المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بابُ (1) جناية (2) المملوك (3) والجناية عليه لما فرغ (4) من بيان أحكام جناية - النهاية في شرح الهداية - السغناقي - جـ ٢٥

[الحسام السغناقي]

فهرس الكتاب

‌بابُ

(1)

جناية

(2)

المملوك

(3)

والجناية عليه

لما فرغ

(4)

من بيان أحكام جناية المالك وهو الحر والجناية عليه شرع في بيان أحكام جناية المملوك وهو العبد؛ وأخَّره لانحطاط رتبته عن الحر.

(1)

باب: في اللغة: ما يدخل منه ويخرج حسًا، واصطلاحًا: اسم لجملة من العلم يشتمل على فصول ومسائل غالبًا. ينظر الأفنان الندية (1/ 127).

(2)

الجناية في الأصل: مصدر جنى يجني جناية؛ من جنى الثمار وأخذها من على شجرة؛ وتطلق على كل ما يجنيه الإنسان من شرور وآثام.

وعرفها الحنفية بأنها: اسم لفعل محرم حل بمال أو نفس.

وعرفها المالكية بأنها: فعل الجاني الموجب للقصاص أو هي ما يحدثه الرجل على نفسه أو غيره مما يضر حالا أو مآلا.

وعرفها الشافعية بأنها: الجناية على الأبدان، وعرفها الحنابلة بأنها: كل فعل أو عدوان على نفس أو مال.

ينظر: المصباح المنير (1/ 112)، حاشية ابن عابدين (6/ 527)، الشرح الكبير للإمام الدردير (4/ 214) ومواهب الجليل

للحطاب (6/ 276)، الأم للإمام الشافعي (6/ 1) وتحفة المحتاج لابن حجر (4/ 1)، المغني لابن قدامة ومعه الشرح الكبير

(9/ 318).

(3)

مملوك: وهو اسم مفعول من ملكت الشيء إذا دخل في ملكك والمراد الأرقاء؛ وكل عبد مملوك وليس كل مملوك عبدًا، لأنه قد يملك المال والمتاع فهو مملوك وليس بعبد، والعبد هو المملوك من نوع ما يعقل. المطلع على ألفاظ المقنع (1/ 430) - معجم الفروق اللغوية، باب الفرق بين العترة والآل (1/ 350).

(4)

أي صاحب الهداية

ص: 1

وإذا جنى العبد جناية خطأ

(1)

قيل لمولاه إما أن تدفعه بها أو تفديه.

ثم اعلم أن التقييد بالخطأ [هنا إنما يفيد في جناية العبد في النفس لأنه إذا كان عمدًا يجب القصاص

(2)

؛ وأما فيما دون النفس فلا يفيد التقييد بالخطأ]

(3)

في هذا الحكم؛ لأن خطأ العبد وعمده فيما دون النفس على السواء؛ فإنه يوجب المال في الحالين؛ لأن القصاص لا يجري بين العبيد والعبيد

(4)

ولا بين العبيد والأحرار

(5)

فيما دون النفس.

(1)

القول الأول في أقسام الجناية على النفس: أنها قسمان: عمد وخطأ؛ وإليه ذهب مالك المدونة (6/ 306)، والقول الثاني: أنها ثلاثة أقسام؛ وإليه ذهب الشافعية (الأم 6/ 6) والحنابلة (الكافي 4/ 3) وأبوحنيفة في رواية (المبسوط 26/ 59) وبعض المالكية (تفسير القرطبي 5/ 329)، والقول الثالث: أنه أربعة أقسام: عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطأ؛ وهو لبعض الحنفية (بدائع الصنائع 7/ 233) وبعض الحنابلة (المقنع 3/ 330)، القول الرابع: أنها خمسة أقسام: فأضافوا القتل بالتسبب؛ وذهب إليه أكثر الحنفية وهو المختار للمتأخرين منهم (أحكام القرآن للجصاص 2/ 223).

(2)

القصاص يطلق على معان؛ منها: المماثلة، يقال اقتص ولي المقتول من القاتل: استوفى قصاصه؛ أي اقتص له منه بجرحه مثل جرحه إياه أو قتله به. ينظر: طلبة الطلبة (ص/ 327).

وفي الاصطلاح: أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل. ينظر: التعريفات (ص/ 146).

(3)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

في المذهب الحنفي: لا يجري القصاص في الأطراف بين العبدين؛ ويقول ابن عابدين في حاشيته 5/ 356 (ولا بين العبدين للتفاوت في القيمة وإن تساويا فيها فذلك بالحرز والظن وليس بيقين فصار شبهة فامتنع القصاص بخلاف طرف الحرين لأن استواءهما متيقن بتقويم الشرع).

واحتجوا (بما روي أن غلامًا لقوم فقراء قطع أذن غلام لقوم أغنياء فلم يقتص منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجعل له شيئًا) أخرجه أحمد (4/ 438) وأبوداود (4/ 712) وأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة؛ ولأن التساوي في الأطراف معتبر في جريان القصاص وأطراف العبيد لا تتساوى.

ينظر: المبسوط (26/ 117)، رد المحتار (10/ 202)، المغني (11/ 476).

وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى جريان القصاص في الأطراف بين العبدين.

قال ابن قدامة: «كل شخصين جرى بينهما القصاص في النفس، جرى القصاص بينهما في الأطراف، فيطع الحر المسلم بالحر المسلم، والعبد بالعبد، والذمي بالذمي، والذكر بالأنثى، والأنثى بالذكر، ويقطع الناقص بالكامل، كالعبد بالحر، والكافر بالمسلم

». واستدلوا بالعمومات وبما روي عن عمر أنه قال: (ويقاد المملوك من المملوك في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها) أخرجه عبدالرزاق (10/ 7) والبيهقي 8/ 38)

ينظر: المدونة (4/ 605)، الأم (6/ 73)، المغني (11/ 501).

(5)

لا يجري القصاص بين الحر والعبد في الأطراف عند الحنفية. ينظر: الأصل (4/ 490)، الهداية (4/ 510)، وعند المالكية والشافعية والحنابلة: يقطع الناقص بالكامل كالعبد بالحر؛ ولا يقطع الكامل بالناقص كالحر بالعبد. ينظر: حاشية الدسوقي (6/ 197)، الإقناع (4/ 127).

ص: 2

ثم إنما يقال لمولى العبد بهذا بعد الاستيفاء

(1)

(2)

؛ لأنه لا يقضى على المولى بشيءٍ من ذلك حتى يبرأ المجني عليه اعتبارًا لجناية العبد بجناية

الحر.

وقد بينا أنه يستأنى

(3)

في جناية الحر؛ لأن موجبها يختلف بالسراية

(4)

وعدم السراية فلا يصير ذلك مَعْلومًا قبل الاستيفاء

(5)

، والقضاء بالمجهول غير ممكن؛ كذا في المبسوط

(6)

(7)

.

وفائدة الاختلاف في اتباع

(8)

الجاني بعد العتق؛ يعني أن المجني عليه عند الشافعي

(9)

: يتبع العبد الجاني بعد عتقه

(10)

.

(1)

في (ج): الاستثناء؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

الاستيفاء: طلب الوفاء بالأمر ومنه استيفاء العضو بالمسح، واستيفاء القصاص: أن يفعل المجني عليه أو وليه بالجاني مثل ما فعل أو عوضه. ينظر: معجم لغة الفقهاء (67)؛ المطلع على ألفاظ المقنع (437).

(3)

يستأنى: أي ينتظر؛ وهو استفعال من الإنى بكسر الهمزة وفتح النون وتسكينها أيضًا وهو أحد الآناء وهي الساعات؛ واستأنى: تأنى؛ ويقال استأنى في الأمر وبه ترفق ينظر: طلبة الطلبة (147)، المعجم الوسيط (1/ 31).

(4)

السراية: هي «النفوذ» في المضاف إليه، ثم تسري إلى باقيه كما في العتق بالاتفاق، وكذا في الطلاق على الأصح. والسراية في اللغة: اسم للسير في الليل؛ يقال: سريت بالليل وسريت الليل سريا إذا قطعته بالسير، والاسم سِراية. وقد تستعمل في المعاني تشبيها لها بالأجسام؛ ويقال في الإنسان: سرى فيه عرق السوء. ومن هذا القبيل قول الفقهاء: سرى الجرح من العضو إلى النفس أي دام ألمه حتى حدث منه الموت، وقولهم: قطع كفه فسرى إلى ساعده، أي تعدى أثر الجرح إليه، كما يقال: سرى التحريم من الأصل إلى فروعه. ينظر: المنثور في القواعد الفقهية (2/ 200)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 275).

(5)

في (ج): الإعتاق؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ينظر: المبسوط (27/ 27).

(7)

المبسوط لشمس الأئمة محمد بن أحمد السرخسي ت 490 هـ وقيل 483 - استوعب فيه المؤلف جميع أبواب الفقه بأسلوب سهل وهذا الكتاب شرح لكتاب الكافي للحاكم المروزي. الأنساب للسمعاني (3/ ص 244).

(8)

في (ب): إيقاع؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

الشافعي: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم -في عبد مناف بن قصي؛ ينسب إلى الصحابي شافع بن السائب ط؛ أبو عبد الله الشافعي الإمام فقيه الملة؛ ولقبه أهل بغداد بناصر الحديث وهو نقل هذا القول فقال: "سميت ببغداد ناصر الحديث"؛ ت 204 هـ. ينظر: تذكرة الحفاظ (1/ 361 - 363).

(10)

ينظر: الأم - كتاب جراح العمد (6/ 29).

ص: 3

وفي الإيضاح

(1)

أن موجب جناية العبد صيرورته جزاء جنايته عندنا قَلَّت الجناية أم كثرت وللمولى أن يختار الفداء

(2)

.

وعند الشافعي الجناية في رقبته يباع فيها إلا أن يفديه المولى

(3)

.

وفي الأسرار

(4)

جناية العبد على الآدمي إذا أوجبت المال صار العبد للمجني عليه جزاءً بجنايته والوجوب على المولى دون العبد؛ فيقال للمولى عليك تسليم العبد بالجناية إلى ولي الجناية إلا أن يختار الفداء بالأرش

(5)

فيخير المولى بين الدفع بالجناية أو الفداء بالأرش

(6)

.

وقال الشافعي: حكم جنايته على الآدمي كحكم جنايته على البهيمة وإتلاف

(7)

المال؛ يقال للمولى إما أن تؤدي أو يباع عليك العبد

(8)

؛ فيكون الوجوب على العبد في الأصل.

(1)

الإيضاح في الفروع للإمام أبي الفضل عبدالرحمن بن محمد الكرماني الحنفي ت 543. ينظر: كشف الظنون (1/ 65)، خزانة التراث-مركز الملك فيصل (75/ 282).

(2)

ينظر: البناية شرح الهداية (13/ 276).

(3)

ينظر: الأم (3/ 188 - 189)، الحاوي الكبير (7/ 46).

(4)

الأسرار في الأصول والفروع للشيخ العلامة أبي زيد الدبوسي الحنفي ت 432 هـ، الجواهر المضيئة (4/ 47).

(5)

الأرش: يطلق على عدة معان: المعنى الأول: التحريش والإفساد والإغراء، المعنى الثاني: يطلق الأرش على ما ليس له قدر من الدية في الجراحات فما يأخذه المجني عليه جناية ليس لها قدر معلوم من الدية يسمى أرشا وهذا الأرش جابر للمجني عليه بسبب الجناية، المعنى الثالث: يطلق الأرش على الخدش، والمأروش المخدوش، المعنى الرابع: ما يأخذه المشتري من البائع إذا اطلع على عيب في المبيع. ينظر: تهذيب اللغة 11/ 407، مقاييس اللغة 1/ 79، لسان العرب 6/ 263.

تعريف المذهب الحنفي للأرش: "أن يقوم المبيع وهو سالم من العيب ثم يقوم وبه هذا العيب، ثم يعرف التفاوت بين القيمتين فيرجع المشتري على البائع بحصته من الثمن" ينظر: البحر الرائق 6/ 52، بدائع الصنائع 5/ 291

تعريف المالكية " أن تُقَوم السلعة صحيحة غير معيبة، ثم تقوم على أنها معيبة ثم يرجع المشتري بما بين قيمة السلعة صحيحة ومعيبة" ينظر: حاشية الدسوقي 3/ 114، مواهب الجليل 4/ 444.

تعريف الشافعية: "جزء من ثمن المبيع نسته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليما إلى تمام القيمة" ينظر: الأم 3/ 69، مغني المحتاج 2/ 54.

تعريف الحنابلة: "قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن" ينظر: شرح منتهى الإرادات 2/ 177، الإنصاف 4/ 412.

(6)

ينظر: البناية (13/ 276)، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (4/ 305).

(7)

التلف: الهلاك والعطب في كل شيء؛ والمتالف المهالك. ينظر: لسان العرب (9/ 18).

(8)

ينظر: كشف الأسرار (4/ 305).

ص: 4

فتجب في ذمته

(1)

أي في ذمة العبد؛ لأن ضمان الجناية [في حق من لا عاقلة له بمنزلة ضمان المال فيكون واجبًا في ذمته؛ ثم الدين في ذمة العبد]

(2)

يكون شاغلًا لمالية رقبته فيباع فيه إلا أن يقضي المولى ديته كما في الدين وهو [ظاهر]

(3)

على ما قلنا.

وفي بعض النسخ كما في الذمي

(4)

يعني: إذا قتل الذمي

رجلًا خطأ

(5)

تجب ديته في ذمته لا على عاقلته كما في إتلاف المال.

وقوله بعد هذا بخلاف الذمي يدل على صحة هذه النسخة.

وحجتنا في ذلك أن المستحق بالجناية على النفوس نفس الجاني إذا أمكن.

ألا ترى أن في جناية العمد المستحق نفس الجاني قصاصًا حرًا كان أو عبدًا فكذلك في الخطأ؛ إلا أن استحقاق النفس نوعان أحدهما بطريق الإتلاف عقوبة؛ والآخر بطريق التملك على وجه الجبران.

والحر من أهل أن تستحق نفسه بطريق العقوبة لا بطريق التملك

(6)

؛ والعبد من أهل أن تستحق نفسه بالطريقين جميعًا؛ فيكون العبد مساويًا للحر في حالة العمد ويكون مفارقًا له في حالة الخطأ؛ لأن عذر الخطأ لا يمنع استحقاق نفسه تملكًا والسبب يوجب الحكم في محله؛ وفي حق الحر لم يصادف محله وفي حق العبد السبب قد صادف محله فيكون مفيدًا حكمه؛ وهو أن نفسه صارت مستحقة للمجني عليه تملكًا لتحقيق

(7)

معنى الصيانة عن الهدر

(8)

.

(1)

الذمة: الذمة العهد والأمان؛ وأهل الذمة أهل العقد؛ والجزية ما يؤخذ من أهل الذمة وسموا بذلك لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم، وفي كلام الفقهاء: الوجوب عليه بعهده وقبوله. الصحاح (5/ 1926)(6/ 2303)، لسان العرب (12/ 221)، طلبة الطلبة (65).

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

الذمي: الكافر الذي يقيم في دولة الإسلام بعقد يصير به من مواطنيها ويؤدي الجزية حفاظًا على الروح والمال والعرض. ينظر: المصباح المنير (ص/ 111)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 191).

(5)

لا خلاف بين الفقهاء في تعريف القتل الخطأ وحكمه وهو نوعان: الأول: الخطأ في القصد وهو أن يرمي شخصًا يظنه صيدًا أو حربيًا فإذا هو مسلم، والثاني: الخطأ في الفعل وهو أن يرمي غرضًا فيصيب آدميًا. ينظر: الاختيار (2/ 503).

(6)

في (ج): الملك؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

(7)

في (ج): لتحقق؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

الهدر: يقال ذهب دم فلان هدرًا؛ أي باطلًا. ينظر: شمس العلوم (10/ 6887).

ص: 5

والطريق الثاني أن موجب جناية الخطأ يتباعد عن الجاني لكونه معذورًا في ذلك؛ وكون الخطأ موضوعًا شرعًا، ويتعلق بأقرب الناس إليه لإظهار صيانة المحل المحترم والتخفيف على المخطئ.

ألا ترى أن في حق الحر يجب على عاقلته

(1)

لهذا المعنى؛ فكذلك في حق العبد إلا أن

(2)

عاقلة العبد مولاه؛ لأن الحر يستنصر بعاقلته ويزداد قوةً وجرأةً بهم كما أن المملوك يستنصر بمولاه فيجب ضمان جنايته على المولى؛ إلا أن للمولى أن يقول إنما لحقني هذا البلاء بسبب ملكي فيه ولي أن أتخلص عنه بنقل ملكي فيه إلى المجني عليه فأدفعه بالجناية؛ فإذا دفعه كان المجني عليه هو المالك فلا يجب عليه شيء آخر بالجناية عليه.

وإذا لم يدفعه كانت الدية

(3)

عليه بخلاف ضمان المال فإنه يجب في ذمة المتلف ولا يخاطب به غيره كما في حق الحر؛ كذا في المبسوط

(4)

.

وقوله إلا أنه يخير [أي يخير]

(5)

المولى في أصل المسألة؛ وهو ما إذا جنى العبد خطأ وهذا استثناء من قوله: والمولى عاقلته

(6)

؛ يعني بالنظر إلى أن المولى عاقلته ينبغي أن لا يثبت الخيار للمولى بين الدفع والفداء كما لا يثبت هذا الخيار لسائر العواقل؛ وفرق بين المولى وبين سائر العواقل بهذا.

(1)

العاقِلة بكسر القاف والعاقلة صفة موصوف محذوف أي الجماعة العاقلة مؤنث عاقل وهو دافع الدية. ينظر: لسان

العرب (15/ 383)، المعجم الوسيط (2/ 617).

مذاهب الفقهاء: المذهب الأول: العاقلة هم عصبة الجاني؛ وهو مذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة وقول عند المالكية.

ينظر: أسنى المطالب (8/ 203)، مغني المحتاج (5/ 358)، المغني والشرح الكبير (11/ 491)، حاشية الدسوقي

(6/ 250).

المذهب الثاني: العاقلة هم أهل الديوان وهو مذهب الحنفية والقول الآخر عند المالكية واختلفوا إن لم يكن من أهل الديوان

فعاقلته قبيلته وأقاربه وكل من يتناصر هو بهم. ينظر: البناية (13/ 364)، تكملة فتح القدير لقاضي زاده (10/ 424).

وقال المالكية: إن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته عصبته فإن لم يكن له عصبة فتؤدى الدية من بيت المال. ينظر: الذخيرة

(10/ 114)، حاشية الدسوقي (6/ 250).

(2)

في (ج): لأن؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

وديت القتيل أديه دية إذا أعطيته ديته، وقد وديت المقتول أي أديت ديته من حد ضرب، فالدية اسم للمال ومصدر، شرعًا: اسم للمال الذي هو بدل النفس. ينظر: المغرب (ص/ 480)، تكملة البحر الرائق للطوري (8/ 372).

(4)

ينظر: المبسوط (27/ 27).

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ج): على عاقلته؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 6

وقال إنما يخير المولى هاهنا؛ لأن التخيير للتخفيف والتخفيف مطلوب في الموضعين غير أن أثر التخفيف تحقق

(1)

في سائر العواقل بوجه آخر وهو التوزيع والقسمة عليهم على وجه لا يورث الإجحاف

(2)

؛ لأن بهم كثرة فكان تخفيفًا؛ وأما هاهنا فالمولى واحد فإثبات التخفيف فيه إنما يحصل بإثبات الخيار له.

غير أن الواجب الأصلي هو الدفع في الصحيح؛ هذا احتراز عن رواية أخرى ذكرها الإمام التمرتاشي

(3)

(4)

:؛ والصحيح أن الأصل هو الدية والأرش لكن للمولى أن يدفع هذا الواجب بدفع الجاني.

وذكر في الأسرار: وقد ذكر بعض مشائخنا أن الواجب الأصلي هو الأرش على المولى وله المخلص بالدفع، ثم قال والرواية بخلاف هذا في غير موضع

(5)

.

وقد نص محمد بن الحسن

(6)

: أن الواجب هو العبد

(7)

؛ ولأن المولى ليس بجانٍ ولا عاقلة هو للعبد؛ لأن ولاية القرابة منقطعة بالرق والمولى ما اشتراه ليواليه ويعقل عنه بل ليستخدمه.

ولهذا يسقط الموجب بموت العبد؛ أي إذا هلك العبد قبل الاختيار بريء المولى من مطالبة المجني عليه حقه من الدفع والفداء؛ ولو لم يكن الموجب الأصلي هو الدفع أو أحد شيئين من

(8)

الدفع والفداء بالأرش لكان إذا هلك العبد قبل الاختيار أن يتعين الأرش وليس كذلك دل أن الموجَب الأصلي هو الدفع؛ وله التخليص باختيار الفداء ثم بعد ذلك أيًا منهما اختاره يكون ذلك حالًا ولا يكون مؤجلًا على ما ذكر في الكتاب

(9)

كذا في الذخيرة

(10)

(11)

.

(1)

في (ب) و (ج): ظهر؛ وما أثبت من (أ) قريب منه.

(2)

أجحف السيل بالشيء: ذهب به، وأجحف بعبده: كلفه ما لا يطيق؛ ثم استعير الإجحاف في النقص الفاحش. ينظر: المصباح المنير (1/ 91).

(3)

هو: أحمد بن إسماعيل بن محمد إيدغمش التمرتاشي الخوارزمي، الحنفي ظهير الدين، أبو محمد مفتي خوارزم. توفي في حدود سنة 600 هـ. من مؤلفاته:«شرح الجامع الصغير» ، وكتاب «التراويح». ينظر: الجواهر المضية (1/ 61)، الأعلام للزركلي (1/ 97).

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية (10/ 340).

(5)

ينظر: العناية (10/ 340).

(6)

محمد بن الحسن الشيباني من صغار تلاميذ أبي حنيفة ولكنه أكثرهم خدمة للمذهب وكان من بحور العلم والفقه. ينظر: الفوائد البهية (163).

(7)

ينظر: العناية (10/ 340).

(8)

في (أ): بين؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

هو مختصر القدوري في فروع الحنفية للإمام أبي الحسين: أحمد بن محمد القدوري البغدادي الحنفي. المتوفى: سنة 428 ثمان وعشرين وأربعمائة. وهو: الذي يطلق عليه لفظ: (الكتاب) في المذهب. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1631).

(10)

ذخيرة الفتاوى المشهورة بالذخيرة البرهانية للإمام برهان الدين محمود بن أحمد البخاري ت 616 هـ -اختصرها من كتابه المشهور بالمحيط البرهاني. ينظر: كشف الظنون (1/ 823).

(11)

ينظر العناية (10/ 341).

ص: 7

فإن قلت: قوله ولهذا يسقط الموجب بموت العبد لإيضاح أصالة الدفع دون الفداء؛ وهذا الحكم ثابت أيضًا فيما إذا أتلف العبد مال إنسان ثم مات يسقط الموجب بموته ولا يطالب المولى بضمان ما أتلف مع أن في إتلاف المال لم يشرع الدفع أصلًا، والرواية في الجامع الصغير

(1)

(2)

للإمام

التمرتاشي: صريحًا، وفي مبسوط شيخ الإسلام

(3)

: إشارة؛

قلتُ: حق صاحب الحق في الصورتين تعلق برقبة العبد؛ وإذا مات العبد فقد فات المحل الذي تعلق به حقهما فسقط الحق لذلك؛ وحاصله

(4)

أن في صورة إتلاف المال الدفع حاصل أيضًا؛ لأن الغرماء هم الذين يتولون بيع العبد فكان العبد مدفوعًا إليهم.

وذكر في آخر هذا الباب من المبسوط في هذه المسألة: وسواء مات العبد بآفة سماوية أو بعثه المولى في حاجته فعطب

(5)

فيها أو استخدمه فلا ضمان عليه فيما لحقه بذلك؛ لأن للمولى حق الاستخدام في العبد الجاني ما لم يدفعه فلا يكون فعله ذلك تعديًا

(6)

كما في مال الزكاة

(7)

؛ فإن موجب مال الزكاة وهو وجوب الزكاة بعد حولان الحول يسقط عن صاحبه بهلاك ذلك المال وإن كان لصاحبه [حق]

(8)

نقل

(9)

آداء الزكاة من مال آخر بخلاف موت الجاني الحر؛ أي أن موجب جناية الحر لا يسقط عن العاقلة بموت الجاني فصار كالعبد في صدقة الفطر؛ أي فصار موت الجاني الحر في عدم سقوط الموجب كموت العبد في حق صدقة الفطر؛ فإن صدقة الفطر إذا وجبت على المولى لا تسقط بموت العبد فكذلك في موت الجاني الحر؛ فلأن التأجيل في الأعيان باطل

(10)

؛ لأن التأجيل شرع للتحصيل ترفهًا وتحصيل الحاصل باطل.

(1)

ينظر: العناية (10/ 340).

(2)

الجامع الصغير للإمام المجتهد محمد بن الحسن الشيباني، وهو كتاب قديم مبارك مشتمل على ألف وخمسمائة واثنتين وثلاثين مسألة، والمشايخ يعظمونه حتى قالوا: لا يصلح المرء للفتوى، ولا للقضاء إلا إذا علم مسائله. كشف الظنون عن أسامي ينظر: الكتب والفنون (1/ 563).

(3)

الأصل في الفروع للإمام المجتهد محمد بن الحسن الشيباني الحنفي؛ المتوفى: سنة تسع وثمانين ومائة، وهو المبسوط سماه به، لأنه صنفه أولًا وأملاه على أصحابه، رواه عن الجوزجاني وغيره. ينظر: كشف الظنون (1/ 81).

(4)

في (ج): ولصاحبه؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

العطب: الهلاك يكون في الناس وغيرهم، عطب بالكسر عطبًا وأعطبه: أهلكه، والمعاطب: المهالك. ينظر: لسان العرب (1/ 610)، الصحاح (1/ 184).

(6)

في (أ): بعده؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

الزكاة: في اللغة: الزيادة، وفي الشرع: عبارة عن إيجاب طائفة من المال في مال مخصوص لمالكٍ مخصوص، والزكاة هي النماء يقال زكى الزرع يزكو أي نما وهي الطهارة أيضًا وسميت الزكاة زكاة لأنه يزكو بها المال بالبركة ويطهر بها المرء بالمغفرة. ينظر: طلبة الطلبة (16)، التعريفات (114)، المغرب (209).

(8)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ب): قبل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

بطل: بَطَل الشيءُ يَبْطُل بُطْلًا وبُطُولًا وبُطْلانًا: ذَهَبَ ضَياعًا وخُسْرًا، فَهُوَ بَاطِل، وأَبْطَله هُوَ. وَيُقَالُ: ذَهَبَ دَمُه بُطْلًا أَي هَدَرًا. وبَطِل فِي حَدِيثِهِ بَطَالَة وأَبْطَلَ: هَزَل، وَالِاسْمُ البَطل. والبَاطِل: نَقِيضُ الْحَقِّ، وَالْجِمْعُ أَبَاطِيل، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، كأَنه جَمْعُ إِبْطَال أَو إِبْطِيل؛ هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ. ينظر: لسان العرب (11/ 56).

وَهُوَ فِي الاِصْطِلَاحِ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِلْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ.

فَفِي الْعِبَادَاتِ: الْبُطْلَانُ: عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ حَتَّى كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ. كَمَا لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ.

ينظر: كشف الأسرار 1/ 258.

وَالْبُطْلَانُ فِي الْمُعَامَلَاتِ يَخْتَلِفُ فِيهَا تَعْرِيفُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْ تَقَعَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَلَا بِوَصْفِهِ، وَيَنْشَأُ عَنِ الْبُطْلَانِ تَخَلُّفُ الأْحْكَامِ كُلِّهَا عَنِ التَّصَرُّفَاتِ، وَخُرُوجُهَا عَنْ كَوْنِهَا أَسْبَابًا مُفِيدَةً لِتِلْكَ الأْحْكَامِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَبُطْلَانُ الْمُعَامَلَةِ لَا يُوَصِّل إِلَى الْمَقْصُودِ الدُّنْيَوِيِّ أَصْلًا؛ لأِنَّ آثَارَهَا لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا.

ينظر: كشف الأسرار 1/ 258، 259 والمستصفى للغزالي 2/ 25، ودرر الحكام الكتاب الأول ص 94 مادة: 110، وحاشية ابن عابدين 2/ 97 ومنح الجليل 2/ 550.

وَتَعْرِيفُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ تَعْرِيفُ الْفَسَادِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ: أَنْ تَقَعَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ أَوْ بِوَصْفِهِ أَوْ بِهِمَا، والْفَسَادُ مُرَادِفٌ لِلْبُطْلَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) فَكُلٌّ مِنَ الْبَاطِل وَالْفَاسِدِ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْل الَّذِي يُخَالِفُ وُقُوعُهُ الشَّرْعَ، وَلَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الآْثَارُ، وَلَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ.

وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي بَعْضِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ، كَالْحَجِّ وَالْعَارِيَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ.

ينظر: جمع الجوامع 1/ 105، والمنثور في القواعد للزركشي 3/ 7، وأشباه السيوطي ص 312، والقواعد والفوائد الأصولية ص 110

ص: 8

وعند اختياره أي اختيار المولى الدفع الواجب وهو العبد عيّن؛ فلهذا وجب حالًا كالمبدَل.

فإن قلت عدم صحة الأجل في المبدل لا يوجب عدم صحته في البدل

(1)

وذلك لأن البدل والمبدَل قد يتغايران في الأحكام.

ألا ترى أن القِصَاص لا يتعلق به حق الموصَى له وإذا صار مالًا بمعنى من المعاني يتعلق به حقه والمال هناك بدل من القصاص.

وكذلك الوضوء والتيمم يختلفان في حق النية وآداء الصلاة

(2)

، وقضاؤها يختلفان في حق اقتداء المسافر بالمقيم، ولم ينظر في هذه المسائل وصف المبدل في حق البدل

(3)

فينبغي أن يجب هناك كذلك.

قلتُ نعم كذلك إلا أن الأجل في الديون عارض حتى لا يثبت إلا بالشرط على ما ذكر في فصل الضمان من كفالة الكتاب.

ولما لم يثبت شرط التأجيل في الفداء ثبت حالًا؛ ولكن ذكر النظر إلى المبدل كان لبيان رجحان جانب الحلول على جانب الأجل؛ وذلك لأن الفداء لما وجب بمقابلة الجناية في النفس أو في العضو أشبه الدية والأرش وهما يثبتان مؤجلان وإن لم يثبت

(4)

شرط التأجيل على ما مر؛ فكان ينبغي أن يجب الفداء مؤجلًا أيضًا بالقياس عليهما وإن لم يذكر شرط التأجيل؛ لكن لما اختار المولى الفداء كان الفداء دينًا في ذمته كسائر الديون فيجب أن يكون حالًا كما في

سائر الديون.

ولما تعارض جانب الأجل والحلول في الفداء بهذا الطريق رجح جانب الحلول بأنه فرع لأصل هو حال فيجب أن يكون حالًا لئلا يفارق الخلف

(5)

الأصل.

أما مخالفتهما في تلك المسائل لمعانٍ ذكرناها في مواضعها وهي أن القصاص غير صالح [لحق

(6)

الموصَى له بالمال فلا يتعلق حقه به، والتراب غير مطهر بطبعه فلم يكن بد من إلحاق النية به ليكون مطهرًا بها بخلاف الماء.

وصلاة المسافر في القضاء غير قابلة للتغيير ففي الاقتداء بالمقيم في القضاء يلزم بناء القوي على الضعيف في حق القعدة الأولى فلا يجوز اقتداؤه بالمقيم في القضاء لذلك.

(1)

في (ج): البدل مكان المبدل والعكس؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ب): وقضاؤها يختلفان في حق النية وآداء الصلاة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ج): البدل مكان المبدل والعكس؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

في (ج): وإن ثبت؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ج): الحلول؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 9

فإذا خلى بينه وبين الرقبة سقط أي سقط حق مطالبة ولي الجناية من المولى كالوارث إذا خلى بين الغرماء وبين التركة لفوات حقه.

على ما بيناه إشارة إلى قوله غير أن الواجب الأصلي هو الدفع إلى آخره

(1)

.

وإن مات أي العبد الجاني بعدما اختار الفداء لم يبرأ؛ أي سواء اختار المولى الفداء قولًا أو فعلًا لم يبرأ المولى عن الفداء.

فإن قلتَ ما الفرق بين هذا وبين كفارة اليمين فإن [أحد]

(2)

الأنواع الثلاثة من الإطعام والإلباس والإعتاق في كفارة اليمين لا يتعين إلا بالفعل ولا يتعين بالقول مع أن الجانب هناك مختار بين تلك الثلاثة؛ وههنا مولى العبد الجاني مختار أيضًا بين الدفع والفداء فيتعين أحدهما بالقول.

قلتُ الفرق بينهما هو أن في حقوق الله تعالى المقصود

(3)

هو الفعل والمحل تابع؛ وفي حقوق العباد المقصود هو تعيين المحل حتى يتمكن صاحب الحق من الاستيفاء؛ والتعيين يحصل بالقول كما يحصل بالفعل فكان القول محققًا غرض صاحب الحق.

فإن عاد وجنى كان حكم الجناية الثانية حكم الأولى؛ أي يقال للمولى ادفعه بالجناية الثانية أيضًا أو افده كما هو الحكم في الجناية الأولى.

معناه بعد الفداء إنما فسر المسألة بهذا لأنه إذا لم يفد الجناية الأولى ثم جنى أخرى كانت المسألة [عين المسألة]

(4)

الثانية وهي قوله وإن جنى جنايتين قيل للمولى إما أن تدفعه إلى آخره

(5)

.

لأن تعلق الأولى أي الجناية الأولى برقبته لا يمنع تعلق الثانية.

فإن قلت ما الفرق بين هذا وبين الرهن

(6)

فإن تعلق حق المرتهن بالرهن منع تعلق حق الثاني به حتى إن الراهن لو مات بعد الرهن وعليه ديون أخرى سوى دين المرتهن لحقته قبل الرهن أو بعده لا تتعلق سائر الديون بالرهن، فقد منع هناك تعلق الدين الأول برقبته تعلق الدين الثاني بها؛ ولم يمنع ههنا تعلق حق المجني عليه الأول حق المجني عليه الثاني برقبة العبد الجاني.

(1)

غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ. ينظر: الهداية في شرح بداية المبتدي (4/ 485)، العناية (10/ 340)، البناية (13/ 279).

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (أ): في المقصود؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب لاستقامة المعنى بدون (في).

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

(وَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ قِيلَ لِلْمَوْلَى إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا وَإِمَّا أَنْ تَفْدِيهِ بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا). ينظر: الهداية (4/ 485)، العناية (10/ 342)، البناية (13/ 281).

(6)

الرهن لغة: الراء والهاء والنون أصل يدل على ثبات شيء يمسك بحق أو غيره؛ ويأتي بمعنى الحبس، شرعًا: هو حبس الشيء بحق يمكن استيفاؤه منه كالدين. ينظر: تكملة البحر الرائق (8/ 264) لسان العرب (13/ 188).

ص: 10

قلتُ الفرق بينهما من حيث إن الرهن إيفاء حكمي والارتهان استيفاء حكمي فيعتبران بالإيفاء والاستيفاء الحقيقين؛ ففي الإيفاء والاستيفاء الحقيقيين لا يبقى تعلق لسائر الديون فكذا في الحكم؛ وأما ههنا فمجرد التعلق لا الإيفاء ولا الاستيفاء لا حقيقة ولا حكمًا فلا يتنافيان في التعلق برقبة العبد الجاني.

ومعنى قوله على قدر حقيهما

(1)

: على قدر جنايتهما

(2)

؛ لأن المستحق إنما يستحقه عوضًا عما فات عليه فلا بد من أن يقسم على قدر المعوّض كذا في الإيضاح

(3)

.

لما ذكرنا وهو قوله: لأن تعلق الأولى برقبته لا يمنع تعلق الثاني.

لأن أرش العين أي العين الواحدة.

والحق يجب للمقتول ثم للوارث خلافة عنه؛ هذا جواب إشكال وهو أن يقال الحق وإن كان متحدًا بالنظر إلى السبب فهو متعدد بالنظر إلى المستحقين؛ فينبغي أن يكون حكم هذه المسألة مثل المسألة الأولى بأن يتمكن المولى من أن يفدي

(4)

من أحدهما ويدفع إلى الآخر.

فأجاب عنه بهذا وقال لا نُسَلِّم بأن المستحق متعدد بل المستحق متحد أيضًا كالسبب لأن الأصل في الاستحقاق الميت وهو واحد والوارثان خليفة عنه فكان الاعتبار لاتحاد الأصل.

فإن قلت فاعتبار جانب الوارث أولى ههنا من اعتبار جانب الميت وذلك لأن الملك يثبت للوارث حقيقة وحكمًا؛ ويثبت الملك للميت حكمًا لا حقيقة لأنه ليس من أهل الملك حقيقة؛ ولما كان كذلك والوارث اثنان وجب أن يتمكن المولى من أن يفدي من أحدهما ويدفع إلى الآخر كما لو اختلفت الجنايتان ترجيحًا لجانب المالك حقيقة وحكمًا على المالك حكمًا لا حقيقة.

قلتُ هذا الذي ذكرته هو وجه إحدى روايتي كتاب الدرر

(5)

وأما في عامة

(6)

الروايات فيصير المولى مختارًا للفداء في حق الوارثين جميعًا إذا اختار الفداء في حق أحدهما؛ فوجه ذلك هو أن ملك الميت أصل وملك الوارث بناءً عليه ولا شك أن اعتبار الأصل أولى من اعتبار الفرع فاعتبرنا جانب الميت وباعتبار جانب الميت كان المستحق واحدًا، فلذلك لم يتمكن المولى من الدفع إلى الآخر بعدما اختار الفداء في حق أحدهما إلى هذا أشار في الذخيرة

(7)

.

(1)

في (أ): حقيقتهما؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب. كما في بداية المبتدي (1/ 252).

(2)

وجاء في (أ) و (ج): على قدر رأس جنايتهما؛ والصواب: على قدر أرش جنايتهما.

(3)

ينظر: العناية (10/ 342).

(4)

في (أ): بين أن يفدي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

كتاب الدرر: هو كتاب جليل القدر عظيم النفع في الفقه الحنفي لمحمد بن فراموز الشهير بمُنْلا خُسْرو ت 885 هـ - ينظر: الفوائد البهية (184).

(6)

في (ب): سائر؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(7)

ينظر: العناية (10/ 343).

ص: 11

فإن أعتقه المولى وهو لا يعلم بالجناية ضمن الأقل إلى آخره

(1)

.

وحاصل هذا فيما ذكره في الذخيرة بقوله: والأصل في جنس هذه المسائل أن المولى متى أحدث في العبد تصرفًا يعجزه عن الدفع وهو عالم بالجناية يصير مختارًا للفداء.

وإذا أحدث تصرفًا لا يعجزه عن الدفع لا يصير مختارًا وإن كان عالمًا بالجناية، لأن في الوجه الأول اختار إمساك العبد فيتعين دفع الفداء، لأن المخير بين شيئين في الإزالة إذا اختار إمساك أحدهما يلزمه إزالة الآخر عن ملكه؛ كمن أعتق أحد عبديه ثم باع أحدهما فإنه يتعين الآخر للعتق.

وفي الوجه الثاني ما اختار إمساك العبد لأن الدفع بعدما باشر من التصرف ممكن فيبقى على خياره؛ فإذا ثبت هذا الأصل فنقول الإعتاق تصرف يعجزه عن الدفع لأن إعتاقه نافذ؛ لأن تعلق حق الغير بالعبد لا يمنع نفاذ العتق فيه وبعد نفاذ العتق لا يمكنه الدفع؛ فإذا أعتق مع العلم بالجناية فقد اختار

(2)

إمساك العبد فيتعين الفداء بخلاف الإقرار على رواية الأصل.

يعني إذا أقر الرجل الذي في يده العبد الجاني بأن هذا العبد لفلان؛ أي: لا يصير مختارًا للفداء لما ذكر في الكتاب؛ هذا الذي ذكره من الحكم بأنه لا يصير مختارًا للفداء فيما إذا أثبت

(3)

بالبينة أنه لفلان، وأما إذا لم يثبت بالبينة فلا؛ لأنه ذكر في المبسوط ولو أن عبدًا في يدي رجل جنى جناية، فقال: ولي الجناية هو عبدك، وقال الرجل هو وديعة

(4)

عندي لفلان أو عارية

(5)

أو إجارة

(6)

أو رهن؛ فإن أقام على ذلك بَيِّنَة أخرت الأمر فيه حتى يقدم الغائب؛ فإن لم يقم بينة خوطب بالدفع أو الفداء

(7)

.

(1)

(فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ). ينظر: الهداية (4/ 486)، العناية (10/ 343)، البناية (13/ 282).

(2)

في (ج): فنفذ اختيار؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (ج): ثبت؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(4)

الوديعة لغة: مأخوذة من ودع الشيء إذا تركه، واصطلاحًا: تسليط الغير على حفظ المال. ينظر: المغرب (2/ 346)، أنيس الفقهاء (ص/ 248).

(5)

العارية بتشديد الياء تمليك منفعة بلا بدل، وهي نوعان حقيقية ومجازية؛ فالحقيقية: هي إعارة الأعيان التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها كالثوب والدابة؛ والمجازية: وهي إعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلا بالاستهلاك كالدراهم ينظر: التعريفات (ص/ 146)، أنيس الفقهاء (ص/ 94).

(6)

الإجارة: عقد على المنافع بعوض. ينظر: طلبة الطلبة (ص/ 261)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 21).

(7)

ينظر: المبسوط (27/ 41).

ص: 12

وقال زفر

(1)

هو مختار للدية بمجرد قوله: إنه لفلان؛ لأنه زعم أنه لا سبيل له على دفعه فيجعل به مفوتًا للدفع مختارًا للفداء كما لو أعتقه

(2)

.

ولكنا نقول هو بكلامه هذا يزعم أنه ليس بخصم في هذه الجناية أصلًا واختياره ينبني على كونه خصمًا، فإذا أثبت بالبينة أنه ليس بخصم فيه صار إثبات ذلك بالبينة كالإثبات بالمعاينة.

وإن لم يقم بينة على ذلك فهو الخصم باعتبار ظهور يده فيه، وهو متمكن من دفعه؛ فيخاطب بالدفع أو الفداء ولا معنى لجعله مختارًا للدية مع تمكنه من الدفع بالجناية.

فإن فداه ثم قدم الغائب أخذ عبده بغير شيء؛ لأن ذا اليد كان أقر بالملك له وقد اتصل تصديقه بذلك الإقرار وقد كان ذو اليد متبرعًا في هذا الفداء فإنه ما كان مجبرًا عليه فلا يرجع بشيء منه على المقر له.

وإن كان دفعه فالغائب بالخيار إن شاء أمضى ذلك وإن شاء أخذ العبد ودفع الأرش؛ لأن تصديقه اتصل بذلك الإقرار فيثبت الملك له ويتبين [أنه]

(3)

كان له الخيار.

لجواز أن الأمر كما قال؛ أي لجواز أن يكون العبد عبد المقَر له فيخاطب المقَر له بالدفع إلى ولي الجناية.

وألحقه الكرخي

(4)

: بالبيع

(5)

.

وذكر في الإيضاح وقد أطلق أبو الحسن

(6)

(7)

أنه يصير مختارًا

(8)

وهو رواية خارجة عن الأصول

(9)

؛ وإطلاق الجواب وهو قوله ضمن الأقل من قيمته ومن أرشها إلى آخره

(10)

.

(1)

زفر بن الهذيل بن قيس العنبري فقيه من أصحاب الإمام أبي حنيفة أقام بالبصرة وولي قضاءها وكان كثيرًا ما يتناظر مع أبي يوسف، ت سنة 158 هـ ينظر: تحفة الفقهاء (3/ 28)، سير أعلام النبلاء (8/ 38).

(2)

ينظر: المبسوط (27/ 41).

(3)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

الكرخي: أبو الحسن عبيدالله بن الحسين بن دلال بن دلهم الكرخي، انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة بعد أبي خازم وأبي سعيد البردعي ت 340 هـ. ينظر: الجواهر المضيئة (1/ 337).

(5)

ينظر: العناية (10/ 343)، البناية (13/ 284).

(6)

في نسخة (ج): الحسن؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

هو أبو الحسن الكرخي، وقد سبق ترجمته في الهامش (2) السابق.

(8)

ينظر: العناية (10/ 343)، البناية (13/ 284).

(9)

كتب الأصول وهي الكتب الستة المعروفة بكتب ظاهر الرواية. سبق ص 81.

(10)

(فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ). ينظر: الهداية (4/ 486)، العناية (10/ 343)، البناية (13/ 282).

ص: 13

وإطلاق البيع ينتظم البيع بشرط الخيار للمشتري؛ يعني إذا باع مولى العبد الجاني العبدَ بشرط الخيار للمشتري كان ذلك اختيارًا منه للفداء.

وقال في الإيضاح: أما على قولهما؛ فلأن الملك يثبت للمشتري.

وعلى قول أبي حنيفة

(1)

: ملك البائع يزول وإن لم يثبت للمشتري وفوات الدفع يكون بزوال ملك البائع.

بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع ونقضه وبخلاف العرض على البيع؛ أي لا يثبت بهذين الفعلين اختيار الفداء لأن الاختيار إنما يثبت إذا فات إمكان الدفع ولم يَفُتْ

(2)

.

وقال زفر: يكون مختارًا للفداء بهذين الفعلين لأنه [دليل]

(3)

على استبقاء

(4)

الملك، ولهذا يسقط خيار الشرط منهما

(5)

؛ كذا في الإيضاح

(6)

.

فإن قلتَ المشتري يشترط الخيار وإذا باع بشرط الخيار للبائع أو عرض

(7)

على البيع يصير مختارًا للبيع ومجيزًا له؛ وكذلك البائع يشترط الخيار لنفسه إذا عرض على البيع

(8)

يكون فاسخًا للبيع على ما مر؛ وكذا أشار إلى هذا في الإيضاح

(9)

أيضًا على ما ذكرنا.

فعلى هذا إذا باع بشرط الخيار للبائع أو عرض على البيع ينبغي أن يكون مختارًا للفداء.

قلتُ لو لم يكن مخيرًا هناك بهذا التصرف كان التصرف بالعرض واقعًا في ملك الغير على تقدير تعذر الفسخ، والتصرف في ملك الغير حرام؛ وكذلك البائع لو لم يجعل فاسخًا بهذا التصرف كان تصرفه واقعًا في الأجرة في ملك الغير على تقدير الإجارة.

أما ههنا لو لم يجعل مختارًا للفداء بهذا التصرف

(10)

لا يتبين بالدفع أنه تصرف في ملك الغير فافترقا؛ ولأن المشتري أو البائع لو لم يجعل مخيرًا

(11)

أو فاسخًا لا يصح شراؤه وبيعه، لأنه يكون شراءً وبيعًا فيه غرر

(12)

؛ وههنا لا يلزم الغرر

(13)

في حق الدفع فيبقى مخيرًا بين الدفع والفداء لتمكنه من كل واحد منهما لعدم زوال ملكه.

(1)

هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي الإمام فقيه الملة عالم العراق أبوحنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي الكوفي مولى بن يتيم الله بن ثعلبة، ولد: سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة. ورأى: أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة ولم يثبت له حرف عن أحد منهم. توفي: شهيدا مسقيا في سنة خمسين ومائة. ينظر: سير أعلام النبلاء (6/ 390).

(2)

ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 264).

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ) و (ب): استيفاء؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(5)

في (أ) و (ج): بهذا؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(6)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 264).

(7)

في (ب): أو فرض؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ج): المبيع؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(9)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 264).

(10)

في (أ): بهذا الطريق؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(11)

في (ج): مجيزًا؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(12)

في (أ) و (ج): غرور؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(13)

في (ج): الغرور؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 14

بخلاف الكتابة الفاسدة

(1)

؛ أي يصير مختارًا للفداء بمجرد عقد الكتابة الفاسدة بخلاف البيع الفاسد فإن هناك لا يكون مختارًا للفداء قبل التسليم إلى المشتري.

وذكر الفرق في الإيضاح وقال لأن موجب عقد الكتابة الفاسدة ثبت بنفس العقد وهو تعليق العتق بالآداء فكانت الكتابة نظير البيع الفاسد بعد القبض

(2)

.

وصورة الكتابة [الفاسدة]

(3)

ما مر في المكاتب

(4)

بقوله: وإذا كاتب المسلم عبده على خمر أو خنزير أو على قيمته فالكتابة فاسدة.

وذكر في الإيضاح قبل هذا ولو أن المولى كاتب العبد الجاني

(5)

وهو يعلم ثم عجز فإن كان خوصم قبل أن يعجز فقضى القاضي بالدية ثم عجز لم يرتفع القضاء؛ لأن الوجوب

(6)

قد استحكم باتصال القضاء به.

وإن لم يخاصم فيه حتى عجز كان له أن يدفعه به؛ لأن الدفع لم يفت على سبيل الإحكام لاحتمال ارتفاع فوات الدفع بالعجز

(7)

(8)

.

وروي عن أبي يوسف

(9)

: أنه يصير مختارًا بالكتابة؛ لأنه تعذر الدفع باعتبار زوال اليد؛ واليد إنما تعود بسبب جديد.

ولو ضربه فنقصه بأن أثر فيه حتى صار مهزولًا؛ أو قلَّتْ قيمته ببقاء أثر الضرب فهو مختار إذا كان عالمًا بالجناية.

وأما إذا ضربه وهو غير عالم بالجناية كان عليه الأقل من قيمته ومن أرش الجناية إلا أن يرضى ولي الدم أن يأخذه ناقصًا، ولا ضمان

(10)

على المولى؛ لأنه لما رضي به ناقصًا صار كأن النقصان حصل بآفة سماوية.

(1)

المكاتب: العبد الذي يكاتب على نفسه بثمنه، فإن سعى وأداه عتق، وأَجمع الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنّ المُكاتَب عَبْدٌ مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهم. ينظر: أنيس الفقهاء (1/ 61)، لسان العرب (10/ 124).

(2)

ينظر: العناية (10/ 343، 344).

(3)

ساقطة من (أ) و (ج)؛ وإثباتها من (ب) هو الصواب.

(4)

في (ب): في الكتاب؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(5)

في (ج): المسلم؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ج): الموجب؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (ج): بالخمر؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 265).

(9)

هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي أبو يوسف، فقيه أصولي مجتهد محدث حافظ، تفقه على أبي حنيفة وسمع الحديث من عطاء بن السائب وطبقته، ولي القضاء لثلاثة خلفاء؛ ولقب بقاضي القضاة؛ ت 183 هـ. ينظر: الجواهر المضيئة (2/ 220)، المحيط البرهاني (7/ 170).

(10)

الضمان: ضمنت الشيء ضمانًا أي كفلت به، اصطلاحًا: ضم ذمة إلى ذمة الأصيل في المطالبة بالحق. ينظر: القاموس المحيط (1/ 1212)، طلبة الطلبة (1/ 139).

ص: 15

ولو ضرب المولى عينه فابيضت وهو عالم به، ثم ذهب البياض قبل أن يخاصم فيه لا يكون مختارًا للفداء بل يدفع أو يفدي؛ لأن النقصان لما زال جعل كأن لم يكن.

ولو خوصم في حالة البياض فضمَّنه القاضي الدية؛ ثم زال البياض فالقضاء نافذ لا يرد لأن الخيار قد استحكم بانضمام القضاء إليه.

وكذا إذا كانت بكرًا فوطئها

(1)

أي يصير مختارًا للفداء، وإن لم يكن معلقًا؛ وإنما قيد به لإثبات الفرق بين وطأ البكر ووطأ الثيب؛ لأن بوطئ الثيب لا يكون مختارًا للفداء ما لم يكن الوَطئ معلَّقًا

(2)

في ظاهر الرواية، فإذا علقت منه فحينئذ يكون اختيارًا للفداء.

وروي عن أبي يوسف: [أن مطلق]

(3)

الوطئ يكون اختيارًا لأن الحِل يختص

(4)

بالملك فكان دليلًا على إمساك العين.

فكان قوله في الكتاب بخلاف وطئ الثيب على ظاهر الرواية احترازًا عما روي عن أبي يوسف، وقول زفر مثل قول أبي يوسف هذا.

وقوله لما قلنا إشارة إلى قوله لأنه حبس جزء منه.

بخلاف التزويج أي لا يصير مختارًا للفداء بالتزويج لأن التزويج لا يعجزه عن الدفع كما لا يعجزه عن البيع.

وفي المسألة طعن عيسى

(5)

؛ ووجهه أن التزويج تعييب وبالتعييب يثبت اختيار الفداء كما لو ضرب على يديها وعينها.

قلنا التعييب تفويت جزء منها حقيقة وأما النكاح فليس بتفويت لجزئها حقيقة فإنها بعد النكاح قائمة برمتها؛ وإنما دخلها العيب حكمًا، وبه لا يثبت اختيار الفداء كما لو أقر عليها بالسرقة مع العلم بالجناية؛ فإن بسبب هذا الإقرار يدخلها نوع عيب ولكن لما كان حكميًا لم يثبت به اختيار الفداء؛ لأنه لا ينقص من غير إتلاف

(6)

؛ وإنما يجعل الوطئ في حكم جزء من العين إذا وقع في غير الملك وههنا قد وقع في الملك؛ فإن الملك يثبت مقتصرًا على عين الدفع.

(1)

الوطء: وطئ الشيء برجله وطئا، ومنه وطء المرأة جامعها. ينظر: المغرب (ص: 489).

(2)

في (ج): متعلقًا؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

في (ج): يحفظ؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

هو عيسى بن أبان بن صدقة، أبو موسى؛ قاض من كبار فقهاء الحنفية. كان سريعا بإنفاذ الحكم؛ عفيفا، خدم المنصور العباسي مدة، وولي القضاء بالبصرة عشر سنين وتوفي بها. له كتب، منها:"إثبات القياس"، و"اجتهاد الرأي"، و "الجامع" في الفقه، و"الحجة الصغيرة". ينظر: الأعلام للزركلي (5/ 100)، تاج التراجم (ص: 226).

(6)

في (أ) و (ب): إغلاق؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

ص: 16

فإن قلت ما الفرق بين هذا وبين البيع بشرط الخيار في حق وطأ الثيب فإن الوطئ هناك كان فسخًا للبيع وهنا لا يكون اختيارًا للفداء ما لم يُعَلق.

قلتُ الفرق بينهما من حيث أن هناك لو لم يجعله فاسخًا العقد بالوطئ لكان إذا اختار العقد ملكها المشتري من وقت العقد، ولهذا استحق زوائدها فيتبين به أن الوطئ حصل في غير ملكه فللتحرز

عن هذا جعلناه فاسخًا، وهنا إذا دفعها

(1)

بالجناية يملكها ولي الجناية من وقت الدفع، ولهذا لا يسلم له شيء من زوائدها فلا يتبين

(2)

به أن الوطئ كان في غير ملكه.

وبخلاف الاستخدام يعني لو استخدم العبد الجاني بعد العلم بالجناية لا يكون مختارًا للفداء حتى لو عطب في الخدمة لا ضمان عليه؛ وذلك لأن الاستخدام لا يختص بالملك فلم يدل على الاختيار.

وكذلك لو كان عليه دين فاستخدمه المولى لم يضمن

(3)

للغرماء ولا يصير مختارًا بالإجارة والرهن في الأظهر؛ هذا احتراز عما ذكر في بعض نسخ الأصل أنه يكون مختارًا في الرهن والإجارة؛ لأنه أثبت عليهما يدًا مستحقة فصار كالبيع.

وجه ظاهر الرواية أن الإجارة تنتقض بالعذر فيكون قيام حق ولي الجناية فيها عذرًا في نقض الإجارة؛ والراهن يتمكن من قضاء الدين واسترداد الرهن متى شاء؛ فلم يتحقق عجزه عن دفعها بهذين الفعلين فلا يجعل ذلك اختيارًا وكذا الإذن

(4)

في التجارة.

وإن ركبه دين أي لم يَصِرْ المولى مختارًا للفداء بالإذن في التجارة؛ لأن الدين لحقه من جهة المولى، ووجوب الدين في ذمَّة العبد [نقصان للعبد؛ لأن الغرماء يتبعون ولي الجناية إذا دفع العبد إليهم فيبيعونه بديونهم؛ لكن ذلك بسبب من جهة المولى وهو الإذن]

(5)

فكان له أن يمتنع من قبوله ناقصًا؛ هذا كله من المبسوط

(6)

والإيضاح

(7)

والذخيرة

(8)

.

(1)

في (ج): جعلناه؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ب): يعلم؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ج): فيضمن؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

الإذن لغة: الإطلاق والإباحة، وأذن له في الشرع: أباحه له، واصطلاحًا: الإطلاق في حق التجارة بإسقاط الحجر عنه. ينظر: القاموس المحيط (4/ 197)، تبيين الحقائق (5/ 204).

(5)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

ينظر: المبسوط (26/ 21).

(7)

ينظر: العناية (10/ 344)، البناية (13/ 286).

(8)

ينظر: العناية (10/ 344)، البناية (13/ 286).

ص: 17

فهو مختار للفداء إن فعل ذلك أي إن فعل العبد تلك الأفعال وهي القتل والرَّمي والشج

(1)

فمات [الفلان]

(2)

من ذلك الفعل عتق العبد وصار المولى بهذا التعليق

(3)

مختارًا للفداء عند تحقق الفعل؛ لكن يجب أن يكون القتل قتلًا يوجب الدية كالخطأ وشبه العمد

(4)

لا القصاص.

وذكر شيخ الإسلام

(5)

في صورة المسألة أن عتق العبد

(6)

بضرب لا يوجب القصاص.

وهكذا ذكر في المبسوط حيث قال فيه بعد ما ذكر المسألة كما ذكر في الكتاب؛ فإن كانت جناية العبد مما يتعلق به القصاص فلا شيء على المولى؛ لأن الواجب هو القصاص على العبد، وذلك لا يختلف بالرق والحرية فلا يصير المولى بالعتق مفوتًا حق ولي الجناية؛ فلذلك لا يلزمه شيء.

ثم مات من اليد فالعبد صلح بالجناية؛ وهذا [يشكل]

(7)

على أصل أبي حنيفة: وهو أن العفو عن قطع اليد عنده

(8)

لا يكون عفوًا عن السراية والجناية؛ فالصلح عن القطع على

العبد يجب أن لا يكون صلحًا عن الجناية أيضًا.

والجواب أن بالسراية يتبين بطلان الصلح عن القطع؛ لأن حقه في النفس دون اليد فيبطل الدفع أيضًا بناءً على قطع اليد؛ ولكن يثبت عند الإعتاق صلح جديد بينهما.

أما في جانب المولى فلا شك؛ لأنه رضى بدفع العبد بجناية القطع، فيكون أرضى

(9)

بدفعه بجناية العقل.

وكذا من جانب المجني عليه؛ لأنه لما أقدم على إعتاق العبد المدفوع مع علمه أن العتق مما لا ينفسخ ولو سرى يبطل الدفع ويجب عليه الرد ويعجز عن الرد بسبب العتق كان راضيًا بكونه بدل القطع وما يحدث منه دلالة؛ كذا ذكره الإمام المحبوبي:

(10)

(11)

.

(1)

الشجة: الجرح في الرأس أو الوجه دون غيرهما. ينظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 229).

(2)

في (ج) بياض؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (ج): هو المعتق؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

القتل شبه العمد: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح؛ ولا ما أجري مجرى السلاح. ينظر: الأصل (4/ 437)، تكملة فتح القدير (10/ 227).

(5)

شيخ الإسلام: يطلق على عدد من علماء المذهب وعند الإطلاق يراد به جواهر زاده ينظر: الجواهر المضيئة (4/ 403)، طبقات الحنفية (1/ 205).

(6)

في (ج): علق العتق؛ وفي (أ): عتق العتق؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

في (ج): يد عبده؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(9)

في (ج): أوصى؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(10)

المحبوبي: عبيد الله بن مسعود بن عبيد الله بن محمود صدر الشريعة المحبوبي، عالم محقق وحبر مدقق، له تصانيف مفيدة ومنها: شرح الوقاية ومختصر الوقاية. ينظر: تاج التراجم (ص/ 203)، الأعلام (4/ 198).

(11)

ينظر: العناية (10/ 346)، البناية (13/ 288).

ص: 18

لأن إقدامه على الإعتاق يدل على قصده تصحيح الصلح؛ لأن الظاهر أن

(1)

من يقدم على تصرف بقصد تصحيحه ولا صحة لهذا الصلح بدون أن يجعل صلحًا عن الجناية؛ لأنه لما رضي بكون العبد عوضًا عن القليل وهو اليد يكون أرضى بكونه عوضًا عن الكثير وهو السراية إلى النفس.

وذكر في بعض النسخ أي في بعض نسخ الجامع الصغير وبه صرح فخر الإسلام

(2)

: في الجامع الصغير وقال وقد ذكر في بعض نسخ هذا الكتاب هذه المسألة على خلاف هذا الوضع؛ فوجه المخالفة بيَّنا لوضعين هو أن في الوضع الأول الجاني عبد فدفع العبد بدون ذكر لفظ الصلح؛ وفي الثاني الجاني حر والعبد بدل الصلح.

إلى آخر ما ذكرنا من الرواية؛ يعني وإن لم يعتقه رده إلى مولاه ثم يقال لأولياء الجناية إما أن تقتلوا وإما أن تعفوا؛ وهذا الوضع يَرِدُ إشكالًا فيما إذا عفي عن اليد.

والإشارة بقوله وهذا الوضع: إلى الوضع الثاني، وإنما خص هذا الوضع بوروده إشكالًا؛ لأن دفع العبد في هذا الوضع بطريق الصلح، والصلح متضمن للعفو لأنه ينبيء عن الحطيطة

(3)

فيكون هذا نظير العفو.

ولا كذلك الوضع

(4)

الأول لأن الدفع ثمة ليس بطريق الصلح بل بطريق الدفع؛ فلما لم يكن بطريق الصلح لم يكن فيه حط شيء فلا يرد إشكالًا على مسألة العفو حيث لا يجب القصاص هناك؛ لأنه قال هناك وهو عفو عن النفس؛ وههنا قال يجب لأنه قال وقيل للأولياء اقتلوه، أما إذا أعتقه

(5)

فالتخريج

(6)

ما ذكرناه وهو قوله لأن إقدامه على الإعتاق يدل على قصده إلى آخره

(7)

.

(1)

في (ج): لأن الصلح هو؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

فخر الإسلام: علي بن محمد بن الحسين أبو الحسن فخر الإسلام البزدوي، فقيه أصولي من أكابر الحنفية، من أهم مصنفاته: كنز الوصول المعروف بأصول البزدوي ينظر: كشف الظنون (1/ 145)، الأعلام (4/ 328).

(3)

الحطيطة: ما يحط من جملة الحساب في نقص منه، وتجمع حطائط، يقال حط عنه حطيطة وافية، والحطيطة ما انحط من الدين عن المدين. ينظر: تهذيب اللغة (3/ 268)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 505).

(4)

في (ب): العفو؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ج): دفعه؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ب): فالتحرز؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ تَصْحِيحَ الصُّلْحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى تَصَرُّفٍ يَقْصِدُ تَصْحِيحَهُ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا وَأَنْ يُجْعَلَ صُلْحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا.

ص: 19

فأعتقه المولى ولم يعلم بالجناية قيد بعدم العلم ليبني عليه قوله فعليه قيمتان؛ لأنه لو أعتقه وهو عالم بجنايته كان عليه الدية إذا كانت الجناية في النفس لأولياء الجناية وقيمة العبد لصاحب الدين لأن الإعتاق بعد العلم بالجناية موجب للأرش دون القيمة على ما مر في الكتاب.

وذكر في المبسوط فيما إذا جنى العبد جنايتين على التفاوت بأن قتل رجلًا خطأ وفقأ عين آخر؛ إن أعتقه المولى وهو يعلم بالجنايتين فهو مختار للفداء [فكان عليه]

(1)

خمسة عشر ألفًا في ماله؛ لأنه فوت محل الدفع بالإعتاق بعد العلم بالجناية؛ وذلك منه اختيار للفداء دلالة فهو كالتصريح بالاختيار، ويمكن الجمع بين الحقين إيفاءً

(2)

من الرقبة الواحدة بأن يدفع إلى ولي الجناية ثم يباع للغرماء

(3)

.

والأصل في هذا هو أن العبد إذا قتل رجلًا خطأ وعلى العبد دين يخير المولى بين الدفع والفداء؛ فإن اختار الدفع يبيع

(4)

لأجل الغرماء في الدين؛ فإن فضل منه شيء كان لأصحاب الجناية، وإنما بدأنا بالدفع أولًا لأنا إذا دفعنا أولًا كان جمعًا بين الحقين؛ فإن [حق]

(5)

أولياء الجناية صار موفَّى بالدفع ثم يباع بعده لأرباب الدين، ومتى بدأ بالدين أولًا تعذر الدفع بالجناية؛ لأنه تجدد الملك للمشتري ولم يوجد في يده جناية.

فإن قيل

(6)

: فما فائدة الدفع إذا بيع في الدين بعد ذلك.

قلنا فائدته أن يثبت له حق الاستخلاص بالفداء؛ فإن للناس أغراضًا في الإعتاق

(7)

، وإنما لم يَبطل الدين بحدوث الجناية؛ لأن موجَب

الجناية صيرورته حرًا

(8)

فإذا كان مشغولًا وجب دفعه مشغولًا؛ ثم إذا بيع وفضل من ثمنه شيء صرف إلى أولياء الجناية؛ لأنه بيع على ملكهم؛ وإن لم يفِ بالدين تأخر إلى حال الحرية كما لو بِيعَ على ملك المولى الأول.

(1)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ج): أيضًا؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (27/ 32).

(4)

في (ج): شرع؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

سبق ذكر مزايا النهاية ص 87 وأن من الأمور البارزة في هذا الكتاب عنايته بالاعتراضات ومناقشتها وردها، ويكون ذلك بصيغة الافتراض كقوله:(فإن قيل)، (يرد)، (ألا ترى)، وكثيرًا ما يناقشها بقوله:(وأجيب)، (ويرده).

(7)

في (ب): الأعيان؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ب): جزاء؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 20

ولو دفعه المولى إلى أولياء الجناية لم يضمن لأصحاب الدين شيئًا استحسانًا

(1)

؛ والقياس أن يضمن بالقيمة؛ لأن الدفع وإن كان واجبًا؛ ولكن الملك لم يكن ثابتًا؛ وإنما يثبت

(2)

بدفعه لهم فصار كما لو باعه منهم؛ وجه الاستحسان أن هذا حكم مستحق عليه.

ألا ترى أن القاضي يجبره على ذلك، فإذا فعل عين

(3)

ما هو مستحق عليه لم يضمن به شيئًا، ولو دفع إلى أصحاب الدين بدينهم كان مختارًا للجناية ولزمه الأرش إن كان عالمًا والقيمة إن لم يكن عالمًا؛ لأن ما فعل

(4)

غير مستحق عليه بل المستحق عليه الدفع إلى أولياء الجناية، ثم يباع في الدين على ملكهم؛ فكان دفعه بالدين تفويتًا للدفع إلى الأولياء فيضمن.

(1)

الاستحسان لغة: على وزن استفعال؛ من الحسن؛ وهو عد الشيء حسنًا ويطلق على ما يميل إليه الإنسان من الصور والمعاني. ينظر: المعجم الوسيط (174)

اصطلاحًا: قال أبو الحسن الكرخي: الاستحسان هو العدول في مسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه لوجه هو أقوى منه، وقال بعضهم: الاستحسان هو القياس الخفي، وقال الحلواني الحنفي: الاستحسان ترك القياس لدليل أقوى منه من كتاب أو سنة أو إجماع، وجاء في المبسوط للسرخسي: أن الاستحسان في الحقيقة قياسان أحدهما ضعيف الأثر يسمى قياسًا والآخر خفي قوي الأثر يسمى استحسانًا. ينظر: (الإحكام للآمدي (4/ 158)، أدلة التشريع للدكتور عبدالعزيز (158)، الوجيز في أصول افقه (230)، المبسوط للسرخسي (3/ 145).

وقد جعل الكرخي استخدامات أئمة المذهب الحنفي لمصطلح الاستحسان على أربعة أنواع: أولها: ترك القياس العام لدليل خاص، مثل ترك قاعدة: أن ما لا ينقض الوضوء خارج الصلاة لا ينقضه داخلها أيضا، للأثر الذي روي بأن القهقهة في الصلاة تفسدها وتنقض الوضوء أيضا. وثانيها: ترك القياس العام لقول الصحابي، ومثال ذلك قول أبي حنيفة بجعل أجرة ردّ العبد الآبق أربعين درهما اتباعا لقول ابن عباس. وثالثها: ترك القياس العام للعرف، مثل القول بجواز بيع المعاطاة. ورابعها: اتباع معنى خفي، هو أخص بالمقصود وأمس من المعنى الجلي (ترك القياس الجلي لقياس خفي).

شرح المعالم في أصول الفقه عبد الله بن محمد بن علي ابن التلمساني، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض (2/ 471. (

(2)

في (ب): وإنما لم يكن؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ج): فإذا قبل غير؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

في (ج): ما قبل؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 21

ولو أن القاضي باعه في الدين ببينة قامت عنده، ثم حضر أصحاب الجناية ولا فضل في الثمن فقد سقط حق ولي الجناية؛ لأن القاضي لا يلزمه عهدة فيما يصنع وهو بمنزلة الأمين، ولو فسخ البيع ودفع بالجناية لاحتجنا إلى البيع فلا فسخ؛ بخلاف المولى إذا باع لأنه يجوز أن يجب عليه الضمان بفعله كذا في الإيضاح

(1)

.

بخلاف ما إذا أتلفه أجنبي أي إذا أتلف الرجلُ الأجنبيُّ العبدَ المأذون

(2)

المديون لا يضمن للغرماء وإنما يضمن للمولى؛ ثم المولى يدفع تلك القيمة إلى الغرماء.

فلا يظهر في مقابلته الحَقُّ أي حق الدفع لأن حق الدفع دون الملك.

فيضمنهما؛ أي فيضمن المولى بالإعتاق لصاحب الدين وولي الجناية.

وإذا استدانت الأمة المأذون لها ثم ولدت

(3)

فإنه يباع الولد [معها]

(4)

؛ وإنما وضع المسألة هكذا أي: فيما إذا ولدت بعد الاستدانة لأنها إذا ولدت ثم لحقها الدين بعد ذلك لم يتعلق حق غرمائها بولدها.

وأما الأموال التي حصلت لها بطريق الهبة أو الصدقة أو بالتجارة فهي أحق بها من مولاها في أداء دينها بها؛ ويستوي في ذلك إن كانت اكتسبت قبل لحوق الدين أو بعد لحوق الدين لأن يدها في الكسب يد معتبرة حتى لو نازعها فيه إنسان كانت خصمًا له؛ فباعتبار بقاء يدها تبقى حاجتها فيه مقدمًا بخلاف ما إذا أخذ المولى منها قبل أن يلحقها الدين.

وهذا بخلاف ما إذا ولدت قبل أن يلحقها الدين؛ لأن ولدها ليس من كسبها ولكنه جزء متولد من عينها؛ فكما أن نفسها لا تكون من كسبها فكذلك ولدها إلا أن نفسها تباع في الدين لالتزام المولى ذلك بالإذن لها في التجارة، وذلك لا يوجد في حق الولد؛ ولو تعلق به حق الغرماء إنما يكون بطريق السراية ولا سراية بعد الانفصال؛ لأن الولد بعد الانفصال نفس على حِدَة.

وهذا بخلاف ما إذا كان الدين لحقها قبل أن تلد ثم ولدت؛ لأن حق الغرماء تعلق بها في حال

(5)

ما كان الولد جزءًا متصلًا بها فيسري إلى الولد بحكم الاتصال فيفصل على تلك الصفة.

(1)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 157، 158)، تكملة البحر الرائق شرح كنز الدقائق (8/ 426).

(2)

المأذون: هو العبد الذي أذن له سيده بالتجارة؛ فهو مأذون له؛ والفقهاء يحذفون الصلة تخفيفًا فيقولون العبد المأذون. ينظر: المصباح المنير (1/ 9) مادة أذن.

(3)

أم الولد: كل مملوكة ثبت نسب ولدها من مالك لها أو من مالك لبعضها. ينظر: تحفة الفقهاء (2/ 273).

(4)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ج): حق؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 22

وهذا بخلاف الدفع بالجناية؛ فإن الجانية إذا ولدت لا حق لأولياء الجناية في ولدها؛ لأن حقهم هناك في بدل المتلف وهو أرش الجناية أو في نفسها جزاءً على الجناية؛ ولكن ذلك ليس بحق متأكد [بدليل]

(1)

يمكن المولى من التصرف فيه كيف شاء بالبيع وغيره فلهذا لا يسري

(2)

إلى الولد؛ وهنا حق الغرماء متأكد في ذمتها يتعلق بماليتها بصفة التأكد بدليل أنه لا ينفذ تصرف المولى فيها بالبيع والهبة ما لم يصل إلى الغرماء حقهم فيسري هذا الحق المتأكد إلى الولد؛ كذا ذكره في باب الدين يلحق المأذون من مأذون المبسوط

(3)

.

وذكر شيخ الإسلام في مبسوطه أن الدين حق مستقر في الأمَة حتى صار المولى ممنوعًا من بيعها وهبتها

(4)

(5)

؛ فكان كحق الكتابة والتدبير

(6)

لما كان حقًا مستقرًا في الرقبة سرى إلى الولد.

وكالأضحية إذا ولدت سرى إلى ولدها؛ لأنه ثبت للغير حق مستقر حتى صار صاحبها ممنوعًا من الانتفاع بها من حلبها وجز صوفها.

بخلاف القصاص فإنه لا يسري إلى الولد؛ لأن المستحق بالقصاص الروح لا الرقبة والولد يتولد من الرقبة لا من الروح.

أما الدين فإنه يتعلق برقبتها حتى صار المولى ممنوعًا من التصرف في رقبتها.

بخلاف الجناية فإنها لا تسري إلى الولد لأنه ليس لولي الجناية حق مستقر في العين حتى لم يصر المولى ممنوعًا من التصرف في العين بالبيع والهبة والاستخدام؛ فلذلك لم يسر إلى الولد كحق [الفقير]

(7)

[في]

(8)

قدر الزكاة بعد الحول؛ لأنه لما لم يمنع صاحب المال من التصرف لمْ يَسْرِ إلى الولد المتولد من مال الزكاة؛ إن الدين وصف حكمي فيها واجب في ذمتها متعلق برقبتها استيفاء.

فإن قلت لو كان الدين واجبًا في ذمتها متعلقًا برقبتها لما ضمن المولى قيمتها بالإعتاق.

وقد مر في المأذون وإذا أعتق المولى العبدَ المأذون وعليه ديون كان

(9)

ضامنًا لقيمته للغرماء؛ فإتلاف المديون

(10)

غير موجب للضمان لرب الدين كما لو أتلف إنسان مديون غيره لا يضمن لرب الدين دَيْنَه؛ بل يضمن لولي القتيل دِيَته إذا كان القتل خطأ على ما مر آنفًا في قوله بخلاف ما إذا أتلفه أجنبي.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ج): يسري؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (25/ 55).

(4)

في (ج): نفعها؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

ينظر: المبسوط (25/ 55).

(6)

المدبر: عتق عبد عن دبر؛ وهو أن يعتق بعد موت صاحبه. ينظر: أنيس الفقهاء (1/ 60)، طلبة الطلبة (ص/ 72).

(7)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (أ)؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ج): كان عليه؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(10)

في (ج): المأذون؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 23

قلتُ وجوب ضمان قيمة العبد المديون على المولى إنما كان باعتبار تفويت ما تعلق به حقه مبيعًا واستيفاءً من ثمنه لا باعتبار وجوب الدين على المولى.

ألا ترى أن الغرماء يتبعون العبد بعد العتق بما بقي من ديونهم [لا المولى؛ ولو كان وجوب الدين على المولى لطالبوا المولى بجميع ديونهم]

(1)

كما يطالب مولى العبد الجاني إذا أعتقه بعد العلم بجنايته بجميع الدية؛ لما أنَّ حقَّ ولي الجناية واجب على المولى بالدَّفع أو بالفداء.

وأما إذا قتل إنسان مديونَ غيره إنَّما لا يضمن لرب الدين دينَه فللزوم الأقوى بمقابلة الأضعف؛ لأن القاتل لو ضمنه إنما يضمنه بحكم الملك؛

أي: يتملك الدين الذي في ذمة المديون في ضمن ضمانه لرب الدين مثلَه؛

فهو لا يصح لأن ما يؤدِّيه عين وما يتملكه وصف في الذمة والعين أقوى من الوصف، والمماثلة مرعيَّة في ضمان العدوان فلا يجب الأقوى بمقابلة الأضعف.

وأما وجوب الدية عليه لولي القتيل فبالشرع صيانة للدم عن الهَدْر فمعنى التملك فيه غير منظور إليه.

والسراية في الأوصاف الشرعية أي: سراية الحكم وتجاوزه من الأم إلى الولد إنما يكون في [الأوصاف الشرعية لا في]

(2)

الأوصاف الحقيقية؛ فوجوب الدفع أثر الفعل الحقيقي فلذلك لم يَسرِ إلى الولد.

فإن قلتَ يشكل على هذا سراية وجوب الدفع إلى الأرش الذي أخذه المولى بسبب جناية جنى عليها حيث يدفع المولى ذلك الأرش معها إلى ولي الجناية الذي جنت الأمة في حقه؛ فلو كان عدم السراية إلى الولد باعتبار أن الدفع فعل حقيقي فلا يسري أثره لكان ينبغي أن لا يسري إلى الأرش أيضًا بالطريق الأولى لما أن الولد جزؤها وأرشها ليس بجزء منها؛ فلما لم يسر إلى جزئها باعتبار أنه أثر فعل حقيقي كان أولى أن لا يسري إلى ما هو ليس بجزء منها.

قلتُ لا كذلك بل يسري إلى الأرش ولا يسري إلى الولد لمعنى وهو أن حق ولي الجناية كان ثابتًا فيها بجميع أجزائها والأرش عوض عن الجزء الفائت فيها فيثبت حقه في عوض جزء منها أيضًا لما أن الجزء معتبر بالكل؛ فلما استحقها ولي الجناية عند الدفع كان مستحقًا لها بجميع أجزائها أصالة وعوضًا؛ وأرشها عوض جزئها فيستحقه أيضًا لذلك.

ألا ترى أنها لو قُتِلت وأخذ المولى قيمتها كان عليه دفع تلك القيمة إلى ولي الجناية فكذلك إذا أخذ عوضَ جزء منها؛ وأما الولد فليس بعوض منها ولا من جزئها فلا يستحقه ولي الجناية لذلك؛ إلى هذا أشار في باب جناية العبد من ديات المبسوط

(3)

.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (27/ 37).

ص: 24

لأنه لما زعم أن مولاه أعتقه فقد ادَّعى الدية على العاقلة وأبرأ العبد؛ أي من كل الدية لا من قسطه في الدية.

وأبرأ المولى أيضًا فلا يقبل زعمه على العاقلة فلذلك لم تثبت الدية له أصلًا.

وحاصل هذا أن المجني عليه لما زعم أن الجاني حر كان زاعمًا أن موجب جنايته على عاقلته وأن رقبته غير مستحقة له وزعمه معتبر؛ فلذلك لم يكن له سبيل على أخذ العبد بعد هذا الإقرار.

وكذلك لا شيء له على المولى أيضًا لأنه لم يدَّعِ على المولى بعد الجناية إعتاقًا حتي يصير المولى به مختارًا للفداء أو مستهلكًا حق المجني عليه بالإعتاق.

وكذلك لا شيء [له]

(1)

على العاقلة بغير حجة وهو ظاهر.

ووضع المسألة في المبسوط فيما إذا جنى العبد جناية خطأ ثم أقرَّ المجني عليه أنه حر قبل الدفع إليه؛ وجعل في الكتاب الإقرار بالحرية قبل الجناية وهما لا يتفاوتان.

وأما لو أقر المجني عليه بعد الدفع إليه

(2)

به فهو حر لأنه ملكه بالدفع وقد أقر بحريته فيعتق لإقراره؛ إلى هذا المجموع أشار في المبسوط.

إلى حالة معهودة أي معلومة

(3)

، وصار كما إذا قال البالغ العاقل طلقت امرأتي وأنا صبي أو أقر رجل بأنه كان أقر وهو صبي لفلان بألف درهم؛ وقال المقَرُّ له بل أقررت بها لي بعد البلوغ فالقول قول المقِرِّ مع يمينه لأنه أضاف الإقرار إلى حالة معهودة تنافي الوجوب به.

فإن قول الصبي هدر في الإقرار والصبا حالة معهودة في كل أحد؛ فكان هو في المعنى منكرًا للمال لا مقِرًا به.

فإن قيل هو قد ادعى تاريخًا سابقًا في إقراره والمقَر له منكر لذلك التاريخ فينبغي أن يكون القول قوله.

قلنا المصير إلى هذا الترجيح بعد ثبوت أصل السبب ملزمًا؛ وإذا كان الإقرار في حالة الصبا غير ملزم أصلًا فلم يكن هو مدعيًا

(4)

للتاريخ بالإضافة إليه بل يكون منكرًا لأصل المال عليه

(5)

؛ كمن يقول لعبده أعتقتك قبل أن أُخْلق أو قبل أن تُخْلق؛ كذا في باب إضافة الإقرار إلى حالة الصغر من إقرار المبسوط

(6)

.

لما ذكرنا أراد به قوله لأنه منكر للضمان إلا الجماع والغَلة

(7)

استحسانًا؛ بأن قال جامعتك وأنت أمتي [أو أخذت منك غلة عملك وأنت أمتي]

(8)

؛ فقالت بل كان ذلك بعد العتق؛ فإن القول قول المولى الذي هو المقر.

(1)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (أ): الدية؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (27/ 37).

(4)

في (ج): فلم يكن مدفوعًا؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ب): إليه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) لعله أقرب للصواب.

(6)

ينظر: المبسوط (18/ 68).

(7)

الغلة: كل ما يحصل من ريع أرض أو كرائها أو أجرة غلام أو نحو ذلك. ينظر: المغرب (ص/ 344).

(8)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 25

وقال محمد

(1)

: لا يضمن إلا شيئًا بعينه يؤمر برده عليها

(2)

؛ يعني لو كان أقر بأخذ شيء منها بعينه والمأخوذ قائم في يده واختلفا فيه على هذا الوجه أجمعوا

(3)

في ذلك على أنه يرد ذلك عليها.

وفي الشيء القائم إلى آخره

(4)

جواب عن هذه المسألة المجمع عليها؛ كما إذا قال فقأت عينك اليمنى وعيني اليمنى صحيحة ثم فقئت؛ يريد بهذا براءته عن ضمان العين قصاصًا وأرشًا؛ والمقر له يقول لا بل فقأتها وعينك اليمنى مفقوءة؛ يدعي وجوب نصف الدية عليه.

وحاصل هذا أن جنس العضو الذي أتلفه المتلف لو كان منه صحيحًا ثم سقط يسقط القصاص أيضًا؛ وهذا لأن حق المجني عليه [متحقق]

(5)

متعين في القصاص بطريق الأصالة على ما مر من أصل أصحابنا أن موجب العمد القود

(6)

على سبيل التعيين.

وله أن يعدل إلى المال وقبل أن يعدل الحق من القصاص إذا فات المحل بطل الحق؛ هكذا ذكر في الإيضاح

(7)

.

(1)

محمد بن الحسن سبق ترجمته ص 110.

(2)

ينظر: الهداية (4/ 489)، تبيين الحقائق (6/ 158)، العناية (10/ 349)، البناية (13/ 293).

(3)

الإجماع: في اللغة العزم والاتفاق، وفي الاصطلاح: اتفاق المجتهدين في أمة محمد صلى الله عليه وسلم -في عصر على أمر ديني، وهو على نوعين: 1) اجماع قولي: وهو أن يصرح كل مجتهد بالحكم، 2) إجماع سكوتي: وهو أن ينطق بعض المجتهدين بالحكم ويسكت الباقون دون اعتراض عليه. ينظر: التعريفات (10)، معجم لغة الفقهاء (44).

ومن الكتب التي تعرض للإجماع: كتب ابن المنذر بداية من كتابه الذي أرده لهذه المسألة، وأسماه (الإجماع) ثم (الإقناع)، ثم (الإشراف) و (الأوسط) الذي طبع مؤخرا بدار الفلاح مصر بصورة شبه كاملة. فهو: كان يهتم بذكر إجماع العلماء، كذلك كتب ابن عد البر: كالتمهيد، والاستذكار، والثاني اختصار للأول، كما اعتنى النووي: بذكر الإجماع في كتبه، وهناك كتاب لابن حزم يسمى مراتب الإجماع، ولابن تيمية: نقد له.

(4)

وَفِي الشَّيْءِ الْقَائِمِ أَقَرَّ بِيَدِهَا حَيْثُ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْكِرَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهَا.

(5)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(6)

القود: قتل النفس بالنفس، والقود القصاص؛ أقدت القاتل بالقتيل أي قتلته به. ينظر: لسان العرب (11/ 342)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 340).

(7)

ينظر: العناية (10/ 350).

ص: 26

ثم ذكر فيه في باب الجوارح الناقصة لو كانت يد القاطع صحيحة ثم شلت بعد القطع فلا حق للمقطوع في الأرش؛ لأن حقه ثبت ابتداء في يده من غير خيار؛ ولو ذهب الكل بآفة سقط حقه ولم ينتقل إلى الأرش فكذا إذا نقصت بآفة.

فإن قلت هذا الذي ذكرته حسن ولكن ذلك في غير العين من الأعضاء؛ أما في العين فلا قصاص سوى في إذهاب الضوء منها؛ فإنه لا يجب القصاص في فقأ

(1)

العين وتقويرها

(2)

؛ لأنه ذكر في الكتاب في أوائل باب القصاص فيما دون النفس بقوله ومن ضرب عين رجل فقلعها لا قصاص عليه؛ وهكذا أيضًا ذكر في الإيضاح

(3)

والذخيرة

(4)

.

وقال ولا قصاص في العين إذا قورت عمدًا أو انخسفت

(5)

؛ وإنما يجب القصاص إذا كانت قائمة وذهب ضوءها.

وقال في المنتقى

(6)

(7)

قال أبو حنيفة [ومحمد]

(8)

رحمهم الله لا قصاص في قلع الحدقة

(9)

وإنما القصاص في العين إذا ضربها فذهب ضوؤها

(10)

.

قلتُ نعم كذلك إلا أنه ذكر في الذخيرة بعد ما ذكر هذه الروايات التي ذكرتها محيلًا إلى الأجناس أنه لو ضرب عين إنسان بإصبعه ضربة خفيفة فذهبت وقد تعمد ذلك ففيه القصاص

(11)

؛ فيجوز أن يحمل ما ذكره في الكتاب على تلك الرواية.

وذكر في الذخيرة أيضًا محيلًا إلى الأصل إذا فقئت العين عمدًا فذهب نورها

(12)

ولم تنخسف ففيها القصاص؛ لأن اعتبار المساواة ممكن متى لم تنخسف العين بخلاف ما لو انخسفت العين

(13)

؛ فكان ما ذكره في الكتاب محمولًا على فقأ عين ذهب نورها من غير انخساف على ما ذكر في الذخيرة والله أعلم.

(1)

في (ج): حق؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

القور: جعل في وسطه خرقًا مستديرًا كما يقور الثوب أو البطيخ. ينظر: معجم الصحاح (ص/ 891).

(3)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 308).

(4)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 308).

(5)

في (ب): وانخسفت؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

المنتقى في فروع الحنفية للحاكم الشهيد أبي الفضل محمد بن محمد بن أحمد المروزي، وفيه (نوادر من المذهب). ينظر: كشف الظنون (2/ 1851)، الجواهر المضيئة (2/ 112).

(7)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 308)، البناية (13/ 294).

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

حدقة العين: سوادها الأعظم. ينظر: الصحاح (4/ 1456)، معجم لغة الفقهاء

(ص/ 176).

(10)

في (ج): إذا جنى بما يذهب ضوءها؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(11)

ينظر: البناية (13/ 294).

(12)

في (ب): ضوءها؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(13)

ينظر: البناية (13/ 294).

ص: 27

لأن وطأ المولى أمته المديونة لا يوجب الفقر؛ لأن حق الغرماء لا يتعلق بمنافع بُضْعِهَا

(1)

لأنها ليست بمال و كذلك أخذ الغلة؛ فإن المولى إذا ضرب على عبده غلة وهو مديون يصح؛ ولو أخذ لا يكون مضمونًا على المولى فكان منكرًا لا مقرًا كذا ذكره الإمام الكساني

(2)

(3)

:.

وإذا أمر العبد المحجور عليه صبيًا أي صبيًا حرًا؛ لأن هذا الحكم وهو وجوب الدية على عاقلة الصبي على تقدير القتل إنما يستقيم أن لو كان الصبي المأمور حرًا؛ إذ لو كان عبدًا كان مولاه

مخيرًا بين الدفع والفداء؛ ثم بعد الدفع أو الفداء يرجع مولى العبد القاتل على العبد المحجور الآمر بعد العتاق بقيمة عبده القاتل.

وحاصل هذا أن الآمر والمأمور بالقتل إما إن اتحد حالهما أو اختلف فكل منهما على وجوه؛ لأنه إن اتحد حالهما فلا يخلو إما أن كانا حُرَّين بالغين أو صبيين أو عبدين بالغين مأذونين أو محجورين

(4)

أو مكاتبين.

وإن اختلف حالهما إما أن كان الآمر حرًّا كبيرًا والمأمور صبيًّا حرًّا أو عبدًا؛ أو كان الآمر عبدًا كبيرًا محجورًا أو [مأذونًا]

(5)

والمأمور صبيًا حرًّا أو عبدًا؛ فإن كانا حرين بالغين بأن يأمر حر بالغ حرًّا بالغًا آخر بقتل رجل فقتله خطأ فإنه لا يرجع على الآمر بحال؛ لأنه لم يصح الأمر ولا يأتمر المأمور بأمر مثله خصوصًا في القتل.

وكذلك الآمر إذا كان بأي وصف كان بعد أن كان المأمور الحر مختارًا غير مكره في القتل لا يرجع [على الآمر وكذلك لو كانا صبيين فقتل الصبي المأمور رجلًا عمدًا أو خطأ لا يرجع]

(6)

عاقلة الصبي القاتل على عاقلة الصبي الآمر لأن أمر الصبي باطل فيجعل وجوده كعدمه؛ ولهذا لا يصح إقرار الصبي ولا كفالته ولا يؤاخذ الصبي بضمان القول.

(1)

بضم الباء وهو الفرج؛ والمباضعة المجامعة؛ وفي قولهم: ملك فلان بُضع فلانة إذا عقد عليها. ينظر: طلبة الطلبة (ص/ 42)، المغرب (ص/ 45).

(2)

هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين ملك العلماء. صاحب كتاب «بدائع الصنائع» . تفقه على علاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي. ينظر: تاج التراجم (ص/ 394)، كشف الظنون (1/ 316).

(3)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 159)، العناية (10/ 350، 351)، البناية (13/ 294).

(4)

محجور بحذف الصلة؛ والفقهاء يحذفون الصلة تخفيفًا؛ والأصل محجور عليه لفهم المعنى، والحجر بمعنى المنع؛ وهو منع نفاذ التصرفات القولية بسبب الجنون أو الصغر أو السفه والإفلاس. ينظر: التعريفات (ص/ 59)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 404)، المصباح المنير (1/ 9).

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 28

فعلى هذا لا يتفاوت أن يكون الآمر والمأمور بأي وصف كانا بعد أن كانا صبيين؛ سواء كانا حرين أو عبدين أو أحدهما حرًّا والآخر عبدًا؛ لا يرجع الصبي المأمور بالقتل إذا قتله على الصبي الآمر حتى لو كان الآمر عبدًا صغيرًا محجورًا أو مأذونًا والمأمور كبيرًا ومثله لم يرجع مولى الجاني على الآمر في الحال ولا بعد الإعتاق كما

(1)

قلنا.

أما لو كان الآمر حرًّا كبيرًا والمأمور صغيرًا فقتل؛ فالدية على عاقلة الصبي، ثم يرجع بذلك عاقلة الصبي على عاقلة الآمر؛ لأنه استعمله في أمره ولحقه فيه ضمان فيضمن.

ألا ترى أنه لو دفع إليه سكينًا ليحفظه فوقع السكين من يده فجرحه؛ أو بعثه في حاجته فهلك فيه يضمن الدافع والباعث فكذلك هاهنا.

فإن قيل هذا ضمان لزمه بالقول وهو الأمر فلا تتحمله العاقلة؛ كما لو أقر بقتل أو شهد على رجل بقتل فقضى به وقتله الولي ثم رجع فالضمان في ماله دون العاقلة.

قلنا بل الضمان بالقول ولكن قول لا يحتمل الكذب وهو كالفعل المعايَن حكمًا فتضمن العاقلة، وإن كان قولًا في نفسه كرجل أشهد عليه في حائط مائل فلم يهدمه حتى سقط فقتل رجلًا كان الضمان على العاقلة وإن كانت الجناية لزمته بالقول وهو الإشهاد، ولما أن الإشهاد لا يحتمل الكذب كذلك هاهنا.

بخلاف الإقرار والشهادة

(2)

لأنه يحتمل الصدق والكذب.

ولو كانا عبدين بالغين فلا يخلو إما أن كانا محجورين أو مأذونين؛ فإن كان كلاهما محجورًا بأن أمر عبد محجور عبدًا محجورًا وهما كبيران أو الآمر كبير والمأمور صغير بقتل رجل فقتله يخير مولى المأمور بين الدفع والفداء في عبده؛ وأي ذلك فعل لا سبيل له على الآمر ومولاه حتى يعتق؛ فإذا عتق الآمر حينئذ يرجع مولى المأمور على الآمر فيأخذ منه قيمة عبده المأمور؛ لأنا جعلنا الأمر بالقتل كالإقرار بالغصب

(3)

[وفي الإقرار بالغصب]

(4)

لا يؤاخذ به في الحال، وإنما يؤاخذ به بعد العتاق فكذلك هاهنا.

(1)

في (ب): لما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

الشهادة تطلق على الخبر القاطع والإخبار بما شاهده، وفي الشرع: هو الإخبار عن كون ما في يد غيره لغيره. ينظر: المصباح المنير (ص/ 169)، بدائع الصنائع (9/ 3).

(3)

الغصب: هو أخذ الشيء ظلمًا، واصطلاحًا: هو أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك على وجه يزيل يده عنه. ينظر: لسان العرب (1/ 648)، المبسوط للسرخسي (11/ 49).

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 29

وإن كان كلاهما مأذونين أو الآمر عبدًا مأذونًا والمأمور عبدًا محجورًا صغيرًا أو كبيرًا فقتله المأمور؛ يخير مولى الجاني بين الدفع والفداء؛ وأي ذلك فعل رجع في رقبة العبد الآمر بقيمة عبده يباع فيه أو يفدي؛ لأن الآمر بالأمر صار غاصبًا

(1)

للمأمور فصار كإقراره بالغصب؛ والمأذون لو أقر بغصب مال لزمه في الحال فيباع فيه أو يفدي فكذا إذا أمر؛ هذا إذا كان المأمور عبدًا.

وأما إذا كان المأمور بقتل رجل صبيًّا حرًّا والآمر عبدًا مأذونًا أو محجورًا فقتل الصبيُّ المأمور بقتله ذلك الرجلَ، ضمن عاقلة الصبي الدية مؤجلة في ثلاث سنين، فلا رجوع لهم على العبد وإن كان مأذونًا له في التجارة؛ لأن هذا الضمان ليس بضمان الغصب لأن الحر لا يغصب، وإنما هذا ضمان جناية [وجناية]

(2)

العبد لا تلزمه بعد العتاق.

ألا ترى أنه لو باشر الجناية ثم أعتقه مولاه لا يطالب هو بحكم تلك الجناية.

كذا هنا بل بالطريق الأولى؛ لأنه لما لم يؤاخذ العبد بعد العتاق بموجب جناية باشرها في الرق

(3)

وجب أن لا يؤاخذ بموجب جناية أقر بها بعد العتاق بالطريق الأولى؛ وهو أنَّ أمره بالقتل كالإقرار بالجناية لأن كلًا منهما قَوْلي.

ولو أقر بالجناية لم يلزمه شيء أصلًا لا في الحال ولا بعد العتاق سواء كان عبدًا محجورًا أو مأذونًا؛ لأن الإذن بالتجارة إذن بما يختص بالتجارة، والإقرار بالجناية ليس من توابع التجارة، فكان إقرار المأذون والمحجور فيه سواء، ولو كانا مكاتبين بأن أمر المكاتب مكاتبًا آخر مثله صغيرًا أو كبيرًا فالجناية في عنق القاتل ولا غُرم على الآمر.

وكذا لو كان الآمر حرًّا أو عبدًا والمأمور مكاتبًا فالجناية في عنق المكاتب؛ لأن المكاتب بمنزلة الحر يدًا، فلا يصير مضمونًا بالغصب.

وأحكام صور اختلاف حال الآمر والمأمور اندرجت فيما ذكرنا؛ هذا كله من الجامع الصغير

(4)

للإمام التمرتاشي والإمام المحبوبي:

(5)

.

(1)

في (ج): عاصيًا؛ وما أثبت من (أ) و (ب) لعله أصوب.

(2)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

الرقيق لغة: هو الملك والعبودية وهو نقيض العتق أي الحرية، وشرعًا: هو الذل الذي ركبه الله على عباده جزاء استنكافهم عن طاعته؛ وأول ما يؤخذ المأسور يوصف بالرق ولا يوصف بالملك إلا بعد الإخراج إلى دار الإسلام. ينظر: تبيين الحقائق (3/ 72)، لسان العرب (10/ 123 - 124).

(4)

ينظر: البناية (13/ 295).

(5)

ينظر: البناية (13/ 295).

ص: 30

وعمده وخطؤه سواء على ما بينا من قبل؛ أي قبيل فصل الجنين، ويرجعون على العبد الآمر بعد العتاق؛ ففي هذه الرواية نوع ضعف لما ذكرنا من رواية هذين الكتابين.

ودليلنا

(1)

الظاهر في أنهم لا يرجعون على العبد بعد العتق؛ فكذلك رواية المغني

(2)

(3)

أيضًا محيلًا إلى الزيادات

(4)

(5)

توافق تلك الرواية

(6)

.

فقال ولو أمر العبد المأذون صبيًّا حرًّا بالقتل، فدية المقتول على عاقلة الصبي، ولا يكون لعاقلة الصبي حق الرجوع على الآمر.

وكلامنا فيما إذا كان المأمور صبيًّا حرًّا على ما ذكرنا.

وكذلك إن أمر عبدًا معناه أن يكون الآمر عبدًا والمأمور

(7)

عبدًا محجورًا عليهما، إلى أن قال ولا رجوع له على الأول في الحال.

وهذا الذي ذكره من الحكم لا يقتضي أن يكون الآمر والمأمور كلاهما محجورًا عليهما لا محالة، بل يكتفي بأن يكون الآمر محجورًا عليه؛ لأنه إذا أمر العبد المحجور العبدَ المأذون وباقي المسألة بحالها فالحكم كذلك.

أما لو كان الآمر عبدًا مأذونًا والمأمور عبدًا محجورًا أو مأذونًا يرجع مولى [العبد]

(8)

القاتل بعد الدفع أو الفداء على رقبة [العبد]

(9)

الآمر في الحال بقيمة عبده؛ لأن الآمر بأمره صار غاصبًا للمأمور فصار كإقراره بالغصب؛ والعبد المأذون لو أقر بالغصب يؤاخذ به في حال رقه بخلاف المحجور على ما ذكرنا.

فإن قيل كيف يكون غاصبًا للعبد بالأمر وهو قوله والغصب لا يكون إلا بالنقل

(10)

والتحويل.

(1)

في (ج): ودليلهما؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(2)

المغني: متن مفيد؛ وهو من أهم المتون المعتمدة في المذهب، وهو من أهم مصنفات الخبازي عمر بن محمد بن عمر جلال الدين أبو محمد، فقيه حنفي من أهل دمشق، تناول فيه عامة المباحث الأصولية التي اعتمد عليها أئمة الحنفية. ينظر: كشف الظنون (2/ 606)، الجواهر المضيئة (2/ 668).

(3)

ينظر: البناية (13/ 295).

(4)

هو الزيادات في فروع الحنفية. للإمام: محمد بن الحسن الشيباني. المتوفى: سنة 189، تسع وثمانين ومائة. ينظر: كشف الظنون (2/ 962).

(5)

ينظر: البناية (13/ 295).

(6)

في (ب): الروايات؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(7)

في (أ): أو المأمور؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

في (أ): بالقتل؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 31

قلنا إن لم يوجد منه النقل فقد وجد الأمر بالنقل فأقيم مقام النقل كمن أمر عبدًا ليحمل له حملًا فحمله وهلك فيه ضمن الآمر

(1)

، وإن لم يوجد منه النقل

(2)

لكن لما وجد منه الأمر بالنقل أقيم مقامه؛ كذلك هاهنا؛ كذا ذكره الإمام المحبوبي

(3)

:.

لأنه غير مضطر في دفع الزيادة، أي لا ضرورة له في إعطاء الزيادة؛ لأنه يتخلص عن عهدة الضمان بإعطاء الأقل من الفداء أو قيمة العبد؛ لأنه إنما أتلف بأمره ما هو الأقل منهما.

وإن دفعه دفعه إليهم أثلاثًا؛ ثلثاه لولي الخطأ وثلثه لغير العافي من ولي العمد عند أبي حنيفة:؛ وقالا يدفعه أرباعًا إلى آخره

(4)

وأصل هذا مما اتفقوا عليه هو أن قسمة العين إذا وجبت بسبب دين في الذمة كالغريمين في التركة ونحوها كانت القسمة بطريق العول

(5)

والمضاربة

(6)

؛ لأنه لا تغاير

(7)

في الذمة؛ فيثبت حق كل واحد منهما على وجه الكمال فيضرب بجميع حقه.

