الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الزَّكَاة
فَصلٌ في الفضة
لماّ قَدَّمَ ذِكْرَ زكاةِ السَّوَائِمِ
(1)
، كما قلنا
(2)
: شَرع في بيان غيرها من أموال الزكاة، فكان ذِكْرُ المالِ، وإرادةُ غير السَّوَائِمِ على خلافِ عُرْفِ أهل البادية، فإنَّ اسمَ المالِ عندهم إنما يقع على النَّعم
(3)
، وعن مُحمد
(4)
رحمه الله
(5)
المالُ كلُّ ما يتملَكُهُ الناسُ من دراهمَ أو دنانيرَ أو حِنطة
(6)
، أو شَعْيرٍ، أو حيوانٍ، أو ثيابٍ، أو غير ذلك
(7)
، كذا في "المُغْرِب"
(8)
(9)
.
(1)
السَّوَائِم جمع سائمة، ولها معنيان لغوي وفقهي: قال في "المُغْرِب" سامت الماشية رعت سوما وأسامها صاحبها أسامة والسائمة عن الأصمعي كل إبل ترسل ترعي ولا تعلف في الأهل. والسائمة عند الفقهاء المال الراعي وهي التي تكتفي بالرعي في أكثر السنة؛ لأن اسم السائمة لا يزول بالعلف اليسير، ولأنه لا يمكن الاحتراز عنه وقُيِّد بالأكثر لإفادة أنه لو علفها نصف الحول فإنها لا تكون سائمة فلا زكاة فيها لوقوع الشك في السبب لأن المال إنما صار سبباً بوصف الأسامة فلا يجب الحكم مع الشك. يُنْظَر: المُغْرِب (2/ 279)، (الْبَحْرِ الرَّائِق: 2/ 229).
(2)
هكذا في (ب) وفي (أ)(لما قلنا).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 208).
(4)
هو: مُحَمَّد بن الحسن بن فرقد، من موالي بني شيبان، أبو عبدالله، إمام بالفقه والأصول، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة، أصله من قرية حرستة، في غوطة دمشق، وولد بواسط، ونشأ بالكوفة، فسمع من أبي حَنِيفَةَ وغَلَبَ عليهِ مذهبه وعُرف به، وانتقل إلى بغداد، فولاه الرشيد القضاء بالرقة ثُمَّ عزله، ولما خرج الرشيد إلى خراسان صحبه، فمات في الري، قال الشَّافِعِي:(لو أشاء أن أقول نزل القرآن بلغة مُحَمَّد بن الحسن، لقلت، لفصاحته) ونعته الخطيب البغدادي بإمام أهل الرأي، له كتبٌ كثيرة في الفقه والاصول، منها (المَبْسُوط) في فروع الفقه، و (الزيادات) و (الجامع الكبير)، و (الجامع الصغير)، و (الآثار)، و (السير) توفي بالري سنة (189 هـ).
يُنْظَر: تاج التراجم (1/ 18)، تاريخ بغداد (2/ 172)، طبقات الحنفية (2/ 42).
(5)
هكذا في (ب) و في (أ)(رح) وهي اختصار: رحمه الله.
(6)
الحنطة: القمح، جمع: حنط. المعجم الوسيط (1/ 202).
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 208).
(8)
كتاب المُغْرِب في ترتيب المعرب لإبي الفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي بن المطرز حقق الْكِتَاب محمود فاخوري وعبدالحميد مختار وطبعته مكتبة أسامة بن زيد في سوريا يقول في مقدمة الْكِتَاب ترجمتُه بكتاب " المُغْرِب في ترتيب المُعْرب" لغرابة تصنيفه ورصانة ترصيفه وإلى الله سبحانه وتعالى أبتهل في أن ينفعني به وأئمةَ الإسلام ويجمعني وإياهم ببركات جمعه في دار السلام.
(9)
يُنْظَر: (2/ 278).
[سبب تقديم ذكر النقدين]
ثُمَّ قَدّم ذِكْرُ النقدين على غيرهما؛ لأنهما مِن أصولِ الأموال حتى أنَّ قِيَم ذاتِ القِيَم، وقِيَمُ المتلفاتِ تُعرفُ بهما، ثُمَّ قَدّمَ الْفِضَّة على الذَّهَبِ اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام في تقديمِ ذِكْرِها على ذِكْرِ الذَّهَبِ فيما كتَبَ إلى مُعاذٍ رضي الله عنه
(1)
كما هو المذكور في الكتاب
(2)
(3)
، ولأنهَّا أكثرُ تَداولًا وأروجُ نقدًا عندهم، ألا ترى أنَّ المهرَ، ونِصابُ السرقة، والجِزية التي يَبْدأُ
(4)
الإمامُ بوضعها بحسْبِ اختلافِ أحوالِ] مَنْ يجبُ
(5)
عليهم قُدّرتْ بها دونَ الذَّهب.
[تعريف الأوقية]
قولهُ: (الأُوقّيةُ)
(6)
بالتشديد (أربعون درهما)
(7)
(8)
، وهي أُفْعُولَة من الوقاية؛ لأنها تقي صاحَبها من الضُرِّ، وقِيِل: هي فعلية من الأَوْقِ الثِقْلِ، والجمعُ الأَواقِيّ بالتشديد والتخفيف، كذا في "المُغْرِب"
(9)
، ومن شدّدَ جعل وزنها أفاعيل كالأضاحي] في جمع الأُضحية
(10)
، ومن خفَّفَ جمعه ُعلى أفاعل.
(وَلا شَيْءَ فِي الزِّيادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ] دِرْهَمًا
(11)
، فَيَكُونُ فِيهَا دِرْهَمٌ)، أي: مع الخمسة، وهكذا (فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرِْهَمٍ دِرِْهَمٌ)
(12)
(عند أبي حَنِيفَةَ رحمه الله
(13)
، وهو قولُ عُمر بن الخطابِ
(14)
رضي الله عنه.
(1)
أخرجه الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (9/ 194) برقم (18251) وقال: هذا لايثبت إِلاَّ بهذا الإسناد.
(2)
الكتاب عند الأحناف هو مُختَصرُ القُدُوري. يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1632).
(3)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 103).
(4)
في (أ)(يبدأ) وفي (ب)(يبتدئ) ولعل مافي (أ) هو الصواب لموافقته سياق الكلام.
(5)
في (ب)(أحوال من وجب عليهم).
(6)
الأوقية بالتشديد معيار للوزن جمعها أواقي ويختلف مقدارها شرعاً بإختلاف الموزون والأوقية من غير الذهب والفضة أربعون درهماً (127) غراماً وأوقية الفضة أربعون درهماً ولكن درهم الفضة يساوي (2، 975) غراماً وعلى هذا أوقية الفضة 119 غراماً وأوقية الذهب سبعة مثاقيل ونصف مثقال وهي تساوي (29، 75) غرام). يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (1/ 115).
(7)
الدرهم: قطعة نقدية من الفضه وزنه 6 دوانق = 48 حبة =2، 979 غراماً، والدرهم الذي توزن به الأشياء مقداره 51 حبة =3، 171 غراماً، يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (1/ 250).
(8)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 103).
(9)
يُنْظَر: (2/ 367).
(10)
سقطت في (ب).
(11)
سقطت في (ب).
(12)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي: (1/ 34).
(13)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 341).
(14)
رَوَاهُ ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 356) برقم (9864)، والْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (9/ 210) برقم (1855).
(وقالا
(1)
: ما زاد على المائتين فزكاته بحسابه)
(2)
(3)
.
[الزيادة على النصاب]
قَلَّت الزيادةُ أو كثرتْ، حتى إذا كانت الزيادةُ درِهما ففيها جزءٌ من أربعين جزءًا من درهم، وهو قولُ عليّ
(4)
وابن عُمر
(5)
وإبراهيم النُّخعي
(6)
رضي الله عنهم
(7)
، وقال طاوسُ اليماني
(8)
رحمه الله: لا يجب في الزيادة شيءٌ حتى يبلغ مائتي درهم، فيجب في كل مائتي درهم خمسةُ دراهم
(9)
، واشتراطُ النصابِ في الابتداء جوابٌ لإشكالٍ يَرِدُ على التعليل، وهو أنْ يُقال: وإنْ كان شُكرًا لنعِمةِ المال لمَاَ أُشْترِطَ النِّصابُ في الابتداءِ في غيرِ السوائم، ولما أُشْترِطَ في الابتداءِ والانتهاءِ في السَّوائِم، فأجابَ عنه، وهو ظاهرٌ، وتحقيقهُ أنَّ اعتبار النِّصاب في الابتداء لحصولِ الغِنى للمالك به، ففي الزيادة المعتبرة زيادة الغنى، وذلك حاصل بالقليل والكثير، ولِأَنَّ نَصْبَ النِّصابِ لا يكونُ إِلاَّ بالتوقيف، ولم يَشْتَهِر الأثَر باعتبار النِّصَابِ بعَد المائتين، ولِأَنَّ الزَّكَاةَ تشبهُ العُشر؛ لأنَّ الواجب فيهما سَهْمٌ معلوم شائعٌ في الجملةِ من الجيد الجيد، ومن الرديء الرديء، فهذا رُبع الْعُشْرِ وذاك عُشرٌ، ثُمَّ الْعُشْرِ إذا وجبَ في مالٍ كالفصيل كانت الزيادة بحساب ذلك، فكذلك هنا.
(1)
هما: مُحَمَّد وأبو يُوسُف. يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (1/ 147).
(2)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب: (1/ 147).
(3)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 103).
(4)
هو: علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو الحسن أول الناس إسلاما في قول كثير من أهل العلم ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح فربى في حجر النبي عليه الصلاة والسلام ولم يفارقه وشهد معه المشاهد إِلاَّ غزوة تبوك فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى وزوجه بنته فاطمة. يُنْظَر: الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 564).
(5)
هو: عبدالله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوى يأتي نسبه في ترجمة أخيه أبو عبدالرحمن أمه زينب بنت مظعون الجمحية ولد سنة ثلاث من المبعث النبوي فيما جزم به الزبير بن بكار قال هاجر وهو بن عشر سنين وكذا قال الواقدي حيث قال مات سنة أربع وثمانين. يُنْظَر: الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 181).
(6)
هو: إبراهيم بن زيد بن قيس بن الأسود، أبو عمران النخعي، من مذحج اليمن من أهل الكوفة، ومن كبار التابعين، أدرك بعض متأخري الصحابة، ومن كبار الفقهاء، قال عنه الصفدي: فقيه العراق، أخذ عنه حماد بن أبي سليمان وسماك بن حرب وغيرهما.
يُنْظَر: تذكرة الحفاظ: (1/ 59)، الأَعْلَام للزركلي (1/ 80)، طبقات ابن سعد (6/ 188 - 199).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 341).
(8)
هو: طاوس بن كيسان اليماني الهمداني، كنيته: أبو عبدالرحمن، أمه من أبناء فارس، وأبوه من النمر بن قاسط مولى بحير الحميري، يروى عن ابن عمر وابن عباس، كان من عباد أهل اليمن ومن فقهائهم ومن سادات التابعين، مات بمكة سنة إحدى ومائة قبل التروية بيوم وقيل: إنه مات سنة ست ومائة، وكان طاوس قد حج أربعين حجة، وكان مستجاب الدعوة فيما قيل.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (4/ 391)، التاريخ الكبير (4/ 365)، والجرح والتعديل (4/ 500).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 341).
واحتجَّ أبو حنيفةَ رحمه الله بما رُوي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «هاتوا رُبْعَ عُشْر أموالِكم مِن كُلِّ أربعينَ درِهمًا درهمٌ»
(1)
.
وقولهُ: «مِن كُلِّ أربعينَ درهمًا درهم» ، خرجَ تفسيرُ القول: رُبْعُ عُشورِ أموالكم، كقولكَ: تصدّقْ بما في الكيس منِ الدراهم تكون الدراهمُ تفسيرًا حتى لم ينصرفْ الأمر إلى غيرها، وكذلك هاهنا يقتصر البيانْ على الأربعين من الدراهم] كأنّهْ قال
(2)
: هاتوا من كل أربعين درهمًا درهم، ثُمَّ لا يجبُ كذلك ابتداءً، فثبت أنَّ المراد به بعد المائتين، أَلَا تَرى أنّه لا يدخلُ تحته سوى الدراهمُ من الطعام،] وكذلك
(3)
لا يدخلُ غيرَ الأربعينات من المقاديرِ فيعيَّنُ بهذا أنَّ المرادَ بقوله: فبحساب ذلك من الأربعينات، ولِأَنَّ أموال الزَّكَاةِ كلَّها مبنيةً على أن عفوها يعودُ بعد السقوطِ ويدورُ بعفوٍ ونصابِ نظراَ لصاحب المال عن هلاكِ الزيادة بتكرر واجبها؛ كما نظر في الابتداء لهذا المعنى بخلاف الْعُشْرِ، فإن أبا حنيفة رحمه الله لم يعتبر العفو في ابتدائه، فكذلك في بنائه، وهذا لأنه لا يتكررُ في مالٍ واحدِ، فلا يُؤدِّي إلى الاستئصال وفواتِ النظر، وقاس بالسوائم، ففيها وَقَصٌ
(4)
بعد النِّصَاب الأول، فكذلك في النقود بعلَّةِ أنّ الزَّكَاةَ واجبةٌ في الكلِّ على وجهٍ يحصُلُ فيه النَظَرُ للفقراءِ، وأربابُ الأموالِ كذا في "المَبْسُوط"
(5)
، و"الْأَسْرَارِ"
(6)
(7)
.
(1)
رَوَاهُ أبو داود في "سننه"، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة (1572). وابن ماجه في "سننه"، كتاب الزكاة، باب: زكاة الورق والذهب (1790)، وأحمد في "مسنده" من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2/ 118) حديث رقم (711)، قال الشيخ الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (4/ 72): حديث صحيح.
(2)
سقطت في (ب).
(3)
سقطت في (ب).
(4)
الوَقَصُ ما بين الفريضتين لأَن ما بين الفريضتين لا شيء فيه نحو أَن تبلغ الإِبلُ خَمْساً ففيها شاة ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ عشراً فما بين الخَمْسِ إِلى العُشّر وَقَصٌ وكذلك الشَّنَقُ وبعض العلماء يجعل الوَقَصَ في البقر خاصة والشَّنَقَ في الإِبل خاصة قال وهما جميعاً ما بين الفريضتين. يُنْظَر: لسان العرب لابن منظور (6/ 4893).
(5)
كتاب المَبْسُوط لشمس الدين أبو بكر مُحَمَّد بن أبي سهل السَّرَخْسِي حققه خليل محي الدين الميس وطبعته دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بلبنان من أصول المذهب الحنفي في الفقة يقول عن كتابه في المقدمة (فرأيت الصواب في تأليف شرح المختصر لا أزيد على المعنى المؤثر في بيان كل مسألة اكتفاء بما هو المعتمد في كل باب).
(6)
كتاب الْأَسْرَارِ لعبدالله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي الحنفي، ينسب إلى دبوسية، وهي قرية بين بخارى وسمرقند، كان من أكابر فقهاء الحنفية، ويضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، برع في علم أصول الفقه، له عدة مؤلفات منهاهذا الْكِتَاب الْأَسْرَارِ وهو كبير جداً حقق منه كتاب المناسك في مصر وبقي الجزء الباقي منه مفقوداً (430 هـ).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 342).
وأما الجوابُ عمَّا رَوَي فنقول: ما روْيتُم مُحتملٌ، فإنه يحتملُ أن يُرادَ بالزيادةِ على المائتينِ أربعونَ، أي: بحسابِ ذلك في كلِ أربعينَ، ويحُتملُ أن يُرادَ ما زَعَمتُم، أيْ: فِبحسابِ ذلك في قليلهِ وكثيره، وما رويناهُ محُكمٌ لا يحتملُ التأويل؛ لأن قولَهُ عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله عنه:«لا تأخذْ مِن الكسور شيئا»
(1)
لا يحتملُ غيرَ ما ذكرنا، فكان ما رويناهُ أَوْلَى؛ لِكونهِ محُكماً، وعلى قولهما يلزم الكسور، وهو منهيٌ عنه، والتقديرُ الذي لا يلزمُ منه الكسور، ذُكر في آخرِ ذلك الحديث، ذَكَرَهُ في "المَبْسُوط"
(2)
.
[مسألة الكسور]
وقال: قال لهُ النبي عليه الصلاة والسلام: «لا تأخذْ مِن الكسور شيئًا، وفي مائتي درهم خمسة دراهم، فما زاد على ذلك، ففي كلِّ أربعين درهمًا درهم»
(3)
.
ومعنى قولهِ عليه الصلاة والسلام: «لا تأخذْ مِن الكسور شيئًا» ، أي: لا تأخذ من الشيء الذي يكون المأخوذُ منهُ كَسْرًا سمُيِّ محَلُ الواجبِ باسم الواجب، وفي إيجاب الكسور ذلك، أي: الحرجُ (لتعذُرِ الوقوف)
(4)
؛ وذلك لأنه إذا مَلَكَ مائة درهم وسبعة دراهم، فعندها يجب عليه خمسةُ دراهم وسبعةُ أجزاءٍ من أربعين جزءًا من درهم، فتعذر معرفةُ سبعةِ أجزاء من أربعين جزءًا من درهم، فحينئذ لا يَقْدِرُ على الأداء.
[تأخير الزكاة لعذر]
وإذا لم يؤَّد في السَّنةِ الأولى للتعذر حتى حال حَوْلٌ آخر يجب عليه في السنة الثانية زكاةُ ما بقي من المال بعد الزَّكَاةِ؛ لأنّ دَيْنَها مُستحَقٌ، وإنْ لم يؤدِّ، وذلك مائتا درهم ودرهم وثلاثة وثلاثون جزءًا من أربعين جزءاً منِ درهمٍ واحدٍ، وزكاةُ درهم، وثلاثةَ وثلاثون جزءًا من أربعين/ جزءاً آخر درِهمٌ واحدٌ وزكاةُ درهم وثلاثة وثلاثين جزءًا من أربعين جزءًا في درهمٍ لا يُعرفُ البتةَ
(5)
، فصحَّ ما قلنا: إنه متعذرٌ، كذا في مَبْسُوطِ أبي اليسر رحمه الله
(6)
(7)
.
(1)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في "سننه"(7524 - 4/ 228) وقال: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه قال: " قال لي علي بن عمر الحافظ: هذا الحديث به المنهال بن الجراح متروك الحديث وهو أبو العطوف واسمه الجراح بن منهال وكان ابن إسحاق يقلب اسمه إذا روى عنه وعبادة بن نسي لم يسمع من معاذ قال الشيخ: مثل هذا لو صح لقلنا به ولم نخالفه إِلاَّ أن إسناده ضعيف جداً، والله أعلم.
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي 2/ 342.
(3)
سبق تخريجه ص (97).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 103).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 119).
(6)
هو: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبدالكريم بن موسى بن مجاهد، أبو اليسر البزدوي، فقيه، أصولي ولي القضاء بسمرقند، ملأ الكون بتصانيفه في الأصول والفروع، من تصانيفه:"المَبْسُوط" في فروع الفقه وهو في احدى عشر مجلداً ولايزال مخطوطاً توفي ببخارى (493 هـ).
يُنْظَر: (سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء: 19/ 49)، و (الجواهر المضية: 2/ 270)، الفَوَائِد البهية: ص 188).
(7)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 218)، البناية (3/ 37).
(وهو أنْ تكونَ العشرِة منها وزن سبعةِ مثاقيل)
(1)
، أي: تُوزن كلُّ عشرةٍ فيها سبعةُ مثاقيل، وتفسيره ما ذُكر في بيوع التتمةِ
(2)
، وقيل فيها: واعلم بأنَّ الدَّراهمَ في الابتداءِ كانت على ثلاثة أصناف: صنِف منها كل عشرة مِنه عشر مثاقيل كلُّ درهم مِثْقَال، وصنف منها كل عشرة منه ستة مثاقيل كلُّ درهم ثلاثةُ أخماس مِثْقَال، وصِنف منها كلُّ عشرة منه خمسةُ مثاقيل كلُّ درهم نصف مِثْقَال.
فكان الناسُ يتصرفونَ بها ويتعاملون فيما بينهم إلى أنْ استُخْلِفَ
(3)
عُمُر رضي الله عنه، فأراد أن يستوفي الخَراج
(4)
بالأكثر، فالتمسوا منه التخفيفَ فجمع حُسّابَ زمانه؛ ليتوسطوا ويوفقوا بين الدراهم كلِّها، وبين ما رامه عُمر وبين ما رامته الرعيةُ، فاستخرجوا له وزن السبعة
(5)
.
وإنما فعلوا لأحدِ وجوهٍ ثلاثة: أحدها: أنك إذا جمعت من كل صنف عشرة دراهم صار الكل واحدًا وعشرين مِثْقَالاً، فإذا أخذت ثُلث ذلك كان سبعة مثاقيل.
والثاني: أنك إذا أخذت ثلاث عشرة من كل صنف، وجمعت بين الأثلاث الثلاثة المختلفة كانت سبعة مثاقيل.
والثالث: أنك إذا ألقيت الفاضل على السبعة من العشرِة، أعني: الثلاثة، والفاضل أيضًا على السبعة من مجموع الستةِ والخمسةِ، أعني: الأربعة، ثُمَّ جمعت مجموعُ الفاضلين، أي: فاضل السبعة من العشرِة، وفاضلُ المجموعِ في الستة والخمسة، وهو ما ألقيتهُ كان سبعةُ مثاقيل، فلما كانتْ سبعةُ مثاقيلَ أعدل الأول فيها ودارتْ في جميعها بطريق مستقيم اختاروها، فهو في حُكم الْفِضَّة حتى لا تُشتَرطُ نيةُ التجارة حين اشتراه في حقِّ وجُوبِ الزكاة، ويجبُ عليه أداءُ خمَسةِ دراهمَ زكاة إذا تمَّ الحولُ على المائتين منه في ذلك فلا يحتاج إلى التقويم؛ لأنْ يبلغ نصابًا من حيث القيمة
(6)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 103).
(2)
التتمة في الفتاوى؛ لبرهان الدين، محمود بن أحمد بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة البخاري المتوفى سنة (616 هـ) والتتمة كتابٌ جمع فيه مصنفه ما وقع إليه من الحوادث والواقعات وضم إليها ما في الكتب من المشكلات وجمع في كل مسألة روايات مختلفة. يُنْظَر: كشف الظنون (1/ 823)، معجم المؤلفين (3/ 796)، الفوائد البهية (ص 336).
(3)
في (أ)(أستحلف) وفي (ب)(أستخلف) ولعل مافي (ب) هو الصواب لموافقته سياق الكلام.
(4)
الخَرَاجُ والخَرْجُ ما يحصل من غلة الأرض، ولذلك أطلق على الجزية. يُنْظَر: المصباح المنير (ص: 89).
(5)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 212).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 212).
وأما إذا كانَ الغالبُ عليه الغِشُّ فالحكمان، أعني: عدمُ اشتراطِ نية التجارةِ، وعدمِ الاحتياج إلى التقويم عِلى العكسِ كما في سائرِ العروض
(1)
، يعني: أنها إذا لم تكن للتجارة يُنْظَرُ إلى مَا يخلص منها من الفضةِ، فإن بلغ مائتي درهم تجبُ الزكاة؛ لأنه لا تعُتبر في عين الْفِضَّة القيمةُ ولا نيةَ التجارةِ، وإنْ كانت مما لا تختص منها الْفِضَّة فهي كالمضروبة من الصفر كالقُمْقُم والمِرْجَلِ
(2)
، فلا شيءَ فيها إِلاَّ إذا كانتْ للتجارة، وقد بلغتْ قيمتها مائتي درهم فيَجب فيها خمسةُ دراهم
(3)
. والله أعلم بالصواب.
فَصلٌ في الذهب
وقد ذكرنا وجهَ المناسبةِ
(4)
(5)
قولهُ رحمه الله: (لمِا روينا إشارةً)
(6)
إلى قولهِ: في أولِ فصل الْفِضَّة كَتَبَ إلى معاذ (أن خذ
…
)
(7)
إلى أن قال: وفي كلِّ عشرينَ مِثْقَالاً آخَر ذهب نصِف مِثْقَال.
(والمِثْقَالُ ما يكونُ كُلَّ سبعةٍ منها وزنُ عشرةِ دراهم، وهو المعروف)
(8)
(9)
.
قوله رحمه الله: منها، راجعٌ إلى قولهِ: ما يكونُ أو إلى المِثْقَال على تأويل المثاقيل، فإن سبعةَ مثاقيلَ اشتُرطتْ في التعريف فكان المِثْقَالُ، أو ما يكون في معنى سبعةِ مثاقيل، وهو المعروف، أيْ: المِثْقَالُ معروفٌ بين الناسِ، وهو قَدْرُ وَزْنِ الدِّينارِ مِنَ الذهبِ
(10)
مِثْقَالُ الشيءِ ميزانهُ من مثلهِ وهو في الثِّقلِ، ولكن غَلبَ استعمالهُ في قدر وزنِ الدينارِ مِنَ الذَّهَبِ قال
(11)
: فإنْ قلت: في هذا التعريفِ الذي ذَكَرَهُ في الْكِتَابِ
(12)
دورٌ
(13)
فإنه عُرِّف، قبلَ هذا في فصلِ الْفِضَّة وزنُ السبعةِ بالمِثْقَال؛ لِقولهِ: والمعتبرُ في الدَّراهِمِ وزنُ سبعة إلى آخره، ومنها عُرِّفَ المِثْقَالُ بوزن السبعة، وكلُّ تعريف يُؤدِّي إلى الدورِ فهو باطلٌ؛ لأنه لا يحصلُ التعريفُ به؛ لتوقفِ كُلِّ واحدٍ منها إلى الآخر، إذ كونه مُعَرِّفاً يقتضي أن يكونَ سابقًا، وكوُنه مُعَرَّفاً يقتضي أن يكونَ مسبوقًا، ومحُال أنْ يكونُ الشيُء الواحدُ بالنسبة إلى الآخرِ سابقًا ومسبوقًا.
(1)
العُرُوضُ الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا تكون حيوانا ولا عقارا. يُنْظَر: المصباح المنير (ص: 209).
(2)
القُمْقُم إناء صغير من نحاس أو فضة (المرجل) القدر من الطين المطبوخ أو النحاس. يُنْظَر: المعجم الوسيط (2/ 760)(1/ 332).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 213).
(4)
بياض في (أ) وفي (ب) (قوله رحمه الله
(5)
تقدم كلام المؤلف رحمه الله في بداية كتاب الزكاة ص (93).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 103).
(7)
رَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب صدقة الزرع (1601)، وابن ماجه في سننه، كتاب الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة من الأموال (1814). ولفظه:(خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 214.
(9)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 103).
(10)
نصاب الزكاة: في الذهب عشرون دينارًا، ونصاب الفضة مائتا درهم، فإن لم يتم هذا النصاب عند مالكه فلا زكاة عليه وذلك مجمع عليه.
ونصاب الزكاة: في الفلوس وفي الأوراق النقدية عند من أوجب فيها الزكاة يقوم بتقويمهما بالدينار والدرهم. ونصاب الزكاة: في عروض التجارة يقوم بالدينار أو الدرهم الشرعيين كذلك.
يُنْظَر: فتح القدير (1/ 527)، شرح المنهاج (2/ 30)، الْمُغْنِي (3/ 33).
(11)
سقطت في (ب).
(12)
يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص 56).
(13)
يَدُورُ، دَوْرًا" و دَوَرَانًا طاف به، و"دَوَرَانُ" الفلك تواتر حركاته بعضها إثر بعض من غير ثبوت ولا استقرار ومنه قولهم "دَارَتِ" المسألة أي كلما تعلقت بمحلّ توقف ثبوت الحكم على غيره فينقل إليه ثُمَّ يتوقف على الأول. يُنْظَر: المصباح المنير (ص: 107).
قلتُ: نعم كذلك إِلاَّ أنهُ رَفَعَ تلك الشُّبهةِ بقولهِ وهو المعروف، فإن الشيئين إذا كانا معروفين في نفسه، ولكن الجهالةَ وقعتْ في نسبةِ كلِّ واحدٍ منهما إلى الآخر، يجوز أن يُعَرَفَ نسبةَ ذاك بهذا، ونسبةَ هذا بذاك، بيانه: إنك إذا عَرَفْتَ زيدًا وعَمْرًا بعينهما، ولكن لا تعرفُ نسبةَ كُلِّ واحدٍ منهما إلى الآخر بأيِّ طريقٍ، فتقول: مَنْ زيد؟ فيجيبك
المسئولُ بأنه ابنُ عَمْروٍ، ثُمَّ مضى زمانٌ وغفلْتَ عمّا عرفته بطريق الضِمْنِ فتسألُه، وتقولُ: مَنْ عمرو؟ فيقول: أبو زيد يحصل لك معرفةَ نسبة كلّ واحد منهما إلى الآخر بالتصريح، وإنْ وقعَ الاستغناءُ للمتيقظِ بالتعريفِ الأول، ولِكن كان ذلك التعريفُ بطريقِ الضمن لا بالتصريح، ولا يستبعدُه أحدٌ، فكذلك هاهنا ذَكر تعريفَ المِثْقَال هنا، وإنْ كانَ وقعَ الاستغناُء بما ذكِرَ هناك لكنْ لم يكن ذلك بطريقِ التصريحِ مع إظهارِ عُذْرٍ به بقولهِ (وهو المعروفُ)
(1)
، أي: المِثْقَالُ معروفٌ غيرُ محتاجٍ إلى البيانِ، ولكنْ هذا لزيادة الْإِيضَاحِ، وهُمْ علماءً هُداةٌ طارحوا التكليفَ، ونابذوا التعُسفَ، يفيدون ما أفادوا على التَّمامِ من غيرِ إخلال في المرامِ.
ومثلُ هذا التعريف وقع في "الصِّحَاح"
(2)
(3)
وغيره، فقال في "الصِّحَاح"
(4)
في تعريف الضريع والشَّبرقِ، فقال في باب العين: الضريعُ لِبْس الشرفاء، ثُمَّ ذَكَرَ في باب القاف الشِّبْرِقِ بالكسر، وهو: رُطْبُ الضَّريع
(5)
.
[تعريف المثقال]
وأمَّا تعريفُ المِثْقَال
(6)
على وجهِ التمامِ وِهو الدِّينارُ، ما ذكرهُ الإمامُ الأَجل خَتمُ الحِسَابِ سِراجُ الدِّينِ أبو طاهر مُحَمَّد بن عبد الرشيد السجاوندي رحمه الله
(7)
في تصنيفٍ له في باب قِسمة التركاتِ، فقال: اعلَمْ أنَّ الدينارَ ستةُ دوانيق
(8)
، والدانُق أربعُ طسوجات
(9)
، والطُّسوجَ حبتان، والحبةُ شعيرتان، والشعيرةُ] ستةُ خرادل
(10)
، والخردلةُ اثنا عشر فلسًا، والفلِسُ
(11)
ستُ فتيلات
(12)
، والفتيل ست نقيرات
(13)
، والنقيرةُ
(14)
ثماني قَطْميرات، والقطميرة
(15)
اثني عشر ذرةً
(16)
، وذكر فيها أيضًا: الدينار بصنجةِ
(17)
أهلِ الحجاز عشرون قيراطاً، والقيراطُ خَمسُ شعيرات، والدينارُ عندهم مائةُ شعيرةٍ، وعندِ أهلِ سمرقند
(18)
ستةٌ وتسعون شعيرة، فيكون القيراطُ عندهم طسوجًا وخمسة.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 34).
(2)
الصِّحَاح تاج اللغة وصحاح العربية تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري إمام فى علم اللغة؛ وخطّه يضرب به المثل فى الحسن، حقق كتاب الصِّحَاح أحمد عبد الغفور عطار وطبعته دار العلم للملايين في لبنان.
(3)
يُنْظَر: (3/ 1249).
(4)
نفس المصدر السابق.
(5)
يُنْظَر: الصِّحَاح: (4/ 1500).
(6)
المثقال: في اللغة: ميزانه من مثله، وهو مفرد يجمع على مثاقيل، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، وكل سبعة مثاقيل عشرة دراهم، وفي اصطلاح الفقهاء: المثقال وزن الدينار من الذهب، قال الكمال بن الهمام: والظاهر أن المثقال اسم للمقدار المقدر به، والدينار اسم للمقدر به بقيد ذهبيته، وقال ابن عابدين بعدما أورد هذه العبارة عن الفتح: وحاصله أن الدينار اسم للقطعة من الذهب المضروبة المقدرة بالمثقال، فاتحادهما من حيث الوزن وجميع الأئمة على ذلك أيضا. يُنْظَر: فتح القدير: (1/ 522)، ومغني المحتاج:(1/ 383)، حاشية ابن عابدين:(2/ 29).
(7)
هو: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرشيد بن طيفور، سراج الدين أبو طاهر السجاوندي الحنفي، فقيه، مفسر، فرضي، يُنْظَر:(الجواهر المضية: 2/ 119)، (الأَعْلَام للزركلي: 7/ 27)، و (معجم المؤلفين: 11/ 233).
(8)
الدانق: سدس الدينار والدرهم. يُنْظَر: لسان العرب: (10/ 105).
(9)
الطَّسُّوج: حَبَّتان من الدَّوَانيق والدَّانق أَربعة طَساسيج، وهما معرَّبان، وقال الأَزهري: الطَّسُّوج مقدار من الوزن، يُنْظَر: لسان العرب: (2/ 317).
(10)
الخردل نبات معروف الواحدة خَرْدَلة وفي التنزيل العزيز {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] أَي: زِنَة خَرْدَل وتساوي حبة الخردل جزء من ستة أجزاء من حبة الشعير، يُنْظَر: لسان العرب: (11/ 203)، مختار الصِّحَاح (1/ 196)، معجم لغة الفقهاء (1/ 194).
(11)
عملة يتعامل بها مضروبة من غير الذهب والفضة وكانت تقدر بسدس الدرهم وهي تساوي اليوم جزءا من ألف من الدينار في العراق وغيره. يُنْظَر: المعجم الوسيط: (2/ 700).
(12)
الفَتِيل السَّحَاة في شَقِّ النَّواة وما أَغنى عنه فَتِيلاً ولا فَتْلة ولا فَتَلة الإِسكان عن ثعلب، والفتح عن ابن الأَعرابي، أَي: ما أَغنى عنه مقدار تلك السَّحَاة التي في شَق النواة، وفي التنزيل العزيز:{ولا يُظلَمون فَتِيلاً} قال ابن السكيت: القِطْمير القشرة الرقيقة على النواة، والفَتِيل ما كان في شَق النواة، وبه سميت فَتِيلة. يُنْظَر: لسان العرب (2/ 373).
(13)
في (ب)(والشعيرة ست نقيرات والنقيرة ثماني قطميرات).
(14)
النقير النكتة التي في ظهر النواة وروي عن أبي الهيثُمَّ أَنه قال النَّقِيرُ نُقْرَةٌ في ظهر النواة منها تنبت النخلة. يُنْظَر: لسان العرب (5/ 227).
(15)
القشرة الرقيقة على النواة كاللفافة لها، والشيء الهين الحقير، يقال: ما أصبت منه قطميرا. يُنْظَر: المعجم الوسيط: (2/ 747).
(16)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 211).
(17)
هي: السنجمة، والجمع صنج وهي مايتخذ من صُفْر مدوراً يضرب أحدهما بالآخر. يُنْظَر: المعجم الوسيط: (1/ 525)، المُغْرِب (1/ 483).
(18)
بلد معروف مشهور قيل: إنه من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر، وهو قصبة الصغد مبنية على جنوبي وادي الصغد مرتفعة عليه. قال أبو عون: سمرقند في الأقليم الرابع طولها تسع وثمانون درجة ونصف وعرضها ست وثلاثون درجة ونصف، وقال الأزهري: بناها شمر أبو كرب، فسميت شمر كنت فأعربت فقيل سمرقند هكذا تلفظ به العرب في كلامها وأشعارها. يُنْظَر: معجم البلدان (3/ 246).
(ثُمَّ كلَّ أربعةِ مثاقيل قيراطان)
(1)
، القيراطُ جزءٌ من عشرينَ جزءً من مِثْقَال، وهو موافقٌ لما ذُكرِ في الكتاب
(2)
.
[مسألة الكسور]
وفي "الصِّحَاح"
(3)
: القيراطُ نصفُ دانقٍ والدانقُ سُدَسُ الدرهمِ، والدرهمُ فارسيٌ مُعّرب، وأصل القِيراطِ قراطٌ بالتشديد؛ لأنّ جمعَهُ قراريطُ، فأُبدِلَ من أَحَدِ حرفي تضعيفه على ما ذكرنا في دينار، (وهي مسألةُ الكسور)
(4)
، أيْ: مسألةُ الكسور التي بينّاها في فصلِ الْفِضَّة، يعني: إذا زادتْ الدَّراهمُ على المائتين، هل يُشترطُ نصابُ الأربعين أمْ لا في وجوب الزكاة؟ وقد بُيَّنَ الاختلافُ والحُجَج من الجانبين، ولِكُلِّ مَنِ استقام حجةُ استدلالاته هناك يستقيمُ هاهنا، خلا أنّهُ فاقتْ أربع مثاقيل هنا مقامَ أربعين درهمًا هناك، (وفي تِبْرِ الذَّهَبِ والفضة)
(5)
التِّبرُ ما كان غيَر مضَروبٍ منِ الذَّهَبِ والْفِضَّة والحُليِّ، على فعول جمع حُليّ كثيرة في جمع ثُدِيّ، وهي ما تتحلى به المرأةُ منِ ذَهَبٍ أو فضة وأونيهما بسكون الياء بالتخفيف، جَمَعُ الجمع للكثرة ِللإناء، وهو وعِاءُ الماءِ، وجمعُ القِلَّةِ: آنيةُ كِسَوارٍ وأَسْوِرَةٍ وأَسَاْوِرَ، كذا في "المُغْرِب"
(6)
.
[زكاة حلي النساء]
(وقال الشَّافِعِي رحمه الله: لا يجبُ في حُليِّ النساءِ، وخاتمِ الْفِضَّة للرجال)
(7)
(8)
، وإنما خصّها ليمتاز به كُلُّ ما يبُاحُ الاستعمالُ مِن الذَّهَبِ والْفِضَّة] بما لا يُباح الاستعمال.
وذكر في "الخُلَاصَةِ الغزاليَّة"
(9)
: أمَّا الحُلي والمبُاح مِنَ الذَّهَبِ والفِضَةِ
(10)
فلا زكاةَ فيها على أصحِّ القولينِ؛ لأنهُ رخّصَ استعمالهَا كسائرِ السِّلع وإنْ كانتْ محظورةً أو آنيةً، فالزَّكَاةُ واجبةٌ
(11)
والحَجةُ له أيضًا في الفرقِ بينهما ما ذُكِرَ في "المَبْسُوط"
(12)
وهو: أن الحظرَّ شرعاً يسقطُ اعتباراً للصّنعةِ والابتذالُ حكمًا، فيكون مالُ الزَّكَاةِ بخلاف ما إذا كانتْ مباحةً شرعاً وهو نظيرُ ذَهابِ العقلِ بسبب السُّكْرِ، يسقطُ اعتبارُه شرعاً بخلافِ ذهابِ العقلِ بسبب الدواءِ، لا يسقطُ اعتبارُه شرعاً، ولنا حديث عبدالله بن عمرو بن العاص
(13)
رضي الله عنهما أنَّ رسولَ الله عليه الصلاة والسلام رأى امرأتين تطوفان بالبيتِ وعليهما سِواران من ذَهَبِ، فقال:«أتؤديانِ زكاتهما) فقالتا: لا، فقال: أتحبان أنْ يسُورَكما اللهُ بِسِوَارَيْنِ منِ نارِ فقالتا: لا، فقال: أدِّيا زكاتهَما»
(14)
(15)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 34).
(2)
يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص 56)، الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة:(2/ 215).
(3)
يُنْظَر: (3/ 115).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 103).
(5)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 34).
(6)
يُنْظَر: (1/ 47).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 103).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 215).
(9)
الخُلَاصَة الغزاليَّة، وتسمى خُلاصة المختصر ونقاوة المُعتصر لحجة الاسلام أبي حامد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغزالي (505 هـ) الْكِتَاب مطبوع بمجلد واحد طبعته دار المنهاج بتحقيق أمجد رشيد مُحَمَّد علي.
(10)
سقطت في (ب).
(11)
يُنْظَر: (1/ 197).
(12)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 354).
(13)
عبدالله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي كنيته أبو مُحَمَّد قيل إن اسمه العاص وغيّره النبي عليه الصلاة والسلام توفي سنة 65 هـ. يُنْظَر: أسد الغابة (1/ 657)، الأَعْلَام للزركلي (4/ 111).
(14)
رَوَاهُ الترمذي في سننه، كتاب الزكاة، باب زكاة الحلي، (637)، وأحمد في مسنده (6901 - 2/ 204). قال الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 407): حديث حسن.
(15)
اتفق الفقهاء على وجوب الزكاة في الحلي المستعمل استعمالًا محرم، كأن يتخذ الرجل حلي الذهب للاستعمال؛ لأنه عدل به عن أصله بفعل غير مباح فسقط حكم فعله وهو صياغته صياغة محرمة، وبقي على حكم الأصل من وجوب الزكاة فيه. كما اتفقوا على وجوبها في الحلي المكنوز المقتنى الذي لم يقصد به مقتنيه استعمالا محرما ولا مكروها ولا مباحًا؛ لأنه مرصود للنماء فصار كغير المصوغ، ولا يخرج عن التنمية إِلاَّ بالصياغة المباحة ونية اللبس.
واختلفوا في الحلي المستعمل استعمالاً مباحا كحلي الذهب للمرأة وخاتم الفضة للرجل.
فذهب المالكية والحنابلة والشَّافِعِي في القديم وأحد القولين في الجديد وهو المفتى به في المذهب إلى عدم وجوب الزكاة في الحلي المباح المستعمل، وروي هذا القول عن ابن عمر وجابر وعائشة وابن عباس وأنس بن مالك وأسماء رضي الله عنهم والقاسم والشعبي وقتادة ومُحَمَّد بن علي وعمرة وأبي عبيد وإسحاق وأبي ثور، كما استدلوا بقياس الحلي المباح على ثياب البدن والأثاث وعوامل البقر في أنها مرصدة في استعمال مباح فسقط وجوب الزكاة فيها.
وذهب الحنفية والشَّافِعِي في القول الآخر في الجديد إلى وجوب الزكاة في الحلي المباح المستعمل، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وسعيد بن جبير وعطاء، وطاوس، وابن مهران ومجاهد، وجابر بن زيد، وعمر بن عبدالعزيز، والزهري، وابن حبيب. والحلي مال نام ودليل النماء الإعداد للتجارة خلقة. يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 17)، و (الْبَحْرِ الرَّائِق: 1/ 243)، المغني (3/ 13).
والمرادُ: الزَّكَاةُ دونَ الإعارةِ؛ لأّنُه ألّحَقَ الوعيُد بهما، وذلك لا يكونَ إِلاَّ بتركِ الواجبِ والإعارةُ ليستْ بواجبةٍ، وفي حديثِ أمِّ سلمةَ
(1)
رضي الله عنها أنها كانتْ تلبِسُ أوضاحًا
(2)
لها من ذهبٍ، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ أكنزٌ هِي؟ فقال: «إن أديْتِ منها الزَّكَاةَ فلا»
(3)
،
(4)
والمعنى فيها: أنّ الزَّكَاةَ فيها حُكْمٌ تعلّقَ بعينِ الذَّهَبِ والْفِضَّة فلا تسقطُ بالصنعةِ كحُكمِ التقابض في المجلس عنَد بيعِ أحدهم بالآخرِ وجريانِ الرِّبا.
أو لماّ كان الحكمُ متُعلقٌ بعينِ الذهبِ/ والْفِضَّة لم] يعرف
(5)
الحال بين أنْ يكونَ محظورًا أو مباحًا كما في السوائم، إذا جعلها حمولةَ خمرِ حيث لا تجبُ الزَّكَاةُ باعتبار الحظر، لمِا أنّ عدَم التعلّق بكونها حمولةً، فلذلك لم يُفَرّقْ بينهما، وفي هذا جوابٌ عما تعلّقَ بالفرقِ بذهابِ العقلِ بسببٍ هو محظورٌ أو مباحٌ، ولِأَنَّ المقصود به الابتذال بهما هو التجمل الزائد لا يتعلق به حياة النفسِ أو المالِ، فلا تنعدمُ به صفة الثمنية] الكائنة
(6)
لهذين الجوهرين باعتبارِ الأصلِ بخلافِ ذَهاب العقلِ بسبب الدواءِ؛ لأنهُ تتعلق به حياةُ النفس بخلاف الثياب؛ لأن الابتذال ثمةَ أمرٍ أصليِ؛ لأنَ فيه صرفاً لها إلى الحاجة الأصلية المتعلقة بها، وهي دفع الحرِّ والبردِ، فجاز أن يبطُلَ الأمرُ الأصليُّ فيها ما هو دونهُ، وهو يعني التجارة فيها، فإن قلتَ: ففي قوله في الْكِتَابِ وهو الإعدادُ للتجارة خلقةً، إشارةٌ إلى أنّ المعنى المؤثَر فيهما هو الثمنيةُ خِلقةً في وجوبِ الزَّكَاةِ عندنا
(7)
.
(1)
أم سلمة هند بنت سهيل المعروف بأبي أمية ويقال أسمة حذيفة ويعرف بزاد الراكب ابن المغيرة القرشية المخزومية من زوجات النبي عليه الصلاة والسلام تزوجها سنة 4 هـ يُنْظَر: أسد الغابة (1/ 1442 - 1443)، الأَعْلَام للزركلي (8/ 97).
(2)
الوَضَحُ حَلْيٌ من فضة والجمع أَوضاح سميت بذلك لبياضها واحدها وَضَح. يُنْظَر لسان العرب لابن منظور (6/ 4856).
(3)
رَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو وزكاة الحلي (1566)، قال الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (4/ 64): المرفوع منه حسن.
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 345).
(5)
في (أ)(يفترق) وفي (ب): (يعرف) ولعل ما أثبته هو الصحيح.
(6)
في (ب): (الثابتة).
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 216).
[العلة في الربا]
وكذلك صرّحَ بهذا أيضًا الإمامان شمسُ الأئمة
(1)
، وفَخْرُ الْإِسْلَام
(2)
-رحمهما الله- في نسختيهما مِن أصولُ الفقِه مع أنهما منعا الشَّافِعِي في تعليله بالثمنية في مسألة الرِّبا بعلةٍ
(3)
أن ذاك تعليلٌ بالعلة القاصِرة، فحينئذٍ تيسرَ للخصمِ أنْ يقولَ لعلمائنا: وقعُتْم في الذي أَبَيتُمْ فما جوابُنا له
(4)
؟
(1)
هو: مُحَمَّد بن أحمد بن أبي سهل؛ أبو بكر؛ السَّرَخْسِي من أهل سرخس بلدة في خراسان. ويلقب بشمس الأئمة. كان إمامًا في فقه الحنفية، وعلامة حجة متكلمًا ناظرًا أصوليًّا مجتهدًا في المسائل. أخذ عن الحلواني وغيره. توفي سنة 483 هـ. من تصانيفه:(المَبْسُوط) في شرح كتب ظاهر الرواية في الفقه؛ و (الأصول) في أصول الفقه.
يُنْظَر: (الفَوَائِد البهية: ص 158)؛ و (الجواهر المضية: 2/ 28)، و (الأَعْلَام للزركلي: 6/ 208).
(2)
هو: علي بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد البزدوي، أبو الحسن، فَخْرُ الْإِسْلَام. فقيه، أصولي، محدث، مفسر. ولد في حدود سنة 400 هـ وتوفي سنة 482 هـ، ودفن بسمرقند، من تصانيفه: المَبْسُوط، شرح الجامع الكبير للشيباني في فروع الفقه الحنفي.
يُنْظَر: معجم المؤلفين (7/ 192)، الطبقات السنية (ص 238)، (تاج التراجم (ص 14)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (18/ 603).
(3)
العلة: هي المعنى الجالب للحكم. يُنْظَر العدة في أصول الفقه (1/ 175).
(4)
اتفق عامة الفقهاء على أن تحريم الربا في الأجناس المنصوص عليها وهي: (الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح) إنما هو لعلة، وأن الحكم بالتحريم يتعدى إلى ما تثبت فيه هذه العلة، وأن علة الذهب والفضة واحدة، وعلة الأجناس الأربعة الأخرى واحدة، ثُمَّ اختلفوا في تلك العلة.
فقال الحنفية: العلة: الجنس والقدر، وقد عرف الجنس بقوله عليه الصلاة والسلام:(الذهب بالذهب، والحنطة بالحنطة) وعرف القدر بقوله عليه الصلاة والسلام: (مثلًا بمثل) ويعني بالقدر الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن لقوله عليه الصلاة والسلام كذلك كل ما يكال ويوزن، وقوله عليه الصلاة والسلام:(لا تبيعوا الصاع بالصاعين)، وهذا عام في كل مكيل سواء أكان مطعوما أم لم يكن، ولِأَنَّ الحكم متعلق بالكيل والوزن إما إجماعًا -أي: عند الحنفية- أو لأن التساوي حقيقة لا يعرف إِلاَّ بهما، وجعل العلة ما هو متعلق الحكم إجماعا أو هو معرف للتساوي حقيقة أولى من المصير إلى ما اختلفوا فيه ولا يعرف التساوي حقيقة فيه؛ ولِأَنَّ التساوي والمماثلة شرط لقوله عليه الصلاة والسلام مثلا بمثل، وفي بعض الروايات سواء بسواء أو صيانة لأموال الناس، والمماثلة بالصورة والمعنى أتم، وذلك فيما ذكر؛ لأن الكيل والوزن يوجب المماثلة صورة، والجنس يوجبها معنى، فكان أولى.
وقال المالكية: علة الربا في النقود مختلف فيها، فقيل: غلبة الثمنية، وقيل: مطلق الثمنية، وإنما كانت علة الربا في النقود ما ذكر؛ لأنه لو لم يمنع الربا فيها لأدى ذلك إلى قلتها فيتضرر الناس. وعلة ربا الفضل في الطعام الاقتيات والادخار، وهو المشهور وقول الأكثر والمعول عليه.
وذهب الشَّافِعِية: إلى أن العلة في تحريم الربا في الذهب والفضة كونهما جنس الأثمان غالبا - كما نقل الماوردي عن الشَّافِعِي - ويعبر عنها بجنسية الأثمان غالبا أو بجوهرية الأثمان غالبا، وهذه علة قاصرة على الذهب والفضة لا تتعداهما إذ لا توجد في غيرهما، فتحريم الربا فيهما ليس لمعنى يتعداهما إلى غيرهما من الأموال؛ لأنه لو كان لمعنى يتعداهما إلى غيرهما لم يجز إسلامهما فيما سواهما من الأموال؛ لأن كل شيئين جمعتهما علة واحدة في الربا لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر كالذهب والفضة والحنطة والشعير، فلما جاز إسلام الذهب والفضة في الموزونات والمكيلات وغيرهما من الأموال دل على أن العلة فيهما لمعنى لا يتعداهما وهو أنهما من جنس الأثمان.
وذكر لفظ " غالبا " في بيان علة تحريم الربا في الذهب والفضة للاحتراز من الفلوس إذا راجت رواج النقود، فإنها وإن كانت ثمنًا في بعض البلاد فليست من جنس الأثمان غالبا، ويدخل فيما يجري فيه الربا الأواني والتبر ونحوهما من الذهب والفضة.
وروي عن أحمد بن حنبل في علة تحريم الربا في الأجناس الستة ثلاث روايات: أشهرها أن علة الربا في الذهب والفضة كونهما موزوني جنس، وفي الأجناس الباقية كونها مكيلات جنس، فعلى هذه الرواية يجري الربا في كل مكيل أو موزون بجنسه ولو كان يسيرًا لا يتأتى كيله كتمرة بتمرة أو تمرة بتمرتين لعدم العلم بتساويهما في الكيل، ولا يتأتى وزنه كما دون الأرزة من الذهب أو الفضة ونحوهما. يُنْظَر: المغني (4/ 5)، أسنى المطالب (2/ 22).
قلت: اختلفَ الحُكم لاختلافِ المقاصدِ والآثارِ، ولا اعتبارَ لصورةِ التعليل بالثمنية، بل الاعتبارُ بأنَّ التعليل بها يقع بعلةٍ قاصرة أو متعديةٍ، فعلّلَ هو بها فوقعتْ قاصرةً، وعللنا نحن بها فوقعت متعديةً؛ لأن مقصودنا بذلك التعليل أنه تجبُ الزَّكَاةُ في النقدين، وفيما يتُخذُ منهما آنية أو حليًا، ومقصودُ الخصمِ بذلك التعليل في مسألة الرِّبا الحجرُ عن تعديةِ تعليل النقدين إلى غيرهما، ثُمَّ حُكم الزَّكَاةِ في الأواني والحُليِّ يختلفُ بين أداءِ الزَّكَاةِ من عينها وبين أدائها مِن قيمتها، فإنهُ إذا كان له إناءُ فضةٍ وزنهُ مائتان وقِيمتهُ ثلاثُ مائة درهم، فإنْ زَكَّى من عينِهِ تَصَدّقَ بِرُبعِ عُشرةِ على الفقيرِ، فيشاركُه فيهِ، وإنْ أدّاه مِنْ قيمتِه فعندَ محمد
(1)
يعدِلُ إلى خلافِ الجِنْسِ وهو الذَّهَبُ؛ لأنّ الجودةَ مُعتبرةٌ عندهُ.
وأمَّا عند أبي حَنِيفَةَ رحمه الله: فلو أدّه خمسةً مِن غير الإناء سقطتْ عنه الزكاة؛ لأن الحكم عنده مقصور على الوزن، فإن أدى من الذَّهَبِ ما يبلغُ قِيمَتُه قيمة خمس دراهم من غير الإناء لم يجز في قولهم جميعاً؛ لأن الجودةَ متقومةٌ عند المقابلة بخلاف الجنس، فإن أدّى القيمة وقعتْ عن القدر المستحق كذا في "الإيضاح"
(2)
(3)
.
فَصلٌ في العَرُوض
أخّرَ العُروضَ للاختلاف فيها أو لأنها تُقَّومُ بالنقدين، فيكونُ بناءً عليهما العُروض جمع عَرَضَ بفتحتين: حُطام الدُّنيا
(4)
، كذا في "المُغْرِب"
(5)
، و"الصِّحَاح"
(6)
.
[تعريف العروض]
وذكر في "الصِّحَاح" أيضًا: والعرْض بسكون الراءِ المتاع، وكلُّ شيءٍ فهو عَرْض سوى الدراهَم والدنانيرَ، وقال أبو عُبيد
(7)
: العُروضُ الأمتعة التي لا يدخلها كيلٌ ولا وزن، ولا يكون حيوانًا ولا عقارًا.
(1)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 243).
(2)
كتاب الْإِيضَاحِ في شرح التجريد، لايزال مخطوط في ثلاث مجلدات مؤلفه عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن أميرويه، أبو الفضل الكرماني: فقيه حنفي مولده بكرمان ووفاته بمرو سنة 543 هـ. يُنْظَر: الأَعْلَام للزركلي (3/ 327).
(3)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 243).
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 217).
(5)
يُنْظَر: (2/ 54).
(6)
يُنْظَر: (3/ 1083).
(7)
هو: القاسم بن سلام، أبو عبيد. كان أبوه روميًا عبدًا لرجل من هراة، أما هو فقد كان إماما في اللغة والفقه والحديث. قال إسحاق بن راهويه: أبو عبيد أعلم مني وأفقه. قال الذهبي: (كان حافظًا للحديث وعلله، عارفا بالفقه والاختلاف، رأسا في اللغة، إماما في القراءات له فيها مصنف. توفي بمكة سنة أربع وعشرين ومائتين، من تصانيفه: كتاب (الأموال)، و (الغريب)، و (الناسخ والنسوخ)، و (الأمثال).
يُنْظَر: الثقات لابن حبان (9/ 16)، التاريخ الكبير (7/ 172)، الجرح والتعديل (7/ 111).
قلْتُ: فعلى هذا جعل العُروض، فهنا جمع عْرض بسكون الراء أولى، بلْ هو واجب؛ لأنه في بيان حُكم الأموالِ التي هي غيرُ الدراهم والدنانير والحيوانات.
(كائنةً ما كانتْ)
(1)
، أيْ: كانتْ عَروضُ التجارةِ كائنةً أي شيءٍ كانتْ هِي العروضُ، أيْ من أيِّ جنسٍ كانت سواءً كانت من جنس ما تجبُ فيه الزَّكَاةُ كالسوائم، أو من جنس ما لا تجبُ فيه الزَّكَاةُ كالثياب والحُمرِ
(2)
والبِغال، ثُمَّ اختلفتْ الأقوال في التقويم على أربعة أوجه:
[تقويم العروض]
أحدها: أن الخيار لصاحب المال، فَيُقَومُ هو بأيِّ النقدين شاءَ، إنْ شاءَ بالدراهمِ، وإنْ شاءَ بالدنانير، وهو المذكورُ في أصلِ "المَبْسُوط"
(3)
، فوجههُ أنّ التقويمَ لمعرفةِ مقدارِ المالية، والنقدان في ذلك على السواء، فكان الخيارُ إلى صاحب المال، ألا ترى أنّ الإبل إذا بلغتْ مائتين الخيارُ إلى صاحب المال إنْ شاءَ أدّى أربعَ حقاق، وإنَ شاءَ أدَّى خمس بنات لَبُون.
والثاني: ما رُوِيَ عنَ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله في "الأمالي"
(4)
(5)
: أنهُ يُقوُّمها بأنفعِ النقدين للفقراء
(6)
، فوجهُهُ أنَّ المالَ كان في يدِ المالك، وهو المنتفعُ في زمانٍ طويلٍ، فلابُدَّ من اعتبارِ منفعةِ الفقراءِ عنَد التقويمِ؛ لأداءِ الزَّكَاة فيقوّمها بأنفع النقدين، ألا ترى أنُه لو كان تقومه بأحد النقدين يتمُّ النِّصَاب وبالآخر لا، فإنها تُقَوُّم بما يتمُّ به النِصاب لمنفعةِ الفقراء بالاتفاق
(7)
، وهذا مثلهُ، والثالث: قولُ أبي يُوسُف رحمه الله
(8)
(9)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(2)
هكذا في (أ) وفي (ب)(الحمير).
(3)
يُنْظَر: (2/ 343).
(4)
كتاب الآمالي في الفقة لابي يُوسُف صاحب أبي حَنِيفَةَ وهو من كتب النوادر في المذهب الحنفي التي أملاها أبي يُوسُف من مذهب أبي حَنِيفَةَ رحمه الله بحثت عنه ولم أجد له طبعه ولعله لايزال مخطوطاً.
(5)
قال ابن عابدين (والأمالي جمع إملاء وهو أن يقعد العالم وحوله تلامذته بالمحابر والقراطيس فيتكلم العالم بما فتحه الله عليه من ظهر قلبه في العلم وتكتبه التلامذة ثُمَّ يجمعون ما يكتبونه فيصير كتاباً فيسمونه الإملاء والأمالي).
يُنْظَر: عقود رسم المفتي (ص 17).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 343).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط (2/ 344)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 220).
(8)
هو: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، الكوفي، البغدادي (أبو يُوسُف) فقيه، أصولي، مجتهد، محدث، حافظ، عالم بالتفسير والمغازي وأيام العرب. ولد بالكوفة، وتفقه على أبي حنيفة، وسمع من عطاء بن السائب وطبقته، وروى عنه مُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وولي القضاء ببغداد لثلاثة من الخلفاء العباسيين المهدي والهادي وهارون الرشيد، ودعي بقاضي القضاة، وتوفي ببغداد لخمس خلون من ربيع الآخر، ودفن في مقابر قريش بكرخ بغداد بقرب أم جعفر زبيدة.
من آثاره: كتاب الخراج، المَبْسُوط في فروع الفقه الحنفي ويسمى بالاصل، كتاب في أدب القاضي على مذهب أبي حَنِيفَةَ، وأمال في الفقه. يُنْظَر: التاريخ الكبير (8/ 397)، الجرح والتعديل (9/ 201)، تاريخ بغداد (14/ 242).
(9)
قال أبو يُوسُف في التقويم: قولهما هو الصحيح. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (5/ 470).
والرابع: قول مُحَمَّد رحمه الله كما هو المذكور
(1)
/ في الْكِتَابِ
(2)
، (وتُشترط نيةُ التجارةِ)
(3)
، أيْ: حالةُ الشِراء
(4)
.
[نية التجارة في العروض]
وأمّا إذا كانتْ النيُة بعد الملُكِ فلابُدَّ مِن اقترانِ عملِ التجارةِ بنيتِه حتى تعمل نيته؛ لأنّ مجردَ النيةِ لا تعمل على ما مرّ؛ لأنه أبلغُ في معرفةِ المالية؛ لأنه ظهرت قيمته مرةً بهذا النقد الذي وقع به الشِراءُ، والظاهر: أنه اشتراها بقيمتها فكان هذا النقدُ أكثَر تعريفاً لقيمتها من نقدٍ آخر؛ وذلك لأن حُكمَ البدلِ معتبرٌ بأصلهِ بخلافِ ما إذا اشتراها بعرْضٍ، فإنّ العْرضَ لا يصلح تقويمًا للأشياء، فوجبَ التقويمُ بغالب نقدِ البلد تقوّمها بالنقد الغالب على كل حال، أيْ: سواءً اشتراها بأحد النقدين أو بغيره، وهذا لأنّ التقويمَ في حقِّ الله تعالى معتبرٌ بالتقويمِ في حقِّ العبادِ، ومتى وقعتْ الحاجةُ إلى تقويمِ المغصوبِ المستهلكِ مقوّم بالنقدِ الغالبِ في البلد، فكذا هذا، كذا في "المَبْسُوط"
(5)
، فنقصانُه فيما بينَ ذلك لا يُسقِطُ الزكاة، قُيِّدَ بالنُقصان احترازًا عن هلاك كَّل النصابِ، فإنه ينقطعُ الحولُ به بالاتفاق
(6)
، وذَكر النِّصَاب مُطلقًا؛ ليتناولَ كلَّ مال تجب فيه الزَّكَاةُ كالنقدين والسوائم
(7)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 343) وبَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 21).
(2)
يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص 57).
(3)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(4)
اتفق الفقهاء على أنه يشترط في زكاة مال التجارة أن يكون قد نوى عند شرائه أو تملكه أنه للتجارة، والنية المعتبرة هي ما كانت مقارنة لدخوله في ملكه؛ لأن التجارة عمل فيحتاج إلى النية مع العمل، فلو ملكه للقنية ثُمَّ نواه للتجارة لم يصر لها، ولو ملك للتجارة ثُمَّ نواه للقنية وأن لا يكون للتجارة صار للقنية، وخرج عن أن يكون محلا للزكاة ولو عاد فنواه للتجارة لأن ترك التجارة، من قبيل التروك، والترك يكتفى فيه بالنية كالصوم قال الدسوقي في الحاشية على الشرح الكبير (1/ 476): ولِأَنَّ النية سبب ضعيف تنقل إلى الأصل ولا تنقل عنه، والأصل في العروض القنية. وقال ابن الهمام: لما لم تكن العروض للتجارة خلقة فلا تصير لها إِلاَّ بقصدها فيه، واستثنى الحنفية مما يحتاج للنية ما يشتريه المضارب، فإنه يكون للتجارة مطلقا؛ لأنه لا يملك بمال المضاربة غير المتاجرة به. ولو أنه آجر داره المشتراة للتجارة بعرض، فعند بعض الحنفية لا يكون العرض للتجارة إِلاَّ بنيتها، وقال بعضهم: هو للتجارة بغير نية.
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 10)، فتح القدير (1/ 527)، المغني (3/ 31).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 344).
(6)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 3)، الْمَجْمُوع (6/ 6)، مواهب الجليل (3/ 252)، الإنصاف (3/ 25).
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 344).
[متى يعتبر النصاب]
وقال زُفَرُ رحمه الله
(1)
: لا يلزمهُ الزَّكَاةَ إِلاَّ أنْ يكون النصابُ من أولِ الحولِ إلى آخره كاملاً؛ لأنَّ حَوَلَانَ الحولِ على المالِ شَرْطٌ لوجوبِ الزكاة، وكَلُّ جُزء من الحول بمعنى أولهِ وآخره، ألا ترى أنُه لو هلك جميعُ المالِ في خلالِ الحول يجُعلُ كهلاكهِ في أول الحول أو آخره، وقال الشَّافِعِي رحمه الله
(2)
في السائمةِ كما قال زُفَرُ رحمه الله، وفي مال التجارة يقول: إنما يُعتبرُ كمالِ النِّصَاب في آخر الحولِ خاصةً لا في أوله، وقال: لأنّ النصابَ فيه يُعتبرُ منِ القيمة فيشقُّ على صاحب المال يقوّمُ] مالُه
(3)
كلَّ يومٍ فلِدَفْعِ المشقةِ قلتُ: إنما يعتبرُ كمالُ النصابِ عند وجوبِ الزَّكَاة، وذلك في آخر الحولِ
(4)
.
وما احتجَّ به علماؤنا مذكورٌ في الْكِتَابِ
(5)
، وهو ظاهر، فكان اعتبار الطرفين دونه ما بينهما بحسب تُعلُّقِ الحُكم، وعدمِ تعلّقهِ به مثلُ قولنا فيمن حَلَفَ بعتقِ عبدهِ إنْ دخلَ الدارَ أنهُ لابد من قيام الملُكِ عند اليمين، وعند الدُّخول وزواله فيما بين ذلك لا يُعتبر فقيراً؛ لأنّ الملُك شرطُ أنْ يصحَ عتقُ المملوكِ، والعتق يحُلِّهُ عند الشرطِ فشَرْطُ ملكهِ في الحالين، فكذا هنا، وكذلك نظير ما ذكرنا من الفرقِ بين الهلاك والنقصان عقدُ المضاربة
(6)
يبقى على الألف ببقاء بعضها، حتى إذا ربح فيها يحصل جميع رأسِ المال أولاً بخلاف ما إذا مَلكَ؛ وهذا لأنَّ لبقاء الحولِ على المال لا بُدَّ من المالِ لشيءٍ حتى يبقى انعقادُ الحولِ عليه، فإذا هلكَ الكلُّ لا يتُصورُ بقاءُ الحولِ على الهالكِ؛ لأنهُ معدومُ إلى هذا أشار في "المَبْسُوط"
(7)
و"الْأَسْرَارِ"
(8)
، فإن قلْتَ: إنَّ في هلاكِ بعضِ النِّصَاب كان النقصانُ واردًا على نفسِ النصابَ، وفي جعل السائمةِ معلوفةً كان النقصانُ واردًا على وصف النصابِ ولا شكَّ أنَّ فواتَ الوصف أولى من فواتِ بعضِ الأصل، ومع ذلك أنَّ فواتَ الوصفِ قاطعٌ للحولِ بالاتفاق، وفواتَ بعضِ الأصل غيرُ قاطعٍ، فما وجهه؟
(1)
هو: زُفَر بن الهذيل بن قيس من بلعنبر، كنيته أبو الهذيل الكوفي، وكان من أصحاب أبي حَنِيفَةَ، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري، روى عنه شداد بن حكيم البلخي، وأهل الكوفة، وكان زُفَر متقنًا حافظًا قليل الخطأ، وكان أقيس أصحابه وأكثرهم رجوعا إلى الحق إذا لاح له، ومات بالبصرة (158 هـ).
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (6/ 339)، الجواهر المضية (1/ 243)، وفيات الأعيان (2/ 317).
(2)
يُنْظَر: الأم (2/ 11).
(3)
في (ب): (ماله في كل يوم).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 309).
(5)
يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص 57).
(6)
المضاربة على وزن مفاعلة (مشتقة من الضرب في الأرض) وهو السير فيها، قال الله عز وجل:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} وعقد المضاربة في الإصطلاح إعارة المال إلى من يتصرف فيه ليكون الربح بينهما على ما شرطا يُنْظَر: البناية شرح الهِدَايَة (10/ 42)، الْبَحْرُ الرَّائِق (7/ 263).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 53).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (3/ 113).
[تغيّر النصاب]
قلتُ: الفرقُ ظاهرٌ، وهو: أن فواتَ الوصفِ هناك واردٌ على كلِّ النِّصَاب، فصارَ كهلاكِ النصابِ كلِّهِ
(1)
، وذلك لأنُه لما أعَّدها للاستعمالِ لم يبقَ شيءٌ مِن المحل صالحًا لبقاءِ الحول؛ لأنّ العلوفةَ ليستْ من مالِ الزَّكَاةِ، فصار كون كلِّها علوفةً كهلاكِ كلِّها، فأمّا بعد هلاكِ البعض بقي المحلُ صالحًا لبقاءِ الحول؛ لأن الشيءَ إذا انعقدَ على الكلِّ يبقى منعقدًا على البعضِ كما في عَقْدِ المضاربةِ على ماَ بيَّنا، كذا في "المَبْسُوط"
(2)
.
(وتُضم قيمة العروض إلى الذَّهَبِ والْفِضَّة وهذا بالإجماع)
(3)
(4)
.
[ضم قيمة العروض]
وحاصلُ مسائل الضمّ، أن عرُوض التجارة يضمُ بَعضِها إلى بعضهِ بالقيمةِ، وإنْ اختلفتْ أجناسُها، وكذا تُضم حتى إلى النقدين] بالإجماع
(5)
والسَّوَائِم مِن مختلفي الجنسِ مثلَ الإبلِ، والبقرِ، والغنم، لا يُضم بعضُها إلى بعضٍ بالإجماعِ
(6)
، والنقدان يُضم أحدهما إلى الآخر في تكميلِ النصابِ عندنا
(7)
(خلافًا للشافعيِّ) رحمه الله
(8)
، ولكنْ اختلفَ علماؤنُا الثلاثةُ في كيفيةِ الضَّمِ
(9)
.
(1)
يُنْظَر: المرجع السابق (2/ 221).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 310).
(3)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(4)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 34)، والْمَجْمُوع (6/ 18)، والدسوقي على الشرح الكبير (1/ 455)، الْمُغْنِي (3/ 2، 3).
(5)
سقطت في (ب).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة 2/ 221.
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 37).
(8)
يُنْظَر: الأم (7/ 144).
(9)
ذهب الجمهور (الحنفية والمالكية وهو رواية عن أحمد وقول الثوري والأوزاعي) إلى أن الذهب والفضة يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب، فلو كان عنده خمسة عشر مثقالا من الذهب، ومائة وخمسون درهما، فعليه الزكاة فيهما، وكذا إن كان عنده من أحدهما نصاب، ومن الآخر مالا يبلغ النصاب يزكيان جميعا، واستدلوا بأن نفعهما متحد، من حيث إنهما ثمنان، فمنهما القيم وأروش الجنايات، ويتخذان للتحلي. وذهب الشَّافِعِية وهو رواية أخرى عن أحمد وقول أبي عبيد وابْنُ أبي لَيْلَى وأبي ثور إلى أنه لا تجب في أحد الجنسين الزكاة حتى يكمل وحده نصابا، لعموم حديث: ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة.
والقائلون بالضم اختلفوا فذهب مالك وأبو يُوسُف ومُحَمَّد وأحمد في رواية إلى أن الضم يكون بالأجزاء فلو كان عنده خمسة عشر مثقالا ذهبا، وخمسون درهما لوجبت الزكاة؛ لأن الأولنصاب، والثاني 25 نصاب، فيكمل منهما نصاب، وكذا لو كان عنده ثلث نصاب من أحدهما وثلثان من الآخر ونحو ذلك. وذهب أبو حنيفة إلى أنه يضم أحدهما إلى الآخر بالتقويم في أحدهما بالآخر بما هو أحظ للفقراء، أي يضم الأكثر إلى الأقل، فلو كان عنده نصف نصاب فضة، وربع نصاب ذهب تساوي قيمته نصف نصاب فضة فعليه الزكاة. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 34)، الأم (2/ 40)، بداية المجتهد (1/ 255)، الْمُغْنِي (2 - 3/ 3).
قوله: (وإنْ] افترقتْ
(1)
جهةِ الأعدادِ)
(2)
، فإن الأعدادَ في العروض من جهةِ العِبَاد لإعدادها للتجارة، وفي النقدين من الله تعالى.
(وُيَضمُّ الذَّهَبُ إلى الْفِضَّة)
(3)
، أيْ: عندنا
(4)
خلافًا للشافعي رحمه الله، فإنه يقولُ: لا يُضمَ أحدهما إلى الآخر، بل يُعتبر كمالُ النصابِ من كُلِّ واحدِ منها على حِدة، قال: لأنهما جنسان مختلفان، فلا يُضم أحُدهما إلى الآخرِ لتكميلِ النصابِ كالسَّوَائِم
(5)
، وبيان الوصفِ من حيثُ
(6)
الحقيقةِ غيُر مشكلٍ/ ومن حيثُ الحُكمُ أنه لا يجري بينهما ربا الفضلِ بخلافِ زكاةِ التجارةِ؛ لأنَّ تلكَ الزَّكَاةَ زكاةُ ذهب وفضة؛ ولِأَنَّ الزَّكَاة تكمل منَ قيمتها، وهي دراهم أو دنانير والقيمُ واحدةٌ.
إمّا دراهمُ أو دنانيرُ، فَمِنْ هذا الطريقِ صارَ مالُ الزَّكَاةِ جِنسًا واحدًا، فأمّا الذَّهَبُ والْفِضَّة، فإنما تجبُ الزكاة لعينها دون القِيمةِ بدلالةِ حالِ الانفرادِ، فإنّ النِصاب لا يُكَملُ بالقيمة، وإنما يُكملِ بالوزن كَثُرَتْ القيمةُ أو قلَّتْ، ولنا حديث بُكَيْر بن عبدالله بن الأشج رضي الله عنه
(7)
قال: من السَّنةِ أنْ يضمَ الذَّهَبُ إلى الْفِضَّة في إيجابِ الزَّكَاةِ، ومُطلق السُّنةِ ينصرفُ إلى سنةِ رسول الله عليه الصلاة والسلام
(8)
، ولأنهما في حقِّ الزَّكَاةِ بمعنى مال واحدٍ بدليلين أحدُهما اعتبارُ سببِ الوجوبِ والآخُر الحُكم.
أما الحُكم؛ فلأنَ الواجبَ فيهما ربُعُ الْعُشْرِ على كلِّ حالِ والأحوال المختلفة في باب الزَّكَاةِ لابُدَّ أن يختلف واجبها إذا اعتُبَرِ قدره بنصابه، فإنَّ الشاةَ من أربعين شاةً رُبْعُ الْعُشْرِ، والشاةُ في خمسٍ من الإبل لا يكون كذلك، فيقعُ الاختلاف قدرًا، وإن اتفقتا قسمته، وإنما ينُفقُ للواجب إذا اتخذَ المال، فإنَّ الواجب في خمَسٍ مِنَ الإبلِ بناتُ مخَاض
(9)
شاة، وكذلك الجذاع
(10)
، وكذلك لو كن فصلانًا
(11)
إِلاَّ واحدة.
(1)
في (ب): (اختلف).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(3)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 347).
(5)
يُنْظَر: الام (2/ 144).
(6)
في (أ)(حيل) وفي (ب)(حيث) ولعل مافي (ب) هو الصواب لموافقته سياق الكلام
(7)
هو: بكير بن عبدالله بن الأشج، أبو عبدالله، ويقال: أبو يُوسُف، القرشي المدني نزيل مصر، معدود من صغار التابعين. وثّقْهُ غير واحد من الحفاظ كالْبُخَارِيُ وأحمد والنسائي ويحيى بن معين وغيرهم.
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (6/ 170)، تهذيب التهذيب (1/ 491)، تهذيب الكمال (4/ 242).
(8)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 281).
(9)
"المِخَاضُ" بفتح الميم والكسر لغة: وجع الولادة ويقال نوق "مَخَاضٌ" بالفتح الواحدة "خَلِفَةٌ"، والأنثى "بِنْتُ مَخَاضٍ" والجمع فيهما "بَنَاتُ مَخَاض" وقد يقال "ابْن المَخَاضِ" بزيادة اللام سمي بذلك؛ لأن أمه قد ضربها الفحل فحملت ولحقت بالمخاض وهن الحوامل. يُنْظَر: المصباح المنير (ص: 292).
(10)
الجذع قبل الثنى، والجمع جذعان وجذاع، والانثى جذعة، والجمع جذعات. تقول منه لولد الشاة في السنة الثانية ولولد البقر والحافر في السنة الثالثة، وللابل في السنة الخامسة: أجذع. يُنْظَر: الصِّحَاح (3/ 1194).
(11)
يقال لولد الناقة إذا أكل أو شرب فصيل ولايزال فصيلاً حتى تُلَقْح الإبل من قابل والأنثى يقال لها فصيلة، يُنْظَر: المخصص لأبن سيده (2/ 153).
وأما السبب؛ فإن الزكاة تجب بعينهما كيفَ ما أمسكَ العين للنماء أو للنفقة؛ لأنهما خُلقا في الأصل رؤوسُ أموالِ التجارة، وأموالُ التجارةِ يجوز تقويمها بكلِّ واحدٍ منهما بلا حرج، فكانا كَمْالٍ واحد بعد تحققِ التجارة في ذلك المال والزكاة تجبُ بهذا السببِ، فصار في حقِّ الزَّكَاةِ كمالٍ واحد بخلاف السَّوَائِم؛ لأنها مختلفة خِلْقةً ومعنى، كذا في "المَبْسُوط" و"الْأَسْرَارِ"
(1)
، وإنما لا يجري رِبا الفضلِ بينهما؛ لأنهما جنسان مختلفان حقيقةً، فحينئذٍ لم يوجْد فيهما إِلاَّ أحدُ وصفي الرِّبا وهو الوزن، فكان شبهةَ العلةِ لا حقيقتها، فلا يثبتُ بها ما هو الحكمَ المتعلقُ بحقيقةِ العلةِ، وهو حُرمةُ حقيقةِ الفضل، ولا يربوا الحكم على الِعلَّةِ قوله رحمه الله: حتى أنّ مَنْ كانَ له مائة درهم وخمسةَ مثاقيل ذَهَب تبلغُ قيمته مائة درِهم فعليه الزَّكَاةُ عند أبي حَنِيفَةَ رحمه الله
(2)
، وإنما خصَّ هذه الصورةَ؛ ليُظهِر صورةَ الخَلاف. فأمّا إذا كانَ مِن كلِّ واحد منهما نصفُ النِّصَاب بأنْ كانَ له عشرةُ مثاقيلَ ذَهَب ومائة درهم، أو مِن أحدهما ثلاثةُ أرباع النِّصَاب، والرُبْعُ من الآخر بأن كان له مائة وخمسون درهمًا وخمسة مثاقيل أو على العكس، فإنه يُضَمُّ عند علمائنا جميعًا، وجه قولها التقويم في النقودِ ساقطُ الاعتبار كما في حقوقِ العباد، فإن سائرَ الأشياء يُقَّومُ بها ألا ترى أنّ مَنْ مَلَكَ إبريقَ فضةٍ وزنه مائة وخمسون درهمًا وقيمته مائتا درهم لا تجبُ فيها الزكاة، ولو كان للتقويم عبرةٌ في بابِ الزَّكَاةِ لوجبتْ هاهنا. وأبو حينفةَ رحمه الله يقول: هما عينان وجبَ ضَمُّ أحدهما إلى الآخر لإيجابِ الزَّكَاةِ فكان الضمُ باعتبارِ القيمةِ كعروضِ التجارةِ لما أنّ الضمَّ كان باعتبار المعنى، وهو القيمةُ لا باعتبارِ الصورة، واعتبارُ الوزن اعتبارًا للصورة
(3)
.
وأمَّا مسألةُ الإبريقِ
(4)
: فإنُه ما وَجَبَ ضمّه، ضمَّهُ إلى شيءِ آخر حتى تعتبر فيه القيمةُ لأنَّ القيمةَ في الذَّهَبِ والْفِضَّة إنما تظهر شرعًا عند مقابلة أحدهما بالآخر فإنَّ الجودةَ والصنعةَ لا قيمةَ لها إذا قُوبِلَتْ بجنسها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:«جيدُها ورديئَها سواء»
(5)
. فأمّا عند مُقابلةِ أحدهمِا بالآخر يظهرُ للجودة قيمةُ ألا ترى أنه متى وقعتْ الحاجةُ إلى تقويم الذَّهَبِ وِالْفِضَّة في حقُوق العبادِ تُقَّومُ بخلاف جنسهِ، فكذا في حقوقِ الله تعالى. كذا في "المَبْسُوط"، و"الإيضاح"
(6)
، والله أعلم بالصواب
(7)
./
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 343).
(2)
يُنْظَر: البحرالرائق (2/ 247).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 349).
(4)
الإِبْرِيق: معروف، وجمعه أَبَارِيقُ، والإِبْرِيق: السيف إِذا كان شديد البريق. يُنْظَر المصباح المنير (1/ 29)، لسان العرب (1/ 261).
(5)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الاعتصام بالْكِتَابِ والسنة، باب إذا اجتهد الحاكم (6918)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل (1593). من حديث أبي سعيد الخدري، بالمعنى ولفظه: أن رسول الله عليه الصلاة والسلام بعث أخا بني عدي الأنصاري، فاستعمله على خيبر، فقدم بتمر جنيب، فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام: "أكل تمر خيبر هكذا؟» قال: لا والله يا رسول الله إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام:«لا تفعلوا، ولكن مثلا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان» .
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 349).
(7)
من قوله: (كما في حقوق العباد فإن سائر الأشياء يقوم بها
…
) إلى قوله: (فكذا في حقوق الله تعالى كذا في "المَبْسُوط" و"الإيضاح". والله أعلم بالصواب). مكررة في الأصل من كلام المؤلف وحتى نهاية الباب وغير موجودة في ب.
- وقد علق المؤلف بعد هذا التكرار بكلمة (زائد) ثُمَّ كرر من قوله: (ألحق هذا الباب لكتاب الزكاة إنما للمبسوط
…
) إلى قوله: (ثُمَّ العاشر لغة من عشرت القوم أعشرهم بالضم عشرًا مضمومة). وهو بعد "باب: فيمن يمر على العاشر".
باب: فيمن يَمُرّ على العاشر
أُلحْق هذا البابُ بكتابِ الزَّكَاةِ اتباعًا للمَبْسُوط وشُرُوح الجامع الصغير
(1)
المرتبة، فوجْهُ المناسبةِ فيه ظاهرٌ لمِا أنَّ الْعُشْرِ المأخوذَ من المسلمِ المارِ على العاشرِ هَو الزَّكَاةُ بعينها إِلاَّ أنّ هذا العاشر، كما يُأخذَ من المسلم يأخذُ من الذِّمِّي
(2)
، والمستأمنِ
(3)
، وليس المأخوذُ منهما بزكاة، فقدّمَ الزَّكَاةَ على هذا الباب وعلى ما بعدَه؛ لأنّ الزَّكَاةَ إحدى أركانِ الدِّينِ، وعبادةٌ محضةٌ ليس فيها شائبةُ المجازاة، والتضعيفِ، والخمُس، وتُقَّدمُ العباداتُ على غيرِها كما في سائرِ المواضعِ.
[تعريف العاشر]
ثُمَّ العاشرُ لغةً من عَشَرْتُ القوَم أعشرُهُم بالضم عُشرًا مضمومة إذا أخذت منهم عُشر أموالهم، فعلى هذا في تسمية العاشر للذي يأخذُ الْعُشْرِ إنما يستقيمُ على أخذهِ من الحربيِّ
(4)
لا منِ المسلم وِالذِّمِّي؛ لأنه (يأخذَ مَن المسلم رَبع الْعُشْرِ، ومن الذِّمِّي نصفً الْعُشْرِ ومن الحربي الْعُشْرِ)
(5)
على ما يجيءُ، ولكنه في حقِّ كلِّ واحدٍ منهم يدورُ اسمُ الْعُشْرِ، وإنْ كان مع شيءٍ آخر، فجاز إطلاقُ اسمِ العاشر عليه لذلك، وذكر في "المَبْسُوط"
(6)
فقد رُوِىَ أنّ عمرَ بنَ الخطاب رضي الله عنه أرادَ أنْ يستعمل أنسَ بنَ مالك رضي الله عنه على هذا العمل، فقال له: «أتستعملني على المُكْس
(7)
من عملك، فقال له: ألا ترضى أن أُقلِدَكَ ما قلَدْنِيه رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام»
(8)
. والذي روُيَ من ذم العُشّار محمولٌ على مَنْ يأخذ مالَ الناسِ ظلمًا، كما هو في زماننا دونه، من يأخذ ما هو حقٌّ وهو الصدقة
(9)
.
(1)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير لأبي عبدالله مُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ طبعته دار عالم الكتب ببيروت سنة 1406 هـ ويقع في جزء واحد وله شروحات كثيرة منها شرح البزدوي وشرح التُّمُرْتَاشِي.
(2)
الذِّمِّي هو: المعاهد الذي أعطي عهدا يأمن به على ماله، وعرضه، ودينه. يُنْظَر: القاموس الفقهي (ص: 138).
(3)
المستأمن فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها وهؤلاء أربعة أقسام رسل وتجار ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن فإن شاؤوا دخلوا فيه وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم. يُنْظَر: أحكام أهل الذمة (2/ 874).
(4)
الحربي نسبة الى الحرب وهي نقيض السلم .. والمراد به الكافر الذي يحمل جنسية الدولة الكافرة المحاربة للمسلمين. يُنْظَر: لسان العرب (1/ 302)، معجم الفقهاء (1/ 178).
(5)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 359).
(7)
المَكْسُ: الجباية، وهو مصدر من باب ضرب: أيضاً، وفاعله "مَكَّاسٌ"، والمَكْسُ: مَا يأْخذه العَشّار. يُقَالُ: مَكَسَ، فَهُوَ ماكِسٌ، يُنْظَر: المصباح المنير (ص: 297)، لسان العرب (6/ 220).
(8)
رَوَاهُ عبد الرزاق في مصنفه (10112 - 6/ 95) بنحو ماذكره المؤلف وقد رَوَاهُ ايضاً أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال بنفس السند قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(9)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 223).
قوله رحمه الله: (إذا مر على العاشر بمال)
(1)
أراد به الأموالَ الباطنةَ فإنَّ في الأموالِ الظاهرةِ، وهي السَّوَائِم لا يحتاجُ العاشرُ إلى مرورِ صاحب المالِ عليه في ثبوتِ ولايةِ الأخذِ له، فإنهُ يأخذ عُشر الأموالِ الظاهرةِ منه، وإنْ لم يمَّر صاحبُ المالِ عليه
(2)
.
وأما في الأموال الباطنةِ
(3)
فإنّ حقَّ الأداءِ إلى الفقيرِ لصاحبِ المالِ لا للعاشر؛ لأنها غيرُ محتاجةٍ إلى الحَماية، فإنْ أخرجَ الأموالُ الباطنةَ إلى المفاوزِ احتاج إلى حمايةِ السلطانِ، فصارتْ كالسَّوَائِم حينئذٍ، والعاشرُ مَنْ نَصَّبهُ الإمامُ على الطريقِ؛ ليأْخُذَ الصدقاتِ من التُّجارِ
(4)
، وزاد في "المَبْسُوط"
(5)
قيدًا آخر، فقال:(هو مَنْ يُنصِبُه الإمامُ على الطريقِ ليأخذَ الصدقاتِ من التجار)
(6)
، ويأمنَ التجارُ بمقامهِ منِ اللصوصِ
(7)
.
[ضوابط أخذ العاشر]
قلت: لابَّد منِ هذا القيد لمعنيين: أحدهما: أنَّ وِلاية الأخذ للعاشِر بسبب الحِماية، والحفظِ خصوصًا في الأموال الباطنة، والحماية إنما تكونُ عند الأمنِ من اللصوص.
والثاني: أنَّ أخذَهُ من الحربي والذِّمِّي لا للصدقاتِ من الأموال كلِّها بل للحمايةِ محضًا، فلاُبَّد من ذِكر لفظٍ يُشير إلى الحماية، ولا تستفاد هي إِلاَّ بذلك القيدِ، وقد اندرجَ فيما ذكرتُ جوابَ السؤالين في قولهِ: والعاشرُ مَنْ ينصبِّهُ الإمام على الطريق؛ ليأخذ الصدقاتِ أحدُهما أنَه كيف سمّاهُ عاشرًا وهو يأخذُ رُبع الْعُشْرِ من المسلمِ، والثاني: كيف قالَ ليأخذَ الصدقاتِ وهو يأخذُ من الكافرِ أيضًا، ولا يكونُ ما أدّاه الكافرُ صدقةً، فمن أنكرَ منهم تمامَ الحول، أيْ: في قوله: (أصبْتُ منذ] شهر
(8)
(9)
(أو الفراغ مِن الدَّيْنِ)
(10)
، أي: أنكرَ الفراغَ من الدَّيْنِ في قوله: أو عليّ دَيْنُّ، فإن قِيل: إنكارُ الفراغ من الدَّيْنِ في قوله: عليّ دينَ ظاهرٌ، وأما فَي قولهِ:(أصبْتُ منذ شهرٍ) كيف يُراد به ما دُونَ الحوْلِ، قلنا: الأشهرُ تقُع على الْعُشْرِةِ فما دونها؛ لأنها جمع قِلّة
(11)
؛ فإنّ أوزانها أربعةٌ: أَفعْل، وأَفعال، وأفعِلة، وفِعْلة.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(2)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 537)، المَبْسُوط (2/ 359).
(3)
هي: النقود وعروض التجارة إذا لم يمر على العاشر لأنها بالإخراج تلتحق بالأموال الظاهرة. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين: (2/ 289).
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 224).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 361).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 359).
(8)
في (أ)(أشهر) وفي (ب): (شهراً) وما اثبته موافق للسياق وموافق لما ورد في الجامع الصغير (ص 127).
(9)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(10)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(11)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (3/ 132).
وجمع الِقلّةِ يقعُ على الْعُشْرِةِ فما دونها فلاُبَّد أن يُراد بها حينئذٍ ما دونَ السنةِ بهذا الطريق، كذا في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة "
(1)
، والقولُ قولُ المنْكِرِ مع اليمين، فإنْ قلتَ: الزَّكَاةُ عبادةٌ خالصةٌ لله تعالى، وهي بينَ العبدِ وبين ربهِ تعالى، فكانتْ بمنزلةِ الصومِ والصَّلَاةِ، ولا يُشترطُ التحليفُ للتصديق هُناك، فكيف اشتُرِطَ هنا
(2)
؟
قلت: هذا هو وجهُ الرواية التي رواها ابنُ سماعة
(3)
، عن أبي يُوسُف رحمه الله
(4)
، فأمّا ظاهرُ الروايةِ
(5)
فهو ما ذُكِرَ في الْكِتَابِ
(6)
، ووجهه أنّ هذه عبادة، ولكنْ تعلّقَ بها حقُّ العاشرِ في الأخذِ، وحقُّ الفقراءِ في المنفعةِ فالعاشر بعد ذلك يدّعي عليه معنى لو أقرَّ به يلزمهُ، فيستحلفُ] لرجاء
(7)
النُّكولِ
(8)
كما في سائر الدعاوَى، ولا يَلزم عليه حدُّ القذفِ
(9)
، فإنه لا يستحلف فيه إذا أنكر، وإنْ تعلق حقَّ العباد لمِا أنَّ اليمين مشروعةٌ للنُكول، والقضاء بالنكولِ في الحدودِ مُتعذر
(10)
لمِا عُرفَ بخلاف الصومِ والصَّلَاةِ، فإنه لم يتعلق بهما حقُّ العباد، ولا يكذِبهُ فيهما أحدٌ، ولِأَنَّ الزَّكَاةَ تُشبهُ الصَّلَاةَ والصومَ، مِن حيثُ إنها إحدى أركان اِلدِّيْنِ، وتشبه حقَّ العباد مِنَ الوجه الذي قلنا.
(1)
هو كتاب الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة وهو فوائد على الجامع الصغير للحسام الشهيد سماها الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة في الفقه، وهو لظهير الدين أبي بكر مُحَمَّد بن أحمد القاضي الفقيه الأصولي، ومن كتبه أيضا الفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة، (ت 619 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 20)، معجم المؤلفين (8/ 303).
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 225)، البحر الرائق (2/ 261)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (2/ 333).
(3)
هو: مُحَمَّد بن سماعة بن عبد الله بن هلال، أبو عبد الله، التميمي فقيه، محدث، أصولي حافظ، حدث عن الليث ابن سعد وأبي يُوسُف ومُحَمَّد، وأخذ الفقه عنهما. يُنْظَر: تهذيب التهذيب: (9/ 204)،، الفَوَائِد البهية:(ص 170)، الجواهر المضية:(2/ 58).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط (2/ 289)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 249).
(5)
المقصود ب (ظاهر الرواية) عند الحنفية هي كتب مُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله التي رويت عنه بروايات ظاهر ثابتة تصل إلى حد التواتر وهي ستة كتب (المَبْسُوط، الجام الصغير، الجامع الكبير، السير الصغير، السير الكبير، الزيادات). يُنْظَر الطبقات السنية (1/ 34)، رد المحتار (1/ 69)، المذهب الحنفي (1/ 260).
(6)
يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص 59).
(7)
في (ب): (ادعاء).
(8)
النُّكُول بمعنى القُيود الواحد نِكْل ويجمع أَيضاً على أَنْكال وسميت القيود أَنْكالاً لأَنها يُنْكَل بها أَي يُمنع ومنه النُّكول في اليمين وهو الامتناع منها وترك الإِقدام عليها. يُنْظَر: لسان العرب (6/ 4544).
(9)
قذف بالحجارة "قَذْفًا" من باب ضرب: رمى بها، و"قَذَفَ" المحصنة "قَذْفًا": رماها بالفاحشة، و"قَذَفَ" بقوله تكلم من غير تدبر ولا تأمل. يُنْظَر: المصباح المنير (ص: 256).
(10)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (8/ 756).
ولو كانَ خاَلصُ حقَّ الله تعالى مِن كُلِّ وَجهٍ كانْ مصدقًا مِن غيرِ يمين، ولو كانَ خالصُ حقِّ العبادِ منِ كُلّ وجهٍ لا يصَدْق فيه، وإنْ حلف بعدَ وجودِ سببِ الوجوبِ كالبائعِ إذا أدَّعى الخيار بعد إقرارهِ بالبيع، والمشتري إذا ادّعى الأجل في] الثمن
(1)
بعدَ إقراره] بالشِراء
(2)
، وهاهنا أيضًا يدعي المانع بعدَ تحقٌقِ السببِ
(3)
، وهو النِّصابُ، فقلنا: لِشُبهةٍ بحقَّ الله تعالى يكون مصدقًا، ولشبهه بحِقَّ العبادِ يستحَلفُ إذا أنكر عملها بالشبهين، كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله
(4)
(5)
.
[إذا أدّعى دفع الزكاة]
وذكر الإمام التُّمُرْتَاشِي رحمه الله
(6)
، فكذا إذا قال: هذا المالُ ليسَ للتجارة أوِ هو بضِاعةٌ لفلان، وحَلَفَ صُدّقْ
(7)
، وكذا الجوابُ في صدقةِ السَّوَائِم في ثلاثةِ فصولٍ: وهي فصلُ قوله: أصبتُ منُذ شهرٍ، وفصلُ علىَّ دَيّنٌّ، وفصل أديتُ إلى عاشرِ آخر، بخلافِ الفصل الرابعِ وهو قولُه: أدّيتُها أنا إلى الفقراء، فإنه ذَكَرَ أربعَ مسائلَ معطوفًا بعضُها على بعضٍ فاَتخذَ جوابَ الأربعِ في حقِّ الأموالِ الباطنةِ حيث صُدِقَا فيها باليمين، والشهادةُ الظاهرة على تصديقِ قوله: بخلافِ السَّوَائِم، فإنُه لا يَصدقْ فيها في المسألة الرابعةِ لتكذيبِ الظاهرِ إياه في قوله: أنا أديتُ زكاةَ السَّوَائِم إلى الفقراءِ؛ لأنه لم يُفوضْ إليه ذلك؛ لأنه أوصلِ الحقَّ إلى المستحقِ، وصار هذا كالمشتريِ من الوكيل إذا أوفى الثمن إلى المُوكِّل، ولنا أنَّ هذا حقُّ مالِ يستوفيه الإمامُ بولايةٍ شرعيةٍ، فلا يملكَ مَنْ عليه إسقاطَ حقهِ في الاستيفاءِ كمَنْ عليه الجزيةُ إذا صَرَفَ بنفسه إلى المقاتلة، ثُمَّ تقريرُ هذا الكلام من وجهين: أحدهما: أنَّ الزَّكَاةَ محضُ حقِّ لله تعالى؛ فإنما يستوفيه مَنْ تعين نائبًا في استيفاء حقوق الله تعالى، وهو الإمام، فلا تبرأ ذمته إِلاَّ بالصرف إليه، وعلى هذا نقول: وإنْ عُلِم صدقة فيما يقولُ يُؤخذُ منه ثانيًا، فلا يَبرأُ بالأداءِ إلى الفقيرِ فيما بينهُ وبينَ ربهِ، وهو اختيارُ بعضِ مشايخنا
(8)
، والطريقُ الآخر: أنْ يقولَ: إن الساعيَ عاملٌ للفقير، وفي المأخوذِ حقُّ الفقير، ولكنهُ مولى عليه في هذا الأخذِ حتى لا يملك المطالبةَ بنفسه، فيكون بمنزلة دَيْن الصغيرِ دفعة المديون إليه ومنه الوصيُّ، وعلى هذا الطريقِ يقولُ: يبرأُ بالأدِاء فيما بينهُ وبينَ ربهِ تعالى، وظاهر قوله في الْكِتَابِ لا يصدق في ذلك إشارة إلى أنه إذا عَلِمَ صدقة لم يتعرضْ له، وهذا لأنَّ الفقير منِ أهلِ أنْ يقبضَ حقَّهُ، ولكنْ لا يجُب الإيفاءُ بطلبه، فإذا أدَّى مَنْ عليه مِن غير مطالبةٍ إليه حصلَ به ما هو المقصود بخلاف الصبي، فإنه ليسَ من أهلِ أنْ يقبضَ حقَّهُ فلا يبرأُ بالدفعِ
(9)
. كذا في "المَبْسُوط"
(10)
.
(1)
في (ب): (اليمين).
(2)
في (أ)(بالشِرى) وفي (ب)(بالشراء) ولعل مافي (ب) هو الصواب.
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط (17/ 362)، الاختيار لتعليل المختار (2/ 140).
(4)
هو جمال الدين أبو الفضل عبيد الله بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز بن محمد بن جعفر بن هارون بن محمد بن أحمد بن محبوب بن الوليد بن عبادة بن الصامت الانصاري العبادي المحبوبي البخاري الحنفي، انتهت إليه معرفة المذهب، والمعروف بأبي حنيفة الثاني، (ت 630 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 336)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (22/ 345)، الوافي بالوفيات (19/ 229).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط (17/ 362)، الاختيار لتعليل المختار (2/ 140).
(6)
هو: أحمد بن إسماعيل بن مُحَمَّد إيدغمش التُّمُرْتَاشِي الخوارزمي، الحنفي ظهير الدين، أبو مُحَمَّد مفتي خوارزم. توفي في حدود سنة 600 هـ. من مؤلفاته: شرح الجامع الصغير، يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 61)، كشف الظنون (2/ 1221)، (الأَعْلَام للزركلي: 1/ 97)، معجم المؤلفين (1/ 167).
(7)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 283).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 291).
(9)
زيادة في (ب): (بالدفع إليه).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 291).
وإنما يبرأُ المشتري من الوكيل إذا أوفى الثمنَ إلى الموكل لأن للموكل حقّ القبض، فإنّ الوكيلَ إذا امتنعَ عن قبضِ الثمنِ أُجْبِرَ على أنْ يحيل بالقبضِ إلى الموكلِ، فإذا دفعهُ إليه فقدْ دفعه إلى مَنْ له حقُّ القبضِ، فيبرأُ، كَذا ذكره الإمام المحبوبي
(1)
.
وفي "الجامع الصغير"
(2)
للإمام أبي اليُسر رحمه الله: ولو أجاز الإمامُ إِعْطَاءَهُ لا يكونُ به بأسٌ،
(3)
وإنْ لمُ يُذْكَرْ هذا في الْكِتَابِ؛ لأنهَ إذا أَذِنَ له في الابتداءِ أنْ يعطيَ الفقراءَ بنفسه/ جازَ فكذلك إذا أجازَ بعدَ الإعطاءِ، ثُمَّ قَبِلَ الزكاة هو الأول، والثاني: سياستُه كما لو خَفِى على الساعي مكانُ مالهِ، فأدعى صاحب المال زكاته يقع فرضًا في التفاريق تجوزُ زكاةُ الظاهرِ، والْعُشْرِ إلى المساكينِ فيما بينهُ وبينَ ربه تعالى، وإنْ كانَ للإمامِ أنْ يأْخُذُ ثانية، كذا ذكرهُ الإمامُ التُّمُرْتَاشِي رحمه الله
(4)
.
وقِيلَ: هو الثاني، والأولُ ينقلبُ نفلًا كما إذا صلىّ يوَم الجمُعةِ الظهَر في منزلهِ، ثُمَّ سعى إلى الجمُعةِ، فأدَّاها ينقلبُ ظُهْرهٌ الفرض نفلًا، لم يشترطْ إخراجَ البراءةِ في] الجامع الصغير]
(5)
(6)
، وهي اسمٌ لخطِّ الإبراءِ] من بَرِئَ
(7)
مِنَ الدَّيْن، والعيبُ براءة، والجمع البراءات، والبروات عامي، كذا في "المُغْرِب"
(8)
، وهو الصحيح احترازاً عن القولِ الأولِ، ووجهه ما ذكرنا في الوجهِ الأول مِنْ تقريرِ "المَبْسُوط"، وهو أنُه لما ثبت ولايةُ الأخذِ للإمام شَرْعًا في الأموالِ الظاهرة، وكان أداؤ رب المال] لغواً لا فرضاً
(9)
كما إذا أدّى الجزية بنفسه
(10)
، ثُمَّ فيما تصدَّق في السَّوَائِم، وأموالِ التجارةِ، لم يشترطْ إخراجَ البراءةِ في "الجامع الصغير"
(11)
.
(1)
يُنْظَر: اللباب شرح الْكِتَاب (1/ 81).
(2)
كتاب الجامع الصغير للبزدوي، وهو مخطوط وتوجد منه نسخة مصورة بجامعة الإمام مُحَمَّد بن سعود الإسلامية بالرياض (ف 532)، مصور من مكتبة احمد الثالث بتركيا، المذهب الحنفي (2/ 517).
(3)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (3/ 391).
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 225).
(5)
سقطت في ب.
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط (1/ 321)، حاشية ابن عابدين (2/ 156).
(7)
في (ب): (من برئ اليد).
(8)
يُنْظَر: (1/ 64).
(9)
في (ب): (لغواً لا فرضاً).
(10)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 226).
(11)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 36)، مجمع الأنهر (1/ 311).
قال في "المَبْسُوط"
(1)
و"الجامع الصغير"
(2)
للإمام التُّمُرْتَاشِي: وهو الصحيُح؛ لأنُه ادّعى، ولصِْدقِ دَعواهُ علاقةٌ، فيجبُ إظهارُها كإظهارِ الشجةِ
(3)
، والقطعِ في دعواه، وكالمرأةِ إذا أَخَبرَتْ بالولادِة، فإنْ شَهِدَتْ القابلةُ بها
(4)
قَبِلَتْ، وإِلاَّ فلا أن الخطَّ يشبه الخط، وقدْ لا يأخذُ صاحبُ السائمةِ البرأة غفلةً منه، وقد تصلُ البراءةُ منه بعدَ الأخذِ، فلا يمكنُ أنْ يجُعَلَ حُكمًا فُبِقَي المعُتبُر قولُه: مع يمينه، كذا في "المَبْسُوط"
(5)
.
فإنْ قلتَ على قولِ مِنْ يقولُ: باشتراطِ البراءةِ في التصديقِ، بل يُشترُط معها اليمين، وأيضًا كما يُشترطُ اليميُن إذا لم يأتِ بالبراءةِ على ما هو ظاهرُ الرِوايةِ أمْ لا؟ قلت: قد اختُلِفَ فيه.
قال الإمامُ التُّمُرْتَاشِي رحمه الله
(6)
: وفي "الشافي"
(7)
لو أتى بالخطِّ، ولم يحلفْ لم يصُدَّقْ عند أبي حَنِيفَةَ رحمه الله
(8)
، وقالا: يُصدَّقُ لشهادةِ الظاهرِ له، (فيُراعي تلك الشرائط)
(9)
أي: من الحُوْلِ، والنَّصابِ، والفراغِ من الدَّيْنِ، وكونُه للتجارةِ؛ لأنه في معنى الزكاة كصدقةٍ بني تغلب
(10)
(تحقيقًا للتضعيف)
(11)
، فإنَّ تضعيفَ الشيءِ إنما يكونُ أنْ لو كان المضُعَّفُ على أوصافِ المضعفِ] عليه
(12)
، وإِلاَّ يلزم أنْ يكونَ تبديلًا لا تضعيفًا، فيجبُ أن لا يتبدلَ شيءٌ وراءَ التضعيف كما قلنا في التضعيف على بني تغلب.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط (2/ 290).
(2)
يُنْظَر: الجامع الصغير (1/ 126).
(3)
الشجة هي: الجرح في الرأس والوجه خاصة. يُنْظَر: (الشرح الممتع 14/ 160).
(4)
القابلة هي من تتولى ولادة النساء، "ولَّدَتْهَا" القابلة "تَوْلِيدًا" تولت ولادتها و "قَبِلَتِ" "القَاِبلَةُ" الولد تلقته عند خروجه. انظر: المصباح المنير (ص: 346).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط (2/ 290)، البناية شرح الهِدَايَة (3/ 461).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط (19/ 47).
(7)
كتاب الشافي لأحمد بن مُحَمَّد بن أحمد، أبو العباس الجرجاني جزء من الْكِتَاب موجود في الأزهرية كتب 620 هـ، يُنْظَر: الأَعْلَام للزركلي (1/ 214).
(8)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 36)، البناية (3/ 461)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 539).
(9)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 106).
(10)
تغلِب بكسر اللام أبو قبيلة والنسبة إليه تغلَبي بفتح اللام وهي قبيلة معروفة وهي تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصي بن دعمي بن جدلية بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، مختار الصِّحَاح (1/ 488)، الأنساب للسمعاني (1/ 469).
(11)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 106).
(12)
سقطت في (ب).
[متى يقبل قول الحربي]
(ولَا يُصْدُّقُ الحربي إِلاَّ في الجواري يقولُ: هُنّ أُمهاتِ أولادي)
(1)
؛ وذلك لأنه إنْ قال: لم يحَلُ ْالحولُ على مالي، فالأخذُ منه ليسَ باعتبار الحولِ؛ لأنهُ لا يُمَكَّنُ مِنَ المقام في دارِنا حولًا، وإنْ قال: عليّ دَيْنٌ، فالدَّينُ يُمَكْنُ نقصانًا في المُلْكِ، ومُلْكُ الحربي ناقِصً، ولأنه إذا ادّعى الدَّيْنَ لا يُلتفَتُ إليه إذ لا عِبرةَ لديُونِ أهلِ الحرب، ألا ترى قاضيًا لا ينظرُ في خصومتهم فيما دَايَن بعضُهم بعضًا، ودَيْنُ أهلِ الذِّمةِ مُعتُبر محُكومٌ] به
(2)
، فإنْ قالَ: المالُ بضاعةٌ فلا حُرمةَ لصاحبها، ولا أمانَ إنما الأمانُ للذي في يده المال
(3)
.
وأمَّا النسَبُ فيثبت في دار الحربِ
(4)
كما يثبتٌ في دارِ الإسلامِ، وبه يخرجُ مِن أنْ يكونَ مالًا متقومًا، والأخُذ لا يكون إِلاَّ من المالِ الممرور به، وإنْ كانَ كاذبًا، فهذا إقرارٌ منه بحقِّ الجزيةِ فيصُحُّ، وإنْ قالَ: هم مُدْبرون لم يُلتفتْ إليه؛ لأنَّ التدبير منه لا يصحُ في دارِ الحرب
(5)
، كذا في "الجامع] الصغير
(6)
" للإمام الْمَحْبُوبِيّ، والإمام التُّمُرْتَاشِي، فانعدمتْ صفَةُ المالية هذا لا يَشْكُلُ على قولِ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله، وأما قولهُما
(7)
: فإنهما يبنيان الأمرَ على ديانتهم إنْ دانوا بذلك لا يُؤخذُ كما إذا مرَّ الحربيّ بجلدِ الميتةِ فهو على هذا التفصيل هكذا أمر عمر رضي الله عنه سَعاتَه
(8)
(9)
، والمعنى فيه: أنُه إنما (يُؤْخُذ من المسلمِ رَبعُ الْعُشْرِ)
(10)
للحديثِ المعروف «هاتوا رُبَع عُشورِ أموالكم مِن كلَّ أربعين درهمًا درهمًا»
(11)
، وإنما تثبت ولايةُ الأخذِ للعاشرِ لحاجته إلى الحِماية، وحَاجُة الذِّمِّي إلى الحَمايةِ أكثُر؛ لأنّ طَمَعَ اللصوصِ في أموالِ أهلِ الذمة أبينُ، فيأخذُ منه ضِعف ما يأخذ من المسلمِ كما في صدقات بني تغلب، ثُمَّ الحربي مِن الذِّمِّي بمنزلة الذِّمِّي من المسلم، ألا ترى أنَّ شهادةَ أهلِ الحربِ غيرُ مقبولةٍ على أهلِّ الذمة كما لا تُقبل شهادةُ الذِّمِّي على المسلم، وشهادةُ أهل الذمةِ على أهلِ الحربِ، ولهم بقوله كشهادةِ المسلم على الذمي.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(2)
سقطت في (ب).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 227).
(4)
دار الحرب: هي البلاد التي ليس للمسلمين عليها ولاية وسلطان، ولا تقام فيها أكثر شعائر الإسلام وهي بلاد المشركين الذين لاصلح بينهم وبين المسلمين، لسان العرب (1/ 302)، معجم الفقهاء (1/ 178).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 227).
(6)
سقطت في (ب).
(7)
هما أبو يوسف ومحمد. يُنْظَر: المذهب الحنفي لأحمد نقيب (2/ 324).
(8)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (7072 - 4/ 88).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (10/ 37).
(10)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(11)
سبق تخريجه ص (96).
[كم يؤخذ من الذمي
؟]
ثُمَّ الذميُّ/ يُؤخذ منه ضِعْفُ ما يؤخذ من المسلمِ، فكذلك الحربي يؤُخذُ منه ضُعف ما يؤخذُ من الذميِّ، كذا ذكره الإمامُ المحبوبي
(1)
المجازاة بالتاء المدورة؛ لأنها مصدرٌ لا جمعَ مؤنثٍ، وإنما قلنا:(إنّ الأخذَ منهم بطريقِ المجازاة)
(2)
؛ لأن عمُرَ رضي الله عنه أشارَ إلى هذا المعنى
(3)
لماَّ سُئِل حين نَصَّبَ العُشّار، فقِيلَ لهُ: فكمْ نأخذُ مما يمرُّ به الحربي؟ فقال: "كم يأخذون منَّا؟ " قالوا: الْعُشْرِ، فقال:"خُذوا مِنّهمُ الْعُشْرِ" ولسنا نعني بقولنا: بطريق المجازاةِ أنْ أخذنا بمقابلةِ أخذهم أموالنا، فإنَّ أخذَهُم أموالنا ظُلمُ، وأخذُنا حقٌّ، ولكنَّ المرادَ أنا إذ عاملناهم بِمْثلِ ما يُعامِلونا؛ كانَ ذلك أقربَ إلى مقصودِ الأمانِ، واتصالِ التجاراتِ
(4)
، كذا في "المَبْسُوط"
(5)
.
لأن القليلَ لم يزلْ عفوًا شرعًا، وعرفًا، فإنْ كانوا يظلموننا في أخذِ شيءٍ منَ القليلِ، فنحنُ لا نأخُذ منهم.
ألا ترى أنهم لو كانوا يأخذوَن جميع الأموال من التَّجارِ لا نأخذُ منهم مِثلَ ذلك؛ لأن ذلك يرجعُ إلى غَدْرِ الأمانِ، كذا في "المَبْسُوط"
(6)
.
يقولُ: عييتُ بأمري إذا لم يهدي لوجهه، وأعياني هو، كذا في الصِّحَاح
(7)
، ومنه «فإنْ أعياكم، فالْعُشْرِ»
(8)
، أيْ: جهلُكم، وذُكَرِ في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة " مأخوذٌ من العِيِّ، وهو: الجهلُ
(9)
قالَ عليه الصلاة والسلام «وإنما شِفاءُ الِعيِّ السؤالُ»
(10)
؛ لأنه غَدْرٌ
(11)
، والغدرُ حَرامٌ، قال عليه الصلاة والسلام:«وفاءٌ لا غدر»
(12)
.
(1)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (1/ 285)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 250).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(3)
جامع الحديث للسيوطي باب مسند عمر بن الخطاب (26/ 84)، الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 228) ..
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 228).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 360).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 361).
(7)
يُنْظَر: (6/ 2443).
(8)
لم أجد من أخرجه من أصحاب الكتب وقال ابن حجر في الدراية (1/ 261)(غريب).
(9)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 251)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 285).
(10)
رَوَاهُ ابن داود في سننه، كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم (337)، وابن ماجه في سننه، كتاب الطهارة وسننها، باب في المجروح تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه إن اغتسل. من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (572) قال الشيخ الالباني (حسن).
(11)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 106).
(12)
رَوَاهُ ابن داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه (2759)، والترمذي في سننه، كتاب السير، باب ما جاء في الغدر من حديث معاوية رضي الله عنه (1580) قال الترمذي (حسن صحيح).
ثُمَّ اعلم بأنّ هذا على قولِ] بعض
(1)
المشايخ، وقال بعضُهم: يؤُخذ جميعُ ما في يده ِإِلاَّ قدر ما يُبَلِغُهُ إلى مَأْمنه؛ لأنَّا مأمورونَ بتبليغهِ إلى مَأْمنه، فلو أخذناه كلَّهُ يلزمنا أن ندفع إليه نفقةَ الطريقِ حتى يبلغَ، فلا فائدةَ في أخذِ الكُلِّ ثُمَّ الإعطاءُ، وقال بعضُهم: يُؤخذُ الكُلِّ؛ لأن ما يؤُخَذُ منهم بطريقِ المجازاةِ، فيجازيهم بمثل صنيعهم حتى ينزجروا
(2)
، كذا في مبسوط شَيْخُ الإسْلَامِ
(3)
(4)
، فحصلَ مِن هذا كلِّه أنَّ أحوالَ الأخذِ منهم لا يخلوا من الأوجهِ الأربعة، وهي القِسمةُ العقليةُ، وذلك إمّا أنْ نَعلَمَ ما يأخذونَ منَّا أو لا نَعْلَمَ، فإنْ عَلِمْنا فلا يخلو مِنْ وجوهٍ ثلاثة: إما أنْ يأخذوا الكُلَّ، أو لا يأخذوا أصلًا، أو يأخذوا البعضَ أو لا نعلمَ أصلًا، وهو الوجهُ الرابعُ، وكلُّ ذلك مذكورٌ في الكتابِ
(5)
.
