المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بابُ الحَجْر (1) بسببِ الدَّيْن (2) اعلم أن الدَّينَ أيضًا من أسباب - النهاية في شرح الهداية - السغناقي - جـ ٢١

[الحسام السغناقي]

فهرس الكتاب

‌بابُ الحَجْر

(1)

بسببِ الدَّيْن

(2)

اعلم أن الدَّينَ أيضًا من أسباب الحجر عند أبي يوسف

(3)

(4)

ومحمد

(5)

(6)

-رحمهما الله- فلذلك ذكره في كتاب الحجر، وإنما أخَّر هذا الحجر عن الحجر بسبب السَّفَهِ

(7)

؛ لأن هذا الحجر موقوف إلى طلب الغرماء

(8)

حجره، مع أن الأصل في الذِّمم هو البراءة من الدين

(9)

، كما أن الأصل هو الرُشد

(10)

دون السَّفه، وكأنَّ في هذا الحجر وصفًا زائدًا يتوقف الحجر إليه بعدما وقعت المشاركة بينهما في أصالة عدم سبب الحجر لهما، وكانت الفرعية ثابتة في هذا الحجر؛ إذ المَزيد فرع على المزيد عليه، والفرع مؤخر عن الأصل وجودًا، فكذا ذُكرا طلبًا للتناسب.

(1)

الْحَجْرُ لُغَةً: الْمَنْعُ. المغرب مادة (ح ج ر)(ص: 103) الصحاح مادة (ح ج ر)(2/ 623). وشرعًا: عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى وَجْهٍ يَقُومُ الْغَيْرُ فِيهِ مَقَامَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. انظر: الاختيار (2/ 94)، العناية شرح الهداية (9/ 254)، الجوهرة النيرة على (1/ 239).

وأما أسباب الحجر فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ؛ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله -الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَجْرِ ثَلَاثَةٌ مَا لَهَا رَابِعٌ: الْجُنُونُ، وَالصِّبَا، وَالرِّقُّ، وَهُوَ قَوْلُ: زُفَرَ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ رحمهم الله تَعَالَى وَالسَّفَهُ، وَالتَّبْذِيرُ، وَمَطْلُ الْغَنِيِّ، وَرُكُوبُ الدَّيْنِ، وَخَوْفُ ضَيَاعِ الْمَالِ بِالتِّجَارَةِ، وَالتَّلْجِئَةُ. انظر: بدائع الصنائع (7/ 169)، الاختيار (2/ 94).

(2)

الدَّيْنُ لُغَةً: وَاحِدُ الدُّيُونِ وَقَدْ دَانَهُ أَقْرَضَهُ، فَهُوَ مَدِينٌ وَمَدْيُونٌ. مختار الصحاح (ص: 110)، وشرعًا: عبارة عن مال حكمي يحدث في الذمة ببيع أو استهلاك أو غيرهما. انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 305)، الكليات (ص: 444).

(3)

هو القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي، قاضي الكوفة، العلامة، المجتهد، قال عن نفسه: صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة؛ كان قد سكن بغداد وتولى القضاء بها لثلاثة من الخلفاء: المهدي وابنه الهادي ثم هارون الرشيد، وهو أول من لُقب قاضي القضاة، وكان عظيم الرُتبة عند هارون الرشيد، من كتبه:"الأمالي" كتاب" الصلاة" كتاب"الزكاة" و"الخراج" توفي 182 هـ. انظر: وفيات الأعيان (6/ 379)، تاريخ الإسلام (4/ 1023)، الجواهر المضية (2/ 220)، تاج التراجم (ص: 317).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (20/ 88)، بدائع الصنائع (7/ 169)، العناية (9/ 271).

(5)

هو محمد بن الحسن بن فرقد أبو عبد الله الشيباني، فقيه العراق، وصاحب أبي حنيفة، أخذ بعض الفقه عن أبي حنيفة، وتمّم الفقه على أبي يوسف، وأخذ عنه الشافعي، ولي القضاء للرشيد بعد القاضي أبي يوسف، وكان إمامًا مجتهدًا من الأذكياء الفصحاء، من كُتُبه رحمه الله:"الأصل" أملاه على أصحابه رواه عنه الجوزجاني، وغيره، و"الجامع الكبير"و"الجامع الصغير" و"السير الكبير" و"السير الصغير" و"الآثار" و"الموطأ" و"الفتاوي الهارونية" و"الرقية" و"الكاسانية". توفي 189 هـ. انظر: تاريخ بغداد (2/ 172)، تاريخ الإسلام (4/ 955)، سير أعلام النبلاء (9/ 134)، تاج التراجم (ص: 238).

(6)

انظر: المبسوط للشيباني (10/ 490)، المبسوط للسرخسي (20/ 88)، بدائع الصنائع (7/ 169).

(7)

السَّفَهُ لغةً: ضِدُّ الْحِلْمِ وَأَصْلُهُ الْخِفَّةُ وَالْحَرَكَةُ. الصحاح مادة (س ف هـ)(6/ 2234)، مقاييس اللغة (3/ 79) واصطلاحًا: عبارة عن خفة تَعرض للإنسان من الفرح والغضب فتحمله على العمل، بخلاف طور العقل، وموجب الشرع. التعريفات (ص: 119)، معجم لغة الفقهاء (ص: 245).

(8)

الْغَرِيمُ لُغَةً: الْمَدِينُ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ أَيْضًا وَالْجَمْعُ الْغُرَمَاءُ. الصحاح مادة (غ ر م)(5/ 1996)، المصباح المنير مادة (غ ر م) (2/ 446) واصطلاحًا: لفظ مشترك يطلق على من له الدين وعلى من عليه الدين، ويحدد السياق المعنى المراد منهما. معجم لغة الفقهاء (ص: 331).

(9)

انظر: كشف الأسرار (3/ 378)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 50)، تيسير التحرير (2/ 75).

(10)

رَشَدَ لغةً: يَدُلُّ عَلَى اسْتِقَامَةِ الطَّرِيقِ، ضِدُّ الْغَيِّ. مختار الصحاح مادة (ر ش د) (ص: 123) مقاييس اللغة (2/ 398)، واصطلاحًا: الاسْتقَامَة على طَرِيق الْحق مَعَ تصلب فِيهِ، وغالب اسْتِعْمَاله للاستقامة بطرِيق الْعقل. المغرب (ص: 189) الكليات (ص: 476).

ص: 1

اعلم أن الحجر بسبب الدَّين له شرائط

(1)

:

[الإشهاد ليس شرطًا لصحة الحجر]

أحدها: (أن القاضي إذا حَجر عليه بسبب الدَّين يُشْهِد أنه قد حَجَر عليه في ماله، والإشهاد ليس بشرط

(2)

لصحة الحجر

(3)

، وإنما اُحْتيج إليه؛ لأنه يتعلق بهذا الحجر أحكام، وربما يقع التجاحد فيه، فيحتاج إلى إثباته فيُشْهِد ليقع الأمن عن التجاحد.

[سبب الحجر الدين]

والثانية: أنه يُبيِّن سبب الحجر فيقول: حجرت عليه بسبب الدَّين؛ لأن الحجر على قول من يقول بجوازه

(4)

تختلف أسبابه، وهو باختلاف سببه

(5)

يختلف في نفسه؛ لأن الحجر بسبب السفه يعُمُّ الأموال كلها، والحجر بسبب الدين يختص بالمال الموجود له في الحال، وأما ما يحدث له من المال بالكسب وغيره فلا يؤثِّر الحجر فيه، وينفذ تصرفه فيه.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 163)، بدائع الصنائع (7/ 170)، حاشية ابن عابدين (6/ 148).

(2)

الشَّرْطُ لغة: إِلزامُ الشَّيْءِ. لسان العرب (7/ 329)، واصطلاحًا: الشَّرْطَ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ. انظر: المغني في أصول الفقه (1/ 345)، البحر المحيط (4/ 437)، شرح مختصر الروضة (1/ 435).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 27) حيث قال: (شرط صحة الحجر التشهير).

(4)

قال الكاساني: (فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ- عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ- الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَجْرِ ثَلَاثَةٌ مَا لَهَا رَابِعٌ: الْجُنُونُ، وَالصِّبَا، وَالرِّقُّ، وَهُوَ قَوْلُ: زُفَرَ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ-رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى- وَالسَّفَهُ، وَالتَّبْذِيرُ، وَمَطْلُ الْغَنِيِّ، وَرُكُوبُ الدَّيْنِ، وَخَوْفُ ضَيَاعِ الْمَالِ بِالتِّجَارَةِ، وَالتَّلْجِئَةُ.) بدائع الصنائع (7/ 169) وقال ابن الهمام: (لَا نَصَّ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ هُوَ الْقِيَاسُ.) فتح القدير (9/ 274).

(5)

في (ع)(سنه).

ص: 2

[تعيين صاحب الدين]

والثالثة: أنه يُعيِّن صاحبَ الدين الذي وقع الحجر لأجله باسمه، فيقول: حَجَرت عليه بسبب الدَّين الذي لفلانِ بن فلان عليه؛ لأن الحجر يرتفع

(1)

بإبراء ربِّ الدين المحجور بوصول الدين إليه، فيحتاج إلى معرفته.

ومسائل الحجر كلها على قولهما خلافًا لأبي حنيفة

(2)

رحمهم الله)، وقد ذكرناه هذا كله مما أشار إليه في «الذخيرة»

(3)

(4)

.

(ثم إن الحجر بسبب الدين على قولهما في موضعين:

[حكم الحجر على المديون]

أحدهما: أن من ركِبتْه الدُّيون إذا خِيف أن يُلجِئَ ماله بطريق الإقرار

(5)

بطلب الغرماء من القاضي أن يحجر عليه، عند أبي حنيفة- رحمه الله

(6)

: (لا يحجر عليه القاضي)، وعندهما

(7)

: (يحجر عليه، وبعد الحجر لا ينفذ تصرُّفه في المال الذي كان في يده عند الحجر، وتنفذ تصرفاته فيما يكتسب من المال بعده، وفي هذا الحجر نظر للمسلمين)؛ فإذا جاز الحجر عليه عندهما بطريق النظر

(8)

فكذلك الحجر عليه لأجل النظر للمسلمين.

وعند أبي حنيفة

(9)

: كما لا يُحجر على المديون نظرًا له؛ فكذلك لا يحجر عليه نظرًا للغرماء؛ لِمَا في الحيلولة بينه وبين التصرف في ماله من الضرر عليه، وإنما يجوز النظر لغرمائه بطريقٍ لا يكون فيه إلحاق الضرر إلا بقدر ما ورد الشرع به، وهو الحبس في الدين لأجل ظُلمه الذي تحقق بالامتناع من قضاء الدين مع تمكُّنه منه، وخوف التَّلجِئة خوف موهوم منه، فلا يُجعل كالمتحقق، ثم الضرر عليه في إهدار قوله فوق الضرر في حبسه، ولا يُستدلُّ بثبوت الأدنى على ثبوت الأعلى

(10)

.

(1)

في (أ)(يقع) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 271).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 157)، بدائع الصنائع (7/ 169).

(3)

ذخيرة الفتاوى، المشهورة بالذخيرة البرهانيَّة؛ لبرهان الدين، محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري المتوفى سنة ستمائة وست عشرة من الهجرة، والذخيرة البرهانيَّة مختصرة من كتابه المحيط البرهاني؛ لابن مازة، وهذه الفتاوى لها نسخ متعددة منها نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، تحت الرقم (3867 ف)، عن مكتبة تشتربيتي بدبلن بإيرلندا.

(4)

انظر: مخطوط الذخيرة (4/ 126/ ب) المحيط البرهاني (2/ 347).

(5)

الإِقرارُ لُغَةً: الإِذعانُ لِلْحَقِّ والاعترافُ بِهِ. مختار الصحاح مادة (ق ر ر)(ص: 251)، لسان العرب (5/ 88). وشرعًا: اعْتِرَافٌ صَادِرٌ مِنَ الْمُقِرِّ يَظْهَرُ بِهِ حَقٌّ ثَابِتٌ فَيَسْكُنُ قَلْبَ الْمُقَرِّ لَهُ إِلَى ذَلِكَ. الاختيار (2/ 127) أنيس الفقهاء (ص: 91)

(6)

انظر: النتف (2/ 753)، المبسوط للسرخسي (24/ 163)، بدائع الصنائع (7/ 169)

(7)

انظر: المصدر السابق.

(8)

في (أ) زيادة (له). وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 163)

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 163)، بدائع الصنائع (7/ 169)

(10)

انظر: الاختيار (2/ 99)، تبيين الحقائق (5/ 199)

ص: 3

ثم هذا الحجر عندهما لا يثبت إلا بقضاء القاضي، ومحمد- رحمه الله يُفرِّق بين هذا/ والأول، فيقول: الحجر هنا لأجل النظر للغرماء؛ فيتوقف على طلبهم، وذلك لا يتم إلا بقضاء القاضي له، والحجر على السفيه لأجل النظر له، وهو غير موقوف على طلب أحد، فيثبت حكمه بدون القضاء

(1)

.

[بيع مال المديون]

والفصل الثاني

(2)

: أنه لا يُباع على المديون ماله في قول أبي حنيفة- رحمه الله: العروض والعقار في ذلك سواء، إلا مبادلة أحد النقدين بالآخر، فللقاضي أن يفعل ذلك استحسانًا لقضاء دينه، وقال أبو يوسف ومحمد- رحمهما الله-:(يبيع عليه ماله فيقضى دينه بثمنه)[كذا في المبسوط]

(3)

(4)

.

[القضاء بالإفلاس]

وذكر في «الذخيرة»

(5)

(فمن مشايخنا من قال: مسألة الحجر بسبب الدين بناء على مسألة القضاء بالإفلاس؛ لأنَّ من شَرْط صحة الحجر على المديون القضاء بإفلاسه أولًا، ثم الحجر بناء عليه، حتى لو حجر عليه ابتداءً من غير أن يقضي عليه بالإفلاس لا يصح حجره بلا خلاف

(6)

، والإفلاس عندهما يتحقق في حالة الحياة، فيمكن للقاضي القضاء بالإفلاس وبالحجر بناء عليه، وعند أبي حنيفة

(7)

رحمه الله: الإفلاس في حالة الحياة لا يتحقق؛ فلا يمكنه القضاء بالإفلاس أولًا وبالحجر بناء عليه.

ومنهم من جعل المسألة مسألة مبتدأة؛ فعلى هذا القول المانع

(8)

من الحجر عند أبي حنيفة- رحمه الله-كون الحجر متضمنًا إلحاق الضرر بالمحجور، ولا تعلُّق له بالقضاء بالإفلاس).

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 164)، بدائع الصنائع (7/ 169)

(2)

سقطت في (أ). وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 163)

(3)

سقطت في (أ).

(4)

للسرخسي (24/ 164)، وكذلك انظر: بدائع الصنائع (7/ 169)، الاختيار (2/ 98).

(5)

انظر: مخطوط الذخيرة (4/ 126/ أ) المحيط البرهاني (2/ 307)

(6)

وهذا عندهما خلافا لأبي حنيفة. انظر: الاختيار (2/ 99)، فتح القدير (9/ 274)، حاشية ابن عابدين (6/ 148).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 9)، المحيط البرهاني (2/ 307)، فتح القدير (9/ 274).

(8)

المَنْعُ لُغَةً: خِلاف الإعطاء. الصحاح مادة (م ن ع)(3/ 1287)، واصطلاحًا: هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ. البحر المحيط (4/ 440)، شرح مختصر الروضة (1/ 436).

ص: 4

التَّلْجِئَةُ

(1)

: أَنْ يُلْجِئَك- أي: يضطرك ويكرهك أمرٌ- إلَى أَنْ تَأْتِيَ أَمْرًا بَاطِنُهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ، إلى هذا أشار في «المُغْرب»

(2)

(3)

؛ لأنه عساه مُلْجِئ ماله بأن يُقِرَّ بماله لغيره، أو يبيع بيعًا

(4)

يُلجئه ماله من عظيم لا يمكن الانتزاع من يده، كذا وجدت بخط شيخي

(5)

رحمه الله.

[إذا باع المديون بالغبن]

(ومعنى قولهما: ومنعه من البيع

(6)

أن يكون بأقل من ثمن المثل

(7)

، يعني: أن المحجور بسبب الدين إذا باع ماله بالغَبن

(8)

لا يصحَّ عندهما

(9)

، سواء كان ذلك الغبن يسيرًا

(10)

أو فاحشًا

(11)

، وإذا لم يصحّ منه الغبن يُخيَّر المشتري بين إزالة الغبن وبين الفسخ

(12)

، كما في بيع المريض مرض الموت، وإن باع ماله من الغريم، وجعل الدين بالثمن قِصاصًا إن كان الغريم واحدًا جاز ذلك، وإن كان الغريم اثنين فيبيع ماله من أحدهما بمثل قيمته صحيح، كما لو باع من أجنبي

(13)

بمثل قيمته، ولكن المُقاصَّة

(14)

لا تصح.

(1)

في (أ)(التلحن) وما أثبت هو الصحيح. انظر: حاشية ابن عابدين (5/ 608)، حاشية الشِّلْبِي (5/ 199).

(2)

كتاب المغرب لإبي الفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي بن المطرز حقق الْكِتَاب محمود فاخوري وعبد الحميد مختار وطبعته مكتبة أسامة بن زيد في سوريا، يقول في مقدمة الْكِتَاب: ترجمتُه بكتاب "المغرب" لغرابة تصنيفه ورصانة ترصيفه وإلى الله- سبحانه وتعالى أبتهل في أن ينفعني به وأئمةَ الإسلام، ويجمعني وإياهم ببركات جمعه في دار السلام.

(3)

المغرب (1/ 421).

(4)

في (ع)(ماله) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(5)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 116)، البحر الرائق (8/ 94).

(6)

الْبَيْعُ لُغَةً: مِنْ الْأَضْدَادِ يُقَالُ بَاعَ الشَّيْءَ إذَا شَرَاهُ أَوْ اشْتَرَاهُ. الصحاح مادة (ب ي ع)(3/ 1189)، المغرب مادة (ب ي ع) (ص: 56). وشرعًا: مُبَادَلَةُ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ بِالْمَالِ الْمُتَقَوَّمِ تَمْلِيكًا وَتَمَلُّكًا، فَإِنْ وُجِدَ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِالْمَنَافِعِ فَهُوَ إِجَارَةٌ أَوْ نِكَاحٌ، وَإِنْ وُجِدَ مَجَّانًا فَهُوَ هِبَةٌ، وَهُوَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ، ثَبَتَتْ شَرْعِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ. الاختيار (2/ 3)، تبيين الحقائق (4/ 2) التعريفات (ص: 48).

(7)

المثل: النظير، وهُوَ مَا يُسَاوِيه فِي جَمِيع أَوْصَافه. انظر: أنيس الفقهاء (ص: 52)، الكليات (ص: 851).

(8)

الغَبْن لُغَةً: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ خَدَعَهُ. الصحاح مادة (غ ب ن)(6/ 2172). اصطلاحًا: ما يتغابن الناس في مثله من الغبن من حد ضرب، وهو الخداع يراد به ما يجري بينهم من الزيادة والنقصان. أنيس الفقهاء (ص: 74)، طلبة الطلبة (ص: 64).

(9)

انظر: حاشية ابن عابدين (6/ 151)، البناية شرح الهداية (11/ 116).

(10)

الغَبن اليسير: هو ما يقوم به مقوّم، مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ. البناية شرح الهداية (9/ 272)، حاشية ابن عابدين (5/ 126)، التعريفات (ص: 161).

(11)

الْغَبْنُ الْفَاحِشُ: هُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ. الاختيار (1/ 23)، العناية شرح الهداية (1/ 142)، التعريفات (ص: 161).

(12)

الْفَسْخُ لُغَةً: النَّقْضُ. مختار الصحاح مادة (ف س خ)(ص: 239)، وشرعًا: رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ. تبيين الحقائق (4/ 197).

(13)

الأجنبي: الغريب وهو من ليس له علاقة بالشيء، الغريب عنه. معجم لغة الفقهاء (ص: 44).

(14)

المقاصة: مَأْخُوذٌ مِنْ اقْتِصَاصِ الْأَثَرِ، إذَا كَانَ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُ مَا لَهُ عَلَيْكَ فَجَعَلْتَ الدَّيْنَ فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ. المصباح المنير مادة (ق ص ص)(2/ 505).

ص: 5

وكذا لو قضى دين بعض الغرماء

(1)

ولا يملك؛ لأن فيه إيثاره على الباقين، وتخصصه بقضاء دينه، وأنه محجور عليه وصار كالمريض مرض الموت) كذا في «الذخيرة»

(2)

.

[بيع القاضي مال المديون]

(وباع ماله) أي: عندهما

(3)

باع القاضي مال المحجور (حتى يُحبسُ) بالرفع؛ لأن هذا الحكم ثابت وليست (حتى) هذه للغاية (لأجله)، أي: لأجل البيع، (والبيع ليس بطريق يَتعيَّن لذلك)؛ لأنه يمكنه بالاستقراض

(4)

والاستيهاب

(5)

وسؤال الصدقة

(6)

من الناس، فلا يكون للقاضي تعيين هذه الجهة عليه بمباشرة بيع ماله (بخلاف الجَبِّ

(7)

والعُنَّةِ

(8)

، فإن الطريق متعين هناك؛ لأنه لَمَّا لم يُمكنه الإمساك بالمعروف تَعيَّن عليه التسريح بالإحسان، فلمَّا امتنع عنه التسريح بالإحسان مع عجزه عن الإمساك بالمعروف ناب القاضي منابه في التفريق، وأما ههنا فبخلافه؛ لأن البيع غير متعين لقضاء الدين على ما ذكرنا فلا ينوب القاضي منابه كالمديون، أو كان مُعسرًا فإن القاضي لا يؤاجر ليقضي دينه من أجرته بالإنفاق، فكذلك لا يبيع ما عليه من ثياب بدنه، وكذلك إذا وجب الدين

(9)

على المرأة فإن القاضي لا يُزَوِّجُها ليقضي الدين من صَداقها؛ لأن التزويج غير متعين لقضاء الدين على ما ذكرنا

(10)

.

(1)

الغَارِمُ لُغَةً: هُوَ الَّذِي لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي الحَمَالَةِ. تاج العروس (33/ 171) واصطلاحًا: الملتزم بما تعهد به المدين الذي لا يستطيع أداء ما عليه. معجم لغة الفقهاء (ص: 327).

(2)

مخطوط الذخيرة (4/ 126/ أ-ب) المحيط البرهاني (6/ 607).

(3)

انظر: شرح السير الكبير (ص: 1611)، بدائع الصنائع (7/ 174).

(4)

الاسْتِقْرَاضَ: طَلَبَ مِنْهُ الْقَرْضَ. مختار الصحاح مادة (ق ر ض)(ص: 251)، حاشية ابن عابدين (3/ 816).

(5)

الِاسْتِيهَابُ لُغَةً: سُؤَالُ الْهِبَةِ. الصحاح مادة (و هـ ب)(1/ 235) الكليات (ص: 39) وشرعًا: تمليك العين بلا عوض. التعريفات (ص: 256).

(6)

الصَّدَقَةُ لُغَةً: مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ الْمَرْءُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ. مقاييس اللغة (3/ 339) واصطلاحًا: هِيَ الْعَطِيَّةُ الَّتِي بِهَا يُبْتَغَى الْمَثُوبَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. المغرب مادة (ص د ق)(ص: 265)، أنيس الفقهاء (ص: 47).

(7)

الجّبٌّ: القَطْعُ، وَمِنْهُ الْمَجْبُوبُ الْخَصِيُّ الَّذِي اُسْتُؤْصِلَ ذَكَرُهُ وَخُصْيَاهُ. الصحاح مادة (ج ب ب) (1/ 96) المغرب مادة (ج ب ب) (ص: 74).

(8)

الْعِنِّينِ: هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ النِّسَاءِ ولا يقدر على الجماع أو يصل إلى الثيب دون البكر أو لا يصل إلى امرأة واحدة بعينها فحسب وإنما يكون ذلك لمرض به أو لضعف في خلقته أو لكبر سنه أو لسحر. انظر: المغرب مادة (ع ن ن)(ص: 330)، أنيس الفقهاء (ص: 58).

(9)

سقطت في (ع).

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 164)، مجمع الأنهر (2/ 442).

ص: 6

[حبس المديون]

(والحبس

(1)

لقضاء الدين بما يختاره من الطريق) هذا جواب عن قولهما: (لأن البيع مُسْتَحَقٌّ عليه لإيفاء دينه حتى يُحبس لأجله)، أي: لأجل البيع فيقول أبو حنيفة

(2)

رحمه الله: والحبس الذي ذكرتم ليس لأجل البيع، بل لقضاء الدين بالشيء الذي يختاره المديون من الطريق الذي ذكرنا، من الاستقراض، والاستيهاب، وسؤال الصدقة من الناس، وبيع ماله بنفسه، وكان جواز الحبس أقوى دليل لي؛ وذلك لأن العلماء لما اتفقوا

(3)

على حبسه في الدين كان ذلك دليلًا على أنه ليس للقاضي ولاية بيع ماله في دينه؛ لأنه لو جاز للقاضي بيع ماله لما استقل بحبسه، بل بِيع في الحال، ويقضى دينه كما في الحبس من الإضرار به وبالغرماء في تأخير وصول حقهم إليهم، فحينئذ كان القاضي حابسًا بغير حاجة إلى الحبس وهو حرام

(4)

، وكان في جواز الحبس دليل واضح على أنه لا يجوز للقاضي بيع المديون بدون رضاه، وهذا من أَحَاسِنِ القلب، حيث جعل دليل الخصم دليلًا/ تَعيَّن عليهم بأوضح بيان.

هذا الذي ذكره كله لإبطال مذهب الخصم، وأما الدليل لأبي حنيفة

(5)

رحمه الله في إثبات مذهبه: قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ (29)}

(6)

، وبيع المال على المديون بغير رضاه ليس بتجارة عن تراض

(7)

، وقال عليه السلام:«لا يحلُّ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»

(8)

ونفسُهُ لا تطيب ببيع القاضي مالَه عليه، فلا ينبغي له أن يفعله عملًا بهذا الظاهر، والمعنى فيه: أن بيع المال غير مُسْتَحَقٍّ عليه؛ فلا يكون للقاضي أن يباشر ذلك عند امتناعه، كما في الإجارة

(9)

والتزويج

(10)

على ما ذكرنا؛ لأن البيع غير متعيِّن عليه لقضاء الدين على ما ذكرنا، هذا كله مما أشار إليه في «المبسوط»

(11)

(12)

.

(1)

الْحَبْسُ لُغَةً: الْمَنْعُ، وهو ضِدُّ التَّخْلِيَةِ. المغرب مادة (ح ب س) (ص: 101)، مختار الصحاح مادة (ح ب س) (ص: 65) واصطلاحًا: الإمساك في المكان والمنع من الخروج. معجم لغة الفقهاء (ص: 174)، الكليات (ص: 409).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 165)، بدائع الصنائع (7/ 174).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 165)، بدائع الصنائع (7/ 173).

(4)

الحرام هو المحظور: ما يَستحق بفعله العقاب، وبتركه الثواب. الفصول (3/ 247)، قواطع الأدلة (1/ 24).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 169)، تبيين الحقائق (5/ 199).

(6)

سورة النساء من آية (29).

(7)

سقطت في (ع).

(8)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الغصب، باب من غصب لوحًا فأدخله في سفينة أو بنى عليه جدارًا، (6/ 166) برقم (11545)، وأخرجه الدارقطني في سننه: كِتَابُ الْبُيُوعِ (3/ 424) برقم (2886)، وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده، (3/ 140) برقم (1570). قال الألباني:(صحيح). انظر: صحيح الجامع (2/ 1268).

(9)

الإِجارةُ لغةً: الأُجْرَةُ: وهو الْكِرَاءُ. لسان العرب (4/ 10)، واصطلاحًا: عقد على الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ. الهداية (3/ 230)، المغرب (ص: 20)، أنيس الفقهاء (ص: 96).

(10)

التزويج: تولي المرء عقد نكاح غيره. معجم لغة الفقهاء (ص: 129).

(11)

المبسوط: لشمس الأئمة محمد بن أحمد السرخسي، استوعب فيه المؤلف جميع أبواب الفقه بأسلوب سهل وعبارة واضحة، وبسط فيه الأحكام والأدلة والمناقشة مع المقارنة مع بقية المذاهب، وخاصة المذهب الشافعي والمذهب المالكي، وهذا الكتاب شرح لكتاب الكافي للحاكم المروزي، ويعتمد عليه الحنفية في القضاء والفتوى. انظر: كشف الظنون (2/ 1580).

(12)

المبسوط للسرخسي (24/ 164).

ص: 7

(باعها القاضي في دين) (وهذا عند أبي حنيفة

(1)

رحمه الله استحسانًا

(2)

وهذا بالإجماع

(3)

(4)

وإنما خصَّ أبا حنيفة؛ لأن الشُبهة

(5)

تَرِد على قوله؛ لأنه كان لا يجوز بيع القاضي على المديون في العروض، فكان ينبغي ألا يجوز في النقدين أيضًا؛ لأن ذلك نوع بيع أيضًا، وهو بيع الصَّرف

(6)

.

(وجه الاستحسان: أنهما متحدان في الثمنين والمالية)، ولهذا يُضم أحدهما إلى الآخر في حكم الزكاة، (مختلفان في الصورة

(7)

فإنهما مختلفان حقيقة وحكمًا؛ أما حقيقة فظاهر، وأما حكمًا فلأنه لا يجري بينهما ربا

(8)

الفضل

(9)

؛ لاختلافهما (فبالنظر إلى الاتحاد: يثبت للقاضي ولاية التصرف) (يوضحه أن من العلماء

(10)

من يقول: لصاحب الدين أن يأخذ أحد النقدين بالآخر من غير قضاء، ولا رضا، وهذا قول ابن أبي ليلى

(11)

(12)

، والقاضي مجتهد فجعلنا له ولاية الاجتهاد هنا في مبادلة أحد النقدين بالآخر لقضاء الدين منه، ولا يوجد هذا المعنى في سائر الأموال، وفيه إضرار بالمديون من حيث إبطال حقه عن عين ملكه، وللناس في الأعيان أغراض؛ ولا يجوز للقاضي أن ينظر لغرمائه على وجه يُلْحِق الضرر به فوق ما هو مستحق عليه، وهذا المعنى لا يوجد في النقود؛ لأن المقصود هناك المالية دون العين

(13)

كذا في «المبسوط»

(14)

.

(1)

انظر: الاختيار (2/ 98)، مجمع الأنهر (2/ 442).

(2)

قال علاء الدين البخاري: (واختلف عبارات أصحابنا في تفسير الاستحسان الذي قال به أبو حنيفة- رحمه الله قال بعضهم: هو العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه، وقال بعضهم: هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه، وعن الشيخ أبي الحسن الكرخي- رحمه الله: أن الاستحسان هو أن يعدل الإنسان عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه لوجه أقوى.) كشف الأسرار (4/ 3).

(3)

الإجماع لغةً: أَجْمَعَ الْأَمْرَ إِذَا عَزَمَ عَلَيْهِ. مختار الصحاح مادة (ج م ع)(ص: 61)، وشرعًا: عبارة عن اتفاق المجتهدين من هذه الأمة في عصر على أمر من الأمور، فأريد بالاتفاق الاشتراك في الاعتقاد أو القول أو الفعل. انظر: كشف الأسرار (3/ 226)، ميزان الأصول:(2/ 709 - 710).

(4)

انظر: الاختيار (2/ 98)، مجمع الأنهر (2/ 442).

(5)

الشُّبْهَةُ لُغَةً: الِالْتِبَاسُ. مختار الصحاح مادة (ش ب هـ)(ص: 161)، واصطلاحًا: هو ما لم يتيقن كونه حرامًا أو حلالًا. التعريفات (ص: 124)، أنيس الفقهاء (ص: 105).

(6)

بيع الصَّرْفُ: صَرَفَ الدَّرَاهِمَ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وهو بيع الذهب بالفضة، والفضة بالذهب. انظر: المغرب مادة (ص ر ف)(ص: 266)، المطلع (ص: 286)، الكليات (ص: 562).

(7)

في: أ (الضرورة) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (3/ 282).

(8)

الربا لغةً: الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ وَالْعُلُوُّ. تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو، إِذَا زَادَ. مقاييس اللغة مادة (ر ب ى/ أ) (2/ 483) وشرعًا: الزِّيَادَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي الْعَقْدِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ، وَقِيلَ الرِّبَا: عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِصِفَةٍ سَوَاءً كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً رِبًا وَلَا زِيَادَةَ فِيهِ. الاختيار (2/ 30)، الجوهرة النيرة (1/ 212).

(9)

ربا الفضل: فَضْلُ مَالٍ عَلَى الْمُقَدَّرِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. تبيين الحقائق (4/ 85)، أنيس الفقهاء (ص: 77).

(10)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 118)، مجمع الأنهر (2/ 442).

(11)

هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، العلامة، الإمام، مفتي الكوفة وقاضيها، أبو عبد الرحمن الأنصاري، الكوفي، قال العجلي: كان فقيهًا، صاحب سنة، صدوقًا، جائز الحديث، وكان قارئًا للقرآن، عالمًا به، كان من أصحاب الرأي، تولى القضاء بالكوفة وأقام حاكمًا ثلاثًا وثلاثين سنة، ولي لبني أمية ثم لبني العباس وكان فقيهًا مفننًا، توفي 148 هـ. انظر: طبقات ابن سعد (6/ 358)، سير أعلام النبلاء (6/ 310)، وفيات الأعيان (4/ 179)، تاريخ الإسلام (3/ 967).

(12)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 165)، البناية شرح الهداية (11/ 118).

(13)

الْعَيْنُ: هُوَ الْمَالُ الْعَتِيدُ الْحَاضِرُ. مقاييس اللغة (4/ 203)، لسان العرب (13/ 305).

(14)

للسرخسي (24/ 165).

ص: 8

[ولاية القاضي أعم من ولاية الغريم]

(وبالنظر إلى الاختلاف يُسْلَبُ عن الدَّائن

(1)

ولاية الأخذ عملا بِالشَّبَهَيْنِ)، وإنما لم يعكس، حيث لم يُجعل للغريم ولاية الأخذ نظرًا إلى الاتحاد؛ لأنه حينئذ يلزم ترك العمل بأحد الشبهين؛ لأن ولاية القاضي أعم وأقوى، فلو ثبت للغريم ولاية الأخذ مع قصوره فيثبت للقاضي أيضًا لقوته

(2)

.

[بيع القاضي مال المديون بدينه]

(ويُباع في الدين النقود) يعني: إذا كان للمديون دراهم

(3)

ودينه دنانير

(4)

أو على العكس، وله أيضًا عروض وعقار وهو لا يبيع واحدًا منهما ليقضي دينه فعندهما

(5)

يبيع القاضي ويقضي دينه، ولكن يبتدأ في هذه الأشياء ببيع النقود، ثم بالعروض، ثم بالعقار

(6)

.

ذكر هذه المسألة في الفصل التاسع من أدب القاضي من «الذخيرة»

(7)

، فقال: فعلى قول أبي يوسف ومحمد، القاضي يبيع مال المديون بدينه ولكن يبدأ بدنانيره إذا كان الدين دراهم، وإن فَضَل الدين

(8)

عن ذلك يبيع العروض أولًا دون العقار بأنَّ العروض مُعدَّة للقبض والتصرف والاسترباح عليه، فلا يَلحق كبير ضرر في بيعه؛ فإن لم يفِ عنه بدينه حينئذ يبيع العقار، وأما بدون ذلك فلا يبيعه؛ لأن العقار أُعدَّ للاقتناء فيلحقه ضرر بيِّنٌ في بيعها.

(1)

الدائن لُغَةً: من له دَيْنٌ. مختار الصحاح مادة (د ي ن)(ص: 110)، واصطلاحًا: من دفع لآخر مالا ليرد له مثله في المستقبل. معجم لغة الفقهاء (ص: 205).

(2)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 276)، البناية شرح الهداية (11/ 118).

(3)

الدرهم: اسم لما ضرب من الفضة على شكل مخصوص، معلومة الوزن، وأصل الدرهم كلمة أعجمية عربت عن اليونانية؛ ومقداره عند الحنفية (3/ 125) جرامًا، وعند الجمهور (2/ 975) جرامًا تقريبًا. انظر: المكاييل والموازين الشرعية (1/ 19)، معجم لغة الفقهاء (ص: 208).

(4)

الدينار: اسم للقطعة من الذهب المضروبة المقدرة بالمثقال، والمثقال من الذهب، ومقداره بالاتفاق (4/ 25) جرامًا. انظر: المكاييل والموازين الشرعية (1/ 19)، معجم لغة الفقهاء (ص: 212).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 174)، المحيط البرهاني (8/ 245).

(6)

انظر: الاختيار (2/ 99).

(7)

انظر: المحيط البرهاني (8/ 245)، بدائع الصنائع (7/ 174)، الاختيار (2/ 98).

(8)

في (أ)(المديون).

ص: 9

[بيع ما يخشى عليه التلف أولا]

وهذا الذي ذكره إحدى الروايتين عنهما، وقال بعضهم

(1)

: على قولهما: يبدأ القاضي ببيع ما يخشى عليه التَّوى

(2)

والتَّلف

(3)

من عروض، ثم يبيع ما لا يخشى عليه التلف، ثم يبيع العقار. والحاصل: أن القاضي نُصِّب ناظرًا فينبغي أن ينظر للمديون كما ينظر للغرماء، فيبيع ما كان أنظر له، وبَيْع ما يخشى عليه التلف أنظر من بَيْع ما لا يخشى عليه قبول التلف، ثم قال: وإذا كان للمديون ثياب يلبسها، ويمكنه أن يَجْتَزِئَ بدون ذلك، فإنه يبيع ثيابه فيقضي الدين ببعض ثمنها، ويشتري بما بقي ثوبًا يلبسه؛ لأن لُبْسَ ذلك للتجمل، وقضاء الدين فرض عليه.

وعلى هذا القياس

(4)

: إذا كان له مسكن يمكنه أن يَجْتَزِئَ بما دون ذلك يبيع ذلك المسكن، ويصرف بعضَ الثمن إلى الغرماء ويشتري بالباقي مسكنًا ليبيت، وفي هذا قال مشايخنا

(5)

: (إنه يبيع ما لا يحتاج إليه في الحال حتى إنه يبيع اللَّبَد

(6)

في الصيف والنِّطَع

(7)

في الشتاء)

(8)

.

وذكر في كتاب المُداينات من «شرح الطحاوي»

(9)

(10)

وإذا باع القاضي عندهما مال المديون لقضاء ديونه، أو أمر أمينه

(11)

بالبيع؛ فإن العهدة

(12)

على المطلوب لا على القاضي وأمينِهِ، والعهدة هي أن البيع لو استحق فإنه يرجع بالثمن على المطلوب لا على/ القاضي وأمينه.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (8/ 245 - 246)، البحر الرائق (8/ 95)، مجمع الأنهر (2/ 443).

(2)

التَّوَى: مَقْصُورًا، هَلَاكُ الْمَالِ. مختار الصحاح مادة (ت و ى) (ص: 47).

(3)

التَّلَفُ: الْهَلَاكُ. الصحاح مادة (ت ل ف)(4/ 1333).

(4)

القياس لغةً: قاسَ الشَّيْءَ يَقيسُه قَيْسًا وَقِيَاسًا واقْتاسه وقَيَّسه إِذا قدَّره عَلَى مِثَالِهِ. لسان العرب (6/ 187) واصطلاحًا: وَهُوَ رَدُّ فَرْعٍ إلَى أَصْلٍ بِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا. انظر: الفصول (4/ 99)، المستصفى (ص: 307).

(5)

انظر: المحيط البرهاني (8/ 246)، تبيين الحقائق (5/ 200).

(6)

اللَّبَد: بالتَّحْرِيك: الصُّوفُ. تاج العروس (9/ 128).

(7)

النِّطَعُ: بِوَزْنِ الْعِنَبِ هَذَا الْمُتَّخَذُ مِنْ الْأَدِيمِ. المغرب مادة (ن ط ع)(ص: 468).

(8)

انظر: المحيط البرهاني (8/ 245_246)، مجمع الأنهر (2/ 443)، تبيين الحقائق (5/ 200).

(9)

هو: أحمد بن مُحَمَّد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي، أبو جعفر: فقيه انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر، ولد ونشأ في طحا من صعيد مصر، وتفقه على مذهب الشَّافِعِي، ثُمَّ تحول حنفيًّا، ورحل إلى الشام سنة 268 هـ فاتصل بأحمد بن طولون، فكان من خاصته، وتوفي بالقاهرة، وهو ابن أخت المزني، من تصانيفه:(شرح معاني الآثار) في الحديث، و (بيان السنة) رسالة، وكتاب (الشفعة) وغيرها. انْظَر: وفيات الأعيان (1/ 71)، تاريخ دمشق (5/ 368)، الجواهر المضية (1/ 102)، الأَعْلَام للزركلي (1/ 206).

(10)

انظر: شرح الطحاوي للجصاص (3/ 175 - 176).

(11)

سقطت في (ع).

(12)

الْعُهْدَةُ لغةً: كِتَابُ الشِّرَاءِ. مختار الصحاح مادة (ع هـ د)(ص: 220) واصطلاحًا: هي ضمان الثمن للمشتري إن استحق المبيع، أو وُجِدَ فيه عيب. انظر: المطلع (ص: 298)، التعريفات (ص: 159).

ص: 10

وقوله: (بخلاف الاستهلاك

(1)

متعلق بقوله: (لزمه ذلك بعد قضاء الديون)، يعني: أنه إذا استهلك مال الغير في حال الحجر يؤاخذ بضمانه قبل قضاء الديون فكان المُتْلَف

(2)

عليه أسوة لسائر الغرماء؛ (لأنه مُشَاهدٌ لا مَرَد له) بخلاف الإقرار فإن سببه محتمل

(3)

.

[الإنفاق على المفلس]

وذكر في حجر «الذخيرة»

(4)

: (ولو كان سبب وجوب الدين ثابتًا عند القاضي بعلمه

(5)

أو بشهادة

(6)

الشهود بأن شهدوا على الاستقراض، أو الشراء بمثل القيمة شارك هؤلاء الغرماء غريمه الذي له الدين قبل الحجر)، (ويُنْفَق) على بناء المفعول (على المفلس)، أي: على المفلس المديون المحجور (ولو مرض في الحبس يبقى فيه) إلى قوله: (وإن لم يكن أخرجه تحرزًا عن هلاكه)؛ لأنه لا يجوز الإهلاك لمكان الدين، ألا ترى أنه لو تَوجَّه الهلاك إليه بالمخمصة

(7)

كان له أن يدفعه بمال الغير، فكيف يجوز إهلاكه لأجل مال الغير؟ وعن أبي يوسف

(8)

رحمه الله أنه لا يُخرجه من السجن في هذه الصورة أيضًا؛ لأن الهلاك لو كان، إنما يكون بسبب المرض، وأنه في الحبس وغيره سواء.

[اكتساب المديون في السجن]

(وَالْمُحْتَرِفُ

(9)

منه لا يُمَكَّنُ من الاشتغال بعمله هو الصحيح) هذا احتراز عن قول بعضهم

(10)

، فإنهم قالوا: لا يُمنع عن الاكتساب

(11)

في السجن؛ لأن فيه نظرًا إلى الجانبين: لجانب المديون؛ لأنه ينفق على نفسه وعلى عياله، ولرب الدين فإنه إذا فضل منه يَصرف ذلك إليه.

(1)

دين الاستهلاك: الدَيْنٍ الذي تَرَتَّبَ بِذِمَّتِهِ بِسَبَبِ اسْتِهْلَاكِهِ لِشَيْءٍ آخَرَ. حاشية ابن عابدين (6/ 164)

(2)

في (ع)(المكلف) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 276)

(3)

انظر: فتح القدير (9/ 276)، العناية شرح الهداية (9/ 276)

(4)

انظر: مخطوط الذخيرة (4/ 126/ ب)، مجمع الأنهر (2/ 443)

(5)

قال ابن عابدين: (الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ) انظر: حاشية ابن عابدين (6/ 151)

(6)

الشَّهَادَةُ لغة: خَبَرٌ قَاطِعٌ. مختار الصحاح (ص: 169) واصطلاحًا: إخْبَارُ صِدْقٍ بِإِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ. فتح القدير (7/ 364)، حاشية الشلبي (4/ 206)

(7)

الْمَخْمَصَةُ: الْمَجَاعَةُ. مختار الصحاح مادة (خ م ص)(ص: 97)

(8)

انظر: المحيط البرهاني (8/ 242)، العناية شرح الهداية (9/ 277)، البناية شرح الهداية (11/ 122)

(9)

يعني: يكتسب بالحرفة وهي الصنعة. انظر: البناية شرح الهداية (11/ 122).

(10)

انظر: المحيط البرهاني (8/ 243)، بدائع الصنائع (7/ 175)، العناية شرح الهداية (9/ 277).

(11)

(الِاكْتِسَاب فِي عرف أهل اللِّسَان تَحْصِيل المَال بِمَا يحل من الْأَسْبَاب، وعِنْد الاطلاق يفهم مِنْهُ اكْتِسَاب المَال.) الكسب (ص: 32).

ص: 11

وقال بعضهم

(1)

: يُمنع عن ذلك، وهو الأصحُّ، وإليه أشار الخصاف

(2)

(3)

رحمه الله؛ لأن المقصود من الحبس أن يَضجر

(4)

فيتسارع إلى قضاء الدين، ولو تُرك فيكتسب في السجن لا يلحقه الضَّجر

(5)

؛ لأن السجن حينئذ يصير بمنزلة الحانوت

(6)

فلا يحصل المقصود [هذا كله في الذخيرة]

(7)

(8)

.

[يقسم القاضي ماله للغرماء بالحصص]

(ولا يحول بينه وبين غرمائه)، أي: لا يصير الحاكم حائًلا ومانعًا بين المديون وبين غرمائه (بعد خروجه من السجن) من حال بينهما حائل حؤولا وحيلولة

(9)

لقوله عليه السلام: «لصاحب الحق يد ولسان»

(10)

فَوَجْه التمسك به هو أن الحديث مطلق

(11)

في حق الزمان، فيتناول الزمان الذي يكون بعد الإطلاق عن الحبس، وقيل: (يَقسم بينهم بالحصص

(12)

، أي: يأخذ كل واحد منهم بقَدْر حصته من الدين هذا الذي ذكره فيما إذا أخذ أرباب

(13)

الديون فَضْل كسبه بغير اختياره، أو أَخَذه القاضي وقسمه بينهم بدون اختياره.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (8/ 243)، البناية شرح الهداية (11/ 122).

(2)

هو: أحمد بن عمر بن مهر الشيباني، الخصاف (أبو بكر)، فقيه، فرضي، محدث، عالم بالرأي، عارف بمذهب أبي حنيفة، وقد قارب الثمانين، له من الكتب:(الحيل والمخارج على المذهب الحنفي)، كتاب (الخراج المحاضر والسجلات)، (أدب القاضي)، و (أحكام الوقف)، توفي ببغداد سنة 261 هـ. انظر: تاريخ الإسلام (6/ 326)، الوافي بالوفيات (7/ 174 - 175)، الجواهر المضية (1/ 87 - 88)، تاج التراجم (1/ 97 - 98).

(3)

انظر: حاشية ابن عابدين (5/ 378).

(4)

الضَّجَرُ: قَلَقٌ مِنْ غَمٍّ. المغرب مادة (ض ج ر)(ص: 280)، الكليات (ص: 773).

(5)

في: (أ)(الضرر) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(6)

الحانوت: مكان البيع والشراء. انظر: المصباح المنير مادة (ح ن ت)(1/ 158)، الكليات (ص: 239).

(7)

سقطت في (أ).

(8)

انظر: مخطوط الذخيرة (4/ 126/ ب) المحيط البرهاني (8/ 243).

(9)

الحيلولة: في مصدره قياس كالكينونة في كان، وحال الشيء تغيَّر عن حاله. المغرب (1/ 134).

(10)

أخرجه الدارقطني في سننه: كتاب الأقضية، باب المرأة تُقتل إذا ارتدت، (5/ 514) برقم (4553). قال ابن حجر:(حديث الدارقطني من مرسل مكحول وابن عدي) انظر: الدراية (2/ 199)، وأصله في الصحيحن من حديث أبي هريرة (إن لصاحب الحق مقالًا) أخرجه البخاري، كتاب في الاستقراض، باب لصاحب الحق مقال (3/ 118) برقم (2401)، وأخرجه مسلم، كتاب المساقاة، باب من استسلف شيئًا فقضى خيرًا منه، وخيركم أحسنكم قضاء (3/ 1225) برقم (1601).

(11)

اللفظ المطلق: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى مَدْلُولٍ شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ. كشف الأسرار (2/ 286)، الإحكام للآمدي (3/ 3)، تيسير التحرير (1/ 329).

(12)

الحصص: تَحَاصَّ الْغَرِيمَانِ أَوْ الْغُرَمَاءُ أَيْ اقْتَسَمُوا الْمَالَ بَيْنَهُمْ حِصَصًا. المغرب مادة (ح ص ص)(ص: 118)، مختار الصحاح (ص: 74)، معجم لغة الفقهاء (ص: 408).

(13)

أَرْبَاب: أَصْحَاب. تاج العروس (1/ 109).

ص: 12

[إيثار بعض الغرماء]

وأما المديون في حال حصته لو آثر أحد الغرماء على غيره لقضاء الدين باختياره فله ذلك؛ لأنه ذكر في آخر الفصل التاسع من أدب القاضي في «الذخيرة»

(1)

بعدما ذكر مسألة فقال: هذه المسألة دليل على أن للمحبوس أن يُؤثر بعض الغرماء على البعض، ثم قال: وقد نصَّ في «فتاوى النسفي»

(2)

(3)

على ذلك فقال: رجل عليه ألف درهم لثلاثة نفر لواحد منهم خمسمائة، ولواحد منهم ثلاثمائة، ولواحد منهم مائتان، وماله خمسمائة واجتمع الغرماء وحبسوه بديونهم في مجلس القاضي كيف يَقسم أمواله بينهم؟ قال: إذا كان المديون حاضرًا فإنه يقضي دُيونه بنفسه، وله أن يُقدِّم البعض على البعض في القضاء

(4)

، ويُؤثر البعض على البعض؛ لأنه يتصرف وخالص ملكه لم يتعلَّق به حق أحد، ويتصرف فيه على حسب سببه؛ وإن كان المديون غائبًا والديون ثابتة عند القاضي فالقاضي يَقسم ماله بين الغرماء بالحصص، إذ ليس للقاضي ولاية تقدّم بعضهم على بعض.

(أن بيِّنة اليسار تترجح على بيِّنة الإعسار) وفي بعض النُّسخ: على بيِّنة العسار، واليسار اسم للإيسار من اليُسر، أي: استغنى؛ والْإِعْسَارُ مَصْدَرُ أَعْسَرَ أي: افْتَقَرَ وَالْعَسَارُ فِي مَعْنَاهُ خَطَأٌ محض كذا في «المغرب»

(5)

ثم لو كان نسخة الكتاب

(6)

ما ذكره أولًا، لا كلام في صحته، ولو كان ما ذكره أحدٌ إملاءً يَرِد على لفظ الكتاب ما ذكره في «المغرب» ؛ لأنَّ هذا مذكور على طريق الازدواج

(7)

فيُغتفر اللفظ عن موضوعه للإزدواج على ما ذكره في «الكشَّاف»

(8)

في تقرير شديد العقاب في سورة المؤمن

(9)

، فقال: قد غيَّروا كثيرًا من كلامهم عن قوانينه؛ لأجل الازدواج إلى آخره، (ولا يُحبس في موضع)؛ لأنه حبس وليس له حق الحبس.

(1)

انظر: الاختيار (2/ 99)، البحر الرائق (8/ 95)، حاشية ابن عابدين (6/ 151).

(2)

الفتاوى النسفية: لنجم الدين عمر بن محمد النسفي، الشهير بعلامة سمرقند، صاحب (المنظومة)، المتوفى: سنة 537 هـ، وهي: فتاواه التي أجاب بها عن جميع ما سُئل عنه في أيامه، دون ما جمعه لغيره. كشف الظنون (2/ 1230).

(3)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 278)، البناية شرح الهداية (11/ 124).

(4)

الْقَضَاءُ لُغَةً: الْحُكْمُ. مختار الصحاح (ق ض ى)(ص: 255) وشرعًا: قَوْلٌ مُلْزِمٌ يَصْدُرُ عَنْ وِلَايَةٍ عَامَّةٍ. الاختيار (2/ 82).

(5)

المغرب (1/ 315).

(6)

انظر: الهداية (3/ 283).

(7)

قال العيني: (لم يقل أحد في الازدواج باللحن والخطأ في اللفظ على أنه لا يطلب إلا في الخطب والرسائل في كلام الفصحاء، ويقع في كلام الله- تعالى- لابتداع أسلوبه ونهايته في منهج البلاغة والفصاحة، أو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لكونه مخصوصا بجوامع الكلم). انظر: البناية شرح الهداية (11/ 125).

(8)

تفسير الزمخشري الكشاف (4/ 149).

(9)

وهي سورة غافر وهي خمس وثمانون آية، وقيل ثنتان وثمانون نزلت بعد الزمر. تفسير الزمخشري الكشاف (4/ 148).

ص: 13

[لزوم المدَّعِي للمديون]

وعن محمد

(1)

رحمه الله: أنه قال للمدَّعِي أن يحبسه في مسجد حيِّه، وإن شاء في بيته؛ لأنه ربما يطوف به في الأسواق والسِّكَّك

(2)

من غير حاجة، وفي ذلك ضرر المدعِي، وفي رواية أخرى عنه

(3)

: لصاحب الحق أن يَلْزم مديونه المُعسر حيث أحب في المِصر

(4)

، وإن كان الملزوم لا معيشة له إلا من كَدِّ يده لم يكن لصاحب الحق أن يمنعه من أن يسعى في مقدار قوته يومًا فيومًا/ فإذا اكتسب ذلك القدر في يومه فله أن يمنعه من الذهاب في ذلك ويحبسه.

قال هشام

(5)

: سألت محمدًا عن رجل أُخرج من السجن على تفليسٍ فرأى محمد الملازمة مع التفليس، وأشار إلى المعنى فقال: لعلَّ عنده شيئًا لا عِلم لنا به، قال هشام: قلت له: وإن كانت الملازمة تضرّ بعياله، وهو ممن يكتسب في سقي الماء في طَوْفِه؟ قال: آمر صاحب الحق أن يُوَكِّل غلامًا له يكون معه، ولا أمنعه عن طلب قدْرِ

(6)

قوت يومه ولعياله، وكذلك إن كان يعمل في سوقه.

وفي الأقضية

(7)

: (إذا كان عمل الملزوم [سقي الماء]

(8)

ونحوه ليس لصاحب الحق أن يمنعه من ذلك، ولكن إمَّا أن يَلزمه [أو يَلزمه]

(9)

نائبه أو أجيره أو غلامه إلا إذا كفاه نفقته

(10)

ونفقة عياله، وأعطاه حينئذ كان له أن يمنعه عن ذلك؛ لأنه لا ضرر على الملزوم في هذه الصورة، وفيه أيضًا: ليس لصاحب الحق أن يمنع الملزوم أن يدخل في بيته لغائط أو غذاء إلا إذا أعطاه الغذاء وأَعدَّ موضعًا آخر له لأجل الغائط، حينئذ كان له أن يمنعه عن ذلك حتى لا يهرب) كذا في «الذخيرة»

(11)

.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (8/ 239)، البناية شرح الهداية (11/ 125)، البحر الرائق (8/ 95).

(2)

السِّكَّةُ: الزُّقَاقُ الْوَاسِعُ، وهي الطريق المستوي. انظر: المغرب مادة (س ك ك)(ص: 230)، التعريفات الفقهية (ص: 113).

(3)

انظر: البحر الرائق (8/ 95)، تبيين الحقائق (5/ 201).

(4)

المِصْر: البَلَد. لسان العرب (5/ 176).

(5)

هو: هشام بن عبيد الله الرازي، كان من كبار أئمة السنة، من أهل الرأي، تفقه على أبي يوسف ومحمد الحسن، مات محمد الحسن في منزله بالري ودفن في مقبرته، من تصانيفه (النوادر، صلاة الأثر) توفي 221 هـ. انظر: الجواهر المضية (2/ 205)، تاريخ الإسلام (5/ 719)، سير أعلام النبلاء (10/ 446).

(6)

في (أ)(فداء) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المحيط البرهاني (8/ 239).

(7)

انظر: المحيط البرهاني (8/ 240).

(8)

في (أ)(سعي المال) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المحيط البرهاني (8/ 240).

(9)

سقطت في (ع).

(10)

في (أ)(بعضه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: البناية شرح الهداية (11/ 126).

(11)

المحيط البرهاني (8/ 240).

ص: 14

[الملازمة أشد من الحبس]

(ولو دخل داره لحاجته لا يَتْبَعُه بل يجلس على باب داره) وقد ذكرنا من «الذخيرة»

(1)

آنفًا أن هذا الذي ذكره من عدم الدخول في بيته فيما إذا لم يكن لصاحب الدين ما يكفي حاجته من الطعام، وموضع الخلاء إذا كان الدخول لأجلهما، وأما إذا كان، فَلَه ولاية المنع من الدخول في بيته، وذكر فيها أيضًا مجالًا إلى الزيادات

(2)

: أن المطلوب إذا أراد أن يدخل في بيته، فإما أن يأذن المدَّعِي في الدخول معه أو يجلس معه على باب الدار؛ لأنه لو تُرك حتى يدخل الدار وحده إنما يهرب من جانب آخر فيَفوت ما هو المقصود من الملازمة؛ (لأنه أبلغ في حصول المقصود)، أي: لأن كون (الخيار إلى الطالب لاختياره الأضيق عليه)، أي: على المطلوب وهو المديون، يعني: لمَّا إلى المطلوب الملازمة عُلم أنها كانت أضيق عليه وأشد من حبسه، وكانت هي أكثر إمضاء إلى الضَّجر، وشدة الضَّجر تَحمله إلى قضاء الدين، وهو المقصود؛ فلذلك كان خيار ربِّ الدين الملازمة، فيجيب القاضي إلى ما اختاره الطالب لذلك، وإنما كانت الملازمة أشد من الحبس؛ لأن ملازمة من لا يجانسه أشد من كل شديد، وكانت أشد من الحبس

(3)

.

[إفلاس المشتري]

(ومن أفلس وعنده) أي: عند المفلس (متاع لرجل بعينه ابتاعه منه) أي: اشترى ذلك المتاع هذا المفلس من ذلك الرجل المعْنِي، (وقال الشافعي

(4)

رحمه الله: يحجر القاضي

(5)

على المشتري) حتى لا يصحُّ تصرفه بالبيع وغيره (بطلبه): أي: يطلب البائع الحجر من القاضي؛ ذكر هذه المسألة في «المبسوط»

(6)

في باب قبض المشتري بإذن البائع، وهو آخر أبواب بيوعه، وذكر في «الأسرار»

(7)

(8)

في منتصف كتاب البيوع في فصل الخيار الذي هو غير ثابت عندنا

(9)

، فقال في «المبسوط»

(10)

: (وإذا أفلس المشتري بالثمن إن لم يكن البائع سلَّم العبد إليه فله أن يحبسه إلى أن يستوفي الثمن، وإن كان سلَّم المبيع إليه فليس له أن يسترده، ولكنه صار أسوة لغرماء المشتري فيه، وليس له أن يفسخ البيع عندنا).

(1)

انظر: المحيط البرهاني (8/ 240)، قره عين الأخيار (8/ 62).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (20/ 76)، تبيين الحقائق (5/ 200).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 173)، الجوهرة النيرة (1/ 247).

(4)

انظر: الحاوي الكبير (6/ 264)، المجموع (13/ 300)، تحفة المحتاج (5/ 144)، نهاية المحتاج (4/ 336).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (13/ 192).

(7)

الأسرار في الأصول والفروع؛ لأبي زيد عبيد الله بن عمرو بن عيسى الدبوسي، البخاري، المتوفى سنة 430 هـ، والدبوسي أول من وضع علم الخلاف وأبرزه، وكتاب الأسرار من أهم كتب الفقه، والخلاف عند الحنفية، وقد حقق أجزاء منه في عدد من الرسائل العلمية بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة. انظر: كشف الظنون (1/ 81)، تاج التراجم (192).

(8)

انظر: الأسرار للدبوسي (1/ 371).

(9)

وهو خيار المجلس غير ثابت. انظر: الأسرار للدبوسي (1/ 371)، شرح الطحاوي للجصاص (3/ 5)، بدائع الصنائع (5/ 228).

(10)

للسرخسي (13/ 197).

ص: 15

وقال الشافعي

(1)

رحمه الله: إذا أفلس المشتري بالثمن فللبائع أن يفسخ البيع وهو أحق بالمبيع إن كان سلمه، ويفسخ العقد

(2)

ويعيده إلى ملكه

(3)

ويده، قوله

(4)

(وصار كالسَّلَم

(5)

يعني: أن كونه دينًا غير مانع لفسخ البيع إذا عجز عن قضائه بعد الوجوب عليه كما إذا عجز عن تسليم المبيع بإباق العبد، ألا ترى أن في عقد السَّلم المُسلم فيه دين ثم لما تعذَّر قبضه بانقطاعه من أيدي الناس ثبت لرب السلم حق الفسخ، فكذلك في الثمن، ولا فرق بينهما سِوى أن الثمن معقود به والمُسلم فيه معقود عليه، ولكنَّ حق الفسخ يثبت بتعذر قبض المعقود به، كما يثبت بتعذر قبض المعقود عليه؛ ألا ترى أن المُكاتَب

(6)

إذا عَجَز عن أداء بدل الكتابة يتمكَّن الموْلَى

(7)

من فسخ العقد، وبدل الكتابة معقود به كالثمن؛ وحجتنا في ذلك قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (280)}

(8)

والمشتري حين أفلس بالثمن فقد استحق النَّظرة

(9)

شرعًا، ولو أجَّله البائع لم يكن له أن يفسخ العقد قبل مُضي الأجل، فإذا صار مُنْظرًا بإنظار الله- تعالى- أولى ألا يُمكَّن البائع من فسخ العقد، كذا في «المبسوط»

(10)

.

(1)

انظر: الأم للشافعي (3/ 204)، روضة الطالبين (3/ 525)، تحفة المحتاج (5/ 144)، نهاية المحتاج (4/ 336).

(2)

العَقْد: نَقِيضُ الحَلِّ. لسان العرب (3/ 296) واصطلاحًا: اتفاق بين طرفين يلتزم فيه كل منهما تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ولا بد فيه من إيجاب وقبول. معجم لغة الفقهاء (ص: 317).

(3)

في (ع)(مالكه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (13/ 197).

(4)

سقطت في (أ).

(5)

السَّلَم بالتَّحْرِيك لُغَةً: السَّلَف. انظر: تاج العروس مادة (س ل م)(32/ 372)، الصحاح مادة (س ل م) (5/ 1950). واصطلاحًا: اسْمٌ لِعَقْدٍ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الثَّمَنِ عَاجِلًا وَفِي الْمُثَمَّنِ آجِلًا. انظر: الاختيار (2/ 33)، أنيس الفقهاء (ص: 79).

قال مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور: لا بأس بشراء الموصوف المضمون على بائعه، وقال سعيد بن المسيب: لا يجوز السلم في شيء من الأشياء، قال أبو جعفر: وهذا محتمل أن يكون نهيًا عن بيع ما ليس عنده من الأعيان التي ليست مضمونة عليه، وليس يستحيل أن ينهى عن بيع ما ليس عنده مما لم يكن مضمونًا عليه ويجيز ما كان مضمونًا عليه بصفة. انظر: اختلاف الفقهاء لابن جرير (ص: 95)، الإقناع لابن المنذر (1/ 264)

(6)

المُكاتَب: العبد الذي يكاتَب على نفسه بثمنه، فإن سعى وأدَّاه عُتق. أنيس الفقهاء (ص: 61).

(7)

المَوْلَى: السَّيِّدُ. تاج العروس (40/ 253).

(8)

سورة البقرة من آية (280).

(9)

النَّظِرَةُ: التَّأْخِيرُ. مختار الصحاح مادة (ن ظ ر)(ص: 313)، معجم لغة الفقهاء (ص: 482).

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (13/ 198).

ص: 16

[الإفلاس يوجب العجز عن تسليم العين]

(ولنا أن الإفلاس يوجب العجز عن تسليم العين) أي: عن تسليم عين الدراهم المعقودة أو عين الدنانير/ المنقودة، ولا يوجب العجز (غير المُسْتَحَقِّ بالعقد)، وهو الدين وهو وصف في الذمة

(1)

.

وقال في «الأسرار»

(2)

: ثم الحُجة لنا: أن المقبوض غير الواجب

(3)

حقيقة؛ لأن الواجب دين، وهذا عين، وذلك في الذمة، وهذا في الكيس؛ وإنما جعل في حكم عين الواجب في باب السلم بخلاف الحقيقة؛ لأن السلم لا يجوز الاستبدال به، وأما الديون التي يصحُّ الاستبدال بها فلا تضطرنا شرعًا إلى أن نجعل العين في حكم الدَّين، فيجوز لذلك غيره.

ومثله في «المبسوط»

(4)

، والمعنى فيه: (أنه لم يتعيَّن على البائع شرط عقد فلا يتمكَّن من فسخ العقد كما لو كان المشتري مَلِيًّا، وبيان ذلك: أن موجب العقد مِلك الثمن فإنَّ الثمن يجب، ويَملك به وإنما يملك بالعقد دينًا في الذمة

(5)

، وبقاء الدين ببقاء محله، والذمة بعد الإفلاس باقية على ما كانت قبل الإفلاس مَحَلًّا صالحًا بوجوب الدين فيها؛ فلذا حق الاستيفاء ثابت للبائع بسبب ملكه لا بحكم العقد، ألا ترى أنه يجوز إسقاطه بالإبراء

(6)

أو بالاستبدال، وقبض البدل إذا صار مُستَحَقًّا بالبيع لا يجوز إسقاطه بالاستبدال، كما في البيع عينًا أو دينًا، فعرفنا: أن حق قبض الثمن له بحكم الملك، لا أن يكون موجب العقد فبتعذُّره لا يتغير شرط العقد).

(1)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 279)، البناية شرح الهداية (11/ 127).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (12/ 150)، تبيين الحقائق (5/ 202).

(3)

الواجب لغةً: وجب الشيء يجب وجوبًا، إذا ثبت ولزم، انظر: لسان العرب: (1/ 793). اصطلاحًا: ما طلب الشارع فعله على وجه اللزوم وكان ثابتًا بدليلٍ ظني، واستحق صاحبه بفعله الثواب وبتركه العقاب؛ لأن الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب من ناحية الدليل، فما ثبت بدليل قطعي فهو الفرض، وما ثبت بدليل ظني فهو الواجب. انظر: أصول السرخسي (1/ 17)، المغني في أصول الفقه (1/ 84)، الفصول في الأصول (3/ 247).

(4)

للسرخسي (13/ 198).

(5)

الذمة: العهد؛ لأن نقضه يوجب الذم، وتُفسر بالأمان والضمان، وكل ذلك متقارب. أنيس الفقهاء (ص: 65).

(6)

الإبراء: هِبَةُ الدَّيْنِ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. انظر: بدائع الصنائع (6/ 119)، حاشية ابن عابدين (3/ 162)، الكليات (ص: 33).

ص: 17

فإن قلتَ: ما جوابنا عما تمسَّك به الشافعي

(1)

من الدليل السمعي والعقلي؟.

أما السمعي: فحديث أبي هريرة

(2)

رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال: «أيما رجل أفلس بالثمن فوجد رجل» وفي رواية: «فوجد البائع متاعه عنده فهو أحق به»

(3)

.

وأما العقلي

(4)

: فهو (أن البيع عقد معاوضة

(5)

فمطلقه يقتضي التسوية بين المتعاقدين، ثم إن تعذَّر على المشتري قبض المبيع بالإباق

(6)

ثبت للمشتري حق الفسخ، فكذلك إذا تعذَّر على البائع قبض الثمن لإفلاس المشتري، وكما أن المالية في الآبق

(7)

كَالثَّاوِية

(8)

(9)

حكمًا فكذلك الدين في ذمة المفلس بمنزلة الثَّاوي حكمًا؛ لاستبداد طريق الوصول إليه، ولا فرق بينهما سِوى أن الثمن معقود به، والعجز عنه غير مانع للفسخ، كما في المكاتَب على ما ذكرنا أن بدل الكتابة معقود به، والعجز عنه مُجوِّز للفسخ فكذا هنا، والدليل عليه: أن هلاك الثمن قبل القبض يوجب انفساخ العقد كهلاك المبيع، فإن من اشترى

(10)

بفلوس

(11)

شيئًا فكَسَدت قبل القبض بطل العقد)

(12)

، فلمَّا كان هلاك الثمن كهلاك المبيع وجب أن يكون العجز عن تسليم الثمن كالعجز عن تسليم المبيع؛ لالتقائهما في معنى العجز عن تسليم ما وجب عليه.

(1)

انظر: الأم للشافعي (3/ 203)، الحاوي الكبير (6/ 268)، تحفة المحتاج (5/ 144)، نهاية المحتاج (4/ 336).

(2)

هو الإمام الحافظ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو هريرة الدوسي اليماني، سيد الحفاظ الأثبات، اختلف في اسمه على أقوال جمة; أرجحها، عبدالرحمن بن صخر، كان أكثر الصحابة حفظًا للحديث ورواية له، وقدم المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسلم سنة 7 هـ، روى عنه (5374) حديثًا، ولي إمارة المدينة مدة وتوفي بها عام 57 هـ. انظر: الاستيعاب (4/ 1768)، أسد الغابة ط العلمية (6/ 313)، سير أعلام النبلاء (2/ 578)، تذكرة الحفاظ (1/ 28).

(3)

أصله بالصحيحين بلفظ: «من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره» ، أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع، والقرض والوديعة، فهو أحق به (3/ 118) برقم (2402)؛ وأخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المساقاة، باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله الرجوع فيه (3/ 1193) برقم (1559).

(4)

انظر: الحاوي الكبير (6/ 269)، منهاج الطالبين (ص: 122).

(5)

عقد المعاوضة: عقد يُعطى كل طرف فيه نفس المقدار من المنفعة التي يعطيها الطرف الآخر. معجم لغة الفقهاء (ص: 438).

(6)

في (أ) بياض بمقدار كلمة.

(7)

الْإِبَاقُ لغَةً: الْهَرَبُ. الصحاح (ء ب ق)(4/ 1445)، واصطلاحًا: الْمَمْلُوك الَّذِي فر من صَاحبه قصدًا. تحفة الفقهاء (3/ 351)، أنيس الفقهاء (ص: 68).

(8)

في (أ) مطموسة؛ وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (13/ 197).

(9)

ثَوى بالمكان: أَقَامَ به، فَهُوَ ثَاوٍ. الصحاح مادة (ث و ي)(6/ 2296)، المصباح المنير مادة (ث و ي)(1/ 88).

(10)

في (ع)(شيئا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (7/ 206).

(11)

الفُلُوسٌ: قَدْ أَفْلَسَ الرَّجُلُ صَارَ مُفْلِسًا كَأَنَّمَا صَارَتْ دَرَاهِمُهُ (فُلُوسًا) وَزُيُوفًا. الصحاح مادة (ف ل س)(3/ 959).

(12)

المبسوط للسرخسي (13/ 198).

ص: 18

قلتُ: أما الحديث فقد ذكر الخصاف- رحمه الله بإسناده أن النبي عليه السلام قال: «أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده متاعه فهو ماله بين غرمائه» أو قال: «فهو أسوة غرمائه فيه»

(1)

وتأويل الرواية الأخرى: أن المشتري كان قَبْضه بغير إذن البائع أو مع شرط الخيار للبائع، وبه نقول إن للبائع في هذا الموضع حق الاسترداد

(2)

.

[عقد المعاوضة يقتضي التسوية]

وأما قوله: إن مطلق عقد المعاوضة يقتضي التسوية، فقلنا: نعم كذلك يقتضي التسوية، ولكن في الملك على ما ذكرنا، وهو حاصل لكل واحد منهما، ولئن سلَّمنا التسوية في القبض أن التسوية فيه (قد ينعدم بالتأجيل في الثمن فلا يبقى له حق فسخ البيع، وإن تعذَّر عليه استيفاء الثمن

(3)

لإفلاس المشتري، وهذا بخلاف الفلوس إذا كسدت؛ لأنه تغيَّر هناك موجب العقد، فموجب العقد مِلْك فلوسٍ هي ثمنٌ، وبعد الكساد

(4)

لا يبقى له في ذمة المشتري فلوس بهذه الصفة، فأما بعد إفلاس المشتري فيبقى الثمن في ذمته مملوكًا للبائع كما استحقه بالعقد، وهذا بخلاف الكتابة

(5)

؛ لأن هناك بعجز المكاتَب تغيَّر موجب العقد [فموجب العقد]

(6)

مَلَك الموْلَى بدل الكتابة عند حلول الأجل ولا يملكه إلا بالقبض؛ لأن بدل الكتابة ليس بدينٍ حقيقة؛ لأن المكاتب عبد له والموْلَى لا يستوجب دينًا في ذمة عين.

(1)

أخرجه أبو داود في سننه: كتاب البيوع، باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده (3/ 287) برقم (3522)، وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (12/ 20) برقم (4608)، والدارقطني في سننه: كِتَابُ الْبُيُوعِ سنن الدارقطني (3/ 432) برقم (2904). قال الدارقطني: (مُرْسَلٌ). انظر: سنن الدارقطني (3/ 432)، قال الألباني:(صحيح). انظر: إرواء الغليل (5/ 270)

(2)

انظر: بدائع الصنائع (5/ 252)، العناية شرح الهداية (9/ 279)، البحر الرائق (8/ 95).

(3)

في (أ) زيادة (إن التسوية فيه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (13/ 199).

(4)

الكَسَاد: هُوَ الفَساد، ثمَّ استعملوه فِي عَدَم نَفَاق السِّلَعِ والأَسْواقِ. تاج العروس مادة (ك س د)(9/ 108).

(5)

الكتابة: هِيَ أَنْ يَتَوَاضَعَا عَلَى بَدَلٍ يُعْطِيهِ الْعَبْدُ نُجُومًا فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَيَعْتِقُ بِهِ نُجُومًا. طلبة الطلبة مادة (ك ت ب)(ص: 64)، المغرب مادة (ك ت ب) (ص: 400)، التعريفات (ص: 183).

(6)

في (ع) سقط نظر.

ص: 19

ولهذا لو كفل له إنسان ببدل الكتابة على المكاتَب

(1)

لم تصحُّ الكفالة

(2)

، وللمكاتَب أن يُعْجِز نفسه فإذا لم يكن دينًا حقيقة قلنا: الملك للموْلَى إنما يثبت بالقبض فإذا عجز المكاتَب عن الأداء فقد تغيَّر ما هو موجب العقد عليه، فلذلك تمكَّن من فسخ العقد، وههنا بإفلاس المشتري لا يتغير ملك البائع في الثمن، فإنه مملوك دينًا في ذمة المشتري

(3)

.

وأما قوله: إن الدَّين في ذمة المفلس ثاوٍ قلنا: لا نُسلِّم؛ لأن المديون إذا كان مُقِرًّا بالدين فهو قائم حقيقة وحكمًا/ مفلسًا كان أو غنيًّا، ولهذا قال أبو حنيفة

(4)

رحمه الله: (يجب على صاحب الدين الزكاة لما مضى إذا قبضه، فإذا لم يتغيَّر موجب العقد لا يتمكن من فسخ العقد)، فعُلم بهذا كله أن العجز عن تسليم الثمن لا يشبه العجز عن تسليم المبيع

(5)

؛ لأنهما لا يتساويان في موجب العقد على ما ذكرنا.

[تسليم الثمن ليس بشرط لجواز العقد]

والقاطع للشَّغَب في أنهما [أي: أن الثمن والمبيع في حق العجز]

(6)

لا ينقاسان: هو أن قدرة المشتري على تسليم الثمن عند العقد ليس بشرط لجواز العقد، بخلاف جانب المبيع حتى أن المفلس لو اشترى شيئًا، والبائع يَعلم أنه مفلس صح العقد ولَزِم، فلمَّا كان كذلك لم يكن الإفلاس الطارئ أقوى من الإفلاس المقارن، فلمَّا لم يمنع الإفلاس المقارن لزوم العقد؛ لَأَنْ لا ترتفع صفة اللزوم بالإفلاس الطارئ أولى بخلاف جانب المبيع، فهناك ابتداء العقد مع العجز عن التسليم لإباق العبد لا يجوز، وإن رضي به المشتري، فكذلك إذا طرأ العجز يثبت للمشتري حق الفسخ، هذا كله مما أشار إليه في «المبسوط»

(7)

(وإنما المُسْتَحَقُّ وصف في الذمة- أعني الدين-)، وقد ذكرنا مرارًا [أن الدين]

(8)

عبارة عن وصف شرعي في الذمة يظهر أثره عند المطالبة

(9)

، والدراهم أو

(10)

الدنانير التي يدفعها المشتري إلى البائع عين، والعين غير الدين؛ لأن العين غير الوصف لا محالة، والعين لا تَثبت في الذمة والوصف يثبت، ولمَّا كان كذلك ينبغي ألا يتمكَّن المديون

(11)

من قضاء الدين أصلًا، لكن لمَّا دَفع المديون الدراهم المنقودة إلى رب الدين صارت ذمة رب الدين مشغولة بدين المديون أيضًا؛ لأن هذا الذي قبضه ربُّ الدين قَبْض مضمون؛ لأنَّ قبضه متملكًا لا مستودعًا فوجب الضمانان في الذمتين فيلتقيان قِصَاصًا، فبراءة ذمة المديون ضرورة لالتقاء الضمانين قِصاصًا؛ لأن الذي دفعه غير حق رب الدين

(12)

.

(1)

في (ع) زيادة (علي المكاتب).

(2)

الْكَفَالَةُ لغة: تَكَفَّلْتُ بِالْمَالِ الْتَزَمْتُ بِهِ وَأَلْزَمْتُهُ نَفْسِي. المصباح المنير مادة (ك ف ل)(2/ 536) واصطلاحًا: ضَمُّ ذِمَّةٍ فِي الْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ. طلبة الطلبة مادة (ك ف ل)(ص: 139)، المغرب مادة (ض م ن) (ص: 285) التعريفات (ص: 185).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (13/ 199)، البحر الرائق (8/ 116).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (13/ 199)، تحفة الفقهاء (1/ 297).

(5)

في (أ)(البيع).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

للسرخسي (13/ 198 - 199).

(8)

سقطت في (ع).

(9)

انظر: تبيين الحقائق (4/ 171)، مجمع الأنهر (1/ 584).

(10)

في (ع): (و).

(11)

سقطت في (ع).

(12)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 279)، البناية شرح الهداية (11/ 128).

ص: 20

وهذا معنى قولهم: إن آخر الدينين يكون قضاءً عن الأول، وهذا معنى ما ذكر في الكتاب

(1)

بقوله: (وبقبض العين تتحقق بينهما مبادلة)، فصار هذا اللفظ جوابًا عما يَرِد من الشُبهة على مطلع

(2)

النُكتة

(3)

، وهو قوله:(ولنا: أن الإفلاس يوجب العجز عن تسليم العين، وهو غير مستحَقٍّ بالعقد)، بأن قيل: لمَّا كان العين المنقود غير مُستحَقٍّ بالعقد وجب ألا تبرأ ذمة المديون بدفع الدراهم

(4)

المنقودة، وأجاب عنها بقوله:(وبقبض العين يتحقق بينهما مبادلة) فيجب في ذمتهما دين لكل واحد منهما على صاحبه فيلتقيان قِصاصًا، فبراءة ذمة المديون ضرورة لا أن تكون الدراهم المنقودة هي المستحق بالعقد، (هذا هو الحقيقة)[إشارة إلى مطلع التقليل وهو أن تسليم العين غير مستحق بالعقد، بل المستحق بالعقد هو الدين]

(5)

، وهو وصف لا عين، فالعجز عن تسليم العين وهو الدراهم المنقودة لا يُثبت حق الفسخ

(6)

، (فيجب اعتبارها) أي: اعتبار الحقيقة، ومن اعتبار الحقيقة لزوم القول بعدم جواز الفسخ (إلا في موضع التعذر كالسَّلَم)، فإن في السلم أعطى للحنطة

(7)

المعيَّنة التي هي المُسْلَم فيها حكم الدين الذي هو عين حق رب السلم؛ لأن الدين الذي هو

(8)

وصف في الذمة هو عين

(9)

حق رب الدين، وفي السلم أيضًا كان الدين الذي في ذمة المُسْلَم إليه عين

(10)

حق رب السلم، كما في سائر الديون، إلا أن المنقود العين الذي هو المُسْلَم فيه جعل عين الدين الذي في ذمته المُسْلَم فيه هو عين

(11)

حق رب السلم ضرورة، وهي أن بيع السلم بيع كسائر البِيَاعات، وفي البيع لا بدَّ من مبيع وثمن، والذي نقده رب السلم من رأس المال ثمن بالاتفاق

(12)

؛ لأنه معقود به لا معقود عليه، فلو لم يجعل ما في ذمة المُسْلَم إليه عين حق رب السلم من المعقود عليه كان بيع السلم بيعًا بلا مبيع؛ فيبطل البيع، فاضطررنا إلى أن نجعل الحنطة المنقودة المُعيَّنة عين حقِّ ربِّ السلم كالمبيع هو عين حق المشتري، فلمَّا كانت الحنطة المعيَّنة عين

(13)

حقِّ ربِّ السلم كان العجز عن تسليمها وقت حلول الأجل كالعجز عن تسليم المبيع، وبالعجز عن تسليم المبيع يثبت للمشتري حق

(14)

جواز الفسخ، فكذلك العجز عن تسليم المُسْلَم فيه يثبت لرب السلم جواز الفسخ لعجزه عن تسليمه ما هو مستحق العقد، وبخط شيخي

(15)

رحمه الله ههنا بالفارسية في حاشية قوله: (لأن الاستبدال ممتنع فَأَعطى العين حكم الدين)، (در باب سلم عين را حكم دينست جه استدلال جايز/ ينست جون عاجز احد از تسليم عين كويني كه عاجز امره) أثبتت أن تسليم ما هو مستحق بالعقد (يسن مريدا خيار بود) والله أعلم

(16)

.

(1)

انظر: الهداية (3/ 284).

(2)

سقطت في (ع).

(3)

النُّكْتَةُ: مِنْ الْكَلَامِ وَهِيَ الْجُمْلَةُ الْمُنَقَّحَةُ الْمَحْذُوفَةُ الْفُضُولِ، وهي مَسْألة لَطِيفَة أُخْرِجتْ بِدقِّة نَظَر وإِمْعَان. المغرب مادة (ن ك ت) (ص: 473)، التعريفات (ص: 246).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 279)، البناية شرح الهداية (11/ 127).

(7)

الْحِنْطَةُ لُغَةً: الْبُرُّ. انظر: الصحاح مادة (ح ن ط)(3/ 1120)، واصطلاحًا: حب يطحن ويتخذ منه الخبز. معجم لغة الفقهاء (ص: 370).

(8)

سقطت في (ع).

(9)

في: أ (غير) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(10)

في: أ (غير) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(11)

في: أ (غير) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(12)

انظر: بدائع الصنائع (5/ 214).

(13)

في (أ)(عن) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(14)

سقطت في (ع).

(15)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 279).

(16)

سقطت في (أ).

ص: 21

‌كتاب

(1)

المأذون

(2)

[إيراد ُ كتابِ المأذونِ]

(3)

بعد كتاب الحجر ظاهرُ التناسبِ؛ إذ الإذن يقتضي سَبْقَ الحجر، فلما ترتَّبا هكذا وجودًا ترتَّبا هكذا أيضًا ذِكرًا؛ طلبًا للتناسب، ثم محاسن الإذن الذي هو [عبارة عن]

(4)

الإعلام بالإطلاق عن الحجر ظاهره اعتبارًا بالإطلاق الحسي

(5)

، كما في إطلاق الأسير؛ ولأن هذا نوع من الاكتساب الحلال الذي سماه الله- تعالى- فضل الله بقوله

(6)

: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (10)}

(7)

وسمَّى النبي عليه السلام مباشرهُ صديق اللهِ بقوله: «الكاسب صديق الله»

(8)

، والشيء الذي هو سبب لإضافة فضل الله، وتحصيل صداقة الله لا خفاء لأحد في حسنه؛ ولأنَّ فيه فتحًا لباب التصرف لمن يَصْدُر منه التصرف النافع، وهو سبب لزيادة اهتداء في التصرفات، وربما يكون ذلك سببًا لحصول العتق

(9)

الذي هو رأس المنافع عند تحصيل تجارات مُربحة للموْلَى، فحينئذ يكتسب العبد بولاية نفسه الفوائد الدينية التي لم يتمكَّن منها في حال رقه، ويحصل للموْلَى ثواب العتق الموعود الذي هو النجاة من النار الكبرى.

فيحتاج ههنا إلى بيان الإذن لغةً وشرعًا، وبيان دليل شرعيته، وما يحصل به الإذن وسببه وشرطه، وحكمه.

(1)

في (ع)(باب).

(2)

الإذن لغةً: الْإِعْلَامُ. الصحاح مادة (أ ذ ن)(5/ 2068)، مقاييس اللغة مادة (أ ذ ن) (1/ 77) وشرعًا: فَكُّ الْحَجْرِ الثَّابِتِ بِالرِّقِّ شَرْعًا وَرَفْعُ الْمَانِعِ مِنْ التَّصَرُّفِ حُكْمًا. المبسوط للسرخسي (25/ 2)، الاختيار لتعليل المختار (2/ 100).

(3)

سقطت في (أ).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 169)، حاشية ابن عابدين (6/ 147).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

سورة الجمعة من آية (10).

(8)

لم أجد له لفظًا. وجاء في مسند أحمد (28/ 427) حديث رقم (17190) ما يحث على التكسب؛ عن المقدام بن معدي كرب، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم باسطا يديه يقول:" ما أكل أحد منكم طعاما في الدنيا خيرا له من أن يأكل من عمل يديه".

(9)

العِتق لُغَةً: الحرّيّةُ، وكذلك العَتاقُ بالفتح، والعَتاقَةُ. الصحاح مادة (ع ت ق)(4/ 1520)، لسان العرب (10/ 234)، وشرعًا: زَوَالُ الرِّقِّ عَنِ الْمَمْلُوكِ، وهي قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ يَصِيرُ الْمَرْءُ بِهَا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ. الاختيار (4/ 17)، العناية (4/ 429).

ص: 22

[تعريف الإذن في التجارة]

أما اللغة: فالإذن في الشيء: رفع المانع لمن هو محجور عليه، وإعلامٌ بإطلاقه فيما حجر عنه، مَن أذن له في الشيء إِذْنًا

(1)

.

وأما شرعًا: فالإذن في التجارة

(2)

عبارة عن فكِّ الحجر الثابت بالرق

(3)

، ورفع المانع من التصرف؛ فيصير بالإذن كالأحرار في حق التصرف، وهذا عندنا

(4)

، وأما عند الشافعي

(5)

فهو عبارة عن إنابة وتوكيل، وتظهر ثمرة الاختلاف في أن الإذن بالتجارة عندنا لا يتخصص بنوع دون نوع، بل يثبت في الأنواع كلها، وعنده

(6)

يتخصص، وكذلك لا يتخصص بمكان دون مكان ولا بزمان دون زمان، بل يعُمُّ الأماكن والأزمان كلها؛ لأن العبد عندنا يتصرف بحكم مالكيته الأصلية، وأنها عامة لا تختص بنوع ومكان ووقت، فسيجيء دليل ذلك قريبًا من هذا- إن شاء الله تعالى-

(7)

.

وقد ورد دليل شرعيته في الكتاب والسنة والمعقول:

أما في الكتاب: فقال تعالى: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (10)}

(8)

وإذن العبد في التجارة طريق

(9)

ابتغاء فضل الله.

وأما في السنة: فهي ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يركب الحمار، ويجيب دعوة المملوك

(10)

، وفيه دليل تواضع رسول الله عليه السلام وأن ركوب الحمار من التواضع، وفيه دليل أيضًا على جواز الإذن للمملوك ليتمكن من اتخاذ الضيافة ما لم يكن له كسب، وطريق الاكتساب التجارة، وليس له أن يباشرها بدون إذن الموْلَى.

(1)

انظر: الصحاح (5/ 2068).

(2)

التِّجَارَةَ: مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ. المبسوط للسرخسي (25/ 157)، بدائع الصنائع (6/ 92).

(3)

الرِّقُّ لغَةً: مِنَ الْمِلْكَ وَهُوَ الْعُبُودِيَّةُ. مختار الصحاح (ر ق ق)(ص: 127)، واصطلاحًا: اسْمٌ لِضَعْفٍ حُكْمِيٍّ يَصِيرُ بِهِ الْآدَمِيُّ مَحِلًّا لِلتَّمَلُّكِ. بدائع الصنائع (4/ 86).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 2)، بدائع الصنائع (5/ 281)، الاختيار (2/ 100).

(5)

انظر: الحاوي الكبير (6/ 506)، المهذب (2/ 235)، وقال الهيتمي:(والأصح أنه استخدام) انظر: تحفة المحتاج (4/ 485)، نهاية المحتاج (4/ 170).

(6)

أي: الشافعي- رحمه الله.

(7)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 498)، تحفة الفقهاء (3/ 286)، تبيين الحقائق (5/ 205).

(8)

سورة الجمعة من آية (10).

(9)

سقطت في (ع).

(10)

أخرجه الحاكم في مستدركه (4/ 132) برقم (7128) كتاب الأطعمة، من حديث أنس بن مالك، بلفظ:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يردف خلفه، ويضع طعامه في الأرض، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار» ؛ وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان: كتاب حسن الخلق، باب فصل في التواضع وترك الزهو والصلف والخيلاء والفخر والمدح (10/ 485) برقم (7842)؛ وأخرجه البغوي في شرح السنة: كتاب الفضائل، باب تواضعه صلى الله عليه وسلم (13/ 242) برقم (3675). وقال الحاكم:(هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) انظر: المستدرك (4/ 132)، قال الألباني:(صحيح). انظر: الجامع الصغير وزيادته (2/ 887).

ص: 23

فثبت بهذا الحديث جواز الإذن في التجارة

(1)

، وأن ما يكتسبه العبد بعد الإذن حلال له، ولا بأس للعبد المأذون أن يتَّخِذ الدعوة بعد ألا يُسْرف في ذلك، ولا بأس بإجابة دعوته اقتداءً برسول الله عليه السلام.

ورُوي أيضًا أنه كان للعباس بن عبدالمطلب عشرون عبدًا، كل عبد منهم يتَّجر بعشرة آلاف

(2)

، ولم يُرو أن رسول الله عليه السلام ولا واحدًا من أصحابه أنكر عليه ذلك.

وأما المعقول: فهو أن الموْلَى يستغني بمملوكه في أموره شرعًا، والإذن في التجارة من قبيل ذلك فيملكه.

[يثبت الإذن بالصريح والدلالة]

وأما ما يحصل به الإذن فنوعان

(3)

: أحدهما: يثبت صريحًا، والآخر: يثبت دلالةً، وسيجيء بيانه -إن شاء الله تعالى-.

وأما سببه: فهو السبب في البيوع وسائر المعاملات، وقد ذكرناه في البيوع.

[شروط الإذن في التجارة]

وأما شرطه فنوعان

(4)

:

أحدهما: من جهة الآذن، وهو أن يكون الآذن ممن له ولاية على المأذون في الإذن

(5)

بالتجارة.

والثاني: من جهة المأذون، وهو أن يكون عاقلًا لما يُؤذن فيه، سواء كان بالغًا أو غير بالغ، ودخل تحت قولنا: ممن له ولاية الإذن في التجارة: المُكَاتَب، والمأذون، والمضارب

(6)

والشريك معاوضةً، أو عيانًا، والأب، والجد أبُ الأبِ، والقاضي، والوالي

(7)

(8)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 3)، بدائع الصنائع (7/ 193)، الاختيار (2/ 100).

(2)

وجدته بلفظ آخر أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (8/ 104) برقم (8107) وفي المعجم الكبير للطبراني (11/ 171) برقم (11398) عن ابن عباس {قل لمن في أيديكم من الأسرى} الأنفال: 70 حتى بلغ {أخذ منكم} الأنفال: 70، قال: كان العباس يقول: «فيَّ والله أنزلت حين أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إسلامي، وسألته أن يحاسبني بالعشرين أوقية التي وجد معي فأبى أن يحاسبني بها فأعطاني الله بالعشرين أوقية عشرين عبدًا كلهم تاجر بمالي في يده مع ما أرجو من مغفرة الله» . قال الهيتمي: (رِجَالُ الْأَوْسَطِ رِجَالُ الصَّحِيحِ) انظر: مجمع الزوائد (7/ 28).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 191)، الاختيار (2/ 100).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 193)، تبيين الحقائق (5/ 204).

(5)

في (ع)(المأذون) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(6)

الْمُضَارَبَةِ لغةً: الْقِرَاضُ. مختار الصحاح مادة (ض ر ب)(ص: 183) وشرعًا: دفع المَال إِلَى غَيره ليتصرف فِيهِ وَيكون الرِّبْح بَينهمَا على مَا شرطا فَيكون الرِّبْح لرب المَال بِسَبَب مَاله؛ لِأَنَّهُ نَمَاء مَاله وللمضارب بِاعْتِبَار عمله الَّذِي هُوَ سَبَب وجود الرِّبْح. تحفة الفقهاء (3/ 19) العناية (8/ 446).

(7)

الوالي: الذي يلي القوم بالتدبير والأمر والنهي، ومنه الولي. انظر: الكشاف (2/ 1806)، معجم لغة الفقهاء (ص: 498).

(8)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 193)، الاختيار (2/ 102)، تبيين الحقائق (5/ 204).

ص: 24

وأما حكمه: فما هو التفسير

(1)

الشرعي؟ وهو فك الحجر الثابت بالرقِّ شرعًا

(2)

، عما يتناوله الإذن لا الإنابة والتوكيل

(3)

؛ لأن حكم الشيء ما يثبت به، والثابت بالإذن في التجارة فك الحجر عن التجارة هذا مما ذكره في «المبسوط»

(4)

و «الإيضاح»

(5)

(6)

و «الذخيرة»

(7)

و «المغني»

(8)

وغيرها

(9)

./

(وفي الشرع: فك الحجر وإسقاط الحق عندنا

(10)

، وقيَّد بقوله:(عندنا)؛ لأن عند الشافعي

(11)

: الإذن عبارة عن التوكيل والإنابة، لما كان فكًا للحجر عندنا لم يقبل التخصيص في التجارة بنوع دون نوع ولا التوقيت على ما ذكرنا.

[الإذن لا يقبل التخصيص]

فإن قلتَ: لا يصح الاستدلال على عدم التخصيص والتوقيت، فإن الإذن عبارة عن فك الحجر والإطلاق وتمليك اليد، ألا ترى أن تقليد القضاء إطلاق، وإثبات للولاية؛ ثم هو قابل للتخصيص، وكذلك الإعارة

(12)

والإجارة تمليك للمنفعة، وإثبات لليد على العين، ثم هو قابل للتخصيص فيجب أن يكون هذا كذلك.

(1)

في (أ)(التفصيل) وما أثبت هو الصحيح. انظر: تبيين الحقائق (5/ 204).

(2)

انظر: الأسرار (1/ 400)، المبسوط للسرخسي (25/ 2)، فتح القدير (9/ 281)، البناية (11/ 131).

(3)

التوكيل لغةً: إقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامُ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ. كنز الدقائق (ص: 483)، ملتقى الأبحر (ص: 306).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 2).

(5)

الإيضاح: لعبد الرحمن بن محمد بن أميرويه بن إبراهيم، أبو الفضل الكرماني، فقيه حنفي مولده بكرمان ووفاته بمرو سنة (543 هـ)، وجميع من تَرجم له ذكر أن له كتاب الإيضاح شرح لكتابه التجريد، وكتاب الإيضاح له نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية بالقاهرة تحت الرقم (37). انظر: الفوائد البهية (156)، كشف الظنون (1/ 211)، الفهرس الشامل (1/ 822).

(6)

انظر: الاختيار (2/ 100)، فتح القدير (9/ 281).

(7)

انظر: المحيط البرهاني (9/ 373)، العناية شرح الهداية (9/ 281).

(8)

انظر: الاختيار (2/ 100)، فتح القدير (9/ 281).

(9)

انظر: الاختيار (2/ 100)، فتح القدير (9/ 281)، درر الحكام (2/ 276).

(10)

تحفة الفقهاء (3/ 286)، كنز الدقائق (ص: 574).

(11)

انظر: الحاوي الكبير (6/ 506)، المهذب (2/ 235)، تحفة المحتاج (4/ 485)، نهاية المحتاج (4/ 170).

(12)

الْعَارِيَّةُ لُغَةً: كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْعَارِ. لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ. الصحاح مادة (ع و ر)(2/ 761) وشرعًا: وَهِيَ تُمْلِيك الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. الهداية (3/ 218)، المحيط البرهاني (5/ 556).

ص: 25

قلتُ: الفرق بينهما ظاهر، (أما في تقليد القضاء؛ فإن القاضي لا يعمل لنفسه فيما يقضي بل هو نائب عن المسلمين؛ ولهذا يَرجع بما يلحقه من العُهْدة في مال المسلمين، وكيف يكون عاملًا لنفسه، وهو فيما يعمل لنفسه لا يصلح أن يكون قاضيًا)؛ بخلاف العبد فإنه

(1)

غير نائب عن الموْلَى.