أما إذا وجبت قسمة العين ابتداءً لا بسبب دين في الذمة كما في مسألة بيع الفضولي

(8)

؛ وهي أن فضوليًّا لو باع عبدَ إنسانٍ وفضوليًّا آخر باع نصفَه فأجاز المولى البيعين كان العبد بين المشتريين أرباعًا فكانت القسمة بطريق المنازعة؛ لأن الحق الثابت في العين ابتداءً لا يثبت بصفة الكمال عند المزاحمة؛ لأن العين الواحد يضيق عن الحقين على وجه الكمال فكانت القسمة بطريق المنازعة.

(1)

في (ج): المأمور؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ج): القتل؛ وفي (أ): الفعل؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(3)

ينظر: البناية (13/ 295).

(4)

وَقَالَا: يَدْفَعُهُ أَرْبَاعًا: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيَّيِ الْخَطَإِ، وَرُبْعُهُ لِوَلِيِّ الْعَمْدِ). ينظر: الهداية (4/ 490)، العناية (10/ 351)، البناية (13/ 296).

(5)

العول في اللغة: الميل إلى الجور والرفع، وفي الشرع: زيادة السهام على الفريضة فتعول المسألة إلى سهام الفريضة فيدخل النقصان عليهم بقدر حصصهم، والعول الارتفاع؛ وهو أن يزيد سهامًا فيدخل النقصان على أهل الفرائض. ينظر: التعريفات (ص/ 159)، أنيس الفقهاء (ص/ 113).

(6)

المضاربة لغة: مصدر ضارب؛ وأصل اشتقاقها من ضرب الأرض إذا سار فيها، وقيل: لأن كلًا منهما يضرب بسهم في الربح، واصطلاحًا: عقد شركة في الربح بمال من جانب وعمل من جانب. ينظر: لسان العرب (7/ 217)، تبيين الحقائق (5/ 52).

(7)

في (أ): لا تضايق؛ وما أثبت من (ب) و (ج) أقرب.

(8)

الفُضولي: بالضم: المشتغل بما لا يعنيه؛ وفي الشرع من لم يكن وليًا ولا وصيًا ولا أصيلًا ولا وكيلًا. ينظر: المعجم الوسيط (2/ 693)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 347)، التعريفات (ص/ 167).

ص: 32

ولما ثبت هذا قال أبو يوسف ومحمد رحمهم الله في مسألتنا هذه: ثلاثة أرباع العبد المدفوع

(1)

لولي الخطأ

(2)

وربعه

(3)

للساكت من ولي العمد؛ [لأن حق ولي العمد]

(4)

كان في جميع الرقبة.

فإذا عفا أحدهما بطل حقه وفرع النصف فيتعلق حق ولي الخطأ بهذا النصف بلا منازعة؛ بقي النصف الآخر واستوت منازعة ولي الخطأ والساكت من ولي العمد في هذا النصف؛ فصار هذا النصف بينهما نصفين، فكانت القسمة بينهما بطريق المنازعة أرباعًا كما في مسألة الفضوليَّيْن.

ولأبي حنيفة: أن أصل حقهما ليس في عين العبد بل في الأرش الذي هو بدل المتلف [والقسمة في غير العين]

(5)

تكون بطريق العول والمضاربة؛ وهذا لأن [حق]

(6)

ولي الخطأ في عشرة آلاف، وحق شريك العافي في خمسة، فيضرب

(7)

كل واحد منهما بحصته

(8)

؛ كرجل عليه ثلاثة آلاف درهم؛ ألف لرجل وألفان لآخر، مات المَدِين وترك ألفًا، كانت التركة بين صاحبي الدين أثلاثًا بطريق العول والمضاربة؛ ثلثاها لصاحب الألفين وثلثها لصاحب الألف كذلك هاهنا بخلاف بيع الفضولي؛ لأن الملك يثبت للمشتري في العين ابتداءً؛ إلى هذا أشار الإمام قاضي خان

(9)

(10)

(1)

في (ج): المأذون؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ج): الجناية؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (ج): ودفعه؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (ب): فيصرف؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(8)

الحصة: النصيب والتقاسم والجمع الحصص، وتحاص القوم تحاصا: اقتسموا حصصهم، وحاصه محاصة وحصاصا: قاسمه فأخذ كل واحد منهما حصته. ينظر: لسان العرب (7/ 13).

(9)

ينظر: العناية (10/ 352).

(10)

هو الحسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الأُوْزجَنْدي الفرغاني المعروف بـ «قاضي خان» ، فخرالدين. تفقه على أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي نصر الصفّاري، وظهير الدين أبي الحسن علي بن عبد العزيز المرغيناني، وغيرهما. وله «الفتاوي» في أربعة أسفار وشرح «الجامع الصغير» وشرح «الزيادات» وشرح «أدب القاضي» للخصاف. توفي ليلة النصف من رمضان سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. ينظر: تاج التراجم (ص: 151)، الجواهر المضية (1/ 205).

ص: 33

والمحبوبي في الجامع الصغير

(1)

.

وإذا كان عبد بين رجلين فقتل مولى -أي قريبًا- لهما بأن قتل أخًا أو عمًّا لمولييه.

قال الله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي}

(2)

أي الأقاربَ.

ويحتمل أنه أراد به عبدًا لهما أعتقاه فعفا أحد الموليين بطل حق الآخر في النفس والمال جميعًا.

وقال [أبو يوسف]

(3)

ومحمد رحمهم الله: يقال للعافي ادفع نصف نصيبك إلى شريكك أو افده بربع

(4)

الدية.

قال أبو يوسف [ومحمد]

(5)

رحمهما الله: إن حق كل واحد من الموليين في نصف القصاص شائعًا

(6)

لأن ملك المولى لا يمنع استحقاق القصاص له؛ فإذا عفا أحدهما انقلب نصيب [الآخر]

(7)

- وهو النصف- مالًا غير أنه شائع في الكل؛ فيكون نصفه في نصيبه ونصفه في نصيب صاحبه، فما يكون في نصيبه سقط لضرورة أن المولى لا يستوجب على عبده دينًا؛ وما كان في نصيب صاحبه بقي وذلك نصف النصف وهو الربع؛ فلذلك يدفع نصف نصيبه وهو الربع أو يفديه بربع الدية.

ولأبي حنيفة: أن نصيب العافي قد سقط ونصيب الآخر - وهو النصف- يحتمل أن يكون كله في ملك شريكه فينقلب كل هذا النصف مالًا.

ويحتمل أن يكون كله في ملك نفسه فيبطل أصلًا؛ ويحتمل أن يكون نصفه في ملك نفسه ونصفه في نصيب العافي فينقلب نصف هذا النصف مالًا وهو الربع.

فلما احتمل هذا واحتمل ذاك لا ينقلب [مالًا]

(8)

بالشك؛ لأن المال لا يجب بالشك والاحتمال؛ أو نقول إن القصاص إذا صار مالًا صار بمعنى الخطأ، ولو كان القتل خطأ لا يجب شيء فهذا مثله؛ إلى هذا أشار في شروح الجامع الصغير

(9)

(10)

.

وذكر في بعض النسخ؛ أي في بعض نسخ الجامع الصغير. والله أعلم

(11)

.

(1)

ينظر: العناية (10/ 352).

(2)

سورة مريم: 5

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ج): بدفع؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

شاع الشيء يشيع شيوعًا إذا تفرق وانتشر، شرعًا: حصة مقدرة غير معينة ولا مفرزة. ينظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 430).

(7)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

هو: شرح الجامع الصغير للإمام صدر الإسلام أبي اليسر البزدوي، المتوفى سنة 493. ينظر: كشف الظنون (1/ 563).

(10)

ينظر: العناية (10/ 353)، البناية (13/ 297، 298).

(11)

كانت مصادر الرق ومنابعه كثيرة عند ظهور الإسلام، بينما طرق التحرر ووسائله تكاد تكون معدومة، فقلب الإسلام في تشريعاته النظرة فأكثر من أسباب الحرية، وسَدَّ مسالك الاسترقاق، ووضع من الوصايا ما يسد تلك المسالك فقد حصر الإسلام مصادر الرق التي كانت قبل الرسالة المحمدية في مصدر واحد فقط قال الشيخ الشنقيطي:" وسبب الملك بالرق: هو الكفر، ومحاربة الله ورسوله، فإذا أقدر اللهُ المسلمينَ المجاهدين الباذلين مُهَجهم وأموالهم وجميع قواهم وما أعطاهم الله لتكون كلمة الله هي العليا على الكفار: جعلهم ملكًا لهم بالسبي إلا إذا اختار الإمام المنَّ أو الفداء لما في ذلك من المصلحة للمسلمين " انتهى من " أضواء البيان " 3/ 387 وقد أمر الشارع بالعتق إذا أسلم ورغَّب فيه، وفتح له الأبواب الكثيرة. 389 ولقد كان الأسر في الحروب من أظهر مظاهر الاسترقاق، وكل حرب لابد فيها من أسرى، وكان العرف السائد يومئذ أن الأسرى لا حرمة لهم ولا حق، وهم بين أمرين إما القتل وإما الرق، ولكن جاء الإسلام ليضيف خيارين آخرين: المن والفداء قال الله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} محمد/ 4 فالإسلام ليس متعطشا لدماء الأسرى، بل ولا متعطشا حتى لاسترقاقهم إن الحرية حق أصيل للإنسان، ولا يسلب امرؤ هذا الحق إلا لعارض نزل به، والإسلام - عندما قبل الرق في الحدود التي أوضحناها - فهو قيّد على إنسان استغلَّ حريته أسوأ استغلال .... فإذا سقط أسيرًا إثر حرب عدوان انهزم فيها، فإن إمساكه بمعروف مدة أسره تصرف سليم، ومع كل هذا فإن فرصة استعادة الحرية لهذا وأمثاله في الإسلام كثيرة وواسع كما أن قواعد معاملة الرقيق في الإسلام تجمع بين العدالة والإحسان والرحمة فمن وسائل التحرير: فرض نصيب في الزكاة لتحرير العبيد، وكفارات القتل الخطأ والظهار والأيمان والجماع في نهار رمضان، إضافة إلى مناشدة عامة في إثارة للعواطف من أجل العتق والتحرير ابتغاء وجه الله وهذه إشارات سريعة لبعض قواعد المعاملة المطلوبة عدلًا وإحسانًا مع هؤلاء ضمان الغذاء والكساء مثل أوليائهم:

1 -

عَنْ أَبِي ذَرٍّ- رضي الله عنه -قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا يُكَلِّفُهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ) رواه البخاري 6050

2 -

حفظ كرامتهم: عن أبي هريرة- رضي الله عنه -قال: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم -يَقُولُ: (مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ) رواه البخاري (6858

وأعتق ابن عمر م مملوكًا له، ثم أخذ من الأرض عودًا أو شيئًا فقال: ما لي فيه من الأجر ما يساوي! هذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ) رواه مسلم (1657).

3 -

العدل مع الرقيق والإحسان إليهم

روى أن عثمان بن عفان- رضي الله عنه -دَعَك أُذُن عَبْدٍ له على ذنب فعله، ثم قال له بعد ذلك: تقدم واقرص أذني، فامتنع العبد فألح عليه، فبدأ يقرص بخفة، فقال له: اقرص جيدًا، فإني لا أتحمل عذاب يوم القيامة، فقال العبد: وكذلك يا سيدي: اليوم الذي تخشاه أنا أخشاه أيضًا، وكان عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه -إذا مشى بين عبيده لا يميزه أحد منهم - لأنه لا يتقدمهم، ولا يلبس إلا من لباسهم ومر عمر بن الخطاب- رضي الله عنه -يومًا فرأى العبيد وقوفًا لا يأكلون مع سادتهم، فغضب، وقال لمواليهم:

ما لقوم يستأثرون على خدامهم؟ ثم دعا الخدم فأكلوا معهم ودخل رجل على سلمان- رضي الله عنه -فوجده يعجن - وكان أميرًا - فقال له: يا أبا عبد الله ما هذا؟! فقال بعثنا الخادم في شغل فكرهنا أن نجمع عليه عملين.

4 -

لا مانع أن يتقدم العبد على الحر في بعض الأشياء:

فيما يفضله فيه من شئون الدين والدنيا، وقد صحت إمامته في الصلاة، وكان لعائشة أم المؤمنين عبد يؤمها في الصلاة، بل لقد أمر المسلمون بالسمع والطاعة إذا ملك أمورهم عبد.

5 -

وله أن يشتري نفسه من سيده ويكون حرًا:

فإذا حدث لأمر ما أن استرق ثم ظهر أنه أقلع عن غيه، ونسي ماضيه وأضحى إنسانًا بعيد الشر قريب الخير، فهل يجاب إلى طلبه بإطلاق سراحه؟ الإسلام يرى إجابته إلى طلبه، ومن الفقهاء من يوجب ذلك ومنهم من يستحبه، وهو ما يسمى عندنا مكاتبة العبد لسيده (بمعنى أن العبد يشتري نفسه من سيده مقابل مال يدفعه له على أقساط) قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور/ 33]

هذا عدل الإسلام مع الرقيق وإحسانه إليهم، ومعاملته لهم، فكان من نتائج هذه الوصايا: أن أصبح الرقيق صديقا لمالكه في كثير من الأحيان، بل أحله بعضهم محل الابن، يقول سعد بن هاشم الخالدي في وصف غلام له:

ما هو عبد لكنه ولد

خولنيه المهيمن الصمد

شد أزري بحسن خدمته

فهو يدي والذراع والعضد

وكان من نتيجة معاملة المسلمين للأرقاء هذه المعاملة، اندماج الأرقاء في الأسر الإسلامية إخوة متحابين، حتى كأنهم بعض أفرادها، يقول جوستاف لوبون في "حضارة العرب" (ص 459 - 460): "الذي أراه صادقًا هو أن الرق عند المسلمين خير منه عند غيرهم، وأن حال الأرقاء في الشرق أفضل من حال الخدم في أوروبا، وأن الأرقاء في الشرق يكونون جزءًا من الأسرة

وأن الموالي الذين يرغبون في التحرر ينالونه بإبداء رغبتهم .. ومع هذا لا يلجأون إلى استعمال هذا الحق" انتهى «

كيف معاملة غير المسلمين للرقيق؟

موقف اليهود من الرقيق: ينقسم البشر عند اليهود إلى قسمين: بنو إسرائيل قسم، وسائر البشر قسم آخر فأما بنو إسرائيل فيجوز استرقاق بعضهم حسب تعاليم معينة نص عليها العهد القديم

وأما غيرهم، فهم أجناس منحطة عند اليهود، يمكن استعبادها عن طريق التسلط والقهر، لأنهم سلالات كتبت عليها الذلة باسم السماء من قديم، جاء في الإصحاح الحادي والعشرين من سفر الخروج (2 - 12) ما نصه: إذا اشتريت عبدًا عبرانيًا فست سنين يخدم، وفي السابعة يخرج حرًا مجانًا، إن دخل وحده، فوحده يخرج، إن كان بعل امرأة تخرج امرأته معه، إن أعطاه سيده امرأة وولدت له بنين وبنات فالمرأة وأولادها يكونون للسيد، وهو يخرج وحده، ولكن إذا قال العبد: أحب سيدي وامرأتي وأولادي لا أخرج حرًا، يقدمه سيده إلى الله، ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة، ويثقب سيده أذنه بالمثقب يخدمه إلى الأب.

موقف النصرانية من الرقيق: جاءت النصرانية فأقرت الرق الذي أقره اليهود من قبل، فليس في الإنجيل نص يحرمه أو يستنكره وفي المعجم الكبير للقرن التاسع عشر (لاروس): " لا يعجب الإنسان من بقاء الرق واستمراره بين المسيحيين إلى اليوم، فإن نواب الدين الرسميين يقرون صحته ويسلمون بمشروعيته.

وفيه: " الخلاصة: أن الدين المسيحي ارتضى الاسترقاق تمامًا، إلى يومنا هذا، ويتعذر على الإنسان أن يثبت أنه سعى في إبطاله، وأقر القديسون أن الطبيعة جعلت بعض الناس أرقاء، فرجال الكنيسة لم يمنعوا الرق ولا عارضوه بل كانوا مؤيدين له، حتى جاء القديس الفيلسوف توماس الأكويني فضم رأي الفلسفة إلى رأي الرؤساء الدينيين، فلم يعترض على الرق بل زكاه لأنه - على رأي أستاذه أرسطو - حالة من الحالات التي خلق عليها بعض الناس بالفطرة الطبيعية، وليس مما يناقض الإيمان أن يقنع الإنسان من الدنيا بأهون نصيب.

"حقائق الإسلام" للعقاد ص 215

أوربا المعاصرة والرقيق:

مكثت تجارة الرقيق في أيدي شركات إنجليزية حصلت على حق احتكار ذلك بترخيص من الحكومة البريطانية، ثم أطلقت أيدي جميع الرعايا البريطانيين في الاسترقاق، ويقدر بعض الخبراء مجموع ما استولى عليه البريطانيون من الرقيق واستعبدوه في المستعمرات من عام 1680/ 1786 م حوالي 2130000 شخصًا.

فعندما اتصلت أوربا بإفريقيا السوداء كان هذا الاتصال مأساة إنسانية، تعرض فيها زنوج هذه القارة لبلاء عظيم طوال خمسة قرون، لقد نظمت دول أوربا وتفتقت عقليتها عن طرق خبيثة في اختطاف هؤلاء واستجلابهم إلى بلادهم ليكونوا وقود نهضتها، وليكلفوهم من الأعمال مالا يطيقون، وحينما اكتُشِفَتْ أمريكا زاد البلاء، وصاروا يخدمون في قارتين بدلًا من قارة واحدة، وكان لهم في ذلك قوانين يخجل منها العقلاء، فكان من قوانينهم السوداء في ذلك: من اعتدى على سيده قُتل، ومن هرب قطعت يداه ورجلاه وكوي بالحديد المحمى إذا أبق للمرة الثانية قُتل! وكيف سيهرب وقد قطعت يداه ورجلاه.

ومن قوانينهم: يحرم التعليم على الرجل الأسود ويحرم على الملونين وظائف البيض.

وفي قوانين أمريكا: إذا تجمع سبعة من العبيد عُدَّ ذلك جريمة، ويجوز للأبيض إذا مر بهم أن يبصق عليهم، ويجلدهم عشرين جلدة.

ونص قانون آخر: العبيد لا نفس لهم ولا روح، وليست لهم فطانة ولا ذكاء ولا إرادة، وأن الحياة لا توجد إلا في أذرعهم فقط.

والخلاصة في ذلك: أن الرقيق من جهة الواجبات والخدمة والاستخدام عاقل مسئول يعاقب عند التقصير، ومن جهة الحقوق شيء لا روح له ولا كيان بل أذرعة فقط، والله أعلم.

ينظر كتاب: "شبهات حول الإسلام" لمحمد قطب، "تلبيس مردود في قضايا خطيرة" للشيخ الدكتور صالح بن حميد إمام الحرم المكي.

ص: 34

‌فَصْل [في الجناية على العبيد]

(1)

لما فرغ من بيان أحكام جناية العبيد شرع في بيان أحكام الجناية على العبيد، وإنما قدم جناية [العبيد]

(2)

على الجناية عليهم؛ لأن الفاعل قبل المفعول

(3)

وجودًا فكذا ترتيبًا.

وفي الأَمَة إذا زادت قيمتها

(4)

على الدية

(5)

خمسة آلاف إلا عشرة هذا أظهر الروايتين.

وفي رواية الحسن

(6)

عن أبي حنيفة:

أنه يجب خمسة آلاف درهم

(7)

إلا خمسة دراهم، كذا في المبسوط

(8)

والذخيرة

(9)

.

وقال أبو يوسف

(10)

والشافعي

(11)

رحمهما الله: تجب قيمته بالغة ما بلغت

(12)

؛ وهذا القول من أبي يوسف قوله الآخر، وكان يقول أولًا مثل قولهما؛ وهذا الاختلاف بناء على أن الواجب بقتل العبد خطأ ضمان المال أم ضمان النفس.

(1)

ساقطة من (أ) و (ب)؛ وما أثبت من (ج) يبين موضوع هذا الفصل.

(2)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

الفاعل هو: مَا أُسْنِدَ إلَيْهِ الْفِعْلُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ وَيَكُونُ مُظْهَرًا نَحْوَ نَصَرَ زَيْدٌ، (وَمُضْمَرًا) نَحْوَ نَصَرَتْ، وَزَيْدٌ نَصَرَ،

والمفعول به: مَا أَحْدَثَهُ الْفَاعِلُ، أَوْ فَعَلَ بِهِ، أَوْ فِيهِ، أَوْ لَهُ، أَوْ مَعَهُ، كَقَوْلِك: قُمْت قِيَامًا، وَضَرَبْتُ زَيْدًا، وَخَرَجْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَصَلَّيْت أَمَامَ الْمَسْجِدِ، وَضَرَبْتُهُ تَأْدِيبًا، وَكُنْت وَزَيْدًا. ينظر: المغرب (520).

(4)

القيمة: واحدة القيم؛ وقومت السلعة واستقمته: ثمنته، وقيمة الشيء قدره؛ وقيمة المتاع ثمنه. ينظر: القاموس المحيط (1/ 1152)، المعجم الوسيط (2/ 768).

(5)

سبق ص 109.

(6)

هو الحسن بن زياد اللؤلؤي، ولي القضاء ثم استُعفِيَ عنه وكان يكسو مماليكه كما يكسو نفسه. وكان يختلف إلى أبي يوسف وإلى زفر، قال يحيى بن آدم: ما رأيت أفقه من الحسن بن زياد، صنَّف كتاب "المقالات". وله كتاب "المجرد لأبي حنيفة"، كتاب "أدب القاضي"، كتاب "الخصال"، كتاب "معاني الإيمان"، كتاب "النفقات"، كتاب "الخراج"، كتاب "الفرائض"، كتاب "الوصايا". توفي سنة أربع ومائتين. ينظر: تاج التراجم (ص: 150)، الجواهر المضية (1/ 193).

(7)

الدِرْهَمُ فارسيّ معرّب، وكسر الهاء لغة، وربَّما قالوا دِرْهامٌ، وجمع الدِرْهَمِ دَراهِمُ، وجمع الدِرْهامِ دَراهيمُ، ورجل مدرهم: أي كثير الدراهم. ينظر: الصحاح (5/ 1918 - 1919)، لسان العرب (12/ 199).

(8)

ينظر: المبسوط (27/ 28).

(9)

ذخيرة الفتاوى. سبق في ص (111).

(10)

أبو يوسف: يعقوب بن إبراهيم. سبق في ص 123.

(11)

ينظر: الأم (6/ 26 - 27)،

المجموع شرح المهذب (19/ 135) تكملة المطيعي- مكتبة الإرشاد-جدة-حققه وعلق عليه وأكمله محمد نجيب المطيعي،

والمجموع من أجمع الكتب في فقه الشافعية، شرح به الإمام النووي كتاب "المهذب"، لأبي اسحق الشيرازي (476 هـ) وكتاب المهذب جليل القدر وكتاب المجموع أهم شروحه، وقد وصل النووي حتى (الربا) - المجلد التاسع (الجزء التاسع) - فلم يكمله ثم أكمل السبكي مجلدين (العاشر والحادي عشر)، ثم أكمله المطيعي حتى نهايته (من الثاني عشر إلى ثلاث وعشرين).

(12)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 161)، الاختيار لتعليل المختار (5/ 52)، المبسوط (27/ 29)، الهداية (4/ 491).

واستدلوا بما روي عن عمر وعلي وابن عمر أنهم أوجبوا في قتل العبد قيمته بالغة ما بلغت- وسيأتي ذكره بعد خمس صفحات.

ص: 35

فأبو يوسف والشافعي رحمهما الله رجحا جانب المالية

(1)

فقالا لو جعلنا الواجب بمقابلة المال كان [فيه]

(2)

تحقيق المماثلة؛ لأن المال وإن كثر لا يماثل النفس؛ واعتبار المماثلة في ضمان العدوان واجب، فلذلك وجبت قيمته بالغة ما بلغت كما في الغصب.

وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله رجحا جانب النفسية وقالا: النفس أعظم خطرًا من المال، فكان إلحاق الضمان بمقابلته أولى؛ ثم ضمان الحر لا يزاد على عشرة آلاف درهم فضمان العبد وهو دون الحر أَوْلى.

ثم عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يكون ذلك على عاقلة القاتل؛ لأنه ضمان النفس.

وعلى قول أبي يوسف والشافعي رحمهما الله لا يكون على العاقلة لأنه ضمان المال؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان

(3)

(4)

: لهما أن الضمان بدل المالية ولهذا

(5)

يجب للمولى؛ يعني لو كان بدل الدم لكان للعبد؛ إذ هو في حق الدم مبقى على أصل الحرية.

فإن قيل

(6)

وجوب الدية للمولى لا يدل على كونه بدل المالية؛ ألا ترى أن القصاص يجب للمولى لو قتل عبده عمدًا، وهو ليس بمقابلة المالية بالاتفاق.

قلنا استيفاء القصاص يبتني على الولاية

(7)

؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السلطان ولي من لا ولي له»

(8)

والمولى ولي العبد فيجب القصاص له؛ فأما استحقاق المال لا يبتني على الولاية بل على الإرث إذا وجد سببه ولا يجري الإرث بين المولى وعبده؛ فعلم أنه إنما يستحقه لجبران فوات ماله كما في سائر الأموال.

(1)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 257)، الهداية (4/ 491)، تبيين الحقائق (6/ 161)، وينظر: حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 130).

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

هو الحسن بن منصور. سبق ترجمته ص 148.

(4)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 161)، العناية (10/ 354)، البناية (13/ 299).

(5)

في (أ): وهذا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

سبق ص 87 حيث ذكر عناية الشارح بالاعتراضات ومناقشتها وردها ويكون ذلك بصيغة الافتراض.

(7)

الولاية: ابْنُ سِيدَهْ: وَليَ الشيءَ ووَليَ عَلَيْهِ وِلايةً ووَلايةً، وَقِيلَ: الوِلاية الخُطة كالإِمارة، والوَلايةُ الْمَصْدَرُ، ابْنُ السِّكِّيتِ: الوِلاية بِالْكَسْرِ السُّلْطَانُ، والوَلاية والوِلاية النُّصرة، يُقَالُ: هم عليَّ وَلايةٌ [وِلايةٌ] أَي مُجْتَمِعُونَ فِي النُّصرة، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الوَلاية بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، والوِلاية بِالْكَسْرِ الِاسْمُ مِثْلَ الإِمارة والنِّقابة. ينظر: الصحاح (6/ 2530)، المغرب (496)، لسان العرب (15/ 407).

(8)

أخرجه أبو داود في (سننه) كتاب النكاح باب في الولي (2/ 229 رقم الحديث: 2083)، وابن ماجه في (سننه) كتاب النكاح باب لا نكاح إلا بولي، (1/ 605 رقم الحديث: 1879)، والترمذي في (سننه) كتاب أبواب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي (3/ 399 رقم الحديث: 1102)، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن"، وقال الألباني في (إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل) (6/ 243):"صحيح".

ص: 36

ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله إنما صرح باسمهما مع تقدم اسمهما مرة صريحًا ولم يكن ذلك من دأبه لدفع الاشتباه عن اسم أبي يوسف والشافعي رحمهما الله لأنه وقع هاهنا في كل طرف اثنان بحسب اتفاق الحال.

قوله تعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}

(1)

فوجه التمسك بهذه الآية على أن العبد داخل في حكم هذه هو أن الله تعالى ذكر حكمين في هذه الآية الكفارة والدية بقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}

(2)

، فبالاتفاق أن العبد داخل في حق وجوب الكفارة مثل دخول الحر فيه فيجب أن يكون في حق الدية كذلك؛ فإن نفس العبد تضمن بالكفارة كنفس الحر فكذلك بالدية بمقابلة النفس مقدرة بالنص لا يجوز الزيادة عليها بالرأي ولا يجوز إسقاطها بالرأي.

ولأن فيه معنى الآدمية حتى كان مكلفًا، أي بالإيمان والشرائع التي تجب عليه مثل الصلاة والصوم وغيرهما من شرائع المعاملات والعقوبات

(3)

، وفيه معنى المالية والآدمية أعلاهما، والدليل على أن صفة المالية في هذا المحل تابعة للنفس؛ لأن قوام المالية ببقاء النفسية؛ وهذا هو علامة التبع مع المتبوع، فلا يجوز إهدار الأصل بحال لمراعاة التبع؛ لأن في اعتبار الأصل اعتبار التبع، وليس في اعتبار التبع اعتبار الأصل.

فإذا جعلنا الضمان واجبًا باعتبار النفسية كنا قد اعتبرنا ما هو الأصل؛ وباعتباره يحصل اعتبار التبع فكان ذلك أولى من أن يجعل بمقابلة المالية ويهدر معنى النفسية.

والدليل على ما قلنا فصل القصاص؛ فإن القصاص يجب باعتبار معنى النفسية، ثم لا يجب على المولى إذا قتل عبده لأنه غير مفيد؛ لأن القصاص إنما يجب لمولاه استيفاء على سبيل الخلافة عنه، فلو [وجب]

(4)

وجب له على نفسه؛ ومن قال القصاص واجب باعتبار المالية فهو لغو من الكلام؛ لأن المال لا يضمن بالقصاص بحال فكيف يضمن المال به، والمقصود بالمال التمول والادخار لوقت الحاجة، وليس في القصاص شيء من ذلك.

وبهذا يتبين ترجح معنى النفسية على معنى المالية؛ لأن المتلَف

(5)

في حالة الخطأ ما هو المتلَف

(6)

في حالة العمد؛ فلما

(7)

جعل المضمون فيه

(8)

في حالة العمد معنى النفسية فكذلك في حالة الخطأ؛ ومن قال يجمع بينهما فذلك فضل من الكلام؛ لأنه لو كان هنا طريق إلى الجمع بينهما لكان ينبغي أن يضمن الدية مع كمال القيمة أو يستوفي في حالة العمد القصاص باعتبار النفسية والقيمة باعتبار المالية وأحد لا يقول بذلك، فعرفنا أنه لا وجه للجمع بينهما لما بين الوصفين من المغايرة على سبيل المضادة.

(1)

سورة النساء: 92

(2)

سورة النساء: 92

(3)

في (ج): والتقربات؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ج): التلف؛ وما أثبت من (أ) و (ب) أصوب.

(6)

في (ج): التلف؛ وما أثبت من (أ) و (ب) وهو أصوب.

(7)

في (ب): فإنما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (أ) و (ب): منه؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

ص: 37

وأما النقصان فنقول بدل النفس قد ينقص عن أعلى الديات باعتبار معنى موجب للنقصان في المحل.

ألا ترى أنه ينقص بالأنوثة وبالكفر على أصل الخصم وبالاجتنان

(1)

في البطن بالاتفاق؛ فإن بدل الجنين دون بدل المنفصل

(2)

وإن كان الوجوب باعتبار النفسية هناك إذ لا مالية في الجنين سواء كان حرًّا أو مملوكًا؛ فكذلك يجوز أن ينقص عن أعلى الديات باعتبار صفة المملوكية، وهذا لأن تكميل الدية باعتبار كمال صفة المالكية.

ألا ترى أن بدل الأنثى على النصف من بدل الذَّكر لأن الذكر أهل لمالكية المال

(3)

والنكاح

(4)

، والأنثى أهل لمالكية المال دون مالكية النكاح، فإنها مملوكة نكاحًا فينتصف بدلها لذلك.

(1)

الجنين: ما استتر في بطن أمه؛ أي الولد ما دام في الرحم. ينظر: لسان العرب (13/ 93)، المغرب (1/ 166)، التعريفات الفقهية (73).

اصطلاحًا: ذهب المالكية والظاهرية وبعض الحنفية إلى أن الحمل يسمى جنينا منذ التقاء الحيوان المنوي بالبويضة وحصول الإخصاب، سواء أكان نطفة أم علقة أم مضغة، ويطلق عليه هذا الاسم إلى أن يخرج من الرحم. ينظر: حاشية الشيخ علي الصعيدي على كفاية الطالب الرباني 2/ 248، بداية المجتهد 2/ 416، حاشية ابن عابدين 2/ 411

وذهب الشافعية والحنابلة وجمهور الحنفية إلى أنه يطلق على الحمل جنينا بعد أن يفارق المضغة والعلقة حتى يتبين منه شيء من خلق الآدمي، أو يشهد الثقات بأنه مبدأ آدمي. ينظر: الأم للشافعي (5/ 143)، المغني لابن قدامة (7/ 799)، حاشية ابن عابدين (2/ 411).

(2)

في (ب): المفصل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

المال: مشتق من (مَوَل) فعينه واو، ويطلق في اللغة على كل ما يملكه الإنسان من الأشياء، وبعضهم يطلقه على الذهب والفضة خاصة، وكانت العرب تطلقه غالبا على الإبل خاصة أو على النعم. ينظر: القاموس المحيط ص (954)، والمصباح المنير ص (224).

وفي كلام الحنفية: المراد بالمال: ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة. ينظر: حاشية رد المحتار 4/ 501، البحر الرائق (5/ 277).

وعند المالكية: كل ما تمتد إليه الأطماع ويصلح عادة وشرعا للانتفاع به. ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (2/ 607).

وعند الشافعية: قال السيوطي: قال الشافعي ط: لا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه وإن قلت وما لا يطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه ذلك. ينظر: الأشباه والنظائر (327).

وعند الحنابلة: وهو ما فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة. ينظر: الإقناع للحجاوي (2/ 156).

(4)

النكاح: أصل النكاح الوطء وقد يكون العقد وقيل للتزوج نكاح لأنه سبب للوطء المباح. ينظر: لسان العرب (2/ 626).

وعند الحنفية: عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصدا. ينظر: شرح فتح القدير (3/ 99).

وعند المالكية: عقد لحل تمتع بأنثى غير محرم وغير مجوسية وغير أمة كتابية بصيغة لقادر محتاج أو راج نسلا. ينظر: بلغة السالك (1/ 347).

وعند الشافعية: عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج. ينظر: حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 206).

وعند الحنابلة: عقد يعتبر فيه لفظ إنكاح أو تزويج في الجملة. ينظر: الروض المربع (2/ 763).

ص: 38

والجنين ليس بأهل للمالكيتين في الحال ولكن فيه عرضية

(1)

الأهلية؛ لذلك إذا انفصل حيًّا فباعتباره ينتقص بدله غاية النقصان.

فإن قيل لو كان التعليل بمعنى المالكية والمملوكية صحيحًا لنقصت دية العبد عن دية المرأة لأنها تملكه.

قلنا من حيث إن العبد نفس يدخل تحت حمل أمانة الله تعالى لم يصرف مالًا وبقي على حكم الحرية وصحة النكاح يبتني على هذا الوصف؛ لأن عقد التناكح لا يجري بين الأموال؛ وهو من هذا الوجه يملك الحرة نكاحًا فتصير المرأة تبعًا له في حق النفسية وما يبتني عليها، وقد ذكرنا أنه عند التعارض بين النفسية والمالية الاعتبار لجانب النفسية لرجحان النفسية على المالية على ما ذكرنا؛ فلما كان العبد

(2)

هو المالك للحرة فيما يرجع إلى النفسية كانت دية المرأة أنقص من دية العبد التي تبلغ دية الحر، ولأن قيمة العبد إذا كانت أقل من خمسة آلاف تجب دون دية المرأة لأنها تملكه؛ وإذا كانت القيمة أكثر من ديتها يجب أكثر لأنه يملكها نكاحًا قولًا بالشبهين.

فإن قلت ما جوابنا عمَّا احتج به الخصم بأن عمر

(3)

وعليًّا

(4)

وابن

عمر

(5)

ن أوجبوا في قتل العبد

(6)

قيمته بالغة ما بلغت

(7)

.

(1)

العرضي ما يقابل الذاتي؛ يقال مسألة عرضية غير داخلة في ذات الشيء وجوهره. ينظر: المعجم الوسيط (2/ 594).

(2)

في (أ): القتل؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

عمر بن الخطاب- رضي الله عنه -خليفة (رسول اللَّه غ) الثاني بإجماع المسلمين، وهو الفاروق فرق الله به بين الحق والباطل، أحد السابقين الأولين، وكان إسلامه عزًا ظهر به الإسلام، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد أصهار رسول اللَّه غ. ينظر: سير أعلام النبلاء- مجلد سير الخلفاء الراشدين- ص 69 - 145.

(4)

علي بن أبي طالب ط، يكنى أبا الحسن، قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان، صحب رسول الله منذ أن بُعِث إلى أن توفي غ، هاجر بعد النبي بوقت قصير لأنه تركه في بيته ليلة الهجرة وأمره أن يؤدي ودائع الناس، كان من السابقين الأولين، شهد بدرا وما بعدها، وكان يكنى أبا تراب أيضا. ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1089)، والطبقات الكبرى 3/ 19، الإصابة في تمييز الصحابة 4/ 464.

(5)

عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوى، أسلم مع أبيه وهاجر وعرض على

النبي صلى الله عليه وسلم -ببدر فاستصغره ثم بأحد فكذلك ثم بالخندق فأجازه، وعن أبي سلمة كان عمر في زمان له فيه نظراء وكان ابن عمر في زمان ليس فيه نظير، كان له مهراس فيه ماء فيصلى ما قدر له ثم يصير الى الفراش فيغفى اغفاء الطائر ثم يقوم فيتوضأ ثم يصلي فيرجع إلى فراشه فيغفى إغفاء الطائر ثم يثب فيتوضأ ثم يصلي يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمسا. ينظر: الإصابة لابن حجر (4/ 181 - 182).

(6)

في (ج): العمد؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

أخرجه البيهقي (8/ 37) كتاب الجنايات-باب العبد يقتل فيه قيمته بالغة ما بلغت. وقال: إسناده صحيح. ينظر: التلخيص الحبير (4/ 101)، وأيضًا التلخيص- كتاب الديات (4/ 68) رقم 1967 (69).

ص: 39

والدليل أيضًا

(1)

في أن الواجب في قتل

العبد

(2)

ضمان المال لا النفس أن الضمان يجب للمولى [باعتبار]

(3)

ملكه، وملكه في عبده ملك مال، فالضمان الواجب له يكون ضمان المال أيضًا؛ ولأنه يرجع إلى تقويم المقوِّمين أيضًا في الأسواق فنوجب به جنس نقد السوق وهو يختص بضمان المال.

وأما في الدية التي بمقابلة النفس إنما يجب الإبل ونحوها ولا مدخل للإبل هاهنا، ولأن قيمة العبد تختلف باختلاف أوصاف المتلف في الحسن والجمال وسلامة الأطراف، وتنتقص قيمته بذهاب أطرافه كما في المال، فلو كانت قيمته بمقابلة النفس لما انتقصت قيمته بنقصان أطرافه كما لا تنتقص الدية بنقصان أطراف الحر.

ولأنه لو قطع يد عبد والعبد يساوي ثلاثين ألفًا ضمن خمسة عشر ألفًا نصف القيمة بالغة ما بلغت زائدة على الدية، فلما وجب هكذا في نقصان الطرف ينبغي ألّا ينتقص عنه بإتلاف الكل وإلا يلزم القبح؛ وهو أن يجب بقطع طرفه خمسة عشر ألفًا وبقتله عشرة آلاف إلا عشرة.

ولأن الراهن إذا قتل المرهون يضمن قيمته لحق المرتهن، ولا حق للمرتهن إلا في المالية؛ ولهذا لا يجب عليه القصاص [بحال لأن القصاص]

(4)

بدل عن النفسية؛ فلو كانت القيمة كذلك لما وجبت على الراهن إذ لا وجوب عليه إلا المال.

قلتُ: أما الجواب عن الأثر فنعارضه بقول ابن مسعود

(5)

ط: «لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم»

(6)

؛ وهذا كالمروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن المقادير لا تعرف بالقياس وإنما طريق معرفتها التوقيف والسماع من صاحب الوحي

(7)

، فكان في هذا دليل الرفع والسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه ذكر المقدار وهو مما لا يهتدي إليه العقل.

(1)

في (أ): أيضًا له؛ وما أثبت من (ب) و (ج) قريب من معناه.

(2)

في (أ): العمد؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

هذا الصحابي كان من السابقين إلى الإسلام، أسلم قديمًا، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، ولازم النبي غ، وكان صاحب نعليه وطهوره وسواكه ووساده وسره، وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم -بالكثير، وبعد الهجرة (آخى النبي صلى الله عليه وسلم -بينه وبين سعد بن معاذ)، إنه الإمام الحبر فقيه الأمة عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي المكي المهاجري أبو عبد الرحمن، حليف بني زهرة، كان- رضي الله عنه -رجلًا نحيفًا قصيرًا، شديد الأدمة، قال عنه الذهبي: كان معدودًا في أذكياء العلماء. ينظر: سير أعلام النبلاء (1/ 496 - 497)، تاريخ البخاري الصغير (1/ 85).

(6)

أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) العقول، باب دية المملوك (10/ 9 رقم: 18172)، وابن أبي شيبة في (مصنفه) كتاب الديات باب من قال: لا يبلغ به دية الحر، (5/ 387 رقم: 27215)، ونصه:«لا يبلغ بدية العبد دية الحر في الخطأ» ، قال الزيلعي في (نصب الراية) (4/ 389): روي عن ابن عباس أنه ينقص في العبد عشرة إذا بلغت قيمته عشرة آلاف، قلت: غريب، وقال ابن حجر في (الدراية في أحاديث الهداية)(2/ 283، 284): لم أجده، وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما عن النخعي والشعبي قالا: لا يبلغ بدية العبد دية الحر، انتهى.

(7)

جاء في أصول السرخسي: ولا خلاف بين أصحابنا المتقدمين والمتأخرين أن قول الصحابة حجة فيما لا مدخل للقياس في معرفة الحكم فيه وذلك نحو المقادير التي لا تعرف بالرأي) أصول السرخسي (2/ 108 - 110).

وقال أبو الحسن الكرخي: فلما لم يكن لنا سبيل لإثبات هذه المقادير من طريق الاجتهاد والمقاييس، وكان طريقه التوقيف أو الاتفاق، ثم وجدنا الصحابي قد قطع بذلك وأثبته، دلَّ ذلك من أمره على أنه قاله توقيفًا؛ لأنه لا يجوز أن يظن بهم أنهم قالوه تخمينًا وتظننًا، فصار ما كان هذا وصفه من المقادير إنما يلزم قبول قول الصحابي الواحد فيه ويجب اتباعه من حيث كان توقيفًا". الفصول في الأصول (3/ 364).

ص: 40

ومن هذا الطريق رجحنا المروي عن ابن مسعود- رضي الله عنه -على ما رواه الخصم؛ لأنه ليس فيه ذكر المقدار بل فيه قياس سائر الأموال من تبليغ قيمته إلى ما بلغت؛ فكان ذلك الأثر محمولًا على أنهم قالوه من رأيهم، وقياسهم على سائر الحيوانات من الفرس والبقر، أو يحمل ذلك على ما إذا كانت قيمته فيما دون دية

(1)

الحر والحكم فيه كذلك.

وإنما

(2)

وجوبه للمولى لأن المولى يخلفه خلافة الوارث المورث، ولأنه ملك

(3)

لماليَّة

(4)

قوامها باعتبار هذا المحل؛ فما يجب بمقابلة المحل في حقه يجعل كالواجب بمقابلة المالية.

وأما الرجوع إلى تقويم المقوِّمين فلإظهار المالية التي يظهر النقصان باعتبارها، مع أن الرجوع إلى تقويم المقومين قد يكون فيما يجب بمقابلة النفسية كحكومة العدل

(5)

(6)

.

وأما الجواب عن قوله: إنه لو قطع يد عبد والعبد يساوي ثلاثين ألفًا ضمن خمسة عشر ألفًا فقد قيل: إن ذلك قول أبي يوسف: في دية العبد أنها تجب بقدر القيمة وإن كثرت، وعن هذا قال محمد

(7)

: في بعض الروايات: القول بهذا يؤدي إلى أن يجب بقطع طرف العبد فوق ما يجب بقتله وهو قبيح جدًا؛ فلهذا قال: لا يزاد عن نصف بدل نفسه فيكون الواجب خمسة آلاف إلا خمسة.

وقد قيل إن جانب المالية في الأطراف أغلب في الأحرار.

ألا ترى أن الاثنين لا يؤاخذان بواحد في حق الأطراف؛ وبالرق ازداد معنى المالية حتى لم يجز القصاص في أطراف العبيد لهذا، ولأن مجاوزة قدر قيمة الأطراف عن قدر الدية غير ممتنعة في نفسها.

ألا ترى أن إنسانًا لو جدع أنف غيره الحر

(8)

خطأ وجبت دية النفس، ثم فقأ عينه وجبت دية أخرى.

(1)

في (ج): رقبة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ب): وأما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (أ) و (ج): مالك؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(4)

في (أ): بمالكية؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ب): القتل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

حكومة العدل: هي أن تقرب هذه الجناية إلى أقرب الجنايات التي لها أرش مقدر فينظر ذوا عدل من أطباء الجراحات كم مقدار هذه ههنا في قلة الجراحات وكثرتها بالحزر والظن فيأخذ القاضي بقولهما ويحكم من الأرش بمقداره من أرش الجراحة المقدرة. ينظر: بدائع الصنائع (7/ 325)، رد المحتار (6/ 581).

(7)

ينظر: المبسوط (27/ 32).

(8)

في (ب): غير الحر؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 41

وكذلك في جميع أطرافه من اليدين والرجلين والأذنين وغيرها؛ فيزيد ما يجب بمقابلة الأطراف عن الدية بأضعاف أضعافها لو صورنا المسألة [في إتلاف أطراف]

(1)

الحر خطأ، ولما لم يمتنع ذلك في الحر فلَأن لا يمتنع في العبد بالطريق الأولى.

وأما العبد المرهون إذا قتله الراهن فإن إيجاب الضمان هناك باعتبار معنى النفسية غير ممكن لما قررنا في المولى إذا قتل عبده، فجعلنا الواجب هناك باعتبار المالية التي هي التبع، هذا كله مما أشار إليه في المبسوط

(2)

والأسرار

(3)

وغيرهما.

وتعيين العشرة [باعتبار]

(4)

أثر عبدالله بن مسعود

(5)

ط؛ وفي نسخة بأثر عبد الله ابن عباس

(6)

(7)

ط، والصحيح هو الأول لأنه موافق لرواية المبسوط والأسرار.

وفي يد العبد نصف قيمته لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة دراهم؛ أي لا يزاد على خمسة آلاف منقوصة بخمسة.

هذا الذي ذكره خلاف ظاهر الرواية؛ لأنه ذكر في المبسوط: فأما طرف المملوك فقد بيَّنا أن المعتبر قيمته المالية فقط.

ألا [ترى]

(8)

أنه لا يضمن بالقصاص

(9)

ولا بالكفارة؛ فلهذا كان الواجب فيه القيمة بالغة ما بلغت إلا أن محمدًا: قال في بعض الروايات: القول بهذا يؤدي إلى أن يجب بقطع طرف العبد فوق ما يجب بقتله؛ إلى أن قال: [فلهذا قال]

(10)

: لا يزاد على نصف بدل نفسه فيكون الواجب خمسة آلاف إلا خمسة.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ينظر: المبسوط (27/ 32).

(3)

ينظر: المبسوط (27/ 32).

(4)

ساقطة من (أ) و (ج)؛ وإثباتها من (ب) هو الصواب.

(5)

سبق تخريج الأثر ص 163

(6)

ينظر: المبسوط (27/ 30)، العناية (10/ 356).

(7)

وُلِدَ- رضي الله عنه -بِشِعْبِ بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم -وهو ابن ثلاث عشرة سنة وقيل خمس عشرة سنة، كان وسيمًا جميلًا، مديد القامة، مهيبًا، كامل العقل، زكي النفس، من رجال الكمال، وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -فَقَالَ:"اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ"، وقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم -نحوًا من ثلاثين شهرًا، وروى عنه شيئًا كثيرًا، وله مفردات ليست لغيره من الصحابة لاتساع علمه، وكثرة فهمه، وكمال عقله، وسعة فضله، ونبل أصله، وله قرابة مع النبي صلى الله عليه وسلم -فهو ابن عمه، إنه ترجمان القرآن وحبر هذه الأمة والمفسر لكتاب الله. ينظر: البداية والنهاية (12/ 86)، سير أعلام النبلاء (3/ 345).

(8)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ج): بالنقصان؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 42

وكذلك ذكر في الأسرار ما ذكرنا

(1)

؛ وهو أن جانب المالية في الطرف أغلب؛ لأن القيمة في العبد كالدية في الحر حتى يجب في موضحة

(2)

العبد نصف عشر قيمة العبد؛ لأنه يجب في الحر نصف عشر الدية؛ فإن كان له ورثة غير المولى فلا قصاص فيه وهذا بالإجماع

(3)

.

وإلا اقتص منه؛ أي إن لم يكن له ورثة غير المولى يقتص منه في الوجه الأول؛ أي فيما إذا كان له ورثة غير المولى لاشتباه من له الحق وجهالة من له الحق وهو المتوفى يمتنع القصاص، كما لو باعه

المولى ثم مات عند المشتري كان على القاطع أرش اليد وتبطل السراية كذلك هاهنا.

ولا يمكن إفراد السراية عن الجناية؛ لأن قطع يد العبد لا يوجب القصاص فتبطل الجناية ضرورة، كذا ذكره الإمام قاضي خان

(4)

:.

وفيه الكلام؛ أي الكلام فيما إذا كان للعبد ورثة سوى المولى.

ووصل شيخي

(5)

: بخطه الضمير في وفيه إلى «وتعذر الاستيفاء» ، لكن مآل ذلك إلى ما قلنا لأن المُلكين في الحالين؛ فإن المُلك للمولى وقت الجرح دون الموت، وللورثة وقت الموت دون الجرح، وعند الاجتماع لا يثبت الملك على الدوام في الحالين لكل واحد منهما [فلا يكون الاجتماع مفيدًا ولا يقال بإذن كل واحد منهما]

(6)

صاحبه؛ لأنا نقول إن الإذن والأمر إنما يصح إذا كان هو يملك ذلك في الحالين.

بخلاف العبد الموصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر لأن ملكهما الذي لهما فيه دائم فصارا بمنزلة الشريكين في العبد.

وفي الإيضاح: ولو كان العبد موصى برقبته لرجل وبخدمته لآخر فقتل عمدًا لم ينفرد واحد من

الموصَى لهما بالقصاص؛ لأن الموصَى له بالخدمة لا ملك له في الرقبة

(7)

، والموصى له بالرقبة إذا استوفى القصاص سقط حق الموصى له بالخدمة لأن الرقبة فاتت

(8)

لا إلى بدل فلا يملك إبطال حقه عليه، ولكن إذا اجتمعا فقد رضي الموصى له بالخدمة بفوات حقه فيستوفيه الآخر.

لأنه المالك أي لأن سبب الولاية الملك على اعتبار إحدى الحالتين، وهي حالة الجرح قبل العتق من حالتي الجرح والموت.

(1)

ينظر: العناية (10/ 356)، البناية (13/ 302).

(2)

موضحة: أوضحت الشجة بالرأس كشفت العظم فهي موضحة. ينظر: المصباح المنير (2/ 662).

(3)

سبق ص 138.

(4)

ينظر: البناية (13/ 304).

(5)

محمد بن محمد البخاري. سبق في صفحة 61.

(6)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ينظر: العناية (10/ 357)، البناية (13/ 304).

(8)

في (ج): بانت؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 43

والوراثة بالولاء على اعتبار الأخرى أي الحالة الأخرى وهي حالة الموت بعد العتق.

فيما يحتاط فيه أي في الذي لا يثبت بالشبهات، فإنه بهذا يحترز عمن قال لآخر: لك عليَّ ألف من قرض، فقال المقر له: لا بل من ثمن بيع، فإنه يقضى بالمال وإن اختلف السبب؛ لأن ذلك من الأموال، والأموال مما يقع

(1)

البدل والإباحة فيها فلا يبالي

(2)

باختلاف السبب.

ولأن الإعتاق

(3)

قاطع للسراية حتى إن من جرح عبدَ إنسان ثم أعتقه مولاه ثم مات من تلك الجراحة تنقطع السراية فلا تلزمه الدية ولا القيمة وإنما يضمن النقصان، وهذا الحكم فيما إذا كان الجرح خطأ بالاتفاق.

وأما إذا كان عمدًا فعند محمد: كذلك لأن المعنى الموجب بأن العتق قاطع للسراية - وهو صَيرورة النهاية مخالفة للبداية - يفصل

(4)

بين العمد والخطأ لما أن الضمان في الخطأ قبل السراية للمولى وبعد السراية للعبد حتى تنفذ منه وصاياه وتقضى ديونه.

وكذلك في العمد لأنا لو اعتبرنا حالة الجرح كان استيفاء القصاص للمولى [بجهة الملك، ولو اعتبرنا حالة الموت كان استيفاء القصاص للمولى]

(5)

بالوراثة بجهة الولاء، فكان اختلاف الجهة في العمد فيما إذا لم يكن له ولي غير المولى بمنزلة اختلاف المستوفي في الخطأ بل بالطريق الأولى لما أن سقوط القصاص [حق]

(6)

مما يثبت بالشبهة دون سقوط الدية، فلما قطع الإعتاق السرايةَ في الخطأ حتى لم تجب الدية والقيمة بالاتفاق، فلأن يقطع الإعتاق السراية في حق القصاص حتى لا يجب القصاص في العمد أولى لأن سقوط القصاص مما يثبت بالشبهات دون سقوط الدية لهما.

أنَّا تيقنا بثبوت الولاية؛ أي بثبوت ولاية استيفاء القصاص في العمد للمولى؛ وهذا لأن المقضي له - وهو المولى- معلوم، والحكم -وهو استيفاء القصاص- متحد بخلاف الفصل الأول، وهو ما إذا كان له ورثة غير المولى حيث لا يجب القصاص بالاتفاق؛ لأن المقضي له مجهول؛ لأنا لو اعتبرنا حالة الجرح فالمقضي له المولى؛ ولو اعتبرنا حالة الموت فالمقضي له الورثة.

(1)

في (ج): ينفع؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(2)

في (ج): فلا تنافي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(3)

في (ج): الامتناع؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

في (ب) و (ج): لا يفرق؛ وما أثبت من (أ) قريب من معناه.

(5)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

ص: 44

ولا معتبر باختلاف السبب هنا أي في الفصل الثاني وهو ما إذا لم يكن للعبد ورثة سوى المولى في العمد؛ لأنه لو اختلف إنما يختلف السبب لأنا لو اعتبرنا حالة الجرح كان سبب استيفاء القصاص للمولى بسبب الملك، ولو اعتبرنا حالة الموت كان الاستيفاء له أيضًا لكن بسبب الولاء ولا اعتبار

له؛ لأن المقصود وهو الحكم الذي هو استيفاء القصاص متحد.

بخلاف تلك المسألة؛ أي مسألة الجارية التي قال رجل لآخر: بعتَني هذه الجارية بكذا؛ لأن ملك اليمين يغاير ملك النكاح

(1)

حكمًا؛ وذلك لأن النكاح يثبت الحل مقصودًا والبيع لا يثبته، ولو أثبته لا يثبته مقصودًا فاختلف الحكم كما

(2)

اختلف السّبب؛ فلذلك لم يثبت الحل.

أو نقول: إن في تلك المسألة ما [تنازعا]

(3)

فيه من النكاح والبيع قد لغا لإنكار كل واحد منهما ما ادعاه صاحبه وحلفه على ذلك، ولا يثبت الحل إلا باتفاق هذين الشخصين على ما يوجب الحل ولم يتفقا

(4)

وانتفى ما ادعى كل واحد منهما بإنكار صاحبه وحلفه، ثم لو ثبت الحل بعد ذلك إنما يثبت بمجرد البدل والإحلال وذا لا يكفي لحل الوطء.

وأما في مسألتنا لم ينتفِ سبب ثبوت الحق للمولى؛ إذ لم يوجد ما ينفي ذلك من الإنكار والحلف عليه، لكن اشتبه أنه ملك يمين أم ولاء وأحدهما ثابت لا محالة، وذلك يكفي لاستيفاء القصاص.

وهكذا أيضًا فرق شيخ الإسلام جواهر زاده في العتاق بين مسألة القرض

(5)

وبين مسألة الجارية، فقال: إذا قال لك: عليّ ألف من قرض؛ فقال المقر له: لا، بل من ثمن بيع؛ فإنه يقضى بالمال لأنا نلغي القرض والبيع لإنكار كل واحد منهما ما ادَّعاه صاحبه

(6)

، بقي الإقرار بمطلق المال وذلك كافٍ لاستحقاق المال

(7)

فيكون بدلًا من المقر، والبدل يجري في المال كما في القضاء بالنكول

(8)

.

(1)

النكاح: سبق ص 160

(2)

في (ج): أي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ج) ففي مكانها (بياض)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

في (ب): ولم يتفاوتا؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

القرض: القطع، وهو ما تعطيه من المال لتقضاه، والقرض لا منفعة للمقرض فيه غير الأجر والشكر وعلى المقترض رده كما أخذه، والعرب تسمي القرض سلفًا. ينظر: الصحاح (3/ 1102)، لسان العرب (7/ 217) و (9/ 159).

(6)

ينظر: العناية (10/ 358).

(7)

في (ج): الملك؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

يقال نكل عن العدو: أي جبن عنه، ومراد الفقهاء من هذه اللفظة هو الامتناع عن آداء الشهادة أو حلف اليمين. ينظر: طلبة الطلبة (ص/ 43)، لسان العرب (11/ 678)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 488).

ص: 45

بخلاف مسألة الجارية فإن حِلَّ الوَطء مما لا يثبت بالبدل، والإعتاق لا يقطع السراية لذاته، جوابًا عن قوله، ولأن الإعتاق قاطع للسراية يعني أن كون الإعتاق قاطعًا للسراية إنما هو في صورة الخطأ لا غير؛ لجهالة المقضي له والمقضي به؛ لأنا إن اعتبرنا حالة الحياة تجب القيمة للمولى.

وإن اعتبرنا حالة السراية تجب الدية للمقتول، وجهالة المستحق وهو المقضي له بانفراده تقطع السراية؛ وجهالة المقضي له والمقضي به أولى بخلاف العمد

(1)

؛ لأن ثمة الواجب في الحالين واحد وهو القصاص، والمستحِق واحد وهو المقتول؛ لأن القصاص إنما يجب من حيث إنه آدمي، والعبد من حيث إنه آدمي يبقى على أصل الحرية إلا أن المولى يستوفي بحكم الخلافة عن العبد، وإذا لم يكن وارث سوى المولى كان المولى متعينًا للخلافة

(2)

؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان:

(3)

.

وحصل من هذا كله أن صور من قطع يد عبد غيره فأعتقه المولى ثم مات منه لم تخل عن أربعة أوجه؛ لأن قطع يد العبد في الابتداء لا يخلو إما إن كان عمدًا أو خطأ ثم كل وجه على وجهين.

إما إن كان للعبد وارث سوى المولى أو لم يكن؛ فإن كان له وارث سوى المولى والقطع عمد يقطع الإعتاق

(4)

السراية بالإجماع، فلا يجب القصاص لجهالة المقضي له والمقضي به، وإن لم يكن لا يقطعها

(5)

عندهما

(6)

خلافًا لمحمد

(7)

.

وإما إذا كان القطع خطأ فالإعتاق يقطع السراية بالإجماع سواء أكان له وارث أم لا، فلا تجب القيمة أو الدية بل يجب نقصان القيمة بالقطع.

وأوقع العتق على أحدهما؛ أي أظهر العتق الذي قاله على وجه الإبهام بقوله: أحدكما حر، وإنما ذكر بلفظ أوقع ليدل به على أن العتق لم يُنَزَّل على واحد منهما معيَّنًا في حق الأرش وإن كان ظهر وقوع العتق على أحدهما في بعض الصور كما في الموت والقتل وغيرهما.

(1)

في (ب) و (ج): فصل العمد؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(2)

في (ب): للولاية؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ينظر: العناية (10/ 357)، البناية (13/ 304).

(4)

في (ج): العمد؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ج): لانقطاعهما؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ضمير: عندهما؛ قالا؛ لهما: يرجع إلى الإمامين أبي يوسف ومحمد بن الحسن إذا لم يسبق مرجعه، وقد يراد به أبو يوسف وأبو حنيفة؛ أو أبو حنيفة ومحمد إذا سبق لثالثهما ذكر في مخالفة الحكم. ينظر: المذهب الحنفي لأحمد النقيب (1/ 324)

(7)

ينظر: العناية (10/ 360).

ص: 46

فإنه إذا قال لهما: أحدكما حر؛ ثم مات أحدهما أو قتل تعيَّن العتق في الآخر؛ لأن الذي مات خرج من أن يكون محلًا لإيقاع العتق عليه، والعتق المبهم في حق العين

(1)

كالنازل عند البيان فلا بد من بقاء المحل لِيبقَى خياره في البيان، وعدم التعين في الثاني منهما كان لمزاحمة الآخر إياه، وقد زالت هذه المزاحمة بخروج أحدهما من أن يكون محلًا للعتق فلهذا يتعين في الآخر.

وكذلك لو باع [المولى]

(2)

أحدهما بيعًا صحيحًا أو فاسدًا أو عرض أحدهما على البيع تعين العتق في الآخر، وهذا لأن قوله: بعت هذا بكذا إقرار منه بأنه لا حظ لهذا العبد في ذلك العتق فيتعيّن الآخر للعتق لما أن البيع

(3)

اسم خاص لتمليك مال بمال.

فدليل البيان ممن له البيان كصريح البيان

(4)

(5)

؛ لأن العتق غير نازل في المعيّن [يعني أن المولى أنزل العتق في المنكّر والمعيّن غير المنكَّر، فلذلك لا يكون العتق نازلًا في المعيّن]

(6)

.

فإن قلت: يشكل على هذا ما لو اختار المولى عند الموت تعيين العتق في أحدهما عتق كله ولا يعتبر من ثلث ماله اعتبارًا لأصل الإيقاع الذي كان في الصحة، فلو كان العتق المبهم غير نازل حكمًا في المعين

(7)

ينبغي أن يعتبر تعيين العتق في أحدهما بعينه وقتَ الموت، وأن يصح من ثلث ماله

(8)

لا من كله.

قلتُ: وإنما كان هكذا لأن أصل الإيقاع كان منه في الصحة فقد تم الاستحقاق [به]

(9)

في حقه معتبرًا من جميع ماله؛ لأنه لا تنكير في جانبه فلا يتغير ذلك ببيانهِ عند الموت، وهو نظير ما لو طلق إحدى نسائه الأربع قبل الدخول من غير عينها كان له أن يتزوج الأخرى لأن إحداهن بانت

(10)

(11)

في حقه ولا تنكير في جانبه.

(1)

في (ج): الغير؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (أ): بالبيع؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ب): كصريح إنسان؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

ينظر: البناية (13/ 307).

(6)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (ج): المعني؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

في (ب): ملكه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

ساقطة من (أ) و (ج)؛ وإثباتها من (ب) هو الصواب.

(10)

في (ب): ثابت؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

بان منه وعنه: بعد وانفصل، ويقال بانت المرأة عن زوجها؛ ومنه انفصلت بطلاق فهي بائن؛ والبائن: طلاق بائن لا رجعة فيه إلا بعقد جديد. ينظر: المعجم الوسيط (1/ 79 - 80)، لسان العرب (13/ 64).

ص: 47

فإن قلت: ما وجه الفرق لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله بين جواز أخذ أرشهما المولى إذا شجا أوقطع أيديهما وليس له أن يجامعهما إذا كانتا أمتين

(1)

؛ والمسألة بحالها مع أن هذه النكتة

(2)

(3)

التي ذكرنا في الكتاب أن العتق غير نازل في المعيّن، والشجة تصادف المعين فبقيا مملوكين واردة فيه أيضًا لأن الوطء أيضًا يصادف المعين كالشجة.

قلتُ: وجه ذلك هو أن الوطء تصرف لا يحل إلا في الملك، فإقدامه عليه في أحدهما دليل تعيين الملك فيه، ومن ضرورته انتفاء ذلك العتق عنها فيتعين في الأخرى.

وقاسا بما لو قال لامرأتين له: إحداكما طالق ثلاثًا؛ ثم وطئ إحداهما تعين الطلاق في الأخرى؛ وهذا لأن فعل المسلم محمول على الحِل ما أمكن.

وأما في حق الأرش يفي كل واحد منهما لاختيار العتق المولى فيهما بعد الشجة وبعد قطع أيديهما لبقاء كل واحد منهما محلًا للعتق، وما بقي خيار المولى لا يكون العتق نازلًا في عين أحدهما، فإنما شج رأس كل واحد منهما أو قطع يده على حكم الرق فكان للمولى؛ لأن خيار التعيين للمولى فيهما باق كما كان قبل الشجة فيهما.

ولو قتلهما رجل؛ أي رجل واحد؛ تجب دية حر وقيمة عبد، هذا إذا كان القاتل واحدًا وقتلهما معًا واستوت قيمتهما

(4)

.

أما إذا كان القاتل اثنين فيجيء بعده.

وأما إذا قتلهما الواحد على التعاقب فعليه قيمة الأول [للمولى]

(5)

ودية الآخر لورثته؛ لأن بقتل أحدهما تعين العتق في الآخر ضرورة فتبين أنه قتله

وهو حر.

وأما لو قتلهما معًا كان عليه قيمة عبد ودية حر إن استوت القيمتان، وإن اختلفت فعليه نصف قيمة كل واحد منهما ودية حر؛ لأنا نتيقن أنه قتل عبدًا وحرًا؛ وقتل الحر يوجب الدية، وليس أحدهما بأولى من الآخر فيلزمه نصف قيمة كل واحد منهما ونصف دية كل واحد منهما؛ لأن البيان

(6)

فات حين قتلا، وعند فوت البيان يشيع العتق فيهما.

(1)

في (ج): إذا كانا اثنين؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ج): المسائل؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

النكتة من الكلام: وهي الجملة المنقحة المحذوفة الفضول، وهي مسألة لطيفة أخرجت بدقة نظر وإمعان؛ وسميت المسألة الدقيقة: نكتة؛ لتأثير الخواطر في استنباطها. ينظر: المغرب (ص/ 473)، التعريفات:(ص/ 246).

(4)

في (ب): فيهما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ب): الضمان؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 48

بخلاف ما إذا قتل كل واحد منهما رجل حيث تجب قيمة المملوكين، هذا إذا قتلاهما معًا أولا يدري أيهما قتل أولًا.

أما إذا قتلهما رجلان؛ فإن كان قتلهما على التعاقب فعلى القاتل الأول قيمة الأول لمولاه، وعلى القاتل الثاني ديته لورثته لأن العتق تعين فيه.

وأما إذا قتلهما معًا فعلى كل واحد منهما قيمة عبد؛ لأن كل واحد من القاتلَين إنما قتل أحدهما بعينه، والعتق في حق العين كأنه غير نازل فكان كل واحد منهما مملوكًا عينًا؛ وإنما نزل العتق في المنكر ولا يتيقن أن كل واحد منهما قاتل لذلك المنكَّر وإنما يجب على كل واحد منهما القدر المتيقن [به وهو القيمة]

(1)

.

ولم يبين في الكتاب؛ أي في المبسوط أن ذلك للمولى أو لورثتهما.

وقيل هذا والأول سواء النصف للمولى من كل واحد منهما والنصف للورثة؛ لأن في حق المولى العتق ثابت في حق أحدهما فلا يستحق بدل نفسه فيوزَّع ذلك نصفين عليهما لهذا.

وإن لم يجن عليهما أحد ولكن المولى مات قبل أن يبين عَتقَ من كل واحد منهما نصفه

(2)

وسعى في نصف قيمته؛ لأن البيان فات بموت المولى فإن الوارث لا يخلفه في ذلك؛ لأنه لا يقف على مراده ولأن مجرد الخيار لا يُوَرَّث، ولما فات البيان شاع

(3)

العتق فيهما؛ إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر، وبعدما عتق نصف كل واحد منهما يجب إخراج النصف الباقي إلى الحرية بالسعاية

(4)

، هذا كله في الباب الجامع لوجوه العتاق من عتاق المبسوط.

وقوله: ولأن القياس معطوف على قوله والفرق أن البيان إنشاء

(5)

فبقي مملوكًا في حقها؛ أي في حق الأطراف.

لسقوط اعتبارها؛ أي اعتبار المالية في حق الذات قصرًا عليه؛ أي لم يقتصر اعتبار المالية في حق الذات فحسب بل اعتبرت في حق الأطراف أيضًا، يعني أن انحصار اعتبار المالية في حق الذات لا غير ساقط.

ولهما

(6)

أن معنى المالية لما كان معتبرًا حتى كان الواجب من القيمة باعتبار المالية فيزيد بزيادتها وينقص بنقصانها وجب أن يترجح جانب المالية في أطراف العبيد ونقول فيه كما نقول في سائر الأموال.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (أ): نصيبه؛ وما أثبت من (ب) و (ج) قريب من معناه.

(3)

في (ب): ساغ؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

السعاية: ما يستسعى فيه العبد من ثمن رقبته إذا أعتق بعضه، وهو أن يكلف من العمل ما يؤدي عن نفسه ما بقي. ينظر: العين (2/ 202)، مجمل اللغة لابن فارس (ص: 461)، المحكم والمحيط الأعظم (2/ 222).

(5)

في (ج): انتفا؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

أي لأبي يوسف ومحمد. ينظر: العناية (10/ 362)، البناية (13/ 309).

ص: 49

أو نقول العبد في الجناية عليه كالحر من وجه حتى يتعذر بدل طرفه ببدل نفسه، وبمنزلة الثياب

(1)

والدواب من وجه حتى يكون الواجب من القيمة باعتبار المالية، فيخير المولى إن شاء مال إلى الشبه الأول واستوفى جميع القيمة وسلم الجثة

(2)

؛ لأن النفس صارت مستهلكة حكمًا بتفويت منفعة النفس؛ وإن شاء مال إلى الشبه الثاني وأخذ نقصان القيمة وأمسك الجثة كما في تخريق

(3)

ثوب إنسان خرقًا فاحشًا

(4)

.

ثم من أحكام الأولى؛ أي الآدمية ألا ينقسم على الأجزاء؛ أي ألا يتوزع كمال بدل النفس على النفس والفائت

(5)

من الطرف، بل يكون بإزاء الفائت لا غيركما في فقء عيني الحر، يعني يجب ألا ينقسم الضمان على الأجزاء والنفس، ولا يقال بأن يأخذ النقصان ويمسك الجثة كما قالا بل تجب كل القيمة لا النقصان على تقدير الدفع، ولا يجب شيء على تقدير إمساك الجثة.

ومن أحكام الثانية أي المالية أن ينقسم ويتملك [الجثة]

(6)

؛ أي أن ينقسم موجب الجناية وهو الضمان على الأجزاء والجثة فيضمن نقصان القيمة وهو الذي وجب بمقابلة فوات الأجزاء، ويمسك المولى الجثة كما في تخريق الثوب.

فوفرنا على الشبهين حَظّهما

(7)

؛ يعني بالنظر إلى الآدمية ينبغي ألا يجب الضمان [متوزعًا]

(8)

بل بإزاء الفائت لا غير، وبالنظر إلى المالية ليس له أن يأخذ كل بدل العين مع إمساك الجثة كما ليس له ذلك في المال، بل قيل له من [شرط]

(9)

استيفائك هذا الضمان

(10)

أَنْ تزيل الجثة عن ملكك ليكون قولًا بالشَّبهين؛ ففيما قالا إلغاء لجانب الآدمية أصلًا واعتبار لجانب المالية؛ لأن من حكم المال أن المالك بالخيار إن شاء سلم النفس وأخذ كمال القيمة، وإن شاء أمسكها ورجع بالنقصان كما في تخريق الثوب.

(1)

في (ب): النبات؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

الجثة: شخص الإنسان قاعدًا أو نائمًا، والجثة: الجسد. ينظر: الصحاح (1/ 277)، المعجم الوسيط (1/ 106).

(3)

الخرق: مصدر خرق الثوب والخف ونحوهما؛ ثم سمي به الثقبة، والخرق الشق في الحائط والثوب ونحوه؛ وخرقت الثوب إذا شققته. ينظر: المغرب (ص/ 143)، لسان العرب (10/ 73).

(4)

كل شيء جاوز حده فهو فاحش، ورجل فاحش: سيء الكلام، وأمر فاحش: قبيح. ينظر: الصحاح (3/ 1014)، المغرب (ص/ 352).

(5)

في (ج): والمكاتب؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ج): حفظهما؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(10)

في (أ): لا ضمان؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 50

وفيما قاله الشافعي: إلغاء لجانب المالية [أصلًا]

(1)

واعتبار لجانب الآدمية لا غير، فإنه يقول عند فقء عيني عبد بضمان كمال القيمة والجثة للمولى من غير خيار فكان كفقء عَيني الحر

(2)

.

والقول الأوسط الأعدل ما قاله أبو حنيفة: لأن فيما تجاذب الطرفان كان القول بتوفير الشبهين أولى؛ إلى هذا أشار في الأسرار

(3)

. والله أعلم.

* * *

‌فَصْل في جناية المدبَّر

(4)

وأمّ الولد

(5)

لما ذكر باب جناية المملوك والجناية عليه قدَّم من هو أكمل في استحقاق اسم المملوكية وهو العبد، ثم ذكر فصل من هو أحط رتبة في اسم المملوكية وهو المدبَّر وأم الولد، غير أن أم الولد أحط رتبة أيضًا من المدبر في ذلك الاسم حتى إن القاضي لو قضى بجواز بيعها لا ينفذ بخلاف المدبر.

وهي أنثى أيضًا فالأنوثة والانحطاط في اسم المملوكية أوجبا تأخير ذكرها عن ذكر المدبر، لما روي عن أبي عبيدة وهو أبو عبيدة بن الجراح

(6)

رضي الله عنه

قضى بجناية المدبر على مولاه

(7)

؛ وكان أميرًا بالشام

(8)

وكان بمحضر من الصحابة ن فكان إجماعًا، كذا في الإيضاح

(9)

.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ينظر: العناية (10/ 363)، البناية (13/ 310).

(3)

ينظر: العناية (10/ 363)، البناية (13/ 310).

(4)

سبق ص 134.

(5)

سبق ص 132.

(6)

هذا الصحابيُّ شَهِد المشاهد كلَّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد بدرًا وأُحدًا والخندق، وغيرها من معاركِ المسلمين الفاصلة، وكان من السابقين إلى الإسلام، فقد هاجَر الهِجرتين: الأولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة، وقد أبْلى في معركةِ أُحد بلاءً عظيمًا، فقد نزَع الحلقتَيْن اللتين دخلتَا من المِغفر في وجْه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسنانه، حتى انتُزعتْ ثنيَّتاه، وهو أمينُ هذه الأمَّة، وهو أحدُ العشرة المبشَّرين بالجنة، إنَّه فارس الإسلام، أبو عبيدة عامر بن عبدالله بن الجرَّاح، القرشي، الفهري المكي، وصَفَه أهلُ السِّير بأنَّه كان رجلًا طويلًا نحيفًا، معروقَ الوجه، خفيفَ اللحية، أثرمَ الثنيَّتين، وقد اشتهر بحُسْن خُلقه، وتواضعه وحِلمه. ينظر: حلية الأولياء (1/ 102)، سير أعلام النبلاء (1/ 17).

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه)، كتاب الديات باب جناية المدبر على من تكون؟ (5/ 396 رقم الحديث: 27326). ينظر: نصب الراية (4/ 389)، الدراية (2/ 284).

(8)

سبق ص 54

(9)

ينظر: العناية (10/ 363)، البناية (13/ 311).

ص: 51

وجنايات المدبر وإن توالت لا توجب إلا قيمة واحدة؛ لأن القيمة في المدبر تنزل منزلة عين العبد، ثم العبد إذا جنى جنايات وجب دفعه بالجنايات ولا يجب أكثر من ذلك فكذا هاهنا، كذا في الإيضاح

(1)

.

ويتضاربون بالحصص فيها؛ أي في القيمة، وتعتبر قيمته لكل واحد في حال الجناية عليه.

ومن صورته ما ذكره في المبسوط وقال: وإذا قتل المدبر رجلًا خطأ وقيمته ألف درهم ثم زادت قيمته إلى ألفين ثم قتل آخر خطأ [ثم أصابه عَيب فرجعت قيمته إلى خمسمائة ثم قتل آخر خطأ]

(2)

فعلى مولاه ألفا درهم

(3)

؛ لأنه جنى على الثاني وقيمته ألفان ولو لم يكن منه إلا تلك الجناية لكان المولى ضامنًا قيمته ألفين ثم ألفًا من هذا لِوَلي القتيل الأوسط

(4)

خاصة؛ لأن ولي الأول إنما يثبت حقه في قيمته يومَ جنى على وليه وهو ألف درهم فلا حق له في الألف الثانية، فيسلم ذلك لولي القتيل الأوسط وخمسمائة من الألف الأولى بين ولي القتيل الأول وبين الأوسط [المقتول]

(5)

؛ لأنه لا حق في هذه الخمسمائة لولي القتيل الثالث، وإنما حقه في قيمته يومَ جنى على وليه، فتقسم هذه الخمسمائة بين الأوسطِ والأوّلِ يضرب فيها الأول بعشرة آلاف والأوسط بتسعة آلاف؛ لأنّه وصل إليه من حقه ألف والخمسمائة الباقية بينهم جميعًا، يضرب فيها الآخر [بعشرة آلاف]

(6)

لأنه ما وصل إليه شيء من حقه.

ويضرب الأول بعشرة آلاف إلا ما أخذ لأنه وصل إليه من حقه مقدار المأخوذ فلا يضرب به.

وكذلك الأوسط لا يضرب بما أخذ في المرتين وإنما يضرب بما بقي من حقه فتقسم الخمسمائة بينهم على ذلك.

ولو قتل المدبر رجلًا خطأ وقيمتُه ألف درهم فدفعه الولي بقضاء قاضٍ ثم رجعت قيمته إلى خمسمائة ثم قتل آخر فإن خمسمائة مما أخذ الأول للأول خاصة؛ لأن حق الثاني إنما يثبت في قيمته عند الجناية على وليه وهي خمسمائة، فبقيت الخمسمائة الأخرى سالمة للأول بلا منازعة والخمسمائة الباقية بينهما يضرب فيها الأول بعشرة آلاف إلا خمسمائة والآخر بعشرة آلاف، فيكون ذلك مقسومًا بينهما على تسعة وثلاثين سهمًا؛ لأنه يجعل كل خمسمائة منها سهمًا.

(1)

ينظر: البناية (13/ 312).

(2)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (27/ 72).

(4)

في (ب): الأول؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 52

وإن جنى جناية أخرى وقد دفع المولى القيمة إلى ولي الأولى بقضاء فلا شيء عليه أي على الولي؛ لأنه ما لزمه أكثر من قيمة واحد بجناياته ولكن يتبع الثاني الأول فيأخذ منه نصف القيمة.

فالولي بالخيار أي فولي الجناية الثانية بالخيار إن شاء أتبع المولى أي بنصف القيمة في ذمته ثم يرجع المولى على الأول؛ لأنه تبين أنه استوفى منه زيادة عن مقدار حقه، وهو نظير الوصي إذا قضى دين أحد الغريمين من التركة ولم يعلم بالدَّيْن الآخر، أو قضى دين الغريم ثم حدث دَيْن آخر بسبب كان وجد من الميت في حياته.

وإن شاء أتبع ولي الجناية أي ولي الجناية الأولى وقالا

(1)

لا شيء على المولى.

وحاصله أن عندهما لا يتفاوت دفع المولى قيمة المدبر إلى ولي الجناية [الأولى]

(2)

حين وجدت الجناية بقضاء القاضي أو بغير قضاء القاضي لا يتبع ولي الجناية الثانية المولى بنصف القيمة بل يتبع ولي الجناية الأولى به، هما يقولان أن المولى حين دفع القيمة إلى الأول فقد فعل بنفسه عين

(3)

ما يأمره

(4)

القاضي به لو دفع إليه فيكون القضاء [وغير القضاء]

(5)

فيه سواء، كما في الرجوع بالهبة وأخذ الدار بالشفعة

(6)

(7)

بعد وجوبها؛ وهذا لأنه حين دفع ما كان لأحد في القيمة حق سوى الأول لأن السبب الموجب لحق الثاني وهو الجناية لم يوجد والحكم لا يسبق السبب؛ فلا يكون هو بهذا الدفع جانيًا في حق الثاني

(8)

فلا يضمن له شيئًا، وكيف يكون جانيًا في حقه ولو أراد أن

يمنع نصف القيمة من الأول ما كان يتمكن من ذلك.

وأبو حنيفة: يقول: إنما يجب على المولى باعتبار منع الرقبة

(9)

وإنما منعها بالتدبير السابق وذلك في حق أولياء الجنايتين

(10)

سواء؛ فيجعل في حق أولياء الجنايتين كان دفع القيمة من المولى كان بعد وجود الجنايتين جميعًا، وهناك

(11)

إن دفع إلى أحدهما جميع القيمة بقضاء القاضي لم يضمن للثاني

(12)

شيئًا، وإن كان دفع بغير قضاء قاض كان للثاني الخيار فهذا مثله.

(1)

ينظر: العناية (10/ 364)، البناية (13/ 313).

(2)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ج): غير؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى لسياق ما بعده.

(4)

في (ب): يفعله؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(5)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ب): بالشبهة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

الشفعة لغة: هي مصدر بمعنى التملك مأخوذة من الشفع خلاف الوتر، يقال: كان وترًا فشفعه، واصطلاحًا: تملك البقعة جبرًا على المشتري بما قام عليه. ينظر: لسان العرب (8/ 184)، تبيين الحقائق (5/ 239).

(8)

في (أ): الباقي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) لا يختلف معناه.

(9)

ينظر: المبسوط (27/ 71)، العناية (10/ 365)، البناية (13/ 314).

(10)

في (ج): الجانين؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(11)

في (ب): وكذلك؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(12)

في (أ): للباقي؛ وفي (ب): الثاني؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

ص: 53

والدليل على أن المعتبر هذا أن للثاني حق المشاركة مع الأول في تلك القيمة ولا يكون ذلك إلا باعتبار ما بينا؛ وهو أن يجعل كأنه جنى عليهما في حالة واحدة كذا في المبسوط

(1)

.

فجعلت كالمقارنة في حق التضمين عملًا بالشَّبهين يعني لما علمنا بشبه التأخر في ضمان الجناية حتى اعتبرنا قيمته يوم الجناية الثانية في حقهما وَجَبَ أن يعمل بشبه المقارنة في حق تضمين نصف المدفوع. والله أعلم.

* * *

‌بابُ غصب

(2)

العبد والمدبّر والصبي والجناية في ذلك

لما ذكر حكم المدبر في الجناية ذكر في هذا الباب ما يَرِدُ عليه وما يرد منه وذكر حكم من يلحق به، والفرق أن الغصب قاطع للسراية إلى آخره

(3)

.

وذكرالإمام قاضي خان: في الجامع الصغير

(4)

هذه المسألة

(5)

ثم قال: علل بعضهم بأن الغصب من أسباب الملك لما عرف من مذهبنا أن المضمونات تملك عند أداء الضمان

(6)

، فإذا تخلل الغصب بين الجناية و [السراية]

(7)

تنقطع السراية كما [لو]

(8)

تخلل بينهما بيع؛ فإذا انقطعت السراية صار كأنه غصب عبدًا أقطع ومات عنده لا من القطع.

وأما إذا قطع المولى يده عند

(9)

الغاصب صار مستردًا للعبد

(10)

ضرورة الاستيلاء عليه عند القطع

(11)

.

(1)

ينظر: المبسوط (27/ 71).

(2)

سبق ص 143

(3)

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَصْبَ قَاطِعٌ لِلسَّرَايَةِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ. ينظر: الهداية (4/ 494)، العناية (10/ 366)، البناية (13/ 316).

(4)

لعل الشارح وغيره ممن يذكر اسم (الجامع الصغير) لقاضي خان؛ يقصدون اختصار الاسم ولا يجدون إشكالًا في ذلك لشهرة الكتاب ولكن ما ورد في مصادر الفقه الحنفي الأخرى ممن أتى بعد قاضي خان وفيمن نقل عنه يؤكد أن أصل اسم كتابه (شرح الجامع الصغير).

وذكر ابن نجيم عنوان أول كتاب من مصادره في كتابه (البحر الرائق) شرح الجامع الصغير لقاضي خان. (البحر الرائق 1/ 2).

وقال ابن عابدين: وجزم به الإمام قاضي خان في شرح الجامع الصغير. (حاشية رد المحتار 3/ 115).

وقال أصحاب الفتاوى الهندية: كذا في شرح الجامع الصغير لقاضي خان. (الفتاوى الهندية 1/ 524).

(5)

ينظر: العناية (10/ 366)، البناية (13/ 316).

(6)

ينظر: البناية (13/ 316)، حاشية الشلبي (6/ 166).

(7)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ب): يد عبد؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

في (أ): للعيب؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(11)

في (ب): القاطع؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 54

ألا ترى أن المشتري لو قطع يد المبيع قبل القبض يصير قابضًا، وبعد الاسترداد لم يوجد ما يقطع السراية فيبرأ الغاصب عن الضمان؛ ثم قال: إلا أن هذا يخالف مذهبنا فإن الغصب لا يقطع السراية ما لم يملك البدل على

(1)

الغاصب بقضاء أو رضا لأن السراية إنما تنقطع به باعتبار تبدل الملك، وإنما يتبدل الملك به إذا هلك البدل على الغاصب، أما قبله فلا نص عليه في آخر رهن الجامع والباب الثاني من جناياته، إلا أنه إنما ضمن الغاصب هنا قيمة العبد أقطع؛ لأن السراية وإن لم تنقطع فالغصب وَرَدَ على مال متقوّم فانعقد سبب الضمان، فلا يبرأ عنه الغاصب إلا إذا ارتفع الغصب ولم يرتفع؛ لأن الشيء إنما يرتفع بما هو فوقه أو مثله، ويد الغاصب ثابتة على المغصوب حقيقة وحكمًا، ويد المولى باعتبار السراية تثبت عليه حكمًا لا حقيقة لأن بعد الغصب

(2)

لم تثبت يده على العبد حقيقة، والثابت حكمًا دون الثابت حقيقة وحكمًا

(3)

، ولم يرتفع الغصب باتصال السراية إلى فعل المولى فتقرر عليه الضمان؛ بخلاف ما لو جنى عليه بعد الغصب.

ولم يوجد القاطع

(4)

أي قاطع السراية.

كيف وأنه استولى أي كيف لا يكون مستردًّا والحال أنه استولى.

لأن المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله أي في حال رقه.

وأما بأقواله فهو غير مؤاخذ بها في حال رقه أعني بالأقوال الأقوال التي توجب المال

(5)

لا الأقوال التي توجب القصاص والحدود، فإن العبد فيها بمنزلة الحر بخلاف الإقرار بالمال فإن المحجور عليه إذا أقر بالمال لغيره يؤاخذ به بعد الحرية ولا يؤاخذ به في حال الرِّقيَّة، فكان قوله لأن المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله للاحتراز عن أقوال المحجور لا للاحتراز عن المأذون؛ فإن في المؤاخذة بالأفعال في حال الرق المأذون والمحجور سواء؛ لأنه ذكر في باب إقرار العبد بالدين من مأذون المبسوط في تعليل المسألة والعبد مؤاخذ بضمان الغصب في الحال مأذونًا كان أو محجورًا.

فعلى المولى قيمته بينهما أي بين ولي الجنايتين من غير أن يصير مختارًا للفداء لانعدام علم المولى وقت التدبير بجناية تحدث من المُدَبَّر في المستقبل، فصار هذا بمنزلة إعتاق العبد الجاني من غير علم بجنايته فإن فيه الأقل من قيمته ومن الأرش فكذا هنا.

(1)

في (ج): عن؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ب): الغاصب؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ينظر: العناية (10/ 367)، البناية (13/ 317).

(4)

في (أ): القطع؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ج): الملك؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 55

وقال محمد: يرجع بنصف قيمته فيسلم له أي للمولى

(1)

، فلما سلم للمولى نصف القيمة الذي أخذه من الغاصب في المرة الأولى لا يرجع ثانيًا على الغاصب.

فإذا وجد شيئًا أي ولي الجناية الأولى إذا وجد شيئًا فارغًا من مزاحمة ولي الجناية الثانية من بدل العبد يأخذه.

وأما ما قاله محمد من الجمع بين البدل والمبدل فقلنا نعم كذلك في حق المولى والغاصب لأن ما أخذه المولى من الغاصب بدل المدفوع إلى ولي الجناية الأولى.

وأما في حق المجني عليه هو عوض ما لم يسلم لولي الجناية الأولى، فالاعتبار لمن

(2)

يستقر عنده وهو المجني عليه.

ومثله جائز كالذمي إذا باع خمرًا وقضى به دين المسلم يجوز للمسلم أخذه؛ لأن تلك الدراهم ثمن الخمر في حق الذمي وعوض عن الدين في حق المسلم فلذلك حل له أخذها، فعلم بهذا أن الشيء الواحد يجوز أن يكون بدلًا عن عين في حق إنسان ويكون بدلًا عن شيء آخر في حق غيره، غير أن استحقاق النصف انتصابه على الاستثناء

(3)

ذكر هذا لبيان الفرق فإنه يدفع هذا الذي أخذه من الغاصب إلى ولي الجناية الأولى [[بالاتفاق وكان لا يدفعه إليه عند محمد في المسألة الأولى لأدائه إلى الجمع بين البدل والمبدل.

وأما هاهنا [لو دفع]

(4)

إلى ولي الجناية الأولى]]

(5)

لا يؤدي إلى الجمع بين البدل والمبدل؛ لأنه لما كانت الجناية الأولى عند المولى كان ما أخذه [المولى]

(6)

من الغاصب بدلًا عما دفع إلى ولي الجناية الثانية؛ لأن الموجود عند الغاصب الجناية الثانية دون الأولى، فلو دفع ذلك إلى ولي الجناية الأولى لا يؤدي إلى الجمع بين البدل والمبدل فيدفع لأن حق ولي الجناية الأولى كان في [كل]

(7)

قيمة المدبر؛ لأن المدبر كان فارغًا وقت الجناية الأولى عن مزاحمة الثانية.

وفي المسألة الأولى أيضًا كان كذلك وهو أن حق ولي الجناية [الأولى]

(8)

كان في كل القيمة إلا أن

(9)

المأخوذ من الغاصب بدل عن المدفوع

(10)

إلى ولي الجناية الأولى؛ [لأن الجناية الأولى]

(11)

كانت عند الغاصب فلو

(12)

دفع إليه نصف القيمة الذي أخذ من الغاصب أدى إلى الجمع بين البدل والمبدل فلا يدفع لمكان التعذر ولكن قد ذكرنا جوابه

(13)

عن هذا.

(1)

ينظر: العناية (10/ 368)، البناية (13/ 318).

(2)

في (ج): بالاعتبار لم؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (ج): الاستيفاء؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (أ) و (ب)؛ وإثباتها من (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ب): لا أن؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

في (ج): الدفع؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(11)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(12)

في (ج): فلما؛ وما أثبت من (أ) و (ب) لعله الأصوب.

(13)

في (ب) و (ج): جوابهما؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

ص: 56

ثم وضع [المسألة]

(1)

في العبد أي ثم وضع محمد: هذه المسألة في الجامع الصغير في العبد بعدما وضعها في حق المدبر؛ لأن كلتا المسألتين مذكورتان في الجامع الصغير، هذا كله مما أشار إليه في الجامع الصغير

(2)

(3)

.

ويرجع به أي بذلك النصف الذي أعطى إلى ولي الجناية الأولى.

ثم قيل هذه المسألة على الاختلاف أي الدفع إلى ولي الجناية الأولى.

ومن غصب صبيًّا حرًّا فذكر الغصب في حق الحر وقع مجازًا لأن الغصب إنما يتحقق في الأموال لا في الأحرار، ولكن أراد به الذهاب بالصبي بغير إذن وليه، وجه الاستحسان [أنه لا يضمن بالغصب ولكنه يضمن بالإتلاف لأن التلف حصل بما يضاف إلى الغاصب؛ فإنه لولا نقله وغصبه لما]

(4)

أصابته هذه الأشياء ظاهرًا وكان في معنى الحفر فتضمن العاقلة باعتبار أن النقل بسبب [منه]

(5)

.

فإن قلت: ما جوابنا عن مسألة المكاتب فإنه لا ضمان هناك بالاتفاق مع وجود مثل هذا النقل وإن كان المكاتب صغيرًا، وما حكم من غصب الكبير ونقله إلى مثل هذه الأمكنة فمات بإصابة مثل هذه العوارض

(6)

.

قلتُ: جوابنا عن المكاتب هو أن المكاتب في يد نفسه صغيرًا كان أو كبيرًا بخلاف الصغير الحر.

ألا ترى أن المكاتب الصغير لا يزوجه أحد [والحر الصغير يزوجه وليه؛ فعرفنا أن المكاتب الصغير بمنزلة الحر الكبير والحر الكبير في يد نفسه لا في يد الغاصب]

(7)

فكذا المكاتب وإن كان صغيرًا؛ هكذا ذكر المسألة القاضي الإمام [علي]

(8)

السغدي

(9)

: في شرح الزيادات

(10)

.

(1)

ساقطة من (أ) و (ج)؛ وإثباتها من (ب) هو الصواب.

(2)

في (أ): في شروح الجامع الصغير؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (27/ 52)، العناية (10/ 370)، البناية (13/ 321).

(4)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

عرض له أمر: أي ظهر، وعرضت الناقة أي أصابها كسر وآفة، وقوله عرضة فعلة من عرض يعرض وكل مانع منعك من شغل وغيره من الأمراض. ينظر: الصحاح (3/ 1082)، لسان العرب (7/ 179).

(7)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

هو: علي بن الحسين بن محمد السغدي القاضي أبو الحسين الملقب شيخ الإسلام، والسغد - بضم السين المهملة وسكون الغين المعجمة وفى آخرها دال مهملة-: ناحية كثيرة المياه والأشجار من نواحي سمرقند، قال السمعاني: سكن بخارى وكان إمامًا فاضلًا فقيهًا مناظرًا وسمع الحديث، روى عنه شمس الأئمة السرخسي السير الكبير، وتوفي ببخارى سنة إحدى وستين وأربعمائة، من تصانيفه النتف في الفتاوى وشرح السير الكبير.

ينظر: الجواهر المضية (1/ 361)، الأعلام للزركلي (4/ 279).

(10)

ينظر: العناية (10/ 371).

ص: 57

وأما حكم الحر الكبير فإنه إذا غصبه إنسان ونقله إلى مكان فأصابه شيء من هذه العوارض ينظر إن قيده الغاصب حتى أصابه ولم يمكنه التحرز عنه يضمن؛ لأن المغصوب عجز عن حفظ نفسه بما صنع فيه فيجب الضمان على الغاصب، وإن لم يمنعه من حفظ نفسه لا يضمن؛ لأن البالغ العاقل إذا لم يحفظ نفسه مع إمكانه كان التلف مضافًا إلى تقصيره لا إلى الغاصب فلا يضمن، كالماشي إذا علم بالبئر ومشى كذلك حتى وقع في البئر لم يضمن الحافر شيئًا.

بخلاف الصغير فإنه عاجز عن حفظ نفسه من أسباب التلف كالماشي على البئر إذا لم يعلم بالبئر، هذا كله مما ذكره الإمام المحبوبي:

(1)

.

وإذا أودع صبي عبدًا إلى آخره

(2)

.

وذكر في شرح الطحاوي

(3)

: ومن أودع عند صبي مالًا فهلك في يده لا ضمان عليه بالإجماع

(4)

، وإن استهلكه الصبي فإنّه يُنظر إن كان الصبي مأذونًا له في التجارة يضمن بالإجماع وإن كان محجورًا عليه ولكنه قبِل الوديعة بأمر وليه ضمن بالإجماع.

وإن قبل بغير إذن وليه فلا ضمان عليه في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا في الحال ولا بعد الإدراك.

وقال أبو يوسف: يضمن

(5)

في الحال

(6)

.

وأجمعوا على أنه لو استهلك مال الغير من غير أن يكون عنده وديعة ضمن في الحال. قوله: وهذا يدل على أن غير العاقل يضمن بالإجماع.

وفي هذا الذي ذكره يساعده فخر الإسلام

ذكره في الجامع الصغير

(7)

.

وأما في غيره من شروح الجامع الصغير لصدر الإسلام

(8)

(9)

وقاضي خان

(10)

والتمرتاشي

(11)

فالحكم على خلاف هذا؛ حيث قالوا فيها هذا الخلاف فيما إذا كان الصبي عاقلًا، وإن لم يكن عاقلًا فلا يضمن في قولهم.

(1)

ينظر: العناية (10/ 371).

(2)

(وَإِذَا أُودِعَ صَبِيٌّ عَبْدًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ أُودِعَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ). ينظر: الهداية (4/ 496)، العناية (10/ 371)، البناية (13/ 322).

(3)

شرح الطحاوي له مكانة علمية شامخة في المذهب، وقد نال به الطحاوي شهرة واسعة، والطحاوي هو أحمد بن محمد بن سلامة؛ أبو جعفر الطحاوي، الفقيه الإمام الحافظ، من أهم مصنفاته: أحكام القرآن، شرح معاني الآثار، شرح مشكل الآثار. ينظر: تذكرة الحفاظ (3/ 39)، لسان الميزان (1/ 306)، الجواهر المضيئة (1/ 271).

(4)

ينظر: العناية (10/ 371)، البناية (13/ 322).

(5)

في (أ): يصير؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

ينظر: العناية (10/ 371)، البناية (13/ 322).

(7)

ينظر: العناية (10/ 371)، البناية (13/ 322).

(8)

هو: محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم أَبو اليسر صدر الإسلام البزدوي، فقيه بخاريّ ولي القضاء بسمرقند. انتهت إليه رياسة الحنفية فيما وراء النهر. له تصانيف منها (أصول الدين - ط) توفي في بخارى فى رجب سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة. ينظر: الجواهر المضية (2/ 270)، الأعلام للزركلي (7/ 22).

(9)

ينظر: العناية (10/ 371)، البناية (13/ 322، 323).

(10)

ينظر: العناية (10/ 371)، البناية (13/ 322، 323).

(11)

ينظر: العناية (10/ 371)، البناية (13/ 322، 323).

ص: 58

وكذا إذا أتلفه غير الصَّبي في يد الصبي المودَع [حيث يضمن المتلف؛ ولو كان التسليط على الاستهلاك ثابتًا في حق الصبي المودع]

(1)

لثبت في حق غيره أيضًا؛ لأن المال الذي سُلط على استهلاكه بمنزلة [المال]

(2)

المباح فكان لكل أحد ولاية الاستهلاك من غير ضمان.

ومن حجة أبي يوسف: ما ذكره في وديعة المبسوط فقال إن ضمان الاستهلاك ضمان فعل والصبي والبالغ فيه سواء، ولأن الإيداع من الصبي باطل لأنه استحفاظ من لا يحفظ فكأنه لم يودعه ولكنه جاء وأتلف ماله، واستحفاظ من لا يحفظ تضييع للمال فكأنه ألقاه على قارعة الطريق.

ولو فعل ذلك فأتلفه كان ضامنًا فهذا مثله حيث وضع المال في يد مانعه أي مانعه من الإيداع والإعارة في أنه لا ولاية له عليه، فإن الأصل أن كل يد مانعة على معنى أنها تمنع يد غيره عليه إلا إذا أقام يده مقام يده، وهاهنا لم يقم يده مقام يده لعدم الولاية له عليه، فكان التضييع من جهته بخلاف البالغ والمأذون له يعني لو أتلفا يضمنان بالإجماع؛ لأن لهما ولاية على نفسيهما فيصح الإيداع عندهما؛ وبعد صحة الإيداع لو أتلف المودَع الوديعة يضمن.

بخلاف ما إذا كانت الوديعة عبدًا حيث يضمن المتلف

(3)

المودع.

لأن عصمته لِحَقهِ أي لحق العبد يعني لا باعتبار أن المالك يعصمه؛ لأن عصمة المالك

(4)

إنما تعتبر فيما له ولاية الاستهلاك حتى تمكن غيره من الاستهلاك بالتسليط.

وليس للمولى ولاية استهلاك عبده فلا يجوز له تمكين غيره من الاستهلاك، فلما لم يوجد التسلط

(5)

منه يضمن المستهلك سواء أكان المستهلك صغيرًا أم كبيرًا.

بخلاف سائر الأموال، فإن للمالك أن يستهلكها فيجوز له تمكين غيره من استهلاكها بالتسليط.

وذكر في الإيضاح: وهذا بخلاف قتل العبد لأنا إنما نعتبر فعله تمكينًا إذا كان هو متمكنًا من ذلك الفعل بملكه والمالك غير متمكن من القتل بملكه فلم يعتبر تمكينه.

فأما في غيره فهو متمكن من الإتلاف بالملك شرعًا وإنما لا يطلق له ذلك لكون الفعل سفهًا لا أنه غير مملوك له

(6)

.

(1)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (أ) و (ب): الصبي؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ): المال؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ب): التسليط؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(6)

ينظر: العناية (10/ 372).

ص: 59

وذكر في الأسرار في جواب هذا فقال: قلنا المولى بحكم يده ما كان يملك قتل العبد لكونه أجنبيًّا عنه في حق روحه وحياته والعبد فيه كالحر.

ثم قال: فإن قيل هذا الجواب يبطل بما لو كانت [الوديعة]

(1)

شاة فخنقها

(2)

الصبي أو العبد فإنه لا يضمن، ورب الشاة ما كان يملك هذا بحكم ملكه

(3)

.

قلنا: إنما يملك بحكم ملكه التصرف في حياتها فإنه يذبحها ولكن لا يملك الخنق؛ لأنه تضييع للمال لا لأنه إتلاف كما لو سيَّبَهَا

(4)

لم يصح.

وفي مسألة العبد لا يملك حياته ولا التصرف فيها بحكم أنه [تضييع ولكن بحكم أنه]

(5)

أجنبي عنه.

ألا ترى أنه لو أقرَّ عليه بالقصاص لا يصح إذ هو مبقى على أصل الحرية في حق الدم، فلما كان العبد في حق الدم بمنزلة الحر لم يصح الإيداع في حقه؛ لأن الحر لا يجوز أن يكون وديعة غيره فلذلك لم يتناوله الإيداع والتسليط.

