرِ مَعَ الْجَفَافِ، وَلَمْ يُفَسِّر الْأَثَرُ، هُوَ

(5)

مَاذَا؟ جَازَ

(6)

أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ رِيحُ النَّجَاسَةِ وَلَوْنُهَا، بَعْدَ ذَهَابِ نُدُوَّتِهَا؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي"الْخُلَاصَةِ "

(7)

فِي النَّجَاسَةِ؛ الَّتِي أَصَابَتِ الْأَرْضَ، وَهِيَ رَطْبٌ بَعْدُ، فَأَرَادَ تَطْهِيرَهَا؛ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَيْهَا، وَيُدَلِّكُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُنَشِّفُ، بِصُوفٍ، أَوْ بِخِرْقَةٍ، إِذَا فَعَلَ ثَلَاثًا، طَهُرَتْ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ صَبَّتْ عَلَيْهَا مَاءً كَثِيرًا؛ حَتَّى زَالَتِ النَّجَاسَةُ، وَلَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ لَوْنٌ

(8)

وَلَا رِيحٌ كَانَ طَاهِرًا.

(1)

الآجُرَّة: هي الطوبة، لغة شَامِيَّةٌ أَو رُومِيَّةٌ. قَالَ ثَعْلَبٌ، قَالَ أَبو عَمْرٍو: لَوْ أَمْكَنْتُ مِنْ نَفْسي مَا تَركُوا لِي طُوبَةً، يَعْنِي آجُرَّةً. وقال الْجَوْهَرِيُّ: والطُّوبُ الْآجُرُّ. بِلُغَةِ أَهل مصر، والطُّوبَةُ الآجُرَّة، ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: فُلَانٌ لَا آجُرَّة لَهُ وَلَا طُوبَة؛ قَالَ: الآجر الطين. انظر: "جمهرة اللغة للأزدي"(1/ 362)، " تهذيب اللغة"(14/ 30)، " لسان العرب لابن منظور"(1/ 562).

(2)

في (ب): (تنتقل).

(3)

قوله: (النجاسة)، ساقطة من (ب)

(4)

ينظر: " فتاوى قاض خان "(1/ 28 - 29)، و"الفتاوى الهندية، للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند"(1/ 43 - 44).

(5)

في (ب): (وهو).

(6)

في (ب): (وجاز).

(7)

ينظر: "الفتاوى الهندية، للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند"(1/ 43).

(8)

في (ب): (أثر).

ص: 33

[أَقَلُّ النَّجَاسَةِ الَّتِي تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ) إِلَى أَنْ قَالَ رحمه الله: (جَازَتِ الصَّلَاةُ مَعَهُ)

(1)

:

وَقَالَ فِي "الأسرار "(وَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ دُونَهُ؛ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهَا)

(2)

، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: (قَلِيلُهَا، وَكَثِيرُهَا، سَوَاءٌ، تَمْنَعُ

(3)

أَدَاءَ الصَّلَاةِ، إِلَّا مَا لَا تَأْخُذُهُ الْعَيْنُ

(4)

، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الامْتِنَاعَ عَنْهُ، نَحْوَ [الذُّبَابِ]

(5)

النَّجِسَةِ، يَقَعْنَ عَلَيْهِ، وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ، سَقَطَ بِحُكْمِ الضَّرُورَةِ، وَبَقِيَتِ الزِّيَادَةُ

(6)

، مُعْتَبَرَةٌ)

(7)

،

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ

(8)

رحمه الله: إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ؛ بِحْيَثُ يَقَعُ الْبَصَرُ عَلَيْهَا، تَمْنَعُ

(9)

جَوَازَ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مِنَ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ، شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ، فَكَمَا أَنَّ الشَّرْطَ

(10)

؛ يَنْعَدِمُ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْحَدَثِ، وَكَثِيرِهِ، فَكَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِالْقَلِيلِ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَكَثِيرِهَا، وَحُجَّتُنَا مَا رَوَى عُمَرُ رضي الله عنه: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ، فِي الثَّوْبِ، قَالَ: إِذَا كَانَ مُثْلَ ظُفْرِي فَهَذَا

(11)

لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ

(12)

. وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ النَّجَاسَةِ؛ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا؛ فَإِنَّ [الذُّبَابَ]

(13)

؛ يَقَعْنَ

(14)

عَلَى النَّجَاسَاتِ، ثُمَّ يَقَعْنَ

(15)

عَلَى ثِيَابِ الْمُصَلِّي، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَجْنِحَتِهِنَّ، وارْجُلِهِنَّ نَجَاسَةٌ، فَجَعَلَ الْقَلِيلَ عَفْوًا لِهَذَا؛ بِخِلَافِ الْحَدَثِ؛ فَإِنَّهُ لَا بَلْوَى فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ، وَالْكَثِيرِ.

(1)

يقول صاحب الهداية: (وقدر الدرهم وما دونه من النجس المغلظ كالدم والبول والخمر وخرء الدجاجة وبول الحمار جازت الصلاة معه). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 37).

وذهب آخرون من أهل العلم؛ إلى أنه لا يعفى عن يسير النجاسة خصوصاً الغائط أو البول، قال البهوتي في (كشاف القناع للبهوتي (1/ 190) (فصل: ولا يعفى عن يسير نجاسة ولو لم يدركها الطرف أي البصر، كالذي يعلق بأرجل ذباب ونحوه، لعموم قوله تعالى:[وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ]{المدثر: 4} . فإن كان من سبيل لم يعف عنه لأنه في حكم البول أو الغائط)

وهذا القول الأخير هو الأحوط. وعليه، فينبغي لمن تنزل منه نقطة بول أو ودي أن لا يصلي بالثوب الذي أصابته حتى يغسل موضع النجاسة إن علمه، وإلا غسل الثوب كاملاً.

(2)

ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 724).

(3)

في (ب): (يمنع).

(4)

في (ب): (يأخذه اليقين).

(5)

في (أ): (الذبان) والصحيح ما أثبت من (ب).

(6)

في (ب): (الزيادة به).

(7)

انظر "الأسرار" للدبوسي: (1/ 525)"مختصر المزني"(ص 31).

(8)

انظر في الفقه الشافعي: " عمدة السالك وعدة الناسك للرومي"(ص: 9)، و " المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية لابن حجر الهيتمي (ص: 15).

(9)

في (ب): (يمنع).

(10)

الشرط في اللغة: إلزام الشيء والتزامه، والجمع شروط وشرائط وأشراط. انظر: لسان العرب لابن منظور (7/ 329)(مادة: شرط)، وفي الاصطلاح: عرفه ابن السبكي بقوله: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. انظر:"حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على متن جمع الجوامع، للبناني "(2/ 20)، "الفروق للكرابيسي "(1/ 62)، تيسير التحرير للأمير بادشاه الحنفي (2/ 120، 148).

(11)

(فهذا)، ساقطة من (ب).

(12)

لا يعرف عن عمر رضي الله عنهم والثابت خلافه وهو ما أخرجه مسلم في صحيحه (ص 125) كتاب الطهارة باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة، حديث رقم (243) عن جابر رضي الله عنه قال: أخبرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«ارجع فأحسن وضوءك» فرجع، ثم صلى.

(13)

في (أ) وقعت بلفظ (الذبان) وهو خطأ، والمثبت من (ب):(الذباب). ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 60).

(14)

في (ب): (تقعن).

(15)

في (ب): (تقعن).

ص: 34

ثُمَّ إِنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم، كَانُوا يَكْتَفُونَ، بِالاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ

(1)

، وَقَلَّمَا

(2)

يَتَطَيَّبُونَ

(3)

بِالْمَاءِ، وَالاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ، لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ؛ حَتَّى لَوْ جَلَسَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ يُنَجِّسُهُ

(4)

، وَاكْتِفَاؤُهُمْ بِهِ؛ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ النَّجَاسَةِ عَفْوٌ، وَلِهَذَا قَدَّرْنَا بِالدِّرْهَمِ، عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ، عَنْ مَوْضِعِ خُرُوجِ الْحَدَثِ، هَكَذَا قَالَ النَّخْعِيُّ

(5)

رحمه الله وَقَالَ

(6)

: اسَتَقْبَحُوا ذِكْرَ الْمَقَاعِدِ، فِي مَجَالِسِهِمْ فَكَنَّوا عَنْهُ بِالدِّرْهَمِ، وَكَانَ النَّخْعِيُّ

(7)

يَقُولُ: إِذَا بَلَغَ مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ، يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ

(8)

رحمه الله يَقُولُ

(9)

: لَا يَمْنَعُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ

(10)

مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، فَأَخَذْنَا بِهَذَا لِأَنَّهُ أَوْسَعُ)

(11)

.

(1)

يشير إلي حديث سَلْمَانَ، أنه قَالَ: قَالَ لَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ: إِنِّي أَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ حَتَّى الْخِرَاءَةَ، قَالَ سَلْمَانُ:«أَجَلْ أُمِرْنَا أَنْ لا نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَلا نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا، وَلا نَكْتَفِيَ بِدُونِ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ وَلا عَظْمٌ» . أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 129) في كتاب "الطهارة" باب "الاستطابة" حديث رقم (262).

(2)

وقعت في المخطوطتين هكذا: (وقل ما) وهو خطأ، وصوابه (وقلما). ينظر:"المبسوط" للسرخسي (1/ 60).

(3)

في (ب): (ينظفون).

(4)

وفي بدائع الصنائع للكاساني (1/ 80): حتى لو جلس في الماء القليل أفسده.

(5)

النخعي: هو إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخع من مذحج. ويكنى أبا عمران وكان أعور. الفقيه، الكوفي، النخعي؛ أحد الأئمة المشاهير، تابعي رأى عائشة رضي الله عنها ودخل عليها، ولم يثبت له منها سماع، (46 - 96 هـ). انظر:"الطبقات الكبرى لإبن سعد"(6/ 279)، و" وفيات الأعيان لابن خلكان "(1/ 25).

(6)

في (ب): (يقول). قال أو يقول كلاهما زيادة غير مذكورة في المبسوط. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 60).

(7)

ينظر: " بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 80).

(8)

الشعبي: هو: عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار علامة العصر، أبو عمرو الهمداني، ثم الشعبي، ولد سنة إحدى وعشرين روى عن: سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبي موسى الأشعري، توفي بالكوفة سنة (105 هـ) وهو ابن سبع وسبعين سنة.

انظر: الطبقات الكبرى لإبن سعد (6/ 267)، سير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 294)، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، للعكري (2/ 26).

(9)

في (ب): (وقال).

(10)

في (ب): (أكبر).

(11)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 60).

ص: 35

قَوْلُهُ رحمه الله: ([وَقَدَّرْنَاهُ]

(1)

بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ أَخْذًا عَنْ مَوْضِعِ الاسْتِنْجَاءِ).

فَوَجْهُ الْأَخْذِ عَنْهُ، هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ الدَّبوسِيُّ

(2)

رحمه الله فِي " الأسرار ": (وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَقَالَ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ لَا؛ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ لَا؛ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ»

(3)

وَالاسْتِجْمَارُ؛ وَهُوَ

(4)

الاسْتِنْجَاءُ، فَثَبَتَ أَنَّ الاسْتِنْجَاءَ؛ غَيْرُ وَاجِبٍ

(5)

بِالْحِجَارَةِ وَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ سَقَطَ حُكْمُهُ، لِقَلَّةِ النَّجَاسَةِ، وانَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ عَفْوٌ)

(6)

؛ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ وَافَقَنَا، أَنَّ الاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ سُنَّةٌ غَيْرُ وَاجِبٍ

(7)

، وَالْحِجَارَةُ

(8)

لَا تَسْتَأْصِلُ

(9)

النَّجَاسَةَ عَنْهُ، كَمَا

(10)

لَوْ أَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ؛ مِنْ بَدَنِهِ، فَمَسْحٌ بِالْحِجَارَةِ؛ لَمْ يُطَهِّرْ

(11)

، فَدَلَّ ضَرُورَةً أَنَّهُ عَفْوٌ لِقِلَّةِ الْمَكَانِ.

(1)

في (ب): (وقدرنا). المثبت بالمتن هو الصواب. ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 37).

(2)

أبو زيد الدبوسي: هو: عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي الحنفي، أبو زيد، كان أحد من يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، وهو أول من أبرز علم الخلاف إلى الوجود، له كتاب:"الأسرار"، و"تقويم الأدلة"، و"الأمد الأقصى"، توفي سنة (430 هـ). انظر:"تاج التراجم لابن قطلوبغا "(192)، و شذرات الذهب في أخبار من ذهب، للعكري (3/ 345).

(3)

أخرجه أبو داود في "سننه"(ص 28) كتاب "الطهارة"، باب "الاستتار في الخلاء"، حديث رقم (35)، وابن ماجة في سننه (ص 1157) كتاب "الطب"، باب "من اكتحل وترا" حديث رقم (3498).

قال أبو داود في "سننه"(ص 28): رواه أبو عاصم عن ثور قال حصين الحميري ورواه عبد الملك عن ثور قال أبو سعيد الخير هو من أصحاب النبي، وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (11/ 21): ليس بالقوي لأنَّ إسناده ليس بالقائم.

قلت: اللفظ السابق لفظ أبي داود وفي إسناده حصين الحميري ويقال: الحبراني، واصله في الصحيحين «من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر» أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 95) في كتاب "الوضوء" باب "الاستجمار وترا" حديث رقم (161)، ومسلم في "صحيحه (ص 123) في كتاب "الطهارة" باب " الإيتار في الاستنثار والاستجمار" حديث رقم (237).

(4)

في (ب): (هو).

(5)

في (ب): (واجب عليه).

(6)

ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 203).

(7)

ينظر: "الأم" للشافعي (1/ 22).

(8)

(والحجارة)، ساقطة من (ب).

(9)

في (ب): (يستأصل).

(10)

(كما)، ساقطة من (ب).

(11)

(لم يطهر) ساقطة من (ب).

ص: 36

[التَّوْفِيقُ بين الْأَقْوَالِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَقِيلَ فِي التَّوْفِيقِ)

(1)

.

وَالْقَائِلُ بِالتَّوْفِيقِ الْفَقِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ رحمه الله

(2)

وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى ذِكْرِ التَّوْفِيقِ، لِأَنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله ذَكَرَ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ؛ فِي "النَّوَادِرِ"

(3)

، وَاعْتَبَرَهُ هُنَاكَ مِنْ حَيْثُ الْعَرْضِ، فَقَالَ: الدِّرْهَمُ الْكَبِيرُ؛ مَا يَكُونُ مِثْلَ عَرْضِ الْكَفِّ، وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَاعْتَبَرَهُ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنِ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: نُوَفِّقُ بَيْنَ أَلْفَاظِ مُحَمَّدٍ رحمه الله[فَنَقُولُ]

(4)

: إِنَّ فِي الرَّقِيقَةِ؛ نَعْتَبِرُ الدِّرْهَمَ

(5)

مِنْ حَيْثُ الْعَرْضِ، وَفِي الْغَلِيظَةِ؛ يُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنِ، كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(6)

[وَجْهُ تَحْدِيدِ مِقْدَارِ لنَّجَاسَةِ بِالرُّبْعِ والشبر]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالرُّبْعُ مُلْحَقٌ بِالْكُلِّ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ)

كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ، وَكَمَا فِي الْمُحَرَّمِ، وَكَمَا فِي الْعَوْرَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتِمَّ مَعْنَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ بِهَذَا، وَيَأْتِيكَ بُعَيْدَ هَذَا مَكْشُوفًا بَيَانُهُ وَمَوْفُورًا نِصَابُهُ؛ فَأَرْعِ سَمْعَكَ وَصَلَتَ بُغْيَتَكَ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (كَالذَّيْلِ)

(7)

الْمُرَادُ بِالذَّيْلِ؛ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ شَمَّرَ الذَّيْلَ، كَذَا فِي "الفوائد الظهيرية"

(8)

(1)

قوله في التوفيق: أي بين الروايتين المذكورتين، أن الأولى في الرقيق، أي أن الرواية الأولى وهي اعتبار الدرهم من حيث المساحة في النجس الرطب والمائع، والثانية في الكثيف، أي: والرواية الثانية، وهي اعتبار الوزن في النجس في المسجد كالعذرة، ينظر " البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 727).

(2)

هو الفقيه أبو جعفر الهندواني. كما ذكره السمرقندي والكاساني. ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 64)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 80).

(3)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 64)، "بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 80)، "المحيط البرهاني لإبن مازة " (1/ 192).

(4)

مثبت من الهامش الجانبي للنسخة (أ).

(5)

في (ب): (يُعتبر)، وكلمة:(درهم)، ساقطة من (ب).

(6)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 192)

(7)

الذّيْل: ذيل الْقَمِيص، وَالْجمع أذيال وذُيول، ينظر"جمهرة اللغة للأزدي" (2/ 702) يقول صاحب الهداية:(وقيل ربع الموضع الذي أصابه كالذيل والدخريص). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 37).

(8)

قال بمثله البابرتي. ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 204).

ص: 37

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ

(1)

شِبْرٌ فِي شِبْرٍ): أَيْ: يَكُونُ شِبْرًا طُولًا، وَشِبْرًا عَرْضًا، فَكَأَنَّهُ قَدَّرَ ذَلِكَ بِبَاطِنِ الْخُفِّ، الْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ؛ مَا يَلِي الْأَرْضَ مِنْهُ، لِأَنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ؛ الَّتِي لَهَا جُرْمٌ سَاقِطُ الاعْتِبَارِ، فِي حَقِّ الْخِفَافِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ، عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وآبي يُوسُفَ -رحمهما الله-

(2)

.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله: وَبِالْمَسْحِ، إِنْ زَالَتِ الْعَيْنُ؛ لَا يَزُولُ الْأَثَرُ، وَالْأَثَرُ مَانِعٌ كَمَا فِي الثَّوْبِ

(3)

، وَلَمَّا سَقَطَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ، فِي حَقِّ الْخُفِّ، وَبَاطِنِ الْخُفَّيْنِ؛ يَبْلُغُ شِبْرًا فِي شِبْرٍ، قُدِّرَ الْكَثِيرُ

(4)

الْفَاحِشُ بِهِ.

كَمَا قَدَّرُوا الدِّرْهَمَ بِمَوْضِعِ الاسْتِنْجَاءِ؛ حَتَّى سَقَطَ اعْتِبَارُ مَا عَلَى السَّبِيلِ مِنَ النَّجَاسَةِ، لِأَنَّ الْأَثَرَ يَبْقَى بَعْدَ الاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، فَكَذَا هَذَا قَدْرُ الْكَثِيرِ الْفَاحِشِ/ بِبَاطِنِ الْخُفَّيْنِ، وَهُوَ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ، وَمُحَمَّدٌ

(5)

رحمه الله اعْتَبَرَ رُبْعَ الثَّوْبِ؛ نَظَراً إِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضاً، إِلَّا أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِ الْخُفَّيْنِ، وَظَاهِرِهِمَا، فَإِنَّ النَّجَاسَةَ تَتَلَطَّخُ يهما عَنْدَ امْتِلَاءِ الطَّرْفِ، بِالْأَرْوَاثِ، هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي " مَبْسُوطِهِ "

(6)

.

(1)

وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة أيضًا. ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 65)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 80)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة " (1/ 193).

(2)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 82).

(3)

أوضح ابن مازه هذا الكلام بقوله: (فإنه حكم بطهارته بالاستنجاء بالحجر، وإنه يزيل العين لا الأثر، والأثر مانع جواز الصلاة كالعين، فدل أن الشرع عفا عن النجاسة التي في موضع الحدث، وموضع الحدث يبلغ قدر الدرهم الكبير لكن استقبحوا ذكر موضع الحدث، فكنوا عنه بالدرهم، هكذا قاله إبراهيم النخعي رحمه الله. ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة " (1/ 193).

(4)

في (ب): (الكبير).

(5)

قال ابن مازة رحمه الله: (روى هشام عن محمد رحمه الله أنه قال: الكثير الفاحش مقدار باطن الخفين معًا، وان يستوعب القدمين). ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 193).

(6)

ينظر: "فوائد القُدُوري" ص: (15).

ص: 38

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِمَكَانِ الاخْتِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ، أَوْ لِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ)

(1)

.

الأصل الْأَوَّلُ

(2)

: وَهُوَ الاخْتِلَافُ فِي النَّجَاسَةِ

(3)

، أَصْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله

وَالْأَصْلُ الثَّانِي: وَهُوَ تَعَارُضُ النَّصَّيْنِ، أَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

وَإِنَّمَا أَخَّرَ أَصْلَ

(4)

أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ رِعَايَةً لِفَوَاصِلِ

(5)

الْأَلْفَاظِ، فَإِنَّهُمَا

(6)

مِمَّا يُرَاعَى، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَيْفَ أَخَّرَ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ، عَنْ خَلْقِ الْأَرْضِ، فِي سُورَةِ طه، فِي قَوْلِهِ:{تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى}

(7)

لِلْفَوَاصِلِ

(8)

وَفِي غَيْرِهَا، اسْتَمَرَّ ذِكْرُ خَلْقِ السَّمَوَاتِ، قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ، مِنْ قَوْلِهِ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}

(9)

وَقَوْلِهِ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}

(10)

وَقَوْلِهِ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}

(11)

وَغَيْرِهَا، التَّخْفِيفُ

(12)

فِي النَّجَاسَةِ؛ إِنَّمَا يَنْشَأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ

(13)

، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ إِنَّمَا يَنْشَأُ ذَلِكَ مِنْ سَوْغِ الاجْتِهَادِ

(14)

.

(1)

تعليل لقوله رحمه الله: (وإنما كان مخففا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-. ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (1/ 37).

(2)

في (ب): (أي الأصل الأول).

(3)

في (ب): (نجاسته).

(4)

(أصل): ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): (رعاية بفواصل).

(6)

في (ب): (فإنها).

(7)

سورة طه: آية (4).

(8)

في (ب): (لتفاصل).

(9)

سورة الأنعام: آية (1).

(10)

سورة الأعراف: من آية: (54).

(11)

سورة الطلاق: من آية (12).

(12)

في (ب): (إن التخفيف).

(13)

المقصود هنا بتعارض النصين في نجاسته وطهارته فإن قوله صلى الله عليه وسلم «استنزهوا من البول» يدل على نجاسته وخبر العرنيين يدل على طهارته فخف حكمه للتعارض. والواقع انه ليس بينهما تعارض بل لا يوجد تعارض بين النصوص الثابتة. ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 81)، و" تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 74).

(14)

لأنه طاهر عند مالك وابن أبي ليلى وما اختلف فيه خفَّ حكمه. ينظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 38).

ص: 39

[ثَمَرَةُ الخْلَافِ]

وَثَمَرَةُ هَذَا

(1)

الاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْأَرْوَاثِ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَمَّا سَاغَ الاجْتِهَادُ فِي الرَّوْثِ، أَوْجَبَ التَّخْفِيفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَالِكًا يَقُولُ: (بِأَنَّ الْبَعْرَ

(2)

، وَالرَّوْثَ، وَخَثْيَ الْبَقَرِ

(3)

طَاهِرٌ)

(4)

، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى

(5)

: (السِّرْقِينِ لَيْسَ بِشَيْءٍ)

(6)

، قَلِيلُهُ، وَكَثِيرُهُ، لَا يُمْنَعُ، وَاحْتَجَّا فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ وَقُودُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، فَإِنَّهُمْ يَجْمَعُونَهَا، وَيَطْبُخُونَ بِهَا الْقِدْرَ، وَالْخُبْزَ، وَلَوْ كَانَتْ نَجِسًا؛ لَمَا اسْتَعْمَلُوهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا الْعَذِرَةَ، وَكَذَا رُوِى أَنَّ الشُّبَّانِ مِنَ الصَّحَابَةِ؛ إِذَا نَزَلُوا مَوْضِعًا فِي الْغَزَوَاتِ، كَانُوا يَتَرَامُونَ بِالْجِلَّةِ

(7)

وَلَوْ كَانَتْ نَجِسًا؛ لَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ

(8)

، كَمَا لَمْ يَفْعَلُوا بِالْعَذِرَةِ

(9)

.

(1)

(هذا)، ساقطة من (ب).

(2)

البَعَر: هو الدِّمْن. ودَمِنتِ الماشيةُ المكانَ: بَعَرت فِيهِ وَبَالَتْ. ودَمَّن الشاءُ الْمَاءَ، هَذَا مِنَ البَعَر.

انظر: "لسان العرب لابن منظور"(13/ 157).

(3)

قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: الرَّوْثُ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَالْخُنْثَى بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ لِلْبَقَرِ وَالْفِيلِ، وَالْبَعْرُ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَالْخُرْءُ لِلطُّيُورِ، وَالنَّجْوُ لِلْكَلْبِ، وَالْعَذِرَةُ لِلْإِنْسَانِ. انظر:"رد المحتار" لابن عابدين (1/ 221).

(4)

ينظر: "المدونة الكبرى" لمالك بن أنس (3/ 199).

(5)

ابن ابي ليلي: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قاض فقيه، من أصحاب الرأي، ولي القضاء والحكم بالكوفة لبني أمية، ثم لبني العباس، واستمر في ذلك 33 سنة، له أخبار مع الإمام أبي حنيفة وغيره، توفي بالكوفة عام 148 هـ، انظر "الوافي بالوفيات للصفدي (3/ 221) "ميزان الإعتدال للذهبي" (3/ 87) "وفيات الأعيان لابن خلكان (1/ 452).

(6)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 50)

(7)

في هامش (أ) قال: [الجَلة بالفتح البعرة]. وأصل الجلة: البعر وكني بهَا عَن الْعذرَة يُقَال مِنْهُ: خرج الْإِمَاء يجتللن إِذا خرجن يلتقطن البعر. ينظر " غريب الحديث " للقاسم بن سلام (1/ 78).

(8)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 186).

(9)

(كما لم يفعلوا بالعذرة) ذكره صاحب العناية بالاثبات حيث قال: (وَلَوْ كَانَ نَجِسًا مَا اسْتَعْمَلُوهُ كَالْعَذِرَةِ). ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 205).

ص: 40

وَوَجْهُ قَوْلِ

(1)

أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ

(2)

أَيْضًا فِي تَخْفِيفِ نَجَاسَةِ الرَّوْثِ، أَنَّ فِي الْأَرْوَاثِ بَلْوًى، وَضَرُورَةٌ

(3)

خُصُوصًا لِسَايِسِ

(4)

الدَّوَابِّ، وَلِلْبَلْوَى تَأْثِيرٌ فِي تَخْفِيفِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي إِسْقَاطِ النَّجَاسَةِ، كَمَا فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ، إِلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الْأَرْوَاثِ، دُونَ الضَّرُورَةِ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ، فَأَوْجَبْنَا التَّخْفِيفَ دُونَ الْإِسْقَاطِ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ"

(5)

.

قُلْتُ: فَبِهَذَا يُعْلَمُ ضَعْفُ تَخْصِيصِ

(6)

قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا، وَضَعْفُ تَخْصِيصٍ

(7)

، فَكَانَ الاخْتِلَافُ فِي النَّجَاسَةِ، فِي إِثْبَاتِ التَّخْفِيفِ، لِمَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدًا كِلَيْهِمَا يَقُولَانِ بِهِ وَيَقُولَانِ أَيْضًا: يَكُونُ بِثُبُوتِ التَّخْفِيفِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى

(8)

، كَمَا يَقُولَانِ: بِسَوْغِ الاجْتِهَادِ، وَلِكِنَّهُ تَدَارَكَهُ آخِرًا.

بِقَوْلِهِ: (وَبِهَذَا يَثْبُتُ التَّخْفِيفُ عِنْدَهُمَا؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً) إِلَى آخِرِهِ

(9)

.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ

(10)

رحمه الله: الرَّوْثُ مَنْصُوصٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ

(11)

، فِي خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه

(12)

وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَلَبَ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَحْجَارَ الاسْتِنْجَاءِ

(13)

لَيْلَةَ الْجِنِّ

(14)

، فَأَتَاهُ بِحَجَرَيْنِ

(15)

وَرَوْثَةٍ فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، وَرَمَى بِالرَّوْثَةِ، وَقَالَ:«إِنَّهَا رِكْسٌ»

(16)

أَيْ نَجَسٌ. وَلَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرَ فَتَتَغَلَّظُ

(17)

نَجَاسَتُهُ

(18)

.

(1)

(قول)، ساقطة من (ب).

(2)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 61).

(3)

(وضرورة)، ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): (لاستناس).

(5)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 194)

(6)

(تخصيص)، ساقطة من (ب). والأصح هو حذفها ليستقيم المعنى.

(7)

في (ب): (تخصيصه).

(8)

في (ب): (يكون التخفيف بعموم البلوى).

(9)

من قوله: (تداركه). إلى آخره، ساقطة من (ب)

(10)

في (ب): (يقول).

(11)

اختلف أهل العلم في طهارة روث مأكول اللحم: فيرى الأحناف والشافعية وهو قول عند الحنابلة أن بول وروث مأكول اللحم أنه نجس مطلقًا وأما المالكية والحنابلة فيرون طهارته مطلقًا وهو الراجح.

(12)

ابن مسعود رضي الله عنه: هو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، من أكابرهم، فضلًا وعقلًا، وقربًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أهل مكة، ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة. وكان خادم رسول الله الأمين، وصاحب سره، ورفيقه في حله وترحاله وغزواته، قدم المدينة في خلافة عثمان، فتوفي فيها عن نحو ستين عاما، فمات بها سنة 32 هـ ودفن بالبقيع وهو ابن بضع وستين سنة.

انظر: " الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر "(4/ 199)، "صفة الصفوة لإبن الجوزي "(1/ 149).

(13)

في (ب): (أحجارًا للاستنجاء).

(14)

ليلة الجن: هي الليلة التي جاءت الجن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهبوا به إلى قومهم ليتعلموا منه الدين. انظر "شرح المشكاة "للطيبي (3/ 831).

(15)

في (ب): (بالحجرين).

(16)

أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 94) كتاب "الوضوء"، باب "لا يستتجي بروث" حديث رقم (155)

(17)

في (ب): (فيتلفظ).

(18)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 65). ووجه الاستدلال فيه نظر: فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى أن نستنجي بالروث لأنه علف دواب إخواننا من الجن، ولكي لا ننجسه عليهم، ثم لو كان نجسًا لم يصلح أن يكون علفًا لقوم مؤمنين.

ص: 41

وَالْبَلْوَى لَا تُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَلْوَى فِي بَوْلِ الْحِمَارِ؛ أَكْثَرُ لِأَنَّهُ يَتَرَشَّشُ؛ فَتُصِيبُ

(1)

الثِّيَابَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُعْفَى عَنْهُ أَكْثَرُ

(2)

مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْبَلْوَى لِلْآدَمِيِّ، فِي بَوْلِهِ أَكْثَرُ

(3)

، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُعْفَى عَنْهُ أَكْثَرُ

(4)

مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ

(5)

، وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ؛ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا غَلِيظَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا

(6)

لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، كَانَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ بِنَاءً عَلَى الرَّأْيِ، وَالرَّأْيُ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ.

فَإِنْ قِيلَ

(7)

: إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: بِخِفَّةِ نَجَاسَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِلضَّرُورَةِ، وَالْبَلْوَى

(8)

مَعَ وُرُودِ النَّصِّ بِنَجَاسَتِهِ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَنْزِهوا الْبَوْلَ»

(9)

.

قُلْنَا: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ

(10)

بِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ

(11)

لَا بِاعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ، وَالْبَلْوَى حَتَّى قَالَ

(12)

فِي الْكِتَابِ، وأما عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّخْفِيفُ؛ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ

(13)

ثُمَّ أَنَّهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ بَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَبَيْنَ رَوْثِهِ؛ فَأَثْبَتَا

(14)

الْخِفَّةَ فِي الرَّوْثِ، وَلَمْ يُثْبِتَاهَا فِي حَقِّ الْبَوْلِ

(15)

، لِأَنَّ الضَّرُورَةَ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي الرَّوْثِ

(16)

، وَذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّوَابِّ مَتَى سَيَّرَهَا

(17)

رُبَّمَا يَغْفَلُ عَنْهَا، فَيُصِيبُهُ رَوْثُهَا مِنْ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعَهَا، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الْبَوْلِ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهَا

(18)

.

(1)

في (ب): (فيصيب).

(2)

في (ب): (أكبر).

(3)

في (ب): (أكبر منه).

(4)

في (ب): (أكبر). لم يذكر (أكثر) فقد قال: (ومع ذلك لا يعفى عنه من قدر الدرهم) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 61).

(5)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 61).

(6)

(لما)، ساقطة من (ب).

(7)

في (ب): (فإن قلت).

(8)

ينظر: " الآثار" لأبي يوسف (1/ 10)، و"المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 38)، و"المبسوط" للسرخسي (1/ 61)، "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 75).

(9)

أخرجه الدارقطني في "سننه"(1/ 232) كتاب "الطهارة"، باب " نجاسة البول والأمر بالتنزه منه والحكم في بول ما يؤكل لحمه" حديث رقم (464)، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» قال الدارقطني في "سننه"(1/ 232): الصواب مرسل، وقال ابن الملقن في "البدر المنير" (2/ 323): صحيح. وفي (ب): (استنزهوا من البول).

(10)

في (ب): (أبو حنيفة ذلك).

(11)

يشير إلي حديث أَنَسِ بن مَالِكٍ، «أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فاجتووها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا، فصحوا ثم مالوا على الرعاة، فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا» أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 691) في كتاب "القسامة والمحاربين"، باب "حكم المحاربين والمرتدين" حديث رقم (1671). فاجتووها: أي أصابهم الجوى: وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول، وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها واستوخموها انظر:"النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير": (1/ 318)، مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار؛ لابن طاهر الصديقي:(1/ 417)

سمل أعينهم: أي فقأها بحديده محماة أو غيرها، أو قلعها، وفعل ذلك بهم لأنهم فعلوا بالرعاة مثله، وقيل هو قبل نزول الحدود فلما نزلت نهى عن المُثلة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير:(2/ 403)، مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار؛ لابن طاهر الصديقي:(3/ 122)، المغرب في ترتيب المعرب؛ للمطريزي:(1/ 416)

(12)

أي: صاحب الهداية.

(13)

ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" 1/ 38).

(14)

في (ب): (فاثبتنا).

(15)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 81).

(16)

(في الروث)، ساقطة من (ب).

(17)

في (ب): (حين سيره).

(18)

في (ب): (تنشفه).

ص: 42

[وَلِأَنَّ]

(1)

اخْتِلَاطَ النَّاسِ فِي الْأَرْوَاثِ

(2)

أَكْثَرُ، لِأَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَهَا وَقُودًا وَيُعَالِجُوهَا فِي [إصلاح]

(3)

الْأَرْضِ، عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ

(4)

رحمه الله أَنَّهُ كَانَ [يُعِر]

(5)

أَرْضَهُ، وَيَقُولُ: مكيل عرّ مكيل بر، وَلَا كَذَلِكَ الْأَبْوَالُ، كَذَا فِي "الظَّهِيرِيَّةِ "

(6)

.

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (قِيلَ لِمُحَمَّدٍ: لِمَ قُلْتَ بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَلَمْ تَقُلْ بِطَهَارَةِ رَوْثِهِ؟ قَالَ: لَمَّا قُلْتُ بِطَهَارَةِ بَوْلِهِ أَبَحْتُ

(7)

شُرْبَهُ، وَلَوْ قُلْتُ بِطَهَارَةِ رَوْثِهِ

(8)

/ لَأَبَحْتُ

(9)

أَكْلَهُ، واحَدٌ لَا يَقُولُ بِهَذَا)

(10)

.

(1)

في (أ): (لأنَّ)، والصحيح ما أثبت.

(2)

في (ب): (بالأرواث).

(3)

كذا في (ب) وفي (أ): (اصطلاح).

(4)

ابن المسيب: هو: سعيد بن المسيب المخزومي القرشي، تابعي من كبار التابعين وعالم أهل المدينة في زمانه، كنيته أبو محمد، ولد لسنتين من خلافة عمر بن الخطاب، يعتبر سيد فقهاء المدينة والتابعين ولد عام 14 هـ وتوفي عام 94 هـ. انظر:" طبقات ابن سعد"(5/ 119)، "وفيات الأعيان لابن خلكان"(2/ 375)، "سير أعلام النبلاء للذهبي"(4/ 217).

(5)

في (ب): (يفير). لم يتضح المعنى.

(6)

ولانعدام وضوح العبارة الأخيرة، فيحتمل أن يكون الذي ذُكر في الفتاوى الظهيرية باعتبار دخوله في الفرع المذكور أحد النصين الآتيين: الأول: (وَبَوْلُ الْخَفَافِيشِ لَيْسَ بِنَجَسٍ لِلضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ بَوْلُ الْفَأْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ)"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 242)، والثاني:(إذَا أَصَابَ بَوْلُ الشَّاةِ وَبَوْلُ الْآدَمِيِّ تُجْعَلُ الْخَفِيفَةُ تَبَعًا لِلْغَلِيظَةِ)"الفتاوى الهندية، للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند"(1/ 48).

(7)

في (ب): (يجب). المثبت بالمتن موافق لما ذكره بن نجيم في"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 141)، وفي المبسوط (أجزت). ينظر:"المبسوط" للسرخسي (1/ 61).

(8)

(روثه)، ساقطة من (ب).

(9)

في (ب): (أيجب). المثبت بالمتن موافق لما ذكره بن نجيم في"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 141)، وفي المبسوط (لأجزت). ينظر:"المبسوط" للسرخسي (1/ 61).

(10)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 61).

ص: 43

[أَثَرُ الضَّرُورَةِ فِي تَخْفِيفِ النَّجَاسَةِ]

قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَثَّرْتْ فِي التَّخْفِيفِ مَرَّةً حَتَّى يَطْهُرَ بِالْمَسْحِ فَيَكْفِي مُؤْنَتُهَا)

(1)

.

يَعْنِي أَثَّرَتِ الضَّرُورَةُ فِي تَخْفِيفِ الْأَرْوَاثِ، مَرَّةً حَتَّى طَهُرَ الْخُفُّ عَنْهَا، بِمُجَرَّدِ الْمَسْحِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ كَمَا

(2)

يُؤْمَرُ بِالْغَسْلِ فِي الْبَوْلِ، فَكَفِيَتْ مُؤْنَةُ الضَّرُورَةِ

(3)

بِذَلِكَ التَّخْفِيفِ، فَلَا يُخَفَّفُ فِي نَجَاسَتِهَا، ثَانِيًا إِلْحَاقًا لِلْرَوْثَةِ بِالْعَذِرَةِ، [فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي الْعَذِرَةِ]

(4)

كَذَلِكَ بِالاتِّفَاقِ.

فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا التَّعْلِيلُ الَّذِي ذُكِرَ هُنَا، مُخَالِفٌ لِلتَّعْلِيلِ

(5)

الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ

(6)

.

وَهُوَ قَوْلُهُ رحمه الله: (وَلِأَنَّ السَّفَرَ أَثَّرَ فِي إِسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ، فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى)

(7)

حَيْثُ

(8)

اسْتَدَلَّ بِوُجُودِ التَّخْفِيفِ مَرَّةً عَلَى تَخْفِيفِهِ ثَانِيًا هُنَاكَ، وابَاهُ هُنَا، فَمَا وَجْهُهُ؟.

قُلْتُ: لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَزِّهِ وَمقطعه، وَذَلِكَ لِأَنَّ سُقُوطَ شَطْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، مِنْ قَبِيلِ رُخْصَةِ الْإِسْقَاطِ، وَالْحُكْمُ فِي رُخْصَةِ الْإِسْقَاطِ؛ وَهُوَ أَنْ لَا تَبْقَى

(9)

الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةٌ أَصْلًا، كَسُقُوطِ الْعَيْنِيَّةِ فِي السَّلَمِ، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ السَّاقِطُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَصْلًا؛ حَتَّى لَوْ أَتَى بِالْأَرْبَعِ كَانَ الْفَرْضُ

(10)

هُوَ الرَّكْعَتَيْنِ لَا الْأَرْبَع، فَكَانَ التَّخْفِيفُ فِي الْقِرَاءَةِ، حِيْنَئِذٍ كَانَ ابْتِدَاءً لَا ثَانِياً، أَلَا تَرَى؛ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله كَيْفَ رَاعَى لَفْظَ الْإِسْقَاطِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَلَفْظَ التَّخْفِيفِ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ، إِشَارَةً إِلَى مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ التَّخْفِيفَ يَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّةِ التَّثْقِيلِ، فَالْحُكْمُ

(11)

فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، كَذَلِكَ وَالْإِسْقَاطُ؛ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ شَرْعِيَّةِ السَّاقِطِ، بِتِلْكَ الْجِهَةِ، وَالْحُكْمُ فِي شَطْرِ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ، وأما ها هُنَا، فَعَمِلَ بِالضَّرُورَةِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ

(12)

، فَكَفِيَتْ مُؤْنَةُ

(13)

الضَّرُورَةِ مَرَّةً؛ فَلَوْ قُلْنَا بِالتَّخْفِيفِ مَرَّةً أُخْرَى كَانَتْ تَعَدِّيًا عَنْ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، وَرَفْعًا لِلابْتِلَاءِ؛ وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ التَّكَالِيفِ، لِأَنَّ فِي التَّكْلِيفِ مَشَقَّةً لَا مَحَالَةَ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ بِتَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ هُنَاكَ عَمَلٌ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي الأصل كَانَ إِظْهَارُ تَأْثِيرِهِ فِي الْوَصْفِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْوَصْفَ تَابِعُ الأصل

(14)

فَيَثْبُتُ فِيهِ مَا يَثْبُتُ فِي الأصل لَا مَحَالَةَ، فَكَانَ ذَلِكَ نَظِيرُ مَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي تَرَخُّصِ الْمُسَافِرِ بِصَوْمِ الْقَضَاءِ، وَالْكَفَّارَةِ

(15)

؛ وَلِأَنَّ

(16)

ذَلِكَ عَمِلَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، عَلَى مَا عَرَفَ، وأما ها هُنَا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَعْمَلَ بِالضَّرُورَةِ، فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَكَيْفَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، بَعَدَ عَمَلِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَا [يَتَقَاسَانِ]

(17)

.

(1)

قال صاحب الهداية: (قلنا الضرورة في النعال قد أثرت في التخفيف مرَّة حتى تطهر بالمسح فتكفي مؤنتها). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 37).

(2)

في (ب): (لم).

(3)

في (ب): (للضرورة).

(4)

زيادة من (ب). وفي هامش (أ): (فإن الحكم بالعذرة). بنظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 732).

(5)

في (ب): (بالتعليل).

(6)

وفي (ب): زيادة (في السفر في فعل القراءة). الصحيح ما في النسخة (ب)، ينظر:"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 55).

(7)

ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 55).

(8)

في (ب): (حين).

(9)

في (ب): (يبقى).

(10)

الفرض: ما ثبت بدليل لا شبهة فيه-مقطوع به-واستحق العقاب على تركه، من غير عذر، والتفريق بين الفرض والواجب هو مذهب الأحناف، ورواية عن أحمد. انظر:"كشف الأسرار للبخاري: (2/ 300 - 303)، "المغني" للخبازي: (83 - 86).

(11)

في (ب): (والحكم).

(12)

هذه القاعدة قيد لقاعدة: " الضرورات تبيح المحظورات " للتنبيه على أن ما تدعو إليه الضرورة من المحظور إنما يرخص منه، القدر الذي تندفع به الضرورة فحسب، فإذا اضطر الإنسان لمحظور فليس له أن يتوسع في المحظور، بل يقتصر منه على قدر ما تندفع به الضرورة فقط، فالاضطرار إنما يبيح المحظورات بمقدار ما يدفع الخطر. ولا يجوز الاسترسال، ومتى زال الخطر عاد الحظر. انظر:"القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة" للزحيلي: (1/ 281).

(13)

في (ب): (مؤنته).

(14)

في (ب): (للأصل).

(15)

ينظر: " الحجة على أهل المدينة للشيباني"(1/ 378)، الآثار لمحمد بن حسن الشيباني (1/ 289)، و"المبسوط" للسرخسي (3/ 61)، "بدائع الصنائع للكاساني"(2/ 94).

(16)

في (ب): (لأنَّ).

(17)

في (ب): (يتفاوتان).

ص: 44

[رَوْثُ وَبَوْلُ غَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَزُفَرُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا)

(1)

فَإِنَّ زُفَرَ رحمه الله قَاسَ الْخَارِجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ بِالْخَارِجِ مِنَ السَّبِيلِ الْآخَرِ

(2)

، وَالْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْبَوْلُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كَوْنِهِ مَأْكُولَ اللَّحْمِ، وَغَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ، فَكَذَا الْخَارِجُ مِنْ هَذَا السَّبِيلِ [كَذَا]

(3)

فِي "الفوائد الظهيرية "

(4)

.

[حكم لحم الفرس وبوله وروثه]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وأما عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله التَّخْفِيفُ لِتَعَارُضِ الْآثَارِ)

فَإِنْ قِيلَ: تَعَارُضُ الْآثَارِ؛ إِنَّمَا كَانَ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ وَهُوَ حَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ، مَعَ

قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ» حَتَّى لَمْ يَثْبُتِ التَّخْفِيفُ فِي بَوْلِ الْحِمَارِ، لِانْعِدَامِ التَّعَارُضِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَوْلٌ غَيْرَ مَأْكُولِ

(5)

اللَّحْمِ. ثُمَّ

(6)

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا يُؤْكَلُ لَحْمُ الفرس

(7)

، لِمَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكَرَاهَةِ

(8)

كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ تَعَارُضُ الْآثَارِ فِيهِ؟.

(1)

يقول صاحب الهداية: (ولا فرق بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم. وزفر رحمه الله فرق بينما فوافق أبا حنيفة رحمه الله في غير مأكول اللحم ووافقهما في المأكول). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 38).

(2)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 58).

(3)

كذا في (ب) وفي (أ): (كمذي). وما أثبت أصح.

(4)

جاء في العناية بدون أن ينسب إلي الفوائد الظهيرية. ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 206).

(5)

في (ب): (يؤكل).

(6)

في (ب): (و). مسألة: بول وروث غير مأكول اللحم، اختلف العلماء في حكم طهارتها، فمذهب الأئمة الأربعة أنها نجسة وذهب داوود الظاهري والشعبي والبخاري إلى القول بطهارتها والراجح والله اعلم هو مذهب القائلين بنجاستها.

انظر: في المذهب الحنفي "فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي"": (1/ 202) و "البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري ومعه تكملته للقادري": (1/ 241)، وفي المذهب المالكي: "القوانين الفقهية للكلبي": (ص 27) و"شرح مختصر خليل للجندي": (1/ 94) وفي المذهب الشافعي: "الحاوي الكبير، للماوردي ":(2/ 249) و"المجموع شرح المهذب للنووي": (2/ 548) وفي المذهب الحنبلي: "المغني لابن قدامة ": (2/ 64) و"الإنصاف؛ للمرداوي ": (1/ 340).

(7)

ينظر: الآثار لمحمد بن حسن الشيباني (2/ 690)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(4/ 352)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(7/ 598)، و" اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" للخزرجي (2/ 622).

مسألة: (أما لحم الخيل فهو مباح عند أكثر علماء المسلمين، وهو مذهب الشافعي واحمد بن حنبل وطائفة من أصحاب أبي حنيفة -كأبي يوسف ومحمد صاحبَيْ أبي حنيفة-، وهو مذهب الثوري وابن المبارك وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وابن المنذر، وهو قول ابن عمر وابن الزبير وغيرهما من العبادلة). انظر "جامع المسائل لابن تيمية (4/ 343).

(8)

الْكَرَاهَةِ: بفتح الكاف مصدر كره، البغض وعدم الرضا. وشرعا ما كان تركه أولى من فعله، انظر " معجم لغة =الفقهاء، لمحمد رواس قلعجي"(ص: 379).

ص: 45

قُلْنَا: نَعَمْ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ حُرْمَةَ الفرس

(1)

عِنْدَهُ مَا كَانَتْ لِنَجَاسَتِهِ، بَلْ كَانَتْ إِبْقَاءً لِلظَّهْرِ، تَحَامِيًا عَنْ تَقْلِيلِ مَادَّةِ الْجِهَادِ، فَكَانَ الفرس؛ طَاهِرَ اللَّحْمِ عِنْدَهُ؛ حَتَّى أَنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ بِالاتِّفَاقِ

(2)

، فَيَتَحَقَّقُ تَعَارُضُ الْآثَارِ فِي بَوْلِهِ كَذَا فِي " الفوائد الظهيرية "

(3)

.

فَإِنْ قُلْتَ: التَّعَارُضُ؛ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا جُهِلَ التَّارِيخُ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ فِي حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ دَلَالَةَ التَّقَدُّمِ لِأَنَّ فِيهِ الْمُثْلَةَ، وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ، فَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الْبَاقِي، قُلْتُ: الدَّلَالَةُ دُونَ الْعِبَارَةِ، وَفِي عِبَارَتِهِ تَعَارُضٌ، فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْعِبَارَةِ، فَيَتَحَقَّقُ التَّعَارُضُ، أَوْ نَقُولُ انْتِسَاخُ الْمُثْلَةَ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِسَاخِ طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِسَاخِ أَحَدِهِمَا

(4)

انْتِسَاخُ الْآخَرِ، كَمَا فِي صَوْمِ عَاشُورَاء

(5)

، وَتَكْرَارِ صَلَاةِ الْجَنَازَةِ، عَلَى حَمْزَةَ

(6)

(7)

،

(1)

في (ب): (حرمة لحم الفرس).

(2)

قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن سؤر ما أكل لحمه طاهر، ويجوز شربه والوضوء به). الإجماع لابن المنذر (ص: 35).

(3)

وجدتُ نفس الكلام في"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 130)، و" تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 31)، و" الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 39)، و" درر الحكام شرح غرر الأحكام " لملا خسرو (1/ 280)، و"البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 734)، و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 134)، "رد المحتار" لابن عابدين" (1/ 222).

(4)

(انتساخ أحدهما)، ساقطة من (ب).

(5)

يشير إلي حديث معاوية بن ابي سفيان أنه سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وأنا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ، فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ، فَلْيُفْطِرْ» أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 523) في كتاب "الصوم"، باب "صوم يوم عاشوراء" حديث رقم (1951)، ومسلم في "صحيحه"(ص 438) في كتاب "الصيام"، باب "صوم يوم عاشوراء" حديث رقم (1129).

(6)

حمزة: هو حَمْزَة بن عَبْد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، أَبُو يعلى، وقيل: أَبُو عمارة، وهو عم رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة مولاة أبى لهب، وكان حمزة، رضي الله عنه وأرضاه، أسن من رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بسنتين، وهو سيد الشهداء، وآخى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة، أسلم في السنة الثانية من المبعث، وكان مقتل حمزة للنصف من شوال من سنة ثلاث، وكان عمره سبعًا وخمسين سنة. انظر:"أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير"(1/ 528)، "سير أعلام النبلاء للذهبي "(1/ 173).

(7)

ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(5/ 505). وهو يشير إلي حديث الشعبي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e «صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً» أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 12) في كتاب "الجنائز"، باب " من زعم أن النبي e صلى على شهداء أحد"، وعبد الرزاق في "مصنفه"(5/ 277) في كتاب "الجهاد"، باب "الصلاة على الشهيد وغسله" حديث رقم (9599).

قال البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 12): منقطع. كما أورد الزيلعي طرق هذا الحديث ثم ضعفها.

=ينظر: "نصب الراية للزيلعي"(2/ 209: 213).

قلت: يشير البيهقي إلي قول الشافعي: وقال بعض الناس يصلى عليهم ولا يغسلون واحتج بأن الشعبي روى أن حمزة صلي عليه سبعون صلاة فكان يؤتى بتسعة من القتلى حمزة عاشرهم، فيصلي عليهم ثم يرفعون وحمزة مكانه، ثم يؤتى بآخرين فيصلي عليهم وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة وإن كان عنى: كبر سبعين تكبيرة فنحن وهم نزعم أن التكبير على الجنائز أربع، فهي إذا كانت تسع صلوات: ست وثلاثون تكبيرة فمن أين جاءت أربع وثلاثون تكبيرة؟! هذا أولا. انظر: "الأم للشافعي"(2/ 597، 596).

ثانيا: ولعل الوهم من عطاء فقد اتقاه البعض لأجل اختلاطه آخر عمره: إما لأنه كان يتلقن، قال العجلي: كان شيخًا ثقة قديمًا، كان يتلقن، ومن سمع منه قديمًا فهو صحيح الحديث، منهم سفيان الثوري فأما من سمع منه بآخرة فهو مضطرب الحديث، منهم هشيم وخالد بن عبد الله الواسطي، إلا أن عطاء بآخر حياته كان يتلقن إذا لقنوه في الحديث؛ لأنه غير صالح الكتاب. أو لاضطراب حفظه. تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني (3/ 105).

ص: 46

عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ

(1)

، يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ.

[خرْؤُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَقَدْ قِيلَ فِي الْمِقْدَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ)

(2)

.

وَكَذَا ذَكَرَ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" لِقَاضِي خَانَ رحمه الله فَقَالَ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ نَجِسٌ)

(3)

، وَلَكِنْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله اخْتَارَ خِلَافَ هَذَا، ذَكَرَهُ فِي " الْمَبْسُوطِ " فَقَالَ:

(وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا)

(4)

.

وَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي " مَبْسُوطِهِ "

(5)

فَقَالَ

(6)

: (وأما خرْؤُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ الطُّيُورِ، كَالبَازِيِّ، وَالصَّقْرِ؛ فَطَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

(7)

، وأبي يُوسُفَ -رحمهما الله-/ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ

(8)

[أَنَّهُ]

(9)

نَجِسٌ)

(10)

، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُ هَذَا وأجناسه

(11)

فِي مَسَائِلِ الْبِئْرِ

(12)

.

[حكم طهارة دَمُ السَّمَكِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وأما دَمُ السَّمَكِ؛

(13)

فَلَيْسَ بِدَمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ)

(14)

(15)

(1)

قال الامام الشافعي رحمه الله: (وأحب أن تكون الصلاة على الميت صلاة واحدة هكذا رأيت صلاة الناس لا يجلس بعد الفراغ منها لصلاة من فاتته الصلاة عليه ولو جاء ولي له ولا يخاف على الميت التغير فصلى عليه رجوت أن لا يكون بذلك بأس). ينظر: "الأم للشافعي"(1/ 275).

(2)

يقول صاحب الهداية: (وإن أصابه خرء مالا يؤكل لحمه من الطيور أكثر من قدر الدرهم جازت الصلاة فيه عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-، وقال محمد رحمه الله لا تجوز، فقد قيل إن الاختلاف في النجاسة، وقد قيل في المقدار وهو الأصح). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 38).

(3)

ينظر: "شرح الجامع الصغير" لقاضي خان،:(ص 144).

(4)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 57).

(5)

ينظر: "فوائد القُدُوري" ص: (15).

(6)

أي الإمام السرخسي.

(7)

ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 81).

(8)

ينظر: المصدر السابق.

(9)

زيادة في (ب).

(10)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 57).

(11)

في (ب): (وقد ذكر هذا والنجاسة).

(12)

ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 24).

(13)

في المطبوع (فلأنه). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 24).

(14)

ما بين القوسين من كلام صاحب الهداية حيث قال: (وإن أصابه من دم السمك أو من لعاب البغل أو الحمار أكثر من قدر الدرهم أجزأت الصلاة فيه أما دم السمك فلأنه ليس بدم على التحقيق فلا يكون نجسا، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه اعتبر فيه الكثير الفاحش فاعتبره نجسا). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 38).

(15)

مسألة: طهارة دم السمك، الراجح أنه طاهر وهو مذهب الأحناف خلافًا لأبي يوسف فإنه اختار أنه نجس وهو قول في مذهب المالكية والشافعية واختاره ابن حزم وهو قول ضعيف. والراجح أنه طاهر كما ذهب إليه الحنابلة وهو قول عند المالكية ووجه عند الشافعية انظر:" بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 61).

ص: 47

أَلَا تَرَى أَنَّهُ

(1)

يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ، وَمَا يَسِيلُ مِنْهُ؛ عَنْدَ الشَّقِّ فَذَاكَ لَيْسَ بِدَمٍ؛ إِنَّمَا ذَاكَ مَاءٌ آجِنٌ مُتَغَيِّرٌ

(2)

، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا شُمِّسَ يَبْيَضُّ

(3)

، وَسَائِرُ الدِّمَاءِ يَسْوَدُّ بِالشَّمْسِ، إِلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّ دَمَهُ نَجِسٌ عِنْدَهُ

(4)

؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا فِي "الْمَبْسُوطِ "

(5)

.

[حُكْمُ اليَّسِيرِ مِنَ النَّجَاسَةِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (إِنِ

(6)

انْتَضَحَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ، مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ؛ فَذَاكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ)

أَيْ لَيْسَ بِشَيْءٍ مُعْتَبَرٍ فِي النَّجَاسَةِ؛ حَتَّى يَجِبَ غَسْلُهُ، يَعْنِي لَا يَجِبُ غَسْلُهُ

(7)

، فَيَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ، وَإِنَّمَا فُسِّرَ بِهَذَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ، فَكَانَ شَيْئًا حَقِيقَةً، وَلَكِنَّ تَأْوِيلُهُ مَا قُلْنَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الامْتِنَاعُ عَنْهُ، خُصُوصًا فِي مَهَبِّ الرِّيحِ، وَقَدْ سُئِلَ

ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ ذَلِكَ

(8)

فَقَالَ: (إِنَّا لَنَرْجُو مِنْ عَفْوِ اللَّهِ أَوْسَعَ مِنْ هَذَا)

(9)

.

[مَا يَشُقُّ إِزَالَتُهُ من النَّجاسَةِ]

وَلِأَنَّ الذُّبَّانَ يَقَعُ

(10)

عَلَى النَّجَاسَةِ، ثُمَّ يَقَعْنَ عَلَى ثِيَابِ الْمُصَلِّي، وَلَا بُدَّ مِنْ

(11)

أَنْ يَكُونَ عَلَى أَرْجُلِهِنَّ، وأجنحتهن شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَةِ، واحَدٌ لَا يَسْتَطِيعُ الامْتِنَاعَ عَنْهُ

(12)

، وَلَا يُسْتَحْسَنُ لِأَحَدٍ اسْتِعْدَادُ ثَوْبٍ لِدُخُولِ الْخَلَاءِ، وَرُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ زَيْنَ الْعَابِدِينَ

(13)

رحمه الله تَكَلَّفَ لِذَلِكَ، يَعْنِي اسْتَعَدَّ لِبَيْتِ الْخَلَاءِ ثَوْبًا ثُمَّ تَرَكَ وَقَالَ: لَمْ يَتَكَلَّفْ لِهَذَا

(14)

مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ رضي الله عنهم

(15)

.

(1)

في (ب): (يرى أنه).

(2)

في (ب): (إنما كان نظري معتبرة).

(3)

في (ب): (ابيض).

(4)

(عنده)، ساقطة من (ب)

(5)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 57).

(6)

(إن): جاءت في الهداية (فإن). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 24).

(7)

أما ابو يوسف فيوجب غسله إن رئي أثره، حيث يقول:(إذ انتضح من البول بشيء يرى أثره لا بد من غسله، ولو لم يغسل، وصلى كذلك، فكان إذا جمع كان أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة). ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 192).

(8)

(ذلك): ساقطة من (ب).

(9)

ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 208 - 209) و"حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح"(ص: 157).

(10)

في (ب): (يقعن).

(11)

(من)، ساقطة من (ب)

(12)

ينظر: "المبسوط"للسرخسي (1/ 60)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 80)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 192).

(13)

محمد بن علي زين العابدين: هو الإمام، أبو جعفر؛ محمد بن علي بن الحسين بن علي العلوي، الفاطمي، المدني، ولد زين العابدين. ولد: سنة ست وخمسين، في حياة عائشة وأبي هريرة، قال عنه الذهبي: كان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد، والشرف، والثقة، والرزانة، وهو أحد الأئمة الإثني عشر الذين تبجلهم الشيعة الإمامية تُوُفِّي أَبُو جَعْفَر سنة 114 هـ. انظر " الطبقات الكبرى لإبن سعد "

(5/ 246)، "تاريخ الإسلام للذهبي "(3/ 308)، "سير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 401).

(14)

في (ب): (بهذا).

(15)

ينظر: "حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح"(1/ 54).

ص: 48

وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ

(1)

رحمه الله أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ

(2)

عَنْ دَمِ الْبَقِّ؛ فَقَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟.

قَالَ: مِنَ الشام، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: انْظُرُوا إِلَى قِلَّةِ حَيَاءِ هَذَا الرَّجُلِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ قَوْمٍ أَرَاقُوا دَمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جَاءَنِي يَسْأَلُنِي

(3)

عَنْ دَمِ الْبَقِّ

(4)

.

فَعَدَّ الْحَسَنُ هَذَا مِنْ سُؤَالِ التَّعَمُّقِ، وَكَرِهَ لَهُ التَّكَلُّفَ، لِمَا فِيهِ مِنْ حَرَجِ النَّاسِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمِحَةِ السَّهْلَةِ، وَلَمْ أُبْعَثْ بِالرَّهْبَانِيَّةِ الصَّعْبَةِ»

(5)

.

وَعَنِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرَ الْهِنْدُوَانِيِّ

(6)

رحمه الله قَالَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ

(7)

رحمه الله فِي "الْكِتَابِ": مِثْلُ رُءُوسِ الْإِبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَانِبَ الْآخَرَ مِنَ الْإِبَرِ مُعْتَبَرٌ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْمَشَايِخِ، قَالُوا: بَلْ لَا يُعْتَبَرُ الْجَانِبَانِ جَمِيعًا لِدَفْعِ الْحَرَجِ

(8)

.

(1)

الحسن البصري: أبو سعيد الحسن بن يسار البصري الأنصاري، مولى زيد بن ثابت، سيد التابعين بالبصرة وحبر الأمة في زمانه، محدث من مشاهير الثقات وكبار الزهاد، ولد بالمدينة وسكن البصرة، توفي سنة (110 هـ). انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان (2/ 69)، سير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 564)، الوافي بالوفيات للصفدي (12/ 190)

(2)

في (ب): (ساءله).

(3)

في (ب): (فسألني).

(4)

ينظر: "البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 241). والبق: البعوضة والجمع (البق) والْوَاحِدَةُ بَقَّةٌ. انظر: "مقاييس اللغة لابن فارس"(1/ 186) مختار الصحاح، للرازي (ص: 38).

(5)

أخرجه الروياني في "مسنده"(2/ 317) حديث رقم (1279)، وأخرجه الطبراني في"المعجم لكبير"(8/ 170)، حديث (7715). وقال الهيثمي في"مجمع الزوائد" (4/ 555):(وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف).

(6)

ينظر " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي"(1/ 209)

(7)

روي عن محمد رحمه الله أنه قال: إن كان مثل رؤوس الإبر وأطراف الإبر فهو قليل، وإن زاد على ذلك فهو كثير. ينظر:"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 112).

(8)

ينظر: "رد المحتار " لابن عابدين" (1/ 323).

ص: 49

وَفِي "نَوَادِرِ الْمَعْلَى" عَنْ أَبِي يُوسُفَ -رحمهما الله-: (إِذَا انْتَضَحَ مِنَ الْبَوْلِ شَيْءٌ يُرَى أَثَرُهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ حَتَّى صَلَّى؛ وَهُوَ بِحَالٍ لَوْ جُمِعَ كَانَ أَكْثَرَ

(1)

مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَعَادَ الصَّلَاةَ)

(2)

، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَقَّالِيُّ

(3)

كَذَا فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ"

(4)

لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ رحمه الله.

[زوالُ عينِ النَّجاسةِ شرطٌ للطهارةِ إلا ما كانَ في إزالتهِ مشقة]

قَوْلُهُ: (وَطَهَارَتُهُ

(5)

زَوَالُ عَيْنِهِ)

(6)

إِلَى قَوْلِهِ: (إِلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهِ مَا يَشُقُّ إِزَالَتُهُ)

(7)

.

أَيْ: فَحِينَئِذٍ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَإِنْ بَقِيَ الْأَثَرُ، ثَمَّ الَّذِي وَقَعَ عَنْهُ

(8)

الاسْتِثْنَاءُ غَيْرُ مَذْكُورٍ لَفْظًا؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَثَرِ مِنَ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، فَكَانَ تَقْدِيرُهُ وَطَهَارَتُهُ

(9)

زَوَالَ عَيْنِهِ، وأثَرَه، إِلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْإِدْرَاجِ؛ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْزَاذَه

(10)

رحمه الله فِي بَابِ الْبِئْرِ مِنَ " الْمَبْسُوطِ" فَقَالَ: (إِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً، كَالْغَائِطِ وَالدَّمِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ طَهَارَتَهَا بِزَوَالِ عَيْنِهَا، وأثرها إِلَّا أَنْ تَكُونَ

(11)

نَجَاسَةً لَا يَزُولُ أَثَرُهَا بِالْمَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ)

(12)

، إِلَّا أَنَّهُ بَقِيَ هُنَا إِشْكَالٌ؛ وَهُوَ أَنَّ حَذْفَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْمُثْبَتِ لَا يَجُوزُ، لَا نَقُولُ: ضَرَبَنِي إِلَّا زَيْدٌ، لَكِنَّا نَقُولُ: إِنَّمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمُثْبَتِ عِنْدَ عَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْمَعْنَى.

(1)

في (ب): (أكبر).

(2)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 192).

(3)

البقالي: هو محمد بن أبي القاسم بن بابجوك، الأستاذ أبو الفضل الخوارزمي، البقالي، النحوي ويعرف أيضا بالأدمي، لحفظه في النحو " مقدمة الأدمي " تلميذ الزمخشري؛ وجلس بعده في حلقته، واشتهر اسمه وبعد صيته،

واقبل الطلبة على تصانيفه، من كتبه (منازل العرب ومياهها) و (الهداية) في المعاني والبيان، و (مفتاح التنزيل) وغيرها، توفى سنة 561 هـ. انظر:"تاريخ الإسلام للذهبي "(12/ 268)، " الأعلام للزركلي (6/ 335).

(4)

ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 373).

(5)

في (ب): (فطهارته). النسخة (ب) هي الصحيحة.: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 38).

(6)

(عينها) كما ذكر صاحب الهداية.: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 38).

(7)

يقول صاحب الهداية: (والنجاسة ضربان: مرئية وغير مرئية، فما كان منها مرئيا فطهارته زوال عينها، لأنَّ النجاسة حلت المحل باعتبار العين فتزول بزوالها، إلا أن يبقى من أثرها ما تشق إزالته). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 38).

(8)

في (ب): (منه).

(9)

في (ب): (فطهارته).

(10)

خوَاهَرْزاذَة:، شيخ الحنفيّة، اسمه محمد بن الحسين بن محمد، أبو بكر البخاريّ القُدَيْديّ، الحنفيّ الفقيه، المتوفى: 483 هـ، ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن أحمد البخاري، ولهذا قيل له بالعجمي: خواهرزاذة، وتفسيره: ابن أخت عالم. تاريخ الإسلام للذهبي (10/ 520)، سير أعلام النبلاء للذهبي (19/ 15)، الوافي بالوفيات للصفدي (13/ 269).

(11)

في (ب): (يكون).

(12)

وجدت لابن مازة كلام بنحوه. ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 195 - 196).

ص: 50

وأما إِذَا اسْتَقَامَ، فَيَجُوزُ؛ كَقَوْلِكَ: قَرَأَتُ إِلَّا يَوْمَ كَذَا

(1)

لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ الْأَيَّامَ كُلَّهَا، إِلَّا يَوْمًا، بِخَلَافِ ضَرَبَنِي إِلَّا زَيْدٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَضْرِبَهُ كُلُّ أَحَدٍ

(2)

وَيَسْتَثْنِي زَيْدًا كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ "الْكَافِيَةِ "

(3)

فِي شَرْحِهِ

(4)

، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا يَسْتَقِيمُ فِيهِ الْمَعْنَى، فَإِنَّكَ لَوْ قُلْتَ: فَطَهَارَتُهُ زَوَالُ عَيْنِهِ، وأثره فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، إِلَّا فِي صُورَةٍ يَشُقُّ إِزَالَةُ أَثَرِهِ

(5)

؛ فَإِنَّهُ مُسْتَقِيمٌ

(6)

كَمَا تَرَى

(7)

ثُمَّ قِيلَ

(8)

فِي تَفْسِيرِ الْمَشَقَّةِ، هُوَ أَنْ يَحْتَاجَ فِي قَلْعِهِ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ نَحْوَ الصَّابُونِ وَالْأَشْنَانِ

(9)

.

(1)

في (ب): (كذا زيدا).

(2)

في (ب): (واحد).

(3)

في (ب): (الكتاب) والصواب ما أثبتناه.

(4)

ينظر: "الكافية في علم النحو" ابن الحاجب (1/ 25). والكافية: لإبن الحاجب جمال الدين بن عثمان بن عمر بن أبي بكر المصري الأسنوي المالكي، المتوفى سنة 646 هـ، طبعته مكتبة الآداب - القاهرة، الطبعة الأولى، 2010 م، وقام بتحقيقه: الدكتور صالح عبد العظيم الشاعر.

(5)

في (ب): (يشق إزالته).

(6)

وقد نازع بدر الدين العينى ما ذكره السغناقي من تجويزه استثناء الأثر من العين فقال: (فالنجاسة لا تبقى بزوال عينها كما حمل لفظ يأبى في قَوْله تَعَالَى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}

[التوبة: 32]، على معنى: لا يريد بهما بمعنى واحد، وكذلك هنا معنى قوله: فتزول، فلا تبقى، فحينئذ وجد الشرط في هذا الاستثناء وهو كون الكلام غير إيجاب، فيكون معنى فتزول النجاسة فلا تبقى النجاسة فتزول عنها إلا بقاء أثرها الذي يشق إزالته، فإنه معنوي فيجيء كلام الأكمل وهو استثناء العرض من العين فانتفى قول السغناقي، لأنَّ استثناء الأثر من العين لا يصح). ينظر:" البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 738).

(7)

في (ب): (يرى).

(8)

وممن قال به: أبي القَاسِمِ عَلِيُّ بن الحُسَينِ بن محمد الشهير بالأكمل، المتوفى 543 هـ. ينظر:" البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 738).

(9)

ينظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 39)، و" البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 738).

ص: 51

وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي " مَبْسُوطِهِ "

(1)

: إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَجَاسَتُهُ لَا يَزُولُ أَثَرُهَا بِالْمَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ، لِمَا

(2)

رُوِيَ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ يَسَارٍ

(3)

أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ثَوْبًا وَاحِدًا وَإِنِّي أَحِيضُ فِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رُشِّيهِ فَاقْرُصِيهِ ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ» ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ

(4)

؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَكْفِيكِ الْمَاءُ فَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ»

(5)

؛ وَلِأَنَّ الْأَثَرَ؛ إِذَا لَمْ يَزُلْ بِالْمَاءِ؛ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً، وَحُكْمُ النَّجَاسَةِ يَسْقُطُ بِالضَّرُورَةِ، أَوْ يُقَالُ لَا نَجَاسَةَ فِي الْأَثَرِ، لِأَنَّ الْأَثَرَ عِبَارَةٌ عَنِ اللَّوْنِ، وَالنَّجَاسَةُ مَا كَانَتْ بِسَبَبِ اللَّوْنِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ

(6)

بِسَبَبِ النَّتْنِ وَالْعَيْنِ، فَكِلَا

(7)

الْأَمْرَيْنِ قَدْ زَالَ

(8)

.

وَذَكَرَ فِي " الْمُحِيطِ ": (وَحَكَى عَنِ الْفَقِيهِ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَافِظِ رحمه الله أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَضَّبَتْ يَدَهَا بِحِنَّاءٍ نَجِسٍ

(9)

، أَوِ الثَّوْبُ إِذَا انْصَبَغَ بِصِبْغٍ نَجِسٍ/ غَسَلَتْ يَدَهَا وَغُسِلَ

(10)

الثَّوْبُ إِلَى أَنْ يَصْفُوا

(11)

وَيَسِيلُ مِنْهُ مَاءٌ أَبْيَضُ، ثُمَّ يُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ يَدِهَا وَبِطَهَارَةِ

(12)

الثَّوْبِ بِالْإِجْمَاعِ)

(13)

.

(1)

ذكره صاحب كتاب " البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 738)

(2)

في (ب): (بما).

(3)

خولة بنت يسار: بالياء المثناة من تحت، ثم بالسين المهملة. مذكورة في باب إزالة النجاسة من المهذب، روى حديثها البيهقي في رواية أبى هريرة بإسناد ضعيف وضعفه، ثم روى بإسناد عن إبراهيم الحربي الإمام. قال: لم نسمع بخولة بنت يسار إلا في هذا الحديث. انظر: "تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 343)، " الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر "(8/ 121).

(4)

في (ب): (أثره).

(5)

أخرجه أبو داود في "سننه"(ص 65) كتاب "الطهارة"، باب "المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها"، حديث رقم (365)، واحمد في "مسنده"(14/ 371)، حديث رقم (8767)، وأيضا " (14/ 503)، حديث رقم (8939). قال ابن الملقن في "تحفة المحتاج" (1/ 221): في سنده ابن لهيعة وقد ضُعِّفَ ووثقه بعضهم.

(6)

في (ب): (كان).

(7)

في (ب): (وكلا).

(8)

في (ب): (قذر إلا).

(9)

(نجسة) هكذا في "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 196).

(10)

في (ب): (فغسل). المثبت بالمتن هو الصواب. ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 196).

(11)

في (ب): (يصفو).

(12)

في (ب): (فبطهارة).

(13)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 196).

ص: 52

[وَفِيهِ كَلَامٌ]

(1)

أَيْ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبَا جَعْفَرٍ رحمه الله: يَقُولُ بَعْدَ زَوَالِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ، يُغْسَلُ مَرَّتَيْنِ، لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِنَجَاسَةٍ؛ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ، غُسِلَتْ مَرَّةً، فَتُغْسَلُ مَرَّتَيْنِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَطْهُرُ، وَإِنْ كَانَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ النَّجَاسَةَ، كَانَتْ بِسَبَبِ الْعَيْنِ، وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِزَوَالِ الْعَيْنِ فَيُحْكَمُ

(2)

بِطَهَارَتِهِ، كَمَا لَوْ غُسِلَ ثَلَاثًا، كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(3)

.

[النَّجَاسَةُ الْغَيْرُ مَرْئِيَّةٍ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ) كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ.

قَوْلُهُ: (وَيَتَأَيَّدُ

(4)

ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ)

(5)

وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»

(6)

فَلَمَّا أَمَرَ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا فِي النَّجَاسَةِ، الْمَوْهُومَةِ، فَفِي النَّجَاسَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ أَوْلَى.

(1)

مابين المعكوفين من كلام صاحب الهداية، حيث يقول:(وهذا يشير إلى أنه لا يشترط الغسل بعد زوال العين وإن زال بالغسل مرَّة واحدة وفيه كلام). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 38).

(2)

في (ب): (ويحكم).

(3)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 93).

(4)

في (ب): (وتأيد). المثبت بالمتن هو الصواب، ينظر:"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 38).

(5)

يقول صاحب الهداية: (وما ليس بمرئي فطهارته أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر " لأنَّ التكرار لا بد منه للاستخراج ولا يقطع بزواله فاعتبر غالب الظن كما في أمر القبلة وإنما قدروا بالثلاث لأنَّ غالب الظن يحصل عنده فأقيم السبب لظاهر مقامه تيسيرا ويتأيد ذلك بحديث المستيقظ من منامه). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 38).

(6)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 95) في كتاب "الوضوء" باب "الاستجمار وترا" حديث رقم (161)، ومسلم في "صحيحه (ص 134) في كتاب "الطهارة" باب " كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثا" حديث رقم (278).

ص: 53

وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله الْعِبْرَةُ لِغَلَبَةِ الرَّأْيِ، فِيمَا سِوَى وُلُوغِ الْكَلْبِ؛ حَتَّى إِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ طَهُرَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، يَكْفِيهِ ذَلِكَ، لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«ثُمَّ اغْسِلِيهِ» وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْعَدَدَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: غَلَبَةُ الرَّأْيِ فِي الْعَامِّ الْغَالِبِ، لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ

(1)

فِيهِ قُلُوبُ النَّاسِ، فَأَقَمْنَا السَّبَبَ

(2)

الظَّاهِرَ مَقَامَهُ

(3)

تَيْسِيرًا كَذَا فِي"الْمَبْسُوطِ "

(4)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (ثُمَّ لَا بُدَّ مِنَ الْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ)

(5)

(6)

.

(1)

في (ب): (مختلف).

(2)

السبب في اللغة: الحبل، اسم لما يتوصل به إلى المقصود والجمع أسباب.

انظر لسان العرب لابن منظور: (1/ 458)(مادة: سبب)، التعريفات، للجرجاني:(ص: 117).

والسبب شرعاً: أحد أقسام الحكم الوضعي، وهو ما يكون طريقًا إلى الحكم من غير تأثير، ينظر: فتح الغفار بشرح المنار المعروف بمشكاة الأنوار، لإبن نجيم (3/ 64)، وشرح التلويح على التوضيح؛ للتفتازاني (2/ 137). التعريفات، للجرجاني (ص: 117).

(3)

(مقامه)، ساقط من (ب).

(4)

ينظر: "المبسوط"للسرخسي (1/ 93).

(5)

ظاهر الرواية: أي القول الراجح في كتب ظاهر الرواية و كتب ظاهر الرواية منهم من جعها ثلاثة وهي: "المبسوط" و "الزيادات" و "المحيط". ومنهم من جعلها ستة وهي: الجامع الصغير والكبير والسير الكبير والصغير، والزيادات و المبسوط. انظر:" رد المحتار " لابن عابدين (1/ 50).

(6)

يقول صاحب الهداية: (ثم لا بد من العصر في كل مرَّة في ظاهر الرواية لأنه هو المستخرج). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 38). وقوله: (في ظاهر الرواية): (احتراز عما روي عن محمد في غير رواية الأصول، إذا غسل ثلاث مرات وعصر في المرة الثالثة يطهر، وفي غير رواية الأصول أيضا أنه يكتفى بالغسل مرة، وهذا فيما ينعصر بالعصر، أما في غيره كالحصير مثلا فإن أبا يوسف يقول: يغسل ثلاثا ويجفف في كل مرة فيطهر؛ لأن للتجفيف أثرا في استخراج النجاسة فيقوم مقام العصر إذ لا طريق سواه والحرج موضوع ومحمد يقول: لا يطهر أبدًا؛ لأن الطهارة بالعصر وهو مما لا ينعصر) الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي (1/ 210).

ص: 54

وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ: إِذَا غُسِلَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، وَعُصِرَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ يَطْهُرُ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْتَفَى

(1)

بِالْغَسْلِ مَرَّةً

(2)

.

وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ

(3)

فِي صَلَاةِ الْمُسْتَفْتِي: (أَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا كَانَتْ بَوْلًا أَوْ

(4)

مَاءً نَجِسًا، وَصَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ كَفَاهُ ذَلِكَ، وَيُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الثَّوْبِ

(5)

، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ

(6)

أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا اتَّزَرَ فِي الْحَمَّامِ، وَصَبَّ الْمَاءَ عَلَى جَسَدِهِ

(7)

حَتَّى خَرَجَ عَنِ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى الْإِزَارِ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْإِزَارِ، وَإِنْ لَمْ يَعْصُرْهُ.

وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى الْإِزَارِ، وأمَرَّ الْمَاءَ فَوْقَ الْإِزَارِ بِكَفَّيْهِ فَهُوَ أَحْسَنُ

(8)

، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ يُجْزِيهِ) كَذَا فِي "الْمُحِيطِ"

(9)

وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ رحمه الله وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(10)

.

(1)

في (ب): (لا يكفي).

(2)

ينظر: "رد المحتار" لابن عابدين (1/ 333).

(3)

شمس الأئمة الحلواني: عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح شمس الأئمة الحلواني البخاري. كان إمام الحنفية في بلاد الري تفقه على الحسين النسفي واخذ عنه السرخسي والبزدوي. ومن مصنفاته المبسوط في الفقه، والنوادر، توفي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وقيل غير ذلك.

انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (1/ 318)، لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني (4/ 24)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 189).

(4)

في (ب): (و).

(5)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 190).

(6)

(عنه)، ساقطة من (ب).

(7)

سقط هنا: (من جنب الظهر والبطن). ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 197).

(8)

سقط هنا: (وأحوط). ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 198).

(9)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 197 - 198).

(10)

(والله أعلم بالصواب)، ساقطة من (ب).

ص: 55

‌فَصْلٌ فِي الاسْتِنْجَاءِ

اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله اتَّبَعَ الْإِمَامَ أَبَا الْحَسَنِ الْقُدُورِي رحمه الله فِي أَنَّهُ لَمْ يُورِدِ الاسْتِنْجَاءَ، عِنْدَ ذِكْرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ، فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ

(1)

، مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى سُنَنِ الْوُضُوءِ؛ وَهُوَ أَيْضًا اتَّبَعَ مُحَمَّدًا فِيهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يُورِدْ ذِكْرَ الاسْتِنْجَاءِ عِنْدَ ذِكْرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ

(2)

فَتَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ

(3)

.

قَالَ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْزَاذَه رحمه الله: لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَمْرَ الاسْتِنْجَاءِ، وانَّهُ سُنَّةُ الْوُضُوءِ، كَسَائِرِ السُّنَنِ بَلْ هُوَ أَهَمُّ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَسَائِرُ السُّنَنِ مَشْرُوعَةٌ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ؛ الَّتِي (لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الاسْتِنْجَاءَ فَرْضٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ السُّنَنَ وَلَمْ يَذْكُرْ الاسْتِنْجَاءَ، مَعَ

(4)

كَوْنِهِ أَهَمَّ السُّنَنِ).

مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: إِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ امْتِثَالًا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَقْوَى، لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ، وَالاسْتِنْشَاقَ، لَا ذِكْرَ لَهُمَا فِي الْقُرْآنِ، وَمَعَ هَذَا ذَكَرَهُمَا مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْكِتَابِ

(5)

.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا لَمْ نَذْكُرْهُ

(6)

لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَرَادَ بِهَذَا الْوُضُوءِ، الْوُضُوءُ عَنِ النَّوْمِ لَا عَنِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَالاسْتِنْجَاءِ فِي هَذَا الْوُضُوءِ

(7)

لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِالْوُضُوءِ عَنِ النَّوْمِ، هَكَذَا جَاءَ

(8)

عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ مِنْ مَضَاجِعِكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}

(9)

وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا؛ عَطْفُ الْمَجِيءِ مِنَ الْغَائِطِ عَلَى آيَةِ الْوُضُوءِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ آيَةِ الْوُضُوءِ، الْوُضُوءُ عَنِ الْغَائِطِ؛ كَانَ تَقْدِيرُهُ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وانْتُمْ مُتَغَوِّطُونَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} ، ثُمَّ قَالَ:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}

(10)

وَهَذَا مِمَّا لَا يَسْتَقِيمُ.

(1)

ذكر القُدُوري الاستنجاء تحت باب الأنجاس- والذي ورد بعد أبواب الطهارة والوضوء-، كما أنه ذكر أن الاستنجاء سنة فقط دون أن يضيف كلمة سنة إلي الوضوء. ينظر:"مختصر القُدُوري" ص: (21).

(2)

أتبع محمد بن الحسن أبواب الوضوء والتيمم، وأبوال البهائم، بابًا منفصلًا عن الاستنجاء. ينظر: الآثار لمحمد بن حسن الشيباني (1/ 70).

(3)

(فيه): ساقطة من (ب).

(4)

من قوله: (لا تمنع) إلى هذا الموضع ساقط من (ب).

(5)

ينظر: الآثار لمحمد بن حسن الشيباني (1/ 4).

(6)

في (ب): (يذكره)

(7)

(الوضوء)، ساقطة من (ب).

(8)

(جاء)، ساقطة من (ب).

(9)

ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 212).

(10)

سورة النساء: آية (43)

ص: 56

قُلْتُ

(1)

: ثُمَّ

(2)

لَمَّا لَمْ يُذْكَرْ هُنَاكَ لِهَذَا

(3)

الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ؛ ذُكِرَ عِنْدَ خَتْمِ الطَّهَارَاتِ؛ وَهُوَ سُنَّةُ الْوُضُوءِ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ ضَابِطٌ لِتَصْنِيفِهِ، وَمَتَيَقِّظٌ فِي تَأْلِيفِهِ، حَيْثُ خَتَمَهَا بِمَا

(4)

بَدَأَهَا، وَإِعْلَامًا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الطَّهَارَةُ الصُّغْرَى، إِذْ هِيَ مِفْتَاحُ الدَّرَجَاتِ الكبرى.

وَفِي "المغرب": (يُقَالُ: نَجَا وأنجى إِذَا أَحْدَثَ، واصْلُهُ مِنَ النَّجْوة، (وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ)

(5)

؛ لِأَنَّهُ يَسْتَتِرُ

(6)

بِهَا وَقْتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

(7)

، ثُمَّ قَالُوا: اسْتَنْجَى إِذَا مَسَحَ مَوْضِعَ النَّجْوِ، (وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَطْنِ)

(8)

أَوْ غَسْلِهِ، وَقِيلَ: مِنْ نَجَا الْجِلْدُ إِذَا قَشَرَهُ

(9)

، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ السِّينُ لِلطَّلَبِ كَاسْتَجْرَحَ

(10)

أَيْ طَلَبَ النَّجْوِ لِيُزِيلَهُ.

[أَنْوَاعُ الاسْتِنْجَاءِ]

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله: (الاسْتِنْجَاءُ نَوْعَانِ: اسْتِنْجَاءٌ بِالْحَجَرِ، وَالْمُدَرِ، وَاسْتِنْجَاءٌ بِالْمَاءِ، فَالاسْتِنْجَاءُ

(11)

بِالْأَحْجَارِ، وَبِمَا يَقُومُ مَقَامَهَا سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاظَبَةِ، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم، وَإِتْبَاعُ الْمَاءِ أَدَبٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى، وَهَذَا هُوَ حَدُّ الْأَدَبِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ.

(1)

في (ب): (قلنا)

(2)

(ثم) ساقطة من (ب)

(3)

في (ب): (بهذا)

(4)

في (ب): (ثم)

(5)

ما بين القوسين إدراج من الشارح على أصل كلام "المغرب". ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (2/ 291).

(6)

في (ب): (يشترط).

(7)

(الحاجة)، ساقطة من (ب)

(8)

ما بين القوسين ذكره صاحب المغرب في السطر السابق لموضع الشاهد. ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (2/ 291).

(9)

ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (2/ 291).

(10)

في (ب): (كاستخرج).

(11)

في (ب): (والاستنجاء).

ص: 57

قَالَ مَشَايِخُنَا: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَدَبًا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَسُنَّةٌ، هَكَذَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ

(1)

: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، فَقَالَ: إِنَّهُ سُنَّةٌ، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ يَكُونُ سُنَّةً وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخُيَّارُ مِنَ

(2)

الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم تَرَكُوهُ كَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ؟

فَقَالَ: هُمْ كَانُوا يَبْعَرُونَ بَعْرًا، وانْتُمْ تَثْلِطُونَ

(3)

ثَلْطًا)

(4)

، فَصَارَ فِي زَمَانِنَا سُنَّةً كَالاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ، ثُمَّ الاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَنَا

(5)

، لَوْ تَرَكَهَا، وَصَلَّى بِغَيْرِ اسْتِنْجَاءٍ، أَجْزَتْهُ صَلَاتُهُ

(6)

، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِأَنَّهُ فَرِيضَةٌ لَوْ تَرَكَهُ بِالْأَحْجَارِ، أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ، لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ

(7)

.

(1)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 21)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 43)، و"فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي"(1/ 216).

(2)

(الخيار من)، ساقطة من (ب).

(3)

تثلِطون: بكسر اللام ثلطا بسكون اللام، وهو إخراج الغائط رقيقا. ينظر:" الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 40).

(4)

ما بين القوسين لشيخ الإسلام. ينظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 40)، و"البناية شرح الهداية للعيني "(1/ 748).

(5)

أكثر الحنفية على أن الاستنجاء بالأحجار (سنة)، ولم يقولوا بأنه (سنة مؤكدة)، ولذا فإن القول بأن الاستنجاء بالأحجار سنة مؤكدة هو من اختيارات السغناقي الموافقة لابن الهمام، ومحمد ابن الحسن في الأصل، ويؤكد هذا أن بعض الفقهاء ممن جاء بعد السغناقي نسبوا هذا القول له، كقول ابن نجيم:(وصرح في النهاية بأنه سنة مؤكدة)، وقد ذكر ابن الهمام دليل هذا المذهب بأن الاستنجاء من الأفعال التي واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها. ينظر:"مختصر القُدُوري"(ص 21)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 11)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 18)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (1/ 38)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة " (1/ 43)، و"فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي" (1/ 213)، "البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري" (1/ 252).

(6)

ينظر: "فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي"(1/ 213)

(7)

ينظر: "الأم للشافعي"(1/ 22)، "مختصر البويطي"(85).

ص: 58

[النَّجَاسَةُ إِذَا كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَوْ أَقَلِّ]

وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْحَاصِلِ، فَرْعٌ لِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَوْ أَقَلِّ، هَلْ يُفْتَرَضُ إِزَالَتُهَا لِجَوَازِ الصَّلَاةِ أَوْ لَا؟.

فَعِنْدَنَا

(1)

لَا يُفْتَرَضُ، وَعِنْدَهُ

(2)

يُفْتَرَضُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ هَذِهِ النَّجَاسَةُ، عَلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، إِلَّا أَنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَطْهُرُ بِالْحَجَرِ، وَالْمَدَرِ، وَفِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْمَاءِ، فَقَدْ احْتَجَّ هُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ، بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}

(3)

أَيِ النَّجَاسَةُ فَاهْجُرْ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.

وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ

(4)

رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «وَلِيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ»

(5)

فَقَدْ أَمَرَ؛ وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةً تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ، إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً؛ فَتَمْنَعُ إِذَاَ كَانَتْ قَلِيلَةً، لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ يَسْتَوِي فِيهِ قَلِيلُهُ، وَكَثِيرُهُ

(6)

، كَمَا فِي الْحُكْمِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا غَسَلَ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ، وَبَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ لُمْعَةٌ، لَا تُجْزِيهِ

(7)

صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَقَلَّ مِنَ الدِّرْهَمِ، بَلْ أَوْلَى

(8)

لِأَنَّ الْحَقِيقِيَّ فَوْقَ الْحُكْمِيِّ أَلَا تَرَى

(9)

أَنَّ الْحُكْمِيَّ يَزُولُ بِالتُّرَابِ

(10)

وَالْحَقِيقِيَّ لَا يَزُولُ، فَإِذَا كَانَ قَدْرَ الدِّرْهْمِ فِي الْحُكْمِيِّ، مَانِعًا جَوَازَ الصَّلَاةِ، فَفِي الْحَقِيقِيِّ أَوْلَى

(11)

.

(1)

ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 79 - 81)، و"المبسوط" للسرخسي (1/ 46)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي (1/ 64)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 80)، "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 188).

(2)

ينظر: "الحاوي الكبير، للماوردي"(1/ 159 - 160)، و"البيان في مذهب الإمام الشافعي"للعمراني (1/ 213).

(3)

سورة المدثر: آية: (5).

(4)

أبو أيوب الأنصاري: هو صحابي جليل واسمه خالد بن زيد بن كليب من بنى الحارث بن الخزرج كان ممن نزل عليه النبي صلى الله عليه وسلم عند قدومه المدينة شهد بدرًا واحدًا والعقبة، مات بالقسطنطينية سنة (52 هـ) زمن يزيد بن معاوية. انظر " مشاهير علماء الأمصار لابن حبان" (ص: 49)، "معرفة الصحابة" لابن منده (ص: 453)، "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير "(5/ 25).

(5)

يشير إلي حديث أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله e : «إذا تغوط أحدكم فليتمسح بثلاثة أحجار، فإن ذلك كافيه» وفي رواية «فإن ذلك طهوره» .

أخرجه الطبراني في "الكبير"(4/ 174) حديث رقم (4055)، وفي الأوسط له (3/ 280) حديث رقم (3146)، والشاشي في مسنده (3/ 96) حديث رقم (1153)؛ قال الطبراني (3/ 280): لم يروه عن الأوزاعي مرفوعًا إلا الهقل تفرد به عمرو، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 496):(رجاله موثقون إلا أن أبا شعيب صاحب أبي أيوب لم أر فيه تعديلا ولا جرحا)، وللحديث شاهد صحيح أخرجه البخاري في "صحيحه"(ص 94)، كتاب الوضوء، باب لا يستنجى بروث، حديث رقم (155)، من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:«أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة» وقال: «هذا ركس» .

وقال الألباني في الصحيحة: تفرد به عمرو بن هاشم وهو صدوق يخطئ كما قال الحافظ فإن لم يحسن حديثه فلا أقل من أن يستشهد به على أنه قد توبع. السلسلة الصحيحة (7/ 934).

(6)

ينظر: "الحاوي الكبير، للماوردي"(1/ 159 - 160).

(7)

في (ب): (يجزيه).

(8)

في (ب): (أدنى).

(9)

في (ب): (يرى).

(10)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 197)

(11)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 72)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 114)، " الإختيار لتعليل المختار للموصلي"(1/ 16)

ص: 59

وأما أَصْحَابُنَا، احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ، بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَهُوَ حَسَنٌ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ»

(1)

واقَلُّ الْوِتْرِ وَاحِدٌ، فِي الْحِسَابِ فَقَدْ نَفَى الْحَرَجَ عَمَّنْ تَرَكَ الاسْتِنْجَاءَ أَصْلًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ، وَلِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ النَّجَاسَةِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ، أَوْ أَقَلُّ فَلَا يُفْتَرَضُ

(2)

إِزَالَتُهَا مِنْ مَوْضِعِ الاسْتِنْجَاءِ، قِيَاسًا عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الْأَثَرِ بَعْدَ الْحَجَرِ، وَقِيَاسًا عَلَى اليَّسِيرِ مِنَ الدَّمِ، الَّذِي لَا يَأْخُذُهُ الْبَصَرُ، وأما الْآيَةُ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ، أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ.

وأما حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قُلْنَا الْمُرَادَ بِهِ الاسْتِحْبَابَ، بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه

(3)

.

وأما قَوْلُهُ

(4)

: بِأَنَّ كَثِيرَ هَذَا يَمْنَعُ فَقَلِيلُهُ كَذَلِكَ، قُلْنَا: يُشْكِلُ بِالْيَسِيرِ مِنَ الدَّمِ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ

(5)

؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ، وَالْكَثِيرُ يَمْنَعُ، وَلَيْسَ كَالطَّهَارَةِ الْحُكْمِيَّةِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهَا، فِي الْقَلِيلِ، كَمَا لَا ضَرُورَةَ فِي الْكَثِيرِ، فَإِنَّ إِيصَالَ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، مُمْكِنٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ قَدْرَ مَا لَا يَأْخُذُهُ الْبَصَرُ؛ إِلَّا بِتَكَلُّفٍ، لَا يُجْزِيهِ، وَها هُنَا مَثْلُهُ يُجْزِيهِ، فَدَلَّ أَنَّ الْفَرْقَانِ

(6)

بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِي الْعَدَدِ؛ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ وَاحِدٍ وأنقى مَا طَهُرَ مِنَ النَّجَاسَةِ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ، وَتُجْزِيهِ صَلَاتُهُ إِذَا تَرَكَ الثَّانِيَةَ، وَالثَّالِثَةَ.

(1)

سبق تخريجه: (ص: 113).

(2)

في (ب): (لا يفرض)

(3)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 19)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 39)، و"فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي"(1/ 214)، و"اللباب" للخزرجي (1/ 95)، و" تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 77).

(4)

أي من قال بهذا من الشافعية، لأني لم أجد هذا التعليل للشافعي، وإنما وجد عند بعض الشراح كالماوردي. ينظر:"الحاوي الكبير، للماوردي"(1/ 159 - 160).

(5)

ناقش الماوردي هذا القياس بقوله: (وأما قياسهم على دم البراغيث فمنتقض على أصلهم بالمني يجب عندهم إزالة عينه دون أصله، ثم المعنى في دم البراغيث لحوق المشقة في إزالته وكذلك قياسهم على الأثر فالمعنى فيه أنه يشق إزالته بالحجر). ينظر: "الحاوي الكبير، للماوردي"(1/ 160).

(6)

في (ب): (الفرق)

ص: 60

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الاسْتِنْجَاءُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ فرض؛ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يُجْزِيهِ

(1)

صَلَاتُهُ، وَإِنْ حَصَلَتْ التَّنْقِيَةُ بِالْوَاحِدَةِ

(2)

، كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ

(3)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ)

(4)

.

قَالَ الْأُسْتَاذُ مَوْلَانَا فَخْرُ الدِّينِ

(5)

رحمه الله فِي التَّمَسُّكِ بِالْحَدِيثِ: الشَّارِعُ نَفَى الْحَرَجَ عَنْ تَارِكِ الاسْتِنْجَاءِ، دَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْإِيتَارِ

(6)

لَا يَضُرُّ

(7)

، لِأَنَّ تَرْكَ

(8)

أَصْلِهِ لَمَّا لَمْ

(9)

يَكُنْ مَانِعًا، فَمَا ظَنُّكَ فِي تَرْكِ وَصْفِهِ، فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَجْمُوعِ.

[الْأَفْضَلُ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَغَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ)

نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قِبَاءِ

(10)

، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«بِمَاذَا أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ؟» فَقَالُوا: لِأَنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ بِالْمَاءِ

(11)

.

(1)

في (ب): (يجز) والأقرب أنها بالتاء.

(2)

في (ب): (بالواحد)

(3)

نقل هذا الكلام في "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 19)، و" تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 77).

(4)

يقول صاحب الهداية: (وقال الشافعي رحمه الله: لا بد من الثلاث لقوله صلى الله عليه وسلم: «وليستنج بثلاثة أحجار». ولنا قوله صلى الله عليه وسلم «من استجمر فليوتر، فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج». ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (1/ 39).

(5)

فخر الدين: هو لقب للعلامة الحسن بن منصور بن محمود، البخاري، الحنفي، العلامة، شيخ الحنفية، قاضي خان الأوزجندي وقد سبقت ترجمته في (ص: 23).

(6)

في (ب): (الاثنان). والصواب ما أثبت، انظر " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 214).

(7)

في (ب): (يضره).

(8)

في (ب): (تركه).

(9)

في (ب): (ما لم).

(10)

قباء - اليوم - هي بلدة عامرة تطيف بذلك المسجد، كثيرة البساتين والسكان، وتكاد تتصل بالمدينة عمرانياً، بل اتصلت المدينة بها، مسجدها جنوب المسجد النبوي بستة أكيال، وهي واقعة في حرة تسمى حرة قباء، وهي الجزء الشرقي من حرة الوبرة.

(11)

يشير إلي حديث أبي هريرة وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" نزلت هذه الآية في أهل قباء: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] قال: " كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية ".

أما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود في "سننه"(ص 29) في كتاب "الطهارة" باب "في الاستنجاء بالماء" حديث رقم (44)، والترمذي في "سننه" (5/ 280) كتاب "تفسير القرآن " باب "سورة التوبة" حديث رقم (3100). وسكت عنه أبو داود وقال في "رسالته لأهل مكة "ص (28):(ما سكتت عنه فهو صالح)، و قال يحيى بن معين ضعيف لا شيء وقال أبو حاتم ليس بالقوي وذكره ابن حبان في الثقات. ينظر: تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني (11/ 384)، وقال بن حجر: ضعيف. انظر: " تقريب التهذيب" ص (613).

وفيه أيضا: إبراهيم بن أبي ميمونة، قال بن حجر: مجهول الحال. "تقريب التهذيب" ص (94).

ويشهد له حديث أبي أيوب فأخرجه "البيهقي في الكبرى"(1/ 105) في كتاب "الطهارة" باب "الجمع في الاستنجاء بين المسح بالأحجار والغسل بالماء"، الحاكم في "المستدرك" (1/ 299) كتاب "الطهارة" حديث رقم (673). قال بن حجر في المطالب العالية (14/ 689): فيه أبو سورة؛ ضعيف. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد"(1/ 500): فيه واصل بن السائب؛ وهو ضعيف.

ص: 61

وَلِأَنَّ

(1)

الْمَاءَ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ جَمِيعًا، وَالْحَجَرَ؛ إِنْ كَانَ يُزِيلُ الْعَيْنَ، لَا

(2)

يُزِيلُ الْأَثَرَ، وَاسْتِعْمَالُ مَا هُوَ مُزِيلٌ لِلْعَيْنِ، وَالْأَثَرِ جَمِيعًا أَوْلَى مِنَ اسْتِعْمَالِ مَا هُوَ مُزِيلٌ لِلْعَيْنِ دُونَ الْأَثَرِ.

[طَهَارَةُ مِنْ بِهِ وَسْوَسَةٌ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (إِلَّا إِذَا كَانَ مُوَسْوِسًا)

(3)

.

بِالْكَسْرِ وَلَا يُقَالُ بِالْفَتْحِ، وَلَكْن مُوَسْوَسٌ لَهُ أَوْ إِلَيْهِ، أَيْ: يُلْقَى

(4)

إِلَيْهِ الْوَسْوَسَةُ، وَقَالَ:[أَبُو اللَّيْثِ]رحمه الله

(5)

(6)

الْوَسْوَسَةُ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا قِيلَ

(7)

: مُوَسْوِسٌ؛ لِأَنَّهُ

(8)

يُحَدِّثُ بِمَا

(9)

فِي ضَمِيرِهِ. كَذَا فِي "المغرب"

(10)

.

فَيُقَدَّرُ بِالثُّلُثِ

(11)

/ فِي حَقِّهِ، كَمَا فِي نَجَاسَةِ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ، وَالْغَائِطُ وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا، فَالْمُسْتَنْجِي لَا يَرَاهُ، فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَ بِسَبْعِ مَرَّاتٍ، اعْتِبَارًا بِالْحَدِيثِ الَّذِي وَرَدَ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ "

(12)

(1)

في (ب): (ولكن).

(2)

في (ب): (ولا).

(3)

يقول صاحب الهداية: (ولا يقدر بالمرات إلا إذا كان موسوساً فيقدر بالثلاث في حقِّه، وقيل بالسبع). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 39).

(4)

وفي المغرب (تُلقى إليه). ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (2/ 353).

(5)

كذا في (ب) وفي (ب): (اللًّيث) وهو الصحيح. ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (2/ 353).

(6)

أبو الليث: هو نصر بن محمد بن إبراهيم الإمام الفقيه، أبو الليث السمرقندي الحنفي، من أئمة الحنفية، ومن الزهاد المتصوفين، صاحب كتاب " الفتاوى "، وفي كتابه " تنبيه الغافلين " موضوعات كثيرة؛ رواه عنه أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الترمذي. مات ببلخ سنة 373 هـ. انظر " تاريخ الإسلام للذهبي "(8/ 421)، الأعلام للزركلي (8/ 27).

(7)

وفي المغرب (قال). ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (2/ 353).

(8)

في (ب): (لا).

(9)

في (ب): (مما).

(10)

ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (2/ 353).

(11)

في (ب): (بالثلاث)

(12)

ينظر: "رد المحتار" لابن عابدين (1/ 338).

ص: 62

‌كِتَابُ الصَّلاةِ

[باب]

قَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ الكِتَابِ وَجْهَ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى سَائرِ المَشْرُوعَاتِ، فَيَحْتَاجُ فِي

(1)

ها هُنَا إِلَى أَنْ نُعَرّفَ تَفْسِيرَهَا لُغَةً، وَشَرِيعَةً، وَسَبَبَ وُجُوبِهَا، وَرُكنَهَا، وَشَرْطَهَا، وَحُكْمَهَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لا يُعْرَفُ إلَّا باسمِهِ، وَلَا يَجِبُ إلَّا بِسَبَبهِ، وَلا يُوجَدُ إلّا بِرُكنِهِ، وَلَا يَصِحُّ شَرْعًا إِلَّا بِشَرْطٍ، وَلَا يُفعَلُ إلَّا لِحِكْمَةٍ

(2)

.

[تعريف الصلاة]

أَمَّا تَفْسِيرُهَا لُغَةً: فَإِنهَا عِبَارَةٌ عَنْ الدُّعَاءِ، وَالثَّنَاءِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

(3)

وَمِنْهُ: الصَّلاةُ عَلَى المَيِّتِ، أَيْ: الدُّعَاءُ لَهُ

(4)

، يُقَالَ فِي التَّحِيَّاتِ: وَالصَّلَوَاتُ، أَيْ: الأَثْنِيَةُ

(5)

كُلُّهَا للهِ تَعَالَى، فَدَلَّ عَلَى

(6)

أَنهَا لُغَةً: عِبَارَةٌ عَنْ الدُّعاءِ وَالثّنَاءِ.

إِلَّا أَنَّهَا هِيَ

(7)

فِي الشَّرِيعَةِ اسْمٌ لِهَذهِ

(8)

الأَفْعَالِ المَعْلُومَةِ: مِنَ القِيَامِ، وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودَ؛ لِمَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ، كَمَا سُمِّيَتِ الصَّلاةُ، بِاسْمِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ؛ لِمَا فِيهَا مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}

(9)

وَالمُرَادُ مِنْهُ: الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ بِانْفِرَادِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ.

(1)

(في) زيادة من (ب).

(2)

فِي (ب): (ولا يعقل إلا بحكمة).

(3)

سورة الأحزاب: (56).

(4)

(له) ساقطة من (ب).

(5)

الأثنية: جمع ثناء كَمَا فِي "بدائع الصنائع للكاساني (1/ 214).

(6)

(على) زيادة من (ب).

(7)

(هي) زيادة من (ب).

(8)

فِي (ب): (بهذه).

(9)

سورة آل عمران: (43)

ص: 63

وأما سَبَبُ وُجُوبِهَا

(1)

؛ أَوْقَاتُهَا، وَهَيَ الفَجْرُ وَالظُّهْرُ وَغَيرُهمَا، فَالوُجُوبُ

(2)

فِي الذِّمَّةِ شَرْعًا عُلِّقَ بِهَذِهِ الأَوْقَاتِ لَا بِالأِمْرِ، وَالأَمْرُ: طَلَبٌ لأَدَاءِ مَا وَجَبَ فِي

(3)

الذِّمةِ بِسَبَبِ الوَقْتِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}

(4)

؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي مِثْلِ هَذَا المَوْضِعِ، إِنَّمَا يُذْكرُ لِلتَعْلِيلِ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:«صُومُوا لَرُؤيتِهِ»

(5)

وَكَمَا يُقَالَ: تَأَهَّبْ لِلشّتَاءِ، وَتَطَهَّرْ لِلصَّلَاةِ،

أَيْ: لِأَجْلِ الشّتَاءِ،؛ وَلِأَجْلِ الصَّلاةِ، إِلَى آخرِ مَا عُرِفَ فِي أصولِ الفقهِ

(6)

.

[شروط الصلاة وأركانها وحكمها]

وأما شَرْطُهَا: فَسِتّةٌ: الطَّهَارَةُ، وَسَترُ الْعَوْرَةِ، وَاسْتِقْبَالُ القِبْلةِ، وَالوَقْتُ، وَالنِّيّةُ، وَالتّكْبِيرَةُ الأُولَى

(7)

، وَإِنَّمَا قَدّمْنَا الشَّرْطَ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ

(8)

جَوَازِ الشّيءِ يُشْرَطُ

(9)

وُجُودُهَا قَبْلَ وُجُودِ رُكْنِهِ

(10)

، كَالشَّهَادَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ، حَيْثُ يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا قَبْلَ وُجُودِ رُكْنِهِ

(11)

وَهُوَ الإيجابُ وَالقَبُولُ، وَكَالمَالِيّةِ فِي البَيْعِ.

(1)

قد يقَالَ: لعل بحذف الهاء يستقيم الكلام. قلت: جاء فِي العناية مثل مَا ذكره الشارح.

ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 216)

(2)

فِي (ب): (والوجوب).

(3)

فِي (ب): (على).

(4)

سورة الإسراء: (78).

(5)

متَّفقٌ على صحَّته: أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» (1/ 269)، وأحمد في «مسنده» (2/ 5، 13، 63)، والدارميُّ في «سننه» (2/ 3)، والبخاريُّ (4/ 119)، ومسلمٌ (7/ 189، 190، 191)، وأبو داود (2/ 740)، وابن ماجه (1/ 529)، والنسائيُّ (4/ 134)، وابن خزيمة في «صحيحه» (3/ 201، 202، 204)، والدارقطنيُّ في «سننه» (2/ 161)، والبيهقيُّ في «سننه الكبرى» (4/ 204)، والبغويُّ في «شرح السنَّة» (6/ 227، 228)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(6)

ينظر: "أصول البزدوي" لعلي بن محمد البزدوي (147)، و"أصول السرخسي"(1/ 102)، و"الوافِي فِي أصول الفقه" للسغناقي (2/ 749).

(7)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 95)، و تحفة الملوك للسمرقندي (1/ 53)، و"رد المحتار" لابن عابدين (1/ 404).

(8)

فِي (ب): (شرط).

(9)

فِي (ب): (يشترط).

(10)

ينظر: "أصول السرخسي"(2/ 149).

(11)

قوله: (كالشهادة .. ركنه) ساقطة من (ب).

ص: 64

وأما أَرْكَانُهَا الأَصْلِيّةُ

(1)

: فَأَرْبَعَةٌ: القِيَامُ، وَالقِرَاءَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ، وأما القَعْدةُ الأَخِيرةُ، فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا، إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ فِي الصَّلاةِ، عَلَى مَا يجيءُ شَرْحُهَا إَنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى

(2)

.

وأما حُكْمُهَا؛ فَنَقُولُ: حُكْمُهَا شَريعَةً؛ إنَّمَا

(3)

هُوَ سُقُوطُ الوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ بِالأَدَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَنَيلُ مَا وُعِدَ لهُ فِي الآخِرَةِ

(4)

مِنَ الثَّوَابِ

(5)

؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيءِ؛ هُوَ مَا يُفعَلُ لأَجْلِهِ، وَالإنْسَانُ إِنَّمَا يُصَلِّي؛ لِيُسْقِطَ الْوَاجِبَ عَنْ ذِمّتِهِ، وَيَنَالَ مَا وَعَدَ اللهُ تَعَالَى لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ:«صَلُّوا خَمْسَكُمْ» إِلَى أَنْ قَالَ: «طيِّبةً بهَا أَنْفُسُكُم تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ»

(6)

. هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ شَيخُ الإِسْلامِ رحمه الله.

(1)

الركن الأصلي: لعل الشارح يقصد بالركن الأصلي أَيْ الركن المتفق عليه، لِأَنَّ الفقهاء قد اختلفوا فِي أركَانَ الصَّلاة علي خمسة أقوال. والحنفية: قسموا الركن إِلَى قسمين: ركن أصلي، وركن زائد. فالركن الأصلي: هُوَ الَّذِي يسقط عند العجز عَنْ فعله سقوطًا تامًا، بحيث لا يطالب المكلف بالإتيان بشيء بدله، وذلك معنى قولهم: الركن الأصلي مَا يسقط عَنْ المكلف عند العجز عَنْ فعله بلا خلاف. أما الركن الزائد فهو: مَا يسقط فِي بعض الحالات، ولو مع القدرة عَلَى فعله، وذلك كالقراءة، فإنها عندهم ركن من أركَانَ الصلاة، ومع ذلك فإنها تسقط عَنْ المأموم؛ لِأَنَّ الشارع نهاه عنها. ينظر:" النتف فِي الفتاوى "للسغدي (47 - 48).

(2)

(شرحها)، ساقطة من (ب).

(3)

(إنما) ساقطة من (ب).

(4)

قيده ابن نجيم بالواجبة، أمَا النافلة فبنيل مَا وعده الشارع فِي الآخرة من الثواب، حيث يقول:(وحكمها سقوط الواجب عَنْ ذمته بالأداء فِي الدنيا ونيل الثواب الموعود فِي الآخرة إن كَانَ واجبا وإلا فالثاني). ينظر: "البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 256).

(5)

ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 217)، و" البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 5)، و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 256)

(6)

أخرجه أحمد في مسنده (5/ 251 و 262)، والترمذي في سننه (616) من حديث أبي أمامة، وقال الترمذي:(حسن صحيح).

ص: 65

[مواقيت الصلاة]

ثُمَّ ابْتَدَأَ بِبَيَانِ المَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّ الكَلَامَ فِي بَيَانِ الصَّلاةِ وأوقات الصَّلوَاتِ، أَسْبَابُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالأَسْبابُ تَتَقَدّمُ عَلَى المُسَبِّبَاتِ؛ فَلِذَلِكَ قَدَّمَ ذِكرَ المَوَاقِيتِ

(1)

.

ثمَّ قَدَّمَ مِنْ بَيْنِهَا وَقْتَ الفَجْرِ ذُكرَ فِي " المَبْسُوطِ ": (إِنَّمَا بَدَأَ بِبَيَانِ

(2)

وَقْتِ الفَجْرِ؛ لأَنَّهُ مُتّفَقٌ عَلَيهِ، لَمْ يَخْتَلفُوا فِي أَوّلِهِ وَلَا فِي آخِرِهِ).

(3)

قُلْتُ: أَوْ لأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ صَلاةٍ وَجَبَتْ بَعْدَ وَقْتِ النَّومِ عَادَةً، وَالنَّوْمُ أَخُ المَوْتِ

(4)

، فَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا بِأَوَّلِ وَقْتِ صَلاةٍ، يُخاطَبُ المَرْءُ بِأَدَائِهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الخِطَابَ، إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى اليَقْظَانِ، لَا عَلَى النَّائِمِ.

[وقت صلاة الفجر]

قَوْلُهُ رحمه الله: (إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ الثَّانِي)

(5)

لِأَنَّ الفَجْرَ فَجْرَانِ؛ فَجْرٌ كَاذِبٌ، تُسَمِّيهِ العَرَبُ ذَنَبَ السِّرْحَانِ

(6)

؛ وَهُوَ البَيَاضُ الَّذِي يَبْدُو فِي السّمَاءِ

(7)

طُولًا، وَيَتَعَقّبهُ ظَلَامٌ، وَالفَجْرُ الصَّادِقُ؛ وَهُوَ البَيَاضُ المُنْتَشِرُ

(8)

فِي الأُفُقِ

(9)

.

(1)

من قوله: (والأسباب) ساقط من (ب).

(2)

(ببيان) ساقطة من (ب).

(3)

ذكره السرخسي عَنْ محمد بن كعب. ينظر: "المَبْسُوطِ للسرخسي"(1/ 141).

(4)

ويشهد له قوله تعالى في سورة الزمر: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)} [الزُّمَر: 42]

(5)

يقول صاحب الهداية: (أوَّل وقت الفجر إِذَا طلع الفجر الثاني وهُوَ البياض المعترض فِي الأفق).

ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 40).

(6)

السِّرْحَانُ: الذِّئْبُ وَيُقَالَ لِلْفَجْرِ الْكَاذِبِ: ذَنَبُ (السِّرْحَانِ) عَلَى التَّشْبِيهِ. انظر" المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: 223)

(7)

فِي (ب): (الأفق).

(8)

فِي (ب)(الَّذِي ينشر).

(9)

ينظر: "المَبْسُوطِ"(1/ 141)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 122).

ص: 66

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ):

قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ العَلّامَةِ رحمه الله: هَذَا مِنْ قَبِيلِ إِطْلَاقِ اسْمِ الكُلِّ عَلَى الجُزْءِ

(1)

؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: (مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ)

(2)

يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ وَقْتِ الفَجْرِ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ، بَلِ المُرَادُ؛ هُوَ الوَقْتُ الَّذِي قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ ذَلِكَ الوَقْتِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ إَطْلاقِ اسْمِ الكُلِّ عَلَى الجزْءِ

(3)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الحَدِيثِ: «مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ وَقْتٌ لَكَ وَلأُمَّتِكَ»)

فَأَوَّلُ الحَدِيثِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الإِسْلامِ فِي " مَبْسُوطِهِ "

(4)

، فَقَالَ: رَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ عَبّاسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أمَّنِي جِبْريلُ عليه السلام عِنْدَ البَيْتِ مَرّتينِ، وَصَلَّى فِيَّ الظّهْرَ فِي اليَومِ الأَوَّلِ، حِينَ زَالَتِ الشّمْسُ، وَصَارَ الفَيءُ مِثْلَ الشّرَاكِ، وَصَلَّى فِيَّ العَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيءٍ مِثْلَهُ، وَصَلَّى فِيَّ المغرب حِينَ غَابَتِ الشّمْسُ، وَصَلَّى فِيَّ العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشّفَقُ

(5)

، وَصَلَّى فِيَّ الفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ، وَصَلَّى فِيَّ الظّهْرَ فِي اليَوْمِ الثّانِي حِينَ زَالَتِ الشّمْسُ، وَصَارَ

(6)

ظِلُّ كُلِّ شَيءٍ مِثْلَهُ، وَصَلَّى فِيَّ العَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيءٍ مِثْلَيْهِ، وَصَلَّى فِيَّ المغرب حِينَ غَرَبَتِ الشّمْسُ لِوَقْتهِ بِالأَمْسِ وَصَلَّى فِيَّ العِشَاءَ حِينَ مَضَى ثُلُثُ الّليْلِ، أَوْ قَالَ: نِصْفُ الّليْلِ، وَصَلَّى الفَجْرَ، حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ وأسْفَرَ

(7)

، وَكَادَتِ الشّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمّدُ، هَذَا وَقْتُكَ، وَوَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالوَقْتُ مَا بَينَ هَذَينِ الوَقْتَيْنِ»

(8)

.

(1)

ينظر " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 352).

(2)

(الشمس) ساقطة من (ب).

(3)

قائل هذا الكلام مجهول هنا، كَذَا ذكر البابرتي نفس الكلام دون أن يذكر قائله. ينظر:" الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 218)

(4)

ينظر: "المستصفى"للنسفِي (1/ 412).

(5)

الشَّفق: هُوَ البياض الَّذِي فِي الأفق بعد الحمرة عند أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الشفق عِبَارَةٌ عَنْ الرقة، ومنه الشفقة وهي رقة القلب والبياض أرق من الحمرة، وهُوَ مذهب أبي بكر الصديق رضي الله عنه واختيار المبرد من أهل اللغة ولأَنَّهُ أحوط من الحمرة؛ لِأَنَّ الأصل فِي الصَّلاة أن لا يثبت منها شيء إلا بيقين. ينظر:" الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 42).

(6)

(صار) ساقطة من (ب).

(7)

الإسْفَارُ: سفر الصبح وأسفر: إذا انكشف وأضاء. أنظر " النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير "(2/ 372)، "المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي" (1/ 398)، "لسان العرب لابن منظور" (4/ 369)

(8)

أخرجه الترمذي فِي "سننه"(1/ 278) في" أبواب "الصَّلاة"، باب "مَا جاء فِي مواقيت الصَّلاة"، حديث رقم (149)، وأبو داود فِي "سننه" (ص 68) في" كتاب "الصَّلاة"، باب "فِي المواقيت" حديث رقم (393). قَالَ أبو داود فِي "سننه" (ص 68): سكت عنه، وقد قَالَ فِي رسالته لأهل مكة كل مَا سكت عنه فهُوَ صالح، وقَالَ الترمذي فِي "سننه" (1/ 278): حسن صحيح.

