المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب صلاة المريض (1) عجز المريض عن القيامذكر صلاة المريض عقيب - النهاية في شرح الهداية - السغناقي - جـ ٤

[الحسام السغناقي]

فهرس الكتاب

‌باب صلاة المريض

(1)

عجز المريض عن القيامذكر صلاة المريض عقيب سجود السهو؛ إمّا لأن كلًّا منهما من العوارض السماوية

(2)

، إلا أنّ الأوّل أكثر وقوعًا

(3)

؛ لأنّه يعرّض كثيرًا في صلاة واحدة، وأعمّ موقعًا؛ لأنّه يتناول صلاة المريض، وصلاة الصحيح، وغيرهما؛ فقدّمه لشدة مساس الحاجة إلى بيانه لكثرة وجوده، أو لأنّ السهو في الصّلاة قصور وله جبر

(4)

، وصلاة المريض مع قصور ولها جبر، وهو قدر الإمكان، ثم الإضافة؛ إما إضافة الفعل إلى فاعله كـ: قيام زيدًا، وإلى محله كـ: تحرك الخشب، وقولهم: جرح زيد لا يندمل، يجمعها

(5)

.

(وإذا عجز المريض عن القيام صلّى قاعدًا)

(6)

.

وفي «المحيط»

(7)

: (لم يرد بهذا العجز، [والعجز]

(8)

أصلًا بحيث لا يمكنه القيام بأن يصير مقعدًا، بل إذا عجز عنه أصلًا، أو قدر عليه إلا أنه يُضعفه ذلك ضعفًا شديدًا حتى يزيد عليه لذلك، أو يجد وجعًا لذلك، أو يخاف إبطاء البرء، فهذا وما لو عجز عنه أصلًا سواء)

(9)

.

وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله

(10)

: (اختلف في حدّ المرض الذي يبيح الصلاة قاعدًا، قيل

(11)

: أن يكون بحال لو قام سقط من ضعف، أو دوران رأس، أو غير ذلك، وقيل: أن يصير صاحب فراش، وأصحّ الأقاويل: أن يلحقه بالقيام ضرر)

(12)

.

(13)

(1)

المريض لغة: من المرض، والمرض - بفتح الراء وسكونها - فساد المزاج. واصطلاحًا: مايعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال الخاص، والمريض من اتصف بذلك. ينظر: لسان العرب 7/ 231، التعريفات؛ للجرجاني ص 268.

(2)

العوارض السماوية: ما لا يكون لاختيار العبد فيه مدخل على معنى أنه نازل من السماء كالصغر والجنون والنوم.

ينظر: التعريفات؛ للجرجاني ص 205.

(3)

أي: الأول أعم موقعًا لشموله المريض والصحيح فكانت الحاجة إلى بيانه أمس فقدمه. ينظر: البحر الرائق 2/ 121.

(4)

ينظر: تبيين الحقائق: 2/ 456.

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 3، البحر الرائق 2/ 121.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية 1/ 76.

(7)

المحيط البرهاني في الفقه النعماني؛ لبرهان الدين محمود بن أحمد بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة البخاري، المتوفى سنة (616 هـ) والمحيط البرهاني كتاب مطبوع في الفقه الحنفي، جمع فيه مصنفه مسائل ظاهر الرواية من كتب ظاهر الرواية؛ لمحمد بن الحسن الشيباني وألحق به مسائل النوادر والفتاوى والواقعات وضم إليها عددًا من الفوائد. ينظر: كشف الظنون 2/ 1619، معجم المؤلفين 3/ 796.

(8)

زيادة من (ب).

(9)

ينظر: المحيط البرهاني 2/ 271.

(10)

أحمد بن إسماعيل بن محمد إيدغمش التمرتاشي الخوارزمي، الحنفي ظهير الدين، أبو محمد مفتي خوارزم. توفي في حدود سنة 600 هـ. من مؤلفاته:«شرح الجامع الصغير» ، كتاب «التراويح». ينظر: الجواهر المضية 1/ 61، الأعلام للزركلي 1/ 97.

(11)

في (ب): "قبل".

(12)

ينظر: الجوهرة النيرة 1/ 79.

(13)

ينظر: البناية شرح الهداية 2/ 635.

ص: 1

وإذا كان قادرًا على بعض القيام دون تمامه كيف يصنع؟ قال الفقيه أبو جعفر

(1)

: [لأنه]

(2)

يؤمر [أن يقوم مقدار ما يقدر، فإذا عجز قعد حتّى أنه إذا كان قادرًا على أن يكبّر قائمًا]

(3)

، ولا يقدر على القيام للقراءة، أو كان يقدر على القيام لبعض القراءة دون تمامها، فإنّه يؤمر بأن يكبّر قائمًا؛ [بأن يقوم مقدار ما يقدر، فإذا عجز قعد، حتى أنه إذا كان قادرًا على أن يُكبّر قائمًا]

(4)

، ويقرأ ما يقدر عليه قائمًا، ثم يقعد إذا عجز، وبه أخذ شمس الأئمة الحلواني

(5)

رحمه الله

(6)

.

الفرق بين صلاة المريض وصيامه

وفي «المبسوط»

(7)

(8)

: فرَّق بين هذا وبين الصوم، فإن المريض إذا كان قادرًا على الصوم في بعض اليوم، ثم عجز؛ فإنّه لا يصوم أصلًا، وهاهنا يصلي ووجه الفرق بينهما أنّ في الصوم، لمّا أفطر في آخر اليوم لم يكن فعله في أوّل اليوم معتدًا

(9)

، به فلا يشتغل به، وفي الصلاة يبقى قيامه في أوّلها معتدًا

(10)

به، وإن قعد في آخرها [فيشتغل]

(11)

به، ثم إذا قدر على القيام متكئًا

(12)

.

(1)

محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر، أبو جعفر البلخي الهندواني. إمام جليل القدر كان على جانب عظيم من الفقه والذكاء والزهد والورع، ويقال له: أبو حنيفة الصغير. تفقه على أبي بكر الأعمش، وروى الحديث عن محمد ابن عقيل البلخي وغيره. والهندواني بكسر الهاء وضم الدال المهملة نسبة إلى باب هندوان محلة ببلخ. وتفقه عليه نصر بن محمد أبو الليث الفقيه وجماعة كثيرة. ينظر: الجواهر المضية 2/ 68، الفوائد البهية ص 179، شذرات الذهب 3/ 41.

(2)

[ساقط] من (أ).

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

[ساقط] من (أ).

(5)

عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح الحلواني، الملقب شمس الأئمة، من أهل بخارى، إمام أصحاب أبي حنيفة بها فى وقته. حدث عن أبي عبدالله غنجار البخاري، تفقه على القاضي أبي علي الحسين بن الخضر النسفي، روى عنه أصحابه مثل أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي شمس الأئمة، وبه تفقه وعليه تخرج وانتفع وأبي بكر محمد بن الحسن بن منصور النسفي، وأبي الفضل بكر بن محمد بن علي الزرنجري، توفي سنة ثمان أو تسع وأربعين وأربع مائة بكش وحمل إلى بخارى ودفن فيها. ينظر: لسان الميزان 4/ 24، الجواهر المضية 1/ 318، الفوائد البهية ص 95.

(6)

ينظر: المحيط البرهاني 2/ 271، البناية شرح الهداية 1/ 635.

(7)

كتاب المَبْسُوط لشمس الدين أبي بكر مُحَمَّد بن أبي سهل السَّرَخْسِي حققه خليل محي الدين الميس وطبعته دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بلبنان من أصول المذهب الحنفي في الفقة يقول عن كتابه في المقدمة (فرأيت الصواب في تأليف شرح المختصر لا أزيد على المعنى المؤثر في بيان كل مسألة اكتفاء بما هو المعتمد في كل باب).

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي 1/ 391.

(9)

في (ب): "مقيدًا".

(10)

في (ب): "مقيدًا".

(11)

في (أ): "فيشغل".

(12)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 391.

ص: 2

قال شمس الأئمة الحلواني: الصحيح: أنه يصلي قائمًا متكئًا، ولا يجزيه غير ذلك

(1)

، وكذلك لو قدر على أن يعتمد على عصا، أو كان له خادم لو اتكأ عليه قدر على القيام فإنّه يقوم ويتكأ؛ خصوصًا على قول أبي يوسف

(2)

، ومحمد

(3)

، فإن عندهما قدرته على الوضوء بغيره كقدرته بنفسه، فكذا هذا

(4)

.

(أومى إيماءً)

(5)

، أصله أومأ إيماءً بالهمزة، ولم يذكر في الأصل ما إذا لم يقدر على القعود مستويًا، وقدر عليه متكأ، أو مستندًا إلى حائط، أو إنسان، أو ما أشبه ذلك

(6)

.

قال مشايخنا

(7)

: ينبغي أن يصلي قاعدًا مستندًا، أو متكئًا، ولا يجزيه أن يصلي مضطجعًا، وهو نظير ما ذكرنا [في القيام. كذا]

(8)

في «المحيط»

(9)

.

(1)

ينظر: العناية شرح الهداية: 2/ 3، المحيط البرهاني: 2/ 271، تبيين الحقائق 1/ 200.

(2)

) يعقوب بن ابراهيم بن حبيب الأنصاري، الكوفي، البغدادي (أبو يوسف) فقيه، أصولي، مجتهد، محدث، حافظ، عالم بالتفسير والمغازي وأيام العرب. ولد بالكوفة، وتفقه على أبي حنيفة، وسمع من عطاء بن السائب وطبقته، وروى عنه محمد بن الحسن الشيباني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وولي القضاء ببغداد لثلاثة من الخلفاء العباسيين المهدي والهادي وهارون الرشيد، ودعي بقاضي القضاة، وتوفي ببغداد لخمس خلون من ربيع الآخر، ودفن في مقابر قريش بكرخ بغداد بقرب أم جعفر زبيدة. من آثاره: كتاب الخراج، المبسوط في فروع الفقه الحنفي ويسمى بالأصل، كتاب في أدب القاضي على مذهب أبي حنيفة، وأمال في الفقه.

ينظر: التاريخ الكبير 8/ 397، الجرح والتعديل 9/ 201، تاريخ بغداد 14/ 242.

(3)

) محمد بن الحسن بن فرقد، من موالي بني شيبان، أبو عبد الله: إمام بالفقه والاصول، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة. أصله من قرية حرستة، في غوطة دمشق، وولد بواسط. ونشأ بالكوفة، فسمع من أبي حنيفة وغلب عليه مذهبه وعرف به وانتقل إلى بغداد، فولاه الرشيد القضاء بالرقة ثم عزله. ولما خرج الرشيد إلى خراسان صحبه، فمات في الري. قال الشافعي:(لو أشاء أن أقول نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن، لقلت، لفصاحته) ونعته الخطيب البغدادي بإمام أهل الرأي. له كتب كثيرة في الفقه والأصول، منها «المبسوط» في فروع الفقه، «الزيادات» و «الجامع الكبير» ، «الجامع الصغير» ، «الآثار» ، «السير». ينظر: تاريخ بغداد 2/ 172، الجواهر المضية 2/ 42.

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 3.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية 1/ 76.

(6)

ينظر: تبيين الحقائق 1/ 201.

(7)

هم مشايخ الإمام شمس الأئمة الحلواني. ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 272.

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

ينظر: المحيط البرهاني 2/ 272.

ص: 3

فإن قلت: إذا قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود ينبغي أن لا يسقط عنه فرضية القيام، وكان عليه أن يصلي قائمًا، ويومئ بالركوع والسجود.

وهو قول الشافعي رحمه الله

(1)

؛ لحديث عمران بن الحصين رضي الله عنه

(2)

: «فإن لم يستطع فقاعدًا»

(3)

حيث

(4)

نقل الحكم من القيام إلى القعود بشرط العجز عن القيام.

قلت: ذاك محمول على ما [إذا]

(5)

كان قادرًا على الركوع والسجود حالة القيام؛ بدليل أنّه ذكر الإيماء [ثمة]

(6)

حال ما يصلّى على الجنب، دلّ أنّ المراد بحالة القيام القدرة على الأركان. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(7)

(8)

.

صفة سجود المريض

[129/ أ](ولا يرفع إلى وجهه شيئًا يسجد عليه) /

(9)

؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض يعوده فوجده يصلي كذلك، فقال:«إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد، وإلا فأؤم برأسك»

(10)

، وأن ابن مسعود رضي الله عنه

(11)

دخل على [أخيه]

(12)

عتبة

(13)

يعوده، فوجده يصلي، ويرفع إليه عودٌ فيسجد عليه؛ فنزع ذلك من يد من كان في يده، وقال:«هذا شيء عَرِّض لكم الشيطان أؤم بسجودك»

(14)

،

(15)

.

(1)

ينظر: الأم 1/ 81. محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي، المطلبي، الشافعي، الحجازي، المكي، أبو عبد الله أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة وإليه تنسب الشافعية. ولد بغزة بفلسطين سنة خمسين ومائة من الهجرة، توفي بمصر سنة أربع ومائتين من تصانيفه الكثيرة:«الأم» ، «المسند في الحديث» ، «أحكام القرآن» ، «اختلاف الحديث» .

ينظر: تاريخ بغداد 2/ 56، تذكرة الحفاظ 1/ 329، معجم المؤلفين 9/ 32.

(2)

عمران بن حصين بن عبيد بن خلف بن عبد نهم بن سالم بن غاضرة، أبو نجيد الخزاعي: من علماء الصحابة. أسلم عام خيبر (سنة 7 هـ) وكانت معه راية خزاعة يوم فتح مكة. توفي سنة 52 هـ، له في كتب الحديث 130 حديثًا. ينظر: ثقات ابن حبان 3/ 287، الإصابة في تمييز الصحابة 4/ 705، سير أعلام النبلاء 2/ 508.

(3)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 48)، كتاب أبواب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدًا صلى على جنب، رقم (1117).

(4)

في (ب): "ففيه".

(5)

[ساقط] من (أ).

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

هو كتاب المَبْسُوط لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله ويطلق عليه الأصل عند الأحناف وهو مطبوع في خمس مجلدات بتحقيق أبو الوفا الأفغاني طبعته إدارة القرآن والعلوم الإسلامية في كراتشي.

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 6، المبسوط للسرخسي 1/ 391، بدائع الصنائع 1/ 107.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية 1/ 76.

(10)

أخرجه البيهقي بغير هذا اللفظ في «السنن الكبرى» (2/ 306 - رقم 3484)، من حديث أبي بكر الحنفي، ثنا سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضًا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، فأخذ عودًا ليصلي عليه فأخذه فرمى به، وقال: صل على الأرض إن استطعت، وإلا فأوم إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك» .

قال الزيلعي في نصب الراية: 2/ 175: قال البيهقي: هو يعد في أفراد أبي بكر الحنفي، وقد تابعه عبد الوهاب بن عطاء عن الثوري، وهذا يحتمل أن يكون في وسادة مرفوعة إلى جبهته، ويحتمل أن تكون موضوعة على الأرض، والله أعلم، انتهى. وقال عبد الحق: رواه أبو بكر الحنفي، وكان ثقة عن الثوري عن أبي الزبير عن جابر، ولا يصح من حديثه إلا ما ذكر فيه السماع، أو كان من رواية الليث عن أبي الزبير، انتهى.

قال أبو حاتم في علل الحديث: 1/ 113: الصواب عن جابر موقوف ورفعه خطأ، قيل له: فإن أبا أسامة قد روى عن الثوري في هذا الحديث مرفوعًا فقال: ليس بشيء.

وأخرج الطبراني في «المعجم الكبير» (12/ 269 - رقم 270): من حديث حفص بن سليمان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن ابن عمر قال:«عاد النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من أصحابه مريضًا وأنا معه، فدخل عليه وهو يصلي على عود فوضع جبهته على العود فأومأ إليه فطرح العود، وأخذ وسادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعها عنك إن استطعت أن تسجد على الأرض، وإلا فأومئ إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك» .

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 2/ 347 رواه الطبراني في «الكبير» ، وفيه حفص بين سليمان المنقري وهو متروك، واختلفت الرواية عن أحمد في توثيقه، والصحيح: أنه ضعفه والله أعلم. وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» .

(11)

عبدالله بن مسعود بن غافل الهذلي، أبو عبد الرحمن صحابي. من أكابرهم، أسلم قديما، وهاجر الهجرتين. توفي عن نحو ستين عامًا سنة 32 هـ، له 848 حديثًا. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة 4/ 233، تهذيب الكمال 16/ 121.

(12)

[ساقط] من (ب).

(13)

عتبة بن مسعود بن غافل، أخو عبد الله بن مسعود، كان قديم الإسلام، له صحبة. مات في خلافة عمر قبل ابن مسعود، أمهما أم عبد بنت هند بنت عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب. ينظر: الثقات لابن حبان 3/ 296، الإصابة في تمييز الصحابة 4/ 440.

(14)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/ 246 - رقم 2835)، وعبدالرزاق في مصنفه (2/ 447) برقم (4144).

(15)

ينظر: المبسوط للسرخسي 1/ 400، بدائع الصنائع 1/ 108.

ص: 4

(فإن فعل ذلك)

(1)

ينظر فإن [كان]

(2)

يخفض رأسه للركوع شيئًا، ثم للسجود؛ جازت صلاته بالإيماء لا بوضع الرأس على العود، وإن كان لا يخفض شيئًا، ولكن يوضع العود على جبهته لم يجزه؛ لأنّه لم يأت بالإيماء وهو فرضه، فإن كانت الوسادة موضوعة على الأرض، فكان يسجد عليه جازت صلاته؛ لأنّ أمّ سلمة –رضي الله عنها

(3)

فعلت ذلك لرمد كان بها، فكانت تسجد على مرفقة موضوعة بين يديها، ولم يمنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك

(4)

. كذا في «المبسوط»

(5)

.

وذكر في «المحيط»

(6)

: وإذا كان بجبهته جرح لا يستطيع السجود عليه؛ لم يجزه الإيماء، وعليه أن يسجد على أنفه؛ لأن الأنف مسجد كالجبهة، وإن لم يسجد على أنفه وأومئ لم يجزه صلاته؛ لأنه ترك السجود مع الإمكان عليه، وإن لم يستطع القعود استلقى على ظهره، وجعل رجليه إلى القبلة، وأومئ بالركوع والسجود أراد بهذا أن يوضع له وسادة تحت رأسه حتى يكون شبه القاعد؛ ليتمكّن من الإيماء بالركوع والسجود؛ إذ حقيقة الاستلقاء يمنع الأصحّاء عن الإيماء، فكيف بالمرضى. كذا ذكره بدر الدين الكردري رحمه الله

(7)

(8)

.

اذا لم يقدر المريض على الايماءقوله رحمه الله: (فإن لم يستطع فالله تعالى أحق بقبول العذر منه)

(9)

، وهذا من تتمة الحديث، ولفظ «المبسوطين» و «الأسرار»

(10)

أولى فكان أحق، ثم معناه على قول من يقول: [لا يسقط القضاء عنه

(11)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية 1/ 76.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية الأوسية ثم الأشهلية: أم سلمة، كان يقال لها: خطيبة النساء. وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى للهجرة فبايعته وسمعت حديثه. وحضرت وقعة اليرموك، وتوفيت بعد ذلك بزمن طويل. ولها في البخاري حديثان. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/ 498، تهذيب التهذيب 12/ 350، تهذيب الكمال 35/ 128.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلاة، باب في المريض يسجد على الوسادة والمرفقة (1/ 243 - رقم 2801)، وعبد الرزاق في «مصنفه» ، كتاب الصلاة، باب صلاة المريض (2/ 477 - رقم 4145).

(5)

ينظر: المبسوط للسرخسي 1/ 400.

(6)

ينظر: المحيط البرهاني 2/ 279.

(7)

مُحَمَّد بن محمود بن عبدالكريم الكردري العلامة بدر الدين ابن أخت الشيخ شمس الدين مُحَمَّد بن عبدالستار الكردري، شمس الأئمة، تفقه على خاله شمس الدين الكردري، توفي سلخ ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وست مائة ودفن عند خاله. يُنْظَر: الجواهر المضية 2/ 131.

(8)

يُنْظَر: العناية شرح الهداية 2/ 4.

(9)

يُنْظَر: الهداية شرح البداية 1/ 77.

(10)

كتاب الْأَسْرَارِ لعبدالله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي الحنفي، ينسب إلى دبوسية، وهي قرية بين بخارى وسمرقند، كان من أكابر فقهاء الحنفية، ويضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، برع في علم أصول الفقه، له عدة مؤلفات منهاهذا الْكِتَاب الْأَسْرَارِ وهو كبير جدًا حقق منه كتاب المناسك في مصر وبقي الجزء الباقي منه مفقودًا (430 هـ).

(11)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 4، المبسوط للسرخسي 1/ 391.

ص: 5

(وإن لم يقدر على الإيماء)

(1)

أي: أحق بقبول عذر التأخير هو الصحيح كفاية لا عذر للإسقاط، وعلى قول من يقول]

(2)

بعدم القضاء، وهو الأصح، أي: أحق بقبول عذر الإسقاط لما روينا من قبل، أي: من حديث عمران بن الحصين

(3)

.

(4)

.

(إلا أن الأولى هي الأولى)

(5)

أي: الفعلة الأولى، أو الهيئة الأولى، وهي الاستلقاء على ظهره وقفاه، وإنما أنثه، وإن كان الضمير راجعًا إلى الاستلقاء؛ ليزاوج

(6)

الأولى خطأ، وقال الشافعي رحمه الله

(7)

: (يضجع على جنبه الأيمن ويُوَجّه نحو القبلة)، واحتج بحديث عمران ابن الحصين؛ ولأنه إذا اضجع على جنبه يكون وجهه إلى القبلة فهو أولى، كما إذا احتضر يضجع على شقه الأيمن، وكذلك في القبر، واحتج أصحابنا بما روي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما

(8)

وهو حديث المريض الذي ذكر في الكتاب

(9)

؛ ولأن شرط المصلي أن يصلي إلى القبلة، والصلاة بالإيماء ما له فعل غير [الإيماء]

(10)

، الإيماء إنما يقع إلى الكعبة على ما قلنا. ألا ترى أنه لو حققه كذلك سجودًا كان إلى القبلة، وعلى ما قاله الخصم؛ لو حقّقه كان إلى يسار الكعبة، وإنما يقع توجه البدن إلى الكعبة، والشرط

(11)

أداء الصلاة إلى الكعبة لا البدن بدون الأداء، فالخصم مال

(12)

إلى ظاهر التوجه ببدنه، كما في الميّت، ونحن إلى التوجه مصليًا، وهذا

(13)

أولى؛ لأنه شرط الصلاة، وما به من العجز على شرف الزوال إلا أنه أبطن، بخلاف ما إذا احتضر، وما بعد الموت؛ لأنه ليس حالة الصلاة، وحديث عمران بن الحصين قبل المرض الذي به كان مأسورًا، فلا يمكنه أن يستلقي على قفاه

(14)

، وقيل: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «فعلى الجنب»

(15)

، أي ساقطًا على الأرض، كقوله تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}

(16)

أي: سقطت، والمستلقي ساقط على الأرض

(17)

. كذا في «المبسوطين»

(18)

،

(19)

، و «الأسرار»

(20)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية 1/ 77.

(2)

ما بين معكوفين ساقط من (ب).

(3)

سبق تخريجه (ص 59).

(4)

ينظر: البحر الرائق 2/ 124، تبيين الحقائق 1/ 201.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية 1/ 77.

(6)

في (ب): "إمداد".

(7)

ينظر: روضة الطالبين: 2/ 135.

(8)

عبدالله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي الصحابي المشهور. ولد سنة ثلاث من المبعث النبوي فيما جزم به الزبير بن بكار قال: هاجر وهو ابن عشر سنين وكذا قال الواقدي حيث قال: مات سنة أربع وثمانين. له في كتب الحديث 2630 حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان 3/ 209، التاريخ الكبير 5/ 2، الإصابة في تمييز الصحابة 4/ 181.

(9)

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/ 269 - رقم 270): من حديث حفص بن سليمان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن ابن عمر قال: «عاد النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من أصحابه مريضًا وأنا معه، فدخل عليه وهو يصلي على عود فوضع جبهته على العود فأومأ إليه فطرح العود، وأخذ وسادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعها عنك إن استطعت أن تسجد على الأرض، وإلا فأومئ إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك» .

قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 347: فيه حفص بين سليمان المنقري وهو متروك، واختلفت الرواية عن أحمد في توثيقه، والصحيح: أنه ضعفه والله أعلم.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

الشرط: ما يتوقف عليه الشيء ولا يدخل فيه. ينظر: الدر المختار 1/ 402.

(12)

في (ب): "قال".

(13)

في (ب): "وهو".

(14)

ينظر: تبيين الحقائق 1/ 201).

(15)

سبق تخريجه (ص 59).

(16)

سورة الحج من الآية: (36).

(17)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 12/ 62.

(18)

في (ب): "المبسوط".

(19)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 391، 392.

(20)

ينظر: كشف الأسرار: 2/ 437.

ص: 6

ثم إذا عجز المريض عن الإيماء برأسه، فلا شيء عليه عندنا

(1)

، وقال زفر

(2)

والحسن

(3)

-رحمهما الله-: يومئ بعينيه، فإن عجز عن ذلك أيضًا قال زفر: وحده يومئ بقلبه؛ لأنه وُسْع مثله.

لكنا نقول: الإيماء يكون بالرأس، وإما بالعينين، فيكون إيحاء، أي: إشارة لا إيماء، وبالقلب يكون نية، وبمجرّد النية لا تتأدّى الصلاة.

[129/ ب] ولأنّ/ الإيماء بالرأس إنما عرف صلاة شرعًا بخلاف القياس بدليل أنّ التطوع مما

(4)

لا يوجد به حالة الاختيار، والتطوّع أصل الصلاة، وما شرع بخلاف القياس لا يقاس عليه غيره

(5)

، وعن أبي يوسف رحمه الله

(6)

: أن المريض إذا عجز عن الإيماء بالرأس يومئ بعينيه، ولا يومئ بقلبه، وسئل محمد

(7)

عن ذلك؟ فقال: (لا أشك أن الإيماء بالرأس يجوز، ولا شك أنّ الإيماء بالقلب لا يجوز، وإنك

(8)

في الإيماء بالعين أنه [بل]

(9)

يجوز). كذا في «المبسوطين»

(10)

(11)

و «المحيط»

(12)

.

(1)

ينظر: الفتاوى الهندية: 1/ 137.

(2)

زفر بن الهذيل بن قيس بن العنبر، كنيته أبو الهذيل الكوفي، وكان من أصحاب أبي حنيفة، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري، روى عنه شداد بن حكيم البلخي، وأهل الكوفة، وكان زفر متقنًا حافظًا قليل الخطأ لم يسلك مسلك صاحبه في قلة التيقظ في الروايات، وكان أقيس أصحابه وأكثرهم رجوعًا إلى الحق إذا لاح له، ومات بالبصرة وكان أبوه من أصبهان، وكان موته في ولاية أبي جعفر. ينظر: ثقات ابن حبان: 6/ 339، الجواهر المضية: 1/ 243، وفيات الأعيان: 2/ 317.

(3)

الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، أبو علي: قاض، فقيه، من أصحاب أبي حنيفة، أخذ عنه وسمع منه، وكان عالمًا بمذهبه بالرأي. ولي القضاء بالكوفة سنة 194 هـ، ثم استعفى. نسبته إلى بيع اللؤلؤ. وهو من أهل الكوفة، نزل ببغداد، توفي سنة 204 هـ. من كتبه:«أدب القاضي» ، و «معاني الإيمان» ، و «النفقات» ، و «الخراج» ، و «الفرائض» ، و «الوصايا» ، و «الأمالي». ينظر: تاريخ بغداد: 7/ 314، سير أعلام النبلاء: 9/ 543، الأعلام للزركلي: 2/ 191.

(4)

في (ب): "بما".

(5)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 398، الجوهرة النيرة: 1/ 80.

(6)

سبق ترجمته (ص 58).

(7)

سبق ترجمته (ص 58).

(8)

في (ب): "والشك".

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 398.

(11)

هما مبسوط الشيباني ومبسوط السرخسي.

(12)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 273.

ص: 7

[قوله: (إشارة]

(1)

إلى أنّه لا تسقط عنه الصلاة

إلى أن قال: وهو الصحيح)

(2)

. وهذا احتراز عن قول آخرين أنهم قالوا: الصحيح أنه يسقط عنه الصلاة، وهو اختيار شيخ الإسلام، وفخر الإسلام

(3)

، وقاضي خان

(4)

، وغيرهم رحمهم الله

(5)

.

وفي «فتاوى قاضي خان» : والأوّل أصح، أي: عدم وجوب القضاء؛ لأن مجرّد العقل

(6)

لا يكفي لتوجّه الخطاب. ذكر محمّد رحمه الله في «النوادر»

(7)

: (من قُطعت يداه إلى المرفقين، وقدماه من السّاقين لا صلاة عليه)، فثبت أن مجرّد العقل

(8)

لا يكفي

(9)

لتوجّه الخطاب

(10)

.

(ويُصلي قاعدًا يومئ إيماء)

(11)

، وهذا لبيان الأفضلية، فإنّه لو أومئ قائمًا يجوز.

وقال في «الإيضاح»

(12)

: (وإن عجز عن الركوع والسجود، وقدر على القيام صلى قاعدًا بإيماء)، فإن صلّى قائمًا بإيماء آخر أجزاه، ولا يستحب له ذلك، وقال زفر

(13)

والشافعي

(14)

رحمهما الله: يصلي قائمًا؛ لأنّ القيام ركن فلا يسقط بالعجز عن أداء ركن آخر، ونحن نقول: بأنّ الصلاة معناها الخضوع والخشوع، وأصله يوجد في القيام، ويزداد بالركوع، ويتناهى بالسجود، ولهذا كان السجود معتبرًا بدون القيام، كما في سجدة التلاوة، والقيام لم يشرع بدونه، فكان القيام كالتابع للسجود، فإذا سقط [الأصل]

(15)

سقط التّابع

(16)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 77.

(3)

علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد البزدوي، أبو الحسن، فخر الإسلام. فقيه، أصولي، محدث، مفسر. ولد في حدود سنة 400 هـ، وتوفي في 5 رجب 482 هـ، ودفن بسمرقند. من تصانيفه:«المبسوط» ، «شرح الجامع الكبير للشيباني» في فروع الفقه الحنفي، «كشف الأستار» في التفسير، «كنز الوصول إلى معرفة الأصول» ، و «شرح الجامع الصحيح للبخاري». ينظر: الطبقات السنية: ص 238، تاج التراجم في الجواهر المضية: ص 14، معجم المؤلفين: 7/ 192.

(4)

حسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز، فخر الدين، المعروف بقاضي خان الأوزجندي الفرغاني: فقيه حنفي، من كبارهم. روى عنه: العلامة جمال الدين محمود بن أحمد الحصيري، أحد تلامذته. بقي إلى سنة تسع وثمانين وخمس مئة، فإنه أملى في هذا العام. له «الفتاوي» ، و «الأمالي» ، و «الواقعات» ، و «المحاضر» ، و «شرح الزيادات» ، و «شرح الجامع الصغير» ، و «شرح أدب القضاء للخصاف» وغير ذلك. ينظر: سير أعلام النبلاء 21/ 231، الفوائد البهية ص 209.

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 5 - 6.

(6)

في (ب): "الفعل".

(7)

مسائل النوادر هي المسائل المروية عن أصحاب المذهب لكن ليست في كتب ظاهر الرواية وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية: لأنها لم ترو عن مُحَمَّد بروايات ظاهرة صحيحة ثابتة. يُنْظَر: كشف الظنون 2/ 1282.

(8)

في (ب): "الفعل".

(9)

في (ب): "يكفيه".

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 5، 6.

(11)

ينظر: الهداية شرح البداية 1/ 77.

(12)

كتاب الْإِيضَاحِ في شرح التجريد، لايزال مخطوط في ثلاث مجلدات مؤلفه عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن أميرويه، أبو الفضل الكرماني: فقيه حنفي مولده بكرمان ووفاته بمرو سنة 543 هـ. يُنْظَر: الأَعْلَام للزركلي 3/ 327.

(13)

سبق ترجمته (ص 63).

(14)

ينظر: نهاية المطلب في دراية المذهب 2/ 371.

(15)

[ساقط] من (ب).

(16)

ينظر: تبيين الحقائق 1/ 202.

ص: 8

(فيتخيّر)

(1)

أي: بين الإيماء قائمًا، وبين الإيماء قاعدًا على ما ذكرنا؛ لأنّه اشبه بالسجود؛ لأنّ عند الإيماء قاعدًا يصير رأسه أقرب إلى الأرض من الإيماء قائمًا، وعن هذا قلنا: بأنّ المومئ يجعل السجود أخفض من الركوع؛ لأنّ ذلك أشبه بالسجود. كذا في «المبسوط»

(2)

.

(أو

(3)

يومئ إن لم يقدر)

(4)

؛ لأنه بناء للأدنى على الأعلى، وهذا مخالف لما ذُكر في «فتاوى قاضي خان» ، فقال:(رجل صلّى ركعة بقيام وركوع وسجود، ثم مرض مرضًا، وصار إلى حالة الإيماء فسدت صلاته في قول أبي حنيفة رحمه الله). ذكره في «النوادر» ؛ لأنّ تحريمته انعقدت موجبة للركوع والسجود، فلا يجوز بدونهما

(5)

.

وقال محمد رحمه الله: (استقبل بناء على اختلافهم في الاقتداء، فإن في كلّ فصل جوّز الاقتداء، ثم [جوّز]

(6)

بناء آخر الصلاة على أولها هاهنا، وما لا فلا)، ثم عند محمد كان لا يقتدي القائم بالقاعد، فكذا لا يبني في حق نفسه، وعندهما القائم يقتدي بالقاعد، فكذلك يبني في حق نفسه

(7)

.

فإن قلت: يُشكل هذا [إنما إذا]

(8)

افتتح الصحيح التطوع قاعدًا، أو أدّى بعضها قاعدًا، ثم بدا له أن يقوم فقام وصلّى بعضها قائمًا أجزه بالإجماع، وليس فيه خلاف محمد مع

(9)

أنّ اقتداء القائم بالقاعد لا يجوز عنده، وهاهنا جاز بناء آخر صلاته قائمًا على أوّل صلاته قاعدًا عنده أيضًا.

قلت: إنّ [المريض]

(10)

ما كان قادرًا على القيام وقت الشروع في الصلاة، فما انعقدت تحريمته للقيام، فأمّا في صلاة التطوّع كان قادرًا على القيام، فانعقدت تحريمته للقيام، فلو أنّه افتتح التطوّع قاعدًا، [فكلما]

(11)

جاء أوان الركوع قام وقرأ ما بقي من القراءة وركع جاز، وهكذا ينبغي أن يفعل إذا صلّى التطوّع قاعدًا، وهكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فدلّ أن ذلك جائز في التطوع. كذا في «المحيط»

(12)

.

استأنف عندهم جميعًا إلا على قول زفر رحمه الله، فإن عنده يبني لما مرّ من أصله أنه يجوز اقتداء الراكع بالمومئ، وعندنا لا يجوز، فكذا البناء في حق صلاة نفسه. كذا في «المحيط»

(13)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية 1/ 77.

(2)

ينظر: المبسوط للسرخسي 1/ 392.

(3)

في (ب): "و".

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية 1/ 77.

(5)

ينظر: البحر الرائق 2/ 126، تبيين الحقائق 2/ 126.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 7.

(8)

في (ب): "بما".

(9)

[مع] ساقطة من (ب).

(10)

في (ب): "في المرض".

(11)

في (أ)"فكما".

(12)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 276.

(13)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 281.

ص: 9

(والإعياء) لازم ومتعدّ، يقال: إعياء الرجل في المشي، أي: تعب، وأعياه الله

(1)

[أتعبه]

(2)

كلاهما بالألف. كذا في «الصحاح»

(3)

.

[130/ أ] وفي قوله: (ومن افتتح التطوع قائمًا ثم أعيا)

(4)

لازم، وقيل: لا يكره عند أبي حنيفة لأنه لو قعد عنده يجوز من غير عذر فكذا لا يكره الاتكاء، وبعضهم قالوا على قول أبي حنيفة: يجب أن يكره الاتكاء بخلاف القعود، فإنّه إذا قعد بعدما افتتح قائمًا لا يكره عنده، ووجه ذلك: أنّ في الابتداء هو مخيّر بين أن يفتتح التطوع قائمًا، وبين أن يفتتحه قاعدًا فيبقى

(5)

./ [قلت: هذا الجواب لا يوافقه قوله: (وتجوز الصلاة عنده ولا يجوز عندهما).

وفي «الكافي»

(6)

: لكنا نقول لقول: لا يجوز، ويستلزم الكراهة، فاستقام وصفه به، وهذا وقوع]

(7)

.

هذا الخيار في الانتهاء من غير كراهة، وأمّا في حق الاتكاء فهو غير مخيّر في الابتداء بين أن يصلي متكئًا، وبين أن يُصلي غير متكئ، بل يكره له ذلك؛ لما فيه من سوء الأدب، وإظهار التجبّر، فكذلك في الانتهاء. كذا في «المحيط»

(8)

.

(فإن قعد بغير عذر يكره بالاتفاق)

(9)

، فإن قيل: كيف يوصف هذا بالكراهة، وقد انعدم الجواز عندهما

(10)

لهذه الصلاة بسبب القعود ولا يوصف صلاة غير جائزة بالكراهية

(11)

؟

جلوس المريض في الصلاةقلنا: المراد من هذا: أنّه لو صلى ركعة قائمًا، ثم قعد في الثانية

(12)

؛ ليقرأ لإعيائه، ثم قام وأتّم الثانية قائمًا، فإنّ هذه صلاة جائزة مع صفة الكراهة. كذا قاله الإمام مولانا حميد الدين الضرير

(13)

رحمه الله

(14)

.

(1)

[لفظ الجلالة] ساقط كتابة من (ب).

(2)

[أتعبه] ساقط من (أ).

(3)

(6/ 2442 - مادة "عيى").

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 77.

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 7، وبدائع الصنائع: 1/ 297.

(6)

كتاب الكافي، للإمام الحافظ أبي البركات النسفي، (ت 710 هـ). ينظر: الجواهر المضية 2/ 441، معجم المؤلفين 6/ 32.

(7)

ما بين المعكوفين ساقط من (ب).

(8)

ينظر: المحيط البرهاني: 4/ 104.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 77.

(10)

في (ب): "عنهما".

(11)

في (ب): "بالكراهة".

(12)

في (ب): "الثالثة".

(13)

علي بن محمد بن علي، حميد الدين الضرير من أهل رامُش -بضم الميم- قرية من أعمال بخارى من علماء الحنفية، كان إمامًا فقيهًا أصوليًّا محدثًا متقنًا، تفقه على شمس الأئمة الكردري. وتفقه عليه جماعة منهم صاحب الكنز حافظ الدين النسفي. انتهت إليه رئاسة العلم بما وراء النهر. من تصانيفه:"الفوائد" حاشية على الهداية علقت على مواضع مشكلة؛ و"شرح المنظومة النسفية"، و"شرح الجامع الكبير". ينظر: الجواهر المضية: 1/ 373، الفوائد البهية: ص 125.

(14)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 7، 8.

ص: 10

ثم قوله: (بالاتفاق)

(1)

مخالف لما ذكره فخر الإسلام رحمه الله في «مبسوطه» فقال: لو قعد في النفل [من غير]

(2)

عذر لا يكره في الصحيح عنده؛ لأن الابتداء على هذا الوجه مشروع من غير كراهة، فالبقاء

(3)

أولى؛ لأنّ حكم الانتهاء أسهل من حكم الابتداء

(4)

، ألا ترى أن الحدث يمنع ابتداء الصلاة، ولا يمنع البقاء، وإذا استطاع الرجل الخروج من السفينة للصلاة، فالمستحب له أن يخرج ويصلي على الأرض؛ لأنّ الصلاة على الأرض أكمل، والصلاة في

(5)

السفينة أنقص؛ لأنّ الغالب من حال راكب السفينة دوران الرأس، واسوداد العين، ولكن مع ذلك لو صلّى فيها جاز؛ لحديث ابن سيرين

(6)

رحمه الله قال: «صلينا مع أنس بن مالك رضي الله عنه

(7)

في السفينة قعودًا ولو شئنا لخرجنا إلى الجُدّ»

(8)

. وقال مجاهد

(9)

: «صلينا مع جنادة بن أبي أمية

(10)

قعودًا في السفينة ولو شئنا لقمنا»

(11)

، كذا في «المحيط»

(12)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 77.

(2)

في (ب): "بغير".

(3)

في (ب): "فالبناء".

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 8.

(5)

في (ب): "على".

(6)

أبو بكر محمد بن سيرين مولى أنس بن مالك، سمع ابن عمر وأبا هريرة وعمران بن حصين وابن الزبير وأنس بن مالك، روى عنه قتادة وخالد الحذاء وأيوب السختياني وعبد الله بن عون وغيرهم وإخوته يحيى ومعبد وأنس. وأختهم حفصة. روى عنهم الحديث، مات سنة 110 هـ.

ينظر: ثقات ابن حبان: 5/ 348، التاريخ الكبير: 1/ 90، الإكمال: 1/ 363، طبقات الفقهاء ص 88.

(7)

أنس بن مالك بن النضر النجاري الخزرجي الأنصاري، أبو ثمامة، أو أبو حمزة: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه. مولده بالمدينة وأسلم صغيرًا وخدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض. ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى البصرة، فمات فيها سنة 93 هـ. وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة. روى عنه رجال الحديث 2286 حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 4، الإصابة في تمييز الصحابة: 1/ 126، الطبقات الكبرى: 7/ 17.

(8)

أخرجه البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (4/ 280 - رقم 6165، 6167)، وقال: يحتمل أنهم كانوا يخافون الغرق، أو دوران الرأس والسقوط، لما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن الصلاة في السفينة؟ فقال: «صل فيها قائمًا إلا أن تخاف الغرق» ، و «معرفة السنن والآثار» (4/ 280 - رقم 6165).

(9)

مجاهد بن جبر، الإمام، شيخ القراء والمفسرين، أبو الحجاج المكي، الأسود، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي، ويقال: مولى عبد الله بن السائب القارئ، ويقال: مولى قيس بن الحارث المخزومي روى عن ابن عباس، فأكثر وأطاب، وعنه أخذ القرآن، والتفسير، والفقه، قال عنه الحافظ في «التقريب»: ثقة إمام في التفسير وفي العلم. مات سنة إحدى ومئة، وهو ابن ثلاث وثمانين. ينظر: تهذيب الكمال: 27/ 228، سير أعلام النبلاء: 4/ 449.

(10)

جنادة بن أبي أمية الأزدي، واسم أبي أمية كثير، وقال مجاهد: كان علينا جنادة في البحر ست سنين فخطبنا يومًا، ومات سنة ثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان. وأكثر حديثه عن المصريين والشاميين. ينظر: التاريخ الكبير: 2/ 232، الإصابة في تمييز الصحابة: 1/ 502، الطبقات الكبرى: 7/ 439.

(11)

أخرجه البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (4/ 280 - رقم 6169)، وقال: فيه نظر، لما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن الصلاة في السفينة؟ فقال: «صل فيها قائمًا إلا أن تخاف الغرق» ، و «معرفة السنن والآثار» (4/ 280 - رقم 6165).

(12)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 142.

ص: 11

(ومن صلى في السفينة)

(1)

قيّد بها؛ لأنّه لو صلى على العجلة، وهي على الدابة لا يجوز، [أي: عند عدم العذر]

(2)

، وقيّد بقوله:(قاعدًا)؛ لأنه لو صلى المسافر فيها بالإيماء لا يجوز سواء كانت الصلاة مكتوبة، أو نافلة لا يمكنه أن يسجد فيها، فلا يعذر في تركه، والإيماء إنما شرع عند العجز، وهذا قادر. وقيّد بقوله:(من غير عذر)؛ لأنّ عند العذر يجوز الصلاة قاعدًا بالاتفاق، ثم أطلق عدم العذر، ولم يقيد بأنّ المراد به عدم دوران الرأس؛ إذ وجود قدرة الخروج إلى الشط ليبقى مطلقًا، فإنّ الصلاة فيها قاعدًا يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله، وإن كان قادرًا على القيام، أو قادرًا على الخروج إلى الشَّطّ، ثم ينبغي للمصلي فيها أن يتوجّه [إلى]

(3)

القبلة كيف ما دارت السفينة، سواء كان عند افتتاح الصلاة، أو في خلال الصلاة؛ لأنّ التوجّه فيها فرض عند القدرة، وهذا قادر فيتوجّه؛ لقوله تعالى:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}

(4)

بخلاف راكب الدابة؛ لأنّه عاجز عن استقبال القبلة حتّى [أنّ]

(5)

راكب الدابة إن كان يسير نحو القبلة، فأعرض عن القبلة لم تجز صلاته

(6)

. كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي

(7)

رحمه الله

(8)

.

ثم ما قاله أبو حنيفة رحمه الله استحسانًا، وما قالاه قياسًا؛ فوجه القياس: أن السفينة كالبيت في حق راكب السفينة، بدليل: أنّه يلزمه استقبال القبلة، ولا تجوز صلاة التطوع فيها بالإيماء مع القدرة على الركوع والسجود، كما في البيت؛ لأنّ سقوط القيام في المكتوبة للعجز والمشقة، وقد زال ذلك؛ لقدرته على القيام، أو الخروج.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 77.

(2)

ما بين معكوفين ساقط من (أ).

(3)

[إلى] ساقط من (أ).

(4)

سورة البقرة من الآية: (144).

(5)

في (أ)"أتى".

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 8.

(7)

محمد بن أحمد بن أبي سهل؛ أبو بكر؛ السرخسي من أهل سرخس بلدة في خراسان. ويلقب بشمس الأئمة. كان إمامًا في فقه الحنفية، وعلامة حجة متكلمًا ناظرًا أصوليًّا مجتهدًا في المسائل. أخذ عن الحلواني وغيره. سجن في جب بسبب نصحه لبعض الأمراء، وأملى كثيرًا من كتبه على أصحابه وهو في السجن، أملاها من حفظه، توفي سنة 483 هـ. من تصانيفه:«المبسوط» في شرح كتب ظاهر الرواية في الفقه؛ و «الأصول» في أصول الفقه، «شرح السير الكبير» للإمام محمد بن الحسن. ينظر: الفوائد البهية: ص 158؛ الجواهر المضية: 2/ 28، الأعلام للزركلي: 6/ 208.

(8)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 145.

ص: 12

وجه الاستحسان: هو أنّ الغالب من حال راكب السفينة دوران الرأس إذا قام، والحكم يُبنى على الغالب دون النادر، ألا ترى أن نوم المضطجع جعل حدثًا بناء على الغالب من [حاله أنه يخرج منه شيء لزوال الاستمساك، وسكوت البكر جعل رضاء لأجل الحياء بناء على الغالب من]

(1)

حال البكر، وكذلك المترفه في السفر له أن يفطر كصاحب المشقة؛ لأن مبنى أمر السفر على المشقة، فلم يعتبر ذلك الترفه في حق الترخص بالإفطار، وهذا مثله. كذا في «المحيط»

(2)

.

وذكر شيخ الإسلام رحمه الله: وما رُوي عن ابن سيرين وحجة لأبي حنيفة رحمه الله وليست السفينة كالأرض، لأنّ كونه على الأرض لا يكون سببًا لدوران الرأس، والعجز عن القيام حتى يُقام مقام العجز. وطريقة أخرى لأبي حنيفة رحمه الله في هذه المسألة: أنّ السفينة تشبه الأرض من وجه، فإنّه يباح الجلوس عليها للقرار، ولهذا لم يجز أن يترك الركوع والسجود في التطوع، وإذا تلا آية السجدة مرتين يكفيه سجدة واحدة، وتشبه الدابة من وجه؛ لأنها تسير كالدابة فوفرنا على الشبهين حظهما، فلشبهها بالأرض لا يسقط الركوع والسجود، ولا استقبال القبلة، ولشبهها بالدابة يسقط القيام عملًا بالشبهين بقدر الإمكان

(3)

.

[130/ ب][قوله]

(4)

: (والمربوطة كالشط هو/ الصحيح)

(5)

احتراز عن قول بعضهم: بأنه أيضًا على الخلاف، ولكن الأصح: أنه لا يجوز فيه إلا قائمًا في قولهم، وكذا إذا كانت على الأرض هذا فيما إذا كانت مربوطة بالشط، وإن كانت موثقة باللنجر

(6)

،

(7)

في لجة البحر

(8)

وهي تلعب، أي: تضطرب، قيل: يحتمل وجهين، والأصح:[أنّه]

(9)

إن كان الريح تحركها تحريكًا شديدًا فهي كالسائرة، وإن حركتها قليلًا فهي كالواقفة. كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(10)

.

(1)

ما بين المعكوفين ساقط من (ب).

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 142، 143.

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 8، المحيط البرهاني: 2/ 142.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 78.

(6)

في (ب): "بالمنجر".

(7)

اللنجر: هو اسمٌ لمَرسى السُّفُن، واللنجر معرب لنكر، وهو المرساة. (تاج العروس: 14/ 85 - مادة "لجر").

(8)

أي: معظمه. (لسان العرب: 2/ 353 - مادة "لجج").

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 8، 9، والفتاوى الهندية: 1/ 144.

ص: 13

قضاء المريض (ومن أغمى عليه خمس صلوات أو دونها قضى)

(1)

، وقال الشافعي

(2)

رحمه الله: (إذا كان في وقت صلاة كامل مغمًى عليه فلا قضاء عليه)؛ لأن وجوب القضاء يبتني على وجوب الأداء، وفرّق بين النوم والإغماء، وقال: لأنّ النوم عن اختيار منه -بخلاف الإغماء-، وإن كان أكثر من ذلك لم يقض.

وقال بشر

(3)

: عليه القضاء، وإن طالت مدة الإغماء؛ لأنّه مرض، فلا بأس للمرض في إسقاط أصل الصلاة، وقاس الإغماء بالنوم، ولكن استحسانًا لحديث علي رضي الله عنه

(4)

: «أنه أغمى عليه في أربع صلوات فقضاهنّ»

(5)

، وعبد الله بن عمر رضي الله عنه:«أغمى عليه في ثلاثة أيام فلم يقض الصلوات»

(6)

، ولأن الإغماء إذا قصر فهو معتبر بما يقصر عادة، وهو النوم، فلا يسقط القضاء، وإذا طال كان معتبرًا بما يطول عادة، وهو الجنون والصغر، وفرق ما بين الطويل والقصير بالزيادة على يوم وليلة؛ ليدخل بها الصلوات في حدّ التكرار. كذا في «المبسوط»

(7)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 78.

(2)

ينظر: شرح كتاب غاية البيان شرح ابن رسلان 1/ 308.

(3)

بشر بن الوليد بن خالد، أبو الوليد، الكِندي. والكندي نسبة إلى كندة بكسر الكاف. قبيلة مشهورة باليمن. فقيه حنفي، قاضي العراق. وهو أحد أصحاب أبي يوسف خاصة، وعنه أخذ الفقه. سمع مالكا وحمادا بن زيد وغيرهما. روى عنه أحمد بن علي الأبار وأبو يعلى الموصلي وأبو القاسم البغوي وأبو العباس الثقفي وغيرهم. قال الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: ثقة، وقال السلمي عن الدَّارقُطنيّ: ثقة. يُنْظَر: تاريخ بغداد 7/ 80، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء 1/ 673، الجواهر المضية 1/ 166.

(4)

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أبو الحسن: أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين، وابن عم النبي وصهره، وأول الناس إسلاما بعد خديجة. ولد بمكة، وربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه. وأقام علي بالكوفة إلى أن قتله عبد الرحمن بن ملجم غيلة في مؤامرة 17 رمضان سنة 40 هـ. ينظر: التاريخ الكبير: 6/ 259، الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 564، الطبقات الكبرى: 6/ 12.

(5)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (1/ 388 - رقم 1692)، والدارقطني في «سننه» (2/ 81 - رقم 1) من حديث عمار بن ياسر ولفظه:«أغمي عليه في الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأفاق نصف الليل فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء» .

قال الزيلعي في (نصب الراية: 2/ 177): قال البيهقي: قال الشافعي: هذا ليس بثابت عن عمار، ولو ثبت، فمحمول على الاستحباب، وعليه إن رواية يزيد مولى عمار مجهول، والراوي عنه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، كان يحيى بن معين يضعفه. وكان يحيى بن سعيد. وعبد الرحمن بن مهدي لا يريان به بأسا، ولم يحتج به البخاري، انتهى. والرواية عن علي غريبة، وروى عبد الرزاق في «مصنفه» أخبرنا الثوري عن أبي ليلى عن نافع، أن ابن عمر أغمي عليه شهرًا، فلم يقض ما فاته، انتهى. ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» حدثنا وكيع عن ابن أبي ليلى به، وروى إبراهيم الحربي في "أواخر كتابه غريب الحديث" ثنا أحمد بن يونس ثنا زائدة عن عبيد الله بن نافع، قال: أغمي على عبد الله بن عمر يوما وليلة، فأفاق، فلم يقض ما فاته، واستقبل، انتهى. وروى محمد بن الحسن في كتابه "الآثار" أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن سليمان عن إبراهيم النخعي عن ابن عمر، أنه قال في الذي يغمى عليه يوما وليلة، قال: يقضي، انتهى. حديث احتج به الشافعي. ومالك على سقوط الصلاة بالإغماء، قلت، أو كثرت، أخرجه الدارقطني عن الحكم بن عبد الله بن سعيد الأيلي أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حدثه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يغمى عليه، فيترك الصلاة، فقال:"ليس لشيء من ذلك قضاء، إلا أن يغمى عليه في وقت صلاة، فيفيق فيه، فإنه يصليه"، وهو ضعيف جدًّا، قال أحمد، في الحكم بن سعيد الأيلي: أحاديثه موضوعة، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، وقال ابن معين: ليس بثقة، ولا مأمون، وكذبه الجوزجاني. وأبو حاتم، وتركه النسائي. وابن الجنيد. والدارقطني، وقال البخاري: تركوه، وبقية السند كله إلى الحكم مظلم، وقالت الحنابلة: يقضي ما فاته من الصلاة، قلت، أو كثرت، ولا تسقط، وتوسط أصحابنا، فقالوا: يسقط ما زاد على يوم وليلة، سوى ما دون ذلك، والله أعلم.

(6)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (1/ 387 - رقم 1688)، والدراقطني في «سننه» (2/ 82 - رقم 4)، والبيهقي في «معرفة السنن والآثار» (2/ 219)، وقال: قال الشافعي: كان ابن عمر يرى فيما يرى - والله أعلم -، أن الصلاة مرفوعة عن المغمى عليه لأنه روي أنه أغمي عليه يومًا وليلة، فلم يقض شيئًا، ولم يرو عنه أنه قال: من أغمي عليه لا يقض.

(7)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 399.

ص: 14

ثم الزيادة تعتبر من حيث الأوقات، اختلفوا في أنّ الزيادة على اليوم والليلة تُعتبر بالساعات أم بالصلوات، وذكر الكرخي رحمه الله

(1)

أن المعتبر الزيادة على يوم وليلة بالصلوات، وذكر الفقيه أبو جعفر رحمه الله

(2)

اختلافًا بين أبي يوسف ومحمد؛ عند أبي يوسف: من حيث الساعات، وهو رواية عن أبي حنيفة.

وعند محمد رحمه الله: تُعتبر من حيث الصلوات ما لم يصير الصلوات شيئًا لا يسقط عنه القضاء، وإن كان من حيث الساعات أكثر من يوم وليلة، وهو الأصح، وإنما يظهر ثمرة الاختلاف فيما إذا أغمى عليه عند الضحوة، ثم أفاق من الغد قبل الزوال بساعة، فهذا أكثر من يوم وليلة من حيث الساعات، فلا قضاء عليه في قول أبي يوسف، وعلى قول محمد يجب عليه القضاء؛ لأنّ الصلوات لم تزد على خمس، هذا الذي ذكرنا إذا دام الإغماء، فلم يُفق إلى تمام يوم وليلة، وزيادة فإن كان يفيق ساعة، ثم يعاوده الإغماء لم يذكره محمّد في الكتاب، وأنّه على وجهين: إن كان لإفاقته وقت معلوم نحو أن يخف مرضه عند الصبح، فيفيق قليلًا، ثم يعاوده الإغماء، فهو إفاقة معتبرة تبطل حكم ما قبلها من الإغماء إن كان أقل من يوم وليلة. وأمّا إذا لم يكن لإفاقته وقت معلوم، لكنه يفيق بغتة، فيتكلم بكلام الأصحاء، [ثم يغمى عليه بغتة، فهذه الإفاقة غير معتبرة، ألا ترى أن المجنون قد يتكلم في جنونه بكلام الأصحاء]

(3)

، ولا يُعدّ [منه ذلك]

(4)

[إفاقة]

(5)

. كذا ذكره شمس الأئمة الحلواني

(6)

. كذا في «المحيط»

(7)

.

(1)

عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم أبو الحسن الكرخي كرخ حدان، انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة بعد أبي خازم وأبي سعيد البردعي، وانتشرت أصحابه، وعنه أخذ أبو بكر الرازي وأبو عبد الله الدامغاني وأبو علي الشاشي وأبو القاسم علي بن محمد التنوخي، وكان كثير الصوم والصلاة صبورًا على الفقر والحاجة ولما أصابه الفالج آخر عمره، كتب أصحابه إلى سيف الدولة بن حمدان بما ينفق عليه فعلم بذلك فبكى وقال: اللهم لا تجعل رزقي إلا من حيث عودتني فمات قبل أن يصل إليه صلة سيف الدولة وهي عشرة آلاف درهم وكان من تولى القضاء من أصحابه هجره مولده سنة ستين ومائتين، وتوفي ليلة النصف من شعبان سنة أربعين وثلاث مائة. ينظر: تاريخ بغداد: 10/ 353، تاريخ الإسلام: 15/ 426، الجواهر المضية: 1/ 337.

(2)

سبق ترجمته (ص 57).

(3)

ما بين معكوفين ساقط من (ب).

(4)

في (ب): "ذلك منه".

(5)

[ساقط] من (أ).

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 10، الجوهرة النيرة: 1/ 81.

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 278، 279.

ص: 15

وذكر شيخ الإسلام رحمه الله فـ: محمد اعتبر الكثرة بحقيقة التكرار، وحقيقة التكرار بفوات الست، وهما إفاقة اعتبرا الأثر في ذلك، فإنّه رُوي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه:«أنه أغمى عليه أكثر من يوم وليلة، فلم يقض الصلوات»

(1)

، والعبرة في المنصوص عليه لعين [النص]

(2)

لا للمعنى، والله أعلم

(3)

.

‌باب سجود التلاوة

كان من حق هذا الباب أن يقترن بسجود السهو، كما هو وضع شروح «الجامع الصغير» للرتبة

(4)

، والتتمة في «شرح الطحاوي» ، وغيرها؛ لمناسبته أنّ في كل منهما بيان السجدة إلا أنّه لما ذكر بيان

(5)

صلاة المريض بعد السهو؛ لما قلنا: إنهما من العوارض السماوية ألحق هذا الباب به؛ لأنه إلحاق في الحقيقة بباب سجود السهو، أو لأنّ في هذا الباب، وفي الباب الذي يتلوه، وهو باب صلاة السفر بيان حكم العوارض المكتسبة، [وفي بابي السهو والمرض بيان حكم العوارض السماوية، والسماوية مقدمة على المكتسبة]

(6)

، لكونها

(7)

أغرق في العارضية، [أي: أثبت]

(8)

، فكانت هي أحوج إلى البيان؛ بسبب عدم إمكان دفعتها

(9)

قبلها المكتسبة ضرورة؛ لاشتراكهما في اسم العارضية.

[131/ أ] ثم سجود التلاوة من قبيل إضافة الحكم إلى سببه أيضًا، كما في سجود السهو، فيحتاج في هذا الباب إلى معرفة أشياء منها بيان [سبب]

(10)

وجوب سجدة التلاوة، وبيان شرطها، وبيان ركنها، وبيان صفتها، وبيان مواضعها، وبيان من يجب عليه، وبيان كيفية أدائها، وبيان ما يكره/ و [بيان]

(11)

ما يستحب فيها

(12)

.

أما سبب وجوبها: فتلاوة آيات معدودة من القرآن، أو سماعها -وهي أربع عشرة-، وإنما قلنا: إن التلاوة سبب لها؛ لأنها تضاف إلى التلاوة، فيقال: سجدة التلاوة، ويتكرّر بتكرّرها، والسماع كذلك سبب كالتلاوة بالسنة، ويتكرّر بتكرّر السماع.

أمّا السنة: فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد؛ لسماع من غيره

(13)

كما يسجد لتلاوة [من]

(14)

نفسه، ولأنّ ما تعلّق بالتلاوة يتعلق بالسّماع قياسًا على التأمين، فإنّه كما علق بتلاوة الفاتحة عُلّق بسماعها أيضًا؛ وذلك لأنّه إنما وجبت على التالي؛ لأنه طُلب منه بحكم الآية مخالفة الكفرة، وقد فُهم ذلك فلزمه، فكذا السّامع عُلم ما طلب منه بموجب الآية، فلزمه كما لزم التالي.

(1)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (1/ 387 - رقم 1688).

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 10، كشف الأسرار: 4/ 376.

(4)

في (ب): "المرتبة".

(5)

في (ب): "باب".

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

في (ب): "لكنها".

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

في (ب): "دفعها".

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

[ساقط] من (أ).

(12)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 11، البحر الرائق: 2/ 128، الجوهرة النيرة: 1/ 231.

(13)

أخرجه الشافعي في «مسنده- ت السندي» (1/ 122 - 359).

(14)

[ساقط] من (ب).

ص: 16

وأمّا شرطها: فالطهارة عن الحدث، وعن النجاسة الحقيقية، واستقبال القبلة، وستر العورة؛ وهذا لأن السّجدة ركن من أركان الصلاة، والصلاة لا تؤدّى إلا بهذه الشرائط، فكذا ركنها، وأما التحريمة فليست بشرط لها؛ لأنها لو شرطت التحريمة بشرط التحليل، فصارت السجدة صلاة [حينئذٍ]

(1)

، وأنها دون الصلاة، وسُنَّ التكبير في الابتداء والانتهاء للانتقال، وفي هذا انتقال من حال إلى حال.

وأمّا ركنها: فوضع الجبهة على الأرض؛ لأنها به يوجد، وركن الشيء ما يقوم به ذلك الشيء.

[وأمّا جواز: أدائها بالركوع في الصلاة على جواب القياس؛ لأدائه معنى السجود، وهو الخضوع]

(2)

.

وأمّا صفتها: فإنّها واجبة عندنا، وقال الشافعي رحمه الله: إنها سُنّة على ما نبين. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(3)

.

وأمّا بيان مواضعها: فهو ما عدّد في الكتاب، وقال: سجود التلاوة من القرآن أربعة عشر، وكذلك عند الشافعي رحمه الله أربعة عشر أيضًا، لكن في الحج سجدتان، وليس في ص سجدة. كذا في «الخلاصة الغزالية»

(4)

(5)

.

وعند الشافعي

(6)

السجدة في حم السجدة عند قوله: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}

(7)

، وعندنا عند آخر الآية [الثانية]

(8)

عند قوله: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}

(9)

، فكان الخلاف بيننا وبينه في حق مواضع السجدة في ثلاثة مواضع احتجّ الشافعي

(10)

بأنّ في صورة الحج سجدتين؛ لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«في الحج سجدتان»

(11)

وقال: «فضلت الحج بسجدتين من لم يسجدهما لم يقرأهما»

(12)

، ومذهبنا مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم قالا:«سجدة التلاوة في الحج هي الأولى والثانية سجدة الصلاة»

(13)

وهو الظاهر، فقد قرنها بالركوع، فقال:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}

(14)

والسجدة المقرونة بالركوع سجدة الصلاة، وتأويل الحديث: فضلت الحج بسجدتين إحديهما سجدة التلاوة، والثانية سجدة الصلاة، وكذلك استدل الشافعي

(15)

على أنّ السجدة في "ص" سجدة الشكر بما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا في خطبته سورة "ص" فتشزن

(16)

الناس للسجود فقال: «علام تشزنتم إنها توبة نبي»

(17)

، ولنا ما روي أن رجلًا من الصحابة قال: يا رسول الله، رأيت فيما يرى النائم كأني اكتب سورة "ص"، فلما انتهيت إلى موضع السجدة سجد الدواة والقلم، فقال صلى الله عليه وسلم:«نحن أحق بها من الدواة والقلم»

(18)

، فأمر بها حتى تليت في [مسجد]

(19)

مجلسه وسجدها

(20)

مع أصحابه، فإن قيل: في الحديث زيادة، وهي أنّه قال:«سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرًا»

(21)

، قلنا: هذا لا ينفي كونها سجدة تلاوة، فما من عبادة يأتي بها العبد إلا وفيها معنى الشكر، ومراده من هذا بيان سبب الوجوب أنه كان توبة داود صلى الله عليه وسلم، وإنما لم يسجدها في خطبته؛ ليتبين أنه يجوز تأخيرها، وقد روي أنه سجدها في خطبته، وذلك دليل على الوجوب، وعلى أنّها سجدة تلاوة، فقد قطع الخطبة لها. كذا في «المبسوط»

(22)

.

(1)

[ساقط] من (أ).

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: البحر الرائق: 2/ 128، حاشية الطحاوي: ص 310.

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 11.

(5)

الخُلَاصَة الغزاليَّة، وتسمى خُلاصة المختصر ونقاوة المُعتصر لحجة الاسلام أبي حامد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغزالي (505 هـ) الْكِتَاب مطبوع بمجلد واحد طبعته دار المنهاج بتحقيق أمجد رشيد مُحَمَّد علي.

(6)

ينظر: المهذب 1/ 85.

(7)

سورة فصلت من الآية: (37).

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

سورة فصلت من الآية: (38).

(10)

ينظر: الأم 1/ 133.

(11)

أخرجه أبو داود في «سننه» (1/ 530)، كتاب سجود القرآن، باب تفريع أبواب السحود، رقم (1404). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن أبي داود: 3/ 402): ضعيف.

(12)

أخرجه الحاكم في «المستدرك» (1/ 343 – رقم 805)، والبيهقي في «المعرفة» (3/ 247 - رقم 4446). قال الزيلعي في (نصب الراية: 2/ 179): قال الحاكم: هذا حديث لم نكتبه مسندًا إلا من هذا الوجه، وعبد الله بن لهيعة أحد الأئمة، إنما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره، انتهى. وسكت عنه الذهبي في «التلخيص» .

(13)

أخرجه البيهقي في «المعرفة» (3/ 244 - رقم 4433). بلفظ عن ابن عباس، أنه قال:«في سجود الحج الأولى عزمة، والأخرى تعليم» . وفيه عبد الأعلى الثغلبي وهو ضعيف.

قال الزيلعي في (نصب الراية: 2/ 180): وأخرج الحاكم في المستدرك (2/ 423): عن ابن عباس أنه قال: «في الحج سجدتان» ، وأخرج عن عمر. وابن عمر. وعبد الله بن مسعود. وعمار بن ياسر. وأبي موسى. وأبي الدرداء رضي الله عنهم، أنهم سجدوا في الحج سجدتين، انظر: شرح السنة، للبغوي (3/ 305).

(14)

سورة الحج من الآية: (77).

(15)

ينظر: الحاوي في فقه الشافعي (2/ 201).

(16)

في الهامش: «أي: تهيوا» .

(17)

أخرجه أبو داود في «سننه» (1/ 532)، كتاب سجود القرآن، باب السجود في "ص"، رقم (1412)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الألباني في (صحيح أبي داود: 5/ 154): صحيح.

(18)

أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 78 - رقم 11758)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الألباني في (ضعيف الترغيب والترهيب: 1/ 217): ضعيف.

(19)

[ساقط] من (أ).

(20)

في (ب): "وسجد".

(21)

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/ 34 - رقم 12416)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الألباني في (الجامع الصغير وزيادته: ص 600): صحيح.

(22)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 9 - 11.

ص: 17

(وهو المأخوذ وللاحتياط)

(1)

فإنّها إن كانت عند الآية الثانية لم يجز

(2)

تقديمها

(3)

، وإن كانت عند الأولى جاز تأخيرها إلى الآية الثانية، فكان فيما قلنا: خروج عن العهدة بيقين

(4)

.

قوله: (والسجدة [واجبة]

(5)

في هذه المواضع)

(6)

، وقال الشافعي

(7)

: ليست بواجبة، بل هي سُنة، وهذا هو بيان الصفة احتج الشافعي رحمه الله بأن رجلًا تلا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يسجد لها الرجل، فلم يسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم[وقال:«كنت إمامنا لو سجدت لسجدنا»

(8)

، وروي أن عمر رضي الله عنه

(9)

قال في خطبته، وقد تلا سجدة]

(10)

فاشرأب

(11)

الناس للسجود فقال: «على رسلكم، فإن هذا شيء لم يُكتب عليكم»

(12)

،

[131/ ب] ولأصحابنا حديث أبي/ هريرة

(13)

أنَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تلا ابن آدم آية السجدة، فسجد اعتزل الشيطان يبكي، فيقول: أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار»

(14)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 78.

(2)

في (ب): "يجب".

(3)

في (ب): "تعجيلها".

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 12، 13، المبسوط للسرخسي: 2/ 11.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 78.

(7)

ينظر: أسنى المطالب في شرح روض الطالب 1/ 196.

(8)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/ 379 – رقم 4363)، من حديث زيد بن أسلم رضي الله عنه. قال المباركفوري في (تحفة الأحوذي: 3/ 139): رجاله ثقات إلا أنه مرسل.

(9)

عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، أبو حفص أمير المؤمنين، ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة. أسلم بمكة قديمًا، وهاجر إلى المدينة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولي الخلافة عشر سنين وخمسة أشهر، وقتل يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة وهو أول من اتخذ الدِّرَّة (سوطه الذي يضرب به). ينظر: الثقات لابن حبان: 2/ 190، التاريخ الكبير: 6/ 138، الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 588.

(10)

ما بين المعكوفين ساقط من (ب).

(11)

اشرأبّ: ارتفع وعلا، وكل رافع رأسه مشرئب. (لسان العرب: 1/ 491 - مادة "شرب").

(12)

أخرجه مالك في «الموطأ» ت الأعظمي (2/ 288 - رقم 701)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (3/ 213 - رقم 5587) من حديث عروة بن الزبير. قال ابن الملقن: أثر صحيح. ينظر: البدر المنير: 4/ 279.

(13)

عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الملقب بأبي هريرة: صحابي، كان أكثر الصحابة حفظًا للحديث ورواية له. نشأ يتيمًا ضعيفًا في الجاهلية، وقدم المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسلم سنة 7 هـ، ولزم صحبة النبي، فروى عنه 5374 حديثًا، وتوفي في المدينة سنة 59 هـ. يتظر: الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 316، تهذيب التهذيب: 12/ 237، تهذيب الكمال: 34/ 366.

(14)

أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/ 87)، كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، رقم (81).

ص: 18

والأصل: أن الحكيم متى حكى عن غير الحكيم ولم يُعقبه بالنكير كان دليلًا على أنه صواب، ففيه دليل على أنّ [ابن]

(1)

آدم مأمور بالسجود، والأمر للوجوب، ولأنّ الله تعالى وبّخ من ترك السجود بقوله:{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)}

(2)

، والتوبيخ لا يكون إلا بترك الواجب، ولأن آيات السجدة كلها دالة على الوجوب؛ لأنّها ثلاثة أقسام:

قسم [هو]

(3)

أمر صريحًا مثل التي في العلق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}

(4)

، والأمر للوجوب.

ومنها: ما فيه ذكر طاعة الأنبياء، والمرسلين، والأولياء، وذلك يوجب الاقتداء؛ لقوله:{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}

(5)

.

والثالث: ذكر ما فيه استنكاف الكفار، ومخالفتهم في ذلك واجبة، والمعنى: أنها سجدة يؤتى بها في الصلاة، فكانت واجبة قياسًا على الصلبية؛ وهذا لأنها ليست من نفس الصلاة، ولكنها زائدة، ولم يجب في الصلاة زيادة سجدة نفلًا، فكانت واجبة، ولأنّ صيانة الصلاة عن خلط ما ليس منها واجبة، ولو كانت نفلًا؛ لكانت الصيانة الواجبة أولى من فعل ما هو سنّة، فدلّ الفعل على أنّها أوجب من الصيانة.

والجواب عن الحديث الأوّل: أنه لم يسجد في فوره ذلك، وهو جائز عندنا، أو كانت القراءة مكررة، والراوي لم يشعر بالمرة الأولى؛ لأنّ السامع إنما يلزمه السجود على الفور إذا سجد التالي، ألا ترى أنه قال: لو سجدت لسجدنا، وهذا يدلّ على سجدته لو سجد لا محالة، وعندكم لو سجدها التالي يخيّر السّامع أيضًا، فكان حجة عليكم.

والجواب عن قول عمر رضي الله عنه: «لم يُكتب علينا التعجيل بها»

(6)

، فأراد أن يُبيّن للقوم جواز التأخير في حالة الوجوب، فكان فيه بيان جواز التأخير.

فإن قلت: التعلق بصيغة الأمر في حق وجوب سجدة التلاوة مما لا يكاد يصح؛ لأنه حينئذ يكون الشيء الواحد سببًا للشغل؛ والتفريغ؛ وبينهما مضادة ما عهدت أسباب المشروعات، كذلك إذ بالأسباب يثبت شغل الذمة بالوجوب؛ وبالأوامر يثبت وجوب الأداء الذي هو عبارة عن طلب تفريغ عمّا وجب عليها بسبب قبلها، كما في قولك: أداء الثمن للشراء، أي: الثمن الذي وجب عليك بسبب قبل هذا، وهو الشراء، فكيف يكون الشيء الواحد طالبًا حال كونه شاغلًا في حالة واحدة؟

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

سورة الانشقاق الآيتان: (20 - 21).

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

سورة العلق الآية: (1).

(5)

سورة الأنعام من الآية: (90).

(6)

أخرجه مالك في «الموطأ» (2/ 288 - رقم 701)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (3/ 213 - رقم 5587) من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه. قال ابن الملقن في (البدر المنير: 4/ 279): أثر صحيح.

ص: 19

قلت: لا تنافي بينهما من حيث المعنى فيما نحن فيه، فإن هذا أمر موجب في نفسه، ولكن يتوقّف أثر إيجابه إلى شيء آخر، وهو التلاوة كالأمر بالصلاة موجب في نفسه، ولكن يتوقف إيجابه في الظاهر إلى دلوك الوقت

(1)

، وما قالوا: إن الأمر طلب؛ لتفريغ الذمة عن الواجب، أي: يظهر أثر إيجابه في حق طلب تفريغ الذمة عن الواجب فيما إذا ثبت ذلك الشيء بسبب آخر كـ: دلوك الشمس، وكذلك الأمر هاهنا موجب للسجدة قبل التلاوة، ولكن يتوقف أثر إيجابه إلى شيء آخر وهو التلاوة أو السّماع شرعًا.

فإن قلت: لو كانت هي واجبة لما أديّت [في سجدة الصلاة وركوعها، ولما تداخلت كالسجدة الصَّلبية، وسجدتي السهو، ولما أُدّيت]

(2)

بالإيماء حين قرأها راكبًا على الدابة مع قدرته على النزول، كما إذا أدركه وقت الصلاة، وهو راكب حيث لا يجوز الصلاة راكبًا بدون العذر، وكما إذا نذر أن يصلي ركعتين وهو راكب لم يجز أن يؤديهما على الدابة من غير عذر.

قلت: أداؤها في ضمن شيء آخر لا ينافي وجوبها في نفسها كالوضوء، وهو فرض في نفسه يتأدّى بالغسل للتبرد، وكالسعي إلى الجمعة يتأدّى بالسَّعي إلى التجارة، أو إلى أمر هو معصية، والمعنى فيه ما عُرف أنّ سجدة التلاوة ليست بمقصودة في نفسها، بل المقصود منها إظهار الخشوع لله تعالى، وذلك يحصل في ضمن الركوع، والسجود للصلاة؛ لأنهما لإظهار الخشوع والخضوع، فصارت كالسَّعي إلى الجمعة.

وأمَّا [السجدة]

(3)

الصلبية فمقصودة، فلا يتأدّى في ضمن شيء آخر مثلها، وكذلك سجدتا السهو؛ لأنهما لجبر النقصان، فلو قلنا: بالتداخل فيها؛ لكان الجابر والمجبور واحدًا، وهو لا يصحّ، ولأنّ محلّ سجدتي السهو آخر الصلاة، فلا يؤديان في ضمن شيء قبل آخرها

(4)

.