وبخلاف ما إذا أتلفه غير الصبي لأنه سقطت العصمة

(6)

بالإضافة إلى الصبي دون غيره أي المالك بالإيداع عند الصبي إنما أسقط عصمة ماله عن الصبي لا عن غيره، وماله معصوم في حق غيره كما كان لأن التسليط إنما وجد في حق الصبي لا في حق غيره فصار مال الوديعة هنا بمنزلة من وجب عليه القصاص في حق دمه فإنه غير معصوم الدم في حق من له القصاص، ومعصوم [الدم]

(7)

في حق غيره كما كان، لما أن عدم عصمة دمه إنما يثبت في حق من له القصاص لا غير فكذا هنا.

(1)

ساقطة من (أ) و (ج)؛ وإثباتها من (ب) هو الصواب.

(2)

خَنَقَه يَخْنُقُه من باب قتل خنقًا؛ ومنه الخِنَاق بالكسر حبل يخنق به، وموضع الخنق في الحلق والعنق. ينظر: مختار الصحاح (ص/ 98)، لسان العرب (10/ 92)، المصباح المنير (1/ 183).

(3)

ينظر: العناية (10/ 372).

(4)

السائبة: هي المال الذي يسيبه: أي يهمله من غير أن يجعله ملكًا لأحد أو وقفًا على شيء من وجوه الخير. ينظر: طلبة الطلبة (ص/ 107).

(5)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

العصمة: المنع، والعصمة أيضًا الحفظ؛ أي المنعة والحفظ من الضياع، والعصمة منع الله عبده من المعاصي مع التمكن منها وهي على نوعين: العصمة المؤثمة: التي تجعل من هتكها آثمًا، والعصمة المقومة: التي يجب في هتكها القصاص أو الدية؛ ومنه قولهم: المسلم معصوم الدم. ينظر: مختار الصحاح (ص/ 211)، لسان العرب (12/ 404).

(7)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 60

فإن قيل: فصار حاصل تعليلهما دائرًا مع التسليط حيث وجد التسليط في حق الصبي دون غيره على ما ذكر، فيشكل على هذا ما لو استهلك الصبي الوديعة ثم جاء مستحق واستحقها وضمن الصبي لم يرجع الصبي على الآمر، ولو كان الإيداع منه تسليطًا لرجع بالضمان عليه كما لو قال له: أتلف هذا المال [فأتلفه]

(1)

فإنه يرجع بما ضمن على الآمر.

قلنا: إنما فسرنا التسليط وحددناه بحد لا يَرِد عليه هذا السؤال وهو التمكن

(2)

منه بإثبات يده لا بأمر وطلب واستعمال، فكان نظير ما حددناه أن يقول لصبي أَبَحْتُ لك أن تأكل هذا المال فأكله ثم جاء مستحق وضمَّنه لم يرجع به على المبيح.

فكذلك إذا أثبت يده عليه لأنه مباح له بهذا ولا يكون محمولًا على التصرف، وأما إذا أمره بالإتلاف فقد استعمله بالحمل عليه.

ألا ترى أنه لو كان عبدًا صار غاصبًا بالاستعمال بأمره، وإذا صار مستعملًا صار ضامنًا له السلامة عن عهدة ما باشره باستعماله.

ألا ترى أنه لو قال لعبد: أبحت لك هذا الطعام فأكله العبد لم يصر هذا المبيح غاصبًا بخلاف ما لو استعمله بأمره؛ وهذا لأن فيما ذكرنا ثبت التسليط حكمًا لا صريحًا بالأمر وعن هذا وقع التفاوت.

ألا ترى أنه لو رأى عبده يتَّجر فسكت يصير العبد مأذونًا في التجارة، ولو ظهر أن العبد كان حرًا واستحقه

(3)

مستحق لم يرجع الغرماء على مولاه.

ومثله

(4)

لو قال: هذا عبدي أذنت له في التجارة فبايعوه ثم ظهر أنه كان حرًّا أو استحقه مستحق يرجع الغرماء على المولى؛ لأن الإذن في المبايعة مصرح به هاهنا ومسكوت عنه في الوجه الأول.

فإن قيل لو كان الإيداع من الصبي تسليطًا له على الإتلاف لضمن الأب مال الوديعة بتسليمه إلى ابنه الصغير ليحفظها؛ لأن التسليم إليه تضييع على هذا التقدير والمودَع يضمن بالتضييع ومع ذلك لا يضمن هناك، عرفنا أنه ليس بتسليط على الإتلاف.

وكذا الأب إذا دفع مال الصبي إليه لا يضمن إذا تلف في يده ولو كان تضييعًا لذلك بالتسليط لضمن الأب.

قلنا: إنما لم يضمن الأب فيها لأن يد من في عيال

(5)

المودع إذا كان أهلًا لحفظ الوديعة كَيَدِ المودع.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ب): التمكين؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): أو استحقه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ب): وبمثله؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(5)

في (ب): لأن يد من عيال؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 61

ألا ترى أنه يحفظ مال نفسه بيد مثله فكذلك يحفظ مال غيره بيده فكانت يد الصبي كيَدِ الأب من هذا الوجه، ولو هلكت الوديعة في يد الأب لم يضمن فكذا إذا كان في يده حكم، هذا كله حاصل ما ذكره في وديعة الأسرار

(1)

والجامع الصغير

(2)

للإمام المحبوبي.

ومن حجتهما أيضًا ما ذكره في وديعة المبسوط فقال: وحجتهما ما قال في الكتاب لأنه صبي وقد سلطه رب الوديعة على ماله حين دفعه إليه

(3)

.

وفي تفسير هذا التسليط نوعان من الكلام؛ أحدهما أنه تسليط باعتبار العادة لأن عادة الصبيان إتلاف المال لقلة نظرهم في عواقب الأمور، فهو لما مكنه من ذلك مع علمه بحالِهِ يصير كالإذن له في الإتلاف.

وبقوله [احفظ]

(4)

لا يخرج من أن يكون إذنًا

(5)

لأنه

(6)

إنما خاطب بهذا من لا يحفظ فهو كمقدم الشعير بين يدي الحمار

(7)

وقال لا تأكل.

بخلاف العبد والأمة [لأنه]

(8)

ليس من عادة الصبيان قتلهما لأنهم يهابون القتل فلا يكون إيداعه تسليطًا على القتل.

وأما في الدابة فإنهم يركبون الدواب فثبت التسليط في الدابة بطريق العادة.

والأصح أن نقول: معنى التسليط تحويل يده في المال إليه فإن المالك باعتبار يده كان متمكنًا من استهلاكه، فإذا حول يده إليه صار ممكنًا له من استهلاكه بالغًا كان المودع أو صبيًا إلا أن بقوله احفظ قصَدَ أن يكون هذا التحويل مقصورًا على الحفظ دون غيره وهذا صحيح في حق البالغ باطل في حق الصبي؛ لأنه التزام بالقيد

(9)

والصبي ليس من أهله فيبقى التسليط على الاستهلاك بتحويل اليد مطلقًا.

بخلاف العبد والأمة فإن المالك باعتبار يده ما كان متمكنًا من قبل الآدمي فتحويل اليد إليه لا يكون تسليطًا على قتله، فلما بقي التسليط مطلقًا في حق الصبي لم يضمن هو بالإتلاف، والدليل عليه أن الصبي لو ضيع الوديعة لم يضمن؛ بأن رأى إنسانًا يأخذها أو دل على أخذها والبالغ يضمن بمثله.

(1)

ينظر: المبسوط (11/ 119).

(2)

ينظر: المبسوط (11/ 119).

(3)

ينظر: المبسوط (11/ 119).

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ب): آذنًا؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(6)

في (ج): له به؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (أ): الجمال؛ وما أثبت من (ب) و (ج) في معناه.

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ج): بالعقد؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 62

وهذا الفرق إنما نشأ من أن الاستحفاظ صح في حق البالغ دون الصبي. والله أعلم بالصواب.

* * *

‌بابُ القسامة

لما كان يؤول أمر القتيل في بعض الأحوال إلى القسامة شرع في بيانها.

فمن محاسن القسامة خلاص من يُتهَم بالقتل عن القصاص

(1)

وصيانة دم المقتول عن الإهدار بإيجاب الدية وتعظيم أمر الدماء وخطرها بتكرار الأيمان وتعيين الخمسين من الأيمان إنما ثبت بالأحاديث المشهورة

(2)

، فيحتاج هاهنا إلى بيان القسامة لغة وشرعًا وبيان سببها وركنها وشرطها وحكمها ودليل شرعيتها.

أما اللغة فالقسامة على بناء الغرامة والحمالة

(3)

اسم وضع موضع الإقسام

(4)

، ثم قيل للأيمان التي تقسم على أهل المحلَّة

(5)

إذا وجد قتيل فيها.

وأما تفسيرها شرعًا فما روى [أبو يوسف]

(6)

عن أبي حنيفة- رضي الله عنه -أنه قال [في القتيل]

(7)

:

يوجد في المحلة أو في دار رجل في المصر

(8)

إن كان به جراحة أو أثر ضرب أو أثر خنق ولا يعلم مَنْ قَتَلَه يُقسِم خمسون رجلًا من أهل المحلة كل رجل منهم يقول: بالله ما قتلتُه وما علمت له قاتلًا.

(1)

سبق ص 104.

(2)

الحديث المشهور عند المحدثين: هو ما رواه ثلاثة فأكثر ما لم يبلغ حد التواتر، وهو المستفيض عند جماعة من الأصوليين والفقهاء وبعض المحدثين، ويطلق أيضًا على: ما اشتهر على الألسنة مطلقًا ولو كان له إسناد واحد أو كان لا إسناد له؛ والشهرة على هذا النحو لا يلزم منها صحة الحديث أو ضعفه، وقد ألف فيها العلماء لحاجة الناس إليها، ومن المؤلفات:

- التذكرة في الأحاديث المشتهرة لبدر الدين الزركشي المتوفى سنة (794) هـ.

- والدُّرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطي، لخص فيه تذكرة الزركشي، وزاد عليها كثيرًا. ينظر: المقاصد الحسنة -باب المؤلفات في الأحاديث المشتهرة ص (21).

(3)

الحمالة: تَحَمَّلَ الحَمَالَة أَي حَمَلَها؛ قال الأَصمعي: الحَمَالة الغُرْم تَحْمِله عَنِ الْقَوْمِ ونَحْو ذَلِكَ؛ والحمالة بفتح الحاء: ما يحمله من الغرم (كالدية ونحوها) عن الغير إصلاحا " لذات البين. ينظر: لسان العرب (11/ 180)، معجم لغة الفقهاء (186).

(4)

في (ب): القسام؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

المحلة: بالتحريك وتشديد اللام جمعها جمعها محال ومحلات: منازل القوم وبيوتهم. ينظر: المعجم الوسيط (1/ 194).

(6)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

المصر: وهي المدينة تذكر وتؤنث وجمعها أمصار. ينظر: لسان العرب (5/ 176)، القاموس المحيط (1/ 476).

ص: 63

وأما سببها فوجود القتيل في المحلة أو فيما معناها من الدار والموضع

(1)

الذي بقرب من المصر بحيث يسمع الصوت منه.

وأما ركنها فأن يجري من يقسم هذه الكلمات على لسانه وهي قوله: بالله ما قتلته وما علمت له قاتلًا؛ لأن ركن الشيء ما يقوم به ذلك الشيء والقسامة إنما تقوم بها.

وأما شرطها فهو أن يكون المقسم رجلًا بالغًا عاقلًا حرًا فلذلك لم يدخل في القسامة المرأة والصبي والمجنون والعبد.

وأن يكون في الميت

(2)

الموجود في المحلة أثر القتل وأما لو وجد ميتًا لا أثر به فلا قسامة ولا دية.

ومن شرطها أيضًا تكميل [اليمين]

(3)

بالخمسين، فإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان على من وجد منهم حتى يتم خمسين.

وأما حكمها فالقضاء بوجوب الدية بعد الحلف؛ وفي الآباء بالحبس حتى يحلفوا لو ادعى الولي قتل العمد.

وأما لو ادعى الولي قتل الخطأ فالقضاء بالدية عند النكول.

وأما دليل شرعيتها فالأحاديث المشهورة كحديث سهل

(4)

وغيره وقضاء عمر

(5)

رضي الله عنه -وإجماع الصحابة في زمن خلافة عمر

(6)

إلى هذا أشار في التحفة

(7)

(8)

وغيرها.

(1)

في (ب): أو الموضع؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب): المسبب؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

هو: الصحابي سهل بن أبي حثمة بن ساعدة بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي. اختلف في اسم أبيه؛ فقيل: عبد الله. وقيل: عامر. وأمه أم الربيع بنت سالم بن عدي بن مجدعة. قيل: كان له عند موت النبي صلى الله عليه وسلم -سبع سنين أو ثماني سنين، وقد حدث عنه بأحاديث. مات في أول خلافة معاوية. ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 661)، الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 163).

(5)

ينظر: الاستذكار (8/ 155)، المغني (12/ 48)، التشريع الجنائي (3/ 370)، صحيح فقه السنة (4/ 231)، الموسوعة الفقهية الكويتية (33/ 174).

(6)

في (ب) و (ج): عمر بن عبدالعزيز؛ وهو كذلك في تحفة الفقهاء (3/ 131).

وجاء في الأصل (6/ 565): وبلغنا عن عمر- رضي الله عنه -أنه قضى بالدية على عاقلتهم، وفي البناية (13/ 336): لما روي: أن عمر- رضي الله عنه -لما قضى في القسامة وافى إليه تسعة وأربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين ثم قضى بالدية، وفي تبيين الحقائق (6/ 170): وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ حُكْمُ عُمَرَ- رضي الله عنه -بِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَصَارَ إجْمَاعًا،، وفي العناية (10/ 379): لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه -لَمَّا قَضَى فِي الْقَسَامَةِ وَافَى إلَيْهِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ حَتَّى تَمَّتْ خَمْسِينَ ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ، وفي اللباب (2/ 725): فَهَذِهِ الْقسَامَة الَّتِي حكم بهَا عمر بن الْخطاب بعد رَسُول الله [غ] بِمحضر (من الصَّحَابَة، وَلم) يُنكر عَلَيْهِ مُنكر.

(7)

هو: تحفة الفقهاء في الفروع؛ للشيخ الإمام الزاهد علاء الدين: محمد بن أحمد السمرقندي الحنفي، زاد فيها على (مختصر القدوري) ورتب أحسن ترتيب. ينظر: كشف الظنون (1/ 371).

(8)

ينظر: العناية (10/ 373).

ص: 64

قوله: يتخيرهم الولي بالله ما قتلنا ولا علمنا له قاتلًا، هذا على طريق الحكاية عن الجمع.

وأما عند الحلف فيحلف كل واحد منهم: بالله ما قتلته؛ ولا يحلف بالله: ما قتلنا؛ لجواز أن يكون باشر القتل بنفسه فيجترئ على يمينه: بالله ما قتلنا.

فإن قيل: يجوز أنه قتل مع غيره فيجترئ على يمينه: بالله ما قتلت؛ كما في عكسه.

قلنا: لا، كذلك لأنه إذا حلف بالله: ما قتلت؛ وكان قتل مع غيره كان كاذبًا في يمينه فإن الجماعة متى قتلوا واحدًا يكون كل واحد منهم قاتلًا؛ ولهذا يجب القصاص على كل واحد منهم في العمد والكفارة في الخطأ، كذا وجدت بخط شيخي:

(1)

.

اللوث من لوّث الماء كدّره؛ ولوث ثيابه بالطين أي لطخها فتلوثت؛ ومنه بينهم لوث وعداوة أي شر أو طلب بحقد.

وفي القسامة إذا كان هناك لوثة هي أن يكون هناك علامة القتل في واحد بعينه؛ أو يكون هناك عداوة ظاهرة

(2)

.

والقصاص لا يجامعها أي لا يجامع الشبهة.

اعلم أن الأصل في شرعية القسامة الأحاديث المشهورة منها $حديث سهل بن أبي خيثمة

(3)

أن عبد الله بن سهل

(4)

وعبد الرحمن بن سهل

(5)

وحُوَيصَة

(6)

ومحيصة

(7)

خرجوا في التجارة [إلى خيبر

(8)

(9)

وتفرقوا إلى حوائجهم فوجدوا عبد الله بن سهل قتيلًا في قليب من خيبر يتشحط

(10)

في دمه فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبروه فأراد عبد الرحمن وهو أخو القتيل أن يتكلم فقال صلى الله عليه وسلم -الكُبَّر الكبر؛ فتكلم أحد عميه حُوَيصة أو مُحَيّصَة وهو الأكبر منهما وأخبره بذلك، قال: ومن قتله؟ قالوا: ومن يقتله سوى اليهود؛ قال: تبرئكم اليهود بأيمانها؛ فقالوا: لا نرضى بأيمان قوم كفّار لَا يُبَالُونَ ما حلفوا عليه؛ قال غ: أتحلفون وتستحقون دمَ صاحبكم؟ فقالوا: كيفَ نحلف على أمرٍ لم نعاين ولم نشاهد؟ فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوَدَاه بمائة من إبل الصدقة

(11)

.

(1)

ينظر: الجوهرة النيرة (2/ 143).

(2)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 286)، العناية (10/ 373)، البناية (13/ 328).

(3)

سبق ترجمته في الصفحة السابقة.

(4)

هو عبد الله بن سهل أبو ليلى الأنصاري الحارثي أخو عبد الرحمن وابن أخي حويصة ومحيصة، وهو المقتول بخيبر الذي ورد في قضيته القسامة. ينظر: تاريخ الإسلام (3/ 260)، الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 106).

(5)

هو عبد الرحمن بن سهل بن زيد بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة الأنصاري الحارثي، ممن شهد أحدًا والخندق. ينظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (34/ 419)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 836)، تاريخ الإسلام (2/ 188).

(6)

هو حويصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري. شهد أحدًا والخندق وسائر المشاهد. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 124)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 409).

(7)

هو محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة ابن الحارث بن الخزرج الأنصاري الحارثي يكنى أبا سعد، يعد في أهل المدينة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام، وشهد أحدًا والخندق وما بعدها من المشاهد. وهو أخو حويصة ابن مسعود، على يده أسلم أخوه حويصة بن مسعود، وكان حويصة بن مسعود أكبر منه، وكان محيصة أنجب وأفضل. ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1463)، تاريخ الإسلام (2/ 537).

(8)

خيبرُ: الناحية المشهورة، بينها وبين المدينة مسيرة أيام، وهي تشتملُ على حصونٍ ومزارعَ ونخلٍ كثير. ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (269).

(9)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

يتشحط: أي يتخبط فيه ويضطرب ويتمرغ. ينظر: لسان العرب (7/ 328) و (15/ 13).

(11)

أخرجه البخاري في (صحيحه)، كتاب الديات باب القسامة، (9/ 9 رقم الحديث: 6898)، ومسلم في (صحيحه)، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات باب القسامة، (3/ 1294 رقم الحديث: 1669).

ص: 65

ثم قيل إنما وَدَى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يجوز الحمالة عن أهل الذمة فإن قضاء دين الغير بِرٌّ له، وأهل الذمة من أهل البر إليهم حتّى جاز عندنا صرف الكفارات إليهم، ولا يجوز من مال الزكاة

(1)

إلا على سبيل الاستقراض

(2)

من بيت المال

(3)

، ومنها حديث الزهري

(4)

وهو ما روى الزهري عن سعيد بن المسيب

(5)

أن القسامة كانت من أحكام الجاهلية قررها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتيل من الأنصار وجد في جب

(6)

اليهود بخيبر وذكر الحديث إلى أن قال: فألزم النبيّ صلى الله عليه وسلم -اليهود الدّية والقسامة

(7)

.

وفي رواية: فكتب إليهم إما أن تدوه أو فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله

(8)

.

(1)

سبق 112.

(2)

الاستقراض: طلب القرض. ينظر: معجم لغة الفقهاء (64). وسبق تعريف القرض ص 170.

(3)

في (أ): على ندب المال؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة الإمام، أبو بكر القرشي الزهري المدني. أحد الأعلام وحافظ زمانه، وطلب العلم في أواخر عصر الصحابة وله نيف وعشرون سنة. ينظر: تاريخ الإسلام (3/ 499)، تذكرة الحفاظ (1/ 83)، غاية النهاية في طبقات القراء (2/ 262، 263).

(5)

هو: سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، الإمام أبو محمد القرشي المخزومي المدني. عالم أهل المدينة بلا مدافعة. ولد في خلافة عمر لأربع مضين منها، وقيل: لسنتين مضتا منها. ورأى عمر وسمع عثمان وعليًّا وزيد بن ثابت وسعد بن أبي وقاص وعائشة وأبا موسى الأشعري وأبا هريرة وجبير بن مطعم وعبد الله بن زيد المازني وأم سلمة وطائفة من الصحابة. ينظر: سير أعلام النبلاء (4/ 217 - 246)، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (2/ 1103)، غاية النهاية (1/ 308).

(6)

الجب: البئر التي لم تطو، وسميت البئر جبًا لأنها قطعت قطعًا. ينظر: الصحاح (1/ 96)، لسان العرب (1/ 250)

(7)

أخرجه ابن عبد الرزاق في (مصنفه)، كتاب العقول باب القسامة، (1027 رقم الحديث: 18252) وابن أبي شيبة في مصنفه ما جاء في القسامة (5 - 440) رقم (27806).

(8)

أخرجه البخاري في (صحيحه)، كتاب الأحكام باب كتاب الحاكم إلى عماله والقاضي إلى أمنائه، (9/ 75) رقم الحديث:(7192)، ومسلم في (صحيحه) كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات باب القسامة، (3/ 1294) رقم الحديث:(1669)، ونصه:«إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب» .

ص: 66

واحتج [مالك]

(1)

(2)

والشافعي

(3)

رحمهما الله بآخر هذا الحديث [بقوله صلى الله عليه وسلم]

(4)

: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم

(5)

.

وفي رواية: تحلفون وتستحقون

(6)

، وهذا تنصيص على أن اليمين على الولي وأنه يستحق القصاص به.

ثم قال الشافعي: في القول الجديد: يرجح جانب المدعي ولكن بحجة فيها ضرب شبهة

(7)

، والقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات فيجب المال؛ وهذا لأن اليمين حجة من يشهد له الظاهر كما في سائر الدعاوى، فإن الظاهر يشهد للمدعى [عليه]

(8)

لأن الأصل براءة ذمته.

فأما في القسامة فالظاهر يشهد للمدعي عند قيام اللوث فيكون اليمين حجة له، وهذا معنى قوله في الكتاب: فإذا كان الظاهر شاهدًا للولي

(9)

يبرأ بيمينه.

وحجتنا ما روينا من الآثار المشهورة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أعطي [الناس]

(10)

بدعواهم

الحديث

(11)

.

(1)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

المقدمات الممهدات فصل في وجوب القود في القسامة (3 - 301).

(3)

الأم (6/ 96 - 97)، مختصر المزني: كتاب القسامة (8/ 358).

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب الجزية باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره وإثم من لم يف بالعهد (4/ 100 رقم الحديث: 3173).

(6)

في صحيح مسلم-كتاب القسامة والمحاربين والقصاص-باب القسامة (رقم 3167) بلفظ: تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ.

وسنن النسائي الصغرى-كتاب الطهارة-التوقيت في المسح على الخفين للمقيم (رقم 4657)؛ وبرقم (4663) بلفظ: تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ؟.

وسنن ابن ماجه-كتاب الصلاة-أبواب مواقيت الصلاة (2669).

وفي سنن الدارمي-كتاب الصلاة بلفظ: تُسَمُّونَ قَاتِلَكُمْ، ثُمَّ تَحْلِفُونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا، ثُمَّ نُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ "

وفي مسند أحمد-مسند العشرة-مسند المدنيين-برقم (15762) بلفظ: تُسَمُّونَ قَاتِلَكُمْ، ثُمَّ تَحْلِفُونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ تُسْلِمُهُ.

والسنن الكبرى-كتاب النكاح-أبواب التزويج على العتق برقم (6669).

(7)

ينظر: المبسوط (26/ 108).

(8)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(9)

في (ج): للمولى؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.؛ ويكثر السقط في (ج) في أطراف الأسطر.

(11)

أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب تفسير القرآن، (6/ 35 رقم الحديث: 4552)، ومسلم في (صحيحه) كتاب الأقضية باب اليمين على المدعى عليه (3/ 1336 رقم الحديث: 1711).

ص: 67

وقد بينا في الدعوى أن اليمين ليس بحجة صالحة لاستحقاق فلسٍ بها فكيف يكون حجة لاستحقاق نفسٍ [خصوصًا]

(1)

في موضع يتيقن

(2)

أنّ الحالف مجازف يحلف على ما لم يعاينه بحال محتمل في نفسه وهو اللوث، وإنما اليمين مشروعة لإبقاء ما كان على ما كان فلا يستحق بها ما لم يكن مستحقًا.

فأما [قوله]

(3)

: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؛ لا تكاد تصح هذه الزيادة وقد قال جماعة من أهل الحديث أولهم سهل بن أبي خيثمة: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم

(4)

، ولو ثبت فإنما قال ذلك على سبيل الاستفهام عليهم لا على طريق الحكم والأمر لهم بذلك؛ فإن الثاني معطوف على الأول فشاركه في الاستفهام، فإنه لو كان على سبيل الحكم لكان يقول: أتحلفون فتسحقوا دم صاحبكم؛ كما تقول: [أتدخل الدار فتبصرَ الأمر بالنصب أريد به التعليق في الحكم وإذا أريد به الاستفهام قيل]

(5)

: أتدخل الدار وتجلسُ فيها [بالرفع أي أتجلسُ فيها]

(6)

بعد الدخول، والاستفهام استخبار عن فعله أيفعله أم لا وليس ببيان أنه يجوز له ذلك، أو هو محمول على الاستفهام بطريق الإنكار كقوله تعالى:{أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ}

(7)

.

وكذلك قوله

(8)

تحلفون

(9)

معناه أتحلفون كقوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا}

(10)

معناه أتريدون؟

وكأنه صلى الله عليه وسلم رأى منهم الرغبة في حكم الجاهلية حين أبوا أيمان اليهود بقولهم: لا نرضى بيمين قوم كفار؛ فقال ذلك على سبيل الزجر، فلما عرفوا كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك رغبوا عنه بقولهم: كيف نحلف على أمرٍ لم نعاين ولم نشاهد؟ كذا في المبسوط

(11)

والأسرار

(12)

.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ج): متفق؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ج) و (أ)؛ وإثباتها من (ب) هو الصواب.

(4)

سبق تخريجه في الصفحة السابقة.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

سورة الشعراء: 165 - 166

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ج): أتحلفون؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(10)

سورة الأنفال: 67

(11)

ينظر: المبسوط (26/ 109).

(12)

ينظر: العناية (10/ 376)، المبسوط (26/ 109).

ص: 68

لأنه يمين وليس بشهادة، وبهذا التعليل يحترز عن اللعان

(1)

حيث لا يجوز اللعان منهما لما أن اللعان شهادة والمحدود في القذف والأعمى ليس لهما شهادة الأداء؛ فأما هذه فيمين محضة كذا في المبسوط

(2)

.

وإذا حلفوا قضي على أهل المحلة بالدية أي على عاقلة أهل المحلة.

وفي المبسوط ثم إنما يقضى بالدية على عاقلة أهل المحلة في ثلاث سنين

(3)

؛ لأن حالهم هنا دون حال من باشر القتل خطأ وإذا كانت الدية هناك على عاقلته في ثلاث سنين فهنا [أولى]

(4)

.

وفي ظاهر الرواية القسامة على أهل المحلة، والدية على عواقلهم.

وذكر في اختلاف زفر ويعقوب

(5)

أن

(6)

على قول زفر القسامة والدية على عاقلة أهل المحلة قياسًا لأحد الموجبين على الآخر.

وعلى قول أبي يوسف: لا قسامة على العاقلة لأن التحمل يجري في الدية ولا يجري التحمل في اليمين، وادعة اسم قبيلة من همدان، ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنه قتل وليه عمدًا أو خطأ؛ إلى أن قال: وإن كان في القصاص فهو على اختلاف مضى في كتاب الدعوى؛ فكذا في بعض النسخ وهو الأصح لأنه أحال على هذا المذكور.

وهذه المسألة بعد هذا بورقتين أو أكثر في قوله: وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم؛ وقد ذكرناه وذكرنا فيه القياس والاستحسان، وهذه الحوالة

(7)

ليست [إلا]

(8)

في ذلك المذكور في بعض النسخ، وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم ويجوز تكرار اليمين من واحد كما في كلمات اللعان لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيًا.

فإن قلت: الظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق ولهذا قلنا في عين الصبي وذكَرِهِ ولسانه إذا لم يعلم صحته حكومة العدل عندنا وإن كان الظاهر سلامتها.

(1)

اللعان: هي شهادات مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حقه ومقام حد الزنا في حقها. ينظر: التعريفات (ص/ 192).

(2)

ينظر: المبسوط (26/ 110).

(3)

في (أ): في ثلاثين؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 292)، المبسوط (26/ 110).

(6)

في (ج): أي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(7)

الحوالة: هي مشتقة من التحول بمعنى الانتقال، وفي الشرع: نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. ينظر: التعريفات (ص/ 93)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 187).

(8)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 69

قلت: إن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال ولا تعظيم للأموال كتعظيم النفوس فلذلك لم يجب فيما لم يعلم سلامته [[يقينًا [ما]

(1)

يجب في الذي علم سلامته يقينًا مما له خطر من القصاص والدية]]

(2)

.

وأما الجنين فهو في نفسه عضو من وجه ونفس من وجه، فاعتبرنا جهة النفس إذا انفصل حيًا فيستدل عليه بتمام الخلق.

وإذا انفصل ميتًا اعتبرنا جهة العضو فيستدل عليه بناقص الخلق، فكان الظاهر هنا بمنزلة القتيل الموجود في المحلة وبه أثر الجراحة يحكم أنه مقتول بسبب هذا الظاهر فتجب القسامة والدية وإن كان يحتمل أنه مات حتف أنفه

(3)

لا بسبب الجراحة.

وأما الأعضاء فلما كان فيها شبه المالية لم توجب الدية التي لها خطر إلا عند التيقن.

وإذا وجد القتيل على دابة يسوقها

(4)

رجل فالدية على عاقلته أي على عاقلة السائق [سواء أكان السائق]

(5)

مالكًا للدابة

(6)

أم غير مالك.

وكذا إذا كان قائدها أو راكبها لأنه هو المختص بتدبير هذه الدابة وباليد عليها.

ألا ترى أنها لو وطئت إنسانًا كان ذلك على الذي معه بالسوق أو غيره فكذلك إذا وجد قتيلًا عليها، فإذا لم يكن مع الدابة أحد فهو على أهل المحلة الذين وجد فيهم القتيل على الدابة لأن وجوده على الدابة كوجوده في الموضع الذي فيه الدابة.

وقد روي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه كان يفصل الجواب في الدابة

(7)

تفصيلًا ويقول: إن هذا هكذا إذا كان السائق يسوق الدابة محتشمًا

(8)

مختفيًا سرًا؛ لأن الظاهر أنه هو القاتل إذا كان يسوقها على هذا الوجه، فأما إذا كان يسوقها غير محتشم نهارًا جهارًا فلا شيء عليه؛ لأن الإنسان قد يحمل أباه أو ابنه أو واحدًا من أقربائه ميتًا وينقله إلى بلده ليدفنه فيه وظاهر حاله في السوق يدل عليه فلا نجعله قاتلًا.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

فلان مات حتف أنفه: إذا مات من غير قتل ولا ضرب، أي بهلاك نفسه من غير سبب؛ وحقيقته انقطاع أنفاسه وخروجها من أنفه. ينظر: الصحاح (4/ 1341)، طلبة الطلبة (ص/ 103).

(4)

السائق: هو الذي يسوقها من الخلف، وأما القائد: فهو الذي يقودها من الأمام. ينظر: لسان العرب (3/ 370)

(5)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): للدية؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ج): الدية؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

إني لأحتشم: أي أستحي؛ والحشمة: الاستحياء. ينظر: لسان العرب (12/ 136).

ص: 70

فإن قلت: ما الفرق لأبي حنيفة ومحمد: بين سائق الدابة أو قائدها أو راكبها هاهنا وبين الدار

(1)

؛ فإنه إذا وجد القتيل في الدار تجب القسامة والدية على مالك الدار لا على الساكن الذي في يده الدار عند أبي حنيفة ومحمد: وهاهنا تجب القسامة على الذي في يده الدابة من السائق وغيره والدية على عاقلته لا على مالك الدابة.

قلت له جوابين؛ أحدهما بطريق المنع

(2)

فنقول: لا نسلم بأن الدية هنا لا تجب على مالك الدابة فإن من مشائخنا من قال هذا الجواب الذي ذكره في الكتاب فيما إذا لم يكن للدابة مالك معروف وإنما يعرف ذلك بقول القائد والسائق.

وأما إذا كان للدابة مالك معروف فإنه يجب على مالك الدابة؛ وهذا لأنه متى لم يكن للدابة مالك معروف فالمالك من حيث الظاهر هو الذي في يده الدابة.

ألا ترى أنه لو ادعى أن الدابة دابته كان القول قوله؛ فإذا كان ذو اليد مالكًا من حيث الظاهر فالقسامة والدية تجب عليه بظاهر ملكه، فإذا أراد أن يحوله إلى غيره لا يقدر كما في الدار إذا أقر الذي في يده الدار أن الدار لغيره ولم يكن المقَر له مالكًا معروفًا للدار لا يصدق ذو اليد، فأما إذا كان مالك الدار معروفًا فإنه تجب القسامة والدية على مالك الدار، فعلى هذا لا يحتاج إلى الفرق بين الدابة والدار، والثاني بطريق التسليم وهو أيضًا مما قاله بعض مشائخنا فقالوا: سواء أكان للدابة مالك معروف أم لم يكن فإن القسامة تجب على الذي في يده الدابة والدية على عاقلته.

وظاهر إطلاق الجواب في الكتاب يدل على هذا، فعلى هذا يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين الدار على ما ذكرت، والفرق هو أن العبرة في هذا الباب للتصرف والرأي والتدبير، ثم التصرف والرأي والتدبير في الدار يكون للمالك؛ لأنه لا يتصور [أي ما دام مالكًا]

(3)

انقطاع يده عن ذلك؛ لأنه وإن أخرها فالمئونة تكون على المالك فتكون القسامة عليه، وأما في الدابة فالتصرف والرأي والتدبير إلى من في يده الدابة؛ لأن زوال يد صاحب الدابة عن الدابة يثبت بالإجارة وكذلك بالانفلات فتكون القسامة على الذي في يده الدابة لذلك، هذا كله من المبسوط

(4)

والذخيرة

(5)

.

(1)

في (ج): الدابة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ج): التبع؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (أ) و (ب)؛ وإثباتها من (ج) هو الصواب.

(4)

ينظر: العناية (10/ 283).

(5)

ينظر: العناية (10/ 382).

ص: 71

أُتِي بقتيل وجد بين قريتين فأمر أن يذرع وهو في $حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه -أن قتيلًا وجد بين قريتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أن يُمْسح بينهما فوجد إلى إحدى القريتين أقرب بشبر فقضى عليهم بالقسامة

والدية

(1)

كذا في المبسوط

(2)

.

وَادعة وأرحب قبيلتان من هَمدَان، وإن وجد القتيل في دار إنسان فالقسامة عليه فصار صاحب الدار مع أهل المحلة بمنزلة أهل المحلة مع أهل المصر، فلما لم يدخل أهل المصر مع أهل المحلة كذلك لا يدخل أهل المحلة مع صاحب الدار في القسامة كذا في شرح الأقطع

(3)

.

ولا يدخل السكان في القسامة مع المُلَّاك يعني إذا كان في المحلة سكان وملاك عند أبي حنيفة: وهو قول محمد:.

وإنما ذكر قولهما بهذا الطريق ولم يقل عند أبي حنيفة ومحمد ليظهر عدم أصالة محمد في هذا القول كأصالة أبي حنيفة: فيه؛ لأنه ذكر في الأسرار بعدما ذكر الاختلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف هذا الاختلاف فقال: وقول محمد مضطرب

(4)

.

وهاهنا اختار كونه مع أبي حنيفة ولكن مع نوع إشارة إلى أنه ليس بأصيل في هذا القول فصار كأنه قال وهو قول محمد في بعض الروايات.

وقال أبو يوسف: هو عليهم وهذا هو قوله الآخر، وكان قوله الأول كقولهما ثم رجع إلى هذا القول؛ وهو قول ابن أبي ليلى

(5)

(6)

؛ لأن سكنى الملاك ألزم وقرارهم أدوم لأن السكان ينتقلون في كل وقت من محلة إلى محلة دون أصحاب الملك، والدليل عليه أن ما ينبني من الغُنْم شرعًا على القرب مختص به أصحاب الملك دون السُّكان وهو الشفعة فكذلك ما يكون من الغرم شرعًا.

(1)

أخرجه أحمد في (مسنده)، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه (17/ 441 رقم الحديث: 11341)، والبيهقي في (السنن الكبرى) كتاب القسامة باب باب ما روي في القتيل يوجد بين قريتين ولا يصح (8/ 217 رقم الحديث: 16453)، ولفظه:"عن أبي سعيد أن قتيلًا وجد بين حيين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم -أن يقاس إلى أيهما أقرب، فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر، قال أبو سعيد: كأني أنظر إلى شبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: فألقى ديته عليهم"، قال العقيلي في (الضعفاء الكبير) (1/ 76): ليس له أصل، وقال ابن الجوزي في (الموضوعات) (3/ 129): هذا حديث موضوع وفيه جماعة ضعاف منهم عطية، ضعفه الكل. ومنهم أبو إسرائيل واسمه إسماعيل بن أبي إسحاق ضعيف. وقال يحيى بن معين: أصحاب الحديث لا يكتبون حديثه. ومنهم إسماعيل بن أبان. قال أحمد بن حنبل: حدث أحاديث موضوعة. وقال يحيى: كذاب. وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات. وقال البخاري والدارقطني: متروك.

(2)

ينظر: المبسوط (26/ 111).

(3)

هو شرح لمختصر القدوري، في مجلدين. للإمام: أحمد بن محمد، المعروف: بأبي نصر الأقطع. المتوفى سنة: أربع وسبعين وأربعمائة. ينظر: كشف الظنون (2/ 1631).

(4)

ينظر: العناية (10/ 383).

(5)

ابن أبي ليلى: هو عبد الرحمن بن أبي ليلى أبو عيسى الأنصاري الكوفي، ويقال: أبو محمد الفقيه المقرئ. ولد في وسط خلافة عمر، وهو يصغر عن السماع منه، بل رآه يمسح على الخفين. روى عن: عمر وعلي وابن مسعود وأبي ذر وبلال وأبي بن كعب وصهيب وقيس بن سعد بن عبادة وأبي أيوب والمقداد وروايته عن معاذ في السنن الأربعة، ولم يلحق هو طائفة سواهم. روى عنه: الحكم بن عتيبة وعمرو بن مرة وعبد الملك بن عمير وحصين بن عبد الرحمن والأعمش، وكان قد أخذ عن علي القرآن. ينظر: تاريخ الإسلام (2/ 96)، سير أعلام النبلاء (4/ 262).

(6)

ينظر: البناية (13/ 343).

ص: 72

الخِطة المكان المختط لبناء دار وغير ذلك من العمارات، وقولهم مسجد الخطة يراد بها ما خَطّه الإمام حين فتح البلدة وقسمها بين الغانمين.

وكذلك قوله في الكتاب وهو على أهل الخِطة دون المشترين أي على أصحاب الأملاك القديمة الذين كانوا يملكونها حينَ فَتح الإمام البلدةَ وقسمها بين الغانمين بخطّ خِطة لتمييز أنصبائهم، وهو على أهل الخطة أي المذكور، وهو وجوب القسامة.

والدية أي القسامة على أهل الخطة والدية على عواقلهم.

وقال أبو يوسف: الكل مشتركون؛ وهو [قول]

(1)

ابن أبي ليلى.

والولاية أي ولاية الحفظ باعتبار الملك وفيما يجب باعتبار الملك لا يختلف باختلاف أسباب الملك كاستحقاق الشفعة، ولهما أن صاحب الخِطّة هو المختص بنصرة البقعة.

ألا ترى أن المحلة تنسب إلى صاحب الخطة دون المشترين.

فإن قلت: ما الفرق لهما بين المحلَة والدّار وفي الدار لو كان مشتريًا وصاحب خِطة ووجد القتيل فيها فهما متساويان في القسامة والدية ولا فرق بينهما بالإجماع، وفي حق المحلة فرقا بينهما حيث أوجبا

(2)

القسامة على أهل الخطة دون المشترين، مع أنّ كلّ واحد من أهل الخطّة والمشتري لو انفرد كانت القسامة عليه والدية على عاقلته وهما لم يفترقا في حق الدار، فكيف افترقا في حق المحلة.

قلتُ: قالا: الفرق بينهما العُرْف؛ فإنّ في العرف أن المشترين قلَّمَا يزاحمون أصحاب الخطة في التدبير والقيام لحفظ المحلة، وليس في حق الدار كذلك؛ فإن في عمارة ما استرم من الدار وإجارتها وإعارتها فهما متساويان، فكذلك في القيام بحفظ الدار.

وقيل أبو حنيفة: بنى ذلك على ما شاهد بالكوفة

(3)

أي ما شاهد من عادة أهل الكوفة في زمانه هو أن أصحاب الخطة في كلّ محلّة هم الذين يقومون بتدبير المحلة ولا يشاركهم المشترون في ذلك.

لما بينا أراد به قولَه ولهما أن صاحب الخطة هو المختص بنصرة البقعة.

وقوله: ولأنه أصيل والمشتري دخيل لأن الولاية انتقلت إليهم أي عند أبي حنيفة ومحمد:؛ لأن الولاية على قولهما لصاحب الخطة ولم يكن للمشترين، وحين صارت لهم كانت الولاية منتقلة

(4)

إليهم.

(1)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب): أوجباه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

الكوفة: هي أحد محافظات العراق وهي مركز المحافظة قريبة من النجف وتقع إلى الجنوب الغربي من بغداد. ينظر: موسوعة المدن العربية والإسلامية (ص/ 80)، معجم البلدان (4/ 490).

(4)

في (ج): منقلبة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

ص: 73

أو خلصت لهم أي على مذهب أبي يوسف لما أن الولاية عنده

كانت لصاحب الخطة وللمشترين، فالآن خلصت للمشترين لزوال من يزاحمهم.

[وكذلك قوله لزوال من يتقدمهم أي على قولهما.

أو يزاحمهم]

(1)

أي على قول أبي يوسف.

وإذا وجد قتيل في دار فالقسامة على رب الدار.

وذكر في الذخيرة: «القتيل إذا وجد في دار رجل فالدية على عاقلة صاحب الدار» باتفاق الروايات، و «القسامة على صاحب الدار» في رواية.

وفي رواية أخرى «القسامة على عاقلة صاحب الدار

(2)

».

وحكي عن الكرخي أنه كان يوفق بين الروايتين فكان يقول الرواية التي توجب القسامة على صاحب الدار محمولة على ما إذا كان قومه غُيَّبًا، والرواية التي توجب القسامة على قومه محمولة على ما إذا كان قومه حضورًا.

ولكن ذكر في فتاوى العتابي

(3)

كما ذكر في الكتاب «ومن اشترى دارًا فلم يقبضها حتَّى وُجد فيها قتيل» إلى آخره

(4)

،

وهذه من مسائل الجامع الصغير

(5)

.

وحاصل هذا الاختلاف راجع إلى أن أبا حنيفة: اعتبر اليد وَهَمُا اعتبرا الملك، وهذا الاختلاف نشأ بينهم بعد ما أجمعوا على أن وجوب الضمان عند وجود القتيل يتعلق بولاية الحفظ لأنه ضمان ترك الحفظ، فبعد ذلك قال أبو يوسف ومحمد: ولاية الحفظ تستفاد بالملك فيعتبر الملك.

وأبو حنيفة: يقول: حقيقة القدرة تثبت باليد إلا أن الملك سبب اليد فإذا كان الملك لأحدهما واليد للآخر كان اعتبار اليد أولى والولاية تستفاد بالملك؛ وهذا لأن وجوب الدية في هذا ضمان ترك الحفظ فيجب على مالك الدار لأنه مئونة الملك؛ فلهذا كانت الدية على صاحب الدار دون المودع والمستعير والمستأجر والغاصب والمرتهن حيث امتنع وجوب الدية على هؤلاء لهذا المعنى؛ فالملك للمشتري قبل القبض في البيع [الثابت]

(6)

فكان الضمان [الصادر]

(7)

(8)

من ذلك الملك عليه

(9)

.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ينظر: تحفة الفقهاء (3/ 131)، العناية (10/ 384)، البناية (13/ 345).

(3)

هو جامع (جوامع) الفقه المعروف (بالفتاوى العتابية)، لأبي نصر: أحمد بن محمد العتابي البخاري الحنفي. المتوفى: سنة 586 ست وثمانين وخمسمائة. وهو كبير في أربع مجلدات. ينظر: كشف الظنون (1/ 569).

(4)

(وَمَنِ اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي فِي يَدِهِ). ينظر: الهداية (4/ 501)، العناية (10/ 384)، البناية (13/ 346).

(5)

ينظر: العناية (10/ 384)، البناية (13/ 346).

(6)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

في (أ): فكان حيث الصادر؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ب): كان عليه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 74

فإن قلت: ما الفرق لهما بين هذا وبين ما إذا جنى العبد قبل القبض في البيع الثابت؛ حيث يخير المشتري هناك بين رد البيع وإمضائه، وهاهنا إذا وجبت الدية على عاقلة المشتري عندهما بسبب قتيل وجد في دار اشتراها ولم تقبض بعد [حيث لم يخير المشتري بين رد البيع وإمضائه.

قلت: الفرق بينهما هو أن الدار]

(1)

لم تصر مستحقة بوجود القتيل فيها

(2)

بل ضمان الجناية يجب على عاقلة المشتري حتى يكون الاستحقاق بمنزلة العيب بخلاف العبد، فإنه إذا جنى جناية في يد البائع إنما يخير المشتري؛ لأن العبد يصير مستحقًا بالجناية والاستحقاق من أفحش العيوب وقد حدث ذلك في يد البائع فيخير المشتري كما لو حُمَّ

(3)

العبد في يد البائع

(4)

، وله أن القدرة على الحفظ باليد لا بالملك لما أن هذا الضمان ضمان ترك الحفظ، [وضمان ترك الحفظ]

(5)

إنما يجب على من كان قادرًا على الحفظ، والقادر على الحفظ هو الذي له يد أصالة لا يد نيابة

(6)

.

وعن هذا وقع الفرق بين هذا وبين يد المودع وأمثاله لما أن يد هؤلاء يد نيابة ويد الغاصب يد أمانة هاهنا؛ لأن العقار لا يُضمن بالغصب عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ويد المرتهن قالوا: لا رواية فيه.

فإن قلت: ما الفرق لأبي حنيفة: بين وجوب الضمان هنا وبين وجوب صدقة الفطر؛ وفي صدقة الفطر اتفقوا على أن الاعتبار للملك.

قلت: قال أبو حنيفة: إن صدقة الفطر أينما وجبت [إنما وجبت]

(7)

على المالك لا على الضامن فإنها لا تجب على الضامن بحال؛ ألا ترى أن صدقة فطر المغصوب

(8)

تجب على المالك لا على الغاصب.

وأما ضمان الجناية كما يجب على المالك كذلك يجب على الغاصب

(9)

بل عند اجتماعهما يكون قرار الضمان على الضامن في ضمان الجناية، حتى إن العبد المغصوب

(10)

أو المرهون إذا جنى جناية في يد الغاصب أو المرتهن واختار المولى الدفع أو الفداء يكون قرار ذلك على الضامن

(11)

، هذا كله من الجامع الصغير

(12)

للإمام المحبوبي: والإمام قاضي خان:

(13)

.

(1)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب): فيهما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

حُمَّ الرجل: من الحُمَّى؛ وأحمه الله فهو محموم، وحم الماء: صار حارًا. ينظر: مختار الصحاح (ص/ 82).

(4)

في (ج): المشتري؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى.

(5)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ج): صيانة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ب): صدقة الفطر فينظر المغصوب؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (أ) و (ب): الضامن؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(10)

في (ب): المضطرب؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

في ج: القصاص؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(12)

ينظر: تكملة البحر الرائق (8/ 451)، تبيين الحقائق (6/ 173، 174)، البناية (13/ 347)، رد المحتار (6/ 632).

(13)

ينظر: تكملة البحر الرائق (8/ 451)، تبيين الحقائق (6/ 173، 174)، البناية (13/ 347)، رد المحتار على الدر المختار (6/ 632).

ص: 75

ومن كان في يده دار فوُجِدَ فيها قتيل لم تعقله العاقلة حتى يشهد الشهود أنها للذي في يده، يريد به إذا أنكرت العاقلة كون الدار لصاحب اليد وقالوا هي وديعة في يدك فالقول قولهم؛ لأن دية القتيل الموجود في الدار تجب على عاقلة رب الدار باعتبار ملك الدار، والملك بحكم اليد ثابت من حيث الظاهر وذلك حجة لدفع الاستحقاق، فلا بد من إقامة البينة لإيجاب الدية على عاقلته سواء أوجد صاحب الدار فيها قتيلًا أم غيره، كما في استحقاق الشفعة لم يكن بد من إقامة البينة على الملك لهذا المعنى، كذا ذكره الإمام المحبوبي:

(1)

.

لأنها في أيديهم لما أن المركب في يد الراكب فكذلك السفينة تكون في يد من فيها.

واللفظ أي لفظ قوله -على من فيها من الركاب والملاحين-

يشمل أربابها أي يشمل ملاكها وغير ملاكها.

وهذا على ما روي عن أبي يوسف ظاهر؛ أراد به ما ذكر في قوله ولا يدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله.

وقال أبو يوسف: هو عليهم جميعًا فيعتبر فيها اليد دون الملك كما في الدابة يعني أن المعتبر في القتيل الموجود [على الدابة هو اليد دون الملك لأنها تنقل وتحول؛ فكذلك في القتيل الموجود]

(2)

في السفينة كان الاعتبار [[لليد دون الملك وهم في اليد عليها سواء كذا في المبسوط

(3)

.

وذكر شيخ الإسلام: قال بعض المشائخ: إنما يجب على الركاب إذا لم يكن للسفينة مالك معروف؛ وأما إذا كان لها مالك معروف فإن القسامة تجب على مالك السفينة؛ [ومنهم من يقول: يجب في الحالين على الذين كانت السفينة]

(4)

في أيديهم، ومثل هذا التفصيل من اختلاف المشائخ مذكور في الدابة وقد ذكرناه.

وإن وجد في المسجد الجامع والشارع الأعظم، أي وإن وجد القتيل في الطريق الأعظم، وفي المُغْرِب

(5)

(6)

الشارع هو الطريق الذي يشرع فيه الناس عامة على الإسناد المجازي أو هو من قولهم شرع الطريق إذا تبين.

(1)

ينظر: البناية (13/ 347، 348).

(2)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (26/ 117).

(4)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

هو المغرب في ترتيب المعرب، لأبي الفتح المطرزي المتوفى 610 هـ، وهو في اللغة تكلم فيه على الألفاظ التي يستعملها الفقهاء من الغريب، اختصره من مصنف آخر له بعد الاستعانة بكتب أخرى. ينظر: هدية العارفين (2/ 488)، اكتفاء القنوع بما هو مطبوع (ص: 321).

(6)

ينظر: المغرب (ص: 248).

ص: 76

وذكر في الذخيرة بعد ما ذكر المسجد الجامع أي

(1)

مسجد جماعة يكون في سوق هو لعامة المسلمين؛ لأن التدبير في مثل هذا المسجد للإمام الذي هو نائب عن عامة المسلمين لا إلى أهل هذا السوق فلا قسامة فيه لأن [المقصود]

(2)

بالقسامة نفي تهمة القتل وذلك لا يتحقق في حق [عامة]

(3)

جماعة المسلمين كذا في المبسوط

(4)

.

فعند أبي يوسف: يجب على السكان أي سواء أكان السكان مُلَّاكًا أم غير مُلَّاك على ما مر، وإن لم يكن مملوكًا كالشوارع العامة التي بنيت فيها فعلى بيت المال، وإنما أراد به أن يكون نائبًا عن المحال.

أما الأسواق التي تكون في المحال فهي محفوظة بحفظ أهل المحلة فتكون القسامة والدية على أهل المحلة فكذا في السوق النائي إذا كان من يسكنها في الليالي أو كان لأحد فيها دار مملوكة تكون القسامة والدية عليه؛ لأنه يلزمه صيانة ذلك الموضع فيوصف بالتقصير فيجب موجب التقصير عليه كذا في مبسوط فخر الإسلام

(5)

(6)

.

وذكر في الذخيرة والمغني

(7)

وفي المنتقى

(8)

إذا وجد قتيل في صف من السوق فإن كان أهل ذلك الصف يبيتون

(9)

في حوانيتهم

(10)

فدِيَة القتيل عليهم؛ وإن كانوا لا يبيتون في حوانيتهم فالدِّيَة على الذين لهم ملك الحوانيت؛ فلا يتعلق بهم ما يجب لأجل النصرة؛ أي لأجل ترك النصرة.

وقد بيناه؛ أي في مسألة: وإن مرت دابة بين قريتين وعليها قتيل.

وإن وجد في وسط الفرات ذكر الفرات ليس للتخصيص بل المراد به النهر العظيم؛ ولهذا قال في المبسوط بهذا وقال وإذا وجد القتيل في نهر عظيم يجري به الماء فلا شيء فيه؛ وكذلك ذكر الوسط ليس للتخصيص فإن القتيل ما دام الماء به جاريًا كان حكم الشط

(11)

كحكم الوسط وبهذا التفسير بحر بعيد، هذا في الذخيرة

(12)

.

(1)

في (أ) و (ب): أو؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

ينظر: المبسوط (26/ 118).

(5)

هو مبسوط فخر الإسلام، لعلي بن محمد البزدوي، في أحد عشر مجلد، المتوفى سنة 482. ينظر: كشف الظنون (2/ 1581).

(6)

ينظر: العناية (10/ 387).

(7)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 174).

(8)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 174).

(9)

في (ج): يستوون؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(10)

الحانوت: دكان البائع؛ والجمع الحوانيت. ينظر: الصحاح (5/ 2114)، المصباح المنير (1/ 158).

(11)

الشط: جانب النهر. ينظر: مختار الصحاح (ص/ 165)، المعجم الوسيط (1/ 483).

(12)

ينظر: العناية (10/ 387)، البناية (13/ 351).

ص: 77

وأما إذا كان محتبسًا بالشط فحكمه ما ذكره في الكتاب.

وذكر شيخ الإسلام في مبسوطه: هذا إذا كان موضع انبعاث الماء في دار الشرك؛ لأنه إذا كان كذلك فلعل هذا قتيل دار الشرك؛ فأما إذا كان موضع انبعاث الماء في دار الإسلام تجب الدية في بيت المال؛ لأن موضع انبعاث الماء في يد المسلمين فسواء كان قتيل مكان الانبعاث أو مكان آخر دون ذلك فهو قتيل المسلمين، فتجب الدية في بيت المال

(1)

.

وذكر في الذخيرة أيضًا مثل هذا فقال: وإذا وجد الرجل قتيلًا في نهر يجري فيه الماء فهذا على وجهين؛ الأول: أن يكون النهر عظيمًا كالفرات ونحوه؛ وإنه على وجهين أيضًا؛ الأول: أن يجري به الماء، وفي هذا الوجه إن كان موضع انبعاث الماء في دار الحرب

(2)

فدمه هدر سواء أكان يجري في وسطه أم في شطه؛ لأنه لما كان يجري به الماء والحال هذه كان هو قتيل دار الشرك، أويحتمل أنه قتيل مكان الشرك، وذلك المكان ليس تحت أيدي المسلمين، وإن كان موضع انبعاث الماء في دار الإسلام تجب الدية في بيت المال؛ لأنه قتيل مكانٍ هو في يد المسلمين سواء اعتبرنا موضع انبعاث الماء أو موضع ظهور القتيل فهو على أقرب القرى من ذلك المكان.

على التفسير الذي تقدم أراد به قوله قيل هذا محمول على ما إذا كان بحيث يبلغ أهله الصوت، وبهذا صرح في المبسوط

(3)

والذخيرة

(4)

وغيرهما.

فقال في المبسوط: وإن كان إلى جانب الشاطئ محتبسًا فهو على أقرب القرى إليه والأرضين فعليهم القسامة والدية؛ ثم قال وهذا إذا كانوا بالقرب من ذلك الموضع بحيث يسمعون صوت من وقف على ذلك الموضع ونادى بأعلى صوته؛ وإن كانوا لا يسمعون ذلك لا شيء عليهم فيه؛ هكذا فسره الكرخي:.

ورد في الذخيرة على هذا بقوله وأما إذا كان بحيث لا يسمع منه الصوت لا يجب عليهم شيء وإنما يجب في بيت المال؛ لأنه يجب بزعامة المسلمين لم تسقط القسامة وكذلك الدية لا تسقط عن عواقلهم.

وقد ذكرناه؛ أي المذكور في بعض النسخ؛ وهو قوله: ولو ادعى على البعض بأعيانهم أنه قتل وليه إلى آخره

(5)

.

(1)

ينظر: العناية (10/ 387)، البناية (13/ 351).

(2)

دار الحرب: بلاد العدو الكافر المحارب، وهِيَ كُل بُقْعَةٍ تَكُونُ أَحْكَامُ الْكُفْرِ فِيهَا ظَاهِرَةً. ينظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 178) بدائع الصنائع 7/ 30 - 31، كشاف القناع 3/ 43، الإنصاف 4/ 121، المدونة 2/ 22.

(3)

ينظر: العناية (10/ 387)، البناية (13/ 351)، الأصل (6/ 570).

(4)

ينظر: العناية (10/ 387)، البناية (13/ 351).

(5)

وَلَوِ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ عَمْدًا أَوْ خَطًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ، وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمَبْسُوطِ. ينظر: الهداية (4/ 460)، العناية (10/ 378)، البناية (13/ 334).

ص: 78

وإن ادَّعى على واحد من غيرهم سقط عنهم؛ أي سقطت القسامة والدية، ويحلف المدعى عليه يمينًا واحدًا كذا في الذخيرة

(1)

؛ فتعيينه واحدًا منهم لا ينافي ابتداء الأمر؛ فإن الشارع أوجب القسامة ابتداء على أهل المحلة؛ فتعيينه واحدًا منهم لا ينافي ما شرعه الشارع ابتداء.

وفي المبسوط: وإن ادعى أهل القتيل على بعض أهل المحلة الذين وجد القتيل بين أظهرهم فقالوا قتله فلان [عمدًا أو]

(2)

خطأ لم يُبْطِل هذا حقه وفيه القسامة والدية؛ لأنهم ذكروا ما كان معلومًا لنا بطريق الظاهر، وهو أن القاتل واحد من أهل المحلة، وكما لا يعلم ذلك حقيقة فكذلك بدعوى الأولياء على واحد منهم بعينه لا يصير معلومًا لنا حقيقة أنه هو القاتل، فإذا لم يثبت

(3)

بهذه الدعوى شيء لا يتغير

(4)

الحكم به، فبقيت القسامة والدية على أهل المحلة.

[وروى ابن المبارك

(5)

(6)

عن أبي حنيفة: أنه تسقط القسامة عن أهل المحلة]

(7)

؛ لأن دعوى الولي على واحد منهم بعينه يكون إبراء لأهل المحلة عن القسامة؛ فإن القسامة في قتيل لا يعرف قاتله؛ فإذا زعم الولي أنه يعرف القاتل منهم بعينه صار مُبَرِّئًا لهم عن القسامة وذلك صحيح منه؛ فإذا ادعى القتل على غيرهم امتنعتْ دعواه عليهم للتناقض؛ لأنه لما ادعى على غير أهل المحلة فقد أبرأ أهل المحلة من ذلك حتى لا تُسْمَع دعواه بعد ذلك على أهل المحلة للتناقض، كذا في المبسوط

(8)

.

يقال أجلوا عن قتيل؛ أي انكشفوا عنه وانفرجوا.

لأن القتيل بين أظهرهم؛ أي وجد بين أظهرهم؛ أي بينهم. والظهر والأظهر تجيئان معجمتين كما في قوله غ: «لا صدقة إلا عن ظهر غِنَى»

(9)

أي صادرة عن غنى؛ فالظهر فيه معجم كما في ظهر القلب وظهر الغيب، فكذا في الأظهر يقال: أقام بين أظهرهم أي بينهم، ثم وجود القتيل بين أظهرهم موجب للقسامة والدية عليهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم -قضى على أهل خيبر بالقسامة والدية لوجود القتيل بين أظهرهم

(10)

.

(1)

ينظر: العناية (10/ 387)، البناية (13/ 352).

(2)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (ج) و (أ): يستفد؛ وما أثبت من (ب) قريب من معناه.

(4)

في (ج): يصير؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

(5)

هو عبدالله بن المبارك بن واضح الحنظلي مولاهم، التركي ثم المروزي، الحافظ الغازي أحد الأعلام، الإمام شيخ الإسلام عالم زمانه وأمير الأتقياء في وقته، مات سنة إحدى وثمانين ومائة. ينظر: سير أعلام النبلاء (8/ 378).

(6)

ينظر: المبسوط (26/ 114)، البناية (13/ 352)

(7)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

ينظر: المبسوط (26/ 115).

(9)

أخرجه البخاري في (صحيحه)، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، (2/ 112 رقم الحديث: 1427)، ومسلم في (صحيحه) كتاب الزكاة باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة (2/ 717 رقم الحديث: 1034) ونصه: "خير الصدقة عن ظهر غنى

".

(10)

سبق تخريجه. ص 202 من حديث عبدالرزاق.

ص: 79

وقال عمر- رضي الله عنه -للحارث بن أرفع الوادعي

(1)

حين قال: لا أيماننا تدفع عن أموالنا ولا أموالنا تدفع عن أيماننا حقنهم دماءكم؛ وإنما أغرمكم الدية لوجود القتيل بين أظهركم

(2)

؛ فإن قيل الظاهر أن قاتله من غير أهل المحلة وأنه من خصمائه.

قلنا قد تعذر الوقوف على قاتله حقيقة فيتعلق الحكم بالسّبب الظاهر وهو وجوده قتيلًا في محلتهم؛ ولأن على أهل المحلة أن يصونوا محلتهم عن مثل هذه الحادثة فإذا لم يفعلوا كانوا غارمين.

قال الفقيه أبو جعفر

(3)

: في كشف

الغوامض

(4)

: وهذا إذا كان الفريقان غير متناولين اقتتلوا عصبية

(5)

؛ فإن كانوا مشركين أو خوارج فلا شيء عليهم فيه ويجعل ذلك ممن أصابه العدو؛ لأن بمجرد الدعوى لا يثبت الحق؛ أي الاستحقاق عند إنكار المدعى عليه.

(1)

هو الحارث بن الأزمع العبدي، ويقال: الوادعي. عن: عمرو ابن مسعود وعمرو بن العاص. وعنه: الشعبي وأبو إسحاق السبيعي؛ قاله أبوحاتم. قال ابن عبد البر: مذكور في الصّحابة. توفي في آخر أيام معاوية. هذا جميع ما قال فيه. وقال أبو موسى في الذّيل: ذكره ابن شاهين، وعبدان في الصّحابة، لكن قال ابن شاهين: هو تابعي أدرك الجاهلية روى عن عمر. قلت: ونسبه ابن سعد، فقال: الحارث بن الأزمع بن أبي بثينة بن عبد اللَّه بن مر بن مالك بن حرب بن الحارث بن سعد بن عبد اللَّه بن وداعة، ذكره في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة. ينظر: الطبقات الكبرى (6/ 173)، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (2/ 803)، الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 134).

(2)

ينظر: العناية (10/ 390)، المبسوط (26/ 107).

(3)

هو: محمد بن عبد الله بن محمد، الفقيه أبو جعفر البلخي الحنفي الهندواني، كان يقال له من كماله في الفقه:"أبو حنيفة الصغير". وتوفي ببخارى في ذي الحجة سنة اثنتين وستين. وقد تفقه على أبي بكر محمد بن أبي سعيد الفقيه. وكان من أعلام أئمة مذهبه. ينظر: تاريخ الإسلام (8/ 207)، الجواهر المضية (2/ 68).

(4)

هو: كشف الغوامض في الفروع. لأبي جعفر الهنداوني الفقيه. ذكر فيه: بعض ما أورده محمد في (الجامع الصغير). ينظر: كشف الظنون (2/ 1493).

(5)

المسألة فيها ثلاثة أقوال: الأول: موافق للفقيه أبي جعفر وهو مذهب الحنفية؛ إلا أنهم لم يشترطوا شرطه: أن أهل المحلة يتحملون هذه الجناية إلا إذا أبرأهم الولي وادعى على غيرهم أو ادعى على غيرهم أو ادعى على معين منهم، واشترط أن يكون الفريقان غير متأولين. ينظر: تبيين الحقائق (6/ 174 - 175).

الثاني: وهو مذهب المالكية: أن القسامة لا تثبت للقتيل بين الصفين. ينظر: البيان والتحصيل لابن رشد (15/ 453).

الثالث: للشافعية: أنه إن ادعى على رجل بعينه فله ذلك؛ وإن لم يدع على أحد بعينه فلا عقل ولا قود. ينظر: الأم (6/ 106).

ص: 80

للحديث الذي رويناه؛ أي في أوائل باب القسامة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«لو أُعْطِي الناس بدعواهم لادَّعى قوم دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر»

(1)

؛ ولا يقال الظاهر أنهم قتلوه؛ لأن الظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق كذا في الجامع الصغير

(2)

لشمس الأئمة

(3)

والمحبوبي.

فإن قلت ما وجه الفرق بين ما إذا اقتتل الفريقان من المسلمين عصبية كالكلابادي

(4)

والدروازي

(5)

شجارًا ثم أجلوا

(6)

عن قتيل ولا يدرى مَنْ قتله، فإنه تجب القسامة والدية على أهل ذلك المكان الذي وجد فيه وجعل القتيل قتيل ذلك المكان لا قتيل العدو؛ وبين ما إذا اقتتل المسلمون [مع المشركين]

(7)

فأجلوا عن قتلى المسلمين لم تجب القسامة والدية]]

(8)

على أهل ذلك المكان بل يجعل ذلك قتيل العدو مع أن في الموضعين جميعًا إذا كان لا يدرى مَنْ قَاتلُه احتمل أن يكون قتيل المكان واحتمل أن يكون قتيل العدو.

قلت: وجهه هو أن المقاتلة إذا وقعت بين المسلمين والمشركين

(9)

[وأجلوا عن قتيل في مكان في دار الإسلام ولا يدرى من قتله من المسلمين أو المشركين]

(10)

يرجح احتمال قتل المشركين حملًا لأمر المسلمين على الصلاح؛ ولهذا جعل شهيدًا [لأنه لو جعل قتيل المسلمين لا يكون شهيدًا]

(11)

لاستحقاق الدّية على أهل ذلك المكان حينئذ، والشهيد من يكون عوض دمه على الله؛ قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}

(12)

فلما ترجح هذا الاحتمال لهذا المعنى تعين أنه قتيل أهل الشرك.

(1)

سبق تخريجه. ص 205 ..

(2)

ينظر: العناية (10/ 389)، البناية (13/ 353).

(3)

هو: محمد بن أحمد بن أبي سهل؛ أبو بكر؛ السرخسي من أهل سرخس بلدة في خراسان. ويلقب بشمس الأئمة. كان إمامًا في فقه الحنفية، وعلامة حجة متكلمًا ناظرًا أصوليًّا مجتهدًا في المسائل. أخذ عن الحلواني وغيره. سجن في جب بسبب نصحه لبعض الأمراء، وأملى كثيرًا من كتبه على أصحابه وهو في السجن، أملاها من حفظه، توفي سنة 483 هـ. من تصانيفه:«المبسوط» في شرح كتب ظاهر الرواية في الفقه؛ و «الأصول» في أصول الفقه، «شرح السير الكبير» للإمام محمد بن الحسن. ينظر: الفوائد البهية (ص: 158)، الجواهر المضية (2/ 28)، الأعلام للزركلي (6/ 208).

(4)

كلاباذ: بالفتح، والباء الموحدة، وآخره ذال معجمة: محلة ببخارى. وكلاباذ أيضا: محلة بنيسابور. ينظر: معجم البلدان (4/ 472).

(5)

الدروازي: إقليم «درواز» للأفغان مقابل ضم إقليمى «روشن» و «شغنان» إليه. ينظر: تاريخ بخارى (1/ 13).

(6)

أجلوا عن القتيل: أي انفرجوا عنه، وَجَلَوْتُ: أوضحت وكشفت. ينظر: الصحاح (6/ 2304)، المغرب (ص/ 354).

(7)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب) قرابة لوح كامل؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ب): من المسلمين أو المشركين؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(12)

سورة التوبة: 111

ص: 81

وأما في قتيل المسلمين من الطرفين لما احتمل أن يكون هذا القتيل قتيل [أهل]

(1)

ذلك المكان وقتيل عدوه لم يمكن حمل أحدهما

(2)

على الصلاح؛ لأنا لو أحلنا القتل على أي الأمرين لا يكون فيه حمل أمر المسلمين على الصلاح لأن كلا الفريقين مسلمان؛ فلما بقي حال القتيل مشكلًا ولم يترجح أنه قتيل عدوه الذي قاتل معه أوجبنا القسامة والدية على أهل ذلك المكان؛ لأن في إضافة القتل إلى أهل ذلك المكان عند الإشكال ورد النص به؛ فكان العمل بما ورد فيه النص أولى عند الاحتمال من العمل بالذي لم يرد فيه النص.

ثم في مسألة الدروازكي مع الكلابادي لو ادعى ولي القتيل على الفريق الآخر أنهم قتلوه أو على رجل منهم بعينه أنه قتله يبرأ أهل المحلة عن الدية والقسامة، ولكن لا يثبت القتل على أولئك إلا بالحجة؛ لأن مجرد الدعوى لا تصلح سببًا للاستحقاق وما

(3)

يصلح سببًا لبراءة الغير، فتثبت براءة أهل المحلة بمجرد الدعوى على غيرهم بخلاف ما إذا عين رجلًا من أهل المحلة؛ فإن الدية والقسامة على أهل المحلة على حالها؛ ولم يتضمن ذلك براءة غيره على ما ذكرنا؛ لما أن وجوب القسامة على أهل المحلة في الشرع دليل على القاتل منهم.

وتعيين الولي واحدًا منهم لا ينافي هذا الأمر لأنه منهم؛ وأما تعيين غيرهم ينافي ذلك؛ لأن ذلك بيان أن القاتل ليس منهم وهم إنما يغرمون إذا كان القاتل منهم تقديرًا، ولم يثبت ذلك عند تعيين الولي غيرهم؛ هذا كله مما أشار إليه في الذخيرة

(4)

.

والعسكر لشكر بنا ختن يقال عسكر الرجل فهو معسكر [والموضع معسكَر]

(5)

بفتح الكاف.

أقاموا أي سكنوا، الخباء الخيمة

(6)

من الصوف، والفسطاط الخيمة العظيمة، فكان هو أعظم من الخباء وإن كان خارجًا من الفسطاط فعلى أقرب الأخبية؛ هذا إذا نزلوا قبائل قبائل متفرقين، أما إذا نزلوا مختلطين فإن الدية والقسامة عليهم، كذا في مبسوط شيخ الإسلام

(7)

. فإن كان القوم لقوا قتالًا؛ وانتصاب «قتالًا» يحتمل أن يكون على الحال؛ أي مقاتلين، وأن يكون على المفعول به كما في قوله بعده: وإن لم يلقوا عدوًا؛ أي وقت القتال؛ وأن يكون على المفعول له؛ أي للقتال

(8)

فيجب على المالك عند أبي حنيفة خلافًا لأبي يوسف:.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ب): أمرهما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (أ) و (ج): وأما؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(4)

ينظر: العناية (10/ 387، 388)، البناية (13/ 352).

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): الخيمة العظيمة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(7)

ينظر: العناية (10/ 389).

(8)

في (أ): للقتل؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 82

وفي المبسوط وإن كان المعسكر

(1)

في ملك رجل فعلى [عاقلة]

(2)

صاحب الأرض القسامة والدية؛ لأن المالك هو المختص بالتدبير في ملكه وولاية حفظ ملكه إليه، وقد بينا أنه لا معتبر بالسّكان مع الملاك.

ثم قال: وقيل في قياس قول أبي يوسف: ينبغي أن يكون على النازلين في ذلك الموضع؛ لأن عنده السكان في المحلة كالملاك.

وإذا قال المستحلَفُ: قتَله فلان؛ أي في مسألة القسامة أستحلف بالله ما قتلتُ وما عرفتُ له قاتلًا غيرَ فلان؛ هذا الذي ذكره قول محمد

(3)

وأما في قول أبي يوسف فلا يذكر العلم.

وهذا الاستحلاف فيما إذا وجد القتيل في محلة وشهد اثنان

(4)

من أهل المحلة على أن فلانًا قتله لم تقبل شهادته؛ فلما لم تقبل شهادته كيف توجه اليمين عليهما في القسامة إذا اختارهما الولي، فالمستحلف في ذلك كيف [يحلف]

(5)

، هكذا ذكر صورته في المبسوط

(6)

والذخيرة

(7)

.

أما في الذخيرة فقد ذكره محيلًا إلى شرح شيخ الإسلام إذا وجد قتيل في مَحَلَّة وزعم أَهْل المحلّة أن رجلًا منهم قتله ولم يدَّع ولي القتيل على واحدٍ منهم بعينه لم تسقط عنهم القسامة والدية؛ لأن ولي القتيل لو ادّعى على واحد منهم بعينه [كان]

(8)

عليهم القسامة والدية فإذا لم يدَّعِ على واحد منهم بعينه أولى؛ ثم كيف يحلفون.

قال أبو يوسف: يحلفون بالله ما قتلناه ولا يحلفون ولا علمنا له قاتلًا؛ لأن فائدة التحليف على العلم أن يعترفوا أنا علمنا له قاتلًا، فيصير ذلك سببًا لوجوب القصاص على القاتل، وقد اعترفوا بذلك يعني فلا حاجة إلى التحليف.

وعلى قول محمد: يحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلًا غير فلان، لجواز أنهم عرفوا قاتلًا آخر مع فلان؛ وإنما عيَّنوا فلانًا ليسقطوا عن أنفسهم اليمين في حق غيرهم؛ ويحلفون على العلم ويستثنون منه فلانًا؛ لأن الاستحلاف على العلم في حق فلان لا يفيد

(9)

؛ أما في حق غيره يفيد رجاء أن يُقرُّوا بغيره؛ وذكر في المغني

(10)

والفتوى على قول محمد.

(1)

في (أ) و (ج): العسكر؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): غير محمد؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ): وشهدا بيان؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

ينظر: المبسوط (26/ 119، 120).

(7)

ينظر: العناية (10/ 390)، البناية (13/ 355).

(8)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ج): لا يقبل؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(10)

ينظر: الفتاوى الهندية (6/ 79).

ص: 83

وذكر في المبسوط

(1)

فإن أقام الولي شاهدين من غير أهل المحلة على ذلك الرجل فقد أثبت عليه القتل بالحجة فيقضى عليه بموجبه؛ وإن أقام شاهدين من أهل المحلة بذلك عليه لم تقبل شهادتهما لأن أهل المحلة خصماء في هذه الحادثة ما بقيت القسامة والدية عليهم فكانوا متهمين في هذه

الشهادة وكانوا في معنى شاهدين لأنفسهم فلهذا لم تقبل شهادتهما

(2)

.

وقال أبو يوسف: إن اختارهما

(3)

الولي في جملة من يحلفهم [يحلفهما]

(4)

بالله ما قتلنا قط؛ لأنهما زعما أنهما يعلمان القاتل فلا معنى لاستحلافهما على العلم، فإنهما يستحلفان على الثبات

(5)

بالله ما قتلنا.

وقال محمد: يحلفان بالله ما قتلنا ولا علمنا له قاتلًا سوى فلان؛ لأن ما هو المقصود يحصل بهذا الاستثناء فلا يجوز إسقاط اليمين على العلم في حقهما كما لا يجوز في حق غيرهما؛ كالوصي إذا خرج من الوصاية بأن بلغ الغلام أو عزله القاضي.

قال

(6)

: وعلى الأصلين هذين؛ أي الأصلين المجمع عليهما

(7)

أحدهما أن كل من انتصب خصمًا في حادثة ثم خرج من أن يكون خصمًا لم تقبل شهادته في تلك الحادثة بالإجماع؛ كالوكيل إذا خاصم ثم عزل.

والثاني إذا كانت لرجل عرضية أن يصير خصمًا ثم بطلت هذه العرضية فشهد تقبل شهادته بالإجماع؛ ثم في مسألتنا هذه وهي ما إذا شهد اثنان

(8)

من أهل المحلة على رجل من غيرهم عند دعوى الولي القتل على ذلك الرجل شهدا بأنه قتل، جعل أبو حنيفة: شهادتهما هذه شهادة

من انتصب خصمًا في حادثة ثم خرج من أن يكون خصمًا فشهد فلم تقبل شهادتهما؛ لأن نفس وجود القتيل بين أظهرهم جعلهم خصماء فلا تقبل شهادتهما.

وجعل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله شهادتهما هذه شهادة رجل له عرضية أن يصير خصمًا ثم لم يصر خصمًا فتقبل شهادتهما، وذلك أنهم إنما يكونون خصمًا لو ادعى الولي عليهم؛ فإذا ادعى على غيرهم زالت هذه العرضية، وبه تبين أنهم لم يكونوا خصماء في هذه الحادثة أصلًا فوجب قبول شهادتهم فيها؛ كالشفيع إذا شهد بالبيع بعدما سلم الشفعة تقبل شهادته؛ والوكيل [بالخصومة]

(9)

إذا عُزِل قبل أن يخاصم ثم شهد في تلك الحادثة تقبل شهادته لهذا المعنى.

(1)

ينظر: المبسوط (26/ 115).

(2)

في (أ): وإذا تقبل شهادتهما؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): اختار؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب)؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ب): البتات؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ينظر: البناية (13/ 356).

(7)

في (ب): المجمع عليه أحدهما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (أ): شهدا بيان؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 84

وأبو حنيفة: يقول: أهل المحلة صاروا خصماء في هذه الحادثة بوجود القتيل بين أظهرهم؛ ومن صار خصمًا في حادثة لا تقبل شهادته فيها وإن خرج من

(1)

الخصومة كالوكيل إذا خوصم في مجلس الحكم ثم عزل فشهد؛ وإنما قلنا ذلك لأن السبب الموجب للدية والقسامة عليهم وجود القتيل بين أظهرهم كما قال عمر- رضي الله عنه (وأنا أغرمكم الدية لوجود القتيل بين أظهركم)

(2)

؛ وبدعوى الولي على غير أهل المحلة لا يتبين أن هذا السبب لم يكن، ولكن خرجوا من الخصومة بعد أن كانوا خصماء؛ إلى هذا أشار في المبسوط

(3)

والإيضاح

(4)

.

وعلى هذين الأصلين يتخرج كثير من المسائل؛ إما على الأصل الأول؛ أعني به قوله إن كل من انتصب خصمًا في حادثة ثم خرج من أن يكون خصمًا لم تقبل شهادته؛ فمسألة الوكيل إذا خاصم في مجلس الحكم ثم عزل فشهد لم تقبل.

وكذلك الوصيّ عن اليتيم خصم في حقوقه وإن لم يخاصم لقيامه مقام اليتيم شرعًا في حقوقه؛ ثم لو بلغ اليتيم فشهد الوصي لم يقبل.

وإما على الأصل الثاني؛ وهو ما إذا كانت لرجل عرضية أن يصير خصمًا إلى آخره؛ فمسألة الشفيعين إذا شهدا على المشتري بالشراء وهما لا يطلبان الشفعة يقبل لأنهما ما صارا خصمين بالشراء، بل صارا بعرض ذلك بأن يطلبا.

وكذا الوارثان إذا شهدا بالدين

(5)

على الميت وثَم وارث ثالث ولم يطلبا الميراث قبلت شهادتهما؛ لأن الوارث مع الدين لا يصير خصمًا بنفس الديون، فإن الدين مقدَّم عليه ولكنه بعرض أن يصير خصماَ بالطلب فله القضاء من موضع آخر، فإذا لم يطلب لم يكن خصمًا.

وكذلك الوكيلان

(6)

بالخصومة إذا عزلا قبل الخصومة ثم شهدا بذلك قبلت شهادتهما؛ لأن الوكيل بالخصومة إنما يصير خصمًا بمكان القضاء لأنه لا يصح في غيره، فصارت الوكالة مؤقتة بالمكان فلا تثبت قبله كما لو وقتت بالزمان؛ كذا في الأسرار

(7)

.

ثم قال فيه: فما قاله أبو حنيفة أظهر وما قالاه أخف

(8)

.

(1)

في (ب): عن؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية (10/ 390)، المبسوط (26/ 115).

(3)

ينظر: المبسوط (26/ 115).

(4)

ينظر: العناية (10/ 390).

(5)

في (ج): بالمرض؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

الوكالة: بمعنى التوكيل؛ وهي إقامة الشخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم. ينظر: التعريفات (ص/ 177)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 480).

(7)

ينظر: البناية (13/ 353، 356).

(8)

في (ب) و (ج): أحق؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

ص: 85

لأن الخصومة قائمة مع الكل على ما بيناه؛ أي في مسألة: وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة في بيان الفرق بقوله وهو أن وجوب القسامة عليهم دليل على أن القاتل منهم فتعيينه واحدًا منهم لا ينافي [ابتداء]

(1)

الأمر.

ومن جرح في قبيلة؛ أي لم يعلم الجارح؛ لأنه لو علم الجارح فلا قسامة فيه بل فيه الدية على الجارح وعاقلته لو كان خطأ والقصاص لو كان عمدًا.

فإن كان صاحب فراش؛ أي لو صار المجروحُ صاحبَ فراش حين جرح في تلك القبيلة ثم نقل إلى أهله فمات؛ وإنما قيد به لأنه لو كان صحيحًا يجيء ويذهب حينَ جُرح ثم مات في أهله فلا شيء فيه كذا في المبسوط

(2)

.

وقال أبو يوسف: لا ضمان فيه؛ وهو قول ابن أبي ليلى

(3)

؛ هذا الخلاف فيما إذا صار صاحب فراش حين جرح؛ وأما إذا كان صحيحًا حين جرح بحيث يجيء ويذهب فلا شيء فيه.

وعلى قول أبي يوسف وابن أبي ليلى لا شيء عليهم في الوجهين؛ لأن القسامة والدية في القتيل الموجود في المحلة والجريح غير القتيل.

وله أن الجرح إذا اتصل به الموت صار قتلًا ولهذا

(4)

وجب القصاص.

فإن قلت:

فعلى هذا ينبغي أن لا يفرق

(5)

الحكم بين أن يكون صاحب فراش وقت الجرح أو لم يكن صاحب فراش وقت الجرح كما لا يفرق في حق القصاص؛ فإنه إذا لم يكن وقت الجرح صاحبَ فراش ولكن سرى إلى النفس بعدَ أيام، فإنه يجب فيه القصاص حيث يجعل الموت مُحَالًا على تلك الجراحة، فكان ينبغي أن تجب القسامة والدية هاهنا أيضًا وإن كان صحيحًا وقت الجرح بعد ما كان موته من تلك الجراحة.

قلتُ: لما كان أمر القسامة والدِّية أمرًا ثابتًا بالنص بخلاف القياس على ما ذكرنا روعي فيه ما ورد فيه النص

(6)

بقدر الإمكان؛ والنص ورد في قتيل وجد في محلّة لا يعلم قاتله؛ فقلنا هاهنا أيضًا إن لم يكن قتيلًا وقت الجرح يجب أن يكون في حكم القتيل

(7)

شرعًا؛ وهو فيما إذا صار صاحب فراش؛ لأن تصرفاته في مثل هذه الحادثة

(8)

غير نافذة إلا في الثُّلث فكان له حكم الميّت فيما إذا صار صاحب فراش فلذلك قيد به.

(1)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: المبسوط (26/ 118).

(3)

ينظر: المبسوط (26/ 118)، العناية (10/ 391)، البناية (13/ 357).

(4)

في (أ): واحدًا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ب): يفترق؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(6)

في (ج): ما ورد بالنص؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (أ): القتل؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ج) و (أ): الحالة؛ وما أثبت من (ب) قريب من معناه.

ص: 86

وذكر في المبسوط وجه قولنا أنه إذا كان صاحب فراش فهو مريض

(1)

والمرض إذا اتصل به الموت فإنه يجعل كالميت من أول سببه

(2)

.

ألا ترى أنه في حكم التصرفات جعلت هذه الحالة كالحال بعد موته؛ فكذلك في حكم القسامة والدية يجعل كأنه مات حين جرح في ذلك الموضع.

فأما إذا كان صحيحًا يذهب ويجيء فهو في حكم التصرفات لم يجعل كالميت من حين جرح، فكذلك في حكم القسامة والدية؛ وقد ذكرنا وجهي القولين فيما قبله من مسألة القبيلة

(3)

، وهو الذي ذكره قبيل هذا بقوله ومن جُرح في قبيلة.

والدليل على صحة هذه الحوالة صريح ما ذكره في الإيضاح في هذه المسألة بقوله: ولو أن رجلًا معه جرح وبه رمق حمله إنسان إلى أهله فمكث يومًا أو يومين ثم مات لم يضمن الذي حمله في قول أبي يوسف وفي قياس قول أبي حنيفة: يضمن.

ثم قال وهذا بناءً على مسألة قد مرت أنه إذا جرح في قبيلة ثم مات في أهله فوجه البناء أن يده بمنزلة المحلَّة فصار وجوده جريحًا في يده كوجوده جريحًا في المحلة وقد مر الوجه من قبل

(4)

.

وكذلك ذكر في المبسوط بعد ما ذكر مسألة القبيلة

(5)

، قال: وعلى هذا التخريج

(6)

إذا وجد على ظهر إنسان يحمله إلى بيته فمات بعد يوم أو يومين فإن كان صاحب فراش حتى مات فهو على الذي يحمله [كما لو مات]

(7)

على ظهره؛ وإن كان يذهب ويجيء فلا شيء على من حمله

(8)

.

وفي قول ابن أبي ليلى لا شيء عليه في الوجهين.

ولو وجد الرجل [قتيلًا]

(9)

في دار نفسه فدِيَته على عاقلته لورثته عند أبي حنيفة:؛ أي على عاقلة ورثته لورثته؛ لأنه لما وجد قتيلًا في الدار المملوكة لورثته لا له لأنه ميت والميت [ليس]

(10)

من أهل الملك فتكون الدية عليهم.

وإنما قال الدية على عاقلته بناءً على الظاهر، وهو أن عاقلة الوارث والمورث متحد؛ فإن كان في موضع تختلف العاقلة ينبغي على قياس هذه الطريقة وهي أن الدار مملوكة للورثة لا للميت أن تكون الدية على عاقلة الورثة وهي الأصح.

(1)

في (ج): مرتهن؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ينظر: المبسوط (26/ 119).

(3)

القبيلة: واحدة قبائل العرب وهم بنو أب واحد. ينظر: مختار الصحاح (ص/ 246)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 356).

(4)

ينظر: تكملة البحر الرائق (8/ 449).

(5)

في (ج): القسامة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ب) و (ج): الجريح؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ينظر: المبسوط (26/ 119).

(9)

ساقطة من (أ) و (ج)؛ وإثباتها من (ب) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (ج)؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 87

وعلى قياس طريقة أن غيره لو وجد قتيلًا فيها كانت القسامة عليه دون عاقلته يجب أن تكون الدية على عاقلة القتيل؛ كذا في المبسوط

(1)

.

فيجعل كأنه قتل نفسه فيهدر، وهذا لأنه لو وجد غيره قتيلًا في هذه الدار جعل هو كالمباشر لقتله في حكم الدية؛ فإذا وُجد هو قتيلًا فيه يجعل كأنه باشر قتل نفسه [ومن قتل نفسه]

(2)

كان دمه هدرًا.

قبل ذلك أي قبل ظهور القتل.

فيجب على عاقلتهم أي على عاقلة الورثة.

فإن قيل إذا قلتم إن الدية تجب على عاقلة الورثة فكيف يستقيم أن يعقلوا عنهم لهم.

قلنا إن الدية تجب للمقتول حتى تقضى منه ديونه وتنفذ وصاياه ثم يخلفه الوارث فيه

(3)

وهو نظير الصبي والمعتوه

(4)

إذا قتل أباه تجب الدية على عاقلته وتكون ميراثًا له.

وهذا بخلاف المكاتب

(5)

يوجد قتيلًا في دار نفسه؛ لأن هناك إذا وجد غيره قتيلًا إنما يجعل هو كالقاتل له [باعتبار عقد الكتابة، وعقد الكتابة باقٍ بعدما وجد هو قتيلًا فيه فلهذا جعل كأنه قتل نفسه.

فأما هاهنا إذا وجد غيره قتيلًا إنما يجعل هو كالقاتل له]

(6)

لقيام ملكه في الدار حين وجد القتيل، وذلك غير موجود فيما إذا وجد هو قتيلًا فيه؛ فإن الملك منتقل إلى ورثته فلهذا افترقا؛ كذا في المبسوط

(7)

.

كما إذا وجد قتيل في محلة؛ أي كان توهم قتل نفسه ساقطًا هناك فكذا هنا؛ قال المتأخرون: إن المرأة تدخل مع العاقلة في التحمل في هذه المسألة.

وإنما قيد بقوله: في هذه المسألة لأن المرأة لا تدخل في العواقل في تحمل الدية في صورة من الصور على ما يجيء في المعاقل

(8)

بقوله وليس على النساء والذرية

(9)

عقل.

وفي المبسوط: ثم ظاهر ما قال في الكتاب يدل على أنه ليس عليها شيء من الدية

(10)

.

(1)

ينظر: المبسوط (26/ 114).

(2)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): ثم يخلفهم الوارث فيهم؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

المعتوه: الناقص العقل، والمعتوه: المدهوش من غير مس جنون، وهو من كان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التعبير. ينظر: التعريفات (ص/ 221)، الصحاح (6/ 2239)، لسان العرب (13/ 512).

(5)

في (ب): القتيل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ينظر: المبسوط (26/ 114).

(8)

في (ج): العاقلة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

(9)

في (ج): في الدية؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(10)

ينظر: المبسوط (26/ 120).

ص: 88

ولفظ ما قال في الكتاب وإذا وجد القتيل في دار امرأة في مصر ليس فيه من عشيرتها أحد؛ فإن الأيمان تكرر على المرأة حتى تحلف خمسين يمينًا ثم تفرض الدية على أقرب القبائل منها؛ وهذا قول أبي حنيفة وهو قول محمد: إلى آخره

(1)

.

ثم قال وهو اختيار الطحاوي في مباشرة القتل أيضًا فإنه يقول إذا كان القاتل من جملة العاقلة فعليه جزء من الدية؛ وإن لم يكن من جملة العاقلة إذا كان القاتل غيره فلا شيء عليه من الدية؛ والمرأة

(2)

لا تدخل في جملة العاقلة [إذا كان القاتل غيرها؛ وغيره من أصحابنا كان يقول هي لا تدخل في جملة العاقلة]

(3)

لأن النصرة لا تقوم بها؛ وأما إذا كانت هي المباشرة للقتل فعليها جزء من الدية؛ لأن القاتل واحد من العواقل باعتبار مباشرته، فإنه لما وجب على غير المباشر لأجله فعلى المباشر أولى أن يجب جزء منها؛ فكذلك هاهنا وجوب جزء على المالك باعتبار أن التدبير

(4)

في ملكه إليه وفي هذا الرجل والمرأة سواء. والله أعلم

* * *

‌كتابُ

(5)

المعاقل

لما كان موجَب القتل الخطأ وما في معناه الدية على العاقلة لم يكن بُدّ من معرفتها ومعرفة أحكامها فذكرها في هذا الكتاب

(6)

.

وقد ذكر في الكتاب معنى المعاقل لغة وشرعًا وما يتبعه فاكتفينا به.

المعاقل جمع معقُلة بضم القاف.

وقوله: وكل دية مبتدأ.

وقوله: على العاقلة خبره.

وكل دية وجبت بنفس القتل أي ابتداء.

(1)

(وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهَا الْقَسَامَةُ تُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهَا فِي النَّسَبِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا). ينظر: المبسوط (26/ 120).

(2)

في (ج): السراية؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(4)

في (ب): التداخل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

الكتاب لغة: إما مصدر من كتبه كتبا وكتابا وكتبة وكتابة بمعنى الجمع سمي به المفعول للمبالغة، أو فعال بُني للمفعول كاللباس للملبوس وعلى التقديرين يكون بمعنى المجموع.

واصطلاحا: مسائل اعتبرت مستقلة شملت أنواعا. ينظر: أنيس الفقهاء (5)، الصحاح (1/ 208).

(6)

مختصر القدوري (194).

وسبق ترجمته ص 111، والتنبيه على أن المقصود بالكتاب (مختصر القدوري).

ص: 89

وقوله: ابتداء احتراز عما تجب الدية على العاقلة

(1)

في القتل العمد بسبب الصلح أو بسبب الأبوة، فهي في مال القاتل لا على العاقلة.

وقد ذكرناه أي الدية بتأويل العقل في [حديث]

(2)

حمل بن مالك

(3)

.

حمل ههنا اسم ولد الضانية

(4)

.

وهو ما روى في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال لأولياء الضارية

(5)

: «قوموا فدوه»

(6)

؛ قال أخوها عمران بن عويمر الأسلمي

(7)

: أفدي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل ومثل دمه بطل؛ فقال غ: «أسجع كسجع الكُهّان

(8)

»، بضم الكاف وتشديد الهاء جمع الكاهن؛ أو قال:«دعني وأراجيز العرب، قوموا فدوه» .

وكذا الذي تولى شبه العمد وهو الذي ضربه بالسوط الصغير حتى قتله.

[وقال]

(9)

: يقال: اجحف به أي أهلكه واستأصله.

لأنه إنما قصر أي لأن القاتل إنما قصر حالة الرمي في التثبت والتوقف.

وتلك أي وتلك القوة.

الديوان الجريدة مِن دون الكتب إذا جمعها لأنها قطع من القراطيس مجموعة.

ويروى أن عمر- رضي الله عنه -أول من دون الدواوين أي رتب الجرائد للولاة والقضاة.

ويقال فلان من أهل الديوان أي ممن أثبت اسمه في الجريدة.

العطاء اسم ما يعطى والجمع أعطية وأعطيات.

وفي شرح القدوري

(10)

: في العاقلة الدية في أعطياتهم ثلاث سنين؛ فإن لم يكونوا أهل عطاء وكانت لهم أرزاق جعلت الدية في أرزاقهم؛ قال: والفرق بينهما أن العطية ما يفرض للمقاتلة، والرزق ما يجعل لفقراء المسلمين إذا لم يكونوا مقاتلة؛ كذا في المغرب

(11)

.

(1)

في (ب): القاتل، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

هو: حمل بن مالك بن النابغة الهذلي، من هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، يكنى أبا نضلة لهُ صُحبَةٌ وهو مدني نزل البصرة وله بها دار. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم -في دية الجنين. روى عنه: عبد الله بن عباس. ينظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال (7/ 349)، الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 108).

(4)

في (ج): المضاربة، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ج): المضاربة، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير)، باب الألف، باب في الدية، (1/ 193 رقم الحديث: 514).

(7)

هو: عمران بن عويمر، وقيل: ابن عويمر الهذلي السجاع، له ذكر في حديث أسامة الهذلي. ينظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم (4/ 2111)، الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 587).

(8)

صحيح مسلم (3/ 1309) كتاب القسامة-باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ وشبه العمد رقم (1682) بلفظ سجع مثل سجع الأعراب.

(9)

ساقطة من (أ)، وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(10)

ينظر: تكملة فتح القدير (10/ 400).

(11)

ينظر: المغرب (ص: 320).

ص: 90

وليس ذلك بنسخ بل هو تقرير معنى، وهذا جواب عن قوله ولا نسخ بعده.

وذكره في المبسوط على وجه السؤال والجواب؛ فقال: فإن قيل: كيف يظن بهم الإجماع على [خلاف]

(1)

ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلنا: هذا إجماع على وفاق ما قضى به صلى الله عليه وسلم[معنى]

(2)

، فإنهم علموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على العشيرة باعتبار النصرة، فقد كانت قوة المرء ونصرته يومئذ بعشيرته، فلما دوّن عمر- رضي الله عنه -الدواوين صارت القوة والنصرة بالديوان، فقد كان المرء قبيلته عن ديوانه على ما روي أن يوم الجمل

(3)

وصفين

(4)

جعل بإزاء كل قبيلة من كان من أهل تلك القبيلة ليكونوا هم الذين يقاتلون قومهم

(5)

؛ [ولهذا قضوا بالدية على أهل الديوان، أن الحِلف - بكسر الحاء- العهد يكون بين القوم]

(6)

، ومنه قولهم: تحالفوا على التناصر؛ والمراد به ههنا ولاء الموالاة.

(1)

ساقطة من (ب)، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ج)، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

موقعة الجمل: كانت وقعة الجمل في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين. وبلغ الخبر عائشة

- وهي حاجة - ومعها طلحة والزبير. فخرجوا إلى البصرة يريدون الإصلاح بين الناس واجتماع الكلمة. وأرسل عليٌّ عمارَ بن ياسر وابنه الحسن بن علي إلى الكوفة يستنفرون الناس ليكونوا مع علي فاستنفروهم فنفروا. وخرج علي من المدينة في ستمائة رجل. فالتقى - هو والحسن - بذي قار ثم التقوا - هم وطلحة والزبير - قرب البصرة وكان في العسكرين ناس من الخوارج. فخافوا من تمالؤ العسكرين عليهم. فتحيلوا حتى أثاروا الحرب بينهما من غير رأي. فكانت وقعة الجمل المشهورة لأن عائشة كانت في هودج على جمل، وعقر الجمل ذلك اليوم. ينظر: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (صـ: 312).

(4)

موقعة صفين: سار علي- رضي الله عنه -والتقى هو وأهل الشام بصفين لسبع بقين من المحرم - وصفين اسم موضع بين الشام والعراق - فكانت به الوقعة المشهورة. فلما اشتد البلاء على الفريقين وطال أياما، وكثر القتلى بينهم رفع أهل الشام المصاحف على رؤوس الرماح ونادوا " ندعوكم إلى كتاب الله " فسر الناس وأنابوا إلى الحكومة. فحكم أهل الشام عمرو بن العاص، وحكم علي بن أبي طالب أبا موسى الأشعري. وكتبوا بينهم العهود بالرضى بما يحكم به الحكمان. فلما حل الموعد في رمضان توافوا بأذرح، بدومة الجندل. فلم يتفق الحكمان على شيء. وانصرف علي إلى العراق، ومعاوية إلى الشام. ينظر: مختصر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم -للإمام محمد بن عبد الوهاب (صـ: 313).

(5)

ينظر: المبسوط (27/ 126).

(6)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 91

[والولاء]

(1)

أي ولاء العتاقة.

والعدّو هو أن يعدّ فيهم، يقال: فلان عديد بني فلان أي يعدّ فيهم.

منه أي من الإيجاب أي إيجابُ الدية في العطاء الذي هو الصلة أولى من الإيجاب في أصول أموالهم، والتقدير بثلاث سنين؛ لأن الدية في حقه فرضت في عطيته، [في كل عطية]

(2)

يخرج له ثلث الدية فيكون جميع الدية مفروضًا في ثلاث عطيات وثلاث عطيات مؤجلة بثلاث سنين فأخذت الدية أيضًا في ثلاث سنين ضرورة، كذا في مبسوط شيخ الإسلام

(3)

.

ولأن الأخذ من العطاء للتخفيف

(4)

والعطاء يخرج في كل سنة مرة واحدة.

وفي المبسوط: ولا يستحقون العطاء عندنا إلا بآخر السنة، فلذلك قلنا: إذا خرج العطاء بعد القضاء بشهر أو أقل أخذ منه ثلث الدية، وإذا لم يقض عليهم بالدية حتى مضت سنون ثم قضى بها ولم يخرج للناس عطاء ثم أمر بأعطياتهم الماضية لم [يكن]

(5)

فيها من الدية شيء؛ لأن وجوب هذه الأعطية باعتبار مدة مضت قبل قضاء القاضي، وقد بينا أن وجوب الدية بقضاء القاضي، فمحل الأداء الأعطيات التي تجب بعد القضاء، فلهذا لا يستوفى من الأعطيات الماضية شيء من الدية، ويستقبل لصاحب الدية الأعطية المستقبلة بعد القضاء.

وذكر قبل هذا في المبسوط: وإذا قتل الرجل خطأ فلم يرفع إلى القاضي حتّى مضت سنون ثم رفع إليه، فإنه يقضى بالدية على عاقلته في ثلاث سنين من يوم يقضى؛ لأن ثبوت الأجل

(6)

ينبني على وجوب المال؛ والمال إنما يجب بقضاء القاضي؛ فأما قبل القضاء المال ليس بواجب؛ لأن ضمان المتلفات يكون بالمثل بالنص، ومثل النفس النفس، إلا أنه إذا رفع إلى القاضي وتحقق العجز عن استيفاء النفس لما فيه من معنى العقوبة تحول الحق [بقضائه]

(7)

إلى المال كما في ولد المغرور؛ فإن قيمته إنما تجب على المغرور بقضاء القاضي، وإن كان رد عَينهِ متعذرًا قبل القضاء ولكن في الحكم جعل الواجب رد العين إلا أن يحوله القاضي إلى القيمة بقضائه لتحقق العجز عن رد العين؛ ولهذا لو هلك الولد قبل القضاء لم يضمن شيئًا فاعتبر قيمته يوم القضاء لهذا، وهو نظير الأجل في حق العِنِّين

(8)

فإنه لا يعتبر ما مضى من المدة قبل الخصومة، وإنما يكون ابتداء التأجيل من وقت قضاء القاضي، فكذلك ههنا ابتداء التأجيل يكون من وقت قضاء القاضي.

(1)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (أ)، وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

ينظر: العناية (10/ 395، 396)، البناية (13/ 366).