ص: 67

وَرَوَى سُلَيْمَانُ بنُ بُرَيدَةَ الأَسْلَمِيُّ

(1)

رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَألَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ؟

فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: «أَقِمْ عِنْدَنَا» إِلَى أَنْ قَالَ: «صَلَّى فِيَّ اليَوْمِ الثّانِي المغربَ؛ حِينَ كَادَ الشّفَقُ أَنْ يَغِيبَ» ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الحَدِيثِ: «الوَقْتُ مَا بَينَ هَذَينِ الوَقْتَيْنِ»

(2)

.

فَإِنَّ قِيلَ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ هَذَينِ الوَقْتَيْنِ وَقْتٌ لَكَ» يَقْتَضِي أَلَّا يَكُونَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ َوقْتًا لِتِلْكَ الفَرِيضَةِ، قُلْنَا: وَجْهُ البَيَانِ فِي حَقّهِمَا بِالفِعْلِ؛ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي أَوَّلِ الوَقْتِ وَآخرِهِ، وَوَجْهُ البَيَانِ مِنْهُ

(3)

بِالقَوْلِ أَيضًا فِي حَدِيثٍ آخرَ، ذَكَرَهُ فِي " المَبْسُوطِ "

(4)

وَقَالَ: وَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرةَ رضي الله عنه قَالَ:

(5)

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ للصَّلاةِ أولًّا وَآخِراً، وإنَّ أوَّلَ وَقْتِ الفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الفَجْرُ، وَآخِرَهُ حِينَ تَطْلُعُ الشّمْسُ»

وَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهِ

(6)

؛ وَ

(7)

لِأَنَّ إِمَامَةَ جِبْرِيلَ عليه السلام لمْ تَكُنْ لِنَفِي مَا وَرَاءَ وَقْتِ الإِمَامَةِ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ، بَلْ لِإِثبْاَتِ مَا كَانَ فِيهِ، ألَا تَرَى، أَنَّهُ عليه السلام أَمَّ فِي اليَوْمِ الثّانِي حِينَ أَسْفَرَ

(8)

، وَالوَقْتُ يَبْقَى بَعْدَهَا إَلَى

(9)

طُلُوعِ الشّمْسِ، وَصَلَّى العِشَاءَ فِي اليَوْمِ الثّانِي حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ الّليْلِ، وَالوَقْتُ يَبْقَى بَعْدَهُ، وَهَذَا جَوَابٌ لِأَبِي

(10)

حَنِيفَةَ رحمه الله عَنْ احْتِجَاجِهِمَا بِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ لِلظُّهْرِ فِي اليَوْمِ الثّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثلَهُ

(11)

.

(1)

سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي: ولد هُوَ وأخوه عبد الله بن بريدة فِي بطن فِي خلافة عمر، وكَانَ ابن عيينة يفضله عَلَى أخيه عبد الله. روى عَنْ: أبيه، وعمران بن حصين، وعائشة رضي الله عنهم، وعنه: علقمة بن مرثد، ومحارب بن دثار، ومحمد بن جحادة، وجماعة. توفِي سنة 105 هـ.

انظر " تاريخ الإسلام للذهبي "(3/ 55) و"سير أعلام النبلاء للذهبي "(5/ 52).

(2)

أخرجه مسلم فِي "صحيحه"(ص 243) في" كتاب "المساجد"، باب "أوقات الصلوات الخمس" حديث رقم (613).

(3)

فِي (ب): (فيه).

(4)

ينظر: "المَبْسُوطِ"للسرخسي (1/ 141)

(5)

(قال) ساقطة من (ب).

(6)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(122)، " تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 79).

(7)

(و) ساقط من (ب).

(8)

سفر الصبح وأسفر: إذا انكشف وأضاء. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير": (2/ 372)، " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي:(1/ 398)، "لسان العرب لابن منظور":(4/ 369)، " البناية شرح الهداية للعيني"(1/ 811).

(9)

فِي (ب): (بعد).

(10)

فِي (ب): (أبي).

(11)

ينظر: " تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 79)، و" الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 223).

ص: 68

[وقت صلاة الظهر]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَفَيْءُ الزّوالِ

(1)

، وَ

(2)

هُوَ الفَيْءُ الَّذِي يَكُونُ لِلأَشَيَاءِ وَقْتَ الزّوَالِ)

(3)

وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الأَمْكِنَةِ وَالأَوْقَاتِ، وَقَدْ قِيلَ: (لَابُدَّ أَنْ يَبْقَى لِكُلِّ شَيْءٍ فَيْءٌ عِنْدَ الزّوَالِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، إلَّا بِمَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، فِي أَطْوَلِ أَيّامِ السَّنَةِ، فَلَا يَبْقَى بِمَكَّةَ ظِلٌّ عَلَى الأَرْضِ، وَبِالمَدِينَةِ تَأْخُذُ الشّمْسُ الحِيطَانَ

(4)

الأَرْبَعَةَ، وَذَلِكَ الفَيْءُ الأَصْلِيُّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي التّقْدِيرِ بِالظِّلِّ)

(5)

. يَعْنِي

(6)

أَنَّ التّقْدِيرَ بِالظِّلِّ، إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا سِوَى الفَيْءِ الأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ فِي الزّوَالِ

(7)

.

واصَحُّ مَا قِيلَ فِي مَعْرِفَةِ الزّوَالِ

(8)

قَوْلُ

(9)

مُحَمَّدِ بنِ شُجَاعٍ

(10)

: أَنَّهُ بِغَرْزِ

(11)

خَشَبَةٍ فِي مَكَانَ مُسْتَوٍ، وَيُجْعَلُ عَلَى مَبْلَغِ الظّلِّ مِنْهُ عَلَامَةٌ، فَمَا دَامَ الظّلُّ يَنْقُصُ مِنَ الخَطِّ، فَهُوَ قَبْلَ

(12)

الزّوَاَلِ، فَإِذَا

(13)

وَقَفَ لَا يَزْدَادُ وَلَا يَنْتَقِصُ، فَهُوَ سَاعَةُ الزّوَالِ؛ الّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ فَيْءِ الزَّوَالِ، وَإِذَا

(14)

أَخَذَ الظّلُّ فِي الزِّيَادَةِ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الشّمْسَ قَدْ زَالَتْ، كَذَا فِي " المَبْسُوطِ"

(15)

.

(1)

فيء الزوال: هو الظل الذي يكون للأشياء وقت الزوال انظر: "البناية شرح الهداية للعيني"(1/ 794) والفيء: اسم للظل بعد الزوال سمي فيَّا لأنه فاء من جهة المشرق، أي رجع، انظر:"لسان العرب لابن منظور"(1/ 124)، "المصباح المنير؛ للحموي "(2/ 486)، " تهذيب الأسماء واللغات للنووي"(3/ 194).

(2)

(و) ساقطة من (ب)، والصحيح سقوطها. ينظر:"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 40).

(3)

مَا بين القوسين من كلام صاحب الهداية، ينظر:"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 40).

(4)

فِي (ب): (بحيطان).

(5)

ينظر: "المَبْسُوطِ"للسرخسي (1/ 142).

(6)

(يعني) ساقطة من (ب).

(7)

فِي (ب): (سواه الفيء هُوَ فيء الزوال).

(8)

فِي (ب): (معرفته).

(9)

(قول)، ساقطة من (ب).

(10)

محمد بن شجاع: أبو عبد الله، البغدادي الحنفِي، ويعرف بابن الثلجي. الفقيه، أحد الأعلام، سمع من: ابن علية، و وكيع، وأبي أسامة، وطبقتهم. وكَانَ صاحب تعبد وتهجد وتلاوة. مات ساجدا. له كتاب " المناسك " فِي نيف وستين جزءا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يقف فِي مسألة القرآن، وينال من الكبار. وليس هذا موضع بسط أخباره. عاش خمسا وثمانين سنة، توفِي سنة 266 هـ. انظر:"تاريخ بغداد للخطيب البغدادي"(3/ 315)، "طبقات الفقهاء؛ للشيرازي":(1/ 140)، " سير أعلام النبلاء للذهبي "(12/ 379).

(11)

الصواب: (يغرز). ينظر: "المَبْسُوطِ"للسرخسي (1/ 142).

(12)

فِي (ب): (قبيل)، والمثبت بالمتن هُوَ الصحيح. ينظر:"المَبْسُوطِ"للسرخسي (1/ 142).

(13)

فِي (ب): (وإذا).

(14)

فِي (ب): (فإذا).

(15)

ينظر: "المَبْسُوطِ"للسرخسي (1/ 142).

ص: 69

قَوْلُهُ: رحمه الله (لَهُمَا إِمَامَةُ جِبرِيلَ عليه السلام فِي اليَوْمِ الأَوّلِ فِي هَذَا الوَقْتِ)

أَيْ: إِمَامَتُهُ لِلْعَصْرِ فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ، حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الحَدِيثِ، أَنَّ إِمَامَتَهُ فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ، فِي حَقِّ الظّهْرِ حِينَ زَالَتِ الشّمْسُ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، فَكَانَتْ إِمَامَةُ جِبْرِيلَ؛ إِنَّمَا تُؤَيدُ قَوْلَهُمَا: أَنْ لَوْ كَانَتْ إِمَامَتُهُ وَاقِعَةً

(1)

حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَلمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ، فَلَابُدَّ أَنْ تَكُونَ إِمَامَتُهُ مَصْرُوفَةً فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ فِي حَقِّ العَصْرِ، وَقَدْ كَانتْ إِمَامَتُهُ (فِي حَقِّ العَصْرِ كَذَلِكَ فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ إِلَا أَنَّ الاخْتلَافَ فِي حَقِّ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَدُخُولِ)

(2)

وَقْتِ العَصْرِ وَاحِدٌ عَلَى ظَاهِرِ الرّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ مُهْمَلٌ فِي ظَاهِرِ الرّوَايَةِ، فَكَانَ ذِكْرُ دُخُولِ أوَّلِ وَقْتِ العَصْرِ؛ ذِكْرًا لِخُروجِ وَقْتِ الظُّهْرِ.

وَذَكَرَ شَيْخُ الإِسْلامِ رحمه الله: (ثُمَّ اخْتِلَافُهُمْ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، اختلافٌ فِي أوَّلِ وَقْتِ العَصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الوَقْتَيْنِ وَقْتٌ مُهْمَلٌ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ، رَوَاهَا أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو

(3)

عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَليِّ بْنِ الجَعْدِ

(4)

(5)

.

(1)

فِي (ب): (رابعة).

(2)

من قوله: (فِي حق) ساقط من (ب).

(3)

أسد بن عمرو: هُوَ أسد بن عمرو بن عامر بن عبد الله أبو المنذر البجلي الكوفِي، صاحب أَبِي حَنِيفَةَ،

وكَانَ عنده حديث كثير. وهُوَ ثقة إن شاء الله. وكَانَ قد صحب أبا حنيفة وتفقه. وكَانَ من أهل الكوفة فقدم به بغداد فولي قضاء مدينة الشرقية بعد العوفِي، توفِي سنة ثمان وثمانين ومائة. انظر: الطبقات الكبرى لإبن سعد (7/ 239)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (7/ 470).

(4)

علي بن الجعد: هُوَ علي بن الجعد ابن عبيد، الإمام الحافظ الحجة مسنِد بغداد أبو الحسن البغدادي الجوهري مولى بني هاشم ولد سنة أربع وثلاثين ومائة. سَمِعَ شُعبة، وحَماد بْن سَلَمة. وتوفِي ببغداد فِي سنة ثلاثين ومائتين لخمس بقين من رجب ودفن فِي مقبرة باب حرب. وكَانَ له يوم توفِي ست وتسعون سنة وأشهر. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (6/ 266)، سير أعلام النبلاء للذهبي (8/ 483).

(5)

في (ب) علي بن الجنيدي.

ص: 70

فَأَوَّلُ وَقْتِ العَصْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

(1)

حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيءٍ مِثْلَيْهِ، وَعِنْدَهمَا حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، سِوَى فَيْءِ الزَوَالِ)

(2)

.

فَإِنَّ قُلْتَ: قَوْلُهُ رحمه الله: (وَآخِرُ وَقْتِهَا) أَيْ؛ وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ بَاقِيًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ آخِرَ الشَّيْءِ مِنْ أَجْزاءِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، كَمَا فِي المَنْظُومَةِ

(3)

:

وَالخَتْمُ

(4)

عَصْرَ آخِرِ التّشْرِيقِ

(5)

وَاليَوْم الَّذِي يَخْتِمَانِ التّكْبِيرَ فِي عَصْرِهِ مِنْ أَيّامِ التّشْرِيقِ، وَكَذَلِكَ

(6)

فِي قَوْلهِمَا، وَقَالَا: إِذَا صَارَ الظّلُّ مِثْلَهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ الظُّهْرِ بَاقِيًا عِنْدَهُمَا عِنْدَ صَيْرُورَةِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلِهِ، وَرِوَايَةُ المَنْظُومَةِ تَقْتَضِي أَلَّا يَبْقَى وَقْتُ الظُّهْرِ عَلَى القَوْلَينِ/ عَلَى هَذَينِ التَّقْدِيرَينِ، وَهِيَ قَولُهُ

(7)

:

(وَالعَصْرُ حِينَ المَرْءُ يَلْقَى ظِلَّهُ قَدْ صَارَ مِثْلَيْهِ وَقَالَا: مِثْلَهُ)

(8)

.

فَمَا التّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا؟

قُلْتُ: مَعْنَى قَوْلِهِ رحمه الله: (وَآخِرُ وَقْتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ) أَيْ؛ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ

(9)

الَّذِي يَتَحَقّقُ عِنْدَهُ؛ خُرُوجُ وَقْتِ الظُّهْرِ.

(1)

ينظر: "مختصر القُدُوري"(ص: 23).

(2)

ينظر: "فوائد القُدُوري"(ص: 16)، و" الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 41)، و"البحر الرائق لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 258)، و" حاشية الطحاوي عَلَى مراقي الفلاح "(1/ 176).

(3)

هي المنظومة في الخلافيات للإمام نجم الدين أبي حفص عمر بن محمد النسفي المتوفى سنة 537 هـ، حققه حسن أوزار ونشرته مؤسسة الريان الطبعة الأولى عام 1431 هـ ويقع في مجلد واحد.

(4)

أي لختم التكبير.

(5)

قال في المنظومة:

(وَالخَتْمُ عَصْرَ آخِرِ التّشْرِيقِ *** عِندهما بالجهرِ والتحقيقِ) انظر: المنظومة في الخلافيات؛ للنسفي (1/ 51).

(6)

فِي (ب): (فكَذَلِكَ).

(7)

أَيْ: النسفِي فِي المنظومة.

(8)

ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 219)، " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 16).

(9)

فِي الحاشية قَالَ: [والظاهر أن قوله آخر وَقْت الظُّهْرِ أ. هـ: خبر عَنْ قوله (معنى قوله) فلا معنى إذن لإدخال حرف التفسير فِي الخبر].

ص: 71

فَكَانَ هذَا نَظِيرُ قَولِهِ؛ فِيمَا بَعَدَهُ بِخُطُوطٍ، (وَآخِرُ وَقْتِ المغرب حِينَ يَغِيبُ الشّفَقُ)

(1)

.

وَلَاشَكَّ أَنَّ [بِغْيبُوبَةِ]

(2)

الشّفَقِ يَتَحَقّقُ الخُرُوجُ.

وَالدّلِيلُ عَلَى أَنَّ المُرَادَ هَذَا؛ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ رحمه الله فَقَالَ: (وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، سِوَى فَيْءِ الزّوَالِ؛ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَدَخَلَ وَقْتُ العَصْرِ، وَقَالَا: إِذَا صَارَ [ظِلُّ]

(3)

كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ؛ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَدَخَلَ وَقْتُ العَصْرِ)

(4)

.

وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي " شرح الطحاوي": (فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ؛ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَدَخَلَ وَقْتُ العَصْرِ

(5)

، فَقَدْ أَثْبَتَا

(6)

الخُرُوجَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ الَّذِي أَثْبَتَ هُنَا آخِرَ الوَقْتِ)

(7)

؛ عُلِمَ بِهذَا أَنَّ المُرَادَ بِهِ مَا ذَكَرْنَا.

أَوْ نَقُولُ: أَرَادَ بِآخِرِ الوَقْتِ هُنَا؛ القُرْبَ مِنْ آخِرِ الوَقْتِ الَّذِي يَتَحَقّقُ عِنْدَهُ الخُرُوجُ، وَبِمَا ذُكِرَ فِي المَنْظُومَةِ

(8)

حَقِيقَةُ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ، فَكَانَ لَفْظُ الآخِرِ بِمَنْزِلةِ لَفْظِ الأَجَلْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا؛ اسْمٌ لِتَمامِ الشّيْءِ، ثُمَّ يُذْكَرُ الأَجَلُ، وَيُرَادُ بِهِ القُرْبُ، ويُذْكَرُ، وَيُرَادُ بِهِ الانْقِضَاءُ.

(1)

ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 40).

(2)

فِي (أ): (غيبوبة). والصحيح مَا أثبت من (ب). ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 219)

(3)

سقطت من (أ).

(4)

ينظر: "فوائد القُدُوري"(ص 16)، و" الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 41)، و"البحر الرائق لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 258)، و" حاشية الطحاوي عَلَى مراقي الفلاح "(1/ 176).

(5)

هنا ينتهي قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله. ينظر: "المَبْسُوطِ"لمحمد بن الحسن (1/ 145).

(6)

فِي (ب): (أثبتنا).

(7)

ينظر: "شرح مختصر الطحاوي" لأبي بكر الجصاص (1/ 493).

(8)

ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 219)، " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 16).

ص: 72

وَقَالَ فِي " المَبْسُوطِ " فِي أَثْنَاءِ الكَلَامِ: (وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ}

(1)

أَيْ: قَارَبَ

(2)

بُلُوغُ أَجَلِهِنَّ، وَقَالَ تَعَالَى:{فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}

(3)

أَيْ: تَمَّ انْقِضَاءُ عِدَّتِهِنَّ)

(4)

.

وَنَظِيرُ هَذَا أَيْضًا مَا ذَكَرَ فِي " الأسرار "

(5)

فِي حَجّتِهِمَا

(6)

فَقَالَ: حُجّةُ الجَمَاعَةِ إِمَامَةُ جِبْرِيلَ فِي اليَوْمِ الأِوَّلِ، لِصَلَاةِ العَصْرِ؛ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَإِمَامَتُهُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ فِي اليَوْمِ الثّانِي، حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا لَا عَلَى طَرِيقِ النّسْخِ وَالتّنَاقُضِ، وَقَدْ جَاءَهُ يُعَلِّمُهُ

(7)

أوَّلَ الوَقْتِ وآخِرَهُ، لَكِنَّ نَقُولُ: صَلَّى بِهِ العَصْرَ فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ، كَمَا زَادَ عَلَى المِثْلِ، وَالظُّهْرَ فِي اليَوْمِ الثّانِي قَبْلَ أَنْ يَزِيدَ، وَبَيْنَ الحَالَيْنِ تَقَارُبٌ لَا يُفَرّقُ

(8)

إِلَّا بِمِعْيَارٍ، فَنَقَلَ الرّاوِي عَلَى حَسَبِ مَا فَهِمَ، وَلَكِنَّ الحَقِيقَةَ؛ مَا فَسّرْنَاهُ.

وَذَكَرَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رحمه الله فَقَالَ: (قَالَ مَشَايِخُنَا رحمهم الله: وَالاحْتِيَاطُ أَنْ يُؤَخِّرَ

(9)

الإِنْسَانُ صَلاةَ الظُّهرِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ.

والَّا يُصَلِّيَ [العَصْرَ]

(10)

حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ

(11)

؛ حَتَّى تَكُونَ الصَّلَاتَانِ فِي وَقْتِهِمَا بِالإجْمَاعِ)

(12)

.

(1)

سورة الطلاق: أول آية (2).

(2)

فِي (ب): (قرب).

(3)

سورة البقرة: (232)

(4)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 143 - 144).

(5)

انظر: "الأسرار" للدبوسي (ص: 582).

(6)

فِي (ب): (حجتها).

(7)

فِي (ب): (ليعلمه).

(8)

فِي (ب): (تفاوت لا يُعرف).

(9)

فِي (ب): (أن لا يؤخر) والنسخة (ب) هي الصواب. انظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي (1/ 41). و " البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري " (1/ 258).

(10)

زيادة من (ب).

(11)

الصحيح (حَتَّى يبلغ المثلين) كَمَا فِي " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 41)، "البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 258)، و"رد المحتار" لابن عابدين (1/ 359) و" اللباب فِي شرح الكتاب للميداني"(1/ 56).

(12)

ينظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 41)، "البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 258)، و"رد المحتار" لابن عابدين (1/ 359)، و" اللباب فِي شرح الكتاب للميداني"(1/ 56)

ص: 73

وَذَكَرَ فِي " الأسرار ": (مِنْ حُجّةِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله هِيَ مَا رُوِيَ عَنْ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ مَثَلَكُمْ وَمَثَلُ الأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ، مَثَلُ مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ الفَجْرِ إِلَى الظُّهْرِ؛ بِقِيرَاطٍ

(1)

؟ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ ثُمَّ قَالَ: مَنَ يَعْمَلُ لِي مِنَ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ بِقِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ العَصْرِ إِلَى المغرب بِقِيرَاطَيْنِ؟ فَعَمِلْتُمْ أَنْتُمْ، فَكُنْتُمْ أَقَلَّ عَمَلًا أو

(2)

أكثرَ أجرًا»

(3)

، فَضُرِبَ

(4)

قِصَرُ المُدَّةِ لِقَلَّةِ العَمَلِ مَثَلًا، فَجَاءَ مِنْ هَذَا أنَّ مُدَّةَ العَصْرِ أَقْصَرُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ أَقْصَرَ)

(5)

، إِذَا كَانَ الجَوَابُ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله؛ وَلِأَنَّ الوَقْتَ شُرِعَ لِلأَدَاءِ، عَلَى مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ المُسْتَحَاضَةِ؛ تَتَوضّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ

(6)

، إِلَّا أَنَّهُ شُرِعَ زَائِدًا عَلَى فِعْلِ الأَدَاءِ؛ تَوْسِعَةً، وَحَاجَةُ الظّهْرِ إِلَى الأَدَاءِ أَكْثَرُ، لِأَنَّ قَبْلَهَا أَرْبَعٌ مُؤَقّتَةٌ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ، وَلَيْسَ مَا بَعْدَ صَلَاةِ العَصْرِ وَقَبْلَهَا سُنَّةً مُؤَقّتَةً، ألَا تَرَى أَنَّ وَقْتَ العِشَاءِ أَحَدُّ

(7)

مِنْ وَقْتِ المغرب؛ لِأَنَّ الأَدَاءَ فِي العِشَاءِ أَكْثَرُ؛ لِأَنّهَا أَرْبَعٌ وَبَعْدَهَا الوِتْرُ.

(1)

القِيراط: جُزء مِنْ أَجْزَاءِ الدِينار؛ وَهُوَ نِصْفُ عُشْره فِي أَكْثَرِ الْبِلَاد، وأهل الشام يَجْعَلُونَهُ جُزْءًا مِنْ أَربعة وَعِشْرِينَ، وَالْيَاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الرَّاءِ واصله قِرّاط. ينظر " النهاية فِي غريب الحديث والأثر "(4/ 42)، و" لسان العرب لابن منظور "(7/ 375).

(2)

فِي (ب): (و).

(3)

أخرجه البخاري فِي "صحيحه"(3/ 179) فِي كتاب "فضائل القرآن"، باب "فضل القرآن علي سائر الكلام" حديث رقم (4831)

(4)

فِي (ب): (قصرت).

(5)

انظر: " الأسرار للدبوسي": (1/ 586). وقَالَ السرخسي والكاساني بمثل المذكور فِي الأَسْرَارِ، ينظر:"المَبْسُوطِ"(1/ 143)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 123). وقد اعترض على الاستدلال بهذا الحديث من خمسة أوجه:

الأول: أن الحديث ساقه النبي صلى الله عليه وسلم مساق ضرب الأمثال والأمثال مظنة التوسعات والمجاز.

الثاني: أن المراد بقوله (فكنتم أقل عملاً) أي من مجموع عمل الفريقين.

الثالث: أن ما بعد العصر مع التأهب لها بالأذان والإقامة والطهارة وصلاة السنة أقل مما بين العصر ونصف النهار

الرابع: كثرة العمل أو قلته، لا يدل على قصر الزمان، أو طوله؛ فقد يعمل الإنسان في زمن قصير، أكثر مما يعمل غيره في زمن مثله أو أطول منه.

الخامس: حديث جبريل عليه السلام وغيره من الأحاديث الواردة في تحديد الوقت؛ أحاديث صريحة، لا يتطرق إليها تأويل، وهذا الحديث؛ يتطرق إليه التأويل. انظر: المجموع شرح المهذب؛ للنووي (2/ 27)، المغني لابن قدامة (1/ 272).

(6)

ينظر: الآثار لمحمد بن حسن الشيباني (1/ 82).

(7)

كَذَا فِي (أ)، وفِي (ب) كأنها (أشدّ)، ولم أجد للعِبَارَةٌ نظيرا فيمَا بحثت فِيهِ من كتب الأحناف.

ص: 74

وَكَذَلِكَ الأَخْبَارُ وَرَدَتْ بِإِبْرَادِ الظّهْرِ

(1)

، (وَهُوَ بَعْدَ المِثْلَيْنِ، فَهَذِهِ اسْتِدلَالَاتٌ حَسَنَةٌ، لَكِنَّ النَّصَّ الَّذِي رَوَينَا فَوْقَ)

(2)

هَذِهِ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ)

(3)

المَعْنَى: ادْخُلُوا الصَّلَاةَ فِي البَرْدِ أَيْ: صَلُّوهَا إِذَا سَكَنَتْ فَوْرَةُ الحَرِّ وَشِدَّتُهُ. وَفَيْحُ جَهَنَّمَ: شِدَّةُ حَرِّهَا.

[أول وقت العصر]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وأول وَقْتِ العَصْرِ، إِذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ عَلَى القَوْلَيْنِ).

هَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ

(4)

-رحمهما الله-، وامَّا فِيمَا رَوَاهُ الحَسَنُ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ

(5)

، أَنَّهُ إِذَا صَارَ الظِّلُّ قَامَتَهُ يَخْرُجُ

(6)

وَقْتُ الظُّهْرِ، وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ العَصْرِ؛ حَتَّى يَصِيرَ الظِّلُّ قاَمَتَيْهِ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ مُهْمَلٌ؛ وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ النّاسُ؛ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، كَمَا أَنَّ بَيْنَ الفَجْرِ وَالظُّهْرِ

(7)

وَقْتًا مُهْمَلًا، كَذَا فِي " المَبْسُوطِ"

(8)

.

(1)

يشير إِلَى حديث «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ البخاري فِي صحيحه (1/ 113)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فِي كتاب، "مواقيت الصلاة"، "باب الإبراد بالظهر فِي شدة الحر "، حديث رقم (538).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

يقول صاحب الهداية: (ولأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم أبردوا بالظهر فَإِنَّ شدة الحر من فيح جهنم واشد الحر فِي ديارهم فِي هذا الوقت وإِذَا تعارضت الآثار لا ينقضي الوقت بالشك). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 40).

وهذا جزء من حديث أخرجه البخاري فِي "صحيحه": (1/ 183) فِي كتاب "مواقيت الصَّلاة"، باب "الإبراد بالظهر فِي شدة الحر" حديث رقم (525).

(4)

حيث قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: (آخر وَقْت الظُّهْرِ حين صار ظل كل شيء مثليه).

ينظر: " النتف فِي الفتاوى "(1/ 53)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 100)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 122)، ".

(5)

ينظر: "المَبْسُوطِ" لمحمد بن الحسن (1/ 145).

(6)

فِي (ب): (بخروج).

(7)

يوجد زيادة فِي (ب): (قامتيه). ويبدو أنها زيدت خطأ من الناسخ.

(8)

ينظر: "المَبْسُوطِ"للسرخسي (1/ 142 - 143).

ص: 75

[وقت المغرب]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَقَالَ الشّافِعِيُّ رحمه الله: مِقْدَارُ

(1)

مَا يُصَلِّي فِيهِ ثَلَاثُ رَكْعَاتٍ)

(2)

.

فَإِنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ

(3)

وَقْتُ المَغرب، مَقْصُورٌ عَلَى الفَرَاغِ مِنَ الأَدَاءِ [لِأوَّلِ]

(4)

الوَقْتِ؛ لِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ عليه السلام فِي المغربِ لِأَوَّلِ الوَقْتِ فِي الليْلَتَيْنِ جَمِيعًا.

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا؛ بِمَا رَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَقْتُ

(5)

المغرب مَا لمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ»

(6)

إلَّا أَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ أوَّلِ/ المغرب مَكْرُوهٌ

(7)

.

فَلِذَلِكَ، لمْ يُؤَخِّرْ جِبْرِيلُ عليه السلام، فإنَّهُ جَاءَ لِيُعَلِّمَهُ المُبَاحَ

(8)

مِنَ الأِوْقَاتِ، أَلَا تَرَاهُ لمْ يُؤَخِّرِ العَصْرَ إِلَى الغُرُوبِ، وَالوَقْتُ بَاقٍ إِلَيْهِ، وَلَا العِشَاءَ إِلَى الثُّلُثِ، وَبَعْدَهُ وَقْتُ العِشَاءِ بِالإِجْمَاعِ؟

(1)

فِي (ب): (مقداره).

(2)

يقول صاحب الهداية: (وأول وقت المغرب إِذَا غربت الشمس وآخر وقتها ما لم يغب الشفق، وقَالَ الشافعي رحمه الله: مقدار مَا يصلى فِيهِ ثلاث ركعات لِأَنَّ جبريل عليه السلام أم فِي اليومين فِي وقت واحد). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 40).

(3)

انظر في المذهب الشافعي كتاب: "الأم للشافعي"(1/ 92)

(4)

كَذَا فِي (ب) وفِي (أ): (الأول).

(5)

فِي (ب): (الوقت).

(6)

أخرجه الطيالسي في مسنده (2249)، وابن أبي شيبة في مسنده:(1/ 319)، ومسلم (612)(172) وأبو داود (396)، والنسائي في "المجتبى":(1/ 260)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار":(1/ 150)، والبيهقي في "السنن":(1/ 367). وإسناده صحيح على شرط الشيخين وقد ورد في بعض الروايات بلفظ (ثوْرُ الشفق)، بالثاء المثلثة، أي: انتشاره وثوران حمرته، من ثار الشيءُ يثورُ: إذا انتشر وارتفع. قاله ابنُ الأثير.

انظر" النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير "(1/ 229).

(7)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 144)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 297)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 346) و" البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 103).

(8)

المباح: ما استوى طرفاه. وما خيَّر الشرع المكلف بين فعله وتركه. انظر " التعريفات، للجرجاني"(ص: 196)

ص: 76

عَلَى أَنَّ المَصِيرَ

(1)

إِلَى مَا رَوَيْنَا أَوْلَى؛ لأَنَّهُ كَانَ بِالمَدِينَةِ، وَمَا رَوَاهُ كَانَ بِمَكّةَ كَذَا فِي"الأسرار "

(2)

وَ" مَبْسُوطِ شَيْخِ الإِسْلَامِ "

(3)

.

قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الشّفَقُ هُوَ

(4)

الحُمْرَةُ»)

(5)

(6)

.

وَلِأَنَّ الحُمْرَةَ، هِيَ الشّفَقُ المُتَعَارَفُ فِيمَا بَيْنَ

(7)

أَهْلِ اللِّسَانِ، وَكَذَا رُويَ عَنْ الأَصْمَعِيِّ

(8)

وَالخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ

(9)

(10)

.

(1)

فِي (ب): (العصر).

(2)

انظر "الأسرار " للدبوسي (599).

(3)

ينظر "بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 123).

(4)

(هو) زيادة، لم يثبتها صاحب الهداية. ينظر:"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 40).

(5)

أخرجه الدارقطني فِي "سننه"(1/ 507) فِي كتاب "الصَّلاة"، باب "الحث علي الركوع بين الأذانين فِي كل صلاة والركعتين قبل المغرب، ذكر الشفق" حديث رقم (1057)، والبيهقي فِي "الكبرى"(1/ 373) فِي كتاب "الصَّلاة"، باب "دخول وقت العشاء بغيبوبة الشفق". من حديث ابن عمر رضي الله عنه.

قَالَ السيوطي فِي "الجامع الصغير"(ص 304) صحيح، وقَالَ ابن الملقن فِي "البدر المنير" (2/ 187): غير موصول الإسناد إِلَى أحمد بن عمرو بن جابر.

(6)

يقول صاحب الهداية: (الشفق هُوَ البياض الَّذِي فِي الأفق بعد الحمرة عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وعندهمَا هُوَ الحمرة " وهُوَ رواية عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وهُوَ قول الشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام " الشفق الحمرة ").

=ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 40).

(7)

فِي (ب): (فيها من).

(8)

الأصمعي: هُوَ عبد الملك بن قريب بن عبد الملك أبو سعيد الأصمعي صاحب اللغة، والنحو، والغريب، والأخبار، والملح. سَمِع ابْن عَون، وشُعبة. وكَانَ من أهل البصرة، وقدم بغداد فِي أيام هارون الرشيد. مات سَنَة ست عشر ومئتين. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (5/ 428) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (12/ 157).

(9)

ينظر: "مختار الصحاح" للرازي (1/ 354)، و"لسان العرب" لابن منظور (10/ 179).

(10)

الخليل بن أحمد: هو الخليل بن أحمد بن محمد بن الخليل ابن موسى بن عبد الله بن عاصم بن جنك أبو سعيد السجزي القاضي الحنفِي، كَانَ أحد الْأَئِمَّة فِي فقه الْحَنَفِيَّة وَمن شعراء الْفُقَهَاء. توفِي بسمرقند وهُوَ قاض بها فِي جمادى الآخرة من سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة انظر:"يتيمة الدهر؛ للثعالبي"(4/ 387)"تاريخ العلماء النحويين " للتنوخي (1/ 123)، " تاريخ دمشق، لابن عساكر "(17/ 31).

ص: 77

وَلِأَنَّ الغَوَارِبَ

(1)

ثَلَاثٌ: الشَّمْسُ، وَالشَّفَقَانِ: الحُمْرَةُ، وَالبَيَاضُ

(2)

، كَالطَّوَالِعِ؛ الَّتِي هِيَ مِنْ

(3)

آثَارِ الشَّمْسِ ثَلَاثٌ: الفَجْرَانِ، وَالشَّمْسُ.

ثُمَّ مَا تَعَلَّقَ

(4)

بِالطَّوَالِعِ مِنْ خُرُوجِ الوَقْتِ (وَدُخُولِهِ، تَعَلّقَ بِأَوْسَطِ الطَّوَالِعِ؛ وَهُوَ الفَجْرُ الصَّادِقُ، فَمَا تَعَلَّقَ وُجُوبُه بِالغَوارِبِ)

(5)

مِنْ دُخُولِ الوَقْتِ وَخُرُوجِهِ؛ وَجَبَ أَنْ يَتَعَلّقَ بِأَوْسَطِهِ، وأوْسَطُ الغَوَارِبِ

(6)

الحُمْرَةُ.

وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه، بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}

(7)

جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ عَن ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ الدُّلُوكَ؛ هُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ

(8)

، فَاللهُ تَعَالَى قَدْ وَقَّتَ المغرب

(9)

إِلَى غَسَقِ اللّيْلِ، وَالغَسَقُ

(10)

؛ عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعِ الظُّلْمَةِ

(11)

، وَالظُّلْمَةُ لَا تَجْتَمِعُ إِلَّا بَعْدَ ذَهَابِ البَيَاضِ.

(1)

فِي (ب): (العورات).

(2)

فِي (ب): (الأحمر والأبيض).

(3)

(من) ساقطة من (ب).

(4)

فِي (ب): «يتعلق).

(5)

مابين القوسين؛ ساقط من (ب).

(6)

فِي (ب): (العورات).

(7)

سورة الإسراء: أول آية (78)

(8)

هناك ثلاث روايات عَنْ ابن عباس رضي الله عنهما فِي تفسير الدلوك:

الأولى: هُوَ زَوَالُ الشَّمْس، ينظر:"أحكام القرآن" للجصاص (3/ 249).

الثانية: هُوَ الْغُرُوبُ، يرويها عنه سعيد بن جبير. ينظر:"الوسيط فِي تفسير القرآن المجيد" للواحدي (3/ 120)

الثالثة: هُوَ زَيْغُهَا بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ، يَعْنِي الظِّهر. ينظر" جامع البيان عَنْ تأويل أَيْ القرآن " للطبري (15/ 27).

(9)

فِي (ب): (الغروب).

(10)

الغسق: ظلمة أول الليل. وقوله تعالى {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] قال الفراء: هو أول ظلمته، وقال ابن شميل: دخول أوله، وقيل حين يطخطخ بين العشائين، وقال الأخفش: غسق الليل ظلمته، وقال غيره: إذا غاب الشفق. انظر: "تاج العروس، للزبيدي"(7/ 35) واختلف في تعيين الصلاة التي أمر بإقامتها عنده فذكر الطبري في ذلك قولين:

القول الأول: المغرب وروي عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة.

القول الثاني: العصر، وروي ذلك عن ابي جعفر ورجح الطبري أنها صلاة المغرب دون غيرها لأن غسق الليل هو إقبال اللَّيل وظلامه. انظر:"جامع البيان عن تأويل أي القرآن، للطبري"(15/ 138).

ونَقَل ابن عمر وابن عباس وأبو برده والحسن، والجمهور أن غسق الليل إشارة إلى المغرب والعشاء. وعن ابن مسعود وزيد بن اسلم أن غسق الليل ظلمته، وذلك يعني العشاء. انظر:"البحر المحيط في التفسير لابن حيان (6/ 70)، و"أحكام القران للجصاص" (3/ 206).

(11)

ينظر: "أحكام القرآن" للجصاص (3/ 248).

ص: 78

وَكَذَلِكَ احْتَجَّ بِالحَدِيثِ

(1)

الَّذِي رَوَاهُ مِنِ اسْوِدَادِ

(2)

الأُفُقِ، وَاسْوِدَادِ الأُفُقِ، لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِ البَيَاضِ

(3)

.

وامَّا قَوْلُهُ رحمه الله: (بِأَنَّ الشَّفَقَ المُعْتَادَ هُوَ

(4)

الحُمْرَةُ).

قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ كَمَا يُطْلِقُونَ اسْمَ الشَّفَقِ عَلَيْهَا يُطْلِقُونَه عَلَى البَيَاضِ، هَكَذَا جَاءَ عَنْ المُبَرِّدِ

(5)

وأحْمَدِ بنِ يَحْيَى

(6)

، وَضَرْبٍ مِنَ الاسْتِدْلَالِ مِنْ طَرِيقِ اللغَةِ وَالفِقْهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ البَيَاضُ.

أَمَّا اللغَةُ

(7)

: فَإِنَّ الشَّفَقَ عِبَارَةٌ عَنْ الرِّقَّةِ، يُقَالَ: ثَوْبٌ شَفِقٌ، أَيْ: رَقِيقُ النَّسْجِ، أَوْ رَقَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، وَالشَّفَقَةُ مِنْ رِقّةِ القَلْبِ وَالمَحَبَّةِ، فَالبَيَاضُ أَوْلَى بِهَذَا الاسْمِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ البَيَاضِ أَرَقُّ مِنْ أَجْزَاءِ الحُمْرَةِ

(8)

.

(1)

وقد جاء فِي الحديث «وقت العشاء إِذَا ملأ الظلام الضراب» وفِي رواية «إِذَا ادلهم الليل» أَيْ استوى الأفق فِي الظلام وذلك لا يكون إلا بعد ذهاب البياض فبذهابه يخرج وقت المغرب. ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 145).

(2)

قوله (اسوداد) كما في المخطوطتين ووردت في كتاب المبسوط بلفظ (استواء) كَمَا ذكر السرخسي. ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 145)

(3)

من قوله: (وكَذَلِكَ .. ) ساقطة من (ب).

(4)

فِي (ب): (وهو).

(5)

المُبرِّد: هُوَ مُحَمَّد بن يزِيد بن عبد الْأَكْبَر بن عُمَيْر بن حسان بن سُليم أَبُو الْعَبَّاس المُبرِّد، ولد بالْبَصْرَة. وكَانَ عالمًا فاضلًا، موثوقًا به فِي الرواية، حسن المحاضرة، مليح الأخبار كثير النوادر، توفِي فِي سنة خمس وثمانين ومائتين، انظر: تاريخ العلماء النحويين " للتنوخي (1/ 53)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (4/ 603).

(6)

أحمد بن يحيى: هُوَ أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار النحوي الشيباني بالولاء كَانَ إمامَا فِي النحو واللغة وكَانَ ثقة حجّة، مشهوراً بالحفظ والمعرفة بالعربية ورواية الشعر. ولد سنة مائتين وتوفِي سنة إحدى وتسعين ومائتين. انظر " وفيات الأعيان لابن خلكان "(1/ 36) و" شذرات الذهب في أخبار من ذهب، للعكري "(2/ 207).

(7)

ينظر: "لسان العرب" لابن منظور (10/ 179).

(8)

فِي (أ): كتبت (أجراء) بالراء وهذا خطأ من الناسخ انظر " تبيين الحقائق للزيلعي (1/ 81).

ص: 79

وامَّا الفِقْهُ، فَإِنَّ المغرب بِمَنْزِلِةِ الفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا تُقَامُ فِي سَاعَةِ أَثَّرَ نُورُ الشَّمْسِ دُونَ عَيْنِهَا كَالفَجْرِ، ثُمَّ البَيَاضُ المُعْتَرِضُ فِي بَابِ الفَجْرِ

(1)

فِي حُكْمِ الحُمْرَةِ، فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ

(2)

؛ لِتَكُونَ صَلَاتَانِ، فِي وَضَحِ النَّهَارِ، مَعَ قِيَامِ عَيْنِ الشَّمْسِ، وَصَلَاتَانِ فِي أَثَرِهَا، وَصَلَاتَانِ فِي غَسَقِ الظَّلَامِ: العِشَاءِ، وَالوِتْرِ، فَقَوْلُهُمَا أَوْسَعُ لِلنَّاسِ، وَقَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ

(3)

أَحْوَطُ

(4)

؛ لِأَنَّ الأصل فِي بَابِ الصَّلَاةِ؛ أَلَّا يَثْبُتَ مِنْهَا رُكْنٌ وَلَا شَرْطٌ إلَّا بِمَا فِيهِ

(5)

يَقِينٌ؛ كَذَا

فِي "الأسرار "

(6)

و"مَبْسُوطِ شيخِ الإسلامِ "

(7)

.

[وقت العشاء]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ

(8)

رحمه الله فِي تَقْدِيرِهِ بِذَهَابِ ثُلُثِ الليْلِ)

(9)

وَفِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الإِسْلَامِ": ثُمَّ إِذَا غَابَ الشّفَقُ، أَجْمَعُوا

(10)

عَلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُ العِشَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ مَتَى يَخْرُجُ؟.

(1)

فِي (ب): (المحدود).

(2)

(هذه)، ساقطة من (ب).

(3)

هناك روايتان لأَبِي حَنِيفَةَ فِي الشَّفق فروي عنه أَنَّهُ قَالَ: (هُوَ: الْبيَاض الْمُعْتَرض فِي الْأُفق)، وروي كَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ:(هُوَ: الْحمرَة)، والقول المراد فِي من كلام الشارح هُوَ البياض. ينظر:"المَبْسُوطِ" لمحمد بن الحسن (1/ 145)، "الحجة علي أهل المدينة، للشيباني"(1/ 8)

(4)

في الأسرار (أوثق) انظر: " الأسرار "للدبوسي (600).

(5)

فِي (ب): (فيهما).

(6)

"الأسرار" للدبوسي (599 - 600).

(7)

ينظر: " المَبْسُوطِ للسرخسي "(1/ 145)"الفتاوى الهندية، للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند"(1/ 51).

(8)

قَالَ الإمام الشافعي رحمه الله: (فإِذَا مضى ثلث الليل الأول فلا أراها إلا فائتة لأَنَّهُ آخر وقتها). ينظر: "الأم للشافعي"(1/ 74).

(9)

يقول صاحب الهداية: (وأول وقت العشاء إِذَا غاب الشفق وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر الثاني لقوله عليه الصلاة والسلام، وآخر وقت العشاء حين يطلع الفجر وهُوَ حجة عَلَى الشافعي رحمه الله فِي تقديره بذهاب ثلث الليل) ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 40).

(10)

وممن نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر في الأوسط (2/ 339) وابن حزم في مراتب الإجماع (ص: 26) والنووي في المجموع: (3/ 38) وغيرهم.

ص: 80

فعَلَى قَوْلِ عُلَمَائِنَا، لَا يَخْرُجُ وَقْتُ العِشَاءِ مَا لمْ يَطْلُعِ الفَجْرُ الثَّانِي

(1)

.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي قَوْلٍ

(2)

: بِأَنَّهُ يَخْرُجُ وَقْتُ العِشَاءِ، مَتَى مَضَى ثُلُثُ الليْلِ. وَقَالَ فِي قَوْلٍ

(3)

: مَتَى مَضَى نِصْفُ الليْلِ، خَرَجَ وَقْتُ العِشَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا، فَيَمْتَدُّ حِينَئِذٍ إِلَى وَقْتِ طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي، وَاحْتَجَّ هُوَ بِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ عليه السلام، فَإنَّهُ صَلَّى بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم العِشَاءَ فِي الليْلَةِ الثَّانِيَةِ، بَعْدَمَا مَضَى ثُلُثُ الليْلِ.

وامَّا مَا رُوِّينَا مِنَ الحَدِيثِ، وامَّا تَعَلُّقُهُ بِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ؛ قُلْنَا: قَدْ رُوَى فِي إِمَامَتِهِ، أَنَّهُ أَخَّرَ العِشَاءَ فِي الليْلَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى النِّصْفِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَخِّرْ إِلَى النِّصْفِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إِلَيهِ

(4)

مَكْرُوهٌ؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْمُسَافِرِ

(5)

إِلَى انْفِجَارِ الصُّبْحِ، فَكَانَ وَقْتًا لِلْمُقِيمِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ السَّفَرِ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ، لَا فِي زِيَادَةِ الوَقْتِ.

وَذَكَرَ فِي "شَرْحِ الأَقْطَعِ "

(6)

: وَإِنَّ مَا قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ وَقْتٌ لِمَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ، فَكَانَ وَقْتًا لِغَيْرِهِمَا، كَمَا قَبْلَ نِصْفِ الليْلِ.

[تقديم الوتر عَلَى العِشَاء]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقْتُهُ وَقْتُ العِشَاءِ)

(7)

.

(1)

انظر: "بداية المبتدي"(ص: 11)، "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 41)، " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 222).

(2)

ينظر: "الأم للشافعي"(1/ 74).

(3)

وهُوَ قول الشافعي رحمه الله فِي القديم. ينظر: "المهذب فِي فقه الإمام الشافعي" للشيرازي (1/ 186).

(4)

(إليه)، ساقطة من (ب).

(5)

فِي (ب): (فلأَنَّهُ وقت مكروه للمسافر).

(6)

ينظر: " شرح القدوري "(1/ 402)

(7)

يقول صاحب الهداية: (وأول وقت الوتر بعد العشاء وآخره ما لم يطلع الفجر لقوله عليه الصلاة والسلام فِي الوتر "فصلوها مَا بين العشاء إِلَى طلوع الفجر". قَالَ رضي الله عنه: هذا عندهمَا وعند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وقته وقت العشاء إِلَّا أَنَّهُ لا يقدم عليه عند التذكر للترتيب). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 41).

ص: 81

هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِهِمَا، فَإِنَّ عِنْدَهمَا، إِنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُ الوِتْرِ، إِذَا صَلَّى العِشَاءَ، ثُمَّ يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقْتُ الوِتْرِ وَقْتَ العِشَاءِ، لَجَازَ أَدَاؤُهُ قَبْلَ أنْ يُصَلِّي العِشَاءَ فِي وَقْتِ العِشَاءِ!

فَأَجَابَ عَنْ هَذَا السُّؤالِ المُقَدَّرِ، بِقَوْلِهِ:(لِلتَرْتِيبِ)

(1)

، أَيْ؛ عَدَمِ جَوَازِ تَقْدِيمِ الوِتْرِ عَلَى صَلَاةِ العِشَاءِ لِأَجْلِ وُجُوبِ التَرْتِيبِ عِنْدَهُ، لَا لِأَنَّ وَقْتَ الوِتْرِ لَمْ يَدْخُلْ.

وَهَذَا الاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلافٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا؛ وَهُوَ أَنَّ الوِتْرَ فَرْضٌ؛ عَمَلًا؛ عِنْدَ

أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَالتَرْتِيبُ بَيْنَ الفَرَائِضِ وَاجِبٌ عِنْدَ التَذَكُّرِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُمَا الوِتْرُ سُنَّةٌ، فَكَانَ تبعًا لِلْعِشَاءِ

(2)

.

وَفِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الإِسْلَامِ"

(3)

: إِذَا أَوْتَرَ قَبْلَ العِشَاءِ مُتَعَمّدًا، كَانَ عَلَيهِ الإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ وِإِنْ أَوْتَرَ/ نَاسِيًا لِلْعِشَاءِ، أَوْ صَلَّى العِشَاءَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، (ثُمَّ نَامَ وَقَامَ وَتَوَضَّأَ وأوتر، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّى العِشَاءَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ)

(4)

فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ

(5)

لَا يُعِيدُ الوِتْرَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا

(6)

يُعِيدُ، فَإِنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا يُعِيدُ فِي الحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الوِتْرَ عِنْدَهُمَا سُنَّةٌ مِنْ سُنَّةِ العِشَاءِ، فَشُرِعَ بَعْدَ العِشَاءِ، تَبَعًا لهَا كَرَكْعَتَيِ العِشَاءِ.

فَكَمَا لَا يُجْزِيهِ رَكْعَتَا العِشَاءِ قَبْلَ العِشَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ سَاهِيًا لِلْعِشَاءِ أَوْ ذَاكِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ بَعْدُ، فَكَذَلِكَ الوِتْرُ، وامَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، يُعِيدُ حَالَةَ التَّذْكِيرِ

(7)

وَلَا يُعِيدُ حَالَةَ النِّسْيَانِ؛ لِمَا أَنَّ الوِتْرَ أُلْحِقَ بِالمَغْرِبِ فِي حَقِّ العَمَلِ عِنْدَهُ.

(1)

ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 41).

(2)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 150)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 103)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 272)، و"المستصفى" للنسفِي (1/ 415 - 416).

(3)

هذا الكلام منقول من "المَبْسُوطِ" لمحمد بن الحسن (1/ 148).

(4)

فِي (ب): (والوتر بوضوء).

(5)

ينظر: "المَبْسُوطِ" لمحمد بن الحسن (1/ 148).

(6)

المصدر السابق.

(7)

فِي (ب): (التذكر).

ص: 82

وَلَوْ صَلَّى المغرب؛ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْعَصْرِ، لَا يُجْزِيهِ

(1)

فِي سِعَةِ الوَقْتِ

(2)

وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا لِلْعَصْرِ أَجْزَأَهُ، فَكَذَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ العِشَاءِ، ثُمَّ إِنَّهُمَا يُوَافِقَانِ

أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله فِي وُجُوبِ القَضَاءِ، فَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً؛ لَمَا وَجَبَ القَضَاءُ

(3)

كَمَا فِي سَائرِ السُّنَنِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

‌فَصْلٌ: وَيُسْتُحَبُّ الإِسْفَارُ بِالفَجْرِ

لَمَّا ذَكَرَ أَصْلَ الأَوْقَاتِ، اسْتَدْعَى هُوَ ذِكْرَ مَا هُوَ الكاملُ فِيهِ؛ حَتَّى لَوْ صَلَّى فِيهِ، كَانَ هُوَ

(4)

مُؤَدِّيًا أَصْلَ الفَرِيضَةِ، وَمُسْتَجْلِبًا زِيَادَةَ الفَضِيلَةِ عَلَى وَجْهِ الكَمَالِ؛ وَهُوَ ذِكْرُ الأَوْقَاتِ المُسْتَحَبّةِ.

[استحباب الإسفار بالفجر]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَيُسْتَحَبُّ الإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ)

يُقَالَ: أَسْفَرَ الصُّبْحُ أَيْ؛ أَضَاءَ، وَمِنْهُ أَسْفَرَ بِالصَّلَاةِ

(5)

إِذَا صَلَّاهَا فِي الإِسْفَارِ، وَالبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، فَالأَفْضَلُ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ الإِسْفَارُ بهَا، تُبْدَأُ بِالإِسْفَارِ (وَتُخْتَمُ بِالإِسْفارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ،

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ

(6)

رحمه الله: تُبْدَأُ بِالتَّغْلِيسِ وَتُخْتَمُ بِالإِسْفَارِ)

(7)

، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ وَهُوَ أَنْ يُطَوّلَ القِرَاءَةَ

(8)

، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله

(9)

المُسْتَحَبُّ هُوَ التَّغْلِيسُ

(10)

(11)

.

(1)

قاله محمد بن الحسن. ينظر: "المَبْسُوطِ" لمحمد بن الحسن (1/ 283).

(2)

(الوقت): ساقطة من (ب).

(3)

(فلو كانت سنَّة لمَا وجب القضاء): ساقطة من (ب).

(4)

(هُوَ) ساقطة من (ب).

(5)

فِي (ب): (أسفرت الصَّلاة).

(6)

الطحاوي: أحمد بن محمد بن سلامة، أبو جعفر الطحاوي الأزدي، كَانَ إمامَا، جليل القدر فقيهاً حافظاً، وكَانَ يقرأ عَلَى المزني الشافعي رحمه الله وهُوَ خاله، وكَانَ يكثر النظر فِي كتب الحنفية، فقَالَ له المزني: والله لا يجيء منك شيء، فغضب وانتقل من عنده وتفقه فِي مذهب أَبِي حَنِيفَةَ وصار إمامَا. والطحاوي نسبة إِلَى طحية قرية بصعيد مصر. ولد سنة ثلاثين ومائتين وتوفِي سنة 321 هـ. انظر:"الجواهر المضية في طبقات الحنفية، للقرشي "(1/ 102) و"التعليقات السنية على الفوائد البهية، للكنوي "(ص 21) و"وفيات الأعيان لابن خلكان"(1/ 23).

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

قَالَ الطحاوي: (إن كَانَ من عزمه تطويل القراءة فالأفضل أن يبدأ بالتغليس ويختم بالإسفار وإن لم يكن من عزمه تطويل القراءة فالإسفار أفضل من التغليس). ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 145)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 102)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 124).

(9)

ينظر: "الأم للشافعي "(7/ 165).

(10)

فِي (ب): (الغلس).

(11)

التَّغْلِيسُ: الْخُرُوج بِغَلَسٍ وَهُوَ ظُلْمَةُ آخِرُ اللَّيْلِ، يُقَالَ غَلَّسَ بِالصَّلَاةِ إِذَا صَلَّاهَا فِي الْغَلَسِ.

انظر " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: 342)"مختار الصحاح، للرازي"(ص: 228).

ص: 83

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ جَمِيعًا فِي الأَزْمِنَةِ كُلِّهَا، إَلَّا صَلَاةَ الفَجْرِ بِمُزْدَلِفَةَ

(1)

لِلْحَاجِّ

(2)

، فَإِنَّ التَّغْلِيسَ بِهَا أَفْضَلُ

(3)

، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخَّرَ تَأْخِيرًا يَقَعُ لَهُ الشَّكُّ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ فَسَادَ صَلَاتِهِ؛ كَذَا فِي "شرح الطحاوي"

(4)

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: (يُسْتَحَبُّ لَهُ

(5)

التَّعْجِيلُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ)

(6)

، الُمَرادُ مِنَ التَّعْجِيلِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الأَدَاءُ فِي النِّصْفِ الأوَّلِ كَذَا فِي "الأسرار"

(7)

.

وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله

(8)

بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَاَنتِ النَسَاءُ تَنْصَرِفُ

(9)

مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنِّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ شِدَّةِ الغَلَسِ»

(10)

؛ وَلِأَنَّ فِي هَذَا إِظْهَارَ المُسَارَعَةِ فِي أَدَاءِ العِبَادَةِ؛ وَهُوَ مَنْدُوبٌ

(11)

إِلَيهِ بِقَوْلِهِ

(12)

تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}

(13)

.

(1)

المُزْدَلِفَةُ: بالضم ثم السكون، ودال مفتوحة مهملة، ولام مكسورة، وفاء، اختلف فيها لم سميت بذلك فقيل مزدلفة منقولة من الازدلاف وهُوَ الاجتماع، وقيل: لازدلاف آدم وحواء بها أَيْ لاجتماعهما، وقيل: لنزول الناس بها فِي زلف الليل وهُوَ جمع أيضا، وهُوَ مبيت للحاجّ ومجمع الصلاة إِذَا صدروا من عرفات، وهُوَ مكَانَ بين بطن محسّر والمأزمين، والمزدلفة: المشعر الحرام ومصلّى الإمام يصلي فِيهِ = العشاء والمغرب والصبح، وهي فرسخ من منى بها مصلى وسقاية ومنارة. انظر:"معجم البلدان لياقوت الحموي "(5/ 120).

(2)

فِي (ب): (للحجاج).

(3)

نقل قاضي خان الإجماع على هذا. ينظر: "فتاوى قاضي خان"(ص 91) فالسُّنَّة أن يعجِّل الصلاة فِي أول وقتها فِي المزدلفة بأذان وإقامة، ويدلُّ عَلَى ذلك حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:«فَجَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى المغرب، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» أخرجه البخاري كتاب «الوضوء» ، باب إسباغ الوضوء (1/ 44)، وفِي كتاب «الحج» ، باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة:(1/ 403)، ومسلم، فِي كتاب «الحج»:(1/ 584)، حديث رقم:(1280)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.

(4)

ينظر: " شرح مختصر الطحاوي"(1/ 525) ومَا بعدها.

(5)

(له)، زيادة من (ب).

(6)

ينظر: "الأم للشافعي"(1/ 46).

(7)

"الأسرار" للدبوسي (605).

(8)

ينظر: "الأم للشافعي"(1/ 74).

(9)

فِي (ب): (ينصرفن).

(10)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 191)، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الفجر، حديث (564) وأخرجه مسلم في"صحيحه"(ص 253)، كتاب المساجد، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهُوَ التغليس وبيان قدر القراءة فيها، حديث (645).

(11)

المندوب: ما فعله خير من تركه وهو المسمى المندوب والمستحب والتطوع.

انظر: "كشف الأسرار للبخاري": (2/ 300 - 303)، " المغني" للخبازي:(83 - 86).

(12)

فِي (ب): (لقوله).

(13)

سورة آل عمران: من آية (133).

ص: 84

وَلَنَا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيج رضي الله عنه أَنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ، فَإنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ»

(1)

وَلِأَنَّ فِي الإِسْفَارِ تَكْثِيرَ الجَمَاعَةِ، وَفِي التَّغْلِيسِ تَقْلِيلُهَا، وَمَا يُؤَدِّي إِلَى تَكْثِيرِ الجَمَاعَةِ كَانَ أَفْضَلَ؛ وَلِأَنَّ المُكْثَ فِي مَكَانَ الصَّلَاةِ؛ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مَنْدُوبٌ إِلَيهِ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ صَلَّى الفَجْرَ وَمَكَثَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَكَأنَّمَا أَعْتَقَ أَرْبَعَ رِقَابٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام»

(2)

، وَإِذَا أَسْفَرَ بِهَا؛ تَمَكَّنَ مِنْ إِحْرَازِ

(3)

هَذِهِ الفَضِيلَةِ، وَعِنْدَ التَّغْلِيسِ قَلَّ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ.

وأما حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَاتِ؛ إِسْفَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِصَلَاةِ

(4)

الفَجْرِ، فَإِنْ ثَبَتَ التَّغْلِيسُ فِي وَقْتٍ، فَلِعُذْرِ الخُرُوجِ إِلَى سَفَرٍ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ حِينَ تَحْضُرُ النِّسَاءُ الصَّلاةَ بِالجَمَاعَةِ، ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ حِين أُمِرْنَ بِالقَرَارِ فِي البُيُوتِ.

(1)

الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/ 465)، والدارمي (1/ 277): كتاب: باب الإسفار بالفجر "20"، وأبو داود (1/ 294) كتاب الصلاة: باب في وقت الصبح، الحديث "424"، بلفظ: "أصبحوا بالصبح

"، والترمذي (1/ 289): كتاب الصلاة: باب ما جاء في الإسفار بالفجر، الحديث "154"، والنسائي (1/ 272): كتاب المواقيت: باب الإسفار "325"، وابن ماجة (1/ 221): كتاب الصلاة: باب وقت صلاة الفجر، الحديث "672"، بلفظ "أصبحوا بالصبح .... "، وقال الترمذي: حديث رافع بن خديج حسن صحيح. وصححه ابن حبان فأخرجه في "صحيحه "، "263 - مواد".

(2)

أخرجه أبو داود فِي "سننه"(ص 405) فِي كتاب "العلم"، باب "فِي القصص" حديث رقم (3667)، وأبو يعلي فِي "مسنده" حديث رقم (3392)، قَالَ أبو داود فِي "سننه" (ص 405): سكت عنه وقد قَالَ فِي رسالته لأهل مكة كل مَا سكت عنه فهُوَ صالح، قَالَ الطبراني فِي "المعجم الأوسط" (6/ 137): لم يرو هذا الحديث عَنْ محتسب إلا عرعرة بن البرند تفرد به ريحان بن سعيد.

(3)

فِي (أ): حرفان غير واضحين كأنهمَا (ها) أو (نا) عقب حروف كلمة (إحراز)، وفِي (ب):(إحراز) دون الحرفين.

(4)

فِي (ب): (بصلاة).

ص: 85

وأما الجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِالآيَةِ، فَقُلْنَا

(1)

: المُسَارَعَةُ إِلَى مَغْفِرَةِ اللهِ، إِنَّمَا تَكُونُ فِي المُسَارَعَةِ إِلَى الشَّيْءِ، الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ فِي تَكْثِيرِ الجَمَاعَةِ، لَا فِي تَقْلِيلِهَا، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي التَّنْوِيرِ، فَكَانَ فِي التَّنْوِيرِ؛ مُسَارَعةً إِلَى المَغْفِرَةِ، لَا فِي التَّغْلِيسِ، عَلَى أَنَّ الآيَةَ عَامَّةٌ، فَنَحْمِلُهَا عَلَى بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، بِدَلِيلِ مَا رُوِّينَا، كَذَا فِي المَبْسُوطَيْنِ "

(2)

وَالمَعْنَى الفِقْهِيُّ فِيهِ؛ أَنَّ تَأْخِيرَ الفَجْرِ إِلَى آخِرِ الوَقْتِ، مُبَاحٌ بِالإِجْمَاعِ، لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَتقْلِيلُ الجَمَاعَةِ؛ أَمْرٌ مَكْرُوهٌ، وَكَذَلِكَ إِيقَاعُ النَّاسِ فِي الحَرَجِ، وَالتَّغْلِيسُ بِالفَجْرِ يُؤَدِّي إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ

(3)

: إِمَا إِزْعَاجُ النَّاسِ لِأَوَّلِ الوَقْتِ، وَفِيهِ حَرَجٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِخِلَافِ العَادَةِ، وَإِمَّا تقْلِيلُ الجَمَاعَةِ؛ وَهُوَ فَاسِدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نهَى مُعَاذًا

(4)

عَنْ التَّطْوِيلِ فِي القِرَاءَةِ

(5)

، وَعَلَّلَ لَهُ بِتَنْفِيرِ النَّاسِ عَنْ الجَمَاعَةِ.

(1)

فِي (ب): (قلنا).

(2)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 146).

(3)

فِي (ب): كلمة غير واضحة.

(4)

معاذ: هُوَ الصحابي الجليل معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي، من بني سلمة، الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن. أسلم وله ثماني عشرة سنة، شهد العقبة وبدراً، وكَانَ إمامَا ربانيا، قَالَ له النبي صلى الله عليه وسلم:«يا معاذ، والله إني أحبك» . توفى: 18 هـ.

انظر: "سير أعلام النبلاء للذهبي "(1/ 443)"تاريخ الإسلام للذهبي "(2/ 101)"أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير "(4/ 418)" الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر "(6/ 107).

(5)

فَإِنَّ معاذاً رضي الله عنه لمَا طوَّل القراءةَ قَالَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بِسُورَةِ كَذَا، وَسُورَةِ كَذَا» . أخرجه الشافعي فِي "مسنده"(1/ 226)، كتاب الصلاة، بَابُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَمَا يُقْرَأُ فِيهَا، حديث (145)، وأخرجه الحميدي فِي "مسنده"(2/ 331)، حديث (1283)، وأخرجه ابن أبي شيبه في"مصنفه"(3/ 234)، كتاب الصلاة، باب مَا يقرأ به فِي المغرب، حديث (3625)، وأخرجه أحمد في"مسنده"(22/ 99)، حديث (14190)، وأخرجه بن خزيمة فِي "صحيحه"(3/ 51)، حديث (1611)، وأخرجه بن حبان فِي "صحيحه"(6/ 159)، كتاب الصلاة، باب إعادة الصلاة، ذكر الإباحة للمرء أن يؤدي فرضه جماعة ثم يؤم الناس بتلك الصلاة، حديث (2400)، وأخرجه البيهقي فِي "سننه الكبرى"(3/ 85)، كتاب الصلاة، جماع أبواب اختلاف نية الإمام والمأموم وغير ذلك، باب الفريضة خلف من يصلى النافلة، حديث (5303). قَالَ الأرناؤوط عَنْ رواية أحمد:(إسناده صحيح علي شرط الشيخين)، وقَالَ عَنْ رواية بن خزيمة:(إسناده قوي).

ص: 86

وَطُولُ القِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ

(1)

فِي الأصل سُنَّةٌ

(2)

فَوْقَ تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الوَقْتِ

(3)

، ثُمَّ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ تِلْكَ السُنَّةِ مَعَ قُوَّتِهَا؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى تَقْلِيلِ الجَمَاعَةِ؛ فلِأَنَّ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْ أَدْنَاهَا

(4)

لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى تَقْلِيلِ الجَمَاعَةِ أوْلَى؛ كَذَا فِي "الأسرار"

(5)

.

(ثُمَّ حَدُّ التَّنْوِيرِ، مَا قَالَ شَمْسُ الأَئِمَّةِ الحُلْوَانِيُّ وَالقَاضِي الإِمَامُ/ أَبُو عَلِيٍّ النسفي

(6)

أَنَّهُ يَبْدَأُ الصَّلَاةَ بَعْدَ انْتِشَارِ البَيَاضِ، فِي وَقْتٍ لَوْ صَلَّى الفَجْرَ بِقِرَاءَةٍ مَسْنُونَةٍ، مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ آيَةً إِلَى سِتِّينَ آيَةً، أَوْ أَكْثَرَ وَيُرَتِّلُ

(7)

القِرَاءَةَ.

فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، لَوْ ظَهَرَ لَهُ سَهْوٌ فِي طَهَارَتِهِ، يُمْكِنُهُ أَنْ

(8)

يَتَوَضَّأَ وَيُعِيدَ الصَّلَاةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما كَذَا فِي "فتاوى قاضي خان" رحمه الله

(9)

.

(1)

فِي (ب): (للصلاة).

(2)

يقول محمد بن الحسن: (وَلَكِنَّا نَسْتَحِبُّ لِلْإِمَامِ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ؛ وَهُوَ مُقِيمٌ أَنْ يُطِيلَ فِيهَا الْقِرَاءَةَ، أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِسُورَةٍ تَكُونُ عِشْرِينَ آيَةً فَصَاعِدًا سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيُطِيلُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله. ينظر: الآثار لمحمد بن حسن الشيباني (1/ 196).

(3)

فِي (ب): (الأول).

(4)

فِي (ب): (أدائها).

(5)

"الأسرار " للدبوسي (617).

(6)

أبو علي النسفي: هو الحسين بن الخضر بن محمد بن يوسف الفقيه القشيدرجي القاضي أبو علي النسفي قَالَ السمعاني كَانَ إمام عصره تفقه ببغداد وناظر المرتضى في توريث الأنبياء من أصحاب الإمام أبي بكر محمد بن الفضل اجتمع به ببخارى وله أصحاب وتلامذة مات سنة 424 هـ وقد قارب الثمانين، "سير أعلام النبلاء للذهبي "(17/ 218)، "الجواهر المضية فِي طبقات الحنفية" للقرشي (1/ 211)

(7)

فِي (ب): (ويريد).

(8)

فِي (ب): (يمكن أن).

(9)

ينظر: "فتاوى قاضي خان"(ص 91).

ص: 87

[الإبراد بالظهر]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِّينَا)

(1)

إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: «أَسْفِرُوا بِالفَجْرِ» .

وَقَوْلُهُ: (وَمَا يَرَوْنَهُ)

(2)

إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ أَبْرَدَ بِهَا» ، فَإنَّهُ يَدَّعِي التَّعْجِيلَ فِي كُلِّ صلاةٍ، فَكَانَ الإِبْرَادُ

(3)

بِالظُّهْرِ حُجَّةً عَلَيْهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الظُّهْرِ: (إِنْ كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ، يُعَجِّلُهَا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي بِالجَمَاعَةِ؛ يُؤَخِّرُ يَسِيرًا

(4)

(5)

، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ

(6)

.

قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا فَلَمْ يُشْكِنَا»

(7)

أَيْ؛ لمْ يُزِلْ شِكَايَتَنا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعَجِّلُ الظُّهْرَ، وإنا نَقُولُ: تَأْوِيلُهُ

(8)

أَنَّهُمْ طَلَبُوا تَرْكَ الجَمَاعَةِ أَصْلًا بِدَلِيلٍ، أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا المَسْجِدَ لَا يُؤْذِيهِمْ حَرُّ الرَّمْضَاءِ، فَكَانَ شَكْوَاهُمْ لِأَجْلِ القُعُودِ عَنْ الجَمَاعَةِ، عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ:«فَلَمْ يُشْكِنَا» أَيْ؛ لمْ يَدَعْنَا فِي الشِّكَايَةِ، بَلْ أَزَالَ شَكْوَانَا؛ بِأَنْ أَبْرَدَ بِهَا.

(1)

قوله: (مَا روينا) خطأ، صوابه:(والحجة عليه مَا رويناه) والمقصود أَنَّهُ حجة عَلَى الإمام الشافعي رحمه الله، ينظر:"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 41).

(2)

فِي (ب): (نرويه). و (ب) هي الصواب، ينظر:"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 41)

(3)

الإبراد: انكسار الوهج والحر، وهو من الإبراد: الدخول في البرد. وحكى الأزهري عن العرب أنهم كانوا في شدة الحر ويقيلون، فإذا زالت الشمس ثاروا إلى ركابهم، ونادى مناديهم: ألا قد أبردتم فاركبوا. "النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير: (1/ 114)، "لسان العرب لابن منظور": (3/ 84).

(4)

فِي (ب): (تيسيرا).

(5)

ينظر: "الأم للشافعي"(1/ 73).

(6)

خباب بن الأرت: هُوَ خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب. من بني سعد وكَانَ سادس ستة فِي الإسلام. شهد بدرًا. نزل الكوفة وابتنى بها دارًا فِي جهار سوج خنيس وتوفِي بها منصرف علي. رضي الله عنه. من صفين سنة 37 هـ فصلى عليه علي ودفنه بظهر الكوفة. وكَانَ يوم مات ابن ثلاث وسبعين سنة. انظر: " الطبقات الكبرى لإبن سعد"(3/ 121)" معرفة الصحابة "(ص: 485)" أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير "(1/ 591).

(7)

أخرجه مسلم فِي "صحيحه"(ص 246) فِي كتاب "المساجد"، باب "استحباب تقديم الظهر فِي أوَّل الوقت فِي غير شدة" حديث رقم (619).

(8)

(تأويله)، ساقطة من (ب).

ص: 88

[تأخير صلاة العصر]

وَلَنَا فِي تَأْخِيرِ العَصْرِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ» وَهَذَا مِنْهُ بَيَانُ تَأْخِيرِ العَصْرِ، وَقِيلَ: سُمِّيَتِ العَصْرَ؛ لِأَنَّهَا تُعصَرُ أَيْ: تُؤَخَّرُ، وَلِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ العَصْرِ؛ تَكْثِيرَ النَّوَافِلَ؛ لِكَرَاهَتِهَا بَعْدَ العَصْرِ، وَلِهَذَا كَانَ التَّعْجِيلُ فِي المغرب أَفْضَلَ لِأَنَّ أَدَاءِ النَّافِلَةِ قَبْلَهَا مَكْرُوهٌ، وَتَكْثِيرُ النَّوَافِلِ

(1)

أَفْضَلُ مِنَ المُبَادَرَةِ إِلَى الأَدَاءِ [لِأَوَّلِ]

(2)

الوَقْتِ كَذَا في" المَبْسُوطِينِ "

(3)

.

قوله رحمه الله: (وَالمُعْتَبَرُ تَغُيُّرُ القُرْصِ؛ وَهُوَ أَنْ لَا

(4)

يَصِيرَ بِحَالٍ لَا تَحَارُ فِيهِ الأَعْيُنُ هُوَ الصَّحِيحُ)

(5)

.

الحَيْرَةُ: التَّحَيُّرُ، وَفِعْلُهَا مِنْ بَابِ لَيْسَ، وَقَوْلِهِمْ: بِحَيْثُ لَا تَحَارُ فِيهِ العَيْنُ، أَيْ؛ ذَهَبَ ضَوْءُهَا، فَلَا يَتَحَيَّرُ فِيهِ البَصَرُ، كَذَا فِي " المغرب "

(6)

.

وَقَوْلُهُ رحمه الله: (هُوَ الصَّحِيحُ)، الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى تَغَيُّرِ القُرْصِ، لَا تَغَيّرِ الضّوْءِ

(7)

، وَهَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ سُفْيَانَ

(8)

وَإِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ، فَإِنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ

(9)

تَغَيّرَ الضَّوْءِ الَّذِي يَقَعُ فِي الجُدْرَانِ

(10)

.

(1)

فِي (ب): (النافلة).

(2)

فِي (أ): الأول، والمثبت من (ب).

(3)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 147).

(4)

(لا) غير مثبته فِي النسخ المطبوعة من الهداية. ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 41).

(5)

مَا بين قوسين من كلام صاحب الهداية، حيث يقول:(وتأخير العصر ما لم تتغير الشمس فِي الصيف والشتاء لمَا فِيهِ من تكثير النوافل لكراهتها بعده والمعتبر تغير القرص، وهُوَ أن يصير بحال لا تحار فِيهِ الأعين هُوَ الصحيح والتأخير إليه مكروه) ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 41).

(6)

انظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (1/ 236).

(7)

(لا تغير الضوء)، ساقطة من (ب).

(8)

سفيان: هُوَ سفيان بن عيينة أبو محمد مولى بني هلال الكوفِي سكن مكة، وكَانَ له فِي العلم قدر كبير، ومحل خطير، أدرك نيفا وثمانين نفسا من التابعين، مات سنة ثمان وسبعين ومائة، انظر:"التاريخ الكبير للبخاري "(4/ 94)"تاريخ بغداد للخطيب البغدادي "(10/ 244).

(9)

فِي (ب): (يعتبر).

(10)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 275).

ص: 89

قَالَ شَمْسُ الأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله: (أَخَذْنَا بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ وَهُوَ اعْتِبَارُ تَغَيُّرِ القُرْصِ، لِأَنَّ تَغَيُّرَ الضَّوْءِ يَحْصُلُ بَعْدَ الزَّوَالِ)

(1)

.

وَفِي " المُحِيطِ ": (وَبِهِ كَانَ يَقُولُ مَشَايِخُ بلخ

(2)

، وَالشَّيْخُ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الفَضْلِ رحمهم الله، ثُمَّ تَكَلَّمُوا فِي مَعْرِفَةِ التَّغَيُّرِ فِي القُرْصِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا قَامَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ، قَدْرَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ؛ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَإِذَا صَارَتْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؛ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُوضَعُ طَشْتُ

(3)

مَاءٍ فِي صَحْرَاءٍ، وَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنَّ كَانَ القُرْصُ يَبْدُو لِلنَّاظِرِ؛ فَقَدْ تَغَيّرَتْ)

(4)

.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا ذُكِرَ فِي الكِتَابِ، فَكَانَ تَفْسِيرُهُ بِقَوْلِه رحمه الله:(وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ بِحَالٍ لَا تَحَارُ فِيهِ الأَعْيُنُ)؛ احْتِرَازًا عَنْ هَذَيْنِ التَّفْسِيرَيْنِ، وَكَانَ قَوْلُهُ:(هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَنْ اعْتِبَارِ بَعْضِهِمْ التَّغَيُّرَ

(5)

فِي الضَّوْءِ عَلَى مَا حَكَيْنَا، فَفِي كُلِّ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِه رحمه الله لَوْ فَتَّشْتَهُ تَجِدُ فِيهِ فَائِدَةً جَدِيدَةً وَعَائِدَةً عَتِيدَةً

(6)

جَزَاهُ اللهُ عَنَّا خَيْرًا.

(1)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 144).

(2)

بلخ: مدينة مشهورة بخراسان ومن أجل مدنها خضعت بعد موت الأسكندر الكبير للحكم السلوقي زمنا ثم خرجت عليه وانضمت إِلَى فارس وكانت مركزا للثقافة اليونانية وسوقا نشطا للتجارة. تقع عَلَى الشاطئ الجنوبي لنهر جيحون وهي اليوم من بلاد الأفغان وينسب إليها كثير من العلماء منهم الحافظ أبو بكر عبد الله بن جياش البلخي والحسن بن شجاع أبو علي البلخي المحدث وأبو إسحاق إبراهيم بن يوسف الباهلي البلخي وجلال الدين الرومي الزاهد المتصوف وغيرهم. انظر: " معجم البلدان لياقوت الحموي (1/ 479)، "آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني" (ص: 331).

(3)

فِي (ب): (طست). والصحيح (ب). ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 275).

(4)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 275).

(5)

فِي (ب): (للتغير).

(6)

فِي (ب): (عبيدة).

ص: 90

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالتَّأْخِيرُ إِلَيْهِ مَكْرُوهٌ) (وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: التَّأْخِيرُ إِلَى هَذَا الوَقْتِ مَكْرُوهٌ، فَأَمَّا الفِعْلُ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ

(1)

بِالْفِعْلِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ إِثْبَاتِ الكَرَاهَةِ لِلشَّيْءِ مَعَ الأَمْرِ بِهِ) كَذَا فِي "الإِيضَاحِ"، وَ" المُحِيطِ "

(2)

إِلَّا أَنَّ فِي "الإِيضَاحِ" لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ البَعْضِ

(3)

بَلْ قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا.

[استحباب تعجيل صلاة المغرب]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَ)(يُسْتَحَبُّ)(تَعْجِيلُ المغرب)؛ (لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا مَكْرُوهٌ):

فَإِنَّ قُلْتَ: لَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الكَرَاهَةِ بِتَرْكِ

(4)

التَّأْخِيرِ، الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّعْجِيلِ إِثْبَاتُ الاسْتِحْبَابِ

(5)

؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً، وَهِيَ الإِبَاحَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَرْكِ تَأْخِيرِ العِشَاءِ إِلَى النِّصْفِ الأَخِيرِ الَّذِي كَانَ تَأْخِيرُهُ إِلَيْهِ يُوجِبُ الكَرَاهَةَ؛ ثُبُوتُ الاسْتِحْبَابِ

(6)

، حَيْثُ أُبِيحَ التَّأْخِيرُ إِلَى نِصْفِ الليْلِ مِنْ غَيْرِ ثبُوتِ الاسْتِحْبَابِ، عَلَى مَا يَجِيءُ بُعيْدَ

(7)

هَذَا، فَكَيْفَ اسْتَدَلَّ هُنَا؛ عَلَى ثُبُوتِ الاسْتِحْبَابِ بِكَرَاهَةِ التَّأخِيرِ؟

قُلْتُ: الاسْتِدْلَالُ عَلَى ثُبُوتِ المُدَّعِي بِحُكْمِ الضِّدِّ مُسْتَقِيمٌ فِيمَا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا فِيهِ الوَاسِطَةُ، وَعَنْ

(8)

هَذا افْتَرَقَ الاسْتِدْلَالُ فِي حَقِّ المغرب، وَالعِشَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: هَذَا مُتَحَرَّكٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَاكِنٍ يَصِحُّ، وَلَوْ قُلْتَ: هَذَا أَبْيَضُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَسْوَدَ لَا

(9)

يَصِحُّ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَصْفَرَ أَوْ غَيْرَهُ

(10)

.

(1)

فِي (ب): (غير مأمور).

(2)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 275).

(3)

فِي (ب): (بعض اللفظ).

(4)

فِي (ب): (ترك).

(5)

فِي (ب): (الاستحسان).

(6)

فِي (ب): (الكراهة الاستحسان).

(7)

فِي (ب): (بعد).

(8)

فِي (ب): (من).

(9)

فِي (ب): (ولا).

(10)

انظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 44).

ص: 91

ثُمَّ وَقْتُ العِشَاءِ مُقَسَّمٌ

(1)

عَلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْسِيمِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مِنِ انْتِفَاءِ الكَرَاهَةِ؛ ثُبُوتُ الاسْتِحْبَابِ هُنَاكَ؛ لِتَوَسُّطِ

(2)

الإِبَاحَةِ.

وامَّا فِي المَغْرب، فَوَقْتُهُ مُقَسَّمٌ

(3)

عَلَى تَعْجِيلٍ وَتَأْخِيرٍ لَا غَيْرَ، فَثَبَتَ فِي أَحَدِهمَا الاسْتِحْبَابُ، [وَفِي الآخرِ الكَرَاهَةُ؛ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، فَيَصِحُّ الاسْتِدْلَالُ عَلَى ثُبُوتِ الاسْتِحْبَابِ]

(4)

بِثُبُوتِ الكَرَاهَةِ فِي ضِدِّهِ لِذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ/ جبرائيل صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ أَمَّ فِي يَوْمَيْنِ

(5)

فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ وَهُوَ أوَّلُ الوَقْتِ؛ لِكَيْلِا

(6)

يَقَعَ فِعلُه فِي وَقْتِ الكَرَاهَةِ بِالتَّأْخِيرِ، كَمَا لَمْ يَؤُمَّ فِي النِّصْفِ الأَخِيرِ مِنَ العِشَاءِ لِذَلِكَ مَعَ أَنَّ الوَقْتَ بَاقٍ.

قَوْلُهُ رحمه الله: («لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا المغْرِب»

(7)

.

هَاهُنَا تَوْقِيتٌ لِلْفِعْلِ؛ بِمَعْنَى المَصْدَرِ أَيْ: زَمَانُ تَعْجِيلِهِمِ المغرب، وَالتَّمَسُّكُ بِهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَ المغرب؛ لَمَا كَانَ سَبَبَ

(8)

ثُبُوتِ الخَيْرِ بِهِمْ؛ كَانَ التَّعْجِيلُ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ مِنَ الاسْتِحْبَابِ إِلَّا الوُصُولُ إِلَى الخَيْرِ.

وَذَكَرَ فِي " المَبْسُوطِ ": (وأخَّرَ ابْنُ عُمَرَ أَدَاءَ المغربِ يَوْمَاً؛ حَتَّى بَدَا نَجْمٌ، فَأَعْتَقَ رَقْبَةً، وَعُمَرُ رضي الله عنه رَأَى نَجْمَيْنِ طَالِعِينِ قَبْلَ أَدَائِهِ المَغْرِبَ، فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ)

(9)

.

(1)

فِي (ب): (منقسم).

(2)

فِي (ب): (لتوسيط).

(3)

فِي (ب): (منقسم).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

فِي (ب): (اليومين).

(6)

فِي (ب): (لَكِنَّ لا).

(7)

هذا حديث رواه أبو داود في سننه (1/ 312) بغير هذا اللفظ فقد ورد بلفظ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا المغرب حَتَّى يَشْتَبِكَ النُّجُومُ» .

وقال الزيلعي في نصب الراية للزيلعي (1/ 246): (قُلْت: غَرِيبٌ).

(8)

فِي (ب): (بسبب).

(9)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 144)، البناية شرح الهداية للعيني (2/ 26).

ص: 92

وَفِيهِ أَيْضًا وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ

(1)

رحمه الله يَقُولُ: (الأَوْلَى تَعْجِيلُهَا لِلآثَارِ، وَلَكِن لَا يُكْرهُ التَّأْخِيرُ مُطْلَقاً، أَلَا تَرَى أَنَّ بِعُذْرِ المَرَضِ وَالسَّفَرِ يُؤَخِّرُ المغربَ؛ لِيجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ العِشَاءِ فِعْلاً

(2)

، فَلَوْ كَانَ المَذْهَبُ كَرَاهَةَ التَّأْخِيرِ؛ لمَّا أُبِيحَ ذَلِكَ بِعُذْرِ المَرَضِ وَالسَّفَرِ، كَمَا لَا يَبَاحُ تَأْخِيرُ العَصْرِ إِلَى أَنْ تَتَغَيَّرَ الشَّمْسُ.

وَاسْتَدَلَّ فِيهِ بمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ سُورَةَ الأَعْرَافِ فِي صَلَاةِ المغرب لَيْلَةً»

(3)

، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى بَيَانِ امْتِدَادِ الوَقْتِ وَإِبَاحَةِ التَّأْخِيرِ)

(4)

.

قُلْتُ: ذَكَرَ شَمْسُ الأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله قَوْلَهُ هَذَا وَدَلِيلَه، وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابَه، وَلَمْ يَرُدَّ قَوْلَهُ؛ يُوهمُ هَذَا أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ دَأْبِهِ رحمه الله أَنْ يخليَ القَوْلَ المُزَيّفَ وَدَلِيلَهُ عَنْ الرَّدِّ وَالجَوَابِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

[تأخير صلاة العشاء]

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخّرْتُ العِشَاءَ» ، فَإِنَّ قُلْتَ: كَيْفَ ثَبَتَ الاسْتِحْبَابُ هُنَا وَالسُّنَّةُ فِي السِّوَاكِ

(5)

، مَعَ أَنَّ «لَوْلَا» الإمْتِنَاعِيَّةَ فِيهِمَا عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ

(6)

؛ إِذِ المَانِعُ فِيهِمَا، وُجُودُ المَشَقَّةِ؟

(1)

عيسى بن أبان: بن صدقة أبو موسى صحب محمد بن الحسن الشيباني وتفقه به، واستخلفه يحيى بن أكثم على القضاء بعسكر المهدي، وقت خروج يحيى مع المأمون إلى فم الصلح، فلم يزل على عمله إلى أن رجع يحيى، ثم تولى عيسى القضاء بالبصرة فلم يزل عليه حتى مات. له تصانيف وذكاء مفرط، وفيه سخاء وجود زائد، له كتب، منها " إثبات القياس " و " اجتهاد الرأي " و " الجامع " في الفقه، و " الحجة الصغيرة - خ " في الحديث، توفي: سنة إحدى وعشرين ومائتين. انظر: " تاريخ بغداد للخطيب البغدادي"(12/ 479) و "سير أعلام النبلاء للذهبي"(10/ 440) و " الأعلام للزركلي"(5/ 100).

(2)

فِي (ب): (يؤخرا لجمع بينهما).

(3)

أخرجه البخاري فِي "صحيحه"(1/ 232) فِي كتاب "مواقيت الصَّلاة" باب "القراءة فِي المغرب" حديث رقم (746).

(4)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 147)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 126).

(5)

يشير إلى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ» والحديث في صحيح البخاري (2/ 4) في "باب السواك يوم الجمعة " رقم (887).

(6)

فِي (ب): (واحد واحد).

ص: 93

قُلْتُ: لَا

(1)

أُسَلِّمُ أَنَّهُمَا عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ المُمْتَنِعَ فِيهِمَا مُخْتَلِفٌ؛ إِذِ المُمْتَنِعُ فِي السِّوَاكِ الأَمْرُ، فَإنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنِ المَشَقَّةُ لِأَمرٍ، وَلَوْ أَمَرَ كَانَ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الأَمرِ مَحْمُولٌ عَلَى الوُجُوبِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ المَشَقَّةِ؛ يَلْزَمُ ثُبُوتَ مَا دُونَ مُقْتَضَى الأَمْرِ

(2)

؛ وَهُوَ السُّنَةُ، وَالمُمْتَنِعُ ها هُنَا التَّأْخِيرُ، وَلَوْ أَخَّرَ لَكَانَ سُنَّةً؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ أَفْعَالِهِ مَحْمُولٌ عَلَى السُّنَّةِ، إِلَّا إِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الوُجُوبِ، فَلَمَّا لَمْ يُؤَخِّرْ؛ ثَبَتَ مَا دُونَ السُّنَّةِ؛ وَهُوَ الاسْتِحْبَابُ، عَلَى أنَّ ذَلِكَ الحَدِيثِ لَا يَرُدُّ عَلَى المُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَسَّكْ فِي سُنِيَّةِ السِّوَاكِ بِذَلِكَ الحَدِيثِ، بَلْ َتَمَسَّكَ بِمُوَاظَبَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَم تُنْقَلِ المُواظَبَةُ عَلَى التَّأْخِيرِ هُنَا، فَكَانَ مُسْتَحَبًّا بِمُقْتَضَى هَذَا الحَدِيثِ.

[تعجيل العشاء فِي الصيف]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَقِيلَ: فِي الصَّيْفِ تُعَجَّلَ

(3)

كَيْلَا تَتَقَلَّلَ الجَمَاعَةُ)

كَانَ مِنْ حَقِّ هّذَا القَوْلِ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْ التَّقَاسِيمِ أَجْمَعَ مِنْ قَوْلِهِ رحمه الله: (وَتَأْخِيرُ العِشَاءِ إِلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ الليْلِ).

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالتَّأْخِيرُ إِلَى نِصْفِ الليْلِ)، وَقَوْلُهُ:(وَإِلَى النِّصْفِ الأَخِيرِ مَكْرُوهٌ)

(4)

(5)

،

(1)

(لا) ساقطة من (ب).

(2)

المقتضى: هو زيادة على النص ثبت شرطًا لصحة المنصوص الثابت به كالثابت بدلالة النص إلا عند المعارضة انظر: " المغني في أصول الفقه للخبازي"(157)، و"المستصفى للنسفي ":(2/ 61)

(3)

فِي (ب): (يُعجّل).

(4)

فِي (ب): (وإِلَى نصف الليل الآخر).

(5)

يقول صاحب الهداية: (والتأخير إِلَى نصف الليل مباح لِأَنَّ دليل الكراهة وهُوَ تقليل الجماعة عارضه دليل الندب وهُوَ قطع السمر بواحدة فتثبت الإباحة وإِلَى النصف الأخير مكروه لمَا فِيهِ من تقليل الجماعة وقد انقطع السمر قبله) ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 41).

ص: 94

أَوْ يُقَدَّمُ هُوَ عَلَى التَقَاسِيمِ أَجْمَعَ؛ لمَا أَنَّ هَذِهِ التَّقَاسِيمَ فِي حَقِّ الشِّتَاءِ لَا فِي حَقِّ الصَّيْفِ.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ: (وَتَأْخِيرُ العِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ الليْلِ أَفْضَلُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا فِي الشِّتَاءِ مِنَ التَّعْجِيلِ لِأَوَّلِ

(1)

الوَقْتِ، وَفِي الصَّيْفِ التَّعْجِيلُ أَفْضَلُ مِنَ التَّأْخِيرِ)

(2)

، وَكَذَا ذَكَرَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ

(3)

فِي "فتاوى قاضي خان"

(4)

.

قُلْتُ: جَازَ أنْ يَكُونَ عِنْدَ المُصَنِّفِ

(5)

اسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ العِشَاءِ فِي الصَّيْفِ، هُوَ قَوْلُ البَعْضِ؛ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا القَوْلَ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَدِ الأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ؛ إِنَّمَا كَانَ لَضَرُورَةِ تَقْدِيمِ لَفْظِ القُدُورِي.

وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا؛ مَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ فِي "التَّجْنِيسِ"، فَقَالَ: (قَالَ بَعْضُ المَشَايِخِ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ

(6)

فِي الصَّيْفِ بِقَوْلِهِمَا، وَفِي الشِّتَاءِ؛ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ)

(7)

وَلِلشَّافِعِيِّ رحمه الله قَوْلَانِ، قَالَ فِي قَوْلٍ مِثْلَ قَوْلِنَا

(8)

، وَفِي قَوْلٍ

(9)

: التَّعْجِيلُ فِيهِ أَفْضَلُ أَيْضًا.

وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ

(10)

رحمه الله بمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي العِشَاءَ حِينَ يَسْقُطُ القَمَرُ لِلّيْلَةِ الثَّالِثَةِ

(11)

، وَذَلِكَ عِنْدَ

(12)

غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ يَكُونُ، وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنَ الحَدِيثِ، وامَّا تَعَلُّقُهُ بِذَلِكَ الحَدِيثِ؛ قُلْنَا: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ هَذَا

(13)

فِي الصَّيْفِ، وَعِنْدَنَا فِي الصَّيْفِ التَّعْجِيلُ أَفْضَلُ.

(1)

فِي (ب): (الأول).

(2)

ينظر: "فوائد القُدُوري"(ص 16)، و" البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 49).

(3)

فِي (ب): (وكَذَلِكَ ذكرنا التفصيل بين العشاء والصيف).

(4)

ينظر: "فتاوى قاضي خان"(91 - 92).

(5)

فِي (ب): (الصيف).

(6)

(يؤخذ) خطأ والصواب (يؤخر) كَمَا فِي "التجنيس والمزيد، للمرغيناني"(1/ 380).

(7)

ينظر: "التجنيس والمزيد، للمرغيناني"(1/ 380).

(8)

وهُوَ قوله فِي الجديد، وقَالَ النووي:(تأخيرها أفضل وهُوَ نصه فِي أكثر الكتب الجديدة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم «لولا أن أشق عَلَى أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إِلَى ثلث الليل أو نصفه». ينظر: "المجموع شرح المهذب؛ للنووي" (3/ 58).

(9)

وهُوَ قوله فِي القديم. ينظر: "المجموع شرح المهذب؛ للنووي"(3/ 58).

(10)

ينظر: المرجع السابق (3/ 58).

(11)

فِي (ب): (سقط القمر فِي الليلة الثالثة).

(12)

فِي (ب): (وعند ذلك).

(13)

فِي (ب): (هكذا).

ص: 95

ثُمَّ المَعْنَى

(1)

فِي اقْتِضَاءِ هَذَا التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الكِتَابِ، هُوَ أَنَّ تَأْخِيرَ العِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ الليْلِ، وَالتَّعْجِيلَ فِي أَوَّلِ الوَقْتِ، هُمَا سَوَاءٌ، فِي أَنَّهُمَا لَا يُؤَدِّيَانِ إِلَى تَقْلِيلِ الجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الغَاِلبِ يَجْلِسُونَ إِلَى ثُلُثِ الليْلِ، أَوْ أَكْثَرَ فِي الشِّتَاءِ، ثُمَّ فِي التَّأْخِيرِ إِلَى ثُلُثِ الليْلِ قَطْعُ السَّمَرِ المَكْرُوهِ، وَفِي التَّعْجِيلِ ارْتِكَابُ السَّمَرِ بَعْدَه؛ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، فَكَانَ

(2)

التَّأْخِيرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَرْكَ التَّعْجِيلِ مُبَاحٌ، وَالسَّمَرُ بَعْدَ العِشَاءِ مَكْرُوهٌ، فَصَارَ التَّأْخِيرُ أَوْلى مِنْ هَذَا الوَجْهِ

(3)

؛ لِتَضَمُّنِهِ إِزَالَةَ الأَمْرِ المَكْرُوهِ، مَعَ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِي نَفْسِهِ

(4)

إِلَى هَذَا مُبَاحٌ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ السَّمَرَ؛ وَهُوَ الحَدِيثُ بِالليْلِ مَكْرُوهٌ بَعْدَ العِشَاءِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا سَمَرَ بَعْدَ العِشَاءِ»

(5)

وَالمَعْنَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِتَامُ الصَّحِيفَةِ بِالعِبَادَةِ، كَمَا جَعَلَ ابْتِدَاءَ الصَّحِيفَة بِالعِبَادَةِ؛ لِيَنْمَحِي مَا حَصَلَ مِنَ الزَّلَّاتِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، عَلَى مَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}

(6)

كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ

(7)

رحمه الله، وامَّا فِي الصَّيْفِ

(8)

التَّعْجِيلُ وَالتَّأْخِيرُ فِي قَطْعِ السَّمَرِ عَلَى السَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَنَامُونَ كَمَا يَغِيبُ

(9)

الشّفَقُ، وَفِي التَّعْجِيلِ؛ تَكْثِيرُ الجَمَاعَةِ، فَكَانَ التَّعْجِيلُ أَفْضَلَ، ثُمَّ التَّأْخِيرُ مِنْ الثُّلُثِ إِلَى النِّصْفِ مُبَاحٌ فِي

(10)

الشِّتَاءِ؛ لِمُعَارَضَةِ دَلِيلِ النَّدْبِ مَعَ دَلِيلِ الكَرَاهَةِ.

(1)

(المعنى) ساقط من (ب).

(2)

فِي (ب): (فإن).

(3)

فِي (ب): (الراحة).

(4)

فِي (ب): (إزالتها خير فِي نفسه)

(5)

أخرجه ابن ماجه فِي "سننه"(ص 230) فِي كتاب "الصَّلاة"، باب "النهي عَنْ النوم قبل صلاة العشاء وعَنْ الحديث بعدها" حديث رقم (702)، والبيهقي فِي "السنن الكبرى" (1/ 451) فِي كتاب "الصَّلاة" باب "كراهية النوم بعد العشاء". قَالَ ابن رجب فِي "فتح الباري" (4/ 379): موقوف عَلَى عائشة. وأبو عبد الله وأبو حمزة، مجهوَلِأَنَّ، وقَالَ علاء الدين مغلطاي فِي "شرح ابن ماجة" (ص 1075): إسناده صحيح.

(6)

سورة هود: من آية (114).

(7)

انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 229) و "رد المحتار" لابن عابدين (1/ 368)

(8)

(الصيف) ساقطة من (ب).

(9)

فِي (ب): (يثبت).

(10)

فِي (ب): (أي).

ص: 96

أَمَّا دَلِيلُ النَّدْبِ؛ وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ بِالكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يُوجَدُ السَّمَرُ بِوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ

(1)

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ بِوَاحِدٍ)

(2)

: عِبَارَةٌ عَنْ المُبَالَغَةِ فِي قَطْعِ السَّمَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْقَطعَ السَّمَرُ بِوَاحِدٍ؛ كَانَ مُنْقَطِعًا بِاثْنَيْنِ، وَمَا فَوْقَهُ أَيْضًا، فَكَانَ هَذَا نِظِيرَ قَوْلِهِ: مَا جَاءَنِي رَجُلٌ، فِي اقْتِضَاءِ العُمُومِ، فَلَوْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ؛ وَهُوَ قَطْعُ السَّمِرِ بِوَاحِدَةٍ، بِالتَّاءِ؛ كَانَتْ صِفَةً لِلْمَرَّةِ، أَيْ: بِمَرةٍ وَاحِدَةٍ، أَيْ: بِالكُلِّيَّةِ، وَهِيَ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْضًا.

وامَّا دَلِيلُ الكَرَاهةِ؛ وَهُوَ أَدَاؤُهُ إِلَى تَقْلِيلِ الجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَقُومُ النَّاسُ إِلَى نِصْفِ الليْلِ فَتَعَارَضَا [فَثَبتَت]

(3)

الإِبَاحَةُ، وَالتَّأْخِيرُ مِنَ النِّصْفِ الأَوَّلِ، إِلَى مَا بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ؛ لِسَلَامَةِ دَلِيلِ الكَرَاهَةِ عَنْ مُعَارَضَةِ دَلِيلِ النَّدْبِ، فَكَانَ دَلِيلُ الكَرَاهَةِ مَوْجُودًا، لَا غَيْرَ، فَأَثْبَتَ الكَرَاهَةَ؛ لِوُجُودِ دَلِيلِهَا بِلَا مُعَارِضٍ؛ وَهُوَ أَدَاؤُهُ إِلَى تَقْلِيلِ الجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا التَّأْخِيرِ أَعْنِي: التَّأْخِير َ إِلَى آخِرِ النِّصْفِ الأَخِيرِ قَطْعُ السَّمَرِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ السَّمَرِ، إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ أَنْ لَوْ تُصُوِّرَ السَّمَرُ غَالِبًا فِيهِ، أَوْ مُسَاوِيًا

(4)

كَمَا فِي الوَقْتَيْنِ قَبْلَهُ، وَفِي النِّصْفِ الأَخِيرِ إِلَى آخِرِ الليْلِ، لَا يُوجَدُ السَّمَرُ عَادَةً، لَا غَالِبًا، وَلَا مُسَاوِيًا

(5)

فَلَا

(6)

يَتَحَقَّقُ قَطْعُ السَّمَرِ؛ لِانْعِدَامِ السَّمرِ أَصْلاً، فَلَمْ يُوجَدْ لِذَلِكَ

(7)

دَلِيلُ النَّدْبِ أَصْلاً؛ حَتَّى

(8)

يعُاَرِضَ دَلِيلَ الكَرَاهَةِ، فَبَقِيَ دَلِيلُ الكَرَاهَةِ سَالِمًا عَنْ المُعَارِضِ؛ فَلِذَلِكَ تَثْبُتُ

(9)

الكَرَاهَةُ فِي التَّأْخِيرِ إِلَى آخِرِ النِّصْفِ الأَخِيرِ

(10)

.

(1)

فِي (ب): (فكان).

(2)

جاء في النسخ المطبوعة بلفظ: (بِوَاحِدَةٍ) انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي"(1/ 229).

(3)

فِي (أ): (فَتَثَبَتَ) والمثبت من: (ب).

(4)

فِي (ب): (متساويا).

(5)

فِي (ب): (متساويا).

(6)

فِي (ب): (ولا).

(7)

فِي (ب): (بذلك).

(8)

(حتى) ساقطة من (ب).

(9)

فِي (ب): (ثبتت).

(10)

ينظر: "البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 267).

ص: 97

فَإِنَّ قُلْتَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا؛ تَعْجِيلُ الفَجْرِ فِي أَوَّلِ الوَقْتِ، وانَّهُ مُبَاحٌ، ذَكَرَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ فِي"المَبْسُوطِ"

(1)

،

وَإِنْ كَانَ فِيهِ دَلِيلُ الكَرَاهَةِ؛ وَهُوَ تَقْلِيلُ الجَمَاعَةِ، سَالِمَاً عَنْ مُعَارَضَةِ دَلِيلِ النَّدْبِ

قُلْتُ: لَا أُسَلِّمُ أَنَّ دليلَ الكراهةِ سالمٌ عَنْ المُعَارِضِ؛ بَلْ عَارَضَهُ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}

(2)

، وَقَوْلُهُ:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}

(3)

وَلَاشَكَّ؛ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّأْخِيرِ مَعْنَى تَكْثِيرِ الجَمَاعَةِ؛ كَانَتِ المُسَارَعَةُ إِلَى العِبَادَةِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ مَنْدُوبًا؛ لِصِيَانَتِهَا عَنْ مَوَانِعَ تَعْرُوهَا، عَسَى

(4)

فَكَانَ فِيهِ تَعَارُضُ دَلِيلِ النَّدْبِ؛ وَهُوَ المُسَارَعَةُ إِلَى العِبَادَةِ، مَعَ أَنَّ

(5)

دَلِيلَ الكَرَاهَةِ؛ وَهُوَ تَقْلِيلُ الجَمَاعَةِ، فَثَبَتَتِ الإِبَاحَةُ لِذَلِكَ، كَمَا فِي تَأْخِيرِ العِشَاءِ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى النِّصْفِ الأَوَّلِ.

وأما فِي التَّأْخِيرِ مِنَ النِّصْفِ إِلَى آخِرِ النِّصْفِ الأَخِيرِ، فَمَكْرُوهٌ؛ لِكَوْنِ دَلِيلِ الكَرَاهَةِ سَالِمًا عَنْ مُعَارَضَةٍ دَلِيلِ النَّدْبِ أَصْلاً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ المُسَارَعَةُ إِلَى العِبَادَةِ، (وَلَا تَكْثِيرُ الجَمَاعَةِ، وَلَا قَطْعُ السَّمَرِ؛ لِانْقِطَاعِهِ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ تَعْجِيلِ الفَجْرِ، فَإِنَّ فِيهِ المُسَارَعَةَ إِلَى العِبَادَةِ)

(6)

؛ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا، هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ رحمه الله

(7)

.

(1)

وجدت كلامَا نحوه فِي: " تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 79)، و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 163).

(2)

سورة آل عمران: من آية (133).

(3)

سورة المائدة: من آية (48).

(4)

(تعروها عسى)، كَذَا فِي المخطوط (أ)، و (ب).

(5)

(أن) ساقطة من (ب).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

انظر: " مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح"(ص: 75).

ص: 98

[الوقت المستحب لصلاة الوتر]

قَوْلهُ: رحمه الله (وَيُسْتَحَبُّ فِي الوِتْرِ لِمَنْ يَأْلَفُ صَلَاةَ الليْلِ

(1)

آخِرَ الليْلِ)

وَالمَسْمُوعُ آخِرَ الليْلِ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ لَا بِالرَّفْعِ؛ وَهُوَ أَوْفَقُ أَيْضًا لِرِوَايَةِ شَرْحِ "الطَّحَاوِيِّ، وَ"فتاوى قاضي خان"

(2)

، فَإِنَّ فِيهِمَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَذْكُورَةٌ بِكَلِمَةِ (فِي) وأوفق لِلَفْظِ

(3)

الحَدِيثِ أَيْضًا فِيمَا بَعْدَهُ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ: «فَلْيُوتِرْ آخِرَ الليْلِ»

(4)

فَكَانَ قَوْلُهُ: (آخِرَ الليْلِِ) عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ظَرْفًا؛ لِأَنَّ «يُوتِرُ» المُدْرَجُ

(5)

لِأَنَّ

(6)

تَقْدِيرَهُ:

(وَيُسْتَحَبُّ فِي الوِتْرِ

(7)

لِمَنْ يَأْلَفُ صَلَاةَ الليْلِ أَنْ يُوتِرَ آخِرَ الليْلِ).

قَوْلُهُ: رحمه الله (وَإِذَا

(8)

كَانَ يَوْمُ غَيْمٍ)

(9)

.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ: وَإِذَا كَانَ اليَوْمُ يَوْمَ غَيْمٍ، فَكُلِّ صَلَاةٍ [كَانَ]

(10)

فِي اسْمِهَا عَيْنٌ، فَإنَّهُ يُعَجِّلُ كَالعَصْرِ وَالعِشَاءِ، وَالبَاقِي يُؤَخَّرُ

(11)

، أَمَّا الظُّهْرُ؛ فَإنَّهُ يُؤَخَّرُ؛ لِمَا أَنَّ تَأْخِيرَهُ مُبَاحٌ، وَإنْ كَانَ تَعْجِيلُهَا فِي الشِّتَاءِ أَفْضَلَ، وَالغَيْمُ فِي الغَالِبِ يَكُونُ

(12)

فِي الشِّتَاءِ (إِلَّا أَنَّهُ لَوْ عَجّلَ فِي يَوْمِ الغَيْمِ، كَمَا عَلَيْهِ العَادَةُ فِي غَيْرِه مِنَ الأَيَّامِ فِي الشِّتَاءِ)

(13)

لَا يُؤْمَنُ مِنْ

(14)

أَنْ يَقَعَ قَبْلَ الوَقْتِ، وانَّهُ لَا يَجُوزُ.

(1)

(أن يؤخره إلي) ساقطة هنا. ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 41).

(2)

يقول قاضي خان رحمه الله: (والأفضل أن يصليها فِي آخر الليل إِذَا كَانَ يثق من نفسه أَنَّهُ يستيقظ فِي آخر الليل وإن كَانَ لا يثق فالأفضل أن يصليها فِي أوَّل الليل). ينظر: "فتاوى قاضي خان"(ص 92).

(3)

فِي (ب): (بلفظ).

(4)

أخرجه مسلم فِي "صحيحه "(ص 297) فِي كتاب "الصَّلاة"، باب "من خاف أن لا يقوم أخر الليل فليوتر أوله" حديث رقم (755).

(5)

كَذَا فِي (أ)، وفِي (ب):(المدزح).

(6)

فِي (ب): (لا).

(7)

(فِي الوتر)، ساقطة من (ب).

(8)

الصواب: (فإذا). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 41).

(9)

يقول صاحب الهداية: (فإِذَا كَانَ يوم غيم فالمستحب فِي الفجر والظهر والمغرب تأخيرها وفِي العصر والعشاء تعجيلهمَا؛ لِأَنَّ فِي تأخير العشاء تقليل الجماعة عَلَى اعتبار المطر، وفِي تأخير العصر توهم الوقوع فِي الوقت المكروه ولا توهم فِي الفجر لِأَنَّ تلك المدة مديدة وعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله التأخير فِي الكل للاحتياط ألا ترى أَنَّهُ يجوز الأداء بعد الوقت لا قبله.). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 41 - 42).

(10)

زيادة من (ب) وسقطت من (أ).

(11)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 148)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 103)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 126)، و"تحفة الملوك للسمرقندي" (1/ 57)، " الإختيار لتعليل المختار للموصلي" (1/ 40).

(12)

(يكون) ساقطة من (ب).

(13)

ساقطة من (ب).

(14)

(من): ساقط من (ب).

ص: 99

فَصَارَ التَّأْخِيرُ وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الشِّتَاءِ أَوْلَى؛ لِئَلَّا يَقَعَ فِي عَدَمِ الجَوَازِ عَلَى تَقْدِيرٍ، وامَّا العَصْرُ، فَيُعَجَّلُ

(1)

؛ لِئَلَّا يَقَعَ فِي وَقْتِ اصْفِرَارِ

(2)

الشَّمْسِ؛ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى تَقْدِيرٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَقْلِيلُ النَوَافِلِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ النَّافِلَةِ مُبَاحٌ، وَالأَدَاءُ وَقْتَ اصْفِرَارِ

(3)

الشَّمْسِ مَكْرُوهٌ، وَيُؤَخَّر المغرب؛/ لِأَنَّ فِي التَّعْجِيلِ، لَا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يَقَعَ قَبْلَ الوَقْتِ

(4)

؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا قَصِيرٌ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَالتَّأْخِيرُ بِالْعُذْرِ مُبَاحٌ، كَمَا فِي السَّفَرِ وَيُعَجّلُ

(5)

العِشَاءَ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يُؤَدِّي إِلَى تَقْلِيلِ الجَمَاعَةِ لَيْلَةَ الغَيْمِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ أُخّرَ العِشَاءُ، يَتَكَاسَلُ النَّاسُ فِي الخُرُوجِ إِلَى المَسْجِدِ، مُتَرَخِّصِينَ

(6)

بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ابْتَلَّتِ النِّعَالُ؛ فَالصَّلَاةُ

(7)

فِي الرِّحَالِ»

(8)

فَكَانَ التَّعْجِيلُ؛ يُؤَدِّي إِلَى تَكْثِيرِ الجَمَاعَةِ، فَكَانَ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا إِلَى السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ؛ لِمَا أَنَّ كَرَاهَةَ تَقْلِيلِ الجَمَاعَةِ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَةِ السَّمَرِ؛ لِأَنَّ تَقْلِيلَ الجَمَاعَةِ؛ لَا يُبَاحُ لِوَقْتٍ مَّا بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَالسَّمَرُ فِي غَيْرِ هَذَا الوَقْتِ مُبَاحٌ

(9)

.

(1)

فِي (ب): (يتعجل).

(2)

فِي (ب): (احمرار).

(3)

فِي (ب): (احمرار).

(4)

(الوقت) ساقطة من (ب) واستبدلت بكلمة: (الواجب).

(5)

فِي (ب): (وتعجيل).

(6)

فِي (ب): (مرخصين).

(7)

فِي (ب): (والصَّلاة).

(8)

أخرجه ابن حبان فِي "صحيحه"(5/ 438) فِي كتاب "الصَّلاة" باب " فرض الجماعة الأعذار التي تبيح تركها " حديث رقم (2083)، وابن خزيمة فِي "صحيحه"(3/ 80) باب " باب إباحة ترك الجماعة فِي السفر والأمر بالصَّلاة فِي الرحال فِي المطر. " حديث رقم (1657).

قَالَ ابن القطان فِي "الوهم والإيهام"(2/ 542): منقطع.

(9)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 148)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 103)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 126) و"تحفة الملوك للسمرقندي" (1/ 57)، " الإختيار لتعليل المختار للموصلي" (1/ 40)

ص: 100

وامَّا الفَجْرُ، فَيُؤَخّرُ لِوَجْهَيْنِ

(1)

: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا بَيْنَ التَّنْوِيرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مُدَّةٌ مَدِيدَةٌ، فَيُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يَقَعَ الأَدَاءُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالثَّانِي: أَنَّ لِضَوْءِ

(2)

الشَّمْسِ عَلَامَةً يُعْرَفُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ اليَوْمُ يَوْمَ غَيْمٍ، وَكَانَ

(3)

هَذَا اليَوْمُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الأَيَّامِ فِي مُرَاعَاةِ تَكْثِيرِ الجَمَاعَةِ، وَطَلَبِ الأَجْرِ المَوْعُودِ

(4)

فِي الحَدِيثِ، وَفِي التَّأْخِيرِ ذَلِكَ، فَكَانَ أَوْلَى

(5)

. وَالله أَعْلَمُ.

‌فَصْلٌ فِي الأَوْقَاتِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ

لَمَّا ذَكَرَ الأَوْقَاتِ؛ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الصَّلَاةُ، اسْتَدْعَى ذَلِكَ ذِكْرَ مَا يُقَابِلُهُ مِنَ الأَوْقَاتِ؛ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ؛ لِيَتَمَكَّنَ المُصَلِّي مِنْ صَلَاتِه بِدُونِ كَرَاهَةٍ تَقَعُ فِي صَلَاتِهِ، مِنْ جَانِبِ الوَقْتِ، ثُمَّ تَلْقِيبَ

(6)

الفَصْلِ بِمَا يُكْرهُ، مَعَ أَنَّ فِيهِ ذِكْرَ مَا لَا َيُجوزُ فِيهِ

(7)

الصَّلَاةُ أَيْضًا؛ إِمَّا بِاعْتِبَارِ الغَالِبِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الكَرَاهَةَ أَعَمُّ مِنْ عَدَمِ الجَوَازِ؛ لِأَنَّ

(8)

كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ، كَانَتِ الكَرَاهَةُ فِيهِ ثَاِبتَةً أَيْضًا، كَمَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي المَكْرُوهِ، فَكَانَتْ ثَابِتَةً فِي الصُّورَتَيْنِ بِخِلَافِ العَكْسِ، وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ مِثْلُ تَسْمِيَةِ بَابِ

(9)

البَيْعِ الفَاسِدِ فِي البُيُوعِ وَإِنِ انْخَرَطَ

(10)

فِيهِ البَيْعُ البَاطِلُ وَالفَاسِدُ

(11)

.

[النهي عَنْ الصلاة عند طلوع الشمس]

قَالَ رحمه الله: (لَا تَجُوز ُ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ قِيَامِهَا فِي الظهيرةِ)

(12)

(13)

.

(1)

فِي (ب): (بوجهين).

(2)

فِي (ب): (بضوء).

(3)

فِي (ب): (فكان).

(4)

فِي (ب): (الآخرة الموعودة).

(5)

ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 230).

(6)

فِي (ب): (يلقب).

(7)

(فيه) ساقطة من (ب).

(8)

فِي (ب): (في).

(9)

فِي (ب): (بأن).

(10)

فِي (ب): (الشرط).

(11)

قَالَ بمثله الزبيدي فِي " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 68).

(12)

قوله: (فِي الظهيرة)، ساقط من (ب)، والصحيح ثبوتها. ينظر:"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 42).

(13)

هناك وقت ثالث ذكره صاحب الهداية بعد هاذين الوقتين فقَالَ: (ولا عند غروبها). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 42).

ص: 101

فَإِنَّ قُلْتَ: الصَّلاةُ مُحَلَّى بِالأَلِفِ وَاللَامِ، فَكَانَ مُتَنَاوِلاً لِجِنْسِ

(1)

الصَّلَاةِ، وَهِيَ الفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ، فَكَانَ نَظِيرَ قَوْلِه: لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ الحَدَثِ، فَعَلَى ذَلِكَ يَجِبُ أَلَّا يَصِحَّ

(2)

الشُّرُوعُ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ لِصَلَاةٍ

(3)

مَا، وَقَدْ ذَكَرَ شَمْسُ الأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله فِي أُصُولِ الفِقْهِ فِي حَقِّ

(4)

صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الأَوْقَاتِ المَكْرُوهَةِ، أَنَّهَا تُلْزِمُ بِالشُّرُوعِ، كَمَا يُلْزِمُ بِالنَّذْرِ

(5)

مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الخِلَافِ

(6)

.

[فيمن شرع في الصلاة وقت النهي ثم أفسد صلاته]

وَذَكَرَ الإِمَامُ التُّمْرتَاشِيُّ رحمه الله فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنَ "الجَامِعِ الصَّغِيرِ"

(7)

: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وأبو يُوسُفَ رحمه الله فِيَمنْ شَرَعَ فِي

(8)

الصَّلاةِ وَقْتَ الطُّلُوعِ ثمَّ أَفْسَدَ: يَجِبُ عَلَيْهِ القَضَاءُ، وَالتَّمَسُّكُ بِوَجْهَيْنِ؛ بِذِكْرِ

(9)

الإِفْسَادِ، وانَّهُ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الصِّحَّةِ، وَ

(10)

بِإِيجَابِ القَضَاءِ؛ وَهُوَ أَيْضًا يَتْلُو صِحَّةَ الشُّرُوعِ.

قُلْتُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: (لَا يَجُوزُ)؛ أَيْ؛ وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ شَرْعًا، فَأَمَّا لَوْ شَرَعَ يَلْزَمُ، كَمَا تَقُولُ: لَا يَجُوزُ مُبَاشَرَةِ البَيْعِ الفَاسِدِ، أَمَّا لَوْ بَاشَرَ

(11)

وَقَبَضَ المَبِيعَ؛ يثْبتُ المِلْكُ، وَليْسَ هَذَا نَظِيرَ الصَّلَاةِ مَعَ الحَدَثِ، لِمَا أَنَّ النَّهْيَ

(12)

عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ الحَدَثِ مُسْتَعَارٌ

(13)

لِلْنَفْيِ، فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ:«نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الحُرِّ»

(14)

وَهَذَا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا

(15)

أَنَّ النَّهْيَ فِي الأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ؛ يَقْتَضِي القُبْحَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، إِلَّا إِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلْقُبْحِ بِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ، كَالنَّهْيِ عَنْ بيَعِ المَضَامِينِ

(16)

، وَالمَلَاقِيحِ

(17)

(18)

.

(1)

فِي (ب): (بجنس).

(2)

فِي (ب): (يصبح).

(3)

فِي (ب): (بصلاة).

(4)

(حق): ساقطة من (ب).

(5)

فِي (ب): (تلزم بالعذر)، والمثبت هُوَ الصحيح. ينظر:"أصول السرخسي"(1/ 89).

(6)

ينظر: "أصول السرخسي"(1/ 89).

(7)

جاء ذكر قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله فِي: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (3/ 97: 98)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(2/ 80).

(8)

(في): ساقطة من (ب).

(9)

فِي (ب): (فذكر).

(10)

(و): ساقطة من (ب).

(11)

فِي (ب): (باشره).

(12)

فِي (ب): (النبي صلى الله عليه وسلم نهى).

(13)

فِي (ب): (يستعار).

(14)

أخرجه البخاري فِي "صحيحه"(1/ 574) فِي كتاب "البيوع" باب "إثم من باع حرا" حديث رقم (2170).

