الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الشفعة
وجهُ مُناسبة الشُّفعة بالغَصب من حيث إنَّ كُلاً منهما يملك الإنسان مال غيره بغير رضاه، خلا أنَّ الغَصبَ [في]
(1)
في نفسه عدوانٌ مَحضٌ، والشفعة مشروعة بأصلها ووصفها، فكان من حقها أن تُقدَّم على الغصب لشرعيتها، لكن الإنسان أحوج إلى معرفة أحكام الغصب؛ لكثرة وقوعه بسبب كثرة أسبابه؛ لتصور الاستحقاق في البياعات والأشربة والإجارات والشركات والمزارعات وغيرها، أو
(2)
وجوده من الظَّلَمَة واللصوص المتعلقة جهارًا خصوصًا في هذا الزمان، وأن
(3)
الغالب منهم الغصب والعدوان.
سبب الشفعة
وأمَّا سببُ الشفعة فشيءٌ واحد: وهو اتصال ملك العقار عند البيع؛ إمَّا بالشركة، أو بالجِوار.
ثم محاسن شرعية الشفعة ظاهرة، وهي أنَّ الأصل في شرعيتها: دفع ضرر الجوار، وهو مادة المَضَارِّ والضِّرار؛ قال الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}
(4)
، وقال [النبي]
(5)
عليه السلام: «لَا ضَرَر وَلا ضِرَارَ في الإسلام»
(6)
.
(1)
ما بين المعكوفين زيادة من: (ع).
(2)
في (ع): «و» .
(3)
في (ع): «فإن» .
(4)
سورة الحج، من الآية:78.
(5)
سقطت من: (ع).
(6)
أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» : 5/ 238، باب: من اسمه محمد، رقم الحديث: 5193، وقال ابن حجر في «التلخيص الحبير» ، 4/ 362: رواه مالك مرسلاً. وقال الألباني: صحيح. ينظر: إرواء الغليل: 3/ 408.
ولا شكَّ لأحد في حُسن [دفع]
(1)
ضرر التأذي بسبب سوء المجاورة على الدوام من حيث إيقاد النار، وإعلاء الجدار، وإثارة الغبار، ومنع ضوء النهار، وكم من شريك في العقار، أو مجاور في الدار ممن يُتبرك بوجوده ويُسمن بوقوده، وكم مِن مُخالفٍ في دينه وديانته، ومُسَاوٍ خائن في حفظه وصيانته بحيث لا يصاير بطلعته المشئومة بساعة
(2)
؛ فكيف بالدَّوام، ولا يُقاوم فكأنه في طرفي بلد؛ فأنى بالجوار والانتظام!
وقد جاء في تفسير قوله تعالى: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا}
(3)
، أي: لألزِمَنَّه صُحبة الأضداد، وعن بعضهم: أَضيقُ السُّجون مُعَاشرةُ الأضداد
(4)
.
تعريف الشفعة
فلمَّا كان كذلك كان دفع العدوان شرعية الشفعة من المحاسن التي ليس وراءها شيءٌ من الحُسن؛ إذ سَعيُ الإنسان في أمور الدنيا والآخرة ليس إلا لدفع العذاب، والوصول إلى جزيل الثواب؛ فيحتاج هاهنا إلى بيان الشفعة لغة وشرعًا، وسببها، وشرطها، وركنها، وصفتها، وحُكمها، ومراتبها.
أمَّا اللُّغةُ: فهي مأخوذة من الشَّفع الذي هو ضِدُّ الوتر، وهو الضَّمُّ لما فيه من ضَمِّ شيءٍ إلى شيء، ومنه شفاعةُ رسول الله عليه السلام
(5)
للمُذنبين؛ لأنه يَضُمُّهم بها إلى الفائزين.
وفي الحديث: أنَّه عليه السلام[بعث]
(6)
مُصدقًا؛ فأتاه بشاة شافع، فلم يأخذها، فقال:«ائْتِني بِمُعْتَاطٍ»
(7)
.
فالشَّافع: هي التي معها ولدها؛ لأنها شفعتة
(8)
، يقال: شفع الرجل شفعًا، إذا كان فردًا فصار له ثانيًا.
والمعتاط: العائط، وهي التي لم تَحمل
(9)
.
واستشفعتُه إلى فلانٍ، أي: سألتُه أن يَشفع فيَّ، وكذلك الشفيع فيما نحن فيه: بضم المأخوذ إلى مُلكه
(10)
؛ فَسُمِّي لذلك شفعة.
(1)
سقطت من: (ع).
(2)
في (ع): «يُغاير بطانته المشئومة بساعته» .
(3)
سورة النمل، من الآية:21.
(4)
ينظر: الكشاف: 3/ 359.
(5)
في (ع): «صلى الله عليه وسلم» ، وهو الأصوب.
(6)
سقطت من النسخة الأصل: (أ).
(7)
أخرجه أبو داود في سننه: 2/ 103، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، رقم الحديث: 1581، والنسائي في السنن الكبرى: 3/ 22، كتاب الزكاة، باب إعطاء سيد المال بغير اختيار المصدق، رقم الحديث: 2254، وقال الألباني: ضعيف. ينظر: إرواء الغليل: 3/ 272.
(8)
في (ع): «شفعته» .
(9)
ينظر: العين: 2/ 211، الصحاح: 3/ 1145.
(10)
في (ع): «ملكها» .
وأما شرعًا: فهي عبارةٌ عمَّا يَتملك
(1)
المرءُ على المشتري حين اشترى العقارَ من شريك الشفيع أو جَارِه.
وأما سببُها: فعامَّة المشايخ يقولون: سببُ وجوب الشفعة: اتِّصال ملك الشفيع بملك البيع؛ لأنَّ الشفعة إنما تجب لدفع ضرر الدخيل عن الأصل، وهو ضَرر سوء المعاملة والمعاشرة، وإنَّما يتحقق هذا الضرر عند اتصال ملك الشفيع بملك البيع
(2)
.
ولهذا قلنا
(3)
: كما ثَبت حقُّ الشفعة للشريك في رقبة المبيع ثبتت لشريك في حق من حقوقه نحو الطَّريق والشُّرب، ويثبت للشَّريك في حَدٍّ من حدوده، وهو الجوار، فإنَّ اتصال ملك الجار من شركةٍ في الحدِّ إنما كان كذلك
(4)
؛ لأن ضرر المشتري بسبب اتصال الملك موجود في هذه [الوجوه]
(5)
.
وكان الخَصَّاف رحمه الله
(6)
- يقول: «الشفعة تجبُ بالبَيع، ثم تجبُ بالطَّلب»
(7)
.
فهو إشارةٌ منه إلى أنَّ كليهما سببٌ على التعاقب، وأنَّه غير صحيح؛ لأنَّ الشفعة إذا وجبت بالبيع، لا يُتصور وجوبُها ثانيًا بالطلب.
وذكر شيخ الإسلام- رحمه الله
(8)
- أنَّ الشَّركةَ مع البيع عِلَّةٌ لوجوب الشفعة؛ لأنَّ حَقَّ الشفعة قط لا يَثبت إلا بهما، ولا يجوز أن يقال بأنَّ الشِّرى شرط الشركة عِلَّة وسبب، فإنَّ الشفيع لو سَلَّم الشفعة قبل البيع لا يَصح، ولو سَلَّم بعد البيع/ يصحُّ، ولو كان سبب وجوب الشفعة الشركة وحدها لَصَحَّ
(9)
التسليمُ قبل البيع؛ لأنه حصل بعد وجود سبب الوجوب.
أَلا ترى أنَّ الإبراء عن سائر الحقوق بعد وجود سبب الوجوب جائز، فعُلم بهذا أنَّ الشركة وحدها ليست بعلة.
والحاصل: أنَّ استحقاق الشفعة بالشركة عند البيع، أو بالشركة والبيع، وتأكدها بالطلب، وثبوت [الملك في]
(10)
البقعة بالقضاء أو الرِّضاء
(11)
.
(1)
في (ع): «يتملكه» .
(2)
ينظر: العناية: 9/ 379، البناية: 11/ 296.
(3)
ينظر: العناية: 9/ 379، فتح القدير: 9/ 379.
(4)
في (ع): «لذلك» ، وهو الصواب.
(5)
زيادة من: (ع)، وهو الصواب.
(6)
أبو بكر الخصاف، هو أحمد بن عمرو، وقيل: عمر بن مهير، وقيل: مهران، أبو بكر الخصاف، الشيباني، صنف كتاب «الحيل» ، وكتاب «أدب القاضي» ، مات ببغداد سنة 261 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 97 وما بعدها.
(7)
ينظر: البناية: 11/ 274.
(8)
هو علي بن محمد بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن محمد بن إسحاق الإسبيجابي السمرقندي المعروف بشيخ الإسلام، توفي بسمرقند سنة 535 هـ. ينظر: الجواهر المضية: 1/ 370، 371.
(9)
في (ع): «يصلح» .
(10)
ساقط من: (ع).
(11)
في (ع): «بالقضاء والرضا» .
شروط الشفعة
وأمَّا شَرْطُها [المخصوص بها]
(1)
: فهو أن يكون المحل عقارًا -سُفْلاً كان أو عُلوًا- يحتمل القسمة؛ كالدَّار والبيت، أو لا يحتمل كالحمام والبئر، والمحال شروط، فكذا صفاته؛ فإنَّ الشفعة لا تجب في المنقولات مقصودًا، وإنما تجبُ تَبَعًا للعقار، وأن يطلب الشفيع شفعته على وجه المواثبة
(2)
والإسراع، وذلك طلبه عند قول
(3)
علمه بالشِّرى، وأنَّه
(4)
طلب الشفعة كما علم بالشرى يُثبت حَقَّه، وإن لم يطلب هنيهةً وسَكت بطلت شفعته على ما يجيء.
ومن شرطها أيضًا: أن يكون العقد عقد مُعَاوضة عين المال بالمال، فإنها لا تجب إلا عند عقد البيع، أو ما هو في معناه من الصُّلح والهبة بشرط العوض إذا وجد قبض البَدَلَين، وأما إذا قبض أحدهما دون الآخر فلا شفعة عندنا، خِلافًا لِزُفر
(5)
.
أركان الشفعة وصفتها
وأمَّا رُكنها: فهو أَخْذ الشَّفيع ما اشتراه المشتري، إما من البائع أو من المشتري عند وجود شرطها وسببها.
وأما صفتها: فهي أن
(6)
الأخذ بالشفعة بمنزلة شراء مُبتدأ، فكل ما يَثبت للمُشتري من غير شرط؛ نحو الرَّدِّ بخيار الرؤية، والرد بالعيب-يثبت للشفيع، وما لا يَثبت للمشتري إلا بالشرط لا يَثبت للشفيع إلا بالشرط أيضًا.
حكم الشفعة
وأما حكمها: فجواز طَلَبِ الشفعة عند تَحَقُّق سببِها الذي ذكرنا، وهو الشركة في ملك العقار مع البيع، وتأكدها بعد الطلب، وثبوت الملك بالقضاء بها، أو بالرِّضا.
وأما ترتيبها: فثلاثة؛ فإنَّ أَوَّل ما يستحق بها بالشركة في عين البقعة
(7)
، ثم بالشفعة في حقوق الملك من الطريق والشرب، ثم بالجوار.
[وقد قيل: يستحق الشفعة على أربع مرات، وكلٌّ منها بيانه في مواضعه إن شاء الله تعالى]
(8)
، كذا في «المبسوط»
(9)
، [والذخيرة]
(10)
(11)
، و «التحفة»
(12)
، وغيرها.
(1)
ساقط من: (ع).
(2)
المواثبة: واثَبَه: أي ثاوره، وفي الحديث:«الشُّفْعَةُ لمن واثَبَها» ، أي لمن طلبها حين يعلم بالبيع. ينظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: 11/ 7067.
(3)
في (ع): «فور» .
(4)
في (ع): «فإنه إن» .
(5)
هو زفر بن الهذيل بن قيس العنبري البصري، صاحب أبي حنيفة، ولي قضاء البصرة، ومات سنة 158 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 169 وما بعدها، الجواهر المضية: 1/ 243.
(6)
في (ع): «فإن» .
(7)
البقعة من الأرض: واحدة البقاع، والباقعة: الداهية، تقول منه: بُقِعَ الرجل إذا رُمِيَ بكلام قبيح أو ببهتان. ينظر: الصحاح: 3/ 1187.
(8)
ما بين المعكوفين زيادة من: (ع).
(9)
مبسوط السرخسي، نحو: خمسة عشر مجلدًا، وهو: لشمس الأئمة: محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي. المتوفى: سنة 483 هـ. أملاه من خاطره، من غير مطالعة كتاب، وهو في السجن بأوزجد، بسبب كلمة كان فيها من الناصحين، وذكر فيه حسب حاله في آخر كل كتب من الكتاب. ينظر: كشف الظنون: 1/ 1580.
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
ذخيرة الفتاوى، المشهورة: بـ: الذخيرة البرهانية، للإمام برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري (تـ 616 هـ)، اختصرها من كتابه المشهور بـ: المحيط البرهاني، كلاهما مقبولان عند العلماء. ينظر: كشف الظنون: 1/ 823.
(12)
تحفة الفقهاء في الفروع، للشيخ الإمام الزاهد علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي الحنفي، زاد فيها على مختصر القدوري، ورتب أحسن ترتيب. ينظر: كشف الظنون: 1/ 371.
ثم ذكر في «المبسوط»
(1)
(2)
.
ولأنه بالأخذِ يدفع الضَّرر عن نفسه على وجهٍ يُلحق الضَّرر بالمشتري في إبطال مُلكه، وليس لأحدٍ أن يَدفع الضرر عن نفسه بالإضرار لغيره
(3)
، ولَكِنَّا تركنا هذا القياس بالأخبار المشهورة في الباب».
ثم قال: «والأصحُّ أن نقول: الشفعة أصلٌ في الشَّرع فلا يجوز أن يُقال: إنها مُستحسنة من القياس، بل هي ثابتةٌ على موافقة القياس، وقد دَلَّ
(4)
على ثُبوتها الأحاديثُ المشهورةُ عن رسول الله عليه السلام، وعن الصحابة رضي الله عنهم؛ من ذلك: ما بدأ به محمدٌ الكتابَ
(5)
، ورواه عن مِسْوَر بن مَخْرَمةَ
(6)
، عن رَافعِ بن خَديج
(7)
، أنَّ سَعْدَ بن مالك
(8)
عَرَضَ بيتًا له على جارٍ له فقال: «خُذه بأربعمائة، أَمَا إني قد أُعطيت به ثماني مائة درهم، ولكن أُعْطِيكَه؛ لأني
(9)
سمعتُ رسول الله عليه السلام يقول: «الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِه
(10)
»
(11)
.
(1)
ينظر: المبسوط: 14/ 90.
(2)
رواه الدارقطني في سننه: 3/ 424، كتاب البيوع، رقم الحديث: 2885، 2886 بنحوه، والبيهقي في «السنن الكبرى»: 6/ 166، كتاب الغصب، باب من غصب لوحًا فأدخله في سفينة أو بنى عليه جدارًا، رقم الحديث: 11545، بنحوه، وقال الألباني: صحيح. ينظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته: 2/ 1268.
(3)
في (ع): «بغيره» .
(4)
في (ع): «نَصَّ» .
(5)
هو محمد بن الحسن بن فرقد، من موالي بني شيبان، أبو عبد الله، مات في الري سنة 189 هـ، وكتابه: الأصل في الفروع، وهو المبسوط. ينظر: تاريخ بغداد: 2/ 172، الجواهر المضية: 2/ 42، الأعلام للزركلي: 6/ 80، كشف الظنون: 1/ 81.
(6)
هو المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب الزهري بن عبد مناف بن زهرة بن قصي بن كلاب، له صحبة ورواية، وعداده في صغار الصحابة، كالنعمان بن بشير وابن الزبير، مات سنة 73 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: 3/ 390 وما بعدها.
(7)
هو رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن زيد الأنصاري الخزرجي المدني، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، استُصغر يوم بدر، وشهد أُحُدًا والمشاهد، مات سنة 74 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: 3/ 181 وما بعدها.
(8)
هو الصحابي أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج، أحد البدريين، وكان أحد الفقهاء المجتهدين، مات سنة 74 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: 5/ 168 وما بعدها.
(9)
في (ع): «فإني» .
(10)
السقب: القرب، يقال: سقبت الدار وأسقبت؛ إذا قربت. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/ 377.
(11)
أخرجه البخاري في صحيحه: 3/ 87، كتاب الشفعة، باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع، رقم الحديث:2258.
وفيه دليلٌ على أنَّ مَن أراد بيعَ مُلكه، فإنه يَنبغي له أن يَعرِضَ على جَاره؛ لمراعاة حق المجاورة؛ قال عليه السلام:«ما زالَ جَبرئيلُ يُوصِيني بَالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُه»
(1)
.
ولأنَّه أقربُ إلى حُسن العِشرة، والتجوز عن الخصومة والمنازعة»
(2)
.
قوله: (الشفعة واجبة)، أي: ثابتةٌ عند تَحَقُّق سببِها، إلا أن يكون المرادُ بها لزوم الإثمِ عند تَركها.
الخُلطة -بالضَّمة
(3)
- الشركة، خَالَطَه: أي شَارَكه.
ولا فَرْقَ إذًا بين الخليط والشريك؛ [لأنهما سببان]
(4)
عن معنى واحد، والاختلاف بينهما إنما يقع بسبب اختلاف المحل؛ فتارة ذكر الشريك في نفس المبيع و [تارة ذَكَر]
(5)
الخليط في حَقِّ المبيع، وتارة ذكر على عكسه.
مراتب الشفعة
وذكر في «الذخيرة»
(6)
: «وهذا الذي ذَكَره في عَامَّة الكتب بأن الشُّفعة عندنا تُستحق على ثلاث مراتب:
أوَّلاً: تُستحق بالشركة في عين البقعة، ثم بالشركة في حقوق الملك من الطريق والشرب، ثم تُستحق بالجوار.
وصورته: منزل بين اثنين في سكة غير نافذة، باع أحدُ الشريكين نصيبَه من المنزل، فالشريكُ في المنزل أحقُّ بالشفعة، فإن سَلَّم فأهل السكة أحقُّ، فإن سلموا فالجار المُلاصق
(7)
أحق، وهو الذي على ظَهر هذا المنزل، وباب داره في سكة أخرى.
ومسألة الجار على وجهين: إما أن تكون الدار التي وقع فيها الشرى
(8)
في سكة نافذة، وفي هذا الوجه الشفعة للجار الملاصق.
وإما أن يكون في سكة غير نافذة، وفي/ هذا الوجه جميع أهل السكة شفعاء؛ الملازق والمقابل في ذلك سواء.
و [قد]
(9)
قيل: الشفعة عنده يستحق به
(10)
على أربع مراتب، وبيان ذلك في مسألتين:
إحداهما: بيت في دار في سكَّة غير نافذة، والبيت لاثنين، والدار لقوم؛ فباع أَحَدُ صاحبي البيت نَصيبَه من البيت، فالشفعة أولاً للشريك في البيت، فإن سلم فلشريك الدار، فإن سلم فلأهل السكة، الكل في ذلك سواء، فإن سلموا فالجار الملازق، وهو الذي على ظهر هذا المنزل، وباب داره في سكة أخرى.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه: 8/ 10، كتاب الأدب، باب الوصية بالجار، رقم الحديث: 6014، 6015، ومسلم في صحيحه: 4/ 2025، كتاب البر والصلة والآداب، باب الوصية بالجار والإحسان إليه، رقم الحديث:2625.
(2)
ينظر: المبسوط: 14/ 90.
(3)
ينظر: لسان العرب: 7/ 293.
(4)
ساقط من: (ع).
(5)
زيادة من: (ع).
(6)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 259.
(7)
الجار الملاصق: هو الذي ظهر بيته إلى بيت هذا، وبابه في سكة أخرى. ينظر: التعريفات الفقهية: ص 68.
(8)
في (ع): «الشرك» .
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
في (ع): «عندنا تستحق» .
والثانية: دار بين شريكين في سكة غير نافذة باع أحد الشريكين نصيبه من الدار من إنسان، فالشفعة أولاً للشريك في الدار، فإن سلم فللشريك في الحائط المشترك الذي يكون بين الدارين، فإن سلم فلأهل السكة، الكل في ذلك على السواء، فإن سلم فللجار الذي يكون ظهر هذه الدار إلى داره، وباب تلك الدار في سكة أخرى.
ثم اعلم أن في [كل]
(1)
موضع سلم للشريك الشفعة إنما يثبت للجار حق الشفعة إذا كان الجار قد طلب الشفعة حين سمع البيع، وإن لم يكن له حق الأخذ في الحال، أما إذا لم يطلب الشفعة حين سلم
(2)
الشريك الشفعة فلا شفعة له.
ولقوله عليه السلام: «جَارُ الدَّار أَحَقُّ بالدَّارِ والأَرض، يُنتظر له وإن كان غائبًا»
(3)
.
وفي رواية «الأسرار»
(4)
: «ينتظر بها [عدا ما لا ينتظر]
(5)
إذا كان غائبًا».
[ثم قال في «الأسرار» : «فإن قيل: المراد به أحق بها عرضًا عليه للبيع؛ ألا ترى أنَّه فَسَّر الحق بالانتظار إذا كان غائبًا»
(6)
(7)
.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
في (ع): «سالم» .
(3)
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» : 7/ 196، باب السين، باب عن قتادة عن الحسن، رقم الحديث:6801. وقال ابن حجر في «الدراية في تخريج أحاديث الهداية»: 2/ 202: لم أجده هكذا في حديث واحد، وإنما هو ملفق من حديثين، فأخرج الأربعة وابن حبان والبزار والدارقطني كلهم من رواية قتادة عن الحسن عن سمرة بلفظ: «جار الدار أحق بدار الجار أو الأرض» وفي لفظ: «جار الدار أحق بشفعة الدار» وفي لفظ: «جار الدار أحق بالدار»، وأخرجه النسائي والبزار من رواية عيسى بن يونس عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة، وبه عن قتادة عن أنس به، قال البزار: جمعهما عيسى بن يونس. وفي الباب عن الشريد بن سويد الثقفي أخرجه أحمد في مسنده بلفظ: «جار الدار أحق بالدار من غيره» ، وأما بقية الحديث فأخرجه الأربعة أيضًا من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر رفعه:«الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بهما وإن كان غائبًا، إذا كان طريقهما واحدًا» قال الترمذي: لا نعلم من رواه إلا عبد الملك، وقد تكلم شعبة فيه لأجل هذا الحديث، وقال الشافعي: نخاف ألا يكون محفوظًا، وقال أحمد: هو منكر، وقال يحيى بن سعيد: أنكره الناس عليه، ويقال إنه رأى عطاء، أدرجه عبد الملك. وانظر: نصب الراية: 4/ 172.
(4)
الأسرار في الأصول والفروع، وهو مجلد كبير -خ، للشيخ، العلامة أبي زيد عبيد الله بن عمر الدبوسي الحنفي (تـ 432 هـ). ينظر: كشف الظنون: 1/ 81، الأعلام للزركلي: 4/ 109.
(5)
زيادة من: (ع).
(6)
ينظر: العناية: 9/ 371.
(7)
ما بين المعكوفين ساقط من: ع، وسببه انتقال النظر.
قلنا: إنَّ النبيَّ عليه السلام جعله أحقَّ على الإطلاق، فيكون أحق بها قبل البيع وبعده.
وقوله: «ينتظر» : تفسير لبعض ما شمله كلمة: أحق.
ولأن ما روي عن عمرو بن الشَّريد
(1)
، عن أبيه، عن النبي عليه السلام أنه سُئِل عن أرض بِيعت ليس لأحد فيها شريك ولا نصيب! فقال:«الجارُ أَحَقُّ بِشُفعته»
(2)
، فهذا يُبطل ذلك التأويل إذا كان طريقهما واحدًا، أي: إذا كان طريق البائع والجار.
السَّقَب [بالسين]
(3)
: القرب، والصاد [لغة]
(4)
، وهما
(5)
مصدر: أسقبت الدار، وصقبت، والصاقب: القريب
(6)
.
ومعنى الحديث: «الجار أحق بسَقَبه» [أن]
(7)
الجار أحقُّ بالشفعة إذا كان جارًا مُلاصقًا.
والباء من صلة «أحق» لا للتسبيب
(8)
، [كما في قوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
(9)
(10)
، وأريد بالسقب الساقب على معنى: ذو السقب، أو تسمية بالمصدر، أو وصف به، كذا في «المغرب»
(11)
(12)
.
وقال الشافعي
(13)
(14)
.
(1)
هو عمرو بن الشريد بن سويد الثقفي الطائفي، روى عن: أبيه، وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وسعد بن أبي وقاص، وروى عنه: عمرو بن شعيب، وبكير بن عبد الله بن الأشج، ويعلى بن عطاء، وإبراهيم بن ميسرة، وثقه أحمد العجلي. ينظر: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 2/ 1151، تهذيب الكمال في أسماء الرجال: 22/ 63.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه: 3/ 286، كتاب الإجارة، باب في الشفعة، رقم الحديث: 3518، وابن ماجه في سننه: 2/ 833، كتاب الشفعة، باب الشفعة بالجوار، رقم الحديث: 2494، وقال الألباني: صحيح. ينظر: إرواء الغليل: 5/ 378.
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
في (ع): «وهي» .
(6)
معجم مقاييس اللغة: 3/ 296.
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
في (ع): «والباء صلة «أحق» ، لأنه السبب».
(9)
سورة البقرة، من الآية:228.
(10)
ساقط من: (ع).
(11)
ينظر: المغرب: 1/ 401.
(12)
هو المغرب في ترتيب المعرب، لأبي الفتح المطرزي (تـ 610 هـ)، وهو في اللغة، تكلم فيه على الألفاظ التي يستعملها الفقهاء من الغريب، اختصره من مصنف آخر له بعد الاستعانة بكتب أخرى. ينظر: هدية العارفين: 2/ 488، اكتفاء القنوع بما هو مطبوع: ص 321.
(13)
هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو عبد الله القرشي، ثم المطلبي، الشافعي المكي الغزي، من كتبه: الأم والرسالة، توفي في آخر رجب سنة 204 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: 10/ 5، طبقات الحفاظ للسيوطي: ص 158، طبقات الشافعية الكبرى: 2/ 71.
(14)
ينظر: الهداية في شرح بداية المبتدي: 4/ 308، البناية: 11/ 279، العناية: 9/ 371.
[ليس]
(1)
لتخصيص هذا زيادة فائدة؛ لأنه كما لا نقول بالشفعة بالجوار، فكذلك لا نقول بالشفعة بالشركة في الحقوق [أيضًا]
(2)
، وكذلك لا نقول بالشفعة فيما لا يحتمل القسمة؛ كالبئر والنهر أيضًا؛ لأنه ذكر في «الأسرار»: قال علماؤنا رحمهم الله: «الشفعة تجب بالجوار، وبالخلطة، وهي الشركة في الحقوق نحو الطريق والنهر، وتجب بالشركة في البقعة»
(3)
.
وقال الشافعي: «لا تجب إلا بالشركة في البقعة ثَمَّ»
(4)
.
[فهو]
(5)
إنما يقول بالشركة في البقعة إذا كانت مما يحتمل القسمة؛ كالدار والأرض، وأما فيما لا [يحتمل القسمة]
(6)
؛ كالحَمَّام، والرَّحى
(7)
، والبئر، والنهر، والدُّور الصِّغار؛ فعنده لا تجب الشفعة في ذلك، وعندنا تجب فيما يُقَسَّم، وفيما لا يُقَسَّم، كذا في «الإيضاح»
(8)
.
فَحَصَل من هذا أنَّ عند الشافعي
(9)
إنما تثبت الشفعة بوصفين:
أحدهما: بالشركة في نَفْس البُقعة، لا بالشركة في الحقوق.
والثاني: بالشركة في نفس البقعة التي تحتمل القسمة، ولا تثبت فيما لا يحتمل القسمة.
وقوله: (لأنَّ مؤنة القسمة تلزمه في الأصل، وهو فيما لم يُقَسَّم، دون الفرع، وهو الجار.
ولنا ما روينا)؛ وهو قوله عليه السلام: «جَارُ الدَّار أَحَقُّ بالدار والأرض، ينتظر له»
(10)
.
فإن قلت: فلو روى الشافعيُّ لفظَ الجار بالشريك؛ لأنَّه يُطلق اسم الجار على الشريك؛ قال الأعشي
(11)
:
أَيَا جارتي بِيني فإنك طالقة
…
كذاك أمور الناس [على دوى طارقة]
(12)
(13)
والمراد: زوجته، وهي شريكته في الفِرَاش.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
ينظر: تحفة الفقهاء: 3/ 49، المحيط البرهاني: 7/ 268.
(4)
ينظر: تحفة الفقهاء: 3/ 49.
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
في (ع): «يقسم» .
(7)
الرحى: الحجر العظيم، أنثى، والرحى التي يطحن فيها، والجمع: أَرْحٍ وأَرْحاءٌ ورُحِيٌّ ورِحِيٌّ وأَرْحِيَة، الأخيرة نادرة، قال: ودارت الحرب كدور الأرحية. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم: 3/ 439، المصباح المنير: 1/ 223.
(8)
ينظر: تحفة الفقهاء: 3/ 51، المبسوط: 14/ 93. وكتاب الإيضاح كتاب في الفروع للإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن محمد الكرماني الحنفي (تـ 543 هـ)، ينظر: كشف الظنون: 1/ 211.
(9)
اللباب في الفقه الشافعي: ص 264.
(10)
سبق تخريجه، ينظر: ص 104.
(11)
هو ميمون بن قيس بن جندل، من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، أبو بصير، المعروف بأعشى قيس، ويقال له: أعشى بكر بن وائل. عاش عمُرًا طويلاً، وأدرك الإسلام ولم يسلم، ولقب بالأعشى لضعف بصره، وعمي في أواخر عمره، مولده ووفاته في قرية (منفوحة) باليمامة قرب مدينة (الرياض)، وفيها داره، وبها قبره. ينظر: الأعلام للزركلي: 7/ 341، معجم المؤلفين: 13/ 65.
(12)
في (ع): «غاد وطارقة» .
(13)
ينظر: المبسوط: 14/ 91.
ولأنه رُوي عن النبي عليه السلام أنه قال: «إنما الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصُرفت الطرق فلا شُفعة»
(1)
.
وكلمة «إنما» لإثبات المذكور، ونَفْي ما عَدَاه.
ولأنَّ قوله عليه السلام: «الشفعة فيما لا يقسم» يَقتضي: أنَّ جنس الشفعة فيما لم يُقَسَّم، ولأنه نَصَّ على النفي عما قُسِّم.
ولأن تعليلكم لاستحقاق الشفعة بالجوار لسبب دفع الضرر
(2)
الجِوَار، إذ هو مادة المضار على ما زعمتم منقوض بالجار المقابل حيث لا يَثبت له الشفعة بالاتفاق مع/ وجود هذه العلة، وكذلك منقوض أيضًا بالجار الملاصق بطريق الإجارة مع وجود هذه العلة ما جوابنا عنه؟
قلت: أمَّا الأول ففي حمل اسم الجار على الشريك ترك الحقيقة والعمل بالمجاز من غير دليل، بل
(3)
دلَّ الدليلُ على بطلان الحمل على الشريك؛ لأنه قال في ذلك الحديث الذي روينا، وهو حديث عبد الملك بن أبي سليمان
(4)
(5)
(6)
.
وكان الإمامُ شمسُ الأئمة الحُلواني رحمه الله
(7)
(8)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه: 3/ 79، كتاب البيوع، باب بيع الشريك من شريكه، رقم الحديث:2213.
(2)
في (ع): «ضرر» .
(3)
في (ع): «بأن» .
(4)
هو عبد الملك بن أبي سليمان، واسم أبيه ميسرة العرزومي الكوفي، أحد الحفاظ، روى عن: أنس بن مالك، وسعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وجماعة، وعنه: جرير بن عبد الحميد، وحفص بن غياث، وإسحاق الأزرق، ويحيى القطان، وابن نمير، وعبد الرزاق، وخلق سواهم. ينظر: تاريخ الإسلام: 3/ 918، سير أعلام النبلاء: 6/ 107.
(5)
سبق تخريجه، ينظر: ص 102.
(6)
ينظر: المبسوط: 14/ 92.
(7)
هو عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح الحُلواني الملقب شمس الأئمة، ومن تصانيفه: المبسوط، توفي سنة 448 هـ أو 449 هـ. ينظر: الجواهر المضية: 1/ 318، تاج التراجم: ص 189.
(8)
ينظر: المبسوط: 14/ 92.
وفي حديث سَعْد أيضًا: بطلان ذلك التأويل، حيث قال: «فإنَّ سَعْدًا عَرَضَ بيتًا له على جارٍ له؛ فذلك [ذلك]
(1)
على أنَّ جميع البيت كان له.
ولأنَّ الزوجة تُسَمَّى جارة؛ لأنها تُجَاوره في الفراش، فتقرب منه، لا لأنها تشاركه
(2)
.
وأما استدلاله
(3)
بكلمة: «إنما» وحرف
(4)
الاستغراق، ففيه بيان أن للشريك شفعة، وتخصيص الشيء بالذكر عندنا لا يدل على أن الحكم فيما عداه بخلافه.
ولأن كلمة: «إنما» قد تجيء للإثبات بطريق الكمال، كما يقال: إنما العالم في البلد زيد، أي: الكامل فيه. والمشهور: [به زيدٌ، ولم يُرد به نَفْي العلم عن غيرِه، وهاهنا كذلك، فإن الشريك الذي لم يُقاسم هو]
(5)
الشريك في البقعة هو كامل في سبب استحقاق الشفعة حتى لا يُزَاحمه غيرُه، فكان محمولاً على إثبات المذكور بطريق الكمال، دون نفي غيره؛ بدليل سياق الحديث، فإنه قال في آخره: «فإذا وقعت الحدود لم تُصرف الطريق
(6)
بأن كان الطريق واحدًا [أن]
(7)
تجب الشفعة»
(8)
.
وعند الشافعي- رحمه الله
(9)
لا تجب هناك، فكان آخر الحديث حُجَّة لنا نصًّا.
أما معنى هذا اللفظ فلا شفعة بوقوع الحدود وصرف الطريق
(10)
، فكان الموضع موضع إشكال؛ لأنَّ في القسمة معنى المبادلة.
ومما يُشْكِل أنَّه: هل تُستحق بها الشفعة؟ فبَيَّنَ رسولُ الله عليه السلام أنَّه لا تُستحق الشفعة بالقِسمة.
ولا يلزم الجار المقابل؛ لأنَّ الضرر هناك ليس بسبب اتصال الملك، فلا يستحق دفعه لحق
(11)
الملك، فإنَّ الشفعة حقُّ الملك، فيستحق به دفع ضرر يلحقه بسبب اتصال الملك.
ولأن الأخذ بالشفعة لما كان بحق الملك صار فرعًا من فروعه، فلا يكون إلا لمن له الاتصال به ملكًا على الدوام.
وهذا؛ لأنَّ المقصودَ دفعُ ضرر التأذي بسوء المجاورة على الدوام، فلهذا لا يَثبت لجار السكة
(12)
؛ كالمستأجر والمستعير؛ لأنَّ جواره ليس بمستدام.
ولأن الملك الحادث بالإجارة ملكُ مَنفعة، ولا اتصال بين ملك الجار وبين
(13)
منفعة دار جاره، فلا تثبت الشفعة له. كذا في «المبسوط»
(14)
، و «الأسرار»
(15)
، وغيرهما- اعتبارًا
(16)
بمورد الشرع، وهو الخليط في نفس المبيع.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
ينظر: المبسوط: 14/ 91.
(3)
في (ع): «الاستدلال» .
(4)
في (ع): «وحروف» .
(5)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(6)
في (ع): «الطرق» .
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
ينظر: المبسوط: 14/ 95، العناية: 9/ 374.
(9)
ينظر: المجموع شرح المهذب: 14/ 300.
(10)
في (ع): «الطرق» .
(11)
في (ع): «بحق» .
(12)
في (ع): «السكنى» .
(13)
في (ع): «وهي» .
(14)
ينظر: المبسوط: 14/ 180.
(15)
ينظر: البناية: 11/ 282، العناية: 9/ 373.
(16)
الظاهر أنها في (ع): «اعتذارًا» .
وضرر القسمة مشروع، لا يصلح علة لتحقيق
(1)
ضرر غيره، وهو التمليك على المشتري من غير رضاه.
وهذا جواب عن قوله: (لأن مؤنة القسمة يلزمه)؛ أَلَا تَرى أنَّ مؤنة القسمة تلزم الشريك في المنقولات، ولا تُثبت الشفعة عند بيع أحد الشريكين نصيبه.
اعلم أنَّ أصلَ مَنشأ الخلاف بيننا وبين الشافعي راجعٌ إلى مَعنيين عندنا وعنده؛ فعندنا
(2)
المعنى المؤثر لوجوب الشفعة عند البيع اتصال الملك ليدفع الشفيع بثبوت حق الشفعة له سوء
(3)
ضرر الجوار، سواء كان ذلك الاتصال في نفس المبيع، أو في حقوقه، أو بالجار الملاصق؛ فلذلك استوى عندنا ما يُقَسَّم وما لا يُقَسَّم.
وعند الشافعي- رحمه الله
(4)
المعنى المؤثر في استحقاق الشفعة عند البيع لزوم مؤنة بالقسمة؛ لأنه لو لم يأخذ الشفيع المبيع بالشفعة طالبه المشتري بالقسمة، فيلحقه بسببه مؤنة القسمة، فالشرع مكَّنه من الأخذ بالشفعة ليدفع به ضرر مؤنة القسمة عن نفسه، وعن هذا قال: «لا تجب الشفعة فيما لا يحتمل القسمة؛ لاندفاع ضرر مؤنة القسمة [في نفسه]
(5)
وكذلك في الجار؛ لأنه لا قِسمة هناك
(6)
.
وكذلك
(7)
لا يُوجب الشفعة في المنقولات أيضًا؛ لأنَّه يتمكن من دفع مؤنة القسمة ببيع نصيبه، والبيع والشراء في المنقول معتاد بخلاف العقار.
ولما كذلك
(8)
نفى الشأن بيننا وبينه في الترجيح، وإنا نقول بأن
(9)
حق الشفعة إنما وَجَب لدفع ضرر التأذي، وهو معنى مؤثر فيه؛ لأنه/ يُبقي بينهما منازعة دائمة، فلو قال
(10)
الخَصم: يمكن دفع ذلك الضرر الصادر من الجار بالمرافعة إلى السُّلطان أو بالمقاتلة معه!
قلنا: ذاك ضررٌ أيضًا أشدُّ من السكوت والتصبر
(11)
؛ لأنه محتاج
(12)
إلى المرافعة، وهما
(13)
لا يندفع؛ فتَبقى الشحمة الزائدة بينهما، فكان ما ذكرنا مؤثرًا في إثبات حق الشفعة.
وأمَّا ضررُ المقاسمة، فذاك ليس بضرر؛ لأنه حقٌّ مُستحق عليه شرعًا، وإيفاء الحق المستحق لا يُعَدُّ من باب الإضرار على أن مثل هذا الضرر يتحقق في العرف من المشتركة
(14)
، ومع ذلك لا تجب الشفعة فيها. إلى هذا أشار في «المبسوط»
(15)
؛ لأنَّه في كل جزء، أي: لأن الاتصال في كل جزء، وبعده، أي: وبعد الاتصال بالشركة في البيع الاتصال في الحقوق؛ لأن الاتصال هاهنا ليس في كل جزء، ومن البيع الذي هو المقصود، بل الاتصال في الموافق
(16)
، وهي توابع، فكان هذا الاتصال دون الأول، فلذلك تأخر حكمه عن الأول، ولأن ضرر القسمة إن لم يصلح علة كما فعله
(17)
الشافعيُّ يَصلح مُرَجِّحًا، وذلك لأن الترجيح أبدًا إنما يقع بما لا يكون
(18)
علة للاستحقاق.
(1)
في (ع): «لتحقق» .
(2)
في (ع): «فهذه» .
(3)
في (ع): «سوى» .
(4)
ينظر: العناية: 9/ 374، البناية: 11/ 283.
(5)
ساقط من: (ع).
(6)
كفاية النبيه في شرح التنبيه (11/ 4).
(7)
في (ع): «ولذلك» .
(8)
في (ع): «ولما كان كذلك» .
(9)
في (ع): «إن» .
(10)
في (ع): «كان» .
(11)
في (ع): «والصبر» .
(12)
في (ع): «لا يحتاج» .
(13)
في (ع): «وربما» .
(14)
في (ع): «المشترك» .
(15)
ينظر: المبسوط: 14/ 95 وما بعدها.
(16)
في (ع): «المرافق» ، وهو الصواب لموافقته سياق الكلام.
(17)
في (ع): «جعله» .
(18)
في (ع): «إنما لا يقع إلا يكون» .
ألا ترى أن الأخ لأب وأم مع الأخ لأب إذا اجتمعا يَترجح الأخ لأب وأم في العُصوبة بسبب القرابة، والعصوبة لا تستحق بقرابة الأم، ثم الترجيح يقع بهذا، فهذا مثله.
ثم ضرر مُؤنة القسمة إنَّما يَتحقق في الشريك دون الجار، فلذلك قَدَّم الشريك على الجار لوجود الرجحان في الشريك.
وجه الظاهر: أنَّ السبب تقرر في حقِّ الكُلِّ، أي: ثبت حقُّ الجار في الشفعة مع وجود حقِّ الشريك فيها؛ لتقرر السبب في حقِّه أيضًا إلا أن الشريك كان مُقَدَّمًا، فإذا سلم كان للجار أن يَستوفي كحق
(1)
غُرَماء الصحة مع غرماء المرض في التركة، فإنه إذا سقط حقهم بالإبراء كانت التركة لغرماء المرض بديونهم؛ لأن سببَه
(2)
استحقاقهم ثابت.
ولهذا قلنا: ينبغي للجار أن يَطلب الشفعة إذا علم بالبيع مع الشريك حتى إذا سلم الشريك تمكن من أخذه، فإن لم يطلب [بعلمه]
(3)
بعد علمه حتى سلم الشريك فلا حَقَّ له بعد ذلك، كذا في «المبسوط»
(4)
، والشريك في المبيع قد يكون في بعض منها، كما في منزل مُعَيَّن من الدار أو جدار معين منها، إلى آخره.
أمَّا مسألةُ المنزل بأن يكون البيت في الدار بين رجلين بغير طريق؛ فباع صاحبُ الدَّارِ الدارَ، والشريك
(5)
في البيت أَوْلَى بالبيت
(6)
، وهو مع الجار سواء في بقية الدار.
وأما مسألة الجِدار بأن يكون حائط بين داري رجلين، والحائط بينهما؛ فصاحب الشريك والحائط أولى بالحائط من الجار، وهما سواء في بقية الدار، كذا في «الذخيرة»
(7)
.
وأوضح هذه المسألة للإمام
(8)
ركن الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد الكرماني رحمه الله
(9)
- في «الإيضاح» بأوضح بيان، فقال: «دَارٌ بين رجلين، ولرجل فيها طريق؛ فباع أحدُهما نصيبَه من الدار، فشريكه في الدار أحقُّ بالشفعة، ولا شفعة بصاحب
(10)
الطريق؛ لما مَرَّ من قَبْلُ أنَّ الشركة في بعض
(11)
المبيع أقوى من الشركة في حقوقه، والطريق من جملة الحقوق فكان الشريك فيه مؤخرًا عن الشريك في الدار، ثم قال: «وكذلك
(12)
الدار إذا كان بين رجلين، ولأحدهما حائط في الدار بينه وبين آخر بأرضه؛ فباع الذي له شركة في الحائط نصيبَه من
(13)
الدار والحائط، فالشريك في الدار أحقُّ بشفعة الدار، والشريك في الحائط أولى بالحائط، وهو جار في بقية الدار.
(1)
في (ع): «لحق» .
(2)
في (ع): «سبب» .
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
ينظر: المبسوط: 14/ 96.
(5)
في (ع): «فالشريك» .
(6)
في (ع): «في البيت» .
(7)
ينظر: البناية: 11/ 287، المحيط البرهاني: 7/ 261.
(8)
في (ع): «الإمام» ، وهو الصواب لموافقته للسياق.
(9)
هو عبد الرحمن بن محمد بن أميرويه بن محمد بن إبراهيم، ركن الدين أبو الفضل الكرماني، وله كتاب «شرح الجامع الكبير» وكتاب «التجريد» ، وشرحه بكتاب سماه «الإيضاح» ، وكتاب «إشارات الأسرار» ، وكتاب «النكت على الجامع الصغير». ومات 543 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 184، الجواهر المضية: 1/ 304.
(10)
في (ع): «لصاحب» .
(11)
في (ع): «نفس» .
(12)
في (ع): «ولذلك» .
(13)
في (ع): «في» .
وكذلك دارٌ بين رجلين، ولأحدهما بئر في الدار بينه وبين آخر؛ فباع نصيبَه من الدار والبئر، فالشريك في الدار أحق بشفعة الدار، والشريك في البئر أحق بالبئر، وهو جار لبقية الدار والبئر والحائط لا يشبه الطريق والشرب؛ لأن الشريك في الطريق والشرب شريك في الحقوق، والحقوق من جملة التوابع؛ فحصلت الشركة في نفس المبيع، إلا أن الشريك في نفس الدار مقدم عليه؛ لأن الأصل أقوى من المبيع، والبئر والحائط لَيْسَا من حقوق الدار؛ فكان
(1)
مجاورًا [في الشريك]
(2)
في الحقوق مقدم عليه، أي: على شريك البئر والحائط.
وكذلك سُفْلٌ بين رجلين، ولأحدهما عُلو عليه بينه وبين آخر؛ فباع الذي له نصيب في السفل والعلو نصيبه؛ فلشريكه في السفل الشفعة في السفل، ولشريك
(3)
العلو الشفعة في العلو، بصاحب
(4)
السفل جارٌ
(5)
في حق العُلو، أو شريك في الحقوق إذا كان طريق العلو فيه، وشريك العلو جار في حق السفل، والشريك مقدم على الجار»
(6)
.
ثم قوله: (أو جدار مُعَيَّن منها).
أي: مع أرضه، يعني: لو كان الجدار المعين مُشتركًا بين رجلين مع/ أرضه، ثم لأحد الشريكين شركة مع آخر في بقية الدار كان شريك الجدار مع أرضه مقدمًا على الشريك في بقية الدار، إذا باع الذي له شركة في المقدار
(7)
نصيبه في الجدار مع أرضه.
وإنما قلنا: مع أرضه؛ لأن الشركة في البناء المجرد لا تُوجب الشفعة، كذا في «الذخيرة»
(8)
، وذكر فيها -وفي «المغني»
(9)
- تفسير هذا فقال: «ثم الجار الذي هو مؤخر عن الشريك في الطريق: ألَّا يكون شريكًا في الأرض الذي هو تحت الحائط الذي هو مشترك بينهما، أما إذا كان شريكًا فيه لا يكون مؤخرًا، بل يكون مقدمًا، وصورة ذلك: أن تكون أرضًا بين اثنين غير مقسومة بينما في وسطها حائطًا، ثم اقتسما الباقي؛ فيكون الحائط وما تحت الحائط من الأرض مُشتركًا بينهما، فكان هذا [هو]
(10)
الجار شريكًا في بعض المبيع، أما إذا اقتسما الأرض قبل بناء الحائط وخطَّا خطًّا في وسطها، ثم أعطى كل واحد منهما شيئًا حتى بَنَيا حائطًا؛ وكل
(11)
واحد منهما جار لصاحبه في الأرض شريك في البناء لا غير، والشركة في البناء لا غير لا تُوجب الشفعة، وكذا على الجار في بقية الدار، أي: الشريك في الجدار مع أرضه مقدم على الجار في بقية الدار، في أصح الروايتين عن أبي يوسف
(12)
، وأما في الرواية الأخرى: فهو والجار سواء، ذكره في «الذخيرة» ، و «المغني»
(13)
.
(1)
في (ع): «وكان» .
(2)
في (ع): «والشريك» .
(3)
في (ع): «ولشريكه في» .
(4)
في (ع): «فصاحب» .
(5)
في (أ): «جاز» ، وهو خطأ، والمثبت من (ع)، وهو الصحيح.
(6)
ينظر: بدائع الصنائع: 5/ 9، تبيين الحقائق: 5/ 241.
(7)
في (ع): «الجدار» .
(8)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 241، تكملة البحر الرائق شرح كنز الدقائق، للطوري: 8/ 144، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، لداماد أفندي: 2/ 473.
(9)
المغني، لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد ابن قدامة المقدسي الحنبلي (تـ 620 هـ)، وهو شرح لمختصر الخرقي في فروع الحنبلية، للشيخ أبي القاسم عمر بن الحسين الحنبلي (تـ 334 هـ). ينظر: كشف الظنون: 2/ 1626.
(10)
ساقطة من: (ع).
(11)
في (ع): «فكل» .
(12)
هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي، أبو يوسف، صاحب الإمام أبي حنيفة، وتلميذه، وأول من نشر مذهبه، كان فقيهًا علامة، من حفاظ الحديث، من كتبه:«الخراج» و «الآثار» ، وهو مسند أبي حنيفة، مات سنة 182 هـ، وقيل: 181 هـ. ينظر: الأعلام للزركلي: 8/ 193، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 4/ 1021، تاج التراجم: ص 315.
(13)
ينظر: البناية: 11/ 287، العناية: 9/ 376.
وذكر القدوري
(1)
: أنَّ الشريك [الذي]
(2)
تحت الحائط يستحق الشفعة في كل المبيع بحكم الشركة
(3)
.
[و]
(4)
عند محمد رحمه الله وإحدى الروايتين عن أبي يوسف فيكون مقدمًا على الجار في كل المبيع
(5)
.
و [في]
(6)
إحدى الروايتين عن أبي يوسف: «تستحق الشفعة في الحائط بحكم الشركة، وتستحق الشفعة في [الحائط بحكم الشركة، وتستحق الشفعة في]
(7)
بقية الدار بحكم الجوار، فيكون ذلك مع جارٍ آخر بينهما.
القَرَاح من
(8)
الأرض: كل قطعة على حيالها، ليس فيها شجر، ولا شائب سبخ، وقد تجمع على أقرحة، كمكان وأمكنة.
وفي «المبسوط» : «والشركاء في النهر الصغير: كل من له شِرب أحق من الجار الملازق، وإن كان نهرًا كبيرًا تجري فيه السفن فالجار أحق؛ لأن هؤلاء ليسوا بشركاء في الشرب»
(9)
.
وذكر في «الذخيرة»
(10)
: وعامة المشايخ على أن الشركاء على
(11)
النهر إذا كانوا لا يُحصون فهو نهر كبير، وإن كانوا يحصون فهو نهر صغير، لكن اختلفوا بعد هذا في حد ما يحصى وما لا يحصى: بعضهم قَدَّر ما لا يحصى بخمس مائة، وبعضهم بمائة، وبعضهم بأربعين.
وبعض مشايخنا قالوا
(12)
: أصح ما قيل فيه: إنه مفوض إلى رأي كل مجتهد في زمانه؛ إن رآهم كثيرًا كانوا كثيرًا
(13)
، وإن رآهم قليلاً كانوا قليلاً.
ثم إن عامة المشايخ
(14)
فَرَّقوا بين النهر والسكة حيث جعلوا الشركة في النهر إذا كان
(15)
بين أقوام يُحصون، خاصة وإن كان للنهر منفذ إلى مفاوز هي لجماعة [من]
(16)
المسلمين، ولم يجعلوا للشركة في الطريق الذي له منفذ إلى طريق العامة شركة خاصة، وإن كان
(17)
أهل السكة يحصون، فإن كانت سكة غير نافذة تتشعب منها سكة غير نافذة، وهي مستطيلة، أي: السكة العظمى [مستطيلة]
(18)
، [فَبِيعت دار في السفلى، أي: في المتشعبة، فلأهلها، أي: فلأهل المتشعبة الشفعة خاصة، دون أهل العليا، أي: أهل السكة العظمى]
(19)
.
(1)
هو أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان، أبو الحسين بن أبي بكر القدوري البغدادي، صنف «المختصر» ، وشَرَح «مختصر» الكرخي، وانتهت إليه رئاسة الحنفية بالعراق، مات سنة 428 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 98.
(2)
في (ع): «في الأرض التي» .
(3)
ينظر: البناية: 11/ 287.
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
ينظر: البناية: 11/ 287.
(6)
زيادة من: (ع).
(7)
زيادة من «و» .
(8)
في (ع): «في» .
(9)
ينظر: المبسوط: 14/ 132.
(10)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 266، الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 6/ 220، اللباب في شرح الكتاب: 2/ 107.
(11)
في (ع): «في» .
(12)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 266، البناية: 11/ 288.
(13)
في (أ): «إن رآهم كثيرًا، وإن كانوا كثيرًا» . وهو خطأ.
(14)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 266.
(15)
في (ع): «كانوا» .
(16)
زيادة من: (ع).
(17)
في (ع): «كانوا» .
(18)
زيادة من: (ع).
(19)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
وإن بيعت [دار]
(1)
في العليا، أي: بِيعت دارٌ في العليا فلأهل السكة، أي: الشفعة لأهل السكة العظمى، والمتشعبة التي هي السفلى سواء كانا ملازقين، أو غير ملازقين، صورته هذه
(2)
، فاستحقاق الشفعة مع جواز فتح الباب مثل زمان، فكل من كان له ولاية فتح الباب في سكة فله استحقاق الشفعة في تلك السكة، [ومن]
(3)
لا فلا.
وقد ذكرنا مَن كان له ولاية فتح الباب، ومن ليس له ذلك، وصورته في مسائل شتى من كتاب القضاء في آخر باب الحكيم
(4)
، وذلك الموضع الذي أحاله عليه في الكتاب بقوله:«والمعنى ما ذكرنا في كتاب «أدب القاضي»
(5)
، وهو قوله:(لأنَّ فتحه للمرور، ولا حق لهم في المرور)، إلى آخره
(6)
.
وحاصل ذلك: إنما كان لأهل السكة السفلى، وهي السكة المتشعبة حق طلب الشفعة إذا بيعت دارٌ في السكة العظمى المستطيلة؛ لأن لأهل السكة المتشعبة حق المرور في السكة العظمى، فحينئذ كانوا شركاء في الطريق، فلهم الشفعة بخلاف العكس فإنه إذا بِيعت دارٌ في السكة المتشعبة [ليس لأهل السكة العظمى حَقُّ طلب الشفعة؛ لأنه ليس لهم حق المرور في السكة المتشعبة]
(7)
؛ لأنَّ طريق المتشعبة لأهل المتشعبة خاصة، فلم يكونوا شركاء في الطريق، وليس لهم جواز
(8)
فيها؛ فلذلك لم يَثبت حَقُّ الشُّفعة.
فهو على قياس الطريق فيما بيَّنَّاه، وهو قوله:(فإن كانت سكة غير نافذة تتشعب منها سكة غير نافذة)، إلى آخره
(9)
، فإن استحقاق
(10)
الشفعة/ هناك باعتبار جواز التطرق، فلذلك قال: على قياس الطريق، يعني: لو مع أرض متصلة بالنهر الأصغر كانت الشفعة لأهل النهر الأصغر، لا لأهل النهر الصغير، كما ذكرنا الحكم في السكة المتشعبة مع السكة المستطيلة العظمى، هكذا ذكر في «الذخيرة» بعد ذكر السكَّتَين، فقال: «وعلى هذا نهر خاص انتزع منه نهر آخر، فباع رجل أرضًا على النهر المنتزع تكون [الشفعة]
(11)
لأهل النهر المنتزع.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
في حاشية: (أ) رسم توضيحي، وفي (ع) طمس مكان كلمة:«هذه» ، ولعل الرسم أيضًا كان بجوارها فطمس.
(3)
كتبها في الحاشية، وفي (ع):«وما» .
(4)
هكذا، والظاهر أنها:«التحكيم» .
(5)
أدب القاضي، على مذهب أبي حنيفة، لجماعة وهم: الإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي المجتهد الحنفي (تـ 182 هـ)، وهو: أول من صنف فيه إملاء، والقاضي أبي حازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي، (تـ 292 هـ)، وأبي جعفر أحمد بن إسحاق الأنباري (تـ 317 هـ)، ولم يكمله، والإمام أبي بكر أحمد بن عمرو الخصاف (تـ 261 هـ)، رتب على مائة وعشرين بابًا، وهو كتاب جامع غاية ما في الباب، ونهاية مآرب الطلاب، ولذلك تلقَّوه بالقبول، وشرحه فحول أئمة الفروع والأصول. ينظر: كشف الظنون: 1/ 1.
(6)
ينظر: البناية: 9/ 67، العناية: 9/ 377، (7/ 323.
(7)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(8)
في (ع): «جوار» .
(9)
ينظر: الهداية: 4/ 25، البناية: 11/ 289.
(10)
في (ع): «قياس» .
(11)
ساقطة من: (ع).
وقوله: [جاز]
(1)
لما بَيَّنَّا، إشارة إلى قوله:(لأن العلة هي الشركة في العقار).
وإذا اجتمع شفعًا، فالشفعة بينهم على عدد رءوسهم، ولا يُعتبر اختلاف الأملاك.
وقال الشافعي
(2)
(3)
؛ بنيان
(4)
دار بين ثلاثة بقي لأحدهم نصفها، وللآخر ثلثها، وللآخر سدسها؛ فباع صاحب النصف نصيبه، وطلب الإخوان الشفعة قضي بالشِّقص المبيع بينهما نصفين، عندنا وعند الشافعي «أثلاثًا بقدر ملكها»
(5)
، وإن باع صاحبُ السدس نصيبَه، وطلب الآخران الشفعة قُضي به بينهما أخماسًا عنده، وإن باع صاحب الثلث نصيبه قُضي به بين الآخرين أرباعًا بقدر ملكهما، وعندنا يقضي به بينهما نصفين.
وكذلك على أصلنا: إذا بيعت ولها
(6)
جاران؛ أحدهما جار من ثلاثة جوانب، والآخر من جانب واحد، فقلنا
(7)
الشفعة فهو بينهما نصفان، كذا في «المبسوط»
(8)
، فأشبه الربح، فإن الشريكين إذا اشتريا [شيئًا]
(9)
بخمسةَ عشَرَ درهمًا مثلاً، ولم يشترط شيئًا، ومال أحدهما خمسة، ومال الآخر عشرة، ثم باعاه فَرَبِحَا ثلاثة دراهم، فالدرهمان لصاحب العشرة، والدرهم الواحد لصاحب الخمسة؛ لأن الربح بيع
(10)
للمال، فكان بينهما على قدر رأس مالهما؛ لما كان أثلاثًا كان الربح بينهما أيضًا أثلاثًا.
والغلة
(11)
بأن كان حانوت بينهما أثلاثًا، فغلته أيضًا تكون بينهما أثلاثًا، وكذلك الولد والثمرة.
ولنا: أنهم استوا
(12)
في سبب الاستحقاق، وهو الاتصال؛ فيستوون في الاستحقاق، وذلك لأن سبب استحقاق الشفعة إما الجوار أو الشركة، وقد استويا في أصل ذلك، فإن صاحب القليل شريك لصاحب الكثير، وجار لاتصال ملكه بالمبيع [لصاحب الكثير؛ لأن علة الاستحقاق أصل الملك، لا قدر الملك؛ ألا ترى]
(13)
أنه لو انفرد واحدٌ منهم استحق كمال الشفعة، يعني: أن صاحب الكثير
(14)
لو باع نصيبَه كان لصاحب القليل أن يأخذ الكل إلى الشفعة بالاتفاق، [و]
(15)
كما لو باع صاحب القليل كان لصاحب الكثير أن يأخذ جميع المبيع لما أن ملك كل جزء وعلة
(16)
تامة لاستحقاق جميع المبيع بالشفعة، فإنما اجتمع في حق صاحب الكثير عللٌ، وفي حق صاحب القليل علة واحدة، والمساواة تتحقق بين العلة الواحدة والعلل؛ ألا ترى أن أحد المُدَّعِيَيْن لو أقام شاهدين والآخر عشرة من الشهداء تثبت المعارضة والمشاورة بينهما، وكذلك لو أن رجلاً جرح رجلاً جراحة واحدة، وجرحه آخر عشر جراحات؛ فمات من ذلك استويا في حكم القتل والترجيح بقوة في الدليل؛ كالشريك يترجح على الجار، وكجزِّ الرقبة مع جرح الآخر، وأن حكم القتل يضاف إلى الجار [لا إلى الجارح]
(17)
بالاتفاق لا بكثرته؛ لأن ما يصلح علة بانفراده لا يصلح مُرجحًا؛ لأن عند ظهور الترجيح كان المرجوح مدفوعًا بالراجح.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
ينظر: الهداية: 4/ 309، البناية: 11/ 291.
(3)
النجم الوهاج في شرح المنهاج: 6/ 190.
(4)
في (ع): «بناء» .
(5)
الغرر البهية في شرح البهجة الوردية: 3/ 364.
(6)
في (ع): «لهما» .
(7)
في (ع): «فطلب» .
(8)
ينظر: المبسوط: 14/ 97.
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
في (ع): «تبع» .
(11)
في (ع): «والعلة» .
(12)
في (ع): «استووا» .
(13)
ما بين المعكوفين زيادة من: (ع).
(14)
في (أ): «الكبير» ، والصواب:«الكثير» ، كما في (ع).
(15)
زيادة من: (ع).
(16)
في (ع): «علة» بدون الواو.
(17)
ساقطة من: (ع).
وهاهنا حقُّ صاحب القليل لا يبطل أصلاً، فعرفنا أنه لا ترجيح في جانبه من حيث قوة العلة، هذا كله مما أشار إليه في «المبسوط»
(1)
.
[فإن قلت]
(2)
: لو قال الشافعي بأنَّ قولكم: لو انفرد واحد منهم استحق كمال الشفعة، فيجب أن يكون مساويًا لصاحب الكثير
(3)
لا يلزمني؛ لأنه يجوز أن تكون العلة الواحدة مُثبتة لكمال الحكم، ولكن عند الانضمام مع أخرى يثبت استحقاق أكثر مما يثبته عند الانفراد، وله نظير في الشرع؛ كالرجالة في الغنيمة إذا انفردوا يستحقون كل الغنيمة، وكذلك الفرسان إذا انفردوا يستحقون الكلَّ أيضًا، ولكن إذا اشتركوا قُسِّمت الغنيمة بينهم على التفاوت، وكذلك لو مات واحد وترك بنتًا وأختًا له وأخًا
(4)
، فإن للبنت النصف، والباقي للأخت أو للأخ
(5)
لِحَقِّ العُصوبة، ولو ترك مع البنت أخًا وأختًا
(6)
كان النصف بينهما أثلاثًا
(7)
.
فكذلك هاهنا استحق صاحب القليل كل الدار بالشفعة عند الانفراد، ولكن عند الاجتماع مع صاحب الكثير يتفاوت استحقاقهما للشفعة، ولأن استحقاق الشفعة منفعة تصل لصاحب الملك بسبب ملكه، فيجب أن يكون معتبرًا بضرر يلحقه بسبب ملكه؛ ليكون كل واحد [منهما]
(8)
بقدر ملكه، ثم في الضرر مُقَدَّر بحسب الملك، كما في الضمان بسبب الحائط المائل إذا كان مشتركًا بين اثنين أثلاثًا فأشهد عليهما فيه، ثم سقط الحائط، وأضاف/ مالاً أو نفسًا كان الضمان عليهما أثلاثًا بقدر الملك؛ فيجب أن يكون في المنفعة كذلك؛ لقوله عليه السلام:«الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ»
(9)
ما جوابنا عنه؟
(1)
ينظر: المبسوط: 14/ 98.
(2)
ساقطتان من: ع، ومكانهما بياض.
(3)
في (أ): «الكبير» .
(4)
في (ع): «أو أختًا له أو أخًا» .
(5)
في (ع): «للأخ أو للأخت» .
(6)
في (ع): «أو أختًا» .
(7)
روضة الطالبين وعمدة المفتين: 5/ 100.
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
أخرجه أبو داود في سننه: 3/ 284، كتاب أبواب الإجارة، باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا، رقم الحديث: 3508، وأخرجه ابن ماجه في سننه: 2/ 754، كتاب التجارات، باب الخراج بالضمان، رقم الحديث: 2243، وأخرجه الترمذي في سننه: 3/ 573، كتاب أبواب البيوع، باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد به عيبًا، رقم الحديث: 1285، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه، والعمل على هذا عند أهل العلم.
قلت: أما مسألة الغنيمة فإن تفضيل الفارس بفرسه حُكمٌ عُرِف شرعًا بخلاف القياس، مع أن الفرس بانفراده لا يصلح علة الاستحقاق؛ فيصلح
(1)
مرجحًا في استحقاق بعض الغنيمة، وهاهنا ملك حر وعلة
(2)
كاملة لاستحقاق الجميع، [فلا تصلح مرجحة]
(3)
لما ذكرنا: أن العلة لا تصلح مرجحة، ولأن الإصابة بالقهر سبب ملك الغنيمة، ولكن في المصاب والمقهور، والمصاب يتفاوت بتفاوت الإصابة، فلذلك تفاوتوا في القدر؛ [كالجرح سبب ضمان المجروح؛ فلو رمى رجلان فأصاب أحدهما رجلاً والآخر ذلك الرجل، وآخر معه تفاوتوا في الضمان؛ لتفاوتهما في الجرح والمجروح]
(4)
.
وأما هاهنا فالمحل هو المبيع، قَلَّ أو كثر، وكل نصيب -وإن قَلَّ- علة لاستحقاق
(5)
كله، لا يزداد المحل بازدياد النصيب؛ كالجروح في شخص واحد، فكل جرح علة تامة فلغى زيادة الجرح في إضافة الحكم إليها.
وأما مسألة الميراث: فإنَّا عَلَّلنا لإلغاء علة ينضم إلى علة لحكم واحد في إيجاب زيادة، والأخ ما استحق زيادة علة انضمت إلى علة أخرى فلم يكن ذلك من هذا الجنس، ولكن تفاوت نصيب الأخ والأخت عند الانضمام باعتبار أن الشرع جعل عصوبة الأنثى بالذكر [علة]
(6)
لاستحقاق نصف ما للذكر متفاوتًا؛ لتفاوتهما في نفس العلة، لا أن تكون [العلة]
(7)
مرجحة لعلة
(8)
أخرى، بل العصوبة بالأخ غير العصوبة بالبنت؛ فإذا جاءت العصوبة بالأخ زالت العصوبة بالبنت، ثم العصوبة بالأخ متفاوتة في نفسها بالشرع، فلم يكن هو من قبيل ترجيح العلة بعلة أخرى.
وأمَّا مسألة الحائط المائل فقلنا: إن مات من وقع عليه الحائط، فإن جرحه الحائط فالضمان عليهما نصفين لاستوائهما في العلة، وإن مات بنقل
(9)
الحائط فالضمان عليهما أثلاثًا؛ لأن التساوي بينهما في العلة لم يوجد، فإن قتل نصيب صاحب القليل لا يكون كقتل [نصيب]
(10)
صاحب الكثير، ولأن هذا راجع إلى ما يتولد من الملك؛ كالولد والثمرة.
وقد ذكرنا أن الشفعة ليست من ثمرات الملك؛ لأن ملك دار غيره لا يجوز أن يجعل ثمرة من ثمرات ملكه، بل السبب أصل الملك، لا قَدْره، والحكم لا يزداد بزيادة العلة، كذا في «المبسوط»
(11)
، و «الأسرار»
(12)
، و «الإيضاح»
(13)
.
(1)
في (ع): «لا يصلح» .
(2)
في (ع): «ملك كل جزء علة» .
(3)
في (ع): «فالمرجح» .
(4)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(5)
في (ع): «لعلة الاستحقاق» .
(6)
زيادة من: (ع).
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
في (ع): «بعلة» .
(9)
قد تكون «بثقل» .
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
ينظر: المبسوط: 14/ 98.
(12)
ينظر: البناية: 11/ 294.
(13)
ينظر: المصدر السابق: 11/ 294.
ولو أسقط بعضُهم حقَّه فهي للباقين في الكل على عددهم.
اعلم أنَّ الشفعاء إذا اجتمعوا في دار واحدة مثلاً؛ فحق كل واحد منهم قبل الاستيفاء والقضاء ثابت في جميع الدار؛ لتكامل العلة في حق كل واحد منهم، حتى أنه إذا كان للدار شفيعان سلم أحدهما الشفعة قبل الأخذ وقبل القضاء، كان للآخر أن يأخذ الكل؛ لأن قبل الاستيفاء والقضاء وُجد في حق كل واحد منهم سبب ثبوت حق الشفعة في كل الدار، وأمكن الجمع بينهما؛ لأن الجمع بينهما ليس إلا الجمع بين الحقَّين في عين واحدة كملا لفائدة، وهي أن أحدهما متى ترك أخذ الآخر الكل، وهذا جائز، كما لو رهن داره من رجلين فإنه يَصير راهنًا كل العين من كل واحد منهما بجميع دينه حتى لو قضى دين أحدهما كان للآخر أن يحبس الكل بدينه إلا أنهما إذا طلبا قضى القاضي لكل واحد منهما بالنصف للمزاحمة وللضيق في المحل، فإذا سلم أحدهما قبل القضاء بقي الآخر في الكل، كما لو قَتَلَ الرَّجلين عمدًا؛ فعفى عنه أحدهما كان للآخر أن يقتص منه بهذا المعنى.
ثم لو سلم أحدهما لم يكن للآخر إلا أن يأخذها كلها أو يدعها؛ لأن مزاحمة المسلم قد زالت، فكأنه لم يكن الشفيع في الابتداء إلا واحدًا، وليس للشفيع أن يأخذ البعض دون البعض لما في أخذ البعض من تفريق الصفقة والإضرار بالمشتري في تبعيض الملك عليه، والشفع
(1)
بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه، فلا يتمكن من الأخذ على وجهٍ يكون فيه إلحاق الضرر بغيره، وإذا أراد أن يأخذ الشفيع [بالأخذ بدفع الضرر عن نفسه فلا يتمكن من الأخذ على وجه يكون فيه إلحاق إلى]
(2)
النصف، ورضي المشتري بذلك كله
(3)
ذلك؛ لأن المانع حق المشتري، فإن قال المشتري: لا أعطيك إلا النصف، كان له أن يأخذ الكل؛ لأن حقه ثابت في جميع الدار.
فأكثر
(4)
ما في الباب أن الغائب قد سلم له منفعته، فللحاضر أن يأخذ الكل. كذا ذكر في باب (الشهادة في الشفعة) من شفعة «المبسوط»
(5)
.
ثم حق كل واحد من الشفيعين ثابت في جميع/ المبيع لما ذكرنا، وعند التسليم بقي حق الآخر في الكل لذلك، وهذا الذي ذكرنا قبل القضاء [له]
(6)
بالنصف.
[وأما بعد القضاء، فليس للمسلَّم له الشفعة إلا ما هو نصيبه، وهو النصف]
(7)
؛ فإنه إذا كان للدار شفيعًا
(8)
، وقضى القاضي بالدار بينهما، ثم سلم أحدهما نصيبه لم يكن للآخر أن يأخذ الجميع، وهذا لأن القاضي لما قضى بالدار بينهما صار كل واحد منهما مقضيًّا عليه من جهة صاحبه فيما قضى به لصاحبه، فبطل شفعته فيما قضى به لصاحبه ضرورة، هذا الذي ذكره عند استواء الشفعاء في سبب الشفعة
(9)
.
(1)
في (ع): «والشفيع» .
(2)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(3)
في (ع): «فله» .
(4)
في (ع): «و» .
(5)
ينظر: المبسوط: 14/ 126.
(6)
زيادة من: (ع).
(7)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(8)
في (ع): «شفيعان» .
(9)
ينظر: بدائع الصنائع: 5/ 5، المحيط البرهاني: 7/ 280، العناية: 9/ 379.
وكذا إذا كان بعضهم أقوى من البعض، فإنه إذا كان بعض الشفعاء أقوى من البعض، فقضى القاضي بالشفعة للقوي بطل حق التضعيف
(1)
حتى إنه إذا اجتمع الشريك والجار وسلم الشريك الشفعة قبل القضاء له كان للجار أن يأخذها بالشفعة، ولو قضى القاضي بالدار للشريك، ثم سلم الشريك الشفعة فلا شفعة للجار؛ لأن الغائب لعله لا يطلب، ولأن
(2)
حق الحاضر في كل الدار ثابت بصفة التأكد؛ لأن تأكد الشفعة بالطلب، وقد وجد الطلب من الشفيع الحاضر، وحق الغائب لم يتأكد بعد، والحق المتأكد لا يُؤَخَّر لحق غير متأكد، ومتى وقع الاستيفاء من الحاضرين إنما يبطل في حق الغائب ما كان يبطل لو كان حاضرًا؛ أما الزيادة فلا، حتى أنه إذا كان للدار شفيعان: أحدهما حاضر والآخر غائب، وقضى القاضي للحاضر بكل الدار كان للغائب أن يأخذ النصف، وإذا جعل بعض الشفعاء نصيبه لبعض لم يصح الجعل، وسقط حقه، وقسمت على عدد مَن نفي؛ لأن نقل الحق في الشفعة لا يستقيم، ولكن سقط حقه بدلالة الإعراض، فبقي حق الباقين.
وإن قال الذي قضي له بكل الدار أولاً للثاني: أنا أُسَلِّم لك الكل، فإما أن يأخذ الكل أو يدع؛ فليس له ذلك، وللثاني أن يأخذ النصف ولو كان الشفيع الحاضر لم يأخذ الدار من المشتري بالشفعة، ولكن اشترى الدار منه، ثم حضر الغائب فإن شاء أخذ الدار كلها بالبيع الأول، وإن شاء أخذ كلها بالبيع الثاني، أما بالبيع
(3)
الأول فلأن الحاضر أسقط حقه في الشفعة لما أقدم على الشراء وخرج من العين، فكان للآخر أن يأخذ الكل، وأما بالبيع الثاني فلأن الشريك المشتري أعرض عن الشفعة
(4)
حيث
(5)
أقدم على الشراء، ومع الإعراض لا يثبت له حق الشفعة [في]
(6)
مخرج [هو]
(7)
من البين، فكان للآخر أن يأخذ الكل، وفي المسألة نوع إشكال؛ لأن حق الشفعة في البيع الثاني إنما يثبت بعد تمام البيع الثاني فلا يبطل بالإعراض قبله.
والجواب: هو معرض بالشراء الثاني؛ لأنه أقدم على الشراء مع ثبوت حق الشفعة له، فلا يثبت له بسبب هذا الشراء هذا الحق؛ لأنه تضمن هذا الشراء الإعراض، بخلاف الشفيع إذا اشترى ابتداء؛ لأن شراه لم يتضمن إعراضًا؛ لأنه مقبل على التملك، وهو معنى الأخذ بالشفعة.
(1)
في (ع): «الضعيف» .
(2)
في (ع): «لأن» بدون الواو.
(3)
في (ع): «البيع» .
(4)
في (ع): «الشفيع» .
(5)
في (ع): «حين» .
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
ساقطة من: (ع).
ولو كان المشتري الأول شفيعًا للدار فاشتراها الشفيع الحاضر منه، ثم قدم الغائب؛ فإن شاء أخذ نصف الدار بالبيع الأول، وإن شاء أخذ الكل بالبيع الثاني؛ لأن المشتري الأول لم يثبت له حق قبل الشرى
(1)
حتى يكون بشرائه مقيضًا
(2)
عنه، فبقي هو شفيعًا في البيع الأول، فلا يكون للغائب بسبب البيع الأول إلا النصف.
وأما العقد الثاني فقد ثبت للشفيع الحاضر حق الشفعة بسبب البيع الأول، فإذا اشترى سقط حقه عن البيع الأول، ولم يتعلق بعقده حقٌّ [له]
(3)
؛ لكونه معرضًا، فلذلك كان للغائب أن يأخذ الكل بالبيع الثاني، هذا كله من «المبسوط»
(4)
، و «الذخيرة»
(5)
.
وفي الفصل الثاني عشر من «الذخيرة» أيضًا: «ودار
(6)
بيعت ولها شفيعان أحدهما غائب، فطلب الحاضر نصف الدار على حسبان أنه لا يستحق إلا النصف بطلت شفعته.
وكذلك لو كانا حاضرين؛ فطلب كلُّ واحد منهما نصف الدار بطلت شفعة كل واحد منهما، والشفعة تجب بعقد البيع، ومعناه بعده لأنه
(7)
هو السبب؛ لأن سببها الاتصال
(8)
.
وهذا التأويل الذي ذكره، والتعليل الذي علل به مخالف لعامة روايات الكتب من «المبسوط» و «الذخيرة» و «المغني» وغيرها.
وقد ذكرنا فساد قول من يقول بأن سببها الاتصال لا غير، لما أنه لو سلم الشفعة قبل البيع لا يبطل
(9)
شفعته، ولو كان سببها الاتصال لا غير لبطلت شفعته لوجود التسليم بعد السبب، ولا اعتبار لوجود الشرط بعده في حق صحة التسليم؛ كأداء الزكاة قبل الحول، وإسقاط الدَّيْن المُؤجَّل بالإبراء قبل حلول الأجل.
وقد ذكر في/ الباب الأول من شفعة «المبسوط» ، فقال:«ولو سلم الشفعة قبل الشراء كان ذلك باطلاً؛ لأن وجوب حقه بالشراء والإسقاط قبل وجود سبب الوجوب يكون لغوًا؛ كالإبراء عن الثمن قبل البيع» ، وهذا لفظه بعينه؛ فقد ألحق وجوب الشفعة بوجوب الثمن والشراء بالبيع، ولا شكَّ أن السبب بوجوب
(10)
الثمن على المشتري هناك بيع البائع؛ فيجب أن يكون هاهنا أيضًا سبب وجوب الشفعة للشفيع شراء المشتري، مع أنه صرح باسم سبب وجوب الشفعة هو الشراء، على ما ذكرنا، وهذا يقضي أن يكون الشراء كل السبب، فلا أقل من أن يكون الشراء جزء السبب، كما ذكره في «الذخيرة» ، و «المغني»
(11)
.
(1)
في (ع): «المشتري» .
(2)
في (ع): «معرضًا» .
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
ينظر: المبسوط: 14/ 148.
(5)
ينظر: البناية: 11/ 296.
(6)
في (ع): «دار» بدون الواو.
(7)
في (ع): «لا أنه» .
(8)
ينظر: البناية: 11/ 296، العناية: 9/ 379.
(9)
في (ع): «تبطل» .
(10)
في (ع): «لوجوب» .
(11)
ينظر: المبسوط: 4/ 105، البناية: 11/ 296.
وأما إلغاؤه عن السببية أصلاً فلا، على ما بيَّنَّاه، إشارة إلى قوله:(ولنا أنهم استووا في سبب الاستحقاق وهو الاتصال)، إلى آخره: أنَّ الشفعة إنما تجب إذا رغب البائع عن ملك الدار.
فإن قلت: يُشكل على هذا ما إذا باع داره بشرط الخيار للبائع، فلا شفعة فيه على ما يجيء من الكتاب مع ظهور رغبته
(1)
عن ملك الدار!
قلت: في الإعراض هناك تردد لبقاء الخيار للبائع، بخلاف مسألة الإقرار بالبيع حيث يجبر بانقطاع ملكه عن الدار بالكلية، وإقرار كل مقر حجة في حق نفسه؛ فلذلك عومل به كما هو زعمه، فلا ينتقل إلى الشفيع إلا بالتراضي، أو بقضاء
(2)
القاضي.
وفي «الذخيرة» : «وللشفيع أن يمتنع من الأخذ بالشفعة، وإن بذل له المشتري حتى يقضي القاضي له بها؛ لأن في قضاء القاضي له زيادة فائدة، وهي معرفة القاضي بسبب ملكه، وعلم القاضي لمنزله
(3)
شهادة شاهدين، فكان الأخذ بقضاء القاضي أحوط
(4)
.
وتظهر فائدة هذا، وهو توقف الملك في الدار المشفوعة بعد الطلبين إلى وقت أخذ الدار المشفوعة بتسليم المشتري إلى الشفيع، أو إلى وقت حكم الحاكم، يعني: لا يثبت الملك للشفيع، وإن وجد منه الطلبان؛ طلب المواثبة، وطلب الإشهار- ما لم يوجد [بعد]
(5)
ذلك أحد الشيئين؛ إما تسليم المشتري بدون حكم الحاكم، [أو حكم الحاكم]
(6)
، فإذا وجد أحدهما حينئذ بملك الشفيع الدار المشفوعة لا يورث عنه في الصورة الأولى، وهي ما إذا مات الشفيع بعد الطلبين؛ لأنه لم يملكهما المورث؛ فكيف يورث عنه، ويبطل
(7)
شفعته في الثانية، [أي: في صورة الثانية]
(8)
، وهي ما إذا باع داره المستحق بها الشفعة؛ لأن سبب الأخذ بالشفعة اتصال ملك الشفيع بالدار المشفوعة، وقد زال ملكه عما يستحق به الشفعة، ويأخذها قبل أن يأخذها، فلم يبق السبب قبل أن يثبت الحكم، فلا يثبت الحكم، ولا يستحقها في الثالثة، أي: لا يستحق الدار التي بيعت بالشفعة في الصورة الثالثة، وهي ما إذا بيعت دار بجنب الدار المشفوعة؛ لأنه لم يملك المشفوعة، فكيف يملك بها غيرها، والله أعلم بالصواب.
* * *
(1)
في (ع): «عيب» .
(2)
في (ع): «قضاء» بدون الباء.
(3)
في (ع): «بمنزلة» .
(4)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 270.
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
في (ع): «وتبطل» .
(8)
ساقطة من: (ع).
باب طلب الشفعة والخصومة [فيها]
(1)
لما لم تَثبت الشفعة بدون الطلب شَرَع في بيانه، وكيفيته، وتسميته
(2)
.
طلبُ المواثبة سُمِّي به تبركًا بلفظ الحديث: «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَها»
(3)
، أي لمن طَلَبها على وجه السرعة والمبادرة، مُفاعلة من الوثوب على الاستعادة
(4)
؛ [لأن يثبت هو الذي يشرع]
(5)
في طَيِّ الأرض بمشيه، وهو أن يطلبها، كما علم أي على قول
(6)
علمه بالبيع من غير توقف، سواء كان عنده إنسان أو لم يكن.