(4)

في (أ): للتحقيق، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (أ): الأصل، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

والعنة صفة العنين: وهو الذي لا يقدر على إتيان المرأة، وهو من لا يقدر على الجماع لمرض أو كبر سن أو يصل إلى الثيب دون البكر. ينظر: طلبة الطلبة (ص/ 47)، التعريفات (ص/ 158).

ص: 92

وقوله: لما ذكرنا؛ أراد به قوله لأن الوجوب بالقضاء.

ولنا أن القياس يأباه؛ أي يأبى القياس إيجاب المال بمقابلة النفس.

والشرع ورد به أي ورد بإيجاب المال إذا كان القتل خطأ كما في ولد المغرور، فإن قيمته إنما تجب بقضاء القاضي، وإن كان رد عينه متعذرًا قبل القضاء إلى آخر ما ذكرنا قبيل هذا، ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته؛ لأن نصرته بهم، ولأن حالهم في المعنى

(1)

حال الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بينا أنه قضى بالعقل على الأقارب، كذا في المبسوط

(2)

.

وهذه إشارة إلى أنه يزاد على أربعة من جميع الدية؛ لأنه قد

(3)

نفى الزّيادةَ على أربعة دراهم في حق السنَة الواحدة لا في ثلاث سنين، فكان المأخوذ من كل واحد في ثلاث سنين أكثر من أربعة دراهم لا محالة؛ لأنه لما أخذ من كل واحد في كل سنة أربعة كان المأخوذ من كل واحد في ثلاث سنين اثني عشر درهمًا في مجموع الدية.

فقد نص محمد: على أنه لا يزاد إلى آخره

(4)

؛ يريد بهذا ما استفيد من الحكم من إشارة المختصر

(5)

(6)

.

وذكر في المبسوط ما يؤيد منصوصَ محمد، فقال: وقد ظن بعض أصحابنا أن التقدير بثلاثة دراهم أو أربعة دراهم فيما يؤخذ منهم في كل سنة وذلك غلط، فقد فسّر ههنا وقال: حتى يصيب الرّجل في عطائه من الدية كلّها أربعة دراهم أو ثلاثة، فعرفنا أنّه لا يؤخذ في كلّ سنة من كل واحد منهم إلا درهم أو درهم وثلث، وإن لم يكن يتسع القبيلة بذلك

(7)

ضم إليهم أقرب القبائل إليهم.

قالوا: وهذا الجواب إنما يستقيم في حقّ العربي؛ لأنّ العرب حفظوا أنسابهم، فأمكننا إيجاب العقل على

(8)

أقرب القبائل من حيث النسب، أما الأعجمي فلا يستقيم في حقه؛ لأن العجم قد ضيّعوا أنسابهم فلا يمكننا إيجاب العقل على أقرب القبائل من القاتل نسبًا؛ فبعد ذلك اختلف المشائخ

(9)

؛ قال بعضهم: يعتبر المَحَال والقُرَى الأقرب فالأقرب، وقال بعضهم: يجب الباقي في مال الجاني، وهذا الّذي ذكرنا كلّه فيما إذا كان للجاني عاقلة، أمّا إذا لم يكن له عاقلة فعقله على بيت المال.

(1)

في (ج): العين، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ينظر: المبسوط (27/ 132).

(3)

في (ب) و (ج): قيد، وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(4)

وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ: عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. ينظر: الهداية (4/ 507)، العناية (10/ 398)، البناية (13/ 369).

(5)

مختصر القدوري؛ سبق في ص 111.

(6)

ينظر: العناية (10/ 398)، البناية (13/ 369).

(7)

في (ب): فإن لم يكن متسع القبيلة لذلك، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (أ): مِن، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

يراد به من لم يدرك الإمام أبا حنيفة: من علماء مذهبه، وقد يراد به علماء ما وراء النهر من بخارى وسمرقند وغيرهما. ينظر: المذهب الحنفي لأحمد النقيب (1/ 313 - 314).

ص: 93

وروي عن أبي حنيفة: أنّه يكون في مال الجاني، كذا في الذخيرة

(1)

.

وأدخل القاتل مع العاقلة فيكون فيما يؤدّى كأحدهم: اعلم أنّ القاتل إنّما يكون كأحد العواقل في أداء نصيبه من الدية إذا كان القاتل من أهل العطاء في الدّيوان، وأما إذا لم يكن هو من أهل العطاء فلا يجب عليه شيء من الدّية عندنا أيضًا؛ لأن الدية تؤخذ من الأعطيات، وهو هكذا منصوص في المبسوط

(2)

، ويجيء بعد هذا محالًا إليه ولو كان الخاطئ مغرورًا

(3)

فالبريء عنه أولى؛ ولأن الوجوب عليهم باعتبار النصرة، ولا شك أنه ينصر نفسه كما ينصر غيره بل أشد منه، وعلى هذا لو كان القاتل صبيًّا أو امرأة.

وفي فتاوى القاضي الإمام

(4)

:

إذا قتلت امرأة رجلًا خطأ [حتى]

(5)

وجبت الدّية على عاقلتها، فهل يجب عليها شيء من تلك الدّية؛ اختلف المشائخ فيه والصحيح أن القاتل يشارك العاقلة سواء كان القاتل امرأةً أو صبيًّا أو مجنونًا، وكذلك أبُ القاتل وابنه من جملة العواقل، والزوج لا يكون عاقلة المرأة وكذا المرأة لا تكون عاقلة الزّوج، كذا في المغني

(6)

.

ثم قوله: ههنا لا يجب على المرأة شيء من الدّية وإن كانت هي القاتلة، مخالف لتلك المسألة التي ذكرنا

(7)

قبيل كتاب المعاقل فيما إذا وجد القتيل في دار امرأة حيث أدخلها المتأخرون هناك في تحمل الدية مع العاقلة، والفرض لهما من العطاء للمعونة.

هذا جواب إشكال وهو أن يقال وقد فرض الإمام [لنساء]

(8)

الغزاة

(9)

وذرياتهم من العطاء [والعطاء]

(10)

إنما يدفع لنصرة أهل الإسلام كما في حق الغزاة، ثم الغزاة يكونون عواقل لغيرهم

(11)

فكذا النساء.

(1)

ينظر: البناية (13/ 370).

(2)

ينظر: المبسوط (27/ 131).

(3)

في (أ) و (ب): معذورًا، وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ): قاضي الإمام، وما أثبت من (ب) و (ج) قريب منه.

(5)

ساقطة من (أ)، وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

ينظر: البناية (13/ 373).

(7)

في (ب): ذكرها، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(9)

الغزو: القصد إلى العدو؛ غزوت العدو: قصدته للقتال. ينظر: طلبة الطلبة (ص/ 79)، المغرب (ص/ 339).

(10)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

في (ب): كغيرهم، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 94

فأجاب عنه بهذا وقال: إنما يدفع

(1)

العطاء للنساء والصبيان في الديوان باعتبار المعونة لا باعتبار النصرة، أي باعتبار معونة الإمام الصبي والمرأة لا باعتبار نصرتهما غيرهما.

والحاصل أن الاستنصار بالديوان أظهر فلا يظهر معه حكم النصرة بالقرابة والنسب والولاء وقرب السكنى.

وعن هذا قال في المبسوط: ولو أن أخوين لأب وأم ديوان أحدهما بالكوفة وديوان الآخر بالبصرة

(2)

، لم يعقل أحدهما عن صاحبه، وإنما يعقل عن كل واحد منهما أهل ديوانه.

وقوله وغيره وهو العد والحلف، وأهل البادية أقرب إليه أي أقرب قرابة، وقيل هو صحيح.

وقوله: هو راجع إلى قوله لم يشترط أن يكون بينه وبين أهل الديوان قرابة.

وقوله: من أهل المصر، بيان لقوله أهل الديوان أي أهل الديوان الذين هم من أهل المصر.

وقيل تأويله إذا كان قريبًا لهم أي ذا قرابة لهم.

وصار نظير مسألة الغيبة المنقطعة يعني أن للولي الأبعد أن يزوج إذا كان الأقرب غائبًا

(3)

لا سيّما في المعاني العاصمة كحد السّرقة والقذف

(4)

والقصاص ووجوب الدية، وإن لم يكن لهم عاقلة معروفة فالدية في ماله في ثلاث سنين، هذا الذي ذكره في حق الذمي، وأما إذا لم يكن للمسلم عاقلة فالدية في بيت المال؛ لأنه ذكر بعد هذا في الكتاب، قال أصحابنا: إن القاتل إذا لم يكن له عاقلة فالدية في بيت المال، وهو محمول على المسلم لئلا تتناقض الروايتان مع أني وجدت صريحًا بهذا الوجه في الذخيرة

(5)

؛ فقال فيها: وإن كان أهل الذمة لا يدينون التعاقل فيما بينهم فإنه تجب الدية في مال الجاني؛ وإذا دانوا التعاقل - إلا أنه لا عاقلة للجاني- كان في مال الجاني ولا يجب في مال بيت المال؛ ثم قال: فرق بين الذمي والمسلم؛ فإن الجاني إذا كان مسلمًا ولا عاقلة له فعقله في مال بيت المال في ظاهر الرواية ولا يجب في مال الجاني، والفرق أن العقل إنما يجب على غير الجاني باعتبار النصرة، ومتى لم يكن للمسلم ديوان ولا قرابة بأن كان لقيطًا

(6)

فجماعة المسلمين أهل نصرته، فأمكننا إيجاب عقله في بيت مال المسلمين باعتبار النصرة.

(1)

في (أ): يرجع، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

البصرة: ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد وتبعد عنها أكثر من خمسمائة كيلو متر، وهي ميناء العراق الرئيسي على الطرف الشمالي من شط العرب. ينظر: معجم ما استعجم (1/ 254).

(3)

في (أ): عائدًا، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

القذف بالحجارة: الرمي بها؛ والقذف: الرمي بالزنا أو ما كان في معناه. ينظر: مختار الصحاح (ص/ 249)، لسان العرب (9/ 277).

(5)

ينظر: العناية (10/ 409)، البناية (13/ 383).

(6)

اللقيط: المنبوذ يلتقط لأنه يلقط، وهو الصبي المنبوذ يجده إنسان؛ وهو الطفل الذي يوجد مرميًا على الطرق لا يعرف أبوه ولا أمه. ينظر: لسان العرب (7/ 292 - 393)، طلبة الطلبة (92)، المغرب (426).

ص: 95

بخلاف الذمي فإن جماعة المسلمين ليسوا أهل نصرته فالولاية بيننا وبينهم منقطعة فتعذر إيجاب العقل في بيت المال باعتبار النصرة فوجب في ماله.

وتمكنه من هذا العقل

(1)

ليس بنصرتهم أي ليس بسبب نصرة أهل الإسلام إياه، ولا يعقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافر لعدم التناصر؛ لأن التعاقل ينبني على الموالاة والتناصر؛ وذلك ينعدم عند اختلاف الملة

(2)

، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}

(3)

، وقال:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}

(4)

؛ فلما قطع الموالاة بين من هاجر وبين لم يهاجر حين كانت الهجرة فريضة كان ذلك دليل انقطاع الموالاة بين الكفار والمسلمين، وحكم الميراث والنفقة

(5)

يؤيد

(6)

ما ذكرنا؛

كذا في المبسوط

(7)

.

وحُوّل ديوانه أي بعد العقل

(8)

.

وعاقلته أهل الكوفة؛ الواو للحال لكن حصّة القاتل توجد من عطائه بالنصرة وإن كان بعد القضاء في الكوفة بخلاف ما إذا قَلَّت العاقلة بعد القضاء عليهم بأن مات بعضهم.

وقوله بخلاف ما إذا قَلَّت متعلق بقوله بخلاف ما بعد القضاء أي لا يقضى بالدية على عاقلته من أهل البصرة إذا كان القاضي قضى بديته على عاقلته من أهل الكوفة.

بخلاف ما إذا قلّت العاقلة حيث يضم إليهم أقرب القبائل في النّسب وإن كان بعد القضاء مع أن فيه أيضًا نقل الدية من الموجودين وقت القضاء [إلى أقرب القبائل، فأجاب عنه بقوله إن في ضم أقرب القبائل إليهم]

(9)

تقرير للحكم الأول لا إبطال له، لكن يقضى ذلك أي الإبل من مال العطاء [بأن يشتري الإبل من مال العطاء]

(10)

.

ولا يعقل العاقلة أقل من نصف عشر الدية، [والدليل]

(11)

على أنها لا تتحمل ما دون نصف العشر أن القصاص لا يجب في عمده ولا يتعذر

(12)

في أرشه فصار كضمان الأموال، كذا في شرح الأقطع

(13)

.

(1)

في (ب): القتل، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (أ): المسألة، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

سورة الأنفال: 73.

(4)

سورة الأنفال: 72.

(5)

في (ج): المنفعة، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ب): يؤثر، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ينظر: المبسوط (27/ 133).

(8)

في (ب): القتل، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

ساقطة من (أ)، وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(12)

في (ب) و (ج): يتقرر، وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(13)

ينظر: العناية (10/ 405، 406)، تكملة فتح القدير (10/ 406).

ص: 96

فما

(1)

دونه أي فما دون أرش الموضحة وما دونه حكومة عدل.

ولا تعقل العاقلة جناية العبد هذا من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل بأن يجني العبد على الحر، وأما لو جنى الحر على العبد فقتله خطأ كان على عاقلته؛ لأنه بدل النفس، وبهذا اللفظ يجيء بُعيد هذا في هذا الكتاب.

والإقرار والصلح لا يلزمان العاقلة أي شيء إلا أن في الإقرار تجب الدية في ثلاث سنين، وفي الصلح عن العمد يجب المال حالًا إلا إذا شرط الأجل في الصلح فيكون مؤجّلًا، كذا في فتاوى قاضي خان:

(2)

(3)

.

ثم ذُكر بعد هذا فيها رجل أقرّ عند القاضي أنه قتل فلانًا خطأ، فأقام ولي القتيل أيضًا بينة أن المدعى عليه قتله وهو المقرّ؛ تقبل هذه البينة لأن البينة تثبت ما ليس بثابت بإقرار المدّعى عليه، ويؤيد بهذه المسألة ما قاله شيخ الإسلام: أن البينة على القتل تقبل عند حضرة الجاني لأنه هو القاتل والعاقلة يتحملون عنه، وحضرة الكفيل لا تشترط بوجوب المال على الأصيل إذا قامت البيّنة على الأصيل، فإنه يجعل القاتل هنا خصمًا مع إقراره، ولم يذكر حضرة العاقلة فلأن يكون خصمًا حالة الإنكار أولى، ودلت المسألة على أن الدية تجب أولًا على القاتل

(4)

، ثم يقضى على العاقلة بطريق التحمل؛ لأن الدية لو وجبت [ابتداءً]

(5)

على العاقلة كان إقرار القاتل إقرارًا على العاقلة قضي عليه بالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى؛ لأن ما يثبت بالاعتراف لا يتحمله العاقلة

لقوله غ: «ولا اعترافًا»

(6)

؛ وهذا لأن إقراره في حقه محمول على الصدق، وفي حق عاقلته محمول على الكذب لكونه متهمًا في حقهم، ثم موجَب الجناية في الأصل على الجاني ثم تتحمله العاقلة عنه للتخفيف عليه، فإذا لم يثبت السّبب في حق العاقلة بقي الواجب عليه باعتبار الأصل، والتأجيل فيه من وقت القضاء لا من وقت الإقرار؛ لأن الثابت بالإقرار بالقتل لا يكون أقوى من الثابت بالمعاينة، وفي القتل المعاين الدية إنما تجب بقضاء القاضي فهنا أولى، كذا في المبسوط

(7)

.

(1)

في (ج): فيما، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

فتاوى قاضي خان: وهو: للإمام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندي الفرغاني المتوفى: سنة 592. ينظر: كشف الظنون (2/ 1227).

(3)

ينظر: العناية (10/ 407).

(4)

في (ج): العاقلة، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى للسياق بعده.

(5)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) كتاب جماع أبواب الديات فيما دون النفس باب منقال: لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا (8/ 182 رقم الحديث: 16361).

وجاء في نصب الراية: روى هذا الحديث ابن عباس، موقوفا، ومرفوعا، فالموقوف من رواية محمد بن الحسن ; والمرفوع غريب; وليس في الحديث: أرش الموضحة، ولكن أخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن النخعي قال:(لا تعقل العاقلة ما دون الموضحة، ولا يعقل العمد، ولا الصلح، ولا الاعتراف) انتهى.

وأخرج عبد الرزاق في " مصنفه " عن الشعبي، قال:(أربعة ليس فيهن عقل على العاقلة، وإنما هي في ماله خاصة: العمد، والاعتراف، والصلح، والمملوك) انتهى.

وأخرج عن الزهري، قال:(العمد، وشبه العمد، والاعتراف، والصلح، لا تحمله عنه العاقلة، هو عليه في ماله) انتهى (488)، وسنن الدارقطني» كتاب الحدود والديات -باب الحدود والديات (3/ 99)، وقال الألباني في (إرواء الغليل) (7/ 336):"حسن".

(7)

ينظر: المبسوط (27/ 131).

ص: 97

ولم يكن عليه شيء في ماله أي لم يكن على المقرّ أيضًا شيء من الدّية، يعني كما لا يجب على العاقلة لما أن تصادقهما ليس بحجة عليهم، كذلك لا يجب على المقرّ القاتل أيضًا لتقرر وجوب الدية على العاقلة بتصادقهما وأحد المتصادقين ولّي القتيل، فمن زعم أن الدية إنما وجبت على العاقلة لا على المقر فإقراره حجة على نفسه.

بخلاف الأول أراد به قوله والإقرار والصلح لا يلزمان العاقلة، فيفهم من هذا أنه يلزم موجَب الإقرار في مال المقرّ، وإنّما وجبت الدّية هناك في مال المقرّ؛ لأنّ هناك لم يوجد تصادقهما بقضاء الدية على العاقلة فتجب في مال المقر ضرورة.

وذكر في المبسوط في شرح قوله: ولم يكن عليه شيء، أي ولم يكن على المقر شيء في ماله؛ لأنهما تصادقا على أن الواجب بقضاء القاضي تقرر على العاقلة، وبعدما تقرر على العاقلة لا يبقى عليه وتصادقهما حجة في حقهما بخلاف الأول، فإن هناك السّبب الموجب للدّية على العاقلة وهو قضاء القاضي لم يوجد أصلًا، فيقضى بها في مال المقرّ، إلا أن يكون له عطاء معهم فحينئذ يلزمه بقدر حصته من ذلك؛ لأنه في مقدار حصّته يكون مقرًّا على نفسِه وفي حصةِ عواقلِه مقرًّا عليهم فيؤخذ بما أقر به على نفسه، ومن هذا تبيّن أن القاتل إنما يكون أحدَ العواقل عندنا إذا كان له عطاء في الدّيوان، فأمّا إذا لم يكن فليس عليه من الدّية شيء؛ لأنّ الدّية تؤخذ من الأعطيات، فإن قيل: لما كان أصل الوجوب عليه وقد تحوّل بزعمه إلى عاقلته بقضاء القاضي، فإذا نوى

(1)

على العاقلة بجحودهم عاد الدَّين إلى ذمة المحيل.

قلنا: هذا يستقيم فيما إذا كان أصله دينًا لدفع التَوى عن مال المسلم، وهذا أصله لم يكن دينًا وإنّما كان بطريق الصلة لصيانة دم المقتول عن الهدر؛ فبعدما تقرر على العاقلة بقضاء القاضي لا يتحوّل إليه بحال سواء استوفى من العاقلة أو لم يستوف، كذا في المبسوط

(2)

.

قال أصحابنا: إنّ القاتل إذا لم يكن له عاقلة فالدّية في بيت المال.

وقد ذكرنا قبيل هذا: هذا الإطلاق محمول على ما إذا كان القاتل مسلمًا، فأما إذا كان القاتل ذميًّا ولا عاقلة له فالدية في ماله لا في بيت المال، وكذا ما يلزمه من الغَرامة لا يلزم

(3)

بيتَ المال.

وفي فتاوى قاضي خان: روى محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله أن من لا عاقلة له إذا قتل رجلًا خطأ فإنّ دية القتيل تكون في

مال الجاني.

(1)

في (ب): قودي، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: المبسوط (27/ 131).

(3)

في (أ): يلزم، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 98

وذكر في كتاب الولاء من الأصل: أن بيت المال لا يعقل من له وارث معروف سواء كان مستحقًا للميراث بأن كان [حرًّا]

(1)

مسلمًا، أو لم يكن مستحقًا بأن كان كافرًا أو عبدًا، فقال: لو أن حربيًّا مستأمنًا

(2)

اشترى عبدًا مسلمًا في دار الإسلام فأعتقه، ثم عاد المستأمن إلى دار الحرب، ثم أسر وأخرج إلى دار الإسلام، ثم مات معتقه؛ فميراثه يكون لبيت المال؛ لأنّ معتِقه رقيق في الحال.

(1)

ساقطة من (ب)، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

المستأمن: هو الحربي المقيم إقامة مؤقتة في ديار الإسلام، فيعود حربيا لأصله بانتهاء مدة إقامته المقررة له في بلادنا، لكن يبلغ مأمنه لقوله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} ، أو بنبذ العهد، أي نقضه من جانب المسلمين؛ لوجود دلالة على الخيانة، لقوله تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} ، وهي في أهل الهدنة أو الأمان، لا في أهل جزية، فلا ينبذ عقد الذمة؛ لأنه مؤبد، وعقد معاوضة فهو آكد من عقد الهدنة.

وقد يصبح المستأمن حربيا بنقض الأمان من جانبه هو، أو بعودته لدار الحرب بنية الإقامة، لا التجارة أو التنزه أو لحاجة يقضيها، ثم يعود إلى دار الإسلام، فإذا رجع إليهم ولو لغير داره، انتهى أمانه.

هذا، وكل ما ينتقض به عهد الذمي، ينتقض به أمان المستأمن، على حسب الاتجاهين السابقين؛ لأن عقد الذمة أمان مؤبد، وآكد من الأمان المؤقت، ولأن المستأمن كالذمي يلتزم بتطبيق أحكام الإسلام.

ومن نقض أمانه بنقض العهد ينبذ إليه ويبلغ المأمن عند الجمهور، ويخير الإمام في شأنه كالأسير الحربي، من قتل ومن وفداء وغيره عند الحنابلة.

ينظر: شرح السير الكبير 1/ 207، والبدائع 5/ 281، و 7/ 326، الدر المختار 3/ 275، والمغني 8/ 400، المدونة 3/ 42، والفروق 3/ 74، والشرح الكبير للدسوقي 2/ 172، وتحفة المحتاج 8/ 98، وفتح القدير 4/ 300، وتصحيح الفروع 3/ 66، وكشاف القناع 3/ 100.

ويصير الحربي مستأمنا بالحصول على أمان من كل مسلم بالغ عاقل عند الجمهور، أو حتى من مميز عند آخرين.

وليس لأهل الحرب دخول دار الإسلام بغير أمان؛ لأنه لا يؤمن أن يدخل جاسوسا، أو متلصصا، أو لشراء سلاح، فيضر بالمسلمين.

ينظر: المغني 8/ 523، والمهذب 2/ 259

ص: 99

ولو جنى هذا المعتَق فعقل جنايته تكون عليه أي على نفسه ولا يكون على بيت المال؛ لأنّ له وارثًا معروفًا وهو المعتق وإن كان المعتق لا يستحق ميراثه لأجل الرّق وهو الصحيح.

وذكر فيها أيضًا في أوّل فصل المعاقل ذكر شمس الأئمة الحلواني:

(1)

قال: هذا فصل أي حكم المعاقل اختلف فيه المتأخرون

(2)

، قال بعضهم: لا عاقلة للعجم، وهو قول الفقيه البلخي

(3)

وأبي جعفر الهندواني؛ لأن العجم لم يحفظوا أنسابهم ولا يتناصرون فيما بينهم وليس لهم ديوان، وتحمل الجناية عن الغير عرف بخلاف القياس في حقّ العرب فإنهم لم يضيّعوا أنسابهم ويتناصرون فيما بينهم فلا يلحق بهم العجم.

وقال بعضهم: للعجم عاقلة عند التناصر والمقاتلة مع البعض لأجل البعض نحو الأساكفة

(4)

والصفارين

(5)

بمرو

(6)

ودرب الخشابين

(7)

وكلاباد ببخارى

(8)

؛ فإذا قتل واحد خطأ ووجبت الدية فأهل محلة القاتل ورستَاقِه

(9)

عاقلته، وكذلك طلبة العلم، وهو اختيار شمس الأئمة الحلواني وكثير من المشائخ.

(1)

هو: عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح الحلواني الملقب شمس الأئمة من أهل بخارى إمام أصحاب أبي حنيفة بها في وقته، حدث عن أبي عبد الله غنجار البخاري، تفقه على القاضي أبي علي الحسين بن الخضر النسفي، روى عنه أصحابه مثل أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي شمس الأئمة وبه تفقه وعليه تخرج وانتفع، وأبي بكر محمد بن الحسن بن منصور النسفي وأبي الفضل بكر بن محمد بن علي الزرنجري وهو آخر من روى عنه وتفقه عليه أيضا عبد الكريم بن أبي حنيفة الأندقي، ومن تصانيفه: المبسوط، توفي سنة ثمان أو تسع وأربعين وأربعمائة بكش وحمل إلى بخارى ودفن فيها. ينظر: الجواهر المضية (1/ 318)، تاج التراجم (ص: 189).

(2)

المتأخرون: سبق ص 35.

(3)

هو: أبو بكر بن أحمد بن علي بن عبد العزيز البلخي الأصل السمرقندي عرف بالظهير تفقه على علي بن محمد الإسبيجابي بعد الخمسمائة ودرس بمراغه وقدم حلب أيام نور الدين محمود بن زنكي ثم توجه إلى دمشق ودرس بها بمسجد حانون وغيره، فقيه مفتي على مذهب أبي حنيفة، وله كتاب ألفه في شرح الجامع الصغير، ووقف كتبه على النورية بحلب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وفى هذه السنة مات بدمشق. ينظر: الجواهر المضية (2/ 271)، تاج التراجم (ص: 333).

(4)

الأسكف، بالفتح على أفعل، والإسكاف بالكسر، والأسكوف بالضم، واقتصر عليهما الجوهري. والسكاف كشداد، والسيكف كصيقل، لغات أربعة: الخفاف وجمع الإسكاف: الأساكفة. أو الإسكاف عند العرب: كل صانع سوى الخفاف فإنه الأسكف كأحمد، وذلك إذا أرادوا معنى الإسكاف في الحضر، نقلها ابن الأعرابي وقال شمر: رجل إسكاف وأسكوف: للخفاف. أو الإسكاف: النجار؛ قاله أبو عمرو، والإسكاف: الصانع أيًّا كان. ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس (23/ 450)، المحكم والمحيط الأعظم (6/ 726).

(5)

الصفارين: هي سوق عظيمة ممتدة مع جدار المسجد القبلي من أحسن أسواق دمشق، وبموضع هذه السوق كانت دار معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه -ودور قومه، وكانت تسمى الخضراء فهدمها بنو العباس، وصار مكانها سوقا. ينظر: رحلة ابن بطوطة (1/ 311).

(6)

مرو: هي أشهر مدن خراسان وقصبتها، نصّ عليه الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور. ينظر: معجم البلدان (5/ 112، 113).

(7)

هو سوق الخلعيين: هذه السوق فيما بين قيسارية الفاضل، وبين باب زويلة الكبير، وكان يعرف قديما بالخشابين، وعرف اليوم بالزقيق تصغير زقاق، وعرف أيضا بسوق الخلعيين. ينظر: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (3/ 188).

(8)

بخارى: بالضم: من أعظم مدن ما وراء النهر وأجلّها، يعبر إليها من آمل الشط، وكانت قاعدة ملك السامانية. ينظر: معجم البلدان (1/ 353).

(9)

الرستاق: الرستاق فارسي معرب؛ والصحيح: رزداق أو رسداق؛ والجمع الرساتيق؛ وهي البيوت المجتمعة في السواد. ينظر: الفتاوى الهندية (6/ 84)، الصحاح (4/ 1481)، لسان العرب (10/ 116).

ص: 100

وكان الشيخ الإمام ظهير الدين

(1)

يأخذ

بقول الفقيه أبي جعفر بأن

(2)

العبرة للتناصر

(3)

؛ واجتماع الأساكفة وطلبة العلم ونحوهم لا يكون للتناصر فلا يلزمهم التحمل [عن غيرهم]

(4)

.

وكذلك إن مات المكاتب عن وفاء إلى قوله ثم أديت الكتابة أي حينئذ يرجع قوم الأم على قوم الأب، والأصل الذي يُخَرَّج عليه حال القاتل إذا تبدل حكمًا فانتقل ولاء إلى ولاء.

هذا تفسير التبدل بسبب حادث لم تنتقل جنايته عن الأولى كالمولود بين حرة وعبد إذا جنى ثم أعتق الأب

(5)

لا تتحول الجناية عن عاقلة الأم؛ لأن ههنا تبدلت حاله بأن انتقل ولاؤه عن [موالي]

(6)

الأم إلى موالي الأب.

ومن نظيره أيضًا حربي أسلم ووالى مسلمًا ثم جنى جناية عقلت عنه

عاقلة الذي والاه، فإن ولاء الموالاة عندنا بمنزلة ولاء العتق فيحكم

(7)

عقل الجناية، ثم لا يكون له أن يتحوّل بولائه بعد الجناية؛ لأنها تأكدت بعقل الجناية عنه.

فإن عقلوا عنه ولم يُقض بها حتّى أُسر أبوه

(8)

من دار الحرب فاشتراه رجل فأعتقه جرّ ولاء ابنه؛ لأنّ ولاء العتق أقوى من ولاء الموالاة، فبعد ما ظهر لأبيه

(9)

ولاء عتق لا يبقى ولاء الموالاة في حقّه بل ينتفي حكمًا وتأكده لا يمنع ذلك بمنزلة الولاء الثابت بولاء

(10)

أمه عليه، ثم لا ترجع عاقلة الذي كان والاه على عاقلة موالي الأب بشيء ولا تزول تلك الجناية عنهم وإن لم يكن قضى بها عليهم؛ لأن هذا ولاء حادث بسبب جديد وهو إعتاق الأب، فلا يظهر أثره في الجناية السّابقة؛ لأنّ الولاء الثاني لم يكن في وقت الجناية بخلاف ظهور الحالة الخفية

(11)

كما في ولد الملاعنة على ما يجيء.

(1)

هو: محمد بن أحمد بن عمر القاضي أبو بكر البخاري ظهير الدين له فوائد على الجامع الصغير للحسام الشهيد تسمى الفوائد الظهيرية مات سنة تسع عشرة وستمائة. ينظر: الجواهر المضية (2/ 20).

(2)

في (أ): لأن، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

المسألة فيها ثلاثة أقوال: الأول: وهو موافق للفقيه أبي جعفر الهندواني وهو مذهب أبي بكر البلخي والأستاذ ظهير الدين المرغيناني: أنه لا عاقلة للعجم. ينظر: الفتاوى الهندية (6/ 84)، حاشية ابن عابدين (6/ 646).

الثاني: وهو مذهب بعض الحنفية وبه قال الحلواني: أن للعجم عاقلة عند التناصر. ينظر: الفتاوى الهندية (6/ 84)، درر الحكام (2/ 126).

الثالث: وهو مذهب الجمهور وابن عابدين من الحنفية: أنه لا عاقلة للأعجمي ويؤدى عنه من بيت المال. ينظر: قرة عين الأخيار (7/ 223)، شرح مختصر خليل (8/ 10)، الأم (6/ 126)، المغني لابن قدامة (8/ 398).

(4)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ح) هو الصواب.

(5)

في (ب): العبد، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(6)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ب): في حق حكم، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ب): أبواه، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (أ) و (ج): لابنه، وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(10)

في (أ) و (ج): لموالي، وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(11)

في (ج): الحقيقية، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 101

ومن نظيره أيضًا الغلام إذا حفر بئرًا قبل أن يعتق أبوه ثم أعتق أبوه ثم سقط في البئر رجل بعد ما أعتق أبوه، فإنّ القاضي يقضي بالدية على عاقلة الأم ولا يجعل على عاقلة الأب من ذلك شيئًا؛ لأنّ الحادث بعد الحفر ولاء العتاقة فيعتبر بالملك، والحفر لو وجد في ملك ثم حدث فيه ملك آخر للغير قبل الوقوع، فإنّ

(1)

الجناية لا تتحوّل إلى الملك الحادث بل تبقى في الملك الذي وجد فيه الحفر، فإنّ العبد إذا حفر بئرًا في طريق المسلمين بغير إذن مولاه فَقَبْلَ أن يقع فيه إنسان باعه ثم وقع في ملك المشتري إنسان فمات، فالضّمان على البائع لا على المشتري؛ لأنّ ملك المشتري حادث بعد الحفر؛ فكذا الولاء الحادث بعد الحفر يعتبر به فلا تتحول الجناية كذا في المبسوطين

(2)

.

وإن ظهرت حالة خفية مثل دعوة ولد الملاعنة حوّلت الجناية إلى الأخرى وقع القضاء بها أو لم يقع؛ يعني إذا قتل ابن الملاعنة رجلًا خطأ فعقلت عنه عاقلة الأم، ثم ادّعاه الأب، ثبت نسبه منه ورجعت عاقلة الأم بما أدت على عاقلة الأب في ثلاث سنين من يوم يقضي القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب بها؛ لأن النسب كان ثابتًا بالفراش وقد انقطع النسب عنه بقضاء القاضي، ولكن بقي أصل النسب موقوفًا على حقه

(3)

حتى إن ادّعاه غيره لم يثبت منه، وإذا ادّعاه هو ثبت النسب منه مع كونه مناقضًا وإن كذبته الأم في ذلك، وإنما يثبت النسب منه من وقت العلوق

(4)

لا من وقت الدّعوة، فتبيّن به

(5)

أن عقل جنايته كانت على عاقلة أبيه، وعاقلة الأم ما كانوا متبرعين فيما أدّوا بل أجبروا عليه بقضاء القاضي فثبت لهم حق الرّجوع على عاقلة الأب.

ومن نظيره أيضًا ما إذا مات المكاتب عن ولد حرّ ووفاء فلم يؤدّوا مكاتبته [حتى]

(6)

جنى ابنه، وابنه من امرأة حرّة مولاة لبني تميم والمكاتب لرجل من همدان، فعقل عنه جنايته قوم أمّه ثم أديت الكتابة، فإن عاقلة الأم يرجعون بما أدوا على عاقلة الأب؛ لأن عتق المكاتب عند أداء البدل يستند إلى حال حياته؛ فتبين أنه كان للولد ولاء من جانب الأب حين جنى وأن موجب جنايته على مولى أبيه فلذلك يرجعون على موالي الأب.

(1)

في (ب): عن، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: العناية (10/ 409، 410).

(3)

في (ب): غيره، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

العلقة طور من أطوار الجنين؛ وهي قطعة الدم التي يتكون منها. ينظر: المصباح المنير (2/ 425)، المعجم الوسيط (2/ 622).

(5)

في (ج): فلا يتبين به، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 102

وكذلك رجل أمر صبيًا ليقتل رجلًا فقتله وضمنت عاقلة الصبي الدّية رجعت بها على عاقلة الآمر؛ لأنّ الآمر مسبب مُتعَدّ فإنّه استعمل الصبي في أمر لحقه فيه تبعة، فيثبت لعاقلته حق الرّجوع بما أدّوا على الآمر، غير أنّه إن كان الأمر ثبت بالبينة فرجوعهم على عاقلة الآمر؛ لأنّ التسبيب في الجناية لا يكون فوق المباشرة، وإن كان ثبت الأمر بإقراره فإنهم يرجعون عليه في ماله في ثلاث سنين من وقت قضاء القاضي على الآمر أو على

(1)

عاقلته، ولو لم يختلف حال الجاني ولكن العاقلة تبدّلت، كان الاعتبار في ذلك لوقت القضاء.

ومن نظيره ما إذا كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء ولم يقض بالدّية على عاقلته حتّى حول ديوانه [إلى البصرة]

(2)

(3)

، فإنّه يقضى بالدّية على عاقلته من أهل البصرة

(4)

، وعلى قول زفر يقضى على عاقلته من أهل الكوفة، وهو رواية عن أبي يوسف أيضًا وقد ذكر هذا في الكتاب.

وكذلك لو كان رجل مسكنه بالكوفة فقتل رجلًا خطأ، فلم يقض عليه حتى تحول عن الكوفة واستوطن البصرة، فإنه يقضى بالدّية على عاقلته بالبصرة، ولو كان قضى بها على عاقلته بالكوفة لم ينتقل عنهم؛ لأن من لا عطاء له إذا كان سكن [مصرًا]

(5)

فعاقلته أهل ديوان ذلك المصر بمنزلة من له عطاء.

وكذلك البدوي إذا التحق في الدّيوان بعد القتل قبل قضاء القاضي فإنّه يقضى بالدّية على أهل الدّيوان، وإن كان ذلك بعد القضاء على عاقلته بالبادية لا تتحول عنهم، وإن كانت العاقلة واحدة فلحقها زيادة أو نقصان اشتركوا في حكم الجناية قبل القضاء وبعده

(6)

.

فمن نظيره ما إذا قلَّت العاقلة بعد القضاء عليهم وبعد أخذ البعض منهم ضم إليهم أقرب القبائل في النّسب حتى يعقلوا معهم

(7)

لدفع الإجحاف، ولا يشبه تكثير العاقلة بعد القضاء بتحويل الرجل بعطائه من ديوان إلى ديوان؛ لأنّ العاقلة الأخرى غير الأولى ولا يجوز ذلك بعد القضاء، وأمّا ههنا فالذين يضمون

(8)

إلى الأولين يكونون بمنزلة الأتباع للأولين فلا تتبدل العاقلة باعتبارهم إلا فيما سبق أداؤه؛ أي لا اشتراك فيه.

(1)

في (أ): وعلى عاقلته، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (أ): النصرة، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ): النصرة، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب):، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ج): أو بعده، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (أ): منهم، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ب): يضمنون، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 103

وفي المبسوط: وإن قلت العاقلة فكان نصيب الرجل أكثر من ثلاثة دراهم أو أربعة دراهم ضمّ إليه أقرب القبائل إليهم في النسب من أهل الديوان حتى يصيب الرجل في عطائه ما وصفنا؛ وهذا لأنّ في إيجاب الزيادة عليهم إجحافًا بهم، فللتحرز عن ذلك يضم إليهم أقرب القبائل منهم، كما ضممنا

(1)

العاقلة إلى القاتل للتّحرز عن الإجحاف بهم؛ ولأنه متى حزبهم أمر ولا يتمكنون من دفع ذلك عنهم بأنفسهم، وإنّما يستعينون بأقرب القبائل إليهم، فإذا كانوا في بعض الأحوال يستنصرون بهم عند الحاجة فكذلك يضمون إليهم في تحمل العقل

(2)

عند الحاجة، كذا في المبسوط

(3)

.

والله أعلم بالصواب.

* * *

‌كِتَابُ الْوَصَايا

إيراد كتاب الوصايا في آخر الكتاب ظاهر [المناسبة]

(4)

؛ لأنّ آخر أحوال الآدمي الموت والوصيّة معاملة وقت الموت، وله زيادة اختصاص بكتاب الجنايات والدّيات، لما أنّ الجناية قد تفضي إلى الموت الذي وقته وقت الوصيّة، وذكر في بعض محاسن

(5)

الوصايا في الكتاب ما فيه غنية لأُولي الألباب؛ ولأنّ فيها نفع الخلائق بالإيناس وخير النّاس من ينفع النّاس؛ وفيها أيضًا إيصال الأعيان

(6)

والمنافع للإخوان واستذكار بخير بعد حينه من الخلان على وجه فيه طلب رضا الرحمن، إذ بها يقوى رجاؤه من الله ثواب رفده عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عندِه، فيحتاج ههنا إلى بيان الوصية لغة وشرعًا وسببها وشرائطها وركنها [وحكمها]

(7)

، وبيان صفتها المشروعة، وبيان ألفاظها المستعملة فيها.

أما اللغة فالوصيّةُ والوَصَاةُ بالقصر اسمان في معنى المصدر، منه قوله تعالى:{حِينَ الْوَصِيَّةِ}

(8)

، ثم سمّى الموصَى به وصيةً، ومنه قوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا}

(9)

.

والوِصَايَةُ بالكسر مصدر الوصي، وقيل الإيصاء طلب شيء من غيره ليفعله على غيب منه حال حياته وبعد مماته.

(1)

في (ب): ضمنها، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ج): القتل، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (27/ 129).

(4)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ب): في بعض محاسن، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): بالأعيان، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

سورة المائدة: 106.

(9)

سورة النساء: 12.

ص: 104

وأما شرعًا فالوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرّع

(1)

، سواء كان ذلك في الأعيان أو في المنافع، ولأنّ التمليك أنواع فلابدّ لكلّ نوع من اسم خاص ليميز به عن صاحبه كالبيع والهبة والصّدقة والعاريّة

(2)

، كل واحد منها تمليك بنوع مخصوص فكذا الوصيّة.

وذكر في الإيضاح الوصية ما أوجبها الموصي في ماله بعد موته أو مرضه الذي مات فيه

(3)

، أمّا ما أوجبه بعد الموت فيعتبر من الثّلث، سواء كان الإيجاب في حالة المرض أو في حالة الصّحة؛ لأنّ الإيجاب مضاف إلى ما بعد الموت، فيعتبر حال وقوعه ولا يعتبر حال الإضافة.

وأمّا التّبرّع فيعتبر حالة العقد فيه، فإن كان صحيحًا جاز من جميع المال، وإن كان مريضًا جاز من الثلث؛ [لأنّه]

(4)

لم يضف إلى حالة مستقبلة، وإنما أوجبه للحال فتعتبر حالة الإيجاب، وكل مرض صح منه فهو كحال الصّحة فيما أوجبه من جميع المال.

وأما سببها فإرادة ما ذكرناه من المحاسن والدين

(5)

في الدّنيا والآخرة، فكان سببها عين سبب ما ذكرنا من التبرّعات والتطوّعات، وهو إرادة تحصيل ذكر الخير في الدّنيا ووصول الدرجات العالية في العقبى.

(1)

يعرف الأحناف الوصية بأنها: "تمليك مضاف إلى ما بعد الموت. ينظر: العناية شرح الهداية، ج 10، ص 413، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، ج 6، ص 183.

ويعتمد المالكية في تعريفهم للوصية على تعريف ابن عرفه المالكي، حيث عرفها باعتبار عرف الفقهاء لا الفرّاض على أنها "عقد يوجب حقا في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده. ينظر: شرح حدود ابن عرفه، ج 3، ص 77.

ويعرف الشافعية الوصية بأنها " تبرع بحق مضاف ولو تقديرا لما بعد الموت ليس بتدبير ولا تعليق عتق. ينظر: أسنى المطالب شرح روض الطالب،، ج 3، ص 30، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، ج 4، ص 67، حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب، ج 3 ص 266، حاشية الجمل على شرح المنهج، ج 4، ص 41.

ويعرف الحنابلة الوصية على أنها من نوعين، يتضح من نصهم في معرض التعريف بكتاب الوصايا عبارة "وهي الأمر بالتصرف بعد الموت، والوصية بالمال: هي التبرع به بعد الموت. ينظر: الإنصاف، ج 7 ص 183، شرح منتهى الإرادات، ج 2، ص 453، كشاف القناع عن متن الإقناع،، ج 4، ص 335.

(2)

في (ج): والمضاربة، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ينظر: تكملة فتح القدير (10/ 411).

(4)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ج): والتزين؛ وفي (ب): والزين، وما أثبت من (أ) هو الصواب.

ص: 105

وأما شرائطها فكثيرة؛ منها: كون الموصَى به بعد موت الموصي شيئًا قابلًا للتمليك من الغير بعقد من العقود حال حياة الموصي، سواء كان الموصى به موجودًا في الحال أو معدومًا؛ ولهذا قلنا بأن الوصيّة بما يثمر نخيله العام أو أبدًا يجوز وإن كان الموصى به معدومًا؛ لأنّه يقبل التمليك من غيره حال حياة الموصي بعقد من العقود وهو عقد المعاملة، فلذلك جازت وصيته به؛ وقلنا بأن وصيّته بما تلد أغنامه لا يجوز استحسانًا؛ لأنّه لا يقبل التمليك حال حياة الموصي [بعقد من العقود]

(1)

.

ومنها كون الموصي أهلًا للتبرّع حتّى لا يصح من الصبي والعبد والمكاتب في حقّ المولى.

ومنها عدم الدَّين لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}

(2)

.

ومنها التقدير [بثلث]

(3)

التركة على

(4)

أنها لا تصح فيما زاد على

(5)

الثلث.

ومنها أن [يكون]

(6)

الموصَى له أجنبيًّا حتّى أنّ الوصيّة للوارث لا تجوز إلا بإجازة الورثة.

[ومنها ألا يكون الموصى له قاتلًا فلو أجازت الورثة هل يجوز فيجيء بعد هذا]

(7)

.

ومنها أن يكون الموصَى له موجودًا حيًّا وإن لم يكن مولودًا، حتّى أن الوصية للجنين إذا كان موجودًا حيًّا عند الوصيّة تصح

(8)

وإلّا فلا؛ وإنما تعرف حياته في ذلك الوقت إذا ولد قبل ستة أشهر [حيًّا]

(9)

.

وأمّا ركنها فقوله: أوصيت بكذا لفلان، وما يجري مجراه من الألفاظ المستعملة فيها، وأما حكم الوصيّة ففي حقّ الموصى له أن يملك الموصَى به ملكًا جديدًا كما في الهبة، وفي حق الموصِي حكمها إقامة الموصى له فيما أوصى به مقام نفسه كالوارث.

وأما صفتها فهو المذكور في الكتاب حيث يقول: الوصيّة غير واجبة وهي مستحبة.

وأما بيان الألفاظ المستعملة فيها فقد روى ابن سماعة

(10)

في نوادره

(11)

(12)

(13)

عن محمّد: إذا قال الرجل: اشهدوا أني قد أوصيت لفلان بألف درهم؛ وأوصيت بأن لفلان في مالي ألف درهم، فالألف الأولى وصيّة والأخرى إقرار.

(1)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

سورة النساء: 11.

(3)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ) و (ب): حتى، وما أثبت من (ج) هو الصواب. وبه يستقيم المعنى.

(5)

في (ب): من، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب. وبه يستقيم المعنى.

(6)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ب): تجوز، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(9)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

هو: محمد بن سماعة بن عبيد بن هلال بن وكيع بن بشر التميمي، أبو عبد الله. حدَّث عن الليث بن سعد وأبي يوسف ومحمد بن الحسن. وكتب النوادر عن أبي يوسف ومحمد. وروى الكتب والأمالي. قال الصيمري: وهو من الحفاظ الثقات. وولي القضاء للمأمون ببغداد سنة اثنتين وتسعين ومائة، بعد موت يوسف بن أبي يوسف. فلم يزل على القضاء إلى أن ضعف بصره فعُزِل وضُمَّ عملُه إلى إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة. وقال الخطيب: توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وله مائة سنة وثلاث سنين. كان مولده سنة ثلاثين ومائة. ينظر: تاج التراجم (ص: 240، 241)، الجواهر المضية (2/ 58).

(11)

ينظر: تكملة البحر الرائق (8/ 463).

(12)

نوادر ابن سماعة: وهي التي كتبها عن أبي يوسف ومحمد. ينظر: الجواهر المضية

(2/ 58).

(13)

في (ج): فوائده، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 106

وفي الأصل إذا قال في وصيته: سدس داري لفلان؛ فإني أجيز ذلك وتكون وصيّة، ولو قال لفلان: سدس في داري فإنه يكون إقرارًا.

والفرق أنّ

(1)

في الفصل الأوّل جعل لفلان سدس دار جميعها مضاف إلى نفسه؛ وإنّما يكون لفلان سدس دار جميعها مضاف إليه إذا كان قصده إنشاء التملي، وفي الفصل الثاني جعل دار نفسه ظرفًا للسدس الذي سمَّاه لفلان؛ وإنما يكون داره ظرفًا لذلك السّدس إذا كان ذلك السّدس مملوكًا لفلان قبل ذلك فيكون إقرارًا به

(2)

.

أمّا لو كان إنشاء فلا يكون ظرفًا؛ لأنّ الدّار كلّها له فلا يكون البعض ظرفًا للبعض، وعلى هذا إذا قال: لفلان ألف درهم من مالي؛ كان وصية استحسانًا إذا كان في ذكر وصيته، وإذا قال: في مالي كان إقرارًا.

وقال أبو يوسف عن أبي حنيفة: إذا كتب الرجل وصيته بيده

(3)

ثم قال: اشهدوا علي بما في هذا الكتاب

(4)

فهو جائز استحسانًا، وإن كتبها غيره وقال هو: اشهدوا عليّ بما في هذا الكتاب لم يجز، ولو قال مريض بالفارسيّة: صد درم ازمن بخش كنيت

(5)

؛ [قال الشيخ الإمام محمد بن الفضل

(6)

: هي باطلة؛ لأنّ هذا يكون للأغنياء والفقراء جميعًا، ولو قال: صد درم ازمن روان كنيت

(7)

(8)

كانت الوصية جائزة لأنّ هذا اللفظ يراد به القربة، هذا كله من التحفة

(9)

والذخيرة

(10)

وغيرهما.

(1)

في (ب): أي، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (أ): له، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): بعده، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ) و (ب): على ما في هذا الكتاب، وما أثبت من (ج) قريب منه.

(5)

ينظر: الفتاوى الهندية (6/ 95).

(6)

هو: محمد بن الفضل أبو بكر الفضلي الكماري، نسبة إلى كمار قرية ببخارى. فقيه مفتٍ. قال اللكنوي: كان إماما كبيرا وشيخا جليلا معتمدًا في الرواية مقلدا في الدراية، ومشاهير كتب الفتاوى مشحونة بفتاواه ورواياته، أخذ الفقه عن عبد الله السبذموني وأبي حفص الصغير وغيرهما. وتفقه عليه القاضي أبو علي الحسين بن الخضر النسفي والحاكم عبد الرحمن بن محمد الكاتب وعبد الله الخيزاخزي وغيرهم. ينظر: الجواهر المضية (2/ 107)، الفوائد البهية (ص: 184).

(7)

ينظر: الفتاوى الهندية (6/ 95).

(8)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

ينظر: تكملة البحر الرائق (8/ 465).

(10)

ينظر: تكملة البحر الرائق (8/ 465).

ص: 107

الوصيّة غير واجبة وهي مستحبّة؛ وإنّما ذكر قوله وهي مستحبّة بعد قوله غير واجبة؛ لأن الاستحباب لا يستفاد من قوله غير واجبة كالمباحات، وبقوله غير واجبة ينفي قول بعض الناس حيث قالوا الوصيّة للوالدين والأقربين إذا

(1)

كانوا ممّن لا يرثون فرضًا.

وعند بعضهم الوصيّة واجبة على كلّ أحد ممّن له ثروة ويسار

(2)

؛ واستدلوا بظاهر قوله

(3)

تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}

(4)

، والمكتوب علينا يكون فرضًا، وقال غ: «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر إذا كان له مال يريد الوصيّةَ فيه أن يَبِيتَ ليلتين

(5)

إلّا وصيّته مكتوبة عند رأسه»

(6)

.

(1)

في (ب): إنما، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

أولًا: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في رواية إلى أن الوصية بجزء من المال ليست بواجبة على أحد ولكنها مندوبة، إلا إذا كان عليه حق مستحق لله كالزكاة أو الصيام أو الحج فهي واجبة، وكذلك إن كان عليه دين، أو عنده وديعة، وهو قول الشعبي والنخعي والثوري والأوزاعي وابن المنذر وأبو ثور، ونقل ابن عبد البر إجماع العلماء على الاستحباب وجعل القائلين بالوجوب شاذين لا يعدون خلافا.

ينظر: تكملة فتح القدير لابن الهمام الحنفي، ج 10 ص 413، أحكام القرآن لابن العربي المالكي، ج 1، ص 103، تحفة المحتاج في شرح المنهاج لابن حجر الهيتمي الشافعي، ج 7، ص 3، المغني لابن قدامة الحنبلي، ج 6 ص 56، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ج 8، ص 384.

وأصحاب هذا القول ينقسمون على أنفسهم في مسألة التشريع الأول للوصية إلى فريقين، الأول يرى أن الوصية مستحبة في أصلها. ينظر: أحكام القرآن للجصاص، ج 1، ص 230

في حين يرى الفريق الثاني بأن الوصية كانت في الأصل واجبة ثم نسخت. ينظر: مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للشربيني، ج 4 ص 67

الفريق الثاني: ويرى أن الوصية كانت فرضا ثم نسخ لينقل الوصية من الفرضية إلى الندب، غير أن أصحاب هذا الفريق قد اختلفوا في الناسخ

ثانيًا: ومذهب القائلين بالوجوب ديانة: وأصحابه يقولون بوجوب الوصية ديانة، وهم ينقسمون إلى فريقين في التعبير عن هذا الوجوب

الفريق الأول: الوصية واجبة على كل أحد ممن له ثروة ويسار. ينظر: المبسوط، ج 27 ص 143، بدائع الصنائع، ج 7، ص 331،، نيل الأوطار، ج 6، ص 43.

الفريق الثاني: وهو أن الوصية للوالدين والأقربين فرض إذا كانوا ممن لا يرثون؛ وهي رواية عن أحمد والشافعي في القديم ومروي عن مسروق والضحاك وقتادة وطاوس والحسن وإياس وابن جرير وعبد الله بن أبي أوفى وطلحة بن مصرف ورواية عن ابن عباس. ينظر: العناية، ج 10، ص 414، المبسوط، ج 27، ص 143، بدائع الصنائع، ج 7، ص 332،، المغني لابن قدامة، ج 6، ص 56،، أحكام القرآن للجصاص، ج 1، ص 232،، جامع البيان في تأويل القرآن للطبري، ج 3، ص 388.

ثالثًا: مذهب القائلين بالوجوب ديانة وقضاء يرى ابن حزم وجوب الوصية كأصحاب المذهب الثاني، إلا أنه لا يقول بالوجوب من الناحية الدينية وحسب، وإنما يضاف إليها الوجوب القضائي، فيفترق عنهم في مسألة فيما لو مات مسلم ولم يوص. ينظر: المحلى بالآثار لابن حزم، ج 8، ص 352

(3)

في (ب): واستدلوا بقوله تعالى، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

سورة البقرة: 180.

(5)

في (ب): أن يثبت في الثلثين، وما أثبت من (أ) و (ج) أقرب للصواب.

(6)

أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب الوصايا باب الوصايا وقول النبي غ: «وصية الرجل مكتوبة عنده» ، (4/ 2 رقم الحديث: 2738)، ومسلم في (صحيحه) كتاب الوصية (3/ 1249 رقم الحديث: 1627).

ص: 108

وحجتنا في ذلك أنّ الوصيّة مشروعة لنا لا علينا، وقال غ: «إنّ الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخِر أعمارِكم [زيادة في أعمالكم]

(1)

فضَعوه حيث شئتم»

(2)

، والمشروع لنا ما لا يكون فرضًا ولا واجبًا علينا بل يكون مندوبًا إليه بمنزلة النَّوافل من العبادات، ثم التبرّع بعد الوفاة معتبر بالتبرّع

(3)

في حالة الحياة؛ وذلك إحسان مندوب إليه فكذلك التبرّع بالوصيّة بعد الموت.

(1)

ساقطة من (أ) و (ج)، وإثباتها من (ب) هو الصواب.

(2)

أخرجه الدارقطني في (سننه) كتاب السير باب كتاب الوصايا (5/ 263 رقم الحديث: 4289)، والطبراني في (المعجم الكبير) باب الميم، أبو أمامة الباهلي عن معاذ بن جبل، (20/ 54 رقم الحديث: 94).

وجاء في نصب الراية (6/ 489 - 491): قال صلى الله عليه وسلم): إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم، زيادة في أعمالكم، فضعوها حيث شئتم، أو قال: حيث أحببتم (روي من حديث أبي هريرة ; ومن حديث أبي الدرداء ; ومن حديث معاذ ; ومن حديث أبي بكر الصديق ; ومن حديث خالد بن عبيد.

فحديث أبي هريرة: أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن طلحة بن عمرو المكي عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم، بثلث أموالكم، زيادة لكم في أعمالكم "

ورواه البزار في " مسنده "، وقال: لا نعلم رواه عن عطاء إلا طلحة بن عمرو، وهو وإن روى عنه جماعة، فليس بالقوي انتهى.

وحديث معاذ: أخرجه الدارقطني في "سننه"، والطبراني في"معجمه" عن إسماعيل بن عياش ثنا عتبة بن حميد عن القاسم عن أبي أمامة عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم -قال): إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم، زيادة في حسناتكم، ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم) انتهى.

ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " موقوفا، فقال: حدثنا عبد الأعلى عن برد عن مكحول عن معاذ بن جبل، فذكره. وحديث أبي الدرداء: رواه أحمد في " مسنده "حدثنا أبو اليمان حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال): إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم) انتهى.

وكذلك رواه البزار في " مسنده "، وقال: وقد روي هذا الحديث من غير وجه، وأعلى من رواه أبو الدرداء، ولا نعلم له عن أبي الدرداء طريقا غير هذه الطريق، وأبو بكر بن أبي مريم، وضمرة معروفان، وقد احتمل حديثهما انتهى.

قلت: أخرجه الطبراني في " معجمه " عن إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن أبي مريم به.

وحديث أبي بكر: أخرجه ابن عدي، والعقيلي في " كتابيهما " عن حفص بن عمر بن ميمون أبي إسماعيل الأيلي، مولى علي بن أبي طالب عن ثور بن يزيد عن مكحول عن الصنابحي، أنه سمع أبا بكر الصديق، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): إن الله U، قد تصدق عليكم بثلث أموالكم عند موتكم، زيادة في أعمالكم) انتهى.

وأسند ابن عدي تضعيفه عن النسائي، وقال: عامة ما يرويه غير محفوظ، وقال العقيلي: يحدث بالأباطيل انتهى. وحديث خالد بن عبيد: رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ثنا أبي ثنا إسماعيل بن عياش عن عقيل بن مدرك عن الحارث بن خالد بن عبيد السلمي عن أبيه خالد بن عبيد السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله U أعطاكم عند وفاتكم ثلث أموالكم، زيادة في أعمالكم) انتهى.

وقال الألباني في (صحيح الجامع الصغير وزيادته)(1/ 358): "حسن".

(3)

في (ج): بالشرع، وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

ص: 109

وأما الآية فقد اتفق أكثر أهل التفسير على أنّ ذلك كان في الابتداء قبلَ نزول آية المواريث ثم انتسخ وتكلموا في ناسخه؛ وكان أبو بكر الرازي

(1)

يقول: إنما انتسخ بقوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}

(2)

؛ فإنه نصَّ على المواريث بعد وصيّة منكَّرة؛ فلو كانت الوصيّة للوالدين والأقربين ثابتة بعد نزول هذه الآية لذكر

(3)

الإرث بعد الوصيّة المعروفة لأن تلك وصيّة معهودة؛ وأكثر مشائخنا يقولون إنما انتسخ هذا الحكم بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه ألَا لَا وصيَّةَ لوارث»

(4)

، وهذا حديث مشهور تلقاه العلماء بالقبول والعمل به فكان كالمسموع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الحديث الَّذي رووه فهو شاذ فيما يعمُّ به البلوى والوجوب لا يثبت بمثله، ثم هو محمول على ما كان في الابتداء قبل نزول آية المواريث؛ أو المراد أن ذلك لا يليق بطريق الاحتياط والأخذ بمكارم الأخلاق كقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت شبعان وجاره طاوٍ إلى جنبه»

(5)

والمراد ما بينا كذا في المبسوط

(6)

.

(1)

هو: أحمد بن علي، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص. ولد سنة خمس وثلاثمائة. وسكن بغداد. وانتهت إليه رئاسة الحنفية. وسئل العمل بالقضاء فامتنع. تفقه على أبي الحسن الكرخي وتخرج به. وتفقه عليه جماعة. وروى عن عبد الباقي بن قانع. وله: كتاب "أحكام القرآن"، وشرح "مختصر" الكرخي، وشرح "مختصر" الطحاوي، وشرح "الجامع الصغير" و"الجامع الكبير" لمحمد بن الحسن، وشرح "الأسماء الحسنى"، وله كتاب في "أصول الفقه"، وكتاب "جوابات مسائل"، وكتاب "مناسك". توفي يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة ببغداد. ينظر: تاج التراجم (ص: 96)، الجواهر المضية (1/ 84).

(2)

سورة النساء: 11.

(3)

في (ب): كذلك، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

حديث أبي أمامة- رضي الله عنه -قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث) ينظر: سنن أبي داود 3/ 290 رقم (2870)، سنن ابن ماجة 2/ 905 رقم (2713)، جامع الترمذي - تحفة 6/ 309 وقال: حديث حسن صحيح، المسند 5/ 267، المنتقى، ابن الجارود ص: 238، سنن سعيد بن منصور 1/ 125، مصنف عبد الرزاق 4/ 47 و 148 - 149، التمهيد 14/ 299 و 24/ 439، السنن الكبرى، البيهقي 6/ 244 و 264 0

وفي إسناده: إسماعيل بن عياش وقد قوى حديثه في الشاميين جماعة منهم: احمد والبخاري 0 وهذا من روايته عن شرحبيل ابن مسلم وهو شامي ثقة، وقد صرح في روايته بالتحديث 0 قال العلامة الألباني:" وله عنه طريقان: الأولى: إسنادها حسن 0 والثانية: إسنادها صحيح على شرط مسلم " وقوى إسناده الحافظ ابن حجر في الدراية 2/ 290 وحسنه في التلخيص الحبير 3/ 92 وينظر: تحفة الطالب ص: 399، نصب الراية 4/ 57 و 403، المعتبر، الزركشي ص: 203 و 208، نيل الاوطار ص: 1107، السيل الجرار 4/ 497، عون المعبود 8/ 51 0

(5)

أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) كتاب جماع أبواب ما لا يحل أكله وما يجوز للمضطر من الميتة وغير ذلك باب صاحب المال لا يمنع المضطر فضلا إن كان عنده (10/ 5 رقم الحديث: 19668)، ونصه: عن عبد الله بن المساور، قال: سمعت ابن عباس ط، وهو يبخل ابن الزبير، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس المؤمن الذي يشبع، وجاره جائع إلى جنبه"، والحاكم في (مستدركه) كتاب البر والصلة باب وأما حديث عبد الله بن عمرو، (4/ 184 رقم الحديث: 7307)، وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الألباني في (صحيح الجامع الصغير وزيادته) (2/ 949):"صحيح".

(6)

ينظر: المبسوط (27/ 143).

ص: 110

واستدلَّ في الكشَّاف

(1)

(2)

على وجوب الوصيَّة بوجه آخر في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ}

(3)

، فقال وإذا حضر ظرف للشهادة وحين الوصيَّة بدل منه؛ وفي إبداله منه دليل على وجوب الوصية وأنها من الأمور الَّلازمة التي ما ينبغي أن يتهاون بها المسلم ويذهل عنها؛ يعني أنّ حضور الموت من الأمور الكائنة الَّتي لا مجال لدفعها فيثبت بدون الاختيار، ثم لو قلنا في حقِّ الوصية كذلك لارتفع التكليف فانتقل إلى الوصف الذي هو حامل على الوجود وهو الوجوب، كما أن موجب الأمر الإيجاب لأنَّه داعٍ إلى الوجود.

وقوله: ومثله في الإجارة أي عقد إضافة إلى زمان في المستقبل وبهذا ثبت شرعيَّتها؛ وإن [كان]

(4)

القياس يأبى جوازها كما في الإجارة؛ ولا يجوز بما زاد على الثلث لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد بن أبي وقَّاص ط؛ ذكر في المبسوط سعد بن مالك

(5)

مكان سعد بن أبي وقَّاص فقال: والدَّليل على أن محلّ الوصيّة النافذة شرعًا ثلث المال ما رواه من حديث سعد بن مالك أنَّه قال: «يا رسول الله، أؤصي بمالي كلّه؛ فقال: لا؛ قال: فبنصفه؛ قال: لا؛ قال: فبثلثه؛ فقال: الثّلث والثلث كثير، إنَّك إنْ تَدَع ورثتك أغنياءَ خير من أن تدعَهم فقراءَ يتكففون النَّاس -وفي رواية: يتكفكفون»

(6)

.

(1)

ينظر: الكشاف (1/ 687).

(2)

هو الكشاف عن حقائق التنزيل للإمام العلامة أبي القاسم جار الله: محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي. المتوفى: سنة 538. ينظر: كشف الظنون (2/ 1475).

(3)

سورة المائدة: 106.

(4)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

هو: أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر بن عوف بن الحارث بن الخزرج، الإمام المجاهد مفتي المدينة، واسم الأبجر: خدرة، وقيل: بل خدرة هي أم الأبجر. وأخو أبي سعيد لأمه هو: قتادة بن النعمان الظفري أحد البدريين. استشهد أبوه مالك يوم أحد وشهد أبو سعيد الخندق وبيعة الرضوان. وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم -فأكثر وأطاب، وعن: أبي بكر وعمر وطائفة. وكان أحد الفقهاء المجتهدين. ينظر: سير أعلام النبلاء (3/ 169)، تاريخ الإسلام (2/ 895).

(6)

أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب الوصايا باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس (4/ 3 رقم الحديث: 2742)، ومسلم في (صحيحه) كتاب الوصاية باب الوصية بالثلث، (3/ 1250 رقم الحديث: 1628).

ص: 111

فإن قيل: في هذا الحديث دليل على أن الغني أفضل من الفقير

(1)

؛ أي الغنيُّ الشَّاكر أفضل من الفقير الصَّابر، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قدَّم صفة الغنى لورثة سعد؛ فقال: إنك إن تَدَع عيالك أغنياءَ خير.

قلنا: قدَّم صفة الغنى لهم واختار الفقر لنفسه، والأفضل ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، ثم في الحديث إنَّما قدَّم الغني على الفقير الذي يسأل؛ كما قال: من أن تدعهم فقراءَ يتكفَّفون الناس أي يُلِحّون في السؤال

(2)

، ونحن إنّما نقدم الفقير الصابر دون الذي يسأل كما وصفهم بقوله تعالى:{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}

(3)

، وهذا لأنّ الفقر مع الصّبر أسلم للمرء وأزين للمؤمن،

قال صلى الله عليه وسلم: «الفقر أزين للمؤمن من العذار الجيد على خد الفَرَس»

(4)

، وإنَّما الغنى سبب للطغيان والفتنة؛ قال الله تعالى:{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}

(5)

، كذا في المبسوط

(6)

.

(1)

قد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

* فقال بعضهم لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بالتقوى، كما هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في مجموع الفتاوى (11/ 119) قد تنازع كثير من متأخري المسلمين في (الغنى الشاكر والفقير الصابر) أيهما أفضل؟ فرجح هذا طائفة من العلماء والعباد، ورجح هذا طائفة من العلماء والعباد، وقد حكي في ذلك عن الإمام أحمد روايتان، وأما الصحابة والتابعون فلم ينقل عنهم تفضيل أحد الصنفين على الآخر، وقال طائفة ثالثة: ليس لأحدهما على الآخر فضيلة إلا بالتقوى، فأيهما كان أعظم إيمانا وتقوى كان أفضل، وان استويا في ذلك استويا في الفضيلة وهذا أصح الأقوال؛ لأن الكتاب والسنة إنما تفضل بالإيمان والتقوى، وقد قال الله تعالى:{وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135].

وقال عمر بن الخطاب: (الغنى والفقر مطيتان لا أبالى أيتهما ركبت) وقد يكون هذا أفضل لقوم وفى بعض الأحوال، وهذا أفضل لقوم وفى بعض الأحوال، فان استويا في سبب الكرامة استويا في الدرجة، وإن فضل أحدهما الآخر في سببها ترجح عليه هذا هو الحكم العام.

* وأقام ابن القيم: محكمة بين القولين في عد الصابرين، وخلص (ص: 255) بما خلص به شيخه فقال: والتحقيق أن يقال: أفضلهما أتقاهما لله تعالى، فإن فرض استوائهما في التقوى استويا في الفضل، فإن الله سبحانه لم يفضل بالفقر والغنى كما لم يفضل بالعافية والبلاء، وإنما فضل بالتقوى كما قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

(2)

في (ب): يلحقون بالناس، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(3)

سورة البقرة: 273.

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 294) رقم 7181 عن شداد بن أوس، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 340) رقم 10509، وابن المبارك في الزهد (199) رقم 568.

وقال في كشف الخفاء (2/ 102): ومن الواهي في الفقر ما للطبراني، عن شداد بن أوس رفعه "الفقر أزين بالمؤمن من العذار الحسن على خد الفرس" وقال ابن تيمية: كذب، وسنده ضعيف، والمعروف أنه من كلام عبد الرحمن بن زياد بن أنعم

(5)

سورة العلق: 6، 7.

(6)

ينظر: المبسوط (27/ 145).

ص: 112

إلَّا أنَّ الشَّرع لم يظهر؛ أي استغناءه.

وأظهره؛ أي استغناءه في القليل والكثير.

تحرّزًا أي أظهره تحرزًا عمَّا يتفق من الإيثار أي تحرّزًا عمَّا يوجد من تأذي البعض وقطيعة الرَّحم بحسب اتفاق الحال بسبب

(1)

إيثار البعض [على البعض]

(2)

، على ما نبينه وهو قوله بعد مقدار صفحة؛ ولأنه يتأذى البعض بإيثار البعض.

وقد جاء في الحديث الحيْف؛ وروي بالحاء المهملة وسكون الياء وهو الظلم، وروي الجَنَف بالجيم والنون المفتوحتين وهو المَيْل؛ ومنه قوله تعالى:{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا}

(3)

فكان لهم أن يردوه بعد وفاته أي فكان للورثة أن يردوا ما أجازوه حالَ حَياة الموصي من الوصيَّة الزَّائدة على الثلث بَعدَ موت الموصي بخلاف ما بعد الموت؛ يعني لو أجازت الورثة الوصية الزائدة على الثلث بعد موت الموصي ثم أرادوا ردَّ ما أجازوه

(4)

ليس لهم ذلك؛ لأنَّهم أجازوا بعد ثبوت الحق لهم فصادفت الإجازة محلَّها فلا يُردّ بعدَ ما وقعت في محلها.

وقوله: لأن السَّاقطَ مُتَلاشٍ؛ في وصل شيخي: كان هو موصولًا بقوله: فكان لهم أن يردوا ما أجازوه في حال حياة مورثهم؛ لأن إجازتهم في ذلك الوقت كانت ساقطة لعدم مصادفتها محلها، وكلُّ ساقط في نفسه مضمحل ومتلاش؛ فلذلك كان لهم أن يردوا بعد موت المورث ما أجازوه في حال حياة المورث.

ثم قال: غاية الأمر أنَّه يستند عند الإجازة جوابًا لشبهة ترد على ذلك التَّقدير بأن يقال كيف تكون تلك الإجازة ساقطة في نفسها مع أن حق الورثة قد ثبت بمال المورث من أول المرض لكن على سبيل التوقف.

ألا ترى أن ذلك التعلق أثر في حق تصرف المورث في ماله حتَّى لم يصح تصرفه في الثلثين لكن ذلك على سبيل التوقف؛ فلما مات ظهر أن الإجازة صادفت محلها فصار إجازتهم وقتَ حياة المورِث بمنزلة إجازتهم بعد موت المورث بسبب الاستناد، ولو أجازوا بعد موت المورِث لم يكن لهم الرد بعد ذلك، فكذلك لو أجازوا قبلَ موته فأجاب عنه وقال: الاستناد إنما يظهر في حق القائم فإجازتهم حينَ وقعت في حال حياة المورث وقعت باطلةً ولغوًا؛ وما وقع لغوًا لا يكون قائمًا في نفسه فلا يظهر في حقه الاستناد؛ إلى هذا التقدير أشار فخر الإسلام في المبسوط

(5)

.

(1)

في (ب): ليست، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

سورة البقرة: 182.

(4)

في (ج): ثم أرادوا الرجوع، وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(5)

ينظر: حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (6/ 183)، البناية (13/ 393).

ص: 113

وقال: قال

(1)

ابن أبي ليلى

(2)

ليس لهم أن يرجعوا في الوجهين جميعًا؛ لأن حقهم قد ثبت في مرض الموت

(3)

فإذا مات ظهر أنهم أسقطوا حقهم بعد موته فصح.

وقلنا: حقهم يثبت عند الموت ويستند إلى أوَّل المرض لكن الاستناد يعمل في القائم وتصرفهم حين وقع إجازة وقع لغوًا

(4)

؛ لأنَّه لَا حَقَّ لهم حقيقةً [حينئذ]

(5)

فلا يثبت له حكم الإجازة وهو منتقض.

وقوله لكن الاستناد يظهر في القائم كما في العقود الموقوفة إذا لَحقتها الإجازة، وكثبوت الملك في الغصب حين أدَّى ضمانه فيثبت الملك فيها مستندًا إلى أوَّل العقد والغصب، وأمَّا ههنا قد مضت الإجازة وتلاشت حين وقعت فلا يلحقها الاستناد.

فإن قلت: لا شك أن حق الورثة قد تعلق بمال المورث من أول المرض حتى منع

(6)

ذلك التعلق تصرفَ المورِث من الكل إلى الثلث فيجب أن يظهر أثر ذلك التعلق في حق إسقاط حقهم بالإجازة أيضًا وألا يكون حال الوارث ههنا أدنى درجة من حال الوارث إذا عفى جارح أبيه [قبل موت أبيه]

(7)

فإنه يصح.

وكذلك لو أجاز المرتهن بيع الرَّاهن الرهن يصح

(8)

مع أن العفو والإجازة فيهما قبل الملك أيضًا؛ لكن ثبت فيهما نوع تعلُّق بما تصرفا فصح لذلك فكذا ههنا؛ وهذا لأن حق الوارث إنما يثبت في ماله بالموت؛ ولكن سبب موته المرض، وكما أقيم هذا السبب مقام حقيقة الموت في منع المورث من التصرف المبطل لحق الوارث فكذلك يقام مقامه في صحة إسقاط الحق من الوارث بالإجازة.

قلتُ: نعم كذلك إلا أن إسقاط الحق قبل وجود السبب لا يجوز ونفس المرض ليس بسبب لتعلق حقه بماله بل السَّبب مرض الموت، ومرض الموت ما يتصل به الموت وهنا الاتصال موهوم؛ فكان هذا إسقاطًا للحق قبل تقرّر السبب؛ وهذا لأن عمل الإجازة في العقد الموقوف في إزالة الملك؛ وإزالة الملك إنما تصح من المالك إما حقيقة أو حكمًا؛ والوارث قبل موت المورث ليس بمالك لا حقيقة وهو ظاهر لأن الورثة لا يملكون التركة

(9)

قبل موت المورث حتى لو أعتق الوارث عبدًا [من التركة]

(10)

قبل موت المورث لا ينفذ عتقه، ولا حكمًا أيضًا لأن سبب ملك الورثة في تركة المورث [موت المورث]

(11)

؛ لأنهم يملكون التركة من وقت الموت لا من وقت المرض.

(1)

في (أ): وقال ابن أبي ليلى، وما أثبت من (ب) و (ج) بزيادة (قال) قريب من معناه.

(2)

ينظر: حاشية الشلبي (6/ 183)، البناية (13/ 393).

(3)

في (أ): المورث، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

اللغو: السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع. ينظر: لسان العرب (15/ 250).

(5)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ج): يقع، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (أ)، وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (أ): لو أجاز المرتهن بيع الراهن يصح؛ وفي (ج): بيع الرهن، وما أثبت من (ب) قريب من ذلك.

(9)

التركة لغة: التَرِكة في اللغة بفتح التاء وكسر الراء، ما يتركه الميت من ممتلكاته بعد موته، وتخفّف بكسر التاء وسكون الراء ينظر: المصباح المنير (1/ 74).

والتركة في اصطلاح الفقهاء: (ما تركه الميت من الأموال صافيًا عن تعلق حق الغير بعين من المال) هذا ما عرّفها به الحنفية. ينظر: ابن عابدين 6/ 759

وعرّفها المالكية بأنها: (حق يقبل التجزي يثبت لمستحق بعد موت من كان ذلك له). ينظر: الشرح الكبير في هامش الدسوقي عليه 4/ 457.

وعرفها الشافعية بأنها: (ما يخلّفه الميت). ينظر: النجم الوهاج (6/ 111).

(10)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

ساقطة من (أ)، وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 114

ألا ترى أن ما حدث من الزوائد قبل الموت بعد المرض يحدث على ملك المورث بخلاف إجازة المرتهن؛ لأن الإجازة هناك وجدت بعد سبب الملك للمرتهن في المرهون لأن قبض المرتهن المرهون سبب لثبوت الملك له في المرهون حتى يجعل مستوفيًا له من وقت القبض لا من وقت الهلاك، وكذلك عفو الورثة عن جارح أبيهم يصح لوجوده بعد وجود سبب القتل فصار كأن العفو وجد بعد القتل.

ألا ترى أن الجارح لو كفَّر بعد الجرح قبل موت المجروح ثم مات المجروح صح التكفير لأن القتل يستند إلى وقت الجرح؛ وأما ههنا إذا مات المورث من المرض فالموت لا يستند إلى حالة المرض حتى أن الورثة لا يملكون التركة من وقت المرض وإذا لم يستند الموت إلى حالة المرض كانت الإجازة من الورثة حاصلة قبل السبب فلا يجوز، هذا كله مما أشار إليه في المبسوط

(1)

والذخيرة

(2)

.

وذكر في الإيضاح ولا عبرة بإجازتهم ولا بردِّهم في حال حياة الموصي؛ وإنما يعتبر ذلك بعد الوفاة لأن حق الورثة وإن كان ثابتًا في حال المرض ولكن أثر هذا الحق [لا يظهر]

(3)

في المال.

ألا ترى أن الوارث لو زنى بجارية المورث في مرض موته وجب الحدُّ؛ وهذا لأن الوراثة سبب للخلافة بعد الموت والملك موقوف على ما بعده؛ فإذا أجاز قبل ثبوت الملك لم يصح وكل ما جاز بإجازة الوارث يتملكه المجاز له من قبل الموصي عندنا.

وعند الشافعي من قبل الوارث، وثمرة هذا الاختلاف تظهر في مسائل حتى صحت هذه الإجازة عندنا في مشاع يحتمل القسمة ويصير ملكًا للموصى له قبل التسليم، ويجبر الوارث على التسليم بعد الإجازة، ولو كان يتملكه من جهة الوارث لكانت هذه الأحكام

(4)

على عكسها.

وعند الشافعي: تنفذ هبة من الوارث حتى أنه إن سلَّم إليه يصح وإن لم يسلم إليه بطلت ولا يجبر عليه، كذا في مبسوط شيخ الإسلام:

(5)

(6)

.

وجه قول الشافعي: أن بنفس الموت صار قدر الثلثين من المال ملكًا للوارث؛ لأن الميراث يثبت بغير قبول الوارث ولا يرتد بالرد؛ فإجازته تكون إخراجًا للمال عن ملكه بغير عوض وذلك هبة لا تتم إلا بالقبض؛ ولكنا نقول تصرف الموصي صادف ملكه وامتنع نفوذه لقيام حق الغير فيه؛ فإجازة من له الحق تكون إسقاطًا لحقه ثم ينفذ التصرف على الوجه الذي باشره المتصرف كالراهن يبيع المرهون فيجيزه المرتهن، والمواجر يبيع المستأجَر فيجيزه المستأجِر.

(1)

ينظر: المبسوط (26/ 154).

(2)

ينظر: المبسوط (26/ 154)، البناية (13/ 394).

(3)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ج): الإجازة، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

سبق في ص 81 أن المقصود مبسوط محمد الشيباني المسمى بالأصل أيضًا

(6)

ينظر: البناية (13/ 394)، العناية (10/ 420).

ص: 115

والجواب عما قال إن الوارث إنما يملك التركة بشرط الفراغ عن تصرف الموصي وحاجته، وهنا الفراغ إنما يحصل برد الوصية؛ فأما بالإجازة يتحقق الشغل فيتبين أنه لم يملكه الوارث وإنما يملكه الموصى له من جهة الموصي بإيجابه له الوصية، كذا في المبسوط

(1)

.

والصحيح قولنا لأن السبب صدر من الموصي إلى آخره.

فإن قيل: لو أجاز الوارث في مرضه كان ذلك من ثلث ماله؛ فدل ذلك على أنه تمليك من جهة الوارث.

قلنا: الوارث إن لم يملك فقد أسقط حقه عن المال بفعله، وإسقاط الحقوق عن الأموال [إنما]

(2)

يكون من الثلث وإن لم يكن تمليكًا كالعتق

(3)

، وكذا لو ابتاع ما يساوي عشرة بدرهم ثم ردَّه بالعيب في مرضه كان من الثلث وإن لم يكن تمليكًا كما في العتق فكذا هنا، كذا في شرح الأقطع

(4)

؛ ولأنه استعجل

(5)

ما أخَّره الله تعالى فيحرم الوصية.

فيُحرم على بناء المفعول مع نصب لفظ الوصية على أنه مفعول ثان للحرمان، وكذلك في قوله: كما يُحرم الميراث.

فإن قلت: في مجموع هذا الكلام شبهتان؛ إحداهما في قوله: ولأنه استعجل ما أخره الله فيحرم الوصية، وهذا التعليل إنما يصح أن لو كان الجرح بعد الوصية، وعندنا لا يتفاوت بين أن يكون الجرح مقدمًا على الوصية أو مؤخرًا عنها، فإنه يحرم عن الوصية، وهذا التعليل لا يصح فيما إذا كانت الوصية بعدَ الجرح؛ لأنه لم يوجد من الموصَى له بعد الوصية فعل يوجب الاستعجال ومع ذلك يحرم.

والثانية في منع القياس على الميراث؛ فإنه لو بطل الإرث لمعنى لا يلزم منه بطلان الوصية أيضًا بالقياس [عليه]

(6)

كالرِق واختلاف الدين فإنهما ينفيان الإرثَ ولا ينفيان الوصية.

قلت: الشبهة الأولى ما تشبث به الشافعي: في قوله بالفرق بين تقديم الجرح على الوصية وتأخيره عنها؛ فقال: إن أوصى قبل الجراحة بطلت الوصية، وإن أوصى بعد الجرح صحت الوصية لهذا المعنى

(7)

، وإنا نقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لقاتل»

(8)

وهو بعمومه يتناول القاتل مقدمًا جرحه على الوصية أو مؤخرًا عنها، ولأن بطلان الوصية للقاتل لمغايظة الورثة؛ فإنهم يغيظهم أن يقاسمهم قاتل أبيهم تركة أبيهم بسبب الوصية، وفي هذا المعنى لا فرق بين أن تتقدم الوصية على الجرح أو تتأخر عنه، وبه فارق الرق والكفر فإن الحرمان بهما لانعدام الأهلية للولاية لا لدفع المغايظة عن الورثة.

(1)

ينظر: المبسوط (27/ 154).

(2)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ج): من الثلث، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

ينظر العناية (10/ 420).

(5)

في (ب): ولأنه لفظ استعجل، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ينظر: العناية (10/ 421، 422)، البناية (13/ 396).

(8)

أخرجه الدارقطني في الأقضية ص (525) عن مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم ابن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس لقاتل وصية"، انتهى. قال الدارقطني: مبشر متروك يضع الحديث، انتهى. ورواه البيهقي في المعرفة، وقال: لا يرويه عن حجاج غير مبشر، وهو متروك، منسوب إلى الوضع، انتهى. وقال في التنقيح: قال أحمد: مبشر بن عبيد أحاديثه موضوعة، كذب، انتهى. ينظر: نصب الراية (4/ 402).

ورواه الطبراني في الأوسط، وفيه بقية وهو مدلس. ينظر: مجمع الزوائد (4/ 214).

ص: 116

وعن هذا خرج الجواب عن الشبهة الثانية أيضًا وهي ما

(1)

تشبث به مالك؛ حيث قال بصحة الوصية للقاتل سواء أوصى له قبل الجرح أو بعده؛ فقال: لا يصح أن تقاس الوصية على الإرث فكم من موضع لا يثبت الإرث وتثبت الوصية كما في الكفر والرق

(2)

.

وقلنا عدم صحة الإرث بالكفر والرق لعدم الأهلية للإرث الذي ينبئ عن الولاية وليس لهما الولاية على الغير فلا يثبت الإرث.

وأما في الوصية فكونه موصى له لا ينبيء عن الولاية فلا يمنع الوصية في غير صورة القتل كما لا يمنع سائر العقود؛ ولكن عدم جواز الوصية للقاتل للمعنى الذي ذكرنا وهو مغايظة الورثة مقاسمة قاتل أبيهم تركة أبيهم بسبب الوصية وهو موجود في الإرث أيضًا؛ [لأن]

(3)

بطلان الإرث للوارث القاتل لدفع المغايظة عن سائر الورثة، فلما استوى الإرث والوصية في هذا المعنى جاز قياس أحدهما على الآخر؛ ولأن القاتل إنما يحرم الإرث لأن القتل بغير حق جعل في حق القاتل غير موت؛ لأن الموت اسم لما تنتهي إليه مدة الحياة، ولا يجب إذا تحقق على أحد ضمان، فلما لزمه الضمان في القتل بغير حق جعل كأنه لا موت

(4)

، وإذا انعدم الموت في حقه لم يرثه الوارث القاتل ولا يستحق الموصى

(5)

له القاتل

(6)

الوصية؛ لأن المال في الإرث والوصية لا يستحق بدون الموت، وفي هذا أيضًا لا يتفاوتان.

وأما ما ذكره من التعليل في الكتاب بقوله: ولأنه استعجل ما أخَّره الله تعالى فيجعل الجارح مستعجلًا وإن تقدم جرحه على الوصية؛ لأنه ذكر شيخ

الإسلام: إنما يعتبر كون الموصى له قاتلًا أو غير قاتل لجواز الوصية وفسادها يوم الموت لا يوم الوصية

(7)

؛ فبالنظر إلى وقت الموت كان القتل مؤخرًا عن الوصية.

فإن قلت: يشكل هذا بالمدبر

(8)

فإنه إذا قتل سيده يعتق مع أن التدبير وصية ولا وصية للقاتل، فينبغي أن لا يستحق الموصى له وهو المدبر الموصى به وهو العتق؛ لأنه قاتل عمدًا

(9)

لعموم الحديث: «لا وصية لقاتل» .

(1)

في (ب): مما، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(2)

ينظر: البناية (13/ 396).

(3)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ج): لا يرث، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ج): الوصية، وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

(6)

في (ج): أي لا يستحق القاتل، وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(7)

ينظر: العناية (10/ 422)، البناية (13/ 396).

(8)

في (ب): بالدين، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ب): عملًا، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 117

قلتُ: إنما يعتق المدبَّر لأن الموت جعل شرط عتقه؛ ومن حيث إنه شرط عتق لا ينعدم بالقتل؛ لأن القتل بغير حق يجوز أن يكون شرط عتق فكذلك سائر المعاصي؛ ولكن يسعى المدبَّر في جميع قيمته لأنه تعذر رد العتق فيكون الرد بإيجاب السعاية، هذا كله مما أشار إليه في المبسوط

(1)

والأسرار

(2)

.

لأن نفع بطلانها يعود إليهم كنفع بطلان الميراث، وهذا التشبيه غير صحيح في تعليل قولهما؛ لأن تعليل مذهبهما إنما يتم بذكر الفرق [بين الوصية والميراث لا بالتشبيه ثم يحتمل أنه جمع بينهما بطريق التشبيه من حيث]

(3)

مجرد النفع العائد إليهم عند بطلانها لا غير، ولم يجمع بينهما في أن الوصية لو لحقتها الإجازة تصح وفي الميراث لا تصح، وإنما افترقا من هذا الوجه لأن إجازة العبد ورده إنما تعمل فيما كان من جهة العبد والوصية تمليك من جهة العبد فجاز أن تعمل الإجازة فيها، ولا كذلك

(4)

الميراث لأن الميراث من جهة الشرع لا صنع للعبد فيه فلا تعمل فيه إجازة العبد لذلك.

فإن قلت: القاتل حارب حقيقة مع الميت حتى قتل ولا تجوز الوصية للمحارب حكمًا كما لو أوصى لحربي لم تجز الوصية، فإن أجازت الورثة لكونه محاربًا حكمًا فلأن لا تجوز الإجازة هنا أولى لأنه محارب حقيقة، وهذا لأن الحرمان كان بطريق العقوبة حقًا للشرع حتى إن القاتل لو كان صبيًّا لم يحرم شيئًا فلا يتغير ذلك بوجود الرضا من الورثة.

قلتُ: إن الوصية للقاتل أقرب إلى الجواز عند الإجازة من الوصية للوارث؛ لأن العلماء اتفقوا على ألا وصية للوارث واختلفوا في جواز الوصية للقاتل؛ فإن عند مالك يجوز سواء قدم الوصية على الجرح أو أخر الوصية عنه

(5)

، ثم بإجازة الورثة تنفذ الوصية للوارث فكذلك للقاتل، بخلاف ميراث القاتل فإن ثبوت الملك بالميراث بطريق الحكم بغير اختيار العبد حتى لا يتوقف على القبول ولا يرتد بالرد، والإجازة إنما تعمل فيما يعتمد القبول والرد.

وبخلاف الوصية للحربي لأن بطلانها لانعدام الأهلية في جانب الموصى له؛ فإن الحربي كالميت في حق أهل الإسلام والميت لا يكون أهلًا للوصية [له]

(6)

ولا تأثير للإجازة في إثبات الأهلية لمن ليس بأهل.

(1)

ينظر: المبسوط (27/ 179).

(2)

ينظر: البناية (11/ 100)، المبسوط (27/ 179).

(3)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ج): وكذلك، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

المدونة (4 - 347)، الذخيرة للقرافي (7 - 28)

(6)

ساقطة من (أ)، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 118

وأما قوله: إن حرمانه كان بطريق العقوبة فقلنا لا نسلم ما كان ذلك بطريق العقوبة عليه.

ألا ترى أنه يستوي فيه الخاطئ والعامد؛ وإن كان الخاطئ لا يستحق العقوبة وإنما حرمانه دفعًا للغيظ عن الورثة حتى لا يشاركهم في مال أبيهم مَنْ سعى إلى قتل أبيهم؛ وهذا ينعدم بإجازة الورثة.

وأما الصبي فهو بمعزل عن الغيظ لقصور عقله

(1)

؛ فلا يغيظ فعله الورثة مثل غيظ البالغ إياهم؛ فلذلك لم يثبت في حقه ما ثبت في حق البالغين من الحرمان، هذا مما أشار إليه في المبسوط

(2)

والذخيرة

(3)

.

فحاصل الوصايا تنقسم على أربعة أوجه؛ منها ما يجوز أجازت الورثة أو لم تجز، وهي الوصية لأجنبي بثلث ماله أو بكل ماله ولا وارث له.

ومنها ما لا يجوز وإن أجازت الورثة؛ وهي الوصية للحربي بخلاف المستأمن والذمي حيث تجوز لهما الوصية استحسانًا.

ومنها ما يجوز إن أجازت الورثة وإلا فلا، وهي ما لو أوصى بأكثر من ثلث ماله لأجنبي أو أوصى لواحد من الورثة؛ فإنه لا يجوز إلا بإجازة الورثة وهم أصحاء بالغون.

ومنها ما يكون مختلفًا فيه وهي الوصية للقاتل

(4)

فإن أجاز الورثة عندهما يجوز، وعند أبي يوسف لا يجوز وإن أجازت الورثة ذكره في الخلاصة

(5)

(6)

، ويعتبر كونه وارثًا أو غير وارث وقت الموت حتى لو أوصى لأخيه ولا ابن له

(7)

ثم ولد له ابن تصح وصيته لأخيه.

(1)

في (ب): غيظه، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: المبسوط (27/ 177، 178).

(3)

ينظر: المبسوط (27/ 177، 178).

(4)

اختلف الفقهاء في جواز الوصية للقاتل، ولا فرق بين القتل العمد والخطأ في هذا.

فذهب الشافعية في الأظهر، وابن حامد من الحنابلة إلى جواز الوصية للقاتل، وبه قال أبو ثور وابن المنذر أيضا لأن الهبة له تصح، فصحت الوصية له كالذمي.

ويرى الحنفية وأبو بكر من الحنابلة عدم جواز الوصية له، لأن القتل يمنع الميراث الذي هو آكد من الوصية، فالوصية أولى، ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث فيمنعها ما يمنعه، وبه قال الثوري أيضا.

وفرق أبو الخطاب من الحنابلة بين الوصية بعد الجرح، والوصية قبله، فقال: إن وصى له بعد جرحه صح، وإن وصى له قبله ثم طرأ القتل على الوصية أبطلها، وهو قول الحسن بن صالح أيضا وهو المذهب.

قال ابن قدامة: هذا قول حسن، لأن الوصية بعد الجرح صدرت من أهلها في محلها، ولم يطرأ عليه ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت، فإن القتل طرأ عليها فأبطلها، لأنه يبطل ما هو آكد منها.

وقال المالكية إن علم الموصي بأن الموصى له هو الذي ضربه عمدا أو خطأ صح الإيصاء منه، وتكون الوصية في الخطأ في المال والدية، وفي العمد في المال فقط، فإن لم يعلم الموصي فتأويلان في صحة إيصائه وعدمها. ينظر: بدائع الصنائع 7/ 338 - 340، وحاشية الدسوقي 4/ 426، ومغني المحتاج 3/ 43، والمغني 6/ 111، 112، وكشاف القناع

4/ 358.

(5)

هو خلاصة الدلائل في تنقيح المسائل لحسام الدين علي بن أحمد المكي الرازي، وهو شرح على مختصر القدوري، توفي: سنة 598. ينظر: كشف الظنون (2/ 1631).

(6)

ينظر: خلاصة الدلائل (2/ 404) تحقيق أبي الفضل الدمياطي -كتاب الوصايا، لسان الحكام في معرفة الأحكام (ص: 417).

(7)

في (ج): ولابن له، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 119

بخلاف ما لو أوصى لأخيه وله ابن ثم مات ابنه تبطل الوصية.

وذكر في فتاوى قاضي خان

(1)

: ولو أوصى لإخوته الثلاثة المتفرقين وله ابن جازت الوصية لهم بالسوية أثلاثًا؛ لأنهم لا يرثون مع الابن، فإن كان له بنت مكان الابن جازت الوصية للأخ لأب وللأخ لأم وتبطل الوصية للأخ لأب وأم؛ لأنه يرث مع البنت، وإن لم يكن له ابن ولا بنت كانت الوصية كلها للأخ لأب؛ لأنه لا يرثه وتبطل الوصية للأخ لأب وأم وللأخ لأم لأنهما يرثانه.

وإقرار المريض للوارث على عكسه أي على عكس الوصية.

بتأويل الإيصاء أي يعتبر في الإقرار وقت الإقرار لا وقت الموت، وهذا الذي ذكره ليس بمجرى على إطلاقه، فإن في إقرار المريض للوارث إنما لا يعتبر وقت الموت في كونه وارثًا إذا كان كونه وارثًا بسبب حادث، وأما إذا كان كونه وارثًا بسبب كان وقت الإقرار يعتبر كونه وارثًا وقت الموت أيضًا كما في الوصية في حق منع صحة الإقرار؛ بيان ذلك هو أن مريضًا لو أقر لابنه بدين وابنه عبد ثم أعتق ثم مات الأب وهو من ورثته فإقراره بالدين جائز؛ لأن كسب العبد لمولاه فهذا الإقرار حصل من المريض في المعنى للمولى، والمولى أجنبي منه، فإن صار العبد من ورثته لا يبطل ذلك الإقرار؛ لأن هذا حكم ثبت بسبب حادث وهو الإعتاق وبه لا يبطل الإقرار

(2)

له، بخلاف من ورث بسبب قائم وقت الإقرار، وهو أن يقر لأخيه وله ابن ثم مات الابن قبله حتى صار الأخ وارثًا بطل إقراره له عندنا.

وقال زفر: إقراره صحيح؛ لأن الإقرار موجب الحق بنفسه فإنما ينظر إلى حالة الإقرار وقد حصل لمن ليس بوارث فلا يبطل بصيرورته وارثًا بعد ذلك، كما لو أقر لأجنبية ثم تزوجها، وبهذا فارق الهبة والوصية لأنه مضاف إلى ما بعد الموت حقيقة أو حكمًا.

ألا ترى أنه لو وهب لأجنبية ثم تزوجها ثم مات لم تصح الهبة، وينظر فيه إلى وقت الموت لا إلى وقت الهبة بخلاف الإقرار.

ولنا أنه واراث بسبب كان قائمًا وقت الإقرار فيتبين أن إقراره حصل لوارثه وذلك باطل؛ وهذا لأن الحكم مضاف إلى سببه فإذا كان السبب قائمًا وقت الإقرار تثبت صفة الوراثة للمقر له من ذلك الوقت

(3)

بخلاف الأجنبية إذا تزوجها؛ لأنها صارت وارثة بسبب حادث بعد الإقرار، والحكم لا يسبق

(4)

سببه فلا يتبين أن الإقرار حين حصل كان للوارث.

(1)

ينظر: العناية (10/ 424).

(2)

في (ج): الإرث، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (ج): الموت، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

في (أ): إلى الأسبق، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 120

فأما الهبة والوصية فكالمضاف

(1)

إلى ما بعد الموت، فإذا صار من ورثته بسبب حادث كان المانع قائمًا وقت لزومه فلهذا لا يصح.

واستوى في حق الهبة والوصية السبب الحادث بعد الإقرار والسبب القائم وقت الإقرار في المنع عن جواز الإقرار، هكذا ذكر في باب الإقرار للوارث، وفي باب إقرار المريض بقبض الدين من إقرار المبسوط والذي يؤيد ما ذكرنا في لفظ الكتاب

(2)

.

وإقرار المريض للوارث على عكسه أي يعتبر في الإقرار وقت الإقرار لا وقت الموت؛ المراد منه ما إذا تجدد كونه وارثًا وقت الموت بسببٍ حادثٍ بعد الإقرار

(3)

لا بسببٍ قائم وقت الإقرار.

ما ذكره في وصايا المبسوط بهذا التفصيل، وقال: ولو أوصى له بشيء وهو وارث يوم أوصى ثم صار غير وارث، أو كان غير وارث يوم أوصى ثم صار وارثًا ومات الموصي، إنما ينظر إلى يوم يموت الموصي

(4)

، إن كان الموصى له وارثه لم تجز الوصية، وإن لم يكن جازت؛ لأن الوصية عقد مضاف إلى ما بعد الموت، وإنما يتحقق الوجوب له عند الموت، إلى أن قال: وقد بينا الفرق بين هذا وبين الإقرار، أن هناك إن صار وارثًا بسببٍ تجدد بعد الإقرار كان الإقرار صحيحًا، وإن ورث بسبب كان قائمًا وقت الإقرار لم يصح الإقرار.

ويروى هذا الاستثناء فيما روينا وهو قوله: (ألا لا وصية لوارث)

(5)

، ولأن الامتناع لِحقِّهِم فيجوز بإجازتهم.

(1)

في (ب): فكالمضارب، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ج): في المبسوط الكتاب، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (ب): وقت الإقرار، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ج): الوصي، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

أما حديث أبي أمامة فله عنه طريقان: الأولى: عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ". أخرجه سعيد بن منصور في " سننه "(427) وأخرجه أبو داود (3565) والترمذي (2/ 16) وابن ماجه (2713). والبيهقي (6/ 264) والطيالسي (1127) وأحمد (5/ 267) من طريق إسماعيل بن عياش ثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".

وعن الوليد بن مسلم قال: ثنا ابن جابر: وحدثني سليم بن عامر وغيره عن أيي أمامة وغيره ممن شهد خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فكان فيما تكلم به فذكره.

وحديث عمرو بن خارجة يرويه قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو ابن خارجة قال: " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " فذكر فذكره. أخرجه سعيد (428) والنسائي (2/ 128) والترمذي والدارمي (2/ 419) وابن ماجه (2712) والبيهقي والطيالسي (1217) وأحمد (4/ 186 و 187 و 238 و 238 - 239) وقال الترمذي" حديث حسن صحيح "

وأما حديث عبد الله بن عباس فيرويه محمد بن مسلم عن ابن طاوس عن أبيه عنه مرفوعا: " لا وصية لوارث ". وذكر الحافظ في " التلخيص 3/ 92: أن إسناده حسن.

ص: 121

فإن قلت: لو كان الامتناع لحقهم لكان ينبغي أن يجوز فيما دون الثلثين أجازوا أم لم يجيزوا كما في الوصية للأجنبي؛ لأنه لا حق لهم في الثلث على

ما مر.

قلتُ: معنى قوله لأن الامتناع لحقهم أي الامتناع لتأذيهم أي قلنا بالامتناع لمراعاة حقهم لكيلا يتأذوا بإيثار البعض على البعض، فإذا رضوا انعدم التأذي فيجوز، ولأن جواز الوصية في أصله مخالف للقياس؛ لأن الوصية تمليك مضاف إلى حال زوال المالكية إلا أنَّا جوزناه بالاستحسان لحاجة الميت إليه ليتدارك بعض

(1)

ما فرط فيما يجب عليه من العبادات، ولا حاجة إلى الوصية للورثة؛ لأن التركة حقهم سواء أوصى بها لهم أو لم يوص، وتولى الله تعالى بيان حقوقهم بحدودها.

ويجوز أن يوصي المسلم للكافر والكافر للمسلم إلى آخره

(2)

؛ هذا لبيان الفرق بين الوصية والميراث، فإن الإرث لا يجري مع اختلاف الدين؛ لأن الإرث طريقه طريق الولاية والخلافة على معنى أنه يبقى للوارث المال الذي كان للمورث واختلاف الدين يقطع الولاية.

فأما الوصية فتمليك بعقد مبتدأ ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب ولا يصير مغرورًا فيما اشتراه الموصي بخلاف الوارث كذا في المبسوط.

الوصية لأهل الحرب

(3)

(4)

(1)

في (ج): بعد، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

(وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَالْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ). فَالْأُولَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ. وَالثَّانِي لِأَنَّهُمْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ سَاوَوْا الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلِهَذَا جَازَ التَّبَرُّعُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ. ينظر: الهداية (4/ 514)، العناية (10/ 426)، البناية (13/ 399، 400).