[وأما المستعير أو المستأجر، فإنه يتصرف في محل هو مِلك الغير بإيجاب صاحب الملك له]

(2)

، وإيجابه في ملك نفسه يقبل التخصيص، وأما العبد فلا يتصرف من إيجاب الموْلَى؛ لِما يجيء أن التصرف غير مملوك للموْلَى في ذمته، فكيف يوجب ما لا يملكه؟ كذا في «المبسوط»

(3)

[الإذن لا يقبل التأقيت]

(وإسقاط الحق عندنا): أي (إذن الموْلَى لعبده في التجارة) إسقاط لحق نفسه الذي كان العبد محجورًا عن التصرف في مال الموْلَى قبل إذنه، وبالإذن أسقط حق نفسه عنده

(4)

، والعبد بعد ذلك يتصرف لنفسه بأهليته

(5)

، وأثر الإسقاط ما ذكره

(6)

بعده بقوله: (ولهذا لا يقبل التأقيت)، وأثر تصرف العبد بأهلية نفسه ما ذكره بعده بقوله:(ولهذا لا يرجع بما لحقه من العهدة على الموْلَى) فكان فيه صَنْعَةُ اللَّفِّ والنَّشْر

(7)

.

وعند الشافعي

(8)

(9)

: تصرف العبد المأذون كتصرف الوكيل؛ بدليل أن الملك للموْلَى فيما يشتري، فاستقام أن يُجعل نائبًا عن الموْلَى وكيلًا من قِبَله، ولكن لا يَلزم الموْلَى الثمن؛ لأن الموْلَى قَصَد بالإذن تحصيل الربح لا غير، وذلك بأن يقضي دَين التجارة من مال التجارة، فيخْلُصُ الفَضْل ربحًا له بلا غُرم. كذا في «الأسرار»

(10)

.

(1)

في (ع) زيادة (يرجع).

(2)

سقطت في (ع).

(3)

للسرخسي (25/ 11).

(4)

في (أ)(عنه)، وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (9/ 281).

(5)

الأهلية: عبارة عن صلاحية لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه. التعريفات (ص: 40)، معجم لغة الفقهاء (ص: 96).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

اللف والنشر: هو من المحسنات المعنوية، وهو ذكر متعدد على التفصيل أو الإجمال ثم ذكر ما لكل من غير تعيين ثقة بأن السامع يرده إليه. التعريفات (ص: 193)، الكليات (ص: 798).

(8)

انظر: الحاوي الكبير (6/ 506)، المهذب (2/ 235)، تحفة المحتاج (4/ 485)، نهاية المحتاج (4/ 170).

(9)

وبه قال مالك وأحمد. انظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (3/ 304)، المغني لابن قدامة (4/ 61).

(10)

انظر: الأسرار للدبوسي (1/ 397).

ص: 26

[العبد يتصرف بمالكيته الأصلية]

وحاصله: أن الإذن في التجارة، فك للحجر الثابت بالرِّق، (وإثبات اليد للعبد في كسبه بمنزلة الكتابة، لا أن الكتابة لازمة لأنها بعوض، والأذن لا يكون لازمًا لخلوه عن العوض بمنزلة الملك المستفاد بالهبة

(1)

مع المستفاد بالبيع)

(2)

.

[صحة إقرار المأذون بالقصاص]

وقوله: (والحجارة عن التصرف) أي: قبل الإذن لحق الموْلَى؛ هذا جواب سؤال مقدَّر، وهو أن يُقال: لما بقي العبد أهلا للتصرف بعد الرق ينبغي ألا ينحجر؟؛ فأجاب عنه بهذا، وذكر في «الذخيرة»

(3)

: وإنما قلنا: إن العبد يتصرف بحكم مالكيته الأصلية؛ لأنَّ تصرفات العبد تنبني على الشراء؛ لأن أول تصرفٍ مباشرة العبد بعد الإذن في التجارة الشراء؛ لأنه لا مال له حتى يبيع، والعبد في الشراء متصرف لنفسه لا للموْلَى؛ لأنَّه يتصرف في حال حقه، وهو ذمته بإيجاب الثمن فيها؛ لأنَّ الثمن يجب في ذمة العبد حتى كان المطالَب بالثمن هو العبد؛ بحيث لو امتنع عن أدائه في الحال، يٌحبس وذِمَّتُهُ خالص حقه، ولهذا لو أقرَّ على نفسه بالقِصاص، صحَّ

(4)

وإن كذَّبه الموْلَى؛ وإذا ثبت أن محل الشراء خالص

(5)

حق

(6)

العبد كان الشراء حقًّا له، وهذا المعنى يقتضي نفاذ تصرفاته في الأحوال كلها قبل الإذن وبعد الإذن، ولكن شَرَطْنا الإذن لا لنفاذ تصرف العبد وصحته، بل لمعنى آخر؛ وهو أن يصير الموْلَى راضيًا بالضرر بتصرف العبد؛ [لأن تصرف العبد]

(7)

لا ينفك عن شَغْل رقبة العبد وكسبه، ألا ترى أن تصرف العبد قبل الإذن إذا وقع نافعًا في حق الموْلَى لم

(8)

يتعد على الموْلَى على ما يأتي؛ والحجر إنما يظهر في التصرفات الضائرة أو الدائرة بين الضرر والنفع لا في حق التصرفات النافعة.

وعن هذا قلنا: إن العبد المحجور إذا آجر نفسه، وسَلِمَ من العمل، تنفذ الإجارة في حق الموْلَى، ويجب المسمى؛ ففي جواز التصرفات النافعة المحجور والمأذون سواء، وثبت أن اشتراط الإذن من الموْلَى لما قلنا لا بجواز شراء العبد ثم الرضا بالضرر لا يتفاوت بين نوع ونوع، والتقيد بنوع غير مفيد في حقه فلا يُعتبر

(9)

.

(1)

الِهبةُ لغةً: العَطِيَّة الخاليةُ عَنِ الأَعْواضِ والأَغْراضِ. لسان العرب (1/ 803)، وشرعًا: تَمْلِيكُ الْمَالِ بِلَا عِوَضٍ. العناية (9/ 19) أنيس الفقهاء (ص: 95).

(2)

المبسوط للسرخسي (25/ 2).

(3)

انظر: الأسرار (1/ 402)، بدائع الصنائع (7/ 257)، العناية شرح الهداية (9/ 283).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 196 - 257)، فتح القدير (9/ 283).

(5)

في (ع)(خالق) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(6)

سقطت في (ع).

(7)

في (أ) سقط نظر.

(8)

سقطت في (ع).

(9)

انظر: شرح السير الكبير (ص: 582)، بدائع الصنائع (6/ 176).

ص: 27

[الذمة تضعف بالرق]

وذكر في «المبسوط»

(1)

: (ومحل التصرف ذمة صالحة لالتزام الحقوق ولا ينعدم

(2)

ذلك؛ فإن صلاحية الذمة للالتزام من كرامات البشر، وبالرق لا يخرج من أن يكون من البشر إلا أن الذمة تَضْعف بالرق، فلا يجب المال فيها إلا شاغلًا مالية الرقبة- ومالية الرقبة حق الموْلَى وكان محجورًا عن التصرف لحق الموْلَى في مالية الرقبة-، وذلك يسقط لوجود الرضا منه لتعلق/ الحق بمالية رقبته فكان الإذن فكًّا للحجر

(3)

من هذا الوجه؛ وإنما ينعدم بالرق الأهلية لمالكية المال؛ لأنه يصير به مملوكًا مالًا، وبين كونه مملوكًا مالًا وكونه مالكًا للمال منافاة؛ ولهذا لا ينعدم بالرق الأهلية لمالكية النكاح

(4)

؛ لأنه لا يصير به مملوكًا نكاحًا.

فإن قيل: فينبغي أن ينعدم بالرق الأهلية لملك التصرف؛ لأنه صار مملوكًا تصرفًا فإن الموْلَى يملك التصرفات عليه؛ قلنا: إنما يصير مملوكًا تصرفًا في نفسه بيعًا أو تزويجًا فلا جرم تنعدم الأهلية لمالكية هذا التصرف، ويكون نائبًا فيه عن الموْلَى متى باشره بأمره بأن باع نفسه بأمره، ولكن لا يصير مملوكًا تصرفًا في ذمته، حتى أن الموْلَى لا يملك الشراء بثمن يجب في ذمة عبده

(5)

ابتداء، فتبقى له الأهلية في ملك هذا التصرف، كما أنه لم يَصِرْ مملوكًا تصرفًا عليه في الإقرار بالحدود

(6)

والقِصاص بقي مالكًا لذلك التصرف.

[انعدام أهلية المأذون]

فإن قيل: انعدام الأهلية لحكم التصرف، وهو الملك لسبب الرق يقتضي ألا يكون أهلًا لنفس التصرف؛ لأن التصرفات الشرعية لا تراد لعينها بل لحكمها

(7)

، وهو ليس بأهلٍ فلا يكون أهلًا- لسببه كأسباب العبادات غير ثابتة في حق الصبي والمجنون

(8)

؛ لأنهما ليسا بأهل لحكمها وهو الابتلاء- قلنا: لا كذلك فحكم التصرف ملك اليد

(9)

، والرقيق أهل لذلك، ألا ترى أن استحقاق ملك اليد

(10)

يثبت للمكاتَب مع قيام الرق فيه؛ وهذا لأنه مع الرق أهل للحاجة فيكون أهلًا لقضائها، وأدنى طريق

(11)

قضاء الحاجة ملك اليد، فهو الحكم الأصلي للتصرف، وملك العين مشروع للتوصل إليه، فما هو الحكم الأصلي يثبت للعبد، وما وراء ذلك يخلفه

(12)

الموْلَى فيه، وهو نظير من اشترى شيئًا على أن البائع بالخيار، ثم مات، فمتى اختار البيع للبائع يثبت ملك العين للوارث على سبيل الخلافة عن الْمُوَرِّثِ بتصرُّفٍ باشره الْمُوَرِّثُ بنفسه)

(13)

.

(1)

للسرخسي (25/ 2).

(2)

في (أ)(ينقده) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 2).

(3)

في (ع)(للمحجور) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 2).

(4)

النكاحُ لغةً: الْوَطْءُ وَقَدْ يَكُونُ العَقْدَ. الصحاح (ن ك ح)(1/ 413)، المغرب مادة (ن ك ح) (ص: 473)، وشرعًا: عقد موضوع لملك المتعة أي: لحل استمتاع الرجل من المرأة. انيس الفقهاء (ص: 50)، الاختيار (3/ 81).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

الْحَدُّ لغةً: فِي الْأَصْلِ الْمَنْعُ وهو الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَحَدُّ الشَّيْءِ مُنْتَهَاهُ. المغرب مادة (ح د د) (ص: 106)، مختار الصحاح مادة (ح د د) (ص: 68) وشرعًا: هي عقوبة مقدرة وجبت حقًا لله تعالى. الاختيار (4/ 79).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 3)، العناية شرح الهداية (9/ 283)، فتح القدير (9/ 282).

(8)

المجنون: هو من لم يستقم كلامه وأفعاله. التعريفات (ص: 204)، معجم لغة الفقهاء (ص: 407).

(9)

اليَدُ: المِلْكُ. لسان العرب (15/ 423).

(10)

سقطت في (أ).

(11)

في (ع) زيادة (الحاجة) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 3).

(12)

في (أ)(يلحفه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 3).

(13)

المبسوط للسرخسي (25/ 3).

ص: 28

بخلاف أسباب العبادات في حق الصبي والمجنون؛ لأن المراد منها شَغْل الذِّمَة بالوجوب لتحقيق الابتلاء، وهما ليسا بأهل للابتلاء، فلا تثبت الأسباب الموحية للابتلاء في حقهما لذلك؛ إذ ليس لهذه الأسباب أصل وخلف حتى يثبت ما هو الأصل لهما والخلف لغيرهما؛ كما في تصرف العبد فافترقا؛ لأن الإسقاط ألا يتوقف كالطلاق

(1)

والعَتاق

(2)

.

[بقاء ولاية الحجر ببقاء الرق]

فإن قلتَ: لو كان إسقاطًا لَمَا كان للموْلَى ولاية الحجر بعده؛ لأنه أسقط

(3)

حقه والساقط لا يعود

(4)

، قلتُ: بقاء ولاية الحجر باعتبار بقاء الرِّق، وكان في الحجر امتناع عن الإسقاط فيما يُستقبل لا فيما مضى [لا أن]

(5)

الساقط يعود، كما إذا رأى [عبده يبيع ويشتري فسكت يصير مأذونا عندنا

(6)

(7)

.

فإن قلتَ: ما الفرق بين هذه المسألة وبين ما إذا [رأى]

(8)

القاضي من

(9)

الصغير

(10)

أو المعتوه

(11)

أو عبد الصغير يبيع ويشتري وسكت، لا يكون إذنًا له في التجارة، مع أن القاضي يملك أن يأذن لليتيم أو عبد اليتيم؛ بل ولاية القاضي أقوى من ولاية الأب في مال

(12)

الصغير، حتى أن القاضي إذا أذن للصغير وأبى الأب صحَّ إذن القاضي ولا يعتبر لإباء الأب، والمسألة في «تتمة الفتاوى»

(13)

(14)

و «الذخيرة»

(15)

.

(1)

الطلاق لغةً: التَّخْلِيَةُ والإِرسال وحلُّ الْعَقْدُ. مقاييس اللغة (3/ 420)، لسان العرب (10/ 229). وشرعًا: عبارة عن حكم شرعي برفع القيد النكاحي بألفاظ مخصوصة. العناية (3/ 463)، الاختيار (3/ 121).

(2)

قال الكاساني: (الْإِسْقَاطَاتُ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا، فَأَمَّا الْحَجْرُ فَإِثْبَاتُ الْحَقِّ وَإِعَادَتُهُ، وَالْإِثْبَاتُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ كَالرَّجْعَةِ وَنَحْوِهَا) بدائع الصنائع (7/ 192).

(3)

في (أ)(إسقاط) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 283).

(4)

انظر: فتح القدير (4/ 285)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 274)، البحر الرائق (2/ 94).

(5)

في (ع)(لأن).

(6)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 497)، تحفة الفقهاء (3/ 286)، الاختيار (2/ 100).

(7)

يُشير إلى خلافه مع الشافعي أنه بالسكوت لا يصير مأذونًا. انظر: العزيز (4/ 367).

(8)

سقطت في (ع).

(9)

سقطت في (ع).

(10)

الصَّغِيرُ: يقع هذا الاسم على الصبي من حين يولد على اختلاف حالاته إلى أن يبلغ. الكليات (ص: 672).

(11)

الْمَعْتُوهُ: النَّاقِصُ الْعَقْلِ. الصحاح مادة (ع ت هـ)(6/ 2239)، واصطلاحا: هو من كان قليل الفهم، مختلط الكلام، فاسد التدبير. التعريفات (ص: 221).

(12)

في (ع)(حق).

(13)

للإمام برهان الدين: محمود بن أحمد بن عبد العزيز الحنفي، صاحب (المحيط) المتوفى: سنة 616 هـ، وهو كتاب جمع فيه الصدر الشهيد حسام الدين ما وقع إليه من الحوادث والواقعات، وضم إليها ما في الكتب من المشكلات، واختار في كل مسألة فيها روايات مختلفة، وأقاويل متباينة، ما هو أشبه بالأصول، غير أنه لم يرتب المسائل ترتيبًا. كشف الظنون (1/ 343) هدية العارفين (2/ 404).

(14)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 580)، الاختيار (2/ 100)، حاشية ابن عابدين (6/ 146).

(15)

انظر: المصدر السابق.

ص: 29

[ثبوت الإذن من الأب والقاضي]

ثم يثبت الإذن من الأب بالصريح

(1)

والدلالة

(2)

، ولا يثبت من القاضي إلا بالصريح، قلتُ: لأن الإذن من القاضي قضاء، والقضاء لا يثبت بالسكوت

(3)

؛ وكذلك رجحان إذن القاضي عند إباء الأب، فهذا المعنى أيضًا؛ وذلك لأن القاضي إذا أذن فرأى المصلحة في الإذن، والإذن مما ينتفع به الصبي؛ لأنه يهتدي بذلك إلى التجارة؛ وإذا طلب من الأب الإذن وأبى الأب صار الأب عاضلًا

(4)

له، وانتقلت الولاية إلى القاضي بسبب العَضَل

(5)

كالولي في باب النكاح إذا عَضَل

(6)

، فإنه تنتقل الولاية إلى القاضي لهذا؛ لأن النكاح حق المرأة قبل الولي، فإذا امتنع الولي عن الإيفاء نُقلت الولاية إلى القاضي إيفاءً لحق المرأة. كذا ههنا. كذا في الفصل العاشر من مأذون «الذخيرة»

(7)

.

فإن قلتَ: في إثبات الإذن للعبد في التجارة عند سكوت الموْلَى إذا رأى عبده يبيع ويشتري وجوه من الشُبْهة:

أحدهما: أن هذا التصرف الذي باشره العبد من البيع لا يصح في حقه الإذن حتى لم يصح ذلك البيع، فلمَّا لم يصح الإذن في عين ذلك التصرف فكيف يثبت في غيره؟ وكذلك إذا رأى أجنبيًّا يبيع عينًا من/ أعيان ماله فسكت، لا يصير مأذونًا ببيع ذلك العين، وكذلك المرتهن

(8)

إذا رأى الراهن

(9)

يبيع ذلك الرهن

(10)

فسكت ولم ينهه عن البيع لا يصير إذنًا له في البيع، وكذلك إذا رأى عبده يتزوج أو رأى أَمَتَه تٌزوِّج نفسها فسكت

(11)

ولم ينهها عن ذلك لا يصير إذنًا لها في النكاح، ففي هذه المسائل لا يكون السكوت إذنًا، لا في نفس ذلك التصرف ولا في غيره سِوى المسألة الأولى يكون السكوت

(12)

إذنًا في غير ذلك التصرف، مع احتياجه إلى الفرق؛ ولأن سكوته يحتمل؛ قد يكون للرضا بتصرفه، وقد يكون لِفَرْطِ الْغَيْظِ

(13)

، وقلة الالتفات إلى تصرفه لعلمه أنه محجور عن ذلك شرعًا، والمُحتمل لا يكون حجة

(14)

؛ كمن رأى إنسانًا يُتلف ماله فسكت لا يسقط الضمان

(15)

بسكوته

(16)

(17)

.

(1)

الصريح: هُوَ كل لفظ مَكْشُوف الْمَعْنى وَالْمرَاد حَقِيقَة كَانَ أَو مجَازًا. أصول الشاشي (ص: 64)، أصول السرخسي (1/ 187).

(2)

الدلالة: كون اللفظ يلزم من فهمه فهم شيء آخر. الإبهاج (1/ 204)، نهاية السول (ص: 84).

(3)

انظر: مجمع الأنهر (2/ 446)، حاشية ابن عابدين (6/ 157).

(4)

العَضَلَ: مَنَعَهَا مِنَ التَّزْوِيجِ. مختار الصحاح مادة (ع ض ل)(ص: 211).

(5)

في (أ)(الفضل) وما أثبت هو الصحيح. انظر: حاشية الشِّلْبِي (5/ 220).

(6)

قال الشِّلْبِي: (لِأَنَّ الْإِنْكَاحَ مِنْ الْكُفْءِ حَقُّ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْوَلِيِّ فَإِذَا امْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْإِيفَاءِ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْقَاضِي) تبيين الحقائق (5/ 220).

(7)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 220)، حاشية ابن عابدين (6/ 175).

(8)

الْمُرْتَهِنُ: الَّذِي يَأْخُذُ الرَّهْنَ. الصحاح مادة (ر هـ ن)(5/ 2129).

(9)

الرَّاهِنُ: هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ. طلبة الطلبة مادة (غ ل ق)(ص: 147).

(10)

الرَّهن لغةً: مطلق الحبس. المصباح المنير مادة (ر هـ ن)(1/ 242) وشرعًا: جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ. الهداية (4/ 412)، حاشية ابن عابدين (6/ 477)، أنيس الفقهاء (ص: 107).

(11)

سقطت في (ع).

(12)

سقطت في (ع).

(13)

الْغَيْظُ: غَضَبٌ كَامِنٌ لِلْعَاجِزِ. مختار الصحاح مادة (غ ي ظ)(ص: 232)، المصباح المنير مادة (غ ي ظ)(2/ 459).

(14)

لأن المحتمل لا يكون في العلم القطعي، بل في المختلف فيه. انظر: أصول السرخسي (2/ 145)، كشف الأسرار (2/ 381).

(15)

الضمان لغةً: هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ فِي شَيْءٍ يَحْوِيهِ. مقاييس اللغة (3/ 372)، واصطلاحًا: هُوَ إعْطَاءُ مِثْلِ الشَّيْءِ إنْ كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْقِيَمِيَّاتِ. مجلة الأحكام العدلية (ص: 80)(الْمَادَّةُ 416).

(16)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 12)، مجمع الأنهر (2/ 446)، تبيين الحقائق (5/ 204).

(17)

يٌشير إلى قاعدة: (لا ينسب إلى ساكت قول) انظر: البرهان (1/ 271)، كشف الأسرار (3/ 229)، المحصول للرازي (4/ 156)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 129).

ص: 30

[سكوت الموْلَى عند مبايعة المأذون]

قلتُ: أما الجواب عن المسألة الأولى: فهو إنما لم يجز ذلك التصرف بسكوت الموْلَى؛ لأن تصرفه في ذلك العين الذي باع يقع

(1)

على طريق الوكالة، والتوكيل لا يثبت بالسكوت

(2)

، ولكن يتضمن إذنًا في الأنواع كلها، وكان هذا بمنزلة ما إذا رأى

(3)

الموْلَى عين المُسلم يشتري شيئًا بالخمر أو بالخنزير فسكت، يصير العبد مأذونًا في التجارة، وإن كان لا يجوز هذا الشراء كذا هنا

(4)

.

وذكر في «المبسوط»

(5)

: (لو رأى عبده يبيع في حانوته متاعه بغير أمره فلم ينهه كان مأذونًا لسكوت الموْلَى عن النهي بعد علمه بتصرفه، ولكن لا يجوز ما باع من متاع الموْلَى؛ لأن جواز البيع في ذلك المتاع يَعتمد

(6)

التوكيل، وذلك يحصل بالأمر

(7)

في الابتداء أو الإجازة في الانتهاء

(8)

؛ والسكوت لا يكون أمرًا

(9)

ولا إجازةً فلا يثبت به التوكيل، ألا ترى أن فيما يبيع من متاع الموْلَى بأمره إذا لحقه العهدة يرجع بها على الموْلَى؛ بخلاف صيرورته مأذونًا، فإن ذلك يعتمد الرضا لا التوكيل حتى لا يرجع بما يلحقه من العهدة [في سائر التصرفات]

(10)

على الموْلَى، ولا يتحقق الضرر في حق الموْلَى بمجرد صيرورته مأذونا).

وفي هذا المعنى قلنا: إن في جواز هذا التصرف إزالة ملك الموْلَى عما يبيعه، وفي إزالة ملكه ضرر متحقق لما يثبت سكوته، وليس في ثبوت الإذن ضرر على الموْلَى متحقق في الحال، وقد يلحقه الدين وقد لا يلحقه؛ ولو لم يثبت الإذن به يتضرر الناس في معاملاتهم به؛ وكذلك الجواب فيما إذا رأى أجنبيًّا يبيع ماله فسكت؛ لما أن ضرر المالك متيقن فإنه يزول ملكه عن العين في الحال، وزوال ملك الإنسان عن العين- وإن كان بعوض- ضرر، حتى لم يملك عليه أحد ذلك حالة الاختيار

(11)

.

(1)

في (أ) زيادة (تصرفه).

(2)

انظر: شرح الطحاوي للجصاص (8/ 487)، تبيين الحقائق (5/ 205).

(3)

في (ع)(أدى) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (9/ 285).

(4)

انظر: فتح القدير (9/ 285)، البحر الرائق (8/ 99).

(5)

للسرخسي (25/ 15 - 16).

(6)

في (ع)(يحتمل) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 16).

(7)

الْأَمْرُ لغة: ضِدُّ النَّهْيِ. مقاييس اللغة (1/ 137). واصطلاحًا: الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ. انظر: المستصفى (ص: 202)، كشف الأسرار (1/ 101).

(8)

انظر: المحيط البرهاني (3/ 182)، الاختيار (4/ 73).

(9)

في (أ)(إبراء) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 16).

(10)

سقطت في (أ).

(11)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 284)، تبيين الحقائق (5/ 204)، فتح القدير (9/ 287).

ص: 31

[سكوت المرتهن عند بيع الراهن]

وأما مسألة الرهن: فإنَّا لو لم يثبت الإذن حتى أبطل المرتهن البيع، يبطل ملك الراهن عن الثمن ملكًا موقوفًا

(1)

، فإن بيع المرهون موقوف على ظاهر الرواية

(2)

ولو أثبتنا الإجازة على المرتهن أبطلنا ملك المرتهن عن اليد ملكًا تامًّا، وعسى لا يصل إلى يده من محل آخر وكان ضرر المرتهن أقوى؛ فلذلك لم تثبت الإجازة بالسكوت

(3)

.

[سكوت الموْلَى عند تزوج العبد]

وأما مسألة تزوج العبد: فإنا لو أثبتنا الإذن تتضرر المرأة بزوال ملكها عن منافع نصفها للحال، وهي في حكم العين؛ ولو لم يثبت الإذن يتضرر العبد ضررًا موهومًا، فإن ضرر العبد في أن يدخل بها على حسبان أن المالك أجازه، وأنه موهوم فكان الترجيح لجانب المرأة ولم يقل بالإجازة، وكذلك لم يُجعل السكوت رضًا في إتلاف المال؛ لأن الضرر هناك يتحقق في الحال، وسكوته لا يكون دليل التزام الضرر حقيقة؛ ولأنه لا حاجة إلى تعيين جانب الرضا هناك لدفع الضرر والغرور عن المتلِف، وهو ملتزم للضرر بإقدامه على إتلاف المال، وهو موجب للضمان بنفسه حقيقة بخلاف ما نحن فيه

(4)

.

وأما قوله: (السكوت محتمل فقلنا: نعم كذلك؛ ولكن دليل العُرف

(5)

يُرَجِّح جانب الرضا، فالعادة أن من لا يرضى بتصرف عبده يظهر النهي إذا رآه يتصرف، ويؤدبه على ذلك؛ وربما يستحق ذلك عليه

(6)

شرعًا لدفع الضرر والغرور؛ فبهذا الدليل رجَّحنا جانب الرضا، كما في سكوت البكر، وكما في سكوت الشفيع يُرَجَّح جانب الرضا لدفع الضرر عن المشتري والبكر) هذه فوائد مجموعة من «المبسوط»

(7)

و «الذخيرة»

(8)

و «الإيضاح»

(9)

.

(1)

الموقوف: مشروع بأصله ووصفه ويفيد الملك على سبيل التوقف ولا يفيد تمامه لتعلق حق الغير. أنيس الفقهاء (ص: 75).

(2)

انظر: المبسوط للشيباني (2/ 437)، بدائع الصنائع (4/ 208)، الاختيار (2/ 8).

(3)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 284)، فتح القدير (9/ 287).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 13)، فتح القدير (9/ 287).

(5)

الْعُرْفُ لُغَةً: ضِدُّ النُّكْرِ، يُقَالُ: أَوْلَاهُ عُرْفًا أَيْ مَعْرُوفًا. الصحاح مادة (ع ر ف)(4/ 1401)، اصطلاحًا: ما يعرفه الناس ويتعارفونه فيما بينهم، وهو ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول. قواطع الأدلة (1/ 29)، التعريفات (ص: 149).

(6)

في (أ) وَ (ع) زيادة (ذلك) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(7)

للسرخسي (25/ 13).

(8)

انظر: تحفة الفقهاء (3/ 287)، الاختيار (2/ 100).

(9)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 192 - 193)، مجمع الأنهر (2/ 446).

ص: 32

(في سائر التجارات) أي: في جميعها، يقال: سائر الناس أي: جميعهم وسائر الشيء لغة في سائره كذا في «الصحاح»

(1)

(2)

.

[عدم تقييد الإذن عند التصريح به]

(ومعنى هذه المسألة أن يقول له: أذنت لك في التجارة فلا يقيِّده)، أي: فلا يقيد الإذن بنوع من التجارة حينئذ يكون مأذونًا في جميع التجارات بالاتفاق

(3)

، أما لو قيَّد بنوع منها/ بأن يقول: أذنت لك في التجارة في الخز

(4)

يكون مأذونًا أيضًا عندنا

(5)

في جميع أنواع التجارات، خلافًا للشافعي

(6)

(7)

رحمه الله، فكان فائدة ذكر معنى المسألة بهذا النفي الخلاف بيننا وبين الشافعي [لا أن لا]

(8)

يكون مأذونًا في جميع التجارات عندنا عند التقييد بنوع منها

(9)

.

[عدم تخصيص الإذن في نوع معين]

وقد ذكر في «الذخيرة»

(10)

: إذا قال الرجل لعبده: أذِنت لك في التجارة يصير مأذونًا له في التجارات كلها، وهذا بلا خلاف

(11)

، وإنما الخلاف بيننا وبين الشافعي: فيما إذا أذن له في التجارة في نوعٍ بأَنْ قال: أذنت لك في التجارة في الخز، يصير مأذونًا في التجارات كلها

(1)

الصِّحَاح تاج اللغة وصحاح العربية تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري إمام في علم اللغة؛ وخطّه يضرب به المثل في الحسن، حَقق كتاب الصِّحَاح أحمد عبد الغفور عطار وطبعته دار العلم للملايين في لبنان.

(2)

الصحاح للجوهري (2/ 692).

(3)

انظر: تحفة الفقهاء (3/ 286)، الاختيار (2/ 101)، فتاوى قاض خان (3/ 579)، البناية (11/ 134).

(4)

الْخَزُّ: اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْ وَبَرِهِ خَزًّا، وهو ثوب نُسج من الصوف والحرير أو من الحرير فقط. المغرب مادة (خ ز ز) (ص: 144)، معجم لغة الفقهاء (ص: 195).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 6)، تحفة الفقهاء (3/ 286)، بدائع الصنائع (7/ 191).

(6)

انظر: العزيز (4/ 366)، المهذب (2/ 235)، وقال الهيتمي:(فإن أذن له في نوع أو زمن أو محل لم يتجاوزه كالوكيل) تحفة المحتاج (4/ 487)، نهاية المحتاج (4/ 174).

(7)

وبقول الشافعي قال مالك. انظر: الذخيرة للقرافي (5/ 320).

(8)

في (ع)(لا) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(9)

سقطت في (ع).

(10)

انظر: المحيط البرهاني (3/ 370)، بدائع الصنائع (7/ 192).

(11)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 6)، تحفة الفقهاء (3/ 286)، فتاوى قاض خان (3/ 579).

ص: 33

عندنا

(1)

خلافًا له

(2)

.

[جواز بيع المأذون بالغبن الفاحش]

(وكذا بالفاحش عند أبي حنيفة-رحمه الله) أي: يجوز بيع العبد المأذون وشراؤه بالغَبن الفاحش عند أبي حنيفة

(3)

رحمه الله، سواء كان عليه دين أو لم يكن، (ولا يجوز في قول أبي يوسف

(4)

ومحمد

(5)

- رحمهما الله-)، وكذلك الخلاف في المُكاتَب والصبي والمعتوه يأذن له أبوه [في التجارة يتصرف بما لا يتغابن الناس فيه، وطريقهما أن المحاباة

(6)

الفاحشة بمنزلة الهبة]

(7)

، ألا ترى أن من لا يملك الهبة كالأب والوصي في مال الصغير لا يملك التصرف بالمحاباة الفاحشة (حتى اُعْتُبر ذلك من المريض من ثلث ماله) كالهبة، ثم هؤلاء لا يملكون الهبة، فكذلك لا يملكون التصرف بالمحاباة الفاحشة، وهذا لأنه ضد لما هو المقصود بالتجارة، والمقصود بالتجارة الاسترباح دون إتلاف المال

(8)

.

وأبو حنيفة

(9)

رحمه الله-يقول: (انفكاك الحجر عنه بالإذن في وجوه التجارات كانفكاك الحجر عنه بالعتق، والبلوغ عن عقل، وبعد ذلك هو يملك التصرف بالغبن الفاحش واليسير فكذلك بعد الإذن؛ وهذا لأن التصرف بالغبن الفاحش تجارة، فإن التجارة مبادلة مال بمال

(10)

وهذا كذلك؛ ألا ترى أنه تجب الشفعة للشفيع في الكل، بخلاف الهبة فإنه ليس بتجارة، وبخلاف الأب والوصي لأنه لم يثبت لهما الولاية في التجارة في مال الصغير مطلقًا، بل مقيدًا بشرط الأحسن والأصلح، ولا يبعد ألا يصح التصرف من الأب والوصي، ثم يصح من الصبي بعد الإذن كالإقرار بالدين؛ والبيع بالغبن الفاحش من صنيع التجار، لاستجلاب قلوب المُجَاهِزين

(11)

حيث يُسامِحون في تصرفٍ لتحصيل مقصودهم من الربح في تصرفات أُخَر بعد ذلك، ثم إن كان يُعتبر في حق المريض من الثلث لعدم الرضا به من غرمائه وورثته، فذلك لا يدل على أنه لا ينفذ من المأذون كالغبن اليسير) يعني: أنه يصح من المأذون بالاتفاق

(12)

، ومع ذلك أنه معتبر من الثلث في تصرف المريض.

(1)

انظر: الأسرار (1/ 396)، بدائع الصنائع (7/ 191)، الاختيار (2/ 101).

(2)

أي: للشافعي-رحمه الله.

(3)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 88)، تحفة الفقهاء (3/ 288)، الاختيار (2/ 101).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 194)، مجمع الأنهر (2/ 448)، تبيين الحقائق (5/ 206).

(5)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 88)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 531).

(6)

الحِباءُ: العطاء. الصحاح مادة (ح ب ا)(6/ 2308)، والمحاباة في البيع: حط بعض الثمن والمسامحة في البيع بزيادة المشتري شيئًا على الثمن أو حط البائع شيئًا منه. انظر: طلبة الطلبة (1/ 163)، معجم لغة الفقهاء (1/ 407).

(7)

سقطت في (ع).

(8)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 194)، تبيين الحقائق (5/ 206)، مجمع الأنهر (2/ 448).

(9)

المبسوط للسرخسي (25/ 157)، تبيين الحقائق (5/ 206).

(10)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 197)، تبيين الحقائق (5/ 206).

(11)

المجاهز عِنْدَ الْعَامَّةِ: الْغَنِيُّ مِنْ التُّجَّارِ وَكَأَنَّهُ أُرِيدَ الْمُجَهِّزُ وَهُوَ الَّذِي يَبْعَثُ التُّجَّارَ بِالْجِهَازِ وَهُوَ فَاخِرُ الْمَتَاعِ أَوْ يُسَافِرُ بِهِ فَحُرِّفَ إلَى المجاهز. المغرب مادة (ج هـ ز)(ص: 97).

(12)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 194)، مجمع الأنهر (2/ 448)، العناية (9/ 286).

ص: 34

(ثم أبو حنيفة-رحمه الله في تصرف الوكيل: فرَّق بين البيع والشراء في الغبن الفاحش، وفي تصرف المأذون سوَّى بينهما؛ لأن الوكيل يرجع على الآمر بما يلحقه من العهدة فكان الوكيل بالشراء مُتهمًا في أنه كان اشتراه لنفسه، فلمَّا ظهر له الغبن أراد أن يُلزمه الآمر، وهذا لا يوجد في تصرف المأذون؛ لأنه متصرف لنفسه لا يرجع بما يلحقه من العهدة على أحد؛ فكان البيع والشراء في حقه سواء) كذا في «المبسوط»

(1)

.

وجواب أبي حنيفة

(2)

رحمه الله من قولهم تارة الغبن الفاحش تبرع

(3)

بوجه آخر، وهو أن يقول إنه ليس بتبرع؛ لأنه يثبت في ضمن عقد التجارة، وما يثبت في ضمن شيء كان له حكم ذلك الشيء

(4)

.

[المحاباة في مرض الموْلَى أو العبد]

(ولو حابى) أي: العبد المأذون (في مرض موته) أي: في مرض موت نفسه وهو العبد (يُعتبر

(5)

من جميع المال) هذا إذا كان مولاه صحيحًا، (أما إذا كانت هذه المحاباة منه في مرض الموْلَى، فمحاباته بما يتغابن الناس فيه أو ما لا يتغابن الناس

(6)

فيه جائزة في قول أبي حنيفة

(7)

رحمه الله من ثلث مال الموْلَى- سواء كان ذلك في البيع أو في الشراء-؛ لأن العبد بانفكاك الحجر عنه بالإذن صار مالكًا للمحاباة مطلقًا في قول أبي حنيفة-رحمه الله-حتى لو باشره في صحة الموْلَى كان ذلك صحيحًا منه، والموْلَى حين استدام الإذن بعد مرضه، جعل تصرف العبد بإذنه كتصرفه بنفسه، ولو باع الموْلَى بنفسه وحابى يُعتبر ذلك من ثلث مال المحاباة، اليسيرة والفاحشة في ذلك سواء، فكذلك إذا باشره العبد.

[محاباة العبد من ثلث مال الموْلَى]

وفي قول أبي يوسف ومحمد

(8)

- رحمهما الله-: محاباته بما يتغابن الناس فيه كذلك، وأما محاباته بما لا يتغابن الناس فيه باطل؛ وإن كان يُخرج من ثلث مال الموْلَى؛ لأن العبد عندهما لا يملك هذه المحاباة بالإذن له في التجارة حتى لو باشره في صحة الموْلَى كان باطلًا/؛ وإن كان على الموْلَى دين

(9)

يحيط برقبة العبد وبما في يده، ولا مال له غيره محابيًا في مرض الموْلَى لم تجز محاباة العبد بشيء؛ لأن مباشرته كمباشرة الموْلَى، وقيل: للمشتري إن شئت فانقض البيع، وإن شئت فأدِّ المحاباة كلها؛ لأنه لزمه زيادة في الثمن لم يرضَ هو فيتخير لذلك، وإن لم يكن على الموْلَى دين، وكان على العبد

(10)

دين يحيط برقبته وبجميع ما في يده، فمحاباة العبد جائزة على غرمائه من ثلث مال الموْلَى؛ لأن حكم الإذن لم يتغير بلحوق [الدين إياه، والمحاباة وإن جازت على الغرماء، فإنما هي من مال الموْلَى) كذا في المبسوط

(11)

(12)

(وإن كان فمن جميع ما بقي) أي: وإن كان على المأذون دين فمحاباته في تصرفه يُعتبر من جميع ما بقي من الدين

(13)

.

(1)

للسرخسي (25/ 157).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 206)، البناية شرح الهداية (11/ 135).

(3)

التَّبَرُّعُ: هو الْهِبَةُ بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَوْهُوبُ لَهُ. انظر: طلبة الطلبة مادة (و هـ ب)(ص: 106)، المغرب مادة (و هـ ب) (ص: 497).

(4)

انظر: كشف الأسرار (2/ 175)، الكافي (2/ 979)

(5)

سقطت في (ع).

(6)

سقطت في (أ).

(7)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 209)، تبيين الحقائق (5/ 206)، مجمع الأنهر (2/ 448)

(8)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 209)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 531).

(9)

سقطت في (أ).

(10)

في (أ)(العقد) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (26/ 54).

(11)

في (أ) مطموسة، فتبينت أنها "المبسوط" انظر: المبسوط للسرخسي (26/ 54).

(12)

سقطت في (ع).

(13)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 206)، مجمع الأنهر (2/ 448).

ص: 35

وذكر في «المبسوط»

(1)

(وإذا حابى العبد في مرضه، ولا دين عليه ثم مات فالمحاباة جائزة؛ وإن كان عليه دين بقي ماله بالدين و

(2)

لم يفِ ماله بالدين لم تجز المحاباة؛ لأن كسبه حق غرمائه، ولم يوجد منهم الرضا بتصرفه ومحاباته، فهو في حقهم بمنزلة الحر المريض).

(لأن الاقتصار على الثلث في الحر لحقِّ الورثة، ولا وارث للعبد).

[إقرار المأذون المريض ملحق بالحر]

فإن قلتَ: هذا التعليل ينتقض في إقرار العبد المأذون المريض؛ فإنه مُلحق بالحر في إقراره بالدين، حتى إذا كان عليه دَين في الصَّحة، وأقرَّ بدين في حال مرضه بُدِيَ بدين الصحة، كما في حق الحر المريض إذا أقرَّ بدين أو عين، مع أن الحر والعبد يفترقان في حق الدين أيضًا؛ وذلك لأن الحكم في حق الحر يتغير بمرضه، من حيث تعلق حق الغرماء والورثة بماله، وذلك لا يوجد في حق العبد؛ فإن الدين الذي في صحته كان مُتعلقًا بكسبه في

(3)

مالية رقبته قبل مرضه؛ فكذلك بعد مرضه فينبغي أن يٌسوَّى بين ما أقر به في الصحة وبين ما أقرَّ به في المرض، كما في المحاباة.

[جواز المحاباة في صحة العبد ومرضه بخلاف الحر]

قلتُ: ذَكَر مثل هذه الشُبهة في «المبسوط»

(4)

ثم قال: (قلنا: نعم كذلك؛ ولكن انفكاك الحجر بالإذن فرع انفكاك الحجر عنه بالعتق؛ والفرع يلحق بالأصل في حكمه

(5)

، وإن لم توجد فيه علته

(6)

؛ لأنه مَنَع ثبوت الحكم في البيع بثبوته في الأصل)؛ ولكن يرد على هذا مسألة المحاباة، حيث لم يثبت الحكم هناك على وفاق التبعية، بل استوى حكم المحاباة في صحة العبد ومرضه في الجواز بخلاف الحر؛ وإنما كان هكذا (لأنه إذا حابى العبد في مرضه ولا دين عليه ثم مات فالمحاباة جائزة، لأنَّ كسبه لمولاه والموْلَى راض بتصرفه وهو الذي سلَّطه على هذه المحاباة، بخلاف الحر فإن ماله لورثته بعد موته، ولم يوجد منهم الرضا لمحاباته، وكان معتبرًا من ثلث ماله).

(1)

للسرخسي (26/ 56).

(2)

في (أ)(أو) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (26/ 56).

(3)

في (أ)(و) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (26/ 55).

(4)

المبسوط للسرخسي (26/ 55).

(5)

يشير إلى قاعدة: (التَّابِعُ تَابِعٌ) انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 117)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 102).

(6)

انظر: الفصول في الأصول (4/ 187)، أصول السرخسي (2/ 160).

ص: 36

[للمأذون أن يستأجر الأرض]

(وله أن يُسَلِّم ويَقبل السَّلَم) أي: وللمأذون أن يجعل نفسه ربَّ السلم والمُسْلَم إليه (ويَملك أن يتقبَّل الأرض) يعني: (زمين ذا بقبالة كبرد) أي: يستأجر الأرض، وفي «المغرب»

(1)

: وَقَبَالَةُ الْأَرْضِ أَنْ يَتَقَبَّلَهَا إنْسَانٌ فَيُقْبِلهَا الْإِمَامُ أَيْ: يُعْطِيهَا إيَّاهُ مُزَارَعَةً

(2)

(3)

أَوْ مُسَاقَاةً

(4)

(5)

، ويأخذ الأرض مزارعة؛ لأنه إن كان البَذْر من قِبَله فهو مستأجر للأرض ببعض الخارج، وأنه أنفع من الاستئجار بالدراهم، فإن هناك يلزمه الأجر وإن لم يحصل له الخارج، وههنا لا يلزمه شيء

(6)

إذا لم يحصل له الخارج، فلمَّا ملك استئجار الأرض بالدراهم فهذا أولى، وإن كان البذر من قِبَل رب الأرض فهو آجر نفسه من رب الأرض لعمل الزراعة ببعض الخارج، ولو آجر نفسه بالدراهم يجوز.

وكذلك إذا آجر نفسه ببعض الخارج، وله أن يدفع الأرض مزارعة؛ لأنه وإن كان البذر من قِبَله فهو مستأجر للعامل ببعض الخارج حتى يعمل في أرضه، وإن كان البذر من قِبَل العامل فهو مؤاجر أرضه من العامل ببعض الخارج، وكل ذلك منه جائز بالدراهم، فكذا ببعض الخارج كذا في «الذخيرة»

(7)

.

(1)

المغرب (1/ 371 - 372).

(2)

الزَّرْعُ لغةً: طَرْحُ الْبَذْرِ. الصحاح مادة (ز ر ع)(3/ 1224)، وشرعًا: عبارة عن عقد الزراعة ببعض الخارج، وهو إجارة الأرض أو العامل ببعض الخارج. تحفة الفقهاء (3/ 263).

(3)

قال السمرقندي: (وأما إجارتهما بالدراهم والدنانير في الذمة أو معينة فلا يكون عقد مزارعة بل سمي إجارة، وكذا المعاملة هو إجارة العامل ليعمل في كرمه وأشجاره من السقي والحفظ ببعض الخارج، وأما بيان المشروعية فقال أبو حنيفة: كلتاهما فاسدتان غير مشروعتين، وقال أبو يوسف ومحمد: كلتاهما مشروعتان). انظر: تحفة الفقهاء (3/ 263 - 264)، الاختيار (3/ 74).

(4)

في (أ)(مساماة) وما أثبت هو الصحيح. انظر: تبيين الحقائق (5/ 207).

(5)

الْمُسَاقَاةُ: مَفْهُومُهَا اللُّغَوِيُّ هُوَ مَفْهُومُهَا الشَّرْعِيُّ فَهِيَ: مُعَاقَدَةُ دَفْعِ الْأَشْجَارِ وَالْكُرُومِ إلَى مَنْ يَقُومُ بِإِصْلَاحِهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ سَهْمٌ مَعْلُومٌ مِنْ ثَمَرِهَا، الصحاح مادة (س ق ى)(6/ 2380)، البناية (11/ 509) حاشية ابن عابدين (6/ 285).

(6)

في (أ) زيادة (و). وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 7)، تبيين الحقائق (5/ 207)، مجمع الأنهر (2/ 447).

ص: 37

[ليس للمأذون أن يُقرِض]

(وليس له أن يدفع طعامًا إلى رجل ليزرعه ذلك الرجل في أرضه بالنصف، قال لأنه يصير قرضًا

(1)

، وليس للمأذون أن يُقْرِض فإن القرض تبرع

(2)

؛ قال بعض مشايخنا

(3)

: وهذا التعليل غلط؛ وإنما الصحيح من التعليل أن هذا دَفَع البذر مزارعة، ودفع البذر مزارعة وحده لا يجوز؛ لأن صاحب البذر مستأجر الأرض، وشرط الإجارة التخلية بين المستأجر وبين ما استأجر، وذلك ينعدم إذا كان العامل صاحب الأرض) كذا في «المبسوط»

(4)

.

[للمأذون أن يُشارك شركة عنان]

(وله أن يُشارك/ شركة عِنَان

(5)

وإنما قيَّد بالعِنَان؛ لأنه ليس له أن يشارك غيره شركة مُفاوضة

(6)

؛ لأن شركة المفاوضة مَبْنِيَّة على الوَكالة والكفالة؛ والوكالة وإن كانت داخلة تحت الإذن [فالكفالة غير داخلة تحت الإذن]

(7)

، فباعتبار الكفالة لا تدخل شركة المفاوضة تحت الإذن إلا أن المفاوضة [تحت الأذن]

(8)

إن كانت لا تصح مفاوضة تصح عِنانًا؛ لأن في المفاوضة عِنانًا وزيادة؛ فيصح بقدر ما يملكه المأذون، وهو الوكالة. ثم شركة العنان إنما تصح منه إذا اشترك الشريكان مطلقًا عن ذكر الشراء بالنقد والنسيئة

(9)

، (أما لو اشترك العبدان المأذون لهما في التجارة شركةَ عنانٍ على أن يشتريا بالنقد والنسيئة بينهما لم يجز في ذلك النسيئة وجاز النقد؛ لأن في النسيئة معنى الكفالة عن صاحبه، والمأذون لا يملك الكفالة، أما ليس في النقد معنى الكفالة عن صاحبه فيصح بقدر ما يملك لا بقدر ما لا يملك

(10)

(11)

، كما لو شارك شركة مفاوضة صحَّ

(12)

عِنانًا لذلك، ولو أذِن لهما المَوْليان في الشركة على الشراء بالنقد والنسيئة، ولا دين عليهما فهو جائز، كما لو أذن كل واحد منهما مولاه بالكفالة أو التوكيل بالشراء بالنسيئة

(13)

كذا في «المبسوط»

(14)

و «الذخيرة»

(15)

غير أنه ذكر في «الذخيرة»

(16)

وإذا أذن له الموْلَى شركة المفاوضة لا تجوز المفاوضة منه؛ لأن إذن الموْلَى بالكفالة لا يجوز في التجارات

(17)

.

(1)

القَرْضُ لُغَةً: القَطْعُ. مقاييس اللغة مادة (ق ر ض)(5/ 71)، لسان العرب (7/ 216). وشرعًا: ما تعطيه من مثلي لتتقاضاه. حاشية ابن عابدين (5/ 161).

(2)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 497)، بدائع الصنائع (7/ 197)، تبيين الحقائق (5/ 207).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 8)، حاشية الشلبي (5/ 207).

(4)

للسرخسي (25/ 8).

(5)

شركة العنان: أن يشارك صاحبه في بعض الأموال ويكون كل واحد منهما وكيلًا عن صاحبه في التصرف في النوع الذي عيَّنا من أنواع التجارة أو في جميع أنواع التجارة إذا عيَّنا ذلك أو أطلقا، ويُبيِّنان قدر الربح. تحفة الفقهاء (3/ 7) أنيس الفقهاء (ص: 69).

(6)

شركة المفاوضة: وهي أن يشترك متساويان تصرفا ودَينًا ومالًا وربحًا، وتتضمن الوكالة والكفالة. ملتقى الأبحر (ص: 547).

(7)

سقطت في (ع).

(8)

سقطت في (أ).

(9)

قال ابن بطال: (العلماء مجمعون على جواز البيع بالنسيئة). شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال (6/ 208).

(10)

سقطت في (ع).

(11)

في (ع) زيادة (كما هو جائز).

(12)

سقطت في (أ).

(13)

ربا النسيئة: هو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل. انظر: تبيين الحقائق (4/ 85)، القاموس الفقهي (ص: 144)، معجم لغة الفقهاء (ص: 218).

(14)

للسرخسي (26/ 29).

(15)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 171)، بدائع الصنائع (7/ 195)، تبيين الحقائق (5/ 207).

(16)

انظر: درر الحكام (2/ 277)، الدر المختار (6/ 160).

(17)

قال الكاساني: (وَلَا يَكْفُلُ بِمَالٍ وَلَا بِنَفْسٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى بِالْكَفَالَةِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ.) انظر: بدائع الصنائع (7/ 197).

ص: 38

[للمأذون أن يُؤاجر نفسه]

(وله أن يُؤاجر نفسه) (عندنا

(1)

خلافا للشافعي

(2)

رحمه الله) أي: خلافًا له في أحد قوليه

(3)

؛ فإنه يقول في أحد قوليه ليس له أن يؤاجر نفسه وله أن يؤاجر كسبه؛ لأن عنده المأذون نائبًا عن الموْلَى في التصرف، وهو إنما جعله نائبًا في التصرف في كسبه، ومنافع بدنه، وليس من كسبه وتصرفه فيه بعد الإذن كما قبله، والدليل عليه: أن رقبته ليست من كسبه بدليل أنه لا يملك بيعها ولا رهنها بدين عليه، وما ليس من كسبه فهو لا يملك التصرف فيه بالإجارة.

[تشبيه الإذن بالكتابة بأنه فك الحجر]

وأما عندنا

(4)

: الإذن فكُّ الحجر عن المأذون بمنزلة الكتابة- وللمُكاتَب أن يؤاجر نفسه فكذلك للمأذون

(5)

-، ولا يقال الكتابة يتعلق بها اللزوم والإذن لا؛ لأنَّا نقول: إنَّ محل التصرف لا يختلف بكونه لازمًا أو غير لازم، كالبيع مع الهبة؛ فإن محل التصرفين واحد وهو العين، وإن كان أحدهما يلزم والآخر لا يلزم؛ ونحن إنما شبَّهنا الإذن بالكتابة من حيث إنه فك للحجر، ثم انفكاك الحجر يُثبت له اليد على منافعه فيملك الاعتياض عنها، كما يملك المكاتَب، ولمَّا كان للمأذون أن يُعين غيره بمنافعه؛ فلأنْ

(6)

يكون له أن يؤاجر نفسه أولى؛

[للمأذون أن يُعير منافعه]

لأن الإجارة أقرب إلى مقصود الموْلَى من الإعارة، ثم إجارة النفس نوع تجارة؛ لأن رؤوس التُّجار وهم الباعة يؤاجرون أنفسهم للعمل؛ وإنما لا يبيع لأنَّ حكمه ضد حكم الإذن؛ فإن بيع الرقبة إذا صح أوجب الحجر عليه كما لو باعه الموْلَى؛ فكذلك لا يرهن نفسه؛ لأنه يُحبس من التصرفات فإن المرتهن يمنعه من التصرف، ولا يستفاد بالشيء ما هو ضد موجبه، فأما إجارة النفس فلا توجب الحجر عليه بدليل أنه لو أجَّره الموْلَى لا يصير محجورًا عليه، فلهذا يملك أن يؤاجر نفسه كما يملك أن يؤاجر كسبه) كذا ذكره في الباب الأول من مأذون «المبسوط»

(7)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 6)، تحفة الفقهاء (3/ 288)، الاختيار (2/ 101).

(2)

انظر: العزيز (4/ 366) المجموع (14/ 397). وقال مالك (ولا يؤاجر نفسه إلا بإذن سيده) انظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (3/ 304).

(3)

قال الرافعي: (ليس له أن يُؤَاجِرَ نفسه؛ لأنه لا يملك التصرف في رقبته) العزيز (4/ 366)، و انظر: تحفة المحتاج (4/ 488)، نهاية المحتاج (4/ 175).

(4)

انظر: الأسرار (1/ 400)، المبسوط للسرخسي (25/ 2)، الاختيار (2/ 101).

(5)

سقطت في (أ).

(6)

في (ع)(فلا) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(7)

للسرخسي (25/ 7).

ص: 39

[ليس للمأذون أن يرهن نفسه]

(فإن أذن له في نوع منها دون غيره فهو مأذون في جميعها) وسواء نهى عن غير ذلك النوع صريحًا أو سكت عنه يكون مأذونًا في جميع التجارات؛ لأنه قال في «الإيضاح»

(1)

: لو أذن له في شراء البُرُّ

(2)

وقال له: لا تشترِ غيره فهذا إذن له في جميع التجارات.

[الخلاف في تخصيص الإذن بنوع]

(وقال زفر

(3)

(4)

والشافعي

(5)

-رحمهما الله-: لا يكون مأذونًا) وفي رواية أخرى عن زفر

(6)

أنه قال: إن سكت عن النهي عن سائر الأنواع بأن قال له: اعمل في البُرِّ فهو مأذون في التجارات كلها، فإِنْ صرَّح بالنهي عن التصرف في سائر الأنواع فليس له أن يتصرف إلا في النوع الذي أذن له فيه خاصَّةً

(7)

، (وعلى هذا الخلاف إذا نهاه عن التصرف في نوع آخر) يعني: أن عندنا

(8)

لمَّا أذن في نوع كان مأذونًا في أنواع التجارة كلها، وإن صرح بالنهي عن غيره كما ذكرنا من رواية «الإيضاح»

(9)

، وعندهما

(10)

ينحصر الإذن في ذلك النوع الذي أذن له فيه على ما بيَّنَّاه، إشارة إلى ما ذكر في أول كتاب المأذون بقوله:(وفي الشرع: فك الحجر وإسقاط الحق فلا يتخصص بنوع دون نوع) أي: وإن خص نوعًا واحدًا أو نهى عن سائر الأنواع صريحًا/ فلا يتخصص، بل يعم

(11)

التجارات كلها على ما ذكرنا.

(1)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 506)، بدائع الصنائع (7/ 192)، الاختيار (2/ 101).

(2)

البُرُّ: القمح. انظر: الصحاح مادة (ق م ح)(1/ 397).

(3)

هو زفر بن الهذيل بن قيس العنبري، ولد عام 110 هـ فقيه كبير من أصحاب أبي حنيفة، وهو أكبر تلامذته، وكان ممن جمع بين العلم والعمل، وكان يدري الحديث ويتقنه، أصله من أصبهان، أقام بالبصرة، وولي قضاءها، (ت 158 هـ) انظر: وفيات الأعيان (2/ 317)، سير أعلام النبلاء (8/ 39)، الجواهر المضية (1/ 243)، تاج التراجم (ص: 170).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 9)، الاختيار (2/ 101)، مجمع الأنهر (2/ 446).

(5)

انظر: العزيز (4/ 366)، منهاج الطالبين (ص: 109)، تحفة المحتاج (4/ 487)، نهاية المحتاج (4/ 174).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 9)، الاختيار (2/ 101)، فتح القدير (9/ 288).

(7)

في (أ)(حاجته) وما أ ثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 9).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 10)، تحفة الفقهاء (3/ 286)، الاختيار (2/ 101).

(9)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 506)، المبسوط للسرخسي (25/ 10)، بدائع الصنائع (7/ 192).

(10)

أي: الشافعي وزفر- رحمهما الله-.

(11)

في (أ) وَ (ع) زيادة (في) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

ص: 40

[عدم تخصيص نوع دون نوع في الإذن]

وكذلك في «المبسوط»

(1)

وقال: (ثم فك الحجر عنه بسبب الكتابة؛ والإذن بمنزلة الفك التام الذي يحصل بالعتق، وذلك لا يختص بنوع دون نوع، سواء أطلق أو صرَّح بالنهي عن سائر الأنواع؛ لأنَّ هذا التقييد تصرفٌ في غير ملكه)، وكذلك هنا.

[الفرق بين الإذن في التجارة والإذن في النكاح]

فإن قلتَ: ما الفرق بين الإذن في التجارة وبين الإذن في النكاح؟ ففي النكاح لو أذن له في أن يتزوج امرأة بعينها لم يملك العبد أن يتزوج غيرها، بل يتخصص الإذن بها، ولا يتخصص الإذن في التجارة بالنوع الذي خصَّه على ما ذكرنا، مع أن الإذن في النكاح يقتضي أن يكون عبارة عن فك الحجر وإسقاط الحق أيضًا، كما في الإذن في التجارة، بل بطريق الأولى؛ لأن العبد يملك النكاح؛ ولهذا يملك الطلاق بدون إذن الموْلَى، ولا يملك المال أصلًا، فكان القول بأنه يتصرف في النكاح بعد الإذن في النكاح بأهلية نفسه أولى من القول بأنَّه يتصرف في التجارة بعد الإذن فيها بأهلية نفسه، [ولمَّا كان كذلك]

(2)

وجب أن يعم الإذن في النكاح أيضًا، ولا يتخصص بامرأة بعينها؛ لانفكاك الحجر عنه بالإذن فيه

(3)

.

قلتُ: لا؛ كذلك (فإن النكاح تصرفُ مملوكٍ للموْلَى عليه؛ لأن النكاح لا يجوز إلا بولي- إما بولاية نفسه أو بولاية غيره عليه- والرِّق يُخرجه من أن يكون أهلًا للولاية على نفسه، فكان نائبًا عن الموْلَى في النكاح؛ ولهذا قلنا: إن الموْلَى يُجبره على النكاح، وأما هذا التصرف غير مملوك للموْلَى عليه- أي

(4)

: لا يملك الموْلَى البيع أو الشراء عليه بدون اختياره، ويملك النكاح عليه بدون اختياره- ولمَّا كان كذلك كان الإذن في التجارة من الموْلَى إسقاطًا لحقه لا إنابة للعبد منابه في التصرف، وقد بيَّنَّا: أنه مع الرق أهل للحكم الأصلي وهو ملك اليد، فكان مالكًا للمال فيما هو الأصل فيه، وأن ما وراء ذلك من العين يثبت للموْلَى على سبيل الخلافة عنه)، فكان الإذن في التجارة عبارة عن فك الحجر وإسقاط الحق لا إنابة، والإذن في النكاح كان إنابة؛ فلذلك لم يعم فيه؛ لأن تصرف النائب على قدر إنابة الأصل؛ وعن هذا افترقا إلى هذا أشار في «المبسوط»

(5)

.

(1)

للسرخسي (25/ 10).

(2)

سقطت في (ع).

(3)

انظر: المحيط البرهاني (3/ 128)، البناية شرح الهداية (11/ 138).

(4)

في (أ)(أن).

(5)

للسرخسي (25/ 11).

ص: 41

وقوله (وحكم التصرف وهو الملك واقع للعبد) جواب عن قولهما

(1)

، ويثبت الحكم للموْلَى (ومعناه: أن يأمره بشراء ثوب للكسوة

(2)

وبالتقييد، فقوله:(للكسوة) يُعلم أن مقصود الموْلَى من التصرف ليس بعقودٍ متكررة، وكذلك لو أمره ببيع ثوب بعينه

(3)

لا يكون مأذونًا.

[الأصل في التصرف يعتبر إذنا وأحيانا استخداما]

والحاصل: أن الأصل

(4)

بالتصرف في بعض الصور يُعتبر إذنًا في التجارة، [وفي بعض الصور لا يعتبر إذنًا في التجارة]

(5)

، بل يعتبر استخدامًا للضرورة؛ لأنَّا لو اعتبرناه إذنًا في التجارة في جميع الصور لضاق الأمر على الناس؛ فإنهم يمتنعون عن استخدام العبيد في شراء الأشياء التي يحتاجون إلى استعمال العبيد في شرائها، فإن كلَّ من عَلِم أنه لو أذن لمملوكه في شراء جَمْد

(6)

أو بقل

(7)

بفلس أو ما أشبه ذلك يصير مأذونًا في التجارة، فبعد ذلك يصح إقراره على نفسه بديون التجارة، بحيث يُتْوَى بذلك رقبته

(8)

، وكسبه يمتنع عن استخدام مملوكه في ذلك فيُفوِّت عليهم مقاصدهم في الاستخدام؛ فلهذه الضرورة

(9)

(10)

جعلنا الإذن بالتصرف في بعض الصور إذنًا في التجارة، وفي بعضها جعلناه استخدامًا.

(1)

أي: الشافعي وزفر- رحمهما الله-.

(2)

الْكِسْوَةُ: اللِّبَاسُ وَالضَّمُّ لُغَة، وَالْكَاسِي خِلَافُ الْعَارِي، وَجَمْعُهُ كُسَاةٌ. المغرب مادة (ك س و) (ص: 408).

(3)

سقطت في (أ).

(4)

في (ع)(الأدب) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(5)

في (ع) سقط نظر.

(6)

الجَمْد: مَا جَمَد مِنَ الْمَاءِ، وهو ما تماسكت أجزاؤُه فصار جليدًا. الصحاح مادة (ج م د)(2/ 459)، لسان العرب (3/ 129) معجم اللغة العربية المعاصرة (1/ 390).

(7)

الْبَقْلُ: كُلُّ نَبَاتٍ اخْضَرَّتْ لَهُ الْأَرْضُ. الصحاح مادة (ب ق ل)(4/ 1636).

(8)

في (أ)(رقيقه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: حاشية الشِّلبي (5/ 205).

(9)

في (ع)(الصورة) وما أثبت هو الصحيح. انظر: حاشية الشِّلبي (5/ 205).

(10)

الضَرُورَةٍ: الحاجة الشديدة والمشقة والشدة التي لا مدفع لها. المصباح المنير مادة (ض ر ر)(2/ 360)، التعريفات (ص: 138)، معجم لغة الفقهاء (ص: 283).

ص: 42

[الإذن بعقد واحد لا يعتبر إذنا]

والفاصل بينهما: أنه إذا أذن له بعقودٍ متكررةٍ مرة بعد أخرى يُعلم أن مراده الربح، بجعل ذلك إذنًا في التجارة، كما إذا قال اشترِ لي ثوبًا وبعه؛ لأنه أمره بعقود متكررة، فكذلك لو قال: بع ثوبي هذا واشتر بثمنه كذا يصير مأذونًا في التجارة، وإذا أذن له بعقد واحد لا يجعل ذلك إذنًا في التجارة بل يُعتبر استخدامًا، كما إذا قال اشتر لي ثوبًا للكسوة؛ لأنه أمره بعقد واحد فلا يكون هذا إذنًا له في التجارة؛ فعلى هذا يخرج جنس هذه المسائل

(1)

.

[الإذن بعقود متكررة يعتبر إذنا]

وعن هذا الأصل قلنا: إذا قال لعبده: اذهب إلى فلان، وآجر نفسك منه في عمل كذا لا يصير مأذونًا له في التجارة؛ لأنه أمره بعقد واحد، ولو قال: آجر نفسك من الناس في عمل كذا يصير مأذونًا في التجارة؛ لأنه أمره بعقود متكررة، وكذلك إذا قال اُقْعُد قَصَّارًا

(2)

أو صَبَّاغًا

(3)

أو خَيَّاطًا يصير مأذونًا في التجارة؛ لأنه لم يُعيِّن من يعامل معه فيكون أمرًا بالمعاملة مع الناس فيكون/ أمرًا بعقود متكررة كذا في «الذخيرة»

(4)

.

[إذا غصب العبد وأمره مولاه ببيعه يُعتبر إذنا]

فإن قلتَ: يُشكل على هذا الأصل ما إذا غصب العبد متاعًا من رجل وأمره مولاه ببيعه؛ فإنه يكون إذنًا له في التجارة؛ وكان ينبغي على هذا الأصل ألا يكون إذنًا؛ لأنه أمره بعقد واحد، كما لو أمره ببيع ثوبه بعينه

(5)

لا يكون مأذونًا؛ لهذا قلتُ: إن الأمر بعقد واحد إنما لا يُجعل إذنًا إذا أمكن أن يُجعل استخدامًا، وفي مسألة الغصب

(6)

لم يُمكن جعله استخدامًا

(7)

للموْلَى، وهذا ظاهر؛ لأنه ليس له ولاية الأمر بالبيع؛ لأنه ليس بملك له ولا استخدامًا لصاحب المتاع؛ لأنه لم يعمل له، فلمَّا لم يُمكن جعله استخدامًا وهو إذن بصريحه في التجارة كان إذنًا منه في التجارة لذلك إلى هذا أشار في «المبسوط»

(8)

و «الذخيرة»

(9)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 191 - 192)، الاختيار (2/ 101)، تبيين الحقائق (5/ 205).

(2)

الْقَصَّارُ: هو من يقصَر الثَّوبَ فيأخذ من طوله ويجعله أقلَّ طولاً، ضدّ مدّه. انظر: مختار الصحاح مادة (ق ص ر)(ص: 254)، معجم اللغة العربية المعاصرة (3/ 1821).

(3)

صَبَّاغًا: مَنْ يصبُغُ الصُّوفَ والقماشَ والقطنَ ونحوها، مَنْ حِرفته تلوين الثِّياب. انظر: مقاييس اللغة مادة (ص ب غ)(3/ 331)، معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1265).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 14)، بدائع الصنائع (7/ 192)، الاختيار (2/ 101).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

الْغَصْبُ لغةً: أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا. انظر: الصحاح مادة (غ ص ب)(1/ 194)، المغرب مادة (غ ص ب)(ص/ 340)، واصطلاحًا: عرفه أبو حنيفة وأبو يوسف بأنه: إزالة يد المالك عن ماله المتقوم، على سبيل المجاهرة، والمغالبة بفعل في المال، وقال محمد: الفعل في المال ليس بشرط لكونه غصبًا، وعرفه الشافعية بأنه: أخذ مال الغير على وجه التعدي. انظر: بدائع الصنائع (9/ 4403)، تبيين الحقائق (5/ 222)، مغني المحتاج (2/ 275).

(7)

في (ع) زيادة (لا).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 15).

(9)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 289)، مجمع الأنهر (2/ 447)، تبيين الحقائق (5/ 205).

ص: 43

(أو قال: أدِّ إليَّ ألفًا وأنت حر) أو قال: إذا أديت ألفًا فأنت حر؛ لأن هذا يُحرِّض على الاكتساب بما أَطْمَعَه في العتق وقوله: (أدِّ إليَّ ألفًا

(1)

وأنت حر) بمنزلة قوله: إن أديت فأنت حر؛ لأن جواب الأمر بالواو يكون جواب الشرط بالفاء.

وأما إذا قال: أدِّ فأنت حر، يَعْتِق في الحال، ولو دفع إلى عبده راويةً

(2)

وحمارًا، وقال: اسْتَق

(3)

على هذا الحمار وبِعْه كان إذنًا في التجارة؛ لأنه لم يأمره بالبيع من شخص بعينه فكان أمرًا بالبيع من الناس، فكان أمرًا بعقود متفرقة كذا في «الإيضاح»

(4)

و «الذخيرة»

(5)

.

[جواز إقرار المأذون بالديون والغصوب]

(وإقرار المأذون بالديون، والغصوب جائز)؛ لأن الإقرار بالغصب إقرار بالمعاوضة

(6)

عندنا

(7)

، والإقرار بعقد المعاوضة

(8)

جائز

(9)

، وذكر في «المبسوط»

(10)

: (وإذا أقرَّ المأذون بالدين من غصب أو غيره لزمه إن صدَّقه الموْلَى أو لم يصدِّقه؛ لأن الغصب يوجب الملك في المضمون عند أداء الضمان، فالضمان الواجب به من جنس التجارة وإقرار المأذون بمثله صحيح، ولهذا لو أقر أحد المتفاوضين كان شريكه مطالبًا به، وكذلك لو أقرَّ أنه اشترى جارية فوطئها فوجوب العُقْر

(11)

هنا؛ باعتبار الشراء لولاه لكان الحد واجبًا؛ وكذلك لو غصب جاريةً بكرًا

(12)

فافتضها

(13)

رجل في يده ثم هرب، كان لمولاها أن يأخذ العبد بعُقْرِها؛ لأن الفائت بالافتضاض جزء من ماليتها، وهي مضمونة على العبد بجميع أجزائها، فإذا فات جزء منها في ضمانه كان عليه بدل ذلك الجزء، وهو مُؤاخذ به في الحال؛ لأنه ضمان غصب، والعبد مؤاخذ بضمان الغصب في الحال، مأذونًا كان أو محجورًا؛ ولأن هذا من جنس ضمان التجارة.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

الرَّاوِيَةُ: المَزادة فِيهَا الْمَاءُ. لسان العرب (14/ 346).

(3)

أي: احمل الماء على هذا الحمار. انظر: المغرب مادة (س ق ي)(ص: 229)، معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1081).

(4)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 499)، المبسوط للسرخسي (25/ 15)، بدائع الصنائع (7/ 193).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 15)، شرح الطحاوي للجصاص (8/ 487)، تبيين الحقائق (5/ 205).

(6)

المعاوضة: من العِوَضُ وهو البَدَلُ. انظر: لسان العرب (7/ 192)، المصباح المنير مادة (ع و ض)(2/ 438).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 195)، الاختيار (2/ 103)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 244).

(8)

عقد المعاوضة: هي الْمُقَايَضَةِ وهِيَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ. مجمع الأنهر (2/ 105)، حاشية ابن عابدين (5/ 222).

(9)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 244)، تبيين الحقائق (5/ 207).

(10)

للسرخسي (25/ 75).

(11)

العُقْر: مَهْرُ المرأة إذا وُطِئَتْ على شُبهةٍ. الصحاح مادة (ع ق ر)(2/ 755)، أنيس الفقهاء (ص: 53).

(12)

الْبِكْرُ: خِلَافُ الثَّيِّبِ وَيَقَعَانِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. المغرب مادة (ب ك ر)(ص: 49).

(13)

أي: افتض بكارتها.

ص: 44

[وجوب العُقر باعتبار النكاح]

ولو أقر العبد أنه وطئ جارية هذا الرجل بنكاح بغير إذن مولاها فافتضها لم يُصَدَّق؛ لأنه ليس من التجارة، فإن وجوب العُقْر هنا باعتبار النكاح لولاه لكان عليه الحد، (والنكاح ليس بتجارة؛ ولهذا لو أقر به أحد المتفاوِضَين لم يَلزم شريكه، فإن صدَّقه مولاه بُدِئ بدين الغرماء؛ لأن تصديق الموْلَى في حق الغرماء ليس بحجة؛ فوجوده كعدمه، فإن بقي شيء منه أخذه مولى الجارية من عقرها؛ لأنه لو كان هذا السبب

(1)

مُعاينًا كان لمولى الجارية أن يأخذ عُقْرها [من كسبه]

(2)

في الحال فكذلك إذا ثبت بتصادقهما عليه). كذا في مأذون «المبسوط»

(3)

.

(فإن كان في مرضه) أي: فإن كان الإقرار في مرضه (يُقدَّم دين الصحة كما في الحر).

[لا يصدق المأذون بإقرار ما ليس بتجارة]

وقد ذكرنا

(4)

الشُبهة الورادة على هذه المسألة [في مسألة]

(5)

لو حابى المأذون في مرض موته يُعتبر من جميع المال قُبيل هذا، وذكرنا جوابها هناك أيضًا

(6)

، (بخلاف الإقرار بما يجب من المال لا بسبب التجارة)، أي: لا يُصدَّق به، كما لو أقر أنه وَطئ جارية هذا الرجل بنكاح بغير إذن مولاها فافتضها لم يُصدَّق؛ لأنه ليس من التجارة

(7)

، وعلى ما ذكرنا من «المبسوط»

(8)

، والإقرار بضمان الجناية على إنسان، والإقرار بالمهر

(9)

من قبيل الإقرار بضمان ما ليس بتجارة

(10)

؛ لأنه ذكر في «الإيضاح»

(11)

من كتاب المأذون في باب الدين الذي يلحق المأذون: ولو أقر العبد بجناية على عبدٍ أو حرٍ أو

(12)

مهرٍ، وجب عليه بنكاح جائز أو فاسد أو شبهة، فإقراره باطل ولا يؤاخذ به حتى يُعْتَق؛ لأنَّ فك الحجر إنما يظهر في حق التجارة، وهذه الديون ما وجبت بسبب التجارة، فصار إقراره وإقرار المحجور سواء، فإن صَدَّقه الموْلَى جاز ذلك عليه ولم يجز على الغرماء؛ لأن الإقرار حُجة قاصرة، فلا يتعدَّى إلى الغرماء؛ فإن قامت بينة بأن

(1)

في (أ) زيادة (بحجة). وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 75).

(2)

سقطت في (أ).

(3)

للسرخسي (25/ 75).

(4)

راجع، ص ().

(5)

سقطت في (ع).

(6)

راجع، ص ().

(7)

وهذا على قول أبي حنيفة ومحمد- رحمهما الله-، وأما أبو يوسف-رحمه الله فإن إقراره يصح. انظر: بدائع الصنائع (7/ 196).

(8)

المبسوط للسرخسي (25/ 75).

(9)

المَهْر لغة: الصَداق. الصحاح مادة (م هـ ر)(2/ 821)، وشرعًا: هُوَ الْمَالُ يَجِبُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى الزَّوْجِ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ، إمَّا بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ بِالْعَقْدِ. العناية شرح الهداية (3/ 316)، حاشية ابن عابدين (3/ 101).

(10)

قال الزيلعي: (فَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ مِنْ دُيُونِهِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ، وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا بِتَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ) تبيين الحقائق (5/ 207).

(11)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 196)، العناية شرح الهداية (9/ 290).

(12)

في (أ)(حداه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: بدائع الصنائع (7/ 196).

ص: 45

الموْلَى أذن له في النكاح وقد تزوج فعليه المهر تحاصُ المرأةُ في ذلك/ الغرماء؛ لأن الإذن في النكاح صحيح، ومن ضرورة صحة النكاح وجوب المهر

(1)

، وكان تعلقه بالرقبة لضرورة أمر لا مردَّ له، فصار بمنزلة دين الاستهلاك، فأما إذا أقر بوطء أمته بنكاح فإقراره باطل حتى يعتق؛ لأنه لا يملك الإقرار بالنكاح؛ لأن الإذن لم يتناوله فصار كالمحجور.

[للأب والوصي أن يزوجا رقيق وأمة الصغير]

قوله: (وعلى هذا الخلاف) إلى قوله: (والأب والوصي) ففي هذه الرواية نظر؛ لأنه ذكر قبل هذا في كتاب المُكاتَب من هذا الكتاب

(2)

: أن لهما أن يُزوجا أمَة الصغير بلا خلاف

(3)

، حيث جعل (الأب والوصي هناك في رقيق الصغير بمنزلة المكاتَب، وللمكاتَب أن يُزوج أمته؛ لأنه اكتساب لاستفادته المهر) وما ذكره في المكاتَب أصح

(4)

؛ لأنه موافق لعامة الروايات من رواية «المبسوط»

(5)

و «التتمة»

(6)

و «مختصرالكافي»

(7)

(8)

و «أحكام الصغار»

(9)

(10)

.

(1)

بخلاف ذكر المهر فلا يشترط لصحة النكاح باتفاق الفقهاء. انظر: الهداية (2/ 434)، مجمع الأنهر (2/ 440)، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير (2/ 428)، ومغني المحتاج (3/ 220)، وروضة الطالبين (7/ 249)، والمغني (6/ 712).

(2)

انظر: الهداية (3/ 255).

(3)

انظر: المحيط البرهاني (3/ 137)، العناية شرح الهداية (9/ 290).

(4)

قال الزيلعي: (جَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِنَفْسِهِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا خِلَافًا بَلْ جَعَلَهُمَا كَالْمُكَاتَبِ) انظر: تبيين الحقائق (5/ 207).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (5/ 121).

(6)

انظر: ملتقى الأبحر (ص: 10)، العناية شرح الهداية (9/ 290).

(7)

الكافي في فروع الحنفية للحاكم الشهيد محمد بن محمد الحنفي المتوفى: سنة 334 هـ، جمع فيه: كتب محمد بن الحسن "ظاهر الرواية "وهو كتاب معتمد في نقل المذهب وشرحه جماعة من المشايخ، منهم: شمس الأئمة، السرخسي، وهو المشهور: بمبسوط السرخسي.

انظر: الفوائد البهية: (ص 185)، كشف الظنون (2/ 1378).

(8)

انظر: المحيط البرهاني (3/ 137)، البناية شرح الهداية (10/ 393).

(9)

أحكام الصغار: هو مجلد للشيخ الإمام أبي الفتح: محمد بن محمود الأسروشني، الحنفي. المتوفى: سنة نيف وثلاثين وستمائة وهو (صاحب الفصول) المشهور، وقد سمي كتابه هذا:(بجامع الصغار)، لكنه لم يعرف به. كشف الظنون (1/ 1).

(10)

مخطوط الْإِسْتَرُوشَنِيِّ (1/ 14/ أ).

ص: 46

وذكر في باب نكاح العبيد من نكاح «المبسوط»

(1)

فقال: (وإذا زوَّج الأب أمة

(2)

ابنه وهو صغير فذلك جائز، وكذلك الوصي إذا زوَّج أَمَة اليتيم، وكذلك المكاتَب إذا زوَّج أمته، وكذلك المُفاوض [إذا زوَّج]

(3)

أمةً من الشركة؛ لأنَّ تزويج الأمة من عقود الاكتساب [فإنه يكتسب به المهر، ويسقط به نفقتها عنه]

(4)

وذكر في نكاح التتمة ووصاياها

(5)

: الأب والوصي يملكان تزويج أمة الصغير، ولا يملكان تزويج عبده؛ وهل يملكان تزويج أمته من عبده؟ في القياس

(6)

: نعم؛ وفي الاستحسان: لا

(7)

، إلا رواية عن أبي يوسف

(8)

.

[ليس للمأذون أن يُكاتب إلا أن يُجيزه الموْلَى]

(ولا يُكَاتِب)(لأنه ليس بتجارة) أي: لأن عقد الكتابة ليس بتجارة، (إذ هي) التجارة (مبادلة المال بالمال، والبدل) في عقد الكتابة (يُقابَل بفك الحجر) وفك الحجر ليس بمالٍ، (فلم يكن تجارة) فلا يتناوله الإذن؛ ولأن [ثاني الحال الكتابة أقوى من الإذن؛ لأنَّ]

(9)

الكتابة تُوجب حرية اليد للحال وحرية الرقبة في الثاني، والإذن لا يوجب شيئًا من ذلك، والشيء لا يتضمن ما هو أعلى منه، كما أن الكتابة لا تتضمن الإعتاق؛ لأن الإعتاق أعلى منها

(10)

(إلا أن يجيزه الولي) فحينئذ يجوز، يعني: إذا كاتب العبدُ المأذونُ العبدَ الذي اشتراه بغير إذن الموْلَى، ثم أجاز الموْلَى كتابته جاز إذا لم يكن عليه دين؛ لأن هذا عقد له يجيز حال وقوعه فيتوقف على الإجازة، فتكون الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء

(11)

، وبيانه:[أن كسب]

(12)

المأذون خالص ملك الموْلَى يملك فيه مباشرة الكتابة، فيملك الإجازة ثم لا سبيل للعبد على قبض البدل، بل ذلك إلى الموْلَى؛ لأن العبد نائب عنه كالوكيل، فكان قبض البدل إلى من نفَّذ العقد من جهته؛ فإن دفعه المكاتَب إلى العبد لم يبرأ إلا أن يوكِّله الموْلَى بقبضه؛ لأن العبد في حكم قبض بدل الكتابة كأجنبي آخر؛ وكذلك إن لحقه دين بعد إجازة الموْلَى الكتابة، يعني: تنفذ الكتابة؛ لأن بإجازته صار المملوك مكاتبًا له، وخرج من أن يكون كسبًا لعبده، فالدين الذي يلحق العبد بعد ذلك لا يتعلق برقبته ولا بكسبه، كما لو أخذه الموْلَى من يده كاتبه أو لم يكاتبه

(13)

.

(1)

للسرخسي (5/ 121).

(2)

الأَمَة: خلاف الحُرَّةِ، والجمع إماءٌ وآمٍ. الصحاح مادة (أ م ا)(6/ 2271).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

انظر: الاختيار (2/ 102)، تبيين الحقائق (5/ 207).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (5/ 122)، الاختيار (2/ 102)، تبيين الحقائق (5/ 207).

(7)

سقطت في (أ).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (5/ 122)، اللباب (2/ 224).

(9)

في (ع) سقط نظر.

(10)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 197)، الاختيار (2/ 102)، تبيين الحقائق (5/ 208).

(11)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 167)، تبيين الحقائق (5/ 208).

(12)

في (ع)(الأكسب).

(13)

انظر: المبسوط للسرخسي (26/ 27)، بدائع الصنائع (7/ 197).

ص: 47

[بطلان كتابة العبد إذا كان عليه دين]

وقوله: (ولا دَين عليه)؛ لأنه لو كان عليه دين كثير أو قليل فمكاتبته باطلة، وإن أجازه الموْلَى؛ لأن الموْلَى بالإجازة يُخرج المكاتَب من أن يكون كسبًا للعبد، وقيام الدين عليه يمنع الموْلَى من ذلك قلَّ الدين أو كثُر

(1)

كما لو أخذه من يده وعليه دين؛ وإذا لم يكن على العبد دين فكاتَب عبده فادَّعى المكاتَب جميع المكاتبة قبل إجازة الموْلَى لم يَعْتِق؛ لأن ما أَخَذ كسب رقيقه، والمكاتبة غير نافذة، وإن كان الموْلَى أجاز الكتابة وعلى العبد دين محيط بماله

(2)

فهذا والأول سواء

(3)

في قول أبي حنيفة

(4)

رحمه الله؛ لأن الموْلَى لا يملكه، فلا تنفذ إجازته.

[جواز الكتابة والضمان على الموْلَى]

وأما عندهما

(5)

: فالمكاتب حر والموْلَى ضامن لقيمته للغرماء، والكتابة التي قبض العبد للغرماء يستوفونها لدينهم؛ لأن ما أدَّى قبل الإجازة تعلَّق به حق الغرماء، والموْلَى بالإجازة يصير كأنه ابتداءً ضَمِن

(6)

القيمة، وإن لم يكن عليه دين محيط عتق المكاتَب في قولهم

(7)

وضمِن الموْلَى قيمته كذا في «المبسوط»

(8)

و «الإيضاح»

(9)

.

[جواز إعتاق المأذون إذا أجازه الموْلَى]

(وترجع الحقوق إلى الموْلَى) وهي مطالبة بدل الكتابة، وولاية الفسخ عند العجز، وثبوت الولاء

(10)

بعد العتق

(11)

(ولا يُعْتِق على مال)؛ (لأنه لا يملك الكتابة) مع أن المكاتَب عندما بقي عليه درهم فأولى ألا يملك الإعتاق على مال؛ لأنه إعتاقٌ في الحال؛ وهذا إذا لم يُجز الموْلَى، أما إذا أجاز الموْلَى عِتقه ولا دين عليه جاز؛ لأنه يملك إنشاء/ العتق فيملك الإجازة، وقَبْض المال إلى الموْلَى دون العبد.

(1)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 291). قال الزيلعي: (وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِرَقَبَتِهِ وَلِمَا فِي يَدِهِ لَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا حَتَّى جَازَ لِلْمَوْلَى عِتْقُ مَا فِي يَدِهِ فَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ) تبيين الحقائق (5/ 208).

(2)

سقطت في (أ).

(3)

أي: لا يَعتق المكاتب.

(4)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 167)، المبسوط للسرخسي (26/ 27)، تبيين الحقائق (5/ 208).

(5)

انظر: المبسوط للشيباني (3/ 475)، تحفة الفقهاء (3/ 290)، تبيين الحقائق (5/ 208).

(6)

في (أ)(قبض).

(7)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 168)، بدائع الصنائع (7/ 198).

(8)

للسرخسي (26/ 27).

(9)

انظر: المبسوط للشيباني (3/ 475)، بدائع الصنائع (7/ 198).

(10)

الْوِلَايَةُ لُغَةً: بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ النُّصْرَةُ ويُطْلَقُ عَلَى القُرْب. انظر: مختار الصحاح مادة (و ل ي)(ص: 345) واصطلاحًا: قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ مِنْ الْمُوَالَاةِ. تبيين الحقائق (5/ 175)، أنيس الفقهاء (ص: 98).

(11)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 291)، الجوهرة النيرة (1/ 367).

ص: 48

وأما لو كان عليه دين فأجاز الموْلَى العتق جاز، وضمن قيمة العبد لغرماء المأذون، هذا على قولهما

(1)

؛ لأن الموْلَى لو أنشأ العتق جاز، وضمن القيمة فكذا إذا أجاز، ولا سبيل للغرماء على العِوض بخلاف الكتابة؛ لأن ما يُؤدِّيه كسب الحر، وحق الغرماء غير متعلق بكسب الحر، وأما بدل الكتابة يُؤَدَّى في حال الرق فتعلَّق به حق الغرماء. كذا في «الإيضاح»

(2)

.

(المجاهز عِنْدَ الْعَامَّةِ: الْغَنِيُّ مِنْ التُّجَّارِ وَكَأَنَّهُ أُرِيدَ الْمُجَهِّزُ وَهُوَ الَّذِي يَبْعَثُ التُّجَّارَ بِالْجِهَازِ وَهُوَ فَاخِرُ الْمَتَاعِ أَوْ سَافِرُ بِهِ فَحُرِّفَ إلَى المجاهز) كذا في «المغرب»

(3)

.

[جواز اتخاذ الضيافة اليسيرة]

وقوله: (إلا أن يُهدي اليسير من الطعام أو يُضَيِّف من يُطْعِمه) أي: أو يتخذ الضيافة اليسيرة، فلا بد ههنا من الفرق بين الهدية والضيافة اليسيرة من العظيمة.

وذكر في «الذخيرة»

(4)

: وله أن يتخذ الضيافة اليسيرة

(5)

، وليس له أن يتخذ الضيافة العظيمة، والقياس

(6)

: ألا

(7)

يتخذ الضيافة يسيرةً كانت أو عظيمةً؛ لأنها تبرع إلا أنَّا استحسنَّا في اليسيرة؛ لأنها من صنع التجار لا يتخذون بُدًّا

(8)

منها حتى بمثل قلب الناس إليه فتكثر المعاملة معهم، وأما [العظيمة فليس من صنيع التجار، ويتخذون بُدًّا منها فنعمل فيها بالقياس، ثم لابدَّ من حاصل فاصل من]

(9)

العظيمة واليسيرة، رُوي عن محمد بن سلمة- رحمه الله

(10)

(11)

أنه قال ذلك على مقدار مال تجارته، إن كان مال تجارته مثلًا عشرة آلاف درهم فاتخذ ضيافة بمقدار عشرة كان يسيرًا، وإن كان مال تجارته عشرة مثلًا فاتخذ ضيافة بمقدار دانق

(12)

فذاك

(13)

يكون كثيرًا عرفًا، هذا هو الكلام في الضيافة

(14)

.

(1)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 170)، تحفة الفقهاء (3/ 290)، بدائع الصنائع (7/ 197).

(2)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 169)، بدائع الصنائع (7/ 197)، مجمع الأنهر (2/ 448).

(3)

المغرب (ص: 97).

(4)

انظر: تحفة الفقهاء (3/ 288)، فتاوى قاض خان (3/ 587)، البناية شرح الهداية (11/ 144).

(5)

وبه قال أحمد، وقال مالك:(لَا يَجُوزُ لَهُ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ سَيِّدُهُ) وقال الشافعية: (ولا يجوز للمأذون في التجارة التبرع بهبة الدراهم ولا كسوة الثياب ولا الهبة بالمأكول ولا إعارة الدابة) انظر: المدونة (4/ 89)، المجموع (14/ 398)، المغني (5/ 62).

(6)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 197)، العناية شرح الهداية (9/ 292).

(7)

سقطت في (أ).

(8)

البُدَّ: أَيْ لَا مَحِيدَ عَنْهُ. المصباح المنير مادة (ب د د)(1/ 38).

(9)

في (أ) سقط نظر.

(10)

هو: محمد بن سلمة، الإمام المفتي، أبو عبدالله، الحراني، روى عنه الإمام أحمد، قال ابن سعد: كان ثقةً فاضلًا له رواية وفتوى، روى له مسلم والأربعة، توفي 192 هـ. انظر: الثقات (9/ 51)، تذكرة الحفاظ (1/ 230)، الوافي بالوفيات (3/ 102)، تاريخ الإسلام (4/ 1195).

(11)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 587)، الاختيار (2/ 102).

(12)

الدَّانِق: لفظ معرب مأخوذ عن اليونانية، ومقداره سدس درهم، ومقدار الدانق عند الحنفية (3، 125÷6 =0، 521) جرامًا، وعند الجمهور (2، 975 ÷6 = 0، 496) جرامًا. انظر: المكاييل والمقاييس الشرعية لعلي جمعة (1/ 24)، معجم لغة الفقهاء (ص: 206).

(13)

في (أ) زيادة (لا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 291).

(14)

انظر: الاختيار (2/ 102)، مجمع الأنهر (2/ 448).

ص: 49

وأما الكلام في الهدية فنقول: العبد المأذون يملك الإهداء بالمأكولات، ولا يملك الإهداء بما سواها من الدراهم والدنانير

(1)

؛ وهذا لأن قضية القياس ألا يملك الإهداء بشيء؛ لأنه تبرع واصطناع بالمعروف، ولكن تركنا القياس بالعرف، وعادة التجار

(2)

وعرف

(3)

التجار بالإهداء بالمأكولات، فيرد ما سواه إلى القياس

(4)

.

[عدم جواز اتخاذ الدعوة العظيمة]

قال مشايخنا

(5)

: وإنما يملك الإهداء بالمأكولات بمقدار ما يتخذ الدعوة من المأكولات فيعود الكلام إلى الدعوة، وقد ذكرنا: أن اتخاذ الدعوة اليسيرة يجوز، و [اتخاذ]

(6)

الدعوة العظيمة لا يجوز؛ وفي الأصل

(7)

: لو وهب هبة وكانت الهبة شيئًا سوى الطعام، وقد بلغت قيمته درهما فصاعدًا، فإنه لا يجوز؛ ثم قال: وإن أجاز الموْلَى هِبته إن لم يكن عليه دين تُعْمَل إجازته، وإن كان عليه دين، ولا يملك التصدق بالفلس وبالرَغيف وبالفضة بما دون الدرهم؛ ولأن التصدق بها من صنيع التجار، والمرأة في بيت زوجها، والأَمَة في بيت مولاها تُطْعم وتتصدق بالمطعوم على الرسم والعادة

(8)

وإن لم

(9)

يأذن لهما الزوج والموْلَى بذلك صريحًا اعتبارًا للعرف والعادة

(10)

.

فإن قيل: أليس روى أبو أمامة

(11)

رضي الله عنه قال: عام حجة الوداع في خطبته: «ولا تَخرج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه» ، قيل له: والطعام فقال عليه السلام: «الطعام أفضل أموالكم»

(12)

، قلنا: أراد به الطعام المدَّخر كالحنطة

(13)

ودقيقها

(14)

، فأما غير المدَّخر فإنه يتصدَّق به على الرسم والعادة، ويكون ذلك بإذن الزوج عرفًا وإن لم يكن بإذنه صريحًا، وذكر في «المغني»

(15)

: والأب والوصي لا يملكان في مال الصغير ما يملك العبد المأذون من اتخاذ الضيافة اليسيرة والصدقة.

(1)

وبه قال الشافعي وأحمد. وقال مالك: (وللمأذون أن يهب للثواب كالبيع). انظر: التهذيب (4/ 364)، المجموع (14/ 398)، المغني (5/ 62).

(2)

قال العيني: (له أن يتخذ الضيافة اليسيرة دون العظيمة؛ لأن اليسيرة من وضع التجار دون العظيمة) البناية شرح الهداية (11/ 144).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 587)، تبيين الحقائق (5/ 208).

(5)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 587)، المحيط البرهاني (6/ 19).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

انظر: الأصل للشيباني (9/ 169).

(8)

قال العيني: (كالخميرة والبصل والملح.) البناية شرح الهداية (11/ 145).

(9)

سقطت في (ع).

(10)

انظر: الاختيار (2/ 102)، مجمع الأنهر (2/ 449).

(11)

هو: صدي بن عجلان بن وهب الباهلي، أبو أمامة: صحابي، كان مع علي في (صفين) وسكن الشام، فتوفي في أرض حمص، وهو آخر من مات من الصحابة بالشام، له في الصحيحين 250 حديثا، توفي 81 هـ. انظر: التاريخ الكبير (4/ 326)، الجرح والتعديل (4/ 454)، الاستيعاب (2/ 736)، أسد الغابة (1/ 167).

(12)

لم أجده بهذا اللفظ ووجدته بلفظ مشابه رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، أخرجه الترمذي في سننه: في كتاب الزكاة، باب في نفقة المرأة من بيت زوجها، (2/ 50) رقم (670) من حديث أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته عام حجة الوداع يقول: (لا تنفق امرأة شيئًا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها، قيل: يا رسول الله، ولا الطعام، قال: ذاك أفضل أموالنا)، وفي الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث، (3/ 504) رقم (2120)، وأبو داود (3/ 296) رقم (3565) في البيوع، باب في تضمين العارية، وابن ماجه في سننه: كتاب التجارات، باب ما للمرأة من مال زوجها (2/ 770) برقم (2295)، وأحمد في مسنده (36/ 628) برقم (22294) وقال الترمذي:(حديث أبي أمامة حديث حسن).

انظر: سنن الترمذي (3/ 49).

(13)

في (ع)(والدقيق) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المحيط البرهاني (5/ 404).

(14)

الدَّقِيقُ: الطَّحِينُ. الصحاح مادة (د ق ق)(4/ 1476).

(15)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 144)، مجمع الأنهر (2/ 449).

ص: 50

[عدم جواز الحجر على الحر العاقل]

(وديونه متعلقة برقبته يباع للغرماء) أي: يبيعه القاضي بدينهم

(1)

؛ فإن قلتَ: كيف هذا الإطلاق على قول أبي حنيفة

(2)

رحمه الله فإن على أصله: أن الحر العاقل لا يحجر عليه بسبب الدين حتى لا

(3)

يبيع القاضي ماله بدون رضاه بسبب الدين، فإن ذلك حجرٌ عليه، ولم يُقيِّد في الكتاب بأنَّ القاضي يأمر الموْلَى ببيع عبده لدين الغرماء عليه، وقيَّدوا ههنا في حواشي الكتاب المقروء على الأساتذة

(4)

بأن معنى قوله: (يُباع للغرماء) أي: يُجبِر القاضي الموْلَى على البيع هل لهذا القيْد وجه صحَّة أم لا؟ قلتُ: ليس لهذا القيد وجه صحة أصلًا بل يبيع القاضي العبد ههنا بدون رضا الموْلَى بالاتفاق

(5)

، وإنما تقع مثل هذه القيود للتساهل، وقلة المطالعة في/ كتب السلف أو للتقليد نصير من قَبْله من المتساهلين، ولو لم يكن كتابي هذا إلا لمعرفة بطلان مثل هذه القيود لكفى به مَغنمًا، وَعُدَّ لطرق الصواب مَعْلمًا.