وذكر في «المبسوط» : «وإذا علم بالبيع، وهو بمحضر من المشتري! فالجواب واضحٌ، أي: يطلبها، وهو ظاهر، وكذلك إن كان بمحضر من الشهود ينبغي له أن يُشهدهم على طلبه، وكذلك لو لم يكن بحضرته أحد حين [يبيع]
(7)
ينبغي أن يطلب الشفعة، والطلب صحيح من غير إشهاد، والإشهاد لمخافة]
(8)
الجحود؛ فينبغي له أن يطلب حتى إذا حلَّفه المشتري أمكنه أن يحلف أنه طلبها كما سمع»]
(9)
.
وذكر في «شرح الأقطع»
(10)
: وإنما يفعل ذلك، أي: يطلب وإن لم يكن عنده أحد؛ لئلا يسقط حق الشفعة فيما بينه وبين الله تعالى، حتى لو بلغه
(11)
البيع ولم يطلب بطلت شفعته.
وقال ابن أبي ليلى
(12)
: إن طلب إلى ثلاثة أيام فله الشفعة.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
في (ع): «وتقسيمه» .
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه: 8/ 83، كتاب البيوع، باب: الشفيع يأذن قبل البيع، وكم وقتها؟ رقم الحديث: 14406، قال الزيلعي في «نصب الراية»: 4/ 176: غريب، وأخرجه عبد الرزاق في مصنَّفه من قول شريح: إنما الشفعة لمن واثبها، وكذلك ذكره القاسم بن ثابت السرقسطي في كتاب «غريب الحديث» في باب كلام التابعين وهو آخر الكتاب، وقال ابن حجر في «الدراية في تخريج أحاديث الهداية» ، 2/ 203: لم أجده، وإنما ذكره عبد الرزاق من قول شريح، وكذا ذكره قاسم بن ثابت في أواخر غريب الحديث.
(4)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 242، الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 6/ 225.
(5)
في (ع): «لا من حيث هو الذي يسرع» .
(6)
في (ع): «فور» .
(7)
في (ع): «يسمع» .
(8)
في (ع): «لمخالفة» .
(9)
ينظر: المبسوط: 14/ 117.
(10)
هو شرح لمختصر القدوري في مجلدين، للإمام: أحمد بن محمد، المعروف: بأبي نصر الأقطع (تـ 474 هـ). ينظر: كشف الظنون: 2/ 1631.
(11)
الظاهر أنها في (ع): «تلف» ، أو نحوها.
(12)
هو محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، ابن أبي ليلى، العلامة، الإمام، مفتي الكوفة، وقاضيها، أبو عبد الرحمن الأنصاري، الكوفي، مات سنة 148 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: 6/ 310، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 3/ 967.
وقال سفيان
(1)
: له مهلة يوم من حين سمع.
وقال: الشريك هو على شفعته ما لم يَطلبها صريحًا أو دلالة لمنزلة سائر الحقوق المستحقة.
و [قال]
(2)
ابنُ أبي لَيْلى: كان يقول: يحتاج الشفيع إلى النظر والتأمل حتى يعلم أنه ينتفع بجوار هذا الجار فلا يطلب الشفعة، [أو يتضرر]
(3)
به فيطلب
(4)
الشفعة، ومثل هذا لا يُوقف عليه إلا بالتأمل [فيه]
(5)
مدة؛ فيجعل له من/ المدة ثلاثة أيام بمنزلة خيار الشرط
(6)
.
ولهذا قَدَّر سفيانُ المدة بيوم.
واستدل علماؤنا في ذلك بقوله عليه السلام: «الشُّفعة لِمَن وَاثَبَها»
(7)
، وفي رواية: «الشُّفعة [كَشَطِّ العقال؛ إن أخذتها ثبتت]
(8)
(9)
، وإلا ذهبت»؛ لأنه إذا سكت عن الطلب، فذلك منه دليل الرضا بمجاورة الجار الحادث، ودليل الرضا كصريح الرضا، ولو لم يجعل هذا دليل الرضا تضرر به المشتري، فإنه [يسكت حتى يتصرف]
(10)
المشتري فيه لم يبطل تصرفه عليه، وفيه من الضرر ما لا يخفى. كذا في «المبسوط»
(11)
.
وذكر في «المغني» : إذا سمع الشفيع ببيع الدار فسكت لا تبطل شفعته ما لم يعلم المشتري والثمن، كالبكر إذا استؤمرت فسكتت، ثم علمت أن الأب زوَّجها من فلان؛ فَرَدَّت، صَحَّ رَدُّها
(12)
. وأحاله إلى فتاوى [القاضي]
(13)
الإمام
(14)
.
(1)
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ابن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أبيّ بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، مصنف كتاب «الجامع» ، مات سنة 161 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: 7/ 229.
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
في (ع): «ويتضرر» .
(4)
في (ع): «فلا يطلب» .
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
ينظر: المبسوط: 14/ 117.
(7)
ينظر: ص 134.
(8)
في (ع): «كَشطة العقال؛ إلا أخذتها تثبت» .
(9)
أخرجه ابن ماجه في سننه: 2/ 835، كتاب الشفعة، باب طلب الشفعة، رقم الحديث: 2500، ونصه: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشفعة كحل العقال» . قال الألباني: حديث ابن عمر: «الشفعة كحل العقال» رواه ابن ماجه، وفى لفظ:«الشفعة كنشط العقال، إن قيدت ثبتت، وإن تركت فاللوم على من تركها» ، ضعيف جدًّا. ينظر: إراوء الغليل: 5/ 379.
(10)
في (ع): «سكت حتى تصرف» .
(11)
ينظر: المبسوط: 14/ 117.
(12)
المغني: 7/ 462.
(13)
ساقطة من: (ع).
(14)
ينظر: البناية: 11/ 301.
فإن قلت: لو أدركت الصغيرة، وثبت لها خيار البلوغ والشفعة، فلو قدَّمت اختيار نفسها [تبطل الشفعة، ولو قدمت اختيار نفسها تبطل الشفعة، ولو قدمت طلب الشفعة يبطل اختيار نفسها]
(1)
؛ ما الحيلة لها حتى لا يبطل كلاهما؟
قلت: الحيلة فيه هي أن يقول طلبت حقين لي؛ الشفعة والخيار، فصح كلاهما. بكذا
(2)
ذكر في فصل (الطلب) من «فتاوى قاضي خان
(3)
»
(4)
.
وفيها أيضًا: «دار [بيعت بجنب دار]
(5)
رجل، والجار يزعم أن رقبة الدار المبيعة له، ويخاف أنه لو ادعى رقبتها تبطل شفعته، لا
(6)
مالك الدار لا يكون شفيعًا، وإن ادَّعى الشفعة لا يُمكنه دعوى الدار: أنها له؛ ماذا يصنع حتى لا يبطل شفعته؟
قالوا: يقول: هذه الدار داري، وأنا أدَّعي رقبتها، فإن وصلتُ إليها، وإلا فأنا على شفعتي منها؛ لأن هذه الجملة كلام واحد، فلم يتحقق السكوت عن طلب
(7)
الشفعة، لا بد من زمان التأمل، [كما]
(8)
في المخيرة، فإن لها الخيار ما دامت في مجلسها، والجامع حاجة الرأي والتأمل، ولأن الشرع أحب
(9)
له حق التملك ببدل، ولو أوجب البائع له ذلك بإيجاب البيع كان له
(10)
خيار القبول ما دام في مجلسه، فهذا مثله.
ولو قال بعدما بلغه الخبر: الحمد لله، أو قال: خلصني الله من فلان، ثم طلب الشفعة، فهو على شفعته. هذا كله من «المبسوط»
(11)
.
والإشهاد فيه، أي: في طلب المواثبة ليس بلازم، إنما هي لنفي التجاحد؛ وذلك لأن طلب المواثبة ليس لإثبات الحق، وإنما شُرط هذا الطلب ليعلم أنه غير مُعرِض عن الشفعة، وغير راضٍ بجوار هذا الدخيل
(12)
، والإشهاد ليس بشرط فيه، وكذلك حصره واحدًا من الأشياء الثلاثة: البائع أو المشتري أو الدار ليس بشرط لصحة هذا الطلب.
(1)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(2)
في (ع): «هكذا» .
(3)
هو الحسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الأُوْزجَنْدي، الفرغاني، المعروف بـ «قاضي خان» ، فخر الدين، له:«الفتاوي» في أربعة أسفار، وشرح «الجامع الصغير» ، وشرح «الزيادات» ، وشرح «أدب القاضي» للخصاف، توفي سنة 592 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 151، الجواهر المضية: 1/ 205.
(4)
ينظر: فتاوى قاضي خان: 3/ 335.
(5)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(6)
في (ع): «لأن» .
(7)
في (ع): «طالب» .
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
في (ع): «أوجب» .
(10)
في (ع): «به» .
(11)
ينظر: المبسوط: 14/ 117.
(12)
في (ع): «الرجل» .
وإنما ذكر أصحابُنا الإشهاد عند الطلب
(1)
، لا لأنه شرط صحة هذا الطلب، ولكن لأن المشتري لو جحد هذا الطلب، والشهود
(2)
يشهدون له على ذلك، وهو نظير ما قال أصحابُنا في الأب إذا وهب لابنه الصغير هبة، وأشهد على ذلك ما ذكروا الإشهاد لكونه شرطًا بصحة الهبة
(3)
، ولكن
(4)
لأنه لو جحد، فالشهود يشهدون.
وكذلك ذكروا الإشهاد على طلب التفريغ في الحائط المائل على طريق الاحتياط، لا لأنه شرط صحة التفريغ. كذا في «الذخيرة»
(5)
و «المغني» »
(6)
.
ويصح الطلب بكل لفظ يُفهم منه طلب الشفعة، حتى يحكى
(7)
عن الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل البخاري رحمه الله
(8)
- لو وجبت الشفعة لقروي، فقال: شفعه [شفعه]
(9)
، كان ذلك منه طلبًا صحيحًا تامًّا. كذا في «الذخيرة»
(10)
.
وذكر في «المغني» : «و [منهم]
(11)
من يقول: أطلب الشفعةَ وآخذها، ولو قال: طلبت الشفعة وأخذتها بَطَلت شفعته
(12)
.
وأصل الاختلاف في عزل الوكيل، وقد ذكرناه بدلائله وأخواته فيما تقدم»
(13)
.
أراد به ما ذكره في أواخر فصل (القضاء بالمواريث)، وهو من فصول كتاب «أدب القاضي» .
وأراد [به]
(14)
بأخواته: المولى إذا خبَّر
(15)
بجناية عبده، والشفيع، والبكر، والمسلم الذي لم يهاجر، وهذا بخلاف المجبرة إذا أجبرت عنده- أي: عند أبي حنيفة رحمه الله
(16)
- يعني: أن المجبر إذا أجبر المرأة بأن زوجها جبرها في نفسها صارت المرأة مخيرة، سواء كان الجبر عدلاً أو غير عدل، حتى لو اختارت نفسها في مجلسها يقع الطلاق، وإلا فلا، ولا يشترط في المجبر
(17)
أخد شرطي الشهادة، بخلاف مجبر الشفيع بالبيع، حيث يشترط فيه أبو حنيفة أحد شرطي الشهادة، وهو العدد أو العدالة على ما ذكر.
(1)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 242، البناية: 11/ 303.
(2)
في (ع): «والشهود» .
(3)
ينظر: البناية: 11/ 303.
(4)
في (ع): «وذلك» .
(5)
ينظر: البناية: 11/ 303.
(6)
ينظر: المصدر السابق: 11/ 303.
(7)
في (ع): «حكي» .
(8)
هو محمد بن الفضل، أبو بكر الفضلي الكماري، نسبة إلى كمار قرية ببخارى، مشاهير كتب الفتاوى مشحونة بفتاواه ورواياته، توفي سنة 381 هـ. ينظر: الجواهر المضية: 2/ 107، الفوائد البهية: ص 184.
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
ينظر: البناية: 11/ 203، العناية: 9/ 383.
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
المغني: 5/ 479.
(13)
ينظر: البناية: 11/ 305، العناية: 9/ 384.
(14)
ساقطة من: (ع).
(15)
في (ع): «أخبر» .
(16)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(17)
في (ع): «الجبر» .
والخلاف ما إذا أخبره المشتري حيث لا يشترط في المشتري أيضًا أحد شرطي الشهادة، يعني: أن المشتري إذا قال للشفيع: قد اشتريت، فلم يطلب الشفيع شفعته [بطلب شفعته]
(1)
، وإن لم يكن المشتري عدلاً؛ لأن المشتري خصم في هذا، والعدالة في الخصوم/ ليست بشرط. كذا في «الإيضاح»
(2)
.
والثاني: طلب التقرير والإشهاد، وهذا الطلب إنما يصح عند حضرة واحد من الثلاثة؛ إما المشتري، وإما البائع، وإما الدار، ومدة هذا الطلب مقدرة بالتمكن من الإشهاد عند حصره أحد هؤلاء الثلاثة حتى لو تمكن ولم يطلب بطلت شفعته.
قال شيخ الإسلام في «شرحه»
(3)
: «إن الشفيع إنما يحتاج إلى طلب المواثبة، ثم إلى طلب الإشهاد بعده إذا لم يمكنه الإشهاد عند طلب المواثبة بأن سمع الشرى حال غيبته عن المشتري والبائع والدار.
أما إذا سمع الشرى عند حضرة أحد هؤلاء فطلب
(4)
طلب المواثبة، وأشهد على ذلك فذلك يكفيه، ويقوم ذلك مقام طلبين.
فإن قصد الأبعد من هذه الأشياء الثلاثة، وترك الأقرب، فإن كانوا جملة في مصر واحد فالقياس أن يبطل شفعته.
وفي الاستحسان: لا يبطل لأن نواحي المصر جعلت كناحية واحدة حكمًا، ولو كانوا في مكان واحد حقيقة، وطلب [عند]
(5)
أحدهم، وترك الطلب عند الآخرين، أليس أنه يصح طلبه؟ كذا هاهنا.
أما لو كان الشفيع بحضرة أحد هؤلاء الثلاثة والآخران في مصرٍ آخر، أو في رستاق هذا المصر الذي الشفيع فيه؛ فقصد الأبعد وترك الطلب عند من هو بحضرته بطلت شفعته قياسًا واستحسانًا؛ لأن مصرًا آخر أو رستاق
(6)
هذا المصر مع هذا المصر لم يجعل كمكان واحد، فإذا ترك الطلب عند الأقرب فقد ترك الطلب مع الإمكان، فيبطل بنهض منه؛ أي: يقوم ويشهد على البائع إن كان المبيع في يده، وأما إذا لم يكن المبيع في يده- ذكر أبو الحسن القُدوري والناطفي
(7)
: أنه لا يصح الطلب عنده
(8)
.
(1)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(2)
ينظر: البناية: 11/ 305، العناية: 9/ 384.
(3)
شيخ الإسلام السرخسي، وشرحه (المبسوط).
(4)
في (ع): «وطلب» .
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
الرستاق: بالضم، كورة كثيرة القرى. ينظر: تاج العروس: 4/ 421.
(7)
هو أحمد بن محمد بن عمر، أبو العباس الناطفي، أحد الفقهاء الكبار، له: كتاب «الأجناس» ، و «الفروق» ، و «الواقعات» ، توفي بالري سنة 446 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 102، الجواهر المضية: 1/ 113.
(8)
ينظر: البناية: 11/ 305، 306.
وذكر شيخ الإسلام أنه صحيح استحسانًا
(1)
.
وهكذا ذكره
(2)
الشيخ الإمام أحمد الطواويسي
(3)
: أو على [مهر]
(4)
المشاع، أي: المشتري؛ أطلق هذا، ولم يقيد بكون الدار في يد المشتري؛ لأن هذا لا يتفاوت؛ فإن الطلب عند المشتري صحيح، سواء كانت الدار في يد المشتري، أو في يد البائع. هذا كله من «الذخيرة» »
(5)
؛ معناه: إذا تركها من غير عذر.
وفي «الذخيرة» و «المغني»
(6)
فإن ترك الشفيع الطلب الثالث، يعني بعدما طلب الطلبين [لو لم]
(7)
يرفع الأمر [إلى]
(8)
القاضي حتى يقضي له بالشفعة، هل تبطل شفعته؟
أجمعوا على أنه إذا ترك هذا الطلب بعذر من مرض أو حبس، أو غير ذلك، ولم يمكنه التوكيل بهذا الطلب: أنه لا تبطل شفعته، وإن طالت المدة، وإن ترك هذا الطلب بغير عذر، فعلى قول أبي حنيفة: لا تبطل شفعته، وإن طالت المدة، وعلى قولهما: تبطل إذا طالت المدة.
واختلفت الروايات عنهما في طول المدة؛ ففي رواية عن محمد: قدر بثلاثة أيام
(9)
.
وفي رواية أخرى: [قدره]
(10)
بشهر، وهو إحدى الروايات عن أبي يوسف
(11)
.
قال
(12)
[شيخ الإسلام رحمه الله]
(13)
(14)
.
وهكذا ذكره
(15)
أيضًا في «الجامع الصغير» لقاضي خان، فكان ما اختاره في الكتاب بأن الفتوى على قول أبي حنيفة مخالفًا لروايات هذه الكتب
(16)
.
وذكر في «الذخيرة»
(17)
و «المغني»
(18)
الشفيع بالجواز
(19)
إذا خاف أنه لو طلب الشفعة عند القاضي، والقاضي لا يرى ذلك تبطل شفعته فلم يطلب فهو على شفعته؛ لأن هذا عذر.
(1)
ينظر: المصدر السابق: 11/ 306.
(2)
في (ع): «ذكر» .
(3)
هو أحمد بن محمد بن حامد بن هاشم، أبو بكر الطواويسي، وتوفي سنة 344 هـ. ينظر: الجواهر المضية: 1/ 100.
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
ينظر: البناية: 11/ 306.
(6)
ينظر: المغني لابن قدامة: 5/ 246، المحيط البرهاني: 7/ 270.
(7)
في (ع): «ولم» .
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
المحيط البرهاني: 7/ 271، البناية: 11/ 308، العناية: 9/ 385.
(10)
في (ع): «أنه قدر» ، وهو الصواب.
(11)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 271، البناية: 11/ 308، العناية: 9/ 385.
(12)
في (ع): «وقال» .
(13)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(14)
ينظر: البناية: 11/ 308، العناية: 9/ 385، المحيط البرهاني: 7/ 271.
(15)
في (ع): «ذكر» .
(16)
ينظر: البناية: 11/ 308، 309.
(17)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 271.
(18)
ينظر: المغني: 5/ 247، البناية: 11/ 308، 309.
(19)
في (ع): «بالجوار» .
وحكى عن الإمام الزاهد عبد الواحد الشيباني
(1)
أنه قال: إذا كان الشفيع علم بالشرى، وطلب طلب المواثبة ثبت حقه، لكن إذا قال بعد ذلك علمت منذ
(2)
كذا وطلبت لا يصدق على الطلب، ولو قال: ما علمت إلا الساعة يكون كاذبًا، فالحيلة في ذلك: أن يقول [لإنسان]
(3)
: أخبرني بالشرى؛ فأخبره، ثم يقول: الآن أُخبرتُ ويكون صادقًا، وإن كان أخبر قبل ذلك؛ لأنه أجل؛ أي لأن الشهر أجل، وما دونه عاجل بدليل مسألة اليمين ليقضي حقه عاجلاً فقضاه فيما دون الشهر بَرَّ في يمينه، وما ذكر من الصور
(4)
يُشكل [بما]
(5)
إذا كان غائبًا، أي: إذا كان الشفيع غائبًا، ولا فرق في حق المشتري، أي: لا فرق في لزوم الضرر على المشتري بين أن يكون الشفيع حاضرًا أو غائبًا، ثم لم يعتبر ضرره
(6)
فيما إذا كان الشفيع غائبًا حيث لم يَبطل حق الشفعة بتأخير هذا الطلب، وهو طلب الخصومة فيما إذا كان غائبًا بالاتفاق؛ فيجب ألَّا يبطل أيضًا فيما إذا كان الشفيع حاضرًا، وآخر طلب الخصومة
(7)
.
وفي «الذخيرة»
(8)
: وإذا
(9)
كان الشفيع غائبًا، فعلم بالشرى فإنه ينبغي/ أن يطلب [طلب]
(10)
المواثبة، ثم له من الأجل على قدر المسير إلى المشتري أو البائع أو الدار المبيعة لطلب الإشهاد والتقرير، فإذا مضى ذلك الأجل، وهو قدر المسير إلى أجل
(11)
هذه الأشياء قبل أن يطلب هذا الطلب، أو أن يبعث من يطلب فلا شفعة له، فإن قدم المصر الذي فيه الدار فتغيب المشتري فطلب الشفيع طلب الإشهاد والتقرير عند البائع إذا كانت الدار في يده، أو عند الدار، ثم ترك الطلب الآخر، فإنه لا يبطل شفعته، وإن طال ذلك بلا خلاف؛ لأنه إنما ترك هذا الطلب بعذر؛ لأنه لا يمكنه اتباع المشتري لأجل الخصومة؛ لأنه كلما قدم مصرًا فيه المشتري ليخاصمه، ويأخذ منه يهرب المشتري إلى مصرٍ آخر، وترك هذا الطلب بعذر لا يُوجب بطلان الشفعة.
(1)
هو عبد الواحد الشيباني الإمام الملقب بالشهيد، ينظر: الجواهر المضية: 1/ 334، الطبقات السنية في تراجم الحنفية: 4/ 402.
(2)
في (ع): «منه» .
(3)
في (ع): «الإنسان إن» .
(4)
في (ع): «الضرر» .
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
في (ع): «ضرورة» .
(7)
ينظر: البحر الرائق: 8/ 147.
(8)
ينظر: البناية: 11/ 309.
(9)
في (ع): «إذا» .
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
في (ع): «أحد» .
وقوله: (لا تبطل شفعته بالتأخير)، أي: بتأخير هذا الطلب، وهو طلب الخصومة، وإذا تقدم الشفيع إلى القاضي هذا هو [طلب]
(1)
كيفية الخصومة التي كان وعدها قبل هذا، فادعى الشرى، وطلب الشفعة، وصورة ذلك: أن يقول الشفيع للقاضي: إن فلانًا اشترى دارًا، وتبين مصرها ومحلتها وحدودها، وأنا شفيعها بدار لي، وتبين حدودها؛ فمره بتسلمها إليَّ، وإنما يتبين هذه الأشياء؛ لأن الدعوى إنما تصح في المعلوم، وإعلام العقار بهذه الأشياء؛ فبعد ذلك مسألة القاضي: أن المشتري هل قبض الدار أم لا؟ لأنه إذا لم يقبضها من البائع لا تصح الدعوى على المشتري ما لم يحضر البائع؛ لأن اليد للبائع، فإذا ذكر القبض منع
(2)
أن يسأله بأي سبب تدعي الشفعة، وهذا لأن أسباب الشفعة مما يختلف فيها العلماء؛ بعضهم قالوا: تثبت الشفعة للجار المقابل، وهو قول شريح. ذكره في «المبسوط» إذا كان أقرب بابًا
(3)
.
وعندنا: الشفعة على مراتب، فلابد من أن يبين سببها؛ لينظر القاضي أن ما زعمه سببًا: هل هو سبب؟ وبعد أن يكون سببًا: هل هو محجوب بغيره، وإذا بين المدعي أنه ليس بمحجوب بغير مثاله
(4)
القاضي: متى علمت بالشرى؟ وكيف ضعت حين علمت؟
قال مشايخنا رحمهم الله: «والصحيح: أن القاضي يقول [له]
(5)
: متى أخبرت بالشرى؟ وكيف صنعت حين أخبرت بالشرى؟ وإنما اختاروا الإخبار؛ لأن العلم لا يثبت إلا بدليل مقطوع به، والشفعة تبطل بترك الطلب بعد وصول الخبر إليه، وإنما يسأله عن وقت الإخبار، أو وقت العلم حتى يرى القاضي أن المدة هل تطاولت من وقت العلم، أو من وقت الإخبار إلى وقت المرافقة
(6)
إلى القاضي، فإن عند أبي يوسف ومحمد- رحمهما الله- إذا تطاولت المدة؛ فالقاضي لا يلتفت إلى دعواه. وعليه الفتوى.
ثم إذا سأله عن طلب المواثبة؛ فقال: طلبت حتى
(7)
علمت، أو قال: حتى
(8)
أخبرت من غير لبث- سأله عن طلب الإشهاد: هل طَلَبَ طَلَبَ الإشهادِ بعد ذلك من غير تأخير وتقصير؟ فإن قال: نعم؛ سأله: أين الذي طلب بحضرته؟ هل كان أقرب إليه من غيره؟ فإن قال: نعم؛ تبين أن الإشهاد قد صح، ثم إذا بين ما يصح عنده الطلب، فقد صحح دعواه، وبعد
(9)
ذلك [إلى]
(10)
القاضي يسأل
(11)
المدعَى عليه عن دعوى المدعي، فإن أنكر أن يكون شفيعها، وأنكر سبب شفعته، فإن كان المدعي ادعى الشفعة بسبب الجواز
(12)
، والمدعى عليه أنكر أن يكون المدعي جارًا للدار المشتركة
(13)
، وأن تكون الدار التي بجنب الدار المشتراة ملك المدعي، فالقول قوله، وإن كانت تلك الدار في يد المُدَّعي، فعلى المدعي أن يُقيم البينة على أن تلك الدار ملكه؛ لأن اليد محتملة؛ يحتمل أن تكون يد ملك، ويحتمل أن تكون يد إجارة أو عارية، والمحتمل لا يصلح حجة.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
لعلها هكذا، وفي (ع):«ينبغي» .
(3)
ينظر: المبسوط: 14/ 93.
(4)
في (ع): «بغيره سأله» .
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
في (ع): «المرافعة» .
(7)
في (ع): «حين» .
(8)
في (ع): «حين» .
(9)
في (ع): «فبعد» .
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
في (ع): «يسأله» .
(12)
في (ع): «الجوار» .
(13)
في (ع): «المشتراة» .
أقصى ما فيه: أن الظاهر أن يدها يد ملك، ولكن الظاهر يكفي لإبقاء ما كان على ما كان، ولا يكفي لاستحقاق أمر لم يكن، وحاجة الشفيع إلى الاستحقاق على المشتري، والظاهر لا يكفي بذلك
(1)
، وإن لم يكن له بينة وأراد استحلاف المشتري، فله ذلك لأنه هو المنكِر في الحقيقة، ثم على قول أبي يوسف: يستحلف على العلم، وعلى قول محمد: على الثبات لأن [هو]
(2)
المدعي يَدعي عليه استحقاق الشفعة بهذا السبب، وصار كما لو ادعى الملك بسبب الشرى/ أو غيره، وهو ينكر، وهناك يحلف على الثبات، كذا هاهنا، فبعد ذلك ينظر إن كان المدعى عليه مقرًّا أن المدعي طلب طلب المواثبة وطلب الإشهاد؛ فقد ثبت ما ادعاه؛ وإن كان منكِرًا وجب على المدعي إقامة البينة على ذلك، [وكذلك]
(3)
في غيره. كذا في «الذخيرة»
(4)
.
وهذا الذي ذكرتُه أبين مما [أجاز بأنه]
(5)
على الكتاب الموسوم ب «التجنيس، والمزيد»
(6)
، وهما معًا اسم كتاب واحد للمصنف في الفتاوى.
وقوله: (ولا يحلفه
(7)
البينة)، أي:[لا]
(8)
يعترف المشتري بملكه الذي شفع
(9)
به، كلف القاضي الشفيع إقامة البينة؛ يشهدون على أن الذي يشفع به ملك الشفيع. هذا هو ظاهر الرواية، فإنه لا يقضي القاضي له بالشفعة حتى يثبت ملكه بالبينة.
وعن أبي يوسف أن القولَ في ذلك قولُ الشفيع، ويقضى له بالشفعة
(10)
، وهو قول زفر؛ لأن طريق معرفة الملك اليد، ولهذا تجوز الشهادة بالملك لذي
(11)
اليد باعتبار يده، وكما أن القاضي لا يقضي إلا بالعلم فكذلك الشاهد لا يجوز له أن يشهد إلا بالعلم، ولما صلح ظاهر اليد لذلك هناك وجب أن يصلح هاهنا
(12)
.
ووجه ظاهر الرواية: أن الملك باعتبار اليد يثبت من حيث الظاهر، والظاهر حجة لدفع الاستحقاق، لا للاستحقاق على الغير، ولهذا جعلنا اليد حجة للمدعى عليه؛ ليدفع بها استحقاق المدعي، وحجة في حق الشاهد ليدفع بها استحقاق مَن ينازعه، وحاجة ذي اليد هاهنا إلى إتيان الاستحقاق فيما في يد الغير، والظاهر لا يكفي لذلك، فلابد من أن يثبت له الملك بالبينة، وهو نظير ما لو طعن المشهود عليه في الشاهد أنه عبد يحتاج إلى إقامة البينة على حريته؛ لأن ثبوت حريته باعتبار الظاهر، وإذا وجد قتيل في دار إنسان فأنكرت عاقلته كون الدار له يحتاج إلى إثبات الملك بالبينة؛ ليقضى بالدية على عاقلته. كذا في باب (الوكالة بالشفعة) من شفعة «المبسوط»
(13)
.
(1)
في (ع): «لذلك» .
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 245، البحر الرائق: 8/ 148، البناية: 11/ 312.
(5)
في (ع): «أحال بيانه» .
(6)
هو التجنيس والمزيد، وهو لأهل الفتوى غير عتيد في: الفتاوى، للإمام برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي (تـ 593 هـ). ينظر: كشف الظنون: 1/ 352.
(7)
في (ع): «قوله: وإلا كلفه» .
(8)
في (ع): «إن لم» .
(9)
في (ع): «يشفع» .
(10)
ينظر: المبسوط: 14/ 162، بدائع الصنائع: 5/ 14.
(11)
في (ع): «أي» .
(12)
ينظر: المبسوط: 14/ 162، 163، بدائع الصنائع: 5/ 14.
(13)
ينظر: المبسوط: 14/ 163.
فإن عجز عن البينة استحلف المشتري بالله ما يعلم أنه مالك
(1)
هذا الدار
(2)
. ذكره من الاستحلاف
(3)
على العلم، هو
(4)
قول أبي يوسف
(5)
.
وأما على قول محمد: فعلى الثبات
(6)
.
وقد ذكرتُه من «الذخيرة»
(7)
، وذكرنا الاختلاف بتوفيق الله تعالى، وهو ما ذكره في فصل (كيفية اليمين والاستحلاف) من كتاب (الدعوى) بقوله:«فيحلف على الحاصل في هذه الوجوه، إلى أن قال: «وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله؛ أما على قول أبي يوسف: «يُحَلَّف في جميع ذلك على السبب» ، إلى آخره
(8)
.
وفي «الذخيرة» : «وإن أنكر المدعى عليه جميع ذلك بأن قال: لا شفعة له قبلي
(9)
، فالقول قوله، ويسأل القاضي المدعي: هل لك بينة على ما تَدَّعي؟ فإن قال: لا بينة لي، وطلب يمين المدعَى عليه حلَّفه القاضي؛ لأنه ادَّعى عليه معنى لو أقَرَّ به يلزمه، فإذا أنكر يُستحلف، كما في سائر الدعاوى، ثم القاضي يُحَلِّفه على السبب: بالله ما اشتريت الدار التي بُيِّن حدودها وَوُصف في هذه الدَّعوى، ولا يُحلفه على الحاصل: بالله ما لهذا قبلك شفعة من
(10)
الوجه الذي ادُّعِي.
وإنما حُلِّف على السبب نظرًا للمدعي؛ لأن الدعوى وقعت في الشفعة بسبب الجواز
(11)
، وبين العلماء اختلاف ظاهر في استحقاق الشفعة بالجواز
(12)
، فلو حلفناه على الحاصل ربما يتأول قول من لا يرى استحقاق الشفعة بالجواز
(13)
فلا يحنث في يمينه، فيتضرر به المُدَّعي.
فإن قيل: كما أن التحليف على الحاصل ضرر للمدعي [ففي التحليف]
(14)
على السبب ضرر للمُدَّعى عليه لجواز أنه اشترى، ولا شفعة للشفيع، فإن سكت عن الطلب أو سلم الشفعة قلنا: القاضي لا تجديد أمر
(15)
إلحاق الضرر بأحدهما، فكان مراعاة جانب المدعي بالنظر له، ودفع الضرر عنه أولى؛ لأن السبب الموجب للشفعة في حقه [قد]
(16)
وجد، وسقوط الحق بعد وجود سبب وجوبه إنما يكون بعارض المسقط، فيجب التمسك بالأصل حتى يقوم الدليل على خلافه.
(1)
في (ع): «ملك» .
(2)
في (ع): «الذي» .
(3)
في (ع): «الاستحقاق» .
(4)
في (ع): «وهو» .
(5)
ينظر: البناية: 11/ 312، العناية: 9/ 386.
(6)
ينظر: البناية: 11/ 312.
(7)
ينظر: المصدر السابق: 11/ 312.
(8)
ينظر: البناية: 11/ 313، الهداية: 3/ 159.
(9)
في (ع): «قبل» .
(10)
في (ع): «في» .
(11)
في (ع): «الجوار» .
(12)
في (ع): «بالجوار» .
(13)
في (ع): «بالجوار» .
(14)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(15)
في (ع): «لا تحديدًا من» .
(16)
ساقطة من: (ع).
وجه الظاهر: أنه لا ثمن له عليه قبل القضاء، يعني: لا ثمن للمشتري على الشفيع قبل قضاء القاضي بالشفعة للشفيع، [فكيف يطالب المشتري الثمن من الشفيع قبل الوجوب فلابد من قضاء القاضي له بالشفعة]
(1)
حتى يتمكن المشتري من مطالبة الثمن عن الشفيع. إلى هذا أشار في «المبسوط»
(2)
.
(3)
.
وذكر في «الذخيرة» محيلاً إلى «شرح الطحاوي» فقال: «وفي «شرح الطحاوي» : لا ينبغي للقاضي أن يقضي للشفيع حتى يحضر الثمن، وإن قضى لا ينفذ
(4)
قضاؤه، ولكن للمشتري أن يحبس الدار حتى ينقد الشفيع الثمن، فإن الشفيع لو قال: ليس عندي الثمن أحضره اليوم، أو قال: غدًا، أو ما أشبه ذلك، فالقاضي لا يلتفت إلى ذلك، ويبطل حقه في الشفعة»
(5)
.
ثم قال: «فرق بين هذا وبين المشتري مع البائع، فإن المشتري إذا لم يدفع الثمن إلى البائع في الحال، وماطله في ذلك لا يبطل الشراء، والفرق أن البائع لما أزال البيع عن ملكه قبل وصول الثمن إليه فقد أضرَّ بنفسه عن اختيار فلا ينظر له بإبطال ملك المشتري، وإنما ينظر له بإثبات ولاية حبس المبيع، فأما المشتري هاهنا فلا يزيل ملك نفسه عن اختيار ليقال: أضر بنفسه قبل وصول الثمن إليه، بل الشفيع يتملك عليه كرهًا؛ دفعًا للضرر عن نفسه، وإنما يجوز للإنسان دفع الضرر عن نفسه على وجه لا يضر بغيره، ودفع الضرر عن المشتري بإبطال [حق]
(6)
الشفعة إذا قال: ليس عندي الثمن، أو قال: أحضره غدًا.
وقوله: (فيحبس له)، أي: يحبس المبيع في يد المشتري حتى يأخذ الثمن، وهي أن البيع في حق المشتري إذا كان ينفسخ لابد من حضوره؛ ليقضي بالفسخ عليه، فيكون اشتراط حضور المشتري معلولاً بعلتين؛ بعلة أنه يصير مقضيًّا عليه في حق الملك؛ لأنه ذكر قبل هذا بقوله؛ لأن الملك للمشتري، واليد للبائع، والقاضي يقضي بهما للشفيع، فلابد من حضورهما، وبعلة أنه يصير مَقضيًّا عليه في حقِّ الفسخ؛ فما ذكر هاهنا بقوله ليقضي بالفسخ عليه، والقضاء على الغائب لا يجوز ملكًا أو فسخًا، فلابد من حضوره، ثم وجه هذا الفسخ المذكور، وهو قوله:(فيفسخ البيع بمشهد منه)، أن يفسخ، أي: عند فسخ القاضي في حق الإضافة، أي: إضافة البيع إلى المشتري المراد من الإضافة [هو]
(7)
انتقال كاف الخطاب في قول البائع: بعتُ منك من المشتري إلى الشفيع، فصار كأن البائع خَاطَبَ الشفيعَ بقوله: بعتُ منك.
(1)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(2)
ينظر: المبسوط: 14/ 119.
(3)
ينظر: المبسوط: 14/ 119.
(4)
في (ع): «ينقض» .
(5)
ينظر: البناية: 11/ 314.
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
في (ع): «و» .
وقوله: (لامتناع قبض المشتري) يتعلق بقوله: (أن ينفسخ).
وقوله: (بالأخذ)، أي: بسبب أخذ الشفيع بالشفعة، يعني: لما أخذ الشفيع الدار بالشفعة من المشتري يفسخ القاضي البيع الذي جرى بين البائع والمشتري صار ذلك الانفساخ الحاصل من فسخ القاضي منحصرًا في حق المشتري، لا في حق البائع، وصار الشفيع بسبب أخذ الدار بالشفعة قائمًا مقام المشتري في حق كاف الخطاب الذي خاطبه البائع بقوله: بعت منك، فصار كأن البائع أضاف البيع إلى الشفيع تقديرًا في ذلك الخطاب.
وإنما قلنا: إنه انفسخ في حق المشتري؛ لأنه لما قام الشفيع مقام المشتري في حق إضافة البيع، والدار غير مقبوضة للمشتري، والكلام فيه، ولا يقبضها أبدًا بهذا البيع صار كأن المبيع هلك قبل أن يقبل
(1)
إلى المشتري، وذلك يوجب انفساخ العقد، فكذا هنا، وإنما احتجنا إلى هذا التكلف كله من انفساخ البيع في حق المشتري دون البائع؛ لأنه لو انفسخ البيع من كل وجه في حق البائع والمشتري جميعًا صار كأن البيع لم يكن أصلاً؛ لأن الانفساخ من كل وجه عبارة عنه، فحينئذ يَبطل حق الشفعة أيضًا؛ لأن الشفعة إنما يجب بالبيع، فلو قلنا بالفسخ في حقهما جميعًا صار كأن البيع لم يكن موجودًا أصلاً، فلا تجب الشفعة، وما جعلنا الفسخ في حق المشتري إلا لأجل إيجاب الشفعة للشفيع، فلذلك أثبتنا عقد البيع في حق البائع؛ ليكون أخذ الشفيع الشفعة بناء عليه.
وإلى هذا أشار بقوله: (إلا أنه يبقى أصل البيع لتعذر انفساخه؛ لأنَّ الشفعة بناء عليه، ولكنه تتحول الصفقة إليه)، وأوضح هذا التقرير في «الإيضاح» و «الذخيرة» ، فقال في «الذخيرة»: «فإن أخذها من البائع فعهدته وضمان ماله على البائع عندنا؛ لأن بالأخذ من البائع ينفسخ العقد الذي جرى بين البائع والمشتري، ويقع التملك على البائع، وهو المذهب عند علمائنا، ثم قال: وقيل معنى انتقاض المبيع فيما بين البائع والمشتري: الانتقاض/ في حق الإضافة إليه، فإن قول البائع للمشتري: بعت هذه الدار إثبات للبيع
(2)
.
وقوله: (منك) إضافة إليه، فإذا أخذها الشفيع بالشفعة تقدم على المشتري، فصار ذلك البيع مضافًا إلى الشفيع بعد أن كان مضافًا إلى المشتري، وانتقضت الإضافة إلى المشتري، ونظيره في المحسوسات: مَن رمى سهمًا إلى رجل فتقدم عليه غيره، وأصابه السهم، فالرمي في نفسه لم ينقطع، ولكن التوجيه إلى الأول قد انقطع بتحلل هذا الثاني؛ فخرج الأول من أن يكون مقصودًا بالرمي.
(1)
في (ع): «يصل» .
(2)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 277، 278.
فإن قلت: يشكل على هذا الأصل ما ذكره بعد هذا في الكتاب في آخر هذا الباب الذي يجب
(1)
فيه، وفي الباب السادس من شفعة «الجامع الكبير»
(2)
، وهو مسألتان:
إحداهما: أن المشتري إذا اشترى دارًا قد رآها قبل الشرى، فليس له فيها خيار الرؤية، ثم لو كان للدار شفيع وأخذها بالشفعة قبل أن يقبضها المشتري، فله فيها خيار [الرؤية]
(3)
، فقد أثبت محمد خيار الرؤية للشفيع في هذه المسألة، ولو بجواب
(4)
الصفقة الموجهة إلى المشتري إلى الشفيع لما ثبت للشفيع خيار الرؤية.
ألا ترى أن الموكل بالشرى إذا ملك
(5)
المشتري بطريق يحول
(6)
صفقة الوكيل إليه لا يثبت خيار الرؤية للموكل إذا لم يثبت للوكيل بأن كان الوكيل قد رآه قبل الشرى.
والثانية: أن المشتري إذا اشترى دارًا على أن البائع بريء من كل عيب بها، ولم يقبضها بعد، ثم أخذها الشفيع بالشفعة، واطلع على عيب بها كان له أن يردها، ولو كان الأخذ بالشفعة بطريق تحول الصفقة الثانية [للمشتري إلى الشفيع]
(7)
؛ لما ثبت للشفيع ولاية الرد بالعيب، كما لم يكن هو للمشتري»
(8)
.
قلت: ما ذكره في الكتاب بأن الصفقة تتحول من المشتري إلى الشفيع من غير تجديد العقد بين المشتري والشفيع هو اختيار بعض المشايخ.
وأما اختيار عامة المشايخ فينتقل الدار من المشتري إلى الشفيع بعقد جديد بينهما؛ استدلالاً بهاتين المسألتين.
وأما جواب المشايخ الذين قالوا: تتحول الصفقة من المشتري إلى الشفيع من غير عقد جديد بينهما عن هاتين المسألتين هو: أن العقد يقتضي سلامة المعقود عليه من العيب، وإنما تغير في حق المشتري بعارض الشرط، وشرط البراءة وجد من المشتري دون الشفيع، فتحولت
(9)
الصفقة إلى الشفيع مُوحية للسلامة نظرًا إلى الأصل.
وكذلك لو كان المشتري رأى بالدار عيوبًا عند الشرى
(10)
وقبله، ولم ير الشفيع شيئًا من ذلك كان للشفيع أن يردها بالعيب؛ لما قلنا: إن براءة البائع عن العيوب في حق المشتري إنما كان بعارض قبول المشتري، ولم يوجد ذلك العارض في حق الشفيع، والأصل هو السلامة عن العيب فيكون له ولاية الرد بالعيب. كذا ذكره في «الجامع الكبير»
(11)
للإمام المعروف بصدر حميد
(12)
.
(1)
في (ع): «نحن» .
(2)
هو الجامع الكبير في الفروع، للإمام المجتهد أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، الحنفي (تـ 189 هـ). ينظر: كشف الظنون: 1/ 569.
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «تحولت» .
(5)
في (ع): «تملك» .
(6)
في (ع): «تحول» .
(7)
في (ع): «إلى المشتري، أي: الشفيع» .
(8)
ينظر: بدائع الصنائع: 5/ 24، البناية: 11/ 317.
(9)
في (ع): «فتحول» .
(10)
في (ع): «المشتري» .
(11)
ينظر: الأصل للشيباني: 9/ 317.
(12)
علي بن محمد بن علي، الإمام حميد الدين الضرير الرامشي البخاري، إمام علامة، له شرح على «الهداية» يسمى بـ «الفوائد» ، توفي سنة 666 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 215، الجواهر المضية: 1/ 373.
وأما مسألة الوكيل: فإن الموكل لما وكل الوكيل بالشرى فقد أقامه مقام نفسه، ورضي ما فعله على نفسه، فكان سقوط خيار الرؤية من الموكل ضررًا مرضيًّا بتوكيله، فلم يكن له الرد بخيار الرؤية كذلك.
وأما هاهنا بخلافه فإن الشفيع لم يوكل المشتري بالشرى، وذكر في «الجامع الكبير» لقاضي خان في ذلك الباب: الأخذ بالشفعة بمنزلة الشرى؛ لأنه تملك ببدل، فيكون الشفيع بمنزلة المشتري، والمأجور
(1)
منه بمنزلة البائع، وبقيت أحكام البيع إلا حكم الغرور.
قوله: (فتسليمه إليه)، أي: فتسليم الوكيل إلى الموكل (كتسليم البائع إلى المشتري، فتصير الخصومة معه)، أي: مع الموكل
(2)
، كما أن الخصومة يكون
(3)
مع المشتري إذا سلم البائع الدار إليه، إلا أنه مع ذلك قائم مقام الموكل، فيكتفى بحضوره، أي: بحضور الوكيل في الخصومة قبل التسليم. هذا كله جواب لسؤال مُقَدَّر يَرد على قوله: (لأن الوكيل كالبائع) من الموكل، وهو أن يقال: لو كان الوكيل بالشرى كالبائع من الموكل [كان]
(4)
ينبغي أن يشترط حضور الوكيل والموكل جميعًا في الخصومة في الشفعة إذا كانت الدار في يد الوكيل، كما أن الحكم كذلك في البائع والمشتري، فإن الدار إذا كانت في يد البائع بعد شرى المشتري الدار منه لو خاصم الشفيع البائع في طلب الشفعة عند القاضي يشترط
(5)
حضور المشتري مع حضور البائع في قضاء القاضي بالشفعة للشفيع؛ لما أن اليد للبائع، والملك للمشتري على ما ذكروها
(6)
هنا لا يشترط حضور/ الموكل مع أن الموكل قائم مقام المشتري، بل يُكتفى بحضور الوكيل الذي هو قائم مقام البائع.
فالجواب عنه: [هو]
(7)
أن الوكيل بالشرى هاهنا ثابت عن الموكل، فيكون حضوره كحضور الموكل، ولا كذلك ثمة؛ لأن البائع ليس بثابت عن المشتري فلا يكتفى لذلك بحضور البائع.
وكذا
(8)
إذا كان البائع وصيًّا لميت، أي يكون الخصم للشفيع هو الوصي، يعني: إذا كان الورثة صغارًا فيما يجوز بيعه قُيِّد به؛ لأنه لا يجوز بيع الوصي ولا شراؤه إلا بما يتغابن الناس في مثله [على ما يجيء في موضعه إن شاء الله تعالى]
(9)
، [ولا يجوز فيما يتغابن الناس في مثله على ما يجيء في موضعه إن شاء الله تعالى]
(10)
؛ لأن ولاية الوصي نظر به، ولا نظر في الغبن الفاحش فلا يجوز ذلك، أو نقول -وهو الصحيح- لأنه هو المذكور في «المبسوط» هو أن قوله: فيما يجوز بيعه احتراز عن وصي ببيع التركة مع أن الورثة كبار كلهم، فإن ذلك لا يجوز؛ لأنه قال في الباب الأول من «شفعة المبسوط»: «البائع إذا كان وصيًّا لميت إلا أن الورثة إذا كانوا كبارًا كلهم، وليس على الميت دين ولم يوص بشيء يباع فيه الدار -لم يجز بيع الوصي؛ لأن الملك للورثة وهم متمكنون من النظر لأنفسهم، وإن كان فيهم صبي صغير جاز بيع الوصي في جميع الدار، وكذلك إن كان عليه دين أو أوصى بوصي من ثمن الدار، وهو استحسانٌ ذهب إليه أبو حنيفة [رضي الله عنه]
(11)
، وفي القياس لا يجوز بيعه إلا في نصيب الصغير خاصة، أو بقدر الدين والوصية، ثم فيما جاز بيعه كان للشفيع أن يأخذ الدار منه بالشفعة إذا كانت في يده، [والله أعلم]
(12)
(13)
.
(1)
في (ع): «المأخوذ» .
(2)
في (ع): «الوكيل» .
(3)
لعلها في (ع): «تكون» .
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
في (ع): «بشرط» .
(6)
في (ع): «ذكروه» .
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
في (ع): «وكذلك» .
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
زيادة من: (ع).
(13)
ينظر: المبسوط: 14/ 111.
فصل في الاختلاف
لما ذكر مسائل الاتفاق بين الشفيع والمشتري في الثمن، وهو الأصل- شَرع في بيان مسائل الاختلاف بينهما فيه، فالمشتري لا يَدَّعي عليه شيئًا؛ لأنه لم يجب له على الشفيع شيء حتى يحلف الشفيع ليخيره، أي: ليخير الشفيع ولا نص هاهنا، إنما النص في حق البائع والمشتري مع وجود معنى الإنكار من الطرفين هناك، فوجب اليمين
(1)
لذلك في الطرفين، ولم يوجد الإنكار هاهنا
(2)
في طرف الشفيع فلم يكن في معنى [ما]
(3)
ورد فيه النص، فلذلك لم يجب التحالف هنا، وإن كان الشفيع والمشتري بمنزلة البائع والمشتري، ولكن لمعنى
(4)
فارق بينهما لم يكن ورود النص بالتحالف هنا بمنزلة الورود هنا، فصار كبينة البائع، [أي: مع المشتري، يعني: لو اختلف البائع والمشتري في مقدار الثمن، وأقاما البينة، كانت بينة البائع]
(5)
أولى بالقبول لما فيها من إثبات الزيادة والوكيل، أي: وكبينة الوكيل مع بينة الموكل بالشرى مع الموكل إذا اختلفا في مقدار الثمن، وأقاما البينة كانت البينة بينة الوكيل، لا
(6)
تثبت الزيادة والمشتري من العدو، أي: وكبينة المشتري من العدو مع بينة المولى القديم، فإن المشتري من العدو مع المولى القديم إذا اختلفا في ثمن العبد المأسور و [أقاما البينة]
(7)
كانت البينة بينة المشتري من العدو، ولما فيها من إثبات الزيادة.
ولهما
(8)
: أنه لا تنافي بين السببين في حق الشفيع.
ألا ترى أنه لو اشترى مرتين مرة بألف، ومرة بألفين كان للشفيع أن يأخذ بأيهما شاء؛ فعرفنا أنه لا تنافي بينهما في حقه، والاشتغال بالترجيح عند تعذر العمل بهما، فأما مع إمكان العمل بالبينتين فلا معنى للمصير إلى الترجيح؛ فيجعل في حق الشفيع [إلى]
(9)
كأن الشرائين جميعًا ثابتان، فله أن يأخذ بأيهما شاء، وهو نظير المولى مع العبد إذا اختلفا فقال المولى: قلت لك: إذا أديت إليَّ ألفين فأنت حرٌّ. وقال العبد: قلت لي: إذا أدَّيت إليَّ ألفًا فأنت حر. فأقاما البينة، فإن بينة العبد تقبل بهذا الطريق، وهو أنه لا منافاة بينهما، فيجعل كأن الكلامين صَدَرَا من المولى، ويُعتق العبد بأداء أيِّ المَالين شيئًا بخلاف البائع مع المشتري إذا اختلفا؛ لأن هناك العمل بالبينتين غير ممكن، فالعقد الثاني في حقهما ناسخ للأول، فلهذا صرنا إلى الترجيح بالزيادة كيف وأيتهما
(10)
ممنوعة على ما روي عن محمد، فإن ابن سماعة
(11)
روى عن محمد
(12)
أنَّ البينة بينة الموكل؛ لأن الوكيل صدر منه إقراران؛ أي: بحسب ما تُوجبه البينتان، فكان للموكل أن يأخذ بأيهما شاء، فأما في ظاهر الرواية
(13)
، فقلنا: الوكيل مع الموكل كالبائع/ مع الموكل، كالبائع مع المشتري، ولهذا يجري التخالف بينهما عند الاختلاف في الثمن، وقد بيَّنا القدر منه.
(1)
في (ع): «الثمن» .
(2)
في (ع): «هنا» .
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
في (ع): «بمعنى» .
(5)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(6)
في (ع): «لأنها» .
(7)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(8)
أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة.
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
في (ع): «وإنها» .
(11)
هو محمد بن سماعة بن عبيد بن هلال بن وكيع بن بشر التميمي، أبوعبد الله، كتب النوادر عن أبي يوسف، ومحمد، وروى الكتب والأمالي، وولي القضاء للمأمون ببغداد سنة 192 هـ، توفي سنة 233 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 240، 241، الجواهر المضية: 2/ 58.
(12)
ينظر: المبسوط: 14/ 100، العناية: 9/ 392، البحر الرائق: 8/ 151.
(13)
ظاهر الرّواية: هى مسائل رويت عن أصحاب المذاهب، وهم أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمّد، رحمهم اللّه تعالى، لكن الغالب الشائع فى ظاهر الرّواية، أن يكون قول الثلاثة، أو قول بعضهم، ثمَّ هذه المسائل التى تسمَّى بظاهر الرِّواية والأصول، هى ما وجد فى كتب محمَّد التى هي:«المبسوط» ، و «الزيادات» ، و «الجامع الصَّغير» ، و «الجامع الكبير» ، و «السّير» ، وإنما سمِّيت بظاهرة الرِّواية، لأنها رويت عن محمَّد بروايات الثَّقات، فهى ثابتة عنه؛ إمَّا متواترة، أو مشهورة. ينظر: الطبقات السنية: 1/ 34.
وأما المشتري من العدو يعني: أن المشتري من العدو والمولى القديم إذا اختلفا فقد نص في «السير الكبير»
(1)
أن البينة بينة المولى القديم، ولم يذكر فيه قول أبي يوسف لما بينهما من الوحشة حين صنف «السير الكبير» ، ولئن سلمنا فهناك العمل بالبينتين غير ممكن في حق المولى القديم؛ لأن الشرى الثاني ناسخ للأول، فصرنا إلى الترجيح بالزيادة بهذا.
وهذه طريقة لأبي
(2)
حنيفة في هذه المسألة حكاها محمد، والطريقة الثانية حكاها أبو يوسف، وهي قوله في الكتاب: «ولأن بينة الشفيع ملزمة، وبينة المشتري غير ملزمة، والبينتان للإلزام، بيان هذا: أنه إذا قبلت بينة الشفيع وجب على المشتري تسليم الدار إليه [بألف]
(3)
شاء، أو إلى
(4)
، وإذا قبلت بينة المشتري لا يجب على الشفيع شيء، ولكنه يتخير بين أن يأخذ أو يترك، وبه فارق بين البائع والمشتري؛ لأن كل واحد من البينتين هناك ملزمة، وكذلك بينة الوكيل مع الموكل كل واحد منهما ملزمة، فلهذا صرنا إلى الترجيح بالزيادة، وفي
(5)
مسألة المشتري من العدو يقول على هذه الطريقة: البينة بينة المولى القديم؛ لأنها ملزمة، وبينة المشتري غير ملزمة. هذا كله في الباب الأول من «شفعة المبسوط»
(6)
.
وإذا ادَّعى المشتري شيئًا، وادَّعى البائع أقل منه، ولم يقبض الثمن إلى آخره، ولم يتعرض لبيان أن الدار في يد البائع أو في يد المشتري؛ لأن ذلك لا يختلف؛ لأنه ذكر في «الإيضاح»
(7)
: «فإذا اختلف البائع معهما، أي: مع المشتري والشفيع والدار في يد البائع أو المشتري، ولم ينقد الثمن، فالقول [في ذلك]
(8)
قول البائع، ويتحالفان، [ويترادان]
(9)
، وإن ادَّعى البائعُ الأكثر، أي: الأكثر مما قاله المشتري والشفيع؛ لأنه وضع هذه المسألة في «المبسوط»
(10)
و «الذخيرة»
(11)
في اختلاف
(12)
هؤلاء الثلاثة بأن قال الشفيع: [الثمن]
(13)
ألف. وقال المشتري: ألفان. وقال البائع: ثلاثة آلاف. فإن أقاموا البينة، فالبينة بينة البائع؛ لأنها تُثبت الزيادة.
(1)
السير الكبير في الفقه، للإمام محمد بن الحسن الشيباني، صاحب أبي حنيفة، وهو آخر مصنفاته، صنفه بعد انصرافه من العراق. ينظر: كشف الظنون: 2/ 1013.
(2)
في (ع): «أبي» .
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
(ع): «أبي» ، والصواب:(شاء أو أبى). ينظر: المبسوط: 14/ 101.
(5)
في (ع): «في» بدون الواو.
(6)
ينظر: المبسوط: 14/ 100.
(7)
ينظر: البناية: 11/ 323.
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
ينظر: المبسوط: 14/ 100.
(11)
ينظر: البناية: 11/ 324.
(12)
في (ع): «باختلاف» .
(13)
زيادة من: (ع).
ولو كان اختلافهم في الثمن قبل نقد الثمن، فهو على وجهين:
الأول: أن تكون الدار في يد البائع، وفي هذا الوجه ينظر إن كان ما قاله البائع [أقل مما قالا، فالقول قول البائع، ويأخذ الشفيع بذلك من غير يمين على أحد، وإن كان ما قاله البائع]
(1)
أكثر مما قالا، فالبائع مع المشتري يتحالفان، فبعد ذلك إن نكل البائع فالشفيع يأخذ بألفين، وإن نكل المشتري لزمه ثلاثة آلاف درهم، والشفيع يأخذ بثلاثة آلاف درهم إن شاء، وليس له أن يأخذها بألفي درهم، وإن حلفا وطلبا الفسخ من القاضي، أو طلب أحدهما ذلك، وفسخ القاضي العقد بينهما، فالشفيع يأخذ بما قاله البائع إن شاء، ففسخ العقد مما لا يبطل حق الشفيع خصوصًا على قول العامة، فإن عندهم من ضرورة أخذ الشفيع الشفعة من المشتري ينفسخ العقد الذي جرى بين البائع والمشتري، وقد ذكرناه من رواية «الجامع الكبير» فكان الفسخ مقررًا لحق الشفيع لا رافعًا، ولأن حق الشفيع لما ثبت بطلبه عند سماع البينة قد وقع لازمًا، ولا يرتفع حقه الثابت بفسخ المتبايعين بيعهما بعد ذلك؛ لأن حق الشفيع منفصل عن حق المتبايعين؛ لأنه لما بدأ بالإقرار [إن]
(2)
تعلقت الشفعة به، أي: بالإقرار بالبيع، فبقوله بعد ذلك قبضت الثمن.
يريد إسقاط حق الشفيع، أي: حق الشفيع الذي تعلق بالبيع بما قال البائع من مقدار الثمن؛ لأنه لو تحقق استيفاء الثمن كان البائع أجنبيًّا من هذا البيع؛ لأن هذا الكلام فيما إذا وقع تسليم الدار إلى المشتري في «الذخيرة» ، فلما وقع تسليم الدار إلى المشتري واستيفاء الثمن للبائع كان البائع والأجنبي في حق هذا العقد سواء، وكلام الأجنبي لا يُسمع في حقِّ مقدار [هذا]
(3)
الثمن، فكذا قول هذا البائع، بيان هذا فيما ذكره في «الذخيرة»
(4)
.
وقال: «وإذا كانت الدار في يد المشتري فقال البائع: بعتُها إيَّاه بألف درهم، واستوفيت الثمن، وقال المشتري: اشتريتها بألفين؛ أحدها بألفين، والفرق/ أن البائع إذا بدأ بالإقرار بالاستيفاء لا يصح منه بيان مقدار الثمن بعد ذلك؛ لأنه لم يبق بعد استيفاء الثمن وتسليم الدار إلى المشتري ذا حظ من هذا العقد بل صار كالأجنبي، ولو أن أجنبيًّا بيَّن مقدار الثَّمن لا يصح بيانه. كذا هاهنا، وإذا بدأ ببيان مقدار الثمن [التي]
(5)
لا يصح منه الإقرار بالاستيفاء بعد ذلك؛ لأن قبل الإقرار بالاستيفاء ثبت حق الآخر
(6)
للشفيع بذلك المقدار، وبالإقرار بالاستيفاء يبطل ذلك الحق على الشفيع، أي: في حق المقدار، كما في المسألة التي بدأ بالاستيفاء، ثم بين المقدار لأن بالإقرار بالاستيفاء يتبين أن [بيان]
(7)
مقدار الثمن منه لم يصح؛ لأنه لم يبق ذا حظ من هذا العقد، فلم يصح الإقرار بالاستيفاء، أي:[في حق]
(8)
الشفيع في حق المقدار صيانة لحق الشفيع، وإذا لم يصح الإقرار بالاستيفاء بقي [بيان]
(9)
مقدار الثمن صحيحًا؛ لأنه بين مقدار الثمن، وهو ذو حظ في هذا العقد؛ لأن له الاستيفاء بحكم هذا العقد.
(1)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
ينظر: بدائع الصنائع: 5/ 31.
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
في (ع): «الأخذ» .
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
في (ع): «بحق» .
(9)
ساقطة من: (ع).
وذكر في «المبسوط»
(1)
فهو نظير ما قال الوصي: استوفيت [جميع]
(2)
ما للميت على غريمه فلان، وهو ألف درهم، وقال الغريم: بل كان عليَّ ألفا درهم، وقد أوفيتك جميع ذلك، فالوصي ضامن للألفين، ولا شيء له على الغريم، ولو قال: استوفيت من الغريم ألف درهم، وهو جميع ما للميت عليه فقال: فلان كان عليَّ ألفا درهم، وقد أوفيتك الكل؛ فللوصي أن يرجع عليه بألفٍ أخرى، والفرق ما بينا، وهو أن البائع إذا بدأ بإقرار قبض جميع الثمن قبل أن يبين مقداره، فقد انتهى حكم للعقد
(3)
في حقه، وصار هو كالأجنبي
(4)
فلا قول له بعد ذلك في بيان مقدار الثمن، فيكون القول قول المشتري.
وأما إذا بدأ ببيان مقدار الثمن قبل أن يقر بقبضه، فقد ظهر أن الثمن ذلك القدر يخبره؛ لأن الشرع جعل القول قوله ما لم يصل إليه الثمن، وثبت للشفيع حق الأخذ بذلك الثمن، فلا يبطل ذلك عليه بإقرار البائع بقبض الثمن بعد ذلك.
وذكر في «الإيضاح» : وروى الحسن
(5)
عن أبي حنيفة -رحمه
(6)
الله- أن المبيع إذا كان في يدي البائع، وأقر
(7)
بقبض الثمن، وزعم أنه ألف، فالقول قوله؛ لأن التملك يقع على البائع، فيرجع إلى قوله. والله [تعالى]
(8)
أعلم بالصواب
(9)
.
* * *
فصل فيما يؤخذ به المشفوع
لما فرغ من بيان أحكام المشفوع وهو الأصل؛ لأنه المقصود من حق الشفعة شَرَع في بيان ما يُؤخذ به وهو البيع؛ لأن الذي يؤخذ به المشفوع هو الثمن الذي يؤديه [به]
(10)
الشفيع، والثمن بيع؛ لأن الثمن ما بقي، أي: الذي بقي، بخلاف حط الكل؛ لأنه لا يلتحق بأصل العقد، وذلك لأن [حط]
(11)
جميع الثمن لو التحق بأصل العقد؛ فإما أن يصير العقد هبة ولا شفعة للشفيع في الهبة، أو يصير بيعًا بغير ثمن فيكون فاسدًا ولا منفعة في البيع الفاسد، فعرفنا أنه لا يمكن إلحاق [حط]
(12)
الجميع بأصل العقد في حق الشفيع، بخلاف حط البعض.
(1)
ينظر: المبسوط: 14/ 107.
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
في (ع): «العقد» .
(4)
في (ع): «كأجنبي» .
(5)
الحسن بن زياد الأنصاري أبو علي مولاهم، العلامة، فقيه العراق، الكوفي، اللؤلؤي، صاحب أبي حنيفة، نزل بغداد، وصنّف، وتصدر للفقه، صنَّف كتاب «المقالات» ، وله: كتاب «المجرد لأبي حنيفة» ، وكتاب «أدب القاضي» ، وكتاب «الخصال» ، وكتاب «معاني الإيمان» ، وكتاب «النفقات» ، وكتاب «الخراج» ، وكتاب «الفرائض» ، وكتاب «الوصايا» ، توفي سنة 204 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 150، والجواهر المضية: 1/ 193، وسير أعلام النبلاء 9/ 543 - 544.
(6)
في (ع): «رحمهما» .
(7)
في (ع): «فأقر» .
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
ينظر: بدائع الصنائع: 5/ 31، العناية: 9/ 393.
(10)
ساقطة من: (ع).
(11)
ساقطة من: (ع).
(12)
ساقطة من: (ع).
وإن زاد المشتري البائع لم يلزم الشفيع الزيادة؛ لأن الشفيع قد استحق أخذها بالثمن الأول قبل الزيادة، والمشتري لا يملك إبطال الحق الثابت له، فلا يملك تغييره أيضًا؛ يوضحه أن هذه الزيادة يلزمه
(1)
نفسه شيئًا للبائع، ويلزمه
(2)
الشفيع مثل ذلك، وله الولاية على نفسه دون الشفيع؛ فيعمل إلزامه
(3)
في حقه، ولا يعمل في حق الشفيع.
ألا ترى أنه لو جدد
(4)
بيعًا مع البائع بأكثر من الثمن الأول صحَّ ذلك في حقه، وكان الشفيع
(5)
أن يأخذ بالثمن الأول.
فإن قلت: ما وجه الفرق بين هذا وبين البيع مرابحة؛ فإن هناك استوى الحط والزيادة في حق الالتحاق [الالتحاق]
(6)
بأصل العقد، وفي حق الشفيع افترقا حيث يلتحق الحط بأصل العقد دون الزيادة.
قلنا
(7)
: [الفرق]
(8)
فيه: [هو]
(9)
أن بيع المرابحة غير مستحق على المشتري، فليس في التزامه الزيادة في حكم بيع المرابحة إبطال حق مستحق عليه بخلاف الشفعة، فإنا لو ألحقنا الزيادة بأصل العقد في حق الشفيع يلزم إبطال حق ثبت للشفيع بأقل من ذلك الثمن. هذا كله من «المبسوط»
(10)
.
وثمرة التحاق الحط والزيادة بأصل العقد يظهر في مسألة أخرى أيضًا: أما في الحط فإن الشفيع إذا سلم الشفعة، ثم حظر
(11)
البائع من الثمن شيئًا فله الشفعة؛ لأن الحط يلتحق بأصل العقد، فكان كما أجير
(12)
بالبيع بألف فسلم، فإذا البيع/ بخمسمائة، وأما [في]
(13)
الزيادة: فإن الشفيع إذا سلم الشفعة، ثم زاد
(14)
البائع بعد ذلك في المبيع عبدًا أو أمة كان للشفيع أن يأخذ الدار بحصتها، أي: بحصة الدار من الثمن؛ لأن الزيادة تلتحق بأصل العقد؛ فتبين أن حصة الدار من الثمن أقل
(15)
مما عليه الشفيع. كذا ذكره في الفصل العاشر من شفعة «الذخيرة»
(16)
.
ومن أراد بالعوض: المتاع الذي هو من ذوات القيم؛ كالعبد، لا من ذوات الأمثال؛ كالحنطة والشعير- فإن فيها يأخذ الشفيع بمثلها إلا
(17)
بقيمتها.
(1)
في (ع): «تلزم» .
(2)
في (ع): «وتلزم» .
(3)
في (ع): «التزامه» .
(4)
قد تكون في (ع): «جدد» .
(5)
في (ع): «للشفيع» .
(6)
ساقطة من: (ع)، ولعلها مكررة في (أ).
(7)
في (ع): «قلت» .
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
ينظر: المبسوط: 14/ 108.
(11)
في (ع): «حط» .
(12)
لعلها في (ع): «أخبر» .
(13)
زيادة من: (ع).
(14)
في (ع): «أراد» .
(15)
في (ع): «بأقل» .
(16)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 287.
(17)
في (ع): «لا» .
أحدها
(1)
: الشفيع بقيمته
(2)
، أي: أخذ
(3)
[الشفيع]
(4)
الدار بقيمة العوض
(5)
التي كانت هي وقت الشرى، لا وقت الأخذ بالشفعة. هكذا ذكر قبل الفصل الخامس من شفعة «الذخيرة» ؛ لأنه من ذوات القيم
(6)
.
فإن قلت: القيمة في
(7)
ذوات القيم إنما يعرف بالحزْر والظن، وذلك يمنع من استحقاق الشفعة.
ألا ترى أن الشفيع لو سلم شفعة الدار على أن يأخذ من الدار بيتًا بعينه، وهذا التسليم باطل، فكان له أن يأخذ جميع الدار، وإنما بطل تسليمه حتى لم يستحق شفعة البيت المعين منفردًا؛ لكون قيمة البيت مما يعرف بالحزْر والظن حتى أنه لو سلم شفعة الدار على أن يأخذ ثلثًا منها أو نصفًا منها، فالتسليم جائز، والأخذ جائز؛ فكان له أن يأخذ الثلث أو النصف؛ لأنه أخذ شيئًا معلومًا بشيء معلوم؛ لأن ثمن [نصف]
(8)
الدار، أو ثلثها
(9)
معلوم بيقين، ثم قيمة العبد في مسألتنا مما يعرف بالحزْر والظن؛ فيجب أن لا يستحق لها
(10)
الشفعة.
قلت: قضية القياس: أن لا تؤخذ الدار بقيمة العبد إلا [أنا]
(11)
تركنا القياس لضرورة؛ لأن بيع الدار بالعبد قد صحَّ، وإذا صح البيعُ وجبت الشفعة، ولا يمكن الأخذ إلا بقيمة العبد أوجبنا الأخذ بالقيمة لهذه الضرورة، ومثل هذه الضرورة لا تتأتى في مسألة البيت؛ لأن أخذ البيت بثمن معلوم ممكن للشفيع، فجواز سقوط اعتبار الجهالة لضرورة
(12)
لا تدل
(13)
على جواز سقوط الجهالة بغير
(14)
ضرورة. كذا ذكر في الفصل العاشر في شفعة «الذخيرة»
(15)
.
ثم هذا الذي ذكره بأن أخذ الشفيع الدار بقيمة العوض
(16)
غيرنا.
وقال أهل المدينة: نأخذها
(17)
بقيمة الدار. كذا ذكره في «المبسوط»
(18)
، وذكر العبد مكان العَرض، فقال:[وأداء الشرى]
(19)
دارًا [بغير نفسه]
(20)
، فللشفيع أن يأخذها بقيمة العبد عندنا.
(1)
في (ع): «أخذها» .
(2)
في (ع): «بقيمة» .
(3)
في (ع): «يأخذ» .
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
في (ع): «العرض» .
(6)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 280، الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 6/ 231.
(7)
في (ع): «من» .
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
في (ع): «نصفها» .
(10)
في (ع): «بها» .
(11)
ساقطة من: (ع).
(12)
في (ع): «بضرورة» .
(13)
في (ع): «يدل» .
(14)
في (ع): «لغير» .
(15)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 286.
(16)
في (ع): «العرض» .
(17)
في (ع): «يأخذها» .
(18)
ينظر: المبسوط: 14/ 128.
(19)
في (ع): «وإذا اشترى» .
(20)
في (ع): «بعبد بعينه» .
وقال أهل المدينة: يأخذها بقيمة الدار؛ لأن المبيع مضمون بنفسه، أو بما يقابله من
(1)
المسمى.
ألا ترى أن في البيع الفاسد لما تعذر وجوب المسمى كان مضمونًا بنفسه، وقد تعذر هاهنا إيجاب المسمى في حق الشفيع؛ لأنه لا مثل له من جنسه، فوجب المصير إلى الضمان الأصلي، وهو قيمة نفسه، ولأن دفع الصور من الجانبين واجب، وإنما يندفع الضرر عن المشتري بوصول قيمة ملكه إليه، وملكه عند الآخر
(2)
رقبة الدار.
وحجتنا في ذلك: أن الشفيع يتملك بمثل ما يملك به المشتري، والمثل إما أن يكون من حيث الصورة، وفي
(3)
معنى المالية، فإذا كان الثمن مما له مثل من جنسه يأخذه بمثله صورة، وإن كان مما لا مثل له من جنسه يأخذه بمثله في صفة المالية، وهو القيمة، كالغاصب عند تعذر رد العين [برد المثل]
(4)
فيما له مثل، والقيمة فيما لا مثل له؛ فإن مات العبد قبل أن يقبضه البائع انتقض الشرى بفوات القبض المستحق بالعقد، فإن العبد معقود عليه، وقد هلك قبل التسليم، وللشفيع أن يأخذ بقيمة العبد عندنا
(5)
.
وقال زُفر: «ليس له أن يأخذ
(6)
بالشفعة؛ لأن العقد قد انتقض من الأصل بهلاك العبد قبل التسليم»
(7)
.
وحجتنا في ذلك: أن بدل الدار في حق الشفيع قيمة العبد، وهو قادر على أخذها به بعد هلاك العبد كما قبله، وليس في هلاك العبد إلا انفساخ العقد بين البائع والمشتري، وذلك لا يمنع بقاء [حق]
(8)
الشفيع على ما بينا، بخلاف استحقاق العبد، فإنه يتبين به أن أصل البيع [لم يكن صحيحًا]
(9)
، وأن حقه
(10)
لم يثبت، وإذا باع بثمن مؤجل فللشفيع الخيار إن شاء أخذها بثمن حالٍّ، إلى آخره
(11)
.
وقال في «الذخيرة»
(12)
: «هذا إذا كان الأخذ
(13)
/ معلومًا، فأما إذا كان مجهولاً؛ نحو الحصاد، والدياس
(14)
، وأشباه ذلك؛ فقال الشفيع: أنا أعجل الثمن وآخذها، لم يكن له ذلك؛ لأن الشرى بالأجل المجهول فاسد، وحق الشفيع لا يثبت في الشرى الفاسد؛ لأن كونه مؤجلاً وهو
(15)
في الثمن، يقال: دَين مُؤجل، ودين حالٌّ.
(1)
في (ع): «في» .
(2)
في (ع): «الأخذ» .
(3)
في (ع): «أو في» .
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
ينظر: المبسوط: 14/ 128، البناية: 11/ 328.
(6)
في (ع): «يأخذها» .
(7)
ينظر: المبسوط: 14/ 128، البناية: 11/ 328.
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(10)
في (ع): «أصله» .
(11)
ينظر: المبسوط: 14/ 148، البناية: 11/ 329، العناية: 9/ 394.
(12)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 278، الفتاوى البرهانية: 5/ 177.
(13)
في (ع): «الأجل» .
(14)
الدياس: صقل السيف واستعمال الفقهاء إياه في موضع الدياسة تسامح أو وهم، وأصل الدوس شدة وطء الشيء بالقدم، وبه سمي أبو حي من العرب دوسًا. ينظر: المغرب: ص 170.
(15)
في (ع): «وصف» .
(والأخذ بالشفعة به)، أي: بالثمن.
ولنا: أن الأجل إنما يثبت بالشرط، ولا شرط فيما بين الشفيع والبائع، وليس هذا مقتضى العقد حتى يتحول إلى الشفيع بتحول الصفقة، بل هذا مقتضى الشرط؛ فيثبت في حق من ثبت في حقه الشرط.
وذكر في «المبسوط» الأجل مدة ملحقة بالعقد شرطًا، فلا يثبت في حق الشفيع كالخيار، وهذا لأن تأثير الأجل في تأخير المطالبة، وبه يتبين أنه ليس بصفة للمال؛ لأن الثمن للبائع، والأجل حق المشتري على البائع؛ فكيف يكون صفة للثمن؟!
الملاءة: صحته بفتح الميم
(1)
؛ فإنها مصدر مَلُؤَ الرجل -بالضم- ملاءة، والملي: الغني المقتدر
(2)
.
(ثم ولاه غيره)، أي: باعه بالتولية.
وقوله: (لما بينا من قبل)، أراد به: قوله: (لامتناع قبض المشتري بالآخر بالشفعة وهو يوجب الفسخ)، إلى آخره.
ذكر
(3)
في أواخر باب طلب الشفعة، خلافًا لأبي يوسف الآخر
(4)
.
وذكر ابنُ أبي مالك
(5)
: كان أبو يوسف يقول أولاً كقولهما في أن الشفيع إذا لم يطلب في الحال لم يكن له أن يأخذها بعد حلول الأجل، ثم رجع، وقال: له أن يأخذها عند حلول الأجل، وإن لم يطلب في الحال فوجهه أن الطلب غير مقصود بعينه، بل للأخذ، وهو في الحال لا يتمكن من الأخذ على الوجه الذي يطلبه؛ لأنه إنما يريد الأخذ بعد حلول الأجل، أو بثمن مؤجل في الحال، ولا يتمكن من ذلك فلا فائدة في طلبه في الحال فسكوته لأنه لم ير به فائدة، لا لإعراضه عن الأخذ
(6)
.
ووجهه
(7)
ظاهر الرواية: أن حقه ثبت في الشفعة بدليل أنه لو أخذه بثمن حالٍّ كان له ذلك، والسكوت عن الطلب بعد ثبوت حقه، فبطل شفعته. كذا في «المبسوط»
(8)
.
(وإن اشترى ذميٌّ بخمر أو خنزير [دارًا]
(9)
، وشفيعها ذمي، أخذها بمثل الخمر وقيمة الخنزير).
أطلق الاشتراء، ولم يتعرض أن المشتَرَى دارٌ أو بيعة أو كنيسة؛ لأن الشفعة تجري في الجميع.
وذكر في «المغني»
(10)
: اشترى الذمي من ذمي كنيسة أو بيعة، فللشفيع الشفعة، ثم قال: «وهذا الجواب ظاهر فيما إذا كان من دينهم
(11)
أن الملك [لا]
(12)
يزول عن المالك بجعله بيعة أو كنيسة، كما يزول الملك في ديننا إذا اتخذنا مسجدًا، إنما يشكل فيما إذا كان من ديانتهم: أن الملك يزول عن المالك بهذا الصنيع؛ لأنه باع ما لا يملك، فلا يجوز بيعه في ديانتهم. ونحن أمرنا ببناء الأحكام على اعتقادهم إلا ما استثني عليهم في عهودهم
(13)
.
(1)
في (ع): «اللام» .
(2)
ينظر: المغرب: ص 445، المبسوط: 14/ 103، البناية: 11/ 330.
(3)
في (ع): «ذكره» .
(4)
ينظر: المبسوط: 14/ 103، البناية: 11/ 317.
(5)
هو الحسن بن أبي مالك، أبو مالك، توفي سنة 204 هـ. ينظر: الجواهر المضية: 1/ 204.
(6)
ينظر: المبسوط: 14/ 103، العناية: 9/ 396.
(7)
في (ع): «وجه» .
(8)
ينظر: المبسوط: 14/ 103.
(9)
ساقطة من: أ، و (ع.
(10)
المغني: 12/ 213.
(11)
في (ع): «ديانتهم» .
(12)
ساقطة من: (ع).
(13)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 314.
والوجه في ذلك: أنه لما أقدم على البيع هدد أن بديننا [إلى]
(1)
أن الملك لا يزول عن المالك بما يُعده للمعصية، والذمي إذا كان
(2)
بديننا يلزمه ذلك، كما في نكاح المحارم إذا طلب الفرقة من القاضي.
وأما إطلاق لفظ الذمي في الكتاب في قوله: (وإذا اشترى ذمي)، وفي قوله:(وشفيعها ذمي)؛ للاحتراز عن المرتد، [لا للاحتراز]
(3)
عن الحربي المستأمن، فإن المرتد لا شفعة له، سواء قتل في ردته، أو مات، أو لحق بدار الحرب، ولا لورثته؛ لأن الشفعة لا تورث.
هذا إذا كان المرتد شفيعًا، وأما إذا كان المرتد بائعًا؛ فقتل، أو مات، أو لحق بدار الحرب- بَطَلَ البيع، لم يكن فيه الشفعة في قول أبي حنيفة
(4)
.
بخلاف ما إذا اشترى المرتد دارًا؛ لأن توقف العقد عنده لحق المرتد، فإذا كان المرتد هو البائع فهذا في معنى بيع بشرط الخيار للبائع فلا تجب به الشفعة، وإذا كان المرتد هو المشتري، فهذا [في]
(5)
معنى بيع بشرط الخيار للمشتري، فتجب الشفعة به للشفيع سواء، وبعض
(6)
البيع أو تم [لم يكن]
(7)
.
فإن
(8)
أسلم المرتد البائع قبل أن يلحق
(9)
بدار الحرب جاز بيعه، وللشفيع فيها الشفعة؛ لأن البيع تم، وخياره سقط بإسلامه. هذا التفصيل كله في المرتد.
و [أما]
(10)
الحربي المستأمن في وجوب الشفعة له، وعليه في دار الإسلام سواء بمنزلة الذمي؛ لأنه من جملة المعاملات، وهو قد التزم حكم المعاملات مدة مقامه في دارنا
(11)
؛ فيكون بمنزلة الذمي في ذلك؛ فإن اشترى المستأمن دارًا، ولحق/ بدار الحرب فالشفيع على شفعته متى لقيه؛ لأن لحاقه بدار الحرب كموته، وموت المشتري لا يبطل شفعة الشفيع.
وإن
(12)
اشترى المسلم في دار الحرب [دارًا]
(13)
، أو
(14)
شفيعها مسلم بدار له، ثم أسلم أهل الدار فلا شفعة للشفيع؛ لأن حق الشفعة من أحكام الإسلام، وحكم الإسلام لا يجري في دار الحرب.
وأما تعيين الخمر والخنزير في الثمن فللاحتراز عما إذا اشترى من الكافر دارًا بميتة أو دم فلا شفعة فيها؛ لأنها ليست بمال في حقهم، فالشرى بها يكون بإطلاق العقد الباطل لا تجب الشفعة. كذا في «المبسوط»
(15)
.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
في (ع): «دار» .
(3)
في (ع): «وللاحتراز» .
(4)
ينظر: المبسوط: 14/ 157.
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
لعلها في (ع): «انتقض» .
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
في (ع): «وإن» .
(9)
في (ع): «يرتد» .
(10)
ساقطة من: (ع).
(11)
في (ع): «دار الحرب» .
(12)
في (ع): «فإن» .
(13)
زيادة من: (ع).
(14)
في (ع): «و» .
(15)
ينظر: المبسوط: 14/ 168.
وذكر في «المغنى»
(1)
بعد ذكر مسائل المستأمن والمسلم الذي اشترى في دار الحرب دارًا يجب أن يعلم أن كل حكم لا يفتقر إلى قضاء القاضي، فدار الإسلام ودار الحرب في حق ذلك الحكم [سواء]
(2)
، وكل حكم يفتقر إلى قضاء القاضي لا يثبت ذلك الحكم في حق من كان من المسلمين في دار الحرب بمباشرة سبب ذلك الحكم في دار الحرب، نظير الأول جواز البيع والشرى، وصحة الاستيلاد، ونفاذ العتق، ووجوب الصوم والصلاة؛ فإن هذه الأحكام من أحكام الإسلام، وتجري على من كان في دار الحرب من المسلمين؛ لأن أحكام هذه الحقوق لا تفتقر إلى القضاء.