[كم مرة يعشر الحربي في العام
؟]
(وإنَ مرَّ الحربي على عَاشِرِِ فَعَشَّرهُ، ثُمَّ مَرّ مَرةٌ أخُرى لم يُعشِّرْهُ حتى يَحولَ الحولُ)
(6)
، وإنْ مرِّ بعد الحولِ عَشّرَةُ ثانيًا، وأصلُ ذلك أنّ الْعُشْرِ إنما يتكررُ فيما يمرَّ به بكمالِ الحولِ أو بتجديدِ العهد، وِتجديدُ العهد إنما يكونُ بالرجوعِ إلى دارِ الحربِ، ثُمَّ بالمرور على عاشرٍ يَأخُذُ ثانيًا، وإنْ كان في يومهِ ذلك، وهو المسألةُ الثانيةُ بقوله، وإنْ عَشّرهُ فرجع إلى دارِ الحرب، وأمّا إذا لم يُؤخذ منهما شيء لم يُعَشّرْهُ ثانيًا لماِ رُويَ:"أنّ نصرانيًّا مرّ بفِرَسَ لهُ على عاشر عُمر رضي الله عنه فَعَشَرَهُ، ثُمَّ مرّ به ثانيًا، فَهَمَّ أنْ يعشرَهُ، فقالَ النصراني: كلما مررْتُ بِكَ عشَّرتني إذاً يذهبُ فرسي كلُّه، فأنزل الفرسَ عندهُ، وذهبَ إلى عمرَ رضي الله عنه فلما دخلَ المدينَة أتى المسجدَ، فوضعَ يديه على عتبتي الباب، فقال: يا أميرَ المؤمنينَ أنا الشيخُ النصراني، فقال أميرُ المؤمنينَ: أنا الشيخُ الحنيفي، فقصَّ النصراني القصةَ، فقالَ عُمر رضي الله عنه: أتاكَ الغوثُ، ثُمَّ نَكّسَ رأسَهُ، ورجعَ إلى ما كانَ فيه، فظنَّ النصراني أنه اسْتَخَفَ بظلامتهِ فرجعَ كالخائبِ، فلما انتهى إلى فرسهِ وجَد كتابَ عُمر رضي الله عنه قد سَبقهُ: أنَّكَ إنْ أخذتَ الْعُشْرِ مرةً، فلا تأخْذ مرةً أخرى، فقال النصراني: إنَّ دِينًا يكونُ العدلُ بهذه الصفة لحقيقٌ أنْ يكونَ حقًّا فَأسْلَمَ، ثُمَّ قالَ: حتى يحولَ الحولُ"
(7)
.
(1)
لفظة (بعض) سقط في ب.
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 229).
(3)
هو كتاب المَبْسُوط لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله ويطلق عليه الأصل عند الأحناف وهو مطبع في خمس مجلدات بتحقيق أبو الوفا الأفغاني طبعته إدارة القرآن والعلوم الإسلامية في كراتشي.
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 106).
(5)
يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص 59).
(6)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 229).
ولا يمُكَّنُ] لحربي
(1)
من المُقامِ في دارنا حولًا، ولكنْ مُراده من هذا إذا لم يَعْلمِ الإمامُ بحالِه حتى حالَ الحولُ، فحينئذٍ إذا مرَّ عليه يأخذُ منه ثانيًا؛ لأنُه يأَخذُه من المسلمين، وأهلُ الذمةِ باعتبار تجددِ الحولِ، فكذلك يأخذُ منهم
(2)
، كذا ذكره فَخْرُ الْإِسْلَام
(3)
، والإمامُ المحبوبي.
وإنْ عَشّرهُ فرجعَ إلى دارِ الحرب، ثُمَّ خرجَ في يومهِ ذلك عَشّرهُ أيضًا؛ لأنّ العِصَّمةَ قد انقطعتْ بالرجوعِ إلى دارِ الحرب، وبالعودِ إلينا تثبت عصْمِةٌ جديدةٌ، فصارَ كالمالِ المتجددِ، فيأخذُ منه ثانيًا، ولا يُأخذُ من المسلم ثانيًا في قولِ واحدٍ، وإن كَثُرَ المرورُ؛ لأنَّ المأخوذَ منه زكاة، وأنها لا تتكرر في الحولِ، وكذلك الذِّمي؛ لأن المأخوذ، وإنْ لم يكن زكاةً، ولكنْ يأخذه على الوجه الذي يأخذه منِ المسلم، وأمّا إذا عادَ الحربي إلى دارِ الحربِ، ولم يعلمْ به العاشُر، ثُمَّ خرجَ ثانيًا لم يأخذْه لما مضى؛ لأنّ ما مضَى سقطً لانقطاع الوِلاية عنه، فأمّا المسلمُ والذِّمِّي إذا مرّا على العاشرِ فلمْ يعلمُ بهما، ثُمَّ عَلِم في الحولِ الثاني أخذَ منهما؛ لأنّ الوجوبَ قد ثَبُتَ، والمسقط لم يُؤخْذ، كذا في "الإيضاح"
(4)
.
قولُه: لأنه لا يُمَكَّنُ من المقام إِلاَّ حولًا، أيْ: إِلاَّ قريبًا منِ الحولِ؛ لأنه لا يُمَكَّنُ من الإقامة حولًا تامًّا.
[هل يُعَشّر الخمر والخنزير
؟]
(وإن مرَّ ذمي بخمرٍ أو خنزيرٍ)
(5)
، أي: مرّ بهما بنية التجارةِ، وهما يساويان مائتي درهم، فأقوال العلماء على أربعة أوجه كما هو المذكور في الكتاب
(6)
؛ (عُشر/ الخمرِ)
(7)
، (أيْ: مِن قيمتها)
(8)
، وإنما فُسِّرَ بهذا احترازًا نحو قولُ مسروقٍ
(9)
رحمه الله، فإنُه يقولُ: يأخذ منِ عينَ الخمر، كذا في "المَبْسُوط"
(10)
، ولِأَنَّ ظاهَر قوله: عُشر الخمرِ يَفهم السامعُ أنهُ يُعَشّرُ عينَ الخمر، والمسلم منهي عن الاقترابِ، فلاُبَّد من التأويلِ، ثُمَّ الشَّافِعِي رحمه الله
(11)
مرَّ على أصله بأنُه لا ماليةَ، ولا قيمةَ لواحدٍ منهما حتى إذا أتلف المسلمُ خمَر الذِّمِّي أو خِنْزِيَرهُ لا يُضمنُ عنده، وقال زُفَرُ رحمه الله: يعشّرِهما لاستوائِهما في الماليةِ، فإنَّ المسلمَ إذا أتلفَ خِنزيَر الذِّمِّي ضَمِنَهُ كما إذا أتلف خمره، فإذا عشر أحدهما عشر الآخر أيضًا كأنه جعل الخنزيرَ تِبعًا للخمرِ في المالية لمِاَ أنَّ الخمرَ أقربُ إلى الماليةِ من الخنزيرِ بواسطة التخليل
(12)
.
(1)
لفظة (لحربي) زيادة في (أ).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 363).
(3)
هو: علي بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبدالكريم، أبو الحسن، فَخْرُ الْإِسْلَام البزدوي فقيه أصولي، من أكابر الحنفية، من سكان سمرقند، نسبته إلى "بزدة " قلعة بقرب نسف، له تصانيف منها: كنز الوصول في أصول الفقه، (ت 482 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 372)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (18/ 602)، تاج التراجم (1/ 14).
(4)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني: (2/ 543).
(5)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(6)
يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص 59).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(8)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(9)
مسروق بن الأجدع الهمداني كنيته أبو عائشة تابعي ثقة روى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما قدم المدينة من ايام أبي بكر رضي الله عنه وسكن الكوفة. يُنْظَر: أسد الغابة (1/ 1007) الأَعْلَام للزركلي (7/ 215).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 371).
(11)
يُنْظَر: الْحَاوِي (7/ 221)، الْمَجْمُوع (14/ 282).
(12)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 230).
ولهذا قلنا: إنَّ المسلمَ إذا مَلَكَ الخمرَ والخنزيرَ، خَلَّلَ الخمر، وسَيّبَ الخنزيرَ، وقد يثبتُ الحُكْمُ تِبعًا، وإنْ كان لا يثبتُ مقصودًا، فإنَّ بيعَ النَّحلِ العسّالة
(1)
لا يجوزُ مقصودًا، ويجوزُ تبعًا للعسل، وهو نظيرُ ما قاله أبوُ يُوسُف في وقفِ
(2)
المنقول: إنه لا يجوزُ إِلاَّ أنْ يكونَ تِبعًا للعقارِ
(3)
بأنْ يقفَ القريةَ بما فيها مِن آلاتِ الزراعةِ، فإنّ مرّ بكُلِّ واحدٍ على الانفراد عَشّرَ الخمَر دون الخنزيرِ، أي: عند أبي يُوسُف، وأما عنَّدَهما
(4)
، فالحُكْمُ كذلك سواءً مرّ بهما أو على الانفراد، ووجهُ الفرقِ لعلمائنا أنَّ الذي يأخذهُ الإمام إنما يأخذُه بسببِ الحمايةِ، والحمايةُ: إنما تكونُ بالولاية، وليس على مسلمِ ولاية حمايةِ الخنزيرِ فهي على أهلِ الذمةِ بخلاف الخمر لمِا عُرِف أنّ الأصلَ في الولايات ولايةُ المرءِ على نفسِهِ، ثُمَّ يتعدَّى إلى غيرهٍ عند وجود شِرط الِتعدي، والمسلمُ يملك حمِاية] الخمر
(5)
على نفسه لتخللها أو تتخللٌ بنفسها، فيملك ذلك على غيره إلى آخره
(6)
كما هو المذكور في الكتاب
(7)
.
وهذا الحُكْمُ مرويٌّ عن عُمر رضي الله عنه أنُه كتبَ إلى عُمَّاله «أنْ ولُّوهم بيعها، وخذوا نصفَ الْعُشْرِ من أثمانها»
(8)
.
(1)
العَسَّالة هي: الشَّوْرة التي يتخذ فيها النحل العسل، يُنْظَر: شمس العلوم (7/ 4528).
(2)
الوقف هو: هو حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة الاختيار لتعليل المختار (ص: 29).
(3)
العَقَار: ضَيعة الرَّجُل، والجمع العَقارات. يقال ليس له دارٌ ولا عَقارٌ. قال ابن الأعرابيّ: العَقار هو المتاع المَصُون، ورجلٌ مُعْقِر: كثير المتاع. يُنْظَر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 95).
(4)
هما أبي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد. يُنْظَر: مقدمة عمدة الرعاية للكنوي (ص 17)، المذهب الحنفي لأحمد نقيب (2/ 324).
(5)
في (أ)(الخنزير) وفي (ب)(الخمر) ولعله هو الصواب لموافقته سياق الكلام.
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 230).
(7)
يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص 59).
(8)
رَوَاهُ عبدالرزاق في مصنفه (9886 - 6/ 23). وقال ابن حجر في الدراية (2/ 162): وفي إسناده إبراهيم بن عبدالأعلى قال ابن حجر في التهذيب قال يعقوب ابن سفيان لا بأس به وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين صالح وقال العجلى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي في التمييز (ثقة) يُنْظَر: تهذيب التهذيب (1/ 120) والله أعلم.
ثُمَّ إنما لا يؤُخذ مِن الخنزير؛ لأنه لو أخذَ لا يخلو إمّا أنْ يأخذَ من عينه أو في قيمتهِ ولا يجوز أن يؤُخذُ مِن عينه؛ لأن المسلم ممنوع من تمليكه بملكه، ولا يجوزُ أن يؤُخذَ من قيمتهِ؛ لأنّ قِيمَ ذواتِ القِيم لهِا حُكْمُ الأعيان حتى أنّ الذِّمِّي لو تزوجَ ذِميةً على خنزيرٍ بغير عينه، فأتاها بالقيمةِ أَجُبرتْ على القبول كما لو أتاها بالعينِ بخلاف قيمةِ الخمر، فإنَّ قِيم ذواتِ الأمثالِ ليس لها حُكْمُ الأعيانِ حتى لو تزوجها بخمرٍ في ذمته، فأتاها بالقيمِة لا يُجُبر على القَبولِ كذا في "الجامع الصغير" لفَخْرِ الْإِسْلَام الْمَحْبُوبِيّ، و"الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة ":
(1)
(أنّ القيمةَ في ذواتِ القيِم لها حُكم العين كما ذكرنا، والخنزيرُ منها)
(2)
، أي: من ذواتِ] القيِم
(3)
، فإنْ قلت: هذا الذي ذكره هنا، وهو أنّ القيمَة في ذواتِ القيِم لها حُكْمُ العينِ منقوض بما ذُكِرَ في الشّفعةِ
(4)
من هذا الْكِتَاب، فقال: وإذ اشترى ذميٌّ بخمرٍ أو خنزيرِ، وشفيعُها ذمي إلى أنْ قال: وإنْ كانَ شفيعُها مسلمًا أخذها بقيمةِ الخمر، والخنزيرِ، فلو كان لقيمةِ الخنزيرِ حُكْمُ الخنزير لما أخذنا بقيمةِ الخنزير كما لا يأخذها بعينِ الخنزيرِ، وذلك منقوضٌ أيضًا بمسألة الغصبِ، والإتلافِ، فإنّ المسلمَ إذا أتلفَ خنزيرَ الذِّمِّي يَضمنُ قيمتَه، فلو كانَ لها حُكم العينِ لما ضَمِنَها كما] لا يضمن
(5)
، عين الخنزير
(6)
.
قلت: القِيمة في حقِّ ذواتِ القيِم بمنزلة عينها من وجهِ دُونَ وجهٍ أمّا إنها ليستْ بعينها فظاهر؛ لأنهما] يتغايران
(7)
حقيقةً، وأمّا إنها بمنزلة عينه، فإنه لا يمكن أداؤهُ إِلاَّ بتعيينهِ، ولا تعيينَ إِلاَّ بالتقويم، فأخذتْ القيمةُ حُكمَ العينِ، مِن هذا الوجهِ فلذلك أجُبرتْ المرأةُ على القَبولِ إذا أتاها بالقيمةِ، فلما دارت القِيمةُ بين أنَ يكونْ بمنزلةِ العين، وبين أنْ لا يكونَ أعطى لها حُكمَ العينِ في حقِّ الأخذ والحيازة، وهو في بابِ الزِكاة، ولم يُعطِ لها حُكْمَ العينِ في حقِّ الإعطاءِ؛ لأنُه مَوْضِعُ إزالةٍ وتبعيد، وهو في باب الشَّفْعةِ والإتلافِ، فكان هذا نظيرُ ما ذكرنا في مسألة السرقين
(8)
بالانتفاع بالاستهلاك في قوله «وكلَّ إهابِ دُبِغَ فقد طَهُر
(9)
».
(1)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 251)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 230).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(3)
في (ب)(القيمة).
(4)
الشفعة عبارة عن حق التملك في العقار لدفع ضرر الجوار، يُنْظَر: البحر الرائق (8/ 143).
(5)
في (ب)(يضمن).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 230).
(7)
في (ب)(متغايران).
(8)
السرقين أو السرجين بكسرهما الزَّبل معربا وهما فضلة الحيوانات الخارجة من الدبر، يُنْظَر: القاموس المحيط (1/ 1555)، لسان العرب (11/ 300).
(9)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (1/ 92)، (2/ 230).
وذكر في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة "
(1)
بعد قوله: وأخذُ القِيمة فيما لا يكون من ذواتِ الأمثال ينزُل منزلة أحدِ العين، فإن قِيل: ما ذكرتم يَشْكُلُ بِذميِّ استهلك عليه ذِميٌ خنزيرهَ حتى ضَمِنَ قيمتهَ فأخذَ القيمةَ، وقضى بها دَيْنًا عليه لمسلمٍ جاز، ولو كان أخذُ القيمةِ كأخذِ العين لمِا جازَ القضاءُ قِيل له: لما قضى بها دَيْنًا عليه وقعتْ المعاوضةُ بينه وبينَ صاحبِ الدَّيْنِ، وعند ذلك يختلفُ السبب، واختلافُ الأسبابِ يُنزَّلُ/ مَنزلةَ اختلافِ الأعيانِ على ما عُرِف، وكذلك ذكر سؤالًا في النكتة الثانية على قوله: فكذا لا يحميها لغيرِه، فقال: فإنْ قِيل: المسلمُ أو الذِّمِّي إذا غصبَ خِنزيَر ذِميِّ، وتحاكما إلى القاضي، فالقاضي يأمرُه بالردِّ والتسليم، والأمرُ بالردِّ، والتسليمِ حمايةٌ له قِيل له: نحن ندَّعِي إذا لم يكنْ له وِلاية حماية خنزير نفسهَ لا يكونُ له ولاية حماية خنزير غيرِه لغرض يستوفيه، وهاهنا لو حماهُ حماه لِغرضً يستوفيه، ولا كذلك القاضي فافترقا
(2)
.
وذكر الإمام الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله
(3)
: وإذاً مرّ الذِّمِّي عليه بجلد الميتة، بل يأخذُ منه شيئًا، وذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله
(4)
رواية عن الكرخي رحمه الله
(5)
؛ أنه يأخذ منه] شيئًا
(6)
، فإنه كانَ مالًا في الابتداءِ أو يصيرُ مالًا في الانتهاءِ بالدَّفْعِ، فكانَ كالخمرِ لمِا ذكرنا في السَّوَائِم؛ لأنّ مالَ التاجرِ إذا مَرَّ به على العاشِر بمنزلة السَّوَائِم لحاجته إلى الحماية، وقد بينّا أنه لا يؤخذ من سوائم صبيانهم، ويُؤخذُ مِن سوائِم نِسائهم، فكذلك حُكْمُ التاجِر منهم إذا مرَّ على العاشر؛ لأن العاشِر لا يأخُذ مِن مالِ صبيانِ المسلمين، وإنْ مرَّ به عليه، ويأخذُ من مالِ نسائهم فكذلك يعامل مع بني تغلب؛ لأن الصلحَ جَدِّيٌ بيننا وبينهم على أن يٌضَعَّفَ عليهم ما يؤُخذ مِنَ المسلمين، وأمّا الْعُشْرِ، والخراجُ فيؤخذان منهما جميعًا على ما يجيء.
(1)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (2/ 151)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 309).
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 230).
(3)
يُنْظَر: حاشية رد المحتار (2/ 344)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 251).
(4)
هو: نصر بن مُحَمَّد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه، أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقه على الفقيه أبو جعفر الهندواني وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة.
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (16/ 322)، (الجواهر المضية (2/ 196)، الأَعْلَام للزركلي (8/ 27).
(5)
هو: عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم أبو الحسن الكرخي، انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حَنِيفَةَ، وكان كثير الصوم والصلاة صبورًا على الفقر والحاجة مولده سنة ستين ومائتين وتوفي ليلة النصف من شعبان سنة أربعين وثلاث مائة.
يُنْظَر: تاريخ بغداد: (10/ 353)، تاريخ الإسلام:(15/ 426)، الجواهر المضية:(1/ 337).
(6)
سقطت في ب.
[المال الذي يأخذه العاشر]
(ومَنْ مرَّ على العاشِر بمائة درِهم)
(1)
سواءً كان ذلك المارُ مسلمًا أو ذميًّا؛ لأنهُ غيرُ مأذونًا بأداء زكاته، بل هو مأذونٌ بالتجارة، فلو أخذَ كان المأخوذُ غيرَ الزَّكَاةِ، وليس للعاشرِ ولايةِ أخذِ شيء آخرَ سوى الزَّكَاةِ، ولِأَنَّ الملكَ والمالكَ مُعتبًر في الزَّكَاةَ، ولو مرَّ المالكُ عليه ولا مالَ له، أو كانَ معه دونَ مائتي درهم، (وأخبره أنّ له في بيتهِ مائة أخرى)
(2)
لم يأخذْ منه، فكذلك إذا كانَ عنده الملك دونَ المالكِ] أولًا
(3)
يُعشّرُها لقوةِ حقِّ المضارب؛ لأنّهُ بمنزلةِ المالك حتى جازَ بيعه مِن ربِّ المالِ، ثُمَّ رجعَ إلى ما ذَكر في الكتابِ
(4)
، وهو قوله: لم يُعشّرْ، ولا نائباً عنه في أداءِ الزكاة، أي: المضاربُ ليس بنائبٍ عن المالكِ في أداءِ الزكاة إنما هو نائبٌ عن المالكِ في التجارةِ لا غير، والنائبُ تقتصرُ ولايتهُ على ما فُوَّضَ إليه، فكان هو في ذلك بمنزلةِ المستبْضِعِ
(5)
، كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله
(6)
.
قال أبو يُوسُف رحمه الله: لا أدري أنّ أبا حنَيفة رحمه الله رجَع عن هذا أم لا
(7)
، وقال في "الإيضاح"
(8)
: والصحيح: أنّ رَجوعَهُ في المضاربِ رجوعٌ في العبدِ المأذونِ أنّ العبدَ يتصرفُ لنفسهِ حتى لا يرجعَ على المولى بالعهدة، بل يباع فهو فيها، وما زاد فيطالبُ به بعد العتقِ؛ وذلك لأنَ الإذنَ إطلاقٌ وفكّ الحَجْرِ، فيكون متصرفًا لنفسه.
وذكر الإمام التُّمُرْتَاشِي رحمه الله: لا مشابهةَ بينَ المضاربِ، والعبدِ المأذون؛ لأنَ ولايةَ المأذون أعمُّ، فإنَّ الإذنِ في نوعِ يكونُ إذنًا في الأنواعِ، ولا كذلك المضاربِ، فلا يكونُ الرجوعُ في المضاربِ رُجوعًا في العبدِ، أي: فلا يكونُ رُجُوعُ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله في المضارب رُجوعًا منهُ في العبدِ لوجودِ الفرقِ بينهما
(9)
، وذَكَر فَخْرُ الْإِسْلَام رحمه الله في "الجامع الصغير": وقد ذكر في كتابِ الزَّكَاةِ أنّهُ لا يُؤخذُ مِن هؤلاءِ جميعًا بعدَ ذِكُرِ المضارب، والمسُتْبَضِعِ، والعبدِ المأذونِ، وهو الصحيحُ في المأذونِ أيضًا إِلاَّ إذا كان على العبد دَيْنً يحَيط بمالٍ، أي: حينئذٍ لا يُؤخذ منه سواءً كان مَنَعهُ مولاه أو لمْ يكنْ
(10)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(2)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(3)
سقطت في ب.
(4)
إذا أطلق لفظ الْكِتَاب عند الحنفية فالمراد به مُختَصرُ القُدُوري أشهر متون الفقة عند الحنفية. يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1631)، المذهب الحنفي (2/ 339).
(5)
الإبضاع هو اعطاء شخص لآخر مالاً على أن يكون جميع الرابح عائداً له، ويسمى راس المال بضاعة والمعطي المُبْضِع والآخذ المسْتَبضِع. درر الأحكام (3/ 8).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 231).
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 232).
(8)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 37).
(9)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 232).
(10)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 287).
قوله رحمه الله: لانعدامِ المُلكِ عنده، أي: عَند أبي حَنِيفَةَ رحمه الله، وقالَ: أو للشُّغلِ، أي: عندهما
(1)
.
[مال العبد المملوك]
وذكر الإمامُ المحبوبي: أمّا إذا كانَ على العبدِ دَيْنٌ محُيطٌ بكسبهِ، فلا إشكالَ أنه لا يأخذُ سواءً كانَ معه مولاه أو لمْ يكنْ عند أبي حنيفة
(2)
؛ لأنه لا مالكَ لهذا المالِ وعندهما؛] لأنه مال
(3)
مشغول بالدَّيْنِ، وذلك مانِعٌ مِن وجوبِ الزَّكَاةِ، وإنْ لم يكنْ عليه دَيْنٌ فإن كانَ معه مولاه أخذَ الزَّكَاةَ إذا استجمعَ شرائطها، وإنْ لم يكنْ معه مولاه فعلى قول أبي يُوسُف، ومُحَمَّد لا يأخذُ منه شيئًا
(4)
؛ لأنَّ المالَ مُلَكُ المولى، ولعبدِ فيه تاجرٌ كالمضُاربِ، وقد بيّنا في المضُاربِ قولين لأبي حَنِيفَةَ، فمِن أصحابنا مَنْ قال كذلك له قولان في كسبِ العبدِ المأذون، وقد بيّنا وجهَ القولين، ووجهَ الفرقِ، والقول الصحيح فيه؛ لأنّ التقصيرَ مِن قبله، أي: مِن قبل المِارِ حيث مرَّ على عاشرِ الخوارجِ
(5)
مع علمه أنّ عاشرَ الخوارج يأخذٌ الْعُشْرِ مما في يديه من المالِ،/ ولا كذلك إذا غلبَ الخوارج على بلدِة فأخذوا عُشورًا مثلها حيث لا شيءَ عليهم؛ لأنّ التقصيرَ ثمةَ جاء منِ قَبلِ الإمامِ
(6)
،] والله أعلم بالصواب
(7)
.
بَابٌ في الْمَعَادِنِ والركاز
أخّرَ بابَ الْمَعَادِنِ عن بابِ العاشرِ لمعنيين:
أحدهما:
…
أنَّ أخَذَ العَاشرِ الْعُشْرِ أكثر وجوبًا من الْمَعَادِنِ التي تُوجد، فيؤخُذ منها الخُمس، والشيءُ الذي هو كثيرُ الوجودِ وُقوعًا كانَ أحوجَ إلى البيان.
والثاني:
…
أنَّ الْعُشْرِ أقلُ ذاتًا، والخمسُ أكثر، فكان فيه انتقالٌ من ذِكرِ القليل إلى ذِكر الكثيرِ والقليلِ، فَقُدّم على الكثيرِ وجوها فكذا بيانًا، ثُمَّ المالُ المستخرجُ مِنَ الأرضِ له أسامٍ ثلاثة: الكَنزُ، والمعْدِنُ، والرِّكَازُ، ثُمَّ الكنزُ: اسمٌ لمالٍ دَفَنهُ بنو آدمَ.
(1)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 232).
(2)
يُنْظَر: البناية (3/ 533)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 47).
(3)
سقطت في (ب).
(4)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 47)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 272).
(5)
الخوارج فئة خرجت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكفروا المسلمين بفعل كبائر الذنوب واستحلوا دماءهم وأموالهم؛ فلا يرثون ولا يوَرَّثون ولا يدفنون في مقابر المسلمين وفي الآخرة سيخلدون في النار، أصول الدين عند الإمام أبي حَنِيفَةَ (1/ 169).
(6)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 232).
(7)
سقطت في (ب).
[تعريف المعدن والركاز]
والمعَدَنُ: اسمٌ لمالٍ خَلَقهُ اللهُ تعالى في الأَرضِ يوم خُلِقَتْ الأرضُ، والرِكازُ: اسمٌ لهما جميعًا يُذكرُ ويُراد به المعدن، وُيذكر وُيرادُ به الكنزُ، كذا في شروح الطحاوي
(1)
، فكان هذا كالخلق، والكسْبِ، والفعلِ لما عُرِفَ، واشتقاقهُا بما أُطلق عليها، فإنُه ذُكِرَ في "المُغْرِب"
(2)
عَدَنَ بالمكان: أقام به، ومنه المَعْدِنُ لما خَلقهُ الله تعالى في الأرضِ مِنَ الذَّهَبِ والفضةِ.
وفي "الصِّحَاح"
(3)
: عَدَنتِ الإبل بمكان كذا، أي: لَزِمْتهُ فلمْ تبرح، ومِنه جّناتِ عَدْنٍ، ومَركزُ كلِّ شيء معدِنُه، ولزومُ الإقامةِ إنما يكونُ في المخلوقِ فيها، كَنَزَ المالَ كنزًا جَمَعَهُ من باب ضَرَبَ، والكنز واحدُ الكنوزِ، وهو: المالُ المدفونِ، قسمته بالمصدر، ودِلالَةُ الجمعِ غلبتْ على فعلِ حادثٍ من العبدِ، رَكَزَ الرُمَحَ غَرَزهُ رَكْزًا من باب نَصَرَ، ومنه الرِّكَاز المعدن أو الكنز؛ لأَن كلًا منهما مركوزٌ في الأرض، أي: مُثبت، وإن اختلفَ الراكز، ثُمَّ المرادُ من الرِّكَازِ المذكورِ في لقبِ الباب الكنزُ لمعنيين:
أحدهما: أنّ هذا البابَ يشتمل على بيانِ الْمَعَادِنِ، والكنوزِ على ما يجيء.
والثاني: أنه لو أُريدَ بهِ الْمَعَادِنَ يلزمُ محضً تكرارٍ لا فائدةَ فيه؛] لأنهُ حينئذٍ يكونُ تقديرهُ بابٌ في المعادنِ
(4)
، ولهذا لَقّبَ الإمامُ التُّمُرْتَاشِي رحمه الله هذا الباب ببابٍ في المعدن والكنز
(5)
.
[أنواع الْمَعَادِنِ ومقدار زكاتها]
قوله رحمه الله
(6)
: (معدنُ ذهبٍ، أو فضةٍ، أو رصاص، أو حديد، أو صُفْر وُجِدَ في أرضِ خراجٍ أو عُشر، ففيه الخُمس)
(7)
، إنما قُيِّدَ بأرض خراج أو عُشر احترازًا عمَّا يوُجدُ من المعدنِ في الدارِ، فإنه لا خمُسَ فيه عندَ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله
(8)
، وأما إذا وُجِد المعدنُ في المفازةِ
(9)
التي لا مَالِكَ لها ففيه الخِمُسُ عندنا، أيضًا كما إذا وجده في أرضِ الْعُشْرِ أو الخراج
(10)
. كذا في شَرْح الطَّحَاوِيِّ رحمه الله
(11)
(12)
.
(1)
هو: أحمد بن مُحَمَّد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي، أبو جعفر: فقيه انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر. ولد ونشأ في طحا من صعيد مصر، وتفقه على مذهب الشَّافِعِي، ثُمَّ تحول حنفيًّا. ورحل إلى الشام سنة 268 هـ فاتصل بأحمد بن طولون، فكان من خاصته، وتوفي بالقاهرة. وهو ابن أخت المزني. من تصانيفه:(شرح معاني الآثار) في الحديث، و (بيان السنة) رسالة، وكتاب (الشفعة) وغيرهم.
يُنْظَر: تاريخ دمشق (5/ 368)، الجواهر المضية (1/ 102)، الأَعْلَام للزركلي (1/ 206).
(2)
يُنْظَر: (2/ 46).
(3)
يُنْظَر: (6/ 2162).
(4)
سقطت من (ب).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 233).
(6)
هذا نقل من المؤلف من صاحب متن بِدَايَةُ المُبْتَدِي برهان الدين علي بن أبي بكر بن الْمَرْغِينَانِي. يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (ص: 36).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 35).
(8)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 67)، حاشية ابن عابدين (2/ 321).
(9)
المفازة الموضع المهلك مأخوذة من فَوَّزَ بالتشديد لإذا مات، لأنها مظنة الموت وقيل من فَاز إذا سلم ونجا وسميت به تفاؤلاً بالسلامة. يُنْظَر: المصباح المنير (1/ 250).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 212).
(11)
شَرْح الطَّحَاوِيِّ، لأبي جعفر أحمد بن مُحَمَّد بن سلامة بن عبدالملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (ت 321 هـ) واسم كتابه (شرح مشكل الاثار) حققه شعيب الأرنؤوط وطبعته دار الرسالة.
(12)
يُنْظَر: مختصر الطحاوي (1/ 49).
وحاصِلُ وجوهِ هذهِ المسألة: خمسةَ عشَر وجهًا؛ وذلك لأنّ الذَّهَبَ أو الْفِضَّة الذي يُوجدُ في الأرضِ لا يخلو إنْ كان معدِنًا أو كنزًا، وكلُّ ذلك لا يخلو إما أنْ يوجدَ في حيّزِ دارِ الإسلامِ، أو حيّزِ دارِ الحرب، وكلُّ ذلك لا يخلو عن ثلاثةِ أوجه: إما أن يُوجدَ في مفازةٍ لا مالكَ لها، أو في أرضٍ مملوكة، أو دارِ، والموجودُ كنزًا لا يخلو عن ثلاثة أوجه أيضًا إما أن تكونَ على (ضربِ أهلِ الإسلامِ)
(1)
، أو على (ضربِ أهلِ الجاهليةِ أو اشتبه الضربُ)
(2)
، وكلُّ ذلك مذكورٌ في الكتابِ، ثُمَّ المرادُ مِنَ المعدنِ المذكورِ في قوله: معدِنُ ذهبٍ، أو فضةٍ، أو رَصاصٍ مكان هذه الأشياء المذكورةِ، لا أن يكونَ مخصوصًا بالذَّهَبِ والْفِضَّة لما أنّ المعدنَ يُطلق على مكانِ كُلِّ شيءٍ
(3)
، على ما ذكرنا من "الصِّحَاح"
(4)
.
ويدلُ أيضًا على أنَّ المعدِنَ غيرُ مخصوصٍ بالذَّهَبِ والْفِضَّة، ما ذكر في "المَبْسُوط" حيث قال: اعَلمْ أنَّ المسُتخرجَ مِن الْمَعَادِنِ أنواعٌ ثلاثة: منها: جامدٌ يذوبُ وينطبعُ؛ كالذهبِ، والفضةِ، والحديدِ، والرصاصِ، والنحاسِ، ومنها: جامدً لا يذوبُ بالذوبِ كالجصِّ
(5)
، والنُّورَةُ
(6)
، والكحلِ، والزرنيخِ
(7)
، ومنها: مائعٌ لا يتجمدُ كالماءِ، والقيرِ
(8)
، والنِفط
(9)
، وأمّا الجامدُ الذي يذوبُ بالذوبِ: ففيه الخمسُ عِنْدَنَا، وقال الشَّافِعِي رحمه الله: فيما سوِى الذهبِ، والْفِضَّة لا يجبُ شيءٌ، وفي الذَّهَبِ والْفِضَّة يجبُ ربعُ الْعُشْرِ، والنِصابُ عندَه مُعتبرٌ حتى إذا كانَ دونَ المائتين من الْفِضَّة لا يجبُ شيء
(10)
، وفي اعتبارِ الحولِ له وجهان
(11)
(12)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(2)
يُنْظَر: المرجع السابق (1/ 105).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 233).
(4)
يُنْظَر: (6/ 2162).
(5)
الجِصُّ: بكسر الجيم معروف وهو معرّب لأن الجيم والصاد لايجتمعان في كلمة عربية وجَصَصْت الدار عملتها بالجص والعامة تقول الجَصُّ بالفتح والصواب كسرها وهو كلام العرب، يُنْظَر: المصباح المنير (1/ 102)، المُغْرِب (1/ 147).
(6)
النُّورَةُ: بضم النون حجر الكلس، ثُمَّ غلبت على أخلاط تضاف الى الكلس من زرنيخ وغيره، وتستعمل لإزالة الشعر. يُنْظَر: المصباح المنير (2/ 630).
(7)
الزرنيخ حجر منه أبيض وأحمر وأصفر، يُنْظَر: القاموس المحيط (1/ 322).
(8)
القير والقار لغتان وهو صُعُد يذاب فيستخرج منه القار، وهو شيء أسود تطلى به الأبل والسفن، يمنع الماء أن يدخل ومنه ضرب تحشى به الخلاخيل والأسورة، وقيرت السفينة طليتها بالقار وقيل هو الزّفت. يُنْظَر: لسان العرب (5/ 124).
(9)
النَّفْطُ: دُهْن بفتح النون وكسرها والكسر أفصح، وهو الذي تطلى به البل للجرب والقردان. يُنْظَر: لسان العرب (7/ 416).
(10)
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 77)، المهذب (1/ 162).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 381).
(12)
اختلف أهل العلم في اشتراط الحول في الرِّكَاز فقال الشَّافِعِي ومالك رحمهما الله بعدم اشتراط الحول.
وذّكَر في الخُلَاصَة الغزاليَّة
(1)
: فلا زكاةَ فيِما اسُتخرِج من الْمَعَادِنِ سوى الذهبِ والفضةِ
(2)
، ففيهما بعد التحصيلِ رُبع الْعُشْرِ على أحدَ القولين
(3)
، وعلى هذا يُعتبر النصابُ، وفي الحولِ قولان
(4)
، والثاني الواجبُ الخمس فعلى هذا لا يعتبرُ الحولُ، وفي النصابِ قولان، وأمّا في الكنز فقوله مثلُ قولنِا في أنُه يجبُ الخمُس فيه على ما يجيء، وفي الْأَسْرَارِ
(5)
.
وقال الشَّافِعِي:/ إنْ أصابَ الْفِضَّة كتلة] أي: قطعة
(6)
صافيةً فيجب فيها الخمُس، وإِلاَّ فيجبُ فيها الْعُشْرِ،
(7)
وقال في قولِ: يجبُ ربعُ الْعُشْرِ، وُيعتبرُ الحول، والنِصابُ، وفي قولٍ أوجبَ الْعُشْرِ كما في الحبوبِ في المعشورةِ؛ لأنّ المَعْدِنَ في الأصلِ مِن إنزالِ الأرضِ، وفي قولٍ جعله مالًا مباحًا يُمْلَكُ بالإصابةِ في دارِ الإسلامِ، فلا يجبُ فيهِ شيءٌ كالصيدِ، وإنما تجبُ الزَّكَاةُ بعد ذلك بحولٍ ونصابٍ، وأَحَتجَّ لربعِ الْعُشْرِ بما رُوي «أنّ النبيَ عليه الصلاة والسلام أقطعَ بلالَ بنَ حارثٍ
(8)
معادِنَ بالقبليةِ»
(9)
(10)
، فهي يُؤخذُ فيها ربعُ الْعُشْرِ إلى يومِ القيامةِ، وبقوله عليه الصلاة والسلام «وفي الرِقَّة رُبْعُ الْعُشْرِ»
(11)
، ولعلمائنا قولُ الله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}
(12)
، وإليه أشارَ مُحَمَّد بُن الحسنِ رحمه الله حيثُ عللَ بأنه ثُلثهُ مما أوجَفَ المسلمون عليه، وعلّل للسقوطِ بأنه مما لم يُوجفْ عليه المسلمون.
(1)
يُنْظَر: الخُلَاصَة الغزاليَّة (1/ 202).
(2)
هذا هو مذهب المالكية والمشهور من مذهب الشَّافِعِية وقالوا أن الأصل عدم الوجوب وقد ثبت في الفضة والذهب بالإجماع فيه، فلا تجب فيما سواه إِلاَّ بدليل صريح، وقال الحنفية: تجب في غير الذهب والفضة من المنطبعات كالحديد والرصاص، وقال الحنابلة: تجب في كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمةٌ كالأثمان، أو ما قيمته نصاب من الجواهر وسائر ما يسمى معدناً.
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 77)، الْمُغْنِي (2/ 617)، حاشية بن عابدين (2/ 337).
(3)
القول الثاني أنه يجب الخمس إن ناله بلا تعب ومؤؤنه، والصحيح أنه يجب فيه ربع العُشّر وبه قال المالكية والحنابلة يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 82، 83)، روضة الطالبين (2/ 282)، الْمُغْنِي (2/ 618).
(4)
اختلف الفقهاء في اشتراط الحول فقال المالكية والحنفية أنه لا يشترط بل يجب في الحال، وقال الحنابلة وبعض الشَّافِعِية أنه يشترط. يُنْظَر: القوانين الفقهية (ص 102)، الْمَجْمُوع (6/ 81).
(5)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 254).
(6)
سقطت في (ب).
(7)
يُنْظَر: روضة الطالبين (2/ 286).
(8)
هو: بلال بن الحارث بن عصم بن سعيد بن قرة بن خلاوة، بالخاء المعجمة المفتوحة، ابن ثعلبة بن ثور، أبو عبدالرحمن المزني، من أهل المدينة، أقطعه النبي عليه الصلاة والسلام العقيق، وكان صاحب لواء مزينة يوم الفتح، وكان يسكن وراء المدينة ثُمَّ تحول إلى البصرة، أحاديثه في السنن وصحيحي بن خزيمة وابن حبان، أسلم في السنة الخامسة من الهجرة (ت 60 هـ).
يُنْظَر: الإصابة (1/ 326)، تهذيب الكمال (4/ 283)، الثقات (3/ 28).
(9)
رَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الخراج، باب في إقطاع الأرضين (3063)، قال الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (7/ 61): ضعيف.
(10)
القبلية: بالتحريك، هو من نواحي الفرع بالمدينة، قال العمراني: أخبرني جارالله عن علي الشريف، قال: القبلية سراة فيما بين المدينة وينبع، ما سال منها إلى ينبع سمي بالغور، وما سال منها إلى أودية المدينة سمي بالقبلية، وفيها جبال وأودية، يُنْظَر: معجم البلدان (4/ 307).
(11)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنائم حديث رقم (1386)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(12)
سورة الأنفال الآية (41).
[حكم المعدن في أرض الكفار]
وتفسيرهُ: أنَّ هذهِ الأراضي (كانتْ في أيدي الكفرةِ)
(1)
، فصارتْ في أيدينا بالقهر، والغلبةِ، إِلاَّ أنّ الأراضي المواتَ، والتي لم تُقسَّم بقيتْ على حُكْم الإباحةِ لغيبةِ المسلمين عنها، ولذلك تمُلَكُ بالإصابةِ كالصيدِ، فلما كانتْ الإباحةُ بناءً على الاستغناِء لم يسقطْ عنها حقُّ الله تعالى في الخُمس بتركنا إياها ِبحُكْم الاستغناءِ، ولا خلافَ في الكنزِ الجاهلي يصيُبهُ المسلمُ في أرضٍ فلاتٍ أنّ فيه الخمسَ لهذا المعَنى، فإنْ قيِل: إنّ الكنزَ يجبُ فيه الخمسُ ينصُ فيه لا بهذهِ العلةِ، قلنا: إنّ النَّص يعللِ ما أمكن، ولما أمكنَ بصفةِ الاستغناءِ فإنها صفةٌ موجبْةُ للخْمس لم يكنْ للخصمِ أنْ يمنعنا، وأمّا الجوابُ عن احتجاجهم بقولهِ عليه الصلاة والسلام «في الرِقَّةِ رُبعُ الْعُشْرِ»
(2)
أنه بيانٌ لما يَجبُ بسبب الرِقَّةِ نفسها، وهذا يَجبُ بسبب الاستغنام] لما
(3)
مرَّ، وعن الإِقطاعِ
(4)
أنّ الخلافَ فيما يجبُ بنفسِ الإصابةِ لا بما أقطعَ الإمامُ، فللإمامِ أنْ يُقطعَ ما استصوبَ
(5)
.
[الخلاف في اشتراط الحول]
قوله رحمه الله
(6)
: (ولا يُشترطُ الحول)
(7)
، أي: على مذهبهِ، وإنما ذَكَرَ هذا لِدفعِ شُبهةٍ تَردُ على قوله؛ لأنُه لما وجبتْ الزَّكَاةُ على قوله: ينبغي أنْ يجبَ على شرائطِ الزَّكَاةِ مِن أشراطِ الحولِ وغيرِه، وأمّا على مذهبنا فلا يُشترطُ الحولُ أيضًا لما أنّ إيجابِ الخُمس باعتبارِ ذاتهِ خُمسُ الغنائم، فلا يشُترطُ في خمُسِ الغنائمِ الحولُ، فلمّا لم تردْ الشُبهةُ على قولنا لم يذكرْ عدَم اشتراطِ الحولِ في قولنِا، وكذا قولُه:«وفي الرِّكَازِ الخمُسُ»
(8)
فإنه لما سُئِل النبيُّ عليه الصلاة والسلام عّما يُوجد في الحربِ العادي؟ قال فيه: «وفي الرِّكَازِ الخمُس»
(9)
فعطفَ الرِّكَازَ على المدفونِ، نعلم أنّ المرُادَ بالرِّكَازِ المعَدِنَ، ولأنُه عبارةٌ عن الإثباتِ
(10)
يُقالِ: رَكِزَ رُمحه في الأرضِ إذا أثبتهُ، والمالُ في المعَدِن يثبتُ، فيصحُ إطلاقهُ على المعدنِ، ولِأَنَّ المعنى الذي وَجَبَ الخَُمسُ لأجلهِ في الكنزِ موجودٌ في المعدنِ لما أنَّ هذهِ الأرضَ كانتْ في يدِ أهلِ الحربِ وقعتْ في يدِ المسلمين بإيجاف الخيلِ، فكان هذا والكنزُ سواء، كذا في "المَبْسُوط"
(11)
، إِلاَّ أنَّ للغانمين يدًا حكميةً لثبوتها على الظاهرِ إلى آخره، هذا جوابُ إشكالٍ يَرِدُ على قوله: فكانتْ غنيمةً، والحُكْمُ في الغنائمِ الخُمسُ للفقراءِ، وأربعةُ الأخماسِ للغانمينَ ذَكَرَ ذلك الإشكالَ الإمامُ الكشَّاني رحمه الله
(12)
في "الجامعِ الصغيرِ" فقالَ: فإنْ قِيلَ: أليسَ أنَّ الأربعةَ الأخماسِ تكونُ للواجدِ إذا وَجَدُه في أرضٍ غيرِ مملوكةٍ لأحدٍ، ولو كانَ هذا مغنومًا حتى يجبُ فيه الخمسُ لكانتْ الأربعةُ الأخماس للغانمين لا للواجد، قلنا: هذا المالُ مغنوم في حقِّ الخُمسِ دُونَ الأربعةِ الأخماس
(13)
كما في الكنزِ إذا وَجَدهُ في الصحراءِ، وهذا لأِنَّ المالَ كانَ مُباحًا قَبِلَ أَخْذِ الغانمين، والمالُ المُباحُ إنما يمُلكُ بإثباتِ اليدِ عليه كما في الصيدِ، ويدُ الغانمين ثابتةٌ على هذا المال حُكْماً حقيقةً؛ لأَنَّ إثباتَ اليد على الظاهرِ إثباتٌ على الباطنِ حُكماً، فاعتبارُ الحُكْمِ إنْ أوجبَ الملك للغانمين فاعتبار الحقيقة إنْ] لم يكن
(14)
عليه جانبُ الحقيقةِ في أربعةِ الأخماس؛ لأنُه هو المختصُ بتمامِ الاستيلاءِ
(15)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(2)
سبق تخريجه، ص (143).
(3)
في (ب)(كما).
(4)
الإقطاع نظام يقوم على العلاقة بين السادة ونوابهم يقضي بأن يملك الأولون الآخرين قطائع من الأرض على سبيل المنحة لهم ولأولادهم. يُنْظَر: المعجم الوسيط (2/ 745).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 234، 235).
(6)
سقطت في (ب).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(8)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الزكاة، باب في الرِّكَازِ الخمس (1428)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب جرح العجماء جبار والمعدن والبئر جبار (1710)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(9)
سبق تخريجه في الهامش السابق.
(10)
في ب: (الإثبات) وفي (أ)(الإنبات) ولعل مافي (ب) هو الصواب لموافقته سياق الكلام.
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 383).
(12)
مسعود بْن الحسين أبو المعالي الكُشَانيَ السَّمَرْقَنْديّ، نقله الخاقان مِن بُخارى إلى سَمَرْقَنْد للتّدريس بالمدرسة الخاقانيَّة وولّاه خَطَابة سَمَرْقَنْد، فبقي عَلَى ذَلِكَ مدَّة، وتُوُفّي في ربيع الأوّل سنة 520 هـ. يُنْظَر: تاريخ الاسلام (11/ 327).
(13)
يُنْظَر: الجامع الصغير (1/ 134).
(14)
في (ب): (لا يوجب فيه).
(15)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 134).
ويُرَجِحُ الحُكْمُ في حقَّ الخُمس احتياطًا كما في الكنز والحقيقةُ في حقِّ الأربعةِ الأخماسِ حتى كانتْ للواجدِ، أي: حتى كانت الأربعةُ الأخماس للواجدِ سواءً كان ذلك
(1)
الواجدُ حُرًّا، أو عبدًا مُسلمًا، أو كافرًا ذِميًّا، أو صبيًّا، أو بالغًا، أو رجلًا، أو امرأةً في أنه يُؤخذُ منه الخمسُ، والباقي للواجدِ؛ لأنّ استحقاقَ هذا المالِ كاستحقاقِ الغنيمةِ، ولجميعِ مَنْ سميّنا حقٌّ في الغنيمةِ إمّا سهمًا، أو رضخًا
(2)
، فإنَّ الصبيَّ، والمرأةَ، والعبدَ، والذِميَّ.
يرضخُ لهمْ إذا قاتلوا، ولا يبلغُ نصيَبهم السهمَ تحرزًا عن المساواةِ بينَ التابعِ والمتبوعِ، وهاهنا لا يُزاحمُ للواجد في الاستحقاق حتى يعتبرَ التفاضُلَ، فلهذا كانَ الباقي له، والذي رُوِيَ: أنَّ عبدًا وَجَدَ جَرّةً مِنْ ذَهَبٍ على عهدِ عُمَر رضي الله عنه فأدَّى ثمَنهُ منهُ وأعتقَه
(3)
، وجعلَ ما بقيَ لبيتِ المالِ
(4)
، أنُه كانَ وجدَهُ في دارِ رجلٍ، فكانَ لِصاحِبِ الخِطَّةِ
(5)
، فلم يبقَ أحدٌ مِن ورثته فلهذا ُصرِفَ إلى بيتِ المال، ورأى المصلحة في أن يُعطيَ ثمنه مِنْ بيتِ المالِ ليوصل إلى العتق، كذا في "المَبْسُوط"
(6)
.
فإن قلتَ: لو كانَ الموجودُ من العددِ ما دوَنهُ مِنَ النصابِ، والواجُد فقُيرُ ينبغي أنْ لا يجبُ الخمسُ لما أنْ يصَرفَ الخُمسَ الفقيرُ، وهو فقُيرُ كما في اللُّقَطَةِ
(7)
، وكذلك لو كانَ الموجودُ نصِابًا، والواجدُ مديون.
قلتُ: الحديثُ عامٌ، وهو قولُه عليه الصلاة والسلام «في الرِّكَازِ الخُمسُ»
(8)
، وهو يتناولَ الفقيرَ والمديونَ، ولأنه ليسَ يجبُ على الواجدِ، ولكنَ الخمُس صار حقًّا لمصارفِ الخمُس حين وقع هذا في يدِ المسلمين من يدِ أهلِ الحربِ فلا يختلفُ باختلافِ مَنْ يُظهره، كذا في "المَبْسُوط"
(9)
.
(1)
بياض في (أ) وفي (ب)(سواء كان ذلك الواجد حراً).
(2)
الرضخ: العطية القليلة والمقاربة. يُنْظَر تاج العروس (7/ 259)، النهاية في غريب الأثر (2/ 556).
(3)
يُنْظَر: كنز العمال (16881).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 383).
(5)
الخِطّة يراد بها ما خَطّه الإمام حين فتح البلدة وقسّمَها بين الغانِمين. يُنْظَر: المُغْرِب (1/ 260).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 383).
(7)
اللُّقَطَةُ: بفتح القاف اسم الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه. يُنْظَر: المصباح المنير (2/ 557)، المعجم الوسيط (2/ 834).
(8)
سبق تخريجه ص (144).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 391).
فإنْ قلتَ: لو كان الواجدُ ذمِيًّا ينبغي أنْ يؤخذَ منهُ الكُلّ كما لو كانَ حربيًّا؛ لأنهما في الكُفر سواءً، ولا استحقاقَ لهم في الغنيمةِ.
قلتَ: لا بلَ للذمي حقٌ في الغنيمِة، فإنَّ أهلَ الذِّمةِ لو قاتلوا أهلَ الحربِ، فإنُه يوضعُ لهم من الغنيمةِ، فجازَ أنْ يكونَ لهم] حظً
(1)
فيما له حُكُمُ الغنيمةِ، وأمّا الحربيَّ فلا حظَ له فيها سواءً قاتل بإذنِ الإمامِ أو بغيرِ إذنهِ، فإنهٌ لا يُعطَى له مِن الغنيمةِ شيءٌ، وقد ثبت لهذا المالِ حُكْمُ الغنيمةِ، فلذلك يُؤخذُ مِنْ الكُلّ، كذا في مبسوط شيخِ الإسلامِ
(2)
لإطلاق ما روينا، وهو قوله عليه الصلاة والسلام «وفي الرِّكَازِ الخمُس»
(3)
، ولم يُفَصّل بين الأرضِ والدار، ولِأَنَّ المعدِنَ بقي على ما كانَ قَبْلَ القِيمةِ فيما يُرجعُ إلى الخُمس؛ لأنها ليست من أجزاءِ الأرض حقيقةً فصارت كالمدفونِ، ولأبي حَنِيفَةَ رحمه الله أنّ الإمامَ لما جعلها له فقدْ أصفاها له، وقَطَعْ حقَّ الباقينَ عنه فلا يجبُ الخُمس، وكذلك الجوابُ في المعدِن إذا وجدَهُ في أرضهِ في روِاية الزَّكَاةِ من الأصل
(4)
لهذا الفقه الذي ذكرنا، وفرّقَ في "الجامع الصغير"، وفرقٌ مذكور في الكتاب
(5)
ذكرهُ في "الإيضاح"
(6)
(7)
.
(1)
هكذا في (ب) وفي (أ)(خط) ولعل مافي (ب) هو الصواب لموافقته سياق الكلام.
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 391).
(3)
سبق تخريجه ص (144).
(4)
الأصل عند الأحناف هو كتاب المَبْسُوط لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله.
يُنْظَر: عقود رسم المفتي لابن عابدين (ص 19).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 236).
(6)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 253).
(7)
اختلف فقهاء الحنفية في حكم ملكية الْمَعَادِنِ فقال الحنفية: إذا وجد معدن ذهب أو فضة أو حديد أو صفر أو رصاص في أرض خراج أو عشرية أخذ منه الخمس وباقيه لواجده وكذا إذا وجد في الصحراء التي ليست بعشرية ولا خراجية. وأما المائع كالقير والنفط وما ليس بمنطبع ولا مائع كالنورة والجص والجواهر فلا شيء فيها وكلها لواجدها. ولو وجد في داره معدنا فليس فيه شيء عند أبي حَنِيفَةَ وقال الصاحبان: فيه الخمس والباقي لواجده. وإن وجده في أرضه فعن أبي حَنِيفَةَ فيه روايتان: رواية الأصل: لا يجب، ورواية الجامع الصغير: يجب ولو وجد مسلم معدنا في دار الحرب في أرض غير مملوكة لأحد فهو للواجد ولا خمس فيه، ولو وجده في ملك بعضهم فإن دخل عليهم بأمان رده عليهم: ولو لم يرد وأخرجه إلى دار الإسلام يكون ملكا له إِلاَّ أنه لا يطيب له وسبيله التصدق به. وإن دخل بغير أمان يكون له من غير خمس.
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 288)، المَبْسُوط (2/ 385).
وأمّا الجوابُ عن الحديثِ: فإنّ الإمامَ خصّه بهذهِ الدارِ فصاَر كأنَهُ نَقَلَ له هذه الدارَ، وللإمامِ هذه الولاية، ولهذا وَجَبَ الْعُشْرِ، والخراجَ في الأرضِ دونَ الدارِ، والدليلُ على الفرقِ أيضًا أنه لو كانتْ له نخلةٌ في دارِ تغل أكرارًا
(1)
من تمرٍ لا يجبُ فيها شيءٌ، ولو كانتْ] النخلةُ
(2)
في أرضِ عُشّرِيه يجبُ الْعُشْرِ في الثمنِ، فكذلك في حُكْم المعدن، كذا ذكره الإمام الْمَحْبُوبِيّ
(3)
،] وله أنّ مِن أجزاءِ الأرضِ قيِل فيه: نوعٌ نظر من حيثُ إنه يجوزُ التيمم بما كانَ مِن الأرضِ، ولا يجوزُ التيمم به إجماعًا، فكيف يكونُ هذا مِن أجزاءِ الأرضِ؟ قِيل له: إنَه أرادَ بقوله: إنهُ مِن أجزاءِ الأرضِ اتصالُه بها اتصالَ خلقهِ ألا ترى أنّ الْمَعَادِنَ تمُلَكُ بالشِّراءِ، كما كانَ يمَلكُ سائرَ أجزاءِ الأرضِ، وقد خلا سائر أجزاءِ الدارِ عن حقّ الله تعالى، فكذا الْمَعَادِنُ، وهذا بخلافِ الكنز؛ لأنّ الاتصالَ بينَ الكنزِ والدارِ، اتصالَ مجُاورةٍ لاتصالُ خِلْقه، ألا ترى أنه لاُ يملكُ بالشِّراء
(4)
، كذا في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة "
(5)
(6)
وإنْ وجَدَ ركازًا، أي: كنزًا إنما فَسّرهُ بهذا؛ لأِنَ الرِّكَازَ اسمٌ مشتركٌ يُطلق على المعدن وعلى الكنزِ، وأرُيِدَ به الكنزُ هنا؛ لأنُه ذَكَر وجوبَ الخُمس بالاتفاقِ إنما هو في الكنزِ لا في المعدِن، فإنّ وجُوبَ الخُمسِ في المعدنِ الموجودِ في الدارِ على قولهما
(7)
لا على قول أبي حَنِيفَةَ رحمه الله وجبَ الخُمس عندهم، أي: عِنْدَنَا، وعند الشَّافِعِي
(8)
أيضًا لما روينا كانَ مِن حقِّهِ أن يقولَ لسياقِ ما روينا، وهو قولُه عليه الصلاة والسلام فيه «وفي الرِّكَازِ الخمُس»
(9)
.
(1)
الكَرُّ كيل معروف و الجمع (أَكْرَارٌ) مثل قفل و أقفال وهو ستون قفيزا، والمعنى أي يجنى ثمرها.
يُنْظَر: الصِّحَاح (2/ 369)، المصباح المنير (2/ 530)، المُغْرِب (2/ 214).
(2)
سقطت في (ب).
(3)
يُنْظَر: الْبَحْرِ الرَّائِق: (2/ 253).
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 236).
(5)
سقطت في (ب).
(6)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 68)، حاشية ابن عابدين (2/ 321).
(7)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 134)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 253).
(8)
يُنْظَر: الأم (2/ 43).
(9)
سبق تخريجه ص (144).
والمرادُ منِ قوله: فيه أي: في الكنزِ على ما ذكرناه، فكانَ ذِكْرُ الكنزِ مقصودًا هناك، وكانَ التمسكُ به أولى كما تمسكَ به في "المَبْسُوط"
(1)
، أو دِلالةُ الرِّكَازِ على ما ادَّعاهُ المصنفُ مِنَ الكنزِ بسبب دلاِلةُ الرِّكَازِ على الإثبات لا غير، وهو اسمٌ مشتركٌ قد يَدلُ على الكنزِ، وقد يدلُ على المعدنَ، فكان محتملًا كالنصِّ.
وأمّا إرادةُ الكنزِ بسياقِ الحديثِ، وهو فيما تمسكَ به في "المَبْسُوط"، فبدليلٍ غيرِ محتملِ فكان مفُسرًا، فالتمسكَ بالمفسر أولى من التمسك بالنصِّ فإن قلت: ففي ما تمسكَ به المصنفُ رحمه الله في الْكِتَابِ شُبهْةً ظاهرة، وهي أنَه تمسك أولًا بهذا الحديثِ بلفظِ الرِّكَاز على/ وجوبُ الخمسِ في المعدنِ، واستدلَ هاهنا بهذا الحديثِ بلفظِ الرِّكَازِ أيضًا على وُجوبِ الخُمس في الكنزِ والرِّكَازُ اسمٌ مشتركٌ بينهما كما ذكرنا، فحينئذ يلزمُ فيما تمسكَ بهَ المصنفُ تعميمُ المشتركِ، والمشتركُ لا عُموَم له بالاتفاقِ خُصوصًا في مَوْضِعِ الإثباتِ
(2)
فما وجهه
(3)
.
قلت: هذا من قبيلِ تعميمِ المعنى الذي له دلاِلةٌ على هذا، ودلاِلة على مكان أن المدلولين حينئذٍ من أنواعِ العامِ لا منِ أنواعِ المشتركِ، فإنَّ الذَّكرَ يدل على الإثباتِ لغةً على ما ذكرنا من رَكَزَ الرُمح إذا أثبتهُ في الأرضِ، ثُمَّ ذلك النبتُ قد يكون مَعْدِنًا، وقد يكونُ كنزًا حتى لو ذَكرَ المنبتَ مكان الرِّكَاز كان ذلك عامًّا لا مشُتركًا، فكذا في لفظِ الرِّكَازِ لأنهُ عبارةُ عنهُ، ونظيرُ هذا قوله تعالى:{وَذَرُوا الْبَيْعَ}
(4)
في نفسهِ مشترك بين دَفْعِ البيعِ مقابلة الثمنِ، وبين دَفعِ الثمن بمقابلةِ البيعِ، وهما جميعًا في الآية قراران باعتبارِ عموم المعنى الذي يُوجد في هذا وفي هذا، وهو أنَ البيعَ في أصلهِ عبارةٌ عن مُبادلِة المالِ بالمالِ، وهذا المعنى يجمعهما فكانا مرادين وكذلك قوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ}
(5)
، والنكاحُ: مشتركةً بين الوطئ والعَقْدِ، ولكنَّ النِكاحَ لغةً في أصلٍ يدلُ على الجمع، ومعنى الجمعُ يوُجدُ فيها أو يقول: لمَّا دَلّ هذا الحديثَ على واحدٍ منهما بعينهِ، ثبت الحُكَمُ في الآخر بطريقِ الدِلالَةِ لِوُجودِ المعنى الذيِ ورَد النصُّ فيه بعينهِ في الآخر، وهذا المعنى أيضًا مُتَحِدٌ في جميعِ ما ذكرنا فهو بمنزلة اللُّقطةِ
(6)
على الواجد أنْ يُعَرّفَها لأنه عَلِمَ أنّ ذلك مِن وضع المسلمين، ولو وَجَدَ ذلك على وجه الأرض كان لُقطَةً فكذلك إذا وَجَدهُ تحت الأرض وفي اللُّقطةِ يُعرّفُها حيث وجد مَنْ يتوهم أنّ صاحبها يَطلبُها، وذلك يختلف بقلَةِ المالِ، وكثرتُهُ حتى قالوا: في عشرةِ دراهمَ فصاعدًا يُعَرفِها حولًا، وفيما دُونَ الْعُشْرِة إلى ثلاثِة أَشهُرٍ، وفيما دُونَ الثلاثةِ إلى الدرهمِ جمُعةً، وفيما دُونَ الدِّرهَمِ يومًا، وفي فِلْسٍ ونحوه يَنْظُرُ يمنةً، ويسرةً، ثُمَّ يضعه في كفِّ فقيرٍ
(7)
، كذا ذكره الإمامُ المحبوبي، والتمرتاتشي رحمهما الله.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط (2/ 389).
(2)
يُنْظَر: غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر (2/ 149)، التقرير والتحبير (1/ 275).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 236)
(4)
سورة الجمعة الآية (9).
(5)
سورة النساء الآية (22).
(6)
اللقطة: بفتح القاف اسم الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه وهو قول جميع أهل اللغة. يُنْظَر: المصباح المنير (2/ 557).
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 233)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (6/ 121).
[مقدار زكاته]
قوله: ففيهِ الخُمسُ على كلِّ حال، يعني: سواءً كانَ الموجودُ ذَهبًا، أو فِضَةً، أو رصاصًا، أو غيرها، وسواءً كان الواجدُ صغيرًا، أو كبيرًا حُرًّا، أو عبدًا مسلمًا، أو ذميًّا يُرفع عنه الخُمس إِلاَّ إذا كان حربيًّا مستأمنًا، فإنه يُستردُ منه كلّه؛ لأنّ هذا بمنزلةِ الغنيمة ألا ترى أنه يجبُ فيه الخُمسُ، ولا يُترك الحربيَّ يلتحقُ بغنيمةِ المسلمينَ إلى دارٍ الحربِ إِلاَّ إذا كانَ ذلك بإذنِ الإمامِ، وشرطُ مقاطعته على شيءٍ، فله أنْ يفيء بشرطٍ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام «المسلمون عندَ شروطهم»
(1)
غير أنّه إنْ وجدهُ في أرضٍ مملوكةِ، اختلفَ أصحابُنا فِيمَنْ يستحقُ أربعةَ الأخماسِ
(2)
، وإمّا لا خلافَ في وجُوب الخمُس كذا في شرح الطحاوي
(3)
. لما بيّنَا، أي: منِ النصِ والمعقول.
[ما وجد في أرض الإسلام]
(ثُمَّ إنْ وجده في أرضٍ مُباحة)
(4)
، أي: الكنزُ الذي هو على ضَرْبِ أهلِ الجاهلية لما أنّ الكنزَ المضروبَ بضربِ أهلِ الإسلامِ لماَّ كان مُلحقًا باللُّقطةِ لا يتأتَّى في هذا التفريعِ الذي ذكره مِنَ الخمُس، وأربعةِ الأخماس فكذا الحكم عند أبي يُوسُف رحمه الله، أي: الخمسُ للفقيرِ
(5)
، (وأربعةُ أخماسهِ للواجِد)
(6)
مالكًا كان أو غير مَالك.
لأن هذا المال لم يدخلْ تحتَ قسِمةِ الغنائمِ لأن شرط القِسْمة الِعادلة، ولو دخلت لا تتحقق المعادلةُ، وإذا لم يدخلْ تحت القِسمة بقي مُباحًا، فيكونَ لمن سبقتْ يُده إلِيه كما لو وُجِدَ فيِ أرضٍ غيرِ مملوكة] قلنا: إنّا لا نقول: إنّ الإمام يمُلَكُّهُ الكنز
(7)
بالقِسمة، بِل يقطع مزاحمةَ سائرِ الغانمين عن تلك البُقعة وتقريُره فيها وتقريُره في المحلِّ يُوجب ثبوتَ يِده على ما هو موجود في المحل، فصار مملوكًا له بالحيازة بهذا الطريق، كذا في "المَبْسُوط"
(8)
هو للمختط له.
(1)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (14821 - 7/ 249)، والطبراني في المعجم الكبير (4404 - 4/ 275)، وقال الألباني في إرواء الغليل (5/ 207) صحيح.
(2)
اختلف فقهاء الحنفية فيما إذا وجده في أرض مملوكة من تكون له أربعة الأخماس واختلفوا في أربعة أخماسه أنها لمن تكون قال أبو حنيفة ومُحَمَّد: هي لصاحب الخطة وهو الذي ملكه الإمام هذه البقعة أول الفتح إن كان حياً ولورثته إن كان ميتا، وقال أبو يُوسُف: أربعة أخماسه للواجد، كما لو وجده في أرض غير مملوكة.
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 66)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 328)، المَبْسُوط (2/ 383).
(3)
يُنْظَر: شَرْح الطَّحَاوِيِّ (1/ 49).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 237).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(7)
في (ب): (قلنا أن نقول ان الامام لايملكه الكنز).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 388).
[من وهبه الإمام أرضاً فوجده فيها]
(وهو الذي ملّكه الإمام يوم الفتح)
(1)
وإنمَّا سمُيَ ِهو المختط له أو صاحبُ الخط؛ لأنَّ الإمامَ يخط لكل واحدٍ من الغانمين ناحية، ويجعلُ تلك الناحيةَ له فَيُملَّكُ به، أي: بالخصوص، وإن كانت] على الظاهر للوصل
(2)
أي: يدُ الخصوصِ فهذا المجموع لدفع شُبهٍة، أوردَّها شَيْخُ الإسْلَامِ في مَبْسُوطهِ
(3)
.
وهي قولهُ: فإن قيل يَدُ المختطِ لهُ ثابتةٌ من وجهِ، من حيثُ إنّ اليدَ على الظاهرِ به لا على الباطنِ تقديراً، أو باليد] الحكمية
(4)
لا يثبتَ الملكُ كما في حقِّ الغانمين، فإنّ لهم يدًا ثابتةً تقديرًا على ما في الباطن
(5)
، ومع هذا لم يَصْرِ مُلكًا لهم حتى قلنا: إنَّ أربعة أخماسهِ للواجدِ/ إنْ وجدَه في المفازةِ لا للغانمين كذا هنا، قلنا: يُد المختطِ لهُ يدٌ خاصةٌ، واليدُ الحُكمَيةُ إذا كانتْ بهذه المثابة تُفيد المُلكَ في المُباحِ، كما في المعدنِ ألا ترى أنّ تَصَرُّفَ الغازي بعد القِسمةِ نافذٌ، وقَبْلَ القِسمةِ غيٌر نافذٍ كما قلنا.
(ثُمَّ بالبيعِ)
(6)
، أي: يبيعُ الأرضَ التي تحتها كنز لم يخرجْ عن مُلكِهِ بلفظِ التذكير، أي: لم يخرْج الكنزُ عن مُلْكه بدِلالة قوله:] لأنه بالتذكير
(7)
ولم يقل: لأنها حتى يرجعَ إلى الدُّرةِ
(8)
لأنه (مُوْدِعٌ فيها)
(9)
أيْ لأنَّ الكنزَ مُودَعٌ] في الأرض
(10)
(11)
.
وذَكر أبو اليُسر رحمه الله في "الجامع الصغير" في تعليل هذا، فقال: إنَّ صاحبَ الخِطةِ صار مالكًا هذا الكنزَ بتملُكِ الدارِ؛ لأنه بالتملُكِ استولى على هذهِ الدارِ ومَنْ استولى على شيءٍ يصيرُ مستوليًا على ما فيه كِما إذا استولى على جَوالقٍ
(12)
فيها حِنطةُ يصيرُ مستوليًا على الحنطةِ، فصار مستوليًا على ذلكِ الكنز فصار مُلْكًا؛ لأنه كان مُلك الكفارِ، ثُمَّ لمّا أزال الدارَ عن مُلكهِ بالبيع بعد ذلك لا يصيرُ مزيلًا للكنزِ؛ لأنه ليسَ من جمُلةَ الدارِ، والَتملُّكُ منه باستيلائه على الدارِ استولى على ذلك الكنز، ولكنّ ذلك مُلكُ المسلمِ، فلم يَمْلكهُ بالاستيلاء، فبقيَ على مُلْكِه فيكون له
(13)
، ثُمَّ ذَكر شيخُ الإسلام رحمه الله
(14)
في مسألة الدُرّةِ، فقال: في] ظاهر
(15)
الرواية لم يُفَصّلْ بين أن تكون الدُّرَّة مثقوبةً أو غيرَ مثقوبةً، وقِيل: إنْ كانت مثقوبةً لا تدخل في مُلك المشتري؛ لأنها بمنزلة الكنز، وإنْ كانتْ غيرَ مثقوبةٍ يدخل كَمَن اصطاد سمكةً، فوجد في بطنها عنبرًا
(16)
فهو للمشتري؛ لأنّهُ حشيشٌ يأْكُلُه السمك، فيكون تَبعًا له فيدخل، وفي الحيطانِ
(17)
لو كانتْ الدُّرةَ في الصَّدَفِ
(18)
فهي للمشتري؛] لأنَّ السمكَ يأكلُ الصَّدَفَ، وكل ما يأكُله فهو للمشتري
(19)
. لو اشترى جملاً، فوجد في بطنه دِينارًا لم يكنْ له؛ لأنّهُ لا يأكُلُه عادةً، وإنْ لم يعرفْ المختط له، ولا ورثته، ذكر أبو اليسر يُوضَعُ في بيتِ المال
(20)
، وذَكر الإمامُ السَّرَخْسِي
(21)
رحمه الله (يُصرف إلى أقصى مَالِك يعرف في الإسلام)
(22)
كذا في "الجامع الصغير" للإمام التُّمُرْتَاشِي رحمه الله
(23)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 105).
(2)
في (ب): (على الظاهر أن للوصل).
(3)
بحثت عنه في المَبْسُوط لشيخ الإسلام ولم أجده ووجدته في الجامع الصغير (ص 134).
(4)
في (أ)(الحكمي) وفي (ب)(الحكمية) ولعل ما أثبته هو الصواب.
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 388).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 107).
(7)
سقطت في (ب).
(8)
الدُّرْة واحدة الدرر وهي اللؤلوة العظيمة الكبيرة. يُنْظَر: المعجم الوسيط (1/ 279)، المصباح المنير (1/ 191).
(9)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 107).
(10)
في (ب): (مودع فيها).
(11)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 238).
(12)
جوالق وحَوَالق وهو عند العامة شوال. يُنْظَر: المعجم الوسيط (1/ 149).
(13)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع (1/ 503).
(14)
يُنْظَر: الجامع الصغير للشيباني (ص 135).
(15)
في (ب): (هذه الرواية).
(16)
العنبر من الطيب وهو معروف، وسمي به الرجل، والعَنْبَر: الزعفران وقيل الوَرْس والعَنْبرُ: الترس وإنما سمي بذلك لأنه يتخذ من جلد سمكة بحرية يقال لها العَنْبَر.
يُنْظَر: لسان العرب (4/ 603)، المعجم الوسيط (2/ 630).
(17)
الحيطان: قال سيبوية القياس في جمع حائط: حوطان والحائط هو البستان من النخل إذا كان عليه جدار. يُنْظَر: تاج العروس (19/ 231).
(18)
الصَّدِف: محركة وهي غشاء الدر الواحدة. يُنْظَر: القاموس المحيط (1/ 1068).
(19)
سقطت في (ب).
(20)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 322).
(21)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 67).
(22)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 109).
(23)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع (1/ 135).
[إذا وجده في دار حرب وقد دخل لهم بأمان]
(ومَنْ دخل دارَ الحربِ بأمانٍ، فوجَد في دار بعضهم رِكاز)
(1)
، أي: سواء كان معدنًا أو ركازًا، فكذا بخط شَيْخِي
(2)
رحمه الله
(3)
وهكذا في المحيط
(4)
(5)
أيضًا، فقال: والوجه الثاني إذا وجد كنزًا في دار الحرب، ثُمَّ قال: واعلم بأنَّ محمدًا وضعَ هذه المسألةَ في "الجامعِ الصغيرِ"، وفي الأصل في الرِّكَازِ، فقال: مُسلِمٌ دخلَ دارَ الحربِ بأمان، ووجد في دار بعضهم ركازًا ردهُ عليهم
(6)
، وإنْ وجدَهُ في الصحراء، يريد به موضعًا لا يكونُ مملوكًا لأحدٍ كالمفَازةِ فهو لَهُ، ولا شيءَ فيه قال شَيْخُ الإسْلَامِ
(7)
: أراد بالرِّكَازِ في هذه المسألة المَعدِن دُون الكنزِ والقدوري
(8)
ذكر هذه المسألة في شرحه
(9)
، ووضعها في الكنز، وجعل الجواب فيه على نحْوِ ما ذكر مُحَمَّد في الأصل وفي "الجامع الصغير"
(10)
فهذا يبين لك أنّ الكنز، والمعدِن في هذه الصورة واحد، هذا كَّلهُ مِن "المحُيط"
(11)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(2)
هو: برهان الدين، أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الْمَرْغِينَانِي الحنفي، صاحب كتابي (الهِدَايَة) و (البداية) في المذهب، فقيه، فرضي، محدث، حافظ، مفسر، مشارك في أنواع من العلوم، أقر له أهل مصر بالفضل والتقدم، (ت 593 هـ).
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (21/ 232)، الجواهر المضية (1/ 383)، معجم المؤلفين (7/ 45).
(3)
يُنْظَر: الهِدَايَة: (1/ 109).
(4)
المحيط البرهاني؛ لبرهان الدين محمود بن أحمد بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة البخاري، المتوفى سنة (616 هـ) والمحيط البرهاني كتاب مطبوع في الفقه الحنفي، جمع فيه مصنفه مسائل ظاهر الرواية من كتب ظاهر الرواية؛ لمحمد بن الحسن الشيباني وألحق به مسائل النواد والفتاوى والواقعات وضم إليها عدداً من الفوائد. يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1619)، معجم المؤلفين (3/ 796)، الفوائد البهية (ص 336).
(5)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (2/ 232).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 388).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 133).
(8)
هو: أحمد بن مُحَمَّد بن أحمد أبو الحسين القدوري: فقيه حنفي ولد ومات في بغداد. انتهت إليه رئاسة الحنفية في العراق، وصنف المختصر المعروف باسمه (القدوري) في فقه الحنفية. وكَانَ حسن العبارة في النظر، جريء اللسان مديماً لتلاوة القرآن، ومن كتبه (التجريد). يُنْظَر: الأَعْلَام للزركلي (1/ 212) تاريخ بغداد (6/ 31).
(9)
وهو شرح مختصر الكرخي للقدوري، وقد حُقّقّ الْكِتَاب في جامعة الإمام مُحَمَّد بن سعود الإسلامية، المذهب الحنفي (2/ 564).
(10)
يُنْظَر: الجامع الصغير (ص 133).
(11)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 621).
(تحرَزًا عن الغدر) ِ
(1)
قال عليه الصلاة والسلام: «في العُهودِ وفاءٌ لا غدَر»
(2)
، وقال أيضًا:«لِكلِّ غَاْدِرٍ لِوَاْءٌ يعُرفُ بهِ يومَ القيامةِ»
(3)
.
(وإنْ وجده في الصحراء)
(4)
، أي: في الصحراء التي في حَيِّزِ دارِ الحربِ، ولكن ليست بمملوكةٍ لأحدٍ على ما ذكرنا؛ (لأنّهُ ليس في يدِ أحدٍ على الخصوص)
(5)
فإن قِيلَ: يدُهمْ ثابتةٌ على ما وُجِدَ في الصحراءِ، ألا ترى أنَّ المستأمِنَ في دارِنا لو وجد شيئًا من ذلك في الصحراء فلا حَقَّ لهُ فيهِ، وُيؤْخذُ ذلك منه لثبوتِ يدِ المسلمين عليه، فيجب أن يكون كذلك ما وجدهُ المستأمن في دارهِ، قُلَنا: اليدُ على ما في الصحراء إنما تثبت حُكمًا، ودار الإسلامِ دارُ أحكامٍ، فَتُعتَبرُ اليدُ الحكميةُ فيها على الموجودِ فأمَّا دارُ الحربِ دارُ قهرٍ، وليست بِدارِ حُكمٍ، فإنمّا يَعتُبر فيها ثبوتُ اليدِ حقيقةً، وذلك لا يُوجد فيما وجدهُ في الصحراءِ، فيكون سالمًا له، ثُمَّ ما في دارِ الحربِ مُباحُ الأخذِ، وإنما عليه التَّحُرزُ عَن الغدرِ، وأخذِ الموجود في الصحراءِ ليس بَغَدْرٍ في شيء
(6)
، كذا ذَكَرَ السؤال والجواب شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِي في "الجامع الصغير"
(7)
.
(ولا شيءَ فيهِ)
(8)
، أي: لا خمسَ فيه؛ لأنّ الخمُس إنما يجبُ فيما يكون في معنى الغنيمة، وهي ما كان في يدِ أهل الحرب وقع في يد المسلمين بإيجاف الخيل والركاب، ولم يُوجد ذلك في هذا المال، فلا يجبُ الخُمس، بمنزلةِ المتلصصِ في دارِ الحرب إذا أخذ شيئًا مِن أموالهم، وأَحرَزهُ بدار الإسلام بخلافِ الموجودِ في دارِ الإسلام، فإنه كانَ في يدِ أهلِ الحرب ووقعَ في يدِ المسلمين بإيجاف الخيل والركاب، حين افتُتِحَتْ البلدة فلذلك وجبَ فيه الخمسُ.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 109).
(2)
رَوَاهُ أبو داود في سننه كتاب الجهاد، باب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد (2761). والترمذي في سننه، كتاب السير، باب الغدر (1580)، موقوفا عن معاوية، وقال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحه (5/ 472): صحيح.
(3)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الجزية، باب إثُمَّ الغادر للبر والفاجر (3015)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم الغدر (1736). من حديث أنس رضي الله عنه.
(4)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(5)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 109).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 238، 239).
(7)
يُنْظَر: حاشية رد المحتار (2/ 349)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 66).
(8)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 109).
[مسألة الزئبق والْمَعَادِنُ الأخرى]
(فليس في الفَيّرُوزَجِ
(1)
يوُجد في الجبال خُمس)
(2)
إنما قيدَ بقوله يوجد في/ الجبالِ احترازًا عما يوجد هذا وغيره، مما ذَكَرَهُ بعدَهُ عن الزئبقِ
(3)
، واللؤلؤِ
(4)
في خزائنِ الكفَّار، فأُصِيبَ قهرًا فإنه يخُمسُ بالاتفاق؛
(5)
لأنه قال: الغنيمة كسائرِ الأموالِ، إلى هذا أشار في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة "، وكذا صَّرحَ في "الإيضاح"
(6)
،] وقال
(7)
: قال أبو الحسن: وأمّا المدفونُ في هذهِ الأشياء ففيهِ الخُمس كسائرِ أنواع الأموال، لا خمُسَ في الحجر، والفيروزج حجرٌ؛ فإنه لا ينطبعُ ويجوزُ التيمُم به، إِلاَّ أنّ بعضَ الأحجارِ تكون أضوءُ مِن بعضٍ، كذا في جامعي قاضي خان
(8)
، والْمَحْبُوبِيّ
(9)
.
(1)
يُنْظَر: الفيروزج: حجر كريم غير شفاف، معروف بلونه الأزرق كلون السماء، أو أميل إلى الخضرة، ويتحلى به. يُنْظَر: المعجم الوسيط (2/ 330).
(2)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(3)
عنصر فِلزِّيّ فِضِّيّ اللون، سائل في درجة الحرارة العاديَّة، ويتجمد عند درجة أربعين تحت الصفر، وهو المعدن الوحيد السائل الذي يُوجد في الطبيعة منفردًا أو متحدًا بعناصر أخرى مختلفة التركيب، أملاحه سامَّة، ومركباته عديدة، تُستخدم في مختلف الأغراض الصّناعيّة والطبيَّة. يُنْظَر: معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 969).
(4)
اللؤلؤ معروف، ولألأ أضاء ولمع، وقيل هو اضطراب بريقه، وفي صفته عليه الصلاة والسلام يتلألأ وجهه تلألأ القمر، أي: يستنير ويشرق، مأخوذ من اللؤلؤ، يُنْظَر: لسان العرب (1/ 150).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط (2/ 381)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 291).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 239).
(7)
سقطت في (ب).
(8)
هو: حسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز، فخر الدين، المعروف بقاضي خان الأوزجندي الفرغاني: فقيه حنفي، من كبارهم. روى عنه: العلامة جمال الدين محمود بن أحمد الحصيري، أحد تلامذته. بقي إلى سنة تسع وثمانين وخمس مئة، فإنه أملى في هذا العام. له (الفتاوي)، و (الأمالي)، و (الواقعات)، و (المحاضر)، و (شرح الزيادات)، و (شرح الجامع الصغير)، و (شرح أدب القضاء للخصاف) وغير ذلك.
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (21/ 231)، الفَوَائِد البهية (ص 209)، الأَعْلَام للزركلي (2/ 224).
(9)
يُنْظَر: الجامع الصغير (1/ 135)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 185).
وذكر في "المَبْسُوط"
(1)
: لفظ الحديث: «لا زكاةَ في الحجر»
(2)
، ثُمَّ قال: معلومٌ أنُه لم يُرِدْ به إذا كان للتجارة، وإنما أراد به إذا استخرجه مِنَ معدنِه، فكان هذا أصلًا في كلِّ ما هو في مَعناه
(3)
.
وفي الزئبق: الخُمس، الزئبق] بالباء
(4)
فارسي مُعَرّبٌ، وقد أُعْرِبَ بالهَمْزِ، ومنهم مَنْ يقولهُ بِكسرِ الباء يعني: بعد الهمز فُيلْحِقُه بالزِئْبَر، وهو ما يعلو الثوبَ الجديدَ مثل ما يعلو الخز، والضئبل، وهو الدّاهيةُ، كذا في "الصِّحَاح"
(5)
، أي: الزئبق الذي أُصيب في معدِنه ليقع الاحتراز عمّا ذكرنا مما يُوجد في خزائن الكُفّار، فإنّ فيه الخُمس بالاتفاق بلا خِلاف
(6)
ولذلك صّرح في "المَبْسُوط"
(7)
بذلك القيد، فقال: وأمّا الزئبقُ إذا أُصيب في معدنهِ ففيه الخمس في قولِ أبي حَنِيفَةَ، ومُحَمَّد -رحمهما الله- وقال أبو يُوسُف رحمه الله
(8)
: لا شيءَ فيه وحُكِىَ عن أبي يُوسُف: أنّ أبا حنيفةَ رحمه الله كان يقول: أولًا لا شيَء فيه، وكنتُ أقولُ فيه الخُمس، فلم أزلْ بهِ أُناظرهُ، وأقول: إنه كالرَّصاصِ حتى قال: فيهِ الخُمس ثُمَّ رأيْتُ أنّ لا شيءَ فيهِ
(9)
فصار الحاصلُ: أنّ على قولِ أبي حَنِيفَةَ الآخُر، وهو قولُ أبي يُوسُف الأولِ، وهو قولُ مُحَمَّد رحمه الله: فيه الخمس، وعلى قولِ أبي يُوسُف الآخر، وهو قولُ أبي حَنِيفَةَ الأول لا شيءَ فيه قال: لأِنّهُ ينبعُ من عينهِ، ولا ينطبعُ بنفسه فهو كالقيرِ، والنِّفطِ، ووجه قول مَنْ أوجب الخُمس أنه يُستخَرجُ بالعلاج مِن عينه، وينطبعُ مع غيرِه، فكان كالْفِضَّة فإنها لا تنطبعُ ما لم يخُالطْها شيءُ، ثُمَّ يجبُ فيها الخُمُس فهذا مثله
(10)
.
وقال الإمام التُّمُرْتَاشِي: قال أبو يُوسُف: لا يخُمَّس؛ لأنه مُعَيَّنُ بدليل أنه يَستِقي بالدِّلاءِ، فصار كالنِّفط ولهما أنه جوهُر أذابتهُ حرارةُ معدِنه، فصار كما لو أُذِيبَ بالنّارِ، وفي "الْأَسْرَارِ"
(11)
في تعليل أبي يُوسُف؛ لأنه بمنزلة القير، والنفط، أي: هو من جملة المياه، ولا خمس في الماء لتفاهته
(12)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 212).
(2)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (7381 - 4/ 146).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 383).
(4)
سقطت في (ب).
(5)
يُنْظَر: (4/ 1488).
(6)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 67).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط (2/ 385).
(8)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 253).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 385).
(10)
المصدر السابق.
(11)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 67).
(12)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 239).
[مسألة اللؤلؤ]
(ولا خمسَ في اللؤلؤِ)
(1)
تَكَلَّم الناسُ في اللؤلؤ، فقيل: إنّ مطَر الربيعِ يقعُ في الصَّدَفِ فيصير لؤلؤًا فعلى هذا أصلُه مِن الماء، وليس في الماءِ شيءٌ، وقِيل: إنّ الصدفَ حيوانٌ يخُلَقُ فيه اللؤلؤ، وليس في الحيوان شيء وهو نظيرُ ظبيِ المسكِ يوُجد في البئرِ، فلا شيءَ فيهِ، كذا في "المَبْسُوط"
(2)
، لأنّ عمرَ رضي الله عنه أخذ الخمسُ من العنبر
(3)
فإنه رُوِيَ: أنْ يعلى بن أمُية
(4)
كتبَ إلى عُمر بن الخطابِ يسألهُ عَنْ عَنبرةِ وُجِدَتْ على الساحل فكتبَ إليه في جوابٍ: «أنهُ مالُ الله تعالى يُؤتيه مَنْ يشاء، وفيه الخُمس» ، كذا في "المَبْسُوط"
(5)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(2)
انظر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 385).
(3)
أثر عمر رضي الله عنه ذكره السَّرَخْسِي في المَبْسُوط: أن يعلى بن أمية كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأله عن عنبر وجد على الساحل، فكتب إليه في جوابه:" إنه مال الله يؤتيه من يشاء، وفيه الخمس " ا. هـ. وأشار له القاسم بن سلام في كتابه الأموال (2/ 301) باب الخمس فيما يخرج البحر من العنبر، وقال: قد روي عن عمر " أنه جعل فيه شيئا "، وذلك من وجه ليس بالثابت عنه ا. هـ. ولم يذكر له سندا، ثُمَّ ذكر أثرا آخر بسنده إلى ابن عباس، عن يعلى بن أمية، قال:"كتب إلي عمر: أن خذ من حلي البحر، والعنبر: العُشّر "، قال أبو عبيد: فهذا إسناد ضعيف غير معروف، قال ابن الهمام في فَتْحِ الْقَدِيرِ (2/ 237): على أن ثبوته عن عمر لم يصح أصلا، بل إنما عرف بطريق ضعيفة رَوَاها القاسم بن سلام في كتاب الأموال، وإنما الثابت عن عمر بن عبدالعزيز ا. هـ.، وقد رويت آثار عن عمر بن عبدالعزيز تفيد بأنه أخذ من العنبر الخمس.
(4)
يعلى بن أمية بن أبى عبيدة وقيل: زيد بن همام التميمى أبو خلف أو أبو خالد أو أبو صفوان المكى، صحابى مشهور روى له اصحاب الكتب الستة كان حليفا لقريش، أسلم بعد الفتح، وشهد الطائف وحنينا وتبوك مع النبي عليه الصلاة والسلام واستعمله أبو بكر على "حلوان " في الردة، ثُمَّ استعمله عمر على "نجران" واستعمله عثمان على اليمن فأقام بصنعاء، توفي رضي الله عنه سنة 37 هـ.
يُنْظَر: رواة التهذيبين (7839)، تاريخ الاسلام (2/ 551)، الأَعْلَام للزركلي (8/ 204).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 384).
قُلْتُ: هذا الذي ذَكَر يَصّلحُ حُجةً في العنبر لا في اللؤلؤ، ولم يَذّكَر في الْكِتَابِ حُجتَهُ في اللؤلؤ وذَكَرَ في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة ": أنّ السؤالَ عن عُمر كان عنهما جميعًا، فإنُه سُئِلَ عن العنبرِ واللؤلؤِ يُستَخَرجانِ منِ البحر، قال:«فيهما الخمس»
(1)
.
[ما أستخرج من البحر]
والأَولى في الاحتجاج على قوله: ما ذَكَرَهُ في "المَبْسُوط"
(2)
من دليلِ المعقولِ، فإنه يَعُمُّ الكُلَّ فقال: ولِأَنَّ نَفيِسَ ما يُوجد في البحرِ يُعتبرُ بِنَفِيسِ ما يُوجدُ في البرِ، وهو الذَّهبُ والفضة؛ لأَنّ الدنُيا بَرّ وبحر؛ وليس هذا كالسَّمكِ؛ فإنُه صيد ولا خمسُ في صُيودِ البَرّ فكذلك في صُيود البحرِ وأبو حنيفة ومُحَمَّد رحمهما الله استدلا بما رُوِيَ عن ابن عباسٍ أنّهُ قال في العنبر:«أنه شيءُ دُسَرَهُ البحرُ فلا شيءَ فيهِ»
(3)
، وحديث عمُر محمولٌ على الجيشِ دخلوا أرضَ الحربِ فيصيبون] العنبر
(4)
في الساحل وعندنا
(5)
في هذا الخمس؛ لأنّهُ غنيمةُ، ثُمَّ وجوبُ الخُمس] فيما يُوجد
(6)
في البِّر كان لمعنى لا يوجد ذلك المعنى في الموجود في البحر وهو أنهُ كان في يِد أهلِ الحربِ ووقع في أيدي المسلمين بإيجاف الخيل والركاب وما في البحرِ ليس في يدِ أحدٍ قُطً؛ لأنَّ قهر الماءِ يمنع قهرَ غيرِه، ولهذا قال مشايخنا: لو وَجَدَ الذَّهَبَ والْفِضَّة في قُعْرِ البحرِ لم يجب فيه شيء، كذا في "المَبْسُوط"
(7)
(فيما دَسَرَهُ البحر)
(8)
، أي: دفعه، وقذفه من باب طلب، وبه يقول، أيْ: وبوجوب الخمس في العنبر الذي دَسَرَهُ البحر، فلم تبقَ حُجة ًلأبي يُوسُف في حديث عمر] حينئذ
(9)
.
(1)
الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 240).
(2)
يُنْظَر: (2/ 384).
(3)
رَوَاهُ ابن أبي شيبة في مصنفه (10153 - 3/ 142)، وعبدالرزاق في مصنفه (6977 - 4/ 65)، والْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (7843 - 4/ 146). وقد أخرجه الْبُخَارِيُ تعليقا في الزكاة - باب ما يستخرج من البحر. وقال الحافظ في "الفتح" (3/ 362): وهذا التعليق وصله الشَّافِعِي.
(4)
سقطت في (ب).
(5)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 291).
(6)
سقطت في (ب).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 384، 285).
(8)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 109).
(9)
في (أ)(ح) وهي اختصار (حينئذ) كما في (ب).
قلت: لكنْ لا يتمُّ لهما دفع/ قولُ أبي يُوسُف بمطلق ما ذُكِرَ في الْكِتَابِ من دَسْرِ البحرِ الذي يجبُ فيه الخُمس في حديث ابن عباس، كان العنبر مما دَسَره البحرُ أيضًا على ما ذكرت في "المَبْسُوط"
(1)
، ونفى الخُمس عنهُ، فلاُبَّد مِن زيادةِ القيدِ
(2)
الذي [يوَجب الخمس بعد وُجود البحرِ في حديث عمر وهو أنْ يقُالَ: والمرويُّ عن عُمرَ فيما دَسَّرَهُ البحرُ الذي في دارِ الحربِ، فدخل الجيش دار الحرب، فوجدوه على ساحلِ بحر دارِ الحربِ فأخذوه] فكان
(3)
غنيمةً فيجبُ الخمس.
وأما حديثُ ابنِ عباس فَفِيَما دَسَّرهُ البحُر الذي في دار الإسلام وجده واحدٌ من الناس، أو فيما دَسَره البحُر الذي في دارِ الحربِ، لكن أخذُه واحدٌ مِن المسلمين فلا خمُس فيهِ؛ لأنهُ بمنزِلة المتلصصِ، لا كالمجاهدِ وليس فيما أخذهُ المتلصصُ
(4)
خمُسٌ
(5)
.
[تعريف العنبر]
وفي "المَبْسُوط"
(6)
: وقِيل: العنبر نبت] ينبت
(7)
في البحر بمنزلة الحشيش في البِّرِ، وقِيلَ: إنهُ خِثيُ
(8)
دابةٍ في البحر، وليس في أَخْثاءِ الدّوابِ شيءٌ وفي كتابِ المسالك
(9)
العنبر: نباتٌ يكون في قعرِ البحرِ فربما يبتلعهٌ الحوتُ، فإذا استقر في بطنِ الحوتِ لَفَظَهُ لمِرارتِهِ، وما لم يبتلعْهُ الحوتُ فهو الجيد منه
(10)
، وفي "الجامع الصغير" للإمام الْإِسْبِيجَابِي رحمه الله
(11)
: وقد وقعَ الاختلافِ في هذه المسائلِ في أربعة مواضعِ، في ثلاثةٍ منها: مُحَمَّد مع أبي حَنِيفَةَ رحمه الله، وأبو يُوسُف وَحَدَه، أحدها: الكنز إذا وُجِدَ في أرضٍ مملوكةٍ، فهو لِصاحِبِ الخطةِ عندهما وعند أبي يُوسُف رحمه الله للواجد.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 384).
(2)
في (ب): (القيد الذي).
(3)
سقطت في (ب).
(4)
تَلصَّصَ، من اللُّصوصيَّةِ، وتلصص الرجل: إِذا صار لصّاً، تلصَّصَ يتلصَّص، تلصُّصًا، فهو مُتلصِّص.
وتلصَّصَ الشَّخْصُ أي تجسَّس وتسمَّع خفية.
يُنْظَر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (9/ 5978)، معجم اللغة العربية المعاصرة (3/ 2010).
(5)
الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 241).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 385).
(7)
سقطت في (ب).
(8)
الخُثي للبقر والجمع أخثاء مثل حلس وأحلاس وخثي البقر من باب رمى والقى مافي بطنه. مختار الصِّحَاح (1/ 196)، المصباح المنير (1/ 88).
(9)
كتاب المسالك لابي عبيد البكري عبدالله بن عبدالعزيز بن مُحَمَّد البكري الأندلسي، مؤرخ جغرافي، ثقة. علامة بالأدب، له معرفة بالنبات، نسبته إلى بكربن وائل كان إمامًا، لّغويًّا، إخباريًّا، متقِنًا. يُنْظَر: تاريخ الاسلام (10/ 577)، الأَعْلَام للزركلي (4/ 98).
(10)
المسالك والممالك (1/ 200).
(11)
هو: علاء الدين أو بهاء الدين علي بن مُحَمَّد بن اسماعيل السمرقندي الْإِسْبِيجَابِي، المعروف بشيخ الاسلام، لم يكن بما وراء النهر في زمانه من يحفظ مذهب أبي حَنِيفَةَ ويعرفه مثله، عمّر في نشر العلم، وسماع الحديث، تفقه على صاحب الهِدَايَة، له (شرح مختصر الطحاوي)، (المَبْسُوط)(ت 535 هـ)
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 592)، الفَوَائِد البهية (ص 509).
والثاني: هو أنّ المسُتخَرجَ منِ البحرِ لا خمُسَ فيهِ عندهما، وعندهُ فيه الخمس.
والثالث: الزِئبقُ يجبُ الخمس فيه عندهما، وعنده لا يجب.
والرابع: مُحَمَّد مع أبي يُوسُف هو أن المعدِن إذا وجده في الدارِ عند أبي حَنِيفَةَ لا خمسَ فيه، وعندهما يجب الخمس فيه، (مَتاع وُجِدَ رِكازًا)
(1)
، انتصابه على الحالِ، أي: وُجِدَ المتاعُ حالَ كونِه رِكازًا لا حالَ كونِه لُقُطَةً، ولا حالَ كونه موضوعًا في البيتِ، وغيرهما من التقدير؛ لأن الاسَم غيرُ الصفةِ، والمصدر بمنزلتهما في باب الحال، يقول: هذا بُسرًا أطيبُ منه رَطبًا، وإنما أبهَم لفظُ الرِّكَازِ، ولم يفسْرهُ بالكنز، أو بالمعدن، كما كان فسرهُ فيما قَبْلُ لمِا أنّ الكنزَ والمعدنِ لا يتفاوتان في هذا الحُكْمِ، لما أنَّ المسألةَ مفروضةٌ فيما إذا وَجَدَ المتاعُ في أرضٍ لا مالكَ لها، والحكم فيه لذلك كما ذكرنا في الموجود من الذَّهَبِ والْفِضَّة، وإنما ذَكَرَ هذه المسألة بعد ذِكرِ هذا الحُكم في الذَّهَبِ والْفِضَّة؛ ليبينَ أنّ وجوبَ الخُمس لا يتفاوت بين أنْ يكون الرِّكَاز من النقَدين أو غيرهما بخلاف الزكاة؛ فإنها تتفاوت حيثُ لا تجبُ الزكاة في المتاعِ الذي لغيرِ التجارةِ لما أنّ وجُوبَ الخُمس هنا باعتبارِ الغنيمة، وفي اسم الغنيمةِ كلُّ المالِ سواءً بعد أنْ ثبتَ الانتقال مِن أيدي الكفرة إلى أيدي المسلمين بطريق القهر والغلبةُ حقيقةً أو حكمًا
(2)
.
وقال في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة ": والمتاعُ ما يتمتع به في البيت من الرصاص ونحَوْه، أي: ينتفع به، وقيل: المراد به الثياب؛ لأنَّهُ يستمتع بها
(3)
.
قلت: وتفسيرهم بالذَّهَبِ والْفِضَّة مما لا يكادُ يصح؛ لأنه حينئذ يقع مكررًا محضًا مِن غيرِ فائدةٍ في حقِّ الذَّهَبِ والْفِضَّة، ولِأَنَّ لفظ الْكِتَاب بقوله: لأنهُ غنيمةٌ بمنزلةِ الذَّهَبِ والْفِضَّة ينادي بأنّ المراد به غيرُ الذَّهَبِ والْفِضَّة، ولا يلزم أن يكون المَقِيسُ، والمَقِيسُ عليه واحدًا، وهو محُال وقالَ أبو اليسرِ رحمه الله: هذا الحكمُ في المتاعِ فيما إذا عَلِمَ أنهُ للكفار؛ لأنه والذَّهَبُ والْفِضَّة سواء، والله أعلمُ بالصواب
(4)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 109).
(2)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (1/ 540)، وبَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 66).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 241).
(4)
يُنْظَر: المرجع السابق (2/ 241).
باب زكاة الزروع والثمار
المرُادُ بالزَّكَاةِ هنا الْعُشْرِ، فكما سمُيَ آخِذُ الزَّكَاةِ بالعاشِر فيما تقدَّم سُمِيَ الْعُشْرِ هنا بالزَّكَاةِ لما بينهما من المناسبةِ التي يجيء، وقال الإمام بدر الدين] الكردري
(1)
رحمه الله
(2)
: تسميةُ الزَّكَاةِ هنا خرجتْ على قولهما؛ لأنهما يشترطانِ النصابَ والبقاءَ، فكان هو نوعُ زكاةٍ، ثُمَّ إلحاقُ الْعُشْرِ بالزَّكَاةِ، وتأخيرُه عنها ظاهرًا بالإلحاق، فلأن الله تعالى قرنهما في الكتاب، وأَخَّرَ الْعُشْرِ عنها في قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}
(3)
قِيل: المرادُ بالمكسوب: مالُ التجارةِ، وفيهِ بيانُ زكاةِ التجارةِ، والمرادُ مِن قوله: أخرجنا لكمْ مِن الأرضِ الْعُشْرِ، كذا في "المَبْسُوط"
(4)
، ولأنهما من الوظائف المالية، وإنّ وجوبها بالقدرةِ الميسرةِ، وأما التأخيرُ بعدما ثبت بالْكِتَابِ كذلك/ فإنَّ الْعُشْرِ مَؤنة فيها معنى القُرْبِةُ، والقُرْبِةُ فيهِ تابعةٌ، والزَّكَاةُ قربة محَضةٌ، وهي مِن أركان الدِّين فَتُقَدْم العباداتُ الخالصةُ على غيرِها في المواضعِ أَجمع فكذا هنا، والأصلُ في وجوبِ الْعُشْرِ أيضًا قوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}
(5)
، وقال عليه الصلاة والسلام «ما أخرجته الأرضُ ففيهُ الْعُشْرِ»
(6)
(7)
.
الكلامُ في هذا الباب في خمسةِ مواضع:
أحدها:
…
أن الْعُشْرِ واجبٌ، وقال بعض الناس: منسوخٌ؛ لقولِ عليِّ رضي الله عنه: «نَسختْ الزَّكَاةُ كُلَّ صدقةٍ قبلَها»
(8)
، ولنا الأحاديث المشهورةُ مِن قوله:«ما سَقَتْ السماءُ ففيهِ الْعُشْرِ»
(9)
، وغيره.
(1)
في (ب): (الكردي) ولعل ماأثبته هو الصواب لموافقته للقب.
(2)
هو: مُحَمَّد بن محمود بن عبدالكريم الكردري العلامة بدر الدين ابن أخت الشيخ شمس الدين مُحَمَّد بن عبدالستار الكردري، شمس الأئمة، تفقه على خاله شمس الدين الكردري، توفي سلخ ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وست مائة ودفن عند خاله.
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 131).
(3)
سورة البقرة الآية (276).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 2).
(5)
سورة الأنعام الآية (141).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10124 - 3/ 139)، وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 384): حديث غريب بهذا اللفظ.
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 2).
(8)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (18799 - 9/ 262)، والدراقطني في سننه (39 - 4/ 281) وقال: رَوَاهُ المسيب بن شريك، وعتبة بن اليقضان وهما متروكان.
(9)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الزكاة، باب العُشّر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري (1483)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
والثاني:
…
في أنَّ النصابِ هل يُشترطُ نصابُ خمسةِ أَوْسَقٍ أمْ لا؟
والثالث:
…
هل يشُترط البقاءُ أمْ لا؟
والرابع:
…
هل يجبُ الْعُشْرِ فيما لا يَدخلُ تحت الوسقِ؟ عِنْدَنَا يجبُ، وعند الشَّافِعِي: لا يجبُ.
والخامس:
…
في أنّ ما يوجد في الجبالِ التي لا يملكها أحدِ مِن التجارِ هل يجبُ الْعُشْرِ فيه أم لا؟
(1)
.
قوله: (قال أبو حنيفةَ: في قليلِ ما أخرجتهُ الأرضُ، وكثيرة الْعُشْر)
(2)
، فإنّ الأصلَ عند أبي حنيفةَ:] أن
(3)
كُلَّ ما ينبتُ في الجبالِ، ويُقصدُ به استغلالُ الأراضي، ففيهِ العُشّر:
(4)
الحبوبُ، والبُقولُ
(5)
، والرُطابُ
(6)
، والرياحينُ، والوَسْمةُ
(7)
، والزَعفران، والوَرْدُ، والورسَ
(8)
في ذلك سواءٌ.
(1)
في (أ)(قوله) وبياض في ب.
(2)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(3)
سقطت في (ب).
(4)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 59)، الهِدَايَة (1/ 109).
(5)
البقول: جمع بقل والبقل من النبات ماليس بشجر دِقَّ ولا جِلَّ، وفِرْقُ مابين البقل ودِقِّ الشجر: أن البقل إذا رُعي لم يبق له ساق، والشجر تبقى له سوق وإن دقت. يُنْظَر: لسان العرب (11/ 60)، مختار الصِّحَاح (1/ 73).
(6)
الرطاب: الرُّطب جمع رَطْب أراد كل عود رطب فهاج، وأرض مُرْطبة أي معشبة كثيرة الرُّطب وجمعها رِطابٌّ وهي غير البقول.
يُنْظَر: لسان العرب (1/ 419)، مختار الصِّحَاح (1/ 267) المُغْرِب (1/ 332).
(7)
الوَسِمَةُ: بكسر السِّين في لغة الحجاز و هي أفصح من السكون نبت يختضب بورقه و يقال هو (العِظْلِمُ) والاسم (السِّمَةُ) وهي (العَلامَةُ). يُنْظَر: المصباح المنير (2/ 660).
(8)
الوَرْسُ: نَباتٌ كالسّمْسِمِ ليس إِلاَّ باليمن يُزْرَعُ فَيَبْقَى عِشْرينَ سنةً نافِعٌ للكَلَفِ طِلاءً وللبَهَقِ شُرْباً.
ومنه: أورس الرمث وورست الثوب توريسا: صبغته بالورس.
يُنْظَر: القاموس المحيط (ص: 747)، الصِّحَاح (3/ 126).
وهو قولُ ابنِ عباسِ رضي الله عنه وقد رُوِيَ أنهُ حين كانَ واليًا بالبصرة
(1)
أخذَ الْعُشْرِ مِن البقولِ مِن كُلِّ عشرِ دساتجةٍ دستجةٍ
(2)
، كذا في "المَبْسُوط"
(3)
، سواءً سُقِىَ سيحًا، أي: ماءً جاريًا وفي "الصِّحَاح"
(4)
: السيحُ: الماءُ الجاري مِن ساحَ الماءُ سيحًا إذا جرى على وجهِ الأرض وانتصابُه على أنه مفعولٌ ثانٍ مِن سَقَىَ كقوله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا}
(5)
، أو سَقَتْهُ السماءُ، أي: المطر] قال الله تعالى
(6)
: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا}
(7)
، وقال الشاعر:
إذا سقط السماءُ بأرضِ قومٍ يُقاُلُ
…
مازلنا نطأُ السماءَ حتى أتيناكم
(8)
كذا في "الصِّحَاح"
(9)
، إِلاَّ القَصَب
(10)
والمستثنى عنَد أبي حَنِيفَةَ رحمه الله خمسةُ أشياء: السعفُ
(11)
: فإنهُ مِن أغصانِ الأشجارِ، وليس في الشجرِ عُشّر، والتينُ: لأنُه سَاقَ للحَبِّ كالشَّجرِ للثمارِ، والحشيشُ: فإنه يتقي مِن الأرض، ولا يقُصدُ استغلالُ الأراضي به، والطرفاء والقَصَبُ: فإنه لا يقُصد استغلال الأراضي بهما، كذا في "المَبْسُوط"
(12)
(13)
.
(1)
البصرة: وهما بصرتان العظمى بالعراق وأخرى بالمغرب والمراد هنا التي بالعراق، ويقال البصرتان ويراد بهما الكوفة والبصرة، وذكر الشرقي بن القطامي أن المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بها، نظروا إليها من بعيد وأبصروا الحصى عليها، فقالوا: إن هذه أرض بصرة، يعنون حصبة، فسميت بذلك، وذكر أحمد بن مُحَمَّد الهمداني حكاية عن مُحَمَّد بن شرحبيل بن حسنة أنه قال: إنما سميت البصرة لأن فيها حجارة سوداء صلبة وهي البصرة، وقال حمزة بن الحسن الأصبهاني: سمعت موبذ بن اسوهشت يقول البصرة تعريب بس رآه، لأنها كانت ذات طرق كثيرة انشعبت منها إلى أماكن مختلفة، معجم البلدان (1/ 430).
(2)
دستج: (بالفارسية دَسْتَة): مدقة يد الهاون. تكملة المعاجم العربية (4/ 352).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 2).
(4)
يُنْظَر: (1/ 377)
(5)
سورة مُحَمَّد الآية (15).
(6)
سقطت في (ب).
(7)
سورة الأنعام الآية (6).
(8)
يُنْظَر: الأمالي في لغة العرب (1/ 184).
(9)
يُنْظَر: (6/ 2382).
(10)
القَصَب محركة: كل نبات ذي أنابيب الواحدة قصبة وقصباه، وهو الذي كانوا يتخذون منه القلام ويستعمل في البناء، يُنْظَر: لسان العرب (1/ 674).
(11)
السَّعَف جريد النخل وأوراقه وأكثر مايقال إذا يبست، وإذا كانت رطبة: فشطبة. يُنْظَر: القاموس المحيط (1/ 1058).
(12)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 2).
(13)
سقطت في (ب).
وذكر الإمام التُّمُرْتَاشِي رحمه الله: قالَ أبو حنيفة رحمه الله: فيِ كُلِّ ما تنبتُ الأرضُ، ويبتغي به النَّماءُ قليلًا كانَ أو كثيرًا، رَطْبًا كان أو يابسًا يبقى مِن سَنة إلى سنةٍ، أو يبقى بوَسقٍ أو لا، ففيه الْعُشْرِ إنْ سُقِى سَيحًا، وِنصف الْعُشْرِ إنْ سُقِى بغربٍ
(1)
أو دالية
(2)
.
[شروط وجوب الزكاة في الثمار]
(وقالا: لا يجب إِلاَّ فيما له ثمرةٌ باقية إذا بلغ خمسة أوسقٍ)
(3)
(4)
هذه القيودُ ثلاثةٌ قيَّدَ بالثمرةِ احترازًا عن غير الثمرةِ، والثمرةُ اسمٌ لشيءٍ منِ أصلٍ، وقُيّدَ بالباقيةِ احترازًا عن غيرِ الباقيةِ؛ وجدةُ البقاءِ أنْ يبقى سنةً في الغالب من غيرِ معالجة كثيرةٍ، فلذلك يجبُ الْعُشْرِ في الحنطةِ، والشعير، والذّرةِ، وغيرها مِن الحبوب؛ لأنها ثمرة باقية؛ لأنها تبقى سنةٌ مِن غيرِ معالجةٍ، ولا يجبُ في الخوخِ، والتفاحِ، والَسفَرْجَل
(5)
؛ لأنها لا تبقى سنةً إِلاَّ بمعالجةٍ كثيرةٍ، ولاِ يجبُ الْعُشْرِ في الوَسمْةِ، وِإنْ كانتَ مما يبقى؛ لأَنَّ اسمَ الثمرِ لا يُطلَقُ عليها، ويجب في الزعفرانِ، والورسِ، والعُصفُرِ
(6)
؛ لأن اسَمُ الثمرِ ينطلق عليها، ويبقى سنةً، وكذلك يجبُ في الثمرِ، والزبيب؛ لأَنه ثمرةٌ باقيةٌ مِن غيرِ زيادةِ معالجةٍ، كذا في مبسوط شيخ الإسلام
(7)
.
[مقدار النصاب]
(والوسقُ ستونَ صاعًا
(8)
بصاعِ رسول الله)
(9)
عليه الصلاة والسلام، فخمسةُ أَوْسُقٍ ألف ومائتا مُنّ؛ لأن كُلَّ صاعٍ أربعةُ أُمناءِ وقالَ شمس الأئمةِ الحلواني رحمه الله
(10)
: هذا قولُ أهلِ الكوفةِ، وقالَ أهلُ البصرةِ: الوَسقُ ثلاثمائة مُنٍّ
(11)
(12)
، كذا في "المَبْسُوط"
(13)
، و"الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة "، الخضرواتُ: بفتحِ الخاءِ غيرُ الفواكه، التفاحِ، والكُمَثْرَى، وغيرِهما، أو البقولُ كالكراثِ، والكُرّفُسِ، وقد يُقَامُ مقامهما الخضرُ جمعُ خَضْرةٍ، وهي في الأصلِ لونُ الأخضرِ، فسُمِيَ به، كذا في "المُغْرِب"
(14)
.
(1)
الغَرْب: الدلو العظيم. يُنْظَر: المصباح المنير (169)، لسان العرب (1/ 642).
(2)
الدَّالية: دلو ونحوها وخشب يصنع كهيئة الصليب، ويشدّ برأس الدلو، ثُمَّ يؤخذ حبل يربط طرفه بذلك وطرفه بجذع قائم على رأس البئر، ويسقى بها، فهي فاعلة بمعنى مفعولة، والجمع الدَّوَالِي.
يُنْظَر: المصباح المنير (1/ 199)، المخصص لابن سيده (2/ 463).
(3)
يُنْظَر بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(4)
حاشية ابن عابدين (2/ 326).
(5)
السَّفَرْجَلُ: ثَمَرٌ قابِضٌ مُقَوٍّ مُدِرُّ مُشَهٍ مُسَكِّنٌ للعَطَشِ وإذا أُكِلَ على الطعامِ أطْلَقَ وأنفعُه ما قُوِّرَ وأُخْرِجَ حَبُّهُ وجُعِلَ مَكانَهُ عَسَلٌ وطُيِّنَ وشُوِيَ. يُنْظَر: القاموس المحيط (1/ 1312).
(6)
العُصفُر: بالضم نبت يهري اللحم الغليظ، وعصفر ثوبه: صبغه فتعصفر. يُنْظَر: القاموس المحيط (1/ 567).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 142).
(8)
الصاع والصواع بالكسر والضم: الذي يكال به وتدور عليه أحكام المسلمين .. وهو أربعة أمداد، كل مد أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولاصغيرهما، يُنْظَر: القاموس المحيط (1/ 955) تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 518).
(9)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(10)
هو: عبدالعزيز بن أحمد بن نصر بن صالح الحلواني، الملقب شمس الأئمة، من أهل بخارى، إمام أصحاب أبي حَنِيفَةَ بها فى وقته، توفي سنة ثمان أو تسع وأربعين وأربع مائة بكش وحمل إلى بخارى ودفن فيها.
يُنْظَر: لسان الميزان (4/ 24)، الجواهر المضية (1/ 318)، الفَوَائِد البهية (ص 95).
(11)
المنُّ: بالفتح والتشديد جمع أمنان، ويقال له المنا، وهو يساوي رطلان، وجمع المنا أمناء، قال ابن سيده: المن كيل، أو ميزان، وهي أداة وزن تساوي رطلين، والرطل = 12 أوقية، فهو مكيال سعته رطلان عراقيان، أو أربعون أستارا " = 39، 815 غراما. يُنْظَر: لسان العرب (13/ 415)، معجم لغة الفقهاء (1/ 460).
(12)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 242).
(13)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 4).
(14)
يُنْظَر: (1/ 258).