[132/ أ] وأمّا جواز أدائها بالإيماء حين قرأها راكبًا؛ لأنه أدّاها كما التزمها،/ فتلاوته على الدابة شروع فيما يجب [به]

(5)

السجدة، فكان نظير من شرَع على الدّابة في التطوّع وأداه، فكما يجوز هناك يجوز هاهنا

(6)

، بخلاف النذر، فإنّه ليس بشروع في أداء الواجب، فكان الوجوب بالنذر مطلقًا، فيعتبر بما وجب بإيجاب الله تعالى، وكذلك إدراك وقت الصلاة، وهو راكب لما أنّ ذلك ليس بشروع في أداء الواجب، والوجوب فيها مطلق، فكان محمولًا على الكمال، وبشر

(7)

وإن كان لا يجُيز أداء سجدة التلاوة راكبًا مع أنَّ التلاوة وقعت في تلك الحال، فهو محجوج بما ذكرنا هذه فوائد مقتبسة من «المبسوط»

(8)

، و «جامع الصغير» لفخر الإسلام

(9)

، و «الأسرار»

(10)

.

(1)

في (ب): "الشمس".

(2)

ما بين معكوفين ساقط من (ب).

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

ينظر: البحر الرائق: 2/ 116.

(5)

[ساقط] من (أ).

(6)

في (ب): "هنا".

(7)

بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي، العدوي بالولاء، أبو عبد الرحمن: فقيه معتزلي عارف بالفلسفة، يرمى بالزندقة. وهو رأس الطائفة (المريسية) القائلة بالإرجاء، وإليه نسبتها. أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف، وقال برأي الجهمية، وأوذي في دولة هارون الرشيد. وكان جده مولى لزيد بن الخطاب. وقيل: كان أبوه يهوديًّا. وهو من أهل بغداد ينسب إلى (درب المريس) فيها. عاش نحو 70 عامًا. له تصانيف. ينظر: تاريخ بغداد: 7/ 56، سير أعلام النبلاء: 10/ 199، لسان الميزان: 2/ 29.

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 6 - 7.

(9)

ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ص 102.

(10)

ينظر: كشف الأسرار: 1/ 41، شرح فتح القدير: 2/ 13.

ص: 20

(قصد سماع القرآن أو لم يقصد)

(1)

إنما قيّد بهذا؛ لأنّ في بعض لفظ الآثار السجدة على من جلس لها، فهذا اللفظ يوهم لما أنَّ السجدة إنما يجب على من هو قاصد بالجلوس لها تلاوةً، أو سماعًا، ولا يجب على من لم يجلس لها، وليس كذلك، بل هما سواء

(2)

.

قوله: (لقوله صلى الله عليه وسلم: «السجدة على من سمعها السجدة على من تلاها»

(3)

(4)

جعل هذا اللفظ في سائر النسخ من «المبسوطين»

(5)

، و «الأسرار» ، و «المحيط» ، وشروح «الجامع الصغير» من ألفاظ الصحابة رضي الله عنهما لا من الحديث

(6)

، فقال في «المبسوط»

(7)

: وعن عثمان

(8)

،

(9)

، وعليّ، وابن عباس

(10)

،

(11)

وابن

(12)

عمر

(13)

رضي الله عنهم أنّهم قالوا: «السجدة على من تلاها، على من سمعها، على من جلس لها» اختلفت ألفاظهم بهذه الصفة

(14)

، وكذا في غيره.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 78.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 13.

(3)

هذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/ 368 - 4225)، عن ابن عمر:«السجدة على من سمعها» موقوفًا.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 78.

(5)

في (ب) المبسوط.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 14.

(7)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 6.

(8)

عثمان بن عفان بن أبي العاص، من قريش: أمير المؤمنين، ذو النورين، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين. من كبار الرجال الذين اعتز بهم الإسلام في عهد ظهوره. ولد بمكة، وأسلم بعد البعثة بقليل. وقتل صبيحة عيد الأضحى وهو يقرأ القرآن في بيته، بالمدينة سنة 35 هـ. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 456، تهذيب التهذيب: 7/ 127، تهذيب الكمال: 19/ 445.

(9)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 324 – 3588)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/ 367 – 4220).

(10)

عبدالله بن عباس بن عبد المطلب الصحابي الجليل حبر الأمة، كنيته أبو العباس، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربع عشرة سنة. ولد قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنين. قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهم علمه الحكمة» . مات سنة ثمان وستين بالطائف. له في الصحيحين وغير هما 1660 حديثًا. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 141، التاريخ الكبير: 5/ 3، تهذيب الكمال: 15/ 154.

(11)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 324 – 3587)، ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/ 367 – 4218).

(12)

في (ب): "وأنّ".

(13)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/ 368 – 4225).

(14)

في (ب): "الصيغة".

ص: 21

(وإذا تلا المأموم لم يسجد الإمام ولا المأموم)

(1)

، وحاصل هذا أنّهم [أجمعوا على]

(2)

أنّهم لا يسجدون في الصّلاة في هذه الصورة وأجمعوا أيضًا على أنّهم إذا سمعوا السجدة ممن

(3)

ليس في صلاتهم أنّهم يسجدون بعد الفراغ من الصلاة، ولا يسجدون في الصلاة احتج محمد رحمه الله بأنه وجد سبب وجوبها، وقد عجز عن أدائها في الصلاة، وأمكنه الإقامة خارج الصلاة، فيسجدها بعد الفراغ قياسًا على ما لو سمع من غيره، وهو في الصلاة

(4)

.

قوله: ([و]

(5)

يؤدي إلى خلاف موضوع الإمامة)

(6)

؛ أي: على تقدير أن يسجد التالي أولًا، ويتابعه الإمام انقلب المتبوع تبعًا والتبع متبوعًا، وإن لم يتابعه الإمام كان هو مخالفًا لإمامه

(7)

.

قوله: (أو التلاوة)

(8)

أي: على تقدير أن يسجد الإمام أولًا، ويتابعه التالي؛ كان هذا خلاف موضوع سجدة التلاوة، فإنَّ التالي أمام السامعين، فيجب أن يتقدم سجود التالي قال صلى الله عليه وسلم للتالي:«كنت إمامنا لو سجدت لسجدنا»

(9)

، ولهذا كانت السُّنة [أن]

(10)

يتقدّم التالي للسجدة، ويصطفون خلفه، ولهما حرفان:

أحدهما: أنّ الإمام يحمل عن المقتدي فرض القراءة، كما تحمّل عنه موجب السهو، ثم سهو المقتدي يتعطّل، فكذلك تلاوته.

والثاني: أن هذه السجدة صلاتية؛ لأن سببها تلاوة من شاركهم في الصلاة، والصلاتية إذا لم تؤدّ في الصلاة لا تؤدي بعد الفراغ منها، كما لو تلاها الإمام ولم يسجد في الصلاة بخلاف ما إذا سمعوا ممن ليس معهم في الصلاة؛ لأنها ليست بصلاتية.

ألا ترى أن المقتدي إذا فتح على إمامه لم تفسد به الصلاة، ومن ليس معه في الصلاة إذا فتح له المصلي فسدت صلاته، وبه ظهر الفرق، بخلاف الجنب، فإنه ممنوع عن القراءة غير مولّى عليه في القراءة لو المولّى عليه في التصرف لا يتعلّق بتصرفه حكم، وطرديتهما فيه أن سبب وجوب التلاوة قد وجد إلا أنه عاجز عن أدائها في الصلاة، وخارج الصلاة فلا تجب عليه قياسًا على المريض، وإذا سمع آية التلاوة، وهو عجز عن أدائها بالإيماء، فلا يجب أصلًا، فكذا هنا أما عجزه عن أدائها في الصلاة فظاهر.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 78.

(2)

ما بين معكوفين ساقط من (ب).

(3)

في (ب): "من".

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 14.

(5)

[ساقط] من (أ).

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 78.

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 14.

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 78.

(9)

سبق تخريجه (ص 80).

(10)

[ساقط] من (ب).

ص: 22

وأما خارج الصلاة، فلأنها وجبت صلاتية، فلا تؤدّى خارج الصلاة، فصح أنه عاجز عن أدائها في الصلاة، وخارج الصلاة، وهذا بخلاف ما لو سمع من رجل ليس في صلاته؛ لأنها لم تجب لما هو من أفعال الصلاة؛ لأنها وجبت لسماعه تلاوة ذلك الرجل، وسماعه ذلك ليس من أفعال صلاته؛ [لأنها وجبت]

(1)

، فلا تكون صلاتية. كذا في «المبسوطين»

(2)

، و «المحيط»

(3)

.

[132/ ب] وتصرف المحجور لا حكم له بخلاف الجنب، وإنّما قلنا: إن المقتدي محجور عن القراءة بدليل أنه نفذ

(4)

قراءة الإمام عليه، قال: من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة، وذلك دليل الولاية عليه، والولاية دليل حجر

(5)

المولى عليه، وتصرف المحجور عليه لا ينعقد لحكمه كسائر تصرفاته، بخلاف قراءة الجنب والحائض؛ لأنهما ليسا بموليين، فلا يكونان محجورين، بل هما منهيان والتصرفات المنهي عنها ينعقد؛ لحكمها لما عرف من أصلنا أن المنهي في الأفعال الشرعية لا يُعدم المشروعية/ وذلك لأنّ أثر الحجر في منع الاعتبار، وأثر النهي في تحريم الفعل دون ترك الاعتبار على أنّا نقول: الجنب والحائض ليسا ممنوعين عن قراءة ما دون الآية على ما ذكره الطحاوي، وذلك القدر كافٍ لتعلق الوجوب، وأما المقتدي فممنوع عن قراءة ما دون الآية، ومحجور عليه على ما مرّ، فوضح الفرق بهذا بين المقتدي والجنب. إلى هذا أشار في «المحيط»

(6)

.

إلا أنّه لا يجب على الحائض بتلاوتها، كما لا يجب بسماعها؛ لانعدام أهلية الصلاة بخلاف الجنب؛ وذلك لأنّ السّجدة ركن من الصلاة، والحائض لا يلزمها الصلاة مع تقررّ السبب، وهو شهود الوقت، فلا يلزمها السجدة أيضًا بخلاف الجنب، فإنّه يلزمه الصلاة بسبب الوقت، فيلزمه السجدة بالتلاوة أو

(7)

بالسّماع، كذا في «المبسوط»

(8)

.

وذكر في «الإيضاح»

(9)

و «المحيط»

(10)

: وكل من لا تجب عليه الصلاة، ولا قضاء الصلاة كالحائض، والنفساء، والكافر، والصبي، والمجنون، فلا سجود عليهم؛ لأنّ السجدة من أركان الصلاة، فلا تجب على من لا يجب عليه سائر الأركان، وأمّا السامع من هؤلاء يجب عليه إذا كان أهلًا لوجوب الصلاة عليه لتحقق السماع؛ إذ ليس فيه أكثر من كون التالي منهيًّا عن القراءة إلا أن النهي عن التصرف لا يمنع اعتباره في منع الحكم في حق الأهل، والتالي ليس بأهل لما ذكرنا، والسامع أهل، فيجب عليه السجدة.

(1)

ما بين المعكوفين ساقط من (أ).

(2)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 7.

(3)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 67.

(4)

في (ب): "يعد".

(5)

في (ب): "عجز".

(6)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 67، 68.

(7)

في (ب): "و".

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 6.

(9)

ينظر: نور الإيضاح: ص 82.

(10)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 56، 57.

ص: 23

وذكر شيخ الإسلام: لو سمع أنه سجد التلاوة من مجنون، أو نائم، أو طير لا يلزمه السجدة؛ لأنّ سبب الوجوب سماع تلاوة صحيحة، وصحة التلاوة بالتفرقة والتمييز، ولم يوجد، وإذا لم يوجد شرط صحة التلاوة لم يوجد السماع لتلاوة صحيحة

(1)

.

قوله: (سجدها هو الصحيح)

(2)

احتراز عن قول بعضهم حيث قالوا: لا يسجدها على قولهما خلافًا لمحمد

(3)

.

وفي «المحيط»

(4)

: أنه يلزمه، فقيل: هو قول محمد، ولئن كان قول الكل، فالحجر ثبت في حق المقتدي فلا يعدوهم، وإن سمعوا وهم في الصلاة من رجل ليس في الصلاة لم يسجدوها في الصلاة؛ لأنها ليست بصلاتية؛ لأن تلك التلاوة ليست من أفعال الصلاة حتى يكون السجدة صلاتية، فيكون إدخالها في الصلاة منهيًّا، وهي وجبت كاملة، فلا يتأدّى بالمنهي، ويجب عليهم السجود لهذه التلاوة [لصحة التلاوة]

(5)

من غير حجر

(6)

. كذا في «المحيط»

(7)

.

لكن مع هذا لو سجدوا في الصلاة لا تفسد صلاتهم؛ لأنّ السّجدة من أفعال الصلاة في ذاتها فلا يكون مفسدة، وذكر في «النوادر»: أنها تفسد، قيل: ما ذكر في «النوادر» جواب القياس

(8)

.

(وهو قول محمد)

(9)

، وما ذكر هنا جواب الاستحسان، وهو قولهما بناء على أنّ زيادة ما دون الركعة عندهما لا يوجب فساد الصلاة، وعلى قول محمّد زيادة السجدة تفسد الصلاة وهذا بناء على اختلافهم في سجدة الشكر عند محمد مسنونة، وعند أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف غير مسنونة؛ لأنها ليست بعبارة مقصودة، وإنما هي بمنزلة [الركوع و]

(10)

القيام، والصحيح: أنه لا تفسد به الصلاة؛ لأنهم ما تركوا الصلاة، ولا آتوا بما ينقصها. كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان

(11)

.

(فدخل معه بعدما سجدها الإمام لم يكن عليه أن يسجدها)

(12)

في الصلاة؛ كيلا يصير مخالفًا للإمام، وليس عليه أن يسجدها بعد الفراغ من الصلاة أيضًا قالوا: تأويل هذه المسائل إذا أدرك الإمام في آخر تلك الركعة؛ لأنّه متى أدرك الإمام في آخر تلك الركعة يصير مدركًا الركعة من أوّلها، فيصير مدركًا للقراءة، وما تعلّق بالقراءة من السجدة.

(1)

شرح فتح القدير: 2/ 15.

(2)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 78.

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 16.

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 68.

(5)

ما بين معكوفين ساقط من (أ).

(6)

في (ب): "عجز".

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 68.

(8)

ينظر: المرجع السابق.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

(10)

ما بين معكوفين ساقط من (ب).

(11)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 17.

(12)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

ص: 24

فأمّا إذا أدرك الإمام في الركعة الأخرى لم يصر مدركًا للركعة التي قرأ فيها، فلم يصير مدركًا [لتلك]

(1)

القراءة، ولا لما تعلق بتلك القراءة من السجدة. كذا في «المحيط»

(2)

.

وأشار إلى هذا في الكتاب بقوله: (لأنّه صار مدركًا لها بإدراك تلك الركعة)، ونظير هذا ما لو أدرك الإمام في الركوع في الركعة الثالثة من الوتر في شهر رمضان يصير مدركًا للقنوت حتى لا يأتي بالقنوت في الركعة الأخيرة.

فإن قلت: يشكل على هذا ما لو أدرك الإمام في الركوع في صلاتي العيدين كان عليه أن يأتي بالتكبيرات، فلم يصير مدركًا لها بإدراك الركعة في الركوع، فما الفرق بينهما

(3)

؟

[133/ أ] قلت: فإنه يمكنه أن يأتي بتكبيرات العيد في الركوع لما أنّ جنس تلك التكبيرات، وهي تكبيرة الركوع لمّا كان يؤتى بها في الركوع ألحق بها سائرها من التكبيرات فأتى بها، بخلاف سجدة التلاوة والقنوت، فصار الأصل/ في جنس هذه المسائل أنّ كل ما لا يمكنه أن يأتي به من فعل الركعة في الركوع كالتلاوة، وقنوت الوتر، فبإدراك الإمام في الركوع كان مدركًا لتلك الركعة، وما يتعلّق بها، وكلّ ما يمكنه أن يأتي به من فعل الركعة في الركوع كتكبيرات العيد، فبإدراك الإمام في الركوع من تلك الركعة لا يصير مدركًا له. إلى هذا أشار في «المحيط»

(4)

.

(وكل سجدة وجبت في الصلاة فلم يسجدها فيها ولم يقضها خارج الصلاة)

(5)

.

فإن قلت: ينتقض هذا الكل بما ذكر قبله، وهو: (وإن سمعوا وهم في الصلاة من رجل ليس [معهم]

(6)

في الصلاة

إلى أن قال: وسجدوها بعدها)، فقد وجبت تلك السجدة [في الصلاة]

(7)

، فلم يسجدوا فيها ويسجدون بعدها؟

قلت: نعم كذلك، ولكن يجب تقييد هذا الكل بقيد بأن يقال: وكل سجدة صلاتية واجبة في الصلاة لم يقض خارج الصلاة بدليل تعليل تلك المسألة بقولها؛ لأنها ليست بصلاتية، وإنما قلنا: إنها ليست بصلاتية؛ لأنّ المعنى من الصّلاتية هو أن يكون التلاوة من أفعال الصلاة على ما ذكرنا من «المحيط»

(8)

، وقراءة من هو خارج الصلاة كيف يكون من أفعال الصلاة! ولكن ترك ذلك القيد لظهوره، وللاعتماد على درك الفهم تخفيّات الكلم، وإن دخل معه قبل أن يسجدها سجدها معه، ولا يُقال: ينبغي أن لا يتابعه؛ لأنّ ما وجب عليه من السجدة ليست بصلاتية، والسجدة متى لم تكن صلاتية لا يجوز أداؤها في الصلاة خصوصًا على رواية «النوادر» حيث تفسد الصلاة بها على ما ذكرنا؛ لأنّا نقول: تلك السجدة وإن لم تكن صلاتية، لكنّها صارت صلاتية بالاقتداء؛ لأن للاقتداء تأثيرًا في تصيير غير الواجب واجبًا، وتصيير الواجب غير واجب، ألا ترى أن القعدة على رأس الركعتين فريضة على المسافر، وبالاقتداء بالمقيم لم يبق فرضًا، وكذلك الرجل إذا تحرّم للأربع تطوّعًا يلزمه ركعتان لا غير، وهو

(9)

إذا اقتدى بمن يصلي الظهر يلزمه الأربع حتى لو أفسدها يلزمه قضاء الأربع، وكذلك الآخر بأن يجبان

(10)

على المسافر بالاقتداء بالمقيم في الوقت. كذا في «الفوائد الظهيرية»

(11)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 69.

(3)

[بينهما] ساقط من (ب).

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 68.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

(6)

[ساقط] من (أ).

(7)

ما بين معكوفين ساقط من (أ).

(8)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 68.

(9)

في (ب): "وهذا".

(10)

في (ب): "يجب".

(11)

ينظر: شرح فتح القدير: 1/ 516.

ص: 25

(ولها مزية الصلاة فلا يتأدّى بالناقص)

(1)

. وقال في «الجامع الكبير» لقاضي خان: إن الصلاتية أقوى؛ لأنّها وجبت بتلاوة تعلّق بها جواز الصلاة، ألا ترى أنّه لو ضحك في سجدة التلاوة في الصلاة ينتقض طهارته، ولو ضحك فيها خارج الصلاة لا ينتقض طهارته

(2)

.

(ومن تلا سجدة)

(3)

أي: آية سجدة ولم يسجدها حتى دخل في صلاة، فأعادها وسجدها أجزأته السجدة عن التلاوة هذا إذا لم يتبدّل مجلس الصلاة عن مجلس التلاوة، فأمّا إذا تبدّل، فعليه لكل تلاوة سجدة، كما لو لم يدخل في الصلاة.

وفي «النوادر» : يسجد أخرى بعد الفراغ سواء سجد في الصلاة، أو لم يسجد، فوجهه أنه حين اشتغل بالصلاة تبدّل الحبس، كما لو اشتغل بالأكل، أو عمل آخر؛ لأنه لا يمكن جعل [الأولى تبعًا للثانية]

(4)

؛ لأنّ السّابق لا يكون تبعًا للاحق، فإن إلحاق الأولى بالثانية أمر تروه القياس؛ لأنّ التكرار بالثانية يقع [لا]

(5)

بالأولى، فكان القول به خلاف موضوع التداخل، ولا يمكن جعل الثانية تبعًا للأولى؛ لأنّه أقوى فكان فيه إبطال وصف زائد، فلذلك وجب اعتبار كل واحد سببًا كما لو تلاها في مجلسين

(6)

، فالصلاتية تؤدّى في الصلاة، وغير الصلاتية -وهي الأولى- تؤدّى بعد الفراغ من الصلاة.

وجه ظاهر الرواية: هو أن السبب واحد، فإن المتلوّ آية واحدة، والمكان واحد؛ وذلك لأنّ المجلس في الأول مجلس التلاوة، وفي الصلاة تلاوة، فما دام في الصلاة كان مشتغلًا بالتلاوة، والثانية أكمل من الأولى؛ لأن لها حرمتين، ولو كانت مثل الأولى نابت عنهما، فإذا كانت أكمل أولى أن ينوب عنهما، والسّابق قد يكون تبعًا للاحق إذا كان اللاحق أقوى كالسُّنة قبل الفريضة، ولأن التكرار قام بهما، فكان إلحاق الأولى بالثانية ممكنًا. كذا في شروح «الجوامع»

(7)

،

(8)

و «المحيط»

(9)

.

(للثانية قوّة اتصال المقصود)

(10)

، وهو اتصال السجدة بالتلاوة، يعني: لمّا اقترنت التلاوة الثانية بالسجدة صارت راجحة على الأولى بعد مساواتهما فيما ذكر، وهو الصلاتية للثانية، والسبق للأولى؛ إذ كل منهما جهة في الترجيح فتعارضتا، ثم اتصّل بالثانية وصف اتصال المقصود، فترجحت على الأولى، فلذلك استتبعت/ الثانية الأولى؛ لأن الثانية عند اتصال المقصود صارت كفصل مجتهد اتصل القضاء به، فحينئذ يصير هو بمنزلة المجمع عليه في القوة، ثم دخل في الصلاة، فتلاها سجد لها؛ لأن التي وجبت للتلاوة في الصلاة صلاتية، فلا ينوب عنها المؤداة قبل الشروع في الصلاة؛ لأنّها أضعف. كذا في «المبسوط»

(11)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 18 - 21.

(3)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

(4)

في (ب): "الثانية تبعًا للأولى".

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

في (ب): "مجلس".

(7)

في (ب): "الجامع".

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 20.

(9)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 64.

(10)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

(11)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 19، 20.

ص: 26

[133/ ب](لأن الثانية هي المستتبعة)

(1)

أي: الصلاتية يستتبع غير الصلاتية على كل حال، ثم هاهنا لا يمكن استتباعها؛ لأنه حينئذ يلزم أن يتقدم الحكم على السّبب، وذلك لأنّ معنى الاستتباع أن يجعل التلاوتان بمنزلة تلاوة واحدة، فلو جعلنا كذلك كان التلاوة

(2)

الأولى تبعًا للثانية؛ لكونها أقوى لأنها صلاتية، فيلزم حينئذ أن يكون السجدة التي سجدها عند التلاوة الأولى كانت سجدة قبل التلاوة تقديرًا؛ لأن التلاوة الأولى التحقت بالتلاوة الثانية، فكان الحكم، وهو السجدة سابقًا على السبب، وهو التلاوة الثانية الصلاتية، ثم لما لم يكن هاهنا استتباع التلاوة الأولى للثانية، ولا استتباع الثانية الأولى أفردت بكل واحدة منهما سجدة على حدة في جميع الروايات، بخلاف المسألة الأولى حيث اكتفى بسجدة واحدة في ظاهر الرواية

(3)

.

وذكر في «المحيط»

(4)

: ولو قرأ آية السجدة في الركعة الأولى فسجد، ثم أعادها في الثانية، فلا سجود عليه في قول، [وهو القياس]

(5)

أبي يوسف، وقال محمد: يسجد استحسانًا، وهذا من المسائل التي رجع أبو يوسف فيها من الاستحسان إلى القياس.

وجه الاستحسان: أن القول باتحاد التلاوتين غير ممكن هاهنا؛ لأنّا لو قلنا: بالاتحاد يفوت القراءة في إحدى الركعتين حكمًا، والقراءة في كل ركعة ركن، فاعتبرنا كل قراءة تلاوة على حدة.

ووجه القياس: أن الاتحاد في حق السجدة لا في حق الصلاة، أي: ثبوت الاتحاد في حق سببية السجدة لا في حق القراءة، وتفسيره أن يجعل كلا التلاوتين سببًا واحدًا لا أن يجعل كلاهما تلاوة واحدة، كما إذا كان خارج الصلاة، وإذا سجد التلاوة، وتلا في السجدة آية أخرى لا يلزمه سجدة التلاوة، وكذا لو تلا في الركوع؛ لأنّ هذه التلاوة محجور عنها.

قوله: (والأصل أن مبنى السجدة على التداخل)

(6)

هاهنا أسؤلة، وهي: أنها لِمَ تداخلت؟ ولِمَ تداخلت في السبب دون الحكم؟ ولِمَ صار أليق بالعبادات دون عكسه؟ والرابع: أين تظهر ثمرة [الاختلاف]

(7)

أنها تداخلت في السبب دون الحكم؟

أما جواب الأولين: فقد ذكر في الكتاب، ولكن يحتاج هو إلى زيادة كشف وبيان؛ وذلك لأنّ بالتمسّك بمطلق الجرح لا يتم الكلام لما أن مبنى العبادات على الكُلفة والمشقة، ولا نعني بالجرح سواهما، وكذلك ذكره الأليق بالعبادات يحتاج إلى التفسير.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

(2)

[التلاوة] ساقط من (ب).

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 22.

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 66.

(5)

ما بين معكوفين ساقط من (ب).

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

(7)

[ساقط] من (ب).

ص: 27

قلت: أمّا القول بالتداخل فهو جواب الاستحسان، وأمّا جواب القياس فهو أن يجب بكل تلاوة سجدة في أي موضع كانت؛ لأنّ السجدة حكم التلاوة، والحكم يتكرر [بتكرر]

(1)

السبب؛ لأنه نتيجة السبب، ولا معنى للتداخل؛ لأنّ السجدة عبادة والعبادات محتاط في الإتيان بها، ولا يحتال لدرئها، بخلاف الحدود؛ لأنها عقوبات، والأصل في العقوبات إسقاطها لا استيفاءها.

فأمّا وجه الاستحسان: فما رُوي: «أن جبرئيل صلى الله عليه وسلم كان يتنزل ويقرأ بآية السجدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكرّر عليه مرارًا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد لها سجدة واحدة»

(2)

. ورُوي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه

(3)

: «أنه كان يعلّم الناس القرآن في مسجد الكوفة، وكان يكرّر آية السجدة في مكان واحد [ربما كان واحد، وربما كان يخطو خطوة أو خطوتين، وكان يسجد لذلك مرة واحدة»

(4)

، والنص إنما ورد في مكان واحد]

(5)

في آية واحدة، وفيما عدا ذلك يبقى على أصل القياس، والمعنى فيه: أن المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة من جنس واحد، ويجعلها ككلمة واحدة، ألا ترى أنّ من أقرّ بالزنا أربع مرات في مجلس واحد يجعل مقرًّا مرة واحدة في المجالس المختلفة، يجعل الإقرار على حقيقته أربع مرات، هكذا هاهنا يفرق بين المجلسين بالاتحاد [والاختلاف]

(6)

.

[134/ أ] ولأن الحاجة إلى تكرر كلام الله تعالى للتعليم، والتعلّم، والتحفظ حاجة ماسة، فلو أوجبنا لكل مرة سجدة على حدة يقع في الحرج، بخلاف ما إذا اختلفت الآية في مجلس واحد؛ لأنه لا حرج ثمة؛ لأن آيات السجدة في القرآن محصورة، أمّا التكرار للتعليم، [والتعلم]

(7)

، والتحفظ غير محصور، ولأن الإنسان لا يقرأ/ جميع آيات السجدة في مجلس واحد غالبًا، وأمّا تكرار آية واحدة للتعليم والتحفظ في مجلس واحد غالب، فلذلك ظهرت التفرقة بينهما، ولم يذكر في الأصل حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر في مجلس [واحد]

(8)

مرارًا، فعلى قول الكرخي: لا يصلى عليه إلا مرة واحدة، وعلى قول الطحاوي

(9)

: يجب عليه الصلاة بكل مرة، وإن كان التكرار في مجلس واحد؛ لأنّ هذا حق الرسول

(10)

، كما قال صلى الله عليه وسلم:«لا تجفوني بعد موتي، قيل: وكيف تجفى يا رسول الله؟ قال: أن أُذكر في موضع ولا يُصلى عليّ»

(11)

، وحقوق العباد لا تتداخل، وعلى هذا قالوا: من عطس وحمد الله في مجلس مرارًا ينبغي للسامع أن يشمته في كل مرّة؛ ولأنه حق العاطس. والأصح: أنه إذا زاد على الثلاث لا يُشمته. كذا في «المبسوط»

(12)

و «المحيط»

(13)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

ذكره برهان الدين في كتابه. ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 59.

(3)

عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب، أبو موسى، من بني الأشعر، من قحطان: صحابي، من الشجعان، الولاة الفاتحين، ولد في زبيد (باليمن) وقدم مكة عند ظهور الإسلام، فأسلم، وهاجر إلى إلى أرض الحبشة. توفي في الكوفة سنة: 44 هـ، وله 355 حديثًا. ينظر: التاريخ الكبير: 5/ 22، الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 211، الطبقات الكبرى: 4/ 105.

(4)

ذكره برهان الدين في كتابه. ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 59.

(5)

ما بين معكوفين ساقط من (ب).

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي، أبو جعفر: فقيه انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر. ولد ونشأ في طحا من صعيد مصر، وتفقه على مذهب الشافعي، ثم تحول حنفيًّا. ورحل إلى الشام سنة 268 هـ فاتصل بأحمد ابن طولون، فكان من خاصته، وتوفي بالقاهرة. وهو ابن أخت المزني. من تصانيفه:«شرح معاني الآثار» في الحديث، و «بيان السنة» رسالة، وكتاب «الشفعة» وغيرهم. ينظر: تاريخ دمشق: 5/ 368، الجواهر المضية: 1/ 102، الأعلام للزركلي: 1/ 206.

(10)

ينظر: الفتاوى الهندية: 5/ 315.

(11)

له شاهد عند الترمذي، فقد روى في «سننه» (5/ 551)، كتاب الدعوات، باب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجل، رقم (3546) من حديث الحسين بن علي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي".

(12)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 8.

(13)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 56.

ص: 28

وذكر فخر الإسلام رحمه الله في «الجامع الكبير» : إلا أن بين سجدتي التلاوة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرق؛ وهو أنه يستحب تكرار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف السجود؛ لأن العبد وإن عظمت منزلته في الرأفة والشفقة، فلا يوازي [حقه]

(1)

حق الله تعالى في وضع الحرج، فلذلك افترقا

(2)

.

وذكر هو أيضًا في «الجامع الصغير»

(3)

: أن التلاوة لما كان سبيلها التكرار لإقامة الشرائع بحفظها جعل المكرّر منها عند اتحاد المجلس كالواحدة للحرج، كذلك روي في حديث أبي [موسى عبد]

(4)

الرحمن السلمي

(5)

معلّم الحسن

(6)

والحسين رضي الله عنهما

(7)

(8)

وكذلك يروي في حديث أبي موسى الأشعري: «حيث بعثه عمر رضي الله عنه عنه إلى البصرة

(9)

يعلم الناس فاتخذ له دكانان وهو يسير بينهما على نعله ويلقّن الناس عن يمينه وعن يساره، والناس قريب من ستة آلاف نفر، وكان لا يكرّر السجود»

(10)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

حاشية الطحاوي: ص 320.

(3)

ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ص 103.

(4)

في (ب): " عبد الله".

(5)

عبد الله بن حبيب بن ربيعة الكوفي، أبو عبد الرحمن السلمي مقرئ الكوفة، الإمام العلم، معلم الحسن والحسين، من أولاد الصحابة، مولده في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. مات سنة أربع وسبعين، وقد قيل: سنة اثنتين وسبعين. ينظر: الثقات لابن حبان: 5/ 9، الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 53، سير أعلام النبلاء: 4/ 267.

(6)

الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، أبو محمد: خامس الخلفاء الراشدين وآخرهم، وثاني الأئمة الاثني عشر عند الإمامية ولد في المدينة المنورة سنة 3 هـ، وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكبر أولادها وأولهم. كان عاقلًا حليمًا محبًّا للخير، فصيحًا من أحسن الناس منطقًا وبديهة وتوفي بالمدينة سنة تسع وأربعين. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 67، التاريخ الكبير: 2/ 286، الإصابة في تمييز الصحابة: 2/ 68.

(7)

الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى أبا عبد الله ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع وقيل سنة ثلاث، وقال قتادة: ولد الحسين بعد الحسن بسنة وعشرة أشهر لخمس سنين وستة أشهر من التاريخ، وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عق عن أخيه وكان الحسين فاضلًا دينًا كثير الصيام والصلاة والحج. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 68، الإصابة في تمييز الصحابة: 2/ 76، تهذيب الكمال: 6/ 396.

(8)

وفيه: «أنه كان لا يسجد المكررة في المجلس إلا مرة واحدة وكان ذلك لا يخفى على علي رضي الله عنه ولم ينكر عليه» . ذكره محمد بن الحسن. ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ص 103.

(9)

البصرة: بالعراق، وكانت قبة الإسلام، ومقر أهله، بنيت في خلافة عمر رضي الله عنه سنة أربع عشرة واختط عتبة بن غزوان المنازل بها وبنى مسجدًا من قصب. (الروض المعطار: ص 105).

(10)

أخرجه ابن سعد مختصرًا. ينظر: الطبقات الكبرى: 2/ 345.

ص: 29

[وإنما اتحد المجلس هنا، وإن خطأ، بسير البغلة أكثر من ثلاث خطوات؛ لأنهم لما اتخذوا الدكانين قصدًا لأجل تعليم القرآن، كان كله مجلس التلاوة، ولم يختلف مجلس التلاوة كالملجلس الذي يسع مقدار

الناس لا يكون مختلفًا في حق التلاوة، وإن بَعُدت أطرافه]

(1)

، وحاصله: أن أصل اتحاد السجدة لما ثبت بالحديث، والأثر، وشيء من المعنى، قلنا به لا بمجرّد نفس الحرج.

وأمّا الجواب عن الثاني: وهو أنّا جعلنا التداخل في السبب دون الحكم؛ لأنا لو جعلنا التداخل في الحكم دون السّبب كانت الأسباب باقية على حقيقتها متعدّدة يلزم الشفاعة، وثبوت الحكم على خلاف وضع الشرع، وترك العمل بالاحتياط؛ وذلك لأنه حينئذ يلزم وجود موجب العبادة [ولا عبادة]

(2)

، والعبادة يحتاط في الإتيان بها، فكيف لا يثبت العبادة عند وجود موجب العبادة! بل هذا أليق بموضع العقوبات؛ ليضاف تخلّف الموجب عند وجود الموجب إلى العفو والكرم، والله موصوف بسبوغ العفو وكمال الكرم، ولذلك قال رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم:«ادرؤوا الحدود بالشبهات»

(3)

، ثم لما [ثبت]

(4)

أصل التداخل بالحديث بحيث لا مجال لردّه.

قلنا: بتداخل الأسباب في العبادات [لا في الأحكام، وعكسنا في العقوبات؛ ليكون الأسباب كلها في العبادات]

(5)

عند دليل الجمع، وهو اتحاد المجلس بمنزلة سبب؛ إذ لو قلنا بعكسه يلزم الشفاعة على ما ذكرنا، فاندرج جواب الثالث في هذا.

وأمّا الجواب عن الرابع: فإنّما يظهر ثمرته فيما إذا تلا آية السجدة فسجد، ثم قرأ تلك الآية في ذلك المجلس مرات يكفيه تلك السجدة [عن التلاوات التي وجدت بعد السجدة، فلو كان التداخل في الحكم لما كفت تلك السجدة]

(6)

المتقدمة عن

(7)

التلاوات التي يوجد بعدها، كما لا يكفي في الحدود؛ لأنه حينئذ يلزم تقدم الحكم على العلة، وذلك مستحيل، بل يجعل التلاوات التي وجدت بعد السجدة ملحقة بالتلاوة [الأولى]

(8)

، فكانت السجدة بعد التلاوات كلها تقديرًا للتداخل في الأسباب، ولما كان التداخل في الأحكام في العقوبات.

(1)

ما بين معكوفين ساقط من (أ).

(2)

ما بين معكوفين ساقط من (ب).

(3)

أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (23/ 347)، قال الألباني: ضعيف. ينظر: إرواء الغليل: 7/ 343، وضعفه ابن الملقن في البدر المنير 8/ 613.

(4)

في (ب): "لم يثبت".

(5)

ما بين معكوفين ساقط من (ب).

(6)

ما بين المعكوفين ساقط من (ب).

(7)

في (ب): "على"

(8)

[ساقط] من (ب).

ص: 30

قلنا: إن من زنى فجلد، ثم لو زنى ثانيًا يجلد ثانيًا، وكذلك ثالثًا ورابعًا؛ لعدم التداخل في الأسباب، هذا كله ممّا أفاد الأستاذ المدقق

(1)

، والخبير المحقق

(2)

، مولانا فخر الدين المايمرغي رحمه الله

(3)

(4)

.

(فإذا اختلف عاد الحكم إلى الأصل)

(5)

أي: وإذا اختلف المجلس عاد وجوب السجدة إلى الأصل الذي هو التكرر؛ لأنّ كل واحدة من القراءتين سبب على حدة، والأصل: أن لا يتحد المفترقان إلا بجامع، والجامع اتحاد المجلس، ولما اختلف لم يبق الجامع، فعاد الحكم إلى الأصل الذي هو حقيقة التفرق، ثم إنّما يختلف المجلس؛ إذ ذهب عن ذلك المجلس بعيدًا، فأمّا إذا ذهب قريبًا، فاتحاد المجلس باقٍ

(6)

، والفاصل بين القريب والبعيد ما قيل في «المحيط»

(7)

: إنّه إذا مشى خطوتين أو ثلاثًا، فذلك قريب، وإن كان أكثر من ذلك، فذلك بعيد. قال محمد:[فإن]

(8)

كان نحوًا من عرض المسجد وطوله، فهو قريب.

[134/ ب] وفي «المبسوط»

(9)

: فإن نام قاعدًا، أو أكل لقمة، أو شرب شربة، أو/ عمل عملًا يسيرًا، ثم قرأها فليس عليه أخرى؛ لأنّ بهذا القدر لا يتبدّل المجلس، وذكر الإمام التمرتاشي

(10)

: بالأكل لا يختلف المجلس حتى يشبع، وبالشرب حتى يروى، وبالكلام والعمل حتَّى يكثر استحسانًا

(11)

.

(ولا يختلف بمجرّد القيام بخلاف المخيرة)

(12)

فإنّها إذا قامت من مجلسها يبطل خيارها، لا أنّ ذلك [لا]

(13)

بسبب اختلاف المجلس، بل لوجود دلالة الإعراض؛ لأن من حَزَبَهُ أمر، وهو قائم يقعد؛ إذ القعود أجمع للرأي، فكان قيامها دليل الإعراض، والخيار يبطل بالإعراض صريحًا، أو

(14)

دلالة، وفي تسدية الثوب يتكرّر الوجوب، وفي المتنقل من غصن إلى غصن، كذلك في الأصح، وكذا في الرئاسة، وهذا اللفظ كما ترى يدلّ على أن اختلاف المشايخ في المتنقل من غصن إلى غصن، وفي الدياسة لا في تسدية الثوب؛ لأنّه قطعها بالجواب من غير تردّد، ثم شبّه جواب الثاني بذكر الأصح به، ولكن ذكر الاختلاف في شروح «الجامع الصغير» في المسائل الثلاث كلها، وفي أمثالها

(15)

.

(1)

في (ب): "المحقق".

(2)

في (ب): "المدقق".

(3)

محمد بن محمد بن إلياس الملقب فخر الدين المايمرغي تلميذ الكردري، وروى الهداية عنه عن مصنفها، وهو أستاذ السغناقي، وعنه روى الهداية عن الكردري، عن المصنف رحمة الله عليهم. ينظر: شذرات الذهب: 8/ 433، الجواهر المضية: 2/ 115.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79، العناية شرح الهداية 2/ 21.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 24.

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 59.

(8)

[ساقط] من (أ).

(9)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 21.

(10)

سبق ترجمته (ص 57).

(11)

ينظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام: 1/ 158.

(12)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

(13)

[ساقط] من (أ).

(14)

في (ب): "و".

(15)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 24، 25.

ص: 31

وقال الإمام التمرتاشي: واختلف في تسدية الثوب والدياسة، والذي يدور حول الرحى، والذي يسبح في الحوض أو النهر، والذي تلا على غصن، ثم انتقل إلى غصن، والأصح هو الإيجاب؛ لأنّ المجلس ليس مجلس التلاوة، ولهذا يعتبر مختلفًا في الغصنين في الحل والحرم حتى أنّ الحلال إذا رمى صيدًا، والصيد على غصن شجرة أصلها في الحلّ، وذلك الغصن في الحرم يجب الجزاء، ولم يعتبروا الأصل، فكذلك هاهنا

(1)

.

قوله: (للاحتياط)

(2)

أي: بالنظر إلى اتحاد العمل، واتحاد اسم المجلس لا يتبدّل المجلس، فلا يتكرّر الوجوب، وبالنظر إلى حقيقة اختلاف المكان بتكرّر الوجوب، فقلنا: بالتكرار احتياطًا، وكذا إذا تبدّل مجلس الثاني

(3)

دون التسامع

(4)

،

(5)

.

(على ما قيل)

(6)

أي: يتكرر الوجوب على السامع، وإن اتحد مجلسه لما أن سماعه مبني على التلاوة، ومجلس التالي متبدّل، فيعتبر به.

وذكر الصدر الشهيد رحمه الله

(7)

في «الجامع الصغير» : ولو تبدّل مجلس التالي دون السامع يتكرر الوجوب على السامع؛ لأن الحكم يضاف إلى السبب، وهو قول الإمام علي البزدوي رحمه الله كأنه جعل التلاوة سببًا، وكذا ذكر بعض المتأخرين من مشايخنا في شرح هذا الكتاب

(8)

.

وقال القاضي الإمام

(9)

المنتسب إلى إسبيجاب

(10)

: إنّه لا يتكرر الوجوب على السّامع؛ لأن سبب الوجوب في حقه السماع، ومكان السّامع متحد هذا هو الأصح، وعليه الفتوى، ومن أراد السجود كبّر، ولم يرفع يديه، وسجد

(11)

اعتبارًا لسجدة الصلاة

(12)

.

(1)

ينظر: شرح فتح القدير: 2/ 25.

(2)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

(3)

في (ب): " التالي".

(4)

في (ب): "السامع".

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 25.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

(7)

عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازة، أبو محمد، حسام الدين، الحنفي. المعروف بالصدر الشهيد فقيه. أصولي. من أكابر الحنفية. تفقه على والده برهان الدين الكبير عبد العزيز، وناظر العلماء ودرس للفقهاء. وكان الملوك يصدرون عن رأيه. وتوفي شهيدًا. من تصانيفه:"الفتاوى الكبرى"، و"الفتاوى الصغرى"، و"عمدة المفتي والمستفتي"، و"شرح أدب القاضي"، و"شرح الجامع الصغير"، و"الواقعات الحسامية". ينظر: الجواهر المضية: 1/ 391، الفوائد البهية: ص 149، الأعلام للزركلي: 5/ 501.

(8)

ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ص 103، الفتاوى الهندية: 1/ 134، المحيط: 2/ 64.

(9)

أحمد بن منصور، القاضي، أبو نصر الإسبيجابي الحنفي. فقيه نسبته إلى إسبيجاب. بلدة كبيرة من ثغور الترك. ذكر أبو الوفاء في الجواهر نقلًا عن عمر بن محمد النسفي: أنه دخل سمرقند وأجلسوه للفتوى، وصار الرجوع إليه في الوقائع، فانتظمت له الأمور الدينية، وظهرت له الآثار الجميلة، ووجد بعد وفاته صندوق له فيه فتاوى كثيرة. من تصانيفه:"شرح مختصر الطحاوي"، و"شرح على كتاب الصدر ابن مازة"، و"شرح الكافي"، و"فتاوى"، وكلها في فروع الفقه الحنفي. ينظر: الجواهر المضية: 1/ 127، الفوائد البهية: ص 42، معجم المؤلفين: 2/ 183.

(10)

إسبيجاب: مدينة متصلة ببلاد الشاش لها قهندز وربض ودار الإمارة والجامع في المدينة الداخلة، وفي ربضها مياه وبساتين، وهي مدينة في مستو من الأرض، وهي ذات خصب وسعة، وليس بخراسان كلها وما وراء النهر منها بلد لا خراج عليه إلا اسبيجاب. ينظر: الروض المعطار: ص 56.

(11)

في (ب): "يسجد".

(12)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 25.

ص: 32

قلت: في هذا إشارة إلى أن التكبير ليس بواجب؛ بل هو سُنة لما أنّه اعتبر فيه بسجدة الصلاة، والتكبير فيها سُنة وليس بواجب؛ فكذا في هذا؛ وأيّده ما ذكره فيه في «المحيط»

(1)

، فقال: وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يكبّر عند الانحطاط؛ لأن تكبير الانتقال من الركن، وعند الانحطاط هاهنا لا ينتقل من الركن.

قوله: (ولم يرفع يديه) احتراز عن قول الشافعي رحمه الله

(2)

، فإن صفتها عنده أن يسجد سجدة واحدة، فيكبّر رافعًا يديه ناويًا، ثم يكبّر للسجود ولا يرفع يديه، ثم يكبّر للرفع ويسلّم، وأقلّها وضع الجبهة على الأرض بلا شروع ولا سلام. كذا في «الخلاصة الغزالية»

(3)

.

وذكر في «المبسوط»

(4)

: ولم يذكر ماذا يقول في سجوده، ثم قال: والأصح أن يقول من التسبيح ما يقول في سجدة الصلاة، وبعض المتأخرين استحسنوا أن يقول فيها:{سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}

(5)

، واستحسنوا أيضًا أن يقوم فيسجد؛ لأن الخرور سقوط من القيام، والقرآن ورد به، وإن لم يفعل لم يضره.

وفي «المحيط»

(6)

: وإن لم يذكر فيها شيئًا أجزأه؛ لأنها

(7)

لا يكون أقوى من السجدة الصلاتية، وهناك جائز بدونه فهنا أولى.

قوله: (ولا تشهُّد عليه ولا سلام)

(8)

نفي لقول بعض أصحاب الشافعي، [فإنّهم يقولون بهما، فقال شيخ الإسلام في «المبسوط»: ومن أصحاب الشافعي]

(9)

من لم يأخذ بما قاله الشافعي، لكن قال فيها: تشهد وتسليم؛ لأنه شرط التحريمة، وهو يستدعي سبق التحريمة، وهي معدومة

(10)

.

فإن قلت: كيف يكون التحريمة معدومة وقد ذكر في أول هذه المسألة ومن أراد السجود كبّر والتكبير للتحريمة كما في الشروع في الصلاة؟

[135/ أ] قلت: ذكرت آنفًا أن ذلك التكبير لا للتحريمة، بل لمشابهة هذه السجدة بسجدة الصلاة، والتكبير فيها ليس للتحريمة، بل للانتقال إلى السجود، فكذا هنا؛ لأنه يشبه الاستنكاف عن آية السجدة والاستنكاف/ عنها كفر، وما يشبه

(11)

صورة كان مكروهًا لا محالة؛ ولأن فيه ترك سنة القراءة، فإن السُّنة فيها أن يقرأ السورة على نحوها، قال صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه

(12)

: «إذا قرأت سورة فاقرأها على نحوها»

(13)

، وخلاف السنة مكروه. كذا في «المحيط»

(14)

.

(1)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 54.

(2)

ينظر: العزيز شرح الوجيز - الرافعي 4/ 198.

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 26.

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 16.

(5)

سورة الإسراء من الآية: (108).

(6)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 54.

(7)

في (ب): "لأنه".

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 79.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 26.

(11)

في (ب): "يشبهه".

(12)

بلال بن رباح الحبشي، أبو عبد الله: مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. من مولدي السراة، وأحد السابقين للإسلام. توفي في دمشق سنة 20 هـ، روى له البخاري ومسلم 44 حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 28، الإصابة في تمييز الصحابة: 1/ 326، تهذيب الكمال: 4/ 288.

(13)

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (2/ 430 – رقم 2304)، مطولًا، وقال: هكذا روى الحليمي هذا الحديث، والحديث عندنا في قصة أبي بكر من حديث عبد الله بن رباح عن أبي قتادة: وفي قصتها و قصة بلال من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة غير أنه قال: في حديث محمد بن عمرو: وقد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة قال: كلام طيب يجمعه الله عز وجل إلى بعض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«كلكم قد أصاب» هكذا، والحديث مرسل عن سعيد بن المسيب، ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (2/ 324).

(14)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 74.

ص: 33

(ولا بأس أن يقرأ آية السجدة ويدع ما سواها)

(1)

؛ لأن له أن يقرأ ما شاء من القرآن، هكذا

(2)

ذكره صدر الإسلام.

قلت: لا معارضة بين تعليلي هاتين المسألتين؛ كما أنّ الأول في حق قراءة السورة [وهذا في حق السورة]

(3)

، وهذا في حق قراءة الآية، وقال فخر الإسلام: لا بأس به لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في خطبته أحيانًا: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}

(4)

، وتارة لقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}

(5)

، وتارة:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)}

(6)

،

(7)

،

(8)

.

(واستحسنوا إخفاءها شفقة على السامعين)

(9)

، وفي «المحيط»

(10)

: فإن كان التالي وحده يقرأ كيف شاء، يعني: هذا آية السجدة جهرًا أو إخفاء، وإن كان معه جماعة قال مشايخنا: إن كان القوم متهيئين للسجود، ويقع في قلبه أنه لا يشق عليهم أداء السجدة ينبغي أن يقرأ جهرًا حتّى يسجد القوم معه؛ لأن في هذا حثًّا لهم على الطاعة، وإن كانوا محدثين، ويظن أنهم يسمعون ولا يسجدون، أو وقع في قلبه أنه يشق عليهم أداء السجدة ينبغي أن يقرأها في نفسه، ولا يجهر تحرزًا عن تأثيم المسلم، وذلك مندوب إليه.

وفيه أيضًا ذكر: فيمن قرأ آية السجدة كلها إلا الحرف الذي في آخرها قال: لا يسجد، ولو قرأ الحرف الذي يسجد فيه وحده لم يسجد إلا أن يقرأ أكثر من آي السجدة

(11)

.

وفي «فوائد الشيخ الإمام السفكردري

(12)

»: أن من تلا من أوّل السجدة أكثر من نصف الآية، وترك الحرف الذي فيه السجدة لم يسجد، وإن قرأ الحرف الذي فيه السجدة إن قرأ ما قبله أو بعده أكثر من نصف الآية يجب السجدة، وما

(13)

لا فلا

(14)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(2)

في (ب): "كذا".

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

سورة البقرة من الآية: (281).

(5)

سورة آل عمران من الآية: (102).

(6)

سورة الأحزاب الآية: (70).

(7)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 146 – 13604).

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 26، المحيط: 2/ 169.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(10)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 75.

(11)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 58.

(12)

السفكردري: قال الخاصي: ذُكر أبو حفص السفكردري في مختصر غريب الرواية، ولم يذكر السمعاني هذه النسبة فى كتابه. ينظر: الجواهر المضية: 2/ 317.

(13)

في (ب): " إلا".

(14)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 58.

ص: 34

وعن أبي علي الدقاق رحمه الله

(1)

: فيمن سمع سجدة من قوم قرأ كل واحد منهم حرفًا ليس عليه أن يسجد؛ لأنه لم يسمعها من تالي، والله أعلم

(2)

.

‌باب صلاة المسافر

لما تناسب باب سجدة التلاوة بباب صلاة المسافر من حيث إن لكل منهما تأثيرًا في العبادة إلا أن تأثير التلاوة في أصلها، وتأثير السّفر في صفتها قدم الأصل على الوصف كما هو حقه، أو لأن سبب سجدة التلاوة، وهو التلاوة بطريق الأصالة عبادة محضة، ومن أصول الدين، وسبب صلاة السفر، وهو السفر معاملة، ومن الأفعال المباحة قدّم العبادة على المعاملة لما مرّ في صدر الكتاب

(3)

.

قوله رحمه الله: (السفر الذي يتغيّر به الأحكام)

(4)

إنما قيّد به؛ لأنّ السفر لغةً: هو قطع المسافة، والجمع الأسفار. كذا في «الصحاح»

(5)

.

وهو غير متعرّض كما ترى للقطع المقيّد بثلاثة أيّام، أو أكثر، وكلامنا في القطع المقيّد، فوجب التقييد به، ثم ذكر القصد، وهو الإرادة الحادثة لما عزم؛ لأنّه لو طاف جميع العالم بلا قصد سيّر ثلاثة أيام لا يصير مسافرًا، فعُلم بهذا؛ لأنه لا معتبر للقصد المجرّد عن السير، ولا للسير المجرّد عن القصد، بل المعتبر في حقّ تغيير الأحكام اجتماعهما.

فإن قلت: الإقامة ضدّ السفر، وهي تثبت بمجرّد النية، فلم لا يثبت السّفر بمجرد النية كضدّه، فمن أي جهة وقع الفرق بينها؟

قلت: لأنّ في السفر الحاجة إلى الفعل، والفعل لا يكفيه مجرّد النية، وأمّا في الإقامة الحاجة إلى ترك الفعل، وفي الترك يكفيه مجرّد النية، ونظير هذا ما قال في [كتاب]

(6)

الزَّكاة: من كان له عبد للخدمة فنوى أن يكون للتجارة لم يكن للتجارة حتى يبيعه، وإن كان للتجارة فنوى أن يكون للخدمة خرج من التجارة بالنية، وما افترقا إلا من حيث إن في الفصل الأوّل الحاجة إلى الفعل، وفي الفصل الثاني الحاجة إلى ترك الفعل. كذا في «المبسوط»

(7)

.

ثم الأحكام التي تتغير بالسّفر هي: قصر الصلاة، وإباحة الفطر، وامتداد مدة المسح إلى ثلاثة أيام، وسقوط وجوب [ثلاثة أيام ولياليها]

(8)

الجمعة، والعيدين، والأضحية، وحرمة الخروج على الحرة بغير محرم

(9)

.

(1)

أبو علي الدقاق الرازي صاحب كتاب الحيض، قرأ على موسى بن نصر الرازي، وأبو علي هذا أستاذ أبي سعيد البردعي. ينظر: الجواهر المضية: 2/ 259.

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 58.

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 27.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(5)

(2/ 685 - مادة "سفر").

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

ينظر: المبسوط: 1/ 430، وفيه:(باب صلاة المسافر)، والمحيط البرهاني: 2/ 85.

(8)

ما بين معكوفين ساقط من (أ).

(9)

ينظر: الفتاوى الهندية: 1/ 138.

ص: 35

[135/ ب] قوله: (مسيرة ثلاثة أيام ولياليها؛ بسير الإبل، ومشي الأقدام)

(1)

بالنصب في سير الإبل، ومشي الأقدام، هكذا سمعت من الشيخ

(2)

رحمه الله ووجدته بخطه مقيَّدًا، وهو على البدل من مسيرة، أو على عطف بالبيان منها؛ لأنّ هذا تفسيرها، ولا يشترط في عطف البيان الأعلام؛ لأنّه عبارة عن تابع غير صفة/ [توضيح متبوعه]

(3)

، وهذا كذلك، ثم المعنى في تعيين ثلاثة أيام هو أنّ الترخص بالرخص في السفر لمكان الحرج، والمشقة، والحرج في أن تحمل رحلة من غير أهله، ويخطه في غير أهله، وذلك لا يتحقق فيما دون الثالث، ولأن في اليوم الأوّل يحمله من أهله، وفي اليوم الثاني إذا كان مقصده يحطه في أهله، وأمّا إذا كان التقدير بثلاثة أيام [ولياليهما]

(4)

، ففي اليوم الثاني يحمل رحله من غير أهله، ويحطه في غير أهله، فيتحقق معنى الحرج

(5)

، فلذلك قدَّرنا بثلاثة أيام ولياليها. كذا في «المبسوط»

(6)

.

وذكر في «المحيط»

(7)

: ومعنى قول علمائنا: أدنى مدّة السفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليها، مع السير الذي لا يكون في ثلاث أيام ولياليها، مع الاستراحات التي تكون في خلال ذلك؛ وهذا لأنّ المسافر لا يمكنه أن يمشي دائما بها، يمشي في بعض الأوقات، وفي بعض الأوقات يستريح، ويأكل، ويشرب.

(عم بالرخصة الجنس، ومن ضرورته عموم التقدير)

(8)

أي: النص يقتضي تمكن كل مسافر من استيفاء مدة الرخصة، ولو كان مدة السفر أقل من ثلاثة [أيام]

(9)

لا يتمكّن فيتطرق الخلف إلى النصّ، هكذا وجدت بخط الشيخ رحمه الله، أي: أثبتت الرخصة حكم مسح ثلاثة أيام لجنس المسافرين، وذلك لا يحصل إذا كان أدنى مدة السفر أقلّ من ثلاثة أيام، فلتلك

(10)

الضرورة أثبت تقدير أدنى مدة السفر بثلاثة أيام

(11)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(2)

المقصودُ عند الإطلاقِ باسمِ (الشّيخ) الإمام حافظ الدِّين الكبير البخاري (ت 693 هـ)، فإذا قال الإمام السَّغناقيّ: قال شيخي، سمعتُ شيخي، كذا بخط شيخي، فهو المراد، وهذا الإطلاقُ مستمرٌّ في جميع مصنفاته، وقد صرح بذلك في كتابه (الكافي). يُنْظَر: المنهل الصَّافي 5/ 165، الطبقات السنيّة 3/ 151.

(3)

في (ب): "يوضح تبوعه".

(4)

ما بين معكوفين ساقط من (أ).

(5)

في (ب): "الخروج".

(6)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 432.

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 82.

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(9)

[ساقط] من (أ).

(10)

في (ب): " فلذلك".

(11)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 28.

ص: 36

فإن قلت: يشكل هذا بمسألة

(1)

ذكرها في «المحيط»

(2)

، وهي: أن المسافر إذا بكّر في اليوم الأوّل؛ ومشى إلى وقت الزوال حتى بلغ المرحلة، فنزل فيها للاستراحة وبات فيها، ثم بكّر في اليوم الثاني ومشى إلى ما بعد الزوال ونزل، ثم بكّر في اليوم الثالث ومشى إلى وقت الزوال فبلغ في ذلك الوقت إلى المقصد، قال شمس الأئمة السرخسي

(3)

رحمه الله: الصحيح أنه يصير مسافرًا عند النية، ومعلوم أنّه لا يتمكن من [استيفاء]

(4)

مسح ثلاثة أيام في هذه المدة؛ لأنها ليست بثلاثة أيام كاملة، ومع ذلك أنّه مسافر.

قلت: إن لم يتمكن منه تحقيقًا فقد تمكّن تقديرًا؛ لأن النزول للاستراحة ملحق بالسير في حق تكميل مدة السّفر، وذلك لأنّ المسافر لا بدّ له من النزول لاستراحة نفسه، أو لاستراحة دابته، فليس الشرط أن يذهب من الفجر إلى الفجر؛ لأنّ الآدمي لا يطيق ذلك، وكذلك الدابة، فلذلك كان المشي في بعض النهار كافيًا. كذا في «المحيط»

(5)

.

فإذا كان كذلك فلو لم يبلغ إلى المقصد في اليوم الثالث كأن ينزل أيضًا للاستراحة كما في اليومين الأولين، ومدّة الاستراحة فيهما ملحقة بمدة السفر، فكذلك في اليوم الثالث

(6)

.

قوله: (والشافعي رحمه الله بيوم وليلة)

(7)

في قول، فإن له أقوالًا، [في قول]

(8)

:

قدّره بخمسة عشر فرسخًا

(9)

وفي قول بمسيرة يوم، وفي قول بمسيرة يومين. وفي قول: لستة وأربعين ميلًا

(10)

. كذا في مبسوطي

(11)

[الإمام الإسبيجابي

(12)

(13)

، والإمام السرخسي

(14)

رحمهما الله]

(15)

.

(1)

في (ب): "المسألة".

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 84.

(3)

سبق ترجمته (ص 71) هامش (2).

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 84.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 27.

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80، الحاوي في فقه الشافعي 1/ 278.

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

الفرسخ: ثلاثة أميال بالهاشمي، أو خمسة وعشرون غلوة، أو اثنا عشر ألف ذراع أو عشرة آلاف ذراع وهو على التقدير الحديث 5544 مترا. ينظر: القاموس المحيط: ص 329 - مادة "فرسخ".

(10)

المِيل: بكسر الميم مقدار مدى البصر من الأرض قاله الأزهري، وعند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع، وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع، والخلاف لفظي؛ لأنهم اتفقوا على أن مقداره ست وتسعون ألف إصبع، والإصبع ست شعيرات بطن كل واحدة إلى الأخرى، ولكن القدماء يقولون: الذراع اثنتان وثلاثون أصبعًا، والمحدثون يقولون أربع وعشرون إصبعًا، وعلى ذلك فالخلاف في الذراع وليس في الميل. ينظر: المصباح المنير: 2/ 588 - مادة "ميل".

(11)

في (ب): "المبسوطين".

(12)

تحفة الفقهاء: 1/ 148.

(13)

"شَيْخُ الْإِسْلَامِ لقب جماعة من العلماء الأئمة واشتهر بها عند الإطلاق علاء الدين أو بهاء الدين على بن مُحَمَّد بن إسماعيل بن علي بن أحمد الاسبيجابي السمرقندي المعروف بشيخ الإسلام، لم يكن بما وراء النهر في زمانه من يحفظ مذهب أبي حَنِيفَةَ ويعرفه مثله، تفقه على صاحب الهداية شرح البداية، له شرح مختصر الطحاوي، المَبْسُوط (ت 535 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية 2/ 592.

(14)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 431.

(15)

[ساقط] من (ب).

ص: 37

قوله: (وهو قريب من الأول)

(1)

إلى التقدير [بثلاث مراحل قريب إلى التقدير]

(2)

بثلاثة أيام؛ لأن المعتاد من السير في كل يوم مرحلة واحدة خصوصًا في أقصر أيام [السنة. كذا في «المبسوط»

(3)

.

قوله]

(4)

: (ولا معتبر بالفراسخ هو الصحيح)

(5)

احتراز عن قول عامّة المشايخ، [فإن عامّة المشايخ]

(6)

قدروها بالفراسخ أيضًا، ثم اختلفوا فيما بينهم [بعضهم]

(7)

قالوا: أحد وعشرون فرسخًا، وبعضهم قالوا: ثمانية عشر، وبعضهم قالوا: خمسة عشر، والفتوى على ثمانية عشر؛ لأنها أوسط الأعداد. كذا في «المحيط»

(8)

.

وذكر فيه قبل هذا، وعن أبي حنيفة رحمه الله: أنه اعتبر ثلاث مراحل، فعلى قياس هذه الرواية من بخارى

(9)

إلى كرمينية

(10)

مدة سفر، وكذلك إلى فربر

(11)

، وبه أخذ بعض مشايخ بخارى

(12)

.

وذكر في «الأنساب

(13)

السمعانية»

(14)

: أن كرمينية من بخارى ثمانية عشر فرسخًا.

(ولا يعتبر السير في الماء معنا، ولا يعتبر به السير في البرّ)

(15)

أي: لا يعتبر بالسير في الماء السير في البر بأن كان لموضع طريقان:

أحدهما: في الماء، وهو يقطع بثلاثة أيام ولياليها فيما إذا كانت الرياح مستوية لا عالية ولا ساكنة.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(2)

[ساقط] من (أ).

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 432.

(4)

في (ب): "الشقاء كذا في «المحيط» ".

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 83.

(9)

بُخارى: بالضم من أعظم مدن ما وراء النهر، وخراسان، وأجلها يعبر إليها من آمل الشط وبينها وبين جيحون يومان من هذا الوجه، وكانت قاعدة ملك السامانية. ينظر: معجم البلدان: 1/ 353.

(10)

كَرْمِينِية: بلدة من نواحي الصغد كثيرة الشجر والماء، بين سمرقند وبخارى، بينها وبين بخارى ثمانية عشر فرسخًا، وقد نسب إليها كرماني. ينظر: معجم البلدان: 4/ 456.

(11)

مدينة: بينها وبين بخارى ثلاث مراحل، وهي من البلاد التي خلف النهر من بلاد خُراسان، وبينها وبين جيحون نحو ميل، وهي مدينة حسنة صغيرة كثيرة الجبايات كثيرة الخصب والخير، ولها قرى عامرة ورساتيق، وهي مضمومة بجملتها إلى بخارى. ينظر: الروض المعطار: ص 440.

(12)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 82.

(13)

في (ب): " الأنساق".

(14)

ينظر: الأنساب للسمعاني: 5/ 58.

(15)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

ص: 38

والثاني: في البرّ، وهو يقطع بيوم أو بيومين، فإنّه إذا ذهب في طريق الماء ترخّص، وفي البرّ لا، ولو انعكس التقدير ينعكس الحكم أيضًا، وكذلك لو اختلف الطريقان في البرّ يثبت الحكم بحسب ذلك أيضًا

(1)

.

وقال في «المحيط»

(2)

: في مصر له طريقان:

[136/ أ] أحدهما: مسيرة يوم، والآخر مسيرة ثلاثة أيام ولياليها إن أخذ في الطريق الذي هو مسيرة يوم لا يقصر/ الصلاة، ولو

(3)

أخذ في الطريق الذي هو مسيرة ثلاثة أيام ولياليها قصر الصلاة.

(فأمّا المعتبر في البحر ما يليق بحاله)

(4)

، أي: يعتبر ثلاثة أيام ولياليها في السيّر في البحر بعد أن كانت الرياح مستوية لا عالية، ولا ساكنة كما في الجبل، فإنه يعتبر ثلاثة أيام ولياليها في السّير في الجبل، وإن كانت تلك المسافة في السّهل يقطع بما دونها. كذا في «الخلاصة»

(5)

.

(وفرض المسافر في [الصلاة]

(6)

الرباعية ركعتان لا يزيد عليهما)

(7)

.

وفي «المبسوط»

(8)

: القصر عزيمة في حق المسافر عندنا، وقال الشافعي

(9)

رحمه الله رخصة، واستدلّ بقوله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}

(10)

، فهو تنصيص على أنّ أصل الفريضة أربع، والقصر رخصة.

وفي «مبسوط شيخ الإسلام» رحمه الله: شرع القصر بلفظ

(11)

لا جناح، وهو يذكر للإباحة لا للوجوب، كما قال تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}

(12)

، فدلّ أنّ القصر مباح وليس بواجب، ولما كان مباحًا كان المسافر فيه بالخيار.

وعن عمر رضي الله عنه: أشكلت عليّ هذه الآية، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما بالنا نقصر وقد آمنا ولا نخاف شيئًا، وقد قال الله تعالى:{إِنْ خِفْتُمْ}

(13)

، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنها صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته»

(14)

،

(15)

، فقد علّق القصر بالقبول، وسمّاه صدقة، والمتصدق عليه يتخيّر في قبول الصدقة، فلا يلزمه القبول حتمًا فيما هو من الأركان الخمس فكذا هذا، ولأن هذه رخصة شرعت للمسافر، فيتخيّر فيها كما في الصّوم، وكما في الجمعة مع الظهر، ولأنّه لو اقتدى بالمقيم صار فرضه أربعًا، ولو كان ركعتين كان لا يتغيّر [فرضه]

(16)

لأجل المقيم

(17)

.

(1)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 30.

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 84.

(3)

في (ب): " وإن".

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 82.

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 30، 31.

(6)

[ساقط] من (أ).

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 82.

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 439.

(9)

ينظر: الحاوي في فقه الشافعي: 2/ 359.

(10)

سورة النساء من الآية: (101).

(11)

في (ب): "لفظة".

(12)

سورة البقرة من الآية: (236).

(13)

سورة النساء من الآية: (101).

(14)

أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/ 478)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، رقم (686).

(15)

قال القرطبي: {إِنْ خِفْتُمْ} خرج الكلام على الغالب، إذ كان الغالب على المسلمين الخوف في الأسفار؛ ولهذا قال يعلى بن أمية قلت لعمر: ما لنا نقصر وقد أمنا. قال عمر: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ". قلت: وقد استدل أصحاب الشافعي وغيرهم على الحنفية بحديث يعلى بن أمية هذا فقالوا: إن قوله: "ما لنا نقصر وقد أمنا "دليل قاطع على أن مفهوم الآية القصر في الركعات. قال الكيا الطبري: ولم يذكر أصحاب أبي حنيفة على هذا تأويلا يساوي الذكر؛ ثم إن صلاة الخوف لا يعتبر فيها الشرطان؛ فإنه لو لم يضرب في الأرض ولم يوجد السفر بل جاءنا الكفار وغزونا في بلادنا فتجوز صلاة الخوف؛ فلا يعتبر وجود الشرطين على ما قال. وفي قراءة أبي "أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا "بسقوط "إن خفتم". والمعنى على قراءته: كراهية أن يفتنكم الذين كفروا، {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية على هذا تضمنت قضيتين وحكمين. فقوله:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} يعني به في السفر؛ وتم الكلام، ثم ابتدأ فريضة أخرى فقدم الشرط؛ والتقدير: إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة. والواو زائدة، والجواب {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ}. وقوله:{إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} اعتراض. وذهب قوم إلى أن ذكر الخوف منسوخ بالسنة، وهو حديث عمر إذ روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"هذه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته". قال النحاس: من جعل قصر النبي صلى الله عليه وسلم في غير خوف وفعله في ذلك ناسخًا للآية فقد غلط؛ لأنه ليس في الآية منع للقصر في الأمن، وإنما فيها إباحة القصر في الخوف فقط. ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 5/ 361، 363.

(16)

[ساقط] من (ب).

(17)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 31، 32.

ص: 39

ولنا ما روي عن عمر رضي الله عنه أنّه قال: «صلاة المسافر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تام غير قصر على لسان نبيّكم»

(1)

، وفي رواية:«تمام»

(2)

، وعن ابن عمر رضي الله عنهما:«صلاة المسافر ركعتان من خالف السُّنة كفر»

(3)

.

والمعنى في المسألة: أنه ترك الركعتين الآخريين بلا بدل يلزمه، ولا إثم يلحقه، وكان تطوّعًا كسائر التطوعات.

وأمّا الجواب عن تعلّقه بالآية، قلنا: المراد من القصر المذكور فيها هو القصر في الأوصاف من ترك القيام إلى القعود، أو ترك الركوع والسجود إلى الإيماء؛ لخوف العدوّ، بدليل أنّه علّق ذلك بالخوف، فقصر الأصل غير متعلّق بالخوف بالإجماع، وإنّما هو متعلّق بالسّفر، وعندنا قصر الأوصاف عند الخوف مباح لا واجب.

وأمّا تعلّقه بحديث الصدقة، قلنا: هو دليلنا؛ لأنّه أمر [بالقبول]

(4)

، والأمر للوجوب، ولأنّ هذه صدقة لواجب في الذّمة، وليس له حكم المال، فيكون إسقاطًا محضًا لا يرتد بالردّ، كالصدقة بالقصاص، والطلاق، والعتاق يكون إسقاطًا لا يرتدّ بالردّ، فكذا هذا.

فإن قيل: إنما

(5)

خياره في قبول الصدقة بمنزلة رجل له قبل آخر أربعة دراهم، فتصدّق عليه بدرهمين، فإنّ المتصدق عليه إن شاء قبل الصدقة، فنفى عليه درهمان، وإن شاء ردّ الصدقة، فيكون عليه [إلا]

(6)

الربع

(7)

، فكذا هذا، قلنا: لا يستقيم هذا؛ لأنّه يكون نصب شريعة مفوّضًا إلى رأي العبد، كأن الله تعالى قال: اقصروا إن شئتم، وهكذا لا نظير له، وهذا لأنّ أوامر الله تعالى من ندب، أو وجوب، أو إباحة نافذة بنفسها غير متعلّقة برأي العبد؛ لأنّه لو كان معلّقًا لم يكن شرعًا للحال كالطلاق المعلّق بالمشيئة، فإنّ التعليق بالمشيئة تمليك، وليس بتعليق بخلاف [التعليق]

(8)

سائر

(9)

الشروط، فكان كلّ واحد من المسافرين صاحب شريعة بخلاف صدقة واحد منا، فإن ولاية الواهب على الآخر غير نافذة، فلذلك لم يثبت إلا بقبوله. كذا في «الأسرار»

(10)

.

(1)

أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (1/ 184 – 495)، من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى.

(2)

أخرجه النسائي في «سننه» (3/ 183)، كتاب صلاة العيدين، باب عدد صلاة العيدين، رقم (1566)، من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى. وقال الألباني في (صحيح وضعيف سنن النسائي: 4/ 210): صحيح.

(3)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 140 – رقم 5202)، من حديث صفوان بن محرز. قال الألباني في (صلاة التراويح: ص 43): أثر صحيح.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

في (ب): "أما".

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

في (ب): "ربع".

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

في (ب): " بسائر".

(10)

كشف الأسرار: 2/ 470، 471.

ص: 40

و [أما]

(1)

الجواب عن اعتباره بالصّوم، فقد ذكرنا أن ترك الشيء بلا بدل يلزمه دليل النقلية، وفيه بدل وهو القضاء فلا يلزمنا، ولأن جهة

فيه في إباحة الفطر متردّد غير متعيّنة لما عرف، وأمّا قوله: لو كان فرضه ركعتين؛ [لكان]

(2)

لا يتغيّر لأجل الغير، فيشكل بالجمعة، فإن فرض الإمام يتغيّر لأجل القوم، فإنّ فرضه بدون القوم أربع ركعات، وبسبب القوم يصير ركعتين. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» رحمه الله

(3)

.

(ولنا أنّ الشفع الثاني لا يقضي، ولا يؤثم على تركه، وهذا آية النافلة)

(4)

.

فإن قلت: يشكل على هذا الفقير [الذي]

(5)

يحج حجة الإسلام، فإنّها تقع فرضًا، ومع ذلك أنّه لو لم يأت بها لم يكن عليه قضاء ولا إثم لعدم الاستطاعة؟

[136/ ب] قلت: لما أتى مكة/ [باعتبار دخولها تحت قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}

(6)

حيث لم يقدّر الله كم كان، ثم ورود البيان بتقدير ثلاث آيات، أو ما دونها بمقدار على حسب ما ختلفوا فيه بطريق الاجتهاد بمنع النقصان دون الزيادة، فكان انتفاء العقاب في الزائد عند الترك لا يوجب نفي الفرضية؛ لأنه وجد أصله وهي ثلاث آيات، ثم لما واجد الزائد عليها ألحق بها إلحاقًا لمزيد عليه، وإدخالًا له تحت قوله تعالى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}

(7)

،

(8)

؛ لأنه لا تقدير فيه، فكان هذا كتطويل القيام، والركوع، والسجود، فلا يفرد للمزيد حكم على حدة بعد تناول دليل الفرضية للمزيد، والمزيد عليه كفاية]

(9)

صار مستطيعًا، فيفترض عليه حتّى أنّه لو تركها يأثم، كما يفترض على الأغنياء المستطيعين في الآفاق، وأمّا الركعتان الأخريان لا يصيران فرضًا على المسافر ما لم ينو الإقامة، أو يدخل حصره

(10)

. كذا ذكره شيخ الإسلام. وأمّا الجواب عن القراءة الزائدة على قدر المسنون في الصلاة يقع فرضًا، ومع ذلك لا يؤثم على تركها، فقد ذكر في «الوافي» في باب العزيمة والرخصة

(11)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية: 2/ 31 - 32.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

سورة المزمل من الآية: (20).

(7)

سورة المزمل من الآية: (20).

(8)

قال القرطبي: معناه أقرؤوا إن تيسر عليكم ذلك، وصلوا إن شئتم. وصار قوم إلى أن النسخ بالكلية تقرر في حق النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا، فما كانت صلاة الليل واجبة عليه. ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 19/ 56.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

الإحصار في اللغة المنع، يقال: حصره العدو وأحصره المرض، وفي الشرع عبارة عن منع المحرم عن الوقوف والطواف بعذر شرعي يباح له التحلل بالدم بشرط القضاء عند الإمكان. الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 178).

(11)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 31، 32.

ص: 41

قوله: (وإن لم يقعد في الثانية قدرها)

(1)

أي: [في الركعة الثانية]

(2)

قدر التشهد على تأويل قدر قعدة التشهد بطلت كما في صلاة الفجر، وهذا عندنا، وقال الشافعي رحمه الله صلاته تامة، فكان الأربع فرضًا له، وهذا بناء على ما تقدّم من أنّ القصر عزيمة في حق المسافر عندنا، وقال الشافعي

(3)

رخصة. كذا في «المبسوط»

(4)

.

فإن قلت: يشكل على قولنا هذا القراءة، فإن المسافر إذا لم يقرأ في الرّكعتين، وقام إلى الثالثة، ونوى الإقامة، وقرأ في الأخريين يجوز صلاته عندهما خلافًا لمحمد، والمسألة في نوادر «المبسوط» ، وركعتا المسافر كما يحتاجان إلى القعدة، فكذلك يحتاجان إلى القراءة.

ثم فسدت في حق القعدة هاهنا، ولم تفسد في حق القراءة.