(15)

فِي (ب): (أصلها).

(16)

بيع المضامين: وَهُوَ بيع مَا تضمنه الإناث فِي بطونها من كل جنس. انظر: " النتف فِي الفتاوى للسغدي"(1/ 467)

(17)

بيع الملاقيح: وَهُوَ بيع مَا فِي ظُهُور الذُّكُور من الْبَهَائِم. انظر: " النتف فِي الفتاوى للسغدي"(1/ 466)

(18)

لمعرفة المزيد عَنْ هذا الأصل، ينظر:"أصول البزدوي"(1/ 58)، و"أصول السرخسي"(1/ 80 ومَا بعدها).

ص: 102

ثُمَّ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ، فِي الأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، مِنْ قَبِيلِ نَهْيٍ يَقْتَضِي

(1)

القُبْحَ؛ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ، مَعَ الحَدَثِ، مِنْ قَبِيلِ النَّهْيِ الَّذِي قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ قبيحٌ؛ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ، وَقدِ اسْتَوْفَيْنَا التَّفْرِقَةَ وَزِيَادَةَ الكَشْفِ فِي "الوافي"

(2)

.

ثمَّ لَمَّا لمْ تَجُزِ الفَرَائِضُ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، لَوْ شَرَعَ

(3)

فِيهَا ثُمَّ قَهْقَهَ

(4)

، هَلْ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ؟.

قَالَ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ مِنَ "المَبْسُوطِ": (لَوْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ؛ وَهُوَ فِي خِلَالِ صَلَاةِ الفَجْرِ، ثُمَّ قَهْقَهَ؛ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ لِصَلَاةٍ أُخْرَى

(5)

، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله؛ فَلِأَنَّهُ صَارَ خَارِجًا عَنْ الصَّلَاةِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ

(6)

وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.

(1)

الكلمة غير واضحة بالمخطوط (أ) وأثبتت كَمَا فِي المخطوط (ب) و" الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 232).

(2)

ينظر: " الوافِي فِي أصول الفقه" للسغناقي " (2/ 649).

(3)

فِي (ب): (فلو شرعها).

(4)

القهقهة: فِي الضحك معروفة وهي أن تقول: قه قه. و (قه) و (قهقه) وقيل أَيْ: رَجَّعَ فِي ضَحِكِهِ، أو اشْتَدَّ ضَحِكُهُ، كَقَهَّ فيهما. انظر:" مختار الصحاح، للرازي"(ص: 261)، القاموس المحيط، للفيروز آبادي (ص: 1252).

(5)

يرى الأحناف أن القهقهة فِي الصلاة ناقضة للوضوء، والراجح هُوَ قول ابن قدامة فِي المغني (وليس فِي القهقهة وضوء. روي ذلك عَنْ عروة وعطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقَالَ أصحاب الرأي: يجب الوضوء من القهقهة داخل الصلاة دون خارجها. وروي ذلك عَنْ الحسن والنخعي والثوري؛ لمَا روى أبو العالية «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يصلي، فجاء ضرير فتردى فِي بئر فضحك طوائف فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذين ضحكوا أن يعيدوا الوضوء والصلاة». وروي من غير طريق أبي العالية بأسانيد ضعاف، وحاصله يرجع إِلَى أبي العالية، كَذَلِكَ قَالَ عبد الرحمن بن مهدي، والإمام أحمد، والدارقطني. ولنا: أَنَّهُ معنى لا يبطل الوضوء خارج الصلاة فلم يبطله داخلها كالكلام، وانَّهُ ليس بحدث ولا يفضي إليه. فأشبه سائر مَا لا يبطل؛ وَلِأَنَّ الوجوب من الشارع، ولم ينص عَنْ الشارع فِي هذا إيجاب الوضوء، ولا فِي شيء يقاس هذا عليه، ومَا رووه مرسل لا يثبت) انظر: "المغني لابن قدامة"(1/ 131).

(6)

(بطلوع الشمس) ساقطة من (ب).

ص: 103

وَفِي الرِّوَايةِ الأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ خَارِجاً مِنْ أَصْلِ التَّحْرِيمَةِ

(1)

، فَقَدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ النَّفْلِ فِي هَذَا الوَقْتِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الفَرْضِ، فَالضَّحِكُ فِي هَذِهِ الحَالَةِ؛ دُونَ الضَّحِكِ

(2)

فِي صَلَاةِ الجَنَازَةِ، فَلَا يُجْعَلُ حَدَثًا.

وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ

(3)

يَلْزَمُهُ الوُضُوءُ، خُصُوصاً عَلَى الرِّوَايَةِ؛ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ؛ أَنَّهُ يَصْبِر

(4)

حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ يُتِّمُ

(5)

الفَرِيضَةَ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُشْكِلُ أَنَّ ضَحِكَهُ صَادَفَ حُرْمةَ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ، فَكَانَ حَدَثًا)

(6)

، وَحِينَ

(7)

/ تَتضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ، يُقَالَ:(ضَافَتِ الشَّمْسُ، وَضَيَّفَتْ، وَتَضَيَّفَتْ، أَيْ؛ مَالَتْ لِلْغُرُوبِ. [وَعَلَامَةُ التَّضْيفِ لِلْغُرُوبِ أَنْ تَحْمَرَّ الشَّمْسُ])

(8)

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِحَدِيثِ عُقْبَةَ قَالَ: «ثَلَاثُ أَوْقَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا» الحَدِيثَ)

(9)

(10)

فَإِنْ قُلْتَ: التَّخْصِيصُ بِالثَّلَاثِ فِي العَدَدِ يُفِيدُ الانْحِصَارَ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ شَمْسُ الأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله (فِي ذِكْرِ شُرُوطِ القِيَاسِ: وَالخَاِمسُ مِنَ)

(11)

الشَّرْطِ

(12)

أَلَّا يَكُونَ التَّعْلِيلُ مُتَضَمِّنًا إِبْطَالَ شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ المَنْصُوصِ)

(13)

؛ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «خَمْسٌ مِنَ الفَوَاسِقِ يُقْتَلْنَ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ»

(14)

بِسَائِرِ

(15)

السِّبَاعِ بِالتَّعْلِيلِ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ

(16)

فِي "الهِدايَةِ".

(1)

التحريمة: هي تكبيرة الإحرام وقد جاء في الحديث (وتحريمها التكبير) كأن المصلي بالتكبير والدخول في الصلاة صار ممنوعا من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها فقيل للتكبير تحريم لمنعه المصلي من ذلك ولهذا سميت تكبيرة الإحرام. انظر: " النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ": (1/ 373).

(2)

لم أجد تخصيص الضحك بما كان غير مسموع عند أهل اللغة، بل الذي وجدته أن الضحك إذا أطلق دخل فيه القهقهة، وأما القهقهة فضرب من الضحك وهي شدته. (لسان العرب لابن منظور:(10/ 459)، (13/ 531)

(3)

فِي (ب): (أبي حنيفة). والمثبت هُوَ الصحيح. ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (2/ 102).

(4)

فِي (ب): (نصبرها).

(5)

فِي (ب): (اوّي).

(6)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (2/ 102)، "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 72).

(7)

فِي (ب): (وقَالَ حين).

(8)

زيادة من (ب). ينظر " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي " ص: (287).

(9)

يقول صاحب الهداية: (لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قَالَ ثلاثة أوقات نهانا رسول الله عليه الصلاة والسلام أن نصلي فيها وان نقبر فيها موتانا عند طلوع الشمس حَتَّى ترتفع وعند زوالها حَتَّى تزول وحين تضيف للغروب حَتَّى تغرب). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 42).

(10)

أخرجه ابن المنذر فِي "الأوسط"(4/ 89) فِي جماع أبواب "الصَّلاة قبل صلاة الجمعة" باب "ذكر الصَّلاة نصف النهار يوم الجمعة" حديث رقم (1832).

(11)

فِي (ب): (فِي شرط القياس الخامس من القياس).

(12)

لم يذكر السرخسي: (من الشرط) في النسخة المطبوعة. ينظر: "أصول السرخسي"(2/ 150).

(13)

ينظر: "أصول السرخسي"(2/ 150).

(14)

أخرجه مسلم فِي "صحيحه"(ص 469)، كتاب الحج، باب مَا يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، حديث (1198)، عَنْ عائشة رضي الله عنها عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والغراب الأبقع والفارة والكلب العقور والحديا» .

(15)

فِي (ب): (وسائر).

(16)

فِي (ب): (ذكره).

ص: 104

فَقَالَ رحمه الله: (وَالقِيَاسُ عَلَى الفَوَاسِقِ مُمْتَنِعٌ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ العَدَدِ)

(1)

المَنْصُوصِ

(2)

وَكَذَلِكَ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَكْثَرِ الحَيْضِ، واقَلِّهِ بِذِكْرِ العَدَدِ المَنْصُوصِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَلْحَقَ هَاهُنَا بِالثَّلَاثَةِ المَنْصُوصَةِ أَوْقَاتٍ يُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ.

وَقَدْ ذَكَرَ فِي "فتاوى قاضي خان" رحمه الله: (وَتِسْعَةُ أَوْقَاتٍ

(3)

، لَا يَجُوزُ فِيهَا النَّفْلُ)

(4)

، وَتِلْكَ التِّسْعَةُ غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ

(5)

إِبْطَالُ العَدَدِ، لَا مَحَالَةَ فَمَا وَجْهُهُ؟

قُلْتُ: إِنَّمَا يَلْزَمُ إِبْطَالُ العَدَدِ المَنْصُوصِ، أَنْ لَوْ كَانَ حُكْمُ المَزِيدِ مِثْلَ حُكْمِ المَزِيدِ عَلَيْهِ، كَمَا فِي إِلْحَاقِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله سَائِرَ السِّبَاعِ بِالْخَمْسَةِ المَنْصُوصَةِ

(6)

، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الثَّلَاثةَ المَنْصُوصَةَ حُكْمُهَا أَلَّا يَجُوزَ فِيهَا الفَرَائِضُ، وَكَذَا النَّوَافِلُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ.

وامَّا التِّسْعَةُ المُلْحَقُ بِهَا، فَيَجُوزُ فِيهَا قَضَاءُ الفَائِتَةِ، وَصَلَاةُ الجَنَازَةِ، وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِيهَا التَّنَفلُ لِمَعنًى قَامَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ

(7)

مِنَ النَّوَافِلِ، وَكَمَا أَنَّ هَذِهِ الأَوْقَاتِ الثَّلَاثة مَرْوِيةٌ، فَكَذَلِكَ رَوَيَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا صَلَاةَ بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسَ، وَلَا بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ»

(8)

وَلَكِنَّ أَثَرُ هَذَا النَّفْيِ فِي حَقِّ النَّفْلِ دُونَ الفَرْضِ؛ لِمَا

(9)

يَجِيءُ بَيَانُهُ، فَلَا يَلْزَمُ بِمِثْلِ هَذَا لِلإِلْحَاقِ

(10)

إِبْطَالُ العَدَدِ المَنْصُوصِ عَلَيْهِ.

(1)

ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 168).

(2)

ساقطة من (ب). والصحيح سقوطها. ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 168).

(3)

وهي: بعد طلوع الفجر قبل صلاة الفجر لا يجوز إلا سنة الفجر وبعد الفريضة قبل طلوع الشمس وبعد صلاة العصر قبل التغير وبعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب وعند الخطبة يوم الجمعة وعند الإقامة يوم الجمعة وعند خطبة العيدين وعند خطبة الكسوف وعند خبطة الاستسقاء. ينظر: "فتاوى قاضي خان"(ص 92).

(4)

ينظر: "فتاوى قاضي خان"(ص 92).

(5)

فِي (ب): (عن).

(6)

ينظر: "الأم للشافعي "(7/ 213)، و"الوسيط" للغزالي (7/ 160: 161)، و"روضة الطالبين وعمدة المفتين" للنووي (1/ 100)

(7)

فِي (ب): (واحدة).

(8)

أخرجه البخاري فِي "صحيحه"(1/ 193) فِي كتاب "مواقيت الصَّلاة"، باب "لا تتحري الصَّلاة قبل غروب الشمس"، حديث رقم (574)، ومسلم فِي "صحيحه"(ص 321) فِي كتاب "الصَّلاة"، باب "الأوقات التي نهي عَنْ الصَّلاة فيها" حديث رقم (825).

(9)

فِي (ب): (بما).

(10)

فِي (ب): (الإلحاق).

ص: 105

قولُهُ: رحمه الله (وَالحَدِيثُ بِإِطْلَاقِه حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي تَخْصِيصِ الفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ بمكةَ)

(1)

[وَفِي بَعْضِ نُسَخِ " الهِدَاية " لمَ يَذْكُرِ الفَرَائِضَ، وَفِي بَعْضِهَا لمَ يَذْكُرِ النَّوَافِلَ وَالصَّحِيحُ مِنَ الرِّوَايَةِ؛ أَنْ يَذْكَرَ الفَرَائِضَ وَالنَوَافِلَ كَمَا ذُكَرت، فَإِنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله

(2)

تَجُوزُ الفَرَائِضُ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ فِي جَمِيعِ الأَمْكِنَةِ، دُونَ النَّوَافِلِ، وَفِي مَكَّة يَجُوزُ عِنْدَهُ الفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ فَإِنَّ شَمْسَ الأَئِمَّةِ السَّرْخسِيَّ رحمه الله ذَكَرَ فِي "المَبْسُوطِ"حَدِيثَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ

(3)

رضي الله عنه وَغَيْرِهِ مِنَ الأَحَادِيثِ

(4)

، ثُمَّ قَالَ: (وَالأَمْكِنَةُ فِي هَذَا النَّهْيِ سَوَاءٌ عِنْدَنَا؛ لِعُمُومِ الآثَارِ.

(1)

قَالَ صاحب الهداية: (وبِمَكَّةَ فِي حق النوافل). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 42).

(2)

فِي هامش المخطوط (أ) إزاء هَذِهِ الجملة: [وفِي بعض نسخ (الهداية) لم يذكر الفرائض وذكر مكة بالباء، وفِي بعضها لم يذكر النوافل، والصحيح من الرواية أن يذكر الفرائض ويذكر مكة بدون الباء، ويقَالَ فِي تخصيص الفرائض ومكة ليكون تعميم جواز الفرائض فِي جميع الأمكنة، وتعميم جواز الصلوات كلها من الفرائض والنوافل بِمَكَّةَ، وذلك إِنَّمَا يستفاد بهذا الَّذِي ذكرت وهكَذَا أيضاً كَانَ بخط شيخي رحمه الله فَإِنَّ عند الشافعي رحمه الله. قلت: المثبت فِي نسخة الهداية التي اعتمد عليها قول صاحب الهداية: (وبِمَكَّةَ فِي حق النوافل). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 42).

(3)

عقبة بن عامر: هُوَ عقبة بن عامر بن عبس بن مالك الجهنيّ، أمير. من الصحابة. كَانَ رديف النبي صلى الله عليه وسلم وشهد صفين مع معاوية رضي الله عنه، وحضر فتح مصر مع عمرو بن العاص رضي الله عنه. وولي مصر سنة 44 هـ وعزل عنها سنة 47 هـ وولي غزو البحر. ومات بمصر. وهُوَ أحد من جمع القرآن. له 55 حديثا. توفِي عام 58 هـ. انظر " الطبقات الكبرى لإبن سعد "(3/ 428)"أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير "(3/ 550)، "الأعلام للزركلي"(4/ 240)

(4)

يقول السرخسي رحمه الله: (والأصل فِيهِ حديث «عقبة بن عامر رضي الله عنه قَالَ: ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وان نقبر فيهن موتانا عند طلوع الشمس حَتَّى ترتفع وعند زوالها حَتَّى تزول وحين تضيف للغروب حَتَّى تغرب». وفِي حديث الصنابحي «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عَنْ الصَّلاة عند طلوع الشمس وقَالَ إنها تطلع بين قرني الشيطان كَانَ الشيطان يزينها فِي عين من يعبدونها حَتَّى يسجدوا لها فَإِنَّ ارتفعت فارقها فإِذَا كَانَ عند قيام الظهيرة قارنها فإِذَا مالت فارقها فإِذَا دنت للغروب قارنها فإِذَا غربت فارقها فلا تصلوها فِي هَذِهِ الأوقات»، وفِي حديث «عمر بن عنبسة قَالَ قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل من الليل والنهار ساعة لا يصلى فيها فقَالَ إِذَا صليت المغرب فالصَّلاة مشهودة مقبولة إِلَى أن تصلي الفجر ثم أمسك حَتَّى تطلع الشمس ثم الصَّلاة مشهودة مقبولة إِلَى وقت الزوال ثم أمسك فإنها ساعة تسعر فيها جهنم ثم الصَّلاة مشهودة مقبولة إِلَى أن تصلي العصر ثم أمسك حَتَّى تغرب الشمس»). ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 151).

ص: 106

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ

(1)

: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ بِمَكَّةَ؛ لِحَدِيثٍ

(2)

رُوِيَ فِي النَّهْيِ إِلَّا بِمَكَّةَ

(3)

، وَلَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا شَّاذَّةٌ

(4)

فَلَا تُعَارِضُ المَشَاهِيرَ

(5)

.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ

(6)

أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ وَقْتَ الزَّوَالِ يَوْمَ الجُمُعَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ شَاذًّ: (إِلَّا يَوْمَ الجُمُعَةِ) وَبِهِ أَخَذَ أبو يوسفَ وقَالَ للناسِ بَلْوى

(7)

فِي تحيةِ المسجدِ عندَ الزوالِ يومَ الجمعةِ، والآثارُ؛ الَّتِي رُوِّينَا توجبُ الكراهةَ فِي الكلِّ، ثُمَّ قَالَ: وفِي هَذِهِ الأوقاتِ

(8)

الثلاثةِ لا يؤدِّي الفرائضَ عندنَا.

(1)

قَالَ الشافعي رحمه الله: (والنهي فيمَا سوى ذلك ثابت إلا بِمَكَّةَ وليس من هَذِهِ الأحاديث شيء مختلف). ينظر: "مختصر المزني"(ص 33).

(2)

فِي (ب): (بحديث).

(3)

وهُوَ قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إلا بِمَكَّةَ إلا بِمَكَّةَ إلا بِمَكَّةَ» . وقد وردت هَذِهِ الزيادة فِي حديث أبي ذر رضي الله عنه ورَوَاهُ أحمد فِي "مسنده"(35/ 366) حديث (21462) والطبراني فِي "الأوسط"(1/ 258) حديث (847) وقَالَ الطبراني: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعِيدٍ إِلَّا حُمَيْدٌ مَوْلَى عَفْرَاءَ؛ وَهُوَ حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَعْرَجُ، تَفَرَّدَ بِهِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ الْمَخْزُومِيُّ، ورَوَاهُ "الدار قطني"(2/ 301) فِي "كتاب الصلاة"، باب " جواز النافلة عند البيت فِي جميع الأزمان"، حديث رقم (1571)، ورَوَاهُ "البيهقي فِي الكبرى"(2/ 647) فِي "كتاب الصلاة "، باب "ذكر البيان أن هذا النهي مخصوص ببعض الأمكنة دون بعض"، حديث (4105).

وقَالَ البيهقي: َهَذَا الْحَدِيثُ يُعَدُّ فِي إِفْرَادِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ ضَعِيف.

(4)

الشاذ: ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس، والذي عليه حفاظ الحديث: أنه ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره، فما كان عن غير ثقة، فمتروك لا يقبل وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به انظر " تقريب النووي مع شرحه تدريب الراوي للسيوطي":(1/ 232) وعرفه الحافظ ابن حجر رحمه الله: بأنه ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه "نخبة الفكر مع شرحها نزهة النظر"(ص 37).

(5)

فِي (ب): (المشاهد).

(6)

ينظر: "المَبْسُوطِ"(1/ 151)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 296)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 276).

(7)

بلوى: كَذَا فِي المخطوط (أ)، و (ب)، وفِي "المَبْسُوطِ للسرخسي"(1/ 151).

(8)

(الأوقات)، ساقطة من (ب).

ص: 107

وقَالَ الشافعيُّ

(1)

: النهيُ عَنْ أداءِ النوافلِ، فأمَا الفرائضُ، فلا بأسَ بأدائِها فِي هَذِهِ الأوقاتِ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «منْ نامَ عَنْ صلاةٍ

(2)

أو نسِيَها فليصلِّها إِذَا ذكرَها، فَإِنَّ ذلكَ وقتُهَا» وهُوَ مطلقٌ

(3)

.

ولنا حديثُ ليلةِ التعريسِ

(4)

؛ فَإِنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَا نزلَ آخرُ الليلِ قَالَ: «منْ يكلؤُنا الليلةَ»

(5)

، قَالَ بلالٌ: أنا، فنامُوا فمَا أيقظَهم إلا حرُّ الشمسِ. وفِي روايةٍ: انتبهُوا وقدْ بدا حاجبُ الشمسِ، فقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لبلالٍ

(6)

: «أينَ ما

(7)

وعدْتَنا؟» قالَ: ذهبَ بنفسِي الَّذِي ذهبَ بنفوسِكم، فقَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أرواحُنا بيدِ اللهِ» ، وأمرهم، فانتقلُوا منْ ذلكَ الوادِي، ثمَّ نزلُوا، فأوترَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ أذَّنَ بلالٌ، فصلَّى

(8)

ركعتيِ الفجرِ، ثم أقامَ فصلَّى بهمُ الفجرَ، وإِنَّمَا انتقلُوا من ذلكَ الوادِي؛ لأَنَّهُ تشاءمَ بهِ

(9)

، والأصحُّ أَنَّهُ أرادَ أنْ ترتفعَ الشمسُ، فلوْ جازَ قضاءُ

(10)

المكتوبةِ

(11)

فِي حالِ طلوعِ الشمسِ؛ لَمَا أخَّرَ بعدَ الانتباهِ. والآثارُ المرويةُ فِي النهيِ عامةٌ فِي جنسِ الصَّلواتِ)

(12)

.

(1)

ينظر: "مختصر المزني"(ص 33).

(2)

فِي (ب): (عَنْ صلاته).

(3)

(وهُوَ مطلق) هَذِهِ العِبَارَةٌ، وإن كانت صحيحة المعني، إِلَّا أَنَّها لم تثبت فِي المَبْسُوطِ. ينظر:"المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 151)

(4)

ليلة التَّعْرِيس: نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة، يقَالَ منه: عَرَّسَ يُعَرِّسُ تَعْرِيساً. ويقَالَ فيه: أَعْرَسَ، والمُعَرِّس: موضعُ التَّعْرِيس، وَبِهِ سُمِّي مُعَرَّس ذي الحليفة، عرس به النبي صلى الله عليه وسلم وصلى فِيهِ الصبح ثم رحل.

انظر: " النهاية فِي غريب الحديث والأثر "(3/ 206)

(5)

أخرجه أحمد فِي "مسنده"(27/ 311) حديث رقم (16746)، والنسائي فِي "الصغرى"(1/ 324) فِي كتاب "الصَّلاة"، باب "كيف يقضي الفائت من الصَّلاة" حديث رقم (623) جبير بن مطعم عَنْ أبيه. قَالَ ابن عبد الهادي فِي "تنقيح تحقيق التعليق" (2/ 390): روي بطرق عَنْ حماد بن سلمة.

(6)

بلال بن رباح: هُوَ صحابي جليل وكَانَ مولى لأبي بكر رضي الله عنه، يكنى أبا عبد الكريم، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الله، وأمه حمامة. من مولدي السراة، عداده فِي أهل الشام، فِي موالى تيم، شهد بدرًا والمشاهد كلها، وكَانَ من السابقين إِلَى الإسلام، وممن يعذب فِي اللَّه عز وجل فيصبر عَلَى العذاب وكَانَ مؤذنًا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وخازنًا.

روى عنه: أبو بكر، وعمر، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. توفِي بدمشق، ويقال: بحلب، سنة 20 هـ وقيل: سنة 18 هـ. انظر: "معرفة الصحابة لابن منده (ص: 267)، "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير" (1/ 243)، و"تاريخ الإسلام للذهبي " (2/ 112)، و" الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر " (1/ 455).

(7)

فِي (ب): (أينما).

(8)

فِي (ب): (وصلى).

(9)

هذا الكلام يخالف نهى النبي صلى الله عليه وسلم عَن التشاؤم وَهَاهُنَا يقول بعض العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم ارتحل عَن الْوَادي الَّذِي تشاءم بِهِ وَأجاب عنه العيني رحمه الله في كتابه "عمدة القارئ شرح صحيح البخاري"(4/ 32) بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يعلم حَال ذَلِك الْوَادي، وَلم يكن غَيره يعلم بِهِ فَيكون خَاصّاً بِهِ صلى الله عليه وسلم وَأخذ بعض الْعلمَاء بِظَاهِر مَا وَقع مِنْهُ صلى الله عليه وسلم من رحيله من ذَلِك الْوَادي أَن من انتبه من نوم عَن صَلَاة فَائت فِي سفر فَإِنَّهُ يتَحَوَّل عَن مَوْضِعه وَإِن كَانَ بواد فَليخْرجْ عَنهُ وَقيل إِنَّمَا يلْزم بذلك الْوَادي بِعَيْنِه وَقيل هُوَ خَاص بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

وممن يروى عنه القول بأنه فعله تشاءماً المهلب رحمه الله فقال: أن من حلت به فتنة في بلد فليخرج عنه، وليهرب من الفتنة بدينه، كما فعل الشارع بارتحاله عن بطن الوادي الذي تشاءم به لأجل الشيطان. انظر:" التوضيح لشرح الجامع الصحيح"(5/ 202) وبلا شك أن تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الوصف أولى.

(10)

(قضاء) جاءت فِي المَبْسُوطِ (الفجر). ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 152).

(11)

الصلاة المكتوبة: مكتوبة أي مفروضة قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} سورة النساء آية (103) وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} سورة البقرة آية (183) أي: فرض (لسان العرب لابن منظور: (1/ 699)" الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ": (5/ 374)

(12)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 151 - 152).

ص: 108

قولُهُ رحمه الله: (ولا سجدةَ تلاوةٍ

(1)

؛ لأنها فِي معنَى الصَّلاةِ)

(2)

يعنِي: لَمَا كانتْ فِي معنَى الصَّلاةِ؛ كانتْ

(3)

داخلةً تحتَ النهيِ عَنْ الصَّلاةِ فِي قولِهِ صلى الله عليه وسلم: «ثلاثُ أوقاتٍ نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُصلَّى فيها»

(4)

.

[القهقهة فِي الصلاة]

فَإِنَّ قلتَ: لِمَ يلحقُ سجدةُ التلاوةِ بالصَّلاةِ فِي قولِه صلى الله عليه وسلم: «إلا منْ ضحكَ منكمْ قهقهةً، فليُعدِ الوضوءَ والصَّلاة جميعًا»

(5)

حَتَّى لا ينتقضَ وضوؤُهُ بالقهقهةِ فِي سجدةِ التلاوةِ [و]

(6)

معَ أنَّ الصَّلاةَ محلًّى بالألفِ واللامِ، وهاهنا غيرُ محلًّى يهما، فكيفَ تناولَهُمَا اسمُ الصَّلاةِ؟

قلتُ: عدمُ الإلحاقِ هناكَ باعتبارِ أنَّ اللامَ/ فِي قولِهِ صلى الله عليه وسلم: «فليعدِ الوضوءَ والصَّلاةَ جميعًا» للعهدِ؛ لأَنَّهُ إِنَّمَا يعيدُ الصَّلاةَ؛ الَّتِي وُجدتْ فيها القهقهةُ

(7)

، لا جنسَ الصَّلاةِ، والصَّلاةُ المعهودةُ كانتْ ذاتَ التحريمةِ والركوعِ، والسجودِ، فلا يتناولُ السجودَ مجردًا من غيرِ تحريمةٍ، وأما هاهنا؛ النهيُ عَنْ الصَّلاةِ فِي هَذِهِ الأوقاتِ؛ لكيلا يقعَ التشبهُ

(8)

بالصَّلاةِ بمنْ يعبدُ الشمسَ، وبالسجودِ يحصلُ التشبهُ بهمْ أيضًا، فيكرهُ السجودُ كَذَلِكَ.

(1)

فِي (ب): (التلاوة).

(2)

يقول صاحب الهداية بعدها: (إلا عصر يومه عند الغروب)، ينظر:"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 42).

(3)

(فِي معنى الصَّلاة كانت)، ساقطة من (ب).

(4)

سبق تخريجه في صفحة (182).

(5)

أخرجه أبو بكر الإسماعيلي فِي"معجم أسامي الشيوخ"(ص 530) حديث رقم (167): بلفظ: «مَنْ قَهْقَهَ فِي الصَّلَاةِ قَهْقَهَةً شَدِيدَةً فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ» من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

قَالَ البيهقي: وقد روي هذا الحديث بأسانيد موصولة، إِلَّا أَنَّهُا ضعيفة. وقد ثبت أحاديثها فِي الخلافيات، انتهى. انظر:"نصب الراية للزيلعي "(1/ 53).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

أجمع أهل العلم على أن الضحك في غير الصلاة لا ينقض طهارةً ولا يوجب وضوءً، وأجمعوا أن الضحك في الصلاة ينقض الصلاة، إلا ما روي عن الشعبي وهو شاذ. انظر:"الإجماع لإبن المنذر"(1/ 48)، و"فتح الباري لابن حجر"(1/ 280)، و"المجموع شرح المهذب؛ للنووي"(2/ 15)، و"المغني لابن قدامة"(2/ 40).

(8)

فِي (ب): (التشبيه).

ص: 109

كَذَا ذكرَه شمسُ الأئمةِ السرخسيُّ رحمه الله.

قولُهُ رحمه الله: (وإِذَا كَانَ كذلكَ، فقدْ أدَّاها كَمَا وجبتْ)

(1)

.

يعني: ولَمَا كَانَ السببُ؛ هُوَ الجزءُ القائمُ منَ الوقتِ، وذلكَ الجزءُ القائمُ منَ الوقتِ، ناقصٌ؛ لأَنَّهُ آخرُ وقتِ العصرِ؛ لِأَنَّ الكلامَ فِيهِ، وهُوَ وقتُ احمرارِ الشمسِ، فَكَانَ أداءُ صلاةِ

(2)

ذلكَ الوقتِ، ناقصًا أيضًا؛ لِأَنَّ سببَ الأداءِ، هُوَ الجزءُ القائمُ، وهُوَ ناقصٌ، فكانتْ نتيجتُه وهيَ الأداءُ ناقصًا أيضًا؛ لِأَنَّ الحكمَ يثبتُ عَلَى حسبِ ثبوتِ السببِ، وإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ يقضِي حقَّ السببِ الناقصِ بالأداءِ الناقصِ؛ لِأَنَّ ذلكَ كفاءُ

(3)

حقهِ بخلافِ غيرِها منَ الصَّلواتِ، حيثُ لا يؤدِّى فِي ذلكَ الوقتِ؛ لِأَنَّ تلكَ الصَّلواتِ، وجبتْ كاملةً، فلا يؤدِّى فِي الوقتِ الناقصِ.

فَإِنَّ قلتَ: هذا التقريرُ يقتضِي أنْ

(4)

يجوزَ قضاءُ العصرِ الفائتةِ فِي هذا الوقتِ؛ لِأَنَّ السببيةَ لَمَا انتقلتْ إِلَى آخرِ الوقتِ، وآخره فِي العصرِ ناقصٌ، فكانتْ

(5)

متقدرةً فِي ذمتِهِ بصفةِ النقصانِ؛ لنقصانِ سببِه، وهُوَ آخرُ وقتِ العصرِ، فَكَانَ قضاؤُها فِي هذا الوقتِ، قضاءً للصَّلاةِ كَمَا وجبتْ، فينبغِي أنْ تجوزَ، كَمَا لوْ أدّى عصرَ يومِهِ فِي ذلكَ الوقتِ، والدليلُ عَلَى صحَّةِ هذا الإشكالِ؛ هُوَ أنَّ منْ شرعَ فِي صلاةِ التطوعِ، عندَ الزوالِ، ثم أفسدَها وقضاهَا عندَ

(6)

الغروبِ أجزأَه عندَنا

(7)

؛ خلافًا لزفرَ رحمه الله؛ لأَنَّهُ قضاها كَمَا وجبتْ بصفةِ النقصانِ، والروايةِ في

(8)

نوادرِ صلاةِ " المَبْسُوطِ "

(9)

.

(1)

مَا بين القوسين من كلام صاحب الهداية حيث يقول: (لِأَنَّ السبب هُوَ الجزء القائم من الوقت لأَنَّهُ لو تعلق بالكل لوجب الأداء بعده ولو تعلق بالجزء الماضي فالمؤدى فِي آخر الوقت قاض وإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فقد أداها كَمَا وجبت بخلاف غيرها من الصلوات لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالنقص). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 42).

(2)

فِي (ب): (الصَّلاة في)

(3)

فِي (ب): (كفي).

(4)

فِي (ب): (أن يكون).

(5)

فِي (ب): (وكانت).

(6)

فِي (ب): (قبل).

(7)

(عندنا)، ساقطة من (ب).

(8)

فِي (ب): (فِي ذلك).

(9)

قَالَ زفر: (لمَا أفسدها فقد لزمه قضاؤها وصار ذلك دينا فِي ذمته فلا يسقط بالأداء فِي الوقت المكروه بمنزلة المنذورة التي شرع فيها فِي وقت مكروه) ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (2/ 103).

ص: 110

وكَذَلِكَ فِي سجدةِ التلاوةِ، لوْ قرأَها وقتَ الزوالِ، وقضاها وقتَ الغروبِ أوِ الطلوعِ؛ أجزأَهُ

(1)

، قلتُ: قدْ أجابَ شيخُ الإسلامِ رحمه الله فِي " مَبْسُوطِهِ " عَنْ هذا الإشكالِ فقَالَ: إِنَّمَا يضيفُ الوجوبَ إِلَى آخرِ الوقتِ، مادامَ الوقتُ باقياً (ضرورةَ أنْ يكونَ الفعلُ أداءً، وإِنَّمَا تتحققُ هَذِهِ الضرورةُ مادامَ الوقتُ باقيًا)

(2)

؛ لأَنَّهُ لوْ لمْ يكنْ كَذَلِكَ، يلزمُ إمَا أنْ يتقدمَ الحكمُ عَلَى السببِ؛ لِأَنَّ بعضَ السببِ ليسَ بِسَبَبٍ، وأما أنْ يتأخرَ الأداءُ بعدَ مضيِّ الوقتِ، فَكَانَ قضاءً لا أداءً؛ فلذلكَ

(3)

أضفْنا الوجوبَ إِلَى الجزءِ القائمِ عندَ بقاءِ الوقتِ، وجعلنَا مَا مضَى، كأَنَّهُ ليسَ بِسَبَبِ أصلاً، فأمَا إِذَا وجبَ

(4)

الوقتُ، فقدْ زالتِ الضرورةُ، فأضفْنا الوجوبَ إِلَى الجزءِ الَّذِي لا نقصانَ فِيهِ، وإِذَا أضيفَ إِلَى مَا لا نقصانَ فِيهِ؛ كَانَ مَا وجبَ عليهِ كاملاً، فلا يتأدَّى بالناقصِ، فكذلكِ

(5)

هاهنا.

[الشروع في التطوع في الوقت الناقص]

وأما شروعُ التطوعِ فِي الوقتِ الناقصِ، لم يكنْ له سببٌ كاملٌ قبلَ الشروعِ؛ حَتَّى يضيفَ إِلَى ذلكَ السببَ بعدَ الإفسادِ، فَكَانَ قضاؤُه فِي وقتٍ آخرَ مثلِه، كَانَ قضاء الشيءِ كَمَا وجبَ، فيجوزُ كَمَا لو مضى عليهِ وقتُ الشروعِ، (وهُوَ وقتٌ ناقصٌ، وكَذَلِكَ فِي سجدةِ التلاوةِ؛ فإنها ليستْ نقصًا بلْ هيَ أداءٌ فِي كلِّ وقتٍ)

(6)

يؤديهَا؛ لأنَّها ليستْ بمؤقتةٍ، ففي

(7)

أَيْ وقتٍ يؤدِّيها؛ كَانَ أداءً فِي مثلِ ذلكَ الوقتِ الَّذِي وُجِدَ سببُها، أو أكملُ منْ ذلكَ الوقتِ؛ فيجوزُ كَمَا لوْ أداها فِي ذلكَ الوقتِ.

وذكرَ فِي "الإيضاحِ": وإِنَّمَا جازَ أداءُ العصرِ؛ لِأَنَّ معنى الكراهةِ يظهرُ

(8)

فِي حقِّ القضاءِ لا فِي حقِّ الأداءِ؛ لِأَنَّ الأداءَ ابتداءً يكونُ لحقِّ الوقتِ القائمِ للحالِ، ألا ترَى أَنَّهُ لوْ أدركَ الصبيُّ، أو طهُرتِ الحائضُ، أو أسلمَ الكافرُ فِي هذا الوقتِ؛ لزمهمْ فرضُ الوقتِ، وإِنَّمَا الكراهةُ فِي التأخيرِ إِلَى هذا الوقتِ.

(1)

(أجزأه): ساقطة من (ب).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

فِي (ب): (فكذلك).

(4)

فِي (ب): ذهب).

(5)

فِي (ب): (فكذا).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

فِي (ب): (في).

(8)

فِي (ب): (مع الكراهة فيظهر).

ص: 111

[لو غربت الشمس في خلال الصلاة]

ولهذا قلْنا: لوْ

(1)

غربتِ الشمسُ فِي خلالِ الصَّلاةِ أتَمَّها؛ لِأَنَّ مَا وُجد قبلَ الغروبِ، وقعَ أداءً، ولا كراهةَ فِي الأداءِ، ومَا بعدَ الغروبِ، وقع قضاءً، ولا كراهةَ فِي وقتِ القضاءِ، بخلافِ طلوعِ الفجرِ

(2)

حيثُ تفسدُ صلاتهُ؛ لِأَنَّ مَا بعدَ الطلوعِ؛ وقتُ القضاءِ، وهُوَ وقتٌ

(3)

مكروهٌ، فلا يتأدَّى بهِ الواجبُ

(4)

.

وفِي " المَبْسُوطِ ": (وعَنْ أبي يوسفَ أنَّ صلاةَ الفجرِ؛ لا تفسدُ بطلوعِ الشمسِ، ولكنَّهُ يصبرُ

(5)

حَتَّى إِذَا ارتفعتِ الشمسُ؛ أتمَّ صلاتَه

(6)

وكأنَّه

(7)

استحسنَ هذا؛ ليكونَ مؤديًا بعضَ

(8)

الصَّلاةِ فِي الوقتِ، ولو أفسدَها

(9)

؛ كَانَ مؤديًا جميعَ الصَّلاةِ خارجَ الوقتِ، وأداء بعضِ الصَّلاةِ فِي الوقتِ أَوْلَى منْ أداءِ الكلِّ؛ خارجَ الوقتِ)

(10)

.

قولُهُ رحمه الله: (وَالْمُرَادُ/ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وهوَ

(11)

الكراهةُ)

(12)

يعني بهِ نفِي عدمَ الجوازِ، بخلافِ الفرائضِ فِي هَذِهِ الأوقاتِ الثلاثةِ

(13)

سوى عصرِ يومه.

فَإِنَّ قولَهُ: (لا تجوزُ الصَّلاة ُعندَ طلوعِ الشمسِ) إِلَى آخرِه، فِي حقِّ الفرائضِ مُجرىً عَلَى حقيقةِ عدمِ الجوازِ.

(1)

فِي (ب): (إذا).

(2)

فِي (ب): (طلوع الشمس فِي صلاة الفجر).

(3)

(وقت): ساقطة من (ب).

(4)

الواجب: ما لزم بدليل فيه شبهه ظني واستحق العقاب على تركه من غير عذر، (كشف الأسرار للبخاري (2/ 300 - 303، المغني للخبازي: 83 - 86).

(5)

فِي (ب): (نصبر).

(6)

فِي (ب): (الصَّلاة).

(7)

فِي (ب): (وكان).

(8)

فِي (ب): (ببعض).

(9)

وفِي المَبْسُوطِ: (أفسدناها).

(10)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 152)، و"بدائع الصنائع للكاساني (1/ 127).

(11)

فِي المطبوع من الهداية بدون (وهو). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 42).

(12)

يقول صاحب الهداية: (والمراد بالنفِي المذكور فِي صلاة الجنازة وسجدة التلاوة الكراهة حَتَّى لو صلاها فِيهِ أو تلا فِيهِ آية السجدة فسجدها جاز لأنها أديت ناقصة كَمَا وجبت إذ الوجوب بحضور الجنازة والتلاوة). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 42).

(13)

فِي (ب): (الثلاث).

ص: 112

[التطوع فِي أوقات النهي]

أمَا التطوعاتُ فِي هَذِهِ الأوقاتِ الثلاثةِ؛ فأَنَّهُ إِذَا شرعَ فيهَا، يجبُ عليهِ

(1)

أنْ يقطعَها، ويقضيَهَا فِي وقتٍ آخرَ فِي ظاهرِ الروايةِ؛ كَذَا فِي "الإيضاحِ"

(2)

و"فتاوى قاضي خان"

(3)

وغيرِهمَا.

لَكِن وذكرَ فِي "الإيضاحِ": فالأفضلُ أنْ يقطعَ

(4)

، وأما لوْ مضَى عَلَى ذلك؛ فهلْ يخرجُ عمَا وجبَ عليْه (بالشروعِ؟.

فقدْ ذكرَ فِي نوادرِ صلاةِ " المَبْسُوطِ ": يخرجُ بهِ عمَا وجبِ عليهِ بالشروعِ، فلا يجبُ عليهِ شيءٌ سواهُ

(5)

.

وكَذَلِكَ لوْ قطعَها وأدَّاهَا فِي وقتٍ آخرَ مكروهٍ، مثلُه يجوزُ عندَنَا خلافاً لزفرَ رحمه الله.

وذكرَ فِي الزادِ

(6)

: أرادِ بقولِه: (لا تجوزُ الصَّلاةُ؛ عندَ طلوعِ الشمسِ إِلَى آخرِه)؛ قضاءُ الفرائضِ، والواجباتُ الفائتةُ عَنْ أوقاتِهَا؛ كسجدةِ التلاوةِ؛ الَّتِي وجبتْ بالتلاوةِ فِي وقتٍ غيرِ مكروهٍ)

(7)

أوِ الوترِ الَّذِي فاتَ عَنْ الوقتِ، فأمَا أداءُ

(8)

التطوعاتِ فِي هَذِهِ الأوقاتِ، يجوزُ معَ الكراهةِ، وكَذَلِكَ ذكرَ فِي "شرح الطحاوي"

(9)

.

(1)

فِي (ب): (على).

(2)

ينظر: " تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 85)، و"درر الحكام شرح غرر الأحكام، لملا خسرو "(1/ 53)، و"حاشية الطحاوي عَلَى مراقي الفلاح"(1/ 187).

(3)

ينظر: "فتاوى قاضي خان"(ص 92).

(4)

وقفت عَلَى مثله فِي: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 15)، و" الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي " (1/ 69).

(5)

ينظر: "المَبْسُوطِ" للسرخسي (1/ 89 - 90).

(6)

يقصد به كتاب " الزاد" للشيخ، الإمام: علي بن محمد بن إسماعيل، بهاء الدين الأسبيجاني السمرقندي. المتوفى سنة 535 هـ وهو فقيه حنفي، ينعت بشيخ الإسلام. من أهل سمرقند. وبها وفاته. له كتب، منها " الفتاوى " و"شرح مختصر الطحاوي ". انظر " كشف الظنون لحاجي خليفه " (2/ 1422) وفي ترجمته:" الجواهر المضية في طبقات الحنفية، للقرشي"(1/ 370) و الأعلام للزركلي (4/ 329).

(7)

مَا بين القوسين؛ ساقط من (ب) وذكره بنصه " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 82)

(8)

فِي (ب): (فإِذَا أدّى).

(9)

قَالَ الإمام الإسبيجابي فِي " شرح الطحاوي ": ولو صلى التطوع فِي هذا الأوقات الثلاث فأَنَّهُ يجوز ويكره. ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 54).

ص: 113

وقَالَ الكرخيُّ

(1)

: يجوزُ، وأحبُّ إلينا أنْ يعيدَ

(2)

.

وفِي" المحيطِ ": (ولوْ أوجبَ

(3)

عَلَى نفسِه صلاةً فِي هَذِهِ الأوقاتِ؛ فالأفضلُ لهُ أنْ يصليَ فِي وقتٍ مباحٍ، ولوْ صلَّى فِي هذا الوقتِ، سقطَ

(4)

عنْهُ)

(5)

.

ثمَّ ذكرَ هاهنا جوازَ

(6)

صلاةِ الجنازةِ فِي هَذِهِ الأوقاتِ معَ الكراهةِ

(7)

كَمَا ترى، وذكرَ فِي "تحفة الفقهاء": أنَّ الأفضلَ فِي صلاةِ الجنازةِ؛ أن يؤدِّيَها، ولا يؤخِّرَها؛ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم:«ثلاثةٌ لا يؤخرْنَ منها الجنازةُ إِذَا أحضرتْ»

(8)

(9)

وفيهَا أيضًا، وكَذَا سجدةُ التلاوةِ، فأَنَّهُ إِنَّمَا يكرهُ فِي هَذِهِ الأوقاتِ، فيمَا إِذَا كانتِ التلاوةُ فِي غيرِ هَذِهِ الأوقاتِ، فأمَّا

(10)

لوْ تلَا في وقتٍ مكروهٍ، وسجدَهَا فِيهِ؛ جازَ منْ غيرِ كراهةٍ.

ثمَّ اختلفُوا فِي قدرِ الوقتِ الَّذِي تباحُ فِيهِ الصَّلاةُ، بعدَ طلوعِ

(11)

الطلوعِ، قَالَ فِي "الأصل": إِذَا طلعتْ حَتَّى ارتفعتْ قدرَ رمحٍ أو رمحينِ تباحُ الصَّلاةُ

(12)

، وكَانَ الشيخُ الجليلُ

(13)

أبو بكرٍ محمدُ بنُ الفضلِ رحمه الله يقولُ: (مادامَ الإنسانُ يقدرُ عَلَى النظرِ إِلَى قرصِ الشمسِ؛ فالشمسُ

(14)

فِي الطلوعِ لا يباحُ فِيهِ الصَّلاةُ، فإِذَا عجزَ عَنْ النظرِ؛ يباحُ فِيهِ الصَّلاةُ)

(15)

وقَالَ الفقيهُ أبو جعفرٍ السفكردريُّ

(16)

رحمه الله: لوْ

(17)

يؤتَى بطشتٍ، ويوضعُ فِي أرضٍ مُستويةٍ؛ فمَا [دامتِ]

(18)

الشمسُ تقعُ فِي حيطانهِ، فهيَ فِي الطلوعِ، فلا تحلُّ الصَّلاةُ، وإِذَا وقعتْ فِي وسطِهِ قدْ

(19)

طلعتْ، وحلَّتِ الصَّلاةُ

(20)

؛ كَذَا فِي " المحيطِ "

(21)

.

(1)

ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 54).

(2)

فِي (ب): (نعيد).

(3)

فِي (ب): (والواجب).

(4)

فِي (ب): (يسقط).

(5)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 276).

(6)

فِي (ب): (عدم جواز).

(7)

(الكراهة): ساقطة من (ب).

(8)

أخرج أحمد في"مسنده"(2/ 197)، حديث (828)، والترمذي في"سننه"(2/ 378)، أبواب الجنائز، باب مَا جاء فِي تعجيل الجنازة حديث (1075)، والحاكم في"المستدرك"(2/ 176)، كتاب النكاح، حديث (2686)، عَنْ علي بن أبي طالب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ له:(يا علي، ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إِذَا آنت، والجنازة إِذَا حضرت، والايِّم إِذَا وجدت لها كفئا).

وقَالَ الترمذي (2/ 378): (هذا حديث غريب، ومَا أرى إسناده بمتصل)، وقَالَ الحاكم (2/ 176):(هذا حديث غريب صحيح، ولم يخرجاه)، وقَالَ الأرناؤوط عَنْ رواية أحمد (2/ 197):(إسناده ضعيف).

(9)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 105 - 106).

(10)

فِي (ب): (وأما).

(11)

(طلوع) ساقطة من (ب).

(12)

لم يحددها بالرمح أو الرمحين. ينظر: "المَبْسُوطِ" لمحمد بن الحسن (1/ 151).

(13)

فِي (ب): (الخليل).

(14)

فِي (ب): (والشمس).

(15)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 277).

(16)

فِي (ب): أبو حفص السيفكردي. والصواب مَا اثبت. قَالَ الخاصي: ذكر أبو حفص السفكردري في مختصر غريب الرواية ولم يذكر السمعاني هَذِهِ النسبة في كتابه، انظر:" الجواهر المضية فِي طبقات الحنفية " للقرشي (2/ 317).

(17)

(لو): ساقطة من (ب).

(18)

غير واضحة فِي المخطوط (أ)، والتصحيح من المخطوط (ب)، وشرح سنن أبي داود للعيني (2/ 322).

(19)

فِي (ب): (فقد).

(20)

(الصَّلاة): ساقطة من (ب).

(21)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 277).

ص: 114

[قضاء الفوائت فِي وقت النهي]

قولُه رحمه الله: (ولا بأسَ بأنْ يصلِّيَ فِي هذينِ الوقتينِ الفوائتَ

(1)

.

فَإِنَّ قلتَ: كمْ منْ كراهةٍ تثبتُ فِي حقِّ الفرائضِ؛ دونَ النوافلِ، كتكرارِ السورةِ فِي ركعةٍ واحدةٍ، والاعتمادِ عَلَى حائطٍ، أو اسطوانةٍ

(2)

منْ غيرِ عُذْرٍ، والتربعُ

(3)

إمَّا

(4)

عَلَى وجهِ التكبُّر، وهُوَ عَلَى وفاقِ القياسِ أيضًا؛ لِأَنَّ مَا لَهُ خطرٌ فِي أمرِه

(5)

وعظمةٌ

(6)

فِي شأَنَّهُ يصانُ عَنْ وصمةِ النقصانِ، وفِي الكراهةِ ذلكَ، وها هنا انقلبَ الأمرُ فمَا وجهُهُ؟

قلتُ: وجهُهُ؛ مَا ذكرَ فِي الكتابِ بقولِهِ رحمه الله: (لِأَنَّ الكراهةَ كانتْ لحقِّ الفرضِ) إِلَى آخرِهِ. وتفسيرُهُ

(7)

هوَ

(8)

أنَّ الفوائتَ فِي الأوقاتِ الثلاثةِ؛ إِنَّمَا لا تجوزُ لمعنًى فِي الأوقاتِ؛ وهُوَ أنَّ الشمسَ إِذَا طلعتْ، تطلعُ ومعَهَا قرنُ

(9)

الشيطانِ؛ فإِذَا ارتفعتْ فارقَهَا، وإذا

(10)

استوتْ قارنَها

(11)

، فإِذَا زالتْ فارقَها

(12)

، وإذا

(13)

دنتْ للغروبِ قارنَها

(14)

، وإِذَا غربتْ فارقَهَا

(15)

؛ فَلِذَلِكَ أثّرَ ذلكَ النقصانُ المتمكنُ

(16)

فِي الوقتِ فِي حقِّ الفرائضِ والنوافلِ.

(1)

فِي (ب): (بالفوائت).

(2)

الأُسْطُوانة: السارية معروفة، وهُوَ من ذلك، واسطوان البيت معروف، وَقِيلَ: أُسْطُوانة من حجارة أو آجر، وجمعها السواري. وفِي الحديث: أَنَّهُ نَهَى أَن يُصَلَّى بَيْنَ السَّوَارِي، يريد إِذَا كَانَ فِي صلاة الجماعة لأجل انقطاع الصف. لسان العرب لابن منظور (13/ 208)، (14/ 383).

(3)

التَّرَبُّعُ: هُوَ الجلوس المعروف، وهُوَ اسم فاعل من تربع، وتربع مطاوع: ربع؛ لِأَنَّ صاحب هَذِهِ الجلسة قد ربع نفسه، كَمَا يربع الشيء إِذَا جعل أربعا، والأربع هنا: الساقان والفخذان، ربعهمَا بمعنى أدخل بعضها تحت بعض. انظر:" المطلع على ألفاظ المقنع؛ للبعلي"(ص: 107).

(4)

فِي (ب): (لا).

(5)

فِي (ب): (آخره).

(6)

فِي (ب): (وعظيم).

(7)

يقول صاحب الهداية: (لِأَنَّ الكراهة كانت لحق الفرض ليصير الوقت كالمشغول به لا لمعنى فِي الوقت فلم تظهر فِي حق الفرائض وفيمَا وجب لعينه كسجدة التلاوة وظهرت فِي حق المنذور لأَنَّهُ تعلق وجوبه بِسَبَبِ من جهته). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 42).

(8)

فِي (ب): (وهو).

(9)

فِي (ب): (ومنها قرب).

(10)

فِي (ب): (فإذا).

(11)

فِي (ب): (قاربها).

(12)

(فإِذَا زالت فارقها): ساقطة من (ب).

(13)

فِي (ب): (فإذا).

(14)

فِي (ب): (قاربها).

(15)

ينظر: "فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي"(1/ 234)، و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 262).

(16)

فِي (ب): (الممكن).

ص: 115

وأما النهيُ الواردُ فِي هذينِ الوقْتينِ، فلمْ يكنْ لمعنىً اتصلَ بالوقتِ، وإِنَّمَا نهَى عَنْ صَلاةِ النَّفلِ؛ لإقامةِ مَا هُوَ أَوْلَى منَ النَّفلِ؛ وهُوَ مراعاةُ الوقتِ مشغولاً بالفرضِ، بمَا بقيَ منَ الوقتِ، كأَنَّهُ فِي الصَّلاةِ بعدُ، ومراعاةُ جعلِ الوقتِ مشغولاً بالفرضِ أَوْلَى منْ إقامةِ النفلِ، فإِذَا صرفَه إِلَى النفلِ؛ وهُوَ دونَ الفرضِ، كرهَ لهُ، فأمَا الوقتُ فحالٌ عمَا يوجبُ النقصانَ، فلمَا نوى القضاءَ فِي هذينِ الوقتينِ، فقدْ صرفَهُ إِلَى مثلِهِ، فيجوزُ، ألا ترى أَنَّهُ يؤدِّي فرضَ الوقتِ فيهمَا؛ فكَذَلِكَ سائرُ الفرائضِ.

وأما ما ذكرَ منْ عدمِ كراهةِ الاعتمادِ عَلَى الحائطِ فِي التطوعِ، وكراهتِهِ فِي الفرائضِ، وغيرِهِ منَ المسائلِ؛ فلِمَا أنَّ النوافلَ غيرُ مقدرةٍ؛ فدخلتِ الرخصةُ فِي أوصافِها؛ لئلا ينقطعَ عَنْ أداءِ النوافلِ؛ وهُوَ خيرٌ موضوعٌ مستدامٌ

(1)

؛ فَلِذَلِكَ جازَ أداؤُها قاعداً معَ قدرتِه

عَلَى القيامِ/ بخلافِ

(2)

الفرائضِ. هذا حاصلُ مَا ذكرَهُ شيخُ الإسلامِ رحمه الله.

قولُهُ رحمه الله: (لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ وُجُوبُهُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ)

(3)

.

أَيْ: منْ جهةِ الناذرِ

(4)

، ورجع إليهِ الضميرُ منْ غيرِ سبقِ ذكرِهِ؛ لِمَا أنَّ المنذورَ يدلُّ عليهِ، وقد سبقَ ذكرُ المنذورِ، يعني: لَمَا كَانَ وجوبُ المنذورِ بِسَبَبِ منْ جهةِ الناذرِ، لا منْ جهةِ الشرعِ، جعلَ كالتطوعِ المبتدأ، فيؤثرُ فِي المنذورِ أيضًا؛ لأَنَّهُ مثلُ التَّطوعِ المبتدأِ، منْ حيثُ أنَّ كلًّا منهمَا

(5)

منْ جهةِ العبادِ، بخلافِ صلاةِ الجنازةِ، وسجدةِ التلاوةِ

(6)

.

(1)

فِي (ب): (غير موضوع يستدام).

(2)

فِي (ب): (خلاف).

(3)

يقول صاحب الهداية: (وظهرت فِي حق المنذور لأَنَّهُ تعلق وجوبه بِسَبَبِ من جهته). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 42).

(4)

النذر: يقال: نذرت أنذر، وانذر نذراً، إِذَا أوجبت عَلَى نفسك شيئا تبرعا؛ من عبادة، أو صدقة، أو غير ذلك. انظر:" النهاية فِي غريب الحديث والأثر؛ لإبن الأثير"(5/ 39)، "القاموس المحيط للفيوزآبادي" (ص: 481).

(5)

فِي (ب): (منها).

(6)

(التلاوة): ساقطة من (ب).

ص: 116

[صلاةُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ في وقت النهي]

قولُهٌ رحمه الله: (وَفِي حَقِّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ) إِلَى أنْ قَالَ: (لِأَنَّ الْوُجُوبَ

(1)

لِغَيْرِهِ وَهُوَ خَتْمُ الطَّوَافِ)

(2)

.

فَإِنَّ قلتَ: ركعتَا الطوافِ، واجبٌ عندنا

(3)

، عَلَى مَا يجيءُ فِي كتابِ الحجِّ، إنْ شاءَ اللهُ تعالَى، فوجوبُهُ منْ جهةِ الشرعِ بعدَ الطوافِ؛ كوجوبِ سجدةِ التلاوةِ بعدَ التلاوةِ، فينبغِي أنْ يؤتَى يهما، كَسجْدةِ التِّلاوةِ فِي هذينِ الوقتينِ، وعذرُهُ بأنَّ الوُجوبَ لختمِ الطوافِ، ينتقضُ بسجدةِ التلاوةِ؛ فَإِنَّ وجوبَهَا للتلاوةِ، وهيَ فعلُهُ أيضًا، بلْ أَوْلَى؛ لِمَا أنَّ التلاوةَ؛ ليستْ منْ جنسِ الواجباتِ، والطوافُ منْ جنسِ الواجباتِ، بلْ منْ جنسِ الفرائضِ.

قلتُ: نعمْ كَذَلِكَ؛ إلا أنَّا عَرَّفنَا كَراهةَ ركعتيِ الطوافِ، فِي هذينِ الوقتينِ بالأثر؛ وهُوَ مَا ذُكرَ فِي " المَبْسُوطِ ": رُوِيَ أنَّ عمرَ رضي الله عنه طافَ بالبيتِ أسبوعًا

(4)

، بعدَ صلاةِ الفجرِ ثم خرجَ منْ مكةَ؛ حَتَّى إِذَا كَانَ بذي طوى

(5)

، فَطلعتِ الشَّمْسُ؛ صلَّى ركعتينِ؛ فقَالَ:(ركعتانِ مكَانَ ركعتينِ)

(6)

.

(1)

فِي (ب): (الواجب).

(2)

يقول صاحب الهداية: (وفِي حق ركعتي الطواف وفِي الَّذِي شرع فِيهِ ثم أفسده لِأَنَّ الوجوب لغيره وهُوَ ختم الطواف وصيانة المؤدي عَنْ البطلان). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 42).

(3)

قَالَ النووي رحمه الله: ركعتا الطواف سُنَّة عَلَى الأصح عندنا، وبه قَالَ مالك واحمد وداود وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ واجبتان.

انظر: "المجموع شرح المهذب؛ للنووي "(8/ 62) وانظر فِي المذهب الحنفِي، " بدائع الصنائع للكاساني "(2/ 148).

(4)

أسبوعاً: أَيْ سَبْعَ مَرَّاتٍ؛ قَالَ اللَّيْثُ: الأُسْبوعُ مِنَ الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ سَبْعَةُ أَطواف، وَيُجْمَعُ عَلَى أُسْبوعاتٍ. انظر:" لسان العرب لابن منظور"(8/ 146).

(5)

ذي طُوى: بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَوَاوٍ، مَقْصُورٌ: ذكر فِي مواضع فِي السيرة، منها: مبيته صلى الله عليه وسلم ليلة الفتح بذي طوى. وهُوَ واد من أودية مكة، كله معمور الْيَوْمَ، لا زالت معروفة بجرول، يسيل فِي سفوح جبل أَذَاخِرَ وَالْحَجُونِ من الغرب، وتفضي إلَيْهِ كُلٌّ مِنْ ثَنِيَّةِ الْحَجُونِ - كَدَاءَ قَدِيمَا - وَثَنِيَّةِ رِيعٍ الرَّسَّامِ - كُدًى - قديما. ويذهب حَتَّى يصب فِي الْمَسْفَلَةِ عِنْدَ قَوْزِ الْمَكَّاسَةِ - الرَّمَضَةُ قَدِيمَا - من الجهة المقابلة. انظر معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية؛ للحربي (ص: 188)، " المعالم الأثيرة فِي السنة والسيرة، لمحمد شرَّاب"(ص: 176).

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة في"مصنفه"(8/ 161)، كتاب الحج، باب من كَانَ يكره إِذَا طاف بالبيت بعد العصر، وبعد الفجر، أن يصلي حَتَّى تغيب أو تطلع، حديث (13426).

ص: 117

فقدْ أخّرَ [ركعتينِ أيْ؛]

(1)

ركعتيِ الطوافِ إِلَى مَا بعدَ طلوعِ الشمسِ، هذا الَّذِي ذكرنَا فِي حقِّ ركعتيِ الطوافِ؛ مذهبُنَا، وعندَ الشافعيِّ رحمه الله: يجوزُ فِي هذينِ الوقتينِ، مَا لَهُ سببٌ؛ كركعتيِ الفجرِ، وركعتيِ الطوافِ، وتحيةِ المسجدِ، واستدلَّ بقولِهِ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا دخلَ أحدكمْ المسجدَ، فليحيِّهِ بركعتينِ»

(2)

مطلقٌ.

وكَذَلِكَ يروِي فِي غيرِه منَ الأحاديثِ، قلنا: ذلكَ كَانَ قبلَ النهيِ؛ فَإِنَّ حديثَ النهيِ؛ ثبتَ بروايةِ كبارِ الصحابةِ رضي الله عنهم فِي آخرِ الدهرِ.

وذكرَ شيخُ الإسلامِ فِي " مَبْسُوطِهِ " أنَّ الصَّلاةَ فِي الابتداءِ؛ كانتْ مباحةً؛ وقتَ طلوعِ الشمسِ، ثم نهى منْ بعدِه.

[كراهة التنفل بعد طلوع الفجر]

ويكرهُ أنْ يتنفلَ بعدَ طلوعِ الفجرِ، بأكثرَ منْ ركعتيِ الفجرِ، قَالَ شيخُ الإسلامِ رحمه الله: (والنهيُ فِيهِ، عمَا سوَى ركعتيِ الفجرِ، لِحَقِّ ركعتيِ الفجرِ، لا لخللٍ فِي الوقتِ؛ فَإِنَّ الوقتَ متعينٌ؛ كركعتيِ

(3)

الفجر؛ حَتَّى لوْ نوى تطوعًا؛ كَانَ عَنْ ركعتيِ الفجرِ، فقدْ مُنعَ عَنْ تطوعٍ آخرَ دونَهُ؛ ليبقَى جميعُ الوقتِ، كالمشغولِ بركعتيِ الفجرِ؛ مراعاةً لِحَقِّهِ، ولَكِنَّ الفرضَ الآخرَ فوقَ ركعتيِ الفجرِ، فجاز، أنْ يصرفَ الوقتَ إليهِ

(4)

بخلافِ

(5)

الأوقاتِ الثلاثةِ، فَإِنَّ النهيَ لخللٍ فيهَا)

(6)

فحينئذٍ كَانَ مشروعُ الوقتِ؛ ناقصًا؛ فلا يتأدَّى بهِ الكاملُ.

وذكرَ المصنفُ رحمه الله فِي "التجنيسِ": (منْ أرادَ أنْ يصليَ تطوعًا فِي آخرِ الليلِ، فلمَا صلَّى ركعةً، طلعَ الفجرُ؛ كَانَ الإتمامُ أفضلَ؛ لأَنَّهُ وقعَ فِي صلاةِ التطوعِ، بعدَ الفجرِ لا عَلَى قصدٍ

(7)

، فَكَانَ الإتمامُ أفضلَ)

(8)

؛ لِمَا فِيهِ منْ تأخيرِ المغرب، فَإِنَّ المبادرةَ إِلَى أداءِ المغرب مستحبٌّ، فَكَانَ النهيُ؛ لئلا يكونَ شاغلاً عَنْ أداءِ المغرب، لا لمعنًى فِي الوقتِ، فَكَانَ كالنهيِ عَنْ التنفلِ فِي المسجدِ والقومُ فِي الجماعةِ، وكَذَلِكَ التنفلُ بعدَ خروجِ الإمامِ، يكرهُ؛ لئلا يتشاغلَ عَنْ سماعِ الخطبةِ، لا لمعنًى فِي الوقتِ؛ كَذَا فِي "الإيضاحِ"

(9)

.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

لا يعرف بهذا اللفظ، وقد أخرجه الشيخان وغيرهمَا عَنْ أبي قتادة السلمي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم قَالَ: «إِذَا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» . أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 162)، كتاب الصلاة، باب إِذَا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس، حديث (437)، وأخرجه مسلم في"صحيحه":(ص 282)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، حديث (714)

(3)

فِي (ب): (لركعتي).

(4)

(إليه): ساقطة من (ب).

(5)

فِي (ب): (لأَنَّهُ بخلاف).

(6)

ينظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 70)، و" اللباب فِي شرح الكتاب للميداني"(1/ 89 - 90).

(7)

فِي (ب): (لا عَنْ قصد).

(8)

انظر: "التجنيس والمزيد، للمرغيناني"(1/ 378).

(9)

ذكر نحوه الإمام السرخسي رحمه الله، انظر:" المَبْسُوطِ للسرخسي "(1/ 153).

ص: 118

وحاصلُهُ؛ أنَّ الأوقات؛ الَّتِي يكرهُ فيها الصَّلاةُ، اثنا عشرَ: فثلاثةٌ منها؛ يكرهُ الصَّلاةُ فيها لمعنًى فِي الوقتِ، وهيَ: وقتُ الطلوعِ، والغروبُ، والاستواءُ؛ فَلِذَلِكَ يكرهُ فيها جنسُ الصَّلواتِ؛ فرضاً ونفلاً، والبواقي لمعنًى فِي غيرِ الوقتِ؛ فَلِذَلِكَ أثرٌ فِي النوافلِ، ومَا هوَ

(1)

فِي معنى النوافلِ كما

(2)

فِي الفرائضِ، وتلكَ البواقي تسعةٌ؛ هيَ بعدَ طلوعِ الفجرِ، وبعدَ الفريضةِ قبلَ

(3)

طلوعِ الشمسِ، وبعدَ صلاةِ العصرِ قبلَ التغيرِ، وبعدَ غروبِ الشمسِ؛ قبلَ صلاةِ المغرب، وعندَ الخطبةِ يومَ الجمعةِ، وعندَ الإقامةِ يومَ الجمعةِ، وعندِ خطبةِ العيدينِ، وعندَ خطبةِ الكسوفِ، وعندَ خطبةِ الاستسقاءِ؛ كَذَا فِي "فتاوى قاضي خان"

(4)

و"التحفةِ"

(5)

لَكِنَّ لفظ "التحفةِ" بالكراهةِ؛ ولفظُ " فتاوى قاضي خان": ِبلَا

(6)

يجوزُ. واللهُ أعلمُ.

‌بَابُ الْأَذَانِ

لَمَا ذَكَرَ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ؛ الَّتِي هِيَ أَسْبَابُ وُجُوبِ الصَّلَوَاتِ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ إِعْلَامٌ لِلْوُجُوبِ، لِمَا أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْحَقِيقَةِ مُضَافٌ إِلَى إِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنَّ ذَلِكَ غُيِّبَ عَنَّا، فَأَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى بِرَأْفَتِهِ الْكَامِلَةِ، وَرَحْمَتِهِ الشَّامِلَةِ، الْأَسْبَابَ الظَّاهِرَةَ، إِعْلَامًا عَلَى إِيجَابِهِ، الْعَيْنِيُّ ذَكَرَ الْأَذَانَ؛ الَّذِي/ هُوَ إِعْلَامٌ؛ لِتِلْكَ الْأَعْلَامِ، فَتَنَاسَبَا مِنْ حَيْثُ الْإِعْلَامِ.

وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْأَوْقَاتِ عَلَى ذِكْرِ الْأَذَانِ، لِمَا أَنَّ فِي الْأَوْقَاتِ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ، وَالسَّبَبُ

(7)

مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَلَامَةِ لِقُوَّتِهِ،؛ وَلِأَنَّ الْإِعْلَامَ إِخْبَارٌ عَنْ وُجُودِ الْعَلَمِ

(8)

، فَلَا بُدَّ لِلْإِخْبَارِ مِنْ سَابِقَةِ وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ،؛ وَلِأَنَّ أَثَرَ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ الْخَوَاصِّ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا أَنَّ الْأَوْقَاتَ فِي الْحَقِيقَةِ إِعْلَامٌ، واثَرُ الثَّانِي

(9)

فِي حَقِّ الْعَوَامِّ، وَالْخَاصِّ مُقَدَّمٌ [عَلَى الْعَوَامِّ]

(10)

لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنِ الْإِفْرَادِ

(11)

أَوْ

(12)

لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ

(13)

أَوْ لِزِيَادَةِ مَرْتَبَةِ الْعُلَمَاءِ، فَقَدَّمَ مَا اخْتَصَّ بِهِمْ، ثُمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا فِي مَوَاضِعَ فِي تَفْسِيرِهِ، لُغَةً وَشَرِيعَةً

(14)

وَفِي سَبَبِهِ، وَفِي وَصْفِهِ، وَفِي كَيْفِيَّتِهِ، وَفِي سُنَنِهِ، وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي شُرِعَ هُوَ فِيهِ، وَفِي وَقْتِهِ، وَفِيمَا يَجِبُ عَلَى السَّامِعِينَ عِنْدَ الْأَذَانِ.

(1)

(ومَا هو): ساقطة من (ب).

(2)

فِي (ب): (لا).

(3)

فِي (ب): (من).

(4)

ينظر: " "فتاوى قاضي خان" (ص 92).

(5)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 105 ومَا بعدها).

(6)

فِي (ب): (فلا).

(7)

في (ب): (فالسبب).

(8)

في (ب): (المعلم).

(9)

في (ب): (الباقي).

(10)

زيادة من (ب).

(11)

في (ب): (الانفراد).

(12)

في (ب): (و).

(13)

في (أ): (جزوي)، والمثبت من (ب).

(14)

في (ب): (وشريعته).

ص: 119

[تَعْرِيفُ الْأَذَانِ]

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّ الْأَذَانَ؛ لُغَةً: الْإِعْلَامُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}

(1)

أَيْ: إِعْلَامٌ.

وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ

(2)

:

آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ

رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثِّوَاءُ

(3)

أَيْ أَعْلَمَتْنَا.

وَفِي الشَّرِيعَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ إِعْلَامٍ مَخْصُوصٍ؛ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ

(4)

.

[سَبَبُ الْأَذَانِ]

وامَّا سَبَبُهُ فَعَلَى نَوْعَيْنِ: سَبَبٌ فِي الابْتِدَاءِ؛ وَهُوَ سَبَبُ الثُّبُوتِ، وَسَبَبٌ فِي الْبَقَاءِ.

فَأَمَّا سَبَبُ الثُّبُوتِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي "الْمَبْسُوطِ"

(5)

؛ وهُوَ مَا رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ

(6)

رحمه الله عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ

(7)

عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ

(8)

عَنْ أَبِيهِ

(9)

رضي الله عنه قَالَ: «مَرَّ أَنْصَارِيٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَآهُ حَزِينًا، وَكَانَ الرَّجُلُ ذَا طَعَامٍ، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، وَاهْتَمَّ

(10)

لِحُزْنِهِ

(11)

، فَلَمْ يَتَنَاوَلِ الطَّعَامَ؛ وَلَكِنْ نَامَ فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: أَتَعْلَمُ حُزْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن مَّاذَا؟ هُوَ مِنْ هَذَا النَّاقُوسِ

(12)

، فَمُرْهُ فَلْيُعَلِّمْ بِلَالًا الْأَذَانَ»

(13)

وَذَكَرَهُ إِلَى آخِرِهِ

(14)

.

(1)

سورة التوبة: من آية (3).

(2)

الحارث بن حَلَزة: هو الحارث بن حلزة بن مكروه بن يزيد اليشكري الوائلي: شاعر جاهلي، من أهل بادية العراق. وهو أحد أصحاب المعلقات. كان أبرص فخورا، ارتجل معلقته بين يدي عمرو بن هند الملك، بالحيرة، ومطلعها:(آذنتنا ببينها أسماء) جمع بها كثيرا من أخبار العرب ووقائعهم. وفي الأمثال (أفخر من الحارث بن حلزة) إشارة إلى إكثاره من الفخر في معلقته هذه، له (ديوان شعر -ط) توفي نحو 50 ق هـ 570 م.

انظر: "سمط اللآلي في شرح أمالي القالي لأبي عبيد البكري"(1/ 638)، "خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب " للبغدادي (1/ 325)"الأعلام للزركلي "(2/ 154).

(3)

ينظر "ديوان الحارث بن حلزة "(ص: 19)، تحقيق: أميل بديع يعقوب، بيروت، دار الكتاب العربي، الطَّبْعة الأولى، عام 1411 هـ.

(4)

ينظر: " تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 89)، و" الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 240)، و" البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 74). و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 268)، و"فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي"(1/ 243)، و"مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح"(1/ 77).

وقد زاد بعض الأحناف علي هذا التعريف قولهم: (بألفاظ مخصوصة جعلت علماً للصلاة). ينظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 43)، و" اللباب في شرح الكتاب؛ للميداني "(1/ 58).

(5)

انظر "المبسوط للسرخسي "(1/ 127).

(6)

ينظر: "الآثار" لأبي يوسف (1/ 17 - 18).

(7)

علقمة بن مرثد: هو الإمام، الفقيه الحجة، علقمة بن مرثد، أبو الحارث الحضرمي، الكوفي، أحد الأئمة، روى عن: أبي عبد الرحمن السلمي. وطارق بن شهاب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعد بن عبيدة، وجماعة. وعنه: غيلان بن جامع، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وشعبة، ومسعر، وسفيان، والمسعودي. قال أحمد بن حنبل: هو ثبت في الحديث. توفي سنة 120 هـ. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (3/ 282)، سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 509).

(8)

ابن بريدة: هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب الاسلمي رضي الله عنه، كان مولده لثلاث سنين مضين من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه روى عن: أبيه بريده، وأبي موسى، وعائشة، وعمران بن حصين، وسمرة، وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم وطائفة كان هو وسليمان تؤمين ولى يزيد بن المهلب عبد الله القضاء بمرو ومات بها سنة 115 هـ.

انظر " مشاهير علماء الأمصار لابن حبان (ص: 202) "تاريخ الإسلام للذهبي" (3/ 256) "سير أعلام النبلاء للذهبي " (5/ 50).

(9)

أبيه: هو الصحابي الجليل بريدة بن الحصيب بن عبد الله الاسلمي، من المهاجرين الأولين ممن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل قدومه المدينة، ولحق به فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم دخول المدينة قال بريدة لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء ثم حمل عمامته وشدها في رمح ومشى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم قدومه المدينة كنيته أبو سهل وقد قيل أبو ساسان انتقل إلى البصرة وأقام بها زمانا وتوفي في سنة 62 هـ. انظر:"الطبقات الكبرى لإبن سعد"(4/ 182)، مشاهير علماء الأمصار لابن حبان

(ص: 100)، "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير"(1/ 209)، "تاريخ الإسلام للذهبي"(2/ 621).

(10)

في (أ): (اوصتم)، والمثبت من (ب)، انظر:" البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 74).

(11)

في (ب): (بحزنه)

(12)

النَّاقُوسُ: خَشَبَةٌ طَوِيلَةٌ وأخرى قَصيرَةٌ، يَضْرِبُهَا النَّصَارَى لِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، واسمُها: الوَبِيلُ، وقد نَقَسَ بالوَبيل النَّاقوسَ، انظر:" المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: 473)، " القاموس المحيط للفيروز آبادي" (ص: 578)

(13)

أخرجه بهذا السند أبو يوسف عن أبيه عن أبي حنيفة في "الآثار"(ص 17)، حديث (85). والحديث ضعيف، لضعف (يعقوب بن إبراهيم القاضي)، حيث قال عنه بن حجر في"لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني"(8/ 518): (قال الفلاس صدوق كثير الخطأ، وقال البخاري تركوه، وقال عمرو الناقد كان صاحب سنة، وقال أبو حاتم يكتب حديثه).

(14)

باقي الحديث: (قال: فعلمه الأذان: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. وعلمه الإقامة مثل ذلك، ثم قال في آخر ذلك: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، كأذان الناس وإقامتهم. قال: فذهب الأنصاري وقعد على باب النبي صلى الله عليه وسلم، فمر أبو بكر رضي الله عنه، فقال: استأذن لي. فدخل أبو بكر وقد رأى مثل ذلك، فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استأذن للأنصاري فدخل، فأخبره بالذي رأى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«قد أخبرنا أبو بكر بمثل ذلك» . فأمر بلالا يؤذن بذلك.

ص: 120

وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، كَانَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ تَارَةً، وَيُعَجِّلُهَا أُخْرَى فَاسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ؛ فِي عَلَامَةٍ يَعْرِفُونَ بِهَا وَقْتَ أَدَائِهِ

(1)

الصَّلَاةَ لِكَيْلَا تَفُوتُهُمُ الْجَمَاعَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَنْصِبُ رَايَةً؛ حَتَّى إِذَا رَآهَا النَّاسُ؛ أَذِنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ.

وأشار بَعْضُهُمْ بِضَرْبِ النَّاقُوسِ، فَكَرِهَهُ؛ لِأَجْلِ النَّصَارَى، وَبَعْضُهُمْ بِالنَّفْخِ فِي الشَّبُّورِ

(2)

فَكَرِهَهُ لِأَجْلِ الْيَهُودِ

(3)

وَبَعْضُهُمْ بِالْإِيقَادِ

(4)

؛ فَكَرِهَهُ لِأَجْلِ الْمَجُوسِ

(5)

، فَتَفَرَّقُوا قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى شَيْءٍ

(6)

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ

(7)

الْأَنْصَارِيُّ

(8)

رضي الله عنه: «فَبِتُّ لَا يَأْخُذُنِي النَّوْمُ، وَكُنْتُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ؛ إِذَا رَأَيْتُ شَخْصًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، وَفِي يَدِهِ شِبْهُ النَّاقُوسِ، فَقُلْتُ: أَتُبِيعُنِي هَذَا؟ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَضْرِبُهُ عِنْدَ صَلَاتِنَا؛ فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَامَ عَلَى جِذْمِ

(9)

حَائِطٍ؛ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ؛ فَأَذَّنَ، ثُمَّ مَكَثَ هُنَيْهَةَ ثُمَّ قَامَ

(10)

فَقَالَ: مَثْلُ مَقَالَتِهِ الْأُولَى؛ وَزَادَ فِي آخِرِهِ؛ قَدِ قَامَتِ الصَّلَاةُ، مَرَّتَيْنِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: رُؤْيَا صَادِقٍ

(11)

أَوْ حَقٍّ؛ أَلْقِهَا عَلَى بِلَالٍ؛ فَإِنَّهُ أَمَدُّ صَوْتًا مِنْكَ، فَأَلْقَيْتُهَا عَلَيْهِ؛ فَقَامَ عَلَى سَطْحِ أَرْمَلَةٍ، كَانَ أَعْلَى سُطُوحٍ بِالْمَدِينَةِ، وَجَعَلَ يُؤَذِّنُ، فَجَاءَ عُمَرُ رضي الله عنه فِي إِزَارٍ؛ وَهُوَ يُهَرْوِلُ، وَيَقُولُ: لَقَدْ طَافَ بِي اللَّيْلَةَ، مَا طَافَ بِعَبْدِ اللَّهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ سَبَقَنِي، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: هَذَا أَثْبَتُ»

(12)

،

(1)

في (ب): (أداء)، في المبسوط وردت بلفظ (أَدَائِهِ)، "المبسوط " للسرخسي (1/ 127)، وفي المحيط بلفظ (أداء) انظر"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 340).

(2)

في (ب): (الصور).

والشَّبُّورُ: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ تفسيرُه أَنَّهُ البُوقُ، وفَسَّرُوه أَيْضًا بالقُبْع. واللفظةُ عِبْرَانِيَّة، انظر:" النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير"(2/ 440)، "لسان العرب لابن منظور "(8/ 300)

(3)

في (ب): (النصارى واليهود) والصحيح ما أثبت، انظر " المبسوط للسرخسي"(1/ 127).

(4)

في (ب): (بالنار تُوقد). وورد بلفظ: (وَبَعْضُهُمْ بِالْبُوقِ فَكَرِهَهُ لِأَجْلِ الْمَجُوسِ) ينظر "المبسوط للسرخسي (1/ 127)، "المحيط البرهاني لإبن مازة (1/ 340).

(5)

الْمَجُوسُ: قوم كانوا يعبدون الشمس، والقمر، والنار. وعلى قول الأكثرين ليسوا من أهل الكتاب، ولذا لا تنكح نساؤهم، ولا تؤكل ذبائحهم، وإنما أخذت الجزية منهم لأنهم من العجم لا لأنهم من أهل الكتاب. انظر:" المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: 436).

(6)

المرجع السابق.

(7)

في (ب): (عبيدة).

(8)

عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة بن زيد بن الحارث بن الخزرج. صحابي جليل، كنيته أبو محمد كان ممن شهد بدرا والعقبة ومات بالمدينة سنة 32 هـ وهو بن أربع وستين سنة وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه

انظر: " الطبقات الكبرى لإبن سعد "(3/ 405)" مشاهير علماء الأمصار لابن حبان "(ص: 40)"سير أعلام النبلاء للذهبي "(2/ 375)"الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر"(4/ 85)

(9)

الجِذْمُ: الأصْل، أَراد بَقِيَّة حَائِطٍ أَوْ قِطْعَة مِنْ حَائِطٍ. والجَذْمُ والخَذْمُ: القَطْعُ. والانْجِذامُ: الانْقِطاعُ، انظر:"جمهرة اللغة للأزدي (1/ 454)، " النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير" (1/ 252)، "لسان العرب لابن منظور" (12/ 88).

(10)

في (ب): (أقام).

(11)

في (ب): (صدق).

(12)

أخرجه أبو داود في"سننه"(ص 78)، كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، حديث (499)، وأخرجه الترمذي في "سننه" مختصراً (1/ 260)، أبواب الصلاة، باب ما جاء في بدء الأذان، حديث (189)، وأخرجه ابن ماجة في "سننه"(ص 232) في كتاب "الأذان والسنة فيها"، باب "بدء الأذان" حديث رقم (706)، واحمد في "مسنده"(26/ 399) حديث رقم (16477)، وابن حبان في "صحيحه"(4/ 572) في كتاب "الصلاة"، باب "الأذان" حديث رقم (1679)، وقال الترمذي:(حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح).

ص: 121

وَرُوِيَ أَنَّ [سَبْعَةً]

(1)

مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم؛ رَأَوْا تِلْكَ الرُّؤْيَا، فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ.

(وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍ رحمه الله

(2)

يُنْكِرُ هَذَا، وَيَقُولُ: تَعْمَدُونَ إِلَى مَا هُوَ مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ، فَتَقُولُونَ ثَبَتَ بِالرُّؤْيَا؛ كَلَّا، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، حِينَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَجُمِعَ لَهُ النَّبِيُّونَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ؛ أَذَّنَ مَلَكٌ، وأقام، وَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَقِيلَ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَالَ كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ

(3)

: أَذَّنَ جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ فَسَمِعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ؛ فَيُجْعَلُ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ ( (كان): ساقطة من (ب)

(1)

في (أ): (شعبة) والمثبت من (ب)(سبعة) وهو الصحيح، انظر "شرح ابن ماجه" لمغلطاي (ص: 1095).

(2)

أبو جعفر: هو الإمام، أبو جعفر؛ محمد بن علي بن الحسين بن علي العلوي، الفاطمي، المدني، ولد زين العابدين. ولد: سنة 56 هـ، في حياة عائشة وأبي هريرة، قال عنه الذهبي: كان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد، والشرف، والثقة، والرزانة، وهو أحد الأئمة الإثني عشر الذين تبجلهم الشيعة الإمامية تُوُفِّي أَبُو جَعْفَر سنة 114 هـ. انظر " الطبقات الكبرى لإبن سعد "(5/ 246)، "تاريخ الإسلام للذهبي "(3/ 308)، "سير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 401).

(3)

كثير بن مرة الحضرمي: ويكنى أبا شجرة. وكان قد أدرك بحمص سبعين بدرياً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع عمر رضي الله عنه، وروى عن: معاذ بن جبل، ونعيم بن همار، وعمرو بن عبسة، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعوف بن مالك، رضي الله عنهم وجماعة ووثّقه ابن سعد والبجليّ والنّسائيّ وغيرهم، واخرج له أصحاب السنن والبخاري في القراءة خلف الإمام، توفي سنة 81 هـ.

أنظر: " الطبقات الكبرى لإبن سعد "(7/ 311)، "تاريخ الإسلام للذهبي "(2/ 992)، " أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير "(4/ 161)، " سير أعلام النبلاء للذهبي "(4/ 46) " الإصابة في تمييز الصحابة

لابن حجر " (5/ 476).

ص: 122

كَذَا فِي "الْمَبْسُوطِ"

(1)

. وامَّا سَبَبُهُ فِي الْبَقَاءِ؛ دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ.

[حُكمُ الْأَذَانِ]

وامَّا وَصْفُهُ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ؛ (لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله

(2)

لَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ، مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ؛ إِذَا تَرَكُوا الْأَذَانَ، وَالْإِقَامَةَ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِتَالُ مَعَهُمْ، وَإِنَّمَا يُقَاتِلُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، دُونَ السُّنَّةِ، وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: إِنَّهُمَا سُنَّتَانِ، مُؤَكَّدَتَانِ)، كَذَا فِي "التُّحْفَةِ"

(3)

.

وَذَكَرَ فِي "الْمُحِيطِ" (قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله

(4)

: إِذَا امْتَنَعُوا عَنْ إِقَامَةِ الْفَرْضِ، نَحْوَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ، وأداء الزَّكَاةِ؛ يُقَاتَلُونَ، وَلَوِ امْتَنَعَ وَاحِدٌ؛ ضَرَبْتُهُ، وامَّا السُّنَنُ نَحْوَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

(5)

وَالْأَذَانِ؛ فَإِنِّي آمُرُهُمْ، واضْرِبُهُمْ، وَلَا أُقَاتِلُهُمْ؛ لِتَقَعُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ)

(6)

.

(وَمُحَمَّدٌ رحمه الله يَقُولُ: الْأَذَانُ/ وَصَلَاةُ الْعِيدِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ السُّنَنِ؛ إِلَّا أَنَّهَا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ، وَالْإِصْرَارُ عَلَى تَرْكِهَا اسْتِخْفَافٌ

(7)

بِالدِّينِ، فَيُقَاتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ

(8)

.

وَقَدْ نُقِلَ عَنْ مَكْحُولٍ

(9)

رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: السُّنَةُ سُنَّتَانِ سُنَّةٌ أَخْذُهَا هَدْيٌ؛ وَتَرْكُهَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَسُنَّةُ أَخْذِهَا هَدْيٌ، وَتَرْكُهَا [ضَلَالَةٌ]

(10)

كَالْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ، وَصَلَاةُ الْعِيدِ، وَالَجَمَاعَةِ، يُقَاتَلُونَ عَلَى الضَّلَالَةِ، إِلَّا أَنَّ الْوَاحِدَ؛ إِذَا تَرَكَ ذَلِكَ؛ يُضْرَبُ، وَيُحْبَسُ لِتَرْكِهِ سُنَّةً مُؤَّكَدَةً، وَلَا يُقَاتَلُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى الاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ)

(11)

؛ فَوَقَعَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ رحمه الله وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ.

(1)

ينظر "المبسوط" للسرخسي (1/ 128)

(2)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 109)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 146)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة " (1/ 339)، و" تبيين الحقائق للزيلعي " (1/ 90).

(3)

"تحفة الفقهاء" للسمرقندي (1/ 109)" الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 240).

(4)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 339).

(5)

في (ب): (الجنازة)

(6)

" المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 339).

(7)

في (أ): (استحقاق)، والمثبت من (ب)، والمحيط البرهاني لإبن مازة (1/ 339).

(8)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 133)، "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 339).

(9)

مكحول: هو مَكْحُول الشامي، أبو عبد الله، ويقال: أبو أيوب، ويقال: أبو مسلم والمحفوظ أبو عبد الله الدمشقي الفقيه. أرسل عن صلى الله عليه وسلم أحاديث، وأرسل عن عدة من الصحابة لم يدركهم، وكان فقيها عالما ورأى أبا أمامة وأنساً رضي الله عنهما وسمع واثلة بن الأسقع. توفي رحمه الله سنة 116 هـ. انظر:" الطبقات الكبرى لإبن سعد "(7/ 315)"تاريخ الإسلام للذهبي "(3/ 320)

(10)

في (أ): (أصلا له)، وفي (ب):(ضلالة). والمثبت من: (ب).

(11)

هذا نقله بنصه من كتاب "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 340)

ص: 123

فَقَالَا: (الْأَذَانُ سُنَّةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَالْجُمُعَةِ)

(1)

.

ثُمَّ جَازَ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصُ الْجُمُعَةِ؛ لِإِزَالَةِ وَهْمِ مَنْ يَهِمُ بِأَنَّ لَا أَذَانَ لَهَا، كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ بِجَامِعِ أَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْإِمَامِ؛ والْمِصْرِ الْجَامِعِ

(2)

، وَإِلَّا فَهِي دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْخَمْسِ.

[صِفَةُ الْأَذَانِ]

أَوْ لَمَّا تَغَيَّرَ لَهَا

(3)

بَعْضُ الْأَوْصَافِ، مِنْ أَوْصَافِ الْخَمْسِ؛ جَازَ أَنْ يَتَغَيَّرَ لِأَجْلِهَا صِفَةُ الْأَذَانِ، وامَّا بَيَانُ كَيْفِيَّتِهِ، فَهُوَ قَوْلُهُ رحمه الله:(وَصِفَةُ الْأَذَانِ مَعْرُوفَةٌ) إِلَى آخِرِهِ.

(4)

(5)

وَذَكَرَ فِي " الْمَبْسُوطِ ": (ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَذَانِ؛ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ:

(1)

ينظر: "مختصر القُدُوري"(ص 25)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 43).

(2)

المصر الجامع: وظاهر المذهب في بيان حد المصر الجامع، أن يكون فيه سلطان، أو قاض لإقامة الحدود، وتنفيذ الأحكام. وقد قال بعضهم: أن يتمكن كل صانع أن يعيش بصنعته فيه، ولا يحتاج فيه إلى التحول إلى صنعة أخرى، وقال ابن شجاع رحمه الله أحسن ما قيل فيه إن أهلها بحيث، لو اجتمعوا في أكبر مساجدهم، لم يسعهم ذلك حتى احتاجوا إلى بناء مسجد الجمعة، فهذا مصر جامع، تقام فيه الجمعة، ينظر " المبسوط للسرخسي" (2/ 23). وقال سفيان الثوري: المصر الجامع ما يعده الناس مصرا عند ذكر الأمصار المطلقة، ينظر: " بدائع الصنائع للكاساني (1/ 260).

(3)

في (ب): (بها).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

يقول صاحب الهداية: (وصفة الأذان معروفة، وهو كما أذن الملك النازل من السماء، ولا ترجيع فيه وهو أن يرجع فيرفع صوته بالشهادتين بعد ما خفض بهما وقال الشافعي رحمه الله فيه ذلك لحديث أبي محذورة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالترجيع ولنا أنه لا ترجيع في المشاهير وكان ما رواه تعليما فظنه ترجيعا، ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين، لأن بلالا رضي الله عنه قال الصلاة خير من النوم مرتين حين وجد النبي صلى الله عليه وسلم راقداً فقال صلى الله عليه وسلم ما أحسنَ هذا يا بلال اجعله في أذانك، وخص الفجر به لأنه وقت نوم وغفلة). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 43).

ص: 124

أَحَدُهَا فِي التَّرْجِيعِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ عِنْدَنَا؛ خِلَافاً لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله

(1)

، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه

(2)

وَبِقِيَاسِ التَّكْبِيرِ، فَكَمَا أَنَّهُ

(3)

يَأْتِي بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ، أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ فَكَذَلِكَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه فَهُوَ الأصل، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّرْجِيعِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَذَانِ قَوْلُهُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَلَا تَرْجِيعَ فِي هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، فَفِيمَا سِوَاهُمَا أَوْلَى، وامَّا لَفْظَةُ

(4)

التَّكْبِيرِ؛ فَدَلِيلُنَا فَإِنَّ ذِكْرَ التَّكْبِيرِ مَرَّتَيْنِ، لَمَّا كَانَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ؛ فَهُوَ كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وامَّا حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ، قُلْنَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالتَّكْرَارِ؛ حَالَةَ التَّعْلِيمِ لِيَحْسُنَ تَعَلُّمُهُ؛ وَهُوَ كَانَ عَادَتُهُ فِيمَا يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ، فَظَنَّ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّرْجِيعِ)

(5)

.

وَذَكَرَ فِي "الأسرار"(أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِحِكْمَةٍ رُوِيَتْ فِي قِصَّتِهِ؛ وَهِيَ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ رضي الله عنه؛ كَانَ يُبْغِضُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْإِسْلَامِ، أَشَدَّ الْبُغْضِ؛ فَلَمَّا أَسْلَمَ، أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْأَذَانِ، فَلَمَّا بَلَغَ كَلِمَاتِ الشَّهَادَةِ، خَفَضَ صَوْتَهُ؛ حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَرَكَ أُذُنَهُ، وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ، وَامْدُدْ بِهَا صَوْتَكَ، إِمَّا لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَا حَيَاءَ مِنَ الْحَقِّ، أَوْ لِيَزِيدَهُ مَحَبَّةً لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِتَكْرَارِ كَلِمَاتِ الشَّهَادَةِ)

(6)

.

(1)

الترجيع: وهو خفض المؤذن صوته بالشهادتين ثم رفعه بهما.؛ سنَّةٌ عند الشافعي ومالك -رحمهما الله- خلافاً لمذهب الأحناف، قال الماوردي رحمه الله: فصار مالك موافقا لنا في الترجيع، مخالفا في التكبير، وصار أبو حنيفة رحمه الله موافقا لنا في التكبير مخالفا في الترجيع. انظر:" الحاوي الكبير " للماوردي (2/ 43)، "اللباب في الفقه الشافعي" (ص: 110)

(2)

أبو محذورة: واسمه أوس بن معير بن لوذان بن ربيعة بن عويج بن سعد بن جمح. وأمه خزاعية، أسلم أبو محذورة يوم فتح مكة. كان مؤذن المسجد الحرام، علمه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان. وكان من أحسن النَّاس وأنداهم صوتا، وأقام بمكة ولم يهاجر، توفي أبو محذورة بمكة سنة 59 هـ. انظر" الطبقات الكبرى لإبن سعد "(6/ 7)، "تاريخ الإسلام للذهبي"(2/ 559)، "الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر"(7/ 303).

(3)

في (ب): (أن).

(4)

في (ب): (لفظ).

(5)

" المبسوط" للسرخسي (1/ 128).

(6)

انظر " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 241)

ص: 125

(وَالثَّانِي: فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَنَا، أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ، بِصَوْتَيْنِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ: مَرَّتَيْنِ

(1)

؛ وهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله

(2)

، قَاسَهُ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ يَأْتِي بِهِمَا مَرَّتَيْنِ، وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ

(3)

بْنِ زَيْدٍ، وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ

(4)

؛ فِي الْأَذَانِ؛ تِسْعَ عَشْرَ كَلِمَةً، وانْ يَكُونَ ذَلِكَ؛ إِذَا كَانَ التَّكْبِيرُ فِيهِ، مَرَّتَيْنِ.

(1)

ينظر في المذهب المالكي: "التهذيب في اختصار المدونة" للبراذعي (1/ 227)، الكافي في فقه أهل المدينة "لابن عبد البر (1/ 197).

(2)

ينظر: "شرح مختصر الطحاوي" للجصاص (1/ 548)، و"المبسوط" للسرخسي (1/ 129)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 147)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 341).

(3)

في (ب): (ابن عبد الله)

(4)

عن أبي محذورة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذانَ تسعَ عشرةَ كلمةً، والإقامة سبعَ عشرةَ كلمةً، الأذان: الله أكبرُ، الله أكبرُ، الله أكبرُ، الله أكبرُ، أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهدُ أنّ لا إله إلا الله، أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله، أشهدُ أن محمداً رسولُ الله، أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهدُ أن محمّداً رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمّداً رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفَلاح، حيَّ على الفَلاح، الله أكبرُ، الله أكبرُ، لا إله إلا الله، والإقامة: الله أكبرُ، الله أكبرُ، الله أكبرُ، الله أكبرُ، أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهدُ أن محمداً رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفَلاح، حيَّ على الفَلاح، قد قامتِ الصلاة، قد قامتِ الصلاة، الله أكبرُ، الله أكبرُ، لا إله إلا الله» أخرجه مسلم في"صحيحه"(1/ 174)، كتاب الصلاة، باب صفة الأذان، حديث (379)، وأخرجه أبي داود في"سننه"(1/ 78)، كتاب الصلاة، باب كيف الأذان، حديث (502)، وأخرجه الترمذي في"سننه"(1/ 264)، كتاب أبواب الصلاة، باب ما جاء في الترجيع في الأذان، حديث (192)، وأخرجه النسائي في"سننه" (2/ 331: 331)، كتاب الصلاة، باب كم الأذان من كلمة حديث (629: 631)، وأخرجه ابن ماجه في "سننه" (1/ 234: 235)، كتاب الأذان والسنة فيه، باب الترجيع في الأذان، حديث (708: 709). واللفظ لأبي داود.

ص: 126

وَالثَّالِثُ: أَنَّ آخِرَ الْأَذَانِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

(1)

، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ

(2)

؛ فَاعْتَبَرُوا آخِرَهُ بِأَوَّلِهِ، وَالاعْتِمَادُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ

(3)

؛ وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَلَى مَا تَوَارَثَهُ النَّاسُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.)

(4)

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِأَنَّ بِلَالًا رضي الله عنه قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ حِينَ وَجَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَاقِدًا).

رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا رضي الله عنه أَذَّنَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى بَابِ حُجْرَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَ: الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: الرَّسُولُ نَائِمٌ، فَقَالَ بِلَالٌ رضي الله عنه: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، فَلَمَّا انْتَبَهَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها بِذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهُ:«اجْعَلْهُ فِي أَذَانِكَ»

(5)

، كَذَا فِي "الْمَبْسُوطَيْنِ"

(6)

.

(1)

وجدت بعض علماء الأحناف ينسبونه للإمام مالك رحمه الله، ولأهل المدينة. ينظر:"المبسوط" للسرخسي (1/ 129)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 110)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة " (1/ 341).

(2)

ذكر أهل العلم في قوله (الله أكبر) ثلاثة أقوال:

الأول: معناه الله كبير، وهو ضعيف. والثاني: معناه الله أكبر من كل شيء، أي أعظم. والثالث: معناه الله أكبر من أن يشرك به أو يذكر بغير المدح والثناء الحسن. قال في "المغرب"(2/ 204): وتفسيرهم إياه بالكبير ضعيف.

انظر: "المجموع شرح المهذب؛ للنووي": (3/ 259)، "النهاية في غريب الحديث لابن الأثير"(4/ 140)، " المطلع على ألفاظ المقنع؛ للبعلي " (ص: 70)، "لسان العرب لابن منظور"(5/ 127).

(3)

المشهور: ماله طرق محصورة بأكثر من اثنين ولم يبلغ حد التواتر هكذا عرف عند المحدثين، وعرفه الأصوليين بأنه: ما كان آحاد الأصل ثم تواتر في القرن الثاني والثالث ويسمى أيضا مستفيضاً انظر: "كشف الأسرار للبخاري (2/ 368)، "أصول السرخسي": (1/ 291) "تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي؛ للسيوطي" (2/ 173).

(4)

ما بين القوسين؛ من كلام السرخسي رحمه الله، ينظر " المبسوط" للسرخسي (1/ 129).

(5)

أخرجه ابن ماجة في "سننه"(ص 237)، كتاب الأذان والسنة فيها، باب السنة في الأذان، حديث رقم (716)، وأخرجه الطبراني في"المعجم الأوسط" (7/ 309) حديث رقم (7583) ثم قال:(لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا صالح بن أبي الأخضر، ولا عن صالح إلا عمرو بن صالح، تفرد به: عامر بن إبراهيم).

وقال: "الطبراني في الأوسط"(7/ 291).: لم يرو هذا الحديث عن بن قسيط إلا معمر ولا عن معمر إلا عبد الله ابن نافع. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد"(2/ 89): (فيه عبد الرحمن بن قسيط ولم أجد من ذكره).

(6)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 130)، "الأصل المعروف بالمبسوط"للشيباني (1/ 130).

ص: 127

قَوْلُهُ رحمه الله: ([ثُمَّ]

(1)

هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ

(2)

رحمه الله فِي قَوْلِهِ [إِنَّهَا]

(3)

فُرَادَى).

وَاسْتَدَلَّ هُوَ بِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِلَالًا، أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ»

(4)

، وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ؛ كَمَا بَيَّنَّا، وَمَرَّ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِمُؤَذِّنٍ يُوتِرُ الْإِقَامَةَ؛ فَقَالَ: اشْفَعْهَا لَا أُمَّ لَكَ

(5)

.

وَمَعْنَى حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ بِصَوْتَيْنِ وَيُقِيمُ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ» بِدَلِيلِ أَنَّ فِي الْإِقَامَةِ قَوْلَ

(6)

قَدِ قَامَتِ الصَّلَاةُ؛ وَهُوَ مَشْفُوعٌ كَلِمَةً مَوْتُرٌ صَوْتًا

(7)

كَذَا فِي "الأسرار"، وَ"الْمَبْسُوطِ"

(8)

.

[سُنَنُ الْأَذَانِ]

وامَّا بَيَانُ سُنَّتِهِ، فَهُوَ قَوْلُهُ رحمه الله:(وَيَتَرَسَّلُ فِي الْأَذَانِ، وَيَحْدُرُ فِي الْإِقَامَةِ).

(لَمَّا أَنَّ السُّنَنَ فِيهِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا يَرْجَعُ إِلَى نَفْسِ الْأَذَانِ، وَالثَّانِي يَرْجِعُ إِلَى صِفَاتِ الْمُؤَذِّنِ أَمَّا السُّنَنُ؛ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى نَفْسِ الْأَذَانِ، هِيَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ، جَهْرًا رَافِعًا بِهِمَا صَوْتَهُ؛ إِلَّا أَنَّ الْإِقَامَةَ أَخْفَضُ مِنْهَا، وَمِنْهَا أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ كَلِمَتَيِ الْأَذَانِ؛ بِسَكْتَةٍ، وَيُطَوِّلُهَا مِنْ غَيْرِ تَطْرِيبٍ؛ وَهُوَ/ الْمُرَادُ بِالتَّرَسُّلِ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَلَى رَسْلِكَ

(9)

.

(1)

ما بين القوسين زيادة من (ب).

(2)

ينظر: "مختصر البويطي"(ص 125)، و"مختصر المزني"(ص 22).

(3)

في (ب): (إنها).

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 124)، في كتاب الأذان، باب بدء الأذان، حديث رقم (603) و أخرجه مسلم في "صحيحه"(1/ 286)، في كتاب الصلاة، باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة، حديث رقم (378).

(5)

ينظر "المبسوط" للسرخسي (1/ 129)، "العناية شرح الهداية" للبابرتي (1/ 244)، "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعيني (5/ 104)

(6)

في (ب): (قوله).

(7)

في (ب): (توتر ثبوتا).

(8)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 129)

(9)

والرِّسْلُ بِالْكَسْرِ: الْهِينَةُ وَالتَّأَنِّي. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ افْعَلْ كَذَا وَكَذَا عَلَى رِسْلِكَ بِالْكَسْرِ: أَيِ اتَّئد فِيهِ، كَمَا يُقَالُ عَلَى هِينَتِك. "النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير"(2/ 222).

ص: 128

أَيْ: اتَّئَدَ وَتَرَسَّلَ فِي قِرَاءَتِهِ؛ إِذَا تَمَهَّلَ فِيهَا وَتَوَقَّرَ

(1)

(2)

وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَ كَلِمَتَيِ الْإِقَامَةِ، بَلْ يَجْعَلْهُمَا كَلَامًا وَاحِدًا؛ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدْرِ وَهُوَ السُّرْعَةُ.

وَمِنْهَا أَنْ يُرَتِّبَ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ كَمَا شُرِعَ؛ حَتَّى إِذَا قَدَّمَ الْبَعْضَ، وأخر الْبَعْضَ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ، وانْ يُوَالِيَ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ

(3)

حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْمُوَالَاةَ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ، وانْ يَأْتِي بِهِمَا؛ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، إِلَّا فِي الصَّلَاةِ، وَالْفَلَاحِ عَلَى مَا يِجِيءُ.

[سُّنَنٌ تَرْجِعُ إِلَى صِفَاتِ الْمُؤَذِّنِ]

وامَّا السُّنَنُ؛ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى صِفَاتِ الْمُؤَذِّنِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَجُلًا، عَاقِلًا، صَالِحًا، تَقِيًّا

(4)

عَالِمًا بِالسُّنَّةِ، وَبِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ أَذَانَ

(5)

الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، صَحِيحٌ

(6)

مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ؛ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنَّ أَذَانَ الْبَالِغِ أَفْضَلُ، وامَّا أَذَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، لَا يَجُوزُ وَيُعَادُ وَكَذَا

(7)

الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ) كَذَا فِي "التُّحْفَةِ"

(8)

.

وَيُحَوِّلُ وَجْهَهُ لِلصَّلَاةِ، وَالْفَلَاحِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِذَا كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ؛ لَا يُحَوِّلُ وَجْهَهُ، لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى الْإِعْلَامِ هَا هُنَا؛ وَهُوَ قَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ رحمه الله وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحَوِّلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سُنَّةَ الْأَذَانِ؛ فَيُؤْتَى بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ حَتَّى قَالُوا فِي الَّذِي يُؤَذِّنُ لِلْمَوْلُودِ، يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ؛ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، عِنْدَ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، كَذَا فِي"الْمُحِيطِ "

(9)

.

(1)

كذا في " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: 189)

(2)

في (ب): (تأمل وتدبر).

(3)

(والإقامة): ساقطة من (ب) ..

(4)

(تقياً): ساقطة من (ب) ..

(5)

في (ب): (أذَّنَ).

(6)

في (ب): (يجوز).

(7)

في (ب): (وكذلك).

(8)

"تحفة الفقهاء" للسمرقندي (1/ 111)

(9)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 340 - 341).

ص: 129

ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ؛ أَنَّ تَحْوِيلَ الْوَجْهِ فِي الْحَيْعَلَةِ

(1)

مَخْصُوصٌ بِالْأَذَانِ، دُونَ الْإِقَامَةِ، أَوْ يَأْتِي بِهِ، فِيهِمَا وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ رحمه الله فَقَالَ: (وَفِي الْبُسْتَانِ لَا تُحَوِّلُ

(2)

فِي الْإِقَامَةِ؛ إِلَّا لِأُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ الْإِقَامَة)

(3)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْقَوْمِ فَيُوَاجِهُهُمْ)

فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ تَحْوِيلُ الْوَجْهِ يَمِينًا، وَشِمَالًا؛ لِأَجْلِ خِطَابِ الْقَوْمِ لَحَوَّلَ

(4)

وَرَاءَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ؛ كَمَا يَكُونُونَ فِيهِمَا، كَذَلِكَ يَكُونُونَ

(5)

فِي الْقُدَّامِ، وَالْوَرَاءِ؛ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَحْوِيلُ الْوَجْهِ إِلَى [تِلْكَ]

(6)

الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ؛ قُلْنَا: أَمَّا قُدَّامُهُ فَقَدْ حَصَلَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِعْلَامِ بِالتَّكْبِيرِ وَالشَّهَادَتَيْنِ فِي حَقِّ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَلَا يُحَوِّلُ وَجْهَهُ وَرَاءَهُ أَيْضًا؛ لِمَا فِيهِ مِنَ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ، فِيمَا هُوَ دُعَاءٌ إِلَى التَّوَجُّهِ إِلَيْهَا

(7)

فَاكْتَفَى فِيهِ؛ بِنَوْعِ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ بُلُوغِ الصَّوْتِ، عِنْدَ تَحْوِيلِ وَجْهِهِ يَمِينًا، وَشِمَالًا، كَذَا فِي "الفوائد الظهيرية".

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحَسَنٌ).

أَيِ: الْأَذَانُ حَسَنٌ؛ لَا تَرْكُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ

(8)

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ السُّنَنِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لَكِنَّهُ فِعْلٌ أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَالًا رضي الله عنه؛ فَلَا يَلِيقُ أَنْ يُوصَفَ تَرْكُهُ بِالْحَسَنِ، لَكِن لَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنَ السُّنَنِ الْأَصْلِيَّةِ، لَمْ يُؤَثِّرْ زَوَالُ ذَلِكَ الْفِعْلِ، فِي زَوَالِ الْحُسْنِ الْمُتَمَكِّنِ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ، الَّذِي هُوَ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، فَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَذَانَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ أَحْسَنُ

(9)

وَبِتَرْكِهِ حَسَنٌ وَإِسْنَادُ الْحَسَنِ، إِلَى الْأَذَانِ؛ مَذْكُورٌ فِي "الفوائد الظهيرية".

(1)

في (ب): (الهيعلة).

(2)

في (ب): (يحول).

(3)

انظر: " تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 92).

(4)

في (ب): (يحول).

(5)

(فيهما كذلك يكونون): ساقطة من (ب).

(6)

زيادة من (ب)

(7)

في (ب): (إلينا).

(8)

(لأن ذلك الفعل): ساقطة من (ب).

(9)

في (ب): (حسن).

ص: 130

قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: نَظِيرُ هَذَا مَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَمَّارٍ: «إِنْ عَادُوا فَعُدْ»

(1)

أَيْ إِنْ عَادُوا إِلَى الْإِكْرَاهِ؛ فَعُدْ إِلَى تَخْلِيصِ نَفْسِكَ، لَا لِسَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي بِهِ نَظِيرَهُ مِنْ حَيْثُ

(2)

أَنَّ الْعُدُولَ بِالضَّمِيرِ مِنَ الظَّاهِرِ، إِلَى مَدْلُولِ الظَّاهِرِ، لِنُبُوَّةِ الْمَعْنَى فِي الرَّدِّ إِلَى الظَّاهِرِ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ أَصْلِيَّةٍ)

لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ الأصل؛ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِإِقَامَةِ سُنَّةِ الصَّوْتِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَمَرَهُ عَلَّلَ فَقَالَ: «إِنَّهُ أَنْدَى لِصَوْتِكَ» .

[كراهةُ التثويبِ في سائرِ الصلوات]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَكَرِهَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ)

(3)

لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه رَأَى مُؤَذِّنًا يُثَوِّبُ فِي الْعِشَاءِ؛ فَقَالَ: أَخْرِجُوا هَذَا الْمُبْتَدِعَ مِنَ الْمَسْجِدِ

(4)

وَلِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ

(5)

؛ قَالَ: دَخَلَتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ

(6)

رضي الله عنهما مَسْجِدًا، فَصَلَّى

(7)

فِيهِ الظُّهْرَ فَسَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يُثَوِّبُ فَغَضِبَ، وَقَالَ: قُمْ حَتَّى نَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ

(8)

، فَمَا كَانَ التَّثْوِيبُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ؛ تُؤَدَّى فِي حَالِ نَوْمِ النَّاسِ، وَلِهَذَا

(9)

خُصَّتْ بِالتَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ، فَخُصَّتْ أَيْضًا بِالتَّثْوِيبِ؛ فِي أَذَانِهَا لِكَيْلَا يُفَوِّتُ النَّاسُ الْجَمَاعَةَ، وَهَذَا الْمَعْنَى؛ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(10)

.

(1)

أخرجه الحاكم في "المستدرك"(2/ 389) في كتاب "التفسير" باب "تفسير سورة النحل" حديث رقم (3362)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 208) كتاب "المرتد"، باب "المكره علي الردة". قال أبو عبدالله الحاكم في "المستدرك" (2/ 389):(هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).

(2)

(من حيث): ساقطة من (ب) ..

(3)

يُكْرَهُ التَّثْوِيبُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. انظر: "المجموع شرح المهذب؛ للنووي "(3/ 97).

(4)

ذكر هذا الأثر الإمام السرخسي رحمه الله في " المبسوط"(1/ 130 - 131).

(5)

مجاهد: هو مجاهد بن جبر، ويكنى أبا الحجاج مولى قيس بن السائب المخزومي. مولده سنة 21 هـ وكان من العباد، والمتجردين في الزهد مع الفقه والورع مات بمكة وهو ساجد سنة 103 هـ. انظر "الطبقات الكبرى لإبن سعد "(6/ 19)، "مشاهير علماء الأمصار لابن حبان " (ص: 133)، " أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير "(5/ 386).

(6)

بن عمر: هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. كان مولده قبل الوحي بسنة، وأمه زينب بنت مظعون وكان إسلامه بمكة مع أبيه عمر بن الخطاب ولم يكن بلغ يومئذ. وهاجر مع أبيه إلى المدينة. وكان يكنى أبا عبد الرحمن. توفي بمكة وهو حاج سنة 73 هـ وبها دفن. انظر:" الطبقات الكبرى لإبن سعد "(4/ 106)" مشاهير علماء الأمصار لابن حبان"(ص: 37)، " تاريخ بغداد للخطيب البغدادي "(1/ 519)" أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير "(3/ 196).

(7)

في (ب): (نصلي).

(8)

أخرجه عبد الرزاق في"مصنفه"(1/ 475)، كتاب الصلاة، باب التثويب في الأذان، والإقامة، حديث (1832)، وأخرجه أبي داود في "سننه"(ص 82)، كتاب الصلاة، باب في التثويب، حديث (537)، وأخرجه الترمذي في "سننه"(1/ 272)، أبواب الصلاة، باب ما جاء في التثويب في الفجر.

(9)

في (ب): (وبهذا).

(10)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 130 - 131). وانظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 245) و " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 100).

ص: 131

[مَعْنَى التَّثْوِيبِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (مَعْنَاهُ الْعَوْدُ إِلَى الْإِعْلَامِ)

أَيْ: مَعْنَى التَّثْوِيبِ فَجَعَلَ الْمُطَرزِيُّ

(1)

(2)

أَصْلَ التَّثْوِيبِ، مِنَ الثَّوْبِ الَّذِي يَلْبَسُهُ

(3)

النَّاسُ فَقَالَ: لِأَنَّ الرَّجُلَ، إِذَا جَاءَ مُسْتَصْرِخًا إِلَى آخَرَ

(4)

أَيْ مُسْتَغِيثًا

(5)

لَمَعَ بِثَوْبِهِ، أَيْ حَرَّكَهُ؛ رَافِعًا بِهِ يَدَهُ

(6)

لِيَرَاهُ الْمُسْتَغَاثُ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ دُعَاءً لَهُ، وَإِنْذَارًا؛ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى سُمِّيَ الدُّعَاءُ تَثْوِيبًا، فَقِيلَ ثَوَّبَ الدَّاعِي، وَقِيلَ هُوَ تَرْدِيدُ الدُّعَاءِ، تَفْعِيلٌ

(7)

مِنْ ثَابَ يَثُوبُ؛ إِذَا رَجَعَ.

وَفِي"الْمَبْسُوطِ "

(8)

أَمَّا مَعْنَى التَّثْوِيبِ

(9)

لُغَةً، فَالرُّجُوعُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الثَّوَابُ

(10)

لِأَنَّ مَنْفَعَةَ عَمَلِهِ تَعُودُ إِلَيْهِ، وَيُقَالُ ثَابَ إِلَى الْمَرِيضِ نَفْسُهُ، إِذَا بَرَأَ؛ فَهُوَ عَوْدٌ إِلَى الْإِعْلَامِ الْأَوَّلِ؛ وهُوَ عَلَى حَسَبِ/ مَا تَعَارَفُوهُ، وَالتَّثْوِيبُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ، عَلَى مَا يَتَعَارَفُونَهُ، إِمَّا بِالتَّنَحْنُحِ، أَوْ بِقَوْلِهِ: الصَّلَاة، الصَّلَاة، أَوْ بِقَوْلِهِ: قَامَتْ، قَامَتْ، لِأَنَّهُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِعْلَامِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَا يَتَعَارَفُونَهُ. كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(11)

.

(1)

المطرزي: هو ناصر بن عبد السيد بن علي، أبو الفتح الخوارزمي الحنفي المطرزي النحوي الأديب، ولد بخوارزم سنة 538 هـ. وكان من رؤوس المعتزلة، وله معرفة تامة بالعربية، واللغة، والشعر. له تصانيف في الأدب، وشعر كثير. وكان حنفي المذهب. له كتاب " شرح المقامات "، وكتاب " المغرب " و" الإقناع في اللغة " توفي في الحادي والعشرين من جمادى الأولى بخوارزم. انظر:"تاريخ الإسلام للذهبي "(13/ 254)، و"سير أعلام النبلاء للذهبي"(22/ 28).

(2)

" المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (1/ 127).

(3)

في (ب): (يكتسي).

(4)

(إلى آخر): ساقطة من (ب) ..

(5)

في (ب): (مستعينا).

(6)

في (ب): (زنده).

(7)

في (ب): (بفعيل).

(8)

"المبسوط"للسرخسي (1/ 130).

(9)

في (ب): (التثوب).

(10)

في (ب): (وحقه يسمى الثواب).

(11)

"المبسوط"للسرخسي (1/ 130).

ص: 132

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَهَذَا تَثْوِيبٌ؛ أَحْدَثَهُ عُلَمَاءُ الْكُوفَةِ

(1)

إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: (حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْنِ، بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ).

قُلْتُ: لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ؛ أَنَّ اسْمَ الْإِحْدَاثِ، فِي هَذَا التَّثْوِيبِ الْمُقَيَّدِ، بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ اللَّفْظِ بِأَنْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ لَفْظُ (فِي التَّثْوِيبِ فَجَعَلَ عُلَمَاءُ الْكُوفَةِ؛ لَفْظًا آخَرَ، مَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظِ)

(2)

أَوْ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الْمَكَانِ، بِأَنْ كَانَ فِي الْقَدِيمِ، فِي مَكَانٍ؛ فَجَعَلُوهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ وَإِشَارَةُ التَّثْوِيبِ، إِلَى قَوْلِهِ:(حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ)، يَحْتَمِلَهُمَا فَذَكَرَ صَاحِبُ "الْمُحِيطِ " بَيَانَهُ، فَقَالَ: (قَالَ: مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ"

(3)

التَّثْوِيبُ؛ الَّذِي يُثَوِّبُ النَّاسَ فِي الْفَجْرِ؛ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْنِ؛ حَسَنٌ، وَهَذَا هُوَ التَّثْوِيبُ الْمُحْدَثُ، وَلَمْ يُبَيِّن التَّثْوِيبَ الْقَدِيمَ وَذَكَرَ فِي "الأصل"

(4)

كَانَ التَّثْوِيبُ الْأَوَّلُ، (فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، بَعْدَ الْأَذَانِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ؛ فَأَحْدَثَ النَّاسُ هَذَا التَّثْوِيبَ)

(5)

وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَمْ يُبَيِّنِ الْمُحْدَثَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، قَالُوا أَرَادَ

(6)

مُحَمَّدٌ رحمه الله بِقَوْلِهِ: فِي الأصل، فَأَحْدَثَ النَّاسُ هَذَا التَّثْوِيبَ، أَنَّهُمْ أَحْدَثُوا، مَكَانَ التَّثْوِيبِ، لَا نَفْسَ التَّثْوِيبِ، فَإِنَّ التَّثْوِيبَ الْأَوَّلَ؛ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، بَعْدَ الْأَذَانِ فَالنَّاسُ

(7)

جَعَلُوهَا فِي الْأَذَانِ، وَلَكِنْ هَذَا مُشْكِلٌ

(8)

فَإِنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله أَضَافَ الْإِحْدَاثِ إِلَى النَّاسِ، وَإِدْخَالُ هَذَا التَّثْوِيبِ فِي الْأَذَانِ، غَيْرُ مُضَافٍ إِلَى النَّاسِ، بَلْ هُوَ مُضَافٌ إِلَى بِلَالٍ رضي الله عنه؛ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ هَذَا التَّثْوِيبَ، فِي الْأَذَانِ

(9)

، وَلَكِنْ بِأَمْرِ

(10)

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا رَوَيْنَا.