[جواز بيع القاضي العبدَ دون رضا الموْلَى]

وذلك لأن هذه الرواية مذكورة في الفصل الرابع من مأذون «الذخيرة»

(6)

فقال فيه: وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة فباع واشترى ولحقه ديون كثيرة فقدَّمه الغرماء إلى القاضي وطلبوا بيعه فإن القاضي ينظر في ذلك، فإن كان في يد العبد كسب حاضر يفي بديونه يقضي ديونه من كسبه، وإن لم يكن في يده مال حاضر إلا أن له مالًا غائبًا يُرجى قدومه، أو دين مال يُرجى خروجه، ولا يُعَجِّل القاضي في بيعه بل يتلوَّم

(7)

، إلى أن قال: وإن انقضت مدة التلوم ولم يوجد المال فإن القاضي يبيع العبد بدينهم؛ لأن القاضي نُصِّب ناظرًا للمسلمين، وقد نَظَر للموْلَى حين تلوَّم، ولم يُعجِّل في بيعه، فيجب أن ينظر للغرماء بعد مُضي التلوم، فيبيع العبد بدينهم حتى يصلوا إلى حقهم فيحصل النظر للجانبين جميعًا.

(1)

انظر: الاختيار (2/ 102)، تبيين الحقائق (5/ 209).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 157)، المحيط البرهاني (2/ 347)، تبيين الحقائق (5/ 209).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

في (أ) زيادة (بلا تقيد من يعتمد عليه.)، وما أثبت هو الصحيح. انظر: درر الحكام (2/ 278).

(5)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 146)، درر الحكام (2/ 278)، فتح القدير (9/ 292). وقال الزيلعي:(بَيْعُ الْقَاضِي هَذَا الْعَبْدَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا غَيْرِ زُفَرَ) تبيين الحقائق (5/ 209).

(6)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 58)، المبسوط للسرخسي (25/ 48)، فتاوى قاض خان (3/ 586).

(7)

التَلوَّم: الِانْتِظَارُ وَالتَّمَكُّثُ. الصحاح مادة (ل و م)(5/ 2034)، المغرب مادة (ل و م) (ص: 431)، قال ابن عابدين:(وَلَيْسَ لِمُدَّةِ التَّلَوُّمِ مِقْدَارٌ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي) حاشية ابن عابدين (6/ 185).

ص: 51

ثم قال: ثم ما ذكر من الجواب أن القاضي يبيع العبد لا يُشكل على قول أبي يوسف ومحمد

(1)

- رحمهما الله-؛ لأن الدين لو كان على الموْلَى وقد امتنع عن قضائه كان للقاضي- على قولهما- أن يبيع عليه ماله بغير رضاه ويقضي دينه، فإذا كان الدين على العبد أولى؛ لأن دين العبد متعلِّق بالعبد، ودين الحر لا يتعلق بماله ما لم يمرض مرض الموت، وإنما يُشكل هذا على قول أبي حنيفة-رحمه الله؛ لأنَّ من أصله أن الحر إذا ركبته ديون، وأمره القاضي بإيفاء الديون ولم يُوفِّ وأراد أن يبيع عليه ماله بغير إذنه ليس له ذلك، بل يُجبَر على البيع وقضاء الدين بالحبس حتى يبيع بنفسه

(2)

.

والجواب عنه: أن أبا حنيفة- رحمه الله إنما قال في الحر لا يبيع القاضي عليه ماله لِمَا فيه من الحجر عليه، فإنه كان يملك بيع مال نفسه، فإذا باع عليه القاضي بغير إذنه كان حجرًا عليه، وأبو حنيفة

(3)

رحمه الله لا يرى

(4)

الحجر على الحر المكلف، فأمَّا ليس في بيع المأذون على الموْلَى بغير رضاه حجر على الموْلَى؛ لأنَّ الموْلَى قبل ذلك محجور عن بيعه؛ فإنه لو باع العبد المديون بغير رضا الغرماء لا يَقْدر، وإذا كان محجورًا عن بيع العبد قبل بيع القاضي لم يكن بيع القاضي حجرًا مجازًا، فكان هذا بمنزلة التركة إذا كانت مستغرقة بالدين كان للقاضي أن يبيع التركة على الورثة إذا امتنعوا عن قضاء الدين من مالهم بغير رضاهم، ولم يُعَد ذلك حجرًا على الورثة؛ لأنهم كانوا محجورين عن بيع التركة قبل ذلك متى كانت مستغرقة بالدين بغير رضاء الغرماء، فكذا ههنا

(5)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 164)، بدائع الصنائع (7/ 174)، مجمع الأنهر (2/ 449).

(2)

انظر: فتح القدير (9/ 313)، تبيين الحقائق (5/ 209).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 157)، المحيط البرهاني (2/ 347).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 209)، حاشية ابن عابدين (5/ 416).

ص: 52

[جواز الحجر على العبد من قِبَل الموْلَى والقاضي]

فإن قيل: يُشكل ببيع الكسب؛ فإنه يبيع الكسب على العبد بغير إذنه، والعبد كان يملك بيع الكسب كالحر

(1)

المديون، وكان يجب ألا يبيع الكسب بغير رضاء العبد، بل يحبسه حتى يبيع.

[الخصم في رقبة العبد هو الموْلَى]

قلنا: الجواب عنه أن أبا حنيفة- رحمه الله إنما لا يرى الحجر على الحر المكلف

(2)

فأمَّا يرى الحجر على العبد، ألا ترى أن الموْلَى يحجره، فكذا جاز حجر القاضي عليه ببيع الكسب عليه، هذا إذا كان الموْلَى حاضرًا، فأما إذا كان غائبًا فإنه لا يبيع العبد حتى يحضر الموْلَى؛ فإن الخصم في رقبة العبد الموْلَى دون العبد، ألا ترى إذا ادَّعى إنسان في رقبة العبد حقًّا، فإن العبد لا يتنصب خصمًا لذلك؛ فإذا كان الخصم هو الموْلَى لم يجز البيع إلا بحضرته أو بحضره نائبه، بخلاف الكسب فإنه يباع بالدين وإن كان الموْلَى غائبًا؛ لأن الخصم في الكسب هو العبد دون الموْلَى، ألا ترى لو ادَّعى إنسان في كسبه حقًّا كان الخصم في ذلك هو العبد، وإذا كان العبد خصمًا في حق الكسب يشترط حضرة العبد لا حضرة الموْلَى

(3)

.

ثم إذا باع القاضي العبد بحضرة الموْلَى قسم عنه ثمنه بين الغرماء، وإن لم

(4)

يكن بالثمن وفاء بالديون يصير به كل غريم في الثمن بقدْرِ حقه كالتركة إذا اجتمعت فيها حقوق الغرماء، وضاقت التركة عن إيفائها، ولا سبيل لهم على العبد فيما بقي من دينهم حتى يَعتِق العبد؛ لأن الغرماء كان لهم الخيار في حال الرِّق إن شاؤوا باعوا العبد بديونهم، وإن شاؤوا اختاروا استسعاء

(5)

العبد فلا يبيعوا العبد، وليس لهم الجمع بين الأمرين في حال الرقِّ، فلا يبقى لهم على سعاية العبد سبيل ما لم يعتق؛ لأنه بالبيع/ خرج العبد من ذلك الإذن، وصار ملكًا للمشتري، والدين ما وجب [في ملك المشتري، فكذلك ليس لهم سبيل على المشتري؛ لأن الدين ما وجب]

(6)

على العبد بإذنه فلا يظهر في حقه، فإن اشترى العبدَ مولاه الذي باعه عليه القاضي للغرماء لم يبعه الغرماء بشيء مما بقي من الدين قليل ولا كثير، وإن عاد العبد إلى ملك من وجب الدين على العبد في ملكه لوجوه

(7)

:

(1)

في (أ)(كالحجر).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 157)، العناية شرح الهداية (9/ 294).

(3)

انظر: المحيط البرهاني (8/ 263)، تبيين الحقائق (5/ 209).

(4)

سقطت في (أ).

(5)

السعاية: من السعي، وهو العبد إذا عتق بعضه ورق بعضه، وذلك أنه يسعى في فكاك ما رق من رقبته فيعمل فيه ويتصرف في كسبه حتى يعتق، ويسمى تصرفه في كسبه سعاية لأنه يعمل فيه. لسان العرب (14/ 387)، المطلع (ص: 383)، معجم لغة الفقهاء (ص: 244).

(6)

في (ع) سقط نظر.

(7)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 58)، المبسوط للسرخسي (25/ 132)، حاشية ابن عابدين (6/ 167).

ص: 53

أحدها:

أنه يحدد سبب الملك في العبد، ويحدد سبب الملك في العين، فوجب

(1)

ببدل العين من حيث الحكم، فكأنه اشترى عبدًا آخر فلا يكون للغرماء عليه سبيل.

والثاني:

أنهم لما باعوه أول مرة بدينهم فقد اختاروا دينهم إلى ما بعد العتق، لمقتضى اختيارهم بيع العبد، ولو ثبت التأجيل نصًّا

(2)

لا يبقى لهم على العبد سبيل، فكذا إذا ثبت التأجيل اقتضاءً

(3)

.

والثالث:

أنهم لما باعوه بدينهم فقد ملكوا السعاية من المشتري بما أخذوا منه من الثمن، فالموْلَى الآذن لما اشتراه ثانيًا من المشتري الأول مَلَك

(4)

السعاية أيضًا من جهة المشتري الأول وقام مقام المشتري الأول فيما كان للمشتري؛ وهناك ليس لهم على العبد سبيل. فكذا ههنا.

[إذا ضاع الثمن من القاضي يرجع العهدة على الغرماء]

ثم القاضي إذا باع العبد للغرماء أو باع أمين القاضي للغرماء لا يلحقه العهدة حتى لو وجد المشتري بالعبد عيبًا، فالمشتري [لا يرده على القاضي]

(5)

ولا على أمينه، وكذلك لو قبض القاضي أو أمينه الثمن من المشتري فضاع من يده، وَاسْتُحِقَّ العبد من يد

(6)

المشتري لا يرجع عليهما، وإنما يرجع على الغرماء؛ لأن بيع القاضي خرج على وجه القضاء؛ نظرًا للغرماء، ولو رجع إليه العهدة لصار خصمًا فيه، وخرج من أن يكون قاضيًا؛ لأن من صار خصما في حادثة لا يصلح شاهدًا فيها

(7)

، فلا يصلح

(8)

قاضيًا بالطريق الأولى، وكذلك أمين القاضي، فإن حكمه حكم القاضي لا

(9)

يأمره، بل يرجع المشتري بالثمن على الغرماء؛ لأن العقد وقع لأجلهم.

(1)

في (أ)(ترقب).

(2)

النص: ما ازداد وضوحًا على الظاهر بمعنى في المتكلم وهو مَا سيق الْكَلَام لأَجله. انظر: المغني (1/ 125)، أصول الشاشي (ص: 68)، أصول السرخسي (1/ 164).

(3)

المقتضي: هو ما أضمر في الكلام إما لكونه شرطاً لصحة حكم شرعي، وهو عبارة عن زيادة على المنصوص ثبتت شرطاً لصحة المنصوص عليه، أو أضمر ضرورة صدق المتكلم. انظر: أصول السرخسي (1/ 248)، كشف الأسرار (1/ 75)، موسوعة القواعد الفقهية (2/ 541).

(4)

سقطت في (أ).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

قال العيني: (بالإجماع.) البناية شرح الهداية (13/ 356).

(8)

في (أ)(يصح).

(9)

في (ع)(لأنه).

ص: 54

[جواز بيع الرقبة بدين الاستهلاك]

وقوله: (وذلك) أي: غرض الموْلَى (لا بالرقبة) أي: لا في تعلق الدين برقبة العبد (بخلاف دين الاستهلاك) يعني: أجمعوا

(1)

على أن رقبته تباع بدين الاستهلاك كذا في «المغني»

(2)

، (وأصحابنا استدلوا بما روي:«أن النبي عليه السلام باع رجلًا في دينه يُقال له سُرَّق»

(3)

، فحين كان بَيع الحر جائزًا باعه في دينه، ومن ضرورة بيع الحر في دينه بيع العبد في دينه، وما ثبت بضرورة النص فهو كالمنصوص

(4)

، ثم انتسخ بيع الحر

(5)

، وبقي بيع العبد مشروعًا فيباع في دينه، والمعنى: أن هذا دين ظهر وجوبه في حق الموْلَى، فتباع رقبة العبد فيه كدين الاستهلاك، فتأثيره ما ذكرنا، والدين لا يجب في ذمة العبد إلا شاغلًا مالية رقبته، ألا ترى أن دين الاستهلاك لمَّا ظهر وجوبه في حق الموْلَى، وتقرر سببه كان شاغلًا لمالية الرقبة؛ لأنه لا يظهر وجوبه في حق الموْلَى فإنه محجور عن مباشرة سببه

(6)

لحق الموْلَى، فأما بعد الإذن فدين التجارة كدين الاستهلاك، [من حيث إنه ظهر وجوبه في حق الموْلَى]

(7)

بإذنه؛ فبهذا الطريق يتحقق رضا الموْلَى بتعلق الدين بمالية الرقبة، ولم يظهر

(8)

من صاحب الدين ما يدل على الرضا بتأخير حقه) كذا في «المبسوط»

(9)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 204)، الاختيار (2/ 102)، حاشية ابن عابدين (6/ 143).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 204)، مجمع الأنهر (2/ 449).

(3)

أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 157) برقم (6149)، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (7/ 165) برقم (6716)، وأخرجه الدراقطنى في السنن: كتاب البيوع (4/ 20) برقم (3027)، وأخرجه البيهقى في السنن الكبرى: كتاب التفليس، باب ما جاء في بيع الحر المفلس في دينه (6/ 83) برقم (11272) واللفظ للطحاوي:(لقيت رجلا بالإسكندرية يقال له سرق فقلت: ما هذا الاسم؟ فقال: سمانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت المدينة فأخبرتهم أنه يقدم لي مال فبايعوني فاستهلكت أموالهم فأتوا بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أنت سرق فباعني بأربعة أبعرة». فقال له غرماؤه: ما يصنع به؟ قال: «أعتقه» قالوا: ما نحن بأزهد في الآخر منك فأعتقوني)، قال الحاكم:(هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه) انظر: المستدرك (2/ 62)، قال الألباني (حسن). انظر: إرواء الغليل (5/ 264).

(4)

أي: يثبت الحكم بالدلالة إذا عُرف المعنى المقصود من الحكم المنصوص. انظر: أصول السرخسي (1/ 65)، كشف الأسرار (3/ 336)، موسوعة القواعد الفقهية (2/ 540).

(5)

قال ابن عبد الهادي: (وفي إجماع العلماء على خلافه - وهم لا يجمعون على ترك رواية ثابتة - دليل على ضعفه، أو نسخه إن كان ثابتا) تنقيح التحقيق (3/ 24).

(6)

سقطت في (أ).

(7)

سقطت في (أ).

(8)

سقطت في (ع).

(9)

للسرخسي (25/ 49).

ص: 55

وبهذا يُعلم أن قوله: (أن الواجب في ذمة العبد ظهر وجوبه في حق الموْلَى) احترازًا عن دين المحجور بسبب التجارة أو بإقراره، وعن دين المأذون الذي هو صداق امرأة تزوجها بغير إذن الموْلَى فإنه لمَّا لم يظهر في حق الموْلَى لعدم الإذن لم يبع رقبته بسببه.

[غرض الموْلَى من الإذن هو تحصيل المال]

وقوله: (وتعلق الدين برقبته استيفاء) حامل جواب عن قولهما: (أن غرض الموْلَى من الإذن تحصيل مال) إلى آخره يعني: لما علم الناس أن المعاملة مع العبد المأذون لا تضيع ولا يخسر أحد في المعاملة معه؛ فإنه لو لم يبق له مال لبقيت

(1)

رقبته، ولنا: ولاية بيع العبد بسبب الدين وأخذ الثمن بخلاف المعاملة مع

(2)

الحرِّ، فإنه لو لم يبق مال تجب النَّظْرة إلى وقت الميسرة، فعسى تحصل الميسرة وعسى لا تحصل، فكان هذا المعنى داعيًا للناس إلى المعاملة مع العبد المأذون؛ فيكثر معاملوه رغبة فيه، وازدياد الأرباح إنما يكون عند ازدياد كثرة المعاملات في التجارات، فيحصل غرض الموْلَى، وهو ازدياد الأرباح

(3)

.

[العبد الذي لا كسب له يكون معسرًا]

وهذا المعنى أيضًا يصلح جوابًا عما تمسَّك به الشافعي

(4)

رحمه الله ذكره في «المبسوط»

(5)

من قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (280)}

(6)

وقال/ والعبد الذي لا كسب

(7)

في يده معسر؛ فكان مستحقًّا للنظرة شرعًا، ولو أجَّله الطالب لم يجز بيع

(8)

رقبته فيه)، فلا يكون تأجيل الشارع أدنى من تأجيل الطالب، فيجب ألا يجوز بيعه فيه أيضًا؛ قلنا نحن لمَّا كان بيعه مستحقًّا بحكم الحديث الذي ذكرنا، (ظهر أنه كان موسرًا في قضاء الدين بمالية الرقبة، والإنظار شرعًا إنما يكون بعد تحقق العسرة، فأما اليسار فلا)

(9)

.

(1)

في (أ) و (ع)(فبقيت).

(2)

في (أ)(منع) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 49 - 50)، الأسرار (1/ 397)، الاختيار (2/ 100).

(4)

انظر: الأم للشافعي (3/ 206)، تحفة المحتاج (5/ 138)، نهاية المحتاج (4/ 330).

(5)

للسرخسي (25/ 48).

(6)

سورة البقرة من آية (280).

(7)

في (ع) زيادة (له) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 48).

(8)

سقطت في (أ) وفي (ع) والمثبت من المبسوط انظر: (25/ 48).

(9)

المبسوط للسرخسي (25/ 49).

ص: 56

(وينعدم الضرر في حقه) أي: في حق الموْلَى (بدخول المبيع في ملكه) أي: في ملك الموْلَى يعني: أنه لو فات العبد عن ملكه بالبيع بسبب الدين حصل المبيع للموْلَى بمقابلته، فكان جابرًا له فينتفي الضرر عن الموْلَى؛ لأن الظاهر أن الدين لما استغرق رقبة العبد كانت قيمة المبيع مساوية لقيمة العبد، فينجبر ملك الموْلَى بما فات عنه فلا يتضرر.

فإن قلتَ: كيف يقال هذا القول، وهو أن المبيع جابر لِفَوْت العبد

(1)

عن ملك الموْلَى، وقد ذكر بُعيد هذا متصلًا بهذا (غير

(2)

أنه يبدأ بالكسب في الاستيفاء)، فعلى التقدير لو كان المبيع الذي هو كسب العبد باقيًا كيف يباع العبد؟ والعبد إنما يباع أن لو لم يكن له مال من كسبه.

[جواز بيع العبد بسبب الدين]

قلتُ: جاز أن يكون هذا المبيع هو المبيع الذي اشتراه العبد وأدَّى ثمنه، ثم قبضه الموْلَى ولا دين على العبد ثم ركبته ديون، فيبيع

(3)

العبد بسبب ديون لحقته بعدما أخذ الموْلَى المبيع من يد العبد ولا دين عليه؛ فإنه إذا كان حال المبيع هكذا لا يؤخذ المبيع من الموْلَى بسبب دين العبد، بل يباع العبد إذا لم يكن له كسب فيُجْبَر ما أخذه من المبيع بما فات العبد من ملكه حينئذ.

[بيع العبد إذا طلب الغرماء ذلك]

والدليل على هذا ما ذكره في «المغني»

(4)

في الفصل الخامس

(5)

من المأذون، حيث قال: إن العبد المأذون إذا لحقه دين فطلب الغرماء من القاضي بيع العبد، وفي يد العبد كسب حاضر، إن القاضي يبدأ ببيع الكسب، ويستوي أن ذلك الكسب من أكساب التجارة أو لم يكن من أكساب التجارة نحو الصدقة والهبة، ويستوي أن يكون العبد اكتسب ذلك القَدْر قبل لحوق الدين أو بعد لحوق الدين؛ فحق الغرماء يتعلق بجميع ذلك ما دام في يد العبد، ثم قال: وإن كان الموْلَى قد أخذ شيئًا من ذلك من العبد، فإن لم يكن على العبد دين حال ما أخذ الموْلَى ذلك ثم لحقه دين لا يجب على الموْلَى ردُّ ما أخذ إن كان قائمًا بعينه، ولا ضمانه إن كان استهلكه، وإن كان على العبد دين حال ما أخذ الموْلَى ذلك، يجب على الموْلَى رد ما أخذ إن كان قائمًا بعينه، وضمانه إن كان استهلكه.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

في (ع) مطموسة.

(3)

في (أ)(فيبقى) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(4)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 200)، المحيط البرهاني (8/ 263)، البحر الرائق (8/ 107).

(5)

في (أ)(لتجانس) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

ص: 57

قوله: (كالبيع والشراء) نظير قوله: (دين وجب بالتجارة) وقوله: (والإجارة والاستئجار) إلى آخره نظير قوله: (أو بما هو في معناها)، وهذا كله احتراز عن دَين وجب لا بالتجارة، ولا بما في معناها، (كما في مهر امرأة تزوجها فوطئها ثم استحقت

(1)

- حيث يجب المهر على العبد ولا يظهر هو في حق الموْلَى-؛ لأن وجوب ذلك بالدين بسبب النكاح، والنكاح ليس من التجارة فيتأخر إلى ما بعد عتقه) كذا في «المبسوط»

(2)

وهكذا أيضًا في الفصل الرابع من مأذون «المغني»

(3)

.

[من ضرورة صحة النكاح وجوب المهر]

وذكر في «الذخيرة»

(4)

: وإذا تزوَّج امرأة ودخل بها، إن كان النكاح بإذن الموْلَى يُباع بدين المهر، وإن لم يكن هذا من جنس ضمان التجارة؛ لأن النكاح ليس بتجارة؛ ولهذا لا يدخل تحت الإذن في التجارة؛ لأن النكاح وإن لم يكن تجارة إلا أن إذن الموْلَى للمأذون بالنكاح صحيح، والنكاح منه بناء على إذن الموْلَى أيضًا صحيح، ومن ضرورة صحة النكاح وجوب المهر

(5)

فكان تعليقه بالرقبة لضرورة أمر لا مردَّ له فكان كدين الاستهلاك، ثم صورة الدين بسبب الإجارة هي أن يؤاجر شيئًا، ويقبض الأجرة، ولم يسلم المستأجر حتى انقضت المدة، فوجب عيه رد الأجرة

(6)

.

[جحود الأمانات تكون غصبا]

ذِكْر الأمانات

(7)

بعد ذِكْر الودائع؛ لأن الأمانة أعم من الوديعة

(8)

، ومن أنواع الأمانات مال المضاربة والعارِّية والبِضاعة

(9)

، ومال الشَّرِكَة

(10)

؛ وهذه الأشياء عند الجحود بها تنقلب غصبًا، وكان الضمان الواجب بهذه الأشياء ضمان غصب؛ لأن الأمين يصير

(11)

غاصبًا للأمانة بالجحود، وكذلك يؤاخذ بضمان عَقْر

(12)

الدابة، وإحراق الثوب في الحال وتباع رقبته فيه.

(1)

اسْتَحَقَّت: أَيِ اسْتَوْجَبَت. انظر: مختار الصحاح مادة (ح ق ق)(ص: 77).

(2)

للسرخسي (25/ 50).

(3)

انظر: المحيط البرهاني (9/ 390)، مجمع الأنهر (2/ 449).

(4)

انظر: المبسوط للشيباني (4/ 103)، المبسوط للسرخسي (5/ 128).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (5/ 65)، بدائع الصنائع (2/ 274).

(6)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 149)، مجمع الأنهر (2/ 449).

(7)

الْأَمَانَةُ لُّغَةً: ضِدُّ الْخِيَانَةِ. مقاييس اللغة مادة (أ م ن)(1/ 133)، واصطلاحًا: هِيَ الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْأَمِيْنِ، سَوَاءٌ أَجُعِلَ أَمَانَةً بِقَصْدِ الِاسْتِحْفَاظِ كَالْوَدِيعَةِ أَمْ كَانَ أَمَانَةً ضِمْنَ عَقْدٍ كَالْمَأْجُورِ وَالْمُسْتَعَارِ. أَوْ صَارَ أَمَانَةً فِي يَدِ شَخْصٍ بِدُونِ عَقْدٍ وَلَا قَصْدٍ. مجلة الأحكام العدلية (ص: 144) (الْمَادَّةُ 762).

(8)

الْوَدِيعَةُ لُّغَةً: الترك. المصباح المنير مادة (و د ع)(2/ 653) واصطلاحًا: الْمَالُ الْمَتْرُوكُ عِنْدَ إنْسَانٍ يَحْفَظُهُ. طلبة الطلبة (ص: 98)، معجم لغة الفقهاء (ص: 501).

(9)

الْبِضَاعَةُ لُّغَةً: طَائِفَةٌ مِنْ مَالِكَ تَبْعَثُهَا لِلتِّجَارَةِ. الصحاح مادة (ب ض ع)(3/ 1186)، لسان العرب (8/ 15)، وَاصْطِلَاحًا: مَا يَدْفَعُهُ الْمَالِكُ لِإِنْسَانٍ يَبِيعُ فِيهِ وَيَتَّجِرُ لِيَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ. البحر الرائق (2/ 251)، حاشية ابن عابدين (2/ 316).

(10)

الشَّرِكَةُ لُّغَةً: هِيَ الْخُلْطَةُ. الصحاح مادة (خ ط ل)(3/ 1124)، وَشرعًا: عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالرِّبْحِ. الجوهرة النيرة (1/ 285)، مجمع الأنهر (1/ 714).

(11)

في (ع) زيادة (غصبا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: البناية شرح الهداية (11/ 149).

(12)

عَقَرَ الدابة: جَرَحَهُا. الصحاح مادة (ع ق ر)(2/ 754)، المغرب مادة (ع ق ر) (ص: 323).

ص: 58

وقيل: هذا محمول على ما إذا أخذ الثوب أو الدابة أولًا حتى لا

(1)

يصير غاصبًا بالأخذ، ثم عَقَر الدابة وأَحَرق الثوب؛ وأما إذا عقر الدابة أو أحرق/ الثوب قبل القبض فينبغي على قول أبي يوسف

(2)

رحمه الله: ألا يؤاخذ به في الحال، و [لا]

(3)

تباع رقبته فيه، [وعلى قول محمد

(4)

يؤاخذ به في الحال وتباع رقبته فيه]

(5)

. كذا في «الذخيرة»

(6)

و «المغني»

(7)

.

[لا يباع العبد ثانيا بعد تملك المشتري له]

(ولا يباع ثانيًا) بخلاف دَين نفقة المرأة، فإنه يباع فيها مرة بعد أخرى؛ لأنها تجب شيئًا فشيئًا بخلاف المهر؛ فإنه إذا بيع في مهر ولم يفِ الثمن لا يباع ثانيًا؛ [لأنه بيع]

(8)

في جميع المهر، ويُطالَب بالباقي بعد العتق. كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(9)

(10)

.

(كيلا يمتنع البيع) يعني: أن المشتري إذا عَلِم أن العبد الذي اشتراه يباع في يده ثانيًا بدون اختياره، كما في حق الموْلَى الآذن في التجارة يمتنع المشتري عن شرائه، فلا يحصل البيع الأول حينئذ، فيتضرر الغرماء.

فلذلك قلنا: إنه (لا يباع ثانيًا)(أو دفعًا للضرر عن المشتري)؛ لأن المشتري لم يأذن له في التجارة فلم يكن راضيًا ببيعه بسبب الدين فلو

(11)

بيع عليه مع ذلك لكان عليه لزوم الضرر بدون التزامه، بخلاف الموْلَى الأول فإنه أَذِن له في التجارة، فكان ملتزمًا بإذنه ضرر البيع على نفسه

(12)

.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 82)، البناية شرح الهداية (11/ 149).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 532).

(5)

في (ع) سقط نظر.

(6)

انظر: الجوهرة النيرة (1/ 367)، البناية شرح الهداية (11/ 149).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 82)، البناية شرح الهداية (11/ 149).

(8)

سقطت في (أ).

(9)

هو: أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أيدغمش، أبو العباس، ظهير الدين ابن أبي ثابت التمرتاشي، عالم بالحديث، حنفي، كان مفتي خوارزم، نسبته إلى تمرتاش، له كتاب شرح الجامع الصغير والفتاوى والتراويح توفي 600 هـ. انظر: الجواهر المضية (1/ 61)، كشف الظنون (2/ 1221)، تاج التراجم (ص: 108)، الفوائد البهية (1/ 15).

(10)

انظر: البناية شرح الهداية (5/ 211)(11/ 150)، تبيين الحقائق (3/ 57).

(11)

في (ع)(فلم) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 295).

(12)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 295)، تبيين الحقائق (5/ 210).

ص: 59

[الهبة تتعلق بدين العبد]

(ويتعلَّق بما يقبل من الهبة) أي: ويتعلق دين العبد بما يقبل العبد من الهبة، وهذا عندنا

(1)

خلافًا لزفر

(2)

؛ وكذلك الصدقة فإن عنده لا حق لغرمائه إلا فيما اكتسب بطريق التجارة، وقال

(3)

: لأن وجوب الدين عليه بسبب التجارة، مما كان من كسب تجارته يتعلق الدين به لاتحاد السبب، وما لم يكن من كسب تجارته فهو كسائر أملاك الموْلَى، ألا ترى أن المأذون لو كانت أمة فولدت، ثم لحقها دين بعد ذلك لم يتعلق حق غرمائها بولدها لهذا المعنى؛ (وحجتنا في ذلك: أن الهبة والصدقة كسب العبد، فلا يُسلَّم للموْلَى إلا بشرط الفراغ من دين العبد، ككسب التجارة؛ لما أن المكتسب إذا لم يكن أهلا للملك يخلفه [الموْلَى خلافة]

(4)

الوارث، فكما أنه لا يُسَلَّم للوارث شيء من التركة إلا بشرط الفراغ من دين المُوَرَّث، فكذلك لا يُسَلَّم للموْلَى شيء من كسب العبد إلا بشرط الفراغ من دينه؛ وهذا لأن العبد وإن لم يكن من أهل الملك فهو من أهل قضاء الدين بكسبه، وحاجته إلى ذلك مقدَّمة على حق مولاه في كسبه.

وهذا بخلاف ما إذا ولدت بعدما لحق الدين؛ لأن ولدها ليس من كسبها، ولكنه جزء متولد من عينِها، فكما أن نفسها لا يكون من كسبها فكذلك جزء نفسها إلا أن نفسها تُباع في الدين، لالتزام الموْلَى ذلك بالإذن لها في التجارة، وذلك لا يوجد في حق الولد فلو تعلَّق به حق الغرماء إنما يكون بطريق السِّراية

(5)

ولا سِراية بعد الانفصال، والكلام فيه حتى إذا كان الدين لحقها قبل أن تَلِد ثم ولدت فيسْرِي إليه؛ لأن حق الغرماء تعلَّق بها في حال ما كان جزءًا متصلًا بها فيسري إلى الولد بحكم الاتصال؛ وهذا بخلاف الدَّفع في الجناية؛ فإن الجارية إذا ولدت [فلا حق]

(6)

لأولياء الجناية في ولدها؛ لأن حقَّهم هناك في بدل المُتْلَف وهو أرش

(7)

الجناية أو في نفسها جرى على الجناية، ولكن ذاك ليس بحق مُتأكَّد بدليل تمكن الموْلَى من التصرف فيها كيف شاء بالبيع

(8)

وغيره.

(1)

انظر: شرح الطحاوي للجصاص (8/ 496)، المبسوط للسرخسي (12/ 72)، بدائع الصنائع (7/ 203).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 203)، بدائع الصنائع (7/ 203)، تبيين الحقائق (5/ 210).

(3)

أي: زفر رحمه الله.

(4)

في (ع)(الملك بخلافة) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 54).

(5)

السِّرَايَةِ: سَرَى الْجُرْحُ إلَى النَّفْسِ، أَيْ: أَثَّرَ فِيهَا حَتَّى هَلَكَتْ. المغرب مادة (س ر و)(ص: 225).

(6)

في (ع)(فالحق) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 55).

(7)

الأَرْش لغة: مَا يُدْفَعُ بَيْنَ السَّلَامَةِ وَالْعَيْبِ فِي السِّلْعة. لسان العرب (6/ 264) واصطلاحًا: هُوَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي مِنَ الْبَائِعِ إِذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ. وفي الجنايات: هو اسمٌ للمال الواجب على ما دون النفس. انظر: النهاية في غريب الحديث (1/ 39)، المطلع (ص: 283) التعريفات (ص: 17).

(8)

سقطت في (أ).

ص: 60

فلهذا لا يسري إلى الولد، وههنا حق الغرماء متأكد في ذمتها، متعلق بماليتها بصفة التأكيد، بدليل أنه لا ينفذ تصرف الموْلَى فيها بالبيع، والهبة ما لم يصل إلى الغرماء حقهم فيسري هذا الحق المتأكد إلى الولد)، كذا في باب الدين يلحق العبد المأذون من مأذون «المبسوط»

(1)

.

[للموْلَى أن يأخذ غَلة العبد بعد الدين]

الْغَلَّةُ: كُلُّ مَا يَحْصُلُ مِنْ رِيعِ أَرْضٍ أَوْ كِرَائِهَا أَوْ أُجْرَةِ غُلَامٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَغَلَّتْ الضَّيْعَةُ فَهِيَ مُغِلَّةٌ أَيْ: ذَاتُ غَلَّةٍ كذا في «المُغرب»

(2)

(وله) أي: وللموْلَى (أن يأخذ غَلَّة مِثله بعد الدين) أي: الضريبة التي ضرب الموْلَى على عبده كل شهر عشرة دراهم مثلًا، فهو يأخذها بعد الدين كما كان يأخذها قبل الدين، وما زاد على عشرة دراهم كان للغرماء، ولا يأخذ الموْلَى بعد الدين أزيد مما كان يأخذها قبل الدين.

وهذا الذي ذكره جواب الاستحسان، وفي القياس: لا يجوز له أن يأخذ من الغَلة بعد الدين لا قليلًا ولا كثيرًا

(3)

، وذكر في «المبسوط»

(4)

و «الإيضاح»

(5)

(ولو كان الموْلَى يأخذ الغلة من العبد كل شهر عشرة دراهم، وعليه دين، يأتي على رقبته وكسبه حتى أخذ منه مالًا كثيرًا، ففي القياس: عليه رد جميع ما أخذ؛ لأنه أخذ من كسبه، وحق الغرماء في كسبه مقدَّم على حق الموْلَى، ولكنه استحسن، وقال: المقبوض سالم للموْلَى؛ لأن في أخذ الموْلَى الغلة منه منفعة للغرماء، فإنه يُبقيه على الإذن بسبب ما يصل إليه من الغلة، فيكتسب فيقضي حق الغرماء/ من كسبه)، فإذا منعنا الموْلَى

(6)

من أخذ الغلة يَحْجر عليه في التجارة فينسد باب الاكتساب، فصار ما يأخذ من الغلة كالتحصيل للكسب، وأما إذا أخذ أكثر من غلة مثله رد الفضل على الغرماء؛ لأن الزيادة على غلة المثل لا يُعدُّ من باب تحصيل الغلة، فلا يحصل حينئذ مقصود الغرماء.

[لا يظهر حجر المأذون حتى يعلم به أهل سوقه]

(وإن حجر عليه لم ينحجر حتى يظهر حجره فيما بين أهل سوقه)، وهذا عندنا

(7)

(وقال الشافعي

(8)

رحمه الله الحجر عليه صحيح، وإن لم يعلم به أحد من أهل سوقه، وهذا بناء على مسألة كتاب الوكالة أي: أن عزل الوكيل لا يصحُّ إلا بعلمه عندنا

(9)

.

(1)

للسرخسي (25/ 54 - 55).

(2)

المغرب (ص: 344).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 200)، مجمع الأنهر (2/ 449)، تبيين الحقائق (5/ 210).

(4)

للسرخسي (25/ 52).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 200)، مجمع الأنهر (2/ 450).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 27)، بدائع الصنائع (7/ 206)، الاختيار (2/ 103).

(8)

انظر: العزيز (4/ 372)، الحاوي الكبير (6/ 512)، تحفة المحتاج (5/ 338)، نهاية المحتاج (5/ 53).

(9)

انظر: شرح الطحاوي للجصاص (8/ 493)، الأسرار للدبوسي (1/ 415)، المبسوط للسرخسي (13/ 45).

ص: 61

وعند الشافعي

(1)

رحمه الله يصحُّ بغير علمه، فكذلك الحجر على العبد يصح بغير علم العبد، وبغير علم أهل السوق به؛ لأن الإذن عنده إنابة كالتوكيل وهذا؛ لأن الموْلَى يتصرَّف في خالص حقه فلا يتوقف تصرفه على علم الغير به، ولكنا نشترط علم أهل السوق لدفع الضرر والغرور عنهم؛ فإن الإذن عمَّ وانتشر فيهم، وهم يعاملونه بناء على ذلك، فلو صحَّ الحجر بغير علمهم تضرروا به؛ لأن العبد إن اكتسب شيئًا ربحًا أخذه الموْلَى، وإن لحقه دين أقام البينة إن كان قد حجر عليه، فتتأخر حقوقهم إلى ما بعد العتق، ولا ندري أَيُعْتَق أو لا، ومتى يُعْتَق، والموْلَى بتعميم الأذن

(2)

يصير كالغارِّ لهم، فلِدفع الضرر والغرور قلنا: لا يثبت الحجر ما لم يعلموا به) كذا في «المبسوط»

(3)

حتى لو حجر عليه في السوق وليس فيه إلا رجل أو رجلان لا ينحجر ولو بايعوه جاز؛ وإنْ بايعه الذي علم بحجره؛ وإنْ هذه للوصل يثبت بهذا الكلام عدم صحة الحجر الخاص، حتى أن الموْلَى إذا حجر عبده عند رجل أو رجلين لم يثبت الحجر في حق ذلك الرجل

(4)

والرجلين أيضًا، كما لا يثبت في حق غيرهما، حتى إن ذلك الرجل لو باع مع هذا العبد الذي حجره مولاه عند هذا الرجل يجوز بيعه، كما كان يجوز قبل هذا الحجر؛ فعُلم بهذا أن من شرط صحة الحجر التعميم لا التخصيص

(5)

(6)

.

[شرط صحة الحجر التعميم لا التخصيص]

فإن قلتَ: فقد ذكر في الكتاب

(7)

أن معنى اشتراط التعميم في الحجر هو دفع الضرر عن الناس بتأخر حقهم إلى ما بعد العتق، وكذلك ذكر في «المبسوط»

(8)

معنى اشتراط التعميم في الحجر: هو دفع الضرر والغرور عن الناس على ما ذكرت، وهذا المعنى لا يتحقق في حق ذلك الرجل والرجلين، فإنهم لما علموا بحجر الموْلَى عبده لا يتعاملون مع هذا العبد الذي حجره

(9)

مولاه عندهم فلا يصيرون مغرورين

(10)

، فلِمَ لا يصير العبد محجورًا في حق هؤلاء الذين كانوا حضورًا عند حجر الموْلَى عبده، مع انعدام هذا المعنى، وهو الغرور في حقهم، فينبغي أن يثبت الحجر في حقهم، وإن لم يثبت في حق غيرهم، كما في خطاب الشرع، حيث يثبت في حق من علم، ولا يثبت في حق من لم يعلم

(11)

.

(1)

قال النووي: (وللشافعي فيه قولان، وظاهر النص أنه ينعزل علم أو لم يعلم، ومتى تصرف فبان أن تصرفه بعد عزله أو موت موكله فتصرفه باطل، لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه، فلا يفتقر إلى علمه كالطلاق والعتاق). المجموع (14/ 155)، وكذلك انظر: الحاوي الكبير (6/ 512)، تحفة المحتاج (5/ 338)، نهاية المحتاج (5/ 53).

(2)

في (أ)(الأرب) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 27).

(3)

للسرخسي (25/ 27).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

انظر: الاختيار (2/ 103)، البناية شرح الهداية (11/ 152)، حاشية ابن عابدين (6/ 166).

(6)

قال الموصلي: (وَالْمُعْتَبَرُ اشْتِهَارُ الْحَجْرِ عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَ الْإِذْنُ مَشْهُورًا; أَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ غَيْرُ الْعَبْدِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْحَجْرِ انْحَجَرَ) الاختيار (2/ 103).

(7)

انظر: الهداية (4/ 290).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 27).

(9)

في (أ)(جحده) وما أثبت هو الصحيح.

(10)

في (أ)(مغرورون) وما أثبت هو الصحيح.

(11)

انظر: الأسرار (1/ 412).

ص: 62

[الحجر والإن أهل قُبَاء التخصيص]

(ألا ترى أن أهل قُبَاء

(1)

كانوا يصلون إلى بيت المقدس بعد الأمر باستقبال الكعبة وجُوِّزَ لهم ذلك؛ لأنهم لم يعلموا به، وإن تغيَّر الحكم في حق غيرهم، قلتُ: نعم كذلك إلا أن شرط صحة الحجر التشهير

(2)

، والمشروط لا يثبت بدون شرطه

(3)

؛ فلذلك لم يثبت لحكم الحجر في حق من علم به أيضًا، كما لم يثبت في حق من لم يعلم به؛ وذلك لأن الحجر ضد الإذن، فكما أن الإذن لا يقبل التخصيص فكذلك الحجر أيضًا لا يقبل التخصيص، حتى أنه لو أذن لعبده في التجارة مع قوم بأعيانهم ونهاه عن آخرين، فباع العبد واشترى من القوم الذين نهاه عنهم كان جائزًا، وهذا بخلاف خطاب الشرع، فإن حكمه يثبت في حق من علم به؛ لأن الخطاب مما يقبل التخصيص، وكل واحد من المخاطبين بالحكم في حقه كأنه ليس معه غيره). كذا في «المبسوط»

(4)

.

وذكر في «الذخيرة»

(5)

: إنما لا يصح الحجر في حق هؤلاء الذين علموا بالحجر؛ لأن الحجر لم يعمل في حق الذين لم يعلموا، وبقي العبد مأذونًا في حقهم نفيًا للضرر

(6)

والغرور عنهم، وإذا بقي الإذن في حق الذين لم يعلموا بقي الإذن

(7)

في حق الناس؛ لأن الإذن بالتجارة لا يَتَحَرَّى

(8)

، ألا ترى أن في الابتداء لا يَتَحَرَّى فكذلك في الانتهاء، [ثم قال]

(9)

فإن قيل: هذا العذر ليس بصحيح؛ فإن الإذن إذا كان عامًّا وحجر عليه بمحضر الأكثر من أهل السوق يصير العبد محجورًا، ولو كان ما ذكرتم من المعنى صحيحًا ينبغي ألا يصير محجورًا؛ لأن الحجر لم يعمل في حق الذي لم يعلم بالحجر، وبقي الإذن في حقه، فينبغي أن يبقى الإذن في حق الباقين ضرورة عدم التحري.

(1)

قُبَاء، مَمْدُودٌ: مَوْضِعٌ بِالْحِجَازِ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. الصحاح مادة (ق ب ا)(6/ 2458)، لسان العرب (15/ 169) واصطلاحًا: بَلْدَةٌ عَامِرَةٌ تُطِيف بِذَلِكَ الْمَسْجِدِ، كَثِيرَةُ الْبَسَاتِينِ وَالسُّكَّانِ، وَتَكَادُ تَتَّصِلُ بِالْمَدِينَةِ عُمْرَانِيًّا، بَلْ اتَّصَلَتْ الْمَدِينَةُ بِهَا، مَسْجِدُهَا جَنُوبَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ بِسِتَّةِ أَكْيَالٍ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ فِي حَرَّةٍ تُسَمَّى حَرَّةَ قُبَاءَ، وَهِيَ الْجُزْءُ الشَّرْقِيُّ مِنْ حَرَّةِ الْوَبَرَةِ. معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية (ص: 249)، المعالم الأثيرة في السنة والسيرة (ص: 222).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 27)، البناية شرح الهداية (11/ 152).

(3)

انظر: قواطع الأدلة (1/ 223)، كشف الأسرار (2/ 173)، تيسير التحرير (4/ 248).

(4)

للسرخسي (25/ 27).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (26/ 30).

(6)

في (أ)(للضرورة) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(7)

في (أ)(الأرسخ) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(8)

يَتَحَرَّى الْأَمْرَ، أَيْ: يَقْصِدُهُ. مقاييس اللغة مادة (حَرَوَى)(2/ 47).

(9)

سقطت في (أ).

ص: 63

[تبليغ الحجر إلى الأكثر مقام تبليغه إلى الكل]

قلنا: قضية القياس

(1)

هكذا، إلا أنا تركنا القياس ثمة لضرورة؛ فإن تبليغ الحجر إلى كل واحد من/ أهل السوق مُتعثر، فأقمنا تبليغ الحجر إلى الأكثر مقام تبليغ الحجر إلى الكل، ألا ترى أن النبي عليه السلام كان مأمورًا بتبليغ ما أنزل إليه إلى الناس كافة، ولم يَبْلَغ إلى الكل، إنما بلغ إلى الأكثر، وقام التبليغ إلى الأكثر مقام التبليغ إلى الكل كذا ههنا.

[يثبت الحجر لأهل السوق قصدا لا ضمنًا]

ثم اعلم أن اشتراط إظهار الحجر فيما بين أهل سوقه فيما إذا ثبت الحجر قصدًا لا ضمنًا لشيء آخر، كما في عزل الوكيل.

وأما إذا ثبت الحجر ضمنًا فلا يشترط لانحجاره عِلْمُ أهل سوقه ولا عِلم واحد منهم، حتى أن الموْلَى إذا باع عبده المأذون الذي ليس عليه دين يصير محجورًا، وإن لم يعلم به أهل سوقه؛ لأن هذا حجر ثبت حكمًا للبيع لا مقصودًا

(2)

؛ لأن الحجر ثبت بالبيع، والبيع في الأصل لم يوضع للحجر، ألا ترى أن البيع يصحُّ وإن كان لا يثبت الحجر إن لم يكن العبد مأذونًا، وإذا لم يكن موضوعًا للحجر كان ثبوت الحجر به حكمًا لزوال ملك الموْلَى لا مقصودًا لبيع المُوكِّل ما وكَّله ببيعه كان ذلك عزلًا للوكيل حكمًا لا قصدًا؛ لأن البيع لم يوضع للعزل، كذا ههنا؛ لأنه يجوز أن يثبت الشيء حكمًا لغيره

(3)

، وإن كان لا يثبت مقصودًا، كعزل الوكيل وهو غائب لا يثبت مقصودًا وثبت حكمًا لغيره؛ وأحد المتفاوضين لا يملك إخراج نفسه عن المفاوضة

(4)

مقصودًا حال غيبة شريكه، ويملكه حكمًا لغيره بأن يطلب من غيره درهمًا هبة حتى وهب له درهمًا، وكذلك لو وهب الموْلَى العبد المأذون من رجل وقبضه الموهوب

(5)

له يصير محجورًا فلو أنه رجع في الهبة [لا يعود الإذن، وكذلك في فصل البيع إذا رده المشتري بالعيب ورده نَقْض القاضي]

(6)

لا يعود الإذن، وإن عاد إليه قديم ملكه

(7)

.

وكذلك اشتراط إظهار الحجر فيما بين أهل سوقه، فيما إذا كان الإذن عامًّا فيما بين أهل السوق، وأما إذا كان الإذن خاصًّا فيكتفى فيه بالحجر الخاص أيضًا على ما ذكر هذا في الكتاب

(8)

. كذا في «الذخيرة»

(9)

و «المغني»

(10)

.

(1)

في (ع)(الناس) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(2)

انظر: حاشية ابن عابدين (6/ 166).

(3)

انظر: المحيط البرهاني (6/ 492)، حاشية ابن عابدين (6/ 166).

(4)

في (ع)(المعاوضة).

(5)

في (أ)(المرهون).

(6)

في (أ) سقط نظر. وما أثبت هو الصحيح. انظر: حاشية ابن عابدين (6/ 166).

(7)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 211).

(8)

انظر: بداية المبتدي (ص: 203).

(9)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 581)، البناية شرح الهداية (11/ 152)، تبيين الحقائق (5/ 211).

(10)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 206)، فتاوى قاض خان (3/ 581)، تبيين الحقائق (5/ 211).

ص: 64

[شرط صحة الحجر علم العبد]

(ويبقى العبد مأذونًا إلى أن يعلم بالحجر) يعني: كما أن عِلْم أهل السوق بالحجر شرط لصحة الحجر، فكذلك عِلْم ذلك العبد بحجر نفسه شرط لصحة الحجر في حقه أيضًا؛ دفعًا للضرر والغرور عنه، كما في حق أهل السوق، فقد ذكرناه

(1)

.

[وأما وجه الضرر والغرور في حق أهل السوق فقد ذُكر]

(2)

، وأما وجه الضرر في حق العبد؛ فإن العبد يُبايع بناء على أنه مأذون، وأن ما يجب عليه من الدين يستوفى حال رقه من مال الموْلَى، فمتى صحَّ الحجر بغير علم العبد تتأخر حقوق الغرماء إلى ما بعد العتق، ويستوفي الكل من خالص ملك العبد، والعبد لم يرض بذلك. كذا في «الذخيرة»

(3)

.

[يصير المأذون محجورا إذا مات الموْلَى أو جُنَّ]

(ولو مات الموْلَى أو جُنَّ صار المأذون محجورًا)، والمراد منه الجنون المُطْبِق، أما إذا لم يكن مُطبِقًا بأَنْ كان يُجَنّ ويُفِيق لا ينحجر؛ ثم اختلفوا في تحديد الجنون المطبق؛ قال محمد

(4)

رحمه الله: إذا كان الجنون دون الشهر فليس بمطبق، وإن كان شهرًا فصاعدًا فهو مطبقٌ، ثم رجع وقال: مأذون السَّنة ليس بمطبق، والسَّنة وما فوقها مطبق، وعن أبي يوسف

(5)

رحمه الله أن أكثر السنة فصاعدًا مطبق

(6)

، وما دونه فليس بمطبق. كذا في «الذخيرة»

(7)

.

[المراد بالجنون المطبق]

(فلا بد من قيام أهلية الإذن في حال البقاء)؛ لأنه لما كان (لدوامه حكم الابتداء) كان هو مُتجدِّدا حكمًا في كل زمان، وكأنَّ الموْلَى صار آذنًا في كل زمان فلا بدَّ من قيام الأهلية للآذن

(8)

وقت الإذن، كما في الابتداء الحقيقي، والجنون، والارتداد

(9)

مانع

(10)

ابتداء، فكذا بقاء

(11)

، (وقال الشافعي

(12)

(13)

رحمه الله يبقى مأذونًا).

(1)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 206)، شرح السير الكبير (ص: 362)، حاشية ابن عابدين (6/ 166).

(2)

في (ع) سقط نظر.

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 28)، بدائع الصنائع (7/ 194)

(4)

انظر: الاختيار (2/ 163)، فتاوى قاض خان (3/ 585)، البناية شرح الهداية (11/ 153).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (19/ 13)، بدائع الصنائع (6/ 38)، المحيط البرهاني (9/ 351).

(6)

في (ع)(مطبقًا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: البناية شرح الهداية (11/ 153).

(7)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 525)، بدائع الصنائع (6/ 38)، فتاوى قاض خان (3/ 585).

(8)

في (ع)(الإذن).

(9)

الِارْتِدَادُ لغَةً: الرُّجُوعُ. مختار الصحاح مادة (ر د د)(ص: 121) وشرعًا: وهو الرجوع من الدين الحق إلى الباطل، فمن ارتد- والعياذ بالله- عُرض عليه الإسلام وكشفت شبهته، فإن استمهل حُبس ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قُتل، أي إن تاب فبها وإن لم يتب قتل. أنيس الفقهاء (ص: 67)، تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (3/ 284).

(10)

في (ع)(مانعا).

(11)

انظر: الاختيار (2/ 103)، مجمع الأنهر (2/ 450)، اللباب (2/ 225).

(12)

انظر: العزيز (4/ 367)، المجموع (14/ 398)، تحفة المحتاج (4/ 489)، نهاية المحتاج (4/ 177).

(13)

وبقول الشافعي قال أحمد. انظر: المغني (5/ 62)، الإقناع (2/ 231).

ص: 65

[إذا أبق العبد صار محجورًا]

وقال في «المبسوط»

(1)

زفر

(2)

مكان الشافعي

(3)

، (وقال زفر

(4)

: لا يصير محجورًا عليه بالإباق؛ لأن صحة الإذن باعتبار ملك الموْلَى، وقيام رأيه ولم يختل ذلك بإباقه، والدليل عليه أن الإباق لا ينافي ابتداء الإذن؛ فإن المحجور عليه إذا أَبَق فأذِن له الموْلَى في التجارة وعلم به العبد كان مأذونًا، وما لا يمنع ابتداء الإذن لا يمنع بقاءه بطريق الأولى؛ ولكنا نقول: لمَّا جعل دلالة الإذن كالتصريح به فكذلك دلالة الحجر كالتصريح بالحجر، وقد وُجدت دلالة الحجر بعد إباقه؛ لأن الظاهر أن الموْلَى إنما يرضى بتصرفه ما بقي تحت طاعته، ولا يرضى بتصرفه بعد تمرُّدِه وإباقه؛ ولهذا صح ابتداء الإذن بعد الإباق

(5)

؛ لأنه يسقط اعتبار الدلالة عند التصريح بخلافه؛ توضيحه: أن الموْلَى لو تمكَّن منه أوجعه

(6)

عقوبة على جزاء فعله، وحجر عليه، فإذا لم يتمكن منه جعله الشرع محجورًا عليه كالمرتد اللاحق بدار الحرب لو تمكن منه القاضي موَّته حقيقة بالقتل، وقَسَم ماله بين ورثته؛ فإذا لم يتمكن من ذلك جعله الشرع كالميت حتى يقسم القاضي ماله بين/ ورثته).

قوله (وصار كالغصب) معناه: لو أذن الموْلَى للعبد المغصوب يصحُّ، ولو غصب العبد المأذون لا يبطل الإذن، فهنا كذلك.

ولكن ذكر في «الذخيرة»

(7)

: وجواب الغصب على التفصيل؛ فقال: وأما الغصب هل يمنع ابتداء الإذن؟ فالجواب فيه على التفصيل: إن بقي للمالك إمكان الأخذ بأن كان الغاصب مُقِرًّا، وكان للمالك بيِّنة حاضرة عادلة لا يمنع ابتداء الإذن؛ لأنه إذا بقي له إمكان الأخذ كانت ولاية البيع في رقبته وكسبه من الغاصب ومن غيره قائمة، فيصح الإذن، فكذلك يبقى الإذن؛ وإن لم يبق للمالك إمكان الأخذ بأن كان الغاصب جاحدًا، ولم يكن له على ذلك بينة تمنع ابتداء الإذن؛ لزوال ولاية البيع في كسبه ورقبته، فيمنع بقاء الإذن أيضًا، وإن عاد العبد الآبق من الإباق هل يعود الإذن؟ لم يذكر محمد هذا التفصيل، والصحيح

(8)

أنه لا يعود.

(1)

للسرخسي (25/ 33).

(2)

في (أ)(في) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(3)

قال الرافعي: (إن الإباق عصيان فلا يوجب الحَجْر، كما لو عصى السَّيد من وجه الآخر) العزيز (4/ 367).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 23)، مجمع الأنهر (2/ 449).

(5)

قال الزيلعي: (وَالْإِبَاقُ يَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ عِنْدَنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ) انظر: تبيين الحقائق (5/ 211).

(6)

في (أ)(أو حقه) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(7)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 297)، تبيين الحقائق (5/ 212).

(8)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 297)، مجمع الأنهر (2/ 449)، تبيين الحقائق (5/ 212).

ص: 66

[استيلاد المأذونة حجر عليها]

(فذلك حجر عليها)، أي: استيلاد المأذونة حجر عليها عن الإذن، وتأويل المسألة فيما إذا استولدها من غير تصريح بالإذن، أما إذا استولدها ثم قال: لا أريد الحجر عليها بقيت على إذنها، كذا ذكره الإمام المحبوبي

(1)

رحمه الله في «الجامع الصغير»

(2)

(هو يعتبر البقاء بالابتداء)، يعني: أن الموْلَى إذا أذن لأم الولد ابتداء يجوز

(3)

فكذا تبقى مأذونة، وإن طرأ الاستيلاد على المأذونة، وهو القياس

(4)

، (ولكن استحسن علماؤنا

(5)

فقالوا: استيلاد الموْلَى حجر عليها؛ لأن العادة جرت في الظاهر أن الإنسان يُحَصِّن

(6)

أم ولده، ولا يرضى بخروجها، واختلاطها بالناس في المعاملة والتجارة، ودليل الحجر كصريح الحجر، بخلاف ما إذا أذن لأم ولده في التجارة؛ لأنه صريح هناك بخلاف العادة، وإنما تعتبر العادة عند عدم التصريح بخلافها.

فأما مع التصريح بخلاف العادة فلا، كتقديم المائدة بين يدي إنسان يجعل إذنًا في التناول بطريق العُرف، أما إذا قال لا تأكل مع تقديم المائدة لم يكن ذلك إذنًا). كذا في «المبسوط»

(7)

.

وهذه المسألة غير مسألة الإباق في التعليل من الطرفين، فكان فيه دليل على أن المخالف هناك زفر

(8)

كما هو المذكور في «المبسوط»

(9)

؛ لأنه لم تختلف رواية الكِتَابَيْن

(10)

في أنه المخالف في هذه المسألة؛ [بل وتعليل هذه المسألة]

(11)

مثل تعليل مسألة الإباق من الطرفين معينة.

(1)

هو: عبيد الله بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالملك بن عمر الأنصاري العبادي المحبوبي النجاري العلامة جمال الدين أبو الفضل، ولد في جمادى الأولى 546 هـ، كان مدرسًا محدثًا عارفًا بمذهب أبي حنيفة، وكان ذا هيئة وعبادة، وإليه انتهت رياسة الحنفية بما وراء النهر، وتفقه عليه خلق وانتفعوا به؛ من تصانيفه:(شرح الجامع الصغير للشيباني في الفروع)، توفي في جمادى الأولى 630 هـ. انظر: تاريخ الإسلام (13/ 923)، الوافي بالوفيات (19/ 229)، الجواهر المضية (1/ 336)، سير أعلام النبلاء (22/ 345).

(2)

انظر: الجامع الصغير لفخر الإسلام (3/ 747)، البناية شرح الهداية (11/ 154)، مجمع الأنهر (2/ 451).

(3)

في (أ)(محجور) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 297).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 206)، الاختيار (2/ 103).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 36)، مجمع الأنهر (2/ 451).

(6)

في (ع)(يحبس) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الجامع الصغير لفخر الإسلام (3/ 747).

(7)

للسرخسي (25/ 36).

(8)

أي: في مسألتي (إباق العبد، واستيلاد المأذونة) حيث قال: لا يصير حجر عليهما. انظر: الاختيار (2/ 103)، مجمع الأنهر (2/ 451)، تبيين الحقائق (5/ 212).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 23)، (25/ 36).

(10)

يظهر لي أن المقصود من الكِتابين: الهداية والمبسوط للسرخسي. والله أعلم.

(11)

في (ع) سقط نظر.

ص: 67

(وإذا استدانت المأذون لها أكثر من قيمتها) إلى آخره، وإنما وضع المسألة في أكثر من قيمتها لتظهر الفائدة في أن الموْلَى يَضمن قيمتها دون الزيادة على قيمتها، (إذ العادة ما جرت بتحصين المُدَبَّرة)، وبهذا وقع الفرق بينهما وبين ما إذا استولد المأذون لها، حيث يكون الاستيلاد حجرًا لها دون التدبير (ولا منافاة بين حكميها)؛ (لأن بالتدبير يثبت للمُدَبَّر حق العِتق، وحق العِتق وإن كان لا يزيد في انفكاك الحجر فلا يؤثر في الحجر عليه) كذا في «المبسوط»

(1)

.

[جواز إقرار المأذون بعد الحجر فيما في يده]

(وإذا حجر على المأذون فإقراره جائز فيما في يده) إلى أن قال: (ومعناه: أن يُقِرَّ بما في يده أنه أمانة لغيره) وإنما احتاج إلى ذكر تأويل المسألة بقوله: (ومعناه)؛ لأن مطلق الإقرار بما في يده إنما يُفهم منه الغصوب والديون لا الأمانات، فذَكر بهذا أن معنى المسألة عام؛ فإنه كما يصح إقراره بما في يده في حق الغصوب والديون، فكذلك يصح في الأمانات؛ فلهذا المعنى قدَّم ذِكْر الأمانات لغيره على غيرها

(2)

.

ثم اعلم: أن في هذه المسألة مسائل إجماعية، فلا بد من ذكرها لينكشف المراد، ويسهل المرتاد

(3)

(4)

؛ وهي: أن إقرار هذا العبد الذي حُجِر بعد الإذن لا يُصَدَّق في استهلاك رقبته بالاتفاق

(5)

، حتى أنه إذا لم يفِ ما في يده بما عليه من الإقرار لا تباع رقبته فيه إجماعًا

(6)

؛ وهو المراد من قوله: (ولهذا لا يصح إقراره) بما انتزعه الموْلَى من يده من مال اكتسبه وقت الإذن، وأخذه منه أو باعه ثم أقرَّ بشيء من ذلك بعد الحجر لا يُصَدَّق العبد فيه بالاتفاق

(7)

؛ وكذا لو كان الدين الذي وجب عليه وقت الإذن مستغرقًا لما في يده، فأقر بعد الحجر بدين عليه سواه، لا يُصَدَّق العبد فيه بالاتفاق

(8)

.

(1)

للسرخسي (25/ 36).

(2)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 156)، مجمع الأنهر (2/ 451).

(3)

في (أ)(الزيادة).

(4)

المرتاد: ارْتَادَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ طَلَبَهُ. انظر: لسان العرب (3/ 187)، المصباح المنير مادة (ر و د)(1/ 245).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 86)، العناية شرح الهداية (9/ 298)، حاشية ابن عابدين (6/ 167).

(6)

انظر: الأسرار للدبوسي (1/ 435)، المبسوط للسرخسي (25/ 86)، تبيين الحقائق (5/ 212).

(7)

انظر: الأسرار للدبوسي (1/ 441)، حاشية ابن عابدين (6/ 167).

(8)

انظر: حاشية ابن عابدين (6/ 167)، البناية شرح الهداية (11/ 155).

ص: 68

وكذلك لو كان الحجر ثابتًا عليه بسبب أن الموْلَى باعه من آخر

(1)

، ثم أقر في يد المشتري بدين عليه لا يُصدَّق فيه بالاتفاق

(2)

، وكذلك لو كان في يده مال حصل له بالاحتطاب

(3)

ونحوه فأقر به لغيره، لا يُصدَّق فيه بالاتفاق

(4)

.

وهذه المسائل الخمس كلها يصح مقيسًا عليها/ لهما

(5)

، ولكن ما ذكره من التعليل في «المبسوط»

(6)

و «الأسرار»

(7)

لأبي حنيفة- رحمه الله يصلح جوابًا لها كلها؛ فقال: (والقياس ألا يُصدَّق بعد الحجر في شيء

(8)

مما في يده، ولكن استحسن أبو حنيفة- رحمه الله

(9)

- فأقام أثر الإذن مقام الإذن في تصحيح إقراره، وهذا الأثر في المال الذي بقي في يده من الكسب الذي اكتسب وقت الإذن لا في رقبته؛ لأنه لا يد له في رقبته بعد الحجر، والإذن باق في حق ذلك الكسب؛ لأنه لو ارتفع لارتفع حكمًا بالحجر، فإن اليد على الحقيقة باقية؛ وإنما يرتفع حكمًا بالحجر إذا لم يكن عليه دين؛ فإنا أجمعنا

(10)

أنه متى كان عليه دين فالموْلَى محجور عن إبطال يده، مالم يوفِّ الدين، ولما كان ولاية الإبطال عليه بشرط عدم الدين لم يحكم بنفاذه، ما لم يثبت العدم بدليله، ولم يكتفِ بعدم ثابت بعدم أدلة الثبوت، كمن يقول لعبده:"إن لم أدخل الدار اليوم فأنت حر" فمضى

(11)

اليوم لم يَعْتِق إذا ادَّعى الموْلَى الدخول، وإن كان الأصل هو العدم، وهو ثابت لعدم دليل الدخول؛ لأن العدم جُعل شرطًا لثبوت العتق، فلم ينفذ العتق بعدم ثابت بعدم دليل الدخول، فكذا هذا؛ وإذا لم يثبت الحجر بمثل هذا العدم بقي الكسب على الإذن في حق الدين، فصار كما لو لم يحجر عليه فيه بقدر ما بقي).

(1)

في (ع)(الحر).

(2)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 155)، البحر الرائق (8/ 112).

(3)

في (ع)(بالاختطاف) وما أثبت هو الصحيح. انظر: تبيين الحقائق (5/ 212).

(4)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 155)، تبيين الحقائق (5/ 212).

(5)

أي: هو القياس عند أبي يوسف ومحمد- رحمهما الله-. انظر: تبيين الحقائق (5/ 212).

(6)

للسرخسي (25/ 86).

(7)

للدبوسي (1/ 442).

(8)

في (أ)(بيع) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 86).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 86)، مجمع الأنهر (2/ 451).

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (17/ 40)، تبيين الحقائق (5/ 212).

(11)

في (ع)(يضمن) وما أثبت هو الصحيح. المبسوط للسرخسي (17/ 40).

ص: 69

[لا يحق للموْلَى أن وديعة العبد]

قوله: (لأن يد المحجور غير معتبرة)، فإن قلتَ: يُشكل على هذا ما ذكره في وديعة «المبسوط»

(1)

بقوله: (عبد استودع رجلًا وديعة، ثم غاب: لم يكن لمولاه أن يأخذ الوديعة تاجرًا كان العبد، أو محجورًا عليه؛ فلو لم يكن ليد المحجور اعتبار لَمَا اشترط حضرته، بل جعل

(2)

ما أودعه بمنزلة ثوب هبت

(3)

به الريح، وأَلقتْه في حِجْر رجل؛ لأن فائدة عدم اعتبار اليد هي أن

(4)

يكون وجودها وعدمها بمنزلة، ولم تُجعل كذلك؛ فعُلم بهذا أن ليده اعتبارًا، وإن كان محجورًا)؛ والدليل على هذا ما ذكره الإمام الْإِسْتَرُوشَنِيِّ

(5)

رحمه الله في «وديعة أحكام الصغار»

(6)

في تعليل هذه المسألة فقال: لأن العبد آدمي له يد حكمية فلا يكون لمولاه أن يأخذ من المودَّع ما لم يحضر العبد.

قلتُ: تلك المسألة مؤوَّلة، ذَكر تأويلها في الفصل السادس

(7)

عشر من وديعة «الذخيرة»

(8)

فقال: وهذا إذا لم يعلم المودَّع أن الوديعة كسب العبد.

وأما إذا علم أنه كسب العبد فللموْلَى حق الأخذ، وكذلك إذا لم يعلم أنها كسب العبد

(9)

، ولكن علم أنها مال الموْلَى كان للموْلَى أن يأخذ (وثبت حجره بالبيع من غيره) أي: من غير العبد، وهو المشتري أو من غير نفسه أي: نفس الموْلَى بأن بِيعَ العبد المأذون وفي يده اكتساب، فأقر بها لغير الموْلَى؛ فإنه لا يُصدَّق عليه؛ وذكر في «الأسرار»

(10)

في تعليل أبي حنيفة

(11)

رحمه الله (وهذا بخلاف ما إذا باع الموْلَى عبده المأذون وفي يده كسب وأقر به، فإنه لا يصح؛ لأنه صار كعبد آخر فيما يجدد الملك فيه).

(1)

المبسوط للسرخسي (11/ 130 - 132).

(2)

سقطت في (أ).

(3)

في (أ)(بقيت) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (9/ 298).

(4)

في (أ) زيادة (جعل).

(5)

هو: مُحَمَّد بن محمود بن حسين أبو الفتح، مجد الدين الأسْرُوشَني، وقيل: الْإِسْتَرُوشَنِيِّ نسبة إلى "أسروشنة"، وهي بلدة في شرقي سمرقند، فقيه حنفي، أخذ عن أبيه، وعن صاحب الهِدَايَة، وعن السيد ناصر الدين السمرقندي، وظهير الدين مُحَمَّد بن أحمد الْبُخَارِي وغيرهم، من تصانيفه:(الفصول) في المعاملات، و (جامع أحكام الصغار) في الفروع، و (الفتاوى)، و (قرة العينين في إصلاح الدارين). انْظَر: اللباب في تهذيب الأنساب (1/ 54)، تاج التراجم (ص: 279)، الفَوَائِد البهية (ص 200)، معجم المؤلفين (11/ 317).

(6)

انظر: فتح القدير (9/ 298).

(7)

في (ع)(الثالث).

(8)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 298)، فتح القدير (9/ 298).

(9)

في (ع)(اليد) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 298).

(10)

انظر: الأسرار للدبوسي (1/ 445).

(11)

وتعليله- رحمه الله: أن المُصحِّحَ هو اليد.

ص: 70

[لا يصح إقرار المأذن بعد الحجر في حق الرقبة]

(ولهذا لا يصح إقراره في حق الرقبة بعد الحجر) أي: لا يصح إقراره بالدين في حق رقبته؛ حتى لا تباع رقبته لسبب ذلك الإقرار، بخلاف ما إذا أقر بالدين في حال بقاء الإذن، حيث كان يتعدَّى أثر ذلك الإقرار إلى رقبته؛ لأنه إذا لم يفِ كسبه بقضاء

(1)

ذلك الدين كان باع

(2)

رقبته بسببه

(3)

.

وأما بعد الحجر فلا؛ وجواب أبي حنيفة

(4)

رحمه الله عن هذا: ما ذكرنا أنه أقام أثر الإذن مقام الإذن

(5)

في تصحيح إقراره؛ وهذا الأثر في المال الذي في يده لا في رقبته؛ لأنه لا يد له في رقبته بعد الحجر؛ فإنه لو ادَّعى إنسان رقبته لم يكن هو خصمًا له؛ وإنما كانت تباع رقبته حال الإذن لصحة الإقرار بقيام الإذن لا باليد، وقد بطل الإذن بالحجر، فأما في حق الكسب فكان يملك التَّصرف فيه والصرف إلى دَينه بالإذن، ويد الإذن باقية [فيما في يده في حق التصرف فيه]

(6)

وإذا لم تتبدَّل اليد في حقه بالحجر، بل بقيت يد الإذن في حقه فبقي حكمها

(7)

وهو صحة الإقرار به.

[لا يصح إقرار المأذون فيما أخذه الموْلَى من يده]

(وله أن المُصَحِّح هو اليد، ولهذا لا يصح إقرار المأذون فيما أخذه الموْلَى من يده) فلمَّا لم يصح إقراره في ذلك مع كونه مأذونًا دلَّنا ذلك على أن المصحح للإقرار بالدين فيما في يده هو اليد [قبل الحجر]

(8)

دون الإذن (واليد باقية) كما كانت؛ لأن الكلام فيه صَحَّح إقراره بالدين فيه، (فلا يبطل بإقراره) أي: فلا تبطل يد الموْلَى التي هي ثابتة على ذلك المال المتبرع من يد العبد حقيقة/ وحكمًا بسبب إقرار العبد بذلك المال لغير الموْلَى، (وكذا ملكه ثابت في رقبته) أي: ملك الموْلَى ثابت في رقبة العبد، فلا يبطل بإقرار العبد من غير رضا الموْلَى

(9)

، (وهذا بخلاف ما إذا [باعه) أي]

(10)

باع الموْلَى العبدَ من آخر وفي يده كسبه، وأقر به لغير الموْلَى لا يصدق؛ وهذا جواب عن قوله:(أو يثبت حجره بالبيع من غيره)؛ (لأن العبد قد تَبَدَّل) أي: حكمًا لا حقيقة، فإن العبد بعينه قائم حقيقة، ولكن تبدَّل حكمًا؛ لأن اختلاف الأسباب يَنزل منزلة اختلاف الأعيان

(11)

؛ كما في حديث بريرة

(12)

(13)

رضي الله عنها وهو المراد بقوله (على ما عُرف فلا يبقى ما ثبت بحكم الملك) أي: لا يبقى للعبد من حكم الإذن أصلًا الذي كان ثابتًا عليه للموْلَى بحكم أنه ملك الموْلَى، (ولهذا لم يكن خصمًا فيما باشره [قبل البيع)؛ هذا لإيضاح قوله:(أن العبد قد تَبَدَّل)؛ لأنه كما (لا يكون العبد خصمًا فيما باشره)]

(14)

العبد الآخر، فكذلك هذا العبد بعد أن باعه الموْلَى.

(1)

في (ع)(اقتضاء).

(2)

في (أ)(يباع).

(3)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 212)، اللباب (2/ 226).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 86)، بدائع الصنائع (7/ 207)، الاختيار (2/ 103).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

في (أ)(تحكمها).

(8)

سقطت في (ع).

(9)

انظر: الاختيار (2/ 103)، البناية شرح الهداية (11/ 157).

(10)

سقطت في (أ).

(11)

انظر: المحيط البرهاني (6/ 580)، العناية شرح الهداية (2/ 231).

(12)

هي: بريرة مولاة عائشة بنت أبي بكر الصديق، كانت مولاة لبعض بني هلال فكاتبوها، ثم باعوها من عائشة، وجاء الحديث فِي شأنها بأن الولاء لمن أعتق، وعتقت تحت زوج، فخيرها رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فكانت سنة؛ واختلف فِي زَوجها هل كَانَ عبدًا أَوْ حرًّا، ففي نقل أهل المدينة أنه كَانَ عبدًا يسمى مغيثًا، وفي نقل أهل العراق أنه كَانَ حرًّا. انظر: الاستيعاب (4/ 1795)، أسد الغابة (7/ 37)، سير أعلام النبلاء (3/ 526).

(13)

أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الزكاة، باب إذا تحولت الصدقة، (2/ 128) برقم (1495) من حديث أنس بلفظ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بلحم تُصدِّق به على بريرة، فقال «هو عليها صدقة، وهو لنا هدية» ، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم (2/ 755) برقم (1074).

(14)

في (ع) سقط نظر.

ص: 71

وقوله: (قبل البيع) طرف لقوله (باشره) لا

(1)

لقوله (لم يكن خصمًا) أي: لم يبق العبد خصمًا في المعاملات التي باشرها قبل أن باعه الموْلَى من آخر من التَّسْليم، وَالتَّسَلُّم، والرد بالعيب، وسائر الحقوق

(2)

؛ وذكر في «المبسوط»

(3)

: (ولأن صحة إقراره بالبيع قبل البيع باعتبار أنه هو الخصم في بقاء تجارته، وقد انعدم ذلك بالبيع حتى لا يكون لأحد ممن عامله أن يخاصمه بعدما باعه الموْلَى في عيب ولا غيره، فلا يصح إقراره بعد ذلك في حال رِقِّه، ولكنه يؤاخذ به إذا أُعتق فيما هو دين عليه من ذلك؛ لأنه مخاطب فإقراره صحيح في حكم الالتزام في ذمته، ولكن لم يطالب به لحق الموْلَى، فإذا سقط حقه بالعتق أَخذ بجميع ذلك، والعبد الصغير في جميع ذلك بمنزلة الكبير إلا أنه لا يؤاخذ به بعد العتق؛ لأنه غير مخاطب، فلا يكون التزامه صحيحًا في حق نفسه)؛ وكذا أيضًا ذكر في «الأسرار»

(4)

قال: (وكذلك على هذا الاختلاف الصبي الحر يحجر عليه وليه فأقر، وفي يده كسب إذنه؛ لأنه بالإذن يلتحق بالبالغ) حكمًا لزوال الحجر، وللولي

(5)

حق الحجر واسترداد ما في يده، بشرط ألا يكون عليه دين كما في العبد، بل هذا أولى؛ لأن الملك له حقيقة.

قوله: (وهذا آية كماله) أي: أن كمال ملكه في الرقبة (بخلاف الوارث؛ لأنه ثبت الملك له نظرًا لِلْمُوَرِّثِ)

(6)

؛ لأن الميت استغنى عن المال فيٌصرف إلى أقرب الناس إليه؛ ولهذا نُقدم الأقرب فالأقرب؛ لما أن صَرْفه إلى الأقرب نفعٌ له، ومتى كان عليه دين كان تقدُّم الغريم على الوارث أنفع للميت؛ لأن قضاء الدين فرض عليه، والميراث صلة، فلذلك قدَّم الغريم على الوارث

(7)

.

[ثبوت كسب العبد للموْلَى لاستحالة ثبوت ملك الرقبة]

وأما ههنا فوقوع كسب العبد للموْلَى لا بطريق النظر للعبد؛ بل لاستحالة ثبوت ملك الرقبة للعبد؛ لأنه مملوك مالًا فيستحيل أن يكون مالكًا له؛ فلذلك يخلفه الموْلَى في حق ملك الرقبة، وهذا المعنى لا يختلف مع قيام الدين وعدمه؛ وقوله:(والنظر في ضده) أي: في ضد ثبوت الملك للوارث (كملك الوارث على ما قررناه) أي: في مسألة تعلق الدين بكسبه [في قوله: (ويتعلق دينه بكسبه)]

(8)

وفي مسألة الإذن في نوع (والمحيط به الدين [مشغول بها) أي: بحاجة العبد (فلا يَخْلُفُه فيه) أي: فلا يخلف الموْلَى العبد في ذلك الكسب المحيط به الدين]

(9)

بل يٌصرف إلى حاجة العبد، وهو دين كما في مسألة الوارث

(10)

، يعني: (كما أن الدين المحيط بالتركة يمنع ملك الوارث في الرقبة، فكذلك الدين المحيط بالكسب والرقبة تمنع ملك الموْلَى

(11)

؛ وهذا لأن الخلافة في الموضعين جميعًا باعتبار انعدام الأهلية للملك في الكسب، فالميت ليس بأهل للمالكية كالرقيق؛ لأن المالكية عبارة عن القدرة والاستيلاء

(12)

، والموت ينافي ذلك كالرق بل أظهر، فالرق ينافي مالكية المال دون النكاح، والموت ينافيهما جميعًا، ثم لقيام حاجة الميت إلى قضاء ديونه جٌعل الميت كالمالك حكمًا؛ حتى لا يملك الوارث كسبه، فكذلك العبد لقيام حاجته يُجعل كالمالك حكمًا له). كذا ذكر هذه المسألة في أواخر باب بيع الموْلَى عبده المأذون، وهو الباب الثالث عشر من مأذون «المبسوط»

(13)

.

(1)

في (أ)(إلا).

(2)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 299)، البناية شرح الهداية (11/ 157).

(3)

للسرخسي (25/ 86).

(4)

للدبوسي (1/ 445).

(5)

في (ع)(وللمولي).

(6)

في (أ)(للوارث). وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (4/ 292).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 37).

(8)

في (ع) سقط نظر.

(9)

في (ع) سقط نظر.

(10)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 159)، مجمع الأنهر (2/ 451)، اللباب (2/ 226).

(11)

قال اللكنوي: (إن الدين إذا لم يكن مستغرقًا لرقبة المأذون وكسبه لم يمنع ثبوت الملك للمولى في كسبه، بلا خلاف.) الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 363).

(12)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 285)، فتح القدير (6/ 74).

(13)

للسرخسي (25/ 148).

ص: 72

فإن قلتَ: ما جواب أبي حنيفة

(1)

رحمه الله عما لو قالا: إن كسب العبد المأذون المديون بمنزلة الرقبة من حيث إن حق الغريم/ فيه تَقدَّم على حق الموْلَى، ثم قيام الدين عليه لا ينافي ملك الموْلَى في رقبته، فيجب ألا ينافي ملكه في كسبه؛ لما أن الكسب يُملك

(2)

بملك الرقبة، والتعليل بحاجة العبد لمنع ملك الموْلَى

(3)

عن كسبه لا يصح؛ لأن حاجته إلى النفقة والكسوة قائمة، وتلك الحاجة لم تمنع ملك الموْلَى في كسبه فكذلك حاجته إلى قضاء الدين ينبغي ألا يمنع ملك الموْلَى في كسبه؛ ولأن الموْلَى لو وطئ جارية عبده المأذون، وعليه دين محيط برقبته، فجاءت بولد فادَّعاه ثَبت نسبه بالاتفاق

(4)

؛ ولا يَغْرَمُ

(5)

عُقْرِها لا قليلًا ولا كثيرًا، ولو لم يملك كسب عبده المديون

(6)

لكانت الأحكام على العكس

(7)

.

[لا يخلف الموْلَى المأذون في ملك رقبته]

قلتُ: أما الجواب عن الأول فنقول إن كسبه ليس نظير رقبته؛ لأن الموْلَى لا يخلفه في ملك رقبته، بل كان مالكًا لرقبته لا بالاكتساب من العبد، فبقي ملكه في الرقبة بعد لحوق الدين فكان في هذا نظير المكاتَب فالموْلَى مَلَكَ رقبته حتى نفذ منه العتق في رقبته، ويؤدي به كفارته، ولا يملك كسبه بقيام حاجته فيه، وكذلك في العبد المديون لا يملك كسبه وإن كان يملك رقبته؛ فعُلم بهذا أن ملك الرقبة غير مستلزم لملك الكسب؛ لوجود دليل المفارقة.

وأما عن الثاني: فالحاجة إلى قضاء الدين من كسبه ليست كالحاجة إلى الطعام والكسوة، فإن الرقيق لا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه يستوجب

(8)

النفقة على الموْلَى إذا لم يكن له كسب، وأما الدين فلا يُؤَدِّيه الموْلَى، فلم تكن حاجته إلى الكسب في حق قضاء الدين مثل حاجته

(9)

إلى الطعام والكسوة، ولا ينقاسان.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 148)، تبيين الحقائق (5/ 213).

(2)

سقطت في (ع).

(3)

في (ع) زيادة (في رقبته، فيجب ألا ينافي ملكه).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 199)، البناية شرح الهداية (11/ 158).

(5)

في (ع)(يثبت) وما أثبت هو الصحيح. انظر: بدائع الصنائع (7/ 200).

(6)

في (ع)(المأذون).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 200)، تبيين الحقائق (5/ 213).

(8)

في (أ)(مسنوحش) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 148).

(9)

في (أ)(خدمته) وما أثبت هو الصحيح.

ص: 73

[الغرماء يملكون كسبه من حيث المالية]

وأما عن الثالث: فإن الغرماء يملكون كسبه من حيث المالية، لا من حيث العين؛ فإن للموْلَى حق

(1)

التمليك، واستخلاص الملك فيه بأداء الدين من محل آخر، فكان حاله أقوى من حال الأب، ثم إذا استولد الأب جارية ابنه

(2)

ثبت نسبه، ويملك الجارية بالقيمة، ولم يغرم من العُقْر شيئًا، فكذا ههنا، هذا كله مما أشار إليه في «المبسوط»

(3)

و «الإيضاح»

(4)

.

[جواز بيع المأذون من مولاه بمثل قيمته إذا كان مديونا]

(وإذا باع من الموْلَى شيئا بمثل قيمته جاز)(إذا كان عليه دين)، وإنما قيَّد بالدَّين؛ لأنه إذا لم يكن عليه دين لا يجوز بيع العبد المأذون شيئًا من مولاه، ولا بيع مولاه شيئًا منه، هكذا نص في «المغني»

(5)

في الفصل التاسع من المأذون، وقال: إذا باع العبد المأذون المديون شيئًا من أكسابه من الموْلَى بمثل قيمته جاز، وإن لم يكن مديونًا لا يجوز؛ وقد ذكرنا في البيوع مِثل ذلك منقولًا من مبسوط شيخ الإسلام

(6)

(7)

، ومما يُؤيد هذا ما ذكره في أواسط مأذون شرح الطحاوي

(8)

فقال: إذا باع الموْلَى داره من أجنبي، أو اشترى من

(9)

أجنبي دارًا، والعبد المأذون له في التجارة شفيعها

(10)

، وكان عليه دين كان له الشفعة؛ لأنه يأخذها للغرماء، وإن لم يكن عليه دين فلا شُفعة له؛ لأنه يأخذها للموْلَى، إلى أن قال: وإن كان الموْلَى باع من عبده المأذون دارًا أو اشتراها من عبده؛ فإنه ينظر إن لم يكن على العبد دين [لم يصحَّ البيع والشراء، ولا شفعة في هذا البيع للشفيع، وإن كان العبد عليه دين]

(11)

صحَّ البيع، وإن كان البيع والشراء بمثل القيمة أو خُيَّر العبد فللشفيع فيه الشفعة، وإن كان شراء للعبد فلا شفعة فيها عند أبي حنيفة

(12)

رحمه الله؛ لأنه يكون فاسدًا، ولا شفعة في البيع الفاسد، قلَّت محاباة العبد أو كثرت، وعندهما القليل معفو وفيه الشفعة، والكثير غير معفو فلا شفعة فيها

(13)

.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

سقطت في (أ).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 148).

(4)

انظر: الجوهرة النيرة (2/ 108)، البناية شرح الهداية (5/ 227)، تبيين الحقائق (5/ 213).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 195)، تبيين الحقائق (5/ 215).

(6)

هو كتاب المَبْسُوط لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ- رحمه الله، ويطلق عليه الأصل عند الأحناف، وهو المسمى بالأصل، ألفه مفردًا (أي: كتابًا كتابًا، وموضوعًا موضوعًا)، ثم جمعت فصارت مبسوطًا، وهو المراد حيث ما وقع في الكتب:"قال محمد في كتاب فلان المبسوط كذا"، واعلم أن نسخ المبسوط المروية عن محمد متعددة، وأظهرها مبسوط أبي سليمان الجوزجاني انظر: كشف الظنون (2/ 1581).

(7)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 144)، العناية شرح الهداية (9/ 301).

(8)

انظر: شرح الطحاوي للجصاص (8/ 508) المبسوط للسرخسي (14/ 122).

(9)

سقطت في (أ).

(10)

الشَّفْعُ لغة: ضِدُّ الْوِتْرِ. مختار الصحاح مادة (ش ف ع)(ص: 166). وشرعًا: تمييز بين الحقوق الشائعة بين المتقاسمين. أنيس الفقهاء (ص: 101).

(11)

في (ع) سقط نظر.

(12)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 144)، بدائع الصنائع (7/ 195).

(13)

انظر: المبسوط للسرخسي (14/ 151)، بدائع الصنائع (5/ 14).

ص: 74

[عدم جواز بيع المأذون من مولاه بنقصان من قيمته]

(وإن باعه بنقصان لم يجز) أي: (عند أبي حنيفة

(1)

رحمه الله)، فإن عندهما

(2)

(يجوز هذا البيع ويُخيَّر الموْلَى) على ما يجيء، يعني: وإن باع العبد المأذون المديون شيئًا من مولاه بنقصان من قيمته، أيُّ نقصان كان سواء كان يسيرًا أو فاحشًا لم يجز عند أبي حنيفة- رحمه الله؛ (لأنه مُتهم

(3)

في حقه) أي: لأن العبد متهم في حق الموْلَى (بخلاف ما إذا حابى الأجنبي) أي: هناك يجوز سواء كانت المحاباة يسيرة أو فاحشة، وكان قوله:(بخلاف) متعلقًا بقوله: (لم يجز).

[جواز محاباة المأذون للأجنبي]

قوله: (لأنه لا تهمة فيه) فإن قيل: احتمال التهمة فيه أيضًا موجود، قلنا: مجرد الاحتمال لا يُعتبر، وإنما المعتبر الاحتمال الناشئ عن الدليل

(4)

(وبخلاف ما إذا باع المريض)، وهذا الخلاف متعلق بأول المسألة، وهو قوله (وإذا باع من الموْلَى شيئا بمثل قيمته جاز) هذا على تقدير الواو في قوله:(وبخلاف)، ويجوز أن يكون بدون الواو فيتعلق بحكم قوله المتصل به، وهو قوله (بخلاف ما إذا حابى الأجنبي) أي: أنه يجوز في كل حال، أعني: إذا كانت المحاباة يسيرة، أو فاحشة، أو كان البيع بمثل القيمة (وبيع المريض من وارثه لا يجوز عند أبي حنيفة

(5)

رحمه الله) / في كل حال من هذه الأحوال وهذا أوجه، ولكن النسخة بالواو تأباه (حتى كان لأحدهم الاستخلاص

(6)

بأداء قيمته) يعني: إذا كان الدين مستغرقًا للتركة، ورضي بعض الورثة بأن يدفع التركة إلى الغرماء، كان للباقي من الورثة أن يستخلص التركة لنفسه (بأداء قيمته) أي: قيمة التركة تأويل المتروك أو المال، وذكر هذه المسألة في «المبسوط»

(7)

في باب العبد المأذون يدفع إليه مولاه ما لا يعمل به، وذكر مسألة الاستخلاص في حق القِسْمة فيما بين الورثة بعدم جواز الاستخلاص، وهو يصلح حُجة لمسألتنا هذه أيضًا؛ لأن المُدَّعي في مسألتنا هذه أن حق الغرماء في مالية التركة لا في عينها بخلاف الورثة؛ فإن حقهم في عين التركة، وهذا المُدَّعي يستفاد مما ذكر في «المبسوط»

(8)

، حيث قال: (منع المريض من هذا التصرف- أي: من تصرف بيع ماله من وارثه، وإن كان بمثل القيمة عند أبي حنيفة

(9)

رحمه الله لحق سائر الورثة؛ لأن حقهم متعلق بعين ماله-حتى لو أراد بعض الورثة استخلاص شيء لنفسه، وأداء القيمة إلى الآخر ليس له ذلك-؛ لأن في هذا التصرف إيثار البعض على البعض)، وذلك لا يجوز.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 195)، العناية (9/ 301)، تبيين الحقائق (5/ 214).

(2)

انظر: المصدر السابق.

(3)

التُهمة: الظن بالسوء. المصباح المنير مادة (ت هـ م)(1/ 78).

(4)

انظر: كشف الأسرار (3/ 28)، تيسير التحرير (1/ 267).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (14/ 150)، تبيين الحقائق (5/ 214).

(6)

الاستخلاص: تَنْقِيَةُ الشَّيْءِ وَتَهْذِيبُهُ. مقاييس اللغة (2/ 208).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 70).

(8)

للسرخسي (25/ 70).

(9)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 195)، تبيين الحقائق (5/ 214)، حاشية ابن عابدين (6/ 159).

ص: 75

[الاستخلاص من التركة بأداء قيمته إلى الغرماء]

(أما حق الغرماء تعلَّق بالمالية) دون العين؛ ألا ترى أن للموْلَى أن يستخلص أكسابه لنفسه لقضاء الدين من موضع آخر، وليس في البيع بمثل القيمة إبطال حقهم عن شيء من المالية؛ فإذا أجاز البيع طالَبَ العبدُ مولاه بالثمن لحق غرمائه، سواء سلَّم إليه المبيع أو لم يسلَّم؛ لأن الموْلَى في هذه الحالة كالأجنبي من كسبه، لحق غرمائه، ولو حابى فيه بما يتغابن الناس فيه، أو بما لا يتغابن الناس فيه، فهو سواء، ويقال للموْلَى: أنت بالخيار إن شئت فانقض البيع، وإن شئت فأدِّ جميع قيمة ما اشتريت، وخذ ما اشتريت؛ لأن في المحاباة إبطال حق الغرماء عن شيء من المالية، والعبد في ذلك متهم في حق الموْلَى، والمحاباة اليسيرة والفاحشة في ذلك سواء، كما في حق المريض؛ لأن تصرفه ما كان بتسليط من الغرماء، وإنما يتخيَّر الموْلَى؛ لأنه يلزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامه، وقيل هذا قولهما

(1)

.

وأما عند أبي حنيفة

(2)

رحمه الله: البيع فاسد بمنزلة بيع المريض من وارثه؛ فإن هناك لما تمكنت تُهمة الإيثار في تصرفه فسد البيع عنده، فكذلك ههنا، بخلاف البيع بمثل القيمة، والأصح

(3)

أن هذا قولهم جميعًا؛ لأن العبد في تصرفه مع مولاه كالمريض المديون في تصرفه مع الأجنبي) هذا كله من «المبسوط»

(4)

، فعلى هذا ما ذكره في الكتاب

(5)

بقوله (وإن باعه بنقصان لم يجز) أي

(6)

: عند أبي حنيفة

(7)

رحمه الله، وما ذكره من تخصيص قولهما بقوله (وقال أبو يوسف ومحمد

(8)

: إن باعه بنقصان يجوز البيع ويخيَّر الموْلَى إلى آخره) وقع على غير الأصح مما اختاره من «المبسوط»

(9)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 204)، مجمع الأنهر (2/ 452)، تبيين الحقائق (5/ 214).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 70)، مجمع الأنهر (2/ 452)، تبيين الحقائق (5/ 214).

(3)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 214).

(4)

للسرخسي (25/ 70).

(5)

انظر: مختصر القدوري (1/ 141)، بداية المبتدي (ص: 204).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 195)، تبيين الحقائق (5/ 214).

(8)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 195)، مجمع الأنهر (2/ 451)، تبيين الحقائق (5/ 214).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 70).

ص: 76

[جواز بيع المأذون من مولاه بنقصان من قيمته]

(وقال أبو يوسف ومحمد- رحمهما الله-: إن باعه بنقصان يجوز)، أي: باع العبد المأذون المديون شيئًا من مولاه بنقصان قيمته أي: نقصان كان من اليسير والفاحش يجوز عندهما

(1)

، ولكن يخيَّر الموْلَى على ما ذكر في الكتاب

(2)

(وعلى المذهبين اليسير من المحاباة والفاحش سواء) أي: وعلى مذهب أبي حنيفة

(3)

رحمه الله ومذهب صاحبيه كلتا المحاباتين سواء، أي: على مذهب أبي حنيفة إذا باع العبد المأذون المديون من مولاه شيئًا وحابى يسيرًا أو فاحشًا لا يجوز أصلًا، فحينئذ لا ترد مسألة التَّخيير على قوله، وعندهما كلتا المحاباتين في هذه الصورة تجوز (ولكن يخيَّر الموْلَى بين إزالة المحاباة وبين نقض البيع) هذا إذا باع العبد المديون من مولاه شيئًا وحابى.

[جواز محاباة المأذون من الأجنبي]

وأما إذا باع شيئًا من الأجنبي وحابى

(4)

فعلى قول أبي حنيفة يجوز كيف ما كان في الصور الثلاث، أعني: باعه بمثل القيمة، أو بالمحاباة اليسيرة، أو الفاحشة على ما ذكرنا، ولا يُؤمر الأجنبي أن يبلغ الثمن إلى تمام القيمة.

وأما عندهما: فإن باعه من أجنبي بمثل القيمة، أو بالمحاباة اليسيرة يجوز، ولا يؤمر المشتري أن يَبْلغ الثمن إلى تمام القيمة، بخلاف ما لو باع من مولاه شيئًا وحابى مطلقًا، حيث يؤمر الموْلَى أن يبلغ الثمن إلى تمام القيمة عندهما

(5)

.

[عدم جواز محاباة المأذون الفاحشة من الأجنبي]

وأما إذا باع من الأجنبي شيئًا بالمحاباة الفاحشة فعندهما لا يجوز البيع أصلًا، وإن كان بلغ الأجنبي الثمن إلى تمام القيمة، كذا في «المغني»

(6)

(وبهذا يندفع الضرر عنهم) أي

(7)

: وبالقول بجواز البيع مع التَّخيير (لأن البيع بالغبن اليسير منهما) أي: من الموْلَى والأجنبي بمباشرته بنفسه بأن يشتري الموْلَى بنفسه من عبده/ وهذان الفرقان بلفظ التثنيه أحدهما: في حق المحاباة اليسيرة بين الموْلَى

(8)

والأجنبي، حيث لا يؤمر الأجنبي

(9)

بإزالة المحاباة، والموْلَى يؤمر عندهما

(10)

.

(1)

انظر: مجمع الأنهر (2/ 451)، تبيين الحقائق (5/ 214).

(2)

انظر: بداية المبتدي (ص: 204).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 195)، مجمع الأنهر (2/ 451)، تبيين الحقائق (5/ 214).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 214)، حاشية ابن عابدين (6/ 159).

(6)

انظر: المحيط البرهاني (7/ 41)، العناية شرح الهداية (9/ 302).

(7)

سقطت في (ع).

(8)

في (ع) زيادة (وبين الأجنبي حيث لا يجوز بيعه من الأجنبي).

(9)

سقطت في (ع).

(10)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 214)، حاشية ابن عابدين (6/ 159).

ص: 77

والثاني: في حق المحاباة الفاحشة بين الموْلَى وبين الأجنبي، حيث لا يجوز بيعه من الأجنبي مع المحاباة الفاحشة أصلًا عندهما، ويجوز بيعه من الموْلَى مع المحاباة الفاحشة، ولكن يُؤمر الموْلَى بإزالة المحاباة، ههنا أيضًا كما في اليسيرة؛ وفي بعض النُّسخ، وهذان الفرقان على الإفراد، ولكن الأول أصح

(1)

؛ لوجود هذين الفرقين على قولهما، وكونه مُثبتًا في النسخ المصححة.

وأما على أصل أبي حنيفة

(2)

رحمه الله فلا يحتاج إلى هذا الفرق؛ لأنه لا يجوز بيعه من الموْلَى بنوعي المحاباة أصلًا، على ما هو اختيار رواية الكتاب

(3)

، وقد ذكرناه.

[بطلان الثمن قبل قبضه إذا باع الموْلَى من عبده]

فإن سلَّم إليه قبل قبضه الثمن بطل الثمن، هذا إذا باع الموْلَى من عبده المديون شيئًا، وأما إذا باع العبد المديون من مولاه شيئًا، وسلَّم المبيع إلى الموْلَى قبل أن يأخذ الثمن من الموْلَى فلا يسقط الثمن عن الموْلَى؛ لأنه يجوز أن يثبت للعبد المأذون المديون على مولاه دين، ألا ترى أنه لو استهلك الموْلَى شيئًا من أكساب عبده في هذه الحالة ضَمِن مثله للعبد، ولما كان كذلك لا يسقط الثمن من مولاه كما لا يسقط الثمن عن المشتري الأجنبي، كذا في «المغني»

(4)

.