ونظير الثاني الزياد
(3)
؛ فإن المسلم إذا زنا في دار الحرب، ثم صارت [هي]
(4)
دار الإسلام
(5)
، أو خرج هو إلى دار الإسلام لا يقام عليه الحد؛ لأن الزنا في حال وجوده لم يوجب الحد؛ لأن ما هو المقصود من الحد الإقامة، والإقامة إلى الإمام، وليس للإمام ولاية الإقامة في دار الحرب، فلم يجب الحد لما كانت ولاية الإقامة فائتة.
قوله: (أما الخنزير فظاهر)؛ لأنه من ذوات القيم، فوجوب القيمة في ذوات القيم كان أمرًا ظاهرًا.
فإن قلت: ليس أمره بظاهر، بل أمر وجوب القيمة فيه أشد إشكالاً من وجوب القيمة في الخمر، وذلك لأنه ذكر في الكتاب في باب من ثمرة
(6)
على العاشر من كتاب (الزكاة) في مسألة: فإن مَرَّ ذمي بخمر أو خنزير على العاشر، وقال
(7)
: «إن القيم
(8)
في ذوات القيم لها حكم العين، فلذلك [لأحد يأخذ]
(9)
العاشر من قيمة الخنزير، ثم أوجب هاهنا على الشفيع المسلم قيمة الخنزير، [وقد علم من ذلك التعليل: أنَّ العقد ذوات القيم حكم الأعيان فحينئذ كان إيجاب قيمة الخنزير]
(10)
على المسلم بمنزلة إيجاب الخنزير [على المسلم]
(11)
، [فإيجاب الخنزير على المسلم]
(12)
غير جائز لوجهين
(13)
:
أحدهما: للزوم إيجاب الحيوان غير المعين في الذمة يقابله
(14)
المال.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 315.
(2)
في (ع): «على السواء» .
(3)
في (ع): «الزنا» ، وهو الصواب؛ لموافقته لسياق الكلام.
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
في (ع): «إسلام» .
(6)
في (ع): «يمر» .
(7)
ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 107.
(8)
في (ع): «القيمة» .
(9)
في (ع): «لا يأخذ» .
(10)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
ساقطة من: (ع).
(13)
في (ع): «بوجهين» .
(14)
في (ع): «بمقابلة» .
والثاني: للزوم إيجاب الخنزير على المسلم.
قلت: قد ذكرت جواز
(1)
هذا هناك فلا أعيده، وجواب آخر هنا:[هو]
(2)
أن قيمة الخنزير وإن كانت بمنزلة الخنزير معنى، ولكن في كينونتها بمنزلة الخنزير شبهة، فلما كان متضمنًا إبطال حق العبد لم يعمل بهذه الشبهة، بل يعمل بها فيما إذا لم يكن متضمنًا إبطال حق الغير، فلم يعمل هاهنا بالشبهة؛ لكون العمل بها متضمنًا إبطال حق الغير.
بخلاف ما إذا مرَّ على العاشر.
ثم اعلم أن طريق [قيمة]
(3)
معرفة الخمر والخنزير هو الرجوع فيها إلى من أسلم من أهل الذمة، أو من باب من فسقة المسلمين؛ فإن وقع الاختلاف في ذلك، فالقول فيه قول المشتري: بمنزلة ما إذا اختلف الشفيع والمشتري في مقدار الثمن. ذكر هذه المسألة، وهي طريق معرفة القيمة في أواخر باب ما لا يجب فيه الشفعة من شفعة «المبسوط»
(4)
، ثم لم يذكر مسألة ما إذا أسلم أحد المتعاقدين في حق الشفعة، فقال في «المبسوط»
(5)
: «وإذا أسلم أحد المتبايعين والخمر غير مقبوضة، والدار مقبوضة، أو غير مقبوضة انتقض البيع لفوات القبض المستحق بالعقد، والإسلام يمنع قبض الخمر بحكم البيع كما يمنع العقد على الخمر، ولكن لا يبطل حق الشفيع في الشفعة؛ لأن وجوب الشفعة بأصل البيع، وقد كان صحيحًا، وبقاؤه ليس بشرط لبقاء الشفعة، كما لو اشترى دارًا بعبد فمات العبد قبل التسليم انتقض البيع، ولم يبطل به حق الشفيع؛ فيأخذها الشفيع بقيمة الخمر إن كان هو مسلمًا، أو كان المأخوذ منه مسلمًا؛ لتعذر تمليك الخمر بينهما، وإن كانا كافرين أخذها بمثل تلك الخمر؛ لأن من أسلم من المتعاقدين قد تعذر التسليم والقبض في الخمر بينه وبين الآخر بسبب إسلامه، وذلك/ غير موجود بين الشفيع والمأخوذ منه إذا كانا كافرين، وإن كان إسلام أحد المتعاقدين بعد قبض الخمر قبل قبض الدار والبيع بينهما يبقى صحيحًا؛ لأن حكم العقد في الخمر منتهٍ بالقبض، والإسلام لا يمنع قبض الدار، [والله تعالى أعلم بالصواب].
(1)
في (ع): «جواب» .
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
ينظر: المبسوط: 14/ 149.
(5)
ينظر: المبسوط: 14/ 168، 169.
فصل
والمسائل في هذا الفصل كلها مبنية على تغير المشفوع؛ إما بالزيادة أو بالنقصان بنفسه، أو تعقل الغير، فكان المتغير فرعًا على غير المتعين، فلذلك ذكرها بعد المسائل المبنية على عدم التغير؛ لأن الفرع مبني على الأصل.
يجب أن يعلم أن تصرف المشتري في الدار المشفوعة بأن
(1)
[وجه]
(2)
كان من بيع أو هبة أو هدم بناء أو غير ذلك صحيح؛ لأن للمشتري حقيقة الملك، وللشفيع حق أن يتملك، على ما سيجيء تمام هذا في المسائل المتفرقة من كتاب (الشفعة) إن شاء وأخذها
(3)
بالثمن وقيمة البناء والغرس، أي: مقلوعين، وإن شاء كلف المشتري قلعه إلا إذا كان في القلع نقصان، وأراد الشفيع أن يأخذها مع البناء
(4)
والإغراس بقيمتها مقلوعة غير ثابتة فله ذلك.
وعن أبي يوسف أنه لا يكلف بالقلع
(5)
، ويخير- أي: الشفيع- بين أن يأخذه
(6)
بالثمن، وقيمة البناء والغرس، أي: قائمين على الأرض [غير]
(7)
مقلوعين، وبين أن يترك. كذا في «شرح الطحاوي»
(8)
.
وبه قال الشافعي أي: بالتخيير الذي ذكره أبو يوسف إلا أن عنده، أي: عند الشافعي
(9)
.
يعني: أن الشافعي في حق هذا التخيير الذي [ذكره]
(10)
أبو يوسف معه، ولكن للشافعي قول آخر، وهو أن يقلع الشفيع البناء، ويُعطى قيمة البناء بعد القلع، وصار كالموهوب له، يعني: أن الموهوب له إذا بنى في الأرض الموهوبة ليس للواهب أن يقلع بناءه، ويرجع في الأرض؛ لأنه بناه في ملكه، وكذلك المشتري شرى فاسدًا، وكما إذا زرع المشتري، يعني: أن المشتري إذا زرع الأرض المشتراة، ثم حضر الشفيع وطَالَبَه بالشفعة لم يكن للشفيع أن يقلع الزرع بالاتفاق فيجب أن يكون في البناء كذلك؛ لأن الضرر الواقع على المشتري [يقلع]
(11)
بقلع الزرع، والبناء واحد، [وهذا أي: وهذا]
(12)
المدَّعى الذي قلناه، وهو ألا يكلف المشتري بقلع البناء؛ لأن في إيجاب الأخذ بالقيمة دفع أعلى الضررين بتحمل الأدنى. بيان هذا هو أن هاهنا اجتمع ضرران:
أحدهما: على الشفيع، وهو ضرر زيادة الثمن على الشفيع في قولنا: أخذها الشفيع بالثمن، وقيمة البناء.
والثاني: على المشتري، وهو ضرورة قلع بناء المشتري من غير شيء يعوض مقابله
(13)
بنائه. وهو فيما قاله أبو حنيفة
(14)
.
(1)
في (ع): «بأي» .
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
في (ع): «أخذها» بدون الواو.
(4)
في (ع): «في» .
(5)
في (ع): «القلع» .
(6)
في (ع): «يأخذ» .
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
ينظر: البناية: 11/ 335، العناية: 9/ 398.
(9)
ينظر: البناية: 11/ 335، العناية: 9/ 398.
(10)
ساقطة من: (ع).
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
في (ع): «أي: وهذا» .
(13)
في (ع): «بمقابلة» .
(14)
ينظر: البناية: 11/ 337.
ثم الضرر الذي يلزمه
(1)
الشفيع أهون من ضرر المشتري؛ لأنه [لو لزم]
(2)
على الشفيع زيادة [على]
(3)
الثمن الذي اشترى به المشتري، لكن يدخل في ملك الشفيع عوض بمقابلة تلك الزيادة، وهو البناء والغرس.
وأما على قولكم يبطل ملك المشتري بالقلع من غير شيء يقابله؛ فكان ضرر الشفيع أهون من ضرر المشتري فكان القول به أوفى
(4)
بهذا الطريق. إلى هذا أشار في «المبسوط»
(5)
تعلق به، أي: بالمحل، فقوله: تعلق به حق متأكد للغير.
وقوله: (من غير تسليط من جهة من له الحق)، كل واحد منهما احتراز عن بناء الموهوب له، وبناء المشتري بالشرى الفاسد، فإن حق الواهب والبائع بالبيع الفاسد ليس في صفة التأكد مثل حق الشفيع.
ألا ترى أن تصرف المشتري هاهنا بالبيع والهبة ينقص لحق الشفيع، ولا ينقص تصرف الموهوب له، والمشتري بالشرى الفاسد بالبيع والهبة لحق [البائع و]
(6)
الواهب، فكذلك هاهنا يجب أن ينقص تصرف المشتري في الأرض المشفوعة بالبناء.
وكذلك الواهب والبائع بالبيع الفاسد لا ينقصان بناء الموهوب له والمشتري بالشرى الفاسد؛ لأن ذلك البناء حصل بتسليط الواهب والبائع بالبيع الفاسد.
وأما هاهنا فبناء المشتري لم يكن بتسليط الشفيع فينقص.
بخلاف الهبة أي: لا يبقى حق الرجوع للواهب بعد بناء الموهوب له بالاتفاق.
وبخلاف الشرى الفاسد عند أبي حنيفة
(7)
؛ [بقوله]
(8)
: «لأن عدم جواز استرداد البائع في الشرى الفاسد إذا بنى المشتري فيما اشترى» . على قول أبي حنيفة
(9)
.
وعندهما [يسترده فيما اشترى بناء/ ينحصر البائع هناك بعد البناء]
(10)
كالشفيع في ظاهر الرواية
(11)
.
ومسألة استرداد البائع بعد البناء في الشرى الفاسد من المسائل التي خطَّأ فيها أبو يوسف محمدًا في حفظه الرواية
(12)
، وقد مَرَّ في البيع الفاسد.
ولأن حق الاسترداد فيهما أي: في الهبة والبيع الفاسد، وهذا الحق، أي: حق الشفعة فلا معنى
(13)
لإيجاب القيمة كما في الاستحقاق، وهذا جواب عن قول أبي يوسف بأن الشفيع لو أخذ الأرض المشفوعة التي بنى [المشتري]
(14)
فيها بناء إنما يأخذها الثمن
(15)
، وقيمة البناء لا غير
(16)
، أي: لا معنى لإيجاب القيمة على الشفيع فلا يجب كما لا تجب القيمة على المستحق، فإن الشفيع بمنزلة المستحق والمشتري لو بنى أو غرس، ثم استحق يرجع بالثمن وقيمة البناء والغرس على البائع، لا على المستحق، فكذلك هاهنا لا يرجع على الشفيع بقيمة البناء والغرس.
(1)
في (ع): «يلزم» .
(2)
في (ع): «لزوم» .
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «أولى» .
(5)
ينظر: المبسوط: 14/ 114، البناية: 11/ 337.
(6)
زيادة من: (ع).
(7)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
ينظر: البناية: 11/ 37، 338.
(10)
في (ع): «يسترد البائع ماله بعد البناء» . وكلمة (ماله) غير واضحة.
(11)
ينظر: البناية: 11/ 338.
(12)
ينظر: البناية: 11/ 338.
(13)
في (ع): «يتعين» .
(14)
زيادة من: (ع).
(15)
في (ع): «بالثمن» .
(16)
في (ع): «ولا غير» .
وأما الجواب عن قوله: لأن في إيجاب الأخذ بالقيمة دفع أعلى الضررين إلى آخره، فما ذكره في «المبسوط» بقوله: «إن حق الواجب والبائع في البيع الفاسد ضعيف؛ لأنه لا يبقى بعد تصرف الموهوب [له]
(1)
والمشتري بخلاف حق الشفيع فإنه يبقى، والاشتغال بالترجيح لدفع أعلى
(2)
الضررين بالأهون، إنما يكون بعد المساواة في أصل الحق، ولا مساواة، فحق الشفيع مقدم على حق المشتري، ثم البناء الذي يدخل في ملكه ربما لا يكون موافقًا له، فيحتاج إلى مؤنة لدفع ذلك البناء، ثم يُبنى على الوجه الذي يوافقه
(3)
.
فإن قلت: ما الفرق بين بناء المشتري في الأرض المشفوعة وبين ما [إذا]
(4)
اشترى دارًا، أو صبغها بأشياء كثيرة، ثم جاء الشفيع فهو [قيل]
(5)
بالخيار؛ إن شاء أخذها بالشفعة وأعطاه ما زاد فيها، وإن شاء ترك، وهذا بالاتفاق، ذكرها في «العيون»
(6)
.
قلت: هو
(7)
أيضًا على الاختلاف، كما في البناء ولو كان على الاتفاق، ففرق محمد بين البناء والصبغ، فقال: البناء إذا نُقض لا يلحق المشتري كثير ضرر لا
(8)
يسلم له النقص
(9)
.
ولا كذلك إذا نقض الصبغ. إلى هذا أشار في «الذخيرة» و «الفرق» ، على ما هو المشهور
(10)
، أي: الفرق في أن المشتري عند ظهور [الاستحقاق يرجع على بائعه بقيمة البناء، والشفيع لا يرجع على المشتري عند ذلك بقيمة البناء هو أن المشتري مغرور من جهة البائع، فيرجع عليه بالثمن، وبقيمة البناء لدفع الغرور، وذلك لأن البائع اليوم للمشتري السلامة، ولا غرور في حق الشفيع، لا من جانب البائع، ولا من جانب المشتري؛ لأنه يملك على صاحب اليد جبرًا من غير اختيار، فلا يرجع، ونظير هذا الجارية المأسورة إذا اشتراها رجل، وأخذها المالك القديم بالثمن، واستولدها، ثم استحقت من يده- رجع على الذي اشترى من أهل الحرب بالثمن الذي دفعه إليه، ولم يرجع بقيمة الولد؛ لأنه لم يغره، بخلاف ما إذا اشترى جارية فاستولدها، ثم استحقت، فالمشتري يرجع بالثمن وقيمة الولد على البائع للغرور. كذا في «المبسوط» في آخر كتاب (الشفعة)
(11)
، و «الإيضاح»
(12)
؛ لأن البناء والغرس تابع فلا يقابلهما شيء من الثمن.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
في (ع): «أعظم» .
(3)
ينظر: المبسوط: 14/ 115.
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
ينظر: عيون المسائل: ص 264.
(7)
في (ع): «هذا» .
(8)
في (ع): «لأنه» .
(9)
ينظر: البناية: 11/ 338.
(10)
ينظر: المصدر السابق: 11/ 338.
(11)
ينظر: المبسوط: 14/ 184.
(12)
ينظر: الفتاوى الهندية: 4/ 150.
وأصل المسألة في البيوع، فإن المذهب عندنا أن الثمن مقابلة الأصل دون الأوصاف حتى إن فوات الوصف في يد البائع من غير صنع أحد لا يسقط شيئًا من الثمن.
وعند الشافعي يسقط في أحد القولين
(1)
.
وكذلك فوات الوصف في يد المشتري من غير صنع أحد لا يمنعه من البيع مرابحة على جميع الثمن عندنا.
وعند الشافعي يمنعه من ذلك
(2)
.
بخلاف ما إذا غرق نصف الأرض حيث يأخذ الباقي بحصته، فالتقييد بالنصف لا لإخراج غيره عن هذا الحكم، بل اتبع فيه بوضع «المبسوط» ، ثم ذكر في «المبسوط»
(3)
بأن الحكم في الثلث وغيره كذلك. وقال فيه: «وإذا اشترى دارًا فغرق نصفها فصار مثل الفرات يجري فيه الماء لا يستطاع رد ذلك عنها، وللشفيع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن إن شاء؛ لأن حقه ثابت في الكل، وقد تمكن من أخذ البعض، فيأخذه من حصته من الثمن اعتبارًا للنقض بالكل
(4)
.
والشافعي في كتابه يدعي المناقضة علينا بهذا الفصل، ويقول: إنهم زعموا إذا احترق البناء لم يسقط شيء من الثمن عن الشفيع، فإذا غرق بعض الأرض سقط حصته من الثمن، فكأنهم اعتبروا فضل الماء دون النار
(5)
.
وإنما قال ذلك لقلة الفقه/ والتأمل، فإن البناء وصف وتبع، وليس بمقابلة الوصف شيء من الثمن إذا فات من غير صنع أحد، فأما نقص الأرض فليس ببيع للأرض، فلابد من إسقاط حصة ما عرف من الثمن عن الشفيع، أو يتأخر ذلك إلى أن يتمكن من أخذه والانتفاع به.
ولهذا قلنا في حق احتراق البناء من غير صنع أحد: لا يسقط شيء من الثمن أيضًا لما قلنا؛ لأن البناء وصف وتبع، بخلاف الأرض، فإنها أصل.
ثم قال: فإن قال المشتري: ذهب منها الثلث، أي: ثلث الأرض بالغرق، وقال الشفيع: ذهب النصف. فالقول قول المشتري، ويأخذها الشفيع بثلثي الثمن إن شاء، وكذلك لو استحق رجل بعضها، وسلم الشفعة فطلبها الجار بالشفعة أخذ ما بقي بحصته من الثمن، والقول قول المشتري في مقدار المستحق من الباقي؛ لأن الشفيع يدعي حق التملك عليه في الباقي بثمن ينكره المشتري.
وإن نقض المشتري البناء، أي: البناء الذي كان بناه البائع، وليس للشفيع أن يأخذ النقض؛ لأنه قد زايل الأرض، وهو نفسه منقول لا يستحق بالشفعة، وإنما كان ثبوت حقه فيه لاتصاله بالأرض، فإذا زال ذلك لم يكن في البناء حق، ولم يذكر في الكتاب ما إذا هدمه أجنبي، وجعل في «المبسوط»
(6)
حكم هدم الأجنبي، وحكم هدم المشتري سواء، فقال بعدما ذكر حكم هدم المشتري بأنه يقسم الثمن على قيمة الأرض، وقيمة البناء يوم وقع الشرى؛ فيأخذ الأرض بحصتها من الثمن، قال
(7)
: وكذلك لو استهلكه أجنبي، وأخذ منه المشتري قيمته، فإن سلامة بدل البناء للمشتري بمنزلة سلامة البناء للمشتري لو هدمه، وما كان مركبًا فيه كالأبواب والسرر المركبة على ما عرف في ولد المبيع، يعني: أن الجارية المبيعة ولدت ولدًا قبل قبض المشتري يسري حكم البيع إلى الولد حتى يكون الولد ملك المشتري أيضًا كأمه، لا يأخذ الثمن في الفصلين، أي: في فصل ما إذا كان في النخيل ثمر حين وقع الشرى، ثم هذه للمشتري، وفي فصل ما إذا لم يكن في النخيل ثمر وقع الشرى على الأرض والنخيل، ثم أثمر النخيل، ثم جزَّ المشتري، ثم جاء الشفيع لم يبق للشفيع حق في الثمن في الفصلين؛ لأنه لم يبق بيعًا؛ لأن بيعته إنما كانت بالاتصال بالنخيل، ولم يبق متصلاً، قال في الكتاب أي: في «مختصر القُدوري»
(8)
، وهذا جواب الفصل الأول، وهو ما إذا ابتاع أرضًا وعلى نخلها ثمر، أما في الفصل الثاني وهو ما إذا ابتاعها وليس في النخيل ثمر، وهذا الذي ذكره كله]
(9)
هو جواب ظاهر الرواية خلافًا لأبي يوسف في قوله الأول؛ لأنه ذكر في باب الشفعة في الأرضين والأنهار من شفعة «المبسوط»
(10)
.
(1)
ينظر: المبسوط: 14/ 112.
(2)
ينظر: المصدر السابق: 14/ 112.
(3)
ينظر: البناية: 11/ 341.
(4)
ينظر: المبسوط: 14/ 115.
(5)
ينظر: المبسوط: 14/ 115.
(6)
ينظر: المصدر السابق: 14/ 112.
(7)
ينظر: المصدر السابق: 14/ 112.
(8)
ينظر: البناية: 11/ 344.
(9)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(10)
ينظر: المبسوط: 14/ 134.
وإذا اشترى [أرضًا فيها نحل ليس فيها ثمر فأثمرت في يده فأكلها سنتين، ثم جاء الشفيع فله أن يأخذها بالشفعة]
(1)
لجميع
(2)
الثمن إن شاء.
وكان أبو يوسف يقول أولاً
(3)
: يحط من الثمن حصة ما أكل المشتري من الثمن؛ لأن حال المشتري مع الشفيع كحال البائع مع المشتري قبل التسليم إليه، ولو أكل البائع الثمار الحادثة بعد العقد يحط عن المشتري حصتها من الثمن، كما يحط حصة الثمرة الموجودة عند العقد، فكذلك في حق الشفيع يوضحه أن [التناول من الثمار]
(4)
الحادثة يمنع المشتري من بيعها مرابحة حتى تبين، وهي في ذلك كالثمار الموجودة فكذلك في حق الشفيع.
فأما وجه ظاهر الرواية وهو الذي رجع إليه أبو يوسف أن المشتري تملك الأرض والنخل بجميع الثمن، والشفيع إنما يأخذها بمثل ما يملك به المشتري، وهذا لأن الحادث من الثمار بعد القبض لا حصة له من الثمن، فإنه لم يكن موجودًا عند العقد، ولا عند القبض وانقسام
(5)
الثمن يكون باعتبارهما، ولو كانت قائمة في يد المشتري كان يضمه إلى الأصل، ويبيع الكل مرابحة، فإذا تناول ذلك لم يكن له أن يبيعه مرابحة من غير بيان، إلا أن يكون اتفق عليه مثل ما أكل.
وهذا بخلاف الثمار الموجودة عند العقد، أو
(6)
أخذها المشتري، فللثمار الموجودة حصة من الثمن، ولا حق للشفيع فيها بعد الجذاذ، ويطرح عن الشفيع حصتها من الثمن.
وذكر في «الإيضاح» ولو
(7)
كانت الثمرة قائمة فقبض المشتري، واستهلك الثمرة أو هلكت في يده سقط عن الشفيع حصته من الثمن؛ لأن العقد ورد عليها مقصودًا، فيرفع
(8)
حصتها عن الشفيع، ولو أثمرت في يد المشتري/ فجاء الشفيع والثمرة في النخيل فله أن يأخذ الكل بالثمن الأول لا يزاد عليه، وإن
(9)
جذها المشتري ثم جاء الشفيع والثمرة قائمة أو مستهلكة أخذ الأرض والنخيل بجميع الثمن إن شاء، بخلاف ما إذا حدث
(10)
في يد البائع قبل القبض، فأتلفه البائع أنه يرفع عنه الحصة؛ لأن ما حدث قبل القبض له حصته على اعتبار صيرورته مقصودًا بالقبض، أو بإتلاف البائع، وإذا حدث في يد المشتري لم يرد عليه، فبقي مقصوده فلا تثبت [له]
(11)
الحصة، [والله أعلم]
(12)
(13)
.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
في (ع): «بجميع» .
(3)
ينظر: المبسوط: 14/ 134.
(4)
في (ع): «تناول الثمار» .
(5)
في (ع): «ولانقسام» .
(6)
في (ع): «إذا» .
(7)
في (ع): «لو» بدون الواو.
(8)
في (ع): «فوقع» .
(9)
في (ع): «فإن» .
(10)
في (ع): «أحدث» .
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
زيادة من: (ع).
(13)
ينظر: البناية: 11/ 345.
باب ما يجب
(1)
فيه الشفعة، وما لا يجب
(2)
مسألة: ثبوت الشفعة فيما لا يقسم
ذكر تفصيل
(3)
ما يجب فيه الشفعة، وما لا يجب بعد ذكر [نفس]
(4)
الوجوب مجملاً؛ لأن التفصيل إنما يحتاج إليه إذا سبق ذكر الإجمال.
(الشفعة واجبة)، أي: ثابتة. [والعقار كل]
(5)
مالٍ له أصل من دار أو ضيعة
(6)
.
(وإن كان مما لا يقسم)، أي: وإن كان مما لا يحتمل القسمة، أي: لو [قسم]
(7)
قسمة حسية لا ينتفع به؛ كالحمام والرحى، بخلاف الأرض.
وقال الشافعي: «لا شفعة فيما لا يقسم، أي: فيما لا يحتمل القسمة»
(8)
.
والخلاف بيننا وبينه راجع إلى أصل
(9)
، وهو أن من أصل الشافعي أن الأخذ بالشفعة لدفع ضرر مؤنة القسمة، وذلك لا يتحقق فيما لا يحتمل القسمة
(10)
.
وعندنا لدفع ضرر التأذي بسوء المجاورة على الدوام، وذلك فيما لا يحتمل القسمة موجودة
(11)
لاتصال أحد الملكين بالآخر على وجه التأييد والقرار.
ولنا ما روي من الحديث في الكتاب، وهو حديث جابر رضي الله عنه
(12)
، ولأن الحمام لو كان مهدومًا فباع أحد الشريكين نصيبه كان للشريك الشفعة، وما يستحق بالشفعة مهدومًا يستحق بالشفعة مثبتًا؛ كالشقص
(13)
من الدار.
ثم للشفيع في الرحى والحمام ما كان متصلاً بهما كالبناء، وليس له من متاعها الذي هو ليس بمركب بهما.
(1)
في (ع): «تجب» .
(2)
في (ع): «تجب» .
(3)
في (ع): «فصل» .
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
في (ع): «في العقار وكل» .
(6)
الضيعة: العقار، والجمع: ضِياعٌ وضِيَعٌ. ينظر: الصحاح: 3/ 1252، التعريفات الفقهية: ص 134.
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
ينظر: العناية: 9/ 403، البناية: 11/ 346، 347.
(9)
في (ع): «الأصل» .
(10)
ينظر: المبسوط: 14/ 135.
(11)
في (ع): «موجود» .
(12)
يشير إلى حديث جابر رضي الله عنه في الصحيحين: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل مال لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة» . أخرجه البخاري في «صحيحه» ، كتاب البيوع، باب بيع الشريك من شريكه: 1/ 527، برقم: 2213، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب الشفعة: 1/ 656، برقم:1608.
(13)
الشقص: القطعة من الأرض، والطائفة من الشيء. والشقيص: الشريك. يقال: هو شقيصي، أي شريكي في شِقْصٍ من الأرض. ينظر: الصحاح: 3/ 1043، المطلع على ألفاظ المقنع: ص 335، لسان العرب: 7/ 48، التعريفات الفقهية: ص 124.
ألا ترى أن الحمام يباع فيأخذه الشفيع بقدر [ماء]
(1)
الحمام؛ لأنه في البناء، وكذلك في الرحى، ولا يأخذ القصاع
(2)
؛ لأنها غير متصلة بالبناء. كذا في «المبسوط» في باب (الشفعة في الأرضين)»
(3)
.
وذكر في «فتاوى قاضي خان» في بيع الحمام يدخل القدر المركب من غير ذكر في البيع، والقصاع لا يدخل، وإن ذكر الحقوق والمرافق
(4)
.
الربع
(5)
: الدار
(6)
.
والرحى أي: بيت [الرحى]
(7)
مع الرحى
(8)
.
الحائط: البستان، وأصله: ما أحاط به
(9)
، ومنه حديث أُبيٍّ حيث قال: [«حائطي
(10)
»، أي: أدَّعِي حائطي]
(11)
أو حائطي الذي تعرفه ملكي
(12)
.
الحسب بفتح السين وسكونها في معنى القدر على اختيار المطرزي
(13)
، يقال: أحسبت إليه حسب الطاقة، وعلى حسبها، أي: قدرها
(14)
.
وعلى اختيار الجوهري هو بالفتح
(15)
، وإنما سكن في ضرورة الشعر.
ولا شفعة في البناء والنخيل إذا بيعت بدون العرصة؛ لأن الشفعة إنما تجب [عما]
(16)
في الأراضي التي يملك رقابها حتى أن الأراضي التي جازها الإمام لبيت المال، ويدفع إلى الناس مزارعة فصار لهم فيها كردار؛ كالبناء والأشجار
(17)
، فلو بيعت هذه الأراضي فبيعها باطل، فبيع الكردار إذا كان معلومًا يجوز، ولكن لا شفعة فيها، وإنما تجب بحق الملك في الأراضي حتى لو بيعت دار بجنب دار الوقف فلا شفعة للوقف، ولا يأخذها المتولي، وكذلك إذا كانت هذه الدار وقفًا على رجل لا يكون لل موقوف عليه حق الشفعة بسبب هذه الدار. كذا في «الذخيرة» ، و «المغني»
(18)
.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
القصاع جمع قصعة، وهي وعاء كبير يتخذ للأكل، وكان يتخذ من الخشب غالبًا. ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة: 3/ 1824.
(3)
ينظر: المبسوط: 14/ 135.
(4)
ينظر: البحر الرائق: 5/ 317.
(5)
في (ع): «الدفع في» .
(6)
ينظر: البناية: 11/ 348.
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
ينظر: البناية: 11/ 348.
(9)
ينظر: العناية: 9/ 403.
(10)
أخرجه البخاري في صحيحه: 3/ 117، كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب: إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز، رقم الحديث:2395.
(11)
في (ع): «أي: حائطي، أو حائطي» .
(12)
ينظر: المغرب: 1/ 234.
(13)
ينظر: العناية: 9/ 403، 404، المغرب: ص 114.
(14)
ينظر: المغرب: ص 114.
(15)
ينظر: الصحاح 1/ 110.
(16)
زيادة من: (ع).
(17)
الكِرْدَارُ، بالكسرِ: مِثْلُ البِناءِ والأَشْجارِ، والكَبْسُ إذا كبَسَهُ من تُرابٍ، نَقَلَهُ من مَكانٍ كان يَمْلِكُهُ، القاموس المحيط، ص 469.
(18)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 251، البناية: 11/ 350.
فإن قلت: يشكل على قوله في «الذخيرة» : «وإنما تجب الشفعة بحق الملك في الأرض حتى لو بيعت دار بجنب دار الوقف فلا شفعة للوقف» ، إلى آخره، وكذلك قوله في الكتاب: «فلأن
(1)
الشفعة سببه الاتصال في الملك»
(2)
، إلى آخره استحقاق العبد المأذون والمكاتب على ما يجيء، فإنه ليس لهما ملك رقبة الأرض، ومع ذلك إنما
(3)
يستحقان الشفعة.
قلت: لا يشكل؛ لأن استحقاقهما التصرف في الأرض كالبيع والشرى قام مقام ملك الرقبة، كما قاله أبو حنيفة
(4)
باستحقاق
(5)
الشفعة للمشتري الذي له الخيار إذا بيعت دار بجنب تلك الدار المشتراة
(6)
مع أنه لا يقول بالملك له على ما يجيء بيانه.
بخلاف العلو حيث يستحق بالشفعة، أي: يستحق العلو بالشفعة، يعني: لو بيع العلو، وكان لذلك العلو طريق في دار رجل صاحب الدار [التي]
(7)
فيها الطريق أولى من صاحب الدار التي عليها
(8)
العلو لما مر أنَّ الشريك في الطريق مقدم/ على الجار، فإن سلم صاحب الطريق الشفعة
(9)
، وللعلو جار ملازق أخذه بالشفعة مع صاحب السفل؛ لأنهما استويا في الجوار.
ويستحق به، أي: بالعلو الشفعة في السفل، يعني: لو باع صاحب السفل سفله كان صاحب العلو شفيعًا بالجوار، وليس بشريك
(10)
إذا لم يكن طريق العلو في ذلك السفل. كذا في «الإيضاح»
(11)
.
وقال في الكتاب
(12)
: «إذا لم يكن طريق العلو فيه، أي: في السفل ببيان
(13)
أن استحقاق الشفعة بالعلو بسبب الجوار، لا بسبب الشريك، وليس هو لنفي الشفعة إذا كان به
(14)
طريق في السفل، بل إذا كان له طريق في السفل كان استحقاق صاحب العلو الشفعة في السفل بسبب الشركة في الطريق، لا بسبب الجوار حتى أنه يكون مقدمًا على الجار، على ما ذكرنا من «الإيضاح»
(15)
.
(1)
في (ع): «ولأن» .
(2)
ينظر: البناية: 11/ 350.
(3)
في (ع): «إنهما» .
(4)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(5)
في (ع): «فاستحقاق» .
(6)
ينظر: البناية: 11/ 350.
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
في (ع): «فيها» .
(9)
في (ع): «بالشفعة» .
(10)
في (ع): «لشريك» .
(11)
ينظر: البناية: 11/ 351.
(12)
ينظر: العناية: 9/ 404، البناية: 11/ 351.
(13)
في (ع): «لبيان» .
(14)
في (ع): «له» .
(15)
ينظر: العناية: 9/ 404.
ثبوت الشفعة للمسلم والذمي
(والمسلم والذميُّ في الشفعة سواء).
وقال ابن أبي ليلى: «لا شفعة للذمي» . ويقول: «لأن الأخذ بالشفعة رفق
(1)
شرعي فلا يثبت، لمن هو منكر لهذه الشريعة، وهو الكافر»
(2)
.
ثبوت الشفعة للصغير والكبير
ولكنا نأخذ بما قضى به شريح، وقد تأيَّد ذلك بإمضاء عمر رضي الله عنه، ثم أهل الذمة قد التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات، والأخذ بالشفعة من المعاملات، وهو مشروع لدفع الضرر، والضرر مدفوع عنهم، كما هو مدفوع عن المسلمين، كذا في «المبسوط»
(3)
و «الصغير» و «الكبير» ، [أي]
(4)
: سواء. وهذا عندنا.
وقال ابن أبي ليلى: «فإنه كان يقول: لا شفعة للصغير؛ لأن وجوبها [لدفع ضرر]
(5)
التأذي بسوء المجاورة، وذلك بين الكبار دون الصغار، ولأن الصغير في الجوار تبع، فهو في معنى المستعير والمستأجر»
(6)
.
ولكنا نقول: سبب الاستحقاق [متحقق]
(7)
في حق الصغير، وهو الشركة أو الجوار من حيث اتصال ملكه بالمبيع على وجه التأبيد؛ فيكون مساويًا للكثير في الاستحقاق به أيضًا، ثم هو محتاج إلى الأخذ لدفع الضرر في الثاني عن نفسه، وإن لم يكن محتاجًا إلى ذلك في الحال، ولمثل هذه الحالة جاز للولي
(8)
[من]
(9)
تزويج الصغير والصغيرة، فكذلك ثبت في
(10)
حق الشفعة، كذا ذكر في الباب الأول من شفعة «المبسوط»
(11)
.
وكذلك ثبتت الشفعة عندنا للجنين أيضًا؛ لأنه ذكر في باب (الوكالة بالشفعة) من شفعة «المبسوط»
(12)
.
وإذا كانت الشفعة لورثته
(13)
فهم
(14)
الصغير والكبير والحبل الذي لم يُولد بعدُ، فهم في الشفعة سواء؛ لأن الجنين من أهل الملك بالإرث؛ فباعتبار الملك يتحقق سبب استحقاق الشفعة من جوار أو شركة، وإذا وضعت الحبلى حملها، وقد ثبت نسبه من الميت يتركهم في الشفعة، وإن كان الوضع بعد البيع لأكثر من ستة أشهر؛ لأنا [بما حكمها]
(15)
بثبوت نسبه
(16)
من الميت، فقد حكمنا بالإرث له، ولكونه
(17)
موجودًا عند البيع، فهو بمنزلة ما لو كان بعض الشركاء في الدار غائبًا، فأخذ الحاضر الدار المبيعة، ثم حضر الغائب فله أن يأخذ [حصته من]
(18)
ذلك، والعبد
(19)
إذا كان مأذونًا، أي: يستحق العبد المأذون الشفعة، هذا إذا كان بائع الدار غير المولى، فالمسألة تجري على عمومها، أما إذا كان البائع مولى العبد، والعبد شفيعها، فللعبد الشفعة إذا كان عليه دين، وإلا فلا. هكذا ذكر في باب (الشهادة في الشفعة) من شفعة «المبسوط» ، فقال
(20)
: «وإذا باع الرجل دارًا، وله عبد تاجر وهو
(21)
شفيعها، فإن [كان]
(22)
عليه دين فله الشفعة، وإن لم يكن عليه دين فلا شفعة له؛ [لأن ماله]
(23)
لمولاه إذا لم يكن عليه دين، فكما أن البائع لا يأخذ ما باع بالشفعة في هذه الدار، فكذلك [عبده لا]
(24)
يأخذ، [وإذا كان عليه دين فالغرماء أحق بكسبه، وللغرماء حق الأخذ بالشفعة في هذه الدار، فكذلك للعبد أن يأخذها]
(25)
لنفعهم
(26)
، يوضحه أن الأخذ بالشفعة بمنزلة الشرى، وشرى العبد من مولاه إذا لم يكن عليه دين باطل، بخلاف ما إذا كان عليه دين، فكذلك حكم الأخذ بالشفعة.
(1)
في (ع): «وفق» .
(2)
ينظر: المبسوط: 14/ 93.
(3)
ينظر: المصدر السابق: 14/ 93.
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
في (ع): «الضرر» .
(6)
ينظر: المبسوط: 14/ 98، 99.
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
في (ع): «للمولى» .
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
في (ع): «له» .
(11)
ينظر: المبسوط: 14/ 99.
(12)
ينظر: المصدر السابق: 14/ 164.
(13)
في (ع): «لورثة» ، وهو الصواب. ينظر: المصدر السابق: 14/ 166.
(14)
في (ع): «فيهم» ، والصواب: منهم. ينظر: المصدر السابق: 14/ 166.
(15)
في (ع): «إذا حكمنا» .
(16)
في (ع): «النسب» .
(17)
في (ع): «وبكونه» .
(18)
مطموسة في (أ).
(19)
في (ع): «العبد» بدون الواو.
(20)
ينظر: المبسوط: 14/ 122.
(21)
في (ع): «هو» بدون الواو.
(22)
زيادة من: (ع).
(23)
في (ع): «فإن مولاه» .
(24)
في (ع): «للعبد أن» .
(25)
ساقطة من: (ع).
(26)
في (ع): «شفعتهم» .
وعلى هذا لو باع العبد ومولاه شفيعها، فإن لم يكن عليه دين فلا شفعة للمولى؛ لأن بيع العبد وقع له، وإن كان عليه [دين]
(1)
فله الشفعة؛ لأن بيعه كان لغرمائه، والمولى من كسب عبده المديون كسائر الأجانب لمثل ما تملك به المشتري صورة، أي: في ذوات الأمثال، أو قيمة، أي: في غير ذوات الأمثال، على ما مَرَّ، أي: في فصل (ما يؤخذ به المشفوع) في قوله: (ومن اشترى دارًا بعرض أخذها الشفيع بقيمته) /؛ لأنه من ذوات القيم، (ومن اشترى بمكيل أو موزون أخذها بمثله)؛ لأنهما من ذوات الأمثال، إلى آخره.
وعند الشافعي: يجب فيها الشفعة
(2)
، وكذلك عند ابن أبي ليلى
(3)
.
وقوله: (يتأتى)، أي: وقول الشافعي [رحمه الله]
(4)
إنما يتأتى فيما إذا جعل شقصًا من دار مهرًا؛ لأنه لا يرى الشفعة بالجوار أو ما يضاهيه، أي: أو ما يضاهي المهر كبدل الخلع والأجرة، أي: إذا جعل شقصًا من دار بدل الخلع أو الأجرة في المعنى الخاص المطلوب، وهو المالية، ولا يتحقق [فيهما]
(5)
، أي: ولا يتحقق [المعنى]
(6)
الحاضر
(7)
وهو المالية، ولا يتحقق [فيهما، أي: ولا يتحقق الحاضر المطلوب في الدية]
(8)
والعتق، والأولى في تعليل هذه المسألة ما علل [به]
(9)
في نكاح «المبسوط» ، فقال: «وجوب الشفعة يختص بمعاوضة
(10)
مال بمال مطلق، والبضع: ليس بمال، فكان
(11)
المملوك صداقًا بمنزلة الموهوب، فلا تجب فيه الشفعة، وهذا لأن الشفيع إنما يتملك بمثل السبب الذي تملك به المشتري، فإن الشرع قدم الشفيع على المشتري في إثبات حق الأخذ له بذلك السبب، لا في إنشاء سبب آخر، ولهذا لا تجب الشفعة في الموهوب؛ لأنه لو أخذه [أخذه]
(12)
بعوض، فكان سببًا آخر غير السبب الذي تملك به المتملك
(13)
.
فكذلك هاهنا المرأة إنما ملكت الدار بالنكاح صداقًا، لو
(14)
أخذها الشفيع كان شرى؛ فكان
(15)
سببًا آخر، بخلاف ما إذا اشتراها بعبد، فإن الشفيع يأخذها بمثل ذلك السبب.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
ينظر: العناية: 9/ 405، البناية: 11/ 354، المبسوط: 5/ 78.
(3)
ينظر: البناية: 11/ 354، المبسوط: 5/ 78.
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
زيادة من: (ع).
(7)
في (ع): «الخاص» .
(8)
في (ع): «في الذم» .
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
في (ع): «معاوضة» .
(11)
في (ع): «وكان» .
(12)
ساقطة من: (ع).
(13)
ينظر: المبسوط: 5/ 78، 140، العناية: 9/ 405.
(14)
في (ع): «ولو» .
(15)
في (ع): «وكان» .
وإنما قلنا هذا أولى؛ لأن الصفقة المضافة إلى المشتري تنتقل إلى الشفيع عند الأخذ بالشفعة، على ما ذكرنا، وذلك إنما يكون، أي: لو كان [ما]
(1)
يأخذه الشفيع مثل ما يأخذه المشتري من كل وجه، وذلك لا يتحقق فيما أخذ الشفيع الشفعة فيمن جعلها صداقًا للمرأة؛ لأنه بمنزلة المفروض، أي: لأن المهر الذي قبض
(2)
بعد العقد بمنزلة المفروض في العقد في كونه يحتمل أن يرجع الضمير في كونه إلى المفروض في العقد، أو إلى المفروض بعد العقد؛ لأن كل واحد منهما مقابل بالبضع، أي: المهر المفروض بعد العقد بمنزلة المهر المفروض في حالة العقد في حق التنصيف في الطلاق وقبل الدخول، في ظاهر الرواية بالإجماع، على ما مَرَّ في كتاب (النكاح) في قوله:(وإن تزوجها ولم يُسَمِّ لها مهرًا، ثم تَرَاضَيا على تسميته، فهي لها، وإن طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة)، لا نصف المهر المفروض بعد النكاح؛ لأنه مبادلة مال بمال؛ لأن مهر المثل أو المسمى
(3)
مال.
وكذلك الدار مال فكانت مبادلة الدار بمهر المثل مبادلة مال بمال، لا تتعلق هذه المبادلة بالبضع.
والدليل على هذا: أنه لو طلقها في هذه الصورة قبل الدخول لم يلزمها رد شيء من الدار على الزوج، وإنما يلزمها ثمن الدار ما فرض القاضي مهرًا لها يحبس
(4)
من ذلك مقدار المتعة، وتعطيه الفضل على ذلك، بخلاف ما إذا جعلها مسمى لها، فإن هناك تعطيه نصف المسمى، كذا في شفعة «المبسوط»
(5)
حتى إن المضارب إذا باع دارًا، وفيها ربح، لا يستحق ربُّ المال الشفعة في هبة
(6)
الربح.
صورته: إذا كان رأس المال ألفًا، فاتَّجر المضارب ورَبِحَ ألفًا، ثم اشترى بالألفين دارًا في جواز
(7)
رب المال، ثم باعها بالألفين، قال
(8)
رب المال لا يستحق الشفعة في حصة المضارب من الربح باعتبار أن الربح تبع لرأس
(9)
المال، وليس في مقابلة رأس المال شفعة لرب المال؛ لأن البيع كان لرب [المال]
(10)
؛ لأن المضارب وكيل لرب المال في حقه، وليس في بيع الوكيل شفعة للموكل على ما يجيء إن شاء الله تعالى، فكذا في حصة الربح، وهو البيع.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
في (ع): «فرض» .
(3)
في (ع): «والمسمى» .
(4)
في (ع): «يحسب» .
(5)
ينظر: المبسوط: 14/ 145.
(6)
في (ع): «حصة» ، وهو الصواب. ينظر: العناية: 9/ 407، البناية: 11/ 356.
(7)
في (ع): «جوار» .
(8)
في (ع): «فإن» .
(9)
في (ع): «رأس» .
(10)
زيادة من: (ع).
وفي «الإيضاح»
(1)
و «المغني»
(2)
: فلو باع المضارب دارًا من المضاربة، ورب المال شفيعها، فلا شفعة له سواء كان في الدار ربح أو لم يكن؛ لأن المضارب باع الدار لرب المال، وقد عرف أن المضارب وكيل رب المال بالبيع، فلا شفعة فيه، وهذا بخلاف ما إذا اشترى المضارب دارًا، ورب الدار شفيعها بدار له أخرى، فله أن يأخذ الشفعة؛ لأن شرى المضارب، وإن وقع له ولكن في الحكم كأنه مال ثالث.
ألا ترى أنه لا يقدر أن ينزعه من يده، فيكون له أن يأخذه، وذكر محمد في المسألة الأولى، وليس إذا كان رب المال لا يملك نهيه عن البيع ما يدل على أن المضارب ليس بوكيل بالبيع من جهته.
ألا ترى أن رجلاً لو رهن من آخر دارًا، أو سلط العدل على بيعها إذا حل أجل الدين حتى يستوفي الدين من الثمن لم يكن للراهن أن ينهاه عن البيع، وإن باعها/ العدل والراهن شفيعها بدار له أخرى لم يكن للراهن أن يأخذها بالشفعة؛ لأن العدل وكيل الراهن بالبيع، مع أن الراهن لا يملك رهنه
(3)
عن البيع
(4)
.
وقوله: (في حصة الربح)، أي: في حصة ربح المضارب.
[قوله]
(5)
: [قال رحمه الله]
(6)
- قال رضي الله عنه: (هكذا ذكر في أكثر النسخ
(7)
المختصر: (والصحيح: أو
(8)
يصالح عنها بإنكار»، يعني: عطف في المختصر.
الشفعة في الصلح على الإنكار
قوله: (أو يصالح عليها بإنكار) على الصور التي لا شفعة فيها فيما ذكر قبله، وهو قوله: (ولا شفعة في الدار [التي]
(9)
يتزوج الرجل عليها، أو يخالع المرأة بها)، إلى أن قال:(أو يصالح عليها بإنكار) حيث ألحق هذه الصورة بالصور التي لا تجب فيها الشفعة، ليس
(10)
كذلك، بل إنما كان عدم وجوب الشفعة في الصلح على الإنكار فيما إذا كانت الدار مصالحًا عنها لا مصالحًا عليها؛ لأن الصلح إذا وقع على الدار وجبت الشفعة في الأحوال الثلاث؛ من إقرار، وإنكار، وسكوت، والتفصيل بين الإقرار والإنكار فيما إذا وقع الصلح على الدراهم عن الدار؛ لأنه ذكر في الفصل الثالث من شفعة «الذخيرة»
(11)
: «وإذا ادعى حقًّا على إنسان، وصالحه المدعي قبله، أي: المدَّعى عليه على دار فللشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة، سواء كان الصلح عن إنكار أو إقرار، ويدخل السكوت تحت الإنكار، وإنما تثبت الشفعة هنا؛ لأن التملك بالشفعة يقع على المدعي، وفي زعم المدعي أنه ملك هذه الدار عوضًا عما هو عين مال؛ فيبنى الأمر على زعمه، وبمثله لو ادَّعى دارًا في يدي رجل، وصالحه المدعى قِبَله [على]
(12)
أن يعطيه المدعى قبله دراهم، ويترك الدار على المدعى قبله ينظر إن كان الصلح على إقراره
(13)
[قبله بالشفيع، وإن كان الصلح عن إنكار فلا شفعة للشفيع؛ لأن التملك بالشفعة هاهنا يقع على المدعى قبله فإذا كان الصلح على إقرار]
(14)
ففي زعمه أنه تملك الدار بعوض هو عين مال، وإذا كان الصلح عن إنكار ففي زعمه أنه لا يملك الدار بعوض أصلاً، وإنما دفع الدراهم
(15)
فداء عن اليمين، فإذًا في الفصول كلها تعبير زعم من يقع التملك عليه، بخلاف ما إذا صالح عنها
(16)
بإقرار، أي يجب فيه الشفعة.
(1)
ينظر: البناية: 11/ 357.
(2)
ينظر: المغني: 5/ 255، البناية: 11/ 357.
(3)
في (ع): «نهيه» ، والصواب ما هو ثابت في المتن.
(4)
ينظر: المبسوط: 14/ 156، البناية: 11/ 357.
(5)
زيادة من: (ع).
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
في (ع): «نسخ» .
(8)
في (ع): «أن» .
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
في (ع): «وليس» .
(11)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 253.
(12)
زيادة من: (ع).
(13)
في (ع): «إقرار المدعى» .
(14)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(15)
في (ع): «الدار» .
(16)
في (ع): «عليها» .
وكذلك إذا أقام المدَّعي البينة حيث تجب فيها الشفعة؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت بالإقرار. كذا في «المبسوط»
(1)
؛ لأنه أخذها عوضًا، أي: لأن المدعي أخذ الدار المصالح عنها عوضًا عن حقه في زعمه، أي: عن حق المدعي في زعم المدعى إذا لم يكن من جنسه، أي: إذا لم يكن العوض من جنس حقه، وإنما قيد [به]
(2)
؛ لأنه إذا كان من جنسه يكون آخذًا حقه، فلا يكون معاوضة فلا تجب الشفعة.
الشفعة في الهبة
(ولا شفعة في هبة لما ذكرنا)، وهو قوله قبل هذا في الباب:(بخلاف الهبة)؛ لأنه لا عوض فيها رأسًا، فإنه لما لم يجب في تمليك الدار التي لها عوض، ولكن ليس بمال؛ كالبضع في النكاح، والنفقة في الإجارة فلأن لا يجب في تمليك الدار التي لا عوض مقابلتها أصلاً أولى، وهذا عندنا
(3)
.
وقال ابن أبي ليلى
(4)
: «الموهوب يستحق بالشفعة إذا كان مما لا يقسم، ويأخذه الشفيع بقيمة نفسه إن لم يعوض الموهوب له الواهب، وإن عوَّضه فبقيمة العوض فإنه يقول: ثبوت حق الشفعة لحاجته إلى دفع ضرر التأذي بسوء مجاورة الجار الحادث، وذلك لا يختلف باختلاف سبب الملك فتجب له الشفعة متى تجدد الملك لجار
(5)
حادث بأي سبب كان من هبة، أو صدقة، أو وصية إلا الميراث، فالملك لا يتحدد به، وإنما يبقي للوارث ما كان ثابتًا للمورث، ولكنا نقول: حق الشفعة إنما يثبت له إذا تمكن من الأخذ بمثل السبب الذي يملك به التملك، فأما إذا عجز عن ذلك فلا يثبت له حق الشفعة كالميراث، وفي الهبة لا تقدير
(6)
على أن يأخذ بمثل ذلك السبب؛ لأن الموهوب له تملكه بطريق التبرع.
وإنما يأخذها [الشفيع]
(7)
بطريق المعاوضة فيكون هذا إنشاء لسبب آخر، وبحق الشفعة لا يثبت هذه الولاية. كذا في «المبسوط»
(8)
إلا أن يكون بعوض مشروط، أي: في العقد ولابد
(9)
من القبض، وهذا عندنا خلافًا لزفر، فإنه إذا وهب لرجل دارًا على أن وهب له الآخر ألف درهم شرطًا فلا شفعة للشفيع ما لم يتقابضا بعد
(10)
التقابض يجب للشفيع فيها الشفعة
(11)
.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 253.
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
ينظر: البناية: 11/ 358.
(4)
ينظر: المبسوط: 14/ 140.
(5)
في (ع): «جار» .
(6)
في (ع): «يقدر» .
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
ينظر: المبسوط: 14/ 140.
(9)
في (ع): «لابد» بدون الواو.
(10)
في (ع): «وبعد» .
(11)
ينظر: المبسوط: 14/ 141، الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 6/ 235.
وعلى قول زفر -[رحمه الله]
(1)
- تجب الشفعة قبل التقابض، وهو بناء على ما بينا في كتاب (الهبة): أن الهبة بشرط العوض عنده بيع ابتداء وانتهاء
(2)
.
وعندنا: [بيع]
(3)
ابتداء، وبمنزلة البيع إذا اتصل به القبض من الجانبين. كذا في «المبسوط»
(4)
بخلاف ما إذا لم يكن العوض مشروطًا في العقد، أي: لا تثبت الشفعة/ حينئذ لا في الموهوب ولا في العوض إذا كان العوض دارًا؛ لأن كل واحد منهما هبة من غير عوض، وأوضح ذلك في «الإيضاح» فقال: «ولو وهب له عقارًا من غير عوض مشروط في العقد، ثم عوضه من ذلك دارًا فلا شفعة في الهبة، ولا في العوض؛ لأن هذه هبة أثبتت على هبته، والهبة الثانية أثرت في إبطال حق الرجوع لا أن يكون عوضًا عن الموهوب الأول حقيقة.
ألا ترى أنه لو وهبه عشرة وعوَّضه خمسة جاز ولو كان عوضًا عن الموهوب لكان رِبًا، وإذا ثبت أنه ليس بعوض عن نفس الموهوب لم تثبت الشفعة»
(5)
.
وذكر في «الأوضح»
(6)
: فامتناع الرجوع فيما إذا عُوِّض بدون الشرط لمكان التعويض لا لصيرورتها تبعًا؛ لأنه يمنع زوال الملك عن البائع، فلما كان بقاء حق البائع يمنع ثبوت حق الشفيع، كما في البيع الفاسد كان بقاء ملكه أولى. كذا في «المبسوط»
(7)
.
(والشفعة تبتنى عليه)، أي: على زوال الملك عن البائع على ما مَرَّ، أي: في أوائل كتاب (الشفعة) في قوله: (والشفعة تجب بعقد البيع)، إلى أن قال:(والوجه فيه: أن الشفعة إنما تجب إذا رغب البائع عن ملك الدار) إلى آخره
(8)
.
هل تجب الشفعة مع خيار المشتري
(وإذا أخذها)، أي: وإذا أخذ الشفيع الدار في الثلاث، أي: في مدة الخيار التي هي الثلاث، وإنما قيد بالثلاث؛ لتكون المسألة على الاتفاق. (وجب البيع)، أي: تقرر وتحقق البيع الذي جرى بين البائع والمشتري بشرط الخيار، وإنما ذكر هذا؛ لأن المشتري بخيار الشرط لو ردَّ البيع بحكم خيار الشرط قبل طلب الشفيع لم يجب البيع ولم يتحقق، بل انفسخ من الأصل؛ فحينئذ لا يتمكن الشفيع من طلب الشفعة؛ لأن هذا ليس بإقالة، بل انفساخ من الأصل؛ فكان السبب منعدمًا في حقه من الأصل. إلى هذا أشار في «المبسوط»
(9)
.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
ينظر: المبسوط: 14/ 141.
(3)
في (ع): «من» .
(4)
ينظر: المبسوط: 14/ 141.
(5)
ينظر: البحر الرائق: 8/ 158.
(6)
الأوضح، في فروع الحنفية، للشيخ الإمام أبي بكر محمد بن أبي الفتح النيسابوري الحنفي، توفي في حدود سنة 540 هـ، ينظر: كشف الظنون: 1/ 202، وهدية العارفين 2/ 89.
(7)
ينظر: المبسوط: 14/ 143.
(8)
ينظر: الهداية: 4/ 26.
(9)
ينظر: المبسوط: 14/ 143، البناية: 11/ 361.
(ولا خيار للشفيع)، أي: خيار الشرط الذي كان ثابتًا للمشتري لا يكون ثابتًا للشفيع، وإن كان فيه [انتقال إضافة]
(1)
الصفقة من المشتري إلى الشفيع، لما ذكرنا أن الشرط إنما يثبت لمن
(2)
شرط له، والخيار إنما شرط للمشتري لا للشفيع، وانتقال الصفقة إنما كان في نفس البيع لا في شرطه.
والخيار لأحدهما، أي: لأحد المتعاقدين من البائع والمشتري، فله الأخذ بالشفعة، أي: فلمن له الخيار [الأخذ]
(3)
بالشفعة.
أما البائع فظاهر، أي: الخيار إذا كان للبائع فأخذه بالشفعة ظاهر؛ لأن ملكه لم يزل ببيعه بخيار الشرط، فلما كان ملكه باقيًا فيما باع كان له ولاية الأخذ بالشفعة للدار المبيعة في جنب داره هذه، ثم لو أخذها بالشفعة كان ذلك من البائع نقضًا لبيعه؛ لأنه
(4)
[قدر]
(5)
ملكه، وإقدام البائع على ما يقدر
(6)
ملكه في مدة الخيار يكون نقضًا للبيع، وهذا لأنه لو لم يجعل ناقضًا لكان إذا أجاز البيع فيها ملكها المشتري من وقت العقد حتى يستحق زوائدها المتصلة والمنفصلة؛ فيتبين
(7)
بذلك أنه أخذها بالشفعة من غير حق له. كذا في «المبسوط»
(8)
.
وفيه إشكال أوضحناه في البيوع، وهذه الحوالة في حق الإشكال غير رائجة، بل فيه جواب الإشكال، لا الإشكال، وهو قوله:(ومَن اشترى دارًا على أنه بالخيار؛ فبيعت دارًا إلى جنبها فأخذها بالشفعة فهو رضا)؛ لأنَّ طلب الشفعة يدل على اختياره الملك. إلى أن قال: (وهذا التقرير يحتاج إليه لمذهب أبي حنيفة خاصة)، وإنما الإشكال هو الذي ذكره البلخي
(9)
، فإنه يدعي بهذا الفصل المناقضة على أبي حنيفة فيقول:«إذا كان من أصله أن المشتري بخيار الشرط لا يملك البيع في مدة خياره، واستحقاق الشفعة باعتبار الملك، ولهذا لا يستحقه المستأجر والمستعير؛ فكيف تثبت للمشتري الشفعة في هذه الدار، ولكن عذره ما بَيَّنَّا، وهو أن المشتري بخيار الشرط صار أحق بها مع خياره، وذلك يكفي لثبوت حق الشفعة كالمأذون والمكاتب إذا بيعت دارٌ بجنب داره» . كذا في باب (الخيار في الشفعة) من شفعة «المبسوط» »
(10)
.
(1)
في (ع): «إضافة انتقال» .
(2)
في (ع): «من» .
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «ولأنه» .
(5)
في (ع): «قرر» .
(6)
في (ع): «يقرر» .
(7)
في (ع): «فتبين» .
(8)
ينظر: المبسوط: 14/ 143.
(9)
هو أبو بكر بن أحمد بن علي بن عبد العزيز، البلخي الأصل السمرقندي، عرف بالظهير، تفقه على علي بن محمد الإسبيجابي بعد الخمسمائة، فقيه مفتٍ على مذهب أبي حنيفة، وله كتاب ألفه في شرح الجامع الصغير، ووقف كتبه على النورية بحلب سنة 553 هـ، وفي هذه السنة مات بدمشق. ينظر: الجواهر المضية: 2/ 271، تاج التراجم: ص 333.
(10)
ينظر: المبسوط: 14/ 143.
وذكر في «الذخيرة» : ولو كان الخيار لهما- يعني: للبائع والمشتري- فلا شفعة للشفيع، لأجل خيار [البائع، لا لأجل خيار]
(1)
/ المشتري، وإذا أخذها- أي: وإذا أخذ الدار المبيعة بجنب الدار المشتراة المشتري بخيار الشرط كان الأخذ بالشفعة إجازة منه للدار التي اشتراها بخيار الشرط فيسقط خياره، ثم إذا حضر شفيع الدار الأولى، وهي الدار التي أخذها المشتري بشرط الخيار [دون الثانية، وهي الدار التي أخذها المشتري بشرط الخيار]
(2)
بطريق الشفعة، أي: للشفيع لانعدامه ملكه في الأولى، أي: لانعدام ملك الشفيع الذي حضر في الدار الأولى حتى بيعت الثانية
(3)
.
وفي «المبسوط»
(4)
: «وإذا جاء الشفيع وأخذ منه، أي: من المشتري بشرط الخيار الدار الأولى بالشفعة، أي: بحصته من الشفعة لم يكن له على الثانية سبيل؛ لأنه إنما يتملكها الآن، ولا
(5)
يصير بها جارًا للدار الأخرى من وقت العقد إلا أن يكون له دار إلى جنبها والدار الثانية سالمة للمشتري؛ لأن أخذ الشفيع من يده لا ينفي ملكه من الأصل، ولهذا كانت عهدة الشفيع عليه فلا يتبين [له]
(6)
انعدامه
(7)
السبب في حقه حتى أخذ بالشفعة.
ومن ابتاع دارًا شرًى فاسدًا فلا شفعة فيها، يعني: سواء قبضها المشتري أو لم يقبضها؛ أما قبل القبض فلبقاء ملك البائع [فيها]
(8)
.
وأما بعد القبض فلبقاء حق البائع في استردادها، ووجوب الشفعة يعتمد انقطاع حق البائع عن الدار.
ثم اعلم أن هذا الذي ذكره، وهو أنه لا شفعة في البيع الفاسد فيما إذا وقع البيع فاسدًا في الابتداء، وأما إذا فسد بعد انعقاده صحيحًا، فحق الشفيع بيع
(9)
على حاله.
ألا ترى أن النصراني إذا اشترى من نصراني دارًا لخمر، فلم يتقابضا حتى أسلما، أو أسلم أحدهما، أو قبض الدار ولم يقبض الخمر، فإن البيع يفسد، وللشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة، وإن فسد البيع؛ لأنه إنما فسد بعد وقوعه صحيحًا. كذا في الذخيرة
(10)
.
(1)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 254، البناية: 11/ 363، المحيط البرهاني: 7/ 254.
(4)
ينظر: المبسوط: 11/ 143.
(5)
في (ع): «فلا» ، وهو الصواب؛ للسياق.
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
في (ع): «انعدام» .
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
في (ع): «يبقى» ، وهو الصواب؛ لظاهر المعنى.
(10)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 255.
وفي إثبات حق الشفعة تقرير الفساد فلا يجوز، أي: فلا يجوز الأخذ بالشفعة في البيع الفاسد.
فإن قلت: لِمَ لَمْ يجعل هاهنا، كما لم يجعل في الشرى بشرط الخيار؛ لئلا يلزم تقرير الفساد، وهو أن يسقط المفسد في حق الشفيع، كما أسقط الخيار الثابت للمشتري الذي اشتراها بشرط الخيار في حق الشفيع، فيستحقها الشفيع بدون شرط الخيار، على ما مر قبيل هذا في قوله:(ولا خيار للشفيع؛ لأنه ثبت بالشرط، وهو للمشتري دون الشفيع).
فكذلك هاهنا يجب أن يكون كذلك هو أن لا يثبت الفساد في حق الشفيع وإن ثبت في حق المشتري؛ لكي يصل
(1)
الشفيع شفعته، ولا يلزم تقرير الفساد.
قلت: لا وجه هنا لذلك، لأنا لو فعلنا كذلك
(2)
يلزم فساد آخر، فلا فائدة حينئذ في دفع الفساد الأول، وذلك لأن فساد البيع إنما ثبت بمعنى راجع إلى العوض، إما بالشرط في حقه، أو لفساد في نفسه؛ كجعل الخمر ثمنًا، فلو أسقطنا العوض لفساد فيه يبقى البيع بلا عوض، وهو فاسد أيضًا فلا تثبت الشفعة هناك أيضًا، فلا فائدة في دفعه حينئذ؛ لأنه لا يحصل المقصود.
وأما الخيار إنما
(3)
يثبت للمشتري لمعنى خارج عن العوضين، بل هو للتأمل والتروي، فلا يلزمه
(4)
من اشتراط خيار التأمل للمشتري اشتراطه للشفيع، فلا يثبت الخيار في حق الشفيع لذلك.
فإن سقط الفسخ، [أي:]
(5)
فإن سقط حق طلب البائع بفسخ البيع واسترداد العين وجبت الشفعة للشفيع.
وسقوط حق الفسخ إنما يكون بالزيادة في المبيع؛ كالبناء والغرس عند أبي حنيفة- رحمه الله بالبيع
(6)
من آخر بالاتفاق
(7)
.
وذكر في «الإيضاح» : وإن سقط حق البائع في البعض
(8)
كان للشفيع أن يأخذ [ما]
(9)
ملك [المشتري]
(10)
[منه بقيمته يوم قبض، ثم قال: «وصورته: إذا اتصل المبيع زيادة حتى يمتنع النقض، أو يزول ملك]
(11)
المشتري؛ لأن امتناع حق الشفعة إنما كان لثبوت حق الفسخ، فإذا سقط حق الفسخ وجبت الشفعة، كما لو كان في البيع خيار فأسقط، ثم لو باع المشتري ما اشتراه بِشِرى فاسد بيعًا صحيحًا لم يكن [بعض البيع للبائع]
(12)
، والشفيع بالخيار إن شاء أخذ بالبيع الثاني بالثمن المذكور، وإن شاء نقض البيع الثاني وأخذ بالبيع الأول بقيمته؛ لأن المبيع في البيع الفاسد مضمون بالقيمة.
(1)
في (ع): «لكن يلزم» .
(2)
في (ع): «ذلك» .
(3)
في (ع): «وإنما الخيار وإنما» .
(4)
في (ع): «يلزم» .
(5)
زيادة من: (ع).
(6)
في (ع): «وبالبيع» .
(7)
ينظر: العناية: 9/ 409، البناية: 11/ 364.
(8)
في (ع): «النقض» .
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(12)
في (ع): «للبائع بعض البيع» .
فإن قيل: إذا نقض البيع الثاني صار كأن لم يكن، فيعود حق البائع في النقض فلا يكون للشفيع/ حق الأخذ، كما قبل البيع الثاني؛ لأنه منتقض من الأصل.
قلنا: إن البيع الثاني صحيح مزيل الملك المشترى، وإنما ينقض لحق الشفيع، فما يكون من مقتضيات حق الشفيع لا يصلح أن يكون مبطلاً حقه في الأخذ بالشفعة؛ لأن انتقاض البيع الثاني إنما كان لحق الشفيع فلا يثبت الانتقاض على وجه يبطل حق الشفعة. كذا في «المبسوط»
(1)
و «الإيضاح» وغيرهما.
وهي في يد البائع بَعْدُ فله الشفعة، أي: فللبائع الشفعة.
وإن سلمها إلى المشتري فهو شفيعها، أي: فالمشتري يكون شفيعها لا البائع؛ لأن الملك له، أي: للمشتري.
فإن قلتَ
(2)
: أليس يلزم هاهنا تقرير الفساد في حق المشتري حيث أخذ الدار المبيعة بالشفعة بسبب الدار المشتراة بالشرى الفاسد، وقد ذكر قبيل
(3)
هذا بأنه لا شفعة في البيع الفاسد؛ لئلا يلزم تقرير الفساد.
قلتُ: لا يلزم؛ لأن المشتري هاهنا بعد أن أخذ الدار المبيعة بجنب داره التي اشتراها بالشرى الفاسد متمكِّن من فسخ [ما شراه]
(4)
بسبب الشرى الفاسد، ولا فساد في الدار التي أخذها بطريق الشفعة، وأما هناك لو قلنا بثبوت الشفعة للشفيع في الشرى الفاسد [كان المشتري الفاسد منتقلاً إلى الشفيع من المشتري بالشرى الفاسد]
(5)
بوصف الفساد، على ما ذكرنا، فكان تقريرًا للفساد.
فإن قلتَ: فَلِمَ [لا]
(6)
يمنع بقاء حق البائع في الاسترداد لما اشتراه [المشتري]
(7)
بالشراء الفاسد المشترى بسبب ملك المشتراة
(8)
بالشراء الفاسد عن استحقاق الشفعة في الدار [المبيعة بجنب داره، كما منع الشفيع عن استحقاق الشفعة في الدار]
(9)
المشتراة بالشراء الفاسد بقاء حق البائع في الاسترداد، وإن ثبت الملك للمشتري.
قلتُ: الأصل في سبب استحقاق الشفعة للشفيع ثبوت ملك الدار المتصلة بالدار المشفوعة؛ إما شركة أو جوارًا، وقد وجد هذا السبب في حق المشتري بالشرى الفاسد بعدما قبض الدار، فتثبت الشفعة له، وتعلق حق الغير به لمعنى لا يمنع وجوب الشفعة للمالك؛ كقيام حق المرتهن في الدار المرهونة لا يمنع وجوب الشفعة للراهن إذا بيعت دار بجنبها. هكذا ذكره في «المبسوط»
(10)
.
(1)
ينظر: المبسوط: 14/ 148.
(2)
في (ع): «قيل» .
(3)
في (ع): «قبل» .
(4)
في (ع): «شراءه» .
(5)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
في (ع): «المشتري» .
(9)
ما بين المعكوفين زيادة من: (ع).
(10)
ينظر: المبسوط: 14/ 147.
ولم يمنع الشفيع في تلك المسألة عن استحقاق الشفعة مجرد بقاء حق البائع في الاسترداد، بل كان هو مع لزوم تقرير الفساد، وأما هاهنا فلا يلزم تقرير الفساد على ما ذكرنا، أن
(1)
المشتري متمكن من فسخ شراه بسبب الفساد، فيستحق الشفعة لذلك.
ثم إن سلم البائع، أي: الدار المبيعة بالبيع الفاسد إلى المشتري قبل الحكم بالشفعة له، أي: للبائع بطلت شفعته، أي: شفعة البائع؛ لأنه لم يبق له ملك فيما يشفع به بخلاف ما إذا سلم بعده، أي: بعد حكم الحاكم بالشفعة للبائع حيث لا تبطل شفعته.
وكذلك إذا أخذه بالشفعة بالتراضي، ثم سلم الدار إلى المشتري.
وإن استردها البائع من المشتري قبل الحكم بالشفعة له، أي: للمشتري بطلت، أي: بطلت الشفعة للمشتري؛ لأنه زال جواره قبل أن يأخذها بالشفعة وقيام السبب للشفيع إلى وقت الأخذ بالشفعة شرط للقضاء له بالأخذ.
ثم اعلم أن هاهنا كما لا تثبت الشفعة للمشتري فكذلك لا تثبت للبائع الذي استرد الدار التي يشفع بها أيضًا، أما لا تثبت للمشتري؛ فلما ذكرنا أنه انقطع ملكه عن التي يشفع بها قبل أن يأخذ بها الشفعة، وبقاء ملكه إلى وقت الأخذ شرط، وأما في حق البائع فإنه لم يكن جارًا حين بيعت هذه الدار، فكان البائع والمشتري هاهنا بمنزلة ما لو باع الشفيع داره التي يطلب بها الشفعة قبل أن يخاصم بالشفعة، فإنه لا يستحق البيعة بالشفعة؛ لأنه أزال جواره قبل أن يأخذ بالشفعة ولا للمشتري منه؛ لأن جواره صارت بعد بيع تلك الدار. كذا في «المبسوط»
(2)
.
(وإن استردها بعد الحكم بقيت الثانية على ملكه)، أي: وإن استرد البائع الدار المشتراة بشرى فاسد بعد حكم الحاكم بالشفعة للمشتري بسبب [تلك]
(3)
الدار المشتراة بالشرى الفاسد بقيت الدار المأخوذة بالشفعة على ملك المشتري، وإن لم تبق المشتراة على ملك المشتري.
(ولا فرق في هذا)، أي: في أنه لا شفعة عند قضاء القاضي بالرد.
ومراده: أي: ومراد القدوري في قوله: (وإذا اشترى دارًا فسلم الشفيع الشفعة، ثم ردها المشتري بقيت بقضاء قاض)؛ لأن قبله فسخ من الأصل، وإن كان بغير قضاء
(4)
.
ألا ترى أن الراد
(5)
/ ينفرد به من غير أن يحتاج إلى رضا صاحبه، أو قضاء القاضي.
بخلاف الإقالة
(6)
، لا يتم بأخذها، فكانت بيعًا جديدًا في حق الثالث.
(1)
في (ع): «فإن» .
(2)
ينظر: المبسوط: 14/ 148.
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
ينظر: الهداية: 4/ 37.
(5)
في (ع): «الرد» .
(6)
الإقالة: رفع عقد البيع وإزالته. ينظر: التعريفات الفقهية: ص 32.
وفي «الجامع الصغير» : وإنما ذكر قوله: وفي «الجامع الصغير» ؛ لأن قوله: (ولا شفعة في قسمة، ولا خيار رؤية)، أي: لا شفعة بسبب الرد بخيار رؤية، كان هذا تكرارًا محضًا مع لفظ القدوري في قوله:(ثم رَدَّها المشتري بخيار رؤية)، إلى أن قال:(فلا شفعة للشفيع)، ولفظ «الجامع الصغير» هذا يحتاج إلى التفسير كما ترى، فلا بد من ذكر «الجامع الصغير» ؛ لئلا ينسب إلى ذكر اللفظين، ومعناهما واحد؛ لأنهما يثبتان، أي: لأن هذين الخيارين يثبتان لخلل
(1)
في الرضا فيما يتعلق لزومه بالرضا
(2)
، كما في البيع
(3)
.
ثم قوله: (ولا تصح الرواية بالفتح)؛ لأنه لو فتح قوله: (ولا خيار رؤية) عطفًا [على]
(4)
قوله: (ولا شفعة في قسمة) [يلزم أن لا يثبت خيار الرؤية في القسمة، وليس كذلك مما ذكر في الكتاب.
وأما لا شفعة في القسمة]
(5)
على ما ذكر قبل هذا بقوله: (وإذا اقتسم الشركاء العقار فلا شفعة لجارهم بالقسمة) سواء كانت القسمة بقضاء القاضي أو بغير قضاء القاضي؛ لأن القسمة ليست بمبادلة من كل وجه، بدليل ما ذكر أنه يجري فيه الخبر، وحق الشفعة يختص بالمبادلات.
وأما خيار الرؤية فيثبت في القسمة [له]
(6)
إلا أن تكون التركة مكيلاً أو موزونًا فاقتسموها، فإنه لا يثبت خيار الرؤية في هذه القسمة؛ لأنه لو رد القسمة بخيار الرؤية يحتاج إلى القسمة مرة أخرى، فيقع في نصيبه عين ما وقع في المرة الأولى أو مثله، فلا يفيد خيار الرؤية، أما لو كانت التركة عقارًا أو شيئًا آخر من ذوات القيم فقسمت بينهم بقيت فيها خيار الرؤية [لأنه]
(7)
لو رد بخيار الرؤية واقتسموا ثانيًا فربما يقع في نصيبه ما يوافقه، فيفيد خيار الرؤية، كذا ذكره الإمام قاضي خان
(8)
.
* * *
باب ما يبطل به الشفعة
ولا شكَّ أن البطلان يقتضي الثبوت سابقًا؛ إما صورة أو معنى، فلذلك ذكر هذا الباب بعدما ذكر ما تثبت به الشفعة، وذكر في «الذخيرة»
(9)
: وتسليم الشفعة قبل البيع لا يصح، وبعده يصح، علم [أن]
(10)
الشفيع بوجوب الشفعة، أو لم يعلم [وعلم]
(11)
من أسقط إليه هذا الحق، أو لم يعلم؛ لأن تسليم الشفعة إسقاط حق.
(1)
في (ع): «محلل» .
(2)
في (ع): «في الرضا» .
(3)
ينظر: العناية: 9/ 412، البناية: 11/ 367، 368.
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 256، البناية: 11/ 368.
(9)
ينظر: فتح القدير: 9/ 370، المحيط البرهاني: 7/ 285.
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
ساقطة من: (ع).
ترك الإشهاد
ألا ترى أنه يصح من غير قبول ولا يريد
(1)
بالرد، وإسقاط الحق يعتمد وجوب الحق، أما لا يعتمد علم المسقط ولا علم المسقط إليه كالطلاق والعتاق.
وإذا ترك الشفيع الإشهاد حين علم وهو يقدر على ذلك بطلت شفعته.
فإن قلت: ذكر ترك الإشهاد هنا مبطلاً للشفعة، وذكر [قبل]
(2)
هذا في باب طلب الشفعة: أن الإشهاد ليس بلازم، وإنما هو ينفي التجاحد، وكذلك ذكر في «الذخيرة»
(3)
وغيرها أن الإشهاد ليس بشرط، وإنما ذكر أصحابنا الإشهاد عند هذا الطلب في الكتب بطريق الاحتياط، حتى لو أنكر المشتري هذا الطلب يتمكن الشفيع من إثباته، لا لأنه شرط لازم، ولما لم يكن الإشهاد شرطًا لازمًا على تلك الرواية لا يكون تركه مبطلاً للشفعة
(4)
، فكيف وجه التوفيق بينهما؟
قلت: يحتمل أن يريد بهذا الإشهاد نفس طلب المواثبة، ولكن لما كان طلب المواثبة لا ينفك عن الإشهاد في حق علم القاضي سمى هذا الطلب إشهادًا، والدليل على هذا: ما ذكره من التعليل في حق ترك طلب المواثبة مثل ما ذكره
(5)
من التعليل هاهنا.
إن صالح على الشفعة بعوض
وإن صالح من شفعته على عوض، إلى آخره.
اعلم أن صلح الشفيع مع المشتري على ثلاثة أوجه:
وفي
(6)
وجه: يصح، وهو أن يصالح على أخذ نصف الدار بنصف الثمن.
وفي وجه: لا يصح، ولا تبطل شفعته، وهو أن يصالح على أخذ بيت بعينه من الدار بحصته من الثمن؛ لأن حصته مجهولة، ولا تبطل شفعته؛ لأنه لم يوجد منه الإعراض عن الأخذ بالشفعة بهذا الصلح.
وفي وجه: تبطل شفعته، ولا يجب المال، وهو أن يصالح على أن يترك الشفعة بمال يأخذه من المشتري، فهنا تبطل شفعته لوجود الإعراض عن الأخذ بالشفعة، ولا يجب المال؛ لأن ملك المشتري في الدار لا يتغير بهذا الصلح، بل بقي على ما كان قبل الصلح، وحق الشفعة ليس بمال، ولا يؤول مالاً بحال، فالاعتياض عنه بالمال لا يجوز بخلاف القصاص، فإن نفس القاتل كانت مباحة في حق من له القصاص، وبالصلح تحدث له العصمة في دمه، فيجوز أن يلزمه العوض بمقابلته./ كذا ذكره في باب (الصلح) في الشفعة من صلح «المبسوط»
(7)
.
(1)
في (ع): «يرتد» ، وهو الصواب؛ لموافقته سياق الكلام.
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
ينظر: البناية: 11/ 369، فتح القدير: 9/ 413.
(4)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 269، البناية: 11/ 369.
(5)
في (ع): «ذكر» .
(6)
في (ع): «في» .
(7)
ينظر: المبسوط: 20/ 163.
ولا يتعلق إسقاطه بالجائز
(1)
من الشرط، أي: الشرط الملائم، وهو أن تعلق إسقاط الشفعة بشرط ليس [له]
(2)
فيه ذكر الملك
(3)
بأن قال الشفيع للمشتري: سلمتك شفعة هذه الدار أو الأرض إن بعتنيها أو وليتنيها أو آجرتنيها، أو دفعتنيها مزارعة أو معاملة، إلى هذا أشار الإمام قاضي خان في «الجامع الصغير»
(4)
.
فبالفاسد
(5)
أولى، وهو شرط المال فيه، فإنه لا يمنع صحة التسليم. هكذا نص شمس الأئمة قبيل باب (الشهادة) من شفعة «المبسوط» »
(6)
.
ثم المراد من شرط المال في التسليم الذي يصح التسلم به: ما إذا شرط مالاً آخر سوى بعض الدار، أما إذا شرط بعضًا منها لا تبطل شفعته، على ما ذكرنا من «المبسوط» »
(7)
.
وهكذا ذكره
(8)
في «المغني» ، وقال:«وإن سلم الشفعة على أن يأخذ من الدار بيتًا بعينه، أو على أن يأخذ بعضًا غير معلوم، وفي هذا الوجه التسليم باطل، والصلح باطل، وله أن يأخذ جميع الدار بعد ذلك أو يدع»
(9)
.
ثم قال: «فرق بين هذا وبين ما إذا سلم الشفعة على مال آخر حتى لم يجب المال كان التسلم جائزًا، وهناك التسليم لا يصح، والعوض المسمى لم يسلم للشفيع في المسألتين، ومعنى الفرق ظاهر، وهو أنه لما سلم الدار على أن يأخذ مالاً آخر، هذا عوض عن أخذ الدار، فتبطل شفعته بخلاف ما إذا شرط أن يأخذ بعضًا من الدار، فإنه لم يعرض، فلا يصح الاعتياض عنه، أي: عن مجرد حق التملك؛ لأن حق التملك لا تعلق له بالمحل، وإنما يظهر
(10)
أثره في فعله، والاعتياض عن الفعل لا يصح فيجب رد العوض، وبطل الحق في الشفعة. كذا في «الإيضاح» »
(11)
.
إذا باع شفعته
وكذا لو باع شفعته بمال، أي: تبطل شفعته، لما بينا إشارة إلى قوله:(لأن حق الشفعة ليس بحق متقرر في المحل)، إلى آخره، وذكر في «المبسوط»: وكذلك لو باع شفعته بمال، يعني: يصح التسليم؛ لأن البيع تمليك مال بمال، وفي
(12)
الشفعة لا يحتمل التمليك، فيعتبر
(13)
كلامه عبارة عن الإسقاط مجازًا، كبيع الزوج زوجته من نفسها
(14)
.