(1)

الكوفة: هي المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق، ويقال لها كوفان، وقد اختلف في سبب تسميتها بذلك، وكان تمصيرها في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة (17 هـ) والكوفة اليوم إحدى مدن العراق حمى الله أهلها من الفتن. انظر:"معجم البلدان لياقوت الحموي "(4/ 490).

(2)

ساقط من (ب).

(3)

"الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 83).

(4)

"المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 130).

(5)

في (ب) وقع في الهامش.

(6)

في (ب): (زاد).

(7)

في (ب): (بالنَّاس).

(8)

في (ب): (يُشكل).

(9)

(في الأذان) ساقطة من (ب) ..

(10)

في (ب): (ما أمر).

ص: 133

وَمِنَ الْمَشَايخِ مَنْ قَالَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَأَحَدَثَ النَّاسُ هَذَا التَّثْوِيبَ؛ أَيْ: نَفْسَ التَّثْوِيبِ؛ فَإِنَّ

(1)

التَّثْوِيبَ الْأَوَّلَ؛ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، ثُمَّ إِنَّ التَّابِعِينَ؛ وأهل الْكُوفَةِ؛ أَحْدَثُوا هَذَا التَّثْوِيبَ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ:(حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ)، وَلَفْظُ " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

(2)

يَدُلُّ عَلَى هَذَا فَإِنَّ لَفْظَةَ

(3)

التَّثْوِيبِ، الَّذِي يُثَوِّبُ النَّاسُ فِي الْفَجْرِ، بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ؛ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ؛ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْنِ حَسَنٌ، وَهَذَا هُوَ التَّثْوِيبُ الْمُحْدَثُ، وَرُوِيَ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ

(4)

رحمه الله أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ، أَنَّ التَّثْوِيبَ الْأَوَّلَ، كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، فَأَحْدَثَ النَّاسُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْنِ وَهُوَ حَسَنٌ كَذَا فِي "الْمُحِيطِ"

(5)

.

وَذَكَرَ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " لِقَاضِي خَانَ:) وَالتَّثْوِيبُ الْقَدِيمُ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فِي رِوَايَةِ الثَّلْجِيِّ

(6)

وأبي يُوسُفَ عَنْ أَصْحَابِنَا رحمهم الله فِي نَفْسِ الْأَذَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّ التَّثْوِيبَ عِبَارَةٌ عَنِ الرُّجُوعِ، وَالْعَوْدِ؛ فَالْعَوْدُ؛ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْفَرَاغِ)

(7)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِمَا ذَكَرْنَا): إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ (لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ).

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالْمُتَأَخِّرُونَ اسْتَحْسَنُوهُ): أَيِ اسْتَحْسَنُوا التَّثْوِيبَ؛ الْمُحْدَثِ، الَّذِي أَحْدَثَهُ عُلَمَاءُ الْكُوفَةِ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ:(حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، بَيْنَ الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ)؛ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَلَكِنْ؛ لَمْ يَشْتَرِطُوا عَيْنَ ذَلِكَ اللَّفْظِ؛ الَّذِي هُوَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، بَلْ ذَكَرُوا مَا تَعَارَفُوهُ مِنْ قَوْلِهِمُ: الصَّلَاةَ، الصَّلَاةَ، أَوْ (قَامَتْ، قَامَتْ)

(8)

بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ.

(1)

في (ب): (وإن).

(2)

"الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 83).

(3)

في (ب): (لفظ).

(4)

ينظر: الآثار لمحمد بن حسن الشيباني (1/ 89).

(5)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 343 وما بعدها).

(6)

في (ب): (البلخي).

(7)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (1/ 154 - 155).

(8)

بين الكلمتين لفظ (أو) مضروب عليها من الناسخ.

ص: 134

قُلْتُ: عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؛ كَانَ اسْتِحْسَانُ الْمُتَأَخِّرِينَ، إِحْدَاثًا بَعْدَ إِحْدَاثٍ، فَإِنَّ التَّثْوِيبَ الْأَصْلِيَّ؛ كَانَ "الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ"؛ لَا غَيْر فِي أَذَانِ الْفَجْرِ، أَوْ بَعْدَ أَذَانِ الْفَجْرِ، فَأَحَدَثَ عُلَمَاءُ الْكُوفَةِ؛ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ

(1)

حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، لَكِنْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ خَاصَّةً، مَعَ إِبْقَاءِ الْأَوَّلِ، واحْدَثَ الْمُتَأَخِّرُونَ التَّثْوِيبَ؛ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، عَلَى حَسَبِ مَا تَعَارَفُوهُ، فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ؛ سِوَى صَلَاةِ المغرب، مَعَ إِبْقَاءِ الْأَوَّلِ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ؛ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ.

[حكم تخصيصُ الْأَمِيرَ بِالتَّثْوِيبِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله: لَا أَرَى بَأْسًا بِأَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ لِلْأَمِيرِ) إِلَى آخِرِهِ

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ

(2)

رحمه الله: [بأنَّه]

(3)

لَا بَأْسَ بِأَنْ يَخُصَّ الْأَمِيرَ بِالتَّثْوِيبِ؛ فَيَأْتِي بَابَهُ فَيَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ؛ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْنِ، الصَّلَاةُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْأُمَرَاءَ، لَهُمْ زِيَادَةُ اهْتِمَامٍ بِأَشْغَالِ

(4)

الْمُسْلِمِينَ، وَرَغْبَةٌ

(5)

فِي الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ/ فَلَا بَأَسَ؛ بِأَنْ يُخَصُّوا بِالتَّثْوِيبِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه؛ لَمَا كَثُرَ

(6)

اشْتِغَالُهُ؛ نَصَّبَ مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ

(7)

، غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَرِهَ هَذَا، وَقَالَ: أُفًّ

(8)

لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله حَيْثُ

(9)

خَصَّ الْأُمَرَاءَ؛ بِالذِّكْرِ وَالتَّثْوِيبِ، لِمَا أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه حِينَ حَجَّ، أَتَاهُ مُؤَذِّنُ مَكَّةَ؛ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَانْتَهَرَهُ؛ وَقَالَ: أَلَمْ يَكُنْ فِي أَذَانِكَ مَا يَكْفِينَا)

(10)

؟! وَفِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " لِقَاضِي خَانَ رحمه الله: (وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ ذَلِكَ؛ فِي أُمَرَاءِ زَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَشْغُولِينَ، بِالنَّظَرِ

(11)

فِي أُمُورِ الرَّعِيَّةِ، فَاسْتَحْسَنَ زِيَادَةَ الْإِعْلَامِ فِي حَقِّهِمْ، وَلَا كَذَلِكَ أُمَرَاءُ زَمَانِنَا)

(12)

.

(1)

(حيَّ على الصلاة): ساقطة من (ب).

(2)

ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 83)، و"المبسوط" للسرخسي (1/ 130)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 148).

(3)

كذا في (ب): وفي نسخة (أ)(لَوْ أَنَّهُ).

(4)

في (ب): (باشتغال).

(5)

في (ب): (ورغبته).

(6)

في (ب): (لكثرة).

(7)

وروي عن محمد بن سيرين قال: "كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه اعتراه نسيان في الصلاة فجعل رجل خلفه يلقنه فإذا أومأ إليه أن يسجد أو يقوم فعل". "ابن سعد". كنز العمال (22984)، (8/ 294).

(8)

(أفاً) ساقطة من (ب).

(9)

في (ب): (حين).

(10)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 131).

(11)

النظر: الفكر في الشيء تقدره وتقيسه منك، (لسان العرب لابن منظور: 5/ 217)

(12)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (1/ 156).

ص: 135

قَوْلُهُ رحمه الله: (سَوَاسِيَةٌ).

أَيْ: سَوَاءٌ، يَقُولُ: هُمَا فِي هَذَا الْأَمْرِ سَوَاءٌ، وَإِنْ شِئْتَ سَوَاءَانِ، وَهُمْ سَوَاءٌ لِلْجَمِيعِ

(1)

وَهُمْ أَسْوَاءٌ، وَهُمْ سَوَاسِيَةٌ، أَيْ: أَشْبَاهٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، مِثْلُ ثَمَانِيَةٍ كَذَا فِي "الصِّحَاحِ "

(2)

.

وَعَلَى هَذَا، الْقَاضِي، وَالْمُفْتِي، وَمَنْ يَعْمَلُ لِلْعَامَّةِ، لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا إِذَا اشْتَغَلُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا؛ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ

(3)

.

وَقِيلَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ؛ لِمَنْ فَوْقِهِ فِي الْعِلْمِ، وَالْجَاهِ؛ حَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، سِوَى الْمُؤَذِّنِ؛ يَعْنِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْصَالٌ

(4)

كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ.

[الفصلُ بَيْنَ الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَيَجْلِسُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إِلَّا فِي المغرب)

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله فِي "شرح الجامع الصغير"

(5)

: أَمَّا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَلَا خِلَافٌ؛ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُؤَذِّنِ، أَنْ يَصِلَ الْإِقَامَةَ بِالْأَذَانِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَذَانِ، إِعْلَامُ النَّاسِ، بِدُخُولِ الْوَقْتِ، لِيَتَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ، ثُمَّ يَحْضُرُوا الْمَسْجِدَ، لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ، إِذَا وَصَلَ الْإِقَامَةَ بِالْأَذَانِ.

(1)

في (ب): (جمع).

(2)

"مختار الصحاح، للرازي"(1/ 326).

(3)

(بالمعروف): ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): (استفضال).

(5)

ذكر نحوه السرخسي في مبسوطه فقال رحمه الله: (فَأَمَّا فِي صَلَاةِ المغرب فَيُكْرَهُ لَهُ وَصْلُ الْإِقَامَةِ بِالْأَذَانِ كَمَا فِي غَيْرِهَا وَالْأَفْضَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ وَذَكَرَ الْحَسَنُ رحمه الله عَنْهُ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ مِقْدَارَ جِلْسَةِ الْخَطِيبِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ أَذَانِ المغرب وَالْإِقَامَةِ بِجِلْسَةٍ؛ وَلِأَنَّ السَّكْتَةَ تُشْبِهُ السَّكَتَاتِ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهَا الْفَصْلُ فَالْجِلْسَةُ لِلْفَصْلِ أَوْلَى)"المبسوط للسرخسي"(1/ 139).

ص: 136

ثُمَّ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِالتَّطَوُّعِ فِي الصَّلَوَاتِ؛ الَّتِي يُتَطَوَّعُ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ، مَسْنُونًا كَانَ أَوْ مُسْتَحَبًّا؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ ثَلَاثًا وَقَالَ الثَّالِثَةُ لِمَنْ شَاءَ»

(1)

وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله أَخَذَ بِظَاهِرِ

(2)

الْحَدِيثِ؛ فَقَالَ: يُفْصَلُ بَيْنَ الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ، فِي صَلَاةِ المغرب، بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَاةِ

(3)

.

وَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ؛ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا، عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ الْإِقَامَةَ بِالْأَذَانِ فِي المغرب، بَلْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا؛ لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْفَصْلِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ، يَسْكُتُ قَائِمًا، سَاعَةً؛ ثُمَّ يُقِيمُ.

وَمِقْدَارُ السَّكْتَةِ عِنْدَهُ، قَدْرُ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ، مِنْ قِرَاءَةِ

(4)

ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ، أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ: مِقْدَارُ مَا يَخْطُوا ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ، وَعِنْدَهُمَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجَلْسَةٍ خَفِيفَةٍ، مِقْدَارُ الْجَلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ.

وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحُلْوَانِيُّ رحمه الله

(5)

الْخِلَافَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ؛ حَتَّى أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إِنْ جَلَسَ جَازَ وَالْأَفْضَلُ

(6)

أَنْ لَا يَجْلِسَ، وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْعَكْسِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ

(7)

.

(1)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 202) في كتاب "مواقيت الصلاة" باب "بين كل أذانين صلاة لمن شاء" حديث رقم (612)، ومسلم في "صحيحه"(ص 325) في كتاب "الصلاة" باب "بين كل أذانين صلاة" حديث رقم (838). من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه.

(2)

في (ب): (ظاهر).

(3)

وانْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا قَدْرَ السُّنَّةِ وَالِاجْتِمَاعِ وَفِي المغرب بِرَكْعَتَيْنِ أَوْ سَكْتَةٍ أَوْ جِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا اهـ، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (1/ 276)

(4)

(من قراءة) ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): (الحلوائي).

(6)

في (ب): (فالأفضل).

(7)

ذكره في " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 103).

ص: 137

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالْفَرْقُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ) إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ: (إِنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ)،

بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ التَّأْخِيرَ فِيهَا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَالاشْتِغَالُ بِالرَّكْعَتَيْنِ، يُؤَدِّي إِلَى التَّأْخِيرِ؛ فَلِذَلِكَ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا أَيْضًا: وَلَا يَتَنَفَّلُ بَعْدَ الْغُرُوبِ، قَبْلَ الْفَرْضِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ المغرب، وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ رحمه الله: وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» مَا سِوَى المغرب، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَسَّرَهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ؛ فَقَالَ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ إِلَّا المغرب.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ كَوْنُ الْمُؤَذِّنُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ) أَيْ: بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ لِلْأَذَانِ سُنَنًا وَآدَابًا فَلَا بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ بِهَا.

وَفِي" الْمَبْسُوطِ ": (أَنَّ الْأَذَانَ، ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ؛ فَيُخْتَارُ لَهُ مَنْ يَكُونُ مُحْتَرَمًا فِي النَّاسِ، يُتَبَرَّكُ بِهِ وَلِهَذَا قَالَ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ، وَفِيهِ الْحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَؤُمُّكُمْ أَقْرَأَكُمْ وَيُؤَذِّنُ لَكُمْ خِيَارُكُمْ»)

(1)

(2)

.

وَفِي "الْفَائِقِ"

(3)

(4)

قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: (لَوْ أُطِيقُ الْأَذَانَ مَعَ الخليفيَّ

(5)

لَأَذَّنْتُ)

(6)

يَعْنِي مَعَ الْخِلَافَةِ، وَقَالَ الْمَحْبُوبِيُّ؛ نَاقِلًا عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيِّ، بَعْدَمَا ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ: رَأَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله؛ يُؤَذِّنُ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يُبَاشِرُ

(7)

الْأَذَانَ، وَالْإِقَامَةَ؛ بِنَفْسِهِ؛ وَهُوَ الْأَحْسَنُ، أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ؛ عَالِمًا إِمَامًا فِي الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ إِنَّ الْأَحْسَنَ لِلْإِمَامِ، أَنْ يُفَوِّضَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يُبَاشِرُ الْأَذَانَ، وَالْإِقَامَةَ، بِنَفْسِهِ [وَقَدْ كَانَ إِمَامًا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله هَذَا، وَفِي حَقِّنَا أَذَانُ الْإِمَامِ بِنَفْسِهِ]

(8)

أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ، يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، فَمَنْ يَكُونُ أَعْلَى دَرَجَةً مِنَّا، فَهُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ، فَقَدْ أَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأقام فِي

(9)

بَعْضِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَذَّنَ وأقام وَصَلَّى الظُّهْرَ»

(10)

.

(1)

أخرجه ابن ماجة في "سننه"(ص 240) كتاب "الأذان والسنة فيها" باب "فضل الأذان وثواب المؤذنين" حديث رقم (726)، وأبو داود في "سننه"(ص 87) في كتاب "الصلاة" باب "من أحق بالإمامة" حديث رقم (590). والحديث ضعيف لأن به الحسين بن عيسى الحنفي، وقد عده بن حجر من الضعفاء في "تقريب التهذيب"(1/ 168).

(2)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 137 - 138).

(3)

" الفائق في غريب الحديث والأثر"، لِمؤلِّفهِ أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538 هـ) وطبع في أربعة أجزاء، حققه: علي محمد البجاوي -محمد أبو الفضل إبراهيم ونشرته: دار المعرفة - لبنان.

(4)

الفائق في غريب الحديث للزمخشري (1/ 391).

(5)

كذا في (أ)، والخليفي: أي الخلافة، وانظر:"مختار الصحاح، للرازي " مادة (خ ل ف)، (ص: 95).

(6)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 433) في كتاب "الصلاة" باب "الترغيب في الأذان"، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(2/ 370) في كتاب "الأذان" باب "في فضل الأذان وثوابه" حديث رقم (2348). وصححه بن حجر في"المطالب العالية"(3/ 84).

(7)

في (ب): (مباشر).

(8)

في هامش: (ب)

(9)

(في): ساقطة من (ب).

(10)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 433) في كتاب "الصلاة" باب "الترغيب في الأذان"، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(2/ 370) في كتاب "الأذان" باب "في فضل الأذان وثوابه" حديث رقم (2348). وصححه بن حجر في"المطالب العالية"(3/ 84).

ص: 138

قَوْلُهُ: (وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي اكْتِفَائِهِ بِالْإِقَامَةِ).

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله:/ هَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَقَالَ فِي قَوْلٍ: لَا يُؤَذِّنُونَ، وَلَا يُقِيمُونَ، احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ شَغَلَهُمُ الْكُفَّارُ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ، قَضَاهُنَّ بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ

(1)

، وَفِي لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ اكْتَفَى بِالْإِقَامَةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ شُرِّعَ لِإِعْلَامِ النَّاسِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَلِلدُّعَاءِ إِلَى الاجْتِمَاعِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ؛ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، فِي الْفَائِتَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ، فَالدُّعَاءُ إِلَى الاجْتِمَاعِ، لَا يُفِيدُ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ لِلْفَائِتَةِ.

وَلَنَا مَا رُوِيَ مَنْ حَدِيثِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ أَمْرَ بِلَالًا رضي الله عنه بِأَنْ يُؤَذِّنَ، فَأَذَّنَ، وَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّيْنَا صَلَاةَ الْفَجْرِ

(2)

، وَكَذَلِكَ

(3)

رَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله بِإِسْنَادِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ شَغَلَهُمُ الْكُفَّارُ، قَضَاهُنَّ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ

(4)

.

(1)

لم أجده كذلك، وإنما الموجود عكس هذا الحكم وهو: أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء. أخرجه الترمذي في"سننه"(1/ 246)، أبواب الصلاة، باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ، حديث (179)، وأخرجه النسائي في"سننه الصغرى"(2/ 346)، كتاب الصلاة، باب، حديث (661). وقال الترمذي:(حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله).

(2)

لم أجده بهذا اللفظ وإنما وجدت نحوه وهو ما أخرجه أبو داود في "سننه"(ص 72)، كتاب الصلاة، باب من نام عن صلاةٍ أو نسيها، حديث (444)، عن عمرو بن أُميَّة الضمْري، قال:«كُنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في بعضِ أسفارِه، فنامَ عن الصُّبحِ حتَّى طَلَعَت الشَّمسُ، فاستَيقَظَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تَنَحَّوا عن هذا المكان" قال: ثمَّ أمرَ بلالاً فأذَّنَ، ثمَّ توضئوا وصَلَّوا ركعَتَي الفَجرِ، ثمَّ أمرَ بلالاً فأقامَ الصَّلاةَ، فصلى بهم صلاةَ الصُّبح» . كذا أخرجه أحمد في "مسنده"(33/ 197)، حديث (19991) من حديث عمران بن حصين، وقال الأرنؤوط:(حديث صحيح).

(3)

في (ب): (فكذلك).

(4)

أخرجه الترمذي في"سننه"(1/ 246)، أبواب الصلاة، باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ، حديث (179)، وأخرجه النسائي في"سننه الصغرى"(2/ 346)، كتاب الصلاة، باب، حديث (661).

وقال الترمذي: (حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله) يعني فيكون منقطعًا.

ص: 139

وامَّا قَوْلُهُ: (شُرِّعَ لِلْإِعْلَامِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الاجْتِمَاعِ)، قُلْنَا شُرِّعَ لِهَذَا

(1)

وَشُرِّعَ أَيْضًا لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ، بِذِكْرِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ، الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ، وَيُقِيمَ، وَالْمُسَافِرُ كَذَلِكَ؛ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِعْلَامِ آخَرَ، بِالْوَقْتِ، وَلَا إِلَى دُعَاءِ أَحَدٍ

(2)

وَمَعَ هَذَا يَأْتِي لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ، بِهَذِهِ

(3)

الْكَلِمَاتِ، وَقَالَ فِي "الْمَبْسُوطِ" هَذَا لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً

(4)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي

(5)

إِنْ شَاءَ أَذَّنَ وأقَامَ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ).

فَإِنْ قُلْت: هَذَا التَّخْيِيرُ يُشْكِلُ، عَلَى أَصْلِنَا الْمَذْكُورِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ؛ وَهُوَ أَنَّ الرِّفْقَ، إِذَا كَانَ مُتَعَيِّنًا فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، لَا يُخَيَّرُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا، كَمَا فِي قَصْرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، وَهُنَا

(6)

الرِّفْقُ؛ مُتَعَيِّنٌ فِي الْإِقَامَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَثْبَتَ التَّخْيِيرَ، وَلَا يُتَخَّلَصُ مِنْهُ بِزِيَادَةِ

(7)

ثَوَابِ الْآخِرَةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، بِزِيَادَةِ الرَّكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا قُلْتُ: ذَلِكَ فِي الشَّيْئَيْنِ الْوَاجِبَيْنِ

(8)

لَا فِي السُّنَنِ، وَالتَّطَوُّعَاتِ، وَقَدْ ذَكَرَ تَمَامَهُ فِي "الوافي"

(9)

فِي فَصْلِ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ يُقَامُ لِمَا بَعْدَهَا)

أَيْ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، بَيْنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ

(10)

وَفِي "التُّحْفَةِ": (وَرَوَى فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ، عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله؛ إِذَا فَاتَتْ صَلَوَاتٌ، يَقْضِي الْأُولَى بِأَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ وَالْبَوَاقِي، بِالْإِقَامَةِ، دُونَ الْأَذَانِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ

(11)

رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ، مُحَمَّدٌ رحمه الله قَوْلَهُمْ جَمِيعًا، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ؛ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا)

(12)

.

(1)

في (ب): (بهذا).

(2)

في (ب): (آخر).

(3)

في (ب): (بذكر هذه).

(4)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 136).

(5)

في (ب): (الثاني).

(6)

في (ب): (ها هُنَا).

(7)

في (ب): (زيادة).

(8)

في (ب): (الواجبات).

(9)

" الوافِي فِي أصول الفقه" للسغناقي " (2/ 815 - 816).

(10)

في (ب): (الإفراد للإقامة).

(11)

الرازي: هو أحمد بن علي أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص الفقيه الحنفي الرازي أحد أئمة أصحاب أبي حنيفة، وله من المصنفات المفيدة كتاب (أحكام القرآن)، وهو تلميذ أبي الحسن الكرخي، وكان عابداً، زاهداً، ورعاً، انتهت إليه رياسة الحنفية في وقته ورحل إليه الطلبة من الآفاق، وقد سمع الحديث من أبي العباس الأصم، وأبي القاسم الطبراني، وقد أراده الطائع على أن يوليه القضاء فلم يقبل، توفي في ذي الحجة من هذا العام.

انظر: " الطبقات السنية في تراجم السّادة الحنفّية، للدّاري "(1/ 122) و " سير أعلام النبلاء للذهبي "(15/ 245).

(12)

"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 115 - 116).

ص: 140

[كراهة الأذان للجنب]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَوَجْهُ الْفَرْقِ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)

أَيِ: الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ كَرَاهَةِ الْأَذَانِ؛ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ، وَكَرَاهَتِهِ بِالْجَنَابَةِ، وامَّا عَلَى الرِّوَايَةِ؛ الَّتِي تَكْرَهُ الْأَذَانَ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْفَرْقِ؛ وأوْضَحَ الْفَرْقَ فِي " الْمُحِيطِ ": (وَقَالَ إِنَّ الْأَذَانَ

(1)

شَبَهًا بِالصَّلَاةِ؛ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ، عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَوْ كَانَ صَلَاةً عَلَى الْحَقِيقَةِ

(2)

لَا يَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ، وَالْجَنَابَةِ فَإِذَا

(3)

كَانَ مُشَبَّهًا بِالصَّلَاةِ؛ قُلْنَا: يُكْرَهُ مَعَ الْجَنَابَةِ، اعْتِبَارًا لِجَانِبِ الشَّبَهِ

(4)

وَلَا يُكْرَهُ مَعَ الْحَدَثِ؛ اعْتِبَارٌ لِجَانِبِ الْحَقِيقَةِ؛ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْكِسْ؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا فِي الْحَدَثِ جَانِبَ

(5)

الشَّبَهِ يَلْزِمُنَا

(6)

(اعْتِبَارَهُ فِي الْجَنَابَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ الْحَدَثَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَتَعَطَّلُ جَانِبُ الْحَقِيقَةِ)

(7)

وامَّا وَجْهُ مُشَابَهَتِهِ بِالصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ)

(8)

جَوَازَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَقْتِ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ؛ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا، وامَّا وَجْهُ كَرَاهَةِ الْأَذَانِ؛ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ، وُهَو رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله فَهُوَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ؛ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى التَّأَهُّبِ لِلصَّلَاةِ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَو مُتَأَهِّبًا لَهَا

(9)

دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}

(10)

وَالْجُنُبُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُعِيدَ.

(1)

في (ب): (للأذان).

(2)

(ولو كان صلاة على الحقيقة): ساقطة من (ب) ..

(3)

في (ب): (فأمَّا إذا).

(4)

في (ب): (الشبهة).

(5)

(جانب) ساقطة من (ب) ..

(6)

في (ب): (يلزمها).

(7)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 344 - 345).

(8)

ما بين القوسين؛ ساقط من (ب).

(9)

(للصلاة فإذا لم يكن هو متأهباً لها): ساقطة من (ب).

(10)

سورة البقرة: (من آية: 44)

ص: 141

[حَالاتٌ يُستحَبُّ فيها إعادةُ الآذانِ]

وَذَكَرَ فِي "شرح الطحاوي"

(1)

يُسْتَحَبُّ إِعَادَةُ أَذَانِ أَرْبَعَةٍ: الْجُنُبُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالسَّكْرَانُ وَالْمَجْنُونُ، ذَكَرَ الْجُنُبَ، وَالْمَرَأَةَ فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ"

(2)

وَذَكَرَ السَّكْرَانَ، وَالْمَجْنُونَ، فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ رحمه الله قَالَ: الْمَرْأَةُ تُؤَذِّنُ

(3)

أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُعَادَ؛ وَإِنْ صَلُّوا؛ أَجْزَأهُمْ، لِأَنَّ أَذَانَ النِّسَاءِ، لَمْ يَكُنْ فِي الْمُتَقَدِّمِينَ، فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْدَثَاتِ، وَلَمَّا لَمْ يُفَوَّضْ، إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ الْأَذَانُ؛ حِينَ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ، فَبَعْدَ انْتِسَاخِ ذَلِكَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ، مَنْدُوبٌ إِلَى أَنْ يُشَهِّرَ نَفْسَهُ، وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ؛ حَتَّى يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَعْلُوَ الْمَنَارَةَ أَوْ أَعْلَى الْمَوَاضِعِ، عِنْدَ الْأَذَانِ، وَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ؛ لِأَنَّ فِي صَوْتِهَا فِتْنَةً، وِلِهَذَا جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ»

(4)

، وَكَذَلِكَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ تَشْهِيرِ النَّفْسِ بِأَنْ تَكُونَ فِي بَيْتِهَا، وَرَاءَ الْحِجَابِ؛ فَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ إِعَادَةُ أَذَانِهَا

(5)

/ حِينَ وَقَعَ لَا عَلَى وَجْهِ الْمَسْنُونِ.

(1)

قال الإمام السمرقندي في تحفة الفقهاء (1/ 112)(وَأما أَذَان الْجنب وإقامته فَيكْرَه بالِاتِّفَاقِ وَهل يُعَاد ذكر فِي ظاهر الرواية أَنه يجوز وَلَا تجب الْإِعَادَة وَلَكِن يسْتَحبّ وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه يُعَاد، فَالْحَاصِل أَنه يسْتَحبّ إِعَادَة أَذَان أَرْبَعَة نفر فِي ظاهر الرواية ذكر أَذَان الْجنب وَالْمَرْأَة فِي الْجَامِع الصَّغِير وَذكر أَذَان السَّكْرَان وَالْمَعْتُوه الَّذِي لَا يعقل فِي كتاب الصَّلَاة، وَفِي غير رِوَايَة الْأُصُول يُعَاد أَذَان هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة).

(2)

"الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 84).

(3)

في (ب): (المؤذن المرأة تؤذن).

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 334) في كتاب "الجمعة" باب "التصفيق للنساء" من حديث ابي هريرة رضي الله عنه رقم (1173).

(5)

في (ب): (أدائها).

ص: 142

[تِكرارُ الآذانِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِأَنَّ تَكْرَارَ الْأَذَانِ مَشْرُوعٌ)

أَيْ فِي الْجُمْلَةِ

(1)

كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ؛ يَعْنِي فِي

(2)

الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا فُسِّرَ بِهَذَا

(3)

لِأَنَّ فِي "الْإِيضَاحِ"

(4)

قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْجَوَازِ؛ أَصْلَ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ، زَائِدٌ فِي الْبَابِ.

[الآذان للنساء]

وَفِي"الْمَبْسُوطِ": (وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ، وَلَا إِقَامَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَا الصَّلَاةِ، بِالْجَمَاعَةِ، وَجَمَاعَتُهُنَّ مَنْسُوخَةٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ صَلَيْنَ بِالْجَمَاعَةِ، صَلَيْنَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، لِحَدِيثِ رَائِطَةَ رضي الله عنها

(5)

قَالَتْ: «كُنَّا جَمَاعَةً مِنَ النِّسَاءِ، أَمَّتْنَا عَائِشَةُ رضي الله عنها بِلَا أَذَانٍ، وَلَا إِقَامَةٍ

(6)

»

(7)

.

وَقَبْلَ الْوَقْتِ تَجْهِيلٌ؛ وَلِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ مُؤْتَمَنٌ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنُ أُمَّتِي، اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ»

(8)

.

(1)

في (ب): (الحكم).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): (فسره).

(4)

انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 252)، " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 111)

(5)

رائطة بنت عبد الله: وهي امرأة ابن مسعود رضي الله عنه، وقيل ريطة، قيل: إنها زينب، وان رائطة لقب لها. وقيل: ريطة زوجة أخرى له، وهي أم ولده. أخرج لها الجماعة، انظر:" أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير "(6/ 121، 106)، " الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر "(8/ 148).

(6)

وجدته بدون عبارة: (بلا أذان ولا إقامة) فالثابت ما ترويه رائطة الحنفية أن عائشة رضي الله عنها «أمتهن وقامت بينهن في صلاة مكتوبة» ، وقد أخرجه عبد الرزاق في"مصنفه"(3/ 140)، كتاب الصلاة، باب المرأة تؤم النساء، حديث (5086)، وأخرجه البيهقي في "سننه الكبرى"(3/ 131)، كتاب الصلاة، باب المرأة تؤم نساء فتقوم وسطه. والحديث ضعيف، لانقطاعه بين ميسرة بن حبيب النهدي وبين رائطة الحنفية.

(7)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 133).

(8)

أخرجه أبي داود في"سننه"(ص 80)، كتاب الصلاة، باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت، حديث (517)، وأخرجه الترمذي في "سننه"(1/ 282)، في أبواب الصلاة، باب ما جاء أن الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، حديث (207) وقال بن حجر في"نتائج الأفكار" (1/ 38):(هذا حديث حسن).

ص: 143

[الآذان قبل الوقت]

وَفِي الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ؛ إِظْهَارُ الْجِنَايَةِ

(1)

فِيمَا ائْتُمِنَ فِيهِ، وَلَوْ جَازَ الْأَذَانُ؛ قَبْلَ الْوَقْتِ لَأَذَّنَ عِنْدَ الصُّبْحِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ، وَلَا يُجَوِّزُهُ أَحَدٌ، كَذَا َفِي " الْمَبْسُوطِ "

(2)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالْحُجَّةُ عَلَى الْكُلِّ).

أَيْ: عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وأهل الْحَرَمَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى تَسْتَبِينَ لَكَ حُجَّةٌ»

(3)

عَلَى هَذَا الْمَجْمُوعِ الَّذِي ذَكَرْتَ؛ لَمْ يُشْغِلْ

(4)

بِجَوَابِ مَا تَمَسَّكَا بِتَوَارُثِ أَهْلِ الَحَرَمَيْنِ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْكُلِّ تَنْبِيهٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُمَا أُجِيبَا

(5)

بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَمَّا تَمَسَّكَا بِتَوَارُثِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ؛ فَكَانَ حُجَّةً أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ.

وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رحمه الله: كَانَ إِذَا سَمِعَ مَنْ يُؤَذِّنُ؛ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، قَالَ: عُلُوجٌ فِرَاغٌ

(6)

؛ لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي الْوَقْتِ، لَوْ أَدْرَكَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه لَأَدَّبَهُمْ

(7)

، فَإِنْ قِيلَ (جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:«لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ»

(8)

فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّهُ، كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْوَقْتِ قُلْنَا)

(9)

فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا؛ حَيْثُ لَمْ يَعْتَبِرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَذَانَهُ، وأمر النَّاسَ بِأَنْ لَا يَعْتَبِرُوا مِثْلَ اعْتِبَارِهِمْ بِالْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ، وَقَالَ: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ؛ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لِيَرْجِعَ

(10)

قَائِمُكُمْ وَ يَتَسَحَّرُ صَائِمُكُم، وَيَقُومُ نَائِمُكُم، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ هُوَ رضي الله عنه أَعْمَى لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَسْمَعَ النَّاسَ يَقُولُونَ: أَصْبَحْتَ، أَصْبَحْتَ»

(11)

.

(1)

في (ب): (الخيار).

(2)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 134).

(3)

أخرجه أبي داود في"سننه"(ص 82)، كتاب الصلاة، باب في الأذان قبل دخول الوقت، حديث (534)، عن بلال، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال له:«لا تُؤذّن حتَّى يَستبينَ لك الفَجرُ هكذا» ومدّ يَدَيهِ عَرضاً.

وقال أبو داود: (شداد مولى عياض لم يُدرك بلالاً).

(4)

في (ب): (نشتغل).

(5)

في (ب): (أجبنا).

(6)

الْعِلْجُ: الضَّخْمُ مِنْ كُفَّارِ الْعَجَمِ وَإِنَّمَا قَالَ الْحَسَنُ عُلُوجٌ فَرَاغٌ لَا يُصَلُّونَ إلَّا فِي الْوَقْتِ اسْتِخْفَافًا بِهِمْ وَبِفِعْلِهِمْ وَالْمَعْنَى أَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِتَنْبِيهِ مَنْ كَانَ مُهْتَمًّا بِإِقَامَةِ النَّوَافِلِ أَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَيْسَ مِنْ هَمِّهِمْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُصَلُّونَ الْمَكْتُوبَةَ فَحَسْبُ. " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: 325).

(7)

أخرجه بن أبي شيبة في"مصنفه"(2/ 364)، كتاب الأذان والإقامة، باب يؤذن بليل أيعيد الأذان أم لا، حديث (2323).

(8)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(424) في كتاب "الصيام" باب "بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر "حديث رقم (1094).

(9)

ما بين القوسين مثبت في هامش (ب).

(10)

في (ب): (ليضجع).

(11)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 201) في كتاب "مواقيت الصلاة" باب "أذان الأعمى إذا كان له من يخبره" حديث رقم (603).

ص: 144

فَإِنْ قُلْتَ: قَالَ فِي " الْمَبْسُوطِ "

(1)

الْبَصِيرُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُؤَذِّنَ مِنَ الْأَعْمَى، فَكَيْفَ جَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُؤَذِّنًا وَغَيْرُهُ أَحَبُّ مِنْهُ؟

قُلْتُ: إِنَّمَا يَكُونُ غَيْرُهُ أَوْلَى، لِأَنَّ غَيْرَهُ أَعْلَمُ بِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، وَكَانَ مَعَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ، (وَمَتَى كَانَ مَعَ الْأَعْمَى مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ)

(2)

يَكُونُ حِينَئِذٍ؛ تَأْذِينُهُ وَتَأْذِينُ الْبَصِيرِ سَوَاءٌ، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله.

وَقَدَ ذَكَرَ فِي "الْمَبْسُوطِ ": (فَأَمَّا أَذَانُ

(3)

بِلَالٍ رضي الله عنه، فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَذَانَ بِاللَّيْلِ، وأمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ؛ أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ، فَكَانَ يْبَكِي، وَيَطُوفُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ

(4)

.

شِعْرٌ:

لَيْتَ بِلَالًا لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ وَابْتَلَّ مِنْ نَضْحِ دَمِ جَبِينِهِ

(5)

وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِكَثْرَةِ مُعَاتَبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُ)

(6)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِابْنَيْ أَبِي مُليكَةَ)

ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي " الْمَبْسُوطِ " بِخِطَابِ غَيْرِهِمَا، وَقَالَ: (رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ

(7)

وَابْنِ عَمٍّ لَهُ: «إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا؛ وأقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْثَرُكُمَا

(1)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 137).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): (إذا كان).

(4)

أخرجه الدارقطني في "سننه"(1/ 458)، كتاب الصلاة، باب ذكر الإقامة واختلاف الروايات فيها، حديث (959، 960)، وأخرجه البيهقي في "سننه الكبرى"(1/ 384)، كتاب الصلاة، باب رواية من روى النهى عن الأذان قبل الوقت. وقد أخرجه الدارقطني مرفوعاً عن أنس، ومرسلاً عن قتادة وقال:(والمرسل أصح).

(5)

في (ب): (وابد من يصبح جيبه).

(6)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 135).

(7)

مالك بن الحويرث: هو الصحابي الجليل مالك بن الحويرث الليثي، و يختلفون فِي نسبه إِلَى ليث، كنيته أبو سليمان، وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شببة من قومه متقاربين، فلما أقام عنده أياما؛ قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ارجعوا إلى أهاليكم، فمروهم، وعلموهم، وصلوا كما رأيتموني أصلى، مات بالبصرة سنة 74 هـ انظر:" مشاهير علماء الأمصار لابن حبان"(ص: 70)، " أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير "(4/ 244)، " الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر "(5/ 533).

ص: 145

قُرْآنًا»

(1)

(2)

، وَكَذَا ذَكَرَ فِي"الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ

(3)

وَالْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ مَا يُوَافِقُ "الْمَبْسُوطَ" وَلَكِنْ ذَكَرَ

(4)

فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي آخِرِهِ: «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا» .

ثُمَّ

(5)

قَالَ فِي" الْمَبْسُوطِ ": وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَذَّنَ فِي أَرْضِ قَفْرٍ، وأقَامَ صَلَّى بِصَلَاتِهِ، مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَهُ إِلَّا مَلَكَاهُ»

(6)

(7)

.

(1)

لم أجده بهذا اللفظ، وإنما وجدته بلفظ:(عن مالك بن الحويرث، قال: انصرفت من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لنا أنا وصاحب لي: «أذنا، وأقيما وليؤمكما أكبركما». أخرجه البخاري في "صحيحه" (2/ 151)، كتاب الجهاد والسير، باب سفر الاثنين، حديث (2757)، وأخرجه مسلم في"صحيحه"(ص 265)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، حديث (674). أما الجزء الذي لم يروه الشيخان أو غيرهما وهو قوله:«وليؤمكما أكثركما قرآنا» ، فهناك ما يشهد له من غير حديث مالك بن الحويرث، ومن ذلك ما أخرجه مسلم في"صحيحه"(ص 264)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، حديث (672). من حديث أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم» .

(2)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 133).

(3)

علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم، أَبو الحسن، فخر الإسلام البزدوي: فقيه أصولي، من أكابر الحنفية. من سكان سمرقند، نسبته إلى " بزدة " قلعة بقرب نسف. قال السمعاني: كان إمام أصحاب أبي حنيفة بما وراء النهر، وممن يضرب به المثل في حفظ المذهب له تصانيف، منها " المبسوط - خ " كبير، و " كنز الوصول - ط " في أصول الفقه، يعرف بأصول البزدوي، و" تفسير القرآن " كبير جدًا، توفي في رجب 482 هـ.

انظر: " تاريخ الإسلام للذهبي "(10/ 512)، "الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي"(2/ 380)، "الأعلام للزركلي"(4/ 329).

(4)

(ذكر): ساقطة من (ب).

(5)

(ثم): ساقطة من (ب).

(6)

أخرجه عبد الرزاق في"مصنفه"(1/ 510: 511)، كتاب الصلاة، باب الرجل يصلي بإقامة وحده، حديث (1955)، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «إذا كان الرجل بأرض قي فحانت الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد ماء فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه» .

(7)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 133).

ص: 146

[الصَّلَاةُ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (جَازَ)

(1)

(لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ

(2)

، وَالْأَسْوَدِ

(3)

بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ

(4)

، وَقَالَ: يَكْفِينَا أَذَانُ الْحَيِّ وَإِقَامَتِهِمْ

(5)

؛ وَلِأَنَّ مُؤَذِّنَ، الْحَيِّ نَائِبٌ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِأَنَّهُمْ

(6)

هُمُ الَّذِينَ نَصَّبُوهُ؛ لِلْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ، فَكَانَ أَذَانُهُ، وَإِقَامَتُهُ كَأَذَانِ الْكُلِّ وَإِقَامَتِهِمْ، وَعَنْ هَذَا؛ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ إِذَا صَلَّى، وَحْدَهُ، وَتَرَكَ الْإِقَامَةَ؛ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لَمَّا

(7)

أَنَّ الْمُقِيمَ، إِنْ

(8)

صَلَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ؛ صَلَّى بِأَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ مِنْ حَيْثُ الاعْتِبَارِ، وَالْحُكْمِ؛ لِأَنَّ أَذَانَ الْحَيِّ؛ أَذَانٌ لَهُ، حَيْثُ يَجِبُ الْحُضُورُ بِأَذَانِهِ فَلَا يُكْرَهُ تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ.

(1)

قال في متن البداية: (وإن تركهما جاز)"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 45).

(2)

علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان بن كهل بن بكر بن عوف بن النخع من مذحج. ويكنى أبا شبل. وهو عم الأسود بن يزيد بن قيس. روى عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي وعبد الله بن مسعود وحذيفة وسلمان وأبي مسعود وأبي الدرداء. كان من أشبههم بعبد الله بن مسعود هديا ودلا وكان قد غزا خراسان وأقام بخوارزم سنتين ودخل مرو فأقام بها مدة يصلى ركعتين ومات سنة 62 هـ. انظر: " الطبقات الكبرى لابن سعد "(6/ 146)، "مشاهير علماء الأمصار لابن حبان" (ص: 161)، "تاريخ بغداد للخطيب البغدادي "(14/ 240).

(3)

الأسود بن يزيد بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان بن كهل بن بكر بن عوف بن النخع من مذحج. ويكنى أبا عمرو وهو ابن أخي علقمة بن قيس. وكان الأسود بن يزيد أكبر من علقمة. وروى الأسود عن أبي بكر الصديق وعن عمر وعلي وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل سمع منه باليمن قبل أن يهاجر حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن. كان صوامًا قوامًا فقيهًا زاهدًا مات سنة 75 هـ.

انظر " الطبقات الكبرى لإبن سعد "(6/ 134)، "مشاهير علماء الأمصار لابن حبان" (ص: 161)، "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير "(1/ 107).

(4)

أخرجه أحمد في"مسنده"(7/ 304: 305)، حديث (4272)، وأخرجه النسائي في"سننه الصغرى"(2/ 380)، كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد، حديث (718). وقال الأرناؤوط عن رواية أحمد:(إسناده صحيح علي شرط الشيخين).

(5)

في (ب) تكرار وخلط في مقولة ابن مسعود رضي الله عنه.

(6)

في (ب): (كأنهم).

(7)

في (ب): (كما).

(8)

(إن): ساقطة من (ب).

ص: 147

فَأَمَّا الْمُسَافِرُ إِنْ صَلَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ حَقِيقَةً، وَحُكْمًا فَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ تَارِكًا لِلصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ حَقِيقَةً، وَتَشْبُّهًا، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهٌ؛ فَكَذَا تَرَكُ التَّشَبُّهِ، يَكُونُ مَكْرُوهًا كَمَا فِي الصَّوْمِ، مَتَى عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ، وَقَدَرَ عَلَى التَّشَبُّهِ؛ كُرِهَ إِذا/ تَرْكُ ذَلِكَ؛ فَكَذَا هَذَا، كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" رحمه الله

وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ رحمه الله فَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْجِدَ حَيٍّ، لَا يُكْرَهُ تَرْكُ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ إِقَامَةَ الْمَسْجِدِ؛ وَقَعَتْ لَهُ إِلَّا

(1)

إِذَا لَمْ يَكُنْ أُقِيمَ فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ أُقِيمَ، ذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله:(إِنْ أَذَّنَ هُوَ وأقَامَ فَحَسَنٌ، وَكَذَا إِنْ أَقَامَ وَلَمْ يُؤَذِّنْ)

(2)

، وَفِي التَّفَارِيقِ

(3)

، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، بِلَا أَذَانٍ، وَلَا إِقَامَةٍ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَسَاءُوا فِي تَرْكِ ذَلِكَ.

وَفِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" لِلْكَرْخِيِّ: لَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِ أَحَدَيْهِمَا

(4)

.

[مَا يَجِبُ عَلَى السَّامِعِينَ عِنْدَ الْأَذَانِ]

وامَّا بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى السَّامِعِينَ عِنْدَ الْأَذَانِ فَيَقُولُ:

(5)

يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْإِجَابَةُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَرْبَعٌ مِنَ الْجَفَاءِ» وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا، «وَمَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَلَمْ يُجِبْ»

(6)

وَالْإِجَابَةُ أَنْ يَقُولَ

(7)

مِثْلَ مَا قَالَهُ

(8)

الْمُؤَذِّنُ إِلَّا

(9)

قَوْلُهُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ؛ فَإِنَّهُ يَقُولُ مَقَامَ ذَلِكَ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ لِأَنَّ إِعَادَةَ ذَلِكَ؛ تَشَبُّهٌ بِالاسْتِهْزَاءِ

(10)

وَكَذَلِكَ؛ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، يَقُولُ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ.

(1)

في (ب): (الأداء).

(2)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 133).

(3)

جمع التفاريق في الفروع، للإمام، زين المشايخ، أبي الفضل: محمد بن أبي القاسم البقالي، الخوارزمي، الحنفي.

المتوفى: سنة 586 هـ. ذكر في " كشف الظنون لحاجي خليفه "(1/ 596).

(4)

في (ب): (إحداهما).

(5)

في (ب): (فنقول).

(6)

أخرجه الطبراني في"المعجم الكبير"(9/ 300)، حديث (9503)، وأخرجه البيهقي في "الكبرى"(2/ 285) في كتاب "الصلاة" باب "لا يمسح وجهه من التراب في الصلاة حتى يسلم"، حديث (3694)، كلاهما عن =عبد الله بن مسعود موقوفًا، وقال النووي في"خلاصة الأحكام" (ص 486):(رواه البيهقي من طرق كلها ضعيفة).

(7)

(أن يقول): ساقطة من (ب) ..

(8)

في (ب): (قال).

(9)

في (ب): (إلى).

(10)

في (ب): (يشبه الاستهزاء).

ص: 148

(وَكَذَا يَنْبِغِي لِلسَّامِعِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي حَالَةِ الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ، وَلَا يُشْغَلُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ سِوَى الْإِجَابَةِ)

(1)

كَذَا فِي "التُّحْفَةِ"

(2)

وَفِي"التَّفَارِيقِ" إِذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَكْثَرُ مِنْ مُؤَذِّنٍ أَذَّنُوا؛ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ؛ فَالْحُرْمَةُ لِلْأَوَّلِ

(3)

وَسُئِلَ ظَهِيرُ الدِّينِ رحمه الله

(4)

عَمَّنْ سَمِعَ

(5)

الْأَذَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، مِنَ الْجِهَاتِ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟.

قَالَ: إِجَابَةُ أَذَانِ مَسْجِدِهِ؛ بِالْفِعْلِ، وَعَنِ الْحُلْوَانِيِّ

(6)

لَوْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ؛ وَلَمْ يَمْشِ إِلَى الْمَسْجِدِ، لَا يَكُونُ مُجِيبًا، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ؛ وَلَمْ يُجِبْ لَا يَكُونُ آثِمًا، وَفِي "الْعُيُونِ"

(7)

(8)

قَاِرئٌ سَمِعَ الْأَذَانَ

(9)

فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ، وَيَسْمَعَ النِّدَاءَ، بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ؛ وَفِي "فَوَائِدِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ " رحمه الله

(10)

لَوْ سَمِعَ؛ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ؛ يَمْضِي فِي قِرَاءَتِهِ، وَلَوْ كَانَ (فِي بَيْتِهِ فَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَذَانُ مَسْجِدِهِ؛ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ رحمه الله وَاللَّهُ أَعْلَمُ)

(11)

.

(1)

ما بين القوسين؛ ساقط من (ب).

(2)

"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 117).

(3)

في (ب): (والحرمة للأولى).

(4)

هو ظَهِير الدِّين محمد بن أحمد بن عمر البخاري، أبو بكر، ظهير الدين: فقيه حنفي، له فوائد على الجامع الصغير للحسام الشهيد تسمى الفوائد الظهيرية، كان المحتسب في بخارى توفي عام 619 هـ. انظر:" الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (2/ 20)، و"الأعلام للزركلي" (5/ 320).

(5)

في (ب): (يسمع).

(6)

في (ب): (الحلوائي). وكلاهما صحيح، وهي نسبة إلى عمل الحلوى وبيعها، قال صاحب القاموس: ونِسْبَةً إلى الحَلَاوَةِ: شَمْسُ الأئِمَّةِ عبدُ العزيزِ بن أحمدَ الحَلْوانِيُّ، ويقالُ بِهَمْزٍ بدلَ النونِ، وأبو المَعالي عبدُ اللهِ بن أحمدَ الحَلْوانِيُّ. انظر:"القاموس المحيط، للفيروز آبادي"(ص: 1276).

(7)

عُيُون الْمَسَائِل المؤلف: أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفى: 373 هـ) تحقيق: د. صلاح الدِّين الناهي، الناشر: مطبعة أسعد، بَغْدَاد عام النشر: 1386 هـ

(8)

انظر: عيون المسائل للسمرقندي الحنفي (ص: 483).

(9)

في (ب): (النداء).

(10)

هو علي بن سعيد الرستغفني، أبو الحسن: فقيه حنفي، من كبار مشايخ أهل سمرقند. والرستغفني بضم الراء وسكون السين المهملة وضم التاء ثالث الحروف وسكون الغين المعجمة وفى آخرها النون بعد الفاء نسبة إلى قرية من قرى سمرقند. كان من أصحاب الماتريدي. له كتب، منها " الزوائد والفوائد " في أنواع العلوم، و " إرشاد المهتدي " توفي 345 هـ. " الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي"(1/ 362)، " الأعلام للزركلي"(4/ 291).

(11)

ما بين القوسين؛ في هامش (ب).

ص: 149

كِتَابُ الصَّلاة

بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا

ص: 150

‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا

(1)

قَدَّمَ ذِكْرَ الشَّرْطِ عَلَى الصَّلَاةِ، لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ؛ هُوَ مَا يَتَوَقَّفُ وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَيْهِ سَوَاءَ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ، أَوْ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، إِنَّمَا تَتَوَقَّفُ عِلَّتُهَا عَلَى وُجُودِ الْعَقْلِ، وَالْبُلُوغِ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ، وَهِيَ الْحُكْمُ؛ إِنَّمَا يَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى وُجُودِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ قَدَّمَ الْوَقْتَ وَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ، مِنْ بَيْنِهَا لِمَا أَنَّهُ كَمَا هُوَ شَرْطٌ، فَهُوَ عِلَّةُ الْوُجُوبِ أَيْضًا، فَكَانَ لَهُ زِيَادَةُ قُوَّةٍ، عَلَى سَائِرِ الشُّرُوطِ.

فَإِنْ قُلْتَ: مَا مَعْنَى تَقْيِيدِ هَذَهِ الشُّرُوطِ، بِقَوْلِهِ:(شُرُوطُ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا)؛

أَيْ: يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ؛ فَأَيُّ شَرْطٍ لِلصَّلَاةِ، هُوَ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا؛ حَتَّى يَكُونَ هُوَ مُحْتَرِزًا عَنْهُ؟

[أَنْوَاعُ شُروطِ الصَّلاة]

قُلْتُ: الشُّرُوطُ فِي أَنْفُسِهَا تَتَنَوَّعُ إِلَى أَنْوَاعٍ ثَلَاثَةٍ:

شُرُوطٌ عَقْلِيَّةٌ: كَوُجُودِ الْأَلَمِ؛ وَاللَّذَّةِ مَعَ الْحَيَاةِ.

وَجَعْلِيَّةٌ: أَيْ جَعَلَهَا الْعِبَادُ شَرْطًا؛ وَإِلَّا هُوَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ كَوُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ مَعَ التَّعْلِيقِ.

وَشَرْعِيَّةٌ: وَهِيَ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا كَالصَّلَاةِ مَعَ الطَّهَارَةِ، وَقُيِّدَ بِهَذَا الْقَيْدِ [تَنْبِيهًا]

(2)

عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هَذِهِ الشُّرُوطُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالصَّلَاةِ؛ الَّتِي تَتَقَدَّمُ هِيَ

(3)

عَلَى الصَّلَاةِ لَا غَيْرِهَا مِنَ الشُّرُوطِ؛ الَّتِي يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ الشُّرُوطِ؛ مِنَ الْعَقْلِيَّةِ، وَالْجَعْلِيَّةِ، كَذَا وَجَدْتُ بِخَطِّ ثِقَةٍ.

أَوْ نَقُولُ: جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا احْتِرَازاً؛ عَنْ سَائِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ الَّتِي لَا تَتَقَدَّمُهَا؛ كَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَدْ

(4)

قِيلَ؛ إِنَّهَا فَرْضٌ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ، بَلْ هِيَ شَرْطُ الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ كَالتَّحْرِيمَةِ؛ فَإِنَّهَا شَرْطُ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله.

(1)

(التي تتقدمها): ساقطة من (ب) ..

(2)

في (أ): (تبينًا). والأقرب للسياق ما أثبت من (ب): (تنبيهاً).

(3)

(هي): زيادة من (ب).

(4)

(فقد): زيادة من (ب).

ص: 151

وَكَتَرْتِيبِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، فِيمَا لَمْ يُشْرَعْ مُكَرَّراً فِي الرَّكْعَةِ؛ كَتَرْتِيبِ الرُّكُوعِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالسُّجُودِ، عَلَى الرُّكُوعِ، فَإِنَّ رِعَايَتَهُ

(1)

شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ؛ حَتَّى لَوْ قَدَّمَ الرُّكُوعَ عَلَى الْقِرَاءَةِ؛ لَا يَجُوزُ لِتَرْكِهِ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ.

وَكَذَلِكَ مُرَاعَاةُ مَقَامِ الْإِمَامِ عَلَى الْمُقْتَدِي، وَعَدَمُ تَذَكُّرِ فَائِتَةٍ قَبْلَهَا؛ وَهُوَ صَاحِبُ تَرْتِيبٍ، وَعَدَمُ مُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، شُرُوطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ؛ الَّتِي لَا تَتَقَدَّمُهَا؛ حَتَّى لَوْ تَقَدَّمَ الْمُقْتَدِي عَلَى إِمَامِهِ، أَوْ تَذَكَّرَ الْمُصَلِّي فَائِتَةً قَبْلَهَا، أَوْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ تَفْسُدُ صَلاتُهُ، وَالْأَوْجُهُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ هَذِهِ صِفَةً مُقَرَّرَةً

(2)

لَا مُمَيَّزَةً؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ

(3)

ذِكْرُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ الَّتِي يَقَعُ اسْمُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا؛ وَهِيَ فِي

(4)

هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ لَا غَيْرِهَا.

وَمِثْلُ هَذَا يُوجَدُ

(5)

فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، حَيْثُ يُقَيَّدُ الشَّيْءُ بِالصِّفَةِ، وَالتَّقْيِيدُ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلِ الْمُرَادُ ذِكْرُ مُطْلَقُ الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ فِيهِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} إِلَى قَوْلِهِ تعالى: {وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ}

(6)

وَإِحْلَالُ بَنَاتِ خَالَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ

(7)

غَيْرُ مَوْقُوفٍ إِلَى الْمُهَاجِرَةِ مَعَهُ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}

(8)

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}

(9)

حَيْثُ لَا يُوجَدُ نَبِيٌّ غَيْرَ مُسْلِمٍ، وَلَا قُلُوبٌ لَيْسَتْ فِي الصُّدُورِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}

(10)

وَالْمُرَادُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ؛ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ؛ لَا لِأَجْلِ النَّاسِ

(11)

فَالنَّاسُ فِي الْأَسْوَاقِ؛ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ؛ فَلَوْ كَانَ لِلنَّاسِ؛ لَقَالَ:

(12)

عِنْدَ كُلِّ سُوقٍ، فَكَانَ مَعْنَاهُ خُذُوا مَا يُوَارِي عَوْرَتَكُمْ، مِنَ الثَّوْبِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الزِّينَةُ، وَهِيَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الزِّينَةِ عَيْنُهَا، وَهِيَ مَصْدَرٌ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ، مَجَازًا فَكَانَ فِي قَوْلِهِ:{خُذُوا زِينَتَكُمْ} إِطْلَاقُ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ. وَفِي قَوْلِهِ: {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} إِطْلَاقُ اسْمِ الْمَحَلِّ، عَلَى الْحَالِ؛ فَإِنْ قِيلَ الْآيَةُ وَرَدَتْ فِي شَأْنِ الطَّوَافِ؛ كَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما

(13)

لَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ؛ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي وُجُوبِ السَّتْرِ، فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، قُلْنَا الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ؛ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَهُنَا عُمُومٌ فِي اللَّفْظِ لِأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ؛ فَقَدْ أَمَرَ بِأَخْذِ الزِّينَةِ، عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَهَذَا مِمَّا يَمْنَعُ الْقَصْرَ عَلَى الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ؛ وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ.

(1)

في (ب): (غايته).

(2)

(مقررة) أو (مقدرة) كتابتها غير واضحة في نسخ المخطوط. وفي الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي (1/ 256)

قال: (صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لَا مُمَيِّزَةٌ إذْ لَيْسَ مِنْ الشُّرُوطِ مَا لَا يَكُونُ مُتَقَدِّمًا حَتَّى يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْهُ).

(3)

في (ب): (المقصود).

(4)

(في): زيادة من (ب).

(5)

في (ب): (لا يوجد).

(6)

سورة الأحزاب: من آية (50).

(7)

(له): ساقطة من (ب).

(8)

سورة المائدة: من آية (44).

(9)

سورة الحج: من آية (46).

(10)

سورة الأعراف: من آية (31).

(11)

(لا لأجل النَّاس): ساقطة من (ب).

(12)

في (ب): (يقال).

(13)

روي هذا القول عن ابن عباس، والحسن، وعطاء، وقتادة، وسعيد بن جبير، وإبراهيم وغيرهم.

انظر: "تفسير الماوردي"(2/ 218).

ص: 152

فَإِنْ قُلْتَ: الْآيَةُ إِذَا وَرَدَتْ فِي سَبَبٍ؛ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيمَا سِوَاهُ، عَلَى حَسْبِ حُكْمِ ذَلِكَ السَّبَبِ، وَإِنْ عَمَّ لَفْظُهُ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}

(1)

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ}

(2)

وَغَيْرُهُمَا، وَهَا هُنَا تَنَاوَلَتِ الْحُكْمَ؛ الَّذِي وَرَدَتْ فِي حَقِّهِ، بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ، لَا بِطَرِيقِ الافْتِرَاضِ؛ حَتَّى أَنَّ الطَّوَافَ عُرْيَانًا، يَقَعُ مُعْتَدًّا، فَكَانَ

(3)

يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ؟.

قُلْتُ: الْأَمْرُ مُحَمَّلٌ

(4)

عَلَى الافْتِرَاضِ، إِلَّا إِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ الافْتِرَاضِ، وَقَدْ

(5)

قَامَ الدَّلِيلُ فِي حَقِّ الطَّوَافِ، عَلَى أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ سَاقِطَةٌ

(6)

بِالْإِجْمَاعِ، فَحُمِلَ فِي حَقِّهِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَا دَلِيلَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ؛ (فَيَبْقَى الْأَمْرُ بِأَخْذِ الزِّينَةِ؛ فَرْضًا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ؛ فَيَبْقَى الْأَمْرُ وَالسُّنَّةُ قَامَتْ مُحَقِّقَةً لِلْفَرْضِيَّةِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ)

(7)

عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ أُمِّ سَلَمَةَ

(8)

رضي الله عنها أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: هَلْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ بِدِرْعٍ، وَخِمَارٍ؛ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إِزَارٌ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«نَعَمْ إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمِهَا»

(9)

كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله.

(1)

سورة المجادلة: من آية (3).

(2)

سورة النور: من آية (4).

(3)

في (ب): (وكان).

(4)

في (ب): (يُحمل).

(5)

في (ب): (فقد)

(6)

في (ب): (ساقط).

(7)

هذه الجملة في هامش المخطوطة (ب)، وقد سقط منها قوله:(ويبقى الأمر) وقوله: (في حق الصلاة) وفيها قوله: (بحقيقة) بدلا من (محققة).

(8)

هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاث من الهجرة، وكانت قبله تحت أبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه، أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، ولها منه: زينب، وعمر ابني أبي سلمة، ربيب النبي صلى الله عليه وسلم. وهي بنت عم أبي جهل، وبنت عم خالد بن الوليد رضي الله عنه، وتوفيت سنة 59 هـ، بعد عائشة رضي الله عنها بستة أيام، ويقال: سنة 61 هـ. انظر "الطبقات الكبرى لإبن سعد "(8/ 69)، " معرفة الصحابة لابن منده (ص: 956)، " تاريخ الإسلام للذهبي"(2/ 742).

(9)

أخرجه أبي داود في "سننه"(ص 91: 92)، كتاب الصلاة، باب في كم تصلي المرأة، حديث رقم (639) موقوفاً علي أم سلمة، وحديث (640) مرفوعاً.

وقال ابن الجوزي في"التحقيق"(1/ 323): (فِي هَذَا الحَدِيث مقَال وَهُوَ أَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله قد ضعفه يَحْيَى، وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بِهِ، وَالظَّاهِر أَنه غلط فِي رفع هَذَا الحَدِيث).

ص: 153

قُلْتُ: وَنَظِيرُ هَذَا، أَيِ النَّصُّ؛ إِذَا وَرَدَ فِي حُكْمٍ مَخْصُوصٍ، يَثْبُتُ فِيمَا رَوَاهُ أَكْثَرُ مِمَّا وَرَدَ فِي الْمَنْصُوصِ؛ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، حَدِيثُ السَّبَايَا؛ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: «أَلَا لَا تُوَطِئُوا

(1)

الْحَبَالَى»

(2)

الْحَدِيثُ؛ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ حُرْمَةَ التَّقْبِيلِ؛ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ؛ فِي غَيْرِ الْمَسْبِيَّةِ، إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الإسْتبْرَاءِ، وَ

(3)

لَا يُوجِبُ فِي الْمَسْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ وُرُودُهُ فِي حَقِّ الْمَسْبِيَّاتِ؛ لِمَعْنًى دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؛ وَهُوَ عَدَمُ احْتِمَالِ وُقُوعِ الدَّوَاعِي، فِي غَيْرِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ؛ لَا يَصِحُّ بِهَا دَعْوَةُ الْحَرْبِيِّ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ، حَيْثُ تَحْرُمُ الدَّوَاعِي؛ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، عَلَى اعْتِبَارِ ظُهُورِ الْحَبَلِ، وَدَعْوَةُ الْبَائِعِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[حَدُّ الْعَوْرَةِ]

قَوْلُهُ: (وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ السُّرَّةَ؛ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله

(4)

وَذَكَرَ فِي " الْمَبْسُوطِ "خِلَافَ أَبِي عِصْمَةَ الْمَرْوَزِيِّ

(5)

وَقَالَ: (هُوَ إِنَّهَا أَحَدُ حَدَّيِ الْعَوْرَةِ فَتَكُونُ مِنَ الْعَوْرَةِ؛ كَالرُّكْبَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الاشْتِهَاءِ، فَوْقَ الرُّكْبَةِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ إِذَا اتَّزَرَ أَبْدَى عَنْ سُرَّتِهِ

(6)

.

(1)

في (ب): (توطأ).

(2)

تقدم تخريجه في (ص: 78).

(3)

في (ب): (أو).

(4)

يقول الإمام الجويني الشافعي رحمه الله: (والمذهب أن السرة والركبة ليستا من العورة للرجل. وحكى العراقيون وجهاً غريباً عن بعض الأصحاب: أن السرة والركبة من العورة، وزيفوا ما حكَوْه. وهو لعمري بعيد غير معدود من المذهب) انظر: "نهاية المطلب في دراية المذهب"(2/ 191)

(5)

هو أبو عصمة نوح بن أبي مريم المروزي الفقيه، أحد الأعلام، ويلقب بنوح الجامع لمعنى، وهو أنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة، وابن أبي ليلى، وكان مرجئا، مطعونا في روايته الحديث قال مسلم بن الحجاج: متروك الحديث، وقال البخاري: ذاهب الحديث جدًا، مات سنة 173 هـ. انظر:" تاريخ الإسلام للذهبي "(4/ 757)، الأعلام للزركلي (8/ 51).

(6)

انظر: المبسوط للشيباني (3/ 64) و "المبسوط للسرخسي"(10/ 146).

ص: 154

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه لِلْحَسَنِ رضي الله عنه: أَرِنِي الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ

(1)

يُقَبِّلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكَ؛ فَأَبْدَى عَنْ سُرَّتِهِ فَقَبَّلَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه

(2)

(3)

. وَيَأْتِي تَمَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ فُرُوعِهَا فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[الرُّكْبَةِ مَعَ الْفَخِذِ هل هي عورة]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالرُّكْبَةُ مِنَ الْعَوْرَةِ)

وَذَكَرَ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " لِقَاضِي خَانَ رحمه الله

(4)

: (وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّكْبَةِ مَعَ الْفَخِذِ، مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُضْوًا عَلَى حِدَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الرُّكْبَةَ مَعَ الْفَخِذِ عُضْوًا

(5)

وَاحِدًا، فَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ انْكِشَافُ رُبْعِ الْكُلِّ)

(6)

. فَيَخْتَلِفُ التَّخْرِيجُ

(7)

حِينَئِذٍ فِي مِنْ أَنَّهَا بَيَانِيَّةٌ، أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ

(8)

، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي "التَّجْنِيسِ"

(9)

: ثُمَّ الرُّكْبَةُ إِلَى آخِرِ الْفَخِذِ عُضْوٌ وَاحِدٌ؛ حَتَّى لَوْ صَلَّى وَالرُّكْبَتَانِ مَكْشُوفَتَانِ، وَالْفَخِذُ مُغَطًى؛ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الرُّكْبَةِ مِنَ الْفَخِذِ أَقَلُّ مِنَ الرُّبْعِ.

(1)

(كان): ساقطة من (ب).

(2)

أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(12/ 405) في كتاب "الحظر والإباحة" باب "ذكر إباحة تقبيل المرء ولده وولد ولده علي سرته" حديث رقم (5593). وقال الأنؤوط: (إسناده حسن).

(3)

"المبسوط" للسرخسي (10/ 146).

(4)

في (ب): (وذكر في جامع قاضي).

(5)

(عضواً): ساقطة من (ب).

(6)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (1/ 147 - 148).

(7)

في (ب): كلمة غير واضحة، رسمها (الصرح)

(8)

من التبعيضية: ذكر في مغني اللبيب أنها تأتي على خمسة عشر وجهًا وعدها وأشهر معانيها: التبعيض، والتبيين، وابتداء الغاية. انظر:" القواعد والفوائد الأصولية"(ص: 150)، شرح ابن عقيل:(3/ 15، البدخشي والأسنوي: (1/ 403 - 405)

(9)

"كتاب التجنيس والمزيد لصاحب الهداية " هو: من تأليف علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه: د. محمد أمين مكي وهو مطبوع.

ص: 155

قَالَ رحمه الله (وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا بِانْفِرَادِهَا عُضْوٌ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعُضْوٍ عَلَى حِدَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ هِيَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْفَخِذِ وَالسَّاقِ؛ وَإِنَّمَا حُرِمَ النَّظَرُ إِلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ

(1)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَكَلِمَةُ (إِلَى) نَحْمِلُهَا عَلَى كَلِمَةِ (مَعَ»

(2)

.

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}

(3)

.

أَيْ: مَعَ أَمْوَالِكُمْ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}

(4)

، أَيْ: مَعَ اللَّهِ.

[حدود عورة المرأة الحرة]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَبَدَنُ الْحُرَّةِ

(5)

كُلِّهَا عَوْرَةٌ).

قَوْلُهُ رحمه الله: (كُلِّهَا)

تَأْكِيدُ الْبَدَنِ، وَتَأْنِيثُهُ لِتَأْنِيثِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: ذَهَبَتْ بَعْضُ أَصَابِعِهِ، وَقَوْلُهُ فَهِيَ كَلِمَةٌ بَعْدَ قَوْلِهِ كُلَّ لَفْظَةٍ.

(6)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَكَفَيْهَا)

إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ) لِمَا أَنَّهُ

(7)

أَثْبَتُ أَوَّلًا؛ كَوْنَ جَمِيعُ بَدَنِ الْمَرْأَةِ عَوْرَةً، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ الْوَجْهَ وَالْكَفَّ لَا غَيْرَ، فَبَقِيَ مَا وَرَائَهُمَا تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى (مِنْهُ، وَالْقَدَمُ مَا وَرَائَهُمَا؛ فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْعَوْرَةِ، فَكَانَ الْقَدَمُ أَيْضًا)

(8)

مَبْقِيًّا عَلَى أَصْلِ الْعَوْرَةِ لَا مَحَالَةَ.

ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ رحمه الله أَنَّ الْقَدَمَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

(9)

بِكَلِمَةِ الْفَاءِ بِقَوْلِهِ رحمه الله: (فَإِنْ صَلَّتْ) لِيَكُونَ الْفَاءُ وَمَا دَخَلَ هُوَ عَلَيْهِ تَفْسِيراً لِمَا ذُكِرَ

(10)

قَبْلَهُ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ رحمه الله: (وَيَرْوِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ)،

(1)

في (ب): (التميّز).

(2)

قال في "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 45): (وكلمة إلى تحملها على كلمة مع عملا بكلمة حتى أو عملا بقوله عليه الصلاة والسلام " الركبة من العورة ").

(3)

سورة النساء: من آية (2).

(4)

سورة الصف: من آية (14).

(5)

في (ب): (المرأة).

(6)

في (ب): (لفظ).

(7)

في (ب): (فيه).

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

"الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 82).

(10)

(ذُكر): ساقطة من (ب).

ص: 156

فَوُجِّهَ كَوْنُهُ تَفْسِيراً؛ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْمَشَايِخِ رحمه الله

(1)

فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " فَقَالَ: وَدَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؛ عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَ الصَّلَاةَ؛ مَعَ كَشْفِ مَا دُونَ رُبْعِ السَّاقِ؛ فَكَانَتِ الْقَدَمُ مَكْشُوفَةً لَا مَحَالَةَ، وَجَعَلَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِي اسْتِحْسَانِ " الْمَبْسُوطِ ": (فَقَالَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إِلَى قَدَمِهَا أَيْضًا، وَهَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ

(2)

رحمه الله لِأَنَّهَا كَمَا تُبْتَلَى بِإِبْدَاءِ وَجْهِهَا فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ؛ وَإِبْدَاءُ كَفِّهَا (فِي الْأَخْذِ)

(3)

وَالْإِعْطَاءِ، تُبْتَلَى بِإِبْدَاءِ قَدَمَيْهَا

(4)

إِذَا مَشِيَتْ حَافِيَةً، أَوْ مُتَنَعِّلَةً؛ فَرُبَّمَا لَا تَجِدُ الْخُفَّ فِي كُلِّ وَقْتٍ)

(5)

.

[ما يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ من المرأةِ لِلرِّجَالِ]

قُلْتُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ مَوْضِعَيْنِ مِمَّا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ لِلرِّجَالِ:

أَحَدُهُمَا: هُوَ مَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ لِذَوِي مَحَارِمِهَا دُونَ الْأَجَانِبِ؛ وَهُوَ مَوَاضِعُ

(6)

الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ كَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَغَيْرِهِمَا.

وَالثَّانِي: هُوَ مَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ لِلْأَجَانِبِ، وَالْمَحَارِمِ؛ وَهُوَ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ؛ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ

(7)

، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْقَدَمِ، ثُمَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا السَّتْرُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ؛ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا السَّتْرُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ، دُونَ الْمَحَارِمِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ مَوَاضِعَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ مَا لَا يَجِبُ سَتْرُهَا فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ.

(1)

في (ب): (الإسلام).

(2)

(الطحاوي) هكذا في "المبسوط"للسرخسي (10/ 153).

(3)

(في الأخذ): زيادة من (ب).

(4)

في (ب): (قدمها).

(5)

"المبسوط"للسرخسي (10/ 153).

(6)

في (ب): (موضع).

(7)

إنَّ مراد الإمام بعيدٌ كلَّ البُعدِ أن يُراد به كلُّ النِّساء، وعمومُ الناظرين، وفي كافَّة الأحوال، وسأورد الآن من عِبارات أئمَّة المذهب؛ المانعة من كشْف الوجه، والنَّظر إليه، وهذه الأقوال قيلت في زمانهم، فما بالك بزمننا الذي يعج بالفتن والانفتاح الإعلامي والله المستعان: قال في "المحيط البرهاني لإبن مازة "(8/ 291): (والنظرُ إلى الأجنبيَّة مع ما فيه من خوفِ الفِتنة لا يجوزُ إلَّا لضرورة (، وقال في "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" (1/ 285): (ودلَّتِ المسألةُ على أنَّ المرأةَ لا تَكشِف وجهَها للأجانبِ من غيرِ ضرورةٍ).، وقال في " البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري (1/ 284): (قال مَشايخُنا: تُمنَعُ المرأةُ الشابَّةُ من كشْفِ وجهِها بين الرِّجال في زَماننا للفِتنة (، وقال في "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" (1/ 81): (وفي المُنتقَى: تُمنَعُ الشابَّةُ عن كشْفِ وجهِها؛ لئلَّا يُؤدِّي إلى الفِتنة، وفي زَمانِنا المنعُ واجبٌ، بل فرضٌ؛ لغلبة الفسادِ (، وقال في "حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح" (ص 241): ("إلَّا وجهها" ومنع الشابَّة مِن كَشْفِه؛ لخوف الفتنة). وقال في "رد المحتار" لابن عابدين (1/ 406) - وهو مِن العُمَد في معرفةِ الصَّحيح عند الحنفيَّة-: (والمعنى: تُمنَعُ من الكشْفِ لخوفِ أن يرَى الرجالُ وجهَها، فتقع الفتنةُ؛ لأنَّه مع الكشف قد يقَعُ النظر إليها بشهوةٍ (، وقال في "الحاشية" أيضًا (2/ 528): (وفي المحيط: ودلَّت المسألة على أنَّ المرأة منهيَّةٌ عن إظهارِ وجهِها للأجانب بلا ضرورة؛ لأنَّها منهيَّةٌ عن تغطيتِه لحقِّ النُّسك، لولا ذلك وإلَّا لم يكُن لهذا الإرخاءُ فائدةٌ. اهـ، ونحوه في الخانية، ووفَّق في البحر بما حاصلُه: أنَّ محمل الاستحباب عند عدَم الأجانب (.

ص: 157

فَإِنْ قُلْتَ: مِنْ أَيْنَ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمُفَارَقَةُ، فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ، يَقْتَضِي أَنْ يَنْعَكِسَ الْحُكْمُ لِمَا أَنَّهَا قَدْ تُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ، لَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ، وَعَوْرَتُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا، لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ؛ حَتَّى حَلَّ لَهَا النَّظَرُ إِلَيْهَا؟

[عورة المرأة في الصلاة]

قُلْتُ: إِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ قَرْنِهَا إِلَى قَدَمِهَا عَوْرَةٌ، رُجُوعًا إِلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ»

(1)

فَاسْمُ الْمَرْأَةِ؛ يَقَعُ عَلَى جُمْلَتِهَا، فَبِالنَّظَرِ إِلَى هَذَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهَا عَنْ مَحَارِمِهَا أَيْضًا؛ وَلَكِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا سَتْرُ الْمَوَاضِعِ الْمَخْصُوصَةِ عَنْهُمْ؛ بِسَبَبِ الْحَرْجِ، إِذْ لَوْ أَمَرْنَاهَا بِالتَّسَتُّرِ

(2)

عَنْهُمْ؛ وَهُمْ أَوْلَادُهَا، وَآبَاؤُهَا، وإخوانها، وَهِيَ فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا، فِي بَيْتِهَا عَادَةً، وَهُمْ قَوَّامُونَ عَلَى أَمْرِهَا، فِي بَيْتِهَا، يُؤَدِّي إِلَى الْحَرْجِ لَا مَحَالَةَ، وأيد هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ}

(3)

،

الْآيَةُ، فَبَقِيَتْ فِيمَا سِوَاهُ، عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» وأولى مَا [تُطْلَبُ]

(4)

الزِّينَةُ مِنَ الْأَحْوَالِ حَالةُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا مُنَاجَاةُ الرَّبِّ.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فَإِنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ عِنْدَ الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، فَعِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْتَرِضُ، فِي الْقِيَامِ

(5)

بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، مَا لَا يَفْتَرِضُ فِي الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ؛ وَهُوَ الطَّهَارَةُ عَنِ النَّجَاسَةِ، الْحَقِيقِيَّةِ، وَالْحُكْمِيَّةِ، فَلأَنْ يُفْتَرَضُ فِي الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، مَا يُفْتَرَضُ فِي الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ أَوْلَى.

(1)

أول الحديث روي في "سنن الترمذي"(2/ 467) في أبواب الرضاع، حديث (1173)، من حديث ابن مسعود مرفوعًا:(المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان). قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح غريب).

(2)

في (ب): (بالستر).

(3)

سورة النور: من آية (31).

(4)

في المخطوط (أ): (بطُلت)، والمثبت من المخطوط (ب)، وهو الصحيح الموافق للسياق السابق واللاحق.

(5)

في (ب): (للقيام).

ص: 158

يُوَضِّحُهُ

(1)

مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: الْمَرْأَةُ إِذَا صَلَّتْ فَلْتَحْتَفِزْ

(2)

يَعْنِي

(3)

فَلْتَنْضم، وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا فِي صَحْنِ دَارِهَا

(4)

»

(5)

فَثَبَتَ أَنَّ مَا كَانَ أَسْتَرُ لَهَا

(6)

فَهُوَ أَفْضَلُ، وَالْقَوْلُ بِالْأَفْضَلِ؛ بِهَذَا الْحَدِيثِ، مَعَ وُجُوبِ الاحْتِفَازِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، إِنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَجِبُ سَتْرُهُ، مِنْ أَحَدٍ كَالْوَجْهِ وَالْكَفِّ

(7)

فَلَزِمَ مِنْ هَذَا، وُجُوبُ سَتْرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ، فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ ضَرُورَةٌ، فَكَانَ فِي

(8)

مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:

{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

(9)

.

(1)

في (ب): (توضيحه).

(2)

في (ب): (فلتحقد)، بيان المعنى اللغوي لتحتفظ. وهذا الأثر أخرجه عبد الرزاق في"مصنفه"(3/ 138)، كتاب الصلاة، باب تكبير المرأة بيديها، وقيام المرأة وركوعها وسجودها، حديث (5072).

قلت: إسناده صحيح، وإن كان به الحارث بن عبد الله الأعور وهو ضعيف اتهم بالكذب، لكنهم أخذوا بروايته عن علي رضي الله عنه. يقول الحافظ المزي في"تهذيب الكمال" (5/ 249): (وَقَال عثمان بن سَعِيد الدارمي: سألت يحيى بن مَعِين، قلت: أي شيء حال الحارث في علي؟ قال: ثقة، قال عثمان: ليس يتابع عليه

وقال عامر الشعبي: لقد رأيت الحسن والحسين رضي الله عنهم يسألان الحارث الأَعور عن حديث علي رضي الله عنه.

(3)

(يعني): زيادة من (ب).

(4)

في (ب): وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في صحن دارها» .

(5)

أخرجه أبو داود في "سننه"(ص 85)، كتاب الصلاة، باب التشديد في ذلك، حديث (570)، وأخرجه الحاكم في"المستدرك"(1/ 328)، كتاب الطهارة، باب ومن كتاب الإمامة، وصلاة الجماعة، حديث (757).

وقال أبو عبدالله الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).

(6)

(لها): ساقطة من (ب).

(7)

في (ب): (والكفين).

(8)

(في): ساقطة من (ب).

(9)

سورة النور: من آية (31).

ص: 159

وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ رحمه الله: وَفِي التَّهْذِيبِ؛ كُلُّ عُضْوٍ هُوَ عَوْرَةٌ، مِنْهَا فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهَا هَلْ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ؟

فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا يَجُوزُ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى دَمِهَا وَريِقِهَا، وَكَذَا الذَّكَرُ الْمَقْطُوعُ مِنَ الرَّجُلِ، وَشَعْرُ عَانَتِهِ؛ إِذَا حُلِقَ هَلْ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ؟

فِيهِ وَجْهَانِ.

[حكمُ صلاةِ من بدا مِنها ربعُ أو ثُلُث ساقِها]

ثُمَّ قَوْلُهُ رحمه الله: (فَإِنْ صَلَّتْ وَثُلُثُ/ سَاقِهَا أَوْ رُبُعُهَا مَكْشُوفٌ: تُعِيدُ الصَّلَاةَ)

فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا جَمَعَ مُحَمَّدٌ رحمه الله بَيْنَ الثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ، وَذِكْرُ الرُّبُعِ؛ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الثُّلُثِ، قُلْنَا الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله لَمْ يُثْبِتِ الْقَوْلَ فِي

(1)

الرُّبُعِ، بِالْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَلَى أَنَّ الرُّبُعَ كَثِيرٌ، وَقَدْ رَوَى فِي الثُّلُثِ، كَمَا قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ:«وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ»

(2)

وَلَكِنْ قَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ، عَلَى كَوْنِ الرُّبُعُ كَثِيراً، وَقَدْ رُوِيَ فِي الثُّلُثِ

(3)

كَمَا فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَمَسْحِهِ فَرَدَّدَ بَيْنَ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، كَيْلَا يَكُونَ قَاطِعاً، فِيمَا لَهَ تَرَدُّدٌ، وَالثَّانِي أَنَّ

أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَأَوْرَدَهَا مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْكِتَابِ كَذَلِكَ كَذَا فِي "الفوائد الظهيرية".

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِأَنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ؛ إِذَا كَانَ مَا يُقَابِلُهُ أَقَلَّ مِنْهُ)

يَعْنِي لَمَّا وَصَفَ الشَّيْءَ بِأَنَّهُ كَثِيرٌ؛ لَا بُدَّ أَنْ يُوصَفَ مَا يُقَابِلُهُ وَيُضَادُّهُ بِأَنَّهُ

(4)

قَلِيلٌ [وَإِلَّا]

(5)

يَلْزَمُ الْمُحَالَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَا يُقَابِلُهُ قَلِيلًا، بِنِسْبَتِهِ كَانَ كَثِيراً لِعَدَمِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ قَلِيلاً، وَكَثِيراً؛ وَهُوَ مُحَالٌ، فَإِنْ قُلْتَ:

(1)

في (ب): (وهما).

(2)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(2/ 124)، كتاب الوصايا، باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس، حديث (2654)، وأخرجه مسلم في"صحيحه"ص 667، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، حديث (1628).

(3)

(وقد رُوي في الثلث): زيادة من (ب).

(4)

(بأنه): ساقطة من (ب) ..

(5)

في (أ): (ولا)، والمثبت من (ب) وهو الصحيح نظرًا للسياق.

ص: 160

يَشْكُلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}

(1)

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}

(2)

إِلَى أَنْ قَالَ عز وجل: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ}

(3)

(أَيْ: يَسْجُدُ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ عز وجل:{وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}

(4)

أَيْ: بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لِلَّهِ تَعَالَى كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)

(5)

وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَذَابُ، فَقَدْ ذَكَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَقَابِلِينَ اسْمَ الْكَثْرَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الضُّلَّالَ إِذَا وُصِفُوا بِالْكَثْرَةِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ، لَا يُوْصَفُ غَيْرُ الضُّلَالِ؛ وَهُمُ الْمَهْدِيُّونَ بِالْكَثْرَةِ فِي مُقَابَلَتِهَا، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَنَّ

(6)

مَا يَقَعُ بِهِ الْكَثْرَةُ؛ وَهُوَ الْوَاحِدُ الزَّائِدُ مَثَلًا أَوْ أَكْثَرُ مُضِلًّا، وَ

(7)

مَهْدِيًّا، فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ؟.

قُلْتُ: إِنَّمَا سُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بِالْكَثْرَةِ، بِالنَّظَرِ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، لَا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يُقَابِلُهُمْ فَإِنَّا

(8)

لَوْ خَلَّيْنَا، وَمُجَرَّدُ النَّظَرِ إِلَى نَفْسِ الْمَهْدِيِّينَ

(9)

مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَهْدِيِّينَ؛ يَرُونَ شَمْلاً كَثِيراً، وَ

(10)

جَمَّاً غَفِيراً، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الضَّلَالِ، وَمِثْلُهُ

(11)

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}

(12)

وَكَلِمَةُ أَوْ لِلشَّكِّ فِي الْأَخْبَارِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ عَالِمِ الْجُزْئِيَّاتِ، وَالْكُلِيَّاتِ، وَلَكِنْ وَجْهُهُ

(13)

مَا ذَكَرْنَا؛ وَهُوَ أَنَّ مَنْ

(14)

رَآهُ، لَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْقَوْمَ فِي الْكَثْرَةِ مَائَةُ أَلْفٍ، أَوْ يَزِيدُونَ، أَوْ نَقُولُ (بِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ، أَنَّ أَهْلَ الضَّلَالِ كَثِيرٌ حَقِيقَةٌ، واصْلُ الْهَدْيِ كَثِيرٌ، مَرْتَبَةً، وَعَظَمَةً)

(15)

(1)

سورة البقرة: من آية (26).

(2)

سورة الحج: من آية (18).

(3)

سورة الحج: من آية (18).

(4)

سورة الحج: من آية (18).

(5)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(6)

(أن): ساقطة من (ب).

(7)

في (ب): (أو).

(8)

في (ب): (فإنه).

(9)

في (ب): (في مهدين).

(10)

في (ب): (أو).

(11)

في (ب): (ومنه).

(12)

سورة الصافات: آية (147).

(13)

في (ب): (وجه).

(14)

في (ب): (ظنَّ).

(15)

ساقطة من (ب) ..

ص: 161

إِنَّ الْكِرَامَ كَثِيرٌ فِي الْبِلَادِ، وَإِنْ قَلُّوا، كَمَا غَيْرُهُمْ قَلَّ، وَإِنْ كَثَرُوا

(1)

فَكَانَتْ نِسْبَةُ الْكَثْرَةِ، إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، لِمَعْنًى عَلَى حِدَةٍ، فَلَا يَتَنَافَيَانِ حِينَئِذٍ

(2)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (إِذْ هُمَا مِنْ أَسْمَاءِ الْمُقَابَلَةِ)

وَذَكَرَ فِي " الْمَبْسُوطِ ": (الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ إِذَا

(3)

قُوبِلَ بِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ؛ يَكُونُ قَلِيلًا، وَإِذَا قُوبِلَ بِمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ؛ يَكُونُ كَثِيرًا)

(4)

، فَكِلْتَا الْعِبَارَتَيْنِ صَحِيحَتَانِ،

(5)

لِمَا أَنَّ الْقَلِيلَ، إِنَّمَا اسْتَحَقَّ اسْمَ الْقَلِيلِ، بِاعْتِبَارِ الْمُقَابِلِ، وَإِلَّا لَيْسَ لَهُ هَذَا الاسْمُ [شِرْكَةً]

(6)

فَكَذَا الْكَثِيرُ، فَكَانَتِ الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ، مِنْ أَسْمَاءِ الْمُقَابَلَةِ، وَكَذَلِكَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ، لَمَّا أُطْلِقَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، بِاعْتِبَارِ مَا يُقَابِلُهُ، كَانَ اسْمًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا.

قَوْلُهُ رحمه الله: (فَاعْتُبِرَ الْخُرُوجُ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ).

هَذَا دَلِيلُ الْإِعَادَةِ لَمَّا

(7)

أَنَّ النِّصْفَ؛ لَمَّا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ، كَانَ دَاِخِلًا تَحْتَ حَدِّ الْكَثْرَةِ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ هُوَ مَا يُقَابِلُهُ كَثِيرٌ، وَمُقَابِلُ النِّصْفِ لَيْسَ بِكَثِيرٍ، فَكَانَ هُوَ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ، مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَلَزِمَهَا الْإِعَادَةُ أَوْ عَدَمُ الدُّخُولِ فِي ضِدِّهِ، هَذَا دَلِيلُ عَدَمِ الْإِعَادَةِ، أَيِ: النِّصْفُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي ضِدِّ الْقَلِيلِ؛ وَهُوَ الْكَثِيرُ، فَكَانَ قَلِيلًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ

(8)

هُوَ مَا يُقَابِلُهُ قَلِيلٌ، وَمُقَابِلُ النِّصْفِ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، فَكَانَ هُوَ قَلِيلًا فِي نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهَا الْإِعَادَةُ.

(1)

في (ب): (كثر). انظر: " تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل"(1/ 118).

(2)

(حينئذ): ساقطة من (ب) ..

(3)

في (ب): (لما).

(4)

"المبسوط"للسرخسي (1/ 197).

(5)

في (ب): (ولكن العبارتين صحيحتان).

(6)

(شركة): زيادة من (ب).

(7)

في (ب): (لا لما).

(8)

(لأن الكثير)، من هامش المخطوط (أ).

ص: 162

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَمَنْ رَأَى وَجْهَ غَيْرِهِ يُخْبِرُ عَنْ رُؤْيَتِهِ)

يَقُولُ: رَأَيْتُ زَيْداً مَثَلاً، وَإِنْ لَمْ يَرَ إِلَّا أَحَدَ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ، أَيْ: أَحَدُ جَوَانِبِ ذَلِكَ الْغَيْرُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ، ذُو أَطْرَافٍ أَرْبَعَةٍ فَكَانَ الْوَجْهُ أَحَدُ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الفوائد الظهيرية.

قَوْلُهُ رحمه الله: يَعْنِي (عَلَى هَذَا الاخْتِلَافِ)

أَيِ: الاخْتِلَافُ الَّذِي تَقَدَّمَ آنِفًا؛ وَهُوَ أَنَّ انْكِشَافَ رُبْعِ الْعَوْرَةِ، مَانِعٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ انْكِشَافُ النِّصْفِ فِي رِوَايَةٍ، وَانْكِشَافُ مَا فَوْقَهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (هُوَ الصَّحِيحُ)

[الشعر المسترسل هل هو عورة]

احْتِرَازٌ عَنِ اخْتِيَارِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَغَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّعْرِ مَا عَلَى الرَّأْسِ، وامَّا الْمُسْتَرْسِلُ هَلْ هِيَ عَوْرَةٌ؟

فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي "التَّجْنِيسِ" مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَ فِي "الْهِدَايَةِ"

(1)

فَقَالَ الْمَرْأَةُ إِذَا صَلَّتْ، وَشَعْرُهَا مَا تَحْتَ الْأُذُنَيْنِ مَكْشُوفٌ؛ قَدْرُ الرُّبُعِ، لَا يَجُوزُ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّ

(2)

فِي كَوْنِ الْمُسْتَرْسِلِ مِنْ شَعْرِهَا/ عَوْرَةً؛ رِوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَ

(3)

الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ

(4)

رحمه الله هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَهِيَ أَنَّهُ عَوْرَةً احْتِيَاطاً

(5)

؛ لِأَنَّ تِلْكَ

(6)

الرِّوَايَةِ، اقْتَضَتْ أَنْ يَجُوزَ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إِلَى صِدْغِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَطَرْفِ نَاصِيَتِهَا، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ رحمه الله

(7)

وَهَذَا أَمْرٌ يُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَةِ؛ فَكَانَ الاحْتِيَاطُ فِي الْأَخْذِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ.

(1)

"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 46).

(2)

في (ب): (لأنها).

(3)

في (ب): (واختيار).

(4)

هو نصر بن محمد بن إبراهيم الإمام الفقيه، أبو الليث السمرقندي الحنفي، من أئمة الحنفية، ومن الزهاد المتصوفين، صاحب كتاب " الفتاوى "، وفي كتابه " تنبيه الغافلين " موضوعات كثيرة؛ رواه عنه أبو بكر محمد بن عبد الرحمن الترمذي. مات ببلخ سنة 373 هـ، انظر " تاريخ الإسلام للذهبي "(8/ 421)، الأعلام للزركلي (8/ 27)

(5)

"مختلف الرواية" لأبي الليث السمرقندي (1/ 184).

(6)

(تلك): ساقطة من (ب) ..

(7)

انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 261)، " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 130).

ص: 163

وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ رحمه الله فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ"

(1)

: وامَّا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ هَلْ هُوَ عَوْرَةٌ؟ فِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى لَيْسَ بِعَوْرَةٍ؛ حَتَّى قَالَ فِيهِ: لَوِ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِ الْمَرْأَةِ أَسْفَلَ مِنَ الْأُذُنَيْنِ جَازَتْ صَلَاتُهَا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ أَوِ

(2)

الرُّبُعِ وَهَذَا لِأَنَّهُ

(3)

لَا يُوَازِي الرَّأْسَ، فَلَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الرَّأْسِ؛ لَكِنْ مَعَ هَذَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ، لَا لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ؛ بَلْ لِأَنَّ النَّظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ إِلَى شُعُورِهِنَّ فَتْنَةٌ، كَالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الشَّابَّةِ، أَوْ إِلَى شُعُورِ الْإِمَاءِ عَنْ شَهْوَةٍ، حَرَامٌ، إِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ:«مَنْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

(4)

وَلِهَذَا

(5)

الْمَعْنَى قَالَ مَشَايِخُنَا، تُمْنَعُ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ عَنْ كَشْفِ وَجْهِهَا، بَيْنَ الرِّجَالِ فِي زَمَانِنَا هَذَا فِي رِوَايَةِ "الْمُنْتَقَى"

(6)

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى؛ هُوَ عَوْرَةٌ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِلْفَتْوَى

(7)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَإِنَّمَا وَضَعَ غَسْلَهُ) جَوَابُ إِشْكَالٍ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ رحمه الله: (هُوَ الصَّحِيحُ) بِأَنْ يُقَالُ: لَوْ كَانَ الشَّعْرُ النَّازِلُ مِنَ الرَّأْسِ عَوْرَةً، عَلَى مَا زَعِمْتَ

(8)

إِنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ بَدَنِهَا، وَبَدَنُهَا عَوْرَةٌ

(9)

وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَدَنِهَا، بِدَلِيلِ سُقُوطِ غَسْلِهِ عَنْهَا فِي الْجِنَايَةِ، [فَيُقَالُ]

(10)

سُقُوطُ غَسْلِهِ لَا

(11)

بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَدَنِهَا، بَلْ هُوَ مِنْ بَدَنِهَا، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ خِلْقَةً، وَلَكِنَّ سُقُوطَ غَسْلِهِ بِاعْتِبَارِ الْحَرَجِ، وَالْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ، هِيَ الْقُبُلُ، وَالدُّبُرُ، عَلَى هَذَا الاخْتِلَافِ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الاعْتِبَارَ فِي الانْكِشَافِ لِلرُّبُعِ، أَوْ لِلنِّصْفِ، وَالذَّكَرُ يُعْتَبَرُ بِانْفِرَادِهِ؛ حَتَّى لَوِ انْكَشَفَ رُبُعُ الذَّكَرِ، يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ الاعْتِبَارُ لِانْكِشَافِ النِّصْفِ، وَمَا فَوْقَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَبِمَجْمُوعِ هَذَا يَنْتَفِي

(12)

مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مِنَ اعْتِبَارِهِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ فِي الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ.

(1)

ذكره صاحب " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 130).

(2)

في (ب): (و).

(3)

(لأنه): ساقطة من (ب) ..

(4)

لم أجده، لكن ورد هذا الوعيد فيمن استمع إلى حديث قومٍ وهم له كارهون صب في أذنيه .. إلى آخره. أخرجه البخاري في"صحيحه"(3/ 612)، كتاب التعبير، باب من كذب في حلمه، حديث (6788).

(5)

في (ب): (وبهذا).

(6)

نقله صاحب: " البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري (1/ 284) و "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" (1/ 81)

(7)

في (ب): (وعليه الفتوى).

(8)

في (ب): (قول من زعم).

(9)

(وبدنها عورة): ساقطة من (ب).

(10)

في (أ): (فقال)، ولعل الأقرب ما أثبت من (ب).

(11)

في (ب): (ليس).

(12)

في (ب): (ينفي).

ص: 164

[حدُّ انكشافِ العورةِ المؤثرِ في صِحَّةِ الصَّلاةِ]

وَفِي "الْمُحِيطِ": (وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي السَّوءتَيْنِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ الرُّبُعُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَوْرَةَ نَوْعَانِ: غَلِيظَةٌ، وَخَفِيفَةٌ؛ كَالنَّجَاسَةِ، ثُمَّ فِي النَّجَاسَةِ الْغَلِيظَةِ يُعْتَبَرُ الدِّرْهَمُ، وَفِي الْخَفِيفَةِ يُعْتَبَرُ الرُّبُعُ، فَكَذَا الْعَوْرَةُ، وَلَكِنْ هَذَا وَهْمٌ مِنَ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّغْلِيظَ، فِي الْعَوْرَةِ،

(1)

وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ، تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الدُّبُرِ قَدْرَ دِرْهَمٍ، وَالدُّبُرُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، فَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الدُّبُرِ مَكْشُوفًا، وَهَذَا تَنَاقُضٌ)

(2)

، وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ رحمه الله.

وامَّا الْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ، فَقَدْ قَدَّرَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، بِمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ، احْتِيَاطًا وَهَذَا احْتِيَاطٌ يَرْجَعُ إِلَى الْمُنَاقَضَةِ، لِأَنَّ مَوْضِعَ الْحَدَثِ جُمْلَتُهُ أَقَلُّ مِنَ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَلِذَلِكَ قَدَّرْنَا بِالدِّرْهَمِ بِجَعْلِنَا

(3)

وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَقْسِيمَ الْعَوْرَةِ بِالْغَلِيظَةِ، وَالْخَفِيفَةِ، إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى اخْتِيَارِ الْكَرْخِيِّ، وامَّا عَلَى اخْتِيَارِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَقْسِيمِهَا، إِذْ فِي كُلٍّ مِنْهَا يُعْتَبَرُ انْكِشَافُ الرُّبُعِ، مَانِعًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله فَإِنَّ عِنْدَهُ، يُعْتَبَرُ انْكِشَافُ النِّصْفِ، سِوَى أَنَّ ذَلِكَ الْعُضْوَ، أَنَّ كَانَ صَغِيرًا؛ كَانَ رُبُعُهُ صَغِيرًا أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا

(4)

كَانَ رُبُعُهُ كَبِيرًا

(5)

فَمِنْ ثَمَّةَ جُوِّزَ تَقْسِيمُهَا بِالْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَكَذَا الْأُنْثَيَانِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ)

اخْتَلَفُوا فِي الْخِصْيَتَيْنِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الْخِصْيَتَانِ مَعَ الذَّكَرِ عُضْوٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُمَا

(6)

تَبَعٌ لِلذَّكَرِ [لِأَنَّ الْإِيلَاد

(7)

يَتَعَلَّقُ بِهِمَا]

(8)

فَيُعْتَبَرَانِ مِعَ الذَّكَرِ حَتَّى يُعْتَبَرَ الرُّبُعُ مِنَ الْمَجْمُوعِ

(9)

فَقَالَ

(10)

بَعْضُهُمْ: الْخِصْيَتَانِ

(11)

عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخِصْيَتَيْنِ فِي الدِّيَةِ، اعْتُبِرَ عُضْوًا عَلَى حِدَةٍ، وَلَمْ يُجْعَلْ تَبِعًا لِغَيْرِهِ، فَكَذَا فِي حُكْمِ الْعَوْرَةِ، وَجَعَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْمَحْبُوبِيُّ -رحمهما الله- هَذَا الْقَوْلَ: وَهُوَ الانْفِرَادُ أَوْلَى، كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي "الْهِدَايَةِ"

(12)

.

(1)

(في العورة): زيادة من (ب)

(2)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 280).

(3)

(ولذلك قدرنا بالدرهم بجعلنا): زيادة من (ب)

(4)

في (ب): (كثيراً).

(5)

في (ب): (كثيراً).

(6)

(لأنهما): ساقطة من (ب).

(7)

الإِيلاد: أولدت الغنم: إِذا حانَ ولادتها. انظر: " شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم للحميري "(11/ 7293).

(8)

زيادة من (ب).

(9)

من قوله رحمه الله: (فيعتبران .. ) إلى هذا الموضع ساقط من (ب).

(10)

في (ب): (وقال).

(11)

(الخصيتان): ساقطة من (ب).

(12)

"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 46).

ص: 165

وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا كُلَّهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ،

(1)

أَيْ: فِي الْمَنْعِ عَنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ الْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي قَلِيلِ النَّجَاسَةِ.

[مَا كَانَ عَوْرَةً مِنَ الرَّجُلِ فَهُوَ عَوْرَةٌ مِنَ الْأَمَةِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَمَا كَانَ عَوْرَةً مِنَ الرَّجُلِ فَهُوَ عَوْرَةٌ مِنَ الْأَمَةِ)

وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرَةُ

(2)

وأمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتِبَةُ

(3)

، وَمَنْ كَانَ فِي رَقَبَتِهَا شَيْءٌ مِنَ الرِّقِّ، فَهِيَ فِي مَعْنَى الْأَمَةِ، كَذَا فِي "شرح الطحاوي"

(4)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (فِي ثِيَابِ مَهْنَتِهَا)

الْمَهْنَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا الْخِدْمَةُ، وَالابْتِذَالُ، مِنْ مَهَنَ الْقَوْمُ خَدَمَهُمْ، وأنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ كَذَا فِي "الصِّحَاحِ"

(5)

فِي حَقِّ جَمِيعِ الرِّجَالِ أَيْ سِوَى مَوْلَاهَا.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَإِنْ َكاَن َالطَّاهِرُ أَقَلَّ مِنَ الرُّبُعِ)

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (وَإِذَا كَانَ الثَّوْبُ كُلُّهُ مَمْلُؤًا دَمًا، أَوْ كَانَ الطَّاهِرُ مِنْهُ دُونَ رُبُعِهِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وأبي يُوسُفَ -رحمهما الله- يَتَخَيَّرُ؛ بَيْنَ أَنْ يُصَلِيَ عُرْيَانًا، وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِيَ فِيهِ؛ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: لَا يُجْزِيهِ

(6)

الصَّلَاةُ إِلَّا فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ، أَقْرَبُ إِلَى الْجَوَازِ مِنَ الصَّلَاةِ عُرْيَانًا، فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنَ النَّجَاسَةِ، لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ، وَكَذَلِكَ الْكَثِيرُ، فِي قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ

(7)

قَالَ عَطَاءٌ

(8)

رحمه الله: مَنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ سَبْعُونَ قَطْرَةً مِنْ دَمٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ

(9)

.

(1)

انظر: "البيان في مذهب الإمام الشافعي"للعمراني (1/ 28).

(2)

في (ب): (المُدَبَّر). والمُدَبَّر: (والمُدَبَّر من العبيد وَالْإِمَاء؛ مَأْخُوذ من الدبر؛ لِأَن السَّيِّد أعْتقهُ، بعد مماته، وَالْمَمَات دُبُر الْحَيَاةِ فَقيلَ مُدبَّرٌ). غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 225)

(3)

المُكَاتَبُ: العبد يكاتب على نفسه بثمنه فإذا سعى وأداه عتق. انظر: "مختار الصحاح، للرازي"(ص: 266)

(4)

"شرح مختصر الطحاوي" لأبي بكر الجصاص (1/ 702).

(5)

"مختار الصحاح، للرازي"(1/ 642).

(6)

في (ب): (يجوز).

(7)

انظر: " بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 117) و" تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 97)

(8)

عطاء بن أبى رباح: مولى آل أبى خيثم الفهري القرشي، واسم أبى رباح اسلم كان مولده بالجند من اليمن ونشأ بمكة، وكان اسود أعور أشل أعرج ثم عمى في آخر عمره، وكان من سادات التابعين، وكان المقدم في الصالحين مع الفقه والورع، كان مولده سنة 27 هـ، ومات بمكة سنة 114 هـ، انظر:" الطبقات الكبرى لإبن سعد "(6/ 20)، "مشاهير علماء الأمصار لابن حبان (ص: 133)، " سير أعلام النبلاء للذهبي "(5/ 78).

(9)

المبسوط للسرخسي (1/ 187).

ص: 166

[حكمُ صَلاة العُرْيَان]

وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ عُرْيَانًا فِي حَالَةِ الاخْتِيَارِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى عُرْيَانًا، كَانَ [ذَلِكَ]

(1)

تَارِكًا لِفَرَائِضَ؛ مِنْهَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَمِنْهَا الْقِيَامُ، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ، وَإِذَا صَلَّى فِيهِ كَانَ تَارِكاً فَرْضاً وَاحِداً؛ وَهُوَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ، فَهَذَا الْجَانِبُ

(2)

أَهْوَنُ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ شَيْئَيْنِ إِلَّا اخْتَاَر أَهْوَنَهُمَا»

(3)

فَمَنِ ابْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا)

(4)

.

وَفِي "الأسرار" إِنَّ خِطَابَ التَّطْهِيرِ

(5)

سَاقِطٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، فَصَارَ هَذَا الثَّوْبُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ خِطَابُ التَّطْهِيرِ، وَثَوْبٌ طَاهِرٌ، بِمَنْزِلَةٍ؛ وَلِأَنَّ رُبْعَ الثَّوْبِ، لَوْ كَانَ طَاهِراً، لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُصَلِيَ فِيهِ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ، فِي إِفْسَادِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَنَجَاسَةُ الْكُلِّ، سَوَاءٌ حَالَةَ الاخْتِيَارِ وَهُمَا سَوَاءٌ

(6)

أَيْضًا حَالَةَ الاضْطِرَارِ، فِي أَنْ لَا يُفْسِدَهَا؛ إِلَّا أَنَّا نَقُولُ إِنَّ خِطَابَ السَّتْرِ؛ بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ، سَاقِطٌ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، مَا خَاطَبَ بِالسَّتْرِ لِلصَّلَاةِ، إِلَّا بِالطَّاهِرِ، وَلَمَّا سَقَطَ الْخِطَابُ بِالسَّتْرِ عَنْهُ، صَارَ حَالُ الْعُرِيِّ، كَحَالِ السَّتْرِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ خِطَابَ السَّتْرِ عَنْهُ، سَاقِطٌ فَحِينَئِذٍ صَارَ عُرِيُّ الْعَوْرَةِ، كَعُرِيِّ الْوَجْهِ، فِي حَقِّ سُقُوطِ الْخِطَابِ بِالسَّتْرِ، فَلَمَّا اسْتَوَى الْجَانِبَانِ، مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمَا، كَانَ مُخَيَّراً بَيْنَهُمَا، وامَّا إِذَا كَانَ رُبُعُ الثَّوْبِ طَاهِراً، فَقَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ، بِقَدْرِ الطَّاهِرِ إِنْ سَقَطَ بِقَدْرِ النَّجِسِ فَرَجَّحْنَا جِهَةَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْبَابَ بَابُ الْعِبَادَاتِ، وَإِنَّمَا قَدَّرُوا

(7)

بِالرُّبُعِ، لِأَنَّهُ حَدٌّ لِلْكَثِيرِ

(8)

الْفَاحِشِ فِي بَابِ الْعَوْرَةِ، وَالنَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ، كَذَا فِي "الأسرار".

(1)

زيادة من: (ب)

(2)

في (ب): (الجناية).

(3)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(3/ 552)، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، حديث (6546)، وأخرجه مسلم في"صحيحه"(ص 950)، كتاب الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختياره من المباح، حديث (2327). لكن لفظ الشيخان:«إلا اختارَ أيسرهُما» .

(4)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 187).

(5)

في (ب): (التطهر)

(6)

في (ب): (وفيما سبق)

(7)

(قدروا): ساقطة من (ب).

(8)

في (ب): (الكثير).

ص: 167

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَانِعُ جَوَازِ الصَّلَاةِ، حَالَةَ الاخْتِيَارِ، وَيَسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ).

أَيِ: انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ، وَالنَّجَاسَةُ، يَسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ، أَيْ أَنَّ كُلَّ مِقْدَارٍ مِنَ النَّجَاسَةِ، هُوَ مَانِعٌ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ الْمِقْدَارُ، مِنَ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ، مَانِعٌ أَيْضاً، لِجَوَازِ الصَّلَاةِ وَمَا لَا

(1)

فَلَا.

وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي الزيادات، أَنَّ الْقَلِيلَ، مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ غَيْرُ مَانِعٍ وَالْكَثِيرُ مَانِعٌ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَتِ

(2)

الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا، مِنْ غَيْرِ رُجْحَانِ؛ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ، فِي الْمَانِعِيَّةِ فَيُخْتَارُ أَيُّهُمَا شَاءَ، أَوْ نَقُولُ، وَيَسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ؛ أَيْ: فِي مِقْدَارِ الرُّبُعِ، فَإِنَّ الْمَانِعَ، فِي النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ، مُقَدَّرٌ بِالرُّبُعِ، وَكَذَلِكَ الْمَانِعُ، فِي الْعَوْرَةِ الْخَفِيفَةِ، مُقَدَّرٌ بِالرُّبُعِ، خُصُوصاً عَلَى اخْتِيَارِ الْكَرْخِيِّ

(3)

، فَلَمَّا اسْتَوَيَا فِي الْمَانِعِيَّةِ، فِي الْمِقْدَارِ، اسْتَوَى اخْتِيَارُ الْمُصَلِّي أَيْضًا، فِي أَنْ يُصَلِيَ فِيهِ، أَوْ يُصَلِيَ عُرْيَانًا.

فَإِنْ

(4)

قُلْتَ: قَوْلُهُ رحمه الله: (وَيَسْتَوِيَانِ)، مَعْطُوفٌ عَلَى فِعْلٍ مُقَدَّرٍ مِثْلِهِ، مُثَنًّى

(5)

فَاعِلُهُ،

وَقَوْلُهُ رحمه الله: (فَيَسْتَوِيَانِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ) نَتِيجَتُهُ، فَكَانَ تَقْدِيرُهُ؛ لِأَنَّهُمَا أَي: الانْكِشَافُ وَالنَّجَاسَةُ، يَمْنَعَانِ جَوَازَ الصَّلَاةِ، حَالَةَ الاخْتِيَارِ، وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمِقْدَارِ، يَعْنِي أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فِي الْمَنْعِ، وَفِي الْمِقْدَارِ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَا أَيْضاً، فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، أَيْ: فِي حَقِّ إِثْبَاتِ الاخْتِيَارِ، بِأَنْ يُصَلِيَ بِهِ، لَابِساً، أَوْ بِدُونِهِ، عُرْيَاناً.

(1)

في (ب): (فقالا).

(2)

في (ب): (يثبت).

(3)

انظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 280)

(4)

(فإنَّ): ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): (مبني).

ص: 168

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَتَرْكُ الشَّيْءِ إِلَى خَلْفٍ لَا يَكُونُ تَرْكاً) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ: (وَفِي الصَّلَاةِ عُرْيَاناً تَرْكَ الْفُرُوضِ)

(1)

قُلْتُ: هَذَا الْجَوَابُ، الَّذِي قَالَا لَهُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا:(بِتَرْكِ الْفُرُوضِ)، إِنَّمَا يَسْتَقِيمَانِ عَلَى تَقْدِيرِ، أَنْ يُصَلِّيَ الْعَارِيَ، قَاعِداً، وامَّا لَوْ صَلَّى قَائِماً؛ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ قَائِماً، فَلَا يَسْتَقِيمَانِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله فِي " الْمَبْسُوطِ ".

فَقَالَ: إِذَا صَلَّى قَائِماً بِالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، عِنْدَنَا يَجُوزُ، فَلَا يَصِيرُ تَارِكاً، لِلْفَرَائِضِ الثَّلَاثِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ تَارِكاً

(2)

لِفَرْضٍ وَاحِدٍ؛ وَهُوَ السَّتْرِ، وَإِذَا تَرَكَ فَرْضاً وَاحِداً، فَقَدْ أَقَامَ

(3)

فَرْضاً بِإِزَائِهِ؛ وَهُوَ تَرْكُ اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ، فَكَانَ هَذَا تَرْكُ فَرْضٍ، بِإِزَاءِ إِتْيَانٍ

(4)

بِفَرْضٍ آخَرَ فَيَتَخَيَّرُ.

فَإِنْ قُلْتَ: لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ، فَلَا يَتَخَيَّرُ، فَإِنَّ فَرْضِيَّةَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، أَقْوَى مِنْ فَرْضِيَّةِ

(5)

تَرْكِ [اسْتِعْمَالِ]

(6)

النَّجَاسَةِ.

ظَهَرَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَتَيْنِ؛ اِحْدَيْهِمَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ رحمه الله فِي بَابِ الْمَرِيضِ مِنَ

"الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" قَالَ الْإِمَامُ الْبَقَّالِيُّ: فَإِنْ كَانَ عَلَى بَدَنِ الْمُصَلِّي نَجَاسَةٌ، لَا يُمْكِنُهُ غَسْلَهَا، إِلَّا بِإِظْهَارِ عَوْرَتِهِ، يُصَلِّي مَعَ النَّجَاسَةِ/ لِأَنَّ إِظْهَارَ الْعَوْرَةِ؛ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالْغَسْلَ، مَأْمُورٌ بِهِ، وَالْأَمْرُ، وَالنَّهْيُ إِذَا

(7)

اجْتَمَعَا؛ كَانَ النَّهْيُ أَوْلَى.

(1)

قال السرخسي في "المبسوط"(1/ 186): (وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ رحمه الله: يُصَلُّونَ قِيَامًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله؛ لِأَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ شَرْطِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، فَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَرْكَانِهَا، فَعَلَيْهِمْ الْإِتْيَانُ بِمَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَسَقَطَ عَنْهُمْ مَا عَجَزُوا عَنْهُ).

(2)

(للفرائض الثلاث، وإنما يصير تاركًا): ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): (قام).

(4)

في (ب): (إثبات).

(5)

(فرضية): ساقطة من (ب).

(6)

في المخطوط (أ): استعجال، والمثبت من (ب).

(7)

في (ب): (ينفي).

ص: 169

وَالثَّانِيَةُ، هِيَ مَا ذُكِرَ فِي "شَرْحِ الْأَقْطَع" أَنَّ التَّسَتُّرَ آكد؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِلصَّلَاةِ، وَلِغَيْرِهَا، وَيُلْزِمُهُ بِتَرْكِهِ فِي الطَّوَافِ دَمٌ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي النَّجَاسَةِ.

قُلْتُ: إِنَّهُ إِذَا صَلَّى قَاعِداً، فَقَدْ أَتَى بِبَعْضِ السَّتْرِ، وَمَا قَامَ مَقَامَ الْأَرْكَانِ، وَتَرَكَ اسْتِعْمَالَ النَّجَاسَةِ، وَإِذَا صَلَّى قَائِماً فَقَدِ اسْتَعْمَلَ النَّجَاسَةَ، واتَى بِالْأَرْكَانِ، فَيَسْتَوِيَانِ فَيَتَخَيَّرُ، وَمَا ذَكَرْتُهُ، مِنْ وكَادَةِ

(1)

فَرْضِيَّةِ السَّتْرِ؛ سَاقِطٌ بِسَبَبِ أَنَّ خِطَابَ السَّتْرِ، فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، إِنَّمَا هُوَ فِي السَّتْرِ بِالطَّاهِرِ، لَا بِالنَّجِسِ، فَصَارَتْ نَفْسُ خِطَابِ السَّتْرِ بِالنَّجِسِ، سَاقِطَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا، مِنْ إِشَارَةِ "الأسرار" إِلَى هَذَا، فَكَيْفَ تَثْبُتُ

(2)

الْوكَادَةُ، بَعْدَ سُقُوطِ نَفْسِ الْخِطَابِ؟

لِمَّا أَنَّ الْمُؤَكَّدَ تَبَعٌ لِلْمُؤَكِّدِ

(3)

فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَفْسُ الْخِطَابِ، وَهِيَ الأصل لَا تَثْبُتُ الْوكَادَةُ، وَهِيَ التَّبَعُ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ أَظْهَرْنَا أَثَرَ صُورَةِ الْوكَادَةِ، فِي حَقِّ الْأَفْضَلِيَّةِ، لَا فِي حَقِّ الْجَوَازِ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ السَّتْرِ بِالصَّلَاةِ وَاخْتِصَاصُ الطَّهَارَةِ بِهَا).

يَعْنِي لَمَّا لَمْ يُخْتَصُّ السَّتْرُ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ السَّتْرُ

(4)

لِلصَّلَاةِ، وَلِلنَّاسِ كَانَ نَفْعُهُ أَعَمَّ، فَكَانَ السَّتْرُ أَوْلَى، بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ، فَإِنَّهَا لِلصَّلَاةِ لَا غَيْرَ.

فَإِنْ قُلْتَ: جَعَلَ فِي مِثْلِ هَذِهِ النُّكْتَةِ، فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، جَانَبَ الاخْتِصَاصِ أَوْلَى، وَها هُنَا جَعَلَ جَانِبَ عَدَمِ الاخْتِصَاصِ أَوْلَى، فَمَا وَجْهُهُ؟

قُلْتُ: جَانِبُ عَدَمِ الاخْتِصَاصِ، (هُنَاكَ لَمْ يَتَضَمَّنِ النَّفْعَ الْعَامَّ؛ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلتَّرْجِيحِ، هُنَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الاخْتِصَاصَ)

(5)

يُوجِبُ التَّرْجِيحَ إِذَا لْمَ يَتَضَمَّنْ مَا يُعَارِضُهُ، مِمَّا يُوجِبُ التَّرْجِيحَ، وَها هُنَا جَانَبُ عَدَمِ الاخْتِصَاصِ؛ وَهُوَ السَّتْرُ، أَفْضَلُ

(6)

عَارَضَ الاخْتِصَاصِ؛ وَهُوَ الطَّهَارَةُ فِي شَيْءٍ يَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا؛ وَهُوَ اقْتِضَاءُ الصَّلَاةِ السَّتْرُ

(7)

وَالطَّهَارَةُ ثُمَّ تَرَجَّحَ

(8)

جَانِبُ السَّتْرِ، بِمَا هُوَ سَالِمٌ لَهُ؛ وَهُوَ حُصُولُ السَّتْرِ لِلنَّاسِ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ؛ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا، كَوُجُوبِهِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ.