قوله عليه الصلاة والسلام: «ليسَ فيما دونَ خمسةِ أوسقِ صدقةٌ»
(1)
المراد مِن الصدقةِ الْعُشْرِ؛ لأنَّ زكاةَ التجارةِ تجبُ فيما دونَ خمسةِ أوسقٍ إذا بلغتْ قيمتُه مائتي دِرْهمٍ، (فحينئذ)
(2)
، كان الحديثُ نصًّا في المسألةِ، ولأنُه صدقةٌ بدليلِ أنهُ يتعلقُ بنماءِ الأرضِ كالزَّكَاةِ تتعلقُ بنماءِ المالِ، وبدليل أنهُ لا يجبُ على الكافر ابتداءً، ويصُرف مصارِف الصدقاتِ؛ (لأنهمْ كانوا يتبايعون بالأَوْسَاقِ)
(3)
كما وردَ به الحديثُ.
وقيمتُ خمسةِ/ أوسق مائتا دِرْهم
(4)
، وفي "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة": والجواب عما] رَوَيَا
(5)
أنّ الحديثينِ إذا وردَ أحدَهما عام، والآخر خاصٌ، فإنَّ عُلِمَ أنّ العامَ أولَ، والخاصُ آخُر يخصُ العامَ بالخاصِ،
(6)
وإن عُلِمَ أنّ الخاصَ أول، والعامُ آخرُ كان العامُ ناسخًا للخاصٍ، مثالهُ مَنْ قال لعبدِه: أعطِ زيدًا درهمًا، ثُمَّ قال: لا تُعطِ أحدًا شيئًا كانَ القولُ الآخرُ ناسخًا للأول، ولو قال أولًا: لا تُعطِ أحدًا شيئًا، ثُمَّ قال: أعطِ زيدًا درهمًا، كانَ تخصيصًا لزيدٍ منِ ذلك العامِ، وهذا مذهبُ عيسى بن أبان
(7)
مِن أصحابنا رحمه الله، وهو المأخوذ وقال مُحَمَّد بن شُجاع الثلجي رحمه الله
(8)
: هذا إذا عُلِمَ تاريخهما أمّا إذا لم يُعلمْ، فإنهُ يجعلُ العامَ آخرًا لما فيهِ من الاحتياط، وهنا لم يُعلَمْ التاريخُ بينهما وُروْدًا، فيجعلُ العام آخرِا، هذا مجموع ما ذكره الإمامُ الزاهدُ الصفارُ رحمه الله
(9)
، فإن قُلْتَ: الْعُشْرِ يشبهُ الزَّكَاةَ مِن حيثُ إنهُ يُصرفُ إلى أهلِ السهمانِ المذكورين في الزكاة، فيجبُ أنْ يكونَ لماليتهِ عُقودٌ، ونِصابٌ قياسًا على الزكاة
(10)
.
(1)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الزكاة، باب زكاة الورق (1447)، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة. من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (979).
(2)
في (أ)(فح) وهي اختصار (فحينئذ) كما في ب.
(3)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 109).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 4).
(5)
هكذا في (أ) وفي (ب)(عما روينا).
(6)
يُنْظَر: مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 70).
(7)
هو: عيسى بن أبان بن صدقة أبو موسى، من أهل بغداد. فقيه وأصولي حنفي. تفقّه على مُحَمَّد بن الحسن، ولزمه لزومًا شديدًا، وتفقه عليه القاضي عبد الحميد أستاذ الطحاوي، كان حسن الحفظ للحديث، يُنْظَر: الجواهر المضية: 1/ 401)، الفَوَائِد البهية (ص 151)، معجم المؤلفين (8/ 18).
(8)
هو: مُحَمَّد بن شجاع الثلجي، ويقال: ابن الثلجي، أبو عبد الله، البغدادي، الحنفي، من أصحاب الحسن بن زياد، فقيه أهل العراق في وقته، والمقدم في الفقه، والحديث، وقراءة القرآن.
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 60)، الفَوَائِد البهية (ص 171)، شذرات الذهب (2/ 151).
(9)
هو: إسحاق بن أحمد بن شيث بن نصر بن شيث بن الحكم، أبو نصر، الصفار، وقيل: هو أحمد بن إسحاق. فقيه حنفي، من أهل بخارى، مات بالطائف، وكان قد طلب الحديث مع أنواع من العلم.
الجواهر المضية (1/ 142)، الفَوَائِد البهية (ص 14)، معجم المؤلفين (2/ 230).
(10)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 243).
قلتُ: قالَ القاضي الإمامُ أبو زيد رحمه الله
(1)
في "الْأَسْرَارِ": إنّ سببَ وجوبِ الْعُشْرِ الأرضُ الناميةُ للزراعةِ
(2)
حتى جَوَّزَ أبُو يُوسُف تَعجيلَ الْعُشْرِ قَبْلَ النباتِ، فلا يكونُ للخارجِ عفوٌ كما في خراجِ المقُاسمةِ لمِا أنّ الأرضَ عفوٌ لا يجبُ فِيهَا شيءٌ حتى يخرجَ النماءٌ، ولِأَنَّ الزَّكَاةَ تتكررُ في مالٍ واحدٍ، ولو لم يجعلْ لها نِصاباً لأتتْ على المالِ كُلِّهِ، فيفتقُر ربُّ المالَ، وأمّا الْعُشْرِ إذا أخذَ مرةً لا يُؤخذُ ثانيًا، وإنْ تكررتْ السنون، فيبقى الباقي لربِّ المالِ، فكان كالخمسِ، ولِأَنَّ الزَّكَاةَ لا تجبُ إِلاَّ على غني بالمالِ الذي هو سببُ الوجوبِ، وأنهُ لا يوجبُ الغناء ما لم يكن مالًا مُقَدَّرًا، والْعُشْرِ يجب على الفقير، فيجبُ أنْ لا يتعلقْ بقدرٍ معيّن لما أنهُ يجبُ بحقِّ الأرضِ، فيجبُ في القليلِ والكثيرِ كجراحِ المقاسمةِ ولا يُعتبرُ بالمالكي فيه، أي: في الْعُشْرِ حتى وجبَ في أرضِ المكاتبِ، والوقفُ، كذا في "المَبْسُوط"، و"الْأَسْرَارِ"
(3)
.
وذَكَرَ في "المَبْسُوط"
(4)
: وإنْ كانتْ الأرضُ لمِكاتِبٍ، أو صَبيٍّ، أو مجنونٍ وجَبَ الْعُشْرِ في الخارج منها عندنا، وقال الشَّافِعِي رحمه الله
(5)
: لا شيء في الخارجِ من أرضِ المكاتبِ، والْعُشْرِ عنَدهُ قياسُ الزَّكَاةِ لا يجبُ إِلاَّ باعتبارِ المالِكِ، أما عندنا: فالْعُشْرِ مُؤْنةُ الأرضِ الناميةِ كالخراجِ
(6)
، فالمكاتِب فيه، والحُّر سواء، وكذلك الخارجُ منِ الأراضي الموقوفةِ على الرباطاتِ
(7)
، والمساجد يجب فيها الْعُشْرِ عندنا، وعند الشَّافِعِي لا يجبُ إِلاَّ في الموقوفةِ على أقوامٍ بأعيانهم فإنهم كالمُلاكِ، والزكاة غيرُ منفي؛ لأنَّ الخضَرواتِ إذا كانتْ للتجارةِ تَجِبُ فيها الزَّكَاةُ بالاتفاق
(8)
، عُلِمَ أنّ المنفيَ هُوَ الْعُشْرِ، وله ما روينا، وهو قولُه عليه الصلاة والسلام:«ما أخرجتْ الأرضُ ففيهِ الْعُشْرِ»
(9)
، ويرويهما وهو «ليسَ في الخُضرواتِ صدقةٌ»
(10)
محمولٌ على صدقةٍ يأخذُها العاشُر، أي: يأخذ العاشرُ لأجل الفقراءِ عند إباءِ المالكِ عن دفعِ القيمةِ، وهذا هو المنفيُّ عنَد أبي حَنِيفَةَ رحمه الله أي: لا يأخذ العاشرُ مِن عينِ الخضرواتِ عند أبي حَنِيفَةَ رحمه الله
(11)
إذ مر بها على العاشرِ، وهذا معنى قوله: في الْكِتَابِ وبهِ يأخذُ] أبو حنيفة
(12)
فيه؛ أي: ويرويهما بعمل أبي حَنِيفَةَ في حقِّ هذا الحمل الذي حملناهُ عليه لاِ أنْ لا يكونَ الْعُشْرِ فيه.
(1)
هو: هو عبدالله بن عمر بن عيسى الدبوس، أبو زيد. نسبته إلى دبوسية، قرية بين بخارى وسمرقند. من أكبر أكابر فقهاء الحنفية. من تصانيفه:(الْأَسْرَارِ في الأصول والفروع)، و (تقويم الأدلة في الأصول).
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (17/ 521)، الجواهر المضية (1/ 279)، الأَعْلَام للزركلي (4/ 109).
(2)
يُنْظَر: حاشية رد المحتار (4/ 178).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 909)، كشف الْأَسْرَارِ (2/ 511).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي 3/ 7.
(5)
يُنْظَر: الأم (7/ 151)، أسنى المطالب (1/ 369).
(6)
الخَرَاج والخَرْج واحد وهو شيء يخرجه القوم في السَّنة من مالهم بقَدَر معلوم، لسان العرب (2/ 249).
(7)
الرّباطُ: ما رُبِطَ به ومُلازَمَةُ ثَغْرِ العَدُوّ والمُرابَطَةُ: أن يَرْبُطَ كلٌّ من الفَريقَينِ خُيُولَهم في ثَغْرِه وكلٌّ مُعِدٌّ لصاحبِه فَسُمّيَ المُقامُ في الثَّغْرِ رِباطاً. يُنْظَر: القاموس المحيط (861).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط (2/ 370)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 544)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 317).
(9)
سبق تخريجه ص (164).
(10)
أخرجه الترمذي في سننه باب زكاة الخضروات، من حديث معاذ رضي الله عنه (3/ 29) قال الترمذي: إسناد هذا الحديث ليس بصحيح، وليس يصح في هذا الباب عن النبي عليه الصلاة والسلام شيء، وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي عليه الصلاة والسلام مرسلا، والعمل على هذا عند أهل العلم؛ أن ليس في الخضروات صدقة، وقد حكم عليه الشيخ الألباني بالصحة، صحيح وضعيف سنن الترمذي (2/ 138).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 370)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 544).
(12)
في (أ)(أبو ح) وهي اختصار (أبو حنيفة) كما في ب.
[الزكاة في الخضروات]
وفي مبسوطِ شيخِ الإسلام
(1)
: قال أبو حنيفة رحمه الله: إنّ العاشَر لا يأخذُ مِن عينِ الخضُرواتِ إذا مرّ] عليه
(2)
بها، وما لا يأخذ العاشُر منها قياسًا على سائر الأموال، وله أنَّ الأخَذَ يثَبُتُ نظرًا للفقراءِ، ولا نظَر هَاهُنا؛ لأنّ العاشَر في الأغلبِ] يكونُ
(3)
نائبًا عن البلدِ، ولا يجدُ فقيرًا ليؤدي إليه فيحتاجُ أنْ يبعثَ بها إلى البلدةِ، ومتى بعثَ ربما يفسدُ قبلَ الوصولِ إلى الفقراءِ، فيؤدي إلى الضرر فلا يأخذُ، بلْ يؤديهِ بنفسهِ، فإنْ قيِل: ينبغي أنْ يأخذَ دراهَم أو دنانيرَ بدلًا عنها كما يأخذُ مِن قيمةِ الخمسِ عند تعذرِ أخذِ العين، قلنا: له ذلك إذا أعطاهُ، ولا كلامَ فيهِ، وأما إذا أبى، وقال: أَعطيكَ مِن النِّصابِ، فيقولُ: لا يُأخذُ مِن النصابِ بخِلافِ قيمة الخمرِ؛ لأنهُ تَعيّنَ أَخْذُ قيمةِ الخمرِ؛ لأنَّ الخمرَ غيرُ متقومٍ في حقِّ العاشرِ ولا كذلك هنا؛ لأنّ الخضرواتِ مالٌ متَقومٌ في حقِّ الكُلِّ فإنْ قِيل: ينبغي أن يُأخَذَ، ويُصرفَ المأخوذُ إلى عمالِته.
قلنا: عند أبي حَنِيفَةَ رحمه الله لواحد ليصرف إلى عمالتِه كان له الأخذ، وإنما لا يأخذُ إذا أرادَ الصّرْفَ إلى الفقراءِ، ولِأَنَّ الأرضَ قد تُسْتَقَى بما لا يَبَقَى، بل الإستِنماءُ بالخُضَرِ فوق الإستِنماءِ بالحِنطةِ والشعيرِ/ لأِنَّ نفعَ هذه الأشياءِ أعظمُ، ألا ترى أنّ محمداً رحمه الله وَضَعَ الخراجَ على الكَرْمِ أكثرَ مما وضعَ على المزارع لما] قلنا
(4)
: إنّ نفَعه] أعظمُ
(5)
، كذا ذكره فَخْرُ الْإِسْلَام رحمه الله.
والسببُ: هو الأرضَ الناميةُ -هذه الجملة جملة حالية- والعاملُ فيها يُسَتَنَمي معنى، والحالُ أنّ السببَ هوَ الأرضُ الناميةُ، وهي موجودةٌ، فلو لمْ يجبْ الْعُشْرِ فيما لا يبقىَ يلزمُ إخلاءُ السبب عن الحُكمِ في مَوْضِعٍ يحتاط في إثباتِ ذلك الحُكم، وهو لا يجوز فلهذا يجبُ فيه الخراجُ، أي: فيما لا يبقى مِن الخارجِ كالخضرواتِ، أو في الأرضِ الناميةِ بالخارجِ الذي لا يبقى على تأويل المكان، أمَّا قَصَبُ السُّكَرِ: ففيه الْعُشْرِ
(6)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 161).
(2)
سقطت في (ب).
(3)
سقطت في (ب).
(4)
سقطت في (ب).
(5)
في (ب): (أبلغ).
(6)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 57).
قال شَيْخُ الإسْلَامِ في مبسوطه:
(1)
وقَصَبُ السّكُرِ
(2)
إنْ كان يخرجُ منه العسلُ يجبُ فيه الْعُشْرِ، وإنْ كان لا يخرجُ منه العسلُ كالقصبِ الفارسيِّ لا يجبُ فيه الْعُشْرِ، قيل: إنما لا يخرجُ منه العسل إذا يَبُسَ، وقصبُ الذّرةِ نوعٌ مِن القصبِ في مُضغة حرافهِ، ومسحوقهِ عطر يُؤتَى به مِن الهند، وإنما سمُيَ بها؛ لأنها تُجَعل ذرّة ذرّة، ويُلقَى في الدواء، وكذا وُجِدَتْ بخطِ شَيْخِي رحمه الله (بخلاف السَعَفِ والتبنِ)
(3)
، السعفُ: وَرَقُ جَريدَ النخلِ الذي يُتخذ منه [الزنبيل]
(4)
، والمراوح
(5)
.
وعن الليثِ رحمه الله
(6)
: أكثُر ما يُقالُ له: السَّعَفُ إذا يَبُسَ، وإذا كانتْ رَطْبةً فهي الشِطْبَةُ، وقد يُقالُ للجريدِ نفسهِ: سَعَفٌ، والواحِدُ سَعْفَةٌ
(7)
، فإنْ قُلتَ: ينبغي أنْ يجبَ الْعُشْرِ في التِّبْنِ؛ لأنهُ كانَ واجبًا وَقْتَ كَوْنِ الزرعِ قَصَبًا، والتبنُ: هو الفصيلُ، ذاتًا إِلاَّ أنه زادت فيه اليَبوسةُ، وبها لا يتغيرُ الواجبُ، قُلْتُ: إَنما لا يجبُ الْعُشْرِ في التِّبنِ؛ لأنّ الْعُشْرِ كان واجبًا قَبْلَ إِدراكِ الزّرع في الساقِ حتى لو فُصِلَ يجبُ الْعُشْرِ في الفَصِيلِ، فإذا أدركَ تحَوَّلَ الْعُشْرِ منِ الساقِ إلى الحّبِّ كما تحوّلَ الخَراجُ مِن المكَنَةِ عنَد التَعطيل إلى الخارج عنَد الخروج
(8)
؛] لأنّ المقصودَ الحبُّ والتمرُ دونهما، أي: لأن المقصود الحبُّ والتمرُ لا السعفُ والتبنُ، فإنهما ليسا بمقصودين، الغرب: الدّلو العظيمةُ
(9)
والدّاليةُ المنجنون تديرها البقرةُ، والناعورةُ تديرُها الماءُ مِن دَلَوْتُ الدَّلْوَ عنها، كذا في "الصِّحَاح"
(10)
، وذَكُر في "المُغْرِب"
(11)
: الدالية: جُذْعٌ طويلٌ تُركَبُّ تركيبَ مذاقِ الأرزِ، وفي رأسِهِ مِغَرفةُ كبيرة يستقى بها على القولين، أي: على حَسَبِ اختلافِ القولينِ فيما يُستنمى مِن عدمِ اشتراطِ النصابِ، وبقائِهِ أو اشتراطهما؛ لأنّ المؤنة تكثُر فيه، ونُقِل فيما يُستقى بالسّماءِ، ذَكر في "المَبْسُوط"
(12)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 162).
(2)
السُّكَّر فارسي مُعرَّب وعُصَارة قَصَب السُّكَّر تسمى القَنْد والقِنْدِيد. يُنْظَر: المخصص لابن سيده (1/ 444).
(3)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 109).
(4)
الزبيل معروف، فإذا كسرته شددت فقلت زبيل أو زنبيل يصنع من جريد النخل. يُنْظَر الصِّحَاح (4/ 1715).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 245)
(6)
هو: الليث بن سعد بن عبدالرحمن الفهمي، بالولاء، أبو الحارث. إمام أهل مصر في عصره حديثًا وفقها. أصله من خراسان، ومولده في قلقشندة، ووفاته بالفسطاط. كان من الكرماء الأجواد. وقال الشَّافِعِي: الليث أفقه من مالك، إِلاَّ أن أصحابه لم يقوموا به. يُنْظَر: تاريخ دمشق (50/ 341)، و (تقريب التهذيب: ص 817)، لسان الميزان (7/ 347).
(7)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق: (3/ 442).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 245)
(9)
سقطت في (ب).
(10)
يُنْظَر: (6/ 2339)
(11)
يُنْظَر: (1/ 293).
(12)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 6).
[العلة في تحديد العُشّر]
وعلّلَ بعضُ مشايخنا بِعلَةِ المؤنةِ فيما سقْتهُ السماءُ، وكثُرتْ للمؤنة فيما سقى بغربٍ أو داليةٍ، فقالوا: الكثرةُ المؤنة تأثيرٌ في نُقصانِ الواجبِ، وهذا ليس بقويِّ، فإنّ الشَرْعَ أوجبَ الخُمس في الغنائِم، والمؤنة فيها أعَظَمُ منِها في الزِراعةِ، ولكنّ هذا تقديرٌ شرعيٌّ فتِبُعُه، ويعتقدُ فيه المصلحةَ، وإنْ لم تقفْ عليها، وإنْ سقىِ سيحًا وبداليةٍ، وإنما ذكر المعطوف بالياء دونَ المعطوفِ عليه لما أنّ السيحُ اسمٌ للماءِ دون الداليةِ،] فإن الدالية: آلةُ الاستقاءِ، فلا يَصحُّ أنْ يقُالَ: وإنْ سقى داليهً؛ لأنّ الداليةَ
(1)
غيرُ مَسْقية، بلْ هي آلةُ السقي فلذلك ذكرها بالياء؛ لأنُه لا يمكنُ التقديرُ الشرعي، وهو الوَسَقُ فيهِ، أي: فِيما لا يُوسَقُ كالزعفرانِ، والقطنِ الإحمالِ
(2)
- جمع حمِلٍ بكسر الحاء - كذا في "المُغْرِب"
(3)
؛ لأنّ التقديرَ بالوَسَقِ كان باعتبار أنه أعلى ما تُقَدَّرُ به؛ لأنّ الوَسَقُ أقصى ما يُقْدرٌ من معياره؛ لأنه يقدر أولًا بالصياع، ثُمَّ بالكيلِ، ثُمَّ بالوسقِ، فكان الوَسَقُ أقصى ما يُقَدَّرُ مِن معيارهِ، وأقصى ما يُقدَّرُ في السُّكر، والزعفرانُ إنما هَو المُنّ؛ لأنهُ تُقَدَرُ أولًا بالسنجاتِ
(4)
، ثُمَّ بالأساتيرِ
(5)
، ثُمَّ بالمَنَّ
(6)
فكان المَنُّ أَقصى ما تقدرُ به الزعفرانَ مِن معيارِه في العَسَل الفِرقُ، وفي القُطْنَ أقصى ما يقدر به الحِمْل؛ لأنه لا يقدر بالسنجات، وإنما يقدر بالأسانينِ، ثُمَّ بالحمل فكان الحمل أعلى ما تَقُدْرُ به القِطْنُ، كذا في مبسوط شَيْخُ الإسْلَامِ
(7)
، وفي العسل إذا أخذ من أرض الْعُشْرِ، وإنما قُيِّدُ بأرضِ العُشّر؛ لأنه إذا كان في أرضِ الخراجِ فلا شيءَ فيهِ لا خراجَ، ولا عُشر كما تبين
(8)
.
(1)
سقطت في (ب).
(2)
الحِمْل بالكسر مايحمل على الظهر ونحوه والجمع أَحْمَال وحُمُول، يُنْظَر: المصباح المنير (1/ 151).
(3)
يُنْظَر (1/ 293).
(4)
سَنْجَةُ الميزان معرب و الجمع (سَنَجَاتٌ) مثل سجدة وسجدات ويقال (صَنْجَةُ) الميزان بالصاد والسين أعرب وأفصح فهما لغتان. يُنْظَر: المصباح المنير (1/ 291).
(5)
الأستار وزن أربعة مثاقيل ونصف، والجمع الأساتير. يُنْظَر: الصِّحَاح (2/ 240).
(6)
المنُّ: بالفتح والتشديد جمع أمنان، ويقال له المنا، وهو يساوي رطلان، وجمع المنا أمناء، قال ابن سيده: المن كيل، أو ميزان، وهي أداة وزن تساوي رطلين، والرطل = 12 أوقية، فهو مكيال سعته رطلان عراقيان، أو أربعون أستارا " = 39، 815 غراما، يُنْظَر: لسان العرب (13/ 415)، معجم لغة الفقهاء (1/ 460).
(7)
بحثت عنها في مبسوط شيخ الإسلام الشَّيْبَانِيّ رحمه الله ولم أجدها ووجدتها في الجامع الصغير ص (130).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 246).
وقِيلَ في المنِّ: تسقط] الْعُشْرِةُ
(1)
على الفواسح في أرض إنسانِ الْعُشْرِ، وفيهِ نَظَرٌ؛ لأنّهُ اتفاقي، كذا ذكرهُ الإمامُ التُّمُرْتَاشِي رحمه الله فأشبه الإبريسمِ، أي: فأشبه الإبريسمَ الذي يكونُ من دُوْدِ القَزِّ؛ وذلك لأنّ العسلَ نِزُل طائرٍ فَسَكنَ الأرضَ كِفراخِ الحمامِ، وليس بنزلٍ خارج من الأرض، والْعُشْرِ إنما وَجَبَ/ مما تخرجُهُ الأرضُ، ولنا ما رَوَىَ عبدُ الله بنُ عمرو بن العاص رضي الله عنه: «أنّ بني شبابةَ قومٌ مِن جُرْهم كانتْ لهم] نحلٌ
(2)
عسّالةٍ يؤُدون إلى رسولِ الله عليه الصلاة والسلام مِن كُلِّ عشرِ قُربٍ قِرّبَة، وكانْ يحمي لهم واديهم، فلما كانَ في زَمنِ عُمرَ رضي الله عنه استعملَ عليهم سفيانَ بنَ عبدِ الله الثقفي رضي الله عنه، فأَبَوا أنْ يُعطوهُ شيئًا، فكتب في ذلك إلى عمر، «فكتبَ إليه عمرُ أنّ النحلَ ذبابُ غيثٍ يسوقهٌ اللهُ تعالى إلى مَنْ شاء. فإنْ أدَّوا إليكَ مَاْ كانوا يُؤدُونَهُ إلى رسولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام فاحمِ لهم واديهم، وإِلاَّ فخلِّ بينهما وبينَ الناسِ، فدفعوا إليه الْعُشْرِ»
(3)
.
وعن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه «أنَّ النبَّي عليه الصلاة والسلام كتَب إلى أهلِ اليمنِ في العسلِ الْعُشْرِ»
(4)
، والمعنى: فيهِ أنّ حديثَ النحلِ يأكلُ مِن أنوارِ الشجرِ
(5)
وثمارهاِ.
كما قال الله تعالى: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}
(6)
وما يكونُ منها العسلُ مُتَولِدُ مِن الثمارِ، وفي الثِّمارِ إذا كانتْ في الأرضِ الْعُشْرِيةِ الْعُشْرِ، فكذا فيما يتولد فيها، ولهذا لو كانتْ في الأرضِ الخراجيةِ لم يكنْ فيها شيءٌ فإنهُ لِيس في ثمارِ الأشجار النابتةِ في أرضِ الخراج شيءٌ، وِبهذا فارقْ (دُودَ القَزِّ فإنهُ يأكلُ الورقَ)
(7)
، وليس في الأوراقِ شيءٌ فكذلك ماَ يَتولّدُ منها، ولِأَنَّ الأراضيَ يُسْتَنَمى في بلادِ العسلِ باتخاذِ الخلايا، فالتَحقَ النماءُ بالعسلِ بالنماءِ الخارجِ من الأرضِ بالعُرفِ، والعادةُ بخلافِ بُرجِ الحمامِ، فإنهُ يبنى مروة استنماءِ الأرض، كذا في "المَبْسُوط"، و"الْأَسْرَارِ"
(8)
.
(1)
سقطت في (ب).
(2)
سقطت في (ب).
(3)
رَوَاهُ أبو داود في سننه (1602)، كتاب الزكاة، باب زكاة العسل. والنسائي في سننه (2499)، كتاب الزكاة، باب زكاة النحل، وأحاديث وجوب العُشّر في العسل لاتبلغ درجة الصحة كما حكم بذلك الإمام الْبُخَارِيُ ونقله الزيلعي في نصب الراية (2/ 391) وقال العقيلي (أمّا زكاة العسل فلم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام شيء، وإنما يصح عن عمر فعله أ هـ.
(4)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (7708 - 4/ 126) وقال: قال الزعفراني: قال أبو عبد الله الشَّافِعِي: الحديث فى أن فى العسل العُشّر ضعيف.
(5)
المراد أَنَّ النَّحْلَ إِنما يَرْعَى أَنْوارَ النَّباتِ وَمَا رَخُصَ مِنْهَا ونَعُمَ. يُنْظَر: لسان العرب (1/ 382).
(6)
سورة النحل الآية (69).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 110).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 391)، وكشف الْأَسْرَارِ (4/ 489).
قُلتَ: الذي ذكرته أنَّ العسلَ إذا أُخِذَ مِن أرضِ الخراجِ لا شيءَ فيه لاِ عُشر، ولا خراج، هو روايةُ مبسوطِ شمسِ الأئمةِ السَّرَخْسِي رحمه الله
(1)
، ولكنْ ذكر في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة "، ولا يُقال: بأنّ العسلَ لو كانَ مِن إنزالِ الأرض، وَجَبَ أنْ يجبُ فيهِ الخراجُ إذا كان في أرضِ الخراجِ، ثُمَّ قال: لِأنَّا نُقول: إنما يجبُ أنْ لو كان الإنزالُ محلًا لإيجابِ الخراج، وليس كذلك؛ لأِنّ الخراجَ إنما يجبُ في الذمةِ، ولا كلامَ فيهِ إنما الكلامُ في الوجوبِ فيه، وقولُ مُحَمَّد في الكتابِ:(وإنْ كانَ في أرضِ الخراج، فلا شيءَ فيه)
(2)
أيْ لا شيء في العسلِ، ولكنْ يجبُ الخراج ُباعتبارِ التمكُّنِ مِن الاستنزالِ، فكذا ذكره شيخُ الإسلام
(3)
.
[زكاة العسل]
وإذا وَجَبَ الخراجُ في الأرضِ، لم يجبُ الْعُشْرِ في العسلِ تحَرزًا عن الجمع بين الْعُشْرِ، والخراج، كذا في "الفوائد"
(4)
، ولهذا الاختلافُ في الروايةِ أبهم المصنِّفَ في الْكِتَابِ ذكرها إذا كانَ العسلُ في أرضِ الخراجِ لحديث بني شبابة، وفي بعض النَّسخ بني سيارة، بنو شبابة قومٌ بالطائفِ منِ خثعم
(5)
، كانوا يتخذون النحلُ حتى نُسِبَ إليهم العسل فِقيل: عَسلٌ شبابي، وشبّابه تصحيف، كذا في "المُغْرِب"
(6)
، ومنه لفظُ النوافعِ كان عَصٌر شبابي أحلى من العسل الشباني، (أنه تُعتبر فيه القيمةُ)
(7)
كما هو أصله، (أي: قيمةُ خمسة أوسق)
(8)
مِن أدنى ما يُوسق، لا شيءَ فيهِ (حتى يُبلغَ عشَر قُرَبٍ)
(9)
، كُلُّ قُرَبةٍ خمسونَ مِن كُلِّ فِرَق ستة وثلاثون رطلاً
(10)
(11)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (2/ 390).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 110).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 154).
(4)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 62).
(5)
خَثْعَم قبيلة من اليمن، من ولد خثعم بن أنمار بن أراشة بن عمرو بن الغوث بن نبت بن زيد بن كهلان بن سبأ الأكبر، ويقال إِنما سمي خثعم بجمل له اسمه خثعم، فكان يقال: ارتحل آل خثعم.
يُنْظَر: شمس العلوم (3/ 1721).
(6)
يُنْظَر: (1/ 430).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 110).
(8)
المصدر السابق.
(9)
المصدر السابق.
(10)
الرطل بفتح الراء وكسرها وهو ثنتا عشر أوقية بأواقي العرب، والأوقية أربعون درهماً، فذلك أربعمائة وثمانون درهماً، وجمعه أرطال، يُنْظَر: لسان العرب (11/ 285).
(11)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 248).
ذكَر المطرزي في "المُغْرِب"
(1)
: الفَرَقُ بفتحتين: إناءٌ يأخذ ستة عشر رطلًا، وذلك ثلاثةُ أَصْوُعٍ، هكذا في "التهذيب"
(2)
عن ثعلبَ، وخالد بن يزيد
(3)
. قال الأزهري
(4)
: والمحدثون على السكون، وكلامُ العربِ على التحريك في "الصِّحَاح"، الفَرَقُ مِكْيالٌ معروف بالمدينة، وهو ستةَ عشَر رطلًا، قال: وقد يحُركُ، ثُمَّ قال المطرزي: قلت: وفي نوادرٍ
(5)
هشام [عن مُحَمَّد رحمه الله (الفرقُ ستةٌ وثلاثون رطلًا)
(6)
، ولم أجد هذا فيما عندي من أُصول اللَّغةِ
(7)
. وذكر في شرح الطحاوي: (كُلُّ فَرْقٍ ستة وثلاثون رطلًا)، وهي ثمانيةَ عشرَ قِنًّا، فيكون جمُلتُه تسعين قنًا.
[زكاة القطن]
وفي القِطْنِ: يجبُ في خمسةِ أَحمالٍ كُلّ حِملٍ ثلاثُ مائة قِنٍّ فيكونُ جملتهُ ألفًا وخمسمائة. أن المقصودَ حاَصلٌ وهو الخارجُ، ولا مُعتبر بِكونِ الأرضِ مملوكةً له بدليلِ وجوبِ الْعُشْرِ على] المستعير إذا زُرَعَ، وإنْ لم تكنَ الأرضُ مملوكةً له لما أنّ الخارجَ سَلِمَ لهُ مِن غيرِ عِوضٍ كذا هنا، ووجهُ الرِواية
(8)
عن أبي يُوسُف، والحسن بن زياد
(9)
: أنهُ مباحٌ، ولا شيءَ في المُباح: كالصيدِ والحشيشِ.
(1)
يُنْظَر: (2/ 134).
(2)
يُنْظَر: (3/ 211).
(3)
هو: خالد بن يزيد يروي عن العرباض بن سارية، روى عنه سفيان بن حسين.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (6/ 264)، التاريخ الكبير (3/ 161)، الجرح والتعديل (3/ 357).
(4)
هو: مُحَمَّد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة بن نوع الهروي أبو منصور أحد الأئمة في اللغة والأدب. مولده ووفاته بهراة، نسبته إلى جده الأزهر، عني بالفقه فاشتهر به أولا، ثُمَّ غلب عليه التبحر في العربية. فرحل في طلبها. وقصد القبائل، وتوسع في أخبارهم. وقع في إسار القرامطة، من مصنفاته:(تهذيب اللغة)، و (الزاهر في غريب ألفاظ الشَّافِعِي التي أودعها المزني في مختصره). (البلغة في تراجم أئمة النحو: ص 59).
(5)
زيادة في (ب): (هشام).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 110).
(7)
يُنْظَر: المُغْرِب (2/ 133، 134)
(8)
بياض في (ب) وسقط مابين القوسين.
(9)
هو: الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، أبو علي: قاض، فقيه، من أصحاب أبي حَنِيفَةَ، أخذ عنه وسمع منه، وكان عالما بمذهبه بالرأي. ولي القضاء بالكوفة سنة 194 هـ، ثُمَّ استعفى. نسبته إلى بيع اللؤلؤ. وهو من أهل الكوفة، نزل ببغداد، توفي سنة 204 هـ. من كتبه:(أدب القاضي)، و (معاني الايمان)، و (النفقات)، و (الخراج)، و (الفرائض)، و (الوصايا)، و (الأمالي).
يُنْظَر: تاريخ بغداد (7/ 314)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (9/ 543)، الأَعْلَام للزركلي (2/ 191).
[أجرة النقل]
(وكُلُّ شيءٍ أخرجتُه الأرضَ مما فيهِ الْعُشْرِ لا يُحتسبُ أجرُ الحمال ونفقةُ البقر)
(1)
فكان منِ حِّقهِ أنْ يقولَ: الْعُشْرِ أو نِصف الْعُشْرِ؛ إذ الواجبُ أحدُ هذين في أحد هذين على ما جاءَ في الحديث: ما سقتهُ السماءُ ففيهِ الْعُشْرِ، وما سُقِي بغرب، أو دالية ففيه نِصْفُ الْعُشْرِ
(2)
[وفي رواية لأنس عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «في كُلِّ ما أخرجته الأرضُ ففيه الْعُشْرِ، أو نِصْفُ الْعُشْرِ»
(3)
(4)
[.
قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله
(5)
في "كشفِ الغوامضِ"
(6)
:/ إنما ذَكَرَ أبوُ حنيفةَ رحمه الله ذلك تسميةً للشيءِ بأغلبِ الاسمين؛ لِأنّ وجَوبَ الْعُشْرِ في بلادِ المسلمين أكثر؛ إذ الأراضي التي تسقيها السماءُ، أو تُسَقَى سَيّحًا أكثر، وما سُقِي بالدّوالي، والسّواقِي أقل، ونظيرُه العمرانُ؛ لأنّ وِلاية عَمر كانتْ أحدُ
(7)
مِن وِلاية الصديقِ رضي الله عنه، كذا في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة
(8)
"
(9)
.
لا يحَتسبُ فيه أجُر العمّالِ، ونفقهُ البقر، أي: لا يرفعَ المؤنة مِن الْعُشْرِ مِثَل أجرِ العُمّالِ، وكَرَىَ الأنهار وغير ذلك أي: لا يُقال بعدم وجوبِ الْعُشْرِ في قدرِ الخارج الذي بمُقابلةِ المؤنةِ مِنُ حيثُ القِيمةِ، بل يجبُ الْعُشْرِ في كُلِّ الخارج، ومِنِ الناسِ مِنْ قال: يجبُ النظرُ إلى قدرِ قِيم المؤنِ منِ الخارج، فيسلم ذلك القدْرِ بلا عشر، ثُمَّ يَعْشُر الباقي؛ لِأنَّ قدرَ المؤن بمنزلة السَّالمِ لهُ بعوضٍ كأنهُ اشتراه ألا ترى أنَّ مَنْ زرعَ في أرضٍ مغصوبةٍ سَلِمَ لهُ مِن الخارج بِقَدرِ ما غَرِمَ مِن نُقصانِ الأرض، فطاب له كأنه اشتراه ووجهُ قولنا ما روينا أنّ النبيَ عليه الصلاة والسلام قال: «ما سقته السماءُ ففيه الْعُشْرِ، وما سُقَى بغرب] أو دالية
(10)
ففيهِ نصفُ الْعُشْرِ»
(11)
. حُكْمٌ بالتفاوتِ، بتفَاوُت المؤنِ، فلو رُفعِتْ المؤنُ لصار الواجبُ متفقًا، فهذا نصٌّ في البابِ، ولا قِياسَ مع النصِّ فلأن هذا حقٌ لم يُشرعْ متكررًا باعتبار خارج واحد، فلمْ يعتبر سِرٌّ زائدٌ يرفعُ المؤنَ، ألا ترى أنّ المؤنَ لا تُرفَعُ في نِصابِ الزَّكَاةِ مثلَ أُجرةِ حفِظِ السائمة وغيرها، ففي هذا أولى، وهذا مِن الخواص، كذا في "الجامع] الصغير
(12)
" لفَخْرِ الْإِسْلَام فلا معنى لرفعهِا؛ لِأنّهُ لو جاز رَفَّعُ المؤنةِ لما حَكَمَ الشارِعُ بتِفاوُتِ الواجب عنَد تفاوُت المؤنةِ؛ لِأنَّه عنُد الدَّفْعِ يصيرُ الواجبُ مُتفِقًا مع اختلاف المؤنة، بيان هذا ما إذا كانَ الخارجُ - مثلًا- فيما تسقيهِ السماءُ أربعين قَفِيزًا
(13)
، واستحقتْ قِيمةُ القفزين لحفظِ الزرعِ، واستئجارِ العُمالِ، والثيرانِ فإن الواجب فيه على قولِ العامةِ، وهو ظاهرُ الروايةِ أربعة أَقْفِزَةٍ، واعتبارُ المجموعِ الخارجِ وعلى قولِ ذلك البعضِ الذي ذكرنا كانَ الواجبُ عليه قَفِيَزيْنِ ولا غيَر؛ لِأن ما يُقابل المؤنة مِن الخارج بمنزلة السَالم له بالِعوَضِ كما في الغصبِ على ما ذكرنا، فلا يجبُ في قدر ما يقابله شيءٌ مِن الْعُشْرِ وأنّا نقول: لو قلنا هكذا كان الواجبُ مُتحِدًا مع اختلاف المؤنة، فإنهُ إذا كان الخارجُ أربعين قفيزًا فيما سُقِيَ بغرب أو دالية، فإنّ الواجبُ فيه قفيزان بحِكم الشرعِ ولو قلنا: بِرَفْعِ المؤنةِ فيما سقتُه السماء، أي: لو قلنا: بعدم وجُوبِ الْعُشْرِ فيما يقابلهُ مِن المؤنةِ، لكانَ الواجبُ عليه أيضًا قَفيِزينِ كما كان للواجبِ على الذي سقى بغربٍ أو داليةٍ قفيزين، هذا هو تفسيُر اتحادِ الواجبِ مع اختلافِ المؤنة، وهو خلافُ حُكْمِ الشرعِ فلا يجوز وذكر صدُر الإسلام أبو اليسر في "الجامع الصغير"، فإنه لا يحُتسبُ أجرُ العمال، ولا نفقةُ البقر؛ لأنه سَلّمَ لهُ تسعةُ الأعشارِ، أو تِسعةُ أعشارٍ، ونِصْفُ عشرٍ إذا كَثُرتْ النفقُة بسبب الغرب، والدالية
(14)
فقد نُظر له بهذا الطريق، فلا يجب له النظر بطريق آخر
(15)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 250).
(3)
سبق تخريجه ص (164).
(4)
سقط في ب.
(5)
هو: أبو جعفر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد، الفقيه البَلْخي الحنفي. الهِنْدُواني [المتوفى: 362 هـ] كان يقال له من كماله في الفقه: " أبو حنيفة الصغير " تُوُفّي ببُخارى سنة (362) يُنْظَر: تاريخ الاسلام (8/ 207).
(6)
كتاب كشف الغوامض لأبي جعفر الهنداوني الفقيه ذكر فيه: بعض ما أورده مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ في: (الجامع الصغير) توفي: سنة 963 هـ، يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1493).
(7)
أحْدُّ من الحدّة وهي القوة ولذلك قال عمر رضي الله عنه (وكنتُ أدَارِى منه بعضَ الِحّدة فقال أبو بكر: على رِسْلِك يا عُمر
…
) يُنْظَر: الفائق في غريب الحديث و الأثر (2/ 131).
(8)
سقط في ب.
(9)
يُنْظَر: البناية شرح الهِدَايَة (3/ 418).
(10)
سقط في ب.
(11)
سبق تخريجه، ص (165).
(12)
سقط في ب.
(13)
القَفِيزُ: مكيال وهو ثمانية مكاكيك، ويساوي اثنا عشر صاعاً، والجمع أقفزة وقفزان، يُنْظَر: المصباح المنير (2/ 511)، معجم الفقهاء (1/ 443).
(14)
الدَّالية دلو ونحوها وخشب يصنع كهيئة الصليب ويشدّ برأس الدلو، ثُمَّ يؤخذ حبل يربط طرفه بذلك وطرفه بجذع قائم برأس البئر ويسقى بها، المصباح المنير (1/ 199).
(15)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 250.
قلت: ألا لا باركَ اللهُ، ولا متّعَ لمِنْ لم يغتنمْ ما أتعبتُ نفسي في تفتيحِ المضايقِ، وتبيين الطرائقِ، بل اعتنى بنشر مطاعن لم تكنْ هي فيه، وإنمّا تعاصِر دَرَكهُ لجهلهِ عمّا يستوفيه، أو خرجتْ مطاَعِنُ بحيثُ دخلته فيهِ، وزادَ اللهُ اطلاعًا وانشراحًا لصدورِ مِنْ أنصفَ، واغتنمِ، وافتتحَ أمَره بالسعادةِ واختتم، والتغلِبي
(1)
بكسر اللام منسوب إلى بني تغلب، والِنسبةُ إلى نمِرين قاسِطُ بمزي بالفتح، والكوفيون على العكس وقد ذَكَرّنَاهُ مستوفى فيما تقدّمَ في فصلِ الفصلان، والحمِلان.
(تغلبي له أرض عُشّر عليهِ الْعُشْرِ مضاعفًا)
(2)
، والجملة فيه أنّ الواجبَ في الأرضِ ثلاثهُ الْعُشْرِ، والخراج، والتضعيف، والملاَّكَ ثلاثةٌ: مسلمٌ، وذميٌ، وتغلبي
(3)
.
أمّا الأرضُ الخراجيةُ إذا اشتراها مُسْلمٌ، فلمْ تنبتُ خراجيةً بالإجماعِ؛ لِأَنهُ يؤتهِ فيها شبهة العقوبةِ، فالإسلامُ لا ينُافي العقوبةُ، فوجب القولُ بالبقاءِ وإذا كانتْ الأرضُ عشريةً فاشتراها كافرٌ تغلبي ضُوعِفَ عليه بالإجماع
(4)
أيضًا لما قلنا من قضية عمَر رضي الله عنه، كذا ذكره فَخْرُ الْإِسْلَام رحمه الله.
وذُكر في نوادر زكاة "المَبْسُوط"
(5)
: ولو أن تغلبيًا اشترى أرضًا من أرض الْعُشْرِ، فعليه الْعُشْرِ مضاعفًا، هذا قولُ أبي حَنِيفَةَ، وأبي يُوسُف أمّا عنَد أبي حَنِيفَةَ رحمه الله فلأن الصُلْحَ وقع بيننا،/ وبينهم على أنْ يضُيفَ عليهم ما يُؤخذُ مِن المُسلمِ، والْعُشْرِ يؤُخذ مِن المسلمِ، فيضّعفَ عليهم وأما (عنَد أبي يُوسُف)
(6)
: فلأنَّ كافرًا آخَر لو اشترى أرضًا عشريةٌ (كانَ عليهِ الْعُشْرِ مُضاعفًا)
(7)
عنده فالتغلبي أولى، (وأما عند مُحَمَّد فعليه عشرٌ واحدُ)
(8)
؛ لأنّ تضعيفَ الْعُشْرِ في الأراضي الأصلية لهِم، وهي التي وقعَ الصُّلحُ عليها، وأما فيما سِوى ذلك منِ الأراضي فالتغلبيُّ كغيرهِ منِ الكفارِ، وما صار وظيفةَ الأرضِ لا تتبدلُ بتبدلِ المالِ عند مُحَمَّد رحمه الله قال: ألا ترى أنه لو اشترى أرضًا خراجيةً كانَ عليه الخراجُ على حالةِ، ولو اشترى أرضًا من أرضِ نجرانَ
(9)
كان عليه الحلل على حالهِ، ولكنا نقول: إنما وقع الصلح بيننا وبينهم على أنْ يضّعفَ عليهم ما يَبتدأ به المسلم والخراج، والحلل مما لا يبتدأُ به المسلمُ فلا يضعّف وأما الْعُشْرِ فمِما يَبتدأُ به المسلمُ فيضعّف عليهم باعتبار الصُّلحِ، كما لو اشترى سائمةً مِن مُسلم تجِبُ عليه الصدقة فيها مضّعفة وعن مُحَمَّد أنَّ فيما اشتراهُ التغلبي مِن المسلمِ عشرًا واحدًا وذكر هذه المسألة في زكاةِ "المَبْسُوط"
(10)
، وقال: وإنْ اشترى تغلبيٌّ أرضَ عشر من مُسلم ضُوعِفَ عليه للصلح الذي جرى بيننا وبينهم وذكر ابنُ سماعَة عن مُحَمَّد رحمه الله
(11)
أنّ تضعيف الْعُشْرِ عليهم في الأراضي التي كانتْ لهم في الأصل فأما مَنْ اشترى منهم] أيضًا
(12)
عشرية مِن مسلم، فعليه عشرٌ واحدٌ بناءً على أصلهِ أنَّ ما صار وظيفةً للأرض تقررُ، (ولا تتغيرُ بتغيّرِ المالكِ)
(13)
، وإنْ اشتراها منه ذِميٌّ.
(1)
سبق تعريفه.
(2)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 251).
(4)
الاختيار لتعليل المختار (1/ 122)، الهِدَايَة (1/ 111)، وحكاية الإجماع فيها نظر، فقد ذكر بعضهم رواية عن مُحَمَّد أن عليهم عشر واحد، حيث قال في المَبْسُوط (3/ 11): وذكر ابن سماعة عن مُحَمَّد رحمهما الله تعالى أن تضعيف العُشّر عليهم في الأراضي التي كانت لهم في الأصل، فأما من اشترى منهم أرضا عشرية من مسلم فعليه عشر واحد، بناء على أصله؛ أن ما صار وظيفة للأرض يقرر ولا يتغير بتغير المالك
…
والله أعلم.
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 86).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 110).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 110).
(8)
المصدر السابق.
(9)
نجران: بالفتح ثُمَّ السكون وآخره نون، ونجران في عدة مواضع منها نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة، قالوا سمي بنجران بن زيدان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، لأنه كان أول من عمرها ونزلها، وإنما صار إلى نجران لأنه رأى رؤيا فهالته فخترج رائدا حتى انتهى إلى واد فنزل به، فسمي نجران به، يُنْظَر: معجم البلدان (5/ 266).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 11).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (3/ 11).
(12)
في (ب): (أرضاً).
(13)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 110).
[مسألة إذا تغير مالك الأرض]
أي: مٍن التغلبي الذي لم يشترها من مسلم، بل كانتْ له إرثًا مضاعفًا، عَشَّرَها كما إذا مّر على العاشر، فإنّ الذِّمِّي إذا مرَّ على العاشرِ بمالِ الزَّكَاةِ، فإنهُ يؤُخذ منه ضِعف ما يؤخذ من المسلم، وكذا إنْ اشتراها منُه مُسلم أو أَسلم التغلبي، أي: يبقى عشراً مضاعفًا كما كانْ، سواءً كان التضعيف أصليًّا بأنْ كانتْ الأراضي الْعُشْرِيةُ التي ضَوعِفَ عُشّرَها على بني تغلبٍ موروثهً مِن آبائهم، أو حارثًا بأن اشتراها التغلبي مِن المسلم كالخراجِ، فإنّ المسلمَ إذا اشترى الأرض الخراجية مِن كافر يبقى الخراج على المسلم، كما كان لزوالِ الداعي إلى التضعيف، وهو الكِفر، فعاد إلى الوظيفةِ الأصلية التي اقتضاها الآثار منِ الْعُشْرِ، أو نصفُ الْعُشْرِ ألا ترى أنَّ التغلبي إذا كانتْ له خمسٌ مِن الإبلِ سوائمَ، يجبُ عليه فيها شاتان، فلو باعها مِن مُسلِم أو أَسْلَمِ هو يؤُخذ مِنه شاةٌ واحدةٌ لمِا ذكرنا ولأبي حَنِيفَةَ رحمه الله: أنّا أجمعنا على أنّ الخراجَ يبقى بعدَ الإسلامِ، والبيع مِن المسلمِ وهذا الفِقهُ: وهو أنّ بقاءَ الحُكْمِ يستغني عنْ بقاءِ السببِ الابتداء يبنى؛] لأنه بيع باستصحاب الحال
(1)
(2)
[، ألا ترى أنّ المُلَكَ في المَهْرِ بعد ارتفاعِ النَّكْاحِ، وكذلك الرَّمْلُ
(3)
، والاضطباعُ
(4)
بَقيا بعدَ زَوْالِ الحاجةِ إلى إظهار الَتَجلُّدِ، ثُمَّ الفرقُ بينَ هذا وبين مسألةِ السَّوَائِم، وهُوَ أَنّ مالَ الزَّكَاةِ أَقْبَلُ للِتحُّولِ مِنْ وصفٍ إلى وصفٍ، ألا ترى أنّ مالَ التجارةِ يُبطِلُ عنه وصفُ الزَّكَاةِ بِنيِة القنيةِ، وكذلِك السَّوَائِم يبطلُ عنها وصفُ الزَّكَاةِ يجعلهُا عَلوُفةً، ولا كذلك الأراضي ألا ترى أنه إذا عطَّلها أعوامًا ما يُؤخذُ مِنه الخراجَ ومُحَمَّد هكذا يقول: إنّ الوظيفةَ إذا استقرتْ في الأراضي لا تتغيرُ مِن وصفٍ إلى وصف
(5)
، كذا في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة".
(1)
استصحاب الحال هو: اعْتِقَادَ كَوْنِ الشَّيْءِ فِي الْمَاضِي أَوِ الْحَاضِرِ يُوجِبُ ظَنَّ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ.
وَيُمْكِنُ تَلْخِيصُ هَذَا بِأَنْ يُقَالَ: هُوَ ظَنُّ دَوَامِ الشَّيْءِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ وُجُودِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. يُنْظَر: شرح مختصر الروضة (3/ 148)
(2)
في (أ)(لأنه يبقى باستصحاب الحال) وفي (ب): (لأنه بيع باستصحاب الحال) ولعل مافي (ب) هو الصواب لموافقته سياق الكلام.
(3)
الرمل وهو الهرولة فوق المشي دون الجري. يُنْظَر: الثمر الداني (ص: 367).
(4)
الِاضْطِبَاعُ أَنْ يَتَوَشَّحَ بِرِدَائِهِ وَيُخْرِجَهُ مِنْ تَحْتِ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ وَيُغَطِّيَهُ وَيُبْدِيَ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ. يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (2/ 9).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 252).
وذكر في "المَبْسُوط"
(1)
: وهذا بخلافِ السَّوَائِم فإنهُ لا وظيفةَ فيها باعتبارِ الأصل، حتى إذا كانتْ لغيرِ التغلبِّي مِن الكُفارِ لا يجبُ فيها شيءٌ، فَعرْفنَا أنَّ التضعيفَ كان باعتبارِ المالِكِ، فيسقطُ بتبدُّلِ المالِك، أو تُبدُّلِ حالةِ الإسلامِ قالَ في الْكِتَابِ - أيْ في كتابِ الزَّكَاةِ من "المَبْسُوط"-: وهو قولُ مُحَمَّد فيما صَحَّ عنه، وهذا يقولُ الْكِتَاب الذي قالَ في الْكِتَاب عنه، أي:(عن مُحَمَّد اخُتُلِفَ النَسْخُ في بيانِ قولِه: أيْ اختلف نَسْخُ)
(2)
"المَبْسُوط" في بيانِ قولِ مُحَمَّد أنّهُ مع أبي حَنِيفَةَ، أم مع أبي يُوسُف؟ فإنُه ذَكَرَ في مبسوط شمسِ الأئمةِ
(3)
بعد ذِكْرِ التغلبيِّ: فإنْ أَسْلَمَ عليها أو باعَها مِن مُسلمٍ، فعليهِ الْعُشْرِ مُضاعفًا في قولِ أبي حنيفةَ، ومحمد، وفي قولِ أبي يُوسُف عليه عُشُر واحد، ثُمَّ قال: وذَكَر في رِوايةِ أبي سليمانَ المسألةَ بعدَ هذا، وذكَر قولِ مُحَمَّد كقولِ أبي يُوسُف في بقاءِ التضعيفِ، أي: في بقاءِ التضعيف على المُسلمِ إِلاَّ أنَّ قولَهُ، أي: قولُ مُحَمَّد؛ (لأنَّ التضعيفَ الحادثَ لا يتحققُ عندَهُ)
(4)
؛ لأِنَّ التغلبي إذ اشترى أرضًا عُشريةً مِن مُسلمٍ بَقِيَتْ كذلكَ غيرَ تضعيف عنَد مُحَمَّد.
وإذا لم يَثُبتْ التضعيفُ الحادثُ عنَده لا يَتأَتى السقوطُ، فَعُلِمَ بهذا أنَّ الخلافَ بينَ أبي حَنِيفَةَ، ومُحَمَّد، وبين أبي يُوسُف في سقوطِ/ التضعيفِ في الأراضي التي كانتْ أصليةً في حُكْمِ التضعيفِ، ولوِ كانتْ الأرضُ لمسُلمٍ باعَها مِن نَصْرانيِ يُريُد به دنيا غير تغلبيِّ، وإنما قّيدَ بهذا؛ لأِنَّ لفظ النصراني، ولفظَ الذِّمِّي يتناولان، التغلبي، وغيَر التغلبي النصراني، وذَكَر بَيع المُسلم مِنَ التغلبي قَبْلَ هذا في قوله: وعن مُحَمَّد أنّ فيما اشتراهُ التغلبيُّ مِن المسلم فِي هذه المسألةِ: وهي مسألةُ ما إذا باعَ المسلمُ أرضًا عُشريةً مِن ذميّ سبعةُ أقوالٍ مِنْ سبعةٍ مِنَ العلماءِ، والأقوالُ الثلاثةُ مِن علمائِنا الثلاثةِ مذكورةٌ في الكتاب
(5)
.
وقال مالك
(6)
: يجُبْرُ الذِّمِّي على بيعهِ مِنَ المسلمينَ
(7)
. وعلى أَحَدِ قولي الشَّافِعِي رحمه الله
(8)
: لا يجوزُ البيعُ أصلًا، وفي قوله الآخر، وهو قولُ ابْنُ أبي لَيْلَى
(9)
(10)
: يُؤخذُ منهُ الْعُشْرِ، والخراجُ، وكانَ شريكُ بنُ عبدِاللهِ
(11)
(12)
يقولُ: لا شيءَ فيها، وجعل هذا قياسَ السَّوَائِم إذا اشتراها كافر مِنْ مُسلمٍ، ولكن هذا ليسَ بِصحيحٍ، فإنَّ الأراضي الناميةَ في دِيارنا لا تخلى عن وظيفةٍ بخلافِ سائرِ الأموال، والشَّافِعِي في أحدِ القولين: لا يجوزُ البيعُ أصلًا، كما هو مذهبه في الكافرِ يشتري عَبدًا مُسلمًا، وفي قوله: الآخر بأنَّ ما كانتْ وظيفة لهذه الأرض تبقى، وباعتبارِ كُفْرِ المَلِكِ الحادثِ يجُب الخراجُ بناءً على أصلهِ في الجمع بيَنُهما وِمالكٌ يقولُ: يُجْبِرُ على بيعهِ مِنَ المسلمين؛ لِأنَّ حقِّ الفُقراءِ تعلَّقَ بها، وَمْالُ الكافرِ] يصلحُ
(13)
لذلك، فُيجَبُر على بيعها] لإبقاء
(14)
حقِّ الفقراءِ فيها، كذا في "المَبْسُوط"
(15)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 12).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 110).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 11).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 110).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 116).
(6)
هو: مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبد الله: إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية، مولده ووفاته في المدينة. كان صلبا في دينه، بعيدا عن الأمراء والملوك، وشي به فضربه سياطا انخلعت لها كتفه. وسأله المنصور أن يضع كتابا للناس يحملهم على العمل به، فصنف الموطأ.
يُنْظَر: تهذيب التهذيب (10/ 5)، وفيات الأعيان (4/ 135)، الأَعْلَام للزركلي (5/ 257).
(7)
حكى النووي في الْمَجْمُوع عن مالك أنه لا يصحح البيع (5/ 561)، وفي الذخيرة للقرافي (3/ 87) حكى القول بعدم صحة البيع لمُحَمَّد بن الحسن.
(8)
يُنْظَر: الْحَاوِي (5/ 270)، وفي الْمَجْمُوع (5/ 561) أشار إلى أن قول الشَّافِعِي ليس فيها عشر ولا خراج، وأشار إلى أن قول مالك هو عدم صحة البيع حتى لا تخلو الأرض من عشر أو خراج ثُمَّ الزم مذهب مالك بقوله: وينتقض مذهب مالك بما إذا باع الماشية لذمي ا. هـ. ولم يشر إلى أن للشافعي قولا بعدم جواز الشراء أو غيره ا. هـ، وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد الإنصاف (3/ 84)، كشاف القناع (2/ 220).
(9)
هو: مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار، وقيل: داود بن بلال. أنصاري كوفي. فقيه من أصحاب الرأي. ولي القضاء 33 سنة لبني أمية، ثُمَّ لبني العباس. له أخبار مع أبي حَنِيفَةَ وغيره. مات بالكوفة 148 هـ.
يُنْظَر: التاريخ الكبير: 1/ 162)، الجرح والتعديل (7/ 322)، الأَعْلَام للزركلي (6/ 189).
(10)
يُنْظَر: الْحَاوِي (7/ 471).
(11)
المصدر السابق (7/ 471)، وهو رواية عن الإمام أحمد، يُنْظَر: الإنصاف (3/ 84)، كشاف القناع (2/ 220).
(12)
هو: شريك بن عبد الله بن الحارث بن أوس بن الحارث النخعي، كنيته: أبو عبد الله كان مولده بخراسان. قال منصور بن أبي مزاحم: سمعت شريكًا يقول: ولدت ببخارى مقتل قتيبة بن مسلم سنة خمس وتسعين، ويروى شريك عن أبي إسحاق وسلمة بن كهيل روى عنه ابن المبارك وأهل العراق وولى القضاء بواسط سنة خمسين ومائة ثُمَّ ولي الكوفة بعد ذلك ومات بالكوفة سنة سبع أو ثمان وسبعين ومائة وكان في آخر أمره يخطئ فيما يروى تغير عليه حفظه فسماع المتقدمين عنه الذين سمعوا منه بواسط ليس فيه تخليط مثل يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق وسماع المتأخرين عنه بالكوفة فيه أوهام كثيرة.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (6/ 444)، التاريخ الكبير (4/ 237)، الجرح والتعديل (4/ 365).
(13)
في (ب): (لايصلح).
(14)
في (ب): (لإيفاء).
(15)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 9، 10).
إنما قُيِّدَ بقولهِ: وقبضَها ليُعَلمَ بهِ تأكُّدُ مُلْكُ الذِّمِّي فيها، وتقررُ الأرضُ عليه حتى إذا أخذها مُسلمِ بالشفعةِ أو رُدَّتْ على البائعِ تبقى عُشريةً كما كانتْ، وهي المسألةُ الثانيةُ التي تجيءُ
(1)
.
[هل على الكافر خراج
؟]
وذَكَر في نوادِرِ زكاةِ "المَبْسُوط"
(2)
: ولو أنّ كافرًا اشترى أرضاً عُشْريةً، فعليهِ فيها الخراجُ في قولِ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله ولكنّ هذا بعدَمَا انقطعَ حقُّ المسلمِ عنها مِنْ كُلِّ وجهٍ حتى لو استحقها مُسلمٌ، أو أخذها مُسلمٌ بالشَّفْعَةِ كانتْ عشريةً على حالها سَواءً وُضِعَ عليها الخراجُ، أو لم يوُضَعْ؛ لأَنَّهُ لم ينقطعْ حقُّ المسلمِ عنها، ولو وَجَدَ المشتري بها عيبًا لم يستطعْ أنْ يردَّها بعدما وَضَعَ عليها الخراجُ؛ لأنّ الخَراجُ عيبٌ، وهذا عيبٌ] حدث
(3)
في مُلْكِ المشتري، فمنعُه مِنَ الردِّ بالعيبِ؛ لأنهُ أليقُ بحالِ الكافرِ؛ وذلك لأنهُ تعَّذرَ الأخذُ بوصفِ التضعِيفِ إذ ذاك يُعتَمدُ الصّلحُ، والتراضِي كما في التغالبةِ فبعدَ ذلك، أمّا أنْ يصُارَ إلى إبقائِها عُشريةً، ولا سبيلَ إليه؛ لأِنَّ الْعُشْرِ فيه معنى القُربةِ والكافرُ بمعزلٍ فيه وأما أنْ يصُارَ إلى الخراجِ، وهو الأْليَقُ بهِ، فلذلكَ تَعيَّنَ المصيرُ إلى إيجابِ الخراجِ] وقال أبو يُوسُف
(4)
: إنّ ما كانَ مأخوذًا مِن المسلم إذا وَجَبَ أخذُهُ مِن الكافرِ، يضعفُ عليه كصدقةِ بني تَغلِبٍ وماَ يمرُّ به الذِّمِّي على العاشرِ، كذا في "المَبْسُوط"
(5)
فلا يتبدلُ كالخراجِ، وهذا لأِنَّ معنى العِبادةِ في الْعُشْرِ تابعٌ فيمكنُ إلغاؤُهُ كالخراجِ لمِا كانَ معنى العقُوبةِ فيهِ تابعًا ألغيناهُ في حقِّ المسلمِ،] وبقينا
(6)
الخراج في حقِّهِ باعتبار المؤنةِ فكذا هذا، ثُمَّ في رِوايةٍ يُصرفُ مَصارفَ الصدقاتِ، أي على قولِ محُمد
(7)
، وقد صَرّحَ به في "المَبْسُوط"
(8)
وقال: ثُمَّ الْعُشْرِ الذي يؤُخذُ عنَد مُحَمَّد رحمه الله يُوضع مَوْضِعَ الصدقاتِ
(9)
، كما ذُكِرَ في السِيَرِ؛ لأنَّ حقَّ الفقراءِ تَعلّقَ بهِ فهو كتعلُّقِ حقِّ المعاملةِ بالأراضي الخراجية، ورَوَى ابنُ سماعةَ عن محمدٍ: أنّ هذا الْعُشْرِ يُوضعُ في بيتَ مالِ الخراجِ
(10)
؛ لأنُه إنما يُصرفُ إلى الفقراءِ ما كانَ لله تعالى بطريقِ العبادِة ومالُ الكافرِ لا يُصْلُح لذلكَ، فيُوضعُ مَوْضِعُ الخراجِ كما يأخذُ العاشُر مِن أهلِ الذمةِ.
(1)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 253).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 85).
(3)
في (ب): (حديث) وما أثبته هو الموافق لسياق الكلام.
(4)
سقطت من (ب).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 10).
(6)
في (أ)(وتعينا) وفي (ب)(وبقينا) ولعل ما أثبته هو الصواب.
(7)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 254).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 10).
(9)
يُنْظَر: البناية (3/ 512).
(10)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 59)، الهِدَايَة (1/ 107)، المَبْسُوط (3/ 82) تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 294).
[مسألة انتقال الأرض بالشفعة]
(فإنْ أخذها منه مُسلم)
(1)
، أي: فإنْ أخذَ الأرضَ الْعُشْرِيةُ التي اشتراها النصرانيُّ، مُسلم (بالشفعةِ)،
(2)
أي: أخذَ مُسلمُ مِن النصراني بالشفعةِ كأنُه اشتراها، أي: كأنَ المسلمُ اشترى الأرض
(3)
منِ المسلمِ لِتحُّولِ الصفقةِ إلى الشفيعِ فإن قُلْتَ: لو كانتْ صفقةُ البائعِ متحولةً مِن المشتري إلى الشفيعِ، وصارَ كأنَ الباِئعُ باعها مِن الشفيعِ، لما رَجَعُ الشفيعُ بالعيبِ إذا وَجَدَهُ على المشتري إذا قبضَها منِ المشتري.
قلتُ
(4)
: قال شَيْخِي رحمه الله
(5)
في جوابِ هذه الشَّبهةِ: فلو كانَ هذا عقدًا جديدًا بيَّن المشتري، والشفيعُ لأَمْكَنَ البائعُ أخذَها بطريقِ الشفعةِ، ولم يكنْ عَلِمَ بهذا أنُه تحوّلَتْ الصفقةُ مِن المشتري إلى الشفيعِ/ وإنما لم يتمكنْ الشفيعُ بالردِّ بالعيبِ على البائعِ؛ لأنهُ لم يأخذْ منه حقيقةً، والعُهدةُ على مَنْ وَجَدَ الأخذَ منه، كما في الوكيلِ بالبيع، فإنه يَردَّ المشتري بالعيبِ على الوكيلِ لا على الموُكَّلِ لأِخذهِ مِنَ الوكيلِ حتى لو كان الشفيعُ أخذهُ مِن البائعِ، ثُمَّ وَجَدَ فيها عيبًا يردُّها على البائعِ لا على المشتري وأما الثاني فلأنهُ بالردِّ (جعل البيعَ كأنْ لم يكنْ)
(6)
، وكذلك (لَوْرُدَّتْ على البائعِ)
(7)
بخيارِ هذا إذا كانْ الردُّ بالعيبِ بقضاءِ قاضٍ، فإنها عادتْ عُشريةً كما كانتْ لِزوالِ المانعِ قَبْلَ تَقَررِهِ، وأمّا إذا رَدَّها بغيرِ قضاءٍ أو باعها مِن مسلمٍ أو أَسْلَمَ، فَهُوَ بقيتْ خراجتَهَ؛ لأَنَّ الإسلامَ لا يرفعُ الخراجَ
(8)
، كذا ذَكَرهُ الإمامَ التُّمُرْتَاشِي رحمه الله (ولِأَنَّ حقَّ المسلم)
(9)
، وهو البائعُ لكونه مُستحَقٌ الردَّ بفتح الحاء، وإذا كانَ لمِسلمٍ دارً خطَّها، فجعلها بُستانًا، فعليهِ الْعُشْرِ دارٌ خَطها بالإضافةِ للبيان، كما في خَاتم فِضَةٍ كذا كانَ مُقيدًا بقيدِ شَيْخِي رحمه الله
(10)
ويجوزُ نَصْبٌ بالتمييزِ عن اسمِ تامٍ بالتنوينٍ، كما في عندي رَاقود
(11)
خَلَاْ، ثُمَّ إنما قيدَ بِقولهِ لمسلم لِيستقيَم ترتُيب جوابِ الْعُشْرِ، فإنَّهُ لو كانَ لكافرٍ دارٌ، (فجعلها بستانًا كان عليهِ الخراجُ)
(12)
؛ لأِنه ابتدأ وضع، والخراجُ أليقُ بالكافِر، وإنما قُيّدَ بالدارِ التي جعلها بَستانًا؛ ليبينَ أنّ الحُكْمَ الأصليَّ للشيءِ يتغيرُ بتغُيرِ صفِتهِ، فإنها لو بقيتْ دارِاً كَما كانتْ لم يكنْ فيها شيءٌ سواءً كان مالِكُها مُسلمًا أو ذِميًّا
(13)
، لما روي أنَّ عُمر رضي الله عنه حين وظّفَ الخراجَ، والجزيةَ سُِئلَ عن المساكنٍ؟ فقال:"المساكِنُ نحو كذا"
(14)
، ذَكَرَهُ الإمام الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(2)
المصدر السابق.
(3)
في (ب): (اشترى الارض بها الشفعة من المسلم).
(4)
قلت: المقصود المؤلف السغناقي رحمه الله.
(5)
هو صاحب الهِدَايَة شيخ الإسلام برهان الدين أبي بكر الْمَرْغِينَانِي. انظر: الهِدَايَة (4/ 29).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 110).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (9/ 408).
(9)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 110).
(10)
يُنْظَر: المرجع السابق (1/ 111).
(11)
الراقُودُ: دَنٌّ طويل الأَسفل كهيئة الإِرْدَبَّة يُسَيَّع داخله بالقار وقيل الراقُود إِناءُ خزف مستطيل مقيَّر. (لسان العرب: 3/ 183).
(12)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(13)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 580).
(14)
لم أجد هذا الحديث في كتب التخريج سوى ماذكره أبو عبيد في كتاب الأموال 73 وبدون سند، قال الزيلعي في نصب الرايه (غريب). يُنْظَر: نصب الرايه (2/ 394).
] وإنما قُيَّدَ بالخطِّة لِيقينٍ به ابتداَء الوضعِ في حقِّ المسلم أنهُ ماذا؟ وقال الإمامُ المحبوبي
(1)
: فإنّ المسلمَ لما جعلها بستانًا صارتْ أرضًا ناميةً في أراضِي الإسلامِ، والأراضي الناميةُ لاتخلو عن مُؤنةٍ، وفي ابتداءِ وضعِ الخراجِ معنى الصِّغارِ، فيَصان المسلمُ عنه فأوجبَ عليها الْعُشْرِ؛ لأنها صدقةٌ والمسلم مِنْ أهِلها، ولأنهُ ذَكَرَ فيما تقَّدمَ أحكامَ ما اشتراه المسلمُ أو الكافرُ مِن الأراضي التي فيها المُؤنِ، وبَيّنَ ها هنا ما يبتدأُ به وضعُ المُؤنِ في حقِّ الفريقينِ، فقيّدَ لذلك بالخِطَة
(2)
: وهي ما خطَّهُ الإمامُ بالتمليكِ عِنَد فتحِ دارِ الحربِ وقد ذكرناه فيما تقّدم، فإنْ قلتَ: ذُكَرِ في الْكِتَابِ معناه إذا سقاه بماءِ الْعُشْرِ، وفيه دليلٌ على أنْ وَضْعَ الْعُشْرِ عليه باعتبار سقيْهِ الماء الْعُشْرِي لا باعتبار التوظيفِ على المسلمِ
(3)
.
قلتُ: نعم الاعتبارُ للماءِ في وَضْعَ الْعُشْرِ، لكنْ مع دِعايةِ جانبِ ابتداءِ التوظيفِ على المسلم ألا ترى أنّ المجوسيَّ لو جعلَ دَارَهُ بستانًا، وسقاها بماءِ الْعُشْرِ كان عليه الخراجُ، فلو كانَ الاعتبارُ للماءِ مجُردًا لما وجبَ عليه الخراجُ عنَد سقيهِ ماءِ الْعُشْرِ، بلْ وَجَبَ عليهِ الخراجُ في ظاهِر الروايةِ بالإجماعِ
(4)
على ما يجيءُ، عَلِمَ أنهُ يعتبرُ ابتداءَ التوظيفِ على] المسلم
(5)
، وُقيِّد بَقوله:(فجعلها بستانًا)
(6)
، فإنه إذا لم يجعلْ دارَهُ بستانًا، ولكنْ فيها نخيلٌ يخرجُ إكرارًا مِن ثمرٍ فهي في حُكْمِ الدارِ حتى أنهُ لم يكنْ فيها عشرً، ولا خراجٌ، كذا ذكره الإمامُ السَّرَخْسِي رحمه الله في بابِ الْمَعَادِنِ منِ زكاة "المَبْسُوط"
(7)
، وكذا ذكره الإمامُ المحبوبي.
[إذا جعل الأرض بستاناً]
وأما البستان: فهو عبارةٌ عن كُلِّ أرضٍ يحوطها حائط، وفيها نخيلٌ متفرقةٌ، وأشجارٌ، كذا ذُكِرَ في هذا الْكِتَابِ في بابِ الْعُشْرِ، والخراجِ من كتابِ السَيرِ
(8)
، فحينئذٍ كان اسمُ الدارِ عنه مسلوبًا، فلذلك لا يبقى فيه ما هو حُكْمُ الدارِ مِن عفوِ المساكنِ، وهذهِ هي المسألةُ التي عَرَضْتُها على شَيْخِي رحمه الله وإثابةُ الجنةِ بهذه القيودِ في منامي بعد وفاتهِ، واستحسَنَ هو رحمه الله ما ذكرتهُ مِن القيودِ مترضيًا بشر طَلْقٍ، ولسان ذَلِقٍ.
(1)
سقط في ب.
(2)
في (ب) سقطت (لذلك).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 255).
(4)
المَبْسُوط (3/ 9)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 55).
(5)
سقط في ب.
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 111).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 13).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 254، 6/ 38).
وذُكَر في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة ": منِ مشايخنا مُنْ قالَ هذا إذا كانتْ الأرضُ في الأصلِ عُشرية بأنْ أسلمَ أهلهُا طوعًا إِلاَّ أَنهُ سَقَطَ عُشرهًا بالاختطاطِ للدارِ فإذا جعلها بستانًا عادتْ كما كانتْ، فأما إذا كانتْ خراجيةً في الأصلي عادتْ خراجيةً كما كانتْ، وقال بعضهم: العِبْرُة فيه للماءِ كما هو المذكور في الكتابِ؛ لأنّ وظيفة الأراضي باعتبارِ إنزالها، وحيويتها، وهي إنما يكونُ بالماءِ، قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}
(1)
.
وهذا تنصيصٌ علَى أنّ المسلمَ يبتدأُ بتوظيفِ الخراجِ عليه، وهو يَعْضُدُ ما ذَكرهُ القاضي الإمام أبُو الُيسْر رحمه الله مِنْ قولهِ: ضَرْبُ الخراجِ على المُسلم ابتداءً جائز؛ لأِنهُ لا يجبُ على الكافرِ بطريقِ/ الذُّلِ، والصَّغارِ، قال شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِي رحمه الله: لا صغارَ في خراج الأراضي، إنما الصّغارُ في خَراج الجماجمِ فإن قِيلَ: قد ذَكَر مُحَمَّد رحمه الله
(2)
في أبوابِ السِيَرِ مِنَ الزياداتِ
(3)
(4)
، قُلَنَا: قال شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِي رحمه الله: معنى هذا أنه لا يُبتدأُ بتوظيفِ الخراجِ عليه
(5)
إذا لم يكنْ منه صُنعٌ يستدعي ذلك وهاهُنا وُجِدَ منهُ صُنعٌ يستدعي ذلك: وهو السَقيُ منِ ماءِ الخراج إذ الخراجُ يجبُ حقًّا للمُقابلةِ، فيختصُّ وجوبُ الخراجِ فيما يسقى ماءُ جهة المقابلة، والماء الذي جَهُة القابلة ماءُ الخراجِ، فلذلك يجبُ الخراجِ إذا سقاه بماءِ الخراجِ؛ (لأنّ المؤنةَ في مِثْل هذا تدوُر مع الماءِ)
(6)
، أي في الشيء الذي لم يَتَقَرّرْ أمُرُه على أنهُ عُشّري أو خراجي، فحصل الخارجِ بالماء، كانتِ العبرة للماءِ كما في إحياء المواتِ، وليسَ على المجوسي في دارِهِ شيءٌ، فإنُ قِيَلَ: لماذا خٌصَّ المجوسي بالذِكْرِ والحُكْمِ في اليهودِ والنصارى هكذا؟
(1)
سورة الأنبياء الآية (30).
(2)
في (ب): (مُحَمَّد رحمه الله في نوادره في ابواب السير).
(3)
كتاب الزيادات لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله ولا يزال مخطوطاً وقد جمعه أبي يعقوب يُوسُف بن علي بن مُحَمَّد الجرجاني الحنفي في كتاب (خزانة الأكمل في الفروع) وهو ست مجلدات. ذكر انه محيط بجل مصنفات الأصحاب بدأ بكافي الحاكم ثُمَّ بالجامعين ثُمَّ بالزيادات ثُمَّ بمجرد ابن زياد والمنتقى والكرخي وشَرْح الطَّحَاوِيِّ وعيون المسائل وغير ذلك.
(4)
في (ب) زيادة وهي (أن المسلم لايبتدئ بالخراج).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 13).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 111).
قلنا: إنما خصّهُ بالذكْرِ؛ لأن المجوسيَ أبْعَدُ عن الإسلامِ من اليهودِ، والنصارى بدليلِ حُرمةِ نِكاحِ نسائِهم وذبائِحهم وإذا لم تجبْ الوظيفةُ في دارِ المجوسيَّ، والحالةُ هذِه أولى أنْ لا يجبُ في دارِ اليهود والنصارى
(1)
، كذا في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة "، وذكره شيخُ الإسلامِ
(2)
إنما خصّهُ بالذكْرِ؛ لأنهُ قِيل لعمر رضي الله عنه: إن المجوسَي كُثَرٌ بالسّوادِ
(3)
، فقال:"أعياني أمُر المجوسي" وفي القومِ عبدُالرحمن بنُ عوفٍ
(4)
رضي الله عنه، فقال: سمعتُ رسولَ الله عليه الصلاة والسلام يقول: «سنَوا بالمجوس سُنةَ أهلِ الْكِتَابِ غيرَ ناكحي نسائهم» الحديث
(5)
فلما سمَعَ عُمر بذلك عَمِلَ به، وأمرَ عُمّالَهُ بأنْ يمَسَحَوا أراضِيهم، وعامرِهمْ فيوظّفوا الخراجَ على أراضيهم بقدرِ الطاقةِ والرّيْعِ،] وعفا عنِ رِقاب دوُرهم
(6)
، وعن رقابِ الأشجارِ فيها، فلما ثَبُتَ العفوُ في حقهم مع كونهم أبعد عن الإسلام يَثُبتُ في حقِّ اليَهودِ والنصارى بالطريق الأُولى، وإِنْ جعلها بستانًا فعليِه الخراجُ، وإنْ سقاهُ بماءِ الْعُشْرِ، وأنّ الثانيةَ للوصْلِ
(7)
، وذَكَرَ الإمامُ الكشاني رحمه الله
(8)
، فقال: وكذلك إذا سَقَاهَا بماءِ الْعُشْرِ] يَجبُ
(9)
الخراجُ أيضًا؛ لأن الْعُشْرِ عبادةٌ، والكفرُ يُنَافيه
(10)
، وكذا ذُكَر في عامةِ شُروحِ "الجامعِ الصغيرِ"
(11)
فقال الإمامُ التُّمُرْتَاشِي رحمه الله: ولو أحيا ذِميٌّ أرضاً أو اتخذَ دارَهُ بستانًا، أو رُضِخَتْ له أرضٌ لشهود القتالِ، فهي خراجية، وإنْ سقاها بماءِ الْعُشْرِ وعلى قياسِ قولهِما] ينبغي
(12)
أنْ يجبُ فيها الْعُشْرِ كالذِّمِّي إذا اشترى أرضًا عشريةً بخلافِ المسلمِ إذا جَعل دارَهُ بستانًا، وسقاها بماءِ الخراجِ حيث يوظفُ عليه الخراجُ عند الكُلِّ لما أنّ الإسلامَ لا يُنافي العقوبةَ، (والماءُ الخراجيُّ الأنهار التي حفرتها الأعاجمُ)
(13)
مِثلُ نهرِ المُلكِ
(14)
، ونهر
(15)
يزدجرد، ومروروذ
(16)
؛ لأنّ أصلَ تلكَ الأنهارِ بمالِ الخراجِ فصار ماؤُها خراجيًّا، وصارتْ الأرضُ خراجيةً تِبعًا
(17)
، كذا في مبسوطِ فَخْرُ الْإِسْلَام رحمه الله
(18)
، (جَيْحُون)
(19)
نَهرُ تِرمِذْ بكسر التاء، والذالِ المعُجمِة، (وسَيَحُون)
(20)
نَهر الُّتركِ، وهو نهر خجند، (ودجلة)
(21)
بغير حرف التعريف نهر بغداد، (وفراتٌ)
(22)
نهرُ الكوفة، كذا في "المُغْرِب"
(23)
؛ (لأنهُ لا يحميها أحدٌ)
(24)
، فلما لمْ يحمها أحد شابهتْ ماءُ البحارِ، وماءُ السماءِ، وهو عُشريُ بالاتفاقِ
(25)
، فكذا هذا.
(1)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 255).
(2)
يُنْظَر: الجامع الصغير للشيباني (ص 132).
(3)
سَوادُ الناس عوامهم، والمعنى أن غالبية المجوس هم من العوام. يُنْظَر: مختار الصِّحَاح (ص: 326).
(4)
سقطت في (ب).
(5)
أخرجه مالك في الموطأ (968 - 2/ 395)، وابن أبي شيبة في مصنفه (33316 - 12/ 243)، وعبدالرزاق في مصنفه (10025 - 6/ 68). و الطبراني في المعجم الكبير (1059 - 19/ 437). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/ 13):" رَوَاهُ الطبراني وفيه من لم أعرفه ".
(6)
زياده في ب.
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 256).
(8)
هو: مسعود بن الحسن بن الحسين بن مُحَمَّد بن إبراهيم الكشاني، والد مُحَمَّد تقدم أبو سعد ركن الدين الخطيب. روى عن الشيخ سيف الدين أبي مُحَمَّد عبد الله بن علي الكندي، والخطيب أبي نصر مُحَمَّد بن الحسن الباهلي، وشمس الأئمة السَّرَخْسِي. روى عنه الإمام الصدر الشهيد حسام الدين أبو المعالي عمر بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة، والشيخ ظهير الدين أبو المحاسن الحسن بن علي بن عبد العزيز بن عبدالرزاق بن أبي نصر الْمَرْغِينَانِي. مات سنة عشرين وخمس مائة له ثلاث وسبعون سنة.
يُنْظَر: (الجواهر المضية: 2/ 168)، (معجم المؤلفين: 12/ 226).
(9)
في (ب): (ثم).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي: (3/ 9)، بَدَائِعُ الصَّنَائع:(2/ 55).
(11)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع: (1/ 131).
(12)
سقطت من (ب).
(13)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 111).
(14)
نَهَرُ المَلِك: على طريق الكوفة من بغداد وهو يَسْقي من الفرات. يُنْظَر: المُغْرِب (2/ 335).
(15)
سقطت في (ب).
(16)
مَرْوُرُوذ بِخُرَاسَانَ بين بَلْخَ، ومَرْوَ، افتتَحها الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ في خِلافةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه. يُنْظَر: تاج العروس (9/ 415)، المصباح المنير (1/ 294).
(17)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 257.
(18)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 572)، الاختيار لتعليل المختار (4/ 151).
(19)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 111).
(20)
يُنْظَر: المرجع السابق (1/ 111).
(21)
يُنْظَر: المرجع السابق (1/ 111).
(22)
يُنْظَر: المرجع السابق (1/ 111).
(23)
يُنْظَر: (2/ 128).
(24)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 111).
(25)
يُنْظَر: المَبْسُوط (2/ 298)، الذخيرة للقرافي (3/ 82)، الأم (2/ 37)، الفروع لابن مفلح (4/ 87).
[حكم أرض الصبي والمرأة]
(وفي أرضِ الصبيِّ، والمرأةِ التغليبيين ما في أرضِ الرجل)
(1)
؛ لأنَّ الواجبَ هُنا مؤنةً ليستْ بزكاةٍ، ولا عقوبةٍ، ولكنهُ مُركّبٌ مِن خَراجٍ وعُشْرٍ،
(2)
والصبيُّ أهلٌ لهما، كذا ذكره الإمامُ الكشَّاني؛ لأنه ليس منِ إنزالِ الأرض، ولا يمكن تحصيلها بحيلة.
وذكر في "المَبْسُوط"
(3)
: ولا شيءَ في القِير، والِنفطِ، والمِلح؛ لأنها فوارةٌ كالماءِ، وأما ما حولها منِ الأرضِ، فقد قال بعضُ مشايخنا: لا شيءَ فيها منِ الخراجِ، وإنْ كانت هذه العيونُ في أرضِ الخراجِ؛ لأنها غيرُ صالحةٍ للزراعةِ فكانت كالأرض السبخةِ، وما لا يبلغها الماءُ، وكان أبو بكر الرازي رحمه الله
(4)
يقول: لا شيء في موضع القبِر، وأما حريمُهُ مما أعدّه صاحُبِه لإلقاءِ ماءٍ يحصُلُ له فيهِ فيمسحُ، فيوجبُ فيه الخراجُ؛ لأنهُ في الأصلِ صالحاً للزراعةِ إنما عَطلَهُ صاحبُه لحاجته، فلا يسقطُ الخراجُ عنه، والله أعلم.
بابُ مَنْ يجوزُ دفع الصدقةِ إليهِ وَمنْ لا يجوز
لما ذَكَرَ الزَّكَاةَ، وما يلحُقها مِن خمُس المعادِنِ، وعُشّرِ الزُّروعِ احتاجَ إلى بيانِ مَنْ يُصرفُ إليهِ هذه الأشياءُ، فشَرعَ في بيانهِ في هذا الباب، قولُه/ تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}
(5)
قَصْرٌ لجنسِ الصدقاتِ على الأصنافِ المعدودةِ، وأنها مختصةٌ بها لا تتجاوزُها إلى غيرِها، كأنُه قِيل: إنما هِي لهمْ لا لغيرِهم كقولك: إنما الخلافة لقريش يريدُ لا يتعداهم، ولا يكون لغيرهم، ثُمَّ ذكر الأربعة الأَولَ باللامِ، والأربعةُ الأخيرةُ بفي للأبدانِ بأنهم] أرجحُ
(6)
في استحقاق التّصدقِ عليهم ممنْ سبق ذِكْرهُ؛ لأنّ في للوعاءِ فنبهَ على أنهم أحقاءُ بأنْ تُوضَعُ فيهم الصدقاتُ، وذلك لما في فكِّ الرِقابِ من الكتابة أو الرِّقِ أو الأَسْرِ، وفي فكِّ الغارمينَ منِ الغُرمِ مِنَ التخليصِ، والإيقادِ، ولجمعِ الغارمِ الفقيرِ،
(7)
أو المنقطعِ في الحجِّ بينَ] الفْقرِ
(8)
، والعبادةِ، وكذلك ابنَ السبيلِ جامعٌ بين الفَقْرِ، والغُربةِ عن الأهلِ والمالِ، وتكريرٌ في قوله:{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ}
(9)
فيه فَصْلٌ، وترجيحٌ لهذين على الرِقاب والغارمين، كذا في الكَشّافِ
(10)
(11)
، (وقد سقطَ منها)
(12)
{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}
(13)
إلى قوله: (وعلى ذلك انعقدَ الإجماعُ)
(14)
(15)
، فإن قِيل: إنّ النسخَ بالإجماع لا يجوزُ
(16)
، بل لا يُتصّورُ لأنَ وقتَ حجتهِ الإجماعُ لم يبقَ، أوانُ النسخِ ووقتُ جوازِ النسخَ لا ينعقدُ بالإجماعِ؛ لأنّ جوازَ النسخِ وقْتَ حياةِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك الوقتُ الإجماعُ ليسِ بحُجةٍ، وفيما صار حُجةً، وهَو بعد وفاة النبِّي عليه الصلاة والسلام لم يبقَ، فلمّا تعاقَبا وقتاً لم يُتصوْر للاجتماعِ بينَ جوازِ النسخ، وحجيةِ الإجماعِ، فلابُدَّ أنْ يكونَ الناسُخ حجةً
(17)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(2)
سقطت في (ب).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: 2/ 391.
(4)
هو: أحمد بن علي بن الحسين بن شهريار، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص من أهل الري، من فقهاء الحنفية، سكن بغداد ودرس بها تفقه الجصاص على أبي سهل الزجاج، وعلى أبي الحسن الكرخي، وتفقه عليه الكثيرون. انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته. كان إمامًا، رحل إليه الطلبة من الأفاق. خوطب في أن يلي القضاء فامتنع، وأعيد عليه الخطاب فلم يقبل. من تصانيفه:(أحكام القرآن)، و (شرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي)، و (شرح الجامع الصغير).
يُنْظَر: (سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء: 15/ 245)، و (الجواهر المضية: 1/ 84)، و (الأَعْلَام للزركلي: 1/ 171).
(5)
سورة التوبة الآية (60).
(6)
في (ب): (أرسخ).
(7)
في (ب): (المنقطع).
(8)
في (ب): (الفقراء).
(9)
سورة التوبة الآية (60).
(10)
كتاب: "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل" للعلامة جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشرى (467 ـ 538 هـ) الْكِتَاب مطبوع في أربعة مجلدات طبعته دار الْكِتَاب العربي ـ بيروت عام 1407 هـ.
(11)
يُنْظَر: (2/ 270).
(12)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 36).
(13)
سورة التوبة الآية (60).
(14)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 111).
(15)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (3/ 195).
(16)
اختلف أهل الاصول في جواز النسخ بالاجماع فقد أجازه بعض الحنابلة بطريق أن الاجماع موجب علم اليقين كالنص فيجوز أن يثبت النسخ به، والاجماع في كونه حجة أقوى من الخبر المشهور، وإذا كان يجوز النسخ بالخبر المشهور فجوازه بالاجماع أولى.
وأكثر أهل العلم على أنه لا يجوز ذلك، لان الاجماع عبارة عن اجتماع الآراء على شئ، ثُمَّ ان النسخ حال حياة رسول الله عليه الصلاة والسلام لاتفاقنا على أنه لا نسخ بعده، وفي حال حياته ما كان ينعقد الاجماع بدون رأيه، قال ابن حزم: جوز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح، والإجماع على خلافه، قال: وذلك دليل على أنه منسوخ، قال: وهذا عِنْدَنَا غلط فاحش؛ لأن ذلك معدوم، لقوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام وحي محفوظ.
يُنْظَر: أصول السَّرَخْسِي (2/ 66) إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول (2/ 75).
(17)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة: 1/ 127.
قلنا: قد ذَكَر شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِي، وفَخْرُ الْإِسْلَام -رحمهما الله-
(1)
: أنَّ النسخَ بالإجماعِ جوَّزهُ بعضُ مشايخِنا، بطريقٍ أنّ الإجماعَ، مُوجِبٌ عِلْمَ اليقينِ كالنِّص، فيجوزُ أنْ يَثْبُتَ النَّسخُ بهِ، والإجماعُ في كونِهِ حُجةً أقوى مِن الخبرِ المشهورِ، فإذا كان يجوزُ النسخُ بالخبرِ المشهورِ بالزيادة، فبالإجماع أَوْلَى وأمّا اشتِراطُ حياةِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام في حقِّ جوازِ النسخَ، فجائزُ أنْ لا يكونَ مشَروطًا على قول ذلك البَعْضِ، ألا تَرَى أنَّ النسخَ بالمتواترِ، وبالمشهورِ بطريقِ الزيادةِ جائزٌ، ولا يُتَصّورُ النسخُ بالمتواترِ، والمشهورِ، والآحادِ إِلاَّ بعدَ وَفاةِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام لما أنَّ المتواترَ، والمشهورَ، والآحادَ إنما يُعَرفُ بالتفرقَةِ بينها، بهذه الأسامِي في القَرْنِ الثاني، والثالث لما عُرفَ في أصول الفقه؛ لِعدَم الاحتياجِ إلى التواترِ، والشُّهرَةِ حالَ حياةِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام وقالَ الشيخُ الإمامُ بدرُ الدِّينِ الكردري رحمه الله: في جوازِ نسخِ المُؤلَفَةِ قلوبهُم ثلاثُةَ أُوْجُهٍ:
أحدهُا:
…
جازَ أَنْ يكونَ في ذلك نصٌّ وكانَ عُمَرُ رضي الله عنه يذكرهُ دونَ غيره
(2)
، كما أنَّ قراءةَ التتابُع في قوله:(ثلاثةُ أيامٍ متتابعاتٍ)، فَذَكَرَهُ ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه دونَ غيرِه
(3)
.
والثاني:
…
أنْ يكونَ هذا انتهاءُ الشيءِ بانتهاءِ عِلتِهِ، كانتهاءِ جوازِ الصومِ بانتهاء وقتهِ، وهو النهارَ، وانتهاءُ وجوبِ كَفارةِ الفِطْرِ بانتهاءِ شهرِ رَمضان
(4)
.
والثالث:
…
أنّ كُلَّ شيءِ يعودُ على موضوعِه بالنقصِ باطلٌ
(5)
فلو قلنا: ببقاءِ جوازِ الدَّفع إلى المُؤلَفَةِ قلوبهُم يلزَمُ هذا؛ لأنهُ إنما يبذُلُ لهمْ المالَ لِدَفعِ شِّرهِمْ، لتكُونَ بيضةُ الدّينِ محميةً، ولا يَؤُولُ إلى الدِّينِ ذُلٌّ وصَغارٌ من] جانبهم
(6)
، فلما وَقَعَ الأمُر عن شِّرهِم يكونُ الإعطاءُ ذُلًا وصغارُ للإسلامِ فلا يُعْطَوْنُ
(7)
.
(1)
يُنْظَر: أصول السَّرَخْسِي (2/ 66).
(2)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 342)، البناية (3/ 524).
(3)
أخرجه عنه عبدالرزاق في مصنفه، باب صيام ثلاثة أيام وتقديم التكفير، (8/ 513)، والْبَيْهَقِي في سننه، باب التتابع في صوم التكفير، (10/ 60).
(4)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 296)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 258).
(5)
يُنْظَر: البناية (3/ 525).
(6)
في (ب): (جوانبهم).
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 260).
وذكَر فَخْرُ الْإِسْلَام رحمه الله: أنّ المؤلفةَ قلوبهُم كانُوا على ثلاثةِ أنواعٍ: نوعٌ كان يتألَفُهم رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام لِيُسلِمُوا، ويسْلِمَ قومُهم بإسلاِمهم، وَنَوعٌ منِهم أسلَمُوا، ولكن على ضَعْفٍ، فيريدُ تقريَرهم لِضَعفِهم، وَنوْعٌ منِهم لِدَفْعِ شَرِّهِمْ. مثل:] عينيه
(1)
بن حِصْنِ
(2)
، والأقرعُ بنُ حابسِ
(3)
، والعباسُ بنُ مُرداسِ
(4)
، وكانُوا هؤلاءِ رُؤساءُ قُريشٍ، ولم يكنْ رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام يُعطيِهم خوفًا منِهم، فَإنّ الأنبياءَ عليهم السلام لا يخافونَ أحدًا سِوى الله تعالى، وإنمّا أعطاهم خشيةَ أن يكبّهُم اللهُ على وُجوهِهم في نارِ جهنمَ، ثُمَّ صار ذلك منسوخًا بإجماعِ الصحابةِ
(5)
في خِلافة أبي بكرٍ لمعرفتهم بالدّاعي إليهِ، وأجمعوا عند زوالِ الداعيِ على سقوطهم
(6)
، وذَكَر في "المَبْسُوط"
(7)
: وقيِل: كانوا وَعَدَوا أن يُسلموا، ثُمَّ قال: فإنْ قيِل: كيف يجوز أن يُقَالَ: بأنهُ يصُرَفُ إليهم وهَمْ كفارٌ؟ قلنا: الجهادُ واجِبٌ على الفقراءِ مِن المسلمينَ، والأغنياء لِدَفْعِ شرِّ المشركينَ، فكان يَدفَعُ إليهم جُزءًا مِن مالِ الفقراء لِدفع ِشرِّهم، وذلك قائِمٌ مَقامَ الجهادِ في ذلك الوقتِ، ثُمَّ سقطَ هذا السهمُ بوفاة النبي عليه الصلاة والسلام.
(1)
في (ب): (عتبه) ولعل ما أثبته هو الصحيح. يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 259).
(2)
هو: عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر كنيته أبو مالك الفزاري وقد قيل كنيته أبو عبد الله كانت منه هنة في أيام أبى بكر ثُمَّ أصلحها الله ومات في آخر خلافة عثمان وله عقب كثير وكان ينزل الحمات موضع في البادية وهى أرض عذرة وبلى.
يُنْظَر: (ثقات ابن حبان: 3/ 312)، و (الإصابة في تمييز الصحابة: 4/ 767).
(3)
هو: الأقرع بن حابس التميمي، أبصر النبي عليه الصلاة والسلام يقبل الحسن بن على فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدًا منهم، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام:(من لا يرحم لا يرحم). روى عنه أبو هريرة.
(ثقات ابن حبان: 3/ 18)، و (الإصابة في تمييز الصحابة: 1/ 101).
(4)
هو: العباس بن مرداس أبو الهيثُمَّ السلمي، من بني الحارث بن بهثة له صحبة، وهو العباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد بن عبس بن رفاعة، وابنه جاهمة بن العباس يقال: إن له صحبة.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (3/ 288)، الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 633)، تقريب التهذيب (ص 488).
(5)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 45).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 259.
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: 3/ 15.
هكذا قال/ الشعبيُ رحمه الله
(1)
، وُروِيَ أنهم في خِلافِة أبي بكرٍ رضي الله عنه، استبدِلوا الحظّ لنصيبهِم فَبَذَلَ لهم، وجاؤَوا إلى عُمرَ رضي الله عنه، فاستبدلوا حظّهُ فأَبى، وَمزَّقَ حظّ أبي بكرٍ رضي الله عنه وقال: هذا شيءٌ كان يعطيكم رسولُ اللهُ عليه الصلاة والسلام تأليفًا لَكُمْ، فأما اليومَ فقد أعزَّ اللهُ الدِّينِ، فإنْ شِئْتُم على الإسلامِ، وإِلاَّ فبيننا وبينكُم السيفُ، فعادوا إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه، فقالوا: أنت الخليفةَ أمْ عُمر بَذَلْتَ لنا الحظَّ، ومزّقَهُ عُمَر؟] فقال
(2)
: هو إنْ شاءَ فلمْ يخُالفْه
(3)
(4)
. وهذا مَروْيٌّ عنْ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله
(5)
وقدْ قِيلَ: على العكسِ
(6)
وفائِدةُ هذا الخلافِ
(7)
إنما تظهُر في الوَصَايا والأوقافِ، أمّا الزَّكَاةُ فيجوزُ صرْفُها إلى صِنفٍ واحدٍ عِنْدَنَا، فلا يظهرُ هذا الخلافُ، كذا في "المَبْسُوط"
(8)
.
(1)
هو: هو عامر بن شراحيل الشعبي، أصله من حمير، منسوب إلى الشعب شعب همدان، ولد ونشأ بالكوفة، وهو رواية فقيه، من كبار التابعين، اشتهر بحفظه. كان ضئيل الجسم. أخذ عنه أبو حنيفة وغيره. وهو ثقة عند أهل الحديث، اتصل بعبد الملك بن مروان، فكان نديمه وسميره، أرسله سفيرا في سفارة إلى ملك الروم، خرج مع ابن الأشعت فلما قدر عليه الحجاج عفا عنه في قصة مشهورة. مولده سنة عشرين وقد قيل سنة إحدى وعشرين ومات سنة تسع ومائة، وقد قيل: سنة خمس ومائة، ويقال: أربع ومائة على دعابة فيه وقد نيف على الثمانين، وكانت أمه من سبي جلولاء روى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (5/ 185)، التاريخ الكبير (6/ 450)، الجرح والتعديل (6/ 322).
(2)
سقطت في (ب).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 16)
(4)
أخرجها الخطيب البغدادي بسنده في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، باب كتب الأحاديث المعادة (2/ 307).
(5)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 488)، حاشية ابن عابدين (2/ 342).
(6)
أي بجواز إعطاء الزكاة لمن حدث إسلامه من الكفرة؛ تطييباً لقلبه، وتقريراً له على الإسلام، ويعطى الرؤساء من أهل الحرب؛ إذا كانت لهم عصبة يخاف على المسلمين منهم؛ لأنّ المعنى الذي كان النبي عليه السلام يعطي أولئك لأجله، موجود في هؤلاء. يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 300).
(7)
اختلف أهل العلم في جواز الصرف الزكاة لصنف واحد من فقال بعضهم يجوز للمالك، أو للإمام أن يقتصر على صنف واحد، وهو قول عمر وعلي وابن عباس والثوري مالك وأحمد في ظاهر الرواية.
وقال الشَّافِعِي: تصرف جميع الصدقات كالزكاة، وصدقة الفطر، وخمس الزكاة إلى ثمانية أصناف، ويكون من كل صنف ثلاثة، إِلاَّ العاملين عليها، فإنه يجوز أن يكون العامل واحداً، فإن فرّق زكاته بنفسه، أو بوكيله، سقط نصيب العامل، فيفرّق الباقي على سبعة أصناف، أحد وعشرين نفساً إن وجدوا، حتى لو ترك واحداً منهم ضمن نصيبه، وهو قول عكرمة وداود الظاهري.
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 186)، الْمُغْنِي (2/ 528)، الْحَاوِي (3/ 387)، المهذب (1/ 171)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 46).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 15، 16).
وعن أبي يُوسُف رحمه الله: أنهما صِنْفٌ واحدٌ حتى] قال: فيمِن]
(1)
أوصى بثُلُثِ مالِهِ لفلانٍ، وللفقراءِ، والمساكينِ أنّ لفلانَ نصفُ الثُّلُثِ، وللفريقينِ نصفُ الثلثِ كأنهما صِنفَ واحدٌ، وقالَ أبو حنيفةَ رحمه الله: لفلانٍ ثلثُ الثلثِ فجعلهما صِنفين، وهو الصحيحُ كذا ذَكَره فَخْرُ الْإِسْلَام رحمه الله
(2)
، ولِكُلٍ وجهٌ، أمّا وَجْهُ مَنْ قال بالأولِ، وهو أنّ المسكينَ أسوأُ حالًاِ من الفقيرِ، فقال: الفقيرُ هو الذي يمِلكُ شيئًا، ولا يُغنيهِ قالَ الراعي
(3)
:
أما الفقير الذي كانت حلوبته
…
وفق العيال فلم يترك له سَبَدُ
(4)
(5)
والمسكينُ مَنْ لا يمِلكُ شيئًا قال الله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}
(6)
أي: لاصِقًا بالتُرابِ مِنَ الجوعِ والعِرِىِّ، وأمّا وجهُ مَنْ قال بالثاني: وهو أنّ الفقيرَ أسوأُ حالًا مِنَ المسكينِ، فقال: المسكينُ مَنْ يملكُ مالًا يُعنيه، قال الله تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}
(7)
، وقال القائل
(8)
:
هل لك من أجرٍ عظيم تُؤْجَرُه
…
تُغيث مسكيناً كثيراً عسكرُه
عشر شياه سمعه وبصرُه
والفقيرُ هو الذي لا يمِلكُ شيئًا، مُشتقٌ مِن انكسارِ فُقْار الظهر، والحديث يشهد لهذا، وهو ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام قال:«اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مِسْكينًا، واحشرني في زُمرةِ المساكينِ»
(9)
(10)
غير مُقَّدرٍ بالثمنِ خلافًا للشافعي رحمه الله، وقالَ الشَّافِعِي: يُعطيهم الثُمَن
(11)
؛ لأَنّ القِسمةَ تقتضي المساواةَ في الأصل، فيكونُ بيانًا لحِصَتِهِ، وأنَّا نقولُ: بأنهُ يستحقُهُ عَمالةً، ألا ترى أنّ صاحبَ المالِ لو حَمَلَ الزَّكَاةَ إلى الإمامِ لم يستحقِ العاملُ شيئًا، فيتَقَدرُ بِقَدرِ العملِ، ولو هَلَكَ ما جمعوهُ قَبلَ أنْ يأخذوا منه شيئًا سقط حقُّهم؛ يعني لو مَلَك المالَ الذي في يدِ العاملِ سقط حقُّهُ، وأجزتْ الزَّكَاةُ عن المؤدين؛ لأنهُ بمنزلةِ الإمامِ في القبضِ أو أنهُ نائِبٌ عن الفقيرِ في القبضِ فإذاَ تمّ القبضُ سقطتْ الزَّكَاةُ لكنّ حِقّهُ وَجَبَ عمالةً، وذلك في معنى الأُجرةِ، وأَنهُ مُتعلقٌ بالمحَلِّ الذي عَمِلَ فيه فإذا مَلَكَ سقطَ حقّهُ كالمضُارِبِ إذا مَلَكَ مالَ المضُارَبةَ ِفي يدهِ بعد التصّرفِ، كذا في "المَبْسُوط"، و"الإيضاح"
(12)
، إِلاَّ أنّ فيه شبِهةُ الصدقةِ،] ولا
(13)
يأخذُهُ العاملُ الهاشمي
(14)
(15)
، فذا جوابُ شُبهة تُردُّ على قولهِ؛ لأِنّ استخفافه بطريقِ الكفايةِ لا بطريقِ الصدقةِ، فيقولُ: إنّ ما يأخذُهُ العاملونَ، وإنْ كانَ] في الحقيقةِ
(16)
أُجرةً لعملهِم، ولكنْ فيه شُبهة الصدقةِ، بدليلِ سُقوطِ الزَّكَاةِ عن صَاحِبِ المالِ بأَخْذِهِ، فَنَزّهَ قرابةَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام عن شُبهةِ الصدقةِ، وفي المنُتقى
(17)
رَجُلٌ مِن بني هاشم اسُتعْمِلَ على الصدقةِ،] وأخرى
(18)
له منها رِزقًا فإنه لا ينبغي أن يأخذ منِ ذلك، وإن عَمِلً فيها، وُرزِقَ منِ غيرِها، فلا بأسَ بذلك، كذا في "المحيط"
(19)
.
(1)
سقطت في (ب).
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 262).
(3)
هو: أبو جندل، عبيد بن حصين النميري من كبار الشعراء، وإنما لقب بالراعي لكثرة ما يصف الإبل في شعره، امتدح عبدالملك بن مروان، وعاصر جريرا والفرزدق، وكان يفضل الفرزدق فهجاه جرير، (ت 90 هـ).
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (4/ 597)، الوافي بالوفيات (19/ 283)، طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي (2/ 502).
(4)
يُنْظَر: لسان العرب (5/ 60).
(5)
السبد للشعر كاللبد للصوف، يقال له: سبد، يقال: ليس له سبد ولا لبد، أي: لا قليل ولا كثير. يُنْظَر: الصِّحَاح (2/ 483)، القاموس المحيط (1/ 366).
(6)
سورة البلد الآية (16).
(7)
سورة الكهف الآية (79).
(8)
يُنْظَر: لسان العرب (13/ 211).
(9)
وان كان لعدم الشي ولاكن لايبلغ نصاباً "واما السفينه" ان السفينه كانت عاريه في ايديهم او بطريق الاجارة كذا في الجامع الصغير للقاضي كان غير مقدر بالثمن خلافا.
(10)
أخرجه الترمذي باب أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم من حديث أنس رضي الله عنه (4/ 577) وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وأخرجه الْبَيْهَقِي في سننه باب الزهد وقصر الأمل من حديث أنس رضي الله عنه (7/ 340)، وقد صححه الشيخ الألباني في سنن الترمذي (4/ 577).
(11)
يُنْظَر: الْحَاوِي (8/ 522)، الْمَجْمُوع (6/ 187).
(12)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 14)، بَدَائِعُ الصَّنَائع:(2/ 44).
(13)
في (ب): (فلايأخذه).
(14)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 112).
(15)
قال النووي في الْمَجْمُوع (15/ 470): أما الهاشميون فهم بنو هاشم بن عبد مناف واسمه عمرو، وسمى هاشما لهشمه الثريد أيام المجاعة ا. هـ.
(16)
سقطت في (ب).
(17)
كتاب المنتقى في الفقه الحنفي لمُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحمد، أبو الفضل المروزي السلمي البلخي، الشهير بالحاكم الشهيد، قاض، ووزير، كان عالم مرو، وإمام الحنفية في عصره، ولى قضاء بخارى، (ت 334 هـ)، جمع فيه مصنفه نوادر المذهب الحنفي، بعد مطالعته في ثلاثمائة جزء مؤلف، والكتاب مفقود حسب ما ذكر ذلك الغزي في الطبقات السنية. يُنْظَر: الطبقات السنية (1/ 45)، كشف الظنون (2/ 1851)، الفوائد البهية (ص 305).
(18)
في (ب): (وأجري).
(19)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 490).
(وفي الرقاب يُعان المكاتَبون منها)
(1)
، أي: المُرادُ مِن الرقابِ إعانةُ المكاتبين على أداءِ بَدَلِ الكتابة تصُرفُ الصدقةُ إليهم عِنْدَنَا، وقال مالك رحمه الله
(2)
: المرادُ أنْ يَشري بالصدقةِ عبدًا فيعتقُهُ، وهذا فاسِدٌ؛ لأنّ التمليكَ لاُبَّد منهُ، ومَنْ يأخذْ بائعَ العبدِ عَوضاً عن مُلكِه، والعبدُ يُعتقُ على مُلْكِ المولى، ولا يُوجدُ فيه التمليك
(3)
.
قوله رحمه الله
(4)
(هو المنقول) ُ
(5)
، أيْ عن رسولِ الله عليه الصلاة والسلام، فإنه رُوِيَ أنّ رجلًا قال: أيْ رَسولَ اللهِ «دُلَنِي على عَمَلٍ يُدخلُني الجنة َ» ، قال:«فُكَّ الرقبة، أو أعِتقْ النَسْمةَ» قال: أو ليسا سواءً يا رسولَ اللهِ؟)
(6)
قال: «فَكُّ الرقبةِ أنْ تُعينَ في عتقِهِ»
(7)
.
(وفي سبيل الله مُنقطَعُ الغزاةِ)
(8)
، أيْ فقراءُ الغزاةِ، وكذلك المراد مِن مُنقطع الحاجِ، أي فقراءُ الحاجَ المنقطع بهم، ولا يصُرفُ إلى أغنياءِ الغزاة عِنْدَنَا خلافًا للشافعي رحمه الله
(9)
فإنه يقول: يُصرفُ إلى أغنيائِهم/ واستدلَّ بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تحلُّ الصدقةُ لغِني إِلاَّ لخمسه»
(10)
مِن جملتهم الغزاةُ في سبيل الله، ولكنْ نقول، المرادُ الغنيُّ بقوةِ البدنِ، والقُدرة عِلى الكَسْبِ إنما يكونُ بالبَدَنِ لا يملِكُ المالَ بدليلِ الحديثِ الآخرِ:«ورُدهَّا في فقرائِهم»
(11)
، كذا في "المَبْسُوط"
(12)
، وذكر تلكَ الخمسةَ
(13)
(14)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(2)
يُنْظَر: المدونة (1/ 345)، الاستذكار (3/ 212).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 16).
(4)
سقطت في (ب).
(5)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 112).
(6)
سقطت في (ب).
(7)
رَوَاهُ الحاكم في المستدرك (2861 - 2/ 236). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعلّق الذهبي في التلخيص فقال: صحيح.
(8)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(9)
يُنْظَر: الوسيط (4/ 563)، الْحَاوِي (8/ 443).
(10)
أخرجه أبو داود باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما ولفظه (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)(2/ 37)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (5/ 336)، و أخرجه الترمذي في سننه باب من لا تحل له الصدقة من حديث عبدالله بن عمرو أيضا (3/ 42)،، وأخرجه النسائي في سننه باب إذا لم يكن له دراهم وكان له عدلها من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (5/ 99)، قال الترمذي حيث قال: حديث عبدالله بن عمرو حديث حسن ا. هـ. (3/ 42)، وصححه الألباني في تعليقاته على السنن (5/ 99).
(11)
رَوَاهُ مسلم في صحيحه (19)، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام.
(12)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: 3/ 17.
(13)
في (ب) زياده (في التجنيس).
(14)
سبق تخريجه ص (204).
وذَكَرَ في "المصابيح"
(1)
وفي روايةٍ «وابنِ السبيل» ، فإنْ قلتَ: قولُه: وفي سبيلِ الله مُكررٌ بأحدِ الفريقينَ، وهُما الفقراءُ، وابنُ السبيلِ، فإنهُ إنْ لم يكنْ في وطنِهِ مالٌ فهو، والفقيرُ سواءٌ، وإنْ كان في وطنهِ مالٌ فهو، وابنُ السبيل سواءٌ، فبأيِّ شيءٍ يمتازُ مَنْ هو في سبيلِ اللهِ عن هذين الفريقين؟ وحتى يُتِمَّ عدَد السبعةِ به.
قلتُ: هوُ فقيرٌ إِلاَّ أنُه ازدادَ فيه شيِء آخرَ سوِى الفقيرِ، وهو الانقطاعُ في عبادةِ اللهِ من جهادٍ أو حجٍ، فلذلكَ غايرَ الفقيرَ المطُلقَ الذي هُو خَاْلٍ عن هذا القيدِ، ولاشَكَّ أنَّ المقيدَّ غيرَ المطلقِ وظهَر أثرُ التغايرُ في حُكمْ ٍآخرَ أيضًا، وهو زيادةُ تحريصٍ، وترغيبٍ في رعايةِ جانبِه التي استُفيدَتْ مِن العدُولِ عن اللامِ إلى كَلِمِهِ فَّي وتكرارُها أيضًا على ما ذكرناِ مِن الكشَّافَ، فلما غايرهمُا لفظًا، وحُكْمًا لم ينتقضْ الصارفُ عن السبعةِ، ثُمَّ هؤلاءِ الأصنافُ مصارفُ الصدقاتِ، لا يستحقونَ لها عِنْدَنَا حتى يجوزُ الصرف إلى واحدٍ منهم وقال الشَّافِعِي رحمه الله
(2)
: هُمْ يستحقونَ لها حتى لا يجوزُ ما لم يصُرفْ إلى الأصنافِ السبعةِ من كُلِّ صنف ثلاثةُ، وهم واحدٌ وعشرون؛ لأِنّ الله تعالى أضافَ إليهم بلامِ التمليكِ، وقالَ عليه الصلاة والسلام:«إنّ الله تعالى لم يرضَ في الصدقاتِ بِقسمِة مَلِكٍ مُقَربٍ، ولا نبيِّ مُرسَلٍ حتى تولى قسمتَها مِن فَوقِ سبعةِ أَرْقِعَةٍ»
(3)
، واعتبرَ أمرَ الشرْعِ بأمرِ العبادةِ، فإنّ مَنْ أوصى بثُلثِ مالهِ لهؤلاء الأصنافِ، لم يجزْ حُرمانُ بعضهِم، فكذلك في أمرِ الشرْعِ، ولنا قوله تعالى:{وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}
(4)
. وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله عنه: «خُذْهَا مِن أغنيائِهم
(5)
، ورُدَّها في فقرائِهم»
(6)
وبعثَ عُمر ِ رضي الله عنه بِصدَقةٍ إلى أهلِ بيتِ رَجُلٍ واحدٍ
(7)
، وهكذا نُقِلَ عنِ ابنَ عباسٍ
(8)
، وحُذيفةَ
(9)
رضي الله عنهما؛ ولِأَنَّ المقصودَ إغناءُ المحتاجِ، وذلك حاصٍلُ بالصَّرْفِ إلى واحدٍ وبهِ فارقَ أوامرَ العباد؛ لأنّ المعُتبرَ فيها اللفظُ دُونَ المعنى، فقد تقعُ ضالتُه عن حِكْمَةٍ حميدةٍ بخِلافٍ أوامر الشَّرْعِ، فإنّ المعُتبرَ في أوامِر اللهِ تعالى المعنى، وفي أوامرِ العبدِ الاسمُ كَمَنْ قال لآخر: كَاِتْبْ عبدي إِنْ عَلِمْتَ فيهِ خيرًا، وكَاْتَبهُ، ولم يعلمْ فيهِ خيرًا لم يجْز، وفي أمرِ الله تعالى بالكتابةِ على هذا الشرطِ، ومع أنُه لو كَاتَبَ، ولم يَعلمْ فيه خيرًا جَازَ
(10)
.