(1)
في (ع): «بالخيار» .
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
في (ع): «المال» .
(4)
ينظر: العناية: 9/ 414، البناية: 11/ 370.
(5)
في (ع): «فالفاسد» .
(6)
ينظر: المبسوط: 14/ 118، تبيين الحقائق: 5/ 257، العناية: 9/ 414، البناية: 11/ 370، 371.
(7)
ينظر: المبسوط: 14/ 118.
(8)
في (ع): «ذكر» .
(9)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 286.
(10)
في (ع): «ظهر» .
(11)
ينظر: المبسوط: 14/ 118، المحيط البرهاني: 7/ 286.
(12)
في (ع): «وحق» .
(13)
في (ع): «فيصير» .
(14)
ينظر: المبسوط: 14/ 118.
وذكر في «الذخيرة»
(1)
وإذا وهب الشفيع الشفعة، أو باعها من إنسان لا يكون تسليمًا؛ لأن البيع
(2)
لم يصادف محله أصلاً قلعًا
(3)
، ثم ذكر ما ذكره هذا في «المبسوط» فقال:«وهو أصح، أي: ما ذكره في «المبسوط» أصح، وذكر في الباب الأول من شفعة «الجامع الكبير» للإمام شمس الأئمة السرخسي
(4)
(5)
: ولا فرق في إسقاط الشفعة بين قول الشفيع: سلمت الشفعة، وبين قوله للبائع: سلمت لك بيع هذه الدار، أو قوله
(6)
للمشتري: سلمت لك شراء هذه الدار؛ لأن معنى هذا الكلام لا اعتراض
(7)
على مقصودك في هذا العقد، [وذلك لا يكون إلا بعد تسليم الشفعة]
(8)
، [ودليل التسليم كصريحه.
ولو قال لأجنبي: سلمت لك شراء هذه الدار لم يكن هذا تسليمًا للشفعة؛ لأن الأجنبي غير مشترٍ، ولا كان له مقصود في هذا العقد]
(9)
.
وقوله
(10)
: سلمت لك شراها -يكون تمليكًا منه، وحق الشفعة لا يحتمل التمليك.
ونظيره: إذا قال للمخيرة: اختارينى بألف
(11)
، أي: إذا اختارته لم يثبت العوض، وبطل خياره
(12)
، كذا في «الإيضاح»
(13)
.
والكفالة بالنفس في هذا بمنزلة الشفعة في رواية، أي: الكفالة باطلة، والعوض باطل، كما في الشفعة؛ لأن الاعتياض لا يصح، الإسقاط صحيح، فإن صحته لا تتوقف على العوض، وفي الأخرى لا تبطل الكفالة؛ لأن الكفالة في النفس
(14)
بسبب لحصول المال، فشابه الحق في المال في هذا الوجه، فإذا لم يرض ببطلانه مجانًا لم يبطل. كذا في «الإيضاح» »
(15)
.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 286.
(2)
في (ع): «التسليم» .
(3)
في (ع) غير واضحة، لعلها:«تامًّا» .
(4)
هو: محمد بن أحمد بن أبي سهل، أبو بكر السرخسي، من أهل (سرخس) بلدة في خراسان، ويلقب بشمس الأئمة، كان إمامًا في فقه الحنفية، وعلامة حجة متكلمًا ناظرًا أصوليًّا مجتهدًا في المسائل، أخذ عن الحلواني وغيره، سجن في جبّ بسبب نصحه لبعض الأمراء، وأملى كثيرًا من كتبه على أصحابه وهو في السجن، أملاها من حفظه، توفي سنة 483 هـ، من تصانيفه:«المبسوط» في شرح كتب ظاهر الرواية في الفقه؛ و «الأصول» في أصول الفقه، و «شرح السير الكبير» للإمام محمد بن الحسن. ينظر: الفوائد البهية: ص 158، الجواهر المضية: 2/ 28، الأعلام للزركلي: 6/ 208.
(5)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 287.
(6)
في (ع): «وقوله» .
(7)
في (ع): «أعوض» .
(8)
ما بين المعكوفين مضروب عليه في (ع).
(9)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(10)
في (ع): «قوله» بدون الواو.
(11)
في (ع): «اختاري ألف» .
(12)
في (ع): «خيارها» .
(13)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 257، العناية: 9/ 416، البناية: 11/ 372، 373.
(14)
في (ع): «بالنفس» .
(15)
ينظر: البناية: 11/ 373، العناية: 9/ 416.
قال رضي الله عنه
(1)
: معناه إذا مات بعد البيع قبل القضاء بالشفعة.
صورته: هي أن دارًا بيعت، وله شفيع فطلب الشفيع الشفعة، وأثبتها بطلبين، ثم مات قبل الأخذ بقضاء القاضي، أو بتسليم المشتري إليه فأراد ورثته أخذها فليس لهم ذلك، ولو كان الشفيع ملكها بقضاء القاضي، أو بتسليم المشتري إليه، ثم مات يكون ميراثًا لورثته. كذا في «شرح الطحاوي» »
(2)
.
وهذا نظير الاختلاف في خيار الشرط، أي: لا يورث [في]
(3)
خيار الشرط عندنا
(4)
.
وعند الشافعي يورث
(5)
.
فكذلك في الشفعة فوجه الإلحاق [به]
(6)
هو ما ذكره في «الإيضاح» ، فقال: إن الثابت للشفيع حق أن يتملك، وظهر أثر هذا الحق في أن يتخير بين أن يأخذ وبين أن لا يأخذ، والإرث لا يجري في الخيار
(7)
.
وذكر في «المبسوط»
(8)
: فإن عنده كما يورث الأملاك فكذلك يورث الحقوق اللازمة ما يعتاض عنها بالمال وما لا يعتاض/ في ذلك سواء بطريق أن الوارث يقوم مقام المورث، فإن حاجة الوارث كحاجة المورث.
ونحن نقول: مجرد الرأي والمشبه لا يجري فيه الإرث؛ لأنه لا يبقى بعد موته، فيجعله ليخلفه الوارث فيه، والثابت له بالشفعة مجرد المشبه بين أن يأخذ أو يترك، ثم السبب الذي به كان يأخذ بالشفعة يزول بموته، وهو ملكه، و [هو]
(9)
قيام السلب
(10)
إلى وقت الأخذ شرط لثبوت حق الأخذ له.
ألا ترى أنه لو أزاله باختياره؛ بأن باع ملكه قبل أن يأخذ الشقص المشفوع لم يكن له أن يأخذ بالشفعة؟
وكذا
(11)
إذا زال لموته
(12)
، والثابت للوارث جوازًا وشركة حادثة بعد البيع، فلا يستحق به الشفعة، وهذا لأن استحقاق الشفعة بسبب يبتنى على صفة المالكية.
ولهذا لا يثبت حق الأخذ بالشفعة لجار السكنى وصفة المالكية يتحدد للوارث بانتقال ملك المورث إليه، فلا يجوز أن تستحق الشفعة بهذا السبب، ولو كان بيع الدار بعد موته كان له فيها الشفعة؛ لأن الملك انتقل بالموت إلى الوارث، فيثبت الاستحقاق، وهو الجواز عند بيع الدار كان للوارث والمعتبر قيام السبب عند البيع لا قبله.
(1)
ينظر: الهداية: 4/ 38.
(2)
ينظر: البناية: 11/ 373، 374، العناية: 9/ 416.
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
ينظر: البناية: 11/ 374، العناية: 9/ 416.
(5)
ينظر: البناية: 11/ 374، العناية: 9/ 416.
(6)
زيادة من: (ع).
(7)
ينظر: بدائع الصنائع: 5/ 21، العناية: 9/ 417، البناية: 11/ 374.
(8)
ينظر: المبسوط: 14/ 116.
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
في (ع): «السبب» .
(11)
في (ع): «وكذلك» .
(12)
في (ع): «بموته» .
ولا يُبَاع في دَيْنِ المشتري ووصيته، أي: لا يُجعل دَيْنُ المشتري أو وصيته مُقَدَّمًا على حق الشفيع، بل حق الشفيع مقدَّم عليهما، وذكر في «المبسوط»
(1)
؛ لأن حق الشفيع مقدَّم على حق المشتري، وكان مقدَّمًا على حق من يثبت حقه من جهته أيضًا، وهو الغريم والموصى له، فإن باعها القاضي أو وصيُّه في دَيْن الميت فللشفيع أن يبطل البيع، ويأخذها بالشفعة، كما لو باعها المشتري في حياته، ولا يقال: بيع القاضي حكم منه، فكيف ينقضه الشفيع؛ لأنا نقول: إن القاضي إنما باعها إما لجهله بحق الشفيع، أو بناء على أنه لا يطلب الشفعة، فإذا طلبها كان بيعه باطلاً، ولأن هذا قضاء منه بخلاف الاجتماع
(2)
؛ فقد أجمعوا على أن للشفيع حق بعض تصرف المشتري، فلا ينفذ قضاؤه.
وفي «الإيضاح»
(3)
: وكذلك لو جعل المشتري الدار التي اشتراها مسجدًا أو مقبرة أن الشفعة واجبة، وينقض ما صنع؛ لأن حق الشفيع سابق على ما صنع فلا يبطل حقه لما
(4)
أحدث.
وقال الحَسَنُ
(5)
: «بطلت الشفعة؛ لأنه حين تصرف [قد]
(6)
كان في ملكه، ونفذ
(7)
تصرفه، وهذا التصرف لا يلحقه الفسخ كالعتق»»
(8)
.
وقيل في جوابه: إن حق الغير يمنع صيرورته مسجدًا؛ لأن المسجد ما أخلص لله تعالى، ومع تعلق حق الغير به لا يتخلص، ولهذا يزول [به]
(9)
- أي بالمبيع- وإن لم يعلم ليس
(10)
المشفوعة، كما إذا سلم صريحًا وهو لا يعلم، وقد ذكرنا أن تسليم الشفعة بعد البيع يصح سواء علم الشفيع بوجوب الشفعة، أي: بالبيع أو لم يعلم؛ لأنه إسقاطٌ.
و [قد]
(11)
ذكر في «المبسوط»
(12)
: وعلمه بحقه ليس بشرطٍ في صحة الإسقاط باللفظ الموضوع له.
بيع الشفيع شفعته قبل القضاء والتسليم الصريح والمساومة
فإن قلت: يُشكل على هذا مسألة المساومة، فإن الشفيع إذا ساوم الدار من المشتري، أو سأله بأن يوليه إيَّاه، أو استأجرها الشفيع من المشتري وذلك بعد علمه بالشرى، فهو تسليم
(13)
للشفعة فإن هذه المعاني دليل الإعراض عن الأخذ بالشفعة، فإن المساومة طلب تمليك بعقد جديد، وكذا غيرها فكان إعراضًا عن الأخذ بالشفعة. كذا في «الإيضاح» »
(14)
.
(1)
ينظر: المبسوط: 14/ 116.
(2)
في (ع): «الإجماع» ، وهو الصواب؛ لموافقته سياق الكلام.
(3)
ينظر: البناية: 11/ 375.
(4)
في (ع): «بما» .
(5)
هو الحسن بن زياد اللؤلؤي.
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
في (ع): «فينفذ» .
(8)
ينظر: بدائع الصنائع: 5/ 22، البناية: 11/ 375.
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
في (ع): «بِشِرَى» ، وهو الصواب؛ لظاهر المعنى.
(11)
ساقطة من: (ع).
(12)
ينظر: المبسوط: 14/ 113.
(13)
في (ع): «مسلم» .
(14)
ينظر: المبسوط: 14/ 113.
ثم بيع الشفيع ما يشفع به قبل أن يقضى له بالشفعة فيبطل شفعته، وكذا التسليم الصريح وكذا المساومة وأمثالها مبطلة للشفعة، على ما ذكرنا، ثم اشتراط العلم في المساومة يسري المشتري في إبطال حق الشفعة، ولم يشترط في التسليم الصريح، وفي بيع الشفيع ما يشفع به؛ فمن أين وقعت المفارقة بينها في اشتراط العلم، وعدم اشتراطه مع استوائها في الإبطال؟
قلتُ: قال في «المبسوط»
(1)
: وإنما اشترط العلم في المساومة، فإنه اشتراه؛ لأن المساومة غير موضوعة لإبطال الشفعة، وإنما يسقط الشفعة بها لما فيها من دليل الرضا من الشفيع، ولا يتحقق ذلك إذا لم يعلم الشفيع به.
بخلاف التسليم، فإنه تصريح بإسقاط حقه، وفي الإسقاط لا يشترط العلم، كما في الطلاق، وكذلك في بيع الشفيع ما يشفع به؛ لأن بقاء ما يشفع به شرط إلى وقت القضاء بالشفعة له، وإذا باع ما يشفع به قبل القضاء بالشفعة [له]
(2)
لم يبق شرط القضاء، فلا يثبت المشروط، أو إبراء عن الدين، وهو لا يعلم به [يعني]
(3)
إبراء رب الدين المديون عن الدين وهو لا يعلم/ بأن
(4)
له عليه دينًا يصح الإبراء، ولا يشترط العلم لحصول الإبراء.
والأصل: أن من باع- بأن كان وكيلاً للمالك بالبيع، أو بيع له، وهو الموكل في البيع-[إذا كان شفيعًا بأن كانت دار أخرى بجنب دارها المباعة
(5)
بالوكيل، فباعها الوكيل لأجله لا شفعة للموكل]
(6)
، ومن اشترى بأن صار وكيلاً لغيره بالشرى، أو يبيع له وهو الموكل بالشراء. بيان هذه المسائل فيما ذكره في «شرح الطحاوي» فقال
(7)
: «بيانه: هو أن صاحب الدار وكل شفيع الدار بالبيع فباعها، فلا شفعة له؛ لأنه هو الذي باع، ولو أن مضاربًا لرجل باع دارًا من المضاربة، ورب المال شفيعها
(8)
بدار له أخرى فلا شفعة له؛ لأنه [هو الذي]
(9)
بيع له، وإن كان لا يملك بهبة
(10)
عن البيع، ولو أن المشتري وكّل شفيع الدار بشرائها فاشتراها فله الشفعة.
ألا ترى أنه لو اشترى دارًا لنفسه وهو شفيعها كان له الشفعة حتى أنه لو جاء شفيع مثله أخذ نصف الدار منه، ولو جاء شفيع دونه فلا شفعة له، وكذلك لو اشترى المضارب بمال المضاربة دارًا ورب المال شفيعها، فإن له أن يأخذها بالشفعة؛ لأنه اشترى له.
(1)
ينظر: المصدر السابق: 14/ 113.
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «أن» .
(5)
كلمة غير واضحة.
(6)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(7)
ينظر: البناية: 11/ 377.
(8)
في (ع): «شفيعًا لها» .
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
في (ع): «نهيه» .
وذكر في «المبسوط» في باب (الشهادة) في الشفعة بأظهر من هذا كله في أن المشتري لنفسه يصلح شفيعًا، فقال
(1)
: «الوكيل بالشرى له أن يأخذ ما اشترى بالشفعة؛ لأن شراه لغيره كشرائه لنفسه، وشراؤه لنفسه لا يكون إبطالاً للشفعة حتى إن أخذ الشفعاء إذا اشترى فهو على شفعته فيها يظهر ذلك عند مزاحمته للآخرين، وكذلك شراؤه لغيره، وهذا لأن الشفعة إنما تبطل بإظهار الشفيع الرغبة عن الدار، لا بإظهار الرغبة فيها، والشراء إظهار الرغبة في المشتري، فلا يكون إبطالاً للشفعة، وأما البيع فإظهار الرغبة عنه فيكون إبطالاً لشفعته، ولأن البائع يلتزم العهدة بالبيع، فلو أخذ بالشفعة لكان مبطلاً به ما التزم من العهدة، والمشتري يلتزم الثمن بالشراء، وهو بالأخذ بالشفعة يقرر ما التزمه بالشرى؛ لأن الأول وهو وكيل البائع بأخذ المشفوعة سعى في نقض ما تم من جهته، وهو البيع؛ لأنه لو طلب الشفعة بعد أن تم البيع به كان ساعيًا في نقض ما تم به، وذلك لا يجوز.
ولأن البيع تمليك المبيع من الغير، والأخذ بالشفعة تملك؛ فلو ثبت أخذ الشفعة يصير مملكًا ومتملكًا لعين واحدة في حالة واحدة، وذلك لا يجوز؛ لأن بينهما تنافيا
(2)
الدار عن التبعة يسكن وتحرك، أراد به هاهنا تبعة الاستحقاق، يعني: أن المشتري لو شرط على أن يضمن الشفيع الدرك
(3)
، فضمن لم يكن له شفعة؛ لأن تمام البيع كان بضمانه، فإن المشتري ما رضي ببيعه إلا بضمانه، فلا يتم البيع إلا بأن يضمن هو الدرك، ومن ثم البيع له
(4)
لم يكن له أن يأخذ الشفعة لمعنى، وهو أن البيع مزيل للملك وإقدامه على ما يوجب تمام البيع يدل على اختياره زوال الملك، وذلك منه رغبة عن الأخذ [لا فيه]
(5)
. كذا في «الجامع الصغير» لشمس الأئمة السرخسي
(6)
.
(وإذا بلغ الشفيع أنها بيعت
…
) إلى آخره، وفي «المبسوط»:«ولو أخبر أن الثمن ألف درهم، فسلَّم الشفعة فإن كان أكثر من ألف فتسليمه صحيح، وإن كان أقل من ألف فله الشفعة عندنا»
(7)
.
وقال ابن أبي ليلى: «لا شفعة له في الوجهين؛ لأنه أسقط حقه بعدما وجب له الشفعة، ورضي بمجاورة هذا المشتري، فلا يكون له أن يأبى ذلك بعد الرضا به»
(8)
.
(1)
ينظر: المبسوط: 14/ 122.
(2)
في (ع): «نافيًا» .
(3)
الدرك: أن يأخذ المشتري من البائع رهنًا بالثمن الذي أعطاه خوفًا من استحقاق المبيع. ينظر: التعريفات، للجرجاني، ص 103.
(4)
في (ع): «به» .
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
ينظر: المبسوط: 14/ 131، بدائع الصنائع: 5/ 16.
(7)
ينظر: المبسوط: 14/ 105.
(8)
ينظر: المصدر السابق: 14/ 105، البناية: 11/ 377.
ولكنا نقول: إنما أسقط حقه بشرط أن يكون الثمن ألف درهم؛ لأنه بنى تسليمه على ما أخبر به، والخطاب السابق كالمعاد فيما ينبني عليه من الجواب، فكأنه قال: سلمت إن كان الثمن ألفًا، وإنما أقدم على هذا التسليم لغلاء الثمن، أو لأنه لم يكن متمكنًا من تحصيل الألف، ولا يزول هذا المعنى إذا كان الثمن أكثر من ألف، بل يزداد، فأما إذا كان الثمن أقل من الألف، فقد انعدم المعنى الذي لأجله كان رضي بالتسليم فيكون على حقه.
ولو أخبر أن الثمن شيء مما يُكال أو يُوزن فسلم الشفعة، وإذا الثمن من صنف آخر أقل مما سمى له، أو أكثر فهو على شفعته؛ لأن الإنسان [قد]
(1)
يتيسر عليه تحصيل جنس دون جنس، وكان هذا التقييد مفيدًا في حقه، فكأنه قال: سلمت إن كان الثمن كذا من شعير، وإذا ظهر [أن]
(2)
الثمن كر من حنطة فهو على حقه.
وكذلك لو أخبر أن الثمن عبد أو ثوب أو جارية، ثم ظهر أنه كان مكيلاً أو موزونًا فهو على شفعته؛ لأن فيما له مِثل من جنسه الشفيع يأخذ بمثل لما
(3)
اشتراه المشتري، وفيما لا مثل له يأخذ لقيمته دراهم، وقد يتيسر عليه/ تحصيل الجنس من المكيل والموزون، ويتعذر عليه تحصيل الدراهم، فكان هذا التقييد مفيدًا في حقه.
وفي «الإيضاح»
(4)
: «ولو أخبر أنها بيعت بألف، ثم تبين أنها بيعت بمكيل أو موزون أو معدود غير متفاوت، فالشفعة قائمة؛ لأن الواجب تسليم مثل ما وقع به العقد، وقد يتعذر عليه ذلك، وقد يتيسر، فاختلف الغرض، فبهذا كله يعرف قيود ما ذكر في لفظ الكتاب، فإنه قال: «ثم علم أنها بيعت بأقل أو بحنطة أو بشعير قيمتها ألف أو أكثر [فتقييده بقوله: قيمتها ألف أو أكثر]
(5)
غير مفيد، فإنه لو كانت قيمتها أقل مما اشترى من الدراهم كان تسليمه باطلاً أيضًا؛ لأن إطلاق ما ذكره في «المبسوط» و «الإيضاح» دليلٌ عليه حيث قال في «المبسوط»
(6)
: «وكذلك لو أخبر أن الثمن عبد أو ثوب، ثم ظهر أنه كان مكيلاً أو موزونًا فهو على شفعته» ، ولم يتعرض أن قيمة المكيل والموزون أقل من قيمة الذي اشتراها به أو أكثر، وكذلك تعليله دال عليه.
وكذلك ما ذكره في «الإيضاح» من الإطلاق والتعليل دال
(7)
عليه، وهكذا أيضًا استدل في «الذخيرة» بما ذكره في «المبسوط»
(8)
، وقال
(9)
: «فلو أخبر أن الثمن شيء هو من ذوات القيم فسلَّم، ثم ظهر أنه كان مكيلاً أو موزونًا فهو على شفعته. هكذا ذكره شمس الأئمة السرخسي، ثم قال
(10)
: «فعلى هذا القياس لو أخبر أن الثمن ألف درهم وإذا
(11)
ظهر أنه مكيل أو موزون فهو على شفعته على كل حال.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
في (ع): «ما» .
(4)
ينظر: بدائع الصنائع: 5/ 20.
(5)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(6)
ينظر: المبسوط: 14/ 105.
(7)
في (ع): «دل» .
(8)
ينظر: المبسوط: 14/ 105.
(9)
ينظر: البناية: 11/ 380.
(10)
ينظر: المبسوط: 14/ 105، الفتح القدير: 9/ 419.
(11)
في (ع): «فإذا» .
ثم قوله: (ثم علم أنها بِيعت بأقل فتسليمه باطل) يدل على أنه لو علم أنها بيعت بأكثر من الألف كان تسليمه صحيحًا، كما لو علم أنها بيعت بألف- كما أخبر- كان تسليمه صحيحًا؛ لأن الرضا بالتسليم بألف يكون رضا بالتسليم بأكثر من الألف. كذا في «الذخيرة» »
(1)
.
قوله
(2)
: (بخلاف ما إذا علم أنها بيعت بعرض قيمته ألف أو أكثر)، أي: تسليمه ليس بباطل، يعني: إذا بلغ الشفيع أنها بيعت بألف درهم، فسلم الشفعة ثم علم أنها بيعت بعبد قيمته ألف أو أكثر كان تسليمه صحيحًا، وكان هذا بمنزلة من أخبر أنها بيعت بألف فسلم، ثم علم أنها كانت كذلك بيعت بألف أو أكثر كان تسليمه صحيحًا، على ما ذكرنا، فكذا هنا هو الذي ذكره هو اختيار شيخ الإسلام حيث قال في «الذخيرة»: «ولو أخبر أن الثمن شيء من ذوات القيم فسلم، ثم ظهر أنه شيء آخر من ذوات القيم بأن أخبر أن الثمن دار فإذا الثمن عبد، فجواب محمد رحمه الله أنه على شفعته من غير فصل
(3)
.
قال شيخ الإسلام: «هذا الجواب صحيح فيما إذا كان قيمة ما ظهر أقل من قيمة ما أخبر، وغير صحيح فيما إذا كان قيمة ما ظهر مثل قيمة ما أخبر؛ لأن الثمن إذا كان من ذوات القيم فالشفيع إنما يأخذ الدار بقيمة الثمن دراهم أو دنانير، فكأنه أخبر أن الثمن ألف درهم أو مائة دينار فسلم، ثم ظهر أن الثمن مثل ما أخبر أو أكثر، وهناك كان التسليم صحيحًا، ولا شفعة له، ولو ظهر أنه أقل مما أخبر كان على شفعته، كذا هاهنا، ولو كان على العكس بأن أخبر أن الثمن عبد قيمته ألف أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي هي من ذوات القيم ثم ظهر أن الثمن دراهم أو دنانير، فجواب محمد أنَّه على شفعته من غير فصل
(4)
.
بعض مشايخنا قالوا: هذا الجواب محمول على ما إذا كان ما ظهر أقل من قيمة ما أخبر؛ أما إذا كان مثل قيمة ما أخبر أو أكثر فلا شفعة له
(5)
.
ومنهم من قال: هذا الجواب صحيح على الإطلاق بخلاف المسألة المتقدمة؛ لأنه وإن كان يأخذ بالقيمة فقد يصير مغبونًا في ذلك؛ لأن تقويم الشيء بالظن يكون، وإنما سلم حتى لا يصير مغبونًا، وهذا المعنى ينعدم إذا كان الثمن دراهم
(6)
.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 288، البناية: 11/ 379.
(2)
في (ع): «وقوله» .
(3)
ينظر: المبسوط: 14/ 105، المحيط البرهاني: 7/ 288.
(4)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 289.
(5)
ينظر: المصدر السابق: 7/ 289.
(6)
ينظر: المصدر السابق: 7/ 289.
وقال زفر
(1)
: «له الشفعة لاختلاف الجنس، ولهذا حل التفاضل
(2)
بينهما، وكأنه قال: سلمت إن كان الثمن ألف درهم، فإذا تبين أن الثمن دنانير فهو على شفعته، كما في المكيلات والموزونات، ولكنا نقول: الدراهم والدنانير جنسان صورة، ولكنهما جنس واحد في المعنى والمقصود، وهو المالية والثمنية، ومبادلة أحد النقدين بالآخر يتيسر في العادة، ولا يتقيد رضاه بالصورة، وإنما يتقيد بالمعنى، وهو مقدار المالية فيكون تسليمه صحيحًا. هكذا ذكر في الاختلاف في «المبسوط»
(3)
و «الإيضاح» .
وذكر الاختلاف في «الأسرار بين علمائنا الثلاثة» وقال: «إذا قيل للشفيع: الشرى
(4)
/ بألف درهم فسلم، فإذا [هو]
(5)
بدنانير تساوي ألفًا كان له أن يطلب عند أبي حنيفة ومحمد [رحمهما الله]
(6)
، وقال أبو يوسف [رحمه الله]
(7)
(8)
.
وهكذا أيضًا ذكر في «الذخيرة» حيث جعل قول أبي حنيفة مثل قول زفر، وجعل قول أبي يوسف مثل قولنا المذكور في الكتاب، ثم قال: «وجه قول أبي يوسف الدراهم والدنانير اعتبرت أجناسًا واحدة في أكثر الإيجاب
(9)
حتى يكمل نصاب أحدهما بالآخر، والمكره على البيع بالدراهم مكره على البيع بالدنانير، وإذا باع شيئًا بدراهم، ثم اشترى بأقل مما باع بالدنانير لا يجوز، كما لو اشترى بالدراهم ورب الدَّيْن إذا ظفر بدنانير المديون وحقه في الدراهم له أن يأخذه، ومال المضاربة إذا جاز دنانير عمل نهي رب المال فيه، كما لو صار دراهم، وإنما اعتبرا جنسين في حق الربا [حتى]
(10)
جاز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً، وفي [حق]
(11)
الإجارة حتى إذا استأجر بعشرة، ثم أجره بدنانير طاب له، وإن كانت قيمة الدنانير أكثر من عشرة دراهم، كما لو أجره وقد استأجره بحنطة فترجح ما يوجب المجانسة بحكم الكثرة إلحاقًا بالأعم الأغلب، فكان التسليم بالدراهم [تسليمًا بالدنانير]
(12)
إذا كانت قيمة الدنانير مثل الدراهم أو أكثر
(13)
.
(1)
ينظر: المبسوط: 14/ 106.
(2)
في (ع): «الفاضل» .
(3)
ينظر: المبسوط: 14/ 106.
(4)
في (ع): «المشتري» .
(5)
زيادة من: (ع).
(6)
زيادة من: (ع).
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
ينظر: البناية: 11/ 381.
(9)
في (ع): «الإجابات» أو «الإيجابات» .
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(13)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 289، 290.
وأبو حنيفة رحمه الله
(1)
- يقول
(2)
: «الدراهم والدنانير اعتبرا جنسين مختلفين في الأخبار حتى إن الإكراه على الإقرار بالدراهم لا يكون إكراهًا على الإقرار بالدنانير، وفي بعض الإيجابات اعتبرا جنسًا واحدًا.
وفي مسألتنا: إخبار وإيجاب؛ لأن تسليم الشفعة إن كان إيجابًا إلا أن التسليم بناء على الإخبار؛ لأنه أخبر أن الثمن كذا [فإذا]
(3)
في أحد النوعين، وهو الإخبار اعتبرا جنسين مختلفين، وفي النوع الآخر وهو الإيجاب اعتبرا جنسين مختلفين في حق بعض الأحكام فترجح ما يوجب اختلاف الجنس، فصار كالحنطة مع الشعير، ثم علم أنه غيره فله الشفعة؛ لتفاوت الجواب، وحق الشفعة ما [ثبت إلا لهذا]
(4)
، فالرضا بجواز أحدهما لا يكون رضا بجواز الآخر؛ لأن التسليم لضرر الشركة، ولا شركة؛ لأنه إذا سلم
(5)
في النصف، فقد احترز عن ضرر الشركة، فإذا تبين أنه لا شركة بقي حقه. كذا في «الإيضاح» .
والأولى في التعليل هنا ما علل به في «المبسوط» ، وقال
(6)
: «لأنه [إذا]
(7)
سلم
(8)
[في]
(9)
النصف، وكان حقه في أخذ الكل، والكل غير النصف، فلا يكون إسقاطه إسقاطًا للكل، وفي عكسه: لا شفعة، وهو أنه لو أخبر ببيع الكل فسلم، ثم علم أنه إنما اشترى النصف فلا شفعة له؛ لأن من ضرورة تسليم الكل تسليم النصف الذي هو حقه يوضح الفرق أن الانتقاض لا يرغب فيها كما يرغب في الحمل، وإنما سلم حين أخبر بشرى النصف؛ لأنه [لم]
(10)
يرغب فيه مع عيب الشركة، فهو على حقه إذا تبين أنه لم يكن معينًا.
وأما إذا سلم ولم يرغب في الأخذ بدون عيب الشركة، وأولى أن لا يكون راغبًا فيه مع عيب الشركة.
وقوله: (في ظاهر الرواية) احتراز عن عكس هذا الجواب، وهو ما ذكره ابن الثمر ابن جدار
(11)
عن أبي يوسف على ضد هذا، قال: «إذا أخبر بشرى النصف فسلم ثم علم
(12)
أنه اشترى الجميع فلا شفعة له، وإذا أخبر بشرى الجميع فسلم، ثم علم أنه اشترى النصف فله الشفعة؛ لأنه قد يتمكن من تحصيل ثمن النصف، ولا يتمكن من تحصيل ثمن الجميع، وقد يكون حاجته إلى النصف ليتم به مرافق ملكه، ولا يحتاج إلى الجميع. كذا ذكر في الباب الأول من شفعة «المبسوط» »
(13)
.
(1)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(2)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 290.
(3)
كذا، وفي (ع) ساقطة.
(4)
في (ع): «أثبت لهذا» .
(5)
في (ع): «أسلم» .
(6)
ينظر: المبسوط: 14/ 111.
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
في (ع): «أسلم» .
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
في (ع): «النمر بن حدار» ، ولم أجد له ترجمة.
(12)
في (ع): «على» .
(13)
ينظر: المبسوط: 14/ 111.
وذكر في «الذخيرة»
(1)
: ولو أخبر بشرى الكل فسلم، ثم ظهر أنه اشترى النصف فلا شفعة؛ قال شيخ الإسلام
(2)
: «هذا الجواب محمول على ما إذا كان ثمن النصف مثل ثمن الكل بأن أخبر أنه اشترى الكل بألف، ثم ظهر أنه اشترى النصف بخمسمائة تكون على شفعته، [والله أعلم]
(3)
.
فصل استعمال الحيلة في إسقاط الشفعة
لما كانت الشفعة تسقط في بعض الأحوال على
(4)
تلك الأحوال في هذا الفصل؛ لأنه يحتمل أن يكون الجار فاسقًا يتأذى به، وفي استعمال الحيلة لإسقاط الشفعة يحصل الخلاص عن
(5)
مثل هذا الجار، فاحتيج إلى بيانه.
وقوله: (لما بينا) إشارة إلى قوله: (لانقطاع الجواز
(6)
.
إلا أن المشتري في الثاني شريك فيتقدم عليه؛ لأن استحقاق الشفيع النصف الأول لا يبطل الشفعة في النصف الثاني؛ لأنه انتقل إليه بالشراء، ولو كان المشتري
(7)
للنصف الثاني غير المشتري للنصف الأول، فلم يخاصمه فيه حتى أخذ الجار النصف الأول، فالجار أحق بالنصف الثاني؛ لأن ملك المشتري الأول قد بطل قبل الأخذ بالشفعة فبطل حقه في الشفعة. كذا في «الإيضاح» »
(8)
.
وإن أراد الحيلة ابتاع السهم بالثمن إلا درهمًا. هذه حيلة ترجع إلى تعليل رغبة الشفيع في طلب الشفعة، والأول يرجع إلى إبطال حق الشفعة.
تفسير هذه المسألة: هو أن يبيع عشر الدار، وهو السهم من المشتري بتسعة أعشار الثمن، ثم يبيع تسعة أعشار الدار بعشر الثمن فلا بد عن
(9)
الشفيع في أخذ العشر؛ لكثرة الثمن، ولا حق له في الباقي؛ لأن
(10)
المشتري شريك وقت شرى الباقي.
ولو أن المشتري في هذه الصورة خاف أنه إن اشترى العشر بتسعة أعشار الثمن لا يبيع البائع الباقي بعشر من الثمن، فالحيلة في ذلك للمشتري: أن يشتري العشر على خيار ثلاثة أيام حتى أن البائع إن
(11)
أَبَى بيعَ الباقي فالمشتري ينقض البيع في العشر بحكم الخيار.
فلو أن البائع خاف في هذه الصورة أنه إن باع الباقي بعشر الثمن فسخ
(12)
المشتري البيع في العشر الأول بحكم الخيار، فالحيلة للبائع أن يبيع الباقي بشرط الخيار لنفسه ثلاثة أيام، ثم يخبر أن البيعين معًا، فإن خاف كل واحد منهما أنه إن أجاز
(13)
لم يجز
(14)
صاحبه، فالحيلة مع ذلك أن يوكل واحد منهما وكيلاً بإجارة البيع، ويشترط على الوكيل أن يجبر
(15)
بشرط أن يجبر
(16)
صاحبه، ولا يجبر
(17)
إن لم يجبر
(18)
صاحبه.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 290، تبيين الحقائق: 5/ 260، البناية: 11/ 382.
(2)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 290، البناية: 11/ 382.
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
في (ع): «علم» .
(5)
في (ع): «من» .
(6)
في (ع): «الجوار» .
(7)
في (ع): «الشرى» .
(8)
المحيط البرهاني: 7/ 322.
(9)
في (ع): «فلا يرغب» .
(10)
في (ع): «فإن» .
(11)
في (ع): «لو» .
(12)
في (ع): «يفسخ» .
(13)
في (ع): «أجار» .
(14)
في (ع): «يجر» .
(15)
لعلها في (ع): «يخير» .
(16)
لعلها في (ع): «يخير» .
(17)
لعلها في (ع): «يخير» .
(18)
لعلها في (ع): «يخير» .
قال رضي الله عنه
(1)
: «وهذه أخرى تعم الجوار والشركة، أي: وهذه المسألة حيلة أخرى- إشارة إلى قوله: (وإن ابتاعها بثمن ثم دفع إليه ثوبًا عنه)، [فإن هذه حيلة تصلح حيلة فيما إذا كان الشفيع جارًا أو شريكًا بخلاف المسألة الأولى]
(2)
: وهي قوله: (ومن ابتاع سهمًا منها بثمن، ثم ابتاع بقيتها)، فإن تلك المسألة تصلح حيلة في حق دفع الشفيع إذا كان جارًا، ولا تصلح حيلة فيما إذا كان الشفيع [نفسها]
(3)
شريكًا.
وقوله: (إلا أنه إذا استحقت المشفوعية) إلى آخره استثناء عن قوله: (وهذه أخرى تعم الجوار والشركة)، يعني: هذه حيلة تعم الجوار والشركة إلا أن فيهما وهم وقوع الضرر على البائع على تقدير ظهور مستحق يستحق الدار يبقى كل الثمن على مشتري الثوب، وهو بائع الدار فيتضرر به، أي: فيتضرر مشتري الثوب الذي هو بائع الدار برجوع مشتري الدار عليه بكل الثمن الذي هو أضعاف قيمة الدار.
الأوجه
(4)
: أن يباع بالدراهم الثمن دينار حتى لا يتضرر ببائع
(5)
الدار.
وبيان ذلك: ما ذكره في شفعة «فتاوى قاضي خان» ، فقال: «ومن الحيلة: أنه إذا أراد أن يبيع الدار بعشرة آلاف درهم يبيعها بعشرين ألفًا، [ثم يقبض تسعة آلاف وخمسمائة، ويقبض بالباقي عشرة دنانير أو أقل أو أكثر، فلو أراد الشفيع أن يأخذها فأخذها]
(6)
بعشرين ألفًا، فلا يرغب بالشفعة، ولو استحقت الدار على المشتري لا يرجع المشتري بعشرين ألفًا، وإنما يرجع بما أعطاه؛ لأنه إذا استحقت الدار ظهر أنه لم يكن عليه ثمن الدار فيبطل الصرف، كما [لو]
(7)
باع الدينار بالدراهم التي للمشتري على البائع، ثم تصادقا أنه لم يكن عليه دين، فإنه يبطل الصرف»
(8)
.
ولا يكره الحيلة [لو]
(9)
في إسقاط الشفعة عند أبي يوسف
(10)
.
أنواع الحيل وأحكامها
اعلم أن الحيل في هذا الباب على نوعين:
نوع لإسقاطها بعد الوجوب، وذلك أن يقول المشتري للشفيع: أنا أبيعها منك بما أخذت، فلا فائدة لك في الأخذ. فيقول الشفيع: نعم. أو يقول المشتري للشفيع: [اشتر مني بما أخذت. فيقول الشفيع: نعم. أو يقول]
(11)
: اشتريت، ويبطل
(12)
به شفعته، وأنه مكروه بالإجماع. هكذا ذكره شيخ الإسلام
(13)
.
(1)
ينظر: البناية: 11/ 385.
(2)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(3)
كأنها كذلك، وهي ساقطة من:(ع).
(4)
في (ع): «والأوجه» .
(5)
في (ع): «بائع» .
(6)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
ينظر: العناية: 9/ 421.
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
ينظر: العناية: 9/ 421، 422، البناية: 11/ 386.
(11)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(12)
في (ع): «فيبطل» .
(13)
ينظر: العناية: 9/ 421، 422، البناية: 11/ 386.
ونوع/ يمنع وجوبه، وقد اختلف المشايخ فيه؛ بعضهم قالوا على قول أبي يوسف: لا يكره، وعلى قول محمد [رحمه الله]
(1)
: يُكره
(2)
. وهذا القائل قاس فصل الشفعة على فصل الزكاة.
ومنهم من قال: والشفعة
(3)
لا يكره الحيلة لمنع وجوبها بلا خلاف.
وإنما الخلاف في فصل الزكاة، ثم بعض الحيل يرجع إلى منع وجوب الشفعة، وبعضها يرجع إلى تعليل الرغبة في الشفعة، أما التي يرجع
(4)
إلى منع وجوب الشفعة أن يهب البائع بيتًا معلومًا من الدار بطريقه، أو أو بموضع آخر معلومًا من الدار بطريقه، فيجوز الهبة؛ لأن ما وهب مقدر معنى، والطريق وإن كان مشاعًا إلا أنه لا يحتمل القسمة، وهبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة جائزة فيصير شريكًا في الطريق، ثم يبيع بقية الدار منه بثمن الكل، فيصير أولى من الجار، إلا أن هذه الحيلة تصلح لدفع الجار، ولا تصلح لدفع الشريك في الدار.
ومن الحيلة أيضًا: أن يستأجر صاحب الدار من المشتري ثوبًا ليلبسه يومًا إلى الليل بجزء من مائة جزء من داره التي يريد بيعها، ثم يصير حتى يمضي اليوم، أو يشترط التعجيل حتى يملك ذلك الجزء للحال، ثم يبيع الباقي منه فلا يكون للجار الشفعة لا في الجزء والأول
(5)
؛ لأنه ملك بعقد
(6)
[انعقاد]
(7)
الإجارة، ولا في الجزء والثاني
(8)
؛ لأن المشتري شريك في الدار وقت البيع من الشريك
(9)
مقدم على الجار.
ومنها: أن يبيعها بشرط أن يضمن الشفيع الدرك، أو يضمن الثمن للبائع فإذا ضمن بطلت شفعته.
وكذلك أن يبيعها بشرط الخيار للشفيع ثلاثة أيام فلا شفعة له قبل إسقاط الخيار، [وإذا أسقط الخيار]
(10)
بطلت شفعته.
وهذه الوجوه تعم الجار والشريك، وأما التي يرجع إلى تقليل الرغبة فهي مثل ما ذكرنا من بيع عشر الدار من المشتري بتسعة أعشار الثمن.
ومنها: أن يبيع البناء من الدار من المشتري بتعلقه
(11)
بثمن قليل، ويبيع الساحة بثمن كثير فلا يجب للشفيع الشفعة في البناء؛ لأنه نقلي
(12)
، ولا يرغب في الساحة لكثرة الثمن. كذا في «الذخيرة»
(13)
.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
ينظر: العناية: 9/ 422، البناية: 11/ 386.
(3)
في (ع): «في الشفعة» .
(4)
في (ع): «يرجع» .
(5)
في (ع): «الخبر الأول» .
(6)
في (ع): «بعد» .
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
في (ع): «الثاني» بدون الواو.
(9)
في (ع): «والشريك» ، وهو الصواب؛ لظاهر المعنى.
(10)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(11)
في (ع): «لتعلقه» .
(12)
لعلها في (ع): «ثقيل» .
(13)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 319.
وذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي [رحمه الله]
(1)
في باب (الشفعة بالعروض) من «المبسوط» بعدما ذكر وجوه الحيل فقال: «وللاشتغال
(2)
بهذه الحيل لإبطال حق الشفعة لا بأس به، أما قبل وجوب الشفعة فلا إشكال فيه، وكذلك بعد الوجوب إذا لم يكن قصد المشتري الإضرار به، وإنما قصده الدفع عن ملك نفسه
(3)
(4)
.
* * *
مسائل متفرقة
آخر المسائل المتفرقة كما هو دأب المصنفين
(وإذا اشترى خمسة نفر دارًا من رجل) إلى آخره، ولم يذكر محمد في «الجامع الكبير» من مسائل الشفعة إلا مسألة واحدة، وهي هذه، فيتضرر به زيادة الضرر، أي: فيتضرر المشتري بتفريق الصفقة عليه، وهو
(5)
ضرر تشقيص ملكه عليه، والشركة عيب فيتضرر به المشتري، والشفعة شرعت لدفع ضرر الرحيل
(6)
، فلا يسرع على وجه يتضرر به الرحيل
(7)
ضررًا زائدًا سوى أخذ الدار منه.
وأما في الوجه الأول فقد وقعت الصفقة متفرقة على كل واحد منهم
(8)
، وإذا أخذ نصيب أحدهم فقد تملك عليه جميع ما اشترى، فلا يتضرر به المشتري ضرر التشقيص حتى لو كان ذلك قبل هذا
(9)
الثمن، وأراد الشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم بحصتها من الثمن لا يملك ذلك لما فيه من تفريق الصفقة على البائع. كذا ذكره الإمام قاضي خان [رحمه الله]
(10)
(11)
، ولا فرق في هذا، أي: في جواز أخذ الشفيع نصيب أحد المشترين قبل القبض وبعده، أي: قبل قبض
(12)
المشتري [الدار]
(13)
وبعده، وهو الصحيح.
وهذا احتراز عما رواه القدوري، فقال
(14)
: «وروي عنهم أن المشتري إذا كان اثنين لم يكن للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما قبل قبض
(15)
[المشتري]
(16)
؛ لأن التملك يقع على البائع فتفرق عليه الصفقة، وله أن يأخذ نصيب أحدهما بعد القبض؛ لأن التملك حينئذ يقع على المشتري، وقد أخذ منه جميع ملكه. كذا [ذكره]
(17)
في «الذخيرة» بمنزلة أخذ [المشتري يعني أن يأخذ]
(18)
المشترين إذا بعد
(19)
ما عليه من الثمن ليس له أن يقبض نصيبه من الدار حتى يؤدي المشترون كلهم جميع ما عليهم من الثمن، وكذلك الشفيع إذا أخذ نصيب أحد المشترين فليس له أن يأخذ نصيبه إذا نقد ما/ عليه من الثمن بحصته حتى يؤدي المشترون كلهم ما عليهم من الثمن؛ لئلا يلزم تفريق اليد على البائع؛ لأن العبرة في هذا التصرف
(20)
الصفقة لا الثمن حتى أن الصفقة إذا تفرقت من الابتداء فيما إذا كان المشتري واحدًا والبائع اثنين يجوز للشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين». هكذا ذكر في «الذخيرة»
(21)
، فقال
(22)
: «ولو كان البائع اثنين واشترى المشتري نصيب كل واحد منهما بصفقة على حدة كان للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما، وإن كان يلحق [المشتري]
(23)
ضرر عيب الشركة؛ لأنه رضي بهذا العيب حتى اشترى بنصيب
(24)
كل واحد منهما بصفقة على حدة.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
في (ع): «والاشتغال» .
(3)
ينظر: المبسوط: 14/ 131.
(4)
ينظر: المصدر السابق: 14/ 131.
(5)
في (ع): «وهي» .
(6)
في (ع): «الحيل» .
(7)
في (ع): «الرجل» .
(8)
في (ع): «منهما» .
(9)
في (ع): «نقد» .
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
ينظر: البناية: 11/ 388.
(12)
في (ع): «القبض» .
(13)
ساقطة من: (ع).
(14)
ينظر: العناية: 9/ 422، البناية: 11/ 389.
(15)
في (ع): «القبض» .
(16)
ساقطة من: (ع).
(17)
ساقطة من: (ع).
(18)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(19)
في (ع): «نقد» .
(20)
في (ع): «التفريق» .
(21)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 275، العناية: 9/ 422.
(22)
ينظر: المبسوط: 14/ 104، البناية: 11/ 389.
(23)
ساقطة من: (ع).
(24)
في (ع): «نصيب» .
ثم هاهنا لابد من بيان تفريق الصفقة واتحادها.
وذكر الإمام التمرتاشي
(1)
محالاً إلى «الجامع»
(2)
فقال: «إذا اتخذ
(3)
العاقد والعقد من الثمن تتخذ
(4)
الصفقة، وكذا لو تعدد العاقد بأن
(5)
كان البائع أو المشتري اثنين بأن قال للمشتريين: بعت منكما. أو قالا: بعنا منك؛ لأن ما يوجب الاتحاد راجح، وهو العقد والثمن.
وكذا لو تعدد الثمن واتخذ
(6)
العاقد والعقد بأن قال: بعت هذا بكذا. أو قال
(7)
المشتري ذلك، وإن تفرق الثلاثة بتفرق الصفقة، وكذا لو تفرق العقد، واتحد العاقد بأن قال: بعتك هذا بكذا، أو
(8)
: بعتك [هذا]
(9)
بكذا تتفرق الصفقة، وإن اتحد العقد، ويتفرق العاقد والثمن، ففي بعض المواضع تتفرق الصفقة لرجحان صفة
(10)
التفرق، وفي بعضها: لا. قيل: الأول: قياس، وهو قولهما، والثاني: استحسان، وهو قول أبي حنيفة
(11)
.
وهاهنا تفريعان
(12)
من
(13)
التعريفات هي ما ذكره في «الذخيرة» في هذه المسألة بقوله
(14)
(15)
، وهي التي ذكرنا أن المشترين إذا كانوا جماعة [يجوز للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم، بخلاف ما إذا كان البائع جماعة]
(16)
حيث لا يكون للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم، ثم قال:[قال]
(17)
القدوري [رحمه الله]
(18)
(19)
: «وقد روي عنهم بخلاف هذا أن البائع إذا كان اثنين فللشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين قبل القبض، وليس له أن يأخذ من المشتري نصيب أحدهما قبل
(20)
القبض؛ لأن قبل القبض التملك على البائع، وقد أخذ جميع ما خرج عن ملكه، وبعد القبض التملك يقع على المشتري فيلحقه ضرر عيب الشركة في الباقي، ولو كان الشرى بوكالة [فوكل]
(21)
رجل رجلين، فاشتريا كان للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين، وإن كان الموكل رجلين والوكيل رجلاً واحدًا لم يكن له أن يأخذ نصيب أحد الوكيلين.
(1)
هو أحمد بن إسماعيل بن محمد بن آيدغمش، أبو العباس، ظهير الدين ابن أبي ثابت التمرتاشي. صنف:«شرح الجامع الصغير» ، و «الفرائض» و «التراويح» و «الفتاوى». ينظر: تاج التراجم: ص 108، الأعلام للزركلي: 1/ 97.
(2)
ينظر: البناية: 11/ 389.
(3)
في (ع): «اتحد» .
(4)
في (ع): «تتحد» .
(5)
في (ع): «أن» .
(6)
في (ع): «واتحد» ، وهو الصواب؛ لظاهرا لمعنى.
(7)
في (ع): «وقال» .
(8)
في (ع): «وقال» .
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
لعلها في (ع): «حصة» .
(11)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(12)
في (ع): «تفريعات» .
(13)
في (ع): «ومن» .
(14)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 275.
(15)
ينظر: المصدر السابق: 7/ 276.
(16)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(17)
زيادة من: (ع).
(18)
ساقطة من: (ع).
(19)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 275.
(20)
في (ع): «بعد» .
(21)
ساقطة من: (ع).
والحاصل: أن على ظاهر الرواية ينظر في مثل هذه المسائل إلى المشتري، فإن كان المشتري واحدًا اشترى الدار لنفسه أو بجماعة
(1)
بتوكيلهم إياه والبائع واحد، وقد اشترى بصفقة
(2)
واحدة فليس للشفيع إلا أن يأخذ الكل أو يدع الكل، ولو كان المشتري جماعة اشتروا لأنفسهم، أو لو أخذ بتوكيلهم
(3)
إياهم بصفقة واحدة أو متفرقة فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم؛ أخذ الشفيع النصف الذي صار للمشتري، أو يدع، أي: ليس له أن ينقض القسمة، يعني: ليس للشفيع أن يقول للمشتري: ادفع إلى البائع حتى آخذ منه؛ لأن القسمة في غير المكيل والموزون إفراز
(4)
وقبض لعين
(5)
الحق من وجه، ومبادلة من وجه، والشفيع يملك نقض المبادلة التي يحدثها المشتري، ولا يملك نقض القبض، ولهذا ليس [له]
(6)
أن ينقض قبض المشتري ليعيد العهدة على البائع؛ لأن القبض بجهة البيع له حكم البيع، وكما لا يملك نقض البيع الأول لا يملك نقض القبض الموجودة بجهة البيع، فلما كانت القسمة مبادلة من وجه قبضًا من وجه، فمن حيث إنها قبض لا يملك الشفيع نقضها، ومن حيث إنها مبادلة بملك فلا يملك نقضها بالشك. كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان»
(7)
.
وذكر في «الذخيرة»
(8)
يجب أن يعلم أن تصرف المشتري في الدار المشفوعة صحيح إلى أن يحكم بالشفعة للشفيع.
وله أن يبيع له
(9)
أن يؤاجر ويطلب له الثمن والأجر، وكذا له أن يهدم، وما أشبه ذلك من التصرفات؛ لأن نفاذ التصرف وإطلاقه يعتمد الملك، وأنه ثابت للمشتري، والثابت/ للشفيع حق الأخذ، فقبل الأخذ لا حق في المحل أصلاً، فلهذا تجوز تصرفاته، ويطلق فيها غير أن للشفيع أن ينقض كل تصرفه إلا بالقبض، وما كان من تمام القبض.
ألا ترى أن الشفيع لو أراد أن ينقض قبض المشتري ليعيد الدار إلى يد البائع ويأخذها منه لا يكون له ذلك، وكذلك لا يملك نقض قسمة المشتري حتى أن من اشترى نصف دار غيره مقسوم، وقاسمه المشتري البائع، ثم حضر الشفيع ليس له أن ينقض [قسمة الدار]
(10)
سواء كانت القسمة بحكم أو بغير حكم؛ لأن القسمة من تمام القبض لما عرف أن قبض المشاع فيما يحتمل القسمة قبض ناقص.
(1)
في (ع): «لجماعة» .
(2)
في (ع): «صفقة» .
(3)
في (ع): «أحد متوكليه» .
(4)
في (ع): «إفراد» .
(5)
في (ع): «يعني» .
(6)
زيادة من: (ع).
(7)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 262.
(8)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 284.
(9)
في (ع): «وله» .
(10)
في (ع): «قسمته» .
وقاسم المشتري الذي لم يبع.
وقوله: (المشتري) في محل الرفع بالفاعلية.
وقوله: (الذي لم يبع) في محل النصب بالمفعولية، أي: قاسم المشتري الدار مع شريك البائع الذي لم يبع كان للشفيع نقضه؛ لأن هذه القسمة لم تجر بين العاقدين، فلا يمكن جعلها قبضًا بحكم العقد فجعلت
(1)
مبادلة، وللشفيع
(2)
أن ينقض المبادلة.
ثم إطلاق الجواب في الكتاب، وهو قوله:(أخذ الشفيع النصف الذي صار للمشتري).
حكم تسليم الأب والوصي الشفعة و ترك طلب الشفعة
وعن أبي حنيفة: «إنما يأخذه إذا وقع في جانب الدار التي يشفع لها
(3)
. هكذا ذكر القدوري في «شرحه» ؛ لأنه إذا وقع في غير جانبها، وليس له نقض القسمة لا يكون جارًا فلا يستحق الشفعة»
(4)
.
وتسليم الأب والوصي الشفعة على الصغير جاز
(5)
، وقد ذكرنا أن الصغير والكبير والحبل في استحقاق الشفعة سواء؛ لأنهم في سبب استحقاق الشفعة سواء، والحبل يرث فتثبت له الشركة، ثم إذا وجبت الشفعة للصغير فالذي يقوم بالطلب والأخذ من قام مقامه شرعًا في استحقاق حقوقه [شرعًا]، وهو أبوه، وحتى أبيه
(6)
، ثم جده، ثم أب أبيه
(7)
، ثم وصي الجد، ثم الوصي الذي نصبه القاضي، فإن لم يكن أحد من هؤلاء فهو على شفعته إذا أدرك، وإذا كان له أحد من هؤلاء، فترك طلب الشفعة مع الإمكان بطلت الشفعة حتى لو بلغ الصغير لا يكون له حق الأخذ، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله
(8)
.
وقال محمد: لا يبطل
(9)
.
وعلى هذا الخلاف تسليم الشفعة إذا سلم الأب أو الوصي ومن بمعناهما. كذا في «الذخيرة»
(10)
.
وعلى هذا الخلاف تسليم الوكيل بطلت الشفعة.
والباء في قوله: (بطلب) يتعلق بالوكيل، لا بالتسليم.
وفي «المبسوط» : «وإذا وكل وكيلاً بطلب الشفعة، فسلم الوكيل الشفعة، أو أقر بأن موكله قد سلَّم- فنقول: أما عند أبي حنيفة فيصح ذلك منه في مجلس القضاء، ولا يصح في غير مجلس القضاء
(11)
.
(1)
في (ع): «فجعل» .
(2)
في (ع): «للشفيع» .
(3)
في (ع): «بها» .
(4)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 263، العناية: 9/ 423، البناية: 11/ 392.
(5)
في (ع): «القضاء» .
(6)
في (ع): «ابنه» .
(7)
في (ع): «ابنه» .
(8)
ينظر: البناية: 11/ 393، العناية: 9/ 424.
(9)
ينظر: البناية: 11/ 393، العناية: 9/ 424.
(10)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 308.
(11)
ينظر: المبسوط: 14/ 154.
وكان يقول أبو يوسف أولاً: لا يصح ذلك منه في مجلس القضاء وفي غير مجلس القضاء، ثم رجع فقال:«إقراره على الموكل بالتسليم صحيح في مجلس القضاء وغيره» »
(1)
.
ومحمد [رحمه الله]
(2)
يقول في إقراره على الموكل بالتسليم بقول أبي حنيفة، وقال:«يجوز تسليم الشفعة في مجلس القضاء، ولا يجوز في غير مجلس القضاء» »
(3)
.
ذكر قوله هذا في كتاب (الوكالة)
(4)
.
ولا يحفظ جواب أبي يوسف الآخر فيما إذا سلم الوكيل الشفعة. قيل ذلك صحيح منه، كما يصح إقراره على الموكل بالتسليم.
وأصل المسألة في كتاب (الوكالة)، وأن الوكيل بالخصومة إذا أقر على موكله في القياس لا يجوز إقراره. وهو قول زفر وأبي يوسف أولاً، وفي (الاستحسان): يجوز إقراره في مجلس القاضي
(5)
، ولا يجوز في غير مجلس القاضي
(6)
، وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
(7)
.
وفي قول أبي يوسف الآخر: إقرار
(8)
صحيح في مجلس القضاء، وفي غير مجلس القاضي إقرار الموكل، فالوكيل بطلب الشفعة وكيل بالخصومة، فإذا أقر على موكله بالتسليم كان على هذا الخلاف.
وأما سلم بنفسه، فذكر في (الوكالة)، وإنما دون الكبير أن الوكيل بطلب الشفعة إذا سلم الشفعة في مجلس القاضي يصح في قول أبي حنيفة وأبي يوسف
(9)
.
ومن أصل أبي حنيفة وأبي يوسف [رحمهما الله]
(10)
أن من ملك طلب الشفعة والخصومة يصح تسليمه إلا أن الوكيل قائم مقام الموكل في الخصومة، ومجلس الخصومة مجلس القاضي فيصح تسليمه في مجلس القاضي عند أبي حنيفة
(11)
.
وفي [مجلس غير]
(12)
القاضي عند أبي يوسف؛ لكونه نائبًا عن الموكل مطلقًا.
وعند محمد وزفر رحمهما الله: لا يصح منه التسليم أصلاً؛ لأن ذلك ضد ما فوض إليه، فإنه أمر باستيفاء الحق لا بإسقاط الحق
(13)
.
لمحمد وزفر رحمهما الله: إنه حق ثابت، أي: الشفعة حق ثابت
(14)
.
(955/ ب):
(1)
ينظر: المصدر السابق: 14/ 154.
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
ينظر: المبسوط: 14/ 154.
(4)
ينظر: المصدر السابق: 14/ 154.
(5)
في (ع): «القضاء» .
(6)
في (ع): «القضاء» .
(7)
ينظر: المبسوط: 14/ 154.
(8)
في (ع): «إقراره» .
(9)
ينظر: المبسوط: 14/ 154.
(10)
ساقطة من: (ع).
(11)
ينظر: المبسوط: 14/ 154.
(12)
في (ع): «غير مجلس» .
(13)
ينظر: المبسوط: 14/ 154.
(14)
ينظر: المبسوط: 14/ 154.
ذكر ضمير الشفعة [على تأويل]
(1)
طلب الشفعة، أو ذكره لتذكير الخبر.
(فلا يملكان) /، أي: الأب والوصي كديته بالتاء المنقوطة من فوقها باثنتين بدلالة قران قوله: (وقوده)، ولكن الأولى في الفسح:«كَدَيْنِه» بالنون؛ ليكون أعم، ولأنه أوفق لرواية «المبسوط» حيث قال فيه: «وعند محمد وزفر: لا يصح، وللصبي أن يطالب بحقه بعد البلوغ؛ لأنهما قاما مقامه في استيفاء حقه، والإسقاط ضد الاستيفاء، فلا يثبت لهما الولاية في الإسقاط؛ كالإبراء عن الديون، والعفو عن القصاص الواجب له ولهما أنه في معنى التجارة؛ لأنه تملك العين
(2)
بالثمن، وهو عين
(3)
الشرى، يوضحه أنه لو أخذها بالشفعة، ثم باعها من ذلك الرجل بعينه جاز ذلك، فكذلك إذا سلَّمها إليه، بل أولى؛ لأنه إذا أخذها ثم باعها منه يتوجه العهدة فيها إلى الصبي، وفي التسليم لا يتوجه عليه العهدة.
وأما قولهما: «فلا يملكان إسقاطه وإبطاله لدينه
(4)
وقوده#، فقلنا: إن في تسليم الشفعة يبقي أحد العوضين على [ما]
(5)
ملك الصبي، وهو الثمن، وإن كان فيه إسقاط حقه فهو إسقاط بعوض يعدله، فلا يُعد ذلك ضررًا لبيع ماله.
بخلاف الإبراء عن الدين وإسقاط القود؛ لأنه لا عوض هناك يعادله فلا يملكانهما.
وقيل: جاز التسليم بالإجماع، أي: من غير خلاف لمحمد وزفر، فإنهما كانا لا يريان في المسألة الأولى، وهي ما إذا بيعت دار بمثل قيمتها، والصبي شفيعها تسليم
(6)
الأب والوصي الشفعة، وأما هاهنا وهي ما إذا بيعت دار بأكثر [من]
(7)
قيمتها فيجوز أن يسلمها الشفعة
(8)
.
وقيل: لا يصح بالاتفاق، وهو الأصح، وذكر
(9)
هذه الجملة في «المبسوط»
(10)
، وقال: «لو
(11)
كان المشتري اشترى الدار بأكثر من قيمتها بما لا يتغابن الناس بمثله
(12)
، والصبي شفيعها، فسلم الأب ذلك؛ فمن أصحابنا من قال: يصح التسليم هاهنا، عند محمد وزفر [لما فيه]
(13)
من النظر للصبي.
(1)
في (ع): «بتأويل» .
(2)
في (ع): «المعين» .
(3)
في (ع): «ملك» .
(4)
في (ع): «كديته» ، وهو الصواب؛ لموافقته المعنى. ينظر: العناية: 9/ 424، والبناية: 11/ 395.
(5)
زيادة من: (ع).
(6)
في (ع): «يسلم» .
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
ينظر: المبسوط: 14/ 155، البناية: 11/ 396.
(9)
في (ع): «ذكر» .
(10)
ينظر: المبسوط: 14/ 155.
(11)
في (ع): «ولو» .
(12)
في (ع): «في مثله» .
(13)
زيادة من: (ع).
والأصح: أنه لا يصح التسليم عنده
(1)
جميعًا؛ لأنه لا يملك الأخذ لكثرة الثمن، وسكوته عن الطلب، وتسليمه إنما يصح إذا كان مالكًا للأخذ، فيبقى الصبي على حقه إذا بلغ، وإذا
(2)
بيعت بأقل من قيمتها محاباة كثيرة، فعن
(3)
أبي حنيفة رحمه الله
(4)
- لا يصح [لا يسلم منهما من الأب والوصي، فلما لم يصح التسليم منهما على قول أبي حنيفة لا يصح]
(5)
أيضًا على قول محمد وزفر [رحمهما الله]
(6)
؛ لأنهما لا يريان تسليم الأب والوصي شفعة الصغير فيما بيعت بمثل قيمتها، فلأن لا يجوز فيما بيعت بأقل من قيمتها بالطريق الأولى
(7)
.
وأما
(8)
خص قول أبي حنيفة؛ لأن الشبهة ترد على قوله؛ لأنه كان يجوز تسليم الأب والوصي شفعة الصغير فيما إذا بيعت بمثل قيمتها، فعلى قياس ذلك ينبغي أن يجوز تسليمها أيضًا فيما إذا بيعت الدار بأقل من قيمتها لما أن هذا البيع- وإن كان بالمحاباة الكثيرة- لا يخرج عن معنى التجارة، ولهما ولاية الامتناع عن التجارة في مال الصغير، ولكن قال:«لا يصح التسليم في هذا» ، فيما روي عن أبي حنيفة
(9)
؛ لأن تصرفهما في مال الصغير يدور مع الوجه الأحسن، فلما تعينت جهة الأحسن في هذا البيع في أخذ الدار للصغير بالشفعة كان التسليم غير الأحسن، والتسليم يصرف في حقه كالأخذ، فلذلك لم [يجز]
(10)
تصرفهما بتسليم الشفعة في حق الصغير؛ لأنه قربان لماله بغير الأحسن، ولهذا المعنى أيضًا خص قول أبي يوسف بقوله: ولا رواية عن أبي يوسف؛ لأنه كان مع أبي حنيفة في صحة تسليم شفعة الصغير فيما إذا بيعت الدار بمثل قيمتها.
الخلاصة في شفعة الصغير
والحاصل: أن المسائل المتعلقة بشفعة الصغير [لا يخلو]
(11)
من وجوه بيع وشرى، وهي ما ذكرنا أن الأجنبي إذا اشترى دارًا في جوار دار الصغير: هل للأب والوصي أن يسلما شفعة الصغير للمشتري أم لا؟ وقد ذكرناه، وأب الأب إذا اشترى دارًا لابنه الصغير، والأب شفيعها كان للأب أن يأخذها بالشفعة عندنا إذا لم يكن للصبي في الأخذ ضرر ظاهر، كما لو اشترى الأب مال ابنه لنفسه، ثم كيف يقول في ذلك؟ يقول: اشتريت وأخذت بالشفعة، ولو كان مكان الأب وصي، فإن في أخذ الوصي هذه الدار بالشفعة منفعة للصغير بأن وقع شرى الدار [بمعنى]
(12)
بغبن يسير بأن كانت قيمة الدار مثلاً عشرة، وقد اشتراها الوصي بأحد عشر كان في أخذ الوصي بالشفعة منفعة في حق الصغير، فكان للوصي أن يأخذ الدار بالشفعة على قياس قول أبي حنيفة
(13)
، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف
(14)
/، كما في شرى الوصي شيئًا من مال الصغير لنفسه، وإن لم يكن في أخذ الوصي هذه الدار بالشفعة منفعة في حق الصغير بأن وقع شرى الدار للصغير بمثل القيمة لا يكون [في أخذ]
(15)
للوصي
(16)
الشفعة بالاتفاق، كما لا يكون للوصي أن يشتري سببًا
(17)
من مال اليتيم لنفسه بمثل القيمة بالاتفاق.
(1)
في (ع): «عندهم» ، وهو الصواب؛ لظاهر المعنى، وفي المبسوط للسرخسي 14/ 155 "والأصح أنه لا يصح التسليم عندهم جميعًا لأنه لا يملك الأخذ لكثرة الثمن".
(2)
في (ع): «وإن» .
(3)
في (ع): «فعند» .
(4)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(5)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 308، تبيين الحقائق: 5/ 263.
(8)
في (ع): «وإنما» ، وهو الصواب؛ لظاهر المعنى.
(9)
ينظر: العناية: 9/ 425.
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
زيادة من: (ع).
(13)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 309.
(14)
ينظر: المصدر السابق: 7/ 309.
(15)
زيادة من: (ع).
(16)
في (ع): «الوصي» .
(17)
في (ع): «شيئًا» .
ولو كان الصبي شفيع دار اشتراها الوصي لنفسه، لا يشهد ولا يطلب الشفعة له حتى يدرك الصبي.
ولو اشترى الأب دارًا لنفسه وابنه الصغير شفيعها فلم يطلب الأب الشفعة للصغير حتى بلغ الصغير، فليس للذي بلغ أن يأخذها بالشفعة؛ لأن الأب كان متمكنًا من الأخذ بالشفعة؛ لأن الشراء لا ينافي الأخذ بالشفعة فسكوته يكون مبطلاً للشفعة.
ولو باع الأب دارًا لنفسه وابنه الصغير شفيعها فلم يطلب الأب الشفعة للصغير لا يبطل شفعة الصغير حتى لو بلغ الصغير كان له أن يأخذها؛ لأن الأب هاهنا لا يتمكن من الأخذ بالشفعة؛ لكونه تابعًا، وسكون من لا يملك الأخذ لا يكون مبطلاً.
وأما الوصي إذا اشترى دارًا لنفسه، أو باع دارًا له، و [الوصي]
(1)
الصبي شفيعها فلم يطلب الوصي شفعة، فاليتيم على شفعته حتى إذا بلغ؛ لأن الوصي لا يملك البيع والشرى للصغير مع نفسه، إلا إذا كان فيه منفعة للصغير، فأما إذا لم يملك الأخذ لم يكن سكوته تسليمًا. كذا في «الذخيرة»
(2)
و «المغني» .
وفي «الجامع الصغير»
(3)
الوصي إذا باع دار اليتيم والوصي شفيعها فلا شفعة له إلا إذا باعها وكيل القاضي فللوصي الشفعة، [والله أعلم]
(4)
.
* * *
كتاب القسمة
(5)
إيراد القسمة عقيب الشفعة؛ لأن كُلاً منهما من نتائج النصيب الشائع؛ لما أن أقوى أسباب الشفعة الشركة في نفس البيع
(6)
، وأحد الشريكين إذا أراد الافتراق مع بقاء ملكه أو عوضه
(7)
فلا يخلو عن أحد وجهين: الإقدام على البيع، فتجب الشفعة، وعلى إفراز
(8)
نصيبه فيتحقق القسمة.
وأما لأن القسمة باقية للشفعة قاطعة لوجوبها رجوعًا إلى قوله عليه السلام: «الشفعة فيما لم يقسم؛ فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة [للشفعة]
(9)
»
(10)
، والنفي يقتضي [سبق]
(11)
الثبوت، وكان
(12)
بين الشفعة والقسمة مناسبة المضادة، والمتضادان يفترقان أبدًا مع تقدم المثبت على النافي، كما في الأمر والنهي، والنكاح والطلاق.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
ينظر: بدائع الصنائع: 5/ 16، المحيط البرهاني: 7/ 32.
(3)
ينظر: البناية: 11/ 397.
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
القسمة: لغة: من الاقتسام، وفي الشريعة: تمييز الحقوق وإفراز الأنصباء. ينظر: التعريفات، للجرجاني، ص 175.
(6)
في (ع): «المبيع» .
(7)
في (ع): «عدمه» .
(8)
في (ع): «إقرار» .
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
سبق تخريجه، ينظر: ص 108.
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
في (ع): «وكانت» .
ثم من محاسن القسمة أن أحد الشريكين إذا ثره
(1)
من مصاحبة شريكه الشكس
(2)
الأخلاق وضيق الفطن
(3)
وشديد المراس
(4)
، ومعتاض
(5)
اللدن
(6)
مع أنه يهوى بقاء ملكه في نصيبه لم يكن له مخرج من هذا المضيق، ولا ملجأ من هذا الحريق إلا الركون إلى الاقتسام، وهو الركن الأوثق في الانتظام، ومنها أن كل واحد من الشريكين عسى أن لا ينتفع [بملكه]
(7)
عند بقاء شركته انتفاع الكمال، وهو الظاهر في أغلب الأحوال والقسمة موصلة إلى مثل هذا الأحسن [من]
(8)
الآمال.
ومنها: أن الشريك ربما ينتقض ربما ثمن
(9)
صاحبه بما انقاد له فيما يصعب من أمر الشركة، ومكنه مما التسوي
(10)
أمره في التركة، والقسمة ذريعة إلى إزالة مثل هذا الذي التبس أمره وأشكل، ووسيلة إلى إماطة ما اشتغلت
(11)
من هذا وانحصل، فيجب علينا التلقي بالقبول حامدين لله تعالى على ما أولانا من نعم الشرائع، أو
(12)
جعلها وسائل إلى بلوغ الأماني في الدارين والذرائع، فيحتاج هاهنا إلى معرفة أشياء معنى القسمة لغة وشرعًا، وسببها، وركنها، وشرطها، ودليل شرعيتها وحكمها.
تعريف القسمة وسببها وركنها وشرطها ودليل مشروعيتها
أما لغة، فالقسمة: اسم للاقتسام، كالقدوة للاقتداء، والأسوة للائتساء
(13)
، وهي مؤنثة كما ترى، وإنما قال الله تعالى:{فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}
(14)
بعد قوله: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ}
(15)
؛ لأنها في معنى الميراث والمال
(16)
.
(1)
كذا، وفي (ع):«برم» .
(2)
الشكس: السيئ الخلق في المبايعة وغيرها، والشكس: المصدر. ينظر: العين: 5/ 288، لسان العرب: 6/ 112.
(3)
في (ع): «العطن» .
(4)
شديد المراس: شديد الشكيمة، صعب القيادة، عنيد. ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة: 2/ 1177، 3/ 2087.
(5)
معتاض: تعوض، أخذ بدلاً منه أو مقابلاً له. ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة: 2/ 1576.
(6)
اللدن: اللين من كل شيء، والأنثى لَدْنَة، والجمع: لِدان ولُدْن. ينظر: المحكم والمحيط الأعظم: 9/ 333.
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
في (ع): «بما هو من» .
(10)
في (ع): «التوى» .
(11)
في (ع): «اشتغل» .
(12)
في (ع): «إذ» .
(13)
ينظر: أنيس الفقهاء: ص 101، تبيين الحقائق: 5/ 264.
(14)
سورة النساء، من الآية:8.
(15)
سورة النساء، من الآية:8.
(16)
ينظر: الصحاح: 5/ 2011، لسان العرب: 12/ 479.
وأما شرعًا، فقد ذكر في «الإيضاح» القسمة: جميع
(1)
النصيب الشائع في مكان معين
(2)
.
وأما سببها، فطلب كل واحد من الشريكين الانتفاع بملكه على وجه الخصوص.
(3)
.
وأما ركنها، فهو الفعل الذي يحصل به الإقرار والتمييز بين النصيبين؛ كالمكيل في المكيلات، والوزن في الموزونات، والزرع/ في المزروعات، والعد في المعدودات.
وأما شرطها، فهو أن لا يفوت منفعته بالقسمة، وعن هذا قال في «المبسوط» في باب (ما لا يقسم [ولا يقسم: الحمام والحائط وما أشبه ذلك بين الشركاء لما فيها من الضرر)، والمقصود بالقسمة: توفير المنفعة]
(4)
، فإذا أدى ذلك إلى الضرر لم يجبر القاضي عليه إلى أن قال: «وإن رضوا بالهدم في الحائط وقسمة الأسهم بينهم لم يباشر القاضي ذلك؛ لما فيه من إتلاف الملك، ولكن إن فعلوا
(5)
فيما بينهم لم يمنعهم عن ذلك، وكذلك في البيت الصغير لا يقسمه
(6)
القاضي بينهم»»
(7)
.
وقال في «الأسرار» : «والحمام لا يجب قسمته؛ لأن المنفعة القائمة قبل القسمة تفوت بالقسمة، فلم تكن القسمة إفراز
(8)
للحق الشائع حيث يضمن فوات تلك المنفعة فلم يجب».
وأما دليل شرعيتها، فهو ما ذكر في «المبسوط» ، وقال: «وجوازها بالكتاب والسنة؛ أما الكتاب فقوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ}
(9)
، والسنة: ما اشتهر من قسمة رسول الله عليه السلام الغنائم بين أصحابه، وقسمة المواريث، وغير ذلك
(10)
.
(1)
في (ع): «جمع» .
(2)
ينظر: العناية: 9/ 425، البناية: 11/ 398.
(3)
ينظر: المبسوط: 15/ 5.
(4)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(5)
في (ع): «حصلوا» .
(6)
في (ع): «يقسم» .
(7)
ينظر: المبسوط: 15/ 52.
(8)
في (ع): «إقرار» .
(9)
سورة القمر، من الآية:28.
(10)
ورد في قسم الغنائم وتوزيع الميراث أحاديث عدة، أما قسمة الغنائم، فمنها: حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح حنينًا قسَّم الغنائم، فأعطى المؤلفة قلوبهم، فبلغه أن الأنصار يحبون أن يصيبوا ما أصاب الناس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:«يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالاً، فهداكم الله بي؟ وعالة، فأغناكم الله بي؟ ومتفرقين، فجمعكم الله بي؟» ويقولون: الله ورسوله أمنّ، فقال:«ألا تجيبوني؟» فقالوا: الله ورسوله أمنّ، فقال:«أما إنكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا، وكان من الأمر كذا وكذا» لأشياء عددها، زعم عمرو أن لا يحفظها، فقال:«ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ الأنصار شعار والناس دثار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديًا وشعبًا، لسلكتُ وادي الأنصار وشعبهم، إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» . أخرجه مسلم في صحيحه: 1/ 408، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم، برقم:1061.
وأما أحاديث توزيع الميراث، فمنها: عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما كان من ميراث قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية، وما كان من ميراث أدركه الإسلام فهو على قسمة الإسلام» . أخرجه ابن ماجه في سننه: 1/ 918، كتاب الفرائض، باب قسمة المواريث، برقم: 2749، والطبراني في «الأوسط»: 6/ 312، برقم:6499. قال الألباني: صحيح. ينظر: إرواء الغليل: 6/ 157.
حكم القسمة
وأما حكمها: فتعين نصيب كل واحد منهم من نصيب صاحبه بحيث لا يبقى تعلق لكل واحد منهم نصيب صاحبه، ثم هي -أي القسمة- لا تعرى عن معنى المبادلة، أي: في جميع الصور سواء كانت في ذوات الأمثال، أو في غير ذوات الأمثال، لكن في ذوات الأمثال معنى الإقرار راجح، والمعنى من الإقرار هو أن يقبضه لعين حقه، ولكن مع ذلك فيه معنى المبايعة، وذلك لأن ما قبضه كل واحد منهما نصفه ملكه من الأصل حقيقة، ونصفه ملك صاحبه صار له من جهة صاحبه بالقسمة إلا أن ما أخذ كل واحد منهما من نصيب صاحبه في ذوات الأمثال مثل ما ترك عليه فتعين، فأخذ مثل الحق يتعين بمنزلة أخذ عين الحق [حكمًا]
(1)
.
ألا ترى أن أخذ المثل في [العرض جعل كأخذ العين حكمًا، فجعل العوض لذلك بمنزلة العارية، ولم يجعل بمنزلة المبادلة بين]
(2)
المقرض والمستقرض، فلذلك لم يحرم النساء فيه، فجعل استرداد العرض بمنزلة استيفاء عين حقه، ثم في كل موضع يمكن العمل بشبه الإفراز
(3)
والمبادلة يعمل بهما، وفي كل موضع لا يمكن العمل بالشبهين بعمل يشبه الإفراز
(4)
؛ لأن شبه الإقرار راجح إلى هذا. أشار في «المغني»
(5)
: «ولو اشترياه فاقتسماه، أي: لو اشترى الرجلان مكيلاً أو موزونًا بدراهم واقتسماها فيما بينهما؛ فلكل واحد منهما أن يبيع نصفه مرابحة بنصف الدراهم.
فإن قيل: أليس أن محمدًا ذكر في آخر كتاب (القسمة)
(6)
: إذا كان وصي الذمي مسلمًا وفي التركة جمعت
(7)
وخنازير أنه يكره قسمتها، ولو كان المرجحان في هذه القسمة، أي: في قسمة الموزونات وهي الثمن
(8)
يشبه الإقرار ينبغي أن يجوز من غير كراهة، فإن الذمي إذا وكل مسلمًا أن يقبض خمرًا له جاز للوكيل قبضها من غير كراهة.
قلنا: ذكر شمس الأئمة الحلواني إذا كان في التركة الخمور لا غير لا يكره للوصي المسلم قسمتها؛ لأن هذه القسمة إقرار محض ليس فيها شبهة المبادلة، والمسلم يملك قبض خمر الذمي، وإنما تكره القسمة إذا كان مع الخمر الخنازير؛ لأن القسمة حينئذ تكون مبادلة
(9)
.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(3)
في (ع): «الإقرار» .
(4)
في (ع): «الإقرار» .
(5)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 333.
(6)
ينظر: المصدر السابق: 7/ 333.
(7)
في (ع): «خمور» .
(8)
في (ع): «الخمر» .
(9)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 333، البحر الرائق: 8/ 168.
وغيره من المشايخ قالوا: لا، بل يكره قسمة الخمور وحدها للمسلم؛ لأن العمل بالشبهين في قسمة الخمر ممكن بإثبات الكراهة، ومعنى الكراهة هاهنا معنى هو بين الحلال المطلق والحرام المحض؛ لأنها لو كانت إفرازًا
(1)
من كل وجه كانت حلالاً، ولو كانت مبايعة من كل وجه كان
(2)
حرامًا، فإذا كانت مبايعة حقيقة [من كل]
(3)
وجه إفرازًا
(4)
حكمًا أثبتنا حكمًا بين الحلال [المحض] والحرام المحض، ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات، أي: في غير ذوات الأمثال كلها، وبه صرح في «المغني» وغيره فقال في «المغني»: «وأما القسمة في غير ذوات الأمثال فبينة المبادلة فيها راجح؛ لأنها إقرار حكمًا من وجه، ومن حيث الحقيقة هي مبادلة من كل وجه، أما الحقيقة فظاهر، وأما الحكم فلأن نصف ما يأخذ كل واحد منهما مثل لما ترك على صاحبه باعتبار القيمة، وأخذ المثل كأخذ العين حكمًا فكان إفرازًا
(5)
إلا أن ما يأخذ كل واحد منهما ليس لمثله
(6)
لما ترك على صاحبه [القيمة]
(7)
بيقين؛ لأن المقسوم ليس من ذوات الأمثال لا تثبت المعادلة بيقين، فالإفراز
(8)
مع المبادلة استويا في الحكم، ثم ترجحت المبايعة بالحقيقة»
(9)
.
وذكر في «المبسوط»
(10)
: ونوع هو تميز فيه معنى المبادلة، كالقسمة فيما يتفاوت من النبات والحيوانات/، فإنها تتميز عند اتحاد الجنس وتفاوت
(11)
المنفعة، ولهذا يجبر القاضي عليها عند طلب بعض الشركاء، وفيها معنى المبادلة على معنى أن ما يصيب كل واحد منهما نصفه بما
(12)
كان مملوكًا [له]
(13)
، ونصفه عوض عما أخذه صاحبه من نصيبه، ولهذا لا ينفرد به أحد الشريكين، ولا يبيع أحدهما نصيبه مرابحة بعد القسمة.