(1)

(الْوَكَادَةُ) بِمَعْنَى التَّوْكِيدِ غَيْرُ ثَبَتٍ. انظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: 493).

(2)

في (ب): (ثبتت).

(3)

في (ب): (المولَّد تبع للمولِّد).

(4)

(الستر): ساقط من (ب).

(5)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(6)

(أفضل): زيادة من (ب).

(7)

في (ب): (والستر).

(8)

في (ب): (لم يرجح).

ص: 170

[من لم يجد ثوباً كيف يصلي]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَلَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُؤمِئُ إِيمَاءً)

(1)

فَإِنْ قُلْتَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ

(2)

رضي الله عنه: «صَلِّ قَائِماً فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً»

(3)

وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، حَيْثُ لَا يَجُوزُ صَلَاةُ الْفَرْضِ قَاعِداً، لِمَنْ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ، ثُمَّ هَذَا الرَّجُلُ؛ مُسْتَطِيعٌ عَلَى الْقِيَامِ، حِسّاً، وَشَرْعاً، أَمَّا حِسّاً، فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صَحِيحِ الْبَدَنِ، وامَّا شَرْعاً؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ، قَائِماً، عَارِياً بِالاتِّفَاقِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِداً، بِحُكْمِ هَذَا الْحَدِيثِ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرٍ وَالشَّافِعِيِّ -رحمهما الله-

(4)

.

قُلْتُ: الْقِيَاسُ مَا قُلْتُهُ إِلَّا أَنَّا عَرفْنَا جَوَازَ صَلَاتِهِ قَاعِداً بِالْأَثَرِ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فِإِنَّهُمَا قَالَا: الْعَارِي يُصَلِّي قَاعِداً بِالْإِيمَاءِ

(5)

، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:«إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكَبُوا فِي السَّفِينَةِ فَانْكَسَرَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ، فَخَرَجُوا مِنَ البَّحْرِ عُرَاةً فَصَلُّوا قُعُودًا بِإِيمَاءٍ»

(6)

وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْهُمْ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَقْرَانِهِمْ خِلَافَ ذَلِكَ، فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ.

(1)

وفي المطبوع: (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي"(1/ 264)

(2)

هو عمران بن حصين الخزاعي الأزدي، كنيته أبو نجيد من عباد الصحابة، أسلم عام خيبر، وغزا مع

رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غزوات، بعثه عُمَر بْن الخطاب إِلَى البصرة، ليفقه أهلها وكان من فضلاء الصحابة، وكان مجاب الدعوة، ولم يشهد الفتنة، مات سنة 52 هـ. انظر:"مشاهير علماء الأمصار لابن حبان (ص: 66)، "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير " (3/ 778) "تاريخ الإسلام للذهبي" (2/ 524) "سير أعلام النبلاء للذهبي " (2/ 508).

(3)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 314)، أبواب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب، حديث (1090).

(4)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 107)، و"مختصر المزني"(ص 27).

(5)

أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2/ 583)، كتاب الصلاة، باب صلاة العريان، حديث (4565)، عن ابن عباس رضي الله عنه قال:«الذي يصلي في السفينة، والذي يصلي عرياناً، يصلي جالساً» ، وأخرجه في (2/ 584)، حديث (4566)، عن ميمون بن مهران قال: سئل علي رضي الله عنه عن صلاة العريان، فقال:«إن كان حيث يراه الناس صلى جالساً، وإن كان حيث لا يراه الناس صلى قائماً» .

(6)

لم أجده. لكن نسبه صاحب " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 137) إلى جامع الخلال بأن الخلال رواه بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنه مثله.

ص: 171

وامَّا الْحَدِيثُ قُلْنَا: هَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ عَلَى الْقِيَامِ، حُكْماً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ سَتْرَ مَا قَدَرَ عَلَى سَتْرِهِ، إِلَّا بِتَرْكِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقِيَامِ، فَكَانَ عَاجِزاً عَنِ الْقِيَامِ، حُكْماً كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

قَوْلُهُ رحمه الله: (إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ)

وَهُوَ الصَّلَاةُ قَاعِداً، أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ قَائِماً؛ لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ، وَفَرْضِيَّةُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، آكَد مِنْ فَرْضِيَّةِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّافِلَةَ تُصَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ، بِإِيمَاءٍ، فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ، بِدُونِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، حَالَةَ الْقُدْرَةِ بِحَالٍ.

فَإِنْ قُلْتَ: هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ؛ وَهِيَ: الْمَعْنَيَانِ الْمَذْكُورَانِ؛ فِي "الْهِدَايَةِ"

بَقَوْلِهِ رحمه الله: (لِأَنَّ السَّتْرَ وَجَبَ لِحَقِّ

(1)

الصَّلَاةِ وَحَقِّ النَّاسِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خَلَفَ لَهُ وَالْإِيمَاءُ خَلَفٌ عَنِ الْأَرْكَانِ)

وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ، يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ الصَّلَاةُ بِدُونِ السَّتْرِ، الَّذِي يَحْصُلُ بِالْقُعُودِ فَلِمَ جُوِّزَتِ الصَّلَاةُ، قَائِماً؛ عَارِياً، مَعَ أَنَّ الْآثَارَ؛ الَّتِي ذَكَرْتُهَا تَقْتَضِي أَيْضاً انْحِصَارَ الْجَوَازِ عَلَى الْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةُ الْجَوَازِ فِي الْقِيَامِ؟

قُلْتُ: لِأَنَّ تَرْكَ الْأَرْكَانِ، وَتَرْكَ السَّتْرِ، لَمَّا اسْتَوَيَا فِي مَنْعِ الْجَوَازِ، حَالَةَ الْقُدْرَةِ، اسْتَوَيَا فِي اقْتِضَاءِ الْجَوَازِ، عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِأَحَدِهِمَا، وَتَرْكُ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ، بِأَحَدِهِمَا إِلَّا عِنْدَ تَرْكِ الْآخَرِ، فَاسْتَوَيَا فِي الْمَيْلِ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَلَا تَسْقُطُ فَرْضِيَّةِ أَحَدِهِمَا، بِفَرْضِيَّةِ الْآخَرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْتِ بِجَمِيعِ فَرْضِيَّةِ السَّتْرِ، لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ الْقَدْرَ، مِنَ السَّتْرِ بِمَقَابَلَةِ تَرْكِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى/ سَتْرِ جَمِيعِ الْعَوْرَةِ، إِنَّمَا قَدَرَ بِالْقُعُودِ، عَلَى سَتْرِ بَعْضِ الْعَوْرَةِ، الْغَلِيظَةِ، فَلَا يَتْرَكُ اخْتِيَارَ تَرْكِ الْأَرْكَانِ، بِمُقَابَلَةِ، مِثْلِ ذَلِكَ السَّتْرِ، وَلَكِنْ قَدْرُ ذَلِكَ السَّتْرِ، يَصْلُحُ لِتَرَجُّحِ

(2)

جَانِبِ السَّتْرِ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ، وَإِنْ قَلَّ، كَانَ هُوَ أَوْلَى بِالاعْتِبَارِ، مِنَ الْأَرْكَانِ؛ لِمَا ذُكِرَ

(3)

مِنَ الْمَعَانِي، وامَّا الْآثَارُ، فَهِيَ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِيَّةِ، لَا لِإِثْبَاتِ الْفَرْضِيَّةِ، بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا.

(1)

في (ب): (بحق).

(2)

في (ب): (للترجيح).

(3)

في (ب): (ذكرنا).

ص: 172

[حكمُ النِّيَةِ للصَّلاةِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَيَنْوِي الصَّلَاةَ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا).

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله: (النِّيَّةُ مَعْرِفَةُ الْقَلْبِ، أَيْ صَلَاةٌ يُصَلِّي)

(1)

، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله

(2)

وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ، كَبَّرَ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَرَادَ

(3)

أَيْ نَوَى وَالْإِرَادَةُ هِيَ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّهَا عَمَلُ الْقَلْبِ، كَالنِّيَّةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ النِّيَّةَ، لَا تَتَأَدَّى بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ الْإِرَادَةِ، وَالْإِرَادَةُ؛ عَمَلُ الْقَلْبِ، لَا عَمَلَ اللِّسَانِ، فَإِنَّ عَمَلَ اللِّسَانِ؛ يُسَمَّى

(4)

كَلَاماً، لَا إِرَادَةً، وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ فَرْضٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}

(5)

وامَّا مَا ذَكَرَهُ بِاللِّسَانِ مَعَ نِيَّةِ الْقَلْبِ سُنَّةٌ، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَفِي "فتاوى قاضي خان"

(6)

.

[أصل النية ووقتها وكيفيتها]

الْكَلَامُ ها هُنَا فِي مَوَاضِعِ الْأَوَّلِ، فِي أَصْلِ النِّيَّةِ، وَالثَّانِي فِي وَقْتِهَا، وَالثَّالِثُ فِي كَيْفِيَّتِهَا، أَمَّا أَصْلُهَا، فَأَنْ يَقْصِدُ بِقَلْبِهِ؛ فَإِنْ قَصَدَ بِقَلْبِهِ، وَذَكَرَ بِلِسَانِهِ، كَانَ أَفْضَلَ [وَ]

(7)

عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لَا بُدَّ مِنَ الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ

(8)

، وامَّا وَقْتُهَا؛ فَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا

(9)

، عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَن تَكُونَ مُقَارَنَةً لِلشُّرُوعِ، وَلَا يَكُونُ شَارِعًا، بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ.

(1)

"المبسوط"للسرخسي (1/ 10).

(2)

(قال محمد رحمه الله: ساقطة من (ب).

(3)

(أراد): ساقطة من (ب) ..

(4)

في (ب): (يقتضي).

(5)

سورة غافر: من آية (14).

(6)

" فتاوى قاضي خان "(ص 100).

(7)

زيادة من (ب)

(8)

ليس شرطاً عند الشافعية والصحيح: عند الشافعي أن النية محلها القلب، لا يشترط أن تتلفظ باللسان. ينظر:"الحاوي الكبير، للماوردي"(2/ 92).

فائدة: يقول شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى"(22/ 230): (نِيَّةُ الطَّهَارَةِ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ أَوْ تَيَمُّمٍ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نُطْقِ اللِّسَانِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ. بَلْ النِّيَّةُ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ دُونَ اللِّسَانِ بِاتِّفَاقِهِمْ فَلَوْ لَفَظَ بِلِسَانِهِ غَلَطًا بِخِلَافِ مَا نَوَى فِي قَلْبِهِ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِمَا نَوَى لَا بِمَا لَفَظَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ خِلَافًا إلَّا أَنَّ بَعْضَ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله خَرَّجَ وَجْهًا فِي ذَلِكَ وَغَلَّطَهُ فِيهِ أَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ. وَكَانَ سَبَبُ غَلَطِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ فِي أَوَّلِهَا. وَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ: التَّكْبِيرَ الْوَاجِبَ فِي أَوَّلِهَا فَظَنَّ هَذَا الغالط أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ النُّطْقَ بِالنِّيَّةِ فَغَلَّطَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ جَمِيعُهُمْ).

(9)

قال ابن نجيم في كتابه "الأشباه والنظائر"(ص: 36): (وَفِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا، أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلشُّرُوعِ، وَلَا يَكُونُ شَارِعًا بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يَقَعُ عِبَادَةً لِعَدَمِ النِّيَّةِ، فَكَذَا الْبَاقِي لِعَدَمِ التَّجَزِّي، وَنَقَلَ ابْنُ وَهْبَانَ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ خَارِجًا عَنْ الْمَذْهَبِ).

ص: 173

وَعَنِ الْكَرْخِيِّ رحمه الله أَنَّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ التَّحْرِيمَةِ، وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ إِلَى مَتَى يَجُوزُ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى انْتِهَاءِ الثَّنَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى التَّعَوُّذِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى أَنْ يَرْكَعَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، فَإِنْ نَوَى قَبْلَ الشُّرُوعِ؛ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله

(1)

أَنَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ الْوُضُوءِ، أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ، أَوِ الْعَصْرَ، مَعَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَشْتَغِلْ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إِلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ؛ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ، بِتِلْكَ النِّيَّةِ.

وامَّا كَيْفِيَّتُهَا فَلَا [يَخْلُو]

(2)

إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِداً، أَوْ مُقْتَدِياً، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْتَرِضاً، أَوْ مُتْنَفِّلاً، مُؤَدِّياً، أَوْ قَاضِياً، فَالْمُتَنَفِّلُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ التَّرَاوِيحُ وَسَائِرُ السُّنَنِ عِنْدَ مَشَايِخِنَا إِلَى آخِرِهِ، وَفِي "شرح الطحاوي"

(3)

فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ بِالنِّيَّةِ وَلِسَانُهُ بِالذِّكْرِ وَيَدُهُ بِالرَّفْعِ.

[تأخر النية عن الفعل]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَلَا مُعْتَبِرٌ بِالْمُتَأَخِّرَةِ مِنْهَا عَنْهُ) أَيْ: بِالْمُتَأَخِّرَةِ مِنَ النِّيَّةِ، عَنِ التَّكْبِيرِ، فَإِنَّ قَوْلُهُ:(الْمُتَأَخِّرَةُ)؛ صِفَةٌ مُطْلَقَةٌ، فَكَانَ قَوْلُهُ:(مِنْهَا) لِلْبَيَانِ، وَقَوْلُهُ:(عَنْهُ) صِلَةٌ لِلْمُتَأَخِّرَةِ، وَهَذَا نَفْيٌ لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ رحمه الله

(4)

عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّيَّةَ مَتَى وُجِدَتْ مُقَارِنَةً

(5)

لِلشُّرُوعِ؛ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ، إِنَّمَا شُرِعَتْ لِتَعْيِينِ الْعَمَلِ، لِلْعِبَادَةِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ لَهَا، فَكَذَا

(6)

إِذَا كَانَتِ النِّيَّةُ، مُقَارِنَةً لِلشُّرُوعِ

(7)

.

(1)

ينظر: " فتاوى قاضي خان "(ص 100).

(2)

في المخطوط (أ): (يح) مختصراً، والمثبت من (ب).

(3)

ذكر في بنصه في " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 48).

(4)

وهو قوله: (عَنِ الْكَرْخِيِّ رحمه الله أَنَّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ التَّحْرِيمَةِ) انظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي (1/ 48) و " البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري " (1/ 291).

(5)

في (ب): (متقارنة)

(6)

في (ب): (بها هكذا).

(7)

(إذا كانت النية مقارنة للشروع): ساقطة من (ب).

ص: 174

فَأَمَّا إِذَا كَانَتِ النِّيَّةُ مُتَأَخِّرَةٌ، عَنِ التَّكْبِيرِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ ابْتَدَءَ الشُّرُوعِ شَرْعٌ بِالْقِيَامِ

(1)

وَالْقِيَامُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْعِبَادَةِ، مَتَى خَلَّا عَنِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِي مِنَ الْأَفْعَالِ يُجْزِيهِ

(2)

بِنَاءً عَلَى أَوَّلِ الْجُزْءِ مِنَ الْقِيَامِ، وأوَّلُ الْجُزْءِ مِنَ الْقِيَامِ، وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، مَتَى تَأَخَّرَتِ النِّيَّةُ، عَنِ التَّكْبِيرَةِ، فَلَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ،

(3)

بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنِ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَقْتُ سَهْوٍ، وَغَفْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ، فَلَوْ شُرِطَتِ النِّيَّةُ، وَقْتَ الشُّرُوعِ؛ وَهُوَ وَقْتُ انْفِجَارِ الصُّبْحِ، لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ.

فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ جُوِّزَتْ، بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، وَمُتَأَخِّرَةٍ فَأَمَّا ها هُنَا، وَقْتُ الشُّرُوعِ، وَقْتُ انْتِبَاهٍ، وَيَقَظَةٍ، فَأَمْكَنَهُ تَحْصِيلُ النِّيَّةِ، حَالَ الشُّرُوعِ، بِلَا حَرَجٍ، فَلَا يَتَأَدَّى، بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ؛ لِأَنَّ مَا أَدَّاهُ، قَبْلَ النِّيَّةِ، لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْعِبَادَةِ، وَبِدُونِ مَا مَضَى، لَا يَتِمُّ الْبَاقِي، وَإِنْ تَعَيَّنَ الْبَاقِي، لِلْعِبَادَةِ بِالنِّيَّةِ، فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ، إِلَّا رِوَايَةً عَنِ الْكَرْخِيِّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: يُجْزِيهِ مَتَى

(4)

نَوَى قَبْلَ الثَّنَاءِ؛ وَلِأَنَّ الثَّنَاءَ مِنْ تَوَابِعِ التَّكْبِيرَةِ، فَكَأَنَّهُ نَوَى عِنْدَ التَّكْبِيرَةِ، وَهِيَ مِنْ جِنْسِهِ.

[التفريق بين النِّية في الفرضِ والسُّنة]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَكَذَا

(5)

إِنْ كَانَتْ سُنَّةً فِي الصَّحِيحِ)

وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي "التَّجْنِيسِ"

(6)

وَفِي السُّنَنِ، يَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ، عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ وَهُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَالاحْتِيَاطُ فِي السُّنَنِ، أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ، مُتَابَعَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، إِنَّمَا يَنْصَرِفُ مُطْلَقُ اسْمِ الصَّلَاةِ، إِلَى التَّطَوُّعِ؛ لِوَجْهَيْنِ:

(1)

في (ب): (شرطنا لقيام).

(2)

(يُجْزِيهِ) ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): (يجزيه).

(4)

في (ب): (حتى).

(5)

في (ب): (وكذلك).

(6)

"التجنيس والمزيد، للمرغيناني"(1/ 416).

ص: 175

أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّفْلَ/ أَدْنَى، فَكَانَ مُتَعَيِّنًا، وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا، فَلَا يَثْبُتُ.

[وَالثَّانِي]

(1)

(وَلِأَنَّ التَّطَوُّعَ مَشْرُوعُ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ، يُوجَدُ بِعَارِضٍ فَصَرَفُ الاسْمِ إِلَى مَشْرُوعِ الْوَقْتِ أَوْلَى)

(2)

لِأَنَّ

(3)

مَشْرُوعَ الْوَقْتِ، مِنْ غَيْرِهِ، بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ، مِنَ

(4)

الْمَجَازِ، وَالْكَلَاُم لِحَقِيقَتِهِ، وَصَارَ هَذَا؛ كَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ، خَارِجَ رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَتْ فَرْضاً؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ فَرْضٍ، كَالظُّهْرِ، مَثَلاً، هَذَا إِذَا قُرِنَ بِلَفْظِ الظُّهْرِ الْيَوْمَ، أَوِ الْوَقْت؛ إِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ، بِأَنْ قَالَ: ظُهْرُ الْيَوْمِ، أَوْ ظُهْرُ الْوَقْتِ، أَوْ فَرْضُ الْوَقْتِ،

(5)

فَأَمَّا إِذَا نَوَى الظُّهْرَ، أَوِ الْفَجْرَ، أَوْ غَيْرَهُمَا، وَلَمْ يَنْوِ ظُهْرَ الْوَقْتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرُ صَلَاةٍ فَائِتَةٍ، فَلَا يَتَعَيَّنُ فَرْضُ الْوَقْتِ، بِهَذَا الاسْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ ظُهْرَ الْوَقْتِ مَشْرُوعٌ، فِي الْوَقْتِ، وَالْفَائِتَةُ لَيْسَ بِمَشْرُوعِ الْوَقْتِ، بَلْ إِنَّمَا يُوجَدُ بِعَارِضٍ، فَمُطْلَقُهُ يَنْصَرِفُ إِلَى ظُهْرِ الْوَقْتِ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْتُ الْفَرْضَ، لَا يَكْفِيهِ أَيْضاً؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ مُتَنَوِّعَةٌ ظُهْراً وَعَصْراً

(6)

وَغَيْرَهُمَا، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّعْيِينِ، فَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ فَرْضَ الْوَقْتِ.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): (أنه).

(4)

في (ب): (و).

(5)

تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ سِرًّا أَمْ لَا؟ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِلْفُقَهَاءِ. فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد: يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا؛ كَوْنُهُ أوْكَدَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا: لَا يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ وَلَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ وَلَا عَلَّمَ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ هَذَا مَشْهُورًا مَشْرُوعًا لَمْ يُهْمِلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مَعَ أَنَّ الْأُمَّةَ مُبْتَلَاةٌ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ. بَلْ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ. أَمَّا فِي الدِّينِ فَلِأَنَّهُ بِدْعَةٌ. وَأَمَّا فِي الْعَقْلِ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ طَعَامًا فَيَقُولُ: نَوَيْت بِوَضْعِ يَدِي فِي هَذَا الْإِنَاءِ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ مِنْهُ لُقْمَةً فَأَضَعُهَا فِي فَمِي فَأَمْضُغُهَا ثُمَّ أَبْلَعُهَا لِأَشْبَعَ. انظر: مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية (22/ 231).

(6)

في (ب): (عن ظهر وعصر)

ص: 176

[هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ سِرًّا أَمْ لَا]

ثُمَّ

(1)

إِذَا نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ، أَوْ ظُهْرَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَنْوِ أَعْدَادَ الرَّكَعَاتِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى الظُّهْرَ، فَقَدْ نَوَى عَدَدَ الرَّكَعَاتِ، هَذَا إِذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَمَا خَرَجَ الْوَقْتُ؛ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، فَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ؛ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بَعْدَ خُروجِ وَقْتِ الظُّهْرِ، فَرْضُ الْوَقْتِ، يَكُونُ هُوَ الْعَصْرُ، فَإِذْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ، كَانَ نَاوِياً الْعَصْرَ وَصَلَاةُ الظُّهْرِ، لَا تَجُوزُ بِنِيَّتِهِ

(2)

وَالْأَوْلَى، أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ الْيَوْمِ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْتُ خَارِجاً، أَوْ بَاقِياً، كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(3)

، وَ"مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ"

(4)

.

[إن كان المصلي مقتدياً بغيره ينوي الصلاة ومتابعته]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا بِغَيْرِهِ يَنْوِي الصَّلَاةَ وَمُتَابَعَتَهُ).

وَفِي "شرح الطحاوي" وَلَوْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ، أَجْزَاهُ، وَقَامَ مَقَامَ نِيَّتَيْنِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَقَالَ: فَأَمَّا إِذَا قَالَ نَوَيْتُ صَلَاةَ الْإِمَامِ، فَهَذَا لَا يَكْفِي لِصِحَّةِ الاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْيِينٌ لِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ بِاقْتِدَائِهِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: أُصَلِّي الصَّلَاةَ؛ الَّتِي يُصَلِّيهَا الْإِمَامُ، فَكَانَ هَذَا تَعْيِيناً، لِمَا يُصَلِّيهَا الْإِمَامُ، لَا اقْتِدَاءً بِالْإِمَامِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَتَى انْتَظَرَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ، ثُمَّ كَبَّرَ بَعْدَهُ كَفَاهُ، عَنْ نِيَّةِ الاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ انْتِظَارَهُ لِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ، قُصِدَ مِنْهُ

(5)

لِلاقْتِدَاءِ، إِلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ، مَا ذَكَرْنَا، أَنَّ الانْتِظَارَ مُتَرَدِّدٌ، قَدْ يَكُونُ لِلاقْتِدَاءِ وَقَدْ يَكُونُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ، فَمَا لَمْ يَقْصِدْ الاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ، لَا يَصِيرُ مُقْتَدِياً؛ بِمُجَرَّدِ الانْتِظَارِ، قَالُوا: وَإِنْ أَرَادَ تَسْهِيلَ الْأَمْرِ، عَلَى نَفْسِهِ، يَقُولُ شَرَعْتُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَيَكْفِيهِ ذَلِكَ وَيَكُونُ نِيَّةً لِلاقْتِدَاءِ بِهِ، وَلِمَا يُصَلِّيهِ الْإِمَامُ، وَفِي "فتاوى قاضي خان":(وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْتُ أَنْ أُصَلِيَ مَعَ الْإِمَامِ، مَا يُصَلِّي الْإِمَامُ)

(6)

.

(1)

في (ب): (لأنه)

(2)

في (ب): (بنية العصر).

(3)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 287).

(4)

انظر: "التجنيس والمزيد، للمرغيناني"(1/ 416).

(5)

في (ب): (بنيته).

(6)

"فتاوى قاض خان"(ص 103).

ص: 177

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَسَادُ الصَّلَاةِ مِنْ جِهَتِهِ)

أَيْ يَلْزَمُ الْمُقْتَدِي، فَسَادُ الصَّلَاةِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْتِزَامِ الاقْتِدَاءِ؛ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ ضَرَرُ الْفَسَادِ، كَانَ ضَرَراً مُلْتَزَماً، وَهَذَا كَمَا يُشْتَرَطُ لِلْإِمَامِ، نِيَّةُ

(1)

إِمَامَةِ النِّسَاءِ، لِهَذَا الْمَعْنَى لِوُجُودِ وَهْمِ

(2)

الْفَسَادِ، مِنِ اقْتَدَائِهِنَّ بِسَبَبِ الْمُحَاذَاةِ.

[مَنْ كَانَ غَائِباً عَنِ الْكَعْبَةِ، فَفَرْضُهُ جِهَةُ الْكَعْبَةِ، لَا عَيْنَهَا]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَمَنْ كَانَ غَائِباً فَفَرْضُهُ إِصَابَةُ جِهَتِهَا هُوَ الصَّحِيحُ)

فَاحْتَرَزَ بِذِكْرِ الصَّحِيحِ، عَنْ قَوْلِ الشَّيْخِ، أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ

(3)

رحمه الله وَذَكَرَ فِي "الْمُحِيطِ": (وَمَنْ كَانَ غَائِبًا عَنِ الْكَعْبَةِ، فَفَرْضُهُ جِهَةُ الْكَعْبَةِ، لَا عَيْنَهَا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ (وَالشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ سِوَى هَذَا، وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ)

(4)

وَعَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ رحمه الله، مَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْهَا، فَفَرْضُهُ عَيْنُهَا لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي النَّصِّ

(5)

.

وَثَمَرَةُ الاخْتِلَافِ، تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ [مَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْهَا، فَرْضُهُ عَيْنُهَا]

(6)

نِيَّةِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَعَلَى [قَوْلِ]

(7)

أَبِي عَبْدِ اللَّهِ

(8)

يُشْتَرَطُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ

(9)

وأبي بَكْرٍ لَا يُشْتَرَطُ، وَهَذَا لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا كَانَتْ إِصَابَةُ عَيْنِهَا فَرْضاً، وَلَا يُمْكِنُهُ إِصَابَةُ عَيْنِهَا، [حَالَ غَيْبَتِهِ عَنْهَا]

(10)

إِلَّا مِنْ حَيْثُ النِّيَّةِ، شَرَطَ نِيَّةَ عَيْنِهَا،

(1)

(نية): ساقطة من (ب).

(2)

في (ب): (توهم).

(3)

الجرجاني: هو محمد بن يحيى بن مهدي أبو عبد الله الجرجاني الفقيه على مذهب أبي حنيفة، سكن بغداد، وتفقه عليه أبو الحسين القُدُوري، له كتاب (ترجيح مذهب أبي حنيفة) و (القول المنصور في زيارة سيد القبور)، وكان يدرس بالمسجد الذي بقطيعة الربيع وحصل له الفالج في آخر عمره توفي سنة 398 هـ. انظر:" تاريخ بغداد للخطيب البغدادي "(4/ 683)، " الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي"(2/ 143)، الأعلام للزركلي (7/ 136).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 270). الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي (1/ 48).

(6)

زيادة من (ب)

(7)

زيادة من (ب)

(8)

انظر: " بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 129).

(9)

المصدر السابق.

(10)

زيادة من (ب).

ص: 178

وَعِنْدَهُمَا؛ لَمَّا كَانَ الشَّرْطُ إِصَابَةَ جِهَتِهَا لِمَنْ

(1)

كَانَ غَائِباً، وَذَلِكَ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْعَيْنِ؛ فَلَا حَاجَةَ إِلَى اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْعَيْنِ وامَّا نَيَّةُ الْكَعْبَةِ، بَعْدَمَا تَوَجَّهَ

(2)

إِلَيْهَا، هَلْ يُشْتَرَطُ أَمْ لَا؟

وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ رحمه الله

(3)

يَقُولُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ. وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ

(4)

رحمه الله يَقُولُ: بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، لِجَوَازِ الصَّلَاةِ

(5)

وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، فِي التَّجْنِيسِ؛ وَنِيَّةُ الْكَعْبَةِ، لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الصَّحِيحِ، مِنَ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْبَيْتِ،

(6)

شَرْطٌ مِنَ الشَّرَائِطِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ، كَالْوُضُوءِ

(7)

.

وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ يَقُولُ: إِنْ كَانَ يُصَلِّي إِلَى الْمِحْرَابِ، فَكَمَا قَالَ الْحَامِدِيُّ

(8)

/ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ، فَكَمَا قَالَ الْفَضْلِيُّ

(9)

وَذَكَرَ الزَّنْدَوِيسْتِيُّ

(10)

فِي نَظْمِهِ

(11)

أَنَّ الْكَعْبَةَ، قِبْلَةُ مَنْ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قِبْلَةُ أَهْلِ مَكَّةَ، مِمَّنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي الْبَطْحَاءِ، وَمَكَّةُ قِبْلَةُ أَهْلِ الْحَرَمِ، وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ أَهْلِ الْعَالَمِ، وَقِيلَ مَكَّةُ وَسَطُ الدُّنْيَا، فَقِبْلَةُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، إِلَى المغرب عِنْدَنَا، وَقِبْلَةُ أَهْلِ المغرب إِلَى الْمَشْرِقِ وَقِبْلَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، إِلَى يَمِينِ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَى المغرب

(12)

وَقِبْلَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ إِلَى يَسَارِ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَى المغرب.

(1)

في (ب): (لما).

(2)

في (ب): (توجهه).

(3)

سبقت ترجمته في صفحة (99).

(4)

هو محمد بن حامد، أبو بكر البخاري الحنفي، شيخ أهل الرأي وفقيههم ببخارى وأعلمهم وأزهدهم في الدنيا وأكرمهم بشمائل أئمتهم في العزلة والورع وتجنب السلطان قدم نيسابور حاجا سنة 360 هـ ومات سنة 383 هـ ببخارى وأغلقت الحوانيت ثلاثة أيام. انظر:" تاريخ الإسلام للذهبي "(8/ 548)، " الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي"(2/ 39).

(5)

المحيط البرهاني لإبن مازة (1/ 283 - 284).

(6)

في (ب): (النية).

(7)

(كالوضوء): ساقطة من (ب).

(8)

ذكر هذا القول صاحب: " المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 284) و" البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 141).

(9)

المصدر السابق.

(10)

هو علي بن يحيى بن محمد، أبو الحسن الزَّنْدَوِيسْتي البخاري: فقيه، له " روضة العلماء ونزهة الفضلاء - خ " في شستربتي (3868) و " نظم " في فقه الحنفية ذكره العجمي والنظم مفقود، توفي عام 382 هـ. انظر" الأعلام للزركلي (5/ 31)، " تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 164).

(11)

ذكره السرخسي في المبسوط في " الحدث في الصلاة "(1/ 206) ونقله في " التجنيس والمزيد، للمرغيناني "(1/ 429).

(12)

(إلى المغرب): ساقطة من (ب) ..

ص: 179

[من كان خائفاً يصلي إلى أي جهة قدر]

وَمَنْ كَانَ خَائِفاً يُصَلِّي إِلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ، بِأَن اخْتَفَى مِنَ الْعَدُوِّ، أَوْ غَيْرِهِ وَيَخَافُ أَنٍّهُ إِذَا تَحَرَّكَ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ

(1)

أَنْ يَشْعُرَ بِهِ الْعَدُوُّ، جَازَ

(2)

لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِداً، أَوْ قَائِماً، بِالْإِيمَاءِ، أَوْ مُضْطَّجِعاً، حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَرِيضاً، لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ يُوَجِّهَهُ، وَكَذَا إِذَا انْكَسَرَتِ السَّفِينَةُ، وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ وَخَافَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، يَسْقُطُ فِي الْمَاءِ؛ يُبَاحُ لَهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، أَنْ يُصَلِّيَ، حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ)، كَذَا فِي "الْمُحِيطِ"

(3)

[من جهل جهة القبلة ولم يجد من يسأله فإنه يجتهد]

وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ، مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا اجْتَهَدَ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ يُخْبِرُهُ، أَنَّ الْقِبْلَةَ هَكَذَا؛ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ، عَلَى خِلَافِ

(4)

خَبَرِهِ، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الاسْتِخْبَارَ

(5)

فَوْقَ التَّحَرِّي، عَلَى مَا ذَكَرَهَا ها هُنَا، وَلَكِنَّ هَذَا إِذَا كَانَ الْمُخْبِرُ، مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ وَهُوَ يَعْلَمُ جِهَةَ الْقِبْلَةِ، وامَّا إِذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ، فَهُوَ وَالْمُتَحَرِّي

(6)

سَوَاءٌ، فَلَا يَتْرُكُ تَحَرِّيهِ بِخَبَرِهِ، وَفِي "التَّجْنِيسِ": (رَجُلٌ كَانَ بِالْمَفَازَةِ

(7)

فَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَأَخْبَرَهُ رَجُلَانِ؛ أَنَّ الْقِبْلَةَ إِلَى هَذَا الْجَانِبِ، وَوَقَعَ اجْتِهَادُهُ إِلَى جَانِبٍ آخَرَ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَهُمَا مُسَافِرَانِ مِثْلُهُ، لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِالاجْتِهَادِ فَلَا يَتْرُكَ اجْتِهَادَهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ)

(8)

.

(1)

(القبلة): ساقطة من (ب).

(2)

في (ب): (وجاز).

(3)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 284 - 485).

(4)

(خلاف): ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): (الاستحباب).

(6)

في (ب): (والمتحرك).

(7)

في (ب): (في المفازة).

(8)

"التجنيس والمزيد، للمرغيناني"(1/ 420) مسألة رقم (429).

ص: 180

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إِلَّا التَّوَجُّهُ إِلَى جِهَةِ التَّحَرّي)

فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا التَّعْلِيلُ؛ لَا يَكُونُ جَوَاباً، لِمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ

(1)

فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّكْلِيفَ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ، لَكِنَّ هَذَا حَالُ الْعَمَلِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ حَالَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ بِالْفِعْلِ بِمَا فِي وُسْعِهِ، وَلَا يَأْثَمُ بِمَا فَعَلَ عِنْدَ ظُهُورِ الْخَطَأِ، فَأَمَّا إِذَا ظَهَرَ خَطَؤُهُ، يَقِيناً، فَكَانَ فِعْلُهُ كَلَا فِعْلٍ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ، كَمَا إِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ بِاجْتِهَادِهِ، عَلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ؛ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَكَمَا إِذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ، فِي الْأَوَانِي، بِالتَّحَرِّي؛ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَكَمَا إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ، فِي حُكْمٍ، ثُمَّ وَجَدَ نَصّاً، بِخِلَافِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، لِظُهُورِ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ مَعَ جَوَازِ الْعَمَلِ، (بِمَا فِي وُسْعِهِ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ بِالْعَمَلِ بِذَلِكَ)

(2)

.

وَالَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ قَبِيلِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُسْتَدْبِراً لِلْقِبْلَةِ فِي صَلَاتِهِ؛ ظَهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ، فَكَانَ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ، أَوْ عَنْ

(3)

يَسَارِهَا، فَأَنَا أُسَاعِدُكُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ.

قُلْتُ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ؛ جَوَابٌ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالشَّيْءِ، الَّذِي غَابَ عَنْهُ عِلْمُهُ حَقِيقَةً عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا

(4)

غَابَ عَنْهُ عِلْمُهُ حَقِيقَةً، وَلَكِنْ لَوِ اسْتَقْصَى فِي طَلَبِهِ، يُمْكِنُ دَرْكُ حَقِيقَتِهِ، أَوْ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فَيُشْبِهُهُ.

وَالثَّانِي: هُوَ مَا انْقَطَعَ [عَنْهُ]

(5)

عِلْمُهُ حَقِيقَةً عَنْ جِنْسِ

(6)

الْإِنْسِ، وَلَا يُدْرِكُ حَقِيقَتَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنِ اسْتَقْصَاهُ، فَمِن الْأَوَّلِ [هُوَ]

(7)

مَا ذَكَرْتُهُ مِنَ الْمَسَائِلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ رُوِيَ لَهُ نَصٌّ بِخِلَافِهِ كَانَ

(8)

الْجَهْلُ بِهِ، جَاءَ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي الطَّلَبِ؛ فَإِنَّهُ

(9)

لَوْ طَلَبَ [حَقَّ الطَّلَبِ]

(10)

لَأَصَابَهُ فَصَارَ كَالَّذِي اجْتَهَدَ فِي الْمِصْرِ، وَ

(11)

أَخْطَأَ الْمِحْرَابَ، وَكَذَلِكَ الْمُصَلِّي فِي ثَوْبٍ أُمِرَ بِإِصَابَةِ الطَّاهِرِ حَقِيقَةً، لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ غَسْلَ ذَلِكَ بِمَاءٍ، ثُمَّ اسْتِصْحَابُهُ

(12)

مَعَ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا خَفِيَ عَلَيْهِ، لِنِسْيَانِهِ الطَّاهِرِ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ، كَانَ فِي وُسْعِهِ اسْتِخْبَارِهِ، مِمَّنْ لَهُ الْعِلْمُ بِحَقِيقَةِ نَجَاسَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فِي وُسْعِهِ، كَانَ فِي وُسْعِهِ إِرَاقَتِهِ، وَالتَّيَمُّمُ الَّذِي يَخْلُفُهُ، لَا شُبْهَةَ فِيهِ وامَّا

(13)

عِلْمُ جِهَةِ الْكَعْبَةِ، فَمِنَ الْنَوْعِ الثَّانِي، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَبْنَى عِلْمِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ لِلْغَائِبِ عَنِ الْكَعْبَةِ، عَلَى النَّجْمِ لَا عَلَى خَبَرِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْمُخْبِرَ، لَوْ أَخْبَرَ؛ إِنَّمَا يُخْبِرُهُ

(14)

عَنِ النَّجْمِ أَيْضاً، ثُمَّ كُلٌّ مِنْهُمَا عَجَزَ عَنِ الاسْتِدْلَالِ، بِالنَّجْمِ لِعَارِضِ الْغَيْمِ، وَذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَسَقَطَ بِهِ، خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى، لِمَا لَمْ يُعْطَ قُدْرَةُ إِزَالَتِهِ إِيَّاهُ، فَلْمَ يَعْمَلْ فِيمَا مَضَى، وَإِنْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ يَقِيناً، كَنَصٍّ نَزَلَ بَعْدَ الْعَمَلِ، بِخِلَافِهِ، أَوْ نَزَلَ وَلَمْ يُبْلِغْهُ، لَا بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ، كَمَا فِي ابْتِدَاءِ حُرْمَةِ الْخَمْرِ، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}

(15)

.

(1)

"الأم" للشافعي (1/ 93).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

(عن): ساقطة من (ب).

(4)

(ما): ساقطة من (ب).

(5)

(عنه): زيادة من (ب)

(6)

في (ب): (حس)

(7)

زيادة من (ب)

(8)

في (ب): (كأن)

(9)

في (ب): (لأنه)

(10)

زيادة من (ب)

(11)

في (ب): (أو)

(12)

في (ب): (الموضع لاستصحابه).

(13)

في (ب): (وإنما).

(14)

في (ب): (أخبره).

(15)

سورة المائدة: من آية (93).

ص: 181

وَمِنْ نَظِيرِ النَّوْعَيْنِ، جَهْلُ الذِّمِّيِّ بِالشَّرَائِعِ، بَعْدَ الْإِسْلَامِ، زَمَانًا وَجَهْلُ الْحَرْبِيِّ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ، قَضَاءُ مَا مَضَى/ لِأَنَّ الْجَهْلَ، كَانَ لِسَبَبِ

(1)

تَقْصِيرِهِ فِي الطَّلَبِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ دَارُ الْعِلْمِ بِالشَّرَائِعِ، فَلَمْ يُعْذَرْ فِي الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ حَيْثُ

(2)

لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى؛ لِأَنَّ الْوِلَايَاتِ مُنْقَطِعَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ جَهْلُهُ بِهَا، بِسَبَبِ تَقْصِيرِهِ، فَعُذِرَ فِي

(3)

الْقَضَاءِ بَعْدَ الْعِلْمِ، هَذَا حَاصِلُ مَا ذُكَرَ فِي "الأسرار".

فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، كَانَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله:(وَالتَّكْلِيفُ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ) رَاجِعاً إِلَى الْوُسْعِ؛ الَّذِي لَوْ بَالَغَ فِي الْجُهْدِ؛ لَأَصَابَهُ؛ لِأَنَّهُ مُحَلَّى بِالْأَلَفِ، وَاللَّامِ، فَكَانَ مُسْتَغْرِقاً لِجَمِيعِ

(4)

مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوُسْعِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ وُسْعُ مَا فِي الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ، صَارَ كَنَصٍّ نَزَلَ بَعْدَ الْفِعْلِ، وَكَإِسْلَامِ الْحَرْبِيِّ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ، فَكَذَا هَذَا.

أَوْ نَقُولُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، إِنَّ النَّجَاسَةَ، وأمثالها، مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يُحْتَمَلُ الانْتِقَالُ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى مَحَلٍّ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَمَلُ، إِلَّا بِظَاهِرِ مَا أَدّى إِلَيْهِ تَحَرِّيهِ،

(5)

فَإِذَا ظَهَرَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ أَبْطَلَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلانْتِقَالِ؛ حَتَّى يُقَالَ أَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، [طَاهِراً]

(6)

ثُمَّ تَنَجَّسَ بَعْدَهُ

(7)

بِالْيَقِينِ، بَلْ هُوَ حِينَ صَلَّى، كَانَ ذَلِكَ الثَّوْبُ، مَوْصُوفاً بِالنَّجَاسَةِ.

وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقَاضِي بِالاجْتِهَادِ، وَفِيهِ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، وامَّا الْقِبْلَةُ، فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَحْتَمِلُ الانْتِقَالَ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا انْتَقَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إِلَى الْكَعْبَةِ، وَمِنْ عَيْنِ

(8)

الْكَعْبَةِ، إِلَى الْجِهَةِ، إِذَا بَعُدَ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ، إِلَى سَائِرِ الْجِهَاتِ، إِذَا كَانَ رَاكِباً؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ إِلَيْهِ رَاحِلَتُهُ، فَبَعْدَمَا صَلَّى إِلَى جِهَةِ

(9)

التَّحَرِّي، إِذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ، يَنْتَقِلُ فَرْضُ التَّوَجُّهِ

(10)

إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ أَيْضاً، فَكَانَ تَبَدُّلُ

(11)

الرَّأْيِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ، فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا يَظْهَرُ بِهِ بُطْلَانُ مَا مَضَى، كَمَا فِي النَّسْخِ الْحَقِيقِيِّ، لِأَنَّ الشَّرْطَ [بِمَنْزِلَةِ]

(12)

أَنْ يَكُونَ مُبْتَلًى، فِي التَّوَجُّهِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ؛ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ

(13)

الْأَمْرِ، بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ

(14)

.

(1)

في (ب): (بسبب).

(2)

(حيث): ساقطة من (ب).

(3)

(في): ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): (بجميع).

(5)

في (ب): (يجزيه).

(6)

في المخطوط (أ): ظاهرا، والمثبت من (ب).

(7)

في (ب): (بعد).

(8)

(عين): ساقطة من (ب).

(9)

في (ب): (جهته).

(10)

في (ب): (فوصل يتوجه).

(11)

في (ب): (ببذل).

(12)

زيادة من (ب)

(13)

في (ب): (في).

(14)

في (ب): (القبلة).

ص: 182

لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا جِهَةَ لَهُ حَتَّى يُتَوَجَّهُ إِلَيْهِ)

(1)

وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا إِذَا صَلَّى إِلَى الْجِهَةِ؛ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهِ تَحَرِّيهِ

(2)

.

[أحوال المأمومين مع الإمام]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ)

(3)

.

أَيْ: مِنَ الْقَوْمِ الْمُقْتَدِينَ، بِهَذَا الْإِمَامِ، وَهَذَا الْقَيْدُ؛ وَهُوَ عِلْمُ الْمُقْتَدِينَ حَالَ كَوْنِهِمْ مَأْمُومِينَ لَيْسَ بِلَازِمٍ، فِي حَقِّ فَسَادِ صَلَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ لَوْ عَلِمَ حَالَ الْإِمَامِ

(4)

قَبْلَ الاقْتِدَاءِ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ حَالُ الْإِمَامِ، فِي وَقْتِ الاقْتِدَاءِ، عَلَى حَالِ الصِّحَّة؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمُصنِّفُ رحمه الله فِي "التَّجْنِيسِ"(رَجُلٌ تَحَرَّى الْقِبْلَةَ، فَأَخْطَأَ، فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ؛ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، إِلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ وَقَدْ عَلِمَ حَالَهُ، الْأَوْلَى لَا يَجُوزُ صَلَاةُ الدَّاخِلِ، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي صلَاتِهِ، وَعَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى الْخَطَأِ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَلَوْ عَلِمَ مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ أَنَّ الْإِمَامَ عَلَى الْخَطَأِ، وَدَخَلَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ يَجُزْ فَكَذَا هَذَا)

(5)

، وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ

(6)

.

(1)

لفظ "الجهة" يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فلفظ «الجهة» قد يراد به شيء موجود غير الله فيكون مخلوقا، كما إذا أريد بالجهة نفس العرش أو نفس السموات. وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى، كما إذا أريد بالجهة ما فوق العال. ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ «الجهة» ولا نفيه، كما فيه إثبات «العلو» و «الاستواء» و «الفوقية» و «العروج إليه» ونحو ذلك. وقد عُلم أن ما ثمّ موجود إلا الخالق والمخلوق، والخالق مباين للمخلوق سبحانه وتعالى، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته. فيقال لمن نفى الجهة: أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق، فالله ليس داخلا في المخلوقات؛ أم تريد بالجهة ما وراء العالم، فلا ريب أن الله فوق العالَم، بائن من المخلوقات ""التدمرية/ لابن تيمية "(ص: 66).

(2)

(تحريه): ساقطة من (ب).

(3)

قال صاحب الهداية: (وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ بِحَالِ إمَامِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) قال الشارح: لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَإِ " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 273).

(4)

(حال الإمام): ساقطة من (ب).

(5)

"التجنيس والمزيد، للمرغيناني"(422).

(6)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 121).

ص: 183

وَذَكَرَ فِي "الْإِيضَاحِ"

(1)

: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ -رحمهما الله-: إِذَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى جِهَةٍ، فَصَلَّى إِلَى غَيْرِهَا؛ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ إِذَا أَصَابَ

(2)

؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ، كَمَا فِي الْأَوَانِي، إِذَا تَحَرَّى، فَتَوَضَّأَ بِغَيْرِ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ

(3)

أَنَّهُ كَانَ مُصِيباً، وَهُمَا يَقُولَانِ: بِأَنَّ الْجِهَةَ؛ الَّتِي أَدَّى إِلَيْهَا اجْتِهَادُهُ، هِيَ الْقِبْلَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وُسْعَ لَهُ، إِلَّا هَذَا، فَكَانَ التَّكْلِيفُ [بِهِ]

(4)

لَا غَيْرَ، وَبِتَرْكِهِ صَارَ إِعْرَاضاً عَنِ الْقِبْلَةِ، بِخِلَافِ الْأَوَانِي، لِأَنَّ مَا

(5)

اسْتُعْمِلَ لَمْ يَنْزِلْ مَنْزِلَةَ الطَّاهِرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ تَوَضَّأَ، بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، إِذَا ظَهَرَ خَطَؤُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ..

كِتَابُ الصَّلاة

‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ التَّوَابِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ، الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَةٌ عَلَى الصَّلَاةِ، وُجُوداً، لِكَوْنِهَا شُرُوطاً وأسْبَاباً، وَمُقَدِّمَة ٌعَلَيْهَا أَيْضاً؛ ذِكْراً لِيَكُونَ الذِّكْرُ، عَلَى وِفَاقِ الْوُجُودِ؛ شَرَعَ بِبَيَانِ الْمَتْبُوعِ وَكَيْفِيَّتِهِ؛ وَهُوَ الصَّلَاةُ، وَصِفَاتُهَا فَقَالَ:(بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ) هَذَا مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الْجُزْءِ إِلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ؛ جُزْءُ الصَّلَاةِ، إِذْ هَذِهِ

(6)

الْأَوْصَافِ، أَوْصَافٌ ذَاتِيَّةٌ، لِمَا أَنَّ عِنْدَ تَمَامِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، تَتَمُّ الصَّلَاةُ، فَجَازَ أَنْ يُوصَفَ الْعَرْضُ؛ بِالصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ، كَاللَّوْنِيَّةِ، وَالْعَرَضَيَّةِ، وَاسْتِحَالَةُ الْبَقَاءِ، فَيُقَالُ: السَّوَادُ عَرَضٌ، وَلَوْنٌ، وَمُسْتَحِيلُ الْبَقَاءِ

(7)

وَإِنَّمَا لَا يُوصَفُ بِصِفَاتٍ زَائِدَةٍ عَلَى الذَّاتِ، كَالْبَقَاءِ، وَالْحَيَاةِ، وَالْقُدْرَةِ مَعَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا حُكْمُ الْجَوَاهِرِ؛ فَلِذَلِكَ

(8)

تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ، وَالْفَسَادِ، وَالْجَوَازِ وَالْبُطْلَانِ، وَالْفَسْخِ، وَالْإِقَالَةِ، وَالانْتِقَالِ، وَالْبَقَاءِ، وَالْجُزْءِ وَالْكُلِّ.

(1)

انظر: "المبسوط للسرخسي"(10/ 193)، " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(2/ 277).

(2)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 121).

(3)

(تبين): ساقطة من (ب).

(4)

زيادة من (ب)

(5)

في هامش المخطوط (أ): (ما لم يستعمل).

(6)

في (ب): (هي).

(7)

انظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 154).

(8)

في (ب): (فكيف).

ص: 184

وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الشَّرْعِيَّةَ، بِفَضْلِهِ، سَبَبَ اسْتِحْبَابِ/ جِنَانٍ

(1)

لَا تَفْنَى وَاسْتِحْقَاقِ حِسَانٍ لَا تَضْنَى، وَاسْتِصْحَابِ جِيرَانٍ لَا تَحْنَى.

وَفِي "الصِّحَاحِ": وَصَفْتُ الشَّيْءَ وَصْفاً وَصِفَةً، فَالْهَاءُ

(2)

عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ، كَالْوَعْظِ وَالْعِظَةِ، وَالْوَعْدِ، وَالْعِدَةِ

(3)

وَلَكِنْ هُمَا يَتَفَاوَتَانِ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْكَلَامِ، فَقَالَ الْإِمَامُ سَيْفُ الْحَقِّ أَبُو الْمُعِينِ رحمه الله

(4)

فِي "الاسْمِ وَالْمُسَمَّى"

(5)

: وَزَعَمَتِ الْمُعْتَزَلَةُ، وَالْأَشْعَرِيَّةُ بِأَنَّ الْوَصْفَ وَالصِّفَةَ لَفْظَانِ، يُنْبِئَانِ عَنْ مَعْنىً وَاحِدٍ، وَهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ، كَلَفْظِ الْأَسَدِ، وَاللَّيْثِ، وأصْحَابُنَا يَقُولُونَ، إِنَّ الْوَصْفَ: هُوَ كَلَامُ الْوَاصِفِ، وَالصِّفَةُ: هِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِ الْمَوْصُوفِ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: زَيْدٌ عَالِمٌ؛ وَصْفٌ لِزَيْدٍ لَا صِفَةَ لَهُ، وَعِلْمُهُ الْقَائِمُ بِهِ صِفَتُهُ، لَا وَصْفَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ قِيَامَ الْوَصْفِ بِالْوَاصِفِ، وَقِيَامَ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ.

[فَرَائِضُ الصَّلَاةِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ)،

وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ: سِتٌّ

(6)

؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، لَكِنَّهُ قَالَ: عَلَى تَأْوِيلِ الْفُرُوضِ، كَقَوْلِهِ: وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ

(7)

إِبْقَالَهَا عَلَى تَأْوِيلِ الْمَكَانِ ثُمَّ ذَكَرَهَا

(8)

بِلَفْظِ الْفَرَائِضِ دُونَ غَيْرِهَا، لِمَا أَّنَهَا أَعَمُّ مِنْ لَفْظِ الْأَرْكَانِ، وَالشُّرُوطِ؛ إِذْ لَفْظُ الْفَرَائِضِ، يَتَنَاوَلُهَا فَإِنَّ الَأَرْبَعَةَ مِنْهَا، وَهِيَ: الْقِيَامُ، وَالْقِرَاءَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ، أَرْكَانٌ أَصْلِيَّةٌ، وَالتَّحْرِيمَةُ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ، وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ، فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا، إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ رُكْنًا أَصْلِيًّا فِي الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا شُرِعَتْ هِيَ شَرْطًا لِلتَّحْلِيلِ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

(1)

في (ب): (استحقاق حياة).

(2)

في (ب): (فالتاء).

(3)

ينظر: "مختار الصحاح، للرازي"(ص 740).

(4)

هو ميمون بن محمد بن محمد بن معتمد بن محمد بن محمد بن مكحول بن الفضل، الإمام، الزاهد، أبو المعين المكحولي، النسفي رضي الله عنه قال عمر بن محمد النسفي في كتاب " القند ": هو أستاذي، كان بسمرقند مدة، وسكن بخارى، يغترف علماء الشرق والغرب من بحاره، ويستضيئون بأنواره، توفي في الخامس والعشرين من ذي الحجة، وعمره سبعون سنة: 508 هـ. انظر: "تاريخ الإسلام للذهبي"(11/ 119)، " الجواهر المضية في طبقات الحنفية" للقرشي (2/ 189).

(5)

ينظر: " تبصرة الأدلة في أصول الدين" لأبي المعين ميمون بن محمد النسفي، (ص 160) وما بعدها.

(6)

في (ب): (سبب).

(7)

بقل: بَقَلَ الشيءُ: ظهَر. والبَقْل: مَعْرُوفٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: البَقْل مِنَ النَّبَاتِ مَا لَيْسَ بِشَجَرِ دِقٍّ ولا جِلٍّ، وحقيقة رَسْمِهِ أَنه مَا لَمْ تَبْقَ لَهُ أُرومة عَلَى الشتاء بعد ما يُرْعى، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: مَا كَانَ مِنْهُ يَنْبُتُ فِي بَزْره وَلَا يَنْبُتُ فِي أُرومة ثَابِتَةٍ فَاسْمُهُ البَقْل، وَقِيلَ: كُلُّ نَابِتَةٍ فِي أَول مَا تَنْبُتُ فَهُوَ البَقْل، وَاحِدَتُهُ بَقْلَة، وفَرْقُ مَا بَيْنَ البَقْل ودِقِّ الشَّجَرِ أَن البَقْل إِذا رُعي لَمْ يَبْقَ لَهُ سَاقٌ وَالشَّجَرُ تَبْقَى لَهُ سُوق وإِن دَقَّت. وابْقَلَت الأَرضُ: خَرَجَ بَقْلها؛ قَالَ عَامِرُ بْنُ جُوَين الطَّائِيُّ:

فَلَا مُزْنَةٌ ودَقَتْ وَدْقَها،

وَلَا أَرْض أَبْقَلَ إِبْقَالَها. انظر: " لسان العرب لابن منظور"(11/ 60).

(8)

في (ب): (ذكر ها هُنَا).

ص: 185

وَذَكَرَ فِي "التُّحْفَةِ": (لِلصَّلَاةِ فَرَائِضٌ، وَوَاجِبَاتٌ، وَسُنَنٌ، وَآدَابٌ، أَمَّا الْفَرَائِضُ فَثِنْتَا عَشَرَةَ، سِتَّةٌ مِنَ الشَّرَائِطِ، وَسِتَّةٌ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ، فَأَمَّا السِّتَّةُ؛ الَّتِي مِنَ الشَّرَائِطِ: فَالطَّهَارَةُ وَسَتْرُ الَعَوْرَةِ، واسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَالْوَقْتُ، وَالنِّيَّةُ، وَالتَّحْرِيمَةُ؛ وَهِيَ تَكْبِيرَةُ الافْتِتَاحِ

وامَّا

(1)

السِّتَّةُ، الَّتِي هِيَ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ: فَالْقِيَامُ، وَالْقِرَاءَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ وَالانْتِقَالُ مِنْ رُكْنٍ إِلَى رُكْنٍ، وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ، إِلَّا أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأُولَى مِنَ الْأَرْكَانِ، دُونَ الاثْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ؛ حَتَّى أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُصَلِّي، فَقَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ، يَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدِ الْقَعْدَةُ، وَلَوْ أَتَى بِمَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا يَحْنَثُ)

(2)

.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ يَفْتَقِرُ

(3)

إِلَى سِتَّةِ أَشْيَاءَ؛ الْعَيْنُ؛ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ وَالرُّكْنُ

(4)

؛ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءِ الْمَاهِيَّةِ

(5)

، وَالْحُكْمُ؛ وَهُوَ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِالشَّيْءِ، وَالْمَحَلِّ، وَالشَّرْطِ وَالسَّبَبِ.

(1)

في (ب): (وأما).

(2)

" تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 95 - 96).

(3)

في (أ): (يقتصر)، والمثبت من (ب).

(4)

الركن لغة: الناحية القوية وأركان كل شيء: جوانبه التي يستند إليها ويقوم بها.

واصطلاحًا: ما لا وجود للشيء إلا به كالقيام والركوع والسجود للصلاة، وأركان العبادات جوانبها التي عليها مبناها وبتركها بطلانها. انظر:"لسان العرب لابن منظور"(13/ 185، 186)، "تاج العروس، للزبيدي"(9/ 219)، "كشف الأسرار للبخاري"(3/ 344).

(5)

قال الحلبي رحمه الله: (الجزء الذاتي الذي تتركب الماهية منه ومن غيره؛ يَعْنِي بِأَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْهَا يَتَوَقَّفُ تَقَوُّمُهَا عَلَيْهِ، وَالْمَاهِيَّةُ مَا بِهِ الشَّيْءُ هُوَ هُوَ، سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْهَا بِمَا هُوَ.). "رد المحتار"(1/ 94 و 90)

وقال العيني رحمه الله: (الركن ما يتوقف عليه وهو داخل في الماهية)" البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 99).

ص: 186

فَالْعَيْنُ هُنَا؛ الصَّلَاةُ، وَالْأَرْكَانُ؛ الْقِيَامُ، وَالْقِرَاءَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ، وَالْمَحَلُّ؛ الْآدَمِيُّ الْمُكَلَّفُ، وَالشَّرْطُ؛ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْحُكْمُ؛ الْجَوَازُ فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابُ فِي الْآخِرَةِ

(1)

فَالسَّبَبُ؛ الْأَوْقَاتُ، وَالْكَلَامُ فِي التَّحْرِيمَةِ بِأَنَّهَا رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ يَأْتِي بُعَيْدَ هَذَا.

قَوْلُهُ: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}

(2)

أَيْ: وَاخْتَصِّ

(3)

رَبَّكَ بِالتَّكْبِيرِ؛ وَهُوَ الْوَصْفُ بِالْكِبْرِيَاءِ، وانْ يُقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُ أَكْبَرُ» فَكَبَّرَتْ خَدِيجَةُ رضي الله عنها وَفَرِحَتْ وأيقنت أَنَّهُ الْوَحْيُ، فَإِنَّ سُورَةَ الْمُدَّثِّرِ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ

(4)

، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَعْنَى الشَّرْطِ أَيْ: أَيَّ شَرْطٍ كَانَ

(5)

كَأَنَّهُ قِيلَ: وأيًّا مَا كَانَ

(6)

فَلَا تَدَعْ تَكْبِيرَهُ. كَذَا فِي "الْكَشَّافِ"

(7)

.

[حُكم تكبيرة الإحرام]

وَالتَّكْبِيرُ لِلشُّرُوعِ

(8)

لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ، وَالشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ

(9)

جُعِلَ بِالتَّكْبِيرِ عُرِفَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.

أَمَّا الْكِتَابُ؛ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}

(10)

نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}

(11)

وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ.

(1)

في (ب): (العقبى).

(2)

سورة المدثر: آية (3).

(3)

في (ب): (وخصّ).

(4)

لم أعثر عليه في كتب السنة بهذا اللفظ -حسب اجتهادي-، وورد في صحيح البخاري حديث (4922)(6/ 161)، عَنْ يَحْيَى ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ، سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، قَالَ:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1].

(5)

(أيْ أيَّ شرط كان) ساقطة من (ب).

(6)

في (ب): (وما كان).

(7)

"تفسير الكشاف" للزمخشري (4/ 645).

(8)

في (ب): (المشروع).

(9)

(والشروع في الصلاة) ساقطة من (ب).

(10)

سورة الأعلى: (15).

(11)

سورة المدثر: (3).

ص: 187

وامَّا السُّنَةُ؛ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وأبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مُفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ»

(1)

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقْبَلِ اللَّهُ صَلَاةَ امْرِئٍ حَتَّى يَضَعَ الطَّهُورَ مَوَاضِعِهِ»

(2)

وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ.

وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ

(3)

؛ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ الْأَصَمَّ، وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، وَالْحَسَنَ، وَكَثِيراً مِنْ أَصْحَابِهِمْ إِنْ خَالَفُونَا فِي الْقِرَاءَةِ، أَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ سُنَّةٌ، فَقَدْ وَافَقُونَا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى؛ أَنَّهَا فَرْضٌ، لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ جُعِلَ شَرْطاً لِلشُّرُوعِ شَرْعا كَالطَّهَارَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْهُ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ".

(1)

أخرجه الترمذي في: سننه" (1/ 317)، أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها، حديث (238)، وأخرجه بن ماجه في"سننه" (1/ 101)، كتاب الطهارة وسننها، باب مفتاح الصلاة الطهور، حديث رقم (275) و (276)، وأخرجه بن أبي شيبة في"المصنف" (2/ 392 - 393)، كتاب الصلوات، باب في مفتاح الصلاة ما هو؟، حديث (2395)، وأخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/ 36)، حديث (2390)، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 224)، كتاب الطهارة، حديث (457)، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 85)، كتاب الصلاة، جماع أبواب صفة الصلاة، باب صفة الركوع، حديث (2655)، وقال ابو عبدالله الحاكم:(هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وشواهده عن أبي سفيان، عن أبي نضرة كثيرة).

(2)

قال ابن الملقن وابن حجر العسقلاني: (هذا الحديث غريب بهذا اللفظ، لا أعلم من خرجه كذلك). ينظر: "البدر المنير، لابن الملقن (1/ 683)، و" التلخيص الحبير" لابن حجر العسقلاني (1/ 224).

(3)

قال النووي: (وتكبيرة الإحرام واجبه عند مالك والثوري والشافعي وأبي حنيفة وأحمد والعلماء كافه، من الصحابة والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم، إلا ماحكاه القاضي عياض رحمه الله وجماعة عن ابن المسيب والحسن والزهري وقتادة والحكم والأوزاعي: أنه سنه ليس بواجب، وأن الدخول في الصلاة يكفي فيه النية، ولا أظن هذا يصح عن هؤلاء الأعلام). انظر: "شرح النووي على مسلم" (4/ 96 (

ص: 188

وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله: (وامَّا التَّكْبِيرُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِلشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ، إِلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ عُلَيَّةَ، فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ يَصِيرُ شَارِعًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَالْأَذْكَارُ عِنْدَهُمَا كَالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ، زِينَةُ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، قَالَا لِأَنَّ مَبْنِيَّ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ، لَا عَلَى الْأَذْكَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنِ الْأَذْكَارِ [كَانَ]

(1)

الْقَادِرَ عَلَى الْأَفْعَالِ يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ/ وَلَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}

(2)

أَيْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُ

(3)

قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}

(4)

تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ لَا يَكُونُ وَاجِباً؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ الْأَعْضَاءِ، واشْرَفُ الْأَعْضَاءِ اللِّسَانِ؛ [لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَّ عَلَيْهِ بِهِ بِقَوْلِهِ:{عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}

(5)

؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا بَايَنَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ، بِالْبَيَانِ بِاللِّسَانِ]

(6)

فَلَا بُدَّ مِنْ

(7)

أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ»

(8)

فَدَلَّ أَنَّ بِدُونِهِ لَا يَصِيرُ شَارِعاً، وَتَحْرِيمَةُ الصَّلَاةِ، تَتَنَاوَلُ اللِّسَانَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ، فَلَوْ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ التَّحْرِيمَةُ، لَمْ يَكُنْ مُفْسِداً كَالنَّظَرِ بِالْعَيْنِ، وَمَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ دُونَ الْكَفِّ، فَكُلُّ مَا تَتَنَاوَلُهُ التَّحْرِيمَةُ، يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ).

(9)

(1)

زيادة من (ب)، والمعنى: وكان قادراً على الأفعال.

(2)

سورة الأعلى: (15).

(3)

في (ب): (بظاهر).

(4)

سورة طه: (14).

(5)

سورة الرحمن: آية (4).

(6)

زيادة من (ب).

(7)

(من) ساقطة من (ب).

(8)

انظر: تخريجه في الصفحة السابقة (ص: 267).

(9)

"المبسوط"للسرخسي (1/ 11).

ص: 189

[القراءة في الصلاة]

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}

(1)

قَالَ عُلَمَاؤُنَا

(2)

رحمهم الله الْقِرَاءَةُ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ أَصْلِيٌّ

(3)

وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِمَّنْ لَا

(4)

تَبَعَ لَهُ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ؛ لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْفِعْلِ، دُونَ الْقَوْلِ يُخَاطِبُ (بِالصَّلَاةِ دُونَ الْقَادِرِ عَلَى الْقَوْلِ بِلَا فِعْلٍ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ عَنِ الْمُقْتَدِي إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ)

(5)

بِالْإِجْمَاعِ وَرُكْنُ الصَّلَاةِ لَا يَسْقُطُ بِالاقْتِدَاءِ.

وَلَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}

(6)

وَهُوَ إِنَّمَا نَزَلَ فِي شَأْنِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ صَدْرِ الْآيَةِ وَسِيَاقُهَا؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وانَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} }

(7)

.

فَأَرْكَانُ

(8)

الصَّلَاةِ شُرِعَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَفَرِّقَةً، وَجَمَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَضَرْبٌ مِنَ الْفِقْهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ قَاطِعٌ لِلصَّلَاةِ، فَلَوْلَا أَنَّ اللِّسَانَ يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الصَّلَاةِ، وَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِ [أَدَاءَ]

(9)

رُكْنٍ مِنْهَا، وَإِلَّا لَمَا تُصُوِّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا لَمْ

(10)

يَتَعَلَّقْ بِالْعَيْنِ، لَمْ يَكُنِ النَّظَرُ قَاطِعاً، وَكَذَلِكَ الْآذَانُ

(11)

وَلَمَّا تَعَلَّقَ بِالْبَدَنِ جُمْلَةٌ مِنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ وَرُكُوعٍ، وَسُجُودٍ، وَاسْتِقْبَالٍ كَانَ عَمَلُ الْبَدَنِ، بِخِلَافِ هَذَا قَاطِعاً، وَالصَّوْمُ لَمَا تَأَدَّى بِالْكَفِّ عَنْ شَهْوَةِ الْبَطْنِ، وَالْفَرْجِ

(12)

لَمْ يَتَعَلَّقِ النَّقْضُ

(13)

إِلَّا بِاقْتِضَائِهِمَا عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ وَبِحَيْضِ الْمَرْأَةِ إِنَّمَا يَفْسَدُ الصَّوْمِ بِزَوَالِ شَرْطِهِ كَمَا يَفْسَدُ

(14)

هُنَا بِالْحَدَثِ وَإِصَابَةِ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ وَلَا مَعَنى أَنْ يُقَالَ قَدْ تَعَلَّقَ بِاللِّسَانِ التَّعْظِيمُ بِالتَّكْبِيرِ لِأَنَّا نَقُولُ إِنَّهُ شَرْطٌ وَعَقْدٌ عَلَى الْأَدَاءِ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالُوهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ عَلَى الْأَدَاءِ

(15)

دُونَ الْفِعْلِ فِي دِيَّتِهِ

(16)

الْوُجُوبُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى السُّقُوطِ أَصْلًا كَذَا فِي "الأسرار"

(17)

.

(1)

سورة المزمل (20).

(2)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 18).

(3)

(أصلي) ساقطة من (ب).

(4)

(لا) ساقطة من (ب).

(5)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(6)

سورة المزمل (20).

(7)

سورة الحج: (77).

(8)

في (ب): (فإن).

(9)

في (أ): (إذا) والمثبت من (ب).

(10)

(لم) ساقطة من (ب).

(11)

في (ب): (الأذن).

(12)

الفرْجِ: هو مابين الرجلين، وبه سمي فرج المرأة والرجل لأنهما بين الرجلين، وهو اسم لجمع سوءات الرجال والنساء والفتيان. انظر:"النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير"(3/ 423)، "لسان العرب لابن منظور"(2/ 342).

(13)

في (ب): (البعض).

(14)

في (ب): (يفسدها).

(15)

(على الأداء) ساقطة من (ب).

(16)

(ديته) مكانها في المخطوط (ب). رسم مبهم

(17)

"الأسرار" للدبوسي: (1/ 785) و (1/ 844)

ص: 190

وَذَكَرَ فِي " الْمَبْسُوطِ ": ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ فَرْض الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ فِي [كُلِّ]

(1)

رَكْعَةٍ

(2)

وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ

(3)

فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ

(4)

وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ

(5)

وَاسْتَدَلَّ الْحَسَنُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِالْقِرَاءَةِ»

(6)

وَهَذَا يَقْتَضِي فَرْضِيَّةُ الْقِرَاءَةِ لَا تَكْرَارُهَا فَإِنَّ الْكُلَّ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الاكْتِفَاءُ بِالْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَفَعَلَهُ تَعْلِيماً لِلْجَوَازِ.

وَالْفَاتِحَةِ سُمِّيَتْ مَثَانِيَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَيْ تُقْرَأُ مَرَّتَيْنِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَجْمَعْنَا عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنَ التَّطَوُّعِ وَالْفَرْضِ أَقْوَى مِنَ التَّطَوُّعِ

(7)

.

فَثَبَتَتِ الْفَرْضِيَّةُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى وَهَكَذَا قَالَ مَالِكٌ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ

(8)

أُقِيمُ الْقِرَاءَةَ فِي أَكْثَرِ الرَّكَعَاتِ مَقَامَهَا فِي الْجَمِيعِ تَيْسِيراً.

وَلَنَا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ

(9)

فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جِهَةِ الثَّنَاءِ، وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما كَانَ [يُسَبِّحَانِ]

(10)

فِي الْأُخْرَيَيْنِ

(11)

وَكَذَا عَنْ غَيْرِهِمَا وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ذِكْرٌ يُخَافَتُ بِهَا فِي كُلِّ حَالٍ فَلَا يَكُونُ رُكْناً كَثَنَاءِ الافْتِتَاحِ وَتَأْثِيرِهِ أَنَّ مَبْنِيَّ الْأَرْكَانِ

(12)

عَلَى الشُّهْرَةِ وَالظُّهُورِ وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ رُكْنًا لِمَ خَالَفَتِ الْأُولَيَيْنِ فِي الصِّفَةِ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَكُلُّ

(13)

شَفْعٍ مِنَ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ الْفَرْضِ حَتَّى أَنَّ فَسَادَ الشَّفْعِ الثَّانِي فِي التَّطَوُّعِ لَا يُفْسِدُ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ)

(14)

وَبَاقِي الْأَحْكَامِ

(15)

يَأْتِي فِي الْقِرَاءَةِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي

(16)

فَرْضِيَّةِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ

(17)

عَلَى الْأَفْعَالِ؛ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِكَ» رواه ابن ابي شيبة في مصنفه (1/ 328).

(3)

(يقول) ساقطة من (ب).

(4)

انظر في الفقه المالكي: "التنبيه على مبادئ التوجيه" للتنوخي (1/ 409).

(5)

قال الشافعي رحمه الله: فواجب على من صلى منفردا، أو إماما أن يقرأ بأم القرآن في كل ركعة لا يجزيه غيرها وأحب أن يقرأ معها شيئا آية،. انظر:" الأم للشافعي"(1/ 129)

(6)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(1/ 170)، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، حديث (396).

(7)

(والفرض أقوى من التطوع) ساقطة من (ب).

(8)

(قال) ساقطة من (ب).

(9)

قال ابن القطان: وأجمعت الأمة على أن مصليًا لو ترك القراءة بأم القرآن، أو ترك آية منها أن صلاته (خداج) غير تمام. انظر:"الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان"(1/ 129).

(10)

في (أ): الشيخان، والمثبت من (ب).

(11)

أخرجه بن أبي شيبة في "المصنف" عن علي وابن مسعود رضي الله عنه (3/ 266)، كتاب الصلاة، باب من كان يقول يسبح في الأخريين ولا يقرأ، حديث (3763)، وأخرجه بن المنذر في"الأوسط" عن علي رضي الله عنه (3/ 271)، كتاب الصلاة، جماع أبواب القراءة في الصلاة، حديث (1329) و (1330). وقال بن المنذر:(فأما حديث الحارث فغير ثابت، كان الشعبي يكذبه).

(12)

في (ب): (الأحكام).

(13)

في (ب): (فكل).

(14)

ينظر "المبسوط" للسرخسي (1/ 18).

(15)

في (ب): (الكلام).

(16)

في (ب): (لأجل).

(17)

في (ب): (السجود).

ص: 191

[الْقَعْدَةُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالْقَعْدَةُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ)

(1)

وَذُكِرَ فِي "الْإِيضَاحِ" فَأَمَّا الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ، فَمِنْ جُمْلَةِ الْفُرُوضِ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْأَرْكَانِ [وَالْفَرْقُ]

(2)

بَيْنَ الرُّكْنِ، وَالْفَرْضِ، فَرُكْنُ الشَّيْءِ؛ مَا يُفَسَّرُ بِه ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَتَفْسِيرُ

(3)

الصَّلَاةِ لَا يَقَعُ بِالْقَعْدَةِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ بِالْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ/ وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ

(4)

وَدَرَجَةُ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكْنِيَّةِ أَحَطُّ مِنْ غَيْرِهَا، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي، فَقَامَ وَقَرَأَ، وَرَكَعَ، وَسَجَدَ؛ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَلَوْ كَانَتِ الْقَعْدَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْكَانِ لَتَوَقَّفَ الْحَنْثُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا

(5)

بَعْدَ وُجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَكَانَ الْفِقْهُ

(6)

فِي انْعِدَامِ الرُّكْنِيَّةِ فِي الْقَعْدَةِ؛ أَنَّ الصَّلَاةَ فِعْلٌ هُوَ تَعْظِيمٌ، واصْلُ التَّعْظِيمِ؛ فِي الْقِيَامِ، وَيَزْدَادُ بِالرُّكُوعِ، وَيَتَنَاهَى بِالسُّجُودِ؛ فَأَمَّا الْقَعْدَةُ فَلِلْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ مُعْتَبَرَةٌ لِغَيْرِهَا

(7)

لَا لِعَيْنِهَا فَلَمْ يَكُنْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْكَانِ، وَإِنَّمَا فَصَلْنَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقَعْدَةِ الْأُولَى لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَ بَيْنَهُمَا؛ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم[رَوَي]«أَنَّهُ قَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ فَسَبَّحَ بِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ»

(8)

«وَقَامَ إِلَى الْخَامِسَةِ فَسَبَّحَ بِهِ فَرَجَعَ» فَدَّلَ عَلَى اخْتِلَافِ حُكْمَيْهَا

(9)

.

(1)

قال في متن البداية: رحمه الله (والقعدة في آخر الصلاة مقدار التشهد) انظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 47)

(2)

في (أ): (الفرض) والمثبت من (ب).

(3)

في (ب): (ونفس).

(4)

(والسجود) ساقطة من (ب).

(5)

(إلا) ساقطة من (ب).

(6)

في (ب): (الفقيه).

(7)

(لغيرها) ساقطة من (ب).

(8)

أخرجه أحمد في"مسنده"(30/ 110)، حديث (18173)، وأخرجه الترمذي في"سننه"(1/ 471 - 474)، أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسيا، حديث (364) و (365)، وأخرجه الدارمي في "سننه"(1/ 412 - 422)، كتاب الصلاة، باب إذا كان في الصلاة نقصان، حديث (1501)، وأخرجه الطبراني في"المعجم الكبير"(19/ 362)، حديث (851)، وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(2/ 115)، جماع أبواب المواضع التي تجوز الصلاة عليها، باب ذكر القيام من الركعتين قبل الجلوس ساهيا، حديث (1030)، وأخرجه الطحاوي في" شرح معاني الآثار"(1/ 439)، كتاب الصلاة، باب سجود السهو في الصلاة هل هو قبل التسليم أو بعده، حديث (2559)، وأخرجه الحاكم في"المستدرك"(1/ 368 - 469)، كتاب الصلاة، باب السهو، حديث (1204). قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، وقال أبو عبدالله الحاكم:(هذا حديث مفسر صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه)، وقال الأرناؤوط:(حديث صحيح بطرقه).

(9)

في (ب): (حكمهما).

ص: 192

وَذَكَرَ فِي "الأسرار"

(1)

فِي حَقِّ فَرْضِيَّةِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، (فَقَالَ قَدْ ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ الْأَخْبَارِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا سَلَّمَ إِلَّا بَعْدَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ)

(2)

وَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، مُجْمَلٌ فَيَكُونُ فِعْلُهُ بَيَاناً لِمَا لَمْ

(3)

يَثْبُتْ بِالْكِتَابِ؛ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ، يَعْنِي لَمْ يَجْعَلْ مُوَاظَبَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، (بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ، لِمَا أَنَّ الْآيَةَ ظَاهِرَةٌ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ، مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْ بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ فِعْلُهُ، وَمُوَاظَبَتُهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ)

(4)

زِيَادَةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، لَوِ اقْتَضَى الْفَرْضِيَّةُ، وانَّهُ نَسْخٌ، وَلَيْسَ بِبَيَانٍ؛ فَلِذَلِكَ حُمِلَ فِعْلُهُ هُنَاكَ عَلَى بَيَانِ الْكَمَالِ، لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لَهُ

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ»

(5)

قَالَ رحمه الله: (عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْفِعْلِ قَرَأَ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ).

لِأَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا قُلْتَ وأنت قَاعِداً، أَوْ قَعَدْتَ

(6)

وَلَمْ تَقُلْ شَيْئاً؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ بِدُونِ فِعْلِ الْقُعُودِ لَا يُتَصَوَّر، فَصَارَ الْفِعْلُ أَصْلاً دُونَ الْقَوْلِ، كَذَا وَجَدْتُ بِخَطِّ الْأُسْتَاذِ مَوْلَانَا

فَخْرِ الدِّينِ رحمه الله يَعْنِي أَنَّ تَمَامَ

(7)

الصَّلَاةِ فَرْضٌ بِالدَّلِيلِ الَّذِي يُوجِبُ فَرْضِيَّةَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ

لَا تَكُونُ بِدُونِ التَّمَامِ، وَتَرْكُ الْإِتْمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ إِبْطَالٌ لِلْعَمَلِ وَهُوَ مَزْجُورٌ

(8)

عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}

(9)

، وَالتَّمَامُ مُعَلَّقٌ بِفِعْلِ الْقَعْدَةِ، فَكَانَتِ الْقَعْدَةُ فَرْضاً لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الَّذِي لَا يَتِمُّ إِلَّا بِشَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَاجِباً.

(1)

"الأسرار" للدبوسي (1/ 814 - 815)

(2)

مستدركة في هامش (ب).

(3)

(لم) ساقطة من (ب).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

أخرجه أبو داود في "سننه"(ص 112)، كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صُلبَه في الركوع والسجود، حديث (856)، وأخرجه الترمذي في "سننه"(1/ 392)، أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في وصف الصلاة، حديث (302)، وأخرجه بن خزيمة في "صحيحه"(1/ 274)، كتاب الصلاة، باب إجازة الصلاة بالتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل لمن لا يحسن القرآن، حديث (545)، وأخرجه بن أبي شيبه في"المصنف"(2/ 551 - 552)، كتاب الصلاة، باب في الرجل ينقص صلاته وما ذكر فيه وكيف يصنع، حديث (2975)، وأخرجه الطبراني في"المعجم الكبير"(5/ 39)، حديث (4527).

قال الترمذي: (حديث حسن)، قال الأعظمي عن حديث بن خزيمة:(إسناده صحيح).

(6)

في (ب): (فعلت).

(7)

في (ب): (إتمام).

(8)

في (ب): (موجود).

(9)

سورة محمد: من آية (33).

ص: 193

وَعَنْ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: (إِنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الصَّلَاةِ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ)

(1)

، لِأَنَّ إِتْمَامَهَا فَرْضٌ وَالْإِتْمَامُ لَا يَكُونُ إِلَّا [بِتَحْصِيلِ]

(2)

مَا يُضَادُّ فِعْلَ الصَّلَاةِ، فَكَانَ الْخُرُوجُ بِصُنْعِهِ فَرْضاً أَيْضاً لِضَرُورَةِ فَرْضِيَّةِ الْإِتْمَامِ.

فَإِنْ قُلْتَ: الاسْتِدْلَالُ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ بِمِثْلِ هَذَا التَّعْلِيلِ؛ إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ التَّعْلِيلُ مُسْتَفَاداً مِنَ النَّصِّ الَّذِي يُوجِبُ الْفَرْضِيَّةَ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ بِعِبَارَتِهِ لَا يُوجِبُ الْفَرْضِيَّةَ فَكَيْفَ الاسْتِدْلَالُ بِهِ؟

(3)

أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ كَيْلَا تَخَلَّلُهَا نَارُ جَهَنَّمَ»

(4)

الْأَمْرُ فِي نَفْسِهِ مُوجِبٌ لِلْفَرْضِيَّةِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَقْرُوناً بِالْوَعِيدِ عِنْدَ التَّرْكِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُوجِبْ فَرْضِيَّةَ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ؛ لِكَوْنِهِ خَبَرَ الْوَاحِدِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»

(5)

فَكَيْفَ أَوْجَبَ هَذَا الْخَبَرُ الْفَرْضِيَّةَ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ؟

(1)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 125)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 152).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (خبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي واحمد، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالإسفراييني وابن فورك فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن، لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق، كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم، مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد، فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور). انظر: " الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 81).

(4)

أخرجه الدارقطني في "سننه"(1/ 166)، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل القدمين والعقبين، عن عائشة حديث (317)، عن أبي هريرة حديث (318). قال بن حجر العسقلاني:(عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ خللوا أصابعكم لَا يتخللها النَّار يَوْم الْقِيَامَة وَإِسْنَاده واه جدا، وأخرجه من حَدِيث عَائِشَة نَحوه بِإِسْنَاد ضَعِيف أَيْضا). " الدراية في تخريج أحاديث الهداية، لابن حجر"(1/ 24).

(5)

أخرجه أبو داود في "سننه"(ص 108)، كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته، حديث (822)، وأخرجه الترمذي في "سننه"(1/ 330)، كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته، حديث (274).

قال الترمذي: (حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 194

قُلْتُ: هَذَا الْخَبَرُ؛ لَيْسَ كَخَبَرِ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ هَذَا خَبَراً تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ

(1)

بِالْقَبُولِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي ثُبُوتِهِ، لَكِنْ بَقِيَ الْكَلَامُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ، وَالدَّلَالَةُ هِيَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسَلَامِ رحمه الله فَقَالَ: وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ صَارَتْ فَرْضاً بِالْإِجْمَاعِ

(2)

، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا قُلْتَ هَذَا وَفَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ»

(3)

.

ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى نَفْيِ، فَرْضِيَّةِ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ، بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: فَقَدْ عَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم التَّمَامَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، واجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ التَّمَامَ تَعَلَّقَ بِالْقَعْدَةِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَمْ يُجْزِهِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي، لِيَتَحَقَّقَ التَّخْيِيرُ، فَإِنَّ مُوْجِبُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، الْإِتْيَانَ بِأَحَدِهِمَا

(4)

؛ وَلِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ، إِذَا كَانَ متلَقى بِالْقَبُولِ، جَازَ إِثْبَاتُ الرُّكْنِيَّةِ بِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ إِثْبَاتُ الْفَرْضِيَّةِ؛ لِأَنَّ دَرْجَةَ الرُّكْنِيَّةِ أَعْلَى مِنْ دَرَجَةِ الْفَرْضِيَّةِ

(5)

وَهُوَ ثُبُوتُ الرُّكْنِيَّةِ، الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّهَا إِنَّمَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الْحَجُّ عَرَفَةٌ»

(6)

وَالْوُقُوفُ مُعْظَمُ أَرْكَانِ

(7)

الْحَجِّ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ رحمه الله فِي "مَنَاسِكِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ".

(1)

في (ب): (يكفيه الأمر).

(2)

انظر: " بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 113).

(3)

سبق تخريجه في الصفحة السابقة (ص 273).

(4)

في (ب): (بين سبب الإتيان بأحدهما).

(5)

في (ب): (الفرضية).

(6)

أخرجه الترمذي في"سننه"(2/ 229)، أبواب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، حديث (889)، وأخرجه النسائي في"السنن الصغرى"(5/ 282 - 283)، كتاب الحج، باب فرض الوقوف بعرفة، حديث (3016)، وأخرجه ابن ماجه في "سننه"(42/ 1003)، كتاب الحج، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، حديث (3015)، وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 635)، كتاب المناسك، حديث (1703)، وأخرجه بن خزيمة في "صحيحه"(5/ 257)، كتاب المناسك، باب ذكر الدليل على أن الحاج إذا لم يدرك عرفة قبل طلوع الفجر من يوم النحر فهو فائت الحج غير مدركه، حديث (2822).

قال الأعظمي عن رواية بن خزيمة: (إسناده صحيح).

(7)

في (ب): (إن كان).

ص: 195

وَالْأَوْجَهُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ: لَمَّا كَانَ هَذَا الْخَبَرُ وَقَعَ بَيَانًا، لِمُجْمَلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}

(1)

عَلَى مَا ذُكِرَ فِي "الأسرار"

(2)

لَمْ يَكُنْ هُوَ مُسْتَبِدًّا

(3)

بِنَفْسِهِ فِي إِثْبَاتِ الْفَرْضِيَّةِ بَلِ الْفَرْضِيَّةُ تَثْبُتُ بِالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ لِحَقِّهِ بَيَاناً لِمُجْمَلِهِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّخْلِيلِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقِرَاءَةِ وأمْرَ الْوُضُوءِ غَيْرُ مُجْمَلَيْنِ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ إِثْبَاتُ الْفَرْضِيَّةِ بِهِمَا إِلَّا عَلَى طَرِيقِ النَّسْخِ وَلَيْسَ (لْخَبَرِ)

(4)

الْوَاحِد ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الْبَيَانَ لِلْمُجْمَلِ كَمَا فِي قَدْرِ مَسْحِ الرَّأْسِ/

[وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ وَآدَابٌ الصَّلاة]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ)

(5)

إِلَى آخِرِهِ

ذَكَرَ فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" رحمه الله، وَ"التُّحْفَةُ": (وَلِلصَّلَاةِ وَاجِبَاتٌ، وَسُنَنٌ وَآدَابٌ فَوَاجِبَاتُ الصَّلَاةِ ثَمَانِيَةٌ؛ وَالثَّمَانِيَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، هُوَ أَنْ يَجُوزَ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا، وَيَجِبُ سَجْدَتَا السَّهْوِ بِتَرْكِهَا سَاهِياً، وَالسُّنَنُ هِيَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (عَلَى طَرِيقِ الْمُوَاظَبَةِ، وَلَمْ يَتْرُكْهَا إِلَّا بِعُذْرٍ نَحْوَ الثَّنَاءِ، وَالتَّعَوُّذِ وَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْآدَابِ كُلُّ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(6)

مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ، كَزِيَادَةِ التَّسْبِيحَاتِ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَالزِّيَادَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ، وَالْوَاجِبَاتِ شُرِعَتْ (إِكْمَالًا لِلْفَرَائِضِ فَيَكُونُ حِصْنًا لَهَا وَالسُّنَنُ شُرِعَتْ)

(7)

لِإِكْمَالِ الْوَاجِبَاتِ فَيَكُونُ حِصْناً لَهَا، وَالْآدَابُ شُرِعَتْ لِإِكْمَالِ السُّنَنِ فَيَكُونُ حِصْناً لَهَا.

(1)

سورة الأنعام (72).

(2)

"الأسرار" للدبوسي (1/ 815).

(3)

(مُسْتَبِدًّا) ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): (بخبر).

(5)

"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 47)

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

ساقطة من (ب).

ص: 196

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّراً مِنَ الْأَفْعَالِ)

(1)

وَهِيَ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ، فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ أَيْ: مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ؛ حَتَّى أَنَّ مَنْ تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَاهِياً، وَقَامَ وَصَلَّى تَمَامَ صَلَاتِهِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ السَّجْدَةَ الْمَتْرُوكَةَ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ كَذَا فِي "التُّحْفَةِ"

(2)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّراً).

أَيْ: فِي رَكْعَةٍ احْتِرَازٌ عَمَّا شُرِعَ غَيْرُ مُكَرَّرٍ فِيهَا؛ كَالرُّكُوعِ فَإِنَّ الرُّكُوعَ بَعْدَ السُّجُودِ

(3)

لَا يَقَعُ مُعْتَدّاً بِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ لَمْ يَذْكُرْ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى ها هُنَا، وَهِيَ وَاجِبَةٌ أيْضًا؟. كَذَا ذُكِرَ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ فِي الْكِتَابِ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي " الْمَبْسُوطَيْنِ "

(4)

أَيْضًا؟ وَلِمَ لَمْ يَذْكُرْ تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ أَيْضًا ها هُنَا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؟ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ"

(5)

، وَ"التُّحْفَةِ"

(6)

وأي شَيْءٍ أَقَامَ مُقَامَهُ حَتَّى كَمُلَ الْعَدَدُ ثَمَانِيَةٌ؟

قُلْتُ: الْمُصَنِّفُ رحمه الله لَمْ يَلْتَزِمْ ذِكْرَ جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ بَلْ أَرَى نَظَائِرَ الْوَاجِبَاتِ

بِقَوْلِهِ رحمه الله (وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ) إِلَى آخِرِهِ، وَلَكِنْ كَمُلَ مَعَ ذَلِكَ عَدَدُ الثَّمَانِيَةِ فِيمَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثَّمَانِيَةِ، مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي " الْمَبْسُوطِ "مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ، فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى، لِمَا أَنَّهُ جَعَلَ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَتَيْنِ وَاجِباً وَاحِداً، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي تَرْكِهِ ها هُنَا؛ لِمَا أَنَّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى عِنْدَ بَعْضِهِمْ سُنَّةٌ؛ لَا وَاجِبٌ مِنْهُمُ الْإِمَامُ الاستروشني

(7)

وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ، أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَذَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ، فَجَازَ أَنْ يَقَعَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى قَوْلِ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ "التُّحْفَةِ"

(8)

أَيْضًا وَفِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَمِثْلُ هَذَا يُوجَدُ مِنْ صَاحِبِ الْكَشَّافِ، وَمِنَ الْإِمَامِ السَّجَاوَنْدِيِّ فِي [قَوْلِهِ]

(9)

(وامَّا تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَمُتَنَاوَلٌ لِلطُّمَأْنِينَةِ فِي الانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إِلَى رُكْنٍ، وَلِلطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وامَّا الَأُولَى فَهِيَ الطُّمَأْنِينَةُ، فِي الانْتِقَالِ فَسُنَّةٌ لَا وَاجِبَ بِالاتِّفَاقِ، وامَّا الثَّانِيَةُ وَهِيَ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهَا)

(10)

.

(1)

"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 47)

(2)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 95: 97).

(3)

في (ب): (السجدة).

(4)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 220).

(5)

قال بن مازه البخاري: وأما واجبات الصلاة فالمذكور في شروح المشايخ أنها سنّة.

إحداها: تعديل الأركان عند أبي حنيفة ومحمد. انظر: " المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 338).

(6)

"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 133).

(7)

انظر " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 613).

(8)

"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 137).

(9)

في (أ)(وقوفه) والمثبت من (ب).

(10)

في (ب): (وأما تعديل الأركان فمتناول للطمأنينة في الانتقال فسنة لا واجب بالاتفاق في الركوع والسجود، وأما الأولى فهي الطمأنينة في الركوع والسجود).

ص: 197

وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ، يَقُولُ: إِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا سَاهِيًا كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ

(1)

.

وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ يَقُولُ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ؛ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا سَاهِيًا عَلَى قَوْلِهِ، لَا سَهْوَ عَلَيْهِ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ"

(2)

فَعَلَى هَذَا كَانَ تَرْكُ ذِكْرِهَا لِلاخْتِلَافِ فِي ٍوُجُوبِهَا ثُمَّ غَيْرُ صَاحِبِ "الْهِدَايَةِ" جَعَلَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَاجِباً وَاحِداً، وأوْرَدَ تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ مِنْ إِحْدَى الْوَاجِبَاتِ وَصَاحِبُ "الْهِدَايَةِ" قَدْ

(3)

ضَمَّ السُّورَةَ وَاجِباً عَلَى حِدَةٍ مَعَ تَرْكِ ذِكْرِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ فَصَارَتِ الْوَاجِبَاتُ ثَمَانِيَةً مَعَ الاخْتِلَافِ فِي الْمَعْدُودِ

(4)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ).

هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ جَوَابِ الْقِيَاسِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَقُنُوتِ الْوِترِ، فَإِنَّ فِيهِمَا الْقِيَاسَ وَالاسْتِحْسَانَ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ جَوَابُ الاسْتِحْسَانِ وَفِي " الْمَبْسُوطِ " فِي بَابِ السَّهْوِ: (وَإِنْ سَهَا عَنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ، فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى، أَوْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، أَوْ قُنُوتِ الْوِتْرِ؛ فَفِي

(5)

الْقِيَاسِ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَذْكَارَ سُنَّةٌ، فَبِتَرْكِهَا لَا يَتَمَكَّنُ كَثِيرُ نُقْصَانٍ فِي الصَّلَاةِ، كَمَا إِذَا تَرَكَ الثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ، وَهَذَا لِأَنَّ مَبْنِيَّ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ، دُونَ الْأَذْكَارِ، وَسُجُودُ السَّهْوِ عُرِفَ بِفِعْلِ

(6)

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْهُ إِلَّا فِي الْأَفْعَالِ، وَوَجْهُ الاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ تُضَافُ إِلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ، يُقَالُ: تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ

(7)

وَقُنُوتُ الْوِتْرِ، وَتَشَهُّدُ الصَّلَاةِ فَبِتَرْكِهَا يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ وَالتَّغَيُّرُ فِي الصَّلَاةِ، فَأَمَّا ثَنَاءُ الافْتِتَاحِ، فَغَيْرُ مُضَافٍ إِلَى الصَّلَاةِ، فَبِتَرْكِهِ لَا يَتَمَكَّنُ/ النُّقْصَانُ فِي الصَّلَاةِ)

(8)

.

(1)

انظر: " بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 163).

(2)

نقل هذا الكلام صاحب كتاب" الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 54) وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ إذَا تَرَكَهَا سَاهِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجُرْجَانِيِّ لَا يَجِبُ.

(3)

في (ب): (عدّ).

(4)

في (ب): (ذكر العدد).

(5)

في (ب): (وفي).

(6)

(بفعل) ساقطة من (ب).

(7)

في (ب): (الركوع).

(8)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 220).

ص: 198

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِمَا أَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالسُّنَّةِ)

(1)

.

فَكَانَ فِيهِ إِطْلَاقُ اسْمِ السَّبَبِ؛ وَهُوَ السَّنَّةُ عَلَى الْمُسَبِّبِ وَهُوَ الْوَاجِبُ

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ).

أَيْ: وَإِذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ التَّحْرِيمَةِ، لَيْسَتْ بَعْدَ الشُّرُوعِ، بَلِ الشُّرُوعُ يَتَحَقَّقُ بِهَا وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}

(2)

وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْإِدْرَاجِ، مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رحمه الله بِالتَّصْرِيحِ فِي أَوَّلِ " الْمَبْسُوطِ " بِقَوْلِهِ:(وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ)

(3)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (حَتَّى أَنَّ مَنْ تَحَرَّمَ لِلْفَرْضِ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهَا التَّطَوُّعَ)

(4)

.

فَإِنَّ التَّكْبِيرَ لِلافْتِتَاحِ؛ لَمَا صَارَ شَرْطاً عِنْدَنَا، جَازَ أَدَاءُ النَّفْلِ بِتَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ، كَمَا لَوْ (تَطَهَّرَ)

(5)

لِلْفَرْضِ فَأَدَّى بِهَا التَّطَوُّعَ؛ جَازَ كَذَا هَذَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَأَدَّى النَّفْلُ بِتَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ لِأَنَّهَا رُكْنٌ عِنْدَهُ

(6)

، فَإِنْ قُلْتَ: تَعْيِينُ الْمَسْأَلَةِ فِي بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ بِنَاءِ الْفَرْضِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ، أَوِ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ، أَوِ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ فِي الْكِتَابِ، وَعَامَّةُ النُّسَخِ مِنْ "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ"، وَ"فتاوى قاضي خان"

(7)

، وَ"الْإِيضَاحِ"، وَ"التُّحْفَةِ"

(8)

، وَ" الْمُحِيطِ "

(9)

يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ، وَكَوْنِهَا شَرْطًا يَقْتَضِي الْجَوَازَ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ فَمَا وَجْهُهُ؟

(1)

انظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 48).

(2)

سورة النحل: (98).

(3)

"المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 3).

(4)

"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 48).

(5)

في (ب): (كبر).

(6)

ينظر: "كتاب الأم للشافعي"(1/ 100) و (1/ 164)، و"الحاوي الكبير، للماوردي"(2/ 95)، و"البيان والتحصيل" لابن رشد (2/ 259).

(7)

ينظر: "فتاوى قاضي خان"(ص 94).

(8)

"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 95 - 96).

(9)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 291).

ص: 199

قُلْتُ قَدْ ذُكِرَ فِي " فَتَاوَى الْقَاضِي الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ" رحمه الله أَمَّا بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى تَكْبِيرِ

(1)

الْفَرْضِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ رحمه الله: يَجُوزُ فَإِنَّ أَبَا الْيُسْرِ قَالَ

(2)

فِي "مَبْسُوطِهِ" لَوْ شُرِعَ فِي الظُّهْرِ، وأتَمَّهَا وَلَمْ يُسَلِّمْ وَبَنَى عَلَيْهِ عَصْراً فَاتَتْ عَنْهُ أَجْزَأهُ عِنْدَنَا وَلَكِنْ ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ رحمه الله فِي "الأسرار"جَوَازَ بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ، وَعَدَمُ جَوَازِ بِنَاءِ الْفَرْضِ عَلَى فَرْضٍ آخَرَ، فَقَالَ فِي جَوَابِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلِفَرْضٍ وَإِنِ انْقَضَى فَهُوَ حَرَامٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَجَاءَ بِشَرْطِ

(3)

الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَبَتَ

(4)

لِلنَّفْلِ ابْتِدَاءً كَمَا يَتَأَدَّى النَّفْلُ بِطَهَارَةِ الْفَرْضِ.

وَكَذَلِكَ الْفَرْضُ إِلَّا أَنَّ فَرْضاً آخَرَ، لَا يَتَأَدَّى بِهِ ها هُنَا لِأَنَّهُ مَعَ

(5)

كَوْنِهِ شَرْطاً فَهُوَ عَقْدٌ عَلَى الْأَدَاءِ كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى أَدَاءِ (عَمَلٍ فِي مُقَابَلَتِهِ أَجْرٌ)

(6)

وَالْعَقْدُ عَلَى الْفَرْضِ يَتَضَمَّنُ النَّفْلَ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ مِثْلَ النَّفْلِ، وَزِيَادَةٌ فَمِنْ حَيْثُ أَنَّهُ صَلَاةٌ فَالْبَابُ وَاحِدٌ، فَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ مَا شَاءَ كَمَنْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ، فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ مَا شَاءَ، إِلَّا أَنَّهُ يَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، أَيْ بِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ، لِتَرْكِ التَّحَلُّلِ عَنِ الْفَرْضِ بِالْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ؛ وَهُوَ التَّسْلِيمُ كَمَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ وَلَمْ يُسَلِّمْ.

وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ رحمه الله فِي أَوَّلِ " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

(7)

فِي مَسْأَلَةِ السَّهْوِ أَنَّ بِنَاءَ الْفَرْضِ عَلَى فَرْضٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ فَقَالَ وَلَوْ كَانَ عَلَى رَجُلٍ فَوَائِتٌ

(8)

فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قَامَ مِنْهُ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ، لَمْ يُصِّرْ شَارِعاً فِي الْعَصْرِ لِأَنَّ إِحْرَامَ الظُّهْرِ لَا يَنْتَظِمُ الْعَصْرُ كَمَا يَنْتَظِمُ النَّفْلُ قُلْتُ بَقِيَ

(9)

بِنَاءُ حُكْمِ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ، وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ رِوَايَةً

(10)

، وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزُ إِمَّا عَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ "الأسرار" وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَمَا لَمْ يَجُزْ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى تَحْرِيمَةِ فَرْضٍ آخَرَ؛ وَهُوَ مِثْلُهُ فَلِأَنَّ لَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى مَا دُونِهِ أَوْلَى.

(1)

(تكبير) ساقطة من (ب).

(2)

في (ب): (ذكر).

(3)

في (ب): (شرط).

(4)

في (ب): (نية).

(5)

في (ب): (منع).

(6)

في (ب): (محمل في مقابلة آخر).

(7)

ذكره صاحب" الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 279).

(8)

(رجل فوائت) ساقطة من (ب).

(9)

في (ب): (ففي).

(10)

قال العيني رحمه الله: (وقوله: لم توجد فيه رواية، غير صحيح؛ لأنه روي عن أبي الرجاء جواز ذلك، ذكره في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية، لابن حجر ") أ. هـ. انظر: "البناية شرح الهداية للعيني"(2/ 166).

ص: 200

وامَّا عَلَى اخْتِيَارِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا جَوَّزَ بِنَاءَ الْمِثْلِ عَلَى الْمِثْلِ، فَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَجْوِيزِهِ بِنَاءُ الْأَقْوَى عَلَى الْأَدْنَى، ثُمَّ الْمَعْنَى أَيْضاً يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُسْتَتْبَعُ مِثْلُهُ أَوْ دُونُهُ وَلَا مُسْتَتْبَعٌ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَفِي بِنَاءِ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ جَعَلَ النَّفْلَ مُسْتَتْبعا لِلْفَرْضِ، لِأَنَّ الْمَبْنَى تَبَعٌ لِلْمَبْنَى عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ قُلْتَ إِلْحَاقُهُمْ بِالطَّهَارَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ فِي الْكُلِّ، لِأَنَّ الشَّرْطَ يَشْتَرِطُ وُجُودَهُ، لَا وُجُودُهُ قَصْدًا، كَمَا فِي الطَّهَارَةِ وَلِبْسِ الثَّوْبِ.

قُلْتُ: نُجِيبُ عَنْهُ (بِمَا أَجَابَ عَنْهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ فَإِنْ قُلْتَ إِلَى)

(1)

بِمَا أَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ "الأسرار" وَهُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ شَرْطاً فَهُوَ عَقْدٌ عَلَى الْأَدَاءِ إِلَى آخِرِهِ فَصَارَ هَذَا عَيْنُ نَظِيرِ

(2)

إِلْحَاقِهِمُ الصَّوْمِ لِلاعْتِكَافِ (بِالطَّهَارَةِ فِي كَوْنِهِ شَرْطاً فَمِنْ حَيْثُ أَنَّهُ شَرْطٌ إِذَا صَادَفَ نَذَرَ الاعْتِكَافَ، شَهْرُ رَمَضَانَ يَجُوزُ بِصَوْمِهِ، وَمِنْ حَيْثُ أَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ)

(3)

مَقْصُودَهٌ فِي نَفْسِهِ بِشَرْطِ

(4)

وُجُودِهِ قَصْداً عِنْدَ عَدَمِ مُصَادَفَةِ

(5)

نَذْرِ الاعْتِكَافِ بِشَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِنَفْسِ الْوُجُودِ، وَإِنْ كَانَ شَرْطاً لِصِحَّةِ الاعْتِكَافِ، فَكَذَلِكَ ها هُنَا؛ لَمَا كَانَتِ التَّحْرِيمَةُ عَقْداً عَلَى الْأَدَاءِ كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ لَا يَكُونُ عَقْداً عَلَى فِعْلٍ آخَرَ، وَلَكِنْ لَمَا كَانَ الْمَبْنِيُّ أَدْنَى حَالاً مِنَ الْمُبْنَى عَلَيْهِ عَمَلْنَا بِجِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ.

وَفِي غَيْرِهِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ مَحْضٌ لَيْسَتْ فِيهَا شَائِبَةٌ كَوْنُهَا مَقْصُودَةٌ؛ فَلِذَلِكَ جَازَتِ الصَّلَاةُ بِأَيِّ طَهَارَةٍ كَانَتْ لِلنَّفْلِ/ أَوْ لِلْفَرْضِ أَوْ لَا لِغَرَضٍ

(6)

.

(1)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(2)

(نظير) ساقطة من (ب).

(3)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(4)

في (ب): (يشترط).

(5)

في (ب): (مضاد في).

(6)

في (ب): (لفرض).

ص: 201

[يُشْتَرَطُ لتكبيرةِ الإحرامِ مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَهُوَ يَقُولُ

(1)

: وَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ)

(2)

.

مِنَ الطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالنِّيَّةِ وَالْوَقْتِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ شُرِعَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ فَيَكُونُ رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ، قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاءَةِ.

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا رحمهم الله

(3)

بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}

(4)

نزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي التَّكْبِيرَةِ

(5)

، فَقَدْ عَطَفَ

(6)

الصَّلَاةَ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتِ التَّكْبِيرَةُ، رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ؛ كَانَتْ مِنَ الصَّلَاةِ، فَلَا يَسْتَقِيمُ عَطْفُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ، لَا عَلَى نَفْسِهِ، لَا يُقَالُ: زَيْدٌ وَزَيْدٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: زَيْدٌ وَعَمْرُو؛ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى؛ لَوْ كَانَتْ رُكْناً فِي الصَّلَاةِ، لَكَانَتْ تُكَرَّرُ فَرْضاً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَوْ يَتَكَرَّرُ فِي الثَّانِيَةِ كَالْقِرَاءَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهَا رُكْنٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، عَلَى مَذْهَبِكُمْ، حَيْثُ لَا يَتَكَرَّرُ فِي الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةِ فَرْضاً

(7)

قُلْنَا لَمَا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ رُكْناً؛ تَكَرَّرَتْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى أَصْلِكَ، وَالتَّكْبِيرُ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَرْضاً فِي الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ إِنَّمَا لَمْ تَتَكَرَّرِ الْقِرَاءَةُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَرْضاً عِنْدَنَا لِأَنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا رُكْناً فِي الصَّلَاةِ، لَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ، وَإِنَّمَا هِيَ رُكْنٌ زَائِدٌ لِأَنَّهَا قَوْلٌ وَمَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْعَالِ، دُونَ الْأَقْوَالِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَاجِزَ عَنِ الْقَوْلِ، وَالْقَادِرُ عَلَى الْفِعْلِ يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ لَا عَلَى الْعَكْسِ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهَا تَسْقُطُ لِخَوْفِ فَوْتِ الرَّكْعَةِ، وَالْقِيَامُ لَا يَسْقُطُ، وَلَمَا انْحَطَّتْ دَرَجَتُهَا عَنْ دَرَجَةِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ، قُلْنَا لِكَوْنِهَا رُكْناً تَكَرَّرَتْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَالْقِيَامِ وَغَيْرِهِ، وَلِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَمْ تَتَكَرَّرْ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ.

(1)

يقصد الشافعي رحمه الله: انظر "الأم للشافعي"(1/ 133).

(2)

انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 280) وفيه زيادة (وَهَذَا آيَةُ الرُّكْنِيَّةِ).

(3)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 114)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 292).

(4)

سورة الأعلى: (15).

(5)

قال الزمخشري في تفسيره: (وذكر اسم ربه فكبر تكبيرة الافتتاح. وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنها ليست من الصلاة لأن الصلاة معطوفة عليها، وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل "تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل" (4/ 740).

(6)

في (ب): (عطفت).

(7)

في (ب): (قضاء).

ص: 202

وامَّا قَوْلُهُ: بِأَنَّهَا ذِكْرٌ كَالْقِرَاءَةِ؛ َالْجَوَابُ: مَا بَيَّنَّا أَنَّهَا لَمَّا شُرِعَتْ رُكْناً فِي الْأُولَى تَكَرَّرَتْ فَرْضاً فِي الثَّانِيَةِ، وَهَذِهِ لَمْ تَتَكَرَّرْ فَرْضاً فِي الثَّانِيَةِ، وامَّا اشْتِرَاطُ سَائِرِ الْأَرْكَانِ؛ فَإِنَّهَا مَا شُرِطَتْ لِلتَّحْرِيمَةِ نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا شُرِطَتْ لِلْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ، لَكِنَّ التَّحْرِيمَةَ مُتَّصِلَةٌ بِالْقِيَامِ فَاشْتُرِطَتْ هِيَ لِلْقِيَامِ الْمُتَّصِلِ بِالتَّحْرِيمَةِ لَا لِلتَّحْرِيمَةِ نَفْسِهَا، وَلِهَذَا لَمَّا انْفَصَلَ الْأَدَاءُ عَنِ الْإِحْرَامِ فِي بَابِ الْحَجِّ لَمْ يُشْتَرَطْ لِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ سَائِرُ شَرَائِطِ الْأَرْكَانِ فَإِنَّ الْوَقْتَ شَرْطٌ لِأَدَاءِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِحْرَامِ

(1)

عِنْدَنَا، وَالاخْتِلَافُ فِيهِمَا

(2)

عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ رحمه الله "

قَوْلُهُ رحمه الله (وَهُوَ سُنَّةٌ)

(3)

[حُكم رفعِ اليدين لتكبيرةِ الإحرامِ]

أَيْ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ؛ سُنَّةٌ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْتَ: الْمُوَاظَبَةُ دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَكَيْفَ اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى السُّنَّةِ؟

قُلْتُ: لَا نُسَلِّمُ؛ بَلْ مُطْلَقُ الْمُوَاظَبَةِ؛ دَلِيلٌ عَلَى السُّنَّةِ، وَلَا تَثْبُتُ السُّنَةُ بِدُونِ الْمُوَاظَبَةِ، ذُكِرَ هَذَا اللَّفْظُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي آخِرِ "بَابِ إِدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ"

(4)

.

وَقَالَ رحمه الله: (وَلَا سُنَّةٌ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ)

(5)

(1)

في (ب): (الإحرام).

(2)

في (ب): (بينهما).

(3)

انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي"(1/ 280) وفي المطبوع (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ سُنَّةٌ).

(4)

انظر كلامه في " باب إدراك الفريضة ""الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 72).

(5)

انظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 72) قال رحمه الله: (وقال في الأخرى "من ترك الأربع قبل الظهر لم تنله شفاعتي" وقيل هذا في الجميع لأنه عليه الصلاة والسلام واظب عليها عند أداء المكتوبات بجماعة ولا سنة دون المواظبة والأولى أن لا يتركها في الأحوال كلها لكونها مكملات الفرائض إلا إذا خاف فوت الوقت) أ. هـ.

ص: 203

وَالْمُوَاظَبَةُ إِنَّمَا تَكُونُ؛ دَلِيلَ الْوُجُوبِ، إِذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله لَمَا احْتَاجَ إِلَى إِثْبَاتِ وَاجِبِيَّةِ الْفَاتِحَةِ، وَالْقُنُوتِ وَالتَّشَهُّدِ، كَيْفَ أَكَّدَ مُوَاظَبَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِغَيْرِ تَرْكٍ فِي "بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ"، فَقَالَ:(؛ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَرْكِهَا)

(1)

ثُمَّ ثَبَتَ التَّرْكُ ها هُنَا مَعَ الْمُوَاظَبَةِ، فَإِنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيَّ رحمه الله قَالَ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ:(لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ رَفْعَ الْيَدِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْوَاجِبَاتِ، وَوَاظَبَ عَلَى رَفْعِ الْيَدِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ فَدَلَّ أَنَّهُ سُنَّةٌ)

(2)

.

[وقت الأفضلية في رفع اليدين عند التكبير]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ)

اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي أَفْضَلِيَّةِ وَقْتِ الرَّفْعِ، فَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَقَاضِي خَانَ

(3)

وَصَاحِبُ "التُّحْفَةِ"

(4)

الْمُقَارَنَةَ، وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ

(5)

وَصَاحِبُ "الْهِدَايَةِ"

(6)

تَقْدِيمَ الرَّفْعِ عَلَى التَّكْبِيرِ.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله

(7)

ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرَةِ، لِأَنَّهُ سُنَّةُ التَّكْبِيرَةِ؛ فَإِنَّهُ شُرِعَ فِي التَّكْبِيرَةِ لِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ، فَيَكُونُ تَبَعاً لَهَا كَالْجَهْرِ بِهَا، وَإِذَا كَانَ الرَّفْعُ مِنْ سُنَّةِ التَّكْبِيرِ كَانَ تَبَعاً لَهَا، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ التَّبَعِيَّةُ إِذَا وُجِدَ الرَّفْعُ مَعَ التَّكْبِيرَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ مُقَارِناً لَهَا كَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقِيَامِ؛ فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِهَا الْمُقَارَنَةَ فَكَذَا هَذَا.

(1)

انظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 74) قال المرغيناني رحمه الله: (" أو ترك قراءة الفاتحة " لأنها واجبة " أو القنوت أو التشهد أو تكبيرات العيدين " لأنها واجبات فإنه عليه الصلاة والسلام واظب عليها من غير تركها مرة وهي أمارة الوجوب ولأنها تضاف إلى جميع الصلاة فدل على أنها من خصائصها وذلك بالوجوب ثم ذكر التشهد يحتمل القعدة الأولى والثانية والقراءة فيهما وكل ذلك واجب وفيها سجدة السهو هو الصحيح) أ. هـ.

(2)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 11).

(3)

"فتاوى قاضي خان"(ص 105).

(4)

"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 126).

(5)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 11).

(6)

"الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 48).

(7)

المقصود به شيخ الإسلام المعروف بخواهرزاده وهو مروي عن الصِّفار و أَبِي يُوسُفَ أيضاً. انظر " تحفة الملوك للسمرقندي"(ص: 68) و " تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 109).

ص: 204

وَها هُنَا

(1)

حَكَايَةٌ حُكِي أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِي رحمه الله فَقَالَ:

بِأَيِّ شَيْءٍ تُفْتَتَحُ، بِالْفَرْضِ أَمْ بِالسُّنَّةِ؟

فَذَهَبَ قَلْبُهُ إِلَى التَّكْبِيرَةِ، فَقَالَ: بِالْفَرْضِ.

فَقَالَ السَّائِلُ: أَخْطَأْتَ.

فَقَالَ: بِالسُّنَّةِ، وَذَهَبَ قَلْبُهُ إِلَى رَفْعِ الْيَدِ.

فَقَالَ السَّائِلُ: أَخْطَأْتَ؛ إِنَّمَا تُفْتَتَحُ الصَّلَاةُ بِهِمَا جَمِيعاً فَهُمَا

(2)

. عَلَى أَنَّهُ مَقْرُونٌ بِالتَّكْبِيرَةِ لَا يَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ.

وَقَالَ شَمْسُ/ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله: (وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، أَوَّلًا فَإِذَا اسْتَقَرَّتَا فِي مَوْضِعِ الْمُحَاذَاةِ كَبَّرَ؛ لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ، وَقَوْلِهِ مَعْنَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ؛ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْيَدَ بِنَفْيِ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِالتَّكْبِيرِ يُثْبِتُهَا

(3)

لِلَّهِ تَعَالَى؛ فَيَكُونُ النَّفْيُ مُقَدَّماً عَلَى الْإِثْبَاتِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ

(4)

.

(1)

في (ب): (وهكذا).

(2)

في (ب): (فيما أجمعا).

(3)

في (ب): (يُثنيها).

(4)

كلام مرسل لم أجد عليه دليل وقد قال النووي رحمه الله: (وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْعُلَمَاءِ فِي الْحِكْمَةِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فَعَلْتُهُ إِعْظَامًا لِلَّهِ تَعَالَى وَاتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ اسْتِكَانَةٌ وَاسْتِسْلَامٌ وَانْقِيَادٌ وَكَانَ الْأَسِيرُ إِذَا غُلِبَ مَدَّ يَدَيْهِ عَلَامَةٌ لِلِاسْتِسْلَامِ وَقِيلَ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِعْظَامِ مَا دَخَلَ فِيهِ وَقِيلَ إِشَارَةٌ إِلَى طَرْحِ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ وَمُنَاجَاةِ رَبِّهِ سبحانه وتعالى كَمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَيُطَابِقُ فِعْلُهُ قَوْلَهُ وَقِيلَ إِشَارَةٌ إِلَى دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا الْأَخِيرُ مُخْتَصٌّ بِالرَّفْعِ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَفِي أَكْثَرِهَا نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ). شرح النووي على مسلم (4/ 96).

ص: 205

[حُكمُ التفريقِ بين الأصابعِ عند الرَّفعِ]

وَلَا يَتَكَلَّفُ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَصَابِعِ عِنْدَ رَفْعِ الْيَدِ، وَالَّذِي رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ

(1)

نَاشِراً أَصَابِعَهُ»

(2)

مَعْنَاهُ نَاشِراً عَنْ طَيِّهَا، بِأَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مَثْنِيّاً بِضَمِّ الْأَصَابِعِ إِلَى الْكَفِّ)

(3)

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله

(4)

فَمِنَ النَّاسِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَرَادَ بِنَشْرِ الْأَصَابِعِ أَنْ يُفَرِّجَ بَيْنَ الْأَصَابِعِ تَفْرِيجاً؛ وَهُوَ غَلَطٌ، وَلَكِنْ أَرَادَ بِهِ النَّشْرَ عَنِ

(5)

الطَّيِّ كَمَا يَكُونُ فِي الثَّوْبِ؛ أَيْ: لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَضْمُومَتَيْنِ بَلْ يَرْفَعُهُمَا مَنْصُوبَتَيْنِ؛ حَتَّى تَكُونَ الْأَصَابِعُ مَعَ الْكَفِّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ

(6)

.

وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ رحمه الله

(7)

: (إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ لَا يَضُمُّ أَصَابِعَهُ كَلَّ الضَّمِّ، وَلَا يُفَرِّجُ كُلَّ التَّفْرِيجِ، بَلْ يَتْرُكُهُمَا عَلَى مَا عَلَيْهِ أَصَابِعُهُ بَيْنَ الضَّمِّ وَالتَّفْرِيجِ)

(8)

.