(1)
يُنْظَر: مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 235).
(2)
يُنْظَر: الوسيط (4/ 563)، الْحَاوِي (8/ 443).
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى (2/ 35)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (2/ 124) وقال: إسناده ضعيف؛ لسوء حفظ عبدالرحمن بن زياد وهو الأفريقي، وبه أعله المنذري ا. هـ.
(4)
سورة البقرة الآية (271).
(5)
سقطت في (ب).
(6)
رَوَاهُ مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام حديث رقم (19).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 113)، الْمُغْنِي (2/ 528).
(8)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 46)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 265).
(9)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 46)، الْمُغْنِي (2/ 528).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 16، 17).
أمّا الآيُة فقد قالَ ابنُ عباسٍ: المرادُ بيانُ المصارفِ
(1)
قال: أيُّها صَرَفَتْ أَجْزَاكَ كما أنّ الله تعالى أمرنا باستقبالِ الكعبةِ فيِ الصَّلَاةِ، فإذا استقبلْتَ جُزءًا مِنها كُنِتَ ممتثلًا للأجْرِ ألا ترى أنّ الله تعالى ذَكَر الأصنافَ بأِوْصَافٍ تُنبئُ عن الحاجةِ، فعرفنا أنَّ المقصودَ سد خُلَة المحتاجُ، فصاروا صِنفًا واحداً في التحقيقِ، واسُمَ الجمْعِ مُستعارٌ عن الجِنْسِ لمِا عُرِفَ بخلافِ الوصيةِ
(2)
؛ لأنا ألفينا الأسماءَ في الواجبِ عليهِ صدقةٌ؛ لأَنّ ما تجبُ صدقةٌ يجبُ الإخراجُ إلى الله تعالى، ثُمَّ الصرفُ إلى الرِزقِ، حتى أنّ رجلًا لو نَذَرَ
(3)
فقالَ: للهُ عليَّ أنْ أتصدقَ بمالٍ على الأصنافِ السبعةِ كانَ لهُ أنْ يُؤدِيْها إلى فقيرٍ واحدٍ؛ لأِنهُ التزم بلفظِ الصَّدَقَةِ فأمّا الوصيُّ فما ثَبَتَ لهُ وِلايةُ التصُّرفِ بِحُكْمٍ أنها صدقةٌ، بل بأمرِ الموُصِي بالصَّرْفِ إلى حيثُ سماهُ، وإنما سمىَّ سبعةَ أسماءٍ، فيجبُ الصرفُ على ذلك، كذا في "المَبْسُوط"، و"الْأَسْرَارِ"، و"الجامعِ الصغيرِ" للتمرتاتشي
(4)
.
(ولا يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلى ذِميِّ)
(5)
، وقال زُفَرُ رحمه الله: الإسلامُ ليسَ بشرطٍ في مَصْرفِ الزَّكَاةِ وغيرِها؛ لأنَّ اللهَ تعالى حيثُ ذَكَر الفقراءَ في الصدقاتِ، لم تقيدُ بِصفة الإسلامِ، فإثباتُ القيدِ يكونُ زيادةً فيجري مَجْرىَ النَّسخِ ألا ترى أنُه يجوزُ صَرْفُ الكَّفاراتِ إلى أهلِ الذِّمةِ، وهي واجبةٌ لما أنّ لله تعالى لم يقيْد المسكينَ بالإسلامِ، كذا في "الْأَسْرَارِ"
(6)
(7)
.
(1)
يُنْظَر: أحكام القرآن للكيا الهراسي: (4/ 206)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 46)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 265).
(2)
الوصية في اللغة: الإيصال، مأخوذة من: وصيت الشئ إذا وصلته.
والوصية شرعاً: تبرّع بحق مضاف لما بعد الموت. وسمي هذا التبرع بالوصية، لأن المُوصي قد وصل به خير عُقْباه بخير دنياه. يُنْظَر: الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشَّافِعِي (5/ 41).
(3)
النذر لغة: الإيجا، تقول: نذرت كذا إذا أوجبته على نفسك، وشرعاً: إلزام مكلف مختار نفسه شيئاً لله تعالى. يُنْظَر: الفقه الميسر في ضوء الْكِتَاب والسنة (1/ 392).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 17).
(5)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(6)
يُنْظَر: مجمع الأنهر: (1/ 329).
(7)
اختلف الفقهاء في مسألة دفع الصدقة إلى غير المسلم، كصدقة الفطر، والنذر، وكالكفارات، فعند أبي حَنِيفَةَ: يجوز صرفها إلى الذمي.
وقال مالك والشَّافِعِي وأحمد، لا يجوز دفع الكفارات، وصدقة الفطر، والنذور إليهم، وإنما يجوز التطوع، وبه قال مالك والشَّافِعِي.
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 261)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 127)، الْمَجْمُوع (6/ 228)، الْحَاوِي (8/ 470)، الإنصاف (9/ 166).
«خُذْها مِن أغنيائِهم، وُرَّدها في فقرائِهم»
(1)
، أي: فقراءِ المسلمينَ لما أنّ ضميرَ فقرائِهم يرجعُ إلى ما يرجعُ/ إليه ضمُير أغنيائِهم، وإِلاَّ يختلُّ الكلامُ، وُيفَكُّ النَّظْمُ، ثُمَّ الإجماعُ يَنعقِدُ على أنّ ضميرَ الأغنياءِ مُنصَرِفٌ إلى أغنياءِ المسلمين؛ لأنّ الزَّكَاةَ لا تجبُ على الكافرِ، فكذا ضميرِ فقرائِهم كان راجعًا إلى فُقراءِ المسلمين فإنْ قلْتَ: هذا زيادةٌ على النَّصِّ بخبرِ الواحدِ، وذلك لا يجوزُ، كما قالَ زُفَرُ رحمه الله
(2)
.
قلتُ: نعمْ الأصلُ هكذا إِلاَّ أنّ هذا النَّص عامٌ، قد خّصَّ منُه البعضَ بالدليلِ القطْعِيِّ بالإجماعِ، فيخصُ الباقي بخبرِ الواحدِ كما هُوَ الأصْلُ؛ وذلك لأِنّ الفقيرَ الحربيَّ مخصوصٌ منه بقولهِ تعالى:{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ}
(3)
الآية، وكذلك والدُه وولدهٌ، ومنكوحتُه مخصوصون بالإجماعِ، فيخصُّ الباقي بخبرِ الواحدِ مع أنَّ القاضيَ الإمامَ أبا زيدٍ رحمه الله ذَكَر في "الْأَسْرَارِ"
(4)
: أنّ هذا الحديثَ، حَديثٌ مشهورٌ، مَقبولٌ بالإجماعِ فزدْنا هذا الوصفَ به، كما زِدْنَا صفةَ التتابُع على صَوْمِ كفارةِ اليمينِ بقراءةِ ابنِ مسعودٍ، فصيامُ ثلاثةِ أيامٍ متتابعاتٍ
(5)
، فإن قلْتَ: جازَ أنْ يكونَ المرادُ منِ الحديثِ صدقةُ الفطْرِ، والكفارتِ حيثُ يجوزُ صرفُها إلى الذي عنَدنا.
قلتُ: ثبوتُ إرادةِ صدقةِ الفطرِ، والكفاراتِ منه بطريقين: أحدهُما: وجوبُ اتحِّادِ الضميرين على مَا ذكرتْ، فإنْ أخذَ صدقةَ الفطرِ، والكفاراتِ منِ أغنياءِ الكُفارِ لا يُتصوُر، فلمَّا لم يُردْ الكفارَ بالضميرِ الأولِ لم يُرِدْ بالثاني أيضًا.
والثاني: أنهُ ليسَ للسَّاعِي فيها وِلايةٌ الأَخْذِ، فكانَ الحديثٌ مُنصرِفًا إلى الزَّكَاةِ، إلى هذا أشارَ شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِي رحمه الله
(6)
، (ويَدفُع ما سِوى ذلك منِ الصدقةِ)
(7)
، أيْ: إلى الذِّمِّي لا إلى الحربي، والمستأَمَنِ.
(1)
سبق تخريجه ص (206).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 144)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (1/ 487).
(3)
سورة الممتحنة الآية (9).
(4)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَارِ (2/ 536).
(5)
أخرجه عنه عبدالرزاق في مصنفه، باب صيام ثلاثة أيام وتقديم التكفير، (8/ 513)، والْبَيْهَقِي في سننه، باب التتابع في صوم التكفير (10/ 60).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 201).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
قال في "المَبْسُوط"
(1)
: وفقراءُ المسلمينَ أحبُّ إليّ؛ لأِنهُ أبعدُ عن الخلافِ، ولأنهم يتقومُونَ على الطاعةِ، وعبادةِ الرحمنِ، والذِّمِّي يتَقَوى بهِ في طاعةِ الشيطانِ، تصدَّقُوا على أهلِ الأديانِ كُلهِّا إِلاَّ أنّ هذا الحديثَ مخصوصٌ في حقِّ الحربي، والمستأمنِ بقوله:{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ}
(2)
لقُلنا: بالجوازِ في الزَّكَاةِ لإطلاق قولِه تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ}
(3)
، فإنَ اسمَ الفقيرِ لا يُفرّقُ بينَ المُسلمِ والكافرِ لانعدامِ التمليكِ، وهو الركنُ؛ وذلك لأِنّ الأصلَ في دفعِ الزَّكَاةِ تمليكُ فَقيرِ مسلَمٍ غيرِ بني هاشمٍ، ولا مولاهُ مع قَطْعِ منفعةِ المدفوعِ عن نفسهِ مقرونًا بالنيةِ جازَ ذَلك وإِلاَّ فلا وقيَّدناً بالتمليكِ احترازًا عن إطعامِ الطعامِ بَطريقِ الإباحةِ، فإنهُ لا يجوزُ وسائُرِ القيودِ ظاهرٌ يخرجَ عليه كثيٌر مِنَ المسائلِ، والدليلُ على أنّ التمليكَ لم يتحققْ في تكفينِ الميّتِ، أنَّ الذِّئْبَ لو أكل الميتَ يكونُ الكفنُ للمُكَفِنِ لا لِورثةِ الميتِ، والحِيلةُ في بِنَاءِ المسجدِ بمالِ الزَّكَاةِ، أو إعتاقٌ لعبدٍ، وغيرِه لَمِنْ أرادُ ذلك أنْ يتصدَّقَ مقدارَ زكاتهِ على فقيرٍ، ثُمَّ يأمرُهُ بعدَ ذلك بالصْرِف إلى مُدّةِ الوجوهِ، فيكونُ لِصاحبِ المالِ ثوابُ الصدقةِ، ولذلك الفقيرِ ثوابُ هذه القُرب. كذا في "المحيط"
(4)
؛ (لأَنَّ قضاءَ دَيْنِ الغيرِ لا يقتضِي التمليكَ)
(5)
منهُ بدليل أنّ الدائِنَ، والمديونَ إذا تصادقا على أنْ لا دَيْنِ بينهما، فللمُؤَدِي أنْ يِسْتَرِدَ المقبوضَ مِنَ القابضِ، فلم يصير هو مُلكًا للقابِضِ، وإنما قُيّدَ بقوله:(ولا يُقضي بها دَيْن ميتٍ)
(6)
، فإنُه لو قضى بها دَينَ حيِّ بأمرِه فهو جائزٌ، ويقعُ عن الزَّكَاةِ لمِا ذُكِرَ أنهُ في شَرْح الطَّحَاوِيِّ، ولو قضى دَيْنَ حيٍّ، والمديونُ فقيرٌ، فإنْ قضى بغيرِ أمرِه يكون مُتبرعًا، ولا تجوز زكاةُ مالهٍ، ولو قضى بأمرِه جازَ كأنّه تصدّقَ على الغريمِ، فيكون القابِضُ كالوكيلِ لَهُ في قَبْضَ الصدقةِ
(7)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 201).
(2)
سورة الممتحنة الآية (9).
(3)
سورة التوبة الآية (60).
(4)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 493).
(5)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 112).
(6)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 268).
وذَكَرَ الإمامُ الولوالجي
(1)
(2)
: ولو أمرَ فقيرًا بقبضِ دَيْنٍ لهُ منِ زكاةِ ماله جازَ؛ لأنهُ قبض عينًا، والعُين يجوزُ عنِ العينِ والدَّين جميعًا، وأما لو تصّدقَ بمالهِ على الذي هُوَ لهُ عليهِ، وهو فقيرٌ جازَ عن ذلك الدَّينِ، ولم يجْز عن العينِ؛ لأِنّ في الوجهِ الأولِ أدّى الناقصَ عن الناقصِ وفي الوجهِ الثاني أدّى الناقصَ عن الكاملِ فلا يجوزُ.
(ولا يَدفعُ الزَّكَاةَ إلى أبيهِ وَجَدَهُ وإنْ عَلَا، ولا إلى وَلَدِهِ وإنْ سَفَل)
(3)
وكذلك لا يجوزُ دَفْعُ عُشّرهِ، وسائرُ واجباتهِ إلى هؤلاءِ، ولا إلى مماليكهِ، وزوجتهِ بخلافِ الرِّكَاز إذا أصابَهُ، له أنْ يُعطي خمُسةُ مِن أصلِ الحاجةِ منهم؛ لأِنّ له أن يمُسِكَهُ لحاجةِ نفسهِ، وإنْ بِقَيَ [ولد] أم ولده لم يعطهِ/ وكذا إلى المخلوقِ مِنْ مَائِه بالزّنا، ولو تزوجتْ امرأةُ الغائبِ، فولدتْ، قال أبو حنيفة رحمه الله: الأولادُ مِنَ الأولِ ومع هذا يجوزُ لِلأَولِ دَفْعُ الزكاة إليهم، وتجوزُ شهادتهُم له، كذا ذَكَره الإمامُ التُّمُرْتَاشِي
(4)
.
والأصلُ: أنّ كُلَّ مِنْ يَنْسِبْ إلى المؤدِّي بالولادِ أو يُنسبْ إليه المؤدي بالولاد لا يجوزُ صرفُ الزَّكَاةِ إليهِ، أمّا مَنْ سِواهم مِن القَرابة فيتمَّ الإيتاءُ بالصرفِ إليهِ فيجوز، وهو أفضلُ لما فيه من صِلةٍ بالرحم، كذا في "المَبْسُوط"
(5)
، رَجُل يَعُولُ أختَه، أو أخاه، أو عمَّهُ، فأرادَ أنُ يُعِطَيهُ الزَّكَاةَ فهذا على وجهين: إما أنْ لم يَفُرِضْ القاضِي النفقةَ عليهِ، أو فَرَضَ لزمانته
(6)
، ففي الوجهِ الأولِ جازَ؛ لأَنّ التمليكَ منِ هؤلاءِ يتحققُ بصفةِ القُربة منِ كُلِّ وجهٍ، فيتحققُ رُكنُ الزَّكَاةِ، وفي الوجهِ الثاني: إنْ لم يحتسِبْ مَنْ نفعهم جازَ، وإن كانَ يحتسبُ لا يجوزُ؛ لأَنّ هذا أداءُ الواجبِ بالواجبِ الآخرِ، كذا في التجنيسِ
(7)
.
(1)
هو: عبدالرشيد بن أبي حَنِيفَةَ نعمان بن عبدالرزاق بن عبدالله الولوالجي، ظهير الدين أبو الفتح، فقيه حنفي، قال أبو المظفر السمعاني: لقيته، وسمعت منه، وكان إمامًا، فقيهًا فاضلًا، حنفي المذهب، حسن السيرة، تفقه ببلخ على أبي بكر القزاز مُحَمَّد بن علي، وعلي بن الحسن البرهان البلخي. من تصانيفه:"الفتاوى الولوالجية"، وكتب "الآمالي" عن جماعة من الشيوخ.
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 417)، الفَوَائِد البهية (ص 94، 122)، معجم المؤلفين (5/ 220).
(2)
يُنْظَر: الفتاوى الولواجية (1/ 180).
(3)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(4)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 129).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 19).
(6)
الزمانة تكون في ستة العمى وفقد اليدين أو الرجلين أو اليد والرجل من جانب والخرس والفلج. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (3/ 628).
(7)
يُنْظَر: البحر الرائق: 2/ 217.
(ولا إلى امرأته)
(1)
(للاشتراكِ في المنافعِ)
(2)
قال الله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}
(3)
قِيل: مالُ خديجةَ رضي الله عنها
(4)
وعنَد الشَّافِعِي رحمه الله
(5)
يجوزُ بناءً على شَهادةِ الزوجِ لزوجتهِ على ما يجيء، كذا في "المَبْسُوط"
(6)
.
إجراءُ الصدقةِ، وإجراءُ الصِّلةِ، ولأنهُ لا حقَّ للزوجةِ في مالِ زوجِها، فيتم الإِيتِاءُ كالصَّرفِ إلى الإِخوةِ بخِلافِ الزوجِ إلى الزوجةِ وأبو حنيفةَ رحمه الله يقولُ: الزوجيةُ أصلُ الوِلادِ، ثُمَّ ما يتفرعُ مِن هذا الأصلِ يمنعُ صَرْفَ زَكاةِ كُلِّ واحدٍ منهما إلى صاحبهِ فكذلكِ الأصلُ، ألا ترى أنّ كُلَ واحدٍ فيهما يُتَهمُ في حقِّ صاحبهِ حتى لا تجوزُ شهادتُه لهُ، وإنَّ كُلَ واحدٍ منها يَرِثُ صاحَبهُ مِنْ غيرِ حَجْبٍ كما بالولادِ وحديثُ زينبَ
(7)
محَمُولٌ على صَدَقةِ التطوُّعِ، فقدْ رُوِيَ أنها كانتْ امرأٌة ضيقةَ اليدينِ تعملُ للناسِ، وتتصدقُ بذلك فيه، يقولُ: إنه يجوزُ صُرْفُ صدقةِ التطوعِ لِكُلِّ واحدٍ منهما إلى صاحبهِ، كذا في "المَبْسُوط"
(8)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 112).
(3)
سورة الضحى الآية (8).
(4)
يُنْظَر: تفسير النسفي (4/ 39).
(5)
في كلام المؤلف في قول الشَّافِعِي بجواز صرف الزكاة للزوجة نظر حيث قال الشَّافِعِي (وَلَا يُعْطِي زَوْجَتَهُ: لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ) يُنْظَر: الأم (2/ 80)، الحاوي (8/ 536).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 20).
(7)
حديث أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 335)، باب فضل النفقة والصدقة إلى الأقربين، والزوج، والأولاد، والوالدين، ولو كانوا مشركين، من حديث زينب رضي الله عنها، ولفظه زينب رَوَاهُ أنّ زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت لابن مسعود: اسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام أيجزئ عنّي إن أنفقت عليك وعلى أيتام في حجرتي من الصدقة؟ قال: سلي أنت رسول الله عليه الصلاة والسلام، قالت: فانطلقت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام/ فوجدت امرأة من الأنصار حاجتها مثل حاجتي، فمرّ علينا بلال رضي الله عنه، فقلت: سل لنا رسول الله عليه الصلاة والسلام هل يجزئ عني أن أتصدّق على زوجي وأيتام في حجرتي من الصدقة، وقلنا: لا تخبر بنا، فدخل فسأل رسول الله عليه السلام فقال:(من هما؟)، فقال: امرأة من الأنصار، وزينب، قال:(أيّ الزيانب هي؟)، قال: امرأة عبدالله، فقال:(نعم، يكون لهما أجران: أجر الصدقة، وأجر الصلة) واخرجه النسائي في سننه باب الصدقة على الأقارب من حديثها رضي الله عنها (3/ 73)، وابن حبان في صحيحه، باب النفقة من حديثها أيضا (10/ 58)، والطبراني في معجمه الكبير من حديثها أيضا (24/ 285)، والْبَيْهَقِي في سننه (4/ 178)، باب الاختيار في صدقة التطوع من حديثها أيضا، قلت: وأخرجه الْبُخَارِيُ (2/ 120) لكن بلفظ: (زوجك، وولدك، أحق من تصدقت به عليهم)، في باب الزكاة على الأقارب، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 20).
ولا يجوزُ دَفْعُ] الزَّكَاةِ
(1)
إلى مُعْتّدتِهِ المبتوتةِ
(2)
روايةً واحدةً تعتدُّ عن بائِنٍ واحدٍ أو ثلاث.
واعلم: أنّ في شهادةِ أحدِ الزوجين لصِاحِبٍ يُعْتبرُ الزوجيةَ وقتَ الأداءِ، وفي الرجوعِ في الِهبةِ وقتَ الِهَبةِ، وفي الوصيةِ وَقْتَ الموتِ، وفي الحدُودِ يَعتِبرُ كُلَّ الطرفين حتى لو سرق مِن امرأتهِ، ثُمَّ أبانها، أو مِن أجنبيةٍ، ثُمَّ تزوّجَها ثُمَّ اختصما لم يقطَعْ
(3)
كذا ذكره الإمام التُّمُرْتَاشِي، وله حقٌّ في كَسْبِ مُكاتبهِ حتى أنهُ لو تزوجَ جاريةً مُكاتِبةً لا يجوزُ، كما لو تزوجَ جاريةَ نفسهِ بخلافٍ بالوادي، زكاتُه إلى مُكاتِبٍ غَنَّيِ] فإنه يجوزُ؛ لأنّ ذلك منصوصٌ عليهِ مُطلقًا، قال الله تعالى:{وَفِي الرِّقَابِ}
(4)
، كذا في "المَبْسُوط"
(5)
[،
(6)
وقالا: يدفُع إليه؛ لأنُه مديونُ عندهما، وعلى هذا التعليل يجبُ أنْ يصُورَ المسألة في عَبْدٍ بين اثنين، أعتقَ أحدَهما، نصيَبه حتى يتأتى هذا التعليل فأما إذا كانَ العبدُ كُلَّه لهُ فأعتقَ بعضَهُ فإنَّهُ حُرٌّ كُلهُّ بغير دَيْنٍ عندهما؛ لأنُه لا سِعايةَ عليه عندهما، فلذلك ذكر فَخْرُ الْإِسْلَام رحمه الله في "الجامع الصغيرِ"؛ لأنهُ حُرٌ كُلهُّ ُمِن غيرِ ذِكر الدَّيْنِ، وإنْ كانتْ نفقتُه عليهِ أنّ هذِهِ للوصْلِ بأنْ كان ذِميًّا، أو أعمى بخلاف امرأةِ الغنيِّ حيثُ يجوزُ دفعُ الزَّكَاةِ إليها
(7)
.
وقال شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِي رحمه الله في "الجامع الصغير"
(8)
: ولو أعطى زوجةَ غَنيِ، وهي محتاجةٌ أجزأَهُ في ظاهرِ الرِواية
(9)
وَروى أصحابُ "الأمالي" عن أبي يُوسُف رحمه الله: أنه لا يجزيه؛ لأنها مكفية المؤنةِ بما يستوجبُ مِن النفقةِ على الغِني حالتي اليَسرِ، والعُسرة فالصرفُ إليها بمنزلةِ الصرفِ إلى وَلَدِ صغيرٍ لغنيِّ. وجهُ ظاهرِ الرِوايةِ أنها تستوجبُ النفقةَ عليه، وبهِ لا يخرجُ مِن أنْ تكونَ فقيرةً عن الأجُرِة، فيجوزُ الصرف إليها فأما الولدُ الصغيرُ للغِني يستوجبُ النفقةَ عليه بالِجزيةِ، فكان الصرفُ إليه بمنزلةِ الصرفِ إلى الغني، ولا يدفعُ إلى بني هاشمٍ. رَوى أبو عصمة
(10)
عن أبي حَنِيفَةَ رحمه الله: أنه يجوزُ دفعُ الزَّكَاةِ إلى الهاشمي، وإنما كان لا يجوزُ في ذلك الوقتِ، ويجوزُ النفلُ بالإجماعِ، وكذا يجوز النفلُ للغني
(11)
. كذا في فتاوى الْعَتَّابِيِّ
(12)
.
(1)
في (ب): (الصدقه) ولعل ما أثبته هو الصواب.
(2)
العدة شرعا تربص يلزم المرأة أو الرجل عند وجود سببه و بَتَّ الرجل طلاق امرأته فهي (مَبْتُوتَةٌ) والأصل مبتوت طلاقها إذا قطعها عن الرجعة، يُنْظَر: الدر المختار (3/ 502)، المصباح المنير (1/ 35).
(3)
يُنْظَر: الْبَحْرِ الرَّائِق: (2/ 262).
(4)
سورة التوبة الآية (60).
(5)
سقطت في (ب).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 20).
(7)
يُنْظَر: درر الحكام شرح غرر الأحكام: (2/ 401).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 20).
(9)
المقصود من ظاهر الرواية هو ما روي عن الأئمة الثلاثة في المذهب أبي حَنِيفَةَ وأبي يُوسُف ومُحَمَّد في الكتب الستة لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ والتي تعارفوا على تسميتها بكتب ظاهر الرواية. يُنْظَر عقود رسم المفتي لابن عابدين (ص 47).
(10)
هو: نوح بن أبي مريم، أبو عصمة المروزي، قاضي مرو. روى عن الاعمش وابن جريج وأبي حمزة السكري وبهز بن حكيم. روى عنه شعبة، وعبد الرحمن بن علقمة المروزي. قال أبو محمد: وروى عن حجاج بن أرطاة، وأبي حازم المديني وأبى إسحاق الهمداني، وسعيد الجريري.
(التاريخ الكبير: 8/ 111)، و (الجرح والتعديل: 8/ 484)، و (تهذيب التهذيب: 10/ 433).
(11)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 273)، الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة:(2/ 272).
(12)
جامع جوامع الفقه (بالفتاوى الْعَتَّابِيِّة) لأبي نصر أحمد بن مُحَمَّد الْعَتَّابِيِّ الحنفي المتوفى سنة 586 ست وثمانين وخمسمائة وهو كبير في أربع مجلدات. يُنْظَر: أسماء الكتب (1/ 129)، الأَعْلَام (1/ 216)، كشف الظنون (1/ 567).
وذَكَر في "المحيطِ"
(1)
بعدما ذَكَر هذه الروايةَ: ورَوى ابنُ سماعةَ عنْ أبي يُوسُف رحمه الله أنه قال: لا بأسَ بصدقةِ بني هاشمٍ بعضِهم على بعضٍ، ولا أدَّى الصدقة عليهم، ولا على مواليهم منِ غيرِهم بخلاف التطوع أي: يجوزُ (صرفُ)
(2)
صَدَقِة التطوَّعِ إلى بني هاشم؛ لأنّ المالَ هنا كالماءِ إلى قوله: بمنزلةِ التُّبردِ بالماءِ. فإنْ قَبَلِهُ/ لِمَ لم يجعلْ صدقَة التطوعِ بمنزلةِ الوضوءِ على الوضوءِ حيثُ يصيرُ الماءُ به مستعملًا؟ وإنْ كانَ تطوعًا فكذا هاهنا يصيرُ المالُ وَسِخًا، وإنْ كان تطوعًا لما أنّ إلحاقَ صدقةِ التطوعِ بالوضوء، التطوعُ أقربُ مِن إلحاقِه بالتُبردِ بجامعِ التطوعِ فيهما، فلا يجوزُ صرفُه إليهم حينئذٍ قلنا: المالُ ليسَ بِنَجِسٍ لا حقيقةً، ولا حُكْمًا. إِلاَّ أنهُ لما أدَّى الفرضَ بهِ أنسخت ضرورة أنه صار مطهرًا بالنص لسقوطِ الفرضِ به لقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ}
(3)
فبقي ما وراءَهُ على ما يقتضِيهِ القياسُ وأما الوضوءُ على الوضوء، فإنُه أزالَ الظلمةَ بالنصِّ اقتضاءً ازديادُ النورِ يقتضي زوالَ الظُلمةِ بَقَدِرِه لا محالةَ ولم يردْ النصُ بمثلهِ، ولم يسقطْ الفرضُ في صدقةِ التطوعِ، فبقي المالُ على حقيقتهِ طاهرًا مِن كُلِّ وجهٍ
(4)
، فلذلكَ أُلَحقِ بالتبُردِ ويُعتبرُ حالُ المعتوهِ
(5)
؛ لأَنهُ القياسُ بفتح التاء على بناء المفعول، أي: القياسُ أنْ لا يلحقَ المعتوهُ بالمعتقِ في جميعِ الصُّورِ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما أصلٌ بنفسهِ من حيثُ البلوغُ، والعقلُ، والحريةُ، وخطابُ الشَرع فلا يكونُ اتصالهُ بالإعتاقِ أكثَر من اتصالهِ] في جميع الصور
(6)
بالنسبِ، فإنهُ يجوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلى وَلَدِ الغنيِّ إذا كانَ كبيرًا إِلاَّ أنّ النصَّ الخاصَ وَرَدَ في حُرمةِ الصدقةِ على مولى بني هاشم
(7)
كما ذكر في الكتاب
(8)
، فيبقى في حقِّ أحدٍ الحريةَ مِن معتقِ القرشي إذا كانَ المعتقُ نصرانيًّا على أصلِ القياسِ.
(1)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني: (2/ 496).
(2)
سقطت في (ب).
(3)
سورة التوبة الآية (103).
(4)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 266).
(5)
المعتوه هو القليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير لكن لا يضرب ولا يشتم. يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (3/ 268).
(6)
سقطت في (ب).
(7)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 350)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 189)، المَبْسُوط (3/ 31).
(8)
المقصود في الْكِتَاب شرح مُختَصرُ القُدُوري كما هو مشهور عند إطلاقه عند فقهاء الحنفية وقد أشار إليه العيني في البناية. يُنْظَر البناية (3/ 471).
وذكر في "شرح الطحاوي": فإنَّ مولى القوِم منهم: يعني في حِلّ الصَدقة وحرمِتها، وإِلاَّ فإنّ مولى القومِ ليسَ منهم في جميع الوجوه. ألا ترى أنهُ ليسَ بكفؤٍ لهم، وأنّ مولى المسلمِ إذا كانَ كافرًا تؤُخذُ منه الجزيةُ، وأنَّ مولى التغلبي تؤُخذُ منه الجزيةُ، ولا تُؤخذُ منه الصدقةِ مضاعفةً، وإنما يكونُ منهم في حُكْمٍ واحدٍ، وهو حرمةُ الصدقةِ إذا دَفَعَ إلى رجلٍ يظنهُ فقيرًا، ثُمَّ بانَ أنهُ غَنِيٌّ إلى آخرهِ وهذا لا يخلُو عنْ ثلاثةِ أوجه: إما أنْ ظهرِ أنه كان محُلًا للصدقةِ، أو لم يظهرْ حالهُ عنده أصلًا، أو ظهَر أنُه غني. ففي الأولين يجوزُ بالاتفاقِ
(1)
(2)
، وفي الثاني على الخلافِ المذكورِ
(3)
. كذا في "شرح الطحاوي". ثُمَّ إذا جاز، والحالُ هذهِ هلْ يطيبُ للقابضِ؟ ذكر الحلواني رحمه الله لا رِوايةَ لهذا
(4)
، واختِلفتْ فيه. فعلى قول مِنْ لا يطيبُ ماذا يصنعُ بها؟ قِيل: يتصدقُ، وقِيل: يردُّهُ على المعُطي على وجه التمليكِ ليُعيَد الإيتاءَ
(5)
. كذا ذكره الإمام التُّمُرْتَاشِي رحمه الله، (وقال أبو يُوسُف رحمه الله: عليه الإعادة)
(6)
(7)
، ولكنْ لا يسترد ما أدَّاهُ
(8)
. كذا في "شرح الطحاوي"، (وصار كالأواني، والثياب)
(9)
، فإنّهُ إذا اختلطتْ الأواني الطاهرةُ مع الأواني النجسةِ، فإنهُ ينظرُ إنْ كانتْ الغلبةُ للطاهرةِ، فإنه يتحرَّى فيها، ولا يجوزُ أنْ يتركَ التحرِّيَ كما إذا كان ثلاثًا، وأنّ إناءين منهماَ طاهران، والواحدُ نجَسٌ، فإنه يتحرَّى] فيها
(10)
أما إذا كانتْ الغلبةُ للنجسِ، وكانا سواءً فإنه لا يتحرَّى، بل يتيمم، ثُمَّ فيما جاز التحري فتحرَّى فتوضأ، ثُمَّ تبين أنهُ نجس يُعيُد الوضوءَ
(11)
.
(1)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 190)، حاشية ابن عابدين (2/ 352).
(2)
اختلف الفقهاء فيما إذا اعطاه الزكاة وأتضح أنه غني قال فعند أبي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد (): يجوز وتسقط عنه الزكاة وقال أبي يُوسُف بعدم جواز ذلك وعليه الإعادة وقد وافقه الشَّافِعِية والمالكية والحنابلة بعدم جواز ذلك.
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 50)، الْمَجْمُوع (6/ 230)(الشرح الكبير للدردير (1/ 501)، العدة (1/ 138). والله أعلم.
(3)
يُنْظَر: الْبَحْرِ الرَّائِق (2/ 266).
(4)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 275).
(5)
يُنْظَر: المرجع السابق (2/ 275).
(6)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(7)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 50)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 190).
(8)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 304)، الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 275).
(9)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 112).
(10)
سقطت في (ب).
(11)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 50).
وأما في الثياب: إذا اختلطتْ الطاهرةُ بالنجس، وليس بينهما علامةٌ لأحدِهما، فإنه يتحرَّى في ذلك سواء كانتْ الغلبةُ للطاهرِ أو للنجسِ أو استويا ثُمَّ إذا صلّى بثوبٍ منها بالتحري، ثُمَّ تبّينَ أنه كانَ نجسًا يُعيُد الصَّلَاةَ
(1)
، كذا ذكره في طهارة شرح الطحاوي. وذكر في "المَبْسُوط"
(2)
: هذا كَمَن توضأَ بهما، ثُمَّ تبيَّن أنهُ نجَِسٌ] أو صلّى في ثوبٍ، ثُمَّ تبينَ أنهُ نجسٌ
(3)
، أو قضى القاضي في حادثةٍ باجتهادِهِ، ثُمَّ ظهرَ نصٌّ بخلافهِ، ولأبي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد رحمهما الله: أنّ الواجبَ عليه الصْرفُ إلى مَنْ هو فقيرٌ عنده، وِقد فَعَل، فيجوزُ كما إذا صلّى إنسانٌ إلى جهةٍ بالتحِّري، ثُمَّ ظهَر الأمُر بخلافهِ، وهذا لِأَنَّ الفَقْرِ والغِنى لا يُوقَفُ عليهما، وقد لا يقفُ الإنسانُ على غِنى نفسهِ فصلًا مِن غيره والتكليفُ إنما يثُبتُ بحسَب الوسغِ بخلافِ النصِّ، فإنه يُوِقَفُ على حقيقتهِ، وكذلك يُوقَف على نجاسةِ الماءِ، وطهارتهِ بالإخبارِ، وإِلاَّ يبقى على الطَّهارةِ إِلاَّ إذا عَلِمَ أنهُ فقيرٌ، أي: حينئذٍ يجوز.
قولُه رحمه الله: هو الصحيحُ احتراز عمّا زَعَمَ بعضُ مشايخنا أنّ عند أبي حَنِيفَةَ، ومُحَمَّد -رحمهما الله-
(4)
لا يجوز وحاصِلُ ذلك: أنّ المسألةَ على أربعةِ أَوْجُهٍ: أمّا إنْ كان يُعطي زكاةَ مالهِ رجلًا منِ غيرِ شكٍّ،] ولا نجس
(5)
، ولا سؤال، فإنهُ يجزيه ما لمْ/ يتبيْن أنهُ غَنِي؛ لأنَّ الفقرَ في القابض أصلٌ، أو شَكٌّ في أمرِه، فإنْ كانَ عليه هيئةُ الأغنياء، فإنهُ لا يجزُئهُ حتى يَعلمَ أنُه فقيٌر؛ لأِنهُ في بعضِ الشكِّ يلزمُهُ التحري كما في الصَّلَاةِ، فإذا تركَ بعدما لزِمَهُ لمْ يقْع المؤدِّي موقعَ الجوازِ إِلاَّ أنْ يعلمَ أنهُ فقيرٌ، فحينئذٍ يجوز؛ لأنّ التحري كانِ المقصودَ، وقد حصلَ ذلك المقصودُ بدونِهِ، كالسعيِّ إلى الجُمعةِ، أو وقَع في أكثرِ رأيهِ أنهُ غَنِي، ومع ذلك دفع إليهِ، فإنُه لا يشكلُ أنهُ لا يجزيه ما لم يعلمْ أنهُ فقيرٌ، وأمّا إذا عَلِمَ بفقرهِ قال شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِي رحمه الله: الصحيح: أنهُ يجوزُ، وقد زَعَمَ بعضُ مشايخنا أنّ عنَد أبي حَنِيفَةَ ومحمد: لا يجوزُ كما لو اشتبهتْ عليه القِبلةُ فتحرَِّى إلى جهةٍ، ثُمَّ أعرضَ عن الِجهةِ التي أدَّى إليها اجتهادهٌ، وصلّى إلى جِهةٍ أُخرى، ثُمَّ تَّبينَ أنهُ أصاب القِبلةَ يلزمُهَ إعادةِ الصلاة عند أبي حَنِيفَةَ، ومُحَمَّد، حتى رُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ رحمه الله قال: هناك أخشى عليه: يعني الكُفر لإعراضهِ عن القِبلَةِ عنده والأصَحُّ هو الفرقُ، فإنّ الصَّلَاةَ لغيرِ القِبلةِ مع العلم لاِ تكونُ طاعةً، فإذا كانَ عندَه أنَّ فعلَهُ معصيةٌ لا يمكنُ إسقاطَ الواجبِ عنُه] به
(6)
. وأمّا التصدقُ على] الَغِنىَ
(7)
صحيح،] وليسَ
(8)
فيه مِن معنى المعصية شيءٌ، ويمكنُ إسقاطُ الواجبِ عند إصابةِ محِّلهِ بفعِلهِ، فكانَ العملُ بالتحِّري لحِصولِ المقصودِ، وقد حَصَل بغيرهِ أو تحرّى بعد الشكِّ، ووقَع في قلبهِ أنهُ فقيٌر فدَفَعَ إليه، وهو الوجهُ الرابعُ إنْ ظهَر أنهُ فقيرٌ، أو لم يظهْر مِن حالهٍ شيءٌ جازَ بالاتفاقِ
(9)
، وإنْ ظهرَ أنه كان غنيًّا، فكذلك الجوابُ عنَد أبي حَنِيفَةَ، ومُحَمَّد -رحمهما الله-
(10)
، وهو قول أبي يُوسُف رحمه الله أولًا، وعند أبي يُوسُف آخرًا يلزَمُهُ الإعادةَ
(11)
، وهو قولُ الشَّافِعِي رحمه الله
(12)
، كذا ذَكَرَه الإمامُ الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله
(13)
لعَدِمِ أهليةِ المَلِكِ، وهو الرُّكْنُ، فيُعلَمُ بهذا قوةُ مرتبةِ الرُّكْنِ، وانحطاطِ مرتبةِ الشرطِ، وإنْ كانَ جوازُ الأداءِ يتوقفُ بهما فإنَّ في مسألةِ الغِنىّ وغيرِه فاتَ بشرطُ الأداءِ؛ لأِنَّ فقُر المدفوعِ إليهِ شَرْطُ جوازِ الزَّكَاةِ، وفي عَبْدِهِ ومُكاتِبِهِ فاتَ التمليكُ هو الركنُ في الزكاة فلذلك جَازَ الأداءُ في الأُولى مع ظُهورِ الخطأ عندَ أبي حَنِيفَةَ، ومُحَمَّد -رحمهما الله-، ولم يجزْ هاهنا بالاتفاق
(14)
، والشرط أنْ يكونَ فاَضلًا عن الحاجةِ الأصليةِ، أي: شرطُ عدمِ جوازِ دَفْعَ] الصدقةِ
(15)
إليه، وإنمّا قُيِّدَ بهذا؛ لأنّهُ إذا مَلَكَ نِصابًا مِن الأموالِ سواءً كانت من الدراهمِ، والدنانيرِ أو في غيرِهما، ولكنْ ليست هي بفاضلةٍ عن الحاجةِ الأصليةِ يجوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إليه، والحاجةُ الأصلية في حقِّ الدَّراهِم، والدنانيرِ هي أنْ يكون الدين مشغولًا بها، وفي غيرها احتياجُه إليهِ في الاستعمالِ، وأَمْرِ المعاشِ
(16)
وعن هذا ذُكِرَ في "المَبْسُوط"
(17)
: رَجُلٌ له ألفُ دِرْهَمٍ، وعليهِ ألفُ دِرْهَمٍ، ولهُ دَاْرٌ، وخادِم لغيرِ التجارةِ قيمتُهما عشرةُ آلافِ دِرْهم فلا زكاةَ عليهِ؛ لأنَ الدينَ مصروفٌ إلى المالِ الذي في يدهٍ؛ لأنهُ فاضلٌ عن حاجتهِ بعد للتغلب، والتصرف به، فكان الدَّيْنُ مَصروفًا إليه، فأمّا الدارُ والخادِمُ مشغولٌ بحاجتهِ فلا يُصرِفُ الدَّينُ إليهِ، ثُمَّ] قال
(18)
: قال في الكتابِ: أرأيتَ لو تصدّقَ عليه ألم يكن موضعًا للصدَقَة؟ يريد به أنَّ المالَ مشغولٌ بالدّيْن فهو كالمعدومِ، وَمِلكَ الدّاْرِ، والخادمُ لا تحرمُ عليه أخذَ الصدقةِ، ولأَنَّه لا يُزيلُ حاجتَه، بل يزيدُ فيهاَ فالدارُ تُسترم، والعبدُ سَينفَقُ فلا بُدَّ لهُ مِنها، وهو في مَعنى ما نِقل عن الحسنِ البصريِّ رحمه الله
(19)
أنّ الصدقَة كانتْ تَحُلُّ للرجُلِ، وهو صاحب عشرةِ آلافِ درهمِ] هل
(20)
وكيف يكون ذلك؟ قال: يكون له الدارُ، والخادمُ، والكِراعُ، والسِلاحُ كانوا ينهون عن بيع ذلك، وعلى هذا قال مشايخنا: إنّ الفقيَه إذا مَلَكَ مِنَ الكُتبِ ما يساوي مالًا عظيمًا، ولكنهُ محتاجٌ إليها يحِلُّ له أَخْذُ الصدَقةِ إِلاَّ أنْ يملكَ فضَلًا عن حاجتهِ ما يُساوي مائتي درهم.
(1)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 275).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (10/ 324).
(3)
سقطت في (ب).
(4)
المَبْسُوط (10/ 324)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 277).
(5)
في (ب): (ولاتحرى).
(6)
سقطت في (ب).
(7)
سقطت في (ب).
(8)
في (ب): (فليس).
(9)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 190)، حاشية ابن عابدين (2/ 352).
(10)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 304)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 50).
(11)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 50)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 190).
(12)
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 230).
(13)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 276، 277).
(14)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 266)، حاشية ابن عابدين (2/ 352).
(15)
في (ب): (الزكاة).
(16)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 277).
(17)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 355).
(18)
سقطت من ب.
(19)
هو: الحسن بن أبي الحسن أبو سعيد البصري، واسم أبيه يسار مولى زيد بن ثابت الأنصاري، وكان من سبي ميسان، واسم أمه خيرة مولاة أم سلمة، ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر وكان يوم الدار بن أربع عشرة سنة، واحتلم سنة سبع وثلاثين وخرج من المدينة ليالي صفين ولم يلق عليًّا، وقد أدرك بعض صفين ورأى عشرين ومائة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما شافه بدريًّا قط إِلاَّ عثمان، وعثمان لم يشهد بدرًا. مات في شهر رجب سنة عشر ومائة وهو ابن تسع وثمانين سنة وكان يدلس وصلى عليه النضر بن عمرو المقرئ من حمير من أهل الشام، وكان الحسن من أفصح أهل البصرة لسانًا، وأجملهم وجهًا، وأعبدهم عبادة، وأحسنهم عشرة، وأنقاهم بدنا رحمة الله عليه.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (4/ 122)، التاريخ الكبير (2/ 289)، الجرح والتعديل (3/ 40).
(20)
في (ب): (قبل وكيف).
وذكر في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: ولَا يحِلُّ السؤالَ لمِن كانَ عنَده قوتُ يومٍ عندَ البعضِ، وقال بعضهم: لَا يحِلُّ السؤالُ لمِنْ كان
(1)
كَسولا أو يملكُ خمسينَ ِدرهمًا، ويجوز صُرفُ الزكاة إلى مِنْ لا يحِلُّ له السؤالُ إذا لم يملكْ نِصَابًا ثُمَّ قال: ولو كانَ له حوانيتُ
(2)
أو دارهٌ غلته تساوي ثلاثة آلافٍ،
(3)
وغلتُها لا تكفي لِقوتِه، وقوتِ عيالهِ يجوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إليه في قول مُحَمَّد، وفي/ الكتب إذا كانتْ تساوي مائتي درهم، وهو لا يحتاجُ إليها لا يجوزُ صرفُ الزَّكَاةِ إليه، (وإنما النَّماءُ شَرْطُ الوجوبِ، أي: شرطُ وجوبِ الزَّكَاةِ
(4)
، (ويجوزُ دفعها إلى مِنْ يملِكُ أقلَّ من ذلك)
(5)
أراد به الجواز بغير الكراهية، فأما الجوازُ بالكراهةِ، فيُوجَدُ في الدّفْعِ بالنصابِ إلى فقيرٍ خلاِفًا لِزُفَر
(6)
، (وإنْ كان صحيحًا مكتسبًا)،
(7)
وهذا عندنا
(8)
وقالَ الشَّافِعِي رحمه الله
(9)
: لا يجوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلى الفقيرِ الكسوبِ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تحَلُّ الصدقةُ لِغَني، ولا لِذِيْ مِرَّةٍ سَوِي»
(10)
وتأويله (عندنا)
(11)
حُرمةُ الطَّلبِ، والسؤالُ: ألا ترى إلى ما رُوِيَ عن رسولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام أنهُ كانَ يُقسِمُ الصدقاتِ، فقامَ إليهِ رَجُلانِ يسألانه فنظَرَ إليهما، ورآهما جلدين فقال:«أما أنَهُ لا حَقَّ لكما فيهِ، وإنْ شئتما أعطيتكما»
(12)
. معناه: لا حَقَّ لكما في السؤّالِ. ألا ترى أنّهُ جَوَّزَ الإعطاءَ إياهما، كذا في "المَبْسُوط"
(13)
.
(1)
(لمن).
(2)
الحانوت: هو الدكان، وجمعه حوانيت. يُنْظَر: لسان العرب (2/ 26).
(3)
في (ب): (درهم)
(4)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 47)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 301).
(5)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(6)
زُفَر رحمه الله يرى لا يجوز إعطاؤه نصاباً كاملاً خلافاً لأبي حَنِيفَةَ. يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 305)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 48).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(8)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 278)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 189)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 48).
(9)
يُنْظَر: إعانة الطالبين على حل ألفاظ المعين للدمياطي (2/ 200)، جواهر العقود للسيوطي (1/ 396).
(10)
رَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب من يعطي من الصدقة وحد الغنى (1636). والترمذي في سننه، كتاب الزكاة، باب ما جاء من لا تحل له الصدقة (652). وابن ماجه في سننه، كتاب الزكاة، باب من سأل عن ظهر غنى (1839). والنسائي في سننه، كتاب الزكاة، باب إذا لم يكن له دراهم وكان له عدلها (2597) وقال الألباني في إرواء الغليل (3/ 381): صحيح.
(11)
سقط في ب.
(12)
رَوَاهُ أبو داود في سننه (1635)، كتاب الزكاة، باب من يعطي من الصدقة وحد الغنى. وقال الألباني في إرواء الغليل (3/ 387): صحيح ..
(13)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 24، 25).
ويُكْرَهُ أنْ يَدفَعَ إلى واحدٍ مائتي دِرْهَمٍ فصاعدًا، عِنْدَنَا يجوزُ ويُكُرهُ، وعند زُفَر
(1)
: لا يجوزُ أصلًا، وعن أبي يُوسُف رحمه الله
(2)
: أنهُ لا بأسَ بإعطاءِ المائتين إليه، وإنمّا يْكَرُه أنْ يعطَيهُ فوقَ المائتينِ، قال بعضُ المتأخرين مِن مشايخنا: صورةُ المسألةِ فيما إذا لم يكنْ لهُ عِيالٌ، ولا دَيْنٌ عليه، فإنْ كُن عليه دَين، فلا بأسَ بأنْ يعُطيَهُ مائتين، أو أكثرَ مقدارَ ما إذا قضى بَرِدِّ دَيْنهِ يبقى له دُونَ المائتين، وكذلك إذا كان مَعِيلًا فلا بأسَ بأنْ يعُطيه مقدارَ ما لو وَزّعَهُ على عيِالِهِ أصابَ كُلّ واحدٍ منهم دونَ المائتين؛ لأنّ التصدقَ عليه في المعنى تَصَدّقٌ عليه، وعلى عيِالِهِ، كذا ذكر شمس الأئمة السَّرَخْسِي رحمه الله في "الجامع الصغير"
(3)
.
وكذلك ذَكَرَ هذه المسألةَ في "المَبْسُوط":
(4)
يُقيده بهذين القيدينِ، فقال: ويُكْرَهُ أنْ يَعطِي رجلًا مِن الزَّكَاةِ مائتي دِرْهَم إذا لم يكنْ عليه دَيْن أو عِيالَ فوجْهُ قَولِ زُفَر ظاهرٌ: وهو أنّ الزَّكَاةَ تتمَّ بالأداءِ، والأخذِ معًا، ثُمَّ مُلْكُ المائتين منِ الدراهم مَانِعٌ مِن الأخذِ، فيجبُ أنْ يكون مانِعًا منِ الأداءِ، ولأنهُ يجبُ أنْ يتمَّ إعطاءه إلى الفقيرِ، وتمامُ الإعطاءِ باُلملْكِ له، وهو عند ذلك غني،] وكان إعطاء إلى غني
(5)
، ووجْهُ قولِ أبي يُوسُف رحمه الله أنْ جَّزأ من المائتين مُستحِقُ بحاجتهِ للحالِ، والباقي دونَ المائتين، فلا تَثبُتُ به صفةُ الِغَني إِلاَّ أنْ يعطيهَ فوق المائتين.
(قلنا:)
(6)
(إنّ الغِنيَّ حُكْمُ الأداءِ يتعقُبُه)
(7)
، فإنْ قلتَ: هذا الذي ذكره ليسَ بمستقيمٍ على ما هو الأصحَّ مِن مذهبنا: وهو أنّ حُكْمَ الِعَلةِ الحقيقيةِ لا يجوزُ تَأَخُرهُ عنها، بل هما تقتربان كالاستطاعةِ مع] الفعل
(8)
ذكره شمسُ الأئمة، وفَخْرُ الْإِسْلَام في فصل (يقسم)
(9)
العلةُ من أصولِ الفقهِ، فما وجه ذِكْر التعقب هاهنا؟
(1)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 305)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 48).
(2)
المصدران السابقان.
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 23).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 23، 24).
(5)
سقطت في (ب).
(6)
في (ب): (ولنا).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 115).
(8)
سقطت في (ب).
(9)
في الأصل بقسم وفي (ب)(تقسيم).
قلت: معنى قولِه: (الغني حُكْمُ الأداءِ)
(1)
، أي: الغِنى حُكِمَ حُكْمُ الأداءِ؛ وذلك لأنّ الأداءَ عِلَةُ المُلْكَ، والمُلْكُ عِلَةُ الغِنى،] فكان
(2)
الغنُى مضافًا إلى الأداءِ لكن بواسطةِ المُلْك فكانَ للعلةِ الأَولى، وهي الأداءُ شُبهةُ السببِ، والسببُ الحقيقيُّ] هو
(3)
الذي يتقدّمُ على الحُكَمَ حقيقةً، وما كانَ يْشبهُ السببُ مِن العِلَلِ لَهُ شُبهةُ التقّدمِ، وكان هذا مِن قَبيِل شَرِى القُربِ للإعتاق، فإنّ الشِرى عِلَّةُ المُلكِ، والملكُ في القريبِ عِلّةُ العِتْقِ بالحديثِ، فكان العِتْقُ حُكْمُ الشِّرِى، فلذلك جازت منُه الكفارةُ عنَد الشِرى؛ لِشُبهةِ تقدّمِ الشرِى على العتق لِوجودِ الواسطةِ، فكذا هنا لما شابه الأداءُ السببَ باعتبارِ أنَّهُ عِلّةُ الغنىِّ كان للأداءِ على الغِنى شبهة التقدّم، فيجوز وصفُ الغِنى حينئذٍ بالتعقبِ، والتأخَّرِ. فَلِمَّا تأخرَ الغنىُّ عن الأداءِ بهذا الطريق كان الأداءُ ملاقيًا المدفوَع إليه، وهو فقيرٌ فيجوز الأداءُ لما أنّ بقاءَ المدفوعِ إليهِ على صفةِ الفقرِ ليس بشرطٍ لصحةِ الأداءِ
(4)
، ومما يُؤنِسُ صِحَّةَ هذا الجوابِ ما ذُكِرَ في "الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة "، (فقال:)
(5)
قال علماؤنا: المُلكُ وإنْ كان يُقارِنُ التمليكَ، ولكنّ الغني
(6)
يثبت [عقُيبه؛ لِأَنّ الغِنى: ما يقعُ به الاستغناءُ والاستغناءُ إنما يَثبَتُ بالتمكُّنِ، والاقتدارِ على التصُرفاتِ
(7)
، وذلك مما يعقبُهْ، ولا يقترِنُ بهِ، ولِأَنَّ حُكْمَ الشيءِ لا يمنعُ عليه، وإنْ كانَ لا يُتصَّورُ إثباتُ تلكَ العِلَّةِ بعد ثُبوتِ ذلك الحُكْمِ كالطلقات الثلاث، وكالإعتاق فإنّ المطلقةَ الثلاثَ ِبحال لو طلقَّها لا يصُحُّ، وكذلكَ/ المعُتقُ لا يَصُحُّ فيه الإعتاقُ، ومعَ ذلك لا يمنعانِ علتهما، فلو كانَ حُكْمُ الِعّلةِ مانعًا للِعَّلةِ لما تَثْبُتُ الِعلَّةِ في صُورةٍ مَاْ، وهذا معنى ما ذَكَره الإمامُ الْإِسْبِيجَابِي رحمه الله في مبسوطه: أنهُ تمليكٌ منَ الفقيرِ مِنْ كُلَّ وجهٍ؛ لأنّهُ حينِ وَجَدَ فِعْلَ التمليكِ كانَ المَلِكُ فيه فقيرًا حقيقةً، وإنما ثَبُتَ الغِنى حُكمًا لهُ، فلا يمنعُ الحُكْمَ عليهِ، ككسرِ الكُوزِ
(8)
هو كَسْرُ محَلًّ صحيحٍ من كُلَّ وجه [، وإنْ كانَ حُكْمُ هذا الفعلِ انكسارَ المحلِّ، وقتلَ الحيِّ يكونُ قتلًا للحيِّ، وإنْ كان حُكمُهُ زوالَ الحياةِ، ولهذا لا يُقَالُ: بأنهُ قتلَ الميتَ مِن وجهٍ، أو كَسَر المنكِسَر مِن وجهٍ، فكذلك هاهنا يجبُ أنْ لا يُقال: دَفْعُ الغِنى مِن وجهِ، ولكنهُ يُكرهُ؛ لأَنّ فيهِ شبهةُ المقارنَةِ، وحقيقةُ المقارنةِ تمنع الجوازَ فشبهتُها لاُبَّد أنْ يوجبَ الكراهةَ إِلاَّ إذا كانَ عليه دَيْنٌ أو له عِيالٌ لم يثبتْ بهذا الفعلِ معنى الغِنى أصلًا، فلا يُكْره
(9)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 115).
(2)
في (ب): (وكان).
(3)
سقطت في (ب).
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 279).
(5)
سقطت في (ب).
(6)
زيادة (يثبت) في (ب)
(7)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (3/ 220).
(8)
الكُوزُ: هو الكوب إذا كان بعُرْوَة، فإن لم يكن بعروة فهو الكوب، وجمع الكُوز: كيزَانٌ، تهذيب اللغة (10/ 175).
(9)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 279).
وقال فَخْرُ الْإِسْلَام رحمه الله: ولأصِحابِنا أنّ الأداءَ يلاقِي الفقرَ، وإنما يثُبتُ الغِنى بحكمهِ، وحُكْمُ الشيءِ لا يَصلُحُ مانعًا له؛ لِأَنّ المانعَ
(1)
ما سبقُه، لا ما لا يلحقه والجوازُ لا يحَتملُ البُطلانَ؛ لِأَنَّ البقاءَ يستغنى عن الفقرِ، (وإنْ تُغني به إنسانًا أحبُّ إليّ)
(2)
، هذا خِطابٌ يخَاطِبُ به أبو حنيفةَ أبا يُوسُف رحمه الله وإنما صار هذا أحبَّ؛ لأنهَ يحصُلُ به الإغناءُ عن المسألةِ، وهو المأمورُ به، والسؤالُ ذِلُّ، وكان فيهِ صِيانةٌ للمُسلم عِنِ الوقوعِ في الذَّلِ، وأداءِ الزَّكَاةِ فكان أفضل لوجودِ المعنيين، ولهذا قلنا: إنّ مِنْ أرادَ أنْ يتصَّدقَ بدرِهم، فاشترى به فُلوسًا، ففرقها، فقد قَصَّرَ في أّمْرِ الصدقةِ
(3)
، كذا ذَكَره شمسُ الأئمة
(4)
، وفَخْرُ الْإِسْلَام في "الجامعِ الصغيرِ"
(5)
.
(ويُكْرَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ منِ بلدٍ إلى بلدٍ
(6)
، وإنمّا تفرقُ صدقةُ كُلِّ فريقٍ فيهمْ)
(7)
. هذا ليس بمجَرى ظاهره، فإنَّ مُسلمًا لو دَخَلَ دارَ الحربِ بأمانٍ، ومَكَثَ فيها سنين، فعليهِ الزَّكَاةُ في مالهِ الذي خَلّفْ، وفيما استفادَ في دارِ الحربِ؛ لأنهُ مخُاطَبٌ بحكْمِ الإسلامِ حيثما يكونُ، ولكنه يَعني مَنْ عليهِ بالأداءِ إلى فُقراءِ المسلمينَ: الذين يسكنونَ في دارِ الإسلامِ بخلافِ ما إذا وجبتْ عليه الزَّكَاةُ في دارِ الإسلام، فإنُه يُؤْمَرُ بالدَّفعِ إلى أهلِ بلدةٍ، فأمّا في دارِ الحربِ فقلَّ ما يجدُ فقراءُ المسلمينَ، ولو وُجِدَ فالفقراءُ الذينَ يسكنونَ في دارِ الإسلامِ أفضلُ مِنَ الذينَ يسكنون في دارِ الحرب، كذا في نوادر زكاة "المَبْسُوط"
(8)
.
فإنْ قلتَ: (ما الفرقُ)
(9)
بينَ هذه المسألةِ، وبينَ صدقةِ الفِطِر فإنّ هناك الاعتبارَ بمكانِ مَنْ يجبُ عليهِ في ظاهرِ الرِوايةِ، لا بمكانِ مَنْ وَجَبَ عنهم،] وهم الأولادُ الصغارُ، والعبيدُ، وهاهنا الاعتبارُ بمكانِ المالِ لا بمِكان مَنْ وَجَبَ عليه؟
(10)
.
(1)
المانع ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته. يُنْظَر الإبهاج في شرح المنهاج للسبكي (1/ 206).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 115).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 279).
(4)
زياده في (ب): (السَّرَخْسِي).
(5)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 269)، حاشية الطحاوي (1/ 474).
(6)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 38).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 115).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 66).
(9)
سقطت في (ب).
(10)
سقطت في (ب).
قلتُ: لما أنّ الوجوبَ في صدقةِ الفِطْرِ على المولى في ذِمته، ورأسُ المماليكِ في حقِّهِ كرأسهِ؛ لأنَّ الأصلَ أنّ وجوبَ صدقةِ فِطْرِه نَفسهِ على نفسِهِ لوجودِ مُؤَنتِهِ، وولايتهِ على نفسهِ، ثُمَّ يُلحقا بهِ مَنْ هو في معنى نفسهِ في هذين الوصفين، فكما أنّ في أداءِ صدقةِ فِطْرِه عن نفسهِ يَعتِبُر موضعه فكذلك عن مماليكهِ؛ لأنهم في معنى نفسهِ وأمّا هاهنا الواجبُ جزءٌ مَن المالِ حتى تسقطَ الزَّكَاةُ بهلاكِ المالِ، فيعَتِبرُ بمكان المالِ لذلك، وهناكَ لا تَسقطُ الفِطرةُ بهلاكِ المماليكِ بعد الوجوبِ على المولى، فَاعْتُبِرَ بمكان المولى، لذلك أشارَ إلى هذا في "المَبْسُوط"
(1)
، وفيه رعايةُ حقِّ الجِوار، ومهما كانتْ المجاورةُ أقربُ كانتْ (رعايتها)
(2)
أوجبَ لقولهِ عليه الصلاة والسلام: «أَدْناكَ أدناكَ»
(3)
، ولمّا سأَلهُ رَجُلٌ، وقال: إنّ له جارين فإلى أيِّهما أَمُرّ؟ فقالَ: «إلى أقربِهم منكَ بابًا»
(4)
، ولو نقل إلى غيرِهم أجزأُهُ، وللشافعي رحمه الله
(5)
قولٌ: (إنه)
(6)
لا يجوزُ لحديثِ مُعاذ رضي الله عنه، «مَنْ نقَل عشرةً، وصدقتهٌ مِن مخلاف عشيرتِه إلى غيرِ مخلاف عشيرته فعشرةٌ وصدقُته إلى مخلاف عشيرته»
(7)
أي: مردودةٌ عليهم، ولنا ظاهُر قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}
(8)
، وتخصيصُ فقرِ البلدةِ ليس بمعنى في أعيانهم فلا يمنعُ الجوازَ إذا صُرِفَ إلى غيرِهم؛ لأنَّ ما هُوَ المقصوُد، وهو سدَّ الخلةِ قد حصل وحديثُ معاذُ محُمولٌ على بيانِ الأَولى.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 191).
(2)
في (أ)(ريحانيها) وفي (ب): (رعايتها) ولعل مافي (ب) هو الصواب لموافقته سياق الكلام.
(3)
رَوَاهُ مسلم في صحيحه (2548)، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في الأدب المفرد (107 - 1/ 51)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(5)
وللشافعي في المسألة قولين بالجواز وعدمه، والأصح حرمة النقل وعدم الإجزاء. يُنْظَر الْحَاوِي (8/ 482)، الوسيط (4/ 571).
(6)
سقطت في (ب).
(7)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (13519 - 7/ 9) بلفظ (أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قضى أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته) وقال الألباني في تمام المنة (ص 385): هذا منقطع بين طاوس ومعاذ فإنه لم يسمع منه.
(8)
سورة التوبة الآية (60).
ألا ترى أنّهُ كانَ بالثمنِ كانَ ينقلُ الصدقَة إلى المدينةِ
(1)
على] ما قال في خطبته، وأنفع مَنْ بالمدينة منِ المهاجرين، والأنصارِ، وإنما كان ينقلَ إلى المدينة
(2)
؛ لأنَّ فقراءَها كانوا أشرفَ الفقراءِ حيثُ هجروا أوطانهم، وهاجروا لِنصُرةِ/ رسولِ الله عليه الصلاة والسلام وتعلُّم أحكامِ الدِّينِ. كذا في "المَبْسُوط"
(3)
.
قْلتُ: بهذا التعليلِ الذي ذَكَره في زكاةِ "المَبْسُوط"، وتعليلِ المسألةِ التي ذَكره في نوادرِ زكاة "المَبْسُوط"، وحُكْمِها، يعلمُ أنّ نقلَ الزَّكَاةِ منِ بلدٍ إلى بلدٍ في حَقِّ غيرِ المستثنين
(4)
في الْكِتَابِ بقوله: (إِلاَّ أنْ ينقلَها إنسانٌ إلى قرابتهِ أو إلى قومٍ هُمْ أحوجُ مِنْ أهلِ بَلَدِهِ)
(5)
ثابتٌ جوازه أيضًا مِن غيرِ كراهةٍ بأنْ يكونَ الفقيرُ الذي في بلدٍ آخَر أَوْرَعُ، وأنفعُ للمسلمين بتعليمِ شرائعِ الإسلامِ وتعلّمِها، وأنْ يكونَ مَن أحيا عُمْرَهُ في أبوابِ الصّلاح، والطاعاتِ ألا ترى أنّ معاذًا رضي الله عنه كيف نقلها منِ اليمنِ إلى المدينةِ
(6)
لهذه المعاني، وهي تعلّمُ أحكام الدِّينِ، ونُصرةِ الحقِّ اليقين، والله أعلمُ بالصّوابِ.
(1)
مما ورد في نقل الصدقة للمدينة أن عمر رضي الله عنه نقل زكاة مصر إلى الحجاز، وما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 168)، باب من رخص أن يرسل بها إلى بلد غيره، وأورده في الْمُغْنِي (2/ 530)، كان أبو العالية يبعث بزكاته إلى المدينة، وما أخرجه الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (7/ 10)، باب نقل الصدقة إذا لم يكن حولها من يستحقها، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، أنّه حمل صدقات قومه إلى أبي بكر، في أيام الردة.
يُنْظَر: المدونة (1/ 336)، الاستذكار (3/ 251).
(2)
سقطت في (ب).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (2/ 325، 326).
(4)
زياده في (ب): (المذكورين).
(5)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(6)
ماذكره المؤلف هو حديث معاذ رضي الله عنه (ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ - أَوْ لَبِيسٍ - فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ) الخميس والمخموس من الثوب: الذي طوله خمس أَذرع، ويقال: بل الخميس ثوب منسوب إلى ملك من ملوك اليمن، كان أمر بعمل هذه الثياب، فنسبت إليه، وثوب لَبِيس: إذا كثر لبسه، وقيل: قد لبس فأخلق، يُنْظَر: لسان العرب (6/ 202)، تهذيب اللغة (7/ 90)، والحديث أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه معلقا مجزوما به (2/ 116)، باب العرض في الزكاة قال طاووس قال معاذ رضي الله عنه، ووصله الدَّارقُطنيّ في سننه (2/ 100)، باب ليس في الخضراوات صدقة، والْبَيْهَقِي في سننه موصولا (4/ 113)، باب من أجاز أخذ القيم، وابن أبي شيبة في مصنفه موصولا (3/ 181)، باب ما قالوا في أخذ العروض في الصدقة، قال الشيخ الألباني في تمام المنة (1/ 379): هذا الكلام إشعار بأن الأثر المذكور عن معاذ صحيح، وليس كذلك، فإنما علقه الْبُخَارِيُ هكذا: قال طاوس: قال معاذ .. وهذا منقطع بين طاوس ومعاذ، قال الحافظ في شرحه: هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس، لكن طاوس لم يسمع من معاذ، فهو منقطع، فلا يغتر بقول من قال: ذكره الْبُخَارِيُ بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده، لأن ذلك لا يفيد إِلاَّ الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا؟ إِلاَّ أن إيراده له في معرض الاحتجاج به، يقتضي قوته عنده ا. هـ.
بابُ صدقةِ الفِطْرِ
لصِدَقةِ الفِطْرِ مُناسبةُ الاتصالِ تَعْقُبُ الزَّكَاةَ، والصومَ. أما في حقِّ الزَّكَاةِ، فإنها مِن الوظائفِ الماليةِ مِعَ انحطاطِ درجتها عنِ الزَّكَاةِ، وأمّا في حَقَّ الصومِ باعتبارِ الترتيبِ الوجُودِيِّ، فاوردها لذلك في "المَبْسُوط"
(1)
بعد الصوم رِعِايةً لجانبِ الترتيبِ الوجُودي، وأوردها في الْكِتَابِ هاهنا رِعايةً لجانبِ الصدقةِ، وإنما رَجَّحَ هذا الترتيبَ هنا لمِا أنّ المقصودَ مِن الكلامِ المضافِ لا المضافِ إليه، خُصوصًا ما إذا كانَ المضافُ
(2)
مضافًا إلى شرطِهِ، وهذا كذلك، ثُمَّ الصدقةُ هي العُطِيةُ التي يُرادُ بها التوبةُ مِن اللهِ تَعالى، سمُيِتْ بها؛ لأَنّ بها يظهرُ صِدْقُ رغبةِ الرجلِ في تلكَ المثوبةِ، كالصداقِ يظهُر بهِ صِدْقُ رغبةِ الرجلِ في المرأةِ
(3)
، ومِنَ الإضافةِ: إضافةُ الحُكْمِ إلى شَرْطٍ، كما في حِجَةِ الإسلامِ، وهي مجَازٌ
(4)
(5)
لما أنّ الحقيقةَ
(6)
هي إضافةُ الحُكْمِ إلى سببٍ كما في حجِّ البيتِ، وصلاةِ الظُّهرِ. فيحتاجُ هاهنا إلى بيانِ أحدَ عشَر شيئاً: سُببها، ومتُنها، وشرطُها، ورُكُنها، وحُكْمُها، ومَنْ يجبُ عليهِ، وقَدْرُ الواجبِ، وما يتأدَّى به الواجبُ، ووقتُ الوجوبِ ووقتُ الاستحبابِ، ومكانُ الأداءِ. أمّا سبُبها فهو رأسُ يمونه، ويلي عليهِ، وأمّا صفُتها: فإنها واجبةٌ ثبتَ وجوبهُا بالأحاديثِ المشهورةِ على ما يجيءُ، وأمّا شرطُها فأنواعٌ ففي مَنْ يجبُ عليه الحريةُ، والإسلامُ، والغِنى،] وفي الوقتِ طلوعَ الفجرِ مِنْ يومِ الفِطْرِ
(7)
. في الواجبِ أنْ لا ينقصُ مِن نصفِ صاعٍ من البرِّ وغيره وأمّا ركٌنُها: فإذا قُدِّرَ الواجبُ لمِنْ يستحقُه، وأمّا حُكْمُها: فهو الخروجُ عن عُهْدَةِ الواجبِ في الدُّنيا، ووصولُ الثوابِ في الآخرة، وأمّا مَنْ يجبُ عليه: فهو كُلُّ حُرٍّ مُسلمٍ غني، وأمّا قَدْرُ الواجبِ: فهو نِصْفُ صاعٍ من بِرٍّ، وغيره على ما يجيء، وأمّا ما يتأدَّى به الواجبُ فهو مِن أربعةِ أشياء: مِنَ الحنْطَة، والشعيرِ، والّتمرِ، والزبيبِ في المشاهير من الأحاديث، وأمّا وقتُ الوجوبِ: فهو طُلوعُ الفجرِ منِ يومِ الفِطْرِ، وأمّا وقتُ الاستحبابِ فهو قَبْلَ الخروجِ إلى المُصلّى، وأمّا مَكانُ الأداءِ: فهو مكانُ مَنُ يجَبُ عليه في ظاهرِ الرِوايةِ بخلافِ الزَّكَاةِ فإنّ الاعتبارَ فيها لمكانِ المالِ، وقدَ مَّر في بابِ مَنْ يجوزُ دَفْعُ الصدقةِ إليهِ
(8)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 181).
(2)
في (ب): (المضاف اليه مضافاً .... ).
(3)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 270)، حاشية ابن عابدين (2/ 357).
(4)
المجاز: هو اللّفظ المستعمل في غير ما وُضِع له في اصطلاح التخاطب، على وجْهٍ يصِحُّ مع قرينة عدم إرادة مَا وُضِع له. يُنْظَر: البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها (ص: 564)
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 183)، حاشية ابن عابدين (6/ 313).
(6)
الحقيقة: هي اللّفظ المستعمل فيما وُضِع له في اصطلاح التخاطب. يُنْظَر: البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها (ص: 564).
(7)
في (ب): (العيد).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 281).
قولُه رحمه الله: (صدقَةُ الفِطر واجبةٌ)
(1)
، ذَكَر الوجوبَ هاهنا على حقيقتهِ الاصطلاحيةِ، وهي أنْ يكونَ بينَ الفرضِ، والسُّنةِ
(2)
.
وذَكَر الإمامُ الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله واجباتِ الإسلامِ سَبْعٌ
(3)
: صدقَةُ الفِطْرِ، ونفقةُ ذَوي الأرحامِ، والوِتْرُ، والأُضحيةُ، والعمرةُ، وخِدُمةُ الوالدينِ، وخِدمُة المرأةِ لزوجها.
وقال الشَّافِعِي رحمه الله
(4)
: إنها فريضةٌ بناءً على أصلهٍ أنهُ لا فرقَ بينَ الواجبِ، والفرضِ فاضلًا عَنْ مسكنِهِ حتى لو كانتْ لهُ داران: دَاْرٌ يسكُنُها، و الدارُ الأُخرى لا يَسْكُنها، ويؤاجِرُها، أو لا يُؤاجِرُها تُعتبُر قيمتها في الغِنى حتى لو كانت قيمتُه
(5)
مائتي دِرهمٍ يجبُ عليه صدقةُ الفِطْرِ، وكذلك لو كانَ له دارٌ واحدةٌ يسكنها، وفَضْلٌ عن سَكَنٍ، وشيءٍ تُعتبُر قيمةُ الفاضِلِ في النِّصابِ، وكذلك في الثيابِ، (والأثاث)
(6)
، وغيرهما إلى هذا أشار في "المحيط"
(7)
.
قولُه رحمه الله: صغيرٌ أو كبيٌر في الحديثِ: «أدُّوا عن كُلِّ حُرٍّ وعبدٍ، صَغيرٍ أو كبيرٍ»
(8)
. صفتان لعبدٍ، وهذا ظاهرٌ، ولا يجوزُ أن يكونا صِفتين لحِرٍّ، وعبدٍ؛ لأنهُ لا تجبُ عليهِ صدقةُ الفِطْرِ عن وَلَدِه الكبيرِ، اللهم إِلاَّ أنْ يكونَ المُرادُ في حقِّ الولدِ الكبيرِ] بأمرٍه، وتوكيلٍ، فحينئذٍ، يجوزُ أنْ يكونا صفتين لحِرٍّ، وعبدٍ فأمّا على الإطلاق فلا
(9)
.
على الإطلاق فلا (رَواهُ ثعلبةُ بنُ صعيرٍ العَدَوِي، أو صَغيرٍ العُذُري)
(10)
(11)
العذرة] وَجَعُ في الحلقِ مِنَ الدَّمِ،
(12)
وبها سمُيَتْ القبيلةَ المنسوبُ إليها عبدُالله بنُ ثعلبةَ بن صغيرِ] أو إلى صغير العذري
(13)
، ومَنْ رَوى العذُري فكأنه نسبه إلى جَدِّهِ الأكبر
(14)
، وهو عَدِيُّ بنُ صغيرٍ العبدي
(15)
في معرفة الصحابة لأبي نعيم
(16)
(17)
، والأولُ هو الصحيحُ ذُكِرَ في "المُغْرِب"
(18)
في باب العين مع الذال المعُجمة، وكذلك في الأنساب لابن ماكولا أيضًا بالدال نسبه ابن عمر
(19)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 38).
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 281).
(3)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 369)، الجوهرة النيرة (1/ 162)، وقال ابن عابدين: والمعنى أن هذه السبعة من واجبات الإسلام، ولعل لها خصوصية، اشتركت فيها من بين سائر الواجبات.
(4)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 349)، الْمَجْمُوع (6/ 103).
(5)
في (ب) زيادة (الغنى).
(6)
سقط في ب.
(7)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني: (2/ 682).
(8)
رَوَاهُ أحمد في مسنده (23713 - 5/ 432)، من حديث عبد الله بن ثعلبة بن صعير. والدَّارقُطنيّ في سننه (2/ 150)، كتاب زكاة الفطر من حديثه أيضا وقال شعيب الأرناؤوط: ضعيف مرفوع.
(9)
سقطت في (ب).
(10)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 115).
(11)
هو: ثعلبة بن صغير بمهملتين مصغرا ويقال: ابن أبي صغير بن عمرو بن زيد بن سنان بن سلامان القضاعي العذري، حليف بني زهرة، قال الدار قطني: له صحبة، ولابنه عبدالله رؤية. وروى ابن أبي عاصم والباوردي وغيرهما من طريق بكر بن وائل عن الزهري عن عبدالله بن ثعلبة بن صغير عن أبيه في صدقه الفطر قال: تفرد به همام عن بكر. قلت: وتابع بكر بحر بن كنيز السقاء عن الزهري أخرجه الحسن بن سفيان ومن طريقه أبو نعيم.
يُنْظَر: الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 404)، معرفة الأصحاب لأبي نعيم (1/ 491).
(12)
في (ب): (وضع في الخلف من الدم)
(13)
هو: عبدالله بن ثعلبة بن صعير العذري، حليف بني زهرة، كنيته أبو مُحَمَّد، مسح النبي عليه الصلاة والسلام رأسه ووجهه يوم الفتح فكان أعلم الناس بالأنساب. مات سنة تسع وثمانين وهو ابن ثلاث وثمانون سنة، وهم حلفاء بني زهرة.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (3/ 246)، التاريخ الكبير (5/ 35)، الجرح والتعديل (5/ 19).
(14)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 282.
(15)
سقطت في (ب).
(16)
يُنْظَر: (1/ 491).
(17)
كتاب معرفة الصحابة لابي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430 هـ) حققه عادل بن يُوسُف العزازي وطبعته دار الوطن للنشر - الرياض عام 1419 هـ في 7 مجلدات.
(18)
يُنْظَر: (1/ 115).
(19)
يُنْظَر: الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب لابن ماكولا (5/ 182).
قوله رحمه الله: (لِعَدمِ القَطْع)
(1)
تعريضٌ لمذهب الشَّافِعِي رحمه الله
(2)
أي: هذا خبرٌ واحدٌ ليس بدليلِ مقطوع بِه حتى يثُبتَ الغرضُ، كما هو مذهبُ الشَّافِعِي رحمه الله، وشَرْطُ الحريةِ بلفظِ الماضيِ لِيقَعَ قُرْبَةً
(3)
، ولقولهِ عليه الصلاة والسلام في زكاةِ الفطرِ:«طُهرةٌ للصائمين من اللغوِ والرَّفَثِ»
(4)
، وقالَ عُمر رضي الله عنه:«الصومُ محَبوسٌ بيَن السماءِ والأرضِ حتى تُؤدَّى زكاةُ الفِطْرِ لا صدقةً إِلاَّ عن ظَهْرِ غِنَى»
(5)
أي: صادرةً عن غنى، فالطَّهرُ فيه مُقْحَمٌ كما في طُهْر القلبِ، كذا في "المُغْرِب"
(6)
.
وقالَ الشَّافِعِي رحمه الله: (يجبُ على الفقير إذا كانتْ له زيادةٌ على قُوتِ يومهِ)
(7)
(8)
؛ لأنهُ ذُكِرَ في آخرِ حديثِ (ابن)
(9)
عُمَرَ غنيٌ أو فقيرٌ
(10)
ولأنّهُ وَجَبَ طُهْرةً للصائِم فاستوى فيه الغني، والفقيرُ، ولنا الحديثُ المذكور في الكتابِ
(11)
، ولِأَنَّ الفقيَر مَحَلٌّ للصْرفِ إليه، فلا يجبُ عليه الأداءُ كالذي لا َيملكُ إِلاَّ قوتَ يومهِ، وهذا لأنّ الشرْعَ لا يَرِدُ بما لا يُفيدُ، فلو قلنا: بأنهُ يأخذُ مِن غيرهِ، ويُؤَدِّي بنفسهِ، كان اشتغالًا بما لا يُفِيدُ، وحديثُ ابنُ عُمَر رضي الله عنه محَمولٌ على ما كانَ في الابتداءِ، ثُمَّ نُسِخَ بقولهِ عليه الصلاة والسلام:«إنّما الصدقُة ما كانَ عن ظَهْرِ غِنىً»
(12)
أو هو محُمولٌ على النَدْبِ، فإنهُ قالَ في آخره:«أمّا غنيُكُم فُيزكِيهِ اللهُ تُعالى، وأمّا فقيرُكُم فيعطيهِ اللهُ تعالى أفضلَ مما أُعْطِيَ»
(13)
، كذا في "المَبْسُوط"، و"الإيضاح"
(14)
. فإنْ قلتَ على قولِه، ولِأَنَّ الفقيرَ محُلٌّ للصرفِ إليه فلا يجب عليه الأداءُ بِرَدِّ الكفاراتِ، فإنهُ يعتبرُ فيها بيسرِ الأداءِ دُونَ الغِنى مع (أنه)
(15)
محلٌّ لصرفِ الكفاراتِ إليه، ولم يقلْ فيه: إنهُ اشتغَل بما لا يُفيدُ.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 115).
(2)
يُنْظَر: الأم (7/ 112).
(3)
يُنْظَر: الهِدَايَة شرح البداية: 1/ 115.
(4)
رَوَاهُ أبو داود في سننه (1611)، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر. وابن ماجه في سننه (1827)، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر. من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 409): صحيح.
(5)
أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (824 - 2/ 499)، وقال: لا يصح، فيه مُحَمَّد بن عبيد مجهول.
(6)
يُنْظَر (2/ 36).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 115).
(8)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 349)، الْمَجْمُوع (6/ 103).
(9)
زياده في ب.
(10)
سبق تخريجه من رواية عبدالله بن ثعلبة.
(11)
الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده (39/ 67)، من حديث عبدالله بن ثعلبة رضي الله عنه، والدَّارقُطنيّ في سننه (2/ 150)، كتاب زكاة الفطر من حديثه أيضا. قال: خطبنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (أدّوا عن كل حر، وعبد، صغيراً، أو كبيراً، نصف صاع من بر).
(12)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إِلاَّ عن ظهر غنى (1360). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(13)
رَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب من روى نصف صاع من قمح (1621). من حديث ثعلبة بن أبي صعير رضي الله عنه. قال الألباني في الجامع الصغير (ص 791): ضعيف.
(14)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 184).
(15)
سقطت في (ب).
قلتُ: بينهما فرقٌ؛ وذلك لِأنّ] الكفارةَ
(1)
شُرِعَتْ تطهيرًا عن الإثُمَّ مقصودًا مِنْ غَيرِ أنْ يُقصَدَ فيها الإغناءُ حتى أنها تتأدَّى بالصومِ، والإعتاقِ، فعنَد الاجتماع صورةٌ إذا كانَ ما لا يجبُ اعتبارُه على الانفصالِ، وأما الزَّكَاةُ فإنّ الفقيرَ ما استَحَقَّ الصدَقةَ إِلاَّ برزقِهِ مِن اللهِ تعالى، وما أَمْرُ اللهِ تعالى بإخراجِ المالِ صدقةً إِلاَّ رْزِقًا للمحتاجين، فَمَنْ تحَلُّ لهمْ شَرعًا؟ فإذا كانَ الرجلُ مِمنْ يحِلُّ له الرزقُ بهذا الطريقِ لم يجْز أنْ يكوَن أهلًا للوُجوبِ عليهِ، فيفوتُ عنه حِكْمةُ الأغنياءِ بإعطاءِ الرزقِ إذا أَخَذَ خمسَهُ رِزقًا، ثُمَّ أعطى الخمسَة رِزْقًا بمثله
(2)
. كذا في "الْأَسْرَارِ"
(3)
.
(ولا يُشَترطُ فيهِ النمُو)
(4)
؛ لأَنّ اشتراطَهُ لليُسرِ، والسهولةِ، ولا يُعتبرُ اليُسر هاهنا حَسْبَ اعتبارِه في الزَّكَاةِ بدليلِ بقاءِ الواجبِ بعدَ هلاكِ النصابِ، ووجوبُهُ برأس الحُرِّ؛ وذلك لأنّ سببَ هذا رأسُ يمونه ويلى عليهِ، وهو يستدعِ زيادةُ الضيقِ لا اليُسرِ، واشتراطُ الغِنى هاهنا مع ذلك لا للِيُسر، بلْ ليكونَ المأمورُ به أصلًا للأغنياءِ بخلافِ الزَّكَاةِ، فإنّ سببهَا المالُ، والواجِبُ فيه القليَلُ عن الكثيرِ على وجهٍ لا يُؤدِّي وجوبَها إلى الإجحافِ، والاستئصالِ حتى أنَّ دَيْنَ الزَّكَاةِ يمنعُ وجوبَ الزَّكَاةِ إذا كان الدَّيْنُ يُنْقِصُ النّصِابَ، فلذلك رُوْعيَتْ فيه غايةُ السهولةِ لَهُ فاشتَرطَ النمَّو، ويتعلقَّ بهذا النصابِ حْرِمانُ الصدقةِ
(5)
.
فالحاصِلُ: أنّ النِّصابَ على أنواعِ ثلاثةٍ: نِصابٌ يجبُ] به
(6)
الزَّكَاةُ، وسِائرُ الأحكامِ المتعلقةِ بالمالِ، وهو ما ذكرنا أنّ تَملُكَ الحِجرين
(7)
بالقَدْرِ الذيْ ذَكَره خاليًا عنِ الحاجةِ الأصليةِ، وأعني بالحاجةِ الأصلية في حقَّهما: الدَّينُ المشغولُ به، أو يَملِكُ غيرَهُما مِنَ العُروضِ المُعدَّةِ للتجارةِ الحاليةِ عن الحاجةِ الأصليةِ، وهي تُساوي نِصابَ الحجِرين قيمةً ونصابٌ يجبٌ الأحكامَ الأربعةَ، وهذهِ الثلاثةَ المذكورةَ، وهي: حِرمانُ الصدقةِ، ووجوبُ الأُضحيةِ،] والفِطْرِ
(8)
، والرابع: وُجوبُ نفقةِ الأقاربِ، ولا يُشترطُ فيه النمُّو بالتجارةِ أو بالحْولِِ لما ذكرنا، ونِصابُ تثُبتُ بهِ حُرمةُ السؤالِ، وهو مَنْ كانَ عِنَدُه قُوتُ يومٍ عنَد البعضِ، وقالَ بعضُهم: لا يحِلُ السؤالُ لمِنْ كان كَسُوبًا، أو يَمِلكُ خمسيَن دِرهمًا، وقد ذكرناه.
(1)
في (ب): (الكفارات)
(2)
يُنْظَر: الْبَحْرِ الرَّائِق (4/ 109).
(3)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَارِ (1/ 306)
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 115).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 283، 284).
(6)
في (ب): (فيه).
(7)
الحَجَرانِ الذهب والفضة يُنْظَر: تاج العروس (10/ 538)، مختار الصِّحَاح (ص: 167).
(8)
سقطت في (ب).
(ولهذا يتعّددُ بتَعّددِ الرأسِ مع اتحادِ اليومِ)
(1)
، عُلِمَ أنّ الرأسَ هو السببُ دونَ/ الوقتِ فإنْ قلتَ: مِثَل هذا التعُّددِ، والاتحادِ يُوجدُ في طَرَفِ الوقتِ أيضًا بعينهِ حيثُ يتعددُ بتعددِ الوقتِ، وهو تكررٌ للسنةِ الثانيةِ، والثالثةِ مع اتحادِ الرأسِ، فلو كانَ الرأسُ هو السببُ لما تعدّد الواجبُ في السنةِ الثانيةِ لا (تحال)
(2)
الرأسِ كما في الحجِّ حيثُ لا يتعددُ؛ لأنَّ السبب، وهو البيتُ واحِدٌ
(3)
.
قلتُ: تَكَرُر الوجوبِ هاهنا يتكررُ الفِطْرِ مع اتحادِ الرأسِ بمنزلةِ تكررِ وجوبِ الزَّكَاةِ يتكررُ الحولُ في المالِ الواحدِ، وذلك لأنّ وصفَ صدقَةِ الِفطْرِ بأنها مُؤنةٌ تُرجِحُ الرأسَ في كونهِ سببًا؛ لأنّ المؤنةَ عبارةٌ عن الفوتِ، يُقالُ مائةٌ أيْ فإنهُ وهو يتعلقَّ بالرأسِ، ولِأَنَّ مؤنةَ الشيءِ سببٌ لبقاءِ ذلك الشيءِ، وذلك يتُصورُ في الرأسِ دُونَ الزمانِ الذي لا يمُكنُ لأحدِ إيفاؤُه،] ولِأَنَّ التسبيب
(4)
لبقائَه ليس إِلاَّ لخالقِ الزمانِ فهُوَ الموُجدُ، والمبِقي، والمحدثُ، والمغِني في كُلُّ أوانٍ غيرَ أنّ اعتبارَ تجددِ المؤنةِ في كُلِّ ساعةٍ لإيجابِ صدقةِ الفِطْرِ يُؤدِّي إلى الإجحافِ، فوجبَ أنْ يعُتبرَ (التجددُ التقديري هاهنا بالتجددِ التقديري)
(5)
في موضعِ آخرَ مِنَ الوظائفِ الماليةِ، فوجدنا ذلك في الزَّكَاةِ فألحقناها بها، وإنما جعلنا المؤنةَ وصفُ السببية استدلالًا بقولهِ عليه الصلاة والسلام:«أدُّوا عَمَّنْ تمونون»
(6)
لما عُرف، (ومماليكُه)
(7)
، أي: ومماليكَه معطوف على قولهِ:] كأولادهِ
(8)
الصغارِ، ثُمَّ في اسمِ المماليك: القنّ
(9)
، والمدبرُ
(10)
، وأمُّ الولدِ
(11)
سواءً فإنّ ولايته عليهم لا تنعدمُ بالتدبيرِ، والاستيلادِ، وإنما تحتلُّ الماليةُ بهذا السببِ، ولا عِبرةَ للماليةِ، فإنه يُؤدِّي عن نفسهِ، وعن أولادِه الصغارِ، ولا ماليةَ منهم ما خلا المكاتبين، فإنُه لا يُؤدَّي عنهم؛ لأنّ وِلايةَ عليهم قدْ أُجبِلتْ بسبب الكتابةِ، فإنَّ المكاتَب صار بمنزلةِ الحُرّ في حقِّ اليدِ، والتصرفِ، وحكى عن عطاءٍ رحمه الله
(12)
أنهُ يؤدِّي عنهم
(13)
لقولهِ عليه الصلاة والسلام: «أدُّوا عن كُلِّ حُرٍّ، وعبدٍ»
(14)
، وقال: المكُاتِبُ: عَبْدُ ماَ بِقيَ عليه دْرِهَمٌ، ولكنّا نستدِلُ بقوله عليه الصلاة والسلام:«أدُّوا عَمَّنْ تمونون»
(15)
، وهؤلاءِ يمَونُونَ إِلاَّ المكاتبَ، وعن ابنِ عمَر رضي الله عنهما أنهُ كانَ يؤُدي عن زكاةِ الفِطْرِ عن جميع ممَاليكِه
(16)
إِلاَّ المكاتبين لهُ، وليس على المُكاتبِ أنْ يؤدِّي عن نفسهِ، وعن مماليكهِ إِلاَّ على قولِ مالكٍ رحمه الله
(17)
، فإنهُ يجعلُ المُكاتبِ مالكًا لكْسبِهِ بناءً على أصلِهِ أنّ المملوِكَ مِنْ أهلِ مُلْكَ المالِ إذا مَلَكَهُ المولى، وعِنْدَنَا المملوكُ مالًا ليسَ مِن أهلِ مُلْكَ المالِ التَّضادِ بين المالكيةِ، والمملوكيةِ، والدليل عليه: إباحةُ الأخذِ لهُ، وإنْ كانَ في يدهِ كَسْبٌ
(18)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 116).
(2)
في (ب): (لاتحاد).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 284، 285).
(4)
في (ب): (ولاالتسبب).
(5)
المثبت هو من (ب)(التجدد التقديري هاهنا بالتجددالتقديري) وفي (أ)(التحددُ التقديري هاهنا بالتحددِ التقديري).
(6)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (7935 - 4/ 161)، والدَّارقُطنيّ في سننه (2/ 141). قال الألباني في إرواء الغليل (3/ 330): حسن.
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(8)
في (ب): (كالاولاد)
(9)
القن: قال ابن سيده وغيره: القن هو المملوك وهو الرقيق الكامل رقه الذي لم يحصل فيه شيء من أسباب العتق ومقدماته. يُنْظَر: كشاف القناع (1/ 2)
(10)
التَّدْبيرُ: عِتْق العَبْدِ والأَمَة بعد الموت، سمي تدبيراً لوقوعه دَبْرَ الحياة وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام:«المدَبَّرُ حُرٌّ من الثُلث» . يُنْظَر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (4/ 2025).
(11)
أم الولد هي التي ولدت من سيدها في ملكه. يُنْظَر: الْمُغْنِي (10/ 411).
(12)
هو: عطاء بن أبى رباح القرشي، مولى أبى خثيم الفهري، واسم أبى رباح أسلم، كنيته أبو مُحَمَّد مولده بالجند من اليمن، ونشأ بمكة وكان أسود أعور أشل أعرج، ثُمَّ عمى في آخر عمره، وكان من سادات التابعين فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلًا لم يكن له فراش إِلاَّ المسجد الحرام إلى أن مات سنة أربع عشرة ومائة، وقد قيل: إنه مات سنة خمس عشرة ومائة وكان مولده سنة سبع وعشرين.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (5/ 198)، التاريخ الكبير (6/ 463)، الجرح والتعديل (6/ 330).
(13)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 185).
(14)
سبق تخريجه ص (229).
(15)
سبق تخريجه ص (233).
(16)
لفظه: " أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يخرج صدقة الفطر عن كل حر وعبد، صغير وكبير، ذكر وأنثى، كافر ومسلم، حتى إن كان ليخرج عن مكاتبيه من غلمانه "، وقد أخرجه الدراقطني في سننه كتاب زكاة الفطر (2/ 150) وقال: عثمان هو الوقاصي متروك ا. هـ.، وقال في ابن حجر في الدراية (1/ 270): وفي إسناده عثمان الوقاصي وهو متروك ا. هـ. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 149)، وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (3/ 174)، باب ما قالوا في العبد النصراني يخرج عنه، ولفظه: عن الأوزاعي قال: "بلغني عن ابن عمر أنه كان يعطي عن مملوكه النصراني صدقة الفطر".
(17)
يُنْظَر: التلقين (1/ 67)، الاستذكار (3/ 263).
(18)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 186).
وذكر في "الإيضاح": وكذلك لا يُؤدّي المولى عَنْ رقيقِ مكاتبهٍ
(1)
، وفي "شَرْحِ الطحاوي"
(2)
: ويجبُ عن عَبْدِهِ المؤاجِرِ، والمرهونِ، والعاريةِ، والوديعةِ، وعن عَبْدةِ المديونِ المستغرق في الدَّينِ، أو كانتْ في رقبتهِ جناية، ولا يؤدّي عن عَبْدهِ الآبِقِ، ولا عَنْ عْبدِهِ المغصوبِ، والمأسورِ، وإذا أوصى بخِدمةِ عبدِهِ لرجلٍ، وبرقبتهِ لاخَرَ فإنّ صدقةَ الفِطْرِ تجبُ على المُوصِى لهُ بالرقبةِ دُونَ الموصَى لُه بالخِدمةِ
(3)
. وفي "المَبْسُوط"
(4)
: وإنْ كانَ على العبد دَيْنٌ مُستغرقٌ لكسبهِ، ورقبتهِ، فعلى قولِ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله لا تجبُ على المولى صدقةُ الفِطْرِ عنه على أصلهِ أنهُ لا يمِلكُ رقبَتهُ، وعلى قول] أبي يُوسُف، ومحمد
(5)
رحمهما الله: يجُب بناءً على أصلهما أنَّ دَيْنَ العبدِ لا يمنع مُلْكَ المُولى في كَسْبِه كما لا يمنعُ مُلكَهُ في رقبتهِ.
وهذا إذا كانوا للخْدِمةِ - أي: خلافًا للشافعي رحمه الله
(6)
- فإنّ عِنْدَنَا لا يُؤدِّي صدقةَ الفِطْرِ عن عَبيدِ التجارةِ، وعِنَدُه يُؤدِّي على ما يجيءُ، فإنْ كانَ لهم مالٌ يؤدِي مِنْ مَالِهمْ عنَد أبي حَنِيفَةَ، وأبي يُوسُف -رحمهما الله-
(7)
، أي: يُؤدِّي الأبُ، والوصِيُّ، وكذلك يُضحَى عنه مِن مالهِ استحسانًا في قولِ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله خلافًا لمحمد
(8)
، وزُفَر فإنهما يقولان: يُؤدّي الأبُ مِنَ مالِ نَفُسِهِ، ولو أدَّى مِن مالِ الصغيرِ ضَمِنٌ، والقياسُ ما قاله مُحَمَّد وزُفَر رحمه الله؛ لأنها] في الشريعة كزكاةِ
(9)
المالِ فلا يجبُ على الصغيرِ
(10)
، ولأنها عبادةٌ، والصبيُّ ليسَ بأهلٍ لوجوبِ العبادةِ عليه
(11)
.
(1)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 190)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 305).
(2)
يُنْظَر: حاشية الطحاوي (1/ 724).
(3)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة: (1/ 133).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 203).
(5)
في (ب): (وعلى قول أبو حنيفه يُوسُف ومحمد).
(6)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 351 - 353)، الْمَجْمُوع (6/ 113).
(7)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 69)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (3/ 82).
(8)
يُنْظَر: المبسوط للشيباني (2/ 250).
(9)
في (ب) لانها زكاة في الشريعه.
(10)
في (ب) زياده (كزكاة المال).
(11)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء: (1/ 334، 335).
ولكن استحسنَ أبو حنيفةَ، وأبو يُوسُف -رحمهما الله-
(1)
فقالا: فيها معنى المؤُنةِ بدليلِ الوجوبِ على الغيرِ بسبب الغير فهو كالنفقةِ ونفقةُ الصغيرِ في مالهِ إذا كانَ لهُ مالٌ، ثُمَّ هذه طُهْرةُ شَرْعِيةٌ، ويُقاسُ بِنفعهِ الخِتانُ، وهذا لأنا لو لم نُوجِبْ عليهْ أصبحتا إلى الإيجابِ، وعلى الأبِ، ومالِ الصبيِّ يحتملُ حُقوقَ/ العبادِ، وبهِ فارقَ الزَّكَاةَ، ثُمَّ على قولِ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله، وأبي يُوسُف كما تُؤدِّي عن الصغير مِنِ مالِه، فكذلك عن مماليك الصغيرِ يُؤدّي منِ مالِ الصغيرِ، وِعندَ مُحَمَّد لا تُؤدَّى عن مماليكهِ أصلًا والمعتوهُ، والمجنونُ في ذلكَ بمنزلةِ الصغيرِ، (ولا يُؤدِّي عن زوجتهٍ)
(2)
، وقال الشَّافِعِي رحمه الله
(3)
: يجبُ الأداءُ عنها لقوله عليه الصلاة والسلام: «أدُّوا عَمَّنْ تمونون»
(4)
زوجُته، ومُلكُهُ عليها نظيرَ مُلْكِ المولى على أمِّ ولدِهِ، فإنهُ تثبُتُ بهِ الفراش، وحَلُّ الوطئِ، فكما يجبُ عليه الأداءُ عن أمِّ وَلدِه، فكذلك] عن
(5)
زوجتهِ، ولنا أنّ عليها الأداء عن مماليكِها، ومَنْ يجبُ عليهِ الأداءُ عنْ غيرهِ لا يجبُ على الغيرِ الأداءُ عنهُ، وهذا لأنّ نفسَها أقربُ إليها مِن نفسِ مماليكها، ثُمَّ النفقةُ على الزوجِ باعتبار العُقْدِ فلا يكونُ مُوجبًا للصدقِة، كنفقةِ الأجيرِ على المستأجرِ، وهذا لِأَنّ في الصدقةِ معنى العِبادةِ، وهو ما يُزوجُها لِيَتحمَّل عنها العباداتِ، وقد بيّنا أنَّ مجُردَ المؤنةِ بدونِ الولايةِ المطلقةِ لا تنهضُ سببًا، وبِعْقدِ النكاحِ لا تثبتُ له عليها الوِلايةُ فيما سوى حقوقِ النكاحِ بخلافِ أمَّ الولدِ
(6)
، فإنّ المولى عليها ولَاية مطلقة بسبب مُلكِ الرقبةِ، (ولا عن أولادهِ الكبارِ، وإنْ كانوا في عيالِه)
(7)
بأنْ كانوا زمنى
(8)
.
(1)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 69)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (3/ 82).
(2)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 37).
(3)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 351 - 353)، الْمَجْمُوع (6/ 113).
(4)
سبق تخريجه ص (233).
(5)
سقطت في (ب).
(6)
أم الولد: الأمة التي حملت من سيدها وأتت بولد، معجم لغة الفقهاء (1/ 102).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 38).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 188، 189).
وقال الشَّافِعِي رحمه الله
(1)
: إنْ كانوا زمنَى معسرينَ فعليهِ الأداءُ عنهم، وإنْ كانوا أصحاءَ مُعسريَن في عيالِه فلهُ فيه وجهان، واستدَلّ بقولهِ عليه الصلاة والسلام:«أدّوا عَمّنَ تمونون»
(2)
، وهو َعوْنُ وَلَدِهِ الزمنَ المعُسر، وأصحابنا قالوا
(3)
: بأنّ السببَ رأسٌ يمؤنة بولايته عليه ليكون في معنى رأسهِ، ولا ولِاية له على أولادهِ الزمنى إذا كانوا كبارًا، وبدون تَقَرُرِ السببِ لا يثُبُت الوجوبُ، ولا يُؤدِّي الحرَّ عن نوافلهِ الصغارِ
(4)
، وإنْ كانوا في عيالهِ
(5)
.
وروى الحسنُ، عن أبي حَنِيفَةَ رحمه الله
(6)
: أنّ عليه الأداءَ عنهم بعدَ موتَ الأبَ، وهذهَ أربعُ مسائلَ يخُالِفُ الجدَّ فيها الأبَ في ظاهرِ الروايةِ، ولا يخالفُ في روايةِ الحسنِ: إحديها: وجوبُ صدقةِ الفِطْرِ، والثانية: التبعيةُ في دارِ الإسلامِ، والثالثةِ: حتى الولاءِ، والرابعة: الوصيةُ بقرابة فلان، فلأنَّ وجهَ رِوايةِ الحسنِ أنّ وِلايةَ الجدِّ عندَ عَدَمِ الأبِ، وِلايهٌ مُتكامِلةٌ، وهو بمِوتهِم فيتقرُر السببُ في حقّهِ وجهٌ ظاهِرُ الرِوايةِ أنّ ولايةَ الجدِّ متنقلةٌ مِنَ الأبِ إليهِ فهي نظيرُه، ولِأنّهُ الوصِيُّ، وهذا لأنّ السببَ إنما يتقررُ إذا كانَ رأسهٌ في معنى رأس نفسِهِ باعتبارِ الولايةِ، وذلك ليتقررَ في حقِّ الجدِّ؛ لأنّ ثبوتَ ولايتهِ بواسطةِ ولايتهِ على نفسِهِ ثابِتةٌ بدونِ الواسطةِ أجزاه استحسانًا، وهو رِوايةٌ عن أبي يُوسُف
(7)
؛ لأنّ العادةَ أنّ الزوج هو الذي يُؤدِّي مكانَ الأمرِ منها ثانيًا باعتبارِ العادةِ، فيكونُ كالثابتِ بالنصِّ، وهذا كلُّهُ مِن "المَبْسُوط"
(8)
. فإنْ قيِل: إذاً زكاةُ الغيرِ بغيرِ إذنهِ لا يخُرجُهُ عن عُهَدِة الزَّكَاةِ، وإنْ كانَ قد أدَّى الزوجُ عَنْ زوجتهِ فكيف يجوزُ فيها؟
(1)
الأم (2/ 63)، الْمَجْمُوع (6/ 114).
(2)
سبق تخريجه ص (233).
(3)
الهِدَايَة (1/ 116).
(4)
النَّافِلَةُ: في الصلاة زيادة على الفريضة و الجمع (نَوَافِلُ). يُنْظَر: المصباح المنير (2/ 619).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 189).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 189)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 335).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 191)، الهِدَايَة (1/ 115).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 189).
قلنا: لِأنّ الزَّكَاةَ عبادةٌ محضةٌ فيُشترطُ الإذِنُ صريحًا؛ لأنهُ لا يجوزُ لأَحدٍ أنْ يُؤدِّي عبادة غيرهِ إِلاَّ أنَّ في العباداتِ المالية تجري النيابةُ إذا أنابَهُ صريحًا لتحققِ معنى الطاعةِ، والابتلاءِ بالإنابةِ، وأمّا صدقةُ الفِطْرِ، وفيها معنى المؤنةِ، فيجوزُ أنْ تسقطَ بأداءِ الغيرِ، وإنْ لم يوُجْدَ الإذِنُ صريحًا كما في سائرِ المُؤنِ هكذا أفادَ الإمامُ العالمُ الرباني مولانا حميدُ الدينِ الضرير رحمه الله
(1)
(2)
، وعِنْدَنَا وجوبهَا على المولى بسببهِ كالزَّكَاةِ، فيؤدِّي إلى الغني: يعني الزَّكَاةُ واجبةٌ على المولى بسببهِ، فلو قلنا: بوجوبِ] سبب
(3)
صدقةِ الفِطْرِ على المولى أيضًا لسببهِ، لكانَ فيهِ سببُ الصدقةِ على المولى في سَنةٍ واحدةٍ بسبب مالٍ واحدٍ، وهذا لا يجوزُ لإطلاقِ قوله عليه الصلاة والسلام:«لا ثني في الصدقةِ»
(4)
الثنيَّ مكسور مقصور، أي: لا تُؤخذُ في السنةِ مرتين
(5)
وعن أبي سعيدٍ الضريرٍ رحمه الله
(6)
معناه: لا رُجوعَ فيها، ولا استردادَ لها، وأنكَر الأولُ. كذا في "المُغْرِب"
(7)
. بنى ثني لا لنفي الجنسِ، ولهذا سقطَ التنويُن كذا ذكره الإمام الزرنوجي رحمه الله
(8)
فإنْ قلتَ: في عَبيدِ التجارة اختلفَ سببا الزَّكَاةِ، وصدقةِ الفطر، ومحلاهما فلا يُؤدِّي إلى الثني؛ وذلك لأنّ سببَ الزَّكَاةِ الماليةِ فيهم، وسببُ صدقةِ الفِطْرِ مؤنةُ رأسِهم، وكذلك المحلّ فإنَّ محلَّ أحدهِما الذمةِ، ومحلَّ الآخرِ بعضُ النصابِ فلما كانا حقينِ مختلفينِ يجبانِ بسببين مختلفين في محلينِ مختلفين لم يلزْم الثني/ لما أنّ الثنيَ عبارةٌ عن تثُبتِ شيءٍ واحدٍ، وهما شيئان مختلفان فيجبانِ كَأُجرةِ رَعْي السائمةِ مع الزَّكَاةِ، ونفقةِ عَبيدِ التجارةِ مع الزَّكَاةِ
(9)
.
(1)
هو: علي بن مُحَمَّد بن علي، حميد الدين الضرير من أهل رامُش - بضم الميم- قرية من أعمال بخارى من علماء الحنفية، كان إمامًا فقيهًا أصوليًا محدثًا متقنًا، تفقه على شمس الأئمة الكردري. وتفقه عليه جماعة منهم صاحب الكنز حافظ الدين النسفي، انتهت إليه رئاسة العلم بما وراء النهر. من تصانيفه:"الفوائد" حاشية على الهِدَايَة علقت على مواضع مشكلة، و"شرح المنظومة النسفية"، و"شرح الجامع الكبير ".
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 373)، الفَوَائِد البهية (ص 125).
(2)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 290).
(3)
سقط في ب.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 218)، باب من قال لا تؤخذ في السنة إِلاَّ مرة، بسنده عن سفيان بن عيينة عن الوليد بن كثير عن حسن بن حسن، عن أمه فاطمة، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(لا ثنى في الصدقة)، وأخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال (2/ 334)، باب فرض صدقة الإبل وما فيها من السنن من حديث فاطمة بنت الحسين أيضا، قلت: وفاطمة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهما تابعية فالحديث مرسل، وهي ثقة، تقريب التهذيب (2/ 751).
(5)
يُنْظَر: مختار الصِّحَاح (1/ 90).
(6)
أحمد بن خالد اللغوي أبو سعيد الضرير. قال الأزهري: استقدمه ابن طاهر من بغداد إلى خراسان فأقام بنيسابور وكان قد لقي أبا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، وَابن الأعرابي، وَغيرهما وكان قيّماً باللغة وأملى كتاب المعاني والنوادر. يُنْظَر: لسان الميزان (1/ 451).
(7)
يُنْظَر (1/ 125).
(8)
برهان الدين الزرنوجي من أهل القرن السادس للهجرة ومن تلامذة برهان الدين صاحب الهِدَايَة في فروع الفقه له في المواعظ والتصوف كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم. يُنْظَر: اكتفاء القنوع 1/ 190).
(9)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 287).
قلتُ: الفرقُ بين النفقةَ، والأُجرةِ، وبين صدَقَةَ الفِطْرِ، كانتْ لما أنّ في صدقةِ الفِطْرِ جهةَ الصدقةِ غالبةً، فكانَ حديثُ الثني متناولًا لها بإطلاقهِ، فتنتفي صدقةُ الثني بالحديثِ بخلافِ الأُجرة، ونفقةِ العبيد؛ لأنه ليسَ فيهما شائبةُ الصدقةِ، فلا يلزمُ الثناءُ، وذكر في "الْأَسْرَارِ"
(1)
وجهاً آخَر، وقال: إنّ الشرعَ بنى هذه الصدقةَ على المؤنةِ، فقال:«أدُّوا عَمّنْ تمونون»
(2)
، وهذا العبدُ مُعَدٌّ للتجارةِ لا للمُؤنةِ والنفقةُ التي يغرمُها فيهم لطلبِ الزيادةِ منهم فيكونُ ساقطَ العبرةِ بحُكْمِ القصدِ إلا ترى أنّ المضارِبَ يملكُ هذا الاتفاقَ، وهو غيُر مأذونٍ إِلاَّ بالتجارةِ إذا سقطتْ المؤنةُ حُكْمًا في مالِ التجارةِ أشبهَ السقوطَ حقيقةً، ولو سقطَ حقيقةً بالإباقَ، أو الغصبِ، أو الكتابةِ كانَ لم تجبْ صدقةُ الفِطْرِ لانعدامِ المؤنةِ، فكذا هذا فعلم بهذا أنّ سقوطَ صدقِة الفِطْرِ هنا لِزوالِ سببِ الوجوبِ، وهو المؤنةٍ لا لتنافٍ بين الواجبين، (والعبد بين شريكين)
(3)
: أيْ العبدُ الذي هو للخِدمةِ، ولا للتجارةِ
(4)
، وبهِ صّرحَ في "المَبْسُوط"
(5)
: (لا فِطْرةَ على واحدٍ منهما)
(6)
، وهذا عندنا
(7)
، وقال الشَّافِعِي رحمه الله
(8)
: يجبُ عليهما، وهو بناءً على الأصلِ الذي تقدّمُ بيانهُ في مسألةِ عَبيدِ التجارةِ
(9)
، فإنّ عندَهُ الوجوبَ على العبدِ، وهو كاملٌ في نفسهِ، وعِنْدَنَا الوجوبَ على المولى عن عبدِه، وواحدٌ منهما لا يملكُ ما سمُيِ عَبدًا فإنْ نصفَ العبد ليس بعبدٍ، وعلى سبيلِ الابتداءِ، وهو يستدلِ بقولهِ عليه الصلاة والسلام:«أدُّوا عمن تمونون»
(10)
، وهما يمونانه فإنّ نفقتَه عليهما، فكذلك الصدقةُ عنه،] ولنا
(11)
أنّ السببِ رأسٌ يحويهِ بولايته عليه، ولا وِلايَة لواحدٍ منهما عليهِ على الكمال حتى لو أرادَ أنْ يزوجَه لا يملِكُ ذلك، ولِأَنَّ الرأسَ هو السببُ، والرأسُ لا يتحرَّى ثبوتُه، فإنهُ يفوتُ بالتبعيضِ، فُعلِمَ بهذا أنّ البعضَ ملك مال لا رأس ولايه، ولأنهُ لا يلتحقُ برأسهِ إلى أنْ لا يملِكُ كُله، ويمونُ كُلَّ المؤنةِ، فهذهِ مسائلُ تخرجُ بانعدامِ العِلةِ، والعدمُ لا يوُجب نفيًا، ولكن لا وجوبَ بدونِ العِلةِ إذا ثبتَ أنه العِلَةُ لا عن لا يَوجد الحكم بدونها. كذا في "المَبْسُوط"، و"الْأَسْرَارِ"
(12)
.
(1)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 70).
(2)
سبق تخريجه ص (233).
(3)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 38).
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 287).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 191).
(6)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 38).
(7)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 337)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 71).
(8)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 363)، الوسيط (2/ 501).
(9)
يُنْظَر: الأم (2/ 48)، الْحَاوِي (3/ 358).
(10)
سبق تخريجه ص (233).
(11)
في (ب): (قلنا)
(12)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 191).
ثُمَّ الذي يجبُ على الشريكين عنَد الشَّافِعِي رحمه الله
(1)
إنما يجبُ على وجه التنصيف لا على وجه الكمال، فإنهُ ذَكر في "الخُلَاصَة الغزاليَّة"
(2)
: والعبدُ المشترِكُ تجبُ فِطْرتُه على (سيديِه)
(3)
بالشركةِ، ولا يخرجُ نصفُ صاعٍ في الفِطْر إِلاَّ في هذا الموضع (وقالا: على كُلَّ واحدٍ منهما ما يخصُه مِنَ الرؤوسِ دونَ الأشقاصِ)
(4)
(5)
حتى لو كان بينهما خمسةُ أَعْبدٍ يجبُ على كُلٍّ منهما صدقةُ الفِطر عن العبدين، ولا يجبُ عن الخامس
(6)
. ثُمَّ إلحاقُ أبي يُوسُف ومُحَمَّد هاهنا مخالفٌ لما ذكره في "المَبْسُوط"
(7)
، فقال فيه: فإن كان بينهما مماليكٌ للخدمةِ، فعلى قولِ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله لا تجبُ على واحدٍ منهما صدقةُ الفِطر عنهم، وعند مُحَمَّد رحمه الله، تجبُ على كل واحدٍ منهما الصدقةُ في حِصّتهِ إذا كانتْ كاملةً في نِفسها ومذهبُ أبي يُوسُف رحمه الله مُضطرِبُ.
ذُكَرِ في بعض روايات هذا الْكِتَاب كقول مُحَمَّد رحمه الله، والأصَحُّ: أنّ قولَه: كقولِ أبي حَنِيفَةَ، فأبوحنيفة مرّ على أصلهِ، فإنه لا يرى قسمةَ الرقيقِ جبرًا] فلا يملكُ كُلُّ واحدِ منهما ما يُسمى عبدًا، ومُحَمَّد مّر على أصله فإنه يرى قسمةَ الرقيقِ جبرًا
(8)
، وباعتبار القِسمةِ مُلْكُ كُلّ واحدٍ منهما في البعض متكاملِ، وكذلكِ مذهبُ أبي يُوسُف إنْ كان قوله كقولِ مُحَمَّد رحمه الله
(9)
، وإنْ كانَ قوله كقولَ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله، فعذره أنّ القِسمةَ تُبنى على المَلك، فأمّا وجوبُ صدقةِ الفِطْرِ، فينبني على الولِاية لا على المُلك حتى تجبُ الصدقة عن الولدِ الصغيرِ، وليس بواحدٍ منها ِولايةٌ كاملةٌ على شيءٍ من هذهِ الرؤوسِ؛ لأنّ الوجوبَ عنَده على العبدِ، وهو ليسَ من أهله ويستدِلُّ لإثباتِ هذا الأصل بحديث] ابن
(10)
عمر رضي الله عنه: «أنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام فرضَ صدقةَ الفِطْرِ على كُلّ حُرٍّ وعبدٍ»
(11)
، ولأنها طُهْرةٌ للصائِمِ، ووجوبُ الصومِ على العبدِ.