[إذا كان المبيع قائما في يد العبد فللموْلَى أن يستردَّه]

ثم قوله: (بطل الثمن عند تسليم الموْلَى المبيع) جواب ظاهر الرواية

(5)

، (وعن أبي يوسف

(6)

رحمه الله قال هذا إذا استهلك العبد المقبوض، فأما إذا كان المبيع قائمًا في يده فللموْلَى أن يستردَّه حتى يستوفي الثمن من العبد؛ لأن الموْلَى إنما أسقط حقه من العبد بشرط أن يُسلِّم له الثمن، ولم يسلِّم، فيبقى حقه في العين على حاله، ويتمكن من استرداده ما بقيت العين؛ لأنه يجوز أن يكون مِلْك العين في يد عبده، فكذلك يجوز أن يكون له ملك اليد فيه، فأما بعد الاستهلاك صار دينًا فوجه ظاهر الرواية ما ذكره في الكتاب

(7)

. كذا في باب العبد المأذون يدفع إليه مولاه مالًا من مأذون «المبسوط»

(8)

.

(1)

قال البابرتي: (وَالْمُرَادُ بِالْفَرْقَيْنِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الْمُحَابَاةِ الْيَسِيرَةِ حَيْثُ يُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِإِزَالَتِهَا دُونَ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَثِيرَةِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ أَصْلًا وَتَجُوزُ مَعَ الْمَوْلَى وَيُؤْمَرُ بِالْإِزَالَةِ) العناية شرح الهداية (9/ 303).

(2)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 303)، حاشية ابن عابدين (6/ 159).

(3)

انظر: مختصر القدوري (1/ 141)، بداية المبتدي (ص: 204).

(4)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 587)، تبيين الحقائق (5/ 215).

(5)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 145)، بدائع الصنائع (7/ 195)، الاختيار (2/ 104).

(6)

انظر: البحر الرائق (8/ 116)، مجمع الأنهر (2/ 452).

(7)

وجه ظاهر الرواية: (لأن حق المولى في العين من حيث الحبس، فلو بقي بعد سقوطه يبقى في الدين ولا يستوجبه المولى على عبده). الهداية (4/ 293).

(8)

للسرخسي (25/ 71).

ص: 78

[الموْلَى أحق من الغرماء إذا كان الثمن عروضا]

(بخلاف ما إذا كان الثمن عَرَضًا) أي: حينئذ يستوجب الموْلَى على عبده ذلك بالأخذ، وفي «المبسوط»

(1)

(ولو كان الثمن عروضًا كان الموْلَى أحق بذلك من الغرماء؛ لأنه بالعقد مَلَك العرض بعينه، ويجوز أن يكون عين ملكه في يد عبده، وهو أحق به من الغرماء)(وإن أمسكه) أي: أمسك الموْلَى المبيع الذي باعه من عبده حتى يستوفي الثمن منه جاز

(2)

، ذكر هذه المسألة لدفع شُبهة تَرِد على قوله:(ولا يستوجب الموْلَى) الدين (على عبده) بأن يقال

(3)

: لما لم يستوجب الموْلَى على عبده الدين ينبغي ألا يتفاوت ذلك قبل أن يُسلِّم المبيع إلى العبد، وبعد أن يسلِّمه إليه، فيبقى الفرق بينهما بهذه المسألة، وفي «المبسوط»

(4)

: (وللموْلَى أن يمنعه المبيع حتى يستوفي الثمن، كما لو باعه من مكاتَبِه؛ وهذا؛ لأن البيع يزيل العين عن ملك البائع، ولا يزيل ملك اليد ما لم يصل إليه الثمن، فيبقى ملك اليد للموْلَى على ما كان حتى يستوفي الثمن).

[تخيير الموْلَى إذا باع من عبده بأكثر من قيمته]

(ولو باعه بأكثر من قيمته) أي: باع الموْلَى شيئًا من عبده المديون المأذون

(5)

بأكثر من قيمته (يؤمر بإزالة المحاباة) أي: يُؤمر الموْلَى بإزالة محاباة العبد في الثمن (أو ينقض البيع)، وهذا اللفظ يدل على أن هذا البيع جائز حتى أمر الموْلَى بذلك

(6)

كما ذكر قولهما فيما إذا باع العبد من مولاه بالمحاباة، ثم إطلاق لفظ الأمر بالمحاباة ههنا من غير ذكر الخلاف

(7)

بين علمائنا الثلاثة وقع على اختيار رواية «المبسوط»

(8)

أن هذا البيع مع المحاباة جائز، مع تخيير الموْلَى بين إزالة المحاباة ونقض البيع.

وأما على اختيار صاحب الكتاب

(9)

وهو رواية مبسوط شيخ الإسلام

(10)

أن هذا البيع لا يجوز أصلًا عند أبي حنيفة

(11)

رحمه الله، كما ذكر في الكتاب

(12)

في جانب العبد بقوله (وإن باعه بنقصان لم يجز، وكذلك لو باع الموْلَى من عبده شيئًا بأكثر من قيمته)[لا يجوز عند أبي حنيفة- رحمه الله فلا يَرِد التخيير، وعندهما يجوز مع أمر التخيير ثم قوله (بأكثر من قيمته)]

(13)

يتناول القليل والكثير) أي: يؤمر الموْلَى بإزالة المحاباة، أو ينقض البيع، سواء كانت المحاباة قليلة أو كثيرة. كذا في «المبسوط»

(14)

.

(1)

للسرخسي (25/ 71).

(2)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 215)، البناية شرح الهداية (11/ 164).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

للسرخسي (25/ 70 - 71).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 215)، الجوهرة النيرة (1/ 369).

(7)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 304)، تبيين الحقائق (5/ 215).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 70).

(9)

انظر: بداية المبتدي (ص: 204).

(10)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 209)، الجوهرة النيرة (1/ 368)، حاشية الشلبي (5/ 213).

(11)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 214)، حاشية ابن عابدين (6/ 159).

(12)

انظر: مختصر القدوري (ص: 141)، بداية المبتدي (ص: 204).

(13)

في (أ) سقط نظر.

(14)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 70).

ص: 79

[جواز إعتاق العبد وعليه ديون]

(وإذا أعتق الموْلَى العبدَ المأذون، وعليه ديون فعِتْقُه جائز) أي: إعتاقه جائز

(1)

.

اعلم أن لهذه المسألة قيودًا

(2)

(3)

:

أحدها:

أن الموْلَى بالإعتاق يضمن للغرماء الأقل من قيمة العبد ومن الدَين.

والثاني:

أن دَينه إذا كان أكثر من قيمته يضمن الموْلَى قيمته بالغة ما بلغت، وإن كانت قيمته عشرين ألفًا أو أكثر.

والثالث:

أن ضمان الموْلَى بالإعتاق لا يتفاوت بين أن يكون الموْلَى عالمًا بدين العبد أو لم يكن عالمًا به.

والرابع:/

أن هذا الدين الذي حكمه كذا

(4)

، سواء وجب ذلك الدين على العبد بسبب التجارة، أو الغصب، أو جحود الوديعة، أو إتلاف المال.

[في إعتاق العبد المديون الضمان على الموْلَى]

والخامس:

أن هذا الضمان على الموْلَى في إعتاق العبد القن

(5)

المديون، وأما في إعتاق المدَّبر

(6)

، وأم الولد المأذون لهما فلا ضمان عليه

(7)

، وإن كانا مديونين على ما هو المذكور في الكتاب

(8)

؛ فصار فصل إعتاق العبد المديون مخالفًا لفصل إعتاق العبد الجاني في الضمان بوجهين

(9)

:

(1)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 153)، الاختيار (2/ 103)، تبيين الحقائق (5/ 215). قال العيني:(ولا نعلم فيه خلافًا.) البناية شرح الهداية (11/ 165).

(2)

في (ع)(قيود).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 198)، مجمع الأنهر (2/ 452)، تبيين الحقائق (5/ 215).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

القِنُّ: الْعَبْدُ إِذَا مُلِكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ. الصحاح مادة (ق ن ن)(6/ 2184)، لسان العرب (10/ 493).

(6)

التَّدْبِيرُ: الْإِعْتَاقُ عَنْ دُبُرٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ. المغرب (د ب ر)(ص: 160)، مختار الصحاح (د ب ر) (ص: 101).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 199)، تبيين الحقائق (5/ 215).

(8)

انظر: الهداية (4/ 293).

(9)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 198).

ص: 80

[في إعتاق المدبر وأم الولد لا ضمان على الموْلَى]

أحدهما: أن في مسألة إعتاق العبد المديون عِلْم الموْلَى بدينه وعدم عِلْمه سواء في حكمه، وفي إعتاق العبد الجاني يُفرَّق بين عِلْم الموْلَى بجنايته وعدم عِلْمه بها؛ فإنه لو كان عالمًا بالجناية كان مختارًا للفداء، والفداء: الدِّية إن كان المقتول حُرًّا، أو قيمة المقتول إن كان عبدًا إلا

(1)

أن يزيد على عشرة آلاف درهم يَنقص منها عشرة، وإن لم يعلم الموْلَى بالجناية فأعتقه غَرُم قيمة القاتل بالغة ما بلغت، إذا لم تبلغ قيمته عشرة آلاف درهم، وأما إذا كانت عشرة آلاف درهم أو أكثر؛ فإنه يَضمن عشرة آلاف درهم إلا عشرة، ولا يضمن قيمته بالغة ما بلغت،

[الفرق بين علم الموْلَى بجناية العبد وعدم علمه]

وفي مسألة المديون يَضمن

(2)

قيمة عبده بالغة ما بلغت، وإن زادت على عشرة آلاف درهم، وإن لم يعلم بدينه وإنما كان هكذا؛ لأن المُسْتَحَقَّ في الدين مالية الرقبة تبعًا للدين، وإعتاق الموْلَى إتلاف لذلك، فلزمه قيمته سواء أكان عالمًا به أم غير عالمٍ

(3)

به بمنزلة إتلاف مال الغير

(4)

.

‌‌

[لا يشترط علم الموْلَى في إعتاق العبد المديون]

وأما في مال

(5)

الجناية المُسْتَحَقَّ في حق الموْلَى فأحد شيئين: الدَّفع، والفِدَاء؛ وهو مخيَّر بينهما، وفي حكم الاختيار يختلف العلم وعدم العلم.

والثاني من الوجهين: هو أن في مسألة إعتاق المديون يغرَم قيمته بالغة ما بلغت؛ لأن استحقاق تلك القيمة عليه باعتبار سببٍ يستحق به المالية من شراء أو غصب فيُقدَّر بقدْر القيمة، وأما في إعتاق الجاني فوجوب القيمة عليه باعتبار الجناية، وقيمة العبد بالجناية لا تزيد على عشرة آلاف درهم إلا عشرة

(6)

.

وببيان فرق هذين الوجهين تَعرف وجوه ما ذكرنا من القيود؛ لأنه لما كان المستحق في مسألة العبد المديون مالية الرقبة تبعًا للدين كان إيجاب القيمة بحسب اعتبار المالية والدين فيجب أقلهما؛ لأنه هو المُتيقَّن، وكذلك في إيجاب قيمته بالغة ما بلغت إذا كان الدين أكثر من قيمته؛ لأنه أتلف المالية بالإعتاق، وهذه المالية حق الغرماء فيضمنها لهم بالغة ما بلغت، كالراهن أعتق المرهون، والدين مؤجل، وكذلك إذا لم يتفاوت بين العلم وعدمه؛ لأنه لما كان هذا مُلحقًا بإتلاف مال الغير كان حكم هذا كحكمه، وهناك لم يختلف العلم وعدم العلم، فكذا هنا

(7)

.

(1)

سقطت في (أ).

(2)

في (ع)(يقدم).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 198)، تبيين الحقائق (5/ 216).

(5)

سقطت في (أ).

(6)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 198).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (26/ 14)، تبيين الحقائق (5/ 216).

ص: 81

وأما وجه القيد الرابع: فقد ذكرنا قبل هذا بأن الغصب، وإتلاف مال الغير يلحق بالتجارة؛ لِمَا مرَّ أن المغصوب أو المحجور يصير مضمونًا عليه، وذلك الضمان يوجب الملك في المضمون، وكان من قبيل ضمان التجارة، فهذه الواسطة بهذه الفوائد كلها مأخوذة من باب عتق الموْلَى عبده المأذون من مأذون «المبسوط»

(1)

، ومن الفصل السادس من مأذون «المغني»

(2)

[من الباب الثاني من مأذون الإيضاح

(3)

(4)

.

[وجوه بيع الموْلَى العبدَ المديون]

(وإن باعه الموْلَى وعليه دين محيط برقبته) إلى آخره. اعلم أن مسألة بيع الموْلَى العبد المأذون المديون على وجوه

(5)

: إما إن باعه بإذن القاضي أو الغرماء أو بغير إذنهم.

وإما إن كان دين العبد حالًّا أو مؤجلًا، وإما إن باعه بمثل القيمة أو بأقل منها، فإن باعه بإذن القاضي عند طلب الغرماء ذلك فلا ضمان على الموْلَى في الوجوه كلها

(6)

، وكذلك إذا كان الدين مؤجلًا، وكذلك إذا كان البيع بثمن يفي بديونهم ووصل الثمن إلى الغرماء؛ أما لا ضمان على الموْلَى إذا باعه بإذنهم؛ لأن الضمان لأجلهم، فإذنهم في البيع بمنزلة بيعهم بأنفسهم، ولو باشروا بأنفسهم لا ضمان على الموْلَى، فكذلك إذا باعه بإذنهم؛ ثم القاضي لو باعه بطلب الغرماء لا يبيعه إلا بمحضر من الموْلَى؛ لأن في بيعه قضاء على الموْلَى باستحقاق مالية الرقبة وإزالة ملكه، والقضاء على الغائب لا يجوز

(7)

، والعبد ليس بخصم عنه في ذلك؛ لأن للموْلَى حق استخلاص الرقبة بقضاء الدين من موضع آخر، فليس للقاضي أن يُبطل عليه هذا الحق بغير محضر منه.

[بطلان بيع العبد المديون إذا كان بغير أمر القاضي والغرماء]

فأما إذا باعه بغير أمر القاضي والغرماء فبيعه باطل

(8)

، ثم اختلف المشايخ

(9)

في قول محمد- رحمه الله في الأصل

(10)

: أنه باطل، قال بعضهم: معنى قوله (باطل) أي: سيبطل؛ لأن البيع موقوف على إجازة الغرماء، وللغرماء حق إبطاله صيانةً لحقهم؛ وقال بعضهم: معناه فاسد، بدليل أنه قال/ في الأصل

(11)

: إذا أعتقه المشتري من الموْلَى بعد القبض أو دبَّره صحَّ ذلك ويلزمه قيمته، ثم لو أجازوا البيع، أو قضاهم الموْلَى الدين، أو كان في الثمن وفاء بدينهم وأعطاهم، نفذ البيع لزوال المانع بوصول حق الغرماء إليهم، كالراهن إذا قضى دين المرتهن

(12)

بعد

(13)

البيع، وكذلك إن أجاز المرتهن البيع؛ فإن لم يكن شيء من ذلك، ولكنَّ الغرماء وجدوا المشتري والعبد في يده، ولم يجدوا البائع، لم يكن المشتري خصمًا في نقض البيع، في قول أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-، خلافًا لأبي يوسف

(14)

رحمه الله.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (26/ 14).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 198)، تبيين الحقائق (5/ 216).

(3)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 153)، بدائع الصنائع (7/ 198).

(4)

سقطت في (أ).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 200)، فتاوى قاض خان (3/ 581).

(6)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 586)، مجمع الأنهر (2/ 453)، تبيين الحقائق (5/ 217).

(7)

انظر: الفروق للكرابيسي (2/ 168)، موسوعة القواعد الفقهية (8/ 204).

(8)

الْبَاطِلُ لغةً: ضِدُّ الْحَقِّ. مختار الصحاح مادة (ب ط ل)(ص: 36)، واصطلاحًا: يُفرق الحنفية بين الفاسد والباطل في أبواب المعاملات، فالفاسد عندهم: ما شُرع بأصله دون وصفه؛ كالربا، والباطل: ما لم يشرع بأصله، ولا وصفه؛ كبيع الملاقيح؛ وهو ما في بطون الأمهات، والباطل والفاسد مترادفان عند جمهور الأصوليين، فالفاسد والباطل عندهم: عبارة عن عدم ترتب الأثر على التصرف؛ فالمنهي عنه فاسد، وباطل، سواء أكان النهي لعينه أم لوصفه. انظر: كشف الأسرار (1/ 258)، المستصفى (2/ 17)، شرح مختصر الروضة (1/ 445).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 135)، مجمع الأنهر (2/ 449).

(10)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 65)، تبيين الحقائق (5/ 217).

(11)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 217)، البحر الرائق (8/ 119).

(12)

في (أ)(المرهون) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 130).

(13)

في (ع)(نفذ) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 130).

(14)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 59)، المبسوط للسرخسي (25/ 131)، بدائع الصنائع (7/ 205).

ص: 82

هذا كله فيما إذا باعه الموْلَى حال غيبة الغرماء، ولو باعه حال حضرتهم فهو لا يخلو: إما إن كان الدين مُؤجلًا، أو حالًّا (فلو كان الدين مؤجلًا على المأذون إلى أجل فباعه الموْلَى بأكثر من قيمته أو بأقل منها فبيعه جائز

(1)

؛ لأنه باع ملكه وهو قادر على تسليمه؛ لأن حق الغرماء بسبب التأجيل يتأخر في المطالبة بقضاء الدين إلى حلول الأجل فينفذ بيعه قبل حلول الأجل؛ فإن قيل: حق الغرماء في هذا العبد المديون

(2)

كحق المرتهن، وذلك يمنع الراهن من البيع

(3)

سواء كان الدين حالًّا أو مُؤجلًا، أو هو كحق الغرماء في مال المريض، وذلك يمنع التصرف المبطل لحقهم، سواء كان الدين حالًّا أو مُؤجلًا؛ قلنا: لا، كذلك؛ فللمرتهن في المرهون ملك اليد، وذلك قائم مقام التأجيل في الدين، وبه يعجز الراهن عن التسليم، وليس للغرماء ملك اليد في المأذون، ولا في كسبه، وإنما لهم حق المطالبة بقضاء الدين، وذلك يتأخر إلى ما بعد حلول الأجل، وتصرُّف المريض في ماله نافذ ما دام حيًّا، وبعد موته لا يبقى الأجل؛ ولهذا لا يتصرف الوارث في تركته، ويُؤمر بقضاء الدين في الحال، فلمَّا لم يبق الأجل بعد موته كان الدين الحال والمؤجل في الحكم سواء)

(4)

.

وأما ههنا لا سبيل للغرماء على منع الموْلَى من التصرف، وأما مطالبته بشيء حتى يحل دينهم، فإذا حل ضمَّنوه قيمته

(5)

؛ لأنه أتلف عليهم محل حقهم وهو المالية.

[تخيير الغرماء إذا باع الموْلَى العبد في التضمين بين البائع والمشتري]

وأما إذا كان الدين حالًّا فلهم أن يمنعوه من ذلك؛ لأن لهم حق المطالبة بقضاء الدين [والاستسعاء فيه، وأما إذا باعه بثمن يفي ديونهم، ووصل إلى الغرماء ثمنه فليس لهم تضمين البائع]

(6)

على ما يجيء الكتاب

(7)

؛ فهذا كله من بابي مأذون «المبسوط» باب بيع القاضي

(8)

، وباب البيع الموْلَى عبده

(9)

و «الذخيرة»

(10)

، فبهذا يُعلم أن قوله:(فإن باعه الموْلَى إلى أن قال: فإن شاء الغرماء ضمَّنوا البائع قيمته) فيما إذا باعه بثمن لا يفي بديونهم وبدون إذن الغرماء والدين حالٌّ، وأما إذا كان بخلاف هذه الأشياء الثلاثة فلا ضمان على الموْلَى

(11)

.

(1)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 68).

(2)

في (أ)(المأذون لحق).

(3)

في (ع) زيادة (الفاسد).

(4)

المبسوط للسرخسي (25/ 136).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

انظر: الهداية (4/ 293).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 130).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 136).

(10)

انظر: مجمع الأنهر (2/ 453).

(11)

انظر: مجمع الأنهر (2/ 453)، تبيين الحقائق (5/ 217).

ص: 83

وقوله: (فإن شاء الغرماء ضمَّنوا البائع قيمته، وإن شاءوا ضمَّنوا المشتري قيمته) أيضًا، هكذا نصّ في «المبسوط»

(1)

، (ثم إن ضمَّنوا المشتري رجع المشتري بالثمن على البائع؛ لأن استرداد القيمة منه كاسترداد العبد إن لو ظفروا

(2)

به، وإن ضمَّنوا البائع قيمته سلَّم المبيع الذي جرى بين البائع والمشتري لزوال المانع، وأيهما اختار الغرماء ضمانه بَرِئ الآخر، حتى أنه لو تُوِيَت

(3)

القيمة على الذي اختاروه لم يرجعوا على الآخر بشيء؛ لأن المخيَّر بين الشيئين إذا اختار أحدهما تعيَّن ذلك عليه؛ فإن ظهر العبد بعدما اختاروا ضمان أحدهما فلا سبيل لهم عليه؛ إن كان القاضي قضى لهم بقيمة العبد على الذي اختاروا ضمانه ببينة

(4)

أو بإباء

(5)

يمين؛ لأن حقهم تحوَّل إلى القيمة بقضاء القاضي، وإن قضى عليه بقوله وقد ادَّعى الغرماء أكثر منه فهم بالخيار، إن شاءوا رضوا بالقيمة، وإن شاءوا ردوها وأخذوا العبد فَبِيع لهم؛ لأنه لم يصل إليهم كمال حقهم بزعمهم، وهو نظير المغصوب في

(6)

ذلك). كذا في «المبسوط»

(7)

.

[تضمين البائع بالبيع والتسليم]

(والبائع مُتْلِف بالبيع والتسليم، والمشترى بالقبض وَالتَّغْيِيبِ) إنما قيد سبب ضمان كل واحد من البائع والمشتري بما ذكر من التسليم والتغييب، ولم يكتفِ بمجرد البيع والشراء؛ لأنهما لا يضمنان بمجرد البيع والشراء؛ لأنهما إنما يضمناه بتغييب ما فيه حق الغرماء وهو العبد؛ لأنهم يستسعونه أو يبيعونه كما يريدون، وذلك إنما يفوت بالتسليم والتغييب لا بمجرد البيع والشراء.

(1)

للسرخسي (25/ 133).

(2)

الظَّفَرُ: الْفَوْزُ. مختار الصحاح مادة (ظ ف ر)(ص: 196).

(3)

التَوى مقصورٌ: هلاكُ المال. الصحاح مادة (ت و ى)(6/ 2290).

(4)

في (أ) زيادة (أو بإيماء عن يمين شبه). البينة: الحجة وهي الانقطاع والانفصال أو من البيان. أنيس الفقهاء (ص: 88).

(5)

الإباء: الامتناع. انظر: المغرب مادة (أب ي)(ص: 18).

(6)

سقطت في (أ).

(7)

للسرخسي (25/ 133 - 134).

ص: 84

[تضمين المشتري بالقبض والتعييب]

(كالإذن السابق كما في المرهون) يعني: أن الراهن إذا باع المرهون بدون إجازة المرتهن ثم أجازه المُرْتَهِن جاز البيع؛ لأن الإذن في الانتهاء كالإذن في الابتداء

(1)

.

[للغرماء أن يردوا البيع إذا كان في ثمن لا يفي بديونهم]

(ولو كان الموْلَى باعه من رجل وأعْلمه بالدين) / أي: أعلم البائعُ المشتري بأنَّ هذا العبد الذي أَبَيعُكه مديون، وفائدة هذا الإعلام سقوط خيار المشتري في الرد بعيب الدين حتى يقع البيع لازمًا فيما بين البائع والمشتري، وإن لم يكن لازمًا في حق الغرماء إذا لم يكن في ثمنه وفاء بديونهم، (وقالوا: تأويله إذا لم يصل إليهم الثمن؛ فإن وصل ولا محاباة في البيع ليس لهم أن يردُّوا)، أي: ليس للغرماء أن يَردُّوا، أو في هذا اللفظ نوع نظر إذ كان في حقه أن يُقال:(وتأويله إذا باع بثمن لا يفي بديونهم)، كما هو المذكور في باب جناية العبد من كتاب

(2)

«الجامع الكبير» لفخر الإسلام

(3)

(4)

، ومأذوني

(5)

«الجامع الصغير»

(6)

لقاضي خان

(7)

، و «الذخيرة»

(8)

؛ وذلك لأنه إذا لم يكن في البيع محاباة، ولكن الثمن إذا كان لا يفي بديونهم كان لهم أن يردُّوا البيع؛ لفوت حقهم في الاستسعاء فيما بقي من ديونهم على العبد، وبما ذكر في الكتاب

(9)

لا يحصل هذا المعنى، وهو انسداد باب الرد لهم؛ لأنه يَحتمل ألا يفي الثمن بديونهم، وإن لم يكن في البيع محاباة فيبقى لهم ولاية الرد لاستسعاء باقي الديون، اللهم إلا أن يريد بقوله:(فإن وصل ولا محاباة في البيع) رضا الغرماء بأخذهم الثمن، فإنهم لمَّا أخذوا الثمن كانوا راضين بالبيع، فينسدُّ حينئذ باب الرد، ولكن احتمال إرادة إحضار الثمن، والتخلية بينهم وبين الثمن بلفظ الوصول باق، فلا ينتهض ذلك اللفظ حينئذ بيانًا لانسداد باب الرد لهم من كل وجه

(10)

؛ فكان المُعَوَّل ما ذكره الإمام قاضي خان

(11)

رحمه الله فقال: (تأويله إذا باع بثمن لا يفي بديونهم؛ لأنه كان لهم حق الاستسعاء إلى أن يصل إليهم ديونهم، وبعد البيع لا يمكنهم الاستسعاء في ملك المشتري فكان لهم أن ينقضوا البيع، وإن كان في الثمن وفاء بديونهم لا يكون لهم ولاية نقض البيع).

(1)

انظر: الاختيار (2/ 104)، مجمع الأنهر (2/ 453)، تبيين الحقائق (5/ 216).

(2)

في (ع)(نكاح).

(3)

هو: علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم، أَبو الحسن، فخر الإسلام البزدوي، ولد سنة 400 هـ فقيه أصولي، من أكابر الحنفية، من سكان سمرقند، نسبته إلى "بزدة" قلعة بقرب نسف، له تصانيف منها (المبسوط) كبير، و (كنز الوصول) في أصول الفقه، يعرف بأصول البزدوي، توفي عام 482 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 602)، الوافي بالوفيات (21/ 283)، الجواهر المضية (2/ 380)، تاج التراجم (ص: 205).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 50)، العناية شرح الهداية (9/ 307)، تبيين الحقائق (5/ 217).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

انظر: مخطوط الجامع الصغير (2/ 140/ ب)، فتاوى قاض خان (3/ 581).

(7)

هو: الحسن بن منصور بن محمود بن عبد العزيز الأوزجندي، الفرغاني، الحنفي، المعروف بقاضي خان والأوزجندي نسبة إلى أوزجند بنواحي أصبهان، قرب فرغانة، فقيه مجتهد في المسائل، من تصانيفه:(الفتاوى) و (شرح أدب القاضي للخصاف)، (شرح الزيادات للشيباني)، و (شرح الجامع الصغير للشيباني) في فروع الفقه الحنفي، توفي في منتصف رمضان عام 592 هـ. انظر: تاريخ الإسلام (12/ 922)، الجواهر المضية (1/ 205)، تاج التراجم (ص: 151)، الفوائد البهية (1/ 64 - 65).

(8)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 307)، مجمع الأنهر (2/ 453).

(9)

انظر: الهداية (4/ 293).

(10)

انظر: فتح القدير (9/ 308)، مجمع الأنهر (2/ 453)، تبيين الحقائق (5/ 217).

(11)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 581)، مجمع الأنهر (2/ 453)، تبيين الحقائق (5/ 217).

ص: 85

فإن قلتَ: ما الفرق بين هذا وبين بيع العبد الجاني، فإن الموْلَى إذا باع العبد الجاني بعد العلم بالجناية يصير مختارًا للفداء، وهنا لا يصير الموْلَى مختارًا لقضاء الدين، وإن باعه بعد العلم بدينه؟

قلتُ: قد ذكرت شيئًا بالإشارة إلى الفرق بينهما عن قريب

(1)

، ولكن الفرق الواضح ههنا:(هو أن الدين واجب في ذمة العبد، بحيث لا يسقط عنه بالإعتاق والبيع حتى يؤاخذ به بعد العتق، فلمَّا كان هو واجبًا على العبد خاصة كان قول الموْلَى أنا أقضي دينه عِدَة بالتبرع، فلا يلزمه، بخلاف الجناية؛ لأن موجب جناية العبد الدفع على الموْلَى، وهو واجب على الموْلَى خاصَّة، وإذا تعذَّر عليه الدفع بالإعتاق أو بالبيع يطالَب به الموْلَى؛ لبقاء الوجوب الثابت عليه كما كان)، إلى هذا أشار الإمام قاضي خان في «الجامع الصغير»

(2)

.

[لا خصومة بين المشتري والغرماء إذا كان البائع غائبا]

(فإن كان البائع غائبًا فلا خصومة بينهم وبين المشتري عند أبي حنيفة ومحمد)، خلافًا لأبي يوسف

(3)

رحمهم الله (أما إذا كان المشتري غائبًا والبائع حاضرًا فلا خصومة بينهم وبين البائع في رقبة العبد- بلا خلاف

(4)

- حتى يحضر المشتري؛ لأن المِلْك واليد للمشتري، وإبطال ذلك بدون حضوره لا يمكن، فما لم يَبْطل مِلْك المشتري لا تكون الرقبة محلًا لحق الغرماء إلا أن لهم أن يُضمِّنوا البائع قيمته؛ لأن بالبيع والتسليم صار مُفوِّتًا محل حقهم فإذا ضمَّنوه القيمة جاز البيع فيه، وكان الثمن للبائع، وإن أجازوا البيع أخذوا الثمن؛ لأن الإجازة في الانتهاء بمنزلة الإذن في الابتداء). كذا في «المبسوط»

(5)

.

(معناه: إذا أنكر الدين)، وإنما قيَّد به؛ لأنه إذا أقَّر المشتري بدينهم وصدَّقهم في دعوى الدين كان للغرماء أن يردوا البيع بلا خلاف، كذا ذكره الإمام المحبوبي

(6)

رحمه الله، أي: إذا لم يكن الثمن يفي بديونهم، (وعنهما مثل قوله) وهو رواية ابن سماعة

(7)

عنهما

(8)

(9)

: (أنه يدعي الملك لنفسه فيكون خصمًا لكل من ينازعه) فيما في يده كرجل ادَّعى أن

(10)

العين الذي في يد هذا رهن عنده، فإن ذا اليد تكون خصمًا له، وليس كالبائع إذا كانت الدار في يده أنه لا يكون خصمًا للشفيع؛ لأنه لا يدَّعي الملك لنفسه [حتى لو كانت في يد المشتري، فالمشتري يكون خصمًا للشفيع؛ لأنه يدعي الملك لنفسه]

(11)

(لهما

(12)

: أنه لا فائدة في جعل المشتري خصمًا؛ لأنا لو جعلناه خصمًا في الابتداء حتى تثبت الديون يُؤدي إلى ألا يكون خصمًا في الانتهاء؛ لأنا إذا جعلناه خصمًا لهم ونقضوا البيع عليه لا يمكن أن يباع في ديونهم؛ لأنه يعود إلى ملك/ البائع وهو غائب، وفي بيعه قضاء على الغائب، وذلك لا يجوز؛ وهذا الطريق يوجب أن تكون مسألة الشفعة على الاختلاف

(13)

، بخلاف الرهن، فإن ثمة

(14)

في جعل ذي اليد خصمًا فائدة؛ لأن الرهن لا يُباع، ولا يلزم على ما قلنا إذا ادَّعى ملكًا مطلقًا، وأنكر صاحب اليد، وادَّعى أنه له فإنه يقضي به للمدَّعِي، وبعد القضاء يظهر أنه لم يكن مالكًا؛ لأن ثمة في الانتهاء يظهر أنه كان غاصبًا من المدعي، والغاصب يكون خصمًا للمغصوب منه)، كذا ذكره الإمام قاضي خان

(15)

والمحبوبي

(16)

.

(1)

راجع، ص ().

(2)

انظر: مخطوط الجامع الصغير (2/ 140/ ب)، فتاوى قاض خان (3/ 583).

(3)

انظر: المبسوط للشيباني (9/ 59)، المبسوط للسرخسي (25/ 131)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 464).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 131)، تبيين الحقائق (5/ 218)، مجمع الأنهر (2/ 453).

(5)

للسرخسي (25/ 131).

(6)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 308)، تبيين الحقائق (5/ 217).

(7)

هو: محمد بن سماعة بن عبدالله بن هلال بن وكيع بن بشر التميمي ولد 130 هـ، فقيه، محدث، أصولي، حافظ ولي القضاء ببغداد، كتب النوادر عن أبي يوسف ومحمد، وروى الكتب والأمالي، وهو من الحفاظ الثقات، من مصنفاته:"أدب القاضي"؛ "المحاضر والسجلات"، توفى في سنة 233 هـ.

انظر: تاريخ بغداد (3/ 298)، الجواهر المضية (2/ 59)، تاج التراجم (ص: 241)، الفوائد البهية (ص: 170).

(8)

أي: أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-.

(9)

انظر: مجمع الأنهر (2/ 453)، تبيين الحقائق (5/ 217).

(10)

في (ع) زيادة (هنا).

(11)

في (ع) سقط نظر.

(12)

أي: أبي حنيفة ومحمد- رحمهما الله-.

(13)

أي: خلاف المشتري يكون خصمًا أم لا.

(14)

في (ع)(ثم).

(15)

انظر: مخطوط الجامع الصغير (2/ 141/ أ)، تبيين الحقائق (5/ 218).

(16)

انظر: البحر الرائق (8/ 120)، تبيين الحقائق (5/ 218).

ص: 86

(ومن قَدِم مِصْرًا) أطلق، ولم يقيد بقوله:(وإذا قَدِم) عبد (مِصْرًا)؛ لأنه لا يعلم كونه عبدًا إلا بقوله: (وقال أنا عبد لفلان فاشترى وباع لزمه كل شيء من التجارة) وكذا لو لم يقل أنا عبد لفلان، ولكنه باع واشترى، جازت المبايعة معه

(1)

.

[قبول قول المأذون في الإذن في حق كسبه]

وقوله: (لزمه كل شيء من التجارة) وكذا لو لم يقل أنا عبد لفلان، ولكنه اشترى، جازت المبايعة معه، وقوله:(لزمه كل شيء) جواب المسألة أي: يُقبل قوله في الإذن في حق كسبه حتى يقضي دينه من كسبه، وقوله (وإن لم يُخْبِرْ فَتَصَرُّفُه) أي: فتصرفه دليلٌ على أنه مأذون في التجارة، هذا الذي ذكره جواب الاستحسان

(2)

، وأما جواب القياس: فهو ألا يُقبل قوله؛ لأنه أخبر عن شيئين

(3)

:

أحدهما: أخبر

(4)

أنه مملوك، وهذا إقرار على نفسه.

والثاني: أخبر أنه مأذون [في التجارة]

(5)

وهذا إقرار على الموْلَى، وإقراره لا يصلح حجة على الموْلَى.

[عدم قبول قول المأذون في الإذن في حق رقبته]

وأما وجه الاستحسان: فهو ما ذكر في الكتاب

(6)

؛ وهذا لأن بالناس حاجة إلى قَبول قوله؛ لأن الإنسان يبعث الأحرار والعبيد في التجارة، فلو لم يُقبل قول الواحد في المعاملات يحتاج إلى أن يبعث شاهدين يشهدان عند كل تصرف أنه مأذون في التجارة؛ فلذلك قَبِلْنا قول الواحد لمكان الحاجة

(7)

؛ ولأن أمر المسلمين محمول على الصلاح.

(إلا أنه لا يقبل قوله في الرقبة) أي: في حق بيع الرقبة؛ [لأن بيع الرقبة]

(8)

ليس من لوازم الإذن في التجارة، ألا ترى أنه إذا أذن للمدبَّر، وأم الولد ولحقهما الدين فلا يباعان [في الدين]

(9)

، وهما مأذون لهما، بخلاف الكسب، فإن قضاء الدين من كسبه من لوازم الإذن في التجارة؛ لأنه حق العبد على ما بيَّناه

(10)

، وهو ما ذكر قبل هذا في أواسط كتاب المأذون بقوله:(ويتعلق دينه بكسبه) إلى أن قال: (لأن الموْلَى إنما يخلفه في الملك بعد فراغه عن حاجة العبد).

(1)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 218)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 463).

(2)

انظر: المبسوط للشيباني (3/ 131)، تبيين الحقائق (5/ 218).

(3)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 218).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

انظر: الهداية (4/ 294).

(7)

قال الكاساني: (لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَلَا الْعَدَالَةُ) انظر: بدائع الصنائع (7/ 194) وقال الزيلعي: (وَمَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُهُ اتَّسَعَ حُكْمُهُ، وَمَا عَمَّتْ بَلِيَّتُهُ سَقَطَتْ قَضِيَّتُهُ). تبيين الحقائق (5/ 218).

(8)

سقطت في (ع).

(9)

سقطت في (أ).

(10)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 310)، تبيين الحقائق (5/ 219)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 463).

ص: 87

(فإن حضر

(1)

أي: مولاه (فقال: هو مَأْذُونٌ، بِيعَ في الدين) أي: إذا لم يقضِ الموْلَى دينه (لأنه ظهر الدين في حق الموْلَى) أي: بقوله أنه مأذون وحكم المأذون هذا

(2)

(فإن قال: هو محجور، فالقول قوله) (وعلى الغرماء البينة؛ لأن دعوى العبد الإذن كدعواه الإعتاق والكتابة، فلا يُقبل قوله عند جحود الموْلَى إلا

(3)

بالبينة، [فإن أقام الغرماء البينة على أنه كان أذن له في التجارة حينئذ يُباع؛ لأن الثابت بالبينة]

(4)

كالثابت عيانًا

(5)

، ولو ثبت الإذن عيانًا تباع رقبته

(6)

، كذلك ههنا)، إلى هذا أشار الإمام قاضي خان

(7)

رحمه الله، والله أعلم

(8)

.

(1)

سقطت في (أ).

(2)

قال العيني: (وحكم المأذون أنه يباع في الدين.) البناية شرح الهداية (11/ 172).

(3)

في (ع)(لا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 310).

(4)

في (ع) سقط نظر.

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (17/ 54)، بدائع الصنائع (6/ 232).

(6)

قال الكاساني: (إنْ بَنَوْا مُعَامَلَاتِهِمْ عَلَى الْإِذْنِ الْعَامِّ فَعَامَلُوهُ، فَلَحِقَهُ دَيْنٌ يُبَاعُ فِيهِ كَسْبُهُ وَرَقَبَتُهُ بِدَيْنِ التِّجَارَةِ، وَإِنْ عَامَلُوهُ بِنَاءً عَلَى إخْبَارِهِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ يُبَاعُ كَسْبُهُ بِالدَّيْنِ وَلَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْلَى فَيُقِرُّ بِإِذْنِهِ.) بدائع الصنائع (7/ 194).

(7)

انظر: مخطوط الجامع الصغير (2/ 140/ أ- ب)، فتاوى قاض خان (3/ 583).

(8)

سقطت في (أ).

ص: 88

فصل

[الصبي كالعبد المأذون في البيع والشراء]

لما بيَّن أحكام إذن

(1)

العبد في التجارة شَرع في بيان أحكام إذن الصغير؛ لأنه من باب الإذن في التجارة أيضًا، إلا أنه قدَّم ذِكْر إذن العبد لكثرة وقوعه، ولكونه مُجمعًا عليه في جوازه

(2)

، بخلاف إذن الصغير فيهما

(3)

.

[ما يثبت في العبد المأذون من أحكام يثبت في الصبي]

(فهو في البيع والشراء كالعبد المأذون حتى ينفذ

(4)

تصرفه)، وهو ما ذكر في الكتاب

(5)

بعد هذا بقوله: (والتشبيه بالعبد المأذون يُفيد أن ما يثبت في العبد من الأحكام يثبت في حقه

(6)

، حتى أن تصرفه لا يتقيَّد بنوع دون نوع، ويصير مأذونًا بالسكوت، ويصح إقراره بما في يده من كسبه) إلى آخره (إذا كان يعقل البيع)، قد ذكرنا أن المراد من عقل البيع والشراء هو: أن يعرف أن البيع سالب للملك، والشراء جالب، ويعرف

(7)

الغَبن اليسير من الغبن الفاحش، لا نفس العبارة، فإن كل صبي يتكلم إذا لُقِّن البيع والشراء يتلقنه [كذا في المغني]

(8)

(9)

.

(وقال الشافعي

(10)

رحمه الله: لا ينفذ) وأصل الخلاف بيننا وبين الشافعي (في أن عبارته صالحة للعقود الشرعية عندنا فيما يتردد بين المنفعة والمضرة، وعنده غير صالحة حتى لو توكَّل بالتصرف/ عن الغير نَفذ تصرفه عندنا، ولم ينفذ عنده) كذا في «المبسوط»

(11)

، وذكر في «الأسرار»

(12)

: وكذلك لو قَبِل الهبة بأمر الولي أو بغير أمره صح عندنا، وقال الشافعي

(13)

رحمه الله باطل كله؛ لأنه محجور عليه شرعًا لصباه، (لأن حجره لصباه فيبقى ببقائه) أي: فيبقى الحجر ببقاء صباه، ولا يعمل إذن الموْلَى في الإطلاق في التجارة ما دام الصِّبا فيه باقيًا؛ لقيام علة الحجر وهو الصِّبا.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 3 - 4)، الاختيار (2/ 100)، الشرح الكبير للدردير (3/ 304)، مواهب الجليل (5/ 76)، العزيز شرح الوجيز (4/ 365)، المغني لابن قدامة (5/ 61)، مراتب الإجماع (ص: 89).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 21)، تحفة الفقهاء (3/ 285).

(4)

سقطت في (أ).

(5)

انظر: بداية المبتدي (ص: 204).

(6)

أي: في حق الصبي.

(7)

سقطت في (ع).

(8)

سقطت في (أ).

(9)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 580)، البناية (11/ 173)، تبيين الحقائق (5/ 219).

(10)

قال الماوردي: (أما الصبي فشراؤه باطل عندنا، ولا يقف على إجازة الولي) وقال الشرواني: (وَالصَّبِيُّ يُعْتَدُّ بِبَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِ كَالْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ) الحاوي الكبير (5/ 368)، و انظر: المهذب للشيرازي (2/ 180)، حاشية الشرواني (5/ 160).

(11)

للسرخسي (25/ 21).

(12)

انظر: الأسرار للدبوسي (2/ 426).

(13)

انظر: الحاوي الكبير (5/ 368)، المهذب للشيرازي (2/ 180).

ص: 89

[حجر الصبي من أجل صباه]

فإن قلتَ: كيف يصحُّ التعليل للشافعي- رحمه الله بهذا مع انتقاض هذا الأصل في العبد انتقاضًا ظاهرًا، فإن لخصمه أن يقول: فلا يلزمنا هذا، فإن حَجْر العبد لرِّقه، ومع ذلك لم يبق هو محجورًا ببقاء الرق

(1)

، بل صار هو مأذونًا في التجارة عند إذن الموْلَى له في التجارة بالاتفاق

(2)

، فلم يَعمل عليه الحجر هناك عند وجود الإذن

(3)

، فكذا هنا.

[الفرق بين حجر العبد وحجر الصبي]

قلتُ: تمام هذا التعليل فيما ذكره من «المبسوط»

(4)

، وهذا بعض منه، وبتكميله يتم التعليل، يعني:(أن ما به كان الصبي محجورًا عليه لم يَزُل بالإذن؛ فإن الحجر عليه لأجل الصبا، أو لنقصان عقله لا لحق الغير في ماله، إذ لا حق لأحد في ماله؛ وهذا المعنى بعد الإذن قائم، بخلاف العبد، فإن الحجر هناك لحق الموْلَى في كسبه ورقبته، وبالإذن صار الموْلَى راضيًا بتصرفه في كسبه) فيصير مأذونًا.

وأما ههنا فوجود الإذن وعدمه بمنزلة؛ لأنه ليس للموْلَى حق في ماله حتى يرتفع حقه بإذنه، فيعمل الصبا عمله على ما كان وهو الحجر، وحاصله: أنه يَدَّعِي الحجر في الصبي لذاته وهو الصبا لا لغيره، وفي العبد لغيره وهو حق الموْلَى، فيرتفع الحجر في العبد لارتفاع ذلك الغير، وفي الصبي لمَّا كان الحجر لذات الصبا لا يرتفع الحجر عنه ما لم يرتفع عنه الصبا، فلا يكون واليًا للمنافاة؛ لأن كونه مُوْلِيًّا عليه سِمة العجز، وكونه واليًا آية القدرة، وبين القدرة والعجز منافاة

(5)

.

[صحة النوافل من الصبي]

(بخلاف الصوم والصلاة) أي: الصوم النفل والصلاة النفل حيث يصِحَّان منه، (فكذا الوصية على أصله

(6)

أي: قُلتُ بصحة وصيته في أبواب الخير على أصل، ومن أصله: أن كل تصرف لا يتحقق من الولي في حقه يصح تصرف الصبي فيه بنفسه، وما يتحقق من الولي فلا يصح مباشرة الصبي فيه؛ [لأن تصرفه]

(7)

بنفسه سبب الضرورة، والضرورة تندفع فيما يتصرف فيه الولي

(8)

.

[صحية الوصية من الصبي]

وذكر في «المبسوط»

(9)

في تعليل الشافعي (أن اعتبار عقله مع النقصان لأجل الضرورة؛ وإنما تتحقق هذه الضرورة فيما لا

(10)

يمكن تحصيله بوليه، فجعلتُ عقله في ذلك معتبرًا؛ ولهذا صحَّت منه الوصية بأعمال البر، وَخِيرَتُه بين الأبوين، ولا تتحقق الضرورة فيما يمكن تحصيله له بوليه- ولهذا لم يصِّح إسلامه بنفسه، ثم مقصود هذه التصرفات تحصل له بوليه- فلا حاجة إلى اعتبار عقله فيه).

(1)

سقطت في (أ).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 3 - 4)، تحفة الفقهاء (3/ 285)، الاختيار (2/ 100).

(3)

في (أ)(المأذون) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(4)

للسرخسي (25/ 21).

(5)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 311)، البناية شرح الهداية (11/ 173)، تبيين الحقائق (5/ 219).

(6)

أي: الشافعي-رحمه الله.

(7)

سقطت في (ع).

(8)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 311)، البناية شرح الهداية (11/ 174).

(9)

للسرخسي (25/ 21).

(10)

سقطت في (ع).

ص: 90

[ابتلاء اليتيم]

وحُجتنا

(1)

في ذلك: قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى (6)}

(2)

والابتلاء

(3)

: هو الامتحان بالإذن له في التجارة ليُعرف رُشده وصلاحه، وبالاستيضاف بدون مباشرته لا يتم معنى الابتلاء، ثم علَّق إلزام دفع المال إليه بالبلوغ، وذلك عبارة عن زوال ولاية الولي عنه، وبه نقول: إن ذلك لا يثبت ما لم يبلغ؛ وقال الله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ (2)}

(4)

واسم اليتيم حقيقة يتناول الصغير؛ فعرفنا: أن دفع المال إليه، وتمكينه من التصرفات جائز إذا صار عاقلًا، والمعنى فيه: أنه محجور أَذِن له وليه فينفذ تصرفه كالعبد، وهذا لأنه مع الصغير أهلٌ للتصرف إذا كان عاقلًا؛ لأنه مُميز، والأهلية للتصرف بكونه مُتكلِّمًا عن تمييز وبيانٍ، لا عن تَلقِين وهذيان

(5)

، وهذا لأن الصبي يقرُب من المنافع ويبعُد من المضار، فإن الصبا سبب للمرحمة، واعتبار كلامه في التصرف محض منفعة؛ لأن الآدمي فاق سائر الحيوانات بالبيان

(6)

، وهو من أعظم المنافع عند العقلاء، وهذه منفعة لا يمكن تحصيلها له برأي الموْلَى فيجب أن يَعتبر

(7)

.

فإن قلتَ: ما جوابنا عما تعلَّق به الشافعي

(8)

رحمه الله من الكتاب والمسائل، أما الكتاب فقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا (6)}

(9)

فقد شرط البلوغ، وإيناس الرشد لجواز دفع المال إليه، وتمكينه من التصرف فيه، فدلَّ بأنه ليس بأهل للتصرف قبل ذلك، وقال تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ (5)}

(10)

والمراد به: الصبيان والمجانين أنه لا يدفع إليهم أموالهم

(11)

، بدليل قوله تعالى:{وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ (5)}

(12)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 21)، بدائع الصنائع (7/ 170 - 193)، تبيين الحقائق (5/ 219).

(2)

سورة النساء من آية (6. (

(3)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 193)، الاختيار (2/ 100).

(4)

سورة النساء من آية (2).

(5)

الهذي: الخَلَطَ وَالتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي. انظر: طلبة الطلبة مادة (هـ ذ ي)(ص: 62)، المصباح المنير مادة (هـ ذ ي)(2/ 636).

(6)

قال ابن القيم: (وَهَذَا لأنَّ الإنسان إنما تميَّز عَن سائر الْحَيَوَانَات بِمَا خص بِهِ من الْعلم وَالْعقل والفهم فَإِذا عدم ذَلِك لم يبْق فِيهِ إلا الْقدر الْمُشْتَرك بَينه وَبَين سَائِر الْحَيَوَانَات) مفتاح دار السعادة (1/ 167).

(7)

المبسوط للسرخسي (25/ 22)، تبيين الحقائق (5/ 219).

(8)

انظر: الأم للشافعي (3/ 220)، الحاوي الكبير (6/ 339)، نهاية المحتاج (4/ 353)، تحفة المحتاج (5/ 168).

(9)

سورة النساء من آية (6).

(10)

سورة النساء من آية (5).

(11)

قال الرافعي: (والمراد بالسفهاء البالغون العقلاء) وقال النووي: (يعنى الجهال بالأحكام) نقلًا عن القرطبي. الحاوي الكبير (6/ 355)، المجموع (13/ 378)، و انظر: تفسير القرطبي (5/ 28).

وقال الطبري: (قال عامة أهل التأويل: هم النساء والصبيان، لضعف آرائهم، وقلة معرفتهم بمواضع المصالح والمضارِّ التي تصرف إليها الأموال). تفسير الطبري (1/ 293)، و انظر: تفسير السمعاني (1/ 397)، تفسير ابن كثير (1/ 93).

(12)

سورة النساء من آية (5).

ص: 91

[لا يشترط البلوغ للصبي]

وأما المسائل: فإن الصبي إذا باع أو اشترى ثم بلغ فأجاز لم يجز

(1)

، ولو صحَّ كلامه لتوقف، كالعبد يتزوج ثم يَعْتِق فإنه يصح، وكذلك إن أذن الأب لو صح في حقه لتملك الإقرار عليه/ بالدين كما يملكه في حق العبد، ولما لم يملك الولي الإقرار عليه بالدين استحال أن يملك الصبي المأذون من جهته ما لا يملكه هو بنفسه، وهو الإقرار بالدين؛ وكذلك عدم وجوب فرائض الطاعات عليه من الصلاة والصوم دليل على أنه في التصرفات مُلحق بالصبي غير العاقل؛ لأن التصرفات المملوكة لحق الملك فيه مبنيَّة على الخطأ، بخلاف النوافل؛ لما أن في النوافل نفعًا محضًا، ولا ينوب الولى عنه فيها، وكانت نظير الوصية على أصلي.

[إلزام دفع المال للصبي عند البلوغ]

قلتُ: أما الآية الأولى فهي قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ (6)}

(2)

قد ذكرنا أن فيه بيان إلزام دفع المال إليه بالبلوغ، وذلك عبارة عن زوال ولاية الولي عنه، وكلامنا فيما قبل البلوغ، فلا يكون حُجة له، بل ما قبل هذه الآية، وهو قوله:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى (6)}

(3)

حُجة لنا، وقد ذكرناه

(4)

.

وأما الآية الثانية: فقوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ (5)}

(5)

هم الذين لا يعقلون، أو المراد النساء، وهو أن الرجل يَدفع المال إلى زوجته، ويجعل التصرف فيه إليها، وذلك منهي عنه

(6)

.

وأما الجواب عن قوله: (إذا باع الصبي ثم بلغ فأجاز لم يجز)؛ لأن عدم الجواز حين عقد كان؛ لأنه ألحِقَ فيما يلزم بتصرفه بالطفل

(7)

ما لم يثبت كمال حاله

(8)

بإذن الولى أو بالبلوغ؛ فإذا لم يُجزه الولي بقي على النقصان وباللحوق بالأطفال، فلا يُقبل الجواز بكمال يحدث من بعد بلوغه؛ لأن اشتراط توقف التصرف لأجل شيء يجب أن يكون ذلك الشيء موجودًا في نفسه على ما مرَّ في مسائل تصرف الفضولي

(9)

(10)

.

(1)

قال النووي: (مذهبنا أنه لا يصح سواء أَذِن له الولي أم لا) المجموع (9/ 158)، وانظر: الحاوي الكبير (5/ 368)، فتح العزيز (8/ 106).

(2)

سورة النساء من آية (6).

(3)

سورة النساء من آية (6).

(4)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 219).

(5)

سورة النساء من آية (5).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 22)، بدائع الصنائع (7/ 170).

(7)

سقطت في (ع).

(8)

في (ع)(حقه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الأسرار للدبوسي (1/ 428).

(9)

الفضولي: هو من لم يكن وليًّا ولا أصيلًا ولا وكيلًا في العقد. المغرب (ص: 362)، التعريفات (ص: 167).

(10)

قال الموصلي: (تصرفات الفضولي منعقدة موقوفة على إجازة المالك؛ لصدورها من الأهل، وهو الحر العاقل البالغ، مضافة إلى المحل؛ لأن الكلام فيه، ولا ضرر فيه على المالك؛ لأنه غير ملزم له). الاختيار (2/ 17).

ص: 92

وأما إذا أجاز الولي جاز؛ لأن الولي موجود، فجاز أن يتوقف تصرف الصبي إلى رأيه، وبإذنه ارتفع الحاجز شرعًا، كما لو تصرف ثم تبيَّن أنه كان بالغًا، بخلاف العبد إذا تزوج ثم عتق؛ لأن عدم الجواز كان لحق الموْلَى لا لنقصان فيه، فإذا زال الحق نفذ التصرف

(1)

.

وأما عدم وجوب فرائض الطاعات مع صحَّة النوافل منه فمَخْرَج على ما ذكرنا من الأصل، (وهو أن الصبي يقرب من المنافع، ويبعد من المضار؛ لما أن الصبا سبب للمرحمة؛ وذلك لأن في توجيه الخطاب إضرارًا به عاجلًا؛ لأنه لو توجَّه عليه الخطاب ربما لا يُؤدِّي فيخرج ويبقى في وَبَاله، بخلاف النوافل من الصلوات والصيام؛ لأنه لا ضرر عليه في ذلك، بل فيه نفع محض؛ لحصول الثواب بفعله وعدم لزومه بشروعه)، إلى هذا أشار في «المبسوط»

(2)

و «الأسرار»

(3)

(والصبا سبب الحجر) جواب عن قول الشافعي

(4)

رحمه الله وهو قوله: (لأن حجره لصباه).

[حجر الصبي لعدم الهداية]

وقوله (لعدم الهداية) أي: في أمور التجارة لا لرأيه، فصار هو كالعبد من حيث إن الحجر في كل واحد منهما لمعنى في غيره لا لمعنى في عينه، ففي العبد لحق الموْلَى، وفي الصبي لعدم الهداية، فبالإذن يُعلم ضد كل واحد من معنى الحجر فيهما، فيصح تصرف العبد بعد الإذن بالاتفاق

(5)

، وكذلك في الصبي ينبغي أن يكون كذلك؛ لارتفاع ما يوجب الحجر فيهما بالإذن.

(لا لذاته) أي: لا لذات الصبي، بل لنقصان عقله، فلمَّا أذن له الموْلَى استبدل به على أنه كامل العقل، (وقد ثبتت) أي: الهداية (وبقاء ولايته) أي: وبقاء ولاية الموْلَى؛ وهذا جواب عن قوله: (ولأنه مُوَلًّى عليه) إلى آخره، أو هو جواب لسؤال مقدَّر، وهو أن يُقال: لمَّا صار الصبي وليًّا

(6)

للتصرف بإذن وليه ينبغي ألاَّ يبقى وليه وليًّا في التصرف في ماله؛ حتى لا يملك التصرف في ماله بعد الإذن؟ وألا يبقى الصبي مُولِيًّا عليه لوليه حتى لا يملك الولي حجره بعد الإذن؟ فأجاب عن الأول بقوله (لاستيفاء المصلحة بطريقين) أي: بطريق مباشرة الولي في التجارة لأجل الصبي، وبطريق مباشرة الصبي بنفسه منها؛ فأجاب عن الثاني بقوله:(واحتمال تَبَدُّل الحال) يعني: يحتمل أن يتبدَّل حال الصبي من الهداية إلى الغباوة، ويَحتمل ألا يتبدلَ من الهداية، فبقَّينا ولاية الولي نظرًا له، وهذه النُكتة بهذا الطريق المذكور في الكتاب

(7)

مُستخرجة مما ذكره الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «المبسوط»

(8)

، [فقال فيه]

(9)

أي: فيما قلناه (توفير المنفعة عليه حين لزم التصرف بانضمام رأي الولي إلى رأيه؛ لأنه يحصل له منفعة

(10)

التصرف بمباشرته وبمباشرة وليه، وذلك أنفع له من أن يُسَدَّ أحد البابين، إلَّا أنَّ نظره في عاقبة الأمر، ووفور عقله مُتردد قبل بلوغه، فلاعتبار وجوده ظاهرًا يجوز للولي أن يأذن له، ولتوهم القصور فيه يبقى ولاية [الولي عليه، ويتمكن من الحجر عليه بعد ذلك، وهو كالسفيه؛ فإن القاضي بعدما أطلق عنه الحجر إذا أراد أن يحجر عليه جاز ذلك؛ لهذا المعنى).

(1)

انظر: الأسرار للدبوسي (1/ 428)، تبيين الحقائق (5/ 219).

(2)

للسرخسي (25/ 22).

(3)

للدبوسي (1/ 428).

(4)

انظر: الحاوي الكبير (3/ 313)، روضة الطالبين (4/ 177)، تحفة المحتاج (5/ 163)، نهاية المحتاج (4/ 357).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 10)، بدائع الصنائع (5/ 150)، العناية شرح الهداية (9/ 311).

(6)

في (ع)(أهلًا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (9/ 313)

(7)

انظر: الهداية (4/ 294)

(8)

للسرخسي (25/ 22)

(9)

سقطت في (ع).

(10)

سقطت في (أ).

ص: 93

[جواز تصرف الصبي بالبيع والشراء لأنه دائر بين النفع والضرر]

(والبيع/ والشراء دائر بين النفع والضرر، فيُجعل أهلًا له بعد الإذن لا قبله)؛ فإن قلتَ: لو صوَّرنا بيعه وشراءه في النفع المحض بأن باع شيئًا بأضعاف قيمته، أو باع شاة أشرفت على الهلاك بقيمة شاة صحيحة، أو زائد لا يجوز أيضًا

(1)

بدون رأي الولي، فلو كان تَوقف جواز البيع بسبب التردد بين النفع والضرر ينبغي أن يجوز هنا؛ لتعينه للنفع، كما في قَبول الهبة

(2)

.

[وصي الأب مقدم على الجد]

قلتُ: العبرة في تمييز التصرف بين الضرر والنفع، والمتردد للوضع لا

(3)

لاتفاق الحال ليكون التمييز أيسر علينا، فقبول الهبة في نفسه نفع محض وضعًا، وهبته

(4)

ضرر محض، وبيعه وشراؤه متردد في وضعه؛ لتردُّدٍ بين خاسر ورابح وعدل، فقلنا بتوقف بيعه وشرائه نظرًا إلى الأصل لا إلى إنفاق المال، إلى هذا أشار في «الأسرار»

(5)

.

وقوله (لاحتمال وقوعه) متعلق بقوله: (يكون موقوفًا) أي: إنما توقف تصرفه ولم يَرد من أول الأمر؛ لأنه يحتمل أن يقع تصرفه

(6)

نافعًا له، وقوله (وَصِحَّةِ) بالجر معطوف على الاحتمال، أي: لصحة تصرفه في نفسه؛ لأنه تصرُّفٌ صدر من أهله مضافًا إلى محله، فكان صحيحًا، (وذِكْر الولي في الكتاب

(7)

ينتظم الأب والجَدّ عند عدمه والوصي) والواو هنا ليس للترتيب؛ لأن وصي الأب مُقدَّم على الجد، حتى إذا كان للصغير وصي الأب لا يصح إذن الجد؛ وحاصله: أن كل من له ولاية التصرف والتجارة في مال الصغير فله ولاية إذنه في التجارة، وكذلك له ولاية إذنٍ عند الصغير؛ لأن الإذن في التجارة تجارة معنى، وهذا الذي ذكره في الابن الصغير

(8)

.

[إذن الأب لابنه المعتوه]

وأما إذا أذن الأب لابنه الكبير المعتوه في التجارة، فالجواب فيه كالجواب في الصبي إن كان ممن يعقل البيع والشراء يصح الإذن، وإن كان ممن لا يعقل البيع والشراء لا يصح الإذن، وهذا إذا بلغ معتوها

(9)

، وأما إذا بلغ عاقلًا ثم عَتَه فأذِن له الأب في التجارة هل يصح إذنه؟

[إذا عته الأب أو جن لا يثبت للابن ولاية التصرف]

وكان الفقيه أبو بكر البلخي

(10)

(11)

رحمه الله يقول: لا يصح إذنه قياسًا، وهو قول أبي يوسف-رحمه الله[ويصح استحسانًا، وهو قول محمد-رحمه الله]

(12)

(13)

وهذا بخلاف ما لو عَتَه الأب أو جُنَّ؛ فإنه لا يثبت للابن ولاية التصرف، وإنما يثبت له ولاية التزويج لا غير

(14)

؛ لأن ولاية [تصرف القريب في مال القريب إنما يثبت إذا كان الولي كامل الرأي وافر الشفقة، والأب كامل الرأي وافر الشفقة، فيثبت له ولاية]

(15)

التصرف في المال والنفس.

(1)

في (ع)(نصا) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(2)

انظر: مجمع الأنهر (2/ 454)، تبيين الحقائق (5/ 220).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

في (ع)(نفسه).

(5)

انظر: الأسرار للدبوسي (1/ 426 - 427).

(6)

سقطت في (أ).

(7)

انظر: مختصر القدوري (ص: 146).

(8)

انظر: مجمع الأنهر (2/ 454)، تبيين الحقائق (5/ 220)، حاشية ابن عابدين (3/ 70).

(9)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 512)، بدائع الصنائع (7/ 193)، فتاوى قاض خان (3/ 580).

(10)

هو: محمد بن أحيد "وقيل أحمد"، أبو بكر الإسْكَاف البَلْخِيّ، فقيه وإمام، طلب العلم متأخرا، وأصبح من مشاهير بلخ وفقهائها، من تصانيفه:(شرح الجامع الكبير للشيباني) في فروع الفقه الحنفي، أخذ عن محمد بن سلمة وأبي سليمان الجُوزْجاني، وأخذ عنه أبو جعفر الهِنْدُواني وأبو بكر بن أبي سعيد، توفي سنة 333 هـ، وقيل 336 هـ. انظر: تاريخ الإسلام (8/ 51)، الجواهر المضيئة (2/ 28، 239)، الفوائد البهية (ص 160)، معجم المؤلفين (8/ 232).

(11)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 314)، تبيين الحقائق (5/ 220)، حاشية ابن عابدين (6/ 174).

(12)

سقطت في (ع).

(13)

قال جمهور الفقهاء، والصاحبان (أبو يوسف ومحمد) وبرأيهما يفتى في المذهب الحنفي:(يجوز الحجر على السفيه، رعاية لمصلحته، ومحافظة على ماله، حتى لا يكون عالة على غيره؛ ويكون حكمه حينئذ حكم الصبي المميز في التصرفات). انظر: الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (4/ 2975)، مجلة الأحكام العدلية (ص: 191) (مَادَّةُ 990).

(14)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 580)، البناية شرح الهداية (11/ 179).

(15)

سقطت في (ع).

ص: 94

وأما إذا كان كليل

(1)

(2)

الرأي قاصر الشفقة فتثبت له الولاية في النفس ولم تثبت في المال، كالأخ، وهذا كله من «الذخيرة»

(3)

.

[ترتيب ولي الصبي]

الشُّرْطَةُ: بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ خِيَارُ الْجُنْدِ وَأَوَّلُ كَتِيبَةٍ تَحْضُرُ الْحَرْبَ وَالْجَمْعُ شُرَطٌ وَصَاحِب الشُّرْطَةِ

(4)

يُرَادُ بِهِ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ كَأَمِيرِ بُخَارَى

(5)

[كذا في المغرب]

(6)

(7)

فكان الوالي أكثر من صاحب الشُّرَطِ؛ لأن للوالي ولاية تقليد القضاء؛ فلذلك ثبتت ولاية إذن الصبي للوالي دون صاحب الشُّرط

(8)

، وذكر في «المبسوط»

(9)

ترتيب ولي الصبي فقال: (ثم صحَّة الإذن له من وليه وولِّيُه أبوه، ثم وصيُّ الأبِ، ثم الجدُّ أبُ الأبِ، ثم وصيُّه، ثم القاضي أو وصي القاضي، فأمَّا الأم، أو وصي الأم فلا يصح منهم الإذن له في التجارة

(10)

؛ لأنه غير ولي له في التصرفات مطلقًا، فهو كالأجنبي إلا فيما يرجع إلى حفظه؛ ولهذا لا يملك بيع عقاره، والإذن في التجارة ليس من الحفظ؛ فلهذا لا يملكه)؛ فإن قيل: أليس أن وصي الأم لو باع العروض التي ورثها الصغير من الأم يجوز، قلنا: إنما جاز بطريق التحصين، والحفظ على الأم الميتة، وعلى الصغير [لا لأنه]

(11)

تجارة، حتى أنه لو اشترى شيئًا آخر لليتيم لا يجوز، وليس في الإذن تحصين وحفظ، كذا ذكر السؤال والجواب في «الذخيرة»

(12)

.

(1)

في (أ)(كامل) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(2)

الْكَلُّ: الْعِيَالُ وَالثِّقْلُ. الصحاح مادة (ك ل ل)(5/ 1811).

(3)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 220)، البناية شرح الهداية (11/ 179).

(4)

قال الشلبي: (وإنما سموا الشرط؛ لأنهم أشرطوا أي أعلموا؛ لأنفسهم علامة يُعرفون بها). حاشية الشلبي (5/ 220).

(5)

بخارى: مدينة عظيمة مشهورة بما وراء النهر قديمة طيبة، ذات تاريخ حافل بالأمجاد في وسط آسيا، وهي مركز أحد الأقاليم الاقتصادية الكبرى في جمهورية أوزبكستان، ويُعرف باسمها، وهو يشغل نحو 32 % من مساحة الجمهورية، ويعيش فيه نحو 8، 2 % من سكانها، ولم تزل مجمع الفقهاء ومعدن الفضلاء، ينسب إليها الشيخ محمد بن إسماعيل البخاري. انظر: معجم البلدان (1/ 353)، آثار البلاد (ص: 509)، موسوعة المدن العربية والإسلامية (ص: 410).

(6)

سقطت في (أ).

(7)

انظر: المغرب (ص: 248).

(8)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 220)، مجمع الأنهر (1/ 182).

(9)

للسرخسي (25/ 23).

(10)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 220)، مجمع الأنهر (2/ 454 - 455).

(11)

في (ع)(لكنه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: البناية شرح الهداية (11/ 177).

(12)

انظر: المحيط البرهاني (9/ 347)، البناية شرح الهداية (11/ 177).

ص: 95

(والتشبيه بالعبد المأذون يُفيد أن ما يثبت في العبد من الأحكام يثبت في حقه) حتى أن الصبي المأذون لو اشترى عبدًا فأذن له في التجارة [فهو جائز؛ لأن الإذن في التجارة]

(1)

من صنيع التجار؛ ولهذا صح من العبد المأذون، فكذلك من الصبي المأذون.

[التخليف في بعض الأحكام بين العبد والصبي]

فإن قلتَ: كيف يستقيم تعميم قوله: (أن ما يثبت في العبد من الأحكام يثبت في حق الصبي المأذون) مع التخليف في بعضها، وهو أن الموْلَى محجور عن التصرف في مال العبد المأذون إذا كان عليه دين يحيط بماله، والموْلَى ليس بمحجور عن التصرف في مال الصبي المأذون، وإن كان عليه دين يحيط بماله والرواية في «المبسوط»

(2)

.

قلتُ: الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن ما ذكرته من الحجر وعدمه هو في انحجار الموْلَى، وعدم انحجار الولي في المال، وما ذكره في الكتاب

(3)

من التعميم في تصرف العبد في ماله، وتصرف الصبي في ماله فلا يَرُدُّ نَقْضًا لاختلاف التَّصرفين

(4)

.

والثاني: هو ما ذكره في «المبسوط»

(5)

(وإنما يملك الأب أو الوصي التصرف في مال الصبي، سواء كان على الصبي دين أو لا؛ لأن دين الحر في ذمته لا تعلُّقَ له بماله، بخلاف دين العبد المأذون؛ فإنه يتعلق بكسبه، ويصير الموْلَى من التصرف كأجنبي آخر، إذا كان الدين مستغرقًا).

[صحة إقرار الصبي بما في يده من كسبه]

(ويصح إقراره بما في يده من كسبه)، ذَكرَه بطريق التعميم ليتناول العين والدين، ويتناول كل المُقَرِّ له؛ فإن الصبي المأذون إذا أقرَّ بعد إذن الولي له بعين أو بدين له أو لغيره صحيح؛ لأنه صار منفك الحجر عنه بالإذن، فهو كما لو صار منفك الحجر عنه بالبلوغ

(6)

.

فإن قلتَ: الولاية المتعدية فرع الولاية القائمة، ثم إقرار الولي عليه باطل، فكيف يستفيد هو بإذن الولي ما لم يملك الولي مباشرته؟

قلتُ: قد ذكرت هذه الشُبهة وجوابها في ضمن غيرها، والتحقيق فيه: هو أن الولي إنما لا يملك مباشرته؛ لأنه لا يتحقق منه؛ لأن الإقرار قول من المرء على نفسه، وما ثبت على الغير بقوله فهو شهادة

(7)

؛ وإقرار الولي على الصغير قولٌ على الغير فيكون شهادة، وشهادةُ الفرد لا تكون حجة

(8)

.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 25 - 26).

(3)

انظر: الهداية (4/ 295).

(4)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 313)، فتح القدير (9/ 313).

(5)

للسرخسي (25/ 26).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 23)، مجمع الأنهر (2/ 455).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (4/ 110)، المحيط البرهاني (5/ 304).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 23)، فتح القدير (9/ 314).

ص: 96

وأما قوله: (بعد الإذن) فهو الإقرار منه على نفسه، وهو من صنيع التجار، ومما لا يتم التجارة إلا به؛ لأن الناس إذا علِموا أن إقراره لا يصح يتحرَّزون عن معاملته، فمن يعامله لا يتمكن أن يُشهد عليه شاهدين في كل تصرف؛ فلهذا جاز إقراره

(1)

، (وكذا بمَوْرُوثه في ظاهر الرواية

(2)

أي: يصح إقرار الصبي المأذون بما ورث من أبيه أو غيره لغيره

(3)

.

[صحة إقرار الصبي فيما ورث]

وقوله: (في ظاهر الرواية) احتراز عن روايةٍ من الحسن عن أبي حنيفة

(4)

- رحمهما الله- بأنه لا يجوز إقراره فيما ورثه؛ لأن صحة إقراره في كسبه لحاجته إلى ذلك في التجارة، وهي ألا يمتنع الناس عن معاملته في التجارة، وهذه الحاجة تنعدم في المَوْرُوث.

(وجه [ظاهر الرواية أن]

(5)

انفكاك الحجر عنه [بالإذن في حكم إقراره بمنزلة انفكاك الحجر عنه]

(6)

بالبلوغ، بدليل صحة إقراره فيما اكتسبه، فكذلك فيما ورِثه؛ لأن كل واحد من المالين مَلَكه، فهو فارغ عن حق الغير؛ وهذا لأنه لمَّا انضم رأي الولي إلى رأيه التحق هو بالبالغ؛ ولهذا نَفَّذ أبو حنيفة

(7)

رحمه الله تصرفه بعد الإذن بالغبن الفاحش، فكذلك في حق الإقرار يلتحق بالبالغ

(8)

(9)

.

[عدم جواز تزويج العبد]

(ولا يملك]

(10)

تزويجَ عبده) قيَّد بالعبد، لأن في عدم جواز تزويج العبد إجماعًا

(11)

؛ وأما تزويج أمته ففيه خلاف

(12)

أبي يوسف، وأما عند أبي حنيفة

(13)

ومحمد

(14)

- رحمهما الله- فكما لا يملك الصبي المأذون تزويج عبده فكذلك لا يملك تزويج أمته، وعند أبي يوسف- رحمه الله يملك تزويج أمته.

(1)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 219).

(2)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 423)، المبسوط للسرخسي (25/ 23)، تبيين الحقائق (5/ 221).

(3)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 507).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 23)، تبيين الحقائق (5/ 221).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 23)، مجمع الأنهر (2/ 455).

(8)

في (أ)(بالبائع) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 23).

(9)

المبسوط للسرخسي (25/ 23).

(10)

في (ع)(ولا يقال) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (4/ 295).

(11)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 508)، المبسوط للسرخسي (25/ 24)، تبيين الحقائق (5/ 207).

(12)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 197)، الاختيار (2/ 102)، مجمع الأنهر (2/ 448).

(13)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 508)، بدائع الصنائع (7/ 197)، الاختيار (2/ 102).

(14)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 508)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 460).

ص: 97

[لا يملك الصبي كتابة العبد]

(ولا كتابَتِه كما في العبد) يعني: كما لا يملك العبد المأذون كتابة العبد الذي اشتراه فكذلك الصبي المأذون؛ وذلك لأن كل واحد منهما ينفك الحجر عنه في التجارة، والكتابة ليست من عقود التجارة فلا يملك الكتابة

(1)

.

فإن قيل: كل ما يملكه الأب والوصي من التصرف في مال الصبي يملكه الصبي بعد الإذن [بل ما يملكه الصبي بعد الإذن]

(2)

أكثر، حتى أن الصبي المأذون يملك الإقرار على نفسه في ماله، والأب والوصي لا يملكانه على ما مرَّ، ثم الأب والوصي يملكان الكتابة في عبد الصبي فكان ينبغي أن يملكها الصبي بعد الإذن أيضًا؛ قلنا: إنما يملك الأب والوصي ذلك؛ لأن تصرفهما مقيَّد بشرط النظر فيتحقق في الكتابة النظر، وأما تصرف الصبي بعد الإذن مقيَّد بالتجارة، والكتابة ليست بتجارة؛ والجواب عن الإقرار قد مرَّ آنفًا

(3)

.

(بإذن الأب والوصي والجد دون غيرهم) أي: من الأقارب [كالابن المعتوه]

(4)

والأخ والعم؛ وإنما قيَّدنا بقولنا من الأقارب؛ لأن للقاضي ولايةً في إذن المعتوه (على ما بيَّناه) وهو قوله: (وذِكْرُ الولي في الكتاب ينتظم الأب والجد) إلى آخره، وهذا كله مما أشار إليه في «المبسوط»

(5)

، والله أعلم

(6)

.

(1)

انظر: المبسوط للشيباني (8/ 507)، المبسوط للسرخسي (25/ 23)، بدائع الصنائع (7/ 197).

(2)

سقطت في (أ).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (25/ 24).

(4)

في (أ)(كالإذن للمعتوه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: البناية شرح الهداية (11/ 180).

(5)

المبسوط للسرخسي (25/ 24).

(6)

سقطت في (أ).

ص: 98

(1)

‌ كتاب الغصب

(2)

إيراد كتاب

(3)

الغصب [بعد الإذن]

(4)

في التجارة لوجهين:

[الغصب من أنواع التجارة]

أحدهما: أن الغصب من أنواع التجارة مآلًا، حتى أن إقرار المأذون لمَّا صحَّ بديون التجارة دون غيرها صحَّ بدين الغصب أيضًا

(5)

، ولم يصح بدين المهر

(6)

؛ لكون الأول من التجارة دون الثاني، فكان ذكر النوع بعد ذكر الجِنْس

(7)

من المناسبة.

والثاني: أن المغصوب ما دام قائمًا بعينه في يد الغاصب لا يكون الغاصب مالكًا لرقبته فصار كالعبد المأذون، فإنه غير مالك لرقبته وما في يده من أموال التجارة، وإن كان/ يتصرف فيه تصرف المُلاك؛ فذِكْر المتجانسين متصلًا أحدهما بالآخر من المناسبة إلا أنه قدَّم الإذن في التجارة؛ لأنه مشروع من كل وجه، والغصب ليس بمشروع

(8)

.

[لا يملك الغاصب رقبة المغصوب ما دام قائما بعينه]

اعلم أن محاسن الغصب من حيث الأحكام لا من حيث الإِقدام، كما في باب

(9)

الجنايات

(10)

والدِّيات

(11)

، فإن المقصود من بيان كتاب الغصب هو بيان حُكمه المُرتب عليه؛ لأنه ليس في الغصب شيء من الإباحة

(12)

، فضلًا عن الحسن والطاعة، بل هو عدوان محض، وظلم صِرْف

(13)

(14)

.

(1)

في (ع): زيادة (بسم الله الرحمن الرحيم).

(2)

الْغَصْبُ لغة: غَصَبَ الشيءَ يَغْصِبُه غَصْبًا، واغْتَصَبَه، فَهُوَ غاصِبٌ، وغَصَبه عَلَى الشيءِ: قَهَره، وغَصَبَه مِنْهُ. والاغْتِصابُ مِثْلُه، والشَّيْءُ غَصْبٌ ومَغْصُوب، وهو: أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا وَقَهْرًا. انظر: المغرب مادة (غ ص ب)(ص: 340)، الصحاح مادة (غ ص ب)(1/ 194)، لسان العرب (1/ 648). وشرعًا: عرَّفه أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحمهما اللَّهُ عَنْهُمَا -: هُوَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ مَالِهِ الْمُتَقَوِّمِ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ وَالْمُغَالَبَةِ بِفِعْلٍ فِي الْمَالِ، وَقَالَ مُحَمَّد رحمه الله: الْفِعْلُ فِي الْمَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وعرَّفه الشافعية بأنه: أَخْذ مالُ الغير على وجه التَّعدي. انظر: بدائع الصنائع (7/ 143)، الاختيار (3/ 58)، روضة الطالبين (5/ 3)، مغني المحتاج (3/ 334).

(3)

سقطت في (أ).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

قال القدوري: (وإقرار المأذون بالديون والغصوب جائز). مختصره (ص: 141)، وكذلك انظر: المبسوط للسرخسي (18/ 149).

(6)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 315)، فتح القدير (9/ 315).

(7)

الْجِنْسُ لغةً: الضَرْب من الشيء، وهو أعمُّ من النوع. الصحاح مادة (ج ن س)(3/ 915)، واصطلاحًا: مَا لَا يَكُونُ بَيْنَ أَفْرَادِهِ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَرَضِ مِنْهُ. انظر: مجلة الأحكام العدلية (1/ 32).

(8)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 315)، حاشية الشلبي (5/ 221).

(9)

سقطت في (أ).

(10)

الْجِنَايَةُ لغةً: مَا تَجْنِيهِ مِنْ شَرٍّ. المغرب مادة (ج ن ي)(ص: 94). واصطلاحًا: فِعل حِلٍّ في النِّفْسِ أو الطَرَف، وقال شيخ الإسلام: الجِنايَة على النَّفس يُسمى قَتلًا، وفيما دون النفس قطعًا وجرحًا. البناية شرح الهداية (13/ 62)، البحر الرائق (8/ 326)، أنيس الفقهاء (ص: 108).

(11)

الدِّيةُ لغةً: حَقُّ القَتِيل، وَقَدْ ودَيْتُه وَدْيًا. لسان العرب مادة (و د ي) (15/ 383) وشرعًا: اسم لضمان تجب بمقابلة الآدمي أو طرف منه. البناية شرح الهداية (13/ 160)، تبيين الحقائق (6/ 161).

(12)

المباح: ما لا يَسْتَحق المكلف بفعله ثوابًا، ولا بتركه عقابًا. الفصول في الأصول (3/ 247)، البرهان في أصول الفقه (1/ 108)، قواطع الأدلة (2/ 52).

(13)

الصِّرْفُ: الْخَالِصُ. المغرب مادة (ص ر ف)(ص: 266).

(14)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 68)، فتح القدير (9/ 316).

ص: 99

ثم محاسنه من حيث الحكم هي: أن الله- تعالى- لم يجعلْه خُلُوًّا عن الضمان، ومُهملًا عن البيان، بل جعل الأبدان والأموال كلها معصومة عن العدوان، وجازى الكل منهما بجزاء توجبه العرفان، وتقتضيه الهُرْمان

(1)

، ونطقت ألسنة مؤيدة له بصريح البيان، حيث قال النبي عليه السلام:«أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله؛ فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها»

(2)

، وفائدة العِصمة: هي ألا تُهدر الجناية، ولا تُهمل الجِباية

(3)

؛ وذلك لأن بقاء الأبدان مقصود كل عاقل، ومرغوب كل نبيه وخامل

(4)

، ولا بقاء لها إلا بالأموال في ظاهر الأحوال؛ فلذلك من أتلف مالًا معصومًا

(5)

لم يؤخره جزاؤه إلى العقبى

(6)

بل عُوجل في الأولى على ما يقتضيه الحِجَا

(7)

ليتحقق ما ذكرنا من المقصود [أن لا]

(8)

ينتفع المغصوب منه بالمنقود، فيُؤدي الغاصب مِثله إن كان من ذوات الأمثال، أو قيمتَه إن كان من ذوات القيم بلا إمهال؛ إذ لا إمكان لجبر الفائت، إلا لهذا القدر الثابت، في حق الناطق والصامت؛ فكان في إيجاب الضمان بهذا مراعاة حق المُتْلَف عليه، وزجر الغاصب الجافي كيلا يُقْدِم في حق القاصي والتالي؛ فإنه إذا تَأمل في هذا يَعلم أنه لا جدوى فيه سوى غضب الدَّيان، ومَقْت

(9)

الرحمن، فينزجر حينئذ كيلا يكون من اللَّهْفَان

(10)

، ولا يتسم سِمة

(11)

الْعَلْهَان

(12)

؛ فيحتاج ههنا إلى بيان الغصب لغةً وشرعًا، وبيان سببه، وشرطه، وحكمه، ودليل حرمته وأنواعه، ثم بيان الكتاب أغنانا عن بيانه لغةً وشرعًا، ولكن نذكر ما زِيد عليه إذا انتهينا إلى بيان لفظ الكتاب.

(1)

الْهُرْمَانُ: الْعَقْلُ. مقاييس اللغة مادة (هـ ر م)(6/ 48).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة (1/ 87) برقم (392)، وأخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله (1/ 52) برقم (35).

(3)

الجِبَايَة لغةً: وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ الأَموال من مَظانها. لسان العرب (14/ 129) واصطلاحًا: جمع الدولة المال المترتب في ذمم الرعية من الزكاة والجزية والخراج ونحو ذلك. انظر: البناية شرح الهداية (3/ 359)، حاشية الشلبي (1/ 273)، معجم لغة الفقهاء (ص: 159).

(4)

الخامِل: الخَفِيُّ السَّاقِطُ الَّذِي لَا نَباهة لَهُ. لسان العرب مادة (خ م ل)(11/ 221).

(5)

المال المعصوم: المال المحترم الذي لا تجوز مصادرته أو أخذه. معجم لغة الفقهاء (ص: 441).

(6)

الْعُقْبَى: جَزَاءُ الْأُمُورِ. مختار الصحاح مادة (ع ق ب)(ص: 214).

(7)

الحِجَا، مَقْصُورٌ: الْعَقْلُ والفِطْنة. لسان العرب مادة (ح ج ا)(14/ 165).

(8)

في (ع): (هو).

(9)

المَقْتُ: أَشدّ البُغْض. لسان العرب (2/ 90).

(10)

اللَّهْفَانُ: الْمُتَحَيِّرُ. مختار الصحاح مادة (ل هـ ف)(ص: 286).

(11)

سقطت في (أ).

(12)

الْعَلْهَان: الذي تُنَازِعه نَفْسه إِلى شيء. انظر: مقاييس اللغة مادة (ع ل هـ)(4/ 111).

ص: 100

[سبب الغصب]

وأما سببه: فهو الحرص الهالع

(1)

، والهوى المُتبَع إذا كان مختارًا، وإرادة دفع الضرر عن نفسه، وما يَلحق به إذا كان مضطرًا أو غير عالم به.

[شرط الغصب]

وأما شرطه: فعند أبي حنيفة-رحمه الله كَون المأخوذ منقولًا

(2)

، وهو قول أبي يوسف آخرا

(3)

، حتى أن من غصب العقار لا يكون مُوجِبًا للضمان عندهما

(4)

.

[حكم الغصب]

وأما حكمه فنوعان

(5)

:

أحدهما: وجوب رد العين ما دام على حاله لم يتغير، قال عليه السلام:«على اليد ما أخذت حتى تَرُد»

(6)

والتغيير نوعان: قد يكون من حيث الزيادة، وقد يكون من حيث النقصان، وقد يكون بفعل الغاصب، وقد يكون بغير فعله.

[دليل حرمة الغصب]

وأما دليل حرمته: فثابت بالكتاب والسنة، فأما الكتاب فقوله تعالى:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}

(7)

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}

(8)

.

(1)

الهَلَعُ: أفحش الجزع. الصحاح مادة (هـ ل هـ)(3/ 1308)، مختار الصحاح مادة (هـ ل هـ) (ص: 327).

(2)

المال المنقول: ما أَمْكَن تَحويله على هَيئته من غَير نَقْضٍ. انظر: مجلة الأحكام العدلية (ص: 31)(الْمَادَّةُ 128)، معجم لغة الفقهاء (ص: 397).

(3)

في (أ): (أمرا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 73).

(4)

قال السرخسي: (لأن العقار لا يُضمن بالغصب في القياس، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر- رحمهما الله-، وفي الاستحسان يُضمن، وهو قول أبي يوسف الأول ومحمد والشافعي- رحمه الله) المبسوط (11/ 73)، وانظر: الأسرار (3/ 104)، بدائع الصنائع (7/ 165).

(5)

لم يذكر المؤلف النوع الثاني فلعله: (وجوب ضَمَان النُّقْصَان إِذا انْتقصَ) انظر: تحفة الفقهاء (3/ 91).

(6)

أخرجه أحمد في المسند (33/ 277) برقم (20086)، وأبو داود، كتاب البيوع، باب في تضمين العارية مؤداة (3/ 296) برقم (1266)، والترمذي، كتاب أبواب البيوع، باب ما جاء في العارية مؤداة (3/ 558) برقم (1266)، والنسائي في الكبرى، كتاب العارية والوديعة، باب المنيحة (5/ 333) برقم (5751)، من طريق الحسن عن سمرة، وقال الترمذي:(حسن). انظر: سنن الترمذي (3/ 558)، وقال الحاكم في المستدرك (2/ 55):(هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجا). قال الألباني: (هو صحيح) انظر: إرواء الغليل (5/ 349).

(7)

سورة النساء من آية (29. (

(8)

سورة النساء من آية (10. (

ص: 101

وأما السُّنة فقوله عليه السلام: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه»

(1)

، وقال في خُطْبته: «ألا إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة

(2)

يومي هذا في شهري هذا في مقامي هذا»

(3)

.

[أنواع المغصوب]

وأما أنواعه: فإن المغصوب لا يخلو: إما أن يكون غير منقول

(4)

كالدار والعقار، أو منقولًا فهو على

(5)

نوعين: إما أن يكون مِثليًا

(6)

كالكيلي، والوزني الذي ليس في تبعيضه مضرة، والعددي المتقارب

(7)

كالجوز

(8)

، وإما أن يكون غير مثلي كالحيوانات، والذرعيات

(9)

، والعددي المتقارب كالبطيخ، والرمان، والوزني الذي في تبعيضه مضرة كالقُمْقمة

(10)

والسِّوَارُ

(11)

؛ وأحكام كل منها يُذكر فيما بعد-إن شاء الله تعالى- كذا في «المبسوط»

(12)

و «الذخيرة»

(13)

و «شرح الطحاوي»

(14)

وغيرها.

(1)

أخرجه أحمد في المسند (34/ 560) برقم (21082)، والطحاوي في مشكل الآثار (7/ 252) برقم (2823)، وأخرجه الدارقطني، كتاب البيوع (3/ 423) برقم (2884)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الغصب، باب من غصب لوحا فأدخله في سفينة أو بنى عليه جدارًا، (6/ 160) برقم (11525)، والحاكم في المستدرك، كتاب العلم (1/ 171) برقم (318)، وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده، (3/ 140) برقم (1570) قال الألباني:(صحيح). انظر: إرواء الغليل (5/ 279).

(2)

في (ع): (في).

(3)

أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب حجة الوداع (5/ 177) برقم (4406)، وهو عند مسلم كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 886) برقم (1218).

(4)

مال غير منقول: ما لا يُنقل ولا يُحَّول في العَادة، كالأرض وما اتَّصل بها اتَّصال قَرار كالبناء والأشجار، وهو ما لا يمكن نقله وتحويله إلا بالنقض. انظر: مجلة الأحكام العدلية (ص: 31)(الْمَادَّةُ 128)، معجم لغة الفقهاء (ص: 397).

(5)

في (ع): زيادة (قولين).

(6)

الْمُثْلَى: وَهُوَ مَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي الْأَسْوَاقِ بِلَا تَفَاوُتٍ مُتَعَدٍّ بِهِ. انظر: مجمع الأنهر (2/ 456)، مجلة الأحكام العدلية (ص: 32).

(7)

الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ: وَهُوَ مَا لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ. انظر: مجمع الأنهر (2/ 98) البناية شرح الهداية (11/ 186).

(8)

الجَوْز: هُوَ الَّذِي يُؤْكَلُ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: شَجَرُ الجَوْز كَثِيرٌ بأَرض الْعَرَبِ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ يُحمَل ويُرَبَّى، وبالسَّرَوَات شَجَرُ جَوْز لَا يُرَبَّى، وأَصل الجَوْز فَارِسِيٌّ؛ وَقَدْ جَرَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وأَشعارها، وخشبُه مَوْصُوفٌ عِنْدَهُمْ بِالصَّلَابَةِ وَالْقُوَّةِ. لسان العرب (5/ 330).

(9)

الذِراعُ لغةً: ما يُذْرَعُ به. الصحاح مادة (ذ ر ع)(3/ 1209) واصطلاحًا: الْمَذْرُوعُ هُوَ مَا يُقَاسُ بِالذِّرَاعِ. انظر: مجلة الأحكام العدلية (ص: 32)، معجم لغة الفقهاء (ص: 213).

(10)

القُمْقُم: مَا يُسَخَّنُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ نُحَاسٍ وَغَيْرِهِ، وَيَكُونُ ضَيِّقَ الرأْس. لسان العرب (12/ 495).

(11)

السِّوَارُ: حلية من الذَّهَب مستديرة كالحلقة تلبس فِي المعصم أَو الزند. المعجم الوسيط (1/ 462)، لسان العرب (4/ 388).

(12)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 51).

(13)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 474)، العناية شرح الهداية (9/ 321)، البناية شرح الهداية (11/ 187).

(14)

انظر: شرح الطحاوي للجصاص (2/ 327).

ص: 102

[تعريف الغصب]

قوله: (الغصب في اللغة: أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ

(1)

أطلق على المغصوب لفظ الشيء ولم يقيِّد بالمال؛ لأن الغصب لغة مستعمل في كل باب مالًا كان المأخوذ أو غير مال؛ يقال: (غصب زوجة فلان وولده) كذا في «المبسوط»

(2)

(محترم) هو احتراز عن غصب مال الحربي

(3)

في دار الحرب، وقوله:(على وجه يزيل يده) إلى يد المالك هذا الحدُّ على قول علمائنا

(4)

، فعلى هذا الحد تَخرج مسائل أصحابنا:

[حد الغصب]

منها

(5)

: أن الرجل إذا غصب الحمار [ومع الحمار]

(6)

جحش

(7)

فأكل الذئبُ الجحشَ أيَضمن الجحش أم لا؟ فالجواب فيه: أنه إن لم يَعرِض للجحش شيء غير أنه لمَّا ساق الأم انساق الجحش معها ذاهبًا وجائِيًا فلا ضمان عليه، وإن كان حتى ساق الحمار ساق معه الجحش فهو ضامن لقيمة الجحش؛/ لوجود النقل في الثاني دون الأول.

ومنها

(8)

: أنه لو مَنع أصحاب المواشي عن المواشي حتى ضاعت فلا ضمان عليه، وكذلك قالوا

(9)

: فيمن أخرج صاحب الدار عن داره، وحال بينه وبين سكناها حتى انهدم منها شيء لا ضمان عليه.

ومنها ما ذكره في النوادر

(10)

: أنه إذا أمسك رجلًا حتى أُخذت ضرته

(11)

لا يَضمن المُمسك شيئًا، وكذلك لو حَبس رجلًا حتى ضاع ماله لم يضمن ماله

(12)

، ولو حبس المالَ عن المالك ضَمِن، كذا في [«فتاوى صدر الإسلام

(13)

و «الغصوب» للإستروشني

(14)

، وذكر مسألة في أوائل غصب]

(15)

«فتاوى قاضي خان»

(16)

يُخالف لهذه الأصل، وكذا أيضًا ذكرها في «الذخيرة»

(17)

وقال: رجل غصب عجولًا فاستهلكه، ويَبِس لبَنُ أمه

(18)

، قال أبو بكر البَلْخِيّ

(19)

رحمه الله: يَضمن الغاصب قيمة العجول، ونقصان الأم حيث أوجب [نقصان الأم]

(20)

، وإن لم يفعل الغاصب في الأم فعلًا يُزيل يد المالك، وهذا كله على أصل علمائنا

(21)

رحمهم الله.

(1)

انظر: الصحاح (1/ 194)، المغرب (ص: 340)، مختار الصحاح (ص: 227).

(2)

للسرخسي (11/ 49).

(3)

الحربي: منسوب إلى الحرب، الكافر الذي يحمل جنسية الدولة الكافرة المحاربة للمسلمين. معجم لغة الفقهاء (ص: 178).

(4)

قال السمرقندي: ( .. حد الغصب الموجب للضمان فنقول: هو إزالة يد المالك أو صاحب اليد عن المال بفعل في العين، فأما إثبات اليد على مال الغير على وجه التعدي بدون إزالة اليد فيكون غصبًا موجبًا للرد لا موجبًا للضمان، وهما عندنا .. ) تحفة الفقهاء (3/ 89)، وانظر: بدائع الصنائع (7/ 143).

(5)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 182)، حاشية الشلبي (5/ 222).

(6)

في (أ): سقط نظر.

(7)

الجحش: ولد الحمار الوحشي والأهلي. لسان العرب (6/ 270)، حياة الحيوان الكبرى (1/ 265).

(8)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 146)، حاشية ابن عابدين (6/ 177)، تبيين الحقائق (5/ 222).

(9)

انظر: النتف (2/ 733)، المبسوط للسرخسي (11/ 73)، الاختيار (3/ 61).

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 74)، بدائع الصنائع (7/ 146).

(11)

الضَرَّة: ضرة المرأة امرأة زوجها. الصحاح مادة (ض ر ر)(2/ 720).

(12)

سقطت في (ع). انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 74)، بدائع الصنائع (7/ 146).

(13)

انظر: لسان الحكام (ص: 306).

(14)

انظر: لسان الحكام (ص: 306).

(15)

سقطت في (ع).

(16)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 96)، البناية (11/ 182)، حاشية الشلبي (5/ 222).

(17)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 489)، البناية شرح الهداية (11/ 182).

(18)

في (ع): زيادة (و).

(19)

انظر: الدر المختار (ص: 613)، حاشية الشلبي (5/ 222).

(20)

في (أ): (الأمر) وما أثبت هو الصحيح. انظر: حاشية الشلبي (5/ 222).

(21)

والأصل هو: اشتراط إزالة يد المالك.

ص: 103

[زوائد المغصوب ليست مضمونة]

وأما على قول الشافعي

(1)

رحمه الله: فإزالة يد المالك عن المغصوب ليس بشرط، بل إثبات يد العدوان عليه كافٍ لتحقق الغصب؛ وتظهر ثمرة الاختلاف في زوائد المغصوب مثل: ولد المغصوبة، وثمرة البستان؛ فإنها ليست بمضمونة عندنا

(2)

؛ لانعدام حد الغصب الذي ذكر، وعند الشافعي مضمونة لوجود حد الغصب عنده

(3)

، فإن حد الغصب عنده: إثبات اليد على مال الغير بدون إذن المالك، وعندنا حد الغصب إزالة المال عن يد المالك بإثبات اليد عليه، كذا ذكر هذين الْحَدَّيْن في «الإيضاح»

(4)

.