وقوله: (إلا أنها إذا كانت من جنس واحد أجبر القاضي على القسمة)، وهذا جواب لسؤال مقدر يرد على قوله: (ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض، بأن يقال: لو كان الرجحان للمبايعة لكان لا يجبر إلا على القسمة في غير ذوات الأمثال.
(1)
في (ع): «إقرارًا» .
(2)
في (ع): «كانت» .
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «إقرارًا» .
(5)
في (ع): «إقرارًا» .
(6)
في (ع): «بمثل» .
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
في (ع): «فالإقرار» .
(9)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 334.
(10)
ينظر: المبسوط: 15/ 2.
(11)
في (ع): «وتحري» .
(12)
في (ع): «مما» .
(13)
ساقطة من: (ع).
قلنا: إنما يجبر لدفع الضرر عن غيره؛ كالغريم يحبس حتى يبيع ماله ليقضي الدين، وبهذا السؤال والجواب صَرَّح في «المغني» حيث قال
(1)
: «فإن قيل: لو كان الرجحان في هذه القسمة للمبالغة لكان لا يجبر الآبي عليها، وبالإجماع يجبر، وكذلك لا يثبت حكم الغرور فيها حتى أن الشريكين إذا اقتسما دارًا أو أرضًا بينهما، وبنى أحدهما في نصيبه بناءً، ثم جاء مستحق واستحق الطابقة التي بنى فيها، ونقض بناه لا يرجع على صاحبه بقيمة البناء، ولو كان الرجحان لجانب المبايعة لثبت الغرور، كما لو اشترى.
قلنا: الجبر على هذه المبايعة [لقطع ارتفاق الآبي الملك لصاحبه، ويجوز أن يجري الجبر على المبايعة]
(2)
باعتبار حق مستحق للغير.
ألا ترى أن المشتري لا يجبر على تسليم الدار إلى الشفيع، وإن كان التسليم إليه مبايعة، إنما يجبر لحق الشفيع؟
ألا ترى أن المديون يحبس حتى يبيع ماله ويقضي الدين، فحدثان الجبر عليها لا ينفي كونها مبايعة؟
وأما الثاني قلنا: إنما لا يثبت الغرور؛ لأن كل واحد منهما مضطر في هذه المبايعة؛ لأنه يحتاج إلى تخليص حقه ومنع صاحبه عن الارتفاق بملكه، ولا يمكنه ذلك إلا بهذه المبايعة، فيكون مضطرًا إلى هذه المبايعة لإحياء حقه، والجبر كما ثبت بالإكراه يثبت بالحاجة إلى إحياء الحق؛ كصاحب العلو إذا بنى السفل، وإن
(3)
كان مخيرًا على
(4)
هذه المبايعة لا يثبت فيها حكم الغرور، كالشفيع إذا أخذ الدار من المشتري بقضاء القاضي وإن كانت أجناسًا، أي: وإن كانت الأعيان المشتركة أجناسًا لا يجبر القاضي على قسمتها.
وحاصل ذلك: أن الأعيان المشتركة في أصلها فلا تخلو: إما إن كانت من جنس واحد أو من أجناس مختلفة، فإن كانت من جنس واحد فلا يخلو: إما إن كانت مما يجري فيه الربا؛ كالمكيل، أو الموزون
(5)
، أو لا يجري؛ كالحيوانات، فجبر القاضي يجري عند طلب أحد الشريكين القسمة في هذين الوجهين بعد أن كانا من جنس واحد حتى لو كان بين رجلين جماعة غنم أو جماعة بقر أو جماعة إبل أو جماعة ثياب كلها من جنس واحد، فطلب أحدهما قسمته وأبى الآخر ذلك، فإن القاضي يجبر الآبي منهما على القسمة؛ لأن الآبي منهما متغيب؛ لأن المشاع ناقص المنفعة والمقسوم وآخر المنفعة، فلا يلتفت القاضي إلى تعنته، هذا إذا كانت المنفعة تبقى بعد القسمة، وأما إذا لم تبق المنفعة، بل يتضرر كل واحد منهما لا بقسمة القاضي، كما إذا كان حمامًا بينهما، أو بيتًا صغيرًا، أو حائطًا بينهما، وما أشبه ذلك مما يحتاج في قسمته إلى الشق والقطع، فلا يقسم ذلك حتى يتراضيا عليه، ولا يقسم برضا أحدهما دون الآخر، وعند التراضي على القسمة روايتان؛ في رواية: لا بأس للقاضي أن يلي شق ذلك بنفسه ويقطعه بإذنهما، وفي رواية أخرى: لا يلي ذلك بنفسه، بل يفوض ذلك إليهما فيما يفعلانه [هذا إذا لم يكن من أموال الربا، فإن كان من أموال الربا فلا اعتبار لتراضيهما عند فضل]
(6)
أحدهما على الآخر قدرًا، والأصل أن التراضي في القسمة على الضرر جائز، كما ذكرنا، والتراضي على الربا لا يجوز لقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}
(7)
حتى أنه لو كان كر حنطة بين رجلين نصفين؛ ثلاثون مختومًا منها رديئة قيمتها عشرة دراهم، وعشرة مخاتيم منها صبرة قيمتها عشرة؛ فتراضيا على أن يكون الثلاثون الرديئة لأحدهما، والعشرة الجيدة للآخر، فلا يجوز؛ لأنه ربا؛ لأن الذي قبض الثلاثين كان له في جملة الكر عشرون مختومًا، وقد قبض زيادة العشرة بأداء الجودة في العشرة المتروكة لصاحبه، فيكون ربا وإن تراضيا عليه لم يجز أيضًا؛ لأن الكيلي أو/ الوزني عند ملاقاة جنسه لا غير
(8)
للوصف والقيمة، وإنما العبرة للقدر، وهو الكيل في المكيل، أو الوزن في الموزون.
(1)
المحيط البرهاني: 7/ 334.
(2)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(3)
في (ع): «وإذا» .
(4)
في (ع): «في» .
(5)
في (ع): «والموزون» .
(6)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(7)
سورة البقرة، من الآية:275.
(8)
في (ع): «غيره» .
وأما إذا كانت الأعيان المشتركة من أجناس مختلفة، فطلب أحدهما قسمتها بينهما فلا يقسمها إلا بتراضيهما جميعًا؛ لأن القسمة في مختلف الجنس مبادلة كالتجارة، والتراضي في التجارة شرط؛ لقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}
(1)
. كذا في «شرح الطحاوي» في مواضع متفرقة
(2)
.
وإن لم يفعل نصب قاسمًا يقسم بالأجر، [أي:]
(3)
وإن لم ينصب قاسمًا يرزقه من بيت المال ينصب قاسمًا يقسم بالأجر، ويقدر أجر مثله، أي: ويقدر القاضي أجر مثل قسمة القاسم، وأبعد عن التهمة، أي: تهمة الميل إلى أجر
(4)
المتقاسمين [في مواضع متفرقة]
(5)
بسبب ما يعطيه بعض الشركاء [تارة]
(6)
.
وفي «الذخيرة»
(7)
: ويجوز للقاضي أن يأخذ على القسمة أجرًا، ولكن المستحب له أن لا يأخذ، وهذا لأن القسمة ليس بقضاء على الحقيقة حتى لا يعترض على القاضي مباشرتها، وإنما الذي يعترض عليه جبر الآبي على القسمة، إلا أن لها شبهًا بالقضاء من حيث إنها [لا]
(8)
تستفاد بولاية القضاء حتى ملك القاضي جبر الآبى، ولم يملك الأجنبي ذلك؛ فمن حيث إنها ليست بقضاء جاز أخذ الأجر عليها، ومن حيث إنها تشبه القضاء يستحب ألا يأخذ بالأجر عليها، ولو اصطلحوا فاقتسموا جاز، أي: الشركاء ثم
(9)
يرفعوا الأمر إلى القاضي، بل اقتسموا بأنفسهم باصطلاحهم، فهو جائز؛ لأن في القسمة معنى المعاوضة فيثبت بالتراضي، كما في سائر المعاوضات. كذا في «أدب القاضي» »
(10)
.
القسام: جمع القاسم، كالزراع جمع الزارع.
التواكل: هو أن يتكل بعضهم على بعض.
ثم معنى قوله: «ولا يترك القسام يشتركون، أي: لا يخلي القاضي القاسمين المعينين وأنفسهم على رأيهم في الاشتراك [لكن]
(11)
بحيث لا يتجاوز أمر القسمة عنهم إلى غيرهم؛ لأنه لو عينهم في الاستئجار، لعل القسام يكلفون الأجر زيادة على أجر المثل؛ فيتضرر بها المتقاسمون، بل يقول القاضي لكل واحد من المتقاسمين: استدانت
(12)
بالقسمة من غير مشاركة الأجر، فكان كل واحد منهم مأذونًا ومجازًا بالقسمة من جانب القاضي، فحينئذ يتسارع كل من القسام إلى ما يتيسر من الآخر
(13)
فيقسم الأموال المشتركة بأرخص الأمور؛ كيلا يفوت منه ذلك الأجر، وإن قل فلا يتضرر المتقاسمون؛ [كأجرة الكيال والوزان، يعني: إذا استأجروا الكيال ليعقل الكيل فيما هو مشترك بينهم، فالأجر
(14)
على قدر الأنصباء، وكذلك الوزان، وهذا لأن المقصود بالقسمة أن يتوسل كل واحد منهم إلى الانتفاع بنصيبه، ومنفعة نصيب صاحب الكبير أكثر من منفعة نصيب صاحب القليل؛ فيجب أن يكون الأجر على صاحب الكثير أكثر لما أن الغرم مقابل بالغنم، فصارت الأجرة كالزوائد الحاصلة من الملك المشترك، كالثمار والأولاد، فهي على قدر الملك بينهما بالاتفاق.
(1)
سورة النساء، من الآية:29.
(2)
ينظر: البناية: 11/ 403.
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
في (ع): «أحد» .
(5)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(6)
في (ع): «بسبب زيادة» .
(7)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 386.
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
في (ع): «لم» .
(10)
ينظر: العناية: 9/ 429، البناية: 11/ 404.
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
في (ع): «استأذنت» .
(13)
في (ع): «الأجر» .
(14)
في (ع): «فالأجرة» .
فكذا الأجر، وكذلك إذا استأجروا رجلاً لبناء جدار أو تطيين سطح بينهم، فإن الأجر يجب على التفاوت.
ولأبي حنيفة رحمه الله
(1)
-
(2)
أن الأجر مقابل باليمين، وأنه لا يتفاوت، ومعنى هذا الكلام هو أن القاسم لا يستحق الأجر بالمساحة، ومد الأطناب [في المشي]
(3)
على الحدود؛ لأنه لو استعان في ذلك بأرباب الملك استوجب كمال الأجر إذا قسم بنفسه فعرفنا أنه إنما يستوجب الأجر بالقسمة، وهي تمييز نصيب كل واحد منهم، ولا تفاوت بينهم في ذلك، وأنه كما يتميز نصيب صاحب الكثير بعمله عن نصيب صاحب القليل، كذلك يتميز نصيب [صاحب]
(4)
القليل عن نصيب صاحب الكثير، وقد لا يتصور إفراز القليل عن الكثير إلا بما يفزر الكثير منه؛ فكان عمل الإفراز واقعًا لهما جملة، وكذلك الحساب فإن معرفة [حساب]
(5)
النصيب الكثير يحتاج [لإفراز]
(6)
القليل منه، كما يحتاج لإفراز الكثير، وكان العمل من حيث الحساب واقعًا للجملة.
بخلاف تطيين السطح، وبناء الجدار؛ لأن الأجر ثم مقابل بالبناء والتطيين، ونفس ذلك الفعل مقدر بقدر المكان
(7)
، ألا ترى أن ما يحصل بعمله من البناء والطين المبسوط يكون بينهما أثلاثًا، فكذلك بدله، وأما المقسوم أثلاثًا فلم يحصل بعمله، بل حصل بالإفراز والتمييز لا غير، وهو واقع لهما؛ لأن التمييز يحصل بعمل/ واحد، وهما في ذلك العمل سواء.
وبخلاف الزوائد فإنها تتولد من الملك، وإنما يتولد بقدر الملك.
وبخلاف النفقة، فإنها لإيفاء الملك، وحاجة صاحب الكثير إلى ذلك أكثر من حاجة صاحب القليل. كذا في «المبسوط»
(8)
و «الأسرار» ، فيتعذر اعتباره، أي: اعتبار كون صعوبة الحساب بالنظر إلى القليل، يعني: ربما يكون عمله في نصيب صاحب القليل أكثر، فإن الحساب لا يدق إذا استوت الأنصباء، وإنما يدق عند تفاوت الأنصباء، ويزداد فيه بقلة بعض الأنصباء؛ فلعل تمييز نصيب صاحب ذلك العمل سواء، والكيل والوزن إن كان للقسمة، قيل: هو على الخلاف، يعني: إذا استأجروا رجلاً لكيل الحنطة المشتركة بينهم، أو لزرع ثوب مشترك بينهم إن كان الاستئجار لأجل القسمة، والمسألة على الخلاف؛ لأن القليل إنما يفرز عن الكثير الذي يقرر الكثير منه، وكان العمل في كل نصيب بشرط الإفراز للآخر
(9)
عنه، كالحساب في الفصل الأول، فلم يظهر التفاوت، وأما إذا كان الاستيجار لنفس الكيل والزرع؛ ليصير المكيل والثوب معلوم القدر والزرع، فالأجر على قدر الأنصباء؛ لأن الأجر استحق بإزاء فعل الكيل من غير اعتبار إفراز، وفعل الكيل يتعذر بقدر المكيل، فتفاوت البدل أيضًا. كذا في «الأسرار» ، و «الذخيرة»
(10)
، وهو العذر لو أطلق، ولفظ هو إشارة إلى قوله:(فالأجر مقابل بعمل الكيل والوزن)، يعني: أن قولهما يتقدر بقدره؛ كأجرة الكيال والوزان لو كان مجرى على إطلاقه، فالجواب لأبي حنيفة رحمه الله
(11)
- عن ذلك هو إنما تفاوت الأجر هناك على قدر الأنصباء؛ لأن كيل نصيب صاحب الكثير أشق وأصعب من كيل نصيب صاحب القليل لا محالة، فلذلك كانت الأجرة هناك بحسب الأنصباء لا بحسب رءوس المتقاسمين، وإلى صحة رواية الإطلاق قال الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي حيث قال في «المبسوط»:«وأما أجر الكيال والوزان فقد قال بعض مشايخنا: هو على الاختلاف، فإن المكيل والموزون يقسم بذلك، والكيال والوزان بمنزلة القسام» ، ثم قال:«والأصح أن أبا حنيفة يفرق بينهما، ويقول هناك: إنما استوجب الأجر بعمله في الكيل والوزن»
(12)
.
(1)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(2)
ينظر: العناية: 9/ 429.
(3)
في (ع): «والمشي» .
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
في (ع): «إلى إفراز» .
(7)
في (ع): «الإمكان» .
(8)
ينظر: المبسوط: 14/ 97.
(9)
في (ع): «الآحر» .
(10)
ينظر: المبسوط: 15/ 6، البناية: 11/ 406.
(11)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(12)
ينظر: المبسوط: 15/ 6.
ألا ترى أنه لو استعان في ذلك بالشركاء لم يستوجب الأجر، وعمله في ذلك لصاحب الكثير أكثر، وكل عاقل يعرف أن كيل مائة قفيز يكون أكثر من كيل عشرة أقفزة، فلهذا كانت الأجرة عليهما بقدر الملك بخلاف القسام.
وعنه- أي: وعن أبي حنيفة
(1)
: «وفي أيديهم دار وضيعة قيد بهما؛ لأنه إذا كان في أيديهم عروض أو شيء مما ينقل قسم بإفرازهم بالاتفاق، وادعوا أنهم ورثوها قيد به [لأنهم]
(2)
لو ادعوا الشراء من غائب قسم بينهم بإفرازهم بالاتفاق في رواية الأصول، على ما ذكر في الكتاب، وهكذا أيضًا في «الإيضاح»
(3)
، ويذكر أن
(4)
القاضي في كتاب (القسمة)، أي: في صك القسمة أنه قسمها بقولهم معنى لا بالبينة، وذلك لأن حكم القسمة بالبينة يخالف حكم القسمة بالإفراز؛ لأن حكم القسمة بالبينة يتعدى إلى الغير حتى لو ادعت أم ولد هذا الميت أو مُدبرة العتق، فالقاضي يقضي لهما بالعتق، ولا يكلفهما إقامة البينة على الموت [في حكم]
(5)
القسمة بالإفراز لا يتعدى.
ألا ترى أنه لا يقضى بالعتق في هاتين الصورتين إلا ببينة تقوم على الموت. كذا ذكره في الفصل الثاني من قسمة «الذخيرة»
(6)
.
حتى لو حدثت الزيادة فيها تنفذ وصاياه؛ ألا ترى أن من أوصى بجاريته لرجل ومات فولدت ولدًا، أو اكتسبت كان الولد والكسب لورثة الميت، وإن حدثت الزيادة بعد القسمة تكون للموصى له، وإن كانت الجارية مع الزيادة لا يخرج من ثلث المال. كذا في شهادات «الجامع» لقاضي خان
(7)
.
فلابد من البينة، وهو أي: البينة على تأويل الشاهد مقيد، وهذا جواب عن قولهما:(ولا بينة إلا على المنكر فلا يفيد)، ولا يمتنع ذلك بإقراره. هذا كله جواب إشكال ذكر في «الذخيرة» ، وقال
(8)
: «وإن حضر اثنان من الورثة، وطَلَبَا قسمة العقار، والباقي غائب، فالقاضي يسمع
(9)
البينة، ويقسم الدار، ويجعل أحد الحاضرين مدعيًا والآخر مدعى عليه، وأحد الورثة بتنصيب خصمًا عن الميت، وعن باقي الورثة، ثم قال: «فإن قيل: كيف يجعل أحدهما مدَّعى عليه، وكل واحد منهما مقر بما يدعيه صاحبه، والمقر بما يدعيه/ المدعي لا يصلح خصمًا للمدعي.
(1)
ينظر: البناية: 11/ 407.
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
ينظر: البناية: 11/ 407.
(4)
في (ع): «أي» .
(5)
في (ع): «وحكم» .
(6)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 364.
(7)
ينظر: البناية: 11/ 408.
(8)
ينظر: فتح القدير: 9/ 431، المحيط البرهاني: 7/ 365.
(9)
في (ع): «يقسم» .
قلنا: كل واحد منهما إنما يقر على الغير، والإقرار على الغير باطل وجوده وعدمه بمنزلة.
ألا ترى أن من ادعى على ميت دينًا، وأقر به وصيه فإن المدعي
(1)
تكلف إقامة البينة، وبتنصيب الوصي خصمًا له، وإن كان الوصي مُقِرًّا.
بخلاف المنقول، إلى آخره، يعني: أن معنى النظر للميت في المنقول في القسمة من وجهين:
أحدهما: أن العروض يخشى عليها التوى
(2)
والتلف، وفي القسمة تحصين وحفظ لها، وأما العقار فحصن بنفسه لا يخشى عليه التلف، ففي القسمة قضاء على الميت يقطع حقه عنه، والثاني [أن]
(3)
في العروض ما يأخذ كل واحد منهم بعد القسمة يصير مضمونًا عليه بالقبض في حق غيرهم، ففي جعل ذلك مضمونًا عليهم معنى النظر للميت، وذلك لا يوجد في العقار فإنه لا يصير مضمونًا في العقار على من أثبت يده فيه عند أبي حنيفة. كذا في «المبسوط»
(4)
. وكان قوله: «ولا كذلك العقار عنده- أي: عند أبي حنيفة
(5)
.
(وبخلاف المشترى) معطوف على قوله: (بخلاف المنقول)، أي: يقسم القاضي العقار بينهم إذا ادَّعوا الشرى، وقال في «المبسوط»
(6)
: «ولو كان في أيديهم دار، وأقروا بها دراهم اشتروها من فلان الغائب، وسألوا القاضي قسمتها أجابهم القاضي إلى ذلك، ثم قال في جواب أبي حنيفة عن هذه المسألة: فقال
(7)
: «وأما في الشرى فقد روي عن أبي حنيفة في غير الأصول: أن القاضي لا يقسمها بينهم، وسوى بين الشرى والميراث، ولكن على هذا الطريق، أي: على الطريق الثاني الذي ذكرنا لأبي حنيفة: يسلم، كما هو ظاهر الرواية، فيقول: قضاؤه بالقسمة في المشترى لا يتضمن قطع [حق]
(8)
البائع؛ لأن بعد البيع والتسليم لا يبقى المبيع على حكم ملك البائع بخلاف الميراث.
وقال في «الذخيرة»
(9)
بخلاف فصل الشراء على ظاهر الرواية؛ لأن القسمة هناك لا تتضمن بطلان شيء من ملك البائع؛ لأن المشتري بعد القبض ملك المشتري من كل وجه، ولم يبق للبائع فيه حق.
(1)
في (ع): «الميت» .
(2)
التوى: التوى الحبل وغيره: انفتل وانثنى. التوت الطريق: اعوجت. التوى عليه الأمر: صعب وعسر. ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة: 2/ 2052.
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
ينظر: المبسوط: 15/ 10.
(5)
ينظر: البناية: 11/ 409.
(6)
ينظر: المبسوط: 15/ 9.
(7)
ينظر: المصدر السابق: 15/ 10.
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 364.
ألا ترى أن ما يحدث من الزيادة يحدث على حكم ملك المشتري؟
وإن ادعوا الملك ولم يذكروا كيف انتقل- أي: بسبب الميراث، أو بسبب الشرى، أو غيرهما [قوله]
(1)
قسمه بينهم [بمجرد دعواهم الملك من غير إقامتهم البينة على ما ادعوا من الملك، ومسألة «الجامع الصغير» على خلاف ذلك حيث اشترطت قسمة بينهم]
(2)
، قال رضي الله عنه:«هذه رواية كتاب القسمة» »
(3)
.
وقوله: (هذه) إشارة إلى [قوله: «قسمه بينهم بمجرد دعواهم الملك من غير إقامتهم البينة على ما ادعوا من الملك، ومن «الجامع الصغير» على خلاف ذلك حيث اشترطت]
(4)
هناك إقامة البينة على الملك في حق جواز القسمة، فلذلك أعاد لفظ «الجامع الصغير» في الكتاب، وهذه المسألة في «الجامع الصغير» مذكورة في كتاب القضاء منه، وفيها تفريعات.
ثم [قوله: «وفي «الجامع الصغير»
(5)
أرض ادعاها رجلان، وأقاما البينة أنها في أيديهما، أي: بطريق الملك بدليل قوله: «وقسمة الملك» يقتصر إلى قيامه، أي: الملك، ثم قيل: و]
(6)
هو قول أبي حنيفة والإشارة راجعة إلى قوله: (لم يقسمها حتى يقيما البينة)، والدار في أيديهم ومعهم [وإن]
(7)
غائب قسمه القاضي.
وقوله: (والدار في أيديهم) وقع سهوًا؛ لأنه لو كانت في أيديهم لكان البعض في يد الغائب ضرورة، وقد ذكر بعد هذا في الكتاب: وإن كان العقار في يد الوارث الغائب أو شيء منه لم يقسم، والصحيح أن يقول: والدار في أيديهما، كما ذكره في «المبسوط» بقوله:«وإذا حضر القاضي اثنان من الورثة، والعقار في أيديهما»
(8)
، هكذا وجدت بخط شيخي وما ذكره من السهو هو الصحيح، وذكر في «المبسوط» في هذه الصورة وقال
(9)
: «وإذا كان في الورثة صغيرًا أو كبيرًا غائبًا والدار في أيدي الكبار الحضور، فعند أبي حنيفة لا يقسمها القاضي بينهم حتى تقوم البينة على أصول المواريث؛ لأنها لم يقسم في الفصل الأول مع أن الورثة كلهم كبار حضور، ففي هذا الفصل أولى
(10)
أن لا يقسم؛ لأن في قسمته قضاء على الغائب والصغير بقولهم، وعلى قول أبي يوسف ومحمد: يقسمها بينهم، ويعزل حق الغائب والصغير، ويشهد أنه قسمها بإقرار الكبار الحضور، وأن الغائب والصغير على حجته، كما في الفصل الأول؛ لأن الدار كلها في يد الكبار الحضور وليس في هذه القسمة قضاء على الصغير، والغائب بإخراج شيء من أيديهما، بل فيهما نظر لهما بظهور نصيبهما مما في يد الغير، [والقسمة]
(11)
يعزل نصيب الغائب والصغير، وكان هذا محض نظر في حق/ الغائب والصغير.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(3)
ينظر: البناية: 11/ 410.
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
ينظر: الجامع الصغير: ص 383، 384.
(6)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(7)
في (ع): «وارث» .
(8)
ينظر: المبسوط: 15/ 11.
(9)
ينظر: المصدر السابق: 15/ 11.
(10)
في (ع): «الأولى» .
(11)
في (ع): «وإنه بالقسمة» .
[وقوله:]
(1)
(وكذا لو كان مكان الغائب صبي)[برفع]]
(2)
صبي على أنه اسم كان، كما ذكرنا من قبل، أراد به: قوله: لم يقسمها القاضي، عند أبي حنيفة: حتى يقيموا البينة على موته، وعدد ورثته. وقال صاحباه: يقسمها باعترافهم، ولو كانوا مشترين لم يقسم مع يمينه أحدهم، يعني: وإن أقاموا بينة على الشراء، ويصير مغرورًا بشراء المورث، يعني: لو اشترى المورث جارية ومات، واستولدها الوارث، ثم استحقت يكون الولد حرًّا بالقيمة، ويرجع الوارث بها على البائع كالمورث.
(ولا فرق في هذا الفصل) إشارة إلى قوله: (وإن كان العقار في يد الوارث الغائب أو شيء منه لم يقسم)، كما أطلق في الكتاب، وهو قوله:(لم يقسم) من غير ذكر إقامة البينة على الإرث أيضًا مخالف لما ذكره في «المبسوط» ؛ لأنه قال في «المبسوط»
(3)
: «وإن كان شيء من العقار في يد الصغير أو الغائب لم أقتسمها بإقرار الحضور حتى تقوم البينة على أصل الميراث؛ لأن في هذه القسمة قضاء على الغائب والصغير بإخراج شيء مما كان في يده [عن يده]
(4)
، وكذلك إن كان الكبير أودع ما كان في يده منها رجلاً حتى غاب؛ لأن المودع أمين، فلا يكون خصمًا في ذلك، ولا يجوز للقاضي أن يقضي على الغائب بحضور أمينه، فلهذا لا يقسم حتى تقوم البينة، فإذا قامت البينة قبلها القاضي؛ لأنها تقوم لإثبات ولاية القاضي في تركة الميت، ولأن الورثة يخلفون الميت في الميراث؛ فينتصبون خصمًا عنه، وينتصب بعضهم خصمًا عن بعضهم، فقلما تخلو تركة عن هذا، فإن الورثة يكبرون، وقلما يحضرون فلو لم يقبل القاضي البينة ولم يقسمها لمكان غائب أو صغير أدى إلى الضرر، والضرر مدفوع.
وذكر في «فتاوى قاضي [خان]
(5)
(6)
: فرواية أنه لا يقسم وإن قامت البينة ما لم يحضر الغائب هي رواية «الجامع» ، وكان قوله في الكتاب هو الصحيح احترازًا عن رواية «المبسوط» وغيره في أنه يقسم إذا قامت البينة [والله أعلم]
(7)
؛ لأن الواحد لا يصلح مخاصَمًا ومخاصِمًا، وهذا لأن الحاضر إن كان خصمًا عن نفسه فليس هاهنا خصم عن الميت وعن الغائب، وإن كان هذا الحاضر خصمًا عنهما فليس هاهنا من يخاصمه عن نفسه؛ ليقيم البينة عليه بذلك، بخلاف ما إذا كان الحاضر اثنين من الورثة.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
ينظر: المبسوط: 15/ 11.
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
ينظر: فتاوى قاضي خان: 3/ 70.
(7)
زيادة من: (ع).
والثاني أن الحاضر إذا كان واحدًا فهو غير متظلم في طلب القسمة، ولا طالب للإنصاف إذ ليس معه من ينتفع بملكه حتى يقول للقاضي: اقسمها بيننا كيلا
(1)
ينتفع بملكي غيري، وأما إذا حضر اثنان فكل واحد منهما يطلب القسمة يسأل القاضي أن يمنع صاحبه عن الانتفاع بنصيبه، وذلك مستقيم. كذا في «المبسوط» »
(2)
.
وذكر في «الذخيرة» : فإذا كان بعض الورثة حضورًا والبعض غيبًا، والدار كلها أو بعضها في يد الغائب، وطلب الحاضر القسمة من القاضي، وأقام البينة على الميراث، فإن كان الحاضر واحدًا، فالقاضي لا يقبل بينته، ولا يقسم الدار
(3)
.
وعن أبي يوسف أن القاضي ينصب عن الغائب خصمًا، ويسمع البينة عليه، ويقسم الدار
(4)
.
ووجه ظاهر الرواية: أن التركة قبل القسمة إن بقيت على حكم ملك الميت من وجه صارت ملكًا للورثة من وجه حتى لو أعتق واحد منهم عبدًا من التركة قبل القسمة بعد العتق في نصيبه، وكل واحد من الورثة قبل
(5)
القسمة يرتفق بنصيبه وبنصيب شركائه، والحاضر يدعو
(6)
القسمة، كما يدعي [إزالة ما بقي من ملك الميت يدعي]
(7)
على شركاء
(8)
قطع الارتفاق [وتنصيب فلان]
(9)
جاز للقاضي نصب الموصى من حيث إنه دعوى على الميت لا يجوز له نصب الوصي من حيث إنه دعوى على شركائه الغيب، ولا يجوز له نصب الوصي بالشك، وليس كما لو ادعى أجنبي دينًا على الميت، وليس للميت وارث ولا وصي [له]
(10)
، وأن
(11)
القاضي ينصب عنه وصيًّا؛ لأن [ذلك]
(12)
دعوى على الميت من كل وجه، وللقاضي أن ينصب وصيًّا عن الميت، أما هاهنا بخلافه، وإذا لم يكن للقاضي أن ينصب وصيًّا عن الميت، وهذا الواحد لا يصلح خصمًا عن الميت وعن سائر الشركاء؛ لأنه مدع فلا يصلح مدعى عليه، فتعذر قبول البينة؛ لأن البينة من غير الخصم لا يقبل، ولو كان الحاضر كثيرًا وصغيرًا نصب القاضي عن الصغير وصيًّا، وقسم.
اعلم أن هاهنا مسألة لا بدّ من معرفتها، وهي أن القاضي إنما ينصب وصيًّا عن الصغير/ إذا كان الصغير حاضرًا، أما إذا كان غائبًا فلا ينصب عنه وصيًّا.
(1)
في (ع): «لكيلا» .
(2)
ينظر: المبسوط: 15/ 12.
(3)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 365.
(4)
ينظر: المصدر السابق: 7/ 365.
(5)
في (ع): «بعد» .
(6)
في (ع): «بدعوى» .
(7)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(8)
في (ع): «شركائه» .
(9)
في (ع): «تنصيب فلأن» .
(10)
ساقطة من: (ع).
(11)
في (ع): «فإن» .
(12)
ساقطة من: (ع).
بخلاف الكبير الغائب على قول أبي يوسف فإنه ينصب وصيًّا عن الغائب
(1)
على قوله، على ما ذكرنا، [وبخلاف ما إذا وقع الدعوى على الميت فإنه ينصب وصيًّا عن الميت، وإن كان المدعي واحدًا على ما ذكرنا]
(2)
، ثم الفرق بين الصبي الغائب والحاضر في حق نصب الوصي هو
(3)
أن الصغير إذا كان حاضرًا فينصب الوصي لأجل
(4)
الجواب ضرورة؛ لأن الدعوى قد صحت على الصبي؛ لكونه حاضرًا إلا أنه عجز عن الجواب، فينصب عنه وصيًّا ليجيب خصمه.
وأما إذا كان غائبًا لم تصح الدعوى عليه، ولم يتوجه الجواب عليه، ولم تقع الضرورة على نصب الوصي. كذا في «الذخيرة» »
(5)
.
وكذا إذا حضر وارث كثير وموصى له بالثلث فيها أي: في الدار.
اعلم أن الموصى له شريك في هذا الدار، فكان بمنزلة الوارث، فإن حضر بنفسه وحده فالقاضي لا يسمع بينته، ولا يقسم الدار، كما لو حضر واحد من الورثة، وإن حضر هو مع أحد الورثة فالقاضي يسمع بينتهما، ويقسم الدار، كما لو حضر وارث
(6)
. كذا في «الذخيرة»
(7)
، [والله أعلم]
(8)
.
* * *
فصل فيما يقسم و [في]
(9)
ما لا يقسم
لما تنوعت مسائل القسمة على هذين النوعين، أعني: ما يقسم وما لا يقسم شرع في بيانهما، فيما يحتملها، أي: فيما يحتمل القسمة على ما بيناه من قبل إشارة إلى قوله: (إذا كانت من جنس واحد أجبر القاضي على القسمة عند طلب أحد الشركاء؛ لأن فيه معنى الإفراز؛ لتفاوت المقاصد والمبادلة مما يجري فيه الجبر كقضاء الدين)، إلى آخره، فإن طلب صاحب الكثير قسم، أي: وإن أبى صاحب القليل عندنا، فكان معنى قوله:(قسم)، أي: قسم القاضي جبرًا على مَن أَبَى.
وقال ابن أبي ليلى: «لا يقسمها»
(10)
.
وكذلك إن كان سائر الشركاء لا ينتفعون بأنصبائهم إلا أن هذا الواحد الطالب للقسمة، فإنه يقسمها بينهم وإن كان الطالب [بها]
(11)
صاحب القليل لم يقسمها إذا كان هو لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة.
وعلى قول ابن أبي ليلى: لا يقسمها عند إباء بعضهم إلا إذا كان كل واحد [منهم ينتفع منهم بنصيبه]
(12)
بعد القسمة؛ لأن المقصود بالقسمة تحصيل المنفعة لا تفويتها، والمعتبر في القسمة العادلة بين الشركاء في المنفعة، فإذا كان بعضهم لا ينتفع بنصيبه أحد
(13)
القسمة فهذه قسمة تقع على ضرر، والقاضي لا يجبر الشركاء على مثله، كما لو كان الطالب من لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة.
(1)
في (ع): «الميت» .
(2)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(3)
في (ع): «وهو» .
(4)
في (ع): «لأن» .
(5)
ينظر: البناية: 11/ 415.
(6)
في (ع): «وارثان» .
(7)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 365.
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
ينظر: المبسوط: 15/ 13.
(11)
ساقطة من: (ع).
(12)
في (ع): «منهم ينتفع بنصيبه» .
(13)
في (ع): «بعد» .
ولنا: أن الطالب للقسمة يطلب الإنصاف من القاضي ولا يتعنت؛ لأنه يطلب منه أن يخصه بالانتفاع بملكه، ويمنع غيره من الانتفاع بملكه، وهذا منه طلب الإنصاف، فعلى القاضي أن يجيبه إلى ذلك بخلاف ما إذا كان الطالب للقسمة من لا ينتفع بنصيبه؛ لأنه متعنت في طلب القسمة، والقاضي يجيب المتعنت بالرد.
وذكر الجصاص رحمه الله
(1)
- على قلت
(2)
هذا، وهو أن
(3)
[يقسم بعد]
(4)
يطلب
(5)
صاحب القليل القسمة، ويأبى
(6)
صاحب الكثير، وذكر في بعض النسخ الخصاف مكان الجصاص، والأصح أن يذكر الجصاص؛ لأنه هو الموافق لرواية «فتاوى قاضي خان» وغيرها، بل قول الجصاص ما هو المذكور أولاً. هكذا ذكر في «الذخيرة» و «فتاوى قاضي خان»
(7)
، والأصح المذكور في الكتاب وهو الأول وهو قوله:(وإن طلب صاحب الكثير قسم، وإن طلب صاحب القليل لم يقسم).
ووجه الأصح: هو أن [رضا]
(8)
صاحب القليل بالتزام الضرر لا يلزم القاضي شيئًا، وإنما الملزم طلب
(9)
الإنصاف من القاضي وإيصاله
(10)
إلى منفعة [ملكه]، وذلك لا يوجد عند طلب صاحب القليل.
ألا ترى أن كل واحد منهما إذا كان لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة، وطلبا جميعًا القسمة لم يقسمها القاضي بينهما، فكذلك إذا كان الطالب من لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة. هذا كله من «المبسوط»
(11)
.
والوجه الأصح
(12)
فيما ذكرنا
(13)
؛ لأنه لما أقام الدليل على اعتبار قول صاحب الكثير يقول: لأن الأول ينتفع به، وأقام الدليل أيضًا على اعتبار قول صاحب القليل، وهو قول الجصاص بقوله: لأن صاحب الكثير يريد الإضرار بغيره، والآخر يرضى بضرر نفسه كان مقيمًا الدليل لقول الحاكم
(14)
أيضًا [لا محالة]
(15)
، وإن كان كل واحد يستنصر لصغره بأن كان بيتًا صغيرًا بينهما لم يقسمها، أي: عند طلب أحدهما؛ لأن الطالب للقسمة منهما متغيب.
(1)
هو أحمد بن علي، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص، ولد سنة 305 هـ، وسكن بغداد، وانتهت إليه رئاسة الحنفية. تفقه على أبي الحسن الكرخي وتخرج به، وتفقه عليه جماعة، وله: كتاب «أحكام القرآن» ، و «شرح مختصر الكرخي» ، و «شرح مختصر الطحاوي» ، وشرح «الجامع الصغير» و «الجامع الكبير» لمحمد بن الحسن، و «شرح الأسماء الحسنى» ، وله كتاب في أصول الفقه، وكتاب «جوابات مسائل» ، وكتاب «مناسك». توفي سنة 370 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 96، الجواهر المضية: 1/ 84.
(2)
في (ع): «قلب» .
(3)
في (ع): «أنه» .
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
في (ع): «طلب» .
(6)
في (ع): «وإن أبي» .
(7)
ينظر: بدائع الصنائع: 7/ 20، المحيط البرهاني: 7/ 354، العناية: 9/ 435.
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
في (ع): «طلبه» .
(10)
في (ع): «واتصاله» .
(11)
ينظر: المبسوط: 15/ 14.
(12)
في (ع): «اندرج» .
(13)
في (ع): «ذكرناه» .
(14)
ينظر: فتح القدير: 9/ 435.
(15)
زيادة من: (ع).
فإن قيل: القسمة يتمكن كل واحد منهما من الانتفاع بنصيبه، وبالقسمة/ يفوت ذلك فالطالب منهما إنما يقصد التعنت
(1)
والإضرار بشريكه، فلا يجيبه القاضي إلى ذلك، وكذلك لا يقسم الحائط والحمام بين رجلين؛ لأن في قسمته ضررًا، والمقصود بالقسمة [أيضًا]
(2)
منفعة الملك إلى كل
(3)
واحد من الشركاء، وفي الحائط والحمام تفوت المنفعة بالقسمة؛ لأن كل واحد منهما لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة، كما كان ينتفع [به]
(4)
قبل القسمة، فلا يقسمه القاضي بينهم؛ لأنه لا يشغل
(5)
بما لا يفيده، ولا بما فيه إضرار، ولو اقتسموا بينهم بالتراضي لم يمنعهم من ذلك؛ لأنهم لو أقدموا على إتلاف الملك لم يمنعهم ذلك في الحكم فكذا
(6)
إذا تراضوا على القسمة فيما بينهم. كذا في «المبسوط» »
(7)
.
ويقسم العروض، أي: جبرًا إذا كان من صنف واحد؛ لأن في حق التراضي لا يشترط النصف الواحد، ويدل على هذا أيضًا شيئًا من قوله: سبيلها
(8)
التراضي دون جبر القاضي، ويدل عليه أيضًا ما ذكره في «المبسوط» بلفظ الإجبار صريحًا حيث قال
(9)
: «وإذا كان القيم
(10)
بين قوم ميراثًا أو شراءً فأراد بعضهم قسمتها، وكره [ذلك]
(11)
بعضهم، وقامت البينة على الأصيل، فإن القاضي يقسمها بينهم؛ لأن اعتبار المعادلة في المنفعة والمالية عند اتحاد جنس الحيوان ممكن للتقارب في المقصود، فبلغت معنى التمييز في هذه القسمة على معنى المعاوضة، وبمعنى التمييز يثبت للقاضي، ولأنه إجبار بعض الشركاء عليه، وكذلك كل صنف من الحيوان أو غيره من الثياب، أو ما يكال، أو يورث، فعند اتحاد الجنس يجبر القاضي على القسمة عند طلب بعض الشركاء إلا في الرقيق.
وقوله: (والإبل) بالنصب بالعطف على كل موزون، وفي بعض النسخ:(والأبك)، وهو مناسب لما قبله، وذكر الإبل مناسب لما بعده، ولا يقسم شاة وبعيرًا وبرذونًا
(12)
وحمارًا، أي: لا يقسم جبرًا في هذه الأشياء قسمة جمع، بأن يجمع نصيب أحد الورثة في الشاة خاصة، ونصيب الآخر في البعير خاصة، بل يقسم الشاة بينهم جميعًا [على]
(13)
ما يستحقون [هاهنا]
(14)
.
(1)
في (ع): «العيب» .
(2)
في (ع): «إيصال» .
(3)
في (ع): «لكل» .
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
في (ع): «يشتغل» .
(6)
في (ع): «فكذلك» .
(7)
ينظر: المبسوط: 15/ 13.
(8)
في (ع): «وسبيلها» .
(9)
ينظر: المبسوط: 15/ 36.
(10)
في (ع): «الغنم» .
(11)
ساقطة من: (ع).
(12)
البِرْذَون: التركي من الخيل. ينظر: التعريفات الفقهية: ص 44.
(13)
زيادة من: (ع).
(14)
زيادة من: (ع).
وكذلك في البعير وغيره؛ لأن الأجناس [إذا اختلفت]
(1)
كانت القسمة بطريق الجمع قطعًا لبعض المنفعة لا تكميلاً، إلى هذا أشار في «الإيضاح»
(2)
.
وقال في «الذخيرة»
(3)
: «والحاصل أن القاضي لا يقسم الأجناس المختلفة من كل وجه قسمة جمع إذا أبى ذلك بعض الشركاء بأن كان بين رجلين إبل واحد
(4)
وغنم، وطلب أحدهما من القاضي أن يجمع نصيبه في الإبل، أو في البقر، فالقاضي لا يقسم على هذا الوجه، وفي الجنس المتحد تقسم الأعداد قسمة جمع عند طلب البعض بأن كان بين رجلين غنم كثير، [وكان بينهما إبل كثيرة]
(5)
، وطلب أحدهما من القاضي أن يجمع نصيبه في طائفة، فعلى القاضي ذلك.
ولا يقسم الأواني، أي: التحقت الأواني بالأجناس المختلفة بسبب الصنعة، وإن كان أصلها واحدًا كالإجانة
(6)
، والقمقم، والطشت المتخذة من الصفر مثلاً، ولذلك لا يقسمها القاضي بينهم جبرًا، وكذلك الأثواب المتخذة من القطن إذا اختلفت بالصنعة؛ كالقباء والجبة والقميص لا يقسم القاضي بعضها في بعض.
ويقسم الثياب الهروية لاتحاد الصنف. هذا احتراز عن اختلاف الصنف؛ لأنه ذكر في «المبسوط» ، فقال
(7)
: «وإن كان الذي بين الشركاء ثوبًا رطبًا، وثوبًا هرويًّا، ووسادة، وبساطًا لم يقسمه إلا برضا
(8)
؛ لأن في الأجناس المختلفة [القسمة]
(9)
تكون بطريق المعاوضة، فإن كان كل واحد من الشريكين يتملك على شريكه نصيبه من الجنس الذي يأخذ عوضًا عما يملكه من نصيب نفسه من الجنس الآخر، وفي المعاوضات لابد من التراضي، ولا يقسم ثوبًا واحدًا، أي: عند طلب أحد الشريكين دون الآخر لاشتمال
(10)
القسمة على الضرر، فإنه يحتاج إلى قطع الثوب بينهما، وفي قطعه إتلاف جزء منه فلا يفعله القاضي مع كراهة بعض الشركاء، وإن [رَضِيَا]
(11)
بذلك جميعًا قسمته بينهما لوجود الرضى منهما بالتزام هذا الضرر.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
ينظر: العناية: 9/ 436، البناية: 11/ 419.
(3)
ينظر: البناية: 11/ 419.
(4)
في (ع): «وبقر» ، وهو الصواب؛ لموافقته لسياق الكلام.
(5)
في (ع): «أو إبل كثير» .
(6)
الإجَّانة: المِرْكَنُ، وهو شِبهُ لَقَنٍ تُغْسَلُ فيه الثّياب، والجمع: أَجَانِين، والإِنْجانَة عاميّة. ينظر: المغرب: ص 21.
(7)
ينظر: المبسوط: 15/ 37.
(8)
في (ع): «برضاهم» .
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
في (ع): «لاشتماله» .
(11)
في (ع): «كان راضيًا» .
وقد قال بعض مشايخنا: «القاضي لا يفعل ذلك وإن تراضيا عليه، ولكن لو اقتسما فيما بينهما لم يمنعهما من ذلك؛ لأن في هذه القسمة إتلاف جزء، القاضي
(1)
بقضائه يحصل ولا يتلف. كذا في «المبسوط» »
(2)
.
بخلاف ثلاثة أثواب، أي: وأن القاضي يقسم ثلاثة أثواب بين رجلين.
وفي «المبسوط» : «لو كانت ثلاثة أثواب بين رجلين، وأراد أحدهما قسمتها، وأبى الآخر، فإني أنظر في ذلك إن كانت قسمتها تستقيم من غير قطع بأن تكون/ قيمة ثوبين مثل قيمة الثالث، فإن القاضي يقسمها بينهما؛ فيعطى أحدهما ثوبين والآخر ثوبًا، وإن كان لا يستقيم [ثم]
(3)
اقتسمها بينهم إلا أن يتراضوا فيما بينهم على شيء. هكذا قال في الكتاب
(4)
.
والأصح أن يقال: إن استوت القيمة فكان نصيب كل واحد منهما ثوبًا [ونصفًا، فإنه يقسم بينهما، ويدع الثالث مشتركًا، ولذلك إن استقام أن يجعل أحد القسمين ثوبًا]
(5)
وثلثي الآخر، والقسم الآخر ثوبًا وثلث الآخر، أو أحد القسمين ثوبًا وريعًا والآخر ثوبًا وثلاثة أرباع فإنه يقسم بينهم ويترك الثوب الثالث مشتركًا؛ لأنه يتيسر عليه التميز في بعض المشترك، ولو تيسر ذلك في الكل كأن يقسم الكل عند طلب بعض الشركاء، وكذلك إذا تيسر ذلك في البعض.
وقوله: (وثلاثة أرباع) بالجر بالعطف على ثوب.
وقال أبو حنيفة: «لا يقسم الرقيق والجواهر»
(6)
، أي: لا يجبر على القسمة عند إباء البعض، كما كان يجبر على القسمة عند اتحاد جنس الحيوانات من الإبل والبقر، على ما ذكرنا.
وعندهما يجبر عليها، كما في الإبل والغنم
(7)
.
وحاصله: أن الرقيق إذا كان بين اثنين فهو على وجوه؛ إن كان في
(8)
الرقيق دواب، أو عروض، أو شيء آخر قسم القاضي الكل بينهم في قولهم: وإن لم يكن مع الرقيق شيء آخر؛ فإن كان ذكورًا وإناثًا لا يقسم إلا برضاهم، وإن كان الكل ذكورًا أو إناثًا ليس
(9)
مع الرقيق شيء [آخر]
(10)
، وطلب بعض الورثة قسمتها، وأبى البعض أو أبى أحد الورثة لا يقسم القاضي بينهم في قول أبي حنيفة ولا يجبرهم على ذلك
(11)
.
(1)
في (ع): «والقاضي» .
(2)
ينظر: المبسوط: 15/ 38، 39.
(3)
في (ع): «لو» .
(4)
ينظر: المبسوط: 15/ 39.
(5)
ما بين المعكوفين زيادة من: (ع).
(6)
ينظر: العناية: 9/ 436، البناية: 11/ 422.
(7)
ينظر: العناية: 9/ 436، البناية: 11/ 422.
(8)
في (ع): «مع» ، وهو الصواب؛ لظاهر المعنى.
(9)
في (ع): «وليس» .
(10)
ساقطة من: (ع).
(11)
ينظر: العناية: 9/ 437، البناية: 11/ 422.
وقال صاحباه: يقسم ويجبرهم على القسمة. كذا في «فتاوى قاضي خان»
(1)
.
والحاصل: أن عند أبي حنيفة لا يجوز الإجبار على قسمة الماء
(2)
[إلا]
(3)
أن يكون مع الرقيق شيء آخر هو
(4)
محل لقسمة الجمع [بكل]
(5)
؛ كالغنم والثياب، فيقسم القاضي [الكل]
(6)
قسمة جمع.
وكان أبو بكر الرازي يقول: تأويل هذه المسألة: أنه يقسم ذلك برضا الشركاء، فأما مع كراهة بعضهم فالقاضي لا يقسم؛ لأنه إذا كان عند اتحاد الجنس في الرقيق لا يقسم قسمة الجبر عند أبي حنيفة فعند اختلاف الجنس أولى، والأظهر أن قسمة الجبر تجري هاهنا عند أبي حنيفة باعتبار أن الجنس الآخر الذي هو مع الرقيق يجعل أصلاً في القسمة، وحكم القسمة جبرًا يثبت فيه، فثبت في الرقيق أيضًا تبعًا، وقد ثبت حكم العقد في الشيء بيعًا، وإن كان لا يجوز إثباته مقصودًا، كالشرب، والطريق في البيع، والمنقولات في الوقف
(7)
. [كذا في «المبسوط»
(8)
و «الذخيرة»
(9)
(10)
.
وله: أن التفاوت في الآدمي فاحش؛ لتفاوت المعاني الباطنة كالدهن والكياسة. كذا في «المبسوط»
(11)
و «الذخيرة»
(12)
؛ لأن من العبد من يصلح للأمانة، ومنهم من يصلح للتجارة، ومنهم من يصلح للفروسية والخياطة والكتابة، فمتى جمع نصيب كل واحد منهم في واحد فاتَهُ سائر المنافع، فلم يكن ذلك قسمة وإفرازًا فلم يصر مستحقه كقسمة الحمام والأجناس المختلفة، ألا ترى [أن]
(13)
الذكر والأنثى من بني آدم جنسان، ومن الحيوانات جنس واحد حتى إذا اشترى شقصًا على أنه عبد فإذا هو جارية بخلاف سائر الحيوانات أي: لا ينعقد العقد في الأول وفي الثاني ينعقد.
فإن قلت: ما جواب أبي حنيفة عما لو
(14)
قالا: إن الرقيق كسائر الحيوانات في سائر العقود، ألا ترى التأنيث
(15)
في الذمة مهرًا، ولا يثبت سلمًا، فيجب أن يجعل في القسمة أيضًا كسائر الحيوانات، وهذا لأنه لو تزوج امرأة على عبد صحت التسمية، ولو كانت الجهالة جهالة فاحشة لما صحت، كما إذا تزوج امرأة على ثوب أو حيوان.
(1)
ينظر: العناية: 9/ 437، البناية: 11/ 422.
(2)
في (ع): «الرقيق» .
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «فهو» .
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
ينظر: المبسوط: 15/ 37.
(8)
ينظر: المصدر السابق: 15/ 37.
(9)
ينظر: حاشية ابن عابدين: 6/ 261.
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
ينظر: فتح القدير: 9/ 436.
(12)
ينظر: العناية: 9/ 437.
(13)
زيادة من: (ع).
(14)
في (ع): «إن» .
(15)
في (ع): «أنها تثبت» ، وهو الصواب. ينظر: المبسوط: 15/ 36.
قلت: جوابه أن الجهالة في الرقيق جهالة فاحشة، كجهالة الجنس إلا أن تلك الجهالة غير مانعة لأجل التسمية في النكاح؛ لأن تلك الجهالة المتفاحشة موجودة بين أنواع مهر المثل فلم
(1)
لم يفسد
(2)
اعتبار تلك الجهالة، وإن فحشت لم يعتبر ما دونه من الجهالة فيه أيضًا، والحجة الظاهرة لأبي حنيفة رحمه الله
(3)
- ما قاله أصحابنا جميعًا فيمن دفع إلى آخر ألف درهم مضاربة، فاشترى المضارب [بهما]
(4)
عبدين كل واحد منهما يساوي ألفًا أن عتق المضارب لا ينفذ، ولو كان يجب القسمة جميعًا لصار الربع من كل عبد للمضارب، وكان ينفذ عتقه كما إذا كان عبدًا واحدًا قيمته ألفان، وكذلك لا يلزمه الزكاة في/ نصيبه، ولو اعتبر جنسًا واحدًا لوجب كما إذا اشترى أغنامًا تساوي ألفين فإن الزكاة تلزم في نصيبه بحيث قالوا بأنه لا يملك شيئًا من [العبدين تبين أنه يعتبر كل عقد على حدة كان ليس معه غيره في حق إثبات الشركة سهمًا، وعند ذلك لا يفصل شيء من]
(5)
العبيد عن رأس المال، فلم يثبت له ملك، فكانت هذه المسألة ناقصة، كما قالا. هذا كله مما ذكره في «المبسوط» و «الأسرار» فلا يقسم القاضي بخلاف الراضي
(6)
لما بينا إشارة إلى ما ذكره في أوائل هذا الفصل بقوله: (وإن كان كل واحد يستضر لصغره لم يقسمها إلا بتراضيهما؛ لأن الجبر على القسمة لتكميل المنفعة)، إلى آخره.
القراح من الأرض: كل قطعة على حيالها ليس فيها شجر ولا شائب صح
(7)
، وقد يجمع على أقرحة، كمكان وأمكنة، وزمان وأزمنة. كذا في «المغرب»
(8)
.
وذكر في «المبسوط» : وإذا كانت الدور بين قوم فأراد أحدهم أن يجمع نصيبه منها في دار واحدة، وأبى ذلك بعضهم قسم القاضي كل دار بينهم على حدة، ولم يضم بعض أنصبائهم إلى بعض إلا أن يصطلحوا على ذلك في قول أبي حنيفة
(9)
.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: الرأي في ذلك إلى القاضي
(10)
.
وينبغي أن ننظر
(11)
في ذلك؛ فإن كانت أنصباء أحدهم إذا جمعت في دار كان أعدل للقسمة جمع ذلك؛ لأن المعتبر في القسمة المعادلة في المنفعة والمالية، والمقصود دفع الضرر، وإذا قسم [كل دار على حدة ربما يتضرر كل واحد منهم ليفرز نصيبه، وإذا اقتسم]
(12)
الكل قسمة واحدة يجمع نصيب كل واحد منهم [في دار]
(13)
، وينتفع بذلك، والقاضي يصيب ناظرًا، ويمضي قضاؤه على وجه يرى النظر فيه فيعوض الترجيح إلى القاضي [والرأي]
(14)
في ذلك [إلى القاضي]
(15)
إن رأى النظر في أن يقسم كل دار على حدة فعل، وإن رأى أن يقسم جملة فعل. كذا في «الفتاوى الظهيرية»
(16)
(17)
، ثم هي ثلاثة فصول عند أبي حنيفة [رحمه الله]
(18)
: الدور والبيوت والمنازل، والدور سواء كانت متفرقة أو متلازقة لا تقسم عنده قسمة واحدة إلا برضا الشريك، والبيوت تقسم قسمة واحدة سواء كانت متفرقة أو مجتمعة في مكان واحد؛ لأنها تتفاوت في معنى السكنى، والبيت اسم لسقف واحد له دهليز، فلا يتفاوت في المنفعة عادة.
(1)
في (ع): «فلما» ، وهو الصحيح.
(2)
في (ع): «يفيد» .
(3)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(6)
في (ع): «التراضي» .
(7)
في (ع): «شيخ» .
(8)
ينظر: المغرب: ص 377.
(9)
ينظر: المبسوط: 15/ 17.
(10)
ينظر: المصدر السابق: 15/ 17.
(11)
في (ع): «ينظر» .
(12)
زيادة من: (ع).
(13)
زيادة من: (ع).
(14)
زيادة من: (ع).
(15)
زيادة من: (ع).
(16)
الفتاوى الظهيرية، لظهير الدين أبي بكر محمد بن أحمد القاضي، المحتسب ببخارى، البخاري الحنفي (تـ 619 هـ)، ذكر فيها: أنه جمع كتابًا من الواقعات والنوازل، مما يشتد الافتقار إليه، وفوائد غير هذه. ينظر: كشف الظنون: 2/ 1226.
(17)
ينظر: المبسوط: 15/ 17.
(18)
زيادة من: (ع).
ألا ترى أنه
(1)
تؤاجر أجر
(2)
واحد في كل محلة، فيقسم قسمة واحدة، والمنازل إن كانت مجتمعة في دار واحدة متلازقة
(3)
بعضها ببعض تقسم قسمة واحدة، وإن كانت متفرقة يقسم كل منزل
(4)
على حدة، سواء كانت في محال أو في دار واحدة بعضها في أقصاها، وبعضها في أدناها؛ لأن المنزل فوق البيت، فالمنازل تتفاوت في معنى السكنى، ولكن التفاوت فيها دون التفاوت في الدور، فهي تشبه البيوت من وجه، والدور من وجه فلشبهها بالبيوت قلنا: إذا كانت متلازقة تقسم قسمة واحدة؛ لأن التفاوت فيها نقل في مكان واحد، ولشبهها بالدور قلنا: إذا كانت في أمكنة متفرقة لا تقسم قسمة واحدة، وهما في الفصول كلها يقولان: ينظر القاضي إلى أعدل الوجوه فيمضي القسمة على ذلك. كذا في «المبسوط»
(5)
؛ لأنه أي: لأن المنزل بين الدار والبيت على ما مَرَّ في باب الحقوق من كتاب (البيوع) أن إجارة منافع الدار بالحانوت لا يجوز، أي: إجارة الدار بمنافع الحانوت لا يجوز، أما جعل عين الحانوت أجرة لمنافع الدار فيجوز، وإنما لا يجوز جعل منافع الحانوت أجرة لمنافع الدار، وهي حرمة الربا هنالك، أي: في إجارات الأصل
(6)
، [والله أعلم]
(7)
.
* * *
فصل في كيفية القسمة
القرعة في القسمة
لما فرغ من بيان ما يقسم وما لا يقسم احتاج إلى بيان كيفية القسمة فيما يقسم؛ لأن [الكيفية منه]
(8)
فيتبع جواز أصل القيمة
(9)
الذي هو الموصوف، وينبغي للقاسم أن يصور ما يقسمه، يعني (صورت بركشند بركاغدايجه راكه قسمت مي كنداي) يصوره على قرطاس، ليرفع ذلك القرطاس إلى القاضي حتى يتولى الإقراع بينهم بنفسه إن لم يأمره بالإقراع، ويفرز كل نصيب لتنقطع المنازعة بينهم، ثم يكتب أساميهم، ويجعلها قرعة، ثم يلقب نصيبًا بالأول إلى آخره، يعني إذا كان لأحدهم نصف، وللآخر ثلث، والثالث سدس يلقب النصف بالأول، والثلث بالثاني، والسدس بالثالث، فإن خرج السدس أولاً يدفع من السهم الأول وهو النصف/ فإن خرج بعده النصف يضم إلى ما يليه حتى يتم النصف، ويدفع إلى صاحبه، ثم وثم إلى آخره.
وقال الإمام مولانا حميد الدين: «صورته أرض بين جماعة لأحدهم سدسها، ولآخر نصفها، ولآخر ثلثها يجعلها ستة أسهم، ويلقب الجزء الأول بالسهم الأول، والذي يليه بالثاني والثالث على هذا، ويكتب أساميهم، ويجعلها قرعة، ثم يلقيها في كمه، فمن خرج اسمه أولاً فله السهم الأول، فإن كان ذلك بقي بسهمه بأن كانت
(10)
صاحب صاحب السدس فله الجزء الأول، وإن كان صاحب الثلث فله الجزء الأول، والذي يليه، وإن كان صاحب النصف فله الجزء الأول، واللذان يليانه.
(1)
في (ع): «أنها» .
(2)
في (ع): «بأجر» .
(3)
في (ع): «متلازقًا» .
(4)
في (ع): «واحد» .
(5)
ينظر: المبسوط: 15/ 18.
(6)
في (ع): «الفصل» .
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
في (ع): «القسمة صفة» .
(9)
في (ع): «القسمة» .
(10)
في (ع): «كان» .
(1)
ثلاثة نفر بينهم أرض لأحدهم عشرة أسهم، وللثاني خمسة أسهم، وللثالث سهم واحد، فأرادوا قسمتها، وأراد صاحب العشرة الأسهم أن تقع [بين]
(2)
سهامه متصلة في موضع واحد، ولا يرضى بذلك الذي له سهم واحد قسمت الأراضي بينهم متصلة كانت أو متفرقة على قدر سهامهم؛ عشرة لواحد، وخمسة لآخر، وسهم للثالث، ويجعل الأراضي [على]
(3)
عدد سهامهم، يعني ستة عشر سهمًا بعد أن عدلت وسويت، ثم يجعل بنادق سهامهم على عدد سهامهم، [ويقرع]
(4)
بينهم البندقة طينة مدورة، [يرمي]
(5)
يعني: يكتب أسامي أصحاب السهام في كاغده ثم يجعل هي في البندقة، فأول بندقة تخرج توضع على طرف من أطراف السهام، وهو أول السهام، ثم ينظر إلى البندقة لمن هي؟ فإن كانت لصاحب العشرة من البنادق العشرة يعطى له ذلك وتسعة أسهم متصلة بالسهم الذي وضع البندقة عليه، فيكون سهام صاحبها على الاتصال، ثم يقرع بين الستة كذلك، فأول بندقة تخرج توضع على طرف من أطراف الستة الباقية، ثم ينظر إلى البندقة لمن هي؟ فإن كانت لصاحب الخمسة من البنادق الخمسة يعطى له ذلك السهم وأربعة أسهم متصلة بذلك السهم، ويبقى السهم الواحد لصاحب الواحد، وإن كانت هي البندقة لصاحب الواحد كان له الطرف الذي وضع عليه البندقة، وتكون الخمسة الباقية لصاحب الخمسة.
(والقرعة لتطييب القلوب) إلى آخره، هذا جواب الاستحسان [عن وجه القياس.
وقال في «المبسوط» : «واستعمال القرعة للقاسم لا بأس به، وهو استحسان»
(6)
.
وفي القياس هذا لا يستقيم؛ لأنه في معنى القمار، فإنه تعليق الاستحقاق]
(7)
بخروج القرعة، والقمار حرام.
ولهذا لم يجوِّز علماؤنا استعمال القرعة في دعوى النسب، ودعوى الملك، وتعين العتق
(8)
، ثم هذا في معنى الاستقسام بالأزلام الذي كان يعتاده أهل الجاهلية، وقد حرم الله تعالى ذلك، ونص على أنه رجس وفسق، ولكنا تركنا هذا بالسنة، والتعامل الظاهر من لدن رسول الله عليه السلام إلى يومنا هذا من غير نكير منكر.
ثم هذا ليس في معنى القمار، ففي القمار أصل الاستحقاق يتعلق بما يستعمل فيه، وفي هذا الموضع أصل الاستحقاق لكل واحد منهم لا يتعلق بخروج القرعة؛ لأن القاسم
(9)
لو قال: أنا عدلت في القسمة فخذ أنت هذا الجانب، وأنت هذا الجانب كان مستقيمًا إلا أنه ربما يتهم في ذلك، فيستعمل القرعة لتطيب قلوب الشركاء، ونفي تهمة المثل عن نفسه، وذلك جائز.
(1)
ينظر: فتاوى قاضي خان: 3/ 70.
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
ينظر: المبسوط: 15/ 7.
(7)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(8)
في (ع): «الحق» .
(9)
في (ع): «القاضي» .
ألا ترى أن يونس عليه السلام في مثل هذا استعمل القرعة مع أصحاب السفينة، كما قال الله تعالى:{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}
(1)
، وذلك لأنه علم أنه هو المقصود، ولكن
(2)
لو ألقى نفسه في الماء ربما ينسب إلى ما لا يليق بالأنبياء، فاستعمل القرعة لذلك.
وكذلك زكريا عليه السلام استعمل القرعة مع الأحبار في ضم مريم رضي الله عنها إلى نفسه، وقد كان علم أنه أحق بها منهم؛ لأن خالتها كانت عنده، ولكنه استعمل القرعة تطييبًا لقلوبهم؛ قال الله تعالى:{إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}
(3)
.
ثم إن كان القاضي هو الذي يقسم بالقرعة أو نائبه، فليس لبعض الشركاء أن يأبى ذلك بعد خروج بعض السهام، كما لا يلتفت إلى إباء بعض الشركاء قبل خروج القرعة، وإن كان القاسم يقسم بينهم بالتراضي، فيرجع
(4)
بعضهم بعد خروج بعض السهام كان له ذلك إلا إذا خرج السهام كلها إلا واحدًا؛ لأن التمييز هاهنا يعتمد التراضي بينهم، ولكل واحد منهم أن يرجع قبل أن يتم، وبخروج بعض السهام لا يتم، وكان هذا كالرجوع عن الإيجاب/ قبل قبول المشتري؛ فأما إذا خرج جميع السهام إلا واحد فقد تمت القسمة؛ لأن نصيب ذلك الواحد تعيَّن خرج أو لم يخرج، فلا يملك بعضهم الرجوع بعد تمام القسمة.
(فيملك الإلزام)، أي: القاضي، أو القاسم بنيابته.
(ولا يدخل في القسمة الدراهم)، أي: الدراهم التي ليست في التركة لا تدخل لتجربتها نقصان بعض الأنصباء، بل يجبر النقصان بشيء من التركة.
صورته: دار بين جماعة فأرادوا قسمتها، وفي أحد الجانبين فضل بناء، فأراد أحد الشركاء أن يكون عوض البناء دراهم، وأراد الآخر أن يكون عوضه من الأرض بجعل العوض من الأرض لا من الدراهم إلا إذا تعذر، على ما ذكر في الكتاب.
وإنما قلنا هكذا؛ لأنه ذكر قبل هذا، ولا يقسم الجنسين، ولأنه علل المسألة بقوله؛ لأنه لا شركة في الدراهم.
ودراهم الآخر في ذمته، أي: وقت القسمة.
بخلاف البيع حيث لا يفسد في هذه الصورة، وهي ما إذا باع دارًا أو أرضًا، ولا يتمكن المشتري من الاستطراق، ولا من يسيل الماء إلى الأرض؛ لأن المقصود منه أي: من البيع يملك العين، أي: للمشتري، وأنه بجامع تعذر الانتفاع، كبيع الجحش الذي هو غير منتفع به في الحال فإنه يجوز، وذكر في «المبسوط»
(5)
وإن لم يذكر الحقوق والمرافق فالقسمة فاسدة.
(1)
سورة الصافات، من الآية:141.
(2)
في (ع): «لكن» .
(3)
سورة آل عمران، من الآية:44.
(4)
في (ع): «فرجع» .
(5)
ينظر: المبسوط: 15/ 15.
بخلاف البيع فإنه يكون صحيحًا، وإن لم يذكر الحقوق والمرافق؛ لأن المقصود بالبيع ملك العين، وهذا المقصود يتم للمشتري، وإن كان يتعذر عليه الانتفاع لعدم الطريق والمسيل له؛ كمن اشترى مهرًا صغيرًا أو أرضًا سبخة فإنه يجوز، وإن كان لا ينتفع بالمشترى، وهذا لأنه يترك النظر لنفسه حين لم يذكر الحقوق والمرافق ليدخل الطريق والمسيل فلا يشتغل بالنظر له، فأما في القسمة فالمقصود إيصال كل واحد منهما إلى الانتفاع بنصيبه، فإذا لم يكن له مفتح إلى الطريق ولا مسيل ماء، وهذه قسمة وقعت على ضرر فلا يجوز إلا أن يذكر الحقوق والمرافق، فيستدل بذلك على أنهما قصدا إدخال الطريق والمسيل لتصحيح القسمة لعلمها أن القسمة لا تصح بدونهما في هذا الموضع، ولو ذكر الحقوق في الوجه الأول، أي: فيما إذا أمكن صرف الطريق والمسيل عنه، ثم المراد من ذكر الحقوق أي: مطلقًا بأن قال: هذا لك بحقوقه. فأما إذا قال: هذا لك بطريقه وشربه ومسيل مائه، فإنه يثبت هذه الحقوق؛ لأنها أثبتت بأبلغ وجوه الإثبات. كذا في «مبسوط القاضي الإمام أبي زيد رحمه الله»
(1)
- كذلك الجواب، أي: إنما يستحق الطريق والمسيل
(2)
من وقع له نصيب من الدار والأرض في القسمة بذكر الحقوق إذا لم يمكن [له]
(3)
الاستطراق والسيل في نصيبه.
وأما إذا تمكن فلا يستحق الطريق والمسيل بذكر الحقوق. هكذا ذكر
(4)
في «الذخيرة» ، وقال
(5)
: «ثم إذا ذكر الحقوق والمرافق في القسمة، فإنما يستحق المشروط له الحقوق بالطريق فيما أصاب صاحبه بالقسمة إذا لم يمكنه إيجاد طريق آخر، أما إذا أمكن
(6)
فلا، والقسمة في هذا تخالف البيع فإن الطريق والشرب يدخلان في البيع بذكر الحقوق والمرافق، وإن كان للمشتري إمكان فتح الطريق في نصيبه، وإمكان سقي الأرض من نهر آخر، وشرح [من]
(7)
هذه المسألة في «المبسوط» في الباب الأول من كتاب (القسمة)، فقال
(8)
: «وإذا كانت الدار بين رجلين، وفيها صُفَّة فيها بيت، وباب البيت في الصُّفَّة، ومسيل ماء البيت على ظهر الصُّفَّة، أي: على سطحها؛ فاقتسما فأصاب الصفة أحدهما وقطعة من الساحة، [وأصاب البيت أحدهما، وقطعه من الساحة الصفة]
(9)
، ولم يذكروا طريقًا ولا مسيل ماء، وصاحب البيت يقدر أن يفتح بابه فيما أصاب من الساحة، ومسيل مائه في ذلك، فأراد أن يمر في الصفة على حاله، ومسيل مائه على ما كان فليس له ذلك، سواء اشترط كل واحد منهما أن له ما أصابه بكل حق له، أو لم يشترط ذلك، والقسمة في هذا.
(1)
هو عبيد الله بن عمر بن عيسى، أبو زيد الدَّبُّوسي، له: كتاب «الأسرار» ، وكتاب «تقويم الأدلة» ، وهو أول من وضع علم الخلاف، توفي ببخارى سنة 460 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 192، الجواهر المضية: 1/ 339.
(2)
في (ع): «المسيل والطريق» .
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «ذكره» .
(5)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 353.
(6)
في (ع): «أمكنه» .
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
ينظر: المبسوط: 15/ 14.
(9)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
بخلاف البيع فإنه لو باع البيت، وذكر في البيع الحقوق والمرافق دخل الطريق، ومسيل الماء وإن لم يذكر الحقوق والمرافق لم يدخل، والفرق أن المقصود بالبيع إيجاب الملك، وقصد المشتري أن يتمكن من الانتفاع، وذلك إنما يتم بالطريق والمسيل إلا أن ذلك خارج من المحدود
(1)
فلا يدخل في البيع بمطلق تسمية البيت إلا بذكر الحقوق/ والمرافق، فأما المقصود بالقسمة فتمييز أحد الملكين من الآخر، وأن يختص كل واحد منهما بالانتفاع بنصيبه على وجه لا يشاركه الآخر فيه، وإنما يتم هذا المقصود إذا لم يدخل الطريق والمسيل ليتميز نصيب أحدهما من نصيب الآخر من كل وجه، فلهذا لا يدخل مع ذكر الحقوق والمرافق يوضح الفرق أن المقصود بالبيع الاستباح
(2)
، وذلك باعتبار المالية، والمالية تختلف بطريق الدخول والمسيل في البيع، فعند ذكر الحقوق والمرافق عرفنا أنهما قصدا ذلك فأما
(3)
في القسمة، فالمقصود التمييز
(4)
دون الاسترباح فبذكر الحقوق والمرافق لا يتبين [أيهما]
(5)
لم يقصد [لا لتمييز]
(6)
في أن لا يبقى لأحدهما في نصيب الآخر طريق ولا مسيل ماء، ولو لم يكن مفتح للطريق ولا مسيل ما، فإن كانا ذكرا في كتاب (القسمة) أن لكل واحد منهما ما أصابه بكل حق هو له جازت القسمة، وكان طريقه في الصفة ومسيل مائه على سطحه كما كان قبل القسمة، وإن لم يذكر الحقوق والمرافق فالقسمة فاسدة.
بخلاف البيع فإنه يكون صحيحًا وإن لم يذكر الحقوق والمرافق؛ لأن المقصود بالبيع ملك العين، إلى آخره، وقد ذكرناه، وفي
(7)
الوجه الثاني يدخل فيها، أي: لو ذكر الحقوق في الصورة التي لا يمكن الاستطراف
(8)
والتسييل في نصيبه يدخل الطريق والمسيل في القسمة، فيدخل عند التنصيص باعتباره أي باعتبار التكميل يدخل الطريق أو المسيل عند التنصيص، وفيها أي وفي
(9)
القسمة معنى الإفراز
(10)
، فباعتباره لا يدخل من غير تنصيص، أي: فباعتبار معنى الإفراز لا يدخل الطريق الذي في نصيب الآخر من غير تنصيص بذكر الحقوق، وذلك لأن معنى الإفراز كما كان مراعى في القسمة كان ينبغي أن لا يدخل الطريق والمسيل اللذين في نصيب صاحبه، وإن ذكر الحقوق في القسمة؛ لأنه حينئذ لا يحصل الانقطاع والإفراز من كل وجه لكن في القسمة، وإن كان معنى الإفراز ففيه معنى تكميل المنفعة أيضًا، فدخل الطريق والمسيل في القسمة عند ذكر الحقوق لرعاية جانب تكميل المنفعة.
(1)
في (ع): «الحدود» .
(2)
في (ع): «الاسترباح» .
(3)
في (ع): «قلنا» .
(4)
في (ع): «التميز» .
(5)
في (ع): «لأنهما» .
(6)
في (ع): «التميز» .
(7)
في (ع): «في» .
(8)
في (ع): «الاستطراق» ، وهو الصواب؛ لظاهرا لمعنى.
(9)
في (ع): «في» .
(10)
في (ع): «الإقرار» ، والمثبت في المتن هو الصواب.
بخلاف الإجارة، وقد أورد مسألة الإجارة شبهة في «المبسوط» بعد ذكر الفرق بين البيع والقسمة في دخول الطريق والمسيل في البيع بذكر الحقوق في الصورتين بخلاف القسمة على ما ذكرنا، فقال
(1)
: فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن يدخل الطريق والمسيل وإن لم يذكر الحقوق والمرافق لتصحيح القسمة
(2)
، [كما إذا استأجر أرضًا دخل الشرب والطريق وإن لم يذكر الحقوق والمرافق لتحصيل المنفعة]
(3)
.
قلنا: هناك موضع الشرب والطريق ليس مما تناوله الإجارة، ولكن مرسل
(4)
به إلى الانتفاع بالمستأجر، والآجر إنما يستوعب الأجر إذا تمكن المستأجر من الانتفاع، ففي إدخال الشرب توفير المنفعة عليهما، [فأما]
(5)
هاهنا فموضع الطريق والمسيل داخل في القسمة، بموجب القسمة اختصاص كل واحد منهما بما هو نصيبه، فلو أثبتنا لأحدهما حقًّا في نصيب الآخر تضرر به الآخر، ولا يجوز إلحاق الضرر به بدون رضاه، وإنما دليل الرضا اشتراطه الحقوق و المرافق، فلهذا لا يدخل الطريق والمسيل بدون ذكر الحقوق.
ولو اختلفوا، أي: الورثة قبل القسمة في رفع الطريق بينهم، المراد من الرفع هو أن لا يدخلوا الطريق في القسمة حتى يبقى مشتركًا كما كان لتحقق الإقرار بالكلية دونه، أي: دون [أي]
(6)
رفع الطريق، أي: من غير رفع الطريق جعل على عرض باب الدار؛ لأن باب الطريق متفق عليه، والمختلف فيه يرد إلى المتفق عليه، ثم لا فائدة في جعل الطريق أعرض من باب الدار؛ لأنه ما لم يدخل الجمل من باب الدار لا يحمله في ذلك الطريق، وإذا جعل الطريق أضيق من باب الدار يتضرر به الشركاء، ومقصود كل واحد منهم أن يحمل إلى مسكنه في ذلك الطريق ما يدخله في باب الدار، فلهذا يجعل الطريق بينهم على عرض باب الدار وطوله. كذا في «المبسوط»
(7)
.
ثم المراد من طول الطريق هو الطول من حيث الأعلى، لا طوله من حيث المشي. هكذا ذكره شيخ الإسلام في «مبسوطه» ، وقال
(8)
: «ولم يرد محمد بذكر الطول الطول الذي هو ضد العرض؛ لأن ذلك الطول إنما يكون إلى حيث ينتهون/ بها إلى الطريق الأعظم.
وفائدة قسمة ما وراء طول الباب من الأعلى هي أن أحد
(9)
الشركاء إذا أراد أن يخرج جناحًا في نصيبه إن كان فوق طول الباب كان له ذلك؛ لأن الهواء فيما زاد على طول الباب مقسوم بينهم، فصار بانيًا
(10)
على خالص حقه، وإن كان فيما دون طول الباب يمنع من ذلك؛ لأن قدر طول الباب من الهواء مشترك فيما بينهم، والبناء على الهواء المشترك لا يجوز من غير رضا الشركاء.
(1)
ينظر: المبسوط: 15/ 15.
(2)
في (ع): «الشفعة» .
(3)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(4)
في (ع): «يتوسل» .
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
ينظر: المبسوط: 15/ 20.
(8)
ينظر: البناية: 11/ 439.
(9)
في (ع): «يأخذ» .
(10)
في (ع): «بابًا» .
وإن [كان]
(1)
أرضًا يرفع مقدار ما يمر فيه ثور؛ لأنه لابد لذلك من الزراعة، ولا يجعل مقدار الطريق مقدار ما يمر ثوران معًا، وإن كان يحتاج إلى ذلك؛ لأنه كما يحتاج إلى هذا يحتاج إلى العجلة، فيؤدي إلى ما لا يتناهى»
(2)
. وهكذا أيضًا في «الذخيرة»
(3)
.
وإذا كان سفل لا علو له، وعلو لا سفل له.
صورته: أن يكون علو مشترك بين رجلين، وسفله لرجل آخر، وسفل مشترك بين هذين الرجلين، وعلو لآخر طلبا القسمة من القاضي، أو طلب أحدهما، فعند أبي حنيفة رحمه الله
(4)
- يحسب في القسمة ذراع من السفل بذراعين من العلو
(5)
.
وقال أبو يوسف: «يحسب العلو بالنصف، والسفل بالنصف»
(6)
.
(7)
.
قيل: أجاب كل واحد منهم على عادة أهل عصره، فإن أبا حنيفة أجاب بناء على ما شاهد من عادة أهل الكوفة في اختيار السفل على العلو، وأبو يوسف أجاب بناء على ما شاهد من عادة أهل بغداد في [التسوية على]
(8)
العلو والسفل في منفعة السكنى، ومحمد شاهد اختلاف العادات [وذلك]
(9)
البلدان فقال: «إنما يقسم على القيمة»
(10)
.
وقيل: بل هو بناء على أصل آخر، وهو أن عند أبي حنيفة لصاحب السفل منفعتين؛ السكنى، ومنفعة البناء، فإنه لو أراد أن يحفر في سفله سردابًا لم يكن لصاحب العلو منفعة [من ذلك ولصاحب العلو منفعة]
(11)
واحدة، وهي منفعة السكنى، فإنه لو أراد أن يبني على علوه علوًا آخر كان لصاحب السفل منعه من ذلك، والمعتبر في القسمة المعادلة في المنفعة
(12)
.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
ينظر: العناية: 9/ 443، البناية: 11/ 439.
(3)
ينظر: البناية: 11/ 439.
(4)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(5)
ينظر: المبسوط: 15/ 16، المحيط البرهاني: 7/ 335، مجمع الأنهر: 2/ 494.
(6)
ينظر: المبسوط: 15/ 16، المحيط البرهاني: 7/ 335، مجمع الأنهر: 2/ 494.
(7)
ينظر: المبسوط: 15/ 16، المحيط البرهاني: 7/ 335، مجمع الأنهر: 2/ 494.
(8)
في (ع): «السوية بين» .
(9)
في (ع): «في ذلك» .
(10)
ينظر: المبسوط: 15/ 16، المحيط البرهاني: 7/ 335.
(11)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(12)
ينظر: المبسوط: 15/ 16، المحيط البرهاني: 7/ 335.
وأبو يوسف -[رحمه الله]
(1)
- يقول: «صاحب
(2)
العلو أن يبني على علوه إذا كان ذلك لا يضر بالسفل، كما أن لصاحب السفل أن يحفر سردابًا في السفل إذا كان لا يضر بصاحب العلو، فاستويا في المنفعة، فيجعل ذراع من السفل بذراع من العلو»
(3)
.
ومحمد -[رحمه الله]
(4)
- يقول
(5)
: «العلو والسفل بناء، والمعادلة في قسمة البناء بالقيمة بيقين، ولأن في بعض البلدان تكون قيمة العلو أكثر من قيمة السفل، وهو كذلك بمكة ومصر.
وفي بعض البلدان قيمة السفل أكثر من قيمة العلو، كما هو بالكوفة.
وقيل: [في]
(6)
كل موضع يكثر النُّدُوَّة في الأرض يختار العلو على السفل، وفي كل موضع يشتد البرد ويكثر الريح يختار السفل على العلو.
وربما يختلف ذلك أيضًا باختلاف الأوقات، فلا يمكن اعتبار المعادلة إلا بالقيمة، فاستحسن القسمة في العلو والسفل باعتبار القيمة.
ثم تفسير المسألة في قولين
(7)
:
أحدهما: أن يكون بينهما سفل علوه لغيرهما، وعلو سفله لغيرهما، فأراد القسمة، فعلى قول أبي حنيفة يجعل المقابلة
(8)
خمسين ذراعًا من ساحة السفل مائة ذراع من ساحة
العلو
(9)
.
وعلى قول أبي يوسف
(10)
بمقابلة كل ذراع ذراع.