قلت: هذا مطّرد، وليس بمنتقض لما أنّه لو ترك القعدة هنا، وقام إلى الثالثة، ونوى الإقامة فأتّمها أربعًا تجوز صلاته أيضًا. كذا في نوادر صلاة «المبسوط»

(5)

.

وكلامنا فيما إذا لم يقعد في الأولى، وأتمّ أربعًا من غير نية الإقامة، فكان فيه اختلاط الناقلة بالفرض قبل إكمال الفرض، وذلك مبطل للصلاة، وإذا فارق بيوت المصر صلى ركعتين، ويعتبر في مفارقة المصر الجانب الذي يخرج منه المسافر من البلدة لا الجوانب التي تحد

(6)

البلدة، حتّى إنّه إذا خلّف البنيان الذي خرج منه قصر الصلاة، وإن كان بحذائه بنيان آخر من جانب آخر من المصر

(7)

، وذكر الصدر الشهيد

(8)

رحمه الله: أن رجلًا خرج مسافرًا من بخارى، [فلما]

(9)

بلغ [إلى]

(10)

ديكستان قوط

(11)

أو إلى رباط وليان اختلف المشايخ فيه، والمختار أنّه يقصر الصلاة؛ لأنّه جاوز الرّبض، [ومتى جاوز الرّبض]

(12)

، فقد جاوز عمران البلدة، والصحيح: أنه يعتبر مجاوزة عمران المصر إلا إذا كان ثمة قرية، أو قرى متصلة تربض المصر، فحينئذ يعتبر مجاوزة القرى. كذا في «المحيط»

(13)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: الحاوي في فقه الشافعي: 2/ 227.

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 439.

(5)

ينظر: المرجع السابق.

(6)

في (ب): "بحذاء".

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 32.

(8)

سبق ترجمته (ص 99).

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

قُوط: قرية من قرى بلخ أزبكستان. ينظر: معجم البلدان: 4/ 413، المحيط: 2/ 86.

(12)

[ساقط] من (ب).

(13)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 86.

ص: 42

وذكر الإمام التمرتاشي: والأشبه أن يكون الانفصال من المصر قدر غلوة

(1)

، فحينئذ يقصر

(2)

.

فإن قلت: يشكل على هذا كلّه جواز صلاة الجمعة والعيدين في هذه المواضع، وفي أبعد من هذه المواضع من المصر، فإنّها يجوز في فناء المصر، قال الإمام خواهر زاده

(3)

وشمس الأئمة السرخسي: الصحيح أن الفناء مقدَّر بالغلوة، وقدّر بعضهم الفناء بفرسخين، وبعضهم بثلاثة فراسخ. ذكره في «المحيط»

(4)

.

ولا شك أنّ المصر شرط لجواز هذه الصلوات حتّى لا يجوز في القرى، فلما أعطيت هذه المواضع حكم المصر في حق صلاة الجمعة والعيدين، فكيف أُعطيت حكم غير المصر في حق القصر للمسافر؟

قلت: لأنّ فناء المصر إنما يلحق بالمصر فيما كان من حوائج أهل المصر، وصلاة الجمعة، والعيدين من حوائج أهل المصر، فأمّا قصر الصلاة، فليس من حوائج أهل المصر فلا يلحق الفناء بالمصر في حق هذا الحكم مع أنّ على قول بعض المشايخ لا يجوز الجمعة خارج المصر إذا كان ذلك الموضع منقطعًا عن العمران، وكان الفقيه أبو الليث رحمه الله

(5)

يقول: بالجواز في فناء المصر، ذكره في فصل الجمعة، من «المحيط» ، وفيه الأثر، وهو مأثور عن علي رضي الله عنه عنه، فإنّه خرج من البصرة يريد السفر فحان وقت العصر فأتّمها، ثم نظر إلى خصِّ أمامه، فقال: «أمّا [إنا]

(6)

لو كنّا جاوزنا هذا الخصّ قصرنا»

(7)

. ذكره في «المحيط»

(8)

.

(1)

الغلوة: رمية سهم أبعد ما يقدر عليه، وقيل: هي قدر ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة، وجمعها غلوات، أو هي جزء من خمسة وعشرين جزءًا من الفرسخ. ينظر: المصباح المنير: 2/ 452.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 34.

(3)

محمد بن الحسين بن محمد بن الحسن أبو بكر البخاري، الحنفي، المعروف بخواهر زاده. فقيه حنفي، نحوي كان شيخ الأحناف فيما وراء النهر. مولده ووفاته في بخارى، كان فاضلًا مائلًا إلى الحديث وأهله. سمع الكثير وكتبه بخطه، ولم يكن بمرو من يجري مجراه من أصحاب أبي حنيفة في الحديث وكتابته. من آثاره:"المبسوط"، و"شرح الجامع الكبير للشيباني"، و"شرح مختصر القدوري"، و"التجنيس" في الفقه. ينظر: الجواهر المضية: 2/ 49، الفوائد البهية: ص 163، الأعلام للزركلي: 6/ 100.

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 155.

(5)

نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه، أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقه على الفقيه أبو جعفر الهندواني وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة. ينظر: سير أعلام النبلاء: 16/ 322، الجواهر المضية: 2/ 196، الأعلام للزركلي: 8/ 27.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار – مسند عمر» (2/ 915 – رقم 1295) من حديث أبي حرب.

(8)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 155.

ص: 43

الخصّ: بيت من قصب، ذكره في «المغرب»

(1)

(2)

، وفيه السُّنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال أنس رضي الله عنه:«إنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلّى الظهر بالمدينة أربعًا، وصلّى بذي الحليفة ركعتين»

(3)

. كذا في «المصابيح»

(4)

.

[137/ أ] (ولا يزال على [حكم]

(5)

السّفر حتّى ينوي الإقامة في بلده، أو قرية خمسة عشر يومًا)

(6)

، وهذا عندنا، وقال الشافعي

(7)

رحمه الله: إذا نوى إقامة أربعة أيام صار مقيمًا لا يباح له القصر، وقال أيضًا في قول: إذا أقام أكثر من أربعة أيام صار

(8)

مقيمًا، وإن لم ينو الإقامة، فكان الخلاف بيننا وبينه في موضعين: أحدهما: في قدر نية الإقامة./

قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}

(9)

الله تعالى أباح القصر بالضرب في الأرض

(10)

، فمفهومه يقتضي أنه متى ترك الضرب والسير لا يباح له القصر إلا أنا تركنا مفهوم الآية في أقلّ من مدة أربعة أيام بدليل الإجماع، فبقي الباقي على ظاهره، واستدلّ أيضًا بما رُوي:«أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رخّص للمهاجرين في المُقام بمكة بعد قضاء المناسك ثلاثة أيام»

(11)

، فهو دليله على أن بالزيادة على ذلك يثبت حكم الإقامة، وروي عن عثمان رضي الله عنه مثل مذهبه، ولما اختلفت الصحابة كان الأخذ بقول عثمان أولى للاحتياط، واحتج أصحابنا بما روى مجاهد عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما، أنهما قالا:«إذا دخلت بلدة وأنت مسافر، وفي عزمك أن تقيم بها خمسة عشر يومًا فأكمل الصلاة، وإن كنت لا تدري متى تظعن فاقصر»

(12)

، وروى جابر

(13)

: «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة صبيحة يوم الرابع من ذي الحجّة وخرج إلى منى يوم التروية»

(14)

، وقد كان يقصر الصلاة، وقد أقام أكثر من أربعة أيام، فإن قيل: الحديث محمول على ما إذا لم ينو الإقامة، وعندنا بدون [نية]

(15)

الإقامة لا يصير مقيمًا بأربعة أيام

(16)

.

(1)

كتاب المُغْرِب في ترتيب المعرب لإبي الفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي بن المطرز حقق الْكِتَاب محمود فاخوري وعبدالحميد مختار وطبعته مكتبة أسامة بن زيد في سوريا يقول في مقدمة الْكِتَاب ترجمتُه بكتاب "المُغْرِب في ترتيب المُعْرب" لغرابة تصنيفه ورصانة ترصيفه وإلى الله سبحانه وتعالى أبتهل في أن ينفعني به وأئمةَ الإسلام ويجمعني وإياهم ببركات جمعه في دار السلام.

(2)

(1/ 257 - مادة "خصص").

(3)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 138)، كتاب الحج، باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح، رقم (1547). ومسلم في «صحيحه» (1/ 480)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، رقم (690).

(4)

ينظر: مشكاة المصابيح: 1/ 421.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(7)

ينظر: المجموع شرح المهذب: 4/ 362.

(8)

في (ب): " كان".

(9)

سورة النساء من الآية: (101).

(10)

قال القرطبي: اختلفوا متى يقصر، فالجمهور على أن المسافر لا يقصر حتى يخرج من بيوت القرية، وحينئذ هو ضارب في الأرض، وهو قول مالك في المدونة. ولم يحد مالك في القرب حدًا. وروي عنه إذا كانت قرية تجمع أهلها فلا يقصر أهلها حتى يجاوزوها بثلاثة أميال، وإلى ذلك في الرجوع. وإن كانت لا تجمع أهلها قصروا إذا جاوزوا بساتينها. وروي عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرًا فصلى بهم ركعتين في منزله، وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود، وبه قال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى. قلت: ويكون معنى الآية على هذا: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} أي إذا عزمتم على الضرب في الأرض. والله أعلم. وروي عن مجاهد أنه قال: لا يقصر المسافر يومه الأول حتى الليل. وهذا شاذ؛ وقد ثبت من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعًا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين. أخرجه الأئمة، وبين ذي الحليفة والمدينة نحو من ستة أميال أو سبعة. ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 5/ 356.

(11)

أخرجه مسلم في «صحيحه» (2/ 985)، كتاب الحج، باب جواز الإقامة بمكة للمهاجر منها، رقم (1352)، من حديث العلاء بن الحضرمي.

(12)

قال الزيلعي: هو مأثور عن ابن عباس. وابن عمر رضي الله عنهم، والأثر في مثله كالخبر، وقد أخرجه الطحاوي عنهما. ينظر: نصب الراية: 2/ 183.

(13)

جابر بن عبد الله بن عمرو الخزرجي الأنصاري السلمي: صحابي، من المكثرين في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى له البخاري ومسلم. توفي سنة 78 هـ في المدينة. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 51، الإصابة في تمييز الصحابة: 1/ 434، تهذيب الكمال: 4/ 443.

(14)

أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 366 – رقم 14986)، مطولًا، قال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وإسناده حسن في المتابعات والشواهد لأن فيه الربيع بن صبيح فإنه يعتبر به.

(15)

[ساقط] من (ب).

(16)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 34، 35، المبسوط للسرخسي: 1/ 433.

ص: 44

قلنا: لا يصحّ هذا؛ لأنّه دخل مكة للحج، ومن دخل مكة للحج لابدّ أن ينوي الإقامة حتى يقضي حجه، وقضاء حجه فيما ذكرنا كان أكثر من أربعة أيام، ومع ذلك كان يقصر، فأمّا تعلّقه بالآية، قلنا: هو متروك الظاهر بالإجماع لما أنّ السّفر يزول بنفس الإقامة، ثم يباح القصر. وأمّا الحديث: قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنّما قدّر [بهذا؛ لأنه]

(1)

علم أن حوائجهم كانت ترتفع في هذه المدة، لا لتقدير أدنى مدّة الإقامة، وأما دعوى الاحتياط قلنا: هذا مشكل بما لو نوى الإقامة ثلاثة أيام، أو أقل لا يصير مقيمًا، وإن كان الاحتياط فيه، ولأنّ في التمليك ترك الاحتياط من وجه، فإنّه متى ترك القعدة الأولى يجزئه صلاته، فالاحتياط أن يؤخذ فيه بالفساد، فكان معنى الاحتياط مما يتعارض هاهنا، ثم ما قلناه

(2)

أوفق للقياس؛ لأنّ الإقامة أصل كالطهر والسّفر عارض كالحيض، ثم يثبت أن أقلّ الطهر خمسة عشر يومًا، فكذا الإقامة مع أنّ ما قاله الشافعي

(3)

رحمه الله خلاف الإجماع. هكذا قاله الطحاوي

(4)

، فإنّه لم يُنقل عن أحدٍ قبله بأن يصير مقيمًا بنيّة أربعة أيام. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(5)

.

(لأنّهما مدّتان موجبتان إلا أنّ الطهر إيجابه في الأصل، والإقامة في القدر بالتكميل، والأثر في مثله كالخبر)

(6)

أي: قول الصحابي في المقدرات التي لا يهتدي إليها العقل، كالمروي من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنّه لما لم يهتد إليه العقل لا يمكن القول فيه بالرأي، فكان قولهم ضرورة معتمدًا على ما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقال: كيف؟ قال: هذا مع أنه قال فيه معنًى معقول، وهو إلحاقها بالطهر بجامع الموجبية؛ لأنّا نقول ذلك إظهار معنًى بعد ثبوت أصله بالأثر لا أن يثبت أصله بالدليل المعقول؛ لأنه لا يهتدي إليه العقل، فكان هذا من قبيل ترجيح أحد الأمرين لموافقته القياس

(7)

.

(والتقييد بالبلدة والقرية يشير إلى أنه لا يصحّ منه الإقامة في المفازة، وهو الظاهر)

(8)

أي: الظاهر من الرواية، وهذا احتراز عما روي عن أبي يوسف رحمه الله أن الرعاة إذا نزلوا موضعًا كثير الكلأ والماء، ونووا الإقامة خمسة عشر يومًا والماء والكلأ يكفيهم لتلك المدة صاروا مقيمين، وكذا التراكة والإعراب، ولكن ظاهر الرواية هو أنّ نية الإقامة لا تصح إلا في موضع

(1)

في (ب): " بهذه الآية".

(2)

في (ب): "قلنا".

(3)

ينظر: العزيز شرح الوجيز – الرافعي: 4/ 448.

(4)

ينظر: حاشية الطحاوي: ص 280.

(5)

ينظر: الجوهرة النيرة: 1/ 86.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 35.

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

ص: 45

الإقامة، وموضع الإقامة العمران، والبيوت المتخذة من الحجر، والمدر، والخشب لا الخيام، والأخبئة، والوبر. كذا في «فتاوى قاضي خان»

(1)

.

[137/ ب] قلت: هذا الذي ذكره من اشتراط موضع الإقامة من البلدة، والقرية إنّما كان فيما إذا سار ثلاثة أيام بنية السفر، وهو نوى مكانًا هو مدة السفر، فأمّا قبل ذلك، فيصح نية الإقامة في المفازة أيضًا. ذكره فخر الإسلام في «أصول الفقه»

(2)

في العوارض المكتسبة، فقال:(ألا ترى أنّه إذا نوى رفضه)، أي: رفض السّفر فيما إذا لم يتم ثلاثة أيام صار مقيمًا، وإن كان في غير موضع الإقامة؛ لأن/ السّفر لما

(3)

لم يتم علة كانت نية الإقامة نقضًا

(4)

للعارض لا ابتداء علّة، وإذا سار ثلاثة أيّام، ثم نوى المقام في غير موضع الإقامة لم يصحّ؛ لأنّ هذا ابتداء إيجاب، فلا يصحّ في غير محلّه، وكذلك ذكر في «فتاوى قاضي خان» ما يوافق هذا، فقال: المسافر إذا جاوز عمران مصره، فلما سار بعض الطريق تذكّر شيئًا في وطنه، فعزم الرجوع إلى [أن]

(5)

الوطن لأجل ذلك يصير مقيمًا بمجرّد العزم إلى الوطن؛ لأنه رفض سفره قبل الاستحكام حيث لم يسر ثلاثة أيام، فيعود مقيمًا، ويتم صلاته

(6)

، وسيأتي مما يؤنس هذا الأصل من مسائل «المحيط»

(7)

.

(ولو دخل مصرًا على عزم أن يخرج غدًا

إلى آخره)

(8)

هذا هو المسألة الثانية، وقد ذكرنا أنّ عند الشافعي يصير مقيمًا إذا أقام أكثر من أربعة أيّام، وإن لم ينو الإقامة

(9)

.

وفي «المبسوط»

(10)

: وقال الشافعي

(11)

: إذا زاد على ثماني عشرة ليلة أتمّ الصلاة، واحتج هو فيه بظاهر قوله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ}

(12)

على ما ذكرنا، ولأنّ القياس أن يصير مقيمًا بنفس الإقامة؛ لأنّ الإقامة ضدّ السّفر، فإذا صار مسافرًا بالسير يصير مقيمًا بالإقامة إلا أنّا تركنا القياس مدة تسعة عشر أو عشرين بالأثر، وهو: «أنّه صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك تسعة [عشر]

(13)

وكان يقصر [وكان ذلك]

(14)

من غير نيّة الإقامة»

(15)

، فبقي ما وراه على أصل القياس.

(1)

ينظر: البحر الرائق: 2/ 142.

(2)

ينظر: أصول البزدوي: ص 355.

(3)

في (ب): "بما".

(4)

في (ب) بقضاء.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 35.

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 85.

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 36، العزيز شرح الوجيز – الرافعي: 4/ 448.

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 435.

(11)

ينظر: الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي: 1/ 187.

(12)

سورة النساء من الآية: (101).

(13)

[ساقط] من (أ).

(14)

[ساقط] من (ب).

(15)

أخرجه أبو داود في «سننه» (1/ 477)، كتاب صلاة السفر، باب إذا أقام بأرض العدو يقصر، رقم (1237)، بلفظ:"عشرين". قال الألباني (صحيح وضعيف سنن أبي داود: 3/ 235): صحيح.

ص: 46

ولنا في ذلك إجماع الصحابة، فإنّه روي عن سعد بن أبي وقاص

(1)

: «أنّه أقام بقرية من قرى نيسابور

(2)

شهرين وكان يقصر»

(3)

، وكذلك علقمة بن قيس

(4)

«أقام بخوارزم

(5)

سنتين يقصر الصلاة»

(6)

، وكذلك عن ابن عباس

(7)

وابن عمر رضي الله عنهما

(8)

، ولأنّه لو خرج خلف غريم له لم يصر مسافرًا ما لم ينو مدّة السفر وإن طاف جميع الدنيا، فكذا لا يصير مقيمًا ما لم ينو المكث أدنى مدة الإقامة، وإن طال مقامه اتفاقًا

(9)

، وذلك لأنّ الإقامة ضدّ السّفر، فلما لم يثبت السّفر إلا بنيّة أدنى مدّة السفر، وإن وُجد منه حقيقة السّير وجب أن يكون في الإقامة كذلك، وما تعلّق بالمعنى، فهو دليلنا؛ لأنّه كان صلى الله عليه وسلم كان يقصر عند عدم نيّة الإقامة، ولأنّا نقول: إن وجد ترك القياس في هذا القدر بالحديث وجب ترك القياس فيما وراه بإجماع الصّحابة على ما ذكرنا. كذا في «المبسوطين»

(10)

.

(1)

سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب القرشي الزهري، أبو إسحاق: الصحابي الأمير، أسلم قديمًا وهو ابن 17 سنة، وشهد بدرًا، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، توفي سنة 55 هـ. ينظر: التاريخ الكبير: 4/ 43، الإصابة في تمييز الصحابة: 3/ 88، تهذيب الكمال: 10/ 309.

(2)

من بلاد خراسان، وهو بلد واسع افتتحه عبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة ثلاثين، وهي أرض سهلة ليس بها ماء جار إلا نهر يخرج إليهم فضله في السنة ولا يدوم ماؤه، وهو فضل ماء هراة، وهي مدينة يكون قدرها قدر نصف مرو. ينظر: الروض المعطار: ص 588.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/ 207 – 8200)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (2/ 535 - رقم 4350)، من حديث عبد الرحمن بن المسور.

(4)

علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي الهمداني، أبو شبل: تابعي، كان فقيه العراق. يشبه ابن مسعود في هديه وسمته وفضله. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وروى الحديث عن الصحابة، ورواه عنه كثيرون. وشهد صفين. وغزا خراسان. مات سنة إحدى وستين. ينظر: ثقات ابن حبان: 5/ 207، التاريخ الكبير: 7/ 41، الإصابة في تمييز الصحابة: 5/ 136.

(5)

من بلاد خراسان، وخوارزم اسم للكورة، وتسمى مدينتها الكبرى قيلًا بالقاف، فقيل: مدينة خوارزم، وتحيط بها المفاوز من كل جانب، وحدها يتصل بحدود الغزية مما يلي الشمال والمغرب، وحد جنوبها من شرقيها بلاد خراسان وما وراء النهر. (الروض المعطار: ص 225).

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/ 208 – 8210)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (2/ 536 – 4355)، من حديث إبراهيم.

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/ 207 – 8199).

(8)

أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (2/ 533 – 4339).

(9)

في (ب): "أيضًا".

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 435.

ص: 47

أَذْرَبيجان

(1)

: بفتح الهمزة والراء وسكون الذال المعجمة موضع، ثم ذكر المسألة التي يشكل على ما ذكر قبله صورة، وهو وقوله: (ولا يزال على [حكم]

(2)

السّفر حتى ينوي الإقامة في بلدة أو قرية)، فإنّه يُعلم منه أنّه إذا نوى الإقامة في موضع الإقامة، وهو العمران إلى آخره يتم صلاته، ثم ذكر أنّ العسكر لم يتموا

(3)

وإن صادفت نيّتهم موضعها وهو دار الحرب، فقال:(وإذا دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها قصروا)

(4)

.

ذكر في «المبسوط»

(5)

: فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رجلًا سأله، فقال: إنا نطيل الثواء

(6)

في دار الحرب، فقال: صل ركعتين حتّى ترجع إلى أهلك»

(7)

، ولأنّ نية الإقامة لا تصحّ إلا في موضع الإقامة، ودار الحرب ليست بموضع إقامة المحاربين من المسلمين، كما ذكر في الكتاب، ولأنّ فناء البلدة تبع لجوفها، والبلدة في يد أهل الحرب، فالموضع الذي فيه العسكر كان في أيديهم أيضًا حكمًا، فكأن نيّة الإقامة في غير موضعها، فلا يصحّ فيه نيّة الإقامة، كما لو كانت نيّة الإقامة في المفازة.

ولا يلزم على هذا من دخل دار الحرب بأمان، فهو كأنّه في دار الإسلام حتّى لو نوى فيها أن يقيم خمسة عشر يومًا أتمّ الصلاة؛ لأنّ أهل الحرب لا يتعرّضون له، فصار دار الحرب بعد الأمان، ودار الإسلام سواء. كذا في «المحيط»

(8)

.

(كذا إذا حاصروا أهل البغي في دار الإسلام)

(9)

أي: لا يصحّ الإقامة، وإنما ذكر هذه المسألة مع أن حكمها يُعلم بمسألة دار الحرب؛ لدفع شبهة، وهي: أن يقال: إنما لا تجوز نيّة الإقامة في دار الحرب؛ لأنّها منقطعة عن دار الإسلام، فصارت كالمفازة بخلاف مدينة أهل البغي [التي]

(10)

في دار الإسلام، فإنّ فيها أبنية، وهي في يد أهل الإسلام يجب أن تصح نيّة الإقامة، فقال:(لا يصحّ لأنّ حالهم مبطل عزيمتهم)؛ لأنّهم إنما يقيمون لغرض، فإذا حصل غرضهم انزعجوا فلا [لا]

(11)

يكون نيّتهم مستقرّة، وهذا الفصل حجّة على من يقول: من أراد الخروج إلى مكان قريب، ويريد أن يترخّص برخصة السّفر/ ينوي مكانًا أبعد منه، وهذا غلط. كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(12)

.

(1)

هي: كورة تلي الجبل من بلاد العراق وهي مفتوحة الألف، وتلي كور أرمينية من جهة المغرب، ينسب إليها أذربي. ينظر: الروض المعطار: ص 20.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

في (ب): "يقيموا".

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 34.

(5)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 456.

(6)

في الهامش: «هو ثوى بالمكان أقام به»

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/ 207 – 8202)، من حديث نصر بن عمران.

(8)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 103.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 80.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 37.

ص: 48

[138/ أ](وعند زفر يصح في الوجهين)

(1)

أي: في محاصرة أهل الحرب، وفي محاصرة أهل البغي

(2)

.

(وعند أبي يوسف يصحّ إذا كان

(3)

في بيوت المدر

(4)

، وفرق أبو يوسف رحمه الله بين الأبنية والأخبئة، والفرق: أن البناء موضع الإقامة، والقرار دون الصحراء، وإن حاصروا أهل أخبئة، وفساطيط لم يصيروا مقيمين سواء نزلوا بساحتهم، أو في أخبئتهم وخيامهم، ونووا الإقامة فيها بالإجماع؛ لأنّ هذا لا يُعدّ للإقامة، ألا ترى أنهم يحملونها على الدّواب حيث ما قصدوا، ويستخفونها يوم ظعنهم، ويوم إقامتهم، فإذا هي حمولة وليست بمنازل

(5)

.

قال شمس الأئمة الحلواني: وهكذا عسكر المسلمين إذا قصدوا موضعًا، ومعم أخبئتهم، وخيامهم، وفساطيطهم، فنزلوا مفازة، ونصبوا الأخبئة والفساطيط، وعزموا فيها على إقامة خمسة عشر يومًا لم يصيروا مقيمين لما بيّنا أنّها حمولة، وليست بمساكن

(6)

. كذا في «المحيط»

(7)

.

قوله رحمه الله: (قيل: لا يصحّ)

(8)

، ذكر في «المبسوط»

(9)

: اختلف المتأخرون في الذين يسكنون الأخبية في دار الإسلام كالأعراب والأتراك، فمنهم من يقول: لا يكونون مقيمين أبدًا؛ لأنهم ليسوا في موضع الإقامة، والأصح أنّهم مقيمون، وعلّل فيه بوجهين:

أحدهما: أنّ الإقامة للمرء أصل، والسّفر عارض، فحمل حالهم على الأصل أولى.

والثاني: أنّ السّفر إنما يكون عند النيّة إلى مكان إليه مدّة السّفر، وهم لا ينوون السّفر قط، وإنّما ينتقلون من ماء إلى ماء، ومن مَرْعى إلى مرعى، فكانوا مقيمين باعتبار الأصل.

(وإن اقتدى المسافر بالمقيم في الوقت [أتم]

(10)

أربعًا)

(11)

وحاصله: أنّه ليس للمسافر أن يقتدي بالمقيم بعد فوات الوقت، وللمقيم أن يقتدي بالمسافر في الوقت، وبعد فواته

(12)

، أمّا [في]

(13)

الوقت، فلأنّ النبي صلى الله عليه وسلم جوّز اقتداء أهل مكة بعرفات حتى

(14)

قال: «أتموا صلاتكم يا أهل مكة، فإنا قوم سفر»

(15)

، وكذلك بعد فوات الوقت؛ لأنّ فرض المقيم لا يتغيّر بالاقتداء، وأمّا اقتداء المسافر بالمقيم في الوقت، فيجوز، ويتغيّر فرضه، هكذا روي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وبعد فوات الوقت لا يصح اقتداءه؛ لأنّ فرضه لا يتغير بالاقتداء، فإنّ المغيّر للفرض، أمّا نيّة الإقامة والاقتداء بالمقيم، ثم الفرض بعد خروج الوقت لا يتغيّر بنيّة الإقامة، فكذا بالاقتداء بالمقيم، وإذا لم يتغيّر فرضه كان هذا عقدًا لا يفيد موجبه، فلو صلّى ركعتين [وسلم]

(16)

كان قد فرغ قبل إمامه، وإن أتمّ أربعًا كان خالطًا النفل بالمكتوبة قصدًا، وذلك لا يجوز، ثم القعدة الأولى نفل في حق الإمام فرض في حقه، واقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز. كذا في «المبسوط»

(17)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 37.

(3)

في (ب): "كانوا".

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 37.

(6)

في (ب): "بمنازل".

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 89.

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(9)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 456.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(12)

في (ب): "فوات الوقت".

(13)

[ساقط] من (ب).

(14)

في (ب): "حيث".

(15)

أخرجه أبو داود في «سننه» (1/ 475)، كتاب صلاة السفر، باب متى يتم المسافر، رقم (1231)، وفيه:«يا أهل البلد صلوا أربعًا، فإنا قوم سفر» . قال الألباني (الجامع الصغير وزيادته: ص 1452): ضعيف. وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (18/ 209 - رقم 15227)، والطيالسي في «مسنده» (1/ 113 - رقم 840). من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. قال ابن حجر في (الفتح: 2/ 563): الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.

(16)

[ساقط] من (ب).

(17)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 447.

ص: 49

(أتمّ أربعًا)

(1)

؛ لأنّه التزم متابعة الإمام بالاقتداء، لكن لو أفسد صلاته بعد الاقتداء صلّى ركعتين؛ لأنّه مسافر على حاله، وإنّما كان يلزمه الإتمام؛ لأجل المتابعة، وقد زال ذلك حتّى أفسد، وهذا بخلاف ما لو اقتدى بنيّة النّفل، ثم أفسد، فإنّه يلزمه قضاء أربع ركعات؛ لأنّ هناك بالشروع يكون ملتزمًا صلاة الإمام، وصلاة الإمام أربع ركعات، وهاهنا بالشروع ما قصد التزام شيء، وإنما قصد إسقاط الفرض عن ذمته، وبغير فرضه حكمًا للمتابعة، فإذا انعدمت صار كأنّه لم يشرع في صلاته أصلًا، كذا في نوادر صلاة «المبسوط»

(2)

.

فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا اقتدى المقيم بالمسافر، ثم أحدث الإمام واستحلف المقيم، فإنّه لا يتغيّر فرضه إلى الأربع، مع أنّ الإمام الأوّل صار بمنزلة المقتدي للخليفة المقيم.

قلت: لما كان المقيم خليفة عن المسافر صار كأنّ المسافر هو الإمام، فيأخذ الخليفة صفة الإمام الأول، والدليل عليه: ما ذكره في «المبسوط»

(3)

، فقال: يجب على الخليفة أن يأتي بما كان على الأول حتّى لو ترك القعدة الأولى تفسد صلاة الكل من المقيمين والمسافرين، وكذلك بعد التشهد يجب على المقيمين أن يصلّوا صلاتهم منفردين من غير اقتداء لهذا الخليفة، كما كان حالهم مع الإمام الأوّل هكذا حتّى لو اقتدوا به فيما يقضون فسدت صلاتهم؛ لأنّ الاقتداء في موضع بحق كالانفراد في موضع يحق فيه الاقتداء لما بينهما من المخالفة في الحكم، فإذا كان الخليفة مكان الأوّل من كل وجه صار هو في التقدير اقتداء المسافر بالمسافر، فلا يتغيّر صلاته، وإن/ كان في الوقت، وإن أدخل

(4)

معه في فائته لم يُجز هذا إذا دخل في صلاة المقيم بعد خروج الوقت، وأمّا إذا دخل مسافر في صلاة المقيم في الوقت، ثم ذهب الوقت لم تفسد صلاته؛ لأنّ الإتمام لزمه بالشروع مع الإمام في الوقت، فالتحق بغيره من المقيمين بخلاف ما لو اقتدى به بعد خروج الوقت، فإنّ الإتمام لم يلزمه بهذا الاقتداء، [كما لو نوى الإقامة بعد خروج الوقت، لا يؤثر نية الإقامة في الفريضة التي فات وقتها]

(5)

. كذا في «المبسوط»

(6)

.

[138/ ب] وكذا لو صلّى مقيم ركعة من العصر، ثم غربت الشمس، فجاء مسافر، واقتدى في العصر به لم يكن داخلًا في صلاته، وهي مسألة «الجامع الكبير»

(7)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(2)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 190.

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 328.

(4)

في (ب): "دخل".

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 454.

(7)

ينظر: الجوهرة النيرة: 1/ 87.

ص: 50

(فيكون اقتداء المفترض بالمتنفّل في حق القعدة)

(1)

أي: القعدة الأولى إذا كان اقتداء المسافر بالمقيم في أوّل الصلاة

(2)

.

(أو القراءة)

(3)

أي: إذا كان اقتداء المسافر بالمقيم في الركعتين الأخريين، فإنّ القراءة فيهما نفل على الإمام فرض على المقتدي.

فإن قلت: لو كان نسي الإمام القراءة في الشفع الأول، وقضاها في الشفع الثاني كان ينبغي أن يجوز اقتداء المسافر بالمقيم، وإن كان بعد خروج الوقت؛ لكون القراءة والقعدة فرضين على الإمام أيضًا كما على المقتدي؟

قلت: لا يجوز أيضًا؛ لأنّ القضاء يلتحق بمحل الأداء، فيبقى الشفع الثاني حينئذٍ خلوا عن القراءة، فكان فيه بناء الموجود على المعدوم.

فإن قلت: يشكل على هذا اقتداء المتنفّل بالمفترض في الشّفع الثاني، فإنّه جائز مع أنّ القراءة على المفترض فيه ليست بفرض، وعلى المتنفّل فرض، فكان فيه اقتداء المفترض بالمتنفّل؟

قلت: ليس كذلك؛ لأنّ صلاة المتنفّل أخذت حكم الفرض تبعًا لصلاة الإمام، ولهذا لو أفسد المتنفّل صلاته بعد الاقتداء يجب قضاؤها أربعًا. كذا ذكره الصدر الشهيد رحمه الله في «الجامع الكبير»

(4)

.

(وإن صلى المسافر بالمقيمين)

(5)

أي: أمّ المسافر فاقتدى به المقيمون إلا أنّه لا يقرأ في الأصح هذا احتراز عن قول بعض المشايخ حيث قالوا: بأنهم يقرؤون فيما يتمون صلاتهم؛ لأنّهم منفردون فيه، ولهذا يلزمهم سجود السّهو إذا سهوا فيه، فأشبهوا المسبوق، ولكن الأصح أنّهم لا يقرؤون، وإليه مال الكرخي

(6)

؛ لأنّهم لاحقون أدركوا أوّل الصلاة، وقد تمّ فرض القراءة. كذا في «المحيط»

(7)

.

واستدلّ في «الإيضاح»

(8)

لوجوب سجدة السّهو عليهم إذا سهوا على أنّه لا قراءة عليهم؛ لأنّهم لما صاروا بمنزلة المنفردين في الباقي حيث وجبت عليهم سجدة السهو إذا سهوا لم يجب القراءة عليهم في الباقي؛ لأنّ حكم المنفرد كذلك، فإنّه إذا [نوى]

(9)

أدّى الفرض من ذوات الأربع يقرأ في الأولين دون الأخريين، فهذا كذلك؛ لأنّه قرأ إمامهم في الأوليين.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 39.

(3)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 39.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(6)

سبق ترجمته (ص 74).

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 111.

(8)

ينظر: نور الإيضاح: ص 77.

(9)

[ساقط] من (ب).

ص: 51

قوله رحمه الله (لأنه مقتد تحريمه لا فعلًا والفرض صار مؤدًّى فيتركها احتياطًا ومعنى هذا الكلام)

(1)

أي: أنّه مقتد من وجه دون وجه؛ لأنّه مقتد من حيث التحريمة، وليس بمقتد من حيث الفعل، ثم بالنظر إلى كونه مقتديًا يحرم القراءة عليه، وبالنظر إلى كونه منفردًا يستحب القراءة عليه؛ لأن الكلام في الركعتين الأخريين بعد أداء [فرض]

(2)

القراءة في الأوليين، وحينئذٍ دار حكم القراءة بين كونه حرامًا، وبين كونه مستحبًّا، فكان الاحتياط في الترك بخلاف المسبوق، فإن حكم قراءته دار بين الفرض والبدعة، فكان الواجب عليه الإتيان بها؛ لأنّ فرض القراءة لم يصر مؤدّي في حقه، وترك الفرض مفسد للصلاة، ثم ذكر لفظ الأولى في قوله: فكان الإتيان أولى مع أنّ القراءة فرض عليه بمقابلة ما ذكر أولًا من قراءة المقيمين بعد فراغ إمامهم المسافر لا بالنظر إلى نفسه

(3)

.

(ويستحب للإمام إذا سلّم أن يقول لهم: أتمّوا صلاتكم، فإنا قوم سفر)

(4)

أي: مسافرون جمع سافر كركب، وصحب في راكب وصاحب.

[139/ أ] فإن قلت: هذه الرواية مخالفة لما ذكر في «فتاوى قاضي خان» ، وغيره حيث قال: إذا اقتدى بإمام لا يدري أنه مقيم أو مسافر قالوا: لا يصح اقتداؤه؛ لأنّ العلم بحال الإمام شرط أداء الصلاة بالجماعة ذكره في فصل فيمن يصح الاقتداء به، وفيمن لا يصحّ، ورواية الكتاب تدلّ

(5)

على أنه يصح الاقتداء بإمام، وإن لم يُعرف بحاله أنه مسافر، أو مقيم؛ لأنّهم إذا كانوا عالمين بأنه مسافر كان قول الإمام: أتمّوا صلاتكم، فإنّا قوم سفر عبثًا؛ لاشتغاله بما لا يفيد، وإن كانوا عالمين بأنّه مقيم كان هذا القول منه كذبًا عندهم، فتعين/ بهذا أنه إنما يقول فيما إذا لم يعلموا بحاله، فما وجه التوفيق بين الروايتين؟

قلت: تلك الرواية محمولة على ما إذا بنوا أمر الإمام على ظاهر حال الإقامة، والحال أنّه ليس بمقيم وسلّم على رأس الركعتين، وتفرّقوا على ذلك؛ [لاعتقادهم فساد صلاة الإمام]

(6)

، وأمّا إذا علموا بعد الصلاة بحال الإمام كان اقتداؤهم به جائزًا، وإن يعلموا بحاله وقت الاقتداء به

(7)

، والدليل عليه ما ذكر في آخر باب صلاة المسافرين من نوادر صلاة «المبسوط»

(8)

، فقال: رجل صلى بالقوم الظهر ركعتين في مصر أو قرية، وهم لا يدرون أمسافر هو أم مقيم؟ فصلاة القوم فاسدة سواء كانوا مقيمين أو مسافرين؛ لأنّ الظاهر من حال من كان في موضع الإقامة أنّه مقيم، والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه، ألا ترى أن من كان في دار الحرب إذا لم يعرف حاله [يجعل من أهل دار الحرب، بخلاف من كان في دار الإسلام فإنّه يجعل من المسلمين إذا لم يعرف حاله]

(9)

، وإذا كان هذا الإمام مقيمًا باعتبار الظاهر فسدت صلاته، وصلاة جميع القوم حين سلّم على رأس الركعتين وذهب، فإن سألوه فأخبرهم أنّه مسافر جازت صلاة القوم إن كانوا مسافرين أو مقيمين، فأتّموا صلاتهم بعد فراغه؛ لأنّه أخبر بما هو من أمور الدين فيما لو يُعرف إلا من جهته، فيجب قبول خبره في ذلك. كذا في «المبسوط»

(10)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 40.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(5)

في (ب): "يستدل".

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 40، 41.

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 197.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 197.

ص: 52

فإن قلت: فعلى هذا التقدير يجب أن [قول]

(1)

هذا القول، وهو أتموا صلاتكم، فإنا قوم المتقدم

(2)

أن يكون واجبًا على الإمام لما أنّ إصلاح صلاة المقتدي من جانب الإمام يجب على الإمام رعايته، فلم قال مع ذلك ويستحب للإمام هذا القول؟

قلت: إصلاح صلاة القوم غير متوقف إلى قول الإمام هذا لما أنّ القوم لو كانوا مسافرين سلّموا بسلامه، وإن كانوا مقيمين قاموا وأتّموا صلاتهم، ثم سألوه، فإن أخبر أنّه مسافر جاز صلاة الكل، ففساد صلاة القوم إنما يلزم على تقدير سلام الإمام على رأس الركعتين، وهو مقيم، وفيما لا يدرون بحاله، وهو سلم على رأس الركعتين، فالظاهر: أنّه مسافر [حملًا لأمره على الصلاح، فكان قوله هذا بعد ذلك زيادة إعلام بأنّه مسافر]

(3)

، وإزاحة للشبهة عن نفسه، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا القول لا أمرًا واجبًا عليه، فلذلك كان هذا القول منه مستحبًّا، وإذا دخل المسافر [في]

(4)

مصره أتمّ الصلاة، وهذا الذي ذكر في حق مسافر استكمل بسيره ثلاثة أيام، وأراد بالمصر الوطن الأصلي، وأمّا إذا لم يُتم

(5)

ثلاثة أيام، فهو بمجرّد العزم إلى دخول مصره يصير مقيمًا، ويتم صلاته، وإن لم يدخل مصره، وقد ذكرناه

(6)

.

وذكر في «المبسوط»

(7)

و «المحيط»

(8)

: وإن [كان]

(9)

خرج من مصره مسافرًا، ثم بدا له أن يرجع إلى مصره؛ لحاجة له قبل أن يسير مسيرة ثلاثة أيام صلّى صلاة المقيم في انصرافه؛ لأنّه فسخ عزيمة السّفر بعزمه على الرجوع إلى وطنه، وبينه وبين وطنه دون مسيرة السّفر، فصار مقيمًا من ساعته، بخلاف ما إذا استكمل بثلاثة أيام بسيره، ثم قرّب من مصره، وعزم الدخول، فهو على سفره ما لم يدخل، فكذلك رجل خرج من مصره مسافرًا فحضرت الصلاة فافتتحها ثم أحدث

(10)

فانتقل ليأتي مصره فيتوضأ ثم علم أن أمامه ماء، فإنه يتوضأ ويصلي صلاة المقيم، فإن تكلم صلى صلاة المسافر؛ لأنّه حين عزم على الانصراف إلى أهله، فقد صار مقيمًا؛ إذ

(11)

الإقامة تلائم فعل الصلاة؛ لأنّ الإقامة ترك العمل، وذلك يلائم الصلاة، ولا ينافيها، ألا ترى أنّ المسافر إذا كان راكب سفينة، وهو يصلّي الظهر فجرت به السفينة حتّى دخل مصره أنه يتم صلاته أربعًا، ولو افتتحها في مصره في سفينة فجرت به حتّى خرجت إلى المفازة، وهو على عزيمة السّفر أنه لا يصير مسافرًا، فإذا تكلّم مقدار

حرمة الصلاة، وهو متوجه أمامه على عزم السفر، فصار مسافرًا.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

في (ب): "سفر".

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

في (ب): "يسد".

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 41.

(7)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 437، 438.

(8)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 103، 104.

(9)

[ساقط] من (أ).

(10)

تصحيف في (ب): "أخذت".

(11)

في (ب): "لأن".

ص: 53

[139/ ب] ثم إذا دخل مصره أتمّ الصلاة، وإن لم ينو المقام فيه؛ لأنّ نيّة الإقامة إنّما تعتبر لصيرورته مقيمًا في مصر غيره لا في مصر نفسه؛ لأنّ مكثه ومقامه في مصر غيره متردّد بين أن يكون لمكان السَّير وبين أن يكون للمقام فيه، فاحتيج إلى النيّة؛ ليتعيّن المكث لإقامة، فأمّا مكثه في مصره متعيّن

(1)

للإقامة؛ لأنّ قبل السّير كان يمكث للإقامة لا للسير، فكذا بعده، وهذا إذا/ كان المصر وطنه الأصلي، وأمّا إذا كان وطن إقامة، فلا يتمّ الصلاة بمجرد الدخول فيه بعد إنشاء السّفر، وإن لم يستكمل ثلاثة أيام بالسير على ما يجيء بيانه.

قوله: رحمه الله (عدّ نفسه بمكة من المسافرين)

(2)

أي: قال بعد فراغه من الصلاة فإنّا قوم سفر؛ وهذا لأن الأصل أن الوطن الأصلي يبطل بمثله دون السّفر، أي: الوطن الأصلي يبطل بالوطن الأصلي، ولا يبطل بالسّفر، فيحتاج هاهنا إلى بيان الأوطان، فعبارة عامة المشايخ في ذلك: أنّ الأوطان ثلاثة: وطن أصلي وهو: مولد الرجل، أوالبلد الذي تأهّل به، ووطن سفر وقد يسمّى وطن إقامة، وهو: البلد الذي ينوي المسافر الإقامة فيه خمسة عشر يومًا، أو أكثر، ووطن سكنى وهو: البلد الذي ينوي المسافر الإقامة فيه أقلّ من خمسة عشر يومًا، ثم من حكى الوطن الأصلي أن ينتقض بالوطن الأصلي؛ لأنه مثله حتّى لو انتقل من البلد الذي تأهّل به بأهله، وتوطّن ببلدة أخرى لا تبقى البلدة المنتقل عنها وطنًا له، ألا ترى أن مكة كانت وطنًا أصليًّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لمّا هاجر منها إلى المدينة بأهله وتوطّن، ثم انتقض وطنه بمكة حتّى قال عام حجة الوداع:«أتّموا صلاتكم يا أهل مكة فإنَّا قوم سفر»

(3)

، ولا ينتقض هذا الوطن بوطن السّفر، ولا يوطن السّكنى؛ لأنّ كل واحد منها دونه، وكذلك لا ينتقض بإنشاء السّفر، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من المدينة إلى الغزوات مرارًا، ولم ينتقض وطنه بالمدينة حتّى لم يجدّد نية الإقامة بعد رجوعه، ولو كان له أهل ببلدة، فاستحدث في بلدة أخرى عن أهل [آخر]

(4)

كان كلّ واحد منهما وطنًا أصليًّا له، روي:«أنّه كان لعثمان رضي الله عنه أهل بمكة، وأهل بمدينة، وكان يُتم الصلاة بهما جميعًا»

(5)

، ومن حكم وطن السّفر أنّه ينتقض بالوطن الأصلي؛ لأنّه فوقه، وينتقض بوطن السّفر؛ لأنّه مثله، وينتقض بإنشاء السّفر؛ لأنّه ضدّه، ولا ينتقض بوطن السّكنى؛ لأنّه دونه، ومن حكم وطن السّكنى أنّه ينتقض بكل شيء بالوطن الأصلي، وبوطن السّفر، وبوطن السكنى، وبإنشاء السّفر، وعبارة المحققين من مشايخنا: أن الوطن وطنان: وطن أصلي، ووطن سفر، وهو وطن الإقامة، ولم يعتبروا وطن السّكنى وطنًا، وهو الصحيح؛ لأنّه لم يثبت فيه حكم الإقامة، بل حكم السفر فيه باقٍ

(6)

، فلذلك لم يذكر وطن السكنى في الكتاب بيان هذا الأصل من المسائل:

(1)

في (ب): "فيتعين".

(2)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(3)

الحديث سبق تخريجه (ص 124). وقال ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى: 2/ 339): نقل أنه قال ذلك في غزوة الفتح لما صلى بهم داخل مكة، وكذلك كان عمر يأمر أهل مكة بالإتمام إذا صلى بهم في البلد، وأما بمنى فلم يكن يأمرهم بذلك.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

ذكره برهان الدين. ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 104.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 43، 44.

ص: 54

خراساني قدم بغداد

(1)

وعزم على الإقامة بها خمسة عشر يومًا، ومكيّ قدم كوفة

(2)

وعزم على الإقامة بكوفة خمسة عشر يومًا، ثم خرج كلّ واحد منهما من وطنه يريد قصر ابن هبيرة

(3)

فإنّهما يصليان أربعًا في الطريق وبالقصر؛ لأنها كانا متوطنين أحدهما ببغداد والآخر بالكوفة؛ ولم يقصدا مسيرة مدة السّفر؛ لأنّ من بغداد إلى كوفة مسيرة أربع ليال؛ والقصر وهو النصف؛ فكان كلّ واحد منهما قاصدًا مسيرة ليلتين؛ وبهذا لا يصير مسافرًا، فإن عزما على الإقامة بالقصر خمسة عشر يومًا صار القصر وطن سفر، أي: وطن إقامة لهما وانتقض وطنهما بكوفة وبغداد بوطن مثله، فإن خرجا بعد ذلك يريدان الكوفة صليّا أربعًا في الطريق وبالكوفة؛ لأنّهما قصدا مسيرة ليلتين من في وطنهما، فإن دخلا كوفة، وعزما على الإقامة أقلّ من خمسة عشر يومًا، ثم خرجا من الكوفة يريدان بغداد، ويمران بالقصر صلّى كل واحد منهما أربعًا إلى القصر وبالقصر، ومن القصر إلى بغداد؛ لأنّ القصر صار وطن سفر لهما، ولم يوجد ما ينقضه من الوطن الأصلي، ووطن السّفر، ولو لم ينويا المرور على القصر يقصران كما خرجا من الكوفة؛ لأنهما نويا

(4)

مسيرة سفر، فلو كانا حين قدما القصر في الابتداء عزما على الإقامة بالقصر أقلّ من خمسة عشر يومًا، ثم ذهبا إلى الكوفة ليقيما بها ليلة يصليان أربعًا إلى الكوفة، فلو خرجا من الكوفة يريدان بغداد يصليّان ركعتين، وإن مرا على القصر؛ لأنّ القصر كان وطن سكنى لهما، وقد انتقض ذلك بوطن سكنى مثله بالكوفة فهما رجلان خرجا من الكوفة يريدان بغداد، وليس لهما فيما بين ذلك وطن، ولو كان كلّ واحد منهما في الابتداء حين خرج من وطنه لم ينو القصر إنما نوى وطن صاحبه؛ ليلقى

(5)

به صاحبه الخراساني نوى الكوفة والمكي نوى بغداد/ فالتقيا بالقصر يصليّان ركعتين؛ لأنّ كل واحد منهما قصد مسيرة [ثلاثة أيام]

(6)

، فلو ذهبا إلى الكوفة يصليّان في الطريق ركعتين، وكذلك بالكوفة، أمّا الخراساني فلأنه ماض على سفره، وأمّا المكي فلأن الكوفة كان وطن سفر له، وقد انتقض ذلك بإنشاء السّفر، فعاد

(7)

مسافرًا بسفره الأصلي، وكذلك لو خرجا من الكوفة يريدان بغداد يصليان ركعتين في الطريق، وببغداد لما ذكرنا، ثم تقدّم السفر ليس بشرط الثبوت الوطن الأصلي بالإجماع، وهل يشترط لثبوت وطن السّفر، لم يذكر محمد رحمه الله هذه المسألة في الأصل

(8)

.

(1)

بغداد: وسط العراق، والمدينة العظمى التي ليس لها نظير في مشارق الأرض ومغاربها، سعه وكبرًا وعماره، وكثره مياه، وصحه هواء، ولأنه سكنها من أصناف الناس، وأهل الأمصار والكور، وانتقل إليها من جميع البلدان القاصيه والدانيه؛ وأثرها جميع أهل الآفاق على أوطانهم، فليس من أهل بلد إلا ولهم فيها محله، ومتجر ومتصرف. فاجتمع بها ما ليس في مدينة في الدنيا. (معجم البلدان: 1/ 456).

(2)

الكوفة: المدينة الكبرى بالعراق، والمصر الأعظم وقبة الإسلام، وهي أول مدينة اختطها المسلمون بالعراق في سنة أربع عشرة هجرية، وهي على معظم الفرات ومنه شرب أهلها، ومن بغداد إلى الكوفة ثلاثون فرسخًا. (الروض المعطار: ص 501).

(3)

قصر ابن هبيرة: مدينة كبيرة على اثني عشر فرسخًا من بغداد لمن أخذ طريق الكوفة، وهي عامرة ذات أسواق وعمارات، وكانت أعمر البلاد التي في نواحي السواد، وأوفرها أموالًا، وأكثرها نفعًا، وهي على غلوة من الفرات. (الروض المعطار: ص 475).

(4)

تصحيف في (ب): "يريا".

(5)

تصحيف في (ب): "ليلقن".

(6)

في (ب): "مدة السفر".

(7)

في (ب): "فصار".

(8)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 106، 107.

ص: 55

[140/ أ] وذكر أبو الحسن الكرخي رحمه الله في «جامعه» : أنّ فيه روايتين عن محمّد في رواية يشترط، وفي رواية لا، ومثاله بخارى: خرج من بخارى إلى بيكند

(1)

ونوى الإقامة بها خمسة عشر يومًا ثم خرج من بيكند يريد فربر فلما دخل فربر، بدا له أن يرجع إلى بخارى، فعلى الرواية التي يشترط تقدم السّفر؛ لثبوت وطن السّفر يصلي ركعتين في الطريق إلى بخارى؛ إذ ليس من بخارى إلى بيكند مسيرة سفر، فلم يكن

(2)

بيكند وطنًا له، فهذا رجل خرج من فربر يريد بخارى، وهو مدّة سفر على أصح الأقاويل، فيصلي ركعتين، وعلى الرواية التي لم يشترط تقدّم السّفر يصلي أربعًا في الطريق؛ لأن بيكند صار وطنًا له، ولم يوجد ما ينقضه فما لم يجاوز بيكند لا يصير مسافرًا، ومن بيكند إلى بخارى أقلّ من مدّة السّفر، فلذلك يصلي أربعًا. كذا في «المحيط»

(3)

.

وعبارة أقصر من هذا وأظهر، ما ذكر في «الإيضاح»

(4)

: خراساني قدم الكوفة، ونوى الإقامة بها شهرًا، ثم خرج إلى الحيرة

(5)

، ونوى المقام

(6)

بها خمسة عشر يومًا، ثم خرج من الحيرة يريد خراسان، ومرّ بالكوفة قال: يصلّي ركعتين؛ لأنّ وطنه بالكوفة قد بطل توطنه بالحيرة؛ لأنّه مثله، فإذا مرّ بالكوفة، وليس له بها وطن صلّى ركعتين، ولو لم يكن نوى المقام بالحيرة خمسة عشر يومًا أتم الصلاة بالكوفة؛ لأنّ وطنه بالكوفة لم يبطل بالخروج إلى الحيرة؛ لأنه ليس بسفر، ولا هو مثله، فبقي كما كان، ولو أنّ خراسانيًّا قدم الكوفة ونوى المقام بها خمسة عشر يومًا، ثم ارتحل منها يريد مكة، فقبل أن يسير ثلاثة أيام ذكر حاجة له بالكوفة، [فعاد]

(7)

قال: يقصر، ولأن وطنه بالكوفة قد بطل بإنشاء السّفر كما يبطل بوطن مثله

(8)

.

(1)

بيكند: هي أدنى مدن بخارى إلى النهر، ومنها إلى حائط بخارى فرسخان، وهو الحائط المضروب على جميع عمران بخارى، وافتتحها قتيبة بن مسلم سنة سبع وثمانين، وهو حصن حصين مشبه بالأسوار. (الروض المعطار: ص 123).

(2)

في (ب): "يصل".

(3)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 106 - 108.

(4)

ينظر: نور الإيضاح: 1/ 69.

(5)

الحيرة: مدينة صغيرة جاهلية حسنة البناء طيبة الثرى، على ثلاثة أميال من الكوفة، والحيرة على النجف، والنجف كان على ساحل البحر الملح. (الروض المعطار: ص 207).

(6)

في (ب): "الإقامة".

(7)

في (أ): "لو".

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 464.

ص: 56

قوله رحمه الله: (لأن السّفر لا يُعرَّى عنه)

(1)

أي: عن قليل اللبث، وهذا مدلول معنى، وليس بمذكور لفظًا

(2)

، فوجه هذا ما ذكره في «المبسوط»

(3)

، وقال: لأن نية الإقامة ما يكون في موضع واحد فإن الإقامة ضدّ السفر، والانتقال من الأرض إلى الأرض يكون ضربًا في الأرض، ولا يكون إقامة، فلو جوّزنا نيّة الإقامة في موضعين جوّزنا فيما زاد على ذلك، فيؤدي إلى القول بأنّ السّفر لا يتحقق؛ لأنك إذا جمعت إقامة المسافر في المراحل ربّما يزيد ذلك على خمسة عشر يومًا؛ لأن إقامة المرء تضاف إلى مبيته، ألا ترى أنك إذا قلت للسوقي: أين تسكن؟ يقول: في محلة كذا، وهو بالنهار يكون في السوق، وكان سبب تفقه عيسى بن أبان

(4)

هذه المسألة، فإنّه كان مشغولًا بطلب الحديث، قال: فدخلت مكة في أوّل العشر من ذي الحجة مع صاحب لي وعزمت على الإقامة [شهرًا]

(5)

فجعلت أتم الصلاة، فلقيني بعض أصحاب أبي حنيفة رحمه الله فقال: أخطأت، فإنّك تخرج إلى منى وعرفات، فلما رجعت من منى بدا لصاحبي أن يخرج، وعزمت على أنّ أصاحبه، فجعلت أقصر الصلاة، فقال لي صاحب أبي حنيفة: أخطأت، فإنك مقيم

(6)

بمكة، فما لم تخرج منها لا تكون مسافرًا، فقلت: أخطأت في مسألة في موضعين، ولم ينفعني ما جمعت

(7)

من الأخبار، فدخلت مجلس محمد، واشتغلت بالفقه.

كذا في «المبسوط»

(8)

.

(والمعتبر في ذلك آخر الوقت؛ لأنّه المعتبر في السببية عند عدم الأداء)

(9)

، أي: لأنّ آخر [الوقت]

(10)

هو المعتبر في السببية.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 44، 45.

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 434، 435.

(4)

عيسى بن أبان بن صدقة أبو موسى، من أهل بغداد. فقيه وأصولي حنفي. تفقّه على محمد بن الحسن، ولزمه لزومًا شديدًا، وتفقه عليه القاضي عبد الحميد أستاذ الطحاوي، كان حسن الحفظ للحديث، ولي القضاء فلم يزل عليه حتى مات. شهد له هلال بن يحيى بالفضل قائلًا: ما ولي البصرة منذ كان الإسلام إلى وقتنا هذا قاض أفقه من عيسى بن أبان. من تصانيفه: "كتاب العلل" في الفقه، و"كتاب الشهادات"، و"كتاب الحج". ينظر: الجواهر المضية: 1/ 401، الفوائد البهية: ص 151، معجم المؤلفين 8/ 18.

(5)

[ساقط] من (أ).

(6)

في (ب): "معهم".

(7)

في (ب): "بي".

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 434، 435.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(10)

[ساقط] من (أ).

ص: 57

فإن قلت: هذا عند بقاء الوقت، وأمّا إذا فات الوقت، فالوجوب يضاف إلى كل الوقت، وكلامنا فيما إذا فات الوقت

(1)

، وعند ذلك كان السبب، فهو كل الوقت لا آخره لزوال الضرورة الدّاعية للانتقال عن الكل إلى الجزء، فلذلك لا يجوز عصر الأمس وقت احمرار الشمس في اليوم الثاني، ولو كان الاعتبار للجزء الأخير في السببية لجاز لوجوبه ناقصًا؟.

[140/ ب] قلت: ما ذكرته اعتبار لصفة الوقت في حق نفسه، وما قلناه اعتبار لصفة الوقت في حق المكلّف، وكون الوقت/ سببًا في حق المكلف على وجه التعين إنما هو آخر لا كله؛ لأنّ ذلك أوان التقرّر في ذمته دينًا وصفة الدّين إنما تعتبر حال تقرره في الذمة، كما في حقوق العباد، فإنّه إذا غصب شيئًا من ذوات القيم يجب عليه قيمته يوم غصب لا ما كان قبله؛ لأنّه دخل في ضمانه وقت الغصب، والفقه فيه أنّه لو اعتبر كل الوقت في السببية في حق المكلّف يلزم أن تجب عليه الصلاة بصفة الإقامة أربعًا، وبصفة السفر ركعتين [فيما إذا]

(2)

سافر في خلال الوقت، وكذلك إذا طهرت المرأة في خلال الوقت، أو أسلم الكافر، أو بلغ الصبي في خلاله كانت الصلاة دائراة بين أن يجب وبين أن لا يجب؛ لأنّ كل الوقت موصوف بذلك، وهو محال فلا يصحّ، فلذلك وجب أن يعتبر الجزء الأخير في حق المكلّف؛ لأنّ في ذلك الجزء وهو ساعة لطيفة؛ لأنّه مقدار مدة التحريمة لابدّ أن يكون متصفًا بأحد الأوصاف، وأمّا اعتبار صفة الوقت في حق نفسه بعد الفوات حتى أضيفت السببية إلى كلّ الوقت؛ ليثبت الواجب على المكلّف بصفة الكمال؛ إذ الأصل في أسباب المشروعات [الكمال]

(3)

مع أنّ الضرورة قد انعدمت في حق تعيين السببية لآخر الوقت بعد الفوات فافترقا، فإن قيل

(4)

: يشكل على هذا ما إذا دخل المسافر في صلاة المقيم، ثم ذهب الوقت، ثم أفسد الإمام أو المقتدي صلاته على نفسه، فعلى المسافر أن يصلي صلاة السّفر ركعتين مع أنّه وجب عليه الصلاة أربعًا عند آخر الوقت بسبب الاقتداء، وعلى قياس ما ذكر في الكتاب من اعتبار وجوب الأربع حال فوات الوقت ينبغي أن لا [يجوز]

(5)

بغير فرضه إلى الركعتين، كما إذا فات عن المقيم، قلنا: لم يكن مقيمًا فيها، وإنما لزمه الإتمام لمتابعة الإمام، وقد زال ذلك بالإفساد، فعاد إلى أصله، ألا ترى أنّه لو افسد الاقتداء [في الوقت]

(6)

كان عليه أن يُصلي صلاة السّفر، فكذا هنا. هكذا ذكر السؤال والجواب في «المبسوط»

(7)

.

(1)

في (ب): "الترتيب".

(2)

في (ب): "فإذا".

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

في (ب): "قلت".

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 454، 455.

ص: 58

وفيه أيضًا: ثم وجوب صلاة السّفر على من سافر في آخر الوقت مذهبنا، وقال ابن شجاع

(1)

: يصلي صلاة المقيم، وقال الشافعي

(2)

رحمه الله: إذا مضى من الوقت مقدار ما يصلي فيه أربع ركعات، ثم خرج مسافرًا صلّى أربعًا، وهو بناء على أنّ وجوب الصلاة عندهما بأوّل الوقت، فإذا كان مقيمًا في أوّل الوقت وجبت عليه صلاة المقيمين، فلا يسقط ذلك بالسّفر، وعندنا الوجوب متعلّق بآخر الوقت؛ لأنّه مخيّر

(3)

في أوّل الوقت بين الأداء، والتأخير، والوجوب ينفي التخيير، والتخيير ينفي الوجوب، ولو مات في الوقت لقي الله تعالى ولا شيء عليه، فدلّ أن الوجوب يتعلق بآخر الوقت، فإذا كان مسافرًا في آخر الوقت كان عليه صلاة السّفر

(4)

.

وقال زفر

(5)

: إذا خرج مسافرًا، وقد بقي من الوقت مقدار ما يمكنه أن يصلى فيه صلاة السفر يصلي صلاة السّفر، وإن كان الباقي من الوقت دون ذلك صلى صلاة المقيم؛ لأنّ التأخير لا يسعه إلى وقت لا يتمكن [من]

(6)

أداء الصلاة فيه في الوقت، ولكنّا نقول: جزء من الوقت بمنزلة جميعه. ألا ترى أن إدراك جزء من الوقت، وإن قلّ سبب لوجوب الصلاة، فوجود السّفر في ذلك الجزء كوجوده في جميع الوقت، والدليل عليه: أن الصلاة لا تصير دينًا في ذمّته إلا بخروج الوقت، فإذا صار مسافرًا قبل أن يصير [دينًا في ذمته صلّى صلاة المسافر، وإذا صارت دينًا في ذمّته بخروج الوقت قبل أن يصير]

(7)

مسافرًا لا يتغيّر ذلك بالسّفر، ويعتبر جانب السّفر بجانب الإقامة، فإنّه لو دخل مصره قبل فوت الوقت صلّى صلاة المقيمين، وإن كان الباقي من الوقت شيئًا يسيرًا، فكذلك في جانب السّفر

(8)

.

(1)

محمد بن شجاع الثلجي، ويقال: ابن الثلجي، أبو عبد الله، البغدادي، الحنفي، من أصحاب الحسن بن زياد، فقيه أهل العراق في وقته، والمقدم في الفقه، والحديث، وقراءة القرآن. روى عن يحيى بن آدم، ووكيع، وابن عُليَّة، وقرأ على اليزيدي. له ميل إلى مذهب المعتزلة. من تصانيفه:"المناسك"، و"تصحيح الآثار"، و"النوادر"، و"كتاب المضاربة". ينظر: الجواهر المضية: 2/ 60، الفوائد البهية: ص 171، شذرات الذهب: 2/ 151.

(2)

ينظر: الحاوي في فقه الشافعي: 2/ 376.

(3)

في (ب): "يتخير".

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 435.

(5)

سبق ترجمته (ص 63).

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 436، 437.

ص: 59

وذكر شيخ الإسلام: قول الشافعي مثل قول زفر رحمه الله، فقال: وقال الشافعي

(1)

: إن سافر في آخر الوقت نظر إن بقي من الوقت مقدار ما لا يسع لأداء أربع [ركعات]

(2)

، فإنّه يصلي صلاة المقيم

(3)

.

[141/ أ] وذكر في «الخلاصة الغزالية» ما يوافق ما ذكره شيخ الإسلام، وعلى قولنا: إذا بقي من الوقت مقدار ما يسع للتحريمة فسافر، فإنّه يصلي صلاة المسافر، وحاصل الخلاف يرجع إلى أن سبب الوجوب عنده جزء من الوقت القائم/ مقدار ما يسع لأداء الصلاة كلها، وعندنا سبب الوجوب جزء قائم يسع للتحريمة، وعلى هذا الأصل هذا الخلف

(4)

، والثاني: أنّ الكافر إذا أسلم في آخر الوقت، وقد بقي من الوقت ما يسع للتحريمة، فإنه يلزمه الصلاة عندنا، وعند الشافعي لا يلزمه إلا أن يكون الباقي ما يسع لأداء الصلاة كلها، وعلى هذا بلوغ الصبي، وطهارة الحائض، واحتج علماؤنا بأنّه أدرك من الوقت ما يصلح سببًا لوجوب الأداء، فيلزمه الصلاة، أو يتغيّر فرضه متى سافر قياسًا على ما لو أدرك من الوقت مقدار ما يسع للأداء؛ وذلك لأنّه لما كان قادرًا على أداء التكبير في الوقت لزمه أداء التكبيرة، وإذا لزمه ذلك يلزمه الباقي؛ لأنه لا صحّة للتكبيرة إلا بالباقي، فيلزمه الباقي ضرورة كمن نذر بالصلاة لزمه الطهارة، وجميع الشرائط ضرورة، وهذا بخلاف ما لو أسلم في رمضان بعد طلوع الفجر، فإنه لا يلزمه القضاء لما أن القضاء يبتني على الأداء، فمتى وجب عليه الأداء لزمه القضاء، وفي باب الصوم لم يجب عليه الأداء لا كله ولا بعضه؛ لأنّ ما قدر عليه لا يتصوّر قربة بدون ما مضى، وإذا لم يتصوّر قربة بدون ما مضى لم

(5)

يجب عليه، وإذا لم يجب عليه شيء من الأداء لم يلزمه القضاء، فأمّا هاهنا ما قدر عليه من التحريمة قربة في نفسها، وقد أمكنه إتمامها بالباقي فيلزمه، فالشافعي رحمه الله نظر إلى ما عجز عن أدائه في الوقت، فقال: ما عجز عن أدائه في الوقت ساقط عنه، وإذا سقط ما عجز عن أدائه في الوقت سقط ما قدر عليه؛ لأنّه بدون ذلك لا يكون قربة كما قال فيمن شرع في التطوّع لا يلزمه المضيّ؛ لأن ما لم يشرع لم يجب عليه، وما شرع فيه لا يكون قربة بدونه، فلا يلزمه الإيفاء بالمضي، وعلماؤنا نظروا إلى ما قدر عليه، فقالوا: ما قدر عليه من الأداء في الوقت يجب عليه؛ لقدرته

(6)

على الأداء في الوقت، وإذا لزمه ذلك، ولا صحة له إلا بالباقي لزمه، كما قالوا فيمن شرع في التطوّع لزمه المضي؛ لأنّه لزمه ما شرع فيه؛ لوجود سبب الوجوب، وهو المباشر له، فلزمه الباقي؛ لأنه لا يبقى صحيحًا إلا بالباقي، فكان فيما قلنا عمل بالاحتياط، لإيجاب العبادة

(7)

.

(1)

ينظر: الحاوي في فقه الشافعي: 2/ 32.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: شرح فتح القدير: 2/ 46.

(4)

في (ب): "الخلاف".

(5)

في (ب): "لا".

(6)

في (ب): "بقدرته".

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 45، 46، والمحيط البرهاني: 2/ 32.

ص: 60

قوله: (وقال الشافعي رحمه الله سفر المعصية لا يفيد الرخصة)

(1)

، وذلك كمن سافر بنيّة قطع الطريق، أو البغي على الإمام العدل، وكذلك المرأة إذا حجت من غير محرم، والعبد إذا أبق من مولاه، وعندنا يترخّص هؤلاء بُرخص المسافرين، وغيرها من قصر الصلاة، وإباحة الإفطار، وجواز الصلاة المكتوبة على الراحلة إذا أفاق، وجواز استكمال مدّة المسح على الخفين، وجواز أكل الميتة عند الضرورة.

احتج الشافعي بقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}

(2)

،

(3)

ولأنه لما سافر للبغي، أو القطع صار ابتداء خروجه معصية؛ لأنه نوى معصية، وهي التي أخرجته، فصارت المعصية مضافة إلى السّفر كحكمه، والمعاصي لا تصير اعتذار لإثبات الرخص، ألا ترى أن زوال العقل عذرًا لإسقاط ضرورة الخطاب، ومتى كان بسبب السكر لم يسقط به خطاب، وكذلك خوف العدو عذر لإقامة صلاة الخوف، وقطاع الطريق متى خافوا إمام العدل لم يُحل لهم صلاة الخوف؛ لأنّهم خافوا بسبب هو معصية، ويعتبر هذا الخروج بضدّه، فإن من خرج للحج صار ابتداء خروجه طاعةً، قال الله تعالى:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}

(4)

، ففي ضدّه إذا خرج إلى معصية يصير الخروج معصية، وللمعاصي لا تثبت الرخص كما ذكرنا، ولنا قول الله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}

(5)

،

(6)

علق رخصة الإفطار بنفس السّفر، فزيادة قيدان لا يكون باغيًا، أو قاطع طريق يجري مجرى النسخ على ما عرف، وكذلك قوله تعالى في إباحة الميتة:{إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}

(7)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(2)

سورة البقرة من الآية: (173)، سورة الأنعام من الآية:(145)، سورة النحل من الآية:(115).

(3)

قال القرطبي: (والمسافر على وجه الحرابة أو القطع، أو في قطع رحم أو طالب إثم باغ ومعتد، فلم توجد فيه شروط الإباحة، واللّه أعلم) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 2/ 233، 234.

(4)

سورة النساء من الآية: (100).

(5)

سورة البقرة من الآية: (184).

(6)

قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن: 5/ 349): قال ابن العربي: قسم العلماء رضي الله عنهم الذهاب في الأرض قسمين: هربا وطلبا؛ فالأول ينقسم إلى ستة أقسام: الأول: الهجرة وهي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام .. الثاني: الخروج من أرض البدعة .... الثالث: الخروج من أرض غلب عليها الحرام: فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم. الرابع: الفرار من الأذية في البدن؛ وذلك فضل من الله أرخص فيه، فإذا خشي على نفسه فقد أذن الله في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذلك المحذور. وأول من فعله إبراهيم عليه السلام؛ فإنه لما خاف من قومه قال:{إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} ، وقال:{إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} . وقال مخبرًا عن موسى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} الخامس: خوف المرض في البلاد الوخمة والخروج منها إلى الأرض النزهة. وقد أذن صلى الله عليه وسلم للرعاة حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصحوا. وقد استثنى من ذلك الخروج من الطاعون؛ فمنع الله سبحانه منه بالحديث الصحيح عن نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم بيانه في "البقرة". بيد أن علماءنا قالوا: هو مكروه. السادس: الفرار خوف الأذية في المال؛ فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه، والأهل مثله وأوكد. وأما قسم الطلب فينقسم قسمين: طلب دين وطلب دنيا.

(7)

سورة الأنعام من الآية: (119).

ص: 61

[141/ ب] وقوله صلى الله عليه وسلم في قصر الصلاة: «فرض لمسافر ركعتان من غير فصل»

(1)

، وقال في استكمال مدة المسح:«يمسح المقيم يومًا وليلة والمسافر ثلاثة أيام»

(2)

، وأمّا الجواب عن تأويل الآية، فإن تأويلها فمن اضطر فأكل غير باغ ولا عاد، أي: زائد على ما يُسدّ به رمقه، ويدفع ضرورته، فإنّ الله تعالى لا يؤاخذه بذلك، فيكون غير باغ صفة للأكل لا للمضطر، والدليل عليه: أن الغفران لا يليق/ بالاضطرار فإنّه في نفسه عذر لا ارتكاب محظور، والغفران في مقابلة ارتكاب محظور بعُذر، وذلك في الأكل عند الضرورة لا بمقابلة الاضطرار نفسه، ونظيره قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ}

(3)

أي: فحلق ففدية

(4)

؛ لأن الكفارة لا تجب بالعذر، بل بالحلق بسبب العُذر

(5)

.

وأمّا الجواب عن المعنى: أن هذه رخصة علّقت

(6)

بصيرورة الخُطى سفرًا لا بنفس الخُطى، فإن من طاف جميع الدنيا لا يقصد مكانًا يصلح للسّفر لا يصير مسافرًا، ثم علينا أن يتأمّل أن خُطاه صارت سفرًا بأيّ نيّة نيته الإغارة والبغي أم بنيته مكانًا عند الإغارة، فتأمّلنا فوجدنا أنّه صار مسافرًا عند نقل الخطى بقصده مكانًا عيّنه بعيدًا عنه؛ لأنه لو قصد ذلك [المكان]

(7)

بلا قصد الإغارة صار مسافرًا، ولو قصد الإغارة بدون قصد مكان بعيد لم يصر مسافرًا، وإن طاف الدنيا بهذا القصد، فكانت خطاه معصيته، فلما وجد القصد أن في مسألتنا هذه جعلنا الخطى سفرًا بقصده المكان البعيد، وألغينا قصد الإغارة في جعل الخطى [سفرًا؛ لأنه لا تأثير فيه على ما بيّنا، فاعتبرنا قصد الإغارة في جعل الخطى]

(8)

معصية لا في جعلها سفرًا لما بيّنا أن الخطى، وإن كثرت تحتمل الانفصال عن صفة السّفر، وكذلك إذا خرج للحج ينقلب الخُطى طاعة، ولا يصير سفرًا بالطّاعة، بل لقصده مكة لا غير، وكذلك في طرف المعصية، ولا يتغيّر أحكام السّفر بنية الطّاعة، وكان بمنزلة من غصب خفًّا، ولبس ترخص بالمسح؛ لأن المعصية في الغصب دون ما يسقط به غسل الرجل من استتارها بالخف، وكذلك يجوز الصّلاة في أرض مغصوبة؛ لأنّ الغصب ليس بالصلاة، وإن وجد مع الصلاة، بخلاف زوال العقل بالسُّكر؛ لأن السكر حدث من شربه، وشرب ما يسكره حرام، فلو قلنا: بعذره لسقوط الخطاب عنه يلزم إضافة العذر إلى الحرام؛ لأنّه هو العلة فيه بخلاف نيّة الإغارة، فإنّها لسيت بعلة للرخصة على ما بيّنا، وكذلك الخوف لحقه بسبب معصية في سفره لا بسفره، فلو قلنا بجواز صلاة الخوف في حقّه كانت المعصية هي المجوّزة لصلاة الخوف، وذلك لا يجوز، وكذلك ضرورة الجوع قط لا يقع بسبب بغيه، بل بالمكان القفر الخالي عن الطعام، ولا تأثير للبغي في جعل المكان قفرًا، ولا [في]

(9)

إثارة الجوع. كذا في «الأسرار»

(10)

.

(1)

أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/ 479)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، رقم (687)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه النسائي في «سننه» (1/ 84)، كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين للمقيم، رقم (129). من حديث عائشة رضي الله عنها. قال الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي:(1/ 273): صحيح.

(3)

سورة البقرة من الآية: (196).

(4)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 2/ 383.

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 46، 47، الجوهرة النيرة: 1/ 88.

(6)

في (ب): "تعلقت".

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: كشف الأسرار: 4/ 530 - 532.

ص: 62

وذكر في «الإيضاح»

(1)

: ولنا أن السّفر إنما صار مبيحًا لمشقة تلحقه من نقل الأقدام، والغيبة عن الوطن، وهذا لا خطر فيه، وإنما الخطر فيما يكون بعد انقطاع السّفر، فجرى ذلك مجرى المقصود لا مجرى معنى الفعل؛ لأن معنى الشيء ما يأتي مع الصورة، وثمرة الشيء تكون بعد تمام الصورة، فيثبت أن الفساد هنا لمعنى راجع إلى المقصود، وذلك مما يقبل الفصل عنه، فبقي السّفر من حيث إنه يفيد الرخصة مباحًا

(2)

لا خطر فيه

(3)

.

قوله رحمه الله (ولنا إطلاق النصوص)

(4)

، وهي النصوص التي ذكرناها، وإنّما المعصية ما يكون بعده كما في السرقة، أو يجاوزه، كما في الإباق

(5)

، فصلح متعلّق الرخصة بفتح لام متعلّق، أي: موضع تعلّق الرخصة؛ [لأنه]

(6)

لما لم يكن معصية في ذاته، وهو نقل الخطوات إلى مكان بعيد صلح أن يكون مثبت الرخصة؛ لأنه ليس بمعصية في نفسه بهذا الاعتبار، [والله أعلم]

(7)

،

(8)

.