[حد الغصب عند محمد والشافعي]

فإن قلتَ: لِم لا تقول بأن الحد الذي ذكره الشافعي-رحمه الله وهو إثبات اليد على مال الغير بدون إذن المالك من غير اشتراط إزالة يد المالك هو حد الغصب عند محمد

(5)

رحمه الله أيضًا؛ ولهذا اتفق محمد، والشافعي

(6)

-رحمهما الله- في تحقق غصب العقار

(7)

؛ خلافًا لأبي حنيفة وأبي يوسف-رحمهما الله- في القول الآخر لوجود حد الغصب عند محمد، والشافعي

(8)

، كما هو المكتوب في بعض حواشي الكتاب

(9)

، حيث كتبوا الغصب عندنا إثبات اليد المُبطلة مع إزالة اليد المُحِقَّة خلافًا لمحمد والشافعي؛ فإن عندهما

(10)

إزالة اليد المحقة ليست بشرط

(11)

.

(1)

قال الماوردي: "فإذا ثبت تحريم الغصب كما ذكرنا، فالغصب هو منع الإنسان من ملكه والتصرف فيه بغير استحقاق فيكمل الغصب بالمنع والتصرف، فإن منع ولم يتصرف كان تعديًا ولم يتعلق به ضمان؛ لأنه تعدى على المالك دون الملك، وإن تصرف ولم يمنع كان تعديًا وتعلق به ضمان؛ لأنه تعدٍ على الملك دون المالك. فإذا جمع بين المنع والتصرف تمَّ الغصب ولزم الضمان، سواء نقل المغصوب عن محله أم لا". الحاوي (7/ 135) وانظر: فتح العزيز (11/ 239)، تحفة المحتاج (6/ 3)، نهاية المحتاج (5/ 145).

(2)

انظر: مختصر القدوري (ص: 130)، شرح الطحاوي للجصاص (8/ 246)، المبسوط للسرخسي (11/ 78).

(3)

انظر: فتح العزيز (11/ 248)، روضة الطالبين (5/ 27)، تحفة المحتاج (6/ 24)، نهاية المحتاج (5/ 165).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 54)، بدائع الصنائع (7/ 143)، مجمع الأنهر (2/ 465).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 73)، تحفة الفقهاء (3/ 89).

(6)

انظر: تحفة المحتاج (6/ 8)، نهاية المحتاج (5/ 150).

(7)

وبه قال مالك وأحمد. انظر: بداية المجتهد (4/ 101)، الذخيرة للقرافي (8/ 257)، المغني لابن قدامة (5/ 179)، كشاف القناع (4/ 77).

(8)

في (أ): زيادة (في تحقق غصب).

(9)

انظر: الغرة المنيفة (1/ 110)، كنز الدقائق (1/ 577)، الجوهرة النيرة (1/ 338).

(10)

أي: محمد والشافعي- رحمهما الله-.

(11)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 143)، فتح القدير (8/ 49)، الحاوي (7/ 135)، فتح العزيز (11/ 239).

ص: 104

قلتُ: لا، كذلك؛ فإن محمدًا- رحمه الله ساعدهما في أن حد الغصب هو إزالة المال عن يد المالك بإثبات اليد عليه، غير أن له عُذرًا في تحقق الغصب في العقار، لا أنه لا يَشترط في حد الغصب إزالة يد المالك، والدليل على هذا ما ذكره في «الإيضاح»

(1)

بقوله مطلقًا: وعندنا حد الغصب إزالة المال عن يد المالك على ما ذكرنا؛ ولأن حد الغصب لو كان عند محمد كما هو حده عند الشافعي، فقال بضمان زوائد المغصوب كما قاله الشافعي، ولم يقل محمد بذلك؛ عُلم أنه يَشترط في حد الغصب إزالة يد المالك [كما هو مذهبهما

(2)

.

وأما عُذره

(3)

في تحقق الغصب في العقار عنده مع أن إزالة المال عن يد المالك]

(4)

شرط عنده فما ذكره في «المبسوط»

(5)

في تعليل قوله في العقار بقوله: (ومحمد يقول العقار يُضْمَن بالعقد الجائز

(6)

، والفاسد

(7)

فيُضمن بالغصب كالمنقول، وتحقيقه: أن وجوب ضمان الغصب يَعتَمِد تفويت يد المالك، وذلك فيما يتأتَّى ذلك فيه، فأما فيما لا يتأتى فيُقام غيره مقامه لإثبات الحكم، وهو الاستيلاء بأقصى ما يمكنه بالسكنى، وإخراج المالك عنه) إلى آخره، ويَذكر تمامه في تلك المسألة -إن شاء الله تعالى-؛ فعُلم بهذا أن محمدًا يشترط إزالة يد المالك في غصب المنقول، فأما في حق

(8)

غير المنقول يُقِيم الاستيلاء مقام الإزالة للضرورة لا أنه لا يَشترط

(9)

، ولو لم يكن كتابي هذا إلا لتقويم ما اعوج من الحواشي المنقولة، وتشديد ما استقر من الحوالات المتحولة لكفى به أن يُرغب، ومن أباعه أن يطلب.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 143)، درر الحكام (2/ 263).

(2)

أي: مذهب أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله-.

(3)

أي: محمد-رحمه الله.

(4)

في (ع): سقط نظر.

(5)

للسرخسي (11/ 73 - 74).

(6)

الْبَيْعُ الصَّحِيحُ: هُوَ الْبَيْعُ الْجَائِزُ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمَشْرُوعُ أَصْلًا وَوَصْفًا. انظر: مجلة الأحكام العدلية (ص: 30)(الْمَادَّةُ 108).

(7)

الْبَيْعُ الْفَاسِدُ: هُوَ الْمَشْرُوعُ أَصْلًا لَا وَصْفًا يَعْنِي: أَنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ فَاسِدًا بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَوْصَافِهِ الْخَارِجَةِ، والْبَاطِلُ: هُوَ مَا لَا يَكُونُ صَحِيحًا أَصْلًا وَوَصْفًا. انظر: العناية شرح الهداية (6/ 402)، التعريفات (ص: 48)، مجلة الأحكام العدلية (ص: 30).

(8)

سقطت في (ع).

(9)

انظر: حاشية ابن عابدين (6/ 178).

ص: 105

(وفي بعض النسخ) أي: نسخ القدوري

(1)

(2)

(ولأن المثل أعدل) أي: ولأن المثل صورة ومعنى أعدل، وهذا في ذوات الأمثال كالمكيلات والموزونات.

[المثل أعدل في ذوات الأمثال]

وأما في ذوات القيم كالحيوانات فليس المثل صورة ومعنى بأعدل بل الأعدل فيها المالية والقيمة عند عامة العلماء خلافًا لأهل المدينة

(3)

، فإن عندهم في استهلاك الحيوان مِثله من جنسه مُعدلًا بالقيمة، كالشاة للشاة على ما يجيء بُعيد هذا- إن شاء الله تعالى-؛ (لِمَا فيه من مراعاة الجنس والمالية)؛ لأن الحنطة مِثْلًا مثلُ الحنطة، ومالية الحنطة المُؤَدَّاة مثل مالية الحنطة المغصوبة؛ لأن الجودة والرداة ساقطة القيمة في الأموال الربوية

(4)

، وإذا كان كذلك كان في غصب/ المكيل رد مكيل مثله في الجنسية، والمالية أقوى من مجرد المالية بضمان القيمة.

[وجوب رد عين المغصوب]

وحاصل ذلك: أن

(5)

على الغاصب وجوب رد عين المغصوب لو أمكن، وإلا فالمثل صورة ومعنى لو كان من ذوات الأمثال، وإلا فالقيمة؛ وَكَشف هذا المعنى في «المبسوط»

(6)

وقال: (فعلى المُفَوِّت بطريق العدوان نَسخ فعله ليندفع الضرر، والخسران عن صاحبه، وأتم وجوهِهِ رد العين عليه، ففيه إعادة العين إلى يده كما كانت، فهو الواجب الأصلي لا يُصار إلى غيره إلا عند العجز عنه، فإن عَجَزَ عن ذلك بهلاكه في يده بفعله، أو بغير فعله فعليه ضمان المثل؛ جُبرانًا لما فوَّت على صاحبه؛ لأن تفويت اليد المقصودة كتفويت الملك عليه بالاستهلاك.

[أنواع المثل]

ثم المِثْل نوعان: كامل وقاصر، فالكامل هو المثل صورة ومعنى، والقاصر هو المثل معنى أي: في صفة المالية فيكون الواجب

(7)

عليه المثل التام إلا إذا عَجَزَ عن ذلك فحينئذ يكون المثل

(8)

القاصر، خَلفًا عن المثل التام في كونه واجبًا عليه.

(1)

مختصر القدوري في فروع الحنفية للإمام أبي الحسين: أحمد بن محمد القدوري، البغدادي، الحنفي، المتوفى: سنة 428 هـ، ـ وهو: الذي يُطلق عليه لفظ: (الكتاب) في المذهب، وهو: متن متين، مُعتبر، مُتداول بين الأئمة الأعيان، وشهرته: تغني عن البيان. كشف الظنون (2/ 1631).

(2)

انظر: مختصر القدوري (ص: 129).

(3)

انظر: المدونة (4/ 179)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (3/ 445)

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 52)، تحفة الفقهاء (1/ 268).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

للسرخسي (11/ 50).

(7)

في (أ): (الغاصب) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 50).

(8)

في (ع): (الملك) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 50).

ص: 106

وبيان هذا

(1)

: أن المغصوب إذا كان من ذوات الأمثال كالمكيل والموزون فعليه رد المثل عندنا

(2)

، وقال نُفاة القياس

(3)

: عليه رد القيمة؛ لأنه تعذَّر إيصال العين

(4)

إليه فيجب إيصال المالية، ووجوب الضمان على الغاصب باعتبار صفة المالية، ومالية الشيء عبارة عن قيمته، ولكنَّا نقول (الواجب هو: المثل، قال الله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (194)}

(5)

وتسمية الفعل الثاني اعتداء بطريق المقابلة مجاز، وقد ثبت بالنص أن هذه الأموال أمثال متساوية قال عليه السلام:«الحنطة مِثْل بمثل»

(6)

، ولأن المقصود هو الجبران

(7)

، وذلك في المثل أتم؛ لأن فيه مراعاة الجنس والمالية، وفي القيمة مراعاة المالية فقط، فكان إيجاب المثل أعدل، إلا إذا تعذَّر ذلك بالانقطاع من أيدي الناس، فحينئذ يصار إلى المثل القاصر).

(1)

قال برهان الدين بن مازه: (إن كان مثليًّا وجب عليه مثله إلا إذا وقع العجز عن رد المثل، وذلك بالانقطاع عن أيدي الناس، فحينئذٍ يصار إلى القيمة

) المحيط البرهاني (5/ 474).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 50)، تحفة الفقهاء (1/ 268)، المحيط البرهاني (5/ 474).

(3)

قال أبو بكر الجصاص: (لا خلاف بين الصدر الأول والتابعين وأتباعهم في إجازة الاجتهاد والقياس على النظائر في أحكام الحوادث، وما نعلم أحدًا نفاه وحظره من أهل هذه الأعصار المتقدمة، إلى أن نشأ قوم ذوو جهل بالفقه وأصوله، لا معرفة لهم بطريقة السلف، فكان أول من نفى القياس والاجتهاد في أحكام الحوادث إبراهيم النظام، وطعن على الصحابة من أجل قولهم بالقياس إلى ما لا يليق بهم، ثم تبعه على هذا القول نفر من متكلمي البغداديين، إلا أنهم لم يطعنوا على السلف كطعنه

) الفصول في الأصول (4/ 23)، و انظر: أصول السرخسي (2/ 118).

(4)

في (ع): (الغير) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 50).

(5)

سورة البقرة من آية (194).

(6)

أخرجه مسلم في صحيحه بتمامه: كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (3/ 1211) برقم (1588) من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد، أو استزاد، فقد أربى، إلا ما اختلفت ألوانه).

(7)

في (أ): (الجواب) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 50).

ص: 107

قوله- رحمه الله (لأبي يوسف)؛ فإن قلتَ: لِم قدَّم [قول أبي]

(1)

يوسف في التعليل، ولم يُوسِّط كما هو حقه.

قلتُ: يحتمل أن يكون ذلك لوجهين:

أحدهما: أن يكون المختار قوله

(2)

(3)

لقوة دليله، إذ فيه إثبات الحكم بحسب ثبوت الموجب؛ لأن المغصوب دخل في ضمان الغاصب من وقت الغصب، فيجب أن يكون اعتبار القيمة من وقت الغصب.

والثاني: لإثبات الأقوال الثلاثة بحسب ترتيب الزمان على تلك الأقوال، فإن أول الأوقات من هذه الأقوال الثلاثة يوم الغصب، ثم يوم الانقطاع

(4)

، ثم يوم الخصومة؛ فإيراد الأقوال على ترتيب هذه الأزمنة لم يَتَأَتَّ إلا بتقديم قول أبي يوسف، ثم بقول محمد، ثم بقول أبي حنيفة- رحمهم الله

(5)

.

[اعتبار قيمة المغصوب يوم الغصب]

(فتُعتبر قيمته يوم انعقاد السبب) وذلك: لأن الخَلَف إنما يجب بالسبب الذي يجب به الأصل، وذلك الغصب فتُعتبر قيمته

(6)

يوم الغصب؛ ومحمد يقول

(7)

: أصل الغصب أوجب المثل خَلَفًا عن رد العين، وصار ذلك دَيْنا في ذمته فلا يوجب القيمة أيضًا؛ لأن السبب الواحد لا يوجب ضمانين

(8)

، ولكن المصير إلى القيمة للعجز عن أداء المثل، وذلك بالانقطاع عن أيدي الناس فتُعتبر قيمته بآخر يوم كان موجودًا فانقطع.

(فتُعتبر قيمته يوم الخصومة والقضاء) كما في ولد المغرور

(9)

، ثم حد

(10)

الانقطاع هو ما ذكره في باب السَّلم من تبرع «الذخيرة»

(11)

فقال: حد الانقطاع ما ذكره الفقيه أبو بكر البَلْخي- رحمه الله: ألا يوجد في السوق الذي يُباع فيه، وإن كان يوجد في البيوت؛ وعلى هذا انقطاع الدراهم.

(1)

في (ع): (أبو) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (9/ 319).

(2)

في (ع): زيادة (من وقت الغصب فيجب أن يكون اعتبار القيمة من مالي) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (9/ 319).

(3)

وبه قال مالك. انظر: بداية المجتهد (4/ 101)، الشرح الكبير الدردير (3/ 448).

(4)

وبه قال أحمد. انظر: المغني لابن قدامة (5/ 208)، الشرح الكبير (5/ 429).

(5)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 319)، البناية شرح الهداية (11/ 185).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 465)، المبسوط للسرخسي (11/ 50).

(8)

انظر: كشف الأسرار (1/ 171)

(9)

قال السرخسي: (معنى قول علي-رضي الله عنه يفك الغلام بالغلام يعني بقيمة الغلام، فقد صح عن عمر وعلي- رضي الله عنهما أنهما قضيا في ولد المغرور أنه حر بالقيمة). المبسوط (11/ 51)، وانظر: بدائع الصنائع (2/ 321)، المحيط البرهاني (4/ 130)، الأسرار (3/ 116).

(10)

في (أ): (هذا) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(11)

انظر: المحيط البرهاني (6/ 306)، الاختيار (2/ 37)، تبيين الحقائق (5/ 223).

ص: 108

[القيمة على الغاصب فيما لا مثل له]

(وما لا مثل له فعليه قيمته) هذا غَيْرُ مُجْرًى على حقيقته من عدم المثل أصلًا، بل المراد منه والشيء الذي لا يُضمن بمثله من جنسه؛ لأن المثل

(1)

الذي لا مِثْل له على الحقيقة هو الله- تعالى- وحده (فعليه قيمته يوم غصبه) أي: عند تعذَّر رد العين، وهذا عندنا

(2)

، خلافًا لأهل المدينة

(3)

،

[عند تعذر العين تجب القيمة يوم غصبه]

وفي «المبسوط» :

(4)

(وإن كان المغصوب من العدديات المتفاوتة

(5)

كالثيابِ، والدوابِّ فالواجب على الغاصب ضمان القيمة عند تعذر رد العين.

[خلاف أهل المدينة عند تعذر رد العين]

وقال أهل المدينة

(6)

: الواجب هو المثل لحديث أنس رضي الله عنه قال: «كنت في حُجرة عائشة رضي الله عنها قبل أن يُضْرب الحجاب، فأُتيَ بقَصْعة

(7)

من ثَرِيد

(8)

من عند بعض أزواجه فضَربت عائشةُ القصعةَ بيدها فانكسرت، فجَعل رسول الله عليه السلام يأكل من الأرض، ويقول: غارت أمكم غارت أمكم، ثم جاءت عائشة بقصعة مثل تلك القصعة فردتها، واستحسن ذلك/ رسول الله عليه السلام

(9)

، وقال علي

(10)

رضي الله عنه في المغرور: «يُفَكُّ الغلام بالغلام، والجارية بالجارية»

(11)

، ولكنا نحتج بحديث معروف عن النبي عليه السلام: «أنه قال في عبد بين شريكين يُعْتِقُه أحدهما: فإن كان مُوسِرًا ضمن قيمة نصيب شريكه، [وإن كان مُعْسِرًا يبقى العبد في قيمة نصيب شريكه]

(12)

غير مشقوق عليه»

(13)

وهذا تنصيص على اعتبار القيمة فيما لا مثل له.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 51)، الاختيار (3/ 59). وقال الزيلعي:(وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ). تبيين الحقائق (5/ 223).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 51)، البناية شرح الهداية (11/ 186).

(4)

للسرخسي (11/ 51).

(5)

العددي المتفاوت: مَا اخْتَلَفَتْ آحَادُهُ فِي الْقِيمَةِ وَاتَّفَقَتْ أَجْنَاسُهُ كالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَنَحْوِهَا. مجلة الأحكام العدلية (ص: 33)، معجم لغة الفقهاء (ص: 307)، حاشية الشلبي (4/ 111).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 51)، البناية شرح الهداية (11/ 186).

(7)

القَصْعةُ: وعَاء يُؤْكَل فِيهِ ويثرد وَكَانَ يتَّخذ من الْخشب غَالِبا. لسان العرب مادة (ق ص ع)(8/ 274)، المعجم الوسيط (2/ 740).

(8)

ثَرَدَ: الْخُبْزَ تَفُتَّهُ ثُمَّ تَبُلّهُ بِمَرَقٍ. مختار الصحاح مادة (ث ر د)(ص: 49)، المصباح المنير مادة (ث ر د)(1/ 81).

(9)

أخرجه البخاري في صحيحه بلفظ مشابه: كتاب النكاح، باب الغيرة (7/ 36) برقم (5225)، وكتاب المظالم والغصب، باب إذا كسر قصعة أو شيئًا لغيره (3/ 137) برقم (2481) من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها، فكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام، وقال:«كلوا» وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة، وحبس المكسورة).

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 51)، العناية شرح الهداية (8/ 314)، تبيين الحقائق (2/ 64).

(11)

انظر: غريب الحديث للقاسم بن سلام (3/ 343)، الفائق (3/ 64).

(12)

في (ع): سقط نظر.

(13)

أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 139)(2492) كتاب الشركة، باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:«من أعتق شقيصا من مملوكه، فعليه خلاصه في ماله، فإن لم يكن له مال، قوم المملوك قيمة عدل، ثم استسعي غير مشقوق عليه» وفي كتاب العتق: باب إذا أعتق نصيبًا في عبد، (3/ 145) برقم (2526)، وأخرجه مسلم في صحيحه (2/ 1140) برقم (1503) كتاب العتق: باب ذكر سعاية العبد.

ص: 109

وتأويل حديث أنس رضي الله عنه أن الرَّد كان على طريق المروة، ومكارم الأخلاق لا على طريق أداء الواجب، وكانت القصعتان لرسول الله عليه السلام، ومعنى قول علي:«يُفَكُّ بالغلام» أي: بقيمة الغلام؛ لأنه قد صحَّ عن عمر وعلي-رضي الله عنهما أنهما قضيا في ولد المغرور بالقيمة).

[العدديات المتفاوية لا مثل لها]

(معناه العدديات المتفاوتة) كالبطيخ

(1)

والرمان، وأما العددي المتقارب كالجوز والبيض والفلوس فهو كالمكيل، وإنما قيَّد به ولم يقل كالمكيل والموزون؛ لأن من الموزونات ما ليس بمثلي، وهو الوزني الذي في تبعيضه ضرر كالمَصُوغ من القُمْقُم، والطَّشتُ

(2)

(3)

، وذكر في «المغني»

(4)

و «الذخيرة»

(5)

ثم أن مشايخنا استثنوا من الموزونات النَّاطِف

(6)

الْمُبَزَّر

(7)

بتقديم الزاي، والدُّهْن المُرَبَّى

(8)

، فقالوا

(9)

: بضمان القيمة فيهما؛ لأن النَّاطِف يتفاوت بتفاوت الْمُبَزَّر، وكذلك الدُّهْن المُرَبَّى ثم ما ذكره (أن العددي المتقارب كالمكيل حتى يجب مثله) فهو مذهبنا، خلافًا لزفر

(10)

؛ فإن عنده يجب فيه القيمة لا المثل

(11)

، (وهو بناء على الاختلاف المذكور في جواز السَّلم فيه عددًا

(12)

؛ ثم زفر-رحمه الله-يقول: المثل فيما يُؤَدَّى به الضمان منصوص على اعتباره، والمماثلة في العدديات المتقاربة غير ثابتة بالنص بل بالاجتهاد؛ ولهذا لا يجري فيها الربا؛ لأنها ليست بأمثال متساوية قَطعًا، فصار إلى القيمة لتَعَذُّر أداء المثل قطعًا؛ ولكنا نقول: المماثلة في آحاد هذه الأشياء ثابتة بالعرف، فهي كالثابتة بالنص

(13)

فيما هو المقصود، وهو جبران حق المغصوب منه، ومراعاة الجنس والمالية عليه) كذا في «المبسوط»

(14)

.

(1)

البِطِّيخُ: مِنَ اليَقْطِين الَّذِي لَا يَعْلُو، وَلَكِنْ يَذْهَبُ حِبَالًا عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَاحِدَتُهُ بِطِّيخة. لسان العرب مادة (ب ط خ)(3/ 9).

(2)

الطَّسْتُ: من آنية الصُفْر، إِنَاء كبير مُسْتَدِير من نُحاس أو نحوه يُستعمل للغسيل. لسان العرب مادة (ط س ت)(2/ 58)، معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1400).

(3)

انظر: فتح القدير (9/ 321)، البناية شرح الهداية (11/ 187).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 475)، البحر الرائق (8/ 125).

(5)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 475)، درر الحكام (2/ 262)، البحر الرائق (8/ 125).

(6)

النَّاطِفُ: السَّائِل من الْمَائِعَات وَضَرب من الْحَلْوَى؛ يُصنع من اللَّوز والجَوز والفُسْتق. مختار الصحاح مادة (ن ط ف)(ص: 313)، المعجم الوسيط (2/ 930).

(7)

الْمُبَزَّرُ: هُوَ الَّذِي فِيهِ الْأَبَازِيرُ وَهِيَ التَّوَابِلُ جَمْعُ أَبْزَارٍ. المغرب مادة (ب ز ر)(ص: 42)، مختار الصحاح (ص: 313)، تاج العروس (10/ 167).

(8)

رَبَبْتُ الدُّهْنَ: غَذَوْتُه بالياسَمينِ أَو بَعْضِ الرَّياحِينِ. لسان العرب (1/ 405).

(9)

في (ع): (فقال) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 51)، بدائع الصنائع (7/ 150)، البناية شرح الهداية (11/ 186).

(11)

قال ابن عابدين: (ثم نقل عن الجامع: العددي المتقارب كله مثلي كيلًا وعدًا ووزنًا. وعند زفر قيمي، وما تتفاوت آحاده في القيمة فعددي متفاوت ليس بمثلي). حاشية ابن عابدين (6/ 254).

(12)

قال المرغيناني: (العددي المتقارب معلوم القدر مضبوط الوصف مقدور التسليم فيجوز السلم فيه). الهداية (3/ 70).

(13)

انظر: المغني في أصول الفقه (1/ 158)، المبسوط للسرخسي (4/ 227).

(14)

للسرخسي (11/ 51).

ص: 110

[يجب المثل في العدديات المتقاربة]

(لَاعِبًا وَلَا جَادًّا) فرواية الفائق

(1)

، والمصابيح

(2)

بدون ذكر حرف العطف والنفي، والمذكور في الفائق «لا يأخذنَّ أحدكم متاع أخيه لاعبًا جادًا

(3)

(4)

هو ألا يُريد بأخذه سرقته، ولكن

(5)

إدخال الغيظ على أخيه، فهو لاعبٌ في مذهب السرقة

(6)

، جاد في إدخال الأذى عليه، أو هو قاصد للعب وهو يريد أنه يجد في ذلك ليغيظه؛ وفي موضع آخر وهو يريد أنه لاعب على تقدير شعور

(7)

المسروق منه، ويقصد السرقة على تقدير عدم الشعور

(8)

.

[لليد حق مقصود في الرد]

(ولأن اليد حق مقصود) والدليل على كونها مقصودة جواز الكتابة، وإذن العبد في التجارة؛ لأن المكاتَب ليس بنائب عن غيره في التصرف، وهو ليس بمالك لرقبة ما في يده لقيام الرِّق عليه، وليس في مباشرته حكم سوى التصرف باليد، ولو لم يكن هذا

(9)

مقصودًا لكان الشراء الذي

(10)

هو وسيلة للحكم المقصود خاليًا عن حكمه، والتصرفات الشرعية لا تراد لعينها بل لحكمها، ألا ترى أن أسباب العبادات لما لم تُوجِب حكمها الذي هو الابتلاء في حق الصبي والمجنون لم تنعقد أسبابًا في حقهما، وكذلك العبد المأذون، خصوصًا فيما إذا تصرف بعد كونه مديونًا؛ إذ ليس فيه شائبة كونه نائبًا عن الموْلَى، فتصرفه بالبيع والشراء جائز، مع أنه لا حكم لشراه في حقه سوى التصرف باليد على ما ذكرنا في أوائل المأذون من «المبسوط»

(11)

.

(1)

انظر: الفائق في غريب الحديث (3/ 317).

(2)

انظر: مصابيح السنة للبغوي (2/ 352).

(3)

في (أ): (ولا جادا).

(4)

أخرجه أحمد (29/ 460) برقم (17940)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب ما لا يجوز من اللعب والمزاح (1/ 93) برقم (241)، وأخرجه أبو داود، كتاب الآداب، باب من يأخذ الشيء على المزاح (4/ 301) برقم (5003)، والترمذي باب ما جاء لا يحل لمسلم، يروع مسلمًا (4/ 462) برقم (2160)، والطحاوي في مشكل الآثار (4/ 307) برقم (1624)، قال الألباني:(حسن). انظر: إرواء الغليل (5/ 350).

(5)

سقطت في (أ).

(6)

السَّرِقة لُغَةً: سَرَقَ: يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ فِي خَفَاءٍ وَسِتْرٍ. يُقَالُ سَرَقَ يَسْرِقُ سَرِقَةً. مقاييس اللغة مادة (س ر ق)(3/ 154) وشرعا: أَخْذُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ نِصَابًا مُحْرَزًا، أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا مِلْكًا لِلْغَيْرِ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ. الاختيار (4/ 102)، العناية شرح الهداية (5/ 354)، أنيس الفقهاء (ص: 63).

(7)

في (أ)(شفقته) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(8)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 322)، البناية شرح الهداية (11/ 188).

(9)

في (أ): (العين).

(10)

في (أ): (معنى) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(11)

انظر: السرخسي (25/ 3).

ص: 111

[الموجب الأصلي هو رد عين المغصوب]

وكذلك الضمان في غصب المُدبَّر ليس إلا لتفويت اليد؛ فعُلم بهذا أن اليد حق مقصود (وهو الموجب الأصلي) أي: رد عين المغصوب هو الموجب

(1)

الأصلي (ويظهر ذلك في بعض الأحكام) وهي: ما إذا أُبرأ الغاصب عن الضمان حال قيام العين ببراء حتى لو هلك بعد ذلك [في يده]

(2)

لا ضمان عليه، ولو لم يكن وجوب القيمة على الغاصب في هذه الحال ثابتًا لما صحَّ الإبراء؛ لأن الإبراء عن العين لا يصحُّ

(3)

.

ومنها

(4)

: صحة الكفالة مع أن الكفالة لا تصح بالعين بل بالدين.

ومنها

(5)

: عدم وجوب الزكاة؛ فإن الغاصب إذا كان له نصاب في ملكه

(6)

، وقد غصب شيئًا وهو قائم في يده

(7)

، فلا تجب عليه الزكاة إذا انتقض النصاب بمقابلة وجوب قيمة المغصوب عليه

(8)

، هذا حاصل ما وجدت بخط شيخي

(9)

رحمه الله.

[للحاكم حبس الغاصب إذا ادعى هلاك المغصوب]

(فإن ادَّعَى هلاكها حبسه الحاكم) إلى آخره؛ وفي «المبسوط»

(10)

(رجل غصب من رجل جارية فغيَّبها فأقام المغصوب/ منه البيّنة أنه قد غصب جارية له، فإنه يُحبس حتى يجيء بها، ويردها على صاحبها، وكان أبو بكر الْأَعْمَش

(11)

رحمه الله يقول

(12)

: تأويل هذه المسألة أن الشهود شهدوا

(13)

على إقرار الغاصب بذلك؛ لأن الثابت من إقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة

(14)

، فأما الشهادة على فعل الغصب فلا تُقبل مع جهالة المغصوب؛ لأن المقصود إثبات الملك للمدّعي في المغصوب، ولا يتمكن القاضي من القضاء بالمجهول

(15)

، فلا بدَّ من الإشارة إلى ما هو المقصود بالدَّعوى في الشهادة، ولكنَّ الأصح أن هذه الدعوى والشهادة صحيحة لأجل الضرورة؛ فإنّ الغاصب يكون ممتنعًا من إحضار المغصوب عادة وحين يَغْصِب؛ فإنما يتأتَّى من الشهود معاينة فعل الغصب دون العلم بأوصاف المغصوب، فسقط اعتبار علمهم بالأوصاف لأجل التعذّر، ويثبت بشهادتهم فعل الغصب في محل هو مال متقوّم

(16)

، فصار ثبوت ذلك بالبينة كثبوته بإقراره، فيُحبس حتى يجيء به.

(1)

في (ع): (الواجب) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 322).

(2)

سقطت في (ع).

(3)

قال زُفر: (هو ضامن للقيمة؛ لأن الإبراء عن العين لغو، فإن الإبراء إسقاط، والعين ليست بمحل له إذ لا تسقط حقيقة، ولا يسقط ملك المالك عنها أيضًا، وإضافة التصرف إلى غير محله لغو). المبسوط للسرخسي (11/ 107)، بدائع الصنائع (7/ 152).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (6/ 10)، العناية شرح الهداية (9/ 322).

(5)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 322)، البناية شرح الهداية (11/ 189).

(6)

في (ع): زيادة (لا يصح بالعين).

(7)

في (ع): (ملكه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 322).

(8)

سقطت في (ع).

(9)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 322)، البناية شرح الهداية (11/ 189).

(10)

للسرخسي (11/ 66).

(11)

هو: سليمان بن مهران الأسدي بالولاء، أبو محمد، الملقب بالأعمش، تابعي، مشهور، أصله من بلاد الري، ومنشؤه ووفاته في الكوفة، كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض، قال الذهبي: كان رأسًا في العلم النافع والعمل الصالح، وقال يحيى القطان: هو علامة الإسلام توفي 148 هـ. انظر: تهذيب الكمال (12/ 76)، سير أعلام النبلاء (6/ 228)، تهذيب التهذيب (4/ 195)، صفة الصفوة (3/ 117).

(12)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 492)، فتاوى قاض خان (3/ 111).

(13)

سقطت في (أ).

(14)

انظر: المبسوط للسرخسي (17/ 54)، بدائع الصنائع (6/ 232).

(15)

انظر: المبسوط للسرخسي (14/ 165)، المحيط البرهاني (9/ 498).

(16)

المال المتقوم: هو مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ. حاشية ابن عابدين (4/ 501).

ص: 112

فإن قال الغاصب: قد ماتت أو بِعْتُها

(1)

، ولا أقدر عليها تلوّم القاضي في ذلك زمانًا، ولم يُعَجِّل بالقضاء بالقيمة؛ لأن بقضائه يتحوّل الحق

(2)

من العين إلى القيمة، وفيه نوع ضرر على صاحبها، فعين الملك مقصودة لصاحبها كماليته، وربما يتعلّل الغاصب بذلك لتُسلّم العين له عند أداء القيمة؛ فلهذا لا يُعجِّل بالقضاء بها، وليس لمدة التلوم مقدار، بل ذلك موكولٌ إلى رأي القاضي؛ لأن نصب المقادير بالرأي لا يكون

(3)

، وهذا التلوّم إذا لم يرضَ المغصوب منه بالقضاء بالقيمة له.

[الأفضل تلوم القاضي رجاء أن يظهر المغصوب]

وأما إذا رضي بذلك، أو تلَّوم القاضي فلم يقدر على الجارية، فإن اتفقا على قيمتها على شيء، أو أقام المغصوب منه البينة على ما يدّعي من قيمتها قضى القاضي بذلك).

[غصب المنقول]

وفي «الذخيرة»

(4)

ذكر في السِّير

(5)

: أن الغاصب إذا غصب المغصوب، فالقاضي يقضي عليه بالقيمة من غير تلوُّم، وذكر في غصب الأصل

(6)

: إذا غيَّب المغصوب فالقاضي يتلوم يومين أو ثلاثة على قدر ما يرى رجاء أن يظهر المغصوب، فقيل: ليس في المسألة روايتان، ولكن ما ذكر في السير جواب الجواز معناه: أن القاضي إذا قضى بالقيمة في الحال ولم يتلوم يجوز، وما ذكر في الغصب جواب الأفضل يعني: الأفضل أن يتلوم يومين أو ثلاثة وقيل: في المسألة روايتان.

[غصب العقار]

وقوله: (والغصب) مبتدأ، وقوله (فيما يُنْقل ويُحوَّل) خبره أي: الغصب ثابت

(7)

، أو متحقق فيما يُنقل ويُحوَّل، والدليل عليه ما ذكره بعده بقوله (لأن الغصب بحقيقته يتحقق فيه، وإذا غصب عقارًا)(فالعقار الضيعة، وقيل: كل مال له أصل من دار أو ضيعة) كذا في «المغرب»

(8)

.

(1)

في (أ): (عتقها) وما أثبت هو الصحيح. انظر: البناية شرح الهداية (11/ 190).

(2)

في (أ): (العين) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 66).

(3)

انظر: أصول السرخسي (2/ 110)، كشف الأسرار (3/ 220).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 524)، البناية شرح الهداية (11/ 190).

(5)

انظر: شرح السير الكبير (ص: 957).

(6)

انظر: الأصل للشيباني (12/ 123)، العناية شرح الهداية (9/ 323).

(7)

سقطت في (ع).

(8)

المغرب مادة (ع ق ر)(ص: 323)، وانظر: الصحاح مادة (ض ي ع)(3/ 1252)، مادة (ع ق ر)(2/ 754).

ص: 113

[عدم تحقق غصب العقار لاستحالة اجتماع اليدين]

وقوله: (ومن ضرورته زوال يد المالك) وهذا العذر إنما يحتاج إليه لتعليل [قول محمد لا لتعليل]

(1)

قول الشافعي؛ [فإن الشافعي]

(2)

يقول: بتحقق الغصب

(3)

(4)

، وإن لم يكن فيه إزالة يد المالك، وقد ذكرناه (لاستحالة اجتماع اليدين) أي: من جنس واحد وهو يد الانتفاع والارتفاق، هكذا قيَّد به في «الإيضاح»

(5)

، وهذا احتراز عمن آجر داره من رجل؛ فإنّ عين المستأَجَر في يد المستأجِر حقيقة، وفي يد المؤاجر حكمًا، وهما يدان مختلفان؛ ثم ههنا في العقار كانت يد المالك عليه ملكًا، وانتفاعًا فلما أثبت الغاصب يده

(6)

انتفاعًا زالت يد المالك من حيث الانتفاع لا محالة.

وقال في «الإيضاح»

(7)

: ومحمد

(8)

رحمه الله يَعتبر معنى إزالة اليد لتحقيق الغصب، وقد وجد ههنا لأن الإزالة تُعتبر من الوجه الذي ثبت، والمحل كان في يده انتفاعًا وارتفاقًا به، وقد زالت تلك اليد لحدوث يد أخرى مثلها؛ لأنه لا يتصور اجتماع اليدين من جنس واحد في محل واحد، وإذا انتفت يد المالك بإثبات يده على المحل يجب الضمان (فتحقق الوصفان)، وهما إزالة يد المالك، وإثبات يد الغاصب (وهو الغصب) أي: تحقُّق هذين الوصفين هو الغصب بعينه.

[إذا كان العقار وديعة]

(وجحود الوديعة) أي: في العقار يعني: إذا كان العقار وديعة في يده فجحده كان ضامنًا بالاتفاق

(9)

، فكذا بالغصب على ما يجيء (وهو فعل فيه) أي: والإخراج فعل في المالك (لا في العقار) فلا يكون غصبًا (فصار كما إذا بَعُدَ المالك

(10)

عن المواشي) فإن ذلك لا يكون غصبًا للمواشي حتى (لو حبس المالك حتى تلفت مواشيه لا يَضمن). كذا في «المبسوط»

(11)

.

(1)

في (ع): سقط نظر.

(2)

في (أ): سقط نظر. انظر: فتح العزيز (11/ 239)، روضة الطالبين (5/ 3)، تحفة المحتاج (6/ 2).

(3)

انظر: تحفة المحتاج (6/ 8)، نهاية المحتاج (5/ 150).

(4)

وبقول الشافعي قال مالك وأحمد. انظر: بداية المجتهد (4/ 101)، الشرح الكبير للدردير (3/ 443)، المغني (5/ 179)، كشاف القناع (4/ 77).

(5)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 324)، البناية شرح الهداية (11/ 191).

(6)

في (ع): (فيه).

(7)

انظر: الاختيار (3/ 60)، العناية شرح الهداية (9/ 324).

(8)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 143)، فتح القدير (9/ 326).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 76)، مجمع الأنهر (2/ 458).

(10)

في (ع): (الملك) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (4/ 297).

(11)

للسرخسي (11/ 74).

ص: 114

(وفي المنقول: النقل فعل فيه) أي: في ذلك المنقول (وهو الغصب) أي: الفعل في المغصوب بالنقل وهو الغصب؛ لأن بذلك يتحقق إزالة يد المالك/ عن ذلك المنقول، وإثبات يد الغاصب فيه فيتحقق الغصب مع أن هذين الموضعين- أعني: إزالة يد المالك، وإثبات يد الغاصب- لو اجتمعا في المنقول

(1)

فأعظمها تأثيرًا في الغصب وصف الإزالة لا وصف الإثبات، بدليل أنّ الإزالة لو تجرّدت عن الإثبات يصلح سببًا للضمان لا في العكس، وبيان ذلك: أن من كان في يده دُرَّة

(2)

فضرب غيره على يده حتى ألقاها في البحر؛ فإنَّه يجب الضمان على الضارب

(3)

، وقد عدم إثبات اليد، ولو تجرّد الإثبات عن الإزالة لم يصلح سببًا للضمان، كما إذا وضع يده على

(4)

مال الغير من غير إزالة عن مكانه، فلا يجب الضمان على الواضع؛ لأنّ التعدي إنّما يحصل بالإزلة؛ فإن محمدًا إنما يقول بالضمان لإثبات اليد في العقار، إذا كان ذلك الإثبات على طريق الاستيلاء، حتّى أن من دخل دار رجل بغير إذنه فسقط منها حائط لم يضمن بالاتفاق

(5)

. ذكره في «المبسوط»

(6)

.

ولما كان كذلك إذا اجتمع هذان الوصفان في المنقول يجب أن يُحلل حكم الغصب على ما هو أكثر تأثيرًا في سبب الضمان وهو الإزالة، لا على ما هو أقلّ تأثيرًا، وهو الإثبات.

لم يحتمل هذا الذي ذكره، وهو أن الغصب إنما يتحقق في المنقول بالنقل، ولا يتحقق بدون النقل فيما إذا لم يتصرف فيه تصرف الملاك

(7)

بأن وضع يده.

وأما إذا تصرَّف فيه تصرُّف الملاك يكون غاصبًا

(8)

بدون النقل عن مكانه؛ لأنه ذكر في «الذخيرة»

(9)

و «المغني»

(10)

: أنه إذا ركب دابّة رجل حال غيبته بغير أمره ثم نزل عنها وتركها في مكانها، ذكر في آخر كتاب اللُقطة أن عليه الضمان؛ وذكر الناطفي

(11)

في «واقعاته»

(12)

: فيه اختلاف الروايات، ثم قال: والصحيح أنه لا يَضمن على قول أبي حنيفة- رحمه الله؛ لأنّ غصب المنقول لا يتحقّق بدون النقل، ولكن ذكر في «الأسرار»

(13)

فيه الضمان على ما يجيء.

(1)

في (ع): (المغصوب).

(2)

الدُّرَّةُ: اللُّؤْلُؤَةُ. مختار الصحاح مادة (د ر ر)(ص: 103).

(3)

انظر: حاشية ابن عابدين (6/ 178).

(4)

سقطت في (أ).

(5)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 128)، بدائع الصنائع (7/ 148).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 76).

(7)

في (أ): (المالك).

(8)

سقطت في (أ).

(9)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 464)، درر الحكام (2/ 263).

(10)

انظر: البحر الرائق (8/ 124)، مجمع الضمانات (ص: 144).

(11)

هو: أحمد بن محمد بن عمر أبو العباس الناطفي، والناطفي نسبة إلى عمل الناطف وبيعه، أحد الفقهاء الكبار، له كتاب (الأجناس والفروق) في مجلد، و (الواقعات) في مجلدات، توفي بالري سنة 446 هـ. انظر: تاريخ الإسلام (9/ 676)، الجواهر المضية (1/ 113)، تاج التراجم (ص: 102)، الفوائد البهية (1/ 36).

(12)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 464)، فتاوى قاض خان (3/ 96)، البحر الرائق (8/ 124).

(13)

انظر: الأسرار (3/ 108).

ص: 115

[إذا كان العقار وديعة لا يُضمن]

(ومسألة الجحود ممنوعة)؛ لأنه ذَكَر في المُخْتَلِفات

(1)

: أنّ الوديعة لو كانت عقارًا لا يَضمن وإن جحد، وإن كان منقولًا يَضمن، وذكر في «المبسوط»

(2)

(والأصح أن يقول: جحود الوديعة بمنزلة الغصب، فلا يكون موجبًا للضمان

(3)

في العقار في قول أبي حنيفة وأبي يوسف

(4)

- رحمهما الله-) (ولو سلّم فالضمان هناك بترك الحفظ الملتزم)(أو لقصر يد صاحبه بالجحود؛ ولأن صاحبه لا يتوصّل إلى الوديعة بعد جحوده حتى إذا كانت الوديعة بساطًا لم ينقله، وجلس عليه جاحد الوديعة لم يَضمن؛ لأنه متى كان ظاهرًا لم تصر يد صاحبه مقصورة بالجحود بنفسه) كذا في «الأسرار»

(5)

.

[أدلة الخصم في تحقق الغصب في العقار]

فإن قلتَ: لو احتج محمد

(6)

والشافعي

(7)

-رحمهما الله-بالدليل السمعي، والحكم الشرعي

(8)

[أمّا السمعي فقال]

(9)

عليه السلام: «من غصب شبرًا من أرض طوّقه الله- تعالى- يوم القيامة من سبع أرضين»

(10)

، فقد أطلق لفظ الغصب على العقار

(11)

، وكذلك إطلاق

(12)

قوله عليه السلام: «على اليد ما أخذت»

(13)

دليل على ما قلنا؛ لأنه لا تقييد فيه بالمنقول.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 537)، العناية شرح الهداية (9/ 325).

(2)

للسرخسي (11/ 76).

(3)

في (ع): زيادة (بخلاف الوديعة).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 537)، البناية شرح الهداية (10/ 119).

(5)

للدبوسي (3/ 108)

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 49)، بدائع الصنائع (7/ 148)

(7)

انظر: فتح العزيز (11/ 240)، المجموع (14/ 227)، تحفة المحتاج (6/ 9)، نهاية المحتاج (5/ 150)

(8)

في (ع): زيادة (وكذلك إطلاق قوله)

(9)

سقطت في (ع).

(10)

أخرجه البخاري (4/ 106)، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين حديث (3195)، وأخرجه مسلم (3/ 1231)، كتاب المساقاة: باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها حديث (1612) قال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 129): حديث أبي هريرة "من غصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة"، أخرجه مسلم بلفظ (من أخذ) (3/ 1230) برقم (1610) وفي رواية من (اقتطع) (3/ 1230) برقم (1610) كتاب المساقاة: باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، واتفقا عليه من حديث عائشة بلفظ (من ظلم)، قال ابن الملقن:(هذا الحديث تبع في إيراده بلفظ «من غصب» الغزالي، فإنه أورده كذلك في «وسيطه» وهو حديث صحيح) انظر: البدر المنير (6/ 761).

(11)

سقطت في (ع).

(12)

سقطت في (ع).

(13)

سبق تخريجه ص (240).

ص: 116

وأمّا الحكم الشرعي: فهو ما ذكر في الزيادات

(1)

(2)

: أنّه إذا وهب لرجل دارًا بما فيها من الأمتعة

(3)

فهلكت الأمتعة قبل أن ينقلها الموهوب له ثم اُسْتُحِقَّتْ، فَلِلْمُسْتَحِقِّ أن يُضَمِّن الموهوب له، مع أنّ الموهوب له لم يُزل الأمتعة من يد المالك؛ فعُلم بهذا أن إزالة يد المالك ليست بشرط في الغصب والضمان.

وكذلك إذا ركب دابة غيره ولم ينقلها حتّى تلفت يَضمن الراكب مع عدم النقل؛ ولأن الاستيلاء على مال الغير هو الأصل في التملُّك، لا إزالة يد المالك، فكذلك في الغصب

(4)

، ألا ترى أنا نملك أراضي أهل الحرب بأيدينا المستولية على الأراضي، لا بالاستيلاء على المالك، حتى إذا فرَّ المُلاك ولم يُسترقوا نملك أراضيهم؛ ولأن الرواية منصوصة في كتاب الرجوع عن الشهادات

(5)

: (أنّ الشهود إذا شهدوا بدار لإنسان، وقضى القاضي بشهادتهم، ثم رجعوا ضمِنُوا قيمتها للمشهود عليه) فلا يكون شهادتهم أقوى من الغصب، فلما ضمنوا العقار بالشهادة الكاذبة ينبغي أن يَضمن الغاصب أيضًا بالغصب؛ لأنّ كل واحد منهما سبب للضمان، ما جوابنا عنه؟

[أصل الغصب يتحقق في العقار]

قلت

(6)

: أمّا الجواب عن الحديث الأوّل؛ فإنّ النبي عليه السلام بيَّن جزاء غاصب العقار بالوعيد في الآخرة، ولم يَذكر الضمان في الدنيا، وذلك دليل على أن المذكور جميع

(7)

جزائه، ولو كان الضمان

(8)

واجبًا لكان الواجب عليه أن يبيّن الضمان؛ لأنّ الحاجة إليه أمسُّ، فمن زاد عليه الضمان/ كان نسخًا، وهذا لا يجوز بالقياس، وإطلاق لفظ الغصب عليه لا يدل على تحقق الغصب فيه موجبًا للضمان؛ لأنّ في لسان الشرع حقيقة

(9)

ومجازًا

(10)

، ألا ترى أنه أطلق

(11)

لفظ البيع على الحر بقوله عليه السلام: «من باع حرًّا»

(12)

، وهذا لا يدل على أنّ

(13)

البيع الموجب لحكمه حقيقة يُتصوّر في الحرِّ، على أنّا نقول: يتحقق أصل الغصب في العقار، [ولكنَّ الغصب]

(14)

الموجب للضمان لا يتحقق؛ لأنّه مما لا يُنقل ولا يُحوَّل؛ لأنّ الضمان إنّما يجب جبرانًا للفائت من يد المالك، ولا يتحقق تفويت اليد بدون النقل؛ لأنّ يد المالك متى كانت تابعة على ماله في مكانٍ تبقى ما بقي المال في ذلك المكان

(15)

حكمًا

(16)

.

(1)

الزيادات في فروع الحنفية: للإمام محمد بن الحسن الشيباني (ت 189 هـ)، من كتب ظاهر الرواية، وإنما سمي به؛ لأنه كان يختلف إلى أبي يوسف، وكان يكتب من أماليه، فجرى على لسان أبي يوسف أن محمَّدًا يشق عليه تخريج المسائل، فبلغه فبناه مفرعًا، فرَّع على كل مسألة بابًا وسماه الزيادات، وهو مفقود، شرحه العتابي (مخطوط)، وشرحه قاض خان (مطبوع). انظر: كشف الظنون (2/ 962).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 75)، الأسرار (3/ 109)، البناية شرح الهداية (11/ 193).

(3)

المَتاعُ: المالُ والأَثاث والجمع أمتعة. لسان العرب (8/ 333).

(4)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 225)، حاشية ابن عابدين (6/ 182).

(5)

المبسوط للسرخسي (11/ 76).

(6)

انظر: الأسرار (3/ 110)، المبسوط للسرخسي (11/ 74).

(7)

في (ع): (ودليل) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 74).

(8)

في (أ): (لا ضمان) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 74).

(9)

الحقيقة: هي اسْم لكل لفظ هُوَ مَوْضُوع فِي الأَصْل لشَيْء مَعْلُوم. انظر: المغني (1/ 131)، الفصول في الأصول (1/ 359)، أصول السرخسي (1/ 170).

(10)

المجاز: هو اسْم لكل لفظ هُوَ مستعار لشَيْء غير مَا وضع لَهُ. انظر: المغني (1/ 131)، الفصول في الأصول (1/ 359)، أصول السرخسي (1/ 170).

(11)

سقطت في (ع).

(12)

أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب البيوع، باب إثم من باع حرًّا، (3/ 82) حديث (2227)، و كتاب الإجارة، باب إثم من منع أجرا الأجير (3/ 90) حديث (2270) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره".

(13)

في (ع): زيادة (الضمان) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 74).

(14)

سقطت في (ع).

(15)

في (ع): (المال) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 74).

(16)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 74)، بدائع الصنائع (7/ 148).

ص: 117

[لا يتحقق في غصب العقار الموجب للضمان]

وكذلك في الحديث الثاني لفظ الأخذ مجاز؛ لأن الأخذ حقيقة غير متصوّر في العقار؛ لأن حدّ الأخذ أن يصير المأخوذ تبعًا ليده؛ لأنّه مفعول فيه، فكان هو

(1)

منصرفًا إلى المنقول ضرورة ليُعمل بالأخذ على حقيقته

(2)

.

وأمّا مسألة الزيادات

(3)

فقيل: ذلك الجواب غير مستقيم على أصل محمّد- رحمه الله أيضًا؛ لأنه وافقنا [في المنقول]

(4)

على أنّه لا يُضَمِّنه بدون النقل، ثم العذر فيه: أنّ الواهب

(5)

نقل يده إلى الموهوب له، ويد الواهب في الأمتعة كانت مُفَوِّتَةً ليد المالك فانتقلت بصفتها إلى الموهوب له.

[ركوب الدابة من غير نقل]

وأمّا الضمان في مسألة الدابة إذا ركبها من غير نقل؛ فإنّ ذلك الضمان ضمان إتلاف لا ضمان غصب، ألا ترى أنّه لو ركب حرًّا فتلف تحته ضَمِن

(6)

، وحدّ الإتلاف ليس في النقل، ولأن الراكب بنفس الركوب يقصر يد صاحبها بصيرورة الدابة تبعًا

(7)

للرّاكب قيامًا أو سيرًا بالركوب بخلاف الأرض؛ فإنّها لا تصير تبعًا للمتصرف بمجرد الدخول، ألا ترى أن الرّاكب يَضمن وإن ركب خوفًا، ولم يقصد الغصب والاستيلاء كان للُبس بخلاف الدار، فإنه إذا دخل دار إنسان مُلتجئًا من حرٍّ أو بَردٍ لا يصير غاصبًا بالاتفاق

(8)

.

[استيلاء دار الحرب]

وأمّا الجواب عن استيلاء دار الحرب فقلنا: إن الاستيلاء الموجب للملك لا يدل على أنّه موجب الضمان لوجود الفرق بينهما، ألا ترى أن مجرّد عقد البيع موجب للملك، وهو ليس بموجب للضمان ما لم يوجد النقل والتسليم، أما الجواب عن مسألة الشهادة فيجيء بُعيد هذا كله مما أشار إليه في «المبسوط»

(9)

و «الأسرار»

(10)

.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 148)، البناية شرح الهداية (11/ 193).

(3)

انظر: شرح السير الكبير (ص: 2107)، المبسوط للسرخسي (11/ 75)، الأسرار (3/ 109).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

في (أ): (الواجب) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 75).

(6)

انظر: الأسرار (3/ 108).

(7)

في (ع): (معا) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(8)

انظر: الأسرار (3/ 107 - 108)، بدائع الصنائع (7/ 148).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 55).

(10)

انظر: الأسرار (3/ 106 - 108).

ص: 118

[العقار يُضمن بالإتلاف]

(والعقار يُضْمن به) أي: بالإتلاف (ويدخل فيما قاله) أي: قاله القدوري في مختصره

(1)

، وهو قوله (وما نقصه منه بفعله وسكناه ضمنه) وقوله (إذا انهدمت الدار بسكناه وعمله) بأن كان عمله الحِدَادة

(2)

والقِصَارة فَوَهَى جدار الدار بسبب القصارة وانهدم كان مضمونًا عليه؛ وإنّما قيّد الانهدام بسبب سكناه وعمله في الضمان؛ لأنّه إذا انهدمت الدار بعدما غصبها وسكن فيها لا بسبب سكناه وعمله لا ضمان عليه في قول أبي حنيفة

(3)

، وأبي

(4)

يوسف- رحمهما الله-

(5)

؛ لأنّ الغصب الموجب للضمان لا يتحقّق في العقار عندهما

(6)

، والحكم ينبني على السبب [كذا في غصب المبسوط]

(7)

(8)

.

[لا يضمن البائع بالبيع والتسليم]

(ولا بيِّنة لصاحب الدار) إنما قيّد به؛ لأنّه لو كان له بيّنة لا يَضمن البائع بالاتفاق

(9)

؛ لأنّه يمكن أن يُقيم البينة على أنها ملكه، ويأخذ الدار عن المشتري (فهو على الاختلاف في الغصب) أي: لا يَضمن البائع بالبيع والتسليم عندهما

(10)

خلافًا لمحمد- رحمهم الله لأنّ البيع والتسليم من البائع غصب، والغصب في العقار غير موجب للضَّمان عندهما

(11)

.

(1)

انظر: مختصر القدوري (1/ 129).

(2)

الْحِدَادَةُ: صِنَاعَةُ الْحَدَّادِ، وَهُوَ الصَّانِعُ فِي الْحَدِيدِ. المغرب مادة (ح د د) (ص: 107).

(3)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 325)، البناية شرح الهداية (11/ 194)، الجوهرة النيرة (1/ 340).

(4)

في (أ): (وأبو) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 73).

(5)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 325)، درر الحكام (2/ 263).

(6)

أي: عند أبي حنيفة وأبي يوسف- رحمهما الله-.

(7)

سقطت في (أ).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 73).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 76)، العناية شرح الهداية (9/ 326)، البناية شرح الهداية (11/ 194).

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 56)، بدائع الصنائع (7/ 144).

(11)

أي: عند أبي حنيفة وأبي يوسف- رحمهما الله-.

ص: 119

[إقرار الغاصب في حق المشتري]

وذكر في «المبسوط»

(1)

(وإن كان الغاصب للدار باعها وسلّمها، ثم أقرّ بذلك) وليس لرب الدار بيّنة، فإقراره في حق المشتري باطل؛ لأن المشتري صار مالكًا بالشراء من حيث الظاهر، فلا يُقبل قول البائع في إبطال ملكه، ثم لا ضمان على الغاصب للمالك في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر؛ لأنه مقرّ على نفسه بالغصب؛ فإنّ البيع والتسليم غصب، والغصب الموجب للضمان عندهما لا يتحقق في العقار) سواء كان بالقول أو بالفعل.

فإن قلتَ: يُشكل على هذا مسألة الشهادة التي مرت، وهي:(أن الشهود إذا شهدوا بدار لإنسان، وقضى القاضي بها، ثم رجعوا ضَمِنوا قيمتها للمشهود عليه بالاتفاق)

(2)

، ولم يَضمن البائع بالبيع

(3)

والتسليم عندهما

(4)

، فما الفرق بينهما مع أنّ الإتلاف بالقول شامل في الصورتين؟.

[رجوع الشهود عن الشهادة]

قلتُ: الفرق بينهما هو أن الإتلاف في مسألة الشهادة يتحقق على وجه لا يمكن نقضه؛ لأنّ من صار مقضيًا عليه/ في حادثة لا يصير مقضيًّا له في تلك الحادثة

(5)

، وفي البيع لا يتحقق على

(6)

هذا الوجه وذكر في «المبسوط»

(7)

(أن مسألة الشهادة على قول محمد وقيل: بل على قولهم جميعًا، ثم قال والفرق بين الفصلين لهما أن هناك أي: في مسألة الشهادة إتلاف الملك على المشهود عليه قد حصل بشهادتهما حتّى لو أقام البينة على الملك لنفسه لا تقبل

(8)

بينته، والعقار يُضمن بالإتلاف، وههنا أي: في البيع إتلاف الملك لم يحصل بالبيع والتسليم، بل بعجز المالك عن إثبات ملكه [ببينته ألا ترى]

(9)

أنه لو أقام البيّنة على أنها ملكه قُضي له بها؛ فلهذا لا يكون الغاصب ضامنًا)، [وكذلك الأصح في جحود الوديعة لا يكون ضامنًا]

(10)

عندهما

(11)

خلافًا لمحمد وقد مرّ

(12)

، وقوله (وهو الصحيح) يَحتمل أن يكون احترازًا عن قول بعضهم بأنّ في مسألة البيع والتسليم الضّمان على البائع بالاتفاق، ولكن لم يُورد ذلك القول في «المبسوط»

(13)

و «الإيضاح»

(14)

بل ذكر اختلاف الرواية في مسألة البيع والتسليم.

(1)

للسرخسي (11/ 76).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 76)، العناية شرح الهداية (9/ 326).

(3)

سقطت في (أ).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 56)، بدائع الصنائع (7/ 144).

(5)

انظر: المحيط البرهاني (9/ 215)، البناية شرح الهداية (12/ 309).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

للسرخسي (11/ 76).

(8)

في (ع): (يضمن) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 76).

(9)

في (أ): (بنفسه الإتيان) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 76).

(10)

سقطت في (ع).

(11)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 76)، المحيط البرهاني (5/ 537).

(12)

راجع، ص ().

(13)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 76).

(14)

قال الكاساني: (وحكى ابن سماعة عن محمد- رحمهما الله- الخلاف: أن على قول أبي حنيفة- رحمه الله إن شاء ضمن المشتري قيمتها يوم القبض ألفي درهم، وإن شاء ضمن الغاصب قيمتها يوم الغصب ألف درهم، وليس له أن يضمنه زيادة بالبيع والتسليم) بدائع الصنائع (7/ 143).

ص: 120

[الخلاف في تأويل نقصان الأرض]

(وإذا انتقص بالزراعة) أي: وإذا انتقص الأرض بالزراعة بتأويل العقار، أو

(1)

المغصوب (يَغْرَم النقصان)، واختلفوا في تأويل نقصان الأرض، قال نُصَيْر بن يَحيى

(2)

(3)

رحمه الله في نقصان الأرض: أنه يُنْظَر بكم تُستأجر هذه الأرض قبل استعمالها، وبكم تُستأجر بعد استعمالها، فتفاوت ما بينهما نقصانها، وقال محمّد بن سلمة

(4)

(5)

: يُنْظَر بكم تُشْتَرى قبل استعمالها، وبكم تُشْتَرى بعد استعمالها فتفاوت ما بينهما نقصان الأرض، قيل: رجع محمد بن سلمة إلى قول نُصير كذا في الفصل الثالث من «مزارعة التتمة»

(6)

(7)

، وفيه أيضًا: أن من زرع أرض الغير بغير إذنه، وبغير عقد مزارعة هل لصاحب الأرض أن يطالبه بحصة الأرض؟ قال شيخ الإسلام أبو الحسن

(8)

(9)

: نعم، إن كان عُرف أهل تلك القرية أنهم يزرعون أرض الغير على وجه المزارعة من غير عقد وإذن؛ وفي «فتاوى

(10)

الفقيه أبي الليث»

(11)

: أن الزرع للزّارع في هذه الصورة، وعليه نقصان الأرض إن كانت الأرض قد انتقصت

(12)

بسبب زراعته إلى آخره، فيأخذ رأس ماله وهو البَذر، وقَدْر ما غَرِم من النقصان.

(1)

في (ع): (و).

(2)

هو: نُصَيْر بن يحيى، وقيل هو: نصر بن يحيى البلخي، أخذ الفقه عن أبي سليمان الجوزجاني عن محمد، روى عنه أبو عتاب البلخي مات سنة 268 هـ. انظر: الفوائد البهية (1/ 22)، الجواهر المضية (2/ 200).

(3)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 326)، الدر المختار (6/ 187)، تبيين الحقائق (5/ 225).

(4)

هو: محمد بن سلمة البلخي، الفقيه، أبو عبد الله، تفقه على أبي سليمان الجوزجاني، وتفقه أيضًا على شداد بن حكيم، وروى عن زفر، وتفقه عليه أبو بكر محمد بن أحمد الإسكاف، توفي 278 هـ. انظر: الجواهر المضية (2/ 56)، الفوائد البهية (ص/ 168).

(5)

انظر: درر الحكام (2/ 264)، الدر المختار (6/ 187)، تبيين الحقائق (5/ 225).

(6)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 481).

(7)

قال الزيلعي: (وهو الأَقْيَس؛ لأن العبرة لقيمة العين دون المنفعة) أي: قول محمد بن سلمة. تبيين الحقائق (5/ 225).

(8)

هو: علي بن الحسين بن محمد السُّغْدي، القاضي أبو الحسين، الملقب شيخ الإسلام، والسُغْد ناحية كثيرة المياه والأشجار من نواحي سمرقند، سكن بخارى، وكان إمامًا فاضلًا فقيهًا مناظرًا، وسمع الحديث روى عنه شمس الأئمة السرخسي السير الكبير، من تصانيفه:(النتف في الفتاوى)، و (شرح السير الكبير)، وتوفي ببخارى سنة 461 هـ. انظر: تاريخ الإسلام (12/ 207)، الجواهر المضية (1/ 361 - 362)، تاج التراجم (ص: 209)، الفوائد البهية (1/ 121).

(9)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 195)، حاشية ابن عابدين (6/ 195).

(10)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 195)، البحر الرائق (8/ 127).

(11)

هو: نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي، الفقيه أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقه أبو الليث على أبي جعفر الهندواني، صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، له (تفسير القرآن) وكتاب (النوازل) في الفقه و (تنبيه الغافلين)، وكتاب (بستان العارفين)، توفي 373 هـ). انظر: تاريخ الإسلام (8/ 421)، سير أعلام النبلاء (16/ 322)، الجواهر المضية (2/ 196)، تاج التراجم (ص: 310).

(12)

في (أ): زيادة (الأرض).

ص: 121

[الرد هو الأصل والقيمة مخلص]

(وسنذكر الوجه من الجانبين) أي: في هذا الفصل في مسألة (ومن غصب عبدًا فاستغله فنقصته الْغَلَّة

(1)

، ويتصدّق بالغلة) إلى آخره (وعند العجز عن ردّه يجب القيمة أو يتقرر بذلك السبب بينهما) أي: تتقرر القيمة، وإنّما رد بينهما لاختلاف يُحرج المشايخ

(2)

في أنّ الرد هو الأصل والقيمة مُخَلِّصٌ

(3)

، أو على العكس على ما ذكر، وقال عند العجز عن ردّه يجب هذا على قول من يقول إنَّ الموجب الأصلي هو رد العين، والقيمة خَلَف عنه؛ وقوله (أو يتقرر) القيمة على قول من يقول القيمة هو الأصل، وردّ العين خلف عنه، فإذا هلك العين تقرّرت القيمة عليه كما كانت واجبة كما غصب

(4)

.

[ضمان الغاصب للنقصان إذا لم ينجبر بها]

(وإن نقص في يده) أي: المغصوب (في يد الغاصب ضمن النقصان) هذا إذا لم ينجبر نقصانه بالزيادة بوجه آخر، أما إذا انجبر بها فلا يَضمن عندنا

(5)

؛ فإنه إذا كان المغصوب (جارية فولدت عند الغاصب، ثم مات الولد فعلى الغاصب رد الجارية، ونقصان الولادة؛ لأنها دخلت في ضمانه بجميع أجزائها، وقد فات جزء مضمون منها، ولو فات كلها ضَمِن الغاصب قيمتها، والجزء معتبر بالكل، وأما إذا كان الولد حيًا فردّهما، وفي قيمة الولد وفاء بنقصان الولادة لم يَضمن الغاصب من نقصان الولادة شيئًا عندنا

(6)

، وقال زفر هو ضامن لذلك

(7)

كذا في «المبسوط»

(8)

.

(1)

الْغَلَّةُ: كُلُّ مَا يَحْصُلُ مِنْ رِيعِ أَرْضٍ أَوْ كِرَائِهَا أَوْ أُجْرَةِ غُلَامٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. المغرب مادة (غ ل ل)(ص: 344).

(2)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 327)، الجوهرة النيرة (1/ 339).

(3)

سقطت في (أ).

(4)

قال العيني: (والأول أصح؛ لأن الموجب الأصلي لو كان القيمة ورد العين مُخَلِّصًا عنه كان للغاصب أن يقول: خذ قيمة هذا المغصوب وهو جعل الدين وجب أصالة). البناية شرح الهداية (11/ 189)، و انظر: مجمع الأنهر (2/ 456).

(5)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 121)، المبسوط للسرخسي (11/ 58)، بدائع الصنائع (7/ 158).

(6)

وبه قال مالك. انظر: الإشراف (2/ 629)، الذخيرة للقرافي (8/ 305).

(7)

وبقول زفر قال الشافعي وأحمد. انظر: الحاوي الكبير (7/ 150)، المجموع (14/ 249)، المغني لابن قدامة (5/ 199).

(8)

للسرخسي (11/ 58).

ص: 122

ثم ذلك النقصان سواء كان ذلك في بدنه بأن كانت جارية فاعورّت، أو كانت شابة صارت عنده عجوزًا، أو نَاهِدَة

(1)

الثَّدِيين

(2)

فانكسر ثديُها، أو لم يكن في بدنه كما لو غصب عبدًا محترفًا، فنسي ذلك [عند الغاصب]

(3)

، أو كان قارئًا فنسِيَ القرآن ففي هذا كله يَضمن النقصان

(4)

، وهذا الحكم فيما إذا كان النقصان يسيرًا.

[الخيار للمالك إذا كان الخرق فاحشًا]

وأمّا إذا كان كثيرًا يتخيَّر المالك بين الأخذ والترك مع تضمين جميع قيمته؛ فإن من أخذ ثوب غيره فخرقه؛ فإن كان الخرق فاحشًا فصاحب الثوب بالخيار، إن شاء ترك الثوب عليه وضمّنه جميع قيمة الثوب، وإن شاء أخذ الثوب وضمّنه النقصان، وإن كان الخرق يسيرًا وصل إليه كان للمالك تضمين النقصان لا غير، ثم اختلفوا في الحدّ الفاصل بين الخرق اليسير والفاحش على ما يجيء بعد هذا/ - إن شاء الله تعالى- كذا في «الذخيرة»

(5)

.

[لا يضمن الغاصب قيمة المغصوب إذا كان بسبب تراجع الأسعار]

(بخلاف تراجع السعر) أي: لا يَضمن الغاصب نقصان قيمة المغصوب إذا كان ذلك النقصان بسبب تراجع السعر

(6)

؛ لأن الذّات لم تتغير عما كانت، وتغيُّر السعر يرجع إلى فتور رغبات الناس دون تغير الذّات (إذا رَدَّ في مكان الغصب) وإنما قيّد به؛ لأنّ تراجع السعر

(7)

إذا كان بسبب اختلاف مكان الغصب، فللمالك الخيار بين أخذ القيمة وبين الانتظار إلى الذهاب إلى ذلك المكان فيسترده

(8)

.

(1)

نَاهِدَة: نَهَدَ: إذا أشرف وكَعَّبَ، وإِذا ارْتَفَعَ عَنِ الصَّدْرِ وَصَارَ لَهُ حَجْم، فهي ناهِدٌ وناهِدَةٌ. الصحاح مادة (ن هـ د)(2/ 545)، لسان العرب مادة (ن هـ د)(3/ 429).

(2)

الثَّدْيُ: يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وهو البروز في صدر الرجل والمرأة، وهو يشتمل على الحلمة والكتلة اللحمية. مختار الصحاح مادة (ث د ا) (ص: 48)، معجم لغة الفقهاء (ص: 153).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 138)، فتاوى قاض خان (3/ 105)، قال ابن قدامة:(لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا) انظر: المغني (5/ 187 - 192).

(5)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 467)، المبسوط للسرخسي (14/ 50).

(6)

قال ابن قدامة: (وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ) المغني (5/ 194).

(7)

سقطت في (ع).

(8)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 159)، فتح القدير (9/ 327).

ص: 123

[إذا وجد المغصوبُ منه الغاصبَ في مكان الغصب]

وذكر في «الإيضاح»

(1)

ولو غصب منه عَينًا ثم لَقِيَه ببلد آخر، والعين في يده، والقيمة في هذا المكان

(2)

مثل القيمة في مكان الغصب أو أكثر، فللمغصوب منه أن يأخذه ولا يطالب بالقيمة؛ لأنّه وصل إليه عين حقه من غير ضرر وصل إليه، وإن كان السعر في هذا المكان أقل من السعر في مكان الغصب فالمغصوب منه بالخيار، إن شاء أخذ القيمة في مكان الغصب، وإن شاء انتظر؛ لأنّه إذا أخذ العين فقد وصل إليه عين ملكه مع ضرر يلحقه من قِبَل الغاصب، فإن قِيَمَ الأشياء تزداد وتنتقص باختلاف الأماكن، وهذا الفوات إنّما حصل من قِبَل الغاصب، وهو النّقل إلى هذا المكان، فكان له ألا يلتزم الضّرر ويطالبه بالقيمة، وله أن ينتظر، بخلاف ما إذا وجده في البلد الذي غصبه فيه، وقد انتقص السعر، حيث لا يكون له خيار؛ لأن النقصان ما حصل بفعل مضاف إلى الغاصب؛ وإنّما هو بمعنى راجع إلى فتور رغبات الناس؛ فلا يَضمن.

[لا يضمن البائع نقص المبيع قبل قبض المشتري]

(وبخلاف المبيع) بالواو معطوف على (بخلاف تراجع السعر) متعلقًا بقوله: (فما تعذر ردّ عينه يجب ردّ قيمته) أي: بخلاف المبيع في يد البائع إذا نقص شيء من قيمته بسبب فوات وصف منه قبل أن يقبضه المشتري

(3)

لا يَضمن البائع شيئًا لنقصانه للمشتري؛ حتى لا يسقط شيء من الثمن عن المشتري بسبب نقصان الوصف، وإن فَحُشَ النقصان حتى لو اشترى جارية بمائة، فاعورت في يد البائع، فصارت تساوي خمسين أو أقلّ، كان المشتري مُخيرًّا بين إمضاء البيع وفسخه، ولو اختار البيع يجب عليه تسليم

(4)

تمام المائة

(5)

كما شرط كما ذكر في الكتاب

(6)

.

(ومراده) أي: ومراد القدوري

(7)

في قوله: (وإن نقص في يده ضمن النقصان) أي: إذا كان في غير أموال الربا، [أما في أموال الربا]

(8)

فليس للمالك تَضمين نقصان الوصف مع استرداد الأصل، لكن له الخيار بين أخذ ماله مع النقصان وبين تركه وتضمين مثله

(9)

.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (9/ 528)، بدائع الصنائع (7/ 159)، فتاوى قاض خان (3/ 106).

(2)

سقطت في (أ).

(3)

سقطت في (أ).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

انظر: فتح القدير (6/ 272)، العناية شرح الهداية (9/ 328).

(6)

مختصر القدوري (1/ 129).

(7)

مختصر القدوري (1/ 129).

(8)

في (ع): سقط نظر.

(9)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 328)، تبيين الحقائق (5/ 225).

ص: 124

[تضمين نقصان الوصف مع استرداد الأصل إذا كان في أموال الربا]

وقال في «الإيضاح»

(1)

وهذا أي: تضمين نقصان الوصف مع استرداد الأصل فيما يجوز له بيعه بجنسه متفاضلًا، فأمّا إذا كان مما لا يجوز بيعه بجنسه متفاضلًا نحو أن يقضِيَه حنطة فَعَفِنَت

(2)

عنده، أو إناء فضة فانهشمت

(3)

في يده، أو بكسر الدراهم أو الدنانير فصاحبه بالخيار إن شاء أخذ ذلك بعينه ولا شيء له غيره، وإن شاء تركه وضمنه مثله.

[من استهلك قلب فضة عليه قيمته من الذهب مصوغًا]

وفي «المبسوط»

(4)

: (وإن استهلك قُلْب

(5)

فضّة فعليه قيمته من الذهب مصوغًا عندنا، وعند الشافعي

(6)

: يَضمن قيمته من جنسه بناء على أصله أن للجودة والصنعة في الأموال الربوية قيمة، وعندنا لا قيمة لها عند المقابلة بجنسها، فلو أوجبنا مثل قيمتها من جنسها أدَّى إلى الربا، ولو أوجبنا مثل وزنها كان فيه إبطال حق المغصوب منه عن الجودة والصنعة، فلمراعاة حقه والتحرّز عن الربا قلنا: يَضمن

(7)

القيمة من الذهب مصوغًا، وإن وجده صاحبه مكسورًا فرضي به، لم يكن له فضل ما بين المكسور والصحيح؛ لأنه عاد إليه عين ماله فبقيت الصنعة منفردة عن الأصل، ولا قيمة لها في الأموال الربوية، وله أن يُضَمِّن الغاصب قيمته مصوغًا من الذهب ويسلّمه إليه سواء كان النقصان بالكسر يسيرًا أو فاحشًا؛ لأنّه لا يتوصل إلى دفع الضرر عن نفسه وإيفاء حقه في الصنعة إلا بذلك).

وقوله: (لأنه يؤدي إلى الربا؛ لأن تضمين النقصان مع استرداد الأصل) كان اعتياضًا عن صفة الجودة والصنعة، [والجودة أو الصنعة]

(8)

بانفرادها لا قيمة لها في الأموال الربوية

(9)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 159)، البناية شرح الهداية (11/ 198)، البحر الرائق (8/ 129).

(2)

عَفَنَ: فَسَد مِنْ نُدُوَّةٍ وَغَيْرِهَا فَتَفَتَّتَ عِنْدَ مَسِّه، وهُوَ الشيءُ الَّذِي فِيهِ نُدُوَّةٌ ويُحْبَس فِي مَوْضِعٍ مَغْمُومٍ فَيَعْفَنُ ويَفْسُد. لسان العرب (13/ 288)، الصحاح مادة (ع ف ن)(6/ 2165).

(3)

الهَشْمُ: كَسْرُك الشَّيْءَ الأَجْوَف وَالْيَابِسَ. لسان العرب مادة (هـ ش م)(12/ 611).

(4)

للسرخسي (11/ 88).

(5)

قُلْبُ فِضَّةٍ: سِوَارٌ غَيْرُ مَلْوِيٍّ. المغرب مادة (ق ل ب)(ص: 391)، تاج العروس (4/ 71).

(6)

انظر: الحاوي الكبير (3/ 277)، المجموع (14/ 235 - 236)، تحفة المحتاج (6/ 21)، نهاية المحتاج (5/ 162).

(7)

في (أ): (نص) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (9/ 329).

(8)

سقطت في (ع).

(9)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 469)، البناية شرح الهداية (11/ 197).

ص: 125

[من غصب عبدا فغلته للغاصب]

(ومن غصب عبدًا فاستغله)

(1)

إلى آخره، وأخذ الأُجرة (فنقصته الغلة) أي: العمل في الإجارة جعل العبد مهزولًا.

وهذه المسألة بهذا الوضع من مسائل «الجامع الصغير»

(2)

، وذكر هذه المسألة في «المبسوط»

(3)

ولم يذكر نقص الغَلة ولا خلاف أحد، وقال:(رجل غصب عبدًا أو دابّة فأجَّره، فأصاب من غَلته فالغَلة للغاصب؛ لأن وجوبها بعقده)، وفي الأصل

(4)

: قال: (قلتُ ولم لا يكون لصاحب/ العبد قال: لأنه كان في ضمان غيره)، وكأنَّه أشار بهذا التعليل إلى قوله عليه السلام:«الخراج بالضمان»

(5)

، فحِين كان في ضمان الغاصب فهو الذي التزم تسليمه بالعقد دون المالك، ويُؤمر بأن يتصدق بها؛ لأنها حصلت له بكسب خبيث، ولم يَذكر فيه خلاف أحد

(6)

.

[شرط استطابة الربح: الملك، والضمان]

(فعليه النقصان لما بيّنا) أراد به قوله: (لأنه دخل جميع أجزائه في ضمانه بالغصب فما تعذّر ردّ عينه يجب ردّ قيمته) فنقصان

(7)

وصفه مما تعذّر فيه الردّ فوجب عليه ردّ قيمة النقصان، (وعلى هذا الخلاف إذا أجَّر الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ)، وكذلك المُودَع إذا تصرَّف في الوديعة وربح

(8)

فعند أبي يوسف

(9)

رحمه الله-يَطيب له الربح، ولأبي يوسف أنّه حصل [أي: أن]

(10)

الربح (حصل في ضمانه وملكه) يعني: أن شرط استطابة الربح شيئان: الملك، والضمان وقد وُجدا (أما الضمان) فلا يُشكل، لأن المغصوب دخل في ضمان الغاصب.

(1)

قال الحنفية والمالكية: لَا يَجْمَعُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَةٍ وَغَلَّةٍ، وقال الشافعية والحنابلة: له الجمع بينهما. انظر: المبسوط للشيباني (12/ 129)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (3/ 448)، الحاوي الكبير (7/ 160)، المغني لابن قدامة (5/ 209).

(2)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 445)، المبسوط للسرخسي (11/ 77)، بدائع الصنائع (7/ 154).

(3)

للسرخسي (11/ 77).

(4)

انظر: الأصل للشيباني (12/ 129).

(5)

أخرجه الشافعي: كتاب البيوع، باب فيما نهى عنه من البيوع، (2/ 143 - 144) برقم (479)، وأخرجه أحمد (40/ 272) برقم (24224)، وأخرجه أبو داود: كتاب البيوع والإجارات، باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم يجد به عيبا، (3/ 284) برقم (3508)، وأخرجه النسائي: كتاب البيوع، باب الخراج بالضمان، (7/ 254 - 255)، برقم (4490)، قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح). سننه (2/ 572)، قال ابن حجر:(صححه ابن القطان، وقال ابن حزم لا يصح). التلخيص الحبير (3/ 54)؛ قال الألباني: (ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير مخلد هذا، وثقه ابن وضاح وابن حبان). إرواء الغليل (5/ 159).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 77)

(7)

سقطت في (أ).

(8)

سقطت في (أ).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (20/ 29)، بدائع الصنائع (6/ 87).

(10)

في (أ): (لكان).

ص: 126

(وأما الملك) فلأنه تملّكه من وقت الغصب إذا ضَمِن، فصار ككسب المبيع بعد القبض، ولهما حديث الشاة المصلية

(1)

وهو معروف؛ ولأنّ الربح إنما يطيب بالملك والضمان، ثم لو وقع الخلل في الضمان لم يَطِبْ فكذلك في الملك، وقد وجد الخلل ههنا في الملك؛ لأنّ الغصب ليس من أسباب الملك وضعًا؛ وإنما صار سببًا للملك بطريق الاستناد

(2)

للضرورة، فكان نائبًا من وجه دون وجه، والشُبهة فيما بُني أمره على الاحتياط مُلحقة بالحقيقة

(3)

كذا ذكره الإمام المحبوبي

(4)

.

[التصدق إذا تمكن الربح]

(وما هذا حاله فسبيله التصدّق) كما إذا (اشترى جارية بيعًا فاسدًا وتقابضا وباعها وربح فيها تصدق بالربح) (لتمكُّن الخُبث

(5)

في الربح) على ما مرّ في فصل أحكام البيع الفاسد

(6)

، (وكذلك إذا اكتسب المبيع قبل القبض يلزمه التصدق به، وهنا أولى؛ وذلك لأن عدم الملك فوق عدم الضمان، ولما لم يَطِب له الربح عند عدم الضمان مع

(7)

وجود الملك، فلَأَنْ لا يطيب له الربح عند عدم الملك بالطريق الأولى

(8)

.

(1)

أخرجه أبو يوسف في الآثار: باب الصيد، (1/ 127) برقم (583)، وأخرجه أبو داود في سننه: كتاب البيوع، باب في اجتناب الشبهات (3/ 244) برقم (3332)، وأخرجه أحمد في مسنده: أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (38/ 451) برقم (23465)، وأخرجه الدارقطني في سننه: كتاب الأشربة، باب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك، (5/ 514) برقم (4763)، وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 410) برقم (935)، وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار كتاب الصيد والذبائح والأضاحي، باب أكل لحوم الحمر الأهلية (4/ 208) برقم (6408)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى: باب كراهية مبايعة من أكثر ماله من الربا (5/ 547) برقم (10825) قال ابن حجر: (وهذا معلول). الدراية (2/ 201).

(2)

الِاسْتِنَادَ: هُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ، وَيَرْجِعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى يُحْكَمَ بِثُبُوتِهِ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ. شرح التلويح (1/ 404)، قواعد الفقه (ص: 175)، موسوعة القواعد الفقهية (5/ 32).

(3)

انظر: أصول السرخسي (2/ 195)، كشف الأسرار (3/ 328).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 153)، المحيط البرهاني (5/ 519).

(5)

الخُبْثُ: أَيْ النَجِسٌ أَوْ كَرِيهُ الطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ حَرَامٍ. المغرب مادة (خ ب ث)(ص: 137)، المصباح المنير مادة (خ ب ث)(1/ 162).

(6)

انظر: الهداية (3/ 53).

(7)

سقطت في (أ).

(8)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 154)، تبيين الحقائق (5/ 225).

ص: 127

[أجرة المغصوب للمالك عند الشافعي]

وأمّا على قول الشافعي

(1)

(2)

رحمه الله: الغاصب إذا آجر المغصوب كان الأجر للمالك

(3)

، وهي فرع مسألة إتلاف المنافع)، كذا في «الجامع الصغير»

(4)

لقاضي خان.

(والملك الْمُسْتَنِدُ ناقص)؛ لأن الملك ثابت فيه من وجه دون وجه؛ ولهذا يظهر في حق القائم دون الفائت، وحصل من هذا أن الدراهم الحاصلة للغاصب بسبب استغلال المغصوب [مِلك الغاصب حتى لو أتلفها لا ضمان عليه للمغصوب]

(5)

منه؛ لأن هذا الأجر بدل

(6)

منفعة العبد، فلو استهلك الغاصب منفعة العبد، فَإِنْ استعمله في عمل من الأعمال لا يَضمن، فكذا إذا استهلك بدلها، إلى هذا أشار في «الذخيرة»

(7)

، وهذا الذي ذكره فيما إذا آجره الغاصب.

[لا ضمان على الغاصب إذا أتلف أجرة المغصوب]

وأمّا إذا آجر العبد المغصوب نفسه، وسَلَّم عن العمل صحّت الإجارة، فإن أخذ العبد الأجرة، وأخذ الغاصب الأجر منه، وأتلفه فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة

(8)

رحمه الله، وقالا

(9)

: يجب عليه الضمان، وإن كان الأجر قائمًا كان للمالك أخذه بالإجماع

(10)

؛ هما يقولان: إنّه أتلف مال الغير من غير تأويل فيجب الضمان، ولا شك أن الأجر مال الغير، وهو مولى العبد؛ لأنّه كَسْب عبده، وكسب العبد تبع للرقبة، فيكون لمالك الرقبة؛ ولأبي حنيفة

(11)

رحمه الله أن الكسب مال المالك، لكنّه لا عِصمة له في حق الغاصب بعد الغصب، فأشبه نصاب السرقة بعد القطع؛ وذلك لأن العصمة تثبت بيد حافظة إما بنفسه، أو بيد نائبه، ويد المالك لم تثبت على هذا المال، ويد الغاصب ليست يد المالك؛ فإن قيل: يد العبد يد الموْلَى، والكسب في يد العبد، فيصير

(12)

كأنّه في يد الموْلَى، قلنا: العبد في يد الغاصب حتى كان مضمونًا عليه، وإذا كان العبد في يد الغاصب لم يكن العبد مُحرَّزًا

(13)

وحافظًا نفسه عن الغاصب، فلا يكون مُحرَّزًا وحافظًا ما في يده أيضًا

(14)

، وكذلك قلنا: إن كسب المبيع قبل القبض غير مضمون على البائع بالاتفاق

(15)

، فكذا هنا، أو نقول الأجر بدل منفعة العبد، فلو استهلك الغاصب منفعة العبد لا يضمن، فكذا إذا استهلك بدلها كذا في «الذخيرة»

(16)

.

(1)

انظر: الأم للشافعي (3/ 254)، تحفة المحتاج (6/ 29)، نهاية المحتاج (5/ 170).

(2)

وبقول الشافعي قال أحمد. وقال مالك: (ليس على الغاصب شيء) انظر: المدونة (4/ 180)، الذخيرة للقرافي (8/ 314)، المغني لابن قدامة (5/ 203).

(3)

سقطت في (أ).

(4)

انظر: مخطوط الجامع الصغير (2/ 141/ أ)، بدائع الصنائع (7/ 150).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

في (ع): زيادة (على).

(7)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 517).

(8)

انظر: بداية المبتدي (ص: 191)، المحيط البرهاني (5/ 517).

(9)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 445)، البناية شرح الهداية (11/ 200).

(10)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 445)، المحيط البرهاني (5/ 517)، العناية شرح الهداية (9/ 140).

(11)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 517)، البناية شرح الهداية (11/ 200).

(12)

سقطت في (ع).

(13)

الحِرْزُ: الموضع الحصين. الصحاح مادة (ح ر ز)(3/ 873)، المغرب مادة (ح ر ز) (ص: 111).

(14)

سقطت في (ع).

(15)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 517).

(16)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 517)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 445).

ص: 128

[جواز استعانة الغاصب بالغلة إذا هلك العبد في يده]

(فلو هلك العبد في يد الغاصب حتّى ضَمِنَهُ، له أن يستعين بالغلة في أداء الضمان)؛ لأنها مِلْكه؛ (لأن الخَبَث لأجل المالك)، هذا جواب سؤال ذُكر ذلك السؤال والجواب

(1)

في «المبسوط»

(2)

وقال: (فإن قيل: القيمة دَين في ذمته- وهذه الغلة ملكه، ولكن هي واجب التصدق لخبثها-، ومن قضى دينه بمال الصدقة كان عليه أن يتصدق بمثله قلنا: نعم، ولكن التصدق/ بهذا لم يكن حتمًا عليه، ألا ترى أنّه لو سلّم الغلّة إلى المالك مع العبد كان للمالك أن يتناول ذلك، وليس على الغاصب شيء آخر، فهو بما صنع يصير مُسْلِمًا إلى المالك، ثم يصير المالك مُبرَّئًا عن ذلك القدر من القيمة بما يقبضه فيزول الخبث بهذا الطريق، فلا يلزمه التصدّق بعوضه).

[عدم جواز استعانة الغاصب بالغلة إذا هلك العبد في يد المشتري]

(بخلاف ما إذا باعه فهلك في يد المشتري) إلى آخره معناه: إذا باع الغاصبُ العبدَ المغصوب، ثم هلك في يد المشتري، (ثم اُسْتُحقَّ) فأدَّى المشتري القيمةَ إلى المالك، ثم رجع المشتري على الغاصب بالثمن؛ فإنّ البائع لا يَستعين بما استغلَّه قبل البيع في أداء الثمن، وَوَضَع المسألة في «المبسوط»

(3)

في الدابة فقال: (وإن كان الغاصب باع الدّابة وأخذ ثمنها فاستهلكه، وماتت الدابة عند المشتري فضمَّن ربُ الدابة المشتري قيمتَها رجع المشتري على الغاصب بالثمن؛ لبطلان البيع باسترداد القيمة منه، ثم لا يستعين الغاصب بالغلة في أداء الثمن؛ لأن الخبثَ بالغلة ما كان لحق المشتري، فلا يزول بالوصول إلى يده، بخلاف الأوّل؛ فإنّ الخبث لحق المالك، فيزول الخبث بوصول الغلة إلى يده).

[جواز استعانة الغاصب الفقير بالغلة إذا هلك العبد في يد المشتري]

وقوله: (ليس له) أي: ليس للغاصب (إلا إذا كان لا يجد) أي: الغاصب إذا كان فقيرًا (لا يجد غيره) أي: غير الغَّلة بتأويل الأجر، أو مال الغلة، أو الحاصل بالاستغلال

(4)

(لأنه محتاج إليه) فلمَّا كان هو محتاجًا صار هو كسائر الفقراء، وحاجته في ملكه الذي هو مستحق الصرف إلى الفقراء مُقدَّمة على حق سائر الفقراء؛ لأنه فقير كسائر الفقراء

(5)

فرجحانه باعتبار أنها ملكه، وإن كان فيها نوع خبث وكان هو أولى من غيره

(6)

(وقت الاستعمال

(7)

أي: وقت استهلاك الثمن، وفي «المبسوط»

(8)

(فإذا أصاب بعد ذلك مالًا تَصدَّق بمثله إن كان استهلك الثمن [يوم استهلكه]

(9)

وهو [غني عنه]

(10)

، فإن كان محتاجًا يوم استهلك الثمن لم يكن عليه أن يتصدق بشيء من ذلك؛ لأنّ وجوب الضمان عليه باعتبار إهلاكه الثمن، ولو استهلك الغَلة مكان الثمن، فإن كان محتاجًا فليس عليه أن يتصدّق بشيء منه، وإن كان غنيًّا فعليه أن يتصدّق بمثله، فكذلك في استهلاكه الثمن؛ وإنّما قلنا ذلك؛ لأن حق الفقراء في هذا المال

(11)

بمنزلة حقّهم في اللُّقَطَة، على معنى أن له أن يتصدّق، وله أن يردّه على مالكه إن شاء- أي: له أن ينتظر إلى أن يوجد مالكه- ثم الملتقط إذا كان محتاجًا فله أن يَصرف اللقطة إلى حاجة نفسه، بخلاف ما إذا كان غنيًّا، فكذلك حكم هذه الغلة).

(1)

سقطت في (أ).

(2)

للسرخسي (11/ 77).

(3)

للسرخسي (11/ 77).

(4)

في (ع): (بالاستهلاك).

(5)

في (ع): زيادة (لأنه).

(6)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 330)، البحر الرائق (8/ 129).

(7)

في (ع): (الاستغلال) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (4/ 298).

(8)

للسرخسي (11/ 77).

(9)

سقطت في (ع).

(10)

سقطت في (أ).

(11)

سقطت في (أ).

ص: 129

[وجوه من اشترى بدراهم مغصوبة]

(وقد مرّت الدلائل) أي: في المسألة التي قبل هذا، وهي مسألة (من غصب عبدًا فاستغلّه فنقصته الغلة) إلى آخرها، (ثم هذا ظاهر) أي: عدم طيب الربح (فيما يتعيّن بالإشارة) كالعروض (كالثمنين) أي: كالدّراهم والدّنانير، وفي «الذخيرة»

(1)

اشترى بدراهم مغصوبة أو بدراهم اكتسبها من الحرام شيئًا، فهذا على وجوه: إمَّا إنْ دفع إلى البائع تلك الدراهم أولًا، ثم اشترى منه بتلك الدراهم، أو اشترى قبل الدفع بتلك الدراهم ودفعها، أو اشترى قبل الدفع بتلك الدراهم ودفع غير تلك الدراهم، أو اشترى مطلقًا، ودفع تلك الدراهم، أو اشترى بدراهم أُخر ودفع تلك الدراهم، وفي الوجوه كلها لا يطيب له التناول قبل الضمان، يعني: قبل ضمان الدراهم، وبعد الضمان لا يطيب له الربح، هكذا ذكر في «الجامع الصغير»

(2)

.

قال أبو الحسن الكرخي

(3)

(4)

(5)

رحمه الله هذا الجواب صحيح في الوجه الأول والثاني، أما في الوجه الثالث والرابع والخامس يطيب له؛ قالوا: واليوم الفتوى على قول أبي الحسن لكثرة الحرام؛ دفعًا للحرج عن الناس، وهكذا أيضًا ذكره الإمام شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله في «الجامع الصغير»

(6)

مُحالًا إلى تفسير هشام

(7)

، فقال: إذا اشترى بالدراهم المغصوبة بعينها طعامًا ونقدها لم يحل له أكله، فإن اشترى بدين في ذمّته طعامًا ثم نقد تلك الدراهم أو اشترى بها بعينها ثم نقد غيرها حلّ له أكله؛ لأن النقود لا يتعيّن في العقد بمجرّد إضافة العقد إليه ما لم ينقده؛ ولهذا كان له أن يمسكها بعد الشراء بها ويُبعد غيرها، ولا يكون له أن يردّها

(8)

بعدما نقدها، فإذا استعان في العقد والنقد جميعًا بما هو مغصوب تمكَّن فيه الخبث، فيتصدق بالربح.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 499)، العناية شرح الهداية (9/ 331)، البناية شرح الهداية (11/ 201).

(2)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 445)، المحيط البرهاني (5/ 499)، العناية شرح الهداية (9/ 331)، البناية شرح الهداية (11/ 201).

(3)

هو: أبو الحسن عبيد الله بن الحسن البغدادي الكرخي، الفقيه الشيخ الإمام الزاهد، مفتي العراق وشيخ الحنفية، حدث عنه أبو بكر الرازي، وإليه انتهت رئاسة المذهب، كان علامة كبير الشأن، أديبًا بارعًا، انتهت إليه رياسة الأصحاب، وانتشر تلامذته في البلاد، وكان عظيم العبادة والصلاة والصوم، صبورًا على الفقر والحاجة عاش ثمانين سنة. توفي 340 هـ. انظر: تاريخ الإسلام (7/ 743)، سير أعلام النبلاء (15/ 426)، البداية والنهاية (11/ 224 - 225)، الجواهر المضية (1/ 337).

(4)

للكرخي جامع مخطوط في مكتبه الحرم المكي في مكة المكرمة، رقم الحفظ:(493) حنفي وهو يسمى بمختصر الكرخي الفقهي، وعليه شرح للقدوري، وقد حَقق جزءًا من الشرح سالم بن الحميدي التميمي في رسالة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

(5)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 499)، حاشية ابن عابدين (5/ 235).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (14/ 15).

(7)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 155)، حاشية ابن عابدين (5/ 235).

(8)

في (ع): (يستردها).

ص: 130

قوله: (لأن الإشارة إذا كانت لا تفيد التعيين لا بد أن يتأكد بالنقد)، ولأنه لمَّا أشار إليها صارت معقودة عليها، غير

(1)

أنّه يتخير بين إيفاء عينها أو مثلها، فحين أوفاها فقد تمّ حكم العرض فيها ولو كان عرضًا/ والمسألة بحالها تصدق بالربح، كذا هذا ذكره الإمام المحبوبي

(2)

رحمه الله.

[من اشترى بالدراهم المغصوبة لا يطيب له سواء قبل الضمان أو بعده]

(وقال مشايخنا

(3)

: لا يطيب قبل أن يضمن، وكذا بعد الضمان بكل حال) وقوله:(بكل حال) يتعلق بالصورتين أي: قال مشايخنا لا يطيب أن يتناول من المشتري قبل أن يضمن بكل حال، وكذلك بعد الضمان لا يطيب الربح بكل حال؛ (وإطلاق الجواب) بقوله (يتصدق بجميع الربح) ههنا أي: في «الجامع الصغير»

(4)

وفي «المضاربة»

(5)

و «الجامع الكبير»

(6)

دليل هذا القول (وهو المختار)، وحاصلة: (أنه متى استفاد بالحرام مِلكًا من طريق الحقيقة- أي: فيما يتعين- أو

(7)

الشبهة- أي: فيما لا يتعيّن يثبت الخبث-، وقد لا يثبت [في الدراهم]

(8)

إلا الشُبهة أي: إذا استعاد بها الملك؛ لأنه إذا أشار لم تتعين إلا في حكم جواز العقد لمعرفة النقد والمقدار، وإذا نقد استفاد به سلامة المشتري، فأمّا أن يصير عينها عوضًا فلا تثبت إلا الشبهة، وإذا أشار ولم ينقد فقد استفاد بالإشارة جواز العقد، وإذا نقد ولم يُشر فقد استفاد بها سلامة المشتري، فتمكنت الشُبهة بكل حال؛ ولما استوت الوجوه في الشُبهة استوت في الخبث والحرمة كذا ذكره فخر الإسلام

(9)

رحمه الله، وذكر أخوه صدر الإسلام

(10)

رحمه الله في «الجامع الصغير»

(11)

.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 154)، حاشية ابن عابدين (6/ 189).