(1)
الشَّافِعِي يقول يجب فيه عليهما بقدر ملكهما؛ بناءً على أنّ الوجوب عنده على العبد، وهو في نفسه كامل، وإنما المولى يتحمّل عنه بالملك، فيتقدّر بقدر الملك وهو مذهب المالكية والحنابلة.
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 363)، الوسيط (2/ 501)، التلقين (1/ 67)، الْمُغْنِي (2/ 702).
(2)
يُنْظَر (1/ 206).
(3)
في (ب): (سيده).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 116).
(5)
الشقص: القطعة من الأرض، والطائفة من الشئ، والشقيص: الشريك، يقال: هو شقيصى، أي شريكي في شقص من الأرض. يُنْظَر: الصِّحَاح (3/ 1043).
(6)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 133)، البناية (3/ 577).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 192).
(8)
سقطت في (ب).
(9)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 71)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 272).
(10)
سقطت في (ب).
(11)
أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه (2/ 130)، باب فرض صدقة الفطر من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ولفظه (أنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام فرض زكاة الفطر من رمضان، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين) كما أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 309)، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير من حديثه أيضا، وأحمد في مسنده من حديثه أيضا (9/ 243)، وأبو داود في سننه (2/ 26)، باب كم يؤدى في زكاة الفطر من حديثه أيضا، والترمذي في سننه (3/ 61)، باب صدقة الفطر من حديثه أيضا، والنسائي في سننه (5/ 48)، باب فرض زكاة رمضان على المسلمين دون المعاهدين من حديثه أيضاً، وابن ماجه في سننه (1/ 585)، باب صدقة الفطر من حديثه أيضاً.
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «أدُّوا عمن تمونون»
(1)
، فإنما الوجوبُ على مَنْ خُوطِبَ بالأداءِ، وجعله بمنزلة النفقةِ، ونفقةُ المملوك على المولى، فكذلك صدقةُ/ الفِطْرِ عنُه عليهِ، ثُمَّ هذه صدقةٌ واجبةٌ باعتبارِ مُلكِه فكان عليه ابتداءً كزكاةِ المالِ عن عَبْدٍ التجارةِ، وهذا لأنّ حالَ العبدِ دُونَ حالِ فقيرٍ لا يملكُ شيئًا؛ لأنّ ذلك الفقيرَ مِن أهلِ المُلك، والعبدُ لا، فإذا لم يجبْ على الفقيرِ الذي لا يملكُ شيئًا، فلأن لا يجبُ على العبدِ أولى، ولدليلٍ عليه أنهُ لا يخُاطَبُ بالأداءِ بحالٍ بخلافِ الصغيرِ الذي لهُ مالٌ، فإنهُ يخاطَبُ بالأداءِ بعدَ البلوغِ إذا لم يؤدِّ عنه وليهُ وحرفُ (على) في حديث ابن عمر بمعنى حرف] عن [قال الله تعالى:{الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ}
(2)
أي: عن الناسِ بدليلِ سائرِ الأخبارِ، ولا يُعتبر بالصومِ، فإنهُ يجبُ على الرضيعِ، ولا صومَ عليه، ولو كانَ على العَكسِ، فلا وجُوبَ بالاتفاقِ
(3)
. أمّا عِنْدَنَا فظاهُر
(4)
؛ لأنّ المولى ليسَ بأهلٍ للوجوبِ عليه، ولا للِأداءِ. وأمّا عند الشَّافِعِي
(5)
فإنْ يحملْ الوليَ عن مملوكهِ يَستدعي أهليةَ أداءِ العبادةِ والكافرُ ليس بأهلٍ له، والوجوبُ عنده باعتبارِ تحمَّلِ الولي الأداءَ عنه، فإذا انعدمَ ذلك في حقِّ المملوكِ لم يجبْ أصلًا. كذا في "المَبْسُوط"
(6)
.
وفطرتُه علَى مَنْ يصيرُ له حتى إذْ تَّم البيعُ فعلى المشتريِ، وإنْ انتقض فعلى البائع، وقال زُفر: على مَنْ له الخِيار
(7)
، وقال الشَّافِعِي رحمه الله
(8)
: على مَن له الملُك. قلتُ: هذا الخلافُ الذي ذُكِرَ بينهما مُوافِقٌ لما ذكره في "المَبْسُوط"
(9)
و"شرح الطحاوي"، ومخالف لما ذُكِرَ في "الْأَسْرَارِ"
(10)
، وفَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(11)
، فإنّ المذكور فيهما على عكسِ ما ذُكَرِ لكُلِّ واحدٍ منهما
(12)
من المذهبِ في الْكِتَابِ حيثُ اعتبرَ زُفَر المُلك، والشَّافِعِي الخيارَ، وإنْ كانَ الخِيار لهما، فعلى البائعِ واحتجَّ مِنْ اعتبرَ الخيارَ فاقل قرار الملك لما كان شرطًا قَبْلَ هذا الخِيار بالاتفاقِ قام مَنْ له الخِيار مَقامَ مَنْ له المُلكِ على القرارِ؛ لأن الزوالَ حينئذٍ يكون باختيارهِ، فلا يُعتبر في حقِّ إبطالِ الصدقةِ كمن شُرِعَ في الصومِ، ثُمَّ سافَر لا يُباحُ له الفِطْرِ؛ لأنهُ باختياره حصل، ولو مَرِض أُبيحَ لهُ الفِطْرِ؛ لأنهُ لا خيارَ له فيهِ، وإنْ كانَ المرضُ، والسفرُ أباحا الفِطر بنصٍّ واحدٍ، كذا في "الْأَسْرَارِ"
(13)
.
(1)
سبق تخريجه ص (233).
(2)
سورة المطففين الآية (2).
(3)
يُنْظَر: الإجماع لابن المنذر (1/ 46)، البناية (3/ 579)، الاستذكار (3 م 258)، الْحَاوِي (3/ 359)، الْمُغْنِي (2/ 648).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 187)، الجوهرة النيرة (1/ 164).
(5)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 359).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 186، 187).
(7)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 289)، الهِدَايَة (1/ 116).
(8)
يُنْظَر: الأم (2/ 63)، الْحَاوِي (3/ 366).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 197).
(10)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 308).
(11)
يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 267).
(12)
يُنْظَر: البناية شرح الهِدَايَة (3/ 580).
(13)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَارِ: (4/ 529).
وقال الشَّافِعِي رحمه الله: على مَنْ له المُلك
(1)
، وهو المشتري عنَده، وأنّ المذهبَ عند الشَّافِعِي: أنّ خيارَ الشرطِ لا يمنعُ ثبوتَ المُلك للمشتري كخِيار العيبِ
(2)
كذا وُجِدَتْ بخط شَيْخِي رحمه الله
(3)
؛ لأنه مِن وظائفهِ، أي: لأنّ صدقة الفِطر بمعنى التصدّقِ من وظائفِ الملك، ويقول: هذه مؤُنة يجب بسببِ الملك،] وكان نظير
(4)
النفقةِ يجبُ على من له المُلك وقتَ الوجوبِ فكذلكَ الصدقةُ؛ لأنهُ لو رُدَّ يعودُ إلى] قديم مُلكِ البائع
(5)
، فكذلك وجوبُ صدقةِ الفِطْرِ تكون على البائعِ، ولهذا قال في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(6)
: والعبد لو كان مبيعًا بيعًا فاسدًا فمَّر يومَ الفِطر قبلَ قَبْضِ المشتري، ثُمَّ قبضُه المشتري، وأعتقه فالصدقةُ على البائعِ؛ لأنّ الملك للبائعِ كان ثابتًا قبلَ القبضِ، وإنما يثبتُ للمشتري عند القبضِ مقصورًا عليه، وكذا إذا مرَّ يومَ الفِطر، وهو مقبوضٌ للمشتري، ثُمَّ اشتراهُ البائعُ؛ لأنّ حقَّ البائعِ ما انقطع] بالقبضِ
(7)
لبقاءِ ولاية الاستردادِ، وكان بمنزلة بيعٍ فيه خِيار، وإنْ لم يسترد بالبائعِ، وأعتقه المشتري، فصدقةُ فِطْرِه على المشتري؛ لأنَ مُلك المشتري، تَمَّ بالإعتاقِ كما يَتِمَّ بإسقاطِ الخيار في بيعٍ فيه خِيارٌ فيتوقف ما يُبتنى عليه مِن حقوقِ الملكِ، فإنْ قيِل: أليسَ أنَّ العتاقَ منِ حقوقِ الملكِ ثُمَّ لو أعتقه المشتري، والبائعُ بالخِيار لم (يعفُ)
(8)
العتاقَ
(9)
.
قلنا: نفسُ الإعتاقِ ليستْ منِ الحقوق، بل هي تُصرف مبتدأَ يُزيل المُلك، لكنْ إذا وقعَ صار منِ حقوقهِ؛ لأنه نهايةٌ للملكِ، والبيع إذا كان فيه خِيار
(10)
المنافعِ مُعدومٌ حُكْمًا في حقِّ المشتري، فلا يُعتبر حينئذ إعتاقه قبلَ المُلك مِنْ حيثُ النفاذِ بوجهٍ، فلا يصيرُ وصفًا له فأمّا الصدقةُ ففي نفسها منِ حقوقِ الملك كالنفقةِ، فلما توقفَ حِالُ الملُك بالبيعِ على أنْ يصيرَ للمشتري منِ أولِ البيع يُوقف معه أمرُ الصدقة، فإن قِيل: يبطلُ عن تزوج امرأةٍ على عبد بعينهِ، ولم يسلمْ إليها حتى قضى يومَ الفِطر، ثُمَّ طلقها لم يجبْ على الزوج، وقد عاد إليه من الأصلِ، ولا عليها. قلنا: أمّا المرأةُ فلا وجوبَ عليها؛ لأن السببَ وهو المؤنةُ بسبب الولاية، ولا مؤنة عليها قبلِ التسليم، وإن/ يثبت للمالك، ونفسَ الملك بلا يدٍ لم يوجِب له حقُّ النفقةِ، وقد انقطعَ ملكها عن نصفهِ قبلَ التمامِ بالقبضِ، فصار كأنَّ ذلك القدرَ لم يكنْ مملوكًا لها، وأمّا الزوجُ، فكان عليه المؤنةُ بلا مُلكِ، والمؤنةُ في العبدِ بلا مُلك لا تُوجبُ صدقةَ الفطرِ، كذا في "الْأَسْرَارِ"، وفتاوى الإمام الولوالجي رحمه الله
(11)
(12)
، وزكاةُ التجارةِ على هذا الخلاف، يعني: إذا اشترى عبدًا للتجارة على أنهُ بالخيارِ فحالَ الحولُ، والخِيار باقٍ، فإن قلت: أنّ المشتري إذا اشترى على أنهُ بالخِيار فمنِ يومِ الفِطْرِ، والخيارُ باقٍ، ينبغي أنْ تجبُ فطرتهُ على المشتري على قولهما لما أنّ خيارَ المشتري لا يمنعُ ثبوتَ الملك للمشتري عندهما، وهذا حُكْم دائرٌ مع الملك
(13)
.
(1)
يُنْظَر: الأم (2/ 63)، الْحَاوِي (3/ 366).
(2)
يُنْظَر: الأم (2/ 53).
(3)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 116).
(4)
في (ب): (وكانت النفقة).
(5)
في (ب): (إلى ملك قديم ملك البائع).
(6)
يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 202).
(7)
سقطت في (ب).
(8)
في (ب): (يقع).
(9)
يُنْظَر: الفتاوي الهندية: (1/ 193).
(10)
في (ب): (والبيع إذا كان فيه خيار للبائع معدوم كل مافي حق المشتري).
(11)
سبق ترجمته ص (210).
(12)
يُنْظَر: الفتاوى الولواجية (1/ 179).
(13)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 290).
قلت: لا بل هي حكم دائر مع قرارِ الملكِ لا نفسَ الملك ألا ترى أنّ ترددَ قرارِ الملك هاهنا أكثر من التردد فيما إذا اشتراه بشراءٍ فاسد، وقبضَه، ومرَّ يومُ الفِطْر، وهو مقبوضً المشتري، ثُمَّ ردّه بفسادِ الشرى، وقد ذكرنا أنّ فطرتَه لا تجبُ على المشتري، وإنْ كانَ مُلكه في ذلكِ اليومِ عُلِمَ أنّ ولايةَ الردِ، والاستردادِ كافيةٌ لمنعِ وجوبِ الفِطْرِة عَمَّنْ له الملك في الحالِ.
وفي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(1)
: وتجبُ عليه صدقةُ فِطَرِ عبدهِ المأذونِ، وإنْ كانَ على العبد دَيْنٌ مُستغرقُ
(2)
، ولا تجبُ صدقةُ الفِطر على عَبيدِ عبدِه المأذونِ
(3)
؛ لأنه إذا كان على المأذون دَيْن لا يملك المولى عَبيدهَ، وإنْ لم يكنْ عليه دَين كانَ العبدُ للتجارة
(4)
، والله أعلمً بالصواب
(5)
.
(6)
فَصلٌ في مقدار الواجب لما ذُكِرَ وجوبُ صدقةِ الفطرِ، (وشروطه)
(7)
، ومن يجبْ عليه، (ومن يجبْ عنه)
(8)
شُرِع في بيان ما يؤدِّي به صدقةَ الفِطر، وقدّرهُ
(9)
قال رحمه الله (الفطرةُ نصفُ صاعٍ من بُرّ)
(10)
معناه (صدقةُ الفِطْرِ) وقد جاءتْ في عباراتِ الشَّافِعِي وغيره
(11)
، وهي صحيحةٌ منِ طريقِ اللُّغةِ، وإنْ لم أجْدها فيما عندي من الأصولِ
(12)
. كذا في "المُغْرِب"
(13)
.
(وقال أبو يُوسُف، ومُحَمَّد -رحمهما الله-
(14)
: الزبيبُ بمنزلةِ الشعيرِ، وهو رِوايةٌ عن أبي حَنِيفَةَ رحمه الله
(15)
(16)
، قال أبو اليُسرِ في جامعهِ الصغيرِ: هذا هو الصحيحُ، فإنهُ رُويَ في بعضِ الروايات أو صَاعًا من زبيبٍ؛ لأنّ الزبيبَ عندَهم في معنى التمرِ
(17)
وقال الشَّافِعِي رحمه الله: منِ جميعِ ذلك صاعٌ
(18)
، واستدلَّ بحديثِ ابنِ عُمر رضي الله عنه
(19)
، فإنه ذَكَر فيه صاعًا من بُرِّ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ
(20)
، والتقدير بنصفِ صاعٍ شيءٌ أحدثَهُ معاويةُ رضي الله عنه برأيهِ على ما قالَ أبو سعيدٍ الخدري رضي الله عنه
(21)
: "كنا نخُرِجُ في زكاةِ الفِطْرِ صاعًا من طعامٍ حتى قَدِمَ مُعاوِيةُ من الشامِ، فقال: لا أرى إِلاَّ مَدَّيْنِ مِن سَمُرِ الشامِ يَعدِلُ صَاعًا منِ طعامِكم هذا"
(22)
. وأكثرُ ما في البابِ أنّ الآثارَ فيه قد اختلفتْ، والأخذُ بالاحتياطِ في باب العباداتِ واجبٌ، والاحتياطُ في إتمامِ الصّاعِ
(23)
، وقياسهِ بالشعيرِ، والتمرِ بِعلَّةِ أنهُ أخذُ الأنواعِ التي تتأدّى به صدقةُ الفِطْرِ، ولنا ما روينا، وهو ما رواهُ مِن حديثِ ثعلبة بن صغير في أول الباب، وهو مذهبُ جماعةٍ من الصحابة رضي الله عنهم حتى قال أبو الحسن الكرخي رحمه الله
(24)
(25)
لم يُنْقل عن أحدٍ منهم أنهُ لا يجوزُ أداءُ نصفِ صاعٍ من بُر، وبهذا تندفعُ دعواه أنُه رأى معاويةَ، بل فيهِ ما يُوجِبُ ردَّهُ؛ لأنّ الناسَ في زمنِ معاويةَ كانَ أكثرُهم أصحابَ رسولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام، وما كانوا يتركون السنة بقولِ معاويةَ، فدَّلَ التركُ على أنهُ رَوى نصًّا عرفوا صحتهُ.
(1)
يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 202).
(2)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 288).
(3)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 70).
(4)
يُنْظَر: الفتاوى الهندية: (1/ 193).
(5)
في (ب): (فَصلٌ في مقدار
…
).
(6)
بياض في (أ) وفي (ب)(فَصلٌ في).
(7)
في (ب): (وشروطها).
(8)
سقطت في (ب).
(9)
في (ب): (قوله رحمه الله
(10)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 38).
(11)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 379)، الْمَجْمُوع (6/ 142).
(12)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 290).
(13)
يُنْظَر: (2/ 144).
(14)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 205)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 72).
(15)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 116).
(16)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 290).
(17)
يُنْظَر: الجامع الصغير للكنوي (2/ 290).
(18)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 379)، الْمَجْمُوع (6/ 142).
(19)
تقدم تخريجه حديث عبدالله بن ثعلبة العذري عن ابن عمر.
(20)
لا خلاف بين العلماء، أن مقدار الفطرة من الشعير صاع، ومن التمر صاع، وإنما الخلاف في البر، والزبيب، فعند الشَّافِعِي ومالك واحمد: صاع من كل واحد منهما، كالشعير، والتمر، واحتجوا بما أخرجه الْبُخَارِيُ ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال:"كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب "وقالوا والطعام هو البر، بدليل ذكر الشعير معه.
وعند أبي حنيفة: في البر نصف صاع في الروايات كلها، وهو مذهب أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي في رواية، وابن عباس في رواية، واستدلوا بما رَوَاهُ عن ابن عمر:" كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام صاعاً من شعير، أو تمر، أو سُلْتٍ، أو زبيب، فلما كان عمر، وكثرت الحنطة، جعل نصف صاع حنطة، مكان صاع من تلك الأشياء ".
يُنْظَر: (الاستذكار (3/ 368، 269) الإجماع لابن المنذر (1/ 47)، الْمَجْمُوع (6/ 142، 143)، التمهيد (4/ 135)، الْمُغْنِي (2/ 652)، الْحَاوِي (3/ 379، 380)، الْمَجْمُوع (6/ 142)، الإنصاف (3/ 127).
(21)
هو: سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد، صحابي، كان من ملازمي النبي عليه الصلاة والسلام، وروى عنه أحاديث كثيرة، غزا اثنتي عشرة غزوة، وله 1170 حديثا، توفي في المدينة، (ت 74 هـ).
يُنْظَر: الاستيعاب (2/ 602)، صفة الصفوة (1/ 714)، الثقات (3/ 150).
(22)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الزكاة، باب صاع من زبيب (1437). ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (985).
(23)
الصاع والصِواع بالكسر وبالضم: الذي يكال به وتدور عليه أحكام المسلمين .. وهو أربعة أمداد، كل مد رطل وثلث، والصاع أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما، إذ ليس كل مكان يوجد فيه صاع النبي عليه الصلاة والسلام، اختلف العلماء في مقدار الصاع فقال أبو حنيفة، ومُحَمَّد: ثمانية أرطال بالبغدادي وقال مالك، والشَّافِعِي، وأحمد بن حنبل: خمسة أرطال وثلث رطل بالبغدادي، وهو مذهب أهل الحجاز.
والرطل البغدادي مائة وثمانية وعشرون درهماً، وأربعة أسباع درهم. وقيل (): مائة وثمانية وعشرون درهماً.
ومقدار الصاع عند الحنفية: 4 أمداد = 8 أرطال = 57، 1028 درهماً = 362، 3 لتراً = 5، 3261 غراماً، ومقداره عند غير الحنفية: 4 أمداد = 3/ 1، 5 رطلاً = 7، 685 درهماً = 748، 2 لتراً = 2172 غراماً.
يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (1/ 270)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 339)، الأصل (2/ 323)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 73)، القاموس المحيط (1/ 955)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 518)، لسان العرب (13/ 415)، معجم لغة الفقهاء (1/ 460)، الاستذكار (3/ 132)، الْحَاوِي (3/ 382)، الْمُغْنِي (1/ 254)، البناية (3/ 589).
(24)
هو: أبو الحسن عبيدالله بن الحسن البغدادي الكرخي الفقيه الشيخ الإمام الزاهد، مفتي العراق وشيخ الحنفية، حدث عنه أبو بكر الرازي، وإليه انتهت رئاسة المذهب، وانتشرت تلامذته في البلاد (ت 340 هـ). يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (15/ 426)، البداية والنهاية (11/ 224 - 225)، الجواهر المضية (1/ 337).
(25)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 204).
وعن مروانَ بن الحَكَمِ
(1)
: أنهُ كتب إلى أبي سعيدٍ الخدري يسألهُ عن صدقةِ الفِطْرِ؟ فقال: "كنا نخُرِجُ على عهدِ رسولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام صاعًا مِنَ الطعام، صاعًا من التمرِ، أو صاعًا من شعيرٍ"
(2)
، فيحملُ أنّ الراوي لم يسمعْ التفسيرَ، وظنَّ الطعامَ حِنَطةً، ينقلُ بالمعنى، ويقيُسه على كفارةِ الأذى نقلهُ أنها وظيفةُ المسكينِ ليومهِ، وليس البّرُ نظيرَ التمرِ، والشعيرِ] فإن التمرَ يشملُ الشعيرَ على ما ليسَ بمأكولٍ
(3)
، وهو النواةُ، وِالنخالةُ، وعلى ما هو مأكولٌ.
فأما البُّرُ، فمأكولُ كُلُّهُ، فإنَّ الفقيرَ يمكنهُ أَكْلُ دقيقِ الحِنطةِ بنخِالتهِ بخلافِ الشعيرِ أنه والتمر، أي:(أنّ الزبيبَ، والتمرَ يتقاربان في المقصودِ)
(4)
، وهو التفكُّهُ، والاستخلاءُ فإنهُ يشبهُ التمَر من حيثُ إنّهُ/ هو مأكولٌ، وله عُجْمٌ، وثفروق
(5)
كما للتمرِ نُواةٌ، وذَكَر فَخْرُ الْإِسْلَام رحمه الله، ولأِنّهُ مثلُ التمرِ بلْ أنقصُ؛ لأنُه ليس نقدًا، ولكنه فاكهةً، فصارَ التقديُر منهُ بصاعٍ أولى وله أنه،] والبُر
(6)
، أي: أنّ الزبيبَ، والبُرَ يتقاربان في المعنى؛ لأنّ كُلَّ واحدٍ منهما مأكولٌ كُلُّهُ، فكما يتقدُر منِ البُرُ بنصفِ صاعٍ بهذا المعنى، فكذلك من الزبيبِ، والأثرُ فيه شاذ
(7)
، وبمثلهِ لا يثبتُ التقديُر فيما تعمُّ به البلوى
(8)
؛ لأنه لو كان صحيحًا لاشتْهر بعملهم به، وكان أبو بكر الأعمشُ رحمه الله
(9)
لا يثبتُ الاختلافُ بينهم في الحقيقةِ
(10)
، ويقولُ: إنّ أبا حنيفةَ رحمه الله إنما قالَ ذلك لما رأى للزبيبِ عزةً في زمانهِ كما للحنطةِ، ولم يُرِيَا ذلك، كذا في "المَبْسُوط"، و"الفوئد الظهيرية"
(11)
.
(1)
هو: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي أبو عبد الملك وهو بن عم عثمان وكاتبه في خلافته يقال ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع وروى عن غير واحد من الصحابة منهم عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال بن طاهر هو أول من ضرب الدنانير الشامية وكتب عليها قل هو الله أحد توفي في شهر رمضان سنة خمس وستين.
يُنْظَر: الإصابة في تمييز الصحابة (6/ 257، 258).
(2)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في السنن والآثار (6/ 195).
(3)
في (ب): (فإن التمر أو الشعير يشتمل على ماليس بماكول).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 116).
(5)
الثُّفْروقُ بالضمِ: قِمَعُ التَّمْرَةِ أو ما يَلْتَزِقُ به قِمَعُها. يُنْظَر: القاموس المحيط (ص: 1125).
(6)
سقطت في (ب).
(7)
الشاذ هو: الذي يتفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة. انظر: التقييد والْإِيضَاحِ شرح مقدمة ابن الصلاح (ص: 102).
(8)
البلوى في اللغة: مثل البلاء، والبلية، والبلوة: اسم بمعنى الامتحان والاختبار، تقول: بلاء الله بخير أو شر يبلوه بلواً، وأبلاه، وابتلاه ابتلاءً أي امتحنه واختبره " كما في " المصباح المنير " (1/ 62)، و" القاموس المحيط " ص (1632).
وفي الاصطلاح: هو ما يحتاج إليه الكل حاجة متأكدة تقتضي السؤال عنه، مع كثرة تكرره وقضاء العادة بنقله متواتراً. يُنْظَر: التحبير شرح التحرير (4/ 1615)، و" كشف الْأَسْرَارِ "(3/ 24).
(9)
هو: سليمان بن مهران الأسدي بالولاء، أبو مُحَمَّد، الملقب بالأعمش، تابعي، مشهور، أصله من بلاد الري، ومنشأه ووفاته في الكوفة، كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض، قال الذهبي: كان رأسا في العلم النافع والعمل الصالح، وقال يحيى القطان: هو علامة الإسلام (ت 148 هـ).
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (6/ 228)، تهذيب التهذيب (4/ 195)، صفة الصفوة (3/ 117).
(10)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 117)، الجوهرة النيرة (1/ 164).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 204، 205).
والأَولى أنْ يراعيَ فيهما، أي: في الدقيقِ، والسويقِ القدرِ، والقيمةِ احتياطًا، حتى إنْ كانَ منصوصًا عليهما ينادي باعتبار القدرِ، وإنْ لم يكنْ منصوصًا عليهما يتأدّى باعتبارِ القيمةِ، وتفسيرهِ: أنْ يؤُدِّي نصف صاعٍ من دقيقِ البُرِ، ولكنْ تبلغُ قيمتُه قيمةَ نصفِ صاعٍ من البُر، وأمّا لو أدَّى منًا ونصفًا من دقيق البُر تبلغُ قيمتَه قيمةَ] نصفِ صاعٍ من البُر
(1)
أو أدَّى نصفَ صاعٍ من دقيقِ البُر، ولكنْ لا تبلغُ قيمتُه قيمةَ نصفِ صاعٍ من البُر لا يكون عاملًا بالاحتياط، وإنْ نصَّ على الدقيقِ في بعضِ الأخبارِ، وهو ما رَوى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال:«أدُّوا قبلَ خُروجِكم زكاةَ فِطْرِكم، وأنّ على كُلِّ مسلمٍ مدّينِ منْ قمحِ أو دقيقٍ»
(2)
، كذا في "المَبْسُوط"
(3)
.
ولم يبينْ ذلك في الْكِتَابِ، أي: احتياط المراعاةِ فيها بالقدر، والقيمةُ اعتبارًا للغالبِ، فإنّ الغالبَ أنَّ قيمةَ نصفِ صاعٍ من الدقيقِ، يساوي نصفَ صاعٍ من البُرِ، أو يزيدُ فلذلك لم يسنه، ولكنّ غيرَه متوهمٌ، وهو أنْ لا تبلغُ قيمةُ نصفِ صاعٍ من دقيقِ البُرِ قيمةَ نصفِ صاعِ من البُرِ بأنْ كانَ وقتُ البذر مثلًا، فلذلك كانَ الأحوطُ ما قلنا حتى أنهُ إذا كان هكذا، وهو أَنْ لا تبلغ قيمةُ نصفِ صاعٍ من الدقيقِ قيمةَ نصفِ صاعِ من البُرِ ينبغي أن يزيدَ من الدقيقِ إلى أنْ تبلغ قيمتهُ قيمةَ نصفِ صاعٍ من البرُ والخبزُ تعتبر فيه القيمةُ هو الصحيح] هذا احتراز عن قولِ بعض المتأخرين، فإنّ منهم مِنْ قال: يجوزُ باعتبار العين
(4)
فإنه إذا أدّى منوين من خُبزِ الحِنطةِ يجوزُ؛ لأنهُ لما جازَ منَ الدقيقِ، والسويقِ باعتبار العينِ فمِنَ الخُبزِ أجوز؛ لأنهُ أنفعُ للفقيرِ، ومنهم مَنْ قال: لا يجوزُ إِلاَّ باعتبارِ القيمةِ، وهو الصحيحُ؛ لأنهُ لم يَرِدْ شيءٌ في الخبزِ مِنَ النصوصِ فكانَ بمنزلةِ الذرةِ، والجاورس
(5)
(6)
. كذا في مختلفاتِ المغِنى
(7)
، ثُمَّ وجُه ترجيحِ القيمةِ بالصحةِ، ما ذكرهُ شيخُ الإسلامِ
(8)
: هو أنَّ الخبزَ، وإن كان نظيرَ الحِنطةِ منْ حيثُ القوتِ، فليس نظيرَها مِن حيثُ القدرِ؛ لأنّ الحِنطَةَ كيليةٌ، وهذا موزونٌ فإذا انعدمَ الكيلُ لا يجوُز إِلاَّ باعتبار القيمةِ، كذا ذَكَره الإمامُ الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله
(9)
وحاصله: أنّ فيما هُو منصوصٌ لا تعتبُر القيمةُ حتى لو أدّى نصفَ صاعٍ من تمر تبلغ قيمتهُ قيمةَ نصفِ صاعٍ من بُر أو أكثَر لا يجوزُ؛ لأن في اعتبارِ القيمةِ هنا إبطالُ التقديرِ المنصوصِ في المؤدَّى، وذلك لا يجوزُ فأمّا ما ليس منصوصٌ عليه، فإنهُ يلحقا بالمنصوص باعبتار القيمةِ؛ إذ ليس فيه اعتبارُ التقديرِ المنصوصِ، كذا في "المَبْسُوط"
(10)
.
(1)
سقطت في (ب).
(2)
أخرجه ابن عساكر عن أبي هريرة (12/ 304) ورَوَاهُ المتقي الهندي في كنز العمال (24557 - 8/ 647) ولم أقف له على حكم.
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 205).
(4)
سقطت في (ب).
(5)
الجَاوَرْسُ: بفتح الواو حبّ يشبه الذرة، وهو أصغر منها وقيل: نوع من الدخن، يُنْظَر: القاموس المحيط (1/ 1541)، المصباح المنير (1/ 97).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (3/ 205).
(7)
بحثت عن هذا الْكِتَاب الذي يحيل له المؤلف ولم أجده، كما أنه لم يذكر هذا الْكِتَاب في شروح الهِدَايَة الأخرى، ولعله مفقود.
(8)
يُنْظَر: الجامع الصغير للشيباني (ص 136).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 206)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 72).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 207).
ثُمَّ يعتبرُ نصفَ صاعٍ من بُرِ وزنًا. هكذا رواهُ أبو يُوسُف عن أبي حَنِيفَةَ رحمه الله
(1)
، فوجهه: أنّ العلماءَ حين اختلفوا في مقدارِ الصاعِ أنه ثمانيةُ أرطالٍ، أو خمسةُ أرطالٍ، وثلثُ رطلٍ، فقد اتفقوا على التقديرِ بما يُعْدِلُ بالوزنِ فإنما يقعُ عليه كيلُ الرطل، وهو وزُنه. قال ابن رستم
(2)
: عن مُحَمَّد رحمه الله: كيلًا حتى قال: قلتُ: له لو وَزَنَ الرجلُ مِنوين من الحنطةِ، وأعطاها الفقيرَ هل يجوزُ مِنْ صدقته؟ فقال: لا قد تكون الحِنَطةُ ثقيلة الوزنِ، وقد تكون خفيفةً، فإنما يعتبرُ نصفَ الصاعِ كيلًا، ووجهه أنّ الآثارَ جاءتْ في التقديرِ بالصاعِ، وهو اسمٌ للمكيال، كذا في "المَبْسُوط"
(3)
.
(ثمانيةُ أرطالٍ بالعراقي)
(4)
العِراقي] علم صاع كل رطل عشرون أستارًا [وكانَ ذلك
الصاعُ قد فُقِدَ فأخرجه الحجاج
(5)
، وكان يمنُّ على أهلِ العراقِ يقول في خطبته: يا أهلَ العراقِ، يا أهل الشِقَاقِ والِنفِاقِ، ومساوئِ الأخلاقِ ألمْ أُخرِجْ لكمْ صاعَ عُمر؟ ولذلك سمُيَ حجاجيًّا، وهو صاعُ العراقِ
(6)
حينئذٍ صاعنا أصغر الصيعان
(7)
، وهذا أصغر؛ لأن خمسةً أرطال/ وثُلثَ رَطْلِ أصغُر بالنسبة إلى ثمانية أرطالِ
(8)
، وعن أبي يُوسُف رحمه الله: أنه لما دخلَ المدينةَ عام الحجِ سألهم عن صيعانهم؟ فقالوا: خمسةُ أرطالٍ، وثلثُ رطلِ، فطالبهم بالحَجةِ، فقالوا: غدًا فجاء سبعونَ شيخًا من الغدِ، كُلُّ واحدٍ منهم أخذَ صاعَهُ تحتَ ردائهِ، فقال: هذا صاعي ورثته عن أبي، وورث أبي عن جُدِّهِ حتى انتَهوا به إلى رسولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام، فرجعَ أبوُ يُوسُف رحمه الله عن قولِه
(9)
. وأما علماؤُنا فقد احتج] محمد
(10)
لهم بما رَوى لنا أستاذنا القاضي] الإمام
(11)
أبو جعفر الأستروشني
(12)
، عن القاضي الخليل بن أحمد
(13)
بإسناده عن عائشةَ رضي الله عنها أنها قالتْ:» مضتْ السُّنةُ عن رسولِ الله عليه الصلاة والسلام في الاغتسالِ عن الجنابةِ صاع، والصاعُ: ثمانيةُ أرطالٍ، وفي الوضوء رطلان»
(14)
.
(1)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 339). بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 73).
(2)
هو: إبراهيم بن رستم، أبو بكر المروزي، من مَرْو الشاهجان، فقيه حنفي من أصحاب مُحَمَّد بن الحسن، أخذ عن مُحَمَّد وغيره من أصحاب أبي حنيفة، وسمع من مالك والثوري وحماد بن سلمة وغيرهم، وعرض المأمون عليه القضاء فامتنع. وثقه بعض أهل الحديث، وقال بعضهم: منكر الحديث، من تصانيفه:"النوادر" كتبها عن مُحَمَّد.
يُنْظَر: (الجواهر المضيئة: 1/ 38)، و (الفَوَائِد البهية: ص 9).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 205).
(4)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 38).
(5)
هو: أبو مُحَمَّد الحجاج بن يُوسُف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر الثقفي. قال ابن قتيبة: هو من الأجلاف. قال: وكان أخفش، دقيق الصوت، تولى قتال ابن الزبير رضي الله عنه، فقهره على مكة والحجاز، وقتل ابن الزبير وصلبه بمكة سنة ثلاث وسبعين، فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين، وكان يصلى بالناس، ويقيم لهم الموسم، ثُمَّ ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فوليها عشرين سنة، توفى بواسط ودفن بها، سنة خمس وتسعين.
يُنْظَر: (وفيات الأعيان: 2/ 29)، و (المحبر: ص 475)، و (تهذيب الأسماء: 1/ 212).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 297)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 310).
(7)
هذا جزء من حديث قاله أهل المدينة للنبي عليه الصلاة والسلام، ونصه: " عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله صاعنا أصغر الصيعان، ومدنا أصغر الأمداد، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام:(اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا، وقليلنا وكثيرنا، واجعل مع البركة بركتين)، أخرجه ابن حبان في صحيحه (9/ 60)، باب فضل المدينة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الأرنؤوط في تعليقاته على أحاديث ابن حبان: إسناده صحيح ا. هـ. و قال الزيلعي في نصب الراية (2/ 428): غريب ا. هـ.
(8)
يُنْظَر: تاريخ الإسلام: (5/ 320).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 162).
(10)
سقطت في (ب).
(11)
سقطت في (ب).
(12)
هو: مُحَمَّد بن محمود بن حسين أبو الفتح، مجد الدين الأسروشني، وقيل: الأستروشني نسبة إلى "أسروشنة"، وهي بلدة في شرقي سمرقند، فقيه حنفي، أخذ عن أبيه، وعن صاحب الهِدَايَة، وعن السيد ناصر الدين السمرقندي، وظهير الدين مُحَمَّد بن أحمد الْبُخَارِي وغيرهم. من تصانيفه:"الفصول" في المعاملات، و"جامع أحكام الصغار" في الفروع، و"الفتاوى"، و"قرة العينين في إصلاح الدارين".
يُنْظَر: (الفَوَائِد البهية: ص 200)، و (معجم المؤلفين: 11/ 317)، و (اللباب في تهذيب الأنساب: 1/ 54).
(13)
هو: الخليل بن أحمد بن مُحَمَّد بن الخليل، أبو سعيد السجزي، المعروف بابن جنك فقيه، حنفي، قاض. كان شيخ أهل الرأي في عصره، وكان صاحب فنون في العلوم. طاف الدنيا شرقاً وغرباً وسمع الحديث. ومات قاضياً بسمرقند.
يُنْظَر: (شذرات الذهب: 3/ 91)، و (الأَعْلَام للزركلي: 2/ 314)، و (معجم المؤلفين: 4/ 113).
(14)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (892 - 1/ 195)، والدَّارقُطنيّ في سننه (2/ 153). قال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 595): قال المنذري في القطعة التي له على (المهذب»: حديث حسن ورجاله كلهم ثقات.
فدلّ نصُّ تفسيرِ الصاعِ على ما قلنا، ودلَّ الوضوءُ برطلينِ أيضًا؛ لأنهُ ثبتَ بالأخبارِ أنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام كانَ يتوضأُ بالمدِّ، فَعِلَمَ أنَّ رطلين هو المدِّ، والمدُّ ربعُ الصاعِ بالإجماعِ
(1)
، فأمّا حديثُ أبي يُوسُف رحمه الله فَوَهْمٌ؛ لأنّ مُحَمَّد بن الحسن هو أعلمُ بمذهبهِ، وهو لمَ يحك عنه رجوعًا على أنّ الأمرَ إنْ كانَ على ما حكى فهو حجُتنا؛ لأنّ رطلَهم ثلاثون أستارًا، ورطلُ العراقِ عشرونَ أستارًا
(2)
، وخمسةُ أرطالٍ، وثلثُ رطلٍ كُلُّ رطلٍ ثلاثون أستارًا في ثمانيةِ أرطالِ، كُلُّ رطلٍ عشرون أستارًا سواء، كذا في "الْأَسْرَارِ"
(3)
. ثُمَّ لابُدَّ من معرفةِ الصاعِ الذي يُقدرِ الحنطةَ بنصفهِ، والشعيرَ بِكُلِّه. قال الطحاوي رحمه الله
(4)
: ثمانيةُ أرطالٍ بما يستوي كيلُه ووزُنُه، والذي يستوي كيلَه ووزُنه العدسُ، والماشُ فإذا كانَ يسعُ ثمانيةَ أرطالٍ منَ العَدَسِ، والماشِ فهو الصاعُ الذي تُكالُ به الحنطةُ، والشعيرُ، والتمرُ. كذا ذكره الإمام الولوالجي وغيره
(5)
، (وهو أصغُر مِن الهاشمي)
(6)
؛ لأنّ الصّاعَ الهاشميَ اثنان وثلاثون رطلًا أو العرِاقي ربعه، والهاشميُ علم للصاع أيضًا كالعراقي. كذا وجدت بخطِّ شَيْخِي رحمه الله
(7)
.
(ووجوبُ الفِطْرِة يتعلقُ بطلوعِ الفجرِ من يومِ الفِطْرِ)
(8)
، أي: يتعلقُ تَعلُقَ وجوبِ الأداءِ بالشرطِ، لا تَعلُقَ وجوبِ الأداءِ بالسببِ؛ إذ الفِطْرِ شرطُ وجوبِ الأداءِ لا سببه لما ذكرنا، وتظهرُ ثمُرة ذلك بمسألتين: أحديهما أنّ الرجلَ إذا قالَ لعبدهِ: إذا جاءَ يومُ الفِطْرِ فأنتَ حُرٌّ، فجاءَ يومُ الفِطْرِ عتق العبد، ويجبُ على المولى صدقةُ فِطْرِه قبلَ العتقِ بلَا فَصْلٍ
(9)
.
(1)
حكى الإجماع النووي ونقله الشوكاني عن صاحب البحر. يُنْظَر: شرح النووي على مسلم (8/ 359)، الْإِيضَاحِ والتبيان ص (63) نيل الأوطار (4/ 658).
(2)
تقدم تعريفه.
(3)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 310).
(4)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 73)، حاشية ابن عابدين (2/ 366).
(5)
يُنْظَر: الفناوى الولواجية (1/ 247).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 117).
(7)
يقصد الْمَرْغِينَانِي صاحب الهِدَايَة يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 117).
(8)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 38).
(9)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 297).
والثانية: أنّ العبدِ إذاَ كانِ للتجارةِ يجبُ على المولى زكاةِ التجارةِ إذا تَمَّ الحولُ بانفجار الصبحِ مِنْ يومِ الفِطْرِ
(1)
.
قلت: هاتان المسألتان شاهدَتان على الأصل المعهودِ هو أنّ المعلولَ مُقارِنٌ للِعلَّةِ في الوجودِ، وللشروطِ متعقب عن الشرطِ في الوجودِ، وكذلك في البيعِ إذا قالَ لعبدهِ: إنْ بعُتكَ فأَنتَ حُرٌّ حيثْ يَصِحُّ البيعُ على ما يجيء في موضعهِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى، (وعلى عكسه مَنْ ماتَ فيها مِن مماليكه، أو ولده)
(2)
، أي: عِنْدَنَا لا يجبُ لِعَدَم تحققُ شَرْطِ وجوبِ الأداءِ، وهو طلوعُ الفجرِ مِنْ يومِ الفِطْرِ، وعنَدهُ يجبُ لتحققِ شُرْطِ وجوبِ الأداءِ عندِه، وهو غروبُ الشمسِ في اليومِ الأخيرِ منْ رمضانَ، وهو حيٌّ، ومَنْ ماتَ بعَد طُلوعِ الفجرِ تجبُ الفِطْرِة عنه بالاتفاقِ
(3)
.
ولا خلافَ أنَّ وجوبَ الصدقَة يِتعلقُ بالفِطْرِ منْ رمضانَ
(4)
، وإنما الخلافُ في وقتِ الفِطْرِ من رمضانَ عندنا
(5)
وقتَ الفِطْرِ عنَد طلُوعِ الفجرِ مِنْ يومِ الفِطْرِ، وعندهُ
(6)
وقتُ غروبِ الشمسِ مِنَ الليلةِ التي يُهِلُّ فيها هِلالُ شوال، (والاختصاصُ للفِطْرِ باليومِ دُونَ الليلٍ)
(7)
؛ لأنّ حقيقةَ الفطرِ عندَ غُروبِ الشمسِ، كما يكونُ في اليومِ الآخرِ كذلك كان فيما قبلَهُ فالفِطْرِ من رمضانَ إنما يتحققُ بما يكونُ مخالفًا لما تَقَّدم، وذلك عنَد طُلوعِ الفجرِ؛ لأنّ فيما تقدّمَ كان يلزمُهُ الصومُ في هذا الوقتِ، وهذا اليومُ مُسمى بيومِ الفطر، والأوُلى من الحجةِ في هذا ما رُوِيَ عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام أنهُ قال:«أنهاكم عن صومِ يومين: يوم تفطرونَ فيهِ منْ صومِكم، ويومٍ تأكُلُ فيهِ لحمَ نُسكِكِم»
(8)
، ويُستحبُ أن يخُرِجَ الناسُ الفِطْرِة قبلَ الخروجِ إلى المصُلّى
(9)
؛ لأنّ هذا مِن السُّنةِ المستحبةِ التي ذكرناها، وهي الاغتسالُ، والاستياكُ، والتطيّبُ، ولبسُ أحسنِ ثيابهِ، وأداءُ الفِطْرِة، وتناولُ الشيءِ قبلَ الخُروج
(10)
.
(1)
يُنْظَر: البحر الرائق: (2/ 275).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 117).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 297، 298).
(4)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 62)، بداية المجتهد (1/ 282)، الْمُغْنِي (2/ 646)، المَبْسُوط (3/ 195).
(5)
يُنْظَر: حاشية الطحطاوي (1/ 348)، اللباب (1/ 82).
(6)
يُنْظَر: المهذب (1/ 165)، الْحَاوِي (3/ 361).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 117).
(8)
رَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الصوم، باب إذا أخطأ القوم الهلال (2326)، وابن ماجه في سننه، كتاب الصوم، باب ما جاء الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون (697)، وابن ماجه في سننه، كتاب الصوم، باب ما جاء في شهري العيد (1660). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود:(5/ 416): صحيح.
(9)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 117).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 195).
قولهُ رحمه الله: هو الصحيحُ احترازاً عن قول الحسنَ بن زياد
(1)
، وقولُ خلف بن أَيوب
(2)
، وقول نوح بن [أبي]
(3)
مريم رحمه الله
(4)
، فإن الحسَن بن زياد يقول: لا يجوزُ تعجيلها أصلًا كالأضُحيةِ، وقال/ خلف بن أيوب:
(5)
يجوزُ تعجيلها بعَد دخُولِ شهر رمضانَ لا قبلَهُ، فإنهُ صدقةُ الفِطْرِ، ولا فِطْرِ قبلَ الشُروعِ في الصومِ، وقال نوحَ بن أبي مريمَ
(6)
: (يجوزُ تعجيلُها في النصفِ الأخيرٍ من رمضانَ)
(7)
؛ لأن بمضي النصف، قَرُبَ الفطر الخاص فأخذ حكمه، ومنهم مَنْ قال:(في الْعُشْرِ الأواخرِ منه)
(8)
(9)
.
فَوجْهُ الصحةِ مذكورٌ في الْكِتَابِ لما أنُه إذاً بعدَ وجُودِ السببِ، فيجوُز كما في الزَّكَاةِ، (وإنْ أخرُوَها عن يومِ الفِطْرِ لم تسقط)
(10)
، وإنْ طالتْ المدةُ إِلاَّ على قولِ الحسن بن زياد
(11)
، فإنه يقولُ: يسقطُ بمضي يومِ الفِطْرِ؛ لأنها قُرَبُةُ اختُصَتْ بيومِ العيد فكان قياسُ الأُضحيةِ يسقطُ بمضي أيامِ النحرِ، ولنا أنَّ هذه صدقةٌ ماليةٌ، فلا تَسقطُ بعد الوجوبِ إِلاَّ بالأداءِ كزكاةِ المالِ، ولا يقولُ بسقوطِ الأضُحيةِ، ولكن ينتقلُ الواجبُ إلى التصدّقِ بالقيمةِ؛ لأن إراقَة الدّمِ لا تكونُ قربةً إِلاَّ في وقتٍ مخَصوصٍ، أو مكانٍ مخَصوصٍ، فأمّا التصدّقُ بالمالِ فَقُرْبُةُ في كُلِّ وقتٍ. هذا كُلُّهُ من المَبْسُوط
(12)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 199)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 339).
(2)
هو: خلف بن أيوب، الإمام، المحدث، الفقيه، مفتي المشرق، أبو سعيد، العامري، البلخي، الحنفي، الزاهد، عالم أهل بلخ، تفقه على القاضي أبي يُوسُف، وكان من أصحاب مُحَمَّد وزُفَر، (ت 205 هـ).
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (9/ 541)، الجواهر المضية (1/ 231)، الوافي بالوفيات (12/ 221).
(3)
زيادة في (ب).
(4)
هو: نوح بن ابى مريم أبو عصمة المروزي، قاضي مرو، روى عن الاعمش وابن جريج وأبي حمزة السكري وبهز بن حكيم. روى عنه شعبة وعبدالرحمن بن علقمة المروزي قال أبو محمد: وروى عن حجاج بن أرطاة، وأبي حازم المديني وأبى إسحاق الهمداني وسعيد الجريري.
يُنْظَر: (التاريخ الكبير: 8/ 111)، و (الجرح والتعديل: 8/ 484)، و (تهذيب التهذيب: 10/ 433).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 200)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 74)، مجمع الأنهر (1/ 337) وقال في مجمع الأنهر: وعليه الفتوى ا. هـ.
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 200)، مجمع الأنهر (1/ 337).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 117).
(8)
يُنْظَر: المرجع السابق (1/ 117).
(9)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 299).
(10)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 38).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 199)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 339).
(12)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 199).
ولو ماتَ ولدُهُ الصغيرُ، أو مملوكُهُ يومَ الفِطْرِ لم يسقطْ عنه؛ لأنّ الواجبَ إذا مال مطلق بخلاف الزَّكَاةِ،] ولا يسقطُ بتأخيرِ الأداءِ، وإنْ افتقَر
(1)
؛ لأنها متعلقةٌ بالذمةِ دُونَ المالِ بخلافِ الزَّكَاةِ
(2)
كذا ذكره الإمام الولوالجي رحمه الله
(3)
، وقاضي خان
(4)
، واللهُ أعلمُ.
كتاب الصيام
[من حِكمِ الصِّيَام]
أخّرَ الصَّوْم
(5)
عنِ الزَّكَاةِ
(6)
معَ أنّهُ عبادةٌ بِدنيةٌ كالصَّلَاةِ إِلاَّ أَنَّهُ يجري مجَرى الوسيلةِ؛ لأنَّهُ عبادةٌ رياضيةٌ لمِاَ عُرِفَ في الأمرِ، والرياضةُ وسيلةٌ إلى المقاصدِ، ولكنْ لا على وجهٍ يتوقفُ أمرُ المقاصدِ إليه، وجوازاً بخلافِ الطَّهارةِ في حقِّ الصَّلَاةِ، وانحطاطُ درجةِ الوسيلةِ عن المقصودِ ظاهرٌ، ولِأَنَّ الصَّوْمَ عبارةٌ عن الامتناعِ، والسكونِ على ما يُذْكَرُ، وذُكِرَ ما يمنع بعد ذِكْرَ ما يَثْبُتُ كذِكْرِ النَّهي بعدَ ذِكْرِ الأمرِ، ولِأَنَّ كونَهُ قربةٌ بواسطةِ قهرِ العدوِ
(7)
، وهو النفْس، وقهرُ العدوِ لله جهادٌ فكانَ دُونَ الصَّلَاةِ والزَّكَاةِ] أمّا
(8)
محاسِنُ الصَّوْم، فَهِيَ أنّ الصَّوْم محَمودٌ عندَ كُلِّ ذي عَقْل وبَصَرٍ، ويشهدُ على صحتهِ العقلُ والنظر، لما أنّ حقيقةَ الصَّوْم هي تَرْكُ ما تحبه النفوسُ الشهوانيةُ، واتصفَ بصفةِ الملائكةِ الرُوحانيةِ، ولو لم يكنْ فيه إِلاَّ ما وَرَدَ في الخبر عن الله تعالى:«الصَّوْم لي وأنا أجزي بهِ»
(9)
لكانَ كافياً، إذ ما جزى الله تعالى لفعلٍ جزاءً وافياً، وذلك مَوعودٌ مِن اللهِ بالفضلِ والثوابِ بقوله:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
(10)
، ثُمَّ إنَّما استحقَ الصَّوْم بهذا الثوابِ على الخصوصِ، واستعلى به على سائرِ الأعمالِ مبيناً بالآثارِ، والنصوصِ؛ لأنّهُ عِبارةٌ شرعاً عن الإمساكِ عن الشهوتين: شهوةِ البطنِ
(11)
، وشهوةِ الفرجِ، والجري على مقتضاها مِنْ غيرِ قذعِ
(12)
النفسِ عنهما، فهما قذع وأصلُ كُلِّ شرٍ، فكانَ الإمساكُ عنهما بإذنِ الشرعِ أُمَ كلُّ خيرٍ، ولِأَنَّ الله تعالى قهرَ البشرَ بهذا النوعِ منَ القهرِ لِعِلْمهِ أنَّ فيهم مَنْ يَدَّعِي الربوبيةَ، فلو لم يقهْرهُمْ بما ذَكرنا مِنَ الصَّوْم لادَّعى كُلُّ واحدٍ منهم الربوبيةَ، وكان شَيْخِي رحمه الله
(13)
كثيراً ما يقولُ: ففي تسليطِ اللهِ تعالى الجوعَ، والعطشَ على العبادِ إبطالٌ لِدَعواهُم الألوهيةِ، فإنَّ مَنْ يدَّعي الألوهيةَ مَقهورٌ بهذينِ العرضينِ حتى قهراه، وإلجاءَهُ إلى الأكلِ، والشَّربِ، وقُهِرَ بعدَهمُا، واضطَّراهُ إلى أنْ يدخُلَ إلى نَتنِ المواضِعِ، وكشفِ العورةِ، وإحساسِ النجاساتِ، ولحوقِ الذلةِ، ونتنِ الرائحةِ الكريهِة، فكيف تَصحُّ دعواهُ الربوبيةَ مع هذا الاضطرارِ بكونهِ مقهوراً لهذينِ العرضينِ بهذه الصفةِ؟! فكانَ اختيارُ الخلاصِ عن مثلِ هذهِ العاقبةِ، وإنْ قلَّ مستحسناً عندَ العقلاءِ، ومستمكناً عندَ البصُراءِ، ومنِ محاسنهِ أيضاً أنْ جوعَ بطنهِ يدِفعُ جُوعاً كثيراً منِ حواسِهِ، فإنهُ إذا أشبعَ بطُنهُ جاعَت عينهُ، ولسانُهُ، وفرجُهُ، وأركانَهُ، فالحِكْمة في تشنيعِ هذه الأشياءِ كيلا يُورِطَ صاحِبَها عندَ تجويعِها على حُفرِ الوَبال، وأَعونةِ الضَّلالِ، ومِنْ جمُلةِ محاسنهِ عِلْمُهُ حالَ الفقراءِ في جُوعِهم، فيرحَمَهُم، ويعطيهمْ ما يسَدُّ به جَوْعَتَهُمْ على ما قِيلَ ليس الخبرُ كالمعاينةِ
(14)
، ومنِ جمَلةِ محاسنهِ أيضاً موافقتُهُ مع الفقراءِ في مُقاساةِ الجُوعِ؛ إذ لا يمكنهُ إطعامُ كُلِّهِمْ لِيشبعَهُمْ كما يشبعُ فيصوم، ويوافقُ جميعَ الفقراءِ في تحمُّلِ شدائدِ الجوعِ، فيُقالُ: ثوابُ جميعِ الفقراءِ ينفعهُ، ومنه ما حُكِىَ عن بعضِ الصالحين
(15)
أنُه كانْ يخرجُ مِن/ بيتهِ في البردِ الشديدِ بإزارٍ واحدٍ، فِقيلَ له في ذلك، فقال: أَوافقُ الفقراءَ في مَقاساةِ شدةِ البردِ لما لا أقدُر على الموُاساةِ فكلهم في الكسوِة
(16)
(17)
، ثُمَّ يُحتَاجُ هاهنا إلى معرفةِ تفسيرِ الصَّوْم لغةً، وشريعةً، وسببهُ، وشرطُهُ، وركنهُ، وحِكْمهُ
(18)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 195)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 339).
(2)
سقطت في (ب).
(3)
يُنْظَر: فتاوى الولواجي (1/ 194).
(4)
يُنْظَر: حاشية الطحطاوي (1/ 476)، الجوهرة النيرة (1/ 165) الْبَحْرِ الرَّائِق:(2/ 275).
(5)
الصَّوْم في اللغةِ: الإمساك عن الشيء والترك له، وقيل للصائم صائم: لإمساكه عن المطعم والمشرب والمنكح، وقيل للصامت: صائم، لإمساكه عن الكلام وقيل للفرس: صائم، لإمساكه عن العلف. يُنْظَر: تهذيب اللغة (12/ 182).
(6)
قال في البناية: ذكر مُحَمَّد رحمه الله في الجامع الكبير كتاب الصَّوْم عقيب كتاب الصلاة، لكون كل منهما عبادة بدنية، ولكن الزكاة ذكرت مقرونة بالصلاة في الْكِتَابِ والسنة فلذلك ذكرت عقيب الصلاة وقدمت على الصَّوْم ا. هـ يُنْظَر: البناية (4/ 3).
(7)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 76)، مجمع الأنهر (1/ 340).
(8)
هكذا في (أ) وفي (ب)(ثم).
(9)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب اللباس، باب ما يذكر في المسك (5583)، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (1151).
(10)
سورة الزمر الآية (10).
(11)
البطن: خلاف الظهر، وهو مذكر، ويقال: تبطنت الجارية. الصِّحَاح (5/ 2080).
(12)
القذع: الخنا والفحش وأقذع له; إذا أفحش. يُنْظَر: الصِّحَاح (3/ 396). الفائق في غريب الحديث والأثر (3/ 169).
(13)
هو حافظ الدين النسفي رحمه الله. يُنْظَر: طبقات الحنفية (1/ 213)
(14)
هذا جزء من حديث رَوَاهُ احمد في مسنده (3/ 341) وابن حبان في صحيحه باب بدء الخلق (14/ 96) بلفظ عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ليس الخبر كالمعاينة قال الله لموسى: إن قومك صنعوا كذا وكذا فلما يبال فلما عاين ألقى الألواح) قال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.
(15)
حُكِىَ عن بشر الحافي أنه دخل عليه رجل في الشتاء فوجده جالسا يرعد وثوبه معلق على المشجب فقال له في مثل هذا الوقت ينزع الثوب أو معناه فقال يا أخي الفقراء كثير وليس لي طاقة مواساتهم بالثياب فأواسيهم بتحمل البرد. يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 301).
(16)
سقط في (ب).
(17)
الكُسْوة من اللِّباس وقد كَسَوته الثوبَ كَسْوا واكتَسَى - لَبِس الكُسْوة وكساهُ: ألْبَسَه، ورجلٌ كاسٍ: ذُو كُسوةٍ. يُنْظَر: المخصص لابن سيده (1/ 380)، القاموس المحيط (ص: 1712).
(18)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 300، فَتْحُ الْقَدِيرِ: 2/ 302.
[تعريف الصيام]
أمّا تفسيرُهُ لغةً: فهو عبارةٌ عن الإمساكِ عن أيِّ شيءٍ كان في أيِّ وقتٍ كانَ.
قالَ اللهُ تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا}
(1)
، أي: إمساكاً عن الكلامِ، وقال عليه الصلاة والسلام في صومِ عاشوراءَ:«ومَنْ أَكَلَ فليصُمْ بقيةَ يومهِ»
(2)
، أي: فليمُسكْ بقيةَ يومهِ، ويُقال: صامتْ الشَمسُ إذ أمسكتْ عن السيرِ وقتَ الزَّوالِ
(3)
، ومنه قول النابغة
(4)
:
خيلٌ صُياِمٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ تحتَ العجاجِ وأُخرى تعلكُ اللجما
(5)
أي: ممسكةٌ عنِ العَلفِ في الرعي وغيرُ ممسكة
(6)
.
وفي الشريعةِ: عبارةٌ عنْ إمساكٍ مخصوصٍ، هو الكفُّ عن قضاءِ الشهوتينِ: شهوةُ البطنِ، وشهوةُ الفرجِ مِنْ شخصٍ] مخصوصٍ
(7)
، وهو أنْ يكونَ طاهراً عن الحيضِ والنفاسِ في وقتٍ مخصوصٍ، وهو ما بعدَ طُلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشمسِ بصفةٍ مخصوصةٍ، وهي أنْ يكونَ على قصدِ التُّقربِ، فالاسمُ شرعيُّ فيهِ معنى اللُّغةِ
(8)
.
وأمَّا سَببُه فشهودُ الشهرِ
(9)
؛ لأنَّ الصَّوْم يُضافُ إليهِ، يُقالُ: صومُ الشهرِ، قال الله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
(10)
، ففيه بيانُ السببِ الذي جعلهُ الشرعُ مُوجباً، وهو شهودُ الشهرِ، وأمرٌ بالأَداءِ
(11)
.
(1)
سورة مريم الآية (26).
(2)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الصَّوْم، باب صيام يوم عاشوراء (2007)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
(3)
يُنْظَر: التعاريف للمناوي (ص: 466).
(4)
هو: زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري، أبو أمامة: شاعر جاهلي، من الطبقة الاولى، كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها، وكان الاعشى وحسان والخنساء ممن يعرض شعره على النابغة، وكان أبو عمرو بن العلاء يفظله على سائر الشعراء، وهو أحد الاشراف في الجاهلية.
يُنْظَر: (تكملة الإكمال: 2/ 671)، (الأَعْلَام للزركلي: 3/ 54)، (معجم المؤلفين: 4/ 188).
(5)
يُنْظَر: ديوان النابغة الذبياني (1/ 115)، خزانة الأدب وغاية الأرب:(2/ 42).
(6)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع: (2/ 75).
(7)
سقطت في (ب).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 97).
(9)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (1/ 134).
(10)
سورة البقرة الآية (183 - 185).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (3/ 97).
وأمَّا شرطُهُ
(1)
: فثلاثةُ أنواعٍ: شرطُ نَفْسِ الوجوبِ، وهو: الإسلامُ، والعقلُ، والبلوغُ، وشرطُ وُجوبِ الأداءِ
(2)
، وهو: الصِّحةُ، والإقامةُ، وشرط صِحَّةِ الأداءِ
(3)
، وهو: صلاحيةُ المُؤَدِى بالقُدرةِ، والتمييزِ، والطهارةِ عمَّا يمنعهُ، والوقتُ العاملُ له، والنيةُ.
وأمَّا رُكنهُ: فالكفُّ عنهُ بالمفطراتِ منْ أوَّلِ النهارِ إلى آخرِهِ
(4)
.
[حُكُمُ الصِّيَام]
وأمّا حُكْمُهُ: فسقوطَ الواجبِ عن ذمتهِ في الدنيا، ونيلُ الثوابِ في الآخرةِ، ثُمَّ جوازُ الصَّوْم إنما اختصَّ بالنهارِ دوَن الليالي شَرْعاً ومعنىً، أمّا الشرعُ: فقولهُ تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} إلى قوله: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
(5)
حيثُ أمرَ اللهُ تعالى بالكفِّ عنِ المفطراتِ الثلاثِ في النهارِ، وأمّا المعنى: فهو أنَّ صومَ الوِصالِ
(6)
غيُر ممُكنِ؛ لأنَّ الآدميَّ لا يحيى بدونِ الأكلِ على ما عليهِ جبلتُهُ
(7)
، فلابُدَّ مِنْ أنْ يعيّنِ بعضَ الزمانِ للصومِ، وبعضَهُ للفِطْرِ، والقِسمةُ منْ حيثُ الساعاتِ مُتعذرةٌ؛ لأنُه لا يُوقَفُ عليها إِلاَّ بحرج، فوجبتْ القِسمةُ بالأيامِ والليالي، والأيامُ للأَكْلِ عادةً، والليالي للنومِ عادةً، مكانُ تعيينِ النهارِ للصومِ، وأنُه مخالِفٌ للعادةِ أولى مِن تعيينِ الليالي، فإنَّ أصلَ بِناءِ العبادةِ على مخُالفةِ العادةِ
(8)
، كذا في المَبْسُوطين
(9)
.
[صوم النذر]
قولُهُ رحمه الله
(10)
: الصَّوْم ضربان: ذَكَرَ التقسيمَ قبلَ التجديدِ؛ لِيسْهُلَ أمرُ التجديدِ، والمنذوُر واجبٌ لِقولهِ تعالى:{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}
(11)
(12)
، فإنْ قِيلَ: هذه الآيةُ تقتضي/ فرضيةَ المنذورِ لِثبوتِهِ بالْكِتَابِ بالأمرِ فصارَ كصومِ رمضانَ، ولأنهُ عاهدَ اللهَ فيجبُ أنْ يكونَ الوفاءُ فرضاً لقولهِ تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}
(13)
ألا تَرى أنَّهُ ذمَّ مَنْ تركَ الوفاءَ بالعهدِ في قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ}
(14)
قلنا: نعم، كذلك إِلاَّ أنُه قد خَصَّ منهُ بالإتفاقِ
(15)
المنذورَ الذي ليسَ مِنْ جنسٍ واجبٍ شرعاً كعيادةِ المريضِ، أو ما هو ليسَ بمقصودٍ في العبادةِ كالنذرِ بالوضوءِ لِكُلِّ صلاةٍ، والنذرُ بالمعصيةِ، فلما خُصَّتْ هذه المواضعُ بقي الباقي حُجةً مجوزةً لا مُوجبةً قطعاً كالآيةِ المؤلةِ، وخبرِ الواحدِ، والقياسِ، فيثبتُ الوجوبُ بمثلهِ لا الفرضِ، وكُلُّ يومٍ سببُ وُجوبِ صومهِ؛ لأنّ مجيءَ كل يومِ سَبُبُ لِوُجوبِ صومِ ذلك اليومِ؛ لأنّ] صيام
(16)
رمضانَ بمنزلةِ عباداتٍ متفرقةٍ؛ لأنهُ يحُلِّلُ بينَ كُلِّ يومين زمانٌ لا يصلحُ للصومِ لا قضاءً، ولا أداءً، وهو اللِيالي، فصارَ كالصلواتِ، ثُمَّ المعتبرُ هاهنا في الوجوبِ أولُ الوقتِ، وهو أولُ اليومِ؛ لأنَّ الصَّوْم يتأَدَّى بجميعِ اليومِ، فتكونُ العِبْرةُ في الوجوبِ لبعضِ الوقتِ لا لجميعِ الوقتِ، فلو قلنا: هاهنا بأنهُ يَحِلُّ التأخيرُ عن أولِ الوقتِ، وهو أولُ اليومِ فيكونُ هذا تفويتاً لا تأخيرَ،، أو في الصَّلَاةِ يكون تأخيراً لا تفويتاً، والتأخيرُ مُباحٌ، والتفويتُ حرام
(17)
، كذا في مبسوطِ شيخِ الإسلامِ
(18)
.
(1)
الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 276)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 302).
(2)
المصدران السابقان.
(3)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 277)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 313).
(4)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة: (1/ 195)، والْبَحْرِ الرَّائِق:(2/ 277).
(5)
سورة البقرة الآية (187).
(6)
صوم الوصال: أن يصوم أياماً لا يفطر فيهن ليلاً أو نهاراً. يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 201).
(7)
قال الأَصمعي جِبْلَته أَي خِلْقته. يُنْظَر: لسان العرب (11/ 96).
(8)
يُنْظَر: تبيين الحقائق (1/ 313).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (3/ 97).
(10)
هو صاحب الهِدَايَة رحمه الله. يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 118).
(11)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 313)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 276).
(12)
سورة الحج الآية (29).
(13)
سورة النحل الآية (91).
(14)
سورة التوبة الآية (75).
(15)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 300)، البناية (3/ 600).
(16)
في (ب)(صوم).
(17)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في معرفة السنن والآثار (8537 - 6/ 227)، وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 439): رواته كلهم ثقات، وقد روي أيضًا موقوفًا على عائشة.
(18)
بحثت عنه في المَبْسُوط ولم أجده وكذلك في الجامع الصغير وقد أشادر إليه في المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 108).
«لا صيامَ لَمِنْ لم يَنْوِ الصِّيَامَ»
(1)
لَفْظُ الصِّيَامِ يقُع مصدراً، وجمعُ الصائمِ يقال: صامَ صوماً، وصِياماً فهو صائمٌ، وهم صُوَّمٌ، وصِيَاْمٌ، كذا في «المُغْرِب»
(2)
،
[وقت النية]
والمراُد في الحديثِ المصدرُ، ورُوِيَ برواياتٍ مختلفةٍ:«لمَنْ لم يعزِم الصِّيَامَ»
(3)
، «لَمِنْ لم يُثْبِتْ الصيامَ»
(4)
(5)
كذا ذكرهُ شيخُ الإسلامِ
(6)
رحمه الله بخلافِ النفلِ؛ لأنُه منُجزٌ عندَهُ، ذَكَرَ في «الوجيزِ الغزالي»
(7)
(8)
تجوزُ نيةُ التطوِّعِ قبلَ الزوالِ، وبعدَهُ قولان
(9)
، وهذا بِشرْطِ خُلوِّ أولِ اليومِ عن الأَكْلِ، وفي اشتراطِ خُلُوِّ الأَولِ عن الكفرِ، والجنونِ، والحيضِ خلاِفٌ
(10)
، وذَكَرَ في «الْأَسْرَار»
(11)
، ولِأَنَّ ما مضى مِنَ النهارِ لم يكنْ صوماً لِعَدَمِ الشْرطِ، وما بقَي لا يكفي للواجبِ؛ لأنَّ الواجبَ صومُ يومٍ كَاملٍ بخلافِ التطوِّعِ؛ لأنُه ليسَ بواجبٍ، فيصحُّ بقَدَرِ ما بقيَ، كالِاعْتِكَافِ الذي ليسَ بواجبٍ يتأدّى بقَدَرِ ما يكونُ مِنَ النهارِ، ولِأَنَّ القياسَ في النفلِ أنْ لا يجوزُ إِلاَّ بالنيةِ مِن الابتداءِ كما في نَفْلِ الحجِّ، والصَّلَاةِ، وإنما جوّزَ به بخلافِ القياسِ بالأثرِ، فلمْ يجزْ قياسُ نحوِهِ عليهِ، ولعلمائِنا قولُ اللهِ تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
(12)
، أي: الشهرُ، أي: ليجعلَ الإمساكَ للهِ تعالى فيهِ، وبالنيةِ في أكثرِ النَّهارِ يصيرُ للهِ تعالى كما في غير رمضانَ فلا تجبُ الزيادةُ؛ لأنهُ نسخٌ، وفي حديثٍ مَشَهورٍ عنِ النبي عليه الصلاة والسلام أصبحواَ يومَ الشَّكِ مُفطرينَ متلوِّمينَ، أي: غيرَ عازمينَ الصَّوْم، ولا آكلينَ، فإنه بعدَ الأَكْل يتعينُ الفِطْرِ، ولا يبقى بعدَهُ تَلَوَّمٌ
(13)
وانتظاُر، وإنما يتحققُ التلوُّمِ مع الإمساكِ بلا نيةٍ حتى أنْ يتبينَ أنهُ مِن شعبانَ أَكَلَ بِلا حَرَجٍ، وإنْ تبّينَ أنهُ مِن رمضانَ صامَ بلا حَرجٍ، ولو كانَ الصَّوْم لا تَصِحُّ نيتهُ في النّهارِ في الفرضِ لم يكنْ للتلوُّمِ معنى، وفي حديثِ مُشهور عنِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام أنهُ قالَ يومَ عاشوراءَ:«ألا مَنْ أَكَلَ فلا يَأْكُلُ بقيةَ يومِهِ، ومَنْ لم يَأْكُلْ فَليُصُمْ»
(14)
أمرهُمْ بالصَّوْم مِنْ النهارِ، فثبتَ أنهُ جائُزُ، فإنْ قِيلَ: يحُتملُ أنْ يكونَ هذا في النَّفْلِ، وفي النفلِ يجوُز. قلنا: الأمُر على وجوبِ، وأنُه قِبْلَ رمضانَ] كانَ واجباً
(15)
فكانَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام يأمُرهُمْ
(16)
بعدَ ذلك، ألا ترى أنهُ أمَر مَنْ أَكَلَ بالإمساكِ، وأنهُ لا يجبُ في وقتِ نفلِ الصَّوْم، ويختصُّ بوقتِ الفرضِ كما في رمضانَ اليومَ، ثُمَّ انتساخُ الفرضيةِ لمِا يدلُّ على انتساخِ جوازِهِ بنيتهِ منَ النهارِ حينَ كانَ فرضاً، بلْ يدلُ على سقوطِ فرضيتِةِ في المستقبلِ لا غير، «ومَنْ لم يَأْكُلْ فليَصُمْ»
(17)
، وهذا نصٌّ في البابِ لا يَحْتِملُ التأويلَ، ولا يجوزُ الحَمْلُ على صَوْمِ اللُّغةِ؛ لأنهُ لو كانَ كذلكَ لكانَ الأَكْلُ وغيُرهُ سواءً، كذا في «الْأَسْرَار»
(18)
.
(1)
بحثت في كتب الحديث، ولم أجد من روى هذه الرواية التي ذكرها المؤلف، وإنما بلفظ:(لا صيام لمن لم يفرضه من الليل)، أخرجها ابن ماجه في سننه (1/ 542)، باب ما جاء في فرض الصَّوْم من الليل، من حديث حفصة رضي الله عنها، وقد صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/ 284).
(2)
يُنْظَر: (1/ 487).
(3)
بحثت في الكتب التي خرجت الحديث، ولم أجد من روى هذه الرواية التي ذكرها المؤلف، والله أعلم في صحتها، إلا أن الترمذي بوب بها (3/ 107) فقال: باب لا صيام لمن لم يعزم من الليل، وكذلك ابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 31) قال: باب لا صيام لمن لم يعزم الصِّيَامَ من الليل، ولم يخرجا هذه الرواية التي ذكرها المؤلف، فالله أعلم.
(4)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في معرفة السنن والآثار (8537 - 6/ 227).
(5)
يُنْظَر: مشكاة المصابيح: (6/ 925).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 303).
(7)
كتاب الوجيز في فقه الإمام الشافعي؛ لحجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي، الكتاب مطبوع في مجلدين، بتحقيق علي معوض وعادل عبدالموجود طبعته دار الأرقم سنة 1418 هـ.
(8)
يُنْظَر: العزيز شرح الوجيز (6/ 308).
(9)
اختلف الفقهاء في نية التطوع للنفل هي هي قبل الزوال أو بعده على ثلاثة أقوال: ذهب الحنفية والشَّافِعِية ورواية عن الحنابلة إلى أن التبييت ليس بشرط، ويجوز بنية من النهار، ولكن قبل الزوال لا بعده.
وذهب الأمام مالك إلى أن التبييت شرط فيه كالقضاء، وهو مذهب مالك، وفي رواية عن الشَّافِعِية والحنابلة أنه تجوز النية من النهار، قبل الزوال وبعده.
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 153)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 349)، الْمَجْمُوع (6/ 292)، الْحَاوِي (3/ 405)، التلقين (1/ 71)، التاج والإكليل (2/ 418)، الْمُغْنِي (3/ 29)، حاشية الروض المربع (3/ 385).
(10)
اختلف الفقهاء في وقت النية قال أبو حنيفة: إن وقت النية في رمضان، الليل كله، وما قبل الزوال من النهار وقال الشَّافِعِي واحمد: لا تصح النية إلا بالتبييت من الليل، وبه قال مالك وأحمد.
يُنْظَر: مغني المحتاج (1/ 423)، الإقناع للشربيني (1/ 235)، الذخيرة للقرافي (2/ 498)، الْمُغْنِي (3/ 17)، الشرح الكبير (3/ 22).
(11)
يُنْظَر: العناية (2/ 313)، البناية (3/ 607).
(12)
سورة البقرة الآية (185).
(13)
أي متريثا على مهل، من تلوّم تلوما أي الانتظار والتمكث، يُنْظَر: مختار الصِّحَاح (1/ 612).
(14)
سبق تخريجه ص (262).
(15)
سقطت في (ب).
(16)
يشير المؤلف رحمه الله إلى مسألة صيام عاشوراء وأكثر أهل العلم كما ذكر صاحب فتح قدير (2/ 305) على أنه كان فرضاً ثم نسخ بصوم رمضان قال في عمدة القارئ (9/ 434). كانوا يصومون يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم وكان فرضا فلما نزل فرض رمضان نسخ صوم يوم عاشوراء.
(17)
سبق تخريجه ص (262).
(18)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 79)، المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 153).
(أو معناهُ لم يَنْوِ أنّهُ صومٌ مِنَ الليلِ)
(1)
، معناهُ مَنْ ينوي في وقتِ النيةِ أنهُ صائِمٌ مِنَ الليلِ، أمّا إذا نَوى أنهُ صائِمٌ مِنْ وقتِ النيةِ لم يصح صومُهُ، أو المرادُ منه هو النهيُّ عن تقديمِ النيةِ على الليلِ
(2)
، كذا وُجِدَتْ بخِطّ شَيْخِي رحمه الله
(3)
، وتأويلُ حديثهِ أنَّ المرادَ هو النهيُّ عن تقديمِ النيةِ على الليلِ، ثُمَّ هو عامُ دَخَلَهَ الخصوصُ بالاتفاقِ
(4)
، وهو صومُ النفلِ، ويخصُّ هذا الصَّوْم بالقياسِ، وهو أنّ هذا يومُ صومٍ فالإمساكُ في أولِ النهارِ يَتوقَفُ على أنّ يصيرَ صَوماً بالِنيةِ قبلَ الزَّوالِ كالنَّفلِ، (وهذا لأنَّ الصَّوْم رُكْنٌ وَاْحِدٌ)
(5)
، وهو الإمساكُ مِنْ أَولِ النهارِ إلى آخرِهِ، فإذا اقترنَتْ النيةُ بِأكْثرِهِ يُرجحُ جانِبُ الوجودِ على جانبِ العَدَمِ، فيُجْعَلُ كاقترانِ النيةِ بجميعهِ، ثُمَّ اقترانُ النيةِ بحالةِ الشروعِ ليسَ بشرطٍ في بابِ الصَّوْم بدليلِ جوازِ التقديمِ فصَارِت حالةُ الشروعِ هاهنا كحالةِ البقاءِ في سائرِ العباداتِ، وإذا جازَ بنيةٍ متقدمةٍ دَفْعاً للحَرَجِ جازَ بنيةِ مُتأخرةٍ عنْ حالةِ الشروعِ بالطريقِ الأُولى؛ لأنهُ إنْ لم يقترنْ بالشروعِ هاهنا فقد اقترنَ بالأداءِ، ومعنى الحرج لا يندفعُ بجوازِ التقديمِ في جنسِ الصائمينَ؛ لأنَّ منهم مَنْ يبلغ في آخرِ الليلِ، وحَائِضٌ تطْهر، ونائِمٌ لا ينتبه إِلاَّ بعدَ طُلوعِ الفجرِ، وفي أيامِ الشكِّ لا يمُكِنُهُ أنْ ينويَ الفرضَ ليلاً. كذا في «المَبْسُوط»
(6)
.
فإنْ قلتَ: قياسُ النيةِ المتأخرةِ عَنْ أولِ الصُّبحِ على النيةِ المتقدمةِ عليهِ ليسَ بصحيحٍ فضلاً عن إثباتِ الأولويةِ، وذلك لأنّا نجدُ مِن جنسِ العباداتِ ما يجعلُ فيهِ النيةَ المتقدمةَ متأخرةً كما في الصَّلَاةِ، والزَّكَاةِ، فإنهُ إذا حضرتهُ] النيةُ
(7)
وقتَ] الوضُوءِ
(8)
، ثُمَّ] لم يعترضْ بعدَها ليسَ مِن جنسِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ شَرَعَ في الصَّلَاةِ بغيرِ نيةٍ حضرتهُ وقْتَ الشُّروعِ في الصَّلَاةِ يجوزُ
(9)
وكذلك في الزَّكَاةِ، إذ نوى عندَ عَزْلِ مقدارِ الواجبِ، ولم يحضرْهُ وقتُ الأداءِ يجوزُ
(10)
، وأمّا المتأخرةُ عنها فلا، والقياسُ يقتضي هذا أيضاً، فإنَّ الموجودَ في وقتٍ يصحُّ/ أنْ يبقى وجودَهُ حُكماً بالاستصحابِ، وله نظائرٌ كما في المفقودِ، وكذا البيعُ، والشراءُ، والنكاحُ، وأمّا المعدوُم الذي سيوجدُ أنْ يجُعَلَ كأنهُ موَجودٌ حُكماً قبلَ وُجُودِهِ، ولا نظيرَ لهُ فكانَ القولُ به حينئذٍ مخُالفاً للحقيقةِ، والحُكْمِ
(11)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 118).
(2)
المَبْسُوط (3/ 112)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 314).
(3)
هو أبو الحسن الْمَرْغِينَانِي صاحب الهِدَايَة. يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 45).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 112)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 314)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 85).
(5)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 118).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: 3/ 113.
(7)
سقطت في (ب).
(8)
هكذا في الأصل وفي (ب)(الشروع).
(9)
سقطت في (ب).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي (3/ 107)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 134).
(11)
يُنْظَر: فتح القدير: (2/ 306).
قلتُ: لا يجعلُ النيةَ المتأخرةَ متقدمةً، بل يجعلُ الإمساكاتِ التي في أولِ اليومِ مَوْقوفةً، ومُنتظَرةً إلى النيةِ إذا كانَ ذلك اليومُ متعَيناً لذلك الصَّوْم الذي نوى في أكثرِ النهارِ، كما في النفلِ بالاتفاقِ بخلافِ صومِ القضاءِ، والكفارةِ، فإنّ اليومَ ليس بمتعيَّنٍ لهُ فلا تكون الإمساكاتُ موقوفةً إلى نيتهِ، فَلما وُجِدَتْ النيةُ في مثلِ هذا الصَّوْم الذي تعيَّنَ اليومُ لهُ انقلبتْ الإمساكاتُ الموقوفةُ إلى صلاحيةِ الصَّوْم صوماً بالنيةِ كما
(1)
في يومِ الشكِّ، كانت الإمساكاتُ بالتلوِّمِ في أولِ يومٍ منتظرةً إلى تبينِ الأمرِ بأنهُ مِن رمضانَ أمْ لا، فإنْ تبيَن أنهُ منَ رمضانَ تنقلبُ الإمساكاتُ الموقوفةُ إلى الصَّوْم صَوماً بالنية، كما في بعضِ النهارِ عندَ التبينِ فَكذا هنا
(2)
، وليسَ ببعيدٍ أنْ يْعطى للمعدُومِ الذي سَيوُجِدُ حُكْمَ الوُجودِ قبلَ وُجُودِهِ شَرعاً، ألا ترى أنهُ لم تُشَرعْ النوافلُ بعدَ انفجارِ الصُّبحِ سِوى ركعتيهِ بالحديثِ تعظيماً لِأمْرِ فرضِ الفجرِ، ويجُعلُ كأنهُ مَوجودٌ حُكماً فلمْ تشُرعْ النوافلُ سِوى ركعتين لِئلَا يلزمُ خَلَطُ النوافلِ بالمكتوبةِ التقديريةِ، وإنما لم يجُعْلْ هكذا في الصَّلَاةِ لما أنَّ لها إنْ كانت مختلفةً، فلمْ يتوقفْ فعلُ الرُّكْنِ الأولِ إلى ما يُوجَدُ في رُكْنٍ آخرَ مِنِ الشرطِ، وتكبيرةِ التحريمةِ، وإنْ لم يكنْ رُكناً لكنْ يجري مجَرى الرُّكْنِ حتى لا يصحُّ تحريمةُ فرضٍ لتحريمةِ فرضٍ آخر، فلذلك لم تكفِ النيةُ الموجودةُ في أولِ القيامِ بعدَ تكبيرةِ الافتتاحِ، وكذلكَ في الزَّكَاةِ لم يصح أيضاً لما أنهُ بعدَ الأداءِ إلى الفقيرِ تمتْ العبادةُ، والنيةُ الموجودةُ بعدَ التمامِ غيرُ كافيةٍ، وأمّا هاهنا فالصَّوْم كُلُّ مِنْ أولِ النهارِ إلى آخرِهِ ركنٌ واحدٌ، وهوَ الإمساكُ عنِ المفطراتِ الثلاثِ، والوقتُ معيارٌ، وعندَ النيةِ لم يُوجدْ تمامُ الصَّوْم، ولا حُكْمُ التمام؛ لِأنَّ الكلامَ فيما إذا لم يُوجْد أكثُر اليومِ فيجوزُ، وبخلافِ القضاءِ؛ لأنهُ توقفَ على صَوْمِ ذلك اليومِ، وهو النفلُ، أيْ: كُلّ يومٍ خارجَ رمضانَ مُتوقَفٌ على صومِ ذلك اليومِ، وهو النفلُ؛ لأنَّ النفلَ مُوجِبُ ذلكَ اليومِ، فلمْ يكنْ ذلك اليومُ متوقفاً على صومِ القضاءِ، فلذلكَ لم يصحْ صومُ القضاءِ بنيةِ في النهارِ، ويعني بصومِ اليومِ ما تعلقتْ شرعيتُهُ بمجيءِ اليومِ لا بسببٍ آخرَ مِنْ نحوِ القضاءِ، والكفارةِ
(3)
.
(1)
سقطت في (ب).
(2)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار: (1/ 358).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 306).
وفي «الجامعِ الصغيرِ»
(1)
: قبلَ نصفِ النهارِ، وهو الأصحُّ، أي: مِن الذي ذَكَرهُ في المختصر
(2)
، والمراَدُ من انَتصافِ النّهارِ: قبلَ الضَحْوةِ الكُبرى؛ لأنَّ النهارَ في حقِّ الصَّوْم من حين طلوعِ الفجرِ فنصفُ النهارِ مِنْ ذلك الوقتِ، وقتِ الضَّحْوَةِ الكُبرى
(3)
، فعلى هذا لو نَوى قُبَيلَ الزوالِ لا يجوزُ؛ لأنهُ خَلا أكثَر اليومِ عن النيةِ
(4)
كذا في مختلفاتِ المغنى
(5)
، ولا فَرْقَ بينَ المسافرِ والمقيمُ
(6)
خلافاً لزُفَر رحمه الله
(7)
، وذَكَر في «المَبْسُوط»
(8)
: أنَّ المسافَر إذا نوى قبلَ الزوالِ، وقد قَدِمَ مَصْرَهُ أو لم يِقْدِمْ، ولم يكنْ أَكَلَ شيئاً جازَ صومُهُ عن الفرضِ عِنْدَنَا خلافاً لِزُفَر رحمه الله، وهو يقولُ: إنَّ إمساكَ المسافرِ في أولِ النهارِ لم يكنْ مُستحقاً لصومِ الفرضِ فلا يتَوقَفُ على وُجودِ النيةِ بخلافِ إمساكِ المقيمِ، ولنا أنّ المعنى الذي لِأجلِهِ جُوِّزَ في حقِّ المقيمِ إقامةُ النيةِ في أكثرِ وقتِ الأداءِ مقامَهُ في جميعِ الوقتِ، والمسافرُ في هذا الوقتِ أسوةُ المقيمِ، وإنَّما يفارقُهُ في الترخصِ بالفِطْرِ، ولم يترخصْ بهِ، ولِأَنَّ أداءَ العبادةِ في وقِتها مع ضربِ نُقصانٍ أولى مِن تفويتهِا عن وقتهِا، والمسافرُ، والمقيمُ في هذا سواءٌ، وبهذا فارقَ صومَ القضاءِ، فإنه دَيْنٌ في ذمتهِ، والأيامُ في حقهِ سواءٌ فلا يفوتُهُ شيءٌ إذا لم يحرزُهُ مع النقصانِ، فلهذا اعتبرنا صفة الكَمالِ فيه: وذَكَرَ الإمامُ الولوالجي
(9)
: أنّ صيامَ المسافرِ بالنيةِ قبلَ الزوالِ جَاْزَ؛ لأنُه كالمقيمِ إذا اختارَ تعجيلَ الواجبِ، (وهذا الضربُ مِن الصَّوْم)
(10)
، أيْ: الضَّرْبَ الذي يتعلقُ بزمانِ تعينهِ على ما ذَكَر في أولِ هذا الْكِتَاب (يتأدَّى بمُطلَقِ النيةِ)
(11)
بأنْ قالَ: نَوَيْتُ الصَّوْم
(12)
،
(1)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع: (1/ 137).
(2)
يقصد المؤلف رحمه الله مُخْتَصرُ القُدُوري. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 377).
(3)
الضَّحْوة فهو ارتفاعُ أَول النَّهارِ. يُنْظَر: لسان العرب (14/ 474).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي (3/ 107)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 83)، قال زُفَر رحمه الله يصح صوم رمضان بدون النية بحق الصحيح المقيم، أما المسافر فيشترط أن ينوي الصِّيَامَ من الليل، مجمع الأنهر (1/ 334).
(5)
بحثت في كتب الفقه وأصول الفقه عن هذا الْكِتَاب ولم أجده ولم أجد من أشار إليه في كتب شروح الهِدَايَة الأخرى ولا في كتب الفقه.
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 306).
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 307).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: (3/ 113، 114).
(9)
يُنْظَر: الفتاوى الولواجية (2/ 240).
(10)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 118).
(11)
يُنْظَر: المرجع السابق (1/ 118).
(12)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 308).
وقالَ مالكُ رحمه الله
(1)
: في الإطلاقِ إنْ كانَ يعلمُ أنَّ اليومَ مِن رمضانَ، ونوى النفلَ لم يكنْ صائماً، وإنْ كانَ لا يعلمُ جازَ صومُهُ عن النفلِ؛ لأنَّ الخطابَ بأداءِ الفرضِ لا يتوجهُ عليهِ إِلاَّ بعدَ العِلْم بهِ، وقال ابْنُ أبي لَيْلَى رحمه الله
(2)
: إنْ كانَ يعلمُ أنَّ اليومَ منْ رمضانَ جازَ صومُهُ عن الفرضِ، وإنْ كانَ لا يعلمُ لم يكنْ صائماً؛ لأنَّ قصدَّهُ عندَ عَدَمِ العِلْم كانَ إلى أداءِ النفلِ، والنفلُ غيرُ مشروعٍ في هذا اليومِ فهو كنيةِ أداءِ الصَّوْم في الليلِ لغو لِكَوْنِهِ غيرُ مشروعٍ فيه. كذا في «المَبْسُوط»
(3)
.
قولُه رحمه الله
(4)
: (ونيتُهُ واجبٌ آخر)
(5)
مستقيمٌ في صومِ رمضانَ، وأمَّا في النَّذْرِ المعَّينِ فلا؛ لأنهُ يقعُ عمّا نوى مِن الواجبِ إذا كانتْ النيةُ منَ الليلِ هو عابثٌ، يعني: لا يكونُ صائماً أصلاً لا فرضاً، ولا نفلاً، وفي مطلقِها له قولان: معناهُ يقُع عندِ الإطلاقِ عن فرضِ الوقتِ في قولٍ لا يقعُ عنهُ فوجهُ القولِ الذي لا يقعُ: هو أنَّ صفةَ الفرضيةِ قُرْبَةٌ كأَصْلِ الصَّوْم، فكما لا يتأدَّى أصلُ الصَّوْم إِلاَّ بالنيةِ فكذلك الصفةُ، وبانعدامِ الصفةِ ينعدمُ الصَّوْم ضرورةً، وعلى هذا إذا أطلقَ النيةَ لا يجوزُ، والثاني:(أن بنيةِ النّفلِ صارَ مُعْرِضاً عن الفرضِ)
(6)
لما بينَهُما من المغايرةِ، فصارَ كإعراضِهِ بِتْركِ النية، ولا يجوزُ أن يصير ناويا للصوم المشروعِ في هذا الوقتِ بنيةِ] النفل
(7)
، فإنهُ لو اعتقدَ المشروعَ في هذا الوقتِ أنهُ نَفْلٌ يَكْفُرُ، وعلى هذا إذا أطلقَ النيةَ يجوزُ؛ لأنهُ ما صارَ تعرضَ بهذه النيةِ
(8)
، ولنا حديثُ علي
(9)
، وعائشةَ
(10)
رضي الله عنهما: أنهما كانا يصومانِ يومَ الشكِّ، وكانا يقولان:«لِأَنْ نَصومَ يوماً مِن شعبانَ أحبُّ إلينا مِنْ أنْ نُفْطَرِ يوماً مِنْ رمضانَ»
(11)
، وإنما كانا يصومان بنيةِ النفلِ لإجماعِنا
(12)
على أنهُ لا يباحُ صومُ يومِ شكِّ بنيةِ الفرضِ، فلولا أنَّ عندَ التبيُّنِ يجوزُ الصَّوْم عن الفرضِ لم يكنْ هذا التحرزُ منهما مَضَى، ثُمَّ معنى القربةِ في أصلِ الصَّوْم يتحققُ لبقاءِ الاختيارِ للعبدِ فيهِ، ولا يتحققُ في الصفةِ؛ إذ لا اختيارَ لهُ فيها فلا يتُصورَ منه إبدالُ هذا الوصفِ بوصفٍ آخرَ في هذا الزمانِ، فيسقطُ اعتباُر نيةِ الصفةِ، ونيةِ] النفل
(13)
لغوٌ بالاتفاقِ
(14)
؛ لأنّ الفعلَ غيرُ مشروعٍ في هذا الوقتِ، والإعراضُ عن الفرضِ يكونُ بنيةِ النفلِ فإذا لَغَاَ نيةَ النفل لم يتحققِ الإعراضُ، وهو نظيرُ الحجِّ على قولهِ، وبهِ يَبطُل قولُهُ: إنه لو اعتقَد فيهِ أنّهُ نَفْلَ يكفرُ إذا صامَ المريضُ، والمسافرُ بنيةِ واجبٍ آخَر يقعُ عنه، أي: يقُع عمّا نوى
(15)
.
(1)
يُنْظَر: التلقين (1/ 72)، الكافي لابن عبدالبر (1/ 336).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 109).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 109).
(4)
هو صاحب الهِدَايَة رحمه الله. يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 118).
(5)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 118).
(6)
يُنْظَر: المرجع السابق (1/ 118).
(7)
في (أ) الفعل وفي (ب)(النفل) وقد اثبت مافي (ب) لموافقته السياق.
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 308).
(9)
أخرجه الْبَيْهَقِي في سننه (4/ 212) عن علي رضي الله عنه، باب الشهادة على رؤية الهلال.
(10)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها (41/ 419)، والْبَيْهَقِي في سننه (4/ 211)، باب من رخص من الصحابة في صوم يوم الشك، وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (4/ 11)، وتمامه:" لأن أصوم يوما من شعبان، أحب إليّ من أن أفطر يوما من رمضان ".
(11)
رَوَاهُ أحمد في مسنده (24989 - 6/ 125)، والْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (8227 - 4/ 211)، (8238 - 4/ 212)، قال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف.
(12)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 315).
(13)
في (أ)(الفعل) وفي (ب)(النفل) وقد أثبت مافي (ب) لموافقته السياق.
(14)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 111)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 636).
(15)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 110).
قلتُ: هذا الذي ذكرهُ هنا مِن تسويةِ حُكْمِ المريضِ، والمسافرِ في صحةِ نيةٍ واجبٌ آخرَ على قولِ أبي حنيفةَ رحمه الله
(1)
موافُقٌ للإيضاح
(2)
، ومبسوط شيخ الإسلام
(3)
، وفتاوى الإمام الولوالجي رحمه الله
(4)
، وقاضي خان
(5)
، ومخالف لمبسوط شمس الأئمةِ، وفَخْرُ الْإِسْلَام
(6)
، وأصولهما
(7)
، وذَكَرَ في مبسوطِ شمسِ الأئمةِ
(8)
: فأمَا المريضُ إذا نوى واجباً آخرَ فالصحيحُ أنه يقعُ صومُهُ من رمضانَ
(9)
؛ لأنَّ إباحةَ الفِطْرِ لهُ عنَد العجزِ عن أداءِ الصَّوْم، فأمّا عنَد القُدرةِ، فهو والصحيحُ سواءً بخلافِ المسافرِ، ثُمَّ قالَ: وذَكَر أبو الحسن الكرخي رحمه الله
(10)
أنَّ الجوابَ في المريضِ، والمسافرِ سواءٌ على قولِ أبي حنيفة وهو سهوٌ أو مُؤولَ ويرادُ به مريضٌ يطيقُ الصَّوْم، ويخافُ منهُ زيادةَ المرضِ.
وذَكَرَ في الإيضاحِ وكانَ بعضُ أصحابِنَا يَفْصِلُ بينَ المُسافرِ والمريضِ
(11)
، وأنهُ ليسَ بصحيح أنهَما مُتساويان
(12)
، وقد رَوَى أبو يوسفَ عن أبي حنيفةَ رحمهما اللهُ
(13)
في المريضِ نصّاً أنهُ إذا نوى التَطَوَّعَ يقعُ عن التطوعِ، واللهُ أعلمُ
(14)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 111)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 348).
(2)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (1/ 345) وقال شيخ زاده: وفي الْإِيضَاحِ أن هذا الفرق ليس بصحيح والصحيح أنهما متساويان وهو اختيار الكرخي وصاحب الهِدَايَة وغيرهما وأكثر مشايخ بخارى.
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 232).
(4)
يُنْظَر: فتاوى الولواجي (1/ 240).
(5)
يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 236).
(6)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 281).
(7)
يُنْظَر: أصول السَّرَخْسِي (1/ 37)، أصول البزدوي (1/ 44).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: 3/ 111.
(9)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 637).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 111)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 348).
(11)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 281).
(12)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 310.
(13)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 84).
(14)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار: 1/ 342.
(لتحتمهِ للحال، وتخيرِهِ في صومِ رمضانَ)
(1)
؛] لأنَّ القضاءَ لَازِمُ للحالِ فَيُؤَاخَذُ بهِ
(2)
، وصومُ رمضانَ لا يلزَمُ ما لم يُدْرِكِ العدةَ حتى إذا ماتَ قبلَ الإدراكِ ليسَ عليهِ شيءٌ، وعنهُ في نيةِ التطوعِ روايتان، أيْ: في روايةٍ يقعُ عن فرضِ الوقتِ لما ذُكر في الكتابِ: (أنهُ ما صرفَ الوقتَ إلى الأهَمِّ)
(3)
، وهو إسقاطُ الفرضِ عن ذمتِهِ، وإنما قصدَ تحصيلَ الثوابِ، والثوابُ في الفرضِ أكثرُ، ولِأَنَّ صومَ النفلِ يستغنى عن ذكرِ النَّفل، فكان التقييدُ بالنفلِ لُغواً، فيلحقُ بمُطلقِ النيةِ، وفيهِ يقعُ عن الفرضِ فكذا هنا، وفي روايةٍ: يقعُ عمّا نَوى مِنَ النفلِ؛ لأنَّ رمضانَ في حقِّ المسافرِ كشعبانَ في حقِّ المقيمِ على معنى أنهُ مخُيرٌ بيَن أنْ يصومَ أو يُفْطِرَ، فلذلك يقعُ عمّا نَوى سواءً كانَ نفلاً أو واجباً، وصومُ الكفارةِ، وهي كفارةُ اليمينِ، والظهارِ، وكفارةِ القتلِ، وجزاءِ الصيدِ، والحلقِ، والمتعةِ، وكفارةِ رمضانَ،/ وكذلك النَّذْرُ المطلقُ أيضاً لا يَصَحَّ إِلاَّ بنيةٍ من الليلِ، كذا في الفتوى
(4)
،
والنفلُ كُلُّهُ تجوزُ نيتُهُ قبلَ الزوالِ
(5)
، أيْ: قبلَ انتصافِ النهارِ سواءً كانَ مُسافراً أو مُقيماً
(6)
، فإنهُ يتمسَّكُ بإطلاقِ ما رَوَيْنَا، وهو قولهُ عليه الصلاة والسلام:«لا صِيامَ لمَنِ ْلم يَنْوِ الصِّيَام مِنَ الليل»
(7)
، ولنا قولُه عليه الصلاة والسلام بعدَ ما كانَ يصِبحُ غيرَ صائِمٍ:«إني إذاً صائِمٌ» ، عن عائشةَ رضي الله عنها: أنّ رسَولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام كانَ يدخلُ على نِسائِهِ، ويقولُ:«هَلْ عْنِدَكُنَّ مِنْ غَدَاْء» فإنْ قُلْنَ: لَاْ، قالَ:«إني إذاً لصائِمٌ»
(8)
، وفي حديِث عاشوراءَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ومَنْ لم يأكلْ فَلْيَصُمْ»
(9)
، فإنَّ كانَ صومُ عاشوراءَ نفلاً فهو نصٌّ، وإنْ كانَ فرضاً فجوازُ الفرضِ بنيةٍ مِنَ النهارِ دَليِلٌ على جوازِ النفلِ بها بالطريقِ على ما ذكرنا، هو قولُه، ولأنهُ يومُ صومٍ فيتوقفُ الإمساكُ في أولِهِ على النيةِ المتأخرةِ المقترنَةِ بأكثرِهِ كِالنفلِ
(10)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 118).
(2)
سقطت في (ب).
(3)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 118).
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 310، 311).
(5)
يُنْظَر: بداية المبتدى (1/ 39).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي (3/ 153)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 349).
(7)
سبق تخريجه، ص (266).
(8)
رَوَاهُ مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال (1951)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(9)
سبق تخريجه، ص (262).
(10)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 311، 312).
فَصلٌ في رؤيةِ الهلالِ
[رؤية الهلال]
وينبغي للناسِ أنْ يلتمسوا الهلالَ في اليومِ التاسعِ والعشرينَ
(1)
؛ لأنَّ الشهرَ قد يكونُ تسعةً، وعشرينَ يوماً قال عليه الصلاة والسلام:«الشهرُ هكذا، وهكذا، وهكذا، وهكذا، وأشارَ بأصابعهِ، وخُنْسِ إبهامِهِ في الثالثةِ»
(2)
[خنُسِ ابهامهِ أيْ قَبَضَ بها [، وقال عبُد اللهِ بنُ مسعود رضي الله عنه:«ما صمنا على عهدِ رسولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام رمضانَ تسعةَ وعشرين يوماً أكثَر مما صمنا ثلاثينَ يوماً»
(3)
، وهكذا عن عائشةَ رضي الله عنها
(4)
، كذا في «المَبْسُوط»
(5)
.
فإن رَأَوهُ صاموا لكنْ بنفسِ رُؤْيةِ هلالِ رمضانَ يتحققُ شهودُ شهرِ رمضانَ، فَعندَ شُهودِهِ يثبتُ وُجوبُ الصَّوْم؛ لقولهِ عليه الصلاة والسلام:«صوموا لرؤيته»
(6)
ليكونَ الحسيُّ مضافاً إلى الحسيِّ، والمعنويِّ إلى المعنويِّ، ولا يصومونَ يومَ الشك
(7)
، فيومُ الشكِ هو اليومُ الآخرُ من شعبانَ الذي يحُتملُ أنهُ أولُ رمضانَ أو آخرُ شعبانَ
(8)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 39).
(2)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الصَّوْم، باب قول النبي عليه الصلاة والسلام: إذا رأيتم الهلال فصوموا (1809)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال (1080). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
رَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الصَّوْم، باب الشهر يكون تسعا وعشرين (2324)، والترمذي في سننه، كتاب الصَّوْم، باب أن الشهر يكون تسعًا وعشرين (689). وقال الألباني: صحيح.
(4)
قال الترمذي في السنن (3/ 73) بعد ما ذكر حديث ابن مسعود (وفي الباب عن عمر وأبي هريرة وعائشة وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن عمر وأنس وجابر وأم سلمة وأبي بكرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال الشهر يكون تسعا وعشرين
…
قال الألباني: صحيح.
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: (3/ 141).
(6)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الصَّوْم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا (1810)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال (1081). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 39).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 313، 314).
وفي «المَبْسُوط»
(1)
: إنما يقُع الشكُّ من وجهين: إمّا أنْ يَغُمَّ هِلالُ شعبانَ فوقعُ الشكُّ في اليومِ الثلاثينَ أنهُ مِن رمضانَ، وإمّا أنْ غَمَّ هِلالُ شعبانَ فوقعُ الشكُّ أنهُ اليومُ الثلاثون، أو الحادي والثلاثون.
[صيام يوم الشك]
وفي «الفوائدِ»
(2)
/: يومُ الشكِّ هو اليوم ُالذيَ يَتِمَّ به ثلاثون
(3)
من المستهلِ، ولم يَهُلْ الهلالُ ليلتَهُ لاستتارِ السماءِ بالغمامِ. وذَكَر شَيْخُِ الإسْلَامِِ في المَبْسُوط
(4)
: اعلمْ بأنَّ صومَ هذا اليومِ لا يخلو مِن سبعةِ أوجهٍ: أنْ ينويَ أنْ يصومَ فيه التطوعَ بِناءً، أو ابتداءً عن رمضانَ، أو عن رمضانَ إنْ كانِ مِنَ رمضانَ، [وعن التطوع إنْ كانَ من شعبانَ، أو عن رمضانَ، ولا يصومُ إنْ كانَ من شعبانَ، أو عن رمضانَ إنْ كانَ مِن رمضانَ]، وعن واجبٍ آخَر عليهِ إنْ لم يكنْ مِن رمضانَ، أو عن واجبٍ آخرَ عليه ابتداءً، والأقسامُ كلهُّا مذكورةٌ في الْكِتَابِ إِلاَّ أنُه لم يذكرْ التطوعَ البنيان باسْمٍ على حِدَةٍ، ولكنْ ذَكَرُه أيضاً، ولا الوجهَ السابعَ باسْمٍ على حِدَةٍ، ولكنْ ذَكَره أيضاً، وهو قولُه: وإنْ نوى عن رمضانَ إنْ كانَ غداً منه، وعن التطوع إنْ كانَ مِن شعبانَ فوجْهُ الحضرِ في الخمسةِ المذكورةِ ظاهرٌ، وهو أنهُ لو نوى صومَ يومِ الشكِّ لا يجوز، إمّا أنْ يكونَ متردداً في النيةِ، أو كانَ متردداً فيها، فإن لم يكنْ مُتردداً كانَ قاطعاً في النيةِ، ثُمَّ بعدَ ذلك قطعه لا يجوز، إمّا أنْ كانَ في الذي عليهِ، أو في الذي ليسَ عليهِ فإنْ كانَ في الذي عليهِ فلا يجوز أمْ إنْ كانَ في الوقتي أو غيرِ الوقتي فالأولُ هوَ الوجهُ الأولُ، والثاني هو الوجهُ الثاني، وإنْ كانَ في الذي ليسَ عليهِ فهوَ الوجهُ الثالثُ، وإنْ كانَ متردداً فلا يخلو، أما إنْ كانَ الترددُ في أصلِ النيةِ أو في وضعِها، فإنْ كانَ في أصلِها فهو الوجهُ الرابعُ، وإنْ كانَ في وصفِها فهو الوجهُ الخامسُ
(5)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 114).
(2)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 284)، المَبْسُوط للسرخسي (3/ 114)، الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 314).
(3)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 120)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 315).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 197).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 320، وحاشية ابن عابدين:(2/ 383).
قولُه رحمه الله: (لأنّهُ في معنى المظنونِ)
(1)
، ولم يَقُلْ: لأنهُ مظنونٌ؛ لأنَّ حقيقةَ المظنونِ أنْ يَثْبُتَ له الظَّنُ بعدَ وُجوبِهِ بيقينٍ، والحالُ أنهُ قد أدَّاهُ فشرعَ فيهِ على ظَنٍّ أنهُ لم يُؤَدِّهِ، ثُمَّ عَلِمَ أنهُ أدّاهُ، وأمّا هاهنا فلمْ يَثْبُتْ وجوبُهُ بيقينٍ، فلمْ يكنْ هو مظنوناً حقيقةً إِلاَّ أنهُ في كُلِّ واحدٍ منهما شُرِعَ مُسْقِطاً للواجبِ عندَه لا مُلزماً كانَ كُلُّ واحدٍ منهما في معنى الآخرِ لمِا روينا، وهو قولُه عليه الصلاة والسلام:«لا يُصامُ اليومُ الذي يُشكُّ فيهِ أنهُ مِن رمضانَ إِلاَّ تطوعاً»
(2)
فهو بعمومِهِ مُتناولٌ] كُلَّ يومٍ
(3)
سوِى التطوعِ بالنَّهيِ، وهذا كذلك إِلاَّ أنَّ هذا دونَ الأولِ في الكراهةِ لاستلزامِ الأولِ التشُّبهَ بأهلِ الكتابِ دونَ الثاني؛ (لأنهُ منهيٌ عنه فلا يتأدَّى بهِ الواجبُ)
(4)
اعتباراً بصومِ يومِ العيدِ
(5)
. والأصحُ: أنهُ ينوبُ عمّا نوى؛ لأنهُ/ يومٌ يجوزُ فيهِ التطوعُ بخلافِ يومِ العيدِ، وأصلُ الكراهةِ لا يمنعُ الجوازَ كالصَّلَاةِ في الأرضِ المغصوبةِ، ولأنهُ قد أدَّى الواجبَ في شعبانَ فيجوزُ، وهو الأصحُّ احترازاً عن القولِ الأولِ؛ لأنَّ المنهَي، أيْ: المنهَي عنُه، وهو التقدمُ على صومِ رمضانَ بصومِ رمضانَ لا يقومُ كُلُّ صومِ، أي: كراهة صومِ يومِ الشكِ بسببِ التقدمِ على رمضانَ يَصومُ للحديثِ الذي يَرويهِ بعدَ هذا، وهو قولُه عليه الصلاة والسلام:«لا تتقدموا بصومِ يومٍ، ولا بصومِ يومين»
(6)
، وذلك المنهيُّ عنهُ إنما يُوجدُ أنْ لو صامَ يومَ الشكِّ بصومِ رمضانَ هذا، ولا يُوجدُ بصومِ القضاءِ، والكفارةِ، ولا بصومِ التطوعِ، فينبغي على هذا الطريقِ أنْ لا يُكرهَ أصلاً بصومِ واجبٍ آخرَ؛ لانعدامِ هذا المعنى إِلاَّ أنَّ استثناءَ الكراهةِ لتناوُلِ عُمومِ نفي حديثٍ آخَر لقولهِ:«لا يُصامُ اليوُم الذي يُشكُّ فيهِ»
(7)
بخلافِ صومِ يومِ العيدِ، قال: وذلك مكروهٌ، أيُّ صومٍ كانَ، لما أنّ معنى النهي هناك تركُ إجابةِ دعوةِ الله تعالى، وهو يُوجدُ بِكلِّ صوم منْ صَوْمِ التطوعِ، والقضاءِ أو الكفارةِ بخلافِ ما نحن فيهِ، فلما افترقَ المعنيانِ في النَّهي في صومِ يومِ الشكِّ، وصومِ يومِ العيدِ افترقَ الحكمانِ أيضاً
(8)
.
(1)
يُنْظَر الهِدَايَة (1/ 119).
(2)
بحثت عنه في كتب الحديث ولم أجده، وقد قال ابن حجر في الدراية (1/ 276): لم أجده بهذا اللفظ ا. هـ، وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 440): غريب جدا ا. هـ.
(3)
في (ب)(كل صوم).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 119).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 317).
(6)
رَوَاهُ النسائي في سننه (2174)، كتاب الصيام، باب ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي كثير، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال الألباني: حسن صحيح.
(7)
سبق تخريجه، ص (280).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 318).
قولُه رحمه الله
(1)
: (لا يقومُ بكُلِّ صومٍ)، أيْ: لا يُوجدُ بُكلِّ صومِ، بل يُوجدُ بصومِ رمضانَ هذا لا غيرَ، فالمرادُ من القيامِ الوجودِ، والمرادُ بقولهِ عليه الصلاة والسلام إلى أنْ قالَ: التقدمُ بصومِ رمضانَ؛ وذلك لأنّ قبلَ الشهرِ وقتٌ للتطوعِ، فلا يصيرُ مُتقدماً بالتطوِّعِ، فخرجَ الجوابُ عن قولهِ: لا تتقدوا بصومِ يومٍ إِلاَّ أنْ يوُافِقَ صومَ أحدِكُمْ كانْ يصَومُهُ، فإنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام أباحَ بشرطِ أنْ يكونَ بناءً لا ابتداءً
(2)
.
قلت: أليسَ فيه نفي الإباحةِ إذا كانَ ابتداءً، بل هو مسكوتٌ عنه فيكونُ موقوفاً إلى قيامِ الدليلِ، وقد قامَ الدليلُ، وهو النَّص المطلقُ، وهو قولُهُ عليه الصلاة والسلام: «لا يُصامُ
…
»
(3)
الحديث، والمذهبَ عِنْدَنَا أن المطلقَ لا يحُملُ على المقيدِ
(4)
.
وأمّا قولُهُ: «مَنْ صَامَ يومَ الشكِّ فقد عصى أبَا القاسِم»
(5)
، قلنا: هذا نصٌّ محُتَمَلُ يحتمل النهَي عن الفرضِ
(6)
، وعن التطوعِ
(7)
، وما روينا مُفِسرُ في إباحةِ التطوعِ؛ لأنه إثباتٌ من النفي، وكان أولى
(8)
، كذا وجدْتُ بخطِّ الأستاذِ
(9)
رحمه الله
(10)
محالاً إلى مختلفات المغني، والمراد من قوله: على سبيل الابتداء هو] أنْ لا يكونَ
(11)
له اعتبارُ صومِ يومِ الخميسِ مثلاً فاتفقَ يومَ الخميس كونه يومَ الشكِّ فصامَهَ، والمرادُ بالموافقةِ: أن يعتادَ صيامَ الجمعةِ، أو الخميسِ، أو الاثنينِ، أو يصوم كَلَّ الشهرِ، أو يصوم عشرةِ من آخره، أو ثلاثةً فصاعداً كذا ذَكَره فَخْرُ الْإِسْلَام
(12)
.
(1)
هو صاحب الهِدَايَة رحمه الله. يُنْظَر الهِدَايَة (1/ 120).
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 318).
(3)
سبق تخريجه، ص (137).
(4)
يُنْظَر: أصول السَّرَخْسِي (2/ 26)، التلخيص للجويني (2/ 167).
(5)
أخرجه الترمذي في سننه (3/ 70)، باب كراهية صوم يوم الشك، من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما، وقال الترمذي: حديث عمار حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ومن بعدهم من التابعين ا. هـ، و أبو داود في سننه (2/ 272)، باب كراهية صوم يوم الشك، من حديث عمار أيضاً، والنسائي في سننه (4/ 153)، باب صيام يوم الشك، من حديث عمار أيضا، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (5/ 691).
(6)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 137)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 78).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 119)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 317).
(8)
اختلف الفقهاء في حكم صوم يوم الشك بنية التطوع قال أبو حنيفة بجوازه مع عدم الكراهة وبه قال مالك ورواية عن الامام احمد وعند أبي يوسف ومُحَمَّد يكره، وقال الشَّافِعِي لا يصح التطوع إذا انتصف شعبان إذا لم يصل الصِّيَامَ بعد نصف شعبان بما قبله، ولم تكن له عادة في صيام فإنه لا يصح صومه، لحديث أبي هريرة، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال:"إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا" رَوَاهُ أبو داود، والنسائي، والترمذي.
يُنْظَر: العناية (2/ 323)، الاستذكار (3/ 371)، الْمُغْنِي (3/ 26)، الْمَجْمُوع (6/ 404).
(9)
هو: فخر الدين المايمرغي قال في طبقات الحنفية (1/ 213)(وما ذكر من لفظ الأستاذ فالمراد به فخر الدين المايمرغي).
(10)
هو: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إلياس الملقب فخر الدين المايمرغي تلميذ الكردري وهو أستاذ السغناقي وعنه روى الهِدَايَة عن الكردري عن المصنف رحمة الله عليهم. يُنْظَر: طبقات الحنفية (2/ 115).
(11)
في (ب)(ان يكون) وما اثبته هو الموافق للسياق.
(12)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 318)، والمَبْسُوط للِسَّرَخْسِي:(3/ 115).
قولُه رحمه الله
(1)
: (ويفتي العامةُ بالتلَوُّمِ)
(2)
، والفاصِلُ بين الخاصةِ والعامةِ هو أنَّ كُلَّ مِنْ يَعَلمُ نيةَ صومِ يومِ الشكِّ فهو مِن الخواصِ، وإِلاَّ فهوَ مِن العوامِ، والنيةُ أنْ ينويَ التطوعَ مِنْ لا يعتادُ الصَّوْم، ولا يخطرُ ببالهِ أنهُ إنْ كانَ مِن رمضانَ فعن رمضانَ نفياً للتُّهمةِ، أي: تهَمةِ الروافضِ
(3)
.