‌باب صلاة الجمعة

تناسب مضموني البابين من حيث إن كلًّا منهما يتصّف بواسطة، فالأوّل بواسطة السّفر، والثاني بواسطة الخطبة إلا أن الأوّل شامل في كل ذوات الأربع، والثاني خاص في الظهر، والخاص بعد العام، وجودًا؛ لأن التخصيص لا يكون إلا بعد التعميم، ذكر في «المغرب»

(9)

: الجمعة من الاجتماع، كالفرقة من الافتراق أضيف إليها اليوم والصلاة، ثم كثر الاستعمال حتى حذف منها المضاف، وجمعت، فقيل: جمعات، وجمع.

اعلم: أن الجمعة فريضة محكمة لا يسع

(10)

تركها، ويُكفر جاحدها تثبت فرضيتها بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، ونوع من المعنى

(11)

.

[142/ أ] أمّا الكتاب فقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}

(12)

، والمراد من ذكر الله: الخطبة، والأمر للوجوب

(13)

، وإذا افترض السعي إلى الخطبة التي هي شرط/ جواز الجمعة، فإلى أصل الجمعة كان أوجب، ثم أكدّ الوجوب بقوله:{وَذَرُوا الْبَيْعَ}

(14)

، فحرّم البيع بعد النداء، وتحريم المباح من الله تعالى لا يكون إلا لأمر واجب.

(1)

ينظر: نور الإيضاح: ص 69.

(2)

في (ب) محتاجًا.

(3)

ينظر: الاختيار لتعليل المختار: 1/ 86.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 81.

(5)

الآبق: المملوك الذي يفر ويروغ من مالكه قاصدًا. أبقَ العبد أبقًا: إذا هرب من سيده من غير خوف ولا كدِّ عمل، أما إذا هرب العبد من ظلم سيده لا يسمى آبقًا بل يسمى هاربًا، وعلى هذا الإباق عيب والهروب ليس بعيب. يُنْظَر: لسان العرب 10/ 3، التعريفات 1/ 20.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 47، 48.

(9)

(1/ 158 - مادة "جمع").

(10)

في (ب): "يسوغ".

(11)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 49.

(12)

سورة الجمعة من الآية: (9).

(13)

في (ب): " على الوجوب".

(14)

سورة الجمعة من الآية: (9).

ص: 63

والسُنّة: حديث جابر رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيها الناس، توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا، وتقربوا إلى الله بالأعمال الصالحة قبل أن تُشْغَلُوا، وتحببوا إليه بالصدقة في السر والعلانية تجبروا، وتنصروا، وترزقوا، واعلموا أن الله تعالى كتب عليكم الجمعة في يومي هذا، في شهري هذا، في مقامي هذا، فمن تركها تهاونًا، واستحفافًا بحقها، وله إمام جائر أو عادل ألا فلا جمع الله شمله، ألا فلا صلاة له، ألا فلا زكاة له، ألا فلا صوم له إلا أن يتوب، فمن تاب تاب الله عليه»

(1)

، وفي حديث ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهما قالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد منبره يقول: «لينتهين أقوام عن ترك الجمعة أو ليختمن على قلوبهم، وليكونن من الغافلين»

(2)

.

وأجمعت الأمة على فرضيتها

(3)

، وإنما اختلفوا في أصل الفرض في هذا الوقت على ما يجيء، وأمّا المعنى فلأنا أمرنا بترك الظهر لإقامة الجمعة، والظهر فريضة، ولا يجوز ترك الفرض إلا لفرض هو آكد، وأولى منه فدلّ هذا على أنّ الجمعة آكد من الظهر في الفرضية. كذا في «المبسوطين»

(4)

.

ثم شرائط لزوم الجمعة اثنا عشر؛ ستة في نفس المصلى، وستة في غير نفس المصلى أما التي في نفسه الحرية، والذكورة، والإقامة، والصحة، وسلامة الرجلين، والبصر، وقالا: إذا وجد الأعمى قائدًا يلزمه؟ قلنا: هو غير قادر بنفسه كالزمن

(5)

إذا وجد من يحمله.

(1)

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1/ 343)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في فرض الجمعة، رقم (1081). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 3/ 81): ضعيف.

(2)

أخرجه مسلم في «صحيحه» (2/ 591)، كتاب الجمعة، باب التغليظ في ترك الجمعة، رقم (865)، من حديث أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه ابن ماجه في «سننه» (1/ 260)، كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، رقم (794). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 2/ 366): صحيح.

(3)

اختلف بالقول بالإجماع على فرضيتها، فقد ذكر الخطابي أنها من فروض الكفاية. ينظر: معالم السنن 1/ 244، وتوهم البعض عن مالك بأنها سنة. ينظر: بداية المجتهد (1/ 303)، والذي يَظهر أنَّ الإجماع قائِمٌ على وجوبها على الإطلاق عينًا وكفاية، والأكثر على أنَّها فَرْض عين. ينظر: سبل السلام، للصنعاني (2/ 65).

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 36.

(5)

الزَمَنُ والزَمانُ: اسمٌ لقليل الوقت وكثيره، ويجمع على أَزمانِ وأَزْمِنَةٍ وأَزْمُنٍ .... الكسائي: عاملته مُزامَنَةً من الزَمَنِ، كما يقال مشاهرةً من الشهر. والزَمانَةُ: آفة في الحيوانات. ورجلٌ زَمِنٌ، أي مُبْتَلىً بين الزمانة. ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 2131).

ص: 64

وأمّا الستة التي هي في غير نفسه، فالمصر: الجامع، والسلطان، والجماعة، والخطبة، والوقت، والإظهار حتّى إنّ الوالي لو أغلق باب المصر، وجمّع فيه بحشمة، ولم يأذن للناس بالدخول لم يجز. كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(1)

.

(وقاضٍ ينفذ الأحكام، ويقيم الحدود، وذكر إقامة الحدود)

(2)

مع أنها تستفاد هي عن قوله: (يُنفذ الأحكام) لزيادة خطرها، وعُلو شأنها؛ إذ لا تقام هي بدليل فيه شبهة حتى لم يثبت الحدود، والقصاص بالشهادة على الشهادة، وكتاب القاضي إلى القاضي، وشهادة النساء، ولأنّه لا يلزم من جواز تنفيذ الأحكام جواز إقامة الحدود، فإنّ المرأة إذا كانت قاضية يجوز قضاءها في كل شيء من الأحكام، ولا يجوز في الحدود، والقصاص، وكذلك حكم المحكم لا يصح في الحدود

(3)

، والقصاص

(4)

، ويصحّ في غيرهما إلا أنّه اكتفى هنا بذكر الحدود عن [ذكر]

(5)

القصاص؛ لأنهما يقربان في عامّة الأحكام، فكان ذكر أحدهما مغنيًا عن ذكر الآخر

(6)

.

(وعنه أنهم إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم)

(7)

أي: إذا اجتمع من يجب عليهم الجمعة لا كل من يسكن في ذلك الموضع من الصبيان، والنسوان، والعبيد

(8)

؛ لأنه ذكر في «المبسوط»

(9)

هذا القول منسوبًا إلى ابن شجاع

(10)

، [وقال: قال ابن شجاع رحمه الله]

(11)

أحسن ما قيل فيه إذا كان أهلها بحيث لو اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم ذلك، حتّى احتاجوا إلى بناء مسجد آخر للجمعة، فهذا مصر جامع يقام فيه الجمعة، وإنما يكون هذا [لاحتياج أهل المصر غالبًا]

(12)

الاحتياج غالبًا عند اجتماع من عليه الجمعة؛ لأنّهم هم الذين يجتمعون عادة لا كل من يسكن في ذلك الموضع، وعن أبي يوسف رحمه الله رواية أخرى غيرها بين الروايتين، وهي كل موضع يسكن فيه عشرة آلاف، [ولا يكون الموضع مصرًا في ظاهر الرواية إلا أن يكون فيه مفتي، وقاض يقيم الحدود، وينفذ الأحكام، وبلغت أبنيته أبنية «فتاوى قاضي خان»]

(13)

نفر، فكان عنه

(14)

ثلاث روايات

(15)

.

(1)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 49، 50، الجوهرة النيرة: 1/ 88.

(2)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 82.

(3)

الحد في اللغة: الحاجز بين الشيئين، والحد: المنع، وهذا أمرٌ حدد: أي منيعٌ حرامٌ لايحلُ أِرتكابه. ينظر: الصِّحَاح؛ للجوهري 2/ 24.

وفي الشرع: عقوبة مقدرة وجبت حقا لله تعالى. ينظر: الدر المختار 4/ 3.

(4)

القصاص في اللغة: أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل. ينظر: التعريفات (ص: 225).

وفي الشرع: الْقِصَاص هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ أَيْضًا. ينظر: درر الحكام شرح مجلة الأحكام (4/ 640).

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 51، 52.

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 82.

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 49.

(9)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 41.

(10)

سبق ترجمته (ص 137).

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

[ساقط] من (ب).

(13)

[ساقط] من (ب).

(14)

في (ب): "فيه".

(15)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 154.

ص: 65

وقال سفيان الثوري

(1)

: المصر الجامع ما يعده الناس مصرًا عن ذكر الأمصار [المطلقة]

(2)

كبخارى أو سمرقند

(3)

، فعلى هذا القول لا يجوز إقامة الجمعة بكرمنية، وكشانية

(4)

(5)

.

وقال بعض مشايخنا: أن يتمكن كل صانع أن يعيش بصنعته فيه، ولا يحتاج فيه إلى التحول إلى صنعة أخرى، ولكن ظاهر المذهب في بيان حدة ما ذكر في الكتاب أولًا، ثم في كل موضع وقع الشك في كونه مصرًا، وأقام ذلك الموضع ينبغي لأهل ذلك الموضع أن يصلّوا بعد الجمعة أربع ركعات، وينوون بها الظهر احتياطًا حتّى إنه لو لم تقع الجمعة موقعها يخرجون عن عهدة فرض الوقت بأداء الظهر بيقين، وهذا الذي ذكرنا من أن المصر من شرائط صلاة الجمعة مذهبنا، وقال الشافعي: المصر ليس بشرط، بل كلّ قرية يسكنها أربعون من الرجال الأحرار لا يظعنون عنها شتاء، ولا صيفًا يقام بهم الجمعة فيها؛ لقوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}

(6)

، [وأحسن ما قيل فيه: إنه إذا كان يوجد فيه حوائج الدين، وهو القاضي المفتي، والسلطان، ويوجد فيه عامة حوائج الدنيا، فهو مصر جامع، وإلا فلا.

[142/ ب] كذا قاله فخر الإسلام رحمه الله]

(7)

،

(8)

/ من غير فصل، ولما رُوي أنّ أوّل جمعة جُمعت في الإسلام بعد المدينة [جُمعت]

(9)

بجوثاء

(10)

، وهي قرية من قرى عامر بن عبد القيس بالبحرين

(11)

، وكتب أبو هريرة إلى عمر رضي الله عنهما يسأله عن الجمعة بجوثاء، فكتب [إليه]

(12)

«أن جمّع بها، وحيث ما كنت»

(13)

، ولنا قوله صلى الله عليه وسلم:«لا جمعة، ولا تشريق إلا في مصر جامع»

(14)

؛ ولأن الصحابة رضي الله عنهم حين فتحوا الأمصار والقُرى ما اشتغلوا بنصب المنابر، وبناء الجمع إلا في الأمصار والمدن، وذلك اتفاق منهم على أنّ المصر من شرائط الجمعة، والآية ليست بحجة؛ لأن المكان مضمر فيها بالإجماع حتى لا يجوز إقامة الجمعة في البوادي بالإجماع، فنحن نضمر المصر

(15)

، وهو يُضمر القرية، وتسميته جمعة يُرجح قولنا؛ لأنها جامعة للجماعات حتى [وجب]

(16)

نبذ الجماعات يوم الجمعة، وفي قرية يسكنها أربعون رجلًا لا يتصوّر جمع الجماعات، فإنّ جماعتهم واحدة

(17)

.

(1)

سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، من بني ثور بن عبد مناة، من مضر، أبو عبد الله: أمير المؤمنين في الحديث. كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. ولد ونشأ في الكوفة، وراوده المنصور العباسي على أن يلي الحكم، فأبى وخرج من الكوفة، فسكن مكة والمدينة. ثم طلبه المهدي، فتوارى. وانتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفيًا سنة 161 هـ. له من الكتب: الجامع الكبير، والجامع الصغير. ينظر: ثقات ابن حبان: 6/ 401، التاريخ الكبير: 6/ 401، الجرح والتعديل: 4/ 222.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

سمرقند: مدينة من خراسان، ويقال: إن شمر بن إفريقش غزا أرض الصغد حتى وصل إلى سمرقند فهدمها ثم ابتناها، ويقال: إنها بنيت أيام الإسكندر، وتولى ذلك شمر، فقيل: شمرقند، وعربت فقيل: سمرقند. ينظر: معجم البلدان: 3/ 246.

(4)

كَشَانية: بلدة بنواحي سمرقند شمالي وادي الصغد بينها وبين سمرقند اثنا عشر فرسخًا، قال: وهي قلب مدن الصغد، وأهلها أيسر من جميع مدن الصغد. ينظر: معجم البلدان: 4/ 461.

(5)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 153.

(6)

سورة الجمعة من الآية: (9).

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 52، الجوهرة النيرة: 1/ 88.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

جوثاء: بالفتح ثم السكون وثاء مثلثة وألف ممدودة موضع. (معجم البلدان: 2/ 178).

(11)

البحرين: ناحية بين البصرة وعمان على ساحل البحر، بها مغاص الدر، ودره أحسن الأنواع، وينتقل إليها قفل الصدف في كل سنة من مجمع البحرين، يحمل الصدف بالدر بمجمع البحرين، ويأتي إلى البحرين ويستوي خلقه ها هنا، وإذا وصل قفل الصدف يهنيء الناس بعضهم بعضًا، وليس لأحد من الملوك مثل هذه الغلة، ومن سكن بالبحرين يعظم طحاله وينتفخ بطنه. (معجم البلدان: 1/ 346).

(12)

[ساقط] من (ب).

(13)

أخرجه البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (4/ 322 – رقم 6334)، قال الألباني في (السلسلة الضعيفة: 2/ 317): لا أصل له.

(14)

رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 179 – 5405)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (3/ 168 – رقم 5177). موقوفًا عن علي رضي الله عنه. قال ابن الملقن في (البدر المنير: 4/ 591): لا يصح الاحتجاج به للانقطاع ولضعف إسناده، وقد ضعفه الإمام أحمد وآخرون.

(15)

في (ب): "المضمر".

(16)

[ساقط] من (أ).

(17)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 151، 152.

ص: 66

وأمّا جوثاء فهي مصر بالبحرين، وتسمية الراوي إياها بالقرية لا ينفي ما ذكرنا؛ لأن اسم القرية ينطلق على البلدة قال الله تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ}

(1)

، والمراد به: مكة

(2)

، وكذلك في قوله تعالى:{لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}

(3)

،

(4)

ومعنى قول عمر: «حيث ما كنت»

(5)

أي: ممّا هو مثل جوثاء من الأمصار، والحكم غير مقصور على المصلَّى، بل يجوز في جميع أفنية المصر

(6)

.

وفي «المحيط»

(7)

: اختلف الناس في تقدير فناء المصر فقدّره محمد في «النوادر» بالغلوة، وفارسيّته لك تقديرها.

وفي «المغرب»

(8)

: الغلوة قدر ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة.

وقدّر أبو يوسف الفناء بميل أو ميلين، فإنّه روي عنه لو أنّ إمامًا خرج من المصر مع أهل المصر لحاجة له قدر ميل أو ميلين، فحضرته الجمعة، فصلّى بهم الجمعة أجزأه.

وهذا بخلاف المسافر، فإنّه إذا خرج عن عمران المصر يقصر الصلاة، ولم يلحق بناء المصر بالمصر في حقّه، وقد ذكرناه في باب المسافر، وقدّر بعضهم الفناء بمنتهى حدّ الصوت إذا صاح في المصر، أو أذّن مؤذّنهم، فمنتهى صوته فناء المصر

(9)

.

وقدّر شيخ الإسلام، وشمس الأئمة السرخسي -رحمهما الله- الفناء بالغلوة اتباعًا لما ذكره محمد رحمه الله في «النوادر» ، ويجوز بمنًى إلى أن قال: أو كان الخليفة مسافرًا قيّد بكونه مسافرًا إمّا

(10)

للتنبيه على أنّه لو كان مقيمًا كان الجواز بالطريق الأولى، كما أن المسافر لا جمعة عليه، وإمّا لنفي الشبهة، وهي أنّ الخليفة إذا كان مسافرًا لا يقيم الجمعة كما [إذا]

(11)

كان أمير الموسم مسافرًا، فذكره ليُعلم أن حكم الخليفة على خلاف أمير الموسم

(12)

.

وفي «المحيط»

(13)

: وإنما تجوز الجمعة بمنًى عندهما إذا كان ثمة أمير مكة، أو أمير الحجاز

(14)

، أو الخليفة أمّا أمير الموسم فإن استعمل على مكة يقيم الجمعة بمنًى عندهما أيضًا، وإن لم يستعمل على مكة إنما استعمل على الموسم لا غير، فإن كان من أهل مكة يقيم الجمعة بمنًى عندهما أيضًا، وإن لم يكن من أهل مكة لا يقيم الجمعة عندهما أيضًا، ولهما في ذلك طريقان:

(1)

سورة محمد من الآية: (13).

(2)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 16/ 223.

(3)

سورة الشورى من الآية: (7).

(4)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 16/ 6.

(5)

سبق تخريجه (ص 148).

(6)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 40.

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 154.

(8)

ينظر: المغرب في ترتيب المعرب: 2/ 111.

(9)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 155.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 155.

(13)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 156.

(14)

الحجاز: حاجز بين اليمن والشام وهو مسيرة شهر، قاعدتها مكة، حرسها الله تعالى، لا يستوطنها مشرك ولا ذمي، كانت تقام للعرب بها أسواق في الجاهلية كل سنة، فاجتمع بها قبائلهم يتفاخرون ويذكرون مناقب آبائهم وما كان لهم من الأيام، ويتناشدون أشعارهم التي أحدثوا. (معجم البلدان: 2/ 218).

ص: 67

أحدهما: أن منًى من فناء مكة، فإنّه من الحرم، قال الله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}

(1)

سماه باسم الكعبة؛ [لكونه]

(2)

تبعًا لها لما أنّ الهدايا، والضحايا لا تنحر بمكة، بل بمنًى دل ذلك على أنه في حكمها

(3)

، وفي فنائها [يجوز]

(4)

، وإقامة الجمعة كما تجوز في المصر تجوز في فنائه، أما عرفات فليست من فناء مكة، بل هي من الحل، وبينها وبين مكة أربعة فراسخ

(5)

.

والثاني: [أن]

(6)

منًى يتمصّر في أيام الموسم لاجتماع شرائط المصر من السلطان، والقاضي، والأبنية، والأسواق، قيل: إن فيها ثلاث سكك إلا أنها لا تبقى مصرًا بعد انقضاء الموسم، وبقاؤها مصرًا بعد ذلك ليس بشرط؛ لأن الناس باشرهم على شرف الرحيل من دار الفناء إلى دار البقاء، أمّا عرفات فمفازة ليس فيها بناء فلا يأخذ حكم المصر، لكن يشترط أن يكون الإمام مقيمًا [مكيًّا]

(7)

له ولاية على مكة نحو الخليفة، وهذا اللفظ دليل على أنّ الخليفة -أو السلطان- إذا كان يطوف في ولايته كان عليه الجمعة في كل مصر يكون في يوم الجمعة؛ لأن إقامة غيره بأمره تجوز فإقامته أولى، وإن كان مسافرًا كذا في «الفوائد»

(8)

، و «الجامع الصغير» » لقاضي خان

(9)

.

وذكر في «المحيط»

(10)

: ومن المشايخ من قال: إنّ عندهما إنما يجوز أداء الجمعة بها؛ لأنها من أفنية مكة، وهذا فاسد إلا على قول من يقدّر فناء المصر بفرسخين؛ لأن بين مكة ومنى فرسخين.

وقال محمد في الأصل: إذا نوى الإقامة بمكة ومنى خمسة عشر يومًا لا يصير مقيمًا، فعلم بهذا أنهما موضعان، إنما الصحيح ما قلنا: بأن منى يتمصّر في أيام الموسم

(11)

.

[143/ أ] قوله: (وعدم التعييد للتخفيف)

(12)

أي: لا/ يصلي فيه صلاة العيد بالاتفاق لا لعدم المصرية، بل لاشتغال الحاج بأعمال المناسك من الرمي، والذبح، والحلق في ذلك اليوم، فوضع عنهم صلاة العيد، بخلاف الجمعة؛ لأنه لا يتفق كل سنة يوم الجمعة في أيام الرمي بمنى بخلاف صلاة العيد؛ لأنها لو شرعت كانت في كل سنة، ولا يجوز إقامتها إلا للسلطان أو لمن أمره السلطان، وهو الأمير أو القاضي، والمراد من السلطان الخليفة؛ لأنه أراد به الوالي الذي ليس فوقه والٍ، وهو الخليفة، وبدليل موضع النزاع

(13)

، فإنّه ذكر في «المحيط»

(14)

، وغيره: وهذا مذهبنا، وقال الشافعي رحمه الله: السلطان ليس بشرط حجته في ذلك ما روي: «أن عثمان رضي الله عنه حين كان محصورًا صلّى عليّ رضي الله عنه الجمعة بالناس»

(15)

، ولم يُرو أنه صلّى بأمر عثمان، ولأنّها مكتوبة كسائر الصلوات [المكتوبات]

(16)

، فلا يشترط لإقامتها السلطان كسائر الصلوات، ولنا قوله صلى الله عليه وسلم:«أربع إلى الولاة»

(17)

ذكر من جملتها الجمعة، والعيدين.

(1)

سورة المائدة من الآية: (95).

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 6/ 314، المحرر الوجيز: 2/ 280.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

ينظر: تبيين الحقائق: 1/ 218.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

في (ب): "أو من".

(8)

ينظر: مجمع الأنهر: 1/ 248.

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 54.

(10)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 156.

(11)

ينظر: المرجع السابق.

(12)

ينظر: الهداية شرح البداية: 2/ 82.

(13)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 54.

(14)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 158، 159.

(15)

أخرجه ابن الملقن في «البدر المنير» (4/ 383).

(16)

[ساقط] من (ب).

(17)

ذكره الزيلعي في (نصب الراية: 3/ 326)، وقال: غريب، وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/ 506 – 28438، 28439) حدثنا عبدة عن عاصم عن الحسن، قال:"أربعة إلى السلطان: الصلاة، والزكاة، والحدود، والقصاص"، انتهى. حدثنا ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن عبد الله بن محيريز، قال:"الجمعة، والحدود، والزكاة، والفيء إلى السلطان"، انتهى.

ص: 68

وفي حديث جابر رضي الله عنه قال: «من تركها استخفافًا بها، وله إمام عادل أو جائر»

(1)

إلى آخره، وقد ذكرناه ألحق الوعيد الشديد بترك الجمعة بشرط أن يكون له إمام، والمراد به: السلطان؛ لأنه وصفه بالعدل، والجور؛ وذلك إنما يتحقق من السلطان، ولأنّ النّاس يتركون الجماعات لإقامة الجمعة، فلو لم يشترط فيها السلطان أدّى إلى الفتنة؛ لأنه يسبق بعض الناس إلى الجامع، فيقيمونها لعرض

(2)

لهم، ويفوت على غيرهم، وفيه من الفتنة ما لا يخفى فيُجعل مفوّضًا إلى الإمام الذي، فُوّض إليه أحوال الناس، والعدل بينهم؛ لأنه أقرب إلى تسكين الفتنة، والاحتجاج بحديث علي رضي الله عنه لا يصح؛ لأنه يحتمل أنّه فعل ذلك بإذن عثمان رضي الله عنه، والمحتمل لا يصلح حجة، ولو فعل بغير إذنه إنّما فعل؛ لأن الناس اجتمعوا عليه، وعند ذلك يجوز؛ لأن الناس احتاجوا إلى إقامة الفرض فاعتبر إجماعهم.

(وقد يقع في غيره)

(3)

أي: في غير أمر التقدّم، والتقديم من أداء من

(4)

سبق إلى الجامع كما ذكرنا، ومن الأداء في أوّل الوقت، وآخره، ومن

(5)

نصب الخطيب

(6)

.

قوله: (ومن شرائطها الوقت)

(7)

، وهو وقت الظهر لما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم ما بعث

(8)

مصعب بن عمير رضي الله عنه

(9)

إلى المدينة قبل هجرته قال له: «إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة»

(10)

، والذي روى:«أن ابن مسعود رضي الله عنه أقام الجمعة ضُحًى»

(11)

معناه: بالقرب منه، ومقصود الراوي: أنّه ما أخّرها بعد الزّوال، وكان مالك رحمه الله

(12)

- يقول: بجواز

(13)

إقامتها في وقت العصر بناء على مذهبه في تداخل الوقتين. كذا في «المبسوط»

(14)

.

(1)

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1/ 343)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في فرض الجمعة، رقم (1081). مرفوعًا، وقال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 3/ 81): ضعيف.

(2)

في (ب): "لفرض".

(3)

ينظر: الهداية شرح البداية: 2/ 82.

(4)

في (ب): "ما".

(5)

في (ب): "في".

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 54.

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 2/ 82.

(8)

في (ب): "نصب".

(9)

مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف، القرشى، من بني عبد الدار: صحابي، شجاع، من السابقين إلى الاسلام. أسلم في مكة وكتم إسلامه، فعلم به أهله، فأوثقوه وحبسوه، فهرب مع من هاجر إلى الحبشة. شهد بدرا، وحمل اللواء يوم أحد، فاستشهد. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 368، الجرح والتعديل: 8/ 303، الإصابة في تمييز الصحابة: 6/ 123.

(10)

أخرجه أبو داود في «سننه» (1/ 422)، كتاب الصلاة، باب في وقت الجمعة، رقم (1086). من حديث أنس رضي الله عنه قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن أبي داود: 3/ 84): صحيح.

(11)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/ 444 - رقم 5134)، من حديث عبد الله بن سلمة، وقال الألباني في (إرواء الغليل: 3/ 62): صحيح.

(12)

مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبد الله: إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية، مولده ووفاته في المدينة. كان صلبا في دينه، بعيدا عن الأمراء والملوك، وشي به فضربه سياطا انخلعت لها كتفه. وسأله المنصور أن يضع كتابا للناس يحملهم على العمل به، فصنف الموطأ. ينظر: تهذيب التهذيب: 10/ 5، وفيات الأعيان: 1/ 439، الأعلام للزركلي: 5/ 257.

(13)

في (ب): "يجوز".

(14)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 41.

ص: 69

قوله: (ولا يبنيه عليها)

(1)

، أي: ولا يبني الظهر على الجمعة؛ لأنهما مختلفان بدليل تخيّر العبد إذا أذن له مولاه بأن يُصلي الجمعة بين أن يصلي الظهر، أو الجمعة مع تعيّن يُسر العلة في الجمعة، ولو لم يكونا مختلفين لما خيّر العبد كما في جناية المدبّر

(2)

حيث يجب الأقل على مولاه من الأرش، ومن القيمة من غير اختيار لاتحادهما في المالية، وقد ذكرنا في باب صفة الصلاة أنّ الفرض لا يبنى على تحريمة فرض آخر على أصحّ الروايات

(3)

.

(ومنها الخطبة)

(4)

أي: من الشرائط الخطبة، فإن قيل الخطبة ركن ليست بشرط؛ لأنها أقيمت مقام ركعتين، والركعتان من الظهر ركن لا شرط، فكذا ما قام مقامه، وفائدة هذا: أنها هل تتأدى بدون الطهارة أم لا؟ ولأنه لو كان شرطًا؛ لشرط قيامه [حال الأداء]

(5)

كالطهارة، وستر العورة

(6)

.

ولا يشترط قراءة الخطبة حالة الأداء، قلنا: إن الخطبة شرط، وليست بركن؛ لأن صلاة الجمعة لا توجد بالخطبة، وإنما توجد بأركانها، والدليل على أنها ليست بركن أنّه لم يشترط لإقامتها سائر الشرائط، فإنّها تتأدى مستدبر القبلة، فدلّ أنها شرط كالطهارة، وستر العورة

(7)

.

وأمّا قوله: (لو كانت شرطًا؛ لكان يراعي قراءة الخطبة حالة الأداء) قلنا: الشرط كون الخطبة مؤدّاة بالقراءة لا القراءة حالة الأداء كما في الطّهارة الشرط حصول الطهارة لا فعل يحصل به الطهارة حالة الأداء، فكذا هذا هكذا

(8)

السؤال والجواب، شيخ الإسلام رحمه الله

(9)

.

وفي «المبسوط»

(10)

: وقال بعض مشايخنا: الخطبة تقوم مقام ركعتين، ولهذا لا يجوز إلا بعد دخول الوقت، والأصح: أنّها لا تقوم مقام شطر الصلاة، فإنّ الخطيب لا يستقبل القبلة عند أدائها، ولا يقطعها الكلام، ويعتدّ بها إن أدّاها، وهو محدث أو جنب، وبه

(11)

يتبيّن ضعف قول من يقول: إنّها بمنزلة شطر الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلاها بدون الخطبة في عمره.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 2/ 82.

(2)

التدبير: عتق العبد عن دبر، وهو أن يعتق بعد موت صاحبه، فهو مدبر. ينظر: الصِّحَاح؛ للجوهري 2/ 655.

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 56.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 2/ 82.

(5)

في (ب): "حالة أداء الصلاة".

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 57.

(7)

ينظر: المرجع السابق.

(8)

في (ب): "ذكر".

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 57.

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 42.

(11)

في (ب): "فيه".

ص: 70

[143/ ب] فإن قلت:/ هذا لا يدل على أنها شرط الجواز، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما لم يُصل الجمعة بدون الخطبة كذلك لم يُصل صلاة أيضًا بدون رعاية سننها كرفع اليد عند التحريمة، والتكبير عند كل خفض، ورفع، وغيرهما حيث لم ينقل أحدًا أنه صلى الله عليه وسلم ما رفع اليد عند التحريمة، ولا ترك التكبير عند الخفض، والرفع، ولم يدل ذلك على أنّها شرط الجواز فكذا هنا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كما كان يواظب على الفرائض، فكذلك يواظب على الواجبات، والسنن.

قلت: بينهما فرق؛ وذلك لأن سقوط الظهر بالجمعة مع أنّ الظهر أربع ركعات، والجمعة ركعتان عرف، بخلاف القياس شرعًا، وفي مثله يراعي ما ورد به النصّ، والشرع ما أقام الجمعة مُقام الظهر إلا بهذه الشرائط، فلا تصير مثلًا لها إلا بهذه الشرائط، ولو جاز لفعلها مرّةً بغير الخطبة تعليمًا للجواز لإزالة الشبهة، وأمّا الرّفع عند التحريمة، فلإعلام الأصم بالشروع، فإنّ غالب أحواله صلى الله عليه وسلم كان على الإمامة، وكذلك التكبير عند كل خفض، ورفع لإعلام الانتقال من ركن إلى ركن، وما كانت شرعيته لإعلام غيره لا يكون شرط الجواز في نفسه كالأذان، وجهر التكبيرات، ولأن المراد من الذكر في قوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}

(1)

إنما هو الخطبة، وقد فرض السعي إلى الجمعة، والذكر

(2)

، فدلّ على أنه لابدّ منها. كذا ذكره شيخ الإسلام

(3)

.

(ويخطب خطبتين يفصل بينهما بقعدة)

(4)

هذه القعدة عندنا للاستراحة، وليست بشرط، وقال الشافعي رحمه الله: إنها شرط حتى لا يكتفي عنده بالخطبة الواحدة، وإن طالت، ولنا حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه

(5)

: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائمًا خطبة واحدة، فلما أسن جعلها خطبتين يجلس بينهما جلسة»

(6)

، ففي هذا دليل على أنّه يجوز الاكتفاء بالخطبة الواحدة، وعلى أنّ الجلسة بينهما للاستراحة لا للشرط خلافًا للشافعي رحمه الله. كذا في «المبسوط»

(7)

.

(1)

سورة الجمعة من الآية: (9).

(2)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 18/ 101.

(3)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 162، 167.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 2/ 82.

(5)

جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير بن رئاب العامري السوائي حليف بني زهرة، له ولأبيه صحبة رضي الله عنهما، توفي في ولاية بشر على العراق سنة أربع وسبعين. روى له البخاري ومسلم وغيرهما 146 حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 52، الإصابة في تمييز الصحابة: 1/ 431، تهذيب الكمال: 4/ 437.

(6)

أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 91 - رقم 20878)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره.

(7)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 46.

ص: 71

ولفظ "التوارث" إنما يستعمل في أمر له خطر، وشرف، يقال: توارثوا المجد كابرًا عن كابر، أي: كبيرًا في العزّ، والشرف، وقيل: هو حكاية العدل عن العدل؛ لأن القيام فيهما متوارث؛ لما روي أنّ ابن مسعود لما سئل عن هذا؟ فقال: «ألست تتلو قوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}

(1)

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا حين انفض عنه الناس بدخول العير المدينة»

(2)

، وهكذا جرى التوارث، والذي رُوي عن عثمان: رضي الله عنه «أنّه كان يخطب قاعدًا»

(3)

إنّما فعل ذلك لمرض أو كبر في آخر عمره. كذا في «المبسوط»

(4)

.

(فيستحبّ فيها الطّهارة كالأذان)

(5)

أي: الطهارة عن الجنابة، والحدث، ثم وجه التشبيه بالأذان هو أنّ الخطبة ذكر لها شبه بالصلاة من حيث إنها أقيمت مقام شطر الصلاة، ويُقام بعد دخول الوقت، والأذان أيضًا ذكر له شبه بالصلاة من حيث إنه دعا لها، ويقام بعد دخول الوقت، ولا يقال: ليس بينهما مشابهة، بل بينهما مخالفة، فإن أذان الجنب يستحبّ فيه الإعادة ظاهرًا، ولم يذكر إعادة خطبة الجنب هاهنا؛ لأنّا نقول لا فرق بينهما في الحقيقة غير أنّ الأذان لا يتعلق به حكم الجواز، فذكر استحباب الإعادة، والخطبة يتعلّق بها حكم الجواز، فذكر الجواز هاهنا، واستحباب الإعادة هاهنا، كهو في الأذان

(6)

. كذا في «المبسوط»

(7)

.

وذكر شيخ الإسلام في «المبسوط» فقال: ثم لم يذكر في الكتاب أنّه هل يعيد الخطبة أو

(8)

لا؟.

وذكر في «نوادر أبي يوسف» : أنه يعيدها، وإن لم يعدها جاز؛ لأنه ليس من شرط استقبال القبلة، بخلاف الأذان فإنّه يعيد؛ لأن الأذان أشبه بالصلاة من الخطبة

(9)

.

ألا ترى أنّ الأذان شرع مستقبل القبلة بخلاف الخطبة، ولكنه يكون مسيئًا إذا تعمّد ذلك؛ لأنها بشبه الصلاة، ولأنّ فيه دخول المسجد جنبًا، وهو مكروه، ولو خطب قاعدًا، وعلى غير طهارة جاز لحصول المقصود، وهو الذكر، والوعظ.

(1)

سورة الجمعة من الآية: (11).

(2)

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1/ 352)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الخطبة يوم الجمعة، رقم (1108). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 3/ 108): صحيح.

(3)

روي بغير هذا اللفظ، والذي رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (19/ 324 – رقم 16408) من حديث موسى بن طلحة:«شهدت عثمان يخطب على المنبر قائمًا وشهدت معاوية يخطب قاعدًا» .

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 46.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 82.

(6)

في (ب) الإعادة.

(7)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 47.

(8)

في (ب): "أم".

(9)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 173.

ص: 72

[144/ أ] وعند أبي يوسف رحمه الله لا يجوز بدون الطهارة، وهو قول الشافعي؛ لأن الخطبة بمنزلة شطر الصلاة حتى لا يجوز أداؤها إلا في وقت الصلاة، وفي الأثر: «إنما قصرت الجمعة

(1)

لمكان الخطبة»

(2)

، فكما يشترط الطهارة في الصلاة فكذلك في الخطبة، ولنا أن الخطبة ذِكر، والمحدث والجنب لا يمنعان عن ذكر الله/ تعالى ما خلا قراءة القرآن في حق الجنب، وليست الخطبة نظيرة الصلاة، ولا بمنزلة شطرها بدليل: أنها يؤدّي غير مستقبل القبلة، ولا يفسدها الكلام، وتأويل الأثر أنّها في حكم الفوات كشطر الصلاة، لا في اشتراط شرائط الصلاة فيها. كذا في «المبسوط»

(3)

.

وفي جواز الخطبة قاعدًا يخالفنا الشافعي، وحاصله: أنّ الشافعي يشترط الخطبتين، ويقول:[القيام]

(4)

فيهما فريضة عند القدرة، والجلسة بينهما فريضة، وفي الأولى أربع فرائض: التحميد، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، والوصية بتقوى الله تعالى، وقراءة آية، وكذلك في الثانية إلا أنّ الدعاء في الثانية بدل قراءة الآية في الأولى. كذا في «الخلاصة الغزالية»

(5)

.

(فإن اقتصر على ذكر الله جاز عند أبي حنيفة رحمه الله)

(6)

، وهذا الإطلاق يقتضي أن يجوز بمجرد قول الله من غير قرآن ذكر شيء به كالحمد، وسبحان الله؛ لأنه ذكر الله

(7)

، ولكن الرواية في «المبسوط»

(8)

، وغيره: أنّه إذا خطب بتسبيحة واحدة، أو بتهليل، أو بتحميد أجزاه في قوله.

وذكر في «المحيط»

(9)

: يجزئ في الخطبة قليل الذكر نحو قوله: الحمد لله، و [نحو قوله]

(10)

: سبحان الله.

وفي «المبسوط»

(11)

: إلا أن الشرط عند أبي حنيفة رحمه الله أن يكون قوله: الحمد لله على قصد الخطبة حتى إذا عطس، فقال: الحمد لله يريد الحمد على عطاسه لا ينوب عن الخطبة، وقالا: لابدّ من ذكر طويل يسمّى خطبة، قال القاضي الإمام أبو بكر الزرنجري

(12)

: [أقلّ]

(13)

ما يسمّى خطبة عندهما مقدار التشهّد من قوله: التحيات لله

إلى قوله: عبده ورسوله

(14)

.

(1)

في (ب): " الصلاة".

(2)

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/ 456 - رقم 5276) من حديث مكحول.

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 46، 47.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 58، 59.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 2/ 82.

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 59.

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 54.

(9)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 171.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 55.

(12)

بكر بن محمد بن علي بن الفضل بن الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن عثمان بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن جابر بن عبد الله الأنصاري الزرنجري، أبو الفضل وبعضهم قال: اسمه أبو بكر وكنيته أبو الطفيل، إمام فاضل عارف بروايات مذهب أبي حنيفة رحمه الله، حافظ لها مرجوع إليه في الفتاوي والوقائع، عمر العمر الطويل حتى انتشر عنه العلم، وحدث بالكثير وأملى وسمعوا منه وكانت ولادته في سنة سبع وعشرين وأربعمائة، ومات صبيحة يوم الخميس التاسع عشر من شهر ربيع الاول وقيل من شعبان سنة أثنتي عشرة وخمسمائة ببخارى ودفن بمقبرة كلاباذ. ينظر: لسان الميزان: 2/ 58، الأنساب للسمعاني: 3/ 148، معجم المؤلفين: 3/ 74.

(13)

[ساقط] من (ب).

(14)

تبيين الحقائق: 3/ 73.

ص: 73

وفي «التجنيس»

(1)

: مقدار الجلوس بين الخطبتين عند الطحاوي

(2)

مقدار ما يمسّ موضع جلوسه المنبر، وفي الظاهر مقدار ثلاث آيات، وجه قولهما ما روي عن عمر، وعائشة رضي الله عنها

(3)

أنهما قالا: «إنما قصرت الصلاة لأجل

(4)

الخطبة»

(5)

، ومعلوم أن قصر الصلاة لا يكون بالتسبيحة الفردة، ولا بالتحميدة الفذّة، فوجب

(6)

إيجاب ما يسمّى خطبة. كذا في «الفوائد الظهيرية»

(7)

.

وأبو حنيفة رحمه الله استدلّ بما روي أن عثمان رضي الله عنه لما صعد المنبر في أوّل جمعة ولي قال: «الحمد لله فارتج عليه، فقال: إن أبا بكر

(8)

، وعمر كانا يعدان لهذا المكان مقالًا، وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال، وسيأتي الخطبة من بعد الله أكبر ما شاء الله فعل»

(9)

، ونزل، وصلى الجمعة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضي الله عنهما، فدلّ أنّه يكتفى بهذا القدر

(10)

.

(1)

التجنيس والمزيد، من مؤلفات علي بن أبي بكر بن عبدالجليل الفرغاني المرغيناني. ينظر: معجم المؤلفين 7/ 45.

(2)

شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ، لأبي جعفر أحمد بن مُحَمَّد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (ت 321 هـ)، واسم كتابه (شرح مشكل الاثار)، حققه شعيب الأرنؤوط، وطبعته دار الرسالة.

(3)

عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان، من قريش: أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية بعد الهجرة، فكانت أحب نسائه إليه، وأكثرهن رواية للحديث عنه. ولها خطب ومواقف. وتوفيت في المدينة سنة 58 هـ. روي عنها 2210 أحاديث. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 323، الإصابة في تمييز الصحابة: 8/ 16، الطبقات الكبرى: 8/ 58.

(4)

في (ب): "لمكان".

(5)

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/ 456 – رقم 5276) من حديث مكحول.

(6)

في (ب) يوجب.

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 59، والمحيط البرهاني: 2/ 167.

(8)

عبدالله بن عثمان بن عامر القرشي التيمي أبو بكر الصديق، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان اسمه عبد الكعبة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، وهو أول من آمن به، وصاحبه في الغار، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة وكان أبو بكر ولد بعد الفيل بثلاث سنين. له في كتب الحديث 142. ينظر: الثقات لابن حبان: 1/ 184، التاريخ الكبير: 5/ 1، الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 169.

(9)

ذكره الملا الهروي في (مرقاة المفاتيح: 3/ 1048)، وقال: لم يعرف هذا الأثر في كتب الحديث بل في كتب الفقه.

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 55.

ص: 74

ومراده من قوله: (وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوّال)؛ أن الخطباء الذين يأتون بعد الخلفاء الراشدين يكونون على كثرة المقال مع قبح الفعال، وأنا إن لم أكن قوّالًا مثلهم فأنا على الخير دون الشرّ، فأما أن يريد بهذه المقالة تفضيل نفسه على الشيخين رضي الله عنهما فلا، كذا في «المحيط»

(1)

.

يقال: ارتج الباب أغلقه إغلاقًا، والرتاج الباب المغلق، ومنه قولهم ارتج على الخطيب، أو على القارئ مبنيًا للمفعول إذا استغلق عليه القراءة، فلم يقدر على إتمامها.

ألا ترى أنهم قالوا للمرشد: فتح على القارئ، والعامة تقول: اُرتجّ بالتشديد، ولكن الكلام العربي بالتخفيف. كذا في «المغرب»

(2)

.

قيل: هذه المسألة بناء على أنّ الحقيقة المستعملة [عنده]

(3)

أقوى من المجاز المتعارف، وعندهما على العكس.

وفي «المبسوط»

(4)

: والذكر يحصل بقوله: الحمد لله، فما زاد عليه شرط الكمال لا شرط الجواز، وهو نظير ما قال أبو حنيفة رحمه الله أن فرض القراءة يتأدّى بآية واحدة، ثم قوله: الحمد لله كلمة وجيزة تحتها معان خمسة يشتمل على قدر الخطبة، وزيادة، فالمتكلم بقوله: الحمد لله كالذاكر لذلك كله، فيكون ذلك خطبة لكنها وجيزة، وقصر الخطبة مندوب إليه، وقال ابن مسعود رضي الله عنه:«طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل»

(5)

.

ومثل هذا الكلام في مثل هذه الحالة يُعدّ كلامًا طويلًا؛ لأن المكان أعدّ للخطبة، والوقت وقت الخطبة، والخطيب هيّأ نفسه، فإذا جاء بالذكر، وإن قلّ يكون خطبة، ولا يبعد أن يختلف الكلام باختلاف المحل، ألا ترى أنّ من اعتاد التكلم بنعم في خلال [كلامه]

(6)

كان نعم في خلال كلامه لغوًا، وإذا

(7)

قال له غيره

(8)

: لي عليك كذا، وكذا فقال: نعم، كان ذلك منه إقرارًا، ولزمه المال. كذا في «المحيط»

(9)

.

(لأنّ الجمعة مشتقة منها)

(10)

[لما كانت مشتقة]

(11)

من الجماعة، فلا يتحقق بدون الجماعة، كالضارب لما كان مشتقًّا من الضرب لم يتحقق بدونه، وكذا في سائر المشتقات

(12)

.

(1)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 172.

(2)

(1/ 319 - مادة "رتج").

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 55.

(5)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 208 - رقم 5554)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9/ 298 – رقم 9513). قال الهيثمي في (مجمع الزوائد: 2/ 417): روى الطبراني بعضه موقوفًا في الكبير ورجال الموقوف ثقات.

(6)

في (ب): " الصلاة".

(7)

في (ب): "لو".

(8)

في (ب) عشرة.

(9)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 172.

(10)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 82.

(11)

في (ب): "أي".

(12)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 60.

ص: 75

[144/ ب] قوله: (والأصح: أن هذا قول أبي يوسف)

(1)

احتراز عما وقع في عامة نسخ المختصر هو ما ذكر قبله، وهو قوله: وأقلّهم عند أبي حنيفة ثلاثة سوى الإمام، وقالا:/ اثنان لأبي يوسف أن للمثنى حكم الجماعة حتّى يتقدم الإمام عليهما، وفي الجماعة معنى الاجتماع، وذلك يتحقّق بالمثنى وجه قولهما الاستدلال بقوله تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}

(2)

، وهذا يقتضي مناديًا وذاكرًا، وهو المؤذن والإمام، ثم قوله:{فَاسْعَوْا} خطاب جمع، وأقلّ الجمع المتفق عليه الثلاثة

(3)

، فإنّ أهل اللغة فصّلوا بين التثنية، والجمع فالمثنى، وإن كان [فيه]

(4)

معنى الجمع من وجه، فليس بجمع مطلق، واشتراط الجماعة هاهنا [ثابت]

(5)

مطلقًا. كذا في «المبسوط»

(6)

.

(فلا يعتبر منهم)

(7)

أي: لا يعتبر الإمام في تحصيل الجماعة من القوم

(8)

.

(وإن نفر الناس قبل أن يركع

إلى آخره)

(9)

. وجه قول زفر رحمه الله: أن يشاركه القوم الإمام شرط الأداء لا شرط الانعقاد بدليل أن القوم إذا تحرّموا بعد تحرّم الإمام جاز، ولو كانت المشاركة شرطًا للانعقاد دون الأداء؛ لكان يشترط التحرّم منهم بصفة القران؛ فكان اشتراط الجماعة للجمعة كاشتراط الوقت لها، ولكنّا نقول: الجماعة شرط افتتاح الجمعة، وقد وجد ذلك حين صلّى بهم ركعة، فكان له أن يتمّها جمعة، بخلاف الوقت فإنّه شرط الأداء لا شرط الافتتاح حتّى يشترط لصحتها بقاء الوقت من أوّلها إلى آخرها بخلاف الجماعة، فإنّ الرجل إذا كان مسبوقًا بركعة في صلاة الجمعة، فإنه يقوم، ويتمها جمعة منفردًا بالاتفاق، فلو كان اشتراط الجماعة كالوقت لما جاز ذلك، فإنّه لا يجوز أداء الجمعة إذا خرج الوقت في جزء منها، ولهما أنّ مشاركة الإمام المقتدي شرط لصحة جمعة المقتدي كمشاركة القوم الإمام شرط لصحة جمعة الإمام، ثم مشاركة الإمام المقتدي لا يشترط لصحة جمعة المقتدي من أوّل الصلاة إلى آخرها حتى صحّ صلاة اللاحق، والمسبوق منها، فكذا مشاركة القوم الإمام لصحة جمعته لا يشترط من أوّل الصلاة إلى آخرها؛ وهذا لأن الجماعة شرط وقت الشروع في صلاة الجمعة، وقد وجدت، بخلاف ما إذا نفروا قبل الشروع؛ لأن هناك تحريمته لم ينعقد للجمعة، فكيف يتمها جمعة؟!

(10)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 82.

(2)

سورة الجمعة من الآية: (9).

(3)

قال القرطبي: قرأ عبدالله بن الزبير والأعمش وغيرهما "الجمعة" بإسكان الميم على التخفيف. وهما لغتان. وجمعهما جمع وجمعات. قال الفراء: يقال الجمعة "بسكون الميم" والجمعة "بضم الميم" والجمعة "بفتح الميم" فيكون صفة اليوم؛ أي تجمع الناس. كما يقال: ضحكة للذي يضحك. وقال ابن عباس: نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم فاقرؤوها جمعة؛ يعني بضم الميم. وقال الفراء وأبو عبيد: والتخفيف أقيس وأحسن؛ نحو غرفة وغرف، وطرفة وطرف، وحجرة وحجر. وفتح الميم لغة بني عقيل. وقيل: إنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم. وعن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما سميت جمعة لأن الله جمع فيها خلق آدم". وقيل: لأن الله تعالى فرغ فيها من خلق كل شيء فاجتمعت فيها المخلوقات. وقيل: لتجتمع الجماعات فيها. وقيل: لاجتماع الناس فيها للصلاة. ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 18/ 97.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 43.

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 83.

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 61.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 83.

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 61.

ص: 76

ولأبي حنيفة رحمه الله: أنّ الجماعة [شرط]

(1)

في ركعة؛ لأن ما دون الركعة معتبرة من وجه حتّى إذا تحرّم، ثم قطع يلزمه القضاء، وغير معتبرة من وجه، فإنّه إذا أدرك الإمام في السجود لا يصير مدركًا للركعة، وصلاة الجمعة تغيّرت من الظهر إلى الجمعة، فلا يتغيّر إلا بيقين، ولا يقين إلا وأن يوجد ركعة؛ وذلك لأن الجماعة شرط صلاة الجمعة، ولا يصير مصليًا ما لم يقيّد الركعة بالسجدة؛ لأنه إذا لم يقيّد الرّكعة بالسجدة، فهو مفتتح لكل ركن، فكان ذهاب الجماعة قبل تقييدها كذهابهم قبل التكبير [حينئذٍ]

(2)

بخلاف ما بعد تقييد الركعة بالسجدة، فإنه مُعيد للأركان لا مفتتح، وليس المقتدي كالإمام في حق اشتراط الجماعة [لما أن]

(3)

الإمام أصل في افتتاح الأركان، فلابدّ من وجود شرط الجماعة عند افتتاح كل ركن في حقه. كذا في «المبسوط

(4)

»

(5)

، وغيرهما

(6)

.

(ولا معتبر ببقاء النسوان)

(7)

، بخلاف بقاء المسافرين، وأصحاب الأعذار، ومن لم يشهد الخطبة

(8)

.

وفي «التجنيس» : الإمام إذا خطب يوم الجمعة، وفرغ منها فذهب القوم كلّهم، وجاء قوم آخرون لم يشهدوا الخطبة فصلّى بهم الجمعة أجزاه؛ لأنه خطب والقوم حضور، وصلّى والقوم حضور، فتحقق شرط جواز الجمعة، فإن حضروا وصلّوا مع النّاس أجزاهم عن فرض الوقت

(9)

.

هاهنا مسائل:

إحديها: هذه، ولم يذكر هاهنا خلاف أحد.

والثانية: إذا صلّى غير المعذور الظهر في منزله قبل الجمعة هل يعتد به عن الفرض أم لا؟

والثالثة: إذا صلّى المعذور الظهر في منزله، ثم حضر الجمعة هل ينتقض ظهره أم لا؟

والرابعة: [إذا صلى غير المعذور، والظهر في منزلة]

(10)

إمامة المعذور الجمعة هل تصحّ أم لا؟.

ففي هذه الثلاث خلاف بيننا وبين زفر والشافعي.

أمّا المسألة الأولى: فهي ما إذا صلّى المعذورون الجمعة هل تسقط عنهم فرض الوقت؟

ذكر في «المبسوط»

(11)

: مطلقًا أنّهم إذا شهدوا الجمعة فأدوها جازت؛ لحديث الحسن رحمه الله

(12)

: كنّ –النساء- يجمعن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال لهن:«لا تخرجن إلا تفلات»

(13)

، أي: غير مطيبات، ولأن سقوط [فرض]

(14)

السعي عنهم لا بمعنى في الصلاة، بل للحرج، والضرر، فإذا تحمّلوا التحقوا في الأداء بغيرهم.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

[ساقط] من (أ).

(3)

في (ب): "لأن".

(4)

في (ب): "المبسوطين".

(5)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 61.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 61.

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 83.

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 62.

(9)

ينظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام: 1/ 138.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 39.

(12)

الحسن بن أبي الحسن أبو سعيد البصري، واسم أبيه يسار مولى زيد بن ثابت الأنصاري، وكان من سبي ميسان، واسم أمه خيرة مولاة أم سلمة، ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر وكان يوم الدار بن أربع عشرة سنة، واحتلم سنة سبع وثلاثين وخرج من المدينة ليالي صفين ولم يلق عليًّا، وقد أدرك بعض صفين ورأى عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شافه بدريًّا قط إلا عثمان، وعثمان لم يشهد بدرًا. مات في شهر رجب سنة عشر ومائة وهو ابن تسع وثمانين سنة، وصلى عليه النضر بن عمرو المقرئ من حمير من أهل الشام، وكان الحسن من أفصح أهل البصرة لسانًا، وأجملهم وجهًا، وأعبدهم عبادة، وأحسنهم عشرة، وأنقاهم بدنا رحمة الله عليه. ينظر: ثقات ابن حبان: 4/ 122، التاريخ الكبير: 2/ 289، الجرح والتعديل: 3/ 40.

(13)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/ 446 - رقم 5157). وله شاهد من رواية أبي داود في «سننه» (1/ 222)، كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، رقم (565)، من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات» . وقال الألباني في (صحيح أبي داود: 3/ 101): حسن صحيح.

(14)

[ساقط] من (ب).

ص: 77

[145/ أ] وكذلك فيما ذكر في «الإيضاح»

(1)

في تعليل زفر في حق عدم جواز إمامة المعذور في الجمعة إشارة إلى أنّهم لو اكتفوا بصلاة الجمعة يسقط عنهم فرض الوقت، فقال: وقال زفر: لا يجوز/ إمامة العبد أو المسافر في صلاة الجمعة؛ لأنه لا يفترض عليه الأداء، وإنما يصح منه على سبيل التبع، فلا يجوز أن يكون أصلًا بالإمامة، فقد صحّ منه الجمعة على سبيل التبعيّة علم أنّ فرض الوقت يسقط عنهم إذا صلّوا الجمعة وحدها

(2)

.

وفي «المحيط»

(3)

: أنّ الجمعة فرض على المعذورين كالظهر.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في جواب قولهم: لا يجتمع فرضان مشروعان فقال: يُشكل بالمسافر، والمريض، والعبد، فإن المشروع في حقهم فرضان الظهر، والجمعة، فلما جاز في حق هؤلاء أن يكون الصلاتان مشروعتين، فكذلك في حق الحرّ المقيم أيضًا، فعلم بهذه الروايات أن ما وقع في بعض حواشي أصول الفقه أنّهم إذا أدّوا الجمعة وحدها لا يسقط عنهم فرض الوقت عند زفر، والشافعي لا يثبت صحته، [ثم]

(4)

وجه التشبيه بالصبي في الكتاب في قوله: (لا فرض عليه)، فأشبه الصبي هو [أن]

(5)

يقول: إنا أجمعنا على أنّ الفرض في هذا الوقت أحدهما لا كلاهما؛ لأنه لم يشرع في وقت واحد فرضان، فلما لم يخاطبوا بالجمعة صاروا بمنزلة الصبي في حقها، ولنا أنّ هذه رخصة؛ لأن الخطاب عام، فيتناولهم إلا أنّهم عذروا دفعًا للحرج، [فلو لم يسقط عنهم فرض الوقت بأدائهم الجمعة كان فيه فساد الوضع؛ لأن الإسقاط عنهم لدفع الحرج]

(6)

، والقول بعدم الجواز يؤدّي إلى الحرج، فكان القول بعدم الجواز ينقض ما هو موجب السقوط، وهو الجرح، فأي وضع أفسد

(7)

من هذا، وأمّا الفعل من الصبي فلا يقع فرضًا، وكان في الاقتداء به بناء الفرض على النّفل فلذلك لا يجوز

(8)

.

وأمّا المسألة الثانية: وهي قوله: (ومن صلى الظهر في منزلة يوم الجمعة قبل صلاة الإمام، ولا عذر له

له ذلك، وجازت صلاته).

وقال زفر رحمه الله: لا يجزئه الظهر إلا بعد فراغ الإمام من الجمعة، فلذلك قيد

(9)

في الكتاب في صورة المسألة بقوله: قبل صلاة الإمام.

(1)

ينظر: نور الإيضاح: ص 84.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 62.

(3)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 169.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

في (ب): "أشد".

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 50، المحيط: 2/ 149، الجوهرة النيرة: 1/ 90.

(9)

في (ب): " قدر ".

ص: 78

وقال الشافعي: لا يجزئه الظهر إلا بعد خروج الوقت؛ لأن من أصل زفر، والشافعي أنّ الفرض في حقّه الجمعة، والظهر بدل، فإنّه مأمور بالسّعي إلى الجمعة، وترك الاشتغال بالظهر ما لم يتحقّق فوت الجمعة، وهذا صورة الأصل، والبدل إلا أنّ عند زفر فوات الأصل بفراغ الإمام؛ لأنه يشترط السلطان لإقامة الجمعة، وعند الشافعي فوات الأصل بخروج الوقت؛ لأن السلطان عنده ليس بشرط لإقامة الجمعة، فأمّا عندنا فأصل فرض الوقت الظهر قال صلى الله عليه وسلم:«وأوّل وقت الظهر حين تزول الشمس»

(1)

، ولم يفصل بين هذا اليوم وغيره، ولأنّه ينوي القضاء في الظهر إذا أدّاه بعد خروج الوقت، فلو لم يكن أصل فرض الوقت في حقه الظهر لما احتاج إلى نية القضاء بعد فوات الوقت، فإذا ثبت أنّ أصل الفرض هو الظهر، وقد أدّاه في وقته، فيجزئ عنه.

وقد روي عن محمد قال: لا أدري ما أصل فرض الوقت في هذا اليوم، ولكن يسقط الفرض عنه بأداء الظهر، أو الجمعة يريد به أنّ أصل الفرض أحدهما لا بعينه، ويتعيّن بفعله

(2)

.

وأمّا المسألة الثالثة: وهي أنّ المعذور كالمريض، والمسافر، والعبد إذا صلّى الظهر في منزله، ثم صلّى الجمعة مع الإمام فالجمعة هي الفريضة عندنا، وانقلب ظهره نفلًا، وقال زفر، والشافعي رحمهما الله: ففرضه الظهر، وانقلب ما أدّى من الجمعة نفلًا، وفائدة هذا إنّما يظهر فيما إذا شرع مع الإمام، فقبل أن يتم الإمام الجمعة خرج وقت الظهر، ولم يُصلّ مع الإمام فعلى قولنا: يلزمه إعادة الظهر، وعلى قول زفر، والشافعي -رحمهما الله-: لا ينتقض ظهره.

وما قالاه قياسًا، وما قلناه استحسانًا، فقالا: إن هذا اليوم في حقه كسائر الأيام لو صلى الظهر في بيته، ثم أدرك الجماعة كان فرضه ما أدّى في بيته فكذلك هاهنا، ولكنّا نقول: الجمعة أقوى من الظهر، ولا يظهر الضعيف في مقابلة القوي، وإنما فارق المريض الصحيح في الترخص بترك السعي إلى الجمعة، فإذا شهدها فهو، والصحيح سواء فيكون فرضه الجمعة. كذا في «المبسوطين»

(3)

.

(بطل ظهره عند أبي حنيفة رحمه الله بالسّعي، وقالا: لا يبطل حتى يدخل مع الإمام)

(4)

، وذكر الإمام التمرتاشي، وكذا الخلاف في المعذور لو صلى، ثم توجّه إليها، وكذا أيضًا في «المحيط»

(5)

.

(1)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (1/ 153)، كتاب الأذان، باب القراءة في الفجر، رقم (771). ومسلم في «صحيحه» (1/ 447)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التكبير بالصبح في أول وقتها، رقم (647).

(2)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 59، تبيين الحقائق: 1/ 219، الجوهرة النيرة: 1/ 91.

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 58.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 83.

(5)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 150.

ص: 79

[145/ ب] ولو صلّى الظهر في منزله، ثم/ توجه إليها، ولم يؤدّها الإمام بعد إلا أنّه لا يرجوا إدراكها لبعد المسافة لم يبطل ظهره في قول أبي حنيفة رحمه الله عند العراقيين، وبطل في قول البلخيين، وهو الصحيح؛ لأنه توجّه إليها، وهي لم تفت بعد، فإن توجّه إليها فلم يُصل الإمام بعذر أو لغير عذر اختلفوا في بطلان ظهره، والصحيح: أنه لا يبطل، واختلفوا فيما إذا توجّه إليها، والإمام والناس فيها إلا أنّهم خرجوا قبل إتمامها لبناء نية الصحيح أنّه لا يبطل ظهره، وعن الحلواني

(1)

: لو لم يخرج من البيت، ولكن أرادها قبل إذا كان البيت واسعًا فما لم يجاوز العتبة لا تبطل، وقيل: إذا خطى خطوتين تبطل. كذا ذكره الإمام التمرتاشي

(2)

.

وفي «مبسوط شيخ الإسلام» بعدما ذكر مسألة المريض إذا وجد حقه بعدما صلّى الظهر في بيته، ثم راح إلى الجمعة فصلّى الجمعة انتقض ظهره، وانقلب نفلًا خلافًا لزفر، والشافعي، فقال:(هذا الذي ذكرنا إذ أدرك مع الإمام)، فأمّا إذا لم يدرك الجمعة، فهذا على وجهين: إما أن يكون الإمام في الصلاة حين خرج من منزله، أو لم يكن في الصلاة حين خرج، فإن لم يكن فلا ينتقض ظهره عندهم

(3)

جميعًا، وأمّا إذاكان الإمام في الصلاة حين خرج من منزله فراح إلى الجمعة، فوجد الإمام فرغ منها، فعلى قول أبي حينفة يرتفض ظهره، وعلى قولهما لا يرتفض

(4)

.

قوله: (وقالا: لا يبطل حتى يدخل مع الإمام)

(5)

، وفي هذا اللفظ إشارة إلى أنّ الإتمام مع الإمام ليس بشرط لارتفاض الظهر عندهما حيث ذكر الدخول في صلاة الإمام، وهو شروعه فيها، فكان هذا مخالفًا لما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في مبسوطه، فإنه يشترط الإتمام في حق الارتفاض، فقال: وعلى قولهما لا يرتفض ما لم يؤدّ الجمعة كلّها حتى إنّه إذا شرع في الجمعة مع الإمام، ثم أنّه إن تكلّم قبل أن يتم الجمعة مع الإمام، فإنّ الظهر يرتفض عند أبي حنيفة، وعندهما لا يرتفض، هكذا ذكره الحسن في كتاب صلاته

(6)

.

(وله أنّ السعي إلى الجمعة من خصائص الجمعة)

(7)

فوجه كونه من خصائص الجمعة ما ذكر في «الأسرار»

(8)

، وهو: أنّ صلاة الجمعة صلاة خصّت بمكان، ولا يمكن الإقامة إلا بالسّعي [إليها، فصار السّعي]

(9)

مخصوصًا به دون سائر الصلوات، فإنّه يصح أداؤها في كلّ مكان كالسّفر في باب الحج شرط مخصوص؛ لتعلّقه بمكان خاص، فصارت الاستطاعة من حيث الزاد، والرّاحلة أمرًا مراعي

(10)

لوجوب الحج، وإن أمكن الأداء في الجملة بلا سفر، وكذا السّعي مع الجمعة، وإذا صار من خصائص الجمعة [شرعًا]

(11)

أشبه الاشتغال بها الاشتغال بركن منها، فإن أركان العبادة لا تقع إلا مختصّة بها، هذا هو الصحيح في بيان الاختصاص المأمور به في قوله:{فَاسْعَوْا}

(12)

إلا أن يكون المراد به الإسراع، والعدو فأنهى الإسراع في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتم إلى الصلاة، فأتوها وأنتم [تمشون، ولا تأتوها وأنتم]

(13)

تسعون، ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا»

(14)

عام في كل الصلاة

(15)

.

(1)

سبق ترجمته (ص 57).

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 63.

(3)

في (ب): "في قولهم".

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 64، الفتاوى الهندية: 1/ 149.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 83.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 64، 65، بدائع الصنائع: 1/ 258.

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 83.

(8)

ينظر: كشف الأسرار: 1/ 279.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

في (ب): "يراعى".

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن: 18/ 102، 103): اختلف في معنى السعي ها هنا على ثلاثة أقوال: أولها: القصد. قال الحسن: والله ما هو بسعي على الأقدام ولكنه سعي بالقلوب والنية. الثاني: أنه العمل، كقوله تعالى:{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} ، وقوله:{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} ، وقوله:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} ، وهذا قول الجمهور. الثالث: أن المراد به السعي على الأقدام. وذلك فضل وليس بشرط. ففي البخاري: "من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار". ويحتمل ظاهره رابعًا: وهو الجري والاشتداد. قال ابن العربي: وهو الذي أنكره الصحابة الأعلمون والفقهاء الأقدمون. وقرأها عمر: "فامضوا إلى ذكر الله" فرارًا عن طريق الجري والاشتداد الذي يدل على الظاهر.

(13)

[ساقط] من (ب).

(14)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 7)، كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة، رقم (908). ومسلم في «صحيحه» (1/ 420)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، رقم (602)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(15)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 64.

ص: 80

وذكر في «الفوائد» : أنّ المراد بالسّعي المذكور عند بعضهم نفس الفعل لا الفعل بوصف الإسراع، كما في قوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)}

(1)

، والفعل بوصف الإسراع غير مراد به

(2)

، ولا يلزم أبا حنيفة رحمه الله ما قالا، وهو أن نقض الظهر إنما ثبت في ضمن أداء الجمعة؛ لأن نقض العبادات قصدًا حرام، أمّا إذا لم يؤدّ لا ينتقض، كما لو كان جالسًا في المسجد الجامع يسمع الخطبة فقام، وصلّى الظهر قبل فراغ الإمام من الخطبة، ولم يتابع الإمام في الجمعة جاز ظهره، ولا ينتقض؛ لأنا نقول: إنّما لم ينتقض؛ لأنه لم يوجد السّعي. كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان

(3)

.

ولا يرد على أصل أبي حنيفة مسألة القارن، وهي أنّ القارن إذا وقف بعرفات قبل أن يطوف لعمرته يصير رافضًا لها، ولو سعى إلى عرفات لا يصير به رافضًا لعمرته؛ لأن في ذلك قياسًا، واستحسانًا، والقياس: أن يرتفض عمرته بمجرّد السعي إلى عرفات كالسّعي إلى الجمعة على أصله، وفي الاستحسان: لا يرتفض؛ لأن السعي هناك منهيّ عنه قبل طواف العمرة، وضعُف في نفسه، وهاهنا السعي مأمور فكان قويًا في نفسه. كذا في «المبسوط»

(4)

.

[146/ أ] فيؤثر في إبطال ما صلّى من الظهر؛ لقيامه مقام الجمعة بسبب أنّه من خصائصها كالعدّة لما كانت من خصائص النكاح اعتبرت بالنكاح في منع التزوج، فلما قام السّعي مقام الجمعة اعتبر فيه صفة/ الجمعة لا صفة نفسه كالتراب لما قام مقام الماء اعتبر فيه صفة الماء لا صفة نفسه، فبهذا خرج الجواب عن قول من قال: الظهر قوي، والسعي ضعيف لما أنّ الظهر حسن لمعنًى في عينه، والسّعي حسن لمعنى في غيره، فلا ينقض الضعيف القوي، ولكن لما قام مقام القوي صار هو قويًّا في نفسه، ولا يقال: السعي الموصل إلى الجمعة مأمور به، والسّعي الذي لا يدرك به الجمعة عن فضل، فيجب أن لا يبطل به الظهر؛ لأنا نقول: الحكم دار مع الإمكان؛ لكون الإمام في الجمعة، والإدراك ممكن في الجملة بإقدار الله تعالى إياه بالإدراك

(5)

.

(ويكره أن يصلي المعذورون الظهر بجماعة [يوم الجمعة]

(6)

(7)

وهذا عندنا، وقال الشافعي رحمه الله: لا يكره لهم ذلك، بل هو أفضل كما في سائر الأيّام، ولكنّهم يحفونها حتّى إن من رآهم لا يظن أنهم رغبوا عن الإمام، وعلى هذا الاختلاف المسافرون في المصر، وأهل السجن، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(8)

.

(1)

سورة النجم الآية: (39).

(2)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 17/ 115.

(3)

ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ص 111.

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 59.

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 65.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 83.

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 38.

ص: 81

والمريض إذا كان لا يستطيع أن يشهد الجمعة، فصلّى الظهر في بيته بأذان، وإقامة فهو حسن؛ لأن هذا اليوم في حقه كسائر الأيام؛ إذ ليس عليه شهود الجمعة. كذا في «المبسوطين»

(1)

.

وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله: مريض صلّى الظهر في منزله يوم الجمعة بأذان، وإقامة قال محمد: هو حسن، وكذا جماعة المرضى بخلاف المسجونين، فإنّه لا يباح لهم ذلك؛ لأن المرضى عاجزون بخلاف المسجونين؛ لأنّهم إن كانوا ظلَمة قدروا على إرضاء الخصم، وإن كانوا مظلومين أمكنهم الاستغاثة، فكان عليهم حضور الجمعة، وأن لا يعارضوا بها بجماعة

(2)

.

وفي «التفاريق» : يصلي المعذور الظهر بأذان وإقامة، وإن كان لا يستحب الجماعة

(3)

.

وفي «مبسوط شيخ الإسلام» : إذا أدرك الإمام يوم الجمعة إن أدركه في الركوع من الركعة الثانية، فإنّه يصير مدركًا للجمعة عندهم جميعًا، وإن أدركه بعدما رفع رأسه من الركوع من الركعة الثانية اختلفوا فيه

(4)

.

قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: بأنه يصير مدركًا للجمعة فيصلّي ركعتين، وقال محمد، وزفر، والشافعي: بأنه يصلي أربعًا إلا أن الأربع ظهر محض على قول الشافعي حتى [قال]

(5)

: لو ترك القعدة على رأس الثانية لا يضرّه، وعلى قول محمد: جمعة من وجه [وظهر من وجه]

(6)

على ما ذكر في الكتاب، واحتج من خالف بما روى الزهري

(7)

بإسناده عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدركها، وليضف إليها ركعة أخرى، وإن أدركهم جلوسًا صلّى أربعًا»

(8)

،

(9)

.

(1)

ينظر: المبسوط للشيباني: 1/ 355، المبسوط للسرخسي: 2/ 57.

(2)

ينظر: الجوهرة النيرة: 1/ 91.

(3)

ينظر: البحر الرائق: 2/ 166.

(4)

ينظر: المبسوط للشيباني: 1/ 367.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب الزهري القرشي، كنيته أبو بكر، رأى عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أحفظ أهل زمانه وأحسنهم سياقًا لمتون الأخبار، وكان فقيهًا فاضلًا. روى عنه الناس مات ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائة في ناحية الشام، وقبره ببدا وشغب مشهور يزار على قارعة الطريق أوصاه أن يدفن على قارعة الطريق حتى يمر به مار فيدعو له. ينظر: ثقات ابن حبان: 5/ 349، التاريخ الكبير: 1/ 220، الجرح والتعديل: 8/ 71.

(8)

أخرجه الترمذي في «سننه» (2/ 402)، كتاب أبواب الجمعة، باب فيمن أدرك من الجمعة ركعة، رقم (524)، وابن ماجه في «سننه» (1/ 356)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة، رقم (1123)، والنسائي في «سننه» (1/ 274)، كتاب المواقيت، باب من أدرك ركعة من الصلاة. رقم (557)، قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 3/ 123): صحيح.

(9)

بدائع الصنائع: 1/ 267.

ص: 82

قلنا

(1)

: لا يصح التعلق بهذا الحديث؛ لأن لفظة

(2)

الجمعة مع قوله: وإن أدركتهم جلوسًا صلى أربعًا إنما نقله ضعفاء أصحاب الزهري، هكذا قاله الحاكم الشهيد

(3)

،

(4)

.

وأمّا الثقات من أصحابه كـ: معمّر

(5)

، والأوزاعي

(6)

، ومالك رووا عن الزهري:«من أدرك ركعة من صلاة فقد أدركها»

(7)

، وأمّا إذا أدرك ما دونها فما حكمه فهو مسكوت عنه، فكان موقوفًا على قيام الدليل، وقد قام، وهو ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم:«ما أدركتم فصلوا»

(8)

الحديث، وكل واحد من الفريقين ترك القياس فأبو حنيفة ترك القياس حيث قال: بجواز الجمعة، وإن كان عارفًا للشرائط فيما يقضي، ومحمّد ترك القياس حيث جمع بين الجمع، وبين

(9)

الظهر بتحريمة واحدة، وأنّهما صلاتان مختلفتان، إلا أن ما قاله أبو حنيفة رحمه الله مما يوجد له نظير، فإن جواز الشيء بدون شرائطه جائز حالة العذر كما جاز إذا أدرك ركعة، أو وجود الشرائط في حق الإمام يجعل وجودًا في حق المسبوق كما يجعل [وجودًا]

(10)

في القراءة، وهي ركن فهاهنا أولى، فأمّا الجمع بين صلاتين مختلفتين بتحريمة واحدة، فمما لا توجد بحال، فكان القول بما يوجد بحال أولى من العمل بما لا يوجد بحال

(11)

.

(1)

في (ب): "قلت".

(2)

في (ب): "لفظ ".

(3)

محمد بن محمد بن أحمد، أبو الفضل، المروزي، السلمي البخلي؛ الشهير بـ (الحاكم الشهيد). قاض وزير. كان عالم مرو وإمام الحنيفة في عصره. ولي قضاء بخارى، ثم ولي الوزارة لبعض الأمراء الساسانية. قتل صغيرًا بسبب وشاية ودفن بمرو. من تصانيفه:«الكافي» ، و «المنتقى» في الفقه الحنفي. ينظر: الجواهر المضية: 2/ 112، الأعلام للزركلي: 7/ 19، معجم المؤلفين: 11/ 185.

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 67.

(5)

معمر بن راشد بن أبي عمرو الأزدي الحداني بالولاء، أبو عروة: فقيه، حافظ للحديث، متقن، ثقة. من أهل البصرة. ولد واشتهر فيها. وسكن اليمن. وأراد العودة إلى بلده فكره أهل صنعاء أن يفارقهم، فقال: لهم رجل: قيدوه. فزوجوه، فأقام. وهو عند مؤرخي رجال الحديث: أول من صنف باليمن. ينظر: التاريخ الكبير: 7/ 378، الجرح والتعديل: 8/ 255، الأعلام للزركلي: 7/ 272.

(6)

عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، من قبيلة الأوزاع، أبو عمرو: إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، وأحد الكتاب المترسلين. ولد في بعلبك، ونشأ في البقاع، وسكن بيروت وتوفي بها. له كتاب "السنن" في الفقه، و"المسائل". ينظر: التاريخ الكبير: 5/ 326، الجرح والتعديل: 5/ 266، الأعلام للزركلي: 3/ 320.

(7)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 203 - رقم 5525).

(8)

سبق تخريجه (ص 169).

(9)

في (ب): "و".

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 67.

ص: 83

وفي «المبسوط»

(1)

: ثم هو بإدراك التشهد مدرك للجمعة بدليل أنه ينويها دون الظهر حتى لو نوى الظهر لم يصح اقتداؤه به، ثم الفرض بالاقتداء تارة يتغيّر إلى الزيادة، كما في حق المسافر يقتدي بالمقيم، وتارة إلى النقصان كما في الجمعة، ثم في اقتداء المسافر بالمقيم لا فرق بين الركعة، وما دونها في تغير الفرض، فكذلك هاهنا، وتأويل الحديث:"وإن أدركهم جلوسًا قد سلّموا"، والقياس ما قالا إلا أنّ محمدًا احتاط، وقال:(يصلي أربعًا احتياطًا)، وذلك [جمعة]

(2)

، ولهذا لزمه القراءة في كلّ ركعة، وألزم القعدة الأولى في رواية الطحاوي بخلاف رواية المعلَّى، وهذا للاحتياط لا معنى له، فإنه إن كان ظهرًا، فلا يمكنه أن يبنيها على تحريمة عقدها للجمعة، وإن كان جمعة فلا تكون الجمعة أربع ركعات.