(3)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 331)، تبيين الحقائق (5/ 226)، حاشية ابن عابدين (6/ 189).

(4)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 333).

(5)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 202).

(6)

انظر: الجامع الكبير (1/ 225).

(7)

في (أ): (و).

(8)

سقطت في (ع).

(9)

انظر: شرح الجامع الصغير للبزدوي (3/ 772 - 774)

(10)

هو: محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم، أَبو اليسر، صدر الإسلام البزدوي ولد 421 هـ، فقيه بخاريّ، ولي القضاء بسمرقند، كان يدرس في الدار الجوزجانية ويملي فيها الحديث، انتهت إليه رياسة الحنفية في ما وراء النهر، له تصانيف في الأصول والفروع، منها (أصول الدين)، توفي في بخارى عام 493 هـ. انظر: تاريخ الإسلام (10/ 746)، سير أعلام النبلاء (14/ 122)، الجواهر المضية (2/ 270 - 271)، الأعلام للزركلي (7/ 22).

(11)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 155)، البحر الرائق (8/ 130)، تبيين الحقائق (5/ 226)

ص: 131

ولو اشترى بالألف المغصوبة طعامًا هل يُباح له الأكل؟ أو اشترى بها جارية هل يُباح له الوطء الصحيح؟ أنه لم يكن له الوطء والأكل؛ لأن في السبب نوع خُبْث؛ ولهذا المعنى بعض الظلمة الذين فيهم قليل تقوى يشترون الأشياء نسيئة ويصرفونها إلى حوائجهم، ثم يقضون الأثمان

(1)

.

وفي «الجامع الصغير»

(2)

للإمام المحبوبي، وفي نوادر بن سماعة

(3)

: إذا غصب ثوبًا أو كُرًّا

(4)

فاشترى به طعامًا لا يَسَعُه أن يأكل حتى يؤدّي قيمة الثوب، [أو يؤدّي مثل الْكُرّ

(5)

، ولو غصب دراهم فاشترى بها طعامًا وَسِعه أَكْلُه؛ لأن الثوب]

(6)

إذا استحق ينتقض البيع، وإذا استحقت الدراهم لا ينتقض البيع، ولو غصب كُرّ حنطة أو ثوبًا

(7)

فاشترى به جارية لا يسعه وطؤها، ولو غصب ثوبًا وتزوّج به امرأة أو

(8)

غصب كُرّ حنطة أو شعير فتزوج به وسعه وطؤها؛ لأن في النكاح إذا استحق ما جُعل مهرًا لا ينتقض النكاح ولو استحق في البيع انتقض البيع.

[من اشترى جارية فوهبها أو طعاما فأكله فعليه الرد]

(وإن اشترى بالألف جارية تساوي ألفين) أي: إن اشترى بالألف المغصوبة جارية؛ (لأنّ الربح إنما يتبين

(9)

عند اتحاد الجنس) ولم يتحد؛ لأن الألف غير الجارية، والجارية وإن كانت تساوي العين لا يتبين

(10)

أن

(11)

الألف فيها ربح؛ لاختلاف الجنس

(12)

بين الألف والجارية

(13)

.

(1)

انظر: تحفة الفقهاء (2/ 60)، فتاوى قاض خان (3/ 120)، البناية شرح الهداية (11/ 202)

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 112)، بدائع الصنائع (7/ 155)، البناية شرح الهداية (11/ 202)

(3)

انظر: المصدر السابق.

(4)

الْكُرُّ: سِتُّونَ قَفِيزًا. وَثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ، والكُرُّ مِنْ هَذَا الْحِسَابِ اثْنَا عَشَرَ وَسْقًا، كُلُّ وَسْقٍ سِتُّونَ صَاعًا. المغرب مادة (ك ر ر) (ص: 405)، لسان العرب (5/ 137)، حاشية ابن عابدين (6/ 36)، معجم لغة الفقهاء (ص: 379).

(5)

في (أ) زيادة (الغصب).

(6)

في (ع): سقط نظر.

(7)

في (أ): زيادة (فاشترى بها طعامًا وسعه أكله؛ لأن الثوب إذا استحق ينتقض البيع، وإذا استحقه الدراهم لا ينتقض البيع، ولو غصب كرّ حنطة أو ثوبًا) وهي جملة مكررة.

(8)

في (أ): (و).

(9)

في (ع): (يتعين) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (4/ 299).

(10)

في (ع): (يتعين) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (4/ 299).

(11)

سقطت في (ع).

(12)

سقطت في (ع).

(13)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 154)، البناية شرح الهداية (11/ 202).

ص: 132

[جواز إعتاق المضارب العبد ويكون في ربعه]

فإن قلتَ: يُشكل على هذا التعليل مسألة المضاربة، وهي ما ذَكر في باب عِتق المُضارب ودعوته من مضاربة «المبسوط»

(1)

، فقال:(ولو كان اشترى-أي: المضارب-بالألف- التي هي جميع رأس المال- عبدًا يساوي ألفين فأَعْتَقه المضارب جاز عِتْقه في ربعه) وعلّل فقال: (لأن المال

(2)

كله من جنس واحد، وفيه فَضْل على رأس المال فيَملك المضارب حصّته من الربح، وذلك رُبع العبد، فإنَّ نصفه مشغول برأس المال، والنصف الآخر ربح بينهما نصفان) فقد أظهر الربح في الألف الزائد في

(3)

قيمة العبد على الألف التي هي رأس المال، مع أنّ العبد غير الألف الذي أعطاه ربُّ المال إلى المضارب.

ومثل هذه المسألة مرّت في مسائل المضاربة أيضًا، قلتُ: نعم، كذلك، إلا أنّ في المضاربة لما انقلب رأس المال عبدًا بتصرف المضارب، وفي العبد زيادة قيمة يُضعِّف رأس المال ظهر الربح لبقاء العبد، وظهور المجانسة بين رأس المال والربح؛ لأن نصف العبد بمقابلة رأس المال، والنصف الآخر بمقابلة الربح، ونصف العبد مجانس لنصفه الآخر في حال بقاء العبد، فيَظهر الربح لوجود المجانسة بين رأس المال والربح حال بقاء العبد، وفي مسألتنا أيضًا ظهر الربح بزيادة القيمة في الجارية على الألف

(4)

المغصوبة، ولكنْ أزالها عن ملكه بغير عوض مالي، فلم يعمل ظهور الربح، فلا يجب التصدق بمقابلة الربح.

وقال شمس الأئمة السرخسي

(5)

رحمه الله في «الجامع الصغير»

(6)

في هذه المسألة: لم يتصدق بشيء ههنا؛ لأن الواجب عليه عند تمكُّن الخُبْث في التصرف التصدق بالربح ولم يظهر الربح ههنا يعني: بعد الاستهلاك، وذلك لأنَّا لو قلنا بوجوب التصدق بعد إخراجها عن ملكه من غير/ عوض مالي يكون غُرمًا محضًا، إلى هذا أشار فخر الإسلام- رحمه الله في «الجامع الصغير»

(7)

فقال: (لأن الخُبْث ثابت بالشُّبهة، والشُّبهة تعمل في التصدق لا في التضمين، ولو ثبت التصدق بعد الاستهلاك لم يثبت إلا بواسطة التضمين، ولا سبيل إلى التضمين)؛ لأن الإنسان [لا يَضمن]

(8)

بإتلاف مال

(9)

نفسه، أما في مسألة المضاربة وُجدت المجانسة على ما قلنا، والعبد باق في ملكه، فظهر الربح فعمل عمله، فلذلك تعرض في التعليل إلى جانب وجود المجانسة في قوله

(10)

: (لأن المال كله من جنس واحد، وفيه فضل على رأس المال) فيظهر الربح حتّى إذا كان مال

(11)

المضاربة أجناسًا لا يظهر الربح، وإن كانت قيمتها تزيد على رأس المال.

(1)

للسرخسي (22/ 110).

(2)

في (أ): (الملك) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (22/ 110).

(3)

في (ع): (من).

(4)

في (ع): (الأرض) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(5)

هو: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، فقيه أصولي حنفي، ينسب إلى "سَرْخس" وهي بلدة قديمة من بلاد خراسان، أخذ الفقه والأصول عن شمس الأئمة الحلواني، وبلغ منزلة رفيعة، عده ابن كمال باشا من المجتهدين في المسائل، كان عالمًا عاملًا ناصحًا للحكام، سجنه الخاقان بسبب نصحه له، من مصنفاته:(شرح السير الكبير) و (المبسوط)، توفى سنة 483 هـ، انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 171)، الجواهر المضية (2/ 28)، تاج التراجم (ص: 234)، الفوائد البهية (1/ 158).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (30/ 195).

(7)

للبزدوي (3/ 775).

(8)

سقطت في (أ).

(9)

في (أ): (ملك)

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (22/ 110).

(11)

سقطت في (ع).

ص: 133

وقد مرّ في المضاربة في قوله

(1)

: (وإن كان مع المضارب ألف بالنصف فاشترى بها جارية قيمتها ألف، فجاءت بولد يساوي ألفًا) إلى أن قال

(2)

: (إذا صار مال المضاربة أعيانًا كل عين منها يساوي رأس المال لا يظهر الربح) لصلاحية كل واحد منهما لرأس المال، والله أعلم

(3)

.

* * *

‌فصل فيما يتغيّر بعمل الغاصب

لما ذَكر مقدمات الغصب من بيان معنى الغصب لغةً وشرعًا

(4)

، ومن أحكام الضمان، وما يتحقق فيه الغصب، وما لا يتحقق، وذكر في هذا الفصل كيفية ثبوت المِلْك للغاصب عند أداء الضمان وما يتعلَّق بها.

[لا يزول اسم الشاة بمجرد الذبح]

وقوله (حتَّى زال اسمها) احتراز عمن غصب شاة غيره وذبحها حيث لم يَزُل ملك مالكها منها بمجرّد الذبح في ظاهر الرواية

(5)

؛ لأنه لم يَزُل اسمها؛ لأنه يقال شاة مذبوحة وشاة حيَّة، وكذلك أيضًا فيه إدخال لحنطة غصبها وطحنها، حيث يزول ملك المغصوب منه بمجرّد الطحن؛ لوجود المخالفة بين الحِنطة والدقيق من حيث الاسم والهيئة والحكم والمقصود؛

[لا يجب رد الدقيق فيمن غصب جنطة واستهلكها]

أمّا الحكم فإنّه إذا غصب حنطة واستهلكها لا يجب عليه ردّ الدقيق بالإجماع

(6)

، فعُلم به أنّه غيَّر الحنطة حكمًا أيضًا.

[زوال اسم الشاة بعد الطبخ]

وأمّا غير الحكم فظاهر؛ وكذلك في الشاة إذا ذبحها وشَوَاها أو طبخها كانت هي بمنزلة الحنطة إذا طحنها؛ لأن الشاة بعد الطبخ زال اسم الشاة عنها، وقوله:(وأعظم منافعها) أيضًا احتراز عما

(7)

إذا غصبها وطحنها؛ لأنَّ المقاصد المتعلِّقة بعين الحنطة تزول بالطحن، وهي جعلها بذرًا

(8)

وهريسة

(9)

وكِشكًا

(10)

ونشاءً

(11)

وغيرها،

[ضمان قيمة الشاة على الغاصب إذا طبخها]

(زال ملك المغصوب منه عنها) أي: تَجب القيمة في الشاة إذا طبخها على الغاصب، وفي الحنطة إذا طحنها المِثْل على الغاصب، ويزول ملك المغصوب منه على وجه لو أتى المالك أخذ القيمة وأراد أخذ اللحم مشويًّا لم يكن له ذلك؛ لأن الملك قد زال [كذا في الإيضاح]

(12)

.

(1)

انظر: بداية المبتدي (ص: 178).

(2)

انظر: الهداية (3/ 203).

(3)

سقطت في (أ).

(4)

في (أ): (وشريعة).

(5)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 147)، المبسوط للسرخسي (11/ 86)، بدائع الصنائع (7/ 158).

(6)

وبه قال مالك. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 87)، بدائع الصنائع (7/ 159)، المحيط البرهاني (5/ 471)، المدونة (4/ 185)، الذخيرة للقرافي (9/ 10).

(7)

في (ع): (عن حنطها).

(8)

البَذْر: هُوَ مَا عُزِلَ مِنَ الْحُبُوبِ للزَّرْعِ والزِّراعَةِ. الصحاح مادة (ب ذ ر)(2/ 587) لسان العرب مادة (ب ذ ر)(4/ 50).

(9)

الهريسة: البُرَّ الذي هي مِنْهُ يُدَقُّ ثُمَّ يُطْبَخُ. لسان العرب مادة (هـ ر س)(6/ 247).

(10)

الْكِشْكُ: مَدْقُوقُ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ، يُعْمَلُ من الحِنْطَةِ، واللَّبَنِ، ويُنَشَّفُ ويُرْفَع، يطبُخُونه من اللَّحْمِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. المغرب مادة (ك ش ك) (ص: 409)، تاج العروس مادة (ك ش ك)(27/ 314).

(11)

النَّشَا: شَيْءٌ يُعْمَلُ بِهِ الفالوذَجُ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. لسان العرب (15/ 325).

(12)

سقطت في (أ). انظر: بدائع الصنائع (7/ 158)، المحيط البرهاني (5/ 498).

ص: 134

وقوله (كمن غصب شاة وذبحها وشواها أو طبخها) إنما قيّد بالشي

(1)

والطبخ؛ لأن بمجرد الذبح لا ينقطع حق المالك على ما ذكرنا، (ولكن المالك يُضَمِّن الغاصب النقصان في ظاهر الرواية

(2)

، وفي رواية

(3)

الحسن عن أبي حنيفة-رحمهما الله- أنه لا يُضمِّنه شيئًا؛ لأن الذبح والسلخ في الشاة زيادة، ولهذا يلتزم بمقابلته العوض، ولكن ما ذكره في ظاهر الرواية أصح؛ لأنه زيادة من حيث التفويت إلى الانتفاع باللحم، ولكنه نقصان

(4)

بتفويت سائر الأغراض من الحيوان، فلأجله يثبت الخيار، فكان هذا والقطع في الثوب سواء، يُضمِّنه النقصان، إن شاء أخذ المذبوح، وإن شاء تركها وضمن قيمتها). كذا في «المبسوط»

(5)

.

[جواز تضمين النقصان مع أخذ العين في الأموال الربوية عند الشافعي]

(وقال الشافعي

(6)

(7)

رحمه الله لا ينقطع حق المالك) بل يأخذ الدقيق، ويُضمِّنه النقصان إن كان؛ لأنَّ على أصله تضمين النقصان مع أخذ العين في الأموال الربوية جائز (وهو رواية عن أبي يوسف

(8)

رحمه الله) وذَكر في «الإيضاح»

(9)

رُوي عن أبي يوسف-رحمه الله ثلاث روايات:

(1)

شوَى اللَّحم: أنضجَه بالنّار مباشرة، وجعلَه صالحًا للأكل. معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1251).

(2)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 147)، بدائع الصنائع (7/ 158)، الاختيار (3/ 63).

(3)

قال السمرقندي: (ورُوي عن أبي حنيفة أن المالك بالخيار إن شاء أخذها ولا شيء له غيرها، وإن شاء تركها وضمنه قيمتها يوم غصبها؛ لأن الذبح زيادة). تحفة الفقهاء (3/ 93).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

للسرخسي (11/ 86).

(6)

قال الشافعي: (وإذا غصب الرجلُ من الرجل قمحًا فطحنه دقيقًا نَظَر، فإن كانت قيمة الدقيق مثل قيمة الحنطة أو أكثر فلا شيء للغاصب في الزيادة، ولا عليه؛ لأنه لم ينقصه شيئًا وإن كانت قيمة الدقيق أقل من قيمة الحنطة رجع على الغاصب بفضل ما بين قيمة الدقيق والحنطة، ولا شيء للغاصب في الطحن؛ لأنه إنما هو أثر لا عين). الأم (3/ 263). وكذلك انظر: الحاوي الكبير (7/ 191)، روضة الطالبين (5/ 24)، تحفة المحتاج (6/ 21)، نهاية المحتاج (5/ 163).

(7)

وبقول الشافعي قال أحمد. انظر: المغني لابن قدامة (5/ 196).

(8)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 471)، البناية شرح الهداية (11/ 205).

(9)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 153)، المحيط البرهاني (5/ 471).

ص: 135

أحديها: مثل قول أبي حنيفة ومحمد

(1)

-رحمهما الله-.

والثانية: أن حقَّ المالك لا يسقط عنه، ولكن ملكه يزول عنه، وتباع له العين في دينه وهو أحق به من جميع الغرماء إن مات.

[روايات عن أبي يوسف فيمن غصب الحنطة]

وفي رواية له: أن يأخذ الدقيق ويَبرأ الغاصب من الضمان؛ لأنه يُؤدي إلى الربا؛ لأنَّ الدقيق عين الحنطة من وجه، فكان له أن يأخذه كما قبل الطحن، وهذا لأنّ عمل الطحن في تفريق الأجزاء لا في إحداث ما لم يكن موجودًا، وتفريق الأجزاء لا يُبَدِّل العين كالقطع في الثوب، والذبح والسلخ في الشاة؛ والدليل

(2)

على بقاء جنس الحنطة فيه: جريان الربا بينهما ولا يجري الربا إلا باعتبار المجانسة، فلمَّا ثبتت الجنسية بين الحنطة/ ودقيقها [كان أخذ الدقيق بمنزلة أخذ عين الحنطة، فلو أُخذ عين الحنطة كان لا يجوز أن يأخذ معها شيئًا آخر]

(3)

، لنقصان صفتها بسبب الْعُفُونَة لأدائه إلى الربا على ما مرَّ، فكذلك ههنا، (وتتبعه الصنعة)، وهي صنعة الغاصب من جعله دقيقًا وغيره

(4)

.

[إذا هبت الريح في الحنطة وألقتها في طاحونة]

(كما إذا هبّت الريح في الحنطة وألقتها في طاحونة

(5)

فطحنت) أي: بكون الدقيق هناك لمالك الحنطة فكذلك ههنا، غاية ما في الباب أن في صورة النزاع تخلَّل فعل الغاصب ولكن فعله عدوان، والعدوان لا يصلح أن يكون سببًا للملك، فلغا فعله فصار كالحنطة التي هبّت الريح فيها، وألقتها في طاحونة فطحنت من هذا الوجه، إلى هذا أشار في «المبسوط»

(6)

و «الإيضاح»

(7)

، فأرَّبت الشاة جعلها إرْبًا إرْبًا أي: عضوًا عضوًا

(8)

، (ولنا: أنه أحدث صنعة متقوّمة) لأنّ عين الحنطة تزداد قيمتها [فصُنعه جَعَل الدقيق بعد زوال اسمها، وكذلك ذبح الشاة طبخها أو شيِّها تزداد قيمتها]

(9)

مع زوال اسم الشاة، فازدياد القيمة يؤثر [في اعتبار]

(10)

فعل الغاصب، وزوال الاسم يدل على المغايرة؛ وبهذين الوصفين يُعلم أنه لم يبق للمالك حق استرداد عين الدقيق واللحم المطبوخ؛ لأنّ حق المالك في عين المغصوب، ولم يبق عينه وليس له إبطال الصنعة المتقوّمة

(11)

.

(1)

أي: يزول ملك المغصوب منه ويملكها الغاصب ويضمنها.

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 87)، فتح القدير (9/ 333).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (6/ 354)، فتح القدير (9/ 333).

(5)

الطَّاحُونَةُ: آلة تُستخدم في طحْن الغلال والحبوب. انظر: المغرب مادة (ط ح ن)(2/ 288)، معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1390)

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 87).

(7)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 334)، البناية شرح الهداية (11/ 205).

(8)

انظر: الصحاح (1/ 86)، المغرب (ص: 23).

(9)

في (أ): في هامش الصفحة.

(10)

سقطت في (ع).

(11)

انظر: فتح القدير (9/ 333)، البناية شرح الهداية (11/ 206).

ص: 136

[لا معتبر في فعل الغاصب]

وأمّا قوله: (ولا مُعتبر بفعله؛ لأنه محظور) قلنا: هذا الفعل إنما صار محظورًا، من حيث تفويت يد المالك من المحل، لا من حيث إحداث المعني

(1)

للذات؛ فإن الفعل إنما يسمّى بكونه غصبًا لمعنى خاص يظهر أثره في حق المالك، وهو إزالة اليد، ولا تعلّق لهذا الاسم بإحداث هذا المعنى، ألا ترى أنه لا يتوقّف اسم الغصب عليه؟ ولأنّ إحداث الصنعة مشروع في نفسه؛ وإنما حَرُم ههنا لمعنى في غيره، وهو أنّه جَعَل العين آلة للصنعة فأشبه الاحتطاب بقدوم الغير، والاصطياد بشبكة الغير

(2)

، وذكر في «المبسوط»

(3)

: (والمعنى فيه: أن هذا الدقيق غير الحنطة، وهو إنّما غصب الحنطة، فلا يلزمه ردّ الدقيق؛ وبيان المغايرة أنهما غيْران اسمًا، وهيئة، وحكمًا، ومقصودًا، وكذلك يتعذّر إعادة الدقيق إلى صفة الحنطة وتحقيقه: أن الموجودات من المخلوقات تُعرف بصورتها ومعناها، فتَبدّل الهيئة والصورة والاسم دليل على المغايرة صورةً، وتَبدُّل الحكم والمقصود دليل على المغايرة معنًى، وإذا ثبتت المغايرة صورةً ومعنًى فمن ضرورة ثبوت الثاني انعدام الأول؛ لاستحالة أن يكون الشيء الواحد شيئين، وإذا انعدم الأوّل بفعله صار ضامنًا مثله، وقد مَلَكه بالضمان).

وأمّا قول أبي يوسف

(4)

رحمه الله: (جريان الربا بينهما دليل بقاء المجانسة)، فقلنا: بين الدقيق والحنطة شُبْهَة المجانسة، من حيث أن عمل الطحن صورة في تفريق الأجزاء، وباب الربا مبني على الاحتياط

(5)

، فلبقاء شُبهة المجانسة من هذا الوجه؛ جرى حكم الربا، بخلاف القطع في [الثوب، والذبح في الشاة، فإن بالذبح لا يفوت اسم العين يقال: شاة مذبوحة.

فإن قلتَ: ما نقول في]

(6)

التأريب

(7)

، حيث لم

(8)

يقل هناك شاة مؤربة

(9)

، بل يقال: لحم مؤرب، ومع ذلك بعد السلخ والتأريب لم

(10)

ينقطع حق المالك؛ وذلك الأصل الذي ذكرته بأن بقاء [الاسم دليل على بقاء]

(11)

حق المالك، وزوال الاسم دليل على انقطاع حق المالك انتقض ههنا، حيث لم ينقطع حق المالك في الشاة بعد السلخ والتأريب، مع زوال اسم الشاة عن ذلك اللحم المؤرب.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 207)، حاشية الشلبي (5/ 227).

(3)

للسرخسي (11/ 87 - 88).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 87)، فتح القدير (9/ 333).

(5)

انظر: أصول السرخسي (2/ 318)، كشف الأسرار (3/ 393).

(6)

في (أ): سقط نظر.

(7)

التَأْرِيبُ: تَأْرِيبُ الشَّاةِ تَعْضِيدُهَا وَجَعْلُهَا إرْبًا إرْبًا. المغرب مادة (أ ر ب)(ص: 23)، لسان العرب (1/ 210).

(8)

في (ع): زيادة (تحويل).

(9)

مُؤَرَّبَةٌ: مُوَفَّرَةٌ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ. المغرب مادة (أ ر ب)(ص: 23).

(10)

سقطت في (أ).

(11)

في (ع): سقط نظر.

ص: 137

قلتُ: نعم كذلك إلا أنه لمَّا ذبحها قد أبقى اسم الشاة فيها على ما ذكرنا بأنه يقال: شاة مذبوحة مع ترجيح

(1)

جانب اللحمية في الشاة، إذ معظم المقصود من الشاة اللحم، ثم السلخ والتأريب بعد ذلك لا يُفَوِّت ما هو المقصود بالذبح، بل تحقق ذلك المقصود، فلا يكون دليل تبديل العين؛ فلهذا كان لصاحبها أن يأخذها بخلاف [الطبخ بعده؛ لأنه لم يبق ما هو المتعلق باللحم التي كما كان فلم يكن لصاحبها أن يأخذها]

(2)

بخلاف التأريب إلى هذا أشار في «المبسوط»

(3)

.

وهذا الوجه (يشمل الفصول المذكورة) أي: وجه الاستبدال ببقاء الاسم على عدم انقطاع حق المالك، وبفوات الاسم على انقطاع حق المالك شامل لعامة فصول مسائل

(4)

الغصب فإنّه إذا غصب دقيقًا فخبزه، أو غزلًا

(5)

فنسجه، أو قُطنًا

(6)

فغزله، أو سِمسمًا

(7)

فَعَصَره ينقطع حق المالك لتبدل الاسم والصورة والمعنى.

وأمّا إذا غصب الثوب فصبغه بعُصفر لم ينقطع حق المالك، فكان هو بالخيار على ما يجيء؛/ لأن عين الثوب قائم لم يتبدل اسمه ولا معناه، كذا في «الإيضاح»

(8)

.

[الانتفاع في الشاة قبل أداء بدلها]

(لا يحل له الانتفاع حتى يؤدي بدلها) وفي «المبسوط»

(9)

: (ليس له أن ينتفع به ما لم يُؤَدِّ الضمان بالتراضي أو بقضاء القاضي، أو يقضي القاضي عليه بالضمان) (والقياس

(10)

أن يكون له ذلك) أي: يجوز له الانتفاع قبل أن يؤدي الضمان؛ لأنه لمَّا طبخه أو شَواه صار مُستهلِكًا له، وعليه القيمة فيجوز له الانتفاع؛ لأنّ الملك إذا ثبت وانقطع حق المغصوب منه لا ينبغي أن يعتبر رضاه بعد ذلك

(11)

(قوله عليه السلام في الشاة المذبوحة الْمَصْلِيَّة

(12)

من المصلي (بريان

(13)

كردن در آتش

(14)

من حد ضرب

(15)

، (وهذا حديث رواه أبو حنيفة عن عاصم بن كليب الجرمي

(16)

عن أبي بردة

(17)

(18)

عن أبي موسى

(19)

رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام كان في ضيافة رجل من الأنصار فقدّم إليه شاة مصلية، وأخذ منها لُقمة فجعل يَلُوكُها

(20)

ولا يستسيغه

(21)

فقال: «إنها تُخبرني أنها ذُبحت بغير حق» ، فقال الأنصاري: كانت شاة أخي، ولو كانت أعز من هذا لم يَنْفِس عليَّ بها، وسأرضيه بما هو خير منها إذا رجع قال صلى الله عليه وسلم:«أطعموها الأسارى»

(22)

.

(1)

في (ع): (صح) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (9/ 335).

(2)

سقطت في (ع).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 88).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

الغزل: جعل الصوف أو القطن أو نحوهما خيوطًا بالمِغزل. معجم لغة الفقهاء (ص: 331) معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1615).

(6)

القُطْن: ثمرة نبات القطن ذات الأوبار السِّليولوزيّة التي تختلف من نوعٍ إلى آخر في الطُّول والمتانة، تُحلج للتَّخلُّص من البذور وتُغزَل خيوطًا لتُنسَج أقمشة تُصنَع منها الثِّياب. معجم اللغة العربية المعاصرة (3/ 1840)، معجم لغة الفقهاء (ص: 367)

(7)

السِّمْسِمُ: حَبُّ الْحَلِّ. مختار الصحاح مادة (س م م)(ص: 154).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (9/ 172)، فتاوى قاض خان (3/ 120)، العناية شرح الهداية (9/ 335).

(9)

للسرخسي (11/ 88).

(10)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 153)، فتاوى قاض خان (3/ 119)، العناية شرح الهداية (9/ 335).

(11)

قال الموصلي: (وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ). الاختيار (3/ 62).

(12)

المصلّيةٍ: المشويّةٍ. الصحاح مادة (ص ل ا)(6/ 2403).

(13)

في (ع): (ريان).

(14)

في (ع): (اكش).

(15)

في (ع): (صرف).

(16)

هو: عاصم بن كليب بن شهاب الجرمي الكوفي، وكان فاضلًا عابدًا، وثَّقه ابن معين، وغيره، أخذ عن: أبيه، وأبي بردة بن أبي موسى، وجماعة، وأخذ عنه: شعبة، والسفيانان، وزائدة، وبشر بن المفضل، وابن فضيل، وعلي بن عاصم، توفي سنة (137 هـ). انظر: تهذيب الكمال (13/ 537)، تاريخ الإسلام (3/ 674)، ميزان الاعتدال (2/ 356)، الوافي بالوفيات (16/ 326).

(17)

في (أ): (بريدة) وما أُثبت هو الصحيح.

انظر: الآثار لأبي يوسف (ص: 127)، العناية شرح الهداية (9/ 335).

(18)

هو: عبد الله بن مغيث بن أبي بردة الظفري المدني، والبعض يقول معتَّب والأول أشهر كما قال السخاوي، أخذ عن: أبيه، عن جده، وعن أم عامر الأشهلية، وأخذ عنه: ابن إسحاق، وأبو صخر حميد بن زياد، وشعيب بن عمارة، ذكره البخاري وابن حاتم وابن حجر وسكتوا عنه، وذكره ابن حبان في الثقات- أتباع التابعين- قال الذهبي: هو مقل صدوق. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (5/ 201)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (5/ 174)، الثقات لابن حبان (7/ 43)، تاريخ الإسلام (3/ 683).

(19)

هو: عَبْد اللَّه بْن قيس بْن سليم بْنُ الأشعر بْن أدد بْن زَيْد بْن يشجب أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِي صاحب رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم واسم الأشعر نبت، قدم مكَّة،، وكان قدومه مَعَ إخوته فِي جماعة من الأشعريين، ثُمَّ أسلم، وهاجر إِلَى أرض الحبشة، وكان عامل رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَلَى زبيد وعدن، وأستعمله عمر رضي الله عنه عَلَى البصرة، وشهد وفاة أَبِي عبيدة بْن الجراح بالشام. ومات أَبُو مُوسَى بالكوفة، وقيل: مات سنة 42 هـ، وقيل: سنة 44 هـ، وهو ابْنُ ثلاث وستين سنة، وقيل: توفي سنة 49 هـ، وقيل: غير ذلك. انظر: الطبقات الكبرى (4/ 78)، أسد الغابة (3/ 364)، تاريخ الإسلام (2/ 451)، تهذيب التهذيب (5/ 362).

(20)

اللَّوْكُ: إدَارَة الشَّيء فِي الفَمِ. ويَلُوكُهَا: يَمْضُغُهَا. طلبة الطلبة مادة (ص ل و)(ص: 97)، النهاية في غريب الحديث (4/ 278).

(21)

السوغ: سَاغَ الطَّعَامُ سَوْغًا سَهُلَ دُخُولُهُ فِي الْحَلْقِ، وقوله (ولا يستسيغه): لَا يَقْدِرُ عَلَى ابْتِلَاعِهَا عَنْ سُهُولَةٍ. طلبة الطلبة مادة (ص ل و)(ص: 97)، المغرب مادة (س وغ) (ص: 239).

(22)

سبق تخريجه (278).

ص: 138

[حديث"الشاة المصلية" أصل أكثر مسائل الغصب]

قال محمد

(1)

رحمه الله يعني: المُحْبَسِينَ، فأَمْرُه بالتصدق بها بيانٌ أن الغاصب قد ملكها، لأن مال الغير يُحفظ عليه عينه إذا أمكن، وثمنه بعد البيع إذا تعذّر عليه حفظ عينه، ولمَّا أمر بالتصدق بها دلّ أنّه ملكها، قال محمد

(2)

: وهذا الحديث جعله أبو حنيفة- رحمه الله-أصلًا في أكثر مسائل الغصب

(3)

؛ ولأن الدقيق من حيث الصورة أجزأ ملك المغصوب منه، وهذه الصورة معتبرة فيما بُني على الاحتياط، والأكل مبني على ذلك؛ وإنما يتم تحول حق المغصوب منه إلى الضّمان بالاستيفاء أو بالقضاء؛ فلهذا لا ينتفع به إلا بعده) كذا في «المبسوط»

(4)

.

يُقال: نَفِسَ به بالكسر بنفس أي: من ضَنَّ

(5)

به من حدِّ علم

(6)

، فقوله- عليه السلام (أطمعوها الأسارى)(أفاد الأمر بالتصدق، وزوال ملك المالك)؛ لأنه لا يجوز التصدق بمال الغير، بل يُمسك ليحضر المالك على ما قلنا

(7)

.

[إباحة الانتفاع في الحنطة والنواة لوجود الاستهلاك]

فإن قلتَ: يُشكل على هذا التصدق باللُّقَطَة

(8)

، ولا شك أنها مال الغير، ومع ذلك أمر الْمُلْتَقِط بالتصدق إذا كان غنيًّا؟ قلتُ: إنما يتصدق بها بعد التعريف للعجز عن إصابة المالك

(9)

وعن صيانة المال، وههنا المالك معلوم فلا يجوز التصدق إذا لم يزل ملك المالك، كذا ذكره الإمام اليرعري

(10)

(11)

رحمه الله (غير أن عند أبي يوسف

(12)

رحمه الله يُباح الانتفاع فيهما) أي: في الحنطة التي زرعها، وفي النواة

(13)

التي غرسها بالغصب (لوجود الاستهلاك من كل وجه) ولما وُجد الاستهلاك من كل وجه انقطع حق المالك من كل وجه، بخلاف الحنطة إذا غصبها وجعلها دقيقًا؛ فإن الدقيق هو أجزاء الحنطة المغصوبة، ولم تكن الحنطة مستهلكة من كل وجه، وقوله:(بخلاف ما تقدّم) وهو قوله: (كمن غصب شاة وذبحها وشواها أو طبخها أو حنطة فطحنها أو حديدًا فاتخذه سيفًا)، وذكر في «الإيضاح»

(14)

.

[كراهية الانتفاع قبل أداء الضمان في مسألة الطحن]

ففرق أبو

(15)

يوسف بين هذه المسألة أراد بها ما (إذا غصب حنطة فزرعها حيث لا يُكره الانتفاع قبل أداء الضمان ولا يتصدّق بالفضل) وبين

(16)

مسألة الطحن فإنه يُكره الانتفاع به قبل أداء الضمان بالاتفاق

(17)

والوجه: أنّ الطحن ليس بإتلاف حقيقة؛ وإنما هو تغيير لصفة العين، فجاز أن يتعلَّق حق المالك

(18)

به لقيام العين

(19)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 87)، العناية شرح الهداية (9/ 335).

(2)

انظر: حاشية ابن عابدين (4/ 355).

(3)

سقت في (أ) و (ع) وأثبتها من كتاب المبسوط للسرخسي. انظر: (11/ 87 - 88).

(4)

للسرخسي (11/ 87 - 88).

(5)

ضَنَّ: بَخِلَ. المغرب مادة (ض ن ن)(ص: 286)، مختار الصحاح مادة (ض ن ن) (ص: 186).

(6)

انظر: مختار الصحاح مادة (ن ف س)(ص: 316).

(7)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 336).

(8)

اللُّقَطَةُ لُغَةً: الشَّيْءُ الَّذِي تَجِدُهُ مُلْقًى فَتَأْخُذُهُ. المغرب مادة (ل ق ط)(ص: 426) وشرعًا: وهو مال يوجد على الأرض، ولا يُعرف له مالك. العناية شرح الهداية (6/ 118) الجوهرة النيرة (1/ 355).

(9)

في: ع (الملك) وما أثبت هو الصحيح. انظر: البناية شرح الهداية (11/ 210).

(10)

ذُكر في الجواهر المضية في ضبط اسمه ما نصه: (اليرعري؛ كذا رأيته مضبوطًا فى القنية فى نسخة جيدة، ورأتيه مضبوطًا في موضع آخر؛ البرعري- بالباء الموحدة-) وساق القرشي عن القنية نقلًا أشار فيه إلى كتاب لليرعري يسمى: بالجامع. انظر: الجواهر المضية (2/ 358)، كشف الظنون (1/ 575).

(11)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 210).

(12)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 153)، المحيط البرهاني (5/ 497).

(13)

النَّوَى: حَبُّ التَّمْرِ وَغَيْرِهِ الْوَاحِدَةُ نَوَاةٌ. المغرب مادة (ن و ي)(ص: 473).

(14)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 497).

(15)

في (أ): (أبي) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(16)

في (أ): (وهي).

(17)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 153)، المحيط البرهاني (5/ 497).

(18)

في: ع (الملك) انظر: المحيط البرهاني (5/ 497).

(19)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 497).

ص: 139

وأما الزرع فالحبّ تعفَّن، وإذا عفَّن لم يبق متقوّمًا، فإذا لم يبق غير

(1)

متقوّم لم يكن تعليق حق المغصوب منه به؛ فأمّا الكلام في التصدق بالفضل فأبو يوسف يُدير الطيب على الضمان، فإنّه هو المنصوص عليه، فإنه نهى رسول الله عليه السلام «عن ربح ما لم يضمن»

(2)

فإذا جاء الضمان طاب الربح.

وقال أبو يوسف

(3)

: في الوَدِيّ

(4)

إذا غصبه إنسان فغرسه فصار نخلًا يُكْره الانتفاع به حتى يرضى صاحبه، ولو غصب نواة فصارت نخلًا جاز الانتفاع به كما في الحنطة إذا زرعها؛ لأن النوى يَعْفَن ويهلك، والودي يزيد في نفسه، (وأصله ما تقدم) أي: قبل هذا الفصل، وهو تعليل مسألة (ومن غصب عبدًا فاستغله فنقصته الغَّلة فعليه النقصان) إلى آخره.

[ضرب الدنانير والدراهم لا يزيل ملك مالكها]

(وإن غصب فضة أو ذهبًا فضربها دنانير أو دراهم لم يَزُلْ مِلك مالكها عند أبي حنيفة

(5)

رحمه الله) قيَّد بغصب الفضة والذهب وبضربها دراهم أو دنانير احتراز عن كسر الدرهم والدينار، وعن كسر قلب الفضة أو قلب الذهب؛ فإنه لو كسر دِرهمًا أو دينارًا فعليه مِثله بالاتفاق

(6)

؛ لأنه غيَّر بصنعه، ولا يتم دفع الضرر عن صاحبه إلا بإيجاب المثل، والمكسور للكاسر إذا ضَمِن مثله، فإن شاء صاحبه أخذه ولم يرجع عليه بشيء، ويستوي إن انتقصت ماليته بالكسر، أو لم تنتقص؛ لأن صفة الغير تغيَّرت بفعله، وذلك كافٍ لإثبات الخيار له.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (11/ 253) برقم (6671)، وأخرجه أبو داود في سننه: كتاب الإجارة، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، (5/ 364) رقم (3405)؛ وأخرجه الترمذي في سننه: كتاب البيوع، باب كراهية بيع ما ليس عندك، (2/ 526) رقم (1234)؛ أخرجه النسائي في السنن الكبرى: كتاب البيوع، وباب شرطان في بيع، (6/ 67) رقم (6182)؛ وأخرجه ابن ماجة: كتاب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليس عندك، (2/ 737) رقم (2188) من حديث عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك"، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح). انظر: سننه (3/ 528). قال الألباني: (حسن). إرواء الغليل (5/ 146).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 95)، بدائع الصنائع (7/ 153)، فتاوى قاض خان (3/ 120).

(4)

الْوَدِيُّ: الْفَسِيلُ وهو غُصْنٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلِ ثُمَّ يُقْطَعُ مِنْهُ فَيُغْرَسُ. المغرب مادة (و د ي)(ص: 481) مقاييس اللغة مادة (ف س ل)(6/ 98).

(5)

انظر: مختصر القدوري (ص: 130)، فتاوى قاض خان (3/ 122)، العناية شرح الهداية (9/ 337).

(6)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 137)، المبسوط للسرخسي (11/ 88)، المحيط البرهاني (5/ 469).

ص: 140

[لا قيمة للأموال الربوية عند المقابلة بجنسها]

وأما إذا استهلك قلب فضة فعليه قيمته من الذهب مصوغًا

(1)

عندنا

(2)

، وعند الشافعي

(3)

يَضمن قيمته من جنسه، بناء على أصله أن للجودة والصنعة في الأموال الربوية قيمة، وعندنا لا قيمة لها عند المقابلة بجنسها، فلو أوجبنا مثل قيمتها من جنسها أدَّى إلى الربا، ولو أوجبنا مثل وزنها كان فيه إبطال حق المغصوب منه عن الجودة والصنعة، فلمراعاة حق المالك والتحرز عن الربا؛ قلنا

(4)

يَضمن القيمة من الذهب مصوغًا، وإن وجده صاحبه مكسورًا فرضِيَ به لم يكن له فضل ما بين المكسور والصحيح؛ لأنه عاد إليه عين ماله فبقيت الصَّنعة منفردة عن الأصل، ولا قيمة لها في الأموال الربوية- وقد ذكرناه مرة- وكذلك إناء مصوغ كسره رجل، فإن كان من فضة فعليه قيمته مصوغًا من الذهب، وإن كان من ذهب فعليه قيمته مصوغًا من الفضة؛ للتحرز عن الربا مع مراعاة حق المغصوب منه في الصنعة). كذا في «المبسوط»

(5)

.

[التبر لا يصلح رأس المال في المضاربات والشركات]

(والتِّبر

(6)

لا يصلح رأس المال في المضاربات) يعني: أن الفضة والذهب قبل أن يضربها دراهم ودنانير كان تِبرًا؛ لأن التِّبر اسم لِما كان غير

(7)

مضروب من الذهب والفضة، وهو في تلك الحالة لم يصلح أن يكون رأس المال في المضاربات والشركات، فبَعد جعله دراهم ودنانير يصلح، ثبت أنهما اختلفا حكمًا

(8)

بصنعة الغاصب، وكذلك اختلفا اسمًا؛ لأنَّ الفضة قبل أن يضربها دراهم اسمها فضة وبعده دراهم، والذهب قبل الضرب

(9)

اسمه ذهب وبعده دينار، وإذا كان كذلك وجب أن ينقطع حق الغصوب

(10)

منه من حق المغصوب كما لو اتخذ الحديد دِرعًا

(11)

أو سيفًا أو غصب صُفْرًا

(12)

واتخذه قماقم؛ لأنه صار شيئًا آخر، وعلى هذا الخلاف أيضًا لو غصب الفضة أو الذهب فصاغهما إناء؛ (وله أن العين باق من كل وجه) وفي هذا مَنَع لِمَا ادَّعَياه من أن المغصوب صار شيئًا آخر

(13)

.

(1)

المصوغ: صاغ الشيء سبكه والشيء مصوغ. لسان العرب مادة (ص و غ)(8/ 442).

(2)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 137)، المبسوط للسرخسي (11/ 88)، المحيط البرهاني (5/ 469).

(3)

انظر: الحاوي الكبير (7/ 137)، المهذب (2/ 197)، تحفة المحتاج (6/ 21)، نهاية المحتاج (5/ 162).

(4)

في (أ)(قلت) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 88).

(5)

للسرخسي (11/ 88 - 89).

(6)

التِّبرُ: هو مَا كَانَ مِنَ الذَّهَبِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ فَإِذَا ضُرِبَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَيْنٌ، وَلَا يُقَالُ تِبْرٌ إِلَّا لِلذَّهَبِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ لِلْفِضَّةِ أَيْضًا. الصحاح مادة (ت ب ر)(2/ 600).

(7)

سقطت في (ع).

(8)

سقطت في (أ).

(9)

في (أ): زيادة (مثل).

(10)

في: ع (المغصوب).

(11)

الدِّرْع: قَمِيص من حلقات من الْحَدِيد متشابكة يلبس وقاية من السِّلَاح. انظر: مقاييس اللغة مادة (د ر ع)(2/ 268)، المعجم الوسيط (1/ 280).

(12)

والصُّفْرُ: نُحَاسٌ يُعْمَلُ مِنْهُ الْأَوَانِي. مختار الصحاح مادة (ص ف ر)(1/ 177).

(13)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 144)، بدائع الصنائع (7/ 149)، البناية شرح الهداية (11/ 213).

ص: 141

[بقاء اسم الذهب والفضة بعد الضرب]

(ألا ترى أن الاسم) أي: اسم الذهب والفضة (باق) وكذلك الأحكام الأربعة المتعلقة بالذهب والفضة باقية وهي الثمنية وكونه موزونًا، وجريان الربا، ووجوب الزكاة، ولكن جريان الربا أثر بقائه موزونًا، ووجوب الزكاة أثر بقائه ثمنًا، وما ذكرا من تغير الاسم بكون اسم التبر بعد الضرب

(1)

درهمًا ودينارًا ذلك أثر الصنعة؛ لأن الدراهم والدنانير اسم الصنعة وكذلك صلاحيته بعد الضرب لرأس مال الشركة والمضاربة من حكم الصنعة لا من حكم العين، ولهذا يقول ما لا يتفاوت من الفلوس الرائجة في هذا الحكم كالدراهم والدنانير فلا اعتبار، ولا قيمة للصنعة في مثل هذه الأموال منفردة عن الأصل وبه فارق الحديد والصفر، فإن الصنعة هناك تُخرجه من الوزن، ومن أن يكون مال الربا حتى لو باع قمقمة بقمقتين يدًا بيد يجوز على ما ذكرنا في كتاب الصرف؛ وللصنعة في غير مال الربا قيمة، مع أن اسم العين وحكمه قد تبدَّل هناك؛ وأما ههنا فلم يتبدَّل الاسم وحكم العين، فلما بقي اسم العين وحكمه، كان ذلك دليل بقاء العين المغصوبة، فللمالك أخذه وإن وجد صَنعة الضرب؛ لما أنه لا قيمة للصنعة في هذه الأموال، إلى هذا أشار في «المبسوط»

(2)

.

[الصنعة في الذهب والفضة غير متقومة]

(وكذا الصَّنعة فيها) أي: في عين الفضة والذهب (غير متقومة مطلقًا) إنما قيَّد بقوله (مطلقًا) احترازا عمن كسر

(3)

إناء فضة أو ذهب أو قلبًا منهما فإنه يَضمن قيمته من خلاف جنسه على ما ذكرناه

(4)

آنفا من «المبسوط»

(5)

فتضمينه لِقيمَته من خلاف جنسه دليل على تَقوُّم الصَّنعة في

(6)

هذه الأموال عند عدم المقابلة بجنسها لكن الصنعة غير متقومة في هذه الأموال (عند المقابلة بجنسها) لما ذكرنا من رواية «المبسوط»

(7)

بقوله: (وإن وجده صاحبه مكسورًا فرضِيَ به لم يكن له فضل ما بين المكسور والصحيح) فكانت الصنعة في هذه الأموال متقومة في بعض الأحوال دون البعض، فصح أن يقال:(الصنعة فيها غير متقومة مطلقًا) أي: ليست بمتقومة في كل الأحوال بل في بعضها.

(1)

في (ع): مطموسة.

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 101).

(3)

في (ع): عليها بعض الطمس.

(4)

في (ع): مطموسة.

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 88)(14/ 50).

(6)

في (ع): مطموسة.

(7)

للسرخسي (11/ 88).

ص: 142

[غصب الساجة]

(ومن/ غصب ساجة) بالجيم وهي الخشبة العظيمة جِدًّا أو الْخَشَبَةَ الْمَنْحُوتَةَ الْمُهَيَّأَةَ لِلْأَسَاسِ وَنَحْوِهِ. كذا في «المغرب»

(1)

.

وأما مسألة الساحة بالحاء المهملة فيجيء بعد هذا بقوله: (ومن غصب أرضًا فغرس فيها أو بنى) ولأن في مسألة الساحة قولنا كقوله

(2)

بخلاف هذه المسألة؛ ولأنه ذكر في «المبسوط»

(3)

بعبارة هي نصٌّ على ما قلنا فقال: (ولو غصب ساجة فجعلها بابًا أو حديدًا

(4)

، فجعلها سيفًا ضَمِن قيمة الحديدة، والساجة للغاصب عندنا

(5)

.

[زوال ملك مالك الساجة إذا كانت قيمتها أقل من قيمة البناء]

ثم اعلم أن هذا الحكم الذي ذكره في الساجة من زوال ملك مالكها إذا بنى الغاصب عليها، فيما إذا كانت قيمة البناء أكثر من قيمة الساجة.

وأما إذا كانت قيمة الساجة أكثر من البناء فلم يَزُل مِلك مالكها ذكره في «الذخيرة»

(6)

، ويَذكر تمامه في مسألة الساحة، وهي قوله:(ومن غصب أرضًا فغرس فيها أو بنى) -إن شاء الله تعالى- (والوجه من الجانبين قدَّمناه) أي: في أول هذا الفصل بقوله: (وإذا تغيرت العين المغصوبة بفعل الغاصب) إلى آخره.

ثم في هذه المسألة وافق زفر

(7)

الشافعي

(8)

، ووافقنا في تلك المسائل، وهي:(ما إذا غصب حنطة فجعلها دقيقًا وغيرها)، والفرق له هو أن الحادث هنا زيادة وصف من غير أن يكون الأول مُستهلَكًا بخلاف ما تقدَّم، (وآخر لنا فيه) أي: ودليل آخر لنا في تعليل هذه المسألة (أن فيما ذهب إليه إضرارًا بالغاصب) إلى آخره يعني: لا بدَّ في هذا من إلحاق الضرر بأحدهما إما في حق الغاصب، فكما في قول الشافعي

(9)

بأن يَهدم بناؤه ويرد الساجة إلى صاحبها.

(1)

انظر: المغرب (ص: 237)، الصحاح (1/ 323)، لسان العرب (2/ 303).

(2)

أي: الشافعي. انظر: الأم للشافعي (3/ 255)، الحاوي الكبير (7/ 166).

(3)

للسرخسي (11/ 93).

(4)

في (أ): (حديدة) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 93).

(5)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 139)، المحيط البرهاني (5/ 471)، فتاوى قاض خان (3/ 104).

(6)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 471)، البحر الرائق (8/ 131)، الدر المختار (6/ 192).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 93)، تبيين الحقائق (5/ 227).

(8)

انظر: الأم للشافعي (3/ 207)، العزيز (5/ 465)، تحفة المحتاج (6/ 21)، نهاية المحتاج (5/ 162).

(9)

انظر: الأم للشافعي (3/ 207)؛ وقال الرافعي: (إذا غصب سَاجَةً وأدرجها في بنائه، أو بني عليها، أو على آجُرٍّ مَغْصُوب لم يملك المغصوب، وعليه إخراجه من البناء، ورده إلى المالك) العزيز (5/ 465)، وانظر: تحفة المحتاج (6/ 48)، نهاية المحتاج (5/ 189).

ص: 143

[الإضرار بالغاصب أشد من الإضرار باللمالك]

وإما في حق المالك فكما في قولنا: بانقطاع حق المالك من الساجة مجبورة بالقيمة، وفيه ضرر نقل المالكية

(1)

من العين إلى القيمة بدون اختياره، إلا أن في الإضرار بالغاصب إهدار حقه، وفي قطع المغصوب منه بضمان القيمة توفير المالية عليه لا

(2)

إهدار حقه، ودفع الضرر واجب بحسب

(3)

الإمكان

(4)

، فضرر النقل دون ضرر الإبطال، وبسبب ظلم الغاصب لا تسقط قيمة ما إذا كان مُتقومًا في نفسه؛ فلذلك قلنا بضرر النقل دون ضرر الإهدار

(5)

.

فإن قلتَ: فللشافعي

(6)

رحمه الله دليل آخر أيضًا يَختص بهذا المَوْضع، فما جوابه وهو: أن الغاصب لو نقض بناه وسلَّم الساجة كما يجوز، ويُجبر المالك على القبول بخلاف تلك المسائل

(7)

، وكذلك لو صبر المالك حتى نَقَضَ الغاصب البناء كان للمالك أن يأخذه، فعُلم بهاتين المسألتين أن حقَّ المغصوب منه لم ينقطع من الساجة.

قلتُ: قد انقطع حق المغصوب منه، بدليل ما ذكرنا بأن ما اتصل بالمغصوب من الوصف صَنعة الغاصب مُتقوم في نفسه، وفي إهداره ضرر عليه، وأما جواز الرد، والجبر على القبول فباعتبار أن الامتناع عن النقوض للغاصب بدفع البناء كان لدفع الضرر عنه؛ فإذا رضي هو بنفسه حتى دفع بناه فقد التزم الضرر فيجوز الرد، والجبر للمالك على القبول لوصول الحق إلى الْمُسْتَحِقِّ كما كان

(8)

.

فإن قيل: صاحب الساجة صاحب أصل؛ لأن بناء الغاصب عليها، والغاصب صاحب وصف، ولاشكَّ أن مراعاة جانب [الأصل أولى من مراعاة جانب]

(9)

الوصف، قلنا: بل رعاية جانب صاحب الوصف وهو البناء أولى؛ (لأن هذا الوصف قائم من كل وجه، والأصل قائم من وجه مُسْتَهْلَكٍ من وجه؛ لأن الأصل كان مِلكًا للمغصوب منه مقصودًا، والآن صار تبعًا لملك غيره؛ ولهذا صار بحيث يُسْتَحَقُّ بالشُّفعة بعد أن كان منقولًا لا يُسْتَحَقُّ بالشفعة، فانعدم منه سائر وجوه الانتفاع سوى هذا، والقائم من كل وجه يترجح [على القائم من وجه؛ وإنما يترجح]

(10)

جانب الأصل إذا كان الأصل قائمًا من كل وجه كما في مسألة الساجة، فإنها قائمة من كل وجه تُسْتَحَقُّ بالشفعة كما كانت من قبل). هذا كله بما أشار إليه في «المبسوط»

(11)

.

(1)

في (ع): (المالية).

(2)

في (ع): (إلا).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

كأنَّه يُشير إلى قاعدة (الضرر الأشد يزال بالأخف) انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 75)، المهذب في علم أصول الفقه (5/ 2458).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 94).

(6)

قال الماوردي: (فإذا تقرر أن نقض البناء لرد المغصوب واجب، فسواء كان البناء قليلًا أو كثيرًا وسواء كانت قيمة اللوح قليلة أو كثيرة، حتى لو كانت قيمة اللوح درهمًا وقيمة البناء ألف درهم أخذ بقلعه، حتى يخلص اللوح لربه، إلا أن يراضيه على أخذ ثمنه، ثم إذا استرجع اللوح لزمه أجرة مثله إن كانت له أجرة). الحاوي الكبير (7/ 199)، و انظر: تحفة المحتاج (6/ 48)، نهاية المحتاج (5/ 189).

(7)

وهي مسألة: أن فيما ذهب إليه إضرارًا بالغاصب.

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 93).

(9)

في (أ): (صاحب) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(10)

سقطت في (ع).

(11)

للسرخسي (11/ 94).

ص: 144

[نزع اللوح المغصوب من السفينة]

ثم ذكر في «الذخيرة»

(1)

، وقال: ولم يذكر في الأصل ما إذا أراد الغاصب أن ينقض البناء، ويَردَّ الساجة مع أنه يملكها بالضمان هل يَحِلُّ له ذلك؟ وهذا على وجهين: إن كان القاضي قضى عليه بالقيمة فلا يَحِلُّ له نقض البناء، وإذا نقض لم يستطع رد الساجة، وإن كان القاضي لم يقضِ عليه بالقيمة؛ اختلف المشايخ

(2)

فيه؛ بعضهم قالوا: يَحل، وبعضهم قالوا: لا يحل لما فيه من تضييع المال من غير فائدة.

(أو أدخل اللوح المغصوب في سفينة) وصورة المُجمع

(3)

عليها في هذا ما إذا كانت السفينة مع من عليها في لُجَّة البحر

(4)

ليس للمالك أن ينتزع/ لوحة منها؛ لأن فيه تلف الناس كما إذا خاف التلف حلَّ له أن يغصب، وكذلك اللوح حتى أن السفينة إذا كانت واقفة كان له النزع عند الشافعي

(5)

رحمه الله، هكذا نصَّ عليه في «الأسرار»

(6)

.

ثم عدم جواز النزع ههنا عنده؛ لا لأن الغاصب مَلَك ذلك بما صنع، ولكن لا يُؤمر بالنزع؛ لأن فيه تلف الناس؛ وكذلك في الإِبْرِيْسَمُ

(7)

إذا غصبه وخاط به بطن نفسه؛ ولكنا نقول: بالبناء على الساجة أثبت الغاصب لنفسه حقًّا محترمًا فلا يجوز الإبطال عليه لأجل المغصوب منه، فإنما حَرُم الإبطال وصار بحال لا يمكن التمييز بينهما، ولا سبيل إلى إثبات الشركة بالإجماع

(8)

، فنقول: إن حق الغاصب أولى بالاعتبار؛ لأن في إبطاله يَلزمه زيادة ضرر بالنسبة من ضرر المغصوب منه على ما ذكرنا؛ ومن هذا الطريق صارت مسألتنا بمنزلة مسألة اللوح في السفينة، والخيط في البطن؛ لأن هناك إنما لا

(9)

ينزع المالك لوحةً لئلا

(10)

يلزم زيادة ضرر على

(11)

الغاصب، وذلك موجود في مسألتنا، فيجب ألا يتمكَّن المالك من الاسترداد، إلى هذا أشار في «المبسوط»

(12)

و «الأسرار»

(13)

.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 472)، درر الحكام (2/ 265)، البحر الرائق (8/ 132).

(2)

انظر: المصدر السابق.

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 93)، العناية شرح الهداية (9/ 338).

(4)

لُجة البحر: تَلاطَمَتْ أَمْواجُه، ولُجُّ البحرِ الماءُ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا يُرَى طرَفاه. لسان العرب (2/ 354).

(5)

انظر: الأم للشافعي (3/ 261)، روضة الطالبين (5/ 54 - 55)، تحفة المحتاج (6/ 10)، نهاية المحتاج (5/ 151).

(6)

انظر: الأسرار (3/ 176)، العناية شرح الهداية (9/ 338)، البناية شرح الهداية (11/ 216).

(7)

الإِبْرِيْسَمُ: أجود أنواع الحرير. المطلع (ص: 429)، معجم لغة الفقهاء (ص: 39).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 94)، بدائع الصنائع (7/ 149).

(9)

سقطت في (ع).

(10)

في (ع): زيادة (لا).

(11)

سقطت في (ع).

(12)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 94).

(13)

انظر: الأسرار للدبوسي (3/ 176).

ص: 145

[البناء على نفس الساجة]

(ثم قال الكرخي، والفقيه أبو جعفر

(1)

- رحمهما الله-: إنما لا ينقض إذا بنى في حوالي الساجة) (بأن أدخل الساجة في بنائه وبنى حولها لا عليها- وقيل: صورة هذا أن يُجعل الساجة عمارًا لجداره (أما إذا بنى على نفس الساجة ينقض) لأنه إذا لم يكن البناء عليها

(2)

- (لا يكون متعديا بالبناء في ملكه.

وأما إذا بنى على الساجة يعني: (شيخ زيد بن كند) فهو مُتعدٍّ في هذا البناء، والساجة من وجه كالأصل لهذا البناء فيُهدم للرد، كما في مسألة الساجة؛ ولكن هذا ضعيف؛ فقد ذكر محمد- رحمه الله في كتاب الصرف

(3)

: أنه لو غصب بقرة، واتخذ منها عُرْوَةً مُزَادَةً

(4)

انقطع حق المالك عنها، وهو في هذا العمل ههنا متعد؛ لأن عمله في ملك الغير، فدل أنه لا فرق بين أن يكون عمله في ملك الغير، أو في ملك نفسه، وإنَّ الصحيح ما قلنا). كذا في «المبسوط»

(5)

.

[تخيير المالك في الشاة المذبوحة]

(وجواب الكتاب

(6)

يرُد ذلك) وهو قوله: (ومن غصب ساجة فبنى عليها زال ملك مالكها عنها) (وإن شاء

(7)

ضمَّنَه نقصانها) يعني: أَخَذَ المالك الشاة المذبوحة، وضمَّن الغاصب النقصان الثابت بالذبح، فإنه انتقض منها ما هو المطلوب من الدَّر

(8)

والنَّسل

(9)

، والأسمان

(10)

الجَزْفة

(11)

، وما أُعد للجَزْر

(12)

وهو القطع، والمراد الذبح من الإبل يقع على الذكر والأنثى وهي تؤنث والجمع الْجَزْر

(13)

، وإنما ذكر الجزور بقوله (وكذا الجزور) بعدما ذكر الحكم في الشاة من الاختيار بين تضمين القيمة وبين تضمين النقصان؛ لدفع شُبهة تَرد على اختيار تضمين النقصان بأن يقال: والنقصان بالذبح في الشاة إنما كان بسبب تفويت صلاحيتها للدَّر والنَّسل، والجزور هي التي أُعدت للذبح، فكم يكن الدر والنسل مطلوبين منها، فينبغي ألا يضمن الغاصب النقصان، بل استحق الغاصب أَجْر المِثل من جِزَارَتِهِ على المالك؛ لأنه حقق مقصوده فيها، فكان زيادة منها لا نقصانًا كما إذا غصب ثوبًا فصبغه أحمر، حيث يضمن المالك للغاصب ما زاد الصبغ إذا اختار أخذ الثوب، لكون صبغ الحمرة زيادة في الثوب

(14)

، فدفع تلك الشُبهة بقوله (وكذا الجزور)؛ وذلك لأن نفس إزالة الحياة عن الحيوان نقصان، فكان للمالك الاختيار؛ لأنه يَحتمل أن يكون للمالك مقصود فيها سوى الدر والنسل من الأسمان، وتبقيتها إلى زمان ليُحَصِّلَ مقاصده

(15)

منها

(16)

.

(1)

هو: محمد بن عبدالله بن محمد بن عمر، أبو جعفر، الفقيه البلخي الْهِنْدُوَانِيِّ، إمام كبير من أهل بلخ، والهِنْدُواني بكسر الهاء وضم الدال المهملة نسبة إلى باب هندوان محلة ببلخ، قال السمعاني: كان يقال له أبو حنيفة الصغير لفقهه، أفتى بالمشكلات، وشرح المعضلات، وكشف الغوامض، توفي ببخارى 362 هـ. انظر: تاريخ الإسلام (8/ 208)، الجواهر المضية (2/ 68)، تاج التراجم (ص: 264)، الفوائد البهية (1/ 179)،.

(2)

في (أ): زيادة (لا يكون متعديًا بالبناء عليها).

(3)

انظر: شرح السير الكبير (ص: 1180)، البناية شرح الهداية (11/ 214)، حاشية ابن عابدين (6/ 193).

(4)

الْمَزَادَةِ: هِيَ الظَّرْفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ كَالرَّاوِيَةِ وَالْقِرْبَةِ، وَ (الْمِزْوَدُ): مَا يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ. انظر: لسان العرب (3/ 199)، الصحاح مادة (ز و د)(2/ 481).

(5)

للسرخسي (11/ 94).

(6)

مختصر القدوري (ص: 130).

(7)

سقطت في (ع).

(8)

الدَّرُّ: اللَّبَنُ. الصحاح مادة (د ر ر)(2/ 655).

(9)

النَّسْلُ: الْوَلَدُ. (وَتَنَاسَلُوا) أَيْ: وَلَدَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. الصحاح مادة (ن س ل)(5/ 1829).

(10)

السَّمْنُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ الزُّبْدِ وَهُوَ يَكُونُ لِأَلْبَانِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. المغرب مادة (س م ن)(ص: 236).

(11)

في (ع): (الجزور). والجَزْفُ: الأَخذُ بِالْكَثْرَةِ. لسان العرب مادة (ج ز ف)(9/ 27).

(12)

في (ع): (للمجزور) وما أثبت هو الصحيح. انظر: البناية شرح الهداية (11/ 216).

(13)

انظر: الصحاح (2/ 612)، المغرب (ص: 81)، مختار الصحاح (ص: 57).

(14)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 134)، تحفة الفقهاء (3/ 94)، فتح القدير (9/ 340).

(15)

في نسخة (أ) و (ع) زيادة (له) وأسقطتها لسياق الكلام. انظر: فتح القدير (9/ 340).

(16)

انظر: فتح القدير (9/ 340).

ص: 146

[الذبح والسلخ زيادة في الشاة]

(وكذا إذا قطع يدهما) أي: يد الشاة والجزور (هذا هو ظاهر الرواية

(1)

، وبهذا احترز عن رواية الحسن عن أبي حنيفة

(2)

-رحمهما الله- (أنه لا يُضمِّنه شيئًا) أي: في ذبح الشاة؛ لأن الذبح والسلخ في الشاة زيادة على ما ذكرنا

(3)

، هذه الرواية في أول هذا الفصل بتمامها

(4)

، ولو كانت الدابة

(5)

غير مأكول اللحم كالحمار فقَطَع الغاصب طرفها فللمالك أن يُضمِّنه جميع قيمتها؛ وفي تقييد هذه الرواية في حق هذا الحكم بكون الدابة غير مأكول اللحم ليست زيادة فائدة؛ لِمَا

(6)

أن هذا الحكم مستحبٌّ

(7)

في مأكول اللحم وغير مأكول اللحم؛ وذلك لأنه أثبت الولاية للمالك في تضمين جميع القيمة فيمن ذبح شاة بقوله (ومن ذبح شاة غيره) بغير أمره (فمالكها بالخيار إن شاء ضمنه قيمتها).

[عدم تخصيص غير مأكولة اللحم بتضمين جميع القيمة]

ثم قال: (وكذا الجزور) ثم عطف عليه قوله (وكذا إذا قطع يدهما) فعُلم بهذا أن في قطع يد الشاة والجزور تضمين جميع/ القيمة، فلم تكن الدابة التي هي غير مأكولة اللحم مخصوصة بتضمين جميع القيمة بقطع الطرف منها، هكذا أيضًا ذكر في «المبسوط»

(8)

لكن يَحتمل أن يكون مُراده نفي اختيار المالك بين تضمين قيمتها وبين إمساك الجثة

(9)

، وتضمين نقصانها كما هو الثابت في ذبح شاة غيره بغير إذنه

(10)

؛ لأنه ذكر في «المبسوط»

(11)

مثل هذا مع إطلاق لفظ الدابة فقال: (وأما الدابة إذا غصبها فقطع يدها أو رجلها، فلصاحبها أن يُضَمِّن الغاصب قيمتها)، ثم قال:(وكذلك لو كانت بقرة أو جزورًا فقطع يدها أو رجلها، أو كانت شاة فذبحها) فقد أثبت حكم تضمين جميع القيمة في قطع طرف مأكول اللحم من البقرة والجزور أيضًا كما ترى، ولكن عطفهما على الدابة؛ فعُلم بهذا أن المراد من الدابة الفرس

(12)

والبغل

(13)

والحمار، وذكر اختيار المالك في قطع طرف الحمار أيضًا في صورة مخصوصة في «الذخيرة»

(14)

و «المغني»

(15)

فقال: وفي المنتقى

(16)

(17)

هشام عن محمد-رحمهما الله- رجل قطع يد حمار أو رجله، وكان لِمَا بقي قيمةٌ فله أن يُمسك، ويأخذ النقصان، ثم قال: فإن ذبح حمارَ إنسانٍ ذَبْحًا

(18)

، فقال: صاحبه أنَّي أُضمِّنه النقصان، ولا أُسلِّم الجلد إليه؛ فإن كان لجلد الحمار ثمن فله ذلك، وإن قَبِلَه فليس له ذلك، قال هشام

(19)

رحمه الله: لأن ذبحه بمنزلة الدِّباغ؛ وفي «النوادر»

(20)

وإذا قَطَع أُذُن الدابة يَضمن

(21)

النقصان، وجَعَل قطع الإذن من الدابة نقصانًا يسيرًا، وكذلك لو قطع ذنبها يضمن النقصان، وعن شريح

(22)

(23)

رحمه الله-إن قطع ذنب حمار القاضي يضمن جميع القيمة، وإن كان لغيره يضمن النقصان.

(1)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 136)، بدائع الصنائع (7/ 158)، الاختيار (3/ 63).

(2)

المبسوط للسرخسي (11/ 86)، العناية شرح الهداية (9/ 340).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 86)، المحيط البرهاني (5/ 469).

(4)

راجع، ص ().

(5)

الدابَّةُ: لَفْظٌ عامٌّ لكلِّ مَا يدبُّ على الأرْضِ، وخُصّ فِي العُرْفِ بذَواتِ الأَرْبَع ثمَّ ببعضِها. تاج العروس مادة (ب ر ذ ن)(34/ 246).

(6)

سقطت في (أ).

(7)

المستحب: هو ما يمدح المكلف على فعله، ولا يذم على تركه. كشف الأسرار (2/ 303)، البحر المحيط (1/ 378)، تيسير التحرير (1/ 181).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 86)

(9)

الْجُثَّةُ: الْجَسَد. المعجم الوسيط (1/ 106).

(10)

انظر: الاختيار (3/ 63)، العناية شرح الهداية (9/ 341)، الجوهرة النيرة (1/ 341).

(11)

للسرخسي (11/ 86).

(12)

الفَرَس: يقع على الذكر والأنثى، ولا يقال: للأنثى (فرسة). الصحاح مادة (ف ر س)(3/ 957)، موسوعة الطير والحيوان (ص: 173).

(13)

البغل: هو المولد من بين الحمار والفرس، وهو مركب من الفرس والحمار، ولذلك صار له صلابة الحمار وعظم آلات الخيل. تاج العروس مادة (ب غ ل)(28/ 96). حياة الحيوان الكبرى (1/ 200).

(14)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 469)، فتاوى قاض خان (3/ 108).

(15)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 469)، العناية شرح الهداية (9/ 341)، البناية شرح الهداية (11/ 218).

(16)

المنتقى: تأليف الحاكم الشهيد أبي الفضل محمد بن محمد المقتول شهيدًا في (344 هـ)، يقال إنه انتقاه من كتب محمد بن الحسن الشيباني، قال صاحب الكشف: ولا يوجد المنتقى في هذه الأعصار. انظر: كشف الظنون (2/ 1851)، الطبقات السنية (1/ 45)، الفوائد البهية (305).

(17)

انظر: عيون المسائل (ص: 281)، المحيط البرهاني (5/ 469)، مجمع الأنهر (2/ 462).

(18)

يعني: إذا قصد قتله. البناية شرح الهداية (13/ 83).

(19)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 469)، البناية شرح الهداية (11/ 219).

(20)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 469)، البحر الرائق (8/ 132).

(21)

في (ع): (يلزم) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المحيط البرهاني (5/ 469).

(22)

هو: شريح بن الحارث بن قيس، أبو أمية الكندي، قاضي الكوفة، وقد تولى القضاء لعمر، وعثمان، وعلي، ثم عزله علي، ثم ولاه معاوية، ثم استقل في القضاء إلى أن مات، وقيل: إنه مكث قاضيًا نحو سبعين، توفي بالكوفة سنة 78 هـ. انظر: وفيات الأعيان (2/ 460)، تهذيب الكمال (12/ 398)، سير أعلام النبلاء (4/ 100)، البداية والنهاية (12/ 281).

(23)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 469)، البناية شرح الهداية (11/ 219).

ص: 147

[الفرق بين قطع طرف العبد وطرف غير مأكول اللحم]

وقوله (بخلاف قطع [طرف العبد]

(1)

المملوك) متعلق بما يليه، وهو قوله:

(2)

(للمالك أن يُضمِّنه جميع قيمة

(3)

الدابة)؛ وحاصل الفرق بين قطع طرف الدابة التي هي غير مأكول اللحم، وقطع طرف المملوك هو: أن الآدمي بقطع طرف منه لا يصير مُستهلَكًا من كل وجه لبقائه صالحًا لعامة ما كان صالحًا له من قبل، والدابة تصير مُستهلَكة بقطع طرف منها؛ فإنه لا ينتفع بها ما هو المقصود من الحمل والركوب بعد هذا القطع؛ فلذلك كان لصاحبها أن يتركها للغاصب، ويضمنه قيمتها

(4)

.

[الضمان فيمن خرق ثوب غيره خرقا يسيرا]

(ومن خرق ثوب غيره

(5)

خرقًا يسيرًا ضمن) ولفظ الثوب هنا يَحتمل لما يُلبس كالقميص، وهو ظاهر، ولِما لم يُلبس كالكِرْباس

(6)

، بدليل وضع محمد

(7)

رحمه الله هذه المسألة فيه فقال: (وإذا غصب ثوبًا فقطعه قميصًا ولم يخطه) على ما ذكر، وهذا إنما يتحقق في الكرباس، وبدليل تعليل شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله أيضًا في «المبسوط»

(8)

على ما يَذكر؛ لأنه استهلاك من هذا الوجه؛ لأن الاستهلاك عبارة عن إتلاف العين أو إتلاف عامة منافعها، والنقصان عبارة عن تعييب منافعها مع بقاء أصلها.

[الخرق الفاحش هو ما يفوت به بعض العين]

(والصحيح أن الفاحش

(9)

ما يَفُوت به بعض العين)، هذا احتراز عما ذكر قبله:(أن الفاحش ما يبطل به عامة منافعه)، وعما ذكروا غير ذلك، وحاصل ذلك: أن المتأخرين اختلفوا

(10)

في الحد الفاصل بين الخرق اليسير والفاحش؛ بعضهم قالوا: إن أوجب نقصانَ ربعِ القيمة فصاعدًا فهو فاحش، وإن كان دون ذلك فهو يسير؛ وقال بعضهم: إن أوجبَ نقصانَ نصف القيمة فهو فاحش وما دونه يسير؛ وقال بعضهم: الفاحش ما لا يصلح لثوب ما، واليسير ما يصلح؛ قال شيخ الإسلام

(11)

(12)

رحمه الله: ما ذكروا من التحديد من هذه الوجوه الثلاثة لا يصح بدليل مسألة قطع القميص؛ فإن محمدًا أثبت لمالك الثوب الخيارَ بعدما قطع القميص، فقال

(13)

: وإذا غصب ثوبًا وقطعه قميصًا ولم يخطه فله أن يأخذ ثوبه، وضمَّنه ما نقصه القطع، وإن شاء ترك الثوب عليه وضمنه قيمته؛ والثوب بعدما قُطع قميصًا يصلح للقميص إن كان لا يصلح للقَبَاء

(14)

وأمثاله، والساقط من القيمة أقل من النصف وأقل من الربع، ومع هذا اعتبره محمد فاحشًا، فالصحيح من الحدِّ ما قاله محمد

(15)

: إن الخرق الفاحش ما يَفُوت به بعض العين وبعض المنفعة بأن فات جنس المنفعة (ويبقى بعض العين وبعض المنفعة، واليسير من الخرق ما لا يفوت به شيء من المنفعة) وإنما تفوت الجودة ويدخل بسببه نقصان في المالية.

(1)

سقطت في (أ).

(2)

في (أ): زيادة (قبح).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 86)، العناية شرح الهداية (9/ 341).

(5)

في (ع): (إنسان) وما أثبت هو الصحيح انظر: الهداية (4/ 301).

(6)

الكِرْباسُ فارسيٌّ معرب، والكِرْباسَةُ أخصُّ منه، والجمع الكرابيس، وهى ثياب خشنة. الصحاح مادة (ك ر ب س) (3/ 970) لسان العرب (6/ 195) واصطلاحًا: ثوب من القطن الأبيض. الدر المختار (5/ 180).

(7)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 135)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 351).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 85).

(9)

الفاحش: كُلُّ شَيْءٍ جَاوَزَ حَدَّهُ. الصحاح مادة (ف ح ش)(3/ 1014).

(10)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 467 - 468)، العناية شرح الهداية (9/ 341)، الجوهرة النيرة (1/ 341).

(11)

هو: حمد بن الحسين بن محمد، أبو بكر البخاري، المعروف ببكر خواهر زاده، أو خواهر زاده، فقيه، كان شيخ الأحناف فيما وراء النهر، وكان إمامًا فاضلًا، وله طريقة حسنة مفيدة، جمع فيها من كل فن، مولده ووفاته في بخارى، له (المبسوط) و (المختصر) و (التجنيس) في الفقه، وأملى ببخارى مجالس، وخرَّج له أصحاب أئمة. توفي 483 هـ. انظر: تاريخ الإسلام (10/ 520)، الجواهر المضيئة (2/ 49)، تاج التراجم (ص: 259)، الفوائد البهية (1/ 163 - 164).

(12)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 468)، درر الحكام (2/ 266)

(13)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 135)، المبسوط للسرخسي (11/ 85)، تحفة الفقهاء (3/ 92)

(14)

القَبَاءُ: الَّذِي يُلْبَسُ وهو ثوب يلبس فَوق الثِّيَاب أَو الْقَمِيص ويتمنطق عَلَيْهِ. الصحاح مادة (ق ب ا)(6/ 2458)، المعجم الوسيط (2/ 713)، معجم لغة الفقهاء (ص: 355)

(15)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 135)، المحيط البرهاني (5/ 468)، الجوهرة النيرة (1/ 341).

ص: 148

[أنواع قطع الثوب]

وقال شمس الأئمة الحلواني

(1)

رحمه الله القطع أنواع ثلاثة: قطع فاحش غير مستأصل

(2)

للثوب وهو ما بيَّنا والحكم ما ذكرنا، وقطع يسير وهو أن يقطع طرفًا من أطراف الثوب فلا يثبت فيه الخيار للمالك، ولكنه يُضمِّنه النقصان/، وقطع فاحش مستأصل

(3)

للثوب، وهو أن يجعل الثوب قطعًا لا يصلح إلا للخرق ولا يُرغب في شرائه؛ وقال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي

(4)

رحمه الله: (والحكم الذي ذكرنا في الخرق في الثوب من تخيير المالك إذا كان الخرق فاحشًا فهو الحكم في كل عين من الأعيان إلا في الأموال الربوية؛ فإن التعييب هناك فاحشًا كان أو يسيرًا كان لصاحبها الخيار بين أن يُمسك العين ولا يرجع على الغاصب بشيء وبين أن يُسلِّم العين له ويضمِّنه مثله أو قيمته؛ لأن تضمين النقصان متعذر؛ لأنه يؤدي إلى الربا) هذا إذا قطع الثوب قميصًا ولم يخطه فإن خاطه ينقطع حق المالك عندنا. كذا في «الذخيرة»

(5)

.

[القطع في الثوب يُعتبر نقصان فاحش]

(وإنما يدخل فيه النقصان) أي: يدخل النقصان في مالية الثوب بسبب فوات الجودة؛ لأن محمدًا- رحمه الله جعل في الأصل

(6)

: قطع الثوب نقصانًا فاحشًا؛ وقال الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي- رحمه الله في «المبسوط»

(7)

: (وإن غصب ثوبًا فقطعه قميصًا ولم يخطه فهو بالخيار، إن شاء ضَمِن قيمته، وإن شاء أخذ الثوب وضمَّنه ما نقصه القطع؛ لأن القطع نقصان فاحش في الثوب، فإنه قَبْل القطع كان يصلح لاتخاذ القَبَاء والقميص، وبعدما قُطع قميصًا لا يصلح لاتخاذ القباء منه على الوجه الذي كان يصلح قبل القطع، وكان مُستهلَكًا من وجه قائمًا من وجه، فإن شاء مال صاحبه إلى جانب الاستهلاك، وضمَّنه قيمته، وإن شاء مال إلى جانب البقاء وأخذ عين الثوب، وضمَّنه نقصان القطع؛ لأنَّ الثوب ليس بمال الربا، وتضمين النقصان في مثله مع أخذ العين جائز شرعًا).

(1)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 468)، البحر الرائق (8/ 133).

(2)

اسْتَأْصَلَهُ: قَلَعه مِنْ أَصله. لسان العرب (11/ 16).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

المبسوط للسرخسي (11/ 52).

(5)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 468)، درر الحكام (2/ 266)، البناية شرح الهداية (11/ 221).

(6)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 135).

(7)

للسرخسي (11/ 85).

ص: 149

[ضمان الغاضب قيمة الأرض إذا كانت أقل من قيمة البناء]

(ومن غصب أرضًا فغرس فيها أو بنى، قيل له: اقلع البناء والغرس ورُدَّها

(1)

اعلم أن هذا الذي ذكره من الحكم فيما إذا كانت قيمة البناء أقل من قيمة الأرض.

وأما إذا كانت قيمة البناء أكثر من قيمة الأرض فلا يُقال للغاصب اقلع البناء ورُدَّ الأرض، بل يَضْمَن الغاصب قيمة الأرض؛ وهذا أوفق لمسائل الغصب على أصلنا

(2)

؛ والدليل على هذا الذي ذكرته ما ذكره في «الذخيرة»

(3)

و «المحيط»

(4)

(5)

و «المغني»

(6)

، فقال:(ولو غصب ساجة وبنى عليها لا ينقطع حق المالك فكان له أن يأخذها).

ثم قال: وكان القاضي الإمام أبو

(7)

علي النسفي

(8)

يَحكي عن الْكَرْخِيِّ- رحمهما الله- أنه ذَكر في بعض كتبه

(9)

تفصيلًا

(10)

فقال: إن كانت قيمة الساحة أقل من قيمة البناء ليس له أن يأخذها، وإن كانت قيمة الساحة أكثر فله أن يأخذها؛ وكذا في الساجة إذا كانت قيمتها أقل من قيمة البناء لا يأخذ

(11)

الساجة، وإذا كانت قيمة الساجة أكثر من قيمة البناء له أن يأخذ الساجة.

(1)

قال ابن قدامة: (وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا) المغني (5/ 180).

(2)

وهو: عدم إلحاق ضرر بالغاصب.

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 93)، البناية شرح الهداية (11/ 225).

(4)

المحيط البرهاني (5/ 471).

(5)

المحيط البرهاني؛ لبرهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر ابن مازة البخاري، المتوفى سنة (616 هـ)، والمحيط البرهاني: كتاب مطبوع، في الفقه الحنفي، جمع فيه مصنفه مسائل ظاهر الرواية من كتب ظاهر الرواية؛ لمحمد بن الحسن الشيباني، وألحق بها مسائل النوادر، والفتاوى، والواقعات، وضم إليها عددًا من الفوائد. انظر: كشف الظنون (2/ 1619)، معجم المؤلفين (3/ 796)، الفوائد البهية (336)، الأعلام (7/ 161).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 93)، البناية شرح الهداية (11/ 225).

(7)

في (أ): (أبي) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المحيط البرهاني (5/ 471).

(8)

هو: الحسين بن خضر بن يوسف الفشيدرجي، القاضي أبو علي النسفي، تفقه على أبي بكر محمد بن الفضل وغيره، وأخذ عنه شمس الأئمة الحلواني، كان إمام عصره بلا مدافعة، وأقام ببغداد مدة، وتفقه بها وتعلم وناظر الخصوم، له كتاب (الفوائد والفتاوى)، مات وقد قارب الثمانين سنة 424 هـ، وقيل 428 هـ. انظر: تاريخ الإسلام (9/ 397)، سير أعلام النبلاء (13/ 139)، الجواهر المضية (2/ 211)، الفوائد البهية (1/ 66).

(9)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 471)، العناية شرح الهداية (9/ 337)، البناية شرح الهداية (11/ 225).

(10)

في (ع): (تفسيرًا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 342).

(11)

في (ع): (يدخل) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 342).

ص: 150

قال مشايخنا

(1)

: وهذا قريب من مسائل نُقلت عن محمد

(2)

رحمه الله، حيث قال: إنَّ من كان في يده لؤلؤة فسقطت اللُّؤْلُؤَة

(3)

فابتلعتها دجاجة إنسان يُنظر إلى قيمة الدجاجة واللؤلؤة، فإن كانت قيمة الدجاجة أقل يُخيَّر صاحب اللُّؤْلُؤَة إن شاء أخذ الدجاجة وضمِن قيمتها للمالك، وإن شاء ترك اللُّؤْلُؤَة وضمِن صاحب الدجاجة قيمة اللُّؤْلُؤَة؛ وكذا لو أودع رجلًا فصيلًا

(4)

فكبر الفصيل حتى لم يمكن إخراجه من البيت إلا بنقض الجدار يُنظر إلى أكثرهما قيمة، ويُخيَّر صاحب الأكثر على ما قلنا

(5)

.

وفي كتاب الحيطان

(6)

: دخل قرن الشاة في قدر الْبَاقِلَّائِيِّ

(7)

وتعذَّر إخراجه يُنظر أيهما كان أكثر قيمة من الآخر يُؤمر صاحب أكثرهما قيمة

(8)

بدفع قيمة الآخر إلى صاحبه، ويَتملَّك مال صاحبه، ويكون مُخيَّرا بعد ذلك بتلف أيهما شاء

(9)

، وكذلك إذا كان للمستأجر حَبٌّ في الدار المستأجرة لا يمكن إخراجه إلا بهدم شيء من الحائط يُنظر أيهما أكثر قيمة، وكذلك لو أدخل رجل أُتْرُجَّة

(10)

رجل في قارورة

(11)

رجل، فكبُرت الأترجَّة فلا خيار لأحد، وضَمِن الفاعل لصاحب الأترجة [قيمة الأترجة]

(12)

، ولصاحب القارورة قيمة القارورة، وتكون الأترجة والقارورة بالضمان

(13)

.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 472)، البناية شرح الهداية (11/ 225).

(2)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 104)، العناية (9/ 342)، مجمع الأنهر (2/ 463).

(3)

اللُّؤْلُؤَةُ: الدُرَّةُ، والجمع اللُؤْلُؤُ والَّلآلئُ. الصحاح (1/ 70) مادة (ل أ ل أ)، لسان العرب مادة (ل أ ل أ) فصل اللام (1/ 150).

(4)

الفَصيلُ: ولد الناقة إذا فُصِلَ عن أمّه، والجمع فُصْلانٌ وفِصالٌ. الصحاح مادة (ف ص ل)(5/ 1791).

(5)

انظر: عيون المسائل (ص: 369)، الجوهرة النيرة (1/ 342)، البناية شرح الهداية (11/ 225).

(6)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 483)، العناية شرح الهداية (9/ 342).

(7)

الباقلا: لفظ معرب، وهو الفول: نبات عُشبيّ حَوْليّ من الفصيلة القرنيّة تؤكل قرونُه مطبوخة وكذلك بذورُه. وأَهل الشَّامِ يُسَمُّونَ الفُول البَاقِلَّا. المغرب (ص: 49)، معجم لغة الفقهاء (ص: 103) لسان العرب مادة (ف و ل)(11/ 534)، معجم اللغة العربية المعاصرة (1/ 232).

(8)

سقطت في (ع).

(9)

في (أ): (يؤمر شيئًا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المحيط البرهاني (5/ 483).

(10)

الأُترجّ: شجر حمضيّ ناعم الأغصان والورق والثَّمر، وهو حامض كاللَّيمون، ذهبيّ اللّون ذكيّ الرائحة، يصنع من ثمره نوع من الحلوى. انظر: المصباح المنير مادة (ت ر ج)(1/ 73)، معجم اللغة العربية المعاصرة (1/ 57).

(11)

الْقَارُورَةُ: وعاء من زجاج يحفظ فيه الشراب والطيب. معجم اللغة العربية المعاصرة (3/ 1796)، لسان العرب (5/ 87).

(12)

سقطت في (ع).

(13)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 483)، فتاوى قاض خان (3/ 107)، البناية شرح الهداية (11/ 225).

ص: 151

«ليس لعرقٍ ظالم حق»

(1)

تنوين عرقٍ على وجه الصفة والموصوف وذكر في «المغرب»

(2)

(أَيْ: لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ وَهُوَ الَّذِي يَغْرِسُ فِي الْأَرْضِ غَرْسًا عَلَى وَجْهِ الِاغْتِصَابِ لِيَسْتَوْجِبَهَا، وَوَصْفُ الْعِرْقِ بِالظُّلْمِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ صَاحِبِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْه مِنْ الْمَجَازِ حَسَنٌ)، وأول الحديث فيما ذكره في «الفائق»

(3)

و «الغريبين»

(4)

(من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرقٍ ظالم حق) ثم قال في «الغريبين»

(5)

(قال هشام بن عُرْوة: وهو أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسًا ليستوجب به الأرض).

[يُؤمر الغاصب في قلع الشجر ورد الأرض]

(معناه: قيمة بناء أو شجر يُؤمر بقلعه)، فعلى هذا كانت قيمة الشجر المقلوع أكثر من قيمة الشجر القائم الذي أُمر بقلعه؛ لأن المؤنة

(6)

صرفت

(7)

في قَلْع

(8)

المقلوع دون القائم، وازدادت قيمة المقلوع لذلك (لأن حقه فيه) أي: لأن حق الغاصب في البناء أو الشجر، (وبها شجر أو بناء لصاحب الأرض) وقوله:(لصاحب الأرض) صفة لبناء وشجر، أي: بناء ثابت أو شجر ثابت لصاحب الأرض الذي له ولاية (أن يأمره بقلعه)؛ لأنه لما كانت هذه الولاية وهي ولاية القلع ثابتة لصاحب الأرض [فتقُوم

(9)

الأرض]

(10)

هكذا

(11)

.

(1)

علَّقه البخاري في صحيحه: كتاب المزارعة، باب من أحيا أرضًا مواتًا، (3/ 106)؛ وأخرجه أبو داود في سننه: من حديث سعيد بن زيد كتاب الخراج والفيء والإجارة، باب إحياء الموات (3/ 178)(3073)؛ وأخرجه النسائي في كتاب إحياء الموات، باب من أحيا ميتة ليست لأحد (5/ 325) برقم (5729) وأخرجه الترمذي في الأحكام، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات، (3/ 654) رقم (1378) وقال: حسن غريب، قال ابن حجر (أعله الترمذي بالإرسال، ورجح الدارقطني إرساله، واختلف فيه على هشام بن عروة اختلافًا كثيرًا). التلخيص الحبير (3/ 54)، قال الألباني:(صحيح). صحيح أبي داود (2638).

(2)

المغرب (ص: 312).

(3)

الفائق في غريب الحديث (2/ 410).

(4)

انظر: الغريبين للهروي (4/ 1262). ولكنه لم يذكر بداية الحديث.

(5)

انظر: الغريبين للهروي (4/ 1262).

(6)

المُؤْنة: اسمٌ لِمَا يَتَحمَّله الإنسان من ثقل النفقة التي ينفقها على من يليه من أهله وولده. التعريفات (ص: 196).

(7)

في (ع): (ضرور) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(8)

القَلْعة: النَّخْلَةُ الَّتِي تُجْتَثُّ مِنْ أَصلها قَلْعًا أَو قَطعًا. لسان العرب مادة (ق ل ع)(8/ 290)، القاموس المحيط (ص: 754).

(9)

التَّقوم: جَعَلْ الشيء لَهُ قِيمَةً مَعْلُومَةً. المصباح المنير مادة (ق و م)(2/ 520).

(10)

في (ع): سقط نظر.

(11)

قال البابرتي: (يعتبر قيمة الأرض بدون الشجر عشرة دنانير مثلا ومع الشجر المستحق قلعه خمسة عشر يضمن صاحب الأرض خمسة دنانير للغاصب فيسلم الأرض والشجر لصاحب الأرض وكذا البناء). العناية شرح الهداية (9/ 343).

ص: 152

[ضرر المالك يُجبر بالقيمة]

(لتَّ السَّوِيق)

(1)

خلطه من باب طلب، (لأن التمييز مُمكن) أي: بالعصر (ولنا: ما بَيَّنَّا أن فيه رعاية الجانبين) أي: جانبي المالك والغاصب، ولم يذكر فيما قبل هذه العبارة بعينها، ولكن ما ذكره في تعليل المسألة المذكورة في أول هذا الفصل يؤدي معناه إلى هذا من اعتبار جانب الغاصب، وجانب المالك، وهو قوله:(ولنا: أنه أحدث صنعة متقومة) إلى آخره، وكذلك قوله في تعليل مسألة (غصب الساجة) بقوله:(وآخر لنا فيه: أن فيما ذهب إليه إضرارا بالغاصب)، وضرر المالك

(2)

فيما ذهبنا إليه مجبور بالقيمة، كان في هذا كله اعتبار للجانبين

(3)

.

[الفرق بين غصب الساحة وصبغ الثوب]

وقوله- رحمه الله: (بخلاف الساحة) بالحاء المهملة

(4)

جواب عن قوله (اعتبارًا بفصل الساحة) يعني: أن في فصل الساحة يُؤمر بالقلع إذا لم تكن الأرض تنقص بالقلع من غير إثبات الخيار (لأن النقض

(5)

أي: الحاصل من البناء المنقوض كالخشب والأجر (له) أي: للغاصب، (أما الصبغ فيتلاشى) ولم يحصل للغاصب منه شيء؛ فلذلك قلنا بالخيار لصاحب الثوب بين الشيئين المذكورين في الكتاب

(6)

لكيلا يفوت حق الغاصب من كل وجه؛ لما بيَّنَّا أن الغاصب وإن كان مُتعديًا فعِصمة ماله ثابتة، فكان جانبه مَرعِيًّا أيضًا لا محالة، وعلى ما قاله الشافعي

(7)

رحمه الله بهدر جانب الغاصب من كل وجه، (وبخلاف ما إذا انصبغ بهبوب الريح) يعني:(إذا هبت الريح بثوب إنسانٍ فألقته في صبغ غيره؛ فإن هناك لا ضمان على صاحب الصبغ لانعدام الصبغ منه، وفيما وراء ذلك هما سواء)، أي: صبغ الغاصب والانصباغ

(8)

. كذا في «المبسوط»

(9)

.

(1)

السَّوِيق: مَا يُتَّخذ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ. انظر: لسان العرب (10/ 170).

(2)

في (أ): (الملك) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (9/ 338).

(3)

انظر: فتح القدير (9/ 338)، العناية شرح الهداية (9/ 338).

(4)

في (ع): عليها بعض الطمس.

(5)

النَّقْضُ: إِفْسادُ مَا أَبْرَمْتَ مِنْ عَقْدٍ أَو بِناء. لسان العرب مادة (ن ق ض)(7/ 242).

(6)

انظر: الهداية (4/ 301).

(7)

انظر: الأم للشافعي (3/ 251)، تحفة المحتاج (6/ 48)، نهاية المحتاج (5/ 189).

(8)

انصبغ الثَّوبُ: تلوَّن. معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1265).

(9)

للسرخسي (11/ 84).

ص: 153

[لا ضمان على صاحب الصبغ إذا هبت الريح بثوب غيره وألقته فيه]

وذكر في «الإيضاح»

(1)

ولو وقع الثوب في صبغ آخر فانصبغ به، ولم يصبغه أحد فهو لرب الثوب، ولا شيء عليه من قيمة الصبغ في قول أبي حنيفة

(2)

رحمه الله؛ وإن كان عُصْفُرًا

(3)

أو زَعْفَرانًا

(4)

فرب الثوب بالخيار إن شاء أعطاه ما زاد الصبغ فيه، (وإن شاء امتنع فيباع الثوب فيَضَرب) أي: يأخذ فيه صاحب الثوب بقيمته أبيض، ويضرب صاحب الصبغ بقيمة الصبغ في الثوب؛ لأنه لم يوجد من واحد منهما فعل هو سبب للضمان، فانتفى الضمان وبَقِيَا شريكين فيه (ليضمن الثوب)، فقوله:(ليضمن) على بناء المفعول من التضمين، وقوله (الثوبَ) بالنصب على أنه مفعول ثان، أي: يضمن صاحب الصبغ الثوب.

(أَبُو عِصْمَةَ) أي: الْمَرْوَزِيُّ

(5)

رحمه الله (في أصل المسألة) أي: في قوله: (ومن غصب ثوبًا فصبغه أحمر) احترز بهذا القيد عن أن يتوهم أن هذا الحكم الذي ذكره أبو عِصمة متصل بما يليه

(6)

من مسألة الانصباغ، وإن كان حكم مسألة الانصباغ أيضًا كذلك على ما ذكر في الكتاب

(7)

بقوله: (وَيَتأتَّى هذا فيما

(8)

إذا انصبغ الثوب بنفسه، وقد ظهر بما ذكرنا الوجه في السَّوِيق) أي: الجواب في التعليل في السويق كالجواب والتعليل في الصبغ والانصباغ؛ أما حكمه في الغصب فقد ذكرنا أن صاحب السويق بالخيار، إن شاء ضَمَّنَه مثل السويق، وإن شاء أخذهما وغرم ما زاد الثمن

(9)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 161)، البناية شرح الهداية (11/ 228).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 91)، بدائع الصنائع (7/ 161).

(3)

الْعُصْفُرُ: نبات من الفصيلة المُرَكَّبة أنبوبيَّة الزّهر يُستخرجُ منه صِبْغُ أصفر تُصبغ به الثِّيابُ. انظر: الصحاح مادة (ع ص ف ر)(2/ 750)، معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 1509).

(4)

الزَّعْفَرَانُ: نبات بَصَليّ عطريّ مُعَمَّر، ونوع زراعيّ صبغيّ طبيّ مشهور زهره أحمر يميل إلى الصُّفرة أو أبيض، يستعمل لتطييب بعض أنواع الطعام أو الحلويات، أو لتلوينها باللون الأصفر، وَهُوَ مِنَ الطِّيب، وزَعْفَرْتُ الثوبَ: صَبَغْتُهُ. الصحاح مادة (ز ع ف ر)(2/ 670)، معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 984).

(5)

هو: سعد بن معاذ المروزي، روى عن أبي سليمان، وروى عنه أبو أحمد نبهان بن إسحاق بن مقداس وهو راوي كتابي (التحري والحجر عن أبي سليمان). توفي: 310 هـ. انظر: الجواهر المضية (2/ 257 - 258).