والثاني: أن يكون [من المشترك بين الشركاء ببناء سفله]
(11)
علوًّا وسفلاً لا علو له، بأن كان العلو لغيرهم [وعلوًا لا سفل]
(12)
له، فعند أبي حنيفة يجعل بإزاء مائة ذراع من العلو الذي لا سفل له ثلاثة وثلاثون ذراعًا وثلث من البيت الكامل، وبإزاء مائة ذراع من السفل الذي لا علو له ستة وستون ذراعًا وثلثا ذراع من [البيت]
(13)
الكامل؛ لأن العلو عنده مثل نصف السفل، كما في الفصل الأول
(14)
.
وعند أبي يوسف
(15)
يجعل بإزاء خمسين ذراعًا من البيت الكامل مائة ذراع من السفل الذي لا علو له، ومائة ذراع من العلو الذي لا سفل له؛ لأن العلو والسفل عنده سواء؛ فخمسون ذراعًا من البيت الكامل بمنزلة مائة ذراع؛ خمسون منها سفل، وخمسون منها علو.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
في (ع): «لصاحب» .
(3)
ينظر: المبسوط: 15/ 16، المحيط البرهاني: 7/ 335.
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
ينظر: المبسوط: 15/ 16، تبيين الحقائق: 5/ 272.
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
في (ع): «فصلين» .
(8)
في (ع): «بمقابلة» .
(9)
ينظر: المبسوط: 15/ 17، المحيط البرهاني: 7/ 336.
(10)
ينظر: المبسوط: 15/ 17، الفتاوى الهندية: 5/ 204.
(11)
في (ع): «من المشترك بناء السفلة» .
(12)
في (ع): «وعلو السفل» .
(13)
ساقطة من: (ع).
(14)
ينظر: المبسوط: 15/ 17.
(15)
ينظر: المصدر السابق: 15/ 17، الفتاوى الهندية: 5/ 204.
ومحمد في ذلك كله يعتبر المبادلة
(1)
/ بالقيمة، وعليه الفتوى. كذا في «المبسوط»
(2)
.
وذكر في «الذخيرة» و «المغني» تفسير هذا التقرير وأوضحه، فقال: «ولو كان علو مفرد مشترك بين رجلين، وسفل [مفرد]
(3)
مشترك بين هذين الرجلين، وبيت كامل مع العلو، والسفل مشترك بين هذين الرجلين، [وبيت كامل مع العلو، والسفل مشترك بين هذين الرجلين]
(4)
طلبوا القسمة من القاضي، فعلى قول أبي حنيفة يحسب ذراع ونصف من [السفل المفرد حتى يكون ذراع من السفل من]
(5)
البيت الكامل، [بذراع من السفل المفرد، ونصف ذراع من السفل المفرد بذراع من العلو من البيت الكامل]
(6)
، ويحسب ذراع واحد من البيت الكامل بثلاثة أذرع من العلو المفرد؛ ليكون ذراعان
(7)
من العلو المفرد بإزاء ذراع واحد من السفل من البيت الكامل، وذراع واحد من العلو المفرد بإزاء أذرع
(8)
واحد من العلو من البيت الكامل.
فإن قيل: [كيف]
(9)
يقسم العلو مع السفل قسمة واحدة عند أبي حنيفة، ومن مذهبه أن البيوت المتفرقة لا تقسم قسمة واحدة إذا لم يكن في دار واحدة.
قلنا: موضوع المسألة أنهما كانا في دار واحدة، [والبيتان في دار واحدة]
(10)
عند أبي حنيفة يقسم قسمة جمع، وإن كانا في دارين فهو محمول على ما إذا تراضيا على القسمة، لكن طلبوا من القاضي المعادلة فيما بينهم، وعند أبي حنيفة -[رحمه الله، ومحمد]
(11)
- يجوز القسمة على هذا الوجه حالة التراضي.
قوله: (أن يجعل بمقابلة مائة ذراع من العلو ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل، فكان الذراع الواحد من البيت الكامل بمقابلة ثلاثة أذرع من العلو المجرد)، وذلك؛ لأن الذراع الواحد من البيت الكامل [أينما كان في تقدير ذراعين؛ أحدهما من السفل، والآخر من العلو؛ لأن للذراع الواحد من سفل البيت الكامل]
(12)
ذراعًا واحدًا بمقابلته من علوه، وللذراع الواحد من علو البيت الكامل ذراعًا واحدًا بمقابلته من سفله؛ لأن الذراع الواحد من سفل البيت الكامل فواحد في ذات السفل حقيقة، ولكن هو أيضًا في تقدير الذراع الواحد من علو البيت الكامل؛ لأن الذراع الواحد من سفل البيت الكامل فوقه ذراع آخر بمقابلته من علو البيت الكامل، وكان الذراع الواحد من البيت الكامل في تقدير ذراعين [أحدهما في ذاته والثاني
(13)
هو ما فوقه، وكذا لو أحدث الذراع من علو البيت الكامل كان في تقدير ذراعين]
(14)
؛ لأنه في ذاته ذراع واحد من علو البيت الكامل، وتحته أيضًا ذراع آخر من سفل البيت الكامل، فصح قولنا: إن الذراع الواحد من البيت الكامل من أي موضع أحدثه، فهو في تقدير الذراعين، ثم الذراع الواحد من السفل أيهما كان ذراعان من العلو، فكان بمقابلة الذراع من البيت الكامل [من أي موضع أخذته فهو في تقدير الذراعين، ثم الذراع الواحد من السفل أينما كان ذراعان من العلو، وكان بمقابلة الذراع من البيت الكامل]
(15)
ثلاثة أذرع من العلو المجرد لا محالة، فأحد الأذرع الثلاثة من العلو المجرد بمقابلة الذراع الواحد من علو البيت الكامل، والذراعان بمقابلة الذراع الواحد من سفل البيت الكامل، فلما ثبت أن [الذراع] الواحد من البيت الكامل بمقابلة ثلاثة من العلو المجرد [كان]
(16)
ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من البيت الكامل بمقابلة مائة ذراع من العلو المجرد لا محالة؛ لأن للثلاثة
(17)
والثلاثين والثلث ثلث المائة
(18)
.
(1)
في (ع): «المعادلة» .
(2)
ينظر: المبسوط: 15/ 17.
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(5)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(6)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(7)
في (ع): «ذراعًا» .
(8)
في (ع): «ذراع» .
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
ما بين المعكوفين ساقط من: (ع).
(11)
ساقطة من: (ع).
(12)
ساقطة من: (ع).
(13)
لعلها هكذا.
(14)
ساقطة من: (ع).
(15)
ساقطة من: (ع).
(16)
ساقطة من: (ع).
(17)
في (ع): «الثلاثة» ، وهو الصواب؛ لظاهر المعنى.
(18)
ينظر: البناية: 11/ 444.
وقوله: (فثلاثة وثلاثون وثلث من السفل) أي: من سفل البيت الكامل، وهذا بيان نتيجة ما [ذكر]
(1)
قبله من أن الثلاثة من العلو المجرد بمقابلة واحد [من]
(2)
البيت الكامل، ولكن وضع ذلك الواحد في سفل البيت الكامل؛ ليكون أظهر في البيان، يعني أن ثلاثة وثلاثين وثلثًا من سفل البيت الكامل يقابل ستة وستين وثلثين إذا كان مع تلك الستة والستين والثلثين
(3)
، ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع من العلو المجرد.
فبلغت -أي: فبلغت الستة والستون والثلثان مع الثلاثة والثلاثين والثلث- مائة، فيصبح ما قاله: إن مائة ذراع من العلو المجرد بمقابلة ثلاثة وثلاثين وثلث ذراع من البيت الكامل، فكان هذا التقابل بين البيت الكامل والعلو المجرد، ثم ذكر مقابل البيت الكامل والسفل المجرد، فقال: ويجعل بمقابلة مائة ذراع من السفل المجرد ستة وستون وثلثا ذراع من البيت الكامل، فبلغت مائة ذراع، أي: الأذرع التي تقدر من البيت/ الكامل بمقابلة مائة ذراع من السفل المجرد يبلغ المائة؛ لأنه لما أخذ من البيت الكامل [بمقابلة مائة ذراع]
(4)
ست وستون وثلثا ذراع بمقابلة مثلها من السفل المجرد، ثم زيد على هذا العدد بصفة، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث ذراع؛ لأن هذا العدد من البيت الكامل، أعني: ستة وستين وثلثي ذراع علوًّا، وهو مقدر بنصف هذا، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث كان
(5)
المجموع مائة، وكانت هذه المائة من البيت الكامل بمقابلة مائة من السفل المجرد، كما ذكرنا، وإذا اختلف المتقاسمون بأن قال أحدهم: بعض نصيبي في يد صاحبي، وأنكر الآخرون، [والله تعالى أعلم]
(6)
.
* * *
باب دعوى الغلط في القسمة والاستحقاق فيها
لما كان وقوع الغلط والاستحقاق من العوارض [التي]
(7)
عسى [أن]
(8)
يكون، وعسى [أن]
(9)
لا يكون آخر ذكره.
وقد أسند
(10)
على نفسه بالاستيفاء، أي: أقر بالاستيفاء. هكذا فسر هذا اللفظ في «المبسوط» على ما يذكر لم يصدق على ذلك، أي: على زعمه أن مما أصابه شيء في يد صاحبيه فلا يصدق إلا بحجة؛ لأن الظاهر عدم وقوع الغلط، فلذلك لا يصدق على ما ادعى من الغلط إلا بالبينة كالمشتري إذا ادعى لنفسه خيار السبب بالشرط
(11)
.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
في (ع): «وثلثين» .
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
في (ع): «فكان» .
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
في (ع): «أشهد» .
(11)
ينظر: المبسوط: 15/ 64، البناية: 11/ 448.
وفي «المبسوط»
(1)
: «وإذا قسم القوم أرضًا ميراثًا بينهم أو شراء، وتقابضوا، ثم ادعى أحدهم غلطًا في القسمة، فإنه لا يشتغل بإعادة القسمة بمجرد دعواه؛ لأن القسمة بعد تمامها عقد لازم، فمدعي الغلط يدعي لنفسه حق الفسخ بعدما ظهر بسبب لزوم العقد.
وقوله في ذلك غير مقبول إلا بحجة كالمشتري إذا ادعى لنفسه خيار السبب العيب، أو
(2)
الشرط، ولكن إن أقام البينة على ذلك فقد أثبت دعواه بالحجة فيعاد القسمة بينهم حتى يستوفي كل ذي حق حقه؛ لأن المعتبر في القسمة العادلة، وقد ثبت بالحجة أن المعادلة بينهم لم يوجد فإن لم تقم له بينة استحلف الشركاء؛ لأنهم لو أقروا بذلك لزمهم، فإذا أنكروا استحلفوا عليه لرجاء النكول؛ فمن حلف منهم لم يكن عليه سبيل.
وإليه أشار من بعد، وهو قوله:(وإن قال أصابني إلى موضع كذا فلم يسلمه إليَّ، ولم يشهد على نفسه بالاستيفاء تحالفا)، ففي هذا إشارة إلى أنه لا تقبل دعواه فيما إذا شهد على نفسه بالاستيفاء؛ لأن عدم التحالف عند الإشهاد على الاستيفاء لم يكن لمعنى.
إلا أن التناقض مانع لصحة الدعوى، ولا يحلف
(3)
عند عدم صحة الدعوى، ألا ترى أنه تحرى التحالف عند صحة الدعوى بوجود موجب التحالف، وهو الاختلاف في مقدار ما حصل له بالقسمة، وكان هو نظير الاختلاف في مقدار البيع، والدليل على صحة هذا الذي [ذكره]
(4)
في الكتاب بقوله: (ينبغي أن لا تقبل دعواه أصلاً لتناقضه) صريح ما ذكره في قسمة «فتاوى قاضي خان» في تقسيم وجوه الغلط حيث قال: «ومنها أن تكون المنازعة بينهما بعد ما أشهد كل واحد منهما على القبض، واستيفاء الحق نصفه التمام، ثم يقول أحدهما: حقي الذي في يدك، وحقك الذي في يدي، أو يقول: قد قسمنا، ولكن أخذت أنا بعض حقي دون بعض لا تسمع دعواه ولا خصومته بعد ما أشهدا على القبض والاستيفاء»
(5)
. وهكذا أيضًا ذكر في «المبسوط» في باب (دعوى الغلط من القسمة) فقال: رجل [مات و]
(6)
ترك دارًا وابنين، فاقتسما الدار، وأخذ كل واحد منهما النصف، وأشهدا على القسمة والقبض والوفاء.
ثم ادعى أحدهما [بيتا صاحبه]
(7)
لم يصدق [على]
(8)
ذلك إلا أن يقر به صاحبه من قبل أنه قد أشهد على الوفاء، يعني قد أقر باستيفاء كمال حقه فبعد ذلك هو مناقض فيما يدَّعيه في يد صاحبه، فلا يقبل ببينته على ذلك، ولكن إن أقر به صاحبه فإقراره ملزم إياه، والمناقض إذا صدقه خصمه فيما يدعي ثبت الاستحقاق له، ولو لم يكن أشهد بالوفاء ولم يسمع منه إقراره بالقسمة إلى أن قال:«فالقول قوله مع يمينه»
(9)
.
(1)
ينظر: المبسوط: 15/ 64.
(2)
في (ع): «أي» .
(3)
في (ع): «يخالفه» .
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
ينظر: المبسوط: 15/ 67، البناية: 11/ 449.
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
في (ع): «شيئًا في يد صاحبه» .
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
ينظر: المبسوط: 15/ 67.
الاختلاف في التقويم
ولو اختلفا في التقويم لم يلتفت إليه إلى آخره، فدعوى الغلط في التقويم على نوعين؛ نوع يصح، ونوع لا يصح، فالذي لا يصح أن يدعي أحد المتقاسمين الغلط في التقويم بغبن
(1)
يسير، فإن كان ما يدعي من الغلط يدخل تحت تقويم المقومين، وهذه
(2)
الدعوى لا تصح سواء حصلت القسمة بقضاء القاضي، أو بتراضيهم لوجهين:
أحدهما: أن الاحتراز عن مثل هذا الغلط/ غير ممكن.
والثاني: أنه يؤدي إلى ما لا يتناهى؛ لأنه يمكنه أن يدَّعي ذلك في القسمة الثانية والثالثة، والذي يصح أن يدعي أحد المتقاسمين الغلط في التقويم بغبن فاحش بأن كان ما يدعي من مقدار الغلط لا يدخل تحت تقويم المقومين، فإنه
(3)
صحيح إن حصلت القسمة بقضاء القاضي؛ لأنا لو سمعنا هذه الدعوى وبقضاء
(4)
هذه القسمة لا يؤدي إلى ما لا يتناهى؛ لأنه لا يقع مثل هذا الغبن في القسمة الثانية؛ لأنه
(5)
يتصور التقويم في المرة الثانية على وجه لا يتحقق فيها الغبن الفاحش، وإن حصلت القسمة بالتراضي، لم يذكر محمد هذا الفصل في الكتاب.
وحُكي عن الفقيه أبي جعفر الهندواني رحمه الله
(6)
- أنه كان يقول: «لقائل أن يقول: لا تسمع هذه الدعوى؛ لأن القسمة في معنى البيع، ودعوى الغبن في البيع من المالك لا [يصح؛ لأنه لا فائدة، فإن البيع من المالك لا]
(7)
ينقض بالغبن الفاحش، أما البيع من غير المالك ينقض بالغبن الفاحش؛ كبيع الأب والوصي، ولقائل أن يقول: تسمع هذه الدعوى؛ لأن المعادلة شرط في القسمة والتعديل في الأشياء المتفاوتة يكون من حيث القيمة، فإذا ظهر في القسمة
(8)
غبن فاحش كان شرط جواز القسمة قائمًا فيجب نقضها
(9)
»
(10)
.
والصدر الشهيد حسام الدين
(11)
كان يأخذ بالقول الأول، وبعض مشايخ عصره كانوا يأخذون بالقول الثاني، وفي «فتاوى قاضي خان» جعل القول الأخير أولى، وقال
(12)
: «قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل
(13)
-[رحمه الله]
(14)
- تسمع دعواه الغلط والغبن، أي: بعدما قسمت التركة بالتراضي، وله أن يبطل
(15)
القسمة كما لو كانت القسمة بقضاء القاضي، وهو الصحيح، والله أعلم.
(1)
في (ع): «معنى» .
(2)
في (ع): «فهذه» .
(3)
في (ع): «وإنه» .
(4)
في (ع): «ونقضنا» .
(5)
في (ع): «لا» .
(6)
هو محمد بن عبد الله بن محمد، أبو جعفر الهِنْدَوانِيّ البلخي الحنفي، يقال له لكماله في الفقه: أبو حنيفة الصغير، توفي ببخارى سنة 362 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 264، 265، الجواهر المضية: 2/ 68.
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
في (ع): «القيمة» .
(9)
في (ع): «نقضها» .
(10)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 375، العناية: 9/ 449، 450.
(11)
هو عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازه، برهان الأئمة أبو محمد حسام الدين المعروف بالصدر الشهيد، الإمام ابن الإمام والبحر ابن البحر، تفقه على والده، وله الفتاوى الصغرى والفتاوى الكبرى، ومن تصانيفه:«شرح الجامع الصغير المطول» . ينظر: الجواهر المضية: 1/ 391، تاج التراجم: ص 217.
(12)
ينظر: فتاوى قاضي خان: 3/ 69.
(13)
هو محمد بن الفضل، أبو بكر الفضلي الكماري، نسبة إلى (كمار) قرية ببخارى، فقيه مفتٍ، قال اللكنوي: كان إمامًا كبيرًا وشيخًا جليلاً معتمدًا في الرواية مقلدًا في الدراية، ومشاهير كتب الفتاوى مشحونة بفتاواه ورواياته، أخذ الفقه عن: عبد الله السبذموني، وأبي حفص الصغير، وغيرهما، وتفقه عليه: القاضي أبو علي الحسين بن الخضر النسفي، والحاكم عبد الرحمن بن محمد الكاتب، وعبد الله الخيزاخزي، وغيرهم. ينظر: الجواهر المضية: 2/ 107، الفوائد البهية: ص 184.
(14)
ساقطة من: (ع).
(15)
في (ع): «يقول» .
* * *
فصل في الاختلاف في الاستحقاق
قوله: (ذكر الاختلاف في استحقاق بعض بعينه)، وهكذا ذكر في «الأسرار» و (صفة الحوالة) هذه إلى «الأسرار» وقعت سهوًا؛ لأن هذه المسألة مذكورة في «الأسرار» في الشائع وضعًا وتعليلاً من الجانبين، وتكرارًا بلفظ الشائع غير مرة، فإن المذكور فيه دار بين رجلين اقتسما
(1)
نصفين، ثم استحق النصف من نصيب أحدهما شائعًا لم تبطل القسمة عند أبي حنيفة رحمه الله
(2)
- ولكن يخير المستحق عليه إن شاء رد الباقي، واقتسم ثانيًا، وإن شاء رجع على الشريك بقدر ما استحق ولم ينتقض
(3)
.
وقال أبو يوسف -[رحمه الله]
(4)
- انتقضت القسمة، وقول محمد -[رحمه الله]
(5)
- مضطرب
(6)
.
وأبو يوسف يقول: [القسمة] للإفراز، حين
(7)
استحق جزء شائع من نصيب أحدهما تبين أن الإفراز وكانت
(8)
باطلة، كما لو استحق النصف من النصيبين جميعًا
(9)
.
وأبو حنيفة يقول بأن الاستحقاق لم يوجب شيوعًا في نصيب الآخر فلا ينتقض القسمة، كما لو استحق شيئًا بعينه من نصيب أحدهما
(10)
.
أوجه القسمة
وهذه ثلاثة أوجه:
الأول: أن يستحق خبر جزء شائع من كل الدار بأن استحق نصف الدار أو ثلثها أو ما أشبه ذلك، وفي هذا الوجه القسمة فاسدة.
[الوجه]
(11)
الثاني: إذا استحق جزء بعينه مما أصاب واحدًا منهم، وفي هذا الوجه صحيحة فيما بقي بعد الاستحقاق.
والفرق بين الوجهين: أن القسمة في الوجه الأول [فاسدة، والثاني إذا استحق جزء بعينه مما أصاب واحدًا منهم، وفي هذا الوجه القسمة]
(12)
لا تقيد فائدتها؛ لأن فائدة القسمة إفراز الأنصباء [لما ظهر لهم شريك آخر في كل الدار ظهر أن الإفراز لم يحصل؛ لأن نصيب الذمي ظهر شائعًا في الأنصباء]
(13)
.
وأما [في]
(14)
الوجه الثاني فالقسمة مفيدة؛ لأن ما هو المقصود من القسمة، وهو الإفراز حاصل هاهنا فيما وراء المستحق؛ لأن ما وراء المستحق ليس الذي ظهر فيه نصيب.
(1)
في (ع): «اقتسماها» .
(2)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(3)
ينظر: العناية: 9/ 451، البناية: 11/ 453.
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
ينظر: البناية: 11/ 453.
(7)
في (ع): «وحين» ، وهو الصواب؛ لظاهر المعنى.
(8)
في (ع): «كانت» .
(9)
ينظر: العناية: 9/ 452، البناية: 11/ 455.
(10)
ينظر: البناية: 11/ 455.
(11)
ساقطة من: (ع).
(12)
ساقطة من: (ع).
(13)
ساقطة من: (ع).
(14)
ساقطة من: (ع).
والوجه الثالث إذا استحق جزء شائع من نصيب أحدهم، وفي هذا الوجه القسمة لا تفسد عند أبي [حنيفة رضي الله عنه
(1)
، ويكون المستحق عليه الخيار
(2)
.
وعند أبي يوسف [رحمه الله]
(3)
القسمة فاسدة
(4)
.
وقول محمد مضطرب. كذا في «الذخيرة»
(5)
.
ينعدم
(6)
معنى القسمة، أي: في النصيبين، أما فيما ظهر فيه الاستحقاق فظاهر، وكذلك في النصيب الآخر لما ذكر في الكتاب بقوله:«لأنه يوجب الرجوع بحصته في نصيب الآخر شائعًا»
(7)
.
بخلاف العين؛ لأن باستحقاق بعض معين يبقى الإفراز فيما وراء ذلك البعض، لكن يبقى له ولاية الرجوع والقسمة على هذا الوجه.
والقسمة على هذا الوجه يجوز في الابتداء، على ما ذكر في الكتاب بقوله:«ولهذا جازت القسمة على هذا الوجه في الابتداء» ، إلى آخره
(8)
.
وصورة المسألة: أي: مسألة الكتاب؛ لأن المسألة المستشهد [بها]
(9)
.
وإن شاء رجع على صاحبه بربع ما في يده من المؤجر، وفي «المبسوط»
(10)
: «وإنما يرجع/ صاحب المقدم على شريكه بربع ما في يده إذا [اختار له قضاء]
(11)
القسمة؛ لأنه لو استحق جميع المقدم رجع على شريكه بنصف ما في يده، فإذا كان المستحق نصفه يرجع عليه بنصف نصف ما في يده.
يوضحه أن جميع قيمة الدار ألف ومائتا درهم، وباستحقاق نصف المقدم تبين أن المشترك بينهما تسعمائة، فحق كل واحد منهما في أربعمائة وخمسين، والذي بقي في يد صاحب المقدم يساوي ثلاثمائة، وما في يد صاحب المؤخر يساوي ستمائة، فيرجع عليه يرفع ما في يده، وقيمته مائة وخمسون حتى يسلم لكل واحد منهما ما يساوي أربعمائة وخمسين.
ولو وقعت القسمة، ثم ظهر في التركة دين محيط ردت القسمة كان من حقه أن يقول في جواب [المسألة]
(12)
طولب الورثة بأداء الدين، فإن لم يؤدوا ردت القسمة؛ لأن الدين غير مانع لصحة القسمة إذا أدى المتقاسمون دين الميت من مالهم؛ لأن حق رب الدين في مالية التركة لا في عينها، وإلى هذا أشار بعد هذا بقوله:(ولو أبرأه الغرماء وأداه الورثة من مالهم والدين محيط أو غير محيط جازت القسمة) أي: القسمة الواقعة.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
ينظر: العناية: 9/ 451، البناية: 11/ 453.
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
ينظر: العناية: 9/ 451، البناية: 11/ 453.
(5)
ينظر: البناية: 11/ 453.
(6)
في (ع): «وينعدم» .
(7)
ينظر: العناية: 9/ 452، البناية: 11/ 455.
(8)
ينظر: الهداية: 4/ 50.
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
ينظر: المبسوط: 15/ 44.
(11)
في (ع): «اختار إمضاء» .
(12)
ساقطة من: (ع).
وفي «الذخيرة»
(1)
فإن ظهر دين بعد القسمة، فالقسمة مردودة إلا أن يقضوا دينه من مالهم؛ لأن حق الغرماء يتعلق بالتركة، وتعلق حق الغرماء المقسوم يمنع نفاذ القسمة حتى يسقط حقه، كما يمنع نفاذ البيع، وكذلك لو ظهر وارث آخر أو موصى له بالثلث أو الربع فالقسمة مردودة؛ لأنه ظهر أن في التركة شريكًا آخر، وقد قسموا دونه؛ لأن الدين يمنع وقوع الملك للوارث حتى إذا كان في التركة المستغرقة بالدين عند [هو]
(2)
ذو رحم محرم للوارث لا يعتق، وكذا
(3)
إذا كان غير محيط، إلى آخره.
اعلم أن الورثة إذا طلبوا قسمة التركة من القاضي، وعلى الميت دين، والقاضي يعلم به، وصاحب الدين غائب، فإن كان الدين مستغرقًا للتركة فالقاضي لا يقسمها بينهم؛ لأنه لا ملك لهم في التركة؛ لأن الدين مقدم على الميراث والقسمة لتوسل كل واحد من الشركاء إلى الانتفاع بنصيبه، وذلك الورثة
(4)
بعد قضاء الدين؛ قال الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}
(5)
، فلا يكون في القسمة فائدة فلا يقسمها، وإن كان الدين غير مستغرق للتركة فالقياس أن لا يقسمها أيضًا، بل يوقف الكل؛ لأن الدين شاغل لكل جزء من أجزاء التركة حتى لو ملك جميع التركة إلا مقدار الدين كان ذلك لصاحب الدين، وهذا القياس قول أبي حنيفة الأول، ولكنه استحسن فقال
(6)
(7)
، وقد نظر للميت أيضًا من حيث إن وارثه يقوم بحفظ ما يصيبه من ذلك ويكون]
(8)
مضمونًا عليه ما لم يصل إلى صاحب الدين حقه، ولا يأخذ كفيلاً [بشيء من ذلك]
(9)
قبل هذا، على قول أبي حنيفة
(10)
.
أما على قولهما: يأخذ منه كفيلاً، وإن لم يكن الدين معلومًا للقاضي سألهم القاضي: هل عليه دين أم لا؟ فإن قالوا: لا. فالقول قولهم، ويقسم المال بينهم، لتمسكهم
(11)
بالأصل، وهو فراغ ذمة الميت عن الدين، ولأن المال في يدهم فقد زعموا أنه خالص حقهم فيقبل قولهم، فإن ظهر دين بعد ذلك نقض القسمة بينهم؛ لأنه لو كان الدين معلومًا لم يشتغل بالقسمة، فكذلك إذا ظهر بعد القسمة؛ لأنه [عين]
(12)
تبين أن القسمة كانت قبل أوانها، فإن أوان القسمة ما بعد قضاء الدين. كذا في «المبسوط»
(13)
و «الذخيرة»
(14)
.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 368.
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
في (ع): «وكذلك» .
(4)
في (ع): «الوارث» .
(5)
سورة النساء، من الآية:11.
(6)
ينظر: المبسوط: 15/ 33.
(7)
ينظر: المصدر السابق: 15/ 34.
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
في (ع): «من ذلك بشيء» .
(10)
ينظر: المبسوط: 15/ 34.
(11)
في (ع): «ولتمسكهم» .
(12)
ساقطة من: (ع).
(13)
ينظر: المبسوط: 15/ 34.
(14)
ينظر: البناية: 11/ 459، حاشية الشلبي: 5/ 275.
ولو أبرأه الغرماء بعد القسمة، أو أداه الورثة [من]
(1)
مالهم والدين محيط جازت القسمة.
وكذلك لو ظهر الموصى له بالألف المرسلة أو أدى الورثة الألف المرسلة جازت قسمتهم على ما كان
(2)
.
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا ظهر الوارث أو الموصي بالثلث أو الربع بعد القسمة، فقالت الورثة: نحن نقضي حق الموصى له بالثلث [أو الربع]
(3)
أو حق الوارث الذي ظهر لهم من مالنا، ولا ننقض القسمة، ليس لهم ذلك إلا أن يرضى الوارث الذي ظهر والموصى له بالثلث، بخلاف الغريم والموصى به بالألف المرسلة، فإن الورثة لو قالوا: نحن نقضي حقهما من مالنا، ولا تنقض القسمة، فلهم ذلك.
قلت: الفرق بينهما هو أنا نعتبر الانتهاء في المسألتين جميعًا بالابتداء، وفي الابتداء القسمة إذا أراد
(4)
أن يقتسموا [التركة فيما بينهم]
(5)
، ويعطوا حق الوارث والموصى له بالثلث أو بالربع من مالهم ليس لهم ذلك إلا برضا الوارث والغريم؛ لأن حقهما في عين التركة/ فلا ينقل إلى مال آخر إلا برضاهما، فكذا في الانتهاء، وأما لو أرادوا أن يقسموا التركة، ويعطوا حق الغريم والموصى له بألف مرسلة من مالهم كان لهم ذلك؛ لأن حقهما في معنى
(6)
التركة، وهو المالية لا في عين التركة، وفيما يرجع إلى المالية بالتركة ومال الوارث سواء، فكذا في الانتهاء.
وعن هذا قالوا: إذا كان للميت مال آخر لم يدخل في القسمة ليس للغريم ولا للموصى له بألف مرسلة حتى يقضي القسمة، بل يعطى حقهما من المال الذي لم يدخل تحت القسمة. كذا في «الذخيرة»
(7)
.
ولو ادَّعى أحد المتقاسمين دينًا في التركة صح دعواه، أي: لو ادعى أحد الورثة بعدما قسمت التركة فيما بينهم أن لي على الميت دينًا كذا كذا دينارًا أو درهمًا صح.
بخلاف ما إذا ادعى عينًا من أعيان التركة، فإنه كان لي كنت اشتريته من الميت حال حياته لا يصح دعواه.
والفرق بينهما: هو أنه في دعوى العين مناقض لإقدامه على قسمة هذا العين إقرار منه بصحة هذه القسمة في هذا العين ولا تصح القسمة فيه بين
(8)
الورثة لو كان ملكًا لهذا الوارث، فكان الإقدام على القسمة إقرارًا منه أن هذا [الدين]
(9)
ليس لي، فبعد ذلك بدعواه أنه له يصير مناقضًا، وأما في دعوى الدين فهو غير مناقض؛ لأن القسمة صحيحة مع قيام الدين، لما ذكرنا أن حق القديم في مالية التركة لا في عينها إلا أن للغريم حق نقض القسمة فإذا لم يكن فيه مناقضًا كان دعواه صحيحة، ثم له أن ينقض القسمة وإن باشرها؛ لأن مباشرة القسمة لا يكون أعلى حالاً من إجازة القسمة نصًّا، والغريم إذا أجاز القسمة ثم أراد نقضها فله ذلك، فهاهنا أولى. كذا في «الذخيرة»
(10)
، [والله أعلم]
(11)
.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
في (ع): «كانت» .
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
في (ع): «أرادوا» .
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
في (ع): «عين» .
(7)
البناية: 11/ 458، 459، تبيين الحقائق: 5/ 275.
(8)
في (ع): «من» .
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
المحيط البرهاني: 7/ 369.
(11)
زيادة من: (ع).
* * *
فصل في المهايأة
تعريف المهايأة وحكمها وكيفية جوازها
لما فرغ من بيان أحكام قسمة الأعيان شرع في بيان أحكام قسمة الأعراض، وهي المهايأة؛ لأن المهايأة قسمة المنافع، وهي أعراض، وقدَّم الأعيان لكونها أصولاً؛ لأن الأعيان قائمة بنفسها، والمنافع فرع عليها؛ لأنها تقوم بالأعيان، فتقديم الأصول على الفروع كفاء حقهما، فيحتاج هاهنا إلى تفسير المهايأة لغة وشرعًا، وحكمها، وكيفية جوازها.
أما تفسيرها لغة، فإنها مشتقة من الهيئة
(1)
، وهي الحالة الظاهرة [للمهيء]
(2)
لمتهيئ
(3)
للشيء، والتهايؤ: تفاعل منها، وهو أن يتواضعوا على أمر فيتراضوا به
(4)
.
وحقيقته: أن كلاً منهم يرضى بهيئة واحدة ويختارها، أو أن الشريك الثاني ينتفع بالعين على الهيئة التي انتفع بها الشريك الأول، يقال: هايأ فلان فلانًا، وتهايأ القوم.
وأما تفسيرها شرعًا، فهي عبارة عن قسمة المنافع
(5)
.
وأما حكمها: فهو الجواز استحسانًا، على ما ذكر في الكتاب دون القياس، فإن القياس يأبى جواز المهايأة؛ لأنها مبادلة المنفعة بجنسها؛ كل واحد من الشريكين في نوبته ينتفع بملك شريكه عوضًا عن انتفاع الشريك بملكه
(6)
في نوبته، ولكنا تركنا القياس [وجوزناها]
(7)
بالكتاب والسنة.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}
(8)
، وهذا هو المهايأة.
والسنة: ما روي أن الرجل الذي خطب تلك المرأة بين يدي رسول الله عليه السلام قال له: «ماذا تصدقها؟» قال: نصف إزاري [هذا]
(9)
. قال: «إذا جلست في بيتك يومًا لتلبسه هي، ولبست يومًا وخرجت فيه»
(10)
، وهذا هو تفسير المهايأة.
(1)
في (ع): «المهايأة» .
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
في (ع): «المتهيئ» .
(4)
ينظر: المغرب: ص 509، البناية: 11/ 462، تبيين الحقائق: 5/ 275.
(5)
ينظر: فتح القدير: 9/ 455، البناية: 11/ 462، تبيين الحقائق: 5/ 275.
(6)
في (ع): «في ملكه» .
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
سورة الشعراء، من الآية:155.
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
أخرجه البخاري في صحيحه: 7/ 6، كتاب النكاح، باب تزويج المعسر، رقم الحديث: 5087، وأخرجه مسلم في صحيحه: 2/ 1040، كتاب النكاح، باب الصداق، وجواز كونه تعليم قرآن، وخاتم حديد، وغير ذلك من قليل وكثير، واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به، رقم الحديث:1425.
ولكن
(1)
المنافع يجوز استحقاقها بالعقد بعوض وبغير عوض؛ كالأعيان، ثم القسمة في الأعيان المشتركة عند إمكان التعديل جائز، فكذلك في المنافع المشتركة.
ولهذا يجبر القاضي الشركاء على المهايأة إذا طلب ذلك بعضهم وأبى البعض، والذي لم يطلب قسمت العين.
وأما كيفية جوازها، فقد اختلف العلماء فيها: بعضهم قالوا: إن جرت المهايأة في الجنس الواحد والمنفعة متفاوتة تفاوتًا يسيرًا، كما في الثياب والأراضي يعتبر إقرارًا من وجه، مبادلة من وجه؛ حتى لا ينفرد أحدهما بهذه المهايأة، وإذا طلبها أحدهما ولم يطلب الآخر قسمة الأصل أجبر الآخر عليها، وإن جرت في الجنس المختلف كالدور والصيد يعتبر مبادلة من كل وجه [في الجنس المختلف]
(2)
حتى لا يجوز من غير رضاهما، وهذا لما ذكرنا أن المهايأة قسمة المنافع؛ فيعتبر بقسمة الأعيان، وقسمة العين اعتبرت مبادلة من [كل]
(3)
وجه في الجنس المختلف، واعتبرت مبادلة من وجه وإفرازًا من وجه في الجنس الواحد من الأعيان؛ كالثبات حتى لا ينفرد أحدهما بهذه القسمة، ولكن إذا طلب/ أحدهما أجبر الآخر عليه؛ لأن التفاوت يسير. هكذا في قسمة المنافع، وبعضهم قالوا: إن المهايأة في الجنس الواحد من الأعيان المتفاوتة تفاوتًا يسيرًا يعتبر إفرازًا من وجه، عاريةً من وجه؛ لأن المهايأة جائزة في الجنس الواحد، ولو كانت مبادلة من وجه لما جازت في الجنس الواحد؛ لأنه حينئذ تكون مبادلة المنفعة بجنسها، وأنه يحرم ربا النَّساء، والأول أصح؛ لأن العارية ما تكون بغير عوض وهذا بعوض؛ لأن كل واحد منهما ما يترك من المنفعة من نصيبه على صاحبه في نوبة صاحبه إنما يترك بشرط أن يترك صاحبه نصيبه عليه في نوبته، وإنما لم تحرم النساء؛ لأن القياس أن لا يحرم النساء بأحد وصفي علة ربا العقد؛ لأن الدين مع العين يستويان في العدد، إلا أن للعين فضلاً من حيث الجودة؛ لأن العين أفضل من الدين، وأجود منه إلا أن الفضل من حيث الجودة لا يحرم عند وجود وصفي علة الربا، وهو العدل
(4)
مع الجنس، فلأن لا يحرم عند وجود أحد وصفي علة الربا أولى، إلا أنا أثبتنا هذه الحرمة عند وجود أحد وصفي علة ربا
(5)
[الفضل]
(6)
، وهي [الفصل العدل]
(7)
والجنس بالنص بخلاف القياس، والنص ورد فيما هو مبادلة من وجه فيعمل فيها بقضية القياس. هذا كله من «المبسوط» و «المغرب» و «الذخيرة»
(8)
على أن يسكن هذا طائفة، أي: ناحية من دار
(9)
، وهذا طائفة أي: ناحية أخرى [منها]
(10)
، أو هذا علوها، وهذا سفلها جاز، ثم لو انهدم العلو كان لصاحبه أن يسكن مع صاحب السفل؛ لأنه إنما رضي بسقوط حقه عن سكنى السفل بشرط سلامة سكنى
(11)
العلو [له]
(12)
، ولم يسلم حتى انهدم، فكان هو على حقه في سكنى السفل، وورثته في ذلك بمنزلته. كذا في «المبسوط»
(13)
.
(1)
في (ع): «ولأن» .
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «القدر» .
(5)
في (ع): «الربا» .
(6)
زيادة من: (ع).
(7)
في (ع): «القدر» .
(8)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 380.
(9)
في (ع): «الدار» .
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
في (ع): «السكنى» .
(12)
ساقطة من: (ع).
(13)
ينظر: المبسوط: 20/ 175.
والتهايؤ في هذا الوجه إفراز
(1)
بجميع الأنصباء، وإنما قيد بقوله: هذا الوجه، وهو أن يسكن هذا في جانب من الدار ويسكن هذا في جانب آخر منهما في زمان واحد؛ لأنه إذا اتحد زمان الاستيفاء يجعل إفراز لا مبادلة للإمكان من الإفراز إذا تهايأ مكانان في زمان واحد يتحقق معنى الإفراز، وأما إذا كان التهايؤ في الزمانين في مكان واحد لا يمكن جعله إفرازًا، بل يجعل كل واحد منهما كالمنقرض عن الآخر في نوبته، وكان مبادلة إفرازًا.
ولهذا لا يشترط فيه التأقيت، وهذا إيضاح أنه إفراز؛ لأنه لو كان مبادلة لا تشترط التأقيت، كما في الإجارة؛ لأنه لو كان مبادلة كان تمليك المنافع بالعوض فيلحق بالإجارة حينئذ فيشترط التأقيت.
وقوله: (شرط في ذلك في العقد أو لم يشترط) هذا القيد للاحتراز عما ذهب إليه أبو علي الشاشي
(2)
(3)
، وذكر في «الذخيرة»
(4)
: دار بين رجلين تهايأا على أن يسكن منزلاً معلومًا وهذا منزلاً معلومًا، وعلى أن يؤاجر كل واحد منهما منزله، ويأكل غلته فهو جائز. كذا ذكر في بعض الروايات، وذكر في بعض الروايات: أو على أن يؤاجر كل واحد منهما منزله، فعلى الرواية الأولى: هذه مهايأة في السكنى والاستغلال جميعًا من حيث المكان، وبيان أنهما إذا تهايأا في السكنى ولم يشترطا الإجارة أن كل واحد منهما لا يملك إجارة منزله، إذ لو ملك كل واحد منهما ذلك لم يكن لاشتراط الإجارة مع السكنى معنى، وإلى هذا ذهب أبو علي الشاشي.
وكان الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي يقول: ظاهر المذهب أن كل واحد منهما يملك إجارة منزله، وإن لم يشترطا الإجارة وقت المهايأة، وعلى الرواية الثانية يكون هذا مهايأة، أما في السكنى وفي الاستغلال من حيث المكان، وبيان على أن المهايأة في الاستغلال يجوز حالة الانفراد مقصودًا، كما يجوز تبعًا للمهايأة في السكنى، ثم إنما ملك كل واحد منهما إجارة منزله من غير الشرط في ظاهر المذهب على ما ذكره شمس الأئمة؛ لأن المهايأة قسمة المنفعة فما نصيب كل واحد منهما من المنفعة يحصل مستحقًّا له باعتبار قديم ملكه؛ لأن المنفعة جنس واحد لا يتفاوت بمنزلة قسمة المكيل والموزون ليملك الاعتياض عن المنفعة المملوكة له، شرط ذلك أو لم يشترط.
(1)
في (ع): «إقرار» .
(2)
هو أحمد بن محمد بن إسحاق، أبو علي الشاشي الفقيه، سكن بغداد ودرس بها، تفقه على أبي الحسن الكرخي، توفي سنة 344 هـ. ينظر: الجواهر المضية: 1/ 98، 99.
(3)
ينظر: البناية: 11/ 464.
(4)
ينظر: المصدر السابق: 11/ 464.
لأن التهايؤ في المكان أعدل لاستوائهما في زمان الانتفاع من غير تقديم لأحدهما على الآخر، أما لو تهايأا زمانًا بأن يكون يومًا لهذا ويومًا لهذا فلا بد أن يتقدم ثوبه ثوب أحدهما على الآخر، فلا تبقى المساواة بينهما في الانتفاع فلا يكون عدلاً.
وفي الزمان أكمل؛ لأن كل واحد منهما ينتفع بجميع جوانب الدار في نوبته، فكان/ انتفاع كل واحد منهما بالدار أكمل في نوبته لانتفاعه بجميع الدار بخلاف التهايؤ من حيث المكان، فإن فيه انتفاعًا ببعض الدار، وكان انتفاعه بالدار أنقص.
(على أن يخدم هذا) أي: هذا الشريك.
وقال هذا في محل النصب بالمفعولية.
وقال: هذا العبد بالرفع، وكذلك الآخر بالآخر بنصب الأول ورفع الثاني.
جاز عندهما، أي: عند أبي يوسف ومحمد
(1)
.
لأن القسمة على هذا الوجه جائزة جبرًا من القاضي، أي: عندهما.
وهكذا روي عنه، يعني: قال بعض المشايخ: إن عنده لا يقسم.
وقد روى عنه، كما قال ذلك البعض.
وحاصل مسائل التهايؤ في العبيد: هو أن التهايؤ في استخدام عبد واحد بينهما من غير استغلال يجوز بلا خلاف، وكذلك في العبدين على الأصح، أي: يجوز بلا خلاف، وأما التهايؤ في العبد الواحد بينهما من حيث الاستغلال فلا يجوز بالاتفاق والتمايز في العينين بينهما من حيث الاستغلال فيجوز عندهما خلافًا لأبي حنيفة على ما يجيء
(2)
.
(ولو تهايأ في الدارين) أي: على السكنى، أو الغلة.
وقد قيل: لا يجبر عنده. وهو قول الكرخي
(3)
.
وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز التهايؤ فيه أصلاً، أي: لا بطريق الجبر، ولا بطريق التراضي. أما بالجبر لما قلنا، وهو قوله اعتبارًا بالقسمة
(4)
.
وأما بالتراضي فلما ذكر في الكتاب من أنه بيع السكنى بالسكنى، وهو غير جائز على ما مَرَّ في الإجارات.
وجواب ظاهر الرواية عن هذا: ما ذكرناه من رواية «الذخيرة» : هو أن الحرمة عند وجود أحد وصفي علة الربا ثابتة بالنص بخلاف القياس.
والنص ورد فيما هو مبادلة من كل وجه، وهو البيع، والمهايأة: إفراز من وجه، مبادلة من وجه، فيعمل فيها بقضية القياس؛ لأن الحكم إذا ثبت بخلاف القياس يراعى فيه جميع شرائط ما ورد فيه النص
(5)
.
وذكر في «الإيضاح»
(6)
: وذهب أبو الحسن إلى أن معنى قول أبي حنيفة أن الدور لا يقسم معناه، أي: لا يفعل القاضي، وإن فعل جاز. فعلى هذا القول القسمة في الأصول جائزة، فكذا في المهايأة ثم بيان الوجه أن يقال بأن قسمة الأعيان يقع بالقيمة، وقيمة البناء يختلف اختلافًا بينًا، وإذا كثر التفاوت التحقت بالأعيان المختلفة في حق القسمة، فأما السكنى فالمعتبر فيه الصلاحية فلما يقع فيه التفاوت، فصارت الدور كالأعيان المتقاربة في حق التهايؤ، وفي حق القسمة أجناس مختلفة.
(1)
ينظر: العناية: 9/ 458، البناية: 11/ 466.
(2)
ينظر: البناية: 11/ 467، العناية: 9/ 459.
(3)
ينظر: البناية: 11/ 467، العناية: 9/ 459.
(4)
ينظر: البناية: 11/ 467، العناية: 9/ 459.
(5)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 380.
(6)
ينظر: البناية: 11/ 466.
وكذلك الاستغلال يجوز؛ لأنه نزل المنفعة، فإذا جاز التهايؤ في المنفعة، كذا في الاستغلال.
(والدابة يحملها) على صيغة بناء المفعول، ولو زادت الغلة في نوبة أحدهما اتخد أدب العلم في الدار الواحدة عليها أي: على الغلة.
وذكر في «الذخيرة»
(1)
: فإن أغلت إحدى الدارين، ولم يغل: الدار الدار الأخرى فليس للذي لم يغل داره أن يشارك الآخر في غلة داره؛ لأن الذي أغلت داره إنما آجر داره لنفسه بإذن شريكه، ولو آجرها لنفسه بغير إذن شريكه كانت الغلة له، فكذا إذا آجرها بإذن شريكه، وتكون الغلة طيبًا له؛ لأن الإجارة حصلت بإذن شريكه، وفي الدار الواحدة أدائها على الاستغلال زمانًا فأغلت في نوبة أحدهما أكثر، والزيادة والفصل بينهما؛ لأن معنى الإفراز والقسمة في الدارين أرجح، على معنى أن كل واحد منهما يصل إلى المنفعة والغلة في الوقت الذي يصل إليه صاحبه مما يستوفيه كل واحد منهما عوضه عن قديم ملكه استوجبه بعقده، فيسلم له، وفي الدار الواحدة إذا تهايأ في الاستغلال زمانًا فأحدهما يصل إلى الغلة قبل وصول الآخر إليها، وذلك لا يكون قضيته للقسمة، فيجعل كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه في إجارة نصيب صاحبه، وما يقبضه كل واحد منهما يجعل عوضًا عما يقبض صاحبه من عوض نصيبه، والمعارضة تقتضي المساواة، فعند التفاضل يثبت
(2)
التراجع فيما بينهما ليستويا
(3)
.
وقوله: (لما بينا) إشارة إلى قوله: (والاعتدال ثابت في الحال)، إلى آخره.
وكذا يجوز في العبدين عندهما، أي: يجوز التهايؤ في استغلال العبدين عندهما اعتبارًا بالتهايؤ في المنافع، وهو التهايؤ في الاستخدام الحالي عن الاستغلال.
لأن التفاوت في أعيان الرقيق/ أكثر منه، أي: من التفاوت من حيث الزمان في العبد الواحد، ثم التهايؤ في استغلال العبد الواحد لا يجوز بالاتفاق، فأولى أن لا يجوز الاستغلال في العبدين.
ولكنهما يفرقان يفترقان بين جواز التهايؤ في استغلال العبدين وبين عدم جواز التهايؤ في استغلال العبد الواحد. ذكره في «البسيط
(4)
»، وقال: فهما يقولان معنى القسمة والتمييز يترجح في علة العبدين؛ لأن كل واحد منهما يصل إلى نصيبه في الوقت الذي يصل إليه صاحبه، فيجوز ذلك [كما]
(5)
في المهايأة في الخدمة، وفي علة الدارين، وأما في العبد الواحد فمعنى المفاوضة يغلب؛ لأنه يصل أحدهما إلى العلة قبل أن يصل الآخر إليه، [وفيه معنى]
(6)
الحظر، فربما عرض العبد في نوبة أحدهما فيعجز عن الخدمة، وربما يمتنع من
(7)
الخدمة بدعوى الحرية، ومعنى الحظر في المفاوضة مبطل له، وبه قارب [علة الدار]
(8)
الواحدة؛ لأن الغالب فيها السلامة
(9)
.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 382.
(2)
في (ع): «ثبث» .
(3)
في (ع): «استويا» .
(4)
في (ع): «المبسوط» .
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
في (ع): «وفي» .
(7)
في (ع): «عن» .
(8)
في (ع): «الغلة» .
(9)
ينظر: المبسوط: 20/ 173.
والتهايؤ في الخدمة جوز ضرورة. هذا جواب إشكال يرد على قوله: (لأن التفاوت في أعيان الرقيق أكثر) إلى آخره.
فإن قيل: لو كان التعليل بالتفاوت في أعيان الرقيق معوّلاً عليه لما جاز ذلك في الاستخدام، بل يجوز التهايؤ في استخدام العبد الواحد بالاتفاق في جميع الروايات، وفي العبدين على الأصح، على ما مَرَّ؛ لإمكان قسمتها، أي: لإمكان قسمة العلو
(1)
لكونها، أي: لكون الغلة عينًا؛ لأنها دراهم أو دنانير، وفي بعض النسخ: لكونه على تأويل الآجر، أو بدل الإجارة، أي: لا حاجة للشريكين في العبد الواحد، أو في العبيد إلى التهايؤ في الاستغلال الذي هو مفوت
(2)
للمعادلة على ما ذكر؛ لأنه يمكن استغلالها إياه على طريق الشركة، ثم يقسمان ما حصل من غلة العبد من الدراهم أو الدنانير.
والوجه ما بيناه في الركوب، وهو قوله:(وعندهما يجوز اعتبارًا بقسمة الأعيان، وله أن الاستغلال يتفاوت) إلى آخره.
وهذه أعيان باقية ترد القسمة عليها عند حصولها، فلا يجوز المهايأة لذلك.
فإن قلت: يشكل على هذا التهايؤ في ألبان الجاريتين، وهو أن تكون الجاريتان بين رجلين، ولهما لبن تهايأ الشريكان على أن ترضع هذه ابن هذا سنتين، وترضع هذه ابن هذا سنتين، [وكان]
(3)
جائزًا مع أن ألبانهما أيضًا أعيان، ولم تجوّز المهايأة في ألبان البقر بعلة أنها أعيان، والمسألة في «المنتقى»
(4)
(5)
.
قلت: لأن ألبان بني آدم لا قيمة لها إلا عند العقد بطريق التبعية، على ما مر في الإجارات، فجرت مجرى المنافع والمهايأة إنما تكون في المنافع، فلذلك جاز فيها المهايأة.
[وأما ألبان البقر والإبل والغنم فلها قيمة، فكانت أعيانًا على حقيقتها فلم يجز فيها المهايأة]
(6)
، إلى هذا أشار في «الذخيرة»
(7)
.
وفيها: أيضًا أمة بين رجلين خاف كل واحد منهما صاحبه عليها، فقال أحدهما: تكون عندك يومًا، وعندي يومًا، وقال الآخر: بل نصفها على يدي عدل، فإني أجعلها عند كل واحد منهما يومًا، ولا أضعها على يدي عدل.
(1)
في (ع): «الغلة» .
(2)
في (ع): «متقاوت» .
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
المنتقى، للحاكم الشهيد أبي الفضل محمد بن محمد بن أحمد، المقتول شهيدًا سنة 334 هـ، وهو كتاب في فروع الحنفية، وفيه: نوادر من المذهب، ولا يوجد المنتقى في هذه الأعصار، كذا قال: بعض العلماء. ينظر: كشف الظنون: 2/ 1851.
(5)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 383، 384، البناية: 11/ 472.
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
ينظر: المحيط البرهاني: 7/ 384، البناية: 11/ 472.
قال مشايخنا
(1)
: ويحتاط في باب الفروج في جميع المواضع، نحو العتق في الجوار، والطلاق في فصول الشهادة، وغير ذلك إلا في هذا، فإنه لا يحتاط لحشمة ملكه أن يبيع حصته، أي: من الشجر والغنم، والله [تعالى]
(2)
أعلم [بالصواب]
(3)
.
* * *
[بسم الله الرحمن الرحيم]
(4)
كتاب المزارعة
(5)
لما كان الخارج في عقد المزارعة من أنواع ما يقع فيه القسمة ذكر المزارعة بعدها.
اعلم أن المزارعة من المكاسب، فكانت المحاسن والأسباب المذكورة في البيوع مذكورة هنا.
وما ذكر في الكتاب من معنى المزارعة لغة وشرعًا أغنانا عن ذكره، وما سوى ذلك ظاهر.
قوله [رحمه الله]
(6)
: (قال أبو حنيفة: المزارعة بالثلث والربع باطلة).
وإنما قيَّد [بالربع والثلث]
(7)
مع أنه لا تجوز المزارعة في جميع الصور عنده تبركًا بلفظ الحديث الذي جاء بذلك، وهو ما ذكره في «المبسوط» بقوله
(8)
(9)
.
وإنما خص في الحديث بذلك لمكان العادة في ذلك الوقت بذلك التقدير.
أو نقول: لو لم يقل بهذا الطريق- وهو تعيين قدر النصيب شائعًا- وجب أن لا يتبين/ قدر نصيب المزارع أصلاً، [أو يبين قفزانًا]
(10)
مسماة، وكل واحد منهما يفسد المزارعة بالإجماع، والذي نحن فيه مسبوق
(11)
لبيان مذهب أبي حنيفة على الخصوص بأن المزارعة فاسدة، ولا يعلم ذلك إلا بهذا الطريق الذي ذكر في الكتاب
(12)
.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني: 8/ 117.
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
المزارعة: معاقدة دفع الأرض إلى من يزرعها على أن الغلة بينهما على ما شرطا. ينظر: طلبة الطلبة: ص 149.
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
في (ع): «بالثلث والربع» .
(8)
ينظر: المبسوط: 23/ 2.
(9)
أخرجه أبو داود في سننه: 3/ 262، كتاب البيوع، باب في المخابرة، رقم الحديث: 3407، والبيهقي في «السنن الكبرى»: 6/ 220، كتاب المزارعة، باب بيان المنهي عنه، وأنه مقصور على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها دون غيره مما يجوز أن يكون عوضًا في البيوع، رقم الحديث: 11728، ونصه: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة» قلت: وما المخابرة؟ قال: «أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع» ، وقال الألباني: صحيح. ينظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة: 7/ 1533.
(10)
كأنها في (ع): «ويبين قفزاويا» .
(11)
في (ع): «مسوق» .
(12)
ينظر: المبسوط: 23/ 16، البناية: 11/ 475.
وذكر في «الذخيرة»
(1)
: وإن أراد
(2)
[صاحب]
(3)
الأرض والمزارع أن يطيب لهما الزرع عندهما في موضع فسدت المزارعة عندهما [أو عند]
(4)
أبي حنيفة في موضع صحت المزارعة عندهما، فالوجه في ذلك ما حكي عن الشيخ الإمام إسماعيل الزاهدي
(5)
أنه قال: يميز النصيبان نصيب رب الأرض ونصيب المزارع، ويقول رب الأرض للمزارع: وجب لي عليك أجر مثل الأرض أو نقصانها، ووجب لك عليَّ أجر مثل عملك [ .... ]
(6)
، وقدر بذلك
(7)
فهل صالحتني على هذه الحنطة، وعلى ما وجب لك عليَّ [بما وجب لي عليك، فيقول المزارع: صالحت. ويقول لرب الأرض: قد وجب لي عليك أجر مثل عملي وبذري، ووجب لك عليَّ أجر مثل الأرض أو نقصانها، فهل صالحتني عما وجب لك عليَّ على]
(8)
ما
(9)
وجب لي عليك، وعلى هذه الحنطة فيقول رب الأرض: صالحت. وإذا تراضيا على ذلك جاز
(10)
، وتطيب لكل واحد منهما ما أصابه للعمل؛ [لأن الحق بينهما لا يعدوهما، فإذا تراضيا على ذلك فقد زال الموجب للحنث؛ لأنه لا أثر هناك للعمل]
(11)
؛ لأنه تخلل فعل واعمل
(12)
مختار، وهو أكل الحيوان فيضاف إليه، وإذا كان مضافًا إليه لا يضاف إلى غيره، وهو العامل فلم تتحقق الشركة.
ولأنه استئجار، والدليل على أنه استئجار هو أنه لا يصح بدون ذكر المدة، وذلك من خصائص الإجارات، فكان هذا استئجارًا [ببعض ما يخرج منه، فيكون في معنى قفيز الطحان]
(13)
، ونهى النبي عليه السلام عن قفيز الطحان
(14)
، وهو أن يستأجر رجلاً ليطحن له كراء من حنطة بقفيز من دقيقها.
ولأن الأجر مجهول أي: على تقدير وجود الخارج، فإنه لا يعلم نصيبه الثلث أو الربع يبلغ مقدار عشرة أقفزة أو أقل منه أو أكثر، أو معدوم، أي: على تقدير أن لا يخرج من الأرض شيء، أو أصابته آفة، أو أن ذلك الأجر لا يثبت في الذمة فيكون معدومًا حقيقة بخلاف ما إذا استأجر شيئًا، وليس في ملكه شيء من الأجر حيث يصح الاستئجار لوجود الأجر في الذمة.
(1)
ينظر: الفتاوى الهندية: 5/ 239.
(2)
في (ع): «أرادت» .
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «وعند» .
(5)
في (ع): «الزاهد» .
(6)
كلمة غير واضحة في (أ) و (ع).
(7)
في (ع): «بذلك» .
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
في (ع): «مما» .
(10)
في (ع): «جازت» .
(11)
ساقطة من: (ع).
(12)
في (ع): «فاعل» .
(13)
ساقطة من: (ع).
(14)
أخرجه الدارقطني في سننه: 3/ 468، كتاب البيوع، رقم الحديث:2985. وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى»: 5/ 554، كتاب جماع أبواب الخراج بالضمان والرد بالعيوب وغير ذلك، باب النهي عن عسب الفحل، رقم الحديث: 10854، وقال الألباني: صحيح. ينظر: إرواء الغليل: 5/ 295.
أنواع الخراج
ومعاملة النبي عليه السلام أهل خيبر كان خراج
(1)
مقاسمة
(2)
.
اعلم أن الخراج على نوعين: خراج وظيفة، وخراج مقاسمة.
والوظيفة: هي أن يوظف الإمام كل سنة على مال، كما صالح النبي عليه السلام[مع]
(3)
أهل نجران على أن يؤدوا كل سنة ألفًا ومائتي حلة؛ ستمائة في محرم، وستمائة في رجب
(4)
.
والمقاسمة: هي أن [لا]
(5)
يقسم الإمام ما يخرج من الأرض، كما صالح النبي عليه السلام مع أهل خيبر على أن ما يخرج من أراضيهم نصفه للنبي عليه السلام ونصفه لأهلها. [كذا ذكره الإمام المحبوبي
(6)
في زكاة «الجامع الصغير» و]
(7)
ليس في هذا الحديث حجة لمن جوَّز المزارعة؛ لأن ذلك [كان]
(8)
على سبيل المصالحة، فإنه لو أخذ الكل جاز؛ فإنه عليه السلام مَلَكَه غنيمة، وكان ترك في أيديهم فضلاً، وقد ورد في هذه الحديث أنه عليه السلام قال لأهل خيبر:«أُقِرُّكم ما أقركم الله، أمركم على أمركم الله»
(9)
، ولم يبين مدة معلومة، وقد أجمعوا على أن عقد المزارعة لا يصح إلا ببيان المدة المعلومة، فلم يصلح الحديث حجة.
(1)
في (ع): «إخراج» .
(2)
ينظر: البناية: 11/ 479، العناية: 9/ 463، تبيين الحقائق: 5/ 278.
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
أخرجه أبو داود في سننه: 3/ 167، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أخذ الجزية، رقم الحديث: 3041، ونصه: عن ابن عباس، قال: «صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صَفَر، والبقية في رجب، يؤدونها إلى المسلمين
…
». وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» : 9/ 328، كتاب الجزية، باب كم في الجزية، رقم الحديث: 18680، وقال الألباني: إسناده ضعيف؛ لكثرة خطأ أسباط الهمْداني. وأعله المنذري بالانقطاع بين إسماعيل القرشي- وهو السدي- وابن عباس. ينظر: ضعيف أبي داود: 2/ 444.
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
هو عبيد الله بن مسعود بن محمود بن أحمد المحبوبي الحنفي، صدر الشريعة الأصغر، فقيه أصولي جدلي محدث مفسر نحوي لغوي أديب بياني متكلم منطقي، أخذ العلم عن: جده محمود، وعن أبي جده أحمد صدر الشريعة وصاحب: تلقيح العقول في الفروق، وعن شمس الأئمة الزرنجي، وشمس الأئمة السرخسي، وعن شمس الأئمة الحلواني، وغيرهم، توفي سنة 747 هـ. ينظر: الفوائد البهية: ص 109، الجواهر المضية: 2/ 365، معجم المؤلفين: 6/ 246.
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
أخرجه البخاري في صحيحه: 3/ 192، كتاب الشروط، باب إذا اشترط في المزارعة إن شئت أخرجتك، رقم الحديث: 2730، ونصه: عن ابن عمر، قال: لما فَدَعَ أهل خيبر عبد الله بن عمر، قام عمر خطيبًا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: «نقرّكم ما أقرّكم الله
…
».
وأما الجواب عن [اعتبارهم بالمضاربة]
(1)
، قلنا: لا يصح الاستدلال بعقد المضاربة؛ لأن معنى الشركة [ثم أغلب حتى صح بدون ضرب المدة، فيكون الربح متولدًا من العمل والمال جميعًا، وعقد الشركة]
(2)
عقد ينعقد على محض العمل، كما في شركة الأعمال، فلم تكن المزارعة [نظير المضاربة؛ لأن معنى الإجارة في المزارعة]
(3)
أغلب لاشتراط المدة فيها.
بخلاف المضاربة فامتنع الاستدلال بعقد المضاربة. [كذا في «الإيضاح»
(4)
(5)
.
والخارج كله في الوجهين، أي: فيما إذا كان البذر من فعل العامل، أو من قبل رب الأرض لصاحب البذر؛ لأنه نماء ملكه.
فإن قلتَ: ما [في]
(6)
وجه الفرق بين هذا وبين مسألة الغصب، وهي ما إذا غصب رجل من إنسان بذرًا فزرعه أن الزرع يكون للزراع لا لصاحب البذر مع أن الخارج هناك أيضًا نماء ملك صاحب البذر؟
شروط المزارعة: بيان المدة
قلتُ: الفرق بينهما هو أن الغاصب هناك عامل لنفسه، وإضافة الحادث إلى عمله أولى من الإضافة إلى البذر؛ لأنه في العمل مختار، وهو المكتسب المحصل، وهاهنا هو عامل في بذر الغير بأمره، فيعتبر الأمر، فيجعل العمل مضافًا إلى الأمر فبقي [البذر]
(7)
أصلاً، فيضاف النماء إليه/. [كذا ذكره الإمام المحبوبي في زكاة «الجامع الصغير»]
(8)
(9)
، كما لو وقع البذر بنفسه فيثبت. كذا في «الإيضاح»
(10)
، كما فصَّلنا، وهو قوله:(وهذا إذا كان البذر من قبل صاحب الأرض إلى آخره، والثالث بيان المدة).
فإن قلت: ذكر بيان المدة مطلقًا، ولم يبين مقدار المدة [كم]
(11)
تكون؟ ولا شك أن المدة لو كانت قليلة جدًّا بحيث لا يدرك الزرع فيها لا يصح لعدم الفائدة، ولو كانت طويلة جدًّا بحيث لا يعيشان إليها كانت بمنزلة التأبيد فلا يصح أيضًا، فلابد من ذكر مقدار المدة التي تصح بها المزارعة، فكم هي؟
قلت: قال في «الذخيرة» : «ومن الشرائط بيان المدة بأن يقول: إلى سنة، أو [إلى]
(12)
سنتين، [أو ما أشبه]
(13)
، وإن بيَّن وقتًا لا يتمكن فيه من المزارعة فسدت المزارعة، فصار ذكره [وعدم ذكره]
(14)
سواء، وكذلك إذا بيَّن مدة لا يعيش أحدهما إلى مثلها غالبًا لا يجوز؛ لأنه يصير في معنى اشتراط بقاء العقد إلى ما بعد الموت»
(15)
.
(1)
في (ع): «أعيان المضاربة» .
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 278.
(5)
زيادة من: (ع).
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
ينظر: البناية: 11/ 481.
(10)
ينظر: المصدر السابق: 11/ 481.
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
زيادة من: (ع).
(13)
في (ع): «وما أشبهه» .
(14)
في (ع): «ولا ذكره» .
(15)
ينظر: البناية: 11/ 482.
وذكر القاضي الإمام أبو علي النسفي
(1)
أن مشايخنا يقولون في الإجارة الرسمية التي تعقد إلى ثلاثين سنة: إذا كان لا يتوهم حياة العاقدين إلى تلك المدة غالبًا بأن كانا شيخين كبيرين أو أحدهما لم يجوّزوا ذلك، وكأن هذا القائل جعل الغالب من الموت كالمتيقن به، ومثل هذا جائز
(2)
.
ألا ترى أن في فصل (المفقود) إذا مات أقرانه وأترابه يقسم ماله بين ورثته
(3)
، ويجعل كأنه مات، وإن كان في قدرة الله تعالى أن يعيشه إلى آخر الدهر، وبعض مشايخنا جوزوا ذلك
(4)
، وإليه مال الخصاف
(5)
، وكأنه اعتبره بالنكاح؛ فإن من تزوج امرأة إلى مائة سنة أو إلى مدة لا يتوهم حياتهما في تلك المدة، فإن النكاح لا يجوز في ظاهر الرواية، وجعل ذلك بمنزلة نكاح مؤقت، وعن محمد بن سلمة رحمه الله
(6)
أن المزارعة من غير بيان المدة جائزة، ويقع على سنة واحدة، أي: على زرع واحد، وبه أخذ الفقيه أبو الليث
(7)
لأنه- أي: - لأن عقد المزارعة عقد على منافع [الأرض، أي: إذا كان البذر من قبل العامل، ومنافع
(8)
العامل، أي: إذا كان البذر من قبل رب الأرض، والمدة هي المعيار لها، أي: للمنافع ليُعلم بها أي: ليعلم العقد بالمدة
(9)
.
(1)
هو الحسين بن الخضر بن محمد بن يوسف، الفقيه القشيديرجي القاضي، أبو علي النسفي، أستاذ شمس الأئمة الحلواني، تفقه على محمد بن الفضل الكمارى، قال السمعاني: كان إمام عصره، تفقه ببغداد وناظر المرتضى فى توريث الأنبياء، من أصحاب الإمام أبي بكر محمد بن الفضل، اجتمع به ببخارى، وله أصحاب وتلامذة، مات سنة 424 هـ. ينظر: الجواهر المضية: 1/ 211.
(2)
ينظر: البناية: 11/ 482.
(3)
في (ع): «الورثة» .
(4)
ينظر: البناية: 11/ 482.
(5)
ينظر: المصدر السابق: 11/ 482.
(6)
هو: محمد بن سلمة الفقيه، أبو عبد الله، تفقه على أبي سليمان الجوزجاني، تفقه عليه أبو بكر محمد بن أحمد الإيسكاف، مات سنة 278 هـ، ونسبه فى القنية إلى (بلخ)؛ وتفقه أيضًا على شداد بن حكيم، روى عن زفر. ينظر: الجواهر المضية: 2/ 56.
(7)
هو: نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه، أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقه على الفقيه أبي جعفر الهندواني، وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة 373 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: 16/ 322، الجواهر المضية: 2/ 196، الأعلام للزركلي: 8/ 27.
(8)
في (ع): «أو منافع» .
(9)
ينظر: البناية: 11/ 483.
شروط المزارعة: بيان من عليه البذور
وفي «المبسوط» : والمنفعة لا يعلم مقدارها إلا ببيان المدة، فكانت المدة معيارًا للمنفعة بمنزلة الكيل والوزن، وهذا بخلاف المضاربة، فإن هناك بالتصرف بالمال لا يصير مستهلكًا، فلا حاجة إلى إثبات صفة اللزوم لذلك العقد، وهنا البذر يصير مستهلكًا بالإلقاء في الأرض فينا
(1)
حاجة إلى القول بلزوم هذا العقد لدفع الضرر من الجانبين، ولا يكون ذلك إلا بعد إعلام المعقود عليه من الثاني، وإعلام للمعقود عليه وهو منافع الأرض، أي: إذا كان البذر من قبل العامل، أو منافع العامل، أي: إذا كان من قبل رب الأرض، وبه صرح في «المبسوط»
(2)
.
فلابد من بيان المعقود عليه وجهًا له من البذر من قبله يؤدي إلى المنازعة بينهما، ثم إن كان البذر من قبل [رب]
(3)
الأرض، فهو مستأجر للعامل، وإذا كان من قبل العامل فهو مستأجر للأرض، فلابد من بيانه، وهذا إذا لم يذكر لفظًا يدل على أن البذر من قبل مَن هو؟ وأما إذا ذكر لفظًا يدل عليه، فذلك يكفي، فقد ذكر ابن رستم
(4)
عن محمد أنَّ من قال لغيره: آجرتك أرضي هذه سنة بالنصف. أو قال: [بالثلث. يجوز، والبذر على المزارع؛ لأن الأجرة تكون على المستأجر، فهذا بيان أن البذر على المزارع، ولو قال:]
(5)
استأجرتك لتزرع أرضي هذه بالثلث، فهذا جائز، والبذر على رب الأرض، أما لو قال: دفعت أرضي إليك مزارعة بالثلث لا يجوز، إذ ليس فيه بيان من عليه البذر، وحُكي عن بعض مشايخ بلخ: أن بيان من عليه البذر إنما يشترط في موضع ليس فيه عرف ظاهر أن البذر على من يكون؟ أو كان العرف مشتركًا؛ أما في كل موضع كان فيه عرف ظاهر أن البذر على من يكون؟ لا يشترط بيان من عليه البذر؛ لأن المعروف كالمشروط. كذا في «الذخيرة»
(6)
، فما يقطع هذه الشركة كان مفسدًا للعقد؛ لأنه إذا شرط فيها ما يقطع الشركة في الخارج تبقى إجارة محضة، والقياس يأبى جواز الإجارة المحضة بأجر معدوم.
(1)
في (ع): «فيه» .
(2)
ينظر: المبسوط: 23/ 19.
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
هو: إبراهيم بن رستم، أبو بكر المروزي، من (مَرْو) الشاهجان، فقيه حنفي من أصحاب محمد بن الحسن، أخذ عن محمد وغيره من أصحاب أبي حنيفة، وسمع من مالك والثوري وحماد بن سلمة وغيرهم، وعرض المأمون عليه القضاء فامتنع، وثقه بعض أهل الحديث، وقال بعضهم: منكر الحديث، من تصانيفه:«النوادر» ، كتبها عن محمد. ينظر: الجواهر المضية: 1/ 38، الفوائد البهية: ص 9.
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 279، البناية: 11/ 483.
وعن هذا قلنا: إذا شرط لصاحب البذر أن يرفع قدر البذر من الخارج والباقي سهمًا أن المزارعة تفسد؛ لأن الأرض ربما لا تخرج/ إلا قدر البذر، ولو شرط لصاحب البذر قدر العشر من الخارج والباقي بينهما صحت المزارعة؛ لأن هذا الشرط لا يقطع الشركة في الخارج؛ لأن الخارج - وإن قل- يكون له عشر، وهذا هو الحيلة لصاحب البذر إذا أراد أن يصل إليه قدر البذر أن يشترط لنفسه قدر البذر باسم العشر أو الثلث أو ما أشبه، والباقي بينهما.
بيان جنس البذور
والثامن: بيان جنس البذر، وهذا قياس.
وفي الاستحسان: بيان ما يزرع في الأرض ليس بشرط؛ فوَّض الرأي إلى المزارع، أو لم يفوِّض بعد أن ينص على المزارعة. هكذا ذكر شيخ الإسلام -[رحمه الله]
(1)
- في أول المزارعة، وذكر في موضع آخر أن بيان ما يزرع في الأرض شرط من غير ذكر القياس والاستحسان، وهذا أقرب إلى الصواب، إلا إذا عَمَّ بأن قال: ما بدا لك، وكان البذر من جهة المزارع، أو قال: ما بدا لي، وكان البذر من جهة رب الأرض، وإن لم يكن [لم يذكر]
(2)
شيئًا من ذلك حتى فسدت المزارعة فزرعها مع ذلك ينقلب [العقد]
(3)
جائزًا؛ لأن جنس البذر صار معلومًا حال تأكد المزارعة فهو نظير ما لو استأجر دابة للحمل، ولم يبين ما يحمل عليها حتى فسدت الإجارة وحمل
(4)
عليها بعد ذلك شيئًا ينقلب العقد جائزًا. كذا هاهنا كذا في «الذخيرة»
(5)
.
وهي عندهما على أربعة أوجه، فوجه الانحصار على هذه الأربعة.
قلنا: إن ما تقوم به المزارعة أربعة أشياء، وهي الأرض، والبذر، والعمل، والبقر، وهذا أمر محسوس لا حاجة إلى الدليل، ثم هذه الأربعة بين الشريكين في المزارعة لا تخلو إما: إن كان كلها لأحدهما دون الآخر، أو لهما، فالأول منتفٍ؛ لأن عقد المزارعة شركة انتهاء، والشركة تقتضي الخلط بين الشريكين، فلو لم يكن من أحد الجانبين شيء لا يتصور الشركة.
ولو كان لهما فلا يخلو إما: أن يكون بينهما بالتنصيف
(6)
في هذه الأربعة، أو بإثبات الأكبر، وهو الثلاثة لأحدهما.
فإن كان بالتنصيف فهو على وجهين:
أحدهما: أن تكون الأرض والبذر لواحد، والعمل والبقر لآخر، وهو الوجه الأول.
والثاني: أن تكون الأرض والبقر لواحد، والبذر والعمل لواحد
(7)
، وهو الوجه الرابع.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «حمل» .
(5)
ينظر: البناية: 11/ 484، 485.
(6)
في (ع): «بالنصف» .
(7)
في (ع): «للآخر» .
وإن كان بإثبات الأكثر لأحدهما، فهو على وجهين أيضًا.
أحدهما: أن تكون الأرض لواحد، والباقي للآخر، وهو الوجه الثاني.
والثاني: أن يكون العمل لأحدهما والباقي للآخر، وهو الوجه الثالث. فهذه كلها جائزة إلا الواحد، وهو الوجه الرابع، وهذا الانحصار على رواية «مختصر القدوري»
(1)
، وأما الانحصار العقلي بالنسبة إلى هذه الأشياء المذكورة- أعني: الأرض والبذر والبقر والعمل من غير تصور الاشتراك بينهما في الواحد، فسبعة أوجه أربعة بطريق الانفراد لأحدهما، والباقي للآخر، وهو أن يقول: الأرض لأحدهما والباقي للآخر، [والبذر لأحدهما والباقي للآخر، والعمل لأحدهما والباقي للآخر، والبقر لأحدهما والباقي للآخر]
(2)
، وحكم هذه الأربعة مذكورة في الكتاب، إلا حكم البقر لأحدهما والباقي للآخر، كحكم أن يكون البذر لأحدهما والباقي للآخر، وهو الفساد، وثلاثة بطريق الاختلاط، وهي أن يقول: الأرض والبذر لأحدهما، والعمل والبقر للآخر، والبذر والعمل لأحدهما والأرض والبقر للآخر، والأرض والعمل لأحدهما والبذر والبقر للآخر، فحكم هذه الثلاثة مذكور في الكتاب أيضًا، وهو الفساد في [الثاني و]
(3)
الثالث، والجواز في الأولين.
وأما إذا كان الاشتراك بينهما في الواحد منهما بأن كانت الأرض مشتركة فيما بينهما.
وكذلك في غيرهما، فوجوهها كثيرة.
ثم اعلم أن هذه المسائل في الجواز والفساد مبنية على أصل، وهو أن المزارعة تنعقد إجارة، وتتم شركة، وإنما تنعقد إجارة على منفعة الأرض، وعلى
(4)
منفعة العامل، ولا يجوز على منفعة غيرهما من منفعة البقر والبذر؛ لأن الشرع لم يرد به فأخذنا فيه بالقياس؛ لأن الاستئجار
(5)
ببعض الخارج لا يجوز قياسًا.
وأما في استئجار الأرض، أو استئجار العامل فقد ورد الشرع به، فيقول به، أما الأولى فهو أن استئجار الأرض للزراعة ببعض ما يخرج منها جائز؛ لأثر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
(6)
، ولتعامل الناس، فإن الناس تعاملوا اشتراط البذر على المزارع، ومتى كان البذر على المزارع [صار المزارع]
(7)
مستأجرًا للأرض ببعض الخارج.
(1)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 280.
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
في (ع): «او على» .
(5)
في (ع): «الاستحسان» .
(6)
يشير إلى قول ابن عمر: ما كنا نرى بالمزارعة بأسًا، حتى سمعت رافع بن خديج يقول: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، فذكرته لطاوس، فقال: قال لي ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها، ولكن قال:«لأن يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجًا معلومًا» . أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 379، كتاب البيوع، باب في المزارعة، برقم: 3389، وأبو عوانة في مسنده: 3/ 326، برقم: 5173، قال الألباني: صحيح. ينظر: صحيح وضعيف سنن أبي داود: 7/ 389.
(7)
ساقطة من: (ع).
وكذلك استئجار العامل ببعض الخارج جائز؛ لأثر رسول الله عليه السلام مع أهل الخيبر
(1)
، ولتعامل الناس، فإنهم تعاملوا/ اشتراط البذر على رب الأرض، وإذا اشترط البذر على رب الأرض يصير رب الأرض مستأجرًا للعامل ببعض الخارج، وأما استئجار غيرهما ببعض الخارج لا يجوز؛ لأن القياس أن لا يجوز استئجار العامل والأرض أيضًا ببعض الخارج؛ لأن الأجر معدوم ليس بمشار إليه، ولا واجب في الذمة، لكن جوَّزناه نصًّا.
بخلاف القياس والنص ورد في استئجار العامل والأرض، لا في استئجار غيرهما فبقي استئجار غيرهما ببعض الخارج على أصل القياس، ولما كان كذلك كان ما وجد من صورة عدم الجواز هو من قبيل استئجار غير الأرض والعامل ببعض الخارج، أو كان المشروط على أحدهما شيئين متجانسين فلم يكن أحدهما تبعًا للآخر.
ولكن المنظور فيه هو استئجار على
(2)
الأرض و [غير]
(3)
العامل ببعض الخارج، وما وجد من صور الجواز فهو من قبيل استحقاق الأرض، أو العامل [متجانسين، ولكن المنظور فيه هو استئجار الأرض والعامل]
(4)
ببعض الخارج، وفيه ورد الأثر، وهذا هو الأصل الذي تدور عليه مسائل المزارعة [هنا أشار في الفصل الثاني من مزارعة «الذخيرة»
(5)
، «الجامع الصغير»
(6)
لفخر الإسلام
(7)
(8)
كما إذا استأجر خياطًا ليخيط بإبرة الخياط كان الأجر كله بإزاء الخياطة دون الإبرة، فكذا [في]
(9)
هذا يكون الخارج بإزاء العمل دون البقر، فلم يصر
(10)
مستأجرًا البقر ببعض الخارج فصح ليخيط ثوبه بإبرته صاحب الثوب، وهو المستأجر ثمرة أي ثمر
(11)
صاحب الطين، وهو المستأجر؛ لأنه لو شرط البذر والبقر عليه أي على رب الأرض يجوز، وكذا إذا شرط وحده، أي: إذا شرط البقر وحده.
(1)
سبق تخريجه، ينظر: ص 332.
(2)
في (ع): «عين» .
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
ينظر: فتح القدير: 9/ 466، العناية: 9/ 467.
(6)
ينظر: فتح القدير: 9/ 466، العناية: 9/ 467.
(7)
هو علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد البزدوي، أبو الحسن فخر الإسلام، فقيه، أصولي، محدث، مفسر. من تصانيفه:«المبسوط» ، و «شرح الجامع الكبير» للشيباني في فروع الفقه الحنفي، و «كشف الأستار» في التفسير، و «كنز الوصول إلى معرفة الأصول» ، و «شرح الجامع الصحيح» للبخاري. ينظر: الطبقات السنية: ص 238، تاج التراجم: ص 14، معجم المؤلفين: 7/ 192.
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
في (ع): «نصبر» .
(11)
في (ع): «ثمرة» .
وقوله
(1)
: كل ذلك يخلق الله [تعالى]
(2)
، هذا الكلام في هذا المقام مستغنى عنه غير مفتقر إليه، لكن فيه تنبيه على أنه من أهل السنة والجماعة حيث جعل منفعة البقر التي يقام بها العمل مخلوقة لله تعالى خلافًا للمعتزلة.
وقال: فلم يتجانسا نتيجة لما قبله، وهو قوله: لأن منفعة الأرض قوة في طبعها، ومنفعة البقر صلاحية يقام بها العمل كانتا مختلفتين، فلذلك لم يتجانسا.
فتعذر أن تجعل تابعة لها، أي: تعذر جعل منفعة البقر تبعًا لمنفعة الأرض، فلما لم يجعل منفعة البقر تبعًا لمنفعة الأرض كان استحقاق منفعة البقر مقصودًا في المزارعة، وهو لا يجوز كما لو كان من أحدهما البقر لا غير والباقي من الآخر، وذلك لا يجوز بالاتفاق فكذا هنا.