[146/ ب] وفي «المحيط»

(3)

: قال الشيخ الإمام أبو حفص

(4)

: قلت لمحمد يصير مؤديًّا للظهر بتحريمة الجمعة قال: ما نصنع، وقد/ جاءت به الآثار.

(وإذا خرج الإمام [قبل أن يخطب]

(5)

يوم الجمعة ترك الناس الصلاة والكلام إلى أن قال: وقالا: لا بأس بالكلام إذا خرج الإمام قبل أن يخطب، وإذا ترك قبل أن يكبّر)

(6)

، إنّما قيّد بالكلام لما أنّ الصلاة في هذين الوقتين يكره عندهما أيضًا.

والمراد من الصّلاة: صلاة التطوّع، وأمّا صلاة الفائتة، فيجوز وقت الخطبة

(7)

من غير كراهة، وقد ذكرناه في باب الأوقات التي يكره فيها الصلاة، ثم اختلف المشايخ على قول أبي حنيفة، قال بعضهم: إنما يكره الكلام الذي هو من كلام الناس. أمّا التسبيح وأشباهه فلا، وقال بعضهم: كل ذلك، والأوّل أصحّ. كذا في «مبسوط فخر الإسلام»

(8)

.

(1)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 63.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 191.

(4)

أحمد بن حفص البخاري، المعروف بأبي حفص الكبير فقيه حنفي، انتهت إليه رئاسة الأصحاب ببخارى، وإلى ابنه أبي عبد الله محمد المعروف بأبي حفص الصغير. أخذ العلم عن محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، وبرع في الرأي، وسمع من وكيع بن الجراح، وأبي أسامة، وهشيم، وجرير بن عبد الحميد وغيرهم. وتفقه عليه ابنه أبو عبد الله وله أصحاب لا يحصون. قال اللكنوي: ولأبي حفص هذا اختيارات يخالف فيها جمهور الأصحاب. ينظر: سير أعلام النبلاء: 10/ 157، الجواهر المضية: 1/ 67، تاج التراجم: ص 94.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 84.

(7)

في (ب): " الجمعة ".

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 67، 68.

ص: 84

وقيل: المراد من الكلام الذي اختلفوا فيه وقت خروج الإمام

(1)

، ووقت فراغه من الخطبة هو كلام يتعلّق بأمور الآخرة، وأمّا كلام الدنيا فبالاتفاق أنّه لا يجوز.

قلت: هذا القول ليس بصحيح، بل الاختلاف في كل كلام سوى التسبيح، ونحوه لما أنّ شيخ الإسلام ذكر في تمسّك أبي يوسف، ومحمد بأثر فيه كلام الدنيا، فعلم أنّهما يجوّزان كلام الدنيا أيضًا، فقال: واحتجا بما روي عن أنس بن مالك: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عن المنبر يسأل الناس عن حوائجهم، وعن أسعار السوق، ثم صلّى»

(2)

، ورُوي عن عمر، وعثمان رضي الله عنهما:«أنهما كانا إذا صعدا المنبر يسألان الناس عن أسعار السوق»

(3)

، ومن حجتهما أيضًا حديث عمر رضي الله عنه أنه قال:«خروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام»

(4)

، ولأنّ حرمة الكلام باعتبار الإخلال بفرض الاستماع؛ لأن الكلام في نفسه مباح فلا إثم فيه، والجواب لأبي حنيفة رحمه الله عن هذا هو: أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم[كان]

(5)

في الابتداء حين كان الكلام مباحًا في الصلاة، فكان مباح في الخطبة أيضًا، ثم نهى بعد ذلك عن الكلام فيهما، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إمامًا، وخطيبًا، ولا بأس له أن يتكلم؛ لأنه يخطب، والخطبة من أوّلها إلى آخره كلام

(6)

، وأمّا أثر عمر فمعارض بحديث ابن عمر، وابن عباس، فإنهما رويا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا خرج الإمام فلا صلاة، ولا كلام»

(7)

، فكان المصير إلى الحديث أولى، وأمّا قولهما: إنّما حرم الكلام لأجل الاستماع، قلنا: بلى إلا أنه الحق هذه الحالة بحالة الخطبة تعظيمًا لأمر الخطبة. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(8)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

أخرجه الترمذي في «سننه» (2/ 394)، كتاب أبواب الجمعة، باب الكلام بعد نزول الإمام من المنبر، رقم (517)، وابن ماجه في «سننه» (1/ 354)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام عن المنبر، رقم (1117)، قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 3/ 117): شاذ.

(3)

ذكره برهان الدين في (المحيط البرهاني: 2/ 183).

(4)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 193 – رقم 5478) مرفوعًا، وقال الألباني: ضعيف. ينظر: في الجامع الصغير وزيادته: ص 657.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 68، المحيط: 2/ 183.

(7)

عند الطبراني كما في (مجمع الزوائد: 2/ 184): «إذا دخل أحدُكم المسجدَ والإمامُ على المنبرِ فلا صلاةَ ولا كلامَ حتى يفرغَ الإمامُ» قال الهيثمي: فيه أيوب بن نهيك وهو متروك، ضعفه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ. وقال الحافظ في (الفتح: 2/ 409): حديث ضعيف، فيه أيوب بن نهيك، وهو منكر الحديث، قاله أبو زرعة وأبو حاتم.

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 68، المحيط البرهاني: 2/ 183.

ص: 85

(وإذا أذن المؤذنون

(1)

الأذان الأوّل ترك الناس البيع [والشراء]

(2)

(3)

ذكر المؤذنين بلفظ الجمع إخراجًا للكلام مخرج العادة، فإنّ المتوارث في أذان الجمعة اجتماع المؤذّنين؛ ليبلغ أصواتهم إلى أطراف المصر الجامع كما ذكر وجوب الحج بقوله: الحج واجب على الأحرار العقلاء البالغين للعادة؛ إذ الرفقاء مجتمعون وقت الذهاب عادة، بخلاف الزَّكاة وغيرها

(4)

.

ثم ذكر في باب الأذان من «المبسوط»

(5)

: واختلفوا في الأذان المعتبر الذي يحرم عنده البيع، ويجب السّعي إلى الجمعة، فكان الطحاوي يقول: هو الأذان عند المنبر بعد خروج الإمام، فإنّه هو الأصل الذي كان للجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روي عن السائب بن يزيد

(6)

فإنّه قال: هكذا، وكذلك في عهد أبي بكر، وعمر رضي الله عنه، ثم حدث الأذان على الزوراء

(7)

في عهد عثمان رضي الله عنه

(8)

، وكان الحسن بن زياد يقول: المعتبر هو الأذان على المنارة؛ [لأنه]

(9)

لو انتظر الأذان عند المنبر يفوته أداء السنة، وسماع الخطبة، وربّما يفوته الجمعة إذا كان بيته بعيدًا من الجامع، والأصح: أن كل أذان يكون قبل زوال الشمس فذلك غير معتبر، والمعتبر أوّل الأذان بعد زوال الشمس سواء كان على

(10)

المنبر أو على الزوراء، وهذا الذي ذكره في «المبسوط»

(11)

يوافق رواية «الهداية»

(12)

.

وفي «مبسوط شيخ الإسلام» : جعل المعتبر من الأذان الأذان الثاني، وهو عند المنبر بعد خروج الإمام، والله تعالى أعلم

(13)

.

(1)

في (ب): "المؤذن".

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 84.

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 68، 69.

(5)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 244.

(6)

السائب بن يزيد بن عبد الله بن سعيد بن ثمامة، ابن أخت نمر الكندي، وحج به مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين، ومات سنة إحدى وتسعين، له 22 حديثًا. ينظر: الثقات: 3/ 171، التاريخ الكبير: 4/ 150، الإصابة في تمييز الصحابة: 3/ 26.

(7)

الزوراء: موضع بالسوق بالمدينة (لسان العرب: 4/ 333 – مادة "زور").

(8)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 8)، كتاب الجمعة، باب الأذان يوم الجمعة، رقم (912). من حديث السائب ابن يزيد.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

في (ب): " عند ".

(11)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 244.

(12)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 84.

(13)

ينظر: رد المحتار: 2/ 160.

ص: 86

‌باب [صلاة]

(1)

العيدين

(2)

[147/ أ] تناسب البابين ظاهر، وهو أن صلاة الجمعة، وصلاة العيدين صلاتان تؤدّيان بجمع عظيم في النهار، ويجهر فيهما بالقراءة، ويشترط لأحدهما ما يشترط للأخرى [سوى الخطبة]

(3)

، ويشتركان أيضًا في حق التكليف، فإنّ صلاة العبد يجب على من يجب عليه صلاة الجمعة. وأما معنى تقديم الجمعة على العيد، فظاهر أيضًا،/ وهو قوة الجمعة في نفسها بالفرضية، وكثرة وقوعها مع ذلك، [وكل]

(4)

منهما يستدعي التقديم

(5)

.

قوله: (باب العيدين)

(6)

أي: باب صلاة العيدين بحذف

(7)

المضاف لعدم الالتباس

(8)

.

(وتجب صلاة العيد على كل من تجب عليه صلاة الجمعة)

(9)

، ومن لا فلا حتّى إنّها لا تجب على المسافر، والمريض، والعبد كما لا تجب الجمعة للمعنى الذي ذكر في باب الجمعة بلا ولي؛ لأنه لما لم تجب عليهم الجمعة لذلك المعنى مع فرضية الجمعة، فلأن لا تجب صلاة العبد، وهو دونها أولى.

فإن قلت: ينبغي أن يجب على العبد عند إذن المولى

(10)

له بصلاة [العيد]

(11)

؛ لأن المانع كان خدمة المولى، وهو قد أسقطها بالإذن، وإنما كان لا يجب الجمعة مع [قيام]

(12)

إذن

(13)

مولاه لقيام الظهر مقام الجمعة، وهاهنا ليس له كذلك، فصار العبد كالحر الذي يجب عليه الجمعة عند الإذن؟.

قلت: نعم، كذلك إلا أنّها لا تجب عليه مع الإذن أيضًا؛ لأن المنافع بالإذن لا تصير مملوكة للعبد؛ لأنها غير مستثناة على المولى، وإذا لم تصر مملوكة بقي الحال بعد الإذن كالحال قبله، ألا ترى أنّ العبد إذا حجّ بإذن مولاه لم يسقط عنه حجة الإسلام [لهذا المعنى]

(14)

، وكذلك [العبد]

(15)

لو حنث في يمينه فكفّر بالمال بإذن المولى لا يجوز؛ لأنه لم يملكه بالإذن. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(16)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

عيد الفطر وعيد الأضحى.

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 70.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 84.

(7)

في (ب): " فحذف ".

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 70.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 84.

(10)

في (ب): " مولاه ".

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

[ساقط] من (ب).

(13)

في (ب): " الإذن ".

(14)

[ساقط] من (ب).

(15)

[ساقط] من (ب).

(16)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 70.

ص: 87

قوله: (وفي «الجامع الصغير»: عيدان اجتمعا في يوم واحد فالأوّل سنة، والثاني فريضة)

(1)

قد ذكرنا فيما قبل أن من دأب هذا الكتاب أنّ كل موضع فيه نوع مخالفة بين روايتي القدوري

(2)

، و «جامع الصغير» يعيد لفظ «الجامع الصغير» ، والمخالفة هاهنا ظاهرة، وهي إطلاق الواجب على صلاة العيد في لفظ القدوري، وإطلاق السنة في «الجامع الصغير» ، ثم المراد من اجتماع العبدين، وهنا هو اتفاق كون يوم الفطر، أو يوم الأضحى في يوم الجمعة، وتغليب لفظ العيد على لفظ الجمعة إما لقلة الحروف، كما في العمرين، أو لتغليب المذكر [على المؤنث]

(3)

كما في القمرين، أو لأن يوم الجمعة عيد للمؤمنين باعتبار

(4)

لهم من وعد المغفرة، والكفارة، وسمّى يوم العيد بالعيد؛ لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان إلى العباد، وكذلك في يوم الجمعة للمؤمنين عوائد من الله تعالى، أو تبركًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لكل مؤمن في كل أشهر أربعة أعياد، أو خمسة أعياد»

(5)

، كذا ذكره الإمام المحبوبي

(6)

رحمه الله

(7)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 84.

(2)

أحمد بن مُحَمَّد بن أحمد أبو الحسين المعروف بالقُدُورِي، صنف من الكتب المختصر المشهور، شرح مختصر الكرخي، التجريد، التقريب، (ت 428 هـ). ينظر: الجواهر المضية 1/ 247.

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

في (ب): " لما ".

(5)

وجدته بغير هذا اللفظ، ورواية ابن ماجه في «سننه» (1/ 349)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، رقم (1098)، من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان طيب فليمس منه، وعليكم بالسواك» . قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 3/ 98): حسن.

(6)

عبيد الله بن مسعود بن محمود بن أحمد المحبوبي، الحنفي، صدر الشريعة الأصغر. فقيه، أصولي، جدلي، محدث، مفسر، نحوي، لغوي، أديب، بياني، متكلم، منطقي. أخذ العلم عن جده محمود وعن أبي جده أحمد صدر الشريعة وصاحب (تلقيح العقول في الفروق)، وعن شمس الأئمة الزرنجي وشمس الأئمة السرخسي وعن شمس الأئمة الحلواني وغيرهم، توفي سنة 747 هـ. من تصانيفه:"شرح الوقاية"، و"النقاية عنصر الوقاية"، و"التنقيح"، وشرحه "التوضيح" في أصول الفقه، "تعديل العلوم". ينظر: الفوائد البهية: ص 109، الجواهر المضية: 2/ 365، معجم المؤلفين: 6/ 246.

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 1/ 70، 71، حاشية الطحاوي: ص 343.

ص: 88

وفي «الصحاح»

(1)

: كان من حق جمعه أن يقال: أعواد؛ لأنه من العود، ولكن [جُمع]

(2)

بالياء للزومها في الواحدة، ويقال: للفرق بينه وبين أعواد الخشبة، ولا يترك واحد منهما أما الجمعة فلأنها فريضة، وأمّا صلاة العيد فلأن تركها ضلال

(3)

، وبدعة

(4)

.

قوله: (وجه الأوّل مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم

(5)

، وهذا لا يكفي لإثبات الوجوب، فإنّ المصنف رحمه الله ذكر في آخر باب إدراك الفريضة: ولا سنة دون المواظبة، والمواظبة إنما يكون دليل الوجوب إذا كانت من غير ترك، فيجب على هذا أن يقال: هاهنا وجه الأوّل مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها من غير ترك

(6)

.

والأولى في الاستدلال على الوجوب ما ذكر في «الإيضاح»

(7)

، وهو أنّها تقام على سبيل إظهار شعائر الإسلام بالجماعة في أعظم الجمع، وهي ملحقة بالجمعة في اعتبار شرائطها إلا الخطبة، فيلحق بها في صفة الوجوب أيضًا، ولا يلزم على هذا الأذان، والإقامة، والجماعة في سائر الصلوات، فإنّها من شعائر الإسلام، وهي سنة؛ لأنا نقول: هذه شعائر شرعت مقصودة بنفسها، والأذان، والإقامة، والجماعة، وإن كانت من شعائر الإسلام، لكن شرعت تبعًا لغيرها، وهي الصلاة فانحطت درجتها عن درجة صلاة العيد كذا. ذكره شيخ الإسلام

(8)

.

وفي «المبسوط»

(9)

: قال في الأصل: لا يصلي التطوع بالجماعة ما خلا قيام رمضان، وكسوف الشمس، فهو دليل على أنّ صلاة العيد واجبة، ثم قال [شمس الأئمة]

(10)

: والأظهر أنها سُنة لكنها من معالم الدين أخذها هدى، وتركها ضلالة.

وفي «نوادر

(11)

بشر»: عن أبي يوسف صلاة العيد سنة واجبة، فقد جمع بين صفة الوجوب، والسنة، قيل: معناه ما ذكر في الكتاب أن وجوبها عُرف بالسنة. كذا في «المحيط»

(12)

.

واستدلّ شيخ الإسلام على وجوبها بقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}

(13)

قيل: المراد به صلاة العيد فقد أمر

(14)

، والأمر للوجوب

(15)

،

(16)

.

(1)

(2/ 515 - مادة "عيد").

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

في (ب): "أضلل".

(4)

ينظر: حاشية الطحاوي: ص 343.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 84.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 71.

(7)

ينظر: نور الإيضاح: ص 85.

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 71.

(9)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 66.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

في (ب): "رواية".

(12)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 199.

(13)

سورة البقرة من الآية: (185).

(14)

ينظر: أيسر التفاسير للجزائري: 1/ 163.

(15)

في (ب): "الموجوب".

(16)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 198.

ص: 89

[147/ ب] وقال في «الفوائد الظهيرية» : في هذا نظر؛ لأن الأمر باللام إنما يكون في المغايبة لا في المخاطبة، وهذا مخاطبة لكن/ رُوي في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فبذلك (فلتفرحوا) بتاء الخطاب، فيحمل هذا على ذلك الوجه أو جعل الأخبار من الآمر مجازًا؛ لأنه يستفاد معنى الوجوب من الأخبار أيضًا لما عرف، ويستحّب في يوم الفطر أن يطعم إلى آخره

(1)

.

وفي «الخلاصة» : ويستحبّ لمن أصبح في يوم الفطر ستة أشياء: أن يغتسل، ويستاك، ويذوق شيئًا، ويلبس أحسن ثيابه جديدًا كان أو غسيلًا، ويمسّ طيبًا، ويخرج [صدقة الفطر]

(2)

إن كان غنيًا، وكذا في عيد الأضحى غير أنّ الأدب في عيد الأضحى أن لا يذوق إلى وقت الفراغ من الصلاة

(3)

.

[وفي «التجنيس»]

(4)

: ويستحب أن يخرج يوم العيد من طريق، ويرجع من طريق آخر؛ لأن مكان القربة تشهد لصاحبها ففيما قلناه تكثير الشهود

(5)

.

(ولا يكبّر عند أبي حنيفة رحمه الله في طريق المصلي)

(6)

أي: لا يكبّر عنده جهرًا في الطريق الذي يخرج منه إلى عيد الفطر هكذا صرّح المصنّف بالجهر في «التجنيس» ، وكذلك في «مبسوط شيخ الإسلام» ، و «تحفة الفقهاء» ، و «زاد الفقهاء» ، و «الخلاصة» مقيَّدًا بالجهر، وفي تعليل أبي حنيفة في الكتاب أشار [أيضًا]

(7)

إلى هذين القيدين، وهما الجهر، وطريق الخروج إلى عيد الفطر، وأمّا [في عيد]

(8)

الأضحى فإنّهم اتفقوا على أنّه يجهر بالتكبير في طريق المصلى

(9)

.

(1)

قال القرطبي: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ "فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا" بالتاء؛ وهي قراءة يزيد بن القعقاع ويعقوب وغيرهما؛

وهاهنا قال تبارك وتعالى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} ؛ أي: بالقرآن والإسلام فليفرحوا؛ فقيد. قال هارون: وفي حرف أُبي "فبِذلِك فافرحوا". قال النحاس: سبيل الأمر أن يكون باللام ليكون معه حرف جازم كما أن مع النهي حرفا؛ إلا أنهم يحذفون، من الأمر للمخاطب استغناء بمخاطبته، وربما جاؤوا به على الأصل؛ منه "فبذلك فلتفرحوا". {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يعني: في الدنيا. وقراءة العامة بالياء في الفعلين؛ وروي عن ابن عامر أنه قرأ "فَلْيَفْرَحُوا" بالياء "تجمعون" بالتاء خطابا للكافرين. وروي عن الحسن أنه قرأ بالتاء في الأول؛ و"يَجْمَعُونَ" بالياء على العكس. ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 8/ 354.

(2)

في (ب): " صدقته ".

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 3/ 183.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

ينظر: تبيين الحقائق: 1/ 225، الجوهرة النيرة: 1/ 93.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 84، 85.

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

في (ب): "عند"

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 72، تحفة الفقهاء: 1/ 170، البحر الرائق: 2/ 172.

ص: 90

وذكر في «مبسوط شيخ الإسلام» : اختلاف الروايتين عن أبي حنيفة فقال: روى المعلى

(1)

،

(2)

، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة: أنّه لا يكبر جهرًا في طريق المصلّى في عيد الفطر، وروى الطحاوي، عن ابن عمران البغدادي

(3)

أستاذه، عن أبي حنيفة: أنّه يكبّر في طريق المصلّى في عيد الفطر جهرًا، وهو قول أبي يوسف، ومحمد -رحمهما الله-، والشرع ورد به في الأضحى، وهو قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}

(4)

جاء في التفسير

(5)

: أن المراد [به]

(6)

التكبير في هذه الأيام، ولأنّ عيد الأضحى اختصّ بركن من أركان الحج، والتكبير إنّما شرع علمًا على وقت أفعال الحج، فيكون علمًا على وقت [الحج]

(7)

للأركان لا على الواجبات كالأذان، والإقامة فأمّا في شوال، فلم يدخل وقت ركن من أركان الحج، وإنّما دخل وقت الواجب، وهو ما شرع علمًا له

(8)

.

(ولا كذلك الفطر)

(9)

أي: [في]

(10)

يوم [الفطر]

(11)

ليس بيوم تكبير لانعدام ورود الشرع به فيه، فإن قيل: أليس أن الله تعالى قال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}

(12)

أخبر بالتكبير بعد إكمال عدة أيام شهر رمضان، وليس هو إلا في عيد الفطر

(13)

، وروى نافع

(14)

، عن ابن عمر:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر، ويوم الأضحى رافعًا صوته بالتكبير»

(15)

، وهذا نصّ في الباب.

(1)

في (ب): "المعين".

(2)

المعلى بن منصور الرازي، أبو يعلى: من رجال الحديث، المصنفين فيه. ثقة نبيل، من أصحاب أبي يوسف ومحمد بن الحسن، صاحبي أبى حنيفة. حدث عنهما وعن غيرهما، وأخذ عنه كثيرون. وطلب للقضاء غير مرة فأبى. قال أبو داود: كان أحمد بن حنبل لا يروي عنه، للرأي. أصله من الري. سكن بغداد توفي سنة 211 هـ. من كتبه:"النوادر" و"الأمالي" كلاهما في الفقه. ينظر: التاريخ الكبير: 7/ 394، تاريخ بغداد: 13/ 188، سير أعلام النبلاء: 10/ 367.

(3)

أحمد بن أبي عمران موسى بن عيسى أبو جعفر الفقيه البغدادي نزل مصر أستاذ أبي جعفر الطحاوي، تفقه على قاضي القضاة محمد بن سماعة وعلى بشر بن الوليد الكندي وحدث بمصر، ذكره الحافظ ابن يونس في الغرباء الذين قدموا مصر. توفي سنة 280 هـ. وقد روى حديثًا كثيرًا من حفظه صنف كتابًا يقال له:"الحجج". ينظر: تاريخ بعداد: 5/ 141، سير أعلام النبلاء: 17/ 111، الجواهر المضية: 1/ 127.

(4)

سورة البقرة من الآية: (203).

(5)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 3/ 4.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 72، تحفة الفقهاء: 1/ 170، 171، البحر الرائق: 2/ 172.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 85.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

سورة البقرة من الآية: (185).

(13)

قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن: 2/ 306، 307): قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} عطف عليه، ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان في قول جمهور أهل التأويل. واختلف الناس في حده، فقال الشافعي: روي عن سعيد ابن المسيب وعروة وأبي سلمة أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر ويحمدون، قال: وتشبه ليلة النحر بها. وقال ابن عباس: حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا وروي عنه: يكبر المرء من رؤية الهلال إلى انقضاء الخطبة، ويمسك وقت خروج الإمام ويكبر بتكبيره. وقال قوم: يكبر من رؤية الهلال إلى خروج الإمام للصلاة. وقال سفيان: هو التكبير يوم الفطر. زيد بن أسلم: يكبرون إذا خرجوا إلى المصلى فإذا انقضت الصلاة انقضى العيد. وهذا مذهب مالك، قال مالك: هو من حين يخرج من داره إلى أن يخرج الإمام. وروى ابن القاسم وعلي بن زياد: أنه إن خرج قبل طلوع الشمس فلا يكبر في طريقه ولا جلوسه حتى تطلع الشمس، وإن غدا بعد الطلوع فليكبر في طريقه إلى المصلى وإذا جلس حتى يخرج الإمام. والفطر والأضحى في ذلك سواء عند مالك، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يكبر في الأضحى ولا يكبر في الفطر، والليل عليه قوله تعالى:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} ولأن هذا يوم عيد لا يتكرر في العام فسن الكبير في الخروج إليه كالأضحى ..

(14)

نافع أبو عبد الله مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي مدني، سمع ابن عمر وأبا سعيد الخدري روى عنه الزهري ومالك بن أنس، وأيوب وعبيد الله بن عمر، قال محمد بن محبوب عن حماد بن زيد: مات نافع سنة سبع عشرة ومائة، قال مالك بن أنس: كنت إذا سمعت حديث نافع عن ابن عمر لا أبالي أن لا أسمع من غيره. ينظر: التاريخ الكبير: 8/ 85، تهذيب التهذيب: 10/ 412، وفيات الأعيان: 2/ 150.

(15)

أخرجه الدارقطني في «سننه» (2/ 45 –رقم 8)، موقوفًا. قال الألباني: صحيح. ينظر: مختصر إرواء الغليل: ص 131.

ص: 91

قلنا: أما الآية فالمراد بها التكبير في صلاة العيد، والمعنى صلوا صلاة العيد، وكبّروا الله فيها، كقوله تعالى:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}

(1)

أي: صلّوا واركعوا فيها

(2)

، وكذلك التعلُّق بالحديث لا يستقيم؛ لأن مداره على الوليد بن محمد

(3)

عن الزهري، والوليد متروك الحديث؛ ولأنّ هذا خبر واحد فيما يعم به البلوى، فلا يقبل لو كان طريقه صحيحًا، فكيف إذا كان فاسدًا؟! كذا ذكره شيخ الإسلام

(4)

.

قوله: (خاصةً، وعامة)

(5)

بنصبهما على الحال من الكراهة، والعامل فيهما قيل

(6)

.

وفي «زاد الفقهاء» : وإن أحبّ أن يصلي بعدها صلى أربعًا إلا أن مشايخنا قالوا: المستحب أن يصلي أربعًا بعد الرجوع إلى منزله؛ كيلا يظن ظانّ أنه هو السنة المتوارثة، ولكن ذكر في «فتاوى قاضي خان» جواز التطوع في الجبانة بغير كراهية إذا كان بعد صلاة العيد من غير ذكر عدم الاستحباب

(7)

، وكذلك أطلق الجواز في «التحفة»

(8)

، فقال: أما لو فعل بعد الفراغ من الخطبة فلا بأس، وإذا حلّت الصلاة من الحلّ لا من الحلول؛ لأن الصلاة قبل ارتفاع الشمس كانت حرامًا لما جاء في الحديث؛ [لقوله]

(9)

: «ثلاثة أوقات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم

»

(10)

الحديث؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان صلى العيد، والشمس على قيد رمح أو رمحين، ولما شهدوا بالهلال بعد الزوال أمر بالخروج من

(11)

المصلى من الغد

(12)

.

فإن قلت: ما وجه التمسك بهذا الحديث على أن وقته يخرج بزوال الشمس؟.

(1)

سورة الحج من الآية: (77).

(2)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 12/ 98.

(3)

الوليد بن محمد القرشي الموقري، البلقاوي، الشامي، عن الزهري في حديثه مناكير، قال علي بن حجر: كنية الوليد أبو بشر مولى يزيد بن عبد الملك وكان لا يقرأ من كتابه وإذا رفع إليه كتاب قرأه. ينظر: الثقات لابن حبان: 9/ 225، التاريخ الكبير: 8/ 155.

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 73.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 85.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 73.

(7)

ينظر: الفتاوى الهندية: 1/ 150.

(8)

ينظر: تحفة الفقهاء: 1/ 171.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/ 568)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، رقم (831).

(11)

في (ب): "إلى".

(12)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 73.

ص: 92

[148/ أ] قلت: وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالخروج إلى المصلى من الغد لأجل صلاة العيد بعد شهادة الشهود، ولو جاز الأداء بعد الزوال لم يكن للتأخير معنى؛ إذ لا يجوز تأخيرها بدون العذر السماوي، ولا عذر هاهنا يجوّز التأخير سوى أنّه خرج الوقت، وظهر عمل العامة اليوم بقول ابن عباس لأمر بنية الخلفاء؛ وذلك لأن الولاية لما انتقلت إلى بني العباس أمروا الناس بالعمل في التكبيرات بقول:(جدّهم)، وكتبوا في مناشيرهم ذلك، وهو تأويل ما/ روي عن أبي يوسف: أنه قدم بغداد فصلّى بالناس صلاة العيد، وخلفه هارون الرشيد

(1)

، وكبّر تكبير ابن عباس، وكذا رُوي عن محمد هكذا، فتأويله أنّ هارون أمرهما أن يكبّرا تكبير جدّه ففعلا ذلك امتثالًا لأمره لا مذهبًا، واعتقادًا. كذا في «المبسوط»

(2)

، و «المحيط»

(3)

.

وأمّا المذهب فالقول الأول، وهو قول ابن مسعود فكان قوله مخالفًا لقول ابن عباس في العدد، وفي الموضع على ما هو المذكور [في الكتاب]

(4)

، وحاصله أن الزوائد عندنا ثلاث ثلاث، والموالاة في القراءة خلافًا له، وإنما قلنا بالموالاة بين القراءتين؛ لأن التكبيرات يؤتى بها عقيب تكبيرة الافتتاح، وفي الثانية عقيب القراءة. كذا في «المبسوط»

(5)

.

وذكر في «الإيضاح»

(6)

: وإنّما قلنا بالموالاة بين القراءتين؛ لأن التكبير من باب الثناء، والثناء في الركعة الأولى حيث شُرع مقدّمًا على القراءة كالاستفتاح، وفي الركعة الثانية حيث شرع مؤخرًا عن القراءة كقنوت الوتر فألحقنا التكبيرة به فصارت التكبيرات عنده خمسة عشر أو ستة عشر؛ وذلك لأنه روي عن ابن عباس روايتان في رواية:«اثنتا عشرة تكبيرة»

(7)

، وفي رواية:«ثلاث عشرة تكبيرة»

(8)

، فحمل الشافعي الكل على الزوائد، ثم ألحق الأصليات بها، فصارت خمسة عشر أو ستة عشر

(9)

.

(1)

هارون الرشيد ابن محمد المهدي ابن المنصور العباسي، أبو جعفر: خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، وأشهرهم. ولد بالري سنة 149 هـ، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي، وازدهرت الدولة في أيامه. وكان الرشيد عالمًا بالأدب وأخبار العرب والحديث والفقه، فصيحًا، شجاعًا كثير الغزوات، يلقب بجبار بني العباس، يحج سنة ويغزو سنة، توفي في سناباذ سنة 193 هـ، وبها قبره. (الأعلام للزركلي: 8/ 62).

(2)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 69.

(3)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 202.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 69.

(6)

ينظر: نور الإيضاح: ص 85.

(7)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 288 – رقم 5975).

(8)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/ 494 – رقم 5701).

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 77.

ص: 93

فإن قلت: هذا التأويل لا يصح لوجهين:

أحدهما: أنه ذكر روايتي ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: وقال: "ابن عباس يكبر في الأولى للافتتاح، وخمسًا بعدها، وفي الثانية يكبّر خمسًا"، وفي رواية:"يكبّر أربعًا"

(1)

، ثم ذكر بعد هذا بخطوط، والشافعي أخذ بقول ابن عباس إلا أنه حمل المروي على الزوائد، فكان حرف التعريف في المروي للمعهود لا محالة لتقدّم ذكر ما رُوي، وإلا يلزم فكّ النظم والتنافر في الكلام، ولا يظن المصنف مثل هذا مع وفور فضله، فلابدّ أن يردّ إلى المروي المذكور، والمروي المذكور ليس كما ذكرت، فإنّ الزوئد فيه عشرة أو تسعة، وبالأصليات يكون ثلاث عشرة أو اثتني عشرة.

والثاني: أنه ذكر، وظهر عمل العامة اليوم بقول ابن عباس، وهو قول الشافعي رحمه الله، وليس أحد يعمل بعمل اليوم بهذا القول الذي ذكره الشافعي، وهو أن التكبيرات عنده خمس عشرة أو ست عشرة، وعلى قود كلامه يجب أن يكون كلاهما أو أحدهما معمولًا، وليس كذلك فلابدّ من تأويل سوى هذا

(2)

، فما وجهه؟

قلت: أخذ المصنف قوله: (وخمسًا بعدها)، وفي الثانية يكبّر خمسًا من لفظ

(3)

«المبسوط» ، إلا أنه ذكر في «المبسوط»

(4)

روايتي ابن عباس كما ذكرناه، وقال: والمشهور عنه روايتان:

إحديهما: أنّه يكبر في العيدين ثلاث عشرة تكبيرة: تكبيرة للافتتاح، وتكبيرة الركوع، وعشر زوائد: خمس في الأولى، وخمس في الثانية، وفي الرواية الأخرى: ثنتا عشرة تكبيرة تكبيرة الافتتاح، وتكبيرتا الركوع، وتسع زوائد خمس في الأولى، وأربع في الثانية، فعلى هذا كان قوله إلا أنّه حمل المروي منصرفًا إلى المذكور قبله، وهو قوله: خمسًا، وفي رواية: يكبّر أربعًا، ولكن مع انضمام ثلاث تكبيرات سوى المذكور، وهو تكبيرة الافتتاح، وتكبيرتا الركوع إليه، وجعل هو كله زوائد، كما ذكرنا

(5)

عملًا بظاهر لفظ الرواة أنّ ابن عباس يكبّر في العيدين ثلاث عشرة تكبيرة أو ثنتي عشرة تكبيرة، فبعد ذلك ضم إلى هذين المرويين ثلاث تكبيرات أصليات، فيصير المجموع حينئذٍ ست عشرة تكبيرة أو خمس عشرة تكبيرة، والدليل على أنّه حمل ما روي عن ابن عباس إلى

(6)

الزوائد ما ذكر في «الخلاصة الغزالية» ، وهو قوله: ويصلي الإمام ركعتين يكبّر في الأولى سوى تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الهوى سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويقرأ:{وَجَّهْتُ وَجْهِيَ}

(7)

عقيب تكبيرة الافتتاح، ويؤخر الاستعاذة إلى ما، وراء الثامنة، ويقرأ في الأولى: فإن {اقْتَرَبَتِ}

(8)

في الثانية، والتكبيرات الزائدة في الثانية خمس سوى تكبيرة القيام، والركوع فكانت الزوائد على رواية «الخلاصة الغزالية» ثنتي عشرة تكبيرة، فإذا ضممت الأصليات الثلاث إليها صارت خمس عشرة، وإذا ضممت إليها تكبيرة القيام في الثانية كما ذكر في «الخلاصة» صارت ست عشرة.

(1)

أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (3/ 470 – رقم 6362).

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 76، 77.

(3)

في (ب) لفظ.

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 68.

(5)

في (ب): "ذكره".

(6)

في (ب): "على".

(7)

سورة الأنعام من الآية: (79).

(8)

سورة القمر من الآية: (1).

ص: 94

[148/ ب] وأمّا عمل العامة،/ فكان منصرفًا إلى ما فسّرنا من روايتي ابن عباس، أعني رواية: ثلاثة عشرة تكبيرة، ورواية: ثنتي عشرة تكبيرة بأنّ الزوائد في الأولى عشرة، وفي الثانية -[أي: الرواية الثانية]-[تسع]

(1)

، فكان خمسًا خمسًا، أو خمسًا أربعًا، وحاصله: أنّا فسرنا روايتي ابن عباس بهذا الذي ذكرنا، وهو أن الأصليات من جملة ثلاث عشرة تكبيرة أو ثنتي عشرة تكبيرة، فوقع عمل العامة [اليوم]

(2)

على تفسيرنا هذا، وعنده تفسير الروايتين بأن الأصليات ما وراء تينك الروايتين، وهو عمل به، وأصحابه كما ذكر في «الخلاصة الغزالية» ، وكان الذي فسر أولًا في الكتاب من روايتي ابن عباس بقوله

(3)

.

(وقال ابن عباس

إلى آخره)

(4)

تفسير مشايخنا لروايتي ابن عباس، وعليه عمل العامة، وما ذكر آخرًا بقوله: والشافعي رحمه الله أخذ بقول ابن عباس إلا أنّ

(5)

حمل المروي إلى آخره، وكان تفسير الشافعي، وليس عليه عمل العامة فعُرف بهذا فساد [قول]

(6)

من قال: إن الذي [عليه عمل]

(7)

علمائنا

(8)

اليوم هو مذهب الشافعي رحمه الله، بل يجب أن يقال: إن الذي عليه عمل علمائنا اليوم هو مذهب ابن عباس؛ لأن مذهب الشافعي لبس على ما عليه [عمل]

(9)

علمائنا اليوم لما ذكرنا من بيان مذهبه

(10)

.

وفي «المحيط»

(11)

: ثم عملوا برواية الزيادة في عيد الفطر، وبرواية النقصان في عيد الأضحى ليكون عملًا بالروايتين، وإنما اختاروا النقصان لعيد الأضحى؛ لاشتغال الناس بالقرابين فيه.

وفي «المبسوط»

(12)

: وروي عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه يسكت بين كلّ تكبيرتين بقدر ثلاث تسبيحات؛ لأن صلاة العيد تقام بجمع عظيم فلو والى بين التكبيرات يشتبه على من كان نائبًا عن الإمام، والاشتباه يزول بهذا القدر من المكث، ثم قال: هذا القدر ليس بلازم، بل يختلف ذلك بكثرة الزحام، وقلته؛ لأن المقصود إزالة الاشتباه عن القوم، وذلك يختلف بكثرة القوم، وقلّتهم، وليس بين التكبيرات ذكر مسنون عندنا، وعند أبي يوسف رحمه الله لا تُرفع اليد؛ لأن الرفع سنة الافتتاح، وهذه التكبيرات ليست مما

(13)

يفتتح بها ألا ترى أن تكبيرة الركوع منها، ولا ترفع فيها، وهي أصلية، ففي الزوائد أولى لكن القياس متروك بالأثر، كذا في «مبسوط فخر الإسلام»

(14)

.

(1)

[ساقط] من (أ).

(2)

[ساقط] من (أ).

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 76، 77، الجوهرة النيرة: 1/ 93، 94.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 85.

(5)

في (ب): "أنه".

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

في (ب): "يعمل".

(8)

في (ب): "علماؤنا".

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 77، 78.

(11)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 202.

(12)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 69.

(13)

في (ب): "ما".

(14)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 77.

ص: 95

ثم

(1)

لا خلاف أن يأتي بثناء الافتتاح عقيب تكبيرة الافتتاح قبل الزوائد إلا في

(2)

قول ابن أبي ليلى

(3)

فإنّه [يقول]

(4)

: يأتي بالثناء بعد التكبيرات الزوائد، [فأمّا التعوذ، فيأتي به عند أبي يوسف عقيب ثناء الافتتاح قبل التكبيرات الزوائد]

(5)

، وعند محمد بعد الزوائد حين يريد القراءة؛ لأنه تبع للقراءة عنده. كذا في «المبسوط»

(6)

.

وأمّا الخطبة في صلاة العيد فيخالف الخطبة في الجمعة من وجهين:

أحدهما: أنّ الجمعة لا يجوز بدون الخطبة، وصلاة العيد تجوز بدونها.

والثاني: أنّ في الجمعة تقدم الخطبة على الصلاة، وفي العيد يؤخر عن الصلاة، فإن قدّم الخطبة في صلاة العيد جاز أيضًا، ولا يعاد الخطبة بعد الصلاة. كذا في «فتاوى قاضي خان»

(7)

.

(ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام)

(8)

كلمة "مع" متعلّقه بالصلاة، لا بفائته، أي: فائت عنه الصلاة بالجماعة، وليس ["مع"]

(9)

معناه فائت الصلاة عنه، وعن الإمام، أي: أدّى الإمام صلاة العيد، ولم يؤدّها هو، وقال الشافعي رحمه الله: من فاتته صلاة العيد يصلي وحده كما يصلي مع الإمام، وهذا بناء على أنّ المنفرد هل يصلّى صلاة العيد؟.

عندنا لا يصلّى، وعنده يصلّى؛ لأن الجماعة والسلطان ليس بشرط عنده، فكان له أن يصلّى وحده

(10)

، وقال علماؤنا: لا يجوز إقامتها إلا بشرائط مخصوصة، فإذا فاتت فليس لها خلف فقد عجز عن قضائها

(11)

، فلا يلزمه القضاء، فإن قيل صلاة العيد قائمة مقام صلاة الضحى، ولهذا يكره صلاة الضحى قبل صلاة العيد، وإذا كان كذلك، فهو قادر على صلاة الضحى، فوجب أن يلزمه عند العجز كالجمعة إذا فاتت يلزمه الظهر؛ لكونها في وقته، قلنا: نعم صلاة العيد أقيمت مقام صلاة الضحى، فإذا عجز عن الأداء لفوت الشرائط

(12)

، فعاد الأمر إلى الأصل، وهو صلاة الضحى، وصلاة الضحى غير واجبة في الأصل، بل يتخيّر في ذلك، وهنا كذلك.

(1)

في (ب): "و".

(2)

في (ب): "على".

(3)

محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار، وقيل: داود بن بلال. أنصاري كوفي. فقيه من أصحاب الرأي. ولي القضاء 33 سنة لبني أمية، ثم لبني العباس. له أخبار مع أبي حنيفة وغيره. مات بالكوفة 148 هـ. ينظر: التاريخ الكبير: 1/ 162، الجرح والتعديل: 7/ 322، الأعلام للزركلي: 6/ 189.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 76.

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 78.

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 85.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 78.

(11)

في (ب) أدائها.

(12)

في (ب): "الشرط".

ص: 96

[149/ أ] وفي باب الجمعة لما عجز عن أداء الجمعة لفوت الشرائط سقط عنه الجمعة، وعاد الأمر إلى ما كان قبل الجمعة كان يلزمه أداء الظهر، ولا يتخيّر في أدائه، فكذا بعدها فإن أحب أن يصلّي، فالأفضل/ أن يصلّي أربع ركعات؛ لما رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «من فاتته صلاة العيد صلّى أربع ركعات يقرأ في الركعة الأولى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ}

(1)

، وفي الثانية:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}

(2)

، وفي الثالثة:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}

(3)

، وفي الرابعة:{وَالضُّحَى (1)}

(4)

(5)

، ورُوي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم:«وعدًا جميلًا، وثوابًا جزيلًا» كذا في «المحيط»

(6)

.

(لأنّ هذا تأخير بعذر، وقد ورد فيه الحديث)

(7)

، وهو الحديث الذي ذكر قبيل هذا بقوله:«ولما شهدوا بالهلال بعد الزوال أمر بالخروج إلى المصلّى من الغد لم يصلها بعدها»

(8)

، وفي نسخة بعده، أي: بعد اليوم الثاني هذا في صلاة عيد

(9)

الفطر، وأمّا صلاة الأضحى فمؤقته بأيّام الأضحية، وهي ثلاثة على ما يجيء، والتعريف الذي يصنعه النّاس

إنّما قيد بقوله الذي يصنعه الناس لما أنّ التعريف يجيء لمعان للإعلام، والتطييب من العرف، وهو الربح، وإنشاد الضالة، والوقوف بعرفات، والتشبه بأهل عرفة، والأخير هو المراد هنا

(10)

، وهو أن يجتمع الناس يوم عرفة في مكان غير عرفات، ويتفقوا، ويدعوا، ويتضرعوا تشبهًا بالحاج ليس بشيء، أي: ليس

(11)

بشيء معتبر يتعلق به الثواب، وعن أبي يوسف، ومحمد في غير رواية الأصول أنّه لا يكره لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما "أنّه فعل ذلك بالبصرة"

(12)

، ولكنا نقول: إن ذلك محمول على أنّ ذلك ما كان للتشبه، بل كان للدعاء ألا ترى أن من طاف حول مسجد ينوي الكعبة يخشى عليه الكفر حتّى لو اجتمعوا لشرف ذلك اليوم لا للتشبه جاز. كذا في جامعي القاضي، والتمرتاشي رحمهما الله

(13)

.

(1)

سورة الأعلى من الآية: (1).

(2)

سورة الشمس الآية: (1).

(3)

سورة الليل الآية: (1).

(4)

سورة الضحى الآية: (1).

(5)

أخرجه المباركفوري في (مرعاة المفاتيح: 5/ 29) مختصرًا، وقال: إسناده صحيح.

(6)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 226.

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 85.

(8)

أخرجه أبو داود في «سننه» (1/ 449)، كتاب الصلاة، باب إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه، رقم (1159)، وابن ماجه في «سننه» (1/ 529)، كتاب الصيام، باب ما جاء في الشهادة على رؤية الإمام، رقم (1653)، والنسائي في «سننه» (3/ 180)، كتاب صلاة العيدين، باب الخروج إلى العيدين من الغد، رقم (1557). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 4/ 153): صحيح.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

في (ب): "هاهنا".

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

ينظر: تبين الحقائق: 1/ 226.

(13)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 79، تبيين الحقائق: 1/ 226.

ص: 97

وفي «التفاريق» : عن أبي يوسف رحمه الله يكره أن يجتمع قوم فيعتزلوا في موضع يعبدون الله فيه، ويفرّغون أنفسهم لذلك، وإن كان معهم أهلوهم، والله أعلم بالصواب

(1)

.

‌فصل: في تكبيرات [أيام]

(2)

التشريق

لما فرغ من بيان صلاتي العيد وإحديهما صلاة الأضحى

(3)

شرع فيما شرع بعد صلوات أيّام الأضحى، ثم قيل: لقب الفصل بتكبير التشريق وقع على قولهما؛ لأن شيئًا من التكبير لا يقع في أيّام التشريق عند أبي حنيفة-رحمه الله، أو باعتبار القرب أخذًا باسمه، كما قال في لفظ «الجامع الصغير»

(4)

قال يعقوب: صليت بهم المغرب يوم عرفة باعتبار قربه إلى النهار، ولو كان المراد من التشريق صلاة العيد كما ورد في الحديث:«لا جمعة، ولا تشريق إلا في مصر جامع»

(5)

، وكذلك في حديث آخر «لا ذبح إلا بعد التشريق»

(6)

، والمراد بالتشريق فيهما صلاة العيد. كذا في «المبسوط»

(7)

كان جاريًا على قولهم جميعًا.

وفي «الخلاصة» : أيّام النحر ثلاثة، وأيام التشريق ثلاثة، ويمضي ذلك في أربعة أيّام فإنّ العاشر من ذي الحجة نحر خاص، والثالث عشر تشريق خاص، واليومان فيما بينهما للنحر، والتشريق جميعًا، ثم اختلفوا في أنّه سنة أو واجب، وذكر الإمام التمرتاشي تكبير التشريق سُنة. وفي «الإيضاح»: وفي شرح البزدوي

(8)

، وأبي ذر

(9)

رحمهم الله واجب

(10)

.

(1)

ينظر: الفتاوى الهندية: 5/ 349.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

في (ب): "الضحى".

(4)

ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ص 115.

(5)

سبق تخريجه (ص 148).

(6)

لم أجد الحديث في مضانه من كتب الحديث، وأورده السرخسي في المبسوط (2/ 37)، وبدر الدين العيني في البناية شرح الهداية (2/ 125).

(7)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 66.

(8)

محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن مجاهد، أبو اليسر البزدوي، فقيه، أصولي ولي القضاء بسمرقند، تفقه عليه ركن الأئمة عبد الكريم بن محمد وأبو بكر محمد بن أحمد السمرقندي وولده القاضي أبو المعالي أحمد وغيرهم. قال السمعاني: أملى ببخارى الكثير ودرس الفقه كان من فحول المناظرين، قال عمر بن محمد النسفي: وكان شيخ أصحابنا بما وراء النهر، وكان إمام الأئمة على الإطلاق والوفود إليه من الآفاق، ملأ الكون بتصانيفه في الأصول والفروع، من تصانيفه:"المبسوط" في فروع الفقه. ينظر: سير أعلام النبلاء: 19/ 49، الجواهر المضية: 2/ 270، الفوائد البهية: ص 188.

(9)

عبد بن أحمد، ويقال: حميد بن محمد، أبو ذر الهروي. يقال له ابن السماك. أصله من هراة، نزل بمكة ومات بها. فقيه مالكي، كان محدثًا حافظًا حجًة ثقةً نظارًا، غلب عليه الحديث، فكان إمامًا فيه. أخذ عن أعلام منهم زيد بن مخلد والقاضي الباقلاني. من تصانيفه:"تفسير القرآن" و"المستدرك على صحيح البخاري ومسلم"، و"كتاب الجامع"، و"شهادة الزور". ينظر: الأعلام للزركلي: 4/ 66.

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 81، 82.

ص: 98

وفي «المحيط»

(1)

: تكبير التشريق سنة أجمع أهل العلم على العمل بها، والأصل فيه قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}

(2)

جاء في التفسير

(3)

: أن المراد منه أيام العشر، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أفضل ما قلت، وقالت الأنبياء قبلي يوم عرفة: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد»

(4)

، وعن جابر رضي الله عنه: «[أنه]

(5)

صلّى الفجر يوم عرفة، وكبّر هكذا»

(6)

.

وقد اختلفت الصحابة في ابتدائه، وانتهائه، وأمّا الاختلاف في ابتدائه

(7)

فكبار الصحابة عمر، وعلي، وابن مسعود رضي الله عنهما قالوا: يبدأ بالتكبير من صلاة الغداة يوم عرفة

(8)

، وبه أخذ علماؤنا في ظاهر الرواية، وهو

(9)

أحد أقوال الشافعي، وصغار الصحابة كعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت

(10)

رضي الله عنهما قالوا: يبدأ بالتكبير من صلاة الظهر من يوم النحر؛ لأن الجهر بالتكبير بدعة

(11)

.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}

(12)

أي: الجاهرين بالدعاء، فكان الأخذ بالأقل أولى. كذا في «الفوائد»

(13)

.

وقال الله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ}

(14)

، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أقوامًا يرفعون أصواتهم عند الدعاء، فقال:«إنكم لن تدعوا أصمَّ، ولا غائبًا»

(15)

،

(16)

ومن حجة أبي حنيفة رحمه الله أن البداية

(17)

لما كانت في يوم يؤدى به ركن الحج، فالقطع مثله يكون في يوم النحر الذي يؤدّى فيه ركن الحج، وهو الطواف. كذا في «المبسوط»

(18)

.

(1)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 230.

(2)

سورة البقرة من الآية: (203).

(3)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 3/ 1.

(4)

أخرجه الطبراني فى «الدعاء» : (1/ 273 - رقم 874). قال المباركفوري في (تحفة الأحوذي: 10/ 33): قال القاري: رواه الطبراني وسنده حسن جيد كما قاله الأذرعي.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

أخرجه الزمخشري مرفوعًا. ينظر: الكشاف: 1/ 274.

(7)

في (ب): "الابتداء".

(8)

ذكره السرخسي. ينظر: المبسوط: 2/ 76.

(9)

في (ب): "وهذا".

(10)

زيد بن ثابت بن الضحاك الانصاري الخزرجي، أبو خارجة: صحابي، من أكابرهم. كان كاتب الوحي. ولد في المدينة ونشأ بمكة، وهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن 11 سنة، وتوفي سنة 45 هـ. له في كتب الحديث 92 حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 135، التاريخ الكبير: 3/ 380، (الإصابة في تمييز الصحابة: 2/ 592.

(11)

ذكره برهان الدين في ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 230.

(12)

سورة البقرة من الآية: (190)، سورة المائدة من الآية:(87).

(13)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 7/ 226.

(14)

سورة الأعراف من الآية: (205).

(15)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (4/ 57)، كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير، رقم (2992). ومسلم في «صحيحه» (4/ 2076)، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، رقم (2704)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه.

(16)

ينظر: كشف الأسرار: 4/ 107.

(17)

في (ب): "البدعة".

(18)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 77.

ص: 99

[149/ ب] (والتكبير أن يقول مرّة واحدة: الله أكبر

إلى آخره)

(1)

أي: هذه/ الكلمات مرة واحدة إلى آخرها، وقال الشافعي: التكبيرات

(2)

أن يقول: الله أكبر ثلاث مرات، أو خمس مرات، أو سبع مرات، أو تسع مرات، وقال: لأن المنصوص عليه في الكتاب هو التكبير، قال الله تعالى:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}

(3)

، والتكبير قوله:(الله أكبر)، وأمّا قوله:(لا إله إلا الله) تهليل، وقوله: ([ولله]

(4)

الحمد) تحميد فمن شرط ذلك، فقد زاد على كتاب الله تعالى، فعُلم بهذا أنّ قوله: والتكبير أن يقول مرّة واحدة: الله أكبر احتراز عن قول الشافعي في موضعين في المرة، وتعيين الكلمات، وحجتنا في ذلك أن الأمة توارثوا التكبير من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على الوجه الذي بيّنا، والتوارث حجة، وقيل: إن مأخذ التكبير من جبريل، وإبراهيم، وإسماعيل عليهم السلام، فإنّ إبراهيم لما أضجع إسماعيل للذبح أمر الله عز وجل جبريل عليه السلام حتى يذهب إليه بالفداء، فلما رأى جبريل أنه أضجعه للذبح قال: الله أكبر الله أكبر؛ [كي لا]

(5)

يعجل بالذبح، فلمّا سمع إبراهيم صوت جبرائيل وقع عنده أنه يأتيه بالبشارة فهلّل الله تعالى، [وذكره بالوحدانية]

(6)

، فلما سمع إسماعيل كلامهما وقع عنده أنّه فدى فحمد الله، وشكره، فقال: الله أكبر، ولله الحمد

(7)

، وثبوته على هذا الوجه بهؤلاء الأجلاء، فلا يجوز أن يأتي بالبعض، ويترك البعض. كذا في «المحيط»

(8)

،

(9)

.

وذكر في «المبسوط»

(10)

: وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: «الله أكبر، الله أكبر، [الله أكبر]

(11)

وأجلّ، الله أكبر، ولله الحمد»

(12)

، وبه أخذ الشافعي، وكان ابن عباس يقول:«الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الحي القيوم، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير»

(13)

، وإنما أخذنا بقول عمر، وعلي، وابن مسعود؛ لأنه عمل الناس في الأمصار به، ولأنّه يشتمل على التكبير، والتهليل، والتحميد، فهو أجمع.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 86.

(2)

في (ب): "التكبير".

(3)

سورة البقرة من الآية: (185).

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

في (ب): "بوحدانيته".

(7)

ذكره برهان الدين ينظر: المحيط البرهاني 2/ 235.

(8)

في (ب): "المبسوط".

(9)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 235.

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 78.

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/ 333 - 14704)، من حديث أبي مجلز.

(13)

أخرجه العيني في (عمدة القاري): 6/ 293.

ص: 100

قوله: (في الجماعات المستحبة)

(1)

احتراز عن جماعة النساء على ما ذكر بعد هذا، فإن قيل: هذه التكبيرات شُرعت تبعًا للمكتوبات، ولا يجوز أن يشترط للتبع ما لا يشترط للمتبوع، قلنا: نعم إلا أنّ هذه التبعية عرفت له شرعًا، بخلاف القياس، فإنّه لم يشرع في غير هذه الأيام، فيُراعي لهذه التبعية جميع الشرائط التي ورد النص بها، والنص جعل من إحدى شرائط إقامته المصر وجب أن يشترط القوم الخاص، والجماعة كما في الجمعة، والعيد، واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة رحمه الله أن الحرية هل هي شرط لوجوب هذه التكبيرات؟.

وفائدة الخلاف إنما يظهر فيما إذا أَمّ العبد قومًا في صلاة مكتوبة في هذه الأيام هل يجب عليه التكبير؟ فمن شرط الحرية قال: بأنّ الذكورة، والمصر شرط لإقامته مقصودًا، فكذا الحرية قياسًا على الجمعة والعيد، ومن لم يشترط الحرية قال: لم يشترط لإقامته السلطان فلا يشترط الحرية كسائر الصلوات، وإنما لم يشترط لإقامته السلطان عند أبي حنيفة رحمه الله لما حكى عن الشيخ الإمام محمد بن الفضل رحمه الله

(2)

: أن التكبير يشبه صلاة العيد من حيث [إنه يشترط]

(3)

لإقامته المصر بالنص كما شُرط لإقامة الجمعة، والعيد، ويشبه سائر الصلوات من حيث إنه يقام في يوم واحد خمس مرات، فكان له حظ من الخصوص، والعموم فلشبهه بالخصوص شرطنا القوم الخاص، والجماعة، ولشبهه بالعموم لم يشترط السلطان توفيرًا على الشبهين حظهما بقدر الإمكان، وأمّا المسافرون إذا صلّوا جماعة في مصر، ففيهم روايتان، وليس عقيب صلاة الوتر تكبير أما عندهما فلأنها سنة، وليست بمكتوبة، وأمّا عند أبي حنيفة، وإن كانت فرضًا إلا أنها لا تؤدّى بالجماعة [في هذه الأيام]

(4)

. كذا في «المحيط»

(5)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 86.

(2)

محمد بن الفضل أبو بكر الفضلي الكماري، نسبة إلى كمار قرية ببخارى. فقيه، مفت. قال اللكنوي: كان إمامًا كبيرًا وشيخًا جليلًا معتمدًا في الرواية مقلدًا في الدراية، ومشاهير كتب الفتاوى مشحونة بفتاواه ورواياته، أخذ الفقه عن عبد الله السبذموني، وأبي حفص الصغير وغيرهما. وتفقه عليه القاضي أبو علي الحسين بن الخضر النسفي، والحاكم عبد الرحمن بن محمد الكاتب وعبد الله الخيزاخزي وغيرهم. ينظر: الجواهر المضية: 2/ 107، الفوائد البهية: ص 184.

(3)

في (ب): "شرط".

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 237.

ص: 101

(قال يعقوب: صليت بهم المغرب)

(1)

، وفي لفظ «جامع الصغير»

(2)

: قال يعقوب: صليت بهم المغرب يوم عرفة فطعن الطاعن في قوله: يوم عرفة لما أن بعد غروب الشمس ليلة النحر لا يوم عرفة

(3)

قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: هذا ليس بموضع طعن فقد سمّى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب وتر

(4)

النهار

(5)

؛ لاتصال وقتها بالنهار، ومراده هنا تذكر اليوم الوقت يعني: صليت بهم وقت الوقوف بعرفة، فكان ذكر هذا اللفظ لبيان أنّ ما بعد غروب الشمس وقت الوقوف بعرفة، وهو مذهبنا، فإن وقته يمتد إلى طلوع الفجر، ثم قال في ذكر [هذا]

(6)

الفصل على سبيل الحكاية فوائد منها بيان منزلته عند أستاذه حيث قدّمه، واقتدى/ ومنها بيان حشمة أستاذه في قلبه فإنّه على علم أن المقتدي به أستاذه سها عما لا يسهو المرء عنه عادة، وهو التكبير، ومنها مبادرة أستاذه إلى الستر عليه حيث كبّر؛ ليتذكر هو فكبّر، وهكذا ينبغي أن [يكون المعاملة]

(7)

بين كل أستاذ، وتلميذ، يعني: أنّ التلميذ يُعظّم أستاذه، والأستاذ يستر عليه عيوبه، وفيه دليل على أن تعظيم الأستاذ في طاعته حيث تقدّم أبو يوسف بأمره، كذا في «جامع» فخر الإسلام، والمحبوبي

(8)

.

[150/ أ] دلّ أنّ الإمام، وإن ترك التكبير لما يدعه المقتدي بخلاف سجود السهو إذا تركه الإمام لا يسجد المقتدي؛ لأن السجود يؤتى به في حرمة الصلاة بخلاف التكبير، ولكن إنما يكبر القوم قبل الإمام إذا وقع اليأس عن تكبير الإمام بأن قام. كذا ذكره قاضي خان رحمه الله

(9)

.

‌باب صلاة الكسوف

لما كانت هذه الأبواب أبواب صلاة متشاركة في أوصاف بأنّها تؤدّى بالجماعة في النهار بغير أذان، وإقامة لإقامة السُّنة، وهي صلاة العيد، والكسوف، والاستسقاء أوردها متتابعة، ولكن لما تأكدت صلاة العيد في قوّة السنة قدّمها على غيرها، وكذلك لما قويت صلاة الكسوف حتّى لم يقع الخلاف لأحد في أنّها تصلّى بالجماعة قدم على صلاة الاستسقاء

(10)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 86.

(2)

ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ص 115.

(3)

في (ب): "النحر".

(4)

في (ب): "ويريد".

(5)

أخرجه الترمذي في «سننه» (2/ 437)، كتاب أبواب السفر، باب في التطوع في السفر، رقم (552). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن الترمذي: 2/ 52): ضعيف الإسناد، منكر المتن.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

في (ب): "إقامته".

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 83.

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 83.

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 83.

ص: 102

ذكر في «الصحاح»

(1)

: كسفت الشمس تكسف كسوفًا، وكسفها الله كسفًا يتعدّى، ولا يتعدّى قال الشاعر

(2)

:

الشمس طالعة ليست بكاسفة

تبكي عليك نجوم اليل والقمرا

(3)

أي: ليست تكسف ضوء النجوم مع طلوعها، ولكن لقلة ضوءها، وبكائها عليك لم يظهر لها نور، وكذلك كسف القمر إلا أنّ الأجود فيه أن يقال: خسف القمر.

اعلم: بأن صلاة الكسوف مشروعة ثبت شرعيتها بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة [هكذا في «الصحاح»

(4)

.

وذكر الإمام جمال الدين الأديب في شرح الأبيات: يرثي جرير بهذا عمر بن عبد العزيز

(5)

، ومعنى قوله:(تبكي) أي: تغلب النجوم في البكاء يقال: باكيته، وبكيته أي: غلبته في البكاء، وروى النجوم بالرّفع، والنصب فعلى تقدير الرفع كان الواو في (والقمر) بمعنى مع، والألف للإشباع.

اعلم: بأن صلاة الكسوف مشروعة، ثبت شرعيتها بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة]

(6)

،

(7)

.

أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}

(8)

، والكسوف آية من آيات الله؛ لأن الخلق عاجزون عن فعله، وهي من الآيات المخوّفة؛ لأنها مبدلة لنعمة النور إلى الظلمة في حين عادة النور، وتبديل النعمة إلى ضدّها تخويف، ولأن القلوب يفرغ لذلك طبعًا، فكانت من الآيات المخوّفة، والله تعالى إنمّا يخوّف عبادة؛ ليتركوا المعاصي، ويرجعوا إلى طاعة الله تعالى التي فيها نوروهم، وأقرب أحوال العبد في الرجوع إلى ربه حالة الصلاة، والسنة بهذا وردت، فإنّه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذا رأيتم شيئًا من هذه الأفزاع فافزعوا إلى الصلاة»

(9)

، وعليه إجماع الأمة، فبعد هذا يحتاج إلى معرفة ستة أشياء إلى معرفة سبب شرعيتها، وشرط جوازها وصفتها، وكيفية أدائها، وموضع الصلاة [بها]

(10)

، ووقت الصلاة.

(1)

(4/ 1421 - مادة "كسف").

(2)

هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي، من تميم: أشعر أهل عصره. ولد ومات في اليمامة. وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم - وكان هجاءًا مرَّا - فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل. وكان عفيفًا، وهو من أغزل الناس شعرًا. وقد جمعت "نقائضه مع الفرزدق" في ثلاثة أجزاء، و"ديوان شعره" في جزأين. وأخباره مع الشعراء وغيرهم كثيرة جدًا. وكان يكنى بأبي حزرة. ينظر: الأعلام للزركلي: 2/ 119.

(3)

جرير بن الخطفي يرثي عمر بن عبد العزيز. ينظر: الكامل في اللغة والأدب: 2/ 202.

(4)

(4/ 1421 - مادة "كسف").

(5)

عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي القرشي، أبو حفص: الخليفة الصالح، والملك العادل، وربما قيل له خامس الخلفاء الراشدين تشبيها له بهم. ولد بالمدينة سنة 61 هـ ونشأ بها، وولي إمارتها للوليد. ثم استوزره سليمان بن عبد الملك بالشام. وولي الخلافة بعهد من سليمان سنة 99 هـ، فبويع في مسجد دمشق. وأخباره في عدله وحسن سياسته كثيرة. وكان يدعى "أشج بني أمية" رمحته دابة وهو غلام فشجته. توفي سنة 101 هـ. ينظر: ثقات ابن حبان: 5/ 151، التاريخ الكبير: 6/ 174.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 84.

(8)

سورة الإسراء من الآية: (59).

(9)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 38)، كتاب أبواب الكسوف، باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته، رقم (1058)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(10)

[ساقط] من (أ).

ص: 103

أمّا سبب شرعيتها فالكسوف؛ لأنها تضاف إليه، ويتكرّر بتكرّره، وشرط جوازها ما يشرط لسائر الصلوات وصفتها فهي سنة، وليست بواجبة؛ لأنها ليست من شعائر الإسلام، فإنها توجد بعارض لكنها سنة؛ لأنه فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي «التحفة»

(1)

: وقال بعض مشايخنا: بأنها واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم شيئًا من هذه الأفزاع فافزعوا إلى الصلاة»

(2)

، والأمر للوجوب، واختار هذا القول في «الأسرار»

(3)

، وهو الوجوب، فقال بعد ذكر الأمر: ولأنها تقام على سبيل الشهرة [كصلاة العيد]

(4)

، فكان شعارًا من شعائر الدين حال الفزع، وشعار الإسلام يجب إظهاره، وأمّا كيفية أدائها، فأجمعوا أنها تؤدّى بجماعة، لكن اختلفوا في صفة أدائها على ما يذكر.

وأما موضع الصلاة: فقد ذكر في «شرح الطحاوي»

(5)

أنه يصلى في كسوف الشمس في المسجد الجامع، أو في مصلى العيد.

وأما الوقت: فهو الوقت الذي يستحب فيه سائر الصلوات دون الأوقات المكروه، وقد ذكرناه. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(6)

، و «المحيط»

(7)

.

[150/ ب] سوى المحالات، والأصل في صلاة الكسوف حديث أبي مسعود الأنصاري رحمه الله

(8)

قال: انكسفت الشمس/ يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي عن ابنه، فقال الناس: إنما انكسفت الشمس لموته، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس، والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم شيئًا من هذه الأهوال

(9)

فافزعوا إلى الصلاة»

(10)

. كذا في «المبسوط»

(11)

.

(1)

ينظر: تحفة الفقهاء: 1/ 182.

(2)

سبق تخريجه في (ص 199).

(3)

ينظر: كشف الأسرار: 3/ 123.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

ينظر: حاشية الطحاوي: ص 356.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 85.

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 260.

(8)

عقبة بن عمرو بن ثعلبة الانصاري البدري، أبو مسعود، من الخزرج. صحابي، شهد العقبة وأُحدًا وما بعدها. ونزل الكوفة. وكان من أصحاب علي، فاستخلفه عليها لما سار إلى صفين، وتوفي فيها. له مائة حديث وحديثان. ينظر: ثقات ابن حبان: 3/ 279، الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 524، الطبقات الكبرى: 6/ 16.

(9)

في (ب): "الأفزاع".

(10)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 38)، كتاب أبواب الكسوف، باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته، رقم (1057).

(11)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 135.

ص: 104

(صلى الإمام بالناس كهيئة النافلة)

(1)

أي: بلا أذان، ولا إقامة، ولا خطبة، ولا تكرار ركوع، وقال الشافعي رحمه الله: ركوعان.

وصورة صلاة الكسوف عنده: أنه يقوم في الركعة الأولى، ويقرأ فيها بفاتحة الكتاب، وسورة البقرة إن كان يحفظها، وإن كان لا يحفظها يقرأ غير ذلك مما يعدلها، ثم يركع، ويمكث في ركوعه مثل ما مكث في قيامه، ثم يرفع رأسه، ويقوم ويقرأ سورة آل عمران إن كان يحفظها، وإن كان لا يحفظها يقرأ غيرها مما يعدلها، ثم يركع ثانيًا، ويمكث في ركوعه مثل ما مكث في قيامه هذا، ثم يرفع رأسه، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم فيمكث في قيامه، ويقرأ فيه مقدار ما قرأ في القيام الثاني في الركعة الأولى، [ثم يركع]

(2)

، ويمكث في ركوعه مثل ما مكث في هذا القيام، ثم يقوم، ويمكث في قيامه مثل ما مكث في الركوع، [ثم يركع ثانيًا، ويمكث في ركوعه مثل ما مكث في قيام هذا]

(3)

، ثم يرفع رأسه، ويقوم مثل ثلثي قيامه في القيام الأول من هذه الركعة الثانية، ثم يسجد سجدتين، ويتم الصلاة، احتج بحديث عائشة رضي الله عنها، وابن عباس رضي الله عنه:«أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف ركعتين بأربع ركعات، وأربع سجدات»

(4)

. كذا في «المحيط»

(5)

.

وذكر في «الخلاصة الغزالية»

(6)

: فإذا خسفت

(7)

الشمس في وقت مكروه، أو غير مكروه نودي

(8)

الصلاة جامعة، وصلى الإمام بالناس في المسجد ركعتين، وركع في كل ركعة ركوعين، وأوليلهما أطول من أواخرهما، ثم ذكر قراءة الطوال الأربع في أول القرآن في القيام الأربع على قوله: ثم قال: ويسبح في الركوع الأول قدر مائة آية، وفي الثاني قدر ثمانين، وفي الثالث قدر سبعين، وفي الرابع قدر خمسين آية، ولنا حديث عبد الله بن عمر

(9)

، والنعمان بن بشير

(10)

،

(11)

، وأبي بكرة

(12)

،

(13)

وسَمُرة بن جندب

(14)

،

(15)

رضي الله عنهما بألفاظ مختلفة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس ركعتين كأطول صلاة [كان]

(16)

يصليها فانجلت الشمس مع فراغه منها»، ولو جاز الأخذ بما روت عائشة، وابن عباس للزيادة لجاز الأخذ بما روى جابر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف ركعتين [ركعتين]

(17)

بست ركعات، وست سجدات»

(18)

، وقال علي رضي الله عنه:«صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف [ركعتين بست ركوعات، وست سجدات»

(19)

، وقال علي رضي الله عنه]

(20)

: «بثماني ركوعات، وأربع سجدات»

(21)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 86.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 40)، كتاب أبواب الكسوف، باب الجهر بالقراءة في الكسوف، رقم (1065)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(5)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 260، 261.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 85.

(7)

في (ب): " كسفت ".

(8)

في (ب): " يؤدي ".

(9)

أخرجه أحمد في «مسنده» (2/ 163 - 6517)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح وإسناده حسن.

(10)

النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة، أبو عبد الله، الأنصاري، الخزرجي. ولد قبل وفاة النبي عليه الصلاة والسلام بثماني سنين، وهو أول مولود للأنصار بعد الهجرة، دعا الناس إلى بيعة عبد الله بن الزبير بالشام، فخالفه أهل حمص، فأخرجوه منها، واتبعوه، وقتلوه في ذي الحجة سنة أربع وستين. له 124 حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 409، الإصابة في تمييز الصحابة: 6/ 440، تهذيب الكمال: 29/ 411.

(11)

أخرجه النسائي في «سننه» (3/ 145)، كتاب كسوف الشمس، رقم (1490). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن النسائي: 4/ 134): ضعيف.

(12)

نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي، أبو بكرة: صحابي، من أهل الطائف. له 132 حديثًا. توفي بالبصرة. وإنما قيل له: أبو بكرة؛ لأنه تدلى ببكرة من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 411، تهذيب التهذيب: 10/ 418، تهذيب الكمال: 30/ 5.

(13)

أخرجه النسائي في «سننه» (3/ 146)، كتاب كسوف الشمس، رقم (1492). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن النسائي: 4/ 136): صحيح.

(14)

سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، من علماء الصحابة، نزل البصرة. له: أحاديث صالحة. وكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه رضي الله عنه قال ابن سيرين: كان سمرة عظيم الأمانة، صدوقًا. مات سنة ثمان وخمسين. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة: 3/ 178، سير أعلام النبلاء: 5/ 180 - 182.

(15)

أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 23 - 20281)، قال شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره وإسناده ضعيف لجهالة ثعلبة بن عباد.

(16)

[ساقط] من (ب).

(17)

[ساقط] من (ب).

(18)

أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (7/ 87 - 2844) فيه: "وأربع سجدات".

(19)

أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (7/ 87 - 2844) من حديث عائشة، وفيه:"وأربع سجدات".

(20)

[ساقط] من (ب).

(21)

أخرجه محمد بن إسماعيل. ينظر: سبل السلام: 2/ 76.

ص: 105

وبالإجماع أن هذا غير مأخوذ به؛ لأنه مخالف للمعهود، فكذلك ما روت عائشة، وابن عباس؛ وذلك لأن صلاة الكسوف إما أن تعتبر بالنوافل، أو بالفرائض والواجبات، وبأيها

(1)

اعتبر لا يجوز، وأمّا تعلقه بحديث عائشة، وعبد الله بن عباس قلنا: الأخبار قد تعارضت، فعند التعارض يُترك الإخبار، ويتمسك بالقياس، والقياس معنا أو يؤل توفيقًا بين الروايتين، والتوفيق ما ذكره محمد بن الحسن في صلاة الأثر قال: يحتمل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أطال الركوع زيادة على قدر ركوع سائر الصلوات، فرفع أهل الصف الأول رؤوسهم ظنًا منهم أنه صلى الله عليه وسلم رفع رأسه من الركوع، فمن خلفهم رفعوا رؤوسهم، فلما رأى أهل الصف الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم راكعًا ركعوا، فمن خلفهم ركعوا أيضًا، فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركوع رفع القوم رؤوسهم، ومن كانوا خلف الصف الأول ظنوا أنه ركع ركوعين، فرووا على حسب ما وقع عندهم، ومثل هذا الاشتباه قد يقع لمن كان في آخر الصفوف، وعائشة كانت واقفة في صف النساء، وابن عباس في صف الصبيان في ذلك الوقت، فلهذا نقلًا كما وقع عندهما، فيحمل على هذه توفيقًا بين الحديثين، ولو كان ما ذكره صحيحًا؛ لكان أمرًا

(2)

بخلاف المعهود فحينئذ ينقله الكبار من الصحابة الذين يلون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحيث لم ينقل أحد دل أن الأمر كما قلنا. كذا في «المبسوطين»

(3)

، و «المحيط

(4)

»

(5)

.

(أما التطويل في القراءة بيان الأفضل)

(6)

؛ لأن فيه متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وصح في الحديث: «أن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى كان بقدر

(7)

سورة البقرة، وفي الركعة الثانية بقدر

(8)

سورة آل عمران»

(9)

. كذا في «المبسوط»

(10)

.

[151/ أ](لأن/ المسنون استيعاب الوقت)

(11)

أي: وقت الكسوف

(12)

.

(1)

في (ب): "يأتيهما ".

(2)

في (ب): " الأمر ".

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 136، 137.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 263.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(7)

في (ب): " يقرأ ".

(8)

في (ب): " يقرأ ".

(9)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 335 - 6136)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 137.

(11)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(12)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 88.

ص: 106

(فإذا خفف أحدهما)

(1)

أي: الصلاة، والدعاء، فلهما حديث عائشة، ولأنها صلاة مخصوصة تقام بجمع عظيم، فيجهر فيها بالقراءة كالجمعة، والعيدين

(2)

.

قوله: (والترجيح قد مرّ من قبل)

(3)

، وهو قوله:(والحال أكشف على الرجال لقربهم)، فكان الترجيح لروايته فكذلك هاهنا، وهذا إنما يصح أن لو كان الراوي عائشة رضي الله عنها كما ذكر هنا

(4)

.

[وفي «مبسوط شيخ الإسلام»: ولو كان راوي حديثهما عليًّا رضي الله عنه]

(5)

، كما ذكر في «المبسوط»

(6)

فتأويله أنّه وقع اتفاقًا أو تعليمًا للناس بأن القراءة فيها مشروعة، أو يقول: إن روى علي رضي الله عنه أنه جهر، وقد روى ابن عباس أنه خافت فعند تعارض الروايات يتمسّك بالقياس، والقياس مع أبي حنيفة رحمه الله، وذلك؛ لأن هذه صلاة تؤدّى في [أول]

(7)

النهار ليس من شرط إقامتها المصر، فلا يجهر فيها بالقراءة كالظهر بخلاف الجمعة، والعيدين؛ لأن المصر شرط لإقامتهما. كذا في «المبسوطين»

(8)

.