[رفعُ اليد لإعلام الأصم]

قَوْلُهُ رحمه الله (وَرَفْعُ الْيَدِ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ)

(9)

.

قُلْتُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ، وَرَفْعُ الْيَدِ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ أَيْضاً، بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ أَيْضاً لِرَفْعِ التَّنَاقُضِ صُوْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلاً أَنَّ مَعْنَى رَفْعِ الْيَدِ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ، فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَكُونَ لِتَخْصِيصِهِ فَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هُوَ

(10)

لِغَيْرِهِ مَعَهُ إِذَا كَانَ لَهُ مَعْنَيَانِ؛ وَهُوَ النَّفْيُ وَالْإِعْلَامُ؛ وَهُوَ يَحْصُلُ بِذِكْرِ قَوْلِهِ: أَيْضاً، إِلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ اتَّبَعَ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيَّ (وَهُوَ رحمه الله كَذَلِكَ ذَكَرَهُ؛ فَإِنَّ دَأْبَهُمْ تَرْكُ التَّكَلُّفِ، وَتَفْهِيمُ الْمَعَانِي، وَالْمَعْنَيَانِ يَحْصُلَانِ بِمَا ذَكَرُوا)

(11)

فَلَا حَاجَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى زِيَادَةِ التَّكَلُّفِ.

(1)

(كبّر) ساقطة من (ب).

(2)

أخرج الترمذي في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة نشر أصابعه» ، (1/ 319)، كتاب الصلاة، باب في نشر الأصابع عند التكبير، حديث (239).

(3)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 11).

(4)

" البناية شرح الهداية للعيني"(2/ 167).

(5)

في (ب): (دون).

(6)

انظر: "رد المحتار" لابن عابدين (1/ 474).

(7)

انظر: " بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 199)، و " تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي"(1/ 111).

(8)

انظر: " بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 199)

(9)

في المطبوع: (ولأن رفع اليد لإعلام الأصم). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 48)

(10)

(هو) ساقطة من (ب).

(11)

في (ب): (كذلك ذكره فإن كان له معنيان يحصلان بما ذكروا).

ص: 206

وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَذْهَبُنَا قَوْلِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه وَالْمَصِيرُ إِلَى مَا قُلْنَا أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ إِثْبَاتَ الزِّيَادَةِ، وَتَأْوِيلُ حَدِيثِهِمْ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْعُذْرِ فِي زَمَانِ الْبَرْدِ حِينَ كَانَ أَيْدِيهِمْ تَحْتَ ثِيَابِهِمْ وَكَانَ طاووس

(1)

رحمه الله يَقُولُ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَوْقَ رَأْسِهِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(2)

[المرأةُ ترفعُ يديها حِذاء منكبيها]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالْمَرْأَةُ تَرْفَعُ

(3)

حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا) (وَهُوَ الصَّحِيحُ)

هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

(4)

أَنَّهَا تَرْفَعُ يَدَيْهَا حِذَاءَ أُذُنِهَا كَالرَّجُلِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَفْعَالِ، فَإِنَّهَا تَفْعَلُ فِي سَائِرِ الْأَفْعَالِ عَلَى أَسْتَرِ مَا يَكُونُ لَهَا

(5)

، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَفْتَحُ إِبِطَيْهِ عِنْدَ السُّجُودِ، وَالْمَرْأَةُ تَضُمُّ، وَإِنَّمَا يُسَوَّى

(6)

حَالُ الْمَرْأَةِ هُنَا بِحَالِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ إِنَّمَا يَكُونُ بِكَفَّيْهَا، وَكَفُّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ، فَكَانَتْ هِيَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَالرَّجُلُ سَوَاءً بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ

(7)

: تَرْفَعُ يَدَيْهَا حِذْوَ مِنْكَبَيْهَا.

(1)

هو: طاووس بن كيسان اليماني الهمداني، كنيته: أبو عبدالرحمن، أمه من أبناء فارس، وأبوه من النمر بن قاسط مولى بحير الحميري، يروى عن ابن عمر وابن عباس، كان من عباد أهل اليمن ومن فقهائهم ومن سادات التابعين، مات بمكة سنة 101 هـ وكان طاووس قد حج أربعين حجة، وكان مستجاب الدعوة فيما قيل. يُنْظَر: ثقات ابن حبان (4/ 391)، التاريخ الكبير للبخاري (4/ 365)، والجرح والتعديل (4/ 500).

(2)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 11 - 12).

(3)

في المطبوع (وَالْمَرْأَةُ تَرْفَعُ يَدَيْهَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا) انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 283).

(4)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 126).

(5)

في (ب): (بها).

(6)

في (ب): (يستوي).

(7)

انظر " بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 199)

ص: 207

وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ

(1)

فِي إِمْلَائِهِ

(2)

لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا، وَهَذَا لِأَنَّ زِيَادَةَ الرَّفْعِ فِي الرَّجُلِ إِنَّمَا سُنَّتْ

(3)

لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْإِعْلَامِ فِي الْإِمَامَةِ فَالرَّفْعُ إِلَى الْأُذُنَيْنِ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ فَكَانَ أَوْلَى كَالْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ.

وامَّا الْمَرْأَةُ تُصَلِّي وَحْدَهَا فَلَا حَاجَةَ لَهَا إِلَى الْإِعْلَامِ، فَسَقَطَ الرَّفْعُ إِلَى الْأُذُنَيْنِ، وَوَجَبَ الرَّفْعُ إِلَى الْمِنْكَبَيْنِ، كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ"

(4)

، وَجَعَلَ الْقَوْلَ الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ صُاحِبُ " الْمُحِيطِ "

(5)

كَمَا فِي "الْهِدَايَةِ"

(6)

.

‌‌

[إن قال بدل تكبيرة الإحرام الله أجل أو نحوها]

قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَالَ بَدَلَ التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَجَلُّ) إِلَى آخِرِهِ،

وَلَوِ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

(7)

أَوْ قَالَ تَبَارَكَ اللَّهُ؛ يَصِيرُ شَارِعاً فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا

(8)

، وَهُوَ قَوْلُ النَّخْعِيِّ وَالْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ

(9)

وَيَسْتَوِي إِنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرُ أَوْ لَا يُحْسِنُ، وَكَذَلِكَ يَسْتَوِي إِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الصَّلَاةَ تُفْتَتَحُ بِالتَّكْبِيرِ أَوْ لَا يَعْرِفُ.

(1)

محمد بن مقاتل، أبو عبد الله الرازي. حدث عن: جرير بن عبد الحميد، و وكيع، وحكام بن سلم، وجماعة. وعنه: أحمد بن جعفر الجمال، وعيسى بن محمد المروزي الكاتب، والزاهد أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري، وآخرون. وهو من الضعفاء والمتروكين. قيل إنه توفي سنة ست وأربعين، وكان من الفقهاء الكبار. توفي سنة 248 هـ وقيل في التي بعدها. انظر:"تاريخ الإسلام للذهبي "(5/ 1247)، ميزان الإعتدال للذهبي (4/ 47).

(2)

انظر: " بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 199).

(3)

في (ب): (تثبت).

(4)

انظر: "رد المحتار" لابن عابدين (1/ 483)

(5)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 291).

(6)

"الهداية شرح بداية المبتدي؛ للمرغيناني"(1/ 48).

(7)

في (ب): (غيره).

(8)

أي: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ -رحمهما الله-. انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 283)

(9)

في (ب): (الحكيم بن عيينة).

ص: 208

وَقَالَ

(1)

أَبُو يُوسُفَ فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ"[قَوْلُهُ]

(2)

إِذَا كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِأَرْبَعَةِ أَلْفَاظٍ مِنْهَا اللَّهُ كَبِيرٌ، وَالْبَاقِي مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ

(3)

وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الصَّلَاةَ تُفْتَتَحُ بِالتَّكْبِيرِ أَوْ لَا يَعْلَمُ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله: (إِذَا كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ وَيَعْلَمُ أَنَّ الصَّلَاةَ تُفْتَتَحُ بِالتَّكْبِيرِ لَا يَصِيرُ شَارِعاً إِلَّا بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَلْفَاظِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ الافْتِتَاحَ بِالتَّكْبِيرِ يُجْزِيهِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ)

(4)

وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ رحمه الله وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ ها هُنَا أَيْ فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" لِأَنَّ الْجَهْلَ لَا يُجْعَلُ

(5)

عُذْراً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لَوْ قَالَ: اللَّهُ الْكَبَّارُ يَصِيرُ شَارِعاً لِأَنَّ الْكَبَّارَ لُغَةٌ فِي التَّكْبِيرِ، ثُمَّ أَنَّ مُحَمَّداً ذَكَرَ أَنَّهُ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِ يَصِيرُ شَارِعاً عِنْدَهُمَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ هَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا؟.

قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(6)

وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ وَمَنْ تَابَعَهُ بِقَوْلِهِ/ صلى الله عليه وسلم: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ»

(7)

فَكَانَ التَّكْبِيرُ تَفْسِيراً لِقَوْلِهِ «وَتَحْرِيمُهَا» فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا تَحْرِيمٌ بِغَيْرِهِ وَجَائِزٌ

(8)

تَعَلُّقَ الْجَوَازِ بِكَلِمَةٍ بِعَيْنِهَا (أَيْ أَنَّ)

(9)

لِحُرْمَةِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ، كَمَا تَعَلَّقَ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، دُونَ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ، بِخُصُوصِيَّةٍ تَثْبُتُ لِذَلِكَ اللَّفْظِ فِي الْإِيجَابِ، فَكَذَلِكَ التَّكْبِيرُ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْعِظَمِ وَالْقِدَمِ، جَمِيعاً يُقَالُ فَلُانٌ أَكْبَرُ سِنّاً مِنْ فُلَانٍ، أَيْ: أَقْدَمُ، وَلِهَذَا كَانَ الافْتِتَاحُ بِهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِالاتِّفَاقِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَأْثُرُ عَنْ رَبِّهِ جل جلاله:«الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي»

(10)

اتَّضَحَ لَهُ مَا قُلْنَا.

(1)

في (ب): (قاله).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

قال أبو يوسف رحمه الله: (إن كان يحسن التكبير لم يجزه إلا الله أكبر والله الكبير). ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (ص 95).

(4)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 35).

(5)

في (ب): (يكون).

(6)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 293).

(7)

سبق تخريجه (ص: 267).

(8)

في (ب): (وجابر).

(9)

هكذا رسمت في مخطوط (أ) وفي مخطوط (ب).

(10)

أخرجه أبو داود في "سننه"(ص 447)، كتاب اللّباس، باب ما جاءَ في الكبر، حديث (4090)، وأخرجه بن ماجه في "سننه"(2/ 1397)، أبواب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع، حديث (4174).

وقال أبو عبدالله الحاكم "المستدرك"(1/ 129): (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ).

ص: 209

وَلَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}

(1)

عَلَّقَ الصَّلَاةَ بِمُطْلَقِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْلِيقِ إِذَا خَرَجَ جَوَاباً عَنِ الْخَبَرِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا ذِكْرُ التَّحْرِيمَةِ فَمَنْ زَادَ

(2)

قَيَّدَ التَّكْبِيرَ فَقَدْ نَسَخَهُ أَوْ نَقُولُ ذَكَرَ الذِّكْرَ مُطْلَقاً فَيَجُوزُ [التَّحْرِيمُ]

(3)

بِأَيِّ ذِكْرٍ كَانَ عَمَلاً بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وامَّا الشَّهَادَةُ فَإِنَّهَا خَبَرٌ [بِنَفْسِهَا]

(4)

وَيَمِينٌ أَيْضاً، وَلَا يَمِينٌ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْخَبَرِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يُقِمْ قَوْلَهُ: أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ مَقَامَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُخْبِرَ وَحَلَفَ لِأَنَّ اليَّمِينَ مُمْتَازَةٌ عَنِ الْخَبَرِ فَلَمْ يَصِيرَا شَيْئاً وَاحِداً بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ؛ فَكَانَ لَهَا زِيَادَةَ مَزِيَّةٍ عَلَى غَيْرِهَا، وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى تُبْنَى

(5)

عَنِ الْقِدَمِ

(6)

وَالْقَهْرِ وَالْقُدْرَةِ وَكُلِّ صِفَةٍ مَحْمُودَةٍ، وَكَذَلِكَ الْكِبْرِيَاءُ وَالتَّكْبِيرُ كَذَا فِي "الأسرار"

(7)

، وَ"الفوائد الظهيرية".

(1)

سورة الأعلى: آية: (15).

(2)

في (ب): (أراد).

(3)

في (أ): (التحرم). والمثبت من (ب).

(4)

في (أ): (بنفيها).، والتصحيح من (ب).

(5)

في (ب): (تنبيء).

(6)

قوله: القديم هنا يقال: يُخْبَرُ عن الله عز وجل بأنه قديم، لا صفةً له، والقديم ليس اسماً له، قال الحافظ ابن القيم في " بدائع الفوائد" (1/ 162):(ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيَّا؛ كالقديم، والشيء، والموجود، والقائم بنفسه) أ. هـ وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود (466). من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم؛ من الشيطان الرجيم» وفيه وصف سلطان الله عز وجل بالقِدَم. وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عِلْمَ الله بالقِدَم في " الواسطية"(ص 20) فقال: والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين، فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله عليمٌ بالخلق وهم عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوفٌ به أزلاً وأبدا.

(7)

"الأسرار" للدبوسي: (1/ 695).

ص: 210

وَالْقَاطِعُ لِشَغَبِ

(1)

الْخُصُومِ، هُوَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِذِكْرٍ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ؛ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَارِعاً بِهِ فِي الصَّلَاةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَفْرِضُ الْكَلَامَ فِيمَا إِذَا قَالَ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ، أَوِ الرَّحِيمُ أَكْبَرُ؛ يَصِيرُ شَارِعاً عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُمْ لَا يَصِيرُ شَارِعاً؛ فَنَقُولُ الرَّحْمَنُ، وَاللَّهُ، سَوَاءٌ؛ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}

(2)

فَلَمَا ثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ قَوْلِهِ: {اللَّهَ} وَبَيْنَ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنَ} بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ، واكْبَرُ فِي مَوْضِعِهِ أَيْضاً، مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ، وَجَبَ أَنْ يَصِيرَ شَارِعاً؛ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا كَانَ

(3)

عَيْنَ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ، وَفِي غَيْرِهِ يَكُونُ شَارِعاً أَيْضاً، لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ.

[إذا قال (الله) هل يصيرُ شارعاً في الصَّلاة]

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (إِذَا قَالَ اللَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعاً عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله

(4)

لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْظِيمِ بِذِكْرِ الاسْمِ، وَالصِّفَةِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

(5)

يَصِيرُ شَارِعاً؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الاسْمِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ؛ فَإِنَّهُ مُشَتَّقٌ مِنَ التَّأَلُّهِ؛ وَهُوَ التَّحَيُّرُ، وَحَاصِلُ اخْتِلَافِهِمْ رَاجِعٌ إِلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسَلَامِ

(6)

وَهُوَ أَنَّ رُكْنَ التَّحْرِيمَةِ، هُوَ عَيْنُ التَّكْبِيرِ، رُكْناً أَمِ الرُّكْنُ عَمَلُ اللِّسَانِ عَمَلُ ثَنَاءٍ عَلَى

(7)

اللَّهِ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَيْنُ التَّكْبِيرِ؛ لَمْ يَجُزْ إِقَامَةُ غَيْرِهِ

(8)

مَقَامَهُ بِالتَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ نُسِخَ كَمَا لَا

(9)

يَجُوزُ إِقَامَةُ الْحَدِّ مَقَامَ الْجِهَةِ فِي السُّجُودِ، وَمَنْ كَانَ الرُّكْنُ عِنْدَهُ عَمَلَ اللِّسَانِ صَحَّ التَّعْلِيلُ وَإِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الرُّكْنُ فِعْلَ اللِّسَانِ، عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى أَفْعَالٍ تَحِلُّ عَلَى

(10)

أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ، فَلَمَّا كَانَتِ الرُّكْنِيَّةُ، فِي فِعْلِ اللِّسَانِ، لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ بِفِعْلِ عُضْوٍ آخَرَ غَيْرِهِ.

(1)

في (ب): (لشعب).

(2)

سورة الإسراء: (110).

(3)

(كان) ساقطة من (ب).

(4)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 38).

(5)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 123)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 130)، المحيط البرهاني لإبن مازة (1/ 293).

(6)

"الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي"(1/ 284). ِ

(7)

(على) ساقطة من (ب).

(8)

في (ب): (إقامته).

(9)

في (ب): (لما).

(10)

(عَلَى): ساقطة من (ب).

ص: 211

فَأَمَّا، ذِكْرُ اللَّهِ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ هَذَا الرُّكْنِ، وَمَا شُرِعَ سَبَباً لِتَحْصِيلِ الرُّكْنِ، يَجُوزُ إِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، أَلَا تَرَى أَنَّ السُّجُودَ؛ إِنَّمَا شُرِعَ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ، عَلَى مَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَكِّنْ جَبْهَتَكَ مِنَ

(1)

الْأَرْضِ»

(2)

ثُمَّ إِذَا وَضَعَ الْجَبْهَةَ عَلَى السَّرِيرِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَرْضِ أَجْزَاهُ، لِأَنَّ الرُّكْنَ فِعْلٌ يَحِلُّ الْجَبْهَةَ لَا فِعْلٌ يَحِلُّ الْأَرْضَ، وَإِنَّمَا الْأَرْضُ سَبَبُ لِتَحْصِيلِ الْفِعْلِ مِنَ الْجَبْهَةِ، فَجَازَ إِقَامَةُ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ، مَقَامَ الْمَنْصُوصِ، بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، وَهُنَا

(3)

أَيْضاً الرُّكْنُ فِعْلٌ يَحِلُّ اللِّسَانُ لَا فِعْلٌ يَحِلُّ هَذِهِ الْكَلِمَةُ؛ إِنَّمَا ذِكْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ [الْفِعْلِ فِي]

(4)

هَذَا الرُّكْنِ فَيَجُوزُ إِقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ

(5)

بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ أَفْعَلَ وَفَعِيلَا فِي صِفَاتِ اللَّهِ سَوَاءٌ) لِأَنَّ تَفْسِيرَ اللَّهُ أَكْبَرُ: اللَّهُ كَبِيرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِالْكِبْرِ

(6)

إِثْبَاتُ زِيَادَةٍ فِي صِفَاتِ اللَّهِ، لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِيهِ أَحَدٌ فِي أَصْلِ الْكِبْرِيَاءِ؛ حَتَّى يَكُونَ أَفْعَلُ لِلزِّيَادَةِ، كَمَا يَكُونُ فِي أَوْصَافِ الْعِبَادِ، فَكَانَ أَفْعَلُ بِمَعْنَى فَعِيل بِهَذِهِ الدِّلَالَةِ، كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ"

(7)

.

(1)

في (ب): (على).

(2)

جزء من حديث أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(5/ 15)، كتاب المناسك، باب فضل الحج، حديث (8830)، وأخرجه أحمد في "مسنده"(4/ 365 - 366)، حديث (2604)، وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(5/ 39)، حديث (4527)، و (12/ 425)، حديث (13566)، وأخرجه الفاكهي في"أخبار مكة"(1/ 422)، ذكر تلبية الحاج إذا لبى وما يجيبه، حديث (918)، وأخرجه البيهقي في"دلائل النبوة"(6/ 293)، جماع أبواب أسئلة اليهود وغيرهم، باب ما روي في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما أراد أن يسأله عنه قبل سؤاله. قال الأرناؤوط عن رواية أحمد:(إسناده حسن). ونقل الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(1/ 94) عن البخاري تحسين هذا الحديث.

(3)

في (ب): (وهذا).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

(مَقَامَهُ) ساقطة من (ب).

(6)

في (ب): (بأكبر).

(7)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 35).

ص: 212

وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي "المُغرِب": (اللَّهُ أَكْبَرُ أَيْ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَفْسِيرُهُمْ إِيَّاهُ بِالْكَبِيرِ ضَعِيفٌ)

(1)

.

[معنى التّكبير وهل يجزيء أن يكون بغير اللغة العربية]

وَلَهُمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ التَّعْظِيمُ لُغَةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ}

(2)

أَيْ: عَظَّمْنَهُ {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}

(3)

أَيْ: فَعَظِّمْ، وَالتَّعْظِيمُ حَصَلَ بِقَوْلِهِ: اللَّهُ أَعْظَمُ، وَقَالَا: لَا يُجْزِيهِ إِلَّا فِي الذَّبِيحَةِ، فَلَوْ آمَنَ بِالْفَارِسِيَّةِ [أَوْ بِأَيِّ لِسَانٍ]

(4)

كَانَ مُؤْمِناً، وَكَذَلِكَ لَوْ سَمَّى عِنْدَ الذَّبْحِ، بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ لَبَّى

(5)

عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْفَارِسِيَّةِ/ أَوْ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعاً، سَوَاءً كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ؛ أَوْ لَا يُحْسِنُ

(6)

كَذَا فِي "شرح الطحاوي"

(7)

، وَ" الْمَبْسُوطِ "

(8)

.

وَزَادَ عَلَى هَذَا الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا إِلَّا الشَّهَادَةُ عِنْدَ الْحُكَّامِ، وَاللِّعَانِ وَالْعُقُودِ

(9)

يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ، لَا يَدْعُو فُلَاناً؛ فَدَعَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ؛ يَحْنَثُ

(10)

وَحَاصِلُ الْخِلَافِ؛ أَنَّ

(11)

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

(12)

يَجُوزُ وَيُكْرَهُ، وَعِنْدَهُمَا

(13)

لَا يَجُوزُ إِلَّا إِذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ (فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا أَيْضاً.

(1)

" المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (2/ 204).

(2)

سورة يوسف: من آية (31).

(3)

سورة المدثر: آية (3).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في (ب): (أتى).

(6)

(يُحْسِنُ) ساقطة من (ب).

(7)

انظر: بدائع الصنائع للكاساني (2/ 161).

(8)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 37).

(9)

في (ب): (التعود).

(10)

قال محمد بن الحسن: (وَلَو حلف لَا يتَكَلَّم الْيَوْم فَتكلم بِالْفَارِسِيَّةِ أَو بالنبطية أَو بالسندية أَو بالزنجية أَو بِأَيّ لِسَان كَانَ سوى منْطقَة الْعَرَبيَّة حنث لِأَنَّهُ كَلَام، وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يكلم فلَانا فناداه من بعيد من حَيْثُ يسمع مثله صَوته أَو كَانَ نَائِما فناداه أَو أيقظه حنث وَلَو مر على قوم فَسلم عَلَيْهِم وَهُوَ فيهم حنث إِلَّا أَن لَا يَنْوِي الرجل فيهم وَيَنْوِي غَيره وَإِن ناداه وَهُوَ حَيْثُ لَا يسمع الصَّوْت لم يَحْنَث وَلَيْسَ هَذَا بِكَلَام) الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (3/ 380).

(11)

(أَنَّ) زيادة من (ب).

(12)

ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 15)، و"الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 94).

(13)

ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 94) و"شرح الجامع الصغير " لقاضي خان (1/ 201).

ص: 213

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله

(1)

لَا يَجُوزُ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَصْلًا، لَكِنَّهُ إِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ)

(2)

فَهُوَ أُمِيٌّ، يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، فَلَوْ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ يَفْسَدُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ النَّاسِ كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(3)

.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ

(4)

رحمه الله: الْخِلَافُ فِيمَنْ لَا يُتَّهَمُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَقَدْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ كَلِمَةً بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا أَمَّا لَوِ اعْتَادَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَوْ كِتَابَةَ] الْمُصْحَفِ بِالْفَارِسِيَّةِ

(5)

(يُتَّهَمُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَقَدْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ إِلَى الْمُصْحَفِ بِالْفَارِسِيَّةِ)

(6)

يُمْنَعُ مِنْهُ أَشَدَّ الْمَنْعِ.

[قصة محمد بن الفضل مع المستفتي الذي سأله عن التعلم بالفارسية]

حَتَّى إِنَّ وَاحِداً مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فِي زَمَانِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ

(7)

أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ رحمه الله كَتَبَ فَتْوَى وَبَعَثَهَا إِلَيْهِ، أَنَّ الصِّبْيَانَ فِي زَمَانِنَا، شَقَّ عَلَيْهِمُ التَّعَلُّمُ بِلُغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، هَلْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُعَلِّمَهُمْ بِالْفَارِسِيَّةِ؟

فَقَالَ لِلْمُسْتَفْتِي: ارْجِعْ حَتَّى تَتَأَمَّلَ، ثُمَّ انْتَخِبْ

(8)

(9)

مِنْ حَالِهِ، فَإِذَا هُوَ كَانَ مَعْرُوفاً بِفَسَادِ مَذْهَبِهِ، فَأَعَطَى لِوَاحِدٍ مِنْ خُدَّامِهِ سِكِّيناً، فَقَالَ لَهُ: اقْتُلْهُ بِهَذَا، وَمَنْ أَخَذَكَ بِهِ فَقُلْ: إِنَّ فُلَانًا أَمَرَنِي بِهِ؛ فَفَعَلَ فَجَاءَ شُرْطِيٌّ إِلَيْهِ، وَقَالَ إِنَّ الْأَمِيرَ يَدْعُوكَ، فَذَهَبَ الشَّيْخُ إِلَيْهِ فَقَصَّ الْقِصَّةَ؛ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَخَلَعَ عَلَيْهِ

(10)

الْأَمِيرُ، وَجَازَاهُ بِالْخَيْرِ

(11)

.

(1)

ينظر: "الأم للشافعي"(1/ 100).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 37).

(4)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة"(1/ 308).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

في (ب): (الخليل).

(8)

في (ب): (استحث).

(9)

نخب: انْتَخَبَ الشيءَ: اختارَه. والنُّخْبَةُ: مَا اخْتَارَهُ، والنُخبة بالضم: المنتخبون من الناس المنتقون. والانتخاب: الاختيار والانتقاء. ومنه حديث ابن الأكوع «انتخب من القوم مائة رجل» . النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير (5/ 31)، لسان العرب لابن منظور (1/ 751).

(10)

في (ب): (له).

(11)

هذه الحكاية ظاهرها الضعف إذ لا خطام لها ولا زِمام، ولم أجد لها أثرٌ لا في كتب السير ولا في التاريخ وعلى فرض صحتها فإنَّ فيها فتح بابِ ومسوغ بأن يقوم آحاد الناس بعمل ما لا يكون إلا لولي الأمر. يقول الإمام الشوكاني:(عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة؛ أنهم كانوا يقولون لا ينبغي لأحد يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان، إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمته). انظر: " نيل الأوطار للشوكاني"(7/ 295، 296).

ص: 214

وَمَشَايِخُ بلخ رحمهم الله أَخَذُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِمَا؛ وَهُوَ مُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي

اللَّيْثِ رحمه الله وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ خَانَ رحمه الله فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

(1)

.

وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَقُولُ: الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا

(2)

جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَمَّا مَنْ

(3)

تَعَمَّدَ ذَلِكَ؛ يَكُونُ زِنْدِيقاً

(4)

أَوْ مَجْنُوناً، فَالْمَجْنُونُ يُدَاوَى؛ وَالزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ

(5)

.

[حكم قراءة القرآن بالفارسية]

قَوْلُهُ رحمه الله: (فَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ).

حَتَّى جَوَّزَ الافْتِتَاحَ (بِثَنَاءٍ عَرَبِيٍّ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ، بَعْدَ أَنْ كَانَ عَرَبِيّاً، (وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ) فَلَمْ يُجَوِّزْ الافْتِتَاحَ بِالْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ لَهَا مِنَ الْمَزِيَّةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«أَنَا عَرَبِيٌّ وَالْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ وَلِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ»

(6)

ذَكَرَهُ صلى الله عليه وسلم فِي مَعْرِضِ الْأَثْرَةِ وَتَفْصِيلُ

(7)

لِسَانِ الْعَرَب ِ، عَلَى سَائِرِ الْأَلْسِنَةِ، كَذَا فِي "الفوائد الظهيرية".

(1)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (1/ 203).

(2)

(إِذَا) ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): (لو).

(4)

زندق: الزِّنْدِيقُ: الْقَائِلُ بِبَقَاءِ الدَّهْرِ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، أو مَن يُبْطِنُ الكُفْرَ ويُظْهِرُ الإِيمانَ، أو أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ ووَحْدانيّة الْخَالِقِ. لسان العرب لابن منظور (10/ 147)، القاموس المحيط، للفيروز آبادي (ص: 891).

(5)

وقتله إلى ولي الأمر لا آحاد الناس.

(6)

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(5/ 369)، حديث (5583)، و (9/ 69)، حديث (9147)، وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(4/ 97 - 98)، فضل كافة العرب، حديث (6999) و (7000)، وأخرجه تمام في "الفوائد"(1/ 61)، حديث (134)، وأخرجه البيهقي في"شعب الإيمان"(3/ 34)، فَصْلٌ فِي بَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفَصَاحَتِهِ، حديث (1364). وقال الذهبي معلقًا علي رواية الحاكم:(أظن الحديث موضوعًا).

(7)

في (ب): (وتفضيل).

ص: 215

وَقَالَا الْقُرْآنُ مُعْجِزٌ، وَالْإِعْجَازُ فِي النَّظْمِ، وَالْمَعْنَى فَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمَا؛ لَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِمَا فَإِذَا عَجَزَ عَنِ النَّظْمِ؛ أَتَى بِمَا قُدِرَ عَلَيْهِ، كَمَنْ عَجَزَ عْنِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ؛ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وأبو حَنِيفَةَ رحمه الله

(1)

اسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ الفُرسَ كَتَبُوا إِلَى سَلَمَانَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمُ الْفَاتِحَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَكَتَبَ [بِالْفَارِسِيَّةِ]

(2)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بنام يزدان بخشا وندي نجشا وندكر)

(3)

فَكَانُوا يَقْرَؤُوا

(4)

ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ؛ حَتَّى لَانَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَبَعْدَمَا كَتَبَ عَرَضَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(5)

.

(1)

ينظر "المبسوط" للسرخسي (1/ 37).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

كذا بالفارسية في المخطوط

(4)

في (ب): (يعرفون).

(5)

من الملاحظ أن كل الذين أشاروا إلى رواية كتابة سلمان للفاتحة بالفارسية نحو الألوسي وابن نجيم الحنفي والزرقاني قد أحالوا إلى كتاب "النهاية والدراية" و لم أعثر على هذا الكتاب ولا هذه الرواية لا في مسند أبي حنيفة ولا غيره ولم أجد من أشار إليها في كتب الحديث، وحسبي أن هذا الخبر - على أهميته - لم يخرِّجه كبار رجال الحديث وغالباً ما يشار في ذلك أيضاً إلى كتاب "المبسوط" للسرخسي، وكتاب النووي المجموع شرح المهذب، وقد رجعت إلى هذه الكتب فوجدت النووي والسرخسي يقولان " روي عن سلمان " بلا إسناد ولا تعليق

انظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 37)، و"المجموع شرح المهذب؛ للنووي"(3/ 380)، وقد رد الزرقاني هذه الرواية بما ملخصه:

- أن هذا خبر مجهول الأصل لا يعرف له سند فلا يجوز العمل به.

- إن الخبر لو كان صحيحاً لنقل وتواتر لأنه مما تتوافر الدواعي على نقله وتواتره.

- إنه يحمل دليل وهنه فيه ذلك أنهم سألوه أن يكتب لهم ترجمة الفاتحة فلم يكتبها لهم إنما كتب لهم ترجمة البسملة ولو كانت الترجمة ممكنة وجائزة لأجابهم إلى ما طلبوا وجوباً وإلا كان كاتماً وكاتمُ العلم ملعون.

- إن المتأمل في الخبر يدرك أن البسملة نفسها لم تترجم لهم كاملة لأن هذه الألفاظ التي ساقتها الرواية على أنها ترجمة للبسملة لم يؤت فيها بلفظ مقابل للفظ الرحمن وكأن ذلك لعجز اللغة الفارسية عن وجود نظير فيها لهذا الاسم الكريم. وهذا دليل مادي على أن المراد بالترجمة هنا الترجمة اللغوية لا العرفية على فرض ثبوت الرواية.

- قد وقع اختلاف في لفظ هذا الخبر بالزيادة والنقص؛ وذلك موجب لاضطرابه ورده والدليل على هذا الاضطراب أن النووي في المجموع نقله بلفظ آخر هذا نصه: "إن قوما من أهل فارس طلبوا من سلمان أن يكتب لهم شيئا من القرآن فكتب لهم الفاتحة بالفارسية". وبين هذه الرواية وتلك مخالفة ظاهرة إذ إن هذه ذكرت الفاتحة وتلك ذكرت البسملة بل بعض البسملة ثم إنها لم تعرض لحكاية العرض على النبي أما تلك فعرضت له.

- إن هذه الرواية على فرض صحتها معارضة للقاطع من الأدلة القائمة على استحالة الترجمة وحرمتها ومعارض القاطع ساقط. انظر: "مناهل العرفان في علوم القرآن؛ للزرقاني"(2/ 160).

ص: 216

[من لم يحسن العربية هل له أن يقرأ بأي لغة غيرها]

وَيَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ سِوَى الْفَارِسِيَّةِ؛ هُوَ الصَّحِيحُ، هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرَدْعِيِّ رحمه الله

(1)

؛ فَإِنَّهُ قَالَ إِنَّمَا جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ؛ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَلْسِنَةِ، لِقُرْبِ الْفَارِسِيَّةِ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ رحمه الله وَالصَّحِيحُ النَّقْلُ إِلَى أَيِّ لُغَةٍ كَانَتْ، كَذَا فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ وَالتُّمُرْتَاشِيِّ

(2)

-رحمهما الله-.

[الآذان بالفارسية]

وَالْخِلَافُ فِي

(3)

الاعْتِدَادِ؛ أَيْ: فِي أَنَّهُ هَلْ يَقَعُ مَحْسُوساً

(4)

عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ أَمْ لَا؟ وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ

(5)

التُّمُرْتَاشِيِّ: وَلَوْ لَمْ يُحْسِنِ الْعَرَبِيَّةَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ، قَالَ أَبُو الْيُسْرِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ؛ لَا تَفْسَدُ صَلَاتُهُ

(6)

إِنَّمَا الشَّأْنُ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهَا وَكَذَا فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " لِقَاضِي خَانَ

(7)

رحمه الله وَهَذَا إِذَا قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ كُلَّ لَفْظٍ بِمَا هُوَ مَعْنَاهُ

(8)

، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ

(9)

شَيْئاً؛ أَمَّا إِذَا قَرَأَ عَلَى طَرِيقِ التَّفْسِيرِ، يَفْسَدُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(10)

وَغَيْرِهِ.

(1)

البردعي: هو أحمد بن الحسين، أبو سعيد البردعي: فقيه من العلماء. كان شيخ الحنفية ببغداد. نسبته إلى بردعة (أو برذعة) بأقصى أذربيجان. ناظر الإمام داود الظاهري في بغداد، وظهر عليه. وتوفي قتيلا في وقعة القرامطة مع الحجاج بمكة. له (مسائل الخلاف - خ) بتونس، فيما اختلف به الحنفية مع الإمام الشافعيّ المتوفى: 491 هـ. انظر " تاريخ الإسلام للذهبي"(10/ 700)، الأعلام للزركلي (1/ 114).

(2)

انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 286)، " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 176).

(3)

(فِي) ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): (محسوبا).

(5)

(لِلْإِمَامِ) ساقطة من (ب).

(6)

(صَلَاتُهُ) ساقطة من (ب).

(7)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (1/ 203).

(8)

في (ب): (بمعناه).

(9)

في (ب): عليه).

(10)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 37).

ص: 217

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ التَّعَارَفُ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا: تَقْدِيراً فَإِنَّ لَهُمَا أَنْ يَقُولَا: لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ، كَمَا لَا يَجُوزُ الْأَذَانُ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَقَالَ: عَدَمُ الْجَوَازِ فِي الْأَذَانِ؛ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ فِيهِ بِالْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ، وَالْإِعْلَامُ؛ لَا يَقَعُ بِهَا، حَتَّى لَوْ وَقَعَ الْعُرْفُ فِيهِ بِالْفَارِسِيَّةِ يَجُوزُ أَيْضاً.

وَذَكَرَ فِي " الْمَبْسُوطِ ": (وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ أَذَّنَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَذَانٌ جَازَ وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْإِعْلَامُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ)

(1)

.

وَفِي "الأسرار"

(2)

وَلَا يَلْزَمُ الْأَذَانُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَدَّى بِلُغَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الرُّكْنَ لَيْسَ عَمَلَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ/ لَوْ تَكَلَّمَ بِهِ، وأخفاه

(3)

لَمْ يَجُزْ، وَالثَّنَاءُ حَاصِلٌ بِعَيْنِ

(4)

الْكَلِمَةِ وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ؛ إِعْلَامُ النَّاسِ لِحُضُورِ الصَّلَاةِ؛ وَهُوَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِكَلِمَاتٍ مَعْرُوفَةٍ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ

(5)

فَتَمَحَّضَ ذِكْراً، فَيَجُوزُ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ، لَا يَصِحُّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ

(6)

أُمَنَّا؛ أَيْ: اقْصُدْنَا بِالْخَيْرِ؛ فَكَانَ مَشُوباً بِالدُّعَاءِ، لَا ثَنَاءً خَالِصاً (كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ)

(7)

.

(1)

المرجع السابق (1/ 37).

(2)

"الأسرار" للدبوسي: (1/ 952)

(3)

(وأخفاه) ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): (بتعين).

(5)

في (ب): (بالله).

(6)

في (ب): (بالله). والمثبت هو الصحيح أنظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 287).

(7)

زيادة من (ب).

ص: 218

[وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَيَعْتَمِدُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى)

(1)

.

فِي الدِّيوَانِ اعْتَمَدَهُ؛ أَيْ: قَصَدَ لَهُ الْبَاءَ زَائِدَةً هُنَا فِي الْمَفْعُولِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} }

(2)

أَيْ: وَيَقْصِدُ؛ وَضْعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله: يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ؛ بِأَنَّ فِي الاعْتِمَادِ أَرْبَعَ مَسَائِلَ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ هَلْ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ كَيْفَ يَضَعُ؟

وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ أَيْنَ يَضَعُ؟

وَالرَّابِعَةُ: أَنَّهُ مَتَى يَضَعُ؟

أَمَّا الْأُولَى: فَعَلَى قَوْلِ عُلَمَائِنَا؛ السُّنَّة أَنْ يَعْتَمِدَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى.

وَقَالَ مَالِكٌ

(3)

بِأَنَّهُ يُرْسِلُ إِرْسَالاً، وَإِنْ شَاءَ اعْتَمَدَ، فَالْإِرْسَالُ عِنْدَ مَالِكٍ عَزِيمَةٌ وَالاعْتِمَادُ رُخْصَةٌ.

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (وأصْلُ الاعْتِمَادِ سُنَّةٌ، إِلَّا عَلَى قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ

(4)

؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يِتَخْيِرِ الْمُصَلِّي بَيْنَ الاعْتِمَادِ وَالْإِرْسَالِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا أُمِرُوا بِالاعْتِمَادِ؛ إِشْفَاقاً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُطَوِّلُونَ الْقِيَامَ؛ فَكَانَ يَنْزِلُ الدَّمُ

(5)

إِلَى رُؤُوسِ أَنَامِلِهِمْ، إِذَا أَرْسَلُوا فَقِيلَ لَهُمْ؛ لَوِ أعْتَمَدْتُمْ، لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ، وَالْمَذْهَبُ

(6)

عِنْدَ عُلَمَائِنَا؛ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَاظَبَ عَلَيْهِ

(7)

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «إِنَّا مَعَاشِرُ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا بِأَنْ نَأْخُذَ شَمَائِلَنَا بِأَيْمَانِنَا فِي الصَّلَاةِ»

(8)

.

(1)

في متن البداية زيادة: (تحت السرة)"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 49)

(2)

سورة البقرة: (195).

(3)

سئل مالك عن وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة أترفع إلى الصدر أم توضع دون ذلك؟ فقال: (ليس فيه حد). ينظر: "البيان والتحصيل" لابن رشد (18/ 71).

(4)

الأوزاعي: هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي إمام أهل الشام؛ لم يكن بالشام أعلم منه، قيل إنه أجاب في سبعين ألف مسألة، وكان يسكن بيروت، سمع من الزهري وعطاء وروى عنه الثوري واخذ عنه عبد الله بن المبارك وجماعة كبيرة. وكانت ولادته ببعلبك سنة 88 هـ، ومنشؤه بالبقاع، وتوفي سنة 157 هـ يوم الأحد لليلتين بقيتا من صفر، وقيل في شهر ربيع الأول بمدينة بيروت رحمه الله. انظر:"وفيات الأعيان لابن خلكان"(3/ 127)، "سير أعلام النبلاء للذهبي"(7/ 107).

(5)

(الدَّمُ) ساقطة من (ب).

(6)

(وَالْمَذْهَبُ) ساقطة من (ب).

(7)

ساقطة من (ب).

(8)

أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده"(4/ 377)، حديث رقم (2776)، وأخرجه أحمد في" فضائل الصحابة"(2/ 624)، حديث (1068)، وأخرجه بن حبان في "صحيحه"(5/ 67)، حديث (1770)، وأخرجه الطبراني في"المعجم الأوسط"(2/ 247)، حديث (1884)، و (4/ 297)، حديث (4249)، وأخرجه الدارقطني في "سننه"(2/ 31)، كتاب الصلاة، باب في أخذ الشمال باليمين في الصلاة، حديث (1096) و (1097)، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 238)، كتاب الصوم، باب ما يستحب من تعجيل الفطر وتأخير السحور، حديث (8383). ضعفه البيهقي، وصحح أبو بكر الهيثمي في"مجمع الزوائد"(3/ 368) رواية الطبراني في الأوسط.

ص: 219

وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ؛ تَحْتَ السُّرَّةِ فِي الصَّلَاةِ

(1)

.

[صِفةُ وموضعُ وضعِ اليَدِ في الصَّلاةِ]

وامَّا صِفَةُ الْوَضْعِ؛ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ؛ فَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، لَفْظُ الْأَخْذِ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ

(2)

لَفْظُ الْوَضْعِ، وَاسْتَحْسَنَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا، الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا، بِأَنْ يَضَعَ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُمْنَى، عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَيُحَلِّقُ بِالْخِنْصَرِ، وَالْإِبْهَامِ، عَلَى الرُّسْغِ؛ لِيَكُونَ عَامِلاً بِالْحَدِيثَيْنِ.

وامَّا مَوْضِعُ الْوَضْعِ؛ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ؛ فَالْأَفْضَلُ عِنْدَنَا؛ تَحْتَ السُّرَّةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ الْأَفْضَلُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الصَّدْرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}

(3)

قِيلَ الْمُرَادُ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ، عَلَى النَّحْرِ؛ وَهُوَ الصَّدْرُ؛ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ نُورِ الْإِيمَانِ، فَحِفْظُهُ بِيَدِهِ

(4)

فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى، مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى الْعَوْرَةِ؛ بِالْوَضْعِ تَحْتِ السُّرَّةِ

(5)

وَلَنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه كَمَا رَوَيْنَا وَالسُّنَّةُ إِذَا أُطْلِقَتْ؛ تَنْصَرِفُ فِي الْأَغْلَبِ؛ إِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ الْوَضْعُ تَحْتَ السُّرَّةِ؛ أَبْعَدُ عَنِ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، واقْرَبُ إِلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ، فَكَانَ أَوْلَى.

وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَانْحَرْ} نَحْرُ الْأُضْحِيَةِ، بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَلَئِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّحْرِ الصَّدْرَ، فَمَعْنَاهُ ضَعْ بِالْقُرْبِ مِنَ النَّحْرِ، وَذَلِكَ تَحْتَ السُّرَّةِ، ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، الاعْتِمَادُ سُنَّةُ الْقِيَامِ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ

(6)

، وَيَتَبَيَّنُ هَذَا فِي الْمُصَلَّى بَعْدَ التَّكْبِيرِ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ، فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُرْسِلُ يَدَيْهِ فِي حَالَةِ الثَّنَاءِ؛ فَإِذَا أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ اعْتَمَدَ، وَ

(7)

فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا يَكُفُّ يَدَيْهِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ يَعْتَمِدُ

(8)

(9)

.

(1)

روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " السنة - أو من سنة الصلاة - وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة - أو تحت السرر - " أخرجه أبو داود (756) وغيره، وسنده ضعيف، لضعف عبدالرحمن بن إسحاق الواسطي أبي شيبة، وشيخه زياد بن زيد السوائي مجهول، وقد نقل النووي الاتفاق على تضعيف هذا الحديث، كما في " المجموع شرح المهذب؛ للنووي "(3/ 313) و " شرح مسلم "(4/ 115) وغيرهما.

(2)

(عَلِيٍّ) ساقطة من (ب).

(3)

سورة الكوثر: (2).

(4)

(بِيَدِهِ) ساقطة من (ب).

(5)

انظر: "المبسوط للسرخسي"(1/ 24).

(6)

انظر " بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 201).

(7)

(وَ) ساقطة من (ب).

(8)

(يَعْتَمِدُ) ساقطة من (ب).

(9)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 23 - 24).

ص: 220

قَوْلُهُ رحمه الله: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ الزَّاهِدِ أَبِي حَفْصٍ الْفَضْلِيِّ، وَعَنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الْفَضْلِيِّ، (فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: السُّنَةُ فِي صَلَاةِ الْجَنَازَةِ، وَفِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَالْقَوْمَةُ الَّتِي بَيْنَ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ؛ الْإِرْسَالُ، وَقَالَ أَصْحَابُ الْفَضْلِيِّ، مِنْهُمُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النسفي، وَالْحَاكِمُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْكَاتِبُ

(1)

، وَالْإِمَامُ الزَّاهِدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الخيرآخري رحمه الله

(2)

السُّنَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الاعْتِمَادُ، وَقَالُوا: مَذْهَبُ الرَّوَافِضِ

(3)

الْإِرْسَالُ مِنْ أَوَّل الصَّلَاةِ، فَنَحْنُ نَعْتَمِدُ مُخَالَفَةً لَهُمْ.

وَكَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيُّ رحمه الله يَقُولُ: كُلُّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ؛ فَالسُّنَّةُ فِيهِ الاعْتِمَادُ كَمَا فِي حَالَةِ الثَّنَاءِ، وَالقُنُوت، وَصَلَاةِ الْجَنَازَةِ، وَكُلُّ قِيَامٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ؛ كَمَا فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ؛ فَالسُّنَّةُ فِيهِ الْإِرْسَالُ، وَبِهِ كَانَ يَفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله، وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ، وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الْأَئِمَّةِ) رحمهم الله كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(4)

.

(1)

عبد الرحمن بن محمَّد بن محمَّد بن عزيز بن محمَّد بن يزيد بن محمَّد أبو سعد الحاكم الإِمام المعروف بابن دوست، ودوست لقب جده محمَّد بن عزيز الأديب الحنفي النيسابوري الثقة الأمين أحد أئمة العصر في الأدب وراوية كتبه. انظر:"سير أعلام النبلاء للذهبي"(17/ 509)، "تاريخ الإسلام للذهبي"(9/ 506)، " الجواهر المضية في طبقات الحنفية، للقرشي "(1/ 309).

(2)

الخيراخري: بفتح الخاءين المعجمتين والياء المسكونة المنقوطة بنقطتين من تحتها وفتح الراء الأولى وكسر الأخرى (هذه النسبة إلى قرية خيراخري على خمس فراسخ من بخارى بقرب الزندني) وهو أبو محمد عبد الله بن الفضل الخيراخري واشتهر بهذه النسبة و كان مفتي بخارى، يروي عن أبي بكر محمد بن خنب وأبي بكر بن مجاهد القطان البلخي وأبي بكر أحمد بن سعد الزاهد وأبي بكر بن يزداذ الرازي المفسر، روى عنه ابنه أبو نصر أحمد بن عبد الله بن الفضل، قُلِّد الإمامة في الجامع ببخارى، وعُقد له مجلس الإملاء بها، وتوفي بعد سنة ثماني عشرة وخمسمائة فإنه حدث في هذه السنة. انظر الأنساب للسمعاني (2/ 429).

(3)

الرافضة: هم الذين رفضوا زيد بن علي حين سألوه عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما، فقالوا: إذن نرفضك. فقال: اذهبوا فأنتم الرافضة. انظر: " الإلحاد الخميني في أرض الحرمين" لمقبل بن هادي الوادعي (ص: 41).

(4)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 356).

ص: 221

وَذَكَرَ فِي "فتاوى قاضي خان": (وَكَمَا فَرَغَ مِنَ التَّكْبِيرِ، يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى تَحْتَ السُّرَّةِ، وَكَذَلِكَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَتَكْبِيرَاتِ الْجَنَازَةِ، وَالْقُنُوتِ، وَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ بَيْنَ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ)

(1)

وَفِي "التَّجْنِيسِ" الْمُصَلِّي إِذَا تَحَرَّمَ لِلصَّلَاةِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ لَا يُرْسِلْهُمَا، ثُمَّ يَضَعُ؛ بَلْ يَضَعُ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ إِرْسَالٍ؛ لِأَنَّ هَذَا قِيَامٌ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، (بِخِلَافِ مَا بَيْنَ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ؛ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ فِيهِ هُوَ الْإِرْسَالُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ)

(2)

.

[دُعاءُ الاستفتاح]

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ).

سُبْحَانَ؛ عَلَمٌ لِلتَّسْبِيحِ، لَا يُصْرَفُ وَلَا/ يَتَصَرَّفُ

(3)

، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَنْصُوباً عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ.

وَقَوْلُهُ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ) مَعْنَاهُ: سَبَّحْتُكَ بِجَمِيعِ آلَائِكَ، وَبِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ. كَذَا فِي "المغرب"

(4)

.

فَإِنْ قُلْتَ: لَوْ كَانَ سُبْحَان عَلَماً لِلتَّسْبِيحِ؛ لَمَا أُضِيفَ فِي قَوْلِهِمْ: سُبْحَانَكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ إِذِ الْعَلَمُ لَا يُضَافُ؛ اللَّهُمَّ إِلَّا إنْ كَانَ مُؤَّلاً؛ بِوَاحِدٍ مِنَ الْجِنْسِ، قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَ [الْجِنْدِيُّ]

(5)

فِي الْإِقْلِيدِ

(6)

أَنَّ سُبْحَانَ؛ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَماً إِذَا لَمْ يَجِئْ مُضَافاً؛ أَمَّا إِذَا أُضِيفَ فَلَا؛ لِأَنَّ الْعَلَمَ لَا يُضَافُ، وَاسْتِعْمَالُهُ مُفْرَداً غَيْرُ مُضَافٍ قَلِيلٌ.

وَفِي "الْمَبْسُوطِ ": (جَاءَ عَنِ الضَّحَّاكِ

(7)

فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}

(8)

أَنَّه قَوْلُ الْمُصَلِّي عِنْدَ الافْتِتَاحِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ

(9)

وَرَوَى هَذَا الذِّكْرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ

(10)

وَلَمْ يَذْكُرْ: وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْمَشَاهِيرِ)

(11)

.

(1)

"فتاوى قاضي خان"(ص 108).

(2)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(3)

في (ب): (لا ينصرف).

(4)

" المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (1/ 378 - 379)

(5)

زيادة من (ب).

(6)

الاقليد شرح المفصل تأليف تاج الدين أحمد بن محمود بن عمر الجندي المتوفى سنة 700 هـ، تحقيق الدكتور محمود أحمد على أبو كتة الدراويش، رسالة دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 2002 م.

(7)

الضَّحَّاكُ بنُ مُزَاحِمٍ الهِلَالِيُّ: أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقِيْلَ: أَبُو القَاسِمِ، صَاحِبُ (التَّفْسِيْرِ). كَانَ مِنْ أَوعِيَةِ العِلْمِ، وَلَيْسَ بِالمُجَوِّدِ لِحَدِيْثِهِ، وَهُوَ صَدُوْقٌ فِي نَفْسِهِ، حدث عن: ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وابن عمر، وأنس بن مالك. وعن: الأسود، وسعيد بن جبير، وعطاء، وطاووس، وطائفة. وبعضهم يقول: لم يلق ابن عباس - توفي سنة 105 هـ. انظر "التاريخ الكبير للبخاري"(4/ 332)، "تاريخ الإسلام للذهبي"(3/ 64)، "سير أعلام النبلاء للذهبي"(4/ 599).

(8)

سورة الطور: (48).

(9)

ينظر: "تفسير الطبري"(21/ 606).

(10)

أخرجه الترمذي في"سننه"(1/ 323 - 324)، كتاب الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، حديث (242)، و ضعفه الترمذي ثم قال:(وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث.)، كما أخرجه مسلم في "صحيحه" موقوفًا علي عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(ص 171)، كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، حديث (399).

(11)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 12).

ص: 222

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يَضُمُّ إِلَيْهِ قَوْلَهُ: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ}

(1)

الخ)

(2)

.

وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: (الخ) أَيْ: إِلَى آخِرِ مَا يَقُولُ الْمُصَلِّي، بَعْدَ الثَّنَاءِ فِي الْمَعْهُودِ عِنْدَهُ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ؛ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ، وَالْأَرْضَ؛ حَنِيفاً، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنا [أَوَّلُ]

(3)

مِنْ الْمُسْلِمِينَ»

(4)

كَذَا فِي " الْمَبْسُوطَيْنِ

(5)

.

وَقَالَ فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ": وَلَا يُغَيِّرُ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ

(6)

إِلَّا أَنَّهُ [إِذَا]

(7)

انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}

(8)

يَجِبُ أَنْ يُغَيِّرَ وَيَقُولُ: وأنا مِنْ [أَوَّلِ]

(9)

الْمُسْلِمِينَ، (وَلَوْ قَالَ:«وأنا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» )

(10)

اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ؛ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: تَفْسَدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَذَبَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا تَفْسَدُ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ؛ قِرَاءَةَ مَا في الْقُرْآنِ، لَا الْإِنْبَاءُ عَنْ

(11)

نَفْسِهِ، وأبو يُوسُفَ

(12)

يَقُولُ: الْأَخْبَارُ؛ وَرَدَتْ بِهِمَا، فَاجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ عَمَلًا بِالْأَخْبَارِ كُلِّهَا، وَجَعَلَ الْبِدَايَةَ بِالتَّسْبِيحِ؛ أَوْلَى فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ

(13)

الْقُرْآنَ وَرَدَ بِهِ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}

(14)

، وَفِي رِوَايَةٍ: يَتَخَيَّرُ إِنْ شَاءَ إِلَى

(15)

قَبْلِ الثَّنَاءِ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهُ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ التَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ، وَالْأَمْرُ فِيهِ وَاسِعٌ.

(1)

سورة الأنعام: من آية (79).

(2)

وفي المطبوع (إلى آخره) ولم يذكر الاختصار (الخ) انظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 49).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 305)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، حديث (771)، وأخرجه أبي داود في"سننه" ص 103، كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، حديث (760)، وأخرجه النسائي في"سننه "(2/ 467 - 468)، كتاب الصلاة، باب الدعاء بين التكبير والقراءة، حديث (896).

(5)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 12).

(6)

هي قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} الأنعام: (162، 163).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

سورة الأنعام: من الآية (163).

(9)

زيادة من (ب).

(10)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(11)

في (ب): (من).

(12)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 202).

(13)

في (ب): (لكن).

(14)

سورة الطور: (48).

(15)

في (ب): (أي).

ص: 223

فَأَمَّا فِي الْفَرَائِضِ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا اشْتَهَرَ فِيهِ الْأَثَرُ؛ كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(1)

،

قوله رحمه الله: (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِي بِالتَّوَجُّهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لَتَتَّصِلَ النِّيَّةُ بِهِ)

(2)

.

التَّوَجُّهُ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ» ، كفتن

(3)

أَيْ لَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ» بَعْدَ النِّيَّةِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لِتَتَّصِلَ النِّيَّةُ بِالتَّكْبِيرِ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ فَإِنَّهُ يَقُولُهَا قَبْلَ التَّكْبِيرِ، وَمِنْهُمُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ

(4)

؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَزِيمَةِ، وَلِهَذَا لُقِّنَ الْعَوَامُّ مِنَ النَّاسِ هَذَا الذِّكْرَ؛ لِيَقُومَ مَقَامَ النِّيَّةِ، وَلِيَكُونَ عَمَلاً بِمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَطُولَ مُكْثُهُ فِي الْمِحْرَابِ، قَائِماً مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَة، وَلَا يُصَلِّي [وَهُوَ]

(5)

مَذْمُومٌ شَرْعاً؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَالِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ»

(6)

كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

(1)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 13).

(2)

في (ب): (إليه).

(3)

كذا في (أ) وليست في (ب)، وغالب الظن أنها خطأ أو أنه معناها (كفته) والله أعلم بالصواب.

(4)

انظر " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 290)، " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 188).

(5)

كذا في (ب)، وفي نسخة (أ) بلفظ:(هَذَا). والصواب ما أثبت. انظر: " تبيين الحقائق للزيلعي (1/ 111).

(6)

أخرجه عبد الرزاق في"مصنفه"(1/ 504)، كتاب الصلاة، بَابُ قِيَامِ النَّاسِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ، حديث (1933)، وأخرجه الفضل بن دُكين في"كتاب الصلاة"(1/ 201)، باب في القوم ينتظرون الإمام قياما، حديث (292)، وأخرجه ابن أبي شيبه في "مصنفه"(3/ 359)، كتاب الصلاة، باب في القوم يقومون إذا أقيمت الصلاة قبل أن يجيء الإمام، حديث (4117)، وأخرجه البيهقي في"السنن الكبرى"(2/ 20)، كتاب الصلاة، جماع أبواب صفة الصلاة، باب متى يقوم المأموم، حديث (2378).

ص: 224

[التَّعَوَّذ قبل القراءة في الصَّلاة]

قوله رحمه الله (وَيَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ)

الْكَلَامُ فِي التَّعَوُّذِ فِي فُصُولٍ: أَحَدُهَا فِي أَصْلِهِ؛ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَعَوَّذُ فِي الصَّلَاةِ

(1)

لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهم وَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}»

(2)

وَلَمْ يَقُلْ بِالتَّعَوُّذِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِقَطْعِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ قَدْ حَصَلَ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ بَيْنَ يَدَيِ رَبِّهِ؛ فَلَا يَكُونُ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَعُلَمَاؤُنَا احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}

(3)

وَلَمْ يَفْصِلْ.

وَقَدْ رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، كَبَّرَ، وَسَبَّحَ، وَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.

وَالْحَاجَةُ إِلَى قَطْعِ الْوَسْوَسَةِ

(4)

فِي الصَّلَاةِ قَائِمَةٌ، وَالثَّانِي فِي وَقْتِهِ، قَالَ عُلَمَاؤُنَا يَتَعَوَّذُ بَعْدَ الثَّنَاءِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَاب الظَّوَاهِرِ، مِنْهُمْ حَمْزَةُ الْمُقْرِئُ الزَّيَّاتُ

(5)

(يَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ

(6)

لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} ذُكِرَ بِحَرْفِ الْفَاءِ؛ وانَّهُ لِلتَّعْقِيبِ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْحَالِ؛ كَمَا يُقَالُ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى السُّلْطَانِ؛ فَتَأَهَّبَ أَيْ: إِذَا أَرَدْتَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ ها هُنَا؛ مَعْنَاهُ إِذَا أَرَدْتَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ قَالَ عَطَاءٌ: الاسْتِعَاذَةُ تَجِبُ عِنْدَ كُلِّ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ

(7)

فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ، فَقَدْ كَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ

(8)

، وَالثَّالِثُ فِي لَفْظِ التَّعَوُّذِ، فَاخْتِيَارُ أَبِي عَمْرُو

(9)

وَعَاصِمٍ

(10)

وَابن كثير رحمهم الله أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَزَادَ حَفْصٌ مِنْ طَرِيقِ هُبَيْرَةَ

(11)

وأعوذ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ

(12)

مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَاخْتِيَارُ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ

(13)

وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَّ الْأَثَرَ)

(14)

.

(1)

ينظر: "المدونة الكبرى" لمالك بن أنس " (1/ 162).

(2)

أخرجه أبو داود الطيالسي في"مسنده"(3/ 477)، حديث (2087)، وأخرجه أحمد في "مسنده"(21/ 50)، حديث (13337)، وأخرجه البخاري في" القراءة خلف الإمام"(ص 33)، باب هل يقرأ بأكثر من فاتحة الكتاب خلف الإمام، حديث (85)، وأخرجه الطبراني في"المعجم الأوسط"(2/ 16)، حديث (1080)، وأخرجه الدارقطني في"سننه"(2/ 94)، كتاب الصلاة، باب ذكر اختلاف الرواية في الجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، حديث (1206) وقال الأرناؤوط:(إسناده صحيح علي شرط الشيخين).

(3)

سورة النحل: (98).

(4)

في (ب): (وسوسة الشيطان).

(5)

حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل، التيمي، الزيات: أحد القراء السبعة. ولد سنة 80 للهجرة، كان من موالي التيم فنسب إليهم. وكان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان (في أواخر سواد العراق مما يلي بلاد الجبل) ويجلب الجبن و الجوز إلى الكوفة. ومات بحلوان. كان عالما بالقراءات، انعقد الإجماع على تلقي قراءته بالقبول قال الثوري: ما قرأ حمزة حرفاً من كتاب الله إلا بأثر. توفي سنة 156 هـ. انظر: "تهذيب الكمال في أسماء الرجال"(7/ 314)، "الكاشف"(1/ 351)، "تاريخ الإسلام للذهبي"(4/ 41).

(6)

انظر: "غرائب التفسير وعجائب التأويل"(1/ 616).

(7)

(الْقُرْآنِ) ساقطة من (ب).

(8)

حكاه الكاساني في "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 202)، " المحيط البرهاني لإبن مازة " (1/ 357) و في المذهب الشافعي:" المجموع شرح المهذب؛ للنووي"(3/ 325) و"مغني المحتاج" للشربيني (1/ 156) وفي المذهب الحنبلي: "المبدع" لابن مفلح (1/ 380) و "شرح منتهى الإرادات " للبهوتي " (1/ 187).

(9)

هو أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحصين التميمي المازني البصري. أحد القراء السبعة، كان أعلم الناس بالقرآن الكريم والعربية والشعر، وهو في النحو في الطبقة الرابعة من علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، كانت ولادته سنة سبعين، وقيل ثمان وستين، وقيل خمس وستين للهجرة بمكة. وتوفي سنة أربع وخمسين. انظر:"وفيات الأعيان لابن خلكان "(3/ 466)، " تاريخ الإسلام للذهبي"(4/ 263).

(10)

عاصم بن أبى النجود الأسدي وهو عاصم بن بهدلة كان اسم أبى النجود بهدلة كنيته أبو بكر مات سنة ثمان وعشرين ومائة وكان من القراء، انظر:" مشاهير علماء الأمصار لابن حبان"(ص: 261).

(11)

هبيرة بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن هُبَيْرة أَبُو علي الشيباني، حَدَّث عَن: أبي ميسرة أَحْمَد بْن عَبْد الله الحراني رَوَى عَنْهُ: أَبُو حفص عُمر بْن مُحَمَّد ابْن الزيَّات، وأبو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، وأبو حفص الكتاني، وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الْعَبَّاس النجار، وأبو القاسم ابْن الثلاج، توفي سنة 240 هـ انظر " تاريخ بغداد للخطيب البغدادي"(16/ 148).

(12)

في (ب): (السميع العليم العظيم).

(13)

ابن سيرين: هو أنس بن سيرين مولى أنس بن مالك، يكنى أبا حمزة، حدث عن: ابن عمر، وابن عباس، وخلق وعنه: ابن عون، وشعبه، وأبان العطار، وغيرهم. مات سنه (120 هـ) ويقال: سنة (118 هـ). انظر: "الطبقات" لابن خياط (1/ 214)، "سير أعلام النبلاء للذهبي"(4/ 622 - 623).

(14)

ما بين القوسين من كلام السرخسي في مبسوطه، انظر:"المبسوط" للسرخسي (1/ 13).

ص: 225

وَقَالَ/ شَيْخُ الْإِسْلَامِ

(1)

الْمُخْتَارُ فِي التَّعَوُّذِ؛ مَا قَالَ الْفَقِيهُ، أَبُو جَعْفَرَ الْهُنْدُوَانِيُّ

(2)

بِهِ هُوَ أَنْ يَقُولَ أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ لِأَنَّهُ

(3)

عَلَى مُوَافَقَةِ الْكِتَابِ.

وَإِنْ شَاءَ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ؛ وَلِأَنَّهُ نَقَلَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [وَ]

(4)

؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: [إِنَّ اللَّهَ]

(5)

هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ؛ ثَنَاءٌ، وَ

(6)

بَعْدَ التَّعَوُّذِ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ؛ لَا مَحَلُّ (الثَّنَاءِ كَذَا فِي "الْمَبْسُوطَيْنِ "

(7)

.

[حُكمُ البَسملة]

ثُمَّ التَّعَوُّذُ تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ؛ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ بَعْدَ الثَّنَاءِ؛ وانَّهُ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ كَالْأَوَّلِ)

(8)

وَتَبَعُ الشَّيْءِ مَا كَانَ بَعْدَهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ الْمُقْتَدِي بِهِ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِافْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ؛ فَكَانَ

(9)

كَالشَّرْطِ لَهَا، وَشَرْطُ الشَّيْءِ؛ مَا كَانَ تَابَعاً لِلْمَشْرُوطِ، وَإِنْ كَانَ سَابِقاً عَلَيْهِ كَالطَّهَارَةِ، وَإِذَا كَانَ تَبَعاً

(10)

لِلْقِرَاءَةِ عِنْدَهُمَا، وَلَا قِرَاءَةَ عَلَى

(11)

الْمُقْتَدِي فَكَذَا لَا تَعَوُّذٌ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

(12)

يَأْتِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ، وَيَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ

(13)

.

(1)

انظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 357)، " تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 112)" النهر الفائق شرح كنز الدقائق"(1/ 209)

(2)

هو: محمد بن عبد الله بن محمد، الفقيه أبو جعفر البلخي الحنفي. الهندواني، كان يقال له من كماله في الفقه:" أبو حنيفة الصغير "، يروي عن: محمد بن عقيل وغيره.، وتوفي ببخارى في ذي الحجة سنة اثنتين وستين. وقد تفقه على أبي بكر محمد بن أبي سعيد الفقيه. أخذ عنه جماعة، وكان يعرف بالهندواني من محلة باب هندوان، وعاش اثنتين وستين سنة، وكان من أعلام أئمة مذهبه. انظر:"تاريخ الإسلام للذهبي"(8/ 207)، و"سير أعلام النبلاء للذهبي"(16/ 131).

(3)

في (ب): (لا).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

(وَ): ساقطة من (ب).

(7)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 13).

(8)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(9)

في (ب): (وكان).

(10)

(تَبَعًا) ساقطة من (ب).

(11)

في (ب): (عند) والصواب ما أثبت انظر: " بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 102).

(12)

(يُوسُفَ) ساقطة من (ب).

(13)

انظر: " "تحفة الفقهاء" للسمرقندي "(1/ 127)، "الإختيار لتعليل المختار للموصلي"(1/ 49).

ص: 226

قَوْلُهُ رحمه الله: (هَكَذَا نُقِلَ فِي

(1)

الْمَشَاهِيرِ).

هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله وَمَا احْتَجَّ بِهِ؛ فَإِنَّهُ يَقُولُ: (لَا يَأْتِي الْمُصَلِّي بِالتَّسْمِيَةِ لَا سِرّاً وَلَا جَهْراً)

(2)

لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»

(3)

وَلَنَا حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ

(4)

وَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ

(5)

الْقِرَاءَةَ؛ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

(6)

.

[حُكمُ الجهر بالتسمية]

وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ كَانَ يُخْفِي التَّسْمِيَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:(يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وأبي هُرَيْرَةَ)

(7)

رضي الله عنه وَاسْتَدَلَّ

(8)

بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ» .

وَلَمَّا صَلَّى مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَجْهَرْ بِالتَّسْمِيَةِ؛ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: أَسَرَقْتَ مِنَ الصَّلَاةِ؟ أَيْنَ التَّسْمِيَةُ؟ فَدَلَّ أَنَّ الْجَهْرَ بِهَا كَانَ مَعْرُوفاً

(9)

عِنْدَهُمْ

(10)

وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ رحمه الله أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَهُ يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ فَقَالَ إِيَّاكَ وَالْحَدَثَ

(11)

فِي الْإِسْلَامِ؛ فَإِنِّي صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِالتَّسْمِيَةِ.

(1)

في (ب): (عن) والصواب ما اثبت، انظر:"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 49)

(2)

ينظر: "المدونة الكبرى" لمالك بن أنس " (1/ 162).

(3)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 204)، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به، حديث (498).

(4)

في النسخة (ب) زيادة (وعلي) وليست بثابتة.

(5)

في (ب): (يبيحون).

(6)

الثابت عن أنس بن مالك أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم). أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص: 171)، كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، حديث (399).

(7)

ينظر: "مختصر البويطي"(ص 130) وما بعدها.

(8)

في (ب): (ويستدل).

(9)

(مَعْرُوفًا) ساقطة من (ب).

(10)

احتجوا بما روى أنس رضي الله عنه في صلاة معاوية رضي الله عنه بالمدينة وإنكار المهاجرين عليه ترك "بسم الله". وقد رواه الشافعي مطولاً في المسند في الباب السادس من صفة الصلاة (1/ 80)، وفي الأم، باب القراءة بعد التعوذ (1/ 108)، والحاكم في المستدرك، كتاب الصلاة، حديث الجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، (1/ 233)، والبيهقي في الكبرى، باب افتتاح القراءة في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم (2/ 49).

وقيل أنه لولا أنَّ من سننها الجهر لم يعلم أنَّهُ تركها، والصحيح خلافه كما ثبت عن أنس وغيره، انظر:"التجريد" للقُدُوري (2/ 502).

(11)

في (ب): (والحديث).

ص: 227

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، وامَّا الاسْتِدْلَالُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَذْكُورَةٌ عَلَى سَبِيلِ الثَّنَاءِ؛ دُونَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَسَبِيلُ الثَّنَاءِ؛ الْمُخَافَتَةُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي مَسْأَلَةِ التَّأْمِينِ، وَالْجَوَابُ عَنْ أَخْبَارِهِمْ؛ أَنَّهَا كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِالثَّنَاءِ، وَالْقِرَاءَةِ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}

(1)

تراحةجلسة اثبت، انظر: " 49)

أَوْ جَهْرٌ لِلتَّعْلِيمِ (كَمَا شُرِعَ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ لِلْإِعْلَامِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَهَرَ بِالثَّنَاءِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلتَّعْلِيمِ)

(2)

وامَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ صَحَابِيّاً مِثْلَهُمْ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُمْ عَلَيْهِ حُجَّةً؛ وَلِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا تَرْكَ قِرَاءَةِ التَّسْمِيَةِ، لَا الْجَهْرُ بِهَا؛ وَلِأَنَّهُمُ انْتَظَرُوا

(3)

حَتَّى فَرَغَ، وَلَمْ يَأْمُرُوهُ بِالْإِعَادَةِ، وَعِنْدَكُمْ (تُعَادُ وَتَفْسَدُ الصَّلَاةُ)

(4)

كَمَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، فَيَصِيرُ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْا

(5)

سُنَّةً، فَيَصِيرُ كَالتَّعَوُّذِ

(6)

كَذَا فِي"الْمَبْسُوطِ "

(7)

وَ"الأسرار"

(8)

.

فَإِنْ قُلْتَ خَبَرُ الْإِخْفَاءِ بِالتَّسْمِيَةِ، مِمَّا يَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى؛ كَحَدِيثِ مَسِّ

(9)

الذَّكَرِ، بَلِ الْبَلْوَى فِيهِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ

(10)

لَا يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي عُمُومِ أَوْقَاتِ كَوْنِهِ مُتَطَهِّراً، عَادَةً، وَلَوْ مَسَّ؛ إِنَّمَا يَمَسُّ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهِيَ أَوْقَاتُ كَوْنِهِ مُنْتَقِضَ الطَّهَارَةِ، وَحُكْمُ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَتَنَاوَلُ تِلْكَ الْحَالَةَ، وامَّا الصَّلَاةُ؛ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا الْقِرَاءَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِالْجَمَاعَةِ، فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، مِنْ غَيْرِ [تَخَلُّفٍ]

(11)

فَلَوْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ ثَابِتاً؛ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَاشْتَهَرَ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتاً مَشْهُوراً؛ لَمَا بَقِيَ الاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَلَمَا بَقِيَ الاخْتِلَافُ فِيهِ مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى فِي حُكْمِهِ؛ كَانَ دَلِيلاً عَلَى زِيَافَةِ الْحَدِيثِ، كَمَا فِي خَبَرِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ؛ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى خَيْراً كَيْلَا تَأْكُلُهَا الصَّدَقَةُ»

(12)

ثُمَّ بِقَبُولِكُمْ

(13)

خَبَرَ إِخْفَاءِ التَّسْمِيَةِ، وَقَعْتُمْ فِي الَّذِي أَبَيْتُمْ، قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَ الْأَحَادِيثِ؛ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْجَهْرِ، وَيُوجِبُ الاخْتِلَافُ؛ بِأَنَّهُ كَانَ جَهْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}

(14)

ثُمَّ تَرَكُوا الْجَهْرَ بِهِ)

(15)

أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِالثَّنَاءِ وَالْقِرَاءَةِ،

حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}

(16)

فَتَرَكُوا بَعْدَهُ

(17)

أَوْ لِلتَّعْلِيمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَكُنِ الاخْتِلَافُ حِينَئِذٍ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ

(18)

مُحْكَمٌ فِي الْبَابِ، غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلتَّأْوِيلِ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ، وَذَكَرَ/ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله فِي أُصُولِ الْفِقْهِ:(لَمْ يَعْمَلْ عُلَمَاؤُنَا بِخَبَرِ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَخَبَرُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرِ النَّقْلُ فِيهَا مَعَ حَاجَةِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ إِلَى مَعْرِفَتِهِ)

(19)

.

(1)

سورة الأعراف: (55).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب) زيادة: (انْتَظَرُوا بِهِ).

(4)

في (ب): (تعاد الصلاة وتفسد.).

(5)

في (ب): (رواة).

(6)

في (ب): (كالقعود).

(7)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 15).

(8)

"الأسرار" للدبوسي: (1/ 46)

(9)

المس: مسسته-بالكسر- أمسه مساً، ومسيساً، هذه اللغةُ الفصيحة، ومَسَسته -بالفتح- أمسه

-بالضم- لغة، والمس: مسك الشيء باليد. انظر: "لسان العرب لابن منظور"(6/ 217 - 218)، "النهاية شرح الهداية للمرغيناني"(4/ 329).

(10)

في (ب): (الناس).

(11)

في (أ): (تحلف)، والمثبت من النسخة (ب) لأنها الأصوب.

(12)

أخرجه الترمذي في"سننه"(2/ 25)، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة مال اليتيم، حديث (641)، وأخرجه الدارقطني في "سننه"(3/ 5)، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة في مال الصبي واليتيم، حديث (1970)، وأخرجه البيهقي في "سننه"(6/ 2)، "كتاب البيوع"، جماع أبواب الخراج بالضمان والرد بالعيوب وغير ذلك، باب تجارة الوصي بمال اليتيم أو إقراضه، حديث (11300).

وقال الترمذي: (وفي إسناده مقال، لأن المثنى بن الصباح يضعف في الحديث).

(13)

في (ب): (يقول).

(14)

سورة الأعراف: (55).

(15)

ساقطة من (ب).

(16)

سورة الإسراء: من آية (110).

(17)

في (ب) زيادة جملة غير واضحة وهي: قوله (تصرف بخفقة ثم تركوا).

(18)

عبد الله بن المغفل بن عبد نهم، بن عفيف بن أسحم بن ربيعة بن عدي بن ثعلبة بن ذؤيب بن سعد بن عدي ابن عثمان بن مزينة، كان يكنى أبا سعيد وكان من البكائين. وكان ممن بايع رسول الله e تحت الشجرة يوم الحديبية، ولم يزل بالمدينة ثم تحول إلى البصرة فنزلها حتى مات بها سنة 59 هـ. انظر:" الطبقات الكبرى لإبن سعد "(7/ 9)، "التاريخ الكبير للبخاري"(5/ 23)، "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (4/ 1780).

(19)

" أصول السرخسي"(1/ 369).

ص: 228

[هل البسملة آية من الفاتحة]

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْحَقِيقَةِ؛ تُبْتَنَى عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ؛ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَلَا مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ عِنْدَنَا؛ بَلْ آيَةٌ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ، لَا مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ؛ وَلِهَذَا كُتِبَتْ بِخَطٍّ عَلَى حِدَةٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ، حَتَّى قَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ؛ قِرَاءَةُ التَّسْمِيَةِ عَلَى وَجْهِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله التَّسْمِيَةُ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، قَوْلاً وَاحِداً، وَلَهُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ

(1)

قَوْلَانِ)

(2)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (ويُسِرُّهُمَا)

(3)

أَسَرَّ الْحَدِيثَ أَخْفَاهُ، وامَّا يُسِرُّ بِهِمَا، بِزِيَادَةِ الْبَاءِ؛ فَسَهْوٌ كَذَا فِي المغرب

(4)

قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّعْلِيمِ، كَمَا شُرِعَ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ لِلْإِعْلَامِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ

(5)

عُمَرَ رضي الله عنه صَلَّى حِينَ أَتَاهُ وَفْدُ العراق، وَجَهَرَ بِالثَّنَاءِ؛ وَإِنَّمَا جَهَرَ لِلتَّعْلِيمِ، الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيمِ؛ التَّعْلِيمُ لِلسَّامِعِينَ، عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا احْتِيَاطاً، وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ

(6)

أَنَّهُ يَقْرَأُ قَبْلَ فَاتِحَةِ الْكِتَاب، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنِا، وَرِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُ

أَبِي يُوسُفَ

(7)

[أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ]

(8)

أَحْوَطُ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي التَّسْمِيَةِ؛ أَنَّهَا هَلْ هِيَ مِنَ الْفَاتِحَةِ أَمْ لَا؟ وَعَلَيْهِ إِعَادَةُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَانَ عَلَيْهِ إِعَادَةُ التَّسْمِيَةِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنِ الاخْتِلَافِ كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(9)

.

(1)

في (ب): (السورة).

(2)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 15).

(3)

كذا في نسخ المخطوط وفي المطبوع: (ويسر بهما) انظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 49).

(4)

" المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (1/ 392).

(5)

في (ب): (ابن).

(6)

محمد بن ديسم أبو علي الدقاق أصله من ترمذ، ونزل سر من رأى، وحدث بها عن: موسى بن إسماعيل التبوذكي، وعفان بن مسلم، وأبي نعيم، وخالد بن خداش، وإبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي، وخلف بن يحيى الخراساني. روى عنه: محمد بن الفتح القلانسي، وأبو مزاحم الخاقاني، ومحمد بن جعفر الخرائطي، =ومحمد بن أحمد الأثرم. وَقَالَ عبد الرحمن بن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق. توفي سنة 260 هـ انظر " تاريخ بغداد للخطيب البغدادي"(3/ 177) و "تاريخ الإسلام للذهبي"(6/ 174).

(7)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 16).

(8)

زيادة من (ب).

(9)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 359).

ص: 229

[حكم قراءة الفاتحة في الصلاة]

قَوْلُهُ رحمه الله: (ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً)

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي " مَبْسُوطِهِ " هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً تَامَّةً، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَ السُّورَةِ لَا يُسَمَّى سُورَةً، وَهَذَا لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاتِهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ حَتَّى رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أَعْلَمُ الْقَرَّائِيينَ بِقَرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاتِهِ، فَقِيلَ لَهُ فَسِّرْهُ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، و {الم (1) تَنْزِيلُ} السَّجْدَةِ

(1)

، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(2)

وَرُبَّمَا كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنَ الْفَجْرِ بِـ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}

(3)

وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}

(4)

وَكَذَلِكَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي [كُلِّ]

(5)

رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ نُقِلَتْ بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ لَا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ جُمِعَ فَلَا بَأْسٌ هَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ

(6)

.

قَوْلُهُ رحمه الله (خِلَافاً لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْفَاتِحَةِ).

(1)

سورة السجدة آية: (1).

(2)

سورة الملك آية: (1).

(3)

سورة البروج آية: (1).

(4)

سورة الطارق آية: (1).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

الْحَسَن بن زياد أَبُو عَلِيّ اللؤلؤي مولى الأنصار أحد أصحاب أَبِي حنيفة الفقيه، حدَّث عَنْ أَبِي حنيفة. وروى عنه مُحَمَّد بن سماعة الْقَاضِي، ومحمد بن شجاع الثلجي، وشعيب بن أَيُّوبَ الصريفيني، وهو كوفي نزل بغداد، توفي سنة 210 هـ. انظر:" تاريخ بغداد للخطيب البغدادي"(8/ 275)، "تاريخ الإسلام للذهبي"(5/ 48)، "سير أعلام النبلاء للذهبي"(9/ 543).

ص: 230

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله

(1)

تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ رُكْناً حَتَّى لَوْ تَرَكَ حَرْفاً مِنْهَا فِي رَكْعَةٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله

(2)

بِفَرْضِيَّةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَسُورَةٍ مَعَهَا؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا»

(3)

وَلَكِنَّا نُوجِبُ الْعَمَلَ بِهَذَا الْخَبَرِ؛ حَتَّى لَا نَأْذَنَ لَهُ بِالاكْتِفَاءِ بِالْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَيَينِ، وَلَكْنْ لَا تَثْبُتُ الرُّكْنِيَّةُ بِهِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ، دُونَ الْعِلْمِ فَتَعْيُّنُ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ؛ حَتَّى يُكْرَهُ لَهُ تَرْكَ قِرَاءَتِهَا، وَتَثْبُتُ الرُّكْنِيَّةُ بِالنَّصِّ، وَكَذَلِكَ يُوجِبُ ضَمَّ السُّورَةِ بِهَذَا الْخَبَرِ لَا الْفَرْضِيَّةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زَيِاَدَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الْوَاحِدِ كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(4)

وَلَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}

(5)

فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي حَقِّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَدِ انْتَسَخَتْ فَرْضِيَّةُ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَكَيْفَ جَازَ التَّمَسُّكُ بِهَا؟

(1)

ينظر: "مختصر البويطي"(ص 130).

(2)

ينظر: "المدونة الكبرى" لمالك بن أنس " (1/ 164).

(3)

الجملة الأولي من الحديث أي قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» أخرجها أبي داود في "سننه"(ص 108)، كتاب الصَّلاة، باب من ترك القراءة في صلاته، حديث (822)، والترمذي في "سننه"(1/ 330)، كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته، حديث (274). قال الترمذي:(حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. أما باقي الحديث أي قوله صلى الله عليه وسلم: «وسورة معها» فقد أخرجه أبي يوسف في "الآثار" (1/ 1)، ومحمد بن الحسن في"الآثار"(1/ 45)، باب الوضوء، حديث (4).

وقد أخرجه الدارقطني كاملاً في "سننه"(2/ 102)، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة أم الكتاب في الصلاة وخلف الإمام، حديث (1223)، وقال الدارقطني:(محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ضعيف).

(4)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 19).

(5)

سورة المزمل: (20).

ص: 231

قُلْنَا مَا شُرِعَ رُكْناً لَمْ يَصِرْ مَنْسُوخا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شُرِعَ فِيهَا يَلْزَمُهُ سَائِرُ الْأَرْكَانِ؛ وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ لِبَقَاءِ الْأَحْكَامِ وَالْقُرْآنُ يُحْفَظُ؛ لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ؛ وَالْقِرَاءَةُ لَا تُفْتَرَضُ خَارِجَ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَتَعَيَّنَتْ فِي الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ اللِّسَانَ عُضْوٌ يَنْبَغِي

(1)

مِنْهُ التَّعْظِيمُ، حَالَةَ الْخِدْمَةِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِكُلِّ عُضْوٍ رُكْنٍ لَا تَتَأَدَّى الصَّلَاةُ بِدُونِهِ؛ فَكَذَا هَذَا الْعُضْوُ، يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ رُكْنٌ أَيْضاً، لَا يَتَأَدَّى إِلَّا بِهِ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لَا يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ لِمَ قُلْتَ بِأَنَّهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ، بَلْ هُوَ خَبَرٌ مَشْهُورٌ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ فَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِمِثْلِهِ؟

قُلْنَا؛ إِنَّمَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ؛ إِذَا كَانَ مُحْكَماً، وامَّا إِذَا كَانَ مُحْتَمَلاً فَلَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُذْكَرُ لِنَفْيِ الْجَوَازِ؛ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا صَلَاةٌ إِلَّا بِالطَّهُورِ»

(2)

وَيُذْكَرُ لِنَفْيِ الْفَضِيلَةِ؛ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاة لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ»

(3)

وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ مُحْتَمَلاً؛ وَبِالْمُحْتَمَلِ لَا يُجَّوِزُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْكِتَابِ كَذَا فِي طَرِيقَةِ الْإِمَامِ الْبُرْغَرِيِّ

(4)

(وَمَبْسُوطُ/ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ أَيْ قَالَ الْإِمَامُ آمِينَ وَيَقُولُهَا الْمُؤْتَمُّ أَيْ وَيَقُولُ كَلِمَةَ آمِينَ الْمُقْتَدِي أَيْضًا)

(5)

؛ وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَالَ آمِينَ لِنَفْيِ شُبْهَةِ الْقِسْمَةِ؛ الَّتِي اقْتَضَاهَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ {وَلَا الضَّالِّينَ}

(6)

فَقُولُوا آمِينَ» كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِك رحمه الله.

(1)

في (ب): (يُبتغى).

(2)

رواه مسلم في كتاب الطهارة " باب وجوب الطهارة للصلاة"(1/ 204)، والبغوي في شرح السنة (1/ 329) كلاهما من رواية ابن عمر.

(3)

روي هذا الحديث عن جابر وأبي هريرة وعائشة وعلي رضي الله عنهم موقوفاً عليه. وأخرجه الدارقطني (1/ 419 - 420) وقال الحافظ: ضعيف، وقال النووي في "الخلاصة" (2/ 656):(في إسناده ضعيفان، أحدهما مجهول).

وقال الحافظ في " الدراية في تخريج أحاديث الهداية "(2/ 293): (وفيه محمد بن سكين الشقري

وهو ضعيف). وقال في "التلخيص"(2/ 31): (مشهور بين الناس وهو ضعيف ليس له إسناد ثابت).

(4)

في (ب): (البرعري أيضا).

(5)

ساقطة من (ب).

(6)

سورة الفاتحة من آية: (7).

ص: 232

[ما يخفيه الإمام في الصَّلاة]

وَذُكِرَ فِي " الْمَبْسُوطِ ": (قَالَ وَيُخْفِي الْإِمَامُ التَّعُوُّذَ، وَالتَّشَهُّدَ، وَالتَّسْمِيَةَ، وَآمِينَ، وَاللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ)

(1)

ثُمَّ قَالَ: (قَدْ طَعَنُوا فِيهِ، وَقَالُوا مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

(2)

أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقُولُهَا أَصْلاً؛ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ جَوَابُهُ أَنَّهُ يُخْفِي بِهَا؟

وَلَكِّنَّا نَقُولُ عَرَفَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ لَا يَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ؛ لِحُرْمَةِ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما فَفَرَّعَ الْجَوَابَ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ أَنَّهُ

(3)

يُخْفِي بِهَا إِذَا كَانَ يَقُولُهَا، (كَمَا فَرَّعَ مَسَائِلَ الْمُزَارَعَةِ؛ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَهَا، وَيَأْتِي هَذَا الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَلَا مُتَمَسَّكٌ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي فِي أَنَّهُ لَا يَقُولُهَا)

(4)

(5)

الْإِمَامُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَثْبَتَ أَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا بِقَوْلِهِ: «فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا» قُلْتُ وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا» حُجَّتَانِ لَنَا أَحَدَيْهِمَا عَلَى مَالِكٍ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا؛ وَالثَّانِيَةُ عَلَى الشَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ يُخْفِيهَا الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَهْراً لَكَانَ مَسْمُوعًا فَحِينَئِذٍ اسْتَغْنَى

(6)

عَنْ قَوْلِهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا.

[حكم التأمين بعد الفاتحة للإمام]

وَفِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" وَرَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

(7)

أَنَّهُ لَا يَقُولُ الْإِمَامُ آمِينَ؛ إِنَّمَا يَقُولُ الْمَأْمُومُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ دَاعِيٌ، وَالْمَأْمُومُ مُسْتَمِعٌ؛ وَإِنَّمَا يُؤَمِّنُ الْمُسْتَمِعُ لَا الدَّاعِي كَمَا فِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى وَهَارُونَ قَالَ:{قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ}

(8)

وَمُوسَى عليه السلام كَانَ يَدْعُو؛ وَهَارُونَ عليه السلام كَانَ يُؤَمِّنُ فَكَذَلِكَ ها هُنَا الْإِمَامُ دَاعٍ، وَالْمَأْمُومُ مُسْتَمِعٌ؛ فَيَجِبُ أَنْ يُؤَمِّنَ الْمُسْتَمِعُ لَا الدَّاعِي،

(1)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 32).

(2)

(حَنِيفَةَ) ساقطة من (ب).

(3)

(أَنَّهُ) ساقطة من (ب).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 32).

(6)

ينظر: "الذخيرة"(2/ 223).

(7)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 32)، و" تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 113).

(8)

سورة يونس: من آية (89).

ص: 233

وامَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا»

(1)

سُمِّيَ الْإِمَامُ مُؤْمِّناً بِاعْتِبَارِ التَّسْبِيبِ، وَالْمُسَبِّبُ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِاسْمِ الْمُبَاشِرِ؛ كَمَا يُقَالُ: بنى الْأَمِيرُ دَارَهُ؛ ثُمَّ عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ عُلَمَائِنَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ، وَيُخْفِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله:(يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ؛ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَالْمَأْمُومُ يُخَافِتُ) ذَكَرَ الْمُزَنِيُّ

(2)

هَكَذَا فِي "مُخْتَصَرِهِ"

(3)

كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

وَذُكِرَ فِي "الْخُلَاصَةِ الْغَزَالِيَّةِ": (وَمِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَجْهَرَ

(4)

بِالتَّأْمِينِ فِي الْجَهْرِيَّةِ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا إِمَاماً كَانَ، أَوْ مُنْفَرِداً)

(5)

وَتَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله

(6)

فِي الْجَهْرِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا»

(7)

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَأْمِينُ الْإِمَامِ مَسْمُوعاً؛ لَمَا صَحَّ تَعْلِيقُ تَأْمِينِ الْقَوْمِ بِتَأْمِينِهِ.

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ التَّأْمِينَ دُعَاءٌ؛ فَإِنَّ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ أَجِبْ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَا آمِينَ اسْتَجِبْ، وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَصَّةُ مُوسَى وَهَارُونَ عليهما السلام

قَالَ: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}

(8)

وَكَانَ هَارُونُ يُؤَمِّنُ؛ فَدَلَّ أَنَّهُ دُعَاءٌ، وَالسَّبِيلُ فِي الْأَدْعِيَةِ الْمُخَافَتَةُ، عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}

(9)

، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي»

(10)

وامَّا قَوْلُهُ بِأَنَّهُ عَلَّقَ تَأْمِينَهُ بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ؛ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ تَأْمِينُ الْإِمَامِ؛ إِذَا جَهَرَ قُلْنَا يُعْرَفُ تَأْمِينُ الْإِمَامِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْهَرَ بِهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ، وَلَا الضَّالِّينَ فَقَدْ جَاءَ أَوَانُ تَأْمِينِ الْإِمَامِ فَيُعْرَفُ تَأْمِينُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَمَذْهَبُنَا مَذْهَبُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه

(11)

(1)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(ص 236)، كتاب الصلاة، باب جهر الإمام بالتأمين، حديث (763)، وأخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 175)، كتاب الصلاة، باب التسميع، والتحميد، والتأمين، حديث (410).

(2)

في (ب): (الهذلي).

(3)

أنظر: "مختصر المزني"(ص 25).

(4)

في (ب): (بالجهر).

(5)

أنظر: "الخلاصة" للغزالي (ص 100).

(6)

ينظر: "الأم للشافعي"(1/ 109).

(7)

سبق تخريجه في الصفحة السابقة: (ص: 312).

(8)

سورة يونس: (89)

(9)

سورة الأعراف: من آية (55)

(10)

لم أجده بهذا اللفظ وإنما وجدته بلفظ: (خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي)، وقد أخرجه أحمد في"مسنده"(3/ 76)، حديث (1477)، وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(2/ 82)، فصل في إدامة ذكر الله عز وجل، حديث (548).

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 85): (وفيه محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة وقد وثقه ابن حبان وقال: روى عن سعد بن أبي وقاص قلت: وضعفه ابن معين وبقية رجالهما رجال الصحيح).

(11)

كذا في المخطوط: (أ) بدون (بن) وبقوله: (عنه).

ص: 234

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ تَرَكَ النَّاسُ الْجَهْرَ بِالتَّأْمِينِ، وَمَا تَرَكُوا إِلَّا لِعِلْمِهِمْ بِالنَّسْخِ كَذَا فِي "الأسرار"

(1)

، وَ"مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" وَإِذَا سَمَعَ الْمُقْتَدِي مِنَ الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ فِي صَلَاةٍ لَا يَجْهَرُ فِيهَا هَلْ يُؤَمِّنُ؟.

فَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يُؤَمِّنُ وَعَنِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(2)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَفِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

(3)

: (وَيُكَبِّرُ مَعَ الانْحِطَاطِ).

وَمِنْ دَأْبِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ بَيْنَ رِوَايَةِ " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "وَبَيْنَ رِوَايَةِ القُدُورِي؛ يُصَرِّحُ بِذِكْرِ " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "؛ ثُمَّ الْمُخَالَفَةُ ها هُنَا هِيَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي التَّكْبِيرَ فِي مَحْضِ

(4)

الْقِيَامِ، كَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ وَجْهَي مُوجِبِ الْوَاوِ؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ ثُمَّ

(5)

يُكَبِّرُ، وَيَرْكَعُ، وَالثَّانِي يَقْتَضِي مُقَارَنَةَ التَّكْبِيرِ، مَعَ الانْحِطَاطِ [يُخَالِفُهُ]

(6)

لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ مَعَ مُحْكَمٌ فِي الْمُقَارَنَةِ، وَبِهِ قَالَ الْبَعْضُ أَيْضاً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ تَكْبِيرِهِ عِنْدَ أَوَّلِ الْخُرُورِ

(7)

وَالْفَرَاغُ عِنْدَ الاسْتِوَاءِ لِلرُّكُوعِ

(8)

؛ لِأَنَّ هَذَا تَكْبِيرُ الانْتِقَالِ فَيُؤْتَى بِهِ مَعَ الانْتِقَالِ كَذَا فِي (" الْمُحِيطِ ")

(9)

(10)

.

الْمَدُّ وَالْقَصْرُ فِيهِ وَجْهَانِ أَيْ لُغَتَانِ وَالتَّشْدِيدُ خَطَأٌ فَاحِشٌ أَيْ إِقَامَةُ/ الْمُشَدَّدُ

(11)

مَقَامَ آمِينَ الْمُخَفَّفِ خَطَأٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ

(12)

لَا فِي

(13)

نَفْسِهِ؛ فَإِنَّهُ فِي نَفْسِهِ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ، بِمَعْنَى قَاصِدِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}

(14)

.

(1)

"الأسرار" للدبوسي: (1/ 892).

(2)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 359).

(3)

"الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 87).

(4)

في (ب): (حصر).

(5)

في (ب): (لأنه قال له).

(6)

(يُخَالِفُهُ) زيادة من (ب).

(7)

مبهمة في المخطوط (أ)، وفي المخطوط (ب)(الجزء) وهو خطأ، وانظر المحيط البرهاني لإبن مازة (1/ 359)

(8)

في (ب): (بركوع).

(9)

ساقطة من (ب).

(10)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 359).

(11)

في (ب): (المشدود).

(12)

(خَطَأٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ) ساقطة من (ب).

(13)

(فِي) ساقطة من (ب).

(14)

سورة المائدة: (2).

ص: 235

قَوْلُهُ رحمه الله: (كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ)

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ

(1)

بِأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ حَالَ مَا يَرْكَعُ؛ وَإِنَّمَا يُكَبِّرُ حَالَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ، وَرَوُوا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ

(2)

هَكَذَا؛ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ حَالَةَ الانْتِقَالِ؛ مَا شُرِعَ مَقْصُوداً بِنَفْسِهِ

(3)

؛ وَإِنَّمَا شُرِعَ سُنَّةً لِلْإِعْلَامِ بِدَليِلِ سُنِيَّةِ الْجَهْرِ بِهِ؛ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِعْلَامِ، حَالَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ (؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ لَا يُعَايِنُونَ رَفْعَ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ)

(4)

فَيَحْتَاجُ إِلَى الْإِعْلَامِ بِالتَّكْبِيرِ؛ فَأَمَّا فِي حَالَةِ الْخَفْضِ؛ فَإِنَّهُمْ يُعَايِنُونَ خَفْضَهُ فَاسْتَغْنَى عَنِ الْإِعْلَامِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ

(5)

بِأَنَّهُ يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ حَالَةَ الْخَفْضِ وَلَا يَجْهَرُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، وَالسَّبِيلُ فِي الْأَذْكَارِ الْمُخَافَتَةُ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَالْعُذْرُ فِي تَكْبِيرَاتِ حَالَةَ الرَّفْعِ لِيَعْلَمَ الْقَوْمُ بِالانْتِقَالِ، وَلَا حَاجَةَ فِي حَالَةِ الْخَفْضِ فَيُخَافِتُ؛ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مَعَهُمَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ»

(6)

.

وَالْمَعْنَى أَنَّ الانْتِقَالَ مِنْ رُكْنٍ إِلَى رُكْنٍ بِمَعْنَى الرُّكْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ

(7)

لَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلَ مَا بَعْدَهُ مِنَ الرُّكْنِ، إِلَّا بِالانْتِقَالِ عَنِ الْأَوَّلِ، وَمَا لَا يُتَوَسَّلُ إِلَى الْفَرْضِ إِلَّا بِهِ كَانَ فَرْضاً، فَيَجِبُ أَنْ يَحِلَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ كَمَا حَلَّ سَائِرُ الْأَرْكَانِ؛ وامَّا مَا رَوُوا مِنَ الْحَدِيثِ فَنُوَفِّقُ (فَنَقُولُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكَبِّرُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ الرَّاوِي، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى

(8)

رحمه الله وَسَمِعَهُ غَيْرُهُ.

(1)

" بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 207)، " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 219).

(2)

في (ب): (قيل).

(3)

(بِنَفْسِهِ) ساقطة من (ب).

(4)

جملة مكررة مضروب عليها في المخطوط (أ).

(5)

في (ب): (يفعل).

(6)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 237)، كتاب الصلاة، باب إتمام التكبير في الركوع، حديث (767)

و (768)، وأخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 169)، كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع فيقول فيه سمع الله لمن حمده، حديث (393) و (392)، كلاهما عن أبي هريرة وعلي رضي الله عنهما.

(7)

(لِأَنَّهُ) ساقطة من (ب).

(8)

هو الصحابي عَبْد الرَّحْمَن بْن أبزي الخزاعي، مَوْلَى نافع بْن عَبْد الحارث، سكن الكوفة، واستعمله رضي الله عنه، عَلَى، خراسان، أدرك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأكثر روايته عَنْ عُمَر، وأبي بْن كعب، رضي الله عنهما، وقَالَ فِيهِ عُمَر بْن الخطاب: عَبْد الرَّحْمَن بْن أبزي ممن رفعه اللَّه بالقرآن، عاش إلى سنة نيف وسبعين. انظر:"أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير"(3/ 318)، "سير أعلام النبلاء للذهبي"(3/ 202)، " الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر "(4/ 239).

ص: 236

أَوْ نُرَجِّحُ)

(1)

فَنَقُولُ الْمَصِيرُ إِلَى مَا رَوِينَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ مَتْناً

(2)

وأتْقَنُ

(3)

رُوَاةً وأمَّا مَنْ قَالَ الْجَهْرُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي حَالَةِ الْخَفْضِ؛ قُلْنَا قَدْ

(4)

يُحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ خَلْفَهُ أَعْمَى

(5)

فَلَا يُعَايِنُ خَفْضَ الْإِمَامِ، كَمَا يُسَنُّ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، مَعَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَاماً).

فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ كِبْرِيَاءُ اللَّهِ وَعَظَمَتُهُ، وَهُوَ كُفْرٌ

(6)

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَفِي آخِرِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ).

أَيْ: عُدُولٌ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ فِي اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ

(7)

لَا يَحْتَمِلُ الْمَدَّ لُغَةً حَتَّى قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْ أُدْخِلَ الْمَدُّ بَيْنَ الْبَاءِ وَالرَّاءِ فِي لَفْظِ "أَكْبَرُ" عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ؛ لَا يَصِيرُ شَارِعاً فِي الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَعَلَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ حَيْثُ لَا يَجِبُ إِعَادَةُ الْأَذَانِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْأَذَانِ أَوْسَعُ كَذَا فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ.

وَهَذَا

(8)

يَحْتَمِلُ بِأَنَّ لَفْظَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ رَاجِعٌ إِلَى لَفْظِ "أَكْبَرُ"؛ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي "كَشْفِ الْغَوَامِضِ"

(9)

أَيْ لَا يَمُدُّ فِي كَلِمَةِ "اللَّهُ" وَلَا فِي كَلِمَةِ "أَكْبَرُ"، وَفَصَّلَ كُلَّا مِنْهُمَا فِي "الفوائد الظهيرية"

(10)

وَقَالَ وَيَحْذِفُ التَّكْبِيرَ؛ لِأَنَّ تَطْوِيلَ التَّكْبِيرِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِداً؛ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ؟

(1)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(2)

في (ب): (شيئا).

(3)

في (ب): (واتفق).

(4)

(قَدْ) ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): (عجمي).

(6)

كذا في (أ) وفي (ب): (وهو آخر).

(7)

في (أ): (التفصيل)، والمثبت من النسخة (ب).

(8)

(وَهَذَا) ساقطة من (ب).

(9)

كتاب "كشف الغوامض" في الفروع. لأبي جعفر الهنداوني المتوفى سنة 963 هـ، الفقيه. ذكر فيه: بعض ما أورده محمد، في:(الجامع الصغير). ولم أقف على الكتاب مطبوعاً. انظر: " كشف الظنون لحاجي خليفه "(2/ 1493).

(10)

انظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 297).

ص: 237

[مواضع التكبير في الصَّلاة]

بِمَدِّ الْهَمْزَةِ أَيْ: هَمْزَةُ "اللَّهُ" تَفْسَدُ صَلَاتُهُ، وَلْوَ تَعَمَّدَ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ وامَّا إِذَا مَدَّ آخِرَهُ بِأَنْ خَلَّلَ الْأَلِفَ بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ فَهَذَا لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ إِشْبَاعٌ وَلَكِنَّ الْحَذْفَ أَوْلَى، وامَّا إِذَا مَدَّ الْهَمْزَةَ مِنْ "أَكْبَرُ" فَتَفْسَدُ أَيْضاً لِمَكَانِ الشَّكِّ، وامَّا إِذَا مَدَّ الْآخِرَ بِأَنَّ وَسَطَ الْأَلِفِ بَيْنَ الْبَاءِ وَالرَّاءِ، قَالَ بَعْضُهُمْ تَفْسَدُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْسَدُ، وَيَجْزِمُ الرَّاءَ مِنَ التَّكْبِيرِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الرَّفْعَ بِالْخَبَرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ مَوْقُوفاً عَلَيْهِ وَمَرْفُوعاً إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ

قَالَ " «الْأَذَانُ جَزْمٌ وَالْإِقَامَةُ جَزْمٌ وَالتَّكْبِيرُ حَزْمٌ»

(1)

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رحمه الله وَإِنْ شَاءَ فَخَّمَ التَّكْبِيرَ، وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ اللَّامَ مِنْ أَقْصَى مَخْرَجِهِ مِمَّا يَلِي الْحَلْقَ وَيُكْرَهُ قَصْرُ اللَّامِ

(2)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَلا إِلَى الضَّمِّ إِلاَّ فِي حَالَةِ السُّجُودِ).

يَتَكَلَّفُ بِضَمِّ الْأَصَابِعِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَقْوَى فِي الاعْتِمَادِ عَلَيْهَا، وَيَزْدَادُ قُوَّتُهُ عِنْدَ الضَّمِّ وَلِتَقَعَ رُؤُوسُ الْأَصَابِعِ مُوَاجِهَةً إِلَى الْقِبْلَةِ، وَفِيمَا

(3)

وَرَاءَ ذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى عَادَتِهِ، فَلَا يَتَكَلَّفُ لَا لِلضَّمِّ وَلَا لِلتَّفْرِيجِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِمَا؛ فَلِذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَادَةُ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

(1)

روي هذا الأثر في "كنز العمال"(8/ 351)(لَيْسَ مَعْرُوفًا فِي الْمَرْفُوعِ وَلَكِنْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَالتَّسْلِيمُ جَزْمٌ وَالْقِرَاءَةُ جَزْمٌ وَالأَذَانُ جَزْمٌ وَهُوَ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سريع مِنَ الْحَذْمِ وَهُوَ السُّرْعَةِ) الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث (ص: 78).

(2)

في (ب): (الصلاة).

(3)

(وَفِيمَا) ساقطة من (ب).

ص: 238

وَذُكِرَ فِي " الْمَبْسُوطِ ": (وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وأصْحَابُهُ يَقُولُونَ بِالتَّطْبِيقِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَضُمَّ إِحْدَى الْكَفَّيْنِ إِلَى الْأُخْرَى، وَيُرْسِلُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ، وَرَأَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ

(1)

ابْنًا لَهُ يُطْبِقُ فَنَهَاهُ

(2)

فَقَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَفْعَلُ هَكَذَا؛ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ كُنَّا أُمِرْنَا بِهَذَا ثُمَّ نُهِينَا عَنْهُ.

وَفِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «ثُمَّ ارْكَعْ وَضَعْ يَدَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ»

(3)

كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ وَاعْتَدَلَ؛ حَتَّى رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها «أَنَّهُ يَعْتَدِلُ بِحَيْثُ/ لَوْ وُضِعَ عَلَى ظَهْرِهِ قَدَحٌ مِنْ مَاءٍ لَاسْتَقَرَّ» )

(4)

(5)

.

(1)

هو الصحابي الجليل: سَعد بْن أَبي وقاص، هو سَعد بْن مالك بْن وُهَيب، ويُقال: أُهيب، أَبو إِسْحَاق، القُرَشِيّ، الزُّهريّ. شَهِدَ بَدرًا يقول ابن المسيب: سَعِيد بْن المُسَيَّب يَقُولُ: سَمِعتُ سَعدًا: مَا أَسلَمَ أَحَدٌ إِلاَّ فِي اليَومِ الَّذِي أَسلَمتُ، ومَكَثتُ سَبعَةَ أَيّامٍ وإِنِّي لَثُلُثُ الإِسلَامِ، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، واحد الستة من أهل الشورى، ومن المهاجرين الأولين، تقدم إسلامه، وحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم مشاهده، وجاهد بين يديه، وفداه النبي صلى الله عليه وسلم بأبويه، فقال له:" فداك أَبِي وأمي "تُوفي وهو ابن بضع وسبعين سنة،

سنة 54 هـ، وهو آخر المهاجرين وفاة. انظر:" التاريخ الكبير للبخاري "(4/ 43)" الاستيعاب في معرفة الأصحاب للقرطبي"(2/ 610)" تاريخ بغداد للخطيب البغدادي"(1/ 476)

(2)

(فَنَهَاهُ) مطموسة في النسخة (أ)، وفي النسخة (ب):(فيها) ومعناه غير مستقيم، وانظر: المبسوط للسرخسي (1/ 20) فالمثبت منه.

(3)

رواه أحمد في "المسند"(4/ 340). وأخرجه أبو داود رقم (859)، وهو حديث حسن.

(4)

وهو قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه ولكن بين ذلك)، أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 204)، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع والاعتدال منه، حديث (498).

(5)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 20).

ص: 239

(نَكَّسْتَ الشَّيْءَ قَلَبْتَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَنَكَّسْتُهُ تَنْكِيساً)

(1)

وَالنَّاكِسُ المطأطئ رَأْسَهُ، وَصَوَّبَ رَأْسَهُ أَيْ خَفَضَهُ، أَقْنَعَ رَأْسَهُ إِذَا رَفَعَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ}

(2)

كَذَا فِي "الصِّحَاحِ"

(3)

.

[صفة الركوع]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلا يُنَكِّسْهُ)

مَعْنَاهُ يُسَوِّي رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ

(4)

؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالاعْتِدَالِ فِي الرُّكُوعِ، وَالاعْتِدَالِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ظَهْرُهُ مُسْتَوِياً مِنَ الْجَانِبَيْنِ لَا يَرْفَعُ عَجُزَهُ أَعْلَى مِنْ رَأْسِهِ، وَلَا رَأْسَهُ أَعْلَى مِنْ عَجُزِهِ كَذَا فِي "الْمَبْسُوطَيْنِ"

(5)

وَذَلِكَ أَدْنَاهُ أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ؛ وَإِنَّمَا قَالَ أَدْنَاهُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ مُسْتَحَبَّةٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ أَدْنَى كَمَالِ السُّنَّةِ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلَّفْظِ "الْمَبْسُوطَيْنِ".

وَذُكِرَ فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئَمَّةِ السَّرْخَسِيِّ رحمه الله: (وَذَلِكَ أَدْنَاهُ لَمْ يَرِدْ بِهَذَا اللَّفْظِ أَدْنَى الْجَوَازِ؛ إِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَدْنَى الْكَمَالِ، فَإِنَّ الرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ يَجُوزُ بِدُونِ هَذَا الذِّكْرِ إِلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي مُطِيعٍ رحمه الله

(6)

(7)

.

(1)

في (ب): (نكسه قلبه على رأسه ونكسه تنكيسا).

(2)

سورة إبراهيم: من آية (16).

(3)

نص ما في مختار الصحاح، للرازي: ن ك س: (نكس) الشيء (فانتكس) قلبه على رأسه وبابه نصر، و (نكسه تنكيسا). و (النكس) بالضم عود المرض بعد النقه وقد (نكس) الرجل (نكسا) على ما لم يسم فاعله. ويقال: تعسا له و (نكسا) وقد يفتح هاهنا للازدواج أو لأنه لغة.

ينظر: "مختار الصحاح، للرازي"(ص 688).

(4)

في (ب): (يستوي رأسه بفخذه).

(5)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 20).

(6)

واسمه الحكم بن عبد الله. وكان على قضاء بلخ. راوي كتاب الفقه الأكبر عن الإمام أبي حنيفة وكان مرجئا وقد لقي عبد الرحمن بن حرملة وغيره وهو ضعيف عندهم في الحديث. وكان مكفوفا. وكان فقيها بصيراً بالرأي، وولي قضاء بلخ، وقدم بغداد غير مرة وَحدث بها. مات وَهُوَ ابْن أربع وَثمانين. مات سنة 197 هـ عن أربع وثمانين سنة. انظر:"الطبقات الكبرى لإبن سعد"(7/ 263)" تاريخ بغداد للخطيب البغدادي"(9/ 121)، " الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (2/ 265).

(7)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 21).

ص: 240

وَفِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" يُرِيدُ بِهِ أَدْنَاهُ يَعْنِي أَدْنَى مِنْ حَيْثُ جَمْعِ الْعَدَدِ، فَإِنَّ أَقَلَّ جَمْعِ الْعَدَدِ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ انْظُرْ كَيْفَ جَمَعَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، حَيْثُ أَخَذَ لَفْظَ الْكَمَالِ مِنْ مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَلَفْظَ الْجَمْعِ مِنْ "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" فَقَالَ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ وَقَدْ وُجِدَتْ بِخَطِّ الْأُسْتَاذِ مَوْلَانَا فَخْرِ الدِّينِ رحمه الله؛ إِنَّمَا نَحْمِلُهُ عَلَى أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ الْمَسْنُونِ، لَا بَيَانَ الْجَمْعِ الْحَقِيقِيِّ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرَائِعِ لَا لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ

(1)

وَلَمْ يَرِدْ بِهِ أَدْنَى الْجَوَازِ [لِأَنَّ الْجَوَازَ]

(2)

ثَابِتٌ بِدُونِهِ؛ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يُصْرَفُ الضَّمِيرُ إِلَى لَفْظِ الْجَمْعِ، وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ؟

قُلْتُ إِنْ لَمْ يُذْكَرْ لَفْظاً؛ فَقَدْ ذُكِرَ دَلَالَةٌ، وَهِيَ سَبْقُ ذِكْرِ الثَّلَاثِ، فَلَمَّا جَازَ صُرِفَ الضَّمِيرُ إِلَى مَعْلُومٍ غَيْرُ مَذْكُورٍ أَصْلاً؛ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}

(3)

أَيِ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّه يَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَى مَعْلُومٍ)

(4)

وَمَذْكُورٌ دَلَالَةً بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَكَانَ

(5)

هَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِبِهَا وَنَعِمَتْ»

(6)

(7)

أَيْ فَبِالسُّنَّةِ [أَخَذَ]

(8)

وَنَعِمَتِ الْخِصْلَةُ (وَلَمْ يَذْكُرِ السُّنَّةَ، وَلَا

(9)

الْخِصْلَةَ)

(10)

لَفْظًا وَلَكِنْ ذَكَرْنَا دَلَالَةً؛ لِأَنَّ التَّوَضُّئَ لِلصَّلَاةِ طَرِيقَةٌ مَسْلُوكَةٌ وَخِصْلَةٌ مُرْضِيَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُمَا (وَرَدَ الضَّمِيرُ إِلَيْهِمَا بِدَلَالَةِ التَّوَضُّئِ عَلَيْهِمَا فَكَذَا هَذَا وَفِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ

(11)

"

(1)

هذا الكلام يفتح باباً واسعاً للابتداع في العقائد، وهو قول غلاة المعتزلة، حيث جعلوا وحي الأنبياء خاص بالشرائع، وترهات الفلاسفة قد أتت بالحقائق. انظر:"جامع المسائل لابن تيمية "(2/ 86). " درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية "(3/ 173).

(2)

(لِأَنَّ الْجَوَازَ) زيادة من (ب).

(3)

سورة القدر: (1).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): (وكل).

(6)

أخرجه أبو داود في " (سننه"ص 64)، كتاب الطهارة، باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، حديث (354)، وأخرجه الترمذي في "سننه"(1/ 626)، أبواب الجمعة، باب في الوضوء يوم الجمعة، حديث (497)، وأخرجه بن ماجه في "سننه"(1/ 347)، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الرخصة في ذلك، حديث (1091). قال الترمذي:(حديث سمرة حديث حسن).

(7)

قوله"فبها ونعمت": أي ونعمت الفعلة والخصلة هي. يعني بالوضوء ينال الفضل، وقيل: أي بالسنة أخذ ونعمت السنة، وقال الحافظ العراقي: أي فبطهارة الوضوء حصل الواجب في التطهير للجمعة. انظر: " النهاية شرح الهداية للمرغيناني"(5/ 83)، "المجموع شرح المهذب؛ للنووي" (4/ 407) " زهر الربى على المجتبى للسيوطي وهو مع السنن للنسائي:(3/ 77).

(8)

زيادة من (ب).

(9)

(لا) ساقطة من (ب).

(10)

(وَلَمْ يَذْكُرِ السُّنَّةَ، ولا الْخِصْلَةَ) جملة مكررة في (أ).

(11)

ساقطة من (ب).

ص: 241

فَإِنْ سَبَّحَ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ

(1)

وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيُّ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

(2)

: لَوْ نَقَصَ مِنْ ثَلَاثٍ فِي تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يُجْزِهِ صَلَاتُهُ

(3)

وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ رُكْنٌ مَشْرُوعٌ، فَكَانَ نَظِيرَ الْقِيَامِ فَوَجَبَ أَنَّ مَحَلَّهُ

(4)

ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ قِيَاساً عَلَى الْقِيَامِ.

وأصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}

(5)

فَقَدْ أَمَرَ

(6)

بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالتَّسْبِيحَاتِ فِيهِمَا؛ فَمَتَى شَرَطْنَا التَّسْبِيحَ لِلْجَوَازِ؛ فَقَدْ رَفَعْنَا جَوَازاً ثَبَتَ

(7)

بِالنَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ يُخَافَتُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَيَكُونُ

(8)

سُنَّةً كَالتَّأْمِينِ، وَالتَّعَوُّذِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْفَرَائِضِ عَلَى الشُّهْرَةِ، وَالْإِعْلَانِ

(9)

وَمَبْنَى التَّطَوُّعَاتِ عَلَى الْخِفْيَةِ وَالْكِتْمَانِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}

(10)

وَلَيْسَ كَالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ يُجْهَرُ بِهَا، وَلَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَذَاكَ أَفْضَلُ؛ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ إِمَاماً؛ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطَوِّلَ عَلَى وَجْهٍ يُمِلُّ الْقَوْمَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ سَبَباً لِلتَّنْفِيرِ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ فَإِنَّ مُعَاذاً رضي الله عنه لَمَّا طَوَّلَ الْقِرَاءَةَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ»

(11)

.

(1)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 208).

(2)

(أَبِي حَنِيفَةَ) ساقطة من (ب).

(3)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 208).

(4)

في (ب): (يحله).

(5)

سورة الحج: (77).

(6)

في (ب): (أمرنا).

(7)

في (ب): (جواز ما أثبت).

(8)

في (ب): (فكيف).

(9)

في (ب): (الإعلام).

(10)

سورة البقرة: (271).

(11)

أخرجه الشافعي في "مسنده"(1/ 226)، كتاب الصلاة، بَابُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَمَا يُقْرَأُ فِيهَا، حديث (145)، وأخرجه الحميدي في "مسنده"(2/ 331)، حديث (1283)، وأخرجه ابن أبي شيبه في"مصنفه"(3/ 234)، كتاب الصلاة، باب ما يقرأ به في المغرب، حديث (3625)، وأخرجه أحمد في"مسنده"(22/ 99)، حديث (14190)، وأخرجه بن خزيمة في "صحيحه"(3/ 51)، حديث (1611)، وأخرجه بن حبان في "صحيحه"(6/ 159)، كتاب الصلاة، باب إعادة الصلاة، ذكر الإباحة للمرء أن يؤدي فرضه جماعة ثم يؤم الناس بتلك الصلاة، حديث (2400)، وأخرجه البيهقي في "سننه الكبرى"(3/ 85)، كتاب الصلاة، جماع أبواب اختلاف نية الإمام والمأموم وغير ذلك، باب الفريضة خلف من يصلى النافلة، حديث (5303).

قال الأرنؤوط عن رواية أحمد: (إسناده صحيح علي شرط الشيخين)، وقال عن رواية بن خزيمة:(إسناده قوي).

ص: 242

وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ

(1)

يَقُولُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَهَا خَمْساً، حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْقَوْمُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا ثَلَاثاً، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ يَزِيدُ فِي الرُّكُوعِ مَا رَوَى عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَلَكَ خَشَعْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَفِي السُّجُودِ: سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ، وَبَصَرَهُ؛ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى التَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(2)

.