(6)

في (ع): (بملكه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 344).

(7)

الهداية (4/ 302).

(8)

في (أ): زيادة (يرجع) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (4/ 302).

(9)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 135)، كنز الدقائق (ص: 579)، المحيط البرهاني (5/ 467).

ص: 154

[حكم السويق والسمن إذا اختلطا]

وأما حكم السَّوِيق وَالسَّمْن في الاختلاط بغير فعل أحد، فقد ذكر في «الإيضاح»

(1)

أن السَّمْن لو اختلط بالسويق كان السويق بمنزلة الثوب، والسمن بمنزلة الصبغ؛ لأن السويق أصل والسمن كالتابع له، فإنه يقال: سَوِيقٌ مَلْتُوتٌ.

[صبغ الثوب بالسواد]

وأما العسل والسمن فكلاهما أصلان (سماه به) أي: سمى المثل بالقيمة بتأويل ما يقوم (لقيامه مقامه) أي: لقيام المثل مقام المغصوب (ولو صبغه أسود فهو نقصان عند أبي حنيفة

(2)

رحمه الله) حتى (أنه إذا غصب ثوبًا فصبغه أسود فلصاحب الثوب أن يأخذه، ولا يعطيه شيئًا في قول أبي حنيفة-رحمه الله: (وعندهما

(3)

: السواد كَالْحُمْرَة

(4)

والصُفرة

(5)

ولا اختلاف في الحقيقة، ولكنَّ أبا حنيفة- رحمه الله أجاب على ما شاهد في عصره/ من عادة بَني أمية، وقد كانوا مُمتنعين من لُبْسِ السواد، وهما أجابا على ما شاهدا في عصرهما من عادة بني العباس بلُبْسِ السواد؛ وقد كان أبو يوسف- رحمه الله يقول أولًا بقول أبي حنيفة، فلما قُلِّد القضاء، وأمر بلبس السواد احتاج إلى التزام مؤنة في ذلك فرجع، وقال: السواد زيادة، وقيل: السواد يزيد في قيمة بعض الثياب، ويُنقص من قيمة بعض الثياب كالغصب؛ فإن كان المغصوب ثوبًا يُنقص السواد في قيمته، فالجواب ما قاله أبو حنيفة- رحمه الله: وإن كان ثوبًا يزيد السواد في قيمته، فالجواب ما قالا: إنه بمنزلة الحُمرة والصُفرة). كذا في «المبسوط»

(6)

.

(فإن كانت الزيادة خمسة يأخذ ثوبه وخمسة دراهم) يعني: (يَنظر إلى قيمة الصبغ في ثوب يزيد فيه، فإن كان خمسة فلصاحب الثوب أن يأخذ ثوبه، ويأخذ خمسة دراهم من الغاصب أيضًا؛ لأنه استوجب عليه عشرة دراهم نقصان قيمة ثوبه، واستوجب الصَّبَّاغ عليه قيمة الصبغ خمسة، فالخمسة بالخمسة قِصاص، ويرجع عليه بما بقي من النقصان وهو خمسة، وهذا رواية هشام عن محمد

(7)

رحمه الله). كذا في «المبسوط»

(8)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 161)، العناية شرح الهداية (9/ 344)، البناية شرح الهداية (11/ 228).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 91)، بدائع الصنائع (7/ 161)، الاختيار (3/ 64).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 91)، بدائع الصنائع (7/ 161).

(4)

الْحُمْرَةُ: لَوْنُ الْأَحْمَرِ. الصحاح مادة (ح م ر)(2/ 636).

(5)

الصُفْرَةُ: لون الأَصْفَرِ. الصحاح مادة (ص ف ر)(2/ 714).

(6)

للسرخسي (11/ 85).

(7)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 344)، البناية شرح الهداية (11/ 231).

(8)

للسرخسي (11/ 85).

ص: 155

فحصل من هذا كله أن صبغ الثوب لا يخلو: إما أن يكون بالسواد أو بغيره، وكل واحد منهما لا يخلو: إما أن يوجب الزيادة، أو النقصان، ثم كل واحد من السواد وغيره إما إن كان بفعل أحد، أو بغير فعل أحد، ولو كان بفعل أحد فلا يخلو: إما أن يكون ذلك الفاعل صاحب الثوب، أو صاحب الصبغ أو غيرهما، وذلك الغير إما إن كان حاضرًا أو غائبًا، وهذه الأقسام كلها مذكورة في «الإيضاح

(1)

ثم الذي ذكر في الكتاب

(2)

هو الذي ذكرناه فلا يحتاج إلى إعادته.

[الضمان لمن غصب صبغًا وصبغ به ثوبه]

وأما الذي لم يُذكر في الكتاب فهو

(3)

أن صاحب الثوب لو غصب العصفر وصبغ به ثوبه فهو ضامن لمثل ما أَخذ؛ لأنه استهلكه، فيضمن المثل إن قدر عليه، وإن لم يقدر فهو على الاختلاف الذي ذكرنا

(4)

فيما ينقطع من أيدي الناس، وليس لصاحب العُصْفر أن يحبس الثوب في شيء من ذلك؛ لأن الثوب أصل فصار الصبغ فيه كالهالك، والسواد في هذا الوجه بمنزلة العصفر على قول أبي حنيفة

(5)

رحمه الله أيضًا؛ لأن مالك الثوب مستهلك للسواد، فلا فرق بين أن يزيد قيمة الثوب أو ينقص، ولو وقع الثوب في صبغ أحد فانصبغ فقد ذكرناه

(6)

؛ ولو غصب إنسان ثوبًا من رجل وصبغه بعصفر لآخر، ثم ذهب الفاعل فلم يُعرف، فالقول فيه: كما لو اختلط بغير فعل أحد استحسانًا، والقياس: ألا يكون لصاحب الصبغ على صاحب الثوب سبيل؛ لأنه وجب الضمان على الغاصب، وانقطع

(7)

حق هذا عن الصبغ؛ وجه الاستحسان: هو أنه إذا لم يُعرف الفاعل، وتعذر إلزام الحكم عليه صار كأنه حصل من غير فعل أحد

(8)

.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 162)، البحر الرائق (8/ 134).

(2)

قال المرغيناني: (ولو كان ثوبًا تنقصه الحمرة بأن كانت قيمته ثلاثين درهمًا فتراجعت بالصبغ إلى عشرين، فعن محمد أنه ينظر إلى ثوب تزيد فيه الحمرة، فإن كانت الزيادة خمسة يأخذ ثوبه وخمسة دراهم؛ لأن إحدى الخمستين جبرت بالصبغ). الهداية (4/ 302).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 162)، الجوهرة النيرة (1/ 343)، البناية شرح الهداية (11/ 231).

(4)

راجع، ص ().

(5)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 162)، البناية شرح الهداية (11/ 231).

(6)

راجع (ص: 202)(ولا شيء عليه من قيمة الصبغ في قول أبي حنيفة- رحمه الله) وكذلك انظر: البناية شرح الهداية (11/ 228).

(7)

في (ع): (ولا يقطع).

(8)

انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 162)، البناية شرح الهداية (11/ 232).

ص: 156

[ضمان القيمة فيمن فتح رأس تنور حتى برد]

ومما يتصل بمسائل الغصب: ومن فتح رأس تنور

(1)

إنسان حتى بَرد، فعليه قيمة الحطب مقدار ما يُسْجَر

(2)

به التنور، ويمكن أن يُقال: يُنظر بكم يستأجر التنور [المسجور لينتفع]

(3)

به من غير أن يسجره ثانيًا، فيَضمن ذلك القدر أو يُنظر إلى أجرته مسجورًا وغير مسجور، فيَضمن تفاوت ما بينهما، كذا في «الذخيرة»

(4)

، والله أعلم.

(1)

التَنُّورُ: الذي يُخبَزُ فيه. الصحاح مادة (ت ن ر)(2/ 602).

(2)

السَّجُورُ: بِالْفَتْحِ مَا يُسْجَرُ بِهِ التَّنُّورُ، وسَجَّرْتُ التَّنُّورَ، إِذَا أَوْقَدْتَهُ. الصحاح مادة (س ج ر)(2/ 677)، مقاييس اللغة مادة (س ج ر)(3/ 135).

(3)

في (ع): (والمسجور ينتفع).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 481)، فتاوى قاض خان (3/ 103)، البناية شرح الهداية (11/ 232).

ص: 157

‌فصل

لمَّا ذَكر مُقدمات الغصب كما ذكرنا، وذَكر أيضًا كيفية ما يوجب المِلْك للغاصب بالضمان، ذكر في هذا الفصل مسائل متفرقة، تتصل بمسائل الغصب، كما هو دأب المصنفين.

[الملك يثبت من وقت الغصب]

(وقال الشافعي

(1)

رحمه الله: لا يملكها

(2)

، بل الجارية باقية على مِلْك مولاها فيستردها إذا ظهرت، ويرد ما قبض

(3)

من القيمة، (ولنا: أنه مَلَك البدل بكماله) أي: مَلَك مالكُ الجارية بدلَ جاريته، وهو القيمة التي أخذها من الغاصب، فيجب أن يملك الغاصب الجارية دفعًا للضرر عن الغاصب، أو لئلا (يجتمع البدل والمُبْدَل في ملك رجل واحد) هذا ما اقتضاه لفظ الكتاب

(4)

،

[من غصب عينا فغيبها]

وقال في «المبسوط»

(5)

: (وبعض المتقدمين من أصحابنا يقول: سبب الملك عندنا يُقرِّر الضمان على الغاصب؛ لكيلا يجتمع البدل والمُبْدل في مِلْك رجل واحد، وهو معنى قولهم: المضمونات تُملك بالضمان، ولكن هذا غلط؛ لأن الملك عندنا يثبت من وقت الغصب؛ ولهذا نَفَذَ بيع الغاصب وسُلِّم الكسب له؛ وبعض المتأخرين يقول: الغصب هو السبب الموجب للملك عند أداء الضمان، وهذا أيضًا وهْم، فإن الملك لا يثبت عند أداء الضمان من وقت الغصب للغاصب حقيقة؛ ولهذا/ لا يُسَلَّم له الولد، ولو كان الغصب هو السبب للملك لكان إذا تمّ له الملك بذلك السبب يملك الزوائد المتصلة والمنفصلة، كالبيع الموقوف

(6)

إذا تمّ بالإجازة يملك المشتري المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة، ومع هذا في هذه العبارة بعض الشُّنْعة، فالغصب عدوان محض، والملك حكم مشروع مرغوب فيه، فيكون سببه مشروعًا مرغوبًا فيه، ولا يصلح أن يُجعل العدوان المحض سببًا له، فإنه ترغيب للناس فيه لتحصيل ما هو مرغوب لهم به، ولا يجوز إضافة مثله إلى الشرع، فالأسلم أن يقول: الغصب موجب رد العين وردّ القيمة عند تعذّر ردّ العين بطريق الجُبْران مقصودًا بهذا السبب، ثم يثبت الملك به للغاصب شرطًا للقضاء بالقيمة لا حكمًا ثابتًا بالغصب مقصودًا؛ ولهذا لا يَمْلك الولد؛ لأن الملك كان شرطًا للقضاء بالقيمة، والولد غير مضمون بالقيمة، فهذا بعد الانفصال ليس تبعًا لها، فلا يثبت هذا الحكم فيه بخلاف الزيادة المتصلة، فإنها تَبَع محض، والكسب كذلك بدل المنفعة فيكون تبعًا محضًا

(7)

، وثبوت الحكم في التَّبَع بثبوته في الأصل، سواء ثبت في المتبوع مقصودًا بسببه أو شرطًا لغيره).

(1)

انظر: الأم للشافعي (3/ 256)، مختصر المزني (8/ 217)، روضة الطالبين (5/ 26).

(2)

لتوضيح ما يَقصده المؤلف: قال المرغيناني: (فصل: "ومن غصب عينا فغيبها فضمَّنه المالك قيمتها ملكها"، وهذا عندنا). الهداية (4/ 302).

(3)

في (ع): (بقي) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 67).

(4)

الهداية (4/ 495).

(5)

للسرخسي (11/ 67).

(6)

الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ: بَيْعٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ، وهو أَن يُوجد الرُّكْن مَعَ وجود شَرط الِانْعِقَاد والأهلية لَكِن لم يُوجد شَرط النَّفاذ وَهُوَ الْملك وَالْولَايَة. انظر: تحفة الفقهاء (2/ 34)، حاشية ابن عابدين (5/ 50)، مجلة الأحكام العدلية (ص: 30).

(7)

سقطت في (ع).

ص: 158

[القضاء بالقيمة شرط لملك الغاصب]

قلتُ: كأنَّه نفى بما ذكر من قول بعض المتأخرين ما ذكره في «الأسرار»

(1)

؛ لأنه قال في «الأسرار»

(2)

: قال علماؤنا: (الغصب يُفيد الملك في المغصوب عند القضاء بالضمان أو التراضي عليه، وقول الناس: ضمان الغصب يُفيد الملك خطأ

(3)

؛ لأن الملك يجب من حين الغصب فهو السبب عندنا كالبيع، ولكن موجبه عند القضاء ببدل الأصل عند تعذر رده).

[المدبر قابل للنقل من ملك إلى ملك]

وقال الشافعي

(4)

: لا يفيد، (نعم قد يُفسخ) وقوله:(نعم)

(5)

حرف تصديق ذُكر جوابًا

(6)

لإشكال مُقدَّر، وهو أن يُقال: لا نُسلِّم بأنّ المدَّبر غير قابل للنقل من ملك إلى ملك، بل هو قابل للنقل، فإن مولاه لو باعه وحكم القاضي بجواز بيعه يجوز البيع ويُفسخ التدبير؛ فأجاب عنه، وقال:(نعم)؛ كذلك إلا أن هناك انفسخ التدبير في ضِمن قضاء القاضي في الفصل المجتَهَد فيه، فحينئذ كان البيع مُصادِفًا للقن لا للمدبّر، فيجوز بيعه لمصادفته القن بهذا الطريق؛ وأما ههنا فلم ينفسخ التدبير، والكلام فيه: والمدبَّر غير قابل للنقل من ملك إلى ملك، ولمَّا كان كذلك كان وجوب الضمان على غاصب المدبر بمقابلة تفويت يد المالك عن المدبر، لا بمقابلة الرقبة

(7)

.

وفي «المبسوط»

(8)

: (فأمّا المدبّر ففي تخريجه طريقان:

أحدهما: أن هناك لا يقول

(9)

ببقاء العين على ملكه بعد

(10)

تقرر

(11)

حقه في القيمة، بل يُجعل زائلًا

(12)

عن ملكه لتحصيل هذا الشرط، - أي: شرط صحة القضاء بالقيمة، فإن شرط صحته بها انعدام الملك في العين-؛ ولهذا لو لم يظهر المدبّر بعد ذلك وظهر له كسب فذلك الكسب يكون للغاصب دون المغصوب منه، إلا أنّه إذا ظهر المدبّر يُعاد إليه؛ صيانةً لحق المدبَّر، فإن حق العتق ثبت له بالتدبير

(13)

عندنا.

(1)

للدبوسي (3/ 140).

(2)

للدبوسي (3/ 140).

(3)

في (أ): (مطلقا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الأسرار للدبوسي (3/ 140).

(4)

قال النووي: (لو لم يهلك المغصوب لكن أبق، أو غيَّبه الغاصب، أو ضلت الدابة، أو ضاع الثوب، فللمالك أن يُضمِّنه القيمة في الحال للحيلولة

ولا يملك الغاصب المغصوب، فإذا ظفر بالمغصوب، فللمالك استرداده ورد القيمة، وللغاصب رده واسترداد القيمة). روضة الطالبين (5/ 26)، وانظر: تحفة المحتاج (6/ 23).

(5)

سقطت في (أ).

(6)

سقطت في (أ).

(7)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 346)، البناية شرح الهداية (11/ 235).

(8)

للسرخسي (11/ 70).

(9)

في (ع): (يفوت) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 69).

(10)

سقطت في (أ).

(11)

في (أ): (تعذر) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 69).

(12)

في (ع): (زائدًا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 69).

(13)

في (أ)(بالتسبب) وفي (ع): (بالنسب) والمثبت من المبسوط وهو الصحيح. انظر: (11/ 70).

ص: 159

[كسب المدبر للغاصب في حال غيابه]

والثاني: أنّ في المدَّبر القيمةُ ليست ببدل عن العين؛ لأن ما هو شرطه وهو انعدام الملك في العين مُتعذِّر، هذا خلفًا عن النقصان الذي حلّ بيده

(1)

، ولكن هذا عند الضرورة، ففي كل موضع يُمكن اتحاد الشرط فيه لا تتحقق الضرورة، فيُجعل بدلًا عن العين، وإذا تعذّر اتحاد الشرط يُجعل خلفًا عن النقصان الذي حلَّ بيده، ونظيره فصلان:

أحدهما

(2)

: ضمان العين، فإنّه بمقابلة العين في كل محل يحتمل اتحاد شرطه، وهو تمليك العين، وفيما لا يَحتمل اتحاد

(3)

هذا الشرط كالمدبر، وأم الولد عندهم لا تُجعل بدلًا عن العين، وكذلك ضمان الصُّلح

(4)

، فإنه إذا أخذ القيمة

(5)

بالتراضي كان المأخوذ بدلًا عن العين في كل محلّ يَحْتمل تمليك العين، [وفي كلّ محلّ لا يحتمل تمليك العين]

(6)

يُجْعل المأخوذ بمقابلة الجناية التي حلَّت بيده).

فإن قلتَ: لو احتج الخصم على ما ادَّعاه، وهو أنّ الغاصب لا يملك الجارية، وإن أدّى ضمانها عند التغييب، وكذلك في غيرها لو تغيَّرت العين المغصوبة بفعل الغاصب، حتى زال اسمها، كما في جَعل الحنطة دقيقًا، لا يملكها بالضمان؛ استدلالًا بقوله تعالى:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ (29)}

(7)

فالله- تعالى- جعل أَكْل مال الغير قِسمين: قِسمًا بالباطل، وقسمًا بالتجارة عن تراض، وهذا ليس [بتجارة عن تراض فيكون بالباطل،/ والباطل لا يُفيد الملك والمعنى فيه: أن الغصب عدوان محض؛ لأنّه ليس]

(8)

فيه شُبهة الإباحة فلا يكون مُوجِبًا للملك كالقتل

(9)

، ولا يجوز أن يثبت الملك بضمان القيمة، لأنّ هذا ضمان جبران، فيكون بمقابلة الفائت، والفائت بالغصب يد المالك لا ملكه؛ فعُلم بهذا أنّ الضمان بمقابلة ذلك الفائت لا بمقابلة الملك؛ ولهذا قلتم: لو [هشم قُلْب فضة]

(10)

إنسان، وقضى القاضي عليه بالقيمة، ثم افترقا من غير قبض لا يَبْطُل القضاء، ولو كان بدلًا عن العين كان صرفًا، فيبطل بالافتراق من غير قبض

(11)

، ولمَّا كان كذلك وجب على المالك ردّ ما قبض إذا ظهرت الجارية، ويَسترد الجارية؛ لأنّ مثل هذا الخلف يسقط اعتباره عند ظهور العين، كما لو قلع سن إنسان فَاسْتُوْفِيَ به حَولًا، ثم قضى له بالأرش

(12)

فقبض ثم نبت سِنُّه، يلزمه ردّ المقبوض من الأرش

(13)

، واعتمادهم على فصل المدبّر، فإنّ الغصب يتحقق في المدبّر، وبسبب الملك عندكم لا يتحقّق في المدبّر

(14)

ما جوابنا عنه؟

(1)

في (أ): (هذه) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(2)

سقطت في (أ).

(3)

في (ع): (إيحاط) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 70).

(4)

الصُّلْحُ لغة: التَّوْفِيقُ. المصباح المنير مادة (ص ل ح)(1/ 345) وشرعًا: هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ بِالتَّرَاضِي. مجمع الأنهر (2/ 308)، مجلة الأحكام العدلية (ص: 297) الْمَادَّةُ (1531).

(5)

سقطت في (أ) و (ع) وأثبتها من المبسوط. انظر: (11/ 70).

(6)

في (ع): سقط نظر.

(7)

سورة النساء من آية (29).

(8)

في (ع): سقط نظر.

(9)

أي: إذا قتل الجارية وضمنها لا يملكها.

(10)

في (أ): (هشمه قلت: قصة).

(11)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 68).

(12)

الْأَرْشُ لُغَةً: دِيَةُ الْجِرَاحَاتِ. الصحاح مادة (أ ر ش)(3/ 995)، المغرب مادة (أ ر ش) (ص: 23). وشرعًا: اسم للواجب على ما دون النفس. أنيس الفقهاء (ص: 110).

(13)

انظر: الهداية (4/ 469)، البحر الرائق (8/ 387).

(14)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 68)، الأسرار للدبوسي (3/ 143).

ص: 160

[قبول المالك بالقيمة دليل على رضاه]

قلتُ: أما الآية ففيها (بيان أن الأكل في التجارة عن تراض جائز، لا أن يكون الجواز مقصودًا عليه، ثم معنى التجارة عن تراض يندرج ههنا من وجه، فإنّ المالك ههنا مُتمكن من أن يصبر حتى تظهر العين فيأخذها

(1)

فحين طالب بالقيمة مع عِلمه أن من شرطه انعدام ملكه في العين فقد صار راضيًا بذلك؛ لأنّ من طلب شيئًا لا يتوسل إليه إلا بشرطٍ كان راضيًا بالشرط، كما يكون راضيًا بمطلوبه).

[الضمان بدل عن العين]

وأمّا الجواب عن المعنى الذي ذَكر فإنَّا لا نقول: (إن الغصب الذي هو عدوان محض سبب للملك بعينه، بل نقول إن الضمان الواجب على الغاصب بدل العين، ألا ترى أنه يُقَوِّم العين به، ويُسَمِّى الواجب قيمة العين؛ ولأنّ الضمان بمقابلة ما هو المقصود، ومقصود صاحب الدراهم عين الدراهم [لامتلاء كيسه]

(2)

بها؛ فعرفنا أنّ الضمان بدل عن العين

(3)

، وإنّما يقضي به جبرانًا، والجبران يستدعي الفوات لا محالة، لأنه إنما يجبر الفائت دون القائم، فكان من ضرورة القضاء بقيمة العين انعدام ملكه في العين

(4)

، ليكون جبرانًا لِما هو فائت، وما لا يمكن إثباته إلا بشرط، فإذا وقعت الحاجة إلى إثباته يُقدَّم شرطه عليه لا محالة، كما إذا قال لغيره:(أعتق عبدك عني على ألف درهم فأعتقه) يُقدّم التمليك منه على نُفُوذ العتق عنه ضرورة كونه شرطًا؛ إذا تقرر هذا يَتبين أنَّا نُثبت بالعدوان المحض ما هو حسن مشروع به، وهو القضاء بالقيمة جبرانًا لحقه في الفائت، ثم انعدام الملك في العين لمَّا كان من شرط هذا المشروع يَثبت به، فيكون حسنًا بجنسه؛ فلذلك لا يشترط التقابض؛ لأن شرط التقابض فيما هو سبب للملك مقصودًا، لا فيما يثبت شرطًا لغيره، كما لا يشترط القبول في قوله: (أعتق عبدك عني على ألف درهم

(5)

؛ لأن شرط القبول في سبب ملك مقصود، لا فيما هو شرط لغيره؛ ولهذا قلنا: إن المغصوب، وإن كان هالكًا عند القضاء بالقيمة يصير مملوكًا للغاصب؛ لأن الهالك [مما لا يَقْبل]

(6)

التمليك مقصودًا بسببه لا شرطًا لغيره.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

في (أ): (لا كسبه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 69).

(3)

في (ع): زيادة (المعني).

(4)

في (أ) و (ع)(غير مقابلة) وأثبتها من المبسوط للسرخسي. انظر: (11/ 69).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

في (أ): (كما لا يعبد) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 69).

ص: 161

[التصدق بمال عن المدبّر فقد ذكرناه المالك معلوما]

وأمّا الجواب عن المدبّر فقد ذكرناه [ثم بناء مذهبنا على الحديث المعروف وهو حديث الشاة المصلية

(1)

وقد ذكرناه]

(2)

حيث أمرهم بالتصدق بها ولو لم يملكوها لَمَا أمرهم بالتصدّق بها؛ لأن التصدق بملك الغير إذا كان مالكه معلومًا لا يجوز، ولكن يُحفظ عليه عين ملكه، فإن تعذَّر ذلك يُباع فيُحفظ عليه ثمنه)، هذا كله من «المبسوط»

(3)

.

[القول قول الغاصب مع يمينه إلا أن يقيم المالك البينة]

(إلا أن يُقيم المالكُ البينةَ بأكثر من ذلك) أي: حينئذ كان القول قول المالك؛ اعلم أنه لم يَذكر في الكتاب أن الغاصب لو أقام البينة على أن قيمة المغصوب كذا ويَذكر قيمة هي أقل من التي ادَّعاها المالك، أيُقبل ببينة أم لا؟ ولم يَذكر أيضًا صورة الدَّعْوى في الغصب بأنَّ

(4)

ذِكْرَ أوصاف المغصوب، أهو شرط كما في سائر الدعاوى أم لا؟

(5)

.

[اختلاف الغاصب ورب الثوب في القيمة]

أما الأول: فقال في «الذخيرة»

(6)

: (وإذا اختلف ربُّ الثوب والغاصب في قيمة الثوب، وقد استهلكه الغاصب، فالقول قول الغاصب مع يمينه؛ لأنه يُنكر الزيادة، والبينة بينة رب

(7)

الثوب، لأنها تُثْبِت الزيادة، وإن لم يكن لرب الثوب بيّنة، وجاء الغاصب ببينته أن قيمة ثوبه كذا، [وكذّبه رب الثوب]

(8)

وسأل يمينه - يعني: يمين الغاصب- فإنه يَحْلف

(9)

(10)

على دعواه ولا تُقبل بينته، لأن بينته تنفي الزيادة، والبينة/ على النفي لا تقبل

(11)

؛ قال بعض مشايخنا

(12)

: ينبغي أن تقبل بينة الغاصب لإسقاط اليمين عن نفسه، وقد تُقبل البينة لإسقاط اليمين، ألا ترى أن المودَع إذا ادّعى ردّ الوديعة يُقبل قوله، ولو أقام البينة على ذلك قُبلت بينته وطريقه ما قلنا؛ وكان القاضي أبو علي النسفي-رحمه الله يقول

(13)

: هذه المسألة عُدَّت مشكلة، ومن المشايخ

(14)

من فرق بين مسألة الوديعة وبين هذه المسألة، وهو الصحيح).

(1)

سبق تخريجه، ص (278).

(2)

في (ع): سقط نظر.

(3)

للسرخسي (11/ 68 - 69 - 70).

(4)

في (ع): (بل) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(5)

انظر: مجمع الأنهر (2/ 464)، حاشية ابن عابدين (6/ 202).

(6)

المحيط البرهاني (5/ 494)، وانظر: المبسوط للشيباني (12/ 131 - 132)، المبسوط للسرخسي (11/ 82).

(7)

سقطت في (أ).

(8)

في (ع): (وكذا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المحيط البرهاني (5/ 494).

(9)

في (ع): (يملك) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المحيط البرهاني (5/ 494).

(10)

الحلف لغةً: الْعَهْدُ يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ. مختار الصحاح مادة (ح ل ف)(ص: 78) وشرعًا: تقوية أحد طرفي الخبر بالمقسم به. ملتقى الأبحر (ص: 259)، أنيس الفقهاء (ص: 61).

(11)

انظر: تبيين الحقائق (4/ 181)، العناية شرح الهداية (7/ 283)، البحر الرائق (6/ 313).

(12)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 346)، البناية شرح الهداية (11/ 235)، مجمع الأنهر (2/ 464).

(13)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 494)، العناية شرح الهداية (9/ 346)، البناية شرح الهداية (11/ 235).

(14)

انظر: تكملة الطوري (8/ 136)، حاشية ابن عابدين (6/ 202).

ص: 162

[ذكر أوصاف المغصوب ليس شرطا في الدعوى]

وأما الثاني: فقد ذكر في «المبسوط»

(1)

و «الذخيرة»

(2)

ما

(3)

يدل على أن ذِكْر أوصاف المغصوب في الدعوى ليس بشرط، بخلاف سائر الدعاوى فقال في «الذخيرة»

(4)

: والمعنى ما (قال محمد- رحمه الله في الأصل

(5)

: إذا ادّعى رجل على رجل أنه غصب منه جارية له، وأقام على ذلك بينة؛ يُحبس المُدَّعَى عليه حتى يجيء بها ويردُّها على صاحبها؛ قال شمس الأئمة الحلواني- رحمه الله

(6)

: ينبغي أن تُحفظ هذه المسألة؛ لأنه قال

(7)

: أقام بينةً أنه غصب جاريةً له، ولم يُبين جنسها وصفتها وقيمتها، فمن المشايخ

(8)

من قال: تأويل المسألة أنه ذكر الجنس والصفة والقيمة) وقد ذكرنا هذه المسألة من «المبسوط»

(9)

مرة، فإنه ذكر في «المبسوط»

(10)

بعدما ذكر صورة المسألة هكذا فقال: (وكان أبو بكر الأعمش- رحمه الله يقول

(11)

: تأويل هذه المسألة أن الشهود شهدوا على إقرار الغاصب بذلك؛ لأن الثابت من إقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة، فأمّا الشهادة على فعل الغصب فلا تُقبل مع جهالة المغصوب؛ لأن المقصود إثبات الملك للمُدّعي في المغصوب، ولا يتمكن القاضي من القضاء بالمجهول، فلابدَّ من الإشارة إلى ما هو المقصود بالدعوى في الشهادة، ثم قال: ولكنَّ الأصح أن هذه الدعوى والشهادة صحيحة لأجل الضرورة، فإن الغاصب يكون مُمتنعًا من إحضار المغصوب عادة، وحين يَغْصب إنما يتأتَّى من الشهود معاينة فعل الغصب دون العلم بأوصاف المغصوب، فسقط اعتبار علمهم بالأوصاف؛ لأجل التعذّر، وثبت بشهادتهم [فِعْل الغصب]

(12)

في محل هو مال متقوّم، فصار ثُبُوت ذلك بالبينة كثبوته بإقراره فيُحْبس حتى يجيء به، ولأن وجوب الرد على الغاصب ثابت بنفس الفعل، وهذا معلوم من شهادتهم، فيتمكَّن القاضي من القضاء به)، وهكذا في «الذخيرة»

(13)

أيضًا.

(1)

انظر: للسرخسي (11/ 66).

(2)

المحيط البرهاني (5/ 492).

(3)

سقطت في (أ).

(4)

المحيط البرهاني (5/ 492).

(5)

انظر: الأصل للشيباني (12/ 123)، المحيط البرهاني (5/ 492).

(6)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 492)، العناية شرح الهداية (9/ 347).

(7)

سقطت في (أ).

(8)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 236)، البحر الرائق وتكملة الطوري (7/ 197).

(9)

للسرخسي (11/ 66).

(10)

للسرخسي (11/ 66).

(11)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 492)، العناية شرح الهداية (9/ 347).

(12)

في (ع): (جَعَل الغاصب) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 347).

(13)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 492)، البناية شرح الهداية (11/ 236).

ص: 163

[(خذ المالك ليس دليلا على رضاءه لعدم الحجة]

(وَأَخَذَهُ دُونَهَا لِعَدَمِ الْحُجَّة

(1)

أي: أخذ المالك ما هو دون قيمة المغصوب كان لعدم الحُجة، وهذا جواب لسؤال مقدّر، وهو أن يقال: ينبغي ألا يكون للمالك هذا الخيار، لأنه لمَّا أَخَذَ القيمة، وإن كانت ناقصة قد تم رضاؤه كما في المسألة الأولى، فإنّه لمَّا ادّعى هناك تلك القيمة، قلنا: قد تمّ رضاه، وههنا أيضًا لمَّا أخذ تلك القيمة [يقول: قد تم رضاه فقال في جوابه: لا بل لم يتم رضاه، والذي أخذه لم يدل على رضاه بتلك القيمة]

(2)

؛ لأنّه إنما أخذ تلك القيمة للضرورة، وهي عدم الحجة فلا يدل ذلك على رضاه، بخلاف تلك المسألة؛ لأن دعواه تلك القيمة كان ذلك باختياره

(3)

.

[ظهور العين بعدما ضمنه]

(ولو ظهرت العين، وقيمتُها مثل ما ضمَّنه أو دونه) أي: قيمة المغصوب أقلّ من الذي ضمنه، فهو (في هذا الفصل الأخير)، وهو ما إذا كان ضمّنه بقول الغاصب مع يمينه، (فكذلك الجواب) أي:(فهو بالخيار إن شاء أمضى الضمان، وإن شاء أخذ العين وردّ العوض) كما لو ظهرت وقيمتها أكثر من الذي ضمنه، وقوله:(لأنه لم يتمّ رضاه) تعليل قوله: (وهو الأصح).

وقال في «المبسوط»

(4)

(قال الْكَرْخِيُّ

(5)

رحمه الله) هذا- أي: الخيار للمالك فيما إذا كانت قيمتها بعدما ظهرت أكثر مما قال الغاصب- فأمّا إذا كانت قيمتها مثل ما قال الغاصب، فلا خيار له في استردادها؛ لأنه يُوَفِّر عليه بدل ملكه بكماله، (وفي ظاهر الرواية

(6)

الجواب مطلق، وهو الصحيح؛ (لأنه لم يتم رضاه) بزوال ملكه عن العين إذا (لم يُعْط ما يدعيه) من القيمة، وثُبوت الخيار له

(7)

لانعدام تمام الرِّضا من جهته، وذلك لا يختلف باختلاف قيمتِها، فقد لا يَرْضى الإنسان بزوال العين عن ملكه بقيمته)، وقوله (لم يُعْط) على بناء المفعول أي: المالك لم يُعْط ما يدّعيه.

(1)

الْحُجَّةُ: الْبُرْهَانُ. الصحاح مادة (ح ج ج)(1/ 304)، مختار الصحاح مادة (ح ج ج) (ص: 67).

(2)

في (ع): سقط نظر.

(3)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 347)، البحر الرائق (8/ 136).

(4)

للسرخسي (11/ 67).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 152)، فتاوى قاض خان (3/ 111)، البناية شرح الهداية (11/ 237).

(6)

انظر: المبسوط للشيباني (11/ 94)، بدائع الصنائع (7/ 152)، الاختيار (3/ 60).

(7)

في (أ): زيادة (لأنه لم يتم رضاه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 67).

ص: 164

(وإن أعتقه ثم ضمِن قيمته) أي: أعتق الغاصب عن نفسه (لم يجز عتقه) أي: عن الغاصب

(1)

.

[إعتاق الغاصب للعبد]

وأمّا لو ضمن القيمة أي: أدّى قيمة العبد إلى المالك ثم أعتق لا شك أنه يقع عن

(2)

الغاصب، وأمّا لو أعتق الغاصب قبل الضمان فأجاز المالك إعتاقه يجوز ويقع عن المالك؛ لأنّ العتق مما يتوقف

(3)

، وقال في «المبسوط»

(4)

في أثناء الكلام: (العتق يتوقف على إجازة مالكِ ظاهر الملك، فإن المالك لو أجاز العتق عن نفسه عتق من جهته، فلا ينفذ من جهة من يحْدُث له بالملك

(5)

(لأن ملكه الثابت ناقص لثبوته مستندًا أو ضرورة) أي: ضرورة ألا يجتمع البدل والمبدل في ملك شخص واحد، والناقص يكفي لنفوذ البيع دون العتق، كملك المكاتَب، فإن المكاتَب [يملك بيع]

(6)

عبده ولا يملك إعتاقه، لأنّ له ملك يد لا ملك رقبة

(7)

.

[صحة إعتاق المشتري العبد بعد بيع الغاصب]

فإن قلتَ: كما أن مِلْك الغاصب هنا ناقص لكونه ثابتًا بطريق الاستناد، فلم يثبت العتق لذلك على ما ذكر، وكذلك ملك المشتري من الغاصب ناقص أيضًا قبل إجازة المالك البيع لثبوته بطريق الاستناد، ثم إذا أعتق هذا المشتري العبدَ ثم أجاز المالكُ البيع، فإن بيع الغاصب في

(8)

إعتاق المشتري يصحُّ على قول أبي حنيفة

(9)

وأبي يوسف

(10)

- رحمهما الله-خلافًا

(11)

لمحمد وزفر- رحمهم الله، فما وجه الفرق لها بين التضمين والإجازة في حق نفوذ العتق في الإجازة دون التضمين؟

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 65)، البناية شرح الهداية (11/ 238).

(2)

في (ع): (على).

(3)

انظر: المحيط البرهاني (9/ 259).

(4)

للسرخسي (11/ 63).

(5)

كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ إذَا أَعْتَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ، ثُمَّ رَضِيَ الْمُكْرَهُ بِالْبَيْعِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُ الْمُشْتَرِي. المبسوط للسرخسي (11/ 63).

(6)

في (أ): (يبقى) وما أثبت هو الصحيح. انظر: البناية شرح الهداية (11/ 238).

(7)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 465)، العناية شرح الهداية (9/ 348).

(8)

في (ع): (و) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 64)، بدائع الصنائع (7/ 145)، المحيط البرهاني (6/ 230).

(10)

انظر: المصدر السابق.

(11)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 122)، ملتقى الأبحر (ص: 136)، حاشية الشلبي (4/ 107).

ص: 165

قلتُ: إنهما يقولان إن هذا عِتقٌ ثبت

(1)

على سبب ملك تام، فينفذ بدون السبب بالإجازة، كالوارث إذا أعتق عبدًا من التركة، وهي مستغرقة بالدين، ثم سقط الدين أو المشتري من الوارث إذا أعتق؛ وذلك لأن العقد الموقوف سبب تام في نفسه، لكن الامتناع عن نفوذ الحكم بسبب تضرر المالك، فكذلك تراخي الحكم عنه، وليس من ضرورة تمام السبب اتصال الحكم به، بل يتراخى عنه

(2)

؛ لأن الأسباب الشرعية لا تنعقد خالية عن الحكم، ولكن يجوز أن يتأخر الحكم عن السبب إلى وقت الإجازة، ويبقى السبب تامًّا، والدليل على تمام السبب أن الإشهاد على النكاح إنما يُعتبر وقت العقد لا

(3)

عند الإجازة، والنكاح ينعقد مع صفة التوقف.

[إعتاق المشتري من الغاصب مع التضمين]

وكذلك الغاصبان إذا تصارفا وتقابضا وافترقا ثم أجاز المالكان

(4)

يجوز، وكذلك المبيع يُملك

(5)

عند الإجازة بزوائده المنفصلة والمتصلة

(6)

، فلمَّا كان البيع الموقوف سببًا تامًّا

(7)

في نفسه، وتوقّف نفوذ الحكم إلى إجازة المالك، كذلك توقف العتق المبني عليه إلى إجازة المالك أيضًا، فينفذ بنفوذه، بخلاف الغاصب إذا أعتق ثم ضَمِن القيمة؛ لأن المُسْتَنِدَ له

(8)

حكم الملك لا حقيقة الملك، ولهذا لا يستحق الزوائد المنفصلة، وحكم الملك يكفي لنفوذ البيع دون العتق كحكم ملك المكاتَب في كسبه، وههنا الثابت للمشتري من وقت العقد حقيقة الملك؛ ولهذا استحق الزوائد المتصلة والمنفصلة وعن هذا افترقا.

[إعتاق المشتري من الغاصب مع إجازة المالك]

ثم إنما قيّد في الكتاب

(9)

بإعتاق الغاصب ثم بتضمينه؛ احترازًا عن إعتاق المشتري من الغاصب ثم تضمين الغاصب، فإن فيه روايتين

(10)

: في روايةٍ: يصح إعتاقه، وهو الأصح قياسًا على الوقف؛ فإنه إن أوقفه المشتري من الغاصب ثم ضَمنه الغاصب يصح وقفه، وفي رواية: لا [يصح]

(11)

الإعتاق من المشتري هناك؛ والفرق لأبي حنيفة

(12)

وأبي يوسف- رحمهما الله- على هذه الرواية بين إعتاق المشتري من الغاصب مع التضمين و بين إعتاق المشتري من الغاصب مع إجازة المالك هو أن المشتري هناك يملكه من جهة الغاصب؛ وقد بيّنا أنه لا يَسْتند للغاصب حقيقةُ الملك، فكيف يَستند لمن يتملكه من جهته؟! فلهذا لا ينفذ عتقه- وأما في صور الإجازة- إنما يَستند الملك له إلى وقت العقد من جهة المُجيز، والمُجيز كان مالكًا له حقيقة فيمكن إثبات

(13)

الملك للمشتري من وقت العقد على ما قلنا؛ فلهذا نَفَذَ عِتقه هذا كله من «المبسوط»

(14)

.

(1)

سقطت في (أ).

(2)

انظر: أصول الشاشي (ص: 60)، أصول السرخسي (1/ 181 - 182)، كشف الأسرار (2/ 69).

(3)

سقطت في (أ).

(4)

في (ع): (المالكون) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 64).

(5)

سقطت في (أ).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

في (ع): (ثابت) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(8)

سقطت في (أ).

(9)

انظر: الهداية (4/ 303).

(10)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 465)، العناية شرح الهداية (9/ 348).

(11)

سقطت في (ع).

(12)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 145)، حاشية ابن عابدين (6/ 204).

(13)

في (ع): (إعتاق) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 65).

(14)

للسرخسي (11/ 63 - 65).

ص: 166

(وولد المغصوبة ونماؤها) كالسِّمَن

(1)

والجَمَال، أما الأكساب الحاصلة باستغلال الغاصب فهي ليست من قَبيل نماء المغصوب؛ لأنه لا يستقيم فيه الاستثناء بقوله:(إلا أن يتعدّى فيها أو يطلبها صاحبها فيمنعها) لِما ذكرنا: أن الغَلَّة الحاصلة من المغصوب باستغلال الغاصب غير مضمونة عليه، وإن استملكها لِما أنها عِوض عن منافع المغصوب [ومنافع المغصوب]

(2)

غير مضمونة عندنا

(3)

، فكذا بدلها.

[الخلاف في ضمان زوائد الغصب]

(وقال الشافعي

(4)

(5)

رحمه الله: زوائد الغصب مضمونة متصلة كانت) كالسِّمَن والجمال (أو منفصلة) كالولد (ولنا: أن الغصب إثبات اليد على مال الغير على وجه يُزيل يد المالك) فكان الاختلاف على هذا التقدير في هذه المسألة بيننا وبين الشافعي مُبيَّنًا على حد الغصب، وقوله (على ما ذكرنا) إشارة إلى ما ذكره في أوّل الغصب بقوله: (وفي الشريعة:/ أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك على وجه يزيل يده

(6)

.

[حد الغصب]

فإن قلتَ: هذا الذي ذكره من حدّ الغصب منقوض طردًا وعكسًا، أما طردًا ففيما إذا غصب الجارية حاملًا، وولدت عند الغاصب، فالولد أمانة، كما لو لم تكن حاملًا فحبلت في يد الغاصب وولدت، مع أنّ الغصب وَرَدَ على الجارية بجميع أجزائها، والولد جزء منها، فيجب أن يكون الولد مضمونًا كأمّه؛ نظرًا إلى طرد هذا الحد، وليس كذلك، والرواية في «الأسرار»

(7)

.

(1)

السِّمَنِ: خِلَافِ الضُّمْرِ وَالْهُزَالِ، يُقَالُ هُوَ سَمِينٌ. مقاييس اللغة مادة (س م ن)(3/ 97)، واصطلاحًا: كثرة اللحم والشحم في البدن. معجم لغة الفقهاء (ص: 250).

(2)

في (ع): سقط نظر.

(3)

انظر: شرح الطحاوي للجصاص (3/ 329)، المبسوط للسرخسي (11/ 78)، تحفة الفقهاء (3/ 90).

(4)

قال النووي: (زوائد المغصوب منفصلة كانت كالولد والثمرة والبيض أو متصلة كالسمن وتعلم الصنعة مضمونة على الغاصب كالأصل، سواء طلبه المالك بالرد أم لا). روضة الطالبين (5/ 27)، وانظر: العزيز (5/ 404)، تحفة المحتاج (6/ 24)، نهاية المحتاج (5/ 165).

(5)

وبقول الشافعي قال أحمد، وقال المالكية في الأرجح عندهم:(إذا كانت الزيادة التي بفعل الله متصلة كالسمن والكبر فلا تكون مضمونة على الغاصب. وأما إذا كانت الزيادة منفصلة ولو نشأت من غير استعمال الغاصب كاللبن والصوف وثمر الشجر، فهي مضمونة على الغاصب إن تلفت أو استهلكت، ويجب ردها مع المغصوب الأصلي على صاحبها). انظر: الذخيرة للقرافي (8/ 283)، الشرح الكبير للدردير (448/ 3)، المغني (5/ 194)، الشرح الكبير على متن المقنع (5/ 409).

(6)

انظر: الاختيار (3/ 58)، الجوهرة النيرة (1/ 338)، اللباب (2/ 188).

(7)

انظر: الأسرار للدبوسي (3/ 97).

ص: 167

وأمّا عكسًا ففي مسائل إحداها عين هذه المسألة التي نحن فيها، وهي: أنه لم يَزُل يد المالك عن ولدها، سواء كان مَنَعَه بعد الطلب أو لم يوجد منه الطلب؛ لأنه لم يكن في يد المالك حتى يُزيله، ومع ذلك يَضمنه الغاصب إذا منعه عند الطلب، كما إذا غصبه مقصودًا.

والثانية: الغاصب

(1)

الثاني يَضمن للمالك، وإن لم يُزل يد المالك، بل أزال يد الغاصب.

والثالثة: أن المُلتقط إذا لم [يُشهد مع القدرة]

(2)

على الإشهاد يَضمن ضمان الغصب، وما أزال يد المالك.

والرابعة: المغرور يَضمن الولد بالمنع، وإن لم يوجد منه إزالة يد المالك في حق الولد؛ ولأن الأموال تارة تُضمن بالإتلاف مباشرة، وهو ظاهر؛ وتارة بالإتلاف تسبيبًا إذا كان التسبيب على طريق التعدي، كمن حفر بئرًا على قارعة الطريق فماتت فيها شاة؛ ثم غَصْبُ الأم وإمساكها إلى وقت الولادة سبب لحصول الزيادة في يده أشد من حفر البئر المُتْلِف

(3)

، فإن البئر قد يسقط فيها المال أو

(4)

لا يسقط، ولو سقط قد يَتْلَف أو لا يتلف، والغالب فيه السلامة؛ وإمساك الأم سبب لحصول الزيادة لا

(5)

محالة؛ فإن أهل السوائم يُمسكون السوائم للزيادة، خصوصًا ما إذا غصبها وهي حامل، فلمَّا ضمن هناك بالتسبّب فأولى أن يضمن هنا

(6)

؛ [لأنهما متساويان في التسبيب بطريق التعدي لإتلاف المال على المالك، وهذا أكثر إفضاء منه إلى الإتلاف كما بيّنا فوجب أن يُضمن]

(7)

؛ ولأنّ ولد المغصوبة مما تولّد من أصل مضمون بيد متعدّية، فيجب أن يحدث مضمونًا كأمه كالملك

(8)

لما أنّ الأوصاف القارة في الأمّهات تسري إلى الأولاد كسائر الأوصاف من الحرية والرقيّة والملك في الشراء

(9)

.

قلتُ: لا، بل ما ذكره من الحد مستقيمٌ غاية الاستقامة، وقد ذكرنا وجه استقامته في أوائل كتاب الغصب

(10)

.

(1)

في (ع): (الغضب) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(2)

في (ع): (يقدر) وما أثبت هو الصحيح. انظر: فتح القدير (9/ 350).

(3)

في (أ): (للتلف).

(4)

في (ع): (و).

(5)

في (ع): (لأن).

(6)

في (ع): (هناك).

(7)

سقطت في (ع).

(8)

في (ع): (كالمالك).

(9)

انظر: الأسرار للدبوسي (3/ 89)، المبسوط للسرخسي (11/ 54)، بدائع الصنائع (2/ 203).

(10)

راجع (ص: 132).

ص: 168

[لا يضمن الغاصب ولد الجارية إذا ولدت عنده]

وأما ما يبرأ

(1)

انقضاء فليس كذلك؛ أمّا الجواب عن المسألة الأولى: وهي غَصْب الجارية حاملًا، فقلنا: إنما لم يضمن ولدها لعدم تحقق حدّ الغصب الذي ذكرنا في حقّه، وهو أنّ الغصب: عبارة عن أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك على وجه يُزيل يد المالك؛ والولد لا يُعدّ مالًا متقومًا إلا بعد الولادة، وقيل: الولادة تُعد عيبًا في الأَمَة، ولمَّا لم يكن هو في ذلك الوقت مالًا متقوّمًا

(2)

لم يَرِد الغصب في حقّه؛ لانعدام شرط الحدِّ، فكان هو وما لو ولدته الجارية بحبل حادث في يد الغاصب سواء

(3)

، فكان [الدليل في حق الولد الذي وُلد بحبل في يد الغاصب]

(4)

دليلًا على ولد حدث في يد الغاصب بحبل كان موجودًا وقت الغصب في أنّ الغصب غير ثابت في حقّهما.

[يضمن الغاصب ولد الجارية عند طلب المالك أو منعه]

وأمّا الجواب عن المسائل التي سميتها العكسية: فشيء واحد يشمل الكل، وهو أنّ المنع عند الطلب أو الفعل الذي يقوم مقام المنع كترك إشهاد

(5)

الملتقط بمنزلة الغصب حقيقةً؛ وذلك لأن للمالك ولاية الاسترداد في كل وقت، فلمَّا منعه عن استرداده كان مُزيلًا ليده تقديرًا، فكان حد الغصب موجودًا فيَضمن.

[لا يضمن الغاصب ولد الجارية لأنه ليس تعديا بل زيادة]

وأما الجواب عن قوله: يجب أن يكون الولد مضمونًا على الغاصب لوجود السبب منه للإتلاف بطريق المتعدي، كما في حفر البئر، فقلنا: المُتسبب للتلف إنما يضمن إذا كان متعديًا، ولا يضمن إذا لم يكن متعديًا كحافر البئر سواء، إلا أن التلف بالبئر حقيقي.

وأما المال فلا تلف له في نفسه بمجرد الأيدي بل المال يَحصل بالأيدي ويُحفظ بها، وإنما الضمان للمالك على من أزال يده عن ماله بالإتلاف، ولم توجد إزالة اليد في حق الزيادة؛ فلا يضمن.

وأمّا الجواب عن فصل شرائه ووصف كون الأم مضمونًا إلى الولد، فقلنا: إن الملك ثابت في رقبة الأم وصفة لها، فسَرَى إلى ما يتولد منها؛ وأمّا الضمان فعبارة عن لزوم حق، واللزوم في ذمة الغاصب فإنّه صفة له لا للمال- وإنما يوصف المال به مجازًا- كما يقال: فلان مغصوب عليه، والغضب صفة للغصبان بخلاف الملك، فإنّه وصف للمحل، حيث يوصف بأنّه مملوك حقيقة/ فلذلك تعدّى هو إلى الولد دون كونه مضمونًا، هذا كله مما أشار إليه في «الأسرار»

(6)

.

(1)

في (ع): زيادة (أي).

(2)

في (ع): زيادة (ما) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(3)

سقطت في (ع).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

في (أ): (إشهار) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(6)

انظر: الأسرار للدبوسي (3/ 96 - 97)، وكذلك انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 12 - 70)، بدائع الصنائع (6/ 201)، العناية شرح الهداية (9/ 349)، البناية شرح الهداية (11/ 239).

ص: 169

[التعدي لا يحصل بمجرد البيع بل بالتسليم]

(أو باعه وسلّمه) وإنما ذكر التسليم لأنّ التعدي لا يتحقق بمجرد البيع، بل بالتسليم بعده (كما لو باع المُودَع الوديعة- وسلّمها فإنّه يكون ضامنًا- فإن قيل: فليس في البيع والتسليم تفويت يد المالك في الولد، قلنا: بل فيه تفويت يده؛ لأنه كان مُتمكنًا من أخذه من الغاصب، وقد زال ذلك ببيعه وتسليمه، فلوجود التفويت من هذا الوجه يكون ضامنًا). كذا في «المبسوط»

(1)

.

[ضمان ولد الظبية إذا أخرجه من الحرم]

(من الإرسال) أي: في الحرم (ولو أطلق الجواب) أي: لو قيل بوجوب الضمان في ولد الظبية المُخْرجة من الحرم، سواء هَلك قبل التمكن

(2)

من الإرسال أو هلك بعد التمكن من الإرسال (فهو ضمان جناية) [أي: إتلاف ذلك، لأنّ صيد الحرم وزوائده كان آمنًا في الحرم صيدًا، وذلك في بُعده عن أيدينا، فالوقوع في أيدينا تلف لمعنى الصيدية، فيَضمن لذلك بمجرّد الوقوع في أيدينا، كذا في «الأسرار»

(3)

.

(ولهذا يتكرر بتكررها) أي: يتكرر الجزاء بتكرّر هذه الجناية]

(4)

فإنّه لو أدّى الضمان بسبب إخراج الصيد عن الحرم، ثم أرسله في الحرم، ثم أخرج ذلك الصيد من الحرم يجب ضمان آخر، كذا وجدت بخط شيخي

(5)

رحمه الله؛ ولكن يَحتمل أن يكون معناه يتكرر وجوب الإرسال بتكرر هذه الجناية التي هي الإخراج من الحرم، وهذا أولى؛ لأنه أوفق لرواية «المبسوط»

(6)

في المناسك، حيث جَعَل هناك إيصال صيد الحرم [إلى الحرم]

(7)

بمنزلة إيصال المغصوب إلى يد المغصوب منه؛ وفي الغصب إذا

(8)

أوصل المغصوب إلى المالك كما غصب لا يجب الضمان على الغاصب من شيء، ولكن يتكرّر وجوب الرد إلى المالك بتكرر الغصب، وكذا هنا.

[يبرأ الغاصب من الجزاء إذا أرسل الظبية إلى الحرم]

ولفظ «المبسوط»

(9)

في المناسك: (مُحْرمٌ أو حلال أخرج صيدًا من الحرم فإنه يُؤْمر بِرَدِّه إلى الحرم؛ لأنّه كان بالحرم آمنًا صيدًا، وقد أزال ذلك الأمن عنه بإخراجه فعليه إعادة أَمْنِه بأن يَردَّه إلى الحرم فيُرسله فيه، وهذا لأن كلَّ فاعل هو مُتعدٍّ في فعله فعليه نَسْخ ذلك الفعل قال عليه السلام:«على اليد ما أخذت حتى تَرُدَّ»

(10)

ونسخ فعله بأن يُعيده كما كان، فإن أرسله في الحل فعليه جزاؤه؛ لأنه ما أعاده آمنًا كما كان، فإنّ الأمن كان ثابتًا بسبب الحرم، فما لم يصل إلى الحرم لا يعود إليه ذلك الأمن، ولا يَخْرج الجاني عن عُهدة فعله بمنزلة الغاصب إذا ردّه على غير المغصوب منه، فإن وصل إلى الحرم حينئذ [يبرأ عن]

(11)

جزائه كما إذا وصل المغصوب إلى يد المغصوب

(12)

منه) هذا الذي ذكره كله في الزوائد المنفصلة.

(1)

للسرخسي (11/ 55).

(2)

في (ع): (الضمان) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (4/ 303).

(3)

انظر: الأسرار (3/ 96).

(4)

في (ع): سقط نظر.

(5)

انظر: فتح القدير (9/ 350)، العناية شرح الهداية (9/ 350)، البناية شرح الهداية (11/ 241).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (4/ 95).

(7)

سقطت في (أ).

(8)

في (ع): (لو).

(9)

للسرخسي (4/ 95).

(10)

سبق تخريجه، ص (240).

(11)

في (ع): (هو أمن).

(12)

في (ع): (الغاصب) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (4/ 95).

ص: 170

[الزوائد المتصلة أمانة في يد الغاصب]

وأما الزوائد المتصلة كالسِّمَن والجمال فهي أمانة أيضًا في يد الغاصب عندنا

(1)

، حتى لو هلكت الجارية بعد الزيادة

(2)

ضَمِن قيمتها وقت الغصب، ولا يَضمن الزيادة؛ وعند الشافعي

(3)

رحمه الله هي مضمونة أيضًا كما في المنفصلة عنده، وعلى هذا الاختلاف لو ازدادت قيمتها من غير زيادة في بدنها ثم هلكت لم يَضمن الغاصب إلا قيمتها وقت الغصب عندنا

(4)

،

[إذا ازدادت قيمة الجارية عند الغاصب]

وعند الشافعي

(5)

رحمه الله يَضمن قيمتها وقت الهلاك؛ لأن من أصله أن سبب الضمان إثبات اليد، واليد مُستدامة، وعندنا سبب وجوب الضمان تفويت يد المالك، وذلك بابتداء

(6)

الغصب فتُعتبر قيمتها عند ذلك؛ أما لو باع الجارية بعدما ازدادت قيمتها بالزيادة المتصلة، أو غصب حيوانًا وزاد في بدنه خيرًا عند الغاصب فباعه الغاصب وسلّمه إلى المشتري، فإن كان قائمًا أخذه صاحبه، وإن كان هالكًا فهو بالخيار، إن شاء ضَمَّن الغاصب قيمته يوم الغصب، وإن شاء ضَمَّن المشتري قيمته يوم القبض، وليس له أن يُضَمِّن البائع قيمته الزائدة بالبيع والتسليم في قول أبي حنيفة

(7)

رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد

(8)

-رحمهما الله- له

(9)

أن يُضمِّن البائع بالبيع والتسليم قيمته الزائدة، روى هذا الاختلاف

(10)

ابن سماعة عن محمد- رحمهما الله-؛ وفي ظاهر الرواية

(11)

إِنِ اختار تضمين البائع له

(12)

ذلك إن شاء ضَمَّنه قيمتها وقت البيع والتسليم، وجه قولهما: أن الزيادة حصلت في يد الغاصب أمانة، وقد تعدّى عليها بالبيع والتسليم فيكون ضامنًا لها بزيادتها كما لو قتلها بعد حدوث الزيادة

(13)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 55)، تحفة الفقهاء (3/ 90)، الاختيار (3/ 64).

(2)

في (أ): زيادة (و) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 55).

(3)

انظر:، الحاوي الكبير (7/ 160)، روضة الطالبين (5/ 27)، تحفة المحتاج (6/ 24)، نهاية المحتاج (5/ 165).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 56)، بدائع الصنائع (7/ 159)، حاشية ابن عابدين (6/ 204).

(5)

انظر: الأم للشافعي (6/ 235)، تحفة المحتاج (6/ 31)، نهاية المحتاج (5/ 171).

(6)

في (ع): (ما بيد).

(7)

انظر: الأسرار (3/ 99)، المبسوط للسرخسي (11/ 55)، البحر الرائق (8/ 138).

(8)

انظر: الأسرار (3/ 99)، المبسوط للسرخسي (11/ 55)، بدائع الصنائع (7/ 143).

(9)

في (ع): زيادة (له).

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 56)، بدائع الصنائع (7/ 143).

(11)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 121)، المبسوط للسرخسي (11/ 56)، بدائع الصنائع (7/ 143).

(12)

في (ع): زيادة (بعد).

(13)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 56).

ص: 171

[ضمان البيع والتسليم ضمان غصب]

(وجه قول أبي حنيفة

(1)

رحمه الله أن ضمان البيع والتسليم ضمان غصب، والغصب لا يتحقق في المغصوب لوجهين:

أحدهما: أن الغصب الموجب للضمان لا يكون إلا بتفويت يد المالك، والتفويت بعد التفويت

(2)

من واحدٍ في محل واحد لا يتحقق.

والثاني: أن الأسباب مطلوبة/ لأحكامها، وتكرار الغصب من واحد في محلٍّ واحد غير مفيد كتكرار البيع بثمن واحد، وإنما قلنا: إنَّ ضمان البيع والتسليم ضمان غصب؛ لأن مِلك المغصوب منه باق بعد بيع الغاصب.

وأما الاستهلاك فهو تفويت للعين حقيقة لا غصبًا، وبه وقع الفرق، ألا ترى أن الحرّ لا يَضْمن بالبيع والتسليم كما لا يَضمن بالغصب، والحر يَضْمن بالإتلاف) كذا في «المبسوط»

(3)

و «الإيضاح»

(4)

.

[ضمان الغاصب إذا نقصت الجارية بالولادة]

وقوله (في ضمان الغاصب) خبر لمبتدأ، والذي هو قوله:(وما نقصت الجارية بالولادة) أي: إذا وجد النقصان في الجارية المغصوبة بسبب الولادة في يد الغاصب، فذلك النقصان مُتعذّر في ضمان الغاصب، فيجب عليه ردّ النقصان مع الجارية، حتّى أنّ الرجل إذا غصب جارية فولدت عند الغاصب، ثم مات الولد فعلى الغاصب ردّ الجارية، وردّ نقصان الولادة الذي ثَبت في الجارية بسبب الولادة؛ لأنّ الجارية

(5)

بسبب الغصب دَخلت في ضمان الغاصب بجميع أجزائها، وقد فات جزء مضمون منها فيكون مضمونًا عليه، كما لو فات كلها ضمن الغاصب قيمتها، فكذا في جزئها

(6)

.

[جبر نقصان الجارية بقيمة ولدها]

(فإن كان في قيمة الولد وفاء جُبِر النقصان بالولد) يعني: لو لم يمت الولد، ولكن نقصت قيمة الجارية، وقيمة الولد تصلح أن تكون جابرة لذلك النقصان لم يضمن الغاصب شيئًا إذا رَدَّ الجارية وولدَها

(7)

، ثم ذكر في «المبسوط»

(8)

و «الأسرار»

(9)

في هذه المسألة خلاف زفر [لا غير]

(10)

، ولم يَذكر خلاف الشافعي

(11)

رحمه الله، وذَكر في «الإيضاح»

(12)

، كما هو المذكور في الكتاب

(13)

.

(1)

انظر: الأسرار (3/ 103).

(2)

في (أ): (الثبوت).

(3)

للسرخسي (11/ 57).

(4)

انظر: الأسرار للدبوسي (3/ 103).

(5)

في (ع): (الولادة) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 90).

(6)

انظر: الأسرار (3/ 91)، المبسوط للسرخسي (11/ 58)، درر الحكام (2/ 267).

(7)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 121)، تحفة الفقهاء (3/ 97)، بدائع الصنائع (7/ 157).

(8)

قال السرخسي: (وعند زفر هو ضامن لجميع النقصان). المبسوط (11/ 58).

(9)

انظر: الأسرار (3/ 149).

(10)

سقطت في (ع).

(11)

انظر: مختصر المزني (8/ 216)، المجموع شرح المهذب (14/ 250).

(12)

انظر: الاختيار (3/ 64)، العناية شرح الهداية (9/ 351).

(13)

انظر: الهداية (4/ 303).

ص: 172

[لا ينجبر نقصان الظبية إذا أخرجت من الحرم بقيمة ولدها]

(كما في ولد الظَّبْيَة) يعني: أن المُحْرِم أو الحلال إذا أخرج الظَّبْيَة من الحرم فولدت ولدًا فانتقصت قيمة الظبية بسبب الولادة، وقيمة ولدها يساوي ذلك النقصان، فهناك لا ينجبر ذلك النقصان بقيمة الولد، بل يجب ضمان النقصان مع وجوب رد الظبية وولدها إلى الحرم (أو ماتت الأم) أي:(بسبب الولادة)، هكذا نَصّ في «الأسرار»

(1)

و «الإيضاح»

(2)

.

[لا تنجبر القيمة في جز الصوف وقطع الشجر وخصي العبد]

(وبالولد وفاء) أي: وبقيمة الولد وفاء (وكما إذا جزَّ صوف شاة، أو قطع قوائم شجر غيره) يعني: إذا جزّ صوف شاة غيره، ثم نَبَتَ مكانه صوف أجزأ، وقطع قوائم شجر إنسان، ثم نبتت قوائم أخرى فإن فيهما لا ينجبر ما نقص بما نبت

(3)

(أو خَصَى

(4)

عبد غيره) يعني: في خِصاء عبد غيره قَطع جزء منه، وهو نقصان فيه من حيث فوات الحر، ولكن ازدادت قيمته بسبب الخصاء فللمالك أن يُضَمِّنه نقصان الخصية، أي: اعتبارًا بما لم تردد قيمته تقديرًا، ولا ينجبر ذلك النقصان بازدياد قيمته [كما تزداد قيمة]

(5)

الخصيان

(6)

(7)

.

[سبب النقصان هو العلوق]

(أو علَّمه الحِرْفة) يعني: علمه الحرفة (فأضناه

(8)

التعليم) فلا ينجبر النقصان مما أضناه التعليم بما ازدادت قيمته بسبب علم

(9)

الحرفة، (ولنا: أن سبب الزيادة والنقصان واحد)؛ فلا يكون نقصانًا؛ (لأن السبب الواحد لمَّا أثَّر في الزيادة والنقصان كانت الزيادة خلفًا عن النقصان، كالبيع لمَّا أزال المبيع أَدخل الثمن في ملكه، فكان الثمن خلفًا عن ماليَّة المبيع لاتحاد السبب، حتى أن الشاهدين لو شهدا على رجل ببيع شيء بمثل قيمته- فقضى القاضي له

(10)

-، ثم رجَعَا لم يَضْمنا شيئًا، وكذلك الأرش المؤدي بمقابلة اليد المقطوعة- أوجب انعدام النقصان حكمًا- لاتحاد السبب، فكما ينعدم النقصان إذا رُدَّ ذلك الجزء بعينه؛ فإن غَصَبَه بقرة فقطع جزءًا منها؛ ثم ردّ ذلك الجزء مع الأصل

(11)

، فكذلك ينعدم النقصان بردّ الخَلَف؛ لأنّ الخَلَف عن الشيء يقوم مقامه عند فواته)، كذا في «المبسوط»

(12)

.

(1)

للدبوسي (3/ 157).

(2)

سقطت في (أ). انظر: العناية شرح الهداية (9/ 351).

(3)

انظر: الأسرار للدبوسي (3/ 150)، العناية شرح الهداية (9/ 351).

(4)

الخِصاء: نزع الخصيتين. فتح القدير (6/ 59)، أنيس الفقهاء (ص: 59).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

الْخُصْيَانِ: الْجِلْدَتَانِ اللَّتَانِ فِيهِمَا الْبَيْضَتَانِ. مختار الصحاح مادة (خ ص ي)(ص: 92).

(7)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 243)، تبيين الحقائق (5/ 232).

(8)

أَضْناه: أدنفَه وأثقله. الصحاح مادة (ض ن ا)(6/ 2410).

(9)

في (أ): (علة) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 351).

(10)

في (ع): (به).

(11)

سقطت في (أ).

(12)

للسرخسي (11/ 59).

ص: 173

[سبب النقصان هو الولادة]

(وهو الولادة) أي: عند أبي يوسف

(1)

ومحمد

(2)

(والعلوق

(3)

[أي: عند]

(4)

أبي حنيفة

(5)

رحمه الله أي: سبب النقصان في الأَمَة الولادة عندهما على ما يجيء بُعيد هذا في مسألة

(6)

من غصب جارية فزنى بها، وعند أبي حنيفة-رحمه الله العلوق، ولذلك لم يضمن عندهما في تلك المسألة لحصول سبب النقصان وهو الولادة في يد المالك وضَمِن عنده؛ لأن سبب النقصان وهو العلوق كان عند الغاصب، فلم يوجد تسليمها كما هي وقت الغصب

(7)

.

[تنجبر قيمة الولد بالأم إذا ماتت]

وقوله (على ما عُرف

(8)

إشارة إليه

(9)

(وولد الظبية ممنوع) أي: ليس الحكم في ولد الظبية كما قال زفر

(10)

والشافعي

(11)

-رحمهما الله- بأن نقصان الظبية بالولادة لا ينجبر بقيمة الولد، بل ينجبر فلا يَرِد نقضًا، (وكذا إذا ماتت الأم

(12)

[بسبب هذه الولادة على ما ذكرنا فقيمة الولد] أي: المنع

(13)

فيه [ثابت أيضًا]

(14)

يعني: إذا غصب الجارية وولدت الجارية في يد الغاصب ولدًا فيساوي قيمته قيمة الجارية، ثم ماتت الأم بسبب هذه الولادة [على ما ذكرنا]

(15)

، فبقيمة الولد لا تنجبر قيمة الجارية، وإن كان في قيمة الولد وفاء/ قلنا: لا نسلّم بل ينجبر فعلى هذا لا يرد نقضًا

(16)

.

(1)

قال السرخسي: (ولو غصب جارية فحبلت عند الغاصب ثم ردها فولدت ثم هلكت بالولادة يجب عند أبي حنيفة- رحمه الله على الغاصب ضمان قيمتها، وعند أبي يوسف ومحمد- رحمهما الله تعالى- تُقوَّم حاملًا وغير حامل، فيكون على الغاصب ضمان النقصان) المبسوط (11/ 107).

(2)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 121).

(3)

عَلِقَتِ المرأةُ، أي: حَبِلَت. الصحاح (4/ 1529).

(4)

في (ع): (عن) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 107)، بدائع الصنائع (7/ 156).

(6)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 62)، العناية شرح الهداية (9/ 351).

(7)

انظر: الجوهرة النيرة (1/ 344)، البناية شرح الهداية (11/ 246).

(8)

قال العيني: (يعني في طريقة الخلاف). العناية شرح الهداية (9/ 351).

(9)

في (ع): (إلى).

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 58)، تحفة الفقهاء (3/ 97).

(11)

قال النووي: (لو نقصت الجارية بالولادة، والولد رقيق تفي قيمته بنقصها، لم ينجبر به النقص، بل يأخذ الولد والأرش). روضة الطالبين (5/ 65)، وانظر: تحفة المحتاج (6/ 51)، نهاية المحتاج (5/ 192).

(12)

سقطت في (أ).

(13)

في (ع): (المبيع).

(14)

في (أ): (ثابتًا نصًّا).

(15)

سقطت في (ع).

(16)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 158)، العناية شرح الهداية (9/ 352).

ص: 174

[لا تنجبر قيمة الولد بالأم إذا ماتت]

(وتخريج الثانية) أي: وتخريج الرواية الثانية في أنّه لا ينجبر، وهي ظاهر الرواية

(1)

ما ذكره في الكتاب

(2)

بقوله: (إن الولادة ليست بسبب لموت الأم غالبًا) ولما كان كذلك لم يتحد سبب النقصان والزيادة في شيء واحد فلذلك لم ينجبر

(3)

، وكلامنا فيما إذا اتحد سبب الزيادة والنقصان، كما قلنا في زوال المبيع وحصول الثمن بسبب واحد، وهو البيع، فلم يُعد نقصانًا، وأمّا ههنا لمَّا

(4)

لم يتحد

(5)

كان الموت بسبب آخر غير الولادة، فلم ينجبر ما انتقص بالموت بما زاد بالولادة، وذكر في «المبسوط»

(6)

: (فإن ماتت الأم، وبالولد وفاء بقيمتها في هذه المسألة ثلاث روايات: رُوي عن أبي حنيفة- رحمه الله أنه يُبَرَّأ بردِّ الولد؛ لأنّ وجوب الضمان على الغاصب لجبران حق المغصوب منه، وذلك حاصل بالوفاء في قيمة الولد، ورُوي عنه

(7)

أنه يُجبر بالولد قَدْر نقصان الولادة، ويضمن ما زاد على ذلك من قيمة الأم؛ لأن الولادة

[إذا ماتت الأم وفي الولد وفاء بقيمتها]

لا توجب الموت، فالنقصان يكون بسبب الولادة، فأمّا موت الأم فلا يكون بسبب الولادة، وَرَدُّ القيمة كَرَدِّ العين، ولو ردّ عين الجارية كان النقصان مُنْجبرًا بالولد، فكذلك إذا ردّ قيمتها، وفي ظاهر الرواية

(8)

: عليه قيمتها يوم الغصب كاملة؛ لأنّه لمَّا ماتت تبيَّن أن الولادة كانت موتًا من أصله كالجرح إذا اتَّصل

(9)

به زَهُوق الروح يكون قتلًا من أصله لا أن يكون جرحًا، ثم قَتْلًا

(10)

بناء عليه، ومن حيث إنَّ الولادة موت لا يكون موجبة للزيادة، وهذا بحكم اتحاد السبب، فإذا انْعدم هناك لم يكن الولد جابرًا للنقصان بالولادة، لأنَّا نجعل اتحاد السبب كاتحاد المَحِل، وهناك يُتصور بالاتفاق

(11)

أن يكون الحادث خلفًا عن الفائت، إذا كان الفائت بعض الأصل كالسِّمَن، لا إذا كان الفائت جميع الأصل، وكذلك ههنا بسبب اتحاد السبب يَجعل الحادث خلفًا عن الفائت

(12)

إذا كان الفائت بعض الأصل، لا إذا كان الفائت كلَّه؛ لأن الحادث تبعٌ، والتبع يقتضي قيام المتبوع).

(1)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 121)، المبسوط للسرخسي (11/ 60)، بدائع الصنائع (7/ 158).

(2)

الهداية (4/ 303).

(3)

في (أ): زيادة (وكل).

(4)

في (ع): (ما).

(5)

في (أ): زيادة (و).

(6)

للسرخسي (11/ 60 - 61).

(7)

سقطت في (أ) و (ع) وأثبتها من المبسوط. انظر: (11/ 60).

(8)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 121)، بدائع الصنائع (7/ 158).

(9)

في (أ): (تنقل) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 60).

(10)

في (ع): زيادة (ثم).

(11)

انظر: تحفة الفقهاء (3/ 97)، المحيط البرهاني (6/ 429).

(12)

في (أ): زيادة (إذا كان الفائت الأصل اتحاد السبب خلفًا عن الفايت).

ص: 175

[من غصب عبدا خصيا عليه قيمته غير خصي]

والخِصى

(1)

والأولى أن يقال: (والخِصاء) على فعال (لا يُعد زيادة؛ لأنه

(2)

غرض بعض الفسقة) حتّى لو غصبه عبدًا خَصيًّا فهلك في يده يضمن قيمته غير خصيّ، على ما يجيء في آخر كتاب الغصب من الكتاب

(3)

، والذي يُؤيد هذا ما ذكره في «التتمة»

(4)

، وفي «فتاوى قاضي خان»

(5)

: (رجل غصب غلامًا قيمته خمسمائة وخصاه، فلما برأ صارت قيمته ألفًا، فصاحبه بالخيار إن شاء ضمّنه قيمته خمسمائة يوم خصاه، وإن شاء أخذ الغلام ولا شيء له) فعُلم بهذا أنه لا اعتبار لزيادة قيمته بسبب الخصاء؛ لأنه لو كان له اعتبار لوجب على المالك قيمة ما زاد الخصاء فيه إذا اختار الأخذ، كما في غصب الثوب وصبغه أحمر.

فإن قلتَ: في هذا كله لم يَخرج جواب للخصم، فإنّ الخصم يقول الولد مِلْكَ الجارية فلا يصلح أن يكون مِلْكَ نفسه جابرًا لملكه، والنقصان حصل في ضمان الغاصب، فوجب عليه ضمان نقصان المغصوب فلا ينوب ما

(6)

حصل من الزيادة في ملك المالك مناب الضمان الواجب على الغاصب للمغصوب منه، ويقول أيضًا: لو كان الولد خلفًا وبدلًا من

(7)

النقصان لَمَا بَقِيَ الولد مِلكًا للموْلَى عند ارتفاع نقصان الولادة، إما بازدياد قيمتها أو بضمان الغاصب كما في سائر الأبدال، حيث لا يجتمع البدل مع المبدل في ملك واحد وكذلك يقول: ينبغي ألا يقوم الولد قائمًا مقام الجزء الفائت بالولادة؛ لأن الولد أمانة في يده

(8)

؛ لأن زفر

(9)

رحمه الله يساعدنا في ذلك، والفائت مضمون، فكيف تكون الأمانة خلفًا عن المضمون؟! ألا ترى أنه لو دخلها عيب آخر في يده، وفي قيمة الولد وفاء بنقصان ذلك العيب لم يكن الولد جابرًا لذلك النقصان؟

(1)

انظر: الصحاح مادة (خ ص ى)(6/ 2327)، مقاييس اللغة مادة (خ ص ى)(2/ 188).

(2)

سقطت في (أ). وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (4/ 304).

(3)

قال المرغيناني: (وجواز البيع والتضمين مرتبان على المالية والتقوم

والعبد الخصي تجب القيمة غير صالحة لهذه الأمور). الهداية (4/ 307).

(4)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 474)، عيون المسائل (ص: 228).

(5)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 109)، البحر الرائق (8/ 140)، مجمع الضمانات (ص: 138).

(6)

في (أ): (شيئا).

(7)

في (أ): (من) وما أثبت هو الصحيح. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 353).

(8)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 58).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 58)، تحفة الفقهاء (3/ 97).

ص: 176

[رد الولد يبرئ الغاصب عن الضمان]

قلتُ: أما الجواب عن الأول: فقد خرج بمطلق

(1)

التعليل في الكتاب

(2)

بقوله: (ولنا أن سبب الزيادة والنقصان واحد) إلى أن قال: (وعند ذلك لا يُعد نقصانًا) فلمَّا لم يُعد نقصانًا كيف يثبت على الغاصب ضمان النقصان مع أنه لم يثبت النقصان في المغصوب، فكان ذلك من المُصنِّف مَنْعًا للنقصان الموجب للضمان، فحينئذ لا يرِد قولهم

(3)

: (فالولد ملكه فلا يصلح جابرًا لملكه)؛ والدليل على هذا ما ذكره في «الإيضاح»

(4)

بقوله: حيث قال قولهم بأن ملكه لا يَجبر/ ملكه، قلنا: نحن نسعى لمنع ظهور النقصان فلا يحتاج إلى الجبر، وذكر في «المبسوط»

(5)

بعدما ذكر أنّ الخلف عن الشيء يقوم مقامه عند فَواته

(6)

(7)

، كما في السِّمَن بجعل الحادث خلفًا عن الفائت حتى ينعدم به

(8)

بسبب الضمان؛ فقال: (وبهذا ظهر الجواب عن كلامه- يعني: أنّ ملكه كيف يكون جابرًا لملكه- فإنا لا نجعل الغاصب مُؤَدِّيًا للضمان بردّ الولد، ولكن نُبَرِّئُه بانعدام سبب الضمان- كما في ردّ المغصوب كما كان بعد دخوله في ضمان الغاصب، حيث يَبرئ الغاصب عن الضمان بالرد

(9)

- وإنما ينعدم سبب الضمان بردّ ملك المغصوب، فيكون المردود ملكه يُقرِّر هذا المعنى).

[الولد لا يبقى بدلا إذا ارتفع نقصان الولادة]

وأمّا الجواب عن قوله: بأنّ الولد لو كان بدلًا عن النقصان لَمَا بقي الولد ملكًا للموْلَى عند ارتفاع النقصان، فما ذكره في «الأسرار»

(10)

في جوابه فقال: (قلنا: إن الولد لا يبقى بدلًا إذا ارتفع نقصان الولادة؛ لأنه لا يبقى مضمون الرد حتى لو هلك لا يلزمه شيء من الضمان بفوت ردّه؛ لأن الأصل قد وجد، ولكن يبقى ملكًا للموْلَى؛ لأنّه في الملك لم يكن بدلًا بذاته عن الفائت؛ [لأنه كان ملكًا له بالتفرع من ملكه؛ لا بأنْ صار بدلًا عن الفائت؛ وإنما كان بدلًا بذاته عن الذات الفائت]

(11)

لا بملكه عن الملك الفائت، كما لو ارتفع النقصان بزيادة في بدنها تكون هذه الزيادة خلفًا في الوجود عما فات أولًا- وجائز إثبات البدلية بالذات دون الملك- ألا ترى أن التراب يكون بدلًا عن الماء، وإن كان التراب ملكه والماء ملكه؛ لأنه ليس ببدل ملكًا بل بدل تطهيرًا عن الحدث، فلمَّا جازت الخلافة هناك في الطهورية دون الملك، فكذلك جازت ههنا الخلافة في قيام ذات مقام ذات لإعدام النقصان عن الأم لا للملك).

(1)

في (ع): (بمطلع).

(2)

الهداية (4/ 303).

(3)

أي: الشافعي وزفر- رحمهما الله-.

(4)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 232)، البحر الرائق وتكملة الطوري (8/ 138).

(5)

للسرخسي (11/ 59).

(6)

في (أ): (قيامه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 59).

(7)

يُشير إلى قاعدة: (بَدَلُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ هُوَ). بدائع الصنائع (1/ 142)، العناية (10/ 157).

(8)

سقطت في (أ).

(9)

سقطت في (أ).

(10)

للدبوسي (3/ 154 - 155).

(11)

في (ع): سقط نظر.

ص: 177

[الأمانة تصلح خلفا عن المضمون]

وأمّا الجواب عن قوله: كيف تكون الأمانة خلفًا عن المضمون؟ فما ذكرنا من التعليل المذكور في «المبسوط»

(1)

بقوله:

(إنَّا لا نجعل الغاصب مؤديًا للضمان برد الولد، ولكن نُبَرِّئُه بانعدام سبب الضمان من الأصل)، فلما كان هذا على وجه الإبراء من الأصل لم يرد فيه ما قالوا: لأن الأمانة لا تصلح أن تكون خلفًا عن المضمون على أنّ الأمانة تصلح خلفًا عن المضمون في صورة السِمن بعد الهزال في يد الغاصب بالاتفاق

(2)

، لاتحاد المحل فكذلك تصلح الأمانة خلفًا عن المضمون فيما نحن فيه لاتحاد السبب، [وكذلك قيمة الولد لم يصلح جابرًا لنقصان في الجارية بسبب عيب آخر سوى الولادة لانعدام اتحاد السبب]

(3)

؛ ونحن إنما نشترط لجبر النقصان بالزيادة إذا كان سببهما واحدًا كالولادة المُورِّثة للزيادة والنقصان في صورة النزاع، وكالبيع بمثل القيمة بالإجماع

(4)

، وليس في

(5)

النقصان بسبب آخر اتحاد السبب، فلا يقع الولد جابرًا له، هذا كله مما أشار إليه في «المبسوط»

(6)

و «الأسرار»

(7)

.

[من غصب جارية وزنى بها]

(ومن غصب جارية فزنى

(8)

بها [ثم ردّها فحَبَلَت) ولفظ «الجامع الصغير» للإمام السرخسي

(9)

رحمه الله في الرجل يغصب الأَمة فيزني بها فتحبل ثم يردها]

(10)

فتلِد، وتموت في نفاسها

(11)

؛ ولفظ الإمام المحبوبي

(12)

رحمه الله: رجل غصب جارية فزنى بها فحبلت ثم ردّها ثم هلكت بالولادة؛ ولفظ الإمام قاضي خان

(13)

: (رجل غصب جارية فزنى بها فحبلت فردّها فماتت في نفاسها)؛ فعُلم

(14)

بلفظ هذه الكتب: أن الحبل كان موجودًا وقت الرد، ثم قيَّد بالموت في نِفاسها ليكون الموت في أثر الولادة قال:(يضمن قيمتها يوم علقت)، إلى أن قال:(وقالا: لا يضمن في الأمة أيضًا).

(1)

للسرخسي (11/ 59).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 59)، بدائع الصنائع (7/ 158).

(3)

في (ع): سقط نظر.

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 59)، بدائع الصنائع (7/ 158).

(5)

في (ع): زيادة (معنى).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 58).

(7)

انظر: الأسرار (3/ 150 - 156).

(8)

الزِنَى: يمدُّ ويقصر، فالقصر لأهل الحجاز. قال تعالى:(ولا تَقْرَبوا الزِنى)، والمَدُّ لأهل نجد. الصحاح مادة (ز ن ى)(6/ 2368).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (13/ 115).

(10)

سقطت في (ع).

(11)

النِّفَاسُ: وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ إِذَا وَضَعَتْ فَهِيَ (نُفَسَاءُ). الصحاح مادة (ن ف س)(3/ 985).

(12)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 353).

(13)

انظر: مخطوط الجامع الصغير (2/ 142/ أ)، فتاوى قاض خان (3/ 100).

(14)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 353)، البناية شرح الهداية (11/ 246).

ص: 178

وفي «الجامع الصغير»

(1)

لقاضي خان: (وقال أبو يوسف ومحمد

(2)

-رحمهما الله- يضمن نقصان الحبل، ولا يضمن القيمة) يعني: في زنا الأمة.

فإن قلتَ: لم يَذكر في الكتاب، ولا في شروح «الجامع الصغير» المتداولة حكم الحدّ ههنا، ولا يمكن أن يقال: يَحتمل ألا يجب الحد فيما إذا زنى بأَمَةٍ غصبها لدخولها في ضمانه؛ لأنه صرّح في أواسط غصب «المبسوط»

(3)

في تعليل مسألة: (رجل غصب من رجل جارية فوطئها فولدت) بأنَّ وَطْءَ الجارية المغصوبة يُوجب الحد على الغاصب دون العُقْر، ولا يمكن أيضًا أن يقال: فيجب الحد ههنا مع ضمان قيمتها؛ لأنه حينئذ يكون جمعًا بين الحد والضمان بسبب فعل واحد، فعندنا

(4)

لا يجب الحد مع الضمان في الزنا، كما لا يجب القطع مع الضمان في السرقة على ما ذكرنا في كتاب الإكراه من «المبسوط»

(5)

في مسألة إكراه السلطان رجلًا على الزنا بأنّ الحد والمهر لا يجتمعان عندنا.

[لا يجب الحد مع الضمان]

وكذلك في الأمة لا يجتمع الحد مع ضمان القيمة؛ فإنه أينما ضَمِن قيمتها لا يجب الحدّ؛ لأنه نص في الفصل الثامن من كتاب الحدود من «الذخيرة»

(6)

إذا/ غصب جارية وزنى بها، ثم ماتت وضمن قيمتها فلا حدّ عليه عندهم جميعًا

(7)

لأن ضمان الغصب يُفيد الملك في المضمون من وقت الغصب، فظهر أنّ ما استوفى كان من ملك نفسه فلا يجب الحد، أما لو زنى بها، ثم غصبها بعد ذلك ضَمِن قيمتها فعلى قول أبي حنيفة ومحمد

(8)

- رحمهما الله- لا يسقط الحد، وعلى قياس قول أبي يوسف- رحمه الله يسقط.

ثم في مسألتنا هذه وجب ضمان قيمتها على قول أبي حنيفة ينبغي ألا يجب الحد، فلمَّا كان كذلك لم يمكن إخراجكم هذه المسألة [على أحد هذين الوجهين الصغيرين اللذين دارا بين السلب والإيجاب، فما حكم هذه المسألة]

(9)

في حق الحد بين مأجورٍ مصاحبٍ بالجبر موفورٍ، قلتُ: نعم؛ ما أوردت تعارض مقتضى

(10)

هذه المسائل لكن لولا وجود الغصب في هذه المسألة، لقلنا: بوجوب الحد، وضمان القيمة كما في مسألة:(من زنى بجارية فقتلها؛ فإنه يُحدّ، وعليه القيمة) معناه: [قتلها بفعل]

(11)

الزنا على ما مرّ في باب الوطء الذي يوجب الحد من كتاب الحدود، ولكن اعتراض الغصب مَنَعَنَا من الإلحاق بها، فقلنا: أنه لا يجب الحد كما في مسألة «الذخيرة»

(12)

لما أن

(13)

ضمان الغصب يوجب الملك دون ضمان الجناية.

(1)

انظر: مخطوط الجامع الصغير (2/ 142/ أ)، فتاوى قاض خان (3/ 120).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 107)، البناية شرح الهداية (11/ 246).

(3)

للسرخسي (11/ 70).

(4)

انظر: شرح الطحاوي للجصاص (6/ 291)، المبسوط للسرخسي (9/ 53)، تحفة الفقهاء (3/ 157).

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 90).

(6)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 62)، فتح القدير (5/ 277)، حاشية الشلبي (3/ 186).

(7)

سقطت في (ع).

(8)

انظر: فتح القدير (5/ 277)، حاشية ابن عابدين (4/ 30)، حاشية الشلبي (3/ 186).

(9)

في (ع): سقط نظر.

(10)

في (أ): (مقتصر)

(11)

في (أ): (وقتلها يقول) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(12)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 62)، حاشية الشلبي (3/ 186).

(13)

في (أ): (أو) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

ص: 179

[من زنى بجارية ثم قتلها]

وبهذا الحكم، والمعنى صرّح الإمام التمرتاشي في حدود «الجامع الصغير»

(1)

فقال: ولو زنى بجارية ثم قتلها يُحدّ عندهم؛ لأنه لا يملكها بالضمان حتى يصير شُبهة

(2)

؛ بخلاف ما لو غصبها فزنى بها فقتلها، ثم ضمن قيمتها لم

(3)

يُحد؛ لأنّ ضمان الغصب يوجب الملك،

[من غصب بجارية ثم زنى بها ثم قتلها]

ثم قال: ولو غصب أمةً فزنى بها فماتت قال محمد

(4)

رحمه الله الأصح

(5)

أنه يجب القيمة، ولا يجب الحد؛ فعُلم بهذا: أن

(6)

وجوب ضمان الجناية مع وجوب الحد يجتمعان.

[من زنى بامرأة مستكرهة فأفضاها]

وأما وجوب ضمان الغصب مع وجوب الحد فلا يجتمعان، ويدل على هذا أيضًا ما ذكره الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي-رحمه الله في حدود «المبسوط»

(7)

؛ لقوله: (رجل زنى بامرأة مُسْتكرهة فأفْضاها فعليه الحد للزنا، فإن كانت تَسْتمسك البول فعليه ثُلُث الدية-كجِراحة الجائفة

(8)

؛ فإن أرش الجائفة كأرش الأمة ثُلت الدية- وإن كانت لا تَسْتمسك البول فعليه كمال الدية؛ لأنه أفسد عليها عُضوًا لا ثاني له في البدن، وهو ما يُسْتمْسك به البول، وفي ذلك كمال الدية، ثم قال: وما يجب بالجناية ليس بدل المُسْتوْفى بالوطء حتى يقال لا يُجمع بينه وبين الحد بل هو المُتْلَف بالجناية، وذلك غير المستوفى بالوطء، فالمُسْتوْفى بالوطء ما يُملك بالنكاح، والإفضاء لا يكون مستحقًا بالنكاح) [ولا يُشكل علينا ما ذكره في «الذخيرة»

(9)

على ما ذَكَرْتَ من عدم وجوب الحد عند ضمان القيمة بالموت، فإن ذلك الموت حصل في يد الغاصب قبل الردّ إلى المالك بعارض غير فعل الزنى، فلما ضمنها تأكد ملكها في الجارية، فأَوْرثت ذلك شبهة في وجوب الحد، حتى لو زنى بها ثم غصبها ثم ماتت لم يسقط الحدّ مع وجوب ضمان قيمتها؛ لأنّ الضمان الطارئ لا يُورِّث شُبهة في حق الزنا الذي خلا عن الضمان من كل وجه في وقت زنا

(10)

(11)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (9/ 60)، ملتقى الأبحر (ص: 352).

(2)

سقطت في (أ).

(3)

سقطت في (ع).

(4)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 282).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

سقطت في (أ).

(7)

للسرخسي (9/ 75).

(8)

الجَائِفَةُ: الطعنةُ التي تبلغ الجَوْفَ. الصحاح مادة (ج و ف)(4/ 1339)، مجمع الأنهر (1/ 241).

(9)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 503).

(10)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 186).

(11)

سقطت في (ع).

ص: 180

[لا ضمان على الغاصب إذا رد الجارية وماتت عند المالك]

(لهما أن الردّ قد صح، والهلاك بعده بسبب حدث في يد المالك، وهو الولادة فلا يضمن الغاصب)؛ وهذا لأن موت الحامل عند الولادة يكون بسبب الولادة لكِبَر

(1)

الولد، وضِيق محلّ الخروج؛ ولهذا يقلّ الهلاك في الحيوانات، وفي النساء

(2)

قد يوجد

(3)

، كذا ذكره صدر الإسلام رحمه الله في «الجامع الصغير»

(4)

.

[يضمن الغاصب قيمة نقصان حبل الجارية]

(فلا يضمن الغاصب) أي

(5)

: قيمتها، ولكن يضمن نقصان الحبل

(6)

(كما إذا حُمَّت في يد الغاصب ثم ردّها فهلكت) أي: عند المالك فالغاصب لا يضمن قيمتها، ولكن يضمن النقصان، وكذا في الزنا لا يَضمن القيمة، ولكن يَضمن النقصان، وكذلك في مسألة الشراء (لا يَرجع على البائع بالثمن

(7)

، ولكن

(8)

يَرجع بنقصان الحبل، كذا ذكره الإمام قاضي خان

(9)

رحمه الله وذكر الإمام المحبوبي

(10)

.

[العلوق لا يُفضي إلى الهلاك]

ألا ترى أن من باع جارية حُبْلى، ولم يَعلم المشتري بالحبل فولدت عند المشتري، ثم ماتت في نِفاسها لا يَرجع المشتري على البائع بشيء؟ لأن الحادث في ملك الغاصب ليس إلا العلوق، والعلوق لا يفضي إلى الهلاك؛ وإنّما المفضي إلى الهلاك الولادة والآلآم

(11)

التي يتصل بها، وحصول الولادة في يد المالك فلا يكون مضافًا إلى العلوق فلم يصح الرد؛ لأنّ الرد إنّما يصح إذا كان مثل الأخذ من جميع الوجوه، ولم يكن كذلك؛ لأن الأخذ وجد وهي فارغة ليس بها ما يَحتمل أن يفضي إلى التلف، والرد/ وجد، وهو متردد يَحتمل أن يفضي إلى التلف؛ فإذا تحقق التلف من ذلك الوجه ظهر أن الرد لم يصح

(12)

،

(1)

في (أ): (بكسر) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(2)

في (أ): (النسوان).

(3)

إذا ضَربهُنَّ الطَلْق، والطَلْق: وجع الولادة، أي الوجع الذي لا يسكن حتى تلد أو تموت. وقيل: وإن سكن، لأن الوجع يسكن تارة، ويهيج أخرى. انظر: المصباح المنير (2/ 377)، حاشية ابن عابدين (3/ 390).

(4)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 233).

(5)

في (ع): (من).

(6)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 120)، العناية شرح الهداية (9/ 354).

(7)

في (ع): (بالتمكن) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(8)

في (ع): (ولا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: البناية شرح الهداية (11/ 247).

(9)

انظر: مخطوط الجامع الصغير (2/ 142/ أ)، فتاوى قاض خان (3/ 120).

(10)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 247)، تبيين الحقائق (5/ 233).

(11)

في (أ): (والأمة) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(12)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 156)، شرح الجامع الصغير لفخر الإسلام (3/ 775).

ص: 181

[إذا جنت الجارية عند الغاصب]

(كما إذا جَنَت في يد الغاصب بخلاف الحرة) بأن كانت مُكرهة على الزنا (لا تضمن بالغصب)؛ ولهذا لو هلكت عنده لا تُضمن والردّ أيضًا غير واجب، وإذا لم يجب الردّ كيف يوصف العدم بالتردد

(1)

.

[الفرق بين الرد والتسليم]

وأما الأمة فتُضمن بالغصب، فيَضمن أيضًا بما انعقد من أسباب التلف في يد الغاصب، فافترقا من هذا الوجه، (وفي فصل الشراء) وهذا جواب عن قولهما (وكمن اشترى جارية قد حبلت عند البائع) إلى آخره، ويُفرِّق بهذا بين الردّ والتسليم، ويقول ليس على البائع هناك الردّ ولكن عليه التسليم؛ لأنه يُسلِّم المبيع

(2)

ابتداء كما وقع عليه العقد، وهو أنه مال متقوّم وقد وجد ذلك؛ لأنه سلّمه كما وقع عليه العقد، وبموتها في النفاس لا ينعدم التسليم، والتردد لا يمنع صحة القبض والتسليم، وأمّا ههنا فالواجب على الغاصب نسخ فعله، وذلك إنما يتحقق في الردّ

(3)

، ولما لم يوجد الردّ وجب عليه قيمتها بالهلاك من ذلك الوجه (وما ذكرناه) أي: وحاصل ما ذكرنا، وهو أن يردها كما غصب سالمة

(4)

عن الحبل، وإنما أدرجنا قولنا:(وحاصل) لأن عين هذا اللفظ غير مذكور، ولا بدَّ منه بشرط صحة الرد والمشروط لا يتحقق بدون الشرط

(5)

، فكان الردّ غير موجود فيضمن قيمتها لذلك

(6)

.

[لا ضمان على الغاصب إذا هلكت الجارية بسبب جلد الزنا]

(والزنا سبب لجلد مؤلم) جواب لقولهما: (أو زنت في يده، ثم ردّها فجُلدت فهلكت)، حيث لا يضمن الغاصب القيمة، فيقول في جوابه: الزنا الذي وُجد في يد الغاصب إنما يوجب الجلد المؤلم لا الجلد الجارح، ولا المُتْلِف ولمَّا جُلِدَت في يد المالك بجلد مُتلِف كان هذا غير ما أوجبه في يد الغاصب فلا يضمن الغاصب لذلك.

[لا ضمان على الغاصب إذا هلكت الجارية بسبب الحُمَّى]

(فلم يوجد السبب) أي: سبب التلف أو الجرح في يد الغاصب لم يوجد، ثم لو وجد الجلد المتلِف في يد المالك كان سببًا حادثًا حدث في يد المالك فلا يضمنه الغاصب، وكذا الجواب عن مسألة الحُمَّى، فإن الهلاك حصل لضعف الطبيعة عن دفع آثار

(7)

الحُمَّى المتوالية، وذلك لا يحصل بالحمى الأولى التي كانت عند الغاصب، فإن ذلك غير موجب لِمَا بعده فلذلك لم يضمن الغاصب قيمتها لحصول الهلاك بسبب آخر غير الأوّل في يد المالك، هذا كله من شرح «الجامع الصغير» للإمام قاضي خان

(8)

والمحبوبي

(9)

، وغيرهما.