(3)

أهل الحرب: العدو الكافر الذي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا ذمة، وهم غير المسلمين الذين لم يدخلوا في عقد الذمة، ولا يتمتعون بأمان المسلمين ولا عهدهم. ينظر: معجم لغة الفقهاء (95)، فتح القدير 4/ 278، 284، الفتاوى الهندية 2/ 174، مواهب الجليل 3/ 346 - 350.

(4)

اختلفت آراء الفقهاء في ذلك: الرأي الأول: تصح وصية المسلم أو الذمي للمستأمن لا الحربي وبالعكس، فإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان تصح وصية المسلم أو الذمي له، كما تصح وصيته للمسلم أو الذمي، أما الحربي في دار الحرب، فلا تصح وصية المسلم أو الذمي له، كما لا تصح وصيته لهما، وهو رأي معظم الحنفية، والمعتمد في المذهب المالكي، وقول للشافعية والحنابلة والثوري والظاهرية والإمامية والزيدية.

قال الكاساني: "وكذا الحربي المستأمن إذا أوصى للمسلم أو الذمي تصح وصيته".

ينظر: انظر بدائع الصنائع ج 7 ص 335، المصنف لابن أبي شيبة، ج 11 ص 231، رقم 11076، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج 4 ص 379، المهذب وشرحه المجموع ج 14 ص 326، الإنصاف ج 7 ص 222.

الرأي الثاني: وقال محمد الشيباني: "ووصية المسلم أو الذمي لحربي في دار الحرب لا تكون صحيحة".

وعلق على ذلك صاحب الكفاية: فقال: "لو أوصى الذمي في دار الإسلام لحربي في دار الحرب لم يجز؛ لتباين الدارين بينهما، حقيقة وحكمًا".

وأوضح ذلك ابن الهمام بقوله: "لو أوصى مسلم لحربي والحربي في دار الحرب لا تجوز، فإن خرج الحربي الموصى له إلى دار الإسلام بأمان وأراد أخذ وصيته لم يكن له من ذلك شيء، وإن أجازت الورثة؛ لأن الوصية وقعت بصفة البطلان".

وبقوله: "فإن احترز عن حربي ليس في دارهم، وهو المستأمن، فإن الحربي ما دام في دار الحرب ممن يقاتلنا بخلاف المستأمن؛ فإنه ليس كذلك".

وأوضح الخرشي المالكي بعدما تكلم عن صحة الوصية للذمي ما يحتمل بالنسبة للحربي، فقال:"قال في التوضيح: يحتمل اعتبار المفهوم فيمنع للحربي، ولا يصح له وهو قول أَصبَغ، ويحتمل أن لا يكون مفهوم مخالفة المساواة المسكوت عنه للمنطوق، وهو مقتضى كلام عبد الوهاب في الإشراف".

ثم علق على ذلك الشيخ العدوي: بأن قول أصبغ بعدم صحة الوصية للحربي هو المعتمد، وكلام عبد الوهاب ضعيف".

وقال بعض الشافعية مثل أبي العباس القاص وابن سراقة: "إنه لا يصح الوصية لأهل الحرب".

ينظر: شرح السير الكبير ج 5 ص 2046، الكفاية ج 6 ص 419، شرح فتح القدير ج 9 ص 355 - 356، التاج والإكليل ج 6 ص 24، المهذب وشرحه ج 14 ص 323، ص 326، نهاية المحتاج ج 6 ص 48.

ص: 122

باطلة

(1)

.

وذكر في السير الكبير

(2)

ما يدل على جواز الوصية لهم

(3)

(4)

، ووجه التوفيق بين الروايتين أنه لا ينبغي له أن يفعل وإن فعل ثبت الملك [لهم]

(5)

؛ لأنهم من أهل الملك.

أما لو أوصى الحربي بعدما دخل دارنا بأمان فيجوز لأن له ولاية تمليك المال في حياته فكذا بعد وفاته، ثم لا فرق في حق الحربي بين وصيته بالثلث أو

(6)

بجميع

(7)

المال؛ لأن المسلم

(8)

إنما منع من الوصية بما زاد على الثلث لحق ورثته المسلمين، فإن حقهم معصوم عن الإبطال بخلاف ورثة الحربي؛ لأن حقهم غير معصوم، ولهذا المعنى يجوز تملك

(9)

أموالهم وأنفسهم، فلذلك لم يمنع حقهم صحة الوصية بالجميع، كذا في شروح الجامع الصغير

(10)

.

وقبول الوصية بعد الموت: اعلم أن قبول الموصى له الوصية ليس بشرط لصحة الوصية، وإنما هو شرط إفادة

(11)

الملك للموصى له حتى لا يثبت الملك بالوصية قبل القبول؛ لأن الوصية تشبه الإرث من وجه من حيث إنها تملك بالموت كالإرث، وتشبه الهبة من وجه من حيث إنها تملك بتمليك الغير، ولهذا تبطل الوصية بالخمر وإن كان الخمر يورث، فاعتبرناها بالهبة في حق القبول ما دام القبول موهومًا من الموصى له، فقلنا بأنها لا تملك قبل القبول واعتبرناها بالإرث بعد القبول، فقلنا إن الموصى له يملكها بعد القبول من [غير]

(12)

قبضٍ عملًا بالشبهين بقدر الإمكان، فإن قبلها الموصى له في حال الحياة أو ردها فذلك باطل؛ لأن القبول إنما يعتبر بعد موت الموصي، لأن الوصية إيجاب بعد الموت فيعتبر القبول والرد بعد موت الموصي، ولو رد الموصى له الوصية حال حياة الموصي ثم قبل بعد موته صح القبول؛ لأن الرد حال حياة الموصي غير معتبر فصار وجوده والعدم سواء

(13)

، ولو لم يقبل الموصى له الوصية بعد موت الموصي ولم يردها أيضًا حتى مات هو، فالقياس أن تكون ورثته بمنزلته في الرد والقبول.

(1)

ينظر: المبسوط (27/ 147).

(2)

السير الكبير في الفقه للإمام محمد بن الحسن الشيباني، صاحب أبي حنيفة، وهو آخر مصنفاته؛ صنفه بعد انصرافه من العراق؛ ولهذا لم يروه عنه أبو حفص. ينظر: كشف الظنون (2/ 1013).

(3)

قال محمد: ووصية الذمي للحربي المستأمن بالثلث تكون صحيحة. ينظر: شرح السير الكبير ج 5 ص 2046.

(4)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 184)، العناية (10/ 426)، البناية (13/ 400).

(5)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ج): وبين، وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(7)

في (أ): وبجميع، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ج): الوصي، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(9)

في (أ): تمليك، وما أثبت من (ب) و (ج) قريب منه.

(10)

ينظر: العناية (10/ 426، 427)، البناية (13/ 400).

(11)

في (أ): إفساده، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(12)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(13)

في (ج) و (أ): بمنزلة، وما أثبت من (ب) قريب منه.

ص: 123

وفي الاستحسان

(1)

يلزمهم ذلك ردوا أو قبلوا، هكذا في بعض المواضع، وذكر في بعض المواضع القياس أن تبطل الوصية، وفي الاستحسان لا تبطل، كذا في الذخيرة

(2)

.

ويستحب أن يوصي الإنسان بدون الثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنك إن تدع عيالك أغنياء»

(3)

، معناه ورثتك إليك أقرب من الأجانب، فترك المال لهم خير لك من الوصية فيه، وفي هذا دليل على أن التقليل في الوصية أفضل، وذلك مروي عن أبي بكر وعمر م قالا:«لَأَن يوصي بالخمس أحب إلينا من أن يوصي بالربع ولَأَن يوصي بالربع أحب إلينا من أن يوصي بالثلث»

(4)

، كذا في المبسوط

(5)

.

الكاشح العدو الذي أعرض وولَّاك كشحه، الكَشَحُ ما بين الخاصرة إلى الضلع، وقيل الكاشح هو الذي أضمر العداوة في كشحه، وإنما جعل هذا التصدق أفضل لأن التصدق على ذي المحب

(6)

الصديق مما تميل إليه النفس لمحبته وصداقته، وفي القريب الكاشح المنظور إليه هو معنى القرابة لا غير مع مخالفة نفسه لأن نفسه لا تدعوه إلى التصدق عليه، فكان ترجيح معنى القرابة في الإحسان أولى من ترجيح جانب المحبة خصوصًا ما إذا كان ذلك متضمنًا مخالفة النفس وقهرها فكان هو أولى لا محالة، والموصى به يملك بالقبول، خلافًا لزفر؛ فإن عنده يملك بدون القبول، [فلما كان يملك عنده بدون القبول]

(7)

كالإرث يجب ألا يرتد بالرد كما في الإرث؛ وهذا لأن الملك هنا بطريق الخلافة

(8)

، وهو أن تعليق الملك بالشرط في حال الحياة لا يجوز فبعد الموت أولى.

(1)

ينظر: العناية (10/ 427).

(2)

ينظر: العناية (10/ 427)، البناية (13/ 400، 401).

(3)

أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب الفرائض باب ميراث البنات، (8/ 150 رقم الحديث: 6733)، ومسلم في (صحيحه) كتاب الوصية باب الوصية بالثلث، (3/ 1250 رقم الحديث: 1628).

(4)

أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) كتاب الوصايا باب من استحب النقصان عن الثلث إذا لم يترك ورثته أغنياء استدلالا بما روينا في حديث سعد بن أبي وقاص، (6/ 442 رقم الحديث: 12575)، وابن أبي شيبة في (مصنفه) كتاب الوصايا باب ما يجوز للرجل من الوصية في ماله؟ (6/ 227 رقم الحديث: 30923). قال الألباني في (إرواء الغليل)(6/ 85): ضعيف.

(5)

ينظر: المبسوط (27/ 144).

(6)

في (ب): ذي الرحم المحب، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

في (ب): ثبت بطريق الخلافة، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 124

وجه قول علمائنا أن هذا تمليك المال بالعقد فلا يثبت إلا بالقبول أو بما يقوم مقامه كالتمليك بسائر العقود؛ وهذا لأن أحدًا لا يملك تتميم سبب الملك لغيره بغير رضاه بخلاف الميراث فإنه يبقي للوارث الملك الذي كان ثابتًا للمورث حتى يرده بالعيب ويصير مغرورًا فيما اشتراه المورث، والبقاء لا يستدعي سببًا مبتدًا لأن الملك في الميراث ثبت شرعًا من غير اختيار من المورث.

ألا ترى أنه لو أراد أن يمنعه لا يتمكن من ذلك والمشروع

(1)

هذه الولاية.

وأما هنا فالملك ثبت بإيجاب الموصي بدليل أن له أن يمنعه عن ذلك بالرجوع

(2)

عن الوصية قبل موته فلا يثبت إلا بقبول من الموصى له لانعدام ولاية الموصي عليه؛ ولأن تنفيذ الوصية لمنفعة الموصى له، ولو أثبتنا الملك له قبل موته تضرر، عسى أنه لو أوصى له بعبدٍ أعمى يجب عليه نفقته إذا ثبت الملك له، ولو أوصى بدنان مكسرة أو بزبل اجتمع في داره، لو ثبت الملك له بغير قبوله وجب عليه نقلها شاء أو أَبَى، وفي هذا من الضرر عليه ما لا يخفى، وكذلك لو أوصى له بزوجته المملوكة لو ملكها الموصى له بدون قبوله يفسد نكاحه، وليس للموصي ولاية إفساد نكاحه؛ فلهذا قلنا إنه لا يثبت له الملك ما لم يقبل، كذا في المبسوط

(3)

.

إلا في مسألة واحدة أي يملك بدون القبول.

ومن أوصى وعليه دين يحيط بماله لم تجز الوصية؛ لأن الدين مقدم على الوصية أي في حكم الشرع، وأما في قوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}

(4)

، فالوصية مقدمة على الدين [ذكرًا]

(5)

كما ترى.

فإن قلت: لم قدمت الوصية على الدين والدين مقدم عليها في الشريعة.

قلتُ: لما كانت الوصية مشبهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض كان إخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظمهم ولا تطيب أنفسهم بها، فكان أداؤها مظنة للتفريط، بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فلذلك قدمت على الدين بعثًا على وجوبها والمسارعة إلى إخراجها مع الدين؛ ولذلك جيء بكلمة أو للتسوية بينهما في الوجوب، هكذا ذكر السؤال والجواب في الكشاف.

وذكر في المبسوط، قال علي ط:«إنكم تقرءون الوصية قبل الدين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدأ بالدين قبل الوصية»

(6)

، وهكذا نقل عن ابن عباس ط، فهذا منهما إشارة إلى معنى التقديم والتأخير في الآية، ثم قضاء الدين من أصول حوائج المرء؛ لأنه تفرغ به ذمته، فالوصية ليست من أصول حوائجه وحاجته مقدمة في تركته.

(1)

في (ب): وللتبرع، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب): والرجوع، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (28/ 48).

(4)

سورة النساء: 11.

(5)

ساقطة من (ج)؛، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

أخرجه الدارقطني في (سننه) كتاب الفرائض (5/ 153 رقم الحديث: 4124)، ونصه: عن علي صلى الله عليه وسلم، قال: أنتم تقرأون الوصية قبل الدين، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أن الدين قبل الوصية، وأعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات» ، وابن ماجه في (سننه) كتاب الوصايا باب الدين قبل الوصية، (2/ 906 رقم الحديث: 2715)، والترمذي في (سننه) كتاب أبواب الوصايا باب ما جاء يبدأ بالدين قبل الوصية، (4/ 435 رقم الحديث: 2122). وقال الألباني في (إرواء الغليل)(6/ 107): حسن.

ص: 125

ألا ترى أنه يقدم جهازه وكفنه لحاجته إلى ذلك فكذلك قضاء الدين، ولا تصح وصية الصبي فإن الصبي إذا أوصى بوصية فوصيته باطلة سواء مات قبل الإدراك أو بعده عندنا، ولأنه نظر له تصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى، ثم قال الشافعي: على هذه النكتة: لا يلزمني عدم صحة إسلامه فإن إسلامه لا يصح بنفسه

(1)

، وقبول الهبة والصدقة لا يصح منه مع أن في كل منهما نظرًا له؛ لأن ما فيه منفعة للصبي إذا أمكن تحصيله له بوليه لا يعتبر فيه عقله ورشده، والإسلام يحصل له بغيره وكذلك قبول الهبة والصدقة، فأما اكتساب الأجر بالوصية فلا يمكن تحصيله له بغيره.

ولو لم ينفذ يبقى أي المال. على غيره أي على غير الصبي.

ولو قلنا بنفاذ وصيته كان ماله باقيًا على نفسه أي يحصل له بسبب الوصية إلى وجوه الخير نيل الزلفى والدرجة العليا فكان مبقيًا

(2)

مالَ نفسه لنفسه بهذا الطريق، فكانت وصيته أولى من ترك وصية الإيفاع مرد آساشدن كودك.

يقال: أيفع الغلامُ أي ارتفع فهو يافع، ولا يقال: موفع، وهو من النوادر

(3)

، وغلام يفَّاع بمعنى يافع وجمعه يُفعان

(4)

.

ولنا أنه تبرع أي أن الوصية بتأويل الإيصاء تبرع، فالصبي ليس من أهله كالهبة والصدقة، فإنهما لا يصحان من الصبي بالإجماع، فكذا الوصية؛ وهذا لأن اعتبار عقله فيما ينفعه دون ما يضره، ألا ترى أنه لا يعتبر عقله في حق الطلاق والعتاق؛ لأن ذلك يضره باعتبار أصل الوضع، فكذلك تمليك المال بطريق التبرع [فيه]

(5)

ضرر باعتبار أصل الوضع، فإن تصور في الوصية منفعة فذلك باعتبار اتفاق الحال، وفي التصرفات يعتبر

(6)

أصل الوضع لا الأحوال؛ لأن الطلاق قد ينفعه

(7)

في بعض الأحوال بأن يطلق المرأة المعسرة ويتزوج بأختها

(8)

الموسرة، ولم يعتبر ذلك فهذا مثله.

وأما الجواب عن قوله: إن ما فيه منفعة الصبي إذا لم يمكن تحصيله له بوليه [يعتبر فيه عقله ورشده، فقلنا: هذا غير مطرد

(9)

؛ لأن منفعة الوصية كما لا يمكن تحصيلها له بوليه]

(10)

، كذلك منفعة الهبة والصدقة من حيث الأجر وصلة الرحم لا يمكن تحصيلها له أيضًا بوليه، ومع ذلك لا يصح ذلك منه، والأثر محمول على أنه كان قريب العهد بالحلم مجازًا، يعني كان هو بالغًا ولكن كان لم يمض على بلوغه زمان كثير، ومثله

(11)

يسمى يافعًا بطريق المجاز.

(1)

روضة الطالبين (6 - 97) نهاية المطلب (11 - 298).

(2)

في (ج): منتفيًا، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ينظر: الصحاح تاج اللغة (3/ 1310).

(4)

ينظر: المغرب (ص: 512).

(5)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): بغير، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ج): إلا أن الطلاق قد تبعه، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

في (ج): المرأة، وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

(9)

في (ج): مضطر، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

في (ب): ومنه، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 126

ألا ترى أن عمر- رضي الله عنه -لم يستفسر أن وصيته كانت لعمل القربة [أو لغيره]

(1)

، كذا في المبسوط

(2)

.

عرف في موضعه وهو باب الحنث

(3)

في ملك المكاتب والمأذون من أيمان الجامع الكبير

(4)

، والذي عرف هناك هو أن مأذونًا أو مكاتبًا قال: إذا أعتقت فكل مملوك أملكه فهو حر فعَتق فاشترى مملوكًا يعتق؛ لأنه أضاف الإعتاقَ إلى ملك قابل للإعتاق وهو ما بعد الحرية فيصح.

وهذا بخلاف الصبي [إذا قال]

(5)

: إذا بلغتُ فكل مملوك أملكه فهو حر كان باطلًا؛ لأن بطلان تصرف الصبي إنما كان لعدم الأهلية والتعليق والتنجيز في ذلك سواء، أما بطلان تصرف العبد ما كان لعدم الأهلية بل إنما كان لخلل في الملك، فإذا

(6)

أضافه إلى ملك قابل للإعتاق يصح؛ وهي

(7)

ثلاث مسائل: إحداها التي ذكرنا [وهي ما إذا قال المكاتب أو المأذون: إذا أعتقت فكل مملوك أملكه إلى آخره

(8)

(9)

.

والثانية إذا قال المكاتب أو المأذون: [إذا أعتقت]

(10)

فكل مملوك أملكه فهو حر فعتق فاشترى مملوكًا لم يعتق؛ لأن قوله: كل مملوك أملكه، يتناول ما يملكه في الحال، وذلك غير قابل للإعتاق فيبطل.

والثالثة إذا قال: كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر فملك مملوكًا بعدما عتق لم يعتق عند أبي حنيفة:، وعندهما

(11)

يعتق لأن ذكر الملك مطلقًا ينصرف إلى ملك قابل للإعتاق وهو ما بعد الحرية، ولأبي حنيفة: أن للمكاتب نوعي ملك، أحدهما ظاهر وهو ما قبل الإعتاق، والثاني غير ظاهر وهو ما بعد الإعتاق، فينصرف اليمين إلى الظاهر دون غير الظاهر، كما لو تزوج امرأة نكاحًا فاسدًا، ثم قال لها: إن طلقتك فعبده حر ينصرف اليمين إلى الطلاق في النكاح الفاسد كذلك هنا، كذا في الجامع الكبير

(12)

(13)

لقاضي خان:.

(1)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: المبسوط (28/ 93).

(3)

الحنث: الإثم والذنب، والحنث: الخلف في اليمين؛ حنث: أي لم يبر بيمينه. ينظر: الصحاح (1/ 280).

(4)

ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (4/ 20)، تبيين الحقائق (6/ 185).

(5)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): بل، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ب): وهنا، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(8)

قَالَ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً)؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَا يَقْبَلُ التَّبَرُّعَ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ، وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ رَدًّا لَهَا إلَى مُكَاتَبٍ يَقُولُ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ عَتَقَ فَمَلَكَ، وَالْخِلَافُ فِيهَا مَعْرُوفٌ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (4/ 20)، تبيين الحقائق (6/ 185).

(9)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (ج) و (أ)، وإثباتها من (ب) هو الصواب.

(11)

ينظر: المبسوط (7/ 184)، بدائع الصنائع (4/ 71).

(12)

في (ب): الجامع الصغير، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(13)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 185، 186).

ص: 127

وتجوز الوصية للحمل وبالحمل إذا وضع لأقل من ستة أشهر أي من وقت موت الموصي [لا من وقت الوصية]

(1)

؛ لأن وجود الموصى به إنما يشترط وقت وجوب الوصية وهو وقت الموت لا وقت الوصية، ثم قوله: إذا وضع لأقل من ستة أشهر يتعلق بهما جميعًا، أما في قوله للحمل فظاهر لأن الموصى له إذا لم يكن موجودًا لا يصح منه التمليك بالوصية ولا بغيرها، وكذلك في قوله: بالحمل؛ لأنه إذا لم يكن الموصى به موجودًا حقيقة كان وصية بالمعدوم وقت وجوب الوصية وهو لا يصح في الحمل، بخلاف ما إذا أوصى بثمرة بستانه وهي معدومة فإنه يصح، وقد ذكرناه.

وذكر في باب الوصية بما في البطن وهو الباب السادس عشر من وصايا المبسوط: وإذا أوصى الرجل بما في بطن هذه الجارية، ثم ولدت بعد موته لستة أشهر أو أكثر فلا وصية له؛ لأنه أوصى بالمعدوم ولم يعلم وجوده عند موت الموصي لا حقيقةً ولا حكمًا، ووجوب الوصية بالموت فما لم يكن المعين

(2)

معلوم الوجود عند وجوب الوصية لا تكون الوصية صحيحة.

فإن قلت هنا إشكال ظاهر وهو أنه اشترط ههنا وجود الموصى به وهو الحمل عند وجود

(3)

الوصية حتى لم يصحح الوصية بالمعدوم، وقد صحح الوصية بالمعدوم في مسألة الوصية بثمرة بستانه أبدًا، وقال: وإن قال له ثمرة بستاني أبدًا، فله هذه الثمرة، وثمرته فيما يستقبل ما عاش على ما يجيء في الكتاب -إن شاء الله تعالى- في آخر باب الوصية بالخدمة والسكنى والثمرة.

وكذلك الوصية بغلة

(4)

البستان يقع على الموجود والمعدوم، وكذلك وجود الموصى له ليس بشرط. ألا ترى أنه لو أوصى لأولاد فلان ولم يكن لفلان ولد وإنما ولد له ولد بعد الوصية قبل موت

(5)

الموصي فالوصية له صحيحة، وأجناسه تجيء في باب الوصية للأقارب من الكتاب، وذكره الإمام المحبوبي أيضًا.

قلتُ: جوابه يجيء هناك أيضًا إن شاء الله تعالى، ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية؛ لأن الوصية تمليك بطريق التبرع مضافًا إلى ما بعد الموت، والتبرع النافذ وهو الهبة محتمل للرجوع فالمضاف إلى ما بعد الموت أولى، أما الصريح فظاهر وهو أن يقول: رجعت عما أوصيت به

(6)

لفلان وكذا الدلالة.

(1)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ج): الصبي، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (ج) و (أ): وجوب، وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(4)

في (ب): بثمرة، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(5)

في (أ): قول، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى.

(6)

في (ب): له، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 128

وفي الذخيرة: والرجوع قد يثبت صريحًا وقد يثبت دلالة وقد يثبت ضرورة

(1)

،

والرجوع دلالة أنواع: أحدها استهلاك الموصى به

(2)

حقيقةً أو حكمًا حتى إن من أوصى لإنسان بثوب فقطعه وخاطه قميصًا أو أوصى بقطن فغزله أو نسجه

(3)

أو أوصى بحديدة فصنع منها سيفًا، فهذه التصرفات دلالة الرجوع؛ لأنها استهلاك للعين حكمًا.

ألا ترى أن حق المغصوب منه ينقطع بهذه التصرفات؛ ونوع من ذلك أن يخلط الموصى به بغير الموصى به خلطًا لا يمكن التمييز أصلًا، كما إذا كان الموصى به سويقًا فَلتَّهُ بسمن، ونوع من ذلك أن يحدث نقصانًا في الموصى به حتى خرج الموصى به عن هيئة الادخار والبقاء إلى يوم الموت كما إذا أوصى بشاة لإنسان ثم ذبحها فهذا رجوع عن الوصية، وأما الرجوع فضرورة أن يتغير الموصى به ويتغير اسمه؛ لأن الموصى له إنما يستحق الموصى به بعد موت الموصي بذلك الإيجاب وبذلك الاسم؛ فإذا تغير [الموصى به وتغير]

(4)

الاسم لو استحق الموصى له لا يكون الاستحقاق بذلك الاسم؛ بيان هذا إذا أوصى بحنطة لإنسان فهبت الريح بالحنطة وألقتها في طاحونة قبل موت الموصي حتى صارت دقيقًا بطلت الوصية.

وكذلك إذا أوصى بالكُفرى [وهو الطلع]

(5)

في نخله فصار رطبًا قبل موت الموصي، أو أوصى بعنب في كرمه فصار زبيبًا

(6)

قبل موت الموصي، أو أوصى ببيضة فحضنت دجاجة على البيضة حتى أخرجت فراريخ قبل موت الموصي بطلت الوصية؛ ولو كان التغير في هذه المسائل بعد موت الموصي قبل قبول الوصية أو بعده لا تبطل الوصية؛ لأن التغير حصل بعد تمام الوصية وعملها لأن تمامها بالموت فلا يوجب بطلانها.

ولو أوصى برطب فصار تمرًا قبل موت الموصي لا تبطل الوصية استحسانًا؛ بخلاف ما إذا أوصى بعنب فصار زبيبًا.

والفرق أن الرطب مع التمر جنس واحد ولهذا جاز استيفاء أحدهما مكان الآخر في السلم، ولهذا جاز بيع الرطب بالتمر متماثلًا

(7)

عند أبي حنيفة: فلم يتغير الموصى به، وأما في فصل العنب الموصى به فقد تغير وكذلك الاسم.

(1)

ينظر: الفتاوى الهندية (6/ 92)، مجمع الأنهر (2/ 694).

(2)

في (ب): له، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): فغزله ونسجه، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (أ) و (ب)، وإثباتها من (ج) فيه زيادة معنى وتوضيح.

(6)

في (أ): ربيعًا، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ب): بالتمر متماثلًا بالتمر، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 129

وقوله: فكان تقريرًا أي تقريرًا للوصية ليصل الموصى به إلى الموصى له على ألطف

(1)

حال، ومن جحد الوصية لم يكن رجوعًا حتى لو قامت البينة عليها بعد موت الموصي قبلت، هكذا ذكر في الجامع

(2)

.

وذكر في المبسوط

(3)

أن جحود الوصية رجوع.

فمن مشايخنا من قال: لا اختلاف بين الروايتين، ولكن ما ذكره في الجامع محمول على أن الجحود كان عند غيبة الموصى له؛ [والجحود عند غيبة الموصى له]

(4)

لا يكون رجوعًا على الروايات كلها؛ لأن الجحود ليس بصريح رجوع

(5)

، [ولكن لما كان نفيًا للحال]

(6)

اقتضى الرد وإنما يثبت الرد إذا صح الإنكار؛ [والإنكار]

(7)

على الغائب لا يصح؛ لأن الإنكار من باب المعارضة، وإذا لم يصح الإنكار لا يصح ما يقوم به وهو الرد؛ وما ذكره في الوصايا محمول على ما إذا كان الجحود عند حضرة الموصى له والجحود عند حضرته يكون رجوعًا باتفاق الروايات؛ لأن عند حضرته يصح الإنكار فيصح ما يقوم به وهو الرد.

ومن مشايخنا من قال: ما ذكره في المبسوط محمول على الجحود الحقيقي، والجحود الحقيقي رجوع على الروايات كلها، وما ذكره في الجامع محمول على صورة الرجوع لا على الرجوع الحقيقي، فإن موضع مسألة الجامع [الصغير]

(8)

إذا أوصى الرجل للرجل بثلث ماله ثم قال لقوم: اشهدوا أني لم أوص لفلان لا بقليل ولا بكثير، لا يكون هذا رجوعًا؛ لأن قوله: اشهدوا إني لم أوص لفلان، طلب شهادة الزور منهم، فيكون معناه قد أوصيت لفلان بكذا إلا أني أسألكم أن تشهدوا لي بالباطل، وطلب شهادة الباطل لا يكون رجوعًا؛ لأنه ليس بجحود

(9)

حقيقة.

ومنهم من قال ما ذكره في الجامع قول محمد: وما ذكره في الوصايا قول أبي يوسف:.

(1)

في (ج): العطف؛ وفي (ب): أنظف، وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(2)

ينظر: المحيط البرهاني (9/ 242)، العناية (10/ 436)، مختصر القدوري (ص: 243)، الفتاوى الهندية (6/ 93).

(3)

ينظر: المحيط البرهاني (9/ 242)، العناية (10/ 436)، الفتاوى الهندية (6/ 93). المبسوط.

(4)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ب): ليس تصريح الرجوع، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(6)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (أ) و (ب)، وإثباتها من (ج) هو الصواب.

(9)

في (ج): ليس بحجة، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 130

ومنهم من قال: في المسألة روايتان، قال شيخ الإسلام وهو الأصح كذا في الذخيرة

(1)

.

وجعل الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي: في المبسوط الاختلاف هو الأصح، فقال: والأصح ما ذكره المعلَّى

(2)

في نوادره

(3)

، أن على قول أبي يوسف الجحود يكون رجوعًا عن الوصية، وعلى قول محمد لا يكون رجوعًا، كذا في الباب الأول من وصايا المبسوط

(4)

.

ولمحمد أن الجحود نفي في الماضي إلى آخره

(5)

.

فتأخير دليل محمد: يدل على أن المصنف: اختار قول محمد:، ولكنه ذكر في الذخيرة فقال: وما ذكر في الوصايا هو الأصح وهو قول أبي يوسف: على ما ذكرنا؛ فوجهه الأصح أن الجحود كذب حقيقة، إلا أنه يحتمل الفسخ مجازًا، فيحمل على المجاز وهو الفسخ صيانة لكلام العاقل عن الإلغاء بقدر الممكن، وأمكن حمله على الفسخ؛ لأن الموصي ينفرد بفسخ الوصية.

بخلاف البيع والإجارة إذا جحد أحد المتعاقدين؛ لأن هناك تعذر حمله على الفسخ، لأن أحد المتعاقدين هناك لا ينفرد بالفسخ حتى لو تجاحدا، نقول بانفساخ العقد.

وبخلاف ما لو جحد الزوج النكاح من الأصل بأن قال: لم أتزوجكِ؛ لأن هناك تعذر حمله على الفسخ أيضًا، لأن النكاح لا يحتمل الفسخ ولا يمكن أن يجعل كناية عن الطلاق إذ ليس بينهما مشابهة؛ لأن الجحود ينفي العقد والطلاق يقطع العقد ولا ينفي، وتعذر إثبات الطلاق بطريق الإضمار؛ لأنه إنما تصح نية

(6)

الإضمار فيما لو صرح به يستقيم؛ ولو صرح بالطلاق فقال: لم أتزوجك لأني طلقتك لم يصح.

بخلاف قوله: لا نكاح بيني وبينك أو لست لي بامرأة أو ما أنا بزوجك، ونوى الطلاق على قول أبي حنيفة: لأن هناك أمكن إضمار الطلاق.

(1)

ينظر: المبسوط (27/ 163).

(2)

هو المعلى بن منصور الرازي أبو يعلى: من رجال الحديث، المصنفين فيه. ثقة نبيل، من أصحاب أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة. حدث عنهما وعن غيرهما، وأخذ عنه كثيرون. وطلب للقضاء غير مرة فأبى. سكن بغداد توفي سنة 211 هـ. من كتبه:"النوادر" و"الأمالي" كلاهما في الفقه. ينظر: التاريخ الكبير (7/ 394)، تاريخ بغداد (13/ 188)، سير أعلام النبلاء (10/ 367).

(3)

ينظر: المبسوط (27/ 163).

(4)

ينظر: المبسوط (27/ 163).

(5)

وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ كَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا. ينظر: الهداية (4/ 517)، العناية (10/ 438)، البناية (13/ 413).

(6)

في (ج): منه، وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

ص: 131

ألا ترى أنه لو صرح به، فقال: لا نكاح بيني وبينك أو لستِ لي بامرأة لأني طلقتك؛ صح؛ فكذا إذا أضمر، وقوله: وإذا كان ثابتًا في الحال

(1)

، كان الجحود لغوًا؛ وذلك لأن الجحود لما كان نفيًا في الماضي والانتفاء في الحال ضروري، فيكون النفي في الماضي متضمنًا للانتفاء في الحال، فمهما كان كاذبًا في النفي لم يثبت المتضمن، وإذا لم يثبت هو لم يثبت المتضمن فيبقى الحق

(2)

ثابتًا في الحال، ويكون وصية للوارث، وقد ذكرنا حكمه وهو أن الورثة

(3)

بالخيار إن شاءوا أجازوا وإن شاءوا ردوا؛ لأن الوصية للوارث تنفذ بإجازة من الورثة

(4)

كذا في الإيضاح

(5)

.

فهي للورثة أي لورثة الموصي لا لفلان ولا لورثته كذا في الإيضاح

(6)

.

والله أعلم بالصواب.

* * *

‌بابُ الوصيَّة بثلث المال

(7)

(1)

في (ب): وكذا إذا ما تنافى الحال، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ج): الحال، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب. وبه يستقيم المعنى.

(3)

في (ج): الوصية، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب. وبه يستقيم المعنى.

(4)

في (أ) و (ب): باقي الورثة، وما أثبت من (ج) هو الصواب. وبه يستقيم المعنى.

(5)

ينظر: العناية (10/ 440)، البناية (13/ 415).

(6)

ينظر: البناية (13/ 415).

(7)

الزيادة عن الثلث: -موقوفة على إجازة الورثة عند الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة في الصحيح من المذهب والمالكية في قول)، فإن أجاز الورثة الزائد عن الثلث لأجنبي، نفذت الوصية، وإن ردوا الزيادة بطلت.

-وذهب المالكية والحنابلة في قول والشافعية في قول كذلك إلى بطلان الوصية بالزائد عن الثلث.

ينظر: تكملة فتح القدير 10/ 415 - 420، مواهب الجليل 6/ 369، والزرقاني 8/ 169، والكافي لابن عبد البر 2/ 1024، ومغني المحتاج 3/ 47، والإنصاف 7/ 193 - 196

-وإن أجاز بعضهم دون بعض، نفذت الوصية في حصة المجيز فقط، وبطلت في حصة غيره.

-أما إذا لم يكن للموصي وارث، فإن الوصية بأكثر من الثلث، تكون عند الحنفية والحنابلة صحيحة نافذة، ولو كان الموصى به جميع المال؛ لأن المانع من نفاذ الوصية في الزائد عن الثلث إنما هو تعلق حق الورثة بتلك الزيادة، فلا تنفذ إلا برضاهم، فإذا لم يكن هناك ورثة، لم يبق حق لأحد.

ينظر: الشَّرْح الصَّغِير مَعَ الصَّاوِي 4/ 585 - 586، والإنصاف 7/ 192، ومطالب أُولِي النُّهَى 4/ 448، تكملة فَتْح الْقَدِير 10/ 454

-وذهب الشافعية إلى أنه إذا أوصى بما زاد عن الثلث، فإن لم يكن له وارث بطلت الوصية فيما زاد عن الثلث؛ لأن ماله ميراث للمسلمين، ولا مجيز له منهم فبطلت، وإن كان له وارث كانت الوصية عند الشافعية والحنابلة موقوفة على إجازته ورده، فإن ردها رجعت الوصية إلى الثلث، وإن أجازها صحت، وتكون الوصية بالزائد عن الثلث باطلة عند المالكية.

ينظر: الشَّرْح الصَّغِير 4/ 586، ومغني الْمُحْتَاج 3/ 47، والمهذب 1/ 450، والمغني 6/ 4 - 7، 12 - 15، والإنصاف 7/ 113 - 114

ص: 132

لما كان أقصى ما تدور عليه مسائل الوصايا عند عدم إجازة الورثة ثلث المال، ذكر تلك المسائل التي تتعلق به في هذا الباب بعد ذكر مقدمات هذا الكتاب، والمحل يقبل الشركة، وهذا احتراز عما لو قال الموصي: العبد الذي أوصيت به لفلان [فهو لفلان]

(1)

، كان رجوعًا لعدم احتمال الشركة.

بخلاف ما إذا أوصى به لرجل ثم أوصى به لآخر على ما مر قبيل هذا الباب.

سهم لصاحبه أي لصاحب الأقل، قالوا: ضرب في ماله سهمًا أي جعل.

وعلى ذا قوله في المختصر

(2)

أبو حنيفة

(3)

: لا يضرب للموصى له فيما زاد على الثلث على حذف المفعول كأنه قيل لا يجعل له شيئًا فيه ولا يعطيه كذا في المغرب

(4)

.

والدراهم المرسلة أي المطلقة وهي إذا ما كانت وصيته بشيء بغير

(5)

عينه، ولم ينسب إلى جزء من المال [أي لم يقل ثلث المال أو نصفه أو غير ذلك]

(6)

، ثم صورة المحاباة هي أن يكون له عبدان قيمة أحدهما ألف ومائة وقيمة الآخر ستمائة وأوصى بأن يباع واحد منهما لفلان بمائة والآخر لفلان آخر بمائة، فههنا قد حصلت المحاباة لأحدهما بألف والآخر بخمسمائة، وذلك كله وصية؛ لأنه في حال المرض، فإن لم يكن له مال غير هذين العبدين ولم تجز الورثة جازت المحاباة بقدر الثلث، فيكون بينهما أثلاثًا يضرب الموصى له بالألف بحسب وصيته وهي الألف، والموصى له الآخر بحسب وصيته وهي خمسمائة، فلو كان هذا كسائر الوصايا على قول أبي حنيفة:.

وجب ألا يضرب الموصى له بالألف بأكثر من خمسمائة.

وصورة السعاية وهي أن يوصي بعتق عبديه قيمة أحدهما ألف والآخر ألفان ولا مال له غيرهما إن أجازت الورثة يعتقان جميعًا، وإن لم يجيزوا يعتقان من الثلث وثلث ماله ألف، فالألف بينهما على قدر وصيتهما ثلثا الألف للذي قيمته ألفان ويسعى في الباقي، والثلث للذي قيمته ألف ويسعى في الباقي.

وصورة الدراهم المرسلة هي أن يوصي لرجل بألف ولآخر بألفين وثلث ماله ألف درهم، ولم تجز الورثة فإنه يكون بينهما أثلاثًا كل واحد منهما يضرب بجميع وصيته؛ لأن الوصية في مخرجها صحيحة لجواز أن يكون له مال آخر يخرج هذا القدر من الثلث، ولا كذلك فيما إذا أوصى له بثلث ماله ولآخر بنصف ماله أو بجميع ماله؛ لأن اللفظ في مخرجه لم يصح لأن ماله لو كثر

(7)

أو خرج له مال آخر تدخل فيه تلك الوصية فلا يخرج من الثلث كذا في شرح الطحاوي

(8)

.

(1)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: العناية (10/ 440).

(3)

ينظر: العناية (10/ 440)، البناية (13/ 417).

(4)

ينظر: المغرب (ص: 282).

(5)

في (ب): يعتبر، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ب) و (ج)، وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(7)

في (ب): أو أكثر، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ينظر: العناية (10/ 441)، البناية (13/ 417).

ص: 133

كالمحاباة الثانية في ضمن البيع أي تبطل المحاباة ببطلان البيع وتصح بصحته.

وإن أوصى بنصيب ابنه فالوصية باطلة هذا إذا كان الابن [موجودًا، وكذلك إذا أوصى بنصيب الابنة وهي موجودة؛ لأن نصيب ابنه]

(1)

أو ابنته ثبت بنص الكتاب، فلما أوصى بنصيب ابنه لرجل آخر فقد أراد تغيير ما فرض الله تعالى فلا يصح.

وأما لو أوصى بنصيب ابن أو ابنة وليس له ابن ولا ابنة، فإنه تصح الوصية لأنه ليس فيه تغيير ما فرض الله تعالى في كتابه.

وإن أوصى بمثل نصيب ابنه أو ابنته جاز سواء كان له ابن أو ابنة أو لم يكن، [ولو كان]

(2)

له ابن وهو أوصى بمثل نصيب [ابنه]

(3)

صار موصيًا له بنصف المال؛ لأن مثل الابن كالابن، ولو كان له ابنان يكون المال بينهما نصفين، فكذلك ههنا إن أجاز الابن، وإن لم يجز الابن فللموصى له الثلث، ولو كان له ابنان فإنه يكون له ثلث المال ولا يحتاج إلى الإجازة، هذا كله في شرح الطحاوي

(4)

.

وقوله: لأن نصيبه ما يصيبه بعد الموت، فصار كما لو أوصى له بمال زيد.

فنظر أي زفر:.

إلى الحال أي إلى الحال التي هو حي فيها بعدُ والكل ماله فهو يتصرف في ماله كيف يشاء.

وجوابه ما قلنا وهو قوله: لأن الأول وصية بمال الغير ولو أوصى بسهم

(5)

من ماله فله أخس سهام الورثة إلا أن ينقص عن السدس فيتم له السدس ولا يزاد عليه، وهذه العبارة وعبارة: مَن لو قال ولو أوصى بسهم من ماله فله السدس سواء في المعنى، لما أنه إذا كان للموصى له بالسهم أخس السهام بحيث لا يزاد على السدس ولا ينتقص عنه كان سدسًا لا محالة.

(1)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 358)، تبيين الحقائق (6/ 180).

(5)

القول الأول: يكون للموصى له السدس إن كانت الفريضة أقل من ستة أسهم، وإليه ذهب أبو حنيفة والحنابلة في المذهب.

القول الثاني: للموصى له كأقل سهام الورثة ما لم يزد على الثلث، فإن زاد أعطي الثلث، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني.

القول الثالث: للموصى له سهم مما تصح منه المسألة ما لم يزد على السدس، وهو إحدى الروايات الثلاث عند الحنابلة.

القول الرابع: للموصى له مثل نصيب أقل الورثة ما لم يزد على السدس، وهو رواية عند الحنابلة اختارها الخلال وصاحبه.

القول الخامس: وهو قول المالكية ولهم تفصيل:

قال الدردير: إن أوصى لشخص بجزء من ماله، كقوله: أوصيت لزيد بجزء من مالي أو قال: أوصيت له بسهم من مالي فبسهم يحاسب به ويأخذه من فريضته إن لم تكن المسألة عائلة.

القول السادس: للشافعية وهم لم يفرقوا بين الوصية بالسهم وبين الوصية بجزء ما شابهه من ألفاظ.

ينظر: رَوْضَة الْقُضَاة 2/ 686، والإنصاف 7/ 278 – 279، الشَّرْح الصَّغِير 4/ 599، الْمُهَذَّب 1/ 464، ومغني الْمُحْتَاج 3/ 45

ص: 134

وعن هذا قال في المبسوط إلا أن يكون أخس السهام أكثر من السدس لا يزاد عليه في قول أبي حنيفة:، ثم قال: وفي موضع آخر قال له السدس

(1)

.

ثم اعلم أن في نسخ شروح الجامع الصغير والمبسوط لم يذكر قوله إلا أن ينقص عن السدس فيتم له السدس بل لفظ الجامع الصغير ولو أوصى بسهم من ماله فله أخس سهام الورثة ولا يزاد على السدس إلا أن يجيزه الوارث وكذا في غيره.

ومن هذا ألحق بهذا الموضع الإمام جلال الدين

(2)

ابن المصنف:، قوله وفي رواية: إلا أن يزيد على السدس فيكون له السدس.

وقالا: له مثل نصيب أحد الورثة، أي له أقل الأنصباء من أنصباء الورثة [أيضًا لكن ذلك الأقل لو زاد على السدس يزاد عندهما]

(3)

، ولكن لا يزاد على الثلث.

وإنما قلنا إن عندهما له أقل الأنصباء بدلالة تعليلهما، ولأن الإمام قاضي خان: صرح بهذا.

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: له أخس سهام الورثة إلا أن يكون ذلك أكثر من الثلث فلا يزاد على الثلث، وصورة هذه المسألة إذا أوصت المرأة بسهم من مالها ثم ماتت وتركت زوجًا وبنتًا يعطى له السدس

(4)

، في قول أبي حنيفة: وعندهما يعطى له الربع.

قوله: فإن إياسًا، هو إياس بن معاوية بن قرة

(5)

القاضي بالبصرة كذا كان بخط شيخي:

(6)

.

والدليل على أن السهم هو السدس أن لفظه إنما

(7)

يتناول سهم من يكون من جملة ورثته باعتبار الأصل لا باعتبار سبب عارض وهو القرابة دون الزوجية فما يكون عارضًا في مزاحمة ما هو أصيل كالمعدوم، وسهام من يستحق بالقرابة السدس أو الثلث [أو الثلثان]

(8)

أو النصف.

(1)

ينظر: المبسوط (28/ 87).

(2)

جلال الدين: لقب محمد بن الحسن بن أحمد بن قاضي القضاة ابن حسام الدين الحسن. ينظر: الجواهر المضية (2/ 367).

(3)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ب): من السدس، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

هو: إياس بن معاوية بن قرة، أبو واثلة المزني البصري. قاضي البصرة وأحد الأعلام، وكان أحد من يضرب به المثل في الذكاء والرأي والسؤدد والعقل. توفي: سنة إحدى وعشرين ومائة، كهلا. ينظر: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (3/ 374)، سير أعلام النبلاء (5/ 155).

(6)

ينظر: البناية (13/ 422).

(7)

في (ج): لفظة أيهما، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب) و (ج)، وإثباتها من (أ) هو الصواب.

ص: 135

فأما الربع والثمن فإنما يستحقان بالزوجية فيتناول اللفظ أدنى ما يستحق من السهام بالقرابة وهو السدس حتى لا يزاد على ذلك ولكن ينقص عنه إذا كان في سهام ورثته أقل من ذلك؛ لأنه إنما يوجب له مثل سهم أحد ورثته فلا يستحق إلا المتيقن به وهو الأقل؛ وهذا لأنه لما ذكر السهم دون الثلث عرفنا أنه ما أراد الثلث ولا النصف لأنه ليس له أن يوصي بالنصف فتعين به السدس مرادًا.

توضيحه أن أعدل الأعداد في خروج سهام الفرائض ستة فإنها تشتمل على ما يستحق من السهام بالقرابة الأصلية كالسدس والثلث والنصف والثلثين، فلذلك صار هو مرادًا لكونه أعدل [كذا في المبسوط]

(1)

(2)

.

والمعرفة متى أعيدت يراد بالثاني عين الأول، كما أن النكرة متى أعيدت نكرة كان الثاني غير الأول لما عرف، فإن قلت يشكل على هذين الأصلين قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ}

(3)

، فالمراد من الأول القرآن ومن الثاني الكتاب المنزل قبل ذلك كالتوراة وغيرها، وكذلك قوله تعالى:{خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً}

(4)

، فالمراد من الضعفين على أكثر الأقاويل حالة الطفولية والصغر أي خلقكم على صفة ضعف في الأول وهي حالة الصغر والطفولية، ثم جعل من بعد ذلك الضعف قوة أي حالة الشباب وبلوغ الأشد، فكانت الآية الأولى ناقضة للأصل الأول والثانية للثاني.

قلتُ: نعم كذلك، وهو الذي دعا الإمام المدقق فخر الإسلام إلى أن يقول: وفيه نظر إلا أن الأعم والأغلب هو استمرار ما ذكر من الأصلين.

ألا ترى أن من أقر بمائة درهم مضافة إلى صك وأشهد على ذلك شاهدين، ثم أقر بمائة مضافة إلى ذلك الصك وأشهد شاهدين أجمعوا أن الصك لو كان واحدًا يكون إقرارًا بمال واحد سواء كان ذلك في موطن أو موطنين.

وأما إذا أقر بمائة درهم بدون الصك وأشهد شاهدين ثم أقر بمائة في موطن آخر أو بأكثر أو بأقل وأشهد شاهدين، قال أبو حنيفة: يلزمه مالان ولم يجعل الثاني هنا عين الأول بخلاف ما إذا أقر بالمائة مضافة إلى الصك، حيث جعل الثاني عين الأول وما جاء الفرق بينهما إلا باعتبار أن المائة في المسألة الأولى كررت وهي معرفة وفي الثانية كررت وهي نكرة.

(1)

ساقطة من (ب)، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: المبسوط (28/ 88).

(3)

سورة المائدة: 48.

(4)

سورة الروم: 54.

ص: 136

وأما الآيتان فإنما كان المراد منهما على ما ذكرت باعتبار محل الكلام حيث لا التباس لأحد في أن الكتاب الثاني غير الأول ولا

(1)

يلزم أن يكون المصدق

(2)

والمصدَق [واحدًا]

(3)

وصاحب الدين وما عنده

(4)

واحدًا وهو مدفوع بمرة.

وكذلك في الآية الثانية المراد بيان كمال قدرة الله تعالى على تحويل الآدمي من حال إلى حال ثم من تلك الحال إلى حال أخرى ولا التباس لأحد في أن المراد بقوله من تلك الحالة - الحالة الأولى- وهي قد ذكرت مرة وكانت الإشارة واقعة عليها.

وأما

(5)

في الجنس الواحد يمكن جمع حق أحدهم في الواحد إلى آخره وبيان هذا فيما ذكره الإمام جمال الدين المحبوبي: على وجه يقع الفرق بين هذه المسألة وهي مسألة الدراهم وبين مسألة الأثواب، فقال: ولنا أن الوصية يجب تنفيذها ما أمكن؛ لأنه عقد صدر من أهله مضافًا إلى محله عن ولاية، فصار كالبيع فإن رجلًا لو باع قفيزًا من صبرة فهلكت الصبرة إلا قفيزًا يتعين هذا القفيز للبيع حتى يجبر على تسليمه إلى المشتري والدليل عليه فصل الاستحقاق، فإنه إذا استحق درهمان من الثلاثة يتعين الباقي لتنفيذ الوصية فكذلك إذا هلك درهمان وبقي درهم.

وكذلك الجواب في ثلاثة أقفزة، وكذلك كل ما يوزن، وكذلك لو أوصى بثلث ثلاثة أثواب من صنف واحد.

وأما في العبيد والأثواب التي ليست من جنس واحد لو كانت الوصية بثلث ثلاثة أعبد من هؤلاء فهلك عبدان لم يكن له إلا ثلث الباقي.

والحاصل أن كل ما يحتمل القسمة ويقسم قسمة واحدة، فللموصى له الباقي كما في الأغنام الثلاثة والدراهم الثلاثة، وكل ما لا يحتمل القسمة ولا يقسم قسمة واحدة بل يقسم كل جنس على حدة كالعبيد والدور والأثواب المختلفة كالهروي

(6)

والمروي

(7)

والقوهي

(8)

، إذا هلك اثنان فله [ثلث]

(9)

الباقي والفرق أن حق الموصى له مقدم في التنفيذ على حق الوارث إذا كانت الوصية معينة كحق الغريم في التركة فكان حقه كالأصل وحق الوارث كالتبع والأصل أن المال الذي يشتمل على أصل وتبع إذا هلك شيء منه يجعل الهالك

(10)

من التابع دون الأصل كمال المضاربة إذا كان فيه ربح وهلك بعضه يصرف الهلاك إلى [الربح]

(11)

الذي هو تبع [لا]

(12)

إلى رأس المال، فكذلك ههنا يصرف هلاك الدرهمين إلى نصيب الوارث الذي هو تبع لما أن الدراهم من القبيل الذي يحتمل القسمة.

(1)

في (ج) و (ب): وإلا، وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(2)

في (ج): الصدق، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (أ) و (ج)، وإثباتها من (ب) هو الصواب.

(4)

في (ب): وصاحب اليدين ولنا عنده، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ب) و (ج): ولنا أن، وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(6)

الهروي: ثياب هروية. ينظر: الصحاح تاج اللغة، مادة [هرا](6/ 2535)، القاموس المحيط (1/ 1346).

(7)

المروي: ثياب منسوبة إلى بلد بالعراق على شط الفرات. ينظر: المغرب (ص: 440).

(8)

القوهي: ضرب من الثياب بيض. ينظر: الصحاح تاج اللغة (6/ 2246)، المحكم والمحيط الأعظم (4/ 393).

(9)

كلمة (ثلث) شطبت في (أ)، وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(10)

في (ج): المهالك، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(11)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(12)

ساقطة من (أ)، وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 137

ولما صرف

(1)

الهلاك إلى نصيب الوارث بقي الدرهم الباقي حقًّا للموصى له فيأخذه بخلاف العبيد والدور والأثواب المختلفة؛ لأنها لا تقسم قسمة واحدة حتى لو طلب بعض الشركاء قسمة العبيد الثلاثة من القاضي وأبى الباقون لم يجبر القاضي الباقين على القسمة؛ لأن الغرض من القسمة الانتفاع فلابد من المعادلة في الإجبار على القسمة وذلك في العبيد متعذر لما فيها من التفاوت العظيم في المنفعة

(2)

،

وإذا لم تجز فيها القسمة تعذر صرف الهلاك

(3)

إلى نصيب الورثة وجعل الباقي حقًّا للموصى له لأن ذلك نوع قسمة، وإذا تعذر تحقيق القسمة من هذا الوجه بقي الكل مشتركًا بين الورثة والموصى له أثلاثًا، فما هلك يهلك على الشركة وما بقي يبقى على الشركة أثلاثًا، فلهذا كان للموصى له ثلث العبد الباقي أو ثلث

(4)

الثوب الباقي في الأثواب المختلفة لعدم احتمالها القسمة، وإن لم يخرج دفع إليه ثلث العين وكل ما يخرج شيء من الدين أخذ ثلثه.

فإن قلت: كان ينبغي أن لا يستحق الموصى له بألف درهم شيئًا من الدين [الذي أخذ]

(5)

؛ لأن الموصي أوصى له بألف درهم وهو مال والدين ليس بمال.

ألا ترى أن من حلف ألا مال له وله ديون على الناس لا يحنث، ولأنه لما لم يثبت حقه في الدين قبل أن يخرج فكيف يثبت حقه فيه إذا خرج.

قلتُ: أما الجواب عن الأول فإنه إذا لم يكن مالًا قبل الخروج فهو من مال الميت بعد الخروج، والموصى له كان شريكًا للوارث في مال الميت، وبعد الخروج صار الدين مالًا فيشركه الموصى له فيه، وأما عن الثاني فإن عدم ثبوت الحق قبل خروجه مالًا لا يوجب عدم ثبوت حقه في الدين بعد خروجه مالًا، فإن مثل هذا غير ممتنع

(6)

.

(1)

في (ج): ضرب، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

النَّفْعُ ضِدُّ الضُّرِّ، يُقَالُ:(نَفَعَهُ) بِكَذَا (فَانْتَفَعَ) بِهِ وَالِاسْمُ (الْمَنْفَعَةُ) وَبَابُهُ قَطَعَ، والْمَنْفَعَة كل مَا ينْتَفع بِهِ، المنفعة: بفتح الميم ج منافع، والنفع ضد الضر، الخير وافق هوى النفس أو لم يوافق. ينظر: مختار الصحاح (316)، المعجم الوسيط (2/ 942)، معجم لغة الفقهاء (465).

(3)

في (ج): الهالك، وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(4)

في (ب): وثلث، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (أ) و (ب)، وإثباتها من (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): فإن مثل هذا ممتنع، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 138

ألا ترى أن الموصى له بثلث المال لا يثبت حقه في القصاص، وإذا انقلب مالًا يثبت حقه فيه، وهذا لأن الموصى له بثلث المال شريك الوارث

(1)

في التركة إلا أن الملك في الدين يثبت بالإرث

(2)

ولا يثبت بالوصية كالملك في القصاص، فإذا تعين مالًا ظهرت شركة الموصى له للوارث في ذلك المال لأنه مال الميت، إلى هذا أشار في باب الوصية في العين والدين على الأجنبي من وصايا المبسوط

(3)

.

ولأن الدين ليس بمال في مطلق الحال أي في كل الحال فإن الدين يصير مالًا في [المآل لا في]

(4)

الحال، فلذلك لم يكن رب الدين حانثًا فيما لو حلف بأنه لا مال له على ما ذكرنا من رواية المبسوط

(5)

.

علم بهذا أنه لم يكن مالًا في عموم الأحوال، وإنما يعتدل النظر أي لجانبي الوارث والموصى له بما ذكرنا وهو أن يكون الموصى له شريكًا للوارث لا أن يكون [الموصى له]

(6)

مخصوصًا بالعين.

فإن قلت: كيف يصح أن يقال الموصى له شريك للوارث في مال الميت مطلقًا، وقد انعدمت دلالة شركته في بعض المسائل وهي أن الموصي لو

(7)

أوصى لرجل [بشيء معين]

(8)

وهو يخرج من الثلث

(9)

، فهلك

(10)

ذلك العين

(11)

لا ضمان على الوارث، فلو كان شريكًا [للوارث]

(12)

في مال الميت مطلقًا لوجب على الوارث حصة الموصى له فيما بقي من المال.

قلتُ: قال في شرح الطحاوي الوصية على ثلاثة أنواع في وجه يكون الموصى له كالمودِع والموصى به كالوديعة وهو فيما ذكرت، وهو أن يكون أوصى له بعين مال قائم وذلك يخرج من الثلث، فإنه إذا هلك من غير تعد لا ضمان عليه كالوديعة.

(1)

في (ج): المالك، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (أ): يثبت في الدين يثبت بالإرث، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (28/ 136).

(4)

ساقطة من (أ)، وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 190)، البناية (13/ 425)، المبسوط (12/ 207).

(6)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ج): له، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(9)

في (ب): يخرج الثلث، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

في (ب): فخرج، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

في (ج): المال، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(12)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 139

وفي وجه يكون الموصى له كالغريم وهو فيما إذا أوصى له بدراهم مرسلة وله دراهم أو ليس له دراهم ثم مات، فإنه يعطى الموصى له ثلث

(1)

الدراهم إن كان حاضرًا؛ ولو لم يكن حاضرًا فإنه تباع تركته ويعطى تلك الدراهم، وصار هذا كالدين، إلا أن الفرق بين هذا وبين سائر الديون أنه يبتدأ أولًا بدين الصحة ثم بدين المرض ثم فيما بقي حينئذ يؤدي دين الوصية، وفرق آخر أن سائر الديون لا تعتبر من ثلث ماله ودين الوصية يعتبر من الثلث.

وفي وجه يكون كالشريك مع الورثة فهو ما إذا أوصى له بثلث ماله أو بربع ماله، فيكون مال الميت مشتركًا بينهما، ما هلك هلك بالحساب وما بقي بقي بالحساب، وإنما يعتبر مال الموصي بعد موته لا قبل موته حتى إذا أوصى بثلث ماله ولا مال له ثم استفاد مالًا ثم مات، فإنه يعطى ثلث ذلك للموصى له.

وكذلك لو كان له عند الوصية مال كثير ثم هلك بعضه أو استهلك، فإنه يعتبر ماله بعد موته، ومن أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله، فإذا عمرو ميت فالثلث كله لزيد؛ لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يزاحم الحي.

وبهذا التعليل خرج الجواب عما لو أوردوا شبهة على هذه المسألة بأن قالوا ما الفرق بين هذه المسألة وبين ما لو أوصى لزيد وعمرو وهما في الحياة ثم مات الموصي ثم مات أحدهما [قبل موت الموصي]

(2)

كان للثاني

(3)

نصف الثلث [والنصف الآخر لورثة الميت منهما.

وكذلك لو مات أحدهما قبل موت الموصي كان للباقي نصف الثلث]

(4)

، ولكن ههنا كان النصف الآخر للموصي لما أن في المسألة الأولى قد تمت الوصية لهما بموت الموصي ثم بعد ذلك موت أحدهما لا يبطل حقه، [بل يقوم وارثه فيه مقامه كموت أحد الورثة بعد موت المورث.

وفي المسألة الثانية لما مات أحدهما قبل موت الموصي بطلت حصته]

(5)

؛ لأن الوصية في معنى عقد مضاف إلى ما بعد الموت فيشترط بقاء من أوجب له عند وجود الوصية ولم يوجد حين مات قبل موت الموصي فيبطل نصيبه كما لو مات أحد الورثة قبل موت المورث وللآخر نصف الثلث؛ لأن الانقسام قد حصل بينهما عند الإيجاب لكون كل واحد منهما أهلًا لإيجاب الوصية له

(6)

، فيبطلان [حق]

(7)

أحدهما لا يزاد نصيب الآخر، كما لو رد أحدهما الوصية كان للآخر نصف

(8)

الثلث.

(1)

في (ب): يعطى للموصى له بثلث، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (أ) و (ب)، وإثباتها من (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب) و (ج): للباقي، وما أثبت من (أ) لا يختلف معناه.

(4)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ب): أهلًا للوصية، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (أ): نصيب، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 140

هذا كله على خلاف مسألة الكتاب، فإن فيها للحي كل الثلث؛ لأن الميت ليس من أهل الوصية له فإنما ينتقص

(1)

حقه بإثبات المزاحمة، ولم تثبت المزاحمة حين كان الآخر ميتًا فبقي الثلث للحي منهما بمنزلة ما لو قال: ثلث مالي لفلان وللمولى فالثلث كله لفلان، ويستوي إن كان الموصي يعلم بموت أحدهما أو لا يعلم إلا في رواية عن أبي يوسف قال: إذا كان لا يعلم بموته فله نصف الثلث.

[لأن الوصية عنده أي عند الموصي صحيحة لعمرو فلم يرض للحي إلا نصف الثلث]

(2)

، ولكنا نقول استحقاق الحي منهما لجميع الثلث بانعدام المزاحمة للميت عند إيجاب الموصي وفي هذا لا فرق بين علمه بموته وجهله.

وهذا بخلاف ما لو قال: بين فلان وفلان وأحدهما ميت فللآخر نصف الثلث؛ لأن كلمة بين تقتضي المناصفة

(3)

، قال الله تعالى:{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ}

(4)

، والمراد المناصفة بدليل قوله تعالى:{لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}

(5)

، فإذا صرح بما يوجب المناصفة كان موجبًا لكل واحد منهما نصف الثلث، هذا كله من المبسوط

(6)

.

ومن أوصى بثلث ماله ولا مال له فاكتسب استحق الموصى له ثلث ما يملكه عند الموت، هذا إذا كان الموصى به غير معين وهو شائع في جميع التركة كما في اسم المال، وأما إذا كان معينًا في نوع من المال فالحكم بخلافه.

وقال في الذخيرة: حاصل هذا الفصل أن الموصى به إذا كان معينًا يُعتَبر لصحة الإيجاب وُجُودُه يوم الوصية حتى إن من أوصى لإنسان بمعين

(7)

لا يملكه ثم ملكه يومًا من الدهر لا تصح الوصية، وإن كان العين الموصى به في ملك الموصي يوم الوصية فالوصية تتعلق به حتى لو هلك ذلك العين تبطل الوصية؛ ومتى كان الموصَى به غير معين

(8)

وهو شائع في بعض التركة، فكذلك يعتبر لصحة الإيجاب وجود

(9)

الموصى به يوم الوصية وتتعلق الوصية به، ومتى كان الموصى به غير [عين]

(10)

، وهو شائع في جميع التركة يعتبر لصحة الإيجاب وجود الموصى به يوم موت الموصِي، وإذا كان الموصى به موجودًا في ملك الموصي فالوصية لا تتعلق به حتى لا تبطل الوصية بهلاكه.

(1)

في (ب): ينتقض، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (ب): المناسبة، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

سورة القمر: 28.

(5)

سورة الشعراء: 155.

(6)

ينظر: المبسوط (22/ 24).

(7)

في (أ): بعين، وما أثبت من (ب) و (ج) قريب من معناه.

(8)

في (أ): غير عين، وما أثبت من (ب) و (ج) قريب من معناه.

(9)

في (أ): وجوب، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (أ)، وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 141

بيان هذا الأصل من المسائل إذا أوصى لرجل بثلث ماله وله مال فهلك ذلك المال واكتسب مالًا غيره، فإن ثلث ماله الذي اكتسبه للموصى له ولم تتعلق الوصية بالمال الموجود يوم الوصية حتَّى لم تبطل بهلاكه، وهذه وصية بشيء غير معيَّن والموصى به شائع في جميع المال، وإنما كان كذلك

(1)

لأن الميت لما أوصى له بشيء غير عَين هو شائع في جميع المال فقد جعله بمنزلة [أحد]

(2)

الورثة؛ لأن الوارث هو الذي يثبت حقه في جميع المال شائعًا، والوارث إنما يرث مال المورث يوم الموت لا ما كان موجودًا قبل الموت ولم يبق إلى يوم

(3)

الموت.

ولو قال: أوصيتُ لك بثلث غنمي أو بشاة من غنمي، وليس في ملكه غنم لا تصح الوصية، ولو كان في ملكه غنم تتعلق الوصية بها حتى لو هلك ذلك الأغنام تبطل الوصية حتى لو حدث للموصي أغنام بعد ذلك قبل أن يموت لا يكون للموصَى له من الأغنام الحادثة شيء، وهذه وصية بشيء غير معين

(4)

والموصى به شائع في بعض ماله لا في جميع ماله؛ لأن الموصى به ثلث غنمه؛ وإنما كان كذلك لأنه لما أوصى له بشاة شائعة في غنمه لا بشاة شائعة في جميع المال ما جعل الموصى له بمنزلة أحد الورثة، لأن حق الوارث لا يثبت في مال خاص من مال مورثه بل جعله بمنزلة الموهوب له [لأن حق الموهوب له]

(5)

يثبت شائعًا في مال خاص فيتعلق بالمال الموجود يوم الوصية، كما تتعلق الهبة بالمال الموجود وقت الهبة، وإذا تعلقت بذلك المال تبطل بهلاكه ضرورة.

وكذلك لو قال: أوصيت لك بهذه الشاة [وهذه الشاة]

(6)

ليست في ملكه [لا تصح الوصية، وإذا

(7)

كانت في ملكه]

(8)

تتعلق الوصية بها حتى تبطل بهلاكها والمعنى ما ذكرنا أنه جعله بمنزلة الموهوب له.

ولو قال: أوصيت لك بشاة

(9)

من مالي فإنه لا تتعلق الوصية بالشاة التي تكون له يوم الوصية وإنما تتعلق بالشاة التي تكون في ماله يوم الموت؛ لأنه لما أوصى له بشاة شائعة في جميع ماله فقد جعله بمنزلة أحد الورثة على ما ذكرنا؛ والوارث إنما يرث ماله يوم الموت لا ما كان موجودًا قبل الموت.

(1)

في (ب): وإن كان كذلك، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): وقت، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(4)

في (ب): غير عين، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(5)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (أ) و (ج): ولو، وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(9)

في (ب): أوصيت بشاة، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 142

بخلاف ما لو قال: أوصيت لك بشاة من غنمي، لأنه لم يجعله بمنزلة الوارث لما أوصى له بشاة شائعة

(1)

في غنمه لا في جميع ماله ثم لما صحت

(2)

الوصية بشاة من ماله، وانصرفت الوصية إلى شاة تكون في ماله يوم الموت إذا مات الموصي بعد ذلك وترك مالًا إن كان في ماله شاة، فالورثة بالخيار إن شاءوا دفعوا [الشاة إليه وإن شاءوا دفعوا]

(3)

قيمة الشاة؛ لأن تقدير الوصية كأنه قال: أوصيت لك بقدر شاة من مالي لأن الشاة لا توجد في جميع ماله، وإنما الذي يوجد في جميع ماله

(4)

قدر الشاة؛ [فعلمنا أنه أراد بذلك قدر الشاة]

(5)

كقوله صلى الله عليه وسلم: «في خمس من الإبل شاة»

(6)

[تقديره]

(7)

في خمس من الإبل قدر الشاة؛ لأنه لا يوجد في خمس من الإبل عين الشاة وإنما يوجد قدرها، ثم [لو]

(8)

نص على قدر الشاة في الوصية كان للوارث الخيار بين إعطاء عين الشاة وبين إعطاء قيمتها كما في الزكاة فكذلك ههنا.

وفي المبسوط وإذا أوصى بثلث غنمه فهلك الغنم [قبل موته]

(9)

أو لم يكن له غنم من الأصل، فالوصية باطلة وكذلك العروض كلها لأنه خص بالإيجاب جنسًا من ماله، وليس لهذا التخصيص فائدة سوى أن يكون المستحق بعض ذلك الجنس وإذا لم يوجد ذلك الجنس في ملكه

(10)

لم يجب له شيء لانعدام المحل الذي أوجب الوصية فيه.

وقوله: ولو قال شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة، وأما إذا قال: شاة من غنمي فهلكت أغنامه واشترى غنمًا أخرى يجب تنفيذ الوصية له في شاة منها لأنه بنى الإيجاب على إضافة الغنم إليه لا على محل هو عين، فيعتبر

(11)

وجود الإضافة عند موته، كما في قوله: ثلث مالي.

(1)

في (ج): بثلث ماله، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (أ): ضمن، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ب): في ماله، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

أخرجه ابن ماجه في (سننه) كتاب الزكاة باب صدقة الإبل، (1/ 573 رقم الحديث: 1798)، وأبي داود في (سننه) كتاب الزكاة باب في زكاة السائمة، (2/ 98 رقم الحديث: 1568)، والترمذي في (سننه) كتاب أبواب الزكاة باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم، (3/ 8 رقم الحديث: 621). قال الألباني في (صحيح الجامع الصغير وزيادته)(2/ 784): صحيح.

(7)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

في (ب): ماله، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

في (أ): متغير، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 143

وعلى هذا يُخرَّج كثير من المسائل، [فمن تلك المسائل]

(1)

ما ذكره في المبسوط بقوله: لو قال: بقفيز حنطة من مالي أو بثوب من مالي، فإنه يصح الإيجاب وإن لم يكن ذلك في ملكه، [بخلاف ما إذا قال: من حنطتي أو من ثيابي إذا لم يوجد ذلك في ملكه]

(2)

أو [هلك]

(3)

قبل موته فلا شيء للموصى له، والفرق ما ذكرناه، ومن أوصى بثلث ماله لأمهات أولاده إلى أن قال: وأصله أن الوصية لأمهات الأولاد جائزة.

قال الإمام قاضي خان: والإمام المحبوبي: أما جواز الوصية لأمهات أولاده لأن أوان ثبوت الوصية وعملها

(4)

بعد الموت وهن حرائر بعد الموت، فتجوز الوصية لهن كما لو أوصى لمدبر

(5)

نفسه أو مكاتب نفسه، بخلاف الهبة لأم الولد أو الإقرار لها بالدين حيث يبطل من المولى؛ لأنها باقية على ملكه وكسبها له بمنزلة كسب القن

(6)

.

فإن قلت: إنه لا حاجة لهذين الإمامين

(7)

إلى هذا التعليل في أم الولد بأنها تعتق بعد موت المولى، فكانت الوصية واقعة للحرة مع أن الوصية بثلث ماله لعبد نفسه جائزة بدون هذا التكلف، ذكره في باب الوصية في العتق من وصايا المبسوط

(8)

، والعبد لا يعتق بموت المولى.

قلتُ: المعنى المجوَّز فيهما مختلف ففي العبد إنما جازت الوصية له بثلث المال باعتبار أن الوصية تتناول ثلث رقبته فإن رقبته من ماله، فكانت الوصية له بثلث ماله بمنزلة إعتاقه ثلث رقبته، ولا خلاف لأحد في جواز إعتاق ثلث رقبته، إنما الخلاف في أنه يجري في الإعتاق أم لا يجري، وهو معروف.

وأما أم الولد فإنها غير محتاجة إلى عتقها بسبب الوصية لها بثلث المال بل تعتق هي بموت المولى، وإن لم تكن الوصية لها بثلث المال [فكانت الوصية لها بثلث المال]

(9)

، إنما تقع في مال غير رقبتها بمنزلة الوصية بثلث المال لحر آخر، فكانت الوصية لها بثلث المال عبارة عن تمليك مال مضاف إلى ما بعد الموت، فلابد أن يكون أهلًا للتمليك والأهلية له إنما تثبت بالحرية فلابد من التعليل بذلك.

(1)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (أ)، وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

في (أ): وعلمها، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ب): المدبر، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

الْقِنُّ: مِنْ الْعَبِيدِ الَّذِي مُلِكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ وَكَذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَبْدٌ قِنٌّ أَيْ خَالِصُ الْعُبُودَةِ وَعَلَى هَذَا صَحَّ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ خِلَافَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبُ. ينظر: المغرب (395).

(7)

في (ب): أي حاجة دعت هذين الإمامين، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(8)

ينظر: المبسوط (27/ 153)، العناية (10/ 451)، البناية (13/ 428).

(9)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 144

وأما الوصية لعبده بثلث ماله فعبارة عن إعتاق ثلث رقبته فلا يحتاج إلى هذا التعليل.

وعن هذا

(1)

قال في الذخيرة في جواز الوصية لأم ولده القياس والاستحسان لا في حق العبد، فقال: وإذا أوصى لأم ولده بثلث ماله في صحته

(2)

أو في مرضه ثم مات، فإنه تصح الوصية لها من الثلث، وهذا استحسان، وكان القياس ألا تصح الوصية لأم الولد؛ لأن الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، فإنما تستحق هي الوصية متى جازت لها الوصية بعد موت مولاها، وبعد موت مولاها حال حلول العتق بها فالعتق يحلها وهي أمة فتستحق الوصية وهي أمة، والوصية لأمته باطلة أي بشيء غير رقبتها، إلا أنا جوزناها استحسانًا؛ لأن الوصية مضافة إلى ما بعد عتقها لا حال حلول العتق بها بدلالة حال الموصي لأن الظاهر من حال الموصي أنه يقصد بالإيصاء

(3)

وصية صحيحة لا باطلة.

والوصية [إنما تصح]

(4)

أن لو كانت مضافة إلى ما بعد عتقها.

فإن قلت: إذا أوصى لأمهات أولاده وله أمهات أولاد عتقن في حياته وأمهات أولاده عتقن بموته، فالوصية للاتي عتقن بموته لا للاتي عتقن في حياته

(5)

، هكذا ذكر المسألة في الفصل الثامن من وصايا الذخيرة، والقياس يقتضي أن ينعكس الحكم؛ لأن الوصية بالمال للحر لا للعبد فمن أين وقع هذا الفرق.

قلتُ: إنما وقع من قبل أن أم الولد إذا عتقت في حال الحياة صارت مولاة وتسمى في العرف مولاة لا أم الولد.

ألا ترى أنه لو لم يبق فيها معنى أمومية الولد وهو استحقاق العتق بموت المولى، فانصرفت الوصية إلى أمهات الأولاد وقت الموت لأنهن هن يفهن بأمهات الأولاد، وإن لم يكن له إلا أمهات أولاد عتقن في حياته فالوصية لهن؛ لأنه لم يوجد ههنا من هو أولى منهن وهو أمهات أولاده على الحقيقة.

فإن قلت: فهل تصح الوصية لعبده بالمال مطلقًا أم لا.

قلتُ: الوصية لعبده لا تخلو من أربعة أوجه، أما إن أوصى لعبده بدراهم [مسماة]

(6)

أو بشيء من ماله مسمى نحو عرض أو دابة وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز، وأما إن أوصى له بشيء من رقبته نحو الثلث والربع فإنه يصح، والفرق بينهما [هو ما ذكرنا هو أن الوصية له بثلث رقبته بمنزلة إعتاقه ثلث رقبته والعبد أهل لأن تملك رقبته فيعتق]

(7)

فتصح الوصية له بالرقبة كما تصح لغيره، وأما هو فليس من أهل أن يملك مالًا آخر سوى رقبته قبل العتق فلا تصح الوصية له بمال آخر، ثم لما صحت الوصية له بشيء من رقبته نصف أو ثلث أو نحوه عتق المسمى من رقبته وسعى في الفضل

(8)

على قول أبي حنيفة: سواء كان الفضل على المسمى يخرج من ثلث ماله أو لا يخرج؛ لأن الإعتاق عنده منجز

(9)

لأن الوصية له بنصف رقبته، وقول المولى له أعتقت نصفك سواء، وهناك يعتق المسمى لا غير عنده فكذا هنا

(10)

، وعندهما يعتق الكل من غير سعاية إذا كان يخرج من الثلث فكذا هنا، وأما إن أوصى له بثلث ماله فقد ذكرنا أنه جائز؛ لأن ذلك في المعنى بمنزلة وصيته بثلث رقبته؛ لأن رقبته من ماله، ولما جازت الوصية له بثلث رقبته باعتبار أنه عبارة عن إعتاق ثلث رقبته، فيجوز هناك كذا هنا، وأما إن أوصى لعبده بألف أو بألفين مرسلًا من غير إشارة إلى رقبته أو إلى دراهم مسماة فلا رواية في هذا عن أصحابنا؛ ولقائل أن يجعل ذلك بمنزلة الوصية بعين

(11)

من أعيان ماله، ولقائل أن يجعله بمنزلة الوصية بالثلث، هذا كله من الذخيرة

(12)

.

(1)

في (ب): ولهذا، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب): وإذا أوصى بثلث ماله في صحته، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (أ): الأنصباء، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ج): لأن اللاتي عتقن بموته، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

في (ب): رقبته، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ب): يجري، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

في (ب): يعتق المسمى لا غيره فكذا عنده، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(11)

في (أ): تعين، وما أثبت من (ب) و (ج) قريب من معناه.

(12)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 342).

ص: 145

والفقراء والمساكين جنسان بدليل العطف في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}

(1)

، والعطف يقتضي المغايرة.

وفي الأمالي

(2)

(3)

عن أبي يوسف: ما يخالف هذا فقال: إن من أوصى بثلث ماله لفلان وللفقراء والمساكين، فعلى قول أبي حنيفة: يقسم الثلث بينهم على ثلاثة أسهم: سهم لفلان، وسهم للفقراء، وسهم للمساكين.

وقال أبو يوسف: فأما أنا فأجعل ثلث ماله على سهمين: سهم لفلان، وسهم للفقراء والمساكين؛ فأبو يوسف جعل المسكين والفقير اسمًا واحدًا من حيث المعنى، كذا في المغني

(4)

(5)

.

لمحمد: أن المذكور لفظ الجمع وأدناه في الميراث اثنان، وإنما قيد بقوله في الميراث احترازًا عن فصل الزكاة، فإن لفظ الجمع هناك منصرف إلى الواحد بإجماع بين أصحابنا، ثم لما كان لفظ الجمع في الميراث مصروفًا إلى الاثنين والوصية في معنى الميراث من حيث إن كلًا منهما تمليك المال بعد الموت فكان الجمع مصروفًا هناك أيضًا إلى الاثنين نجد ذلك في القرآن وهو قوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}

(6)

.

والمراد من الإخوة الاثنان فصاعدًا فكان من كل فريق اثنان

(7)

، أي من كل فريقي الفقراء والمساكين من كل واحد اثنان فصار أربعة، والأربعة مع

(8)

ثلاث أمهات الأولاد سبعة، فإنه يتناول الأدنى

(9)

مع احتمال الكل؛ لأن حكم الجنس كذلك.

ألا ترى أنه لو حلف ألا يتزوج النساء أو لا يشرب المياه فشرب قطرة واحدة أو تزوج امرأة واحدة حنث في يمينه، وإذا انصرف الاسم إلى الأدنى وهو الواحد قسم

(10)

الثلث على عدد الرءوس وهو خمسة [فكانت القسمة على خمسة]

(11)

أسهم، ثم قال [لآخر]

(12)

: قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة، وهذا استحسان.

(1)

سورة التوبة: 60.

(2)

ينظر: العناية (2/ 262)، البناية (3/ 448، 449).

(3)

هو: الأمالي، لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد الأنصاري، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة. ينظر: أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون (ص: 54).

(4)

المغني للخبازي: سبق ص 145.

(5)

ينظر: العناية (10/ 451)، البناية (13/ 428).

(6)

سورة النساء: 11.

(7)

في (ب): فكان من كلٍ اثنان، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ب): من، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (أ): الأولى، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(10)

في (ب): صرف، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(11)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(12)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 146

وفي القياس له نصف كل مائة؛ لأن لفظ الاشتراك يقتضي التسوية عند الإطلاق، قال الله تعالى:{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}

(1)

، وقد أشرك الثالث فيما أوصى به لكل واحد منهما في استحقاق المائة، وذلك يوجب أن يكون له نصف كل مائة، وجه الاستحسان أنه أثبت الشركة بينهم وإنما تثبت المساواة بينهم إذا أخذ من كل واحد منهما [ثلث المائة، أما إذا أخذ من كل واحد منهما]

(2)

نصف المائة حتى حصل له مائة لا تثبت المساواة بينهم، فعلم بهذا أنه أشرك

(3)

بينهما

(4)

جملة واحدة فلا يعتبر بإشراكه

(5)

إياه مع كل واحد منهما متفرقًا.

قوله: ثم كان الاشتراك، أي قال الثالث: قد أشركتك معهما فيما أوصيت لهما، كان له النصف من كل واحد منهما جميعًا لأنه حين فاوت

(6)

بين الأولَيْن ثم أشرك الثالث معهما علم أنه لم يرد بالإشراك التسوية بينهم من كل وجه جملة، بل أراد بهذا الإشراك التسوية بينه وبين كل واحد منهما [فيما أوصى لكل واحد منهما]

(7)

على الانفراد وأخذ فيه بالقياس.

وإن أوصى لأحدهما بجارية ولآخر بجارية أخرى وقيمتهما سواء، ثم قال لآخر: أشركتك معهما، فله الثلث من كل واحدة منهما عند أبي يوسف ومحمد، وعند أبي حنيفة من كل واحدة منهما نصفها؛ لأنه لا يرى قسمة الرقيق، فصارت بمنزلة وصيتين مختلفتين، وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله يجوزان قسمة الرقيق، فصار كأنه أوصى بالألف لهذا وبالألف لهذا ثم أشرك ثالثًا معهما، كذا في الجامع الصغير

(8)

لقاضي خان والمحبوبي

(9)

رحمهما الله.

ومن قال: لفلان علي دين فصدقوه إلى آخره

(10)

، وقد قال أصحابنا هذه المسألة وفيها شبهة؛ لأنه لم يجعل هذا الإقرار كالدين وكالوصية بل جعل أضعف منهما.

(1)

سورة النساء: 12.

(2)

ساقطة من (ب) و (ج)، وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(3)

في (أ): اشترك، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ) و (ج): أشرك معهما، وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(5)

في (أ) و (ب): باشتراكه، وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): فارق، وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(7)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ينظر: البناية (11/ 422).

(9)

ينظر: البناية (11/ 422).

(10)

قَالَ: (وَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدَّقُوهُ)، مَعْنَاهُ قَالَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ (فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. ينظر: الهداية (4/ 521)، العناية (10/ 453)، البناية (13/ 430).

ص: 147

ألا ترى أنه لا يمنع القسمة كالدين ولم يوجب مشاركة [الموصى]

(1)

له كسائر الوصية فكان الواجب أن يكون أقوى من الوصية لأنه أخذ شبهًا من الدين ومن الوصية؛ فإن أقر المريض مع ذلك بدين مسمى فالمسمى أولى؛ ولو قال كل من يَدَّعِي عليَّ شيئًا فأعطوه فهو باطل إلا أن يقول إن رأى الوصي أن يعطيه فأعطوه فحينئذ يعطى من الثلث، وكذا لو قال: احبسوا إليَّ ألفًا فمن ادعى علي شيئًا فادفعوا إليه لم يجز إلا أن يقول: إن رأى الوصي كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(2)

.

وقوله: فصدقوه، صدر مخالفًا للشرع لأنه أمرهم بخلاف حكم الشرع وهو تصديق المدعي من غير حجة.

فيجعلها أي فيجعل هذه الوصية وصية جعل التقدير فيها إلى الموصى له.

وقوله جعل التقدير صفة للنكرة، وهي وصية أي وصية مجهولًا التقدير فيها إلى الموصى له كما في قوله تعالى:{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى}

(3)

، وكذا الوصايا معلومة وهذا مجهول، فأما هذا فليس بدَيْن معلوم ولا وصية معلومة لكنه دين في حق المستحق وصية في حق التقدير

(4)

، وهذا بخلاف ما إذا أقر بِعَيْن أو دَيْن.

وقوله وهذا إشارة إلى الإيصاء المذكور في قوله: ومن أوصى لأجنبي ولوارثه فللأجنبي نصف الوصية.

وأما ههنا أي في صورة إقرار المريض لوارثه وللأجنبي بالدين فلا يصح إقراره أصلا للأجنبي ولا للوارث، والفرق أن الإقرار إخبار فلو صح إقراره للأجنبي حيث

(5)

يثبت المخبر به وهو الدين المشترك، لأنه أقر بدين مشترك فيثبت كذلك، فما من شيء يأخذه الأجنبي إلا وللوارث حق المشاركة فيه فيصير إقرارًا للوارث، أما الوصية فتمليك مبتدأ لهما فببطلان التمليك لأحدهما لا يبطل التمليك للآخر.

وقال الإمام التمرتاشي

(6)

: هذا الذي ذكره من حكم البطلان في الإقرار فيما إذا تصادقا، أما إذا أنكر الأجنبي شركة الوارث أو الوارث أنكر شركة الأجنبي فالإقرار باطل أيضًا.

وقال محمد: يصح في حصة الأجنبي؛ لأن الوارث مقر ببطلان حقه وبطلان حق شريكه، فبطل في نصيبه وثبت في نصيب الآخر.

(1)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ينظر: المحيط البرهاني (6/ 231)، تبيين الحقائق (6/ 192).

(3)

سورة البقرة: 263.

(4)

في (أ) و (ج): التنفيذ، وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(5)

في (أ): حتى، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 192).

ص: 148

ولهما أن حق الوارث لم يعد من

(1)

حق الأجنبي وإنما أوجبه مشتركًا بينهما فبطل كما بيناه.

وبطلانًا [أي بقاء في حق الأجنبي وبطلانًا]

(2)

في حق الوارث؛ أي تبقى الوصية صحيحة في حق الأجنبي وتبطل في حق الوارث لامتياز حصة كل واحد منهما عن حصة الآخر، ومن كان له ثلاثة أثواب جيّد ووسط ورديء يخرج من ثلث ماله فأوصى بكل ثوب لرجل بعينه ثم مات الموصي فهلك أحد الأثواب ولا يدرى أي الأثواب هلك فالوصية باطلة؛ يريد بهذا أن الورثة يجحدون بقاء حق واحد منهم بعينه ويقولون حق واحد منكم بطل ولا يدرى من بطل حقه ومن بقي حقه فلا نسلم إليكم شيئًا فالوصية باطلة؛ لأنه إذا لم يعلم بقاء حق واحد منهم بعينه لا فائدة في بقائها فبطل، كذا ذكره الصدر الشهيد

(3)

(4)

وقاضي خان:

(5)

.

وكان المستحق مجهولًا كما إذا أوصى لأحد هذين الرجلين فإن الوصية باطلة لما قلنا أن المستحق مجهول وجهالته تمنع صحة القضاء، وتحصيل المقصود وهو إتمام غرض الموصي فيكون لصاحب الجيد ثلثا [الثوب]

(6)

الأجود أي الأجود الحالي، ولا يعلم أن هذا الأجود الحالي هو الأجود الأصلي أو هو الوسط الذي صار هو الأجود في الحال؛ لأن صاحب الجيد لا حق له في الرديء بيقين، لأنه أي الرديء الباقي وصاحب الرديء لا حق له في الجيد الباقي بيقين، لأنه أي لأن الجيد الباقي، ويحتمل أن يكون الرديء هو الرديء الأصلي فيعطى منه محل الاحتمال إلى آخره

(7)

، أي يعطى لكل واحد منهم الثلثان، لأن التسوية بينهم واجبة، لأن الكل في بطلان حقه [وبقائه]

(8)

على السواء، ولما كان كذلك عينا حق كل واحد في محل يحتمل أنه يكون حقه، والاثنان إذا قسما على ثلاثة يصيب كل واحد الثلثان، ولما أخذ صاحب الجيد وصاحب الرديء ثلثي كل واحد منهما تعين حق [صاحب]

(9)

الوسط في ثلث كل واحد منهما، هذا إذا ابتدئ بتعليل [جانب]

(10)

صاحب الجيد وصاحب الرديء، ولو ابتدئ بتعليل جانب صاحب الوسط له وجه آخر وهو أن يقول: إن الهالك إن كان أرفع من الباقين فحق صاحب الوسط [في الجيد منهما، وإن كان الهالك أردى من الباقين فحق صاحب الوسط]

(11)

في الرديء منهما فحقه

(12)

يتعلق بهذا مرة ومرة بالآخر، وإن كان الهالك هو الوسط فلا حق له في الباقين، فإذا كان حقه يتعلق بكل واحد من الباقين في حال ولا يتعلق في حالين فيأخذ ثلث كل واحد منهما؛ بقي صاحب الجيد وصاحب الرديء فصاحب الجيد يدعي الجيد ولا يدعي الرديء؛ لأنه لا حق له فيه قطعًا، وصاحب الرديء يدعي الرديء دون الجيد فيسلم ثلثا الجيد لصاحب الجيد وثلثا الرديء لصاحب الرديء، كذا ذكره الإمام قاضي خان:

(13)

.

(1)

في (أ): لم يَقرَ؛ وفي (ج): لم يقر عن، وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

هو: عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازة برهان الأئمة أبو محمد حسام الدين المعروف بالصدر الشهيد الإمام بن الإمام والبحر بن البحر تفقه على والده وله الفتاوى الصغرى والفتاوى الكبرى، ومن تصانيفه شرح الجامع الصغير المطول. ينظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 391)، تاج التراجم (ص: 217). وسبق الحديث عنه ص 25.

(4)

ينظر: العناية (10/ 456)، البناية (13/ 433).

(5)

ينظر: العناية (10/ 456)، البناية (13/ 433).

(6)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّدِيءُ هُوَ الرَّدِيءُ الْأَصْلِيُّ فَيُعْطَى مِنْ مَحِلِّ الِاحْتِمَالِ، وَإِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا الْجَيِّدِ وَثُلُثَا الْأَدْوَنِ لَمْ يَبْقَ إلَّا ثُلُثُ الْجَيِّدِ وَثُلُثُ الرَّدِيءِ فَيَتَعَيَّنُ حَقُّ صَاحِبِ الْوَسَطِ فِيهِ بِعَيْنِهِ ضَرُورَةً. ينظر: الهداية (4/ 522)، العناية (10/ 456)، البناية (13/ 343).

(8)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(9)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (أ)، وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(11)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(12)

في (أ): فجعله، وما أثبت من (ب) و (ج) قريب من معناه.

(13)

ينظر: العناية (10/ 456).

ص: 149

كما إذا أوصى بملك الغير ثم اشتراه فإنه لا تصح وصيته، تنفذ الوصية في عين الموصى به وهو نصف الثلث

(1)

لأنه لم يملك وقت الإيصاء إلا النصف، ومعنى المبادلة في هذه القسمة تابع.

فإن قلت: كيف قيد بقوله في هذه القسمة مع أنه ذكر في كتاب القسمة والإفراز

(2)

هو الظاهر في المكيلات والموزونات، [ومعنى المبادلة]

(3)

هو الظاهر في الحيوانات والعروض وهذا الذي نحن فيه من العروض، فلما كان معنى المبادلة هو الظاهر فيها لا يكون هو تبعًا

(4)

فيها فما وجه التوفيق.

قلتُ: وجهه ما ذكر هناك أيضًا بعد قوله ومعنى المبادلة هو الظاهر في العروض بقوله إلا أنها إذا كانت من جنس واحد أجبر القاضي على القسمة عند طلب أحد الشركاء، والذي نحن فيه من جنس واحد، فكان معنى المبادلة فيه تابعًا كما ذكر هنا؛ لأن الجبر لا يجري في المبادلة.

ومعنى قوله هناك ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض أي إذا لم يكن من جنس [واحد]

(5)

.

وذكر الإمام قاضي خان: ولهما أن القسمة فيما لا يكال ولا يوزن وإن كانت مبادلة من وجه حتى لا يتفرد أحدهما بالقسمة لو اشتريا دارًا واقتسما، لم يكن لأحدهما أن يبيع نصيبه مرابحة على ما اشترى فهي إفراز في حق بعض الأحكام.

ألا ترى أنه يجبر عليها، ولو بنى أحدهما في نصيبه بعد القسمة بناءً ثم استحق الأرض لا يرجع على شريكه بقيمة

(6)

البناء ولا يثبت للشفيع الشفعة في القسمة، والمشتري إذا قاسم البائع لم يكن للشفيع نقض القسمة، ولو كانت القسمة مبادلة لكانت الأحكام على عكسها فثبت أنها إفراز من وجه مبادلة من وجه، فيجعل إفرازًا في حكم الوصية تصحيحًا

(7)

للوصية؛ لأن مبناها على المساهلة وسرعة الثبوت، ولهذا صحت الوصية بمعدوم على خطر

(8)

الوجود كالثمر والغلة، وإذا جعلت القسمة إفرازًا ظهر أنه أوصى بما يملك، فإذا وقع البيت في نصيب الميت سلم البيت للموصى له، وإن وقع البيت في نصيب الشريك فله عوضه أو لأنه أراد التقدير على اعتبار أحد الوجهين، وهو في وقوعه في نصيب الشريك والتمليك بعينه على اعتبار الوجه الآخر، وهو في وقوعه في نصيبه فتصير السهام أحد عشر: للموصى له سهمان ولهم تسعة.

(1)

في (أ): البيت، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (أ) و (ج): الإقرار، وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ): تابع، وما أثبت من (ب) و (ج) لا يختلف معناه.

(5)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (أ): بقسمة، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ب): صحيحًا، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ب): حظر، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 150

فإن قيل: ينبغي أن يقسم نصيب الموصي بين الورثة والموصى له على خمسة أسهم: سهم للموصى له وأربعة للورثة؛ لأنه لما صحت الوصية

(1)

عندهما في عشرة أذرع بقي حق الورثة في أربعين.

قلنا: زعم الورثة أن حقهم في خمسة وأربعين وحق الموصى له في خمسة تمسكًا بمذهب محمد:، وزعم الموصى له أن حقه في عشرة وحق الورثة في أربعين، فيعتبر [زعم]

(2)

كل فريق في حقه، فجعلنا كل خمسة سهمًا فصار الكل أحد عشر.

وقيل: لا خلاف فيه بل قول محمد في الإقرار كقولهما في الوصية.

وله أن يمنع أي ولصاحب المال أن يمنع ما أجازه من

(3)

الدفع وإن كان بعد الإجازة؛ لأن هذا هبة من صاحب المال، والهبة لا تتم بدون التسليم وإن دفع تمت الهبة وإلا فلا.

بخلاف ما إذا أوصى بالزيادة على الثلث فأجازت الورثة يعني بعد موت الموصي، ثم أرادوا أن يمتنعوا من التسليم لا يكون لهم ذلك؛ لأن الوصية ههنا صادفت محلها وهو ملك الموصي، إلا أن للوارث حق الإبطال فيما زاد على الثلث، فكانت إجازته إسقاطًا لحقه، والإسقاط يتم بنفسه، فسلم المال للموصى له من جهة الميت.

أما في مسألتنا فالوصية صادفت مال الغير فتوقفت على الإجازة، وعند الإجازة تصير هبة من جهة صاحب المال فلا تتم قبل التسليم، كذا في شروح الجامع الصغير

(4)

(5)

.

ثم أقر أحدهما لرجل أن الأب أوصى له بثلث ماله يعني أن الوارث الآخر غائب أو حاضر وأنكر.

بخلاف ما إذا أقر أحدهما بدين لغيره أي لو أقر بالدين دفع جميع نصيبه إذا كان الدين مستغرقًا نصيبه فلا يخرج عنها بالانفصال، كما في البيع يعني تسري الوصية إلى الولد الحادث قبل القسمة كما يسري البيع إلى الولد الحادث قبل القبض، وإذا سرت

(6)

الوصية إلى الولد صار كأن الولد كان

(7)

موجودًا فأوصى بهما وقيمتهما

(8)

مثل نصف المال تنفذ الوصية في ثلثي

(9)

كل واحد منهما كذا ههنا.

(1)

في (ب): الورثة، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): عن، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ب): في شرح الجامع الصغير، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(5)

ينظر: العناية (10/ 459)، البناية (13/ 437).

(6)

في (ج): اشترى، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (ب): صار، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(8)

في (ب): بها وقيمتها، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ج): ثلث، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 151

وله أن الأم أصل أي في الوصية، والولد تبع فيه أي في الوصية على تأويل الإيصاء، وإنما قلنا إن الأم أصل في الوصية؛ لأن الإيجاب تناول الجارية قصدًا ثم سرى حكم الإيجاب إلى الولد ولا مساواة بين الأصل والتبع فتقيد

(1)

الوصية بالأم، ثم يكون له من الولد قدر ما بقي من الثلث، وتنفيذ الوصية في جميع الأم كان مستحقًّا قبل الولادة فلا تتغير بزيادة المال بخلاف البيع؛ لأن تنفيذ البيع في التبع لا يؤدي إلى نقضه في الأصل أي وجود التبع لا يؤثر في حق الأصل، فإن كل

(2)

الأصل مبيع كما كان سوى أن بعض الثمن خرج عن أن يكون مقابلًا له لضرورة أن ذلك البعض

(3)

من الثمن وقع بمقابلة الولد ولا يضر ذلك؛ لأن الثمن يجري مجرى البيع

(4)

فصار بمنزلة حط

(5)

بعض الثمن، وذلك لا يقدح في أن يكون البيع

(6)

مبيعًا بجملته كما كان.

بخلاف الوصية فإنها عند مزاحمة الولد يخرج بعض الأصل عن الوصية

(7)

فلا يجوز أن يكون التبع

(8)

ناقضًا لشيء من الأصل.

وقوله: إلا أنه لا يقابله، أي لا يقابل بعض الثمن الأصل لأن ذلك البعض صار بمقابلة الولد إذا اتصل به القبض وقيد باتصال القبض للولد

(9)

للمقابلة؛ لأن مقابلة بعض الثمن بالولد إنما يكون أن لو كان مقبوضًا بالأصل وإلا فلا.

والله أعلم.

‌فصل في اعتبار حالة الوَصية

لما ذكر الحكم الكلي في الوصية وهو الحكم الذي يتعلق بثلث المال ذكر في هذا الفصل أحكامًا تتعلق بالأحوال المتغيرة من وصف إلى وصف لما أن هذه الأحوال بمنزلة العوارض والأحكام المتعلقة

(10)

بثلث المال بمنزلة الأصول والأصل مقدم على العارض.

جاز الإقرار وبطلت الوصية وهذا بناء

(11)

على أن المعتبر في جواز الوصية وفسادها كون الموصَى له وارثًا أو غير وارث يوم الموت لا يوم الوصية.

(1)

في (أ): وتنفيذ، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ج): كان، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (ب): لبعض، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ب): التبع؛ وفي (ج): المبيع، وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(5)

في (ج): خليط؛، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ج): المبيع، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (ج): يخرج بعض الوصية، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

في (أ) و (ج): الثمن، وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(9)

في (ب): بالولد، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(10)

في (ج): المشتغلة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(11)

في (ج): ينافي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 152

والمعتبر في فساد الإقرار وجوازه كون المقَر له وارثًا للحال لأن الإقرار تمليك للحال فمتى كان المقَر له وارثًا يوم الإقرار لا يصح إقراره إذا كان المقِر مريضًا كذا في المغني

(1)

.

وقد ذكرنا قبل هذا منقولًا من المبسوط إن صار الوارث وارثًا بسبب تجدد بعد الإقرار كان الإقرار صحيحًا وإن ورث بسببٍ كان قائمًا وقت الإقرار لم يصح الإقرار.

وقال زفر إقراره باطل أيضًا لأن إقرار المريض بمنزلة التمليك ولهذا لا يصح للوارث.

ولنا أن الإقرار يثبت الحكم بنفسه أي من غير أن يتوقف إلى شرط زائد كالموت في باب الوصية.

ولا يبطل بالدين أي الإقرار لا يبطل بالدين، إلا أن الثاني يؤخر عنه أي تنفيذ حكم الإقرار في حالة المرض يؤخر عن تنفيذ حكم الإقرار الذي في حالة الصحة.

بخلاف الوصية أي تبطل الوصية التي أوصى لامرأة أجنبية بشيء ثم تزوجها ثم مات وهي امرأته؛ لأنه أي لأن الوصية بتأويل الإيصاء

(2)

إيجاب عند الموت وهي وارثة عند ذلك.

وذكر الإمام التمرتاشي: لا يجوز إقرار المريض لوارثه بدين أو عين إلا إقراره لامرأته بالمهر إلا أن يقر بأكثر من مهر مثلها

(3)

.

فإن قيل: لو أقر بوارث يجوز فكذا إذا أقر لوارث.

قلنا: إذا أقر بوارث إنما يجوز لأنه أوجب له مشاركة مع الورثة في الميراث فجاز كما لو كانت تحته زوجة فتزوج بأخرى في المرض لأنه أوجب لها مشاركة في الميراث كذا هنا؛ ولو أرادت المريضة هبة مهرها من زوجها فالوجه فيه أن يقر بمهرها لأجنبي ثم يتبرع الأجنبي على زوجها؛ والإقرار وإن كان ملزمًا بنفسه لكن سبب الإرث وهو البنوة قائمة وقت الإقرار إلى قوله بخلاف ما تقدم.

قال الإمام التمرتاشي: وإن أقر له وهو غير وارث ثم صار وارثًا يوم مات إن كان ذلك بقرابة بطل إقراره؛ بأن أقر لابنه النصراني ثم أسلم النصراني بطل الإقرار لأنه أقر وسبب التهمة قائم وهو القرابة؛ وإن صار وارثًا بولاء أو زوجية بأن أقر لأجنبية ثم تزوجها أو والاها ثم مات لم يبطل إقراره لأنه أقر وليس بينهما سبب تهمة فلا يبطل إقراره بحدوث سبب بعده.

وهذا بخلاف ما إذا أوصى لأجنبية ثم تزوجها ثم مات بطل كله؛ لأن الوصية تمليك وقت الموت.