[ما يقوله المأموم بعد الرفع من الركوع]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَيَقُولُ الْمُؤْتَمُّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ).

وَاخْتَلَفَتِ

(3)

الْأَخْبَارُ فِي التَّحْمِيدِ فِي بَعْضِهَا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ

(4)

وَفِي بَعْضِهَا، اللَّهُمَّ رَبَنَّا لَكَ الْحَمْدُ؛ وَالْأَظْهَرُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. كَذَا فِي "شرح الطحاوي" أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ مَعَ أَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِهِ الْإِمَامَةُ؛ وَلِأَنَّا لَا نَجِدُ شَيْئاً مِنْ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ؛ يَأْتِي بِهَا الْمُقْتَدِي دُونَ الْإِمَامِ، وَقَدْ يُخْتَصُّ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الْأَذْكَارِ؛ كَالْقِرَاءَةِ هَذِهِ قِسْمَةٌ فَإِنَّهَا تُنَافِي الشِّرْكَةَ؛ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ:«وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» وَلَمْ يَقْتَصِرْ

(5)

نَفْيُ الْمُشَارَكَةِ حَتَّى يَقُولَهَا/ الْإِمَامُ أَيْضًا؟.

(1)

هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، من بني ثور بن عبد مناة، من مضر، أبو عبد الله: أمير المؤمنين في الحديث. كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. ولد ونشأ في الكوفة، وراوده المنصور العباسي على أن يلي الحكم، فأبى وخرج من الكوفة، فسكن مكة والمدينة، ثم طلبه المهدي، فتوارى، وانتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفياً، له من الكتب: الجامع الكبير، والجامع الصغير. يُنْظَر: ثقات ابن حبان (6/ 401)، التاريخ الكبير للبخاري (6/ 401)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (4/ 222).

(2)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 22).

(3)

في (ب): (والأظهر).

(4)

(الْحَمْدُ) ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): (يقتض).

ص: 243

قُلْنَا ظَاهِرُ الْقِسْمَةِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُشَارَكَةِ؛ إِلَّا أَنَّ الْمُشَارَكَةَ تَثْبُتُ ثَمَّةً بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا»

(1)

أَوْ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا فَإِنْ قُلْتَ

(2)

مَا جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه خَمْسٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَفِي رِوَايَةٍ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ مِنْهَا التَّحْمِيدُ.

(3)

(قُلْتُ)

(4)

قَالَ فِي "الأسرار" إِنَّهُ غَرِيبٌ

(5)

أَوْ نَقُولُ حَدِيثُ الْقِسْمَةِ؛ الَّتِي ذَكَرْنَا يَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه[يَدُلُّ]

(6)

عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي َبَعْدَ ذَلِكَ؛ إِمَّا أَنْ يُرَجِّحَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، أَوْ يَتْرُكَهُمَا لِعَدَمِ إِمْكَانِ التَّرْجِيحِ؛ فَيَعْمَلُ

(7)

بِالْقِيَاسِ

(8)

، فَقُلْنَا الرُّجْحَانُ لِحَدِيثِ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ بِرِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه.

وَذُكِرَ فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَيُخْفِي الْإِمَامُ قَرَاءَةَ التَّشُهُّدِ، وَالتَّعَوُّذَ، وَآمِينَ، وَاللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، قَالَ: نَعَمْ فَقَدْ أَجَابَ

(9)

أَنَّ الْإِمَامَ يَأْتِي بِالتَّحْمِيدِ فَهَلَّا جَعَلَ

(10)

رُجُوعاً مِنْهُ عَنِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؟

(1)

سبق تخريجه: (ص: 312).

(2)

في (ب): (قيل).

(3)

انظر: "الاختيار لتعليل المختار للموصلي"(1/ 50)، " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 196).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

الغريب: هو أحد أنواع خبر الآحاد وهو ما ينفرد بروايته راو واحد (تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي: (2/ 180)، التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح:(268)، إرشاد طلاب الحقائق:(2/ 437)، تيسير مصطلح الحديث:(27)

(6)

زيادة من (ب).

(7)

في (ب): (ويعمل).

(8)

إذا صح الدليل فلا مسوغ لترك العمل به، والعدول إلى القياس؛ بسبب عدم القدرة على الجمع بين الأحاديث، فقد يقصر عقل الفقيه عن الجمع بين الأحاديث، وهذا لقصور في فهمه؛ وليس في تعارض الأحاديث.

(9)

في (ب): (يعني قد أصاب).

(10)

(جَعَلَ) ساقطة من (ب).

ص: 244

قُلْنَا هَذَا؛ إِنَّمَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعاً؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ

(1)

عَلَى أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ كَانَ مِنْ مُحَمَّدٍ لِأَبِي يُوسُفَ، لَا لِأَبِي حَنِيفَةَ، فَإِذْ

(2)

كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْجَوَابُ جَوَابَ أَبِي يُوسُفَ، وَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ قَرَأَ أَكْثَرَ الْكُتُبِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ إِلَّا مَا كَانَ فِيهِ اسْمُ الْكَبِيرِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ كَمُضَارَبَةِ الْكَبِيرِ، وَمُزَارَعَةِ الْكَبِيرِ، وَمَا دُونَ

(3)

الْكَبِيرِ وَجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَالسَّيْرِ الْكَبِيرِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا سُؤَالًا لِأَبِي يُوسُفَ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ لِأَبِي حَنِيفَةَ، فَلَا يَثْبُتُ الرُّجُوعُ بِالشَّكِّ، هَكَذَا أَجَابَ عَنْ هَذَا بَعْضُ مَشَايِخِنَا.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يُرِيدُ

(4)

بِقَوْلِهِ يُخْفِي التَّحْمِيدَ أَيْ

(5)

عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْإِمَامَ يَأْتِي بِالتَّحْمِيدِ كَمَا قَالَ

(6)

فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ هَذَا جَائِزٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ

(7)

عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ فَكَذَا هَذَا يُرِيدُ

(8)

بِهِ أَيْ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ يَأْتِي بِالتَّحْمِيدِ.

وَلِهَذَا لَا يَأْتِي الْمُؤْتَمُّ بِالتَّسْمِيعِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ

(9)

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

(10)

بَلْ يَكْتَفِي بِالتَّسْمِيعِ وَعِنْدَهُمَا

(11)

يَجْمَعُ الْإِمَامُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ [وَفِي اكْتِفَاءِ الْمُقْتَدِي بِالتَّحْمِيدِ إِجْمَاعٌ بَيْنَ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ]

(12)

.

(1)

(لِأَنَّهُ حَمَلَ)، ساقطة من (ب).

(2)

في (ب): (فإذا).

(3)

في (ب): (مأذون).

(4)

في (ب): (يزيد).

(5)

(أَيْ) ساقطة من (ب).

(6)

في (ب): (قِيلَ).

(7)

ينظر: "شرح مختصر الطحاوي" للجصاص (1/ 614).

(8)

في (ب): (يزيد).

(9)

انظر كتاب "الأم" للشافعي (1/ 112).

(10)

ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 4).

(11)

في (ب): (وعندنا)، والصواب (عندهما). ينظر:"المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 4).

(12)

زيادة من (ب).

ص: 245

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ كُلُّ مُصَلٍّى

(1)

يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ، وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّ الْإِمَامُ يَحُثُّ

(2)

مَنْ خَلْفَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ، فَلَا مَعْنَى لِمُقَابَلَةِ الْقَوْمِ إِيَّاهُ بِالْحَثِّ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُشْغَلُوا

(3)

بِالتَّحْمِيدِ)

(4)

وَالَّذِي رَوَاهُ مَحْمُولٌ [عَلَى]

(5)

هَذَا إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ (لِمَا رَوَىَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَكَانَ إِسْنَادُ

(6)

الرِّوَايَةِ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ؛ فَلِذَلِكَ وَحَّدَ الضَّمِيرَ وَلَمْ يَقُلْ رَوَيَاهُ

(7)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَنِ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَعْدَهُ أَحَدُهُمَا الاكْتِفَاءُ بِالتَّسْمِيعِ وَالثَّانِي الاكْتِفَاءُ بِالتَّحْمِيدِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

(8)

أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَأْتِي بِالتَّحْمِيدِ لَا غَيْرَ ثُمَّ ذَكَرَ أَوْجُهَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ وَجْهُ الرِّوَايَةِ؛ الَّتِي يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ وَهِيَ رِوَايَةُ بَعْضِ النَّوَادِرِ

(9)

أَنَّ الْإِمَامَ يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ فَكَذَا الْمُنْفَرِدُ لِأَنَّهُ إِمَامٌ فِي حَقِّ

(10)

نَفْسِهِ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ

(11)

كَمَا عَلَى الْإِمَامِ وَوَجْهُ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ

(12)

أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِمَا أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَأْتِي بِالتَّسْمَيِع ِفَلَمَّا أَتَى بِالتَّسْمِيعِ؛ لِأَنَّهُ إِمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ

(13)

عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وأنَّهُ حَثٌّ عَلَى الْحَمْدِ، وَلَمْ يَمْتَثِلْ بِهِ أَحَدٌ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ، وَمِثْلُ هَذَا مِنَ الْحَثِّ وَ

(14)

الْجَوَابِ يَسْتَقِيمُ مِنَ الْوَاحِدِ بِأَنْ يَحُثَّ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ عَلَى طَاعَتِهِ.

(1)

في (ب): (كل واحد مصل).

(2)

في (ب): (يجب).

(3)

في (ب): (يشتغلوا).

(4)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 21).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

في (ب): (أستاذ).

(7)

في (ب): (زدناه).

(8)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 21).

(9)

في (ب): (النوادرين).

(10)

(حَقِّ) ساقطة من (ب).

(11)

(الْقِرَاءَةُ) ساقطة من (ب).

(12)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 21).

(13)

في (ب): (حقه).

(14)

في (ب): (مثل هذا).

ص: 246

وَيَأْتِي بِهَا وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

(1)

أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّحْمِيدِ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ

(2)

مَتَى جَمَعَ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ يَقَعُ الذِّكْرُ الثَّانِي فِي حَالَةِ الاعْتِدَالِ، وَلَمْ يُشْرَعْ لِاعْتِدَالِ الانْتِقَالِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ؛ كَمَا فِي الْقَعْدَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَأْتِي بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّحْمِيدِ

(3)

وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيعَ حَثٌّ لِلْغَيْرِ

(4)

عَلَى التَّحْمِيدِ، وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ لِيَحُثَّهُ عَلَى الْحَمْدِ فَكَانَ "رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ" الَّذِي هُوَ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْحَمْدِ أَوْلَى فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّسْمِيعِ يَحُثُّ غَيْرَهُ عَلَى الْحَمْدِ وَإِنَّهُ صَحِيحٌ مِنْهُ

(5)

؛ لِأَنَّ خَلْفَهُ الْقْوْمَ فَيَحْتَاجُ إِلَى حَثِّهِمْ.

وَذُكِرَ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " لِلْمَحْبُوبِيِّ، وأشار إِلَى مَا اخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ يَعْقُوبُ

(6)

: سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنِ الرَّجُلِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الْفَرِيضَةِ أَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؟

قَالَ يَقُولُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَيَسْكُتُ وَكَذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ يَسْكُتُ ثُمَّ قَدْ أَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ حَيْثُ لَمْ يَنْهَ عَنِ الاسْتِغْفَارِ صَرِيحًا وَنَهَى عَنْهُ دَلَالَةً حَيْثُ أُمِرَ بِالتَّحْمِيدِ وَالسُّكُوتِ بَعْدَهُ وَذَكَرَ فَخْرُ

(7)

الْإِسْلَامِ فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " وامَّا/ الْمُنْفَرِدُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْجَوَابِ فِيهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْمَعُ.

(1)

"الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 88).

(2)

(لِأَنَّهُ) ساقطة من (ب).

(3)

(بِالتَّحْمِيدِ) ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): (الغير).

(5)

(مِنْهُ) ساقطة من (ب).

(6)

ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 88) ويعقوب المقصود به " أبا يوسف" وقد صرح بكنيته صاحب كتاب "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 209) فقال: (فإن أبا يوسف قال: سألت أبا حنيفة) وساق القول نفسه.

(7)

في (ب): (شيخ).

ص: 247

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالْإِمَامُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ آتٍ بِهِ مَعْنىً)

لِأَنَّ الدَّالَّ

(1)

عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ، وَ [فِي]

(2)

هَذَا جَوَابٌ عَنْ تَعْلِيلِهِمَا

وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ

(3)

حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ)؛ فَإِنْ قُلْتَ مِثْلَ هَذِهِ الدِّلَالَةُ مَوْجُودَةٌ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ أَيْضاً؛ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالتَّسْمِيعِ

(4)

فَيَجِبُ أَنْ يَكْتَفِيَ هُوَ بِالتَّسْمِيعِ أَيْضاً، لِهَذَا الْمَعْنَى كَالْإِمَامِ

(5)

قُلْتُ لَا دَلِيلَ عَلَى اكْتِفَاءِ الْمُنْفَرِدِ بِالتَّسْمِيعِ، مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ؛ فَإِنَّهُ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى تَرْكِ التَّحْمِيدِ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ قِسْمَةُ الشَّارِعِ فَيَتْرُكُ التَّحْمِيدَ؛ وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ مِنَ الْإِمَامِ تَقَعُ فِي مَوْقِعِهَا

(6)

فَيُجْعَلُ كَالْفَاعِلِ فَلَا يَكُونُ نَاسِياً نَفْسَهُ، فَإِنَّ خَلْفَهُ قَوْماً يَعْمَلُونَ

(7)

بِهَا وَلَا كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ.

[حكم الاستواء قائماً والجلسة بين السجدتين والطمأنينة في الركوع]

قوله رحمه الله: (وامَّا الاسْتِوَاءُ قَائِماً فَلَيْسَ بِفَرْضٍ، وَكَذَلِكَ الْجِلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالطُّمْأَنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يُفْتَرَضُ

(8)

ذَلِكَ

(9)

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ

(10)

.

وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالطُّمَأْنِينَةِ وَلَكِنْ كَمَا انْحَنَى ظَهْرُهُ رَفَعَ رَأْسَهُ وَسَجَدَ؛ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ وَيَكُونُ مُسِيئاً، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافاً لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْخِلَافَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ (وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمَعْلَى فِي "نَوَادِرِهِ"

(11)

وَذُكِرَ فِي "شرح الطحاوي" وَالْقَوْمَةُ؛ الَّتِي بَيْنَ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ)

(12)

حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَرْضٌ.

(1)

في (ب): (الدلالة).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في (ب): (ولأن الإمام).

(4)

في (ب): (بالتحميد).

(5)

في (ب): (لا لإمام).

(6)

في (ب): (موقعهما).

(7)

في (ب): (يعلمون).

(8)

في (ب): يفرض).

(9)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 133)، "بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 162).

(10)

ينظر: "الحاوي الكبير"للماوردي (2/ 233)، و"روضة الطالبين وعمدة المفتين" للنووي (1/ 223).

(11)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 162).

(12)

ساقطة من (ب).

ص: 248

وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لَمْ يُذْكَرِ الْخِلَافُ

(1)

فِي الْكِتَابِ، وَلَكِنْ تَلَقَّفْنَا

(2)

مِنَ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَكَذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي "الأسرار" خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ؛ وَإِنَّمَا قَالَ؛ قَالَ

(3)

عُلَمَاؤُنَا الطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ وَفِي الانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إِلَى رُكْنٍ لَيْسَ بِرُكْنٍ، كَذَلِكَ

(4)

الاسْتِوَاءُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَبَيْنَ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله هُوَ رُكْنٌ وَلَقْبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ

(5)

تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ هَلْ هُوَ

(6)

رُكْنٌ أَمْ لَا؟

حَتَّى لَوْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَلِيلاً؛ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، إِنْ كَانَ إِلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْقِيَامِ جَازَ عَنْهُ

(7)

الرُّكُوعُ، وَإِنْ كَانَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى تَمَامِ الرُّكُوعِ لَمْ يُجْزِهِ.

ثُمَّ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ؛ سُنَّةٌ أَمْ وَاجِبٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

(8)

اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ، كَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ رحمه الله يَقُولُ إِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ سَاهِياً كَانَ عَلَيْهِ [سَجْدَةُ]

(9)

السَّهْوِ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ رحمه الله يَقُولُ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ سَاهِياً عَلَى قَوْلِهِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

وَفِيهِ أَيْضًا؛ وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ الْكَرْخِيِّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي

(10)

طُمَأْنِينَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وامَّا فِي الطُّمَأْنِينَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الانْتِقَالِ فَاتَّفَقَا

(11)

عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ -رحمهما الله- فَوَجْهُ الْجُرْجَانِيِّ هُوَ أَنَّ هَذِهِ طُمَأْنِينَةً مَشْرُوعَةً لَا كَمَالَ رُكْنٍ فَيَكُونُ سُنَّةً لَا وَاجِباً كَالطُّمَأْنِينَةِ فِي الانْتِقَالِ، وَوَجْهُ الْكَرْخِيِّ رحمه الله هَذِهِ الطُّمَأْنِينَةُ مَشْرُوعَةٌ لَا كَمَالَ رُكْنٍ مَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ فَتَكُونُ وَاجِباً قِيَاساً عَلَى الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الانْتِقَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ؛ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ غَيْرِهِ وَهُوَ إِمْكَانُ أَدَاءِ

(12)

رُكْنٍ آخَرَ فَقُلْتُ بِالْفَرْقِ لِيَظْهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الطُّمَأْنِينَتَيْنِ

(13)

.

(1)

في (ب): (الاختلاف).

(2)

غير مقروءة في النسخة (ب).

(3)

(قَالَ) ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): (وذلك لأن).

(5)

(أنَّ) ساقطة من (ب).

(6)

(هُوَ) ساقطة من (ب).

(7)

في (ب): (عن).

(8)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 162).

(9)

هامش النسخة (أ)، وساقطة من النسخة (ب).

(10)

(فِي) ساقطة من (ب).

(11)

(فَاتَّفَقَا) ساقطة من (ب).

(12)

في النسخة (أ): (إذا).، والمثبت من النسخة (ب).

(13)

في (ب): (الطمأنينة).

ص: 249

[كيفية السجود والقيام منه]

وَذَكَرَ فِي "شرح الطحاوي" فِي كَيْفِيَّةِ السُّجُودِ وَالْقِيَامِ مِنْهُ، فَقَالَ:(يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ مَا يَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ رُكْبَتَاهُ ثُمَّ يَدَاهُ ثُمَّ وَجْهُهُ)

(1)

وَقَالَ بَعْضُهُمْ، يَضَعُ أَنْفَهُ ثُمَّ جَبْهَتَهُ، وَإِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ [ .. ]

(2)

فَنَقُولُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ يَضْعُ أَوَّلًا مَا كَانَ أَقْرَبُ إِلَى السَّمَاءِ

(3)

[وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ؛ يَرْفَعُ أَوَّلًا مَا كَانَ أَقْرَبُ إِلَى السَّمَاءِ]

(4)

هَذَا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ حَافِياً يُمْكِنُهُ وَلَوْ كَانَ ذَا خُفٍّ لَا يُمْكِنُهُ وَضْعَ الرُّكْبَتَيْنِ أَوَّلاً؛ فَإِنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مِنْ حُجَّةِ أَبِي يُوسُفَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ»

(5)

وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ.

وَالْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ هَذَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا

(6)

يَتَأَدَّى هَذَا الرُّكْنُ بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الاسْمُ، بَلْ بِزِيَادَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ تُوجَدُ بَعْدَهُ، قِيَاساً عَلَى الْقِيَامِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ؛ وَلِأَنَّ الرُّكُوعَ رُكْنٌ شُرِعَ فِيهِ تَسْبِيحٌ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَفَعُ الرَّأْسِ عَنْهُ رُكْناً/ قِيَاساً عَلَى السَّجْدَةِ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ رُكْناً يُشْرَعُ فِيهِ تَسْبِيحٌ كَانَ رَفْعُ الرَّأْسِ عَنْهُ رُكْناً فَكَذَا هَذَا وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ -رحمهما الله- بِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي كِتَابِهِ، فَيُجْزِيهِ قِيَاساً عَلَى مَا لَوِ اطْمَأَنَّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَقَدْ أَتَى بِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَيْلِ، وَالانْحِنَاءِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: رَكَعَتِ النَّخْلَةُ إِذَا مَالَتْ إِلَى الْأَرْضِ.

(1)

"شرح مختصر الطحاوي" للجصاص (1/ 616).

(2)

في نسخة (أ)(وَإِذَا أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ) وهي جملة مشطوبة وليست في (ب).

(3)

في (ب): (الأرض).

(4)

ما بين المعكوفين زيادة من (ب).

(5)

ورد من حديث أبي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود"، أخرجه أبو داود في "سننه"ص 112، كتاب الصلاة، أبواب تفريع استفتاح الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، حديث (855)، وأخرجه الترمذي في"سننه"(1/ 351)، أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، حديث (265)، وأخرجه النسائي في"سننه"(2/ 252)، كتاب الافتتاح، إقامة الصلب في الركوع، حديث (1026)، وأخرجه بن ماجه في "سننه"(1/ 282)، كتاب إقامة الصلاة، باب الركوع في الصلاة، حديث (870) وقال الترمذي:(حديث أبي مسعود حديث حسن صحيح).

(6)

(لَا) ساقطة من (ب).

ص: 250

وَالرُّكُوعُ يَحْصُلُ بِأَدْنَى مَا يَكُونُ مِنَ الانْحِنَاءِ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ مَتَى كَانَ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَعُ إِذَا انْحَنَى مَعَ عَدَمِ الطُّمَأْنِينَةِ؛ لِأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ دَوَامٌ عَلَى الانْحِنَاءِ، وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ يُوجِبُ أَصْلَ الْفِعْلِ، وَلا يُوجِبُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ، كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ احْنِ ظَهْرَكَ؛ فَإِنَّهُ كَمَا انْحَنَى يَصِيرُ مُمْتَثِلاً لِأَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ السُّجُودُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ

(1)

لِأَحَدٍ أَنَّهُ جَعَلَ الدَّوَامَ رُكْناً بِالسُّنَّةِ لَا بِالْكِتَابِ لِمَا أَنَّ السُّنَّةَ؛ الَّتِي رُوِيَتْ فِيهِ مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ فَلَا يَجُوزُ بِهَا نَسْخُ الْجَوَازِ الثَّابِتِ بِأَصْلِ الْفِعْلِ بِالْكِتَابِ.

وامَّا حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ فَهُوَ يَشْهَدُ لَنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ الْأَعْرَابِيَّ حَتَى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَوْ كَانَ مَا تَرَكَ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ رُكْنًا لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ، فَكَانَ الْمُضيُّ

(2)

بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ عَبَثاً؛ فَكَانَ لَا يَحِلُّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتْرُكَهُ، وَكَانَ تَرْكُهُ دَلَالَةً مِنْهُ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ، إِلَّا أَنَّهُ تَرَكَ لِلْإِكْمَالِ فَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ، زَجْراً لَهُ عَنْ هَذِهِ الْعَادَةِ، كَمَا أَمَرَ بِكَسْرِ الدِّنَانِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ عَادَةٍ اعْتَادُوهَا

(3)

.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، وَمَا نَقُصَتْ مِنْ صَلَاتِكَ

(4)

فَقَدْ وَصَفَ صَلَاتَهُ بِالنُّقْصَانِ، وَهُوَ يَقْتَضِي

(5)

وُجُودَ أَصْلِ الْفِعْلِ، وَعَلَى أَصْلِهِ يَكُونُ مَوْصُوفاً بِالْفَسَادِ، وَهُوَ خِلَافُ الْخَبَرِ فَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ» فَالْمَشْهُورُ مِنَ الْحَدِيثِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ» وَهُوَ لِنَفْيِ الْفَضِيلَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ»

(6)

وَلَئِنْ يَثْبُتُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهْدِيدِ لَا عَلَى التَّحْقِيقِ

(7)

كَمَا رُوى «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ الْعَبْدِ الْآبِقِ»

(8)

وامَّا اعْتِبَارُهُ بِالْقِيَامِ، وَالرُّكْنُ فِي الْقِيَامِ عِنْدَنَا بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الاسْمُ.

(1)

في (ب): (يقول).

(2)

في (ب): (المصلى).

(3)

قال الزيلعي رحمه الله في نصب الراية للزيلعي: (4/ 311): وهذا صريح في التغليظ، لأن فيه إتلاف مال الغير، وقد كان يمكن إراقة الدنان والزقاق وتطهيرها، ولكن قصد بإتلافها الشديد ليكون أبلغ في الردع.

(4)

في (ب): (ذلك).

(5)

(وَهُوَ يَقْتَضِي) غير واضحة في النسخة (ب).

(6)

نص الحديث «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ» ، أخرجه عبد الرزاق في "مصنفة"(1/ 497)، كتاب الأذان، باب من سمع النداء، حديث (1915)، وأخرجه الدارقطني في"سننه"(2/ 292)، كتاب الصلاة، باب الحث لجار المسجد على الصلاة فيه إلا من عذر حديث (1552) و (1553)، وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 373)، حديث (898). وقال بن حجر العسقلاني في"التلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني" (2/ 77):(مشهور بين الناس وهو ضعيف ليس له إسناد ثابت).

(7)

في (ب): (التخفيف).

(8)

يشير إلى حديث في صحيح ابن حبان (12/ 178) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «"ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَلَاةً، وَلَا يَرْفَعُ لَهُمْ إِلَى السماء حسنة: العبد الآبق حت يرجع إلى مواليه، فيضع يده في أيديهم، المرأة السَّاخِطُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَرْضَى، وَالسَّكْرَانُ حَتَّى يصحو» ، وأخرجه أيضاً "ابن خزيمة (940)، وابن عدي في "الكامل" (3/ 1074)، والبيهقي (1/ 389) من طريق هشام بن عمار، بهذا الإسناد. وإسناده ضعيف، فهشام بن عمار كبر فصار يتلقن، وزهير بن محمد _وهو التميمي الخراساني_ رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، وهذا منها. قال البيهقي في السنن الكبرى (1/ 573): تفرد به زهير، وضعفه الألباني رحمه الله انظر حديث رقم (2602) في ضعيف الجامع.

ص: 251

إِنَّمَا التَّقْدِيرُ بِسَبَبِ

(1)

الْقِرَاءَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ مَتَى سَقَطَتْ كَانَ نَفْسُ الْقِيَامِ يَكْفِيهِ كَمَا فِي الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةِ، وَكَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَكَبَّرَ

(2)

قَائِماً وَرَكَعَ أَجْزَاهُ، وامَّا الْقِرَاءَةُ فَالرُّكْنُ عِنْدَنَا أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقُرْآن حَقِيقَةً، وَحُكْماً وَذَلِكَ آيَةٌ

(3)

وَاحِدَةٌ، وامَّا مَا دُونَهُ [فَلَا]

(4)

وَإِنْ كَانَ قُرْآنًا حَقِيقَةً فَلَيْسَ بِقُرْآنٍ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ حَتَّى حَلَّ قِرَاءَتَهُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ.

وامَّا الْقَعْدَةُ؛ فَإِنَّمَا

(5)

لَمْ يَكْتَفِ بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ

(6)

الْقَعْدَةِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ يُلَاقِي الْقَعْدَةَ، وَيَتَّصِلُ بِهَا، فَالْجُزْءُ الَّذِي يُلَاقِيهِ الْقَطْعُ، يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَلَاةً، وَالْبَاقِي بَعْدَهُ مِمَّا لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقَعْدَةِ، وَإِذَا وَجَبَتِ الزِّيَادَةُ قُدِّرَتْ بِالتَّقْدِيرِ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وامَّا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَرْكَانِ، فَالْقَطْعُ لَا يَتَّصِلُ بِهِ، فَيَبْقَى الْقَدْرُ الَّذِي وُجِدَ رُكْناً رُكُوعاً وَسُجُوداً وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ

(7)

بِحَقِّ الْأَمْرِ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

وامَّا قَوْلُهُ رُكْنٌ تَضَمَّنَ تَسْبِيحًا كَانَ رَفْعُ الرَّأْسِ مِنْهُ رُكْنًا كَمَا

(8)

فِي السَّجْدَةِ، قُلْنَا فِي السَّجْدَةِ رَفْعُ الرَّأْسِ لَيْسَ بِرُكْنٍ؛ وَإِنَّمَا الرُّكْنُ هُوَ الانْتِقَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءَ الثَّانِيَةِ إِلَّا بِهِ؛ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الانْتِقَالَ إِلَى الثَّانِيَةِ، إِلَّا بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ، فَلَزِمَهُ رَفْعَ الرَّأْسِ (ضَرُورَةً إِمْكَانُ الانْتِقَالِ إِلَى غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَهُ الانْتِقَالَ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ الرَّأْسِ)

(9)

بِأَنْ سَجَدَ عَلَى وِسَادَةٍ فَأُزِيلَتِ الْوِسَادَةُ حَتَّى وَقَعَ جَبْهَتُهُ عَلَى الْأَرْضِ أَجْزَاهُ؛ وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ الرَّفْعُ هَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْقُدُورِي فِي التَّجْرِيدِ

(10)

وامَّا فِي الرُّكُوعِ فَالانْتِقَالُ إِلَى السُّجُودِ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ أَصْلًا فَلَا يَجْعَلُ رَفْعَ الرَّأْسِ عَنْهُ رُكْناً.

(1)

في (ب): (ليست).

(2)

في (ب): (يكبر).

(3)

في (ب): (أنه).

(4)

زيادة من (ب).

(5)

في (ب): (فإنها).

(6)

(اسْمُ) ساقطة من (ب).

(7)

(عَلَيْهِ) ساقطة من (ب).

(8)

(كَمَا) ساقطة من (ب).

(9)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(10)

" التجريد " للقُدُوري " (2/ 533).

ص: 252

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَادَّعَمَ عَلَى رَاحَتَيْهِ) أَيِ: اتَّكَأَ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ دَعَمْتُ الشَّيْءَ دَعْماً أَيْ جَعَلْتُهُ دُعَامَةً، وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ لِلْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّ آخِرَ الرَّكْعَةِ مُعْتَبَرٌ بِأَوَّلِهَا فَكَمَا

(1)

يَجْعَلُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ الرُّكْعَةِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ فَكَذَلِكَ فِي آخِرِهَا كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(2)

.

قوله رحمه الله: (وَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ).

قُلْتُ جَازَ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيمُ الْأَنْفِ عَلَى الْجَبْهَةِ مَعَ أَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ أَقْوَى؛ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ عِنْدَ وَضْعِهَا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ الْأَنْفِ لِاخْتِيَارِ

(3)

مَا ذَكَرْنَا مِنْ شرح الطحاوي بِأَنَّهُ يَضَعُ أَوَّلًا عَلَى الْأَرْضِ مَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْأَرْضِ عِنْدَ السُّجُودِ.

وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَقَدْ أَجْمَعُوا

(4)

أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْمُصَلِّي إِذَا سَجَدَ أَنْ/ يَضَعَ جَبْهَتَهُ وانْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ جَبْهَتَهُ وانْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ (وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»

(5)

وَ لِأَنَّ السُّجُودَ إَنَّمَا يُوجَدُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ أَمَّا الْأَرْضُ)

(6)

فَلَا بُدَّ مِنْهُ [لُغَةً]

(7)

؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لُغَةً يُنْبِئُ عَنِ الْوَضْعِ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِقَوْلِهِمْ

(8)

سَجَدَتِ النَّاقَةُ إِذَا وَضَعَتْ جِرَانَهَا

(9)

عَلَى الْأَرْضِ.

وأمَّا الْوَجْهُ فَثَبَتَ مَحَلًّا لِلْوَضْعِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}

(10)

جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ

(11)

الْمُرَادُ بِهِ الْوَجْهُ ثُمَّ وَضْعُ جَمِيعِ الْوَجْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ الْأَنْفَ وَالْجَبْهَةَ عَظْمَانِ نَاتِئَانِ يَمْنَعَانِ وَضْعَ جَمِيعِ الْوَجْهِ، وَإِذْ

(12)

تَعَذَّرَ وَضْعُ الْكُلِّ كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَضْعُ الْبَعْضِ.

(1)

في (ب): (فلما).

(2)

"المبسوط" للسرخسي (1\ 22).

(3)

في (ب): (لاختلاف).

(4)

في (ب): (اجتمعوا).

(5)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(3/ 390)، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، حديث (5792).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

زيادة من (ب).

(8)

في (ب): (كقولهم).

(9)

في (ب): (جرابها) والصحيح ما اثبت انظر " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 240).

(10)

سورة الإسراء: من آية (107).

(11)

انظر: "تفسير الزمخشري (2/ 699)، "تفسير القرطبي" (10/ 341).

(12)

في (ب): (إذا).

ص: 253

ثُمَّ وَضْعُ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ

(1)

أَوْلَى مِنْ وَضْعِ الْخَدِّ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ الْأَنْفَ وَالْجَبْهَةَ لِلْوَضْعِ

(2)

وَالثَّانِي: أَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مِمَّا يَتَأَتَّى مَعَ

(3)

اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَوَضْعُ الْخَدِّ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِالانْحِرَافِ عَنِ الْقِبْلَةِ فَتَعَيَّنَتِ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ لِلسُّجُودِ شَرْعاً.

وَمَعْنَى ثُمَّ وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ الاسْتِقْبَالُ لِلْقِبْلَةِ مَعَ وَضْعِ الذَّقْنِ لَمْ يَجْعَلْ وَضْعَهُ سَجْدَةً شَرْعاً لِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى الذَّقْنِ لَمْ يُعْرَف تَعْظِيماً فِيمَا بَيْنَنَا

(4)

وَالصَّلَاةُ؛ إِنَّمَا شُرِعَتْ بِأَفْعَالٍ ظَاهِرَةٍ تُعْرَفُ تَعْظِيماً فِيمَا بَيْنَنَا

(5)

؛ فَلِذَلِكَ

(6)

لَمْ يَتَأَدَّ بِالذَّقْنِ.

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (فَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ جَازَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْأَنْفِ دُونَ الْجَبْهَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

(7)

وَيُكْرَهُ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةُ أَسَدِ بْنِ عُمَرَو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ)

(8)

وَفِي التَّجْنِيسِ: وَلَوْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى حَجَرٍ

(9)

صَغِيرٍ، إنْ وَضَعَ أَكْثَرَ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إِذَا وَضَعَ مِنَ الْجَبْهَةِ بِمِقْدَارِ الْأَنْفِ أَنْ

(10)

يَجُوزَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

(11)

كَمَا إِذَا وَضَعَ الْأَنْفَ، إِلَّا أَنَّا نَقُولُ فِي الْأَنْفِ إِنَّمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ

(12)

كَامِلٌ فَصَارَ كَالْجَبْهَةِ، أَمَّا هَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْجَبْهَةِ فَلَيْسَ بِعُضْوٍ كَامِلٍ، وَلَا بِأَكْثَرِهِ فَلَا يَجُوزُ.

(1)

(وَالْأَنْفِ) ساقطة من (ب).

(2)

(لِلْوَضْعِ) ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): (يأتي).

(4)

في (ب): (بيناه).

(5)

في (ب): (بيناه).

(6)

في (ب): (فكذلك).

(7)

ينظر: "النتف في الفتاوى"(1/ 65)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 135)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 105).

(8)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 34).

(9)

(عَلَى حَجَرٍ) ساقطة من (ب).

(10)

(أَنْ) ساقطة من (ب).

(11)

ينظر: "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 135).

(12)

(عُضْوٌ) ساقطة من (ب).

ص: 254

وَفِي "الْإِيضَاحِ"

(1)

فَأَمَّا السُّجُودُ عَلَى الْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرٌ

(2)

وَالشَّافِعِيُّ

(3)

(وَ)

(4)

هُوَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ»

(5)

وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ عَاقِصٌ شَعْرُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ»

(6)

»

(7)

فَالتَّمْثِيلُ

(8)

يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ دُونَ الْجَوَازِ؛ وَلِأَنَّ اخْتِصَاصَ اسْمِ

(9)

السُّجُودِ يَتَعَلَّقُ بِالْوَجْهِ؛ فَإِنَّهُ بِوَضْعِ الْوَجْهِ سُمِّيَ سَاجِداً.

[السُّجود على الأعضاء السَّبعة]

قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ»)

وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةُ أَيْ عَلَى الْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ، وَالْجَبْهَةِ، فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَتِمُّ الاسْتِدْلَالُ لَهُمَا بِهَذَا الْحَدِيثِ؟ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ وَضْعَ الْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ؛ جَازَ سَجْدَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذِهِ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ تِلْكَ السَّبْعَةِ فَيَسْتَقِيمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمَا بِجَوَازِ تَرْكِ الْجَبْهَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، كَمَا جَازَ تَرْكُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّا مِنْهَا فِي كَوْنِهِ مَأْمُوراً بِهِ سَوَاءً فَتَنْقَلِبُ الْقِصَّةُ حِينَئِذٍ؟ قُلْتُ إِيرَادُ الْحَدِيثِ (لِبَيَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ هِيَ مَحَالُ السَّجْدَةِ لَا غَيْرِهَا)

(10)

لَا لِبَيَانِ أَنَّ وَضْعَ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ لَازِمٌ لَا مَحَالَةً، وَالْأَنْفُ غَيْرُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَتَأَدَّى الْفَرْضُ بِوَضْعِ الْأَنْفِ مُجَرَّداً كَمَا لَوْ وَضْعُ الْذَّقْنِ مجرداً؛ لِأَنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ لَمْ

(11)

يَتَنَاوَلْهُ، فَلَمْ يَكُنِ

(12)

الْأَنْفُ مَحَلًّا لِلسَّجْدَةِ، وَلِذَلِكَ تَعَرَّضَ

(13)

فِي الْكِتَابِ لِتَصْرِيحِ

(14)

الْجَبْهَةِ بِقَوْلِهِ: (وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ).

(1)

انظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 53).

(2)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 337).

(3)

ينظر: "المهذب"(1/ 255)، و"البيان والتحصيل" لابن رشد " (2/ 218).

(4)

ساقطة من (ب).

(5)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 244)، كتاب الصلاة، باب السجود على سبع أعظم، حديث (792) و (793)، وأخرجه مسلم في "صحيحه"ص 202، كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود والنهى عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة، حديث (490).

(6)

كذا في النسخة (أ)، وفي (ب):(مكتوب). والصحيح: (مكتوف) كما سيأتي تخريجه في الموضع التالي.

(7)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 202)، كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود، حديث (492)، وأخرجه أبي داود في"سننه"(ص 92)، كتاب الصلاة، باب الرجل يصلي عاقصا شعره، (647).

(8)

في (ب): (بالتمثيل).

(9)

(اسْمِ) ساقطة من (ب).

(10)

جملة مكررة في المخطوط (أ).

(11)

في (ب): (لا).

(12)

في (ب): (يمكن).

(13)

في (ب): (يفرض).

(14)

في (ب): (بتصريح).

ص: 255

[يَعْنِي وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ]

(1)

لَا الْأَنْفَ فَكَانَ نَفْياً لِمَحَلِّيَّةِ الْأَنْفِ لِلسَّجْدَةِ، لِيُفِيدَ التَّخْصِيصَ فَائِدَتَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَحَلَّا لَا يَقَعُ الْفَرْضُ بِوَضْعِهِ مُنْفَرِداً، وَلِذَلِكَ

(2)

ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي جَوَابِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرَفِ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ فِي خَبَرِهِمْ وُجُوبَ السَّجْدَةِ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ السُّجُودِ عَلَى

(3)

الْأَنْفِ بَلِ الْأَنْفُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَفِي خَبَرِنَا وُجُوبُ السَّجْدَةِ عَلَى الْأَنْفِ، وَالْجَبْهَةِ جَمِيعاً فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، إِذِ الْعَمَلُ بِهِمَا مُمْكِنٌ، أَوْ نَقُولُ هُمَا يَقُولَانِ الْمَأْمُورُ بِهِ السُّجُودُ، وَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِوَضْعِ الْوَجْهِ لُغَةً لَكَنِ الْكُلُّ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ.

وَالْبَاقِي

(4)

مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الْإِرَادَةِ فَالْتَحَقَ هَذَا الْخَبَرُ بِتَصْرِيحِ الْجَبْهَةِ، بَيَاناً لَهُ فَانْحَصَرَ عَلَى وَضْعِ الْجَبْهَةِ، لِذَلِكَ قُلْنَا الْمُرَادُ مِنْهُ بَعْضَ/ الْوَجْهِ مُطْلَقاً لَا مُجْمَلاً إِلَّا أَنَّ الْخَدَّ وَالذَّقْنَ خَرَجَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ التَّعْظِيمَ لَمْ يُشْرَعْ بِوَضْعِهِمَا

(5)

وَالْمَشْهُورُ فِي الْخَبَرِ الْوَجْهُ لَا الْجَبْهَةَ فَيَكُونُ الْأَنْفُ مَعَ الْجَبْهَةِ دَاخِلِينَ عَلَى السَّوَاءِ؛ وَلَوِ اكْتَفَى بِالْجَبْهَةِ يَجُوزُ فَكَذَا لَوِ اكْتَفَى بِالْأَنْفِ؛ وَلِأَنَّ الْأَنْفَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ كَانَ

(6)

مَحَلًّا

(7)

لِلْفَرْضِ أَوَّلًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحَلًّا لَهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، إِذَا كَانَ بِالْجَبْهَةِ عُذْرٌ وَلَوْ كَانَ غَيْرُ مَحَلٍّ؛ لَمَا صَارَ مَحَلًّا عِنْدَ الْعُذْرِ كَالذَّقْنِ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْقَاطِعُ لِلشَّغَبِ

(8)

الَّذِي ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَقَالَ إِنَّ الْمُصَلِّيَ مَتَى عَجَزَ عَنِ السُّجُودِ بِمَا عُيِّنَ مَحَلًّا لِلسُّجُودِ يَسْقُطُ عَنْهُ السُّجُودُ وَيَنْتَقِلُ فَرْضُ السُّجُودِ إِلَى الْإِيمَاءِ، وَكَمَا إِذَا كَانَ الْعُذْرُ بِهِمَا جَمِيعاً؛ فَإِنَّهُ مُصَلَّى

(9)

بِالْإِيمَاءِ فَلَوْ كَانَتِ الْجَبْهَةُ مُتَعَيِّنَةً لِلسُّجُودِ لَا غَيْرَ؛ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ إِذَا عَجَزَ عَنْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ يَسْقُطُ وَيَنْتَقِلُ الْحُكْمُ إِلَى الْإِيمَاءِ، فَلَمَّا وَجَبَ هُنَاكَ وَضْعُ الْأَنْفِ تَعَيَّنَ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلسُّجُودِ كَالْجَبْهَةِ.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (ب): (وكذلك).

(3)

في (ب): (عن).

(4)

في (ب): (والثاني).

(5)

في (ب): (بوضعها).

(6)

في (ب): (يكون).

(7)

في (ب): (مجملا).

(8)

في (ب): (للسغب).

(9)

في (ب): (يصلي).

ص: 256

قَوْلُهُ رحمه الله: (وامَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِي أَنَّهُ فَرِيضَةٌ)

(1)

(2)

.

وَعِبَارَةُ لَفْظِ "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا سِوَى وَضْعِ الْجَبْهَةِ، وَالْأَنْفِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَضَعَهُ فِي السَّجْدَةِ إِذَا أَمْكَنَ لَهُ، وَفِي " الْمُحِيطِ ": (وَإِذَا لَمْ يَضَعِ الْمُصَلِّي رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ السُّجُودِ لَا يَجْزِيهِ هَكَذَا اخْتَارَهُ

(3)

الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّا [نَقُولُ]

(4)

أُمِرْنَا أَنْ نَسْجُدَ عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ.

وَفَتْوَى مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْضِعُ الرُّكْبَتَيْنِ نَجِساً يَجُوزُ؛ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِي رحمه الله وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رحمه الله لَمْ يُصَحِّحْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ رَجُلٌ يُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ، وَيَسْجُدُ عَلَى خِرْقَةٍ وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَقِي

(5)

بِهِ الْحَرَّ لَا بَأْسَ بِهِ، وَذَكَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، وَقَالَ: يَا شَيْخَ لَا تَفْعَلْ مِثْلَ هَذَا

(6)

؛ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟

فَقَالَ: مِنْ خُوَارِزْمَ.

فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله اللَّهُ أَكْبَرُ جَاءَ التَّكْبِيرُ مِنْ وَرَائِي؟

أَيْ أَجَاءَ التَّكْبِيرُ؟ أَيِ الْإِعْلَامُ عَلَى وَجْهِ الاسْتِفْهَامِ يَعْنِي مِنَ الصَّفِّ الْآخَرِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ عِلْمَ الشَّرِيعَةِ يُحْمَلُ مِنْ ها هُنَا إِلَى خُوَارِزْمَ لَا مِنْ خُوَارِزْمَ إِلَى ها هُنَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله: أَفِي مَسَاجِدِكُمْ حَشِيشٌ؟

فَقَالَ: نَعَمْ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: فَيَجُوزُ السَّجْدَةُ عَلَى الْحَشِيشِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْخِرْقَةِ؟!.

(1)

وفي المطبوع: (وأما وضع القدمين فقد ذكر القُدُوري رحمه الله تعالى أنه فريضة في السجود.)"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 51).

(2)

بل الذي ذكره القُدُوري أنه ليس بواجب. ينظر: "التجريد للقُدُوري "(2/ 543)، و"مختصر القُدُوري"(ص 27).

(3)

في (ب): (اختيار).

(4)

(نَقُولُ) زيادة من (ب).

(5)

في (ب): (ليتقي).

(6)

في (ب): (هكذا).

ص: 257

وَإِذَا سَجَدَ وَرَفَعَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ عَنِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَالْجَصَّاص رَحِمَهُمَا اللَّهُ)

(1)

.

وَلَوْ وَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ دُونَ الْأُخْرَى فِي السَّجْدَةِ ذَكَرَ

(2)

فِي "الْخُلَاصَةِ" أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَرَاهَةَ، وَذَكَرَ فِي "فتاوى قاضي خان" رحمه الله

(3)

الْكَرَاهَةَ مَعَ الْجَوَازِ، وَعَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَ تَرْكِ وَضْعِ الرِّجْلَيْنِ.

وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ رحمه الله فِي بَابِ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ مِنَ " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " لَوْ لَمْ يَضَع الْيَدَيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ، جَازَ سُجُودُهُ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ، أَوْ فَاضِلِ ثَوْبِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَائِلٌ لَا يَمْنَعُ مِنَ السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ حَجْبَ الْأَرْضِ كَالْمُصَلَّى وَالْبِسَاطِ.

كَوَّرَ الْعِمَامَةَ دَوَّرَهَا مِنْ كَارَ الْعِمَامَةَ وَكَوَّرَهَا أَدَارَهَا عَلَى رَأْسِهِ وَهَذِهِ الْعِمَامَةُ عَشْرَةُ أَكْوَارٍ وَعِشْرُونَ كَوْراً.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَيُبْدِي ضَبْعَيْهِ).

ذُكِرَ فِي "المغرب": (الضَّبْعُ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرَ الْعَضُدِ)

(4)

وَفِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" اخْتَلَفَ

(5)

أَهْلُ اللُّغَةِ فِي قَوْلِهِ: (ضَبْعَيْهِ) قَالَ بَعْضُهُمْ بِجَزْمِ الْبَاءِ

(6)

وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالرَّفْعِ وانَّهُ لُغَتَانِ وَآثَرَ الْقَتْبِيُّ لَفْظَةَ الرَّفْعِ

(7)

عَلَى الْجَزْمِ، وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي "الصِّحَاحِ"

(8)

، وَ"الدِّيوَانِ" مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي "المغرب"

قوله رحمه الله: (وَيُجَافِي بَطْنَهُ).

أَيْ: يُبَاعِدُ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ أَيْ تَتَبَاعَدْ، الْبَهْمَةُ

(9)

وَلَدُ الشَّاةِ وَهِيَ بَعْدُ السَّخْلَةِ فَإِنَّ السَّخْلَةَ أَوَّلُ مَا تَضَعُهُ أُمُّهُ ثُمَّ يَصِيرُ بَهْمَةً.

(1)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 365).

(2)

في (ب): (ذكره).

(3)

ذكره صاحب كتاب: " تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 107).

(4)

" المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (2/ 4).

(5)

(اخْتَلَفَ) ساقطة من (ب).

(6)

(الْبَاءِ) زيادة من (ب).

(7)

في (ب): (وأبو العتبي لفظه بالرفع).

(8)

ينظر: "مختار الصحاح، للرازي"(ص 403).

(9)

ورد في الهداية كلمة البهمة، فكأنه أراد شرحها هنا ولم تأت في النسخ قال في الهداية:(لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سجد جافى حتى إن بهمة لو أرادت أن تمر بين يديه لمرت وقيل إذا كان في الصف لا يجافي كيلا يؤذي جاره) انظر "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 52).

ص: 258

قَوْلُهُ رحمه الله: («وَإِذَا سَجَدَ أَحُدُكُمْ»).

بِالْوَاوِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: («إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ»)؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرُ

(1)

الرَّفْعُ فَرْضٌ لِمَا

(2)

أَنَّ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ فَرْضٌ فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْعِ الرَّأْسِ؛ لِيَتَحَقَّقَ الانْتِقَالُ إِلَيْهَا، وَالتَّكْبِيرُ سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ.

قَوْلُهُ رحمه الله (لِمَا رَوِينَا).

إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُكَبِّرُ

(3)

عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ»

(4)

وَتَكَلَّمُوا فِي مُقَدَّرِ الرَّفْعِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا إِذَا أَزَالَ

(5)

جَبْهَتَهُ عَنِ الْأَرْضِ، ثُمَّ أَعَادَهَا جَازَ ذَلِكَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا؛ فَإِنَّهُ قَالَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ بِقَدْرِ

(6)

مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّيحُ يَجُوزُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ رحمه الله لَا يَكُونُ عَنْهُمَا، مَا لَمْ يَرْفَعْ جَبْهَتَهُ مِقْدَارَ مَا يَقَعُ عِنْدَ النَّاظِرِ أَنَّهُ رَافِعٌ

(7)

رَأْسَهُ لِيَسْجُدَ أُخْرَى؛ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ عَنِ السَّجْدَتَيْنِ، وَإِلَّا يَكُونُ عَنْ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي الْقُدُورِي/ أَنَّهُ يكتفي بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّفْعِ كَذَا فِي "الْمُحِيطِ "

(8)

وَجَعَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْقُدُورِيِّ أَصَحَّ.

وَقَالَ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الرَّفْعُ؛ فَإِذَا وَجَدَ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الرَّفْعِ بِأَنَّ رَفْعَ جَبْهَتِهِ كَانَ مُؤَدِّياً لِهَذَا الرُّكْنِ، كَمَا فِي السُّجُودِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الاسْمُ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ هُوَ الْمَيْلُ،

(9)

وَانْحِنَاءُ الظَّهْرِ، وَإِذَا وُجِدَ بَعْضُ الانْحِنَاءِ، وَلَمْ يُوجِدِ الْبَعْضُ تَرَجَّحَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمَا، إِنْ كَانَ إِلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبُ فَقَدْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ

(10)

الْكَثْرَةِ، وَصَارَتِ الْعِبْرَةُ لَهُ.

(1)

في (ب): (وتكبير).

(2)

في (ب): (كما).

(3)

في (ب): (كبّر).

(4)

سبق تخريجه (ص 315).

(5)

في (ب): (زايل).

(6)

في (ب): (بعد).

(7)

(رَافِعٌ) ساقطة من (ب).

(8)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 363).

(9)

في (ب): (في).

(10)

(جَانِبُ) ساقطة من (ب).

ص: 259

وَإِنْ كَانَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ فَقَدْ عَدَمَ الْأَكْثَرَ فَكَانَتِ الْعِبْرَةُ لِجَانِبِ الْعَدَمِ

(1)

وَإِذَا تَرَجَّحَ جَانِبُ الْعَدَمِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ بِخِلَافِ السُّجُودِ؛ فَإِنَّ السُّجُودَ إِنَّمَا يَحْصُلُ

(2)

بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْوَاجِبُ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ، وَقَدْ وُجِدَ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنَ الرَّفْعِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله

(3)

لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَسْتَوِ قَاعِداً، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فَتَتَحَقَّقُ الثَّانِيَةُ أَيِ: السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ ثُمَّ الرُّكُوعُ فِي كُلِّ قِيَامٍ مَرَّةٌ، وَالسُّجُودُ مَرَّتَانِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا

(4)

قَالُوا هَذَا تَوْقِيفٌ وَاتِّبَاعٌ لِلشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْقَلَ لَهُ مَعْنىً، وَقَدْ تَعَبَّدْنَا الشَّرْعَ بِمَا لَا يُعْقَلُ لَهُ مَعْنًى تَحْقِيقاً لِلابْتِلَاءِ.

[الحكمة من فرض السجود]

وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ يَذْكُرُ لِذَلِك حِكْمَةً [فَيَقُولُ: حِكْمَةُ]

(5)

هَذَا مَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ عليه السلام حَيْثُ قَالَ:

(6)

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}

(7)

أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالسُّجُودِ تَصْدِيقاً لِمَا قَالُوا؛ فَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ، وَبَقِيَ الْكُفَّارُ فَلَمَّا رَفَعَ الْمُسْلِمُون رُءُوسَهُمْ؛ رَأَوْا

(8)

الْكُفَّارَ لَمْ يَسْجُدُوا [فَسَجَدُوا]

(9)

ثَانِيًا شُكْراً وَ

(10)

لَمَّا وَفَّقَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى السُّجُودِ الْأَوَّلِ؛ فَصَارَ الْمَفْرُوضُ سَجْدَتَيْنِ لِهَذَا، وَالرُّكُوعُ مَرَّةً كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله.

(1)

العدم: فقدان الشيء وذهابه. (لسان العرب لابن منظور: (12/ 392) والمقصود هنا فقدان الماء الطهور.

(2)

في (ب): (بهما يحصلان).

(3)

ينظر: "مختصر البويطي"(ص 149).

(4)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 21).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

(حَيْثُ قَالَ) ساقطة من (ب).

(7)

سورة الأعراف: (172).

(8)

في (ب): (و).

(9)

زيادة من (ب).

(10)

(وَ) ساقطة من (ب).

ص: 260

وَ

(1)

فِي "الْمَبْسُوطِ": (وَقِيلَ إِنَّمَا كَانَ السُّجُودُ مَثْنَى تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّهُ أُمِرَ بِسَجْدَةٍ

(2)

فَلَمْ يَفْعَلْ فَنَحْنُ نَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ

(3)

تَرْغِيمًا لَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ صلى الله عليه وسلم فِي سُجُودِ السَّهْوِ؛ فَقَالَ:«هُمَا تَرْغِيمَتَانِ لِلشَّيْطَانِ»

(4)

وَقِيلَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنَ الْأَرْضِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ يُعَادُ إِلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}

(5)

الْآيَةُ)

(6)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (فَاسْتَوَى قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَمُعْتَمِدًا بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَلَا يَقْعُدُ).

أَيْ: لَا يَجْلِسُ جَلْسَةً خَفِيفَةً؛ فَكَانَ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي اعْتِمَادِ الْيَدَيْنِ عِنْدَنَا يَعْتَمِدُ بِهِمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَعِنْدَهُ

(7)

يَعْتَمِدُ بِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ، وَالثَّانِي فِي الْجَلْسَةِ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ فِي حَالَةِ الضَّعْفِ؛ وَلِهَذَا كَانَ يَقُولُ: «لا تُبادِروا

(8)

بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ فَإِنِّي قَدْ بَدنْتُ»

(9)

وَمَا رَوَيْنَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْقُدْرَةِ، فَنُوَفِّقُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ أَوْ نَتْرُكُ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا لِتَعَارُضِ بَعْضَهَا بِالْبَعْضِ وَنَعْمَلُ بِالْقِيَاسِ

(10)

وَالْقِيَاسُ مَعَنَا وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ، (وَلِأَنَّ هَذِهِ قَعْدَة اسْتِرَاحَةٍ) وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهَا لِلاسْتِرَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا لِلْفَصْلِ؛ فَإِنَّ الْفَصْلَ بِالْقَعْدَةِ؛ إِنَّمَا شُرِعَ إِمَّا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الشِّفْعَيْنِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْفَصْلَيْنِ هُنَا

(11)

فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْفَصْلِ؛ كَانَ مَا يَأْتِي بِهَا لِلاسْتِرَاحَةِ وَالْقَعْدَةِ؛ الَّتِي هِيَ لِلاسْتِرَاحَةِ لَا لِلْفَصْلِ

(12)

لَمْ تُشْرَعْ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ لِلانْتِقَالِ

(13)

[إنْتِقَالَانِ انْتِقَالٌ]

(14)

مِنَ الْقِيَامِ إِلَى السُّجُودِ، وَانْتِقَالٌ مِنَ السُّجُودِ إِلَى الْقِيَامِ، ثُمَّ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْعُدُ فِي الانْتِقَالِ مِنَ الْقِيَامِ إِلَى السُّجُودِ، فَكَذَا وَجَبَ أَنْ لَا يَقْعُدَ فِي الانْتِقَالِ مِنَ السُّجُودِ إِلَى الْقِيَامِ اعْتِبَاراً؛ لِأَحَدِ الانْتِقَالَيْنِ بِالْآخَرِ؛ وَلِأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى غَيْرِهِ فِي صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَعُذْرٍ فَيَكُون مُسِيئاً قِيَاساً عَلَى مَا لَوِ اتَّكَأَ عَلَى حَائِطٍ، أَوْ عَصاً بِخِلَافِ مَا لَوِ اعْتَمَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ؛ لِأَنَّا قُلْنَا عَلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

(1)

(وَ) ساقطة من (ب).

(2)

في (ب): (بالسجدة).

(3)

في (ب): (سجدتين).

(4)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 227)، كتاب الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، حديث (571)، عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيماً للشيطان» .

(5)

سورة طه: (55).

(6)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 21).

(7)

ينظر: "مختصر المزني"(ص 26).

(8)

في (أ): (لَا يُبَادِرُونِي) والمثبت من (ب) هو الصحيح.

(9)

الحديث أخرجه أبو داود في "سننه"(ص 90)، كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المأموم من إتباع الإمام، حديث (619)، وأخرجه بن ماجه في "سننه"(1/ 309)، كتاب الصلاة، باب النهي أن يسبق الإمام بالركوع والسجود، حديث (962) و (963). قال ابن الملقن في"البدر المنير" (4/ 487):(هذا الحديث صحيح).

قوله (بدنت) قال البغوي: مشددة الدال معناه: كبر السن يقال: بدن الرجل تبدينا إذا أسن، وبعضهم يروي: بدُنت، مضمومة الدال مخففه ومعناه: زيادة الجسم واحتمال اللحم. وقال ابن الأثير: "قال أبو عبيد: روي في الحديث" بدنت" بالتخفيف، وإنما هو بدنت بالتشديد، أي كبرت واسننت

الخ". (النهاية: (1/ 107)، شرح السنة:(3/ 415).

(10)

إن معرفة الحكم في مسألة القياس مدارها على معرفة العلة، والعلة في العبادات المحضة مجهولة السبب وهي الأصل، وإلحاق الفرع الذي يراد معرفة حكمه بالأصل الذي يجهل سببه أمر غير معلوم، فكيف يمكن القياس عليه، والقياس غالبا لا يلجأ إليه إلا عند نزول حادثة، والأمور التعبدية ليست كذلك. وأحاديث وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يُضم بعضها إلى بعض ولا يُضرب بعضها ببعض. والله أعلم.

(11)

في (ب): (هناك).

(12)

في (ب): (الفعل).

(13)

في (ب): (الانتقال).

(14)

إلحاق في هامش النسخة (أ).

ص: 261

وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيُّ الْخِلَافَ فِي الْأَفْضَلِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ فَعَلَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(1)

.

قوله رحمه الله: (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى)(خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ)،

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: (يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ)

(2)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ، وَعِنْدَ السُّجُودِ يَرْفَعُ الْيَدَ أَيْضاً

(3)

قَالُوا قَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ»

(4)

.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ حِكَايَةً؛ فَإِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ لَقِيَ أَبَا حَنِيفَةَ (رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمَسْجِدِ/ الْحَرَامِ فَقَالَ مَا بَالُ أَهْلِ العراق لَا يَرْفَعُونَ أَيْدِيهِمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ، وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ» ؟

(5)

فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) رحمه الله

(6)

حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ»

(7)

.

(1)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 366).

(2)

"الأم"(1/ 103).

(3)

في (ب): (أصلا).

(4)

رواه ابن ماجة من حديث ابن عباس (1/ 281) حديث رقم (865) وصححه الألباني في "صحيح وضعيف سنن ابن ماجة (1/ 7).

(5)

أخرجه مالك، عن الزهري به في "الموطأ"(2/ 102)، كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة، حديث (245)، وأخرجه الشافعي عن سفيان، عن الزهري به في"مسنده"(1/ 254)، كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الصلاة، حديث (196)، وأخرجه الحميدي، عن الزهري به في"مسنده"(1/ 515)، حديث (626).

(6)

ساقطة من (ب).

(7)

أخرجه أحمد في: مسنده" (6/ 203)، حديث (3681)، وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ 261)، حديث (9300)، وأخرجه أبو داود في "سننه"ص 102، كتاب الصلاة، باب من لم يذكر الرفع عند الركوع، حديث (748)، وأخرجه الترمذي في"سننه" (1/ 343)، أبواب الصلاة، باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا في أول مرة، حديث (257)، وأخرجه النسائي في "سننه الصغرى" (2/ 540)، كتاب الصلاة، باب الرخصة في ترك ذلك، حديث (1057). وقال أبو داود:(وليس هو بصحيح على هذا اللفظ).

ص: 262

فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: عَجَباً

(1)

مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ أُحَدِّثُهُ

(2)

بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَهُوَ يُحَدِّثُنِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فَرَجَّحَ حَدِيثَهُ بِعُلُوِّ إِسْنَادِهِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا حَمَّادٌ فَكَانَ أَفْقَهَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ كَانَ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ، وَلَوْلَا سَبْقُ ابْنِ عُمَرَ

(3)

لَقُلْتُ بِأَنَّ عَلْقَمَةَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وامَّا عَبْدُ اللَّهِ؛ فَعَبْدُ اللَّهِ فَرَجُحَ حَدِيثُهُ بِفِقْهِ رُوَاتِهِ

(4)

وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِفِقْهِ الرُّوَاةِ، لَا بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ.

وَفِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" بَعْدَ قَوْلِهِ فَعَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ الْأَوْزَاعِيُّ؛ فَالشَّافِعِيُّ

(5)

اعْتَمَدَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، وَقَالَ: تَكْبِيرُ الرُّكُوعِ يُؤْتَى بِهِ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ، فَيُسَنُّ

(6)

رَفْعُ الْيَدِ عِنْدَهُ كَتَكْبِيرِ الافْتِتَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَحْسُوبٌ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَرَفَعُ الْيَدِ مَنْسُوب

(7)

فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، فَكَذَا هُنَا

(8)

.

وَلَنَا أَنَّ الْآثَارَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ

(9)

فِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ نَتَحَاكَمُ إِلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إِلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ ثَلَاثَةٌ فِي الصَّلَاةِ وأرْبَعَةٌ فِي الْحَجِّ أَمَّا الثَّلَاثَةُ فَتَكْبِيرَةُ الافْتِتَاحُ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَتَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وامَّا الْأَرْبَعَةُ فَعِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَعِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي الْمَوْقِفَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ وَعِنْدَ الْمَقَامَيْنِ»

(10)

وَالْمُتَنَازَعُ فِيهِ خَارِجٌ عَنِ السَّبْعِ، وَحِينَ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَقْوَامًا يَرْفَعُونَ أَيْدِيهِمْ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: «مَالِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! اسْكُنوا

(11)

فِي الصَّلَاةِ»

(12)

وَفِي رِوَايَةِ: «كُفُّوا فِي الصَّلَاةِ»

(13)

وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا تَكْبِيرٌ يُؤْتَى بِهِ فِي حَالَةِ الانْتِقَالِ، فَلَا يُسَنُّ رَفْعُ الْيَدِ عِنْدَهُ، كَتَكْبِيرِ السُّجُودِ وَفِقْهُهُ

(14)

مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ رَفْعِ الْيَدِ

(15)

إِعْلَامُ الْأَصَمِّ الَّذِي خَلْفَهُ وَهَذَا؛ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ

(16)

فِي التَّكْبِيرَاتِ؛ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا فِي حَالَةِ الاسْتِوَاءِ، كَتَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَتَكْبِيرُ الْقُنُوتِ، وَلَا حَاجَةَ (إِلَيْهِ فِيمَا يُؤْتَى بِهِ فِي حَالَةِ الانْتِقَالِ فَإِنَّ الْأَصَمَّ يَرَاهُ يَنْحَطُّ لِلرُّكُوعِ فَلَا حَاجَةَ)

(17)

إِلَى الاسْتِدْلَالِ بِرَفْعِ الْيَدِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا لَوْ خَلَّيْنَا وَالْقِيَاسُ لَكِنَّا نَقُولُ لَا يَرْفَعُ فِي شَيْءٍ مِنَ التَّكْبِيرَاتِ فِي الصَّلَاةِ، أَيِّ تَكْبِيرَةٍ كَانَتْ لِأَنَّهُ مِمَّا

(18)

يُنَافِي السَّكِينَةَ، وَالْوَقَارَ (وَمَبْنَي الصَّلَاةِ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ)

(19)

.

(1)

في (ب): (نجحنا).

(2)

في (ب): (أيحدثه).

(3)

في (ب): (عمرو).

(4)

في (ب): (رواية).

(5)

(فَالشَّافِعِيُّ) ساقطة من (ب).

(6)

في (ب): (تبين).

(7)

في (ب): (مسنون).

(8)

في (ب): (هذا).

(9)

في (ب): (إنما اختلف).

(10)

أخرجه أبو يوسف في "الآثار"(ص 21)، كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة، حديث (100)، وأخرجه الشافعي في "مسنده"(2/ 250)، كتاب المناسك، باب الدعاء عند رؤية البيت ورفع اليدين، حديث (950)، وأخرجه البخاري في" رفع اليدين في الصلاة"(ص 68)، حديث (143)، وأخرجه بن خزيمة في"صحيحه"(4/ 209)، كتاب المناسك، باب كراهة رفع اليدين عند رؤية البيت، حديث (273)، وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(11/ 385)، حديث (12072). وقال البخاري رحمه الله:(وقال شعبة إن الحكم لم يسمع من مقسم إلا أربعة أحاديث ليس فيها هذا الحديث، وليس هذا من المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن أصحاب نافع خالفوا، وحديث الحكم عن مقسم مرسل). وقال الأعظمي عن رواية بن خزيمة: (إسناده ضعيف).

(11)

في (أ): (اسكتوا)، والمثبت من (ب) هو الصواب لموافقتها رواية مسلم وغيرها.

(12)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 184)، كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهى عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام وإتمام الصفوف الأول والتراص فيها والأمر بالاجتماع، حديث (430).

(13)

لم أجدها.

(14)

في (ب): (وفوقه).

(15)

في (ب): (اليدين).

(16)

(إِلَيْهِ) ساقطة من (ب).

(17)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(18)

(مِمَّا) ساقطة من (ب).

(19)

مابين القوسين ساقط من (ب).

ص: 263

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اسْكُنوا فِي الصَّلَاةِ» إِلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ، وَالْأَعْيَادِ وَالْقُنُوتِ؛ لِاتِّفَاقِ الْأَخْبَارِ، وَالْإِجْمَاعُ وَمَا ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، إِلَّا إِذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَيْسَ [بِشَيْءٍ]

(1)

مَا ذَكَرَهُ فِي مَعْنَى تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَى؛ وَلِأَنَّهُ مَتَى رَفَعَ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَةِ الانْتِقَالِ؛ صَارَ هَذَا الذِّكْرُ مَقْرُوناً بِفِعْلَيْنِ بِالانْتِقَالِ وَبِالرَّفْعِ وَمَوْضُوعُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْرَنُ

(2)

إِلَى كُلِّ ذِكْرٍ مَشْرُوعٍ فِي الصَّلَاةِ؛ إِلَّا فِعْلٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْقِيَامُ، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ، وَكَذَلِكَ لِتَكْبِيرِ السُّجُودِ لَمْ يُقْرَنْ

(3)

إِلَّا فِعْلاً وَاحِداً، وَهُوَ الانْتِقَالُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا خُصَّتْ بِاتِّفَاقِ الْأَخْبَارِ فِيهِ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَةِ الْجَنَازَةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى رَفَعَ يَدَيْهِ يَصِيرُ

(4)

الْمَقْرُونُ بِذِكْرٍ وَاحِدٍ فِعْلَيْنِ الرَّفْعِ، وَالْقِيَامِ كَذَا فِي " الْمَبْسُوطَيْنِ "

(5)

.

(فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ حَصَرَ رَفْعَ الْيَدِ فِي الْحَدِيثِ، بِالْمَوَاضِعِ السَّبْعَةِ، فَمَا وَجْهُ رَفْعِ الْيَدِ عِنْدَ كُلِّ دُعَاءٍ؟

قُلْتُ يُذْكَرُ جَوَابُ هَذَا فِي بَابِ الْوِتْرِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)

(6)

كَذَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ؛ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رحمه الله رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ تَرَكَهُ.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

في (ب): (يقرب).

(3)

في (ب): (يقرب).

(4)

في (ب): (يعتبر).

(5)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 14).

(6)

مابين القوسين ساقط من (ب).

ص: 264

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الْعَشَرَةَ

(1)

الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ لَمْ يَكُونُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيهِمْ؛ إِلَّا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ.

وَكَذَلِكَ رَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه خِلَافَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ فَقَالَ خَدَمْتُ ابْنَ عُمَرَ عِشْرِينَ سَنَةً؛ فَمَا رَأَيْتُهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى/.

ثُمَّ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَخْبَارِ إِمَّا أَنْ يُرْجِّحَ؛ أَوْ يُوَفِّقَ [فَتَوْفِيقُهُ]

(2)

أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الرَّفْعِ فَكَانَ مَحْمُولًا

(3)

عَلَى أَنَّهُ رَفَعَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَكَذَلِكَ التَّرْجِيحُ لِمَا قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ، وَمَا رَوَاهُ مُخَالِفٌ لَهُ؛ وَلِأَنَّ رَاوِي أَخْبَارِنَا الْبَدْرِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ كَانُوا يَلُونَ

(4)

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرُ، وَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ

(5)

كَانُوا يَقُومُونَ بِبُعدٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ"

(6)

(1)

في (ب): (العشيرة).

(2)

في النسخة (أ): توقيفه، والمثبت من (ب).

(3)

في (ب): (محمولا).

(4)

في (أ): (يكون)، والمثبت من (ب).

(5)

وائل بن حجر الحضرميّ القحطاني، أبو هنيدة: من أقيال حضر موت، وكان أبوه من ملوكهم. استعمله النبي e على أقيال من حضر موت، وأعطاه كتابا للمهاجر ابن أبي أمية، وكتاباً للأقيال والعباهلة، وأقطعه أرضا، وأرسل معه مُعَاوِيَة بن أبي سفيان إلى قومه يعلمهم القرآن والإسلام. ثم شارك في الفتوح. ونزل الكوفة. وروى عن النبي e أحاديث توفي سنة 50 هـ. "التاريخ الكبير للبخاري "(8/ 175)، "تاريخ بغداد للخطيب البغدادي"(1/ 558)، "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير "(4/ 659).

(6)

انظر: " بدائع الصنائع للكاساني "(1/ 214)، " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 312)، الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي (1/ 55).

ص: 265

[صفة القعدة في التشهد]

قوله رحمه الله: (افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى) إِلَى آخِرِهِ

وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْقَعْدَتَيْنِ جَمِيعاً: (الْمَسْنُونُ أَنْ يَقْعُدَ مُتَوَرِّكاً، وَذَلِكَ أَنْ يُخْرِجَ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَيُفْضِي

(1)

بِإِلْيَتَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ)

(2)

وَالشَّافِعِيُّ

(3)

يَقُولُ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِثْلَ قَوْلِنَا (؛ لِأَنَّهَا لَا تَطُولُ)

(4)

وَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَقْرَبُ إِلَى الاسْتِعْدَادِ ِللْقِيَامِ

(5)

وَفِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ لِقَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله؛ لِأَنَّهَا تَطُولُ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقِيَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرّاً عَلَى الْأَرْضِ

وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا وَصَفَتْ قُعُودَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ مَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ وَمَا رُوِيَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ لِلْعُذْرِ؛ وَلِأَنَّ الْقُعُودَ كَمَا قُلْنَا يَكُونُ أَشَقَّ عَلَى الْبَدَنِ؛ فَكَانَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِلْحَدِيثِ، وامَّا مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فَنَقُولُ مَا كَانَ مُتَكَرِّراً مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَمْ يُخَالِفِ الثَّانِيَةُ الْأُولَى فِي الصِّفَةِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ كَذَا فِي "الْمَبْسُوطِ".

[الإشارة باليد عند الدعاء في التشهد]

ثُمَّ هَلْ يُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ إِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَمْ لَا؟.

فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَا يُشِيرُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِشَارَةِ زِيَادَةَ رَفْعٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا؛ فَيَكُونُ الْتَرْكُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى السَّكِينَةِ، وَالْوَقَارِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رحمه الله عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الْمَشْيَخَةِ حَدِيثاً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَيْ يُشِيرُ ثُمَّ قَالَ نَصْنَعُ بِصَنِيعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَأْخُذُ بِفِعْلِهِ، (وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ

(6)

رحمه الله وَقَوْلُنَا ثُمَّ كَيْفَ يُشِيرُ؟

(1)

في (ب): (ويقعي).

(2)

ينظر: "المدونة الكبرى" لمالك بن أنس " (1/ 168).

(3)

في (ب): (ويقعي).

(4)

ينظر: "مختصر المزني"(ص 26).

(5)

(لِلْقِيَامِ) ساقطة من (ب).

(6)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 214).

ص: 266

قَالَ يَقْبِضُ أُصْبُعَهُ الْخِنْصَرَ؛ وَالَّتِي يَلِيهَا)

(1)

وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى مَعَ الْإِبْهَامِ، وَيُشِيرُ بِسَبَّابَتَيْهِ هَكَذَا رَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهُنْدُوَانِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَذَا يُشِيرُ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَبْضِ الْأَصَابِعِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِقَامَةِ الْمُسَبِّحَةِ لَا غَيْرَ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى (التأرخيل)

(2)

كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

[صيغ التشهد الواردة]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالتَّشَهُّدُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ) الخ

اعْلَمْ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم اخْتَلَفُوا فِي التَّشَهُّدِ لِعُمَرَ تَشَهُّدٌ، وَلِعَلِيٍّ تَشَهُّدٌ، وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رحمهم الله تَشَهُّدٌ، وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ تَشَهُّدٌ، وَلِعَائِشَةَ رضي الله عنها تَشَهُّدٌ، وَلِجَابِرٍ تَشَهُّدٌ

(3)

وَلِغَيْرِهِمْ أَيْضاً، فَأَخَذَ عُلَمَاؤُنَا بِتَشَهُّدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، [واخَذَ الشَّافِعِيُّ بِتَشَهُّدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه وَتَشَهُّدُهُ]

(4)

كَمَا ذُكِرَ

(5)

فِي الْكِتَابِ؛ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ، واشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُهُ بِدُونِ "عَبْدُهُ" وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الْأَخْذُ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْلَى لِوُجُوُهٍ أَرْبَعَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ كَلِمَةٍ وَهِيَ "الْمُبَارَكَاتُ".

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُوَافِقُ الْقُرْآنَ عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ

(6)

مُبَارَكَةً طَيِّبَةً.

(1)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(2)

كذا رسم هذه الكلمة في النسخة (أ)، وفي النسخة (ب)(الناحية)، ولا وجه للعبارة بأي من الكلمتين، ولم أجد شبيها للكلمة أو لما وردت فيه من سياق في كتب الفقه الحنفي على كثرة ما بحثت، والمواضع التي تكلمت عن إشارة التشهد كانت تشير إلى أنها تعني التوحيد، فلعل ذلك هو المقصود في المخطوط الذي بين أيدينا.

(3)

(وَلِجَابِرٍ تَشَهُّدٌ) ساقطة من (ب).

(4)

في النسخة (أ): (وأخذ الشافعي بتشهد عبد الله بن مسعود واخذ الشافعي بتشهد عبد الله بن عباس رضي الله عنه وتشهده) والمثبت من (ب).

(5)

في (ب): (ذكرنا).

(6)

(مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) ساقطة من (ب).

ص: 267

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ ذَكَرَ السَّلَامَ بِغَيْرِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، وأكثر تَسْلِيمَاتِ الْقُرْآنِ مَذْكُورٌ بِغَيْرِ الْأَلِفِ، وَاللَّامِ قَالَ تَعَالَى:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ}

(1)

قَالُوا سَلَاماً، قَالَ سَلَامٌ، وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ، واشْرَفُ الْكَلَامِ مَا وَافَقَ الْقُرْآنِ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ صَغِيرَ السِّنِّ فَكَانَ يَنْقِلُ مَا تَأَخَّرَ مِنَ الشَّرْعِ، وأصحابنا رحمهم الله قَالُوا الْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَوْلَى بِوُجُوهٍ عَشْرَةٍ:

الْأَوَّلُ: التَّعْلِيمُ بِأَخْذِ الْيَدِ وَالْأَخْذُ بِيَدِهِ يُوجِبُ تَأْكِيدًا فِيمَا نَعْلَمُهُ.

وَالثَّانِي: الْأَمْرُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَّقَ بِهِ تَمَامُ الصَّلَاةِ فَدَلَّ أَنَّ التَّمَامَ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّ تَشُهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَحْسَنُهَا إِسْنَاداً هَكَذَا

(2)

قَالَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ.

وَالْخَامِسُ: أَنَّ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ أَخَذُوا بِتَشَهُّدِهِ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَّمَ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّشَهُّدَ مِثْلَ مَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَهَكَذَا رَوَى سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ جَابِرٍ وَمُعَاوِيَةُ رضي الله عنهم.

وَالسَّادِسُ: أَنَّ فِيمَا قُلْنَا زِيَادَةَ وَاوِ الْعَطْفِ؛ فَيَصِيرُ كُلُّ كَلَامٍ ثَنَاءً عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَبِغَيْرِ الْوَاوِ يَصِيرُ الْكُلُّ ثَنَاءً، وَاحِداً بَعْضُهُ صِفَةٌ لِلْبَعْضِ

(3)

أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ: وَاللَّهِ، وَالرَّحْمَنِ؛ لَا أَفْعَلُ كَذَا؛ فَفَعَلَ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ، وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.

وَالسَّابِعُ: الْأَلِفُ وَاللَّامُ؛ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّهُ

(4)

يَسْتَغْرِقُ الْجِنْسَ، وَسَلَامٌ نَكِرَةٌ.

(1)

سورة الزمر من آية: (73).

(2)

(هَكَذَا) ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): (ببعض).

(4)

(لِأَنَّهُ) ساقطة من (ب).

ص: 268

وَالثَّامِنُ: تَقْدِيمُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ إِذَا قَدِمَ عَلِمَ الْمَمْدُوحُ فِي ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ وَمَتَى أَخَّرَ

(1)

كَانَ مُحْتَمَلًا، وَإِزَالَةُ الاحْتِمَالِ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ كَانَ أَوْلَى

(2)

.

وَالتَّاسِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ: "التَّحِيَّاتُ" عَامٌّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ قُرْبَةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا؛ فَإِذَا قَالَ "الصَّلَوَاتُ" بِغَيْرِ الْوَاوِ وَ

(3)

صَارَ تَخْصِيصاً وَبَيَاناً؛ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصَّلَاةَ لَا غَيْرَ، وَمَتَى ذَكَرَهُ مَعَ الْوَاوِ يَبْقَى الْأَوَّلُ عَامّاً، فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ فَكَانَ أَوْلَى.

وَالْعَاشِرُ: أَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَوْفَقُ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مُمْتَدٌّ مَشْرُوعٌ فِي أَحَدِ طَرَفِي الصَّلَاةِ، فَتَكُونُ الْوَاوُ مِنْ سُنَنِهِ كَالاسْتِفْتَاحِ اعْتِبَاراً بِأَحَدِ الذِّكْرَيْنِ بِالْآخَرِ؛ أَمَّا قَوْلُهُ فِيهِ زِيَادَةُ كَلِمَةٍ قُلْنَا لَوْ يَرْجُحُ بِالزِّيَادَةِ لَتَرَجَّحَ تَشَهُّدُ جَابِرٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ وَلِأَنَّ فِي خَبَرِنَا زِيَادَةَ الْوَاوَاتِ وَزِيَادَةَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَزِيَادَةَ كَلِمَةٍ فِي الشَّهَادَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: عَبْدُهُ.

وامَّا قَوْلُهُ يُوَافِقُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّ فِيهِ "الْمُبَارَكَاتُ" قُلْنَا مُوَافَقَةُ الْقُرْآنِ لَا يَجْعَلُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ تُكْرَهُ فِي الْقَعْدَةِ؛ فَكَيْفَ يُسْتَحَبُّ مَا يُوَافِقُهُ؟

وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ تَحِيَّةً مُبَارَكَةً فِي خِطَابِ الْآدَمِيِّينَ، وأذكار الصَّلَاةِ كُلَّمَا بَعُدَتْ عَنْ خِطَابِ الْآدَمِيِّينَ كَانَتْ أَوْلَى.

وامَّا قَوْلُهُ: فَأَكَثْرُ التَّسْلِيمَاتِ بِغَيْرِ الْأَلِفِ، وَاللَّامِ؛ فَأَحَدُ الْجَوَابَيْنِ مَا ذَكَرْنَا.

وَالثَّانِي: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ أَيْضاً قَالَ تَعَالَى: {وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى}

(4)

{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ}

(5)

وَكَذَا السَّلَامُ الْمُحَلَّلُ مَشْرُوعٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ.

(1)

(أَخَّرَ) ساقطة من (ب).

(2)

(كَانَ أَوْلَى) ساقطة من (ب).

(3)

(وَ) ساقطة من (ب).

(4)

سورة طه: من آية (47).

(5)

سورة مريم: من آية (33).

ص: 269

وامَّا قَوْلُهُ: إِنْ خَبَرَنَا مُتَأَخِّرٌ فَغَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ رَوَى أَبُو وَائِلٍ الْأَسْدِيُّ

(1)

، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا

(2)

السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا؛ فَقَالَ: «لَا تَقُولُوا السَّلَامَ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ»

(3)

إِلَى آخِرِهِ؛ وَلِأَنَّ أَبَا الْحَسَن الْكَرْخِيَّ رَوَى فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كُنَّا نَقُولُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ: التَّحِيَّاتُ الطَّاهِرَاتُ الْمُبَارَكَاتُ الزَّاكِيَاتُ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَالْمَلَائِكَةِ» فَدَلَّ أَنَّ خَبَرَهُ مُتَأَخِّرٌ عَمَّا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُهُ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَرْوِي آخِرَ السُّنَنِ لِصِغَرِ سِنِّهِ فَغَلَطٌ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُرَجِّحْ رِوَايَةَ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَكَابِرِهِمْ؛ وَلِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه إِنْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ فَقَدْ دَامَتْ صُحْبَتُهُ إِلَى أَنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذًا كَيْفَ مَا دَارَتِ الْقِصَّةُ فَمَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا أَوْلَى.

(وَقَدْ حكَي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَانَ جَالِساً بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَفِي الصَّلَاةِ وَاوٌ أَمْ وَاوَانِ؟

(1)

هو شقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا، سمع عمر وعبد الله، وكان ممن سكن الكوفة، وورد المدائن مع علي بن أبي طالب حين قاتل الخوارج بالنهروان.، توفي سنة 82 هـ. انظر:"التاريخ الكبير للبخاري "(4/ 245)، "تاريخ بغداد للخطيب البغدادي"(10/ 370)، "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير"(2/ 376)، " وفيات الأعيان لابن خلكان "(2/ 476).

(2)

(قُلْنَا) ساقطة من (ب).

(3)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(3/ 688)، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:(السلام المؤمن)، حديث (7106)، وأخرجه مسلم في"صحيحه"ص 172، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، حديث (402).

ص: 270

فَقَالَ: وَاوَانِ فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ

(1)

كَمَا بَارَكَ فِي لَا وَلَا، فَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ سُؤَالَ السَّائِلِ وَلَا جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: سَأَلَنِي فِي التَّشَهُّدِ وَاوٌ أَمْ وَاوَانِ؟

فَقُلْتُ: وَاوَانِ فَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ كَمَا بَارَكَ فِي الشَّجَرَةِ الزَّيْتُونَةِ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ"

(2)

.

وَفِي "الْمَبْسُوطِ ": (وَإِنَّمَا أَخَذْنَا بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِحُسْنِ ضَبْطِهِ، وَنَقْلِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله قَالَ: أَخَذَ حَمَّادٌ بِيَدِي، وَقَالَ حَمَّادٌ أَخَذَ إِبْرَاهِيمُ بِيَدِي، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي وَقَالَ عَلْقَمَةُ أَخَذَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَدِي، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي

(3)

وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ»

(4)

وَكَانَ يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِالْوَاوِ وَالْأَلِفِ، وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ الْمَدِينِيِّ

(5)

لَمْ يَصِحَّ فِي التَّشَهُّدِ إِلَّا مَا نَقَلَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ)

(6)

.

وامَّا مَعْنَى التَّحِيَّاتِ لِلَّهِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي المُغرِب: (أَنَّ مَعْنَاهَا أَيْ: كَلِمَاتُ التَّحَايَا، وَالْأَدْعِيَةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَفِي مَلَائكَتِهِ

(7)

لَا أَنَّ

(8)

هَذَا تَحِيَّةً لَهُ وَتَسْلِيمٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌ عَنْهُ عَلَى مَا قَرَأْتُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ»

(9)

إِلَى آخِرِهِ)

(10)

.

(1)

في (ب): (فيك).

(2)

في (أ): (العبارة غير واضحة)، ورُجِعَ لتصحيحها المبسوط للسرخسي (1/ 28).

(3)

(بِيَدِي) ساقطة من (ب).

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(3/ 443)، كتاب الاستئذان، باب الأخذ باليد، حديث (6041)، وأخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 173)، كتاب، حديث (402).

(5)

كذا في (أ): والمثبت من النسخة (ب)(المديني) وهو الصحيح.

(6)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 28).

(7)

في (ب): (مُلكته).

(8)

في (ب): (لأن).

(9)

سبق تخريجه (ص: 348).

(10)

" المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (1/ 2239 - 240).

ص: 271

وَقَالَ شَيْخِي رحمه الله التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ أَيِ: الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}

(1)

/ فَالصَّلَوَاتُ؛ أَيِ الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَحْرِيكِ الصَّلَوَيْنِ

(2)

وَكَانَ بِالْفِعْلِ أَوْلَى، وَالطَّيِّبَاتُ أَيِ: الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}

(3)

وَهَذَا

(4)

عَلَى مِثَالِ مَنْ يَدْخُلُ عَلَى عُظَمَاءِ الْمُلُوكِ؛ فَإِنَّهُ يُثْنِيهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَخْدِمُ ثُمَّ يُبْذَلُ الْمَالُ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ (وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى).

قوله رحمه الله (وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى).

وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَزِيدُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى عِنْدَهُ سُنَّةٌ.

قَالَ الطَّحَاوِيُّ: قَوْلُ مَنْ قَالَ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُخَالِفُ إِجْمَاعِ النَّاسِ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَتَشَهَّدَ وَسَلَّم عَلَى الْمُرْسَلِينَ»

(5)

وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَعَدَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى قَامَ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ»

(6)

فَكَأَنَّهُ وَصَفَ سُرْعَةَ قِيَامِهِ إِلَى الثَّالِثَةِ فَكَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَأْتِي سِوَى التَّشَهُّدِ.

(1)

سورة النساء من آية (86).

(2)

الصلوين: وَقَالَ أَهلُ اللُّغَةِ فِي الصَّلَاةِ: إِنَّهَا مِنَ الصَّلَوَيْنِ، وَهُمَا مُكْتَنِفا الذَّنَبِ مِنَ النَّاقَةِ وَغَيْرِهَا، وأَوَّلُ مَوْصِلِ الْفَخِذَيْنِ مِنَ الإِنسانِ فكأَنهما فِي الْحَقِيقَةِ مُكْتَنِفا العُصْعُصِ، وَيُقَالُ: أَصْلَتِ الناقةُ فَهِيَ مُصْلِيةٌ إِذَا وَقَعَ ولدُها فِي صَلاها وقَرُبَ نَتاجُها. انظر: "لسان العرب لابن منظور"(14/ 465 و 466).

(3)

سورة الأعراف من آية (16).

(4)

(وَهَذَا) ساقطة من (ب).

(5)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(23/ 367)، حديث (869) بلفظ:(فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَشَهُّدٌ وَتَسْلِيمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ). وقال الهيثمي في"مجمع الزوائد"(2/ 332): (وفيه علي بن زيد واختلف في الاحتجاج به وقد وثق).

(6)

أخرجه أبو داود في "سننه"(ص 125)، كتاب الصلاة، باب في تخفيف القعود، حديث (995)، وأخرجه الترمذي في "سننه"(1/ 475)، أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين، حديث (336)، وأخرجه النسائي في "سننه"(2/ 594 - 595)، كتاب الصلاة، باب التخفيف في التشهد الأول، حديث (1175)، كلهم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.

وقال الترمذي: (هذا حديث حسن، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه).

وقوله: (الرضف): فهي: الْحِجَارَة المُحْماة بالنَّار أَو الشَّمْس واحدتها رَضْفَة. غريب الحديث للقاسم بن سلام (4/ 125)، النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير (2/ 231).

ص: 272

وَصَرَّحَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها فِي رِوَايَتِهَا: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى»

(1)

؛ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَلَا يُسَنُّ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى)

(2)

قِيَاساً عَلَى قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي التَّطَوُّعَاتِ فَإِنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنَ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ أَوْ مُرَادُهُ سَلَامُ التَّشَهُّدِ كَذَا فِي " الْمَبْسُوطَيْنِ "

(3)

.

وَقَوْلُهُ: (لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَوْلِهِ (بِمَا شَاءَ) مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ.

قَوْلُهُ: (وَهَذا بَيَانُ الْأَفْضَلِ هُوَ الصَّحِيحُ)، هَذَا احْتِرَازٌ عَمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ

(4)

أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَاجِبَةٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا سَاهِياً يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي " الْمَبْسُوطِ " وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ وَذُكِرَ فِي"الْمُحِيطِ ": (وَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَرَجٌ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَجَدَتَا السَّهْوِ إِنْ كَانَ سَاهِياً لَكِنَّ الْقِرَاءَةَ أَفْضَلُ؛ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الرِّوَايَاتِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِي فِي " شَرْحِهِ ".

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَوْ سَبَّحَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ يَعْنِي مِنَ الْأُخْرَيَيْنِ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ؛ أَجْزَاهُ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُسَبِّحْ كَانَ مُسِيئاً إِنْ كَانَ مُتَعَمِّداً وَإِنْ كَانَ سَاهِياً فَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ، لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَقْصُودٌ؛ فَيُكْرَهُ إِخْلَاؤُهُ عَنِ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ جَمِيعاً، كَمَا فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: يُسَبِّحُ فِيهِمَا وَلَا يَسْكُتْ إِلَّا أَنَّهُ

(5)

إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ فَلْيَقْرَأُ عَلَى جِهَةِ الثَّنَاءِ

(6)

لَا عَلَى جِهَةِ الْقِرَاءَةِ، وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ)

(7)

ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ

(8)

وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ نَقَلَةِ الْحَدِيثِ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَ التَّوَرُّكِ وَجَوَابَهَ.

(1)

أخرجه أبو يعلي في "مسنده"(7/ 337)، حديث (4373)، وقال حسين سليم أسد:(إسناده صحيح).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 29).

(4)

ينظر: " الإختيار لتعليل المختار للموصلي"(1/ 54).

(5)

(أَنَّهُ) ساقطة من (ب).

(6)

(البناء) كما في "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 298).

(7)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 298).

(8)

هو عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله الأنصاري، ابن الحكم بن رافع الأنصاري، المديني، الإمام، المحدث، الثقة، أبو سعد. قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس. كان يحيى بن سعيد يضعف عبد الحميد بن جعفر، وقد روى عنه، قال ابن معين: كان عبد الحميد ثقة، يرمى بالقدر، مات عبد الحميد: في سنة ثلاث وخمسين ومائة. احتج به الجماعة سوى البخاري، وهو حسن الحديث. "سير أعلام النبلاء للذهبي "(7/ 20 - 22)

ص: 273

‌[حكم قراءة التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

-]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ

(1)

فِيهِمَا)

أَيْ فِي قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنَّهُمَا فَرْضَانِ عِنْدَهُ حَتَّى إِذَا تَرَكَ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ، أَوْ قِرَاءَةَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ؛ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ [السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ]

(2)

السَّلَامُ عَلَى جبرائيل وَمِيكَائِيلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ تَعَالَى»

(3)

إِلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ «إِذَا قُلْتَ أَوْ قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ»

(4)

وَالاسْتِدْلَالُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: هُوَ أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ التَّشَهُّدَ فَقَدْ أَطْلَقَ اسْمَ الْفَرْضِ عَلَى التَّشَهُّدِ.

وَلِأَنَّهُ قَالَ لَهُ قُلْ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ

(5)

.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَّقَ التَّمَامَ بِهِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ، وامَّا أَصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه بَعْدَمَا عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ «إِذَا فَعَلْتَ هَذَا، أَوْ قُلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ»

(6)

فَقَدْ عَلَّقَ التَّمَامَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، واجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ التَّمَامَ تَعَلَّقَ بِالْقَعْدَةِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَمْ يُجْزِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي؛ لِيَتَحَقَّقَ التَّخْيِيرُ فَإِنَّ مُوجَبَ

(7)

التَّخْيِيرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ الْإِتْيَانُ

(8)

بِأَحَدِهِمَا وَالْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ، هُوَ أَنَّ هَذَا ذِكْرٌ يُخَافِتُ بِهِ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ، فَلَا يَكُونُ فَرْضاً قِيَاساً عَلَى تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقُنُوتِ، وَالْوِتْرِ، وَالتَّأْمِينِ

(9)

وَالتَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ، وَهَذَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْفَرَائِضَ تَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ السُّمْعَةِ، وَالْإِعْلَانِ، وَالْوَاجِبَاتِ، وَالتَّطَوُّعِ؛ تَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ الْخِفْيَةِ، وَالْكِتْمَانِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ؛ فَإِنَّهَا يُجْهَرُ بِهَا فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ؛ وَلِأَنَّ التَّشَهُّدَ؛ لَوْ كَانَ فَرْضاً لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعاً/ فِي فِعْلٍ غَيْرِ فَرْضٍ كَالْقِرَاءَةِ، وَقَدْ يُشْرَعُ التَّشَهُّدُ

(10)

فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى، إِلَّا أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ

(11)

بِالسُّورَةِ؛ فَإِنَّهُ

(12)

قَالَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ وَاجِبَةٌ؛ وَلَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ فَكَذَا [هَذَا]

(13)

.

(1)

ينظر: "الأم للشافعي"(1/ 117).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

سبق تخريجه ص (348).

(4)

سبق تخريجه ص (273)

(5)

وهذا هو الثاني.

(6)

سبق تخريجه ص (273)

(7)

في (ب): (يؤخر).

(8)

في (ب): (الإثبات).

(9)

(وَالتَّأْمِينِ) ساقطة من (ب).

(10)

في (ب): (وقد شرع في التشهد).

(11)

في (ب): (سنة).

(12)

في (ب): (قال).

(13)

(هَذَا) زيادة من (ب).

ص: 274

وأمَّا قَوْلُهُ قَبْلُ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يُقَدَّرَ فَالْفَرْضُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّقْدِيرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}

(1)

أَيْ قَدَّرْتُمْ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ، وَالْأَمْرُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ، وَالتَّلْقِينِ لَا يَكُونُ فَرْضاً أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ قُلْ لَمْ يَفِدِ الْوُجُوبَ فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُمْ خَمْسُ كَلِمَاتٍ، وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْ قَوْلِهِمْ عَلَّقَ التَّمَامَ بِهِ، وَاحْتَجَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

(2)

وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلَا وُجُوبَ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ

(3)

وَكَذَلِكَ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: {وَسَلِّمُوا} وأمَّا أَصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِمَا رَوَيْنَا؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَمَا عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ: «إِذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ»

(4)

فَقَدْ عَلَّقَ التَّمَامَ بِأَحَدِهِمَا فَمَنْ عَلَّقَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ، وَبِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ ذِكْرٌ يُخَافِتُ بِهِ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ، فَيَكُونُ سُنَّةً قِيَاساً عَلَى تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وامَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ؛ أَنَّهُ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وانَّهُ لِلْإِيجَابِ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْإِيجَابَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجِ الصَّلَاةِ؛ فَيُحْمَلُ عَلَى خَارِجِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَنَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَارِجَ الصَّلَاةِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاجِبٌ، هَكَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التِّكْرَارَ.

(1)

سورة البقرة من آية (237).

(2)

سورة الأحزاب من آية (56)

(3)

(عَلَى النَّبِيِّ) زيادة من (ب).

(4)

سبق تخريجه ص (273).

ص: 275

وَفِي " الْمُحِيطِ ": (قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ رحمه الله الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي الْعُمُرِ؛ مَرَّةً وَ إِنْ شَاءَ فَعَلَهَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا)

(1)

.

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ

(2)

رحمه الله لَا بَلِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا سُمِعَ

(3)

ذِكْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ؛ فَإِنْ قِيلَ أَنَا أَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَيْهِمَا؛ قُلْنَا حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ الْحَالَةَ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْآيَةِ؛ وَإِنَّمَا تُثْبِتُ اقْتِضَاءً، وَالْمُقْتَضِي لَا عُمُومَ لَهُ؛ وأمَّا قَوْلُهُ {وَسَلِّمُوا} الْمُرَادُ مِنْهُ سَلِّمُوا لِقَضَائِهِ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

وَجَعَلَ فِي "التُّحْفَةِ"

(4)

قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ أَصَحُّ، وَهُوَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ سَمَاعِ اسْمِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ.

وَاخْتَارَ فِي " الْمَبْسُوطِ "

(5)

قَوْلَ الْكَرْخِيِّ رحمه الله: (وَلَنَا حَدِيثُ كَعْبُ ابْنُ عُجْرَةَ

(6)

قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرِفْنَا السَّلَامُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»

(7)

فَهُوَ

(8)

لَمْ يَعْلُمْهُمْ حَتَّى سَأَلُوهُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤَالِ، وَحِينَ عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ، لَمْ يَذْكُرِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَكُونُ رُكْناً مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ؛ كَالصَّلَاةِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.

(1)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 367).

(2)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 367).

(3)

(سُمِعَ) ساقطة من (ب).

(4)

"تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 138).

(5)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 29).

(6)

هو كعب بن عجرة بن أمية بن عدي البلويّ، حليف الأنصار: صحابي، يكنى أبا محمد، شهد المشاهد كلها. وفيه نزلت الآية:(ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) وسكن الكوفة، وتوفي بالمدينة، عن نحو 75 سنة، انظر "التاريخ الكبير للبخاري "(7/ 220)، " أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير"(4/ 181)، "سير أعلام النبلاء للذهبي"(3/ 52)

(7)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(3/ 109)، كتاب تفسير القرءان، باب قوله تعالي:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) حديث (4612)، وأخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 174)، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، حديث (406).

(8)

في (ب): (فلو).

ص: 276

وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فِي صَلَاتِهِ»

(1)

نَفْيُ الْكَمَالِ

كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ»

(2)

وَبِهِ نَقُولُ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ مَرَّةً؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ مُطْلَقُهُ لَا يَقْتَضِي التِّكْرَارَ، وَبِهِ نَقُولُ، وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله يَقُولُ كُلَّمَا سَمِعَ ذِكْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ ذَكَرَهُ بِنَفْسِه يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، فَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ)

(3)

.

وَفِي " الْمُحِيطِ ": (قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا

(4)

وامَّا إِذَا قَرَأَ الْبَعْضَ وَتَرَكَ الْبَعْضَ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَكَذَلِكَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْكُلَّ تَجُوزُ فَفِي الْبَعْضِ أَوْلَى، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ خِلَافاً لِأَبِي يُوسُفَ -رحمهما الله-؛ لِأَنَّهُ إِذَا شُرِعَ فِي الْقِرَاءَةِ افْتَرَضَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ؛ فَإِذَا تَرَكَ [فَقَدْ تَرَكَ]

(5)

الْفَرْضَ تَفْسَدُ صَلَاتُهُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ سَلَّمَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ، وَلَوْ ذَهَبَ وَلَمْ يَسْجُدْهَا فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَلَوْ خَرَّ سَاجِداً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَذَهَبَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ)

(6)

.

(1)

أخرجه الدارقطني في"سننه"(2/ 170)، كتاب الصلاة، باب ذكر وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد واختلاف الروايات في ذلك، حديث (1342)، وأخرجه الحاكم في"المستدرك"(1/ 402)، أول كتاب الصلاة، باب التأمين، حديث (992)، وأخرجه البيهقي في"معرفة السنن والآثار"(3/ 69)، كتاب الصلاة، الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حديث (3720).

وقال الدارقطني: (عبد المهيمن ليس بالقوي)، وقال أبو عبدالله الحاكم:(لم يخرج هذا الحديث على شرطهما فإنهما لم يخرجا عبد المهيمن).

(2)

سبق تخريجه (ص: 311)

(3)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 29). قال ابن القيم رحمه الله في كتاب " جلاء الأفهام"(ص: 327)(الموطن الأول وَهُوَ أهمها؛ آكدها فِي الصَّلَاة فِي آخر التَّشَهُّد وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على مشروعيته وَاخْتلفُوا فِي وُجُوبه فِيهَا فَقَالَت طَائِفَة لَيْسَ بواجب فِيهَا ونسبوا من أوجبه إِلَى الشذوذ وَمُخَالفَة الْإِجْمَاع مِنْهُم الطَّحَاوِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض والخطابي فَإِنَّهُ قَالَ لَيست بواجبة فِي الصَّلَاة وَهُوَ قَول جمَاعَة الْفُقَهَاء إِلَّا الشَّافِعِي وَلَا أعلم لَهُ قدوة وَكَذَلِكَ ابْن الْمُنْذر ذكر أَن الشَّافِعِي تفرد بذلك وَاخْتَارَ عدم الْوُجُوب).

(4)

في (ب): (عنده).

(5)

زيادة من (ب).

(6)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 366 - 367).

ص: 277

ثُمَّ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ عِيسَى ابْنُ أَبَانَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا سُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَقُولُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيَم، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ

(1)

إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عُجْرَةَ

(2)

رحمه الله وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه وأبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يُصَلِّيَانِ عَلَيْهِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا؛ إِلَّا أَنَّهُمَا كَانَا يَزِيدَانِ، وَارْحَمْ مُحَمَّداً، وَآلَ مُحَمَّدٍ كَمَا رَحِمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ/ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

وَحَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ قَوْلَ الْمُصَلِّي، وَارْحَمْ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ وَكَانَ يَقُولُ: هَذَا نَوْعُ ظَنٍ بِتَقْصِيرٍ لِلْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام؛ فَإِنَّ أَحَداً لَا يَسْتَحِقُّ الرَّحْمَةَ إِلَّا بِإِتْيَانِ مَا يُلَامُ

(3)

عَلَيْهِ؛ وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِ الْأَنْبِيَاءِ، وَتَوْقِيرِهِمْ؛ وَلِهَذَا إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يُقَالُ: رحمه الله، وَلَكِنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي " الْمَبْسُوطِ ".

وَقَالَ: لِأَنَّ

(4)

الدُّعَاءَ بِالتَّرَحُّمِ إِنَّمَا يَحْسُنُ مِنَّا لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّ فِي الدُّعَاءِ بِالتَّرَحُّمِ تَقْصِيراً لِلْمَدْعُوِّ لَهُ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله فِي " الْمَبْسُوطِ ": (أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَلَا عَتَبَ

(5)

عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْأَثَرَ؛ وَلِأَنَّ أَحَداً لَا يَسْتَغْنِي عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)

(6)

.

(1)

(وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ) ساقطة من (ب).

(2)

في (ب): (حجرة).

(3)

في (أ): و (ب)(يلائم): والمثبت من المحيط البرهاني لإبن مازة (1/ 367).

(4)

في (ب): (كان).

(5)

في (ب): (عيب).

(6)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 368).

ص: 278

وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الرستغفني رحمه الله

(1)

أَيْضاً يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِهِ؛ وَكَانَ يَقُولُ: (مَعْنَى قَوْلِنَا: ارْحَمْ مُحَمَّداً ارْحَمْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ؛ فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْأُمَّةِ هَذَا)

(2)

كَمَنْ جَنَى جِنَايَةً وَالْجَانِي

(3)

[ابْنُ] شَيْخٍ كَبِيرٍ

(4)

فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا الْعُقُوبَةَ عَلَى الْجَانِي؛ فَالنَّاسُ يَقُولُونَ لِلَّذِي يُعَاقِبُهُ ارْحَمْ هَذَا الشَّيْخَ (الْكَبِيرَ، وَذَلِكَ الرَّحَمُ رَاجِعٌ إِلَى الابْنِ الْجَانِي حَقِيقَةً، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ ارْحَمْ هَذَا الشَّيْخَ)

(5)

بِالرَّحْمِ عَلَى ابْنِهِ الْجَانِي كَذَا هَذَا

(6)

كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(7)

.

[حكم الدعاء بعد التشهد بالدعاء الذي يشبه ألفاظ القرآن]

قَوْلُهُ: (وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ)

وَفِي "الْإِيضَاحِ": وَقَدْ فَسَّرَهُ أَصْحَابُنَا؛ أَنَّ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ مَا لَا يَسْتَحِيلُ لَهُ

(8)

سُؤَالٌ مِنْ غَيْرِهِ (كَقَوْلِهِ أعطني كَذَا؛ وَزَوِّجْنِي امْرَأَةً، وَمَا لَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ؛ مَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ غَيْرِهِ)

(9)

كَقَوْلِهِ اغْفِرْ لِي وَمَا أَشْبَهُ ذَلِكَ.

وَفِي " الْمُحِيطِ ": (وَذَكَرَ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " ادْعُ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ وَ ينحوه؛ نُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ

(10)

أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُفَضَّلِ رحمه الله

(11)

؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلَّ دُعَاءٍ فِي الْقُرْآنِ؛ إِذَا دَعَا الْمُصَلِّي بِذَلِكَ الدُّعَاءِ لَا تَفْسَدُ صَلَاتُهُ؛ وَكَانَ يَقُولُ إِذَا قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي

(12)

و لِوَالِدَيَّ لَا تَفْسَدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْقُرْآنِ

(13)

.

(1)

هو علي بن سعيد أبو الحسن الرستغفني من كبار مشايخ سمرقند له كتاب إرشاد المهتدي وكتاب الزوايد والفوائد في أنواع العلوم وهو من أصحاب الماتريدي الكبار له ذكر في الفقه والأصول في كتب الأصحاب توفي سنة 345 هـ. " الجواهر المضية في طبقات الحنفية، للقرشي "(1/ 362).

(2)

في (ب): (معنى قولنا ارحم أنه محمد فهو راجع إلى الآية هكذا).

(3)

(كمن حيّ وللجائي أب شيخ كبير) كما في "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 368).

(4)

في (أ): «أب) والمثبت من (ب) وهو الصحيح الموافق للسياق.

(5)

قوله: (لَهُ) ساقط من (ب).

(6)

(كَذَا هَذَا) ساقطة من (ب).

(7)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 368).

(8)

زيادة من (ب).

(9)

مابين القوسين ساقط من (ب).

(10)

في (ب): (الجليل).

(11)

في (ب): (الفضل).

(12)

(لِي) زيادة من (ب).

(13)

قال تعالى: [رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ]، سورة نوح: من آية: (28).

ص: 279

وَكَذَا إِذَا قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي

(1)

وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَخِي تَفْسَدُ صَلَاتُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ، أَوْ قَالَ لِعَمْرُو؛ تَفْسَدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ، وَلَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مِنْ بَقْلِهَا، وَقِثَّائِهَا، وَفُومِهَا، وَعَدَسِهَا، وَبَصَلِهَا، لَا تَفْسَدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ فِي الْقُرْآنِ

(2)

.

وَلَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي بَقَلًا، وَعَدَساً وَبَصَلًا تَفْسَدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ عَيْنَ هَذَا اللَّفْظِ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ)

(3)

وَكَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالْأَدْعِيَةُ الْمَأْثُورَةُ)

وَمِنَ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي فَقَالَ: «قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وانَّهُ لَا يَغْفِرِ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»

(4)

.

وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَدْعُو بِكَلِمَاتٍ مُنْهُنَّ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وأعوذ بِكَ مِنَ الشِّرْكِ

(5)

كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ»

(6)

كَذَا فِي " الْمَبْسُوطَيْنِ

(7)

"، وَ" الْمُحِيطِ "

(8)

.

(1)

قال تعالى: [وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ][الشعراء: 86]

(2)

قال تعالى: [وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا][البقرة: 61]

(3)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 385).

(4)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 249)، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، حديث (816)، وأخرجه مسلم في "صحيحه" ص 1085، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، حديث (2704).

(5)

الصواب (الشر)، كما وردت في كتب السنة.

(6)

أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2/ 206)، كتاب الصلاة، باب القول بعد التشهد، حديث (3082)، وأخرجه الطبري في"تهذيب الآثار" ص 237، ذكر الأخبار الواردة في ذلك عن الصحابة وغيرهم، حديث (375)، وأخرجه الطبراني في"المعجم الكبير"(10/ 55)، حديث (9940).

(7)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 30).

(8)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 385).

ص: 280

قَوْلُهُ رحمه الله: (ثُمَّ اخْتَرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهُ وأعجبه).

صَحَّ بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ فِي النُّسَخِ الْمَوْثُوقِ بِهَا، وَكَذَا لَفْظُ " الْمَبْسُوطَيْنِ "

(1)

وَفِي بَعْضِ نُسَخِ "الْهِدَايَةِ"

(2)

: ثُمَّ اخْتَرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهَا وأعجبها بِالتَّأْنِيثِ وَلَيْسَ بِذَلِكَ

(3)

وَلَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ تَحَرُّزاً عَنِ الْفَسَادِ؛ أَيْ: تَحَرُّزاً عَنْ فَسَادِ الْجُزْءِ الْمُلَاقِي لِكَلَامِ النَّاسِ، لَا جَمِيعَ الصَّلَاةِ بِالاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فَإِنَّ الْأَدْعِيَةِ؛ الَّتِي تُشْبِهُ

(4)

كَلَامَ النَّاسِ؛ إِنَّمَا تَفْسَدُ الصَّلَاةُ إِذَا كَانَتْ قَبْلَ تَمَامِ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ.

أَمَّا إِذَا كَانَتْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ؛ فَلَا تَفْسَدُ لِمَا أَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِ النَّاسِ، بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَا يُفْسِدُهَا فَكَيْفَ يَفْسَدُ مَا يُشْبِهَهُ؟.

وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ صُنْعٌ مِنْهُ

(5)

فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ لِوُجُودِ الصُّنْعِ، كَذَا وَجَدْتُ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ رحمه الله؛ فَكَانَ هُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ، الَّذِي يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ خَارِجاً عَنِ الصَّلَاةِ، لَا مُفْسِداً لِلصَّلَاةِ؛ إِذَا كَانَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وأشار إِلَى هَذَا فِي "شرح الطحاوي"

(6)

رحمه الله أَيْضاً.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله

(7)

كَلُّ مَا سَاغَ الدُّعَاءُ بِهِ، خَارِجَ الصَّلَاةِ، لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ:«ثُمَّ اخْتَرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ»

(8)

وَلَمْ يُفَصِّلْ.

(1)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 30).

(2)

في (ب): (البداية).

(3)

في (ب): (بذاك).

(4)

(تُشْبِهُ) ساقطة من (ب).

(5)

(مِنْهُ) ساقطة من (ب).

(6)

"شرح مختصر الطحاوي" للجصاص (1/ 635 - 636).

(7)

ينظر: " المجموع شرح المهذب؛ للنووي"(3/ 454).

(8)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 249)، كتاب الصلاة، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، وأخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 173)، كتاب الصلاة،، حديث (402) بلفظ:(ثم يتخير من المسألة ما شاء)، وأخرجه أبي داود في"سننه (ص 122)، كتاب الصلاة' باب التشهد، حديث (968)، وأخرجه النسائي في"سننه (2/ 588)، كتاب الصلاة، باب الإشارة بالأصبع في التشهد الأول، حديث (1162).

ص: 281

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ أْنجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَرَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ وَاشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْ لَهُمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ عليه السلام»

(1)

/؛ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّ قَوْلَهُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ»

(2)

لَا (يُوجِبُ فَسَادَ)

(3)

الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ؛ فَلِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبُ، وأصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه

(4)

أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ

(5)

نُصَلِّي إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ فَشَمَّتُّهُ، فَقُلْتُ يَرْحَمُكْ اللَّهُ. الْحَدِيثُ، إِلَى أَنْ قَالَ:«أَنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ»

(6)

فَكَانَ مَا سِوَى التَّسْبِيحِ، وَالتَّهْلِيلِ مِنَ الذِّكْرِ مَنْهِيّاً

(7)

.

(1)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 288)، أبواب الاستسقاء، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:«اجعلها عليهم سنين كسني يوسف» ، حديث (982)، وأخرجه مسلم في"صحيحه"(ص 265)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب القنوت، في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، حديث (675).

(2)

أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(3/ 110 - 111)، كتاب الصلاة، باب القنوت، حديث (4968) و (4969) موقوفًا علي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخرجه البيهقي في" الدعوات الكبير، للخراساني"(1/ 558)، باب القول والدعاء في قنوت الوتر وصلاة الصبح، حديث (432)، موقوفا علي أنس بن مالك رضي الله عنه.

وقال بن حجر العسقلاني في "نتائج الأفكار"(2/ 158): (هذا موقوف صحيح).

(3)

في (ب): (لا يفسد).

(4)

الصواب: (معاوية بن الحكم السلمي) كما ذكره المحدثون.

(5)

(نَحْنُ) ساقطة من (ب).

(6)

أخرجه النسائي في "سننه"(3/ 19)، كتاب السهو، الكلام في الصلاة، حديث (1217)، وأخرجه بن خزيمة في "صحيحه"(2/ 35)، كتاب الصلاة، باب ذكر الكلام في الصلاة جهلا من المتكلم، حديث (859)، وأخرجه الطبراني في"المعجم الكبير"، (19/ 401)، حديث (945)، وأخرجه البيهقي في "سننه الكبرى"(2/ 250)، كتاب الصلاة، باب من تكلم جاهلا بتحريم الكلام، حديث (3482).

(7)

في (ب): (منها).

ص: 282

(وأمَّا تَعَلُّقُهُ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الدُّعَاءِ الَّذِي لَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ)

(1)

وامَّا الْقُنُوتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، كَانَ هُوَ مَحْمُولاً عَلَى حَالِ

(2)

إِبَاحَةِ الْكَلَامِ فَإِنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُبَاحاً فِي الابْتِدَاءِ ثُمَّ حَرَّمَ الْكَلَامَ مِنْ بَعْدِ.

وامَّا قَوْلُهُ: لَوْ عَمَّ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ مُشَابِهاً لِمَا فِي الْقُرْآنِ، وامَّا إِذَا خَصَّ فَقَالَ اغْفِرْ

(3)

لِعَمْرُو، أَوْ لِزَيْدٍ؛ فَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْقُرْآنِ؛ فَهُوَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ

ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ.

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (وَمَنْ يُحْرِمُ لِلصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ

(4)

غَابَ عَنِ النَّاسِ لَا يُكَلِّمُهُمُ، وَلَا يُكَلِّمُونَهُ، وَعِنْدَ التَّحَلُّلِ؛ كَأَنَّهُ رَجَعَ إِلَيْهِمْ فَيُسَلِّمُ، وَالتَّسْلِيمَتَانِ

(5)

قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَكِبَارِ الصَّحَابَةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَهَكَذَا رَوَتْ عَائِشَةُ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(6)

إِلَّا أَنَّ الْأَخْذَ بِرِوَايَةِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أَوْلَى؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُهَى»

(7)

وأمَّا عَائِشَةُ كَانَتْ تَقِفُ

(8)

فِي صَفِّ النِّسَاءِ؛ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الصِّبْيَانِ؛ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا التَّسْلِيمَةَ

(9)

الثَّانِيَةَ عَلَى مَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ أَخْفَضُ مِنَ الْأُولَى» )

(10)

؛ وَلِأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ فَيُسَلِّمُ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْجَانِبَيْنِ فِي حَقِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ عَلَى السَّوَاءِ؛ فَكَانَ فِيمَا قُلْنَا

(11)

تَعْمِيمٌ وَفِيمَا قَالُوا تَخْصِيصٌ لِلْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَكَانَ التَّعْمِيمُ أَوْلَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَا يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَام.

(1)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(2)

(حَالِ) ساقطة من (ب).

(3)

(فَقَالَ اغْفِرْ) ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): (وكان).

(5)

في (ب): (والتسليمات).

(6)

فقد قالا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه.

أما حديث أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها-فقد أخرجه أبي داود في"سننه"(ص 162)، كتاب التطوع، أبواب قيام الليل، باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، حديث (1346)، وأخرجه الترمذي في "سننه"(1/ 384)، أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه أيضا، (296)، وأخرجه بن ماجة في"سننه"(1/ 297)، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب من يسلم تسليمة واحدة، حديث (919).

وأما حديث سهل بن سعد رضي الله عنه فقد أخرجه الترمذي في "سننه"(1/ 384)، أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب منه أيضا، (296)، وأخرجه بن ماجة في"سننه"(1/ 297)، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب من يسلم تسليمة واحدة، حديث (918).

وقال الترمذي عن الروايتين: (قال محمد بن إسماعيل-يعني البخاري-: زهير بن محمد أهل الشام يروون عنه مناكير، ورواية أهل العراق أشبه) إلي أن قال (واصح الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليمتان.).

(7)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 185)، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها وتقديم أولى الفضل وتقريبهم من الإمام، حديث (432).

(8)

(كَانَتْ تَقِفُ) ساقطة من (ب).

(9)

(التَّسْلِيمَةَ) ساقطة من (ب).

(10)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 30).

(11)

في (ب): (فيه).

ص: 283

وَفِي "شرح الطحاوي": فَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى لِلْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِيَةُ لِلتَّسْوِيَةِ، وَتَرْكِ الْجَفَاءِ وَيَنْوِي مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ، وَالْحَفَظَةِ، وَهَذَا لَفْظُ "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ"

(1)

.

وأمَّا رِوَايَةُ " الْمَبْسُوطِ "

(2)

فَبِتَقْدِيمِ الْحَفَظَةِ عَلَى الرِّجَالِ، أَمَّا النِّيَّةُ فَلِأَنَّهُ يُحْيِي سُنَّةً فَلْيَكُنْ بِالنِّيَّةِ قِيَاساً عَلَى سَائِرِ السُّنَنِ، وَهَكَذَا يَقُولُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، إِذَا سَلَّمَ يَنْوِي السُّنَّةَ؛ كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.

وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: (يَنْوِي؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُهُمْ بِوَجْهِهِ وَيُخَاطِبُهُمْ بِلِسَانِهِ، فَيَنْوِيهِمْ بِقَلْبِهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ يَصِيرُ عَزِيمَةً بِالنِّيَّةِ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ وَرَاءَ لِسَانِ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ فَلْيَنْظُرْ امْرُؤٌ مَا يَقُولُ»

(3)

وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْحَفَظَةِ ها هُنَا، وأخره فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " حَتَّى ظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا؛ أَنَّ مَا ذُكِرَ ها هُنَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ، فِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ

(4)

، وَمَا ذَكَرَهُ فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ فِي تَفْضِيلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا فَإِنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ، لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُرَتِّبَ النِّيَّةَ؛ فَيُقَدِّمُ الرِّجَالَ عَلَى الصِّبْيَانِ، وَلَكِنَّ مُرَادَهُ تَعْمِيمُ الْفَريِقَيْنِ بِالنِّيَّةِ، وأكثر مَشَايِخُنَا يَخُصُّ بِهَذِهِ النِّيَّةِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

(1)

"الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 105).

(2)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 30).

(3)

أخرجه أبي نعيم في"حلية الأولياء"(8/ 160)، وأخرجه القضاعي في"مسنده"(2/ 169)، حديث (1118)، وأخرجه إسماعيل بن الفضل الأصبهاني في"الترغيب والترهيب لقوام السنة"(2/ 343)، باب الصاد، باب الترغيب في الصمت وحفظ اللسان، فصل في الترهيب من فضول الكلام، حديث (1734).

وقال أبو نعيم: (غريب لم نكتبه متصلاً مرفوعاً إلا من حديث وهيب).

(4)

(عَلَى الْبَشَرِ) ساقطة من (ب).

ص: 284

فَأَمَّا الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ رحمه الله كَانَ يَقُولُ: يَنْوِي جَمِيعُ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ مَنْ يُشَارِكُهُ أَوْ لَا يُشَارِكُهُ، وَنِيَّةُ جَمِيعِ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ؛ عِنْدَنَا فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَالَ لِعَبْدٍ؛ السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ

(1)

وَالْأَرْضِ»

(2)

فَأَمَّا فِي سَلَامِ التَّحَلُّلِ، فَيُخَاطِبُ مَنْ بِحَضْرَتِهِ

(3)

فَيَخُصُّهُ بِالنِّيَّةِ)

(4)

قُلْتُ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " وَهَذَا شَيْءٌ تَرَكَهُ جَمِيعُ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَنْوِي أَحَدٌ شَيْئاً.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَلَا بُدَّ لِلْمُقْتَدِي مِنْ نِيَّةِ إِمَامِهِ)

وَتَخْصِيصُ الْإِمَامِ بِالذِّكْرِ يُؤَيِّدُ

(5)

قَوْلَ مَنْ يَقُولُ أَنَّهُ يَنْوِي مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهِ، كَذَا فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "لِقَاضِي خَانَ

(6)

.

وَفِي " الْمَبْسُوطِ ": (وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَقُولُ: الْمُقْتَدِي يُسَلِّمُ ثَلَاثَ تَسْلِيمَاتٍ إحداهن لِرَدِّ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ مَقْصُودَ الرَّدِّ حَاصِلٌ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ؛ إِذْ لَا فَرْقَ فِي الْجَوَابِ بَيْنَ

(7)

أَنْ يَقُولَ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ؛ (قُلْتُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مِمَّا يُحْفَظُ بِأَنَّ/ جَوَابَ السَّلَامِ، لَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ تَقْدِيمِ السَّلَامِ عَلَى عَلَيْكُمْ)

(8)

وَبَيْنَ تَأْخِيرِهِ عَنْهُ.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(3/ 435)، كتاب الاستئذان، باب السلام اسم منْ أَسْماءِ اللهِ تَعَالَى.

{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86]، حديث (6007).

(3)

في (ب): (يحضر).

(4)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 30 - 31).

(5)

في (ب): (يريد).

(6)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان" (1/ 272).

(7)

(بَيْنَ) ساقطة من (ب).

(8)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 31).

ص: 285

[الحكمة من التسليمتين]

قَوْلُهُ: (وَالْإِمَامُ ينويَ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ)، (هُوَ الصَّحِيحُ)

هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ؛ فِإِنَّهُمْ قَالُوا يَنْوِي الْإِمَامُ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْوِي فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ كَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانَ

(1)

.

وَقَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ: وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْإِمَامَ هَلْ يَنْوِي أَمْ لَا؟

وَيَجِبُ أَنْ لَا يَنْوِي؛ لِأَنَّهُ يَجْهَرُ بِالسَّلَامِ وَيُشِيرُ إِلَيْهِمْ، وَهُوَ فَوْقَ النِّيَّةِ؛ فَلَا حَاجَةَ إِلَى النِّيَّةِ وَلَا يَنْوِي فِي الْمَلَائِكَةِ عَدَداً مَحْصُوراً.

وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَنْوِي الْحَفَظَةُ (وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ كَيْفَ يَنْوِي؟

وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْوِي)

(2)

بِهِ كِرَامُ الْكَاتِبِينَ، وَهُمَا اثْنَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ؛ وَآخَرٌ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْوي جَمِيعُ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَتِ الْأَخْبَارُ فِي عَدَدِهِمْ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسٌ مِنَ الْحَفَظَةِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَآخَرٌ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ وَآخَرٌ أَمَامَهُ يَكْفِيهِ الْخَيْرَاتِ

(3)

وَآخَرٌ وَرَاءَهُ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ وَآخَرُ عِنْدَ نَاصِيَتِهِ يَكْتُبُ مَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُبَلِّغُهُ إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم»

(4)

.

وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ سِتُّونَ مَلَكاً، وَفِي بَعْضِهَا مِائَةٌ وَسِتُّونَ، وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَخْبَارُ فِي عَدَدِهِمْ، فَيَنْوِيهِمْ كَمْ كَانُوا وَلَا يَنْوِي عَدَداً [محصوراً]

(5)

.

(1)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان" (1/ 272).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): (يلقنه).

(4)

انظر: " تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 126)، "مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح " (ص: 102).

(5)

كذا في (ب): وفي (أ). مَخْصُوصاً. والمثبت هو الصواب كما في المطبوع: قال في "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 54). (هو الصحيح ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا لأن الأخبار في عددهم قد اختلفت فأشبه الإيمان بالأنبياء عليهم السلام ثم إصابة لفظة السلام واجبة عندنا وليست بفرض خلافا للشافعي رحمه الله هو يتمسك بقوله عليه الصلاة والسلام " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ").

ص: 286

قَوْلُهُ رحمه الله: (هُوَ يَتَمَسَّكُ)

بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدرِي رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ»

(1)

وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ يَدْخُلَانِ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، أَوْ لِتَعْرِيفِ الْمَعْهُودِ، وَلَمْ يَسْبِقْ ها هُنَا مَعْهُودٌ حَتَّى يَنْصَرِفَ إِلَيْهِ، فَكَانَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ قَدْ جَعَلَ جَمِيعَ أَجْنَاسِ التَّحَلُّلِ، بِالسَّلَامِ فَمَنْ أَثْبَتَ بِغَيْرِهِ؛ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ.

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ قَالَ لَهُ إِذَا فَعَلْتَ هَذَا أَوْ قُلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ»

(2)

. فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ بِتَمَامِ الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالْقِيَامِ، وَهَذَا يَنْفِي بَقَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.

وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ خَمْساً» ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ أَعَادَهَا

(3)

وَلَوْ كَانَ إِصَابَةُ لَفْظِةِ السَّلَامِ، رُكْناً لَكَانَ لَا تُجْزِيهِ صَلَاتُهُ؛ إِذَا قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ سَجْدَةً، وَالْمَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنَّ هَذَا تَرَكَ تَسْلِيماً مَشْرُوعاً فِي الصَّلَاةِ؛ فَتُجْزِيهِ صَلَاتُهُ قِيَاساً عَلَى التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا شُرِعَتْ لِلْخُرُوجِ، كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ فِعْلُ الْخُرُوجِ وَالْخُرُوجُ كَمَا يَحْصُلُ بِالسَّلَامِ؛ يَحْصُلُ بِكَلَامٍ آخَرَ إِلَّا أَنَّ

(4)

الْخُرُوجَ بِهِ يُعَبِّرُ لِلْإِكْمَالِ

(5)

لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلسُّنَّةِ، كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فِي التَّحَرُّمِ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِلَفْظٍ آخَرَ.

(1)

سبق تخريجه (267).

(2)

سبق تخريجه (273).

(3)

عَنْ عَبْدِ اللَّه بن مَسْعُود، رضي الله عنه، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: وَمَا = ذَاكَ؟ قَالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ».

أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 340)، أبواب ما جاء في السهو، باب إذا صلى خمسا، حديث (1196)، وأخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 228)، كتاب الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، حديث (572).

(4)

في (ب): (لأن).

(5)

في (ب): (يعتبر للإملاك).

ص: 287

وأمَّا تَعَلُّقُهُ بِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ؛ قُلْنَا لَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ

(1)

بِهِ؛ لِأَنَّ مَدَارَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ

(2)

، وَعَلَى (بْنِ)

(3)

أَبِي سُفْيَانَ طُرَيْفِ

(4)

ابْنِ شِهَابٍ السَّعْدِيِّ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ نَقَلَه الْحَدِيثِ؛ وَلَئِنْ قَبِلْنَا

(5)

قُلْنَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ التَّحَلُّلَ يَقَعُ بِالتَّسْلِيمِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِغَيْرِهِ فَهُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فَنَقُولُ بِالتَّسْلِيمِ يَقَعُ الْخُرُوجُ بِالنَّصِّ وَبِغَيْرِهِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ".

قُلْتُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ رحمه الله يَقَعُ جَوَاباً؛ لَمَا تَعَلَّقَ بِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الاسْتِغْرَاقِ دَخَلَ عَلَى التَّسْلِيمِ لَا عَلَى التَّحْلِيلِ؛ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مَعْنَاهُ كُلُّ مَا يَقَعُ التَّحْلِيلُ؛ إِنَّمَا يَقَعُ بِالتَّسْلِيمِ بَلْ يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنْ لَوْ كَانَ لِلاسْتِغْرَاقِ كُلٌّ مَا كَانَ لِلتَّسْلِيمِ، كَانَ [لِلتَّحْلِيلِ]

(6)

وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مُحَلَّلاً، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا فِي مُدَّةِ السَّفَرِ بِقَوْلِهِ

(7)

وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا.

(1)

في (ب): (التعليق).

(2)

عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه زينب الصغرى بنت علي بن أبي طالب، وكان عبد الله بن محمد يكنى أبا محمد، وروى عن الطفيل بن أبي، وعن ربيع بنت معوذ بن عفراء، وعن محمد ابن الحنفية، وكان منكر الحديث، لا يحتجون بحديثه وكان كثير العلم، وضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليِّن الحديث، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه. انظر: " الطبقات الكبرى لإبن سعد"(5/ 392)، "تاريخ الإسلام للذهبي"(3/ 909).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

في (ب): (ظريف) وهو: طريف بن شهاب، وقيل: ابن سعد، وقيل: ابن سفيان، أبو سفيان السعدي الأشل. روى عن: الحسن، وأبي نضرة، وغيرهما. وروى عنه: سفيان الثوري، وشريك، وعلي بن مسهر، وابن فضيل، وجماعة. قال أحمد: لا يكتب حديثه. وقال النسائي والدارقطني، وغيرهما: ضعيف. توفي سنة 141 هـ، " تاريخ الإسلام للذهبي"(3/ 900)، "لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني"(7/ 466).

(5)

في (ب): (سلمنا).

(6)

في (أ): «التحيل) والمثبت من (ب).

(7)

(بِقَوْلِهِ) ساقطة من (ب).

ص: 288

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَالتَّخْييرُ يُنَافِي الْفَرْضِيَّةَ)

فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يُنَافِي الْفَرْضِيَّةَ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ، أَوِ الْقُعُودُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إِذَا قُلْتَ هَذَا أوَ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ»

(1)

وَقَدْ تَعَلَّقَتِ الْفَرْضِيَّةُ بِالْقُعُودِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ بِالْإِجْمَاعِ؟

قُلْتُ هَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ بِأَنْ يُرَادَ بِهَذَا التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ؛ مَا قُلْتُهُ مِنَ التَّخْيِيرِ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَالْقُعُودِ بِمِقْدَارِ التَّشَهُّدِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ، هُوَ مَا ذَكَرْنَا آنِفاً أَنَّهُ مُخَيَّرٌ

(2)

بَيْنَ/ الْقُعُودِ وَالْقِيَامِ، وَهُوَ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي آخَرِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه «إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ»

(3)

وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِتَمَامِ صَلَاتِهِ قَبْلَ هَذَا التَّخْيِيرِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْفُرُوضِ بَعْدَ التَّمَامِ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَبِمِثْلِهِ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ)

إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ»

(4)

وَقَدَ ذُكِرَ فِي "الأسرار» أَنْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا تَثْبُتُ فِيهِ

(5)

الْفَرْضِيَّةُ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ ها هُنَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ مَتَى يُسَلِّمُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ

(6)

فِي رِوَايَةٍ: يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّكْبِيرِ.

وَفِي رِوَايَةٍ يُسَلِّمُ بَعْدَ الْإِمَامِ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، هُوَ أَنَّ فِي مُقَارَنَةِ التَّكْبِيرِ سُرْعَةَ الْعِبَادَةِ، وَكَانَ أَوْلَى وَفِي مُقَارَنَةِ التَّسْلِيمِ سُرْعَةٌ إِلَى الْخُرُوجِ عَنِ الْعِبَادَةِ فَأَنْ يَبْقَى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ.

(1)

سبق تخريجه في (273).

(2)

في (ب): (يخير).

(3)

سبق تخريجه في (ص: 273).

(4)

سبق تخريجه في: (ص: 267).

(5)

في (ب): (به).

(6)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 38).

ص: 289

وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرَ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَصِيرُ خَارِجاً عَنِ الصَّلَاةِ؛ بِسَلَامِ الْإِمَامِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يُسَلِّمَ مَعَ الْإِمَامِ؛ حَتَّى يَصِيرَ خَارِجاً بِسَلَامِ نَفْسِهِ؛ فَيَكُونُ مُقِيماً لِلسُّنَّةِ كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(1)

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

‌فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ

[أحكام القراءة في الصلاة]

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَكَيْفِيَّتِهَا وَبَيَانِ أَرْكَانِهَا، وَفَرَائِضِهَا، وَسُنَنِهَا؛ ذَكَرَ أَحْكَامَ الْقِرَاءَةِ؛ الَّتِي هِيَ مِنْ

(2)

أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، بِفَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، دُونَ سَائِرِ الْأَرْكَانِ لِزِيَادَةِ أَحْكَامٍ تَعَلَّقَتْ بِهَا دُونَ سَائِرِ الْأَرْكَانِ.

ثُمَّ ابْتَدَأَ بِذِكْرِ الْجَهْرِ، دُونَ ذِكْرِ

(3)

الْقَدْرِ؛ مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ يُذْكَرَ الْقَدْرَ أَوَّلًا؛ إِذِ الْقَدْرُ مَعْنًى رَاجِعٌ إِلَى الذَّاتِ، وَالْجَهْرُ، وَالْمُخَافَتَةُ؛ مَعْنًى رَاجِعٌ إِلَى الصِّفَةِ، وَالذَّاتِ قَبْلَ الصِّفَةِ؛ عَلَى مَا عُرِفَ فِي بَابِ التَّرْجِيحِ، إِلَّا أَنَّ وُجُوبَ الْجَهْرِ؛ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، مِنْ صِفَاتِ الْأَدَاءِ الْكَامِلِ، وَالْقَدْرُ؛ يَشْمَلُ الْكَامِلَ، وَالْقَاصِرَ، وَكَانَ الابْتِدَاءُ بِذِكْرِ صِفَةٍ تَخْتَصُّ بِالْأَدَاءِ الْكَامِلِ؛ الَّذِي هُوَ الأصل فِي شَرْعِيَّةِ الصَّلَاةِ أَوْلَى.

وَفِي " مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ": (إِنَّ مُرَاعَاةَ الْجَهْرِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ، وَالْمُخَافَتَةُ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ فِي الصَّلَوَاتِ؛ الَّتِي تُقَامُ بِجَمَاعَةٍ، وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَنُوعٌ مِنَ الْمَعْنَى)

(4)

.

أَمَّا السُّنَةُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: (مَا أَسْمَعَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ

(5)

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَكَتْنَا عَنْكُمْ)

(6)

يُرِيدُ بِهِ مَا جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ

(7)

جَهَرْنَا وَمَا خَافَتَ فِيهِ خَافَتْنَا.

(1)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 371).

(2)

(من) ساقطة من (ب).

(3)

(ذكر) ساقطة من (ب).

(4)

قال شيخ الإسلام: (الصلاة التي يخافت فيها بالقراءة لا يخير المنفرد بين الجهرية والمخافتة بل يخافت). ينظر: "تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 194).

(5)

في (ب): (عنا).

(6)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 234)، كتاب الأذان، باب القراءة في الفجر، حديث (754)، وأخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 170)، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، حديث (396). كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

في (ب): (القراءة).

ص: 290

وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى الْجَهْرِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ، وَعَلَى الْمُخَافَتَةِ فِيمَا يُخَافَتُ فيه َ، وكَذَلِكَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ؛ فَيَجِبُ إِظْهَارُهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا؛ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ (وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الابْتِدَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا)

(1)

إِلَّا أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا يَلْغُونَهُ فِي الْقِرَاءَةِ، وَيُغَلِّطُونَهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ فَتَرَكَ الْجَهْرَ فِيهِمَا

(2)

بِهَذَا الْعُذْرِ، ثُمَّ هَذَا الْعُذْرُ وَإِنْ زَالَ بِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ بَقِيَتْ هَذِهِ السُّنَةُ.

وامَّا فِي المَغْرِب، وَالْعِشَاءِ، وَالْفَجْرِ

(3)

؛ فَالْكُفَّارُ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ، وأكثرهم كَانُوا نِيَاماً

(4)

فَجَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْقِرَاءَةِ فِي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الأصل، وَبَقِيَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَالُ فَرَاغِ النَّاسِ عَنِ الاشْتِغَالِ فَيُمْكِنُهُمُ

(5)

اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهِهِ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْماء؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتِ الْغَلَبَةُ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَجَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا

(6)

بِالْقِرَاءَةِ فَبَقِيَ كَذَلِكَ سُنَّةٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَعْيَادِ.

(1)

ساقطة من (ب).

(2)

أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنه، في قوله تعالى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا] [الإسراء: 110] قال: " نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا] [الإسراء: 110] أي بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] عن أصحابك فلا تسمعهم، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110]

أخرجه البخاري في"صحيحه"(3/ 76: 77)، كتاب التفسير، بسورة بني إسرائيل، باب ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها، حديث (4537) و (4538)، وأخرجه مسلم في "صحيحه" ص 188: 189، كتاب الصلاة، باب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية بين الجهر والإسرار، حديث (446) و (447).

(3)

قال صاحب الهداية: (ويجهر بالقراءة في الفجر وفي الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء إن كان إماما ويخفى في الأخريين هذا هو المأثور المتوارث). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 45).

(4)

في (ب): (ينامون).

(5)

في (ب): (فمنكم).

(6)

(فِيهَا) ساقطة من (ب)

ص: 291

[أحكام الجهر في القراءة]

قَوْلُهُ رحمه الله: (إِنْ شَاءَ جَهَرَ واسَمَعَ نَفْسَهُ)

(1)

.

وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ: (واسْمَعَ نَفْسَهُ) لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِجَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ؛ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: إِنْ شَاءَ؛ جَهَرَ فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ أَنْ لَا يَجْهَرَ؛ لِمَا أَنَّ فَائِدَةَ الْجَهْرِ؛ الْإِسْمَاعُ

(2)

وَلَيْسَ أَحَدٌ مَعَهُ حَتَّى يُسْمِعَهُ إِيَّاهُ؛ فَقَالَ جَوَاباً لَهُ بِهَذَا أَيْ: فَائِدَةُ الْجَهْرِ حَاصِلُهُ ها هُنَا أَيْضاً بِقَدْرِهَا، وَهُوَ أَنَّهُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ فَيَجْهَرُ لِذَلِكَ؛ وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ رِوَايَةِ " الْمُحِيطِ "

(3)

.

وَالثَّانِي: لِبَيَانِ الْحُكْمِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي " مَبْسُوطِهِ ": (وَقَالَ فَيَجْهَرُ لَكِنْ لَا يَجْهَرُ كُلَّ الْجَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يُسْمِعُهُ، بَلْ يَأْتِي بِأَدْنَى الْجَهْرِ؛ فَكَانَ مَعْنَاهُ عَلَى هَذَا إِنْ شَاءَ جَهَرَ، واسْمَعَ نَفْسَهُ، وَلَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ؛ لِمَا أَنَّ التَّخْصِيصَ فِي الرِّوَايَةِ، يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ فِي الْغَالِبِ)

(4)

، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا لَمْ يَجْهَرْ كُلَّ الْجَهْرِ

(5)

فَوَجْهُ التَّخْيِيرِ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُقْتَدِياً بِآخَرٍ؛ كَانَ الْإِمَامُ

(6)

فَيَجْهَرُ، وَلَمَّا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ آخَرٌ

(7)

لَمْ يَكُنْ إِمَاماً فَيُخَافِتُ فَلَمَّا تَجَاذَبَ الطَّرَفَانِ بَيْنَ/ وُجُوبِ الْجَهْرِ وَعَدَمِهِ ثَبَتَ التَّخْيِيرِ.

(1)

قال صاحب الهداية: (وإن كان منفردا فهو مخير إن شاء جهر واسمع نفسه؛ لأنه إمام في حق نفسه، وإن شاء خافت؛ لأنه ليس خلفه من يسمعه والأفضل هو الجهر ليكون الأداء على هيئة الجماعة). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 45).

(2)

في (ب): (الاستماع).

(3)

قال ابن مازه: (وذكر في رواية أبي حفص أن الجهر أفضل). "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 300).

(4)

ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 293).

(5)

(كُلَّ الْجَهْرِ) ساقطة من (ب).

(6)

في (ب): (كالإمام).

(7)

في (ب): (يقيد به أحد).

ص: 292

وَذَكَرَ فِي " الْمُحِيطِ "بَعَدَمَا ذَكَرَ

(1)

التَّخْيِيرِ لِلْمُنْفَرِدِ فِي الْجَهْرِ، وَالْمُخَافَتَةِ فِيمَا يَجْهَرُ

(2)

مِنَ الصَّلَاةِ: (فَإِنْ قِيلَ مَشْرُوعِيَّةُ

(3)

الْجَهْرِ جَاءَتْ

(4)

لِلْأَئِمَّةِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَى إِسْمَاعِ

(5)

غَيْرِهِمْ وَالْمُنْفَرِدُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِسْمَاعِ

(6)

غَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ الْجَهْرُ فِي حَقِّهِ، قِيلَ لَهُ: الْمُنْفَرِدُ إِمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ فَيَجْهَرُ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قِيلَ إِذَا اعْتُبِرَ إِمَاماً فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ لَمَا جَازَتِ الْمُخَافَتَةُ فِي حَقِّهِ قِيلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَكَانَ الْمُخَافَتَةُ كَجَهْرِهِ)

(7)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْماءُ)

(8)

(9)

أَيْ: لَيْسَتْ فِيهَا قِرَاءَةً مَسْمُوعَةً؛ إِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهَذَا احْتِرَازاً؛ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَفْسِيرِهِ؛ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا قِرَاءَةَ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْماءُ»

(10)

(11)

أَيْ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ وَلَنَا

(12)

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِالْقِرَاءَةِ»

(13)

وَقِيلَ لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ

(14)

رحمه الله «بِمَ عَرَفْتُمْ

(15)

قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْظُهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: بِاضْطِّرَابِ لِحْيَيْهِ

(16)

»

(17)

وَقَالَ أَبُو

(18)

قَتَادَةَ رضي الله عنه: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْمِعُنَا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ

(19)

أَحْيَاناً»

(20)

وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَيْ: لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةً مَسْمُوعَةً كَذَا فِي" الْمَبْسُوطِ "

(21)

.

(1)

زاد في نسخة (ب) قوله: (فِي).

(2)

(فِيمَا يَجْهَرُ) ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): (شرعية).

(4)

والصواب: (جار) كما في "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 300).

(5)

في (ب): (امتناع).

(6)

في (ب): (استماع).

(7)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 300).

(8)

في (ب): (عجماء).

(9)

قال صاحب الهداية: (ويخفيها الإمام في الظهر والعصر وإن كان بعرفة لقوله عليه الصلاة والسلام " صلاة النهار عجماء " أي ليست فيها قراءة مسموعة وفي عرفة خلاف مالك رحمه الله والحجة عليه ما رويناه ويجهر في الجمعة والعيدين لورود النقل المستفيض بالجهر). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 45).

(10)

في (ب): (عجماء).

(11)

أخرجه عبد الرزاق في"مصنفه"(2/ 492: 493)، كتاب الصلاة، باب قراءة النهار، حديث (4199) و (4200) و (4201) من قول مجاهد، والحسن، و أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود موقوفاً عليهم، ولم يرفعوه، وقال النووي في" خلاصة الأحكام " (1/ 394):(بَاطِل لَا أصل لَهُ).

وقد صح ما يدل على الإسرارِ بالقراءة في صلاة النهار، ومن ذلك ما أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 232)، من كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر، حديث (742) و (734)، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قُلْنَا: لِخَبَّابٍ أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْنَا: بِم كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ.

(12)

في (ب): (وأما).

(13)

سبق تخريج الحديث (ص: 270).

(14)

سبقت ترجمته في (ص: 167).

(15)

في (ب): (عرفتهم).

(16)

في (ب): (لحيته).

(17)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 232)، من كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر، حديث (742) و (734)، وأخرجه مسلم في"صحيحه"(ص 190)، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، حديث (451).

(18)

في (ب): (ابن).

(19)

(والآيتين في الظهر) زيادة ليست من الحديث.

(20)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 232)، من كتاب الصلاة، باب القراءة في العصر، حديث (744).

(21)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 17).

ص: 293

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَفِي اللَّيْلِ يَتَخَيَّرُ)

(1)

لَكِنَّ الْجَهْرَ أَفْضَلُ، كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(2)

.

قُلْتُ: وَهَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ أَفْضَلِيَّةُ الْجَهْرِ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ رحمه الله: (اعْتِبَاراً بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ) قَدْ أَثْبَتَ قَبْلَ هَذَا أَفْضَلِيَّةَ الْجَهْرِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ فِي الْفَرْضِ، ثُمَّ اعْتَبَرَ هَذَا بِذَلِكَ فَكَانَ الْحُكْمُ هُنَا ثَابِتاً؛ بِمِثْلِ

(3)

الصِّفَةِ؛ الَّتِي ثَبَتَ ذَلِكَ الْحُكْمُ هُنَاكَ، وَكَانَ الْحُكْمُ هُنَاكَ التَّخْيِيرَ مَعَ أَفْضَلِيَّةِ الْجَهْرِ

(4)

فَكَذَا هُنَا، وَكَذَلِكَ التَّبَعِيَّةُ تَسْتَدْعِي هَذَا أَيْضاً لَمَّا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَتْبُوعِ حُكْمٌ فِي التَّبَعِ فِيمَا يَصْلُحُ تَبَعاً لَهُ كَالْجُنْدِيِّ يَصِيرُ مُقِيماً فِي الْمَفَازَةِ بِإِقَامَةِ إِمَامِهِ فِي الْمِصْرِ.

وَبِقَوْلِنَا فِيمَا يَصْلُحُ تَبَعاً لَهُ وَقَعَ الاحْتِرَازُ عَنْ حُكْمِ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا صَلَّى الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَثُمَّ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ، وأفسدها يَسْرِي ذَلِكَ

(5)

إِلَى إِفْسَادِ السُّنَّةِ قَبْلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَرْعِيَّتُهَا لِتَكْمِيلِ الْفَرْضِ أَيْضاً؛ لَمَّا أَنَّ لِكُلِّ

(6)

وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَحْرِيمَةً؛ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ احديهما عَلَى الْأُخْرَى.

(وَقَوْلُنَا: غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ؛ احْتِرَازٌ عَنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، حَيْثُ تَفْسَدُ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَتْ لِصَلَاةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا تَحْرِيمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ)

(7)

.

[الجهر بالقراءة في التهجد]

ثُمَّ ذَكَرَ لِأَفْضَلِيَّةٍ

(8)

فِي الْجَهْرِ فِي التَّطَوُّعِ بِاللَّيْلِ فِي " الْمَبْسُوطِ " حَدِيثاً وَقَالَ: (فَإِنْ شَاءَ جَهَرَ؛ وَهُوَ أَفْضَلُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي تَهَجُّدِهِ كَانَ يُونِسُ الْيَقْظَانَ، وَلَا يُوقِظُ الْوَسْنَانَ»

(9)

.

(1)

قال صاحب الهداية: (وفي التطوع بالنهار يخافت وفي الليل يتخير اعتبارا بالفرد في حق المنفرد وهذا لأنه مكمل له فيكون تبعا له). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 45).

(2)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 17).

(3)

في (ب): (مثل).

(4)

(الْجَهْرِ) ساقطة من (ب).

(5)

في (ب): (لا يسري).

(6)

في (ب): (كل).

(7)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(8)

في (ب): (أفضلية).

(9)

رواه الترمذي في سننه (1/ 569) من حديث ْ أَبِي قَتَادَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ وَأَنْتَ تَخْفِضُ مِنْ صَوْتِكَ، فَقَالَ: إِنِّي أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ، قَالَ: ارْفَعْ قَلِيلاً، وَقَالَ لِعُمَرَ: مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ وَأَنْتَ تَرْفَعُ صَوْتَكَ، قَالَ: إِنِّي أُوقِظُ الوَسْنَانَ، وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، قَالَ: اخْفِضْ قَلِيلاً».

قال الترمذي: وَفِي البَابِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ هَانِئٍ، وَأَنَسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.

وقال الترمذي: (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ). وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ إِنَّمَا رَوَوْا هَذَا الحَدِيثَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ مُرْسَلاً.

(الوسنان): أي النائم الذي ليس بمستغرق في نومه (وَأَيْقَظَ الْوَسْنَانَ) نَبَّهَهُ، انظر:"النهاية في غريب الحديث والأثر لإبن الأثير"(5/ 186)، " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: 512).

ص: 294

وَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَهُوَ يَتَهَجَّدُ؛ وَيُخْفِي بِالْقِرَاءَةِ، وَبِعُمَرَ رضي الله عنه وَهُوَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ وَبِبِلَالٍ رضي الله عنه وَهُوَ يَنْتَقِلُ مِنْ سُورَةٍ إِلَى سُورَةٍ؛ فَلَمَّا أَصْبَحُوا سَأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: كُنْتُ أُسْمِعُ مَنْ أُنَاجِيهِ، وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: كُنْتُ أُوقِظُ الْوَسْنَانَ واطْرُدُ الشَّيْطَانَ، وَقَالَ بِلَالٌ رضي الله عنه: كُنْتُ أَنْتَقِلُ مِنْ بُسْتَانٍ إِلَى بُسْتَانٍ، فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ:«ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ قَلِيلًا» وَلِعُمَرَ رضي الله عنه: «اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ قَلِيلاً» وَلِبِلَالٍ: «إِذَا ابْتَدَأَتَ سُورَةً فَأَتِمَّهَا عَلَى نَحْوِهَا

(1)

»

(2)

(3)

. وَلَيْسَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُهُ: (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِشَاءِ)

(4)

.

بَعْدَ قَوْلِهِ: (فَيَكُونُ تَبَعاً) إِلَى قَوْلِهِ (وَمَنْ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ) وَالصَّوَابُ ذِكْرُهَا لِمَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ مَسَائِلِ " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "حَيْثُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ": هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةُ هَذَا الْكِتَابِ وَالْمُصَنِّفِ رحمه الله الْتَزَمَ ذِكْرَ مَسَائِلِ " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

(1)

(علي نحوها) لم تُذكر في المبسوط.

(2)

أخرجه أبو داود في"سننه"(ص 160: 161)، كتاب الصلاة، باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، حديث (1329) و (1330)، وأخرجه الترمذي في"سننه"(1/ 569)، أبواب الصلاة، باب ما جاء في القراءة بالليل، حديث (447).

وقال الترمذي: (هذا حديث غريب، وإنما أسنده يحيى بن إسحاق، عن حماد بن سلمة، وأكثر الناس إنما رووا هذا الحديث عن ثابت، عن عبد الله بن رباح مرسلاً).

وقال النووي: عن رواية أبي داود هذه في"خلاصة الأحكام"(1/ 391): (رواه أبو داود بإسناد صحيح)، ويقول ابن حجر العسقلاني في"نتائج الأفكار" (2/ 12):(وهو حديث حسن).

(3)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 17).

(4)

قال صاحب الهداية: (ومن فاتته العشاء فصلاها بعد طلوع الشمس إن أم فبها جهر كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قضى الفجر غداة ليلة التعريس بجماعة). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 45).

ص: 295

[السَّنة في الجهر من عدمه لمن كان يصلي وحده]

قَوْلُهُ رحمه الله (وَإِنْ كَانَ وَحْدُهُ خَافَتَ حَتْماً)

(1)

(هُوَ الصَّحِيحُ).

فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

(2)

. قُلْتُ: قَوْلُهُ رحمه الله: (هُوَ الصَّحِيحُ)

(3)

.

مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ

(4)

، وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَقَاضِي خَانَ وَالْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ، وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ رحمهم الله فِي شُرُوحِهِمْ "لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ" وَذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانَ: (وَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ خَافَتَ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ سُنَّةُ الْجَمَاعَةِ أَوِ الْأَدَاءُ فِي الْوَقْتِ فَلَا يَجْهَرُ بِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ، وَالْمُخَافَتَةِ، وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ؛ كَمَا فِي الْوَقْتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ عَلَى وِفْقِ الْأَدَاءِ، وَفِي الْأَدَاءِ الْمُنْفَرِدِ، يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ، وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ؛ فَكَذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ)

(5)

.

وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ رحمه الله فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدُهُ خَافَتَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَتْمٍ بَلْ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ إِنْ شَاءَ، وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي الْأُولَيَيْنِ السُّورَةَ وَلَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، لَمْ يُعِدْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَجَهَرَ).

وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ: (يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ، إِذَا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِنْ تَرَكَ السُّورَةَ لَا يَقْضِي، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ/ وَاجِبَةٌ وَقِرَاءَةَ السُّورَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ؛ وَالْوَاجِبُ أَوْلَى بِالْقَضَاءِ)

(6)

.

(1)

قال صاحب الهداية: (وإن كان وحده خافت حتما ولا يتخير هو الصحيح). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 45).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في (ب): (هذا).

(4)

أي من تفضيله للجهر. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 17).

(5)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (1/ 216).

(6)

ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 298)، و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 357)، و" تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 128).

ص: 296

وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ يَقْضِيهِمَا

(1)

أَمَّا السُّورَةُ فَلَمَّا

(2)

نَذْكُرُ وامَّا الْفَاتِحَةُ فَلَمَّا قَالَ عِيسَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ أَنَّهُ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا

(3)

، أَمَّا الْفَاتِحَةُ فَلَمَّا نَذْكُرُ، وامَّا السُّورَةُ فَلِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَمَا كَانَ سُنَّةً فِي وَقْتِهَا كَانَتْ بِدْعَةً فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فَلَا يَقْضِي وَجْهَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ؛ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَكَذَا السُّورَةُ مَعَهَا حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَحَدَهُمَا سَاهِياً كَانَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ قَضَاهَا فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، أَوْ لَمْ يَقْضِ وَسُجُودُ السَّهْوِ لَا يَجِبُ إِلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ بِتَأْخِيرِهِ.

إِلَّا أَنَّ الشَّفْعَ الثَّانِي مَحَلٌّ لِأَدَاءِ الْفَاتِحَةِ؛ فَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِيهِ مَرَّةً؛ يَكُونُ أَدَاءً، وَلَا يَكُونُ قَضَاءً، وَإِنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ كَانَ بِدْعَةً؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي قِيَامٍ وَاحِدٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ؛ فَلِأَجْلِ هَذَا لَا يَقْضِي الْفَاتِحَةَ بِخِلَافِ السُّورَةِ؛ لِأَنَّ الشَّفْعَ الثَّانِي لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِأَدَاءِ السُّورَةِ

(4)

فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْقَضَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْفَاتِحَةَ وَجَبَتْ فِي الْأُولَيَيْنِ عَلَى وَجْهٍ يَفْتَتِحُ بِهَا الْقِرَاءَةَ، وَيُرَتِّبُ عَلَيْهَا السُّورَةَ، فَلَوْ قَضَى الْفَاتِحَةَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لَا يُرَتِّبُ عَلَيْهَا السُّورَةَ، فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى وِفْقِ الْأَدَاءِ، أَمَّا لَوْ قَضَى السُّورَةَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي كَانَتِ السُّورَةُ مُرَتَّبَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى وِفْقِ الْأَدَاءِ.

ثُمَّ قَوْلُهُ رحمه الله (وَجَهَرَ).

(1)

ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 298)، و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 357)، و" تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 128).

(2)

في (ب): (فكما).

(3)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 221)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 172)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 55).

(4)

في (ب): (السور).

ص: 297

مِنْهُمْ مَنْ صَرَفَ قَوْلَهُ وَجَهَرَ إِلَى السُّورَةِ خَاصَّةً، وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ

(1)

عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُفَ رحمهم الله

(2)

؛ لِأَنَّهُ فِي الْفَاتِحَةِ مُؤَدٍّ فَيُرَاعَى صِفَةُ أَدَائِهَا، وَفِي السُّورَةِ قَاضٍ فَيَجْهَرُ بِالسُّورَةِ كَمَا يَجْهَرُ فِي الْأَدَاءِ، وَلَا يَكُونُ جَمْعاً بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ، فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ تَقْدِيراً لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَلْتَحِقُ بِمَحَلِّ الْأَدَاءِ.

وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ

(3)

أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ أَصْلاً [وَحَقِيقَةً]

(4)

لِأَنَّهُ لَا يَجْهَرُ بِالْفَاتِحَةِ لِمَا قُلْنَا فَلَوْ جَهَرَ بِالسُّورَةِ كَانَ جَمْعاً بَيْنَ الْجَهْرِ، وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، صُورَةً وَحَقِيقَةً، وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ.

وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْهَرُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ وَاجِبَةٌ، وَقِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَكَانَ مُرَاعَاةُ صِفَةِ الْوَاجِبِ أَوْلَى؛ فَإِذَا جَهَرَ بِالسُّورَةِ، يَجْهَرُ بِالْفَاتِحَةِ كَيْلَا تَخْتَلِفُ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي قِيَامٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " لِقَاضِي خَانَ

(5)

.

وَلَكِنْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ السَّهْوِ مِنَ " الْمَبْسُوطِ " فَقَالَ: (الظَّاهِرُ مِنَ الْجَوَابِ أَنْ يَجْهَرَ بِالسُّورَةِ وَيُخَافِتُ بِالْفَاتِحَةِ)

(6)

؛ لِأَنَّ السُّورَةَ قَضَاءٌ، وَقَدْ فَاتَتْ بِصِفَةِ الْجَهْرِ؛ فَيَقْضِي كَذَلِكَ، وَالْفَاتِحَةُ أَدَاءٌ، وَقَدْ شُرِعَ أَدَاؤُهَا عَلَى سَبِيل ِالْمُخَافَتَةِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ فَقَالَ: (وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الثَّلْجِيُّ

(7)

وَهُوَ جَهْرُ السُّورَةِ دُونَ الْفَاتِحَةِ)

(8)

.

(1)

محمد بن سماعة بن عبد الله بن هلال بن وكيع بن بشر التميمي أبو عبد الله ذكره صاحب الهداية في البيوع الإمام أحد الثقات الإثبات توفى ابن سماعة في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وله مائة سنة وثلاث سنين.

انظر: "تاريخ بغداد للخطيب البغدادي "(3/ 298) و"سير أعلام النبلاء "(10/ 646)، " الجواهر المضية في طبقات الحنفية، للقرشي "(2/ 58).

(2)

ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 330).

(3)

ينظر: " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي "(1/ 330)، و" البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 300).

(4)

(وَحَقِيقَةً) زيادة من (ب).

(5)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (1/ 215).

(6)

ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 289: 299)، و"فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي"(1/ 330: 331)، و"درر الحكام شرح غرر الأحكام، لملا خسرو "(1/ 82)، و"حاشية الطحاوي"(1/ 254)، و "رد المحتار" لابن عابدين (1/ 536)، و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 358).

(7)

في (ب): (البلخي، وما أثبته بالمتن هو الموافق لما ذُكر في: " البناية شرح الهداية للعيني " (2/ 299).

(8)

ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 289: 299)، و"فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي"(1/ 330: 331)، و"درر الحكام شرح غرر الأحكام، لملا خسرو "(1/ 82)، و"حاشية الطحاوي"(1/ 254)، و"حاشية

ابن عابدين" (1/ 536)، و" البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري " (1/ 358).

ص: 298

فَحِينَئِذٍ كَانَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، (وَيَجْهَرُ بِهِمَا)(هُوَ الصَّحِيحُ) مُخَالِفاً

(1)

لِرِوَايَةِ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ، وَرِوَايَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ

(2)

أَيْضاً وَمُوَافِقاً لِمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانَ

(3)

وَمَبْسُوطُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ

(4)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (فَلَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَتَرَتَّبَ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ

(5)

وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ)

(6)

.

فَإِنْ قُلْتَ لَا يَسْلَمُ

(7)

أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّرْتِيبِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ تَرْتِيبِ

(8)

الْفَاتِحَةِ عَلَى السُّورَةِ ها هُنَا؛ هُوَ أَنْ تَكُونَ الْفَاتِحَةُ بَعْدَ السُّورَةِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ السُّورَةَ تَقَعُ مُقَدَّمَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ، لِكَوْنِ السُّورَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءٌ، وَمِثْلُ هَذَا مَشْرُوعُ أَدَاءٍ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعاً قَضَاءً لِمَا

(9)

أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفُتْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْأُولَيَيْنِ، كَانَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَهُوَ تَرْتِيبُ الْفَاتِحَةِ عَلَى السُّورَةِ عَلِمَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّرْتِيبِ عَيْنُ الْمَوْضُوعِ لَا غَيْرِهِ.

قُلْتُ: تَرْتِيبُ الْفَاتِحَةِ عَلَى السُّورَةِ؛ أَدَاءً فِيمَا ذَكَرْتُهُ

(10)

مِنَ الصُّورَةِ

(11)

لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْقِرَاءَةِ؛ بَلْ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ، حَتَّى يَنْوِيَ الْقَارِئُ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ

(12)

هُنَاكَ نِيَّةَ الدُّعَاءِ كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.

(1)

(مُخَالِفًا) ساقطة من (ب).

(2)

ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 289: 299)، و"فتح القدير، لإبن الهمام الحنفي"(1/ 330: 331)، و"درر الحكام شرح غرر الأحكام، لملا خسرو"(1/ 82)، و"حاشية الطحاوي"(1/ 254)، و"حاشية ابن عابدين"(1/ 536)، و"البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري"(1/ 358).

(3)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (1/ 215).

(4)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 221).

(5)

(عَلَى السُّورَةِ) ساقطة من (ب).

(6)

في (ب): (الموضوعات)

(7)

في (ب): (نسلم)

(8)

في (ب): (ترتب)

(9)

في (ب): (كما)

(10)

في (ب): (مما ذكر به)

(11)

في (ب): (السورة)

(12)

ساقطة من (ب).

ص: 299

وَالْمُرَادُ مِنْ قَضَاءِ الْفَاتِحَةِ هُنَاكَ

(1)

قَضَاؤُهَا عَلَى وَجْهِ قِرَاءَةِ

(2)

الْقُرْآنِ لَا عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ عَلَى وَجْهِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ مُرَتَّبَةً عَلَى السُّورَةِ خِلَافَ الْمَوْضُوعِ وَتَغْيِيرُ النَّقْلِ

(3)

وَهُوَ الْفَاتِحَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَالسُّورَةُ وَاجِبَةٌ؛ لِكَوْنِهَا قَضَاءً فَكَانَتِ الْفَاتِحَةُ تَبَعاً لِلسُّورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ

(4)

فَيَجْهَرُ تَبَعاً لِلسُّورَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا يَجْهَرُ مَقْصُودَةً، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْناً وَلَمْ

(5)

يَثْبُتُ قَصْداً كَبَيْعِ الشُّرْبِ وَ

(6)

الطَّرِيقِ.

وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي " مَبْسُوطِهِ " لَمْ يَذْكُرْ ها هُنَا كَيْفِيَّةَ الْقَضَاءِ فِي التَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ قَالَ بَعْضُهُمْ: تُقَدَّمُ السُّورَةُ عَلَى الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ؛ فَكَانَ تَقْدِيمُ السُّورَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ أَوْلَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُؤَخِّرُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وابْعَدُ/ عَنِ التَّغْيِيرِ

(7)

كَذَا وُجِدَتْ بِخَطِّ الْأُسْتَاذِ.

[الخلاف في حَدِّ وجودِ القراءةِ]

ثُمَّ الْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ؛ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ وَجُودِ الْقِرَاءَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبُخَارِيُّ، وَالشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَلْخِيُّ رحمه الله شَرَطَا لِوُجُودِ الْقِرَاءَةِ خُرُوجَ صَوْتٍ يَصِلُ إِلَى أُذُنِهِ

(8)

وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ

(9)

شَرَطَ لِصِحَّةِ الْقِرَاءَةِ خُرُوجَ الصَّوْتِ مِنَ الْفَمِّ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى أُذُنِهِ وَلَكِنْ يَشْتَرِطُ

(10)

أَنْ يَكُونَ مَسْمُوعًا فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى لَوْ أَدْنَى أَحَدٌ

(11)

صِمَاخَ أُذُنِهِ إِلَى فِيهِ سَمِعَ كَفَى وَإِنْ لَمْ يَسْمَعِ الْقَارِئُ

(12)

.

(1)

في (ب): (هنا)

(2)

زيادة من (ب)

(3)

في ب: (وتغير النفل)

(4)

في (ب): (الصورة)

(5)

في (ب): (ولا).

(6)

في (ب): (في).

(7)

في (ب): (من التغير).

(8)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 162)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 296).

(9)

بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي الْعَدوي المعتزلي الْمُتَكَلّم أَخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي وبرع فيه ونظر في الكلام والفلسفة وله تصانيف وروايات كثيرة عن أبي يوسف وكان من أهل الوَرع والزهد غير أنه رغب الناس عنه في ذلك الزَّمان لاشتهاره بعلم الكلام ثم جرد القول بخلق القرآن ت 218 هـ.

انظر: ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي (1/ 322)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (1/ 164)، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني (2/ 29).

(10)

في (ب): (بشرط).

(11)

في (ب): (أحدهما).

(12)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 162)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 296).

ص: 300

وَالْإِمَامُ الْكَرْخِيُّ لَمْ يَشْتَرِطِ السَّمَاعَ أَصْلًا، وَاكْتَفَى بِتَصْحِيحِ الْحُرُوفِ

(1)

ثُمَّ الْمُصَلِّي لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْقِرَاءَةِ؛ فَإِذَا صَحَّحَ الْحُرُوفَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ؛ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْإِمَامِ أَبِي جَعْفَرٍ (وَتَجُوزُ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ.

وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَقَاضِي خَانَ

(2)

وَصَاحِبُ "الْمُحِيطِ"

(3)

قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ وأبي جَعْفَرٍ)

(4)

. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيُّ: (الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ مَا لَمْ يُسْمِعْ أُذُنَاهُ (أَوْ يُسْمِعْ مَنْ يَقْرُبُهُ)

(5)

(6)

.

وَاحْتَجَّ الْكَرْخِيُّ: (بِأَنَّ الْكَلَامَ فِعْلُ اللِّسَانِ، وَذَلِكَ بِإِقَامَةِ الْحُرُوفِ لَا بِالسَّمَاعِ، فَإِنَّ السَّمَاعَ فِعْلُ الْأُذُنَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لِلسَّامِعِ: سَمَعَ الْكَلَامُ، وَلَا يُقَالُ تَكَلَّمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَصَمَّ يُسَمَّى مُتَكَلِّماً، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ؛ فَدَلَّ أَنَّ الْكَلَامَ فِعْلُ اللِّسَانِ فَكَانَ قِرَاءَةً)

(7)

.

وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ: (وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ وَكَانَتْ صَلَاةً يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ قَرَأَ فِي نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ جَهَرَ واسْمَعَ نَفْسَهُ)

(8)

فَلَوْ كَانَ إِسْمَاعُ نَفْسِهِ دَاخِلاً فِي الْقِرَاءَةِ لَكَانَ إِسْمَاعُ نَفْسِهِ مُسْتَفَاداً مِنْ قَوْلِهِ قَرَأَ فِي ٍنَفْسِهِ؛ فَيَكُونُ قَوْلُهُ واسْمَعَ نَفْسَهُ تَكْرَاراً فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ

(9)

قَرَأَ فِي نَفْسِهِ أَيْ أَقَامَ الْحُرُوفَ وَلَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ.

(1)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 161)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 55)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 296)، و" تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 127).

(2)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (1/ 216).

(3)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 296).

(4)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(5)

في (ب): (ولا يسمع من بقربه، والصواب ما أثبته بالمتن مع إبدال (أو) ب (و) كما في "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 297).

(6)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 297).

(7)

"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 162)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 55)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 296).

(8)

ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن (1/ 4).

(9)

(بِقَوْلِهِ) ساقطة من (ب).

ص: 301

وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ ما لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ؛ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَمْ تُوجَدْ وَهِيَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا تَجُوزُ بِدُونِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ كَلَامٌ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُظْهِرُ الْمَرْءُ مَا فِي الضَّمَائِرِ، وَلِهَذَا قِيلَ اللِّسَانُ تُرْجُمَانُ الْقَلْبِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ، وَحُرُوفٍ مَفْهُومَةٍ؛ فَكَمَا لَا يُوجَدُ الْكَلَامُ بِدُونِ الْحَرُوفِ

(1)

وَإِنْ وُجِدَ صَوْتٌ مَسْمُوعٌ؛ كَأَلْحَانِ الطُّيُورِ فَكَذَا لَا يُوجَدُ بِإِقَامَةِ الْحُرُوفِ، بِلَا صَوْتٍ كَالْكِتَابَةِ؛ فَإِنَّهُ

(2)

لَا يُسَمَّى كَلَاماً وِإِنْ وُجِدَ إِقَامَةُ حُرُوفٍ مَفْهُومَةٍ

(3)

مُظْهَرَةٍ لِمَا فِي الضَّمِيرِ؛ لِأَنَّ الصَّوْتَ؛ لَمْ يُوجَدْ فَهَذَا أَوْلَى.

أَمَّا قَوْلُهُ رحمه الله: (إِنَّ الْكَلَامَ

(4)

فِعْلُ اللِّسَانِ) لَا فَعْلَ الْأُذُنِ نَعَمِ

(5)

الْكَلَامُ فِعْلُ اللِّسَانِ لَكِنْ مَعَ الصَّوْتِ، وَإِقَامَةُ الْحُرُوفِ، وامَّا قَوْلُهُ (فِي الْكِتَابِ) إِشَارَةً إِلَى مَا ادَّعَاهُ، قُلْنَا لَيْسَ فِيمَا قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَقَرَأَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرَهُ، وَبِقَوْلِهِ:(وَإِنْ شَاءَ جَهَرَ واسْمَعَ نَفْسَهُ) أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ بِالْخِيَارِ؛ إِنْ شَاءَ أَسْمَعَ نَفْسَهُ لَا غَيْرَ؛ وَإِنْ شَاءَ أَسْمَعَ غَيْرَهُ واسْمَعَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ عِبَارَةٌ عَنْ إِسْمَاعِ الْغَيْرِ؛ فَإِذَا مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِسْمَاعَ شَرْطٌ كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ "، وَ" الْمُحِيطِ "

(6)

.

وَقَوْلُهُ رحمه الله (فِي لَفْظِ الْكِتَابِ إِشَارَةً) وَهِيَ قَوْلُهُ رحمه الله (إِنْ شَاءَ جَهَرَ واسْمَعَ نَفْسَهُ) وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْإِشَارَةِ وَجَوَابَهُ وَعَلَى هَذَا الأصل أَيْ وَعَلَى هَذَا الاخْتِلَافِ.

(1)

في (ب): (الحرف).

(2)

(فَإِنَّهُ) ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): (مُفهمة

(4)

(القراءة) كذا في "الهداية شرح الهداية للمرغيناني"(1/ 55).

(5)

في (ب): (قلنا).

(6)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 296: 297).

ص: 302

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَغَيْرُ ذَلِكَ)

(1)

كَالتَّعْلِيقِ، وَحُكْمِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَجَوَازِ الصَّلَاةِ كَذَا فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "لِقَاضِي خَانَ"

(2)

.

[أدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة]

قوله رحمه الله: (وأدنى مَا يُجْزِي مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ) إِلَى آخِرِهِ

(3)

.

اعْلَمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْحَضَرِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَقْسَامٍ؛ قِسْمٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَازُ؛ وَقِسْمٌ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ وَقِسْمٌ يَدْخُلُ بِهِ فِي الاسْتِحْبَابِ:

أَمَّا الْأَوَّلُ: لَوْ قَرَأَ آيَةً قَصِيرَةً؛ وَلَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ

(4)

وَيُكْرَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَمَعَهَا سُورَةً قَصِيرَةً، أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَاراً، وَآيَةً طَوِيلَةً جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ

(5)

.

وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَرْبَعِينَ آيَةً؛ سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ كَذَا فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "لِقَاضِي خَانَ

(6)

ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا قَرَأَ آيَةً قَصِيرَةً هِيَ كِلَمَاتٌ أَوْ كَلِمَتَانِ

(7)

نَحْوَ قَوْلِهِ: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}

(8)

{ثُمَّ نَظَرَ}

(9)

وَمَا أَشْبَهُ ذَلِكَ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ.

(1)

قال صاحب الهداية: (وعلى هذا الأصل كل ما يتعلق بالنطق كالطلاق والعتاق والاستثناء وغير ذلك). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 55).

(2)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (1/ 216).

(3)

ما بين القوسين من كلام صاحب الهداية حيث يقول: (وأدنى ما يجزئ من القراءة في الصلاة آية عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا ثلاث آيات قصار أو آية طويلة؛ لأنه لا يسمى قارئا بدونه فأشبه قراءة ما دون الآية وله قوله تعالى: [فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ] {المزمل: 20} من غير فصل إلا أن ما دون الآية خارج والآية ليست في معناه)"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 55).

(4)

ينظر: "النتف في الفتاوى؛ للسغدي"(1/ 50)، و"المبسوط" للسرخسي (1/ 221)، "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 96)، "بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 112)، "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"

(5)

ينظر: "النتف في الفتاوى، للسغدي"(1/ 50)، و"المبسوط" للسرخسي (1/ 221)، "تحفة الفقهاء" للسمرقندي " (1/ 96)، "بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 112)، "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"

(6)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (1/ 209).

(7)

في (ب): (كلمتان أو ثلاث كلمات)

(8)

سورة المدثر: آية (19).

(9)

سورة المدثر: آية (21).

ص: 303

وامَّا إِذَا قَرَأَ آيَةً قَصِيرَةً هِيَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، نَحْوَ قَوْلِهِ:{مُدْهَامَّتَانِ}

(1)

أَوْ

(2)

آيَةً قَصِيرَةً وَهِيَ حَرْفٌ وَاحِدٌ؛ نَحْوَ قَوْلِهِ: {ق} ، {ص} ، {ن} فَإِنَّ هَذِهِ آيَاتٌ عِنْدَ بَعْضِ الْقُرَّاءِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ.

[تكرار قراءة السورة في الصلاة]

وَإِذَا قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً فِي رَكْعَتَيْنِ نَحْوَ آيَةِ/ الْكُرْسِيِّ

(3)

وَآيَةِ الْمُدَايَنَةِ

(4)

قَرَأَ بَعْضَهَا فِي رَكْعَةٍ وَالْبَعْضَ فِي رَكْعَةٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةً تَامَّةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ، أَوْ يَعْدِلُهَا

(5)

فَلَا تَكُونُ قِرَاءَتُهُ أَدْنَى مِنْ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ، كَذَا فِي

" الْمُحِيطِ "

(6)

.

وَلَوْ قَرَأَ آيَةً قَصِيرَةً جِدًّا مِثْلَ قَوْلِهِ: {مُدْهَامَّتَانِ}

(7)

جَازَتْ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

(8)

كَذَا ذُكِرَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَانِيُّ

(9)

فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي "شرح الطحاوي" وَقَالَ: مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَازُ مِقْدَارَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ قَصِيرَةٍ جِدًّا، مِثْلَ قَوْلِهِ:{مُدْهَامَّتَانِ} جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ وَيُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.

وَفِي "الْخُلَاصَةِ" لَوْ قَرَأَ آيَةً قَصِيرَةً؛ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ هَلْ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا؟

قِيلَ يَجُوزُ

(10)

قَالَ رحمه الله وَسَمِعْتُ مِنْ ثِقَةٍ؛ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ، وَذَكَرَ فِي "الأسرار" وَمَا قَالَاهُ احْتِيَاطٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَلِدْ؛ ثُمَّ نَظَرَ لَا يَتَعَارَفُ قُرْآنًا وَهُوَ قُرْآنٌ

(11)

حَقِيقَةً فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةِ؛ حُرِّمَتَا عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ، وَمِنْ حَيْثُ الْعَدَمِ لَمْ تُجَوَّزِ الصَّلَاةُ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا

(12)

يَكُونُ قُرْآنًا حَقِيقَةً، وَعُرْفاً فَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَنْصَرِفُ؛ إِلَى مَا لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا، وَالاحْتِيَاطُ أَمْرٌ حَسَنٌ

(13)

فِي الْعِبَادَاتِ.

(1)

سورة الرحمن: آية (64).

(2)

في (ب): (و)

(3)

سورة البقرة آية (255).

(4)

سورة البقرة آية (282) وهي أطول آية في القرآن.

(5)

في (ب): (بقدرها)

(6)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 298: 299).

(7)

سورة الرحمن: آية (64).

(8)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (1/ 222)، و"بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 112)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 298)

(9)

في (ب): (الاستجاني)

(10)

ينظر: " الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي "(1/ 58).

(11)

في (ب): (وإن كان قرآنا)

(12)

(يَأْتِيَ بِمَا) ساقطة من (ب).

(13)

في (ب): (حسي).

ص: 304

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ

(1)

رحمه الله

(2)

: لَا تَقْدِيرٌ فِي الْأَوَامِرُ

(3)

وَالْآيَةُ قُرْآنٌ حَقِيقَةً، وَحُكْماً أَمَّا حَقِيقَةً فَلَا شَكَّ وامَّا حُكْماً؛ فَلِأَنَّهَا تَحْرُمُ قِرَاءَتُهَا عَلَى الْحَائِضِ، وَالْجُنُبِ، وامَّا مَا دُونَ الْآيَةِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْقُرْآنِ، وَلِهَذَا لَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ قِرَاءَتُهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(4)

أَيْضاً.

وَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ؛ يَرْجِعُ إِلَى أَصْلٍ مَذْكُورٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ؛ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ

(5)

الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ

(6)

أَوْلَى مِنَ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى وَعَلَى هَذَا أَيْضاً مَسْأَلَةِ الْخُطْبَةِ فِي الْجُمُعَةِ.

قَوْلُهُ: (لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا دُونِ الْآيَةِ، أَيْ: لَيْسَتْ فِي مَعْنَى مَا

(7)

دُونَ الْآيَةِ لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ كَمَا ذَكَرْنَا.

قوله رحمه الله: (وَلِأَنَّ السَّفَرَ)

(8)

إِلَى آخِرِهِ هَذَا التَّعْلِيلِ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي طَرَفِ تَعْلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْوَاثِ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ

(9)

وَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَاكَ

(10)

.

(1)

في النسخة (أ): قال أبو ح، والمثبت من (ب).

(2)

ينظر: " تبيين الحقائق للزيلعي "(1/ 128: 129)، و" الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (1/ 332: 333)، و"البناية شرح الهداية للعيني"(2/ 303).

(3)

في (ب): (الأمر).

(4)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 298).

(5)

(تَكُونَ) زيادة من (ب).

(6)

في (ب): (المُتعلمة).

(7)

في (ب): (فيما دون).

(8)

قال في "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 55): (ولأن السفر أثر في إسقاط شطر الصلاة فلأن يؤثر في تخفيف القراءة أولى وهذا إذا كان على عجلة من السير وإن كان في أمنة وقرار يقرأ في الفجر نحو سورة البروج وانشقت لأنه يمكنه مراعاة السنة مع التخفيف).

(9)

في (ب): (الأجناس).

(10)

ينظر إلي تفصيل ذلك في (باب الأنجاس) من هذا الكتاب عند شرح قول صاحب الهداية: (وقد أثَّرت في التخفيف مرَّة حتى يطهر بالمسح فيكفي مؤنتها).

ص: 305

[السُّنة في قراءة الفجر]

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ).

فَإِنْ قُلْتَ: لَمَّا كَانَ فِي حَالِ أَمْنٍ وَقَرَارٍ فِي السَّفَر ِ؛ كَانَ هُوَ وَالْمُقِيمُ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ

(1)

لَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا فِي مُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ؛ بِالتَّطْوِيلِ، وَالْمُقِيمُ يَقْرَأُ مِنْ أَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فِي أَقَلِّ مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ.

فَلِمَ انْحَطَّ حَالُ الْمُسَافِرِ

(2)

مِنْ حَالِ الْمُقِيمِ؛ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ مَعَ مُسَاوَاتِهِمَا

(3)

فِي الْأَمْنِ وَالْقَرَارِ؟

قُلْتُ: مَعَ أَنَّ الْمُسَافِرَ سَاوَى

(4)

الْمُقِيمَ فِي

(5)

الْأَمْنِ، وَالْقَرَارِ لَكِنْ قِيَامُ السَّفَرِ

(6)

مَعَهُ أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ لَا مَعَ الْحِكْمَةِ

(7)

، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ؛ مَعَ ذَلِكَ الْأَمْنِ، وَالْقَرَارِ؛ لِوُجُودِ عِلَّةِ التَّخْفِيفِ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ نَحْوِ سُورَةِ الْبُرُوجِ، وَرَدَ فِي الْأَثَرِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ بِمِثْلِهِ فِي الْحَضَرِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ آيَةً)

(8)

، فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ

(9)

أَرْبَعِينَ آيَةً؛ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ؛ فَحِينَئِذٍ نَصِيبُ

(10)

كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ عِشْرُونَ آيَةً؛ وَهُوَ خِلَافُ مَا نُقِلَ مِنَ الآثَارِ.

وَقَدْ ذُكِرَ فِي " الْمَبْسُوطِ ": (وَعَنْ مُورِّقٍ الْعَجْلِيِّ رحمه الله

(11)

قَالَ

(12)

: (تَلَقَّفْتُ سُورَةَ ق وَاقْتَرَبَتْ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِكَثْرَةِ قِرَاءَتِهِ إِيَّاهُمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْر)

(13)

(14)

وَلَا يُمْكِنُ حَمْلَهُ عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ بَعْضَ سُورَةِ {ق} ، فِي

(15)

رَكْعَةٍ؛ وَالْبَعْضُ فِي رَكْعَةٍ لَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ قِرَاءَةُ سُورَةٍ تَامَّةٍ فِي رَكْعَةٍ، وَقَدَ أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَالاً صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى فِي الْبَابِ.

(1)

في (ب): (آية).

(2)

في (ب): (السفر).

(3)

(فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ مَعَ مُسَاوَاتِهِمَا) ساقطة من (ب).

(4)

في (ب): (يساوي).

(5)

(الْمُقِيمَ فِي) ساقطة من (ب).

(6)

(السَّفَرِ) ساقطة من (ب).

(7)

في (ب): (الحكم).

(8)

استثني صاحب الهداية من هذه الأعداد سورة الفاتحة. ينظر: "الهداية شرح بداية المبتدي"(1/ 55).

(9)

(أَنَّ) ساقطة من (ب).

(10)

في (ب): (يصيب).

(11)

هو مورق العجلي. أبو المعتمر، بصري كبير القدر، وأظنه توفي في الطبقة الماضية، روى عن: عمر وأبي الدرداء، وأبي ذر، وابن عمر، وجندب، وعبد الله بن جعفر، وجماعة، وعنه: توبة العنبري، وقتادة، وعاصم الأحول، وحميد الطويل، وإسماعيل بن أبي خالد، قال ابن سعد: كان ثقة عابدًا، توفي في ولاية عمر بن هبيرة على العراق. توفي سنة 110 هـ. انظر:"تاريخ الإسلام للذهبي"(3/ 171)"سير أعلام النبلاء للذهبي"(4/ 353).

(12)

(قَالَ) ساقطة من (ب).

(13)

لم أجده هكذا، وإنما الثابت ما أخرجه مسلم وأصحاب السنن عن جابر بن سمرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ[ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ]{سورة: ق: 1} وكان صلاته بعد تخفيفا. أخرجه مسلم في"صحيحه"(ص 192)، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، حديث (458).

(14)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 163).

(15)

في (ب): (و).

ص: 306

[السُّنة في القراءة في فجر يوم الجمعة]

وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:» أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ {الم (1) تَنْزِيلُ} السَّجْدَةَ

(1)

وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} »

(2)

(3)

، وَكَذَلِكَ الْمَعْهُودُ فِي زَمَانِنَا قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِالْآيَةِ

(4)

فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ تَحْتَوِي عَلَى أَرْبَعِينَ، أَوْ خَمْسِينَ، أَوْ أَزْيَدَ، أَوْ أَنْقَصَ؛ لَا أَنْ يَكْتَفِيَ بِسُورَةٍ مُحْتَوِيَةٍ عَلَى عِشْرِينَ آيَةً، فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى كَسُورَةِ الْبَلَدِ، وَالْغَاشِيَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَمْرَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَارُثِ، كَابِراً عَنْ كَابِرٍ

(5)

فَمَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ؟.

قُلْتُ كُنْتُ فِي هَذَا زَمَاناً

(6)

أبدا مِنَ الْجلدون، وأحول مِنْ أَبِي قَلَمُونَ

(7)

تَارَةً كُنْتُ أوؤل قَوْلَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِمَعْنَى يَقْرَأُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ أَرْبَعِينَ

(8)

آيَةً.

وَطَوراً كُنْتُ أَحْمِلُ الْأَثَرَ الْوَارِدَ بِالْأَرْبَعِينَ؛ عَلَى التَّنْصِيفِ وَإِنْ كَانَتْ سُورَةً إِلَى أَنْ وَجَدْتُ رِوَايَةً مُصَرَّحَةً/ مُجْلَاةً لِلظُّلْمَةِ، وَمُسَلاةً لِلْغُمَّةِ عَلَى وَجْهِ التَّقْسِيمِ، فِي إِرَادَةِ التَّتْمِيمِ مِنْ جَانِبِ صَاحِبِ

(9)

" الْمُحِيطِ ".

(1)

سورة السجدة: (آية 1 - 2).

(2)

سورة الإنسان: (آية: 1).

(3)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 261)، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة، حديث (870)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم في"صحيحه" (ص: 338)، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في يوم الجمعة، حديث (879)، عن ابن عباس رضي الله عنه.

(4)

كذا في النسخة (أ) وفوق كلمة بالآية كلمتان بخط صغير ورسمهما غير واضح، وفي النسخة (ب) سقطت كلمة (بالآية).

(5)

(كَابِراً عَنْ كَابِرٍ) ذكرت هذه العبارة في هامش النسخة (ب) ولعل الناسخ استدركها.

(6)

في (ب): (زماننا).

(7)

يقال: (وأحول مِنْ أَبي قَلَمون): وهو ثَوْبٌ يتلوَّن أَلواناً. وقيل: هو شي معروف يتلوّن في العين. انظر: "لسان العرب لابن منظور"(11/ 186) و الأمثال المولدة؛ للخوارزمي (ص: 289).

(8)

ساقطة من (ب).

(9)

(صَاحِبِ) ساقطة من (ب).

ص: 307

وَقَالَ ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (بِأَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ آيَةً سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: أَرْبَعِينَ)

(1)

أَوْ خَمْسِينَ أَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ بَلْ أَرَادَ بِهِ أَرْبَعِينَ فِيهِمَا، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عِشْرُونَ آيَةٍ

(2)

كَذَا فِي"الْمُحِيطِ "

(3)

.

فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ عَلَى

(4)

مَا رَوَاهُ الْعَجْلِيُّ؛ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ، وَمِنْ سِتِّينَ إِلَى مِائَةٍ؛ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَرَأَ سُورَةَ {ق} فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَهِيَ خَمْسٌ وأربعون آيَةً؛ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ

(5)

مِمَّا يُعَادِلُهَا، أَوْ يُقَارِبُهَا فَكَانَ مَجْمُوعَهَا يَقْرُبُ إِلَى مِائَةٍ، وكَذَلِكَ ذُكِرَ فِي " مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ " مُفَسَّراً بِهَذَا، وَقَالَ:«إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ {ق} فِي الْفَجْرِ، أَوِ اقْتَرَبَتْ أَيْ: فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى»

(6)

وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {ألم تَنْزِيلُ} السَّجْدَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}» ، ثُمَّ قَالَ فَإِذَا جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا بَلَغْتَ مِائَةَ أَوْ أَكْثَرَ.

وَكَذَا ذُكِرَ أَيْضاً فِي " الْمَبْسُوطِ "

(7)

فَكَانَ الْمَجْمُوعُ إِحْدَى وَسِتِّينَ آيَةً؛ فَإِنَّ سُورَةَ السَّجْدَةِ ثَلَاثُونَ آيَةً، وَسُورَةَ الْإِنْسَانِ؛ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ آيَةً؛ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ مَقَادِيرُ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اخْتَلَفَتْ مَقَادِيرُ مُحَمَّدٍ رحمه الله

(8)

أَيْضًا فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ بِأَرْبَعِينَ آيَةً، أَوْ خَمْسِينَ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَتْ مَقَادِيرُ الْقِرَاءَةِ فِي الْآثَارِ أَيْضاً، (رَوَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَرَأَ فِي الْفَجْرِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: كَادَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَوْ طَلَعَتْ لَمْ تَجِدْنَا غَافِلِينَ

(9)

وَعُمَرُ رضي الله عنه قَرَأَ فِي الْفَجْرِ سُورَةَ يُوسُفَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}

(10)

خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ فَرَكَعَ)

(11)

.

(1)

مابين القوسين ساقط من (ب).

(2)

(آيَةٍ) زيادة من (ب).

(3)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 301).

(4)

(عَلَى) زيادة من (ب).

(5)

(الثَّانِيَةِ) ساقطة من (ب).

(6)

ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 305).

(7)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 162: 163).

(8)

ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 96).

(9)

أخرجه ابن أبي شيبة في"مصنفه"(3/ 218)، كتاب الصلوات، باب ما يقرأ في صلاة الفجر، حديث (3565)، وأخرجه الطحاوي في" شرح معاني الآثار"(1/ 180)، كتاب الصلاة، باب الوقت الذي يصلى فيه الفجر أي وقت هو؟ حديث (1078)، وأخرجه البيهقي في"سننه الكبرى"(1/ 389)، كتاب الصلاة، باب قدر القراءة في صلاة الصبح. وقال البوصيري: هذا إسناد رجاله ثقات. ينظر: " إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري "(2/ 84).

(10)

سورة يوسف: من آية (86).

(11)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 222)، كتاب الأذان، باب إذا بكى الإمام في الصلاة، معلقا عن عبد الله بن شداد قال: سمعت نشيج عمر رضي الله عنه، وانأ في آخر الصفوف يقرأ:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} . وقد أوصله ابن حجر، وصححه في" تغليق التعليق "(2/ 300).

ص: 308

[السُّنة في القراءة في صلاة الظهر]

وَفِي الظُّهْرِ يَقْرَأُ بِنَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ دُونِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ قَدْ رَوَى إِمَّا يَقْرَأُ نَحْواً مِنْ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ {ألم تَنْزِيلُ} السَّجْدَةَ» حَتَّى رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَهُ قَالَ: «سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام فِي الظُّهْرِ فَظَنَّنَا أَنَّهُ قَرَأَ {ألم تَنْزِيلُ} السَّجْدَةَ»

(1)

وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّهُ «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ {ألم تَنْزِيلُ} السَّجْدَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}» فَدَلَّ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الظُّهْرِ مِثْلَ مَا يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وامَّا دُونَهُ؛ فَإِنَّهُ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ:«أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً»

(2)

وَهُوَ نَحْوَ سُورَةِ الْمُلْكِ كَذَا فِي

" الْمَبْسُوطَيْنِ "

(3)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (ويقرأ فِيهِمَا بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ) رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ

(4)

: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، مِنَ الْعَصْرِ [وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ]، [وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ]»

(5)

. وَرُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: قَرَأَ فِي صَلَاةِ المغرب بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَفِي الْعِشَاءِ يَقْرَأُ بِمِثْلِ مَا يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ» لِحَدِيثِ

(6)

مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ قَوْمَهُ شَكُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَطْوِيلَ قِرَاءَتِهِ فِي الْعِشَاءِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا»

(7)

.

(1)

أخرجه أحمد في "مسنده"(9/ 390: 291)، حديث (5556)، وأخرجه أبو داود في "سننه"(ص 107)، كتاب الصلاة، باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر، حديث (807) كلهم عن ابن عمر رضي الله عنه.

والحديث ضعيف، فأما رواية أحمد؛ فعلَّتها الانقطاع كما ذكر الأرناؤوط في هامش المسند، وأما رواية أبي داود فعلتها جهالة (أمية)، حيث قال ابن القطان في"بيان الوهم والإيهام" (5/ 32): (وليس ينبغي أن يظن بهذا الحديث الصحة على ما به من الجهل بحال أمية راوية، ولا أعلم أحداً ممن صنف في الرجال ذكره

).

(2)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 191)، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، حديث (452)، عن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين، في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية أو قال نصف ذلك.

(3)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 163).

(4)

في (ب): (سمعة).

(5)

أخرجه أبو داود في"سننه"(ص 107)، كتاب الصلاة، باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر، حديث (805)، وأخرجه الترمذي في"سننه"(1/ 400)، أبواب الصلاة، باب ما جاء في القراءة في الظهر والعصر، حديث (307)، وأخرجه النسائي في"سننه"(2/ 506)، كتاب الصلاة، القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر، حديث (978). وقال الترمذي:(حديث حسن)، وقال ابن حجر العسقلاني في"نتائج الأفكار" (1/ 439):(هذا حديث صحيح).

(6)

في (ب): (بحديث).

(7)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(1/ 220)، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طول، حديث (687)، وأخرجه مسلم في"صحيحه"(ص 194)، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، حديث (465).

ص: 309

كَذَا فِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ "، وَ" الْمُحِيطِ "

(1)

فَذُكِرَتْ

(2)

لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ آثارً لتقتفى آثار السنن، مَنِ اسْتَنَّ بِهَا لِيَكُونَ عَمَلُهُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ؛ وَمُجَانِباً عَنِ الْبِدْعَةِ

(3)

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ) إِلَى آخِرِهِ

(4)

.

وَمِنَ التَّوْفِيقِ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي " الْمُحِيطِ ": (الْمُرَادُ مِنَ الْأَرْبَعِينَ إِذَا كَانَ الْآيُ طُوَالاً كَسُورَةِ الْمُلْكِ؛ فَإِنَّهَا مَعَ طُولِهَا ثَلَاثُونَ آيَةً، وَالْمُرَادُ مِنَ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ إِذَا كَانَتِ الْآيُ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الطُّولِ وَالْقِصَرِ)

(5)

، وَقِيلَ يَبْنِي عَلَى حَالَةِ نَفْسِهِ فِي الْخِفَّةِ، وَالثِّقَلِ، وَحُسْنِ الصَّوْتِ.

[المقصود بطوال المفصل وأوسطه]

وَقَوْلُهُ: (أَنْ اقْرَأَ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطُوَالِ الْمُفَصَّلِ) إِلَى آخِرِهِ

(6)

.

قَالَ: طُوَالُ الْمُفَصَّلِ مِنْ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ إِلَى سُورَةِ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}

(7)

وَالْأَوْسَاطُ مِنْ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} إِلَى سُورَةِ {لَمْ يَكُنِ}

(8)

، وَقِصَارُ الْمُفَصَّلِ مِنْ سُورَةِ {لَمْ يَكُنِ} إِلَى الْآخِرِ.

(1)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 303).

(2)

في (ب): (وركعت).

(3)

الْبِدْعَةُ: اسْمٌ مِنْ ابْتَدَعَ الْأَمْرَ إذَا ابْتَدَأَهُ وأحدثه وهُوَ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ أَوْ نُقْصَانٌ مِنْهُ، انظر:" المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (ص: 37).

(4)

قال صاحب الهداية: (ويروى من أربعين إلى ستين ومن ستين إلى مائة وبكل ذلك ورد الأثر ووجه التوفيق أنه يقرأ بالراغبين مائة وبالكسالى أربعين وبالأوساط ما بين خمسين إلى ستين وقيل ينظر إلى طول الليالي وقصرها وإلى كثرة الأشغال وقلتها). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 55).

(5)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 302).

(6)

قال صاحب الهداية: (والأصل فيه كتاب عمر رضي الله عنه. إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب بقصار المفصل). " الهداية في شرح بداية المبتدي"(1/ 55: 56).

(7)

سورة البروج: آية (1).

(8)

سورة البينة: آية (1).

ص: 310

وَقِيلَ: طُوَالُ الْمُفَصَّلِ مِنْ سُورَةِ {الْحُجُرَاتِ} إِلَى سُورَةِ {عَبَسَ} ، وَالْأَوْسَاطُ مِنْ [سُورَةِ]

(1)

{كُوِّرَتْ} إِلَى سُورَةِ {وَالضُّحَى} ، ثُمَّ الْقِصَارُ مِنْهُ إِلَى آخِرِ الْمُصْحَفِ كَذَا فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ.

قوله رحمه الله: (وَيُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنَ الْفَجْرِ)

(2)

بِهِ

(3)

جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِنَا هَذَا حَتَّى

(4)

رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَالَ يَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سُورَةَ {ق} أَوْ {وَالذَّارِيَاتِ} وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَى} وَالْمُرْسَلَاتِ وَاحْتَجَّ مُحَمَّدٌ

(5)

فِي تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِحَدِيثِ أَبِي/ قَتَادَةَ: رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا»

(6)

؛ وَلِأَنَّ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا خرجا ولا خرج

(7)

فِي التَّرْجِيحِ؛ وَلِأَنَّ (مَعْنَى تَفَضُّلِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ، مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إِلَّا أَنَّ)

(8)

الْغَفْلَةَ فِي وَقْتِ الْفَجْرِ؛ بِسَبَبِ النَّوْمِ وَفِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ؛ بِاشْتِغَالِ النَّاسِ بِالْكَسْبِ،

(1)

زيادة من (ب).

(2)

ما بين القوسين من كلام صاحب الهداية حيث يقول: (ويطيل الركعة الأولى من الفجر على الثانية إعانة للناس على إدراك الجماعة). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 56).

(3)

في (ب): (ثم).

(4)

(حَتَّى) ساقطة من (ب).

(5)

وقفت على رأيه في المسألة حيث قال: (أحب إلي أن يطول الركعة الأولى على الثانية في الصلوات كلها) ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 96).

(6)

أخرج البخاري في"صحيحه"(1/ 231: 232)، كتاب الأذان، باب القراءة في الظهر، حديث (741)، وباب القراءة في العصر، حديث (744) واخرج مسلم في "صحيحه"(ص 190)، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، حديث (451) عن أبي قتادة:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب، و سورتين يطول في الأولى، ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحياناً، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الأولى، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية»

(7)

في (ب): (حرجا ولا حرج)

(8)

ساقطة من (ب).

ص: 311

[السنة في قراءة الإمام يوم الجمعة]

وَهُمَا احْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقُونَ»

(1)

كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً، وَالْقِيَاسُ فِي الْفَجْرِ هَكَذَا وَإِنَّمَا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لِعُذْرٍ

(2)

؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ، وَغَفْلَةٍ، وَلِهَذَا خَصَّ الْفَجْرَ بِالتَّثْوِيبِ؛ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، فَإِنَّهَا وَقْتُ عِلْمٍ

(3)

وَيَقَظَةٍ، فَلَوْ تَغَافَلُوا؛ إِنَّمَا تَغَافَلُوا بِسَبَبِ اشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ مُضَافٌ إِلَى تَقْصِيرِهِمْ، وَاخْتِيَارِهِمْ، وَالنَّوْمُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِمْ (وَالتَّفْصِيلُ هُنَاكَ؛ لَا يَكُونُ تَفْصِيلاً ها هُنَا)

(4)

.

ثُمَّ يَعْتَبِرُ

(5)

التَّطْوِيلَ مِنْ حَيْثُ الْآيَاتِ؛ إِذَا كَانَ بَيْنَ مَا يَقْرَأُ فِي الْأُولَى، وَبَيْنَ مَا يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ مُقَابَلَةٌ

(6)

مِنْ حَيْثُ الْآيِ؛ أَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَ الْآيَاتِ تَفَاوُتٌ، مِنْ حَيْثُ الطُّولِ، وَالْقِصَرِ تُعْتَبَرُ الْكَلِمَاتُ، وَالْحُرُوفُ، بَعْدَ هَذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ؛ بَعْضُهُمْ قَالُوا:(يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ، وَالثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى، وَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ)

(7)

.

وَفِي "شرح الطحاوي"

(8)

قَالَ: (يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِثُلُثَيْنِ

(9)

وَفِي الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ عَشْرِ آيَاتٍ، أَوْ عِشْرِينَ هَذَا هُوَ بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ)

(10)

وامَّا بَيَانُ الْحُكْمِ فَنَقُولُ التَّفَاوُتُ وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا بِأَنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِأَرْبَعِينَ آيَةً، وَفِي الثَّانِيَةِ بِثَلَاثِ آيَاتٍ؛ لَا بَأْسَ بِهِ، وَرَدَّ الْأَثَرَ، وامَّا إِطَالَةُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجَمَاعِ كَذَا فِي " الْمُحِيطِ "

(11)

.

(1)

أخرجه مسلم في"صحيحه"(ص 338)، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الجمعة، حديث (877).

(2)

في (ب): (بعذر).

(3)

في (ب): (نوم).

(4)

في (ب): (فالتفضيل هناك لا يكون تفضيلاً ها هُنَا).

(5)

في (ب): (تعبير).

(6)

في (ب): (مقاربة).

(7)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 306).

(8)

في (ب): (البجاوي).

(9)

في النسخة (أ): بثلثي آية، وهو خطأ، والمثبت من النسخة (ب): بثلثين وهو أقرب للصواب.

(10)

ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 306)، و" البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 310).

(11)

انظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 306).

ص: 312

وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ هَذَا كُلَّهُ إِذَا كَانَ إِمَاماً، وامَّا إِذَا كَانَ مُنْفَرِداً قَرَأَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُرَاعِيَ حَقَّ الْقَوْمِ؛ ذَكَرَ بَكْرٌ رحمه الله الْأَفْضَلُ أَنْ يُطَوِّلَ الْقِرَاءَةَ؛ إِذَا كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ بِجَمَاعَةٍ لَا تَيْسِيراً عَلَى النَّاسِ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَلَا مُعْتَبَرٌ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ)

(1)

نَحْوَ آيَةٍ

(2)

أَوْ آيَتَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ

(3)

، وَفِي صَلَاةِ المغرب فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَالثَّانِيَةِ أَطْوَلُ مِنَ الْأُولَى؛ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ دُونَ السُّنَنِ، وَالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ التَّطَوُّعِ أَسْهَلُ؛ حَتَّى جَازَ التَّطَوُّعُ قَاعِداً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَرَاكِباً

(4)

مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ كَذَا فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "لِلْمَحْبُوبِيِّ.

وَفِي "الْبَرَامِكَةِ": عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَكْرَهُ أَنْ يُطَوِّلَ رَكْعَةً مِنَ التَّطَوُّعِ وَيُنْقِصَ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَعَلَى اخْتِيَارِ أَبِي الْيُسْرِ لَا يُكْرَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَقَّتَ شَيْءٌ

(5)

مِنَ الْقُرْآنِ لِشَيْءٍ

(6)

مِنَ الصَّلَوَاتِ).

(1)

قال صاحب الهداية: (والحديث محمول على الإطالة من حيث الثناء والتعوذ والتسمية ولا معتبر بالزيادة والنقصان بما دون ثلاث آيات لعدم إمكان الاحتراز عنه من غير حرج). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 56).

(2)

ساقطة من (ب).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في"مصنفه"(15/ 537)، كتاب فضائل القرءان، باب في المعوذتين، حديث (30836)، وأخرجه النسائي في"سننه الصغرى"(2/ 496)، كتاب الصلاة، القراءة في الصبح بالمعوذتين، حديث (951)، وأخرجه الحاكم في"المستدرك"(1/ 366)، كتاب الصلاة، باب التأمين، حديث (876).

قال أبو عبدالله الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه و قد تفرد به أبو أسامة عن الثوري وأبو أسامة ثقة معتمد) ووافقه الذهبي في تعليقه عليه.

(4)

في (ب): (راكعاً).

(5)

في (ب): (بشيء).

(6)

في (ب): (بشيء).

ص: 313

وَالْمُرَادُ بِالتَّوْقِيتِ تَعْيِينُ بَعْضِ الْقُرْآنِ؛ لِيَقْرَأَ فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ عَيْنًا، وَفِي "شرح الطحاوي" الْمُلَازَمَةُ؛ إِنَّمَا تُكْرَهُ إِذَا لَمْ يَعْتَقِدِ الْجَوَازَ بِغَيْرِهِ؛ فَأَمَّا إِذَا اعْتَقَدَ الْجَوَازَ لَكِنْ يَقْرَأُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ

(1)

.

[تعيين بعض القرآن ليقرأ في بعض الصلوات]

فَإِنْ قُلْتَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَبَيْنَ مَسْأَلَةٍ قَبْلَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ رحمه الله:(وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا) فَيَتَرَاءَى أَنَّهُمَا

(2)

فِي بَيَانِ حُكْمٍ وَاحِدٍ فَحِينَئِذٍ لَا تَبْقَى الْفَائِدَةُ فِي التَّكْرَارِ؟.

قُلْتُ: لَا بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ؛ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعِ، وَمِنْ حَيْثُ الْبَيَانِ، أَمَّا الْوَضْعُ فَإِنَّ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ

(3)

الْقُدُورِي

(4)

، وَالثَّانِيَةَ مِنْ مَسَائِلِ " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "

(5)

(وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله الْتَزَمَ ذِكْرَ مَسَائِلِهِمَا؛ ذَكَرَ فِي خُطْبَةِ الْبِدَايَةِ)

(6)

وَهَذَا الْكِتَابُ شَرَحَ ذَلِكَ؛ فَلَزَمَ عَلَيْهِ إِيرَادُهُمَا؛ بِنَاءً عَلَى الْوَعْدِ، وامَّا الْبَيَانُ فَإِنَّ الْأَوْلَى فِي تَعْيِينِ السُّورَةِ مَعَ إِطْلَاقِ الصَّلَوَاتِ بِأَنْ يُعَيِّنَ سُورَةً فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، وَلَا يَقْرَأُ غَيْرَهَا فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَالثَّانِيَةِ فِي تَعْيِينِهِمَا كَمَا فِي تَعْيِينِ سُورَةِ السَّجْدَةِ، وَهَلْ أَتَى فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ فَظَهَرَ الْفَرْقُ.

فَإِنْ قُلْتَ: لَمَّا عَلِمَ كَرَاهَةَ هَذَا

(7)

التَّعْيِينِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ؛ يُعْلَمُ كَرَاهَةُ التَّعْيِينِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ؛ إِنَّمَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ التَّعْيِينِ؛ فَازْدَادَتِ الْكَرَاهَةُ

(8)

لِزِيَادَةِ التَّعْيِينِ؛ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الثَّانِيَةِ لِعِرْفَانِهَا

(9)

بِالْأُولَى.

(1)

(لَا يُكْرَهُ) زيادة من (ب).

(2)

(أَنَّهُمَا) ساقطة من (ب).

(3)

في (ب): (المسائل).

(4)

قال القُدُوري: (ويكره أن يتخذ قراءة سورة بعينها للصلاة لا يقرأ غيرها). "مختصر القُدُوري"(ص 29).

(5)

قال محمد بن الحسن: (ويكره أن يوقت شيئا من القرآن لشيء من الصلوات). "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (1/ 97).

(6)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(7)

(هَذَا) زيادة من (ب).

(8)

(الْكَرَاهَةُ) زياد من (ب).

(9)

في (ب): (يعرفانها).

ص: 314

قُلْتُ: لَا نُسَلِّمُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْيِينِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَائِدَةٌ؛ لِاخْتِصَاصِهِ بِزِيَادَةِ التَّبَرُّكِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ؛ دُونَ الْآخَرِ، حَتَّى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله

(1)

يَرَى اسْتِحْبَابَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ هَجْراً لِلْبَاقِي، مِنْ غَيْرِ تَضَمُّنِ مَعْنَى التَّبَرُّكِ؛ فَيُكْرَهُ

(2)

الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي؛ فَلَا بُدَّ مِنَ الْبَيَانِ.

وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فخر الدين قاضي خان فيِ " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ": (أَرَادَ بِذَلِكَ/ أَنْ لَا يَقْرَأَ غَيْرَهَا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ وَهْمِ التَّفْضِيلِ، وَهِجْرَانِ غَيْرِهِ، وانَّهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}

(3)

؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ؛ رُبَّمَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ بِدُونِهَا؛ فَكَانَ مُغَيِّراً لِلْمَشْرُوعِ

(4)

فَإِنْ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَادُ قِرَاءَةَ سُورَةٍ

(5)

فِي الصَّلَاةِ؛ فَيَتَبَرَّكُ بِذَلِكَ نَحْوَ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْوِتْرِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَ زِيَادَةَ فَضِيلَةٍ

(6)

لَا بَأْسَ بِهِ؛ لَكِنْ لَا يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ؛ كَيْلَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِدُونِهَا؛ فَلِذَلِكَ يُكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ سُورَةَ {السَّجْدَةِ} ، وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} لِصَلَاةِ الْفَجْرِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ.

(1)

يقول الشافعي-رحمه الله: (وأحب أن يقرأ في الصبح مع أم القرآن بطوال المفصل، وفي الظهر شبيها بقراءة الصبح، وفي العصر نحوا مما يقرؤه في العشاء، وأحب أن يقرأ في العشاء بسورة الجمعة و "إذا جاءك المنافقون" وما أشبهها في الطول، وفي المغرب: بالعاديات وما أشبهها). ينظر: "مختصر المزني"(ص 30).

(2)

في (ب): (قيل).

(3)

سورة الفرقان: آية (30)

(4)

(للشرع) كما في شرح الجامع الصغير لقاضي خان (1/ 219).

(5)

(سُورَةٍ) ساقطة من (ب).

(6)

في (ب): (فضله).

ص: 315

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله

(1)

: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِحَدِيثِ

(2)

ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُهُمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»

(3)

وَإِنَّا نَقُولُ إِنْ تَبَرَّكَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ؛ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يُوَاظِبُ عَلَيْهِ كَيْلَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِدُونِهَا)

(4)

.

ذَكَرَ الْحلوَانِيُّ رحمه الله فِي الصَّوْمِ عَنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَخُصَّ لِنَفْسِهِ مَكَاناً فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَصِيرُ الصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ طَبْعاً، وَالْعِبَادَةُ مَتَى صَارَتْ طَبْعاً كَانَ سَبِيلَهَا التَّرْكُ، وَلِهَذَا كُرِهَ صَوْمُ الْأَبَدِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي" الْجَامِعِ الصَّغِيرِ".

[قراءة المأموم خلف الأمام]

وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ؛ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْهُمْ مَالِكٍ رحمه الله

(5)

يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، وَلَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله

(6)

يَقْرَأُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؛ إِلَّا أَنَّ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِ

(7)

أَوْ

(8)

إِنَّ قِرَاءَةَ

(9)

الْفَاتِحَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْهَا؛ فَإِنَّ الْإِمَامَ يُنْصِتُ حَتَّى يَقْرَأَ الْمُقْتَدِي الْفَاتِحَةَ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ»

(10)

.

(1)

نقل النووي اتفاق الشافعية علي أنه يسن أن يقرأ في صبح يوم الجمعة (الم تنزيل) في الركعة الأولى (وهل أتى) في الثانية. ينظر: "المجموع شرح المهذب؛ للنووي"(3/ 349).

(2)

في (ب): (بحديث).

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة (2/ 5) برقم (891).

(4)

"شرح الجامع الصغير" لقاضي خان (1/ 218: 219).

(5)

ينظر: "الكافي في فقه أهل المدينة، للقرطبي "(1/ 201).

(6)

يقول الإمام الشافعي: (فعلي كل مصل خلف إمامٍ أن يقرأ خلفه-في كل أسرَّ فيه الإمام من الصلاة التي يجهر في بعضها، والصلاة التي يسر فيها كلها- بأم القرآن وسورة في الأوليين، وأم القرآن في الأُخريين). ينظر: "مختصر البويطي"(ص 139).

(7)

كذا في النسختين.

(8)

في (ب): (و).

(9)

في (ب): (قرأ).

(10)

سبق تخريجه ص: (270).

ص: 316

وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ؛ فَلَا تَسْقُطُ بِسَبَبِ الاقْتِدَاءِ عِنْدَ الاخْتِيَارِ كَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ؛ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ حَالَةُ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ يَخَافُ فَوْتَ الرَّكْعَةِ، وَبِسَبَبِ الضَّرُورَةِ قَدْ تَسْقُطُ بَعْضُ الْأَرْكَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِيَامَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ رُكْنٌ، وَقَدْ سَقَطَ ها هُنَا لِلضَّرُورَةِ كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(1)

.

وَذُكِرَ فِي "الأسرار " وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله

(2)

هَذَا فِي الصَّلَاةِ؛ الَّتِي يُخَافِتُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَفِي الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا لَهُ قَوْلَانِ

(3)

وَفِي "الْخُلَاصَةِ الْغَزَالِيَّةِ"

(4)

: (وَيَقْرَأُ الْمَأْمُومُ

(5)

فِي الْجَهْرِيَّةِ عِنْدَ سَكْتَةِ الْإِمَامِ مِنَ الْفَاتِحَةِ؛ كَيْلَا يَفُوتُهُ سَمَاعُ الْقُرْآنِ، وَلَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ السُّورَةَ فِي الْجَهْرِيَّةِ)

(6)

.

وَلَنَا

(7)

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}

(8)

وأكثر أَهْلُ التَّفْسِيرِ

(9)

عَلَى أَنَّ هَذَا خِطَاباً لِلْمُقْتَدِي، وَلَا يُقَالُ إِنَّ الْإِمَامَ يَسْكُتُ لِيَقْرَأَ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخِلَافُ ثَابِتٌ فِي إِمَامٍ لَمْ

(10)

يَسْكُتْ؛ وَلِأَنَّ السُّكُوتَ بِغَيْرِ قِرَاءَةِ حَالَةِ الْقِيَامِ، مَكْرُوهٌ وَلَوْ سَكَتَ طَوِيلاً سَاهِياً لَزِمَهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى حَالِ الْخُطْبَةِ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فَفِيهِ بَيَانُ الْأَمْرِ بِالاسْتِمَاعُ، وَالْإِنْصَاتِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَمَنْعِ الْمُقْتَدِي عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ؛ مَرْوِيٌّ

(11)

عَنْ ثَمَانِينَ نَفَراً مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رحمهم الله وَقَدْ جَمَعَ أَسَامِيهِمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ.

(1)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 199).

(2)

في ب زيادة: (يقرأ في كل صلاة إلا أنه في صلاة الجهر). قلت: وأظنها مدخولة

(3)

حكي الماوردي القولان فقال: (وإن كانت صلاة جهرٍ؛ جهرَ بها الإمام، فأما المأموم فقد قال الشافعي في القديم: يجهر به كالإمام، وفي القول الجديد يسره ولا يجهر به بخلاف الإمام). "الحاوي الكبير، للماوردي"(2/ 112).

(4)

في (ب): (الغزالية)

(5)

في (ب): (إلمام).

(6)

"الخلاصة" للغزالي (ص 128).

(7)

في (ب): (وأما).

(8)

سورة الأعراف: من آية (204).

(9)

انظر: " تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل"(3/ 47)، "التفسير الوسيط للواحدي"(2/ 440)"تفسير ابن كثير"(3/ 537).

(10)

(لَمْ) زيادة من (ب).

(11)

في (ب): (رُوي).

ص: 317

قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه: (مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ)

(1)

وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِعَيْنِهَا؛ بَلْ لِلتَّدَبُّرِ، وَالتَّفَكُّرِ، وَالْعَمَل بِهِ، وَحُصُولِ هَذَا الْمَقْصُودِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، وَسَمَاعُ الْقَوْمِ فَإِذَا

(2)

اشْتَغَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقِرَاءَةِ لَا يَتِمُّ هَذَا الْمَقْصُودُ.

وَهُوَ نَظِيرُ الْخُطْبَةِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا؛ الْوَعْظُ، وَالتَّدَبُّرُ

(3)

وَذَلِكَ يَحْصُلُ

(4)

بِأَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ وَيَسْتَمِعُ الْقَوْمُ، لَا أَنْ يَخْطُبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

(5)

لِنَفْسِهِ دَلَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا أَدْرَكَ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ؛ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنَ الْأَرْكَانِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي؛ لَمَا سَقَطَتْ بِهَذَا الْعُذْرِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا نَقُولُ إِنَّ رُكْنَ الْقِيَامِ يَسْقُطُ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِماً، وَفَرْضُ الْقِيَامِ، يَتَأَدَّى بِأَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الاسْمُ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ؛ فَإِنَّهُ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ تَصِيرُ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِالْقِرَاءَةِ؛ كَمَا أَنَّ بِخُطْبَةِ الْإِمَامِ، تَصِيرُ صَلَاتُهُمْ جَمِيعاً بِالْخُطْبَةِ.

وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه

(6)

مِنْ قِرَاءَةِ الْمُقْتَدِي خَلْفَ الْإِمَامِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رُكْناً فِي الابْتِدَاءِ، ثُمَّ مَنَعَهُمْ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ

(7)

لَمَّا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ خَلْفَهُ قَالَ: «مَالِي أُنَازِعُ الْقُرْآنَ»

(8)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في"مصنفه"(3/ 278)، كتاب الصلوات، من كره القراءة خلف الإمام، حديث (3803) عن أبي نجاد، عن سعد قال:«وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة» .

وقد ضعفه البخاري في"جزء القراءة "(1/ 13) بقوله: (وهذا مرسل وابن نجاد لم يعرف ولا سمي).

(2)

في (ب): (المقتدي فمتى).

(3)

في (أ): والتقدير، والمثبت من (ب).

(4)

(يَحْصُلُ) ساقطة من (ب).

(5)

(مِنْهُمْ) زيادة من (ب).

(6)

عبادة بْن الصامت بْن قيس بن أصرم الأنصاري الخزرجي، أَبُو الْوَلِيد، شهد العقبة الأولى، والثانية وشهد بدرًا، واحدًا، والخندق والمشاهد كلها هو أحد النقباء الأثني عشر. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، وانَسُ بنُ مَالِكٍ، وأبو مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيُّ توفي عبادة رضي الله عنهم 34 هـ بالرملة، وقيل: ببيت المقدس. انظر: "سير أعلام النبلاء للذهبي"(2/ 5) و "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير "(3/ 158) و "الطبقات الكبرى لإبن سعد"(3/ 413).

(7)

الضمير يعود علي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(8)

يشير إلي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟، فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: إنّي أقولُ: مالي أُنازَعُ القرآنَ؟، قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم» . أخرجه أبو داود في"سننه"(ص 109)، كتاب الصلاة، باب مَن رأى القراءة إذا لم يجهر، حديث (826)، وأخرجه الترمذي في "سننه"(1/ 408)، أبواب الصلاة، باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة، حديث (312)، وأخرجه النسائي في"سننه"(2/ 478)، كتاب الصلاة، ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به، حديث (918)، وأخرجه ابن ماجة في"سننه" (1/ 276: 277)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب إذا قرأ الإمام فأنصتوا، حديث (848) و (849).

قال الترمذي: (هذا حديث حسن)، وقال النووي في"خلاصة الأحكام" (1/ 378):(وأنكره عَلَيْهِ الْأَئِمَّة وَاتَّفَقُوا عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث، لِأَن ابْن أكيمَة مَجْهُول)، وانتهي ابن الملقن إلي توثيق (ابن أكمية) ورفع الجهالة عنه،، حيث قال في "البدر المنير، لابن الملقن"(3/ 545): (قلت: فقد زالت عنه الجهالة العينية والحالية برواية جماعة عنه، وتوثيق أبي حاتم بن حبان إياه، وإخراج الحديث في «صحيحه» من جهته، وتصحيح أبي حاتم الرازي حديثه وانه مقبول، وتحسين الترمذي له، وسكوت أبي داود عنه، فهو حسن كما قاله الترمذي، بل هو صحيح كما قاله ابن حبان، وتفرد ابن أكيمة به لا يخرجه عن كونه صحيحا لما علم من أنه لا يضر تفرد الثقة بالحديث، كيف وقد أخرجه إمام دار الهجرة في موطئه مع ما علم من تشديده وتحريه في الرجال، وقد قال الإمام أحمد: مالك إذا روى عن رجل لا يعرف فهو حجة. وقال سفيان بن عيينة: كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحاً و لا يحدث إلا عن ثقات).

ص: 318

وَالْقِرَاءَةُ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ، فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِسَائِرِ الْأَرْكَانِ؛ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ، عَلَى مَا مَرَّ/ كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ "

(1)

، وَ"الأسرار".

فَإِنْ قُلْتَ: التَّعْلِيلُ بِمَعْنَى التَّدْبِيرِ، وَالتَّفَكُّرِ؛ إِنَّمَا يَصِحُّ فِي صَلَاةٍ يَجْهَرُ فِيهَا، وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ؛ فِي صَلَاةٍ يُخَافِتُ فِيهَا فَكَيْفَ تُوَحَّدُ

(2)

هَذِهِ الْفَائِدَةُ؟

قُلْتُ: أَصْلُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرُ

(3)

غَيْرُ غَالٍ عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}

(4)

فَالاسْتِمَاعُ وَاجِبٌ عَلَى ذَلِكَ؛ ثُمَّ أَمَرَ بِالْمُخَافَتَةِ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ قَطْعاً لِمُحَادَّاةِ

(5)

الْمُنَافِقِينَ؛ فَبَقِيَ الْحُكْمُ عَلَى الأصل؛ وَلِأَنَّ الْإِنْصَاتَ يَجِبُ

(6)

وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَهُ

(7)

الاسْتِمَاعُ؛ إِذِ الْمَأْمُورُ بِهِ شَيْئَانِ؛ فَالْإِنْصَاتُ لَهُ مُمْكِنٌ بِدُونِ الاسْتِمَاعِ فَيَجِبُ مَا يُمْكِنُ

(8)

كَذَا ذُكِرَ الْجَوَابُ فِي "الأسرار ".

وَذَكَرَ فِي " الْمُحِيطِ ": (الْقِرَاءَةُ مَا سَقَطَتْ عَنِ الْمُقْتَدِي؛ لِمَكَانِ الْإِنْصَاتِ لَكِنْ إِنَّمَا سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ جُعِلَتْ قِرَاءَةً لَهُ مَتَى شَارَكَ الْإِمَامُ فِي الْقِيَامِ؛ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ)

(9)

.

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَيُسْتَحْسَنُ عَلَى سَبِيلِ الاحْتِيَاطِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ

(10)

(11)

.

(1)

"المبسوط" للسرخسي (1/ 200).

(2)

تفاوت رسمها في النسخة (أ) بين ما أثبت وبين (توجه) وفي النسخة (ب): (يوجد).

(3)

(الْجَهْرُ) ساقطة من (ب).

(4)

سورة الإسراء: من آية (110).

(5)

في (ب): (لمخالفة).

(6)

في (ب): (يستحب).

(7)

(لَهُ) زيادة من (ب).

(8)

في (ب): (أمكن).

(9)

"المحيط البرهاني لإبن مازة "(1/ 372).

(10)

قال محمد بن الحسن في "الآثار"(1/ 109): (لا نرى القراءة خلف الإمام في شيء من الصلاة يجهر فيه أو لا يجهر فيه)، وقال في موضع آخر (1/ 114):(لا ينبغي أن يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات).

(11)

قال صاحب الهداية: (لكن حظ المقتدي الإنصات والاستماع قال عليه الصلاة والسلام " وإذا قرأ الإمام فأنصتوا" ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد رحمه الله ويكره عندهما لما فيه من الوعيد). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 56).

ص: 319

الْمُقْتَدِي إِذَا قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةٍ لَا يَجْهَرُ

(1)

فِيهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخُ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكْرَهُ، وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ؛ أَبُو حَفْصٍ رحمه الله وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا؛ ذَكَرُوا فِي شَرْحِ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ

(2)

عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لَا يُكْرَهُ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا

(3)

يُكْرَهُ كَذَا ذُكِرَ فِي "الذخيرة"

(4)

فِي أَقْسَامِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي مَسَائِلِ الْمُقْتَدِي مِنْهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ.

وَقَالَ شَمْسُ الْأَئَمَّةِ السَّرْخَسِيُّ رحمه الله: (تَفْسَدُ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ)

(5)

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أُحِبُّ أَنْ لَوْ

(6)

يُمْلَأُ فُوهُ مِنَ التُّرَابِ، وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ أَنْ تُكْسَرَ أَسْنَانُهُ؛ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَفِي فِيهِ جَمْرَةٌ»

(7)

(8)

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَخْطَأَ الْفِطْرَةَ»

(9)

أَيِ السُّنَّةَ.

(1)

في (ب): (الجهر).

(2)

(أَنَّ) ساقطة من (ب).

(3)

ينظر: "التجنيس والمزيد، للمرغيناني"(1/ 461)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 56).

(4)

ينظر: "الذخيرة" للقرافي (2/ 185: 186).

(5)

قال السرخسي: (مروي عن ثمانين نفراً من كبار الصحابة، وقد جمع أسمائهم أهل الحديث). "المبسوط" للسرخسي (1/ 199).

(6)

(لَوْ) زيادة من (ب).

(7)

في (ب): (ففيه جمزة).

(8)

لم أجده مرفوعًا، وإنما وجدته موقوفًا على سعد بن أبي وقاص س، وقد أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3/ 278)، كتاب الصلوات، من كره القراءة خلف الإمام، حديث (3803).

وقد ضعفه البخاري في"جزء القراءة "(1/ 13).

(9)

لم أجده مرفوعاً، وإنما وجدته موقوفًا على علي بن أبي طالب س وقد أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2/ 136)، كتاب الصلاة، باب القراءة خلف الإمام، حديث (2801)، و أخرجه ابن أبي شيبة في"مصنفه"(3/ 278)، كتاب الصلوات، من كره القراءة خلف الإمام، حديث (3802)، وأخرجه الدارقطني في"سننه"(2/ 123)، كتاب الصلاة، باب ذكر قوله صلى الله عليه وسلم:«من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» واختلاف الروايات، حديث (1255). وقد ضعفه البخاري في"جزء القراءة " (1/ 13) بقوله:(وهذا لا يصح لأنه لا يعرف المختار ولا يدرى أنه سمعه من أبيه أم لا؟ وأبوه من علي، ولا يحتج أهل الحديث بمثله،).

ص: 320

قَوْلُهُ رحمه الله: (وَيَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ)

فَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

مَسَأَلَةٌ فِي الْمُنْفَرِدِ؛ وَالْجَوَابُ فِيهَا أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي التَّطَوُّعِ فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ اللَّيْلِ فَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ إِلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ، وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ إِلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ»

(1)

.

وَإِنْ كَانَ فِي الْفَرْضِ يُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَا عَنِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ فَكَانَ مُحْدَثاً، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحَدَثَاتُهَا.

وَمَسْأَلَةٌ فِي الْإِمَامِ، وَالْجَوَابُ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ وَالْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنِ الْأَئَمَّةِ بَعْدَهُ

(2)

؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ، عَلَى الْقَوْمِ وانَّهُ

(3)

مَكْرُوهٌ.

وَمَسْأَلَةٌ فِي الْمُقْتَدِي وَالْجَوَابُ فِيهَا أَنَّهُ يَسْتَمِعُ، وَيُنْصِتُ وَلَا يَشْتَغِلْ بِالدُّعَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}

(4)

أَمَرَ بِهِمَا؛ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالدُّعَاءُ يَخِلُّ الاسْتِمَاعَ، وَ

(5)

الْإِنْصَاتَ فَلَا يَجُوزُ كَذَا فِي " الْمُحِيطِ ".

(1)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(ص 306)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، حديث (722)، وأخرجه أبو داود في"سننه"(ص 113)، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجود، حديث (871)، وأخرجه الترمذي في "سننه"(1/ 349)، أبواب الصلاة، باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود، حديث (262)، وقال الترمذي:(وهذا حديث حسن صحيح).

(2)

في (ب): (بهذه).

(3)

في (ب): (فإنه).

(4)

سورة الأعراف: من آية (204).

(5)

(الاسْتِمَاعَ، وَ) ساقطة من (ب).

ص: 321

وَقَدْ حَفِظَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله لِسَانَهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ؛ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ الْجَنَّةَ، وَلَا يَتَعَوَّذَ مِنَ النَّارِ؛ وَلَكِنَّهُ قَالَ: يَسْتَمِعُ، وَيُنْصِتُ؛ فَيَحْصُلُ بِهَذَا الْجَوَابِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ؛ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَوْمَ وُعِدُوا الرَّحْمَةَ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .

بَعْدَ الْأَمْرِ بِالاسْتِمَاعِ

(1)

وَالْإِنْصَاتِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ رحمه الله.

[حكم القراءة أو الحديث والإمام يخطب]

قوله رحمه الله: (وَكَذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ)

رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا وَمَنْ لَغَا فَلَا صَلَاةَ لَهُ»

(2)

(3)

وَكَمَا لَا يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا؛ لَا يَتَكَلَّمُ الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَنْظُومٌ، فَالتَّكَلُّمُ فِي خِلَالِهِ يُذْهِبُ بَهَائَهُ؛ فَلَا يُشْغَلُ

(4)

بِهِ كَمَا فِي خِلَالِ الْأَذَانِ، وَكَذَا التَّشْمِيتُ، وَرَدُّ السَّلَامِ؛ لَا يَأْتِي بِهِمَا إِلَّا رِوَايَةٌ رُوِيَتْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ فَإِنَّهُ يَقُولُ:(رَدُّ السَّلَامِ فَرْضٌ وَالاسْتِمَاعُ سُنَّةٌ)

(5)

، وَلَكِّنَّا نَقُولُ رَدُّ السَّلَامِ؛ إِنَّمَا يَكُونُ فَرْضاً إِذَا كَانَ السَّلَامُ مَشْرُوعاً، وَفِي حَالِ الْخُطْبَةِ؛ الْمُسْلِمُ مَمْنُوعٌ مِنَ السَّلَامِ، فَلَا يَكُونُ الْجَوَابُ فَرْضاً كَمَا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ.

(1)

(بِالاسْتِمَاعِ) ساقطة من (ب).

(2)

في (ب): (عليه).

(3)

أخرجه البخاري في"صحيحه"(1/ 270)، كتاب الجمعة، باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، حديث (911) بدون عبارة:(ومن لغا فلا صلاة له) لكن يشهد لتلك العبارة الزائدة ما أخرجه ابن أبي شيبة في"مصنفه"(4/ 105)، كتاب الصلاة، في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب، حديث (5348)، واحمد في "مسنده"(3/ 475)، حديث (2033)، كلاهما من حديث ابن عباس س مرفوعًا بلفظ:(وَالَّذِي يَقُولُ لَهُ: أَنْصِتْ، لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ)، وقد ضعف الأرنؤوط رواية أحمد فقال:(إسناده ضعيف).

(4)

في (ب): (يشتغل).

(5)

ينظر: "المبسوط" للسرخسي (2/ 29)، "بدائع الصنائع للكاساني"(1/ 264)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة "(2/ 83).

ص: 322

وَكَذَا لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ؛ فَسُلِّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ الْجَوَابَ، لِمَا مَرَّ وَعَنِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ:(إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ وِرْدٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَالدَّعَوَاتِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِي حَالِ وِرْدِهِ، لَهُ أَنْ لَا يَرُدَّ الْجَوَابَ)

(1)

أَيْضاً، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى الْمُدَرِّسِ؛ فِي حَالِ تَدْرِيسِهِ لَهُ أَنْ لَا يَرُدَّ الْجَوَابَ أَيْضاً.

وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ الْمُكَدِّي عَلَى إِنْسَانٍ لَهُ أَنْ لَا يَرُدَّ الْجَوَابَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْمَالُ دُونَ/ إِفْشَاءِ السَّلَامِ كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ

(2)

.

وَفِي "مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ: (مَتَى تَخْرُجُ الْقَافِلَةُ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَنْصِتْ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِلَّذِي قَالَ أَنْصِتْ: أَمَّا أَنْتَ فَلَا صَلَاةَ لَكَ وامَّا صَاحِبُكَ فَحِمَارٌ)

(3)

فَقَدْ حَرَّمَ الْكَلَامَ بِمَا هُوَ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ فَرْضًا كَيْلا يفَوْتِهِمْ فَرْضٌ؛ فَلِأَنْ يَحْرُمَ مَا هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ أَوْلَى.

[حكم الصَّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والإمام يخطب]

قوله رحمه الله: (وَكَذَلِكَ إِنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(4)

(1)

ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني"(264).

(2)

ينظر: " البناية شرح الهداية للعيني "(2/ 323).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4/ 104)، كتاب الصلاة، باب في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب، حديث (5346). قال البيهقي: ويشبه أن يكون بن عمر رضي الله عنه إنما أخذ هذا من الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» . شعب الإيمان، للبيهقي (4/ 413).

(4)

ما بين القوسين من كلام صاحب البداية وقال في الهداية حيث يقول: (وكذلك إن صلى على النبي عليه الصلاة والسلام لفرضية الاستماع إلا أن يقرأ الخطيب قوله تعالى: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] [الأحزاب: 56] الآية، فيصلي السامع في نفسه، واختلفوا في النائي عن المنبر، والأحوط هو السكوت إقامة لفرض الإنصات). "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني"(1/ 56).

ص: 323

قَالَ: وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ؛ إِذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ وَ

(1)

يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَسْتَمِعُوا، وَيُنْصِتُوا، وَلَمْ يَقُلْ لَا يَذْكُرُونَ، وَلَا يُصَلُّونَ؛ فَقَدْ أَحْسَنَ فِي الْعِبَارَةِ، وَاحْتَشَمَ مِنْ أَنْ يَقُولَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، وَلَا يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(2)

وَإِنَّمَا كَانَ الاسْتِمَاعُ، وَالْإِنْصَاتُ أَحَبَّ

(3)

؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ؛ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ بِفَرْضٍ وَاسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ فَرْضٌ)

(4)

فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْفَرْضِ لِإِقَامَةِ مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ

(5)

(أَلَا تَرَى أَنَّهُ حَرَّمَ الْكَلَامَ، بِمَا هُوَ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ؛ فَرْضٌ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ تَرْكُ الاسْتِمَاعِ بِمَا هُوَ فَرْضٌ؛ فَلِأَنَّ لَا يَجُوزُ التَّرْكُ لِمَا سُنَّةٌ أَوْلَى)

(6)

، ثُمَّ هَذَا لَا يَشْكُلُ إِذَا كَانَ قَرِيباً مِنَ الْمِنْبَرِ بِحَيْثُ يَسْتَمِعُ

(7)

الْخُطْبَةَ مِنَ الْإِمَامِ.

فَأَمَّا إِذَا كَانَ بَعِيداً بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ مِنَ الْإِمَامِ، فَذِكْرُ اللَّهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْلَى أَمِ الْإِنْصَاتُ؟ فَهَذَا فَصَّلَ لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي " الْمَبْسُوطِ ": (فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَدْ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ؛ أَنَّهُ يَقُولُ الْإِنْصَاتُ أَوْلَى، وَرُوِيَ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى

(8)

أَنَّهُ (مَتَى كَانَ بَعِيداً مِنَ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ)

(9)

كَانَ يَقُولُ

(10)

يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، وَيَقَرَأُ الْقُرْآنَ)

(11)

.

(1)

(وَ) ساقطة من (ب).

(2)

(عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ساقطة من (ب).

(3)

(أَحَبَّ) زيادة من (ب).

(4)

في (ب): (لأن ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليسا بفرضية والاستماع والإنصات فرضان).

(5)

في (ب): (السنة).

(6)

ما بين القوسين ساقط من (ب).

(7)

في (ب): (حتى يسمع).

(8)

هو نصير بن يحيى وَقيل نصر الْبَلْخِي تفقه على أبي سُلَيْمَان الْجوزجَاني عَن مُحَمَّد روى عَنهُ أَبُو عتاب الْبَلْخِي مَاتَ سنة ثَمان وسِتِّين ومِائتين -رحمه الله تعالى-. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، للقرشي (2/ 200) رقم (619).

(9)

ساقطة من (ب).

(10)

(يَقُولُ) زيادة من (ب).

(11)

"المبسوط" للسرخسي (2/ 28).

ص: 324

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ أَنْ يَسْتَمِعُوا وَيُنْصِتُوا فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ إِلَى قَوْلِهِ عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

(1)

فَإِنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا وَيُسَلِّمُوا

(2)

عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْفُسِهِمْ وَ

(3)

ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخَطِيبَ حَكَى عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يُصَلِّي، وَعَنِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ وَحَكَى أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ.

وَهُوَ قَدِ اسْتَعْمَلَ

(4)

(بِذَلِكَ فَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَشْتَغِلُوا)

(5)

أَيْضاً بِالصَّلَاةِ تَحْقِيقاً لِمَا طُلِبَ مِنْهُمْ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا

(6)

عَنْ أَبِي يُوسُفَ

(7)

(هَذَا)

(8)

وَكَان الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله يُعْجِبُهُ هَذَا كَذَا فِي (مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ) رحمه الله - (وَاللَّهُ أَعْلَمُ)

(9)

.

(1)

سورة الأحزاب من آية (56).

(2)

في (ب): (يسلموا ويصلوا).

(3)

في (ب): (في).

(4)

في (ب): (اشتغل).

(5)

ساقطة من (ب) قلت: يبدوا أن هناك كلمات ساقطة بالمتن؛ فقد ذُكر في المحيط البرهاني لإبن مازة (2/ 82) كلامٌ للطحاوي والذي منه (والذي عليه عامة مشايخنا: أنَّ على القوم أن يستمعوا الخطبة وينصتوا من أول الخطبة إلى آخرها).

(6)

(هَذَا) ساقطة من (ب).

(7)

قال أبو يوسف-رحمه الله: (أنه يصلي الناس عليه في نفوسهم). ينظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة "(2/ 82).

(8)

(هَذَا) زيادة من (ب).

(9)

ساقطة من (ب).

ص: 325