وذَكَر في «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة»
(4)
: لا خلافَ بينَ أهل السنةِ والجمَاعةِ
(5)
: أنه لا يُصامُ اليومُ الذي يُشكُّ فيه أنهُ من رَمضانَ عنْ رمضان، وقالتْ الروافضُ: إنْ يُصامُ يومُ الشكِّ عن رِمضانَ. وذَكَر الإمامُ الكشاني رحمه الله
(6)
: بأنُه لو أفتى للعامةِ بأداءِ النفلِ فيهِ عسى يقعُ عندَهُمْ أنهُ خالفَ رسولَ الله عليه الصلاة والسلام حيثُ نهى رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام عن صومِ يومِ الشكِّ، وهو أطلقُه أو يقعُ عندَهُمْ أنهُ لما جازَ النفلُ يجوزُ الفرضُ، بل أولى، فلا ينبغي أنْ يفتيَ لهم بِذّلكَ
(7)
، وذَكَر فَخْرُ الْإِسْلَام في هذا حكاية أبي يوسفَ رحمه الله
(8)
، وهي: ما رَوى أسدُ بنُ عمرو رحمه الله
(9)
أنه قالَ: أتيتُ بابَ الرشيدِ
(10)
، فأقبلَ أبو يوسفَ القاضِي، وعليه عِمامةٌ سودَاءَ، ومُدِرَعةٌ سوداءَ وصف أسود، وهو راكبٌ فرساً أسوداً عليه سرجٌ أسودٌ، ولِبَدٌ أسودٌ، وما عليهِ شيءٌ مِنَ البياضِ إِلاَّ لحيتهٌ البيضاءُ، وهو يومُ الشكِ فأفتى الناسَ بالفِطْرِ، فقلتُ له: أتفطِرُ أنتَ، فقالَ: ادنُ إليَّ، قال في أذني: إني صائِم
(11)
، وإنما يُفتيِ بالفِطْرِ بعد التلوُّمِ زماناً لمِاَ رُوِيَ عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام أنهُ قالَ:«أصبحوا يومَ الشكِّ مفطرين متلومِينَ»
(12)
، (والرابع: أنْ يضجِعَ في أصلِ النيةِ)
(13)
، التضجْيِعُ في النيةِ الترددُ فيها بأنْ لا يبيُّتها مِن ضَجَعَ في الأمِر إذا وَهَنَ فيه، وقَصَر كذا في «المُغْرِب»
(14)
.
(1)
هو صاحب الهِدَايَة رحمه الله. يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 120).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 120).
(3)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 201).
(4)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 284)، المَبْسُوط (3/ 114).
(5)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 137)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 78).
(6)
هو: مسعود بن الحسن بن الحسين بن مُحَمَّد بن إبراهيم الكشاني، والد مُحَمَّد أبو سعد ركن الدين الخطيب. روى عنه ببخارى ابنه مُحَمَّد الكشاني ومحمود بن أحمد بن الفرح الساغرجي بسمرقند وجماعة سواهما، مات سنة عشرين وخمس مائة له ثلاث وسبعون سنة.
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 168)، معجم المؤلفين (12/ 226).
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 319).
(8)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 383)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 418).
(9)
هو: أسد بن عمرو بن عامر، أبو المنذر، القشيري البجلي، قاض من أهل الكوفة، من أصحاب أبي حَنِيفَةَ، كان أصحاب أبي حَنِيفَةَ الذين دونوا الكتب أربعين رجلا، وكان في العشرة المتقدمين.
يُنْظَر: (التاريخ الكبير: 2/ 49)، و (الجرح والتعديل: 2/ 337)، و (الأَعْلَام للزركلي: 1/ 298).
(10)
هو: هارون الرشيد ابن مُحَمَّد المهدي ابن المنصور العباسي، أبو جعفر: خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، وأشهرهم. ولد بالري سنة 149 هـ، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي، وكان عالما بالأدب وأخبار العرب والحديث والفقه، فصيحا، شجاعا كثير الغزوات، يحج سنة ويغزو سنة، توفي في سناباذ سنة 193 هـ، وبها قبره. يُنْظَر: الأَعْلَام للزركلي (8/ 62).
(11)
يُنْظَر: حاشية الطحطاوي (1/ 432)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 319).
(12)
يُنْظَر: مجمع الأنهر: 1/ 347 ولم أعثر عليه إلا في كتب الفقه ولم يذكر له تخريج.
(13)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 120).
(14)
يُنْظَر: (2/ 4).
(كما إذ نوى أنهُ وجَدَ غداءً يُفطِرُ، وإن لم يجدْ يصوم)
(1)
لم يجْز الصَّوْم بحال؛ لأن العزيمة لم تُوجَدْ، ولهذا قلنا: فِيْمَنْ تركَ صلاةً/ وَاحدةً، وقد نسيها أنهُ إنْ صلَّى أربعَ ركعاتٍ يقعُدُ في الثانيةِ، والثالثةِ، وينوي ما عليهِ لم يجزّهُ؛ لأنَّ الصلواتِ مختلفةٌ، ولم يغرمْ على شيءٍ منها، فلمْ تصحَّ الصَّلَاةُ
(2)
. كذا ذَكرهُ فَخْرُ الْإِسْلَام رحمه الله
(3)
لتردُدِهِ بينَ أمرين مكروهين، وهما: صومُ رمضانَ، وصومُ واجبٍ آخرَ إِلاَّ أنَّ كراهةَ أحدِهما أشُّد من الآخرِ لشروعهِ فيه مسقطاً لا ملزماً؛ لأنَّ الكلامَ فيما إذا نوى عن واجبٍ آخرَ على تقدير، وعن فرضِ رمضانَ على تقدير، فكان مسقطاً للواجب عن ذمته، ثُمَّ إنْ ظَهرَ أنهُ مِن رمضان أجزاءَهُ عنه لما مر، وهو قولُه: لِعَدمِ الترددِ في أصل النيةِ، ومن المشايخِ مَنْ قالَ: إذا ظهرَ أنهُ مِنْ رمضانَ لا يكونُ صائماً عنْ رمضانَ، ورُوِيَ ذلك عن مُحَمَّد رحمه الله
(4)
قالوا: هذا بناء على ما ذُكِر في «الجامع الكبير»
(5)
إذا كبّرَ ينوي الظهرَ، والتطوعَ على قول أبي يوسف يصير شارعاً في الظهرِ، وعلى قولِ مُحَمَّد لا يصيرُ شارعاً في الصَّلَاةِ، كذا ذَكَرُه قاضي خان
(6)
.
وَمَنَ رأى هِلالَ رمضانَ وَحَدْه صامَ، وإنْ لم يَقْبَلْ الإمامُ شهادتَهُ
(7)
، أيْ: رأى (هلالَ)
(8)
رمضانَ وحدَهُ، والسماءُ مُصحيةً لا يَقْبَلُ الإمامُ شهادَتْهُ، وعن أبي حنيفةَ رحمه الله
(9)
يقبلُ؛ لأنهُ اجتمع في هذهِ الشهادةِ ما يُوجبُ القبولَ، وهي العدالةُ، والإسلامُ، وما يُوجِبُ الرُّد، وهو مخالفةُ الظاهرِ، فترجَّحَ ما يوجبُ القبولَ احتياطاً؛ لأنه إذا صامَ يوماً منْ شعبانَ كانَ خيراً مِنْ أنْ يفُطِرَ يوماً مِنْ رمضانَ وجهُ ظاهرِ الروايةِ اجتمع ما يُوجبُ القبولَ، وما يُوجِبُ الردَّ فترجَّحَ جانبُ الرِّد؛ لأنَّ الفِطْرِ في رمضانَ مِنْ كُلِّ وجهٍ جائزٌ بعذرٍ كما في المريضِ، والمسافرِ، وصومِ رمضانَ قبلَ رمضانَ لا يجوز بعذرٍ من الأعذارِ، فكان المصيرُ إلى ما يجوزُ بُعذرِ أولى
(10)
، كذا ذَكَره الإمامُ الولوالجي رحمه الله
(11)
. وفي «المَبْسُوط»
(12)
: وإنما يردُّ الإمامُ شهادَتَهُ إذا كانتْ السماءُ مُصحيةً، وهو من أهلِ المِصْر، فأمّا إذا كانتَ السماءُ متغيمةً، أو جاء من خارجِ المِصْرِ، أو كانْ من مَوْضِعِ نشز، فإنهُ تُقبلُ شهادتُه عِنْدَنَا
(13)
، فإنْ قيلَ: جَمَعَ مُحَمَّد رحمه الله في هذهِ المسألةِ بين الشُّبهةِ، واليقينِ، فقال: لا كفارةَ عليهِ
(14)
؛ لأنهُ أفطرَ عن شُبْهةٍ، ويلزمُهُ الصَّوْم؛ لأنهُ استيقنَ أنَّ هذا اليومَ منْ رمضانَ، والشبهةُ قيدَ اليقينِ، فلا يتحققُ الجمعُ بينهما.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 120).
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق (1/ 318).
(3)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 120)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 318).
(4)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ: (2/ 320).
(5)
الجامع الكبير في الفروع للإمام المجتهد أبي عبد الله مُحَمَّد بن الحسن الشيباني الحنفي المتوفى: سنة 187، سبع وثمانين ومائة قال الشيخ: أكمل الدين: هو كاسمه لجلائل مسائل الفقه جامع كبير قد اشتمل على عيون الروايات ومتون الدرايات بحيث كاد أن يكون معجزا ولتمام لطائف الفقه يُنْظَر: كشف الظنون (1/ 569).
(6)
يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 242).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 39).
(8)
سقطت في (ب).
(9)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 289).
(10)
المصدر السابق.
(11)
يُنْظَر: الفتاوى الولواجية (1/ 237).
(12)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: (3/ 115).
(13)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 121)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 321).
(14)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (1/ 138)، الهِدَايَة (1/ 121).
قلنا: جَمَعَ بينهما في حقِّ حُكْمينِ مختلفينِ لا في حقِّ حُكْمِ واحدٍ، والممتنعُ في حُكْمٍ واحدٍ نظيرُ هذا ما قالوا فيمنَ اشترى أختَهُ مِنَ الرَّضاعةِ، فالوطئُ حرامٌ بيقين في حقِّ الاستيفاءِ، ومع ذلك لو وَطَئَهاْ لا يجبُ عليهِ الحدُّ للشُّبهةِ، فالوطئُ حرامٌ بيقينٍ بالنَّصِّ القَطْعِيِّ، ولكنْ مُلْكُ الرقبةِ أورثَ شُبهة في حقِّ الحدِّ، فَجمعَ بينَ الشبهةُ، واليقينِ في حقِّ حُكْمينِ مختلفين
(1)
كذا هنا؛ لأنهُ أفطرَ في رمضانَ حقيقةً، وتحريُر نُكْتَتِهِ هو أنْ يقولَ: إنهُ أفطرَ في يوم مِنْ رمضانَ بِلَاْ شُبْهةٍ، فوجبَ أنْ تلزمَهُ الكفارةُ قِياساً على اليومِ الثاني، وقولنا في يومٍ مِنْ رمضانَ بدليلِ الحقيقةِ، والحُكْمُ إمّا لحقيقةٍ، فلأنهُ رأى الهلالَ، وأمّا الحُكْمْ فلأنهُ يلزَمُ الصَّوْم، وقولنا: بلا شُبهةٍ؛ لأنَّ موضوعَ المسألةِ فيما إذا تَيقَّنَ بِرُؤْيَةِ الهلالِ، ولنا أنَّ هذا مُفْطِرٌ عن شُبهةٍ فلا تلزمُهُ الكفارةُ قِياساً على مَا لو تَسحَّرَ، وهو لا يعلمُ بِطلُوعِ الفجرِ؛ لأنَّ هذهِ الكفارةَ مخصوصةٌ منِ بين نظائِرِهَا فيما يَدرأ بالشّبهاتِ كالحدودِ، وهذا كلامٌ لا إِشْكَالَ فيهِ لكنَّ الشاذةَ في إثباتِ الشُّبهةِ، وعليهِ دليلان: أحدهُمُا أنَّ الإمامَ رَدَّ شهادَتَهُ، وقضى بأنها كُذِبٌ بدليلٍ شَرعي أوجبَ ذلك؛ لأنَّ موضوعَ المسألةِ فيما إذا كانتْ السماءُ مُصُحيةً، ولم يجئْ مِن مكانٍ آخرَ، ومتى كانتْ الحالةُ هذهِ، فهوَ وسائِرُ الناسِ في الرُّؤيةِ سواءً، وإذا تكنْ شُبهةُ الغَلَطِ، فقلنا: بأنهُ لا تلزمُهُ الكفارةُ لمِا أنَّ القضاءَ أوجبَ شُبهةَ كَذِبَ الشَّهادةِ، وإنْ قامَ عِندَ الشاهِد دليلُ فَسادِ القضاءِ، ألا ترى أنّ شهوداً لو شَهِدُوا بالقَصاصِ على رجلٍ قضى به القاضي فقتلَهُ الوليُّ، وهو يعلمُ أنَّ الشهودَ كَذَبَه، ثُمَّ جِيءَ المشهودُ بقتلهِ حيّاً فلا قِصاصَ على الوليِّ عندَنا، الشبهةُ الثانيةُ بالقضاءِ؛ لأنهُ قضى بدليلٍ ظاهرٍ أوجبَ الشرعُ العملَ بهِ، فأوجبَ الشُّبهةَ في حقِّ الوليِّ، وإنْ كانَ اليقينُ أنهُ مخُطِئٌ، والثاني أنَّ هذا اليومَ فيهِ شُبهةُ يومِ شعبانَ، وشُبهةُ إباحةِ الفِطْرِ؛ لأنّ الناسَ/ سواء لا يلزمُهم صومُ هذا اليومِ لا أداءً، ولا قضاءً، ويومُ رمضانَ لايج عن أحدِهما لقولهِ عليه الصلاة والسلام:«صومُكم يومَ تصومونَ، وفطِرْكُم يومَ تُفطرون»
(2)
معناه: وقتُ صومِكم المفروضِ يومَ يصوُم الناس، ووقْتُ فِطْرِكُمْ يومَ يُفِطرُ الناسُ، ليسَ المرادُ منهُ نفسُ الصَّوْم؛ لأنَّا نعلمُ يقيناً أنَّ نفسَ صومِنَا إنما يكونُ إذا صِمْنَا، وأنهُ حتى لا يحُتَاجُ فيه إلى البيانِ، وإنما الاحتياجُ للحِكْمِيِّ، وهوُ شهرُ الصَّوْم فإنهُ يَثْبتُ شَرعاً لا بفعل الناسِ، فبيّنَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنَّ شهرَ الصَّوْم يومَ يصومُهُ الناسُ، أيْ: يومَ يكونُ يومَ يصومُ الناسُ: أيْ: أنهُ لا يتحرَّى ثبوتهُ في حقِّ البعضِ دُونَ البعضِ، فهذا دليلٌ على أنَّ هذا لا يكونُ صوماً لهذا الرجل لما لم يكنْ يومَ صومِ الناسِ حيثُ لم يلزمْهم أداءٌ، ولا قضاءٌ، فلما كانَ هذا اليومَ يومَ الفِطْرِ في حقِّ الناسِ وجبَ أنْ يكونَ يومُ الفِطْرِ في حقِّ هذا الرجلِ أيضاً عملاً بظاهرِ هذا النصِّ، وإنْ لم يكنْ يوماً للفِطْرِ حقيقةً في حِّقهِ لمِعارضَةِ نَصٍّ آخرَ، وهو قوله:«صوموا لِرؤيته»
(3)
فلا أقلَّ مِنْ أن يورثَ شبهةَ الإباحةِ فيما يُدَرأُ بالشُّبهاتِ، فمَنَ سَلَكَ هذه الطريقةَ قالَ: بسقوطِ الكَفارةِ قبلَ القضاءِ وبعدَهُ، والطريقةُ الأُولى تخصُّ ثبوتَ الشبهةِ بعدَ القضاءِ، وعن هذا اختلفَ المشايخُ فيهِ كذا في «الْأَسْرَارِ»
(4)
، ومَبْسُوطِ شيخِ الإسلام
(5)
.
(1)
يُنْظَر: الْبَحْرِ الرَّائِق: (5/ 36).
(2)
رَوَاهُ الترمذي في سننه، كتاب الصَّوْم، باب الصَّوْم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون (697)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 440): صحيح.
(3)
سبق تخريجه ص (278).
(4)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (4/ 221).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 210).
(ولو أفَطَرَ قبلَ أنْ يَرُدَّ الإمامُ شهادَتَهُ اختلفَ المشايخُ فيهِ)
(1)
، أي: في وجُوبِ الكفارةِ، والصحيحُ
(2)
: أنهُ لا تجبُ عليه الكفارةُ
(3)
كذا في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(4)
، وهذهِ الكفارةُ تندرِئُ بالشُّبهاتِ بدليلِ أنها لا تجبُ على المعذورِ والمخِطئِ، وإنما تجبُ على مَنْ تعمَّدَ الفِطْرِ بخلافِ سائرِ الكفاراتِ، فإنها تجبُ على المعذورِ والمخِطئِ، فُعِلمَ أنَّ هذهِ الكفارةِ أُلْحِقَتْ بالعقُوباتِ، وهي لا تثبتُ مع الشبهاتِ، (ولو أكملَ هذا الرجلُ ثلاثين يوماً لم يُفْطِرْ إِلاَّ مع الإمامِ)
(5)
والجماعةِ، ولعلَّ الغلطَ وقعَ لهُ كما رُوِيَ في حديثِ عُمرِ رضي الله عنه:«أنهُ أمرَ الذي قالَ: رأيتُ الهلالَ أنْ يمسحَ حاجبيهِ بالماءِ، ثُمَّ قال: أينَ الهلالُ؟ فقالَ: فقدتُهُ، فقالَ: شعرةٌ قامتْ من حاجبكَ فحسِبْتها هِلالاً»
(6)
، وإنما أمرنا بالصَّوْم في الابتداءِ احتياطاً مِنْ غيرِ أن يحكُمَ أنَّ اليومَ مِنْ رمضانَ، فالاحتياطُ هاهنا في أنْ لا يُفِطرَ إِلاَّ مع الجماعةِ، كذا في «المَبْسُوط»
(7)
.
[شهادة الواحد]
وفي إطلاقِ جوابِ الكتُّابِ، وهو قولُه: قبلَ الإمامِ شهادةُ الواحدِ العدلِ
(8)
، وهو ظاهرُ الروايةِ
(9)
؛ لأنهُ خبرٌ، أي: أنهُ خبرٌ وليسَ بشهادةٍ، ولهذا لم يختصْ بلفظِ الشهادةِ، ولِأَنَّ شهادةَ العبدِ هاهنا مقبولةٌ، وإنْ لم يكنْ للعبدِ شهادةٌ حتى لا ينعقِدَ النكاحُ بشهادتِهِ فلأنْ يقبلَ شهادةَ المحدودِ بعدَ التوبِة، والنكاحُ ينعقِدُ بشهادتِهِ أولى، ولِأَنَّ الصحابةَ كانوا يقبلونَ رِوايةَ أبي بَكْرةَ
(10)
بعدما أُقِيمَ عليهِ حدُّ القذفِ
(11)
؛ لأن شهادته من وجهٍ من حيثُ إنَّ وجوبَ] العملَ إنما
(12)
كانَ بعدَ قضاءِ القاضي منْ حيثُ اختصاصهِ بمجلسِ القضاءِ، ومنْ حيثُ اشتراطِ العدالةِ، والحجةِ عليهِ ما ذكرنا
(13)
، وهو قولُه:(لأنهُ أَمْرٌ ديني، ثُمَّ إذا قَبِلَ الإمامُ شهادةَ الواحدِ، وصاموا ثلاثينَ يوماً لا يُفطرون)
(14)
، أي: وصاموا ثلاثين يوماً، فلم يَرَوْا الهلالَ لا يفُطرونَ
(15)
إلى أنْ يتيقنوا بانسلاخِ رمضانَ للأخذِ بالاحتياطِ في الحالتينِ، وعن مُحَمَّد رحمه الله
(16)
: أنهم يفُطرون، (ويثبتُ الفِطْرِ بناءً على ثُبوتِ الرمضانيةِ بشهادةِ الواحدِ، وإنْ كان لا يثُبتُ بها ابتداءً)
(17)
؛ لأنَّ الشيءَ قد يثبتُ في ضِمْنِ شيءِ، وإنْ كانَ لا يثبتُ ابتداءً كبيعِ الطريقِ، والسّرِبُ
(18)
يصحَّ في ضمنِ بيعِ الأرضِ، وإنْ كانَ لا يصحَّ ابتداءً، وله نظائرٌ
(19)
.
(1)
يُنْظَر الهِدَايَة (1/ 121).
(2)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (1/ 352)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 286).
(3)
قال في بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 80)(فلا رواية فيه عن أصحابنا في وجوب الكفارة).
(4)
يُنْظَر فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 176).
(5)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 121).
(6)
بَحَثتُ عنهُ في كتبِ الحديث والسِّير ولم أجده، وإنما يذكرهُ الفقهاء في كُتُبِهِم، الْمَجْمُوع (6/ 280)، الْمُغْنِي (3/ 96).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 141).
(8)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 39).
(9)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 629).
(10)
هو: نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن أبي سلمة الثقفي وهو ممن نزل يوم الطائف إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام في "بكرة " فأسلم وكني أبا بكرة وأعتقه رسول الله عليه الصلاة والسلام. وهو معدود في مواليه توفي في البصرة قيل سنة سنة إحدى وقيل: اثنتين وخمسين.
يُنْظَر: أسد الغابة (ص: 1147)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (3/ 5).
(11)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 81)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 320).
(12)
في (ب)(العمل به إنما).
(13)
يُنْظَر: حاشية الطحطاوي (1/ 454)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 319).
(14)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 121).
(15)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 121)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 320).
(16)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 121)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 320).
(17)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 121).
(18)
السِّرْب: هو النفق في الأرض. يُنْظَر: الصِّحَاح (4/ 246).
(19)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 322 - 324)، وتَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 320).
وفي «المَبْسُوط»
(1)
: قال ابنُ سماعةَ: فقلت لمحمدٍ: كيفَ تُفطرونَ بشهادةِ الواحد؟ فقال: لا تُفطرونَ بشهادةِ الواحدِ، بل بحُكْمِ الحاكِمِ؛ لأنهُ لَمَّا حَكَمَ بِدُخولِ شَهرِ رمضانَ، وأَمَرَ الناسَ بالصَّوْم، فَمِنْ ضرورتِه الحكمُ بانسلاخِ رمضانَ بعدَ مُضي ثلاثين يوماً، فالحاصلُ: أنَّ الفطرَ هاهنا مما تفضي إليهِ الشهادةُ لا أنْ يكونَ ثابتاً بشهادةِ الواحدِ، وهو نظيرُ شهادةِ القابلةِ على النسبِ، فإنها تكون مقبولةً، ثُمَّ يفضي ذلك إلى استحقاقِ الميراثِ، والميراثُ لا يثبتُ بشهادةِ القابلةِ ابتداءً، (كاستحقاقِ الإرثِ بناءً على النسبِ الثابتِ بشهادةِ القابلةِ)
(2)
، وهذا الاستشهادُ إنَّما يصحُّ على قولهِما دونَ قولِ أبي حنيفةَ رحمه الله
(3)
، كذا ذكره في «الإيضاحِ»
(4)
، وفي المنظومةِ: لو شَهِدَتْ قابلةٌ بالولدِ لم يُعتبرْ ذلك بلا مُؤيدٍ، وهو/ فراشُ قائمٍ، أو ما ظهرَ من حِيَلِ، أو اعترافٌ قد صَدَرَ، وإذا لم يَكُنْ بالسماء عِلّةٌ لم تُقبلْ الشهادةُ حتى يراهُ جَمْعٌ كثيرٌ، أي: في هلالِ رمضانَ، وكذلك الحكمُ أيضاً في هلالِ الفِطْرِ عنَد عَدَمِ العِلَّةِ بالسماءِ إِلاَّ أنَّ سُوقَ الكلامِ هاهنا لهلالِ رمضانَ.
وعن أبي يوسفَ رحمه الله: خمسونَ رجلاً اعتباراً بالقسامة، وعن خلف بن أيوب رحمه الله
(5)
: أنهُ قال: خمسُمائةٍ ببلخٍ قليلٌ، (وإليهِ الإِشارةُ في كتابِ الاستحسانِ)
(6)
، ولفظُ كتابِ الاستحسان: فإنْ كانَ الذي شَهِدَ بذلك في المِصْرِ، ولا عِلَّةَ في السماءِ لم تُقبلْ شهادتُهُ؛ لأنَّ الذي يقعُ في القلبِ مِنْ ذلك أنهُ باطلٌ
(7)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: (3/ 253، 254).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 121).
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق: (1/ 320).
(4)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 324).
(5)
هو: خلف بن أيوب الفقيه أبو سعيد العامري البلخي الحنفي. مفتي أهل بلخ وزاهدهم وعابدهم. أخذ الفقه عن أبي يوسف، وقيل: إنه أدرك مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وتفقه عليه، وقد سمع منه، ومن عوف الأعرابي، ومعمر، وإبراهيم بن أدهم وصحبة مدة، روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو كريب، وعلي بن سلمة اللبقي، وجماعة، وكان من أعلام الأئمة -رحمه الله تعالى-.
يُنْظَر: ثقات لابن حبان (8/ 227)، تاريخ الإسلام (5/ 69)، تاج التراجم (ص 166).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 121).
(7)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 320، 321).
قلتُ: فكانَ تخصيصَهُ بالمِصْرِ، ونفي العِلَّةِ في عَدَم قُبولِ الشهادةِ دليلاً على قبولِ الشهادةِ إذا كانَ الشاهدُ خارجَ المِصْرِ، وكانَ في السماءِ عِلَّةٌ، وذَكَر في الاستحسانِ
(1)
بعدَ هذا
(2)
، وكذا ذَكَر الطَّحَاوِيِّ في كتابهِ
(3)
؛ لأنهُ يتفقُ من الرؤيةِ في الصحاري ما لا يتفقُ في الأمصارِ لما فيها من كَثْرةِ الغُبارِ، (وكذلكَ إذا كانَ في المِصْرِ على مكانٍ مُرتفعٍ)
(4)
، فقدْ يتفقُ لهُ مِنَ الرؤيةِ ما لا يتفقُ لمِنْ دُوَنهُ في الموقفِ
(5)
؛ لأنهُ تعلَّقَ به نَفْعُ العبدِ، وهو الفِطْرُ، وتُشْتَرطُ فيهِ الحرية،
(6)
وكما تُشترطُ فيهِ الحريةُ والعددُ ينبغي أن يُشترطُ فيه لفظُ الشهادة
(7)
.
وأما الدعوى فينبغي أنْ لا تُشترط كما لا يشترطُ في عَتْقِ الأَمةِ، وطلاقُ الحرَّةِ عندَ الكُّلِ
(8)
، وعتقُ العبدِ في قولِ أبي يوسفَ، ومحمد
(9)
، وأمّا على قياسِ قولِ أبي حنيفةَ رحمه الله
(10)
فينبغي أن تُشترط الدعوى في هلالِ الفِطْرِ، وهلالُ رمضانَ كما في عتقِ العبدِ عند القضاءِ دونَ الكفارةِ، كذا في التجنيس
(11)
.
قولُه رحمه الله: وهو الأصحُّ احترازاً عمّا رُوِيَ عن أبي حنيفةَ رحمه الله في النوادرِ
(12)
: بأنَّ الشهادةَ على هلالِ الأضحى كالشهادةِ على هلالِ رمضانَ
(13)
لما يتعلقُ بها مِن أَمْرِ ديني، وهو ظُهورُ وقتِ الحجِّ
(14)
.
(1)
يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (1/ 138)، الهِدَايَة (1/ 121).
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 325).
(3)
الهِدَايَة (1/ 121)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 321).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 121).
(5)
يُنْظَر: التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيد (2/ 426).
(6)
بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 81)، الهِدَايَة (1/ 121).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (10/ 291).
(8)
يُنْظَر: الدر المختار (2/ 386).
(9)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 325).
(10)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (1/ 349).
(11)
التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيد، لعلي بن أبي بكر بن عبدالجليل الْمَرْغِينَانِي رحمه الله، صاحب الهِدَايَة، حققه الدكتور مُحَمَّد أمين مكي وطبعته في مجلدين إدارة القران والعلوم الإسلامية في باكستان.
(12)
مسائل النوادر هي المسائل المروية عن أصحاب المذهب لكن ليست في كتب ظاهر الرواية وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية: لأنها لم ترو عن مُحَمَّد بروايات ظاهرة صحيحة ثابتة.
يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1282).
(13)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 122)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 139).
(14)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (10/ 289).
قولُه رحمه الله
(1)
: (لأنهُ تعلَّقَ به نفعُ العبادِ)
(2)
دليلُ الأصحِّ، وإنْ لم يكنْ بالسماءِ عِلَّةُ لم تقبلْ إِلاَّ شهادةُ جماعةٍ
(3)
(4)
، أي: في هلالِ الفِطْرِ، وكذلك الحُكْمُ في هلالِ رمضانَ أيضاً إِلاَّ أنَّ سوقَ الكلام هِاهنا في حقِّ هلالِ الفِطْرِ كما ذكرنا إشارةُ إلى قولهِ
(5)
؛ لأنّ التفردَ بالرؤيةِ إلى آخره {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ}
(6)
ذَكَرَهُ في «الكَشَّاف»
(7)
: الخيطُ الأبيضُ أولُ ما يبدو مِن الفجرِ المعترضِ في الأفقِ كالخيطِ الممدودِ، والخيطُ الأسودُ ما يمتدُّ معهُ مِنْ غَبَشِ الليلِ، شُبِهَا بخيطينِ: أبيضَ وأسودَ،] وقال
(8)
: مِنَ الفجرِ بيانٌ للخيطِ الأبيضِ، واكتفى به عن بيانِ الخيطِ الأسودِ، أي: مِن أنْ يقولَ: إنهُ من الليلِ؛ لأنَّ بيانَ واحدِهما بيانٌ للثاني.
(والصَّوْم هو الإمساكُ عن الأَكْلِ، والشُرْبِ، والجِماعِ نهاراً مع النيةِ)
(9)
.
قال الشيخُ الإمامُ بدرُ الدينِ الكردري رحمه الله
(10)
: هذا الحدُّ ينتقضُ طرداً، وعكساً، أما طرداً ففي أَكْلِ النَّاسِي فإنَّ صوَمهُ باقٍ، والإمساكُ فائِتٌ، وفيمَنْ أَكَلَ قَبْلَ طُلوعِ الشمسِ بعدَ طلوعِ الفجرِ لما أنّ النهارَ اسمٌ لزمانٍ هو مع الشمسِ
(11)
، وأما عكساً ففي الحائضِ، والنفساءِ، فإنّ هذا المجموعَ موجودٌ، والصَّوْم فائَتٌ، ثُمَّ قالَ: أمّا الجوابُ عن الأولِ فإنّ الإمساكَ الشرعيَ موجودٌ حيثُ جعلَ الشرعُ أكله كلها أكل إذ للشارع ولايةُ الإيجادِ، والإعدامِ فإنَّ الصَّوْم حقُّهُ، ولهُ أنْ يُبقَيهُ حُكْماً مع وجُودِ المنافي، ولِأَنَّ المأمورَ بهِ هو الإمساكُ القصدِي، فيكونُ ضِدَّ المنافي لهُ الأكلُ قصداً، وعن الثاني أنَّ المرادَ مِنَ النهار
(12)
اليوم بالحيضِ
(13)
خرجتْ عن أقليةِ الأداءِ شرعاً، وقِيلَ: الصَّوْم هو الإمساكُ عن المفطراتِ لله تعالى بإذنهِ في وقتهِ، وهذا هو المنقولُ عن الإمامِ المحققِ مولانا بدُر الدينِ الورسكي رحمه الله
(14)
(15)
، وهذا أجمعُ، (والطهارةُ عن الحيضِ، والنفاسِ شَرْطُ المرادِ مِنَ الطهارةِ)
(16)
منهما عدمهما إِلاَّ أنْ يكونَ المرادُ منها الاغتسالُ، واللهُ أعلَمُ
(17)
.
(1)
هو الْمَرْغِينَانِي صاحب الهِدَايَة رحمه الله. يُنْظَر الهِدَايَة (1/ 122).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 121).
(3)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 39).
(4)
بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 81)، الهِدَايَة (1/ 122)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 139).
(5)
لا يزال المؤلف ينقل عن شيخه صاحب الهِدَايَة رحمهما الله. يُنْظَر (الهِدَايَة 1/ 122).
(6)
سورة البقرة الآية (187).
(7)
يُنْظَر: الكشاف عن حقائق التنزيل (1/ 257).
(8)
سقط في (ب).
(9)
هذا التعريف نقله المؤلف عن شيخه رحمهما الله. يُنْظَر الهِدَايَة (1/ 122).
(10)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 330).
(11)
يُنْظَر: الْغَايَة شرح الهِدَايَة (2/ 330).
(12)
النهار: اسم وهو ضد الليل، والنهار اسم لكل يوم، والليل اسم لكل ليلة، لا يقال نهار ونهاران، ولا ليل وليلان، إِنما واحد النهار يوم، وتثنيته يومان، وضد اليوم ليلة، لسان العرب (5/ 236).
(13)
هكذا هي في (أ) وفي (ب)(إن المراد من النهار إلى الحيض) ولعل ما أثبته هو الصواب لموافقة لسياق الكلام.
(14)
هو: عمر بن عبد الكريم الورسكي، العلامة بدر الدين الْبُخَارِيُ، تفقه عليه شمس الأئمة الكردري ببخارى. مات ببلخ سنة أربع وتسعين وخمس مائة تفقه على أبي الفضل الكرماني، وحدث عنه بأمالي القاضي أبي بكر مُحَمَّد بن الحسين الأرسابندي.
يُنْظَر: (الجواهر المضية: 1/ 392)، و (معجم المؤلفين: 7/ 293).
(15)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 312).
(16)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 122).
(17)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 326، الجوهرة النيرة: 1/ 138.
بابُ ما يُوجبُ القضاءُ والكفارةُ
لماَّ فرغَ مِن بيانِ أنواعِ الصَّوْم في حقِّ النيةِ، وتفسيرهُ لغةً، وشرعاً، وما يتبعُها شَرَعَ في بيانِ ما يجبُ عنَد الإتيانِ بما يضادُهُ، وإذا أكلَ الصائِمُ أو شَرِبَ أو جامَعَ ناسياً لم يُفْطِرْ
(1)
في هذا المجموعِ لا خلافَ بيننا
(2)
، وبينَ الشَّافِعِي
(3)
فإنهُ ذَكَرَ في الخُلَاصَة الغزاليَّة: فإنْ جامعَ ناسياً لم يُفْطِرْ
(4)
، وفي «المَبْسُوط»
(5)
: وقال سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رحمه الله
(6)
: إنْ أَكَلَ أو شَرِبَ لم يفطرْه
(7)
، وإنْ جامَعَ ناسياً فطره قال: لأنَّ/ النصَّ وَرَدَ في الأَكْلِ، والشُّرْبِ، والجماعِ ليسَ في معناهُ وجهُ الاستحسانِ
(قولهُ عليه الصلاة والسلام للذي أَكَلَ وشَرِبَ ناسياً: «تُمْ على صومِك»)
(8)
، فإنْ قِيلَ: هذا الحديثُ معارضٌ للكتابِ فكيفَ العملُ به؛ لأنّ الكتابَ يقتضي أنْ يُفسِدَ صومِهُ؛ لأنّ المأموَر بهِ بالْكِتَابِ الصَّوْم، والصَّوْم هو الإمساكُ عن الأكلِ، والشربِ، والجماعِ، ولم يبقَ الإمساكُ لوجودِ الأكلِ حقيقةً، والحديثُ يقتضي بقاءُ الصَّوْم، والْكِتَابُ ينفيه، ولا معنى للمخالفةِ سوى هذا.
قلنا
(9)
: في كِتَابِ الله تعالى إشارةٌ إلى أنَّ النسيانَ مَعْفُوٌ لقولهِ تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا}
(10)
، فكانَ الحديثُ موافقاً للكتابِ حينئذٍ فيعُملُ بهِ، ويحُملُ الْكِتَابُ على حالةِ العَمْد لتكونَ الدلائِلُ بأسرِهَا معمولةً، كذا نُقِلَ عن الإمامِ المحققِ مولانا حميدِ الدينِ الضريرِ رحمه الله
(11)
، ولِأَنَّ كتابَ اللهِ تعالى يُوجبُ فسادَ الصَّوْم إذا تركَ الإتمامَ مخُتاراً؛ لأنَّ اللهَ تعالى أمرنا بذلك بقوله:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
(12)
، والإتمامُ أنْ لا يتركَ الصَّوْم مختاراً، وهذا ليس بمختار، بل هو كالمجبول عليهِ
(13)
من قِبَل مِنْ لَهُ الحقُّ؛ لأنهُ خُلِقَ كذلك؛ لأنهُ لا يَقْدِرُ على أنْ لا ينسى، ولِأَنَّ فيه عملاً بكتاب اللهِ تعالى فإنَّ اعتبارَهُ يؤُديِ إلى الحرجِ قال اللهُ تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}
(14)
(15)
، كذا ذكرهُ الإمامُ الكاساني رحمه الله
(16)
(17)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 39).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 117)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 352).
(3)
يُنْظَر: الأم (2/ 97)، الْمَجْمُوع (6/ 324).
(4)
الخُلَاصَة الغزاليَّة (1/ 211).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 118).
(6)
هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، من بني ثور بن عبد مناة، من مضر، أبو عبد الله: أمير المؤمنين في الحديث. كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. ولد ونشأ في الكوفة، وراوده المنصور العباسي على أن يلي الحكم، فأبى وخرج من الكوفة، فسكن مكة والمدينة، ثم طلبه المهدي، فتوارى، وانتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفيا، له من الكتب: الجامع الكبير، والجامع الصغير.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (6/ 401)، التاريخ الكبير (6/ 401)، الجرح والتعديل (4/ 222).
(7)
يُنْظَر: الاستذكار (3/ 318)، الْمُغْنِي (3/ 36).
(8)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (8329 - 4/ 229)، والدَّارقُطنيّ في سننه (2/ 179). وقال الألباني في إرواء الغليل (4/ 86): صحيح.
(9)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 99).
(10)
سورة البقرة الآية (286).
(11)
يُنْظَر: البناية شرح الهِدَايَة (3/ 36).
(12)
سورة البقرة الآية (187).
(13)
هكذا هي في (ب) وفي (أ)(كالمحمول على) ولعل ما أثبته هو الصواب لموافقته سياق الكلام.
(14)
سورة الحج الآية (78).
(15)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 327.
(16)
هو: أبو بكر بن مسعود بن أحمد، علاء الدين. منسوب إلى كاسان بلدة بالتركستان، خلف نهر سيحون، من أهل حلب. من أئمة الحنفية. كان يسمى (ملك العلماء) أخذ عن علاء الدين السمرقندي، وشرح كتابه المشهور (تُحْفَةِ الْفُقَهَاء) تولى بعض الأعمال لنور الدين الشهيد، وتوفي بحلب. من تصانيفه:(البدائع)، و (السلطان المبين في أصول الدين).
يُنْظَر: (الجواهر المضية 2/ 244)، و (الأَعْلَام للزركلي: 2/ 70)، و (معجم المؤلفين: 3/ 75).
(17)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 91).
(وإذا ثبتَ هذا في الأكلِ ثبتَ في الوقاع للاستواءِ)
(1)
هذا جوابٌ عمَّا ذُكِرَ للسؤال في هذا الموضعِ فإنهُ ذُكِرَ في مبسوط شَيْخُ الإسْلَامِ
(2)
: فإنْ قِيلَ: النصُّ وَرَدَ في الأَكْلِ بخلافِ القياسِ، فلمِاذا قِيسَ عليه الجِماعُ؟
[حكم جماع الناسي]
قلنا: الجِماعُ ما ثبتَ بالقياسِ، وإنما ثبتَ بدلالةِ النصِّ، وأنهُ نظيرُهُ مِن كُلِّ وجهٍ
(3)
؛ لأنَّ الكفَّ عن كُلِّ واحدٍ منهما] ذكر في بابِ الصَّوْم، ولِأَنَّ لِكُلِّ واحدٍ من الأكلِ والشربِ، ومِنَ الجماعِ كمالاً وقصوراً، فصارا سواءً فيلحقُ بِكُلِّ واحدٍ منهما بالآخرِ
(4)
لما عُرِّف في الوافي
(5)
(6)
، وذكر في المَبْسُوط
(7)
: وقال أبو حنيفةَ رحمه الله ذكره في «الجامع الصغير»
(8)
: لولا قولُ الناسِ لقلتُ: يقضي، أي: لولا روايتهم الأثرَ، ولولا قولُ الناسِ أنَّ أبا حنيفةَ خالفَ الأثَر. ثُمَّ ذكَر قولَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، ثُمَّ قالَ: لكنا نقولُ: قد ثبتَ بالنصِّ المساواةُ بين الأَكْل، والجماعِ في حُكْمِ الصَّوْم، أي: في وُجوبِ الكَفِّ، فإذا وَرَدَ نصٌّ في أحدهِما كان وُروداً في الآخرِ باعتبارين، المقدمةُ كَمَنْ يقولُ لغيرهِ: اجعل زيداً، وعمراً في العطية سواءً، ثُمَّ يقولُ أعطِ زيداً دِرْهماً كانَ ذلك تنصيصاً على أنهُ يُعطي عمراً أيضاً درِهماً، ولا فرقَ بينَ الفرضِ، والنفلِ قال مالك
(9)
، وابْنُ أبي لَيْلَى، ومُحَمَّد بن مقاتل الرازي
(10)
(11)
: في الفرضِ يقضي، وهو القياسُ، كذا ذكره الإمامُ المحبوبي
(12)
، ولو كانَ مخطئاً
(13)
، وهو أنْ يكونَ ذاكراً للصومِ غيرَ قاصدٍ للشربِ كما إذا تمضمض، وهو ذاكرٌ للصوم، والناسِي على عَكْسِهِ
(14)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 122).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 206).
(3)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 291)، العناية (2/ 332).
(4)
سقط في (ب).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 328).
(6)
كتاب الوافي في اصول الفقه لحسام الدين السغناقي رحمه الله حقق جزء منه في جامعة أم القرى رسالة دكتوراه عام 1417 هـ.
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 117، 118).
(8)
يُنْظَر: الجامع الصغير (ص 140).
(9)
يُنْظَر: بداية المجتهد (1/ 303).
(10)
هو: مُحَمَّد بن مقاتل المروزي، أبو الحسن الكسائي. يروى عن ابن المبارك. حدثنا عنه مُحَمَّد بن عبدالرحمن الشامي. مات في آخر سنة ست وعشرين ومائتين، وكان متقنًا.
يُنْظَر: (ثقات ابن حبان: 9/ 81)، و (التاريخ الكبير: 1/ 242)، و (الجرح والتعديل: 8/ 105).
(11)
يُنْظَر: البناية شرح الهِدَايَة (3/ 36).
(12)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 117).
(13)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 39).
(14)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 117).
[المضمضة للصائم]
وفي «المَبْسُوط»
(1)
: وإذا تمضمضَ الصائِمُ، فسبقَهُ الماءُ، فدخلَ حَلْقَةُ، فإنْ لم يكنْ ذاكراً للصومِ، فصومُهُ تامٌ كما لو شَرِبَ، وإنْ كانَ ذاكراً صومَهُ فعليهِ القضاءُ
(2)
عِنْدَنَا خلافاً للشافعي رحمه الله
(3)
، واستدلَّ بقولهِ عليه الصلاة والسلام:«رُفِعَ عن أمتي الخطأُ والنسيانُ، وما اسْتُكْرِهُوا عليه»
(4)
، ثُمَّ عُذْرٌ يزالُ بين مَنْ عَذَرَ الناسِي، فإنَّ الناسِي قاصداً إلى الشربِ غيرَ قاصدٍ إلى الجنابةِ على الصَّوْم، وهذا غيرُ قاصدٍ لا إلى الشربِ، ولا إلى الجنابةِ على الصَّوْم فإذ لم يُفسِدْ الصَّوْم ثمةَ فهاهنا أولى، ولنا ما رُوِيَ أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قالَ للقيطِ بن صبرةَ
(5)
: «بالغْ في المضمضةِ والاستنشاقِ إِلاَّ أنْ تكونَ صائماً»
(6)
، فالنهيُّ عن المبالغةِ التي فيها كَمالُ السُّنةِ عندَ الصَّوْم دليلٌ على أنَّ دخولَ الماءِ في حَلْقِهِ مُفْسِدٌ لصومِهِ، ولأنهُ وَصَلَ المعنى، أو المرويَ إلى خوفهِ من خارجٍ، وهو ذَاكرٌ له لصومهِ فيفسدُ صوَمهُ قياساً على ما لو قَصَدَ إلى الفِطْرِ، ولا يلزمُ على ما قلنا: إذا ابتلعَ ما في أسنانهِ أو ابتلعَ البُزاقَ حيثُ لا يفسدُ صومَهْ؛ لأنا احترزنا في العبادةِ بقولنا من خارجٍ وثمةَ وصلِ منِ الفمِ، ولا يمكنُ التحرزُ عنه، ولا يلزُم أيضاً إذا دخلَ الذُبابُ جوفَهُ حيثُ لا يفسدُ؛ لأنَّ هناكَ لم يوجدْ ما هو ضدَّ الصَّوْم، وهو إدخالُ الشيءِ منِ الخارجِ إلى الباطنِ صورةً ومعنى، ولِأَنَّ رُكنَ الصَّوْم قد انعدمَ مع عُذْرِ الخطأ،] وأن
(7)
العبادةَ بدونِ رُكْنِها لا تتصورُ، وهكذا القياسُ في الناسِي، ولكنا تركنا القياسَ بالسُّنةِ هناك هذا، وليس في معناه.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 119، 120).
(2)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 354)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 91)، وهو مذهب الحنابلة والمالكية يُنْظَر: الْمُغْنِي (3/ 36)، المدونة (1/ 271)، الذخيرة للقرافي (2/ 508).
(3)
للشافعي رحمه الله ثلاثة أقوال: الفطر مطلقا، وعدم الفطر مطلقا والقول الثالث: إن بالغ في المضمضة، أفطر، وإلا فلا. يُنْظَر: الأم (2/ 101)، الْمَجْمُوع (6/ 326)، الإقناع للشربيني (1/ 237)، وقال النووي عنه: هو أصحها عند الأصحاب.
(4)
رَوَاهُ ابن ماجه في سننه (2045)، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الألباني: صحيح.
(5)
هو: لقيط بن صبرة بن عبد الله بن المنتفق بن عامر بن عقيل ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، أبو رزين العقيلي، وهو وافد بنى المنتفق إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وروى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكره المسائل، فإذا سأله أبو رزين أعجبته مسألته، ولم أجد من ذكر سنة وفاته.
يُنْظَر: الاستيعاب (3/ 1340)، تهذيب الكمال (24/ 248)، المؤتلف والمختلف (3/ 192).
(6)
أخرجه أحمد في مسنده (26/ 306)، وأبو داود في سننه، باب في الاستنثار (1/ 54)، والترمذي في سننه، باب كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (3/ 155)، والنسائي في سننه، باب المبالغة في الاستنشاق (1/ 66)، وابن ماجه في سننه، باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار (1/ 142)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1/ 242).
(7)
في (ب)(وأداء).
لأن التحرزَ عن النسيانِ غيرَ ممُكنٍ، والتحرزُ عن مثلِ هذا الخطأ ممكنٌ، ثُمَّ رُكْنٌ الصَّوْم قد/ انعدمَ معنىً، فإنَّ الذي قد حصلَ لُه، وإنْ كانَ مخُطئاً، ولو انعدمَ صورةً لا معنىً، فإنْ تَناوُلَ حصاةٍ فَسَدَ صومُهُ، فإذا انعدمَ] معنى
(1)
أولى؛ لأنَّ مُراعاةَ المعاني في بابِ العباداتِ أبينُ مِنْ مُراعاةِ الصُّورِ. وكان ابْنُ أبي لَيْلَى يقولُ
(2)
: إنْ كانَ وضوءُهُ فرضاً لم يفسْد صومُهُ، وإنْ كانَ نفلاً يَفْسُدُ صَومُهُ، وقالَ بعضُ أهل الحديث
(3)
: إنْ كانَ في الثلاثِ لا يَفسدُ صومُهُ، وإنْ جَاوزَ الثلاثَ فَسَدَ صومُهُ، ومنهم مَنْ فَصَلَ بينَ المضمضةِ في الوضُوءِ، والجنابةِ، والاعتمادِ على ما ذكرنا
(4)
.
وتأويلُ الحديثِ: أنَّ المرادَ رَفْعُ الإثمِ دُونَ الحُكْمِ، وبه يقولُ إِلاَّ أنَّ رَفْعَ الحُكْمِ هنا غيرُ ثابتٍ نصّاً، ولو ثبتَ إنما يثُبتُ اقتضاءً، والمقتضى لا عمومَ له عِنْدَنا؛ لأنهُ ثابتٌ بالضرورةِ فَيُتَقَدَّرُ بَقَدرِ الضَروُرَة، كذا في المَبْسُوطين
(5)
، كالمقيّد، والمريضِ في قضاءِ الصَّلَاةِ
(6)
، أيْ: أنَّ المقيّد يقضي، والمريضُ لا يَقضي إذا أدَّيا في حالِ العُذْرِ قاعِداً لمِا ذكرنا أنَّ القيدَ مَنْ قَبِلَ مَنْ ليسَ لَهُ الحقُّ بخلافِ المرضِ.
وكذا إذا نظرَ إلى امرأة فَأمْنَى
(7)
، أيْ: لو نَظَرَ إلى وجهِ المرأةِ أو فرجِها
(8)
، أيْ: لم يُفْطِرْ بخلافِ حُرْمِة المصُاهرةِ في النظرِ إلى فَرجِ المرأةِ على ما يأتي إنْ شاءَ اللهُ تعالى
(9)
لما بينا
(10)
، وهو أنهُ] لم
(11)
تُوجْد صورةُ الجِماعِ، ولا معناه
(12)
.
(1)
سقط في ب.
(2)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 91)، شرح الْبُخَارِيُ لابن بطال (4/ 66).
(3)
يُنْظَر: شرح الْبُخَارِي لابن بطال (4/ 66)، تحفة الأحوذي (3/ 419).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 119، 120).
(5)
يُنْظَر: المرجع السابق (3/ 120).
(6)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 292).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 40).
(8)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 94).
(9)
سيأتي الكلام عنها.
(10)
يُنْظَر: ص 29.
(11)
سقط في ب.
(12)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 329).
[مسألة إذا نزل المني من غير جماع]
وفي «المَبْسُوط»
(1)
: ولو نَظَرَ إلى فرجِ امرأتِهِ فأنزلَ فصومُهُ تامٌّ ما لم يمسَّها. وقالَ مالكُ رحمه الله
(2)
: إنْ نَظَرَ مرةً فكذلك، وإنْ نَظَر مرتين فَسَدَ صومُهُ لِمَا رُوِيَ أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قالَ لعلي:«لا تَتْبِعْ النظرةَ النظرة فإنَّما الأُولى لَكَ، والأُخرى عليكَ»
(3)
، ولِأَنَّ النظَر يقعُ نعتُهُ فلا يَنِعدِمُ بالإمْسَاك، فإذا تعمَّدَ النظرَ بعدَ ذلك حتى أَنْزَلَ، فَقدْ فَوَّتَ رُكْنَ الصَّوْم. ولنا أنَّ النظَر كالتَّفَكُّرِ على معنى أنهُ مقصورٌ عليهِ غيرُ متصلٍ بها، ولو تَفَكَّرَ في جمالِ امرأةٍ فأنزلَ لم يَفْسدْ صومُهُ فكذلك إذا نظَر
(4)
، ولو كانَ هذا مُفسداً للصومِ لم يُشترطْ التكررَ فيه كالمسِّ، وتأويلِ الحديثِ المؤاخذةِ بالماءِ، ثُمَّ إذا تعمَّدَ النظَر إلى ما لا تحلُّ لهُ، كذا في «المَبْسُوط»
(5)
.
(كالمستَمْنِي بالكفِّ على مَاْ قالوا): إذا عالجَ ذَكَرَهُ بيدِهِ حتى أَمْنى، قالَ أبو بَكْرٍ
(6)
، وأبو القاسِمِ رحمه الله
(7)
(8)
: لا يَفسدُ صومُهُ، وعامةُ المشايخِ
(9)
(10)
على أنهُ يفسدُ صومُهُ، وعلى هذا الخلافِ إذا أتى بهيمةً فأنزلَ، فإنْ لم ينزلْ لا يفسدُ صومُهُ بلا خلافٍ، ولو مسَّ فرجَ بهيمةٍ، وأنزلَ لا يفسدُ صومُهُ بالاتفاقِ
(11)
، كذا في «الذخيرةِ»
(12)
(13)
. وذَكَر في التجنيسِ
(14)
: الصائِمُ إذا عالجَ ذَكَرَهُ حتى أَمنى يجبُ عليهِ القضاءُ، هو المختارُ؛ لأنهُ وَجَدَ الجِماعَ معنىً، بل يِحلُّ لهُ أن يفعلَ ذلكَ إنْ أرادَ الشهوةَ لا يَحِلُّ لقول النبيِّ عليه الصلاة والسلام:«نِاكحُ اليدِ ملعونٌ»
(15)
، وإنْ أرادَ تسكينَ ما بهِ مِنَ الشهوةِ أرجو أنْ لا يكونُ عليهَ وبالٌ.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 127).
(2)
يُنْظَر: المدونة (1/ 270)، البيان والتحصيل (2/ 313).
(3)
رَوَاهُ أبو داود في سننه (2151)، كتاب النكاح، باب ما يؤمر به من غض البصر. والترمذي في سننه (2777)، كتاب الأدب، باب نظرة المفاجأة، من حديث بريدة رضي الله عنه. قال الألباني: حسن.
(4)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 91).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 127).
(6)
هو: مُحَمَّد بن أحمد أبو بكر الإسكاف البلخي. فقيه حنفي. إمام كبير جليل القدر، أخذ الفقه عن مُحَمَّد بن سلمة وعن أبي سليمان الجوزجاني. وتفقه عليه أبو بكر الأعمش مُحَمَّد بن سعيد وأبو جعفر الهندواني. من تصانيفه:"شرح الجامع الكبير للشيباني".
يُنْظَر: (الجواهر المضية: 2/ 28)، و (الفَوَائِد البهية: ص 160).
(7)
هو: أحمد بن عصمة أبو القاسم الصفار البلخي الحنفي، الفقيه المحدث، تفقه على أبي جسر المغيداني وسمع منه الحديث. روى عنه أبو علي الحسين بن الحسن، وتفقه عليه أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي. وتوفي في السنة المذكورة التي توفي فيها أبو بكر الإسكاف.
يُنْظَر: (الجواهر المضية: 1/ 78)، و (الفَوَائِد البهية: ص 26).
(8)
يُنْظَر: العناية (2/ 334)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 644).
(9)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 94)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 293).
(10)
إذا قال (عامة المشايخ) فهو يقصد فقهاء الحنفية رحمهم الله. يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (1/ 477)، الفَوَائِد البهية للكنوي (ص 242)، المذهب الحنفي لأحمد نقيب (2/ 323).
(11)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 644).
(12)
ذخيرة الفتاوى، المشهورة بالذخيرة البرهانية؛ لبرهان الدين، محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري المتوفى سنة ستمائة وست عشرة من الهجرة، والذخيرة البرهانية مختصرة من كتابه المحيط البرهاني؛ لابن مازة، وهذه الفتاوى لها نسخ متعددة منها نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، تحت الرقم (3867 ف)، عن مكتبة تشتربيتي بدبلن بإيرلندا.
(13)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 644)، الجوهرة النيرة (1/ 170).
(14)
نقله عن التَّجْنِيس في الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 293)، العناية (2/ 334).
(15)
هو بهذا اللفظ لا أصل له، قال في كشف الخفاء (2/ 325): قال الرهاوي في حاشية المنار: لا أصل له ا. هـ، وقد ذكر الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة (10/ 424) أنه ضعيف، قال: وهو طرف من حديث أخرجه أبو الشيخ ابن حيان في "مجلس من حديثه"(62/ 1 - 2)، وابن بشران في "الأمالي" (86/ 1 - 2) من طرق عن عبدالرحمن بن زياد الإفريقي عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن عبدالله بن عمرو مرفوعاً بلفظ:(سبعة لعنهم الله، ولا يُنْظَر إليهم يوم القيامة، ويقال لهم: ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل، والمفعول به في عمل قوم لوط، وناكح البهيمة، وناكح يده، والجامع بين المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي جاره حتى يلعنه، والناكح للمرأة في دبرها؛ إلا أن يتوب)، ثم قال: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف عبد الرحمن بن زياد الإفريقي؛ وقد مضى غير مرة، وقد روي من حديث أنس أيضاً، لكنه ضعيف أيضاً ا. هـ.، وانتقد الشيخ الألباني رحمه الله كلام الشيخ علي القاري في " المصنوع في معرفة الحديث الموضوع " (1/ 199): بأنه لا أصل له، صرح به الرهاوي ا. هـ، والله أعلم.
وكذا إذا احتَجمَ
(1)
(لهذا)
(2)
، أيْ: لِعَدَمِ المنافي، (ولمِا رَوينا)،
(3)
وهو ما ذُكِرَ قبله «ثلاثٌ لا يُفَطِّرْنَ الصائِمَ»
(4)
، ولو اكتحلَ لم يُفطِرْ
(5)
، وإنْ وَجَدَ طعمهُ في حَلْقِهِ
(6)
.
[الإكتحال للصائم]
وكانَ إبراهيمُ النخعي رحمه الله
(7)
(8)
يكرهُ للصائِمِ أنْ يكتحلَ، وابْنُ أبي لَيْلَى
(9)
كانَ يقولُ: إذا وَجَد طعمَهُ في حَلْقِهِ فَطَّرَهُ لوصولِ الكُحلِ إلى باطنِهِ، ولنا حديثُ أبي رافعٍ: «أنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام دَعا بمكحلةِ إثمدٍ
(10)
في رمضانَ فاكتحلَ وهوَ صائِمٌ»
(11)
وعن أبي مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: (خرجَ رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام يومَ عاشوراءَ مِن بيتِ أمِّ سَلَمَةَ، وعيناهُ مملوءتانِ كُحلاً كَحليةِ أمِّ سلمةَ) رضي الله عنها
(12)
وصومُ عاشوراءَ في ذلك الوقتِ كانَ فرضاً
(13)
، ثُمَّ صارَ منسوخاً، ثُمَّ ما وَجَدَ مِنَ الطَّعمِ في حلقهِ أثراً للكُحلِ لأَعينهِ كمنْ دقَّ شيئاً مِنَ الأدويةِ المُرةِ يجدُ طعمهُ في حلقهِ فهو قياسُ الغَبارِ، والدخانِ، ولَئِنْ وَصَلَ غَبَنُ الكُحلِ إلى باطنهِ فذلكَ مِن قِبَلِ المُسَاْم لا مِنْ قِبَلِ المسالِكِ إذ ليسَ مِنَ العينِ إلى الحلقِ ينفذُ، فهو نظيرُ الصائمِ يشرعُ في الماءِ، فيجدُ برودةَ الماءِ في كبدِهِ، وذلك لا يضرُهُ. كذا في «المَبْسُوط»
(14)
.
(1)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 107)، وقيد عدم الكراهة في الْمُحِيط الْبُرْهَاني بما إذا أمن على نفسه من الضعف (2/ 649).
(2)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 40).
(3)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 122).
(4)
رَوَاهُ الترمذي في سننه (719)، كتاب الصَّوْم، باب الصائم يذرعه القيء، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الألباني: ضعيف.
(5)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 40).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 330).
(7)
هو: إبراهيم بن زيد بن قيس بن الأسود، أبو عمران، من مذحج اليمن من أهل الكوفة، ومن كبار التابعين، أدرك بعض متأخري الصحابة، ومن كبارالفقهاء. قال عنه الصفدي: فقيه العراق. أحذ عنه حماد بن أبي سليمان وسماك بن حرب وغيرهما.
يُنْظَر: (تذكرة الحفاظ: 1/ 70)، و (الأَعْلَام للزركلي: 1/ 76)، و (طبقات ابن سعد: 6/ 188 - 199).
(8)
يُنْظَر: مصنف ابن أبي شيبة (3/ 46)، المَبْسُوط (3/ 121).
(9)
يُنْظَر: مصنف عبدالرزاق (4/ 208)، الْمُغْنِي (3/ 36).
(10)
الإِثْمِدُ: بكسر الهمزة والميم الكحل الأسود، المصباح المنير (1/ 84).
(11)
رَوَاهُ ابن خزيمة في صحيحه (2008 - 3/ 248)، وقال الأعظمي: الحديث منكر، فمعمر بن مُحَمَّد بن عبيد الله منكر الحديث.
(12)
أخرجه الحارث في مسنده (2/ 613 - 582)، وقال ابن حجر في المطالب العالية (2/ 277): وفيه عمرو بن خالد وهو واه.
(13)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 103).
(14)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: 3/ 121.
والاغتسالُ، وصَبُّ الماءِ، والتلففُ في الثوبِ المبلولِ، فقدَ قالَ أبُو حنيفةَ رحمه الله
(1)
: إنهُ يُكرهُ؛ لأنهُ يُظهِرُ الضجَر في إقامةِ العبادةِ، وقالَ أبو يوسفَ رحمه الله
(2)
: لا يُكْرهُ لِمَا رُوِيَ عن النبيَّ عليه الصلاة والسلام «أنهُ صبَّ على رأسهِ مِنْ ماءٍ شدة الحر وهو صائم»
(3)
، وعن ابنِ عُمرَ رضي الله عنه:«أنهُ كانَ يَبُلُّ الثوبَ ويُلَفُّ عليهِ وهو صائِمٌ»
(4)
، كذا في «الإيضاح»
(5)
ولا يُقال: رَوَىَ معبدُ بنُ هودةَ الأنصاري عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «عليكمْ بالإثمدِ
(6)
المروحِ
(7)
/ وقتَ النومِ، وليتقهِ الصائِمُ»
(8)
؛ لأنا نقولُ: هذا حديثٌ وَرَدَ على طريق التعطُّفِ والأسواقِ؛ لأنَّ للصومِ تأثيراً في إيراثِ اليبوسةِ، والإثمدُ كذلك، فإذا اجتمعنَ ضّرهُ ذلك، ولِأَنَّ الأُمةَ قاطبةً اجتمعتْ على الاكتحالِ يومَ عاشوراءَ، وقد نَدَبَ رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام إلى صومِ عاشوراءَ، والاكتحالِ فيهِ، فَدلَّ أنهُ لا بَأْسَ بهِ، كذا في «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة»
(9)
. (والدمعُ يترشَحُ كالعَرَقِ). جوابُ سؤالٍ يَردُ على قولهِ: (ليسَ بينَ العينِ، والدماغِ مَنفذٌ)
(10)
بأنْ قِيلَ: لو لم يكنْ مَنفذٌ بينهما لَمَا خرجَ الدمعُ فأجابْ عنه، وقالَ: إنما خَرجَ الدمعُ مِنَ المَسَاْمِ لا مِنَ المنافذِ والذي يضُّر الصَّوْم منِ الداخلِ هو الداخلُ مِنَ اليدِ يدخلُ مِنَ المنافذِ كمَوْضِعَي المدْخِلِ، والمخرجِ لا من المسَامِ الذي هو جميعُ البدنِ؛ لأنّ الحُكْم بينا لكَ، أي: في الرجعةِ، والمصاهرةِ أدير على السببِ
(11)
.
(1)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 107)، حاشية ابن عابدين (2/ 419).
(2)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 107)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 301).
(3)
أخرجه أحمد في مسنده (23271 - 5/ 380)، قال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عنه رضي الله عنه (3/ 40)، باب ما ذكر في الصائم يتلذذ بالماء ولم أعثر على حكم لهذا الأثر.
(5)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 301)، حاشية ابن عابدين (2/ 419).
(6)
الإِثْمِدُ: بكسر الهمزة والميم الكحل الأسود، المصباح المنير (1/ 84).
(7)
المُرَوَّح: أراد المطيب بالمسك فقال: مروح بالواو، إنما هو من الريح، ولذلك أن أصل الريح الواو، وإنما جاءت الواو ياء لكسرة الراء قبلها، فإذا رجعوا إلى الفتح عادت الواو، الا ترى أنهم قالوا: تروّح بالمروحة بالواو، وجمعوا الريح فقالوا: أرواح، غريب الحديث لابن سلام (1/ 328).
(8)
أخرجه أبو داود في سننه (2/ 282)، باب في الكحل عند النوم للصائم، من حديث عبدالرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده، وقال أبو داود: قال لي يحيى بن معين: هو حديث منكر، يعني حديث الكحل ا. هـ، رَوَاهُ ابن ماجه في سننه (3496)، كتاب الطب، باب الكحل بالإثمد. من حديث جابر رضي الله عنه. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (5/ 377).
(9)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 331).
(10)
يُنْظَر: الهِدَايَة شرح البداية (1/ 123).
(11)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 330).
[حكم القبلة للصائم]
وبيان هذا ما ذَكرهُ فَخْرُ الْإِسْلَام
(1)
، فقالَ: إنّ حرمةَ المصاهرةِ تثبتُ على الاحتياطِ، فتعدَتْ من الحقيقةِ إلى الشُبهاتِ، وللنَسبِ شَبَهٌ بالنسبِ، ولذلك تعدَّى إلى عُقْدِ النِّكاحِ، فكذلك تعدَّى إلى المسِّ بعلةِ النسبيةِ، وذلك نصفُ الشهوةِ مْنِ غيرِ إنزالٍ؛ لأنهُ يصيرُ سبباً للوطئِ، والنظرِ إلى الفرجِ بالشهوةِ أو المسِّ بالشهوةِ يصلحُ سبُبُ بخلافِ النظرِ إلى وجهِ المرأةِ حيثُ لا تثبت به حرمةُ المصاهرةِ، وإنْ كانَ هو سبباً أيضاً كالنظرِ إلى الفرجِ؛ لعَدمِ إمكانِ الاحتراز عنهُ، وأمّا هَاهُنا فإنَّ الغُسلَ أنْ يكونَ بوجودِ المواقعةِ صورةً أو معنىً دونَ السببيةِ؛ لأنَّ الفسادَ هاهنا بالمناقضةِ يكونُ ألا ترى أنّ النكاحَ لا يفسدُ الصَّوْم، ثُمَّ المسُّ عن شهوةٍ بغير إنزالٍ ليس بمواقعةٍ لا صورةً ولا معنى، فلم تثبتْ المناقضةُ، وكذلك النظرُ إلى الفرجِ، وإنْ اتصلَ بهِ الإنزالُ فليسَ لهُ معنى المواقعةِ بالمرأةِ؛ لأنهُ ليسَ باستمتاعِ بالمرأةِ، فصارَ كالإنزالِ بالتفكُّرِ، أي: الكفارةُ تفتقرُ إلى كَمالِ الجِنايةِ لما أنَّ الكفارةَ منِ أَعلى عقوباتِ المفُطرِ لإفطارِهِ، فلا يُعاقَبُ بها إِلاَّ بعدَ بلوغِ الجنايةِ نهايتَها، ولم تبلغْ نهايتها؛ لأنَّ هاهنا جنايةً من جنسهِ أبلغُ منها، وهو الجِماعُ في الفرجِ
(2)
. كذا ذكرهُ الإمامُ الْإِسْبِيجَابِي رحمه الله. ولا بأسَ/ بالقُبلةِ إذا أَمِنَ على نفسهِ، أي: الجِماعُ، أو الإنزالِ صحتْ الرِوايةُ بكلمةٍ أو كذا في نسخة الشيخين
(3)
، وإنما رَدَّدَ بينهما؛ لأَنَّ المشايخَ اختلفوا في تأويلِ قولِ مُحَمَّد رحمه الله
(4)
إذا أَمِنَ على نفسهِ قالَ بعضُهُمْ: أرادَ بهِ الأمنُ عنِ الوقوعِ في الجماعِ، وقالَ بعضُهم: أرادَ بهِ الأمَن منِ خُروج المني، وجاءَ عُمر إلى رسولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام فقالَ:«أذنبتُ ذنباً فاستغِفْر لي، فقالَ: (وما ذاك؟) فقالَ: هششْتُ إلى امرأتي وأنا صائِمٌ، ثُمَّ قبلتُها، فقالَ: (أرأيت لو تمضمضتَ بماءٍ، ثُمَّ مججتُهُ أكانَ يضُرُّكَ)، فقالَ: لا، قالَ: (فَتِمْ إذاً)»
(5)
، وهذا إشارة إلى معنى بقاءِ رُكْنِ الصَّوْم، وانعدامِ انقضاءِ الشهوةِ بنفسِ التقبيلِ، فإنْ كانَ لا يأمنُ على نفسهِ فالتحرزُ أولى؛ لما رُوِيِ أنَّ شابّاً سألَ رسولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام غيرَ القُبلةِ للصائِمِ فمنعُه، وسألهُ شيخٌ عن ذلك فأَذِنَ لهُ فيهِ، فنظَر القومُ بعضُهم إلى بعضٍ، فقال:«قد عَلِمْتُ لِمَ نَظَرَ بعضُكُمْ إلى بعضٍ؛ إنْ الشيخَ يمِلكُ نفسَهُ»
(6)
، وهكذا رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ فإنَّ الشابَ قالَ له: إنَّ ديني ودينَهُ واحِدٌ قالَ: «نعمْ، ولكنَّ الشيخَ يمِلكُ نفسَهُ»
(7)
، وهو إشارةٌ إلى معنى تعريضِ الصَّوْم بالفسادِ بالتجاوزِ عن القُبلةِ إلى غيرِها، وقالَ رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام:«إنَّ لِكُلِّ مَلَكٍ حِمىً، وإنَّ حمِى اللهِ محارِمُهُ، فمَنْ رَتَعَ حولَ الحِمى يُوشِكُ أنْ يقعَ فيهِ»
(8)
، وعلى هذا رَوَىَ الحسُن
(9)
عن أبي حنيفةَ رحمه الله
(10)
: (أنهُ كَرِهَ المباشرةَ الفاحشةَ) للصائِمِ، وذلك بأنْ يعانِقَها، وهما متجردانِ، ويمسُّ ظاهرُ فرجْهِ ظاهِرَ فرجِهَا، كذا في «المَبْسُوط»
(11)
. (وجهُ الاستحسانِ أنهُ لا يُستطاعُ الامتناعُ عنهُ)، فإنَّ الصائِمَ لا يجدُ بُدّاً من أنْ يفتحَ فمَهُ فيُتحَدِثَ مع الناسِ، وما لا يمكنُ التحرزُ عنُه فهو عفوٌ.
(1)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 276).
(2)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 139).
(3)
هما أبي حَنِيفَةَ وأبي يوسف. يُنْظَر: الفَوَائِد البهية (248).
(4)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 377)، العناية (2/ 337).
(5)
رَوَاهُ أحمد في مسنده (138 - 1/ 21)، وابن أبي شيبة في مصنفه (9498 - 3/ 60). والْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (8274 - 4/ 218) وقال شعيب الأرناؤوطي: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(6)
رَوَاهُ أحمد في مسنده (6739 - 2/ 185)، وقال الألباني: صحيح (السلسلة الصحيحه: 4/ 138).
(7)
أخرجه أحمد في مسنده (6739 - 2/ 185)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف على خلاف في صحابيه.
(8)
رَوَاهُ مسلم في صحيحه (1599)، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، من حديث النعمان بن بشير.
(9)
هو: الحسن بن زياد اللؤلؤي. يُنْظَر: (تاريخ بغداد: 7/ 314)، و (سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء: 9/ 543)، و (الأَعْلَام للزركلي: 2/ 191).
(10)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 650)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 216).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: 3/ 105، 106، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 200).
[ما يبقى في الفم من الطعام]
قولُه رحمه الله: والأصح ُّاحترازاً عن قولِ بعضهِم: إنهُ لا يفسدُ
(1)
، (ولنا أنَّ القليلَ تابِعٌ لأسنانهِ بمنزلةِ ريقهِ)؛ (لأنهُ لا يُستطاع)
(2)
. الامتناعُ عنه فإنّ مَنْ تسحَّرَ بالسَّويْقِ، فلابُدَّ مِن أنْ يبقى بينِ أسنانِهِ، ولهاتهِ شيءٌ فإذا أصبحَ يدخلُ ذلك في حَلْقِهِ مع ريقهِ، ثُمَّ ما يبقى بينَ الأسنانِ تَبَعٌ لريقهِ، فكَما أنهُ إذا ابتلعَ ريقَهُ لم يضرُّهُ فكذلك ما هو تَبَعٌ لهُ، وهذا إذا كانَ صغيراً يبقى بينَ الأسنانِ/ عادةً، وهو بخلافِ ما لو أدخلَ ذلكَ القدرَ في فمهِ؛ لأنَّ ذلك مما يُستطاعُ الامتناعُ منهُ، كذا في «المَبْسُوط»
(3)
.
[مسألة مقدار القليل]
(والفاصلُ مِقدارُ الحِمصَةِ)
(4)
هذا مبتدأٌ وخبرٌ، وقليلُ خبرٍ لقولهِ: وما دونها، ومقدارُ الحِمصَةِ مُلْحَقٌ بالكثيرِ؛ لأنَّ قَدْرَ الحِمصةِ لا يبقى في فُرَجِ الأسنانِ ومناحاتهِا، وما دونها يبقى، ومِنَ المشايخِ
(5)
مَنْ قاَلَ: إنْ كانَ ما بقيَ بينَ أسنانهِ بحيثُ يحتاجُ في ابتلاعهِ إلى الاستعانةِ بالريقِ فهو قليلٌ، وإنْ كانَ لا يحتاجُ إلى ذلكَ فهو كثيرٌ، وهذا بخلافِ ما إذا أخرجَهُ، ثُمَّ أُدخِلَ؛ لأنهُ يعدُّ ما أخرجهُ صارَ بحيثُ يسُتطاعُ الاحترازُ عنه، كذا في «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة»
(6)
. فإنْ قِيلَ: ما الفرقُ بينَ هذا، وبين فَصْلِ النجاسةِ المغلظةِ؟
(7)
فإنَّ الفاصلَ بينَ القليلِ، والكثيرِ هنُاكَ، وهو قَدْرُ الدِّرهَمِ أُلحِقَ بالقليلِ، والفاصلُ بينَ القليلِ والكثيرِ هُنا، وهو قْدَرُ الحِمصَةِ أُلحِقَ بالكثيرِ، وكلُّ واحدٍ منهما في كونهِ فاصلاً بينِ القليلِ والكثيرِ سواءً قَلْتَ: لأنَّ قدرَ الدرِهمِ هناكَ أُخِذَ منِ قدرِ مَوضعِ الاستنجاءَ،] وذلك القدرُ في موضعِ الاستنجاء معفوٌ بالإجماعِ حتى لم يفترضْ الاستنجاءَ، واكتفى في إقامةِ سُنَّةِ الاستنجاءِ بالحجرِ أو المدرِ
(8)
، وهو لا يقلعُ النجاسةَ أصلاً، فلذلك صارَ قدرُ الدِّرهَم في غيرِ موضعِ الاستنجاءِ عفواً بالقياسِ عليه، أمّا هاهنا، فلما ذَكَرَ أنَّ قدَر الحِمصِة لا يبقَى في فُرجِ الأسنانِ غالباً، فلا يمكنُ إلحاقُهُ بالريقِ فلذلك أُلحِقَ بالكثيرِ (أنَّ الصائَم إذا ابتلعَ سمسمةً بينَ أسنانهِ لا يفَسدُ صومُهُ)
(9)
(10)
؛ لأنهُ قليلٌ فجُعِلَ بمنزلةِ الريقِ، وإنْ ابتلعَها منَ الخارجِ يفسدُ صومُهُ، وتكلموا في وُجوبِ الكفارةِ والمختارُ: أَنهُ يجبُ إن ابتلعها، ولم يمضغْها؛ لأنها منِ جنسِ ما يتعدَّى بهِ، كذا في فتاوى الولوالجي رحمه الله
(11)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للرخسي (3/ 168).
(2)
في (أ)(لأنه يستطاع وفي (ب)(لأنه لايستطاع) وقد أثبت مافي (ب) لموافقته سياق الكلام.
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 169).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 123).
(5)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 123)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 90).
(6)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 333).
(7)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 86)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 15).
(8)
سقطت في (ب).
(9)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 123).
(10)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 642).
(11)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 203).
وإن ابتلعَ حباتِ سمسمٍ متداركاً كما هي عليهِ الكفارةُ، وإن ابتلعَ سمسمةً واحدَةَ رُوِىَ عن أبي يوسفَ
(1)
أنهُ لا قضاءَ عليهِ، وعن مُحَمَّد رحمه الله روايتان في رواية عليهِ الكفارةُ، وبهِ أخذَ مُحَمَّد بنُ مُقاتلِ، وفي روايةٍ قالَ: عليه القضاءُ، وسكتَ عن ذِكَرِ الكفارةِ، وأَكْلِ حبةِ عُنِب فإنْ مضغَها عليهِ القضاءُ والكفارةُ، وإنْ ابتلعَها فإنْ لم يكنْ معها بعروقِها عليهِ الكفارةُ بالاتفاقِ
(2)
، وإنْ كانَ معها بِعرُوقِها، اختلفَ المشايخُ فيهِ
(3)
، كذا في «الجامعِ الصغير» لقاضي خان. ولأبي يُوسُفَ رحمه الله
(4)
أنهُ يعافهُ الطبعُ، فصارَ نظيرَ الترابِ، ثُمَّ للفمِ حُكْمُ الباطنِ من وجهٍ، وحُكْمُ الظاهرِ منْ وجهٍ، والكفارةُ تسقطَ بالشُبهةِ، فلهذا أسقطنا عنه الكفارةَ كذا في «المَبْسُوط»
(5)
. ذرعَهُ القيءُ
(6)
: سبقَ إلى فيه، وغلبهُ فخرجَ منهُ.
[حكم القيء]
قوله رحمه الله: «ومَنْ استقاءَ عَمداً فعليهِ القضاءُ»
(7)
هذا من تتمةِ الحديثِ استقاءَ بالمدِّ؛ لأنهُ استفصلَ مِن قاءَ يُقال: قاء ما أَكَلَ إذا أَلقاهُ، واستقاءَ، وتقيءَ يكلفُ في ذلك، وفي الاستقاءِ القضاءُ بالحديثِ، ولِأَنَّ بفعلْهُ يفوتُ رُكْنَ الصَّوْم، وهو الإمساكُ ففي تكلفهِ لابُدَّ أنْ يعودَ شيءٌ إلى جوفِهِ، ولا كفارةَ عليهِ إِلاَّ على قولِ مالكٍ
(8)
فإنهُ يقولُ: كل مُفْطِرٍ غيرُ معذورِ فعليهِ الكفارةُ، كذا في «المَبْسُوط»
(9)
. ومنهم مَنْ عَلَل لفِسَادِ الصَّوْم بالنفي، وقال: لإن ما بقيَ في المِعدةِ إنما يستمرئُ السببَ النفي، فكان معنى التعدِّي إنما حصلَ للباقي بهذا السبب فقلنا: بأنهُ يفسدُ لحصولِ معنى التعدي للباقي كذا في مبسوط شيخِ الإسلام
(10)
. ويستوي أنَّ القيءَ الذي ذَرَعُه مستوفي عدَم إفسادِ الصَّوْم (بأنْ كانَ ملءَ الفمِ، أو ما دوَنُه فلو عادَ)
(11)
، أي: القيءُ الذي ذرعَهُ عادَ بنفسهِ، (وعند مُحَمَّد لا يفسدُ)
(12)
(13)
، وهو الصحيحُ؛ لأنهُ كما لا يمكنُ الاحترازُ عن خروجهِ لا يمكنُ الاحترازُ عن عَودهِ، فجعل عفواً، كذا في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(14)
. وإنْ كانَ أقلَّ منِ ملءِ الفمِ، فعادَ لم يفسدْ صومُهُ بالاتفاقِ
(15)
لكنْ على اختلافِ التخريجِ فعندَ أبي يوسفَ رحمه الله
(16)
؛ لأنهُ ليسَ لهُ حُكْمُ الخارجِ، فلا يكونُ عَوْدُهُ دخولاً، وعندَ مُحَمَّد لعدَمِ الفعلِ
(17)
، فلذلكَ تعّرضَ لهذين التعليلينِ في الْكِتَابِ إجمالاً، وإنْ عادَ فكذلك عنَد أبي يوسفَ، أي: لا يفسدُ صومُهُ؛ لأنّ القليلَ ليسَ بخارجٍ فلا يتصورُ إدخالُهُ، والصحيحُ في هذا قولُ أبي يوسفَ
(18)
، ويفسدُ في قولِ مُحَمَّد رحمه الله لوجود الفِعلِ
(19)
، كذا في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(20)
.
(1)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 353)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 90).
(2)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 205).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 333).
(4)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 398).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 169).
(6)
يقال ذرعه القيء، أي سبقه وغلبه، وضاق بالأمر ذرعاً، أي: لم يُطقه، ولم يقوى عليه. مختار الصِّحَاح (1/ 226).
(7)
رَوَاهُ أبو داود في سننه (2363)، كتاب الصَّوْم، باب الصائم يستقي عامدًا. والترمذي في سننه (720)، كتاب الصَّوْم، باب ما جاء فيمن استقاء عمدًا. من حديث أبي هريرة. قال الألباني: صحيح.
(8)
يُنْظَر: الذخيرة للقرافي (2/ 507).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 102)، والمَبْسُوط للشيباني (2/ 192).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 192).
(11)
يُنْظَر: الهِدَايَة (123).
(12)
يُنْظَر: المرجع السابق (1/ 123).
(13)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 171)، البناية (3/ 654).
(14)
يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 187).
(15)
يُنْظَر: الإجماع لابن المنذر (1/ 48)، الجوهرة النيرة (1/ 171)، الذخيرة للقرافي (2/ 507)، الأم (2/ 97)، الْمُغْنِي (3/ 36).
(16)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 171)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 92).
(17)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 295)، الجوهرة النيرة (1/ 171).
(18)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (1/ 357)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 204).
(19)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 334)، الجوهرة النيرة (1/ 139).
(20)
يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 187).
[ابتلاع الحصى والحديد]
وإنْ استقاءَ عامِداً ففيهِ إشارةٌ إلى أنهُ لو استقاءَ ناسياً لصومِهِ لا يفسدُ صومُهُ كما لو أَكَلَ لمِا رَوَيْنا
(1)
، وهو قولُه: ومَنْ استقاءَ عَمْداً فعليهِ القضاءُ
(2)
، والقياسُ متروكٌ، أي: القياسُ يقتضي أنْ لا يفسدُ صومُهُ بالاستقاءِ/ وإنْ كانَ ملءَ الفمِ لما أنَّ فسادَ الصَّوْم بما يدخلُ؛ لا أنّ يخرجَ لكنَّ القياسَ تُرٍكَ بالحديثِ لعدمِ الخروجِ حُكْماً لِعَدَمِ انتقاصِ الطَّهارةِ، ثُمَّ إنْ عادَ لم يفسدْ صومُهُ عندَهُ، أيْ: عندَ أبي يوسفَ رحمه الله
(3)
، وإنْ أعادَ، أي: القيُء الحاصلُ الذي مِن الاستقاءِ، وهو أقلُّ مِن ملءِ الفم فعنهُ، أي: فعنْ أبي يوسفَ لما ذكرنا، وهو عدمُ الخروجِ، وعنه، أيْ: وعن أبي يوسفَ لكثرةِ الصُنع
(4)
، وهو صنعُ الاستقاءِ، وصنعُ الإعادةِ، ومَنْ ابتلعَ الحَصاةَ أو الحديدَ أَفْطَرَ
(5)
إِلاَّ على قولِ بعضِ مَنْ لا يُعتَمدُ على قولهِ فإنهُ يقولُ: حصُولُ الفِطْرِ بما يكونُ بهِ اقتضاءُ الشهوةِ
(6)
، ولكنا نقولُ: رُكْنُ الصَّوْم الكفُّ عن اتصالِ الشيءِ إلى باطنهِ، وقد انعدمَ ذلك بتناوُلِ الحصاةِ، ثُمَّ لا كفارةَ عليهِ إِلاَّ على قولِ مالكٍ
(7)
، فإنهُ مُفطرٌ غيرُ معذورٍ، وكانت جنايتُهُ هاهنا أظهرُ إذا عرضَ له في هذا الفعلِ سِوى الجنايةِ على الصَّوْم بخلافِ ما يتعدّى بهِ، ولكنا نقولُ
(8)
: عدمُ دُعاءِ الطبعِ إليهِ، يعني: عن إيجابِ الكفارةِ فيه زاجراً كما لا يُوجبُ الحدَّ في شُربِ الدمِ، والبولِ بخلافِ الخمرِ، ثُمَّ تمامُ الجناية بانعدامِ رُكْنِ الصَّوْم صورةً ومعنى، فانعدمَ المعنى هاهنا
(9)
؛ لأنُه لم يحصلْ اقتضاءُ الشهوةِ، فإذا انعدمَ لم تتمَّ الجنايةُ] بانعدام ركن الصَّوْم
(10)
[، وفي النقصانِ شُبهةُ العدَم. والكفارةُ، تسقطُ بالشُبهةِ، كذا في «المَبْسُوط»
(11)
، فعليهِ القضاءُ خِلافاً للأوزاعي
(12)
، ولا كفارةَ خلافاً لسعيدِ بنِ جبيرٍ
(13)
(14)
على ما يأتي بيانهُا
(15)
.
(1)
ذكر المصنف هذه المسألة في كلامه على حكم من أكل أو شرب ناسياً ص 26.
(2)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 40).
(3)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 295)، الجوهرة النيرة (1/ 171).
(4)
المصدر السابق.
(5)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 40).
(6)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 327)، حاشية ابن عابدين (2/ 410).
(7)
يُنْظَر: الذخيرة (2/ 507).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 133)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 296).
(9)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 646).
(10)
في (ب) زيادة (بانعدام ركن الصَّوْم) وقد أثبتها لموافقتها سياق الكلام.
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 133).
(12)
يُنْظَر: الاستذكار (3/ 313)، الْمُغْنِي (3/ 36).
(13)
هو: سعيد بن جبير بن هشام، أبو عبدالله مولى بني والبة من بني أسد، قال أحمد بن سليمان عن حزم عن واصل بن سليمان عن عبد الله بن سعيد: قتل سعيد وهو ابن تسع وأربعين، قال أبو نعيم: قتل سنة خمس وتسعين، وقال ابن ابى الاسود عن ابن مهدي: كان سفيان يقدم سعيدا على إبراهيم في العلم، سمع أبا مسعود وابن عباس وابن عمرو وابن الزبير وأنس، وعن ابى هريزة، سمع منه عمرو بن دينار وأيوب وجعفر بن إياس.
يُنْظَر: (ثقات ابن حبان: 4/ 275)، و (التاريخ الكبير: 3/ 461)، و (تهذيب التهذيب: 3/ 484).
(14)
يُنْظَر: مصنف عبدالرزاق (4/ 197)، مصنف ابن أبي شيبة (3/ 105).
(15)
سيأتي مزيد إيضاح في هذه المسألة عند كلام المصنف رحمه الله عن مسألة حكم الجماع إذا لم ينزل ص 40.
(ولا يُشترطُ الإنزالُ في المحلينِ)
(1)
(2)
، وقال سُليمانُ الأعمشُ
(3)
: لا قضاءَ عليهِ، ولا اغتسالَ ما لم يُنزلْ، واحتجَّ بما رُوِيَ عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام أنهُ قالَ:«الماءُ مِنَ الماءِ»
(4)
، والمعنى في ذلك أنَّ الجماعَ وُجِدَ صورةً، ولم يُوجْد معنى، ولا عِبرةَ للصورةِ، ولهذا قالَ بأنهُ إذا أكلَ مالا يتغذى به لا يفسدُ صومُهُ، وبهِ قالَ الحسنُ بنُ حي، وعامةُ العلماءِ احتجوا بما رُوِيَ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنهُ قالَ:«إذا التقى الختانان، وغابتْ الحشفةُ وَجَبَ الغسلُ أنزلُ أو لم يُنزِلْ»
(5)
. ولأنهُ وُجِدَ الجماعُ صورةً ومعنىِ، وهو إدخالُ الفرجِ في الفرجِ، واقتضاءُ الشهوةِ إِلاَّ أنهُ عدمُ الشبعِ، وذلك ليس بشرطٍ كَمَنَ أَكَلَ لقُمةً تجب الكفارةُ، ولم يوُجدْ الشبعُ، كذا في مبسوط شيخِ الإسلام
(6)
، وهذا لأنَّ قضاءَ الشهوةِ يتحققُ دونَهُ، أي: دُونَ الإنزالِ، وهذا لجوابِ سؤالِ ذَكَرهُ في «المَبْسُوط»
(7)
فقالَ: فإنْ قُلتَ: تمامُ الجنابةِ شَرْطٌ لإيجابِ الكفارةِ، وذلك في اقتضاءِ الشهوةِ، وذلك لا يحصلُ بدونِ الإنزالِ. قلنا: اقتضاءَ شهوةِ المحلِّ تتمُ بالإيلاجِ، فأمّا الإنزالُ فمتبعٌ لا يُعتبُر بهِ في تكميل الجنابةِ، ولو جامَعَها في الموضعِ المكروهِ فعليهما الغسلُ لاستطلاقِ وكاءِ المني بفعلهِ، ولَاشكَّ في إيجابِ الكفارةِ على قولهِمَا، وعن أبيِ حنيفةَ فيه روايتان
(8)
: رَوَى الحسنُ عن أبي حنيفةَ رحمه الله: أنهُ لا كفارةَ عليهما، وهو ظاهرٌ على أصلهِ فإنُه لا يجعلُ هذا الفعلَ كاملًا في إيجابِ العقوبةِ التي تندرأُ بالُشبهاتِ كالحدِّ، وفي جانبِ المفعولِ بهِ ظاهرٌ فليسَ لها فيهِ اقتضاءُ الشهوةِ، ورَوَى أبو يوسفَ عن أبيِ حنيفةَ أنَّ عليهما الكفارةَ، وهو الأصحُّ فإنَّ السببَ قديمٌ، وهو الفِطْرُ بجنبهِ مُتكامِلٌ إنما يدَّعِي أبو حنيفةَ رحمه الله النقصانَ في معنى الزِنّا مِن حيثُ إنهُ لا يحصلُ به إفسادُ الفِراشِ، ولا مُعتبرَ بهِ في إيجابِ الكفارةِ فلا كفارةَ أنزلَ أو لم يُنزِلْ فإنْ أنزلَ فعليهِ القضاءُ؛ لأنهُ فاتَ صورةَ الكفِّ فصارَ كالجماعِ فيما دُونَ الفرجِ
(9)
. كذا في «الإيضاحِ»
(10)
خلِافًا للشافعي رحمه الله
(11)
فإنَّ السببَ للكفارةِ عندَهُ الجِماعُ المعدِمُ للصورةِ، وقَدْ وُجِدَ، ولكنْ نقولُ: الجنابةُ لا تتكاملُ إِلاَّ باقتضاءِ شهوةِ المحلِّ، وهذا المحلُّ غيرُ مشتهى عندَ العقلاءِ، فإنْ حصلَ بهِ قضاءُ الشهوةِ فذلكَ لغلبةِ الشهوةِ، أو لِفْرطِ السفَهِ، وهو كمَنْ يتكلَّفُ لقِضاءِ شهوتِهِ (بيدهِ)
(12)
لا تتمُ جنابتُهُ في إيجابِ الكفارةِ فهذا مثلُهُ، كذا في «المَبْسُوط»
(13)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 123).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 143)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 94)،
(3)
هو: سليمان بن مهران أبو مُحَمَّد الأعمش هو الأسدي، روى عنه سهيل بن أبي صالح وغيره، رأى أنسا وسعيد بن جبير وأبا وائل وزيد ابن وهب وإبراهيم، ولد سنة ستين، وقال يحيى القطان: مات سنة ثمان وأربعين ومائة. قال عاصم الأحول: قال القاسم ما أعلم أحدًا أعلم بحديث ابن مسعود من الأعمش.
يُنْظَر: (ثقات ابن حبان: 4/ 302)، و (التاريخ الكبير: 4/ 37)، و (الجرح والتعديل: 4/ 146).
(4)
رَوَاهُ مسلم في صحيحه (343)، كتاب الحيض، باب إنما الماء من الماء، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(5)
رَوَاهُ ابن ماجه في سننه (611)، كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في وجوب الغسل، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال الألباني: صحيح.
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (1/ 122)، والجوهرة النيرة (1/ 140).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 142).
(8)
عن أبي حَنِيفَةَ في لزوم الكفارة بالجماع في الدبر روايتان، أحدهما: كقول أبي يوسف ومُحَمَّد تلزمه، وفي رواية: لا تلزمه الكفارة، يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 249).
(9)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 338).
(10)
يُنْظَر: الْإِيضَاح (3/ 109).
(11)
يُنْظَر: الأم (2/ 109).
(12)
في (ب)(به).
(13)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 143).
[الكفارة في حق المرأة]
وقال الشَّافِعِي في قولِ
(1)
: لا تجبُ عليها، وللشافعي في هذا ثلاثة أقوالٍ: قولٌ مِثْلُ قولنا، وهذان القولان؛ لأنها متعلقةٌ بالجِماع، والجماعُ يُضافُ إلى الرجلِ لا إلى المرأةِ يقُال: جامعَ، ولا يقُالُ: جامعتْ، ويُقالُ: جُومِعَتْ.
ولما كانَ الجِماعُ يُضافُ إلى الرجلِ دونها لم يشترِكا في سببِ وجوبِ الكفارةِ، فلا يشتركانِ في الوجوبِ بخلافِ حَدِّ الزِنّا؛ لأنَّ سببَهُ الزِنّا، وهو يُضاف إليها يُقالُ: زَنَتْ، والمعنى في المسألةِ، وهو أنَّ هذا حقُّ ماليٌّ يتعلق/ بالجماعِ، فيختصُ به الرجلُ دونَ المرأةِ قياسًا على المهرِ.
وأمّا وجُه قولهِ: بأنَّ الكفارةَ تجبُ عليها إِلاَّ أنّ الزوجَ يتحمل عنها بقول بأنها حقٌّ يتعلقُ بالجِماعِ ينقسمُ إلى ماليِّ، وبدني. فما كان مالياً يجبُ على الزوجِ، وما كان بَدنيًا يجبُ عليها كثمنِ ماءِ لِلاغتسالِ، الثمنُ عليه، والاغتسالُ فكذا هنا
(2)
.
قولُه رحمه الله: وفي قولِ يَتَحَمَّلُ عنها الزوجُ
(3)
، أيْ: الزوجُ يتحَمَّلُ عنها التكفيَر بالمالِ إنْ كانَ مُوسِرًا، وإنْ كانَ مُعسِرًا فلا يتحمَّلُ عنها التكفيرَ بالصَّوْم، وعلماؤُنا قالوا: بأنها ساوتْهُ في السببِ فتُساويهِ في وُجوبِ الكَفارةِ قِياسًا على سائرِ الكفاراتِ وحدِّ الزِّنا، وإنْ قلنا: ذلكَ؛ لأنَّ سببَ وُجوبِ الكَفارةِ الفِطْرُ لا نفسَ الجِمَاعِ على ما يأتي، والفِطْرُ كما يُضافُ إليها. وأمّا تعلقُهُ بحديثِ الأعرابيِّ
(4)
قُلنا:
(5)
بيانُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام الحُكْمَ في جانبِ الأعرابيِّ بيانٌ منه في جانبِ امرأتهِ دلاِلةٌ، كما جُعِلَ بيانًا في] حقِّ الأعرابي
(6)
من الرجالِ دِلالةٌ.
(1)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 399).
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 338).
(3)
هذا إن كانت مطاوعة نص عليه في بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 98) وهو مذهب الشَّافِعِي ومالك وأصح الروايات عن أحمد. يُنْظَر: المدونة (1/ 285)، الْمَجْمُوع (6/ 334)، الْمُغْنِي (3/ 61).
(4)
أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه (3/ 32)، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 328)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 98).
(6)
في (ب)(حق غير الاعرابي).
وأمّا اعتبارُهُ بالمهرِ قلنا: ليسَ كالمهرِ إنما وَجَبَ على الزوجِ بسببِ مُلْكِ النِّكاحِ، ومُلْكِ النِّكاحِ إنما يثبتُ للرجلِ على الخصوصِ لا للمرأةِ، فلا يشتركانِ في الوجوبِ كالنفقةِ، وأمّا هاهُنا سببُ وجُوبِ الكفارةِ الفِطْرُ، وقد اشتركا فيهِ، وأما ثمنُ ماءُ الاغتسالِ فلا يسلمُ أنهُ يجبُ عليهِ، بلْ يجبُ عليها؛ لِأنَّ بالجِماعِ يستوفي منافَع البُضْعِ، وقد ضمَّنَ بإزائهِ عِوضًا فلا يُضمَّنُ إِلاَّ آخرَ كالبيعِ. وذَكَرَ الفقيهُ أبو الليث رحمه الله
(1)
: أنَّ ثمنَ ماءِ الاغتسالِ لا يجبُ على الزوجِ، وعن بعضِ مشايخِ بلخ
(2)
أنهم اعتبروهُ بثمنِ ماءِ الشُّربِ
(3)
، كذا في مبسوطِ شَيْخُ الإسْلَامِ رحمه الله
(4)
. وكلمة مَنْ تظمُ الإناث كقولهِ تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}
(5)
. ولو أَكَلَ أو شَرِبَ ما يتغذى بهِ أو يتداوى فعليهِ القضاءُ والكفارةُ، (وقال الشَّافِعِي رحمه الله: لا كفارةَ عليهِ)
(6)
.
[مسألة أكل مايتداوى به]
الكلام/ هاهنا في ستةِ مواضعَ: أحدٌها: في وجوبِ القضاءِ، وهو قولُ جمهورِ العلماءِ
(7)
، وقالَ الأُوزاعِيُّ
(8)
: ليسَ عليه القضاءُ، واستدلَّ بحديثِ الأعرابي، فإنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام بيّنَ حُكْمَ الكفارةِ لهُ، ولم يُبيّنْ حُكْمَ القضاءِ في موضعِ الحاجةِ، وقالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أَفْطَرَ في رمضانَ متُعمدًا، فعليهِ ما على المُظاهرِ»
(9)
، وليسَ على المظاهرِ شيءٌ سِوى الكفارةِ، ولنا أنهُ وجبَ عليه أداءُ الصَّوْم بشهورِ الشَّهرِ، وقد انعدمَ الأداءُ عنهُ فلزِمُهُ القضاءُ كما لو كانَ معَذورًا، أو فَوَّتَ ما لزِمَهُ مِنَ الأداءِ لتضمُنِهِ بمثلِ مَنْ عندَهُ كما في حقوقِ العبادةِ، وإنما أرادَ بقولهِ فعليهِ ما على المُظاهرِ بسببِ الفِطْرِ، وبه يقولُ: إنَّ وجُوبَ القضاءِ ليسَ بسببِ الفِطْرِ، وإنما بيّنَ الأعرابيُّ ما كانَ مُشكلًا.
(1)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 549).
(2)
بلخ: مدينة مشهوره بخراسان في كتاب الملحمه المنسوب إلى بطليموس بلخ طولها مائه وخمس عشره درجه وعرضها سبع وثلاثون درجه وهي في الإقليم الخامس طالعها إحدى وعشرون درجه من العقرب تحت ثلاث عشره درجه من السرطان يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من السرطان. (معجم البلدان: 1/ 479).
(3)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 549).
(4)
بحثت عنها في المَبْسُوط وفي الجامع الصغير للشيباني ولم أجدها وأشار إليها ابن عابدين في حاشيته (3/ 580).
(5)
سورة الأحزاب، الآية (31).
(6)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 434)، المهذب (1/ 183).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 131)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 361).
(8)
يُنْظَر: الاستذكار (3/ 313)، الْمُغْنِي (3/ 36).
(9)
أخرجه الْبَيْهَقِي في سننه (7858 - 4/ 229)، والدَّارقُطنيّ في سننه (52 - 2/ 190)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهِدَايَة:(1/ 279): أخرجه الدَّارقُطنيّ وفيه أبو معشر وهو ضعيف.
الثانيِ: في وجوبِ الكفارةِ، وهو قولُ جمُهورِ العلماءِ، وكانَ سعيدُ بنُ جُبيرٍ رضي الله عنه
(1)
يقولُ: لا كفارةَ على المِفْطِرِ [في رمضانَ]
(2)
؛ لأنَّ في آخرِ حديثِ الأعرابي أنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قالَ له: «كُلْهَاَ أنتَ وِعيالُكَ»
(3)
فانتسخَ بهذا حُكْمُ الكفارةِ، ولنا قولُ النبي عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أفطرَ في رمضانَ متعُمدًا، فعليهِ ما على المُظاهر»
(4)
، وفي حديثِ الأعرابي زادَ في بعضِ الرواياتِ:«تجزئُكَ ولا تجُزئُ أحدًا بعدَكَ»
(5)
، فإنْ تثبتْ هذهِ الزيادةُ، ظَهَرَ أنهُ كانَ مخصوصًا، وإنْ لم تثبتْ هذهِ الزيادةُ لا يتبينُ بها انتساخُ الكُفارِ، ولكنُه عُذْرُهُ في التأخيرِ للعشرةِ.
والثالث: في وجوبِ الكفارةِ في الأَكْلِ، والشُّربِ عَامدًا فعِنْدَنَا يجبُ
(6)
، وقالَ الشَّافِعِي رحمه الله
(7)
: لا كفارةَ.
[كفارة الفطر]
والرابع: أنّ الكفارةَ مرتبةٌ عندَنَا
(8)
وعنَد الشَّافِعِي
(9)
(10)
، وقالَ مالكٌ
(11)
: تثبتُ على سبيلِ التخييرِ
(12)
لا على سبيلِ الترتيبِ.
(1)
يُنْظَر: مصنف عبدالرزاق (4/ 197)، مصنف ابن أبي شيبة (3/ 105).
(2)
زيادة في (ب) وقد أثبتها لموافقتها سياق الكلام.
(3)
رَوَاهُ أبو داود في سننه (2215)، كتاب الطلاق، باب في الظهار، من حديث سلمة بن صخر، قال الألباني: حسن.
(4)
سبق تخريجه في الهامش رقم (3).
(5)
رَوَاهُ أبو داود في سننه (2219)، كتاب الصَّوْم، باب كفارة من أتى أهله في رمضان، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بالمعنى: ولفظه: قال جاء رجل إلى النبى عليه الصلاة والسلام أفطر فى رمضان بهذا الحديث، قال فأتى بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا وقال فيه «كله أنت وأهل بيتك وصم يومًا واستغفر الله» ، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (5/ 393): صحيح.
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 131)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 361).
(7)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 434)، المهذب (1/ 183).
(8)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 328)، النتف (1/ 159).
(9)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 432)، الْمَجْمُوع (6/ 345).
(10)
وهو المشهور من مذهب الحنابلة. يُنْظَر: الْمُغْنِي (3/ 66)، حاشية الروض المربع (3/ 419).
(11)
يُنْظَر: الاستذكار (3/ 311)، الذخيرة (2/ 526).
(12)
سقطت في (ب)
والخامس: أنَّ الصَّوْم في الكفارةِ مُقَّدرُ بشهرين
(1)
، وقالَ ربيعةُ الرأي
(2)
: الصَّوْم مُقَّدُرُ باثني عشرَ يومًا قالَ: لِأَنَّ السُنةَ اثني عشرَ شهرًا، والمأمورُ بهِ صومُ شهرٍ واحدٍ مِنَ السَّنةِ ليقُومَ ذلكَ مَقامَ اثني عشَر شهرًا، فصومُ كُلِّ يومٍ يقومُ مَقامَ اثني عشَر يومًا، وبعضُ الزُّهادِ يقولُ
(3)
: الصَّوْم مُقَّدٌر بألفِ يومٍ، فإنَّ في رمضانَ ليلةَ القدرِ، وهي خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ، فإذا نَوَى صومَ يومٍ منُه فعليهِ أنْ يصومَ ألفَ يومٍ ليقومَ مقامَهُ، ولسنا نأخذُ بشيءٍ منِ هذا، فإنّ الاعتمادَ على الآثارِ المشهورةِ كما رَوينا، وهذهِ آثارٌ تلقاها العلماءُ بالقَبولِ، والعملِ بها فإثباتُ الكفارةِ بمثلهِ جائزٌ.
والسادس: أنَّ الصَّوْم مُقَّدرٌ بالشهرينِ بصفةِ التتابع، وقالَ ابْنُ أبي لَيْلَى
(4)
: إنْ شاءَ فَّرقَ، وإنْ شاءَ تابعَ. كذا في «المَبْسُوط»
(5)
؛ لأنها شُرِعَتْ في الوقائعِ؛ لأنَّ النصَّ وردَ في الجِماعِ في حديثِ الأعرابيِّ
(6)
حيثُ/ سألَ النبيَّ عليه الصلاة والسلام: واقعْتُ امرأتي في نهارِ رمضانَ؟ فتصيرُ المواقعةُ سببًا نصًّا فلا يجوزُ التعليقُ بسببٍ آخرَ، وهو الأَكْلُ والشربُ؛ لأنّ الكفاراتِ تجري مجرى العقُوباتِ فلا تثبتُ أسبابُها قِياسًا، وإنمَّا تثبتُ بالنصِّ، فالجِماعُ منصوصٌ عليهِ فصارَ السببُ جِماعًا لا يبقى معهُ صومُ الوقتِ، ولهذا قُلْتُ
(7)
: تجبُ الكفارة بجِماعِ الميتةِ، وجماعِ البهيمةِ، وكذلكَ إذا أصبحَ فجامَعَ لِأَهلهِ؛ لأنَّ الصَّوْم مُنعدِمُ بسببِ الجِمُاعِ، وإنمَّا علماؤُنا احتجوا بما رَوَى أبو هُريرةُ رضي الله عنه:«مَنْ أَفْطَرَ في رمضانَ فعليهِ ما على المُظاهرِ»
(8)
، ولم نذكرْ بأيِّ سببٍ أفطرُه، وسألهُ رَجلٌ فقالَ: "يا رسولَ اللهِ أفطْرتُ في رمضانَ؟ فقالَ عليه الصلاة والسلام: «مِنْ غير مَرُضٍ، ولا سَفَرٍ» ؟ فقالَ: نعمْ، فقالَ:«أعتقْ رقبةً»
(9)
، ولم يسألْهُ عمَّا أفطرهُ، فَدلَّ أنهُ لا يختلفُ. ألا ترى أنهُ سألَهُ عن حالهِ بالمرضِ، والسفرِ لاختلافِ حُكْمِ الحالِ
(10)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 129).
(2)
هو: ربيعه بن فروخ، التيمي - تيم قريش- بالولاء؛ أبو عثمان، امام حافظ فقية مجتهد، من أهل المدينة، من أهل الرأي، قيل له:(ربيعه الرأي) لقوله بالرأي فيما لا يجد فيه حديثًا أو أثرًا، كان صاحب الفيتا بالمدينة، وعلية تفقه الامام مالك، توفي بالهاشمية من أرض الأنبار بالعراق، قال مالك: ذهبت حلاوة الفقة منذ مات ربيعة.
يُنْظَر: (تهذيب التهذيب: 3/ 258)، و (تاريخ بغداد: 8/ 420)، و (الأَعْلَام للزركلي: 3/ 17).
(3)
هكذا في الأصل، ولعلها زيادة من الناسخ.
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (3/ 63).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 127 - 129).
(6)
أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه (3/ 32)، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
في هذه المسألة خالف المصنف رحمه الله المذهب فالمذهب لا تجب الكفارة، سواء أنزل، أو لم ينزل، يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 143)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 94).
(8)
سبق تخريجه ص (317).
(9)
رَوَاهُ أبو يعلى في مسنده (5725 - 10/ 89)، قال المقدسي في ذخيرة الحفاظ (2/ 1204): رَوَاهُ ليث بن أبي سليم: عن عطاء، عن جابر، عن أبي هريرة، وليث ضعيف.
(10)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 339).
ولِأَنَّ فِطْرَهُ تضمَّنَ هَتْكَ حُرْمَةِ الشهرِ فكانَ كالفِطْرِ بالجِمَاعِ بيانهٌ: أنَّ نصَّ التحريمِ تَمَّ بالنَّهارِ، يتناولُ ما تناولَهُ نصُّ الإباحةِ بالليالي، وهَتْكُ حُرمةِ الشهرِ جِنايةٌ كاملةٌ، ثُمَّ نحنُ لا نُوجُب الكفارةُ بالقياسِ، وإنما يُوجبها استدلالًا بالنصِّ؛ لأنَّ السائِلَ ذَكِر المواقعةَ، وعينَها ليستْ بجنايةٍ بل هو فِعْلٌ في محلٍ مملوكٍ، فإنمّا الجنايةُ الفِطْرُ بها فتبينَ أنَّ الموجبَ للكفارةِ فْطِرٌ هو جنايةٌ. ألا ترى أنّ الكفارةَ تُضافُ إلى الفِطْرِ، والواجباتُ تُضافُ إلى أسبابِها، والدليلُ عليهِ: أنها لا تجبُ على الناسِي؛ لانعدامِ الفِطْرِ فَلو كانتْ متعلقةً بالوقاعِ عَينهٍ لما اختلفَ الحُكْمِ بينَ العَمْدِ، والنسيانِ كما في الزِّنا، ثُمَّ إيجابهُا في الأَكْلِ أولى؛ لأنَّ الكفارةَ أوجبت زاجرة، ودعاء الطبع في وقت الصَّوْم إلى الأكل أكثر منه إلى الجماع، والصبرُ عنهُ اشتدَّ، فإيجابُ الكفارةِ فيهِ أولى أنّ حُرمةَ التأفيفِ تقتضَي حُرمةَ الشَّتْمِ بطريقِ دلالةِ النصِّ لا بالقياسِ، وكما في قولهِ عليه الصلاة والسلام
(1)
: «لا قَوْدَ إِلاَّ بالسَّيفِ»
(2)
، ويجبُ بالرَّمحِ والسَّهمِ دلالةً لا قِياسًا فإنَّ بابَ القياسِ مُنسدٌ في بابِ العقُوباتِ
(3)
.
[الفرق بين الجماع والأكل والشرب]
فإنْ قلتَ/: للجِمَاعِ مزيةٌ في استدعاءِ الزاجرِ لغلَطِهِ في الجِنَايةِ، فلا يثَبتُ الحُكْمُ في غيرهِ، وذلكَ مِن وجوهٍ:
أحدُها: أنَّ الجِماعَ يوُجبُ الفطْريْن فكانَ اشدَّ بخلافِ الأَكْل، والشُّربِ والثاني: أنَّ الزاجَر شُرِعَ في الوِقَاعِ عندَ عَدَمِ المُلْكِ، ولم يُشَرعْ في الأَكْلِ عندَ عَدَمِ المُلْكِ، وذلكَ دليلٌ على زيادةِ حُرْمةٍ في الوقاع والثالثُ: أنَّ الإِحْرامَ يَفسدُ بسببِ الجِمَاعِ، ولا يفُسدُ بسائرِ محظوِراتِ الحجِّ، والرابع: أنَّ تمامَ الجُوع يُبيحُ الفِطْرَ بحقِّ الضرورةِ، وكانَ بعضُهُ يُوجِبُ شُبهة الإباحةِ، والكفارةُ لا تجبُ مع الشَّبهةِ بخلافِ الوِقاعِ، فإنُه لا يُباحُ أصلًا في حقِّ الصائِم، والخامسُ: أنَّ الوقاعَ بالمرأةِ، وأعيانٍ منَ الطرفين بخلافِ الأَكْلِ، وما كانَ أكثرُ دَعاءً كانَ أشدَّ استدعَاءً للزاجرِ ألا ترى أنّ أَكْلَ الحُصاةِ والنُّواةِ (لا)
(4)
يُوجِبُ الكفارةَ، وإنْ ساوى غيرَهُ في إفسادِ الصَّوْم لقِلةَِّ (الدُّعاءِ إلى)
(5)
أَكْلِهما
(6)
.
(1)
في الأصل: (قوله تعالى)، والصواب ما أثبته.
(2)
رَوَاهُ ابن ماجه في سننه (2668)، كتاب الديات، باب لا قود إلا بالسيف، من حديث أبي بكرة، قال الألباني: ضعيف.
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 132).
(4)
سقطت في (ب).
(5)
سقطت في (ب).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 338).
قلتُ: أمّا الأولُ فإنهُ لا فرقَ بينَ جِماعِ الصغيرةِ، والكبيرةِ، والمكُرهةِ، والبهيمةِ على أصلهِ، وليس فيهِ فِطْرانٌ، ومع ذلك وَجبتْ الكفارةُ، ولِأَنَّ فِطْرَ المرأةِ جِنايةٌ أخرى على صومِ المرأةِ فلا يزدادُ جنايةً بهِ على صومِ نفسِهِ.
وأمّا الجوابُ عنِ الثاني: فإنّا سوَّيْنا بينَ الأَكْلِ، والوِقاعِ في حقِّ الصَّوْم في الركنيةِ حُرمةً، وإباحةً لِوُجُودِ دليلِ المساواةِ؛ وذلكَ لأنّ اللهَ تعالى ذكَر المباشرةَ ليلًا، والأَكْلَ، والشَّربَ، ثُمَّ أَمَرَ بالصَّوْم عنها جُملةً إلى الليلِ فصارَ الرُّكْنُ هو الكفُّ عنها جُملةً فكانَ الكُلَّ كشيءٍ واحدٍ في الاستواءِ في السببيةِ فلمْ يكنْ للجِمَاعِ مزيةٌ على غيرِهِ كالأشياءِ المختلفةِ يتناولُها اسمُ الشيءِ، وليسَ للواحِدِ زيادةُ استحقاقٍ في اسمِ الشيئيةِ على غيرهِ، وإنْ كانتْ الأشياءُ في أنفُسِها مختلفةً بخلافِ عَدَمِ المُلْكِ فإنَّ حُرْمَة الجِمَاعِ فيهِ أغلظُ حتى لا يزولُ بالبدلِ
(1)
.
وأمّا الجوابُ عنِ الثالثِ: فإنَّ حُرمةَ الجِمَاعِ في الحجِّ أقوى حتى لا يرتفعَ بالحلْقِ إلى أنْ يطوفَ طوافَ الزيارةِ بخلافِ سائرِ المحظوراتِ حيثُ يرتفعُ بالحَلْقِ، وأمّا هاهنا فكُلَّها سواءٌ لما ذكرنا
(2)
.
وأمّا الجوابُ عن الرابعِ: فقلنا: إنّ تمامَ الجُوعِ لا يُبيح الفِطْرِ، وما ابتلينا بهِ إِلاَّ للجوعِ، والضرورةِ المبيحةِ لخوفِ الهلاكِ على نفسهِ ليستْ مِنَ الجُوعِ؛ لأنَّ الجوعَ عبارةٌ عن الاشْتِهاءِ، ووقوعِ الحاجةِ إلى الأِكْلِ، وهذا لا يُبيحُ بحالِ والضرورةُ، وعبارةٌ عن خُلُوِّ المُعِدَةِ مِنَ الموادِ التي يتعلقُ بها بقاءُ/ القوُة الطبيعيةِ، وذلكَ الخُلوُّ لا يُتصورُ ببعضِهِ، فبعضُ الموادِ إذا بقي فلا خُلوِّ كخُلوِّ الجِرابِ عن ما فيهِ لا يتصورُ ببعضهِ
(3)
.