وكذا لو كان الابن عبدًا أو مكاتبًا فأعتق أي لا تصح الوصية والهبة له لأن الوصية مضافة إلى وقت الموت.

(1)

ينظر: العناية (10/ 461).

(2)

في (ب): بتأويل الإيصاء عند الموت؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (18/ 31).

ص: 153

أما إذا أقر له بدين ثم أعتق قبل الموت لم يذكر ههنا.

وذكر في كتاب الإقرار أنه إن لم يكن عليه أي على العبد

(1)

دين يصح [إلى آخره

(2)

(3)

.

يقال: فلجت الشيء فلجين، أي: شققته نصفين، ومنه المفلوج؛ لأنه ذهاب النصف، عن ابن دريد

(4)

وقد فلج الرجل فهو مفلوج.

والشلل فساد في اليد يقال: شلت يده تشَل بالفتح والمسلول الذي سل أنثياه

(5)

أي نزعت خصيتاه كذا في المغرب

(6)

.

لأنه إذا تقادم العهد صار طبعًا من طباعه لأن المغيِّر لحكم التصرف مرض الموت، ومرض الموت ما يكون سببًا للموت غالبًا، وإنما يكون سببًا للموت إذا كان يزداد حالًا فحالًا إلى أن يكون آخره الموت؛ فأما إذا استحكم فصار بحيث لا يزداد ولا يخاف منه الموت لا يكون سببًا للموت كالعمى ونحوه؛ وإنما يكون في حكم المريض في أول ما أصابه ذلك إذا صار صاحب فراش وصاحب السِل والدِق قبل أن يصير صاحب فراش لا يكون في حكم المريض لأن الإنسان قل ما يخلو عن قليل مرض فما دام يخرج في حوائجه بنفسه ولم يصر صاحب فراش لا يعد مريضًا عند الناس كذا ذكره الإمام قاضي خان

(7)

:.

والله تعالى أعلم.

* * *

(1)

في (أ): العيب؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ وَهُوَ ابْنُهُ، وَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا وَقْتُ الْمَوْتِ. ينظر: الهداية (4/ 525)، العناية (10/ 462)، البناية (13/ 443).

(4)

هو: العلامة شيخ الأدب أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي البصري صاحب التصانيف، تنقل في فارس وجزائر البحر يطلب الآداب ولسان العرب ففاق أهل زمانه، ثم سكن بغداد. وكان أبوه رئيسا متمولا. ولأبي بكر شعر جيد. ينظر: سير أعلام النبلاء (15/ 96)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (4/ 323).

(5)

في (أ): ثلثاه؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

ينظر: المغرب (ص: 232).

(7)

ينظر: العناية (10/ 463)، البناية (13/ 444).

ص: 154

‌بابُ العتق في مرض الموت

فالإعتاق أيضًا من أنواع الوصية إذا وُجد في مرض الموت، لكن له أحكام مخصوصة؛ فلذلك أفرده بباب على حدة، وأخَّره عن أبواب صريح الوصية لأن الصريح هو الأصل.

والمراد أي المراد بقوله: فهو وصية الاعتبار من الثلث لا حقيقة الوصية، فإن الوصية عبارة عما أوجبه الموصي

(1)

في ماله بعد موته متطوعًا كالضمان والكفالة؛ غاير بينهما بالعطف لأن الضمان أعم من الكفالة فإن من الضمان ما لا يكون كفالة بأن قال لأجنبي: خالع امرأتك على ألف على أني ضامن؛ وكذلك لو قال: بع هذا العبد بألف على أني ضامن لك بخمسمائة من [الثمن]

(2)

سوى الألف، فإن بدل الخلع يكون على الأجنبي لا على المرأة

(3)

والخمسمائة على الضامن دون المشتري.

وما نفذه من التصرف أي نجَّزه في الحال ولم يضف إلى ما بعد الموت.

والأصل أن الوصايا إذا لم يكن فيها ما جاوز الثلث فكل من أصحابها يضرب بجميع وصيته في الثلث؛ معناه: إذا لم يكن في كل فرد من أفراد الوصايا ما جاوز الثلث مثل أن يوصي بالربع والسدس لا يقدم البعض على البعض لأنهم استووا في سبب الاستحقاق.

وفي المبسوط في باب الوصية بأكثر من الثلث: ولو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربع ماله ولآخر بسدس ماله فأجازت الورثة أخذ كل واحد منهم وصيته كاملة؛ لأن في المال وفاء بما أوجبه لكل واحد منهم [وزيادة]

(4)

؛ فإن لم يجيزوا ضرب كل واحد منهم في الثلث بوصيته فتكون القسمة بينهم على طريق العول بالاتفاق؛ لأن الوصايا كلها وقعت في الثلث واستوت في القوة فيضرب كل واحد منهم بجميع حقه إلا العتق الموقع في المرض.

والعتق المعلق

(5)

بموت الموصي كالتدبير الصحيح؛ احترازًا عما لو قال: هو حر بعد موتي بيوم على ما يجيء، فإن ذلك لا يقدم على الوصايا لأنه ليس بتدبير صحيح حيث لا يعتق بنفس الموت.

وأما العتق الموقع بموت الموصي أو المحاباة في البيع في المرض أنه يبدأ بذلك قبل الوصايا

(6)

ثم يتضارب أهل الوصايا بعد ذلك في باقي الثلث بقدر وصاياهم؛ لأن العتق أقوى من الوصية لأنه لا يلحقه

(7)

الفسخ، والوصية يلحقها الفسخ فيبدأ بالعتق؛ وكذلك المحاباة لأنها تثبت

(8)

في ضمن المعاوضة ومن قضية المعاوضة اللزوم؛ ولزمت الوصية التي في ضمن المعاوضة فكانت أقوى من الوصايا

(9)

المطلقة كذا في الإيضاح

(10)

.

(1)

في (ب): الميت؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(2)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): لا على الضامن؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (أ): المتعلق؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (أ): القضايا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ج): يلحقه؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

في (ج): سبب؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(9)

في (أ): القضايا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(10)

ينظر: البناية (13/ 448).

ص: 155

وقوله: والمحاباة في البيع بالرفع عطفًا على قوله إلا العتق الموقع.

وقوله: لأن الوصايا قد تساوت تعليل لقوله: لا يقدم البعض على البعض؛ ثم صورة تقديم العتق وعدم التقديم ما ذكره في باب الوصية في العتق من وصايا المبسوط.

وقال: وإذا أوصى بعتق عبده بعد موته، أو قال: أعتقوه، أو قال: هو حر بعد موتي بيوم ليس هذا من العتق الذي يبدأ به؛ وإنما يبدأ به إذا قال: هو حر بعد موتي مبهمًا أو أعتقه في مرضه البتة، أوقال: إن حدث لي حدث في مرضي هذا فهو حر فهو يبدأ به قبل الوصية؛ وكذلك كل عتق يقع به بعد الموت بغير وقت يبدأ به قبل الوصية؛ وكان المعنى فيه أن العتق الذي يقع بنفس الموت بسببه يلزم في حال الحياة على وجه لا يحتمل الرجوع عنه بخلاف الوصية بالعتق فإنه يحتمل الرجوع عن.

ولكن هذا لا يستقيم في قوله: إن حدث بي حدث في مرضي هذا فإن هذا يحتمل الفسخ [ببيع الرقبة ولو قال هو حر بعد موتي بيوم فإن سببه لا يحتمل الفسخ]

(1)

بالرجوع عنه، ومع ذلك لا يكون مقدمًا على سائر الوصايا ولكن الحرف الصحيح فيه أن نقول: ما يكون منفذًا

(2)

عقيب الموت من غير حاجة إلى التنفيذ

(3)

فهو في المعنى أسبق

(4)

مما يحتاج إلى تنفيذه

(5)

بعد الموت؛ لأن هذا بنفس الموت يتم والترجيح يقع بالسبق؛ يوضحه أن العتق المنفذ

(6)

بعد الموت مستحق استحقاق الديون فإن صاحب الحق ينفرد باستيفاء دينه إذا ظفر بجنس حقه وهنا يصير مستوفيًا حقه بنفس الموت؛ والدين مقدم على الوصية فالعتق الذي هو في معنى الدين يقدم أيضًا؛ فأما ما يحتاج إلى تنفيذه

(7)

بعد الموت فهو ليس في معنى الدين فيكون بمنزلة سائر الوصايا؛ ثم صورة قوله: فإن حابى ثم أعتق وضاق الثلث عنهما فالمحاباة أولى عند أبي حنيفة: ما ذكره في باب الوصية بالعتق والمحاباة من كتاب العتق

(8)

والدين من المبسوط؛ فقال وإذا باع الرجل في مرضه عبدًا من رجل بألف درهم وقيمته ألفان ثم أعتق عبدًا له آخر يساوي ألفًا ولا مال له غيرهما فالمحاباة

(9)

أولى من العتق عند أبي حنيفة:، وإذا بدأ بالعتق تحاصا فيه.

(1)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (أ): مبعدًا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (أ): التبعيد؛ وفي (ج): التقييد؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(4)

في (أ): اشتق؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (أ): تبعيده؛ وفي (ج): تقييده؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(6)

في (أ): المبعد؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (أ): تبعيده؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ب) و (ج): العين؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(9)

المحاباة في البيع: حط بعض الثمن؛ وهي مفاعلة من العطاء. ينظر: طلبة الطلبة (ص/ 163)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 407).

ص: 156

وعند أبي يوسف ومحمد: العتق أولى على كل حال؛ فعندهما يعتق العبد مجانًا لأن قيمته بقدر الثلث ويخير المشتري إن شاء نقض البيع ورد العبد بما لزمه من الزيادة في الثمن ولم يرض به؛ وإن شاء أمضى العقد وأدى كمال قيمة العبد ألفي درهم.

وعند أبي حنيفة: المحاباة أولى لأنه بدأ بها فيسلم العبد للمشتري بألف ولم يبق من الثلث شيء إلا أن العتق لا يمكن رده فيسعى العبد في قيمته للورثة، فإن كانت قيمة المعتَق

(1)

ألفًا وخمسمائة فعلى قول أبي حنيفة: يبدأ بالمحاباة كما بينا، ثم يسلم للمعتق باقي الثلث من قيمته وهو مائة وستة وستون وثلثان لأن جملة المال ثلاثة آلاف وخمسمائة، وقد يسلم للمشتري بالمحاباة [مقدار ألف ويسلم للعبد ما بقي من الثلث، وعندهما العتق مقدم فيسلم للعبد]

(2)

مقدار الثلث ويسعى فيما بقي وهو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ويخير المشتري كما بينا.

وقوله: وغيره يلحقه، أي: وغير العتق المنجز يلحقه الفسخ كالوصية بالعتق والوصية بالمال.

يستوي فيه مَن سواهما أي سوى العتق والمحاباة ولا معتبر بالتقديم في الذكر لأنه لا يوجب

(3)

التقدم في الثبوت.

ألا ترى أنه إذا أوصى بثلث ماله لفلان ولفلان ولفلان كان بينهم أثلاثًا وصل أم فصل، ولا عبرة بالبداية لأن الموصى لهم مختلفون فكذا فيما نحن فيه العتق وصية للمعتق والمحاباة للمشتري كذا في الأسرار

(4)

.

وذكر في الكتاب أيضًا قبيل باب الوصية بثلث المال بقوله: بخلاف ما إذا أوصى به أي بالعبد لرجل ثم أوصى به لآخر أي أنهما يشتركان؛ لأن المحل يحتمل الشركة فعلم بهذا أنه لا اعتبار بالتقديم.

فإن قلتَ: أين ذهب قولنا في الفصل الذي يجيء بعد هذا بقوله: ومن أوصى بوصايا من حقوق الله تعالى قدمت الفرائض منها؛ فإن تساوت في القوة بدأ بما قدمه الموصي إذا ضاق عنها الثلث؛ فعلم بهذا أن لتقديم الموصي اعتبارًا عند تساوي القوة؛ وههنا أيضًا العتق والمحاباة يستويان في القوة فإنه لو كان للعتق رجحان من حيث أنه لا يلحقه الفسخ وللمحاباة أيضًا رجحان من حيث أنها تثبت في ضمن عقد المعاوضة فيستويان؛ فلما استويا وجب أن يبدأ بما قدمه الموصي كما هو حكم سائر الوصايا.

(1)

في (ب): العبد؛ وما أثبت من (أ) و (ج) لا يختلف في المعنى.

(2)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ج): يوجب؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

ينظر: العناية (10/ 465)، تكملة فتح القدير (10/ 466).

ص: 157

قلتُ: وجوب تقديم ما قدمه الموصي عند تساوي الوصايا في القوة إنما هو في الوصايا التي هي حقوق الله تعالى وهي نوافل مختلفات؛ كالحج النفل والصدقة النافلة وعتق نسمة بغير عينها لأن المستحق واحد.

وأما في حقوق العباد فالوصايا كلها مستوية، ولا اعتبار لتقديم الموصي على ما ذكرنا أنه لو أوصى بثلث ماله لفلان ولفلان ولفلان كان بينهم أثلاثًا وصل أم فصل، ولا اعتبار لتقديم الموصي؛ والذي نحن فيه من قبيل حقوق العباد

(1)

على ما ذكرنا فيجب أن لا يكون لتقديم الموصي اعتبار؛ هذا كله مما أشار إليه في الأسرار

(2)

.

وذكر في المبسوط: وإنما يبدأ بما بدأ به الموصي إذا كان لمستحق واحد فأما إذا كان لمستحقَيْن فلا؛ كما لو أوصى بثلثه [لإنسان ثم أوصى بثلثه]

(3)

لآخر فكان تبرعًا بمعناه لا بصيغته

(4)

، وهذا لأن سبب المحاباة التجارة؛ فإن البيع بالمحاباة عقد تجارة حتى يجب للشفيع الشفعة في الكل، والشفعة تختص بالمعاوضات دون التبرعات

(5)

؛ ولهذا قلت أن البيع بالمحاباة يصح من العبد المأذون والصبي المأذون وبالمرض لا يلحقه الحجر [عن التجارة]

(6)

.

وأما العتق فتبرع محض وبالمرض يصير محجورًا عن التبرعات فكانت المحاباة أقوى سببًا من العتق لما أن سبب المحاباة التجارة؛ ومن حيث الحكم العتق أولى لأنه لا يحتمل الفسخ لما كان للمحاباة رجحان من حيث السبب وللعتق رجحان من حيث الحكم استويا في القوة؛ ثم إذا سبقت المحاباة العتق ويثبت في الثلث ثم جاء العتق والمحاباة ثابتة

(7)

ومالها بعد ثبوتها حكم الهبة بوجه؛ بدليل أن الشفيع يأخذ كذلك بالشفعة ولا شفعة في الهبة، والعتق تبرع فلا يزاحمها العتق لا بحكم البداية بل بحكم التحاقها بضمان التجارة؛ دل عليه أن العبد المأذون إذا اشترى أمة فوطئها ثم استحقت أخذ بالعقد للحال بحكم ضمان التجارات؛ لأنه لزمه بسبب الشراء لولاه لَحُدَّ؛ ولو تزوجها بغير أمر المولى فوطئها لم يؤاخذ بالعقد حتى يعتق لأن سببه ليس بتجارة فتغير

(8)

الحكم بسببه، فجاز تغير المحاباة بسببها أيضًا؛ وينظر إلى سببها وهو التجارة لا إلى المحاباة

(9)

التي فيها معنى الهبة والتبرع.

(1)

في (ج): الوالدين؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(2)

ينظر: تكملة البحر الرائق (8/ 502).

(3)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

في (ج): لا بصفته؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ب): البيوعات؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى.

(6)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (ج): تابعة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

في (ب): فعقد؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ج): التجارة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 158

فإن قيل: لو حابى ثم حابى ولا يخرجان من الثلث تحاصَّا ولم يترجح الأول من الوجه الذي قلته، فإن على قوله ما ذكرته يلزم أن ينفذ الأولى ثم الثانية.

قلنا: إنما كان هكذا لأن ما يحتمل النقض من تبرعات المريض ينفذ ثم ينقض إذا لم يخرج من الثلث؛ وإذا كان كذلك نفذناه جميعًا ثم نقضناه

(1)

بعد الموت [وثبت لهما]

(2)

بحكم الوصية وهما نافذتان

(3)

فاستويا، هذا كله مما أشار إليه في المبسوط

(4)

والأسرار.

قسم [الثلث]

(5)

بين العتق الأول والمحاباة لأن العتق الثاني مؤخر عن المحاباة فلا يزاحمها، والعتق الأول مقدم على المحاباة فيزاحمها في الثلث؛ ثم ما أصاب العتق الأول شاركه فيه العتق الآخر للمجانسة والمساواة بينهما.

فإن قيل: كيف يستقيم هذا ولم يصل إلى صاحب المحاباة كمال حقه كان ينبغي أن يسترد صاحب المحاباة ما أخذ صاحب العتق الثاني؛ لأن حق صاحب المحاباة مقدم على حق صاحب العتق الثاني كما لو كانا معًا وليس معهما عتق آخر وتقدمت المحاباة.

قلنا: لا كذلك فإنه لو استرد ذلك منه استرد منه العتق الأول؛ لأن حق العتق الأول وحق المحاباة سواء في الثلث، فيؤدي ذلك إلى دور لا ينقطع والسبيل في الدور أن يقطع، وأن يقضِ صاحب المحاباة البيع لما لزمه من زيادة الثمن كان الثلث بين المعتقين نصفين لاستواء حقهما، كذا في باب الوصية بالعتق والمحاباة من كتاب العين والدين من المبسوط

(6)

.

بهذه المائة أي: المعينة، وبقي شيء من الحجَّة يرد على الورثة إلا أن يكون الموصي جعل الفضل للذي يحج عنه فيكون له، كذا ذكره الإمام الكشاني

(7)

.

وهذا أشبه أي أشبه إلى الصواب لأنه ثبت بالدليل أنه حق العبد عنده فيختلف المستحق إذا هلك شيء منه.

ومن أوصى بعتق عبده أي: بإعتاق عبده؛ لأنه يتلقى الملك من جهته أي لأن الموصى له يأخذ الملك من جهة الموصي؛ إلا أن ملكه أي ملك الموصى فيه باقٍ لحاجة الميت حتى لو كان العبد ذا رحم محرم من الورثة لا يعتق لما بينا أن ملك الميت باق بعدُ لحاجته؛ وهذا لأن ملك الورثة ملك خلافة فلا يثبت ما لم يستغن الأصل منه كذا في مبسوط فخر الإسلام

(8)

.

(1)

في (ب): نفذناه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى.

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): ناقضتان؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ينظر: المبسوط (28/ 9)، العناية (10/ 466).

(5)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ينظر: المبسوط (28/ 134).

(7)

ينظر: العناية (10/ 467).

(8)

ينظر: العناية (10/ 468)، البناية (13/ 451).

ص: 159

كما إذا باعه الموصي أو بيع بعد موته بسبب الدين؛ كان الفداء في مالهم أي كانوا متطوعين؛ فقال الموصى له أعتقه في الصحة يعني أن إعتاق هذا العبد لم يقع وصية بل نفذ العتق بدون الوصية، ووصيته بثلث ماله صحيح فيما وراء العبد؛ وإنما يقول بهذا لأن الإعتاق لو وقع وصية وقيمة العبد ثلث المال لم يكن للموصى له بالثلث شيء من وصيته؛ لأن الوصية بالعتق مقدمة على الوصية بالثلث بالاتفاق.

وقال الوارث أعتقه في المرض أي في مرض موته فكأن إعتاقه وقع وصية والوصية بالعتق مقدمة في حق التنفيذ على الوصية بالثلث، وصار الثلث كله مشغولًا بعتق العبد أو بعضه والقول قول الورثة فيه؛ لأن الورثة ينكرون ثبوت حق الموصى له، والقول قول المنكِر، والموصى له يدَّعي فلا يصدق في دعواه إلا بالحُجة إلى هذا أشار الإمام المحبوبي

(1)

.

والعتق في الصحة لا يوجب السعاية وإن كان على المعتق دين؛ لأن من أعتق عبدًا في صحته ثم مات وعليه دين لم يسعَ العبد له في شيء فهذا مثله، وهذا لأن الإقرار بهذين الأمرين في حالة المرض إنما يمنع أحدهما الآخر أن لو كان أحدهما متأخرًا عن الآخر فيَمنع المتقدم المتأخرَ، وههنا لما حصلا معًا بتصديق واحد يجعل كأن الأمرين كانا وثبتا بالبينة فيثبتان معًا لذلك.

ولأبي حنيفة: وجهان؛ أحدهما: أن الإقرار بالدين أقوى على ما ذكر، والثاني: على أن العتق لا يمكن إسناده إلى حالة الصحة فلذلك ثبت الدين من كل وجه ويثبت العتق من حيث الصورة لا من حيث المعنى؛ لأن إعتاق المريض المديون يُرد من حيث المعنى بوجوب السعاية

(2)

وصار تصديق الوارث بمنزلة تصديق الميت.

ولو قال العبد لمولاه المريض: أعتقتني في صحتك، وقال رجل آخر: لي عليك ألف درهم دين، فقال المريض: صدقتما؛ عتق العبد ويسعى في قيمته للغريم كذلك ههنا؛ كذا في شرح الجامع الصغير لقاضي خان

(3)

(4)

وغيره

(5)

؛ فعنده الوديعة أقوى، وعندهما هما سواء.

وذكر فخر الإسلام والكشاني وغيرهما الوديعة أقوى عندهما لا عنده، فقال فخر الإسلام: رجل قال للوارث هذه الألف كانت وديعة لي عند أبيك، وقال الآخر: لي على أبيك ألف درهم؛ أن الوارث إذا قال صدقتما كانت الوديعة أولى عندهما.

(1)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 158)، تكملة البحر الرائق (8/ 426).

(2)

في (ب): من حيث السعاية؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

هو شرح الجامع الصغير للإمام: الحسن بن منصور الأوزجندي الفرغاني الحنفي المشهور: بقاضي خان. المتوفى: سنة 592 هـ. ينظر: كشف الظنون (1/ 563).

(4)

ينظر: العناية (10/ 469).

(5)

ينظر: العناية (10/ 469).

ص: 160

وذكر في المنظومة

(1)

(2)

في كتاب الإقرار من باب أبي حنيفة: ما يؤيد ما ذكره فخر الإسلام والكشاني فقال لو تركت

(3)

ألف وهذا يدعي دينًا وذاك قال هذا مدعي والابن قد صدَّق هذين معًا استويا وأُعطيا من أودعا.

والله تعالى أعلم.

* * *

‌فصلٌ

قدم باب العتق في المرض على هذا الفصل لقوة العتق في المرض؛ لأنه لا يلحقه الفسخ بخلاف مسائل هذا الفصل؛ ومن أوصى بوصايا من حقوق الله تعالى قدمت الفرائض منها قدمها الموصي أو أخرها مثل الحج والزكاة إلى آخره

(4)

.

اعلم أن من مات وعليه حقوق الله تعالى من زكاة أو صدقة فطر أو كفارة أو نذر أو حج أو صيام أو صلاة أو ما أشبه ذلك من غير وصية فإنه لا يؤخذ ذلك من تركته عندنا؛ إلا إن يتبرع ورثته بذلك وهم من أهل التبرع، وإن امتنعوا لم يجبروا عليه؛ ولو أوصى بذلك يجوز وينفذ من ثلث ماله، وهذا عندنا وعند الشافعي: يؤخذ من تركته؛ ثم الوصايا لا يخلو إما أن يكون كله لله تعالى أو كله للعباد؛ وما كان لله تعالى لا يخلو إما أن يكون كله فرائض كالزكاة والحج والصوم والصلاة؛ أو كله واجبات كالكفارات والنذور وصدقة الفطر؛ أو كله تطوع كالوصية بحج [التطوع]

(5)

والصدقة على الفقراء وما أشبهها.

وإن جمع بين هذه الوصايا كلها فإن كان ثلث ماله يحتمل جميع ما أوصى فإنه تنفذ وصاياه كلها من ثلث ماله؛ وإن كان ثلث ماله لا يحتمل ذلك إن أجازت الورثة فكذلك؛ وإن لم يجز الورثة فإنه ينظر إن كانت وصاياه كلها لله تعالى فإنه ينظر إن كانت

(6)

فرائض فإنه يبدأ بما بدأ به الميت.

وإن كانت واجبات فإنه يبدأ بما بدأ به أيضًا، وكذلك إن كانت كلها تطوعًا؛ وإن كانت بعضها فرائض وبعضها واجبات وبعضها تطوع فإنه يبدأ بالفرائض أولًا - وإن أخرها - ثم بالواجبات ثم بالتطوع

(7)

.

(1)

منظومة النسفي في الخلاف لأبي حفص عمر بن محمد بن أحمد النسفي. المتوفى: سنة 537 هـ. ينظر: كشف الظنون (2/ 1867).

(2)

المنظومة (384 - 385).

(3)

في (ب): فقال تركت؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

مِثْلَ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ؛ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ أَهَمُّ مِنْ النَّافِلَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ. ينظر: الهداية (4/ 528)، العناية (10/ 470)، البناية (13/ 455).

(5)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): كلها؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ب): وإن أخرها بالتطوع ثم بالواجبات؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 161

وإن جمع هذه الوصايا يتضاربون في الثلث بوصاياهم فما أصاب العباد فهو لهم لا يقدم بعضهم على البعض، وما كان لله تعالى يجمع ذلك كله؛ فيبدأ منها بالفرائض ثم الواجبات ثم النوافل هذا إذا لم يكن بالوصية عتق منفذ ولا محاباة منجزة؛ فإن كان فيها عتق منفذ أومحاباة منجزة فإن في قول أبي

حنيفة: إن كانت المحاباة متقدمة على العتق يصرف

(1)

الثلث كله إلى المحاباة ثم إلى العتق ثم إلى سائر الوصايا على ما بيَّنَّا؛ هذا كله من زكاة شرح الطحاوي

(2)

.

فإن تساوت في القوة بُدئ بما قدمه الموصي إذا ضاق عنها الثلث.

ألا ترى أنه لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السعي بأيهما نبدأ؛ قال: «ابدءوا بما بدأ الله به»

(3)

، فالزكاة تعلق بها حق العباد لأن حق الفقير في القبض ثابت فكان ممتزجًا بحَقّيْن؛ والحج يخص حق الله تعالى فكانت الزكاة أقوى.

وقوله: فكان الحج أقوى؛ لأن فيه تأدية الوظيفتين البدنية والمالية، وفي الزكاة تأدية وظيفة واحدة؛ ولأن الحج فرض العمر فكان فرض العمر أقوى لشموله من فرض السنة وقد جاء فيها

من الوعيد؛ أما في حق الزكاة فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}

(4)

الآية، وأما في حق الحج فقوله تعالى:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}

(5)

مكان قوله: ومن لم يحج؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه حجة الإسلام إن شاء مات يهوديًّا وإن شاء نصرانيًّا وإن شاء مجوسيًّا»

(6)

.

(1)

في (ب): يضرب؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: البناية (13/ 458).

(3)

أخرجه مسلم في (صحيحه) كتاب الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 886 رقم الحديث: 1218).

(4)

سورة التوبة: 34.

(5)

سورة آل عمران: 97.

(6)

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ غ: "مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ عَنْ الْحَجِّ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ فَمَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا شَاءَ نَصْرَانِيًّا".

رواه الدارمي في سننه (2/ 28)، والبيهقي في السنن (4/ 334) والروياني في مسنده (2/ 301) وابن الجوزي في الموضوعات (1155) من طرق عن شريك عن ليث عن عبد الرحمن ابن سابط عن أبي أمامة.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 169) بعد إيراده للحديث: هذا منكر عن شريك.

والحديث قد روي بألفاظ أخرى عن عدد من الصحابة:

1 -

عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ غ: " مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَذَلهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} آل عمران.

رواه الترمذي (812) وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَهِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ، وَالْحَارِثُ يُضَعَّفُ فِي الْحديث.

2 -

عن أبي هريرة- رضي الله عنه -قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس، أو حاجة ظاهرة، أو سلطان جائر، فليمت أي الملتين شاء: إما يهوديا، وإما نصرانيا".

رواه ابن عدي في الكامل (4/ 112) في ترجمة عبدالرحمن بن القطامي، وابن الجوزي في الموضوعات 2/ 583 ح 1153.

3 -

عن عبد الرحمن بن غُنم أنه سمع عمر بن الخطاب- رضي الله عنه -يقول: من أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه يهوديا مات أو نصرانيا.

رواه الإسماعيلي كما عزاه ابن كثير في تفسيره (2/ 97)، قال ابن كثير عقب الأثر: وهذا إسناد صحيح إلى عمر.

ص: 162

والكفارة في القتل والظهار واليمين مقدمة على صدقة الفطر؛ وإنما قيد بهذه الكفارات [الثلاث]

(1)

في التقديم على صدقة الفطر دون كفارة الفطر لما أن صدقة الفطر مقدمة على كفارة الفطر لأن كفارة الفطر تثبت بخبر الواحد وصدقة الفطر وجبت

(2)

بأخبار مستفيضة والإجماع.

وعلى هذا القياس يقدم بعض الواجبات على البعض؛ فمن ذلك أن صدقة الفطر تقدم على النذور لأن صدقة الفطر تجب بإيجاب الله تعالى فتكون مقدمة على ما يجب بإيجاب العبد؛ والنذور والكفارات كلها مقدمة على الأضحية [لأن الأضحية]

(3)

اختلفوا في وجوبها ولم يختلفوا في وجوب النذور، والأضحية مقدمة على النوافل لأن الأضحية واجبة عندنا، ثم الترتيب بين الكفارات الثلاث أن كفارة القتل تقدم على غيرها لأن [كفارة]

(4)

القتل أقوى وأكثر تغليظًا من غيرها.

ألا ترى أن الإسلام شرط في ذلك دون سائر الكفارات ثم تقدم كفارة اليمين على كفارة الظهار لأن كفارة اليمين وجبت بهتك حرمة اسم الله تعالى وكفارة الظهار وجبت بإيجاب حرمة على نفسه فكانت كفارة اليمين أقوى؛ وما ليس بواجب قُدم ما قدمه الموصي بأن أوصى بأن يحج عنه تطوعًا وأوصى بأن يعتق عنه نسمة ولم يعينها تطوعًا؛ وأوصى بأن يتصدق عنه بمائة على الفقراء لا بأعيانهم

(5)

فإنه يبدأ بما بدأ به الميت؛ وإنما كان كذلك لأن الموصى له

(6)

في هذه الصورة واحد وهو الله تعالى؛ لأن الوصية بالحج صحت وكذلك الوصية بعتق نسمة لا يعينها

(7)

صحت لله تعالى لا للعبد؛ لأن العبد إذا لم يكن بعينه

(8)

كان مجهولًا والوصية للمجهول لا تصح فهو معنى قوله

(9)

: أن الموصى له واحد والمقصود واحد وهو التقرب إلى الله تعالى.

وقوله: لما بينا، إشارة إلى قوله:[لأن الظاهر]

(10)

أن يبدأ بالأهم وصار كما إذا صرح بذلك وهو أن يقول ابدءوا بما بدأت به لزمنا تقديم ذلك على سائر الوصايا حينئذ، كذا ههنا هذا هو ظاهر الرواية؛ وروى الحسن عن أصحابنا أنه يبدأ بالأفضل فالأفضل يبدأ بالصدقة ثم بالحج ثم بالعتق سواء بدأ بالصدقة أو أخرها؛ قالوا: إن الثلث يقسم عن جميع

(11)

الوصايا ما كان لله وما كان للعبد فيجعل كل جهة من جهات القربة منفردة بالضرب، ولا يجعل جهة واحدة نحو أن يقول: ثلث مالي في الحج والزكاة والكفارات ولزيد

(12)

يقسم على أربعة أسهم؛ لأن كل جهة من هذه غير الجهة الأخرى، والمقصود وإن كان متحدًا وهو القربة ولكن تعتبر الجهة المسماة لأن الجهة هي المنصوص عليها، وهو كما لو أوصى للفقراء والمساكين وابن السبيل يصرف لكل جهة سهم، وإن كان المقصود من الجميع القربة؛ هذا كله في الباب الأول من وصايا المبسوط

(13)

، والفصل الرابع من وصايا الذخيرة

(14)

، والباب السادس من وصايا الإيضاح

(15)

.

(1)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ج): ثبتت؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ب): ولم يعينهم؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(6)

في (ب): به؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى لسياق ما بعده.

(7)

في (ب): بعينها؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(8)

في (ب): لعينه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(9)

في (ب) و (ج): قولنا؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

في (ب): على سائر؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(12)

ينظر: العناية (10/ 472).

(13)

ينظر: المبسوط (27/ 175)، بدائع الصنائع (7/ 372)، العناية (10/ 472)، البناية (13/ 458).

(14)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 372)، العناية (10/ 472)، البناية (13/ 458).

(15)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 372)، العناية (10/ 472)، البناية (13/ 458).

ص: 163

وقد فرقنا بين هذا وبين الوصية بالعتق من قبل وذلك الفرق إنما وقع على قول أبي حنيفة: وهو الذي ذكره قبل هذا الفصل بقوله: وله أنه وصيته بعتق عبد يشترى بمائة وتنفيذها فيمن يشتري بأقل منه تنفيذ لغير الموصى له

إلى آخره

(1)

.

ومن خرج من بلده حاجًا قيد بقوله: حاجًا لأنه لو خرج للتجارة فإنه يحج من بلده هناك بالاتفاق؛ وإلى هذا أشار بعد هذا بقوله: بخلاف سفر التجارة؛ ثم هذا الخلاف فيما إذا كان له وطن فإن لم يكن له وطن فمن حيث مات بالاتفاق؛ لأنه لو تجهز بنفسه للحج إنما يتجهز من حيث هو فكذلك إذا أوصى؛ وهذا لأن من لا وطن له فوطنه حيث حل وإن أحجوا عنه من موضع آخر فإن كان أقرب إلى مكة فهم ضامنون؛ وإن كان أبعد لا ضمان عليهم لأن في الأول لم يحصّلوا مقصوده بصفة الكمال والإطلاق يقتضي ذلك؛ وفي الثاني حصلوا مقصوده وزيادة، وله

(2)

أن الوصية تنصرف إلى الحج من بلده إلى آخره

(3)

.

ولأبي حنيفة: وجهان: أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عمل ابن آدم ينقطع [بموته]

(4)

إلا ثلاثة [علم علمه الناس، وصدقة جارية، وولد صالح يدعو له بالخير»

(5)

، ذكر في كتاب الحج من هذا الكتاب]

(6)

؛ والخروج للحج ليس من الثلاثة فينقطع بالموت؛ والثاني أن خروجه إنما يكون قربة بطريق أنه يتوصل به إلى أداء الحج وقد تبين أن هذا الخروج ما كان يوصله إلى ذلك والدليل عليه أنه [ظهر]

(7)

بموته أن سفره كان سفر الموت لا سفر الحج، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أراد الله تعالى قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة»

(8)

، فكان هذا في المعنى وخروجه للتجارة سواء؛ ثم هناك يحج عنه من وطنه فهنا كذلك كذا في المبسوط

(9)

.

(1)

وَلَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ لِعَبْدٍ يَشْتَرِي بِمِائَةٍ وَتَنْفِيذُهَا فِيمَنْ يَشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْهُ تَنْفِيذٌ لِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُسْتَحَقُّ لَمْ يَتَبَدَّلْ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا يَدْفَعُ الْبَاقِيَ إلَيْهِ.

باب العتق في مرض الموت - ينظر: الهداية (4/ 527)، العناية (10/ 467)، البناية (13/ 450).

(2)

في (أ): ولنا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ أَدَاءً لِلْوَاجِبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ينظر: الهداية (4/ 529)، العناية (10/ 473)، البناية (13/ 460).

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

أخرجه مسلم في (صحيحه) كتاب الوصية باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (3/ 1255 رقم الحديث: 1631).

(6)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

أخرجه الترمذي في (سننه) كتاب أبواب القدر باب ما جاء أن النفس تموت حيث ما كتب لها (4/ 453 رقم الحديث: 2147)، وقال الترمذي:"هذا حديث صحيح"، وأحمد في (مسنده) مسند المكيين، حديث أبي عزة، (24/ 301 رقم الحديث: 15539)، والبخاري في (الأدب المفرد) باب إذا طلب فليطلب طلبا يسيرا ولا يمدحه (ص: 273 رقم الحديث: 780). قال الألباني في (صحيح الأدب المفرد)(ص: 291): صحيح.

(9)

ينظر: المبسوط (27/ 173).

ص: 164

فإن قلت: ما جواب أبي حنيفة: عما أورد مسألة الإطعام

(1)

عليه في الكفارة وهي أن المكفر إذا أطعم بعض المساكين ومات فأوصى وجب الإكمال بما يفي

(2)

بالاتفاق كذا في الأسرار

(3)

؛ ولم يبطل هناك ما أطعمه بموته؛ فيجب أن يكون في الحج كذلك.

قلتُ: قال أبو حنيفة: الفرق بينهما هو أن سفر الحج لا يقبل التجزيء في حق الأمر بدليل أن الأول لو بدا له في أن لا يحج بنفسه بعدما مشى بعض الطريق وفوض الأمر إلى غيره برضا الموصي

(4)

لم يجز، ولزمه رد نفقة أنفقها؛ وأما الإطعام فإنه يَقْبَل التجزيء حتى أن المأمور بالإطعام إذا أطعم البعض ثم ترك وأمر به غيره فإنه يجزئه كذا في الأسرار

(5)

.

على ما قررناه أراد به قوله قبيل هذا: ومن أوصى بحجة الإسلام أحجوا عنه رجلًا من بلده يحج راكبًا؛ لأن الواجب لله تعالى الحج من بلده إلى آخره

(6)

.

والله أعلم بالصواب.

* * *

‌بابُ الوصيَّة للأقارب وغيرهم

إنما أخر هذا الباب عما تقدمه لأن في هذا الباب ذكر أحكام وصية لقوم مخصوصين؛ وفيما تقدمه ذكر أحكام الوصايا على وجه العموم؛ والخصوص أبدًا يتلو العموم وجودًا فكذا ذكرًا وذلك عند اتحاد المسجد، وإذا اختلف المسجد زال الاختلاط؛ وما يُروى فيه ضعيف وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الجار أربعون دارًا هكذا وهكذا وهكذا»

(7)

، وهذا خبر لا يعرف، وقد طُعِن في راويه مع ذلك كذا في شرح الأقطع

(8)

.

(1)

في (أ): الأحكام؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب) و (ج): بقي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ينظر: العناية (10/ 473).

(4)

في (أ) و (ب): الوصي؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(5)

ينظر: العناية (10/ 473).

(6)

قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ رَاكِبًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ تَعَالَى الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ بَلَدِهِ، وَالْوَصِيَّةُ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: رَاكِبًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ. ينظر: الهداية (4/ 529)، العناية (10/ 472)، البناية (13/ 458).

(7)

روى الطبراني عن كعب بن مالك- رضي الله عنه -قال: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم -رجلٌ

فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم -أبا بكر وعمر وعليًا ن يأتون المسجد، فيقومون على بابه فيصيحون «ألا إن أربعين دارًا جار

».

وهذا الحديثُ ضعَّفَه الحافظُ ابنُ حجر في "فتح الباري"(10/ 548)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه "يوسف بن السَّفر" وهو متروك. ا. هـ مجمع الزوائد" 8/ 169.

ويوسف هذا قال عنه النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: متروك يكذب، وقال ابن عدي: روى بواطيل، وقال البيهقي: هو في عداد من يضع الحديث، وقال أبو زرعة وغيره: متروك. اهـ من "ميزان الاعتدال" 6/ 140. وفيه حديثٌ آخر في المعنى نفسِه وهو "حق الجوار إلى أربعين دارًا هكذا وهكذا يمينا وشمالًا وقدَّام وخلف" قال الهيثمي: رواه أبو يعلى عن شيخه محمد بن جامع وهو ضعيف. اهـ "مجمع الزوائد" 8/ 168.

(8)

ينظر: العناية (10/ 475).

ص: 165

ويستوي فيه الساكن والمالك قال محمد: في الزيادات

(1)

(2)

: وينبغي على قياس قول أبي حنيفة: أن يدخل السكان تحت الوصية من الجيران المتلازقين وإن كانوا لا يملكون المسكن، ومن كان مالكًا ولم يكن ساكنًا لا يدخل.

قال أبو بكر بن شاهويه

(3)

: فهذه كرحم أبيه من محمد في مذهب أبي حنيفة وليس كذلك فإنه بنى هذا الحكم على استحقاق الشفعة للملاك دون السكان كذا في المغني

(4)

.

ويدخل فيه العبد الساكن لإطلاقه ولا يدخل عندهما لأن الوصية لو

(5)

ثبتت لكان الاستحقاق للمولى [والمولى]

(6)

ليس بجار؛ فأما المكاتبون فيدخلون لأن الاستحقاق يثبت لهم؛ والأرملة تدخل لأن سكناها مضاف إليها؛ والتي هي ذات بعل لا تدخل لأن سكناها غير مضاف إليها فلم تكن جارًا حقيقة كذا في الذخيرة

(7)

والإيضاح

(8)

.

ومن أوصى لأصهاره أي لأقرباء امرأته؛ وفي الصحاح

(9)

الأصهار أهل بيت المرأة وإن كانت في عدة من طلاق [بائن]

(10)

لا يستحقها، وإن كانت ترث منه بأن كان الطلاق في حالة المرض كذا في المغني

(11)

.

ومن أوصى لأقاربه

(12)

فهي للأقرب فالأقرب إلى أن قال: وقالا: الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام؛ وهذا كان في زمن محمد: فإن في زمنه ما كان في أقرباء الإنسان الذين ينسبون إليه إلى أقصى أب له في الإسلام كثرة؛ فأما في زماننا ففيهم كثرة لا يمكن إحصاؤهم فتصرف الوصية إلى أولاد أبيه

(13)

وجده وجد أبيه وأولاد أمه وجدته وجد أمه؛ ولا تصرف إلى أكثر من ذلك كذا كان بخط شيخي: محالًا إلى بعض شروح المشائخ للمبسوط

(14)

.

(1)

سبق ص 141.

(2)

ينظر: العناية (10/ 475، 476).

(3)

هو: محمد بن أحمد بن علي بن شاهويه أبو بكر القاضي الشاهويه الفارسي سمع أبا خليفة الجمحي ويحيى بن زكريا الساجي روى عنه الحاكم أبو عبد الله ومات بنيسابور سنة إحدى وستين وثلاثمائة وردها رسولا جمع بين الفقه وعلم الحساب. ينظر: الجواهر المضية (2/ 18).

(4)

ينظر: العناية (10/ 476).

(5)

في (ج): لم؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 200)، تكملة البحر الرائق (8/ 805).

(8)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 200)، تكملة البحر الرائق (8/ 805).

(9)

في (أ): الصحيح؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 200)، تكملة البحر الرائق (8/ 805)، العناية (10/ 476).

(12)

من أوصى لأقربائه، فالوصية عند أبي حنيفة للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه، سواء المسلم والكافر والصغير والكبير، ولا يدخل فيهم الوالدان والولد؛ لأنهم لا يسمون أقارب ويكون ذلك لاثنين فصاعدا، لأن الوصية أخف من الميراث، وفي الميراث يعتبر الأقرب فالأقرب، والمقصد من هذه الوصية تلافي ما فرط في إقامة واجب الصلة وهو يختص بذي رحم محرم.

وقال الصاحبان: أبو يوسف ومحمد: الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام وهو أول أب أسلم أو أول أب أدرك الإسلام وإن لم يسلم، لأن القريب منشق من القرابة، فيكون اسما لمن قامت به.

ونص الحنفية على أنه لو أوصى لذوي قرابته أو قراباته أو لأنسبائه أو لأرحامه أو لذوي أرحامه فلها نفس الحكم.

-وقال المالكية: يختص ذلك بأقارب أبيه غير الورثة، إن كان له ذلك، وإن لم يكن دخل في الوصية أقارب أمه.

-وقال الشافعية: يدخل في ذلك كل قرابة له، وإن بعدت، عملا بعموم اللفظ مسلما كان أو كافرا، غنيا أو فقيرا، إلا الأصل (الأب والأم فقط) والفرع (أولاد الصلب فقط) فلا يدخلان في الأصح عندهم ولا يسمون أقارب عرفًا.

ينظر: تَكْمِلَة فَتْح الْقَدِير 10/ 477، والبدائع 7/ 348، وتبيين الْحَقَائِق 6/ 201، الشَّرْح الصَّغِير 4/ 591، 592، مُغْنِي الْمُحْتَاج 3/ 63، كَشَّاف الْقِنَاع 4/ 364، 287.

(13)

في (أ): ابنه؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(14)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 201)، تكملة البحر الرائق (8/ 508).

ص: 166

وقوله: فهي للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه إلى آخره

(1)

.

وحاصله أن عند أبي حنيفة في هذه المسألة يشترط ستة أشياء:

أحدها: أن يكون المستحق بهذا اللفظ ذا رحم محرم من الموصي.

والثاني: أن ذلك لا يتفاوت من قبل الآباء والأمهات.

والثالث: يجب أن يكون

(2)

ممن لا يرثه.

والرابع: أن يقدم الأقرب فالأقرب.

والخامس: أن يكون المستحق به اثنين فصاعدًا.

والسادس: أن لا يدخل فيه الولد والوالد، إلى هذا أشار في المبسوط

(3)

؛ ثم ذكر فيه وعندهما ذو الرحم المحرم وغير ذي الرحم سواء بل من يناسبه إلى أقصى أب له في الإسلام يستوون في الاستحقاق.

وفي بيان هذا اللفظ على قولهما وجهان أحدهما: أقصى أب له أسلم.

والثاني: أن من يناسبه إلى أقصى أب أدرك الإسلام يدخل في هذه الوصية سواء أسلم أو لم يسلم؛ وتفاوت ما بين القولين أن الموصي إذا كان عَلَويًّا

(4)

فعلى القول الأول أقصى الأب هو علي- رضي الله عنه -فلا يدخل في الوصية أولاد عقيل وجعفر.

وعلى الطريق الثاني: أقصى الأب هو أبو طالب لأنه أدرك الإسلام وإن لم يسلم فيدخل فيه أولاد عقيل وجعفر وإلى هذا أشار في الأصل

(5)

(6)

.

وقال: كل أب يجمعهم منذ كان الإسلام؛ وجه قول أبي حنيفة: أن مقصوده بهذه الوصية صلة القرابة وقرابة ذي الرحم المحرم يفرض وصلها وإذا تجرد الرحم عن المحرمية لا يفرض وصلها، وما ليس بفرض لا يكون مزاحمًا للفرض، وبالإجماع يتناول هذا اللفظ ذا الرحم المحرم؛ والدليل على صحة هذه القاعدة حرمة الرجوع في الهبة والعتق عند دخوله في ملكه واستحقاق النفقة؛ فإنه يختص ذو الرحم المحرم؛ يقرره أن قرابة ذي الرحم الذي ليس بمحرم ثابت من وجه؛ فإن في حرمة المناكحة والأحكام التي بينا هم كالأجانب، وفي حكم الميراث

(7)

تعتبر قرابتهم؛ والثابت من وجه دون وجه لا يدخل في الاسم

(8)

المطلق كما أن اسم الصلاة عند الإطلاق لا يتناول صلاة الجنازة؛ واعتبار الأقرب فالأقرب لأن الصلة في حق الأقرب أوجب، والوصية أخت الميراث على معنى أنه يتعلق استحقاق المال فيهما بالموت ثم في الميراث يقدم الأقرب فالأقرب فكذلك في الوصية؛ واشتراط كون الأقرب غير وارث

(9)

له لأن مقصود الموصي تصحيح وصيته ولا وصية للوارث شرعًا؛ واعتبار المثنى فصاعدًا لأن اللفظ لفظ الجمع ولفظ الجمع في الميراث يتناول المثنى فصاعدًا.

(1)

قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ فَهِيَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ). ينظر: الهداية (4/ 530)، العناية (10/ 477)، البناية (13/ 466).

(2)

في (ج): أن لا يكون؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (27/ 155).

(4)

في (ب): أن المسلم إذا كان علويًا؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(5)

في (ب): وإلى هذا الأصل أشار في الأصل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ينظر: العناية (10/ 477، 478)، البناية (13/ 469)، الأصل (5/ 430).

(7)

في (أ): الموت؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (أ): الأهم؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ج): فالأقرب؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 167

بخلاف ما إذا أوصى لذي قرابته، فصيغة

(1)

اللفظ هنا تتناول الواحد فصاعدًا وإنما لا يدخل الواحد

(2)

فيه عندنا خلافًا للشافعي:؛ والقياس ما ذهب إليه فإن من اتصل بالمرء بغير واسطة يكون أقرب إليه ممن يتصل بواسطة، ولكنا نقول: إن الله تعالى عطف الأقربين على الوالدين فقال: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}

(3)

وإنما يعطف الشيء على غيره؛ ثم من حيث العرف

(4)

العاقل لا يقول لوالده هو قريبي، ومن قال ذلك ينسب إلى السفه ويعد عقوقًا منه، فعرفنا أن القريب في لسان الناس من يتقرب إلى غيره بواسطة، والولد يتقرب إليه بغير واسطة كالأب فلا يدخل واحد منهما في هذه الوصية كذا في المبسوط

(5)

.

و [لا]

(6)

معتبر بظاهر اللفظ بعد

(7)

انعقاد الإجماع على تركه، هذا جواب عن قولهما أن القريب مشتق من القرابة فيكون اسمًا لمن قامت به.

وذكر في شرح الأقطع ههنا سؤالًا وجوابًا فقال، فإن قيل، تساوَوْا

(8)

في سبب الاستحقاق وهو اسم القرابة فوجب أن يتساووا في الاستحقاق أصله [إذا أوصى]

(9)

لبني فلان؛ الجواب أن تعلق الاستحقاق بالاسم يخالف الإجماع لأن أبا حنيفة: اعتبر الأقرب، وأبو يوسف ومحمد

(10)

: اعتبرا من ينسب إلى أقصى أب في الإسلام، والشافعي اعتبر من ينسب إلى الأب الأقرب الأدنى وما خالف الإجماع لا يصح.

وإذا أوصى لأقاربه وله عمَّان وخالان فإن كان له ولد يحرز ميراثه فالثلث لعميه عند أبي حنيفة: لأنهما أقرب إليه من الخالين.

ألا ترى أنهما في الميراث يتقدمان على الخالين، وأن بالعمومة يستحق العصوبة وأقوى ما يستحق بالقرابة العصوبة.

وفي قول أبي يوسف ومحمد: الخالان والعمان في الثلث سواء؛ ولو ترك عمًّا وخالين فللعم نصف الوصية والنصف للخالين؛ لأنه لابد من اعتبار معنى الجمع وهو الاثنان في الوصية يعني لو كان العم اثنين كان لكل واحد منهما النصف فكذا إذا انفرد كان له النصف أيضًا.

(1)

في (ج): فيمنعه؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ب) و (ج): الوالد؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(3)

سورة البقرة: 180.

(4)

في (أ): الفرق؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

ينظر: المبسوط (27/ 155)، الجوهرة النيرة (2/ 297)، البناية (13/ 468).

(6)

ساقطة من (ب)؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (أ): بغير؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (أ): ساقط؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

ساقطة من (ب)؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(10)

في (ج): وأبو محمد ويوسف؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 168

فإن قلت: في هذا التقدير يلزم أن يجعل عدم المزاحم بمنزلة المزاحم.

قلت

(1)

: إذا كان معه عم آخر كان له النصف فكذا إذا لم يكن معه عم آخر كان له النصف أيضًا فحينئذٍ كان لقائل أن يقول: إذا كان له عم واحد كان له الثلث لأنه إذا كان معه عمان

(2)

كان له الثلث فكذا إذا لم يكن معه غيره؛ وكذلك يجب أن يكون له الربع أو الخمس عند الانفراد على تقدير أن يكون معه

(3)

ثلاثة أعمام أو أربعة أعمام، وكذلك فيما وراء ذلك ولا يقول به أحد؛ قلتُ: لا يلزم ذلك لأن اعتبار الجموع كلها من الثلاثة والأربعة وغيرها ساقط لتعذر اعتبارها، فتعين أدنى الجموع المستعمل فيه وأدنى الجموع في الوصية والميراث الاثنان، فاعتبر هو وما وراءه لم يعتبر؛ وهذا لأن نقصان حقه عن النصف باعتبار المزاحمة وعدم المزاحمة إذا لم يكن معه غيره أظهر من عدمها إذا كان معه آخر؛ فإذا أخذ العم النصف صار كأن لم يكن فيكون الباقي من الثلث للخالين، وفي قولهما الثلث بينهم أثلاث إلى هذا أشار في المبسوط

(4)

.

فله نصف الثلث لما بينا أراد قوله لأنه لابد من اعتبار معنى الجمع وهو الاثنان إلى آخره

(5)

.

وهي أقوى أي قرابة العمومة أقوى من قرابة الخؤولة والأنسباء في جميع النسب

(6)

كالأنصباء في جميع النصب

(7)

.

وقالا: يتناول كل من يعولهم وتصيبهم

(8)

نفقته، ولكن لا يدخل تحت هذه الوصية مماليكه وإن كان يصيبهم نفقته كذا في المغني

(9)

.

(1)

في (أ): حيث قلت؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (أ): عمًا؛ وفي (ب): لأنه إذا معه عمان كان له عمان؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): له؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ينظر: العناية (10/ 478).

(5)

لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمِيعِ وَهُوَ الِاثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْعَمِّ كُلُّ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْفَرْدِ فَيُحْرِزُ الْوَاحِدُ كُلَّهَا إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ. ينظر: الهداية (4/ 530، 531)، العناية (10/ 478)، البناية (13/ 469).

(6)

في (ب): النسيب؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(7)

في (ب): النصيب؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(8)

في (ب): ويضمهم؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(9)

ينظر: تبيين الحقائق (6/ 201)، العناية (10/ 479)، البناية (13/ 470).

ص: 169

لأن الإنسان يتجنس بأبيه لأن الجنس عبارة عن النسب، والأنساب إنما تكون من جنس قوم أبيه لا من جنس قوم أمه؛ فإن إسماعيل صلى الله عليه وسلم كان من هاجر وكان من جنس قوم أبيه؛ وإبراهيم- رضي الله عنه -ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من جنس قريش؛ وأولاد الخلفاء من الإماء يصلحون للخلافة فعلمنا أنهم يدخلون في هذا اللفظ دون عشيرة الأم كذا في المبسوط

(1)

. ولو أوصى لأيتام بني فلان فاليتيم اسم لصغير مات أبوه لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد الحلم»

(2)

؛ ولأن اليتيم عبارة عن الانفراد يقال: درة يتيمة أي لا نظير لها فهي منفردة؛ فمن انفرد عمن يربيه في حال حاجته إلى التربية كان يتيمًا، وبعد البلوغ قد استغنى عمن يربيه لقدرته على القيام بمصالح نفسه فلا يسمى يتيمًا.

فإن قيل: أليس أن الكفار كانوا يسمون رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيم أبي طالب.

قلنا: هذا لطف من الله تعالى لنبيه فإنهم كانوا يسبون اليتيم وهو ليس بيتيم، فلا يتناوله بسبهم كما كانوا يسمونه مذممًا ويسبون المذمم، ولا يتناوله لأنه كان محمدًا، ثم يدخل فيه الغني والفقير ههنا لتحقق معنى اليتم في الفريقين كذا في وصايا الجامع الكبير

(3)

لشمس الأئمة السرخسي:.

وقوله: وإن كانوا قومًا يحصون دخل في الوصية فقراؤهم وأغنياؤهم؛ وإن كانوا لا يحصون فالوصية للفقراء منهم؛ ثم حد الإحصاء عن أبي يوسف: أن لا يحصوا الانكباب وحساب لهم لا يحصون.

وقيل: إذا كان لا يحصيهم المحصي حتى يلد فيهم مولودًا ويموت فيهم أحد فإنهم لا يحصون؛ وقال محمد: إذا كانوا أكثر من مائة فإنهم لا يحصون؛ وقال بعضهم: فهو مفوض إلى رأي القاضي وعليه الفتوى؛ والأيسر ما قاله محمد: كذا في فتاوى قاضي خان:

(4)

.

أو لأيامى بني فلان وهم لا يحصون حيث تبطل الوصية.

فإن قيل: كيف فرق بين الأرامل والأيامى في حق الاسم والحكم المرتب عليهما حيث جعل الأرامل من أسماء الحاجة؛ وعدم الإحصاء فيهم غير مانع لصحة الوصية لهم؛ ولم يجعل الأيامى من أسماء الحاجة وجعل عدم الإحصاء فيهم مانعًا لصحة الوصية مع أن الأيم والأرملة اسمان مترادفان لامرأة لا زوج لها في اللغة.

(1)

ينظر: العناية (10/ 479)، البناية (13/ 472).

(2)

أخرجه أبو داود في (سننه) كتاب الوصايا باب ما جاء متى ينقطع اليتم، (3/ 115 رقم الحديث: 2873)، والبيهقي في (السنن الكبرى) كتاب الحجر باب البلوغ بالاحتلام، (6/ 94 رقم الحديث: 11039). قال الألباني في (إرواء الغليل)(5/ 79): صحيح.

(3)

ينظر: شرح السير الكبير (1/ 2105).

(4)

ينظر: الفتاوى الهندية (6/ 144).

ص: 170

قلتُ: نعم كذلك وهما وإن كانا اسمين مترادفين لامرأة لا زوج لها استعمالًا ولكن في أصل ما يرجع إليه اشتقاقهما يفترقان؛ فاختلاف الحكم المبني عليهما كان بسبب اختلاف مرجعهما

(1)

إلى ذلك الأصل.

وقال الإمام شمس الأئمة السرخسي: في الجامع الكبير: ولو أوصى بثلث ماله لأرامل بني فلان وهم يحصون أو لا يحصون فالوصية

(2)

جائزة؛ لأن في الحقيقة معنى هذا الاسم ما ينبيء

(3)

عن الحاجة؛ يقال أرمل القوم إذا نفد ما عندهم من الزاد فصاروا محتاجين ثم قال: الأرامل للنساء خاصة دون الرجال؛ وقال الشافعي

(4)

يدخل فيه النساء والرجال ولكنا نقول: يتناول النساء خاصةً؛ لأن معنى مفارقة الزوج في هذا اللفظ معتبر فإن من لم تتزوج لا تسمى أرملة؛ ونفقة الزوجات على الأزواج شرعًا فالمرأة إذا فارقها زوجها نفد

(5)

ما كان لها من النفقة بهذه المفارقة تسمى أرملة؛ وأما الرجل فلم ينفد زاده بهذه الفرقة إذ ليس له عليها

(6)

شيء من الزاد فلا يكون أرمل؛ ثم الأرامل من النساء البالغة

(7)

التي كان لها زوج ففارقها أو مات عنها سواء دخل بها أو لم يدخل وهي محتاجة لما بينا أن حقيقة المعنى فيه نفاد زادها بسقوط نفقتها عن زوجها.

ثم قال: ولو أوصى بثلث ماله لأيامى بني فلان وإن كن لا يحصون فالوصية باطلة؛ لأنه ليس في الاسم ما ينبئ عن الحاجة، فالتأيم هو البعد عن الزوج، وإذا لم يكن فيه ما ينبيء عن الحاجة تعذر إدخال الكل في الوصية إذا كن لا يحصين فبطلت الوصية؛ وإن كن يحصين

(8)

فالوصية جائزة؛ ولا يدخل في الأيامى الرجال إنما الوصية للنساء خاصة، وكان الكرخي: يقول: يدخل فيه النساء والرجال، ولكن قول محمد: حجة في اللغة.

وذكر في المغرب أيضًا ما يدل على أن اختلاف الحكم فيهما واقع على إنباء اللغة على ذلك؛ وقال أرمل أي افتقر من الرمل

(9)

كادفع من الدفعاء وهي التراب، ثم قال: وفي التهذيب يقال للفقير الذي لا يقدر على شيء من رجل أو امرأة أرمل ولا يقال للتي لا زوج لها [وهي]

(10)

موسرة أرملة فعلم بهذا أن معنى الفقر لازم في الأرمل، والأيم التي لا زوج لها بكرًا كان أو ثيبًا؛ ورجل أيم أيضًا وقد آمت آيمة والفقر فيه ليس بلازم فلذلك صار اسم الأيامى بمنزلة اسم الشبان في أنه لا ينبئ عن الحاجة.

(1)

في (ب): موجبهما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ج): فالوديعة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (ب) و (ج): لا ينبئ؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(4)

في (ب) و (ج): الشعبي؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(5)

في (ب): بعد؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(6)

في (ب): إذ ليس عليها؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ب): مبالغة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ب): لا يحصون؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى.

(9)

في (ب): الرجل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 171

وقوله: بخلاف ما إذا أوصى لشبّان بني فلان وهم لا يُحصَون أو لأيامى بني فلان وهم لا يحصون حيث تبطل الوصية، ثم إنما تبطل الوصية لقوم لا يحصون إذا كان اسم ذلك القوم لا ينبئ عن الحاجة كالشبان؛ وإن كان ينبئ عن الحاجة كالفقراء والمساكين تصح الوصية، وإن كانوا لا يحصون للمعنى الذي ذكره الإمام شمس الأئمة والمعروف بصدر حميد

(1)

: في أصل باب من يوصي لبني فلان من وصايا الجامع الكبير فقال: إن الاستحقاق متى علق بالنسبة فإن كان في اللفظ ما ينبئ عن الحاجة صحت الوصية وإن كانوا لا يحصون لأن مقصود الموصي إزالة حاجة المحتاج؛ وجهة القربة والوصية متى وقعت بجهة هي قربة صار المراد بها وجه الله تعالى؛ والله تعالى واحد لا شريك له فلم تكن للجهالة فيه تصور، فكان هذا والوصية بالصدقة المطلقة سواء، وإذا لم يكن في لفظه ما ينبئ عن الحاجة لم تكن القربة

(2)

فيها مقصودة بل كان المقصود هو التمليك من المسمى؛ وجهالة المتملك

(3)

مانعة صحة التمليك فلابد من إعلام المسمى لذلك، وذلك لأنه إذا سمى قومًا يحصون تصح الوصية لصحة التمليك منهم؛ وأما إذا كانوا لا يحصون فتبطل الوصية لجهالة تمكنت في المصروف إليه على وجه لا يمكن رفعها؛ فإن الصرف إلى الكل غير ممكن لكثرتهم، وليس بعضهم بأولى من البعض فكانت الوصية باطلة بمنزلة الوصية لبني آدم أو لأهل الدنيا.

وقال في الصحاح

(4)

: الشباب جمع شاب وكذلك الشبان

(5)

.

وفي الإيضاح: وقال أبو يوسف: إذا أوصى لشبان أهل بيته أو لكهولهم أو لمشائخهم فالشباب من خمسة عشر إلى خمسين سنة إلى أن يغلب عليه الشمط؛ والكهل من ثلاثين سنة إلى آخر عمره؛ والشيخ ما زاد على خمسين سنة؛ وجعل أبو يوسف: الشيخ والكهل سواء فيما زاد على الخمسين.

وروي عن محمد: أنه قال: الغلام ما كان له أقل من خمسة عشر؛ والفتى من بلغ خمسة عشر وفوق ذلك؛ والكهل إذا بلغ أربعين فزاد عليه؛ وما بين خمسين إلى ستين إلى أن يغلب عليه الشيب فحينئذٍ يكون شيخًا.

ولو أوصى لبني فلان يدخل فيه الإناث في قول أبي حنيفة: أول قوله وهو قولهما.

(1)

ينظر: العناية (10/ 480)، البناية (13/ 473).

(2)

في (ب): الفرقة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب) و (ج): التمليك؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(4)

الصحاح تاج اللغة للإمام أبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي ت (393). ينظر: كشف الظنون (2/ 1073).

(5)

ينظر: الصحاح (1/ 151).

ص: 172

ثم اعلم أن عندهما إنما يدخل الإناث تحت هذه الوصية فيما إذا اختلط الذكور والإناث وأما إذا انفرد الإناث فلا شيء لهن بالاتفاق؛ ثم هذا الذي ذكره فيما إذا كان فلان ذلك أبا الأولاد؛ وأما إذا كان بنو فلان اسم قبيلة أو اسم فخذ وهو أخص من اسم القبيلة يتناول الذكور والإناث بالاتفاق لأن حقيقةَ الاسم للذكور وانتظامه للإناث يجوز.

ألا ترى أنه يستقيم [أن ينفي]

(1)

(2)

اسم البنين عن البنات بإثبات غيره وهو اسم البنات؛ ولا يستقيم نفي هذا الاسم عن الذكور بحال، وهذا هو علامة الفرق بين الحقيقة والمجاز كذا في المبسوط

(3)

. فلهذا يدخل فيه موالي العتاقة أي الفقراء [منهم]

(4)

.

وقال في الجامع [الكبير]

(5)

لشمس الأئمة وإن كان في بني فلان موالي عتاقة فقراء وموالٍ أسلموا على أيديهم ووالُوهُم وفقراء موالي موال وحليف لهم وعديد فهم يدخلون جميعًا في الوصية يَقْسِم الوصي بين من يَقدر عليهم من فقرائهم، والحليف اسم من يأتي قبيلةً فيحلف لهم ويحلفون له على التناصر؛ والعديد من يعد نفسه منهم وهم عدوا

(6)

ذلك له من غير حلف

(7)

، وإنما دخل الكل لأن الإيجاب ههنا تعلق بالنسبة إلى القبيلة وهم في هذه النسبة سواء للتناصر بينهم بهذه الأسباب.

ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «موالي القوم من أنفسهم وحليفهم [منهم]

(8)

»

(9)

، وهذا لأن حقيقة النسب تكون في حكم المنقطع بالامتداد.

[ألا ترى أن أحدًا لا ينسب إلى آدم صلى الله عليه وسلم بالنسب ولكن بالنسبة يقال أنه من بني آدم]

(10)

ولما كان كذلك استوى الكل في الاستحقاق بهذا الاسم لاستوائهم في التناصر؛ بخلاف ما إذا كان فلان أبو أولاد ليس بقبيلة ولا فخذ فهنالك حقيقة النسب متصل غير منقطع فيتعلق الاستحقاق به ولا يدخل الموالي فيه.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ب): يبقى؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ينظر: المبسوط (29/ 141).

(4)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ج) و (أ): وعدوا؛ وما أثبت من (ب) قريب منه.

(7)

في (أ): ليس من غير حلف؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب)؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

أخرجه أبو داود في (سننه) كتاب الزكاة باب الصدقة على بني هاشم، (2/ 123 رقم الحديث: 1650)، والترمذي في (سننه) كتاب أبواب الزكاة باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم -وأهل بيته ومواليه (3/ 37 رقم الحديث: 657)، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح". قال الألباني في (إرواء الغليل)(3/ 387): صحيح.

(10)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 173

ومن أوصى لولد فلان فالوصية بينهم للذكر والأنثى [سواء]

(1)

حتى لو كان لفلان بنات لا غير دخلن تحت الوصية لأن الوصية حصلت باسم الولد واسم الولد يطلق على الإناث حالة الانفراد كما يطلق على الذكور، يقال: هذه المرأة ولد فلان؛ بخلاف ما لو أوصى لبني فلان ولفلان بنات لا غير فإنه لا شيء لهن لأن اسم البنين لا يقع على الإناث حالة الانفراد كذا في الذخيرة

(2)

، وذكر الإمام المحبوبي: في الجامع الصغير في تقرير مسألة الوصية لما في البطن.

وقال: لو أوصى لأولاد فلان ولم يكن لفلان ولد وإنما ولد له ولد بعد الوصية قبل موت الموصي فالوصية صحيحة.

ثم قال في الذخيرة في هذه المسألة: يكون ثلث ماله بينهم بالسوية لا يفضل الذكور على الإناث لأن الموصي

(3)

لم يفضل الذكور على الإناث؛ ولا يدخل أولاد الأولاد تحت هذه الوصية حال قيام أولاد الصلب فأولاد البنين وأولاد البنات في ذلك على السواء؛ لأن الموصي أوصى لولد فلان وولد فلان على الحقيقة من يولد من فلان، والذي يولد من ابنه أو بنته لم يولد من فلان؛ فكان حقيقة هذا الاسم لولد صلبه، فما دام لفلان ولد الصلب لا يدخل ولد الابن تحت الوصية كالحربي إذا أخذ أمانًا لولده فإنه إذا كان له ولد الصلب لا يدخل ولد ابنه

(4)

في الأمان فكذا هذا؛ وهذا إذا كان فلان أبًا خاصًّا فأما إذا كان هذا أب فخذ فأولاد الأولاد يدخلون تحت الوصية مقام

(5)

ولد الصلب؛

لأن في الأب

(6)

الخاص لا يراد بهذا أولاد الأولاد لأنه قد يخلو بنوه وبناته عن الأولاد إذا كان هو أبًا خاصًّا؛ وأما إذا كان فلان فخذًا فلا يخلو بنوه وبناته عن الأولاد؛ [ثم في مسألتنا إن لم يكن لفلان إلا ولد واحد كان الثلث كله له بخلاف ما]

(7)

لو أوصى لأولاد فلان وله ولد واحد فإنه يستحق النصف؛ ووجه الفرق بينهما أن الأولاد جمع وأقل الجمع في باب الوصية والميراث اثنان؛ فكان للواحد النصف كما لو أوصى لأقربائه وله عم واحد كان له النصف؛ وأما الولد فليس باسم جمع وإنما هو اسم جنس ومطلق اسم الجنس يطلق على أدنى ما يطلق عليه الاسم؛ كما لو حلف لا يشرب الماء أو لا يتزوج النساء حيث يحنث بشرب قطرة ونكاح واحدة.

(1)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: تكملة البحر الرائق (8/ 510).

(3)

في (أ): الموصَى؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ب): الابنة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (أ) و (ب): حال قيام؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(6)

في (ج): الولد؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 174

وإذا أوصى لأولاد فلان وليس لفلان أولاد لصلبه يدخل تحت الوصية أولاد البنين؛ وهل يدخل فيه أولاد البنات؛ ففيه روايتان.

ومن أوصى لورثة فلان إلى آخره

(1)

ثم في هذه المسألة لو مات الموصي قبل أن يموت الموصى لورثته فالوصية باطلة؛ وإن [مات]

(2)

الموصى لورثته قبل موت الموصي فهو بين ورثته على عدد رءوسهم، يعني إذا ضم إليهم غيرهم بأن أوصى لفلان ولورثة فلان فإنهم يقاسمون الموصى له [بالثلث]

(3)

برءوسهم فما أصابهم من ذلك قسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين؛ بخلاف ما إذا أوصى لبني فلان فإن الذكر والأنثى فيه سواء على ما ذكر الفرق في الكتاب كذا في الإيضاح

(4)

.

وقال الشافعي: في بعض كتبه أن الوصية لهم جميعًا.

وذكر في شروح الجامع الكبير زفر مكان الشافعي هنا في قوله: إن الوصية جائزة ويدخل فيها الفريقان؛ لأن كلًا منهم يسمى مولى؛ فصار كالإخوة يعني أنه إذا أوصى لإخوة فلان فإنه يصح ويدخل فيه الأخ لأب وأم والأخ لأم والأخ لأب لأن الكل يسمى أخًا لفلان، فكذا ينبغي أن يدخل هنا المولى الأعلى والمولى الأسفل لأن كلًا منهما يسمى مولى وهذه رواية عن أبي حنيفة:.

والجواب عن هذا على ظاهر الرواية هو: أن اسم الأخ يطلق على كل واحد بمعنى واحد وهو الحامل على الشخصين إلا أن محل الاشتمال مرة يكون هو الصلب ومرة يكون هو الرحم؛ فإذا اختلف محل الاشتمال [لا معنى الاشتمال]

(5)

والشيء لا يختلف باختلاف محله فبقي الاسم متناولًا الكل بمعنى واحد فكان عامًّا فيجري على عمومه؛ وفيما نحن فيه المعنى مختلف لأن المولى الأعلى مُنْعِم والأسفل مُنْعَم عليه فصار بمعنى الفاعل مرة وبمعنى المفعول مرة أخرى فصار مشتركًا لا عامًا؛ لأن العام ما يشتمل جمعًا بمعنى واحد وبطل التعيين لأن مقاصد الناس مختلفة؛ من الناس من يقصد الأعلى مجازاةً وشكرًا لإنعامه؛ ومن الناس من يقصد الأسفل زيادةً للإنعام في حقه؛ فلما كان كذلك وجب التوقف حتى يقوم الدليل ولم يوجد لأن أحدًا منا لا يطلع على مقصود الموصي ومرادِهِ كذا في الجامع الكبير

(6)

للإمام المعروف بصدر حميد:.

(1)

(وَمَنْ أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ). ينظر: الهداية (4/ 532)، العناية (10/ 482)، البناية (13/ 476).

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ينظر: البناية (13/ 476).

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ينظر: البناية (13/ 477).

ص: 175

ثم قوله: إن الجهة مختلفة احتراز عن لفظ الأخوة التي ذكرنا.

وقوله: في موضع الإثبات احتراز عما إذا حلف لا يكلم موالي فلان حيث يتناول الأعلى والأسفل؛ لأنه مقام النفي ولا تنافي

(1)

فيه لأن النفي يعمه، ويتناول المتضاد والمختلف والوصية إثبات وذلك لا يعم.

ألا ترى أنه لو قال ما رأيت رجلًا حُمل على كل ما يتناوله الاسم؛ ولو قال رأيت رجلًا اقتضى أنه رأى واحدًا غير معين كذا في شرح الأقطع

(2)

.

قوله: فصار مشتركًا فلا ينتظمها لفظ واحد.

فإن قلت: سلَّمنا أن المولى اسم مشترك وإثبات الحكم بالمشترك غير باطل.

ألا ترى أن الله تعالى أثبت الحكم بالمشتركات في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}

(3)

، وذلك لأن السامع ربما يرجح أحد المرادين على الآخر بنوع دليل ظهر له كما رجحنا الحيض على الطهر في اسم القرء [بنوع]

(4)

رجحان ظهر لنا، فكيف قال في الكتاب مع هذا فالوصية باطلة.

قلنا: لما لم يكن ههنا ترجيح أحد المرادين على الآخر لتعارض موجبهما على السواء لما في الوصية للأعلى معنى المجازاة وقضاء حق النعمة؛ وفي الوصية للأسفل تربية الضعيف

(5)

والزيادة في الإنعام عليه صار من قبيل المجمل لكن سماه مشتركًا لصدور إجماله من الاسم المشترك الذي لا يتمكن ترجيح أحد النوعين على الآخر ولا فائدة في إجمال العبد؛ بخلاف ما أنزل الله تعالى من المجمل والمتشابه في القرآن فإن فيه فائدة سوى العمل بمعناه وهي اعتقاد حقية المراد به والاعتقاد بالحق أنه حق رأس العمل وجواز الصلاة ينظمه.

فإن قلت: لا نسلم بأنه لا فائدة في إجمال العبد فإن العبد إذا أجمل فيما يجب عليه يصح ويجبر على البيان، حتى أن رجلًا لو أقر بشيء لفلان فقال: لفلان عليَّ شيء فإنه صحيح وإن كان مجملًا فيجبره القاضي على البيان.

قلتُ: ذاك ليس بنظير مسألتنا؛ فإن ذلك في الواجب الذي لا يمكن الرجوع عنه بعد الإقرار؛ والذي نحن فيه من المندوب والمستحب الذي لو أوصى به ثم رجع يصح ولا يجبره القاضي على البيان؛ ولأن كلامنا فيما إذا أوصى بثلث ماله لموالي فلان ومات قبل البيان وبعد الموت

(6)

لا يمكن الرجوع إليه بالاستيفاء

(7)

فتبطل الوصية وذلك لعدم إمكان ترجيح أحد المرادين على الآخر [حتى]

(8)

.

(1)

في (ب) و (ج): ولا يتأتى؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(2)

ينظر: البرهان في أصول الفقه (1/ 74).

(3)

سورة البقرة: 228.

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (أ): الصديق؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): المقر؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (أ) و (ب): بالاستفسار؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 176

قلنا: إن الوصية في هذه الصورة باطلة إلا أن يبين ذلك في حياته.

فإن قلت: لا نسلم بأن ترجيح أحد المرادين على الآخر غير ممكن

(1)

فإن رجحان صرف الوصية إلى المولى الأعلى

(2)

الذي أعتقه ثابت لما أن شكر الإنعام واجب؛ وفضل الإنعام في حق المنعَم عليه مندوب فكان صرف الوصية إلى الواجب أولى من صرفها إلى المندوب كما هو المروي عن أبي يوسف: لهذا المعنى.

قلتُ: هو كذلك إلا أن هذا الوجوب لا يدخل في الحكم، فإن القاضي لا يجبره على شكره بالإيصاء لا محالة، فكان وجوده كعدمه فلم يعتبر الوجوب لذلك؛ ولأن صرف الوصية إلى المولى الأسفل ثابت بوجه آخر وهو أن المعروف فيما بين الناس الوصية بثلث المال للفقراء ابتغاء لمرضاة الله تعالى واتباعًا للزكاة في حق المصارف؛ والغالب في المولى [الأسفل الفقر وفي المولى]

(3)

الأعلى الغنى،

والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا

(4)

فكان الصرف إلى الأسفل أولى من هذا الوجه.

وهذا أيضًا مروي عن أبي يوسف: في رواية لهذا المعنى، ولما كان كذلك قد تعارض المرادان على السواء فلم يمكن الترجيح فبطلت الوصية لذلك، هذا كله مما أشار إليه في الذخيرة

(5)

والجامع الكبير

(6)

للإمام المعروف بصدر حميد:.

ويدخل في هذه الوصية أي: في الوصية لمواليه؛ فلابد من تحقق

(7)

الاسم قبله أي لابد من تحقق اسم المولى قبل الموت.

وفي الجامع الكبير للإمام المعروف بصدر حميد: وإنما لم يكن للمُدَبَّرين وأمهات الأولاد شيء من الثلث لأن الموت يوجد وهؤلاء ممالكيه، [وإنما يثبت العتق بعد الموت والعتق يقع على المملوك، والوصية تقع عند الموت فيكون هؤلاء وقت وقوع الوصية ممالكيه]

(8)

لا مواليه.

وعن أبي يوسف: أنهم يدخلون في الوصية لأنه بالتدبير والاستيلاد استحق ولاءهم.

ألا ترى أن المُدَبَّر إذا كان بين شريكين أعتقه أحدهما وضمن نصيب شريكه كان ولاؤه بينهما فدل على أن بنفس التدبير قد استحق ولاءهم فكانوا من جملة مواليه؛ ولكن ما ذكره محمد: أصح لأنهم لا ينسبون إليه بالولاء بنفس الاستحقاق بل بالإحياء الحاصل بالعتق وذلك يكون بعد موته كذا ذكره الإمام شمس الأئمة في الجامع الكبير

(9)

.

(1)

في (ج): ممكن؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى لسياق ما قبله.

(2)

في (ب): على؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ينظر: العناية (10/ 483).

(5)

ينظر: العناية (10/ 483).

(6)

ينظر: العناية (10/ 483).

(7)

في (أ): تحقيق؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

ينظر: العناية (10/ 483).

ص: 177

ويدخل فيه عبد أي بالإجماع؛ لأن العتق يثبت قُبيل الموت عند تحقق عجزه لأنه كما أشرف على الموت وعجز عن الصرف

(1)

فقد تحقق شرط الحنث، فعتق قبل موته ويكون من مواليه عند

(2)

الموت بخلاف المدبر وأم الولد فإنه يعتق بعد الموت، ويدخل فيه معتقوه وأولادهم؛ أما المعتوقون فظاهر لأن اسم الموالي للمعتقين حقيقة وكذلك أولاد الموالي فإن نسبتهم إليه بالولاء

للعتق الذي باشره في آبائهم لا لعتق آخر وجد من غيره، والفروع أجزاء الأصول فكان الاسم حقيقة في الأجزاء كما هو حقيقة في الأصول؛ وهذا بخلاف ما إذا أوصى لبني فلان وفلان أب الأولاد لم يدخل أولاد الأولاد مع الأولاد؛ لأن نسبتهم إليه بالولادة وقد وجد في النافلة ولادة أخرى سوى ما كان في ولد الصلب فكان الاسم مجازًا في حقهم.

ألا ترى أنه يستقيم نفيه عنهم فيقال إنهم ليسوا ببنيه بل هم بنوا بنيه وههنا لا يستقيم نفي اسم المولى

(3)

عن أولاد الموالي

(4)

فكان الاسم لهم حقيقة.

وقوله والإعتاق لازم كالجواب لسؤال من سأل وقال: لما كانت جهة المولى مختلفة لم رجحت مولى العتاقة على مولى الموالاة مع أن اسم المولى حقيقة؛ فأجاب عن رجحانه في الكتاب باللزوم في العتاق.

وذكر شمس الأئمة: هذه المسألة في الجامع الكبير ولم يذكر الاختلاف فيها بل

(5)

ذكر فيها القياس والاستحسان وقال: فإن كان له موال أعتقهم أو أولاد موالي [أو موالي موال]

(6)

مع موالي الموالاة فلا شيء لموالي الموالاة من الثلث استحسانًا؛ لأنه ولاء ضعيف مختلف فيه بين العلماء وسببه عقد محتمل للفسخ بخلاف ولاء العتق فإنه بمنزلة النسب لا يحتمل الفسخ بعد ثبوته، والمزاحمة لا تتحقق بين الضعيف والقوي؛ وكان [ينبغي]

(7)

في القياس أن يكون الذين أسلموا على يديه ووالوه مثل موالي العتاقة لأن ولاءه على الفريقين بمباشرته سبب الولاء من عقد أو عتق فكان الاسم للفريقين حقيقة.

(1)

في (أ) و (ج): الضرب؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(2)

في (ب): بعد؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى لسياق ما بعده.

(3)

في (ب) و (ج): الموالي؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(4)

في (ج): المولى؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (أ): لما؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 178

وبخلاف ما إذا لم يكن له موالي أي موالي عتاقة.

ولا أولاد الموالي أي ولا أولاد موالي العتاقة يعني حينئذٍ يصرف الثلث إلى موالي الموالاة.

وفي الجامع الكبير وإن لم يكن له إلا موالي الموالاة كان الثلث لهم لأن الأحق إذا لم يوجد وجب العمل بما دونه.

ولو كان له أي للموصي معتق واحد أو ولد واحد لمعتقه وموالي المولى فالنصف لمعتقه والباقي للورثة.

وحاصله أنه إذا لم يكن له موال أعتقهم إنما له أولاد موال وموالي موالاة فالوصية لأولاد مواليه لما بينا أن اسم الموالي للأولاد حقيقة كما هو للآباء، فإذا صارت الحقيقة مراده يتنحى المجاز؛ ولو لم يكن له إلا موالي موال فالوصية لهم لأن الحقيقة غير مرادة باللفظ ههنا لكونه معدومًا؛ فإذا تعذر إعمال اللفظ في الحقيقة يعمل بمجازه فتصرف الوصية إلى موالي مواليه ولو كان بقي من مواليه أو من أولادهم

(1)

اثنان فصاعدًا فالثلث كله لهما دون موالي الموالي لأن الوصية أخت الميراث؛ وفي الميراث للمثنى

(2)

حكم الجمع حتى إن الأخوين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس مع أن المنصوص عليه اسم الإخوة فكذلك في الوصية للمثنى

(3)

حكم الجمع ولو لم يبق من المعتقين ولا من أولادهم إلا واحد كان نصف الثلث لذلك الواحد لأن الإيجاب كان باسم الجمع فلا يستحق الواحد كله وإنما يستحق النصف.

ألا ترى أنه لو كان معه آخر استحقا الجميع فيكون حظ كل واحد منهما النصف فإذا لم يكن إلا واحدًا استحق نصيبه وهو النصف والنصف الثاني

(4)

مردود على الورثة ولا يكون لموالي الموالي منه أصلًا؛ لأن اللفظ صار معمولًا به في حقيقته فيتنحى المجاز عنه أصلًا؛ وهو كما قال أبو حنيفة: فيما إذا أوصى بثلث ماله لبنيه وله ابن واحد وبنو البنين فللابن نصف الثلث ولا شيء لبني البنين فهذا مثله، كذا في الجامع الكبير

(5)

لشمس الأئمة:.

والباقي للورثة أي لا يكون لموالي الموالي لتعذر الجمع بين الحقيقة والمجاز.

ولا يدخل فيه أي فيما أوصى لمواليه، قوله: موالي أعتقهم هكذا وقع في النسخ ولكن الصواب في هذا أن يقال: موال أعتقهم ابنه أو أبوه كما هو المذكور في الإيضاح

(6)

والجامع الكبير

(7)

؛ لأن التعليل الذي علل به إنما يصح في الذين أعتقهم [ابنه أو أبوه لا في موالي أعتقهم]

(8)

الموصي لأن أولئك مواليه حقيقة.

(1)

في (ب): من مواليه من أولادهم؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب): للمستثنى؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): للمستثنى؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ب): الباقي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) لا يختلف معناه.

(5)

ينظر: البناية (13/ 476).

(6)

ينظر: البناية (13/ 480).

(7)

ينظر: البناية (13/ 480).

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 179

وذكر الإمام المعروف بصدر حميد: في الجامع الكبير: ولو أن رجلًا أوصى بثلث ماله لمواليه وليس له موال أعتقهم ولا أولادهم ولا موالي الموالي لكن له موالي أبيه وموالي ابنه فلا شيء لهم من الوصية؛ لأن هذا الاسم لا يطلق عليه لا حقيقة ولا مجازًا؛ لأن الحقيقة هو أن يباشر إعتاق المملوك فيصير به مولى له؛ والمجاز أن يسبب لذلك بإعتاق مملوك ثم يعتق ذلك المعتق مملوكًا ولم يوجد في حق موالي الأب وموالي الابن فعل

(1)

الإعتاق ولا سببه.

فقلنا

(2)

: إنهم لا يدخلون في هذه الإضافة، ووارث الإنسان من موالي أبيه وموالي ابنه ما كان لأنه مولى له ولكن الشرع أقام عصبة المعتق مقام المعتق في حق الميراث لا لأن الولاء انتقل إليه

(3)

، وهذا لأن الولاء بمنزلة النسب لا يورث نص عليه صاحب الشرع فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورَث»

(4)

.

ألا ترى أن الرجل قد يكون من قبيلة [وأبوه من قبيلة]

(5)

أخرى بأن كان الرجل وابنه عبدين فاشترى الأبَ رجل تميمي والابنَ رجل أسدي فأعتق الأسدي الابنَ والتميمي الأبَ ثم إن الابن

(6)

اشترى عبدًا وأعتقه ثم مات الابن ثم مات معتق الابن ولم يترك عصبة فإن ميراثه يكون للأب بحكم أنه قام مقام ابنه

(7)

في التعصيب، لا لأن الولاء انتقل إليه بموت الابن

(8)

لأنه لو انتقل ولاؤه إلى الأب [بعد موت الابن]

(9)

كان ولاؤه لبني تميم، فإن ولاء الأب لبني تميم؛ ولم يصر الولاء لبني تميم بالاتفاق حتى إن مولى الابن لو جنى لا يكون عقله على بني تميم بل يكون على بني أسدٍ، ولو انتقل ولاؤه لكان على بني تميم لأن ولاء الأب لهم؛ ثبت بهذا أن الولاء لم ينتقل إلى الأب، والأب إنما يرث لأنه قام مقام الابن في الميراث.

(1)

في (ج): قبل؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ب): فعلمنا؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(3)

في (ب) و (ج): لأن الولاء انتقل إليه؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب. وبه يستقيم المعنى لسياق ما بعده.

(4)

أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) كتاب الولاء باب من أعتق مملوكا له، (10/ 494 رقم الحديث: 21433)، والحاكم في (المستدرك) كتاب الفرائض (4/ 397 رقم الحديث: 7990)، وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". قال الألباني في (إرواء الغليل)(6/ 109): صحيح.

(5)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ب): الأب؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب. وبه يستقيم المعنى لسياق ما بعده.

(7)

في (ب): يكون للأب لأنه قام مقامه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ج): لأن الولاء انتقل إليه؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب. وبه يستقيم المعنى لسياق ما بعده.

(9)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 180

وحصل من هذا كله أن الذي ينسب إليه بالولاء على نوعين حقيقةٍ ومجازٍ، فالحقيقة على نوعين مولى بولاء غير قابل للفسخ وهم الموالي الذين أعتقهم وأولاد هذه الموالي، وهؤلاء هم المقدمون على غيرهم في صرف الوصية للموالي إليهم؛ ومولى بولاء قابل للفسخ وهو الموالي بولاء الموالاة وهؤلاء لا يزاحمون المقدمين لضعفهم وقوة الأولين على ما ذكرنا؛ وإن كان اسم الموالي حقيقة لهم أيضًا لأن ولاء الموصي على الفريقين بمباشرته سبب الولاء بنفسه بعتق في الأولين، وعقد في الآخرين؛ وأما المجاز فهو موالي الموالي لأنه لم يعتقهم حقيقة ولكن تسبب لإعتاق من يعتقهم فكانت نسبة ولائهم له مجازًا، فلا تصرف الوصية باسم الموالي إليهم عند وجود الحقيقة، وتصرف إليهم عند عدم الحقيقة؛ وأما موالي أبيه أو ابنه فلا ينسبون إليه بالولاء لا حقيقة ولا مجازًا؛ فلذلك لا تصرف الوصية إليهم أصلًا.

قوله: بخلاف معتق البعض [هكذا وقع في النسخ لكن هو ليس بصواب بل الصواب أن يقول بخلاف معتَق المعتق]

(1)

كما هو المذكور في الإيضاح

(2)

؛ لأنه ثبت الفرق بهذا بين موالي المولى وبين موال أعتقهم أبوه أو ابنه على ما ذكرنا من النسخة الصحيحة فيه أيضًا؛ وذلك إنما يستقيم فيما إذا قال بخلاف معتق المعتق.

وأما معتق البعض فعند أبي حنيفة: لم ينسب إليه بالولاء بعد لأنه بمنزلة المكاتب؛ والمكاتب لا يدخل تحت اسم المولى عند قيام الكتابة؛ وعندهما لو نسب إليه إنما

(3)

ينسب إليه بالولاء حقيقة فلا يحتاج إلى ذكره.

والله أعلم.

* * *

‌بابُ الوصيَّة بالخدمةِ والسُّكنى والثمرة

لما فرغ من بيان أحكام الوصايا المتعلقة بالأعيان شرع في بيان أحكام الوصايا المتعلقة بالمنافع

(4)

(5)

؛ وأخَّر هذا الباب عنه لما أن المنافع بعد الأعيان وجودًا فلذلك أوردها ذكرًا، وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره أو غلتهما سنين معلومة، ويجوز بذلك أبدًا وهذا عندنا.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ينظر: العناية (10/ 485)، البناية (13/ 480).

(3)

في (ب): مما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

سبق تعريف المنفعة ص 316.

(5)

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ لأِنَّ الْمُوصِيَ لَمَّا مَلَكَ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ حَال حَيَاتِهِ بِعَقْدِ الإْجَارَةِ وَالإْعَارَةِ فَلأِنْ يُمَلِّكَهَا بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى لأِنَّهُ أَوْسَعُ الْعُقُودِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِل مَا لَا يَحْتَمِلُهُ سَائِرُ الْعُقُودِ مِنْ عَدَمِ الْمَحَل وَالْخَطَرِ وَالْجَهَالَةِ.

-وَيَرَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ لأِنَّهَا مَعْدُومَةٌ.

ينظر: بدائع الصنائع 7/ 352، تبيين الحقائق 6/ 202، جواهر الإكليل 2/ 324، مغني المحتاج 3/ 45، المغني 6/ 59

ص: 181

وعلى قول ابن أبي ليلى

(1)

لا يجوز شيء من ذلك مؤقتًا ولا غير مؤقت لأن الموصي

(2)

يملك الموصى به

(3)

بإيجابه وذلك لا يصح منه فيما ليس بمملوك له، والمنفعة والغلَّة التي تحدث [بعد موته ليس بمملوك له وإيجابه لا يتناول المنفعة والغَلة التي تحدث]

(4)

في حال حياته فتبطل

(5)

وصيته بها.

ولكن نقول: المنفعة تحتمل التمليك ببدل وبغير بدل في حال الحياة وتحتمل التمليك بعد الموت أيضًا؛ وهذا لأن الموصي يبقي العين على ملكه حين يجعل مشغولًا بتصرفه موقوفًا على حاجته

(6)

وإنما تحدث المنفعة على ملكه؛ وإذا ثبت هذا في المنفعة فكذلك في الغلة لأنها بدل المنفعة فالوصية على خلاف الميراث فالإرث لا يجري في الخدمة بدون الرقبة؛ لأن الوراثة خلافة.

وتفسيرها أن يقوم الوارث مقامَ المورث فيما كان ملكًا للمورث وهذا لا يتصور إلا فيما يبقى وقتين والمنفعة لا تبقى وقتين؛ وأما الوصية إيجاب ملك بالعقد

(7)

بمنزلة الإجارة والإعارة كذا في المبسوط

(8)

.

فإنها تمليك على أصلنا أي فإن العارية تمليك المنافع على أصلنا، وهو احتراز عن قول الشافعي: فإنها إباحة المنافع لا تمليكها عنده

(9)

.

بخلاف الميراث أي لا يجري

(10)

الإرث في المنافع وتجري الوصية فيها، والمعنى هو الحاجة.

يشملها أي يشمل المنفعة والغلة، وإن كان لا مال له غيره خدم الورثة يومين والموصى له يومًا أي أبدًا إذا كانت الوصية بخدمة العبد مطلقة غير مؤقتة.

وأما إذا أوصى بخدمة عبده سنة من غير تعيين السنة والعبد لا يخرج من ثلث ماله ولم تجز الورثة فإن العبد يخدم الموصى له يومًا والورثة يومين إلى ثلاث سنين، فإذا مضى ثلاث سنين تم وصية الموصى له بالخدمة.

وحاصل ذلك أنه إذا أوصى لرجل بخدمة عبده سنة ولا مال له غيره فهو على وجهين؛ إما أن تكون السنة بعينها بأن قال: أوصيت بخدمة هذا العبد لفلان [سنة]

(11)

سبعين وأربعمائة؛ أو كان بغير عينها بأن لم يقل سنة كذا.

(1)

في (أ): وعلى قول أبي ليلى؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب): الوصي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (أ) و (ب): له؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ب): فتتصل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): صاحبه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ب): بالعين؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ينظر: المبسوط (27/ 181).

(9)

ينظر: البناية (13/ 483).

(10)

في (أ): لا يجوز؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى.

(11)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 182

وكل وجه من ذلك على وجهين؛ إما إن كان العبد يخرج من ثلث ماله أو لا يخرج؛ فإن كانت في سنة بعينها ومضت تلك السنة بعينها قبل موت الموصي بطلت الوصية.

وإن مات الموصي بعد ما مضى من تلك السنة التي عينها بعضها أو مات قبل دخول السنة ينظر إن كان العبد يخرج من ثلث ماله أو لا يخرج، ولكن أجازت الورثة فإنه يسلم العبد إلى الموصى له حتى يستوفي وصيته؛ وإن كان لا يخرج ولم تجز الورثة فإن العبد يخدم الموصى له يومًا والورثة يومين

(1)

حتى تمضي السنة التي عينها فإذا مضت يسلم العبد للورثة؛ وإن كانت السنة بغير عينها إن كان العبد يخرج من ثلث المال أو لا يخرج وقد أجازت الورثة يسلم العبد إلى الموصى له حتى يستخدمه سنة كاملة ثم يرد إلى الورثة؛ وإن كان العبد لا يخرج من ثلث ماله ولم تجز الورثة فإنه يخدم الموصى له يومًا والورثة يومين إلى ثلاث سنين كذا في المغني

(2)

(3)

.

فصيرناه إلى المهاباة أي المناوبة

(4)

بالأزمان فكان هذا على خلاف ما لو أوصى له بغلة عبده ولا مال له غيره كان له ثلث غلته تلك السنة؛ لأن الغلة عين مال تحتمل القسمة، وإنما تنفذ الوصية في مقدار الثلث من الغلة في سنة واحدة بخلاف الخدمة فإنها لا تحتمل القسمة بالأجزاء، فكان للموصى له أن يستوفي

(5)

الخدمة بطريق المهاباة إلى أن يكون ما يستوفيه خدمة سنة كاملة كما لو أوصى به كذا في المبسوط

(6)

.

وفي المهاباة تقديم أحدهما زمانًا فلم تكن المهاباة في المعادلة مثل القسمة بالأجزاء فلذلك لا يصار

(7)

إلى المهاباة

(8)

إلا عند تعذر قسمة السكنى بالأجزاء؛ ولكن ليس للورثة أن يبيعوا ما في أيديهم من ثلثي الدار على ما ذكر في الكتاب.

فإن كان مات الموصى له عاد أي

(9)

الموصى به وهو العبد أو الدار.

(1)

في (ب): يخدم الموصى له والورثة يومين؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب): على ما ذكرنا كذا في المغني؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(3)

ينظر: بَدَائِع الصَّنَائِع 7/ 353 ـ 354، العناية (10/ 486).

(4)

في (ج): المبادلة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ب): يسبق؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ينظر: المبسوط (27/ 182).

(7)

في (ب): يعاد؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ج): الأجزاء؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(9)

في (ب): إلى؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 183

إلى الورثة [أي إلى ورثة]

(1)

الموصي.

استحقها أي وارث الموصى له

(2)

لأن إيجابها تعلق بالموت.

على ما بيناه من قبل أي في فصل اعتبار حالة الوصية في بيان الفرق بين جواز الإقرار وبطلان الوصية بقوله بخلاف الوصية لأنها إيجاب عند الموت.

وبين أيضًا في أوائل كتاب الوصايا في مسألة قبول الوصيّة بعد الموت بقوله: لأن أوان ثبوت حكمه بعد الموت لتعلقه به.

فاستخدمه بنفسه أي استخدم الموصى له العبد الذي أوصى بغلته بنفسه فيملك تمليكها من غيره ببدل

(3)

أو غير بدل كالاستئجار فإنه لو تملك المنفعة بالاستئجار في حال الحياة ملك الإجارة من غيره؛ فكذلك إذا تملك المنفعة بالوصية بعد الموت.

بخلاف العارية لأنها إباحة على أصله ولهذا قال: المستعير لا يملك الإعارة من غيره.

فإنها تمليك أي فإن الإعارة تمليك المنفعة بغير بدل في حال الحياة على أصلنا، حتى لو قال: ملكتك منفعة هذه الدار كانت عارية صحيحة؛ وإنما لا يتعلق بها اللزوم لكونها متعرية

(4)

عن البدل.

وكذلك الوصية إلا أن غير الموصي لا يتمكن من الرجوع بعد موت الموصي والموصى فائت لا يتصور رجوعه فيه؛ وهذا لأن المنفعة ليست بمال، وفي تمليكها بمال

(5)

إحداث معنى المالية فيها فإنما

(6)

تثبت هذه الولاية لمن يملكها تبعًا لملك الرقبة أو لمن يملكها بعقد المعاوضة حتى يكون مملكًا لها بالصفة التي تملكها؛ [فأما إذا تملكها]

(7)

مقصودة بغير عوض ثم تملكها بعوض كان مملكًا أكثر مما يملك معنى وهو لا يجوز كذا في المبسوط

(8)

.

فإذا كانوا في مصره أي في مصر الموصي.

وإذا كانوا في غيره أي في غير مصر الموصي.

أو بغلَّة داره يجوز أيضًا أي كما تجوز الوصية بالخدمة، لأنه بدل المنفعة أي لأن الغلة ذكَّر الضمير الراجع إليها لتذكير الخبر وهو البدل أو بتأويل المال.

فكان بالجواز أولى أي بالنسبة إلى الخدمة، يعني أن الخدمة منفعة محضة ليست فيها شائبة العينية فلما جازت الوصية بها فلأن تجوز الوصية بالغلة التي هي عبارة عن مال عين

(9)

وهو الدراهم والدنانير بالطريق الأولى، كان

(10)

له ثلث غلة تلك السنة يعني لو كانت الوصية بَغَلَّةِ عبده سنة لأنه عين مال يحتمل القسمة بالأجزاء [هذا احتراز عن الوصية بخدمة العبد فإن هناك لما لم تحتمل نفس العبد القسمة بالأجزاء]

(11)

صرنا إلى قسمة استيفاء الخدمة بطريق المهاباة إلى أن يكون ما يستوفيه خدمة سنة كاملة على ما ذكرنا من استخدامه ثلاث سنين فيما إذا كانت السنة غير معينة؛ وأما الغلة فهي عين مال يحتمل القسمة، ولذلك قسمناها بالأجزاء لا بالمهاباة عطفًا منه لأحدهما على الآخر لأنه عطف قوله لآخر برقبته بالواو على قوله أوصى له بخدمة عبده؛ وما أوجب لكل واحد منهما بطريق العطف يحتمل الوصية بانفراده، فبعطف إحدى الوصيتين على الأخرى لا يتحقق بينهما مشاركة فيما أوجبه لكل واحد منهما؛ ثم بما صحت الوصية لصاحب الخدمة [لو لم يوص في الرقبة بشيء لصارت الرقبة ميراثًا للولد مع كون الخدمة للموصى له فكذلك إذا أوصى بالرقبة لإنسان آخر]

(12)

لأن الوصية قياس الميراث من حيث أن الملك يثبت بهما بعد الموت كذا في المبسوط

(13)

.

(1)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب): الوارث الموصى له؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ج): من غير سؤال؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

في (أ): متغيرة؛ وفي (ج): منصرفة؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(5)

في (ب): مال؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): قائمًا؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

ينظر: المبسوط (27/ 183).

(9)

في (ج): محض عين؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(10)

في (ب): لكان؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(12)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(13)

ينظر: المبسوط (27/ 184).

ص: 184

فإن قلت: فعلى من تكون النفقة في هذه الصورة.

قلتُ: قال الإمام التمرتاشي: ولو أوصى لرجل بدار ولآخر بسكناها فالنفقة على صاحب السكنى لأن المنفعة تحصل له، ونفقة العبد الموصى برقبته لإنسان وبخدمته لآخر على صاحب الخدمة؛ فإن مرض إن لم يستطع معه الخدمة فعلى الموصى له برقبته؛ وإن استطاع فعلى صاحب الخدمة وهكذا قالوا في المرأة إذا مرضت إن لم يمكن الانتفاع بها بوجه ما لا نفقة لها وإلا فلها النفقة.