وهنا وجهان آخران فاسدان:
أحدهما: أن يكون البذر لأحدهما والباقي من الآخر، وإنما لا يجوز هذا؛ لأن صاحب البذر مستأجر للأرض، ولابد
(3)
من التخلية بين المستأجر وبين ما استأجر في عقد الإجارة، وتنعدم التخلية هاهنا؛ لأن الأرض تكون في يد العامل، فلهذا فسد العقد. كذا في «المبسوط»
(4)
.
والثاني: أن يجمع بين البذر والبقر بأن يكون البذر والبقر من أحدهما؛ لأنه لا يجوز عند الانفراد، أي: انفراد البقر والبذر بأن كان من أحدهما البقر لا غير أو البذر لا غير، والخارج في الوجهين لصاحب البذر، والوجهان ما ذكرهما، وأحدهما أن يكون البذر لأحدهما، [والبائع للآخر]
(5)
، والباقي للآخر، والثاني أن يكون البذر والبقر لأحدهما، والباقي للآخر.
وذكر في «المبسوط» بعدما ذكر هذا فقال
(6)
: بقي الإشكال، وهو أنه أوجب لصاحب الأرض أجر مثل أرضه، ولم يسلم صاحب الأرض الأرض إلى صاحب البذر، فكيف يستوجب عليه أجر مثله.
ولكنا نقول: صارت منفعته، أي: منفعة العامل ومنفعة الأرض كلها مسلمة [مسألة]
(7)
إلى صاحب البذر لسلامة الخارج له حكمًا، وكذلك إن لم تخرج الأرض شيئًا؛ لأن عمل العامل يأمر
(8)
في إلقاء بذره، كعمله بنفسه فيستوجب أجر المثل عليه في الوجهين.
هذا الذي ذكره من الفساد فيما أراد دفع بذرًا إلى صاحب الأرض على أن يزرعه في أرضه على أن الخارج بينهما نصفان.
وأما إذا قال
(9)
: على أن الخارج لصاحب الأرض فهذا جائز، وصاحب الأرض معين له في العمل معين لأرضه؛ لأنه ما اشترط بإزاء
(10)
منافعه ومنافع أرضه عوضًا، فيكون متبرعًا بذلك كله.
(1)
ينظر: البناية: 11/ 486.
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
في (ع): «لابد» .
(4)
ينظر: المبسوط: 23/ 19.
(5)
زيادة من: (ع).
(6)
ينظر: المبسوط: 23/ 24.
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
في (ع): «يأمره» .
(9)
في (ع): «قالا» .
(10)
في (ع): «بأداء» .
فإن قلت: [العامل]
(1)
فيما بين الناس يكون البذر من أحدهما، والباقي من الآخر في عقد المزارعة ظاهر
(2)
، ولو فسد هذا يقع الناس في الحرج [فما والحيلة]
(3)
في تجويزه، وكذلك لو كان البقر من أحدهما والباقي من الآخر تعامل ظاهر.
قلت: الحيلة هي ما ذكره في «الذخيرة» محالاً إلى النوازل
(4)
. [إلى هذا أشار في الفصل الثاني من مزارعة «الذخيرة» و «الجامع الصغير» لفخر الإسلام
(5)
(6)
/.
يقال
(7)
رجل له أرض أراد أن يأخذ بذرًا من رجل ويزرعها ويكون الزرع بينهما، فإن الحيل في ذلك أن يشتري نصف البذر منه، ويبرئه البائع من الثمن، ثم يقول له: ازرعها بالبذر كله على أن الخارج بيننا نصفان؛ لأن البذر إذا كان مشتركًا بينهما فالخارج يخرج من محل مشترك بينهما، فيكون بينهما بدون الشرط، فمع الشرط أولى.
وأما الحيلة فيما إذا كان البقر من أحدهما، فرواية أبي يوسف فيه بالجواز
(8)
.
بيان المدة
ولا تصح المزارعة إلا على مدة معلومة لما بينا، أراد به قوله في بيان شروط المزارعة:(والثالث: بيان المدة؛ لأنه عقد على منافع الأرض) إلى آخره.
فصار كما إذا شرطا دفع الخراج والأرض خراجية، أي: لا يجوز هذا، فكذا هنا.
اعلم أن هذا الذي ذكره من مسألة الخراج فيما إذا كان الخراج خراج وظيفة؛ بأن يكون دراهم مسماة بحسب الخارج، أو قفزانًا مسماة، وهو لا يجوز؛ لأن الأرض ربما لا تخرج إلا ذلك المقدار، فكان هذا الشرط قاطعًا للشركة، وأما إذا كان الخراج خراج مقاسمة، وهو جزء من الخراج مشاعًا نحو الثلث أو الربع لا تفسد المزارعة بهذا الشرط. كذا في «الذخيرة»
(9)
.
بخلاف ما إذا شرط صاحب البذر عشر الخارج لنفسه، وهذا هو الحيلة في أن يجوز دفع صاحب البذر بذره، وطريق ذلك هو أن ينظر أن مثل هذه الأرض لم تخرج من مثل هذا القدر من البذر، فإن كانت تخرج عشرة أكرار
(10)
، والبذر كر يشترط لنفسه عشر الخارج والباقي بينهما، وإن كانت تخرج أربعة أكرار، والبذر كر يشترط لنفسه ربع الخارج والباقي بينهما، فتجوز المزارعة، ويحصل لرب البذر
(11)
مقصوده. كذا في «الذخيرة»
(12)
؛ لأنه معين، أي: معلوم الماذيانات -جمع الماذيان- وهو أصغر من النهر وأعظم من الجدول، فارسي معرب
(13)
.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
في (ع): «فاسد» .
(3)
في (ع): «فما الحيلة» .
(4)
هو: النوازل في الفروع، للإمام أبي الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي الحنفي (تـ 376 هـ). ينظر: كشف الظنون: 2/ 1981.
(5)
ينظر: البحر الرائق: 8/ 182.
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
في (ع): «فقال» .
(8)
ينظر: البناية: 11/ 488.
(9)
ينظر: العناية: 9/ 469، البناية: 11/ 490.
(10)
جمع (كُر) وهو 60 قفيزًا، والقفيز: 8 مكاكيك، والمكُّوك: صاع ونصف، ينظر: الفائق في غريب الحديث، للزمخشري 3/ 258.
(11)
في (ع): «الأرض» .
(12)
ينظر: العناية: 9/ 469، البناية: 11/ 490.
(13)
ينظر: المغرب: ص 438.
وقيل: ما يجتمع فيه ماء السيل، ثم يسقي منه الأرض
(1)
.
والسواقي: جمع الساقية، وهي فوق الجدول ودون النهر. كذا في «المغرب»
(2)
.
[ويحتمل أن يكون بينهما فرق لذلك أوردهما بعطف أحدهما على الآخر]
(3)
، وكذا إذا شرط لأحدهما التبن وللآخر الحب، أي: لا تصح المزارعة، ولما لم تصح المزارعة كان التبن والحب كله لصاحب البذر منهما، كما هو الحكم في المزارعة الفاسدة. كذا في «المبسوط»
(4)
.
اعتبارًا للعرف فيما لم ينص عليه المتعاقدان، فإن العرف عندهم أن الحب والتبن يكون بينهما نصفان، وتحكيم العرف عند الاشتباه واجب. كذا في «الذخيرة»
(5)
.
والبيع يقوم بشرط الأصل، يعني: لما كان الأصل، وهو الحب مشتركًا بينهما باشتراطهما فيه نصًّا كان التبع وهو التبن مشتركًا بينهما أيضًا تبعًا للأصل، [وإن لم يذكرا فيه الشركة، وكان معنى قوله: والتبع يقوم بشرط الأصل، أي: يتصف البيع بصفة الأصل]
(6)
كالإمام، [أي السلطان]
(7)
.
حيلة مهمة في المزارعة:
إذا دخل المصر ونوى الإقامة يصير المقتدي
(8)
[مقيمًا]
(9)
وإن لم يكن في موضع الإقامة، وكذا المولى مع العبد.
ولو شرطا الحب نصفين، والتبن لصاحب البذر صحت؛ لأنه حكم العقد، يعني: أنهما لو سكتا عن ذكر التبن كان التبن لصاحب البذر؛ لأنه موجب العقد فإذا نَصَّا عليه فإنما صرَّحا
(10)
بما هو موجب العقد فلا يتغير به وصف العقد.
وإن شرطا
(11)
التبن للآخر، وفي نسخة: وإن شرط التبن للآخر، أي: لغير صاحب البذر، واستحقاق غير صاحب البذر بالشرط، يعني: لو صححنا هذا العقد أدى إلى أن يستحق أحدهما شيئًا من الخارج بالشرط دون صاحبه فيما إذا حصل التبن دون الحب بخلاف الأول فإن استحقاق رب البذر ليس بالشرط، بل لأنه نماء بذره كذا في «المبسوط»
(12)
.
لأنه يستحقه شركة، أي: لأن العامل يستحق ما شرطاه بطريق الشركة انتهاء، والحكم في الشركة هكذا، وهو أنه إذا لم يوجد الربح لا شيء له، فكذلك هاهنا.
(1)
ينظر: العناية: 9/ 469، البناية: 11/ 491.
(2)
ينظر: المغرب: ص 229.
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
ينظر: المبسوط: 23/ 60.
(5)
ينظر: العناية: 9/ 470، البناية: 11/ 492.
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
في (ع): «الجندي» .
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
في (ع): «صرَّح» .
(11)
في (ع): «شرط» .
(12)
ينظر: المبسوط: 23/ 60.
وإن كانت إجارة أي: ابتداء، فالآخر مسمى فلا يستحق غيره، أي: المسمى لم يوجد هاهنا، فلا يستحق غير المسمى.
فإن قلتَ: يُشكل على هذا أما إذا استأجر رجلاً بأجرة، وهي عين فيعمل الأجير وهلكت الأجرة قبل التسليم يجب على المستأجر أجر المثل، فينبغي أن يكون هاهنا كذلك؛ لأن المزارعة قد صحت، والأجر مسمى، وهلك الأجر قبل التسليم، وإنما قلنا: إن الأجر المسمى هاهنا بمنزلة الأجرة التي هي عين؛ لأنه لو أراد أن يعطيه الخارج من أرض آخر لا يجوز، وإن كان ذلك بمثل نصيبه فيما زرع.
قلت: إنما يلحق الأجر المسمى هاهنا بالأجرة التي هي عين [الجندي]
(1)
/ في حق وجوب الأجر أن لو كان هذا في الهلاك، و [هو]
(2)
ليس كذلك؛ لأن الأجر العين هناك هلك قبل التسليم؛ [وهاهنا هلك بعد التسليم]
(3)
؛ لأن المزارع قبض البذر الذي يتفرع منه الخارج، وقبض الأصل قبض لفرعه، فيصير كالقابض للأجر من هذا الوجه، والأجرة العين إذا هلكت بعد التسليم إلى الأجر لا يجب للأجر شيء آخر، وكذا هنا. كذا في «الجامع الصغير» للإمام المحبوبي
(4)
.
وقال محمد: «له أجر مثله بالغًا ما بلغ» ، إلى أن قال:«وقد مر في الإجارات»
(5)
.
في هذا الذي ذكره من الحوالة نوع يعتبر؛ لأنه ذكر في باب الإجارة الفاسدة من
(6)
كتاب (الإجارات) في مسألة ما إذا استأجر حمارًا ليحمل طعامًا بقفيز منه، فالإجارة فاسدة، ثم قال: ولا يجاوز بالأجر قفيز؛ لأنه لما فسدت الإجارة فالواجب الأقل مما سمي ومن أجر المثل، هذا
(7)
الخلاف ما إذا اشتركا في الاحتطاب حيث يجب الأجر بالغًا ما بلغ عند محمد
(8)
؛ لأن المسمى هناك غير معلوم، فلم يصح الخط لمجموع هذا الذي ذكره في الإجارة، فعلم أن عند محمد [لا يدفع]
(9)
أجر المثل بالغًا ما بلغ في الإجارات الفاسدة، كما هو قولهما إلا في الشركة في الاحتطاب، ثم ذكر هاهنا، وقال محمد: له أجر مثله بالغًا ما بلغ، إلى أن قال: وقد مر في الإجارات
(10)
، وذلك يدل على أن مذهبيه في جميع الإجارات الفاسدة يبلغ الأجر
(11)
بالغًا ما بلغ، وليس كذلك.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
ينظر: العناية: 9/ 471، البحر الرائق: 8/ 184.
(5)
ينظر: العناية: 9/ 471، البناية: 11/ 494.
(6)
في (ع): «في» .
(7)
في (ع): «وهذا» .
(8)
ينظر: العناية: 9/ 471، البناية: 11/ 494.
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
ينظر: العناية: 9/ 471، البناية: 11/ 494.
(11)
في (ع): «الأجرة» .
ولا مثل لها أي: لمنافع الأرض، فيجب رد قيمتها؛ لأنه استوفاها بالعقد الفاسد فكانت له قيمة، كما في العقد الصحيح، فهو على الخلاف الذي ذكرنا
(1)
في أنه لا يزاد على ما شرط [له]
(2)
من الخارج عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ويراد بالغًا ما بلغ عند محمد، ولو جمع بين الأرض والبقر، يعني: لو كان الأرض والبقر من واحد، والبذر والعمل من آخر فسدت المزارعة، [وهو]
(3)
الوجه الرابع الذي من ذكره عند ذكر أوجه المزارعة، فعلى العامل أجر مثل الأرض والبقر. هو الصحيح، وهو احتراز عن قول بعض أصحابنا، فإنهم قالوا معنى قول محمد، فعلى العامل [أجر مثل]
(4)
الأرض والبقر، أي: يغرم له أجر مثل الأرض مكروبة
(5)
، فأما البقر لا يجوز أن يستحق بعقد المزارعة بحال، فلا ينعقد العقد عليه صحيحًا ولا فاسدًا، ووجوب أجر المثل لا يكون بدون انعقاد العقد، فالمنافع لا تتقوم إلا بالعقد، ولكن الأصح أن عقد المزارعة من جنس الإجارة، ومنافع البقر ما يجوز استحقاقها بعقد الإجارة؛ فينعقد عليها عقد المزارعة بصفة
(6)
الفساد، ويجب أجر مثل
(7)
، كما يجب أجر مثل الأرض. كذا في «المبسوط»
(8)
، وإذا استحق رب الأرض الخارج لبذره، أي: لأجل أن البذر من جانبه في المزارعة الفاسدة بأن سَمَّيَا قفزانًا مسماة مثلاً، [أو نحو]
(9)
ذلك مما تفسد به المزارعة طاب له جميعه، أي: جميع الخارج، ولا يتصدق بشيء من ذلك؛ لأنه نماء ملكه حصل من أرضه.
بخلاف ما إذا كان البذر من قبل العامل، فإن فيه على العامل أجر مثل الأرض لرب الأرض، ويرفع عن الخارج قدر بذره، وما أنفق، وما غرم من أجر مثل الأرض لصاحب الأرض، ويتصدق بالفضل؛ لأنه فضل زرع خرج له من أرض غيره بإجارة فاسدة، وإن هلك الخارج في هذه الصورة أو لم تنبت الأرض شيئًا فللعامل أجر مثل عمله. كذا في «الذخيرة»
(10)
.
وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله»
(11)
- في الفرق بين الفصلين فقال: أوجب التصدق بالزيادة متى تمكن الحب في منفعة الأرض، ولم يوجب متى تمكن في عمل العامل؛ لأن العمل وهو التبذير والسقي لم يتصل بالزرع حقيقة؛ لأن التبذير كما وجد انقضى، والسقي إنما يكون بفتح الجدول، وذلك مضى وانقضى، فلم يتصل حقيقة وإن اتصل به حكمًا من حيث إنه لابد من العمل
(12)
لحصول الزرع، كما لابد من منفعة الأرض، واتصال الخبث في العقد الفاسد من وجه دون وجه لا يوجب التصدق، كما لو تصدق
(13)
في الدراهم الحاصلة بالعقد الفاسد، والخبث المتمكن بسبب الفساد في منفعة الأرض اتصل بالخارج حقيقة وحكمًا؛ لأن منفعة الأرض متصلة بالخارج من أول ما نبت إلى وقت الإدراك، وأوجب الصدقة كما لو تصرف/ في العين المشترى بشرى فاسد.
(1)
في (ع): «ذكرناه» .
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «مثل أجر» .
(5)
مكروبة: مثارة، ينظر: العين (كرب) 5/ 360.
(6)
في (ع): «بسبب» .
(7)
في (ع): «مثلها» .
(8)
ينظر: المبسوط: 23/ 20، 21.
(9)
في (ع): «ونحو ذلك» .
(10)
ينظر: تحفة الفقهاء: 3/ 265، العناية: 9/ 475، البناية: 11/ 494.
(11)
هو محمد بن الحسين بن محمد بن الحسن، أبو بكر البخاري، الحنفي، المعروف بخواهر زاده. من آثاره:«المبسوط» ، و «شرح الجامع الكبير» للشيباني، و «شرح مختصر القدوري» ، و «التجنيس» في الفقه، تـ 483 هـ، ينظر: الجواهر المضية: 2/ 49، الفوائد البهية: ص 163، والأعلام: 6/ 100.
(12)
في (ع): «عمل» .
(13)
في (ع): «تصرف» .
(وإذا عقدت المزارعة فامتنع صاحب البذر من العمل لم يجبر عليه) إلى آخره.
اعلم
(1)
أن هذه المسألة من بيان صفة المزارعة، وفي «الذخيرة»
(2)
.
وأما بيان صفتها، فيقول: المزارعة لازمة من قبل من لا بذر من جهته حتى لا يملك الفسخ إلا بعذر، وغير لازمة من قبل من له البذر قبل إلقاء البذر في الأرض حتى يملك الفسخ من غير عذر، وبعدما ألقى البذر في الأرض يصير لازمة من الجانبين حتى لا يملك أحدهما الفسخ بعد ذلك إلا بقدر
(3)
؛ لأن من كان البذر من قبل
(4)
فهو مستأجر؛ إما للعامل أو منفعة الأرض؛ لأنه بازل [عين]
(5)
مال فيكون مستأجرًا، والمستأجر يجبر على قبض المستأجر حتى يتأكد عليه البدل، وأما لا يجبر على الاستيفاء؛ لأن الاستيفاء خالص حقه لم يتعلق به حق آخر، فيكون بالخيار إن شاء استوفى، وإن شاء لم يستوف، ولهذا قلنا: إن من استأجر دارًا بدراهم ليسكنها كان مجبورًا على قبض الدار حتى يتأكد حق الأجرة في البدل، وإما لا يكون مجبورًا على استيفاء السكنى، بل بالخيار إن شاء سكن، وإن شاء لم يسكن.
وكذلك إذا استأجر أرضًا ليزرعها بدراهم، قيل: إن المستأجر لا يكون مجبورًا على استيفاء ما ملكه بالإجارة، بل يخبر في ذلك إذا وقعت الإجارة بالدراهم والدنانير، فكذا إذا وقعت الإجارة ببعض ما يخرج منها لا يكون المستأجر مجبورًا على الزراعة، بل يكون مجبرًا، فالتجبير انتفى اللزوم؛ لأن اللزوم لو بقي إنما بقي لحق الأجر، وبقاء اللزوم في حق الأجر لا يفيد؛ لأنه متى بقي لازمًا، ولم يكن لصاحب البذر نقض المزارعة، وليس هو بمجبور على الزراعة لم يجب الأجر؛ لأن الأجر بعض ما يخرج منها فمتى لم يزرع لم يوجد الأجر، فعلم بهذا أن تبعية اللزوم لحق الأجر لا يفيد، فلذلك كانت غير لازمة في [حق]
(6)
من كان البذر من قبله لهذا المعنى، فامتنع صاحب البذر من العمل لم يجبر عليه، أي: قبل إلقاء البذر، وأما بعد إلقائه فيجبر؛ لأن عقد المزارعة يكون لازمًا من الجانبين بعد إلقاء البذر على ما ذكرنا، لا يمكنه المضي في العقد إلا بضرر، وهو استهلاك البذر حالاً، فصار كما إذا استأجر أجيرًا ليهدم داره، أي: ثم امتنع المستأجر من المضي على ما عقد عليه، فإنه لا يجبر على المضي على موجب العقد؛ لأنه لا يلحقه بالوفاء بالعقد ضرر سوى ما التزمه بالعقد؛ لأنه التزم إقامة العمل وهو قادر على إقامة العمل، كما التزمه بالعقد، وموجب العقود اللازمة وجوب تسليم المعقود عليه، فأما في الفصل الأول وهو فيما إذا امتنع صاحب البذر عن العمل ففي التزام العقد إياه ضرر به فيما لم يتناوله العقد؛ لأن البذر ليس بمعقود عليه.
(1)
في (ع): «واعلم» .
(2)
ينظر: العناية: 9/ 472.
(3)
في (ع): «بعذر» ، وهو الصواب؛ لموافقته لسياق الكلام.
(4)
في (ع): «قبله» .
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
زيادة من: (ع).
وفي إلقائه في الأرض إتلافه. [كذا في «المبسوط»]
(1)
، ولو امتنع رب الأرض والبذر من قبله، وقد كرب المزارع الأرض، أي: يجوز له الامتناع لما ذكرنا أن صاحب البذر لو امتنع عن المضي على موجب العقد قبل إلقاء البذر لم يجبر على المضي على موجب العقد؛ لأنه يتضرر بالمضي على العقد من حيث إتلاف البذر بإلقائه في الأرض، ولا يعلم فيحصل الخارج أم لا؟ ثم إنه لا شيء للمزارع في عمل الكراب على صاحب البذر لما
(2)
أن ما أتى به مجرد المنفعة، والمنفعة لا تتقوم إلا بالقسمة
(3)
والعقد والمسمى بمعاملة
(4)
المنفعة سيتأخر
(5)
من الخارج فإذا لم يحصل الخارج فإن لم يزرع أصلاً لا يستوجب شيئًا آخر، ولأن المزارع عامل لنفسه؛ لأنه استأجر الأرض ليقيم [العمل]
(6)
فيها لنفسه، والعامل لنفسه لا يستوجب الأجر على غيره، قال مشايخنا: وهذا الجواب في الحكم فأما [فيما]
(7)
بينه وبين ربه يفتي بأن يعطى العامل أجر مثل عمله؛ لأنه إنما اشتغل بإقامة العمل ليزرع، فيحصل له نصيبه من الخارج، فإذا أخذ الأرض بعدما أقام هذه الأعمال من كراب الأرض، وحفر الأنهار كان هو غارًّا للعامل مُلحقًا للضرر به، والغرور والضرر مدفوع فيفتي بأن يطلب رضاه. كذا في باب العذر في المزارعة من مزارعة «المبسوط»
(8)
.
و [أما]
(9)
إذا مات أحد المتعاقدين بطلت المزارعة هذا الذي ذكره جواب القياس، وأما في جواب الاستحسان فيبقى عقد المزارعة إلى أن/ يستحصد الزرع. هكذا ذكر في «المبسوط»
(10)
، ولفظ ما ذكر في «الذخيرة»
(11)
إذا دفع الرجل إلى رجل أرضًا مزارعة، والبذر من قبل المزارع فمات رب الأرض بعدما نبت الزرع قبل أن يستحصد.
والقياس: أن تنقض المزارعة، ولورثة رب الأرض أن يأخذوا أراضيهم، وفي الاستحسان يبقى العقد إلى أن يستحصد الزرع، ثم قال: ومعنى قوله: يبقى العقد: يبقى عقد المزارعة، ولا يثبت إجارة مبتدأة حتى لا يجب الأجر على المزارع، وإنما بقينا عقد المزارعة نظرًا للمزارع؛ لأنها لو لم يبق، فورثة رب الأرض يقلعون الزرع فيتضرر به المزارع بإبطال حقه في الزرع، وهو غير متعد في هذه المزارعة.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
في (ع): «على» ، والكِراب: كَرْبُك الأرض حتى تقلبها فهي مكروبةٌ مثارة، ينظر (العين) كرب 5/ 360.
(3)
في (ع): «بالتسمية» .
(4)
في (ع): «بمقابلة» .
(5)
غير واضحة في (أ)، و (ع).
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
ينظر: المبسوط: 23/ 47.
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
ينظر: المبسوط: 23/ 47.
(11)
ينظر: الفتاوى الهندية: 5/ 254.
وقد مَرَّ الوجه في الإجارات، وهو قوله: لأنه لو بقي العقد يصير المنفعة المملوكة، أو الأجرة المملوكة لعين العاقد مستحقًّا بالعقد؛ لأنه ينتقل بالموت إلى الوارث، وذلك لا يجوز الاستحصاد [يوردون يقدر كسب]
(1)
لما نبينه.
وهو قوله: لأن المنافع إنما تتقوم بالعقد إلى آخره، القادح: من قدحه الأمر: أثقله.
وقوله: (لحق صاحب الأرض) صفة (دين) كقادح، فكان صفة بعد الصفة، فاحتاج إلى بيعه جاز أي: جاز فسخ المزارعة بسبب الدين القادح، يعني أن الدين القادح يصلح عذرًا في فسخ المزارعة.
[وفي «المبسوط»
(2)
فإن حبس في الدين ولا وفاء عنده إلا من ثمن الأرض يكون هذا عذرًا لصاحب الأرض في فسخ المزارعة]
(3)
وبيع الأرض في الدين [لأن]
(4)
في المضي على هذا العقد يلحقه ضرر في نفسه، وإذا كان الضرر الذي يلحقه في حال
(5)
يدفع صفة اللزوم، والعذر
(6)
الذي يلحقه في نفسه، وهو الحبس في الدين أولى، ألا ترى أن البيع قد يمتنع صحته في الابتداء لدفع الضرر، فإن من باع جذعًا في سقفه لا يمكنه تسليمه إلا بضرر لا يجوز البيع.
وكذلك لو أجر ما يلحقه ضرر في تسليمه لا يلزم
(7)
الإجارة.
فكذلك هاهنا ينعدم صفة اللزوم بقدر
(8)
الدين لدفع الضرر، ثم هل يحتاج في فسخ المزارعة إلى قضاء القاضي أو [إلى]
(9)
الرضا، ذكر
(10)
في «الذخيرة» فيه اختلاف الروايات فقال
(11)
: لابد لصحة الفسخ من القضاء [أو الرضا]
(12)
على رواية الزيادات
(13)
؛ لأنها في معنى الإجارة
(14)
، وعلى رواية كتاب «المزارعة» و «الإجارات» و «الجامع الصغير»
(15)
لا يحتاج فيه إلى القضاء، ولا إلى الرضا.
وبعض
(16)
مشايخنا المتأخرون أخذوا برواياته الزيادات، وبعضهم أخذوا برواية الأصل، ثم قال: وإن طلب من القاضي [البعض]
(17)
قبل البيع، فالقاضي لا يجيبه إلى ذلك، ولكن يبيع بنفسه، ويثبت الدين عند القاضي حتى يمضي القاضي البيع وينتقض العقد حكمًا، وليس للعامل أن يطالبه بما كرب الأرض، وحفر الأنهار بشيء؛ لأن المنافع إنما تتقوم بالعقد إلى آخره.
(1)
في (ع): «يوردون أبدل كسب» .
(2)
ينظر: المبسوط: 23/ 44.
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
في (ع): «ما له» .
(6)
في (ع): «فالعدد» .
(7)
في (ع): «تلزمه» .
(8)
في (ع): «تعذر» .
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
في (ع): «وذكر» .
(11)
ينظر: فتح القدير: 9/ 474، العناية: 9/ 474.
(12)
في (ع): «والرضا» .
(13)
هو: الزيادات في فروع الحنفية، للإمام محمد بن الحسن الشيباني (تـ 189 هـ). ينظر: كشف الظنون: 2/ 962.
(14)
في (ع): «المزارعة» .
(15)
ينظر: فتح القدير: 9/ 474، العناية: 9/ 474.
(16)
في (ع): «بعض» .
(17)
زيادة من: (ع).
وهذا الجواب بهذا التعليل إنما يصح أن لو كان البذر من قبل العامل، أما إذا كان البذر من قبل رب الأرض، فللعامل أجر مثل عمله، وذلك لأن البذر إذا كان من قبل العامل يكون مستأجرًا للأرض، فيكون العقد واردًا [على منفعة]
(1)
الأرض لا على عمل العامل [فيبقى عمل]
(2)
العامل من غير عقد ولا شبهة عقد [قال]
(3)
فلا يتقوم على رب الأرض، وأما إذا كان البذر من قبل رب الأرض حتى [لو]
(4)
كان رب الأرض مستأجرًا للعامل، وكان العقد واردًا على منافع الأجير يتقوم منافعه، وعمله على رب الأرض، ويرجع على رب الأرض بأجر مثل عمله. كذا في «الذخيرة»
(5)
محالاً
(6)
إلى مزارعة شيخ الإسلام، ثم الفسخ بعد عقد المزارعة، وعمل العامل يتصور في صور ثلاث، ذكر في الكتاب الصورتين منها، وهما ما إذا فسخ بعدما كرب الأرض وحفر الأنهار، وما إذا فسخ بعد نبات الزرع قبل أن يستحصد، ولم يذكر [بعد]
(7)
ما إذا فسخ بعدما زرع العامل الأرض إلا أنه لم يثبت بعد حتى لحق رب الأرض دين قادح، هل له أن يبيع الارض؟ ذكر في «الذخيرة»
(8)
[أن]
(9)
فيه اختلاف المشايخ.
وكان الشيخ أبو بكر العتابي رحمه الله
(10)
- يقول له ذلك؛ لأنه ليس لصاحب البذر [في الأرض عين]
(11)
مال قائم؛ لأن التبذير استهلاك.
ولهذا قالوا: إن لصاحب البذر فسخ المزارعة؛ لأنه يحتاج إلى استهلاك ماله من غير عوض يحصل له في الحال، وحصوله في الثاني غير معلوم، فكان/ هذا بمنزلة ما قبل التبذير.
وكان الشيخ أبو إسحاق الحافظ- رحمه الله
(12)
- يقول
(13)
: [ليس له ذلك]
(14)
لأن التبذير استثمار، وليس باستهلاك ألا ترى أن الأب والوصي
(15)
[على يملكان]
(16)
زراعة أرض الصبي، وهما [لا يملكان]
(17)
استهلاك مال الصبي، وإذا كان كذلك كان للمزارع في الأرض عين
(18)
مال قديم
(19)
.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
ينظر: العناية: 9/ 475، حاشية ابن عابدين: 6/ 280.
(6)
في (ع): «محالة» .
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
ينظر: العناية: 9/ 475، البناية: 11/ 501.
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
هو أحمد بن محمد بن عمر، أبو نصر، وقيل: أبو القاسم، زين الدين العتابي، له: كتاب «الزيادات» ، وكتاب «جوامع الفقه» في أربعة مجلدات، و «شرح الجامع الكبير» ، و «شرح الجامع الصغير» ، مات سنة 586 هـ. ينظر: تاج التراجم: ص 103، الجواهر المضية: 1/ 114.
(11)
في (ع): «في عين الأرض» .
(12)
هو أبو إسحاق الحافظ، أستاذ شيخ الإسلام وعلاء الأئمة الخياطي. ينظر: الجواهر المضية: 2/ 238.
(13)
ينظر: فتح القدير: 9/ 475، البناية: 11/ 501.
(14)
زيادة من: (ع).
(15)
في (ع): «والقاضي» .
(16)
في (ع): «على كيان» .
(17)
في (ع): «وهما لا على كيان» .
(18)
في (ع): «عن» .
(19)
في (ع): «قائم» .
إذا انقضت مدة المزارعة
[وإذا انقضت]
(1)
مدة الزراعة [عندنا إلا بعضًا]
(2)
[قيد بالانقضاء]
(3)
احترازًا عن [مسألة الموت في المدة]
(4)
على ما يأتي، فإن الحكم فيها، بخلاف ما نحن فيه -كان على المزارع أجر مثل نصيبه من الأرض حتى لو كانت المزارعة بينهما بالنصف كان على العامل أجر مثل نصف الأرض، وكان العمل عليهما حتى يستحصد الزرع، وكذلك تكون النفقة هو
(5)
مؤنة الحفظ والسقي وكرى الأنهار عليهما [أيضًا]
(6)
.
وقوله: (معناه)، أي: معنى قوله: والنفقة على الزرع عليهما؛ لأن في تبعية
(7)
الزرع بأجر المثل تعديل النظر من الجانبين، يعني: لم يقل للعامل تقلع الزرع نظرًا له حتى أنه لو اختار قلع الزرع كان له ذلك؛ لأنه ترك النظر لنفسه على ما يجيء؛ لأن العقد قد انتهى بانتهاء المدة، فيكون العمل [به]
(8)
عليهما، فإن العمل قبل انتهاء المدة كان على العامل حاصرة
(9)
، والعمل بعد الانتهاء يكون باعتبار الشركة في الزرع، وهما شريكان في الزرع، فالعمل والمؤنة عليهما كنفقة العبد المشترك بينهما إذا كان عاجزًا عن الكسب، وعلى العامل أجر مثل نصف الأرض؛ لأن المزارعة لما انتهت لم يبق للعامل حق في منفعة الأرض، وهو يستوفي منفعة الأرض بالتربية
(10)
نصيبه
(11)
من الزرع فيها إلى وقت الإدراك، فلا يسلم له ذلك مجانًا.
(وهذا بخلاف ما إذا مات) قيد بالموت؛ لأنه أراد أن يورد مسألة على خلاف المسألة الأولى في وقت الانفساخ، بأن ينفسخ عقد المزارعة قبل وقته، وهو في الموت؛ لأن انفساخ العقد قبل مدة المزارعة لا يكون إلا في صورة الموت، ثم مسألة الموت مخالفة لمسألة انقضاء المدة في الأحكام الثلاثة، وهي وجوب أجر الأرض والاشتراك في النفقة والاشتراك في العمل حيث لم يجب أجر مثل نصيبه من الأرض على العامل؛ لأن العقد في صورة الموت بقي بينهما ببقاء المدة، ومنفعة الأرض كانت مستحقة له في المدة، فإذا لم يعمل سبب النقض بقي العقد كما كان، فلا يلزمه أجر آخر. كذا في «المبسوط» »
(12)
، وقد ذكرنا عدم وجوب الأجر في صورة الموت من رواية «الذخيرة» أيضًا
(13)
.
(1)
في (ع): «انتقضت» .
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «مدة الموت» .
(5)
في (ع): «وهي» .
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
في (ع): «سقيه» .
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
في (ع): «خاصة» .
(10)
في (ع): «بالتسوية» .
(11)
في (ع): «نصفه» .
(12)
ينظر: المبسوط: 23/ 46.
(13)
ينظر: العناية: 9/ 476، البناية: 11/ 502.
وكذلك المنفعة والعمل على العامل خاصة في صورة الموت لا على وجه الاشتراك لما ذكر في الكتاب.
(فإن أنفق أحدهما) أي: فيما إذا انقضت مدة الزراعة فهو متطوع في النفقة؛ لأنه أنفق على ملك الغير بغير أمره وبغير أمر من يلي عنه.
فإن قيل: هو مضطر في هذا الإنفاق لأنه يجبر بحق نفسه فلا يوصف بالتبرع.
قلنا: هو غير مضطر في ذلك؛ لأنه يمكنه الإنفاق بأمر القاضي.
ولأنه غير مجبر على الإنفاق فكان متطوعًا، كالدار المشتركة بينهما إذا اشترى
(1)
فأنفق أحدهما في مَرَمَّتِهَا بغير أمر صاحبه كان متطوعًا في ذلك. كذا في «المبسوط»
(2)
و «الذخيرة»
(3)
.
ولو أراد رب الأرض أن يأخذ الزرع بقلاً، أي بعد انقضاء المدة لم يكن له ذلك لما فيه من الإضرار بالمزارع.
فإن قلت: كما أن في هذا إضرارًا بالمزارع، وفي قلع المزارع الزرع بقلاً إضرار برب الأرض أيضًا حيث يفوت به نصيبه من الخارج، ومع ذلك [جاز له]
(4)
قلعه حيث ذكر في «المبسوط» : وإن أراد العامل أن يأخذه بقلاً فله ذلك
(5)
.
قلت: إنما اختلف حكم قلعيهما
(6)
لاختلاف المعنى، وهو أن المزارع لو لم يقلع الزرع لسلم لرب الأرض أجر مثل نصف الأرض، ثم هو مع ذلك كان في المطالبة بالقلع متعنتًا قاصدًا إلى الإضرار بالمزارع، فيرد عليه قصده، وأما المزارع فهو أن الزرع إنما كان يترك لدفع الضرر عنه، وقد رضي بالتزام الضرر.
ولأنه نظر لنفسه في هذا من وجه فإنه يمتنع
(7)
من التزام أجر مثل نصف الأرض مخافة أن لا يفي نصيبه منه بذلك الأجر، فله ذلك. إلى هذا أشار في «المبسوط»
(8)
: لم يجبروا على العمل لما بينا، وهو قوله: لأن إيفاء العقد بعد وجود المنهي ينظر له إلى آخره.
والمالك على الخيارات/ الثلاثة، لكن في هذه الصورة لو رجع المالك بالنفقة يرجع بكلها إذ العمل على العامل مستحق لبقاء العقد على ما [بينا]
(9)
هنا، وهو قوله: لأن المزارع لما امتنع، إلى آخره.
الحصاد
(10)
: بفتح الحاء وكسرها لغتان، وقرئ بهما في قوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}
(11)
.
(1)
في (ع): «اشترطت» .
(2)
ينظر: المبسوط: 23/ 48.
(3)
ينظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام: 2/ 327.
(4)
في (ع): «يلزمه» .
(5)
ينظر: المبسوط: 23/ 46.
(6)
في (ع): «فعليهما» .
(7)
في (ع): «يمنع» .
(8)
ينظر: المبسوط: 23/ 46.
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
ينظر: البناية: 11/ 505.
(11)
سورة الأنعام، من الآية:141.
وأما الرفاع فقد ذكر في «المغرب» هو أن يرفع الزرع إلى البيدر
(1)
(2)
.
والكسر لغة: الدياسة في الطعام أن توطئ بقوائم الدواب، وتكرر عليه المدوس يعني الجرجر حتى يصير تبنًا
(3)
.
والدياس
(4)
: صقل السيف، واستعمال الفقهاء إياه في موضع الدياسة جائز؛ قال الأزهري
(5)
(6)
: دياس الكدس وداوشه واحد، فإن شرطاه في المزارعة على العامل فسدت، وكذلك لو شرطاه على رب الأرض في هذا النوع أنه إذا شرط في المزارعة على المزارع أو على رب الأرض ما ليس من أعمال المزارعة تفسد به المزارعة [لأنه شرط فيها مالاً يقتضيه المزارعة، وفيه منفعة لأحدهما، ومثل هذا الشرط يوجب فساد المزارعة؛ لأن المزارعة]
(7)
تنعقد إجارة، والإجارة تفسد بمثل هذا الشرط، فكذا المزارعة، وإذا شرط فيها ما كان من أعمال المزارعة لا تفسد المزارعة؛ لأنه شرط تقتضيه المزارعة، وشرط ما يقتضيه [في]
(8)
العقد يوجب تأكيد العقد لا فساده.
والفاصل بين عمل المزارعة وغير عمل المزارعة: أن كل عمل ينبت وينمي ويزيد في الخارج فهو من عمل المزارعة، وكل عمل لا ينبت ولا ينمي في الخارج فهو ليس من أعمال المزارعة، وإذا شرط على المزارع أو على رب الأرض الحصاد والدياس والتذرية ورفعه إلى التبذر
(9)
فسدت المزارعة. هكذا ذكر في ظاهر الرواية.
وروى أصحاب «الأمالي
(10)
» عن أبي يوسف أن المزارعة مع شرط الحصاد والدياس والتذرية على المزارع جائزة
(11)
.
(1)
البيدر (بوزن خيبر): الموضع الذي يداس فيه الطعام. ينظر: مختار الصحاح: ص 30، التعريفات الفقهية: ص 47.
(2)
ينظر: المغرب: ص 193.
(3)
ينظر: المصدر السابق: ص 170.
(4)
ينظر: المصدر السابق: ص 170.
(5)
هو محمد بن أحمد الأزهري الهروي، أبو منصور، أحد الأئمة في اللغة والأدب، نسبته إلى جده (الأزهر)، عني بالفقه فاشتهر به أولاً، ثم غلب عليه التبحر في العربية، ومن كتبه:«تهذيب اللغة» ، و «غريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء - خ» ، و «تفسير القرآن». ينظر: تاريخ الإسلام: 8/ 325، الأعلام للزركلي: 5/ 311.
(6)
ينظر: تهذيب اللغة: 13/ 31.
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
لعلها في (ع): «البيدر» .
(10)
هو: الأمالي، لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد الأنصاري (تـ 182 هـ). ينظر: أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون: ص 54.
(11)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 283.
وقال الفقيه أبو بكر البلخي: كان محمد بن سلمة وغيره من مشايخ بلخ يذهبون
(1)
بجواز المزارعة مع هذا الشرط، ويزيدون على هذا ويقولون: يجوز بشرط التنقية والحمل إلى منزل رب الأرض؛ لأن المزارعة بهذه الشرائط متعامل فيما بين الناس. كذا في «الذخيرة»
(2)
.
وما كان [بعد الإدراك؛ كالحدار هو بالدال المهملة: القطع من حد النخل: صرمه، أي: قطع ثمر حدار وما كان بعد]
(3)
القسمة من العمل، كالحمل إلى البيت والطحن يكون على كل [حال واحد]
(4)
[فيأخذ]
(5)
منهما في نصيبه خاصة؛ لأن القسمة تميز [ملك]
(6)
أحدهما عن ملك الآخر، فيكون التذبر في ملك كل واحد منهما إليه. كذا في «المبسوط»
(7)
.
(لأنه مال مشترك) سماه مشتركًا بعد القسمة باعتبار ما كان. [والله أعلم]
(8)
.
* * *
كتاب المساقاة
تعريف المساقاة
كان من حق المساقاة أن تقدم على كتاب المزارعة لكثرة قائليها بالجواز، ولورود الأحاديث في معاملة النبي عليه السلام بأهل خيبر
(9)
إلا أن اعتراض موجبين صوب إيراد المزارعة قبل المساقاة أحدهما: شدة الاحتياج إلى عرفان أحكام المزارعة للعباد لكثرة وقوعها فيما بين أهل البلاد. والثاني: كثرة تفريع مسائل المزارعة بالنسبة إلى مسائل المساقاة.
ثم معنى المساقاة لغة وشرعًا ما هو المذكور في الصحاح وغيره: أن المساقاة أن يستعمل رجلاً في نخيل أو كروم أو غيرهما بإصلاحها على أن يكون له سهم معلوم مما تغله
(10)
.
شروط المساقاة
وشرائطها: هي الشرائط التي ذكرت للمزارعة مما يصلح شرطًا للمساقاة.
وذكر في «فتاوى قاضي خان» : وشرائطها أربعة: منها بيان نصيب العامل فإن بدا نصيب العامل وسكتا عن نصيب الدافع جاز استحسانًا، كما قلنا في المزارعة
(11)
.
ومنها الشركة في الخارج، كما في المزارعة.
ومنها التخلية بين الأشجار والعامل.
ومنها بيان الوقت، فإن سكتا عن الوقت جاز استحسانًا [بينا]
(12)
، ويقع العقد على
(13)
أول ثمرة يكون في تلك السنة، فإن لم يخرج في تلك السنة ثمر تنتقض المعاملة.
(1)
في (ع): «يفتون» .
(2)
ينظر: البناية: 11/ 506، تبيين الحقائق: 5/ 283.
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
ينظر: المبسوط: 23/ 36.
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
سبق تخريجه، ينظر: ص 332.
(10)
ينظر: الصحاح: 6/ 2380.
(11)
ينظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام: 2/ 328.
(12)
ساقطة من: (ع).
(13)
في (ع): «عن» .
وفي «المبسوط» : اعلم أن المزارعة والمعاملة فاسدتان في قول أبي حنيفة وزفر رحمة الله عليهما
(1)
.
وفي قول أبي يوسف ومحمد وابن أبي ليلى رحمهم الله: هما جائزتان.
وفي قول الشافعي المعاملة في النخيل والكروم والأشجار صحيحة، فيسمون ذلك مساقاة، والمزارعة لا تصح إلا تبعًا للمعاملة، بأن يدفع إليه الكرم معاملة، وفيه أرض بيضاء فيأمره بأن يزرع الأرض بالنصف أيضًا
(2)
.
وقوله: (وقال الشافعي المعاملة جائزة) إلى قوله:/ (والمنقول في وقف العقار من كلمات الشافعي ويقع على أول ثمر يخرج)
(3)
أي: في هذه السنة.
البذر من الحب: ما كان للبقل وإدراك البذر. وفي نسخة: وإدراك البذر [ولكن الأول أخص، وإدراك البذر]
(4)
في أصول الرطبة في هذا بمنزلة إدراك الثمار، معناه: دفع أصول [الرطبة]
(5)
الإدراك البذر بمنزلة دفع الأشجار لإدراك الثمار، يعني: لو دفع رطبة قد انتهى جزازها على أن يقوم عليها حتى يخرج بذرها على أن ما رزق الله من رزق فهو بينهما فهو جائز إذا كان البذر مما يرغب فيه غيره
(6)
؛ لأنه يصير في معنى الثمر للشجر.
وفي «المبسوط»
(7)
: ولو دفع إليه رطبة قد انتهى جزازها على أن يقوم عليها ويسقيها حتى يخرج بذرها على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من بذر فهو بينهما نصفان، ولم يسميا وقتًا فهو جائز استحسانًا؛ لأن لإدراك البذر أوانًا معلومًا عند المزارعين، والبذر إنما يحصل بعمل العامل، واشتراط المناصفة فيه يكون صحيحًا، والرطبة لصاحبها.
قوله: (بخلاف الزرع) أي: يشترط للمزارعة بيان المدة، أي: بيان مدة الابتداء والانتهاء، ولا يشترط في المعاملة بيان المدة فيما إذا كان لها نهاية معلومة، وأما إذا [لم يكن]
(8)
لها نهاية معلومة فهما متساويتان في الفساد، على ما ذكر في الكتاب، ثم الذي ذكره من عدم اشتراط بيان المدة في المعاملة هو جواب الاستحسان.
وأما جواب القياس فيشترط فيها أيضًا على ما ذكر في الكتاب.
وفي «الذخيرة»
(9)
فَرَّق محمدٌ بين المعاملة وبين المزارعة، فإن من دفع أرضه إلى
غيره مزارعة، ولم يسم سنين معلومة لا تجوز المزارعة ولم يوقع المزارعة على زرع واحد في سنة واحدة، وفي المعاملة لو دفع نخلاً أو كرمًا له معاملة بالنصف ولم يسم سنين معلومة يجوز في الاستحسان، وتقع المعاملة على سنة واحدة يعني: على ثمرة واحدة تخرج في تلك السنة.
(1)
في (ع): «رحمهما الله» .
(2)
ينظر: المبسوط: 23/ 17.
(3)
نهاية المطلب في دراية المذهب: 8/ 5.
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
في (ع): «وحده» .
(7)
ينظر: المبسوط: 23/ 103.
(8)
في (ع): «كان» .
(9)
ينظر: حاشية الشلبي: 5/ 284.
والفرق: أن المدة في المعاملة معلومة عرفًا؛ لأن ابتداء العمل مما لا يتقدم ولا يتأخر في النخيل والكروم في الأماكن كلها، وإن تقدم أو تأخر كان يسيرًا لا عبرة له فيما بين الناس، وإذا كان ابتداء العمل هكذا، ولا يتقدم انتهاء العمل ولا يتأخر أيضًا فكانت المدة معلومة عرفًا، أما في باب المزارعة المدة غير معلومة عرفًا؛ لأن ابتداء العمل فيها مما يتقدم ويتأخر عرفًا تفاوتًا فاحشًا، فإن من الناس من يزرع في الخريف، ومنهم من يزرع في الربيع، وإذا كان ابتداء العمل مما يتقدم ويتأخر عرفًا كان الانتهاء كذلك، فكانت المدة مجهولة؛ فلا يجوز.
(ولم يبلغ الثمر) أي: ولم يبلغ الغرس الإثمار معاملة حيث لا يجوز إلا ببيان المدة بأن يذكر سنين معلومة؛ لأنه لا يدري في كم يحمل الشجر والنخل والكرم الثمر؟ فالأشجار تتفاوت في ذلك بتفاوت مواضعها من الأرض بالقوة والضعف، وإن بينا مدة معلومة صار مقدار المعقود عليه من عمل العامل معلومًا فيجوز، وإن لم يبينا ذلك لا يجوز.
وبخلاف ما إذا دفع نخلاً أو أصول رطبة على أن يقوم عليها، أي: حتى يذهب أصولها، وينقطع نباتها أي: حينئذ لا يجوز.
أما إذا دفع النخيل أو أصول الرطبة على أن يقوم عليها معاملة مطلقًا فيجوز إذا كان للرطبة جزة معلومة فتقع المعاملة في النخيل على أول ثمرة تخرج، وفي الرطبة على أول جزة تجز.
وأما إذا لم يكن للرطبة جزة معلومة فلا يجوز سواء قيد بذهاب أصولها، أو أطلق ولم يذكر شيئًا؛ لأن في كل منهما جهالة المدة في الرطبة بخلاف النخيل، فإنه لو قيد بقوله: دفعتكها معاملة إلى أن يذهب أصولها فلا يجوز، وإن أطلق عن ذلك فهو جائز فتقع المعاملة على أول ثمرة تخرج في تلك السنة. إلى هذا أشار أبو اليسر
(1)
(2)
.
وذكر في «المبسوط» في باب المعاملة
(3)
: ولو دفع إليه أصول رطبة على أن يقوم عليها ويسقيها حتى تذهب أصولها وينقطع نبتها على أن الخارج بينهما نصفان فهذا فاسد.
وكذلك النخل والشجر؛ لأنه ليس لذلك نهاية معلومة في العادة، وجهالة المدة في المعاملة تفسد المعاملة.
(1)
هو محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم، أَبو اليسر، صدر الإسلام البزدوي، فقيه بخاريّ، ولي القضاء بسمرقند، انتهت إليه رياسة الحنفية في ما وراء النهر، له تصانيف، منها:«أصول الدين» ، توفي في بخارى. ينظر: تاريخ الإسلام: 10/ 746.
(2)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 284، البناية: 11/ 512.
(3)
ينظر: المبسوط: 23/ 104.
وفي «الإيضاح»
(1)
و «الذخيرة»
(2)
: ولو دفع إلى رجل أصول رطبة نابتة في الأرض/ معاملة ولم يسم سنة [ولا أكثر]
(3)
من ذلك، فهذا على وجهين، فإن لم يكن لحرازها وقت معلوم فالمعاملة فاسدة، وإن كان لحرازها وقت معلوم فالعقد جائز فيقع على الجزة الأولى، وهذا لأن الرطبة مما يزداد طولاً بطول المدة، فمتى لم يكن وقت الحراز معلومًا كان مدة المعاملة مجهولة بخلاف الثمر؛ لأن لإدراكه وقتًا معلومًا إذا بلغ ذلك الوقت لا يزداد بعد ذلك، وإن طال الزمان، أما الرطبة بخلافها.
ويشترط تسمية الجزء مشاعًا لما بينا في المزارعة، وهو قوله:(ولا تصح المزارعة)، إلى أن قال:(إلا أن يكون الخارج بينهما شائعًا تحقيقًا لمعنى الشركة)، إلى آخره.
(لا تخرج الثمر فيها) أي: في تلك المدة، أنث الوقت بتأويل المدة، كما يؤنث الصوت بتأويل الصيحة في قوله: ما هذه الصوت؟
والأصل في النصوص أن تكون معلومة سيما على أصله، أي: خصوصًا على أصل الشافعي، فإنه يرى تعليل الأصول أكثر مما رآه أصحابنا، وذلك لوجهين:
أحدهما: أن المذهب عنده هو أن النصوص كلها معلولة بكل وصف إلا أن لابد من قيام دليل التمييز بين وصف ووصف، على أن هذا الوصف هو مناط الحكم دون سائر الأوصاف.
وعندنا أيضًا هو كذلك، لكن بزيادة شرط آخر فيها سوى هذا الشرط، فإن عندنا لابد من قيام دلالة التمييز، كما قال الشافعي، ولابد أيضًا قبل ذلك من قيام الدليل على أن هذا النص نفسه [بعينه]
(4)
معلول بعلة ما، فيظهر أثر هذا الخلاف في مسألة الخمر: أن حرمة الخمر معلولة بعلة أم لا؟ فعنده معلولة بناء على أن الأصل في النصوص التعليل، وقد قام دليل التمييز وهو صفة المخامرة.
وعندنا غير معلولة لانعدام الدليل على أن نص الخمر معلول، بل قد قام النص على أنه غير معلول بقوله عليه السلام:«حرمت الخمر لعينها»
(5)
.
(1)
ينظر: بدائع الصنائع: 6/ 186.
(2)
ينظر: المصدر السابق: 6/ 186.
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» : 10/ 361، كتاب جماع أبواب من تجوز شهادته ومن لا تجوز من الأحرار البالغين العاقلين المسلمين، باب: شهادة أهل الأشربة، رقم الحديث:20947. وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»: 10/ 338، باب العين، عبد الله بن شداد عن ابن عباس، رقم الحديث: 10837، وقال الألباني: ضعيف. ينظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: 3/ 363، 364.
والثاني: أنه يجوز تعليل النصوص بنوعي العلة، وهما العلة المتعدية والقاصرة، فيظهر أثر [هذا]
(1)
الخلاف في الذهب والفضة في حديث الربا: أنه هل يصح أن تعلل بالثمنية أم لا؟ فعنده يصح، وإن كانت قاصرة.
وعندنا لا يصح، فكان وجوه العلل عنده أكثر ضرورة، فكان هو أولى بأن يقال شيئًا على أصله لهذين الوجهين.
(بخلاف المزارعة بالإضافة إلى صاحب البذر)، وإنما قيد بقوله:(بالإضافة إلى صاحب البذر)؛ لأنه لو امتنع الذي ليس من قبله البذر أجبره الحاكم على العمل.
(على ما قدمنا) أراد به ما ذكره [في]
(2)
المزارعة بقوله: (وإذا عقدت المزارعة فامتنع صاحب البذر من العمل لم يجبر عليه؛ لأنه لا يمكنه المضي في العقد إلا بضرر يلزمه).
وحاصل الفرق بين المزارعة والمعاملة في هذه المسألة راجع إلى وجود الضرر وعدمه؛ ففي المزارعة قبل إلقاء البذر لما تضمن المضي على موجب العقد الضرر، وهو استهلاك البذر في الحال جاز لصاحب البذر أن يمتنع من المضي على موجب العقد، وإن كان بغير عذر سوى إلقاء البذر، لكون إلقاء البذر عذرًا.
بخلاف المعاملة فإن مثل هذا الضرر لم يوجد هناك من الجانبين فلذلك وقعت المعاملة من حين وقعت لازمة من الجانبين، فإن صاحب النخل هنا بمنزلة صاحب البذر هناك، فإن النخل أصل لما يتفرع عليه من الثمر كالبذر
(3)
، أصل
(4)
لما يتفرع عليه من الخارج، ثم إن صاحب النخل هاهنا لا يحتاج في المضي على موجب العقد إلى إتلاف شيء؛ لأن النخل يبقى كما كان؛ فيلزم العقد من الجانبين.
بخلاف صاحب البذر فإنه لو مضى على موجب العقد يحتاج إلى أن يلقي بذره في الأرض، وفيه إتلاف ملكه، فله أن لا يرضى به. إلى هذا أشار في «المبسوط»
(5)
.
ثم عذر صاحب الكرم هو أن يلحقه دين قادح
(6)
لا يمكنه الإيفاء إلا ببيع الكرم.
وعذر العامل: هو أن يمرض.
ولا يقال: ينبغي أن يؤمر في مرضه بأن يستأجر غلامًا ليقيم العمل.
لأنا نقول: [إن]
(7)
في ذلك إلحاق ضرر به لم يلتزمه بعقد المعاملة، وإذا كان في إيفاء
(8)
العقد عليه ضرر فوق ما التزمه يصير ذلك عذرًا له في فسخ المعاملة. كذا في «المبسوط»
(9)
.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
في (ع): «بالبذر» .
(4)
في (ع): «وأصل» .
(5)
ينظر: المبسوط: 23/ 101.
(6)
في (ع): «خارج» .
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
في (ع): «إلقاء» ، وهو الصواب؛ لظاهر المعنى.
(9)
ينظر: المبسوط: 23/ 102.
فإن [مات]
(1)
رب الأرض والخارج بسر
(2)
، فللعامل أن يقوم عليه. هذا جواب الاستحسان.
وأما في جواب القياس فقد انتقضت المعاملة بينهما، وكان البسر بين ورثة صاحب الأرض وبين العامل نصفين/ فيما إذا كان العقد على المناصفة، وذلك لأن صاحب الأرض استأجر العامل ببعض الخارج والإجارة تنتقض بموت أحد المتعاقدين، ثم انتقاض العقد بموت أحدهما بمنزلة اتفاقهما على نقضه في حياتهما، ولو نقضاه والخارج [بسر]
(3)
كان بينهما ونصفين. فكذا هنا، ولكنه استحسن فقال: للعامل أن يقوم عليه كما كان يقوم حتى يدرك الثمر، وإن كره ذلك الورثة؛ لأن في انتقاض العقد بموت رب الأرض إضرارًا بالعامل وإبطال المال كان مستحقًّا له بالعقد، وهو ترك الثمار في الأشجار إلى وقت الإدراك.
وإن التزم العامل الضرر أي: بأن يقول: أنا آخذ نصف البسر، فله ذلك؛ لأن إيفاء
(4)
العقد لدفع الضرر عنه، فإذا رضي بالتزام الضرر انتقض العقد بموت رب الأرض، إلا أنه لا يملك إلحاق الضرر بورثة رب الأرض، فيثبت الخيار للورثة بين الأشياء الثلاثة، على ما ذكر في الكتاب.
وقد بينا نظيره في المزارعة، وهو قوله
(5)
: (وإن أراد المزارع أن يأخذه بقلاً قيل لصاحب الأرض: اقلع الزرع فيكون بينهما، أو أعطه قيمة نصيبه، أو أنفق أنت على الزرع وارجع بما تنفقه؛ لأن فيه النظر من الجانبين)، أي: من جانب رب الأرض وجانب ورثة العامل؛ لأن فيه تحصيل مقصودهم وتوفير حقهم عليه
(6)
بترك نصيب مورثهم من الثمر في النخل إلى وقت الإدراك كما كان مستحقًّا له.
وقوله: (وهذا خلافه في حق مالي) إلى قوله: (لا أن يكون وراثة في الخيار) هذا جواب الإشكال تقديري، وهو أن يقال: خيار الشرط لا يورث، فكيف يثبت الخيار لورثة العامل.
وفي «المبسوط»
(7)
ولو ماتا
(8)
جميعًا كان الخيار في القيام عليه، أو في تركه إلى ورثة العامل؛ لأنهم يقومون مقام العامل، وقد كان له في حياته هذا الخيار بعد موت رب الأرض، فكذلك يكون لورثته بعد موته، وليس هذا من باب توريث الخيار، بل من باب خلافة الوارث المورث فيما هو حق مالي مستحق عليه، وهو ترك الثمار على النخل إلى وقت الإدراك؛ لأن الشجر لا يجوز استئجاره، أي: استئجار الشجر باطل، فإنه لو استأجره لا يجب أجر المثل [أيضًا.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
في (ع): «يسير» .
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
في (ع): «إبقاء» .
(5)
ينظر: الهداية: 4/ 58.
(6)
في (ع): «عليهم» .
(7)
نظر: المبسوط: 23/ 56، 57.
(8)
في (ع): «كانا» .
بخلاف استئجار الأرض، فإنه لو استأجر الأرض إلى مدة معلومة يجب المسمى، ولو استأجرها إلى وقت إدراك الزرع يجب أجر المثل]
(1)
.
وذكر في «المبسوط»
(2)
: ولو اشترى زرعًا في أرض، ثم استأجر الأرض إلى مدة معلومة جاز، ولو استأجرها إلى وقت الإدراك وجب أجر المثل، ولو اشترى ثمارًا على رءوس الأشجار، ثم استأجر الأشجار إلى وقت الإدراك لا يجب عليه أجر.
وإذا ظهر هذا الفرق انبنى عليه الفرق الآخر؛ وهو أن هناك العمل عليهما بحسب ملكهما في الزرع؛ لأن رب الأرض لما استوجب الأجر على العامل لا يستوجب عليه العمل في نصيبه بعد انتهاء المدة، وهنا العمل على العامل في الكل؛ لأنه لا يستوجب رب النخل عليه أجرًا بعد انقضاء المدة، كما كان لا يستوجب عليه ذلك قبل انقضاء المدة؛ فيكون العمل كله على العامل إلى وقت الإدراك كما قبل انقضاء المدة.
وفي المزارعة في هذا أي فيما إذا انقضت مدة المزارعة؛ لما بينا في الإجارات، وهو قوله
(3)
: «ولنا أن المنافع غير مقبوضة، وهي المعقود عليها، فصار العذر في الإجارة؛ كالعيب قبل القبض» ، إلى آخره.
وقد بينا وجوه العذر فيها كظهور النداء
(4)
عن السفر، لمن استأجر الدابة للسفر، ومرض المؤاجر، واستئجار الخياط غلامًا ثم إفلاسه.
السقف
(5)
: ورق جريد النخل الذي يسقف
(6)
منه الزنبيل والمراوح؛ لاشتراط الشركة فيما كان حاصلاً قبل الشركة، وهو الأرض.
وتعذر [رد]
(7)
الغراس لاتصالها بالأرض، يعني: لو وقع الغراس وسلمها لم يكن تسليمًا [لشجر الغراس، بل يكون تسليمًا]
(8)
لقطعة خشبية، وهو ما شرط ذلك، بل شرط تسليم الشجر بقوله، على أن يكون الأرض والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين، فلما لم يكن تسليمها وهي ثابتة وجب قيمتها.
وفي «المبسوط»
(9)
: ثم الغراس عين مال قائمة كانت للعامل، وقد تعذر ردها عليه للاتصال بالأرض [فيلزمه]
(10)
قيمتها مع أجر مثل عمله فيما عمل بمنزلة ما لو دفع إلى خياط طهارة على أن يبطنها ويحشوها ويخيطها جبة بنصف الجبة كان العقد فاسدًا، وكانت له قيمة البطانة والحشو، واجب
(11)
مثل عمله فيما عمل.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
ينظر: المبسوط: 23/ 57.
(3)
ينظر: الهداية: 3/ 250.
(4)
في (ع): «البدء» .
(5)
ينظر: المغرب: ص 225، 226.
(6)
لعلها في (ع): «يشق» .
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
ينظر: المبسوط: 23/ 105.
(10)
في (ع): «قبل منه» .
(11)
في (ع): «وأجر» .
وكذلك لو لم يشترط له من/ الأرض شيئًا، ولكنه قال: على أن [لك]
(1)
عليَّ مائة درهم، أو شرط عليه كر حنطة، فالعقد فاسد.
وفي تخريجها أي: وفي تخريج جواب هذه المسألة، وهو قوله:(ومن دفع أرضًا بيضاء) إلى قوله: (لم يجز ذلك طريق آخر)، أي دليل آخر في جواب هذه المسألة بأن هذا العقد لا يجوز سوى ما ذكرناه من الدليل، والذي ذكرناه من الطريق طريق قفيز الطحان، فكان سلوكًا لطريق الاستئجار ببعض ما يخرج من عمله، وهو أن يكون نصف البستان للعامل، فكان بمنزلة طحن الطحان للحنطة بقفيز الدقيق الذي حصل من طحن تلك الحنطة، وهو فاسد، وهذا الطريق هو الأصح، وأما الطريق الآخر الذي أحال على كفاية المنتهي
(2)
في تخريج جواب هذه المسألة بأنه لا يجوز فهو طريق شرى رب الأرض نصف الغراس من العامل بمقابلة نصف الأرض، أو شراء جميع الغراس بمقابلة نصف الأرض ونصف الخارج، فكان عدم جواز هذا العقد هناك لجهالة الغراس نصفها أو جميعها؛ لأن
(3)
اعتبار معنى الاستئجار الذي هو في معنى قفيز الطحان.
وذكر الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي بيان هذا في باب الإجارة الفاسدة من إجارات المبسوط فقال: «ومن دفع أرضًا إلى رجل يغرس فيها شجرًا على أن يكون الأرض والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين لم يجز ذلك؛ لأنه يكون مشتريًا نصف الغرس منه بنصف الأرض، والغراس مجهولة فلا يجوز ذلك، هكذا ذكره بعض مشايخنا
(4)
.
وأما الحكم في «المختصر» فنقول
(5)
: تأويل المسألة عندي: أنه جعل نصف الأرض عوضًا عن جميع الغرس، ونصف الخارج عوضًا عن العمل، فعلى هذا الطريق نقول: اشترى العامل نصف الأرض بجميع الغراس وهي مجهولة، فكان العقد فاسدًا، فإن فعل فالشجر لرب الأرض؛ لأن العقد في الشجر كان فاسدًا، وقد زرعه [بأمره في أرضه]
(6)
، وكان صاحب الأرض فعل ذلك بنفسه [فيصير]
(7)
قابضًا للغرس باتصاله بأرضه مستهلكًا بالعلوق، فيجب عليه قيمة الشجر وأجر ما عمل؛ لأنه انتفى من عمله عوضًا، وهو نصف الخارج، ولم ينكر
(8)
ذلك، فكان عليه أجر مثله، ثم قال بعده بخطوط قال رضي الله عنه: والأصح عندي أن يقال في تعليل هذه المسألة: إن صاحب الأرض استأجره ليجعل أرضه بستانًا بآلات [على]
(9)
نفسه على أن يكون أجره بعض ما يحصل بعمله وهو نصف البستان، فهو كما لو استأجر صباغًا ليصبغ ثوبه بصبغ نفسه على أن يكون نصف المصبوغ للصباغ، وذلك فاسد؛ لأنه في معنى قفيز الطحان الذي نهى رسول الله عليه السلام عنه، وهذا لأن الغراس آلة تجعل الأرض بها بستانًا كالصبغ للثوب، فإذا فسد العقد بقيت الآلة متصلة
(10)
بملك صاحب الأرض، وهي متقومة فيلزمه قيمتها، كما يجب على صاحب الثوب قيمة ما زاد الصبغ في ثوبه إلا أن الغراس أعيان يقوم بنفسها فلا يدخل أجر العمل في قيمتها، فيلزمه مع قيمة الأشجار أجر مثل عمله؛ لأنه ابتغى عن عمله عوضًا، ولم يسلم [له]
(11)
فيستوجب أجر مثل
(12)
، ثم ذكر هذه المسألة في مزارعة «المبسوط» ، فقال بعد ذكر صورة المسألة
(13)
: «فجميع الثمر والغرس لرب الأرض وللغارس قيمة غرسه وأجر مثله فيما عمل» ، ثم قال
(14)
: وقد بينا في المسألة طريقين لمشايخنا في كتاب (الإجارات): أحدهما أنه اشترى منه نصف الغرس بنصف الأرض. والآخر: أنه اشترى منه جميع الغرس بنصف الأرض، والأصح أنه استأجر ليجعل أرضه بستانًا بآلات نفسه على أن يكون أجره نصف البستان الذي يظهر بعمله وآلاته، وذلك في معنى قفيز الطحان فيكون فاسدًا.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
هو: كفاية المنتهي في شرح بداية المبتدي، لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل، الإمام برهان الدين الفرغاني المرغيناني الفقيه الحنفي (تـ 593 هـ). ينظر: هدية العارفين: 1/ 702.
(3)
في (ع): «لا» .
(4)
ينظر: المبسوط: 16/ 34.
(5)
ينظر: المبسوط: 16/ 34، حاشية ابن عابدين: 6/ 289.
(6)
في (ع): «في أرضه بأمره» .
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
في (ع): «يل» .
(9)
ساقطة من: (ع).
(10)
في (ع): «متعلقة» .
(11)
ساقطة من: (ع).
(12)
في (ع): «المثل» .
(13)
ينظر: المبسوط: 23/ 105.
(14)
ينظر: المصدر السابق: 23/ 105.
قلت: فعل هذا قوله في الكتاب: وفي تخريجها طريق آخر هو]
(1)
فإن فيه طريقين لكن معنى الشرى يشملهما، وكان منه حيث الشرى طريقًا واحدًا، والذي اختاره من حيث الإجارة، وهو طريق آخر، وهذا أصحهما، أي: والذي ذكرناه في الكتاب أصح الطريقين، وهو طريق الإجارة، فوجه الأصح هو ما ذكرناه من إجارات «المبسوط» بقوله: وهذا لأن الغراس آلة، إلى آخره، والله أعلم [بالصواب]
(2)
.
* * *
كتاب الذبائح
(3)
أورد الذبائح بعد المزارعة لمناسبة خاصة بينهما، وهي أن الذبح يحصل للمقصود، وهو الانتفاع باللحم في المال مع إتلاف الموجود في الحال، وهو إزهاق روح الحيوان كالزراعة/ في القيعان والصيحان [الصيحان
(4)
: المكان المستوي]
(5)
هي تحصيل للمقصود
(6)
وهو الانتفاع [في الخارج]
(7)
في المال مع إتلاف الموجود في الحال، وهو تبذير حنطة موجودة لمنافع هي في الحال مفقودة.
ثم المحاسن في الذبائح هي أنه لو لم يكن فيها إلا رد قول الثنوية
(8)
من المانوية
(9)
والديصانية
(10)
والمرقيونية
(11)
الضلال وأقل التطول
(12)
لوجب على الموحد تلقيها بالقبول، فإنهم لا يرون إباحة ذبح الحيوان وقتله لما فيه من إذهاب الروح الذي هو من أجزاء النور.
(1)
لعلها في (ع): «بأول» .
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
الذبائح: جمع ذبيحة، وهي اسم ما يذبح كالذبح. ينظر: المغرب: ص 173.
(4)
ينظر: الصحاح: 1/ 381.
(5)
ساقطة من: (ع).
(6)
في (ع): «للمعقود» .
(7)
في (ع): «بالخارج» .
(8)
الثنوية: الذين يثبتون مع القديم عز وجل قديمًا غيره. ينظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: 2/ 891.
(9)
المنانية: هم المانوية منسوبون إلى ماني، ولا أدري لمَ جعلوا هذه النسبة على غير قياس؟ وكذلك الحرنانية المنسوبة إلى (حران)، والعنانية المنسوبة إلى عاني من اليهود، والزنادقة: هم المانوية، وكانت المزدكية يسمون بذلك. ينظر: مفتاح العلوم: ص 56.
(10)
الديصانية منسوبون إلى ابن ديصان، وهم ثنوية، يقولون: إِن جميع الأشياء من أصلين: النور والظلمة، فالنور: قادر عالم يكون منه الفعل، والظلمة: موات لا فعل لها، إِلا أن الشر يقع منها طبعًا. ينظر: مفتاح العلوم: ص 55، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: 4/ 2213.
(11)
المرقيونية: ينسبون إلى مرقيون، وهم ثنوية أيضًا. ينظر: مفتاح العلوم: ص 55.
(12)
في (ع): «العطول» .
قلنا: إن الحيات والعقارب وجميع ذوات السموم جميع فسادها وشرها في العالم من قِبَل أرواحها دون أجسادها؛ إذ هي بعد زوال أرواحها عنها تندفع مضرتها، وتنقطع مادة شرها ومضرتها، فعلم بهذا أن هذه الدعوى مطلقًا غير صحيحة.
ثم يقال لهم: إن الجنس الذي جعل غذاء للبشر من جملة الحيوانات هو الغنم، ومن المعلوم أن هذا الجنس لو خلا عن قيام الآدمي بدواع أسباب الهلاك عنه، وإيصال ما فيه منفعته لتلف الكل لتسلط الذباب وأنواع السباع عليها، وليس معه آلة الدفاع والنجاة من القوائم والجناح فتمزقه السباع في أدنى
(1)
مدة، وكذا من طبع هذا الجنس، وهو الغنم أن راعيها لو بعد عنها في المفاوز لبقيت رافعة رءوسها إلى السماء متخوفة عن كل صوت، نافرة عن كل ذكر لا تتناول علفًا ولا ترد ماء، إلى أن تتلف جوعًا وعطشًا، وإذا كان الأمر كذلك فلو لم يبح للآدمي الانتفاع بها وتناول لحومها لما قام بالدفع عنها، والحفظ لها فيتلف الكل، وينقطع الجنس، فكان في إباحة التناول إبقاء الجنس، وفي الحظر إهلاكه، فلو لم يبح إتلاف البعض لغذاء من يقوم عليها يصير ذلك طريقًا إلى فناء الكل، فحينئذ كان ما قالوه عائدًا على موضوعه بالنقص، ولأن فيه تحقيق منة الله تعالى بأنه خلق ما في العالم لمنفعة الممتحنين، وتيسير ما أعد الله لمصالح المكلفين حيث قال:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}
(2)
، وأما ما تشبثوا به من فتح
(3)
إيلام الحيوان، فذلك قول مردود؛ فإن العقلاء لما اتفقوا على حسن إيلام حجامة [المريض]
(4)
، وحسن تنقي
(5)
الأدوية الكريهة لرجاء شفاء البعض
(6)
على طريق غلبة الظن مع أن هذا إيلام وجرح في نفس المكلفين المقصودين بخلق العالم والشفاء غير متيقن به، فلأن يحسن إيلام حيوان غير مكلف، وحصول الانتفاع، وبقاء المهج بالتغذي بلحمه متيقن به أولى وأحرى.
شروط الذبائح
وباقي ما يتعلق بالذبائح من المحاسن يُذكر في الأضحية إن شاء الله تعالى، وذكر شروط الذبح وكيفيته في الكتاب.
قوله: (الذكاة شرط حل الذبيحة)، أي: الذبح شرط حل أكل ما يؤكل لحمه من الحيوان، وأصل تركيب التذكية يدل على التمام، ومنه ذكاء السن بالمد لنهاية الشباب، وذكاء النار بالصغير
(7)
لتمام اشتغالها
(8)
، وقد ذكرنا أن قول محمد بن الحنفية
(9)
ذكاة الأرض: يبسها
(10)
، أي: إنها إذا يبست
(11)
من رطوبة النجاسة طهرت وطابت، كما بالذكاة تطهر الذبيحة وتطيب، كذا في «الصحاح»
(12)
و «المغرب»
(13)
.
(1)
في (ع): «أوجز» .
(2)
سورة البقرة، من الآية:29.
(3)
في (ع): «منح» .
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
في (ع): «سقي» .
(6)
كلمة غير واضحة في (أ) و (ع)، ولعلها ما أثبتنا.
(7)
في (ع): «بالقصر» .
(8)
في (ع): «استعمالها» .
(9)
أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، المعروف بابن الحنفية، أمه الحنفية خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة ابن الدول بن حنيفة بن لجيم، ويقال بل كانت من سبي اليمامة، وصارت إلى علي رضي الله عنه، وقيل بل كانت سندية سوداء، وكانت أمة لبني حنيفة ولم تكن منهم، توفي سنة 81 بالمدينة، ينظر: صفة الصفوة 1/ 344 - 345، و وفيات الأعيان 4/ 169.
(10)
في (ع): «ينبتها» .
(11)
في (ع): «أعنيت» .
(12)
لم أجده في الصحاح.
(13)
ينظر: المغرب: ص 175.
ثم اعلم أن هذا الشرط الذي هو الذكاة هو شرط حل التناول فيما يحل تناوله من الحيوانات سوى السمك والجراد ثابت بالنص.
ثم اختلفوا فيه أنه معقول المعنى أم لا.
وذكر في «المبسوط» فزعم بعض العراقيين من مشايخنا أن التذكية محظورة بالعقل لما فيها من إيلام الحيوان
(1)
.
وهذا عندي باطل، وقد كان رسول الله عليه السلام يتناول من اللحم قبل مبعثه، ولا يظن به أنه يتناول ذبائح المشركين؛ لأنهم كانوا يذبحون باسم الأصنام فعرفنا أنه كان يذبح ويصطاد بنفسه، وما كان يفعل ما كان محظورًا عقلاً؛ كالظلم والكذب والسفه، فإنه لا يجوز أن يظن به أنه فعل ذلك قط.
ثم في الذبح والاصطياد تحصيل منفعة الغداء لمن هو المقصود من الحيوانات، وهو الآدمي؛ فيكون ذلك مباحًا، وإليه أشار الله تعالى بقوله:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}
(2)
، والإيلام لهذا المقصود، فلا يكون محظورًا عقلاً؛ كالفصد والحجامة وشرب الأدوية الكريهة في وقتها.
قوله: (فإنها تنبئ عنها)، أي: إن الذكاة تنبئ عن الطهارة.
واللبة
(3)
: المنحر من الصدر.
(أو دعوى) كالكتابي، أي: يدعي أنه صاحب ملة
(4)
التوحيد.
ثم إنما تحل ذبيحة الكتابي فيما إذا لم يذكر وقت الذبح عُزَيْرًا، أو اسم المسيح.
وأما إذا ذكر ذلك فلا يحل، كما لا يحل ذبيحة المسلم إذا ذكر وقت الذبح غير اسم الله تعالى؛ لقوله تعالى:{وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}
(5)
/.
فحال الكتابي في ذلك لا يكون أعلى من حال المسلم، إلى هذا أشار في «المبسوط»
(6)
.
وذبيحة المسلم والكتابي حلال لما يكونا، وهو قوله تعالى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}
(7)
، وهو عام يتناول المسلم والكتابي، والأولى في التمسك في حل ذبيحة الكتابي [ما تمسك به]
(8)
في «المبسوط»
(9)
بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}
(10)
، والمراد: الذبائح، إذ لو حمل على ما سواها من الأطعمة لم يكن لتخصيص أهل الكتاب بالذكر معنى.
(1)
ينظر: المبسوط: 11/ 221.
(2)
سورة البقرة، من الآية:29.
(3)
ينظر: المغرب: ص 420.
(4)
في (ع): «سكة» أو «مسكة» .
(5)
سورة البقرة، من الآية:173.
(6)
ينظر: المبسوط: 11/ 246.
(7)
سورة المائدة، الآية:3.
(8)
لعلها في (ع): «بالمتكى به» .
(9)
ينظر: المبسوط: 11/ 246.
(10)
سورة المائدة، من الآية:5.
وإنما قلنا ذلك أولى؛ لأن عموم قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}
(1)
كما يتناول المسلم والكتابي، فكذلك يتناول الوثني والمرتد والمجوسي؛ فلا تحل ذبيحتهم بالاتفاق.
ويحل إذا كان يعقل التسمية.
قيل: معناه: أن يعلم أن حل الذبيحة بالتسمية.
(والذبيحة)، وفي نسخة (والذبحة) أي: أن يقدر على الذبح.
(ويضبط) أي: يضبط ويعلم شرائط الذبح من فَرْي الأوداج والحلقوم.
وصحة القصد بما ذكرنا أراد به قوله تعالى: {وَيُحِلُّ}
(2)
إذا كان يعقل التسمية والذبيحة ويضبط.
فإن قلت: فعلى هذا كيف يصح قوله: أو مجنونًا إذ لا قصد له؛ لأن القصد إنما يكون بالعقل.
قلت: جاز أن يريد بالمجنون المعتوه، كما ذكر في (الحجر) هكذا، فقال:(ومن باع من هؤلاء) إشارة إلى الثلاثة الذين منهم المجنون، وهو يعقل البيع ويقصده
(3)
، ثم قال بعده: والمجنون قد يعقل البيع ويقصده، إلى أن قال: وهو المعتوه
(4)
الذي يصلح وكيلاً عن غيره.
والأقلف والمجنون سواء، أي: في حال ذبيحتهما، وإنما ذكر الأقلف احترازًا عن قول ابن عباس رضي الله عنه فإنه كان يقول:«شهادة الأقلف وذبيحته لا تجوز»
(5)
، لما ذكرنا أراد به ما ذكره من العمومات من قوله تعالى:{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}
(6)
.
وقوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}
(7)
[ينتظم]
(8)
الكتابي الذمي بدون حرف العطف على طريق الصفة والموصوف.
(والمرتد) بالجر أي: لا تؤكل ذبيحة المرتد؛ لأنه إذا ارتد إلى غير دين أهل الكتاب فلا إشكال فيه؛ لأنه [كالكافر]
(9)
الأصل فيما [هو]
(10)
يعتقده، وإن أريد إلى دين أهل الكتاب فلأنه غير مُقَرٍّ على ما اعتقده، وقد ترك ما كان عليه فلا علة له، والنكاح وحل الذبيحة ينبني على الملة. كذا في «المبسوط»
(11)
.
(1)
سورة المائدة، من الآية:3.
(2)
سورة الأعراف، من الآية:157.
(3)
في (ع): «والعهدة» .
(4)
في (ع): «المعقود» .
(5)
صحيح أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 5/ 21، كتاب البيوع والأقضية، باب في شهادة الأقلف، برقم: 23333، وحكم عليه ابن حزم بالصحة في «الإعراب عن الحيرة والالتباس»: 2/ 825.
(6)
سورة المائدة، من الآية:3.
(7)
سورة المائدة، من الآية:5.
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
في (ع): «كان كافر» .
(10)
ساقطة من: (ع).
(11)
ينظر: المبسوط: 11/ 245.
(بخلاف الكتابي إذا تحول إلى غير دينه)، أي: تؤكل ذبيحته، هذا إذا تحول الكتابي إلى دين هو من دين أهل الكتاب، كما إذا تهود النصراني أو تنصر اليهودي، وكذا لو تهود مجوسي أو تنصر تؤكل ذبيحته وصيده؛ لأنه [لا]
(1)
يقر على ما اعتقد عندنا؛ لأنه صار بحيث يدعي التوحيد، فلا يجوز إجباره على العود إلى دعوى الاثنين، وإذا كان مقرًّا على ما اعتقده التحق بما كان عليه في الأصل، أما لو تمجس يهودي أو نصراني لم يحل صيده ولا ذبيحته، بمنزلة ما لو كان مجوسيًّا في الأصل. كذا في «المبسوط» »
(2)
.
حكم التسمية عند الذبح
وإن تركها ناسيًا أكل، وكذا في الرمي وإرسال آلة الصيد.
وفي «المبسوط»
(3)
: ثم التسمية في الذبح يشترط عند القطع وفي الاصطياد
(4)
عند الإرسال والرمي؛ لأن التكليف بحسب الوسع.
ولنا الكتاب وهو قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}
(5)
، ومطلق النهي يقتضي التحريم، وأكد ذلك بحرف من الآية في موضع النهي للمبالغة، فيقتضي حرمته كل جزء منه على ما يذكر.