(ويدعوا بعدها حتى تنجلي الشمس)

(9)

؛ لأن الصلاة كانت للدعاء، فإذا فرغوا من الصلاة يجب أن يدعوا، وهذا عندنا، وقال الشافعي رحمه الله: يخطب خطبتين بعد الصلاة كما في العيدين

(10)

، واحتج بما روي عن عائشة أنّها قالت:«خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى، ثم خطب فحمد الله، وأثنى عليه»

(11)

، ولنا ما رُوي من الحديث، ولأن الخطبة مشروعة لأحد الأمرين إما شرطًا للجواز كما في صلاة الجمعة، أو مشروعًا للتعليم كما في صلاة العيدين، فإنه يحتاج إلى تعليم صدقة الفطر، والأضحية، والتعليم هاهنا حصل من حيث الفعل، ألا ترى أن في خطبة العيد لا يعلم صلاة العيد؛ لحصول التعليم بالفعل، وأمّا تعلّقه بحديث عائشة فيحتمل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم احتاج إلى الخطبة بعد صلاة الكسوف؛ لأن الناس كانوا يقولون: إنها كسفت لموت إبراهيم، فأراد أن يخطب حتّى يرد عليهم ذلك، أو يقال: معنى قولها: (خطب) أي: دعا؛ إذ الدعاء يسمى خطبة، ثم الإمام في هذا الدعاء بالخيار إن شاء جلس مستقبل القبلة ودعا، وإن شاء قام ودعا، وإن شاء استقبل الناس بوجهه ودعا، ويؤمّن القوم.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 88، 89.

(3)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 89.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 136.

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

ينظر: المبسوط للشيباني: 1/ 445، المبسوط للسرخسي: 2/ 136.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(10)

في (ب): " الفرائض ".

(11)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 35)، كتاب أبواب الكسوف، باب هل يقول كسفت الشمس أو خسفت، رقم (1047)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 107

قال شمس الأئمة الحلواني: وهذا أحسن، ولو قام واعتمد على عصا له، أو على قوس له، ودعا كان ذلك حسنًا أيضًا. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(1)

، و «المحيط»

(2)

.

فإن لم يحضر صلى الناس فرادى إن شاء ركعتين، وإن شاءوا أربعًا؛ [لأن هذا تطوع، والأصل في التطوعات أداءها فرادى إن شاءوا ركعتين، وإن شاءوا أربعًا، وذلك أفضل]

(3)

. كذا في «المبسوط»

(4)

.

(تحرزًا عن الفتنة)

(5)

أي: فتنة التقديم، والتقدم، والمنازعة فيهما

(6)

، وليس في كسوف القمر جماعة

(7)

.

وفي «المبسوط»

(8)

: عاب أهل الأدب محمدًا رحمه الله في هذا اللفظ، وقالوا: إنما يستعمل في القمر لفظ الخسوف قال الله تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)}

(9)

، ولكنا نقول: الخسوف ذهاب دائرته، والكسوف ذهاب ضوءه

(10)

دون دائرته، فإنّما أراد محمد هذا النوع بذكر الكسوف.

وفي «المغرب»

(11)

يقال: كسفت الشمس، والقمر جميعًا عن الغورى، ثم قال: وكيفما كان فقول محمد رحمه الله صحيح.

(فافزعوا إلى الصلاة)

(12)

أي: التجئوا إليها يقال: فزع إليه التجاء، والمفزع الملجأ، وفزع منه خاف، وهذا عندنا. وقال الشافعي رحمه الله: يصلي في خسوف القمر بجماعة أيضًا لما روي عن ابن عباس أنه صلّى بهم في خسوف القمر، وقال: «صليت كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم)

(13)

، وذهب أصحابنا في ذلك إلى أن خسوف القمر كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ككسوف الشمس، بل أكثر فلو صلّى بجماعة؛ لنقل ذلك عنه نقلًا مستفيضًا كما نقل عنه ذلك في صلاة الكسوف، بل أكثر، ولأنّ القياس في التطوعات

(14)

أن لا تؤدّى بجماعة؛ لأنها شرعت خفية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أفضل صلاة الرجل صلاته في بيته إلا المكتوبة»

(15)

، إلا أنا تركنا هذا القياس في صلاة الكسوف بالنص الظاهر، ولم يرد مثل ذلك في هذا فرد إلى القياس، والنص الوارد فيه لا يكون واردًا هاهنا؛ لأن الهول في كسوف الشمس فوق الهول في كسوف القمر. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(16)

.

(1)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 98، 90.

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 264.

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 137.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 90.

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 138.

(9)

سورة القيامة، الآيتان:(7، 8).

(10)

في (ب): " الضوء ".

(11)

(2/ 219 - مادة "كسف").

(12)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(13)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 338 - 6151)، من حديث الحسن.

(14)

في (ب): "التطوع".

(15)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (1/ 147)، كتاب الأذان، باب صلاة الليل، رقم (731)، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.

(16)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 266.

ص: 108

[151/ ب](وليس في الكسوف خطبة)

(1)

هذا راجع/ إلى كسوف الشمس، والقمر إلا أن في عدم خطبة كسوف الشمس، خلاف الشافعي دون كسوف القمر فكان معنى قوله؛ لأنه لم يُنقل، أي: بطريق الشهرة، فإنّ الشافعي رحمه الله يروي حديث الخطبة في كسوف الشمس كما ذكرنا، ولكن لم يشتهر هو شهرة الصلاة، وإن أريد به خطبة كسوف القمر، فهي لم تنقل أصلًا

(2)

.

وفي «مبسوط شيخ الإسلام»

(3)

: قال في ظلمه يكون، أو في

(4)

الريح الشديدة قال: الصلاة حسنه لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إذا رأيتم شيئًا من هذه الأفزاع فافزعوا إلى الصلاة»

(5)

، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما:«أنه صلى لزلزلة بالبصرة»

(6)

، والله أعلم.

‌باب صلاة الاستسقاء

ذكر في «المبسوط»

(7)

، و «المحيط»

(8)

قول أبي يوسف، مع قول أبي حنيفة رحمه الله.

ذكر في «شرح الطحاوي»

(9)

قوله مع محمد كما ذكر في الكتاب، وأمّا شيخ الإسلام، وصاحب «الأسرار» ، و «التحفة»

(10)

حكوا رواية الطحاوي

(11)

.

وفي «المحيط»

(12)

: وقال الشافعي رحمه الله: يصلي ركعتين كما قال محمد إلا أنه قال: يكبر فيها كما في صلاة العيد يكبّر سبعًا في الركعة الأولى، وخمسًا في الركعة الثانية.

وفي «الخلاصة الغزالية»

(13)

: إذا غارت الأنهار، وانقطعت الأمطار، وانهارت القنوات، فيستحب للإمام أن يأمر الناس أولًا بصيام ثلاثة أيام، وما أطاقوا من الصدقة، والخروج من المظالم، والتوبة من المعاصي، ثم يخرج بهم اليوم الرابع، وبالعجائز، والصبيان متنظفين في ثياب بدل، واستكانة متواضعين لله عز وجل بخلاف العيد.

ويستحب إخراج الدواب، ويصلي بهم الإمام ركعتين مثل صلاة العيد بلا فرق، ثم يخطب خطبتين، ولكن معظم الخطبتين الاستغفار، وقريب من هذا في مذهبنا ما قاله شمس الأئمة الحلواني ذكره في «المحيط»

(14)

، وقال: إن الناس يخرجون إلى الاستسقاء مشاة لا على ظهور دوابّهم في ثيابٍ خَلَقٍ، وغَسِيلٍ أو مرقَّع متذلِّلين خاضعين ناكِسِي رؤوسِهم في كل يومٍ يقدِّمون الصدقةَ قبل الخروجِ، ثم يخرجون. هذا تفسير قول محمد.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 90.

(3)

ينظر: شرح فتح القدير: 2/ 89.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

سبق تخريجه (ص 199).

(6)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 343 - 6175)، من حديث عبد الله بن الحارث.

(7)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 139.

(8)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 267.

(9)

ينظر: حاشية الطحاوي: ص 359.

(10)

ينظر: تحفة الفقهاء: 1/ 185.

(11)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 91.

(12)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 267.

(13)

ينظر: حاشية بن عابدين: 2/ 185.

(14)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 140.

ص: 109

وفي «المبسوط»

(1)

: احتج محمد، والشافعي بحديث ابن عباس:«أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالجماعة في الاستسقاء ركعتين»

(2)

، ولأبي حنيفة رحمه الله قوله رحمه الله:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)}

(3)

، وفي حديث أنس رضي الله عنه:«أن الأعرابي لما سأل رسول الله أن يستسقي، وهو على المنبر رفع يديه يدعو فما نزل عن المنبر حتى نشأت سحابة فمطرنا إلى الجمعة القابلة»

(4)

الحديث، وهو [ما]

(5)

روى أنس رحمه الله أنّ الناس قد قحطوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رجل من باب المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت المواشي، وخشينا الهلاك على أنفسنا فادع الله أن يسقينا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، فقال:«اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا غدقًا مغدقًا عاجلًا غير رائث»

(6)

، قال الراوي: ما كان في السماء قرعه فارتفعت السحاب من هاهنا، وهاهنا حتى صارت ركامًا، ثم مُطرت سبعًا من الجمعة إلى الجمعة، ثم دخل ذلك الرجل، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، والسماء تسكب، فقال: يا رسول الله تهدم البنيان، وانقطعت السُبل فادع الله أن يمسكه، فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لملالة بني آدم، قال الراوي: والله ما نرى في السماء خَضِرًا، ثم رفع يديه، فقال:«اللهم حوالينا لا علينا اللهم على الآكام، والظراب، وبطون الأودية، ومنابتة الشجر، فانجابت السحابة عن المدينة حتى صارت حولها كالإكليل، ولم يذكر غير الدعاء»

(7)

. وأن عمر رضي الله عنه خرج للاستسقاء فما زاد على الدعاء، فلما قيل له في ذلك فقال: «لقد استسقيت لكم بمجاديح

(8)

السماء التي يستنزل بها المطر»

(9)

، ورُوي أنه «خرج بالعباس

(10)

فأجلسه على المنبر، ووقف بجنبه يدعو، ويقول: اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك، ودعا بدعاء طويل، فما نزل عن المنبر حتى سقوا»

(11)

، فدلّ أن في الاستسقاء الدعاء، والاستغفار، والأثر الذي فعل أنه صلّى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم شاذ فيما يعم به البلوى خصوصًا في ديارهم، وما يحتاج الخاص، والعام إلى معرفته لا يقبل فيه الشاذ

(12)

.

(1)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 139.

(2)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 31)، كتاب أبواب الاستسقاء، باب صلاة الاستسقاء ركعتين، رقم (1026)، من حديث عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه.

(3)

سورة نوح الآيتان: (10، 11).

(4)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 31)، كتاب أبواب الاستسقاء، باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء، رقم (1029)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 28)، كتاب أبواب الاستسقاء، باب الاستسقاء في المسجد الجامع، رقم (1013).

(7)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 28)، كتاب أبواب الاستسقاء، باب الاستسقاء في المسجد الجامع، رقم (1013).

(8)

المِجداح: تردُّد رَيِّق الماء في السَّحاب، يقال: أرسَلَتِ السَماُء مَجاديحَ الغَيْثِ. ينظر: العين 3/ 73، تاج العروس 6/ 335.

(9)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 352 - 6217)، من حديث الشعبي. قال الألباني: ضعيف ينظر: إرواء الغليل: 3/ 141).

(10)

العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو الفضل، أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه، وأقام بمكة يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار المشركين، ثم هاجر إلى المدينة. توفي سنة: 32 هـ، وله في كتب الحديث 35 حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 288، التاريخ الكبير: 7/ 2، الإصابة في تمييز الصحابة: 3/ 631.

(11)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 27)، كتاب أبواب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء، رقم (1010).

(12)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 139، 140.

ص: 110

[152/ أ] قوله: (كصلاة العيد)

(1)

أي: من حيث إنه يصلي بالنهار بالجمع، و/ يجهر فيها بالقراة، ومن حيث إنه يصلي بلا أذان، ولا إقامة قلنا: فعله مرة، وتركه أخرى

(2)

.

وذكر شيخ الإسلام في «المبسوط»

(3)

: يقال: فيه دليل على الجواز، وعندنا جائز لو صلوا بجماعة، والكلام في أنها سنة أم لا، والسنة ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا أنه تركه، فلم يكن سنة أو تعارض، وعند التعارض يتمسّك بالقياس أن لا تؤدّى النوافل بجماعة، وعند أبي يوسف خطبة واحدة؛ لأن المقصود الدعاء، فلا يقطعها بالجلسة. [كذا في «المبسوط»

(4)

(5)

.

(ويستقبل القبلة بالدعاء)

(6)

، وعن أبي يوسف رحمه الله قال: إن شاء رفع يديه في الدعاء، وإن شاء إشارة

(7)

بأصبعه؛ لأن رفع اليد في الدّعاء سنة جاء في الحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعرفات باسطًا يديه كالمستطعم المسكين»

(8)

. [كذا في «المبسوط»

(9)

، و «المحيط»

(10)

.]

(11)

قلت: عُلم بهذه الرواية أن رفع اليد في الأدعية كلها سوى المواضع السبعة [جائزًا نصًّا]

(12)

كما في السبعة، لما أن الاستسقاء غير تلك السبعة، وكذلك تعميم التعليل في قوله؛ لأن رفع اليد في الدعاء سنة، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من رفع يديه في الدعاء [على المنبر]

(13)

في الاستسقاء

(14)

على ما ذكر من رواية «المبسوط»

(15)

كلها دليل على ما قلت.

(وحوّل رداءه)

(16)

ذكر في «المبسوط»

(17)

: إذا مضى صدر من خطبته قلب رداءه وصفته إن كان مربعًا بأن كان حميصة جعل أعلاه، وأسفله، وإن كان مدورًا بأن كان حبّة جعل الجانب الأيمن على الجانب الأيسر، والجانب الأيسر على الجانب الأيمن لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسقى، وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها، فيجعلها أعلاه، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه، وقد ورد به الحديث، ولا تأويل له سوى أن يقال: بتغيير الهيئة لتغيّر الهواء.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 92.

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 92.

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 140.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(7)

في (ب): "أشار ".

(8)

أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (2/ 251 - 3249)، من حديث عروة.

(9)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 141.

(10)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 268.

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

في (ب): "مأثور أيضًا".

(13)

[ساقط] من (ب).

(14)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 32)، كتاب أبواب الاستسقاء، باب رفع الإمام يده في الاستسقاء، رقم (1031).

(15)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 141.

(16)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(17)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 140.

ص: 111

وفي «مبسوط شيخ الإسلام» : ثم إذا دعا فإنّه لا يقلب رداءه عند أبي حنيفة رحمه الله، وقال أبو يوسف، ومحمد، والشافعي رحمهم الله: يقلب ردائه، واحتجوا فيه بما ذكرنا من الحديث الذي قلب النبي صلى الله عليه وسلم رداءه

(1)

،

(2)

، واحتج أبو حنيفة رحمه الله بما روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى يوم الجمعة، ولم يقلب الرداء"

(3)

، ولأنّه دعاء مشروع حالة الخوف، فلا يسن فيه تقليب الرداء قياسًا على الكسوف، فأمّا تعلقه بالحديث، قلنا: يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغيّر عليه رداءه فأصلحه، فظن الراوي أنه قلب، أو يقول: يحتمل أنه علم ذلك من طريق الوحي أنّ الحال ينقلب إلى الخصب متى قلب الرداء، وهذا ممّا لا يعرفه غيره، أو يقول: تعارضت الأخبار، فيتمسّك بالقياس، والقياس أن لا تقلّب الرداء كما في الكسوف، وصلاة الجمعة، والعيدين، ولا يحضر أهل الذمة الاستيقاء

(4)

، وقال مالك رحمه الله: إن خرجوا لم يُمنعوا من ذلك، وقد ورد به أثر:"أنهم خرجوا في عهد بعض الخلفاء مع المسلمين فلم يُمنعوا من ذلك"

(5)

، ولكنّا نقول: إنّما يخرج الناس للدعاء، {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}

(6)

، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبعيد المشركين حيث قال:«أنا بريء من كل مسلم مع مشرك لا يتراءى»

(7)

أي: ناداهما، ثم إنما يخرج المسلمون للاستسقاء ثلاثة أيام، ولم ينقل أكثر من ذلك. كذا في «المبسوط»

(8)

، و «المحيط»

(9)

.

[قال محمد رحمه الله: وأحبُّ إليّ أن يخرج الناس إلى الاستيقاء ثلاثًا، وإن أمر الإمام الناس بالخروج، ولم يخرج بنفسه خرجوا. كذا في «الإيضاح» ، والله أعلم

(10)

(11)

.

(1)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 27)، كتاب أبواب الاستسقاء، باب تحويل الرداء في الاستسقاء، رقم (1011).

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 268.

(3)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 28)، كتاب أبواب الاستسقاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، رقم (1014)، مطولًا.

(4)

في (ب): " الاستسقاء ".

(5)

ذكره السرخسي. ينظر: المبسوط: 2/ 141.

(6)

سورة الرعد من الآية: (14).

(7)

رواه أبو داود في «سننه» (2/ 349)، كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود، (2647)، من حديث جرير بن عبد الله. قال الألباني: صحيح. ينظر: صحيح وضعيف سنن أبي داود: 6/ 145.

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 141.

(9)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 268.

(10)

ينظر: بدائع الصنائع: 1/ 284.

(11)

[ساقط] من (ب).

ص: 112

‌باب صلاة الخوف

لما ذكر صلاة الاستسقاء بعد صلاة العيد، والكسوف لما ذكرنا من المناسبة بينها ذكر صلاة الخوف بعد صلاة الاستسقاء لمناسبته بينهما، وهي أن شرعيتهما هكذا لعارض خوف فيهما لكنه قدّم صلاة الاستسقاء على صلاة الخوف لمعنيين:

أحدهما: أنّ العارض في صلاة الاستيقاء

(1)

، وهو انقطاع المياه سماوى، والعارض في صلاة الخوف، وهو الجهاد الذي سببه كفر الكافر اختياري، فتقدم السماوي على الاختياري أبدًا، كما في سائر المواضع.

والثاني: أن العارض في الاستسقاء أثره في أصل الصلاة، وفي الخوف أثره في الهيئة، فذكر الأصل مقدّم على ذكر الصفة

(2)

.

[152/ ب] اعلم: أن صلاة الخوف مشروعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول علماؤنا في ظاهر الرواية، وقول الشافعي رحمه الله، وقد ذكر الحسن في كتاب صلاته عن أبي يوسف أن صلاة الخوف كانت مشروعة في وقت النبي صلى الله عليه وسلم فأمّا بعد رسول الله صلى الله/ عليه وسلم غير مشروعة

(3)

. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(4)

.

(إذا اشتد الخوف)

(5)

اشتداد الخوف ليس بشرط عند عامّة مشايخنا حيث جعل في «التحفة»

(6)

، سبب جواز صلاة الخوف نفس قرب العدو من غير ذكر الخلاف، ومن غير ذكر الاشتداد

(7)

، وكذا ذكر في «المبسوط»

(8)

، و «المحيط»

(9)

، وقال: بأن المسلمين إذا رأوا سوادًا فظنوا أنّهم العدو، فصلوا صلاة الخوف، فإن تبين أنّه كان سواد العدو، فقد ظهر أن سبب الترخص كان متقررًا فيجزيهم صلاتهم، وإن ظهر أن السواد سواد إبل أو بقرًا، وغنم، فقد ظهر أن سبب الترخص لم يكن متقررًا، فلا يجزيهم صلاتهم.

وذكر في «مبسوط فخر الإسلام» : والمراد بالخوف عند البعض حضرة العدو لا حقيقة الخوف على ما عرف من أصلنا في تعليق الرخص بنفس السّفر لا حقيقة المشقة؛ لأن السّفر سبب المشقة، فأقيم مقامها، فكذا حضرة العدو هاهنا سبب الخوف، فأقيم مقام حقيقة الخوف

(10)

.

قوله: (جعل الإمام الناس طائفتين طائفة إلى وجه العدو، وطائفة خلفه)

(11)

اعلم: أنّ هاهنا قيدًا، والناس عنه غافلون، وهو أن هذا الفعل المذكور في صلاة الخوف إنما يحتاج إليه أن لو تنازع القوم في الصلاة خلف الإمام، فقال: كل طائفة منهم أنا نصلي معك، فحينئذ يجعل القوم طائفتين يقف إحديهما

(12)

بإزاء العدو، ويراقبون العدو، والطائفة الأخرى يفتتحون الصلاة مع الإمام

إلى آخره كما ذكر في الكتاب.

(1)

في (ب): " الاستسقاء ".

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 92.

(3)

في (أ): "مشروع".

(4)

ينظر: تحفة الفقهاء: 1/ 177.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(6)

ينظر: تحفة الفقهاء: 1/ 177.

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 92.

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 87.

(9)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 251.

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 97، البحر الرائق: 2/ 182.

(11)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 87.

(12)

في (ب): "أحداهما".

ص: 113

وأما إذا لم يتنازع القوم خلفه فإن الأفضل للإمام أن يجعل القوم طائفتين، فيأمر طائفة ليقيموا بإزاء العدو، ويصلي بالطائفة التي معه تمام الصلاة، ثم يأمر رجلًا من الطائفة التي بإزاء العدو حتى يصلي بهم [تمام]

(1)

صلاتهم أيضًا، والطائفة التي صلوا مع الإمام، أو لا يقومون بإزاء العدو. كذا في «مبسوط فخر

(2)

الإسلام»

(3)

، و «المحيط»

(4)

.

(وأبو يوسف وإن أنكر شرعها في زماننا فهو محجوج عليه بما روينا)

(5)

، وكان يقول أبو يوسف أولًا مثل ما قالا، ثم رجع، فقال: كانت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ولم تبق مشروعة بعده؛ لقوله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ}

(6)

فقد شرط كونه فيهم لإقامة صلاة الخوف

(7)

، ولأن الناس كانوا يرغبون في الصلاة خلفه ما لا يرغبون في الصلاة خلف غيره، فشرعت بصفة الذهاب، والمجيء لينال كل فريق فضيلة الصلاة خلفه، وقد ارتفع هذا المعنى بعده فكل طائفة يتمكنون من أداء الصلاة بإمام على حدة، فلا يجوز لهم أداؤها بصفة الذهاب والمجيء، وحجتنا في ذلك أنّ الصحابة رضي الله عنهما أقاموها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة بن الجراح

(8)

(9)

رضي الله عنهما وأن سعيد بن العاص

(10)

سأل عنها أبا سعيد الخدري

(11)

فعلّمه فأقامها

(12)

، وروي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "أنّه صلى صلاة الخوف بأصبهان

(13)

"

(14)

، وسعيد بن أبي العاص حارب المجوس بطبرستان

(15)

، ومعه الحسن بن علي، وحذيفة بن اليمان

(16)

، وعبد الله بن عمرو بن العاص

(17)

، وصلّى بهم صلاة الخوف، ولم ينكر عليهما أحد

(18)

، فحلّ محلّ الإجماع

(19)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

في (ب): "شيخ".

(3)

ينظر: الفتاوى الهندية: 1/ 154.

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 247.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 88.

(6)

سورة النساء من الآية: (102).

(7)

قال القرطبي: هذه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة، ومثله قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} هذا قول كافة العلماء. وشذ أبو يوسف وإسماعيل بن علية فقالا: لا نصلي صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الخطاب كان خاصًّا له بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ

فِيهِمْ} وإذا لم يكن فيهم لم يكن ذلك لهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في ذلك، وكلهم كان يحب أن يأتم به ويصلي خلفه، وليس أحد بعده يقوم في الفضل مقامه، والناس بعده تستوي أحوالهم وتتقارب؛ فلذلك يصلي الإمام بفريق ويأمر من يصلي بالفريق الآخر، وأما أن يصلوا بإمام واحد فلا. وقال الجمهور: إنا قد أمرنا باتباعه والتأسي به في غير ما آية وغير حديث. ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 5/ 364.

(8)

عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال الفهري القرشي، وهو من السابقين إلى الإسلام. وتوفي بطاعون عمواس ودفن في غور بيسان، وانقرض عقبه. له 14 حديثًا. ينظر: التاريخ الكبير: 6/ 444، الإصابة في تمييز الصحابة: 3/ 568، تهذيب الكمال: 14/ 52.

(9)

ذكره السرخسي. ينظر: المبسوط 2/ 82.

(10)

سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، الأموي القرشي: صحابي، من الأمراء الولاة الفاتحين. ربي في حجر عمر بن الخطاب. قيل: توفي سنة 53 هـ. وقيل: 59 هـ. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 156، الإصابة في تمييز الصحابة: 3/ 107.

(11)

سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد: صحابي، أسلم قديمًا، وروى عنه أحاديث كثيرة. توفي في المدينة سنة 74 هـ. وله 1170 حديثًا. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة: 3/ 78، تهذيب التهذيب: 3/ 416، تهذيب الكمال: 10/ 294.

(12)

ذكره السرخسي. ينظر: المبسوط: 2/ 82.

(13)

أصبهان: ليست هذه الباء بخالصة ولذلك يكتبها بعض الناس بالفاء وهي مكسورة الأول، سميت بأصبهان بن نوح وهو الذي بناها، وقيل سميت أصبهان لأن اصبه بلسان الفرس البلد وهان الفرس، معناه بلد الفرسان. ولم يكن يحمل لواء الملك منهم إلا أهل أصبهان لنجدتهم وكانوا معروفين بالفروسية والبأس، وهي من بلاد فارس، وهما مدينتان بينهما مقدار ميلين إحداهما تعرف باليهودية وهي أكبرهما، والثانية تعرف شهرستان وفي كل واحد منهما منبر، واليهودية مثلي شهرستان في المساحة، وهما أخصب مدن الجبال وخراسان. ينظر: الروض المعطار: ص 43.

(14)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 252 - 5804)، من حديث أبي العالية.

(15)

طبرستان بلاد معروفة، والعجم يقولون مازندران، وهي بين الري وقومس وبحر الخزر. أرضها كثيرة الأشجار والمياه والأنهار إلا أن هواءها وخم جدًا. ينظر: الروض المعطار: ص 383.

(16)

حذيفة بن حسل بن جابر العبسي، أبو عبد الله، واليمان لقب حسل، كان صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين، لم يعلمهم أحد غيره. توفي في المدائن سنة 32 هـ، له في كتب الحديث 225 حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 80، التاريخ الكبير: 3/ 95، الإصابة في تمييز الصحابة: 2/ 44.

(17)

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم، أسلم قبل أبيه، وقيل: توفي سنة 65 هـ، وله 700 حديث. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 211، التاريخ الكبير: 5/ 5، الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 192.

(18)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 252 - 5802)، من حديث سليم بن عبيد.

(19)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 98، 99.

ص: 114

وسببه -وهو الخوف- يتحقق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان في حياته، ولم يكن ذلك لينل فضيلة الصلاة خلفه؛ لأن ترك المشي، والاستدبار فريضة، والصلاة خلف النبي فضيلة، ولا يجوز ترك الفرض لإحراز الفضيلة، ثم الآن يحتاجون إلى إحراز فضيلة تكثير الجماعة، فإنّها كلما كانت أكثر فهي أفضل، وقوله

(1)

تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ}

(2)

، معناه: أنت أو من يقوم مقامك في الإمامة، كما في قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}

(3)

، وقد يكون الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يختص هو به كما في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}

(4)

،

(5)

، كذا في «المبسوط»

(6)

، و «المحيط»

(7)

.

[153/ أ] قلت: ولا حجة لمن تمسّك بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ}

(8)

الآية، على

(9)

دعوى الاختصاص بحياة النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من أصلنا أن المعلّق بالشرط لا يوجب عدم الحكم عند عدم الشرط، بل هو موقوف إلى أن قام الدليل [فإذا قام الدليل]

(10)

على وجود الحكم بذلك الدليل، وقد قام الدليل هاهنا، وهو فعل الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب أن يقال: بالجواز،/ ومذهب الشافعي، ومالك معروف

(11)

.

وفي «المبسوط»

(12)

: ثم أن عدد الركعات لا ينتقض بسبب الخوف عندنا، وكان [ابن مسعود]

(13)

ابن عباس يقول

(14)

: «صلاة المقيم أربع ركعات، وصلاة المسافر ركعتان، وصلاة الخوف ركعة»

(15)

، وبه أخذ بعض العلماء، ويصلي بالطائفة الأولى ركعتين من المغرب، وهذا عندنا، وقال الثوري: يصلي بالطائفة الأولى ركعة، و [بالطائفة الثانية]

(16)

ركعتين؛ لأن فرض القراءة في الركعتين الأوليين، فينبغي أن يكون لكل طائفة في ذلك حظ، ولنا أنه إنما يصلي بكل طائفة شطر الصلاة، وشطر المغرب ركعة، ونصف فيثبت حق الطائفة الأولى في نصف ركعة، والركعة الواحدة لا تتجزئ، فيثبت حقهم في كلها. كذا في «المبسوط»

(17)

.

(1)

في (أ)" قال".

(2)

سورة النساء من الآية: (102).

(3)

سورة التوبة من الآية: (103).

(4)

سورة الطلاق من الآية: (1).

(5)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 5/ 364.

(6)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 82.

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 246.

(8)

سورة النساء من الآية: (102).

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 98، 99.

(12)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 82، 83.

(13)

[ساقط] من (ب).

(14)

في (ب): " يقولان ".

(15)

أخرجه النسائي في «سننه» (3/ 118)، كتاب تقصير الصلاة في السفر، رقم (1441). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن النسائي: 4/ 85): صحيح.

(16)

في (ب): "بالثانية ".

(17)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 82، 83.

ص: 115

وقال الشافعي رحمه الله: الإمام في المغرب بالخيار إن شاء صلى مثل مذهبنا، وإن شاء صلى مثل مذهب الثوري

(1)

(2)

. كذا ذكره شيخ الإسلام

(3)

.

(ولا يقاتلون في حال الصلاة، فإن قاتلوا بطلت صلاتهم)

(4)

، وهذا عندنا، وقال مالك: لا تفسد، وهو قول الشافعي في القديم؛ لظاهر قوله تعالى:{وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}

(5)

، والأمر بأخذ السلاح في الصلاة لا يكون إلا للقتال به، ولكنا نقول: القتال عمل كثير، وهو ليس من أعمال الصلاة، ولا يتحقق فيه الحاجة لا محالة، فكان مفسدًا لها كتخليص الغريق، واتباع السارق لاسترداد المال، والأمر بأخذ الأسلحة؛ لكيلا يطمع فيهم العدو إذا رأوهم مستعدين، أو ليقاتلوا بها إذا احتاجوا، ثم يستقبلون الصلاة، ولا يصلُّون، وهم يقاتلون، وإن ذهب الوقت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق، فقضاهن بعد هوى من الليل، وقال:«شغلونا عن الصلاة الوسطى، ملأ الله قبورهم وبطونهم نارًا»

(6)

، فلو كان يجوز الصلاة في حالة القتال لما أخّرها، وكذلك من ركب منهم في صلاته عند انصرافه إلى وجه العدو فسدت صلاته؛ لأن الركوب عمل كثير، وهو مما لا يحتاج إليه، بخلاف المشي فإنه لابدّ منه حتى يقفوا بإزاء العدو، وجواز العمل لأجل الضرورة فيختص بما يتحقق فيه الضرورة، ولو تحققت الضرورة في الركوب حالة الانصراف، فركب استأنف الصلاة لوجود العمل الكثير الذي لم يرد به النص، بخلاف المشي، والذهاب، فإنّه ورد فيهما النص ببقاء التحريمة، وإن كان المشي، والذهاب عملًا كثيرًا، فيحصر الحكم في مورد النص

(7)

.

(وإن اشتد الخوف صلوا ركبانًا فرادى)

(8)

، ومعنى اشتداد الخوف هاهنا هو أن لا يدعهم العدو بأن يصلوا نازلين، بل يهجموهم بالمحاربة، فيصلّون ركبانًا فرادى؛ وذلك لأن الصلاة على الدابة تجوز بعذر دون هذا العذر، فلأن يجوز بهذا أولى

(9)

.

(1)

سبق ترجمته (ص 147).

(2)

ينظر: البناية شرح الهداية (3/ 168).

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 100.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 88.

(5)

سورة النساء من الآية: (102).

(6)

أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/ 437)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، رقم (627)، من حديث علي رضي الله عنه.

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 100، 101، بدائع الصنائع: 1/ 244، 245.

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 88.

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 102.

ص: 116

ألا ترى أنه ذكر في «المحيط»

(1)

: إذا كان الرجل في السّفر، وأمطرت السماء، فلم يجد مكانًا يابسًا ينزل الصلاة، فإنه يقف على دابته مستقبل القبلة، [فيصلي بالإيماء]

(2)

إذا أمكنه إيقاف الدابة، وإن لم يمكنه إيقاف الدابة مستقبل القبلة، فإنّه يصلي مستدبر القبلة بالإيماء، فعلى هذا إذا كان يخاف النزول عن الدابة، فإنه يصلي راكبًا مستقبل القبلة بالإيماء، وإن لم يمكنه صلى مستدبرًا، ثم إنما يجزئه ذلك إذا كانت الدابة تسير بسير نفسه، فأمّا إذا كان يُسيرها صاحبها لا يجزئه

(3)

هذا في الفرائض.

وأما النوافل فيجوز على الدابة بالإيماء على أي جهة شاء سواء قدر على النزول أو لم يقدر، وقد ذكرناه، وذكر فيه أيضًا فإن كان الرجل ماشيًا هاربًا من العدو، فحضرت الصلاة، ولم يمكنه الوقوف ليصلي، فإنه لا يصلي ماشيًا عندنا، بل يؤخر، وعند الشافعي يصلي في تلك الحالة بالإيماء، ثم يعيد فإن صلوا صلاة الخوف من غير أن يعاينوا

(4)

العدو جاز صلاة الإمام، ولم يجز صلاة القوم إذا صلوها بصفة الذهاب، والمجيء، والخوف من سبع يعاينونه كالخوف من العدو؛ لأن الرخصة لدفع سبب الخوف عندهم، ولا فرق في هذا بين السبع، والعدو

(5)

.

[153/ ب](وعن محمد رحمه الله أنهم يصلون بجماعة)

(6)

، [وقال: استحسن ذلك لينالوا فضيلة الصلاة]

(7)

بالجماعة فقد جوّزنا لهم ما هو أعظم من ذلك، وهو الذهاب، والمجيء لأجل إحراز فضيلة الجماعة، ولكنا نقول: ما أثبتناه من الرخصة أثبتنا بالنص، ولا مدخل للرأي في إثبات الرخص، ولأن بينهم، وبين الإمام طريقًا، فيمنع صحة الاقتداء إلا أن يكون الرجل مع الإمام على دابة/ واحدة فيصحّ اقتداؤه به؛ لأنه ليس بينهما مانع. كذا في «المبسوط»

(8)

، والله أعلم.

‌باب الجنائز

لما ذكر أحد أركان الدِّين على وجه يعم الأماكن كلها، وهو الصلاة بأصولها، وما يعرض عليها ختمها بآخر العوارض الذي هو [آخر]

(9)

أحوال المكلّفين بالصلاة في حق الصلاة، وما يتبعها كما ختم الكتاب بالوصايا؛ لأنه آخر أحوالهم في جميع التكاليف، أو لما ذكر الخوف أعقبه بالجنائز؛ لأن الخوف قد يُفضي إلى الموت

(10)

. ألا ترى أنه ذكره في «المبسوط»

(11)

: ومن وجد في المعركة ميتًا ليس به أثر غسل؛ لأن الظاهر أنه لما التقى الصفان انخلع قناع قلبه من شدةالفزع، ومات، والجبان يُبتلى بهذا.

(1)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 251.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

في (ب): "يجوز".

(4)

في (ب): " يقاتلوا ".

(5)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 251.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 88.

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 87.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 103.

(11)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 92.

ص: 117

وفي «المغرب»

(1)

: الجنازة بالكسر السرير، وبالفتح الميت، وقيل هما لغتان، وعن الأصمعي لا يقال بالفتح.

(وإذا احتضر الرجل)

(2)

أي: قرُب من الموت

(3)

، يقال: فلان محتضر، أي: قريب من الموت، واحتضر مات أيضًا؛ لأن الوفاة حضرته أو ملائكة الموت. كذا في «المغرب»

(4)

.

(وجّه إلى القبلة على

(5)

شقه الأيمن)

(6)

اعلم أنّ الاضطجاع على ستة أنواع: اضطجاع في حالة المرض، فإنه يضجع على شقه الأيمن عرضًا للقبلة. واضطجاع في حالة [صلاة المريض، فقد ذكرناه. واضطجاع في حالة]

(7)

النزع، فإنّه يوضع كما يوضع في حالة المرض إلا أنّ العرف فيما بين الناس أن يضجع مستلقيًا على قفاه، وقيل: بأن هذا يسر لخروج روحه. واضطجاع في حالة الغسل بعدما قضى [نحبه]

(8)

، فلا رواية فيه عن أصحابنا أنّه كيف يُوضع على التخت إلا أنّ العرف أنه يُضجع مستلقيًا على قفاه [طولًا نحو القبلة كما في حالة الصلاة، وذلك حسن. واضطجاع في حالة الصلاة صلى الله عليه وسلم، فإنه يضجع معترضًا للقبلة على قفاه]

(9)

. واضطجاع في حالة الوضع في اللحد، فإنّه يضجع على شقه الأيمن كما في حال المرض. كذا في «شرح الطحاوي»

(10)

.

(ولقّن الشهادة)

(11)

، ولفظ المختصر:(ولُقّن الشهادتين)، وهو المراد هنا أيضًا.

وفي «شرح الطحاوي» : وإذا اشتد عليه المرض، ودنا موته، فالواجب على أصدقائه، وإخوانه أن يلّقنوه كلمة الشهادة، ولا يقول له: قل، ولكن يقول وهو يسمع ويتلقّن، والمراد الذي قرب من الموت، فإن الشيء يطلق عليه اسم ما قرب منه من الأحوال سواء كان القرب به من حالة ماضية، كما في قوله تعالى:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ}

(12)

، وكما في لفظ أبي يوسف في «الجامع الصغير»

(13)

صليت بهم المغرب يوم عرفة، وقد ذكرناه، أو حالة آتية، كما في قوله تعالى:{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}

(14)

، وقوله صلى الله عليه وسلم: «[الثياب]

(15)

من قتل قتيلًا فله سلبه»

(16)

، والذي نحن فيه من قبيل الثاني، فإذا مات شدّ لحياه، وغمض عيناه؛ لأنه إذا ترك مفتوح العين يصير كريه المنظر، ويقبح في أعين الناس، وعليه توارث الأمة، وما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، ثم المستحبّ أن يعجّل في جهازه، ولا يؤخّر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«عجلوا بموتاكم فإن يك خيرًا قدّمتموه إليه، وإن يك شرًا فبُعدًا لأهل النار»

(17)

، ولا بأس بإعلام الناس بموته؛ لأن فيه تحريض الناس إلى الطاعة، وحثًّا على الاستعداد لها، فيكون دلالة على الخير، والدال على الخير كفاعله

(18)

. كذا في «التحفة»

(19)

.

(1)

(1/ 163 - مادة "جنز").

(2)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 88.

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 103.

(4)

(1/ 112 - مادة "حضر").

(5)

في (ب): " إلى ".

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 88.

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: الفتاوى الهندية: 1/ 158.

(11)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 88.

(12)

سورة النساء من الآية: (2).

(13)

ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع: ص 115.

(14)

سورة يوسف من الآية: (36).

(15)

[ساقط] من (ب).

(16)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (4/ 92)، كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب ومن قتل قتيلًا فله سلبه، رقم (3142). ومسلم في «صحيحه» (3/ 1370)، كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، رقم (1751).

(17)

أخرجه أبو داود في «سننه» (3/ 180)، كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة، رقم (3186). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن أبي داود: 7/ 184): ضعيف.

(18)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 103، 104، بدائع الصنائع: 1/ 299.

(19)

ينظر: تحفة الفقهاء: 1/ 239.

ص: 118

‌فصل: [في الغسل]

(1)

قدّم الغسل لأنّه

(2)

أوّل ما يُصنع بالميّت هذا، ثم اعلم بأن غسل الميت حق واجب على الأحياء بالسنة، وإجماع الأمة، ونوع من المعنى

(3)

.

أمّا السّنة فما روى أُبي بن كعب رضي الله عنه

(4)

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنّ آدم صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة نزلت الملائكة بحنوطه، وكفنه من الجنة، فلما مات غسّلوه بالماء، والسدر ثلاثًا، وكفّنوه [هذه]

(5)

في وتر من الثياب، وصلّوا عليه عند البيت، وأَمّهم جبرائيل صلى الله عليه وسلم، وقال: هذه سنة ولد آدم من بعده»

(6)

، وإجماع الأمة على هذا

(7)

.

[154/ أ] وأمّا المعنى: فهو أنّ الميت في صلاة الجنازة بمنزلة الإمام للقوم، فإنّه لا تجوز الصلاة بدونه، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه:«الجنازة سنة متبوعة»

(8)

، ولهذا شرط تقديمه على القوم كالإمام، وطهارة الإمام شرط لجواز صلاة القوم، فكذا طهارة الميت، ولأن ما بعد الموت حال عرض على الله، ورجوع إليه فوجب تطهيره بالغسل تعظيمًا لله سبحانه، ولهذا سنّ غسل الكافر،/ وإن كان لا يُصلّى عليه تعظيمًا لله؛ لأنه حال رجوع إلى الله، وبه وردت السنة في حق الكافر من حديث أبي طالب، ثم اختلف المشايخ رحمهم الله أنّه لا يرى علة وجب غسل الميت. قال أبو عبد الله الثلجي

(9)

،

(10)

[أنّه]

(11)

إنما وجب غسله لأجل الحدث لا لنجاسته تثبت بالموت، وذلك؛ لأن النجاسة التي ثبتت بالموت لا تزول بالغسل كما في سائر الحيوانات، والحدث مما

(12)

يزول بالغسل حالة الحياة، فكذا بعد الوفاة، والآدمي لا ينجس بالموت كرامة له، ولكن يصير محدثًا؛ لأن الموت سبب لاسترخاء المفاصل، وزوال العقل قبل الموت، وأنّه حدث، فكان يجب أن يكون مقصورًا على أعضاء الوضوء كما في حال الحياة، إلا أنّ القياس في حالة الحياة غسل جميع البدن في الحدث كما في الجنابة فاكتفى بغسل الأعضاء الأربعة نفيًا للحرج؛ لأنه يتكرّر في كلّ يوم، والجنابة لما لم تتكرر لم يكتف بغسل الأعضاء الأربعة، فكذا الحدث بسبب الموت لا يتكرّر، فلا يؤدّي غسل جميع البدن إلى الحرج، فأخذنا بالقياس، وكان الشيخ أبو عبد الله الجرجاني رحمه الله

(13)

، وغيره من مشايخ العراق

(14)

يقولون: بأنّ غسله وجب لنجاسة الموت لا بسبب الحدث، وذلك؛ لأن الآدمي له دم سائل، فتنجس بالموت قياسًا على سائر الحيوانات التي لها دم، والدليل على أنّه ينجس بالموت أن المسلم إذا وقع في بئر، ومات، فإنّه يجب نزح ماء البئر كله

(15)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

في (ب): " لما أنه ".

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 1/ 105.

(4)

أُبي بن كعب بن قيس بن عبيد، من بني النجار، من الخزرج، أبو المنذر: صحابي أنصاري. قديم الإسلام، وكان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود، مطلعًا على الكتب القديمة، يكتب ويقرأ - على قلة العارفين بالكتابة في عصره - ولما أسلم كان من كتاب الوحي. مات بالمدينة سنة 21 هـ. وله في الصحيحين وغيرهما 164 حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 5، الإصابة في تمييز الصحابة: 1/ 27، تهذيب الكمال: 2/ 262.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

أخرجه ابن المنذر في «الأوسط في السنن والإجماع» (5/ 370 - 3004)، من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه. وقال: قال أبو بكر: الحسن لم يسمع من أبي بن كعب، ومحمد بن ميمون الذي روى هذا الحديث عن الحسن مجهول، وقد روي هذا الحديث بأحسن من هذا الإسناد غير مرفوع.

(7)

ينظر: شرح فتح القدير: 2/ 105.

(8)

أخرجه الشافعي في «مسنده» ت السندي (ص 619)، من طريق ابن عباس رضي الله عنهما.

(9)

في (ب): " البلخي ".

(10)

سبق ترجمته (ص 137).

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

في (ب): " كما ".

(13)

يوسف بن علي بن محمد الجرجاني، أبو عبد الله، تفقه على أبي الحسن الكرخي، كان عالمًا تفقه على أبي حنيفة رضي الله عنه وأصحابه، ومن تصانيفه: خزانة الأكمل فى ست مجلدات. ينظر: الجواهر المضية: 2/ 228، معجم المؤلفين: 13/ 319.

(14)

العراق: ناحية مشهورة، وهي من الموصل إلى عبادان طولًا، ومن القادسية إلى حلوان عرضًا. أرضها أعدل أرض الله هواء وأصحها تربة وأعذبها ماء. وهي كواسطة القلادة من الاقليم، وأهلها أصحاب الأبدان الصحيحة والأعضاء السليمة، والعقول الوافرة والآراء الراجحة وأرباب البراعة في كل صناعة. والغالب عليهم الغدر لكثرة الأشرار ومكر الليل والنهار. أقام بها عبد الله بن المبارك سبعة عشر يومًا تصدق بسبعة عشر درهمًا كفارة لذلك. وأهلها مخصوصون ببغض الغرباء خصوصًا العجم. ينظر: الروض المعطار: ص 410.

(15)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 290، 291.

ص: 119

وكذلك لو احتمل ميّتًا قبل الغسل، وصلى معه لا يجوز الصلاة، ولو كان الغسل واجبًا؛ لإزالة الحدث لا غير؛ لكان يجوز الصلاة مع الميت قبل الغسل كما لو حمل محدثًا فصلى معه، والدليل عليه [أيضًا]

(1)

أن الميت لا يُمسح برأسه، ولو كان للحدث لسن المسح على رأسه كما في الجنب، فدلّ أنّ الغسل واجب لإزالة نجاسة تثبت بالموت كرامة للآدمي بخلاف سائر الحيوانات، وكأنّ هذا القول أقرب إلى القياس؛ لأن هذا القائل قال: بثبوت النجاسة بعد وجود علتها، وهو احتباس الدم السائل في العروق، وقال: بزوال هذه النجاسة بالغسل، وللغسل أثر في إزالة النجاسة كما في حالة الحياة، وإن لم يكن له أثر في إزالة نجاسة الموت في سائر الحيوانات سوى الآدمي، فكان هذا القول موافقًا للقياس، وأما ما قاله البلخي مخالف للقياس، وهو المنع لثبوت النجاسة مع قيام العلة الموجبة للنجاسة. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(2)

، و «المحيط»

(3)

، وكذا ذكر لفظ وجوب الغسل شمس الأئمة السرخسي

(4)

، وصاحب «التحفة»

(5)

رحمهما الله.

وفي «مبسوط فخر الإسلام» : غسل الميت سنة واجبة. واعلم: أن أقسام [غسل]

(6)

الميت، والصلاة عليه لا تنفلت عن القسمة العقلية، فإنّ منهم من يُغسل، ويُصلى عليه، وهو المسلم الذي مات حتف أنفه، ومنهم عكسه، وهو الذي لا يُغسل، ولا يُصلّى عليه، وهو الكافر الذي لا ولي له من المسلمين، ومنهم من يغسل، ولا يُصلى عليه، وهو الباغي، وقاطع الطريق، والكافر الذي له ولي مسلم، ومنهم [عكسه، وهو]

(7)

الذي لا يُغسل، ولكن يصلّى عليه، وهو الشهيد

(8)

.

قوله: (وإذا أرادوا غسله وضعوه على سريره

إلى آخره)

(9)

، أمّا الوضع على السرير؛ لأنه لو وضع على الأرض يتلطّخ بالطين، فيوضع عليه

(10)

؛ كيلا يتلطّخ به، وإن لم يبيّن كيفية وضع التخت إلى القبلة طولًا، أو عرضًا من أصحابنا من اختار الوضع طولًا كما كان يفعله في مرضه إذا أراد الصلاة بالإيماء، ومنهم من اختار الوضع عرضًا [كما يودع]

(11)

في القبر، قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: والأصح أنه يوضع كما يتيسر

(12)

، فإن ذلك يختلف باختلاف الأماكن، والمواضع، وجعلوا على عورته خرقة؛ لأن ستر العورة واجب على كل حال، والآدمي محترم حيًّا، وميتًا

(13)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

ينظر: بدائع الصنائع: 1/ 299.

(3)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 290، 291.

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 105.

(5)

ينظر: تحفة الفقهاء: 1/ 240.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

ينظر: رد المحتار: 2/ 212.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 88.

(10)

في (ب): " فيه ".

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

في (ب): "ينتشر".

(13)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 105، 106.

ص: 120

ألا ترى أنه لا يحل للرجال غسل النساء، ولا للنساء غسل الرجال للأجانب بعد الوفاة، ثم ظاهر الرواية أنه يستر [السوءة]

(1)

العورة -[أي: العورة]

(2)

الغليظة- وحدها، وبترك فخذاه مكشوفتين

(3)

.

وفي «النوادر» : قال: ويوضع على عورته خرقة من السرة إلى الركبة، وهكذا ذكر الكرخي في كتابه، وهو الصحيح قال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه:«لا ينظر إلى فخذ حي، وميت»

(4)

، كذا في «المحيط»

(5)

.

واحترز عن رواية «النوادر» في الكتاب بقوله: هو الصحيح

(6)

.

وفي «المبسوط»

(7)

: وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه يؤزّر بإزار سابغ كما يفعله في حياته إذا أراد الاغتسال،/ وفي ظاهر الرواية قال: يشق عليهم غسل ما تحت الإزار، فيكتفي بستر العورة الغليظة بخرقة، ونزعوا ثيابه، فإنّ السنة عندنا في الغسل أن يجرّد الميت، وقال الشافعي رحمه الله السنة أن يغسل في قميص واسع الكمين حتى يُدخل الغاسل يده في الكمين، ويغسل بدنه، وإن كان ضيقًا خرق الكمين؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي غسل في قميصه الذي توفي فيه»

(8)

، وما كان سنة في حق النبي صلى الله عليه وسلم كان سنة في حق غيره ما لم يقم دليل التخصيص

(9)

، ولأن الميت متى جرد يُطّلع الغاسل على جميع أعضائه، فربّما يطلع على عورته، وقبل الموت كان يكره الاطلاع عليه، فكذا بعد الموت حقًّا للميت، واحتج علماؤنا بما روت عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي اجتمعت الصحابة لغسله، فقالوا لا ندري

(10)

كيف نغسله يغسل كما نغسل موتانا أو يغسل، وعليه ثيابه فأرسل الله تعالى عليهم النوم، فما منهم إلا نام، وذقنه على صدره؛ إذ ناداهم مناد أن اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه»

(11)

، فقد أجمعت الصحابة أنّ السنة في سائر الموتى التجريد، ولأن هذا غسل واجب، فلا يقام مع الثياب اعتبارًا بحالة الحياة، وهذا لأن المقصود من الغسل هو التطهير، والتطهير لا يحصل إذا غسل مع ثيابه؛ لأن الثوب متى

(12)

ينجس بالغسالة ينجس بدنه ثانيًا بنجاسة الثوب، فلا يفيد الغسل، فيجب التجريد.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 106.

(4)

أخرجه أبو داود في «سننه» (4/ 71)، كتاب الحمام، باب النهي عن التعري، رقم (4017)، وابن ماجه في «سننه» (1/ 469)، كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت، رقم (1460). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 3/ 460): ضعيف جدًّا.

(5)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 293.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 107.

(7)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 105، 106.

(8)

ذكره المباركفوري. ينظر: مرعاة المفاتيح: 5/ 346.

(9)

في (ب): " الخصوص ".

(10)

في (ب): " نرى ".

(11)

أخرجه أبو داود في «سننه» (3/ 165)، كتاب الجنائز، باب في ستر الميت عند غسله، رقم (3143). من حديث عائشة رضي الله عنها. قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن أبي داود: 7/ 141): حسن.

(12)

في (ب): " إذا ".

ص: 121

[154/ ب] وأمّا الحديث قلنا: النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصًا بذلك لعظم حرمته ألا ترى أن الصحابة، قالوا: «[لا ندري]

(1)

كيف نغسله»

(2)

، والنص الوارد في حقه بخلاف القياس لا يكون واردًا في حق غيره؛ لأنه ليس لغيره من الحرمة ما للنبي صلى الله عليه وسلم

(3)

.

وقوله: (يطّلع على عورته) قلنا: ابتلينا بين أمرين بين أن نغسله في ثيابه حتى لا يطّلع على عورته غيره، وبين أن يجرّده فيقع الاحتراز عن نجاسته تصيبه من الثوب، والتجريد أولى؛ لأن صيانته عن النجاسة فرض، واطلاع الغاسل على عورة الميت مكروه، فكان مراعاة التطهير، وأنه فرض أولى من مراعاة الاطلاع على عورة الميت، وأنه مكروه، ولكن يلف الغاسل على يده خرقة، ويغسل السوءة؛ لأن مسّ العورة حرام كالنظر، فيجعل على يده خرقة؛ لتصير حائلة بينه وبين العورة، كما لو ماتت المرأة بين أجانب ييممها أجنبي بخرقة عند الضرورة. كذا في «فتاوى قاضي خان»

(4)

.

ولم يذكر محمد رحمه الله في الكتاب أنه هل يستنجي؟ وفي صلاة الأثر

(5)

على قول أبي حنيفة، ومحمد رحمهما الله يستنجي، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله لا يستنجي؛ لأن المسكة تزول، والمفاصل تسترخي بالموت، وربما يزداد الاسترخاء بالاستنجاء، فيخرج زيادة بنجاسة من باطنه، فلا يفيد الاستنجاء فائدته، فلا يشتغل

(6)

به، وهما قالا موضع الاستنجاء من الميت، فلما تخلوا عن نجاسة حقيقية، فيجب إزالتها كما لو كانت النجاسة على موضع آخر من البدن، ووضوءه من غير مضمضة، واستنشاق، وهذا عندنا، وعند الشافعي رحمه الله يمضمض، ويستنشق؛ لأن هذا غسل بعد الموت، فيعتبر

(7)

بالغسل الواجب حالة الحياة، وفي ذلك يمضمض، ويستنشق، فكذا هنا

(8)

، واحتَّج أصحابنا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الميت يوضأ وضوءه للصلاة، ولا يمضمض، ولا يستنشق»

(9)

، ولأنه يتغذّر إخراج الماء من فيِّه، فيكون سقيًا لا مضمضة، ولو كبُّوه على وجهه ربّما يخرج من جوفه ما هو شر منه، ومن العلماء من قال: يجعل الغاسل على أصبعه خرقة رقيقة، ويُدخل الأصبع في فمه، ويمسح بهما أسنانه، ولهاته، وشفتيه، وينقيها، ويدخل في منخريه أيضًا

(10)

، قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وعليه الناس اليوم فرق بين هذا وبين الوضوء في غسل الجنب من أربعة أوجه:

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

سبق تخريجه بنفس الصفحة.

(3)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 292.

(4)

ينظر: الجوهرة النيرة: 1/ 103.

(5)

في (ب): " الأذان ".

(6)

في (ب): " يغسل ".

(7)

في (ب): " فيصير ".

(8)

في (ب): " هذا ".

(9)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/ 449 - 10897) موقوفًا عن سعيد بن جبير.

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 107.

ص: 122

أحدها: هو أنّ الميت لا يمضمض، ولا يستنشق بخلاف الجنب.

والثاني: أن الجنب يبدأ فيغسل يديه أولًا إلى الرسغ، وفي الميت لا يبدأ بغسل يديه، بل بوجهه.

والثالث: أن الميت لا يمسح رأسه بخلاف الجنب، فإنه يمسح رأسه في ظاهر الرواية.

[155/ أ] والرابع: أن الجنب يغسل رجليه بعد الفراغ لا عند الوضوء، والميت يغسل رجلاه عند الوضوء، هذا كله على رواية صلاة الأثر، والصحيح/ أن يكون الجواب كالجواب في الجنب غير المضمضة، والاستنشاق؛ لأنه صلى الله عليه وسلم استثناهما. كذا ذكره شيخ الإسلام

(1)

.

وفي «المبسوط»

(2)

: ذكر غسل الرِّجلين عند الوضوء من غير تأخيره إلى الفراغ مطلقًا من غير ذكر اختلاف الروايتين، وفرق بينه وبين غسل الجنب، وقال: لأن هناك يجتمع الماء المستعمل في موضع رجليه فلا يفيد الغسل، وهاهنا لا يجتمع، وكذا ذكر في «المحيط»

(3)

المسألتين الباقيتين، وهما بدأ به غسل الوجه، وترك مسح الرأس مطلقًا من غير ذكر اختلاف الروايتين. قال شمس الأئمة الحلواني: هذا الذي ذكره من الوضوء في حق البالغ، والصبي الذي يعقل الصلاة، وأمّا الصبي الذي لا يعقل الصلاة، فإنه يغتسل، ولا يتوضأ، وضوءه للصلاة؛ لأنه كان لا يصلي.

(ثم يفيضون الماء عليه)

(4)

أي: ثلاثًا؛ لأن هذا غسل مشروع بعد الوفاة، فيعتبر بالغسل المشروع حال الحياة، وهنا كذلك فكذا هنا، وإن زاد على الثلاث جاز، كما في حالة الحياة

(5)

، ويُجمّر سريره وترًا، جمر ثوبه، وأجّمره [بخره]

(6)

، والتجمير أكثر. كذا في «المغرب»

(7)

.

وذكر فخر الإسلام في «مبسوطه» : فأجمر وترًا، والإجمار التطييب، يعني: بدأ

(8)

المجمر، وهو الذي يوقد فيه العود حوالي السرير ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، ويُغلى الماء بالسدر أو بالحوض، فإن لم يكن فالماء القراح هو من الإغلاء لا من الغلي، فإنّ الغلي والغليان لازم، ثم الإغلاء مذهبنا، فإنّ الغسل بالماء الحارّ أفضل عندنا، وقال الشافعي: الأفضل أن يغسل بالماء البارد إلا أن يكون عليه وسخ، أو نجاسة لا تزول إلا بالماء الحار، فحينئذ يغسل بالماء الحار، وقال: لأن الميت يسترخي، فلو غسل بماءً حار ازداد الاسترخاء، فيصير سببًا لخروج ما في بطنه من النجاسة

(9)

، فيؤدّي إلى تنجيس الأكفان

(10)

.

(1)

ينظر: رد المحتار: 2/ 196.

(2)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 106.

(3)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 294.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 88.

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 108.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

(1/ 156 - مادة "جمر").

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

في (ب): " النجاسات ".

(10)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 296.

ص: 123

واحتج علماؤنا: بأنّ غسل الميت شرع للتنظيف، والماء الحار أبلغ في التنظيف، فيكون أفضل قياسًا على حالة الحياة، وأمّا قوله:(يزيد في الاسترخاء)، قلنا: لهذا سُنّ بالماء الحار؛ ليزيد الاسترخاء، فيخرج جميع ما يخرج كيلا ينجّس الأكفان، ثم قوله:(فإن لم يكن فالماء القراح) هذا الذي ذكره هنا من الترتيب يوافق روابة مبسوط شمس الأئمة السرخسي رحمه الله

(1)

، ويخالف «مبسوط شيخ الإسلام» ، و «المحيط»

(2)

؛ لأنه ذكر فيهما يغسل أولًا بالماء القراح، أي: الخالص، ثم بالماء الذي يطرح فيه السدر، وهو ورق البنت الذي يقال له: كنار، وفي الثالثة: يجعل الكافور في الماء، ويُغسل هكذا. روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّه قال:«يبدأ أولًا بالماء القراح، ثم بالماء والسدر، ثم بالماء وشيء من الكافور»

(3)

، وإنما يبدأ أولًا بالماء القراح حتى يبتل ما عليه من الدّرن والنجاسة، ثم بماء السّدر حتى يزول ما به من الدّرن والنجاسة، فإن السّدر أبلغ في التنظيف، ثم بماء الكافور تطييبًا لبدن الميت كذا فعلت الملائكة بآدم صلى الله عليه وسلم حين غسّلوه

(4)

، ويغسل رأسه، ولحيته بالخطمي، وهو خطمي العراق، وهو مثل الصابون في التنظيف، وهذا إذا كان له شعر على رأسه؛ لأن الحي إذا اغتسل، وله شعر يفعل ذلك حتّى يصل الماء إلى سؤن شعره

(5)

.

(ويمسح بطنه مسحًا رفيقًا)

(6)

فتح بالفاء من رفق به، وترفق تلطّف به من الرفق خلاف الخُرق، والعنف. كذا في «المغرب»

(7)

.

(تحرّزًا عن تلويث الكفن

(8)

(9)

، وعلّل المسح في «المبسوط»

(10)

بقوله: حتّى إن [بقي به]

(11)

عند المخرج شيء يسيل منه؛ كيلا يتلوّث أكفانه.

وفي «المحيط»

(12)

: فإذا صُبّ الماء على الجانب الأيمن باضجاعه على الجانب الأيسر، وصُبّ الماء على الأيسر باضجاعه على الأيمن فقد غسل مرتين، ثم يقعده، ويسنده إلى نفسه، فيمسح بطنه مسحًا رقيقًا، فقد أمره بالمسح بعد الغسل مرتين، وأمره بالرفق حقًّا للميت، وروي عن أبي حنيفة رحمه الله في غير رواية الأصول: أنه قال: يُقعده أولًا، ويمسح بطنه، ثم يغسله؛ لأن المسح قبل الغسل أولى حتى يخرج ما في بطنه من النجاسة، فيقع الغسل ثلاثًا بعد خروج النجاسة.

(1)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 106، 107.

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 296.

(3)

أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (1/ 375) مرفوعًا.

(4)

سبق تخريجه (ص 225).

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 108.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(7)

(1/ 339 - مادة "رفق").

(8)

في (ب): "أكفانه".

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 106.

(11)

في (ب): "يبقى له".

(12)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 297.

ص: 124

وجه ظاهر الرواية هو: أنّ المسح بعد المرة الثانية أولى؛ لأنه ربّما يكون في بطنه نجاسة منعقدة لا تخرج بعد المسح قبل الغسل، وتخرج بعد الغسل مرتين بماء جارٍ، فكان المسح بعد المرتين أقدر على/ إخراج ما به من النجاسة فيكون أولى، والأصل في ذلك ما روي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه لما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح بطنه بيده [مسحًا]

(1)

رفيقًا طلب منه ما يُطلب من الميت فلم ير [شيئًا]

(2)

، فقال:«طبت حيًّا، وميّتًا»

(3)

، ورُوي أن العباس رضي الله عنه فعل، وقال هذا، ورُوي:"أنّه لما فعل به هكذا فاح ريح المسك في البيت، وانتشر ذلك الريح في المدينة"

(4)

. فإن سال منه شيء مسحه، ثم يغسل ذلك الموضع، وإنّما أمره بالمسح قبل الغسل؛ لأنه لو لم يمسح يتعدّى عن ذلك الموضع بالغسل، ثم يضجعه على شقه الأيسر، فيغسله بالماء القراح، وشيء من الكافور حتى ينقيه، ويرى أن الماء قد خلّص إلى ما يلي التخت منه، فإذا فعل ذلك فقد غسله ثلاثًا. كذا في «المحيط»

(5)

.

[155/ ب] قوله: (ولا يعيد غسله)

(6)

روى بضم الغين، وفتحها كذا وجدتُ مقيًّدا بخط شيخي

رحمه الله، والغسل بالضم اسم للاغتسال، وهو غسل تمام الجسد، ولا يعيد غسله، ولا وضوءه، وقال الشافعي: يعيد الغسل، وقال بعض أصحابه: بإعادة الوضوء، ولكن ما قالوا ليس بصحيح؛ لأن الحدث في حالة الحياة لا يوجب الغسل، فكذا بعد الممات، وأمّا الوضوء فلأنّ الخارج إن كان حدثًا، فالموت حدث أيضًا؛ لأنه يزول به التمييز أكثر ما يزول بالإغماء، وهو موجود في الحال، وهو لا يوجب الوضوء فكذا هذا الحدث. كذا في «شرح الأقطع»

(7)

.

وفي «الخلاصة الغزالية» : ما يدل على أنّه يعيد الغسل، فقال فيها: فإن خرج بعد الغسل شيء، فالصحيح استئناف الأمر من أوّله إلى آخره

(8)

.

ثم اعلم أنّه لابد من النية في غسل الميت حتّى [إن الميت]

(9)

إذا وجد في الماء لابدّ من غسله؛ لأن الخطاب بالغسل توجّه على بني آدم، ولم يوجد من بني آدم فعل إلا أن يحُركه في الماء بنية الغسل وقت الإخراج كذا في «التجنيس»

(10)

، و «فتاوى قاضي خان» استئناف الأمر من أوّله

(11)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/ 14 - رقم 11644).

(4)

ذكره برهان الدين. ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 297.

(5)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 297.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 109.

(8)

ينظر: المرجع السابق.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: الفتاوى الهندية: 1/ 158.

(11)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 110.

ص: 125

وفي «فتاوى قاضي خان» : أيضًا ميت غسله أهله من غير نيّة الغسل أجزأهم ذلك

(1)

.

(ثم ينشفه بثوب)

(2)

أي: يأخذ ماءه بثوب حتّى يجفّ من نشف الماء أخذه بخرقة من باب ضرب، ومنه كان للنبي عليه خرقة ينشف بها إذا توضأ، ويجعل الحنوط على رأسه الحنوط عطر مركب من أشياء طيبة، والكافور

(3)

.

(على مساجده)

(4)

أي: مواضع سجوده، جمع مسجد بفتح الجيم لا غير. كذا في «المغرب»

(5)

.

في «المبسوط»

(6)

: يعني بها: جبهته، وأنفه، ويديه، وركبتيه، وقدميه؛ لأنه كان يسجد بهذه الأعضاء، فيخصّ بزيادة الكرامة، ولا يسرّح شعر الميت تسريح الشعر تخليص بعضه عن بعض، وقيل: تخليله بالمشط قيل: مشطه. كذا في «المغرب»

(7)

.

وذكر شيخ الإسلام: وهذا عندنا، وقال الشافعي رحمه الله: يسرّح بمشط واسع، ويستحب ذلك في الميت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعرائسكم»

(8)

، ويُصنع هذا بالعروس فكذا بالميت، واحتج أصحابنا بما روي عن عائشة رضي الله عنها، وهو المذكور في الكتاب، ثم المراد بما روي من الحديث النظافة التي لا توجب إبانة جزء من أجزائه، [فلا يسن]

(9)

نحو إزالة الدزن، وإزالة النجاسة الحقيقية، والطيب في الكفن، وغير ذلك [أمّا إبانة جزء من أجزائه فلا يسنّ]

(10)

، وإن كان فيه زيادة نظافة كالختان، وأخذ الشارب، واللحية

(11)

.

وفي «الخلاصة الغزالية» : والصحيح تقليم الظفر، [وحلق الشعر]

(12)

على السنة، ثم توضع هذه الأجزاء معه في الكفن

(13)

.

وفي «الإيضاح»

(14)

: ولا بأس بسائر الطيب غير الزعفران، والورس في حق الرجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجل عن المزعفر

(15)

، ولأن نقص ظفره

(16)

.

(1)

ينظر: البحر الرائق: 2/ 187.

(2)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 110.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(5)

(1/ 384 - مادة "سجد").

(6)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 108.

(7)

(1/ 392 - مادة "سرح").

(8)

أخرجه ابن الملقن في «البدر المنير» (5/ 205)، وقال: قال ابن الصلاح في كلامه على «الوسيط» : بحثت عنه فلم أجده ثابتًا، وقال الحافظ أبو شامة المقدسي في كتاب «السواك»:(وما) يتعلق به هذا الحديث مذكور في كثير من كتب الفقه، وغير معروف.

(9)

[ساقط] من (أ).

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

ينظر: بدائع الصنائع: 1/ 301.

(12)

في (ب): "قلم العانة".

(13)

ينظر: مجمع الأنهر: 1/ 266.

(14)

ينظر: نور الإيضاح: ص 91.

(15)

أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 187 – رقم 12965)، من حديث أنس رضي الله عنه. وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

(16)

ينظر: الفتاوى الهندية: 1/ 161.

ص: 126

وفي «المحيط»

(1)

: وإن كان ظفره منكرًا، فلا بأس بأن يأخذه روي ذلك عن أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله-.

«علام تنصون ميتكم؟»

(2)

أصله على ما دخل حرف الجرّ على ما الاستفهامية، فأسقط ألفها للتخفيف، كقوله تعالى:{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)}

(3)

،

(4)

، وكذلك قولهم: لِمَ، واللام نصوت الرجل نصوًا أخذت ناصيته، ومدتها، وعائشة رضي الله عنها كأنها كرهت تسريح [رأس]

(5)

الميت، فإنّه لا يحتاج إلى ذلك، فجعلته بمنزلة الأخذ بالناصية. كذا في «المغرب»

(6)

.

[156/ أ](وفي الحيّ كان تنظيفًا جواب إشكال)

(7)

، أي: لا يشكل علينا الحي حيث يسرّج شعره، ويقصّ ظفره؛ لأنه محتاج إلى الزينة، ولا يعتبر في حقه

(8)

زوال الجزء بخلاف الميت فإنه لا يسنّ فيه إزالة الجزء كما في الختان حيث يفرق بين الحي، والميت فيه/ بأن يختن الحي، ولا يختن الميت بالاتفاق، فكذا في كل زينة يتضمن إبانة الجزء يجب أن يفرق بينهما. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(9)

.

وليس في غسل الميت استعمال القطن في الروايات الظاهرة، وعن أبي حنيفة رحمه الله: أنه يجعل القطن، أو المحلوج في منخريه، [وفمه]

(10)

، وبعضهم قالوا: يجعل في صماخ

(11)

أذنيه أيضًا، وقال بعضهم: يجعل في دبره أيضًا، وهو قبيح. كذا في «فتاوى قاضي خان» رحمه الله، والله أعلم

(12)

.

‌فصل في التكفين

هذه الأفعال أفعال مرتبة في حق الميت بالغسل، والتكفين، والصلاة، والدفن، فلذا رتب [ذكرها أيضًا على]

(13)

هذا الترتيب

(14)

، ثم اعلم بأن صاحب «التحفة»

(15)

أطلق اسم السنة على التكفين، فقال: ثم يكفّن الميت بعد الغسل؛ لأن تكفين الميّت سنة لما روي في قصّة آدم صلى الله عليه وسلم أن الملائكة قالت لولده بعدما غسّلوه، وكفّنوه، ودفنوه:«هذه سنة موتاكم»

(16)

.

(1)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 298.

(2)

أخرجه عبد الزاق في «مصنفه» (3/ 437 - رقم 6232)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

سورة النبأ الآية: (1).

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 110.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

(2/ 307 - مادة "نصو").

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(8)

في (ب): "جهته".

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 111، 112.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

الصِّماخُ من الأُذن الخرقُ الباطن الذي يُفضي إِلى الرأْس تميمية. (لسان العرب: 3/ 34 - مادة "صمخ").

(12)

ينظر: البحر الرائق: 2/ 187.

(13)

في (ب): " ذكر ".

(14)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 113.

(15)

ينظر: تحفة الفقهاء: 1/ 242.

(16)

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (8/ 157 - رقم 8261)، الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/ 595 - برقم 400)، من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

ص: 127

قلت: لكن المسائل تدل على أنه واجب منها تقديمه على الدين، والوصية، والإرث، ومنها قولهم: ومن لم يكن له مال، فكفنه على من يجب عليه نفقته كما يلزمه كسوته في حال حياته إلا المرأة لا يجب كفنها على زوجها عند محمد رحمه الله؛ لأن الزوجية قد انقطعت بالموت، وعند أبي يوسف:[أنه]

(1)

على زوجها، ومنها ما ذكر في «النوازل»: إذا مات الرجل، ولم يترك شيئًا، [ولم يكن هناك من وجب عليه نفقته يفترض على الناس]

(2)

أن يكفّنوه إن قدروا عليه، وإن لم يقدروا عليه سألوا الناس، فرق بين الميت، والحي إذا

(3)

لم يجد ثوبًا يصلي فيه ليس على الناس أن يسألوا له ثوبًا، والفرق أنّ الحي يقدر على السؤال بنفسه، والميت لا. كذا في «المحيط»

(4)

، وغيره

(5)

.

ولا يشكل على ما ادّعيت من الوجوب لفظة الكتاب بقوله: قال: (السنة [أن يكفن الرجل)

(6)

لما أن ذلك في كيفية التكفين لا في أصله، ويجوز أن يكون الشيء في أصله فرضًا أو واجبًا، وله سنن في هيئاته، وكيفياته، كما في سنية تثليث الوضوء، وغيره

(7)

.

قوله: (السنة]

(8)

أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب)

(9)

، وحاصله: أن الكفن على ثلاثة أنواع

(10)

كفن سنة، وكفن كفاية، وكفن ضرورة، وكفن السنة في حق الرجل ثلاثة أثواب، وفي حق المرأة خمسة، والكفاية في حق الرجل ثوبان، وفي حق المرأة ثلاثة، والضرورة فيما [يوجد فيهما، «فإن]

(11)

حمزة رضي الله عنه

(12)

استشهد، وعليه نمرة إذا غطى بها رأسه بدت قدماه، وإذا غُطي بها قدماه بدا رأسه، فغطى بها رأسه، وجعل على قدميه الإذخر»

(13)

. كذا في «المحيط»

(14)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

في (ب): " ويوجد من يجب نفقته عليه، سائلوهم أن يكفنوه".

(3)

في (ب): "أنه إن".

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 320.

(5)

ينظر: الجوهرة النيرة: 1/ 104.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 113.

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(10)

في (ب): " أثواب ".

(11)

في (ب): " روي أن ".

(12)

حمزة بن عبد المطلب بن هاشم. أبو عمارة، من قريش: عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد صناديد قريش وسادتهم في الجاهلية والإسلام. ولد ونشأ بمكة. ولما ظهر الاسلام تردد في اعتناقه، ثم علم أن أبا جهل تعرض للنبي صلى الله عليه وسلم ونال منه، فقصده الحمزة وضربه وأظهر إسلامه. وقتل يوم أحد فدفنه المسلمون في المدينة. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 69، الإصابة في تمييز الصحابة: 2/ 121.

(13)

أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 128 - رقم 12322)، من حديث أنس رضي الله عنه. وقال شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره، رجاله ثقات رجال الصحيح غير أسامة بن زيد فقد روى له مسلم متابعة، وفيه كلام ينزله عن رتبة أهل الضبط.

(14)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 316.

ص: 128

ولا بأس بالبرود، والكتان، والقصب، وفي حق النساء بالحرير، والإبريسم، والمزعفر. كذا في «التحفة»

(1)

.

ورُوي عن محمد: أنّ المرأة تكفن في الإبريسم، والحرير، والمعصفر، والمزعفر، ويكره للرجال ذلك اعتبار للكفن باللباس حالة الحياة

(2)

.

قال: وأحب الأكفان الثياب البيض لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «البسوا هذه الثياب البيض فإنها خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم»

(3)

. كذا في «الإيضاح»

(4)

.

(بيض سحولية)

(5)

، وهي منسوبة إلى سحول

(6)

قرية باليمن، والفتح هو المشهور

(7)

، وعن الأزهري

(8)

بالضم

(9)

، وعن القنبي

(10)

بالضم أيضًا إلا أنه قال: هو جمع سحل، وهو الثوب الأبيض، وفيه نظر. كذا في «المغرب»

(11)

.

(فإن اقتصروا على ثوبين جاز)

(12)

قيل: فإن كان بالمال كثرة، وبالورثة قلة فكفن السنة أولى، وإن كان على العكس، فكفن الكفاية أولى. كذا في «الخلاصة» ، وغيرها

(13)

.

(1)

ينظر: تحفة الفقهاء: 1/ 243.

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 320.

(3)

أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 13 - رقم 20166)، من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه. وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير ميمون بن أبي شبيب الربعي فمن رجال مسلم وهو صدوق.

(4)

ينظر: الجوهرة النيرة: 1/ 105، الفتاوى الهندية: 1/ 161.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(6)

قرية باليمن أو وادٍ، إليها تنسب الثياب السحولية والملاحف السحولية، وقيل: هو واد بقرب الجند. ينظر: معجم البلدان: 3/ 195.

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(8)

محمد بن الأزهر الهروي، أبو منصور أحد الأئمة في اللغة والأدب. مولده ووفاته بهراة. نسبته إلى جده الأزهر. عني بالفقه فاشتهر به أولًا، ثم غلب عليه التبحر في العربية. فرحل في طلبها. وقصد القبائل، وتوسع في أخبارهم. وقع في إسار القرامطة. من مصنفاته:"تهذيب اللغة"، و"الزاهر". ينظر: طبقات السبكي: 2/ 106.

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 114.

(10)

عمر بن حزم بن أحمد بن عمر بن حزم الحضرمي القنبي: من أهل إشبيلية، يكنى: أبا حفص. من بني عصفور. لقي شيوخًا جلةً بقرطبة وإشبيلية، وله رحلة إلى المشرق لقي فيها العلماء. ذكره أبو محمد بن خزرج وروى عنه وقال: توفي في جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وأربع مائة، ومولده سنة ستين وثلاث مائة. ينظر: الصلة في تاريخ أئمة الأندلس: ص 377.

(11)

(1/ 387 - مادة "سحل").