وذكر في المبسوط ونفقة العبد وكسوته على صاحب الخدمة لأنه إنما يتمكن من استخدامه إذا أنفق عليه فإن العبد لا يقوى [على الخدمة]

(1)

إلا بذلك وهو أحق بخدمته فيلزمه نفقته كالمستعير، فإنه ينفق على المستعار وينتفع به؛ وإن أبى أن ينفق رَدَّهُ على صاحبه فهذا كذلك أيضًا؛ فإن كان أوصى بخدمة عبد صغير

(2)

لإنسان وبرقبته لآخر وهو يخرج من الثلث فنفقته على صاحب الرقبة حتى يدرك الخدمة، فإذا خدم صارت نفقته على صاحب الخدمة لأن بالنفقة عليه في حالة الصغر تنمو العين والمنفعة في ذلك لصاحب الرقبة؛ وإذا صار بحيث يخدم فهو بالنفقة

(3)

يتقوى على الخدمة والمنفعة في ذلك لصاحب الخدمة فلهذا كانت النفقة عليه؛ ثم نفقة المملوك على المالك باعتبار الأصل إلا أن يصير معدًّا لانتفاع الغير به فحينئذٍ تكون النفقة على المنتفع كالمولى

(4)

إذا زوج أَمَته ولم يبوّأها بيتًا كانت نفقتها على المولى، فإن بوّأها مع الزوج بيتًا كانت نفقتها على الزوج.

وإذا جنى العبد [الموصى]

(5)

بخدمته ورقبتِه جنايةً فالفداء على صاحب الخدمة لأن فيما هو المقصود بالعبد

(6)

وهو الاستخدام هو المختص به كالمالك؛ وبالفداء تسلم الخدمة له ولا يسلم لصاحب الرقبة شيء في الحال؛ فإذا فداه خدمه على حاله لأنه طهره من الجناية من حيث أن الملك يثبت فيهما أي في الوصية والميراث.

القوصرة بالتخفيف والتشديد وعاء التمر يتخذ من قصب.

ولا شيء لصاحب الظرف أي للموصى له بالأَمَة والخاتم والقوصرة.

(1)

ساقطة من (ب)؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ج): معروف؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (ب): بالرقبة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ب): تكون النفقة على المولى؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): بالعقد؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 185

في المظروف أي في الولد والفص والتمر؛ أما إذا فصل أحد الإيجابين عن الآخر فيها فكذلك الجواب عند أبي يوسف: أي كان كما أوصى ولا شيء لصاحب الظرف في المظروف.

وكذلك في أخواتها، والصواب في أختيهما وهو الخاتم مع الفص والقوصرة مع التمر لا غير.

بخلاف العبد مع الخدمة فإن الخدمة لا تنتصف بينهما بالاتفاق على ما أشار إلى هذا في الكتاب بقوله كما في وصية الرقبة.

والخدمة أي لا حظ لصاحب الرقبة في الخدمة بالاتفاق وإن كان ذكر ذلك في كلام

(1)

مفصول؛ ويحتمل أنه إنما جمع الأخوات باعتبار الأجزاء في المسألتين وهي الخاتم والفص والقوصرة والتمر كما في وصية

(2)

الرقبة والخدمة فإن هناك المفصول والموصول سواء في الحكم أي للمفصول حكم الموصول، ثم تأخير تعليل محمد عن تعليل أبي يوسف: في الكتاب.

وفي المبسوط ذكر جواب محمد: عما قاسه أبو يوسف: من وصية الرقبة والخدمة، وإطلاق الرّواية والتعليل على مذهب محمد: من غير ذكر خلاف أحد في أصول الفقه لشمس الأئمة وفخر الإسلام: كل ذلك دليل على أن المعوَّل عليه والمأخوذ به قول محمد:.

قوله بخلاف الخدمة مع الرقبة يعني لو أوصى برقبة العبد لإنسان وبخدمته لآخر كان كما أوصى وإن كان في كلام مفصول، ولا يكون للموصى له بالرقبة من الخدمة شيء، إنما كان هكذا لأن اسم الرقبة لا يتناول الخدمة بخلاف ما نحن فيه فإن الخاتم يتناول الحلقة والفص جميعًا؛ واسم الجارية يتناولها وما في بطنها، واسم القوصرة

(3)

كذلك كذا في المبسوط

(4)

.

والدليل على الفرق

(5)

أيضًا أن في فصل الخدمة والسكنى والغلة لو رد صاحب الوصية بالخدمة والسكنى والغلة أو مات

(6)

قبل موت الموصي تكون الخدمة والسكنى والغلة ملكًا لصاحب الأصل ولا يعود إلى الورثة لأنه انعدم المانع وقد حصل على ملكه فيكون له.

وأما في فصل الولد والفص ونحوه لو رد صاحب الوصية

(7)

بالجارية الولد وكذلك [في الفص والتمر يكون الولد ونحوه للورثة ولا يكون لصاحب الأصل.

(1)

في (أ): كلامهم؛ وما أثبت من (ب) و (ج) قريب منه.

(2)

في (ب): قضية؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): القوسرة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ينظر: المبسوط (27/ 184).

(5)

في (أ): العرف؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): ومات؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (أ): لو رده لصاحب الوصية؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 186

وكذلك]

(1)

إذا مات الموصى له بالولد قبل موت الموصي؛ والدليل على الفرق

(2)

بينهما أيضًا فصل الاستثناء فإنه لو أوصى بالجارية واستثنى ولدها أو أوصى بالخاتم واستثنى فصه أو أوصى بالدار واستثنى بناءها صح الاستثناء ويكون المستثنى للورثة.

ولو أوصى بالعبد واستثنى الخدمة أو بالدار واستثنى السكنى أو بالبستان واستثنى الغلة المعدومة فإنه لا يصح الاستثناء فكذلك في التخصيص.

والمعنى ما ذكرنا في أصل الباب أن من شرط [صحة]

(3)

التخصيص والاستثناء

(4)

أن يكون صدر الكلام متناولًا للمخصوص والمستثنى كذا في زيادات صاحب الهداية

(5)

.

ومن أوصى لآخر بثمرة بستانه ثم مات وفيه ثمرة فله هذه الثمرة.

وإنما قيد بقوله: وفيه ثمرة لأنه إذا لم يكن في البستان ثمرة والمسألة بحالها فمسألة الثمرة كمسألة الغلة في أنه تتناول الثمرة المعدومة ما عاش الموصى له كما في مسألة الغلة كذا في المبسوط

(6)

.

وحاصل مسائل الباب على أوجه في وجه يقع على الموجود

(7)

والحادث ما عاش الموصى له ذكر الأبد أو لا؛ وهو أن يوصي بغلة بستانه أو أرضه أو سكنى داره أو خدمة عبده لأن الغلة كما تتناول الموجود تتناول ما يكون بِعُرضِ الوجود

(8)

في العرف؛ يقال: لفلان غلة هذه الدار يراد به ما يدخل في ملكه في المستقبل ويعتبر خروجه من الثلث.

وفي وجه يقع على الموجود دون الحادث ذكر الأبد أو لا؛ وهو أن يوصي بالصوف على ظهر غنمه والولد في بطن جاريته واللبن في الضرع لأن المعدوم من هذه الأشياء لا يستحق بعقد ما.

وفي وجه أن ذكر الأبد يقع على الموجود والحادث كالوصية بثمرة بستانه؛ وإن لم يذكر الأبد فإن كانت الثمرة وقت الموت موجودة تتناولها وإلا فالقياس أن تبطل الوصية.

وفي الاستحسان يقع على الحادث إلى أن يموت الموصى له كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(9)

.

(1)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (أ): العرف؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ج): الاستيفاء؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى لسياق ما بعده.

(5)

ينظر: كشف الأسرار (1/ 293).

(6)

ينظر: المبسوط (28/ 2)، البناية (13/ 491).

(7)

في (ب): يمتنع الموجود؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب؛ وبه يسقيم المعنى لسياق ما بعده.

(8)

في (ب): الموجود؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(9)

ينظر: حاشية الشلبي (6/ 204)، العناية (10/ 491).

ص: 187

قوله: والفرق أي بين الثمرة والغلة يعني أن الوصية بالثمرة إنما تتناول الثمرة المعدومة إذا كانت الدلالة الزائدة مقرونة بها كذكر الأبد.

وأما الوصية بِالْغَلَّة فتتناول الغلة المعدومة وإن لم يكن ذكر الأبد مقرونًا بها.

وذكر في المبسوط

(1)

وإنما كان هكذا لأن اسم الغلة حقيقة للموجود والحادث جميعًا؛ وأما اسم الثمرة فللموجود حقيقة ولا يتناول الحادث إلا مجازًا، فإذا أوصى له بثمرة بستانه ولم يقل: أبدًا فإن كان في البستان

(2)

ثمرة حين يموت الموصي فإنه يستحق الموصى له تلك الثمرة ولا حق له فيما يحدث بعدُ؛ لأن اللفظ إذا صار مستعملًا في حقيقة ينتفي المجاز عنه.

وإذا لم يكن في البستان ثمرة عند موت الموصي فلم يستعمل اللفظ في حقيقته فيجب استعماله في المجاز ويكون له ما يحدث من الثمار ما عاش بمنزلة الغلة.

وفرق آخر بين الغلة والثمرة فهو أن الموصى له بالغلة إذا مات بطلت وصيته بخلاف الثمرة إذا ظهرت وصارت لها قيمة ثم مات الموصى له بالثمرة أنها تصير لورثة الموصى له؛ لأنه عين مال كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(3)

.

وذكر في المبسوط وفي الوصية بالثمرة إذا استحق الحادث ثم مات الموصى له فإن مات قبل أن تحدث الثمرة بطلت وصيته لأن الثابت له حق الاستحقاق وذلك لا يورث عنه؛ وإن كان موته بعدما أثمر البستان فتلك الثمرة لورثته لأن ذلك العين صار مملوكًا له فيخلفه

(4)

وارثه فيه.

ألا ترى أنه لو كان باعه في حياته وأخذ ثمنه جاز بيعه وكان الثمن لورثته بعد موته، ثم في البستان السقي والخراج وما فيه صلاحه على صاحب الغلة لأنه هو المنتفع بالبستان فصار هو كالنفقة في فصل

(5)

الخدمة.

وهذا بخلاف ما تقدم أي الوصية بصوف الغنم ونحوه على خلاف الوصية بثمرة البستان والوصية بالغلة فإن الوصية فيهما عند ذكر التأبيد تتناول الموجود والحادث؛ والوصية بصوف الغنم

(6)

ونحوه لا تتناول الحادث وإن ذكر التأبيد؛ والفرق وهو أن القياس في الثمرة والغلة أن لا يستحق إلا الموجود

(7)

عند موته كما في الأولاد؛ لأنه إنما يُمَلِّكه بالوصية ما هو مملوك للموصي والعين الحادث بعد موته لا يكون مملوكًا فلا يستحقه الموصى له ولكنه استحسن فقال: الثمار التي تحدث يجوز أن تستحق بإيجابه بعقد من العقود كالمعاملة على قول من يجيزها.

(1)

ينظر: المبسوط (28/ 2).

(2)

في (ج): الموصى به؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى.

(3)

ينظر: حاشية الشلبي (6/ 204).

(4)

في (أ): فيجعله؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ب): فضل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): والوصية بالغلة والوصية بصوف الغنم؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (أ) و (ب): ألا يستحق الموجود؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

ص: 188

فكذلك يجوز استحقاقها بالوصية عند التنصيص على التأبيد لأن الوصية أوسع العقود جوازًا بخلاف ما في البطن فإن ما يحدث لا يجوز استحقاقه بشيء من العقود والوصية نوع من العقود، أو نقول أن القياس في مسألة الصوف واللبن والولد أن يستحق الموجود والحادث عند التنصيص على التأبيد لأن المحل الذي يحدث منه هذه الزوائد يجعل مبقى على ملك الميت حكمًا لاستعماله بوصيته، والوصية فيما يحدث منها يصير كالمضاف إلى حالة الحدوث فصح ذلك كما في الثمار؛ ولكنه استحسن فقال: ما في بطون الحيوان ليس في وسع البشر إيجاد ماليس بموجود منه فلا يصح إيجابه للغير بشيء من العقود بخلاف الثمار؛ فإن لصنع العباد تأثيرًا في إيجاده ولهذا جاز عقد المعاملة وهي شركة في الخارج فيصح إيجاب الوصية فيما يحدث منه عند التنصيص على التأبيد؛ والدليل على الفرق أنه لو أوصى بيد عبده لإنسان أو رِجْل شَاتِهِ لم تصح الوصية.

ولو أوصى له بقوائم الخلاف أو سعف النخل صحت الوصية، وكان الفرق هذا هو أن سعف النخل وإن كان وصفًا للنخل فإنه يحتمل التمليك ببعض العقود بخلاف أطراف الحيوان، فإذا ظهر هذا الفرق فيما هو موجود منهما فكذلك فيما يحدث كذا في المبسوط

(1)

.

أما الولد المعدوم وأختاه وهما الصوف واللَّبَنُ؛ كذا في المبسوط

(2)

.

والله أعلم.

* * *

‌بابُ وصيَّة الذمِّي

(3)

(1)

ينظر: المبسوط (28/ 3).

(2)

ينظر: المبسوط (28/ 3)، البناية (13/ 493).

(3)

يتفق الحنفية والحنابلة وأكثر الشافعية على صحة الوصية إذا صدرت من مسلم لذمي، أو من ذمي لمسلم، واحتج لذلك بقول الله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ، ولأن الكفر لا ينافي أهلية التملك، فكما يصح بيع الكافر وهبته فكذلك الوصية.

-ورأى بعض الشافعية أنها إنما تصح للذمي إذا كان معينا، كما لو قال: أوصيت لفلان. أما لو قال: أوصيت لليهود أو للنصارى أو حتى لو قال: أوصيت لفلان الكافر فلا تصح؛ لأنه جعل الكفر حاملا على الوصية.

-أما المالكية فيوافقون من سواهم على صحة وصية الذمي لمسلم.

-أما وصية المسلم لذمي فيرى ابن القاسم وأشهب الجواز إذا كانت على وجه الصلة، بأن كانت لأجل قرابة، وإلا كرهت. إذ لا يوصي للكافر ويدع المسلم إلا مسلم مريض الإيمان. وصرح الحنفية كما في الطحاوي على الدر، وغيره، بأن الكافر إذا أوصى لكافر من ملة أخرى جاز، اعتبارا للإرث، إذ الكفر كله ملة واحدة.

ينظر: الطحطاوي 4/ 336، والبدائع 7/ 335، والدسوقي على الشرح الكبير 4/ 426، ونهاية المحتاج 6/ 48، وكشاف القناع 4/ 296

ص: 189

ذكر وصية الكافر بعد ذكر وصية المسلم لأن الكفار ملحقون بالمسلمين في أحكام المعاملات بطريق التبعية فكان ذكر التبع بعد ذكر المتبوع من المناسبة.

وأما عندهما

(1)

فلأن هذه معصية

(2)

فلا تصح عندهما فثبت بهذه الجملة أنها تورث بالاتفاق ولكن على اختلاف التخريج

(3)

؛ فعند أبي حنيفة: لعدم لزوم الوقف؛ وعندهما لكون الفعل معصية، ولا يقال: البيعة في حقهم كالمسجد في حقنا والمسلم إذا جعل داره مسجدًا في صحته وسلم إلى المتولي لا يورث فينبغي أن تكون البيعة كذلك؛ لأنا نقول: المسجد تحرر عن حقوق العباد وصار لله تعالى خالصًا فلا يورث ولا كذلك البيعة؛ لأن البيعة عندهم لمنافع الخلق فإنها يسكن فيها أساقفتهم ويدفن فيها موتاهم كذا في الجامع الصغير

(4)

لقاضي خان: وغيره.

وإن أوصى بداره كنيسة لقوم غير مسمين جازت الوصية عند أبي

حنيفة:؛ فالحاصل أن أبا حنيفة: فرق بين جعل الذمي داره بيعة أو كنيسة وبين وصيته بأن يجعل داره بيعة أو كنيسة فلم يجز في الأول كما هو مذهبهما

(5)

وأجاز في الثاني من الثلث.

وله أن هذه قربة في معتقدهم ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون؛ قال مشائخنا رحمهم الله: هذا الاختلاف فيما إذا أوصى ببناء بيعة أو كنيسة في القرى؛ فأما في المصر فلا يجوز بالاتفاق لأنهم لا يمكنون

(6)

من إحداث البيعة في الأمصار كذا في الجامع الصغير البرهاني

(7)

(8)

.

(1)

سبق ص 171.

(2)

الْمَعْصِيَةِ فِي اللُّغَةِ: الْخُرُوجُ مِنَ الطَّاعَةِ يُقَال عَصَاهُ مَعْصِيَةً وَعِصْيَانًا: خَرَجَ مِنْ طَاعَتِهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ فَهُوَ عَاصٍ وَعَصَّاءٌ وَعَصِيٌّ، والمعصية مخالفة الأمر قصدًا ..

وَفِي الاِصْطِلَاحِ: قَال الْبَزْدَوِيُّ: الْمَعْصِيَةُ اسْمٌ لِفِعْل حَرَامٍ مَقْصُودٍ بِعَيْنِهِ.

ينظر: التعريفات (222)، معجم لغة الفقهاء (441)، كشف الأسرار عن أصول البزدوي

3/ 200.

(3)

في (ج): الترجيح؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

ينظر: بدائع الصنائع (7/ 341).

(5)

في (أ) و (ب): مذهبنا؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): لا يتمكنون؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

تبيين الحقائق (6/ 205)، تكملة البحر الرائق (8/ 519).

(8)

لعل المقصود: شرح برهان الدين البخاري على الجامع الصغير؛ وهو مخطوط. ينظر: الفوائد البهية (ص/ 205)، البحر الرائق (2/ 33).

ص: 190

امتنع ثبوت مقتضاه أي مقتضى الوصية بتأويل الإيصاء وهو زوال الملك، فبقي فيما هو قربة أي عندهم.

على مقتضاه أي مقتضى الوصية وهو زوال الملك فلذلك لا يورث؛ وهذا لأن الوصية وضعت

(1)

لزوال الملك إلا أن لفظ الوصية تباعد عن إفادة مقتضاها وهو زوال الملك فيما إذا أوصى بما ليس بقربة في معتقدهم؛ فإذا أوصى بما هو قربة في معتقدهم عملت عملها.

ثم سأل محمد: سؤالًا

(2)

فقال: كيف يكون هذا قربة من الذمي وأنه لا يثاب على ذلك؛ قلنا: الأحكام في حقهم إنما تبنى على ما يُظْهِرون لا على الحقيقة.

ألا ترى أنه إذا ذبح وسمى اسم الله تعالى تحل ذبيحته وإن كان ما يعتقده إلهًا ليس بإله على الحقيقة؛ ولو ذبح باسم المسيح لا تحل ذبيحته على ما قال علي ط: «إذا سمعتموهم سموا لغير الله فلا تأكلوا»

(3)

؛ كذا في زيادات صاحب الكتاب

(4)

.

وقوله: وهو ما ذكرناه وهو الذي ذكره بالوصية ببناء البيعة والكنيسة.

والجهة مَشُورة

(5)

أي صرف هذا المال الموصى به

(6)

إلى استضاءَة المسجد وغيرها خرج منه على طريق المشورة لا على طريق الإلزام.

وذكر الإمام قاضي خان: وإذا أوصى بما هو طاعة عندنا معصية عندهم كالوصية ببناء المسجد أو بالإسراج فيه فإن سمى لقوم بأعيانهم صحت ويكون تمليكًا منهم وتبطل الجهة التي عينها إن شاءوا [فعلوا ذلك وإن شاءوا]

(7)

تركوا؛ وإن كانوا لا يحصون لا يصح لأنه لا يمكن

(8)

تصحيحه تمليكًا وأنها ليست بقربة في اعتقادهم حتى يكون تمليكًا من الله تعالى في اعتقادهم فلا يصح.

أو يغزى الترك من الروم

(9)

أي كفرة من الدَيلم.

أو [إن أوصى]

(10)

بأن يشترى العبد من ثلث ماله ويعتق في سبيل الله فإنها صحيحة بالاتفاق لأن هذه وصية بما هو قربة فتكون صحيحة.

(1)

في (ب): وقعت؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب) و (ج): على نفسه سؤالًا؛ وما أثبت من (أ) قريب منه.

(3)

لم أجد لهذا الأثر ذكرا في كتب السنة، وله ذكر في كتب الفقه الحنفي. ينظر: المبسوط (11/ 246).

(4)

ينظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص (7/ 242).

(5)

في (ج): مشهورة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (أ): له؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ب): لأنه يمكن؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (أ): وهو من اللزوم؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 191

غاية ما في الباب أنه لا يؤجر بهذه الوصية ولا يستحق الثواب بها؛ ولكن استحقاق الثواب ليس بشرط لصحة الوصية، بل شرط صحة الوصية جعله الله تعالى بجهة القربة.

ألا ترى أن المسلم إذا أوصى بشيء هو قربة ولم تحضره النية صحت الوصية وإن كان لا يستحق الثواب كذا ذكره صاحب الكتاب.

وفي المرتدة الأصح أنه تصح وصاياها وذكر صاحب الكتاب في الزيادات على خلاف هذا؛ وقال: قال بعضهم

(1)

: لا تكون بمنزلة الذمية وهو الصحيح حتى لا يصح منها وصية؛ والفرق بينها وبين الذمية أن الذمية تُقَرُّ على اعتقادها وأما المرتدة فلا تقر على اعتقادها.

وإذا دخل الحربي بأمان فأوصى لمسلم أو ذمي بماله كله جاز؛ قيل هذا إذا لم يكن ورثته معه في دار الإسلام؛ أما إذا كانت الورثة معه يتوقف على إجازتهم؛ وأشار إلى هذا في الكتاب بقوله: وليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب فذلك صحيح من غير اعتبار الثلث.

لما بينا أراد به قوله لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة إلى آخره

(2)

.

وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: لا يجوز لأنه من أهل الحرب.

وفي المبسوط وذكر في الأمالي

(3)

أن على قول أبي حنيفة وأبي يوسف: لا تصح الوصية من المسلم والذمي للمستأمن؛ لأنه وإن كان في دارنا صورة فهو من أهل دار الحرب حكمًا حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب، ووصية من هو من أهل دار الإسلام لمن هو من أهل دار الحرب باطلة؛ لأن لتباين الدارين تأثيرًا في وضع

(4)

العصمة والموالاة.

ولو أوصى لحربي في دار الإسلام وقوله في دار الإسلام ظَرف لأَوصَى لا لِقوله حربي أي لو أوصى الذمي في دار الإسلام لحربي في دار الحرب لم يجز لتباين الدارين بينهما حقيقة وحكمًا كذا لفظ المبسوط

(5)

؛ ولأن الذمي لو أوصى لحربي في دار الإسلام يجوز على ما ذكر قبل هذا بقوله: وكذا لو أوصى له أي

(6)

للمستأمَن مسلم أو ذمي بوصية جاز.

والله أعلم بالصواب.

(1)

في (أ): وقال بعضهم؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلِهَذَا تَنْفُذُ بِإِجَازَتِهِمْ. ينظر: الهداية (4/ 537)، العناية (10/ 495)، البناية (13/ 498).

(3)

ينظر: المبسوط (28/ 93).

(4)

في (ب): قطع؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(5)

ينظر: المبسوط (28/ 93).

(6)

في (ب): أو؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 192

* * *

‌بابُ الوصي وما يملكه

لما فرغ من بيان أحكام الموصى له

(1)

شرع في بيان أحكام الموصى إليه وهو الوصي لما أن كتاب الوصايا يشملهما؛ لكن قدم أحكام الموصى له

(2)

لكثرتها وكثرة وقوعها، فكانت الحاجة إلى معرفتها أَمَسُّ.

ومن أوصى إلى رجل- أي: ومن جعل غيره وصيًّا؛ يقال أوصى إليه إذا جعله وصيًّا؛ والاسم: الوصاية بالكسر والفتح كذا في «الصحاح»

(3)

.

فقبل الوصيفي وجه المُوصِي أي: بعلم الموصي.

وردَّها في غير وجهه أي: بغير علم الموصي، هكذا فسره في «الذخيرة»

(4)

.

لأن الميت مضى لسبيله؛ أي: مات.

معتمدًا عليه؛ أي: على الوصي بقبول وصايته.

فإن قلت ما الفرق بين هذا وهو ما إذا جعله وصيًّا بشرط قبول الوصاية في حال حياة الموصي في وجهه، وبين

(5)

ما إذا أوصى لرجل بثلث ماله أو بمال معين حيث لا يعتبر قبول الموصَى له الوصية في حال حياة الموصي حتى لو قبله في حال حياة الموصي ثم رده بعد وفاته صح الرد؛ بخلاف الوصي فإنه لو قبل الوصاية في حال حياة الموصي ثم رده بعد وفاته لا يصح الرد مع أن كل واحدة من الوصيتين مضافة إلى ما بعد الموت.

قلتُ: الفرق بينهما هو أن الإيصاء إلى الغير توكيل إلى وقت في المستقبل، وهو ما بعد الموت، وإضافة الوكالات إلى وقت في المستقبل جائزة، فإنه إذا قال لغيره: وكلتك ببيع عبدي غدًا أو رأس الشهر جاز قياسًا واستحسانًا.

وأما الوصية [بالمال]

(6)

فتمليك مضاف إلى وقت في المستقبل وهو ما بعد الموت وتمليك المال مضافًا إلى وقت في المستقبل مما يأباه القياس؛ فإنه لو قال: وهبتك عبدي هذا غدًا لم يصح؛ ثم التوكيل المضاف إلى وقت في المستقبل جائز في حال الحياة؛ وصح الإيصاء إلى آخر [للحال]

(7)

مضافًا إلى ما بعد الموت، وإذا صح الإيصاء للحال مضافًا إلى ما بعد الموت صح القبول في الحال أيضًا.

فأما تمليك المال مضافًا إلى وقت في المستقبل فباطل، فيعتبر باطلًا للحال؛ وإذا اعتبر باطلًا للحال صار وجوده وعدمه بمنزلة، فلذلك لم يصح القبول للحال؛ ولأن [الوصية]

(8)

إليه استخلاف له في الولاية وإثبات ولاية التصرف للغير مع قيام ولاية المتصرف جائز.

(1)

في (ج): الوصية؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ج): الوصي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ينظر: «الصحاح» (6/ 2525).

(4)

ينظر: «العناية» (10/ 496)، «البناية» (13/ 500).

(5)

في (ج): وهي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 193

ألا ترى أن الوكيل يتصرف عن ولاية مستفادة من قبل الموكل مع قيام ولاية الموكل فصح القبول والرد في حال حياة الموصي وقيام ولايته؛ وأما الوصية له فاستخلاف في نفس الملك والحكم ثبت بعد الموت؛ فإن ثبوت الملك للموصى له مع قيام الملك للموصي لا يتصوَّر؛ فيعتبر القبول والرد حال ثبوت الملك له وهو ما بعد الموت؛ ولأن المقصود في جعله وصيًّا توفير المنفعة على الموصي ودفع الضرر عنه؛ وبعد ما قبل الوصي

(1)

لو جاز له الرد بعد الموت تضرر به الموصي لأنه ترك النظر والإيصاء إلى الغير اعتمادًا على قبوله؛ ثم لو صح رَدُّه في غير وجهه يصير الوصي بالقبول كالغارِّ له، والغرور حرام والضرر مدفوع.

بخلاف الوصية بالمال فإن هناك وإن قبله في حياته فله أن يردَّه بعد موته؛ لأن المقصود هناك توفير المنفعة على الموصى له وليس في رده معنى الضرر [والغرور]

(2)

في حق الموصي

(3)

؛ لأنه إذا رده لا يضيع المال بل يصير إلى وارثه وذلك خير للموصي شرعًا، وهذه الفروق الثلاثة مستفادة من «الذخيرة»

(4)

و «الإيضاح»

(5)

و «المبسوط»

(6)

على هذا الترتيب.

قوله: بخلاف الوكيل بشراء عبد بغير عينه أو ببيع ماله حيث يصح رده في غير وجهه؛ هذا الذي ذكره مخالف لعامة روايات الكتب من «الذخيرة»

(7)

و «التتمة»

(8)

(9)

و «أدب القاضي»

(10)

للصدر الشهيد و «الجامع الصغير» للإمام المحبوبي

(11)

و «فتاوى قاضي خان»

(12)

؛ لأنه ذكر في هذه الكتب أن الوكيل إذا عزل نفسه عن الوكالة حال غيبة الموكِّل لا يصح حتى لو عزل نفسه من [غير]

(13)

علم الموكل لا يخرج عن الوكالة. وموضعه في «الذخيرة» الفصل الثاني من وكالتها، والفصل العاشر من وكالة التتمة، والباب السابع والستون من أدب القاضي وباب بيع الأوصياء من وصايا

(14)

«الجامع الصغير»

(15)

وفصل التوكيل بالخصومة من فتاوى قاضي خان.

(1)

في (ج): الموصي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ج): الوصي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

سبق ص 111. والذَّخِيرَة مُخْتَصَر المحُيط البُرْهاني فِي الْفِقْه النُّعْماني، لبرهان الدِّين مُحَمَّد بن تَاج الدِّين أَحْمَد بن برهان الدِّين عَبْد الْعَزِيز ابن عُمَر مَازَة، (ت 616 هـ (، وهو مخطوط في مركز المخطوطات والوثائق فِي المكتبة الأزهرية بالقاهرة برقم (20856)، وهناك نسخة أخرى منه فِي الْجَامِعة الأردنية برقم 3867.

(5)

سبق ص 106 ..

(6)

ينظر: «المبسوط» (28/ 23).

(7)

ينظر: «العناية» (10/ 497، 498)، «البناية» (13/ 500).

(8)

تتمة الفتاوى للإمام برهان الدين محمود (محمد) بن أحمد بن عبدالعزيز الحنفي؛ ت (616). ينظر: كشف الظنون (1/ 343)، الجواهر المضيئة (2/ 15).

(9)

ينظر: «العناية» (10/ 497، 498)، «البناية» (13/ 500).

(10)

أدب القاضي على مذهب أبي حنيفة؛ لجماعة وهم: الإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي المجتهد الحنفي، المتوفى: سنة اثنتين وثمانين ومائة، وهو: أول من صنف فيه إملاء. والقاضي أبي حازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي، المتوفى: سنة اثنتين وتسعين ومائتين. وأبي جعفر أحمد بن إسحاق الأنباري، المتوفى: سنة 317، ولم يكمله. والإمام أبي بكر أحمد بن عمرو الخصاف، المتوفى: سنة إحدى وستين ومائتين، رُتِّبَ على: مائة وعشرين بابا.

وهو: كتاب جامع غاية ما في الباب، ونهاية مآرب الطلاب، ولذلك تلقوه بالقبول، وشرحه فحول أئمة الفروع والأصول. ينظر: كشف الظنون (1/ 1).

(11)

ينظر: «العناية» (10/ 497، 498)، «البناية» (13/ 500).

(12)

ينظر: «العناية» (10/ 497، 498)، «البناية» (13/ 500).

(13)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(14)

في (أ): قضايا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(15)

في (ب): الجامع الكبير؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 194

ولكن ذكر في فتاوى قاضي خان في الوكيل بشراء شيء بعينه فقال والوكيل بشراء شيء بعينه إذا أخرج نفسه عن الوكالة لا يملك إلا بمحضر من الموكل.

ثم العجب من الإمام قاضي خان: أنه ذكر في الجامع الصغير مع هذا ما يوافق رواية الهداية فقال بين هذا أي بين الوصي وبين ما لو وكل رجلًا بشيء فرد الوكيل يصح رده سواء رده في وجه الموكل

(1)

أو في غير وجهه لأن في الوكالة الموكل قادر على التصرف بنفسه فلو صح الرد لا يتضرر به الموكل ولا يصير مغرورًا والله أعلم بصحته.

فإن لم يقبل ولم يرد حتى مات الموصي

(2)

فهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء رد ولم يقبل لأن الإيصاء توكيل بعد الوفاة فيعتبر بالتوكيل حالة الحياة؛ ومن وكل وكيلًا حال حياته ما لم يوجد من الوكيل قبول إمَّا دلالة أو نصًّا كان بالخيار إن شاء رد وإن شاء قبل فكذلك هذا.

فإن قيل كان يجب أن لا يكون له الخيار لأنه لما بَلغه الإيصاءُ ولم يَردَّه حال حياة الموصي بترك الميت الإيصاء إلى غيره اعتمادًا على أنه يقبله فإذا رد بعد وفاته يصير الميّت مغرورًا من جهته.

والجواب عنه أن الميت مغتر ههنا وليس بمغرور لأنه كان من حقه أن يسأل عنه أنه يقبله أو لا يقبل فإذا لم يفعل ذلك وبنى الأمر على أنه يقبله بعد موته ولم يوص إلى غيره حصل مغترًا من جهة نفسه لا مغرورًا

(3)

من جهة الوصي.

بخلاف ما إذا قيل لأنه لما قبل في حياته بترك الميت

(4)

الإيصاء إلى غيره اعتمادًا على قبوله فلو ملك الرد بعد وفاته يصير الميت مغرورًا من جهته والغرور منفي كذا في الذخيرة

(5)

.

فلو أنه باع شيئًا من تركته فقد لزمته؛ لأن ذلك دلالة الالتزام والقبول ودليل القبول كصريح القبول

(6)

فكذلك إذا باع بعض تركة الميت أو اشترى للميت بعض ما يحتاجون إليه أو اقتضى مالًا أو اقتضاه لزمته الوصية لوجود دليل القبول والرضا كالمشروط له الخيار إذا وجد منه ما يدل على الإجازة والفسخ كان ذلك بمنزلة التصريح بذلك والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لبريرة ك (إن وطئك زوجك فلا خيار لك)

(7)

(1)

في (ج): الوكيل؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (أ): الوصي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ج): مغترًا؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

في (ب): ترك الميت؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(5)

ينظر: المبسوط (28/ 23).

(6)

في (ب): والمقبول كصريح القبول؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

زيادة (إن وطئك زوجك فلا خيار لك) عند أبى داود (2236) من طريق محمد بن إسحاق عن أبى جعفر، وعن أبان بن صالح عن مجاهد، وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: «أن بريرة أعتقت وهى عند مغيث - عبد لآل أبى أحمد فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لها: "

" فذكرها.

والدارقطني 3/ 294؛ قال ابن الملقن في البدر المنير 7/ 646: في إسناده عنعنة ابن إسحاق.

وتابعه يزيد بن رومان عن عروة به مختصرا جدا بلفظ: " كان زوج بريرة عبدا ". أخرجه مسلم (4/ 215) والنسائى وابن الجارود (742) والبيهقى (7/ 221).

وتابعه الزهرى عن عروة به بلفظ: " كانت بريرة عند عبد فعتقت، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بيدها "أخرجه البيهقى من طريق محمد بن إسحاق: حدثنى محمد بن مسلم الزهرى به.

ص: 195

كذا في المبسوط

(1)

.

وإذا كانت خلافة لا يتوقف على العلم كالوراثة؛ وهذه النكتة

(2)

تحتاج إلى التتميم وتمامها أن الوصاية لما كانت خلافة كالإرث صح بيعه كبيع الوارث بعد موت المورث؛ وإذا صح البيع صار لازمًا حكمًا لنفاذ البيع فلا يملك رده بعد ذلك كذا في الذخيرة

(3)

.

وقد بينا طريق العلم وشرط الإخبار فيما تقدم من الكتب؛ ومن تلك الكتب هو ما ذكره في فصل القضاء بالمواريث من فصول كتاب أدب القاضي فذكر هناك هذا الفرق الذي ذكر هنا ووجه التبليغ فقال ومن أعلم من الناس بالوكالة يجوز تصرفه ولا يكون النهي عن الوكالة حتى يشهد عنده شاهدان أو رجل عدل وهذا عند أبي حنيفة: وقال هو والأول سواء أي الواحد فيهما يكفي، ودفع الأولى أي المضرة الأولى وهو أعلى أولى يعني لما قال لا أقبل لا يبطل الإيصاء ولم يرتد لأنه لو بطل لوقع الموصي في الضرر؛ والضرر واجب الدفع وإن كان في لزوم الإيصاء نوع ضررعلى الوصي ولكن هذا الضرر أقل من ذلك الضرر ولأن هذا مجبور بالثواب وذلك غير مجبور بشيء كذا ذكره الإمام الكشاني:

(4)

.

إلا أن القاضي إذا أخرجه عن الوصاية يصح ذلك أي يصح إخراج القاضي؛ وهذا استثناء عن قوله ثم قال أقبل فله ذلك يعني لو رد الوصي الوصاية فقال لا أقبل ثم قال أقبل يجوز قبوله الوصاية إلا إذا كان القاضي أخرجه حين رد الوصاية فحينئذٍ لا يصح قبوله بعد ذلك.

وذكر في أدب القاضي للصدر الشهيد: في باب ما يكون قبولًا للوصية، ولو أوصى إليه وهو ليس بحاضر فبلغه ذلك في حياة الموصي أو بعد وفاته فقال لا أقبل

(5)

[ثم مات الموصي ثم قَبِل]

(6)

بعد ذلك يجوز لأن هذا الرد لم يصح من غير علم الموصي كرد الوكالة لا يصح من غير علم الموكل؛ فإذا لم يرتد الإيجاب وقبل صح القبول إلا أن يكون القاضي أخرجه من ذلك بذلك الرد فيكون خارجًا من الوصية فبعد ذلك وإن قبل لا يصح.

واختلف المشائخ رحمهم الله في تخريج هذا الحكم منهم من قال إنما كان لأن على قول بعض العلماء يصح الرد بدون علم الموصي فالقاضي متى أخرجه من الوصاية بذلك الرد فقد قضى في فصل مجتهد فيه فينفذ وإليه ذهب الإمام السرخسي.

(1)

ينظر: المبسوط (28/ 24).

(2)

ينظر: العناية (10/ 498)، البناية (13/ 502).

(3)

ينظر: العناية (10/ 498)، البناية (13/ 502).

(4)

ينظر: البناية (13/ 502، 503).

(5)

في (ب): فقال أقبل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 196

ومنهم من قال لا حاجة إلى هذا لكن إنما كان لأن الوصاية لو صحت بقبوله كان للقاضي أن يخرجه ويصح الإخراج فهذا أولى؛ وإليه ذهب الإمام شمس الأئمة الحلواني

(1)

:.

ومن أوصى إلى عبد أي إلى عبد غيره لأنه ذكر بعد هذا حكم الإيصاء إلى عبد نفسه؛ وفي المبسوط صرح بهذا وقال وإذا أوصى إلى عبد غيره فالوصية باطلة.

وإن أجاز مولاه لعدم ولايته أي لعدم ولاية العبد على نفسه والوصية ولاية

(2)

والرق ينفي

(3)

ولايتَه [عن نفسه فيمنع ولايته]

(4)

على غيره.

واستبداده أي ولِعدم استبداده بنفسه لأن منافعه لمولاه فالظاهر أنه يمنعه من التبرع بها على غيره؛ فكذلك بعد إجازة المولى لا تصح وصايته أيضًا لأن هذا بمنزلة الإعارة منه للعبد فلا يتعلق به اللزوم؛ فإذا رجع المولى عنه كان العبد عاجزًا عن التصرف بالوصاية

(5)

؛ إلى هذا أشار في المبسوط

(6)

.

قيل معناه في جميع هذه الصور مستبطل والدليل على هذا ما ذكره في الإيضاح بقوله ولو تصرف العبد قبل أن يخرجه القاضي نَفذ تصرّفه لأنه أهل للتصرف ولكن يخرجه القاضي للمعنى الذي ذكرنا؛ وهو أن منافع بدنه مستحقة للمولى فلا يجوز التصرف

(7)

لورثة الموصي فقبل الإخراج الوصاية ثابتة فنفذ تصرفه؛ وكذلك في الكافر معناه مستبطل لأنه ذكر في كتاب القسمة ما يدل على جواز الوصية ما لم يخرجه القاضي؛ فإن حملناه على هذه الرواية فالوجه فيه أنه أهل للتصرف واستنابته صحيحة إلا أن القاضي يخرجه عن الوصاية لأنه لا يتوقى

(8)

البياعات الفاسدة؛ ولئن اعتبرنا ظاهر الرواية فالوجه فيه أن في الوصية إثباتَ الولاية للوصي

(9)

على سبيل الخلافة عنه ولا ولاية للكافر على المسلم.

ثم الوصي يخلف الموصي في التصرف كما أن الوارث يخلف المورث في الملك والتصرف؛ والكافر لا يرث المسلم فكذلك لا يكون وصيًا للمسلم؛ وكذلك إن أوصى الذمي إلى الحربي لم يجز لهذا المعنى؛ ولو أوصى إلى مكاتبه أو إلى مكاتب غيره فهو جائز لأن المكاتب في منافعه بمنزلة الحر فإن عجز المكاتب عن المكاتبة وعاد قنًا كان الجواب فيه كالجواب في العبد كذا في المبسوط

(10)

والإيضاح

(11)

.

(1)

ينظر: العناية (10/ 499)، البناية (13/ 503).

(2)

في (أ): واجبة؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): يبقي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ج): بالولاية؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ينظر: المبسوط (28/ 24).

(7)

في (أ) و (ج): الصرف إلى؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(8)

في (ب): لا يتولى؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ب): للموصي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

ينظر: المبسوط (28/ 25).

(11)

ينظر: المبسوط (28/ 25).

ص: 197

وهذا يصلح عذرًا في إخراجه لأن الإيصاء إلى الغير إنما يجوز شرعًا ليتم به نظر الموصي لنفسه ولأولاده؛ وبالإيصاء إلى الفاسق لا يتم معنى النظر وله أنه مخاطب احترازًا عن الصبي والمجنون.

وقوله مستبدًا احترازًا عن الإيصاء إلى عبد الغير فإنه لا استبداد له وعن الإيصاء إلى عبد نفسه وفي الورثة كبير لأن للكبير أن يمنع

(1)

نصيبه منه فلا يبقى حينئذ للعبد الاستبداد بنفسه وأما ما نحن فيه فلا يملك منعه

(2)

أحد فكان مستبدًا

(3)

بالتصرف؛ وعن هذا علل لأبي حنيفة

(4)

: في الأسرار

(5)

والإيضاح

(6)

بقوله إن أحدًا لا يملك منعه

(7)

فجازت الوصية إليه؛ ثم قال في الأسرارفإن قيل للقاضي ولاية البيع في هذه المسألة؛ قلنا إذا ثبت الإيصاء إلى العبد لم يبق للقاضي ولاية البيع؛ والوصاية قد تتجزأ على ما هو المروي عن أبي حنيفة:

(8)

.

فإذا أوصى إلى رجلين إلى أحدهما في العين وإلى

(9)

الآخر في الدين؛ روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: تعالى أن كل واحد منهما يكون وصيًا فيما أُوصِيَ إليه خاصة كذا ذكره الإمام المحبوبي في الجامع الصغير

(10)

.

ومن يعجز عن القيام بالوصية أي بالوصاية، [ولو شكى إليه الوصي ذلك أي ولو شكى إلى القاضي [[الوصيُّ عَجْزَه عن القيام بأمور الوصاية]

(11)

؛ هكذا صرح في المبسوط

(12)

وقال وإن كان الوصي شكى إلى القاضي]]

(13)

عجزه عن التصرف فعلى القاضي أن ينظر في ذلك؛ فإن علم عدالتَه وعجزَه عن الاستبداد ضم إليه غيرَه لأنه لو لم يفعل ذلك إما أن يتضرر الوصي بالعجز عن التصرف في حقوق نفسه أو يترك التصرف في حوائج الموصي فيتمكن الخلل في مقصود الموصي ويرتفع هذا الخلل بضم غيره إليه فلهذا قدم أي الوصي

(14)

لأنه استفاد الولاية من الميت

(15)

ولأن الموصي اختاره ورضي به والشاكي قد يكون ظالمًا في شكواه فلما لم تتبين جنايته لا يحتاج القاضي إلى النيابة [عن الميت]

(16)

في النظر والاستبدال به؛ كذا في المبسوط

(17)

.

(1)

في (ب) و (ج): أن يبيع؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(2)

في (ب) و (ج): بيعه؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(3)

في (ب): مستندًا؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ينظر: العناية (10/ 501)، البناية (13/ 506، 507).

(5)

ينظر: العناية (10/ 501)، البناية (13/ 506، 507).

(6)

ينظر: العناية (10/ 501)، البناية (13/ 506، 507).

(7)

في (ب) و (ج): بيعه؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(8)

ينظر: العناية (10/ 501)، البناية (13/ 506، 507).

(9)

في (أ): لا إلى؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(10)

ينظر: العناية (10/ 501)، البناية (13/ 506، 507).

(11)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(12)

ينظر: المبسوط (28/ 24).

(13)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(14)

في (ب): الموصي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(15)

في (ج): الثلث؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(16)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(17)

ينظر: المبسوط (28/ 24).

ص: 198

ومن أوصى إلى اثنين لم يكن لأحدهما أن يتصرف عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وقال أبو يوسف: ينفرد؛ وقيل هذا الاختلاف فيما إذا أوصى إلى كل واحد منهما على حدة؛ فأما إذا أوصى لهما جملة لا ينفرد أحدهما بالإجماع كذا ذكره الإمام الكشاني

(1)

.

وذكر الإمام قاضي خان قيل الخلاف فيما إذا أوصى إليهما معًا؛ فأما إذا أوصى إلى كل واحد منهما بالانفراد على وجه التعاقب ينفرد أحدهما بالتصرف عند الكل؛ وقيل الخلاف في الفصلين واحد وهكذا أيضًا ذكر الإمام المحبوبي في الجامع الصغير

(2)

.

وقال: وذكر الإمام شمس الأئمة الحلواني: في شرح هذا الكتاب عن أبي القاسم الصفار

(3)

.

وقال: هذا الخلاف بينهم فيما إذا أوصى إليهما جميعًا معًا بعقد واحد؛ فأما إذا أوصى إلى كل واحد منهما بعقد على حدة يتفرد كل واحد منهما بالتصرف بلا خلاف.

قال الفقيه أبو الليث

(4)

: وقول أبي القاسم الصفار أصح

(5)

وبه نأخذ.

وحكي عن أبي بكر الإسكاف

(6)

قال الخلاف فيهما جميعًا سواء أوصى إليهما جميعًا أو متفرقًا؛ جعل في المبسوط قول أبي بكر الإسكاف أصح.

(1)

ينظر: البناية (13/ 508).

(2)

ينظر: العناية (10/ 504)، البناية (10/ 512).

(3)

هو أبو القاسم الصفار البلخي نقل عن الفقيه أبو جعفر الهندواني في طبقة الكرخي، تفقه عليه جماعة منهم: أحمد بن الحسين المروزي، والصفار بيت علماء تقدم منهم جماعة، مات سنة ست وثلاثين وثلاثمائة. ينظر: الجواهر المضية (2/ 263).

(4)

هو: نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقه على الفقيه أبو جعفر الهندواني وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة. ينظر: سيرأعلام النبلاء (16/ 322)، الجواهر المضية (2/ 196)، الأعلام للزركلي (8/ 27).

(5)

في (ج): أوضح؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

هو: أبو بكر الإسكاف البلخي، اسمه: محمد بن أحمد كان إماما كبيرا، قال: كنت عند الحافظ عبد الحميد –يعني أبا خازم- قأراد أن يطالب رجلا بكفالة نفس قد كفل إلى ثلاثة أيام، فقلت: لا يلزمه المطالبة إلى ثلاث أيام، فإذا مضت ثلاثة أيام فله المطالبة بنفسه أبدا ما لم يسلم إليه، وقلت له: لو باع عبدا إلى ثلاثة أيام بالثمن لا يلزمه إلا بعد ثلاثة أيام، وكذلك هذا. فقال عبد الحميد: كنت لا أعلم ذلك.

مات سنة ست وثلاثين وثلاثمائة فى السنة التى مات فيها أبو القاسم الصفار، قلت: من غرائبه إذا توضأ ثلاثا ثلاثا فالثالثة فرض كإقامة الركوع والسجود، والمذهب أن الأولى فرض والثانية والثالثة سنة، وقيل فى الثانية سنة والثالثة نفل. ينظر: الجواهر المضية (2/ 239).

ص: 199

وقال: ولم يذكر في الكتاب ما إذا أوصى إلى كل واحد منهما على الانفراد.

وقال كثير

(1)

من مشائخنا رحمهم الله أن هنا يتفرد كل واحد منهما بالتصرف بمنزلة الوكيلين إذا وكل كل واحد منهما على الانفراد؛ ولكن الأصح أن الخلاف في الفصلين لأن وجوب الوصية يكون عند الموت؛ وعند الموت إنما تثبت الوصية لهما معًا بخلاف الوكالة وهذا لأن بالإيصاء إلى الثاني يقصد اشتراكه مع

(2)

الأول وهو يملك الرجوع عن الوصية إلى الأول فيملك إشراك الثاني معه وقد يوصي

(3)

الإنسان إلى غيره على ظن أنه يتمكن من إتمام مقصوده وحده ثم تبين له عجزه عن ذلك فيضم إليه غيره فكان بمنزلة الوصية إليهما معًا بخلاف الوكيلين فإن رَأْيَ الموكل

(4)

قائمًا هناك وإذا عجز الوكيل تمكن الموكل من المباشرة بنفسه فلم يكن قصده ضم الثاني إلى الأول وإنما كان قصده إنابة كل واحد منهما منابه بانفراده.

وذكر في الكتاب اختلاف الأقوال فيه ولم يذكر ما هو الأصح عنده إلا في أشياء معدودة أي استحسانًا كذا في المبسوط

(5)

.

وذكر في الأسرار وإذا أوصى إلى رجلين لم يملك أحدهما التفرد بالتصرف إلا في ستة أشياء تجهيز الميت وقضاء الديون بجنس [حقه]

(6)

وشراء ما لابد للصغير منه وبيع ما يَشْرَع إليه الفساد عند عدم الأخذ ورد الغصب والوديعة والخصومة.

وقال أبو يوسف: يملك [التفرد]

(7)

به.

وفي الجامع الصغير لقاضي خان والحاصل أن عندهما أحد الوصيين لا ينفرد بالتصرف إلا في ثمانية؛ وزاد على ما ذكر في الأسرار تنفيذ الوصية المعينة وقبول الهبة وجمع الأموال الضائعة؛ ويحتمل أن يكون قبول الهبة من جنس جمع الأموال الضائعة فيعدان واحدًا فيه يُتِمُّ الثمانية؛ والمصنف: لما رأى اختلاف الأقوال في العدد لم يتعرض للعدد بل قال إلا في أشياء معدودة لأن الوصايا سبيلها الولاية حتى أنها لا تثبت [لمن لا تثبت]

(8)

له الولاية بالتولية كالكافر والعبد فإن الوصاية إليهما

(9)

لا تصح على ما مر لعدم ولاية الكافر على المسلم وعدم ولاية العبد على أحد فيراعى وصف التفويض؛ وإنما فوض إليهما حق التصرف وكل واحد منهما في هذا السبب بمنزلة شطر

(10)

العلة [وبشطر العلة]

(11)

لا يَثْبت شيء من الحكم.

(1)

في (ب): أكثر؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(2)

في (ب): بشرط إشراكه إلى؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): يقضي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ج): الوكيل؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

ينظر: المبسوط (28/ 20).

(6)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ج): الوصية لهما؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(10)

في (ج): شرط؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(11)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 200

إذ هو شرط مفيد أي وصف الاجتماع شرط مفيد لأن رأي الواحد لا يكون كرأي المثنى؛ ومقصود الموصي توفير المنفعة عليه وعلى ورثته وذلك عند اجتماع رأيهما أظهر فأشبه الوكالة من هذا الوجه.

لأنها ليست من باب الولاية أي الولاية المستفادة من الموصي وصاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه؛ أي يملك صاحب الدين أخذه إذا كان من جنس حقه؛ فلما ملك أخذه من غير تسليم أحد لم يكن التسليم من باب الولاية.

وقوله وحفظ المال بالدفع هذا على وجه التعليل لقوله وقضاء الديون؛ يعني أن كل واحد من الوصيين يملك قضاء الدين لأنه ليس في قضاء الدين إلا حفظ المال إلى أن يُقْضَى إلى صاحب الدين؛ وكل من يقع المال في يده فهو يملك حفظه؛ هذا في قضاء دين الميت وأما في اقتضاء دين

الميت

(1)

على الغير فهو على الخلاف ذكره في المبسوط وقال: وأما اقتضاء الدين واسترداد الوديعة فهو على الخلاف لأن هذا يقبل التأخير ويتحقق اجتماعهما عليه؛ وفيه توفير المنفعة لأن حفظ الواحد لا يكون كحفظ المثنى وإنما رضي الموصي بحفظهما وقبول الهدية

(2)

وهو معطوف على قوله إلا في شراء الكفن والخصومة في حقوق الميت لأن الاجتماع فيها متعذر لأنهما لو تكلما معًا بالخصومة في مجلس القضاء يؤدي إلى شغب في مجلس القضاء ولا يفهم القاضي كلامهما؛ وقال في المبسوط والخصومة مما لا يتحقق اجتماعهما عليه.

ألا ترى أنهما وإن حضرا لم يتكلم إلا أحدهما لأنهم لو تكلما جميعًا لم يفهم القاضي كلام كل واحد منهما ولهذا ملك أحد الوكيلين الخصومة

والتفرد بها.

والمراد بالتقاضي الاقتضاء أي القبض لأن الموصي

(3)

ما رضي بتصرفه فلا يكون للوصي أن يرضى بما يعلم أن الموصي لم يرض به.

وقال الشافعي: لا يكون وصيًا في تركة الميت الأول بحال.

وقال ابن أبي ليلى لا يكون وصيًا في تركة الميت الأول إلا أن يوصى إليه بوصية الأول كذا في المبسوط

(4)

.

وإلى الحد في النفس حتى كان له ولاية تزويج الصغار والصغائر واستيفاء القصاص فكذا الوصي فيما انتقل إليه لأنه خلف عن الأول؛ وباعتبار هذه الخلافة يجعل الأول قائمًا حكمًا والخلف يعمل عمل الأصل عند عدم الأصل ومن شرط ثبوت الخلافة انعدام

(5)

الأصل.

(1)

في (ب): في قضاء الدين؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب) و (ج): الهبة بالجر؛ وما أثبت من (أ) قريب من معناه.

(3)

في (أ): الوصي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

ينظر: المبسوط (28/ 22).

(5)

في (أ) و (ب): إعدام؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

ص: 201

وعند الموت كانت له أي عند موت الموصي

(1)

كانت للوصي ولاية في التركتين أي في تركة نفسه.

وتركة موصيه أي في حال حياة الوصي

(2)

الأول كان له ولاية فيهما؛ ففي ماله باعتبار أنه ملكه وفي مال موصيه باعتبار الوصاية إليه فكذا الوصية؛ فكانت تسمية التركة بمال الوصي

(3)

الأول وهو حي بعد باعتبار ما يؤول إليه أمره فلا يرضى بتوكيل غيره.

والإيصاء إليه أي لا يرضى الموكل بتوكيل الوكيل غيره ولا بإيصاء الوكيل إلى غيره.

ومقاسمة الوصي الموصى له [على الورثة جائزة ومقاسمة الورثة عن الموصى له]

(4)

باطل يعني قسمت كردن وصي [مر تركة رابا موصى له ازبراي ورثة صغار يا ازبراي ورثة كبار غائب جائز است وقسمت كردن وصي]

(5)

باورثة ازبراي موصى له غائب بحاضر باطل كنمت

(6)

(7)

.

اعلم أن فائدة الجواز والبطلان إنما تظهر في حق الرجوع على من وقع حقه في يده وعدم الرجوع عليه حتى إن مقاسمة الوصي الموصى له عن الورثة لما جازت لم يرجع الورثة على الموصى له عند هلاك حصتهم في يد الموصي

(8)

؛ ومقاسمة الورثة عن الموصى له لما لم تجز كان للموصى له أن يرجع على الورثة بثلث ما في أيديهم إذا هلك حقه

(9)

في يد الوصي

(10)

.

وكان معنى عن في قوله عن الورثة أي نائبًا عن الورثة وكذلك في قوله عن الموصى له أي نائبًا عن الموصى له.

صورته أن رجلًا لو أوصى إلى رجل وأوصى لرجل آخر بثلث ماله وله ورثة صغار أو كبار غيَّب فقاسم الوصي الموصى له وأعطاه الثلث وأمسك الثلثين للورثة فالقسمة نافذة على الورثة حتى لو هلك حصة الورثة في يده لم يرجع الورثة على الموصى له بشيء لأن ولايته نافذة على الصغار وعلى حفظ مال الكبار والموصى له خصم والقسمة تصح بين الخصمين فنفذت القسمة.

(1)

في (أ): الوصي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ج): الموصي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

في (أ): الموصي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): باطل است؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ينظر: الأبجدي [قاموس عربي فارسي](ص: 7) و (ص: 337).

(8)

في (أ): الوصي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (أ): حصته؛ وما أثبت من (ب) و (ج) قريب منه.

(10)

في (ب): الموصي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 202

وأما في عكسه وهو أن يكون الوارث كبيرًا حاضرًا وصاحب الوصية غائبًا فقاسم

(1)

الوصي مع الوارث فأعطى الوصي الوارث حقه وأمسك الثلث للموصى له لم تنفذ القسمة على الموصى له حتى لو هلك ما في يده كان للموصى له أن يرجع على الورثة بثلث ما في أيديهم لأنه لا ولاية للوصي عليه إلى هذا أشار في الإيضاح

(2)

وغيره.

وذكر الإمام المحبوبي: محيلًا إلى مبسوط شيخ الإسلام أن مقاسمة الوصي

(3)

الموصى له على الورثة جائزة في العروض والعقار جميعًا إذا كانت الورثة صغارًا كلهم حتى لو هلك نصيب الورثة لم يكن لهم الرجوع بشيء على الموصى له لأن للوصي ولاية على الورثة.

ألا ترى أن له بيع نصيب الصغار من العقار والمنقول جميعًا؛ أما لو كانت الورثة كبارًا فليس للوصي ولاية البيع على الكبير الغائب في العقار وله ولاية بيع المنقول عليه فكذا القسمة إذ القسمة نوع بيع

(4)

فلذلك قلنا إذا كانت الورثة كبارًا غُيَّبًا كانت مقاسمة [الوصي]

(5)

الموصى له على الورثة جائزة في العروض دون العقار.

وأما مقاسمته مع الورثة على الموصى له باطلة في العقار والعروض جميعًا سواء كان الموصى له صغيرًا أو كبيرًا حاضرًا

(6)

أو غائبًا حتى إذا هلكت حصة الموصى له في يد الوصي

(7)

وبقيت حصة الورثة كان للموصى له أن يرجع بثلث ما بقي في

(8)

يد الورثة إن كان قائمًا في أيديهم.

قوله: لأن الوارث خليفة الميت حتى يَردُّ

(9)

بالعيب وَيُرَدُّ عليه به كالميت لو كان حيًا يعني لما كان الوارث قائمًا مقام الميت وهو كبير غائب أو صغير وهو حاضر أو غائب والوصي أيضًا قائم مقام الميت فصح أن يكون

(10)

الوصي قائمًا مقام الوارث عند عجز الوارث عن المقاسمة وهو فيما إذا كان صغيرًا أو غائبًا

(11)

؛ ولما قام الوصي مقام الوارث في تمييز ملك الميت عن الوصية كانت مقاسمة الموصى له مع الوصي بمنزلة مقاسمته مع الوارث فصحت كما تصح مع الوارث؛ ولما صحت المقاسمة صار هلاك نصيب الوارث في يد الوصي بعد القسمة كهلاكه بعد قسمة الوارث بنفسه مع الموصى له فلا يرجع الوارث على أحد.

(1)

في (ب): فقام؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: العناية (10/ 505).

(3)

في (أ): الموصي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ): يبقى؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (أ): أو حاضرًا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (أ): الموصي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

في (ب): من؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ب): يرث؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

في (أ): يقوم؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(11)

في (ج): صغيرًا أو كبيرًا؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 203

وأما الموصى له لما لم يكن خليفة الميت بل يحصل

(1)

له ملك مبتدأ ولهذا لا يَرُدُّ بالعيب ولا يُرَدُّ عليه فلم يكن الموصى له قائمًا مقام الميت والوصي قائم مقام الميت فلا ينوب الوصي عن الموصى له

(2)

حال غيبته فلذلك لم تصح مقاسمة الوصي مع الورثة لأجل الموصى له حتى لو [قاسم]

(3)

وهلك ما أفرزه الموصي

(4)

في يد الوصي من نصيب الموصى له كان له ثلث ما بقي في يد الورثة إلى هذا أشار الإمام قاضي خان

(5)

:.

فإن قلت لما لم تصح مقاسمة الوصي مع الورثة نائبًا عن الموصى له كان ينبغي أن يضمن الوصي

(6)

عند الهلاك للموصى له

(7)

لأنه تصرف في نصيبه بالمقاسمة وليس له ولاية ذلك التصرف شرعًا وهلك المال بعد ذلك الفعل الذي هو غير مشروع فيضمن كما لو تعدى على المال واستهلكه.

قلتُ الأمر لا يخلو إما إن هلك ما في يد الوصي الذي هو نصيب الموصى له [أو هلك ما]

(8)

في أيدي الورثة، فإن هلك ما في يد الوصي فلا يضمن لأن الوصي أمين فيه كما كان أمينًا فيه قبل المقاسمة ولم يفعل في نصيب الموصى له شيئًا سوى أنه أفرز نصيبه من نصيب الورثة وأمسك في يده كما كان يمسكه قبل الإفراز، والإفراز للحفظ ليس بتعد فلا يضمن فكان هلاك نصيبه بعد الإفراز بمنزلة هلاك [قدر]

(9)

نصيبه قبل الإفراز؛ ولو هلك [قدر نصيبه]

(10)

قبل الإفراز كان ينتقل قدر نصيبه إلى ما بقي من المال فكذلك ههنا انتقل قدر نصيبه إلى ما أعطى الورثة ثم إن كان ما أعطاهم باقيًا في أيديهم كان للموصى له الرجوع عليهم بقدر نصيبه وهو ثلث ما أعطاهم؛ وإن كان هالكًا كان الموصى له بالخيار في تضمين الحصة التي دفعها الوصي إلى الورثة إن شاء ضمن القابض بالقبض وإن شاء ضمن الدافع بالدفع؛ فإن لم يكن دفع حصة الورثة إليهم حتى لو هلك

(11)

الكل في يد الوصي لم يكن للموصى له أن يضمن الوصي شيئًا لبقاء حكم الأمانة في المال فكذا في هلاك قدر نصيبه إلى هذا أشار الإمام المحبوبي:

(12)

.

(1)

في (ب): بل يجعل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(2)

في (ب): عن الموصي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ): الوصي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

ينظر: الجامع الصغير (1/ 529).

(6)

في (ج): الموصى له؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (ج): للموصي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(11)

في (ج): حتى هلك؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(12)

ينظر: تكملة فتح القدير (10/ 506).

ص: 204

يرجع الموصى له بثلث ما بقي لما بينا أراد به قوله لأن الموصى له شريك الوارث، وإن كان أوصى الميت بِحَجَّة فقاسم الورثة أي قاسم الوصي الورثة.

فهلك ما في يده أي ما في يد الحاج فالوصي والحاج مدلول عليهما غير مذكور بهما حج عن الميت من ثلث ما بقي وهو الذي أفرزه الوصي للورثة.

صورته ما ذكره الإمام قاضي خان: في مناسك الجامع الصغير فقال مثاله إذا مات الرجل وترك أربعة آلاف درهم وأوصى بأن يحج عنه وكان مقدار الحج ألف درهم فأخذ الوصي ألفًا ودفعها إلى الذي يحج عنه فسرقت في الطريق في قول أبي حنيفة: يؤخذ ثلث ما بقي من التركة وهو ألف درهم؛ فإن سرقت ثانيًا يؤخذ ثلث ما بقي مرة أخرى هكذا.

وعند أبي يوسف: يؤخذ ما بقي من ثلث جميع المال وذلك ثلاثمائة وثلاثون وثلاث

(1)

[وثلث]

(2)

فإن سرقت ثانيًا لا يؤخذ مرة أخرى.

وفي قول محمد: إذا سرقت الألف الأولى بطلت الوصية ولا يؤخذ منه مرة أخرى سواء بقي من الثلث الأول شيء أو لم يبق شيء.

[ولأبي يوسف: أن محل الوصية الثلث فيجب تنفيذها ما بقي محلها وإن لم يبق شيء]

(3)

بطلت لأنه لو لم يبطل مع هذا أدى ذلك إلى إفناء المال على الورثة.

ولأبي حنيفة: أن ما هلك هلك قبل تنفيذ الوصية وحق الوارث ما يبقى بعد تنفيذ الوصية فما هلك يجعل كأن لم يكن.

ألا ترى أنه لو أوصى بثلث ماله لرجل فبعثوا به إلى الموصى له فهلك في الطريق أو سرقت قبل أن يصل إليه يعطى له ثلث ما بقي ويجعل الأول كأن لم يكن، وما قال فإن فيه إفناء

(4)

المال على الورثة فجوابه ما قلنا أن حق الوارث ما يبقى بعد تنفيذ الوصية،

ومن أوصى بثلث بألف درهم فدفعها أي فدفع الألف الورثةُ إلى القاضي فقسمها والموصى له غائب.

فَقِسْمَتُهُ أي: فقسمة القاضي جائزة بخلاف قسمة الوصي مع الورثة حال غيبة الموصى له فإنها باطلة على ما مر، وفائدة الجواز هي ما ذكرنا أن ما في يد القاضي لو هلك ثم حضر الغائب

(5)

لا يرجع على الورثة بشيء، ثم الفرق بين القاضي والوصي هو أن للقاضي ولاية على الغائب فيما ينفعه

(6)

ولهذا يملك بيع ما يخشى عليه [التوى

(7)

(8)

والتلف فكانت قسمة القاضي كقسمة الموصى له لما أن القاضي نصب ناظرًا للمسلمين ولمن يعجز عن تنفيذ أمره في قسمته

(9)

؛ ذلك بخلاف الوصي لأنه لا ولاية له على الموصى له ولهذا لا يملك بيع شيء من ماله فلا تنفذ قسمته عليه إلى هذا أشار الإمام قاضي خان:

(10)

.

(1)

في (أ) و (ج): ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون؛ وما أثبت من (ب) هو الأفصح.

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ): إحياء؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ج): الموصى له؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ب): ينفقه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ج): طمس لكلمة (التوى) وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

التوى: هلاك المال. ينظر: مختار الصحاح (ص/ 47)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 149).

(9)

في (أ): وفي قسمته؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(10)

حاشية الشلبي (6/ 210).

ص: 205

وذكر الإمام المحبوبي: أن هذا الذي ذكره من الجواب وهو جواز مقاسمة القاضي مع الورثة وإمساك نصيب الموصى له وهو فيما إذا كانت التركة مما يكال ويوزن لأن القسمة فيما يكال أو يوزن تمييز وليست بمبادلة حتى تفرد أحد الشريكين من غير قضاء ولا رضى، ويجوز لأحدهما أن يبيع نصيبه مرابحة على ما قام عليه من الثمن؛ فأما فيما لا يكال ولا يوزن لا يجوزلأن القسمة فيه مبادلة كالبيع وبيع مال الغائب لا يجوز فكذا القسمة.

وإذا باع الوصي عبدًا من التركة بغير محضر من الغرماء فهو جائز؛ وإنما ذكر هذه المسألة للفرق بينها وبين ما إذا باع المولى

(1)

أو وصيه عبده المأذون [المديون]

(2)

بغير محضر من غرماء العبد فإن ذلك لا يجوز لأن لغريم العبد هناك حقًا في استبقاء العبد وبعد البيع لا يبقى فكان البيع مبطلًا حق الغرماء فلا ينفذ بغير إجازتهم؛ وأما ههنا فليس لغريم المولى حق في استبقاء العبد إنما حقه في استيفاء الدين من الثمن فلم يكن البيع مبطلًا حق الغريم بل محققًا له لأن حقه في الدراهم والدنانير لا في عين العبد وبالبيع يحصل ذلك.

ولو تولى حيًا

(3)

بنفسه أي لو باع الموصي

(4)

المديون بنفسه حال حياته كان يجوز بيعه بغير محضر من الغرماء.

وإن كان مريضًا أي إذا باعه بمثل قيمته فكذا لو باعه من قام مقامه بغير محضر من الغرماء يجوز؛ فقد أخذ الوصي البائع مال الغير وهو المشتري بغير رضاه أي بغير رضا ذلك الغير لأن رضا المشتري بأخذ الوصي الثمن إنما كان عند سلامة المبيع للمشتري ولم يسلم فلا يكون راضيًا عند عدم السلامة فيجب على الوصي رد ما أخذ لذلك.

وقال الإمام قاضي خان: وأما ضمان الوصي لأنه لما استحق العبد ظهر أنه قبض الثمن بغير حق فكان عليه رده ويرجع في تركة الميت.

وكان أبو حنيفة: يقول لا يرجع أي لا يرجع الوصي على أحد لأنه تبين

(5)

بطلان الوصية باستحقاق لغلام ولم يكن عاملًا

(6)

للورثة فلا يرجع عليهم بشيء كذا ذكره الإمام المحبوبي:

(7)

.

(1)

في (ج): الولي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): حقًا؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ج): الوصي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ب): ينبيء؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(6)

في (ب): غلام؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(7)

ينظر: العناية (10/ 508)، تبيين الحقائق (6/ 211)، تكملة البحر الرائق (8/ 532).

ص: 206

لأن الرجوع بحكم الوصية لأن البيع كان لتنفيذ الوصية فكان حكمه حكم الوصية والوصية تنفذ من الثلث.

وجه ظاهر الرواية أنه يرجع عليه بحكم الغرور أي أن الوصي يرجع على الميت أي على تركته بحكم أن الميت غَرَّه بقوله أن هذا ملكي لأنه لما أمره ببيع عبده وبتصدق بثمنه على المساكين كان قائلًا أن هذا العبد ملكي فكان الوصي مغرورًا من جهته وكان ذلك الضمان دينًا على الميت والدين يُقْضَى من جميع الدين كذا ذكره الإمام قاضي خان:

(1)

.

وذكر في الذخيرة

(2)

وإن هلكت التركة لا يرجع على أحد لا على الورثة ولا على المساكين إن كان قد تصدق على المساكين بالثمن لأن البيع

(3)

لم يقع إلا للميت.

وذكر فيها أيضًا محالًا إلى المنتقى

(4)

إذا أوصى الرجل إلى رجل وأمره

(5)

أن يبيع عبده هذا ويتصدق بثمنه على المساكين ففعل الوصي

(6)

ذلك ثم استحق العبد من يد المشتري ورجع المشتري على الوصي بالثمن لم يرجع الوصي في مال الميت بشيء وإنما يرجع على المساكين الذين تصدق عليهم بالثمن؛ والقياس هكذا يقتضي لأن غُنْم تصرف الوصي يعود إلى المساكين فغُرْمه يجب أن يكون عليهم وهذه الرواية تخالف رواية الجامع الصغير.

ووجه رواية الجامع الصغير أن الميت أصل في غُنْم هذا التصرف وهو الثواب والفقير تبع له.

وقد مر في كتاب القضاء أي في آخر فصل القضاء بالمواريث من فصول كتاب أدب القاضي بقوله وإذا باع القاضي أو أمينه عبدًا للغرماء إلى آخره

(7)

.

رجع في مال الصغير لأنه عامل له؛ هذا إذا باع للصغير بأمر القاضي أو بغير أمره؛ فإن باعه للغرماء بأمر القاضي وقبض الثمن وهلك في يده ثم استحق العبد رجع المشتري على الوصي بالثمن لما ذكر أنه لم يرض بخروج الثمن عن ملكه إلا عند سلامة المبيع له ولم يسلم؛ ثم الوصي يرجع على الغرماء لأنه باع لأجلهم فكان عاملًا لهم.

وإن باعه بأمر الغريم لا بأمر القاضي فكذلك لأنه يحق عليه البيع عند طلب الغريم كما يحق عند أمر القاضي كذا ذكر الإمام قاضي خان:

(8)

.

(1)

ينظر: العناية (10/ 508).

(2)

ينظر: العناية (10/ 508)، الفتاوى الهندية (6/ 150).

(3)

في (ج): المبيع؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

ينظر: العناية (10/ 508).

(5)

في (ج): وامرأة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ب): القاضي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ينظر: الهداية (3/ 114)، العناية (7/ 357)، البناية (9/ 93).

(8)

ينظر: العناية (10/ 508)، البناية (13/ 519).

ص: 207

وإذا احتال الوصي أي إذا صار الوصي محتالًا له في قبض الدين الذي كان لليتيم على آخر فإن كان خيرًا لليتيم جاز؛ وهو أن يكون أملى أي وهو أن يكون الثاني وهو المحتال عليه أقدر على أداء الدين من المحيل الذي هو المديون الأول جاز قبول الحوالة للوصي

(1)

؛ وإن كان الثاني أفلس لا يجوز؛ وإن كانا سواء ذكر أنه لا يجوز كذا ذكره الإمام المحبوبي

(2)

.

وذكر في الذخيرة

(3)

وإن كان الثاني مثل الأول في الملأة فقد اختلف المشائخ رحمهم الله فيه وأشار في الكتاب إلى أنه لا يجوز.

فإن قلت ما الفرق بين هذا وبين البيع فإنه لو باع مال اليتيم بمثل قيمته من أجنبي جاز على ما ذكر بُعَيْد هذا في الكتاب؛ وههنا لو قبل الحوالة على الثاني الذي هو مثل الأول في الملأة لا يجوز.

قلتُ الفرق هو أن البيع معاوضة من كل وجه والوصي يملك الاعتياض بمال اليتيم إذا لم يكن فيه غبن فاحش؛ فأما الحوالة فليست

(4)

بمعاوضة من كل وجه حتى تجوز الحوالة في المُسْلَم

(5)

فيه وبرأس مال السلم

(6)

؛ ولو كانت مبادلة من كل وجه كان استبدالًا بالمسلَم فيه وبرأس المال بالحوالة وذلك لا يصح؛ وإذا لم تكن مبادلة من كل وجه كانت بمنزلة الهبة بشرط العوض والوصي لا يملك الهبة من مال اليتيم بشرط العوض عند أبي حنيفة

ومحمد:.

وأما عند أبي يوسف: فيملكه فيجب أن يكون هذا على ذلك أيضًا كذا ذكره الإمام المحبوبي:

(7)

.

ولا يجوز بيع الوصي ولا شراؤه إلا بما يتغابن الناس وكذلك الأب؛ لأن الولاية تثبت بطريق النظر والنظر فيما لم يكن فيه غبن لكن اليسير من الغبن إنما يتحمل [لتعذر]

(8)

الاحتراز عنه.

هذا إذا باع مال الصغير من أجنبي أو اشترى له من أجنبي؛ وأما إذا اشترى الوصي شيئًا من مال اليتيم لنفسه أو باع شيئًا من ماله للصغير

(9)

جاز في قول أبي حنيفة: وإحدى الروايتين عن أبي يوسف: إذا كان لليتيم فيه منفعة ظاهرة.

(1)

في (ج): للموصي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ينظر: البناية (13/ 520).

(3)

ينظر: البناية (13/ 520).

(4)

في (ج): فتثبت؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ج): بالسلم؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ب): المسلم؛ وما أثبت (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ينظر: العناية (10/ 509)، البناية (13/ 520).

(8)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ج): مال الصغير؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 208

وتفسيره أن يبيع ما يساوي خمسة عشر بعشرة من الصغير أو يشتري ما يساوي عشرة لنفسه بخمسة عشر فصاعدًا؛ وأما إذا لم يكن فيه منفعة ظاهرة لليتيم لا يجوز.

وعلى قول محمد: وأظهر الروايات عن أبي يوسف: لا يجوز على كل حال.

وجنس هذه المسائل ثلاث أحدها في الأب والثانية في الوكيل والثالثة في الوصي.

فأما الأب فله أن يشتري لنفسه شيئًا من تركة الميت إذا لم يكن فيه ضرر للصغير بأن كان بمثل القيمة وليس للوكيل بالبيع أن يشتري لنفسه.

وأما في الوصي إذا لم يكن فيه خير لليتيم لا يجوز وإذا كان خيرًا له فيجوز وقد ذكرنا تفسير الخيرية هذا إذا كان الوصي وصي الأب؛ وإن كان الوصي وصي القاضي فلا يجوز بيعه عن نفسه في الأحوال كلها لأنه وكيل والوكيل بالبيع لو باع من نفسه لا يجوز بالإجماع؛ ثم الفرق بين الأب والوصي فإن الأب لو باع مال الصغير من نفسه بمثل القيمة أو بغبن يسير يجوز بخلاف الوصي على ما ذكرنا لأن الأب وافر الشفقة في حق ولده فلا يقصر في أموره ظاهرًا؛ هذا كله فيما إذا كان مال الصغير وهو منقول.

وأما إذا باع الوصي ضيعة أو عقارًا للصغير من أجنبي بمثل القيمة يجوز؛ هذا جواب السلف؛ أما جواب المتأخرين أنه إنما يجوز بأحد شروط ثلاثة؛ إما بأن يرغب المشتري فيها بضعف قيمتها أو للصغير حاجة إلى ثمنها أو بأن يكون على الميت دين لا وفاء له إلا بها قال الصدر الشهيد

(1)

وبه يفتى

(2)

.

وأما الأب إذا باع ضيعة أو عقارًا لابنه الصغير بمثل القيمة؛ فإن كان الأب محمودًا عند الناس أومستورًا يجوز حتى لو كبر الابن لم يكن له أن ينقض البيع.

وإن كان فاسقًا لا يجوز حتى لو كبر الابن كان له أن ينقضه؛ قال الصدر الشهيد: [هو المختار]

(3)

كذا ذكر في أدب القاضي للصدر الشهيد في باب ما لا يجوز فعل الوصي

(4)

والذخيرة

(5)

والجامع الصغير للإمام المحبوبي

(6)

لأنه لا نظير

(7)

في الغبن الفاحش بخلاف اليسير.

وأصح ما قيل في الفرق بين الغبن الفاحش واليسير أن ما يدخل تحت تقويم المقوِّمين فهو غبن يسير وما لا يدخل تحت تقويم المقومين فهو غبن فاحش.

(1)

سبق ص 333.

(2)

ينظر: الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء (ص: 340).

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ينظر: شرح أدب القاضي (3/ 386).

(5)

ينظر: الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء (ص: 340).

(6)

ينظر: الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء (ص: 340).

(7)

في (ب) و (ج): لا نظر؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

ص: 209

والصبي المأذون

(1)

والعبد

(2)

المأذون

(3)

[والمكاتب]

(4)

(5)

يجوز بيعهم وشراؤهم بالغبن الفاحش عند أبي حنيفة:.

وعندهما لا يجوز إلا بما يتغابن الناس فيه.

من المشائخ من قال هذه المسألة بناء على مسألة الوكيل بالبيع المطلق أو المضارب وشريك العنان والمفاوض حيث يملكون البيع بما عز وهان عند أبي حنيفة:؛ وعندهما لا يملكون إلا بما يتغابن الناس فيه فهذا مثله.

ومنهم من تكلم في المسألة ابتداءً لأنهم يتصرفون

(6)

بحكم المالكية أي يتصرفون بأهليتهم لا بأمر المولى لأن الإذن فك الحجر ولأنه أذن لهم في التجارة والتاجر

(7)

يحتاج إلى المساهلة ويحتمل الغبن في بعض التصرفات لاستجلاب قلوب المجاهرين فكان ذلك من توابع التجارة بخلاف الهبة وبخلاف الأب والوصي لأنهما يتصرفان بشرط الأصلح والأحسن.

(1)

قال القدروري: قال أصحابنا: يجوز للولي أن يأذن للصبي في البيع فإذا باع بإذنه وهو يعقل البيع والشراء جاز.

ينظر: مختصر القدوري-كتاب المأذون (67)، كنز الدقائق-كتاب المأذون (156).

وقال الشافعي: لا يجوز بيعه. ينظر: المهذب مع المجموع-كتاب البيوع (9/ 155 - 156 - 158)، المقدمات الممهدات-كتاب المأذون له في التجارة (2/ 346).

(2)

في (ب): والبيع؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

قال القدوري: قال أصحابنا: إذا أذن لعبده في نوع من التجارة جاز أن يتصرف في جميع الأنواع. ينظر: بدائع الصنائع (7/ 192)، تبيين الحقائق (5/ 204).

-وليس للإمام مالك في المسألة قول، ومذهب ابن القاسم يوافق الأحناف. ينظر: المدونة (5/ 2429).

-وقال الشافعي: لا يجوز أن يتصرف إلا فيما أذن له، قال في المهذب: لا يتجر إلا فيما أذن به؛ لأن تصرفه بالإذن فلا يملك إلا ما دخل فيه؛ فإن أذن له في التجارة لم يملك الإجارة، ومن أصحابنا من قال يملك إجارة ما يشتريه للتجارة لأنه من فوائد المال فملك العقد عليها كالصوف واللبن والمذهب الأول.

وقد وافق الشافعي زفرُ من الأحناف والحنابلة أيضًا.

ينظر: المهذب (1/ 511)، مغني المحتاج (2/ 99)، المبسوط (25/ 5)، المغني

لابن قدامة (5/ 84).

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ج): والصبي والمأذون والمكاتب؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

في (ج): لا يتصرفون؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (أ): والتأخر؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 210

وقال الفقيه أبو الليث: جنس هذه المسألة عند أبي حنيفة: على ثلاثة أوجه؛ في وجه لا يجوز البيع والشراء إلا بغبن يسير وهو البيع والشراء من الأب والجد والوصي والقاضي إذا باع مال اليتيم أو مال بيت المال.

وفي وجه يجوز البيع والشراء بغبن فاحش أو يسير وهو الشراء والبيع من المأذون والمكاتب.

وفي وجه يجوز البيع بغبن يسير وفاحش ولا يجوز الشراء إلا بغبن يسير وهو البيع والشراء من الوكيل والمضارب والشريك فلكل واحد من هؤلاء أن يبيع بغبن فاحش ولا يشتري إلا بغبن يسير ثم قال وبه نأخذ

(1)

؛ وعندهما لا يملكونه لأن التصرف الفاحش منه تبرع كالهبة حتى لو حصل من المريض يعتبر من الثلث وهما لا يملكان

(2)

الهبة كذا ذكره الإمام قاضي خان

(3)

والمحبوبي:

(4)

.

وقوله ولو كتب جملة إلى آخره

(5)

بيان وجه الاحتياط بدليل ما ذكره الإمام قاضي خان في الجامع الصغير بعد ما ذكر لفظ الاحتياط وقال لأنه لو كتب كتابًا واحدًا وجمع بين الوصية والشراء ويشهد من الشهود من يتحمل

(6)

الشهادة على الوصية فعند أداء الشهادة عندي يشهد بجميع ذلك فيكون شاهد زور فكان الاحتياط أن يكتب كتاب الوصية على حدة و [كتاب الشراء على حدة]

(7)

؛ يكتب في أول البياض صك الوصية ويشهد على ذلك ثم يكتب في آخره صك الشراء منه ويشهد وكذلك في الوكيل.

ولا يكتب من فلان وصي فلان لما بينا وهو قوله لأن ذلك أحوط إلى آخره

(8)

.

لأنه لو كتب اشترى من فلان وصي فلان جاز أن يتحمل هذا الشاهد تلك الشهادة وهو الشاهد الذي حضر شراءه ولم يحضر وصايته؛ ومع ذلك لو شهد بقوله وصي فلان كانت شهادته شهادة الزور في حق الوصاية فكان الأحوط ما ذكرنا من رواية الجامع الصغير لقاضي خان:.

(1)

ينظر: البناية (13/ 520).

(2)

في (ب): وهما يملكان؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ينظر: البناية (13/ 520).

(4)

ينظر: البناية (13/ 520).

(5)

وَلَوْ كَتَبَ جُمْلَةً عَسَى أَنْ يَكْتُبَ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ فِي آخِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَصِيرُ ذَلِكَ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْكَذِبِ. ينظر: الهداية (4/ 543)، العناية (10/ 509)، البناية (13/ 521).

(6)

في (أ): من لم يتحمل؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب. وبه يزيد المعنى تأكيدًا.

(8)

(وَإِذَا كَتَبَ كِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى وَصِيٍّ كَتَبَ كِتَابَ الْوَصِيَّةِ عَلَى حِدَةٍ وَكِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى حِدَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ. ينظر: الهداية (4/ 543)، العناية (10/ 509)، البناية (13/ 521).

ص: 211

وبيع الوصي على

(1)

الكبير الغائب جائز في كل شيء إلا في العقار وإنما استثنى العقار في حق البيع على الكبير لما أن الوصي يملك بيع العقار على الصغير في جواب السلف مطلقًا.

وفي جواب المتأخرين مقيدًا بأحد الأمور الثلاثة على ما ذكره في الذخيرة فقال والأصل فيه أن الوصي إذا باع التركة فهذا على ثلاثة أوجه إما أن يكون الورثة صغارًا كلهم أو كبارًا [أو صغارًا وكبارًا]

(2)

؛ فإن كانت الورثة صغارًا كلهم فإن الوصي يبيع كل شيء من تركة الميت ضِيَاعًا كان أو عروضًا أو عقارًا سواء كانوا حضورًا أو غيبًا وسواء كان على الميت دين أو لم يكن إنما يبيع بمثل القيمة أو بما يتغابن الناس في مثله.

قال شمس الأئمة الحلواني: هذا الذي ذكره بأن الوصي يبيع عقار الميت ذلك جواب السلف

(3)

؛ فأما المتأخرون قالوا إنما يجوز للوصي بيع عقار الصغير إذا كان

(4)

على الميت دين لا وفاء له إلا من ثمن العقار أو يكون للصغير حاجة إلى ثمن العقار أو يرغب المشتري في شرائه بضعف القيمة؛ وإن كانت الورثة كبارًا كلهم فهو على وجهين الأول أن يكونوا حضورًا فإن لم يكن على الميت دين لا يملك التصرف في التركة أصلًا ولكن يتقاضى ديون الميت ويقبض حقوقه ويدفع إلى الورثة؛ وإن كان على الميت

(5)

دين فإن كان الدين محيطًا بالتركة أجمعوا على أنه يبيع كل التركة [بقدر الدين]

(6)

.

وأما فيما زاد على الدين

(7)

اختلفوا فيه؛ قال أبو حنيفة: يبيع وقال أبو يوسف ومحمد: لا يبيع.

وإذا لم يكن على الميت دين ولكن الميت أوصى بوصايا فإن كانت الوصية في الثلث أو فيما دون الثلث أنفذها

(8)

؛ وإن كانت أكثر من ذلك أنفذ بمقدار الثلث وما بقي فهو للورثة فلو أراد أن يبيع شيئًا من التركة لتنفيذ الوصية أجمعوا

(9)

أنه يبيع بقدر الوصية وأما فيما زاد اختلفوا على الوجه الذي اختلفوا في قضاء الدين وهذا إذا لم يقض الورثة الدين ولم ينفذوا الوصية من خالص ملكهم؛ فأما إذا قضوا ونفذوا لم يبق للوصي ولاية بيع التركة أصلًا.

(1)

في (أ): عن؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب. وبه يستقيم المعنى لسياق ما بعده.

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): المسألة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) به زيادة معنى.

(4)

في (أ): إلا إذا كان؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ج): الورثة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب. وبه يستقيم المعنى لسياق ما قبله.

(6)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ج): الثلث؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب. وبه يستقيم المعنى لسياق ما قبله.

(8)

في (أ) و (ج): أبعدها؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى لسياق ما بعده.

(9)

في (ب): انفذوا؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى.

ص: 212

والوجه الثاني إذا كانوا أغنياء فإن لم يكن في التركة دين ولا وصية فإنه يبيع المنقولات لأن بيع المنقولات من جملة الحفظ؛ ولا يبيع العقار لأنه لو باعه باعه لأجل الحفظ وبيع العقار ليس من الحفظ.

ولو خيف هلاك بناء

(1)

العقار هل يملك بيعه اختلف المشائخ فيه؛ قال بعضهم يملك استدلالًا بالمنقول؛ وقال بعضهم لا يملك وهو الأصح لأن الدار لا يهلك

(2)

غالبًا فيبنى الحكم عليه لا على النادر.

فإن كانت التركة مشغولة بالدين وإن كان الدين مستغرقًا فله أن يبيع العقار والمنقول جميعًا لأنه لا يمكنه قضاء الدين إلا بالبيع فصار مأمورًا بالبيع من جهة الموصي؛ وإن كان الدين غير مستغرق يبيع بقدر الدين من العقار والمنقول.

وهل يبيع الزيادة؛ إن كان منقولًا فله البيع وإن كان عقارًا فكذلك عند

أبي حنيفة:.

وعندهما لا يبيع وإن كانت الورثة بعضهم كبارًا وبعضهم صغارًا فهو على وجهين أيضًا الأول أن يكون الكبار غيبًا فإن كانت التركة خالية عن الدين وعن الوصية فللوصي بيع المنقول بالإجماع وله بيع حصة الصغار من العقار.

وهل

(3)

يبيع حصة الكبار؛ فعلى الخلاف الذي مر، وإن كانت التركة مشغولة بالدين أو الوصية إن كان الدين مستغرقًا يبيع العقار والمنقول جميعًا؛ وإن كان غير مستغرق فإنه يبيع بقدر الدين من العقار والمنقول بالإجماع.

وهل يبيع الزيادة على ذلك؛ فالمسألة على الخلاف؛ وإن كان الكبار حضورًا فإن كانت التركة خالية عن الدين فإنه يبيع حصة الصغار من العقار بالإجماع.

وهل يبيع حصة الكبار؛ فالمسألة على الخلاف وإن كانت التركة مشغولة بالدين فإن كان الدين مستغرقًا فإنه يبيع الكل وإن كان الدين غير مستغرق يبيع بقدر الدين.

وهل يبيع الزيادة؛ فالمسألة على الخلاف فالأصل عندهما أن الولاية تتقدر بقدر سببها وسبب الولاية للوصي عجز الوارث عن التصرف وعن الحفظ بنفسه [والصغير عاجز عن التصرف والحفظ بنفسه]

(4)

والكبير إذا كان حاضرًا قادرًا على التصرف والحفظ بنفسه فلا حاجة إلى إثبات الولاية للوصي؛ وإذا كان غائبًا فهو قادر على التصرف من حيث هو عاجز عن الحفظ من حيث هو وبيع المنقول من جملة الحفظ لأنه يخشى عليه التوى والتلف فيثبت له ولاية بيع منقول الغائب

(5)

من حيث أنه حفظ.

(1)

في (ج): بيع؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ب): لا يملكه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (أ): ومثل؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(5)

في (ب): بيع المنقول للغائب؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 213

أما العقار فمحصنة بنفسها فلم يكن بيعها من جملة الحفظ وإنما يكون بيعها من حيث التصرف وليس للوصي ولاية التصرف في مال الكبير وإن كان غائبًا؛ والأصل عند أبي حنيفة: أنه متى يثبت للوصي ولاية بيع بعض التركة يثبت له ولاية بيع الباقي فإن الوصي كما يملك بيع نصيب الصغير من المنقول يملك بيع نصيب الكبير الغائب إلى آخره [كذا في الذخيرة]

(1)

(2)

.

وذكر في المبسوط بعد ما ذكر هذا الاختلاف فقال وأبو حنيفة: استحسن فقال لما ثبت له الولاية في بيع البعض ثبت في الكل لأن الولاية بسبب الوصاية [وهي لا تحتمل التجزيء]

(3)

وهذا لأن في بيع البعض إضرارًا

(4)

بالصغير والكبير جميعًا لأنه يتعيب به نصيب الكبير والأشقاص لا يشترى [بما يشترى]

(5)

به الحمل فكان في بيع الكل توفير المنفعة عليهم وللوصي ولاية في نصيب الكبير فيما يرجع إلى توفير الشفقة عليه.

ألا ترى أنه يملك الحفظ وبيع المنقولات حال غيبته لما فيه من المنفعة له.

قوله وصي الأخ في الصغير والكبير الغائب بمنزلة وصي الأب في الكبير الغائب وكذا وصي الأم والعم.

وهذا الجواب في تركة هؤلاء أي في تركة الأم والأخ والعم وإنما قيد بقوله وهذا الجواب في تركة هؤلاء لأن وصي الأم [والأخ]

(6)

في تركة الأب للصغير ليس كوصي الأب

(7)

لأنه ذكر في الذخيرة بعدما ذكرنا منها في تصرف وصي الأب فقال هذا هو الكلام في وصي الأب.

أما وصي الأم فنقول وصي الأم لا يملك على الصغير بيع ما ورثه الصغير عن الأب العقار والمنقول في ذلك سواء؛ لأن وصي الأم قائم مقام الأم والأم حال حياتها لا تملك بيع ما ورثه الصغير من العقار فالمنقول المشغول بالدين والخالي عن الدين سواء؛ وما كان موروثًا للصغير من جهة الأم إن كان خاليًا عن الدين والوصية يبيع المنقول ولا يبيع العقار لأنه لا ولاية للوصي على الصغير وإنما له حفظ التركة على الميت لتوهم أن يظهر على الميت دين؛ فبيع المنقول من جملة

(8)

الحفظ وأما بيع العقار فليس من جملة الحفظ؛ وإن كانت التركة مشغولة بالدين وبالوصية إن كان الدين مستغرقًا فله أن يبيع الكل ودخل بيع

(9)

العقار تحت ولايته لأن بيع العقار طريق قضاء الدين وقضاء الدين دخل تحت ولايته؛ وإن لم يكن الدين مستغرقًا يبيع بقدر الدين.

(1)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: الفتاوى الهندية (6/ 144).

(3)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

في (أ): احترازًا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(7)

في (ب) و (ج): الأم؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(8)

في (ب): جهة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ب): مع؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 214

وهل يبيع الزيادة على قدر الدين؛ فعلى الاختلاف الذي ذكرنا.

وكل جواب عرفته في وصي الأم فهو الجواب في وصي الأخ والعم لأنه كما لا ولاية للأم على الصغير في المال فكذا لا ولاية للأخ والعم على الصغير في المال أيضًا.

وذكر في أدب القاضي للصدر الشهيد في باب ما يجوز من فعل الوصي وأما وصي الأم ووصي الأخ بأن ماتت المرأة وتركت ابنًا صغيرًا فأوصت إلى رجل أو مات الرجل وترك أخًا صغيرًا وأوصى إلى رجل فلهذا الوصي

(1)

أن يبيع ما ترك من العروض وليس له أن يبيع ما ترك من العقار لأن لهذا الوصي

(2)

ولاية الحفظ دون التصرف؛ وبيع العروض من جملة الحفظ لأنه يخشى عليه التوى والتلف؛ وأما بيع العقار فليس من جملة الحفظ لما ذكرنا أنه محصن بنفسه؛ غير أنه تقدم عليه وصي الأب في التصرف لما بينا و [هو]

(3)

قوله ولنا أن بالإيصاء تنتقل ولاية الأب إلى آخره

(4)

.

والله أعلم بالصواب.

* * *

‌فصلٌ في الشّهادة

لما لم تكن الشهادة في الوصية أمرًا مختصًا بالوصية أخر ذكرها لعدم عراقتها فيها؛ وههنا خمس مسائل الغريمان لهما على الميت دين والغريمان للميت عليهما دين والموصى [لهما والموصى]

(5)

إليهما والوارثان.

قوله لأنهما متهمان والشهادة ترد بالتُّهمة ويقول شريح: لا أجيز شهادةَ خصم ولا مريب والمراد من المريب المتهم.

إلا أن يدعيه المشهود

(6)

له أي حينئذ تجوز الشهادة استحسانًا.

قوله وهذا استحسان إشارة إلى حكم المستثنى

(7)

وهو جواز الشهادة عند الدعوى.

وهو في القياس كالأول

(8)

أي حكم المستثنى الذي هو ادعاء المشهود له الوصاية كحكم المستثنى منه الذي هو إنكار المشهود له الوصاية أي أن الشهادة باطلة في الصورتين أعني صورة إنكار المشهود

(9)

له الوصايةَ وصورة دعوى المشهود له الوصايةَ.

(1)

في (ج): فلهذا الذي أوصى؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ج): الموصي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

وَلَنَا أَنَّ بِالْإِيصَاءِ تَنْتَقِلُ وِلَايَةُ الْأَبِ إلَيْهِ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالْأَبِ نَفْسِهِ. ينظر: الهداية (4/ 544)، العناية (10/ 511)، البناية (13/ 522، 523).

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ج): الشهود؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (ج): إشارة إلى ما بينا؛ وما أثبت من (أ) و (ب) به زيادة معنى.

(8)

في (ب): وهو القياس كالأول؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

في (ج): الشهود؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 215

وفي الاستحسان

(1)

تجوز الشهادة في صورة الدعوى ولا تجوز في صورة الإنكار ولكن إذا أنكر المشهود له الوصاية قال في المبسوط أدخلت معهما آخر؛ لأن في ضمن شهادتهما إقرارًا منهما بوصي آخر معهما للميت وإقرارهما حجة عليهما فلا يتمكنان من التصرف بعد ذلك بمنزلة ما لو مات أحد الأوصياء الثلاثة؛ وكذا لو صدقهما وقال لا أقبل الوصية كان له ذلك لأنه لم يسبق منه القبول ولكن يتعذر على الوصيين التصرف بدون رأي الثالث فيُدخل القاضي معهما وَصيًا ثالثًا؛ وجه الاستحسان أن للقاضي ولاية نصب الوصي ابتداءً إلى آخره

(2)

.

فإن قيل إذا كان للميت وصيان فالقاضي لا يحتاج إلى أن ينصب عن الميت وصيًّا آخر؛ فإن لم يكن له ذلك من غير شهادة فكذلك عند أداء الشهادة إذا تمكنت التهمة فيه.

قلنا: القاضي وإن كان لا يحتاج إلى نصب الوصي لكن الموصَى إليهما متى شهدا بذلك كان من زعمهما أنه لا تدبير لنا في هذا المال إلا بالثالث؛ فأشبه من هذا الوجه ما لم يكن ثمة وصي وهناك تقبل الشهادة فكذلك ههنا كذا ذكره الإمام المحبوبي: في باب القضاء بالشهادة من قضاء الجامع الصغير

(3)

.

فإن قلت ما الفرق بين هذا أعني قبول الشهادة على وجه الاستحسان في أن الرجلين إذا شهدا أن أباهما أوصى إلى هذا

(4)

وبينما لو شهدا أن أباهما وكل هذا الرجل

(5)

بقبض ديونه بالكوفة لا تقبل سواء يدَّعِي الوكيل ذلك أو يجحد.

قلتُ إنما قبلت شهادتهما في الوصايا لخلوها عن التهمة فإنهما لو سألا القاضي أن يجعل هذا الرّجل وصيًّا وهو راغب فيها

(6)

أجابهما إلى ذلك؛ بخلاف الوكالة فإنهما لو سألا القاضي أن يوكل هذا الرجل عن أبيهما لم يفعل لأنه ليس للقاضي

(7)

ولايةً في مال أبيهما كذا في المبسوط

(8)

.

(1)

ينظر: المبسوط (28/ 80).

(2)

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً أَوْ ضَمَّ آخَرَ إلَيْهِمَا بِرِضَاهُ بِدُونِ شَهَادَتِهِمَا فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ.

(3)

ينظر: العناية (10/ 512).

(4)

في (ج): هذين؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ب): وكل الرجلين؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب) و (ج): فيه؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(7)

في (ب): لأن للقاضي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى.

(8)

ينظر: المبسوط (28/ 81).

ص: 216

وقوله وكذلك الابنان معطوف على المستثنى منه وهو قوله فالشهادة باطلة وله أن يثبت لهما ولاية الحفظ إلى آخره

(1)

؛ وذكره في المبسوط

(2)

.

وأما فيما ليس من الميراث فإن [شهادة]

(3)

الوصي للصغير لا تقبل على الغير لأنه هو القابض؛ ويجوز للكبير لأنه أجنبي في ذلك فإنه إنما صار خصمًا بقبول الوصاية فيما هو من جملة الميراث. فأما فيما للوارث الكبير على الأجنبي لا بطريق الإرث هو كأجنبي آخر.

وقوله وهذا قول أبي حنيفة ومحمد: فالإشارة بقوله وهذا راجعة إلى ما ذكرنا من جواز شهادتهما في [الدين وعدم جواز شهادتهما في]

(4)

الوصية.

وقال أبو يوسف: لا تقبل في الدين أيضًا كما لا تقبل في الوصية بألف؛ ثم إنما قيد عدم جواز شهادة كل فريق للآخر في الوصية بالألف المرسلة احترازًا عما لو شهد كل فريق للآخر في الوصية بعين على حدة فإن هناك تقبل شهادة كل فريق للآخر وهو ما ذكر بعد هذا في الكتاب بقوله ولو شهدا أنه أوصى لهذين الرجلين بجاريته وشهد المشهود لهما أن الميت أوصى للشاهدين بعبده جازت الشهادة بالاتفاق.

قوله وأبو حنيفة: فيما ذكر الخصاف

(5)

مع أبي يوسف أي لا تجوز شهادة كل فريق من الشاهدين في حق الآخر لا في حق الدين ولا في حق الوصية بألف درهم.

(1)

وَلَهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمَا وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَوِلَايَةُ بَيْعِ الْمَنْقُولِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهَا فِي غَيْرِ التَّرِكَةِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ وَصِيِّ الْأَبِ عَنْهُ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَقَامَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ فِي تَرِكَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا. ينظر: الهداية (4/ 544)، العناية (10/ 513)، البناية (13/ 525).

(2)

ينظر: المبسوط (28/ 82)، العناية (10/ 513)، البناية (13/ 525).

(3)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(5)

هو: أحمد بن عمرو أبو بكر الخصاف، أحمد بن عمرو -وقيل: عمر- بن مهير، وقيل: مهران- أبو بكر الخصاف، الشيباني. كان فاضلًا فارضا حاسبا عارفا بالفقه، وصنف: كتاب "الحيل"، وكتاب "الوصايا"، وكتاب "الشروط" كبير وصغير، وكتاب "الرضاع"، وكتاب "المحاض والسجلات"، وكتاب "أدب القاضي"، وكتاب "النفقات على الأقارب"، وكتاب "إقرار الورثة بعضهم لبعض"، وكتاب "أحكام الوقف"، وكتاب "النفقات"، وكتاب "العصير وأحكامه"، وكتاب "ذرع الكعبة والمسجد الحرام والقبر المقدس"، وكتاب "الخراج"، وكتاب "المناسك". مات ببغداد سنة إحدى وستين ومائتين. ينظر: تاج التراجم (ص: 97، 98)، الأعلام للزركلي (1/ 185).