فإن قلت: لو تمسك الشافعي بحديث عائشة [رضي الله عنها]
(6)
فإنها سألت رسول الله عليه السلام فقالت: إن الأعراب يأتوننا بلحوم
(7)
، فلا ندري أسموا عليها أو لم يسموا؟ فقال:«سموا أنتم وكلوا»
(8)
، ولو كانت التسمية من شرائط الحل [لما أمرهم بالأكل عند وقوع الشك فيها، ولأن التسمية لو]
(9)
كانت مأمورًا بها، وفي المأمورات لا فرق بين النسيان والعمد؛ كقطع الحلقوم والأوداج، وكالتكبير والقراءة في الصلاة، وإنما يقع الفرق في المزجورات
(10)
؛ كالأكل والشرب في الصوم؛ لأن موجب النهي الانتهاء، والناسي يكون منتهيًا اعتقادًا
(11)
، [فأما موجب]
(12)
الأمر الائتمار، والتارك ناسيًا أو عامدًا لا يكون مؤتمرًا، ولأنه استصلاح للأكل، فكانت التسمية فيه ندبًا لا حتمًا كالطبخ والخبز، ثم فيما هو المقصود وهو الأكل التسمية
(13)
ندب، وليست بحتم، ففيما هو طريق إليه أولى.
(1)
زيادة من: (ع)، والصواب بدون الزيادة.
(2)
ينظر: المبسوط: 11/ 246.
(3)
ينظر: المصدر السابق: 11/ 238.
(4)
في (ع): «الأصغر» .
(5)
سورة الأنعام، من الآية:121.
(6)
زيادة من: (ع).
(7)
في (ع): «باللحوم» .
(8)
أخرجه البخاري في صحيحه: 7/ 92، كتاب الذبائح والصيد، باب ذبيحة الأعراب ونحوهم، رقم الحديث:5507.
(9)
زيادة من: (ع).
(10)
المزجورات: المنهي عنها.
(11)
لعلها في (ع): «إغفارًا» .
(12)
في (ع): «فالموجب» .
(13)
في (ع): «يسم» .
والدليل عليه: أنه تحل ذبائح اليهود والنصارى فلو كانت التسمية شرطًا لما حل ذبائحهم؛ لأنهم وإن ذكروا اسم الله تعالى، فإنما يريدون غير الله، وهو ما يعتقدونه معبودًا؛ لأن النصارى يقولون: المسيح ابن الله، ونحن نتبرأ من إلهٍ له ولدٌ.
قلت: أما حديث عائشة رضي الله عنها، فدليلنا: لأنها/ سألت عن الأكل عند وقوع الشك في التسمية، فذلك دليل على أنه كان معروفًا عندهم أن التسمية من شرائط الحل، وإنما أمرها بالأكل بناء على الظاهر أن المسلم لا يدع التسمية عمدًا، كمن يشترى لحمًا في سوق المسلمين يباح له التناول بناء على الظاهر [أن المسلم لا يدع التسمية عمدًا، كمن اشترى لحمًا في سوق المسلمين يباح له التناول بناء على الظاهر]
(1)
، وإن كان يتوهم أنه ذبيحة مجوسي، وما ذكره من الفرق بين المأمور والمزجور غير معتبر؛ لأن الأكل في الصلاة مزجور، ثم سوى فيه النسيان [والعمد، والجماع في الإحرام كذلك، ولكن متى اقترن بحالة ما يذكره؛ كهيئة المحرمين والمصلين، ولا يعذر بالنسيان]
(2)
، ومتى لم يقترن بحالة ما يذكره يعذر بالنسيان، كما في الصوم، وهاهنا لم يقترن بحالة ما يذكره، وقد يذبح الإنسان الطير، وقلبه مشغول بشغل آخر، فيترك التسمية ناسيًا، وعليه يحمل الحديث أنه ذابح على اسم الله تعالى إذا كان ناسيًا غير معرض بدليل أنه [ذكر]
(3)
في بعض الروايات، وإن تعمد لم يحل، وهذا لأن الملة إنما أقيمت مقام التسمية بالحديث، والحديث ورد فيمن ذبح وترك التسمية ناسيًا، فيقوم الملة مقامها في الناسي، وليس العامد بمنزلته، فلا يثبت حكم النص استدلالاً به، وإنما قلنا: إنه ليس بمنزلته؛ لأن المسلم يذبح على اسم الله تعالى، فإنه شرط، وقد اعتقده فإذا نسي لم يوجد منه قصد الترك، فبقيت الحالة الأصلية معتبرة له حكمًا، فأما إذا تعمد الترك والإعراض والرد فلم يمكن إبقاؤها مع تحقيق ما يردها منه حقيقة، كالضيف إذا قدم إليه طعام حَلَّ أكلُه بغير إذن لدلالة الحال.
ولو قيل له: لا تأكل؛ لا يحل له.
وحجتنا في ذلك: قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}
(4)
، ومطلق النهي يقتضي التحريم، وأكد ذلك بحرف (من) في موضع النهي للمبالغة، فيقتضي حرمة كل جزء منه.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
سورة الأنعام، من الآية:121.
ألا ترى أن من حلف فقال: والله لا آكل من هذا الطعام، فإنه يحنث بأقل القليل، ولو قال: هذا الطعام لا يحنث حتى يأكل الجملة.
والهاء في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}
(1)
إن كان كناية عن الأكل والفسق أكل الحرام، وإن كان كتابة [لعله: كناية] عن المذبوح، فالمذبوح الذي يسمى فسقًا في الشرع يكون حرامًا كما قال الله تعالى:{أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}
(2)
.
وفي الآية بيان أن الحرمة لعدم ذكر اسم الله تعالى؛ لأن التحريم يوصف دليل على أن ذلك الوصف هو الموجب للحرمة، كالميتة والموقوذة، وبهذا يتبين فساد حمل الآية على الميتة وذبائح المشركين، فإن الحرمة هناك ليست لعدم ذكر اسم الله تعالى، حتى أنه وإن ذكر اسم الله تعالى لم يحل، وشيء من المعنى يشهد على أن التسمية من شرائط الحل هو أن ذبيحة الكتابي تحل، وذبيحة المجوسي لا تحل، وليس بينهما فرق يعقل معناه بالرأي سوى أن من يدعي التوحيد يصح منه تسمية الله تعالى على الخلوص فيه
(3)
يتبين أن التسمية من شرائط الحل، وإنما أمرنا ببناء الحكم في حق أهل الكتاب على ما يظهرون دون ما يضمرون.
ألا ترى أن تسمية [غير]
(4)
الله تعالى على سبيل التعظيم موجبة للحرمة لقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}
(5)
[تعالى]
(6)
فلو اعتبرنا ما يضمرون لم تحل ذبيحتهم، ثم [إنما]
(7)
أمرنا بالتسمية عند الذبح مخالفة للمشركين؛ لأنهم كانوا يسمون آلهتهم عند الذبح ومخالفتهم واجبة علينا، فالتسمية عند الذبح علينا واجبة أيضًا.
بخلاف الطبخ والخبز، فإنهم ما كانوا يسمون عند ذلك، فالأمر بالتسمية عند ذلك ندب لذلك. هذا كله من «المبسوط»
(8)
و «الأسرار» وللسمع غير مجري على ظاهره. وهذا جواب عن قول مالك حيث يحتج بظاهر قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}
(9)
، ونقول: لا فصل
(10)
في النص فيجري
(11)
على ظاهره في اشتراط التسمية.
(1)
سورة الأنعام، من الآية:121.
(2)
سورة الأنعام، من الآية:145.
(3)
في (ع): «منه» .
(4)
ساقطة من: (ع).
(5)
سورة البقرة، من الآية:173.
(6)
ساقطة من: (ع).
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
ينظر: المبسوط: 11/ 238.
(9)
سورة الأنعام، من الآية:121.
(10)
في (ع): «فعل» .
(11)
في (ع): «فيجوز» .
إذ لو أريد به لجرت الحاجة، وظهر الانقياد، وارتفع الخلاف في الصدر الأول، يعني: أن ابن عمر رضي الله عنه احتج بهذا النص على عليٍّ وابن عباس
(1)
رضي الله عنهم، وهما ما رجعا إلى قوله بدلالة ظاهر هذا النص علم بهذا أن هذا النص غير مجري على ظاهره، إذ لو كان مجري
(2)
على ظاهره؛ لارتفع الخلاف [تسليطًا]
(3)
هذه الآية.
والدليل على ذلك عدم [ظهور]
(4)
الانقياد، والإقامة في حق الناسي، إلى آخره. جواب عن قول الشافعي أي: إقامة الملة مقام التسمية في حق الناسي لا في حق العامد لما أن الناسي معذور والعامد لا، والفرق بين المعذور وغير المعذور/ أصل في الشرع في الذبح وغير الذبح.
ألا ترى أن في اعتبار الذبح في المذبح يفصل بين المعذورين وغيره، وفي الأكل في الصوم تفصيل بين الناسي والعامد، وفي «المبسوط»
(5)
.
وذبيحة الأخرس حلال مسلمًا كان أو كتابيًّا؛ لأن عذره ليس
(6)
من غير الناسي، فإذا كان في حق الناسي تقام ملته مقام تسميته، ففي حق الأخرس أولى، ثم التسمية في ذكره «الاختيار»
(7)
شرط، وفي «التحفة»
(8)
ينبغي أن يريد بالتسمية التسمية على الذبيحة، أما لو أراد التسمية عند افتتاح العمل لا يحل؛ لأن المعذور
(9)
له في الأول، أي: في ذكاة الاختيار؛ فيشترط عند فعل يقتدر عليه، وهذا لأن التسمية تقترن بفعله، والقطع من فعله، وفي الاصطياد لعلة الإرسال والرمي، فذبح غيرها بتلك
(10)
التسمية لا يجوز؛ لأن التسمية كانت على الأول وأصاب غيره حلَّ؛ لأن التسمية هنا على الآلة، وهي لم يتبدل وذبح بأخرى -أي بشفرة أخرى- أكل؛ لأن التسمية [على الذبيحة لا على الآلة، والذبيحة لم تتبدل]
(11)
، وهذه ثلاث مسائل؛ ففي الأولى تكره الذبيحة من غير تحريم، وفي الثانية تحرم، وفي الثالثة حلال
(12)
.
(1)
في (ع): «عثمان» .
(2)
في (ع): «يجري» .
(3)
في (ع): «بسبب ظاهر» .
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
ينظر: المبسوط: 12/ 5.
(6)
في (ع): «أبين» .
(7)
هو: الاختيار لتعليل المختار، شرح لكتاب المختار، في فروع الحنفية، لأبي الفضل مجد الدين عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي (تـ 683 هـ). ينظر: كشف الظنون: 2/ 1622.
(8)
ينظر: البناية: 11/ 544.
(9)
في (ع): «المقدور» .
(10)
في (ع): «يمكن» .
(11)
ساقطة من: (ع).
(12)
ينظر: المحيط البرهاني: 6/ 80، البناية: 11/ 545.
ونظيره: أن يقول: باسم الله، محمد رسول الله إن قال بالرفع يحلُّ، وإن قال بالخفض لا يحل. هكذا ذكره في النوازل
(1)
، قال بعضهم: هذا إذا كان يعرف النحو، وقال بعضهم: على قياس ما روي عن محمد أنه لا يرى الخطأ في النحو مُعتبرًا في باب الصلاة ونحوها لا تحرم الذبيحة. كذا في «الذخيرة»
(2)
.
وذكر الإمام التمرتاشي
(3)
ذكر اسم الله تعالى واسم الرسول موصولاً لا بغير واو، فهذا على أوجه إما أن ينصب محمدًا أو يخفضه أو يرفعه، وفي كلها يحل؛ لأنه اسم الرسول غير مذكور على سبيل العطف فيكون مبتدئًا، لكن يكره لوجود الوصل صورة، وإن ذكر مع الواو وإن خفضه لا يحل؛ لأنه يصير دائمًا بهما، وإن رفعه يحل؛ لأنه كلام مبتدأ، وإن يصبه اختلفوا فيه.
وعلى هذا القياس لو ذكر اسم آخر مع اسم الله تعالى ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال بعد الذبح: «اللهم تقبل هذه من أمة محمد»
(4)
، وذكر في «المبسوط»
(5)
: ولا ينبغي أن يذكر مع اسم الله تعالى غيره إذا أراد أن يدعو فيقول: تقبل من فلان. ينبغي أن يقدم ذلك على فعل الذبح، أو يؤخره عنه، فأما مع الذبح فلا يذكر غير اسم الله تعالى، وهو تأويل الحديث أن النبي عليه السلام لما ضحى عن أمته قال:«هذا عمن شهد لي بالبلاغ إلى يوم القيامة»
(6)
إنما قال بعد الذبح لا معه؛ لأنه دعاء وسؤال، وذلك لأن الشرط تسمية الله تعالى على الخلوص عند الذبح، وما يكون من الدعاء ينبغي أن يكون قبل الذبح أو بعده، كما روي أن النبي عليه السلام كان إذا أراد أن يذبح أضحيته قال:«اللهم هذا منك ولك، صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين، باسم الله والله أكبر»
(7)
، ثم ذبح، وهكذا عن عليٍّ رضي الله عنه
(8)
، ولو قال: الحمد لله، أو سبحان الله يريد التسمية حَلَّ.
(1)
في (ع): «الموازن» .
(2)
ينظر: المحيط البرهاني: 6/ 81.
(3)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 288، 289.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه: 3/ 1557، كتاب الأضاحي، باب استحباب الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل، والتسمية والتكبير، رقم الحديث:1967.
(5)
ينظر: المبسوط: 11/ 228.
(6)
ورد الحديث عن عدد من الصحابة، ومنه حديث جابر بن عبد الله، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بكبشين أملحين أقرنين عظيمين موجوءين، فأضجع أحدهما، وقال:«باسم الله، والله أكبر، اللهم عن محمد، وآل محمد» ، ثم أضجع الآخر، وقال:«باسم الله، والله أكبر، اللهم عن محمد، وأمته من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ» . أخرجه البيهقي في «الكبرى» : 9/ 268، كتاب الذبائح، باب الرجل يضحي عن نفسه وأهل بيته، وأخرجه أبو يعلى في مسنده: 3/ 327، برقم:1792.
قال الألباني: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال مسلم، غير ابن عقيل، وفيه كلام لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن. ينظر: إرواء الغليل: 4/ 351.
(7)
أخرجه أبو داود في سننه: 3/ 95، كتاب الضحايا، باب ما يستحب من الضحايا، رقم الحديث:2795. وأخرجه ابن ماجه في سننه: 2/ 1043، كتاب الأضاحي، باب أضاحي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث: 3121. وقال الألباني: ضعيف. ينظر: في صحيح وضعيف سنن أبي داود، رقم الحديث:2795.
(8)
يشير إلى الحديث الموقوف عن علي بن أبي طالب: صلى عليٌّ رضي الله عنه العيدَ في الجبانة، ثم استقبل القبلة بكبشين، ثم قال:«وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، باسم الله، والله أكبر، ثم ذبحهما وقال: اللهم منك ولك، اللهم تقبل» . أخرجه الطبراني في «الدعاء» : 1/ 1246، باب القول عند نحر الأضحية، برقم:950.
فعلى هذا يفرق أبو يوسف بين هذا وبين التكبير فيقول: المأمور به هاهنا الذكر؛ قال الله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}
(1)
، وهناك المأمور به التكبير، وبهذه الألفاظ لا يكون مكبرًا فلا يصير شارعًا في الصلاة إذا كان يحسن التكبير. كل هذا في ذبائح «المبسوط»
(2)
.
ولو عطس عند الذبح فقال: الحمد لله لا يحل.
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين الخطبة يوم الجمعة، على قول أبي حنيفة فإنه إذا عطس الخطيب فقال: الحمد لله. أنه يجوز أن يُصلي الجمعة بذلك القدر في إحدى الروايتين. ذكره في ذبائح «المبسوط»
(3)
.
قلت: ذكر جوابه هناك أيضًا فقال: إن المأمور به هناك ذكر الله تعالى مطلقًا بقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}
(4)
، وهاهنا المأمور به ذكر الله تعالى على الذبح وبمعرفة حدود كلام الشرع يحسن الفقه باسم الله والله أكبر، فيقول عن ابن عباس رضي الله عنه
(5)
.
وذكر في ذبائح «الذخيرة» قال البقالي
(6)
: والمستحب أن يقول: باسم الله والله أكبر، ثم قال: وذكر شمس الأئمة الحلواني المستحب أن يقول: باسم الله الله أكبر، بدون الواو، وقال: ومع الواو ويكره؛ لأنه يقطع قول التسمية
(7)
.
(1)
سورة الحج، من الآية:36.
(2)
ينظر: المبسوط: 12/ 4.
(3)
ينظر: المبسوط: 12/ 4.
(4)
سورة الجمعة، من الآية:9.
(5)
صحيح، يشير إلى حديث ابن عباس، أنه كان يقرأ هذا الحرف {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} ، ويقول:«معقولة على ثلاث، يقول: باسم الله، والله أكبر، اللهم منك ولك. قال: فسئل عن جلودها؟ فقال: يتصدق بها أو ينتفع بها» . أخرجه البيهقي في «الصغرى» : 4/ 445، كتاب المناسك، باب نحر البدنة قائمة معقولة على ثلاث، برقم: 1767، وقال عنه ابن حجر العسقلاني: رجاله ثقات. ينظر: الدراية: 2/ 206.
(6)
هو محمد بن أبي القاسم بن بايجوك البقالي الخوارزمي الآدمي النحوي، أبو الفضل، فقيه حنفي، الملقب زين المشايخ، قال ياقوت: كان إمامًا في الأدب، وحجة في لسان العرب، أخذ اللغة والإعراب عن الزمخشري وجلس بعده مكانه، وسمع الحديث منه ومن غيره، وله من التصانيف:«مفتاح التنزيل» ، و «الإعجاب في الإعراب» ، و «شرح أسماء الله تعالى» ، وغير ذلك، مات سنة 562 هـ. ينظر: طبقات المفسرين: ص 102، بغية الوعاة: 1/ 215، الأعلام للزركلي: 6/ 335.
(7)
ينظر: البناية: 11/ 549، وتبيين الحقائق: 5/ 289.
كيفية الذبح
(والذبح بين الحلق واللبة)، الحلق فأي كلو
(1)
، واللبة: المنحر من الصدر، وفي «المبسوط» الذكاة: ما بين اللبة واللحيين
(2)
. وهكذا لفظ الحديث رواه ابن المسيب والمراد: بيان محل الذكاة/ عند الاختيار.
وفيه دليل على أن أعلى الحلق وأوسطه وأسفله في ذلك سواء؛ لأن الكل في المعنى المطلوب في الذكاة سواء. كذا في صيد «المبسوط»
(3)
.
وقال في «الجامع الصغير»
(4)
لا بأس بالذبح في الحلق كله وسطه وأعلاه وأسفله.
وإنما أعاد لفظ «الجامع الصغير» ؛ لأن بين روايتي «المبسوط» و «الجامع الصغير» اختلافًا من حيث الظاهر؛ لأن رواية المبسوط تقتضي الحل فيما إذا وقع الذبح فوق الحلق قبل العقدة؛ لأنه وإن كان قبل العقدة فهو بين اللبة واللحيين فيحل.
ورواية «الجامع الصغير» تقتضي أن لا يحل؛ لأن على روايته محل الذبح الحلق، فلما وقع الذبح قبل العقدة، ولم يكن الحلق محل الذبح فلا يجوز، فكانت رواية الجامع الصغير مقيدة لإطلاق رواية «المبسوط» فكان المراد من إطلاق رواية «المبسوط» بأن الذكاة ما بين اللبة واللحيين المقيد هو أن تقع المذكورة في الحلق بعد أن يكون ما بين اللبة واللحيين
(5)
.
وقد صرح في ذبائح «الذخيرة» بأن الذبح إذا وقع أعلى من الحلقوم لا يحل، فقال: وفي «فتاوى أهل سمرقند» : قصاب ذبح الشاة في ليلة مظلمة فقطع أعلى من الحلقوم أو أسفل منه يحرم أكلها؛ لأنه ذبح في غير المذبح وهو الحلقوم
(6)
.
ولكن ما ذكر من رواية الإمام الرستغني
(7)
يخالف هذه الرواية حيث قال: سئل عمن ذبح شاة فبقيت عقدة الحلقوم مما يلي الصدر، وكان يجب أن يبقى مما يلي الرأس أيؤكل أم لا؟ قال: هذا قول العوام من الناس، وليس هو بمعتبر، ويجوز أكلها سواء بقيت العقدة مما يلي الرأس أو مما يلي الصدر؛ لأن المعتبر عندنا قطع أكثر الأوداج، وقد وجدت وشيخي كان يفتي بهذه الرواية فكان يقول
(8)
: والإمام الرستغني هذا إمام معتمد في القول والعمل، فلو أخذنا يوم القيامة بسبب العمل بهذه الرواية نحن نأخذه أيضًا كما أخذنا، والله أعلم.
(1)
كلمة غير واضحة.
(2)
ينظر: المبسوط: 11/ 228.
(3)
ينظر: المصدر السابق: 11/ 228.
(4)
ينظر: العناية: 9/ 492، البناية: 11/ 549، 550.
(5)
ينظر: المبسوط: 11/ 228.
(6)
ينظر: البناية: 11/ 550.
(7)
هو علي بن سعيد، أبو الحسن الرستغني، من كبار مشايخ سمرقند، له: كتاب «إرشاد المهتدي» ، وكتاب «الزوايد والفوائد» فى أنواع العلوم، وهو من أصحاب الماتريدي الكبار، له ذكر في الفقه والأصول في كتب الأصحاب. ينظر: الجواهر المضية: 1/ 362، 363، تاج التراجم: ص 205، الأعلام للزركلي: 4/ 291.
(8)
ينظر: حاشية ابن عابدين: 6/ 294.
وهي
(1)
اسم جمع، وأقله الثلاث.
فإن قلت: هذا تمسك على خلاف رواية الأصول في النفي والإثبات، فإن الجمع المحلى بالألف واللام حكمه حكم المفرد، ولا يبقى له حكم الجمع كما في قوله تعالى:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}
(2)
، وفي قول من قال: لا أشتري العبيد، وكذلك في الإثبات نحو قوله عليه السلام بشهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال إليه فقال في الشهادات من الكتاب
(3)
، والجمع المحلى باللام يراد به الجنس فيتناول الأقل، وهو شهادة امرأة واحدة.
قلت: نعم كذلك إلا أنه قد يراد به الجمع على حقيقته أيضًا، كما في قول المرأة لزوجها: اجعلني على ما في يدي من الدراهم ينصرف إلى الثلاث، وكذلك في الإقرار والوصفة بهذه الصيغة على ما ذكرنا، ثم لما كان الأمر كذلك أعني أنه يراد به الجمع مرة ويراد الأقل، وهو الواحد مرة حمل هاهنا على الجمع عملاً بالاحتياط في موضع الحرمة، وفي موضع النفي من اليمين وغيره الاحتياط في العمل بالأقل.
وكذلك في شهادة النساء في الموضع الذي لا يستطيع الرجال النظر إليه للاحتياط في قلة النظر، فحمل على الأول لذلك، وأما هاهنا فالاحتياط في العمل بالجمع، ولأن هذا الجمع وهذا الأوداج على طريق التغليب للحلقوم والمريء والودجين لم يكن نظر سائر المجموع من العبيد والنساء، لما أن إفرادها ليست بمتحدة، فكان كل واحد منهما مرادًا عند دخول الألف واللام أيضًا بخلاف سائر الجموع.
والمشهور في كتب أصحابنا: أن هذا قول أبي يوسف وحده، يعني: لا قول محمد معه كما ذكره القدوري؛ لأنه ذكر في «المبسوط» : ثم تمام الذكاة بقطع الحلقوم والمريء والودجين، فإن قطع الأكثر من ذلك، فذلك كقطع الجميع في الحل؛ لحصول المقصود بالأكثر من ذلك
(4)
.
واختلفت الروايات في تفسير ذلك.
فروى الحسنُ عن أبي حنيفة رحمه الله
(5)
- أنه إذا قطع ثلثًا
(6)
منها، [أي ثلاث كان؛ فقد قطع الأكثر.
وعن محمد قال: إن قطع الأكثر من كل واحدة منها]
(7)
فذلك يقوم مقام قطع الجميع، فأما بدون ذلك يتوهم البقاء فلا تتم الذكاة.
وعن أبي يوسف قال: إن قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين حلَّ فشرط ثلاثة، منها
(8)
الحلقوم والمريء؛ لأن الحلقوم مجرى العلف، والمريء مجرى النفس، والودجين مجرى الدم، فبقطع أحد الودجين يحصل/ ما هو المقصود من تسييل الدم، فأما قطع مجرى العلف ومجرى النفس فلابد منه، ولا يقوم غيره مقامه في ذلك.
(1)
كلمة غير واضحة.
(2)
سورة الأحزاب، من الآية:52.
(3)
ينظر: مجمع الأنهر: 2/ 187.
(4)
ينظر: المبسوط: 12/ 2.
(5)
في (ع): «رحمهما الله» .
(6)
في (ع): «ثلاثًا» .
(7)
ساقطة من: (ع).
(8)
في (ع): «فمنها» .
فالشافعي يقول
(1)
: إذا قطع الحلقوم والمريء حل، وإن لم يقطع الودجين؛ لأنه لا بقاء بعد قطع الحلقوم والمريء، لكن هذا فاسد؛ لأن المقصود تسييل الدم المتنجس
(2)
، وبدون حصول المقصود لا يثبت الحل.
وقوله: (أما الحلقوم يخالف المريء، فإنه مجرى العلف والماء، والمريء مجرى النفس)، قيل: هذا عكس، بل الحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى العلف. وهكذا في «الإيضاح»
(3)
، وذكر في «المغرب»: المريء مجرى الطعام والشراب
(4)
، وذكر في «تاج الأسامي
(5)
»: المريء مِرآة كذراب، ولما كان المريء هكذا كان الحلقوم متعينًا لغيره، وهو النفس
(6)
.
وقوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ}
(7)
يؤيد ما ذكره في «الإيضاح»
(8)
.
يقال: وجأه توجئه، أي: عجله، والتوجيه: تفعيل من الوجى بالقصر والمد، وهو السرعة، ومنه موت وجي، وذكاة وجية، أي: سريعة، ووجى الذبيحة إذا ذبحها ذبحًا وجيًا
(9)
.
ولا يقال: أوجى.
بخلاف ما إذا قطع النصف، أي: نصف الأربعة، وهو الإتيان من هذه العروق حيث لا يحل أكله، وهو متعلق بقوله: فيكتفى به؛ لأن الأكثر باق، أي: أكثر المرخص، وهو الثلاث باق، [فإن]
(10)
الاثنين لما كانا باقيين كان أكثر المرخص باقيًا فلا يجوز أكله.
أو نقول: لما كان الرجحان لجانب التحريم كان للنص
(11)
الباقي حكم الأكثر. كذا وجدت بخط شيخي
(12)
.
(كل ما أنهر الدم وأفرى الأوداج)، قال أبو عبيدة [صوابه]
(13)
كل ما أفرى الأوداج غير مترد، والمعنى: كل شيء أفرى الأوداج من عود أو ليطة أو حجر، فهو ذكي غير مشرد، والشريد: أن يذبح بشيء لا حد له، فلا يتميز الدم. كذا وجدت بخط الإمام الزرنوخي، ولكن المسموع بالتخفيف بصيغة الأمر، والدليل على هذا حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه[به قال]
(14)
: أرأيت يا رسول الله، إن صاد أحدنا صيدًا، وليس معه سكين، فذبحه بشق عصا أو بالمروة؛ أيحل ذلك؟ فقال:«أنهر الدم بما شئت»
(15)
. كذا في «المبسوط»
(16)
.
(1)
ينظر: الأم: 2/ 251، المبسوط: 12/ 3.
(2)
في (ع): «النجس» .
(3)
ينظر: العناية: 9/ 494، البناية: 11/ 556.
(4)
ينظر: المغرب: ص 439.
(5)
هو: تهذيب الأسماء واللغات، للإمام محيي الدين يحيى بن شرف النووي (تـ 676 هـ)، وهو كتاب مفيد مشهور، جمع فيه الألفاظ الموجودة في مختصر المزني، والمهذب، والوسيط، والتنبيه، والوجيز، والروضة. وقال: إن هذه الست تجمع ما يحتاج إليه من اللغات، ورتب على قسمين: الأول: في الأسماء، والثاني: في اللغات. ينظر: كشف الظنون: 1/ 514.
(6)
ينظر: تهذيب الأسماء واللغات: 3/ 69، والذَّرِب: الحادُّ من كل شيء، ينظر: الصحاح (ذرب) 1/ 127.
(7)
سورة الواقعة، الآية:83.
(8)
ينظر: البناية: 11/ 556.
(9)
ينظر: المغرب: ص 479.
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
في (ع): «للنصف» .
(12)
ينظر: العناية: 9/ 495، البناية: 11/ 557.
(13)
في (ع): «هو أنه» .
(14)
ساقطة من: (ع).
(15)
أخرجه البخاري في صحيحه: 7/ 92، كتاب الذبائح والصيد، باب لا يذكى بالسن والعظم والظفر، رقم الحديث: 5506، ونصه: عن رافع بن خديج، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل - يعني - ما أنهر الدم، إلا السن والظفر» . وأخرجه مسلم في صحيحه: 3/ 1558، كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن، والظفر وسائر العظام، رقم الحديث:1968.
(16)
ينظر: المبسوط: 12/ 2.
ومعنى قوله: (كل ما أنهر الدم) أي: كل ما تحقق في حقه إنهار الدم وإفراء الأوداج، وذكر في «المغرب»
(1)
.
والفرق بين الإفراء والفرى
(2)
: أن الإفراء قطع للإفساد وشق، كما يفري الذابح والسبع، والفرى: قطع للإصلاح، كما يفري الجزار الأديم، وقد جاء بمعنى أفرى أيضًا إلا أنه لم يُسمع به في الحديث.
بخلاف [غير المنزوع]
(3)
؛ لأنه [قطع وتخفيف]
(4)
، وليس بذبح، ففي الذبح الانقطاع بحدة الآلة.
مستحبات الذبح
ولأن آلة الذبح غير الذابح وسنه وظفره منه.
وقد أمرنا فيه بالإحسان وهو فيما قاله النبي عليه السلام: «فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة» ، الحديث
(5)
، هذا كله من «المبسوط»
(6)
.
ليطة القصب: قشره، لما بينا أراد به قوله:(لأنه يقتل بالثقل) فيكون في معنى المنخنقة.
ويستحب أن يحد الذابح شفرته، وفي «الإيضاح»
(7)
: وإذا كانت الآلة كليلة وهي تقطع، فإنه يُكره؛ لأن النبي عليه السلام أمر بذلك فقال:«وليحد أحدكم شفرته؛ لقد أردت أن تميتها موتات، هلا حددتها قبل أن تضجعها!»
(8)
.
فإن قلت: إماتتها بموتات إنما يكون عند إحداد الشفرة إذا علم المقصود بالذبح، فإنه إنما يحد الشفرة للذبح، فالشاة أو البقرة فيما نحن فيه لا تعلم أنه يذبحها؛ لأنه لا عقل لها، فكيف يكون هذا موتات؟
قلت: نعم كذلك إلا أنه ذكر في «المبسوط» في هذه المسألة: أنها تعرف ما يراد بها، كما جاء في الخبر:«أبهمت البهائم إلا عن أربعة: خالقها، ورازقها، وحتفها، وسفادها»
(9)
، فإذا كانت تعرف ذلك، وهو يحد الشفرة بين يديها كان فيه زيادة إيلام غير محتاج إليه.
النخاع: خيط أبيض في جوف عظم الرقبة يمتد إلى الصلب، والفتح والضم لغة في الكسر
(10)
.
(1)
ينظر: المغرب: ص 360.
(2)
ينظر: المصدر السابق: ص 360.
(3)
في (ع): «خبر المشرد» .
(4)
في (ع): «قتل، وعسف» .
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه: 3/ 1548، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة، رقم الحديث:1955.
(6)
ينظر: المبسوط: 12/ 2.
(7)
ينظر: تحفة الفقهاء: 3/ 70.
(8)
أخرجه الحاكم في مستدركه: 4/ 260، كتاب الذبائح، رقم الحديث:7570. وقال الألباني: صحيح. ينظر: غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام: ص 41.
(9)
لم أجده في كتب السنة، وله ذكر في كتب الفقه، ينظر: المبسوط: 11/ 227.
(10)
ينظر: المغرب: ص 459.
ومن قال: هو عرق، فقد سها، إنما ذلك البخاع
(1)
بالباء يكون في الفقار، ومنه بخع الشاة: إذا بلغ بالذبح ذلك الموضع، فالنخع أبلغ من البخع، والنخاع بالفارسية:(مغريشت مهره) نهى عن أن تبخع الشاة البخع نخاع، (بديدن وركشتن).
ويكره؛ لأن فيه زيادة الألم من غير حاجة.
وكذلك لو ضربها بسيف فأبان رأسها حلَّت، ويكره.
وكذلك [إن]
(2)
[أردت]
(3)
ذبحها متوجهة لغير القبلة حلت، ولكن يكره ذلك؛ لأن السنة في الذبح استقبال القبلة. هكذا روى ابن عمر رضي الله عنهما أن/ النبي عليه السلام استقبل بأضحيته القبلة لما أراد ذبحها، كذا في «المبسوط»
(4)
.
(على ما مرّ، أي: في أول الذبائح) وهو قوله: (والثاني كالبدل من الأول) إلى آخره
(5)
.
(وكذا ما تردى) أي: فذكاته العقر والجرح أيضًا، لما بيَّنَّا وهو قوله:(لأن ذكاة الاضطرار إنما يصار إليه عند العجز)، وهذا الذي ذكره فيما إذا علم أن المتردي مات من عقره وجرحه في «الذخيرة»
(6)
بغير ردْي في بئر موجأة وجأة يعلم أنه لا يموت منها فمات لا يؤكل، وإن كان مشكلاً أُكِلَ.
وفي النوادر
(7)
: دجاجة رجل تعلقت بشجرة لا يصل إليها صاحبها فرماها! قال: إن كان يخاف موتها تؤكل، وإن كان لا يخاف موتها لا تؤكل.
وفي النوادر
(8)
: بقرة تعسرت عليها الولادة، فأدخل صاحبها يده، وذبح الولد حل أكله، وإن جرحه في غير موضع الذبح إن كان لا يقدر على مذبحه يحل أيضًا، وإن كان يقدر لا يحل في الوجهين، وهما المتوحش والمتردي.
وفي الكتاب، أي: القدوري
(9)
: والمنحر
(10)
في الإبل [النحر]
(11)
، وهو قطع العروق في أسفل العنق عند الصدر. والذبح: قطع العروق في أعلى العنق تحت اللحيين
(12)
.
وذكر في «المبسوط»
(13)
: وإن نحر البقرة حلت، ويكره ذلك لما أن السنة في البقرة الذبح؛ قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}
(14)
.
(1)
ينظر: المصدر السابق: ص 459.
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
ينظر: المبسوط: 12/ 3.
(5)
ينظر: البناية: 11/ 527.
(6)
ينظر: الفتاوى الهندية: 5/ 291، المحيط البرهاني: 6/ 73.
(7)
ينظر: البناية: 11/ 568.
(8)
ينظر: المصدر السابق: 11/ 568.
(9)
ينظر: تبيين الحقائق: 5/ 293.
(10)
في (ع): «والمستحب» .
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
ينظر: التعريفات الفقهية: ص 226، القاموس الفقهي:349.
(13)
ينظر: المبسوط: 12/ 3.
(14)
سورة البقرة، من الآية:67.
بخلاف الإبل فالسنة فيها النحر، وهذا لأن موضع النحر من البعير لا لحم عليه
(1)
، وما سوى ذلك من حلقه عليه لحم غليظ، فكان النحر في الإبل أسهل، وأما في البقر فأسفل الحلق وأعلاه [سواء]
(2)
في اللحم عليه سواء، كما في الغنم، فالذبح فيه أيسر، والمقصود به: تسييل الدم، والعروق من أسفل الحلق إلى أعلاه، فالمقصود به يحصل بالقطع في أي موضع كان منه، فلهذا حل.
(وهي بمعنى في غيره) أي: الكراهة لمعنى في غير الذبح، وهو ترك السنة.
(أشعر الجنين) أي
(3)
: نبت شعره، مثل أعشب المكان.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
(4)
: إذا تم خلقه أكل.
وفي «الذخيرة» محالاً إلى «المنتقى» قال محمد في الجنين إذا لم يتم خلقه
(5)
: لا يؤكل، وإن تم أكل؛ أشعر أو لم يشعر.
وفي النوازل: رجل له شاة حامل، فأراد ذبحها إن تقاربت الولادة
(6)
يكره ذبحها؛ لأن فيه تضييعًا لما في بطنها من غير فائدة، وهذا التفريع إنما يتأتى على قول أبي حنيفة
(7)
.
وفيه أيضًا الجنين إذا خرج حيًّا ولم يكن من
(8)
الوقت مقدار ما يقدر على ذبحه، فمات يؤكل، وهذا التفريع على قول أبي يوسف ومحمد لا على قول أبي حنيفة
(9)
(10)
.
وفي «المبسوط»
(11)
: وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي [رحمهما الله]
(12)
: يؤكل إلا أنه روي عن محمد قال: إنما يؤكل الجنين إذا أشعر وتمت خلقته، فأما قبل ذلك فهو بمنزلة المضغة فلا يؤكل.
واحتجوا بقوله تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا}
(13)
، وقيل: الفرش الصغار
(14)
من الأجنة. والحمولة: الكبار، فقد منَّ الله تعالى على عباده بإباحة أكل ذلك لهم، وفي المشهور أن النبي عليه السلام قال:«ذكاة الجنين ذكاة أمه»
(15)
، معناه: ذكاة الأم نائبة عن ذكاة الجنين، كما يقال: لسان الوزير [لسان الأمير]
(16)
، وبيع الوصي بيع اليتيم، فالجرح في الأم ذكاة له عند العجز عن ذكاته، كما في الصيد، يعني: أن الذكاة تنبني على الوسع حتى يكون في الأهل بالذبح في المذبح، فإذا ند فبالجرح في أي موضع أصابه
(17)
؛ لأن ذلك وسع مثله، والذي في وسعه في الجنين ذبح الأم؛ لأنه ما دام مجنيًا في البطن لا يتأتى فيه فعل الذبح مقصودًا، وبعد الإخراج لا يبقى حيًّا، فيجعل ذكاة الأم ذكاة له؛ لأن تأثير ذبح الأم في زهوق الحياة عن الجنين فوق تأثير الجرح يحل رجل الصيد، والغالب هناك السلامة، وهاهنا الهلاك، ثم اكتفى بذلك الفعل هناك؛ لأنه وسع مثله فهاهنا أولى.
(1)
في (ع): «له» .
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
ينظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: 6/ 3488، الصحاح: 2/ 699.
(4)
ينظر: الهداية: 4/ 67.
(5)
ينظر: المحيط البرهاني: 6/ 75، 76.
(6)
في (ع): «المدة» .
(7)
ينظر: المحيط البرهاني: 6/ 76.
(8)
في (ع): «في» .
(9)
في (ع): «رحمهم الله» .
(10)
ينظر: المحيط البرهاني: 6/ 75.
(11)
ينظر: المبسوط: 12/ 6.
(12)
ساقطة من: (ع).
(13)
سورة الأنعام، من الآية:142.
(14)
في (ع): «الأصغر» .
(15)
: صحيح أخرجه أبي داود في سننه: 3/ 103، كتاب الضحايا، باب ما جاء في ذكاة الجنين، رقم الحديث:2828. وأخرجه الترمذي في سننه: 4/ 72، كتاب أبواب الأطعمة، باب ما جاء في ذكاة الجنين، رقم الحديث: 1476. وقال الألباني: صحيح. ينظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته: 1/ 645، وقال الألباني أيضًا: صحيح. ينظر: إرواء الغليل: 8/ 172.
(16)
زيادة من: (ع).
(17)
ندَّ: نفر وانفرد، ينظر: العين (ندَّ) 8/ 10.
فلا يجعل تبعًا في حقه، أي: فلا يجعل الجنين تبعًا لأمه في حق خروج
(1)
الدم [بجرح الأم]
(2)
.
بخلاف الجرح في الصيد، يعني: أنه إذا رمى إلى صيد فجرحه حيث يحل تناوله، وإن لم يحصل الفصل بين الطاهر والنجس على التمام؛ لأن ثمة أصل الجرح قد وجد، وهو في الجملة سبب الانفصال لكل الرطوبات، فأقيم السبب مقام المسبب عند العجز، وهاهنا أصل سبب الحل وهو الجرح لم يوجد في حق الجنين فافترقا.
وحقيقة المعنى فيه: ما بينا أن المطلوب من الذكاة تسييل الدم بتمييز الطاهر من النجس، وبذبح الأم لا يحصل هذا المقصود/ في الجنين، وهو الجواب عما قالوا: إن الذكاة تنبني على الوسع.
قلنا: نعم، ولكن لا يسقط بالعذر، كما لو قتل الكلب الصيد غمًّا أو خنقًا، وهذا لأن المقصود لا يحصل بدون الجرح.
والمراد بالحديث التشبيه لا النيابة، أي: ذكاة الجنين كذكاة أمه.
ألا ترى أنه ذكر الجنين أولاً، ولو كان المراد النيابة لذكر النائب أولاً دون المنوب عنه، كما في الألفاظ التي استشهد بها، ومثل هذا يذكر للتشبيه، يقال: مشية فلان مشية أبيه، وخط فلان خط أبيه، وقال القائل
(3)
:
وعيناك عيناها وجيدك جيدها
…
سوى أن عظم الساق منك دقيق
والمراد: التشبيه.
فإن قلت: ما جواب [أبي]
(4)
حنيفة عن الآية التي [تمسكوا]
(5)
بها، وهي
(6)
قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا}
(7)
على ما ذكرنا
(8)
.
وعن الحديث وهو ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن قومًا سألوا رسول الله، وقالوا: إنا لننحر الجزور فيخرج من بطنها
(9)
جنين
(10)
ميت؛ أفنلقيه أم نأكله؟ فقال [عليه السلام]
(11)
: «كلوه؛ فإن ذكاة الجنين ذكاة أمه»
(12)
.
وعن الدليل الواضح لهم، وهو أنه يحل ذبح الشاة الحامل ولو لم يحل الجنين بذبح الأم لما حل ذبحها حاملاً؛ لما فيه من إتلاف الحيوان لا لأكله
(13)
، ونهى رسول الله عليه السلام عن ذلك
(14)
.
(1)
في (ع): «خرج» .
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
ينظر: ديوان مجنون ليلى: ص 84، تاج العروس: 25/ 470.
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
مطموسة في (ع).
(6)
في (ع): «وهو» .
(7)
سورة الأنعام، من الآية:142.
(8)
في (ع): «ذكر» .
(9)
في (ع): «بطونها» .
(10)
في (ع): «الجنين» .
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
سبق تخريجه، ينظر: ص 400.
(13)
في (ع): «لمأكلة» .
(14)
أقر النبي صلى الله عليه وسلم ذبح الشاة وهي حامل، كما في حديث أبي سعيد، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنين فقال: «كلوه إن شئتم» . وقال مسدد: قلنا: يا رسول الله، ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ قال:«كلوه إن شئتم؛ فإن ذكاته ذكاة أمه» . أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 320، كتاب الضحايا، باب ما جاء في ذكاة الجنين، برقم: 2827، وابن ماجه في سننه: 1/ 1067، كتاب الذبائح، باب ذكاة الجنين ذكاة أمه، برقم:3199. قال الألباني: صحيح. ينظر: صحيح ابن ماجه: 2/ 212.
قلت: فجواب أبي حنيفة عن الآية هو أن المراد بالفرش: الصغار، فلا يتناول الجنين، ولئن كان المراد به الجنين ففيه بيان أن الجنين مأكول، وبه نقول، ولكن عند وجود الشرط فيه، وهو أن ينفصل حيًّا فيذبح فيحل به.
ونعارضهم أيضًا بآية أخرى، وهي قوله تعالى:{وَالْمُنْخَنِقَةُ} »
(1)
، فإن أحسن أحواله أن يكون حيًّا عند ذبح الأم، فيموت باحتباس نفسه، وهذا هو المنخنقة.
وبحديث آخر: وهو ما قال عليه السلام لعدي بن حاتم: «إذا وقعت [لأرميتك]
(2)
في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري أن الماء قتله أم سهمك»
(3)
، فقد حرم الأكل عند وقوع الشك في سبب زهوق الروح، وذلك موجود في الجنين، فإنه لا يدري أنه مات بذبح أمه، أو باحتباس نفسه.
ومعارضتهم بالدليل المعقول ما ذكر
(4)
في الكتاب.
وأما جواب أبي حنيفة عن الحديث الذي ذكروا مع القصة، فقال: إنه لا يكاد يصح، ولو ثبت فالمراد من قولهم: فيخرج من بطنها جنين ميت، أي: مشرف على الموت؛ قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}
(5)
، ومعنى قوله:«كلوه» ، أي: اذبحوه وكلوه.
وأما قولهم: إنه يحل ذبح الشاة الحامل ولو لم يحل الجنين بذبح الأم لما حل ذبحها حاملاً.
قلنا: إباحة ذبح الحامل؛ لأنه يتوهم أن ينفصل الجنين حيًّا فيذبح، أو لأن المقصود لحم الأم، وذبح الحيوان لغرض صحيح حلال، كما لو ذبح ما ليس بمأكول لمقصود الجلد. هذا كله من «المبسوط»
(6)
، والله أعلم.
* * *
فصل فيما يحل أكله وفيما لا يحل
شرط حل الذبيحة
لما ذكر أحكام الذبائح وما يتعلق بها ذكر في هذا الفصل تفصيل المأكول من غير المأكول، إذ المقصود الأصلي من شرعية الذبح هو التوسل إلى الأكل، وقدم الذبائح؛ لأنه ذكر في «المبسوط»
(7)
أن شرط حل التناول فيما يحل من الحيوانات الذكاة؛ لقوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}
(8)
، فالشرط مقدم على المشروط.
(1)
سورة المائدة، من الآية:3.
(2)
ساقطة من: (ع).
(3)
صحيح، أخرجه الدارقطني في سننه: 5/ 532، كتاب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك، رقم الحديث: 4799، ونصه: عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيد، قال:«إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتل فكله إلا أن تجده قد وقع في ماء فمات، فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك؟» . وقال الألباني: صحيح. ينظر: غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام: ص 51.
(4)
في (ع): «ذكره» .
(5)
سورة الزمر، من الآية:30.
(6)
ينظر: المبسوط: 12/ 7.
(7)
ينظر: المبسوط: 11/ 221.
(8)
سورة المائدة، من الآية:3.
[المخلب]
(1)
للطائر كالظفر للإنسان.
والمراد به: مخلب هو سلاح، وهو مفعل من الخلب، وهو مزق الجلد بالناب وانتزاعه قيل: وهذا التركيب يدل على الإحالة
(2)
؛ لأن الطائر يخلب [به]
(3)
الشيء إلى نفسه، ومنه الخلابة، وهي الخداع، وهو من باب طلب وضرب
(4)
.
الناب
(5)
جهاد يدان
(6)
[مشتركة]
(7)
. [كذا]
(8)
في «تاج الأسامي» الألف منقلبة من الياء بدليل أن جمعه أنياب، وهو
(9)
من الأسنان مما يلي الرَّباعِيَات، فيتناول سباع الطيور والبهائم، أما الطيور فهي كالصقر والبازي والنسر والعقاب والشاهين.
وأما سباع البهائم فكالأسد والذئب والنمر [والفهد]
(10)
والثعلب والضبع والكلب والسنور البري والأهلي. كذا في «الإيضاح»
(11)
: والسبع: كل مختطف منتهب جارح قاتل عادٍ عادةً، وإنما عدَّ هذه الأوصاف ليبني عليها قوله: كيلا يعد [وشيء]
(12)
ومن
(13)
هذه الأوصاف الذميمة إليهم، ثم الفرق بين الاختطافة والانتهاب هو أن الاختطاف من فعل الطيور، والانتهاب من فعل السباع غير الطيور؛ لأنه ذكر في «المبسوط»
(14)
، والمراد بذي الخطفة: ما يختطف بمخلبه من الهواء؛ كالبازي، والعقاب ومن
(15)
ذي النهبة: ما ينتهب بنابه من الأرض؛ كالأسد والذئب، فلما كان اسم السبع شاملاً على القبيلتين/ فسَّر السبع بهذين الوصفين كيلا يعد وشيء من هذه الأوصاف الذميمة إليهم بالأكل لما أن العداء من الأثر في ذلك كما في قوله عليه السلام:«لا ترضع لكم الحمقاء؛ فإن اللبن يعدي»
(16)
.
والمستخبث حرام؛ لقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}
(17)
، ولهذا حرم تناول الحشرات؛ لأنها مستخبثة طبعًا، وإنما أبيح لنا أكل الطيبات؛ قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}
(18)
؛ فقد أكرم المؤمنين بهذا الخطاب حيث خاطبهم بما خاطب به المرسلين حيث قال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}
(19)
.
(1)
ساقطة من: (ع).
(2)
في (ع): «الإمالة» .
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
ينظر: المغرب: ص 150.
(5)
لعلها في (ع): «السامة» .
(6)
في (ع): «يدار» .
(7)
في (ع): «بسر له» .
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
في (ع): «وهي» .
(10)
ساقطة من: (ع).
(11)
ينظر: البناية: 11/ 577.
(12)
زيادة من: (ع).
(13)
في (ع): «من» .
(14)
ينظر: المبسوط: 11/ 225.
(15)
في (ع): «من» .
(16)
أخرجه ابن عدي في «الكامل» : 8/ 16، من اسمه عمرو، عمرو بن خليف أبو صالح الحتاوي، رقم الحديث: 12352، وقال:«وهذا عن نعيم بن سالم عن أَنَس يحتمل، ولعمرو بن خليف أحاديث غير ما ذكرت موضوعات، وكان يتهم بوضعها» .
(17)
سورة الأعراف، من الآية:157.
(18)
سورة البقرة، من الآية:172.
(19)
سورة المؤمنون، من الآية:51.
ويدخل فيه الضبع والثعلب؛ لأن لهما نابًا يقاتلان بنابهما فلا يؤكل لحمهما؛ كالذئب فيكون الحديث حجة على الشافعي في إباحتهما
(1)
.
فإن قلت: ما جوابنا عما تمسك به الشافعي من حديث جابر رضي الله عنه أنه سئل عن الضبع: أصيد هو؟ قال: «نعم» . فقيل: أيؤكل لحمه؟ فقال: «نعم» . فقيل: إنني سمعته من رسول الله عليه السلام، فقال: نعم
(2)
.
قلت: جوابنا [عن]
(3)
هذا الحديث المشهور الذي ذكره في الكتاب، فإن للضبع نابًا على ما ذكرنا، وحديث جابر إن صح فتأويله أنه كان في الابتداء، ثم انتسخ
(4)
بنزول قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}
(5)
، وهذا لأن الحرمة ثابتة شرعًا فما يروى من الحل؛ ليحمل على أنه كان قبل ثبوت الحرمة. كذا في «المبسوط»
(6)
.
عِرس الرجل- بالكسر- امرأته، ومنها ابن عِرس، وهو بالفارسية:(راسو)
(7)
.
الرخم: جمع رخمة، وهي طائر أبلق يشبه النسر في الخلقة، يقال له: الأنوف، ويقال له بالفارسية:(شه مرغ)
(8)
.
البغاث: ما لا يصيد من صغار الطير وضعافه؛ كالعصافير
(9)
ونحوها، الواحدة: بغاثة، وفي أوله الحركات الثلاث، وبالفارسية (وادكنزه)
(10)
.
(ولا بأس بغراب الزرع). وفي «الذخيرة» : وأما الغراب الأبقع والأسود فهو أنواع ثلاثة: نوع يلتقط الحب ولا يأكل الجيف وأنه لا يكره. ونوع منه لا يأكل إلا بالجيف وأنه مكروه. ونوع منه يخلط الحب بالجيف يأكل الحب مرة والجيف أخرى وأنه غير مكروه. عند أبي حنيفة رحمه الله
(11)
- وعند أبي يوسف يكره
(12)
.
(1)
ينظر: العناية: 9/ 499، البناية: 11/ 580.
(2)
صحيح، أخرجه ابن ماجه في سننه: 2/ 1078، كتاب الصيد، باب الضبع، رقم الحديث:3236. وأخرجه الترمذي في سننه: 3/ 198، كتاب أبواب الحج، باب ما جاء في الضبع يصيبها المحرم، رقم الحديث: 851، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال الألباني: صحيح. ينظر: إرواء الغليل: 4/ 242.
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
في (ع): «انفسخ» .
(5)
سورة الأعراف، من الآية:157.
(6)
ينظر: المحيط البرهاني: 6/ 57، البناية: 11/ 585.
(7)
ينظر: المغرب: ص 310.
(8)
ينظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: 4/ 2456.
(9)
في (ع): «كالضباية» .
(10)
ينظر: المغرب: ص 47.
(11)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(12)
ينظر: المحيط البرهاني: 6/ 57، 58، البناية: 11/ 585.
والفاحتة تؤكل، وكذلك الديسي بضم الدال، والأنثى ديسية، وبالفارسية (موشجة).
وكذلك الخطاف، وأما الخفاش
(1)
فقد ذكر في بعض المواضع أنه يؤكل، وذكر في بعضها أنه لا يؤكل؛ لأن له نابًا.
الغداف: غراب القبط، ويكون ضخمًا، وافي الجناحين. هذا كله من «المغرب» وغيره
(2)
.
ولا بأس بأكل العقعق.
وعن أبي يوسف أنه يكره؛ لأنه اجتمع فيه الموجب للحل والموجب للحرمة؛ لأنه يخلط الجيف بالحب
(3)
.
وعن أبي حنيفة أنه لا بأس بأكله
(4)
، وهو الأصح على قياس الدجاجة؛ فإنه لا بأس بأكلها فقد أكلها رسول الله عليه السلام
(5)
، وهي قد تخلط، وهذا لأن ما يأكل الجيف فلحمه نبت من الحرام فيكون خبيثًا عادة، ولا يوجد فيما يخلط. كذا في «المبسوط»
(6)
.
أما الضبع فلما ذكرنا، وهو قوله:(ويدخل فيه الضبع) يعني: أنه ذو ناب.
وأما الضب؛ فلأن النبي عليه السلام نهى عائشة [رضي الله عنها]
(7)
عن أكله، فإنه روي عن عائشة [رضي الله عنها]
(8)
أنه أُهدي إليها ضب، فدخل رسول الله عليه السلام فسألته عن أكله فنهاها عنه، فجاء سائل فأرادت أن تطعمه إياه، فقال عليه السلام:«أتطعمين ما لا تأكلين»
(9)
، وبهذا نأخذ، فنقول: لا يحل أكل الضب»
(10)
.
(1)
في (ع): «الحشاف» .
(2)
ينظر: المغرب: ص 337، الصحاح: 4/ 1409.
(3)
ينظر: المبسوط: 11/ 226.
(4)
ينظر: المصدر السابق: 11/ 226.
(5)
يشير إلى حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء، فأتي بطعام فيه لحم دجاج، وفي القوم رجل جالس أحمر، فلم يدن من طعامه، قال: ادن، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منه، قال: إني رأيته أكل شيئًا فقذرته، فحلفت ألا آكله، فقال: ادن أخبرك، أو أحدثك: إني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من الأشعريين، فوافقته وهو غضبان، وهو يقسِّم نعمًا من نعم الصدقة، فاستحملناه فحلف ألا يحملنا، قال:«ما عندي ما أحملكم عليه» ، ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب من إبل، فقال:«أين الأشعريون؟ أين الأشعريون؟» قال: فأعطانا خمس ذود غر الذرى، فلبثنا غير بعيد، فقلت لأصحابي: نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه، فوالله لئن تغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه لا نفلح أبدًا، فرجعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله، إنا استحملناك، فحلفت ألا تحملنا، فظننا أنك نسيت يمينك، فقال:«إن الله هو حملكم، إني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيتُ الذي هو خير وتحللتها» . أخرجه البخاري في صحيحه: 1/ 1405، كتاب الذبائح والصيد، باب لحم الدجاج، برقم:5518.
(6)
ينظر: المبسوط: 11/ 226.
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
حسن، يشير إلى حديث عائشة رضي الله عنها أنه أهدي لها ضب، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أكله فقال:«إني أكرهه» ، فجاءتها سائلة، فأرادت أن تطعمها إياه، فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أتطعمينها ما لا تأكلين» . أخرجه أحمد في مسنده: 41/ 399، برقم: 24917، والطبراني في «الأوسط»: 5/ 2112، برقم:5116. قال الألباني: حسن. ينظر: السلسلة الصحيحة: 5/ 552.
(10)
ينظر: المبسوط: 11/ 231.
فإن قلت: ما جوابنا عما تمسك به الشافعي رحمه الله
(1)
- من حديث ابن عمر [رضي الله عنهما]
(2)
أن النبي عليه السلام سئل عن الضب فقال: «لم يكن من طعام قومي فأجد نفسي تعافه؛ فلا أحله ولا أحرمه»
(3)
، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: أكل الضب على مائدة رسول الله عليه السلام، وفي الآكلين أبو بكر، ورسول الله عليه السلام كان ينظر إليه ويضحك
(4)
.
قلت: جوابنا عن ذلك نهي النبي عليه السلام عائشة رضي الله عنها؛ لأن بذلك النهي يتبين أن امتناع رسول الله عليه السلام من أكله كان لحرمته، لا لأنه كان يعافه.
ألا ترى أنه نهاها عن التصدق به، ولو لم يكن نهيه عن الأكل للحرمة لأمرها بالتصدق به، كما أمر به في شاة الأنصار بقوله:«أطعموا الأسارى»
(5)
.
والحديث الذي فيه دليل الإباحة محمول على أنه كان قبل ثبوت الحرمة، ثم الأصل أنه متى تعارض الدليلان، أحدهما يُوجب الحظر والآخر [يوجب]
(6)
الإباحة يُغلب الموجب للحظر، كذا في «المبسوط»
(7)
و «شرح الأقطع»
(8)
.
(1)
في (ع): «رضي الله عنه» .
(2)
زيادة من: (ع).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه: 3/ 1542، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الضب، رقم الحديث:1943.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه: 3/ 1543، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الضب، رقم الحديث:1945.
(5)
صححه الألباني في «أحكام الجنائز» : 143 - 144، وأخرجه أبو داود في سننه: 1/ 374، كتاب البيوع، باب في أكل الربا وموكله، برقم:3332. وهو حديث عاصم بن كليب، عن أبيه، عن رجل من الأنصار، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر: «أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه»، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجيء بالطعام فوضع يده، ثم وضع القوم، فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فمه، ثم قال: «أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها»، فأرسلت المرأة، قالت: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة، فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة، أن أرسل إلي بها بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطعميه الأسارى».
(6)
زيادة من: (ع).
(7)
ينظر: المبسوط: 11/ 231.
(8)
ينظر: ص 135.
ولا يجوز أكل الحمر الأهلية، وكان بشر المريسي
(1)
يُبيح ذلك، وهو قول مالك
(2)
، وحجتهما: ما روي عن عائشة رضي الله عنها[أنها]
(3)
سئلت عن ذلك. فتلت قوله تعالى:/ {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية
(4)
، وفي حديث الحر بن غالب
(5)
رضي الله عنه أنه سأل رسول الله عليه السلام فقال: لم يبق لي من مالي إلا حميرات. فقال عليه السلام: «كل من سمين مالك»
(6)
، واعتبر الحمار الأهلي بالوحشي، والوحشي مأكول بالاتفاق، فكذا الأهلي.
وحجتنا في ذلك: ما روي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: أصبنا يوم خيبر حمرًا أهلية فذبحناها، وإن القدر ليغلي بها فقال عليه السلام:«أكفئوها بما فيها»
(7)
، ونهى عن أكلها فقلنا: نبينا إنما حرمها لأنها نهبة لم تخمس، فلقيت سعيد بن جبير [رضي الله عنه]
(8)
فذكرت ذلك له فقال: «بل حرمها ألبتَّة»
(9)
. فيه تبيين أنه ما حرمها يوم خيبر لقلة الظهر؛ لأنه أمر بإكفاء القدور، وبعد ما صار لحمًا [ليس]
(10)
فيه منفعة الظهر، وما حرمها لأنها نهبة لم تخمس، فإن [ما]
(11)
كان مأكولاً، فللغانمين حق التناول منه قبل الخمس، كالطعام والعلف، وروى ابن عمر [رضي الله عنهما]
(12)
أن النبي عليه السلام نهى يوم خيبر عن متعة النساء، وعن الحمار الأهلي، ولما بلغ عليًّا [رضي الله عنه]
(13)
فتوى ابن عباس [رضي الله عنهما]
(14)
بإباحة المتعة، فقال له: نهى رسول الله عليه السلام عن متعة النساء، وعن الحمر الأهلية زمن خيبر
(15)
. وكذا عن أبي طلحة
(16)
، فترجحت
(17)
الآثار الموجبة للحرمة، ثم لا حجة في حديث الحر، فإن معنى قوله:«كل من سمين مالك» ، أي: بعه واستنفق ثمنه؛ لأنه يقال: فلان أكل عواده. والمراد هذا.
(1)
هو بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي، العدوي بالولاء، أبو عبد الرحمن، فقيه معتزلي عارف بالفلسفة، يرمى بالزندقة، وهو رأس الطائفة المريسية القائلة بالإرجاء، وإليه نسبتها، أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف، وقال برأي الجهمية، وأوذي في دولة هارون الرشيد، وكان جده مولى لزيد بن الخطاب، وقيل: كان أبوه يهوديًا، وهو من أهل بغداد ينسب إلى درب المريس فيها، عاش نحو 70 عامًا، له تصانيف. ينظر: تاريخ بغداد: 7/ 56، سير أعلام النبلاء: 10/ 199، لسان الميزان: 2/ 29.
(2)
الرسالة للقيرواني: 153.
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
سورة الأنعام، من الآية:145.
(5)
اختلف في راوي الحديث، فبعض أصحاب عبيد بن الحسن يقول: عن غالب بن أبجر، وبعضهم يقول: عن أبجر بن غالب، وبعضهم يقول: عن غالب بن ذريح، وبعضهم يقول: عن غالب بن ذيخ. ينظر: نصب الراية: 4/ 198.
(6)
ضعيف الإسناد، أخرج الطبراني في «المعجم الكبير»: 18/ 267، باب الغين، غالب بن أبجر الزني، رقم الحديث:669. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: 5/ 123، كتاب الأطعمة، باب من قال: تؤكل الحمر الأهلية، رقم الحديث: 24338. ورد بلفظ آخر: «أطعم أهلك من سمين حمرك» ، وقد حكم عليه الألباني بضعف الإسناد للاضطراب. ينظر: صحيح وضعيف سنن أبي داود، برقم:3809.
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه: 5/ 136، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، رقم الحديث:4221. وأخرجه مسلم في صحيحه: 3/ 1539، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، رقم الحديث: 1938.
(8)
زيادة من: (ع).
(9)
ينظر: المبسوط: 11/ 232.
(10)
زيادة من: (ع).
(11)
زيادة من: (ع).
(12)
زيادة من: (ع).
(13)
زيادة من: (ع).
(14)
زيادة من: (ع).
(15)
أخرجه البخاري في صحيحه: 5/ 135، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، رقم الحديث:4216. وأخرجه مسلم في صحيحه: 3/ 1537، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، رقم الحديث: 1407.
(16)
صحيح، يشير إلى حديث البراء وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأصابوا حمرًا فطبخوها، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: أكفئوا القدور. أخرجه البخاري في صحيحه: 1/ 1063، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم:4122.
وأبو طلحة هو: زيد بن سهل بن الأسود النجاري الأنصاري: صحابي، من الشجعان الرماة المعدودين في الجاهلية والإسلام. مولده في المدينة، ولما ظهر الإسلام كان من كبار أنصاره، فشهد العقبة وبدرًا وأحدًا والخندق وسائر المشاهد. وكان جهير الصوت، توفي سنة 34 هـ، ينظر: الإصابة 7/ 194، والأعلام 3/ 58.
(17)
في (ع): «فرجح» .
وقال القائل
(1)
:
إن لنا أحمرة عجافا
…
يأكل كل ليلة إكافا
والمراد: ثمن الإكاف
(2)
.
وكذلك فيما استدلت به عائشة رضي الله عنها من الآية لا حجة لهم؛ لأنها استدلت بعام دخله الخصوص بالاتفاق، وقد ثبت النهي عن رسول الله عليه السلام في [لحمة]
(3)
الحمار
(4)
، فكان ذلك دليل الخصوص في هذا العام واعتبار الأهلي بالوحشي ساقط، فإنه لا مشابهة بينهما معنى، والمشابهة لا يكون دليل الحل مع أن المفارقة بينهما قد صحت بالآثار؛ لأنه صح في الأثر أن النبي عليه السلام أباح تناول الحمار الوحشي
(5)
، فإنه روى أن أعرابيًّا أهدى إلى رسول الله عليه السلام حمارًا وحشيًّا عقيرًا، أو رجل حمار وحشي، فأمر أبا بكر [رضي الله عنه] أن يقسمه بين الرفاق
(6)
، وقد ذكرنا نهيه عن تناول الحمار الأهلي علم بهذا أنه لا اعتبار للمشابهة الصورية شرعًا، والأكل من أعلى منافعها؛ لأن في الأكل إبقاء النفوس لا في الركوب، ولا يليق بحكمة الحكم ترك أعظم وجوه المنفعة عند إظهار المنة، وذكر ما دون ذلك.
(1)
ينظر: تاج العروس: 23/ 27.
(2)
الإكاف: للحمار ونحوه بمنزلة السرج للفرس. والجمع: الأُكُف، وهي كساء يلقى على ظهر الدابة. ينظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: 1/ 296، التعريفات الفقهية: ص 33.
(3)
ساقطة من: (ع).
(4)
سبق تخريجه، ينظر: ص 413.
(5)
صحيح، عن أبي قتادة رضي الله عنه: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان ببعض طريق مكة، تخلف مع أصحاب له محرمين، وهو غير محرم، فرأى حمارًا وحشيًا، فاستوى على فرسه، فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه، فأبوا، فسألهم رمحه فأبوا، فأخذه، ثم شد على الحمار، فقتله، فأكل منه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأبى بعض، فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك، قال:«إنما هي طعمة أطعمكموها الله» . وعن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي قتادة: في الحمار الوحشي، مثل حديث أبي النضر قال: هل معكم من لحمه شيء؟
أخرجه البخاري في صحيحه: 1/ 719، كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في الرماح، برقم: 2914، ومسلم في صحيحه: 1/ 467، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم:1196.
(6)
صحيح، يشير إلى حديث جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عام خيبر عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية» ، وفيه:«هل أشار إليه إنسان منكم بشيء؟» ، فقالوا: لا، فقال:«كلوا» . والذي أمر أبا بكر بقسمته بين الرفاق فهو في حمار وحشي، وجدوه عقيرًا بالروحاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«دعوه، فإنه يوشك أن يأتي صاحبه» ، فجاء البهزي وهو صاحبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، شأنكم بهذا الحمار. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق». أخرجه النسائي في «الصغرى»: 5/ 201، كتاب المناسك، باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، برقم: 2817، والبيهقي في «معرفة السنن والآثار»: 14/ 101، كتاب الضحايا، باب أكل لحوم الخيل، برقم:19282. قال الألباني: صحيح الإسناد. ينظر: صحيح وضعيف سنن النسائي: 6/ 390.
ألا ترى أنه في الأنعام ذكر الأكل بقوله [تعالى]
(1)
: {وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ}
(2)
، ولأنه ضم الخيل إلى البغال والحمير في الذكر دون الأنعام، و [الفرق في الذكور دليل]
(3)
القران [في الحكم]
(4)
، يعني في الجملة الناقصة.
وفي حديث خالد بن الوليد [رضي الله عنه]
(5)
: أن النبي عليه السلام نهى عن أكل لحم الخيل والبغال والحمير
(6)
، وكذلك في حديث المقدام [بن]
(7)
معد يكرب
(8)
، وقد بينا أن الدليل الموجب للحرمة يترجح، وأن ما كان من الرخصة محمول على أنه كان في الابتداء قبل النهي.
فإن قلت: ما جواب أبي حنيفة رضي الله عنه عما لو تمسكوا بسؤره وبوله، فإن سؤره طاهر بالاتفاق، وحكم بوله كحكم بول ما يؤكل لحمه، فيستدل بهذين الحكمين على أن الفرس مأكول اللحم كالأنعام.
قلت: أما عن السؤر، فقد روى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه الكراهة في سؤره، كما في لبنه.
وأما على ظاهر الرواية: فإن الفرس كالآدمي من وجه من حيث أنه يحصل به إرهاب العدو، ويستحق السهم من القسمة، والآدمي غير مأكول اللحم لكرامته، وسؤره طاهر.
وكذا سؤر الفرس، وهذا الطريق يدل على أن الكراهة فيه للتنزيه.
وأما بوله، فإنه إنما جعل بوله كبول ما يؤكل لحمه لمعنى البلوى فيه، وللبلوى تأثير في تخفيف حكم النجاسة. هذا كله من «المبسوط»
(9)
.
والأول أصح، وهو أن كراهته كراهة تحريم، وإنما اختلف المشايخ في معنى الكراهة عنده على هذين القولين لاختلاف اللفظ المروي عنه؛ لأنه ذكر في «المبسوط»
(10)
، وظاهر اللفظ في كتاب الصيد يدل على أن الكراهة فيه للتنزيه؛ لأنه ذكر في كتاب (الصيد).
قال أبو حنيفة: رخص بعض العلماء في لحم الخيل، فأما أنا فلا يعجبني أكله، وما قال في «الجامع الصغير» بقوله: يكره لحم الخيل يدل على أن كراهته للتحريم؛ لأنه روى أن أبا يوسف قال لأبي حنيفة رحمه الله
(11)
- إذا قُلْتُ في شيء أكرهه، فما رأيك فيه؟ قال: التحريم
(12)
.
(1)
زيادة من: (ع).
(2)
سورة يس، من الآية 72.
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
زيادة من: (ع).
(5)
زيادة من: (ع).
(6)
حديث منكر أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 417، كتاب الأطعمة، باب في أكل لحوم الخيل، برقم: 3790، وابن ماجه في سننه: 1/ 1066، كتاب الذبائح، باب لحوم البغال، برقم:3198. قال الألباني: منكر. ينظر: السلسلة الضعيفة: 3/ 286.
(7)
زيادة من: (ع).
(8)
هذا وهم من المصنف؛ لأن حديث المقدام بن معد يكرب هو حديث خالد بن الوليد نفسه، رواه المقدام بن معديكرب عن خالد بن الوليد.
(9)
ينظر: المبسوط: 11/ 234.
(10)
ينظر: المبسوط: 11/ 234.
(11)
في (ع): «رحمهما الله» .
(12)
ينظر: العناية: 9/ 502، البناية: 11/ 598. وكتب في الحاشية: [فذكر الله الخيل تنزيه، لأن كراهته بمعنى الكراهة؛ كيلا يحصل بإباحته تقليل آلة الجهاد، وكذا كان سؤره طاهرًا، وهو ظاهر الرواية، وهو الصحيح، كذا ذكره فخر الإسلام وأبو المعين في «جامعيهما». وقيل: كراهة تحريم، وحكي عن عبد الرحيم الكرمني أنه قال: كنت مترددًا في هذه المسألة، فرأيت أبا حنيفة- رحمة الله عليه- في المنام يقول لي: كراهة تحريم يا عبد الرحيم. وإليه مال صاحب «النهاية» ، وروى الحسن عن أبي حنيفة كراهة في سؤره كما في لبنه، وقيل: لا بأس بلبنه؛ إذ ليس في شربه تقليل آلة الجهاد، كذا في «الكافي» ا. هـ. ولا يحل الخيل، والمفهوم من «المجمع» الحرمة، ومن «الهداية» كراهة تحريم، ثم قيل في الفرق بين الحرام والمكروه انتهى في أن فاعل الأول مجاز في العقل دون الثاني. وقيل: الصحيح أنه مكروه كراهة تنزيه، كما في الشروح.
وذكر في «التتمة»
(1)
: قال القاضي الإمام الأسبيجابي
(2)
: [الأصح أن الكراهة كراهة تنزيه، وقال غيره: الأصح أنه كراهة التحريم
(3)
.
وحكى عن سيف الدين عبد الرحيم الكرمني
(4)
أنه قال: كنت مترددًا في هذه المسألة، فرأيت أبا حنيفة في المنام يقول لي: كراهة التحريم يا عبد الرحيم، وإليه مال صاحب النهاية، وروى الحسن عن أبي حنيفة كراهة في سؤره كما في لبنه، وقيل: لا بأس بلبنه؛ إذ ليس في شربه تقليل آلة الجهاد كذا في الكافي. ولا يحل الخيل والمفهوم من المجمع الحرمة ومن الهداية كراهة تحريم قتل في الفرق بين الحرام والمكروه أن فاعل الأول مواقت في الفعل دون الثاني، وقيل الصحيح أنه مكروه كراهة شربه كما في الشروح] / الأصح أن الكراهة كراهة التنزيه، وقال غيره الأصح أنه كراهة التحريم.
وحكى عن سيف الدين عبد الرحيم الكرميني [رحمه الله]
(5)
أنه قال: كنت مترددًا في هذه المسألة، فرأيت أبا حنيفة في المنام يقول لي: كراهة التحريم يا عبد الرحيم
(6)
.
أما لبنه فقد قيل: لا بأس به.
وفي «فتاوى قاضي خان»
(7)
في كتاب (الصيد والذبائح): اختلف المشايخ في تفسير كراهة لحم الخيل في قول أبي حنيفة [رحمه الله]
(8)
، والصحيح: أنه أراد به التحريم، ثم قال: ولبنه كلحمه.
ونهى رسول الله عليه السلام عن دواء يتخذ فيه الضفدع، وقال:«إنها خبيثة من الخبائث»
(9)
، فإذا ثبت بهذا الحديث أن الضفدع مستخبث غير مأكول فيقيس عليه سائر حيوانات الماء.
(1)
ينظر: البناية: 11/ 598.
(2)
هو شيخ الإسلام عليّ بن محمد بن إسماعيل بن علي بن أحمد الأسبيجابي السمرقندي، من (إسبيجاب) بلدة من ثغور الترك، سكن سمرقند وصار المفتي والمقدم بها، ولم يكن أحد بما وراء النهر فى زمانه يحفظ مذهب أبي حنيفة ويعرفه مثله في عصره، فظهر له الأصحاب المختلفة، وتوفي بسمرقند سنة 535 هـ. ينظر: الجواهر المضية: 1/ 371.
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
هو عبد الرحيم بن أحمد بن إسماعيل الكرميني المنعوت بسيف الدين الملقب بالإمام، والكرميني -بفتح الكاف وسكون الراء وكسر الميم وسكون الياء تحتها نقطتان وفى آخرها نون- هذه النسبة إلى (كرمينية) بلدة بين (بخارى) و (سمرقند)، رأى الإمام أبا حنيفة فى النوم وسأله عن كراهة أكل لحم الخيل، أهي كراهة تحريم أم تنزيه؟ فقال كراهة تحريم يا عبد الرحيم، توفي سنة 467 هـ. ينظر: الجواهر المضية: 1/ 310، 311.
(5)
زيادة من: (ع).
(6)
هكذا تكرر هذا الجزء من الفقرة السابقة في المخطوط.
(7)
ينظر: البناية: 11/ 598.
(8)
ساقطة من: (ع).
(9)
ضعيف، الوارد في القنفذ هو حديث عيسى بن نميلة، عن أبيه، قال: كنت عند ابن عمر فسئل عن أكل القنفذ، فتلا: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا
…
الآية، قال: قال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «خبيثة من الخبائث» ، فقال ابن عمر:«إن كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فهو كما قال ما لم ندر» . أخرجه أبو داود في سننه: 1/ 418، كتاب الأطعمة، باب في أكل حشرات الأرض، برقم: 3799، والبيهقي في «الكبرى»: 1/ 326، كتاب الضحايا، باب ما روي في القنفذ وحشرات الأرض. قال الألباني: ضعيف. ينظر: إرواء الغليل: 8/ 203.
ومن يقول: يؤكل جميع صيد البحر دخل عليه أمر قبيح، فإنه لا تحديد من أن يقول: يؤكل الإنسان المائي، وهذا شنيع، فعرفنا أن المأكول من المائي سمك فقط.
وأما قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}
(1)
، فالمراد منه: ما يؤخذ من السمك طريًّا.
وقوله تعالى: {وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ}
(2)
: المالح المقدد منه.
فإن قلت: ما جوابنا عما تمسكوا بحديث أبي سعيد الخدري [رضي الله عنه]
(3)
قال
(4)
: كنا أصحاب رسول الله عليه السلام في سفر، فأصابتنا مجاعة، فألقى البحر لنا دابة يقال لها: عنبرة، فأكلنا منها، وتزودنا فلما رجعنا إلى رسول الله عليه السلام سألناه عن ذلك، فقال:«هل بقي عندكم شيء فتطعموني»
(5)
.
قلت: الصحيح من الرواية: فألقى لنا البحر حوتًا يقال لها: عنبرة، وهو اسم للسمك.
والحجة لنا في المسألة.
قوله
(6)
تعالى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ}
(7)
.
وقوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}
(8)
ولم يفصل بين البري منه والبحري. كذا في «المبسوط»
(9)
.
الطافي
(10)
: اسم فاعل من طفا الشيء فوق الماء يطفو [طفوًا]: إذا علا.
والمراد من السمك الطافي: هو الذي يموت في الماء حتف أنفه من غير سبب معلوم [لنا]
(11)
، فيعلو ويظهر الجرِّيث الجري، وهو ضرب من السمك، والمارماهيج أيضًا نوع من السمك وهو غير الجرِّيث. كذا في «المغرب»
(12)
، وكان ما ذكر في الكتاب، والمارما هي بتشديد الراء مُصَرَّف منه. والحجة عليه ما روينا وهو ما ذكر من قوله عليه السلام:«أحلت لنا ميتتان ودمان»
(13)
إلى آخره.
(1)
سورة المائدة، من الآية:96.
(2)
سورة المائدة، من الآية:96.
(3)
زيادة من: (ع).
(4)
في (ع): «قالوا» .
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه: 5/ 167، كتاب المغازي، باب غزوة سيف البحر، وهم يتلقون عيرًا لقريش، وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، رقم الحديث:4362. وأخرجه مسلم في صحيحه: 3/ 1535، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة ميتات البحر، رقم الحديث: 1935.
(6)
في (ع): «وقوله» .
(7)
سورة الأنعام، من الآية:145.
(8)
سورة المائدة، من الآية: 3، سورة النحل، من الآية:115.
(9)
ينظر: المبسوط: 11/ 248.
(10)
ينظر: المغرب: ص 292.
(11)
ساقطة من: (ع).
(12)
ينظر: المغرب: ص 292.
(13)
صحيح، أخرجه ابن ماجه في سننه: 2/ 1102، كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال، رقم الحديث:3314. وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى»: 1/ 384، كتاب جماع أبواب ما يفسد الماء، باب الحوت يموت في الماء والجراد، رقم الحديث: 1196. وقال الألباني: صحيح. ينظر: إرواء الغليل: 8/ 164.
وينسحب عليها فروع كثيرة بيناها في «كفاية المنتهي»
(1)
، وهي أنه لو وجد في بطن السمكة سمكة أخرى، فإنها تؤكل؛ لأن ضيق المكان سبب لموتها.
وكذلك إن قتلها شيء من طير الماء وغيره.
وكذلك إن ماتت في جب ماء؛ لأن ضيق المكان سبب لموتها.
وكذلك إن جمعها في حظيرة لا تستطيع الخروج منها، وهو يقدر على أخذها بغير صيد فماتت فيها؛ لأن ضيق المكان سبب لموتها، وإن كانت لا تؤخذ بغير صيد فلا خير في أكلها؛ لأنه لم يظهر لموتها سبب، وإذا ماتت السمكة في الشبكة، وهي لا تقدر على التخلص منها، أو أكل شيئًا إلقاء في الماء؛ ليأكل فأنت منه، وذلك معلوم فلا بأس بأكلها فهو في معنى ما انحسر منه الماء، وقال النبي عليه السلام:«ما حسر عنه الماء فكل»
(2)
.
وكذلك لو انجمد الماءُ فبقيت بين الجمد وماتت.
فأما إذا ماتت بحرّ الماء، أو برده.
ففيه روايتان في إحدى الروايتين يؤكل لوجود السبب لموتها، وفي الرواية الأخرى: لا يؤكل؛ لأن الماء لا يقتل السمك حارًّا كان أو باردًا
(3)
.
وروى هشام عن محمد أنه إذا انحسر الماء عن بعضه، فإن كان رأسه في الماء فمات لا يؤكل، وإن كان الماء انحسر عن رأسه وبقي ذنبه في الماء، فهذا سبب لموته فيؤكل، كذا في «المبسوط»
(4)
.
وذكر في «الذخيرة» إذا وجد في بطن السمكة الطافية سمكة أنها تؤكل، وإن كانت الطافية لا تؤكل
(5)
.
وعن محمد في سمكة توجد في بطن الكلب أنه لا بأس بأكلها يريد به إذا لم تتغير
(6)
.
ولا بأس بأكل سمكة يصيدها المجوسي؛ لأنها تحل من غير تسمية، فإن المسلم إذا أخذ السمك وترك عليها التسمية عمدًا يحل، وما يحل من غير التسمية فالمجوسي وغير المجوسي فيه سواء.
* * *
(1)
ينظر: العناية: 9/ 503.
(2)
ضعيف، ورد بهذا اللفظ عند عبد الرزاق في مصنفه: 4/ 505، كتاب المناسك، باب الحيتان، برقم: 8661، وورد بألفاظ أخرى، منها: حديث جابر بن عبد الله: «كلوا ما حسر عنه البحرُ وما ألقاهُ، وما وجدتموه ميتًا أو طافيًا فوق الماء فلا تأكلوهُ» ، وقد تفرد به عبد العزيز بن عبد الله، وهو ضعيف لا يحتج به. ينظر: سنن الدارقطني: 3/ 525.
(3)
ينظر: المبسوط: 11/ 249، تبيين الحقائق: 5/ 297.
(4)
ينظر: المبسوط: 11/ 249.
(5)
ينظر: المحيط البرهاني: 6/ 71.
(6)
ينظر: المصدر السابق: 6/ 71.