وأمّا الجوابُ عن الخامسِ: فهو الجوابُ عن الأولِ لما أنَّ شرعتَهُ الكفارةُ في الوقاعِ، أيْ: الإفطارُ فيهِ حتى أنها وجبتْ في جِماعِ الصغيرةِ، والحاملِ، والمرضعِ بالاتفاقِ
(4)
، وفي جمِاعِ البهيمةِ، والميتةِ عندَهُ، ولا إفطارَ إِلاَّ مِنْ جانبٍ واحدٍ. هذه فوائدُ مجموعةٌ في «الْأَسْرَارِ»
(5)
، والمَبْسُوطين
(6)
. ولنا أنَّ الكفارةَ تعلقتْ بجنايةِ الإفطارِ في رمضانَ على وجهِ الكمالِ، فإن قلت: هذهِ الدَّعوى مستفادُةُ عِنْدَنَا مِنْ قولهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أفطْرَ في رمضانَ فعليهِ ما على المُظاهرِ»
(7)
ولا يمُكنُ إجراءُ هذا الحديثِ على عمومهِ لوجودِ الإفطارِ فيمنَ أَكَلَ الحَصاةَ أو النَّواةَ، ولا كفارةَ فيهِ باتفاقٍ بيننا، وبينَ الخصمِ
(8)
.
(1)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 328).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 132).
(3)
يُنْظَر: أصول للِسَّرَخْسِي (1/ 120).
(4)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 297).
(5)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (2/ 332).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 132).
(7)
سبق تخريجه ص (317).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: (3/ 129).
قلتُ: ثَبتَ بهذا الحديثِ انعدامُ انحصارِ الكفارةِ بالوقاعِ كما هو زَعَم الخصمُ، وأمّا اشتراطُ كمالِ الجِنايةِ في إيجابِ الكَفارةِ، فلسنا عُدةَ الخصمِ؛ وذلكَ لأنّ الكفارةَ هاهنا أقصى عقوبةٍ ثَبتت في حقِّ مَنْ باشَرَ هَتْكَ حُرْمِة صومِ رمضانَ، فيستدعي أقصى جِنايةٍ فيه، وذلكَ إنما يكونُ بالفِطْرِ الذي هو فِطْرُ صُورةٍ، ومعنى مع صفةِ العَمْدِ فثبتَ بهذا المجموعِ منِ (الحديثِ)
(1)
، والإجماعِ ما قلنا:(إنّ الكفارةَ تعلقتْ بجنايةِ الإفطارِ في رمضانَ على وجهِ الكمالِ)
(2)
، وفي «الجامعِ الصغيرِ» للإمام المحبوبي، وحكى عنِ القاضي أبي علي النسفي
(3)
أنّهُ قالَ: أتعجَّبُ مِنَ الشَّافِعِي أنهُ يَوجِبُ القضاءَ دُونَ الكفارةِ في الأَكْلِ، والشُّربِ عامِدًا، وفي الحاملِ، والمرضعِ إذا أفطرَتا، وخافتا على ولدِهَمِا أو على أنفسِهِمَا يُوجبُ القضاءَ مع الفديةِ فقد جعلَ القاصِدَ المتُعَمِدَ مَعذورًا حيثُ قالَ: يُكتفى بهِ بقضاءِ يومٍ واحدٍ، وما جعل الحاملَ، والمرضعَ معذورٌ حيثُ ألزمَها مع القضاءِ فديةٌ، وهذا قولٌ فيهِ ما فيهِ لما رَوينا
(4)
، وهو قولُهُ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أَفْطَرَ في رمضانَ فعليهِ ما على المُظاهِر»
(5)
، الفرقُ مِكْيالٌ معَروفٌ بالمدينةِ وقد يحَرّكُ. وعن محُمدٍ: الفرقُ ستةُ وثلاثونُ رَطلًا، وقد ذكرنا شِيعًا في الزَّكَاةِ ليسَ بين لابتي المدينةِ أحدٌ أحوجَ مِنيِّ
(6)
، اللابةُ
(7)
واللُّوبة الحّرُة وهي الأرضُ ذاتُ الحِجَارةِ السُّودِ، والمعنى ليسَ بالمدينةِ أحوجُ مني، وإنما قِيلَ ذلكَ؛ لأنّ المدينةَ بينَ حرتين، ثُمَّ جرى على أفواهِ الناسِ في كُلِّ بلدةٍ، فيقولون: ما بينَ لابتيها مثلَ فلانٍ مِنْ غيرِ إظهارِ صاحبِ الضميرِ. كذا في «المُغْرِب»
(8)
.
(1)
سقطت في (ب).
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 339.
(3)
هو: الحسين بن الخضر بن مُحَمَّد بن يوسف الفقيه القشيديرجي القاضي أبو علي النسفي قال السمعاني كان إمام عصره تفقه ببغداد وناظر المرتضى فى توريث الأنبياء من أصحاب الإمام أبي بكر مُحَمَّد بن الفضل اجتمع به ببخارى وله أصحاب وتلامذة مات سنة أربع وعشرين وأربع مائة وقد قارب الثمانين.
يُنْظَر: (سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء: 17/ 424)، و (الجواهر المضية: 1/ 211)، و (شذرات الذهب: 3/ 227).
(4)
يقصد المؤلف من عرض المسألة والرد على المخالفين وإلا فهو لم يذكر هذه المسألة سابقاً في هذا الْكِتَاب.
(5)
سبق تخريجه ص (317).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 349)، والمَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 128).
(7)
اللابة: الحرة، وهي الأرض التي قد البَسَتْها حجارة سود، وجمع اللابة لابات، غريب الحديث لابن سلام (1/ 314).
(8)
/ 250.
قولُهُ: (وهو حجةٌ على الشَّافِعِي في قولهِ: يُخَيرُ) كَأنْ وَقَعَ سَهوًا مِنَ الكاتبِ، فإنَّ الشَّافِعِي رحمه الله لا يقولُ بالتخييرِ
(1)
، بلْ يقولُ بالترتيبِ المذكورِ في حقِّ المظُاهرِ كما هو قَولنا
(2)
، وهذا منصوصٌ في كتُبِهم من «الوجيزِ»
(3)
، و «الخلاصةِ»
(4)
المنسوبين إلى الغزالي رحمه الله
(5)
، وكذلك في كِتبنا من مبسوطي شمسِ الأئمة، وفَخْرُ الْإِسْلَام
(6)
، وكذلك في نسبةِ (نفي التتابعِ إلى مَالِكِ نَظَرٌ أيضًا)
(7)
، بل القائلُ بالتخيير مَالِكٌ، والقائِلُ بعدَمِ التتابعِ ابْنُ أبي لَيْلَى ذكرهما في «المَبْسُوط»
(8)
، واحتجَّ مَنْ قالَ بالتخييرِ بحديثِ سعدٍ بنِ أبي وقاصِ رضي الله عنه أنَّ رجلًا سألَ رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: إني أَفطرتُ في رمضانَ؟ فقال: «أعتقْ رقبةً، أو صُمْ شهرين، أو أطعْم ستينَ مِسكينًا»
(9)
(10)
، ولنا ما روينا مِن قولهِ عليه الصلاة والسلام:«فعليهِ ما على المُظاهر»
(11)
فتبينَ بهذا أنّ المرادُ بالحديثِ الآخرِ بيانٌ بأنهُ تتأدّى الكفارةُ في الجملةِ لإتيانِ التخييرِ، ثُمَّ بعدَ العجزِ عن العتقِ كفارتُهُ بالصَّوْم إِلاَّ على قولِ الحسنِ البصري، فإنهُ يقولُ عليهِ بَدَنةً
(12)
، وجعلَ هذا قياسُ الجامعِ في الإحرامِ، ولكنا نقولُ: لا مَدْخَلَ للقياسِ في إثباتِ ما بهِ تتأدَّى الكفارةُ، وإنما طريقُ معرفةِ النصِّ، وليسَ في شيءٍ من النصوص ذِكْرُ البدَنةِ في كفارةِ الفِطْرِ، واحتجَّ مِنْ قالَ: بنفي التتابعِ، وهو ابْنُ أبي لَيْلَى بالقياسِ على القضاءِ
(13)
، وما روينا منَ الآثارِ حُجَةً عليهِ، وكُلُّ صيامٍ لم يذكره اللهُ تعالى في القرآنِ متتابعًا فالصائمُ بالخيارِ إنْ شاءَ تابعَ، وإنْ شاءَ فَرَّقَ، وكُلُّ صومٍ ذُكِرَ في القرآنِ متتابعًا فعليهِ التتابعُ، والصياماتُ المذكورةُ في كتابِ اللهِ تعالى ثمانيةٌ: أربعةٌ منها متتابعةٌ، وأربعُة منها صاحَبِهُا بالخيارِ أما التتابعُ فصومُ رمضانَ متتابعٌ لتتابُع الوقتِ لا مقَصودًا بنفسهِ، فإنَّ وقتهُ شهرُ رمضانَ، والثلاثُ الآخرُ هي كفارةُ القتلِ، وكفارَةُ الظِّهارِ، وكفارةُ اليمينِ عنَدنا، وأمّا الأربعُ التي صاحبها بالخيارِ الأولِ: قضاءُ رمضانَ، والثاني صومُ المتعةِ/ بقوله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}
(14)
(15)
، والثالث: صومُ كفارةِ الخلوةِ بقولهِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ}
(16)
(17)
، والرابع: كفارةُ جزاءُ الصيدِ بقولهِ: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}
(18)
(19)
، ومِنْ مشايخِنا مَنْ قالَ
(20)
: الجُملة في ذلكَ أنَّ كُلَّ كفارةٍ شُرِعَ فيها عْتقٌ فإنّ صومَهُ متتابعٌ، وما لم يُشرَعْ فيها عِتْقٌ، فصاحُبهُ بالخيارِ، فحينئذٍ يدخلُ فيهِ كفارةُ الفطرِ
(21)
، كذا في «المَبْسُوط»
(22)
، للنصِّ عليه، أي: للتنصيصِ على التتابعِ في حديثِ الأعرابي، فإنه قالَ له:«صُمْ شهرين متتابعين»
(23)
.
(1)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 432)، الْمَجْمُوع (6/ 345).
(2)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 328)، النتف (1/ 159).
(3)
يُنْظَر: العزيز شرح الوجيز (8/ 76).
(4)
يُنْظَر: الخُلَاصَة الغزاليَّة (1/ 506).
(5)
هو: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أبو حامد الغزالي بتشديد الزاي. نسبته إلى الغزال - بالتشديد- على طريقة أهل خوارزم وجرجان ينسبون إلى العطار عطاري، وإلى القصار قصاري، وكان أبوه غزالاً، أو هو بتخفيف الزاي نسبة إلى (غزاله) قرية من قرى طوس. فقيه شافعي أصولي، متكلم، متصوف. رحل إلى بغداد، فالحجاز، فالشام، فمصر وعاد إلى طوس. من مصنفاته:(البسيط)، و (الوسيط)، و (الوجيز)، و (الخلاصة) وكلها في الفقه، و (تهافت الفلاسفة)، و (إحياء علوم الدين).
يُنْظَر: (طبقات الشَّافِعِية: 4/ 101)، و (الوافي بالوفيات: 1/ 277)، و (الأَعْلَام للزركلي: 7/ 22).
(6)
يُنْظَر المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 135).
(7)
يُنْظَر: الذخيرة (2/ 526).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 129).
(9)
رَوَاهُ البزار في مسنده (1107 - 1/ 198)، وقال: وهذا الحديث لا نعلم يروى عن سعد إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رَوَاهُ إلا الواقدي، والواقدي تكلم فيه أهل العلم.
(10)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 340).
(11)
سبق تخريجه ص (317).
(12)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 129).
(13)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 129).
(14)
سورة البقرة: الآية (196).
(15)
يُنْظَر: تفسير ابن كثير (1/ 538).
(16)
سورة البقرة: الآية (196).
(17)
يُنْظَر: تفسير النسفي (1/ 110)
(18)
سورة المائدة: الآية (95).
(19)
يُنْظَر: الجامع لأحكام القران (6/ 313).
(20)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 298)، حاشية الطحطاوي (1/ 453).
(21)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 354).
(22)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 129).
(23)
سبق تخريجه، ص (325).
[مسألة الجماع دون الفرج]
ومَنْ جامَع فيما دونَ الفرجِ، وأنزلَ فعليهِ القضاءُ أراد بالفرجِ
(1)
القُبُلَ والدُّبرَ فكانَ مأذونَ الفرجِ هو التفخيذِ
(2)
والتبطينِ
(3)
، وليسَ في إفسادِ الصَّوْم في غير رمضانَ كفارةُ؛ لأنَّ وجوبَ الكفارةِ بالنصِّ، والنصوصُ وردتْ بالفْطرِ في رمضانَ، والفطْرُ في غيرِ رمضانَ ليسَ في معنى الفِطْرِ في رمضانَ مِنْ كُلِّ وجهٍ؛ لأنَّ هذا اليوَم ما كان متعينًا لقضائِهِ، وهذا بخلافِ الحجِّ فإنَّ الجِماعَ في قضاءِ الحجِّ يُوجبُ ما يوجبهُ في الأداءِ لتحققِ المساواةِ في معنى الجَنِابةِ، ألا ترى أنَّ في الحجِّ النفلَ يتعلقُ بالجَمِاعِ ما يتعلقُ في الحجِّ الفرضِ بخلافِ الصَّوْم، كذا في «المَبْسُوط»
(4)
.
[مسألة الحقنة والسعوط]
ومن/ احتقنَ أو استعطَ كلاهما بالفتحِ على بناءِ الفاعلِ مِنْ حَقْنِ المريضِ داواهُ بالحُقنة
(5)
، وهي دواءٌ يجُعلُ في خريطةِ منْ أَدمٍ يُقالُ لهُ: الحُقنةُ، واحتُقِن بالضم غيرُ جائزٍ، وإنما الصوابُ حُقِن أو عُوِلجَ بالحقُنةِ والسُّعوطُ: الدواءُ الذي يُصَّبُ في الأنفِ، واستعطته إياه، واستعطَ هو بنفسهِ، ولا تقلْ: استعطَ مبنيًا للمفعول، كذا في «المُغْرِب»
(6)
، أو أقطر على بناءِ المفعول كذا وجدتْ بخط شَيْخِي رحمه الله
(7)
.
قال شَيْخُ الإسْلَامِ
(8)
: فهاهنا سبعُ مسائلَ: الوجور
(9)
، والسُّعوطُ
(10)
، والإقطارُ في الأُذُنِ في الإحليلِ، والحقنةُ، والجايفةُ
(11)
، والأمةُ
(12)
أما الوجورُ، والسعوطُ، والإقطارُ في الأذنِ فمفسدٌ للصومِ
(13)
لوجودِ الأكلِ معنىً لأنهُ وصلَ المغِّذي إلى الجوِفِ، وهو ذاكرٌ لصومهِ، وقولُنا: وصلَ المغذي؛ لأنَّ الدواءَ مُصِلحٌ للبدنِ كالطعامِ. وقولنا إلى الجوفِ، أيْ: إلى جوفِ الرأس، والتعذي كما يحصلُ] بوصولِ المغذي إلى جوفِ البطنِ
(14)
يحصلُ بوصولِ المغذي إلى جوفِ الرأسِ؛ لأنّ الدماغَ يحتاجُ إلى التدويةِ كالبدنِ، ولِأَنَّ بينَ الجوفين مَنفذًا أصليًّا، فما وصلَ إلى جوف الرأسِ يصلُ إلى جوفِ البطنِ، ولهذا تثبتُ] حرمةُ
(15)
الرِّضاعِ بالسُّعوطِ، والإقطارِ في الأُذُنَ، وكذا الجوابُ في الحقنةِ إِلاَّ أنهُ لا تثبتُ بها حرمةُ الرضاعِ؛ لأنَّ حرمةَ الرضاعِ إنما تثبتُ بما يقصدُ به التغذي قالَ عليه الصلاة والسلام:» الرضاعةُ مِنَ المجاعةِ «
(16)
، والحقنةُ مما لا يقصدُ به التغذي، ثُمَّ لا بأسَ بالاحتقانِ حالةَ الضرورةِ، وهو قولُ إبراهيمَ النخعي
(17)
، وقال مجاهدٌ
(18)
، والشعبي
(19)
(20)
: يُكُره
(21)
، وفي مبسوط شمسِ الأئمةِ
(22)
، وفَخْرُ الْإِسْلَام:] وكذا
(23)
الحقنةُ لمِا قلنا: بخلافِ الصبيِّ إذا احتقنَ بلبنِ امرأةٍ حيث لا تثبتُ بهِ حرمُة الرضاعِ إِلاَّ في روايةٍ شاذةٍ عن مُحَمَّد
(24)
؛ لأنّ ثبوتَ حرمةِ الرَّضاعِ تُفِطُر بما يحصلُ به إثباتُ اللحمِ، وإنشازُ العظمِ، وذلك إنما يكونُ بما يصلُ إلى المعدَة مِنْ أعالي البدنِ لا مِنْ أسافلهِ، فإنَّ الِفَطْرَ يحصُلُ بِوُصولِ المِفْطِرِ إلى باطنهِ لانعدامِ الإمساكِ بهِ، ولا كفارةَ لانعدامِ الصورةِ؛ لأنّ اقتضاءَ الشَّهوةِ لا يتمُّ بهِ إِلاَّ في روايةِ هشامٍ عن أبي يوسفَ أنَّ عليهِ الكفارةَ
(25)
إذا لم يكنْ بهُ عْذرٌ، كذا في «المَبْسُوط»
(26)
، ولو أَقْطَرَ في أُذُنِهِ الماءَ أو دخلهُ لا يفسدُ صومُهُ.
(1)
قال في الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 299): وفي المُغْرِب: الفرج: قبل الرجل والمرأة، باتفاق أهل اللغة.
(2)
التَّفْخِيُذ: المفاخذة، مأخوذ من الفخذ. مختار الصِّحَاح (1/ 517).
(3)
البطن: خلاف الظهر، وهو مذكر، ويقال: تبطّنْتُ الجارية، قال امرؤ القيس في ديوانه (1/ 10):
كأني لم أركب جوادا للذة
…
ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
يُنْظَر: الصِّحَاح (5/ 2080).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 137).
(5)
الحقنة: مايحقن به المريض من الأدوية، والإحتقان: جعل الدوا ونحوه في الدبر، وقد أحتقن الرجل، والأسم الحُقنة بالضم، وقولهم: أحتقن الصبي بلبن أمه بلبن أمه بعيد، وأحتُقِن بالضم غير جائز، وإنما الصواب حُقِن أو عولج بالحًقنَة. الصِّحَاح (5/ 2103) تحرير الفاظ التنبيه (1/ 125) المُغْرِب (1/ 217).
(6)
/ 397.
(7)
هو صاحب الهِدَايَة رحمه الله. يُنْظَر الهِدَايَة (1/ 125).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 212).
(9)
الوجور: بفتح الواو على وزن الرسول، الدواء يوجر في وسط الفم، أي يصب، تقول منه: وجرت الصبى، وأوجرته. يُنْظَر: الصِّحَاح (2/ 844)، المصباح المنير (2/ 648).
(10)
السعوط: الدواء يصب في الأنف، وقد أسعطت الرجل، فاستعط هو بنفسه، والمُسعُط: الإناء يجعل فيه السعوط. يُنْظَر: الصِّحَاح (3/ 1131)، المُغْرِب (1/ 397).
(11)
الجائفة: وهي الطعنة الواصلة إلى الجوف. الفائق في غريب الحديث (1/ 246).
(12)
الآمّة: الشجة التي تبلغ أم الدماغ وهي المأمومة أيضاً، معجم مقاييس اللغة (1/ 23).
(13)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 300)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 640).
(14)
سقطت في (ب).
(15)
سقطت في (ب).
(16)
رَوَاهُ أبو داود في سننه (2060)، كتاب النكاح، باب في رضاعة الكبير، وابن ماجه في سننه (1945)، كتاب النكاح، باب لا رضاع بعد فصال، والنسائي في سننه (3312)، كتاب النكاح، باب القدر الذي يحرم من الرضاعة، من حديث عائشة رضي الله عنها. قال الألباني: صحيح.
(17)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 370)، باب من رخص في الحقنة، بسنده عن إبراهيم النخعي.
(18)
هو: مجاهد بن جبر مولى عبد الله بن السائب القارئ، كنيته أبو الحجاج، من أهل مكة، وقد قيل: كنيته أبو محمد، يروي عن جماعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، مات بمكة وهو ساجد سنة ثنتين أو ثلاث ومائة، وكان مولده سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (5/ 419)، و (التاريخ الكبير: 5/ 411)، و (الجرح والتعديل: 8/ 319).
(19)
هو: هو عامر بن شراحيل الشعبي، أصله من حمير، منسوب إلى الشعب شعب همدان، ولد ونشأ بالكوفة، من كبار التابعين، اشتهر بحفظه، مولده سنة عشرين وقد قيل سنة إحدى وعشرين ومات سنة تسع ومائة، وقد قيل: سنة خمس ومائة، روى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان: 5/ 185)، و (التاريخ الكبير: 6/ 450)، و (الجرح والتعديل: 6/ 322).
(20)
أخرجه عنهما ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 370)، باب في الحقنة من كرهها، بسنده عن الشعبي ومجاهد.
(21)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 121)، والْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 300).
(22)
يُنْظَر المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 121).
(23)
في (ب)(كذلك).
(24)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (3/ 180).
(25)
يُنْظَر: المرجع السابق (2/ 640).
(26)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 121).
وفي «الجامع الصغير» لقاضي خان
(1)
: إذا خاض الماءُ فدخلَ الماءُ أذَنهُ لا يفسدُ صومُهُ، وإنْ صبَّ الماءَ في أذُنِهِ اختلفوا فيهِ، والصحيحُ: هو الفسادُ؛ لأنّهُ وصلَ إلى الجوفِ بفعلهِ، فلا يُعتبرُ فيهِ صلاحُ البدنِ كما لو أَدْخَلَ خشبةً في دًبرِه، وغيَّبها، يعني: لم يبقَ في خارجِ مِنْ طرفِها شيءٌ، وإنْ طِعُنَ بِرمحٍ لا يفُسد كما لو أدَخلَ خشبةً في دُبُرِهِ وطرفُها بيدهِ، وإنْ بقيَ الرمح في جوفِه. لم يُذكرْ في الكتابِ، واختلفوا فيهِ قالَ بعضُهم: يفسدُ كما لو أدخلَ خشبةً في دُبُرِهِ وغيّبَها، وهكذا ذَكَر القدوري
(2)
، وقال بعضُهم: لا يفسدُ، وهو الصحيحُ
(3)
؛ لأنهُ لم يوجْد منه الفصلُ، ولم يصلْ إليهِ ما فيهِ صلاحُهُ، ولو داوَى جائفة الجائفةِ الطعنةِ التي بلغتْ الجوفَ أو نفذتهُ
(4)
.
والآمَّةُ: منِ أممته بالعصاء، وأما منِ بابِ طلبِ إذا ضربْتَ أمَّ رأسهِ، وهي الجِلدةُ/ التي تجمعُ الدماغَ، وإنما قِيلَ: للشَّجَةِ أمَّه على معنىِ ذاتِ أمٍ كعيشةٍ راضيةٍ كذا في «المُغْرِب»
(5)
، وذَكَر في «المَبْسُوط»
(6)
: الجائفةُ اسمُ لجِراحةِ وصلتْ إلى الجوفِ، والآمَّة اسمٌ لجراحةٍ وصلتْ إلى الدماغِ، والذي يصلُ هو الرطب، وإنما قيَّدَ بالرَّطْبِ؛ لأنّ في ظاهرِ الروايةِ
(7)
فَرْقٌ بين الدواء الرَّطْبُ واليابسِ، وأكثرُ مشايخِنا على أنّ العبرةَ للوصولِ حتى إذا عَلِمَ أنّ الدواءَ اليابسَ وَصَلَ إلى جوفِه فسدَ صومُهُ، وإنْ َعَلِمَ أنّ الرَّطْبِ لم يصلْ إلى جوفهِ لا يفسدُ صومُهُ عِنُدهُ إِلاَّ أنهُ ذكَر اليابسَ، والرَّطْبَ بناءً على العادةِ، فاليابسُ إنّما يُستعملُ في الجراحةِ لاستمساكِ رأسِها بهِ فلا يتعدّى إلى الباطِن، والرطْبُ يصلُ إلى الباطنِ عادةً فلهذاَ فَرَّقَ بينهما.] أن
(8)
المثانةَ
(9)
بينهما حائِلُ، أيْ: بينَ الجوفِ وبينَ الإحليلِ، فقدْ وقعَ عنَد أبي يوسفَ أنَّ مِنَ المثانةِ إلى الجوفِ مَنفذًا حتى يخرجَ البولُ منهُ، ووقعَ عنَدَ أبي حنيفةَ، ومُحَمَّد رحمهما اللهُ
(10)
أنهُ ليسَ منَ المثانةِ إلى الجوفِ مَنفذًا حتى يَقْدِرَ المرءُ على استمساكِ البولِ، والأمر على ما قالا
(11)
، فإنّ أَهلَ الطِّبِ يقَولونَ: البولُ يخرجُ رَشَحًا، وما يخرجُ رشَحًا [لا يعودُ رشحًا] كالجَّرةِ إذا سُدَّ رأْسُها، والقيءُ في الحوضِ يخرجُ منها الماءُ، ولا يدخلُ فيها، وبعضُهم يقولُ: هناكَ منفذٌ على صورةِ حرفِ الحاءِ، فيخرجُ منهُ البولُ، ولا يتصوُر أنْ يعوَد فيه شيءٌ مما يصبُّ في الإحليلِ هذا إذا وصلَ إلى المثانةِ، فأمّا إذا لم يصلْ، ولكنْ بعَد في قضيةِ الذكرِ لا يفسدُ صومُهُ بالإجماعِ، هكذا حكى عن أبي بكرٍ البلخي
(12)
، كذا في المباسيط الثلاثةِ.
(1)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 342)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 300).
(2)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 300)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 641).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 177)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 300).
(4)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 397).
(5)
يُنْظَر: (1/ 45).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 112).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 123).
(8)
في (ب)(إلاّ أن).
(9)
المَثَانَةُ: مستقر البول من الإنسان، والحيوان، وموضعها من الرجل فوق المعى المستقيم، ومن المرأة فوق الرحم، والرحم فوق المعى المستقيم. يُنْظَر: المصباح المنير (2/ 564).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 122).
(11)
هما أبي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد. يُنْظَر: المذهب الحنفي (2/ 324).
(12)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 640).
وتكلموا في الأقطارِ في إقبالِ النساءِ بعضِهم قالوا: على هذا الاختلافِ
(1)
، وبعضُهم قالوا: هو يشبهُ الحقنةَ، فيفسدُ الصَّوْم بلَا خلافٍ
(2)
، وهو الأصحُ
(3)
، كذا في مبسوط الإمام الْإِسْبِيجَابِي
(4)
، وُيكرهُ لهُ ذلكَ، وقالَ بعضُهم
(5)
: إنْ كانَ الزوجُ سيئَ الخٌلقِ لا بأسَ للمرأةِ أنْ تذوقَ المرقةَ بلسانِها
(6)
، كذا في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(7)
، وذَكَر في التجنيسِ
(8)
هذا الذي ذكرهُ مِن كرِاهةِ الذوقِ للصائمِ في الفرضِ
(9)
، وأمّا في التطُّوعِ فلا بأسَ للصائمِ أنْ يذوقَ شيئًا بلسانهِ؛ لأنَّ الإفطارَ في صومِ التطوعِ يُباحُ بِعُذْرٍ بالاتفاقِ بغيرِ عُذْرٍ على روايةِ الحسنِ عن أبي حنيفةَ، وعلى ما ذُكِرَ في «المنتقى» عن أبي يوسفَ
(10)
، وهذاَ تعريضٌ على الإفطارِ، فأولى أنْ لا يكونَ مَكروهًا
(11)
، هكذا ذكرهُ شمسُ الأئمةِ الحلواني
(12)
.
[مسألة مضغ العلك]
ومضغُ العِلْكِ لا يُفْطُرِ
(13)
قالوا:
(14)
هذا إذا كانَ العِلُكُ أبيضُ مضغه غيره، فإنْ كانَ أسودَ أو أبيضَ ولم يمضغْهُ غيرُهُ فسدَ صومُهُ. أما الأسودُ، فلأَنهُ يذوبُ فَيَصِلُ منهُ إلى جوفهِ شيءٌ، وأمّا إذا كان أبيضَ ولم يمضغْهُ غيرهٌ (فلأنه)
(15)
يتفتَتُ
(16)
وإطلاقُ مُحَمَّد في الْكِتَابِ يدلُّ على أنَّ الكُلَّ واحِدٌ
(17)
، كذا في «الجامع الصغيرِ» لقاضي خان
(18)
إِلاَّ أنّهُ يُكرَهُ
(19)
هذا الاستثناءُ مِن قولهِ، ومضغُ العِلُكِ لا يُفطِرُ، ولأنهُ يُتَّهمُ بالإفطارِ مَنْ رآهُ يتهمُهُ بالأَكْل، وذَكَر في «المَبْسُوط»
(20)
، و «الجامعِ الصغيرِ»
(21)
للإمامِ المحبوبي
(22)
: وإنّما يُكْرهُ؛ لأنّ مَضْغُ العِلْكِ يدبَغُ المَعِدَةِ، ويُشهِي الطعامَ، ولم يأذنِ لُه فهو اشتغالٌ بما لا يُفيدُ، ولِأَنَّ الناظِرَ إليهِ مِنْ بعيدٍ يظنُّ أنهُ يأكْلُ فيتهُمهُ، وقالَ عليٌّ رضي الله عنه:"إيّاكَ وما يسبِقُ إلى القلوبِ إنكارُهُ"
(23)
، وإنْ كانَ عندَكَ اعتذارُهُ، وليسَ كُلَّ سامعٍ نُكرًا تطيقُ بوسعهِ عُذْرُ القيامةِ، أي: لِقيامِ العِلْكِ مَقَامَ السِّواكِ في حقهنَّ لضعفِ أسنانهنَّ. وعمومُ هذا إشارةٌ إلى أنّهُ لا يُكْرَهُ العِلْكُ لغيرِ الصائِم، ولكنْ يسُتحَبُّ للرجالِ تَرْكُهُ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ
(24)
، كذا ذَكَرهُ فَخْرُ الْإِسْلَام
(25)
، وقِيلَ: لا يُستحبُّ
(26)
، وذُكِرَ قبَلهُ، ويُكْرَهُ
(27)
، ولا يُقالُ: لا فرقَ بينُهما، قلنا: بلْ بينهما فَرْقٌ؛ لأنهُ يجوزُ أنْ يكونَ الشيءُ غيرَ مُستحَبٍ، وغيرَ مكروهٍ كالمُباحاتِ مِنَ المشي، والقيامِ، والقعودِ في الأمرِ المباحِ.
(1)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 641)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 344).
(2)
المصدران السابقان، وقال في الْمُحِيط الْبُرْهَاني: وهو الصحيح ا. هـ.
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 122).
(4)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 330)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 300).
(5)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 649)، مجمع الأنهر (1/ 364).
(6)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 345).
(7)
يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 182).
(8)
يُنْظَر: التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيد (2/ 411).
(9)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 649)، مجمع الأنهر (1/ 363).
(10)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 640).
(11)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 142).
(12)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 649)، مجمع الأنهر (1/ 363).
(13)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 141)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 199)، الذخيرة (2/ 506)، المبدع شرح المقنع (2/ 443).
(14)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 649)، المَبْسُوط (3/ 181).
(15)
في (ب)(فلا).
(16)
(يتفتت) بالإثبات قال في المَبْسُوط (3/ 181): فأما إذا لم يكن ملتئما، فمضغه حتى صار ملتئما، يفسد صومه، لأنه تتفتت أجزاؤه، فيدخل حلقه مع ريقه ا. هـ.
(17)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 345)، والجوهرة النيرة (1/ 142).
(18)
يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 182).
(19)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 141)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 199)، الذخيرة (2/ 506)، المبدع شرح المقنع (2/ 443).
(20)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 181).
(21)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع (1/ 141).
(22)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 181).
(23)
يُنْظَر: مرقاة المفاتيح (6/ 335).
(24)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 345).
(25)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 649).
(26)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (1/ 115)، حاشية الطحطاوي (1/ 44).
(27)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 345).
ولَا بأْسَ بالكُحْل، ودَهْنِ
(1)
الشارِبِ
(2)
جازَ أنْ يكونَ كِلَاهُما بلفظِ المصدرِ مِنْ كَحلَ عيَنهُ كحلًا، ودَهَنَ رأسَهُ دَهنًا إذا طَلاهُ بالدُّهنِ، وهما من بابِ طلَبَ، وجازَ أنْ يكونَ كِلاهُما بلفظِ الاسمِ بضم الكاف، والدال، فلذلك قيَّدَ شَيْخِي
(3)
بالفتحِ والضمِ معًا فيهما، ولو رَوَىَ بالضمِّ فِيهما كانَ المعنى، ولا بأسَ باستعمالِ الكُحلِ، والدهنِ كما ذُكِرَ في قولهِ: والسواكُ/ سنْةُ، أيْ: استعمالُهُ فإنْ قلتَ: قد ذَكَرَ حُكْمَ الاكتحالِ مرةً في هذا البابِ بقولِهِ: ولو اكتحلَ لم يفطْر. فما فائِدَةُ ذِكْرِهِ ثانيًا هُنا، وثالثًا بعيدٌ. هذا بقولهِ:(ولا بأسَ بالاكتحالِ للرجُل)
(4)
.
قلتُ: لِكُلِّ وَضْعٍ فائدةٌ فإنهُ يُستفادُ مِنَ الأَولِ عَدَمُ تَفْطِيرِ الاكتحالِ، ولا يلزمُ منهُ عدمُ الكراهةِ، بلْ يجوزُ أنْ يكونَ الشيءُ مَكروهًا للصائِمِ، وهو غيرُ مُفْطِرٍ، كما إذا ذاقَ شيئًا بلسانِهِ، وبهذهِ المسألةِ يُعْلَمُ أنهُ غيرُ مَكْرُوهٍ، ثُمَّ قْد كلفَ حُكْمُهُ بينَ الرجالِ، والنساءِ كما في العِلْكِ، فيعلمُ بالمسألةِ الثالثةِ أنهما لا يفترقانِ إذا كانَ قصدُ الرجُلِ شيئًا غيرَ الزينةِ مع أنَّ هذا مِنْ خَواصِ مسائلِ «الجامعِ الصغيرِ»
(5)
، وذلكَ مِنْ مسائلِ القدوري، والثالثُ مِنْ مسائلِ الفتاوى. إلى هذا أشارَ فَخْرُ الْإِسْلَام في «الجامعِ الصغيرِ» ، والمصنفُ وَعَدَ إيرادَ مسائلَ الكتابينِ وما تمسُّ الحاجةُ إلى مسائِلَ سوِى مسائلَ الكتابينِ، وهذا كذلك، ثُمَّ ذَكَر بلفظِ لا بأسَ مع أنَّ الاكتحالَ قد يكونُ مُستحبًّا، كما في يومِ عاشوراءَ احترازًا عن قولِ إبراهيمَ النخعي
(6)
، وابْنُ أبي لَيْلَى
(7)
، وقد ذكرنا في تلك المسألة؛ لأنهُ يعملُ عَمَلَ الخِضابِ، وبالخِضَابِ جاءَتْ السُّنةُ، ولكنْ] لم يكن
(8)
القصدُ
(9)
هو الزينةُ، ولكنْ لحاجةٍ أُخرى، كذا ذكره الإمامُ الكشاني
(10)
.
(1)
الإدهان: من الدُّهْن، ويقال دَهَنْتُه أَدْهُنُه دَهْنا، والدِّهان: ما يُدْهَن به، والإِدْهانُ: في الأصل جَعْلُ نحو الأَديم مدهوناً بشيء ما من الدّهن، ولما كان ذلك ملينا له محسوسا استعمل في اللين المعنوي على التجوز به في مطلق اللين، أو الاستعارة له، ولذا سميت المدارة والملاينة مداهنة ثم اشتهر هذا المجاز وصار حقيقة عرفية، فتجوز فيه على التهاون بالشيء واستحقاره، لأن المتهاون بالأمر لا يتصلب فيه، معجم مقاييس اللغة (2/ 308)، تاج العروس (35/ 41).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 126).
(3)
هو صاحب الهِدَايَة رحمه الله. يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 126).
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 345).
(5)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 331)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 302).
(6)
يُنْظَر: شرح الْبُخَارِيُ لابن بطال (4/ 66)، تحفة الأحوذي (3/ 419).
(7)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 91)، شرح الْبُخَارِيُ لابن بطال (4/ 66).
(8)
سقطت في (ب).
(9)
في (ب)(يقصد).
(10)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 302).
(ولا يُفعلُ لتطويل اللِّحْيةِ إِذا كانتْ بِقَدَرِ المسنونِ)
(1)
، وهو القُبْضَةُ بضمِ القافِ، فإنَّ اللحيةَ عِنْدَنَا طولهُا بِقَدَرِ القُبْضَةِ، وما وراءَ ذلكَ يجبُ قطعهٌ هكذا رُوِيَ عنْ رسولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام: أنهُ كانَ يأخذُ من اللِّحْيةِ مِنْ طُولهِا، وعرضهِا أوردَهُ أبو عيسى
(2)
في جامعهِ، وقالَ:«مِنْ سعادةِ الرَّجلِ حفُّهُ لحِيته»
(3)
، وكانَ عبُد اللهِ بنُ عُمرَ رضي الله عنهما يقبضُ على لحِيتهِ، ويقطْعُ ما وراءَ القُبضةِ
(4)
، ذَكَرَهُ أبو حنيفةَ في آثارِهِ
(5)
عن عبدِ اللهِ بنِ عمروٍ قالَ: وبهِ أخذَ أبو حنيفةَ
(6)
، وأبو يوسفَ
(7)
، ومحمدٌ
(8)
، كذا ذَكَرَهُ أبو اليُسرِ في «الجامعِ الصغيرِ»
(9)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 126).
(2)
هو: مُحَمَّد بن عيسى بن سورة الترمذي أبو عيسى محدث، حافظ مؤرخ، فقيه، ولد في حدود سنة 210 هـ، وتتلمذ لمُحَمَّد بن إسماعيل الْبُخَارِيُ، وارتحل، وسمع بخراسان والعراق والحرمين وسمع منه شيخه الْبُخَارِيُ، وتوفي بترمذ في 13 رجب سنة 279 هـ من تصانيفه: الجامع الصحيح، الشمائل في شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، العلل في الحديث.
يُنْظَر: (معجم المؤلفين: 11/ 104).
(3)
هذا الحديث لا يصح، وقد حكم عليه الشيخ الألباني بالوضع كما في السلسلة الضعيفة (1/ 346)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 302): رَوَاهُ الطبراني وفيه يوسف بن الغرق قال الأزدي: كذاب ا. هـ، وفي اللآليء المصنوعة للسيوطي (1/ 111) بعد أن ذكر طرقه كلها قال: لا يصح، المغيرة مجهول، وسكين يروي الموضوعات عن الأثبات، ويوسف كذاب، وسويد ضعفه يحيى، وبقية مدلس، وشيخه أبو الفضل هو بحر بن كنيز السقا ضعيف فكفاه تدليسا، والنخعي يضع، وورقاء لا يساوي شيئا، والحسين بن المبارك؛ قال ابن عدي حدث بأسانيد ومتون منكرة، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 166).
(4)
رَوَاهُ أبو داود في سننه (2219)، كتاب الصَّوْم، باب القول عند الإفطار، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (5/ 357): حسن.
(5)
يُنْظَر: الآثار لأبي يوسف (ص 234)، باب في الخضاب، والأخذ من اللحية والشارب.
(6)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (6/ 407).
(7)
يُنْظَر: الآثار لأبي يوسف (ص 234).
(8)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (6/ 407).
(9)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 155).
[مسألة السواك للصائم]
ولا بأسَ بالسِّواكِ الرُطْبِ بالغداةِ والعَشيِّ ولفظُ «الجامعِ الصغيرِ» قالَ: لا بأسَ بالسِّواكِ الرُطْبِ بالماءِ للصائمِ فيِ الفريضةِ بالغداةِ والعشيِّ. واعلمْ أَنَّ محمدَاً ذَكَرَ في الأصلِ أنّهُ لا بأسَ للصائِمِ أنْ يَستاكَ بالسوِّاكِ الرَطْبِ
(1)
، ولم يذكرْ أنهُ رطوبَتَهُ بالماءِ أو بالرُطُوبةِ الأصليةِ التي تكونُ للأشجارِ
(2)
، ولا ذُكِرَ أنهُ بلَّهُ بريقهِ أو بَلَّهُ بالماءِ، فلولا روايةُ «الجامعِ الصغيرِ» لكانَ لقائلٍ أنْ يقولَ: إذا كانَ رَطْبًا بالريقِ لا بأسَ بهِ أمّا إذا كانَ رِطْبًا بالماءِ، فيُكْرهُ لمِا فيهِ مِنْ الحوْمِ حِوْلَ الحِمى وهكذا رُوِيَ عن أبي يوسفَ، فلمَّا نصَّ هاهنا على الرَّطْب بالماءِ أزالَ الإَشكالَ، وأزاحَ الاشتباهَ، ولا مُعتبرَ بما قالَهُ أبو يوسفَ؛ لأن ما يبقى مِنَ الرُّطُوبةِ بعدَ المضمضةِ أكثرُ مما يبقى بعَد السِّواكِ، ثُمَّ لم يُكْرَهُ للصائِمِ المضمضةُ، فكذلكَ لا يُكَرُه السواكُ وقد رُوِيَ عنِ النبي عليه الصلاة والسلام "كانَ يأمرُ عائشةَ رضي الله عنها أن تَبُلَّ السِّواكَ بريِقها، ثُمَّ يستعملُهُ وهو صائِمٌ"
(3)
، كذا في «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّةِ»
(4)
.
قلتُ: وبقولِهِ: (ولا بأسَ بالسِّواكِ الرّطْبِ) إلى آخرِه يُعلَمُ أنَّ ما ذَكَرهُ الصدرُ الشهيدُ رحمه الله
(5)
(6)
في بابِ حُكْم المسجدِ من «الجامع الصغير»
(7)
: أنَّ كلمةَ لا بأسَ دليلٌ على أنّ المستحبَّ غيرُه، وكذلكُ ما ذَكَرهُ في الْكِتَابِ قُبيلَ بابِ الوِترِ ليسَ بمِجْرَى على عمومهِ في كُلِّ الصُّور؛ إذ دليلُ جوازِ استعمالِ السِّواكِ للصائِمِ هو عينُ الدليلِ الذي جعلوهُ دليلًا على سُنية السِّواكِ، واستحبابهٌ في حقِّ غيرِ الصائِمِ، فكانَ السّواكَ في حقِّ الصائِمِ سُنةً، ومستحبًّا أيضًا كما لغيرِ الصائِم لِعِدَمِ الفَصْلِ في الدليلَ. عُلِمَ بهذا أَنَّ كلمةَ لا بأسَ قد تُستعملُ في موضعٍ كانَ الإتيانُ بالفعل الذي دخلتهُ هي أولى مِنْ تركهِ، بلْ تستُعملُ هي في فعلٍ كانَ الإتيانُ بذلكَ الفِعِل واجبًا، فإنَّ الجُنَاحَ هو] اليأسَ
(8)
، أو فوقَهُ في اقتضاءِ السُّدَّةِ، وقد استُعْمِلَ هو بهذهِ الصيغةِ مع أنَّ الإتيانَ بذلك الفعلِ واجبٌ قالَ اللهُ تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}
(9)
، والسعيُّ بينَ الصَّفا والمروةَ واجبٌ عندَنا
(10)
، وفرضٌ عندَ الشَّافِعِي رحمه الله
(11)
، وقد تُستعملُ فيه كلمةُ لا جُناحَ، ومعناها، ومعنى لا بأسَ واحِدٌ، يثبت بهذا ما ادَّعينَا مِنَ الدَّعوى، واللهُ أعلمُ
(12)
.
(1)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 367)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 106).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 179)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 199).
(3)
الحديث بهذا اللفظ لم أعثر له على تخريج، ولكني وجدت ما أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه في باب مرض النبي عليه الصلاة والسلام ووفاته (6/ 13) ما رَوَاهُ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فقضمته، ثم مضغته، فأعطيته رسول الله عليه الصلاة والسلام فاستن به، وهو مستند إلى صدري.
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 348.
(5)
هو: عمر بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة، أبو مُحَمَّد، حسام الدين، الحنفي، المعروف بالصدر الشهيد فقيه، أصولي، من أكابر الحنفية، تفقه على والده برهان الدين الكبير عبد العزيز، وناظر العلماء ودرس للفقهاء، وكان الملوك يصدرون عن رأيه، وتوفي شهيداً، من تصانيفه:"الفتاوى الكبرى"، و"الفتاوى الصغرى"، و"عمدة المفتي والمستفتي"، و"شرح أدب القاضي"، و"رح الجامع الصغير"، و"الواقعات الحسامية".
يُنْظَر: (الجواهر المضية: 1/ 391)، و (الفَوَائِد البهية: ص 149)، و (الأَعْلَام للزركلي: 5/ 501).
(6)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 367)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 106).
(7)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع: 1/ 121.
(8)
في (ب)(الناس).
(9)
سورة البقرة الآية (158).
(10)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 129).
(11)
يُنْظَر: مغني المحتاج (1/ 513).
(12)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (4/ 88).
من غيرِ فصلٍ، أي: بينَ الغداةِ والعشي، والمرادُ من العشي: ما بعدَ زَوالِ الشمسِ الخُلُوفِ مِنْ خُلْفِ/ فُوْهٍ تغيرتْ رائحتُهُ خُلوفًا
(1)
بالضمِ لا غيرَ منِ حدِّ دخل وذكَر الإمامُ المحبوبي، ولكنا نستدلُ بقولهِ عليه الصلاة والسلام:«السِّواكُ مَطهَرةٌ للفم مَرِضَاةٌ للربِّ»
(2)
وقالَ أيضًا: «نظِّفُوا أفواهَكُم فإنها طرقُ القرآنِ»
(3)
، وقالَ:«صلاةٌ بالسِّواكِ تَعْدِلُ سبعينَ صلاةً بغيرِ سِوَاكٍ»
(4)
وقالَ عبدُاللهِ بنُ عامرٍ بنُ ربيعةَ رضي الله عنه
(5)
: «رأيتُ رسولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام فيما لا أعدُّ، ولا أُحْصِي يتسوَّكُ وهوَ صائِمٌ»
(6)
، وجاء في الحديثِ أنهُ عليه الصلاة والسلام:«كانَ يشوصُ فاهُ بالسواكِ»
(7)
، أي: يغسلُ،] من
(8)
هو جامِعٌ للخصالِ الحميدةِ حتى حُكِيَ عن أبي بكرٍ بنِ مُحَمَّد الورَّاقِ الترمذي
(9)
قالَ: في السواكِ عشرُ خصالٍ
(10)
: يشدُّ اللُّثةَ، وينقي الحفرةَ، ويقطعُ البلغَم، ويُذْهِبُ المُرةَ، ويُطَيِّبُ النكهةَ، وهو تمامٌ للوضوءِ مرضاةٌ للربِّ، ويزيدُ في الحسناتِ، ويُصِحُّ الجِسْمَ، ويوافقُ السُّنةَ
(11)
، وقالَ أيضًا: ينبغي أنْ يكونَ السِّواكْ مِنْ أشجارِ مُرةٍ، فإنهُ أَقْطَعُ للبلغمِ، وأنقى للصدرِ، وأهضمُ للطعامِ
(12)
، وليكنْ السّواكُ مستويًا قليلَ] العُقَد
(13)
في غلظِ الخنصَرِ، ولا يكونُ مِنْ شجرةٍ مجَهولةٍ لا تُعَرفُ، فإنهُ لا يُؤْمَنُ مِنْ أنْ يكونَ سُمًّا.
(1)
الخلوف: بضم الخاء، تغير طعم الفم ورائحه، لإمساكه عن الطعام، والشراب يقال: خلف فوه، يخلف، خلوفا. يُنْظَر: الزاهر في غريب الفاظ الشَّافِعِي للهروي (1/ 167)، المصباح المنير (1/ 178).
(2)
رَوَاهُ ابن ماجه في سننه (289)، كتاب الطهارة وسننها، باب السواك، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. والنسائي في سننه (5)، كتاب الطهارة، باب الترغيب في السواك. من حديث عائشة رضي الله عنها. قال الألباني: صحيح.
(3)
هذا الحديث أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال (2804 - 1/ 611) قال الدَّارَقُطْنِيّ: هذا باطل، لا يصح عن مالك. يُنْظَر: لسان الميزان (8284).
(4)
هذا الحديث أخرجه الفتني في تذكرة الموضوعات (1/ 31)، قال الْبَيْهَقِي غير قوي إسناده.
(5)
هو: عبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مُحَمَّد الْعَنْزِيُّ، وَعَنْزٌ أَخُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ الْمَدَنِيِّ، حَلِيفِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ اسْتَشْهَدَ أَخُوهُ وَسَمِيُّهُ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَ الطَّائِفِ، وَكَانَ أَبُوهُ عَامِرٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ.
رَوَى عَنْ: أَبِيهِ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وولد سنة ست من الهجرة، وروى عن النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، رَوَى عَنْهُ: عَاصِمُ بْنُ عُبَيدِ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ الْوَقَّاصِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، تُوُفِّيَ سَنَةَ خمسٍ وَثَمَانِينَ. يُنْظَر: معرفة الصحابة (31728)، تاريخ الاسلام (2/ 958).
(6)
رَوَاهُ أحمد في مسنده (15716 - 3/ 445)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف لضعف عاصم بن عبيد الله.
(7)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه (242)، كتاب الوضوء، باب السواك. ومسلم في صحيحه (255)، كتاب الطهارة، باب السواك، من حديث حذيفة رضي الله عنه.
(8)
في (أ)(ثم) وفي (ب)(من) ولعل ما أثبته موافق لسياق الكلام.
(9)
لم أعثر له على ترجمة.
(10)
يُنْظَر: عارضة الأحوذي (3/ 255).
(11)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 332).
(12)
يُنْظَر: حاشية الطَّحَاوِيّ (1/ 44).
(13)
سقطت في ب.
[السنة في طريقة السواك]
وينبغي أنْ يَستاكَ عَرْضًا على الأسنانِ، والحنَكِ، واللِّسانِ، ويغسلُ الفمَ، والأسنانَ بعد الفراغِ بماءٍ باردٍ في الصيفِ، وفي الشتاءِ بماءٍ حارٍّ، وهو مِن رأي الأطباءِ فقالوا مَنْ فعلَ ذلك كانَ أطْلَقَ للسانِهِ، وأصفى للكلامِ، وأفرحَ لقلبهِ، وعن ابنِ سيرينَ
(1)
قالَ: ثلاثةٌ تُذْهِبُ البلغمَ: قراءةُ القرآنِ، والسِّواكُ، والصِّيَامُ، وقدْ جاءَ في الْكِتَابِ بشرعَيتِهِ أيضًا قالَ اللهُ تعالى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}
(2)
قِيل: هي عشرُ خِصالٍ منها السِّواكُ، وقدْ ذكرناه في الغُسْلِ قالوا: وهذا في حقِّ الرجالِ، وأمّا في حقِّ النساءِ: فقامَ العِلْكُ فيهنَّ مَقامَ السِّواكِ، وأمّا الحَديثُ فمُرادُهُ عليه الصلاة والسلام بيانُ دَرَجةِ الصائِمِ لا عينَ الخُلوفِ، فإنَّ اللهَ تعالى يتعالى أن يلحقه الروائح، ودمُ الشهيدِ يبقى عليهِ ليكونَ شاهدًا لهُ على خصمِهِ يومَ القيامةِ والصَّوْم بينَ العبدِ وبينَ مَنْ يَعلَمُ السِّر، وأخفى فلا حاجةَ إلى الشاهدِ، كذا في المَبْسُوط
(3)
.
وذكرَ فَخْرُ الْإِسْلَام:
(4)
(وهو يخُالفُ دَم الشهيدِ؛ لأنَّ ذلك أثُر الظلمِ)،] ولا بأس
(5)
بإبدائهِ قالَ اللهُ تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}
(6)
، ولا رياءَ بعدَ الموتِ وأمّا الحديثُ فإنما أُرِيدَ بهِ بقولهِ:«أطيبُ عندَ اللهِ منْ ريحِ المِسْكِ»
(7)
الترغيب في محادثة الصوام، فمِنَ الناسِ مَنْ يَكرهُ ذلك لنكهةِ أفواهِهِم، وهذه عادةُ أبناءِ الدُّنيا، فنُهوا عن ذلك لما رَوينا، وهو قولُه عليه الصلاة والسلام:(خيرُ خِلَاْلِ الصائِمِ السِّواكُ)
(8)
، واللهُ أعلمُ بالصوابِ
(9)
.
(1)
هو: أبو بكر مُحَمَّد بن سيرين مولى أنس بن مالك، سمع ابن عمر وأبا هريرة وعمران بن حصين وابن الزبير وأنس ابن مالك، روى عنه قتادة وخالد الحذاء وأيوب السختياني وعبد الله بن عون وغيرهم وإخوته يحيى ومعبد وأنس. وأختهم حفصة. روى عنهم الحديث، قال السري بن يحيى: مات الحسن سنة عشر ومائة قبل ابن سيرين بمائة يوم.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان: (5/ 348)،، التاريخ الكبير:(1/ 90)، الإكمال (1/ 363).
(2)
سورة البقرة الآية (124).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 179).
(4)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 332).
(5)
في (ب)(ولا يأمن).
(6)
سورة النساء الآية (148).
(7)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب اللباس، باب ما يذكر في المسك (5583)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل الصيام (1151)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(8)
رَوَاهُ ابن ماجه في سننه (1677)، كتاب الصيام، باب ما جاء في السواك والكحل للصائم. من حديث عائشة رضي الله عنها، قال الألباني: ضعيف.
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: (3/ 178).
فصل
[الأعذار المبيحة للفطر]
لما ذَكَرَ مسائَل الصَّوْم شَرَعَ في هذا الفصلِ] في بيانِ
(1)
وجُوهِ الأعذارِ المبيحةِ للإفطارِ في الصَّوْم، وما يتعلقُ بها، ومِنْ كانَ مريضًا] إلى آخره
(2)
، وذَكَر فَخْرُ الْإِسْلَام
(3)
حاصلَ ذلك، وقالَ: إنّ المرضَ لا يُوجِبُ إباحةَ الفِطْرِ بنفسهِ
(4)
، بلْ بعلةِ الحاجةِ، والمشقةُ بخلافِ السفرِ فإنهُ يُوجِبُ بنفسهِ، والفرقُ أنَّ العلةَ الأصليةَ هي المشقةُ، والجرحُ، والمرضُ أنواعٌ: منها ما يُوجِبُ مشقةً، ومِنها ما لا يُوجِبُ مشقةً في حُكْمِ الفِطْرِ، بلْ الكفُّ خيرٌ لهُ، فلم يصلحْ مُوجبًا على الإطلاقِ كالنومِ لم يجُعلْ حَدَثًا على الإطلاقِ لما
(5)
.
قلنا: فأمّا السفُر فُيوجِبُ المشقةَ بُكِّل حالٍ فلذلكَ لم يجبْ الفصْلُ، ثُمَّ عِنْدَنَا خوفُ زيادةِ المرضِ يُرخصُ للمِفْطِرِ كخوفِ الهَلاكِ، وذكرَ الإمامُ المحبوبي
(6)
أنَّ طريقَ معرفةِ ذلك إمّا باجتهادهِ
(7)
، أو بأنْ يقولَ له طبيبٌ حاذقٌ
(8)
، وفي النصاب
(9)
(10)
: المريضُ الذي يُباحُ لهُ الإفْطَارُ، أن يزيدَ مرضُهُ بالصَّوْم بأنْ تزدادُ عينُهُ وَجعًا أو حماً شديدة، (وإنما يعلم)
(11)
ذلك باجتهادِهِ وقول الطبيبِ، قالَ القاضي
(12)
: وإسلامُ الطبيبِ شَرْطٌ أيضًا، فلو بَرَأَ مِنَ المرضِ لكنَّ الضعفَ باقٍ هل يُفطرِ
(13)
؟ سُئلِ القاضي الإمامُ فقالَ: لا، والمبيحُ المرضُ لا الضعفُ، فلو خافَ أنْ يمرضَ لو صامَ قالَ: الخوفُ ليس َبشيءٍ
(14)
، وذكر الإمامُ التُّمُرْتَاشِي
(15)
: الأَمَةُ إذا ضَعُفَتْ في الطبخِ، والخُبزِ، والغَسلِ، فخافتْ أفطرتْ وقضتْ،
(1)
سقطت في ب.
(2)
سقطت في ب.
(3)
يُنْظَر: البناية شرح الهِدَايَة (4/ 76).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 250)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 94).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 349.
(6)
يُنْظَر: البناية (4/ 76).
(7)
يُنْظَر: الدر المختار (2/ 422)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 307).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 350.
(9)
هكذا هي في (أ) وفي (ب) ولعل الصواب (وفي كتب أصحابنا) حتى يستقيم المعنى كما وردت في فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 356)، العناية (3/ 313).
(10)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 141).
(11)
سقطت في ب.
(12)
يُنْظَر: البناية (3/ 77).
(13)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 303)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 351).
(14)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 351).
(15)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (1/ 366).
وفي الكتاب، وكذا الذي ذهبَ بهِ مُوَكِلُ السُلطان للعمادةِ فاشتدَّ/ الحرب وضعفَ فأكلَ لم يكفْر، وإنْ كانَ مُسافرًا لا يستضرُ بالصَّوْم فصومُه أفضلُ إلى أنْ قال:(وقالَ الشَّافِعِي: الفِطُر أفضلُ)
(1)
.
[حكم الصَّوْم في السفر]
الكلامُ في هذهِ المسألةِ في فصولٍ: أحدُها: أنَّ أَدَاءَ الصَّوْم في السفرِ يجوزُ في قولِ جُمهورِ العلماءِ
(2)
، وهو قولُ أكثرِ الصَّحابةِ
(3)
، وعلى قولِ أصحابِ الظواهرِ لا يجوزُ
(4)
، وهو مَرْوُيٌّ عنَ ابن عُمرَ، وأبي هريرةَ
(5)
وهمْ يستدلونَ بقولهِ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
(6)
فصارَ هذاَ الوقُت في حقهِ كالشهرِ في حقِّ المقيمِ، فلا يجوزُ الأداءُ قبلَهُ، وقالَ عليه الصلاة والسلام:«ليسَ مِنَ البِّر الصِّيَامُ في السَّفَرِ»
(7)
، ولنا قولُه تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
(8)
، وهذا يعمُّ المسافرَ، والمقُيمَ، ثُمَّ قولُه:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ}
(9)
لبيانِ الترخصِ بالفِطْرِ فينتفي بهِ وُجوبُ الأداءِ لا جوازُهُ وفي حديثِ عائشةَ رضي الله عنها أنَّ حمزةَ بنَ عمَرو الأسلمي قالَ: يا رسولَ اللهِ إني أسافرُ في رمضانَ أَفَأُصومُ؟ قالَ: «صُم إنْ شِئْتَ»
(10)
وتأويلُ حديثهِ أنُه كانَ يجهدُهُ الصَّوْم حتى يخُافُ عليهِ الهلاكُ على ما رُوِيَ أنهُ عليه الصلاة والسلام: مرَّ برجُلٍ مَغْشيٍّ عليهِ قْد اجتمعَ الناسُ عليهِ وقد ظُلِّلَ عليهِ، فسألَ عن حالهِ فِقيلَ: إنهُ صائِمٌ، فقال:«ليسَ مِنَ البرِّ الصِّيَامُ في السفرِ» يعني: لمِن هذا حالُهُ.
(1)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 446)، المهذب (1/ 178).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 164)، المدونة (1/ 272)، الأم (2/ 102)، الإنصاف (3/ 204).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 164)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 359).
(4)
يُنْظَر: المحلى (6/ 243)، الْمُغْنِي (3/ 90)، وقال ابن حزم في المحلى (6/ 234، 258): ومن سافر في رمضان سفر طاعة أو سفر معصية، أو لا طاعة ولا معصية، ففرض عليه الفطر إذا تجاوز ميلا، أو بلغه، أو إزاءه، وقد بطل صومه حينئذٍ، لا قبل ذلك ا. هـ. قلت: وكلامهم هو في صوم رمضان، أما غيره فيجوز أن يصومه في السفر حتى ولو كان تطوعا، بل قال ابن حزم أيضا: إنه يجوز صوم التطوع في رمضان، أو قضاء رمضان فيه، لأن الله إنما نهانا عن صومه بذاته.
(5)
يُنْظَر: المحلى (6/ 256)، الْمُغْنِي (3/ 90).
(6)
سورة البقرة الآية (184).
(7)
رَوَاهُ أبو داود في سننه (2409)، كتاب الصَّوْم، باب اختيار الفطر. وابن ماجه في سننه (1644)، كتاب الصيام، باب ما جاء في الإفطار في السفر. والنسائي في سننه (2255)، كتاب الصيام، باب ما يكره من الصِّيَامِ في السفر. قال الألباني: صحيح.
(8)
سورة البقرة الآية (185).
(9)
سورة البقرة الآية (184).
(10)
أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه (3/ 33)، باب الصَّوْم في السفر والإفطار، من حديث عائشة رضي الله عنها، وأخرجه مسلم في صحيحه (3/ 144)، باب أجل المفطر في السفر إذا تولى العمل، من حديثها أيضا، وأحمد في مسنده (25/ 423)، من حديث حمزة بن عمرو رضي الله عنه، وأبو داود في سننه (2/ 290)، باب الصَّوْم في السفر، من حديث عائشة أيضا، والترمذي في سننه (3/ 91)، باب الرخصة في السفر، من حديثها أيضاً، والنسائي في سننه (4/ 185)، باب ذكر الاختلاف على سليمان بن يسار في حديث حمزة بن عمرو فيه، من حديث حمزة أيضا، وابن ماجه في سننه (1/ 531)، باب ما جاء في الصَّوْم في السفر، من حديث عائشة أيضا.
والثاني: أنَّ المُسافرةَ في رمضانَ لا بأسَ بها، وعلى قولِ أصحابِ الظواهرِ يستديمُ السفُر في رمضانَ ولا ينشئُهُ
(1)
والدليلُ على جوازِ المسافرِ حديثُ أبي هريرةَ رضي الله عنه: "أنَّ رسولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام خرجَ من المدينةِ إلى مكةَ لليلتين خَلَتا مِنْ رمضانَ، فصامَ حتى أتى قديدًا
(2)
فشَكَاَ الناسُ إليهِ فأفطَر، ثُمَّ لم يزلْ مُفْطرًا حتى دخلَ مكةَ"
(3)
فإنْ سافْرتَ في رمضانَ فقدْ سافَر رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام، وإنْ صمْتِ فقدَ صامَ، وإنْ أفطْرتَ فقدْ أفْطَرَ، وكُلُّ ذلكَ، واسِعٌ.
والثالث: إذا أنْشِئَ السفرُ في رمضانَ فلُه أنْ يترخَّصَ بالفِطْرِ. وكانَ عليٌّ وابنُ عباسٍ يقولان ذلكَ لمَنْ أهلَّ الهلالُ وهو مُسافِرٌ
(4)
، وأمّا إذا أُنِشْئَ السفرُ في رمضانَ فليسَ لهُ أنْ يُفْطَر والحديثُ الذي رَوَينا أنهُ عليه الصلاة والسلام أفطَر حينَ يتكلمُ الناسُ إليهِ حُجَّةً عليهِ، ولا يُقال: لمَن أهلَّ الهِلالُ، وهو مقيمٌ فقْد لَزِمَهُ أداءُ صومِ الشَّهْرِ، فلا يسقطُ ذلك عنهُ بسَفَرٍ يُنْشِئُهُ باختيارِهِ كاليومِ الذي يُسافر فيهِ؛ لأنا نقولُ: صومُ الشهرِ عباداتٌ، وهو مقيمٌ فقدَ لِزَمَهُ أداءُ صومِ الشهرِ فلا يسقطُ ذلك عنُه بسفرِ ينشِئُهُ باختيارِهِ إلى متفرقةٍ فإنَّما يلزمُهُ مِنَ الأداءِ باعتبارِ اليومِ الذي كانَ مُقيمًا في شيءٍ منهُ مِنْ دُونَ اليومِ الذي كانَ مُسافرًا في جميعهِ قِياسًا على الصلواتِ.
والرابع: أنَّ الصَّوْم في السفِر أفضلُ مِنَ الفِطْرِ عندَنا
(5)
، وقالَ الشَّافِعِي رحمه الله
(6)
: الفِطْرُ أفضلُ؛ لأنَّ ظاهَر ما روينا يدلُّ على أنَّ الصَّوْم لا يجوزُ في السفرِ، فإنْ تركَ هذا الظاهرَ في حقِّ الجوازِ بِقيَ مُعتبرًا في أنَّ الفِطْرَ أفضلُ، وقاسَ بالصَّلَاةِ، فإنَّ الاقتصارَ على الركعتينِ في السفرِ أفضلُ منِ الإتمامِ فكذلكَ الصَّوْم؛ لأنَّ السفَر يُؤثِرُ فيهما. قالَ عليه الصلاة والسلام:«إنَّ اللهَ تعالى وضعَ عنِ المسافرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ والصَّوْم»
(7)
ولنا ما رُويَ عنِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام أنهُ قالَ في المسافرِ: «يترخَّصُ بالفِطْرِ، وإنْ صامَ فهو أفضلُ لهُ» ، وبدأَ رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام بالصَّوْم حتى شكى الناسُ إليهِ، ثُمَّ أفطرَ
(8)
، فذلك] دليلٌ
(9)
على أنَّ الصَّوْم أفضلُ، ثُمَّ الفِطْرُ رخصةٌ، وأداءُ الصَّوْم عزيمةٌ، والتمسكُ بالعزيمةِ أولى مِنَ الترخُّصِ بالرُّخْصَة
(10)
، وهذا لأنّ هذهِ الرخصةُ لِدُفْعِ الحرج عنهُ، وربما يكونُ الحرجُ في حقِّهِ في الفِطَرِ أكثرُ، فإنهُ يحتاجُ إلى القضاءِ وَحَدَه بخلافِ] الصَّلَاةِ
(11)
، فإنَّ شطر الصَّلَاةِ سقطَ عنُه أصلًا حتى لا يلزمُهُ القضاءُ، فكانَ] الظهر
(12)
في حقِّهِ كالفجرِ في حقِّ المُقيمِ، كذا في «المَبْسُوط»
(13)
.
(1)
ظاهر كلام ابن حزم هو عكس ما ذكره المؤلف، فإنه يرى عدم جواز صوم رمضان في السفر إطلاقا، يُنْظَر: المحلى (6/ 248).
(2)
قديد: في الطريق بين مكة والمدينة، بينها وبين الجحفة - ميقات أهل الشام - سبعة وعشرون ميلاً وبينها وبين البحر خمسة أميال. يُنْظَر: الروض المعطار في خبر الأقطار (ص: 454).
(3)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الصَّوْم، باب إذا صام اياما من رمضان ثم سافر (1842)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب جواز الصَّوْم والفطر في شهر رمضان للمسافر (1113)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
يُنْظَر: المحلى (6/ 247)، المَبْسُوط (3/ 165).
(5)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 96)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 359).
(6)
ما نسبه المصنف رحمه الله إلى الشَّافِعِي أن قوله بالفطر أفضل في السفر بحثت عنه ولم أجده بل ما وجدته هو أن الصَّوْم أفضل يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 446)، المهذب (1/ 178).
(7)
رَوَاهُ الترمذي في سننه (715)، كتاب الصَّوْم، باب الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع. وابن ماجه في سننه (1667)، كتاب الصيام، باب ما جاء في الإفطار للحامل والمرضع. والنسائي في سننه (2276)، كتاب الصيام، باب ذكر اختلاف معاوية بن سلام وعلي بن المبارك في هذا الحديث. قال الألباني: حسن صحيح.
(8)
المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 166).
(9)
سقطت في ب.
(10)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 96).
(11)
في (ب)(الصَّوْم). ولعل ما أثبته هو الصحيح لموافقته سياق الكلام.
(12)
سقطت في (ب).
(13)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 164 - 166).
قلتُ: هذهِ المسألةُ وقعتْ في كتبنا من نسخِ المباسيط
(1)
، والتُّحفةِ
(2)
، والمنظومةِ
(3)
، وغيرِهُا على خلافِ ما وقعتْ في كتبِ أصحابِ الشَّافِعِي
(4)
، فإنَّ الغزالي ذَكَرَ في وجيزِهِ: والصَّوْم أحبُّ مِنَ الإفطارِ في السفرِ ليُبرِئَ ذِمَتَهُ، وذَكَر في خلاصتهِ
(5)
: ومهما بلغَ السفُر مرحلتين جِاز الفِطْرُ، والأفضلُ الصَّوْم معِ الطاقةِ، (ولنا أنَّ رمضانَ أفضلُ الوقتين، فكانَ الأَدَاءُ فيهِ أَولى)
(6)
، ولا يَشْكُلُ على أحدٍ أنَّ رمضانَ أفضلُ الأوقاتِ، ألا ترى أنَّ عِدَّةً مِنْ أَيامٍ أُخَر كالخَلَفِ عن رمضانَ، والخَلَفُ] لا يساوي
(7)
الأصلَ بحالٍ.
والنبيُّ/ عليه الصلاة والسلام اختارَ لنفسهِ الصَّوْم في السفرِ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّخصةَ عندَ شَكْواهُمْ، الجَهدُ دليلٌ على أنّ الصَّوْم أفضلُ
(8)
، كذا في مبسوطِ فَخْرُ الْإِسْلَام
(9)
، وما رواهُ مُحمولٌ على حالِ الجَهدِ بالفتح، أي: المشقةُ على ما ذكرنا بيانه من «المَبْسُوط»
(10)
آنِفًا فإنْ قُلْتَ: هذا الذي ذَكَره مِنْ وجهِ الحَمْل مخُالفٌ لأصْلنِا، فإنَّ الأصلَ عِنْدَنَا أنْ لا يخصَّ العامَ بسببهِ لَمِا عُرِفَ فيهِ مسألةُ
(11)
، واللهِ لا أتغدّى اليومَ؛ لأنَّ العبِرةَ عِنْدَنَا لعمومِ اللفظ لا لخِصُوُصِ السببِ ألا ترى أنَّ آيةَ الظِّهارِ، واللعانِ في قوله:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}
(12)
الآية، وقال:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}
(13)
الآية، لم يختصْ بصاحبِ الحادثةِ فكيفَ اختصَّ في قوله عليه الصلاة والسلام:«ليسَ مِنَ البرِّ الصِّيَامُ في السفرِ»
(14)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 165).
(2)
تحفة الفقهاء لعلاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي المتوفى سنة (539 هـ) والكتاب طبعته دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1405 هـ.
(3)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 359)، الاستذكار (3/ 303)، المهذب (1/ 178).
(4)
يُنْظَر: شرح الوجيز (6/ 425).
(5)
يُنْظَر: الخُلَاصَة الغزاليَّة (1/ 217).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 126).
(7)
في (ب)(لايستوي).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 351).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 166).
(10)
المصدر السابق.
(11)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (3/ 329).
(12)
سورة المجادلة، الآية (3).
(13)
سورة النور، الآية (6).
(14)
سبق تخريجه ص (343).
قلتُ: جوابُ هذا، وما يتلاحقُ بهِ مذكورٌ في الوافي
(1)
عند
(2)
ذِكْرِ وُجوهِ] الاستدلالات قبيل
(3)
فصلَ الأمرَ لأنهما لم يدركَاْ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
(4)
وهذا لأنَّ وُجوبِ القضاء يَستْدعِي وُجوَب الأَداءِ فإنَّ بنفسِ الوجوبِ لا يتوجُه القضاءُ عنَد فوتهِ، ألا ترى أنّ مَنْ ماتَ بعدَ ما مضى مِنْ أولِ وقتِ الصَّلَاةِ قَدْرَ ما يتمكنُ مِنَ الأَداءِ لِقَىَ اللهَ تعالى وليسَ عليهِ إثمٌ] بسبب
(5)
تلكِ الصَّلَاةِ، وكذلكَ هاهنا لم يخُاطَبْ بالأَداءِ مادامَ المرضُ والسفرُ قائمين، فلما لم يخُاطَبْ بالأداءِ لا يخاطبُ بالقضاءِ بمجردِ فوتِ نفسِ الوجوبِ وفي «المَبْسُوط»
(6)
: ولِأَنَّ المرضَ لما كانَ عُذرًا في إسقاطِ أداءِ الصَّوْم في وقتهِ لدفعِ الحرجِ فلأنْ يكونَ عُذرًا في إسقاِط القضاءِ أَولى.
قولُه: (وذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله فيه خلافًا)
(7)
إلى قولِه: (وليسَ بصحيحٍ إنما الخلافُ في النُذُر).
وهو أَنَّ المريضَ إذا قالَ: للهِ عليَّ أنْ أَصومَ شهرًا، فماتَ قَبْلَ أنْ يصحَّ لم يلزمْهُ
(8)
، وإنْ صحَّ يومًا واحداً لَزِمَهُ أنْ يوُصِيَ بجميعِ الشهرِ في قولِ أبي حنيفةَ، وأبي يوسفَ، وقالَ محمدٌ: يلزمُهُ بِقُدَرِ ما صحَّ
(9)
؛ لأنَّ إيجابَ العبدِ مُعتبرٌ بإيجابِ اللهِ تعالى فصارَ كقضاءِ رمضانَ وأبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ رحمهما الله
(10)
يقولان: بأنَّ وجُوبَ الأداء مِضافٌ إلى وقتِ الصِّحةِ، فصارَ كالصحيحِ إذا نَذَرَ صومَ شَهْرِ، ثُمَّ ماتَ قبلَ تمامِ الشهرِ يلزمُهُ أنْ يُوصِيَ بهِ؛ لأنّ الكُلَّ وجبَ في ذِمتهِ، فوجبَ عليهِ تفريغُ ذمتهِ بالحَلَفِ، وهي الفديةُ إذا عجزَ عن التفريعِ بالأصل، فأمّا في صومِ رمضانَ فنفسُ الوجوبِ مُؤَجَّلٌ، أيْ: نفسُ الوجوبِ الذي يتعقبُهُ الأداءُ مُؤَجَّلٌ إلى حينِ القدرةِ، فَبِقَدَرِ ما يَقْدِرُ يظهرُ الوجوبُ
(11)
كذا في «الإيضاح»
(12)
.
(1)
سبق التعريف بكتاب الوافي ص (64).
(2)
في (أ)(عند) وفي (ب)(عنه) ولعل ما أثبته هو الصواب لموافقته سياق الكلام.
(3)
زيادة في (ب)(الاستدلالات الفاسدة).
(4)
سورة البقرة الآية (184).
(5)
سقطت في (ب).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 166).
(7)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 334).
(8)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 387)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 105).
(9)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 105)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 334).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط (19/ 294)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 360).
(11)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 353).
(12)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 126)، فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (ص 259).
وفي هذهِ المسألةِ السببُ إدراكُ العِدَّةِ، أي: السببُ المُوجِبُ للأداءِ، وبهذا اللِفظُ صّرحَ في «المَبْسُوط»
(1)
، فقالَ: بعدما ذَكَرَ قولَ الطَّحَاوِيُّ
(2)
بقولهِ: وهذا وَهْمٌ مِن الطَّحَاوِيٍّ، فإنَّ هذا (الخلافَ في النذرِ)، والفرقُ لأبي حنيفةَ، وأبي يوسفَ
(3)
أنَّ هناكَ السببُ هو النذرُ إِلاَّ أنهُ ليسَ للمريضِ ذمةٌ صحيحةٌ في التزامِ أداءِ الصَّوْم حتى يبرأَ، فعندَ البرءِ يصيرُ كالمُجددِ للنذْرِ والصحيحُ: إذا قالَ: لله عليَّ أنْ أصومَ شَهرًا، ثُمَّ ماتَ بعدَ يومٍ فعليهِ قضاءُ جميعِ الشهرِ، وهاهنا السببُ الموجبُ للأداءِ إدراكُ عِدَّةٍ منْ أيامٍ أُخَر، فلا يلزمُهُ القضاءُ إِلاَّ بقدَرِ ما أدَركَ، وقضاءُ رمضانَ إنْ شاءَ فَرَّقَهُ، وإنْ شاءَ تابَعهُ لإطلاقِ النصِّ، فإنْ قلتَ: كيفَ اعتبرتُمْ، قراءةَ ابنِ مسعودٍ في صفةِ التتابعِ في كَفارةِ اليمين
(4)
، وأوجبتُم متتابعًا، ولم يعتبروا قراءةَ أُبَيّ رضي الله عنه
(5)
في قضاءِ رمضانَ مع أنّهُ قراء قولهِ تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
(6)
متتابعات.
[مسألة التتابع في قضاء الصَّوْم]
قلت: الفرقُ بينهما مِنْ وجهين: أحدُهما أنَّ قراءة أُبَي لم تشتهْر فيما بينَ السلفِ اشتهارَ قراءةِ عبدِاللهِ ابنِ مسعودٍ، فصارتْ بمنزلةِ خَبَرِ الواحِدِ، وبمثلهِ لا تجوزُ الزيادةُ على كتابِ الله تعالى، وقراءةُ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ كانتْ مشهورةً
(7)
إلى زمنِ أبي حنيفةَ رحمه الله حتى كانَ سليمانُ الأعمشُ يقرأُ حتمًا على حَرْفِ ابنِ مسعودٍ، والزيادةُ تثبتُ بالخبرِ المشهورِ فكذا بالقراءةِ المشهورةِ.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 163).
(2)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 334).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 163)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 334).
(4)
أخرجه عنه عبدالرزاق في مصنفه، باب صيام ثلاثة أيام وتقديم التكفير، (8/ 513)، والْبَيْهَقِي في سننه، باب التتابع في صوم التكفير، (10/ 60).
(5)
أخرجه مالك في الموطأ، باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات (1/ 409)، وعبدالرزاق في مصنفه، باب صيام ثلاثة أيام وتقديم التكفير، (8/ 514)، تفسير الطبري (10/ 560)، تفسير ابن كثير (3/ 177).
(6)
سورة البقرة الآية (148).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (2/ 74)، الاستذكار (3/ 350)، الْحَاوِي (11/ 363)، الْمُغْنِي (11/ 274).
والثاني: أنهُ وردَ في قضاءِ رمضانَ نصٌّ بخلافِ قراءتِهِ، وهو ما رُوِيَ أنَّ رجلًا جاءَ إلى رسولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام، فقالَ: عليّ قضاءُ رمضانَ، فقالَ رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام:«أَحْصِ العِدَّةً وصُمْ/ كيفَ شِئْتَ»
(1)
، فكانتْ قراءتُهُ منسوخةً بهذا النصِّ، فأمّا النصُ لم يَرِدْ مِنَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام بخلافِ قراءةِ عبدِاللهِ بنِ مسعودٍ فجازتْ الزيادةُ (بها)
(2)
على كتابِ اللهِ تعالى لما بينا. كذا في المَبْسُوطين
(3)
، حتى دخل رمضانٌ آخرٌ. قولُهُ: رمضانٌ بالتنوين؛ لأنّ الألفَ والنونَ المزيدتين في غيرِ الصفاتِ شَرْطُ عدمِ انصرافهِ العلميةُ، ووصفُهَ بآخرَ بُكْرَة دليلٌ بكارتهِ
(4)
.
[هل تلزم الفدية مع القضاء]
قولُه: ولا فدِيةَ عليهِ
(5)
ففيهِ نفي لقولِ الشَّافِعِي رحمه الله
(6)
، فإنّ عندَه يلزمُهُ معَ القضاءِ لِكُلِّ يومٍ طعامُ مسكينٍ، ومذهُبهُ مَرْوِيُّ عن ابنِ عُمَر رضي الله عنهما
(7)
،] ومذهبنا مَرْوِيٌّ عن علي، وابن مسعود
(8)
(9)
، وحاصلُ الكلام: أنَّ عندَهُ القضاءُ يتوقفُ بما بينَ رمضانينَ يستدلُ فيهِ بحديثِ عائشةَ رضي الله عنها
(10)
أنها كانتْ تُؤَخِرُ قضاءَ أيامِ الحيضِ إلى شعبانَ
(11)
، فهذا منها بيانٌ آخرٌ ما يجوزُ التأخير إليهِ، ثُمَّ جعلَ تأخيرَ القضاءِ عن وقتهِ كتأخيرِ الأداءِ عن وقتهِ، فكما أنَّ تأخيرَ الأداءِ عن وقتهِ لا ينفكُّ عن موجبٍ، فكذلكَ تأخيرُ القضاءِ
(12)
عن وقتهِ ولنا ظاهُر قولهِ تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
(13)
، وليس فيه توقيتٌ، فالتوقيتُ بما بينَ الرمضانين يكونُ زيادةً، ثُمَّ هذهِ عبادةٌ مؤقتةٌ فقضاؤُها لا يتوقفُ بما قبلَ مجيءِ وقتٍ مثلِها كسائرِ العباداتِ، وإنما كانتْ عائشةُ رضي الله عنها تختارُ للقضاءِ شعبانَ؛ لأنَّ رسولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام كان لا يحتاجُ إليها فيهِ، فإنهُ عليه الصلاة والسلام يصومُ شعبانَ كُلَّهُ، ولَئِنْ كانَ القضاءُ مؤقتًا بما بينَ رمضانين كانَ التأخيرٌ عن وقتِ القضاءِ كالتأخيرِ عن وقتِ الأداءِ، وتأخيرُ الأداءِ عن وقتهِ لا يُوجبُ عليهِ شيئًا، إنّما وجُوبُ الصَّوْم باعتبارِ السببِ لا بتأخيرِ الأداءِ، فكذلك تأخيرُ الأداءِ عن وقتهِ، ثُمَّ الفديةُ تقومُ مقامَ الصَّوْم عندَ اليأسِ عنهُ كما في حقِّ الشيخِ الفاني، وبالتأخيرِ لم يقعْ اليأسُ عن الصَّوْم، فالقضاءُ واجبٌ عليهِ، ولا معنى لإيجابِ الفديةِ، وكما لا يَتضاعفُ القضاءُ بالتأخيرِ فكذلكَ لا ينضمُّ القضاءُ إلى الفداءِ؛ لأنَّ انضمامَ القضاءِ إلى الفداءِ في معنى التضعيف. كذا في «المَبْسُوط»
(14)
.
(1)
رَوَاهُ ابن أبي شيبة في منصنفه (9209 - 3/ 32)، والْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (8496 - 4/ 258)، والدَّارقُطنيّ في سننه (2/ 192).
(2)
سقطت في ب.
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 218)، المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 135).
(4)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (4/ 144).
(5)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 126).
(6)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 451)، الْمَجْمُوع (6/ 364).
(7)
يُنْظَر: الاستذكار (3/ 367)، الْمُغْنِي (3/ 85).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 138).
(9)
سقطت في (ب).
(10)
أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه، باب متى يقضى قضاء رمضان (3/ 35)، ومسلم في صحيحه، باب قضاء رمضان في شعبان (3/ 154)، من قولها رضي الله عنها.
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 138).
(12)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 336).
(13)
سورة البقرة الآية (184).
(14)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 138، 139).
[مسألة الحامل والمرضع]
والحامُل، والمرضُع إذا خافتا على نفسِهِمَا إلى آخره. الواو بمعنى أو؛ لِأَنَّ هذا الحُكْمَ ثابِتُ في حقِّ كُلِّ واحدٍ منهما على الانفرادِ فكانَ كقولهِ تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}
(1)
أيْ: ويتبعَ؛ لأنَّ ترتيبَ هذا الجزاءِ المذكورِ على مَنْ يُشْاقِقِ الرسولَ غيرُ متوقِفٍ على اتباعِ غيرِ سبيلِ المؤمنين، بلْ كُلُّ واحدٍ منهما. لكنَّ ذْكِرَ اتباعِ غيرِ سبيلِ المؤمنين لبيانِ علوِّ درجةِ الإجماعِ حيثُ جعلَ مَخالِفَ الإجماعِ كمخالفِ الرَّسولِ عليه الصلاة والسلام، والدليلُ عليهِ: لفظُ «المَبْسُوط»
(2)
بقوله: وإذا خافتْ الحَاملُ والمرضعُ على نفسِها أو ولدِهَا أفْطرَتْ، ولا كَفَّارَة عليهِمَا
(3)
(4)
.
إنّما ذُكِرَ هذا لدفعِ شُبهةٍ؛ لأنهُ يتصورُ بصورةِ مَنْ تجبُ عليهِ الكفارةُ إذا كانَ إفطارُها لأجْلِ الولَدِ؛ لأنهُ إفطارٌ في صومِ رمضانَ بعدَ الشُّروعِ فيهِ من غيرِ عُذْرِ في نفسِها، بل لمعنى في غيرِها فصارَ كالإفطارِ في رمضانَ بالتماسِ المضيفِ وغيرِهِ.
[مسألة المكره على الفطر]
وذَكَر في «المَبْسُوط»
(5)
في بابِ الخيارِ في الإكراهِ، ولو قِيلَ: لرجُل لَتَشْرَبنَّ هذا الخمْرَ، أو لتأْكُلَنَّ هذهِ الميتةَ، أو لتقتلنَّ ابنكَ، أو أباكَ لم يسعَهُ شُرْبُ الخمْرِ، ولا أَكْلِ الميتةِ لانْعِدَامِ الضرورةِ، ألا ترى أنَّ هذا بمنزلةِ التهديدِ [بالحبسِ] في حقّهِ.
[هل على المرضع كفارة]
قلتُ: فعلى هذا لا يجوزُ إفطارُهُ بسببِ خوفِ هلاكَ ابنهِ في الإكراهِ لما أنّهُ جعلَ ذلكَ بمنزلةِ التهديدِ بالحبسِ، وفي التهديدِ بالحبسِ لا يجوزُ الإفطارُ أصلًا. ثُمَّ الفرقُ بينَ هذهِ المسألةِ، وبينَ مسألةِ الإكراهِ في حقِّ وجُوبِ الكَفارة: هو أنَّ هذا عُذْرٌ في الإكراهِ جاءَ مَنْ قتلَ منْ ليسَ لهُ الحقُّ، فلا يُعذَرُ في سقوطِ الكفاءةِ لصيانةِ نفسِ غيرِهِ بخلافِ الحاملِ والمرضعِ، كما في صلاةِ المعتدِّ والمريضِ، فلِأَنَّ المرضِعَ، والحاملَ مأموُرُ بصيانةِ الولدِ مقَصودًا، وهو لا يتأدَّى بدونِ الإفطارِ عندَ الخوفِ، فكانتْ مأمورةً أيضًا بالإفطارِ، والأمرُ بالإفطِارِ معَ الكفارةِ التي بناؤُها على الزَّجرِ عن الإفطارِ لا يجتمعان بخلافِ الإكراهِ، فإنَّ كُلَّ أَحَدٍ غيرُ مأمورٍ قصدًا بصيانةِ غَيرهِ، بلْ نَشَأَ الأمُر هناكَ مِن ضَرورةِ حُرْمةِ القتلِ، والحُكْمُ يتفاوتُ بتفاوتِ الأمرِ القصديِّ والضمنيِّ هو يعتبره
(1)
سورة النساء الآية (115).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 179).
(3)
يُنْظَر بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 41).
(4)
يُنْظَر المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 179)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 652).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (4/ 263).
بالشيخ الفاني، فوجْهُ الاعتبارِ هو أنّ الفِطْرَ حَصَلَ بسببِ نفسٍ عاجزةٍ عن الصَّوْم خِلْقَةً لا عِلَّةً، فيُوجبُ الفديةَ كفِطْرِ الشيخِ الفاني، وهذا لأنّ في هذا الفِطْرِ منفعةَ شخصين
(1)
: منفعتُها ولدها، فباعتبارِ يجبُ القضاءُ، وباعتبارِ منفعةُ ولدِها تجبُ الفديةُ، ولنا أنَّ هذهِ مُفْطِرةٌ يُرجى لها القضاءُ، فلا يلزمُها الفديةُ كالمريضِ والمسافرِ، وهذا لِأَنّ الفديةَ مشروعةٌ خَلَفًا عن الصَّوْم، والجمعَ بينَ الأصلِ، والخَلَفِ لا يكونُ، وهي خَلَفٌ غيرُ معقولٍ، بل ثابتٌ بالنصِّ في حقِّ مَنْ لا يُطِيقُ الصَّوْم
(2)
، ولا يجوزُ [أن يجب]
(3)
باعتبارِ الولدِ؛ لأنهُ لا صومَ على الولدِ، فكيفَ تجبُ ما هو خَلَفٌ عنهُ؟ ولأنه لا يجبُ في مالِ الولدِ، ولو كانتْ باعتبارهِ لوجبتْ في مالهِ كنفقتهِ
(4)
، ولا تتضاعفُ بتعدُّدِ الولدِ، كذا في «المَبْسُوط»
(5)
، ولِأَنَّ الفِدْيَةَ لو وجبتْ إنما تجبُ جبَرًا أو زَجرًا لا وجهَ إلى الأَول؛ لأنهُ حصلَ بالقضاءِ، ولا وجهَ إلى الثاني؛ لأنهُ مَعذورٌ، كذا ذكرهُ الصدرُ الشهيدُ في «شرحِ الكافي»
(6)
فتذكّرْ هاهنا تعجَبَ القاضي أبي علي النسفي مِنْ إيجابِ القضاءِ معَ الفديةِ
(7)
.
وقد مرَّ في مسألةِ عدمِ وجوبِ الكفارةِ مع الأكلِ والشُّربِ عامِدًا على قولِ الشَّافِعِي: والشيخُ الفاني سمُاهُ فانيًا بها؛ لأنهُ قَرُبَ إلى الفَناءِ، أو لأنهُ فَنِيَتْ قوتُهُ.
ثُمَّ قولُهُ: (الذي لا يَقْدِرُ على الصِّيَامُ صفتُهُ، وقولُه: يُفْطِرُ ويُطعِمُ)
(8)
خبرٌ للمبتدأ الموصوفِ، ثُمَّ الفديةُ، وهي: الإطعامُ مذهبنا
(9)
وقالَ مالِكٌ
(10)
: لا فديةَ عليهِ، قالَ: لِأَنَّ أصلَ الصَّوْم لم يلزمْهُ؛ لِكُوْنِهِ عاجِزًا عنه، فكيفَ يلزمُهُ خَلَفُهُ؛ لأنّ الخَلَفَ مشروعٌ لِيقُومَ مقامَ الأصلِ، ولنا أنَّ الصَّوْم قدْ لَزِمَهُ بشهودِ الشهرِ حتى لو تحمَّلَ المشقةَ، وصامَ كانَ مُؤديًا للتعرضِ، وإنما يُباحُ لهُ الفِطْرُ لِأّجْلِ الحرجِ، وعذرُهُ ليسَ بعرضِ الزوالِ حتى يُصارَ إلى القضاءِ، فوجبت الفديةُ كَمَنْ ماتَ، وعليهِ الصَّوْم، يوضحُهُ أنَّ الصَّوْم لَزِمَهُ لا باعتبارِ عينهِ، بل باعتبارِ خَلَفِهِ كالكفارةِ تجبُ على العبدِ لا باعتبارِ المالِ، بل باعتبارِ خَلَفِهِ، وهو الصَّوْم، كذا في «المَبْسُوط»
(11)
.
(1)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 438).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 180)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 337).
(3)
زيادة في ب.
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 180).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 179، 180).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 179)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 307).
(7)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 97).
(8)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 41).
(9)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 97)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 334).
(10)
يُنْظَر: بداية المجتهد (1/ 301)، حاشية العدوي (1/ 564)، إلا أنه استحب له أن يطعم.
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 180).
ومما يلحقُ به مسألةُ ليمسّنَ السماءَ
(1)
ونحوها، (وقيل: معناهُ لا يُطيقونَهُ)، وحرف لا مضمرَ فيهِ كقولهِ: يبيّنُ اللهُ لكم أنْ تضلوا، أي: لئلا تضِلوا {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ}
(2)
، أي: لَئلِا تميزُهُم، وقِيلَ: معناه: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}
(3)
والآيةُ وردتْ في حقِّ الشيخِ الفاني، كذا في «المَبْسُوط»
(4)
، و «شرح الكافي» . ولوَ قدُرَ على الصِّيَامِ يُبطلُ حُكْمُ الفِداءِ، أيْ: يبطلُ حُكْمُ الفداءِ الذي فداهُ فصارَ كأنهُ لم يفدْهُ حتى يجبَ عليهِ الصَّوْم، فإنْ قلْتَ: الحُكْمُ التعلقُّ بالحلفِ إذا تَمَّ بهِ لا يُعطى لهُ حُكْمُ البُطلانِ بعدَ التَّمامِ كما إذا صلَّى بالتيممِ، ثُمَّ وَجَدَ الماء، وكما إذا صامَ الحانثُ المُعْسِرُ عن الكفارةِ، ثُمَّ استغنى
(5)
.
قلت: شَرْطُ جوازِ الحَلَفِ عن الصَّوْم هنا دوامُ العَجْزِ عن الصَّوْم إلى موتهِ، لما أنَّ الشيخَ الفاِني هو الذي يزدادُ كُلَّ يومِ ضعفُهُ إلى موتهِ، وإِلاَّ لَا يكونُ شيخًا فانيًا، فكانَ هو نظيرُ الآيسةِ في اشتراطِ دَوام الإياسِ إلى موتهِا لخروجِها عن حُكْم ذواتِ الحيضِ، فصارتْ قُدرتُهُ على الصَّوْم، وإنْ كانتْ بعدَ الفداءِ كَقُدْرَةِ المتيممِ على الماءِ في خلالِ الصَّلَاةِ، واستغناءُ الحانثِ في خلالِ صومهِ عن كفارةٍ، فلما كانَ كذلكَ كانتْ قدرتُهُ علىِ الصَّوْم قُدْرَةً على الأصلِ قبلَ تمامِ الحُكُم بِالخَلَفِ، وهو مُوجبُ بُطلانِ الحُكْمِ التعلُّقِ بِالَخَلفِ، فإنْ قلتَ: لو كانَ هذا نظيرُ الإياسِ ينبغي أنْ لا يبطلُ حُكْمُ الفِداءِ بعَد تحققهِ، كما أنّ العجوزَ الكبيرةَ التي حَكَمَ بإياسِهَا إذا اعتدَّتْ بالشهورِ، وتزوجتْ بزوجٍ آخَر، ثُمَّ رأتْ الدمِ لا يبطلُ الِنّكاحُ. كذا ذكرهُ الإمامُ الزعفراني، ذكره في «المَبْسُوط»
(6)
.
قلتُ: عدمُ بطلانِ الاعتدادِ، والنكاحِ هنا لا باعتبارِ أنَّ دوامَ الإياسِ ليسَ بشرطٍ لكونها آيسةً، بل باعتبارِ أنَّ الذي رأتهُ مِنَ الدمِ بعدَ الحُكمِ بالإياسِ ليسَ بحيضٍ، وقالَ في «المَبْسُوط»
(7)
: لأنَّ الظاهَر أنَّ الدَم في هذهِ الحالةِ من فسادِ الرَّحمِ أو الفداءِ لا أنهُ حيضٌ، فلذلكَ لم يبطلْ بهِ ما تقدَّمَ مِنَ الحُكْمِ بالإياسِ، وإنْ ماتَ وعليهِ قضاءُ رمضانُ فأوصى بهِ، أي: قَرُبَ إلى الموتِ، فأوصى بهِ في ذلكَ الوقتِ أنَّ بعدَ الموتِ لا يتُصورُ الإيصاءُ أطعمَ عنه ولُيهُ لِكُلِّ يومٍ مسكينًا، نصفُ صاعٍ/ من بُرٍّ، وعندَ الشَّافِعِي رحمه الله مقدَّرٌ بالثمِن
(8)
؛ لأنهُ عَجَزَ عن الأداءِ في آخرِ عُمرِهِ، فصارَ كالشيخِ الفاني، فإنْ قلتَ: جوازُ الفديةِ في حقِّ الشيخِ الفاني ثبتَ على خلافِ القياس، فكيفَ يلحقُ بهِ مَنْ عليهِ قضاءُ رمضانَ، وهو ليسَ بشيخٍ فانٍ ومِنْ شرائِطِ القياسِ أنْ يكونَ المنصوصُ عليهِ مُوفقًا للقياسِ لمِا عرفْتَ.
(1)
يشير المؤلف إلى مسألة من حلف ليمسن السماء وهو لا يستطيع ذلك وقد تحدث عنها في باب اليمين.
(2)
سورة الأنبياء الآية (31).
(3)
سورة البقرة الآية (184).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 180، 181).
(5)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 207).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 273).
(7)
يُنْظَر: المرجع السابق (3/ 383).
(8)
يُنْظَر: الْحَاوِي (8/ 522)، الْمَجْمُوع (6/ 187).
قلتَ: الحكمُ إذا ثبتَ بخلافِ القياسِ لا يَقاسُ عليهِ غيرُهُ إِلاَّ إذا كانَ في معناهُ مِنْ كُلِّ وجهٍ، فحينئذٍ يثُبتُ الحُكْمُ فيهِ بطريقِ الدِّلالةِ لا بالقياسِ، فكذا سمعتُهُ مِنَ الأُستاذِ رحمه الله
(1)
(2)
غيرَ مرةٍ، وهذا الذي ذكُرهُ في معناهُ مِنْ كُلِّ وجهٍ؛ لِأَنَّ الكلَام في مريضٍ عليهِ قضاءُ رمضانَ بأنْ كانَ أَفْطَرَ في سَفرِهِ أو مَرضِهِ، ثُمَّ أدركَ عِدّةً مِنْ أَيامٍ أُخَر ولم يصمْ ثُمَّ مَرِضَ، واستمرَّ مرضُهُ إلى أنْ ماتَ، فأوصى في مرضِه ذلكَ، ألا ترى أنهُ ألحقَ مَنْ عليهِ قضاءُ الصلواتِ بالشيخِ الفاني في حقِّ جوازِ الفديةِ عن الصلواتِ، فِلأَنْ يُلحِقْ بهِ مَنْ عليهِ قضاءُ الصَّوْم بهِ أولى لورودِ النصِّ في حقِّ الصَّوْم
(3)
.
[هل على الميت كفارة]
قولُه: ثُمَّ لابُدَّ مِنَ الإيصاءِ عندَنا
(4)
هذا اللزومُ للأداء على الوارثِ على نفسِ الجوازِ، فإنهُ إنَّما يجبُ على الورثةِ الفديةُ عن صومِ الميتِ إذا كانَ أوصى الميتُ، وأما إذا لم يكنْ أوصى لم يلزمْهم الفديةُ عنهُ، ولكنْ لو أدَّوها بغيرِ أمرِهِ يجوزُ في الصَّوْم، كما يجوزُ أداءُ الفديةِ عن صلاةِ الميتِ بأمرِهِ، وذكَر شمُس الأئمةِ السَّرَخْسِي في «أُصول الفقهِ»
(5)
: بعدما ذكَر جوازَ الفديِة عن الصَّلَاةِ بأمرِ الميتِ فقالَ: وكذلكَ قال - أي: مُحَمَّد رحمه الله في أداءِ الوارثِ عن المورثِ بغيرِ أمرِه في الصَّوْم يجزئُه إنْ شاَء اللهُ تعالى خِلافًا للشافعي رحمه الله
(6)
، وخلافهُ في مواضعَ أحدِها في لزومِ الإطعامِ، وهي الفديةُ فإنما يلزمُ الورثةُ الإطعام َعن الصَّوْم عنَدنا
(7)
إذا أوصى، ولا يلزمُهم إذا لمِ يوصِ، وعلى قولِ الشَّافِعِي رحمه الله يلزمُهُمْ، وإنْ لم يَقضِ، والثاني في اعتبارِ الثلاثِ، فعِنْدَنَا يجبُ الإطعامُ عليهم عنهُ مِنْ ثُلُثِ مالهِ حتى إذا زادَ الإطعاَمُ على ثُلثِ المالِ لا يلزمُهم ذلكّ وإنْ أوصى، وعلى قولِ الشَّافِعِي يلزمُهم ذلكَ مِنَ جميعِ مالهِ، فكانَ هُوَ نظيرَ الخلافِ في دَيْنِ الزَّكَاةِ، والثالثُ في قَدْرِ] قدرتهِ على الإطعامِ
(8)
الإطعام، وقد ذكرناه، وعلى هذا الزَّكَاةُ يعني: ومَنْ ماتَ، وعليه زِكاةٌ لم يُؤدِّها، فأوصى بها أدّى عَنهُ وليُه، وعندَ الشَّافِعِي رحمه الله لا يحتاجُ إلى الإيصاءِ.
(1)
هو فخر الدين المايمرغي. يُنْظَر: طبقات الحنفية (1/ 213).
(2)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 358).
(3)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 438).
(4)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (1/ 367)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 207).
(5)
يُنْظَر: أصول الفقه للِسَّرَخْسِي (1/ 51).
(6)
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 364).
(7)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (1/ 368)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 335).
(8)
سقطت في ب.
وفي «المَبْسُوط»
(1)
: رجلٌ ماتُ عندَما وجبتْ عليهِ الصدقةُ في سائمتِهِ فجاءَ المصُدقِ، وهو في يدِ الورثةِ، فليسَ لهُ أنْ يأخذَ منهم صدقتَها إِلاَّ وأنْ يكونَ الميتُ أوصى بذلك، فحينئذٍ يأخذُ مِن ثُلثِ مالهِ، وقالَ الشَّافِعِي
(2)
: يأخذُ الصدقةَ مِنْ جميعِ مالهِ أوصى أو لم يوصِ، وحجُتُه قولهُ عليه الصلاة والسلام: في حديثِ الخثعميةِ: «أرأيتَ لو كانَ على أبيكَ دَيْنٌ أتقضيَهُ» فقالَت: نعمْ، فقالَ عليه الصلاة والسلام:«دَيْنُ اللهِ أحقُّ»
(3)
فقد شَّبهَ رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام دَيْنُ اللهِ بدَيْنِ العبادِ، ثُمَّ دَيْنُ العبادِ يُقضي مِنَ التَركَةِ بعدَ الوَفاةِ مُقدمًا على الميراثِ، فكذلك دَيْنُ الله؛ وذلك لأنَّ الوارثَ قائِمٌ مقامَ الموُرِثِ في أداءِ ما يجري النيابةُ في رأيهِ، وحجتُنا قولُه عليه الصلاة والسلام:«يقولُ ابنُ آدمَ مالي مالي، وهلَ لكَ مِنْ مالِكَ إِلاَّ ما أكلْتَ فأفنيتَ، أو لبسْتَ فأبليْتَ، أو تصدقتَ فأمضيْتَ، وما سوى فذلك فهو مال ومالي الوارثِ»
(4)
، وهذا يقتضي أنَّ ما لم يمضْهِ منَ الصدقةِ يكونُ مالُ الوارثِ بعدَ موتهِ، وهذا لِأَنَّ حقُوقَ اللهِ تعالى مع حقوقِ العبادِ إذا اجتمعتْ في محلِّ تقدِّمَ حقَّ العبادِ، ثُمَّ الواجبُ عليهِ فِعْلُ الإيتاءِ، وفعلٌ للإيتاءِ لا يمكنُ إقامتُهُ بالمالِ لتقوَم المالُ فيهِ مقامَ الذِّمَةِ بعدَ الموتِ، والوارثُ لا يمكنُ أنْ يجُعلَ ثانيًا في أداءِ الزَّكَاةِ؛ لأنَّ الواجبَ ما هو عبادةٌ، ومعنى العبادة لا تتحققُ بلا نيّةٍ، وفعلُ ممن يجبُ عليهِ حقيقةً أو حُكْمًا كما في الإيصاءِ، فأمّا خلافةَ الوارثِ المورثِ في أداءِ الزَّكَاةِ مِنْ غيرِ إيصاءٍ يكونُ جبرًا من غيرِ اختيارٍ من المورثِ، وبه لا تتأدّى العبادةُ إِلاَّ أنْ يكونَ أوصى، فحينئذٍ تكون بمنزلةِ الوصيةِ بسائرِ التبرعاتِ ينفذُ من ثلثه، ويظهرُ الفرقُ بما ذكرنا بينَ ديونِ اللهِ تعالى، وبين دُيونِ العبادِ إذا تأملتَ، كذا في المَبْسُوط
(5)
، وحديثِ الخثعمية
(6)
محمول على إذا جددَ أمَرها بهِ.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (2/ 334).
(2)
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 364).
(3)
الحديث أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه، باب الحج، والنذور عن الميت، والرجل يحج عن المرأة (3/ 18)، ومسلم في صحيحه، باب قضاء الصِّيَامِ عن الميت (3/ 156)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ولكن السائل هي امرأة من جهينة كما في الْبُخَارِيُ وليست الخثعمية، وفي مسلم أن السائل امرأة على الإبهام.
(4)
رَوَاهُ مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق (2958)، من حديث مطرف عن أبيه.
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (2/ 334، 335).
(6)
سبق تخريجه، ص (357).
وفي «الْأَسْرَارِ»
(1)
: إذا استهلكَ مالَ الزَّكَاةِ والعشُر، ثُمَّ ماتَ لم يُوجْد مِن تركتهِ، وكذلك الدُيونُ التي تجبُ صلاتٍ، أيْ: بغيرِ عَوِضٍ كالنفقةِ/ والخراجِ، والجزيةِ، وصدقةِ الفطْرِ، والكفاراتِ الماليةِ، والحجِّ، وفديةِ الصَّوْم، وما وَجَبَ عليه منَ الصدقةِ بنذْرِهِ، وإنْ أوصى بها لا يصحُّ إِلاَّ بُعذْرٍ كانَ يصحُّ لو لم تكنْ واجبةً، أمّا ما كانتْ منها عبادةٌ، فلما ذكرنا أنُه لا يتأدّى بنائبٍ تثبتُ ولايتُهُ عليهِ بغيرِ أمرِهِ، وأمّا ما كانَ منها عقوبُةُ، فلِأَنَّ العقوبةَ في ضَرْبٍ مَكروهٍ يلحقُ الإنسانَ باستيفائِهَا، وأنهُ لا يتُصورُ بعدَ الموتِ، وأمّا المعنى الذي يعمُّ الفصولُ كُلَّها فهو أنَّ الواجبَ في ذمةِ مَنْ عليهِ الحقُّ فعلٌ لا مالي فيبطلُ بموتهِ، ولا يتعلقُ استيفاؤُهُ بتركَتِهِ قِياسًا على ما إذا ماتَ وعليهِ صلاةٌ، وهذا لِأَنَّ التَرِكَةَ مالٌ يصلُحُ لاستيفاءِ المالِ منها، ولا يصلحُ لاستيفاءِ الفعلِ منها ألا ترى أنهُ إذا ماتَ وعليهِ القَصاصُ لم يُستوفِ مِنْ تركَتِهِ؛ لأنهُ لا يمكنُ، وكذلكَ الحَدُودُ، وإنمّا قُلنا: إنّ الواجبَ فعلٌ، أمّا العبادةُ منها فلما ذكرنا أنها اسمٌ لفعلِ، وأما ما سِواها فلِأَنَّ هذهِ أموالُ جُعِلَتْ صلاتٍ لمستحِقَها، والمُلْكُ في الصِّلاتِ لا يجبُ إِلاَّ بالتسليمِ، وكانَ التسليمُ فيها بمنزلةِ القَبولِ في المعاوضاتِ كالِهَبةِ بخلافِ الدِّيُونِ التي هي أعواضٌ فإنَها أموالٌ مملوكةٌ كما لو كانتْ أعيانًا، فإنها تُملَكُ بنفسِ السببِ فتعلَقَ استيفاؤُها بالترِكةِ، وعلى هذا خَيِارُ الشْرطِ لا يُورَثُ عندَنا
(2)
، وعندَ الخَصْم يُورثُ؛ لِأَنَّ المستوفىِ بهِ حقٌّ ماليٌّ، مَنْ تيممَ مَلَكَ المبيعَ أو رَدَّهُ كِخَيارِ العيبِ إِلاَّ أننا نقوَلُ: الواجبُ للمشترِي في العيبِ جزءٌ من المبيعِ احتبسَ عنَد البائِعِ، وهو مالٌ، والمالُ مما يُورثُ، والواجبُ بشرْطِ الخَيِارِ، أيْ: بِقَي لهُ، ثُمَّ يتصلُ بالتصُّرفِ في المالِ، والرأيُ لا يورثُ فلا يورثُ حُكْمُهُ؛ لأنهُ لا يثبتُ الإيتاءُ على الرَّأْي، فالخصمُ لم يُفرِقْ بينَ الواجبِ مالًا بنفسِهِ وبينَ الواجبِ مَالًا بناءً علىِ فِعلٍ لا وجوبٍ لهُ بُدونِهِ، فهذا سِرُّ المسألِةَ مزِلُّ الإقْدَامِ، ثُمَّ هو تبرَّعَ، وإنما قلنا: إنهُ تبرَّعَ؛ لأَنَّ الزَّكَاةَ فِعلٌ، والمالُ إليها، وقد سقطتْ الأفعالُ بالموتِ، فصارتْ الزَّكَاةُ كأنها سقطتْ في حقِّ الدُّنيا؛ لأنها لو لم يوصِ لا تجبُ على الورثةِ أداؤُها، فكانتْ الوصيةُ بأداءِ الزَّكَاةِ تَبرُعًا بخلافِ دَيْنِ العبادِ، فإنهُ لا يسقطُ بالموتِ؛ لأن المقصودَ ثمَة المالِ، والفعلُ غيرُ مقصودٍ حتى لو ظَفَرَ الغريمُِ بِجِنْسِ حقِّه، لهُ أنْ يَأْخُذَه، فإذا كانَ كذلكَ لا يسقُطُ بالموتِ، ولو أوصى بذلكَ يُعتبُر مِنْ جميعِ المالِ، وكذلكَ في بابِ الفِدْيَةِ أنهُ تبَّرعَ بدليلِ أنُّه لو لم يوصِ لا يجبُ على الوارثِ، فصارَ الإطعامُ مِنْ هذا الوجهِ كسائرِ الوَصايا بالقُربِ بخلافِ الوصيةِ بقضاءِ الدَّيْنِ، فإنهُ لو لم يوصِ يجبُ على الوارثِ قضاءُ الدَّيْنِ، فكانَ مِنْ جميعِ المالِ
(3)
، كذا في مبسوطِ شيخِ الإسلامِ
(4)
. وكُلُّ صَلاةٍ تعُتبُر بصومِ يومٍ هو الصحيحُ
(5)
هذاَ احترازَ عمَّا قالَ مُحَمَّد بنُ مُقاتل أولًا: بأنهُ يُطْعَمُ عنهُ لِصَلاةِ كُلِّ يومٍ نصفُ صَاعٍ على قياسِ الصَّوْم، ثُمَّ رجعَ، فقالَ: كُلُّ صلاةٍ فرضٌ على حدّةٍ بمنزلةِ صومُ يومٍ، وهو الصحيحُ؛ لأنهُ أحوط
(6)
، كذا في «المَبْسُوط»
(7)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (4/ 174).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (13/ 78).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 358).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (4/ 320).
(5)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (1/ 108)، الهِدَايَة (1/ 168).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 360).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 162).
[قطع الصيام]
قولهُ رحمه الله
(1)
: ولا يصومُ عنهُ الوَلِيُّ، ولا يُصلِّي احترازاً عن أَحدِ قَوْلَي الشَّافِعِي
(2)
: فإنهُ يقولُ في قولِ: يجوزُ للَوِليِّ أنْ يَصُومَ عنهُ لمِا رُوِيَ عنْ عائشةَ رضي الله عنها عنِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام أنهُ قالَ: «مَنْ ماتَ وعليهِ الصِّيَامُ صامَ عنهُ وليُهُ»
(3)
، وهذا نصٌّ في البابِ، ولنا حديثُ ابنُ عُمَر رضي الله عنه مَوقوفًا عليهِ، ومَرفوعًا:«لا يصومُ أحدٌ عن أحدٍ، ولا يصُلِّي أحدٌ عن أحدٍ»
(4)
، ولِأَنَّ المقصودَ مِنْ عِبادَةِ الصَّوْم لا يحصلُ بِفعْل غَيْرهِ، وهو قهرُ النفسِ الأمارة بالسُّوءِ، وتأويلِ قولهِ عليه الصلاة والسلام:«صامَ عنهُ وليَهُ»
(5)
، أيْ: فعلَ عنهُ ما يقومُ مقامَ الصَّوْم مِنَ الإطعَام، لكنْ إنْ أوصى بذلكَ، كذا في «المَبْسُوط»
(6)
، و «شرح الكافي» .
(ومَنْ دَخلَ في صومِ التطوِّع)
(7)
إلى آخره قد ذَكَرَناه مُسبقاً في فصلِ القراءةِ منْ كتابِ الصَّلَاةِ، فالقضاءُ بعدَ الإفسادِ واجبٌ سواءً حصلَ الفسادُ بصنعةِ، أو بغيرِ صُنعةِ حتى إذا حاضَتْ الصائِمةُ تطَّوعًا يجبُ القضاءُ في أصحِّ الروايتين
(8)
، وكذلك إذا افتتحَ صلاةَ التَطوُّعِ بالتيممِ، ثُمَّ أبصرَ الماءَ فعليهِ القضاءُ، والخروجُ منها ما كانَ بصنعةٍ.
فبيَّنَ أنَّ الصحيحَ أنَّ الشُروعَ مُلزِمٌ للإتمامِ كالنذورِ، ومتى تعَّذرَ الإتمامُ بعدَ صحَة الشُّروعِ فعليهَ القضاءُ، ثُمَّ هذهِ المسألةُ بيننا وبينَ الشَّافِعِي تُبتنَى على أصلٍ، وهو أنَّ بعدَ الشُّروعِ لا يُباحُ لهُ الإفطارُ بِغَيْرِ عُذْر عندَنا
(9)
فيصيرُ بالإفطارِ جانبًا فيلزمُهُ القضاءُ، وعند الشَّافِعِي رحمه الله
(10)
يُبُاحُ لهُ الإفطارُ مِنَ غَيِرْ عُذرِ فلا يكونُ في الإفطارِ جانبًا، فلا يلزمُهُ القضاءُ، كذا في «المَبْسُوط»
(11)
، فلذلك ذَكَر بعدَ هذهِ المسألةِ قولُهُ: في الكتابِ، ثُمَّ عِنْدَنَا لا يباحُ الإفطارُ فيهِ بغيرِ عُذْرِ في إحدى الروايتين
(12)
.
(1)
القائل هو الْمَرْغِينَانِي صاحب الهِدَايَة رحمه الله. يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 126).
(2)
هو قول الشَّافِعِي في القديم. يُنْظَر: العزيز شرح الوجيز (6/ 457)، الْمَجْمُوع (6/ 368).
(3)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الصَّوْم، باب من مات وعليه صوم (1851)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب قضاء الصِّيَامِ عن الميت (1147).
(4)
رَوَاهُ مالك في الموطأ (1069 - 3/ 434)، والْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (8475 - 4/ 254) وأخرج النسائي في سننه الكبرى، باب صوم الحي عن الميت (3/ 257)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه (لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه).
(5)
سبق تخريجه في الهامش رقم (3).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (3/ 161).
(7)
يُنْظَر بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 41).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 150)، مجمع الأنهر (1/ 200).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 124)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (1/ 290)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 61).
(10)
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 394)، مغني المحتاج (1/ 448).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 125).
(12)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 360).