ص: 217

وقوله وعن أبي يوسف: مثل قول محمد: أي تجوز شهادة كل فريق من الشاهدين في حق الآخر في حق الدين ولا تجوز في حق الوصية بألف درهم؛ وإنما خص قول محمد: ههنا مع أنه ذكر قبل هذا في هذا الحكم قول أبي حنيفة ومحمد: ليقرر قول محمد: في ذلك واضطراب قول أبي

حنيفة: فيه.

وذكر الإمام المحبوبي: بعد ذكر هذه الروايات بقوله وصار عن أبي حنيفة: روايتان وعن أبي يوسف: كذلك وعن محمد: رواية واحدة.

وجنس هذه المسائل على أربعة أوجه في الوجه الأول تقبل الشهادة بالإجماع وهو أن يشهد الرجلان بوصية عين لرجلين كالعبد وشهد الموصى لهما لهذين الشاهدين بوصية عين أخرى كالجارية لأنه لا شركة للشهود فيه فلا تتمكن التهمة.

وفي الوجه الثاني لا تقبل بالإجماع وهو أن يشهد الرجلان بالوصية بجزء شائع كالوصية بثلث ماله وشهد المشهود

(1)

لهما للشاهدين بمثل ذلك لأنهما أوجبا شركةً لأنفسهما فيما شهدا به

(2)

للآخرين؛ وكذا لو شهد الرجلان لاثنين بالوصية بألف مرسلة وشهد المشهود لهما للشاهدين بألف مرسلة أيضًا.

وفي الوجه الثالث لا تقبل أيضًا وهو أن يشهد الرجلان أن الميت أوصى لهذين الرجلين بعين [كالعبد]

(3)

وشهد المشهود لهما أن الميت أوصى للشاهدين الأوَّلين بثلث ماله لأن الشهادة مُثْبِتَة

(4)

للشركة.

وفي الوجه الرابع اختلفوا فيه وهو الشهادة بالدين وهو الذي نحن فيه؛ وجه القبول أن الدين يجب في الذمة والذمة قابلة لحقوق شتى ولا شركة؛ وعدم القبول باعتبار تهمة الشركة وهذا لأن كل فريق إنما يشهد للفريق الآخر بالدين في ذمّة الميّت ولو شهدا بذلك في حياته كانت الشهادة مقبولة فكذا إذا شهدا بعد موته؛ وهذا لأن الدين بالموت لا يتحول من الذمة إلى التركة.

ألا ترى أن التركة لو هلكت لا يسقط شيء من الدين وأن للوارث أن يستخلص التركة لنفسه بقضاء الدين

(5)

من محل آخر فلا تتمكن الشركة بينهم هنا بخلاف الوصية بالثلث فإن حق الموصى له يثبت في عين التركة حتى لايبقى بعد هلاك التركة؛ ولو أراد الوارث أن يستخلص التركة لنفسه ويقضي حق الموصى له من محل آخر لم يكن ذلك؛ ولهذا لو قبض أحد الفريقين شيئًا كان للآخر حق المشاركة فكان كل فريق مثبتًا لنفسه حق المشاركة فيما شهد فكانت الشركة بينهم ثابتة في التركة فلا تصح شهادتهما فيما تثبت فيه الشركة لهما ولا كذلك الدين.

(1)

في (أ): الشهود؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب): أنه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ج): مشبهة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

في (ج): القاضي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 218

وجه الرد أن الدين بالموت يتعلق بالتركة ولهذا لا يثبت

(1)

الملك للوارث ولا ينفذ تصرفه فيه إذا كان الدين محيطًا بها؛ فشهادة كل فريق تلاقي محلًا مشتركًا فصار نظير مسألة الوصية بالثلث هذا كله من المبسوط

(2)

وشروح الجامع الصغير

(3)

(4)

.

وذكر في أدب القاضي [للصدر الشهيد]

(5)

في باب

(6)

شهادة الغرماء بعضهم لبعض قال ولو أن رجلًا مات وترك ورثة وترك مالًا وشهد رجلان لرجلين على الميت بدين ألف درهم وشهد المشهود لهما للشاهدين على الميت بدين ألف درهم فالشهادة باطلة هكذا ذكر هنا؛ وذكر في الجامع الصغير والجامع الكبير أن الشهادة جائزة

(7)

(8)

.

وروى صاحب الكتاب رواية ثالثة عن الحسن بن زياد وعن

(9)

أبي

حنيفة: أنهم إن جاءوا جميعًا وشهدوا فالشهادة باطلة؛ وإن شهد اثنان لاثنين تقبل شهادتهما ثم ادعى الشاهدان بعد ذلك على الميت بألف درهم فشهد لهما الغريمان الأولان فشهادتهما جائزة فصار في المسألة ثلاث روايات.

وذكر وجه ما ذكر في أدب القاضي وهو وجه عدم قبول الشهادة؛ [ووجهما ذكر في الجامعين وهو وجه قبول الشهادة]

(10)

كما ذكرنا وزاد فيه شيئًا وقال وجه رواية الجامعين أن الشهادة إنما قامت

(11)

على الميت بالدين والدين يثبت في ذمّة الميت ثم يتحول إلى التركة لا يجوز

(12)

القرار

(13)

فإن الوارث

(14)

لو أراد أن يقضي الدين من ماله ويستخلص التركة لنفسه له ذلك فيصير كأنهم شهدوا عليه

(15)

في حياته.

(1)

في (ج): ولهذا يثبت؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

ينظر: المبسوط (28/ 82).

(3)

في (ج): والجامع الصغير؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

ينظر: المبسوط (28/ 82).

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): تقبل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ينظر: العناية (10/ 513)، البناية (13/ 525، 526).

(8)

ينظر: العناية (10/ 513)، البناية (13/ 525، 526).

(9)

في (ج): عن؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(11)

في (أ): فاتت؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(12)

في (ج) و (ب): لا يتحول؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(13)

في (ب): الغرام؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(14)

في (ب): الميت؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(15)

في (أ): عليهم؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 219

ووجه رواية الحسن أنهم إذا جاءوا معًا كان ذلك بمعنى المعاوضة فتتفاحش التهم.

والله أعلم بالصواب.

* * *

‌كتابُ الخنثى

لما فرغ من بيان أحكام من له آلة واحدة في المبال من آلتي الرجال والنساء شرع في بيان أحكام مَن له آلتان فيه واختلاف الأقوال؛ وقدم ذكر الأوَّل لما أن الواحد قبل الاثنين أو لأن الأول هو الأعم الأغلب وهذا

كالنادر فيه.

اعلم أن الله تعالى خلق بني آدم ذكورًا وإناثًا كما قال الله تعالى: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}

(1)

وقال تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}

(2)

ثم بين حكم الذكور وحكم الإناث في كتابه ولم يبين حكم شخص هو ذكر وأنثى؛ فعرفنا بذلك أنه لا يجتمع الوصفان في شخص واحد وكيف يجتمعان وبينهما مغايرة على سبيل المضادة؛ وجعل علامة التمييز عند الولادة الآلة كذا في فرائض المبسوط

(3)

.

فمن محاسن أحكام الخنثى هي ترك الإضمار

(4)

في البيان وإن ندر وجوده في الأزمان.

ومنها العدل والإنصاف وذكر ما يليق بحاله من مسائل الوفاق والخلاف من غير الاعتداء والاعتساف.

ومنها النظر له فيما يضر وينفع ويخفض أمره ويرفع كابتياع الإمام أمة ختانة بمال بيت المال عند العسرة وضيق الأحوال؛ والأمر بأخذ القناع [في الصلاة]

(5)

سترًا وبرًا وغيره من الأحكام وهلم جرَّا.

وذكر في المُغْرِب تركيب الخنث يدل على لين وتكسر ومنه المخنث

(6)

وتخنث في كلامه والخنثى الذي له ما

(7)

للرجال والنساء

(8)

والجمع الخناثَى بالفتح كحبلى وحبالَى؛ فإن كان يبول من الذكر فهو غلام وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى

(9)

.

(1)

سورة النساء: 1.

(2)

سورة الشورى: 49.

(3)

ينظر: المبسوط (30/ 91).

(4)

في (أ) و (ب): الإهمال؛ وما أثبت من (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

المخنث بفتح النون: هو الذي يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والحركة ونحو ذلك، وهو ضربان.

أحدهما: من خلق كذلك، فهذا لا إثم عليه.

والثاني: من لم يكن كذلك خلقة، بل يتشبه بالنساء في حركاتهن وكلامهن. ينظر: ابن عابدين 3/ 183، 184.

فهذا هو الذي جاءت الأحاديث الصحيحة بلعنه. فالمخنث لا خفاء في ذكوريته بخلاف الخنثى.

(7)

في (ب): والخنثى ماله؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

عرف علماء اللغة الخنثى بما يشبه التعريف الاصطلاحي وهو: من له ما للرجال والنساء جميعًا أو خلق له فرج الرجل وفرج المرأة وأنه هو من ليس بذكر ولا أنثى. ينظر: لسان العرب (2/ 145)، القاموس المحيط (1/ 216).

واصطلاحًا: 1 - تعريف الحنفية: عرف الكاساني الخنثى بأنه من له آلة الرجال والنساء؛ والشخص الواحد لا يكون ذكرا وأنثى حقيقة؛ فإما أن يكون ذكرًا وإما أن يكون أنثى.

وعند الزيلعي: هو من له فرج وذكر ويلحق به من عرى عن الآلتين جميعًا.

ينظر: بدائع الصنائع (6/ 418)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق الزيلعي (6/ 215).

2 -

تعريف المالكية: عرف الخرشي الخنثى بأنه: من له آلة المرأة وآلة الرجل؛ وقيل يوجد منه نوع ليس له واحدة منهما وله مكان يبول منه؛ ولا يتصور أن يكون أبًا ولا أما ولا جدا ولا زوجا ولا زوجة؛ لأنه لا يجوز مناكحته ما دام مشكلًا.

ينظر: شرح مختصر خليل (8/ 227).

3 -

تعريف الشافعية: عرف الشافعية الخنثى بأنه: من له آلتا الرجل والمرأة؛ وقد يكون له كثقبة الطائر؛ وما دام مشكلًا استحال كونه أبًا أو جدا أو أما أو زوجا أو زوجة. ينظر: تحفة المحتاج (6/ 426).

4 -

تعريف الحنابلة: عرف الحنابلة الخنثى بأنه: الذي له ذكر وفرج امرأة أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول، وينقسم إلى مشكل وغير مشكل؛ فالذي يتبين فيه علامات الذكورة والأنوثة فيعلم أنه رجل أو امرأة ليس بمشكل؛ وإنما هو رجل فيه خلقة زائدة أو امرأة فيها خلقة زائدة. ينظر: المغني لابن قدامة (7/ 114).

-التعريف الطبي الحديث: عرف الخنثى في الطب المعاصر بأنه الشخص الذي تكون أعضاؤه الجنسية غامضة. ينظر: موقع المجرة الإسلامية-كوكب الطب والعلوم-مشكلة الخنثى بين الطب والفقه forums Com.almgjara

(9)

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخنثى قبل البلوغ إن بال من الذكر فغلام، وإن بال من الفرج فأنثى، لما روي عن ابن عباس م أن النبي صلى الله عليه وسلم -سئل عن المولود له قبل وذكر، من أين يورث؟ قال:" يورث من حيث يبول". أخرجه البيهقي (6/ 261) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وضعف إسناده.، وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 128): الكلبي هو محمد بن السائب: " متروك الحديث بل كذاب ".

وروي صلى الله عليه وسلم -أتي بخنثى من الأنصار، فقال: ورثوه من أول ما يبول منه. أورده المغني (6/ 253) ولم أعثر عليه.

ولأن منفعة الآلة عند الانفصال من الأم خروج البول، وما سواه من المنافع يحدث بعدها.

-وإن بال منهما جميعا فالحكم للأسبق، وروي ذلك عن علي ومعاوية، وسعيد بن المسيب، وجابر بن زيد وسائر أهل العلم. -وإن استويا فذهب المالكية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد من الحنفية إلى اعتبار الكثرة، وحكي هذا عن الأوزاعي، لأن الكثرة مزية لإحدى العلامتين، فيعتبر بها كالسبق.

-فإن استويا فهو حينئذ مشكل، إلا أن بعض المالكية قال: ليس المراد بالكثرة أن يكون أكثر كيلا أو وزنا، فإذا بال مرتين من الفرج ومرة من الذكر دل على أنه أنثى، ولو كان الذي نزل من الذكر أكثر كيلا أو وزنا.

-ويرى بقية الفقهاء أنه لا عبرة بالكثرة، لأن الكثرة ليست بدليل على القوة، لأن ذلك لاتساع المخرج وضيقه، لا لأنه هو العضو الأصلي، ولأن نفس الخروج دليل بنفسه، فالكثير من جنسه لا يقع به الترجيح عند المعارضة كالشاهدين والأربعة، وقد استقبح أبو حنيفة ذلك فقال: وهل رأيت قاضيا يكيل البول بالأواقي؟

ينظر: ابن عابدين 5/ 464 - 465، وفتح القدير 8/ 504، 505.، ومواهب الجليل 6/ 424، الشرح الصغير 4/ 725، 726، 727، والأشباه والنظائر للسيوطي/ 241، 242، وروضة الطالبين 1/ 78.

ص: 220

ذكر الفرج وأراد به الحِرَ وهو قُبُل المرأة مع أن الفرج اسم لقبل الرجل والمرأة باتفاق أهل اللغة؛ وقولهم القبل والدبر كلاهما فرج يعني في الحكم كذا في المُغْرِب

(1)

.

وهذا الذي ذكره من الحكم من اعتبار المبال في حكم الشرع حكم كان عليه العرب في الجاهلية على ما حكي أن قاضيًا فيهم رفع إليه هذه الحادثة فجعل يقول هو رجل وامرأة واستبعد قومه ذلك فتحير القاضي ودخل بيته للاستراحة فجعل يتقلب على فراشه ولا يأخذه النوم لتحيره في هذه الحادثة وكانت له بُنَيَّة تغمز رجله فسألته عن تفكره فأخبرها بذلك فقالت دع المحال واتبع المبال فخرج على قومه وحكى ذلك فاستحسنوا ذلك منه؛ فعرفنا أنه حكم كان في الجاهلية قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولأن البول من أي عضو كان فهو دلالة على أنه هو العضو الأصلي الصحيح

(2)

؛ وذلك أن ما يقع به الفصل بين الذكر والأنثى عند الولادة [الآلة]

(3)

وذلك في الآدمي وفي سائر الحيوانات؛ وعند انفصال الولد من الأم منفعة تلك الآلة

(4)

خروج البول منها وما سوى ذلك من المنافع يحدث بعد ذلك؛ فعرفنا أن المنفعة الأصلية للآلة كونها مبالًا فإذا كان يبول من مبال الرجال عرفنا أن آلة الفصل في حقه هذا وأن الآخر زيادة خرق في البدن؛ وإذا كان يبول من مبال النساء عرفنا أن الآلة هذا وأن الآخر بمنزلة ثولول في البدن كذا في المبسوط

(5)

.

وإن بال منهما فالحكم للأسبق وهذا الذي ذكره في المجتهدات لا في المسموعات فإن السبق من أسباب الترجيح في المجتهدات

(6)

.

وأما في المسموعات فالمعمول هو الثاني لأنه ناسخ

(7)

دون الأول لأنه منسوخ.

وفي المبسوط لأن الترجيح بالسبق عند المعارضة والمساواة أصل في الشرع ولأنه كما خرج البول من أحدهماقد حُكِمَ باعتباره أنه على تلك الصفة.

ألا ترى أنه لو لم يخرج من المبال الآخر بعد ذلك كان ما خرج علامة تامة للفصل؛ وبعد ما حكم له بأحد الوصفين لا يتغير ذلك بخروج البول من الآلة الأخرى؛ وهو بمنزلة رجل أقام بينة على نكاح امرأة وقُضِي له بها ثم أقام الآخر البينة لا يلتفت إلى البينة الثانية.

(1)

ينظر: المغرب (ص: 354).

(2)

في (ب): آلة مسخ؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ب): الدلالة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

ينظر: المبسوط (30/ 103).

(6)

ينظر: المبسوط (30/ 103، 104).

(7)

في (ب): راسخ؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 221

وكذلك لو ادعى نسب مولود وأقام البينة [وقضي له به ثم ادعاه آخر وأقام البينة]

(1)

لا يلتفت إلى ذلك؛ وإن كانا في السبق سواء فلا معتبر بالكثرة عند أبي حنيفة: فقال أبوحنيفة: فيه لا علم لي بذلك.

وقال صاحباه يُوَرَّث من أكثرهما بولًا لأن الترجيح عند المعارضة بزيادة القوة وذلك يكون بالكثرة كما يكون بالسبق إذ لا مزاحمة بين القليل والكثير كما لا مزاحمة بين اللاحق والسابق؛ فالظاهرأن الذي يخرج منه البول أكثر هو المبال والحكم للمبال.

وأبوحنيفة: إلى ذلك لوجهين أحدهما أن كثرة البول يدل على سعة المخرج ولا معتبر بذلك فمخرج بول النساء أوسع من مخرج بول الرجال.

والثاني أن الكثرة والقلة تظهر في البول لا في المبال؛ وآلة الفصل

(2)

المبال دون البول فاعتبار السبق يأخذ السابق اسم المبال قبل أن يأخذ الآخر ذلك الاسم؛ وأما إذا خرج منهما معًا فقد أخذ اسم المبال في وقت واحد على صفة واحدة لأن هذا الاسم لا يختلف بكثرة ما يخرج منه البول وقلته.

ثم إن أبا حنيفة: استقبح الترجيح بالكثرة على ما يحكى عنه أن أبا يوسف: لما قال بين يديه يورث من أكثرهما بولًا قال يا أبا يوسف وهل

(3)

رأيت قاضيًا يكيل البول بالأواقي؛ أي الكثرة على الحقيقة لا تعرف إلا بالكيل ولا يجوز الاشتغال به ولأن نفس الخروج دليل بنفسه؛ فالكثرة من جنسه لا تكون ترجيحًا عند المعارضة كالشاهدين وأربعة شهود والآية والآيتين فقد استبعد ذلك لما فيه من القبح.

وتوقف في الجواب لأنه انسدَّ طريق التمييز بالرجوع إلى المعقول ولم يجد فيه نصًا فتوقف وقال لا أدري وهذا من علامة فِقه الرجل ووَرَعِه هو أن لا يحبط في الجواب على ما حكى أن ابن عمر- رضي الله عنه -سئل عن مسألة فقال لا أدري

(4)

.

وكذا أبو يوسف ومحمد: قالا إذا استويا في المقدار لا علم لنا بذلك كذا في المبسوط

(5)

والأسرار

(6)

.

وهذا هو الذي ذكره في الكتاب بقوله فإن كان يخرج منهما على السواء فهو مشكل بالاتفاق أي إذا كان بوله في الخروج والكثرة على السواء كان مشكلًا بالاتفاق.

(1)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (أ): وآلة الرجل؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): ما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

(4)

أخرجه الدارمي في العلم عن هشام بن عروة عن أبيه. ينظر: إتحاف المهرة (8/ 586) رقم (10004)، وفي سنن الدارمي باب كراهية الفتيا عن حماد بن يزيد عن أبيه (رقم 123)

إسناده جيد.

(5)

ينظر: المبسوط (30/ 104).

(6)

ينظر: المبسوط (30/ 104)، البناية (13/ 530).

ص: 222

وقال في شرح الطحاوي وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يعتبر الأكثر منهما فإن استويا في الكثرة قالوا جميعًا لا علم لنا بذلك

(1)

، وإذا بلغ الخنثى وخرجت لحيته أو وصل إلى النساء فهو رجل إلى آخره

(2)

.

أي الإشكال في الخنثى إنما كان قبل البلوغ لا بعده وهكذا أيضًا ذكره في الذخيرة وقال إنما يتحقق هذا الإشكال قبل البلوغ وأما بعد البلوغ والإدراك يزول الإشكال

(3)

لأن بعد البلوغ لابد من أمارات تظهر به يعلم بها أنه رجل أو امرأة

(4)

؛ فإن بلغ وجامع بذكره فهو رجل؛ وكذا إن لم يجامع بذكره ولكن خرجت لحيته فهو رجل؛ وكذا إذا احتلم كما يحتلم الرجل فهو رجل.

(1)

ينظر: البناية (13/ 530).

(2)

قَالَ: (وَإِذَا بَلَغَ الْخُنْثَى وَخَرَجَتْ لَهُ اللِّحْيَةُ أَوْ وَصَلَ إلَى النِّسَاءِ فَهُوَ رَجُلٌ) وَكَذَا إذَا احْتَلَمَ كَمَا يَحْتَلِمُ الرَّجُلُ أَوْ كَانَ لَهُ ثَدْيٌ مُسْتَوٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِ الذُّكْرَانِ. ينظر: الهداية (4/ 546)، العناية (10/ 517)، البناية (13/ 530).

(3)

أنواع الخنثى: اتفق الفقهاء على أن الخنثى ينقسم إلى نوعين: الأول: الخنثى غير المشكل (الواضح) وهو: من يتبين فيه علامات الذكورة والأنوثة فيعلم أنه رجل أو امرأة. ينظر: حاشية الدسوقي (4/ 490)، المغني لابن قدامة (7/ 115 - 116).

النوع الثاني: الخنثى المشكل (غير الواضح): وهو الذي لم تتضح ذكورته ولا أنوثته بعلامة تميزه. ينظر: حاشية الدسوقي (4/ 490)، ومنح الجليل (1/ 360).

وينقسم الخنثى المشكل إلى قسمين: أ- من له آلتي الذكر والأنثى وتعارضت عنده العلامات أو تساوت.

ب- من ليس له أي من الآلتين. وهو أربعة أقسام: 1 - من ليس له مخرج لا ذكر ولا فرج ولكن له لحمة نائتة كالربوة يرشح البول منها رشحًا على الدوام. ينظر: الإنصاف للمرداوي (7/ 345).

2 -

من ليس له إلا مخرجا واحدا فيما بين المخرجين منه يتغوط ومنه يبول. ينظر: المغني لابن قدامة (7/ 121 - 122).

3 -

من ليس له مخرج أصلًا لا قبل ولا دبر وإنما يتقيأ ما يأكله ويشربه. ينظر: كشاف القناع للبهوتي (4/ 475).

وهذا عيب شديد في تكوين المذرق حيث يتوقف نمو المذرق في فترة مبكرة بحيث لا يتكون المستقيم والقناة الشرجية ولا يتكون المجرى البولي والتناسلي ولا تعيش هذه الحالات إلا بعد إجراء عمليات جراحية معقدة انظر مجلة المجمع الفقهي الإسلامي للسنة الرابعة العدد السادس ص (351).

4 -

من ليس له آلة الذكر ولا آلة الأنثى ويخرج من سرته كهيئة البول الغليظ. ينظر: المبسوط (30/ 93).

-ويفرق أهل الطب بين نوعين من الخنوثة: الأول: الخنثى الحقيقي: وهو أن يمتلك الشخص جهازًا تناسليا أنثويا كاملا وهو رحم ومبيض والعضو الأنثوي وفي الوقت ذاته لديه جهاز تناسلي ذكري كامل وهو خصيتان وبروستاتا والعضو الذكري.

ينظر: عيادات صحة المجانية com.sehha.www، نعم لتصحيح الجنس لا تغييره-أحمد العامودي com.jeern.amjad 68، خلق الإنسان بين الطب والقرآن ص 455، د. محمد على البار.

-وللخنثى الحقيقي أربعة حالات تتبع كلا من الصبغة الوارثية والغدد الجنسية والأعضاء التناسلية الخارجية والداخلية. ينظر: كتاب مقدمة في علم الوراثة-لعائدة وصفي عبدالهادي (271 - 272).

النوع الثاني: الخنثى الكاذبة: وهي التي تكون فيها الغدد التناسلية من الجنس نفسه إما (مبايض وإما خصى) وتكون الأعضاء التناسلية الظاهرة مخالفة لجنس الغدد التناسلية التي في الداخل.

وهو قسمان: 1 - الخنثى الكاذب الذكري: وتكون الأجهزة التناسلية شاذة في الطفل الذكر حيث تبدو أقرب إلى الجهاز الأنثوي. 2 - الخنثى الكاذب الأنثوي: ويبدو في ظاهره أنه ذكر وفي الحقيقة هو أنثى. ينظر: عملية تحويل الجنس للشهابي-مجلة الفرقان الإسلامية. net.alforqan.www، جراحات الذكور والأنوثة في ضوء الطب والفقه الإسلامي، ص 455

(4)

ينظر: الفتاوى الهندية (6/ 438).

ص: 223

وإن لم يكن شيء من ذلك ولكن حاضت أو خرج له ثديان كثدي المرأة فهي امرأة؛ وكذلك إذا حبلت أو نزل من ثديها لبن فهي امرأة.

وإن لم يجامع بذكره ولا خرجت له اللحية ولا رأت الحيض ولا بدت

(1)

الثديان كثدي المراة ولا جومع كما تجامع المرأة فهو رجل.

وذكر فيها في فصل الخنثى من فرائضها [وعن الحسن]

(2)

أنه يعد إضلاعه فإن ضلع الرجل يزيد على ضلع المرأة بواحدة

(3)

.

فإن قلت ذكر انعدام علامات الرجل والمرأة ثم حكم به أنه رجل فما تقول فيما إذا كان له علامات الطرفين جميعًا؛ بأن خرجت له لحية وظهر له ثدي كثدي المرأة وهذا موجود فيما بين الناس وقد رأيت امرأة وكانت لها لحية كلحية الرجل

(4)

.

وقيل هي أيضًا

(5)

تحيض وتحبل ولو تصور ذلك في الخنثى المشكل وتعارض سائر العلامات بأن يصل إلى النساء بذكره ويصل إليه الرجل أيضًا من فرجه وتحيض وتحبل [وينزل من ثديه اللبن ويُحبل غيرَه]

(6)

وهذا مما يتصور ولا يستحيل لأن المواضع مختلفة لما أن وصوله إلى النساء بذكره ووصول الرجل إليه من فرجه؛ وكذلك الحيض والحَبَل يتصوران مع الإحبال لكونها في مواضع مختلفة ما حكمه عند ذلك.

(1)

في (ب) و (ج): ولا نبت له؛ وما أثبت من (أ) قريب منه.

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

اتفق الفقهاء على أن الخنثى إن لم تظهر له علامة أو تعارضت فيه العلامات بعد وقوعها فهو خنثى مشكل وذلك لعدم ما يوجب الترجيح، واختلفوا في زيادة علامة عد الأضلاع بالنسبة للخنثى هل تصلح لتكون علامة من العلامات التي تميزه أم لا؟ على قولين:

الأول: ذهب بعض المالكية والشافعية في قول والحسن البصري وعمر بن عبيد وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه -إلى أن الخنثى إذا انتهى إلى الإشكال عدت أضلاعه فإن أضلاع المرأة تزيد عن أضلاع الرجل بضلع واحد. ينظر: منح الجليل (9/ 717)، المجموع للنووي (2/ 55 - 56).

الثاني: ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية وقول للشافعية والحنابلة إلى عدم جواز عد أضلاع الخنثى المشكل لمعرفة ذكورته أو أنوثته إذ لا دلالة على ذلك. ينظر: تبيين الحقائق (6/ 216)، مواهب الجليل (6/ 432 - 433)، المجموع (2/ 55 - 56)، الشرح الكبير لابن قدامة (7/ 149).

(4)

القول الأول: ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة أن اللحية ونهود الثدي ونزول اللبن علامات يستدل بها على تمييز جنس الخنثى المشكل. ينظر: المبسوط (30/ 104 - 105)، مواهب الجليل (6/ 424 - 432)، المغني لابن قدامة (7/ 116).

القول الثاني: ذهب الشافعية إلى عدم الاستدلال بنبات اللحية ونهود الثدي ونزول اللبن على تمييز جنس الخنثى المشكل. ينظر: المجموع (2/ 53 - 54).

(5)

في (ب): وكانت؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(6)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 224

قلتُ حكمه عند ذلك حكم الخنثى المشكل الذي اتفقوا في إشكاله فيما كان قبل البلوغ؛ وإلى هذا أشار في الكتاب

(1)

بقوله وكذا إذا تعارضت هذه المعالم أي فهو خنثى مشكل.

والله أعلم.

* * *

‌فصلٌ في أحكامه

فلما كان ذكر الخنثى لذكر أحكامه شرع في بيان أحكام الخنثى المشكل لأنا إنما نحتاج إلى معرفة أحكام الخنثى المشكل [لا في غير المشكل]

(2)

؛ لأن ذلك ملحق بما عرف هو من جنسه من الرجل والمرأة وذكر أحكامهما فيما يختص به كل واحد منهما فيما مضى من الكتب على وجه التفصيل والتبيين والتقرير والتلقين، الأصل في الخنثى المشكل وصف الخنثى بوصف الذكور حيث قال في الخنثى المشكل ولم يقل المشكلة لما أن التذكير هو الأصل؛ ألا ترى أن الله تعالى خلق حوَّاء من ضلع من أضلاع آدم عليهما السلام ذكره في الكشاف

(3)

في أول سورة النساء لكن هذا في اللفظ.

وأما في أحكام الشرع فيؤخذ في حقه ما هو الأحوط والأوثق في أمور الدين.

فإن قام في صف النساء فأحب إليَّ أن يعيد

(4)

لاحتمال أنه رجل؛ وإنما قال باستحباب إعادة الصلاة دون الوجوب لأن سبب وجوب الصلاة عليه معلوم والفساد بهذا الأداء موهوم مشتبه والأخذ بالاحتياط في باب العبادات واجب إلا أنه لا يلزمه الإعادة قطعًا لأن المسقط وهو الأداء معلوم والمفسد وهو محاذاة

(5)

الرجل المرأة في صلاة مشتركة موهوم فللتوهم

(6)

أحب له أن يُعيد الصلاة كذا في المبسوط

(7)

.

فإن قلتَ الخنثى المشكل إنما يتحقق فيما إذا كان قبل البلوغ على ما عليه الأصل لما أن بلوغه يعرف بالحيض

(8)

والاحتلام

(9)

وبه يظهر أنه رجل أو امرأة فلا يبقى مشكلًا؛ فعلم بهذا أن الإشكال إنما يكون في حالة الصبا؛ والصبي والصبية إذا شرع في صلاته ثم أفسد ليس عليه الإعادة [فكيف ذكر

الإعادة]

(10)

ههنا.

(1)

ينظر: العناية (10/ 517)، البناية (13/ 530). الكتاب.

(2)

ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(3)

ينظر: الكشاف (1/ 461)، البناية (13/ 531).

(4)

في (ج): يقيد؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى لسياق ما بعده.

(5)

محاذاة: وحاذاه: صار بحذائه ووازاه، والمحاذاة في الصلاة: جعل مناكب المؤتمين وأقدامهم على مستوى واحد.

ينظر: المعجم الوسيط (1/ 163)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 408).

(6)

في (ب): فللمتوهم؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.

(7)

ينظر: المبسوط (30/ 107).

(8)

الحيض لغة: السيلان؛ وفي الشرع: عبارة عن الدم الذي ينفضه رحم امرأة بالغة سليمة عن الداء والصغر. ينظر: المغرب (ص/ 135)، التعريفات (ص/ 94).

(9)

الاحتلام: يقال قد حلم الرجل بالمرأة: إذا حلم في نومه أنه يباشرها. ينظر: لسان العرب (12/ 145).

(10)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 225

قلتُ تلك الإعادة في حق الصبي والصبية على وجه التخلق والاعتبار وفي حق البالغ على ما ذكرنا من تعارض الأعلام كان الإشكال باقيًا ففي حقه الإعادة على وجه الوجوب عند الفساد.

وأما قوله أن بلوغه يعرف بالحيض والاحتلام فقلنا قد عرف بلوغ الصبي والصبية بالسن وكان الإشكال باقيًا.

وذكر في الذخيرة فإن قام في صف النساء وصلى قال أحبُّ إليَّ أن يعيد صلاته لأنه صبيّ أو صبيَّة فإن كانت صبية تجزئها صلاتها

(1)

(2)

؛ ويحتمل أن يكون صبيًا فتفسد صلاته فيؤمر بالإعادة استحبابًا خلقًا واعتبارًا

(3)

وإن لم يُعِد فلا شيء عليه إن كان مراهقًا؛ وإن كان بالغًا وكان مشكلًا حاله يلزمه الإعادة [حتمًا]

(4)

وإيجابًا لأنه ذكر أو أنثى؛ [فإن كانت أنثى]

(5)

لا يلزمها الإعادة وإن كان ذكرًا كان عليه الإعادة فتجب الإعادة احتياطًا.

فعلم بهذا أن ما ذكره في الكتاب بقوله فإن قام في صف النساء فأحبُّ إليَّ [أن يعيد]

(6)

محمول على ما إذا كان [مراهقًا

(7)

؛ وأما إذا كان]

(8)

بالغًا فالإعادة واجبة عليه على ما ذكره من الذخيرة

(9)

.

وأما قوله وإن قام في صف الرجال فصلاته تامة ويعيد الذي عن يمينه وعن يساره والذي خلفه بحذائه فالإعادة هناك ينبغي أن تكون واجبة احتياطًا لأنه لو كان أنثى تفسد صلاة الرجل بمحاذاتها سواء كانت بالغة أو غير بالغة بعد أن كانت عاقلة مشتهاة على ما ذكرنا في مسألة المحاذاة.

ولكن ذكر في المبسوط أن إعادة من عن يمينه وعن يساره والذي خلفه بحذائه صلاتهم مستحبة؛ وقال والمراد

(10)

من الإعادة هو الإعادة على طريق الاستحباب لما بينا أن محاذاة المرأة الرجل في حقهم موهوم ومبنى العبادة على الاحتياط [فيستحب]

(11)

لهم أن يعيدوا صلاتهم لهذا؛ وأحب إلينا أن يصلي بقناع لأنه أقرب إلى الستر ولأنه إن كان رجلًا فالتقنع لا يمنع الجواز وإن كان أنثى فإنها تؤمر بالتقنع في صلاتها إذا كانت مراهقة فعند الاشتباه يترجح هذا الجانب كذا في المبسوط

(12)

.

(1)

في (ب): يجوز بها؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

ينظر: العناية (10/ 517)، البناية (13/ 531)، الفتاوى الهندية (6/ 438).

(3)

في (أ): استحسانًا واعتبارًا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) قريب منه.

(4)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (ج): على ما إذا كان مراهقًا فهو بالغ؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

ينظر: العناية (10/ 518)، البناية (13/ 531)، الفتاوى الهندية (6/ 438).

(10)

في (أ): والمرأة؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(11)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(12)

ينظر: المبسوط (30/ 106).

ص: 226

فعلم بهذا أن ما ذكر من الاستحباب فيما إذا كان مراهقًا؛ وأما إذا كان بالغًا بأن بلغ بالسن ولم يظهر فيه شيء من علامات الرجال أو النساء لا تجزئه الصلاة بغير قناع إذا كان الخنثى

(1)

حرًا لأنه يجوز أن يكون ذكرًا فتجزئه الصلاة ويجوز أن يكون أنثى فلا تجزئها الصلاة بغير قناع لأن الرأس من الحرة البالغة

(2)

عورة؛ والصلاة متى جازت من أوجه وفسدت من أوجه يحكم بالفساد احتياطًا؛ فإذا جازت من وجه وفسدت من وجه أولى كذا في الذخيرة

(3)

.

ويجلس في صلاته جلوس المرأة معناه أنه يخرج رجليه من جانب ويجلس بإليتيه على الأرض لأن ذلك أقرب إلى الستر ولأن الرجل يجوز له أن يفعل كذلك حالة العذر واشتباه الحال من أبين الأعذار كذا في المبسوط

(4)

والذخيرة

(5)

.

وإن لم يُعِد أجزأه هذا محمول على حالة المراهقة؛ وأما في حالة بلوغه بالسن فالحكم فيه هو الإعادة على ما ذكرته من رواية الذخيرة

(6)

.

وإلى هذا أيضًا أشار في المبسوط وقال ولو صلى بغير قناع قبل أن يدرك لم آمر بالإعادة لأن أسوأ حاله أن يكون أنثى والمراهقة إذا صلت بغير قناع لا تؤمر بالإعادة استحسانًا

(7)

؛ ثم قال وفي بعض النسخ وإن كان بالغًا فصلى بغير قناع أمرته بأن يعيد وهذا بطريق الاحتياط لكن لا يتصور بقاؤه مشكلًا بعد البلوغ وإن تصور فالحكم هذا هكذا لفظ المبسوط

(8)

؛ ولم يتعرض فيه أن طريق الاحتياط فيه على وجه الاستحباب أو على وجه الوجوب فالظاهر هو الوجوب لِقِرَانِه بالأمر.

ويبتاع له أمة تختنه

(9)

وفي بعض الروايات تحقنه

(10)

والصحيح هو الأول لأنه ذكر في تاج المصادر

(11)

الاختتان خويشتن را ختنه كردن

(12)

وهكذا أيضًا في المغرب وقال ختنت الصبي ختنًا واختتن هو أي خُتِنَ أو خَتَنَ نفسه

(13)

.

(1)

في (ب): الأنثى؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب): العاقلة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

ينظر: غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (3/ 374)، الفتاوى الهندية (6/ 348).

(4)

ينظر: المبسوط (30/ 107).

(5)

ينظر: المبسوط (30/ 107)، غمز عيون البصائر (3/ 376)، البناية (13/ 532).

(6)

ينظر: العناية (10/ 518)، البناية (13/ 531)، الفتاوى الهندية (6/ 438).

(7)

ينظر: المبسوط (30/ 108).

(8)

ينظر: المبسوط (30/ 108).

(9)

اختلف الفقهاء في جواز ختان الخنثى على أقوال: فذهب الحنفية إلى أن الخنثى الصغير الذي لا يشتهى يجوز أن يختنه الرجل أو المرأة. ينظر: الاختيار 3/ 39، والبدائع 7/ 328، وفتح القدير 8/ 506، و 507.

وأما المالكية فقال بعض فقهائهم: لا يوجد نص في ذلك، ويرى ابن ناجي كما نقله الخطاب: أن الخنثى لا يختتن تطبيقا لقاعدة: تغليب الحظر على الإباحة. ومسائله تدل على ذلك. ينظر: الحطاب 3/ 259.

-ويرى الشافعية أن الخنثى لا يختن في صغره، فإذا بلغ فوجهان:

أحدهما: وهو المشهور يجب ختان فرجيه. والثاني: وهو الأصح: أنه لا يجوز لأن الجرح لا يجوز بالشك، فعلى الأول، إن أحسن الختان، ختن نفسه، فإن لم يمكن تولاه الرجال والنساء للضرورة. ينظر: شرح المنهج على حاشية الجمل 5/ 174، وأسنى المطالب 4/ 164، 165، روضة الطالبين 10/ 181، والأشباه والنظائر للسيوطي/ 244.

-وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَخْتِنُ فَرْجَيِ الْخُنْثَى احْتِيَاطًا. ينظر: كشاف القناع 1/ 80.

(10)

ينظر: العناية (10/ 518)، البناية (13/ 532)، وأما رواية:"تحقنه": لم أقف عليها.

(11)

هو: تاج المصادر في لغة الفرس، لرودكي الشاعر، وهو: الحسن محمد بن عبد الله السمرقندي. المتوفى: سنة 434. ينظر: كشف الظنون (1/ 270).

(12)

ختنه كردن: هو قطع الجلد الزائد على الحشفة. ينظر: جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (2/ 55)، المنجد الأبجدي [قاموس عربي فارسي] (ص: 356).

(13)

ينظر المغرب (ص: 138).

ص: 227

وقوله لأنه يباح لمملوكته النظر إليه رجلًا كان أو امرأة

(1)

؛ وهذا التعليل وإن كان صحيحًا في حق الرجل ولكن هو فاسد في حق المرأة لأن للأمة

(2)

لا يباح النظر إلى مواضع العورة من سيدتها

(3)

مطلقًا لأنه ذكر في استحسان المبسوط أن للأمة أن تنظر إلى مولاتها كما للأجنبيات

(4)

؛ فعلم بهذا أنه لا تأثير للملك في إباحة النظر إلى سيدته والأَوْلَى في التعليل ههنا ما ذكره في المبسوط

(5)

والذخيرة

(6)

.

وقال في الذخيرة لأنه متى اشترى المولى

(7)

جارية للخنثى فإنه يملكها الخنثى ثم إن كان الخنثى ذكرًا فهذا نظر المملوكة إلى مالكها وإن كان الخنثى أنثى فإنه نظر الجنس إلى الجنس وإنه مباح حالة العذر

(8)

؛ فعلم بهذا أن شراء الجارية له على تقدير أن يكون الخنثى أنثى باعتبار أن نظر الجنس إلى الجنس أخف

(9)

من نظره إلى خلاف جنسه لا أن يكون للملك [تأثير]

(10)

في إباحة نظر المملوكة إلى سيدتها.

(1)

يرى الحنفية والشافعية أن عورة الخنثى كعورة المرأة حتى شعرها النازل عن الرأس خلا الوجه والكفين، ولا يكشف الخنثى للاستنجاء ولا للغسل عند أحد أصلا، لأنها إن كشفت عند رجل احتمل أنها أنثى، وإن كشفت عند أنثى، احتمل أنه ذكر.

وأما ظهر الكف فقد صرح الحنفية أنها عورة على المذهب، والقدمان على المعتمد، وصوتها على الراجح، وذراعاها على المرجوح. ينظر: ابن عابدين 1/ 105، 207، والأشباه والنظائر لابن نجيم/ 384.، وروضة الطالبين 1/ 283، والأشباه والنظائر للسيوطي/ 240.

-وصرح المالكية بأنه يستتر ستر النساء في الصلاة والحج بالأحوط، فيلبس ما تلبس المرأة. ينظر: الحطاب 6/ 433.

-وأما الحنابلة فالخنثى عندهم كالرجل في ذلك، لأن ستر ما زاد على عورة الرجل محتمل، فلا يوجب عليه أمر محتمل ومتردد. ينظر: المغني 1/ 605.

(2)

في (أ): الأمة؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): لأن للأمة يباح إلى موضع العورة من سيدها؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ينظر: المبسوط (10/ 157)، تكملة فتح القدير (10/ 519).

(5)

ينظر: المبسوط (10/ 157)، العناية (10/ 518)، البناية (13/ 532)، تكملة فتح القدير (10/ 519).

(6)

ينظر: العناية (10/ 518)، البناية (13/ 532)، تكملة فتح القدير (10/ 519).

(7)

في (ب): الولي؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ينظر: تكملة فتح القدير (10/ 519).

(9)

في (ب): أحق؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 228

فإن قيل لِمَ لم يقل أنه يزوج له الولي امرأة بمهر يسير

(1)

مع أن وجود المعنى الذي ذكره في الأمة موجود ههنا فإن الخنثى لو كان ذكرًا كانت هذه امرأته؛ وإن كان أنثى فكان فيه نظر الجنس إلى الجنس حتى لا يحتاج إلى شراء الجارية بالمال الكثير.

قلنا تزويج المرأة للخنثى لا يفيد إباحة الختان لأن النكاح موقوف قبل أن يستبين أمره؛ يجوز أن يكون ذلك ذكرًا فيجوز النكاح ويجوز أن يكون أنثى فلا يجوز النكاح؛ فإذا كان مشكل الحال كان النكاح موقوفًا والنكاح الموقوف لا يفيد إباحة النظر إلى الفرج؛ فلذلك لم يقل يزوج له امرأة بماله حتى تختنه هكذا ذكره شيخ الإسلام: في شرحه

(2)

.

وذكر الإمام شمس الأئمة الحلواني: إنما لم يقل يزوج له امرأة بماله لأنا لا نتيقن بصحة نكاحه ما لم يتبين أمره؛ وكذلك لو فعل مع هذا كان مستقيمًا لأن الخنثى إن كان امرأة فهذا نظر الجنس إلى الجنس والنكاح لغو وإن كان ذكرًا فهو نظر المنكوحة إلى زوجها؛ وبعض مشائخنا قالوا إنما لم يقل محمد: ذلك لأن تلك المرأة تبقى معلقة إن لم يصل

(3)

إليها؛ فإنه لا يمكن التفريق بينهما لأنه خنثى

(4)

ولا يصل إلى حقها في الجماع بل يؤجل كذا في الذخيرة

(5)

.

(1)

ذهب الحنفية إلى أن الخنثى إن زوجه أبوه رجلا فوصل إليه جاز، وكذلك إن زوجه امرأة فوصل إليها، وإلا أجل كالعنين. ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم/ 382، 383.

-ويرى المالكية، وهو المذهب لدى الشافعية أنه يمتنع النكاح في حقه من الجهتين، أي لا ينكح ولا ينكح، وفي رواية ابن المنذر عن الشافعي ينكح بأيهما شاء، ثم لا ينقل عما اختاره، قال العقباني: ولعله يريد: إذا اختار واحدا، وفعله، أما مجرد الاختيار دون فعل فلا ينبغي أن يمنعه من اختيار الطرف الآخر. ينظر: مواهب الجليل 6/ 432، والقليوبي 3/ 244، ونهاية المحتاج 6/ 311، والأشباه والنظائر للسيوطي/ 245.

-واختلف الحنابلة في نكاحه: فذكر الخرقي: أنه يرجع إلى قوله، فإن ذكر أنه رجل، وأنه يميل طبعه إلى نكاح النساء، فله نكاحهن، إن ذكر أنه امرأة يميل طبعها إلى الرجال زوج رجلا، لأنه معنى لا يتوصل إليه إلا من جهته، وليس فيه إيجاب حق على غيره، فيقبل قوله فيه، كما يقبل قول المرأة في حيضتها وعدتها، وقد يعرف نفسه بميل طبعه إلى أحد الصنفين وشهوته له.

وقال أبو بكر: لا يجوز أن يتزوج حتى يبين أمره. وأورده نصا عن أحمد، وذلك لأنه لم يتحقق وجود ما يبيح له النكاح، فلم يبح له كما لو اشتبهت عليه أخته بنسوة، ولأنه قد اشتبه المباح بالمحظور في حقه فحرم. ينظر: المغني 6/ 677، و 678، وكشاف القناع 5/ 90.

(2)

ينظر: المبسوط (30/ 110)، العناية (10/ 518، 519)، غمز عيون البصائر (3/ 379)، الفتاوى الهندية (6/ 439).

(3)

في (ب): يقبل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ): صبي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

ينظر: تكملة البحر الرائق (8/ 540)، الفتاوى الهندية (6/ 439).

ص: 229

ويكره له في حياته لبس الحلي والحرير

(1)

؛ وليس في قيد قوله في حياته زيادة فائدة لأن الحياة تستفاد من ذكر اللبس ومن ذكر اختصاص الكراهة لما أن بعد الموت لو وجد ذاك اللباس لا لبس؛ ولو كان ذلك بعد الموت كانت الكراهة للملبس لا للإلباس

(2)

سوى أنه اتبع في ذلك لفظ المبسوط وإنما وقع في لفظ المبسوط ذلك لأنه ذكر هذه المسألة [بعد ذكر تكفين الخنثى إذا مات فكان وقوع هذه المسألة بمقابلة ذلك؛ فكان ذكر الحياة هناك في هذه المسألة]

(3)

ليبين المقابلة لا للقيد؛ ثم إنما كان هذا هكذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما [أباح]

(4)

لبس الحرير بشرط أنوثة اللابس لقوله صلى الله عليه وسلم (هذان حرامان على ذكور أمتي حل لأناثهم)

(5)

وهذا الشرط غير معلوم في الخنثى وما يتردد بين الحظر والإباحة يترجح معنى الحظر فيه لقوله صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات)

(6)

فدع ما يريبك [إلى ما لا يريبك]

(7)

(8)

وترك لبس الحرير لا يريبه ولبس الحرير يريبه؛ يوضحه أن الاجتناب

(9)

فرض والإقدام على المباح ليس بفرض فكان الاحتياط في ترك لبسه كيلا يكون واقعًا في الحرام إن كان رجلًا.

(1)

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يحرم على الخنثى في الجملة لبس الحرير والذهب والفضة.

-وذهب الحنفية إلى أن الخنثى يكره له لبس الحرير والحلي، لأنه حرام على الرجال دون النساء وحاله لم يتبين بعد، فيؤخذ بالاحتياط، فإن اجتناب الحرام فرض، والإقدام على المباح مباح، فيكره حذرا عن الوقوع في الحرام.

ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم/ 382، والاختيار 3/ 39، والعناية على هامش فتح القدير 8/ 507، والبدائع 7/ 329، وابن عابدين 5/ 465، والأشباه والنظائر للسيوطي/ 242، وروضة الطالبين 2/ 66، 67.

(2)

في (ب) و (ج): لا للميت؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

روى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها) أخرجه أحمد (4/ 394)، والترمذي في اللباس -باب ما جاء في الحرير والذهب (1720) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في الزينة -باب تحريم لبس الذهب على الرجال (8/ 160)، والبيهقي (3/ 275).

ورواه أيضًا علي بن أبي طالب وفيه (إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم) أخرجه أحمد (1/ 96)، أبو داود في اللباس -باب الحرير للنساء (4057)، النسائي في الموضع السابق، ابن ماجه في اللباس -باب لبس الحرير والذهب للنساء (3595) وفي رياض الصالحين مع دليل الفالحين ص 439: إسناده حسن.

(6)

أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب البيوع باب الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبهات (3/ 53 رقم الحديث: 2051)، ومسلم في (صحيحه) كتاب المساقاة باب أخذ الحلال وترك الشبهات (3/ 1219 رقم الحديث: 1599).

(7)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ورد عن جماعة من الصحابة منهم الحسن بن على، وعبد الله بن عمر.

أما حديث الحسن: فأخرجه النسائى (2/ 234) والترمذى (2/ 84) والحاكم (4/ 99) والطيالسى (1178) وأحمد (1/ 200) وأبو نعيم فى " الحلية "(8/ 264) وزادوا جميعا إلا النسائى " فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة ".

وقال الترمذى: " حديث حسن صحيح ".

وسكت عليه الحاكم.

وأما حديث ابن عمر: فأخرجه أبو نعيم فى " أخبار أصبهان "(2/ 243) وفى " الحلية "(6/ 352) والخطيب فى " التاريخ "(2/ 220، 386) وقالا: " غريب، تفرد به عبد الله بن أبى رومان ".

ثم رواه الخطيب (2/ 387) من طريق غيره وقال: " وهذا باطل عن قتيبة عن مالك، وإنما يحفظ عن عبد الله بن أبى رومان الإسكندرانى تفرد واشتهر به، وكان ضعيفًا ".

(9)

في (ب): الاختتان؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 230

وأن

(1)

ينكشف قدام الرجال أو قدام النساء أي إذا كان مراهقًا حتى يستبين أمره لتوهم أن يكون امرأة والمرأة عورة مستورة

(2)

.

وهذه المسألة تدل على أن نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى ذوات محارمه لا كنظر الرجل إلى الرجل

(3)

؛ لأنه لو كان كنظر الرجل إلى الرجل لجاز للخنثى التكشف للنساء؛ فإنه ليس المراد من التكشف إبداء موضع العورة لأن ذلك لا يحل لغير

(4)

الخنثى أيضًا ولكن المراد أن يكون في إزار واحد؛ وفي هذا الفصل أي في نظر المرأة [إلى المرأة]

(5)

روايتان بَينَّاهُمَا في الاستحسان

(6)

.

وأن يخلو به غير مَحْرَم أي يكره أن يخلو به غير مَحْرَم [من رجل أو امرأة]

(7)

لقوله صلى الله عليه وسلم (ألا لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بسبيل فإن ثالثهما الشيطان)

(8)

ولأنه إذا خلا الخنثى برجل فمن الجائز أنه امرأة فتكون هذه خلوة رجل بامرأة أجنبية وإذا خلا بامرأة فمن الجائز أنه ذكر خلا بأجنبية؛ والمراهقة في المنع من هذه الخلوة كالبالغة لأن المنع لخوف الفتنة؛ وكذلك يكره أن يسافر مع امرأة

(9)

مَحْرَمًا كان أو غير مَحْرَم لأن من الجائز أنه أنثى فتكون هذه مسافرة امرأتين بغير محرم لهما وذلك حرام.

وإن كان أنثى يكره له تركه أي ترك لبس المخيط فإن المرأة في إحرامها يلزمها لبس المخيط ويحرم عليها الاكتفاء بلبس الإزار والرداء؛ فلما استوى الجانبان لا يمكن ترجيح أحدهما بغير حجة فتوقف فيه وقال لا علم لي بلباسه

(10)

.

(1)

في (ج): وإن كان؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

في (ج): والمرأة مستورة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) أوضح عبارة.

(3)

في (ج): كنظر الرجل إلى الرجل؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى لسياق ما قبله وما بعده.

(4)

في (ب): لعين؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ينظر: المبسوط (30/ 108).

(7)

ساقطة من (أ)؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(8)

قال في نصب الراية (4/ 249): غريب بهذا اللفظ وقد روي من حديث عمر وابن عمر وجابر بن سمرة وعامر بن ربيعة وليس فيها قوله (ليس منها بسبيل) وهو محل الاستدلال.

فحديث عمر أخرجه الترمذي في الفتن-باب في لزوم الجماعة (2/ 41) وفيه (ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) قال الترمذي: حديث حسن صحيح، والحاكم في كتاب العلم (1/ 114) وسكت عنه، وأعاده عن سعد بن أبي وقاص عن عمر فذكره وقال: صحيح الإسناد.

(9)

في (ب): يكره أن يسافر معه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

في (ب): بلسانه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 231

وقال محمد: يلبس لباس المرأة أي يلبس المخيط ولا يتركه لأن ترك لبس المخيط [وهو امرأة أفحش من لبسه وهو رجل لأن لبس المخيط]

(1)

للرجل في إحرامه جائز عند العذر واشتباه أمره من أبلغ الأعذار.

وأما ترك الستر [للمرأة فغير جائز في حال من الأحوال ولبس المخيط أقرب إلى الستر ومبنى حال المرأة على الستر]

(2)

كما في غير حالة الإحرام لأن الحنث لا يثبت بالشك لأن مع الإشكال لا يتيقن

(3)

بوجود الشرط والمعلَّق بالشرط لا يترك ما لم يوجد الشرط حقيقة؛ فكان هذا نظير ما لو قال: إن لم أدخل دار فلان فعبده حر ثم مات ولم يعلم أدخل أو لم يدخل لا يحكم بوقوع العتق لهذا

(4)

المعنى فكذا هنا.

وقوله ولما قلنا إشارة إلى قوله لأن الحنث

(5)

لا يثبت بالشك وإن قال بالقولين أي بالإيجابين جميعًا بأن قال كل عبد لي وكل أمة لي فهو حر لأنه عند الجمع تيقنا أن الإيجاب تناوله بأحد اللفظين وعند الانفراد لا يتيقن

(6)

بذلك لأنه دعوى؛ بخلاف قضية الدليل لأن الدليل يقتضي أن يبقى مشكلًا لعدم إمكان ترجيح أحد الجانبين على الآخر فكان هو مجازًا

(7)

فيما يخبره عن نفسه فإنه لا يعلم من ذلك إلا ما يعلم به غيره وهذا كله من المبسوط

(8)

.

وإن لم يكن مشكلًا ينبغي أن يقبل قوله؛ وإنما قال بلفظ ينبغي لأنه لم يذكر هذه المسألة في المبسوط فلم يتيقن لهذا الحكم.

وذكر في الذخيرة إن قال هذا الخنثى المشكل أنا ذكر أو أنثى كان القول قوله؛ وهذا لأن الإنسان أمين في حق نفسه والقول قول الأمين ما لم يعرف خلاف ما قال.

ألا ترى أن المعتدة إذا قالت انقضت عدتي وأنكر الزوج كان القول قولها ما لم يعرف خلاف قولها بأن قالت ذلك في مدة لا تنقضي في مثلها العدة؛ وما لم يعرف كونه مشكلًا لم يعرف خلاف ما قال فَصُدِّق فيما قال؛ ومتى عرف كونه مشكلًا فقد عرف خلاف ما قال وعرف أنه مجازف في مقاله لأنه لا يعرف من نفسه إذا كان مشكلًا إلا ما نعرفه نحن.

(1)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): لا ينتقض؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ): بهذا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) قريب منه.

(5)

في (ب): المجيب؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): لا ينتقض؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (أ) و (ج): مجازفًا؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

(8)

ينظر: المبسوط (30/ 110).

ص: 232

قوله لأن حِلَّ الغسل غير ثابت بين الرجال والنساء أي غسل الرجل المرأة وغسل المرأة الرجل غير ثابت بينهما؛ وذلك لأن النظر إلى العورة حرام وبالموت لا تنكشف هذه الحرمة؛ إلا إن نظر الجنس إلى الجنس أخف فلأجل الضرورة أبيح النظر للجنس عند الغسل والمراهق كالبالغ في وجوب ستر عورته؛ فإذا كان مشكلًا لا يوجد له جنس أو لا يعرف جنسه أنه من جنس الرجال أو من جنس النساء فتعذر غسله لانعدام مَن يغسله فصار بمنزلة من تعذَّر غسله لانعدام ما يغسل به فَيُيَمَّم بالصعيد؛ وهو نظير امرأة تموت بين رجال ليس معهم امرأة فإنها تُيَمَّم بالصعيد ثم إن كان المُيَمِّم أجنبيًا يُيَمِّمُها مع الخرقة؛ وإن كان ذا رحم [محرم]

(1)

منها ييممها بغير الخرقة؛ وكذلك إذا مات الرجل بين نساء ليس معهن رجل فإن النساء تيممه بالصعيد من غير خرقة إن كن ذات رحم محرم منه وبخرقة إن كن أجانب منه؛ فهذا مثلهما فإن كان من تيممه من النساء تيممه من غير خرقة؛ وكذلك إن كان رجلًا ذا رحم محرم منه وإن كان أجنبيًا عنه ييممه بخرقة؛ ولا بأس بأن ينظر إلى وجهه ويعرض وجهه عن ذراعيه لجواز أن يكون امرأة وفي هذا أخذنا الاحتياط فيما نبني أمره على الاحتياط وهو المس والنظر إلى المرأة.

فإن قلت ما الفرق بين الغسل والختان حيث يشتري له في حق الختان جارية ختانة لتختنه بماله إن كان له مال؛ وإن لم يكن له مال يشتري بمال بيت المال على ما مَرَّ ولا يشتري له جارية غسَّالة في حق الغسل مع أن كلًا منهما سنة مؤكدة أو واجب.

قلتُ الفرق بينهما هو أن شراء الجارية للخنثى بعد موته لتغسله لا يفيد إباحة الغسل لأنه لا يملكها الخنثى؛ لأنه لو كان للخنثى جارية مملوكة فمات الخنثى كانت تزول

(2)

عن ملكه فلا يبقى على ملكه لحاجة الغسل؛ وإذا لم يجز القول ببقاء الملك لحاجة الغسل لأن لا يملك

(3)

ابتداء بعد الموت لحاجة الغسل أولى لأن البقاء أسهل من الابتداء؛ فإذا كان كذلك لم يجز الاشتغال بالشراء لأنه اشتغال بما لا يفيد فأما ما دام حيًا فهو من أهل أن يملك لأنه رجل أو امرأة على ما ذكرنا فيفيد شراء الجارية للختان فجاز الاشتغال به.

وإن سجِّي قبره فهو أحبُّ إلي لأن فيه نوعَ احتياطٍ فلعله امرأة ومبنى حالها على الستر؛ ولا بأس بأن يسجى قبر الرجل عند العذر كالحر والبرد والمطر؛ واشتباه حاله في العذر أبلغ من ذلك كذا في المبسوط

(4)

والذخيرة

(5)

.

(1)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (أ): الأول؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): لأن يملك؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى.

(4)

ينظر: المبسوط (30/ 105).

(5)

ينظر: المبسوط (30/ 105).

ص: 233

ولا يحضر أي الخنثى إن كان مراهقًا غسل رجل أو امرأة أي لا يغسل الخنثى رجلًا أو امرأة لما ذكر في الكتاب.

وإذا مات فَصُلِّي عليه وعلى رجل وامرأة وضع الرجل بما يلي الإمام والخنثى خلفه والمرأة خلف الخنثى اعتبارًا بحالة الحياة فإن صَفَّ الرجال أقرب إلى الإمام من صف الخناثي لقوله عليه السلام (ليلني

(1)

منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم)

(2)

فقد أمر بأن يقرب منه من هو أفضل والأصل

(3)

فيه قوله تعالى: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}

(4)

وللرجال زيادة درجة على النساء فينبغي أن تكون جنازة الرجل أقرب إلى الإمام من جنازة النساء؛ والخنثى المشكل لتردد الحال فيه تجعل جنازته خلف جنازة الرجل أمام جنازة المرأة؛ فلو دفن مع رجل في قبر واحد من عذر جعل الخنثى خلف الرجل أي يوضع الرجل مما يلي القبلة ثم خلفه الخنثى ثم خلفه المرأة لأن جهة القبلة أشرف فيكون الرجل بالتقريب منه أولى.

ألا ترى أن في الحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بتقديم أكثرهم أخذًا للقرآن إلى جانب القبلة

(5)

ويجعل بينهما حاجز من صعيد ليصير ذلك في حكم قبرين؛ وكذلك إذا دفن الرجلان في قبر واحد فلا بأس بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد أن يدفن جماعة من الشهداء في قبر

واحد وأن يجعل بين كل ميتين

(6)

حاجز من التراب

(7)

فيفعل كذلك كذا في المبسوط

(8)

.

(1)

في (ب): ليلقى؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

أخرجه مسلم في (صحيحه) كتاب الصلاة باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من الإمام (1/ 323 رقم الحديث: 432).

(3)

في (ج): والأفضل؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(4)

سورة هود: 3

(5)

أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب الجنائز باب من يقدم في اللحد (2/ 92 رقم الحديث: 1347)، ونصه: عن جابر بن عبد الله ط: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول:«أيهم أكثر أخذا للقرآن؟» ، فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال:«أنا شهيد على هؤلاء» وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلهم.

(6)

في (ب): بيتين؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب الجنائز باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر واحد، (2/ 91 رقم الحديث: 1345)، ونصه: عن عبد الرحمن بن كعب، أن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه -أخبره:«أن النبي صلى الله عليه وسلم -كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد» .

(8)

ينظر: المبسوط (30/ 107).

ص: 234

وإن جعل على السرير نعش المرأة تفسيره ما ذكرناه في الصلاة.

وذكر في الذخيرة

(1)

وإن حُمِل يعني الخنثى مقلوبًا فهو أحب إلي ومعنى المقلوب إذا كان للجنازة قوائم تقلب وتجعل القوائم التي أسفل الجنازة أعلاها ثم يحمل عليه لأنه لابد وأن يلقى عليه ثوب وإذا جعلنا الجنازة مقلوبة يلقى الثوب على القوائم فيكون أستر له [مما إذا حمل على ظاهر

(2)

الجنازة؛ وإن لم يكن لها قوائم وضع على ظاهر الجنازة ووضع عليه النعش ليكون أستر له]

(3)

إن كان امرأة وهو السنة؛ وإن كان رجلًا فالنعش لا يضره فكان أَوْلَى الوجهين ما ذكرنا.

وإن دخل قبره ذو رحم مَحْرَم منه [ليضعه فهو أحب إلي لأنه إن كان أنثى فدخول الأجنبي قبره ليضعه فيه مكروه ودخول المحرم]

(4)

لا بأس به؛ وإن كان ذكرًا لا يضره دخول المحرم فكان الاحتياط فيما قلنا.

قوله وإن كان ذكرًا فقد زادوا على الثلاث فلا بأس بذلك لأن عدد الكفن بعد الموت معتبر بعدد الثياب في حال الحياة فالزيادة على الثلاث في الكفن للرجل لا يضره كما في حال الحياة فإن للرجل أن يلبس حال حياته الزيادة على الثلاث؛ وأما إذا كان أنثى كان في الاقتصار على الثلاث ترك السنة فإن السنة في كفن المرأة أن يكون خمسة أثواب فكان أحوط الوجهين ما ذكرنا كذا في الذخيرة

(5)

.

ولو مات أبوه وخلف ابنًا إلى قوله إلا أن يتبين غير ذلك أي غير كونه أنثى وهو كونه ابنًا

(6)

؛ والحكم في توريث الخنثى المشكل أن يعطى له ميراث النساء إلا أن يكون أسوأ

(7)

حاله أن يكون ذكرًا فيجعل ذكرًا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعليه الفتوى.

وقال الشعبي

(8)

(1)

ينظر: البناية (13/ 534).

(2)

في (ج): ظهر؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

ينظر: العناية (10/ 521).

(6)

في (ج): غير كونه غير أنثى وهو كونه أنثى؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(7)

في (ب): أيسر؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

هو: عامر بن شراحيل بن عبد بن ذيكبار الإمام علامة العصر أبو عمرو الهمداني ثم الشعبي. ولد لست سنين خلت من خلافة عُمَر بْن الخطاب على المشهور. وهو من رجال الحديث الثقات، استقضاه عمر بن عبد العزيز. وكان فقيها وشاعرا. ينظر: سير أعلام النبلاء (4/ 294)، تهذيب الكمال في أسماء الرجال (14/ 28)، الأعلام للزركلي (3/ 251).

ص: 235

وابن أبي ليلى والثوري

(1)

(2)

واللؤلؤي رحمهم الله يعطى له نصف

(3)

نصيب الذكر ونصف

(4)

نصيب الأنثى

(5)

وهو مذهب ابن عباس ط؛ بيانه إذا هلك الرجل وترك ابنًا وخنثى مشكلًا فعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله المال بينهما أثلاثًا ثلثاه للابن وثلثه للخنثى وهو نصيب البنات.

وعلى قول الشعبي: وهو قول ابن عباس- رضي الله عنه -إن كان الخنثى ذكرًا فله نصف المال والمسألة من اثنين؛ وإن كان أنثى فلها ثلث المال والحساب من ثلاثة فقد اجتمع في حقه الثلث والنصف فيعطى له نصف ما اجتمع له وذلك ربع وسدس والباقي للابن.

ولو ماتت امرأة وتركت زوجًا وأختًا لأب وأم [وخنثى لأب]

(6)

فللزوج النصف وللأخت لأب وأم النصف ولا شيء للخنثى لأن أسوأ حالها أن يجعل ذكرًا في هذه الصورة فإنا لو جعلناها ذكرًا [لا يصيبه شيء ولو جعلناها أنثى يصيبها السدس ونقول المسألة من ستة إلى سبعة فجعلناها ذكرًا]

(7)

وهذا كله قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله كذا في الذخيرة

(8)

والتتمة

(9)

.

(1)

في (ج): النووي؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(2)

هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، من بني ثور بن عبد مناة من مضر، أبو عبد الله، أمير المؤمنين في الحديث. كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. ولد ونشأ في الكوفة، له من الكتب:"الجامع الكبير"، و"الجامع الصغير" كلاهما في الحديث، وكتاب في "الفرائض"، وكان آية في الحفظ. من كلامه: ما حفظت شيئا فنسيته. ولابن الجوزي كتاب في مناقبه. ينظر: الأعلام للزركلي (3/ 104)، سير أعلام النبلاء (7/ 229).

(3)

في (ب): بضعف؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ب): بضعف؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(5)

ذهب الحنفية في توريث الخنثى المشكل إلى معاملته بالأضر والأسوأ في حقه دون من معه من الورثة إذ أن الورثة يعطون نصيبهم كاملًا ولا يوقف من التركة شيء.

وقالوا: يجعل الخنثى المشكل في مسائل الميراث بمنزلة الأنثى إلا أن يكون أسوء حاله أن يجعل ذكرًا فحينئذ يجعل ذكرا، وفي الحاصل يكون له شر الحالين وأقل النصيبين، وفي حالة أن يكون الخنثى لا يرث على أحد التقديرين (الذكورة أو الأنوثة) فلا يعطى شيئا من التركة عند الحنفية حيث إنه الأسوأ في حقه أن لا يورث.

ينظر: المبسوط (33/ 175)، تبيين الحقائق (18/ 309).

القول الثاني: ذهب المالكية إلى أن الخنثى المشكل يورث نصف نصيبي الذكر والأنثى مطلقا سواء رجي اتضاحه أم لا، ووافقهم الحنابلة في الشق الثاني من مذهبهم وهو عدم اتضاح حال الخنثى، وإن ورث الخنثى بحال دون الأخرى (الذكورة أو الأنوثة) أعطي نصف ميراثه من الحال التي يرث بها. ينظر: شرح مختصر خليل (24/ 437)، حاشية الدسوقي (20/ 180)، كشاف القناع للبهوتي (15/ 484).

(6)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(8)

ينظر: تحفة الفقهاء (3/ 359)، بدائع الصنائع (7/ 328).

(9)

ينظر: تحفة الفقهاء (3/ 359)، بدائع الصنائع (7/ 328).

ص: 236

وذكر في المبسوط

(1)

فيما إذا مات الرجل وترك ولدًا خنثى وعصبة فعلى قول أبي حنيفة [ومحمد]

(2)

رحمهما الله وهو قول أبي يوسف: الأول لا يعطى إلا ميراث جارية

(3)

وذلك نصف المال والباقي للعصبة.

وفي قول أبي يوسف: الآخر له ثلاثة أرباع المال لأنه يستحق الكل في حال والنصف في حال فيعطى نصف الكل ونصف النصف أو لأن النصف له بعين والنصف الآخر يثبت في حال ولا يثبت في حال فينتصف وله ثلاثة أرباع المال والباقي للعصبة.

فإن كان للميت مع ذلك ابن معروف فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله المال بينهما للذكر مثلُ حظ الأنثيين لأن أسوأ الحالين للخنثى أن يكون أنثى ههنا وتكلموا فيما إذا كان الخنثى حيًا يتوهم أن يستبين أمره

(4)

في الباقي

(5)

أنه كيف يقسم المال بينهما.

فمنهم من يقول يدفع الثلث إلى الخنثى والنصف إلى الابن ويوقف السدس إلى أن يستبين أمره لأن المستحق لهذا السدس منهما مجهول فيوقف إلى أن يتبين المستحق كما في الحمل والمفقود فإنه يوقف نصيبهما إلى أن يتبين حالهما وأكثرهم على أنه يدفع ذلك إلى الابن لأن سبب استحقاقه لجميع المال وهو البنوة معلوم فإنما ينتقص من حقه بمزاحمة حق الغير والخنثى ما زاحمه إلا في الثلث فما وراء ذلك يبقى مستحقًا له؛ يوضحه أنا حكمنا بكون الخنثى أنثى حيث أعطيناه الثلث مع الابن وبعد ما حكمنا بالأنوثة في حقه يعطى الذكر ضعف ما تعطى الأنثى وبه فارق الحمل والمفقود فإنا لم نحكم فيهما بشيء من موت أو حياة فلهذا يوقف نصيبهما.

وإذا دُفع الثلثان إلى الابن هل يؤخذ منه الكفيل قال بعض مشائخنا هو على الخلاف المعروف في الدعوى أن القاضي إذا دفع المال إلى الوارث المعروف لم يأخذ منه كفيلًا في قول أبي حنيفة:.

وعندهما يحتاط في أخذ الكفيل منه؛ وقيل بل ههنا يحتاط في أخذ الكفيل عندهم جميعًا وإنما لم يُجوِّز أبو حنيفة: أخذ الكفيل هناك للمجهول وهنا إنما يأخذ الكفيل للمعلوم وهو طريق مستقيم يصون به القاضي قضاءه وينظر لمن هو عاجز عن النظر لنفسه وهو الخنثى فيأخذ من الابن كفيلًا كذلك؛ فإن تبين أن الخنثى ذكرٌ استرد ذلك من أخيه؛ وإن تبين أنه أنثى فالمقبوض سالم للابن.

(1)

ينظر: المبسوط (30/ 93).

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ج): الأنثى؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

(4)

في (ب) و (ج): امرأة؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.

(5)

في (ب): الثاني؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.

ص: 237

وذكر في شرح الطحاوي تفسير أبي يوسف قول الشعبي

(1)

رحمهما الله ثم قال وأخذ به أبو يوسف:؛ وفي قوله الأول وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله المال بينهما أثلاثًا للذكر مثل حظ الأنثيين.

وذكر في الفرائض للإمام سراج الدين:

(2)

(3)

للخنثى المشكل أقل النصيبين أعني أسوأ الحالين عند أبي حنيفة وأصحابه وهو قول عامة

الصحابة ن

(4)

.

وبهذه الروايات يعلم أن ما ذكره في الكتاب من إلحاق قول محمد بقول أبي يوسف رحمهما الله بقوله وقالا للخنثى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى وقع مخالفًا لهذه الروايات.

فإن قلتَ لا كذلك بل في عامة روايات الكتب دليل على أن محمدًا مع أبي يوسف: في حكم هذه المسألة لأنهما يفسران

(5)

قول الشعبي: وهو مسطور في عامة الكتب بعد ما اتفقا في قول الشعبي: بأن للخنثى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى وإن اختلفا في تخريجه فكان تفسير كل واحد منهما مذهبًا

(6)

لذلك المفسر

(7)

فإنه إن لم يكن كذلك

(8)

فإن حاجته تدعوهما إلى تفسير قوله فحينئذ ما ذكره في الكتاب لا يكون مخالفًا لما ذكره في عامة الكتب.

قلتُ إن احتمل ذلك في قول أبي يوسف: وليس هو كذلك قول

محمد: بل تفسيره راجع إلى ما يحتمل قوله ذلك: والوجه [عند

محمد]

(9)

: لا أن يكون ذلك قوله؛ وبه صرح في المبسوط بعد ما ذكر تفسير محمد: قول الشعبي؛ [فقال فقد فسر محمد قول الشعبي:]

(10)

بهذا ولم يأخذ به.

(1)

في (أ): الشافعي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ب) و (ج): الفرائض المنسوبة للإمام سراج الدين؛ وما أثبت من (أ) قريب منه.

(3)

هو: محمد بن محمد بن عبد الرشيد بن طيفور سراج الدين، أبوطاهر السجاوندي: رياضي حنفي فرضي. له (السراجية - ط) نسبة إلى كنيته (سراج الدين) في الفرائض والمواريث، و (شرح السراجية - ط)، و (الوقف والابتداء)، و (الجبر والمقابلة) رسالة، و (ذخائر نثار في أخبار السيد المختار غ). ينظر: تاج التراجم (1/ 245)، الأعلام للزركلي (7/ 27).

(4)

ينظر: البناية (13/ 535).

(5)

في (ب): يعتبران؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

في (ب): مذهبنا؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (ج): المعنى؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(8)

في (ب): فإنه إن لم يكن مخالفًا لذلك؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(9)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.

ص: 238

ثم ذكر تفسير أبي يوسف: وقال بعده وأشار في الأصل إلى رجوع أبي يوسف: إلى التفسير الذي ذكر محمد لقول الشعبي: قالوا وهذا غلط والصحيح رجوعه إلى التفسير الذي ذكره أبو يوسف: فإنه رجع إلى قول الشعبي ثم فسر قوله بما ذكرنا عنه.

قال محمد: المال بينهما على اثني عشر سهمًا فتقديم قول محمد: مع تأخير تعليله يدل على أن المختار عند المصنف قول محمد: [فبيان قول محمد]

(1)

: ظاهر لأن الخنثى إن كان ذكرًا فالمال بينهما نصفان؛ وإن كان أنثى فالمال بينهما أثلاث فيعطيه نصف كل حاله فاحتجنا إلى حساب ينقسم نصفه نصفين وثلثه نصفين وأقل ذلك اثنا عشر؛ فإن كان الخنثى ذكرًا فله ستة من اثني عشر

(2)

وإن كان أنثى فله أربعة.

فإما أن يقول له نصف أربعة فهو سهمان ونصف ستة وهو ثلاثة فذلك خمسة؛ وللابن نصف ثمانية ونصف ستة فيكون له سبعة.

أو نقول الثلث متيقن به للخنثى وهو أربعة وما زاد على ذلك إلى تمام النصف وذلك سهمان يثبت في حال دون حال فينتصف [فيكون له خمسة والباقي وهو سبعة للابن؛ قد فسر محمد قول الشعبي: بهذا ولم يأخذ]

(3)

به.

وقال أبو يوسف: المال بينهما على سبعة للابن أربعة وللخنثى ثلاثة لأن الابن يستحق كل الميراث عند الانفراد والخنثى يستحق ثلاثة الأرباع لأن الخنثى في حال ابن وفي حال بنت؛ وللبنت في الميراث نصف الابن فيجعل له نصف كل حال فيكون هو ثلاثة

(4)

أرباع ابن فكأنه اجتمع ابن وثلاثة أرباع ابن فيجعل بكل ربع من الابن سهم فللابن الكامل أربعة أسهم ولثلاثة أرباع ابن ثلاثة فذلك سبعة.

أو نقول إن الله تعالى جعل للذكر مثل حظ الأنثيين فكان الذكر بمنزلة الأنثيين وإحدى الأنثيين في حق الخنثى معلومة والأخرى ثابتة في حال دون حال فينتصف فيكون الخنثى بمنزلة أنثى ونصف؛ ولو تصور اجتماع بنت

(5)

ونصف مع ابن فإنه يكون المال على سبعة أسهم للابن أربعة وللبنت نصف ثلاثة فههنا أيضًا يقسم المال بينهما على سبعة أسهم كذا في المبسوط

(6)

.

(1)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(2)

في (ج): فله النصف ستة من اثني عشر؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (أ): بدونه؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (أ): ثلث؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى لسياق ما بعده.

(6)

ينظر: المبسوط (30/ 94).

ص: 239

وحاصله أن على قول محمد: للخنثى خمسة من اثني عشر؛ وعلى قول أبي يوسف: ثلاثة من سبعة مع اتفاقهما على أن قول الشعبي للخنثى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى ثم التفاوت بين تخريجهما، أن على تخريج قول أبي يوسف: كان نصيب الخنثى أكثر مما نصيبه على قول محمد:؛ فإن

(1)

ثلاثة من سبعة أكثر من خمسة من اثني عشر لأنا لو زدنا نصف سبع على ثلاثة أسباع يصير نصف المال والخمسة لا تصير نصف المال إلا بزيادة سهم من اثني عشر وهو نصف السدس ونصف السدس أكثر من نصف السبع.

فثبت أن ما قاله أبو يوسف: أنفع للخنثى والطريق الواضح فيه أن يضرب السبعة في الاثني عشر حيث لا موافقة بينهما فيصير المجموع أربعة وثمانين ثم اضرب [حصة]

(2)

من كان له شيء من السبعة في الاثني عشر وحصة الخنثى ثلاثة من سبعة فاضربه في اثني عشر فيكون ستة وثلاثين واضرب حصة من كان له شيء من الاثني عشر في السبعة وللخنثى خمسة من اثني عشر فاضربه في السبعة فيكون خمسة وثلاثين فظهر أن التفاوت سهم من أربعة وثمانين سهمًا كذا قاله الإمام مولانا حميد الدين:

(3)

(4)

.

ثم نذكر ههنا مسائل تتعلق بالخنثى وهي لم تذكر في الكتاب.

وذكر في المبسوط وإن قَبَّلَهُ رجل بشهوة لم يتزوج أمه حتى يستبين أمره

(5)

؛ لأنه إن كان أنثى فتقبيله بعدما راهق يثبت حرمة المصاهرة فتكون أمه حرامًا عليه من هذا الوجه؛ وترك نكاح امرأة [تحل له]

(6)

أولى من نكاح امرأة هي محرمة عليه.

وإن زوجه أبوه رجلًا أو امرأة ولا علم له

(7)

بنكاحه فهو موقوف إلى أن يبلغ لأن الذكر يدخل في النكاح دخول المالكين والأنثى تصير مملوكة بالنكاح ولا يمكن إثبات واحد من الوصفين في حقه من غير دليل.

(1)

في (ج): لما أن نصيبه على قول محمد كان؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

هو: علي بن علي حميد الدين الضرير الرامشي من فقهاء الحنفية من أهل بخارى، انتهت إليه رياسة العلم في عصره بما وراء النهر. له تصانيف، منها:" الفوائد " الحاشية على الهداية في الفقه، و" شرح المنظومة النسفية"، و"شرح الجامع الكبير"، و"المنافع في فوائد النافع - خ" حاشية على كتاب "الفقه النافع" للسمرقندي. ينظر: الأعلام للزركلي (4/ 333)، الجواهر المضية (1/ 373).

(4)

ينظر: الجوهرة النيرة (1/ 360).

(5)

في (ج): لم يتزوج له حتى يستبين أنه امرأة؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (ب)؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(7)

في (أ) و (ج): فلا علم لي؛ وما أثبت من (ب) هو الصواب.

ص: 240

ولا وجه لإبطال نكاح الولي في حال قيام ولايته ما لم يعلم أنه لم يصادف محله فيكون موقوفًا إلى أن يبلغ؛ فإن ظهرت فيه علامة الرجال وقد زوجه أبوه امرأة حُكِم بصحة النكاح من حين عقد الأب لأنه تبين أن تصرفه صادف محله.

وإن لم يصل إليها أجل

(1)

كما يؤجل العنين [فإذا كان زوجه رجلًا]

(2)

ثم ظهر علامة الرجال فقد تبين أن هذا التصرف لم يصادف محله فكان باطلًا.

وإذا زُوِّج خنثى من خنثى وهما مشكلان على أن أحدهما رجل والآخر امرأة لم أجز النكاح ولم أبطله حتى يتبين أمرهما لأن العقد صدر من الوليين فلا يحكم ببطلانه ما لم يعلم أنه لم يصادف محله؛ ولا يحكم بجوازه لتوهم كونهما أنثيين أو ذكرين أو على عكس ما قدره الوَلِيَّان؛ وإذا ماتا لم يتوارثا لأن الإرث إنما يكون بعد الحكم بالصحة.

وإن قذفه رجل فلا حد على قاذفه

(3)

بمنزلة المجبوب والرتقاء إذا قذفهما رجل؛ وهذا لأن القاذف يستوجب الحد بنسبة الرجل إلى فعل يباشره وبنسبة المرأة إلى التمكين من فعل باشره غيرها؛ ومع اشتباه أمره لا يتقرر السبب ولا يدرى أن قاذفه إلى أي فعل نسبه؛ فإن كان قد نسبه إلى مباشرة الفعل وهو امرأة كان قد نسبه إلى محال فيكون بمنزلة قاذف الرتقاء

(4)

والمجبوب؛ وإن كان قد نسبه إلى التمكين وهو رجل كان قد نسبه إلى ما هو قاصر في حقه غير موجب للحد عليه؛ وعند اشتباه الأمر لا يمكن إقامة الحد على القاذف.

وذكر في الذخيرة وكذلك قَذْف رجل للخنثى المشكل لا يجب الحد لأنه قذف غير المحصن لأن البلوغ من إحدى شرائط إحصان القذف

(5)

[كالإسلام]

(6)

؛ والخنثى المشكل إنما يكون قبل البلوغ على ما عليه الظاهر؛ وقذف غير المحصن لا يوجب الحد على القاذف؛ وأما إذا كان القذف بعد بلوغ الخنثى بالسن ولكن لم تظهر فيه علامة يستدل بهاعلى أنه ذكر أو أنثى فقذف [كل منهما يوجب الحد.

(1)

في (أ): رجل؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.

(2)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

يرى المالكية والشافعية وهو المتبادر من كلام الحنابلة أن من قذف الخنثى بفعل يحد به الخنثى يجب فيه حد القذف، فإذا رماه شخص بالزنى بفرجه الذكر، أو في فرجه الذي للنساء فلا حد عليه، لأنه إذا زنى بأحدهما لا حد عليه.

ينظر: الشرح الصغير 4/ 463، والخطاب 6/ 433، والكافي 3/ 216، وروضة الطالبين 8/ 311، 317.

-وذهب الحنفية إلى أنه لا يحد قاذف الخنثى، لأنه إن كان رجلا فهو كالمجبوب، وإن كان امرأة فهي كالرتقاء، ولا يحد قاذفهما، لأن الحد لنفي التهمة، وهي منتفية عنهما، ولكن في ذلك التعزير.

ينظر: البدائع 7/ 329، والأشباه والنظائر لابن نجيم/ 383.

(4)

في (أ): الزنا؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب؛ وبه يستقيم المعنى لسياق ما بعده.

(5)

في (ب): الإحصان والقذف؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

ص: 241

وذكر في المبسوط وإذا قطع رجل يده أو امرأة قبل أن يستبين أمره فلا قصاص على القاطع

(1)

فقذف]

(2)

الخنثى رجلًا أو قذفه رجل قال في الكتاب هذا والأول سواء.

قال مشائخنا أراد بهذه التسوية في حق القاذف فإنه لا حد على قاذف الخنثى لا قبل البلوغ ولا بعد البلوغ إذا كان حاله بعد البلوغ مشكلًا؛ لأن الخنثى وإن صار محصنًا بالبلوغ إلا أنه إذا لم يظهر عليه علامة الأنوثة أو الذكورة يجوز أن يكون رجلًا أو امرأة؛ فإن كان رجلًا فهو بمنزلة المجبوب لأنه لا يمكن أن يجامع كالمجبوب؛ وإن كان امرأة فهي بمنزلة المرأة الرتقاء لأنها لا تجامع كالرتقاء؛ ومن قذف رجلًا مجبوبًا أو امرأة رتقاء لا حد عليه لما مر في كتاب

(3)

القذف.

وأما إذا كان الخنثى هو القاذف وقد قذف رجلًا قبل البلوغ لا حد عليه لأنه صبي أو صبية؛ وبعد البلوغ يجب عليه الحد لأنه بمنزلة مجبوب بالغ أو رتقاء بالغة والمجبوب البالغ أو الرتقاء البالغة إذا قذفا إنسانًا يجب عليهما الحد.

وذكر في المبسوط وإذا قطع رجل يده أو امرأة قبل أن يستبين أمره فلا قصاص على القاطع لأن حكم القصاص فيما دون النفس مختلف بالذكورة والأنوثة ولا يجري القصاص بين الرجال والنساء في الأطراف؛ فإن كان القاطع رجلًا لا يجب القصاص إذا كانت هي امرأة؛ وإن كان القاطع امرأة لم يجب القصاص إذا كان هو رجلًا؛ فعند الاشتباه تتمكن فيه الشبهة والقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات وبه فارق القصاص في النفس فإنه لا يختلف بالذكورة والأنوثة سواء قتله رجل أو امرأة كان عليه القصاص لتيقننا بوجوبه وتقرر سببه.

ولو قطع هذا الخنثى يد رجل أو امرأة أو قتله لم يكن عليه قصاص ولكن الدية على عاقلته لأنه صغير لم يبلغ فعمده وخطؤه سواء.

ولا يرث الخنثى بولاء العتق ما لم يستبن أمره لأنه في حكم الميراث أنثى.

ولو أوصى رجل لما في بطن امرأة بألف درهم إن كان غلامًا وبخمسمائة إن كان جارية فولدت خنثى قال [أبو يوسف:]

(4)

توقف الخمسمائة الفاضلة في قولنا حتى يتبين أمره [لأن الوصية أخت الميراث وقد جعلناه في الميراث أنثى ما لم يتبين أمره]

(5)

وهذا لا يعطيه إلا المتيقن به والمتيقن به هو الأقل.

(1)

ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوب القصاص في الأطراف سواء قطعها رجل أو امرأة.

وذهب الحنفية إلى أنه لا قصاص على قاطع يد الخنثى ولو عمدا، ولو كان القاطع امرأة، ولا تقطع يده إذا قطع يد غيره عمدا لاحتمال عدم التكافؤ. ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم/ 383.، وابن عابدين 5/ 368، 369، ومواهب الجليل 6/ 433، وروضة الطالبين 9/ 156، 159، والمغني 7/ 679، 680، 715.

(2)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(3)

في (ب): باب؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (ب) و (ج)؛ وإثباتها من (أ) هو الصواب.

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 242

وفي قياس قول الشعبي: ينبغي أن يكون له سبعمائة وخمسون لأنه يجعل الخنثى في الميراث بمنزلة نصف رجل ونصف امرأة وكذلك في الوصية وهذا لأن اعتبار الأحوال عند الاشتباه أصل معتبر في الشرع.

وذكر في الذخيرة ولا تجوز شهادته

(1)

حتى يدرك لأنه صبي أو صبية وبعد ما أدرك إذا لم يستبين أمره يعتبر امرأة في حق الشهادة حتى يتبين أمره أنه ذكر لأن هذا القدر من شهادته متيقن فيه والزيادة مشكوك فيها.

والله أعلم بالصواب.

* * *

+++++

مَسَائِلُ شَتَّى

مسائل شتَّى

(2)

فإيراد مسائل شتى [في آخر الكتب]

(3)

من دأب

(4)

المصنفين [خصوصًا]

(5)

ما إذا انتهت الهداية نهايتها.

قوله: فإذا جاء من ذلك ما يعرف أنه إقرار فهو جائز أي وصية جائزة بهذا المقدار فذكرها بتأويل الإيصاء وإنما قيد بقوله فإذا جاء من ذلك ما يعرف أنه إقرار لأن الذي يجيء من الأخرس ومعتقل اللسان على نوعين أحدهما ما يكون ذلك منه دلالة الإنكار أي لا بأن يحرك رأسه عرضًا مثلًا.

والثاني ما يكون ذلك منه دلالة الإقرار أي نَعَم بأن يحرك رأسه طولًا إذا كان ذلك معهودًا منه في نعم؛ ولا يجوز ذلك في الذي يُعتقَل لسانه بضم الياء وفتح القاف على بناء المفعول كذا ذكر في المغرب

(6)

.

وقال واعتُقل لسانه بضم التاء إذا احتبس عن الكلام ولم يقدر عليه حتى لو امتد ذلك أراد به سنة كذا ذكره التمرتاشي

(7)

: قالوا هو بمنزلة الأخرس.

(1)

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخنثى كالأنثى في الشهادة، فتقبل شهادته مع رجل وامرأة في غير حد وقود، ويعد في شهادته امرأة. قال ابن حبيب من المالكية: ويحكم فيه بالأحوط، وسلوك الأحوط في شهادته أن لا تقبل إلا في الأموال ويعد في شهادته امرأة. ينظر: ابن عابدين 4/ 377، 356، وروضة الطالبين 11/ 255، والأشباه والنظائر للسيوطي/ 243.

(2)

قوم شتى على فعلى متفرقون؛ أي: فرقا من غير قبيلة، والشتيت: المتفرق، وقوم شتى، ومسائل شتى، وأشياء شتى. ينظر: المصباح المنير (1/ 304)، القاموس المحيط (1/ 154)، أنيس الفقهاء (97).

ومن عادة المصنفين أن يذكروا في آخر الكتاب ما شذ وندر من المسائل في الأبواب السالفة في فصل على حدة تكثيرا للفائدة، ويترجموا عنه بمسائل منثورة أو مسائل متفرقة أو مسائل شتى أو مسائل لم تدخل في الأبواب.

(3)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

دأب: العادة والشأن؛ والدأب: العادة والملازمة. ينظر: الصحاح (1/ 123)، لسان العرب (1/ 368).

(5)

ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ينظر: المغرب (ص: 324).

(7)

ينظر: العناية (10/ 524)، البناية (13/ 539).

ص: 243

وذكر الحاكم أبو محمد

(1)

رواية عن أبي حنيفة: قال إن دامت العُقْلَة إلى وقت الموت يجوز إقراره بالإشارة ويجوز الإشهاد عليه لأنه عجز عن النطق بمعنى لا يرجى زواله فكان كالأخرس قالوا وعليه الفتوى كذا ذكره الإمام المحبوبي:

(2)

.

وفي الآبدة عرفناه بالنص وهو ما روي عن رافع بن خَديج (أن بعيرًا من إبل الصدقات نَدَّ فرماه رجل بسهم وسمى فقتله فقال صلى الله عليه وسلم «إن لها أَوَابِدَ كأوابد الوحش فإذا فعلت شيئًا من ذلك فافعلوا بها كما فعلتم بهذا ثم كلوه»

(3)

هكذا ذكر في صيد المبسوط

(4)

.

ولا يحد أي ولا يحد الأخرس إذا كان قاذفًا بالإشارة والكتابة.

ولا يحد له أي إذا كان مقذوفًا.

وهو في الأخرس أظهر أي العجز في حق الأخرس أظهر من العجز في حق الغائب؛ وذلك لأن الظاهر من حال الغائب أنه يحضر وأما الأخرس فالظاهر من حاله أنه لا يزول خرسه؛ فلما قبل الكتابة في حق الغائب في ثبوت الأحكام مع رجاء الحضور لأن يقبل في حق الأخرس مع يأس زوال الخرس أولى ثم الكتاب على ثلاث مراتب.

مستبين احتراز عن غير المستبين وهو الكتابة على الهواء والماء.

مرسوم أي معنون أي يصدر بالعنوان والعنوان هو أن يكتب في صدره من فلان إلى فلان.

ينوي منه أي يطلب منه النية فيه بمنزلة صريح الكتابة.

وهو كقوله أنت بائن أي بمنزلة كتابة قولية أما الكتابة فهي ليست بصريحة في الكتابة لأنها فعل والكتابة الحقيقية إنما تكون في القول.

وذكر الإمام التمرتاشي: وإذا كتب مستبينًا لكن غير مرسوم كالكتابة على الجدار أو على التراب أو على الكاغد لا على وجه الرسم كان لغوًا؛ لأنه لا عرف في إظهار الأمر بهذا فلا يكون حجة إلا بالنية

(5)

والبيان.

(1)

هو: الحاكم الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد الكفيني، كان فقيها فاضلا، روى عنه: الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الكرميني وغيره. ينظر: الأنساب للسمعاني (11/ 129)، الجواهر المضية (1/ 291).

(2)

ينظر: العناية (10/ 524)، البناية (13/ 539).

(3)

أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب الذبائح والصيد باب إذا ند بعير لقوم فرماه بعضهم بسهم فقتله فأراد إصلاحهم فهو جائز (7/ 98 رقم الحديث: 5544)، ومسلم في (صحيحه) كتاب الأضاحي باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائر العظام (3/ 1558 رقم الحديث: 1968).

(4)

ينظر: العناية (10/ 524)، البناية (13/ 539)، المبسوط (11/ 253).

(5)

في (ب): بالبينة؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

ص: 244

وفي الشافي

(1)

وكذا الصحيح لو كتب الطلاق وغيره أو ذكر الحق على نفسه فهو على تلك الوجوه إن كان مستبينًا مرسومًا وثبت ذلك بإقراره أو ببينة فهو كالخِطاب حتى لو جحد يسمح لمن شهد كتابته أن يشهد إذا عرف ما في الكتاب.

وإن كتب غير مستبين لم يكن إقرارًا وإن شهد وقال كتبت كذا فاشهدوا أني كتبت ذلك وإن كان مستبينًا غير مرسوم

(2)

أن أشهد عليه كان إقرارًا

(3)

لأن الكتابة قد تكون للتجربة وقد تكون للتحقيق وبالإشهاد يقع البيان.

ولو كتب ذكر حق

(4)

بين يدي قوم وهم يعرفون ما يكتب ثم قال لهم اشهدوا عليَّ بما فيه يصح الإشهاد.

وكذا لو أملاه على غيره

(5)

حتى كتب وهم يعلمون ماذا يملي ثم أشهدهم.

وفي باب ما يكون إقرارًا لو كتب على نفسه صكًا بألف لفلان والقوم ينظرون فيه يعرفون ما يكتب وقال لهم اشهدوا عليَّ بما فيه كان إقرارًا؛ [فإن]

(6)

لم يقل لهم اشهدوا هل يكون ذلك إقرارًا.

ذكر أبو اليسر قيل لا يكون ذلك إقرارًا وقيل يكون لأن الظاهر يدل على أن المال عليه والأحكام تبنى على ما عليه الظاهر

(7)

.

قوله ويحتمل أن يكون الجواب هنا كذلك أي لا يكون حجة.

فيكون فيهما روايتان أي في الأخرس والغائب غير الأخرس.

وفي الكتابة زيادة بيان لم توجد في الإشارة لأن فصل البيان في الكتابة معلوم حسًا وعيانًا.

وفي الإشارة زيادة

(8)

لم توجد في الكتابة وذلك أن الأصل في البيان هو الكلام لما أن الموضوع للبيان ذلك ثم الإشارة أقرب إلى الكلام

(9)

من الكتابة لأن العلم بالكتابة إنما يحصل بآثار الأقلام وهي منفصلة عن المتكلم؛ وأما العلم الحاصل بالإشارة حاصل بما هو متصل بالمتكلم وهو إشارته بيده أو برأسه وكان المتصل بالتكلم أقرب إليه من المنفصل منه فكان الاعتبار بما

(10)

هو الأقرب إلى الموضوع للبيان أولى من اعتبار غير الأقرب إليه

(11)

ولأن الإشارة تقع معتبرة مع القدرة على البيان من كل وجه.

(1)

الشافي في فروع الحنفية. لعبد الله بن محمود، شمس الأئمة، إسماعيل بن رشيد الدين: محمود بن محمد الكردري. ينظر: كشف الظنون (2/ 1023).

(2)

في (ب): غير ذلك؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): إن شهد عليه إقرارًا؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

في (ب): ذكرًا جرى؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(5)

في (ب): وكذا لو أملى غيره؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(6)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(7)

ينظر: المبسوط (18/ 20).

(8)

في (ب) و (ج): زيادة أمر؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

(9)

في (ب): البيان؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(10)

في (أ): لما؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

(11)

في (ج): غير الأقرب إليه من المنفصل منه؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.

ص: 245

ألا ترى أن أفصح العرب النبي صلى الله عليه وسلم كيف اعتبر الإشارة في قوله الشهر هكذا وهكذا

(1)

.

وكذلك الذي صمت يومًا أو يومين بعارض أي لا يجوز إقراره بأن أَوْمَأ برأسه أي نعم أو كتب وهو معطوف على ذلك.

فإن كانت المذبوحة أكثر تحرَّى

(2)

فيها وأكل؛ وإن كانت

(3)

الميتة أكثر أو كانا نصفين لم تؤكل.

فإن قلت ما الفرق بين هذا وبين الثياب فإن المسافر إذا كان معه ثوبان أحدهما نجس والآخر طاهر ولا تميز بينهما وليس معه ثوب غيرهما فإنه يتحرى ويصلي في الذي يقع تحريه أنه طاهر؛ فقد جوز التحري هناك فيما إذا كان الثوب النجس والطاهر نصفين وفي المذكاة والميتة لم يجوِّز.

قلتُ وجه الفرق بينهما أن حكم الثياب أخف من غيرها لأن الثياب لو كانت [كلها]

(4)

نجسة كان له أن يصلي في بعضها ثم لا يعيد صلاته لأنه مضطر إلى الصلاة فيها بخلاف المَسَالِيخ

(5)

(6)

؛ فالحاصل أنه يتحرى في الثياب بكل حال سواء كانت الغلبة للطاهر أو للنجس أو استويا لما ذكرنا أن حكمها أخف.

ألا ترى أن الرجل إذا لم يكن معه إلا ثوب نجس فإن كانت ثلاثة أرباعه نجسًا وربعه طاهرًا يصلي في ذلك بلا خيار بالإجماع ولا يصلي عريانًا؛ وأما إذا كان أكثر من ثلاثة أرباعه نجسًا أو كان كله نجسًا فعند أبي حنيفة وأبي يوسف: يخير بين الصلاة فيه وبين الصلاة عريانًا قاعدًا بالإيماء لما عرف فلما جازت الصلاة في ثوب نجس فلأن تجوز بالتحري فيه حالة الاشتباه أولى.

وهذا بخلاف الماء الطاهر إذا اختلط بالماء النجس بالأواني؛ وإن كانت الغلبة للطاهر بأن كان معه ثلاثة أوان وفي الكل ماء أحدها نجس والآخران طاهران ولا يعرف الطاهر من غيره فإنه يتحرى ويتوضأ لأن الحكم للغالب وباعتبار الغالب لزمه استعمال الماء الطاهر وإصابته بتحرِّيه مَأمُولَة؛ وإن كانت الغلبة للأواني النجسة أو كانا سواء فليس له أن يتحرَّى عندنا؛ وعلى قول الشافعي: يتحرى ويتوضأ بما يقع تحرِّيه أنه طاهر وهذا ومسألة المَسَاليخ سواء.

(1)

أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب الصوم باب قول النبي غ: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا» ، (3/ 27 رقم الحديث: 1908)، ومسلم في (صحيحه) كتاب الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال، وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما، (2/ 759 رقم الحديث: 1080).

(2)

في (ب): الذي يجري؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(3)

في (ب): أي وإن كانت؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.

(4)

ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.

(5)

المساليخ هي: ما ينسلخ من جلد الشاة، انظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (5/ 3160).

(6)

ينظر: العناية (10/ 527)، المبسوط (10/ 200).

ص: 246

والفرق بين مسألة الثياب وبين مسألة الأواني هو أن الضرورة لا تتحقق في الأواني لأن التيمم طهور له عند عجزه عن الماء الطاهر فلا يضطر إلى استعمال التحري للوضوء عند غلبة النجاسة أو مساواتها لأنه أمكنه إقامة الفَرض بالبدل حتى إن مسألة الأواني لما كان تتحقق الضرورة في الشرب عند العطش

(1)

لعدم الماء الطاهر جاز له أن يتحرى للشرب لأنه لما جاز له شرب الماء النجس عند الضرورة فلأن يجوز له التحري وإصابة الطاهر بتحريه مأمولة أولى.

هذا مما أشار إليه الإمام المحقق الربَّاني والمقتدي المدقق الصمداني شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي في المبسوط

(2)

والإمام الأجل جمال الدين عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي: في الجامع الصغير

(3)

.

والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وصلى الله على نبينا وشفيعنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتخبين وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وحسبي الله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.

(1)

في (أ): تتحقق الضرورة والشرب عند العطش في الشرب؛ وما أثبت من (ب) و (ج)

هو الصواب.

(2)

ينظر: المبسوط (10/ 201، 202).

(3)

ينظر: المبسوط (10/ 201، 202).

ص: 247