(1)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 354)، حاشية ابن عابدين (6/ 205).

(2)

في (أ): (البيع) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(3)

في (ع): زيادة (كما في قبض وحين ماتت في النفاس قد بين أنه ما نسخ فعله الذي هو الغصب بالرد).

(4)

في (ع): (سليمة).

(5)

انظر: أصول السرخسي (1/ 222)، كشف الأسرار (1/ 63).

(6)

انظر: شرح الجامع الصغير لفخر الإسلام (3/ 775)، تبيين الحقائق (5/ 233).

(7)

في (ع): (انتشار) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 108).

(8)

انظر: مخطوط الجامع الصغير (2/ 142/ ب)، فتاوى قاض خان (3/ 120).

(9)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 108)، العناية شرح الهداية (9/ 354)، حاشية ابن عابدين (6/ 205).

ص: 182

[من جامع امرأته فماتت]

ومما يتّصل بهذا ما ذكره الإمام التمرتاشي في باب مسائل متفرقة من ديات «الجامع الصغير»

(1)

بيَّن المسألة التي تمس الحاجة إليها فقال: رجل جامع امرأته فماتت منه، أو أفضاها لم يَضمن

(2)

، وقال أبو يوسف

(3)

رحمه الله يضمن؛ لأنه مأذون بالجماع على وجه لا يُتلِف كالرمي لمَّا صيد

(4)

، ولهما

(5)

: أن المجامع يعمل لها يقضي شهوتها، ويُؤكد حقها في المهر، و

(6)

كان عمله كعلمها، بخلاف الرمي ولو انكسرت فَخِذَها، أو يدها من الوطء، أو ذهبت عينها فأرش ذلك في ماله في قولهم

(7)

.

[الخلاف في ضمان منافع المغصوب]

(ولا يضمن الغاصب منافع ما غصبه) إلى قوله: (وقال الشافعي

(8)

(9)

: رحمه الله يضمنها)، وهذه المسألة مبنية على أصلين مختلف فيهما

(10)

بيننا وبينه:

أحدهما: أن المنافع زوائد تَحدث في العين شيئًا فشيئًا، وقد بيّنا أن زوائد المغصوب لا تكون مضمونة على الغاصب عندنا

(11)

، وتكون مضمونة عند الشافعي

(12)

، فكذلك المنفعة.

(1)

انظر: تبيين الحقائق (3/ 186)، فتح القدير (5/ 353)، البناية شرح الهداية (6/ 398).

(2)

سقطت في (أ).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 319)، حاشية الشلبي (3/ 186)، البحر الرائق (8/ 350).

(4)

لأن الصيد يملك بإثبات اليد عليه.

(5)

أي: أبو حنيفة ومحمد- رحمهما الله-.

(6)

في (ع): (أو).

(7)

انظر: البحر الرائق (8/ 350)، حاشية ابن عابدين (6/ 567).

(8)

انظر: الحاوي الكبير (7/ 160)، روضة الطالبين (5/ 13)، تحفة المحتاج (6/ 29)، نهاية المحتاج (5/ 170).

(9)

وبقول الشافعي قال أحمد. وقال المالكية في المشهور عنهم: (إن الغاصب يضمن فقط غلة ما استعمل، والمتعدي يضمن غلة ما عطل كدار أغلقها، ودابة حبسها) انظر: الشرح الكبير للدردير (3/ 448)، مواهب الجليل (5/ 281)، المغني (5/ 183)، كشاف القناع (4/ 112)

(10)

في (ع): (فيه).

(11)

انظر: شرح الطحاوي للجصاص (8/ 246)، الأسرار (3/ 111)، المبسوط للسرخسي (11/ 78).

(12)

انظر: الحاوي الكبير (7/ 160)، روضة الطالبين (5/ 13)، تحفة المحتاج (6/ 24)، نهاية المحتاج (5/ 165).

ص: 183

والثاني: (أن الغصب الموجب للضمان عنده

(1)

يحصل بإثبات اليد، واليد على المنفعة تثبت كما تثبت على العين، وعندنا لا تتحقق إلا بيد

(2)

مُفَوِّتة ليد المالك، وذلك لا يتحقق في المنافع، لأنها لا تبقى وقتين، فلا يُتصوّر كونها في يد المالك، ثم انتقالها إلى يد الغاصب حتى تكون يد الغاصب مُفوِّتة ليد المالك؛ فلذلك لا يَضْمن المنافع بالغصب عندنا

(3)

.

[الخلاف في ضمان المنافع بالإتلاف]

وأما الإتلاف فنحن

(4)

نقول: عندنا المنافع لا تُضْمن بالإتلاف بغير عقد ولا شُبْهة عقد، وعند الشافعي

(5)

رحمه الله تُضْمن، ومنفعة المال، ومنفعة الحر في ذلك سواء حتى لو اسْتَسْخر حُرًّا واسْتعمله عنده يَضْمن أجر مِثله، وعندنا يأثم، ويُؤَدَّب على ما صنع، ولكنه لا يَضمن شيئًا) كذا في «المبسوط»

(6)

.

(ولا فرق في المذهبين) أي: في مذهبنا بعدم الضمان، وفي مذهب الشافعي بالضمان

[تعطيل المنافع أو سكناها]

بين (ما إذا عطَّلَها أو سكنها) أي: في حق الحكم، وهو عدم الضمان عندنا والضمان عنده، ولكن قد يُفرَّق بينهما فيُقال للتعطيل

(7)

غصب المنافع، والسكنى والركوب وغيرهما من الاستعمال إتلاف المنافع

(8)

؛ وقد نَصّ في الأسرار

(9)

بقوله: (المنافع لا تُضْمن بالإتلاف)، وقال

الشافعي- رحمه الله

(10)

/ تُضمن، ثم قال:(وإتلاف المنافع في الانتفاع بالعين) ويَقع الفرق بينهما في حق الحكم عند الشافعي

(11)

أيضًا في حق الحر؛ فإنّه إذا غصبه وأمسكه زمانًا أو أزمنة لا يَضمن منافعه؛ لأنّ الحر في يد نفسه، ومنافعه تلفت معه فلم تُضمن لعدم إثبات يد الغاصب كما لا تُضمن نفسه إذا تلفت، وأمّا إذا استخدمه، وأتلف عليه ضمِن بخلاف العبد فإنّه يصير في يد الغاصب مغصوبًا فكذا المنفعة

(12)

بمنزلة ولد المغصوبة، وسائر الزوائد، فيضمن في كلا الوجهين عنده في العبد

(13)

.

(1)

أي: الشافعي رحمه الله.

(2)

في (أ): (بعد كونه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 78).

(3)

انظر: الأسرار (3/ 111)، المبسوط للسرخسي (11/ 78)، تحفة الفقهاء (3/ 90).

(4)

سقطت في (ع).

(5)

انظر: الحاوي الكبير (7/ 162)، روضة الطالبين (5/ 63)، تحفة المحتاج (6/ 30)، نهاية المحتاج (5/ 171).

(6)

للسرخسي (11/ 78).

(7)

في (أ): (للتعليل).

(8)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 249).

(9)

للدبوسي (3/ 112).

(10)

انظر: الحاوي الكبير (7/ 162)، روضة الطالبين (5/ 63) تحفة المحتاج (6/ 30)، نهاية المحتاج (5/ 171).

(11)

قال الماوردي: (قال جمهور أصحابنا: إن منافع الحر ليست مضمونة بالتفويت والحبس، وإنما هي مضمونة بالاستهلاك والإجبار على العمل). الحاوي الكبير (7/ 161)، وانظر: روضة الطالبين (5/ 14).

(12)

في (ع): زيادة (معه).

(13)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 78).

ص: 184

[منافع الحر]

(له

(1)

أن المنافع أموال متقوّمة)، وذلك: (أن المال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا مما هو عندنا، والمنافع مِنَّا أو من غيرنا بهذه الصفة؛ وإنما تُعْرف مالية الشيء بالتَّمول، والناس يعتادون تَمَوُّل المنفعة بالتجارة فيها، وقد يستأجر المرء جملة ويؤاجر متفرقًا لابتغاء الربح، كما يشتري جملة ويبيع متفرقًا يُضمن بالقيود، سواء كان العقد

(2)

صحيحًا أو فاسدًا؛ وإنما يُملك ويُضمن بالعقد ما هو متقوّم؛ وحُجتنا في ذلك حديث

(3)

عمر وعلي رضي الله عنهما فإنّهما حكما في ولد المغرور أنه حر بالقيمة، وأوجبا على المغرور رد الجارية مع عُقرها، ولم يُوجِبَا قيمة الخِدمة مع عِلمهما أن المغرور كان يَستخدمها، ومع طلب المُدَّعِي بجميع حقه، فلو كان ذلك واجبًا له لَمَا حلَّ لهما السُّكُوت عن بيانه، وبيان العُقْر منهما لا يكون بيانًا لقيمة الخدمة؛ لأن

[إتلاف المنافع لا يتصور]

المُستوفى بالوطء في حكم جزء من العين؛ ولهذا يتقوم عند الشُّبْهة بخلاف المنفعة) كذا في «المبسوط»

(4)

؛ ولأنا نقول: إن إتلاف المنفعة لا يُتصوّر فلا يجب الضمان؛ وذلك لأنّه لو تصوّر، أما أن يُتصور قبل وجود المنفعة، أو مقارنًا للوجود، أو بعد الوجود، لا وجه للأول؛ لأنها معدومة، والمعدوم غير قابل للإتلاف، ولا وجه للثاني؛ لأنّ الإتلاف إذا طرأ على الموجود يُبطل الموجود، وإذا قارن الوجود يمنع من الموجود، والإتلاف إنما يرد على [الموجود، لا وجه للثالث]

(5)

؛ لأنها إذا وُجدت فَنيت، وكان بعد الوجود زمان الفناء، وزمان الفناء زمان العدم، وإتلاف الشيء في زمان عدمه لا يتصوّر لِمَا قلنا: إن الإتلاف على المعدوم لا يَرِد، ولأن الإتلاف قَطَع البقاء، وإخراجه من أن يكون منتفعًا به

(6)

، بحيث لولاه لبقِيَ منتفعًا به ظاهرًا، وقَطْعُ البقاء فيما لا يحتمل البقاء لا يتصور دلَّ أن إتلاف المنافع لا يتصوّر فلا يجب الضمان

(7)

.

(1)

أي: الشافعي- رحمه الله.

(2)

سقطت في (أ).

(3)

أخرج مالك في موطئه: كتاب الأقضية، باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه (2/ 741) برقم (23):(أنه بلغه، أن عمر بن الخطاب أو عثمان بن عفان قضى أحدهما في «امرأة غرت رجلا بنفسها، وذكرت أنها حرة فتزوجها، فولدت له أولادا، فقضى أن يفدي ولده بمثلهم» قال يحيى: سمعت مالكا يقول: «والقيمة أعدل في هذا إن شاء الله»، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: كتاب البيوع والأقضية، في الأمة تزعم أنها حرة (4/ 361) برقم (21060) وانظر: مسند الفاروق لابن كثير (1/ 375). قال الأرنؤوط في سند مالك: (وإسناده منقطع) انظر: جامع الأصول (11/ 513).

(4)

للسرخسي (11/ 72 - 79).

(5)

في (أ): (الوجود ولا وجه للغالب) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(6)

سقطت في (ع).

(7)

انظر: البحر الرائق وتكملة الطوري (8/ 139)، تبيين الحقائق (5/ 234).

ص: 185

فإن قيل: إتلافها بعد الوجود

(1)

لكنْ فناؤها بعد الوجود لا يمنع إضافة الفناء إلى فعله إذا حصل عَقيب فعله، كما أن شراء القريب عندكم إعتاق

(2)

، وهو كما اشترى عتق ومع ذلك يُضاف عِتقه إلى المشتري لوجوده عَقيب فعله، وكذلك المقتول ميِّت بأجله، ولكن

(3)

أُضيف موته إلى القاتل حتى وجب جزاؤه لوجوده عَقيب فعله، قلنا: كيف يتصور إفناؤها وهي

(4)

كما وجدت فنيت، وإفضاء الفاني لا يتصور.

[المنافع تحصل في ملك الغاصب فيملكها]

وأما الذي يُضاف إلى فعله فيما ذَكرت، قلنا: إنما يضاف إلى فعله إذا حصل عقيب فعله أن لو جاز ظاهرًا أن يبقى إذا لم يتصل فِعْل به، أما المنفعة بعد الوجود فنفيٌ لا محالة، فلا يمكن إضافة فنائها إلى فعله؛ لأن فعله إتلاف، وإتلاف الشيء بعد فنائه لا يصح كذا في طريقة بعض المشايخ

(5)

.

قوله

(6)

: (ولنا: أنها حصلت في ملك الغاصب) لأنها حدثت بفعله، وفعلُه كسبه، والكسبُ عِلَّة لثبوت الملك في المكسوب للكاسب؛ وذلك لأن المنفعة عبارة عن اللذة والراحة من دفع الحر والبرد وغيرهما تحصل بالانتفاع، والانتفاع

(7)

فعله وكسبه، فكانت المنفعة ملكًا له.

[سرعة فناء المنافع وبقاء الأعيان]

وقوله (لحدوثها في مكانه) أي: في تصرفه وقدرته على وجهٍ صرفها إلى حاجته دون غيره، (ولأنها لا تُمَاثِل الأعيان لسرعة [فنائها وبقاء]

(8)

الأعيان) أي: الأعيان (

)

(9)

من المنافع لسرعة فناء المنافع وبقاء الأعيان، والمماثلة مشروطة في العدوان، قال الله تعالى:

{فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (194)}

(10)

ولذلك لا تُضمن المنافع بالأعيان التي هي الدراهم والدنانير

(11)

، ألا ترى أن

(12)

المماثلة بين المنفعة

(13)

والمنفعة أظهر من المماثلة بين العين والمنفعة، ومع ذلك لا

(14)

تُضمن المنفعة بالمنفعة عند الإتلاف، حتى أن الحَجَرَ في خانٍ واحد على تقطيع واحد لا يكون منفعة أحديهما مِثْلًا لمنفعة أخرى عند الإتلاف، فلأنْ لا تُضمن المنفعة بالعين مع ظهور زيادة عدم المماثلة بينهما أولى

(15)

.

(1)

في (ع): (الدخول) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(2)

قال السرخسي: (قال: صلى الله عليه وسلم «من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر» وهذا لأن العتق صلة، وللملك تأثير في استحقاق الصلة شرعا حتى تجب الزكاة باعتبار الملك صلة للفقراء). المبسوط (7/ 9).

(3)

سقطت في (أ).

(4)

في (أ): (ومتى) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.

(5)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 79)، تبيين الحقائق (5/ 234).

(6)

سقطت في (أ).

(7)

سقطت في (أ).

(8)

في (أ): (قيامه وبقيا) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (4/ 304).

(9)

لم تتضح لي.

(10)

سورة البقرة من آية (194).

(11)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 355)، فتح القدير (9/ 356).

(12)

سقطت في (أ).

(13)

سقطت في (ع).

(14)

في (ع): (لم) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 80).

(15)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 80)، البناية شرح الهداية (11/ 249).

ص: 186

[عدم المماثلة بين الأعيان والمنافع]

فإن قيل: يُشكل على هذا

(1)

ما ذكر من عدم المماثلة بين الأعيان/ والمنافع [بسبب سرعة فناء المنافع]

(2)

وبقاء الأعيان مسألتان

(3)

:

أحديهما: أن من أتلف ما يُسرع إليه الفساد

(4)

يَضمنه بالدراهم التي تَبقى ولا تَفسُد، فعُلم بهذا أنه لا اعتبار لعدم المماثلة بينهما من حيث الفناء والبقاء.

[جواز استئجار الوصي يستأجر لليتيم]

والثانية: أن الوصي يستأجر لليتيم ما [يحتاج إليه بدراهم اليتيم]

(5)

يجوز، ولو كان بينهما تفاوت من هذا الوجه الذي ذكرت لَمَا جاز؛ إذ هو منهي عن قربان مال اليتيم إلا بالوجه الأحسن.

قلنا: أما الأولى: (فإن التساوي بين المالين إنما يُعتبر حال إقامة أحدهما مقام الآخر دون التفاوت في مجرد

(6)

البقاء

(7)

لا أن يكون بقاء هذا مثل بقاء ذلك من كل وجه؛ لأنَّ البقاء بعد الإقامة ليس من موجب الغصب والعدوان وحال الوقوع و

(8)

هما جميعًا مما يبقيان زمانين وأكثر، وجوهران قائمان بأنفسهما فتفاوتهما في أزمنة بعد الوقوع في البقاء ليس من الغصب، فكان هذا هدرًا في حق ضمانه، كالتفاوت بين المبيع والثمن من حيث ينمو المبيع من الحيوانات بنفسه دون الثمن)

(9)

.

وأما الثانية: فإن الوصي كما يَستأجر لليتيم ذلك فكذلك يشتري

(10)

العبد بالعبد وبينهما تفاوت، وفي الغصب يُمنع عن هذا؛ فيُعلم بهذا أن القليل من التفاوت الذي لا يُعتبر عينًا في التجارات لا يحجر الوصي عنه، فالتفاوت الذي بين الجوهر

(11)

والعرض

(12)

لا يُعدّ عيبًا في الأسواق؛ وهذا لأن ضمان العقود في الأصل بُني على التراضي لا على التساوي بل الأرباح إنما تحصل عند التفاوت، والشرط في الوصي

(13)

(14)

هو ألا يتجرّ في مال الصبي، مما يتفاوت عيبًا في الأسواق لا المماثلة من كل وجه.

(1)

سقطت في (أ).

(2)

سقطت في (ع).

(3)

انظر: الأسرار (3/ 119)، العناية شرح الهداية (9/ 355)، البناية شرح الهداية (11/ 250).

(4)

في (أ): زيادة (و).

(5)

سقطت في (أ).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

في (ع): زيادة (والمتصور مجرد البقاء).

(8)

سقطت في (ع).

(9)

الأسرار (3/ 119).

(10)

سقطت في (ع).

(11)

الْجَوْهَرُ: هو ما كان قائما بنفسه غير مفتقر في وجوده إلى غيره. الجواب الصحيح (5/ 6).

(12)

الْعَرَضُ: مفتقر في وجوده إلى غيره لا قوام له بنفسه، وهو ما يعرض ويزول. الجواب الصحيح (5/ 6)، مجموع الفتاوى (9/ 300).

(13)

في (أ): (القاضي).

(14)

قال السغدي: (وللموصى أن يتجر بِمَال الْيَتِيم وَيدْفَع مَاله مُضَارَبَة، وأن يُشَارك بِهِ إنسانًا فِي قَول أبي حنيفَة وصاحبيه). النتف (2/ 827).

ص: 187

وأمّا ضمان العدوان فمبني على المثل في أصله، فما لم يوجد هذا الوصف يقينًا لم يكن من موجب الغصب، إلى هذا أشار في «الأسرار»

(1)

.

فإن قلتَ: لو قال الخصم إنّ المنافع أموال حقيقة وحكمًا، أمّا حقيقة فلِما

(2)

ذكرنا أنّ المال اسم لما خُلق لمصالحنا من جملة ما في العالم سوانا

(3)

، والمنافع سوانا وهي مخلوقة لمصالحنا فكانت مالًا، وأما الحكم

(4)

فمسائل كبيرة: وهي أن من مَلك التجارة بإذنٍ كالعبد المأذون، والوصي، والأب بملك الإجازة، واسم التجارة يقع على مبادلة المال بالمال

(5)

، وكذلك المذهب عندكم

(6)

أن الحيوان

(7)

لا يَثبت دينًا في الذمة بدلًا عما هو مال كالبِيَاعات، ويثبت بدلًا عما ليس بمال كالمهر والدية، ثم لا يثبت عن المنفعة، عُلم أن للمنفعة حكم المال، وكذلك المنافع تصلح مهرًا

(8)

، والمهر لا يصلح إلا بما هو مال بقوله تعالى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ (24)}

(9)

وبالإجماع

(10)

؛ ولأن اعتياض المال عن المنفعة صحيح شرعًا بالعقد، صحيحًا كان أو فاسدًا، عُلم أن المنفعة متقوّمة لِما أنّ الاعتياض عما ليس بمتقوّم من نحو الخمر وحبة السِمسم لا يجوز، وكذلك القضاء بالعقد عند الوطء بشُبهة دليلٌ على وجوب الأجر عند إتلاف المنافع في

(11)

الأحوال كلها؛ لأنَّ المتلَف ههنا منافع؛ ولأنّ المماثلة ليست بمشروطة من كل وجه في باب العدوان أيضًا، ألا ترى أن من أتلف مالًا مثل له من الأموال فإنه يَضمن القيمة، وبين المتلَف والقيمة نوع تفاوت

(12)

، وكذلك إن أعمى إنسانًا خطأً ضمِن الدية والاستدلال بوجهين:

(1)

انظر: الأسرار (3/ 119 - 120).

(2)

في (ع): (فما).

(3)

في (أ): (سواء).

(4)

سقطت في (أ).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 12)، العناية شرح الهداية (9/ 178)، الجوهرة النيرة (1/ 367).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (15/ 137)، بدائع الصنائع (2/ 283)، الأسرار (3/ 113).

(7)

في (أ): (الجواب).

(8)

ذهب المالكية في المشهور عنهم والشافعية والحنابلة إلى أنه يجوز أن تكون المنفعة صداقا جريا على أصلهم من أن كل ما يجوز أخذ العوض عنه يصح تسميته صداقا والمنافع يجوز أخذ العوض عنها فتصح تسميتها صداقا. انظر: إرشاد السالك (ص: 62)، الأم للشافعي (5/ 63)، المغني لابن قدامة (7/ 212)، الموسوعة الفقهية الكويتية (39/ 104).

(9)

سورة النساء من آية (24).

(10)

انظر: المبسوط للسرخسي (5/ 81)، الأسرار (3/ 113)، الذخيرة للقرافي (9/ 289)، شرح التلقين (3/ 2/ 82)، الحاوي الكبير (9/ 403)، مغني المحتاج (4/ 367)، المغني (5/ 139)، كشاف القناع (5/ 131).

(11)

سقطت في (أ).

(12)

انظر: الأسرار للدبوسي (3/ 119).

ص: 188

أحدهما: أن العين وصف وما ضمِنَه موصوف.

والثاني: أنه لا مساواة بين العين والدية في المالية، فعُلم أنه لا تُشترط المساواة من كل وجه في باب العدوان أيضًا؛ ولأن التفاوت لو كان ثابتًا من حيث إن الدراهم عين والمنافع عرض، (ولكن يسقط اعتبار هذا التفاوت لدفع

(1)

الظلم، وللزجر عن إتلاف منافع أموال الناس؛ ولأن المُتلَف عليه مظلوم يَسْقط حقُّه إذا اُعْتبر هذا التفاوت، ومراعاة جانب المظلوم أولى من مراعاة جانب الظالم، مع أن هذا التفاوت بزيادة وصف، فلو لم نعتبره سقط به حق المُتْلَف عن الصفة، ولو اعتبرناه سقط به حق المتلَف عليه عن أصل المالية، وإذا لم يكن بُدّ من إهدار أحدهما فإهدار الصفة عن الظالم أولى من إهدار الأصل في حق المظلوم)

(2)

فكانت أوَّليَّة

(3)

رعاية جانب المظلوم بطريقين، فيجب مراعاة جانبه ما جوابنا عن هذا المجموع.

[المنافع ليست أموال حقيقة]

قلتُ: أما قوله: إنّ المنافع أموال حقيقة، فقلنا: لا نسلِّم؛ وذلك (لأن صفة المالية/ للشيء إنما تثبت بالتموّل، والتمول صيانة الشيء وادِّخاره لوقت الحاجة-[وإنما قلنا: إن التمول عبارة عن صيانة الشيء، وادخاره لوقت الحاجة]

(4)

لا عن الانتفاع بالإتلاف؛ لأن الأكل والشرب لا يُسمى تمولًا؛ لأن المال اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به، ولكن

(5)

باعتبار صفة التمول والادِّخار لوقت الحاجة- والمنافع لا تبقى وقتين، ولكنها أعراض، كما تخرج من حَيِّز العدم إلى حيز الوجود تتلاشى، فلا يُتصور فيها التمول؛ ولهذا لا يتمول في حق الغرماء والورثة، حتى أن المريض إذا أعان إنسانًا بيديه، أو أعاره شيئًا فانتفع به

(6)

لا يُعتبر خروج تلك المنفعة من الثلث)

(7)

.

[المنافع لها حكم المال ولكن ليس لها صفة التقوم]

(وكذلك قالوا: من كان له نصاب زكاة من مال التجارة فاستأجر دُورًا للتجارة بَطَل الحول، كما لو تزوّج به امرأة أو اشترى مالًا للبِذلة

(8)

، ولو كان للمنافع حكم المال حقيقة لَمَا انقطع بها النصاب إذا أراد بها التجارة، وإن كانت تبقى سنة، كما إذا

(9)

اشترى بها الخضروات للتجارة)

(10)

؛ ولئن سلّمنا أن لها حكم المال، ولكن ليس لها صفة التَّقوم؛ (لأن التقوم لا يسبق الوجود، فإن المعدوم لا يُوصف بأنه متقوم؛ إذ المعدوم ليس بشيء، وبعد الوجود التقوم لا يسبق الإحراز

(11)

-؛ ولأنّ التقوم إنما يكون بعد الإحراز، ألا ترى أن الصيد والحشيش غير متقوم قبل الإحراز؟ وإن كان غنيًّا- والإحراز بعد الوجود لا يتحقق فيما لا يبقى وقتين فلا يكون متقوّمًا؛ وعن هذا قلنا: إن الإتلاف لا يُتصوّر في المنفعة؛ لأنّ فعل الإتلاف لا يُحلّ المعدوم، وبعد الوجود لا يبقى ليحل فعل الإتلاف، وإثبات الحكم بدون تحقق السبب لا يجوز؛ فعُلم بهذا أنها لو جعلت أموالًا أيضًا لا يتحقق فيه صورة المسألة التي يُنازعنا فيها، وهي إتلاف المنافع فلا يترتب على مباشرتها حكم إتلاف الأموال- ثم إنما يثبت

(12)

للمنفعة في العقد حكم الإحراز، والتقوم شرعًا بخلاف القياس، وكان ذلك باعتبار إقامة العين المُنْتَفع بها مقام المنفعة لأجل الحاجة والضرورة، ولا تتحقق مثل هذه الحاجة في العدوان، فتبقى الحقيقة معتبرة)

(13)

.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

المبسوط للسرخسي (11/ 80).

(3)

في (أ): (أو كونه).

(4)

في (ع): سقط نظر.

(5)

في (أ): (ذلك).

(6)

في (أ): (يبديه).

(7)

المبسوط للسرخسي (11/ 79).

(8)

الْبِذْلَةُ: مَا يُمْتَهَنُ مِنَ الثِّيَابِ. مختار الصحاح (ص: 31).

(9)

سقطت في (أ).

(10)

الأسرار للدبوسي (3/ 125).

(11)

في (أ): (الأجر).

(12)

في (ع): (يكون).

(13)

المبسوط للسرخسي (11/ 79).

ص: 189

[لا يحجر القاضي على التفاوت القليل الذي لا يعتبر عينا في التجارة]

وأمّا ما ذَكر من مسائل العقود، بقوله: إنَّ من مَلَك التجارة بإذنٍ كالعبد المأذون، أو الوصي، أو الأب بملك الإجازة؛ فقد قلنا مرة: إن التفاوت القليل الذي لا يُعتبر عينًا في التجارة لا يحجر القاضي وغيره عن التجارة في مثله، والتفاوت الذي بين الجوهر والعرض لا يُعد عينًا في الأسواق

(1)

.

[الحيوان لا يثبت بدلا عن المنفعة]

وأمّا قوله: والحيوان لا يثبت دينًا في الذمة بدلًا عن المنفعة كما لا يثبت دينًا في الذمة بدلًا عن المال؛ قلنا: عدم ثبوت الحيوان دينًا في الذمة بدلًا عن المنفعة، لا باعتبار أن للمنفعة حكم المال؛ بل لأن المنفعة هي المعقود في الإجارة، وهي غير مملوكة للمستأجر في الحال؛ لأنها معدومة، ثم

(2)

لو صحّ الحيوان دينًا في الذمة أُجرة لصاحب

(3)

الدار لم يبق المساواة بين العوضين، وهو بمعنى الربا فلم يجز كذلك، وقد ذكرناه في أوائل الإجارة

(4)

.

[المنافع لا تصلح مهرًا]

وأمّا قوله: والمنافع تصلح مهرًا، والمهر مال بالنصّ؛ قلنا: لا نسلّم أن تصلح المنافع مطلقًا للمهر؛ وذلك لأنّ عندنا إنما يصلح للمهر منفعة العبد، وهي الخدمة بأمر الولي واستخدامه بتضمن تسليم الرقبة، ورقبتُه مال

(5)

.

[الخلاف في الخدمة وتعليم القرآن يكونا مهرا]

(وأمّا لو تزوّج حرٌ امرأة

(6)

على خدمته سنة أو على تعليم القرآن) فلا يصحّ ذلك مهرًا عندنا

(7)

خلافًا للشافعي

(8)

رحمه الله لِمَا أنّ المنفعة ليست بمال على ما ذكرناه في النكاح، وأمّا اعتياض المال عن المنفعة فصحيح شرعًا؛ لأنّ ضمان العقد أمر مشروع، وفي الشرع يُعتبر الوسع والإمكان؛ ولذلك يَجب الضمان هناك باعتبار التراضي، فاسدًا كان العقد أو جائزًا، فيسقط اعتبار التفاوت الذي ليس في وسعنا الاحتراز عنه في ضمان العقد، فأمّا الإتلاف فمحظور غير مشروع، وضمانه مُقيَّد بالمثل بالنص، فلا يجوز إيجاب الزيادة على قدر الْمُتْلَفِ بسبب

(9)

الإتلاف.

(1)

انظر: الأسرار للدبوسي (3/ 113 - 120).

(2)

سقطت في (أ).

(3)

في (أ)(صاحبته).

(4)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 158).

(5)

انظر: فتح القدير (9/ 179)، النهر الفائق (2/ 242).

(6)

في (أ): (حرائره).

(7)

انظر: المحيط البرهاني (3/ 85)، بدائع الصنائع (2/ 278)، الاختيار (3/ 105).

(8)

انظر: الأم للشافعي (5/ 64)، الحاوي الكبير (9/ 403)، تحفة المحتاج وحاشية الشرواني (7/ 412)، نهاية المحتاج (6/ 362).

(9)

في (ع): (بسعة).

ص: 190

وأما مسألة العقد؛ فقد قلنا: إن المُستَوفَى بالوطء في حكم جزء من العين؛ ولهذا يَتَقوّم عند الشبهة بخلاف المنفعة، وأمّا قوله: إن من أتلف مالًا مِثل له من الأموال يَضمن القيمة؛ قلنا: إن الواجب بالإتلاف مثله قيمة

(1)

بلا تفاوت بالنص، والأموال بعضها مثل البعض من حيث المالية، وإن كانت تتفاوت من حيث الصورة فأوجبنا ما يمكننا، وهو التسوية من حيث التقوم والمالية، وسقط عنا ما لا يمكننا في التسوية/ لعجزنا، وأمّا فيما نحن فيه فلا مساواة بين العين والمنفعة من حيث المالية أيضًا، فلم يوجب لذلك.

[لا مساواة بين العين والمنفعة]

وأمّا الجواب عن إِعماء العين قلنا

(2)

: العين نفسها جوهر

(3)

قائم بنفسه، فكان وجوب الأرش أو

(4)

الدية بمقابلة العين لا بمقابلة المنفعة، وأما قوله: لا مساواة بين العين والدية

(5)

في المالية قلنا: كان

(6)

القياس ألا تجب الدية، وإنما وجب شرعًا بخلاف القياس على ما يجيء- إن شاء الله تعالى- فلا يقاس عليه

(7)

غيره.

وأمّا الجواب عن قوله: فرعاية جانب المظلوم أولى من رعاية جانب الظالم لوجهين: قلنا: قد أوجبنا على الظالم الذي هو الغاصب التعزير، والحبس للزجر عن الغصب، فأمّا وجوب الضمان للجبران فيتقدّر بالمثل على وجه لا يجوز الزيادة عليه، فالظالم لا يُظلم بل يُنْتَصف منه مع قيام حرمة ماله فكان ما قلناه أولى

(8)

لوجهين:

(1)

سقطت في (ع).

(2)

في (أ): (قات).

(3)

في (أ): (طمس).

(4)

في (ع): (و).

(5)

في (أ): (والهبة).

(6)

سقطت في (ع).

(7)

سقطت في (أ).

(8)

سقطت في (أ).

ص: 191

[حق المظلوم يتأخر إلى الآخرة]

أحدهما: أن حق المتلَف عليه لا يُهدر، بل يتأخر إلى الآخرة، وذلك تأخير يحصل لا بصُنعِنا بل لعجزنا، فلا يكون علينا وباله، ولو أوجبنا عوضًا زائدًا كان إيجابًا مِنَّا، فيكون وباله علينا، فلا يحل لنا تعدي حد الشرع لإيفاء حق؛ ولأن الزيادة جور، وأنها لا تحل بحال، ولا يجوز أن تجب شرعًا، فأما سقوط ضمان الحقوق في الدنيا فجائز شرعًا، وحاصلة: أن حق المظلوم فيما قلنا لا يُهدر، بل يتأخر إلى الآخرة، ولو أوجبنا الزيادة صارت تلك الزيادة هدرًا في حق المُتْلِف، فبطل حقه عنه أصلًا، فكان ما قلناه من اعتبار المماثلة، والكفِّ عن القضاء بالضمان بدون اعتبار المماثلة أعدل من هذا الوجه، هذا كله من «المبسوط»

(1)

و «الأسرار»

(2)

وغيرهما.

[مسألة فتح رأس التنور بمنزلة استهلاك العين]

ثم مسألة

(3)

فتح رأس التنور المسجور لإنسان حتى بَرد، عليه قيمة الحطب على ما ذكرنا قبل

(4)

في مسألة صبغ الثوب المغصوب، يتراءى أنه بمنزلة غصب الغاصب؛ فقد أوجب فيه قيمة الحطب مع أنّ غصب المنافع غير مضمون عندنا

(5)

، ولكن هو ليس من قبيل ذلك؛ لأنّ غصب الشيء

(6)

عبارة عن تعطيل منافع العين مع بقاء العين لتلك المنفعة كالركوب على الدابة، وأمّا ههنا فقد أَتَلف ما هو المقصود لصاحب التنور من تسجيره، حيث لم يبق التنور صالحًا لذلك المقصود، فصار هذا بمنزلة استهلاك العين، فلذلك ضَمِن

(7)

الحطب

(8)

، والله أعلم

(9)

.

(1)

للسرخسي (11/ 79 - 80).

(2)

للدبوسي (3/ 118 - 121 - 131).

(3)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 481)، البناية شرح الهداية (11/ 251).

(4)

في (ع): زيادة (هذا).

(5)

انظر: الأسرار (3/ 111)، المبسوط للسرخسي (11/ 78)، تحفة الفقهاء (3/ 90).

(6)

في (ع): (المنافع).

(7)

سقطت في (ع).

(8)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 251).

(9)

سقطت في (أ).

ص: 192

‌فصل في غصب ما لا يتقوَّم

لما فَرَغَ من بيان

(1)

أحكام غصب ما يتقوم، وهو الأصل؛ لأن الغصب بحدِّه الذي ذكرنا

(2)

إنما يتحقق فيه شَرعَ في بيان أحكام غصب ما لا يتقوم، باعتبار عَرَضِيَّةِ أن يصير متقومًا، إما باعتبار ديانة المغصوب منه بأنه متقوّم، أو بتغيُّره في نفسه إلى التَّقوم

(3)

.

[إتلاف خمر المسلم والذمي]

قوله: (وعلى هذا الخلاف إذا أتلفها ذمي

(4)

على

(5)

ذمي) فحاصل الأقسام في هذه المسألة على أربعة أوجه: وهي إتلاف المسلم خمرَ المسلم، والذميِّ خمرَ المسلم، والذميِّ خمر الذمي، والمسلمِ خمر الذمي؛ ففي الأوليين لا ضمان على المُتْلِف بالإجماع

(6)

، وفي الآخَرَين على المتْلِف الضمان عندنا

(7)

(8)

خلافًا للشافعي

(9)

(10)

فإن عنده لا

(11)

ضمان في إتلاف الخمر في جميع الصور، أما عدمُ الضمان في إتلاف المسلم خمر المسلم فظاهر؛ لأنهما دانا على ألا يُقوَّم للخمر، والضمان يتبع التقوم.

[لا ضمان على الذمي إذا أتلف خمر المسلم]

وأما في إتلاف الذمي خمر المسلم فليس على المتلِف الضمان، وإن كان يعتقد التقوم؛ لما أن الضمان حق المتْلَف عليه، واعتقاده على عدم التقوم كان بمنزلة الإبراء للمِتْلِف عن الضمان، وذكر في «المبسوط»

(12)

: (وحُجتنا في ذلك قول عمر رضي الله عنه حين سأل عُمَّاله: «ماذا تصنعون بما يمرّ به أهل الذمة من الخمور، فقالوا: نُعشِّرها، فقال: لا تفعلوا، ولو همَّ ببيعها، وخذوا العُشْر من أثمانها

(13)

فقد جعلها مالًا متقومًا في حقهم، حيث جوّز بيعها، وأمر بأخذ العُشر من الثمن)، ونحن أُمرنا بأن نتركهم وما يدينون.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

وهو: إزالة المال عن يد المالك بإثبات اليد عليه.

(3)

انظر: فتح القدير (9/ 358).

(4)

الذِّميُّ: المعاهد من الكفار؛ لأنه أومن على ماله ودمه بالجزية. انظر: المغرب مادة (ذ م م)(ص: 176).

(5)

في (أ): زيادة (مال) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (4/ 305).

(6)

وبه قال مالك. انظر: تبيين الحقائق (5/ 233)، البناية (11/ 252)، الدر المختار (ص: 619)، الذخيرة للقرافي (3/ 457)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (3/ 447).

(7)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 146)، شرح الطحاوي للجصاص (3/ 332)، بدائع الصنائع (7/ 147).

(8)

وبه قال مالك. انظر: الإشراف (2/ 631)، الذخيرة للقرافي (3/ 457).

(9)

انظر: الحاوي الكبير (7/ 221)، مغني المحتاج (3/ 351)، تحفة المحتاج (6/ 27)، نهاية المحتاج (5/ 167).

(10)

وبقول الشافعي قال أحمد. انظر: المغني (5/ 222)، الشرح الكبير (5/ 376).

(11)

في (أ): (إلا).

(12)

للسرخسي (11/ 102).

(13)

رواه عبدالرزاق في مصنفه: كتاب أهل الكتاب، أخذ الجزية من الخمر (6/ 23) رقم (9886) بلفظ:(بلغ عمر بن الخطاب أن عماله، يأخذون الجزية من الخمر، فناشدهم ثلاثًا، فقال بلال: إنهم ليفعلون ذلك قال: «فلا تفعلوا، ولكن ولوهم بيعها، فإن اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها، وأكلوا أثمانها»، ورواه كذلك أبو عبيد: كتاب سنن الفيء، والخمس، والصدقة، وهي الأموال التي تليها الأئمة للرعي، باب أخذ الجزية من الخمر والخنزير (1/ 62) برقم (128) قال ابن حجر: (في إسناده إبراهيم بن عبد الأعلى). انظر: الدراية (2/ 162).

ص: 193

[النكاح عند المجوس]

فإن قلتَ: يُشكل على هذا ما إذا مات المجوسي عن اثنين أحدهما امرأته ذاتها لا تستحق بالزوجية شيئًا، مع أن اعتقادهم بأن هذا النكاح صحيح، وفيما صحّ النكاح ترِث المرأة عن زوجها في جميع الأديان إذا لم يوجد المانع، وههنا لا مانع في اعتقادهم، ثم لم نتركهم في هذا وما يدينون.

[ليس من ضرورة صحة النكاح استحقاق الميراث]

قلتُ

(1)

: الملازمة فيه غير ثابتة في جميع الصور؛ لأنه ليس من ضرورة صحة النكاح استحقاق الميراث

(2)

ألا ترى أن التوارث ممتنع بالرق واختلاف الدِين مع صحة النكاح؟ مع أن أهل الذمة لا يتوارثون بأنكحة المحارم؛ فلذلك لم تستحق بنته بالزوجية هناك

(3)

.

[تقوم الخمر عند أهل الذمة]

وأمّا الضمان مع استهلاك/ المتقوم فمتلازمان في جميع الصور، وهم اعتقدوا بتقوّم الخمر، وكان علينا أن نتركهم وما يدينون، فوجب الضمان لذلك في تركنا إياهم وما يدينون، (ليس بتوسعة للأمر عليهم بل فيه استدراج، وترك لهم على الجهل، وتمهيد بعقوبة الآخرة، والخلود في النار، وتحقيق لقول النبي عليه السلام:«الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر»

(4)

؛ وبهذا تبيَّن فساد ما قال: إن اعتقاده لا يكون حُجَّة على المُتْلِف؛ لأنا لا نوجب الضمان باعتبار اعتقاده، ولكن يبقى ما كان على ما كان

(5)

، وهو المالية والتقوم، ثم وجوب الضمان بالإتلاف لا يكون الْمَحِلُّ مالًا متقوَّمًا، ولكن شرط سقوط الضمان بالإتلاف انعدام المالية والتقوم في الْمَحِلّ، وهذا الشرط في حقهم لم يثبت

(6)

مع أنَّا لمَّا

(7)

ضَمَّنَّا بعقد الذمة ترك التعرض لهم قد التزمنا حِفظها وحمايتها لهم، والعِصمة والإحراز تتم بهذا الحفظ، ووجوب الضمان بالإتلاف ينبني على ذلك، فكان هذا من

(8)

ضرورة ما ضمنَّاه بعقد الذمة)، إلى هذا أشار في غصب «المبسوط»

(9)

ونكاحه، (وإذا بقي التقوم فقد وجد إتلاف مال مملوك متقوّم فيضمنه).

(1)

سقطت في (ع).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (5/ 40)، فتح القدير (9/ 360).

(3)

انظر: فتح القدير (9/ 360)، العناية شرح الهداية (9/ 360)، البناية شرح الهداية (11/ 254).

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، (4/ 2272) برقم (2956).

(5)

انظر: أصول السرخسي (2/ 20)، كشف الأسرار (3/ 86).

(6)

في (أ): (يسقط) وما أثبت هو الصحيح لما هو مثبت بالمبسوط.

(7)

في (ع): (لو) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 103).

(8)

في (أ): (أمر) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 103).

(9)

للسرخسي (11/ 103).

ص: 194

[إسلام الذمي بعد إتلاف خمر ذمي آخر]

فإن قلتَ: ما الفرق بين ما إذا أتلف خمر الذمي وهو مسلم، حيث يجب القيمة وهو مسألتنا، وبين ما إذا أتلف خمر الذمي والمتلِف أيضًا ذمي ثم أسلم، فلا يجب عليه شيء لا عين الخمر ولا قيمتها، على قول أبي يوسف

(1)

رحمه الله وهي رواية عن أبي حنيفة- رحمهما الله-، والرواية في «المبسوط»

(2)

، مع أن الدليل يقتضي وجوب القيمة عليه بالطريق الأولى هناك؛ لأن الإسلام المقارن في المتلِف لمَّا لم يمنع ضمان قيمة الخمر؛ لِئلَّا يمنع عنه الإسلام الطارئ بالطريق الأولى.

قلتُ: يجيء جوابه بُعيد هذا مكشوف القِناع، متين السِطاع

(3)

، منوّر الطباع مع ما يتلاحق به، وينضم إليه، (بخلاف الميتة)، حيث لا يجب على متلِفها ضمان، ثم هذا الحكم في الميتة هي الميتة التي ماتت حتف أنفها

(4)

.

[إتلاف موقوذة المجوسي]

(وأما الجواب في موقوذة

(5)

المجوسي الصحيح: أن المسلم يَضمنُها بالغصب والإتلاف، وهو قول أبي يوسف

(6)

، وقد رُوي عن محمد

(7)

رحمه الله أنه لا يَضمنها كالميتة والدم؛ لأنها ليست بمال في اعتقاد أهل الذمة، وقد أُمرنا

(8)

أن نبني أحكام المجوسي على أحكام أهل الكتاب كما قال عليه السلام: «سُنُّوا بالمجوس

(9)

سنة أهل الكتاب»

(10)

[إلا أن]

(11)

هذا ضعيف؛ فإنا في حكم الأنكحة اعتبرنا اعتقاد المجوس، من غير أن نبني ذلك على اعتقاد أهل الكتاب) كذا في «المبسوط»

(12)

.

(1)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 235)، حاشية ابن عابدين (6/ 210).

(2)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 104).

(3)

السِطاعُ: عمود البيت. الصحاح مادة (س ط ع)(3/ 1229).

(4)

انظر: المبسوط للسرخسي (24/ 26)، بدائع الصنائع (7/ 147).

(5)

وقذ: وَقَذَهُ يَقِذُهُ وَقْذًا: ضربه حتى استرخى وأشرف على الموت، وشاةٌ مَوْقوذَةٌ: قُتِلَتْ بالخشَب. الصحاح مادة (و ق ذ)(2/ 572).

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 103)، البناية شرح الهداية (11/ 255)، البحر الرائق (8/ 140).

(7)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 103)، البحر الرائق (8/ 140).

(8)

في (أ): (أبرز).

(9)

سقطت في (أ).

(10)

أخرجه مالك: كتاب الزكاة: باب جزية أهل الكتاب والمجوس، (1/ 278) حديث (42)، والشافعي: كتاب الجهاد: باب ما جاء في الجزية، (2/ 130)، حديث (430)، وعبد الرزاق: كتاب أهل الكتاب: باب أخذ الجزية من المجوس، (6/ 68 - 69)، حديث (10025)، وابن أبي شيبة كتاب الجهاد: باب ما قالوا في المجوس تكون عليهم جزية، (12/ 243)، حديث (12696)، قال ابن حجر:(وهو منقطع). التلخيص الحبير (3/ 353). قال ابن عبد البر: (هذا حديث منقطع). تنوير الحوالك (1/ 208). قال الألباني: (ضعيف). إرواء الغليل (5/ 89).

(11)

سقطت في (ع).

(12)

للسرخسي (11/ 103).

ص: 195

[على المسلم قيمة الخمر إذا أتلفها]

(وإن كان) أي: الخمر على تأويل الشراب، و"إنْ" هذه للوصل أي: مع أنّ الخمر (من ذوات الأمثال) عند من يجعلها متقوّمة، يجب على المسلم قيمتها؛ لكونه مأمورًا به بالاجتناب منها، وفي تمليكها قربان منها، وقوله:(بخلاف ما إذا جرت) متعلق بقوله: (لأن المسلم ممنوع عن تمليكه) أي: (إذا جرت المبايعة) في الخمر (بين ذميين) أو وُجد استهلاك الخمر فيما بينهما يجب مثل الخمر لا قيمتها؛ وذكر في «المبسوط»

(1)

: (ولو غصب نصراني

(2)

من نصراني خمرًا فاستهلكها فعليه مثلها؛ لأنّ الخمر من ذوات الأمثال، والمصير إلى القيمة في ذوات الأمثال عند العجز عن أداء المثل، وذلك في حق المسلم دون النصراني؛ لأنه قادر على تمليك الخمر من غيره بعوض؛ ولهذا جاءت المبايعة في الخمر بينهم، وإن أسلم الطالب بعدما قضى له بمثلها، فلا شيء له على الْمُسْتَهْلِكِ؛ لأن الخمر في حق

(3)

المسلم ليس بمال متقوّم، فكان بإسلامه مُبَرِّئًا للمستهلِك عمّا كان له في ذمته من الخمر، وكذلك لو أسلما؛ لأن في

[إسلام الطالب والمطلوب]

إسلامهما إسلام الطالب، ولو أسلم المطلوب وحده، أو أسلم المطلوب ثمّ الطالب فعلى قول أبي يوسف

(4)

وهو روايته عن أبي حنيفة

(5)

- رحمهما الله- فالجواب كذلك، أي: فلا شيء للطالب على المستهلِك من الضمان، وفي قول محمد

(6)

وهو رواية عن أبي حنيفة - رحمهما الله- على المطلوب قيمة الخمر، فوجه قول محمد ظاهر، وهو أن الإسلام الطارئ بعد تقرّر سبب الضمان يُجعل كالمقترن بالسبب، ثم اقتران إسلام المطلوب بغصب الخمر واستهلاكها لا يمنع وجوب ضمان القيمة فكذلك الطارئ بخلاف إسلام الطالب؛ وذلك لأنّ خمر الذمي يجوز أن تكون مضمونة في يد المسلم، فكذلك يجوز

(7)

أن تكون مضمونة في ذمة المسلم.

(1)

للسرخسي (11/ 103 - 105).

(2)

النصرانية: جمع نصارى، نسبة إلى نصران أو الناصرة، وهي قرية في الجليل من فلسطين بلد عيسى المسيح عليه السلام، وهي من دان بدين النصرانية، وهي الدين الذي انحرف عن الرسالة التي أُنزلت على عيسى- عليه الصلاة والسلام، مكمِّلة لرسالة موسى- عليه الصلاة والسلام، ومتممة لما جاء في التوراة. الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب (2/ 564)، معجم لغة الفقهاء (ص: 481).

(3)

سقطت في (أ).

(4)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 235)، حاشية ابن عابدين (6/ 210).

(5)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 167)، مجمع الأنهر (2/ 467).

(6)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 146)، تبيين الحقائق (5/ 235)، حاشية ابن عابدين (6/ 210).

(7)

سقطت في (ع).

ص: 196

وأما أبو يوسف

(1)

رحمه الله فيقول: تَعَذُّرُ قَبْض الخمر المُسْتَحَقِّ في الذمة بسبب الإسلام فلا تجب القيمة، وتحقيقه: أنه لمَّا وجب الخمر بالسبب دينًا في الذمة، لم يمكن إيجاب القيمة باعتبار أصل السبب، ولم يمكن أيضًا إيجاب القيمة عوضًا عما كان في الذمة؛ لأن شرطها تمليك ما في الذمة بها أي: تمليك الخمر الواجب في الذمة لمن عليه/ بمقابلة قيمة الخمر التي يأخذها منه، والذميُّ لا يَقْدِر على تمليك الخمر من المسلم بعوض كما أنّ المسلم لا يتملك الخمر بعوض؛ فلانعدام الشرط يتعذّر استيفاء القيمة، كما لو هشم قُلْب فضة إنسان، ثم تَلِف المكسور في يد صاحب الْقُلْب ليس له أن يُضَّمِن الكاسر شيئًا؛ لأن شرط تضمين القيمة تمليك المكسور منه، وذلك فائت، وبه فارق الإسلام المقارن؛ لأن وجوب القيمة هناك باعتبار أصل السبب، وهو الغصب والاستهلاك، فإنّه موجب للضمان باعتبار الجناية من غير أن يكون موجبًا للملك في المحل عند التعذّر، كما في غصب المدبَّر).

[حرمة الربا في عقيدة أهل الكتاب]

(لأنه مستثنى عن عقودهم) أي: بعدم الجواز، (وهو قوله عليه السلام:«إلا من أربى فليس بيننا، وبينه عهد»

(2)

؛ وهذا لأن ذلك فسق منهم في الاعتقاد لا ديانة، وقد ثبت بالنص حُرمة الربا في اعتقادهم، قال الله تعالى:{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ}

(3)

كذا في «المبسوط»

(4)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 104)، تبيين الحقائق (5/ 235).

(2)

قال ابن حجر في الدراية (2/ 64): حديث: (إلا من أربى فليس بيننا وبينه عهد) لم أجده بهذا اللفظ، وروى ابن أبي شيبة كتاب المغازي، ما ذكروا في أهل نجران وما أراد النبي صلى الله عليه وسلم، (7/ 426) برقم (37015) عن مرسل الشعبي" كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران، وهم نصارى أن من بايع منكم بالربا فلا ذمة له"، وأخرج أبو عبيد في الأموال (1/ 244) برقم (503) كتاب افتتاح الأرضين صلحًا وأحكامها، وسننها، وهي من الفيء ولا تكون غنيمة، باب كتب العهود التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأهل الصلح من مرسل أبي المليح الهذلى نحوه مطولًا ولفظه:"ولا يأكلوا الربا فمن أكل منهم الربا فذمتي منهم بريئة". قال الزيلعي: (هو مرسل). نصب الراية (3/ 203).

(3)

سورة النساء من آية (161).

(4)

للسرخسي (11/ 103).

ص: 197

[إتلاف عبد الذمي المرتد]

(وبخلاف العبد المُرتد) معطوف على (بخلاف الربا) وكلاهما متعلقان بقوله: (لأن الذمي غير ممنوع عن تمليك الخمر) يعني: أن الذمي متروك بما هو عليه من اعتقاده من حِلِّ الخمر، على ما ذُكر قبل هذا، ونحن أُمرنا بأن نتركهم وما يدينون؛ فلذلك إذا أتلف المسلمُ خمرَ الذمي يَضمن فَوَرد على هذا الأصل إشكالٌ، وهو استحلالهم الربا اعتقادًا فأجاب عنه، ثم ورد عليه العبد المرتد للذمي؛ فإنّ المسلم إذا أتلفه لا يضمن للذمي، وإن كان الذمي يَعتقد أن العبد المرتد مال متقوم، وأنه مُحقٌ في اعتقاده عند نفسه، ومع ذلك لم يصر اعتقاده حُجة في إيجاب الضمان على المتلِف، وهو المقيس عليه للشافعي

(1)

في مسألة الخمر فأجاب عنه بقوله: (لِأَنَّا مَا ضَمِنَّا لَهُمْ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُ) أي: للعبد المرتد للذمي (لما فيه) أي: لما في ترك التعرض (من الِاسْتِخْفَاف في الدين) ولكن يُشكل على هذا التعليل مسألة من أتلف صَليبًا

(2)

على نصراني ضمِن قيمته صليبًا، وفي ترك التعرض في حقيقة عبادة الصليب على اعتقادهم استخفاف للدين، ومع ذلك قلنا بوجوب

(3)

قيمة الصليب؛ عملًا باعتقادهم لا بنفس النُّقرة

(4)

أو الصُّفر أو غير ذلك فأجاب عنه في «الإيضاح»

(5)

فقال: لأن النصراني مُقِرّ على ذلك.

[الخلاف في ضمان إتلاف الشاة المذبوحة بترك التسمية عليها عمدا]

وكذلك قوله: (وبخلاف متروك التسمية عامدًا) يتعلق بقوله: (ونحن أُمرنا بأن نتركهم وما يدينون) يعني: لما أُمرنا بأن نترك أهل الذمة على ما اعتقدوه مع أن اعتقادهم في ذلك باطل من كل وجه حتى وَجب الضمان على مُتلِف خمرهم عملًا باعتقادهم في التقوم، كذلك وجب علينا أن نترك أهل الاجتهاد على ما اعتقدوا من حقيَّة اجتهادهم مع احتمال ذلك بالطريق الأولى، فحينئذ يجب علينا أن نقول: بوجوب ضمان من أتلف الشاة المذبوحة بترك التسمية عامدًا؛ لأن اعتقاد الشافعي

(6)

رحمه الله -وأصحابه أنه مال متقوم فأجاب عنه بقوله (لأن ولاية المُحاجَّة ثابتة

(7)

معهم فلمَّا كانت المحاجة ثابتة، قد ثبت لنا بالنص القطعي أن متروك التسمية عامدًا حرام، فلذلك لم نعتبر اعتقادهم في إيجاب الضمان

(8)

وقوله: (وبخلاف متروك التسمية) أي: (عمدًا إذا كان لمن يبيحه)، وهو الشافعي

(9)

ومن تابعه.

(1)

قال الشافعي: (فإذا أهراق واحد منهم لصاحبه خمرًا أو قتل له خنزيرًا أو حرق له ميتة أو خنزيرًا أو جلد ميتة لم يُدبغ لم يضمن له في شيء من ذلك شيئًا؛ لأن هذا حرام ولا يجوز أن يكون للحرام ثمن.) الأم للشافعي (4/ 224)، و انظر: المهذب (2/ 208)، تحفة المحتاج (6/ 27)، نهاية المحتاج (5/ 167).

(2)

الصَّلِيبُ: ما يتخذه النصارى قِبْلَة، والجَمْع صُلْبان وصُلُب. لسان العرب (1/ 529).

(3)

في (أ): زيادة (من)

(4)

النُّقْرَةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: القطعة المذابة، والنُّقْرَةُ: السَّبِيكَةُ، والجمع نِقار. الصحاح (2/ 835)، لسان العرب (5/ 229).

(5)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 361)، البناية شرح الهداية (11/ 256)، درر الحكام (2/ 268)

(6)

انظر: المجموع (8/ 410)، تحفة المحتاج (9/ 325).

(7)

في: (أ) و (ع)(باقية) وما أثبته هو الصحيح. انظر: الهداية (4/ 305)

(8)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 361)، حاشية ابن عابدين (6/ 211)

(9)

قال النووي (مذهبنا: أنها سنة في جميع ذلك فإن تركها سهوًا أو عمدًا حلت الذبيحة ولا إثم عليه). المجموع (8/ 410)؛ وقال: (لكن تركها عمدا، مكروه على الصحيح). روضة الطالبين (3/ 205)؛ وانظر: تحفة المحتاج (9/ 325)، نهاية المحتاج (8/ 119).

ص: 198

[من غصب جلد ميتة]

(القَرَظ) بفتحتين وَرَقُ السَّلَمِ يُدْبَغُ بِهِ، وَمِنْهُ أَدِيمٌ مَقْروظ

(1)

، وبالفارسية (برغنج)(والْعَفْصُ)

(2)

(مازر)(ويأخذ الجلد ويعطي ما زاد الدباغ فيه)

(3)

على بناء الفاعل أي: المالك يأخذ ويعطي، فإن قيل: إذا لم يكن لجلد الميتة قيمةٌ بماذا يُعرف قيمة ما زاد الدباغ فيه؟ قلنا: (أن يَنظر إلى هذا الجلد لو كان ذكيًا) إلى آخره، وهو المذكور في الكتاب

(4)

قال القدوري- رحمه الله في كتابه

(5)

: إنما يكون لصاحب الجلد إذا أخذ الدَّبَّاغُ الجلد من منزله، فأمّا إذا ألقى صاحبه في الطريق فأخذ رجل جلدها ودبغه فليس للمالك أن يأخذ الجلد، وعن أبي يوسف

(6)

رحمه الله أن له أن يأخذ في هذه الصورة أيضًا، كذا في «الذخيرة»

(7)

.

[من استهلك جلد الميتة]

(وقالا: يضمن الجلد مدبوغًا، ويعطي ما زاد الدباغ فيه) على بناء المفعول أي: ويعطي ما زاد الدباغ فيه على بناء المفعول أي: يعطي الذي دبغه ثم استهلكه هذا محمول على اختلاف جِنس ما ضمن، وما أعطى على ما ذكر في الكتاب

(8)

، (ولو هلك) أي: كل

[من استهلك الخل]

واحد من الخل

(9)

والجلد المدبوغ وقوله (أمّا الخل فلأنه لمَّا بقي على ملك مالكه) إلى آخره دليل صورة الاستهلاك بالضمان أو عدم الضمان على ما اختلفوا

(10)

، ولم يذكر الدليل لقوله:

[لا ضمان على الغاصب إذا هلك الجلد أو الخل في يده]

(ولو هلك في يده لا يضمن بالإجماع

(11)

لأن دليله ظاهر، وهو أنه لو ضمن لا يخلو إما أن يضمن قيمته يوم الغصب أو يوم الهلاك، ولا وجه لضمان قيمته يوم الغصب؛ لأنه لم يكن لكل واحد من الخمر، وجلد الميتة قيمة يوم الغصب/، ولا وجه لضمان قيمته يوم الهلاك أيضًا؛ لأنه لم يوجد منه فعل في هلاكه، والضمان لا يجب إلا بفعل موصوف بالتعدي.

(1)

انظر: الصحاح مادة (ق ر ظ)(3/ 1177)، المغرب مادة (ق ر ظ) (ص: 379)، لسان العرب (7/ 454).

(2)

الْعَفْصُ: الذي يتخذ منه الحبر مُوَلَّدٌ وليس من كلام أهل البادية. الصحاح مادة (ع ف ص)(3/ 1045).

(3)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 140)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 468).

(4)

انظر: الهداية (4/ 305).

(5)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 363)، درر الحكام (2/ 268).

(6)

انظر: البناية شرح الهداية (7/ 330).

(7)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 473).

(8)

انظر: بداية المبتدي (ص: 207).

(9)

الْخَلُّ: مَا حَمُضَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ. المغرب مادة (خ ل ل)(ص: 153).

(10)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 362)، البحر الرائق (8/ 141).

(11)

انظر: فتح القدير (9/ 363)، العناية شرح الهداية (9/ 363).

ص: 199

[من غصب استهلكه]

قوله- رحمه الله: (كما لو غصب ثوبًا فصبغه، ثم استهلكه يَضمَنه، ويعطي المالك ما زاد الصبغ فيه) (وهذا المعنيين أحدهما: أن الاستهلاك جناية موجبة للضمان في محل هو مال متقوّم، وقد وُجد ذلك لمَّا بقِيَ الجلد على مِلك صاحبه بعدما صار مالًا متقومًا كما في الثوب، إلا أن هناك السبب الأول هو الغصب موجب للضمان أيضًا، فله أن يضمنه بأي السببين شاء، وههنا السبب الأول وهو الغصب غير موجب للضمان، فتعيّن التضمين بالسبب الثاني، فكان هو في هذا السبب كغيره، ولو استهلكه غيره كان للمغصوب منه أن يُضَّمِن المٌستهلِك، ويعطي الغاصب ما زاد الدباغ فيه

(1)

.

والثاني: وهو أنه لمَّا بقِيَ الجلد مضمون الرد عليه، فإذا تعذّر ردّ عينه باستهلاكه يجب عليه ردّ قيمته؛ لأنه بالاستهلاك فوَّت ما كان مُستحَقًّا عليه، والتفويت موجب للضمان بخلاف الهلاك؛ فإن التفويت لم يوجد هناك فلا يضمن، كما في المستعار، حيث يَضمَنه بالاستهلاك دون الهلاك، وكذلك لو دبغه بشيء لا قيمة له يضمنه بالاستهلاك دون الهلاك، وحُجة أبي حنيفة- رحمه الله في ذلك: هو أن المغصوب منه استفاد المالية والتقوم في هذا الجلد من الغاصب ببدلٍ استوجبه الغاصب عليه، فلا يكون له أن يضمنه شيئًا بعد استهلاكه، كما لو استهلك البائعُ المبيعَ قبل التسليم، وتقريره من وجهين:

[استهلاك الجلد]

أحدهما: أن الاستهلاك غير موجب للضمان عليه باعتبار ما زاد الدباغ فيه؛ لأن ذلك كان مملوكًا له قبل الاتِّصال بالجلد، وبعد الاتِّصال بقي حقًّا له حتى كان له أن يحبسه لِيَسْتَوْفِيَ بدله، والجلد بدون هذا الوصف لا يكون مضمونًا عليه بالاستهلاك كما لو استهلكه قبل الدباغ، وبه فارق الثوب؛ فإن الاستهلاك فيه بدون صفة الصبغ موجب للضمان، وبه فارق ما إذا دبغه بشيء لا قيمة له؛ لأنّ الصنعة ما بقيت حقًّا للغاصب بعد الاتِّصال بالجلد؛ ولهذا لا يَحبسه ولا يرجع ببدله.

والثاني: ما اتَّصل بالجلد من الصفة ههنا مال متقوّم للغاصب حقيقة وحكمًا، وهو قائم من كل وجه، وقد كان مالًا قبل الاتِّصال بالجلد، وبقي بعده كذلك، وأمّا أصل الجلد فلم يكن مالًا متقومًا قبل الدِّباغ، وما كان مالًا بنفسه ومتصلًا بغيره يترجح على ما لم يكن مالًا قبل الاتصال، وإنما

(2)

صار مالًا بالاتِّصال، فتكون العبرة للراجح، واستهلاكه فيه غير موجب للضمان، بخلاف الثوب؛ لأن الأصل هناك كان مالًا قبل الاتِّصال، ولمَّا استويا في صفة المالية رجحنا ما هو الأصل، وإذا دَبغَه بشيء لا قيمة له فالوصف ههنا ليس بمال لا قبل الاتِّصال ولا بعده، والأصل مال بعد الاتِّصال؛ فرجحنا جانب الأصل لهذا) كذا في «المبسوط»

(3)

.

(1)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 106)، فتح القدير (9/ 364).

(2)

في (ع): (وإتمامه).

(3)

للسرخسي (11/ 105 - 106).

ص: 200

[إذا كان الجلد وأراد المالك تركه على الغاصب]

(كما في المستعار) أي: في التفويت والفوات، (فأراد المالك أن يتركه على الغاصب في هذا الوجه) [أي: في الوجه الذي كان الدباغ فيه]

(1)

بشيء متقوم (وَيُضَمِّنَهُ قيمته قيل: ليس له ذلك) أي: مطلقًا من غير ذكر

(2)

خلاف (وقيل: ليس له ذلك عند أبي حنيفة

(3)

رحمه الله) أي: مُقيدًا بقول أبي حنيفة (وأمّا عندهما

(4)

فله) ولاية التضمين، فكان القول الثاني غير القول

(5)

الأول؛ لأن المقيد

(6)

غير المطلق

(7)

(ثم قيل: يضمنه قيمة جلد مدبوغ)

(8)

أي: على قولهما؛ لأن الكلام فيما إذا دبغه بشيء [له قيمة، وقيمة التضمين عندهما في الاستهلاك (ولو استهلكه) أي: جلد الميتة الذي دبغه بشيء]

(9)

لا قيمة له، ([يضمن قيمته]

(10)

مدبوغًا)، وهذا بالإجماع

(11)

.

[إذا دبغ الغاصب الجلد بما لا قيمة له]

وهكذا نصّ في «الذخيرة»

(12)

[وغيرها، فقال في «الذخيرة»:]

(13)

وإذا استهلكه الغاصب فإن دبغه بشيء لا قيمة له ضَمِنه في قولهم جميعًا؛ لأنه صار مالًا على ملك صاحبه، ولا حق للغاصب فيه، فكانت المالية والتقوم جميعًا حقًّا للمالك، فيَضمن بالاستهلاك، (وقيل: طاهرًا غير مدبوغ)

(14)

.

[تضمين الغاصب قيمة الجلد مدبوغًا]

وفي «المبسوط»

(15)

: (ومن أصحابنا من يقول: يُضمِّنه قيمته طاهرًا غير مدبوغ؛ لأن صفة الدباغ حصلت بفعله، فلا يوجب الضمان عليه، ولكن من ضرورته زوال صفة النجاسة، وذلك غير حاصل بفعله، بل يتميّز الجلد من الدسومات

(16)

النجسة، وأكثرهم على أنه يضمِّنه قيمته مدبوغًا؛ لأن صفة الدباغ ههنا تبع للجلد، وهي غير معتبرة منفردة عن الجلد؛ ولهذا لا يغرم باعتبارها شيئًا، فإذا صار أصل الجلد مضمونًا عليه بالاستهلاك، فكذلك ما تبعه كالخمر إذا خلّلها)

(1)

في (ع): (الذي دبغه).

(2)

سقطت في (أ).

(3)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 105)، بدائع الصنائع (7/ 163).

(4)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 163)، تبيين الحقائق (5/ 237).

(5)

سقطت في (ع).

(6)

الْمُقَيَّدُ: هو لفظ دال على معنى غير شائع في جنسه وهو يتناول ما دل على معين. انظر: كشف الأسرار (2/ 286)، الإحكام للآمدي (3/ 4).

(7)

الْمُطْلَقُ: ما دل على شائع في جنسه. انظر: كشف الأسرار (2/ 286)، الإحكام للآمدي (3/ 4).

(8)

في (ع): زيادة (على قولهما).

(9)

في (ع): سقط نظر.

(10)

سقطت في (ع).

(11)

انظر: المبسوط للسرخسي (11/ 96)، الجوهرة النيرة (1/ 345).

(12)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 366)، البناية شرح الهداية (11/ 263).

(13)

في (ع): سقط نظر.

(14)

انظر: ملتقى الأبحر (ص: 96)، حاشية ابن عابدين (6/ 210).

(15)

للسرخسي (11/ 105).

(16)

الدُّسُومَةُ: الْوَدَكُ من لحم أو شحم. المغرب مادة (د س م)(ص: 164)، مختار الصحاح مادة (د س م) (ص: 104).

ص: 201

وذكر في «الإيضاح»

(1)

و «الذخيرة»

(2)

بعدما ذكر دباغة الغاصب جلد الذكية والميتة/ (فقال: وفي القدوري

(3)

لو أن الغاصب جعل هذا الجلد أديمًا

(4)

أو زِقًّا

(5)

أو دفترًا

(6)

أو جِرابًا

(7)

أو فروًا

(8)

لم يكن للمغصوب منه على ذلك سبيل؛ لأنه تبدَّل الاسم والمعنى بصنع الغاصب فكان هو أولى؛ فإن كان الجلد ذكيًّا فله قيمته يوم الغصب، وإن كان الجلد جلد ميتة فلا شيء له).

[تخليل الخمر بإلقاء الملح فيها]

(ولو خَلَّلَ الخمر بإلقاء الملح) إلى آخره وحاصلة: أنّ التخليل على وجوه ثلاثة: أما إن خلّلها بالنقل من الظل إلى الشمس، أو بإلقاء الملح فيه، أو نَصَبَ الخل فيه؛ ففي الوجه الأول: الخل لصاحب الخمر بغير شيء؛ لأنه عين ماله؛ وإنما أزال صفة الخمرية بغير ثمن، فصار كما لو تخلَّلت بنفسها، وهو وغسل الثوب النجس سواء، فإن استهلكه الغاصب بعد ذلك ضمِن مثله؛ لأنه استهلك مالًا متقومًا خالصًا للمالك، وإن خللها بإلقاء الملح فيه اختلف المشايخ فيه

(9)

، قال بعضهم: هذا والأول سواء

(10)

؛ لأن الملح صار مُستهلَكًا فيه؛ فلا يُعتبر، وقال بعضهم: على قول أبي حنيفة

(11)

رحمه الله الخل للغاصب؛ لأنه استهلاك، إلا أن الخمر لم تكن متقومة، والملح كان متقوّمًا، فيترجح جانب الغاصب فيكون له بغير شيء

(12)

، (وعلى قولهما

(13)

للمالك أن يأخذ الخل ويعطيه ما زاد الملح فيه كما في دبغ الجلد)، وصبغ الثوب؛ فإن أراد المالك أن يتركه على الغاصب ويُضمِّنه قيمته فيه روايتان

(14)

، في روايةٍ: له ذلك كما في جلد الميتة، وفي رواية: ليس له ذلك.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 163)، البناية شرح الهداية (11/ 264).

(2)

المحيط البرهاني (5/ 473).

(3)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 163)، درر الحكام (2/ 268).

(4)

الأَدِيمٍ: هو الجلد المدبوغ الْمُصْلَحُ بِالدِّبَاغِ مِنْ الْإِدَامِ وهو ما يُؤْتَدَمُ به والجمع أدم. المغرب مادة (ا د م)(ص: 22).

(5)

الزِّقّ مِنَ الأُهُبِ: كل وعاء اتخذ لشراب ونحوه. لسان العرب (10/ 143).

(6)

الدَفْتَرُ: واحد الدَفاتِرِ، وهي الكراريس. الصحاح مادة (د ف ت ر)(2/ 659).

(7)

الْجِرَابُ: وِعَاءُ الزَّادِ. مختار الصحاح مادة (ج ر ب)(ص: 55).

(8)

الفَرْوُ: الذي يلبس، والجمع الفِراءُ. الصحاح مادة (ف ر ا)(6/ 2453).

(9)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 264)، مجمع الأنهر (2/ 468)، حاشية ابن عابدين (6/ 210).

(10)

أي: الخل لصاحب الخمر بغير شيء.

(11)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 473)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 468).

(12)

انظر: فتاوى قاض خان (3/ 120)، حاشية ابن عابدين (6/ 210).

(13)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 468).

(14)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 237)، البناية شرح الهداية (11/ 259).

ص: 202

[تخليل الخمر بصب الخل فيها]

وأمّا إذا خلَّلها بصب الخل فيها اختلف المشايخ

(1)

فيه أيضًا، قال بعضهم: على قول أبي حنيفة

(2)

رحمه الله يكون للغاصب بغير شيء، سواء صار خلًّا من ساعته، أو بمرور الأيام؛ لأن الخلط

(3)

استهلاك، واستهلاك الخمر لا يوجب الضمان، وعلى قول أبي يوسف ومحمد

(4)

: إن صار خلًّا بمرور الزمان كان بينهما على قَدْرِ كَيْلِهِمَا؛ لأنه لم يصير استهلاكًا، بل صار في التقدير كأنه نُصِب في الخل.

[إن صار الخمر خلا من ساعته فهو ملك الغاصب لأنه استهلاك]

(وإن صار خلًا من ساعته كان للغاصب ولا ضمان عليه، لأنه استهلاك) وذكر شمس الأئمة الحلواني

(5)

رحمه الله ظاهر الجواب فيها: أن يَقسم سهمًا على قَدْرِ كَيْلِهِمَا، سواء صارت خلًّا من ساعتها أو بعد حين، أمّا عندهما فلا يُشكل؛ لأن الخلط ليس باستهلاك عندهما

(6)

، وكذلك عند أبي حنيفة-رحمه الله؛ لأن عنده الخلط يوجب زوال الملك بشرط الضمان، والضمان هنا متعذّر؛ لأنّ خمر المسلم لا يُضمن بالإتلاف، فصار كما لو انصب خَلَّه في خمره لا بصنعه، وثمنه يكون مُشتركًا بينهما على قَدْرِ كَيْلِهِمَا، كذلك ههنا؛ فإن استهلكه الغاصب ينبغي أن يكون ضامنًا عند الكل على هذا القول، كذا ذكره الإمام قاضي خان في «الجامع الصغير»

(7)

.

[إذا كان الجلد وأراد المالك تركه على الغاصب]

وقوله: (قالوا عند أبي حنيفة

(8)

رحمه الله صار ملكًا للغاصب) إلى آخره فيه إشارة إلى أن فيه اختلاف المشايخ على ما ذكرنا؛ لأن لفظ قالوا إنما يستعملونه فيما فيه اختلاف، إذ حكم الإجماع يُعلم بإجراء اللفظ على إطلاقه بدونه، فلا بدَّ لذكره من فائدة، وهي ما ذكرنا (صار ملكًا للغاصب)؛ لأنه استهلاك، إلا أن الخمر لم تكن متقوّمة، والملح كان متقومًا، إلى آخر ما ذكرنا، (وإن أراد المالك تركه وتضمينه فهو على ما قيل، وقيل) ينبغي أن يُقرأ هذان اللفظان بالوصل حتى يُستفاد منه مُراد صاحب الكتاب؛ فإن مراده فهو على القولين المذكورين في دبغ الجلد، وهو ما ذكره قُبيل هذا بقوله: (ولو كان قائمًا فأراد المالك أن يتركه على الغاصب في هذا الوجه ويضمنه قيمته، قيل: ليس له ذلك، وقيل: ليس له ذلك عند أبي حنيفة

(9)

رحمه الله، وعندهما له ذلك) فكان تقدير قوله:(فهو على ما قيل، وقيل) أي: فهو على تقدير قيل، ويستثنيه حتى يُستفاد منه [معنى قوله]

(10)

فهو على القولين اللذين ذكرناهما، والدليل على هذا ما ذكرته من رواية قاضي خان

(11)

بقوله فيه روايتان: (وهو على أصله) أي: أصل محمد

(12)

ليس باستهلاك، فإنّ أصل محمد، وهو قول أبي يوسف

(13)

أيضًا إن خلط الشيء بجنسه (ليس باستهلاك) عندهما، ولمَّا لم يكن استهلاكًا عنده كان الخل مشتركًا بين الغاصب، وبين المغصوب منه؛ لأنّه صار خالطًا خلَّ نفسه بخل المغصوب منه، وما صار مُستهلكًا للخمر، ولكن زالت عنها النجاسة بصُنعه؛ فإذا صار الخل مشتركًا بينهما؛ فإذا أتلفه فقد أتلف خلَّ نفسه وخلَّ غيره، فيضمن خلًّا مثل خلِّ المغصوب منه، كذا ذكره صدر الإسلام- رحمه الله في «الجامع الصغير»

(14)

.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 473)، تبيين الحقائق (5/ 237)، درر الحكام (2/ 268).

(2)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 473)، ملتقى الأبحر (ص: 96).

(3)

في (ع): (الجلد).

(4)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 468)، المحيط البرهاني (5/ 473).

(5)

انظر: ملتقى الأبحر (ص: 96)، تبيين الحقائق (5/ 237).

(6)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 468)، مجمع الأنهر (2/ 468).

(7)

انظر: مخطوط الجامع الصغير (2/ 142/ ب/ 143/ أ)، فتاوى قاض خان (3/ 96).

(8)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 473)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 468).

(9)

انظر: بدائع الصنائع (7/ 163)، فتح القدير (9/ 365).

(10)

سقطت في (ع).

(11)

انظر: مخطوط الجامع الصغير (2/ 142/ ب)، فتاوى قاض خان (3/ 120).

(12)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 468)، الاختيار (3/ 26).

(13)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 468)، مجمع الأنهر (2/ 468).

(14)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 367)، البناية شرح الهداية (11/ 266).

ص: 203

[لا يُضمن خمر المسلم بالاستهلاك]

(هو للغاصب في الوجهين) وهما ما إذا صارت خلًّا من ساعته، وأما إذا صارت خلًّا بعد زمان (ولا ضمان في الاستهلاك) أي: في هذا الاستهلاك، وهو استهلاك خمر غيره بخلِّ

(1)

نفسه؛ لأن خمر المسلم لا يُضمن بالاستهلاك، ولو ضمّنه إنما يضمنه باعتبار الخلّ؛ لأنه هو المتقوم، ولا ضمان/ ههنا باعتباره أيضًا؛ لأن الخل ملكه

(2)

(وبعض المشايخ أجروا جواب الكتاب

(3)

على إطلاقه

(4)

إلى آخره، وبعضهم قالوا

(5)

أيضًا: المخلوط ههنا مشترك بالإجماع

(6)

؛ لأنّ عنده إنما ينقطع حق المالك بالاستهلاك إذا ضمِنه، فالخلط كالكيل والموزون إذا غصبه وخلطه بمثله من ملك نفسه، وأما إذا لم يكن مضمونًا عليه فلا ينقطع، ووجود الاستهلاك كعدمه، فبقي مشتركًا كالكيل إذا اختلط بنفسه بمكيل آخر لغيره، كذا ذكره الإمام المحبوبي

(7)

، وما ذكرناه من الأقوال يحتمل أن يكون هو الذي ذكر بقوله:(وقد أثبتناها في كفاية المنتهى).

(1)

في (ع): (بخلط خل).

(2)

انظر: الجوهرة النيرة (1/ 345)، البناية شرح الهداية (11/ 267).

(3)

المقصود بالكتاب هنا: الجامع الصغير بقوله: (لصاحب الخمر أن يأخذ الخل بغير شيء). الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 468)، وانظر: العناية شرح الهداية (9/ 367)، البناية شرح الهداية (11/ 267).

(4)

قال العيني: (أي في الوجوه الثلاثة: وهي التخليل بغير شيء، والتخليل بإلقاء الملح، والتخليل بصب الخل). البناية شرح الهداية (11/ 267).

(5)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 367)، البناية شرح الهداية (11/ 267).

(6)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 266)، مجمع الأنهر (2/ 468).

(7)

انظر: العناية شرح الهداية (9/ 367)، البناية شرح الهداية (11/ 267).

ص: 204

(ومن كسر لمسلم بَرْبَطًا

(1)

(2)

إلى آخره، هذه المسألة من

(3)

مسائل «الجامع الصغير»

(4)

وموضعها فيه في آخر كتاب الضمان قُبيل كتاب القضاء.

[المخلوط مشتركا بين الغاصب والمالك بالإجماع]

(هَرَاقَ

(5)

الْمَاءَ يَعْنِي: أَرَاقَهُ أَيْ: صَبَّهُ يُهَرِيق بِتَحْرِيكِ الْهَاءِ، وَأَهْرَاقَ يُهْرِيقُ بِسُكُونِ الْهَاءِ فِي الْأَوَّلِ بَدَلٌ مِنْ الْهَمْزَةِ وَفِي الثَّانِي زَائِدَةٌ) كذا في «المغرب»

(6)

وذكر في «الصحاح»

(7)

(هَرَاقَ الْمَاءَ يُهَرِيقُهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ، هِرَاقَةً، أَصْلُهُ أَرَاقَ يُرِيقُ إِرَاقَةً، وَأَصْلُ أَراقَ يُرْيِقُ، وأَصل يُرِيقُ، يؤريق

(8)

؛ وَإِنَّمَا قَالُوا أَنا أُهَرِيقُه وَهُمْ لَا يَقُولُونَ أُأَرِيقُهُ لِاسْتِثْقَالِهِمُ الْهَمْزَتَيْنِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الإِبدال، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى: أَهْرَقَ الْمَاءَ يُهْرِقُه إهْراقًا عَلَى أَفْعَلَ يُفْعِلُ، إلى أن قال: وفيه لغة ثالثة: أَهْراقُ يُهْريقُ إهْراقًا، وهذا شاذ، وَنَظِيرُهُ أَسْطَاع يُسْطيع إسْطِياعًا، بِفَتْحِ الأَلف فِي الْمَاضِي وَضَمِّ الْيَاءِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لُغَةٌ فِي أَطاع يُطِيع، فَجَعَلُوا السِّينَ عِوَضًا مِنْ ذَهَابِ حَرَكَةِ عَيْنِ الْفِعْلِ)

(9)

.

[الخلاف في حكم ضرب الدف]

(فهو ضامن) أي: لقيمة الآلة التي تصلح مثلها لغير اللهو على ما ذكر في الكتاب

(10)

(والدُّف

(11)

الذي يُباح ضربه في الْعُرْسِ يُضْمَن بالإتلاف من غير خلاف

(12)

، وفي «فتاوى أبي الليث»

(13)

إنَّ ضَرْب الدُّف في العُرس

(14)

مُختلف فيه بين العلماء، بعضهم قالوا: يُكره، وبعضهم قالوا: لا يكره، (قال الفقيه أبو الليث

(15)

رحمه الله الدف الذي يُضرب في زماننا هذا مع الصَنْجَات

(16)

والجلاجلات

(17)

ينبغي أن يكون مكروهًا

(18)

؛ وإنما الخلاف في الذي كان يضرب في الزمان المتقدم) كذا في «الذخيرة»

(19)

.

(1)

سقطت في (ع).

(2)

البَرْبَطُ: الْعُودُ. لسان العرب مادة (ب ر ب ط)(7/ 258).

(3)

في (أ): (جزء).

(4)

انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 380).

(5)

في (أ): (إهراق).

(6)

المغرب (ص: 503).

(7)

الصحاح (4/ 1569).

(8)

في (أ): (يروق) وفي (ع)(يورق) وما أُثبت هو الصحيح. انظر: الصحاح مادة (هـ ر ق)(4/ 1569)، القاموس المحيط (ص: 930).

(9)

انظر: الصحاح مادة (هـ ر ق)(4/ 1570)، لسان العرب (10/ 366)، تاج العروس (27/ 14).

(10)

بداية المبتدي (ص: 207).

(11)

الدُّفُّ: الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ. وهو آلة للطَّرب، مُسْتديرة لها جلد مَشدودٌ يُنْقر عليه. مختار الصحاح مادة (د ف ف) (ص: 105)، معجم اللغة العربية المعاصرة (1/ 755).

(12)

انظر: البحر الرائق (8/ 142)، مجمع الأنهر (2/ 470)، الدر المختار (ص: 619).

(13)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 401)، البناية (11/ 269)، حاشية ابن عابدين (3/ 9).

(14)

سقطت في (أ).

(15)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 401)، البناية شرح الهداية (11/ 269).

(16)

الصَنْجُ: هو الذي يُتَّخذ من صُفْرٍ يُضرَب أحدهما بالآخر، تثبت على الدف لتعطي صوتًا معينًا حسب ضربة الضارب به، أو تثبت في الاصابع يضرب بها الراقصون ونحوهم. الصحاح مادة (ص ن ج)(1/ 325)، المغرب مادة (ص ن ج) (ص: 273)، معجم لغة الفقهاء (ص: 277).

(17)

الجُلْجُل: الجَرَس الصَّغِيرُ، وصوته الجَلْجَلة. لسان العرب (11/ 122)، القاموس المحيط (ص: 979).

(18)

المَكْرُوه لُغَةً: ضد المحبوب، كرهت الشيء كراهة وكراهية فهو مكروه إذا لم ترده ولم ترضه. المغرب مادة (ك ر هـ) (ص: 407)، لسان العرب (13/ 535) واصطلاحًا: ما يمدح تاركه، ولا يذم فاعله. إرشاد الفحول (1/ 26)، نهاية السول (ص: 24).

(19)

المحيط البرهاني (5/ 401)، البناية شرح الهداية (11/ 269)

ص: 205

[ضمان من كسر بربطا أو مزمارا]

(لهما أن هذه الأشياء أعدّت للمعصية فبطل تقومها) وذكر الصدر الشهيد

(1)

رحمه الله في باب العدوى والأعداء من أدب القاضي

(2)

رواية عن أصحابنا: أنه يُهدم البيت على من اعتاد الفسق

(3)

وأنواع الفساد، حتى

(4)

قالوا: أيضًا لا بأس بالهجوم على بيت المفسدين، وقيل: يُراق العصير أيضًا قبل أن يشتدَّ ويُقْذف بالزَّبد

(5)

على من اعتاد الفسق، وقد رُوي عن عمر رضي الله عنه: «أنه أحرق البيت على الثقفي

(6)

حين سَمِع شرابًا

(7)

في

[من كسر بإذن الإمام لا يضمن]

بيته»

(8)

، وهل يَضمن قيمة الدِّنان

(9)

بكسرها

(10)

؟ (إن كان بإذن الإمام لا يَضمن) وإلا ضمن

(11)

(ولأنه فعل ما فعل آمرًا بالمعروف وهو بأمر الشرع) قال النبي عليه السلام: «بعثت لكسر المزامير وقتل الخنازير»

(12)

والمأمور به شرعًا لا يصلح سببًا للضمان

(13)

، وعن شٌريح

(14)

رحمه الله أن رجلين اختصما إليه في طُّنْبور

(15)

فلم يلتفت إليهما حتى قاما من عنده، قال أبو يوسف

(16)

رحمه الله: لو كنت أنا، فإن كانت خصومتهما وهو في أيديهما أو في يد أحدهما كسرته وعزَّرتُهما، وإن كَسَرَه أحدهما والآخر يطلب الضمان جَزيت الذي كسره خيرًا، وأوجعت الآخر عقوبة؛ وهذا لأن هذه [الأشياء اتُّخذت للهو]

(17)

والمعصية؛ [فإن الاجتماع]

(18)

منها معصية وقال النبي عليه السلام: «استماع صوت الملاهي معصية، والجلوس عليها

(1)

هو: عمر بن عبدالعزيز بن عمر بن مازه، برهان الأئمة، أبو محمد، المعروف بـ"الحسام الشهيد"، ولد في صفر، سنة 483 هـ، تفقه على أبيه، وصنف (الفتاوي الصغرى) و (الفتاوي الكبرى) و (الجامع الصغير المطول) و (المبسوط) في الخلافيات، وهو أستاذ صاحب (المحيط)، وعنه أخذ صاحب (الهداية)، استشهد في سنة 536 هـ. انظر: تاريخ الإسلام (11/ 658)، الجواهر المضية (1/ 391)، تاج التراجم (ص: 218)، الفوائد البهية (ص: 149).

(2)

انظر: البحر الرائق (8/ 142)، حاشية ابن عابدين (4/ 65)، تبيين الحقائق (5/ 238).

(3)

في (أ): (النفس).

(4)

سقطت في (أ).

(5)

الزَّبَدُ: ما يعلو اللبن ونحوه من الرغوة. مختار الصحاح مادة (ز ب د)(ص: 134)، لسان العرب (3/ 192)، معجم لغة الفقهاء (ص: 231).

(6)

هو: رويشد الثقفي صهر بني عدي بن نوفل بن عبد مناف، ذكره عمر بن شبّة في «أخبار المدينة» ، وأنه اتخذ دارًا بالمدينة في جملة من اختط بها من بني عدي، وله قصّة مع عمر في شربه الخمر. انظر: الإصابة (2/ 415).

(7)

في (أ): (شوابل).

(8)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه: كتاب الأشربة، باب الريح (9/ 229) برقم (17035) بلفظ: عن صفية ابنة أبي عبيد قالت: وجد عمر بن الخطاب في بيت رويشد الثقفي خمرًا، وقد كان جلد في الخمر فحرَّق بيته، وقال:«ما اسمه؟» قال: رويشد قال: «بل فويسق» ، وأخرجه الدولابي في الكنى والأسماء (2/ 585) برقم (104)، وأخرجه ابن زنجويه في الأموال (1/ 272) برقم (410)، وأخرجه ابن سعد في الطبقات (5/ 56).

(9)

الدِّنّ: هي بالكسر جمع دِن كفلس، ويسمى الزير والخابية والدوح، وهو ظرف الخمر أو الخل إذا كان كبيرًا من الطين. الصحاح مادة (د ن ن)(5/ 2114)، مجمع بحار الأنوار (5/ 427) لسان العرب (13/ 159).

(10)

يُشير إلى حديث «اكْسِرِ الدِّنَانَ، وَأَهْرِقْهُ» وأصله في صحيح البخاري: كتاب المظالم، باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر أو تخرق الزقاق (3/ 136) برقم (2477)، وصحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب غزوة خيبر (3/ 1427) برقم (123) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نيرانًا توقد يوم خيبر، قال:«على ما توقد هذه النيران؟» ، قالوا على الحمر الإنسية، قال:«اكسروها، وأهرقوها» ، قالوا: ألا نهريقها، ونغسلها، قال:«اغسلوا» .

(11)

انظر: المبسوط للشيباني (12/ 120).

(12)

أخرجه الطيالسي في مسنده (2/ 454) برقم (1230)، وأخرجه أحمد في مسنده:(36/ 551) برقم (22218)، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 196) برقم (7803) من حديث أبي أمامة قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله- عز وجل بعثني رحمة للعالمين، وهدى للعالمين، وأمرني ربي بمحق المعازف، والمزامير، والأوثان، والصلب، وأمر الجاهلية،

» قال الألباني: (ضَعِيف). مشكاة المصابيح (2/ 1084).

(13)

انظر: أصول السرخسي (2/ 275)

(14)

انظر: تبيين الحقائق (5/ 238).

(15)

الطُّنْبُور: الطِّنْبَارَ معروف، فارسي معرب دخيل، وهو الَّذِي يُلْعب بِهِ، آلة موسيقيَّة ذات عنق وأوتار، تشبه العود لسان العرب مادة (ط ن ب ر)(4/ 504).

(16)

انظر: حاشية الشلبي (5/ 238).

(17)

سقطت في (ع).

(18)

في (ع): (لأن الاستماع).

ص: 206

من الفسوق، والتلذُّذ بها من الكفر

(1)

(2)

(3)

.

وقد رُوي أن عمر

(4)

رضي الله عنه بلَغَه عن نائحة

(5)

من نساء أهل المدينة فأتاها حتى هجم عليها في منزلها، ثم ضربها بالدِّرة

(6)

حتى سقط خِمارها

(7)

فقيل له: «يا أمير المؤمنين إن خمارها قد سقط؟ فقال له: إنه لا حرمة لها»

(8)

وتكلموا في قوله: «لا حرمة لها» قيل: معناه أنها لما اشتغلت بما لا يحل في الشرع فقد [أسقطتْ بما صنعتْ حرمتها والتحقت]

(9)

بالإيماء، والدليل عليه ما رُوي عن الفقيه أبي بكر البلخي

(10)

رحمه الله أنه خرج على بعض نهرٍ، وكان النساء على شط

(11)

نهر كاشفات الرؤوس والذراع، فقيل له: كيف فعلت هذا؟ فقال: إنه لا حرمة لهن، إنما الشك في إيمانهن كأنهن

(12)

حربيات) وإنما قال ذلك استدلالًا بما قاله عمر رضي الله عنه كذا في «الجامع الصغير»

(13)

للإمام المحبوبي.

(1)

في (ع): زيادة (لو استحل به).

(2)

لم أجده بهذا اللفظ، ولعلنا نكتفي بمافي صحيح البخاري: كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه (7/ 106) برقم (5590) من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري، والله ما كذبني: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليكونن من أمتي أقوام، يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف،

".

(3)

وقال الحصكفي: (وفي البزازية: استماع صوت الملاهي كضرب قصب ونحوه حرام لقوله عليه الصلاة والسلام: استماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر أي بالنعمة، فصرْفُ الجوارح إلى غير ما خلق لأجله كفر بالنعمة لا شكر، فالواجب كل الواجب أن يجتنب كي لا يسمع، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام أدخل أصبعه في أذنه عند سماعه وأشعار العرب لو فيها ذكر الفسق تكره). الدر المختار (ص: 652)

(4)

في (ع): (علي).

(5)

نائحة لُغَةً: التَّنَاوُحُ: التقابل. مقاييس اللغة مادة (ن و ح)(5/ 367) مختار الصحاح مادة (ن و ح)(ص: 321)، واصطلاحًا: اجْتِمَاع النِّسَاء وتقابلهن بَعضهنَّ لبَعض للبكاء على الْمَيِّت والتناوح التقابل، ثمَّ اسْتعْمل فِي صفة بكائهن وَهُوَ الْبكاء بِصَوْت وندبة. مشارق الأنوار (2/ 31)، معجم لغة الفقهاء (ص: 471).

(6)

الدِّرَّة: بالكسر التي يُضرب بها. الصحاح مادة (د ر ر)(2/ 656).

(7)

الْخِمَارُ: وهو ما تغطي به المرأة رأسها. المغرب مادة (خ م ر)(ص: 154).

(8)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه: كتاب الجنائز، باب الصبر والبكاء والنياحة (3/ 557) برقم (6681) بلفظ: عن عمرو بن دينار قال: لما مات خالد بن الوليد اجتمع في بيت ميمونة نساء يبكين، فجاء عمر ومعه ابن عباس ومعه الدرة، فقال:«يا أبا عبد الله ادخل على أم المؤمنين فأمرها فلتحتجب، وأخرجهن علي» قال: فجعل يخرجهن عليه وهو يضربهن بالدرة، فسقط خمار امرأة منهن فقالوا: يا أمير المؤمنين خمارها، فقال:«دعوها ولا حرمة لها» . كان معمر يعجب من قوله «لا حرمة لها» وانظر: تاريخ المدينة لابن شبة (3/ 799)، مسند الفاروق لابن كثير (1/ 239).

(9)

سقطت في (ع).

(10)

انظر: الدر المختار (ص: 200)، تبيين الحقائق (5/ 238)، حاشية ابن عابدين (3/ 195).

(11)

الشَّطُّ: جَانِبُ النَّهْرِ. مختار الصحاح مادة (ش ط ط)(ص: 165).

(12)

سقطت في (ع).

(13)

انظر: البحر الرائق (8/ 142)، حاشية ابن عابدين (3/ 195)، تبيين الحقائق (5/ 238).

ص: 207

[وجوه الأمر بالمعروف]

وذكر في «الذخيرة»

(1)

و «المغني»

(2)

ناقلًا عن بستان الفقيه أبي الليث

(3)

: (أن الأمر بالمعروف على وجوهٍ، إن كان يعلم بأكثر رأيه أنه لو أمر بالمعروف يَقبلون ذلك منه، ويمتنعون عن المنكر، فالأمر واجب عليه، ولا يَسَعه تركه، ولو عَلِم بأكثر رأيه بأنه لو أمرهم بذلك قذفوه وشتموه فترْكه أفضل، وكذلك لو عَلِم أنهم يضربونه ولا يصبر على ذلك، ويقع بينهم العداوة، ويَهِيجُ/ منه القتال؛ فتركه أفضل، ولو عَلِم أنهم لو ضربوه صَبَرَ على ذلك، ولم يشْكُ إلى

(4)

أحد فلا بأس به، وهو مجاهدٌ، ولو عَلِم أنهم لا يقبلون منه، ولا يخاف منهم ضربًا ولا شتمًا فهو بالخيار، والأمر بالمعروف أفضل)؛ وذكر الإمام المحبوبي

(5)

مطلقًا فقال: ثم الأمر بالمعروف واجب، أو فرض إذا غَلَب على ظنِّ الآمر أنه لو أمره بالمعروف ترك الفسق، وإن غلب على ظنه أنه لا يتركه لا يكون إثمًا في ترك الأمر، والله أعلم [بالصواب]

(6)

.

(1)

انظر: المحيط البرهاني (5/ 372).

(2)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 270)، البحر الرائق (8/ 142).

(3)

انظر: بستان العارفين (1/ 366).

(4)

في (أ): (على).

(5)

انظر: البناية شرح الهداية (11/ 271).

(6)

سقطت في (ع).

ص: 208