(12)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(13)

ينظر: رد المحتار: 2/ 203.

ص: 129

(ولأنّه أدنى لباس الأحياء)

(1)

، فإن أدنى ما يلبس الرجل حالة الحياة ثوبان قميص، وإزار، وأدنى ما تلبسه المرأة ثلاثة قميص، وإزار، وخمار، ثم يعطف الإزار من قبل اليسار، ثم من قبل اليمين، وإنما يقدم عطف اليسار على اليمين لمعنيين:

أحدها: أن لليمين فضلًا على اليسار، فإنه إذا أخّر عطف اليمين يكون فوق اليسار.

والثاني: أن ما يلبسه حالة الحياة من الثياب يعطف أولًا من قبل الأيسر، ثم من قبل الأيمن فكذا هنا، ولأنها تخرج فيها حالة الحياة، فإن أكثر ما يلبسه المرأة حالة الحياة للخروج خمسة أثواب: درع، وإزار، وخمار، وملاءة، ونقاب، ثم يجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوق الدّرع، وقال الشافعي رحمه الله: يضفر شعرها خلف ظهرها اعتبارًا بحالة الحياة، وإنا نقول: إنما نفعل ذلك لأجل الزينة، وهذه حالة حسرة، وندامة، فيعتبر بمثل هذه الحالة من حال الحياة، ثم في حالة الحياة في حالة الحسرة، والندامة بأن إصابتها مصيبة لا يجعل شعرها خلف ظهرها، بل يجعل على صدرها، فكذا بعد الوفاة بهذا كله من «المحيط»

(2)

.

[156/ ب] وفي «المبسوط»

(3)

: ولم يذكر العمامة في الكفن، وقد كره بعض/ مشايخنا؛ لأنه لو فعل كان الكفن شفعًا، والسنّة فيه أن يكون وترًا، واستحسنه بعض مشايخنا لحديث ابن عمر رضي الله عنه: «أنه كان يعمم الميت، ويجعل ذنب العمامة

(4)

على وجهه»

(5)

بخلاف حالة الحياة، فإنه يرسل ذنب العمامة من قبل القفاء بمعنى الزينة، وبالموت قد انقطع [عن]

(6)

ذلك.

(لأنها فريضة)

(7)

أي: فرض كفاية

(8)

.

‌فصل [في الصلاة على الميت]

(9)

ثم بدأ ببيان صلاة الجنازة بفصل على حدة، فيقول: (صلاة الجنازة فريضة فرض كفاية حتّى

(10)

إذا قام بها البعض سقط عن الباقين).

أمّا كونها فرضًا: فلأن الله تعالى أمر بها بقوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}

(11)

، والأمر للوجوب

(12)

، وقال صلى الله عليه وسلم:«صلّوا على كلّ بر، وفاجر»

(13)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 319.

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 107.

(4)

نهاية العمامة واللتي لا تكون على الرأس.

(5)

أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (22/ 143).

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 89.

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 116.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

في (ب): " حين"

(11)

سورة التوبة من الآية: (103).

(12)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 8/ 235.

(13)

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1/ 488)، كتاب الجنائز، باب في الصلاة على أهل القبلة، رقم (1525)، من حديث واثلة بن الأسقع. قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 4/ 25): ضعيف.

ص: 130

وأما كونها فرض كفاية: فلأنّها تقام حقًا للميت، فإذا قام بها البعض صار حقه مؤدى، فيسقط

(1)

عن الباقين كسائر حقوقه من التكفين، والغسل

(2)

.

ثم ذكر محمد رحمه الله في كتاب الصلاة: أن إمام الحي أولى بالصلاة، وذكر الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: أن الإمام الأعظم، وهو الخليفة أولى إن حضر، فإن لم يحضر فإمام المصر أولى، فإن لم يحضر فالقاضي أولى، فإن لم يحضر فصاحب الشرط أولى، فإن لم يحضر فإمام الحي أولى، فإن لم يحضر فالأقرب من ذوي قرابته، وبهذه الرواية أخذ كثير من مشايخنا، ومن المشايخ قال: لا اختلاف بين الروايتين، فما ذكر في كتاب الصلاة محمول على ما إذا لم يحضر الإمام الأعظم، ولا واحد ممن ذكر في رواية الحسن، وهذا كله قول أبي حنيفة، ومحمد، وقال أبو يوسف، والشافعي: ولي الميت أولى بالصلاة على الميت على كلّ حال؛ لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}

(3)

من غير فصل، ولأنّ هذا حكم تعلّق بالولاية، فكان الولي مقدّمًا على السلطان، وغيره قياسًا على النكاح، ولأنّ صلاة الجنازة دعاء للميت، ودعاء القريب أرجى [أسرع] في الإجابة؛ لأنه أشفق على الميت، فيوجد منه زيادة تضرّع، فكان [هو]

(4)

أولى، ولأبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- أنّه لما مات الحسن ابن علي رضي الله عنهما خرج الحسين رضي الله عنه، والنّاس لصلاة الجنازة فقدم الحسين سعيد بن العاص، وكان سعيد واليًا بالمدينة يومئذ فأبى سعيد أن يتقدّم، فقال له الحسين:«تقدم، ولولا السنة ما قدمتك»

(5)

، ولأنّ هذه الصلاة تقام بجماعة غالبًا، فيكون السلطان أولى بإمامتها قياسًا على سائر الصلاة

(6)

.

وأمّا الجواب عن تعلقهم بالآية، قلت

(7)

: الآية محمولة على المواريث، وعلى ولاية المناكحة، وليس [ولاية الإمامة]

(8)

كولاية النكاح؛ لأنّ ولاية النكاح مما لا يتصل بالجماعة، وإنما يتّصل بالواحد، فكان القريب أولى بالإقامة كالتكفين، والغسل.

(1)

في (ب): "فسقط".

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 116، 117.

(3)

سورة الأنفال من الآية: (75)، سورة الأحزاب من الآية:(6).

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

أخرجه الحاكم في «المستدرك» (3/ 187 - 4799) من طريق أبي حازم. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 118، المحيط البرهاني: 2/ 342.

(7)

في (ب): " قلنا ".

(8)

[ساقط] من (ب).

ص: 131

وقولهم: إن صلاة الجنازة شرعت للدّعاء، ودعاء الولي أقرب إلى الإجابة؟

قلنا: بل دعاء الإمام أقرب إلى الإجابة على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثة لا يحجب دعاؤهم»

(1)

، وذكر منهم الإمام، ولأن القريب غير ممنوع عن الصلاة عليه. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(2)

، و «المحيط»

(3)

.

قيل: قوله: (إن حضر)

(4)

إشارة إلى أن الأصل الولي إلا أنّه ترك ذلك بعارض الاحتراز عن ازدراء الإمام على ما ذكر

(5)

.

قوله رحمه الله: (ثم الولي)

(6)

فعلم بما ذكرنا أن تأخير الولي عن غيره قول أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- خلافًا لأبي يوسف رحمه الله، ثم لو اجتمع للميت قريبان، وهما في القرب إليه على السّواء بأن كان له أخوان لأب وأمّ، أو لأب، فأكبرهم سنًّا أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتقديم الأسنّ

(7)

، فإن أراد الأكبر أن يقدّم إنسانًا ليس له ذلك إلا برضاء الآخر؛ لأن الحق [لهما]

(8)

؛ لاستوائهما في القرابة لكنّا قدّمنا الأسن بالسنة، ولا سنة في تقديم من قدّمه، فيبقى [الحق]

(9)

لهما كما كان، وإن كان أحدهما لأب وأم، والآخر لأب، فالذي هو لأب وأمّ أولى، وإن كان أصغر، وإن قُدم الأخ لأب وأمّ غيره، فليس للأخ أن يمنعه عن ذلك؛ لأنه لا حق للأخ لأب أصلًا، وإن اجتمع للميت ابن وأب ذكر في كتاب الصلاة أنّ الأب أولى

(10)

.

[157/ أ] من مشايخنا من قال: (هو قول محمد)، فأمّا على قول أبي حنيفة فالابن أولى، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله الولاية لهما إلا أنّه تقدم الأب احترامًا له كما في مسألة النكاح، فإنّه إذا اجتمع للمجنون أب وابن، فعند أبي حنيفة رحمه الله: الابن أولى في ولاية/ التزويج، ومنهم من قال: لا، بل ما ذكر في صلاة الجنازة أن الأب أولى قول الكل؛ لأن للأب زيادة فضيلة، وسنّ ليس للابن، وللفضيلة أثر في استحقاق الإمامة فترجح الأب لذلك بخلاف النكاح، وابن عم المرأة أحق بالصلاة عليها من زوجها إذا لم يكن للزوج ابن منها؛ لأن النكاح انقطع لموت المرأة، والتحق الزوج بسائر الأجانب، والقرابة لا تنقطع إلا أن يكون للزوّج منها ولد، فحينئذ يكون الزوج أحق بالصلاة عليها؛ لأن الحق يثبت للابن في هذه الحالة، ثم الابن تقدّم أباه احترامًا له، فيثبت للزّوج حق الصلاة عليها من هذا الوجه

(11)

.

(1)

أخرجه البزار في «مسنده» (14/ 400 - رقم 8148)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الألباني: ضعيف. ينظر: الجامع الصغير وزيادته: ص 627.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية: 2/ 118.

(3)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 342.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية: 2/ 118.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 343.

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 119، المبسوط للسرخسي: 2/ 119.

(11)

ينظر: شرح فتح القدير: 2/ 118، 119.

ص: 132

قال القدوري: [وسائر القرابات أولى من الزّوج]

(1)

، وكذا مولى العتاقة، وابنه [وسائر القرابات أولى من الزوج]

(2)

، وقال الشافعي: الزوج أولى، احتج بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه لما ماتت امرأته صلّى عليها، وقال:«أنّا أحق بها»

(3)

، واحتّج أصحابنا بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه لما ماتت امرأته قال لأوليائها:«كنا أحق بها حين كانت حيّة، وإذا ماتت فأنتم أحق بها»

(4)

، ولأن السبب، وهو الزوجية قد انقطع على ما ذكرنا، وحديث ابن عباس محمول على أنّه كان

(5)

إمام الحي. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(6)

، و «المحيط»

(7)

.

(فإن صلّى غير الولي، والسلطان أعاد الولي)

(8)

، وإنّما قيد بذكر السلطان؛ لأنه لو صلى السلطان فلا إعادة لأحد؛ لأنه هو المقدّم على الولي [على ما ذكرنا، ثم هو ليس بمنحصر على السلطان، بل من كان مقدّمًا

(9)

(10)

في ترتيب الإمامة في صلاة الجنازة على ما ذكرنا فصلّى هؤلاء يعيد الولي ثانيًا، وذكر الإمام الولوالجي رحمه الله

(11)

في فتاواه: رجل صلّى على جنازة، والولي خلفه، ولم يرض أن تابعه، وصلّى معه لا يعيد؛ لأنه صلّى مرة، وإن لم يتابعه إن كان المصلّي سلطانًا، أو الإمام الأعظم في البلدة، أو القاضي، أو الوالي على البلدة، أو إمام حي ليس له أن يُعيد؛ لأن هؤلاء هم الأولون منه، وإن كان غيرهم فله الإعادة، وكذا أيضًا ذكره في «التجنيس» ، و «الفتاوى الظهيرية» .

وذكر في نوادر صلاة «المبسوط»

(12)

: والصلاة على الجنازة تتأدى بأداء الإمام وحده؛ لأن الجماعة ليست بشرط للصلاة على الجنازة، ولو كان الواحد هو الولي ليس للقوم أن يعيدوا بعد ذلك، وإذا افتتح الرجل الغريب صلاة الجنازة، واقتدى به بعض الأولياء، فليس لمن بقي منهم حق الإعادة؛ لأن الذي اقتدى به قد رضي بإمامته فكأن قدّمه، ولكل واحد من الأولياء حق الصلاة على الجنازة كأنه ليس معه غيره؛ لأنّ ولايته متكاملة، فإذا سقط بأداء أحدهم لم يكن للباقين حق الإعادة.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 344.

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 113.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 119.

(7)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 344.

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(9)

في (ب): "مقدمًا على".

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

عبد الرشيد بن أبي حنيفة نعمان بن عبد الرزاق بن عبد الله الولوالجي، ظهير الدين أبو الفتح، فقيه حنفي، قال أبو المظفر السمعاني: لقيته، وسمعت منه، وكان إمامًا، فقيهًا فاضلًا، حنفي المذهب، حسن السيرة، تفقه ببلخ على أبي بكر القزاز محمد بن علي، وعلي بن الحسن البرهان البلخي. من تصانيفه:"الفتاوى الولوالجية"، وكتب "الآمالي" عن جماعة من الشيوخ. ينظر: الجواهر المضية: 2/ 417، الفوائد البهية: ص 94، 122، معجم المؤلفين: 5/ 220.

(12)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 223، 224.

ص: 133

قلت: ثم ذكر في الكتاب إعادة الولي إذا لم يصلّها، ولم يذكر إعادة السلطان إذا لم يصلّها، ويجب أن يكون حكمه في ولاية الإعادة كحكم الولي لما أنّه مقدّم في حق صلاة الجنازة على الولي، فلما ثبت حق الإعادة للأدنى وجب أن يثبت للأعلى منه أولى، وقد وجدت رواية في نوادر صلاة «المبسوط»

(1)

تشهّد لما [ذكرت]

(2)

ذكرها بطريق التعليل

(3)

، وقال: وقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يجوز للإمام أن يصلي على الجنازة بالتيمم في المصر، قال عيسى رحمه الله

(4)

: وهو الصحيح؛ لأن التيمم إنما يكون طهارة في حال عدم الماء، فأمّا مع وجود الماء فلا يكون طهارة إلا عند الضرورة، وهو خوف الفوت، وهذا لم يوجد في حق الإمام الذي يكون حق الصلاة على الجنازة له؛ لأن الناس ينتظرونه، ولو لم يفعلوا كان له حق إعادة الصلاة عليها، فلا يجزئه الأداء بالتيمم مع وجود الماء

(5)

.

قوله: (وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يصلي بعده)

(6)

، وتخصيص الولي ليس بمفيد لما أنّ لو صلّى السلطان، أو غيره ممّن هو أولى من الولي في الصلاة على الميت ممّن ذكرنا ليس لأحد أن يصلي بعده [أيضًا على ذكرنا من رواية الولوالجي، و «التجنيس»، وهذا الذي ذكره بقوله: (لم يجز لأحد أن يصلي بعده)]

(7)

مذهبنا، وقال الشافعي: تعاد الصلاة على الجنازة مرة بعد أخرى لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبر جديد فسأل عنه؟ فقيل: قبر فلانة، فقال:«هلّا آذنتموني بالصلاة»

(8)

، فقيل: إنها دفنت ليلًا فخشينا عليك هوام الأرض، فقام وصلى على قبرها، ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى [عليه]

(9)

أصحابه فوجًا بعد فوج

(10)

،

(11)

.

[157/ ب] ولنا ما رُوي/ عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهما:"أنهما فاتتهما صلاة جنازة فلما حضرا ما زادا على الاستغفار له"

(12)

، والمعنى هو ما ذكر في الكتاب، فإنّ الصلاة الثانية تقع نفلًا، وذلك غير مشروع، ولو جاز هذا؛ لكان الأولى أن يُصلي على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرزق زيارته الآن؛ لأنه في قبره كما وضع، فإنّ لحوم الأنبياء حرام على الأرض به ورد الأثر

(13)

، ولم يشتغل أحد بهذا، فدلّ أنّه لا يعاد الصلاة على الميت إلا أن يكون الولي هو الذي حضر، فإن الحقّ له، وليس لغيره ولاية إسقاط حقه، وهو تأويل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الحق كان له قال الله تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}

(14)

، وهكذا تأويل فعل الصحابة، فإنّ أبا بكر رضي الله عنه كان مشغولًا بتسوية الأمور، وتسكين الفتنة فكانوا يصلّون عليه قبل حضوره فكان الحق له؛ لأنه هو الخليفة، فلما فرغ صلّى عليه، ثم لم يُصلّ أحد بعده عليه. كذا في «المبسوط»

(15)

.

(1)

ينظر: المرجع السابق.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 120.

(4)

سبق ترجمته (ص 135).

(5)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 225.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 87)، كتاب الجنائز، باب صفوف الصبيان مع الرجال في الجنائز، رقم (1321). ومسلم في «صحيحه» (2/ 659)، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، رقم (956).

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (1/ 31 - 22).

(11)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 120.

(12)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 120.

(13)

أخرجه أبو داود في «سننه» (1/ 405)، كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، رقم (1049)، وابن ماجه في «سننه» (1/ 345)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في فضل الجمعة، رقم (1085)، والنسائي في «سننه» (3/ 91)، كتاب الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة، رقم (1374). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 3/ 85): صحيح.

(14)

سورة الأحزاب من الآية: (6).

(15)

ينظر: المبسوط؛ للسرخسي: 2/ 120، 121.

ص: 134

فإن قيل: إن حقّ الميّت، وإن صار مقضيًّا [في حق المتابعة في الصلاة]

(1)

بالصلاة [مرة واحدة]

(2)

، فلا يوجب سقوطه أصلًا فيجوز أن يبقى حقه ثانيًا [في المبالغة في الصلاة]

(3)

؛ لأنها في [حق]

(4)

الحقيقة دعاء للميت، وهو باقٍ كالوضوء شرع لإقامة الصلاة، والفرض يسقط بوضوء واحد [ما]

(5)

لم يحدث اكتفاء به، ولكن إن أعاد لكل صلاة كان حسنًا، وقاضيًا به حق الصلاة على أكمل الوجهين؟.

قلنا: إنّ الأصل في الباب قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)}

(6)

، فكان على هذا أن لا ينتفع الميت بالصلاة عليه، وأن لا يقضي حقّه بعمل غيره، وإنما عرفنا هذا القضاء شرعًا بخلاف القياس، ولمّا كان هو ثابتًا بالشرع بخلاف القياس، وأنّه سقط بالمرة الواحدة، فلم يتصوّر الثاني قضاء من عندنا بلا توقيف بخلاف الدّعاء، والاستغفار، فإن التوقيف فيه باقٍ كما بقي الأمر بالصلاة على الرسول بعده على سبيل الدعاء، وأمّا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي: «أنّه توفي يوم الاثنين [وصلي عليه]

(7)

، ودُفن يوم الأربعاء»

(8)

، وأخّر الصلاة عليه، والتأخير مكروه في غيره بالإجماع، ثم يحتمل أنّ الصلاة عليه كانت فرض عين على الصحابة؛ لعظم حقه، كالدعاء اليوم فرض عين على المسلمين أجمع مرّة واحدة، بقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ}

(9)

،

(10)

فكان تكرار الصلاة عليه من كلّ أحد لأداء فرض عليه

(11)

. كذا في «الأسرار»

(12)

.

(صلّى على قبره)

(13)

، وإنّما لا يخرج الميت عن القبر؛ لأنه قد سلّم إلى الله تعالى، وخرج عن أيدي الناس جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال:«القبر أوّل منزل من منازل الآخرة»

(14)

قالوا: وما ذكر أنّه لا يخرج من القبر، فذلك فيما إذا وضع اللبن على اللحد، وأهيل التُّراب عليه أما لم يوضع اللبن على اللحد أو وضع لكن لم يهل التراب عليه يخرج، ويصلّى عليه؛ لأن التسليم لم يتم بعد. كذا في «المحيط»

(15)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

سورة النجم الآية: (39).

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 75 - رقم 4825) مطولًا، وأبو يعلى في «مسنده» (1/ 31 - 22).

(9)

سورة الأحزاب من الآية: (56).

(10)

ينظر: الكشاف: 3/ 566.

(11)

ينظر: بدائع الصنائع: 1/ 313، حاشية الطحاوي: 1/ 391، حاشية ابن عابدين: 1/ 548.

(12)

ينظر: كشف الأسرار: 4/ 236.

(13)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(14)

أخرجه الترمذي في «سننه» (4/ 553)، كتاب الزهد، رقم (2308)، من حديث عثمان رضي الله عنه. قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن الترمذي: 5/ 308): حسن.

(15)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 354.

ص: 135

(والمعتبر في ذلك)

(1)

أي: في عدم التفسخ

(2)

.

قوله: (هو الصحيح)

(3)

احتراز عمّا روي في «الأمالي» عن أبي يوسف رحمه الله: أنّه يصلّى على الميت في القبر إلى ثلاثة أيام، وبعدما مضت الثلاث لا يُصلّى عليه، وهكذا ذكر ابن رستم رحمه الله

(4)

في «نوادره» : عن محمد عن أبي حنيفة -رحمهما الله-، والصحيح: أن هذا ليس بتقدير لازم؛ لأن تفرق الأجزاء يختلف باختلاف حال الميت من السّمين، والهُزال، وباختلاف الزمان من الحر، والبرد، وباختلاف المكان من الصلابة، والرخاوة، والذي رُوي:«أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى على شهداء أُحد بعد ثماني سنين»

(5)

معناه: دعا لهم. قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}

(6)

؛ لأن صلاتك سكن لهم

(7)

، وقيل: إنّهم كما دُفنوا لم يتفرّق أعضاؤهم هكذا وجدوا حين أراد معاوية أن يحولّ لهم فتركهم، فإن كان في رأيهم أنّه تفرّق أجزاء الميت المعيّن قبل ثلاثة أيام [لا يُصلّون عليه إلى ثلاثة أيام، وإن كان في أكبر رأيهم أنّه لم يتفرّق أجزاؤه بعد ثلاثة أيام يصلّون عليه بعد ثلاثة أيام]

(8)

،

(9)

.

فإن قيل: كيف يُصلّى عليه وهو غائب عن أعين الناس بالتراب؟

[158/ أ] قلنا: نعم، ولكن هذا لا يمنع جواز الصلاة [ألا ترى أن قبل الدفن كان غائبًا بالكفن، ولم يمنع ذلك جواز الصلاة]

(10)

، وهذا إذا دفن الميت بعد الغسل قبل الصلاة عليه، فأمّا إذا دفنوه بعد الصلاة/ عليه، ثم تذكروا أنّهم لم

(11)

يغسلوه، فإن لم يهيلوا التراب عليه يخرج، ويغسل، ويصلّى عليه، وإن أهالوا التراب عليه لم يخرج، وهل يصلى عليه ثانيًا في القبر؟ ذكر الكرخي رحمه الله: أنه يصلّى عليه

(12)

. [هل يصلي ثانيًا في القبر]

(13)

؟.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 121.

(3)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(4)

إبراهيم بن رستم، أبو بكر المروزي، من مَرْو الشاهجان، فقيه حنفي من أصحاب محمد بن الحسن، أخذ عن محمد وغيره من أصحاب أبي حنيفة، وسمع من مالك والثوري وحماد بن سلمة وغيرهم، وعرض المأمون عليه القضاء فامتنع. وثقه بعض أهل الحديث، وقال بعضهم: منكر الحديث. من تصانيفه: "النوادر" كتبها عن محمد. ينظر: الجواهر المضيئة: 1/ 38، الفوائد البهية: ص 9.

(5)

أخرجه أحمد في «مسند» (4/ 154 - 17438)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

(6)

سورة التوبة من الآية: (103).

(7)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 8/ 250.

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 121، الجوهرة النيرة: 1/ 106، 107.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

في (ب): " ما ".

(12)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 354، 355.

(13)

[ساقط] من (ب).

ص: 136

وفي «النوادر» : عن محمد رحمه الله: القياس أن لا يُصلّى عليه؛ لأن طهارة الميت شرط جواز الصلاة [عليه]

(1)

، ولم يوجد وفي الاستحسان يصلّى عليه؛ لأن تلك الصلاة لم يعتد بها لترك الطهارة مع الإمكان، والآن زال الإمكان، وسقطت فرضيّة الغسل، فيصلّى عليه في قبره، ونقول: صلاة الجنازة صلاة من وجه، ودعاء من وجه، ولو كانت صلاة من كلّ وجه لا يجوز بدون الطهارة أصلًا، ولو كانت دعاء من كلّ وجه يجوز بدون الطهارة، فإذا كانت بينهما قلنا: إنّه يشترط الطهارة حالة القدرة، ولا يشترط حالة العجز، وأمّا إذا صُلي على الميت قبل الغسل، وهو لم يدفن [من]

(2)

بعد، فإنه يغسل، ويعاد الصلاة عليه بعد الغسل، وكذا لو غسّلوه، وبقي عضو من أعضائه، أو قدر لمعة. كذا في «المبسوط»

(3)

، و «المحيط»

(4)

.

(والصلاة أن يكبّر تكبيرة يحمد الله تعالى)

(5)

، ولم يوقت هنا في الثناء شيئًا، وفي سائر الصلوات وقت، وهو قوله: (سبحانك اللهم، وبحمدك

إلى آخره)

(6)

.

قال شمس الأئمة رحمه الله: (وقد اختلفوا في هذا الثناء بعد التحريم)، قال بعضهم: يحمد الله كما ذكر في ظاهر الرواية، وقال بعضهم: يقول: سبحانك اللهم، وبحمدك

إلى آخره كما في سائر

(7)

الصلوات المعهودة، ولا يرفع الأيدي إلا في [تكبيرة الافتتاح]

(8)

، وقال مشايخ بلخ

(9)

: ترفع عند جميع التكبيرات، والصحيح ما قلنا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُرفع الأيدي إلا في سبعة مواطن، وليس فيها [تكبيرات]

(10)

الجنازة»

(11)

. كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان

(12)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 131.

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 355.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 121.

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

في (ب): " التكبيرة الأولى ".

(9)

بلخ: هي مدينة خراسان العظمى، وهي في مستو من الأرض، ودار مملكة الأتراك والملك بها لازم، وبها العساكر والأجناد والملك والقواد والعمال والأسواق العامرة والمتاجر والأموال الواسعة والأحوال الصالحة. (معجم البلدان: 1/ 479).

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/ 385 - 12101)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الألباني في (السلسلة الضعيفة: 3/ 166): باطل.

(12)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 327، تبيين الحقائق: 1/ 241.

ص: 137

(ثم يكبّر الثانية، ويُصلّى على النبي صلى الله عليه وسلم)

(1)

؛ لأن الثناء على الله تعالى يعقبه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على هذا وضعت الخطب، واعتبر هذا بالتشهد في الصلاة، فإن الثناء على الله تعالى يعقبه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبّر الثالثة، ويستغفر [للميّت، ويتشفّع له؛ لأن الثناء]

(2)

على الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يعقبه الدعاء، والاستغفار، والمقصود بالصلاة على الجنازة الاستغفار للميّت، والشفاعة له، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا أراد أحدكم أن يدعو فليحمد الله، ولُيصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو»

(3)

، وقد روي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا فعل كذا بعد الفراغ من الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم:«ادع قد استجيب لك»

(4)

، وتذكر الدعاء المعروف:«اللهم اغفر لحينا، وميتنا»

(5)

إن كان يحسن ذلك، وإن كان لا يحسن ذلك يذكر ما يدعو به في التشهد: اللهم اغفر للمؤمنين، والمؤمنات

إلى آخره

(6)

.

قال القاضي الإمام قاضي خان رحمه الله: وإن كان لا يحسن يأتي بأي دعاء شاء، ثم يكبّر الرابعة، ويسلّم؛ لأنه جاء أوان التحلّل، وذلك بالسلام، وفي ظاهر المذهب ليس بعد التكبيرة الرابعة دعاء سوى السلام، وقد اختار [بعض]

(7)

مشايخنا ما يختم به في سائر الصلوات: "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا [برحمتك]

(8)

عذاب القبر، وعذاب النار"، وقال بعضهم: يقول: "ربنا لا تزغ قلوبنا

إلى آخره"، وقال بعضهم: يقرأ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)}

(9)

إلى آخره

(10)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

أخرجه أبو داود في «سننه» (1/ 551)، كتاب الوتر، باب الدعاء، رقم (1483)، من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن أبي داود: 3/ 481): صحيح.

(4)

أخرجه الترمذي في «سننه» (5/ 541)، كتاب الدعوات، رقم (3527)، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن الترمذي: 8/ 27): ضعيف.

(5)

أخرجه أبو داود في «سننه» (3/ 188)، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت، رقم (3203)، والترمذي في «سننه» (3/ 343)، كتاب الجنائز، باب ما يقول في الصلاة على الميت، رقم (1024)، وابن ماجه في «سننه» (1/ 480)، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة، رقم (1498)، والنسائي في «سننه» (4/ 74)، كتاب الجنائز، باب الدعاء، رقم (1986). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 3/ 498): صحيح.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 122، المحيط البرهاني: 2/ 328.

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

سورة الصافات الآية: (180).

(10)

ينظر: الفتاوى الهندية: 1/ 164، المحيط: 2/ 328، الجوهرة النيرة: 1/ 107.

ص: 138

(فإن كبّر الإمام خمسًا لم يتابعه المقتدي في الخامسة إلا على قول زفر رحمه الله

(1)

، فإنّه يقول: هذا مجتهد فيه لما روي عن علي رضي الله عنه «أنّه كبّر خمسًا»

(2)

فيتابعه المقتدي كما في تكبيرات العيد، وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله، ولنا أن ما زاد على أربع تكبيرات ثبت انتساخها بما روينا، ولا متابعة في المنسوخ؛ لأنه خطأ

(3)

، وإذا لم يُتابعه المقتدي ماذا يصنع؟

ذكر في «النوازل» : أن فيه روايتين عن أبي حنيفة رحمه الله في رواية: يُسلّم للحال، ولا ينتظر تحقيقًا للمخالفة، وفي رواية: يسكت حتّى يسلّم معه إذا سلّم؛ ليصير متابعًا فيما وجب فيه المتابعة

(4)

.

وفي «روضة الزندويستي

(5)

»: المقتدي إنّما لا يتابع الإمام في التكبير الزائد على الرّابع إذا [كان يسمع]

(6)

التكبير من الإمام أمّا إذا كان يسمع من المنادي يتابعه، كما في تكبيرة

(7)

العيد. كذا في «المبسوط»

(8)

، و «المحيط»

(9)

.

(ولا يستغفر للصبي)

(10)

؛ لأنه لا ذنب له. كذا في «المحيط»

(11)

.

[158/ ب](اللهم اجعله لنا فرطًا)

(12)

أي: أجرًا يتقدّمنا، وأصل الفارط الفرط فيمن يتقدّم الواردة، ومنه الحديث:«أنا فرطكم على الحوض»

(13)

أي:/ متقدمكم

(14)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(2)

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1/ 483)، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن كبر خمسًا، رقم (1506)، قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 4/ 6): صحيح لغيره.

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 114، 115.

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 329.

(5)

علي بن يحيى بن محمد، أبو الحسن الزندويستي البخاري: فقيه، له "روضة العلماء ونزهة الفضلاء" في شستربتي (3868)، و"نظم" في فقه الحنفية ذكره العجمي. (الأعلام للزركلي: 5/ 31).

(6)

في (ب): " سمع ".

(7)

في (ب): " تكبيرات ".

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 114، 115.

(9)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 329.

(10)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(11)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 328.

(12)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(13)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (8/ 119)، كتاب الرقاق، باب في الحوض، رقم (6575). ومسلم في «صحيحه» (4/ 1792)، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته، رقم (2289).

(14)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 125.

ص: 139

(وذخرًا)

(1)

، أي: خيرًا باقيًا

(2)

.

(واجعله لنا شافعًا مشفّعًا)

(3)

أي: مقبولًا شفاعته، وقال أبو يوسف: يكبّر حين يحضر، وتفسير المسألة على قوله، فإنّه لما جاء، وقد كبّر الإمام تكبيرة الافتتاح كبّر هذا الرجل حين حضر تكبيرة الافتتاح، فإذا كبّر الإمام الثانية تابعه فيها، ولم يصر مسبوقًا بشيء، وعندهما لا يُكبّر تكبيرة الافتتاح حين حضر، ولكن ينتظر حتّى يكبّر الإمام الثانية فيكبّر معه التكبيرة الثانية، ويكون هذا التكبير تكبيرة الافتتاح في حق هذا الرجل، فيصير مسبوقًا بتكبيرة يأتي بها بعدما يسلم الإمام وجه قول أبي يوسف قوله صلى الله عليه وسلم:«اتبع إمامك في أي حال أدركته»

(4)

، وقاس هذا بسائر الصلوات، فإن المسبوق يكبّر للافتتاح فيها حين ينتهي إلى الإمام فهذا مثله، وكذلك لو كان واقفًا خلف الإمام، فتأخّر تكبيرة عن تكبيرة الإمام، ثم ينتظر أن يكبّر الإمام الثانية بالاتفاق فهذا مثله، ومذهبنا مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، والمعنى فيه هو أن هذه تكبيرة من تكبيرات صلاة الجنازة لم يُدركها مع الإمام، فلا يأتي بها قبل [سلام]

(5)

الإمام قياسًا على التكبيرة الثانية، فإنّه لو كان مسبوقًا بتكبيرتين، وقد كبّر تكبيرة الافتتاح على قول أبي يوسف رحمه الله لا يأتي بالثانية ما لم يسلم الإمام فكذا هذا؛ لأن كل تكبيرة في الصلاة على الجنازة قائمة مقام ركعة بدليل أنّه لو

(6)

ترك واحدة من هذه التكبيرات لا يجزئه صلاته كما لو ترك ركعة من الظهر، ولهذا قيل: أربع كأربع الظهر، فلو لم ينتظر تكبيرة الإمام [حين جاء]

(7)

كان قاضيًا ما فاته قبل أداء ما أدرك مع الإمام، وذلك منسوخ، إلا أن أبا يوسف يقول في تكبيرة [الافتتاح]

(8)

: معنيان: معنى الافتتاح والقيام مقام ركعة، ومعنى الافتتاح يرجّح فيها بدليل تخصيصها برفع اليد عندها، ثم الجواب لهما عمّا لو كان حاضرًا خلف الإمام

(9)

.

قلنا: تكبيرة من صلاة الجنازة لم يدركها مع الإمام، وإذا كان حاضرًا مع الإمام فقد أدركها، فكان له أن يأتي بها، وليس كسائر الصلوات؛ لأن في سائر الصلوات متى كبّر تكبيرة الافتتاح لا يكون متقدّمًا على الإمام بركعة بخلاف ما نحن فيه

(10)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 125.

(3)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(4)

أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (2/ 279 - 3362).

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

في (ب): " إذا ".

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 119، 120.

(10)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 332، 333.

ص: 140

وفائدة الخلاف: أنّ الإمام إذا سلّم يكبّر المسبوق عند أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- تكبيرة؛ لأنه صار مسبوقًا بها قبل أن يرفع الجنازة، وعند أبي يوسف رحمه الله يسلّم مع الإمام؛ لأنه لم يصر مسبوقًا بشيء، ولو كان مسبوقًا بأربع ركعات، وجاء قبل أن يسلّم الإمام، فإنّه لا يكون مدركًا للصلاة على قولهما؛ لأنه لو كبّر صار مشتغلًا بقضاء ما سبق به قبل فراغ الإمام، وإذا سلّم الإمام فاتته الجنازة على قول أبي يوسف رحمه الله يكبّر، ويشرع في صلاة الإمام، ثم يأتي بالتكبيرات بعدما سلّم قبل أن يرفع الجنازة قالوا: وهذا على قول أبي حنيفة رحمه الله، وأمّا قول محمّد يدخل في صلاة الإمام فرق محمّد بين ما إذا أدرك الإمام بعد الرابعة، وبين ما [لو]

(1)

أدركه بعد الثالثة قال بعد الثالثة: لا يكبّر ما لم يكبّر الإمام [الرابعة]

(2)

، وقال: هاهنا يكبّر؛ لأنه لو انتظر الإمام هاهنا فاتته الصلاة؛ لأن الإمام لا يكبّر، وبعد الثالثة يكبّر الإمام، فينتظر الإمام كي لا يصير مؤديًّا قبل فراغ الإمام. كذا في «المبسوطين»

(3)

، و «المحيط»

(4)

.

(لأنّه موضع القلب، وفيه نور الإيمان)

(5)

قال الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}

(6)

، وإنما يصلّى عليه لإيمانه، فيجب تقديمه في موضع الشفاعة؛ إشارة إلى أنا نشفع لإيمانه حتّى يتجاوز عن سيئاته

(7)

.

(ومن المرأة بحذاء وسْطها)

(8)

بسكون السين هكذا كان معربًا بخط شيخي رحمه الله، فإن الوسط بالسّكون اسم مبهم لداخل الشيء، ولذا كان ظرفًا يقال: جلست وسطها بالسكون بخلاف المتحرك، فإنّه اسم لعين ما بين طرفي الشيء، وهاهنا للمبهم، ويقال: نعش [على جنازتها، أي: اتخذ لها نعش]، وهي شبه المخفة مسبّك يطبق على المرأة إذا وضعت [على]

(9)

الجنازة

(10)

. كذا في «المغرب»

(11)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 119، 120.

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 332، 333.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(6)

سور الزمر من الآية: (22).

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 126.

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 127.

(11)

(2/ 310 - مادة "نعش").

ص: 141

(فإن صلّوا [على جنازة]

(1)

رُكبانًا أو قعودًا في القياس يجزئهم؛ لأنها دعاء)

(2)

في الحقيقة، ولأنّ ركن القيام [معتبر بسائر الأركان]

(3)

كالقراءة، والركوع، والسجود، وذلك ساقط في صلاة الجنازة فكذا القيام، وفي الاستحسان عليهم الإعادة؛ لأن فيها شيئين التكبير، والقيام، فكما/ أن ترك التكبير بمنع الاعتداد به فكذلك ترك القيام، ولأنّها صلاة مكتوبة، قال صلى الله عليه وسلم:«صلوا على كلّ ميت»

(4)

، ويشترط لها من الشرائط ما يُشترط لسائر الصلوات من الطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، وغيرها، وشيء منها لا يشترط للأدعية، فلا يجوز راكبًا كما في سائر الفرائض، كذا ذكره الإمام السرخسي

(5)

، وقاضي خان رحمه الله

(6)

.

[159/ أ] ولو أن ّصبيًّا حمل في سفط على دابة، وصلّوا عليها، وهو على الدّابة لم تجزهم استحسانًا؛ لأنّهم أمروا بالصلاة على الجنازة، وهم إنما صلّوا على الدّابة، وجازت قياسًا، فكان القياس، والاستحسان هناك نظيرهما هاهنا إلا أنّ الراكب [هاهنا]

(7)

المصلي، وهناك الميّت ذكره في نوادر صلاة «المبسوط»

(8)

.

(ولا بأس بالإذن في صلاة الجنازة)

(9)

يعني: إذن الولي غيره في التقدم بالإمامة

(10)

.

(وفي بعض النسخ)

(11)

، أي: في بعض نسخ «الجامع الصغير» : لا بأس بالآذان في الجنازة، يعني: إعلام الأقارب، والجيران، قال صلى الله عليه وسلم:«إذا مات أحدكم فآذنوني الصلاة»

(12)

، أي: أعلموني، وقد استحسن بعض المتأخرين النداء في الأسواق للجنازة كي يرغب الناس في الصلاة عليها، وكره ذلك بعضهم، والأوّل هو الأصحّ. كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان

(13)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

أخرجه ابن ماجة في سننه، باب في الصلاة على أهل القبلة (1/ 488) برقم (1525)، والدارقطني في سننه، باب صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه (2/ 403) برقم (1766)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته (ص 509) برقم (3482).

(5)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 124، 125.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 127.

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 230.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 90.

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 127.

(11)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(12)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 87)، كتاب الجنائز، باب صفوف الصبيان مع الرجال في الجنائز، رقم (1321). ومسلم في «صحيحه» (2/ 659)، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، رقم (956).

(13)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 127، 128، تبيين الحقائق: 1/ 239، 240.

ص: 142

قال الإمام الهندواني رحمه الله

(1)

: لا يتأدّى في السّوق

(2)

؛ لأنه عادة [أهل]

(3)

الجاهلية إلا أنّ يكون الميت عالمًا أو زاهدًا، وقال

(4)

الإمام الحلواني رحمه الله: وإنما أورد هذه المسألة؛ لأن البعض كرهوا ذلك؛ لأنه إعلام بالمصيبة. كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(5)

.

قوله رحمه الله: (لقوله صلى الله عليه وسلم: «من صلى على جنازة في المسجد فلا أجر له»

(6)

(7)

؛ يحتمل أن يكون قوله: (في المسجد) طرف الصلاة يحتمل طرف جنازة، ولذا اختلف حكم المسألة حيث قال: وفيما إذا كان الميّت خارج المسجد اختلف

(8)

المشايخ، ولكن ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله بعدم الكراهة مطلقًا، وقال الشافعي رحمه الله: يكره على أيّ جهة

(9)

كان؛ لما رُوي أنّ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما مات أمرت عائشة رضي الله عنها بإدخال جنازته المسجد حتى صلى عليها أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالت لبعض من حولها: «هل عاب الناس علينا ما فعلنا؟ قال: نعم، فقالت:[ما أسرع]

(10)

ما نسوا ما صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة سهيل بن البيضاء

(11)

إلا في المسجد»

(12)

، ولأنّها دعاء أو صلاة فالمسجد أولى به من غيره، ولنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم:«من صلّى على جنازة في المسجد فلا أجر له»

(13)

،

(14)

ولا أثر للمعنى بمقابلة النص، وحديث عائشة دليلنا؛ لأن الناس في زمانها المهاجرون، والأنصار، وقد عابوا عليها، فدلّ أنّه كان معروفًا فيما بينهم كراهة هذا، وتأويل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنّه كان معتكفًا في ذلك الوقت فلم يمكنه أن يخرج، وأمر بالجنازة فوضعت خارج المسجد، وعندنا إذا كانت الجنازة خارج المسجد لم يكره أن يُصلّى [الناس]

(15)

عليها في المسجد. كذا في «المبسوط»

(16)

.

(1)

أبو جعفر البلخي، وقد سبق ترجمته (ص 57).

(2)

في (ب): " الأسواق ".

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

في (ب): "وذكر ".

(5)

ينظر: رد المحتار: 2/ 193.

(6)

أخرجه أبو داود في «سننه» (3/ 182)، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد، رقم (3193)، وابن ماجه في «سننه» (1/ 486)، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الجنازة في المسجد، رقم (1517)، قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 4/ 17): حسن.

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(8)

في (ب): " اختلاف ".

(9)

في (ب): " وجه ".

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

سهل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي يقال له: ابن البيضاء، والبيضاء أمه. مات في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 171، التاريخ الكبير: 4/ 103، الإصابة في تمييز الصحابة: 3/ 207.

(12)

أخرجه مسلم في «صحيحه» (2/ 668)، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد، رقم (973)، من حديث عباد بن عبد الله بن الزبير.

(13)

سبق تخريجه في (ص 258).

(14)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 128.

(15)

[ساقط] من (ب).

(16)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 122.

ص: 143

(ومن استهلّ)

(1)

بفتح التاء على بناء الفاعل؛ لأن المراد هنا رفع الصوت لا الإبصار ذكر في «المغرب»

(2)

: أهلّوا الهلال، واستهلّوه رفعوا أصواتهم عند رؤيته، ثم قيل: أهلّ الهلال، واستهلّ مبنيًّا للمفعول فيهما إذا أبصر، واستهلال الصبي أن يرفع صوته بالبكاء عند ولادته، ومنه الحديث: «إذا استهلّ الصبي ورف

(3)

، وقول من قال: هو أن يقع حيًّا

(4)

.

(تدريس) أي: هو تعليم من حيث التقرير في أنّ له حياة لا أن تشهد له اللغة.

وذكر في «الإيضاح»

(5)

: والاستهلال أن يكون منه ما يدلّ على حياته من بكاء، أو تحريك عضو، أو طرف عين، وإن

(6)

لم يستهل أدرج في خرقة، ولم يُصلَّ عليه، وعن أبي يوسف رحمه الله: يغسل، ولا يُصلّى عليه، وكذا [عن محمد]

(7)

،

(8)

وبه أخذ [الطحاوي

(9)

، وفي رواية أخرى عن محمد: أنّه لا يغسل، ولا يصلّى عليه، وبه أخذ]

(10)

الكرخي؛ لأن المنفصل ميتًا في حكم جزء لا يُصلّى عليه، فكذا لا يغسل وجه رواية أبي يوسف رحمه الله: أن المولود ميتًا نفس مؤمنة، ومن النفوس من يغسل، ولا يُصلّى عليه، [وكذا عن محمد، وبه أخذ الطحاوي

(11)

، وفي رواية أخرى عن محمد: أنه لا يغسل، ولا يصلي عليه]

(12)

، فيجوز [ذلك]

(13)

أن يكون بهذه الصفة، وما قالوا: بأنّ المولود ميتًا في حكم الجزء.

[159/ ب] قلنا: إنّه في حكم الجزء من وجه، وفي حكم النفس من وجه، فيعطي له حظ [من]

(14)

الشبهين. فلاعتباره بالنفوس. قلنا: إنّه يغسل. ولاعتباره بالإجزاء، قلنا:/ لا يصلى عليه، وأمّا السقط الذي لا

(15)

يتم أعضاؤه، ففي غسله اختلاف المشايخ، والمختار: أنه يغسل، ويلف في خرقة. كذا في «المحيط»

(16)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(2)

(2/ 388 - مادة "هلل").

(3)

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1/ 483)، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الطفل، رقم (1508)، من حديث جابر رضي الله عنه. قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 4/ 8): صحيح.

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 130، 131.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(6)

في (ب): " ومن ".

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 131.

(9)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 298.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 298.

(12)

[ساقط] من (ب).

(13)

[ساقط] من (ب).

(14)

[ساقط] من (ب).

(15)

في (ب): " لم ".

(16)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 298.

ص: 144

(وإذا سبى صبي مع أحد أبويه فمات لم يصلّ عليه إلا أن يقرّ بالإسلام، وهو يعقل)

(1)

؛ لأن الولد يتبع الأبوين [في الدين]

(2)

قال صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودّانه، أو ينصّرانه، أو يمجسّانه حتى يُعرب عنه لسانه إما شاكر، وإمّا كفور»

(3)

، أراد بالفطرة الدين الذي ران يوم الميثاق، فثبت أن الدين يثبت بطريق التبعية

(4)

. وقال الإمام المحبوبي رحمه الله: يعني في حكم الدنيا، ثم التبعية على مراتب، وأقواها تبعية الأبوين أو أحدهما، ثم الدار؛ لأن الأبوين سبب لوجوده، والدار موضعه، فالدّار مع أحد الأبوين بمنزلة الشرط مع العلة، ولهذا كانت الحضانة لهما، ثم بعد الأبوين يكون إلى أهل الدار، يعني: إذا لم يكن معه أحد أبويه يكون مسلمًا تبعًا للدار؛ لأن للدار أثرًا في الاستتباع، كما في لقيط يوجد في الدّار حيث يجعل على دين أهل الدّار، فإن قيل: لما كان لكلّ واحد منهما أثر في [تأثير الدار في]

(5)

الاستتباع هلا يجعل تبعًا للدّار حتى يحكم بإسلامه ترجيحًا للإسلام كالأبوين إذا كان أحدهما مسلمًا؟.

قلنا: تأثير الدار في الاستتباع دون تأثيير الولاد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم باستتباع الأبوين دون الدار مع قيام الدّار

(6)

، كذا في «الفوائد الظهيرية»

(7)

.

ثم بعد الدار يعتبر اليد حتى لو وقع من الغنيمة صبي في سهم رجل في دار الحرب، فمات يصلّى عليه، ويجعل مسلمًا تبعًا لصاحب اليد، وإذا سُبي مع أحد أبويه لم ينقطع ببقية الأبوين، فلا يجعل مسلمًا تبعًا [للدّار، فلا يصلّى عليه إلا إذا أقرّ بالإسلام، وهو يعقل، وكذا لو أسلم أحد أبويه يجعل مسلمًا تبعًا]

(8)

سواء كان صغيرًا عاقلًا، أو لم يكن عاقلًا؛ لأن الولد يتبع خير الأبوين دينًا. كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان

(9)

، و «المحيط»

(10)

إلا أنّه ذكر في «المحيط»

(11)

عند انعدام أحد الأبوين يكون تبعًا لصاحب اليد، وعند انعدام صاحب اليد يكون تبعًا للدار، وجعل الإمام قاضي خان تبعية الدار مقدّمة على تبعية صاحب اليد على ما ذكرنا

(12)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 100)، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، رقم (1385). ومسلم في «صحيحه» (4/ 2047)، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، رقم (2658)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 339.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 132.

(7)

ينظر: تبيين الحقائق: 1/ 243، شرح فتح القدير: 2/ 132.

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 133.

(10)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 340.

(11)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 340.

(12)

ينظر: البحر الرائق: 2/ 204.

ص: 145

وفي «المحيط» أيضًا

(1)

: إذا سُبي معه أبواه لم يصلّ عليه حتّى يقرّ بالإسلام، وهو يعقل [يعني: يعقل]

(2)

صفة الإسلام، وصفته ما ذكر في حديث جبريل صلى الله عليه وسلم:«أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والبعث بعد الموت، والقدر خيره، وشره من الله»

(3)

، وهذا يدل على أنّ من قال: لا إله إلا اله لا يكون مسلمًا حتى يعلم صفة الإسلام، وكذا إذا اشترى جارية، واستوصفها صفة الإسلام فلم تعلم، فإنّها لا تكون مؤمنة.

وفي «الجامع الصغير» لأبي اليسر رحمه الله

(4)

: ثم أولاد المسلمين إذا ماتوا حال صغرهم قبل أن يعقلوا، ويكونون في الجنّة، فإنّ فيهم أحاديث كثيرة [أكثرها]

(5)

من المشاهير، وبالأحاديث يتبين أنّهم قالوا على يوم أخذ الميثاق عن اعتقاد، وقد رووا عن أبي حنيفة رحمه الله التوقف [فيهم]

(6)

، وهو مردود على الراوي، فإن محمدًا رحمه الله روى عن أبي حنيفة رحمه الله في «آثار أبي حنيفة» أن الذين يصلّون على جنازة أولاد المسلمين، وهم صغار يقولون بعد التكبيرة الثالثة:"اللهمّ اجعله لنا فرطًا، اللهم اجعله لنا ذخرًا، اللهمّ اجعله لنا شافعًا مشفعًا"، وهذا قضاء منه بإسلامهم، وأمّا أولاد الكفار إذا ماتوا قيل: يعقلوا اختلف فيه أهل السنة، والجماعة. روي عن محمد أنّه قال: إني أعرف أن الله لا يعذب أحدًا من غير ذنب، وبعضهم قالوا: يكونون في الجنة خدّامًا للمسلمين، وبعضهم قالوا: إن كان قال: بلى يوم أخذ الميثاق عن اعتقاد يكون في الجنة، وإن كان عن غير اعتقاد يكون في النار، وقد روي عن أبي حنيفة أنّه توقف فيهم، ووكّل أمرهم إلى الله تعالى، وإذا مات الكافر، وله ولي مسلم يغسله ذكر الولي مطلقًا، فيتناول كل قريب له من ذوي الأرحام مثل الأخ، والأخت، والعم، والعمّة، والخال، والخالة، وغيرهم، والإطلاق لفظ «الجامع الصغير» .

[160/ أ] وذكر في الأصل: كافر مات وله ابن مسلم تولّى المسلم أمره من الغسل، والتكفين، والدّفن إذا لم يكن هناك من يتولى أمره، ويقوم به من المشركين من أقربائه، فإن كان ثمة أحد من أقربائه على ملّته حُلّى المسلم بينه، وبينهم؛ ليصنعوا به ما يصنعون بموتاهم بذلك أمر علي/ رضي الله عنه في حق أبيه، فإنّه لما مات أبو طالب جاء عليّ رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله، إن عمك الضال قد مات، فقال صلى الله عليه وسلم:«اغسله، وكفّنه، ووارّه، ولا تحدث به حدثًا حتى تلقاني»

(7)

أي: لا تصلّ عليه، وسأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما أنّ أمي ماتت نصرانيّة، فقال:«اتبع جنازتها، وغسلها، وكفّنها، ولا تصلّ عليها، وادفنها»

(8)

،

(9)

ولأن هذه من جملة المصاحبة بالمعروف، والمبرة كيلا يتركه طعمة للسباع، والولد المسلم مندوب إلى برّ والديه، وإن كانا مشركين قال الله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}

(10)

، والمراد به الوالدان المشركان بدليل قوله:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي}

(11)

من الإحسان، والبر في حقّه القيام بغسله، ودفنه

(12)

، ولم يبين في [هذا]

(13)

الكتاب أنّ الابن المسلم إذا مات، وله أب كافر هل يمكّن أبوه الكافر من القيام بغسله وتجهيزه؟ وينبغي أن لا يُمكّن من ذلك، بل يفعله المسلمون.

(1)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 340، 341.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (1/ 19)، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، رقم (50). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 341.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 131 – رقم 1093)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف.

(8)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 398 - رقم 6459).

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 132، 133.

(10)

سورة العنكبوت من الآية: (8).

(11)

سورة لقمان من الآية: (15).

(12)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 14/ 63.

(13)

[ساقط] من (ب).

ص: 146

ألا ترى أنّ اليهودي لما آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «ولُّوا أخاكم» ، ولم يخل بينه وبين والده اليهودي

(1)

، ويكره أن يدخل الكافر في قبر قرابته من المسلمين ليدفنه؛ لأن الموضع الذي فيه الكافر ينزل فيه اللعن، والسُّخط، والمسلم يحتاج إلى نزول الرّحمة في كلّ ساعة، فينزّه قبره من ذلك. كذا في «المحيط»

(2)

.

وذكر الإمام التمرتاشي: لو كان هناك من يقوم بذلك من أقاربه الكفرة، فالأولى للمسلم أن يدع ذلك لهم، ولكن يتبع الجنازة إن شاء إلا إذا كان مع الجنازة كفّار، فينبغي أن يمشي بأخيه ناحية منهم، أو أمام الجنازة ليكون معتزلًا عنهم، وقول محمد: وله وليّ مسلم عاب ليه بعض الناس هذا اللفظ حيث أثبت الولاية بين الكافر، والمسلم، والله تعالى نفى ذلك بقوله:{لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}

(3)

، والجواب عنه:[أنه]

(4)

أراد

(5)

بالولاية القرابة

(6)

، وذكر الإمام الكُشاني

(7)

، والمحبوبي: والكافر الميت إنما يغسّل؛ لأنه السنة في عامة بني آدم، ولأنّه حال رجوعه إلى الله، فيكون ذلك حجّة عليه لا تطهيرًا حتى لو وقع الكافر الميّت [الغسيل]

(8)

في الماء القليل أفسد الماء بخلاف المسلم، فإنّه لا ينجّس الماء القليل إذا غسل، وينجّس قبل الغسل

(9)

.

وكذلك لو صلّى، وهو حامل ميت مسلم إن كان قبل الغسل لم يجز صلاته، وإن كان غسيلًا جاز بخلاف الكافر حيث لا يجوز لا قبل الغسل، ولا بعده، والكافر كالخنزير غير أنّه لم ينجس حال حياته لحمل أمانة الله، ولاحتمال الإسلام، فلما ختم له بالشقاوة [صار]

(10)

شرًّا من الخنزير

(11)

.

(1)

أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (6/ 272).

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 353.

(3)

سورة المائدة من الآية: (51).

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

في (ب): "أراد محمد".

(6)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 6/ 216.

(7)

مسعود بن الحسن بن الحسين بن محمد بن إبراهيم الكشاني، والد محمد أبو سعد ركن الدين الخطيب. روى عن الشيخ سيف الدين أبي محمد عبدالله بن علي الكندي والخطيب أبي نصر محمد بن الحسن الباهلي وشمس الأئمة السرخسي روى عنه الإمام الصدر الشهيد حسام الدين أبو المعالي عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازة والشيخ ظهير الدين أبو المحاسن المرغيناني قال أبو سعد في الأنساب: روى لنا عنه ببخارى ابنه محمد الكشاني ومحمود بن أحمد بن الفرح الساغرجي بسمرقند وجماعة سواهما، مات سنة عشرين وخمس مائة له ثلاث وسبعون سنة. (الجواهر المضية: 2/ 168).

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

ينظر: الفتاوى الهندية: 1/ 160.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

ينظر: البحر الرائق: 1/ 243.

ص: 147

وفي «الخلاصة» : وأمّا المرتد إذا قتل يحفر حفيرة، ويُلقى فيها كالكليب، ولا يدفع إلى من انتقل إلى دينهم؛ ليدفنوه بخلاف اليهود، والنصارى

(1)

.

قوله رحمه الله: (لكن يغسل غسل الثوب النجس)

(2)

يعني: لا يغسل كغسل المسلم من البداية بالوضوء، والبداية بالميامن، فإنّه كان كذا يتوضأ في حال حياته، ولكن يصبّ عليه الماء على الوجه الذي يغسل النجاسات، ولا يكون الغسل طهارة له، بل لما ذكرنا من المعنيين، والله أعلم بالصواب

(3)

.

‌فصل حمل الجنازة

قوله رحمه الله: (بذلك وردت السنة)

(4)

، وهي ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه:«من السنّة أن تحمل الجنازة من جوانبها الأربعة»

(5)

، ولأنّ عمل الناس اشتهر بهذه الصفة، وهو أيسر على الحاملين المتداولين بينهم، وأبعد عن تشبيه حمل الجنازة بحمل الأثقال، وقد أُمرنا

(6)

بذلك، ولهذا كره حملها على الظهر أو على الدّابة، وتأويل ما رواه الشافعي أنه كان لضيق الطريق، أو لعور الحاملين. كذا في «المبسوط»

(7)

.

قوله: (والصيانة)

(8)

أي: عن السقوط

(9)

.

وذكر شيخ الإسلام، والإمام المحبوبي -رحمهما الله-، فما روي:«أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ رضي الله عنه بين العمودين»

(10)

، فإنّما فعل ذلك لضيق الطريق حتّى روي أنّه صلى الله عليه وسلم كان يمشي على رؤوس أصابعه، وصدور قدميه لازدحام الملائكة، وعندنا في حالة الضرورة؛ لضيق [الطريق]

(11)

، أو لقلة الحاملين

(12)

. [كذا في «المبسوط»

(13)

.

(1)

ينظر: شرح فتح القدير: 2/ 132.

(2)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 133.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(5)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 19 - 6625).

(6)

في (ب): "أمر".

(7)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 100.

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 133.

(10)

أخرجه البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (5/ 264 - 7470). قال ابن الملقن في (خلاصة البدر المنير 1/ 257): قال البيهقي: وأشار الشافعي إلى عدم ثبوته، قال الرافعي: ونقل حمل الجنازة عن الصحابة. وقد رواه الشافعي بسند صحيح من فعل سعد بن أبي وقاص و بأسانيد ضعيفة من فعل عثمان وابن عمر وابن الزبير وأبي هريرة زاد البيهقي والمطلب.

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 134، 135.

(13)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 100.

ص: 148

(والصيانة)

(1)

أي: أن يكن السقوط، وذكر شيخ الإسلام، والإمام المحبوبي، وما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ رضي الله عنه

(2)

بين العمودين، فإنها فعل ذلك لضيق الطريق، حتى روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يمشي على

أصابعه، وصدور قدميه لازدحام الملائكة، وعدنا في حالة الضرورة، لضيق الطريق، أو لقلة الحاملين]

(3)

،

(4)

لا بأس بأن يحمل الجنازة رجلان، أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك؛ لأنه كان يأمن انقلاب الميت متى دخل بين العمودين لقوّته، فإن لكل نبي قوة أربعين رجلًا، ولنبيّنا صلى الله عليه وسلم قوة أربعين نبيًّا، وعندنا كراهة الحمل بين العمودين لما فيه من تعريض الميت للسقوط، وهذا جواب عما قاله الشافعي أن حمل الجنازة عبادة، والحمل/ على ما قلته أشق على البدن، وما كان أشق على البدن من العبادات فهو أفضل؛ لأنّا نقول: إن كان ذلك على الحامل أشق، ففيه تعريض الميت للسقوط، وكان صيانة الميّت عن السقوط أولى من اكتساب زيادة المشقّة لزيادة الثواب؛ لأن ذلك في وصف العبادة، وهذا في أصلها

(5)

.

[160/ ب](ويمشون به مسرعين دون الخبب)

(6)

الخبب ضرب من العَدْو دون العَنقِ؛ لأن العنق خطو فسيح واسع. كذا في «المغرب»

(7)

.

وإنّما كان هكذا الماوردي

(8)

: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن المشي بالجنازة فقال: «ما دون الخبب، فإن يكن خيرًا عجّلتموه إليه، وإن يكن شرًّا وضعتموه عن رقابكم، -أو قال- فبعدًا لأهل النار»

(9)

، ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: لما حضره الموت [قال]

(10)

اسرعوا بي إلى قبري، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم[أنّه]

(11)

قال: «إن العبد الصالح إذا وضع على السّرير يقول: قدّموني، وإذا وضع العبد السيء

(12)

على السّرير يقول: يا ويلي أين تذهبون بي»

(13)

، وإنما يكره الخبب؛ لأن فيه ازدراءً بالميت، وإضرارًا بمن يتبعه، ثم المشي قدّام الجنازة لا بأس به، والمشي خلفها أفضل عندنا

(14)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(2)

سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس، الأوسي الأنصاري: من أهل المدينة. كانت له سيادة الأوس، وحمل لواءهم يوم بدر. رمي بسهم يوم الخندق، فمات من أثر جرحه. ودفن بالبقيع، وعمره سبع وثلاثون سنة. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 146، الإصابة في تمييز الصحابة: 3/ 84، تهذيب الكمال: 10/ 300.

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 133.

(5)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 322.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(7)

(1/ 241 - مادة "خبأ").

(8)

علي بن محمد بن حبيب، أبو الحسن الماوردي: أقضى فضاة عصره. من العلماء الباحثين، من أصحاب التصانيف الكثيرة النافعة. ولد في البصرة سنة 364 هـ، وانتقل إلى بغداد. وولي القضاء في بلدان كثيرة، وكان يميل إلى مذهب الاعتزال، وله المكانة الرفيعة عند الخلفاء، نسبته إلى بيع ماء الورد، ووفاته ببغداد سنة 450 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: 18/ 64، طبقات الفقهاء الشافعية: 2/ 636، الأعلام للزركلي: 4/ 327.

(9)

أخرجه الترمذي في «سننه» (3/ 332)، كتاب الجنائز، باب المشي خلف الجنازة، رقم (1011). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن الترمذي: 3/ 11): ضعيف.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

في (ب): " الشر ".

(13)

أخرجه النسائي في «سننه» (4/ 40)، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، رقم (1908). وأخرجه أحمد في «مسنده» (2/ 292 – 7901)، قال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن.

(14)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 322.

ص: 149

وقال الشافعي رحمه الله: المشي أمامها أفضل لما روي: «أنّ أبا بكر، وعمر رضي الله عنهما كانوا يمشيان أمام الجنازة»

(1)

، ولأن القوم شفعاء

(2)

الميت، والشفيع يتقدّم في العادة على من يشفع له، ولنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنه كان يمشي خلف جنازة سعد ابن معاذ»

(3)

، وأن علي بن أبي طالب كان يمشي خلف الجنازة فقيل له:«إن أبا بكر، وعمر رضي الله عنهما كانا يمشيان أمامها، فقال: يرحمهما الله قد عرفا أنّ المشي خلفها أفضل، ولكنّهما أرادا أن ييسر الأمر على النّاس»

(4)

، معناه: أنّ الناس يتحرّزون عن المشي أمامهما، فلو اختارا المشي خلفها لضاق الطريق على من يشيعها، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «فضل المشي خلف الجنازة على المشي

(5)

أمامها كفضل المكتوبة على النافلة»

(6)

، ولأنّ المشي خلفها

(7)

أوعظ، فإنّه ينظر إليها، ويتفكّر في حال نفسه، وربّما يحتاج إلى التعاون في حملها، وقال

(8)

: إنّ القوم شفعاء، فيشكل بحال الصّلاة، فإنّ الميت يتقدّم على القوم مع كون القوم شفعاء له، فكذا حالة المشي، والشفيع إنّما يتقدّم على من يشفع له في العادة للتحرز عن تعجيل من يطلب منه الشفاعة بعقوبة من يشفع له حتّى يمنعه من ذلك إذا عجّل به، وذلك لا يتحقّق هاهنا. كذا في «المبسوطين»

(9)

.

وقال الإمام البقالي

(10)

: المشي أمام الجنازة واسع ما لم يتباعد عنها، ويكره أن يتقدّم الكلّ عليها، وفي موضع لا يمشي يمينها، وشمالها، ويكره لمشيها رفع الصوت بالذكر، والقراءة؛ لأنه فعل الكتابي، ويذكر في نفسه، والتشبّه بالكافر فيما لنا منه برّ مكروه. كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله

(11)

.

(1)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 25 - 6659) من حديث عبد الرحمن بن أبزى.

(2)

في (ب): " شفيع ".

(3)

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (6/ 161 – 5863)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. وفيه:«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمشي خلف الجنازة» .

(4)

أخرجه أحمد في «مسنده» (2/ 150 - 754)، قال شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره، وإسناده ضعيف لجهالة عبدالله بن يسار.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

أخرجه ابن حجر في (الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/ 237)، وفيه عن علي رضي الله عنه.

(7)

في (ب): " عليها ".

(8)

في (ب): " وقوله ".

(9)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 101، 102، العناية شرح الهداية 135.

(10)

محمد بن أبي القاسم بن بايجوك البقالي الخوارزمي الآدمي النحوي أبو الفضل، فقيه حنفي، الملقب زين المشايخ. قال ياقوت: كان إمامًا في الأدب، وحجة في لسان العرب، أخذ اللغة والإعراب عن الزمخشري وجلس بعده مكانه، وسمع الحديث منه ومن غيره. وله من التصانيف:"مفتاح التنزيل"، "الإعجاب في الإعراب"، "شرح أسماء الله تعالى"؛ وغير ذلك. مات في سلخ جمادى الآخرة سنة اثنتين وستين وخمسمائة عن نيف وسبعين سنة. ينظر: طبقات المفسرين للسيوطي: ص 102، وبغية الوعاة: 1/ 215، والأعلام للزركلي: 6/ 335.

(11)

ينظر: الفتاوى الهندية: 1/ 162، شرح فتح القدير: 2/ 136.

ص: 150

(وإذا بلغوا إلى قبره يكره أن يجلسوا قبل أن يوضع عن

(1)

أعناق الرجال)

(2)

فإذا وضعت عن الأعناق جلسوا، ويكره القيام، وإن كان القوم في المصلّى، فجيء بجنازة [تكلّموا]

(3)

قال بعضهم: يقومون لها إذا رأوها قبل أن يوضع، وقال بعضهم: لا يقومون، وهو الصحيح، وهو شيء كان في الابتداء، ثم انتسخ. كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان رحمه الله

(4)

.

(وكيفية الحمل أن يضع مقدَّم الجنازة على يمينك)

(5)

هذا لفظ «الجامع الصغير» ، بلفظ الخطاب، خاطب به أبو حنيفة أبا يوسف رحمه الله، قال يعقوب: رأيت أبا حينفة رحمه الله يصنع هكذا، قال الإمام المحبوبي، وهذا دليل تواضعه.

قلت: وقد حمل الجنازة من هو أفضل منه، بل أفضل جميع الخلائق، وهو نبيّنا صلى الله عليه وسلم فإنّه حمل جنازة سعد بن معاذ رضي الله عنه

(6)

على ما ذكرنا لما أنّ حمل الجنازة عبادة، فيجب على كلّ أحد أن يتبادر في العبادة

(7)

،

(8)

.

ثم اعلم أن في حمل الجنازة سنتين نفس السنة، وكمالها أمّا نفس السنة هي أن يأخذ الجنازة بقوائمها الأربع على طريق التعاقب بأن يحمل من كل جانب عشر خطوات، جاء في الحديث:«من حمل جنازة أربعين خطوة كفرت له أربعين كبيرة»

(9)

، وهذا يتحقق في حق الجميع، وأمّا كمال السنة فلا يتحقّق إلا في حق الواحد، وهو أن يبدأ الحامل بحمل يمين مقدّم الجنازة؛ إذ ليس لمقدم الجنازة إلا يمين واحد فلذلك لا يكون البداية بها إلا للواحد

(10)

.

[161/ أ] فلذلك قال في «المبسوط»

(11)

: ومن أراد كمال السنة في حمل الجنازة [إلا يمين واحدة، ولذلك تكون البداية]

(12)

ينبغي أن يحملها من الجوانب الأربعة يبدأ بالأيمن/ المقدّم، ثم بالأيمن المؤخّر، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله: وإنما أراد باليمين المقدّم يمين الميت [ثم قال]

(13)

: فإذا حملت جانب السرير الأيسر فذلك يمين الميّت؛ لأن يمين الميّت على يسار الجنازة؛ لأن الميت وضع عليها على قفاه، فكان يمين الميّت يسارها، ويساره

(14)

يمينها، ثم المعنى في الحمل على هذا الوجه أمّا البداية بالأيمن المقدّم، وذلك يمين الميّت، ويمين الحامل؛ فلأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شيء

(15)

، والمقدّم أيضًا أوّل الجنازة، والبداية بالشيء إنما يكون من أوّله، ثم يتحوّل إلى الأيمن المؤخّر؛ لأنه [لو تحوّل]

(16)

إلى الأيسر المقدّم احتاج إلى المشي أمامها، والمشي خلفها أفضل، فلمّا مشى خلفها، وبلغ الأيمن المؤخّر حمله؛ لأن له رجحان التيامن أيضًا فبقي جانبان الأيسر المقدّم، والأيسر المؤخّر فيختار تقديم الأيسر المقدّم على الأيسر المؤخّر لمعنيين:

(1)

في (ب): " من ".

(2)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 366.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(6)

سبق تخريجه (ص 266).

(7)

في (ب): " الحمل ".

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 136.

(9)

أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (6/ 99 – 5920)، من حديث أنس رضي الله عنه. قال الهيثمي في (مجمع الزوائد: 3/ 126): رواه الطبراني في «الأوسط» ، وفيه علي بن أبي سارة وهو ضعيف.

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 136.

(11)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 100، 101.

(12)

[ساقط] من (ب).

(13)

[ساقط] من (ب).

(14)

في (ب): " يسار الميت ".

(15)

أخرجه النسائي في «سننه» (8/ 133)، كتاب الزينة، باب التيامن في الترجل، رقم (5059). من حديث عائشة رضي الله عنها، قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن النسائي: 11/ 131): صحيح.

(16)

في (ب): "لم يتحول".

ص: 151

أحدهما: أن للمقدّم فضلًا على المؤخّر كفضل الأيمن على الأيسر لسبقه على المؤخّر، والسّبق من أسباب الترجيح.

والثاني: هو أنّ في تقديم الأيسر المقدّم ختمًا بالأيسر المؤخّر، والختم بذلك أولى؛ ليبقى بعد الفراغ خلف الجنازة لما أنّ المشي خلفها [أفضل]

(1)

على ما ذكرناه، وهذه فوائد [مجموعة]

(2)

من إشارات شروح «الجامع الصغير» كـ: «جامع الصغير» للمحبوبي، وغيره، والله أعلم بالصواب

(3)

.

‌فصل في الدفن

أصل هذه الأفعال من الغسل، والتكفين، والدّفن في بني آدم عرف بفعل الملائكة في حقّ آدم صلى الله عليه وسلم، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «لما توفي آدم صلى الله عليه وسلم غسّلته الملائكة، وكفّنوه، ودفنوه ثم

(4)

قالوا لولده هذه سنّة موتاكم»

(5)

على ما ذكرنا من «التحفة»

(6)

، ويُلحد يحتمل أن يكون مجهول لحدًا، وألحد؛ لأن كلًّا منهما متعدّ يقال: لحد القبر، وألحده، وقبر ملحود، وملحد، ولحد للميت، وألحد له، أي: حفر له لحدًا، ولحد الميت، وألحده جعله في اللحد، واللحد هو الشق المائل في جانب القبر

(7)

. كذا في «المغرب»

(8)

.

ثم عندنا يلحد للميت، ولا يشق له

(9)

، وقال الشّافعي رحمه الله: يشقّ، ولا يلحد لتوارث أهل المدينة، فإنّهم توارثوا الشق دون اللّحد، واحتج علماؤنا بقوله صلى الله عليه وسلم:«اللحد لنا، والشق لغيرنا»

(10)

، ولأنّ الشق فعل [أهل]

(11)

اليهود، والتشبه بهم مكروه فيما منه بدّ، وكان بالمدينة حفاران: أحدهما يلحد، والآخر يشق، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوا في طلب الحفّار قال العباس:«اللهم خِرْ لنبيك فوجد الذي يلحد»

(12)

، ولا حجة له في توارث أهل المدينة؛ لأنّهم إنّما توارثوا ذلك لضعف أراضيهم بالبقيع، ولأجل هذا المعنى اختاروا الشق في ديارنا، فإنّ

(13)

في أراضي ديارنا ضعفًا، ورخاوة فينهار [إذا لحد]

(14)

، فاختاروا الشق؛ لهذا وصفة اللحد أن يحفر القبر بتمامه، ثم يحفر في جانب القبلة منه حفيرة فيوضع فيها الميّت، ويجعل [ذلك]

(15)

كالبيت المسقف، وصفة الشق أن يحفر حفيرة في وسط القبر، ويوضع فيها الميّت. كذا في «المبسوط»

(16)

، و «المحيط»

(17)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 136.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

سبق تخريجه (ص 238).

(6)

تحفة الفقهاء: 1/ 239، 240.

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 137.

(8)

(2/ 242 - مادة "لحد").

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

أخرجه أبو داود في «سننه» (3/ 204)، كتاب الجنائز، باب في اللحد، رقم (3210)، والترمذي في «سننه» (3/ 363)، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم اللحد لنا والشق لغيرنا، رقم (1045)، وابن ماجه في «سننه» (1/ 496)، كتاب الجنائز، باب ما جاء في استحباب اللحد، رقم (1554)، والنسائي في «سننه» (4/ 80)، كتاب الجنائز، باب اللحد والشق، رقم (2009). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 4/ 54): صحيح.

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 292 – 2661)، قال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره وإسناده ضعيف لضعف حسين بن عبدالله.

(13)

في (ب): " فكان".

(14)

في (ب): " اللحد ".

(15)

[ساقط] من (ب).

(16)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 110.

(17)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 347.

ص: 152

(ويدخل الميت مما يلي القبلة)

(1)

يعني: توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر، ويحمل منه الميّت فيُوضع في اللحد، وقال الشافعي رحمه الله: السنّة أن يُسلّ إلى قبره وصفة ذلك أن توضع الجنازة في مؤخر القبر حتى يكون رأس الميت بإزاء موضع قدميه من القبر، ثم يدخل الرجل الآخر القبر، فيأخذ برأس

(2)

الميت، ويُدخله القبر أولًا، ويسل كذلك. [كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» ، و «فتاوى قاضي خان» ، و «الخلاصة الغزالية»

(3)

.

وقال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: صورة السَّل أن توضع الجنازة في مقدم القبر حتى يكون رِجلا الميت بإزاء موضع رأسه من القبر، ثم يدخل الرجل الآخر القبر فيأخذ برجلي الميت، ويدخلهما القبر أولًا، ويسل كذلك]

(4)

. كذا في «المحيط»

(5)

، و «شرح الطحاوي»

(6)

.

[161/ ب] وما ذكره في «المبسوط» قريب من هذا أيضًا، ثم ذكر في «المبسوط»

(7)

: احتج الشافعي رحمه الله بما روي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سُلَّ إلى قبره»

(8)

، ولأنّه في حال حياته كان إذا دخل بيته بدأ برجله، والقبر بيته بعد الموت، فيُبدأ

(9)

بإدخال رجله فيه، ولنا ما روى إبراهيم النخعي رحمه الله

(10)

: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أُدخل قبره من قِبل القبلة»

(11)

، فإن صحّ هذا اتضح المذهب، وإن صحّ ما رووا، فقيل: إنما كان ذلك لأجل الضرورة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات

(12)

في حجرة عائشة رضي الله عنها من قبل الحائط، وكانت السنة دفن الأنبياء في الموضع الذي قبضوا فيه

(13)

، ولم يتمكنوا من وضع السّرير من قبل القبلة لأجل الحائط/ فلهذا سلّ إلى قبره، وعن ابن عباس رضي الله عنه[وعمر]

(14)

، وابن عمر رضي الله عنهما قالا

(15)

: «يُدخل الميّت إلى قبره من قِبل القبلة»

(16)

، سيكون وجوه الآخذين إلى القبلة قال صلى الله عليه وسلم:«خير المجالس ما استقبلت به القبلة»

(17)

. كذا في «المبسوط»

(18)

، و «[فتاوى]

(19)

قاضي خان»

(20)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 91.

(2)

في (ب): " برجلي ".

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 137، 138، المحيط البرهاني: 2/ 347.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 347.

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 137، 138.

(7)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 109، 110.

(8)

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1/ 495) كتاب الجنائز، باب ما جاء في إدخال الميت قبره، رقم (1552)، من حدبث أبي سعيد رضي الله عنه، قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 4/ 52): ضعيف.

(9)

في (ب): " فلهذا بدأ ".

(10)

إبراهيم بن زيد بن قيس بن الأسود، أبو عمران، من مذحج اليمن من أهل الكوفة، ومن كبار التابعين، أدرك بعض متأخري الصحابة، ومن كبارالفقهاء. قال عنه الصفدي: فقيه العراق. أحذ عنه حماد بن أبي سليمان وسماك بن حرب وغيرهما. ينظر: تذكرة الحفاظ: 1/ 70، الأعلام للزركلي: 1/ 76، الطبقات الكبرى: 6/ 188.

(11)

أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (3/ 499 – 6471).

(12)

في (ب): " دفن ".

(13)

أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (1/ 31 – 22)، من حديث أبي بكر رضي الله عنه.

(14)

[ساقط] من (ب).

(15)

في (ب): " قالوا".

(16)

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/ 81 - 11134)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

(17)

أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار- مسند عمر» (2/ 538 - 776) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(18)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 109، 110.

(19)

[ساقط] من (ب).

(20)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 138.

ص: 153

واضطربت الرواية في إدخال النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه روي عن ابن عباس مثل مذهبه، وروي عنه أيضًا مثل مذهبنا فقد تعارضت الروايات عنه، وصحّ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بإدخاله من قبل القبلة. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» رحمه الله

(1)

.

(بسم الله، وعلى ملة رسول الله)

(2)

أي: بسم الله وضعناك، وعلى ملّة رسول الله سلّمناك. كذا في «المبسوط»

(3)

حين وضع أبا دجانة في القبر، والصحيح: أنه وضع ذا النجادين؛ لأن أبا دجانة مات بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر هكذا ذكر في التواريخ كذا وجدت بخط شيخي رحمه الله، وإذا انتهى به إلى القبر، فلا بأس بأن يدخله وتر أو شفع، وقال الشافعي رحمه الله: السنّة هو الوتر اعتبارًا بالكفن، والغسل، والإجمار، [واحتج أصحابنا]

(4)

بما روي: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أُدخل قبره أدخله العباس، والفضل بن عباس

(5)

، وعلي، وصهيب

(6)

«رضي الله عنهما

(7)

، ولأنّه حمل الميت، فيكون السّنة هي الشفع قياسًا على الحمل الأول، واعتبار الحمل بالحمل أولى من اعتبار الحمل بالغسل، ولأنّ المقصود وضع الميّت في القبر، فإنّما يدخل قبره بقدر ما يحصل به الكفاية الشفع، والوتر سواء. كذا في «المبسوطين»

(8)

.

(ويوجّهه إلى القبلة [ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم)

(9)

روى عن]

(10)

علي رضي الله عنه أنّه قال: مات رجل من بني عبد المطلب، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا علي استقبل به القبلة استقبالًا، وقولوا جميعًا: بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله وضعوه لجنبه، ولا تكبّوه لوجهه، ولا تلقوه

(11)

لظهره»

(12)

. كذا في «المحيط»

(13)

، و «شرح الأقطع»

(14)

.

(1)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 138.

(2)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 109.

(4)

في (ب): " ولنا ".

(5)

الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي: من رجالات قريش، حزمًا وإقدامًا. كان أحد زعماء المدينة في ثورتها على بني أمية. وأظهر في وقعة الحرة بسالة عجيبة، وقتل فيها. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 329.

(6)

صهيب بن سنان بن مالك، من بني النمر بن قاسط: صحابي، من أرمى العرب سهمًا، وله بأس. وكان يعرف بصهيب الرومي، وهو أحد السابقين إلى الإسلام. ومات صهيب سنة ثمان وثلاثين وقيل سنة تسع. له 307 أحاديث. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 193، الإصابة في تمييز الصحابة: 3/ 449، سير الأعلام: 2/ 18.

(7)

أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (14/ 601 –رقم 6633)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 138، المبسوط للسرخسي: 2/ 109.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(10)

في (ب): "لأنه أمر".

(11)

في (ب): " تلقوا به ".

(12)

أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (3/ 497 - 6463).

(13)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 347.

(14)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 139.

ص: 154

(التسجية)

(1)

التغطية يسجى قبر المرأة

(2)

بثوب حتى يفزع من اللحد؛ لأنها عورة من فوقها إلى قدمها، فربّما يبدو شيء من [أثر]

(3)

عورتها.

ألا ترى أنّها خصّت بالنعش على جنازتها، وهو [شيء]

(4)

شبه المحفّة مسبّك يطبق على المرأة إذا وضعت على الجنازة، وقد صحّ أن قبر فاطمة

(5)

رضي الله عنها سُجي بثوب، ونعش على جنازتها

(6)

، ولم يكن للنعش في جنازة النساء حين ماتت فاطمة، فأوصيت قبل موتها أن تستر جنازتها فاتخذوا لها نعشًا من جريد النخل، فبقي سُنّة هكذا في جميع النساء، وإذا وضعت في اللحد استغنت عن التسجية، وإن كان رجلًا لا يُسجى قبره عندنا، وعند الشافعي يسجى لما روي:«أن النبي صلى الله عليه وسلم سجى قبر سعد بن معاذ رضي الله عنه»

(7)

، ولأصحابنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنّه [لما]

(8)

مرّ لميت، وقد سجى قبره فنزعه، وقال:«إنّه رجل» ، ولأن مبنى حال الرجل على الانكشاف فلا يُسجّى قبره إلا لضرورة، وهي ضرورة دفع الحر، أو الثلج، أو المطر عن الداخلين في القبر، وتأويل قبر سعد بن معاذ أنّه إنما سجى قبره؛ لأن الكفن كان لا يغمر

(9)

بدنه فسجى قبره حتّى لا يقع الاطلاع لأحد على شيء من أعضائه. كذا في «المحيط»

(10)

.

(ويُكره الآجر، والخشب)

(11)

هذا ظاهر الرواية، وبعضهم فرق بينهما، وقال: كراهة الآجر من حيث إنه مسته النّار فلا يتفائل به، وهذا المعنى معدوم في حق الخشب فلا يكره، ولكن هذا الفرق ليس بصحيح، فإن مساس النار في الآجر لا يصلح علة للكراهة، فإنّ السنّة أن يغسل الميت بالماء الحار، وقد مستّه النار، وقال مشايخ بخارى: لا يكره الآجر في بلدتنا لمساس الحاجة إليه لضعف الأراضي حتّى قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل

(12)

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(2)

في (ب): " الميت ".

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

فاطمة بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله بن عبد المطلب، الهاشمية القرشية، وأمها خديجة بنت خويلد: من نابهات قريش. وإحدى الفصيحات العاقلات. عاشت بعد أبيها ستة أشهر. وهي أول من جعل له النعش في الإسلام. لفاطمة 18 حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 334، أسد الغابة: 1/ 1395، تهذيب الكمال: 35/ 247.

(6)

أخرجه الشيباني في «الآحاد والمثاني» (5/ 119).

(7)

أخرجه عبد الزاق في «مصنفه» (3/ 500 - 6477).

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

في (ب): " يعم ".

(10)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 347، 348.

(11)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(12)

سبق ترجمته (ص 196).

ص: 155

-رحمه الله: لو اتخذوا تابوتًا من حديد لم أر به بأسًا في هذه الديار لكن ينبغي أن يوضع مما يلي الميت اللبن. كذا في «المحيط»

(1)

.

وقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: والأول أوجه، وهو التعليل بأحكام البناء؛ لأنه جمع في كتاب الصلاة بين استعمال الآجر، ورفوف الخشب، ولا يوجد معنى مسّ النار في رفوف الخشب، والمراد برفوف الخشب الواحه، وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله: هذا إذا كان حول الميت، وإن كان فوقه لا يكره؛ لأنه يكون عصمة من السبع، وهذا كما اعتادوا التسنيم باللبن صيانة عن النبش، ورأوا ذلك حسنًا

(2)

.

وفي «الجامع الصغير» لقاضي خان رحمه الله: ولا بأس بكتابة شيء، أو بوضع الأحجار على القبر [ليلا]

(3)

يكون علامة

(4)

.

[162/ أ] وفي «الإيضاح» ، و «التحفة»

(5)

: وكره أبو حنيفة رحمه الله البناء على القبر، وإن يعلم بعلامة، وكره أبو يوسف رحمه الله أن يكتب عليه كتابًا لما/ لما روى جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا تجصّصوا القبر، ولا تبنوا عليه، ولا تقعدوا عليه، ولا تكتبوا عليه»

(6)

، [ويكره أن يزاد على تراب القبر الذي خرج منه؛ لأن الزيادة عليه بمنزلة البناء]

(7)

،

(8)

.

(وفي «الجامع الصغير»: يستحب اللبن، والقصب)

(9)

، وإنما صرح بلفظ «الجامع الصغير» لما أن التفاوت بين رواية القدوري بقوله: ولا بأس بالقصب، وبين رواية «الجامع الصغير» ، [ويستحب]

(10)

ثابت من وجهين:

أحدهما: أن رواية القدوري يدلّ على نفي السنة لا غير، ولا يدلّ على الاستحباب، ورواية «الجامع الصغير» صرّحت بالاستحباب.

والثاني: رواية القدوري لا تدلّ على إباحة الجمع بينهما، ورواية «الجامع الصغير» يدل [عليهما]

(11)

.

(12)

.

(1)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 111.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 140.

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 140.

(5)

ينظر: تحفة الفقهاء: 1/ 256.

(6)

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1/ 498) كتاب الجنائز، باب ما جاء في النهي عن البناء على القبور وتجصيصها والكتابه عليها، رقم (1562)، (1563)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (8/ 207 - 8413). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه: 4/ 62): صحيح.

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

ينظر: بدائع الصنائع: 1/ 320.

(9)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 140.

ص: 156

وفي «المحيط»

(1)

: وقال [في]

(2)

الأصل: اللبن أو القصب، فدلّ المذكور في «الجامع الصغير» [على]

(3)

أنّه لا بأس بالجمع بينهما.

وفي «المغرب»

(4)

: الطُنُّ [بالضم]

(5)

الحزمة من القصب، وحكى عن شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: أنه قال: [هذا]

(6)

في قصب لم يعمل، وأما القصب [المعمول]

(7)

، وبالفارسية:(بورياء بافته أزني)، فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: لا يكره؛ لأنه قصب كله، وقال بعضهم: يكره؛ لأنه لم يرد السنة بالمعمول، وأمّا الحصير المتخذ من البردي، فإلقاؤه في القبر مكروه؛ لأنه لم يرد السنة به، وكثير من الصحابة رضي الله عنهما أوصوا بأن يرمسوا في التراب رمسًا، أي: يُدفنوا من غير شق ولا لحد، وقالوا:«ليس جنبنا الأيسر بأولى من الأيمن في التراب» ، وكانوا يرمسون في التراب رمسًا، ويهال عليهم التراب إلا أن الوجه يوقّى من التراب بلبنتين، أو ثلاث. كذا في «المحيط»

(8)

.

(هلّت الدقيق في التراب

(9)

صببته من غير كيل، وكل شيء أرسلته إرسالًا من رمل أو تراب أو طعام أو نحوه، قلت: هلته أهيلة هيلًا، فإنها رأى جري فانصب. كذا في «الصحاح»

(10)

. ومنه، (ثم يهال التراب)

(11)

أي: يصب.

(ويُسنّم القبر)

(12)

المراد من تسنيم القبر: رفعه من الأرض مقدار شبر أو أكثر قليلًا، ولا يُربّع، وقال الشافعي رحمه الله: يربّع، ولا يسنم، والتسنيم هو الذي على رسمنا، واحتج بما روى المزني رحمه الله

(13)

بإسناده أنّه: «لما توفى إبراهيم رحمه الله ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل رسول الله قبره مسطّحًا»

(14)

، واحتجّ علماؤنا بحديث سعد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه:«أن جبرئيل صلى الله عليه وسلم صلّى بالملائكة على آدم صلى الله عليه وسلم، وسنّم قبره»

(15)

، وعن إبراهيم النخعي رحمه الله أنّه قال:«أخبرني من رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر أبي بكر، وعمر أنها مسنّمة عليها فلق من مدر بيض»

(16)

، ولأن تربيع القبر تشبه بصنيع أهل الكتاب، والتشبيه بصنيعهم فيما لنا منه بدّ مكروه، وتأويل حديث إبراهيم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سطّح قبره أولًا، ثم سنّم. كذا في «المبسوط»

(17)

، و «المحيط»

(18)

، والله أعلم بالصواب

(19)

.

(1)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 348.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

(2/ 28 - مادة "طنن").

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 348.

(9)

في (ب): " الجراب ".

(10)

ينظر: (5/ 1855 - مادة "هيل").

(11)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(12)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(13)

إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، أبو إبراهيم المزني: صاحب الإمام الشافعي. من أهل مصر. كان زاهدًا عالمًا مجتهدًا قوي الحجة. وهو إمام الشافعيين. نسبته إلى مزينة من مضر قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي. مات بمصر سنة أربع وستين ومائتين. من كتبه "الجامع الكبير"، و"الجامع الصغير"، و"المختصر"، و"الترغيب في العلم". ينظر: سير أعلام النبلاء: 12/ 493.

(14)

ذكره برهان الدين في (المحيط البرهاني: 2/ 349)، من طريق المزني.

(15)

أخرجه الدارقطني في «سننه» (2/ 70)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(16)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/ 22 – 11734)، من حديث سفيان التمار.

(17)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 111.

(18)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 249، 250.

(19)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 140، 141.

ص: 157

‌باب الشهيد

لما كان المقتول ميتًا بأجله لاق إيراد باب الشهيد عقيب باب الجنائز

(1)

، وقدّم باب الجنائز عليه؛ إما لشدّة مساس الحاجة إلى معرفته؛ لكثرة وقوعه بخلاف الشهيد، أو لأن الميت غير الشهيد يجري مجرى المفرد

(2)

، والشهيد يجري مجرى المركب؛ لكونه ميّتًا مكيّفًا، والمركب بعد المفرد

(3)

، وقال شيخ الإسلام في خلال مسائل باب الشهيد من «المبسوط»

(4)

: اختلف الناس لماذا سمّي الشهيد شهيدًا قال بعضهم: لأن الملائكة يشهدون موته، فكان مشهودًا، فكان فعيلًا بمعنى مفعول كالقتيل، وقال بعضهم: إنّما سمّي شهيدًا؛ لأنه مشهود له بالجنّة؛ لأنه صير لنصرة دين الله حتّى، قيل: قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ}

(5)

الآية

(6)

.

ولأنّه يدّل عليه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنّه كان يجمع بين الرجلين يوم أُحُد في قبر واحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة»

(7)

، وقيل: سمّي به؛ لأنه حي عند الله حاضر عند الله، ثم يحتاج هاهنا إلى معرفة الشهيد، فيقول: الشهيد الكامل عند أبي حنيفة رحمه الله اسم لكل مسلم مكلّف طاهر قتل ظلمًا بأي آلة كانت في قتال ثلاث طوائف: أهل الحرب، والبغي، وقطّاع [الطريق]

(8)

، وبآلة جارحة في غيره، ولم يجب بقتله مال حالة القتل سوى وجوبه لشبهة الأبوّة، ولم يمض عليه وقت صلاة كامل يعد تصرّم القتال، ولا يوم أو ليلة حال القتال، ولا ينتفع بحياته شيء، ثم أنهما يوافقانه في هذه القيود إلا في قيد التكليف، والطهارة، والآلة الجارحة، وإنما قيّدنا بالكامل؛ لأن المرتث

(9)

شهيد لكنّه/ ليس بكامل في الشهادة

(10)

، فإن شمس الأئمة السرخسي رحمه الله ذكر في «المبسوط»

(11)

: أن عمر رضي الله عنه لما طعن حُمل إلى بيته فعاش يومين غسِّل، وكان شهيدًا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم

(12)

، وكذلك علي رضي الله عنه حُمل حيًّا بعدما طعن، ثم غُسِّل، وكان شهيدًا

(13)

فعرفنا أنّ الشهيد الذي لا يغسّل من أجهز عليه في مصرعه دون من حُمل حيًّا ليمرَّض.

(1)

في (ب): " الجنازة ".

(2)

في (ب): " الفرد ".

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 142.

(4)

ينظر: المرجع السابق.

(5)

سورة آل عمران من الآية: (169).

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 142.

(7)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (2/ 91)، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد، رقم (1343)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

ارتث: المرتث: الصريع الذي يثخن في الحرب. والارتثاث. أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف قد أثخنته الجراح، فإن كان قتيلاً فليس بمرتث. ينظر: تاج العروس 5/ 258، لسان العرب: 2/ 151.

(10)

ينظر: شرح فتح القدير: 2/ 143.

(11)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 91.

(12)

أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (1/ 150 - 581)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(13)

ذكره السرخسي. ينظر: المبسوط: 2/ 91.

ص: 158

[162/ ب] وكذلك ذكر في «تحفة الفقهاء»

(1)

: الشهيد نوعان: نوع يغسل، ونوع لا يغسل، وأمّا الذي لا يغسل فهو الذي في معنى شهداء أُحُد، وإلا فبقي على الأصل المعهود، وهو الغسل فإنّه سنّة للمولى، وبالمسلم احترازًا عن الكافر إذا قتل، وبالمكلّف احترازًا عن الصبي، والمجنون، وبالطّاهر احترازًا عن الجنب، والحائض، والنفساء إذا طهرتا على ما يجيء، وبكونه مقتولًا ظلمًا احترازًا عمّا قتل قصاصًا، أو رجمًا في حدّ، وعمّن افترسه السّبع، أو سقط عليه الحائط، أو سقط من جبل، أو غرق في الماء، أو ما أشبهه، ويخرج عن هذا أيضًا ما إذا كانت دابة المشرك، فنقلته من المشرك فليس عليها أحد، ولا لها سائق أو قائد فأوطأت مسلمًا في القتال فقتلته غسل عند أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله-؛ لأن قتله غير مضاف إلى العدو أصلًا، بل قتل بمجرّد فعل العجماء، وفعلها غير موصوف بالظلم، وعند أبي يوسف رحمه الله لا يغسل؛ لأنه صار قتيلًا في قتال أهل الحرب، وبأي آلة كانت في قتال ثلاث طوائف؛ لأنه لا يشترط الآلة في قتال تلك الطوائف بعد أن يكون القتل بمباشرتهم أو

على ما يجيء، وبآلة جارحة، فإنّه يشترط على قول أبي حنيفة رحمه الله حتّى يغسل المقتول بالمثقّل، وبأن لا يجب المال بقتله احترازًا عن شبه العمد، والخطأ، وبحالة القتل احترازًا عن الذي وجب القصاص، ثم انقلب مالًا بالصلح، فإنّه لا يمنع الشهادة، واستثنى وجوب المال لشبهة الأبوّة، فإنّه إذا قتل الوالد ولده عمدًا يجب المال حالة القتل، ولا يمنع الشهادة، وخرجت الشبهة بسبب الأبوّة احترازًا عن شبه العمد، وبأن لا يمضى عليه وقت صلاة كامل بعد تصرّم القتال احترازًا عمّن صرع في المعركة مجروحًا، وهو يعقل، وقد تصرّم القتال، فإن مكث كذلك وقت صلاة أو صلاتين لا يكون شهيدًا؛ لأنه صارت الصلاة دينًا في ذمته، وهو من أحكام الأحياء، وبأن لا يمضي يوم أو ليلة حال القتال احترازًا عمّن مضى عليه ذلك، فإنّه لو عاش في مكانه يومًا أو ليلة، فإنّه يغسل، وإن كان دون ذلك لا يغسل؛ لأنه ليس في معنى شهداء أُحُد، فإنه لم يبق منهم أحد حيًّا بعد الجراحة يومًا كاملًا، أو ليلة كاملة، توضحيه أن القتيل يعيش قليلًا، ولا يعيش طويلًا، فجعلنا الفاصل بين القليل، والكثير يومًا كاملًا، أو ليلة كاملة؛ لأن كلًّا منهما يُعرف بنفسه، وما دون ذلك يُعرف بالسّاعات، ولا ضبط لها، وبأنّه لم ينتفع بحياته بشيء احترازًا عمّن انتفع بحياته شيء هذا كلي يدخل تحته جميع الانتفاعات من الأكل، والشرب، والكلام الكثير من أمور الدنيا كالبيع، والشرى، والذي انتقل من المعركة إلى موضع للمريض، استفيدت هذه الأحكام من إشارات «المحيط»

(2)

، و «شرح الطحاوي»

(3)

.

(1)

ينظر: تحفة الفقهاء: 1/ 258.

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 307، 308.

(3)

ينظر: الجوهرة النيرة: 1/ 112.

ص: 159

(بكلامهم)

(1)

أي: بجراحاتهم الكلْم بسكون اللام الحراجة، والجمع كلام، وكلام يقال: كلمته كلمًا، وقراء بعضهم:{دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ}

(2)

أي: تجرحهم، ويسمهم. كذا في «الصحاح»

(3)

.

(وكذا خروج الدم من موضع غير معتاد)

(4)

، والأصل فيه: أنّ الدم إذا خرج من بعض مخارقه نظر، فإن كان الدم يخرج من ذلك الموضع عادة من غير جرح في الباطن غسل، وذلك كالأنف، والدّبر، والذكر، فقد يبتلى بالرعاف، وقد يبول دمًا من شدة الفزع، وقد يخرج الدم من الدبر من غير جرح في الباطن، فإن كان يخرج الدم من أذنه أو عينه لم يغسل؛ لأن الدم لا يخرج من هذين الموضعين عادة إلا بجرح في الباطن، والظاهر أنه ضُرب على رأسه حتّى خرج الدم من أذنه أو عينه، وإن كان يخرج من فمه فإن كان [ينزل من رأسه غسل، وخروجه من جانب الفم، ومن جانب الأنف سواء، وإن كان]

(5)

يعلو من جوفه لم يغسل؛ لأن الدّم لا يعلو من الجوف إلا بجرح في الباطن، وإنما يعرف ذلك بلون الدم. كذا في «المبسوط»

(6)

.

[163/ أ] وقال الإمام التمرتاشي رحمه الله:/ النّازل من الرأس صاف، والمُرتقى من الجوف علق

(7)

.

قوله: (والشافعي يخالفنا في الصلاة)

(8)

اختلف العلماء في حكم الشهيد على ثلاثة أقوال: قال علماؤنا: إنّه لا يغسل، ويصلّى عليه، وقال الحسن البصري رحمه الله: يغسل، [ويصلّى]

(9)

، وقال الشافعي: لا يُصلّى عليه، أما الحسن فقال: الغسل سُنة الموتى من بني آدم جاء في الحديث: «أن آدم صلوات الله عليه لما مات غسّلته الملائكة، [وصلّوا عليه]

(10)

، ثم قالت: هذه سنّة موتاكم يا بني آدم»

(11)

، والشهيد ميت بأجله، ولأنّ الغسل شرع كرامة للميّت، والشهيد أحق بالكرامات، وإنما لم يغسل شهداء أُحُد؛ لأن الجراحات نشت في الصحابة في ذلك اليوم، وكان يشق عليهم حمل الماء من المدينة، وغسلهم، فعذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، ولنا ما روي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في شهداء أُحُد:«زمّلوهم بدمائهم، ولا تغسّلوهم، فإنّه ما من جريح يجرح في سبيل الله إلا وهو يأتي يوم القيامة، وأوداجه تشخب دمًا اللون لون الدم، والريح ريح المسك»

(12)

، وما [قاله]

(13)

الحسن من التأويل باطل، فإنّه لم يأمر بالتيمم، ولو كان ترك الغسل للتعذّر لأمر أن يتمموا كما لو تعذّر غسل الميت في زماننا لعدم الماء، ولأنّه لم يعذرهم في ترك الدّفن، وكانت المشقّة في حفر القبور للدّفن أظهر منه في الغسل، وكما لم يغسل شهداء أُحدٍ لم يغسل شهداء بدرٍ كما رواه عقبة بن عامر

(14)

،

(15)

وهذه الضرورة لم تكن يومئذ، وكذلك لم يغسل شهداء الخندق، وحُنين فظهر أنّ الشهيد لا يُغسل

(16)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(2)

سورة النمل من الآية: (82).

(3)

(5/ 2023 - مادة "كلم").

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 93.

(7)

ينظر: الجوهرة النيرة: 1/ 111.

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

سبق تخريجه (ص 238).

(12)

أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 431 - رقم 23707) من حديث عبد الله بن ثعلبة، وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وإسناده حسن.

(13)

[ساقط] من (ب).

(14)

عقبة بن عامر بن عبس بن مالك الجهني، رديف النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد من جمع القرآن، مات بمصر سنة 58 هـ، له 55 حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 280، التاريخ الكبير: 6/ 430، الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 520.

(15)

رواه عبد الرزاق في «مصنفه» (3/ 546 – 6652)، من حديث عطاء.

(16)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 88، 89.

ص: 160

(والشافعي يخالفنا في الصلاة)

(1)

أي: قال الشافعي لا يصلّى على الشهيد؛ لحديث جابر: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ما صلّى على أَحد من شهداء أُحد»

(2)

، ولأنّ الله تعالى وصف الشهداء بأنّهم أحياء فقال:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ}

(3)

، والصلاة على الميت لا على الحي، ولأنّ الصلاة ما شرعت إلا بعد غسل الميت فإسقاط الغسل نصّ على إسقاط الصلاة كحي يسقط عنه خطاب الطهارة أصلًا يدلّ على سقوط خطاب الصّلاة عنه كالمرأة حال الحيض، وكالرجل حال الجنون، ولنا قوله تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}

(4)

، ولم يفصل، وقال:{إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}

(5)

، أي: رحمة

(6)

، والشهيد أولى بالرحمة من غيره، وقال صلى الله عليه وسلم:«صلّوا على من قال: لا إله إلا الله»

(7)

، وروى عبد الله ابن ثعلبة رضي الله عنه

(8)

: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الجنازة على شهداء أُحُد»

(9)

، حتى روي:«أنّه صلّى على حمزة رضي الله عنه سبعين صلاة»

(10)

،

(11)

وتأويله: أنّه كان موضوعًا بين يديه، فيؤتى بواحد واحد، فيصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظن الراوي أنّه يصلّى على حمزة في كلّ مرة، فقال: صلّى عليه سبعين صلاة، وحديث جابر ليس بقوي، وقيل: إنه كان يومئذ مشغولًا، فقد قتل أبوه، وأخوه، وخاله فرجع إلى المدينة؛ ليدبّر كيف يحملهم إلى المدينة؟ فلم يكن حاضرًا حين صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، فلهذا روى ما روى، ومن شاهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى: أنّه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم، ثم سمع جابر منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أن يُدفن القتلى في مصارعهم، فرجع فدفنهم فيها»

(12)

، أو يدع التمسك بالصلاة في شهداء أُحُد بالحديث؛ لأن الروايات قد تعارضت فيها، ونحتجّ بما ورد في شهداء بدر، فإنّ الروايات في حق الصّلاة على شهداء بدر لم تتعارض، فإنّ ابن عباس روى:«أنه صلى الله عليه وسلم صلّى عليهم»

(13)

أو ترجّح فيقول المصير إلى ما روينا أولى؛ لأنه إثبات، وما رواه نفي فيرجح الإثبات فيما سبيله سبيل الشهادة، والمعنى: أنّه ميّت مسلم طاهر، فيصلّى عليه قياسًا على المرتث، وسائر المسلمين إذا ماتوا، وإنّما قلنا: إنّه طاهر؛ لأن الشهادة طهارة شرعية، وكفارة عن كلّ ذنب، وهذا لمعنًى، وهو: أنّ الصلاة على الميت لإظهار كرامته، ولهذا اختصّ بها المسلمون، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة على المنافقين

(14)

، والشهيد أولى بما هو من أسباب الكرامة، والعبد، وإن تطّهر من الذنوب لا تبلغ درجته درجة الاستغناء عن الدعاء [له]

(15)

، ألا ترى أنّهم صلّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا إشكال أنّ درجته فوق درجة الشهيد

(16)

.

(17)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(2)

أخرجه أبو داود في «سننه» (3/ 164)، كتاب الجنائز، باب في الشهيد يغسل، رقم (3137). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن أبي داود: 7/ 135): حسن.

(3)

سورة آل عمران من الآية: (169).

(4)

سورة التوبة من الآية: (103).

(5)

سورة التوبة من الأية (103).

(6)

ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 8/ 235.

(7)

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/ 447 – 13656)، عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال الهيثمي في (مجمع الزوائد: 2/ 67): فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو كذاب.

(8)

عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري حليف بنى زهرة، كنيته أبو محمد مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه، ووجهه يوم الفتح، فكان أعلم الناس بالأنساب. مات سنة تسع وثمانين وهو ابن ثلاث وثمانون سنة وهم حلفاء بني زهرة. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 246، التاريخ الكبير: 5/ 35، الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 31.

(9)

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (3/ 143 - 2937) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(10)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 12 – 6595)، من حديث أبي مالك الغفاري رضي الله عنه. وقال ابن الملقن في (البدر المنير: 5/ 249): لا يصح عنه عليه السلام أنه صلى على أحد من شهداء أحد، لا على حمزة ولا على غيره.

(11)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 89، الجوهرة النيرة: 1/ 111.

(12)

أخرجه النسائي في «سننه» (4/ 79)، كتاب الجنائز، باب أين يدفن الشهيد، رقم (2005). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن النسائي: 5/ 149): صحيح.

(13)

رواه عبد الرزاق في «مصنفه» (3/ 546 – 6652)، من حديث عطاء.

(14)

أخرجه الترمذي في «سننه» (5/ 279)، كتاب تفسير القرآن، باب سورة التوبة، رقم (3098)، قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن الترمذي: 7/ 98): صحيح.

(15)

[ساقط] من (ب).

(16)

في (ب): " الشهداء ".

(17)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 89، 90.

ص: 161

[163/ ب] فإن قلت: على هذا التقدير يجب أن يغسل الشّهيد أيضًا، فإنّ [يكفر]

(1)

تكفير الشهادة كل ذنب لا يكون أكثر تكفيرًا/ من النبوة، وهي لا تسقط الغسل فهاهنا أولى؟.

قلت: أنّ المزيد من رحمة الله لا نهاية له، فلم يجز سقوط الصلاة [عن الشهيد]

(2)

لصيرورته بالشهادة من أهل الرحمة.

وأمّا الغسل فتطهير، وقد يبلغ العبد حدًّا يستغني به عن التطهير، ويجوز أن يزيد تطهير الشهادة على تطهير الغسل عن الإثم، فلمّا وجد الأعلى سقط الأدنى، وهو جائز، وإمّا لا يجوز حرمان طلب رحمة زائدة بسبب رحمة قائمة. كذا في «الأسرار»

(3)

.

والشهيد حي في أحكام الآخرة، كما قال الله تعالى:{بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}

(4)

، فأمّا في أحكام الدنيا فهو ميّت يقسم ميراثه، وتتزوّج امرأته بعد انقضاء العدة، وغيرهما، وفرضية الصلاة [عليه]

(5)

من أحكام الدنيا، وكان فيها ميتًا فصلّى عليه.

وأمّا قوله: (فإسقاط خطاب الغسل) يدلّ على إسقاط الصلاة.

قلنا: إن الغسل الذي هو شرط جواز الصّلاة إنّما يخاطب به المصلّى، وهو باقٍ من الغسل، أو

(6)

الوضوء في حق المصلّى، ولكن الميت هاهنا لا يصلي هو بنفسه، بل هذا الغسل غسل تطهير عن الإثم، [وتكفير]

(7)

كما

(8)

يغسل المحرم نفسه تطهيرًا عن الإثم من غير حدث، وقد وردت الأخبار بالوضوء لمن يريد التوبة، والشهادة طهرته، وكفّرته، فأغنته عن ذلك الغسل، فصار كسائر الموتى إذا غسّلوا، وكالمصلّي إذا حضره الوقت، وهو لم يحدث، وكان على الطهارة، فإنّه لا يخاطب بالطّهارة، ولم يدلّ ذلك على سقوط الصّلاة عنه. كذا في «المبسوطين

(9)

»

(10)

، و «الأسرار»

(11)

.

قوله رحمه الله: (ويقول السيف محاء للذنوب)

(12)

، كان شيخي رحمه الله يقول: هذا لفظ المشايخ.

وأمّا لفظ الحديث، فقوله صلى الله عليه وسلم:«القتل في سبيل الله يكفّر كل شيء إلا الدَّيْن»

(13)

ذكره في «المصابيح»

(14)

، ولكن شمس الأئمة السرخسي أورده من لفظ الحديث في «المبسوط»

(15)

، فقال:[قال]صلى الله عليه وسلم: «السيف محاء للذنوب»

(16)

.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: كشف الأسرار: 2/ 314، 315.

(4)

سورة آل عمران من الآية: (169).

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

في (ب): " و".

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

مكررة في (ب).

(9)

في (ب): " المبسوط ".

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 90.

(11)

ينظر: كشف الأسرار: 2/ 314، 315.

(12)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(13)

أخرجه مسلم في «صحيحه» (3/ 1502)، كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين، رقم (1886)، من عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(14)

ينظر: مشكاة المصابيح: 2/ 1121.

(15)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 89.

(16)

أخرجه أحمد في «مسنده» (4/ 185 – 17693)، من حديث عتبة بن عبد السلمي. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف.

ص: 162

(فبأي شيء قتلوه لم يغسل)

(1)

؛ لأن شهداء أُحدٍ ما كان كلّهم قتيل السّيف.

فإن قلت: هذا مسلّم في قتيل أهل الحرب، وأمّا [في]

(2)

قتيل أهل البغي، وقطّاع الطريق غير مسلّم لما أنّ أهل البغي من أهل الإسلام، وكذلك لو كان قطّاع الطريق من أهل الإسلام، فلمّا كان القاتل مسلمًا يشترط الحديدة، [أو الآلة]

(3)

التي لا تلبث في ثبوت الشهادة على حسب الاختلاف حتّى أن قتيلًا لو وجد في المصر، وعلم [أن]

(4)

قاتله قتله بالحديدة، أو بالآلة التي لا تلبث لا يغسل حينئذ، وإلا فيغسل على ما يجيء علم بهذا أن تعميم الآلة في قوله:(فبأيّ شيء قتلوه) إنّما يصح في قتيل أهل الحرب لا [في]

(5)

حق غيره

(6)

.

قلت: لما كان القتال مع أهل البغي، وقطّاع الطريق مأمورًا به ألحق هذا بقتال أهل الحرب، وفي قتال أهل الحرب الحكم هكذا، وهو تعميم الآلة، فكذا في قتالهما أمّا في حق أهل البغي قال الله تعالى:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}

(7)

، فكان المقتول في هذه المحاربة باذلًا نفسه لابتغاء مرضات الله كالمقتول في محاربة المشركين، وتأيد ذلك بحديث علي رضي الله عنه، فإنّه لما قاتل أهل النهروان

(8)

لم يغسل من استشهد من أصحابه

(9)

.

(10)

.

وأمّا [في حق]

(11)

قطّاع الطريق، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«قاتل دون مالك»

(12)

، وقال أيضًا:«من قتل دون ماله فهو شهيد»

(13)

، فلما كان القتيل فيهما مأمورًا بالقتال صار كالمأمور بقتال أهل الحرب في قوله:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}

(14)

، فعمّت الآية كما عمّت هناك. هذا [حاصل]

(15)

ما ذكر في «المبسوط»

(16)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 145.

(7)

سورة الحجرات من الآية: (9).

(8)

النهروان: بالعراق، مدينة صغيرة من بغداد إليها مشرقًا أربعة فراسخ، ولها نهر جليل تجري فيه المراكب العظام ينبعث من جبال أرمينية ويستمد من القواطل. (معجم البلدان: 5/ 324).

(9)

أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (8/ 377 - 8928) مختصرًا.

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 95.

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

أخرجه النسائي في «سننه» (7/ 113)، كتاب تحريم الدم، باب ما يفعل من تعرض لماله، رقم (4081). قال الألباني في (صحيح وضعيف سنن النسائي: 9/ 153): حسن صحيح.

(13)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (3/ 136)، كتاب المظالم والغصب، باب من قتل دون ماله، رقم (2480). ومسلم في «صحيحه» (1/ 124)، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق، رقم (141)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(14)

سورة التوبة من الآية: (29).

(15)

[ساقط] من (ب).

(16)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 92.

ص: 163

(لأنّ ما وجب بالجنابة سقط بالموت)

(1)

، وذلك لأنّا قد بيّنا في صدر الكتاب أنّ السّبب الموجب لوجوب الوضوء، والغسل في الحدث، والجنابة هو الصلاة، والحدث، والجنابة شرط الوجوب، فلذلك كلّ من سقطت عنه الصّلاة سقط [عنه]

(2)

وجوب الوضوء، والغسل، وقد سقطت عنه الصّلاة [أصلًا]

(3)

بالموت، فيسقط وجوب الغسل الذي عند وجود الجنابة لسقوط الموجب، وهو الصّلاة

(4)

.

[164/ أ](والثاني لم يجب)

(5)

أي: وغسل الميت الذي يجب على الأحياء بسبب الموت لم يجب عليهم في حق الشهيد لشهادته كالمحدث

(6)

إذا استشهد، فإن الحديث الذي يوجب سقوط الغسل في حقّ الشهداء عام، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«زمّلوهم بكُلومهم، ودمائهم من غير فصل بين شهيد، وشهيد»

(7)

، فيتناول الجنب، وغيره، ولأنّه شهيد فلا يغسل قياسًا على ما لو لم يكن جنبًا، والفقه فيه أن الاستشهاد أقيم مقام الغسل كالزَّكاة في الشّاة، وذلك؛ لأن/ الميّت إنما ينجس باعتبار احتباس الدماء السيّالة فيه لا بنفس الموت، بدليل أنّ ما لا دم له من الحيوانات لا يتنجس بالموت، والاستشهاد مانع من الاحتباس فلا يغسل

(8)

.

فإن قلت: إن هذا باطل طردًا، وعكسًا، أما طردًا فلأن المرتث [يُغسل]

(9)

، وإن لم يكن فيه احتباس الدماء، وأما عكسًا فلأن المقتول بالصخور، والخشب في الحرب لا يُغسل، وإن لم يوجد إلا دماء؟.

قلت: الاستشهاد إنما عرف مانعًا من نجاسته يتمكن بالموت شرعًا بخلاف القياس [إذ القياس]

(10)

يقتضي التنجس، وإن وجد الإدماء لما أنّ الدماء نجسة فلا يطهر محلها إلا بالغسل، والنصّ ورد في حق من لم يرتث، فلا يقاس عليه المرتث، كما قلنا: إنّ الزَّكاة شرعت مانعة من التنجس لما فيها من الأنهار لكنها لما كانت على خلاف القياس من الوجه الذي قلنا لم يثبت [طهارة اللحم]

(11)

بزكاة المجوسي، وبزكاة من ترك التسمية عامدًا

(12)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 146.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(6)

في (ب): " كالمحرب ".

(7)

أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 431 - رقم 23707) من حديث عبد الله بن ثعلبة، وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وإسناده حسن.

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 146.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

[ساقط] من (ب).

(11)

في (ب): " بزكاة ".

(12)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 146.

ص: 164

وأمّا الثاني: فلأن الرض بالصخور، والخشب أقيم مقام الإدماء تيسيرًا على النّاس لإعذار الاطلاع على ذلك، وأمّا حديث حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه

(1)

،

(2)

إنما غسّلته الملائكة إكرامًا له، ولو كان الغسل واجبًا؛ لكان وجوبه على بني آدم، ولما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل الملائكة إياه، وحيث اكتفى دلّ أنّه لم يكن واجبًا. كذا في «المبسوط»

(3)

، و «الفوائد الظهيرية»

(4)

.

(ولأبي حنيفة رحمه الله: أنّ الشّهادة عرفت مانعةً غير رافعة فلا ترفع الجنابة)

(5)

، ألا ترى أنّه لو كان في ثوب الشهيد نجاسة يغسل تلك النجاسة، ولا يغسل الدّم عنه لما ذكره من المعنى.

فإن قلت: تنتقض هذه النكتة بالحدث، فإنّ المحدث إذا استشهد لا توضأ أعضاء وضوئه بالاتفاق، فكانت الشهادة رافعة لحدثه، فيجب أن تكون رافعة لجنابته علم بهذا أنّ الشهادة عرفت رافعة أيضًا؟.

قلت: النكتة مستقيمة غير منقوضة، ولكن سقوط غسل أعضاء الوضوء لمعنى ضروري، وهو أنّ الشرع جعل القتل على سبيل الشهادة مانعًا من نجاسة تثبت بالموت في الأعضاء كلها، فحينئذ لا يتصوّر أن يكون مانعًا من ثبوت النجاسة في حق أعضاء الوضوء إذا لم يعتبر رافعًا للحدث فيها؛ لأن الموت لا يخلو عن حدث يكون قبله لما أنّه لا يخلو عن زوال عقل في آخر الموت، وبذلك يصير محدثًا، فلو لم يعتبر رافعًا للحدث الأصغر وجب غسل هذه الأعضاء من كل شهيد، فحينئذ لا يظهر فائدة المنع في حق هذه الأعضاء

(6)

، فلهذه الضرورة اعتبر رافعًا في حق الحدث، ولا ضرورة في الجنابة؛ لأن الموت يخلو عن الجنابة فلا يعتبر رافعًا في حق الجنابة من غير ضرورة، كما لم يعتبر بالاتفاق رافعًا في حقيقة

(7)

النجاسة؛ لأنه لا ضرورة في رفعها، ولأن الحدث أدنى فلا يُقاس عليه إلا الأعلى خصوصًا [ما]

(8)

إذا كان المانع موجودًا، ولأنّ النصّ مقدّم على القياس

(9)

.

(1)

حنظلة بن أبي عامر عبد عمرو بن صيفي بن أمة بن زيد بن عوف بن عمرو بن عوف بن الأوس، غسيل الملائكة، له صحبة، استشهد يوم أحد. ينظر: الجرح والتعديل: 3/ 239، الإصابة في تمييز الصحابة: 2/ 137.

(2)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 15 - 6605)، من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 103.

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 146، 147.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(6)

في (ب): "الأشياء".

(7)

في (ب): " حق ".

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 146.

ص: 165

وأمّا قوله: ([قولهما: بأنّه شهيد فلا يُغسل) قلنا: من حيث إنه شهيد لا يغسل، وإنّما يغسل من حيث إنه جنب، وأمّا]

(1)

قوله: (الغسل لأجل الصّلاة) قلنا: الغسل جاز أن يكون للصّلاة، ولدخول المسجد، ولقراءة القرآن، ومسّ المصحف، فجاز أن يبقى مشروعًا لإدخال القبر، والعرض على الله تعالى. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(2)

، و «الأسرار»

(3)

.

وقد صحّ أنّ حنظلة رضي الله عنه: لما استشهد جنبًا غسّلته الملائكة، فلما غسّلته الملائكة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم[أهله]

(4)

عن حاله، فقالت زوجته: إنّه أصاب مني فسمع الهيعة فأعجلته هي عن الاغتسال، فاستشهد وهو جنب، فقال رسول صلى الله عليه وسلم:«هو ذاك»

(5)

.

الهيعة: الصوت الذي يفزع منه من هاع إذا جَبُن.

[164/ ب] ولما مات سعد بن معاذ رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «بادروا بغسل سعد حتى لا تبادر به الملائكة كما بادرونا بغسل حنظلة»

(6)

، فهو دليل على أن حنظلة لو لم يتغسّله الملائكة حتى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم[حاله لغسله]

(7)

، وإنما لم يعد؛ لأن الواجب تأدّى بفعل الملائكة، فإنّهم غسّلوا آدم صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا:«هذه سنّة موتاكم»

(8)

، ولم يعد أولاده غسله، فكان هذا جوابًا لقول من قال: الواجب غسل الآدميين لا غسل الملائكة؛ لأنا نقول: إنّ الواجب هو الغسل، وأمّا الغاسل فيجوز من كان يعلم بهذا أن فعل الملائكة يصلح أن يكون تعليمًا، وكذلك في قصة بدر حيث قال صلى الله عليه وسلم يوم بدر:«تسَّوموا فإن الملائكة قد تسوّمت»

(9)

، والتسوّم هنا إرخاء العمائم بين الكتفين، وقد صرّح النبي صلى الله عليه وسلم / بتعليمهم في قصة تعليم جبريل صلى الله عليه وسلم معالم الدين

(10)

، وأما قولهما: إنّ غسل الملائكة كان إكرامًا له، ولم يكن واجبًا؟

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 146.

(3)

ينظر: كشف الأسرار: 2/ 314، 315.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 15 - 6605)، من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/ 374 – 36797)، من حديث عاصم بن عمرو بن قتادة.

(7)

في (ب): "حالة الغسل".

(8)

سبق تخريجه (ص 238).

(9)

أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار – الجزء المفقود» (ص 558 – رقم 1027) من حديث عمير بن إسحاق.

(10)

أخرجه البخاري في «صحيحه» (6/ 115)، كتاب تفسير القرآن، باب قوله:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} ، رقم (4777). ومسلم في «صحيحه» (1/ 39)، كتاب الإيمان، باب الإيمان ما هو وبيان خصاله، رقم (9)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 166

قلنا: معنى الكرامة في مبادرة الملائكة بغسله، ومبادرتهم ما كانت واجبة، وقد ذكرنا وجه غسل النبي صلى الله عليه وسلم إياه

(1)

لو لم تغسّله الملائكة. كذا في «المبسوط»

(2)

، و «الأسرار»

(3)

، و «جامع الصغير» للإمام المحبوبي رحمه الله

(4)

.

وكذا قبل الانقطاع في الصّحيح من الرواية ذكر في «المبسوط»

(5)

، و «المحيط»

(6)

: وإن قتلتا والحيض، والنفاس قائم فعندهما لا يغسلان بلا إشكال، وعن أبي حنيفة رحمه الله روايتان، وأصحّ الروايتين عنه أن يغسلان؛ لأن الانقطاع حصل بالموت، والدّم السائل موجب للاغتسال عند الانقطاع، ووجه الأخرى أن الاغتسال ما كان واجبًا عليهما قبل الانقطاع، وذكر الإمام التمرتاشي: أن الحائض لو رأت [ما]

(7)

يومًا أو يومين، ثم قتلت لم تُغسل لهما أنّ الصبي أحق بهذه الكرامة، وهي سقوط الغسل، فإن سقوط الغسل عن الشّهيد لإبقاء أثر مظلوميّته في القتل فكان إكرامًا له، والمظلومية في حق الصبي أشدّ، فكان أولى بهذه الكرامة توضيحه أن حال الصبيان، والمجانين في الطّهارة فوق حال البالغين، والعاقلين، فإذا لم يغسل البالغ إذا استشهد [البالغ]

(8)

؛ لأنه يظهر بالسّيف، فالصبي والمجنون أولى مع أنّ عموم قوله صلى الله عليه وسلم:«زمّلوهم بكلومهم»

(9)

دليل على ما قلنا، ولأبي حنيفة رحمه الله: أنّ السّيف محاء للذنوب، وليس لهؤلاء ذنوب فكان القتل في حقّهم، والموت حتف أنفه سواء، فيغسل، ولأن ترك الغسل لإبقاء أثر الشهادة عليه؛ ليكون له حجة على خصمه يوم القيامة، والصبي لا يخاصم بنفسه في حقوق الدنيا، فكذا في حقوق الآخرة، وإنّما الخصم عنه في الآخرة هو الله تعالى، والله غني عن الشهود، فلا حاجة إلى إبقاء أثر الشهادة، ولأنّ القياس في الشّهيد البالغ أن يغسل لما أنّه يتنجس بالموت؛ لبقاء أثر الدّم السّائل في العروق إلا أنّا تركنا القياس فيه شرعًا بخلاف القياس، والحكم إذا ثبت بخلاف القياس يراعي فيه جميع ما ورد به النص، ومنع الشهادة نجاسة الموت في البالغ لمعنيين: لإراقة الدماء السّائلة فإنّ لها أثرًا في التطهير كما في الزَّكاة، ولتكفير الذنوب فإنّ السّيف محاء للذنوب، ومحو الذنوب تطهير، وفي الصبي لم يوجد هذا، وإن وجد الأوّل، فلا يكون النصّ الوارد في البالغ واردًا في الصبي، وأمّا تعلّقهم بعموم حديث التزميل، قلنا: ذاك محمول على البالغين لما أنّ ظاهر الحال أنّ الصبيان لم يحضروا حرب أُحد، وكان الحديث في شهداء أُحد

(10)

.

(1)

في (ب): "أنه".

(2)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 103، 104.

(3)

ينظر: كشف الأسرار: 2/ 314، 315.

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 146، 147.

(5)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 104.

(6)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 305.

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

سبق تخريجه (ص 290).

(10)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 147.

ص: 167

قوله رحمه الله: (لما روينا)

(1)

إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «زمّلوهم بكلومهم، ودمائهم»

(2)

، وفي رواية: بثيابهم روى: أن زيد بن صوحان رضي الله عنه

(3)

لما استشهد يوم الجمل قال: «لا تغسلوا [عني دمًا، ولا تنزعوا]

(4)

عني ثوبًا فإني رجل محاج أحاجُّ يوم القيامة [دمًا، ولا ينزعوا عني]

(5)

من قتلني غير أنّه يُنزع عنه السّلاح، والفرو، والحشو»

(6)

، وقال الشافعي رحمه الله: لا ينزع شيء منه. واحتج [بحديث التزميل فقد أمرنا بتكفينه في الثياب التي عليه، ولم يفصّل بين الحشو، والفرو، وغيرهما، واحتجّ]

(7)

علماؤنا بما روي عن علي رضي الله عنه أنّه قال: «ينزع عنه العمامة، والخفّان، والقلنسوة»

(8)

، وعن زيد بن صوحان:«ادفنوني في ثيابي، ولا تنزعوا عنّي إلا محشوًا»

(9)

، ولأنّه إنّما لبس هذه الأشياء لدفع بأس العدوّ، وقد استغنى عن ذلك، ولأنّ هذا عادة أهل الجاهليّة أنهم كانوا يدفنون أبطالهم بما عليهم من الأسلحة، وقد نهينا عن التشبّه بهم، وأمّا تعلّقه بالحديث، قلنا: الحديث أنّه يدفن بثيابه، ونحن نقول به، لكن من ثيابه التي تصلح للتكفين، ولا يُكره التكفين به في غير الشّهيد

(10)

.

قوله رحمه الله: (ويزيدون، وينقصون ما شاءوا)

(11)

، واستدلّوا بهذا اللفظ على أنّ عدد الثلاث في الكفن ليس بلازم، ويحنطونه إن شاءوا كما يفعل ذلك بغيره من الموتى إنّما لا يزال عنه [أثر]

(12)

الشّهادة، فأمّا فيما سوى ذلك، فهو كغيره من الموتى، هذا كلّه من «المبسوط»

(13)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 92.

(2)

سبق تخريجه (ص 290).

(3)

زيد بن صوحان بن حجر العبدي، من بني عبد القيس، من ربيعة: تابعي، من أهل الكوفة، له رواية عن عمرو وعلي. كان أحد الشجعان الرؤساء، وشهد وقائع الفتح فقطعت شماله يوم نهاوند. ولما كان يوم الجمل قاتل مع علي حتى قتل. ينظر: الثقات لابن حبان: 4/ 248، التاريخ الكبير: 3/ 397، الإصابة في تمييز الصحابة: 2/ 646.

(4)

[ساقط] من (ب).

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 17 - 6615)، من حديث العيزار بن حريث.

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

أخرجه المباركفوري في (مرعاة المفاتيح: 5/ 354). وقال: وفي إسناده أبوخالد الواسطي، والكلام فيه معروف.

(9)

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/ 447 – 32808)، من الحديث العيزار بن حريث.

(10)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 315، المبسوط للسرخسي: 2/ 90.

(11)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 93.

(12)

[ساقط] من (ب).

(13)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 91.

ص: 168

وقيل: معنى قوله: (يزيدون ما شاءوا) أي: إذا كان ناقصًا عن العدد المسنون

(1)

.

(وينقصون ما شاءوا)

(2)

أي: إذا كان زائدًا على [العدد]

(3)

المسنون، وهذا أوفق للتعليل الذي ذكره في الكتاب الرّث الشيء البالي

(4)

.

[165/ أ] وجمعه رثاث، وأرث الثوب

(5)

أي: أخلق. وارتث فلان/ [وهو]

(6)

افتعل على ما لم يُسمّ فاعله، أي: حمل من المعركة، (رثيثًا) أي: جريحًا، وبه رمق. كذا في «الصحاح»

(7)

.

وذكر في «الإيضاح»

(8)

: ومعنى الارتثاث هو أن يخلق شهادته من قولك: (ثوب رثّ) أي: خلق، وشهداء أُحدٍ ماتوا عطاشًا، فإنّه روي:"أنّهم طلبوا ماء، وكان السّاقي يطوف عليهم، فكان إذا عرض الماء على إنسان أشار إلى صاحبه حتّى ماتوا عطاشًا"

(9)

.

(ولو كلّم إنسانًا، ثم مات قبل أن يحمل لم يغسل)

(10)

، قيل: هذا إذا كان قليلًا ليس من أمور الدنيا، فإن من شهداء أُحد من فعل ذلك، أمّا إذا كان كثيرًا من أمور الدنيا كالبيع، والشراء غسل، ولو أوصى بوصيّة، ثم مات لم يغسل، وعن أبي يوسف [أنّه قال: يغسل]

(11)

، واختلف المتأخرون في ذلك، منهم من قال هذا الاختلاف فيما إذا وصى بشيء من أمور الآخرة، فأمّا إذا وصى بشيء من أمور الدنيا يغسل بالاتفاق، ومنهم من قال: لا خلاف بينهما في الحقيقة؛ لأن ما قال أبو يوسف رحمه الله محمول على ما إذا كانت الوصيّة بأمر الدنيا، وأمّا إذا كانت الوصية بأمر الآخرة، فلا يغسل بالإجماع، واستدلّ محمد رحمه الله في الزيادات بحديث سعد بن الربيع

(12)

، فإنّه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال يوم أُحد:«من يأتيني بخبر سعد، فقال رجل: أنا آتيك بخبره فجعل يتفحص القتلى حتّى أدركه، وبه رمق فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام، ففتح سعد رضي الله عنه عينيه، وقال: رسول الله في الأحياء؟ قال: نعم، هو سالم، وقد بعثني إليك فقال: الحمد لله على سلامته، الآن طابت نفسي للموت، ثم قال: اقرأ رسول الله مني السّلام، واقرأ الأنصار السّلام، وقل لهم: لا عذر لكم عند الله إن قتل محمد، وفيكم عين تطرف، ثم قال أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ لي كذا كذا طعنة كلها أصابت مقتلي، ثم مات»

(13)

، وكان من جملة شهداء أُحد. كذا في "المحيط"

(14)

.

(1)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 148.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 1/ 193.

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 148.

(5)

ينظر: العناية شرح الهداية 1/ 193.

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

(1/ 283 - مادة "رثث").

(8)

ينظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام: 1/ 169.

(9)

ذكره برهان الدين. ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 307.

(10)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 93.

(11)

[ساقط] من (ب).

(12)

سعد بن الربيع بن عمرو، من بني الحارث بن الخزرج: صحابي، من كبارهم، كان أحد النقباء يوم العقبة وشهد موقعة بدر، واستشهد يوم أحد. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 85، الجرح والتعديل: 4/ 82، الإصابة في تمييز الصحابة: 3/ 58.

(13)

أخرجه مالك في «الموطأ» (3/ 663 - 1691)، من حديث يحيى بن سعيد.

(14)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 307.

ص: 169

(إلا إذا علم أنّه قتل بحديدة ظلمًا)

(1)

، أي: حينئذ لا يغسل هذا إذا علم قاتله عينًا، وأمّا أنه قتل بحديدة، ولكن لا يعلم قاتله يغسل لما أنّ الواجب هناك الدية، والقسامة على أهل المحلة. كذا في «المحيط»

(2)

.

قلت: وهذا القيد يستفاد من لفظ الكتاب بقوله؛ لأن الواجب فيه القصاص، فوجوب القصاص إنما يكون على القاتل المعلوم

(3)

.

قوله رحمه الله: (وهو عقوبة)

(4)

، أي: القصاص عقوبة، وليس بعوضٍ حتّى يخف أثر الظلم [به]

(5)

كما في الديّة، ولئن كان عوضًا لكن نفعه يعود إلى الورثة لا إليه؛ لأن المقصود من القصاص ليس إلا يشفي الصدور، ودرك الثأر، وهذا يتحقّق في حق الأحياء، فلم ينتفع الميت به فلا يخفّ أثر الظلم بخلاف الدية؛ لأن نفعها يعود إلى الميت حتى يقضي ديونه، وينفذ، وصاياه. كذا في «مبسوط فخر الإسلام» رحمه الله

(6)

.

(والقاتل لا يتخلّص عنه ظاهرًا)

(7)

أي: والقاتل ظلمًا لا يتخلّص عن القصاص ظاهرًا، إمّا في الدنيا على تقدير استيفاء القصاص، أو في العقبى على تقدير عدم الاستيفاء، فلو كان وجوب القصاص مانعًا للشهادة حينئذ لما تصوّر وجود شهيد ما، وهو موجود، ثم كون الذي قُتل ظلمًا بحديدة في المصر شهيدًا حتّى لا يغسل مذهبنا، وقال الشافعي رحمه الله: يغسل، وهو بناء على أن عنده القتل العمد موجب للدية كالخطأ، فإذا وجب عن نفسه بدل هو مال [غسل]

(8)

، وعندنا العمد غير موجب للمال، فهو مقتول ظلمًا لم يجب عن نفسه بدل هو مال فكان شهيدًا، واعتمادنا فيه على حديث عثمان رضي الله عنه، فقد قتل في المصر، وكان شهيدًا لم يُغسل

(9)

، ومن قتل بغير سلاح غسل؛ لأن هذا في معنى الخطأ. كذا في «المبسوط»

(10)

.

فإن قيل: الذي وجب القصاص بقتله ليس في معنى شهداء أُحد؛ إذ لم يجب بقتلهم شيء؟.

قلنا: فائدة القصاص ترجع إلى وليّ القتيل، وسائر النّاس دون المقتول، فلم يحصل له بالقتل شيء كما لم يحصل لشهداء أُحد بخلاف الدية على ما ذكرنا. كذا في «المحيط»

(11)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 93.

(2)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 309.

(3)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 149.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 93.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 149.

(7)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 93.

(8)

[ساقط] من (ب).

(9)

أخرجه ابن سعد في (الطبقات الكبرى: 3/ 72).

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 93.

(11)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 309، 310.

ص: 170

(ومن قتل في حد أو قصاص غُسل)

(1)

لما روي أنّ ماعزًا رضي الله عنه

(2)

لما رجم جاء عمه إلى رسوله الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتل ماعز كما تقتل الكلاب، فماذا تأمرني أصنع به، فقال:«لا تقل هذا، فقد تاب توبة لو قسِّمت توبته على أهل الأرض لوسعتهم، اذهب فاغسله، وكفنه، وصل عليه»

(3)

. كذا في «المبسوط»

(4)

.

[165/ ب](ومن قتل من البغاة أو قطّاع الطريق لم يُصلّ عليه)

(5)

، وهذا مذهبنا، وقال الشافعي رحمه الله: يصلّى عليه؛ لأنه مؤمن قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}

(6)

إلا أنه مقتول بحق فهو كالمقتول في رجم أو قصاص، ولنا حديث علي رضي الله عنه أنّه لم يغسل أهل الخوارج يوم النهروان، ولم يُصلّ عليهم، فقيل له: أهم كفار؟ فقال: «لا، ولكنهم إخواننا بغوا علينا»

(7)

، أشار إلى أنّه إنما ترك الغسل، والصلاة عليهم عقوبة لهم، و/ زجرًا لغيرهم، وهو نظير المصلوب يترك على خشبته عقوبة، وزجرًا لغيره، ومن قتل نفسه خطأ بأن ناول رجلًا من العدوّ ليضربه فأخطأ، وأصاب نفسه، ومات، فإنّه يغسل، ويكفّن، ويصلّى عليه، وهذا بلا خلاف

(8)

.

وأمّا من تعمّد قتل نفسه بحديدة هل يصلّى عليه؟.

اختلف فيه المشايخ بعضهم قالوا: لا يصلّى عليه، وكان شمس الأئمة الحلواني رحمه الله يقول: الأصحّ عندي أنّه يصلّى عليه، وتقبل توبته إن [كان]

(9)

تاب في ذلك الوقت؛ لقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

(10)

، وكان القاضي الإمام علي السغدي -رحمه

الله-

(11)

يقول: الأصحّ عندي أنّه لا يصلّى عليه، لا لأنه لا توبة له لكن لأنه باغ على نفسه، والباغي لا يصلّى عليه. كذا في «المحيط»

(12)

.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 93.

(2)

ماعز بن مالك المرجوم له صحبة وليست له رواية قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجمه رأيته يتخضخض في أنهار الجنة. ينظر: الثقات لابن حبان: 3/ 404، الجرح والتعديل: 8/ 391، الإصابة في تمييز الصحابة: 5/ 705.

(3)

أخرجه مسلم في «صحيحه» (3/ 1321)، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، رقم (1695)، من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه.

(4)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 93.

(5)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 93.

(6)

سورة الحجرات من الآية: (9).

(7)

أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (8/ 377 - 8928) مختصرًا.

(8)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 310، 311.

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

سورة النساء من الآية: (48، 116).

(11)

علي بن الحسين بن محمد السغدي، أبو الحسن: فقيه حنفي. أصله من السغد (بنواحي سمرقند) سكن بخارى، وولي بها القضاء، وانتهت إليه رياسة الحنفية. ومات في بخاري. له:"النتف" في الفتاوى، و"شرح الجامع الكبير". ينظر: الجواهر المضية: 1/ 361، الأعلام للزركلي: 4/ 279، معجم المؤلفين: 7/ 79.

(12)

ينظر: المحيط البرهاني: 2/ 338.

ص: 171

وذكر في «فتاوى قاضي خان» في أوائل باب غسل الميّت المسلم: إذا قتل نفسه [واليًا]

(1)

يغسل، ويصلّى عليه في قول أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله-، والله أعلم

(2)

.

‌باب الصلاة في الكعبة

لما خالفت هيئة الصّلاة في الكعبة جوازًا لسائر الصلوات كلها في سائر الأمكنة فرضها، وواجبها، ونفلها، وصلاة المسافر، والمريض، وصلاة الجنازة أو غيرها حتّى صارت جنسًا آخر، وتلك الصّلوات جنسًا آخر من حيث الهيئة، والتوجّه انفرادًا، وجماعة.

أمّا انفردًا: فجواز التوجّه إلى الجهات الأربعة قصدًا، وأمّا جماعة: فجوازها مع تظاهر القوم مع الإمام أتى بباب على حدة إلا أنّه قدّم بيان تلك الصّلوات لزيادة مساس الحاجة إلى معرفتها؛ لكثرة دورها أزمنة، وكثرة تعدادها أمكنةً، ولأنّه ختم تلك الصلوات ببيان هذه الصلاة ليكون ختمها بصلاة يتبرّك بها حالًا، ومكانًا، ورزقنا الله تعالى، وإياكم أداء تلك الصّلاة المكرّمة، ومساس الكعبة المعظمة

(3)

.

قوله رحمه الله: (خلافًا للشافعي رحمه الله فيهما)

(4)

، كان هذا اللفظ وقع سهوًا من الكاتب، فإن الشّافعي يرى جواز الصّلاة في الكعبة فرضها، ونفلها، كذا أورده أصحاب الشافعي في كتبهم من «الوجيز»

(5)

، و «الخلاصة» ، و «الهاوي» ، و «الذخيرة»

(6)

وغيرها، ولم يورد أحد من علمائنا أيضًا هذا الخلاف فيما عندي من الكتب كـ «المبسوطين» ، و «الأسرار» ، و «الإيضاح» ، و «المحيط» ، وشروح «الجامع الصغير» ، وغيرها خلا أنّه يشترط السترة المتصلة بالأرض اتصال قرار إذا كان المصلّي في عرصة الكعبة كالحائط، والشجر.

(1)

[ساقط] من (ب).

(2)

ينظر: الجوهرة النيرة: 1/ 112.

(3)

ينظر: الفتاوى الهندية: 1/ 65، مراقي الفلاح: ص 159.

(4)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 93.

(5)

كتاب الوجيز في فقه الإمام الشافعي؛ لحجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي، الكتاب مطبوع في مجلدين، بتحقيق علي معوض وعادل عبدالموجود طبعته دار الأرقم سنة 1418 هـ.

(6)

ذخيرة الفتاوى، المشهورة بالذخيرة البرهانية؛ لبرهان الدين، محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري المتوفى سنة ستمائة وست عشرة من الهجرة، والذخيرة البرهانية مختصرة من كتابه المحيط البرهاني؛ لابن مازة، وهذه الفتاوى لها نسخ متعددة منها نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، تحت الرقم (3867 ف)، عن مكتبة تشتربيتي بدبلن بإيرلندا.

ص: 172

وذكر في «الوجيز»

(1)

للغزالي

(2)

: فالمصلّي في جوف الكعبة يستقبل أي جدار شاء، ويستقبل الباب، وهو مردود، وإن كان مفتوحًا

(3)

، والعتبة مرتفعة قدر مؤخرة الرجل جاز، ولو انهدمت

(4)

الكعبة -والعياذ بالله- صحّ صلاته خارج العرصة متوجّهًا إليها كمن صلّى على أبي قبيس، والكعبة تحته، وإن صلّى فيها لم يجز إلا أن يكون بين يديه شجرة أو بقيّة حائط، والواقف على السطح كالواقف في

(5)

العرصة، فلو وضع شيئًا بين يديه لا يكفيه، ولو غرز خشبة فوجهان.

وفي «الخلاصة الغزالية» : ويجوز الصلاة في الكعبة إلى بعض بنيانها، [والله أعلم بصحته]

(6)

، ولمالك رحمه الله في الفرض، فإنّه يجوّز التطوع في [جوف]

(7)

الكعبة، ولا يجوّز الفرض، ويقول: لأنه متى صلّى في جوف الكعبة، [فهذا إذا]

(8)

يستقبل بعضًا من الكعبة، فقد استدبرت بعضًا منها، واستدبار الكعبة موجب للفساد كما لو حصل الاستدبار خارج الكعبة، واستقبال الكعبة موجب للجواز، فقد اجتمع ما يوجب الجواز، وما يفسد، فيترجّح جانب الفساد احتياطًا لأمر العبادة، وكان القياس في التطوّع أن لا يجوز في جوف الكعبة بهذا إلا أني تركت القياس بالأثر، والأثر ورد في التطوّع لا في الفرض، فلا يترك القياس في الفرض لما أنّ النص الوارد في التطوع لا يكون واردًا في الفرض؛ لأنه [قد]

(9)

سوهل في التطوع ما لم يساهل في حق الفرض

(10)

.

[166/ أ] ألا ترى أنّ التطوّع قاعدًا جائز

(11)

حالة الاختيار، والفرض لا يجوز، وقاس الصّلاة بالطواف، فإنّ من طاف في جوف الكعبة [لا يجوز طوافه بخلاف خارج الكعبة، واحتّج أصحابنا بأنّه توجّه إلى جهة من الكعبة]

(12)

فيجزيه قياسًا على ما لو صلّى خارج الكعبة، فإنّه إذا كان خارج الكعبة لا يتوجّه إلى الكلّ، فكذا في جوف الكعبة، ودليله التطوّع، فإنّ التطوّع والفرض فيما هو من شرائط الجواز يستويان، وإن كانا مختلفان في الأركان فيجوز سواء كان هناك بناء أو لم يكن، ألا ترى أنّ البناء ينقل إلى موضع آخر، ولا يكون قبلة، وقد رفع البناء في عهد ابن الزبير حتّى بنى البيت على قواعد الخليل صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الحجاج

(13)

حين أعاده إلى ما كان عليه في الجاهلية/ كان يجوز الصلاة للنّاس، وإن لم يكن هناك بناء

(14)

.

(1)

ينظر: شرح الوجيز: 3/ 219، 220.

(2)

محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي بتشديد الزاي. نسبته إلى الغزال -بالتشديد- على طريقة أهل خوارزم وجرجان ينسبون إلى العطار عطاري، وإلى القصار قصاري، وكان أبوه غزالًا، أو هو بتخفيف الزاي نسبة إلى غزاله قرية من قرى طوس. فقيه شافعي أصولي، متكلم، متصوف. رحل إلى بغداد، فالحجاز، فالشام، فمصر وعاد إلى طوس. من مصنفاته:"البسيط"، و"الوسيط"، و"الوجيز"، و"الخلاصة" وكلها في الفقه، و"تهافت الفلاسفة"، و"إحياء علوم الدين". ينظر: طبقات الشافعية: 4/ 101، الوافي بالوفيات: 1/ 277، الأعلام للزركلي: 7/ 22.

(3)

في (ب): "متبوعا".

(4)

في (ب): "ارتفعت".

(5)

في (ب): "على".

(6)

[ساقط] من (ب).

(7)

[ساقط] من (ب).

(8)

في (ب): " فهو أنا".

(9)

[ساقط] من (ب).

(10)

ينظر: الفتاوى الهندية: 1/ 63.

(11)

في (ب): " يجوز ".

(12)

[ساقط] من (ب).

(13)

أبو مُحَمَّد الحجاج بن يُوسُف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر الثقفي. قال ابن قتيبة: هو من الأجلاف. قال: وكان أخفش، دقيق الصوت، تولى قتال ابن الزبير رضي الله عنه، فقهره على مكة والحجاز، وقتل ابن الزبير وصلبه بمكة سنة ثلاث وسبعين، فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين، وكان يصلي بالناس، ويقيم لهم الموسم، ثُمَّ ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فوليها عشرين سنة، توفى بواسط ودفن بها، سنة خمس وتسعين. (تهذيب الأسماء واللغات 1/ 153).

(14)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 143.

ص: 173

فأمّا قوله: (استدبر بعض الكعبة)، قلنا: استدبر بعضًا من الكعبة لم يؤمر بالتوجّه إليه، فإنّه ما أمر بالتوجه إلى الجوانب كلها في حالة واحدة؛ لأن ذلك غير ممكن، والأمر ينصرف إلى ما في وسع الإنسان، وليس في وسعه إلا توجّه البعض، فيكون مأمورًا بذلك لا غير، واستدبار ما لم يؤمر بالتوجّه إليه لا يفسد الصّلاة، وليس

(1)

الصّلاة كالطّواف، فإن الطّواف بالبيت لا فيه، ألا ترى أن الطّواف خارج المسجد لا يجوز بخلاف الصّلاة

(2)

.

وأمّا قوله: (واستدبار الكعبة موجب للفساد، كما في خارج الكعبة) قلنا: إذا استدبر خارج البيت لا يجوز؛ لعدم الاستقبال الذي هو شرط الجواز للاستدبار. كذا في «المبسوطين»

(3)

، و «الأسرار»

(4)

. [إلا أن في «الأسرار»]

(5)

ذكر خلاف مالك في مطلق الصّلاة من غير فصل في الحكم بين الفرض، والنفل، فإن صلّى الإمام بجماعة فيها، فجعل بعضهم ظهره إلى ظهر الإمام جاز، وكذلك إذا كان وجههم إلى وجه الإمام، فإنّ صلاة الكلّ جائزة؛ لأنّه وإن كان قدّام الإمام، فهو مقبل على متابعة الإمام؛ لأنه مقبل إليه بوجهه، والمقبل بوجهه إلى إنسان متابع له كالابن إذا قام بين يدي أبيه، ووجهه إلى وجه الأب يكون مقبلًا على طاعته، وخدمته فكذا هذا، وفي خارج الكعبة إنما لا يجوز إذا قام بين يدي الإمام، ووجهه إلى وجه الإمام لا لعدم المتابعة، ولكن لاستدبار القبلة، وهاهنا مستقبل للقبلة متابع للإمام متى كان وجهه إلى وجه الإمام، فيكون صلاته جائزة، فأمّا من كان ظهره إلى وجه الإمام، فهو إن استقبل القبلة إلا أنّه معرض عن متابعة الإمام كالابن يقوم بين يدي الأب، وظهره إلى وجه الأب لا يكون مقبلًا على طاعته، وخدمته فكذا هذا. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»

(6)

.

وحاصله: أن من صلّى في جوف الكعبة مقتديًا بالإمام، فلا يخلو عن أوجه أربعة، أمّا إن كان وجهه إلى ظهر الإمام فهو جائز سواء كان في جوف الكعبة، أو في غيره، أو وجهه إلى وجه الإمام، وهو أيضًا جائز إلا أنّه يكره استقبال الصّورة. كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «المبسوط»

(7)

، وعلّل في «الإيضاح» ، وقال: وينبغي لمن يواجه الإمام أن يجعل بينه وبين الإمام سترة احترازًا عن التشبّه بعابد الصورة، أو كان ظهره إلى ظهر الإمام، فهو أيضًا جائز؛ لكون كل جانب قبله يتعين، فلم يكن هو معتقد الخطأ في صلاة إمامه، أو كان ظهره إلى وجه الإمام، فإنّه لا يجوز لتقدمه على إمامه، وأمّا إذا كان على يمين الإمام أو يساره، فهو أيضًا جائز، وهذا ظاهر

(8)

.

(1)

في (ب): " نفس".

(2)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 144.

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي 2/ 144.

(4)

ينظر: كشف الأسرار: 4/ 37.

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 151.

(7)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 144.

(8)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 151، رد المحتار: 2/ 254.

ص: 174

قوله رحمه الله: (جازت صلاته إذا لم يكن في جانب الإمام)

(1)

، هذا احتراز عمّن كان منهم أقرب إلى الكعبة من الإمام، وهو في جانب الإمام حيث لم يجز لوجود التقدّم على إمامه؛ لأن هذا عند اتحاد المكان كان في معنى من جعل ظهره إلى وجه الإمام، وهناك لا يجوز، وإن كان في جوف الكعبة، فهنا أولى. وفي «مبسوط شيخ الإسلام» رحمه الله: فإن كان الإمام يصلي خارج الكعبة، واصطفّ الناس حول الكعبة فإنّ صلاة الكلّ جائزة إلا صلاة من كان قائمًا بين الكعبة، والإمام، فإن صلاته [لا تجوز]

(2)

سواء كان ظهره إلى الإمام، أو وجهه بخلاف ما لو كان في جوف الكعبة، فإنّه صلاته جائزة إذا كان وجهه إلى وجه الإمام؛ لوجود المتابعة، واستقبال الكعبة، وإن كان ظهره إلى وجه الإمام لا يجوز [لا]

(3)

لعدم الاستقبال

(4)

[القبلة]

(5)

، ولكن

(6)

لفوات المتابعة

(7)

.

(ومن صلّى على ظهر الكعبة)

(8)

أي: على سطح الكعبة لعلّ اختياره لفظ الظهر على لفظ السّطح بسبب أنّ لفظ الحديث جاء به على ما يجيء بعيد هذا

(9)

.

وفي «المبسوط»

(10)

: ومن صلّى على سطح الكعبة جازت صلاته عندنا، وإن لم يكن بين يديه سترة، وقال الشافعي: لا يجوز إلا أن يكون بين يديه سترة بناء على أصله أن البناء معتبر في جواز التوجّه إليه للصّلاة، وعندنا القبلة سواء

(11)

الكعبة سواء كان بين يديه سترة، أو لم يكن فهو مستقبل للقبلة، وبالاتفاق من صلّى على أبي قبيس جازت صلاته، وليس بين يديه شيء من بناء الكعبة، فدلّ أنّه لا معتبر بالبناء.

[166/ ب] ورأيتُ في «الذخيرة» : لأصحاب الشافعي إذا انهدمت الكعبة، فصلّى في عرصة البيت لا يجوز، ولو صلّى خارج العرصة متوجهًا إلى العرصة جاز، وهذا موافق لما ذكرت من «الوجيز»

(12)

الغزالي، فعلم بهذا أنّه إنما يشترط استقبال البناء، والسترة إذا كان المصلّي في عرصة الكعبة، وأمّا إذا كان/ خارج عرصة الكعبة، فلا يشترط البناء، والسترة.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 93.

(2)

في (ب): " جائزة".

(3)

[ساقط] من (ب).

(4)

في (ب): " استقبال ".

(5)

[ساقط] من (ب).

(6)

في (ب): " بل".

(7)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 152.

(8)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 93.

(9)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 152.

(10)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 2/ 145.

(11)

في (ب): " هو ".

(12)

ينظر: شرح الوجيز: 3/ 219.

ص: 175

قوله: (وقد ورد النهي عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

[عن أداء الصلاة فوق الكعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

، وقد ذكر في أواخر باب الحدث من «المبسوط»

(3)

روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة في سبعة مواطن المجزرة، والمزبلة، والمغبرة، والحمّام، وقوارع الطّريق، ومعاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله»

(4)

، والله أعلم بالصواب.

(1)

ينظر: الهداية شرح البداية: 1/ 94.

(2)

[ساقط] من (ب).

(3)

ينظر: المبسوط للسرخسي: 1/ 379.

(4)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 329 - 3613)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقال: تفرد به زيد بن جبيرة. قال ابن الجوزي في (العلل المتناهية: 1/ 399): هذا حديث لا يصح، قال يحيى: زيد بن جبيرة لا شيء، وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك عن روايته، وقال داؤد بن الحصين يحدث عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات تجب مجانبة روايته.

ص: 176