قلتْ: ذِكْرُ إحدى الروايتين في الْكِتَابِ مخُالِفٌ لإطلاقِ ما ذكرهُ شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله في «المَبْسُوط»
(1)
: كما ترى حيثُ ذَكَرَ مُطلقًا أنَّ الإفطارَ بغير عُذْرٍ لا يبُاحُ عندَنا، ولكنْ مُوافِقٌ لَمِا ذُكِرَ في الذخيرِة، ومَبْسُوط شَيْخُ الإسْلَامِ
(2)
، فإنهُ ذَكَرَ في الذخيرِة: وأمّا الإفطارُ بغيرِ عُذْرِ بِشَرْطِ القضاءِ ذَكَر في المنتقى عن أبي يوسفَ أنهُ يحَلُّ،] وهكذا رَوى الحسنُ بنُ زياد عن أبي حنيفةُ رحمه الله
(3)
، وذكرَ الفقيهُ أبو بكر الرازيُّ
(4)
عن أصحابنا أنهُ لا يَحِلُّ
(5)
والمتأخرونَ اختلفوا فيهِ، وهذا كُلُّهُ في التطوِّعِ
(6)
، فأمًّا في الفرضِ، والواجبِ لا يَحِلُّ الإفطارُ إِلاَّ بُعِذْرٍ
(7)
، والضيافةُ ليستْ بُعِذْرِ فيهِ، والسفرُ ليسَ بعذْرِ في اليومِ الذي أنشأ السفَر فيهِ عُذْرٌ فيما عداهُ مِنَ الأيامِ
(8)
.
[هل يفطر إذا دعي للوليمة]
قولُه: (والضيافةُ عُذْرٌ)
(9)
، أيْ: في التطِّوعِ، ومِنَ المشايخِ مَنَ قالَ: إنْ كانِ صاحِبُ الدَّعوى يرضى ِبُمجَردِ حُضُورِهِ، ولا يتأذّى بتْركِ الإفطارِ لا يُفْطِرُ
(10)
، وإنْ كان يتأذّى يُفْطِرُ ويقضِي
(11)
، وقالَ شمسُ الأئمةِ الحلواني رحمه الله
(12)
: إنْ كانَ يِثقَ مِنْ نفسهِ القضاءَ يُفطِرُ دفعًا للأذى عنْ أخيهِ المسلمِ، وإنْ كانْ لا يثقُ مِنْ نفسهِ القضاءَ لا يُفطِرُ، وقد اختلفَ مشايخُ بلخٍ فيِمَنَ حَلَفَ على صائِم بِطلاقِ امرأتِهِ أنْ يفُطِرَ، كذا في «الذخيرة»
(13)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 125).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (2/ 203).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 110)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 84).
(4)
هو: أحمد بن علي بن الحسين بن شهريار، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص من أهل الري، من فقهاء الحنفية، سكن بغداد ودرس بها تفقه الجصاص على أبي سهل الزجاج، وعلى أبي الحسن الكرخي، وتفقه عليه الكثيرون. انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته. كان إمامًا، رحل إليه الطلبة من الأفاق. خوطب في أن يلي القضاء فامتنع، وأعيد عليه الخطاب فلم يقبل. من تصانيفه:(أحكام القرآن)، و (شرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي)، و (شرح الجامع الصغير).
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (15/ 245)، الجواهر المضية (1/ 84)، الأَعْلَام للزركلي (1/ 171).
(5)
سقطت في (ب).
(6)
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 394)، أسنى المطالب (1/ 430).
(7)
تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 351)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 61).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (3/ 334).
(9)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 127).
(10)
يُنْظَر الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 309).
(11)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 362).
(12)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 309).
(13)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 651).
وذكرَ في «المَبْسُوط»
(1)
: واختلتْ الرواياتُ في الضيافةِ هل يكون عُذرًا؟ رَوَى هِشام
(2)
عن مُحَمَّد رحمه الله أنها عُذْرٌ مُبيحٌ للفِطْرِ
(3)
، ورَوَىَ الحسنُ عن أبي حنيفةَ رحمه الله أنها لا تكونُ عُذرًا، ورَوَى ابنُ أبي مَالِكٍ
(4)
، عنْ أبي يوسفَ، عن أبي حنيفةَ رحمه الله: أنها تكونُ عُذرًا
(5)
، وهو الأظهرُ لمِا رُوِيَ عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام: أنهُ كانَ في ضيافةَ رَجُلٍ منَ الأنصارِ، فامتنعُ رَجُلً مِنَ الأكلِ، وقالَ: إني صائِمً، فقال عليه الصلاة والسلام:«إنّما دعاكَ أخوكَ لُتِكْرمَهُ فأَفْطِرُ، واقضِ يومًا مكانَهُ»
(6)
ووجهُ الرِوَايةِ الأُخرى ما رُوِيَ عنْ رسولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام أنهُ قالَ: «إذا دُعِيَ أحدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فإنْ كانَ مفُطْرًا فليأْكُلْ، وإنْ كانَ صائِمًا فليُصُلِ، أيْ: فَلْيَدْعُ لَهُمْ»
(7)
، وقالَ عليه الصلاة والسلام:«إنَّ أخوفَ ما أخافُ على أُمتي الشِّركُ، والشهوةُ الخفيةُ» قِيلَ: أو تُشْرِكُ أُمتكَ بعدَكَ، فقالَ:«لَاْ، ولكنَّهمُ يُراؤوُنَ بأَعْمالهِم» فَقِيلَ: وما الشهوةُ الخفيةُ؟ فقالَ: «أنْ يصُبِحَ أحدُهُمْ صائِمًا، ثُمَّ يُفْطِرُ على طعامٍ يَشْتُهْيِةِ»
(8)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 125، 126).
(2)
هو: هشام بن عبيد الله الرازي، السني. تفقه على أبي يوسف، ومحمد، وحدث عن مالك، وابن أبي ذئب، وحماد بن زيد، وطبقتهم، وحدث عنه بقية بن الوليد وأبو حاتم، وجماعة. قال هشام: لقيت ألفًا وسبع مائة شيخ أصغرهم عبدالرزاق. قال أبو حاتم: صدوق، وما رأيت أحدًا أعظم قدرًا، ولا أجل من هشام بن عبيد الله بالري. قال الصيمري: غير أنه كان لينًا في الرواية. من تصانيفه: "النوادر"، و"صلاة الأثر".
يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (10/ 246)، الجواهر المضية (2/ 205)، الفَوَائِد البهية (ص 223).
(3)
يُنْظَر: غمز عيون البصائر (2/ 74).
(4)
هو: الحسن بن أبي مالك أبو مالك تفقه على أبي يوسف القاضي وتفقه عليه مُحَمَّد بن شجاع البلخي قال الطَّحَاوِيّ سمعت ابن أبي عمران يحدث عن ابن البلخي قال كانوا إذا قرأوا على الحسن بن أبي مالك مسائل مُحَمَّد بن الحسن قال لم يكن أبو يوسف يدقق هذا التدقيق الشديد قال الصيمري ثقة فى روايته غزيز العلم واسع الرواية كان أبو يوسف يشبهه بحمل حمل لأكثر ما يطيق توفي فى السنة التى مات فيها الحسن بن زياد سنة أربع ومائتين ذكره الدامغاني عن الطَّحَاوِيّ.
يُنْظَر: (الجواهر المضية: 1/ 204)، و (طبقات الفقهاء: ص 138)، و (مغاني الأخيار: 1/ 202).
(5)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 362).
(6)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في السنن الكبرى (14929 - 7/ 263)، والطيالسي في مسنده (2317 - 3/ 655)، وقد روي بلفظ آخر عند الجماعة الا الْبُخَارِيُ بلفظ (دعاك أخوك وتكلف لك أفطر وصم مكانه أن شئت) قال الحافظ ابن حجر اسناده حسن.
(7)
رَوَاهُ مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة (1431)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(8)
رَوَاهُ أحمد في مسنده (17161 - 4/ 123)، من حديث شداد بن أوس. والطبراني في المعجم الكبير (7/ 284) من حديث شداد بن اوس (17161) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف جدًّا.
وفي «الذخيرة»
(1)
: وهذاَ كُلُّهُ إذا كانَ الإفطارُ قبلَ الزَّوالِ، فأمّا إذا كانَ بعدَ الزوالِ، فلا ينبغي لهُ أنْ يفُطِرَ إِلاَّ إذا كانَ في تَرْكِ الإفطارِ عقُوقٌ بالوالدينِ أو بأحدِهَمِا.
[إذا وجب عليه الصَّوْم أثناء اليوم]
وإذا بلغَ الصبيُّ، أو أَسْلَمَ الكافِرُ في رمضانَ أمسَكَاْ بقيةَ يوَمِهِمِاَ
(2)
، اختلفوا في إمساكِ البقيةِ أنّهُ على طريقِ الاستحسانِ، أو على طريقِ الإيجابِ. ذَكَرَ مُحَمَّد بنُ شُجاعٍ رحمه الله
(3)
أنّهُ على طريقِ الاستحبابِ
(4)
؛ لِأَنّهُ مُفْطِرٌ فكيفَ يجبُ عليهِ الكَفُّ عنِ المُفطِراتِ؟ وقدَ قالَ أبو حنيفةَ رحمه الله في كتابِ الصَّوْم
(5)
: إنَّ الحائضَ إذا طَهُرَتْ في بعضِ النَّهارِ لا يحسنُ لها أنْ تأكَلَ وتشربَ، والناسُ صِيامٌ، وهذا يدُّل على الاستحبابِ. وقالَ الشيخُ الإمامُ الزاهدُ الصفارُ رحمه الله
(6)
: الصحيحُ أنَّ ذلك على الإيجابِ
(7)
؛ لِأَنَّ محمدًا رحمه الله ذكَرَ في كتابِ الصَّوْم فليصُمْ بَقيُةَ يومِهِ
(8)
، والأَمر على الإيجابِ وقالَ في الحائضِ: إذاَ طهُرَتْ في بعضِ النَّهارِ فُلْتدَعْ الأَكْلَ والشُّرْبَ، وهذا أمرٌ أيضًا، والذي قالَ: لا يَحْسُنُ لها أنْ تأكَل وتشربَ معناهُ يقُبحٍ منها ذلكَ، ألا ترى أنهُ قالَ في المسافرِ: إذا أقامَ بعدَ الزَّوالِ أني أستقبحُ أنْ يأكلَ ويشربَ، والناسُ صِيامٌ، وهو مُقيمٌ، فقد فسَّرَ ما لا يَحْسُنُ بالاستقباحِ، ولا يُسترابُ إنْ تركَ ما يُستقْبَحُ شَرعًا واجِبٌ، كذا في «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة»
(9)
.
(1)
يُنْظَر: الأصل للشيباني (2/ 325)، المَبْسُوط للسرخسي (3/ 156).
(2)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 127)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 144).
(3)
هو: مُحَمَّد بن شجاع الثلجي، ويقال: ابن الثلجي، أبو عبد الله، البغدادي، الحنفي، من أصحاب الحسن بن زياد، فقيه أهل العراق في وقته، والمقدم في الفقه، والحديث، وقراءة القرآن. روى عن يحيى بن آدم، ووكيع، وابن عُليَّة، وقرأ على اليزيدي. له ميل إلى مذهب المعتزلة. من تصانيفه:"المناسك"، و"تصحيح الآثار"، و"النوادر"، و"كتاب المضاربة".
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 60)، الفَوَائِد البهية (ص 171)، شذرات الذهب (2/ 151).
(4)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 177)، العناية (2/ 369).
(5)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 363)، العناية (2/ 369).
(6)
هو: إسحاق بن أحمد بن شيث بن نصر بن شيث بن الحكم، أبو نصر، الصفار، وقيل: هو أحمد بن إسحاق. فقيه حنفي، من أهل بخارى، قال السمعاني: له بيت في العلم ببخارى، ورأيت من أولاده جماعة، وسكن مكة، وكثرت تصانيفه وانتشر علمه بها، ومات بالطائف، ذكره الحاكم في " تاريخ نيسابور" فقال: أبو نصر الفقيه الأديب، قدم علينا حاجًا، وما كانت رأيت ببخارى مثله في سنه في حفظ الفقه والأدب، وكان قد طلب الحديث مع أنواع من العلم.
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 142)، الفَوَائِد البهية (ص 14)، معجم المؤلفين (2/ 230).
(7)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 177)، العناية (2/ 369).
(8)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 363)، العناية (2/ 369).
(9)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 362، 363).
قلتُ: وفيما يجيءُ بعدَ هذا في الْكِتَابِ إذا قَدِمَ المسِافُر، أو طَهُرَتْ الحائِضُ دِلالةُ عُلى اختيارِ هذا القولِ، وهو الوجوبُ، حيثُ قالَ عِنَدَ مُقابَلةِ قولِنا
(1)
، وقال الشَّافِعِي رحمه الله
(2)
: لا يجبُ الإمساكُ، ثُمَّ الأصلُ في هذا أنَّ كُلَّ مَنْ صَاْرَ في آخرِ النَّهارِ بِصفةٍ لو كانَ في أولِ النهارِ عليها، لَزِمَهُ الصَّوْم فعليهِ الإمساكُ كالحائضِ، والنُفَسَاءِ تَطْهُرُ بعدَ طُلوعِ الفجرِ أو معهُ، والمجنونُ يفيق، والمريضُ يبرأُ، والمسافرُ/ يَقْدُمُ بعدَ الزوالِ أو الأَكْلِ، والذي أَفْطَرَ عَمْدًا، أو خطأً، أو مُكرهًا، أو أَكَلَ يوَم الشَّكِّ، ثُمَّ استبانَ أنهُ مِنْ رمضانَ، أو أفطرَ، وهو يرى أنَّ الشمسَ قد غَرُبَتْ، أو تسحَّرَ بعدَ الفجرِ ولم يعلَمْ، ومن لم يكنْ على تلكِ الصفةِ لا يجبُ الإمساكُ كما في حالةِ الحيضِ، والنِفاسِ، ثُمَّ قِيلَ: الحائِضُ تأْكُلُ سِرًّا لا جَهرًا، وقِيل: تأْكُلُ سِرًّا وجَهرًا
(3)
، وللمريضِ، والمسافرِ الأَكْلُ جَهرًا
(4)
، كَذا ذكرهُ الإمامُ التُّمُرْتَاشِي رحمه الله
(5)
.
وفي «الجامعِ الصغيرِ» لفَخْرِ الْإِسْلَام رحمه الله: وأمّا الإمساكُ في بقيةِ النهارِ فمذهُبنا
(6)
وقالَ الشَّافِعِي في هذا كُلِّهِ: لا يجبُ الإمساكُ، احتجَّ الشَّافِعِي رحمه الله
(7)
بأنَّ هذا شخصٌ لم يلزَمْهُ الصَّوْم لا ظاهِرًا ولا باطنًا، فلا يلزمُهُ الإمساكُ كما في حالةِ الحيضِ ولأصحابِنَا أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام أمرَ بالإمساكِ في يومِ عاشوراَء
(8)
، فثبتَ بهِ أنَّ مَنَ عَجَزَ عن حقيقةِ الصَّوْم، وقد صارَ بحالٍ لو كانَ كذلكَ في أولِ النهارِ لَزِمَهُ الصَّوْم أنهُ يلزُمُهُ الإمساكُ قضاءً لِحَقِّ الوقتِ، ولو أفطرا فيهِ لا قضاءً عليهِمَا؛ لأنَّ الصَّوْم غيرُ واجبٍ فيهِ، فإنْ قلتَ: يَشْكُلُ على هذا المجنونِ إذا أفاقَ في يومِ رمضانَ قبلَ الزوالِ، ونوى الصَّوْم يقعُ عنِ الفرضِ
(9)
، ولو أفطرَ يجبُ عليهِ القضاءُ مع أنَّ الصَّوْم لم يكنْ واجبًا عليهِ وَقْتَ طُلوعِ الفجرِ
(10)
، كذا ذكره الإمامُ التُّمُرْتَاشِي.
(1)
يُنْظَر: اللباب (1/ 87)، الهِدَايَة (1/ 129).
(2)
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 263)، حلية العلماء (3/ 145).
(3)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 311)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 215).
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 371).
(5)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 326)، العناية (2/ 371).
(6)
يُنْظَر: اللباب (1/ 87)، الهِدَايَة (1/ 129).
(7)
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 263)، حلية العلماء (3/ 145).
(8)
أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه، باب إذا نوى في النهار صوماً من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بلفظ (أن رسول الله عليه الصلاة والسلام أمر رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من اكل فليصم فإن اليوم عاشوراء).
(9)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 138)، الهِدَايَة (1/ 128).
(10)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 364).
قلت: لا يسلمُ أنَّ الوجُوبَ لم يكنْ ثابتًا عليهِ في ذلكَ الوقتِ، بلْ الوجُوبَ في حقِّهِ كانَ ثابتًا إِلاَّ أنهُ لم يظهْر أثرُهُ عندَ الاستغراقِ، فإذا لم يستغرقْ ظَهَرَ أثُر الوجُوبِ وقالَ الإمامُ التُّمُرْتَاشِي رحمه الله
(1)
: إنَّ الجنونَ إذا لم يستوعبْ لا يمنعُ الوجوبَ كالمرضِ فبعدَ ذلك النيةُ في أكثرِ اليومِ] كالنية في كله بخلاف الصبا ولم يقضيا يومهما ومن العلماء من يقول عليه هذا اليوم
(2)
(3)
، والأيامِ الماضيةِ مِنَ الشهرِ، وجعلوا إدراكَ جُزءٍ منَ الشهرِ كإدراكِ جميعِ الشهرِ في كونهِ سببًا لِوُجوبِ صومِ جميعِ الشهر
(4)
، كما أنَّ إدراكَ جُزْءٍ منَ وقتِ الصَّلَاةِ بعدَ الإسلامِ كإدراكِ جميعِ الوقتِ والتفريطُ إنَّما جاءَ مِنْ قبلهِ بتأخيرِ الإسلامِ، فلا يُعَذرُ في إسقاطِ القضاءِ، وهو قريبٌ من أصلِ الشَّافِعِي أنَّ الكَفارَ مخُاطبونَ بالشرائِعِ
(5)
، ولنا ما رُوِيَ أنَّ وَفْدَ ثقيفٍ حين قَدِموا على رسولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام أسلموا في النِّصفِ من رمضانَ، فأمرهُم بصومِ ما بقيَ مِنَ الشهرِ، ولم يأمرْهُم بقضاءِ ما مَضَى
(6)
. وتأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ لا يجوزُ
(7)
، ولِأَنَّ وجُوبَ القضاءِ يبتني على خِطابِ الشرْعِ بالأداءِ، وذلكَ لا يكونُ بدونِ الأهليةِ للعبادةِ والكافرُ ليسَ بِأَهْلِ للعِبَادةِ
(8)
؛ لأنهُ ليسَ بأهلٍ لِثَوبهُتا فلا يثبتُ خطابُ الأداءِ في حقِّهِ، والصَّوْم عبادةٌ معلومةٌ بِمعيَارِهِ، وهو الزمانُ، ولا تَصَورٌ للصومِ منهُ في الزمانِ الماضي بخلافِ الصَّلَاةِ، فإنها معلومةٌ بأركانِها، والوقتُ طَرَفٌ لها، فجعلَ إدراكَ جُزْءٍ منَ الوقتِ سببًا لِوُجوبِ الأداءِ، ثُمَّ القضاءُ يبنى عليهِ، ومن قالَ: مِنْ أنَّ التأخيرَ كانَ منهُ باطلٌ، فإنهُ ليسَ عليهِ قضاءُ صومِ رمضانَ مِنَ السنينَ الماضيةِ في حالةِ الكفرِ
(9)
، كذا في «المَبْسُوط»
(10)
؛ لأنهُ أدركَ وقتَ النِّيةِ، فصارَ كَمَنْ أصبحَ ناوِيًا للفِطْرِ، ثُمَّ نَوَى قبلَ الزّوالِ أنَّ الصَّوْم أَجزأَهُ، ولا شكَّ أنَّ نيةَ الفِطْرِ مُنافِيةٌ للصومِ لكنها منافيةٌ حُكْمًا لا حقيقةً، فلا يمنعُ نيةَ الصَّوْم قبلَ الزوالِ، وكذلِكَ الكُفَر مُنافٍ للصومِ حُكمًا لا حقيقةً وجهُ ظاهِر الرواية أنَّ الخطابَ بالصَّوْم ما كانْ مُتوجهًا عليهِ في أولِ النهارِ، وصومُ اليومِ الواحدِ لا يَحِتَملُ التَحري وجُوبًا، وإمساكهٌ في أولِ النهارِ ما تَوَقَّفَ على صومِ الفرضِ؛ لأنهُ لم يكنْ إهلالُهُ
(11)
.
(1)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 340)، مجمع الأنهر (1/ 343).
(2)
زيادة في ب.
(3)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 312).
(4)
يُنْظَر الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 373).
(5)
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 252).
(6)
رَوَاهُ ابن ماجه في سننه، كتاب الصيام، باب فيمن أسلم في شهر رمضان (1760)، قال الألباني: ضعيف.
(7)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 97).
(8)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 128)، العناية (2/ 370).
(9)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 127)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 144).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 144، 145).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 167).
قولُه: (على ما قالوا)
(1)
إشارةً إلى الاختلافِ
(2)
، وفي «المَبْسُوط»
(3)
: ولو بلغَ في غيرِ رمضانَ في يومٍ فَنَوى الصَّوْم تطوَّعًا أجزأَهُ بالاتفاقِ
(4)
، وفي الكافرِ يسلمُ اشتباهُ، فقد ذَكَر في «الجامع الصغير»
(5)
في الصبيِّ يبلغُ، والكافِرُ يسلمُ قالَ: هما سواءٌ، وهذا يدلَّ على أنَّ نيةَ كُلِّ واحدٍ منهما للتطوعِ صحيحةٌ، وأكثرُ مشايخنا على الفَرْقِ بينَ الفصلينِ
(6)
، فقالوا: لا تصحُّ مِنَ الكافرِ نيةُ صومِ التُّطوعِ بعدَما أسلمَ قبلَ الزَّوالِ؛ لأنهُ ما كانَ أهلًا للعبادةِ في أولِ النهارِ، فلا يتوقفُ إمساكُهُ على أنْ يصيرَ عبِادةٌ بالنيةِ، فأمّا الصبيُّ فكانَ أهلًا للعبادةِ تُطَوُّعًا فتوقفَ إمساكُهُ على أنْ يصيرَ صَومًا بالنيةِ قِبلَ الزوالِ.
وإذا نوى المسافُر الإفطارَ
(7)
، أيْ: في غير رمضانَ بدليلِ قولهِ: فيما بعدَهُ، وإنْ كانَ في رمضانَ ترجيحًا لجانبِ الإقامةِ، فهذا أولىَ فوجهُ/ الأولويةِ هو أنَّ المرخصَ، وهو السفرُ قائِمٌ وقتَ الإفطارِ في تلكَ المسألةِ، ومع ذلك لم يُبِحْ لهُ الإفطارَ، فلِأَنْ لا يباحُ الفِطْرُ في هذهِ المسألةِ، والمرخصُ ليسَ بقائِمِ وقتَ الفِطرِ بالطريقِ الأوُلى إِلاَّ أنهُ إذا أفطَر في المسألتين، وهما مسافِرٌ أقامَ، ومُقِيمٌ سافَر لا تَجب الكفارةُ لا؛ ِلأَنَّ الفِطْرِ صارَ مُباحًا لهُ؛ لِأَنَّ الفِطْرِ ليسَ بَمُباح فيهما جميعًا لكنْ؛ لِأَنَّ السفَر في الأصلِ مبُيِحٌ للفطرِ فإذا اقترنَ بالسببِ الموُجبِ للكفارةِ يكونُ مُورثاً شُبهةً مُسقطةٍ للكفارةِ، وإنْ لم يَصِر الفِطْرِ مُباحًا لهُ بمنزلةِ النِّكاحِ الفاسدِ يكونُ مسُقطًا للحدِّ، وإنْ لم يكنْ مُبيحًا للوطئِ كذا في نوادرِ صَوْمِ «المَبْسُوط»
(8)
؛ لأنها عباداتٌ متفرقةٌ؛ لأَنَّ صَوْمَ كُلَّ يومِ عبادةٌ على حَدِةٍ، ألا ترى أنَّ فسادَ البعضِ لا يمنعُ صِحَةَ ما بَقِيَ، وأنّ انعدامَ الأهليةِ في بعضِ الأيامِ لا يُمنعُ لتقررِ الأهليةِ فيما بَقِيَ، فكانتْ بمنزلِة صلواتِ مختلفةٍ، فَيَسْتَدْعِيْ كُلُّ واحدٍ منهما نيةً على حِدَةٍ.
(1)
هو صاحب الهِدَايَة (1/ 127).
(2)
يشير المؤلف إلى الخلاف بين العلماء المذكور في ص 87.
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 167).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 128)، العناية (2/ 370).
(5)
الجامع الصغير (1/ 138).
(6)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 102).
(7)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 41).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 250).
[مسألة المغمى عليه]
ومَنْ أُغْمِيَ عليهِ في رمضانَ
(1)
كُلِّهِ قضاهُ
(2)
إِلاَّ على قولِ الحسن البصري
(3)
، فإنهُ لا قضاءَ عليهِ عندَهُ؛ لأنهُ يقولُ: سببُ وجُوبِ الأداءِ، وهو شُهودُ الشهرِ، لم يتحققْ في حقِّهِ لِزَوالِ عَقْلِهِ بالإغماءِ، ووجوبُ القضاءِ يبتني عليهِ، ولنا أنَّ الإغماءَ، وهو عذرٌ في تأخيرِ الصَّوْم إلى زوالهِ لا في إسقاِطِ، وهذا لِأَنَّ الإغماءَ يُضْعفُ القويَّ، ولا يُزِيلُ الحِمىَ، ألا ترى أنهُ لا يصيرُ موليًا عليهِ، وأنَّ رسولَ اللهَ عليه الصلاة والسلام ابُتِلَيَ بالإغماءِ في مرضهِ
(4)
، وقدْ كانَ معصومًا عمّا يزُيل العقلَ
(5)
قال الله تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}
(6)
، ومَنْ جَنّ رمضانَ كُلَّهُ لم يقضِهِ
(7)
.
قال شمسُ الأئمةِ الحلواني رحمه الله
(8)
: المرادُ مِنْ قولِه: جَنَّ رمضانَ كُلَّهُ، أيْ: فيما يمكنُهُ ابتداءَ الصَّوْم فيهِ حتى لو أفاقَ بعدَ الزوالِ من اليومِ الأخيرِ من شهرِ رمضانَ كُلَّهِ لا يلزمُهُ القضاءُ؛ لأنَّ الصَّوْم لا يصحُ فيه كالليلِ هو الصحيحُ
(9)
، فهو يعتبُرهُ بالإغماءِ لمِا أنَّ الجنونَ مَرضٌ يَخِلُ العقلَ فيكونُ عُذرًا في التأخيرِ إلى زوالهِ لا في إسقاطِ الصَّوْم كالإغماءِ، ولنا قولُه عليه الصلاة والسلام:«رُفِعُ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن الصبيِّ حتى يحتلمَ، وعن المجنونِ حتى يفيقَ، وعن النائمِ حتى يستيقظَ»
(10)
ومَنْ كانَ مرفوعَ القلمِ لا يُتوجهُ الخطابُ إليهِ بأداءِ الصَّوْم والقضاءُ يبتني عليه، ثُمَّ الجنونُ يزيلُ عقلَهُ، فلا يتحققُ معهُ شُهودُ الشهرِ، وهو السببُ الموجبُ للصومِ بخلافِ الإغماءِ، فإنهُ يُعجِزُه عن استعمالِ عقلهِ، ولا يزيلُهُ، فلِبَقَائِهِ جُعِل شاهِدًا للشهرِ حُكْمًا، وهو كابنِ السبيلِ تلزمُهُ الزَّكَاةُ لِقيَامِ مُلْكِهِ، وإنْ عَجَزَ عن ثباتِ يَدِهِ عليهِ بخلافِ مَنْ هَلَكَ مالُهُ فيما يقولان: لم يجبْ عليهِ الأداءُ، أيْ: أداءُ ذلكَ البعضِ مِنْ شهرِ الصَّوْم الذي وُجِدَ فيهِ الجنونُ، وصارَ كالمستوِعبِ، أيْ: في إسقاطِ الُكلِّ، وهذا بعضُهُ فيسقُطُ البعضُ، يعني: أنهُ لو استوعبَ الشهرَ كُلُّهُ مُنًعَ القضاءُ في الكُّلِ
(11)
، فإذا وُجِدَ في بَعضِهِ يمُنعُ القضاءُ بعذرِهِ اعتبارًا للبعضِ بالكُّلِ قِياسًا على الصبيِّ، وهذا لِأَنَّ الصبيَّ أحسنُ حالًا مِنَ المجنونِ، فإنهُ ناقِصُ العقلِ في بعضِ أحوالِهِ والجنونُ عديمُ العقلِ، ولهذا جازَ إعتاقُ الصغيرِ عن الكفارةِ دُونَ الجنُونِ، فإذا كانَ الصِّغَرُ في بعضِ الشهرِ يمَنعُ وجُوبَ الشهرِ، يمنعُ وجُوبَ القضاءِ فالجنونُ أولى، وقولهما قِياس.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 41).
(2)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 88)، الهِدَايَة (1/ 128).
(3)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (1/ 372).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 157).
(5)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به (655)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر (418)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(6)
سورة القلم الآية (2).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 157).
(8)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 662).
(9)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (3/ 338).
(10)
رَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا (4400)، والترمذي في سننه، كتاب الحدود، باب فيمن لا يجب عليه الحد (1423)، وابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم (2041)، والنسائي في سننه، كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج (3432). من حديث عائشة رضي الله عنها، قال الألباني: صحيح.
(11)
وهذا بالاتفاق، ذكره في مجمع الأنهر (1/ 340).
ولكنْ استحسنَ علماؤُنا
(1)
بقولهِ تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
(2)
، والمرادُ منهُ: شهودُ بعضِ الشهرِ؛ لِأَنهُ لو كانَ السببُ شُهودَ جميعِ الشهرِ لِوُقوعِ الصَّوْم في شَّوالَ، فصارَ بهذا النصِّ شهودُ جُزْءٍ مِنَ الشهرِ سببًا لِوُجوبِ صَوْمِ جميعِ الشهرِ، فصارَ تقديُر الآيةِ فَمْن شَهِدَ مِنكمْ بعضَ الشهرِ فليصُم الشهرَ كُلُّهُ، ولا يُقالُ: لو كانَ المرادُ بهِ بعضُ الشهرِ، فينبغي أنْ ينصرفَ الخِطابُ بالصَّوْم إلى صومِ ذلكَ البعضِ الذي شهدَهُ لأَنَّا نقولُ: إنَّ الكنايةَ تنصَرفُ إلى أقربِ الأسماءِ الظاهَرةِ، والاسمُ الظاهُر هاهنا الشهرُ، وأمَّا البعضُ فليسَ بظاهرٍ، بَلْ هو مُضَمُرُ لحِاجةٍ ماسَّةٍ إلى الإضمارِ، وهذا بخلافِ ما إذا استوعَبَ الجنونُ الشهَر كُلُّهُ؛ لِأَنهُ المرادُ منِ قولهِ تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
(3)
مَنْ كان أهلًا للأَمْرِ بالصَّوْم، ومتى استوعبَ الجُنونُ الشهَر كُلُّهُ لم يكنْ أهلًا للأمْرِ بالصَّوْم، ولِأَنَّ الجُنونَ عَارِضٌ أَعْجَزَهُ عن صَومِ بعضِ الشهرِ مع بقاءِ أَثَر الخِطْابِ فيلزمُهُ القضاءُ كالإغماءِ، فأمّا إذا استوعَبَ الجنونُ الشهرَ كُلُّهُ، فإنَّما أسقطْنا القضاءَ لا لِانْعِدَامِ أثرِ الخِطْابِ، بلْ لِدَفْعِ الحرجِ والمشقةِ، والحرجُ عذرُ مُسْقِطٌ للقضاءِ كالحيضِ في حقِّ الصَّلَاةِ،
وحَاصِلُ/ الكلامِ
(4)
: أنَّ الوُجوَب في الذِّمةِ لا ينعدُم ذلك بسببِ الصَبأ، ولا بسببِ الجُنونِ، والإغماءِ إِلاَّ أنَّ الصَبَا يّطولُ عِادة، فيكونُ مُسقطًا للقضاءِ دَفعًا للحرجِ والإغماءُ لا يطولُ عادةً فلا يكونُ مُسقِطًا للقضاءِ، والجنونَ قد يطولُ، وقد يقصُر فإذا طالَ التحقَ بما يطولُ عادةً، وإذا قَصُرَ التحقَ بما يَقْصُرُ عادةً، ثُمَّ فَرْقٌ بينَ الطويلِ والقصيرِ في الصَّوْم أنْ يَستوعبَ الشهرَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الشهرَ في حُكْمِ الأجلِ، وفي الصَّلَاةِ أنّ يزيدَ على يومِ، وليلةٍ لِيُدخِلَ الفوائِتَ في حدِّ التَّكرارِ هذا كُلُّهُ مِنَ «المَبْسُوط»
(5)
، و «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة»
(6)
. والأهليةُ بالذِّمةِ، والذِّمةُ عبارةٌ عن كونهِ أهلًا للإيجابِ، والاستحبابِ، وهو بالآدميةِ، وفي الوجوبِ فائدةُ هذا لِرَدِّ شُبهةٍ تردُ على قولهِ والأهليةُ بالذِّمةِ بأنْ يُقالَ: لو كانَ الوجوبُ دِائرًا مع الذِّمة ينبغي أنْ يَجِبُ على الصبيِّ أيضًا، فقالَ: الوجوبُ يتلو الفائِدَةَ وهي أنْ يطلُبَ منهُ الأداءَ على وجهٍ لا يخرجُ، والصبأُ ممتدٌ فيخرجُ هو في الإيجابِ عليهِ، وأمّا هاهنا الأهليةُ بالذِّمةِ موَجودةٌ، وليسَ في الإيجابِ كثيرُ حَرَج؛ لِأَنَّ الكلامَ في عَدَمِ الاستغراقِ، وليسَ فيهِ حَرَجٌ فكانَ الإيجابُ مُعتبرًا فلا فائِدَةَ؛ لأنهُ لو وَجَبَ يسقطُ بسببِ الحَرجِ بعدَ الوُجوبِ فلا فائدِةَ في الوُجوبِ حينئذٍ، قِيلَ: وهذا ظَاهِرُ الروايةِ، أي: عَدَمُ الفْرقِ، ثُمَّ المُرادُ مِن الجنُونِ الأصلي هو أنْ يكونَ متُصلًا بالصَبأ بأنْ بلغ مجَنونًا، ومِنَ الجنُون العارِضِي هو أنْ يبلغَ مُفيقًا، ثُمَّ جُنَّ
(7)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 160)، العناية (2/ 372).
(2)
سورة البقرة الآية (185).
(3)
سورة البقرة الآية (185).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 160)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 104).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 158، 159).
(6)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 340).
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 369).
[ما على المجنون في الصيام]
وفي/ «المَبْسُوط»
(1)
: فإنْ كانَ جُنونُهُ أصليًّا بأنْ بَلَغَ مُجنونًا، ثُمَّ أفاقَ في بعضِ الشهرِ فالمحفوظُ عن مُحَمَّد رحمه الله
(2)
أنهُ ليسَ عليهِ قضاءُ ما مضى؛ لِأَنَّ ابتداءَ الخِطَابِ يتوجهُ عليهِ الآنَ فيكونُ بمنزلةِ الصِبيِّ يبلغُ، ورَوَىَ هِشامٌ عن أبي يوسفَ رحمه الله
(3)
قالَ في القياسِ: لا قضاءَ عليهِ، ولكنْ استَحْسَنَ، فأوجبَ عليهِ قضاءَ ما مضى مِنَ الشهرِ؛ لِأَنَّ الجنُونُ الأصيلَ لا يُفاِرقُ الجنونَ الطَّارئَ في شيءٍ من الأحكامِ، وليسَ فيهِ رِوايةٌ عن أبي حنيفةَ رحمه الله، واخُتلِفَ فيه المتأخرِ، ولا على قياسِ مذهَبِهِ. والأصحَّ: أنهُ ليسَ عليهِ قضاءُ ما مضَى
(4)
.
وهذا، أيْ: المرْوِيِّ عن محُمدٍ، وهو الفرقُ بينَ الجُنونينِ مَختارُ بعضِ المتأخرين: منهم الشيخُ أبو عبدِاللهِ الجرجاني
(5)
، والإمامُ الرستغفني
(6)
، والزاهدُ الصفار رحمهم الله
(7)
ذكره في «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة»
(8)
قالَ شَيْخِي
(9)
في تأييدِ قولِ مُحَمَّد رحمه الله بالطُّهْرِ الممتدِ، فقالَ: لا يبُعد أنْ يُفارِقَ حُكْمُ الأصِليِّ حُكْمَ العارضِي، وإنْ كانتْ حقيقتُهما واحدةً، فإنَّ الطُّهرَ إذا كانَ أصليًّا بأنْ بلغتْ الصغيرةُ بالسنِ، ولم ترَ بعدَ البلوغِ، وما حُكْمُها حُكْمُ الصغيرةِ في الاعتدادِ بالأشهرِ، وإذا كانَ عارضيًا بأنْ بلغتْ بالحيضِ، ثُمَّ امتدَّ الطُّهرُ ليسَ حُكْمُها حُكْمَ الصغيرةِ، بلْ يُعتدُّ بالحيضِ إلى أنْ يتأنِسَ فكذلك هاهنا ومَنْ لم ينوِ في رمضانَ كُلِّهِ لا صومًا ولا فِطرًا فعليهِ قضاؤُهُ
(10)
. وهذه المسألةُ من خَواصِ مسائِل «الجامع الصغير»
(11)
ثُمَّ لابُدَّ مِنَ التأْوِيلِ لهذهِ المسألةِ لما أنَّ دِلالةَ حالِ المسلمِ كافيةٌ لِوُجودِ النيةِ ألا ترى أنّ مَنْ أُغِميَ عليهِ بعدَما غربتْ الشمسُ من الليلةِ الأوُلى مِن رمضانَ أنهُ يصيرُ صائِمًا في يومِها، ولم يعرفْ مِن نيةِ الصَّوْم، ولا الفِطْرِ لما أنا حملْنَا أمرَهُ على النيةِ بناءً على ظاهرِ حالِهِ، ثُمَّ قال مشايخنا
(12)
: تأويلُ هذهِ المسألةِ أنْ يكونَ مَريضًا أو مُسافرًا أو مُتهتكًا اعتادَ الفِطْر في رمضانَ حتى لا يصلُحُ حالهَ دليلًا على العزيمةِ، ونيةِ الصَّوْم
(13)
، كذا ذَكَر فَخْرُ الْإِسْلَام رحمه الله
(14)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 160).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 160)، النافع الكبير (1/ 138).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 160)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 89).
(4)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 89).
(5)
هو: يوسف بن علي بن مُحَمَّد الجرجاني أبو عبد الله تفقه على أبي الحسن الكرخي كان عالما تفقه على أبي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وأصحابه ومن تصانيفه خزانة الأكمل فى ست مجلدات.
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 228)، معجم المؤلفين (13/ 319).
(6)
هو: علي بن سعيد، أبو الحسن الرستغفني، من كبار مشائخ سمرقند، له كتاب "إرشاد المهتدي" وكتاب "الزوائد والفَوَائِد في أنواع العلوم"، وهو من أصحاب الماتريدي الكبار له ذكر في الفقه والأصول في كتب الأصحاب.
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 362)، الأَعْلَام للزركلي (4/ 291)، معجم المؤلفين (7/ 99).
(7)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 369).
(8)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 433).
(9)
هو: صاحب الهِدَايَة أبو الحسن المرغياني رحمه الله. يُنْظَر الهِدَايَة (1/ 96).
(10)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 368).
(11)
الجامع الصغير (1/ 137).
(12)
يُنْظَر: الجامع الصغير (1/ 138).
(13)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 369).
(14)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 341).
[هل يكفي نية واحدة لجميع الشهر]
(وقال زُفَر: يتأدّى صوُم رمضانَ بِدُونِ النيةِ)
(1)
، وكانَ أبو الحسنِ الكرخي يُنْكِرُ هذا المذهبَ لِزُفَر، ويقولُ: المذهبُ عندَهُ أنَّ صومَ جميعَ الشهرِ يتأدَّى بنيةِ واحدةٍ
(2)
كما هو قولُ مَالِكِ
(3)
، وقالَ أبو اليسرِ رحمه الله
(4)
: هذا قولٌ قَالهُ زُفَر في صِغَرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ عنهُ، كذا في «المَبْسُوط»
(5)
، و «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة» في حقِّ الصحيحِ المقُيم إِنما قيُّدَ بهما؛ لِأَنّ المريضَ، والمسافَر لابُدَّ لهما مِن نِيَةِ الصَّوْم بالاتفاقِ
(6)
؛ لِأَنَّ إمساكَهُما غيرُ مُستحقٍ للصومِ؛ لِأَنَّ شعبانَ، ورمضانَ في حقِّهَمِا سواءٌ منْ حيثُ إنهما غيرُ مطالبينَ بالأداءِ حالَ قيامِ المرضِ، والسفرِ
(7)
، كذا في مبسوط شيخ الإسلام
(8)
.
(كما إذا وَهَبَ كُلّ النِّصابِ مِنَ الفقيرِ)
(9)
فإنَّ مْثلَ إعطاءِ النِّصابِ فقيرًا واحداً للزَّكاةِ باطلٌ عْنِدَ زُفَر على ما مَرَّ في الزَّكَاةِ، فكيفَ ذَكَرَ الجوازَ هنا على مذهَبِهِ؟ قِيلَ: جازَ أنْ يكونَ المرادُ منهُ، أيْ: على قَولِ مَذْهَبِكُم، وقِيلَ: تأويُله أنْ يكونَ الفقيرُ مَدْيُونًا فعندَ ذلك يجوزُ أداءُ النِّصابِ زكاةً بالاتفاقِ
(10)
، وفي هِبَةِ النِّصابِ وُجِدَ فيهِ القُرْبَة باختيارِ المَحلَّ، وَوُجَد معنى القُربِة لحاجةِ الحلِّ ألا ترى أنَّ مَنْ وَهَبَ لفقيرٍ شيئًا لا يَمْلِكُ الرجوعَ فيهِ لحصولِ الثوابِ لهُ، ومَنْ أصبحَ غيَر ناوٍ للصْومِ فَأَكَلَ لا كفارةَ عليهِ عندَ أبي حنيفةَ
(11)
سواءً أَكَلَ قبلَ الزَّوالِ أو بعدَهُ، وعندَهُما
(12)
على التفصيلِ المذكورِ، وإنْ أصبحَ غيرَ ناوٍ للصومِ، ثُمَّ نَوى قبلَ الزَّوالِ، ثُمَّ أَكَلَ فلا كفارةَ عليهِ إِلاَّ في رِوايةٍ عن أبي يوسفَ أنهُ يلزمُهُ الكفارةُ، كذا في «المَبْسُوط»
(13)
. فصارَ كغاصِب الغاصبِ
(14)
؛ وذلك لِأَنّ الإمساكَ قبلَ الزَّوالِ كانَ بغيرِ صفةٍ أنْ يصيرَ صَومًا، فبالأُكْلِ فَوَّتَ هذا الإمكانَ، وتفوِيْتُ الإمكانِ بمنزلةِ تَفْوِيْتِ الأصلِ كما في الغصبِ، فإنّ المغصوبَ منهُ كما يضمَنُ الغاصبُ الأولُ لتفويتِ الأصلِ يضَمُن الغاصبَ الثاني لتفويتِ الإمكانِ؛ لأنهُ لا جائزَ أنْ يضمَنَ الثاني بسببِ الاستهلاك؛ لِأَنهُ شُرْطٌ، والتفويتُ عِلُّةٌ، ولا يُصارُ إليهِ معَ قيامِ صاحِبِ الِعَّلةِ، ولا جائزَ أنْ يضمَنَهُ بسببِ الغَصْبِ؛ لأنهُ ما أزالَ اليدَ المُحَّقَة فتعينَ لتضمِينهِ تفويتَ الإمكانِ
(15)
.
(1)
يُنْظَر الهِدَايَة (1/ 127).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 108)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 135).
(3)
يُنْظَر: الذخيرة (2/ 499)، البيان والتحصيل (2/ 334).
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 374).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 108).
(6)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 84).
(7)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (4/ 170).
(8)
بحثت عنه في المَبْسُوط لشَيْخُ الإسْلَامِ الشيباني رحمه الله ولم أجده ووجدته في الجامع الصغير (1/ 138).
(9)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 127).
(10)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 277)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 188).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 156)، مجمع الأنهر (1/ 359).
(12)
هما مُحَمَّد وأبي يوسف رحمهما الله. يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 133).
(13)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 156، 157).
(14)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 129)، العناية (2/ 375).
(15)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (4/ 171).
وفي «المَبْسُوط»
(1)
لفَخْرِ الْإِسْلَام جعلَ هذا قولَ أبي يُوسُفَ خاصةً، فقال: قالَ أبو يُوسُفَ: بأنَّ الإمساكَ قبلَ الزَّوالِ مَوقوفُ على أنْ يصيرَ صومًا بِقَرِاْنِ النِّيةِ، فإذا أَكَلَ فقدْ مَنَعَ نفسَهُ عن تحصيلهِ، وجِنَايةُ المنعِ تضُاهي جِنَايةَ الإبطالِ كما في وَلَدِ المغرورِ، ولهما أنَّ وجُوبَ الكَفَارةِ عُرِّفَ شَرعاً للزجرِ عن جِنايةِ إفسادِ الصَّوْم، ولم يُوجْد الصَّوْم بعدُ، وإذا حاضتْ المرأةُ أو نُفِستْ -بضم النون-، أي: إذا صارتْ نُفَسًَا، ونُفِسَتْ حاضتْ
(2)
.
قولهُ رحمه الله: (وعلى هذا الخلافِ كُلَّ مَنْ صارَ أهلًا للُزُومِ، ولم يكنْ كذلكَ في أولِ اليومِ)، وبهذا الأصلِ يخرجُ مَنْ أفطرَ عَمدًا، أو خطأً عن مَوضِع الخلافِ حيثُ يلزمُهُما الإمساكُ بالإتفاقِ
(3)
، ذَكَرهُ فَخْرُ الْإِسْلَام
(4)
، فإنهما كانا في أولِ اليومِ ممن يلزمُهُما الصَّوْم، وكذلك في آخرِ اليومِ كالمفطرِ مُتعمدًا أو مخطِئًا، فإنْ قِيلَ: ما وجهُ المِفطِر مخُطئًا عندَهُ، والفِطْرُ لا يتحققُ عِنَدهُ مِن المخطئِ قلنا: المرادُ مِنَ المخطئِ هو مَنْ لم يصحْ صومُ اليومِ عنهُ لِعَدَمِ قصدِهِ في إفسادِ الصَّوْم كَمَنْ أَكَلَ يوَم الشكِّ، ثُمَّ ظهرَ أنهُ مِنْ رمضانَ، فإنهُ يتحققُ الإفطارُ هاهنا، ويجبُ التشبهُ بالاتفاقِ.
[من أكل ظاناً غروب الشمس]
وكذا مَنْ تسحَّرَ، وهو يظنُ أنَّ الفجَر لم يطلعْ، فإذا هو قدْ طَلَعَ أو أَفطرَ على ظَنَّ أنَّ الشمسَ قد غَرُبَتْ، وهي لم تغربْ
(5)
بعدُ، أو يقولُ بناءً على قولِ مذهَبِكُم، ولنا أنهُ وَجَبَ القضاءُ لَحِقِّ الوقتِ أصلٌ
(6)
، هذا ما رُوِيَ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنهُ أمرَ بالإمساكِ في يومِ عاشوراءَ
(7)
فثبتَ بهِ أنَّ مَنْ عَجَزَ عن حقيقةِ الصَّوْم، وقد صارَ بحالٍ لو كانَ كذلِكَ في أولِ النهارِ لِزَمَهُ الصَّوْم أنهُ لِزَمَهَ الإمساكُ قضاءً لَحِقِّ الوقتِ فلِأَنَّ هذا شخصٌ عَجَزَ عن حقيقةِ الصَّوْم مع كَوِنه للصومِ، فيلزمُهُ الإمساكُ قضاءً لحَقِّ الوقتِ كالذي أَفطَرَ عامِدًا، أو ساهيًّا
(8)
، كذا ذكره فَخْرُ الْإِسْلَام
(9)
.
(1)
يُنْظَر المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 157).
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 371).
(3)
يُنْظَر: اللباب (1/ 87)، الهِدَايَة (1/ 129).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 104).
(5)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 129).
(6)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 102).
(7)
سبق تخريجه، ص (366).
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 363).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 127).
قولُهُ رحمه الله
(1)
: وَجَبَ القضاءُ لَحِقِّ الوقتِ أصلًا لا خلفاً هذا جوابُ عن صَرْفِ الخصْمِ بقولهِ لِتَشَبُّهِ خَلَفٍ فلا يجبُ إِلاَّ على مَنْ يتحققُ الأصلُ، فقالَ: ليسَ الإمساكُ خَلَفًا عن ذاتَ الصَّوْم مجُردًا؛ لأنهُ بعضُ الشيءِ لا يكونُ خَلَفًا عن الكُّلِ، فلا يكونُ خَلَفًا عن ذاتِ الصَّوْم بلْ الإمساكُ خَلَفٍ عنهُ لقضاءِ حقِّ الوقتِ، وذلك معنى معقولٌ؛ لِأَنَّ صومَ رمضانَ وجبَ بالوقتِ قضاءً لِحُرْمَةِ الوقتِ، كما وَجَبَ حَجَّ البيتِ بسببِ البيتِ قضاءً لِحَقِّهِ، ولهذا ثبتَ لِوقتِ رمضانَ زيادةُ فضلٍ على سائِرِ الشَّهورِ، فوجبَ قضاءُ حقِّ الوقتِ بالصَّوْم على مَنْ كان أهلًا، وبالإمساكِ على مِنْ عَجَزَ عنهُ بمعنى سابقٍ لا لمعنى قائِمٍ في الحالِ بخلاف الحائضِ، والنُفَسَاءِ، وإذا لم يكنْ خَلَفٌ عن ذاتِ الصَّوْم لم يُبْنَ على وُجوبِ الصَّوْم، بلْ بُني على كينونةِ الوقتِ وَقتًا لِصَومِ الفرضِ، وأنهُ ثابِتٌ فلذلك يختصَّ الخلفُ بمن هو مِنْ أهل الأصلِ للحالِ، وعَجَزَ عنهُ لمِناقِضٍ سابقٍ، كذا في «الْأَسْرَارِ»
(2)
.
(وإذا تسحَّرَ، وهو يظنُ أنَّ الفجرَ لم يطلعْ) إلى آخرِه، هذهِ المسألةُ تتضمُن أحكامًا خمسةً: أحدٌها: أنهُ أَفسَدَ صومَهُ إِلاَّ على قولِ ابْنِ أبي لَيْلَى
(3)
، فإنُه يقَيسَهُ على الناسِي بناءً على أصلهِ أنَّ المخصوصَ من القياسِ بالنصِّ يُقاسُ عليهِ، وعِنْدَنَا المخصوصُ منَ القياسِ/ بالنصِّ لا يقاسُ عليهِ فإنَّ قِياسَ الأصلِ يُعارضُهُ، ولا يلحقُ به إِلاَّ إذا كانَ في معناُه مِن كُلِّ وجهٍ.
وهذا ليسَ في معنى الناسِي؛ لأَنَّ الاحترازَ عن هذا الغلطِ ممكنٌ في الجُملةٍ بخلافِ النسيانِ، ثُمَّ فسادُ صومِهِ يفوتِ رُكْنِ الصَّوْم، وهو الإمساكُ.
والثاني: أنَّ عليه قضاءَ اليومِ
(4)
؛ لأنهُ فَوَّتَ الأداءَ بعدَ تَقَرُّرِ السببِ الموُجبِ لهُ فيضمنهُ بالمثلِ مما هو مشروعٌ لهُ.
والثالث: أنهُ لا كفارةَ عليهِ لما ذُكِرَ في الكتابِ
(5)
.
(1)
هو صاحب بِدَايَةُ المُبْتَدِي برهان الدين الْمَرْغِينَانِي رحمه الله. يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 41).
(2)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 103).
(3)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 194)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 313).
(4)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 194)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 366).
(5)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 130)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 195).
والرابعُ: أنهُ يمُسكُ بقيةُ يومهِ لما ذُكِرَ
(1)
.
والخامس: أنهُ لا إثمَ عليهِ لقولهِ تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ}
(2)
(3)
، كذا في شروح «المَبْسُوط»
(4)
أو نفيًا للتهمة، فإنه إذا أَكَلَ، ولا عُذْرَ لهُ اتهمهُ الناسُ بالفسقِ، والتحرزِ عن موضَعِ التُّهمةِ واجبٌ للحديثِ:«منَ كانْ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يَقَفِّنَ مواقفَ التُّهمِ»
(5)
، وقد مرَ ما رُوِيَ عن علي رضي الله عنه:«إياكَ وما يقعُ عندَ الناسِ إنكارٌه»
(6)
، وفي رِوايةِ ما يسبقُ إلى القلوبِ إنكارُهُ إلى آخرهِ وفيهِ قالَ عُمر رضي الله عنه:«ما تجانفنا لإثمٍ» ، فإنهُ رضي الله عنه كان جالسًا في رحبةِ مسجدِ الكوفةِ عندَ الغُروبِ في شهرِ رمضانَ فأتى بعُسٍ [قدح] من لَبَنٍ فشرِبَ منهُ هو وأصحابهٌ، فأمرَ المؤذِنَ أنْ يؤُذِنَ فلما رُقِيَ المِئْذَنةَ رأى الشمسَ لم تغبْ، فقال: الشمسُ يا أميرَ المؤمنينَ، فقالَ عُمر رضي الله عنه:«بعثناك دَاعيًا، ولم نبعثْكَ رَاعيًا ما تجانَفْنَا لإثمٍ»
(7)
، ثُمَّ يقضي يومًا مكانهَ، وقضاءُ يومٍ يسيرٍ، دَلَّ هذا الحدِيثُ على لزومِ القضاءِ، وعدمِ الإثمِ، وإنما قالَ ذلك عُمر رضي الله عنه لإساءةِ أدَبِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ حقِّهِ أنْ يجيءَ، ويخُبرَ فالِنَداءُ مِنَ المئَذَنةِ كانَ إساءةً منهُ في الأَدبِ، فردَّ عليهِ بقولهِ لم نبَعْثكَ رَاعِيًا، كذا في مبسوط الإمام الْإِسْبِيجَابِي، وغيره وهو يرى على بناءِ المفعولِ مِنَ الرأْي لا مِنَ الرِوَايةِ، أي: يُظُّن الجنفَ المثلِ، ومنهُ جَنَفَ عليها ذَا ظُلْمٍ مِنْ بابٍ ليسَ ما تجُانفنا لإثمٍ، أيْ: لم ينحرفْ إليهِ، ولم يملْ، يعني: ما تعمدَّنا في هذا ارتكابَ المعصيةِ، كذا في المُغْرِب
(8)
. هذا إذا أفطرَ، وهو يرى أنَّ الشمسَ قدْ غابتْ.
(أمّا إذا شكَّ في غُروبِ الشمسِ)
(9)
، فأفطرَ فإنهُ تلزمُهُ الكفارةُ
(10)
. هكذا حُكِيَ عن أبي جعفرٍ
(11)
، ووجههُ هو أنَّ الثابتَ حالُ غَالِبِ الرَّأْيِ. شُبْهةُ الإباحةِ لا حقيقة الإباحة ففي حالة الشك، وهي حال تساوي الظنين
(12)
لابد أن يكون ذلك، ودُونَ ذلكَ شُبْهَةُ الشُّبهةِ، وبِشُبْهةِ الشُّبهةِ لَا تسقطُ العقوباتُ، وهذا بخلافِ ما إذا شكَّ في طلوعِ الفجرِ فأَكَلَ لا تلزمُهُ الكفارةُ، والفرقُ بينهما هو: أنَّهُ متى شكَّ في غُروبِ الشمسِ فأفطَرَ فقدْ كَمُلَ الفِطْرُ على سبيلِ التقديرِ؛ لأنهُ كانَ مُتيقنًا بالنَّهارِ شاكّّاً بالليلِ، واليقينُ لا يزولُ بالشكِّ،] وفي طلوعِ الفجرِ على عكسْهِ؛ لأنهُ كانَ مُتيقنًا بالليلِ شاكَّاً بالنهارِ، واليقينُ لا يزولُ بالشكِّ
(13)
فبقَي الليلُ، فلا يكونُ قاصِدًا للفِطْرِ، كذا ذِكره شيخ الإسلام.
(1)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 106)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 195).
(2)
سورة الأحزاب الآية (5).
(3)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 144).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 104).
(5)
الكشاف عن حقائق التنزيل (3/ 568)، وكشف الخفاء (2/ 254).
(6)
سبق تخريجه، ص (379).
(7)
رَوَاهُ ابن أبي شيبة في مصنفه (9139 - 3/ 24).
(8)
يُنْظَر: 1/ 165.
(9)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 41).
(10)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 130)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 195).
(11)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 195)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 628).
(12)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 41).
(13)
سقطت في (ب).
[مسألة السحور]
السَّحَرَ آخُر الليلِ
(1)
. وعن الليثِ
(2)
قال: هو السَّدسُ الآخرُ، والسحورُ اسمٌ لمِا يُؤْكَلُ في ذلكِ الوقتِ، فعلى هذا كانَ المُضاف في قولهِ:«فإنَّ في السُّحُورِ بَرَكَةٌ»
(3)
محذوفًا، أي: في أَكْلِ السُّحورِ، ثُمَّ قِيلَ: المرادُ مِنَ البركةِ: هو زيادةُ قُوةٍ في أداءِ الصَّوْم
(4)
بدليل حديثِ آخرَ ذكرهُ في «المَبْسُوط»
(5)
: فقالَ عليه الصلاة والسلام: «استعينوا بقائلةِ النَّهارِ على قيامِ الليلِ، وبِأَكْلِ السُّحورِ على صيامِ النَّهارِ»
(6)
. وجازَ أنْ يكونَ المُرادُ مِنَ البركةِ هو: نيلُ زيادةِ الثوابِ لاستيفائهِ بأكْل ِالسَّحورِ بِسُنِنَ المرسلينَ عليهم السلام، وعملهُ بما هو مخصوصُ أهلِ الإسلام، فإنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قالَ:«فَرْقٌ ما بينَ صِيامِنا وصيامِ أهلِ الْكِتَابِ أَكْلُ السُّحورِ»
(7)
، ثُمَّ تأخيرُ أَكْلِ السَّحورِ مُستحَبٌّ في مُستحَبٍّ لمِا أنَّ نفسَ التسحُّرِ، وهيَ أَكْلُ السُّحورِ مُستحبٌّ، وتأخيرٌه إلى آخرِ الليلِ مُستحبٌّ أيضًا، فكانَ التأخيرُ استحبابًا في استحبِابِ لقولهِ عليه الصلاة والسلام:«ثلاثٌ مِنَ أخلاقِ المرسلينِ: تعجيلُ الإفطارِ، وتأخيرُ السُّحورِ، والسِّواكُ»
(8)
وفي النافعِ ذَكَر وضعَ اليمينِ على الشِّمالِ في الصَّلَاةِ مكانَ السِّواكِ
(9)
، ولكنْ ما ذُكِرَ هنا مُوافِقٌ لما ذُكِرَ في «المَبْسُوط»
(10)
ثُمَّ تعجيلُ الإفطارِ، وتأخيرُ السُّحورِ إنّما يكونُ مُستحبًّا إذا لم يكنْ في السماءِ عِلّةٌ، وهو غيرُ شاكٍّ في وُقوعِ أَكْلِهِ في النَّهارِ، وسألَ الإمامُ بدرُ الدِّينِ النَّوريِ رحمه الله
(11)
شَيْخِي عن هذا الحديثِ، فقالَ: كيفَ يكونُ تأخيرُ السحورِ مِنَ أخلاقِ المرسلينِ، ولم يكن في مِلَّتهِمْ.
(1)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (1/ 398).
(2)
يُنْظَر: الفتاوى الهندي (1/ 200).
(3)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الصَّوْم، باب بركة السحور من غير إيجاب (1823)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه (1095)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 373).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 139).
(6)
رَوَاهُ ابن ماجه في سننه، كتاب الصيام، باب ما جاء في السحور (1693)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الألباني: ضعيف.
(7)
رَوَاهُ مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه (1096)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(8)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في السنن الكبرى (2423 - 2/ 29)، والمتقي الهندي في كنز العمال (23889 - 8/ 511).
(9)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 105).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 139).
(11)
هو: إسماعيل بن سودكين بن عبدالله أبو طاهر النوري، صحب الشيخ أبا عبدالله مُحَمَّد بن علي بن العربي مدة، وكتب عنه كثيرا من تصانيفه، وسمع بمصر من أبي الفضل مُحَمَّد بن يوسف الغزنوي، وأبي عبدالله مُحَمَّد بن حامد الأرباحي، وبحلب من الشريف أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي، وحدث وكان فقيهًا فاضلًا محدثا شاعرًا له نظم حسن وكلام فى التصوف. مولده بالقاهرة سنة ثمان أو تسع وأربعين وخمس مائة، ومات بحلب سنة ست وأربعين وست مائة.
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 151)، الأَعْلَام للزركلي (1/ 314).
حِلُّ أَكْلِ السُّحورِ، كما كانَ في ابتداءِ مِلَتِنَا فقالَ شَيْخِي رحمه الله وأثابهُ الجنةَ: المرادُ بهِ الأَكْلَةُ الثَانيةُ، فإنها كانتْ تجري مجَرى السُّحورِ في حقِّهِمْ لقولهِ عليه الصلاة والسلام:«دَعْ ما يُريْبكَ إلى ما لا يُريْبكُ»
(1)
، تمامهُ فإنَّ الكَذِبَ رَيبُةُ، وأنّ الصِدْقَ طُمأنينُةُ. مِنْ رابَهُ رَيْبًا شكَكَهُ، والمريبةُ: الشكُّ، والتهمةُ، أيْ: ما مِشْكُكَ، وتحصلُ فيكَ الريبةُ، وهي في الأِصلِ قلقُ النفسِ، واضطرابهُا، ألا ترى كيف قاَبَلها بالطُمأْنيِنَةِ، وهي السكونَ، وذلكَ أنَّ النَّفسِ لا تستِقُر متى شَكَتْ، وإذا تيقنتهُ سكنتْ، واطمأنتْ، كذا في «المُغْرِب»
(2)
، وعلى ظاهر الرِوَايةِ لا قضاءَ عليهِ، وهو الصحيحُ؛ لأنَّ الليلَ هو الأصلُ فلا ينتقلَ عنه إِلاَّ بيقين، كذا في «الإيضاح»
(3)
، (وإنْ كانَ أكبرَ رَأْيهٍ أنهُ أَكلَ قَبْلَ الغُروبِ فعليهِ القضاءُ روِايةٌ واحدةُ)
(4)
، أيْ: فعليهِ القضاءُ والكفارةُ؛ لأنَّ النهارَ كان ثابِتًا، وقد انضمَ إليهِ أكثرُ رَأْيِهِ، فصار بمنزلةِ اليقين
(5)
، كذا في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. (ولو كانَ شاكَّاً فيهِ، وتبين أنها لم تغُربْ ينبغي أنْ تجبُ الكفارةُ)
(6)
نظرًا إلى ما هو الأَصْلَ، وهو النهار، فإنْ قلْتَ: يَشْكُلُ على هذا ما إذا شَهِدَا اثنانِ أن الشمْس قد غَابَتْ، وشهدَ آخرانِ أنها لم تغب فأفطر، ثُمَّ ظهر أنها لم تَغْبُ، عليهِ القضاءُ دُونَ الكفارةِ بالاتفاقِ
(7)
مع أنَّ تعارُضَ الشهادتين يُورثُ الشكَّ لا محَالةَ، فلمْ تجبْ الكفارةُ هناك بالاتفاقِ مع أنَّ الشكَّ فيهِ موجودٌ فكيفَ وجبتْ هاهنا بالشكِّ
(8)
.
(1)
رَوَاهُ الترمذي في سننه (2518)، كتاب أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، والنسائي في سننه (5711)، كتاب الأشربة، باب الحث على ترك الشبهات. من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما، قال الألباني: صحيح.
(2)
يُنْظَر: (1/ 356).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 373 - 375).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 128).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 375).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 128).
(7)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 363)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 100).
(8)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 195).
قلتُ: تعارضُ الشهادتين لم يُورِثُ الشكَّ هناكَ شَرْعًا لما أنَّ شهادةَ مِنْ شَهِدَ أنها لم تغبْ ليستْ بشهادةٍ لتَكوُنَ الشهادةُ على المنفي، والشهادةُ على النفي لا تُقبل، فبقيَتْ شهادةُ مَنْ شَهِدَ يَشْهَدُ أنَّ الشمسَ قدْ غابَتْ خاليةً عن المعارضِ، فيقبلُ. فلذلك لم تجبْ الكفارةُ لكون الأَكْلِ بعَد غُروبِ الشَّمسِ حتى أنَّ تعارُضَ الشهادتين لو كانَ في طُلوعِ الفجرِ بأنْ شَهِدَا اثنانِ على طُلوعِ الفجرِ، وشَهِدَ آخرانِ بأنهُ لم يطلعْ فأَفْطَرَ، ثُمَّ ظَهَرَ أنهُ كانُ قد طَلَعَ عليهِ القضاءُ، والكفارةُ بالاتفاقِ لهذا المعنى، وهو أنَّ المقبولَ من الشهادتينِ هو الشهادةُ على الإثباتِ، ولا تُعارِضُها الشهادةُ على النفي كما في حقوقِ العبادِ، فحينئذٍ كانَ وُجودُ الأَكْلَ منهُ بعدَ طُلوعِ الفجرِ الذي ثبتَ طُلوعُهُ بِحُجةٍ شرعيةٍ فتجبُ الكفارةُ؛ (لِأَنَّ الاشتباهَ استندَ إلى القِياسِ)
(1)
لما أنَّ القياسَ الصحيحَ يقتضي أنْ لا يبقى صائمًا يأكلُهُ عندَ النِّسيانِ قِيلَ: إنْ يأكلْ متُعمدًا، فإذا أَكَلَ بعدَ ذلكَ مُتعمدًا فقد أتى أَكلُه حالَهُ هو غيرُ صائِمٍ فيها، فلا تجبُ الكفارةُ، فوجهُ القياسِ هو أنَّ رُكْنَ الصَّوْم ينعدِمُ بأكلهِ ناسيًا أو عامِدًا أو بدونِ الرَّكْنِ لا يُتصوُر أداءُ العبادةِ فيفسدُ صومُهُ، وإنْ بلغُهُ الحديثُ وعَلِمَهَ، أي: وعَلِمَ بمعنى الحديثِ بأنَّ الصَّوْم لا يفسدُ بالأَكْلِ ناسِيًا، ثُمَّ أكلَ مُتعمدًا فكذلك في روايةٍ عن أبي حنيفةَ رحمه الله
(2)
، أيْ: لا تجبُ الكفارةُ، وقال في فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(3)
: إنهُ لا كفارةَ عليهِ. هو الصحيحُ
(4)
.
قولُه رحمه الله: (لِأَنّهُ لا اشتباهَ فلا شُبهة)، أي: لا اشتباهَ في أنَّ القياسَ مَتروكٌ فلا يورثُ ذلك القياسُ المتروكُ شُبْهةً في سُقوطِ الكفارةِ. وجهُ الأولِ هو عدمُ وجُوبِ الكفارةِ، قيامُ الشُبهةِ الحُكْمِيَةِ، وهو أنَّ الشيءَ لا يبقى مع فواتِ رُكْنِهِ. يستوي في هذا الأصلِ المطرِدِ العالمُ، والجاهلُ، فلا تجبُ الكفارةُ لِذلكَ خُصوصًا ما إذْ تأيدتْ تلكَ الشَّبهةُ باختلافِ العلماءِ؛ لأنّ عندُ مَالِكٍ
(5)
، وربيعةَ الرأي
(6)
، وابْنُ أبي لَيْلَى
(7)
يفسدُ صومُهُ بالأَكْلٍ ناسِيًا، وهو اختيارُ مُحَمَّد بنُ مُقاتل الرازي مِن أصحابنا
(8)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 130).
(2)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 100)، الهِدَايَة (1/ 130).
(3)
يُنْظَر: فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 181).
(4)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 203).
(5)
يُنْظَر: المدونة (1/ 266)، التاج والإكليل (2/ 427).
(6)
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 324)، الْمُغْنِي (3/ 36).
(7)
يُنْظَر: الْمَجْمُوع (6/ 348)، الْمُغْنِي (3/ 36).
(8)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 291)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 327).
واختلافُ العلماءِ يُورِثُ الشَّبهةَ لاحتمالِ أنْ يكونَ أُلحِقَ مع ذلكَ البعضِ لمكانِ الاجتهادِ في الكفارةِ نوعُ عُقوبةٍ فتندرِأُ بالشُّبهة
(1)
، كذا في «الفوائد» ، وغيرها. وقالَ الإمامُ الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله
(2)
في وجهٍ: أنْ لا تلزمُهُ الكفارةُ، وإنْ كان عالمِا؛ لأن الشبهة تمكنتْ في المحلِ باعتبارِ انعدامِ رُكْنِ الصَّوْم حقيقةً، وفي مثلِ هذه الشبهةِ، العالمُ يساوي الجاهلَ، كالأَبِ إِذا وَطِئَ جاريةَ ابنهِ لا يلزمُهُ الحدُّ سواءٌ عَلِمَ حرمُتها عليهِ أو ظَنَّ أنها تَحِلُّ لهُ؛ لِأَنَّ الظنَ ما استندَ إلى دليلٍ شرعي؛ لِأَنَّ انعدامَ الرُّكنِ، إمّا بوصولِ شيءٍ إلى باطِنهِ، وبقضاءِ الشَّهوةِ، ولم يُوجدْ منهما شيءٌ لا صورةً، ولا معنى وحُكْمُ الاستقاءِ ثابِتٌ بالنَصِّ بخلافِ القياسِ، وكذا فسادُ الصَّوْم بالحيضِ، والنفاسِ مخُالِفٌ للقياسِ، وهذا ليسَ في معناهُ؛ لِأَنَّ الحيضَ يُوجِبُ الغُسلُ، وهذان
(3)
، كذا في «المختلفات»
(4)
.
[الحجامة هل تفطر
؟]
وذَكَر/ في «الفوائد»
(5)
: وإنمّا وَجَبَتْ الكفارةُ إذا لم يبلغْهُ الحديثُ؛ لِأَنّهُ ظنُّ لا في موطنِهِ؛/ لِأَنَّ الِحجَامةَ لاتضُاد الصَّوْم؛ لِأَنَّ الفِطْرِ يتعلقُ بالدُّخولِ، ولم يُوجدْ بخلافِ ما إذا أكلَ ناسِيًا لِوُجودِ الدَّخولِ هُناك، وكانَ ظنًّا في موطنهِ فافَتَرقا إِلاَّ إذا أفتاهُ فقيُهُ بالفسادِ، أيْ: فقِيُهُ يُؤخَذُ منهُ الفِقْهُ
(6)
، وقالَ الإمامُ المحبوبيِ:
(7)
ويُشترطُ أنَ يكونَ المفتي ممن يُؤخَذُ منهُ الفقهُ، ويُعتمدُ على فتواهُ في البلدِة، ولا مُعتبرَ بِغيرهِ. هكذا رَوَى الحسنُ عن أبي حنيفةَ رحمه الله
(8)
، وابنُ رُستم
(9)
عن محمدٍ، وبشر بنٍ الوليدِ
(10)
عن أبي يوسفَ رحمه الله. حينئذٍ تصُير فتوى المفُتىِ شُبْهةً
(11)
، وظاهِرُ الحديث لا يَصَيرُ شبهةً، ولو بلغَهُ الحديثُ واعتمدَهُ، وهو قولُهُ عليه الصلاة والسلام:«أَفْطَرَ الحاجِمُ والمحجُومُ»
(12)
رُوِىَ بالواوِ، وبغيرِ الواوِ، ويُنصَبُ المحجومُ. فكذلكَ عندَ محُمدٍ، أيْ: لا تجبُ الكفارةُ
(13)
، وعن أبي يوسفَ رحمه الله
(14)
خلافُ ذِلكَ، أيْ: لا تسقطُ الكفارةُ عندَ أبي يوسفَ رحمه الله إذا بلغَهُ حديثُ الحِجَامةِ بالفِطْرِ بخلافِ فتوى المفتي بالفسادِ، فإنَّ هُناكَ تسقطُ الكفارةُ عندَ أبي يوسفَ، وقال
(15)
: لِأَنَّ العامِيَّ إذا سَمِعَ حديثًا ليسَ لهُ أنْ يأخذَ بظاهرِهِ لجوازِ أنْ يكونَ مَصروفًا عن ظاهِرِهِ أو منسوخًا بخلافِ الفتوى، وإنْ عَرَفَ تأوِيلَهُ تجبُ الكفارةُ
(16)
، وتأويلُهُ: "أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام مرَّ بهما: وهما مَعْقِل بنِ سِنانٍ مع حاجِمِهِ، وهما يَغتاَبانِ آخرَ فقالَ:«أَفطرَ الحاجِمُ، والمحجومُ»
(17)
"، أيْ: ذهبَ بِثَوابِ صَومِهِمَا الغيبةُ، وقِيلَ: الصحيحُ أنهُ غُشِىَ على المَحجومِ فَصَبَّ الحاجِمُ الماءَ في حَلْقِهِ، فقالَ عليه الصلاة والسلام:«أفطَر الحاجِمُ، والمحجومُ»
(18)
، أيْ: فِطْرٌه بما صنعَ بهِ فوقعَ عندَ الراوي أنهُ قالَ: «أفطرَ الحاجِمُ، والمحجومُ» ، كذا في «المَبْسُوط»
(19)
. لا توُرثُ الشبهةُ لمخالفتهِ القياسَ، فإنَّ الفِطْرَ مما دخلَ لا مما خَرَجَ بخلافِ قولِ مَالِكِ في أَكْل الناسِي
(20)
.
(1)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 376).
(2)
يُنْظَر: اللباب شرح الْكِتَاب (1/ 85).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (4/ 65).
(4)
هكذا هي في نسخ المخطوط ولم أجد هذا الكتاب، وقد سبق في كتاب الزكاة.
(5)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 343).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: 2/ 377، والفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة: 1/ 206.
(7)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1343).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي (3/ 102)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 100).
(9)
هو: إبراهيم بن رستم، أبو بكر المروزي، من مَرْو الشاهجان. فقيه حنفي من أصحاب مُحَمَّد بن الحسن. أخذ عن مُحَمَّد وغيره من أصحاب أبي حنيفة، وسمع من مالك والثوري وحماد بن سلمة وغيرهم، وعرض المأمون عليه القضاء فامتنع، وثَّقّهُ بعض أهل الحديث، وقال بعضهم: منكر الحديث، من تصانيفه:"النوادر" كتبها عن محمد.
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 397)، معجم المؤلفين (1/ 31).
(10)
هو: بشر بن الوليد بن خالد، أبو الوليد، الكِندي. والكندي نسبة إلى كندة بكسر الكاف. قبيلة مشهورة باليمن. فقيه حنفي، قاضي العراق. وهو أحد أصحاب أبي يوسف خاصة، وعنه أخذ الفقه. سمع مالكا وحمادا بن زيد وغيرهما. روى عنه أحمد بن علي الأبار وأبو يعلى الموصلي وأبو القاسم البغوي وأبو العباس الثقفي وغيرهم. قال الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: ثقة، وقال السلمي عن الدَّارقُطنيّ: ثقة.
يُنْظَر: تاريخ بغداد (7/ 80)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (10/ 673)، الجواهر المضية (1/ 166).
(11)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 343).
(12)
أخرجه أحمد في مسنده، من حديث رافع (25/ 148)، ورَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الصَّوْم، باب في الصائم يحتجم (2369)، والترمذي في سننه، كتاب الصَّوْم، باب كراهية الحجامة للصائم (774)، وابن ماجه في سننه، كتاب الصيام، باب ما جاء في الحجامة للصائم (1680)، وأحمد في مسنده (25/ 148). وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2/ 274).
(13)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 662)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 316).
(14)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 100)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 316).
(15)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 100)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 316).
(16)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 377).
(17)
سبق تخريجه، ص (385).
(18)
سبق تخريجه، ص (385).
(19)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 103).
(20)
يُنْظَر: الاستذكار (3/ 355)، مواهب الجليل (3/ 399).
(ولو أَكَلَ بعدَما اغتابَ) إلى قولهِ: كيفَ ما كانَ، أيْ: سواءً بلَغَهُ الحديثُ أو لمَ يبلغْهُ، وسواءً عرفَ تأويَلهُ أو لمْ يعرفْ، وسواءً أفتاهُ مُفِتي بالفسادِ أو لم يفْتِ
(1)
.
وفي «المَبْسُوط»
(2)
: فظنَّ أنَّ الغيبةَ فطَّرتْهُ فأَكَلَ بعدَ ذلك مُتعمدًا فعليهِ القضاءُ، والكفارةُ سواءً اعتمدَ حديثًا أو فتوى
(3)
؛ لِأَنَّ هذا الظنَّ، والفتوى في غيرِ موضعهِ؛ إذ لا خلافِ بينَ العُلماءِ أنَّ الصَّوْم لا يفسدُ بهذا
(4)
، والفتوى بخلافِ الإجماعِ غير معتبرةِ
(5)
، والحديثُ هو قولُهُ عليه الصلاة والسلام:«يُفَطِّرْنَ الصائِمَ، وَيْنقُضْنَ الوُضوءَ، ويَهْدِمْنَ العَقْلَ؛ الغيبةُ والنميمةُ، والنظرُ إلى محاسنِ المرأةِ»
(6)
، كذا ذكرهُ الإمامُ الْمَحْبُوبِيّ رحمه الله، وقال فَخْرُ الْإِسْلَام في «الجامع الصغير»: والحديثُ الواردُ فيه أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قالَ: «الغيبةُ تُفِطِّرُ الصائِمَ»
(7)
، وهو قولٌ بالإجماعِ
(8)
.
[مسألة جماع النائمة والمجنونة]
وإذا جُومِعَتُ النائمةُ أو المجنونةُ، وهي صائمةٌ عليها القضاءُ
(9)
، أمّا صومُ النائمةِ فظاهِرٌ
(10)
، وأمّا المجنونةُ فقد تكلموا في صِحَّةِ صَوْمِها، فإنَّ صِحَةَ الصَّوْم لا تجامعْ المجنونةَ، وحكى عن أبي سليمانَ الجرجاني
(11)
قالَ: لما قرأْتُ على مُحَمَّد هذهِ المسألةُ قلْتُ لهُ: كيفَ تكونُ صائمةً وهي مجنونةٌ؟
(12)
فقالَ لِي: دعْ هذا فإنهُ انتشرَ في الأُفْقِ من المشايخِ مَنْ قالَ كأنهُ كتبَ في الأصلِ، وهي مجبورةٌ فظَنَّ الكاتبُ أُنها مجنونةٌ
(13)
، ولهذا قالَ دَعْ، فإنهُ انتشرَ في الأُفقِ، وأكثرُ المشايخِ قالوا: تأويلُهُ إذا كانتْ عاقلةً بالغةً في أولِّ النِّهارِ، ثُمَّ جَنَّتْ
(14)
، كذا ذكره المحبوبي.
(1)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 378).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 144).
(3)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 662)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 316).
(4)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 384)، البناية (3/ 110).
(5)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (4/ 22)، المستصفى (ص: 343)،
(6)
أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال (23813 - 8/ 497)، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة (2/ 90)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 195).
(7)
أخرجه الربيع بن حبيب في مسنده بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما (1/ 58)، قال الزيلعي في نصب الراية عن أحاديث إفطار الصائم بالغيبة (2/ 482): وورد في ذلك أحاديث كلها مدخولة ا. هـ.
(8)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 316)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 100).
(9)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 130)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 91).
(10)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 354)، الهِدَايَة (1/ 130).
(11)
هو: داود بن سليمان أبو سليمان الجرجاني مولى قريش، سكن بغداد، وحدث بها عن سليمان بن عمرو النخعي، وعمرو بن جميع، والنضر بن إسماعيل. روى عنه أحمد بن الضحاك الخشاب، وذكر أنه سمع منه في الرصافة، وأبو الأحوص مُحَمَّد بن نصر المخرمي، وأحمد بن مهران بن خالد الأصبهاني، وأبو بكر بن أبي الدنيا.
يُنْظَر: تاريخ بغداد (8/ 366)، ميزان الاعتدال (2/ 8).
(12)
يُنْظَر: العناية (2/ 385)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 344).
(13)
يُنْظَر: البناية (3/ 111).
(14)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 380).
وفي «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة»
(1)
، وعن عيسى بن أبان رحمه الله أنهُ قالَ: قْلتُ لمُحَمَّد رحمه الله: هذه المجنونةُ فقالَ: لا بلْ الجبورةُ، أي: المُكْرَهَةُ، فقلتُ: ألا تجعلْها مجبورةً فقالَ: بلى، ثُمَّ قالُ: كيفَ وقدْ سارتْ بها الرِكَابُ دَعُوهَا
(2)
، ولنا أنَّ النسيانَ يغلبُ وجُودُهُ، ولِأَنَّ الناسِيَ مخصوصٌ عن القياسِ بالأثرِ فلا يلحقُ بهِ ما ليسَ في معناهُ، والمتنازعُ فيهِ ليسَ في معناهُ؛ لِأَنهُ لا صُنعَ لهُ في النسيانِ، وباعتبارهِ يُخرِجُ الفِعْلَ مِن أنْ يكونَ مُضافًا إليهِ كما قالَ عليه الصلاة والسلام:«أنَّ اللهَ أطعمكَ، وسَقاكَ»
(3)
.
فقدْ أضافَ الفِعلُ إلى اللِه، وهاهنا الفعلُ مضافٌ إلى الزَّوجِ الذي جامَعَها، وإلى من صَبّ في حَلْقِ النائِمِ، وما يكونُ مُضافًا إلى صُنعِ العبادِ لا يكونُ بمنزلةِ مالا صُنِعَ للعبدِ فيهِ. ألا ترى أنَّ المريضَ إذَا صلَّى قاعِدًا لا يلزمُهُ القضاءُ إذا بَرَأَ، بخلافِ المُقَيّدِ إذا صلّى قاعِدًا، ثُمَّ أُطلقَ حيثُ يجبُ عليهِ القضاءُ، واللهُ أعلمُ بالصوابِ
(4)
.
فصل: فيما يُوجبه على نفسهِ
لمَاَّ فرغَ مِن بيانِ ما أَوْجَبَ اللهُ على العبادِ، شرعَ في بيانِ ما أوجبَ العبادُ على أنفسِهِم؛ إذ هذا فرعٌ على ما أوجبَ اللهُ على العبادِ؛ لأنّ إيجابَ العبدِ مُعتبرٌ بإيجابِ اللهِ تعالى فكانَ مرتبًا عليهِ، والأصلُ في هذا ما ذَكَرَ شَيْخِي رحمه الله
(5)
: أنَّ النذَر لا يَصِحُّ إِلاَّ بِشُروطِ ثلاثةٍ في الأصلِ إِلاَّ إذا قامَ الدليلُ على خلافهِ:
أحدُها: أنْ يكونَ الواجبُ مِن جنسِهِ شرعًا.
والثاني: أن يكونَ مُقصودًا لا وَسيلةً.
والثالث: أنْ لا يكونَ واجباً عليهِ في الحالِ، أو في ثاني الحالِ فلذلكَ لم يصَح النذُر بعيادة المريضِ لانعدامِ الشرطِ الأولِ، ولا بالوُضوءِ، وسجدةِ التِّلاوةِ لانعدامِ الشرطِ الثاني، ولا بصلاةِ الظَّهرِ، وغيرها منَ المفروضاتِ لانعدامِ الشرطِ الثالثِ فإنْ قلتَ: يَشْكُلُ على هذا النَذْر بالحجِ ما شاءَ، والِاعْتِكَافُ، وإعتاقُ الرقبةِ حيثُ تجبُ هذه الأشياءُ في النذِر مع أنَّ الحجًّ بصفةِ المشيِ غيرُ واجبٍ شَرْعًا، وكذلك نفسُ الإعتاقِ، ونفسُ الإعتاقِ منْ غيرِ مباشرةٍ سببٌ مُوجِبُ الإعتاقِ غيرَ واجبٍ، وكذلك الِاعْتِكَافُ غيرُ واجبٍ
(6)
.
(1)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 316).
(2)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 385).
(3)
رَوَاهُ أبو داود في سننه، كتاب الصَّوْم، باب من أكل ناسيًا (2398)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الألباني: صحيح.
(4)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 380).
(5)
هو صاحب الهِدَايَة رحمه الله. يُنْظَر: البناية (3/ 113).
(6)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 381)، والْبَحْرِ الرَّائِق (2/ 317).
[إذا نذر صوم يوم النحر]
قلتُ: هذه الصُّورَ من المستثنى الذي قامَ الدليلُ على وجُوبهِ بخلافِ القِياسِ ويَذْكُرُ دلائِلَها في مواضِعها التي تأتي.
قوله: (وإذا قالَ: للهِ عليَّ صومُ يومِ النَّحْرِ أَفْطَرَ وقَضَى)
(1)
، وعندَ زُفَر
(2)
، والشَّافِعِي
(3)
رحمهما اللهُ لا يِصحُّ نذْرُهُ، وهو رِوايةُ ابنِ المباركِ
(4)
عن أبي حنيفةَ، ورَوَىَ الحسنُ عن أبي حنيفةَ
(5)
قالَ: للهِ عليّ صومُ يومِ النَّحرِ لم يُصحَّ نذرُهُ، ولو قالَ: غدًا، وغداً يومُ النّحرِ صحَّ نذْرُهُ، فوجهُ رِوايةِ الحسنِ
(6)
أنهُ إذا نصَّ على يومِ النَّحرِ، فقدْ صرَّحَ في نَذْرِهِ بما هو مَنِهيٌّ عنهُ فلم يصحَّ، وإذا قالَ: غدًا، فلمْ يُصرِحْ في نذرِهِ بما هو مَنِهيٌّ عنهُ فصحَّ نذْرُهُ، وهو كالمرأةِ إذا قالتْ: للهِ عليّ أنْ أَصومَ يومَ حَيضٍ لم يصحَّ نذرُهُا، ولو قالتْ: غدًا، وغدا يومُ حيضِها صحَّ نذْرُهُا، ووجهُ قولهِما أنَّ الصَّوْم غيرُ مشروعٍ في هذهِ الأيامِ، وليسَ للعبدِ شَرْعٌ ما ليسَ بمشروعٍ كالصَّوْم ليلًا، وبيانه: أنَّ الشرعَ عينَّ هذا الزمانَ للأكْلِ بقولهِ: فإنها أيامُ أَكْلٍ، وتعينُهُ لِأحَدِ الضدينِ ينفي الضَّدَ الآخرَ، ولِأَنَّ الصَّوْم في هذهِ الأيامِ منَهِيُّ عنهُ، وأدنى درجاتِ النَّهيِ عنهُ أنْ يكونَ ممنوعًا، والممنوعُ لا يكونُ مأذونَ التحصيلِ. ومِنْ شَرْطِ صِحَةِ النذرِ يكونُ المنذورُ بهِ مأَذونُ التحصيلِ، ولنا أنَّ الدلائِلَ المقتضيةَ لِشرعِيُةِ الصَّوْم لا تفصلُ بينَ صومِ وصومٍ، والنهيُ إنّما كانَ لمِعنى اتصلَ بهِ، وهو تركُ إجابةِ دعوةِ اللهِ تعالىِ، وهذا لا يُوجِبُ إعدامُ شرعيةِ ذاتِ الصَّوْم فبقيَ الصَّوْم في ذاتهِ عِبَادُةٌ، وهذا لِأَنّ المشروعاتِ أصلُها حَسَنُ عُقلًا؛ لِأَنّ العباداتِ إظهارُ الخضُوعِ للهِ تعالى، وتعظيمُ مَنْ هُو مُستحِقُ التعظيمِ، وشُكْرُ المُنْعِمِ ومتى تعلَّقِ بها نَهْيٌ يجبُ صَرْفُ ذلك النهيِ إلى مَحاورَ لها لا إليها صِيانةً عنِ التناقِضِ لِأَدلةِ الشَّرعِ، وهذا الفقهُ، وهو أنَّ الأفعالَ إنّما تَحِلُّ، وتحرمُ باعتبارِ الجهاتِ لا باعتبارِ الذَّاتِ فإنَّ الفِعْلُ لو كانَ يَحْرُمُ لِذَاتِهْ لكانتْ الأفعالُ كُلُّها حَرامًا لِكُونِها أفعالًا، ولو كانتْ تَحِلُ أيضًا باعتبارِ كونهِ فعِلًا لكانتْ الأفعالُ كُلُّها حلالًا لكونها أفعالًا ألا ترى أنَّ واحداً مِنَّا إذا سُئِلَ عن الوَطْئِ أَيَحِلُّ أمْ يحَرِمُ؟ لا يستجيزُ منْ نفسهِ أنْ يقولَ: بالحِلِّ أو بالحرمُة بِلا تعرضِ جهةِ وأقربُ نظيرِ لمسألتنا في هذا مِنْ إذا رأى حَربيًّا، ومُسلمًا فرماهما رَميةً واحدة فهذا الرْميُ يوُصَفُ بالحلِ باعتبارِ كونهِ] قتلًا للحربي، وبالحُرمة باعتبارِ كونهِ قتلًا للمُسِلم [،
(7)
فكذلك هاهنا الصَّوْم في هذا اليومِ مِنْ حيثُ إنهُ تَرْكُ إجابةِ دعَوْةِ اللهِ تعالى فيهِ قَبحٌ، ومِنْ حيثُ إنهُ قَهْرٌ للنفسِ الأمارةِ بالسَّوءِ على قَصْدِ التُّقربِ إلى اللهِ تعالى حَسَنٌ فيصِحُ الندبُ بهِ لهذا، ويلزمُهُ الإفطارُ لذاكَ، فإنْ قلتَ: إنَّما يصِحُّ لحُسْنِ قَهْرِ النفسِ أنْ لو كانَ مأذونًا فيهِ حتى أنهُ لو مَنَعَ نفسَهُ مِن طعامِ نفسهِ الحلالِ حتى أشرفَ إلى الهلاكِ فهو حرامٌ لِكَوْنهِ غيرُ مأذونٍ فيهِ، وهاهنا أيضًا النهْيُ يقتضي عدمَ الإذْنِ فلا يحسُنَ القهرُ حينئذٍ قلْتُ: لا بلْ فهنا مأذونٌ منْ حيثُ أنَّ صومَهُ لا في النَّهارِ، لا الليل فإنَّ يومَ العيدِ يومٌ كسائرٍ الأيامِ في أصلِهِ.
(1)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 112)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 145).
(2)
يُنْظَر: الكافي لابن عبدالبر (1/ 460)، الذخيرة (4/ 94).
(3)
يُنْظَر: الأم (2/ 259)، روضة الطالبين (3/ 319).
(4)
هو: عبدالله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء، التميمي، المروزي أبو عبد الرحمن: الحافظ، شيخ الاسلام، المجاهد التاجر، صاحب التصانيف والرحلات. ولد سنة 118 هـ، وجمع الجديث والفقه والعربية كان من سكان خراسان، ومات بهيت (على الفرات) منصرفا من غزو الروم سنة 181 هـ. له كتاب في: الجهاد.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (7/ 7)، التاريخ الكبير (5/ 212)، الأَعْلَام للزركلي (4/ 115).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي (3/ 172).
(6)
يُنْظَر: المرجع السابق (3/ 174).
(7)
سقطت في (ب).
وإنَّما جاءَ النهْيُ باعتبارِ تُرْكِ إجابةِ دَعوةِ اللهِ تعالى، وتَرْكُ الإجابة إنَّما نَشأ مِن صفةِ هذا اليومِ، وهو كونُهُ يومٌ عيدٍ لا من أصلِهِ، فبالنظرِ إلى أصلهِ يكونُ مأذونًا في الصَّوْم/ وبالنظرِ إلى وصفهِ لا يكونُ مأذونًا فَعَمِلْنا بهما بما ذَكَرْنا مِن صِحَّةِ النَّذْرِ، ولُزومِ الإفطارِ، فإنْ قلتَ: قولنُا يومُ العيد مثلَ قولِنا يومُ الحيضِ للمرأةِ منْ حيثُ الوصفِ، ثُمَّ المرأةُ إذا نذرتْ أنَ تصوَم يوَم حيضِها لا يَصِحُّ، فينبغي أنْ لا يصِحَّ النذْرُ بصومِ يومِ العيدِ، كما لا يَصِحُ ذلكَ
(1)
.
قلتُ: لا يُسِلّمُ أنَّ الحيضَ وَصفٌ لليوم، بلْ ذاكَ وَصْفٌ للمرأةِ لا لليومِ، ثُمَّ كونُها طاهِرَةً عن الحيض شَرْطٌ لِعَدَمِ سَبْق الأكْل، ثُمَّ الرجلُ إذا قالَ: للهِ عليَّ أنْ أصومَ يومًا أَكَلْتُ فيهِ لا يَصِحُّ حتى أنهّا إذا لم يذكَرْ الحيضَ يَصِحُ، وإنْ كانَ ذلك اليومُ يومُ حيضِها، وقد ذكرناهُ، والحجةُ الدامغةُ لنا على الشَّافِعِي فيِ بقاءِ الصَّوْم في يومِ العيدِ
(2)
هي أنَّ الشَّافِعِي يقولُ للمتمتعِ أنْ يصومَ صومَ المُتعةِ في أيامِ النَّحرِ، وأيامِ التشريقِ في أظهرِ أقوالِهِ وكذلكَ الفطرُ فيها يقطعُ التتابعَ، والتتابعُ إنمّا يجبُ في أوقاتِ الصِّيَام لا في نفسِ الصيامِ؛ لأنَّ نفسَها لا تقعُ إِلاَّ متفرقةً بالليالي، فلو لم تكنْ هي أوقاتُ الصِّيَام انقطعَ التتابُع في التفُرقِ، وأمّا ما قالا
(3)
: إنَّ الصَّوْم غيرُ مَشروُعٍ في هذهِ الأيامِ، قلنا: عَدَمُ الشرعيةِ مُوجِبُ النَّسخِ، وموُجبُ النهيِ غيرُ موُجبِ النَّسْخِ، فلمّا كانَ موُجبَ النسخِ رُفِعَ المشروعُ، عَرفنا أنهُ ليسَ موُجبُ النهيِ رفعَ المشروعِ، والمعنى الذي لأجلهِ كانَ الصَّوْم مَشروعًا في سائرِ الأيامِ كونُ الإمساكِ لله تعالى بخلافِ العادةِ، وهذا المعنى في هذهِ الأيام أظِهرُ، والشرعُ أمرَ بالفِطْرِ فيهِ بالأكلِ، والبعال
(4)
، لا أنْ جَعَلَهُ مفُطِرًا بخلافِ الليلِ فقدْ جُعِلَ مفطرًا بدخولِ الليلِ بقوله: فقد أفطرَ الصائِمُ، أكلَ أو لم يأكلْ. هذهِ فوائدُ مجَموعةٍ مِنْ شُروحِ «المَبْسُوط»
(5)
، و «الْأَسْرَارِ»
(6)
، و «الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة»
(7)
، وإنْ صامَ فيهِ يخرجُ عَنْ العُهْدةَ؛ لأَنّهُ أدّاهُ كما التزمَ، والأصلُ في هذا أنَّ مُطلقَ النذرِ يتناولُ الكاملَ فلا يخرجُ عَنْ عُهَدةِ النذْرِ فيهِ بالناقصِ، وأمّا إذا كانَ نَذْرُهُ مُضافًا إلى الناقصِ فيَؤِّدي بهِ؛ لأَنهُ ما التزمَ إِلاَّ هذا القدرَ، وقد أدَّى كما التزَم كَمَنَ قالَ: للهِ عليَّ أنْ أَعْتِقَ هذهِ الرقبةَ، وهي عمياءُ، خَرَجَ عن نَذْرِهِ بإعتاقِها، وإنْ كانَ مُطلق النذْرِ، أو شيء من الواجباتِ لما يتأدّى بها، وكَمَنَ نَذَرَ أنْ يُصَلَّي عندِ طُلوعِ الشمسِ، فعليهِ أنْ يُصليِّ في وقتِ آخرَ، وإنْ صلَّى في ذلكِ الوقتِ خرجَ من مُوجبِ نذرهِ، كذا في «المَبْسُوط»
(8)
.
(1)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 381، 382)، والمَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 174).
(2)
يُنْظَر: روضة الطالبين (3/ 310)، مغني المحتاج (1/ 433).
(3)
هما أبا يوسف ومُحَمَّد رحمهما الله. يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 79)، حاشية ابن عابدين (2/ 376).
(4)
البعال: النكاح، وملاعبة الرجل أهله. غريب الحديث لابن سلام (1/ 182).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 173 - 177).
(6)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (1/ 405).
(7)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 79).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 174).
(وهذهِ المسألةُ على وُجوهٍ ستةٍ)
(1)
: ففي الثلاثةِ الأَولِ يكونُ نذرًا بالإجماعِ
(2)
، وهي ما إذا لم ينوِ شيئًا أو نَوى النذَر لا غيرَ أو نوى النْذَر، ونوى أنْ يكونَ يمينًا، وفي الواحدِ يكونُ يمينًا بالإجماعِ
(3)
، وهو ما إذا نوى اليمينَ، ونوى أنْ لا يكونَ نذرًا، وفي الاثنين على الخلافِ، وهو أن ينويَهما يكونُ نذرًا، ويمينًا عندَهما، وعند أبي يوسفَ يكونُ نذرًا
(4)
، ولو نوى اليمينَ لا غيرَ فكذلك عندَهمُا
(5)
، وعند أبي يوسفَ رحمه الله يكونُ يمينًا، ثُمَّ مُوجبُ النذْرِ الوفاءُ بالمنذُوْرِ، ومُوجِبُ اليمينِ الِبرِّ، وإنْ حَنَثَ فالكفارةُ، فوجْهُ قولِ أبي يوسفَ رحمه الله
(6)
أنَّ حُكْمَ النذرِ مخالِفُ لحِكُمْ اليمين، فلا يجتمعانِ في كلامٍ واحدٍ
(7)
كقولهِ لامرأتهِ: أنتِ عليَّ حرامٌ إنْ نوى بهِ الطلاقَ كانْ طلاقًا، وإنْ نوى به اليمينَ كانَ يمينًا، ولا يجتمعانِ وإنْ نَوَاْهُما ووجهُ قولهِما
(8)
: إنّ هذا تحريمَ الحلالِ، وهو الأكلُ لكنّ إيجابَ الصَّوْم مِقصودٌ، وتحريُم الأكلِ غيرُ مقصودٍ، ولكنْ يلزمُ ضِمنًا لذلكَ فإذا نواهمُا اعتبرَ كونهُ مقَصورًا بصيغتهِ، واعتبرَ كونهُ يمينًا بمعناهُ، كالإقَالةِ فسخَ في حقِّهمِا بصفتِها بَيْعٌ في حقِّ الثالثِ بمعناهُ. كذا في «المَبْسُوط»
(9)
، و «الجامع الصغير» للإمام التُّمُرْتَاشِي رحمه الله
(10)
.
قولُهُ رحمه الله: (لَا تنافي بينَ الجِهتين)
(11)
، أي: بينَ جهتي اليمينِ، والنذرِ (لأنهما يقتضيان الوجُوب) فجازَ أنْ يكونَ الشيءُ واجِبا لعينهِ، وواجبًا لغيرِهِ، كما إذا حَلَفَ، واللهِ لأُصَلِّيَن ظُهرَ هذا اليومِ إِلاَّ أنَّ النذْرَ يقتضيهِ، أيْ: يقتضي الوجُوبَ لعينهِ، وهو وفاءُ المنذورِ بقولهِ تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
(12)
واليمينُ لغيرهِ وهو صِيانَةُ اسمِ اللهِ تعالى عن الهتْكَ أو صيانةِ ما أوجبهُ على نفسِهِ بالنذْرِ عن الحَلْفِ فلا يُنافي بينهما كما ذَكْرنا.
(1)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 142)، الهِدَايَة (1/ 131).
(2)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 318)، حاشية ابن عابدين (3/ 735).
(3)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 142)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (5/ 92).
(4)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 142)، الهِدَايَة (1/ 131).
(5)
هما أبي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد. يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 142)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (5/ 92).
(6)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 142)، الهِدَايَة (1/ 131).
(7)
يُنْظَر: النافع الكبير (1/ 142)، المَبْسُوط (3/ 171).
(8)
هما أبي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد. يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (5/ 92)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 670).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 171).
(10)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع: 1/ 222.
(11)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 131).
(12)
سورة المائدة الآية (1).
وهذا معنى ما ذُكِرَ في الإيضاحِ
(1)
أنَّ النذرَ للإيجابِ في الذَّمةِ، والوجوبُ في الذِّمةِ يلزمُ الخُروجَ عن العُهْدةِ، واليمينُ يُؤَّكِدُ/ معنى اللزومِ فلم يكنْ بينَ الموجبينِ تَنَاْفِ
(2)
؛ لِأَنَّ ما يُؤَكِّدُ الشيءَ لا ينُافيهِ، وأمّا وجُوبُ القضاءِ، والكفارةِ حالَ عَدَمِ الوفاءِ فهو حُكْمٌ آخرَ سِوى الموجبِ الأصلي، وإذا لم يتحققْ التنافي فيما هو الموجبُ الأصلي، وهو لزومُ الوفاءِ بهِ جعلناهُ مُؤكِدًا لهُ
(3)
.
قولُهُ رحمه الله: (كما جمعنا بين جهتي التبرعِ، والمعاوضةِ في الهِبَة بِشرطِ العِوَضِ) حيث اعُتَبِرتْ في الأحكام الثلاثةِ جهةُ التُّبرعِ، وهي اشترِاطُ التقابضِ، والبطلانِ بالشيوعِ، وعدمِ جوازِ تصرّفَ المأذونِ فيها، واعتُبرت في الأحكامِ الثلاثةِ جهةُ المعاوَضةِ، وهي خِيار الُّردِ بِالعيبِ، وخيارُ الرُّدِ بالرؤيةِ، واستحقاقُ الشفعةِ على ما تأتي الأحكامُ في مواضِعها إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
(أفطرَ يومَ الفطِرِ، ويومَ النحرِ، وأيامَ التشريقِ، وقضاها،) وهذا أحكُم لبيانِ الأفضلِ، ولصيانةِ ارتكابِ المنْهِي عنهُ لا أنَه لو صامَها لا يخرجُ عن عُهدِة نَذَرِهِ بلْ إذا صامَ هذهِ الأيامَ الخمسةَ يجوزُ، ويَخرجُ عن عُهدِة نذرهِ لمَا أنَّ السنةَ المعينةَ لا تخلو عن هذهِ الأيامِ فِلما نذرَ بصومِ السنةِ المعينةِ كان ناذرًا بصومِ هذه الأيامِ أيضًا فيخرجُ عن عُهدِة نذرهِ بِصومِ هذه الأيامِ لذلكَ؛ لأنه أداءُ كما التزم، وأشارَ إلى هذا الحكُم في الْكِتَابِ بعد هذا في قوله: بخلافِ ما إذا عينَها؛ لأنهُ التَزمَ بوصفِ النقَصان ِإلى آخرِهِ، وكذلك إذا لم يُعينْ، أي: لم يعيْن السنَة بلْ مُكرهًا، ولكنْ وصُفها بالتتابعِ فقال للهِ عليَّ أنْ أصوَم سنةً متتابعةَ، فهو كما لو عينَ السنةَ بقولهِ لله عليَّ أنْ أصوَم هذهِ السنةَ ففي هاتين الصورتين لا يجب عليهِ قضاءُ رمضانَ؛ لأنَّ صومَ رمضانَ لم يجبْ بهذا النْذرِ، ولكنْ يقضي تلكَ الأيامَ الخمسةَ؛ لأنهُ لم يضمهَّا
(4)
، كذا في فتاوى الإمام الولوالجي، والتجنيسِ.
(1)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 384)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 345).
(2)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 383)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 345).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 383)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 346).
(4)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 384، 485)، والفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 196).
ولو لم يشترطْ التتابعَ لم يجزْهُ صومُ هذهِ الأيامِ، أيْ: لم يُشتَرطْ التتابعُ، ولم يعينْ السنةَ أيضًا؛ لأنهُ لو عيَّنَ السنةَ مع] عدمِ
(1)
اشتراطِ التتابعِ يجوزُ صومُ هذهِ الأيامِ إلى هذا أشارَ بقولهِ بخلافِ ما إذا عيَّنها، ثُمَّ في هذهِ الصُّورةِ، وهي ما إذا لم يشترطْ التتابعَ لم يعينْ السنةَ يقضي خمسَاً وثلاثين يوماً، ثلاثون يوماً لِرمضانَ وخمسةَ أيامٍ قَضَاءً عن تلكَ الأيامِ الخمسةِ المنهي عنها لِأَنَّ السنةَ مُنكِرًا اسمَ لأيامٍ معدودةِ، ويمكنُ فَصْلُ الأيامِ المعدودةِ عن رمضانَ، وعن تلكَ الأيامِ لما أنَّ صومَ رمضانَ لا يكونُ عن المنذورِ لِعَدَمِ شرطِ صِحَةِ النذرِ بهِ فإنهُ واجبٌ منْ غيرِ إيجابٍ فلا يُفيد نذرُهُ؛ لِأَنَّ الشَّروعَ مُلزمٌ كالنذرِ، أي: كنذرِ صومِ يومِ النَّحرِ أو يومِ الفِطرِ على ما قرأَ في أولِ هذا الفصلِ بأنَّ النذْرَ بهِ صحيحٌ عندَنا
(2)
، والفرقِ لأبي حنيفةَ رحمه الله، وهو ظاهِرُ الروايةِ
(3)
، أي: الفَرْقُ بينَ الصَّوْم الذي شُرِعَ في يومِ النّحرِ بأنهُ لا قضاءَ عليهِ إذا أفطرَ، وبينَ النذرِ بصومُ يوَم النَّحرِ، والصَّلَاةُ التي شُرِعتْ في الوقتِ المكَروهِ بأنَّ عليهِ القضاءَ إذا أفسدَهُما، وحاصِلُ الفَرْقِ بينَ الشُروعِ في صومِ يومِ النَّحرِ، والناذِرُ يصومُ يومَ النحرِ هو أنَّ القضاءَ إنما يبتني على سلامةِ المُوجِبِ عن شائبةِ الحُرمةِ فإنه لم يخلصْ الموجبُ عن شُبهةِ الحُرمةِ، لم ينهضْ شيئًا موُجبًا للقضاءِ لِوُجُودِ الشكِّ في الإيجابِ، ثُمَّ الصَّوْم في هذا الوقتِ لا ينفكَّ عن الحرامِ فإنْ وَجَبَ صيانتُهُ مِنْ حيثُ إنهُ قُرْبَةٌ، فلا يجبُ منْ حيثُ إنهُ معصيةٌ فلم تجبُ الصيانةُ بالقضاءِ عندَ الشَّكِّ، ووجوبُ القضاءِ عندَ الفِطْرِ يبتنى على وجوبِ الإلمامِ صيانةً لِما أدّى، وما أدّى غيرَ واجبِ الصيانةِ فلا يجبُ القضاءُ؛ وذلك لأنَّ القَدَرَ المؤدَّي صارَ فاسدًا لِمَا فيهِ من ارتكابِ النْهيِ فلا يجبُ عليهِ حِفْظُهُ، ووجوبُ الإتمامِ، والقضاءِ لحفظِ المُؤدَّى وأما النذرُ بصومِ هذا اليومِ فليسَ فيهِ شائبةُ الحُرمَةِ إذ ليسَ فيهِ ارتكابَ النهيَ بلْ فيهِ إيجابُ الفعلِ على نفسِه بتسميةِ اللهِ تعالى، واسمُ الله تعالى واجِبُ الصيانةِ، وإنّما الارتكابُ مِن وجهٍ في فعلهِ مكانَ الناذِرِ بهِ داخلًا تحتَ الخطابِ في قوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
(4)
، وقولهِ عليه الصلاة والسلام:«أوفِ بنذْرِكَ»
(5)
فيجبُ الوفُاء بالمنذورِ على وجهٍ لا يلزُم فيهِ ارتكابُ النهيِ، وهو القضاءُ في غيرِ هذا اليومِ.
(1)
زيادة في (ب).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 172).
(3)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 316).
(4)
سورة المائدة الآية (1).
(5)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف (1938)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم (1656)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وأما الفرقُ بينَ الشُّروعِ في الصَّلَاةِ في الأوقاتِ المكروهةِ، وبينَ الشُّروعِ في صومِ هذا اليومِ من وجهينِ: أحدُهما ما ذُكِرَ في الكتابِ
(1)
، وإيضاحٌه أنَّ بالشُّروعِ هناكَ لا يصَيرُ/ مُرتكبِا للمنهي عنهُ؛ لِأَنَّ بمجردِ التكبيرِ لا يَصيرُ مُصلِّيًا حتى لو حَلَفَ أنْ لا يُصلِّي فكبَّرَ (للصلاةِ)
(2)
لا يحنثُ
(3)
، فلذلكَ صَحَّ الشُّروعُ، فوجبَ صيانتُهُ بالقضاءِ، وأما هاهنا فمُجَرَدِ الشَّروعِ صارَ صائمِا، ومُرتكِبًا للمنْهِي بدليلِ أنَّ تَرْكَ إجابةِ دَعوةِ اللهِ تعالى لقومٍ بأصلِ الصَّوْم، وكما أمسكَ صارَ صائِمًا بدليلِ مسألةِ اليمين، والثاني: أنّ هناك يمكنهُ الأداءُ بذلكَ الشَّروعِ لا بصفةِ الكراهةِ بأنْ يصبرَ حتى تبيضَّ الشمسُ فلذلك لِزَمتهُ، وهاهنا بعدَ الشروعِ لا يمكنهُ الأداءُ بدُونِ صفةِ الكراهةِ فلذلك لم يلزمْهُ. كذا في «المَبْسُوط»
(4)
وغيره
(5)
، واللهُ أعلمُ بالصوابِ.
بابُ الاعتكافِ
أخرَّ الِاعْتِكَافَ عن الصَّوْم لما أنَّ الصَّوْم شَرْطُهُ، والشْرطُ مُقِدَّمٌ طبعًا
(6)
، فُيَقدَّمُ وَضْعًا كما قُدِّمَتْ الطَّهارةُ على الصَّلَاةِ،] أما محاسنُ الِاعْتِكَافِ فظاهِرَةٌ، فإنَّ فيهِ تسليمَ المعتكفِ كُلِّيتِهِ إلى عبادِة اللهِ تعالى، وتبعيدِ النفسِ عن شٌغْل الدَّنيا التي هي مانعةٌ لما يستوجُبِهُ العبدُ مِنَ القرُبى، ولهذا كِرَهَ إحضارَ السِّلَعِ في المساجدِ، لما أنها حُرة منجاةٌ عن مثلِ هذهِ المقاصدِ، ومِن محَاسنِ الِاعْتِكَافِ أيضًا استغراقُ المعتكفِ، أو كأنهُ في الصَّلَاةِ إما حقيقةً أو حُكْمًا؛ لِأَنَ القَصْدَ الأصلي مِن شرعَيتِهِ انتظارُهُ أداءَ الصَّلَاةِ بالجَماعاتِ، ولهذا لم يُشرَعْ في مسجدٍ لم يُصَلَّى فيهِ بالجَماعَةِ، وقد جاءَ في الحديثِ المنُظِمِ لِلصَّلاةِ كأنهُ في الصَّلَاةِ.
[استحباب الصَّوْم للمعتكف]
ومن محاسِنهِ أيضًا اشتراطُ الصَّوْم في حقِّه، والصائِمُ ضيفُ اللهِ تعالى، فَالأليَقُ أنْ يكونَ في بيتِ اللهِ تعالى، ومن محاسنهِ أيضًا تشبيهُ المعتكِفِ نفسُهُ بِمَنَ لا يعصُوَنَ اللهَ ما أمرَهُم، ويفعلونَ ما يُؤْمَرونَ، وبالذين يَسبحونُ لهُ بالليلِ والنهارِ وهم لا يسأَمُونَ أنّ في كُلٍّ منهم تَرْكُ الأَكْلِ والشُرْبِ بَقَدِرِ الإمكانِ لِطَلَبِ الخيراتِ، وامتثالِ لِأَوامرَ اللهِ تعالى في الإتيانِ بالطاعاتِ)
(7)
، ثُمَّ يحتاجُ هاهنا إلى معرفةِ عشرةِ أشياءٍ إلى تفسيرِ الِاعْتِكَافِ لغةً، وشريعةً، وصفتهُ، وُركنَهُ، وشرطُه، وسببُهُ، وحكْمُهُ، ونقائِضُهُ، ومحظوراتُهُ، وآدابهُ
(8)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 176)، البناية (3/ 737).
(2)
زيادة في (ب).
(3)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 347).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 176، 177).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 386، 387)، وكشف الْأَسْرَار (1/ 408).
(6)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (2/ 182)، الجوهرة النيرة (1/ 178).
(7)
زيادة في (ب).
(8)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 145).
[تعريف الاعتكاف]
أما تفسيرُهُ لُغةً
(1)
: فإنهُ افتعالٌ من عَكَفَ، وهو مُتَعَدِّ فمصْدَرُهُ العَكْفُ
(2)
، ولَاْزَمَ فمصدَرُهُ العُكوفُ فالمتعدِي بمعنى الحَبْسِ، والمنعِ، ومنه قوله تعالى:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا}
(3)
، ومنه الِاعْتِكَافُ في المسجدِ، وأمّا اللاُزم فهو الإقبالُ على الشيِء بطريقِ المواظبةِ
(4)
، ومنهُ قولهُ تعالى:{عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ}
(5)
(6)
.
وأمّا تفسيرَه شريعةً
(7)
: فهو اللُبْثُ، والقَراْرَ في المسجدِ مع نيةِ الاعتكافِ، فكانَ التفسيرُ الشرعيُّ مبنيًا على التفسيرِ اللُّغوي مع زيادةِ اشتراطِ المسجدِ، والنيةِ
(8)
.
[صفة الاعتكاف]
وأما صفُتُه: فإنهُ سُنةٌ لما ذُكِرَ في الكتابِ
(9)
، وأمّا رُكَنْهُ: فما هو تفسيرُهَ شريعةً؛ لأنهُ يقومُ بهِ. وأما شْرطُهُ: فالصَّوْم، ومسجِدُ الجَماعةِ، ونيةُ الِاعْتِكَافِ في حقِّ الرجالِ
(10)
؛ لأَنّ الرَّكْنَ يوُجدُ صحيحًا عندَنا، وفي حقِّ المرأةِ مسجدُ بيتهِا
(11)
قائِمٌ مَقامَ مَسْجِدِ الجَماعةِ في حقِّ الرجالِ وإنْ كانَ يجوزُ لها في رِوايةٍ أنْ تعتكفَ في مسجدِ الجَماعةِ، ولكنْ الأفضلَ هو الأولُ. وأمَّا سببُهُ إنْ كانَ واجباً فالنذْرُ، وإنْ كانَ تطوُعًا فالنشاطُ الدَّاعِي إلى طلبِ الثوابِ كما في سائرِ النذوراتِ والتطوعاتِ، وأمّا حُكْمُهُ: إنْ كانَ واجبًا ما هو حُكْمُ سائِر الواجباتِ، وإنْ كَانَ هذا ما هو حُكْمُ سائرِ النوافلِ، وأمّا نقيضُهُ فالخروجُ من المسجِدِ لا لحاجةٍ لازمةٍ مُتَطبِعًا أو شَرْعًا.
(1)
يُنْظَر: غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 217)، مختار الصِّحَاح (1/ 467).
(2)
يُنْظَر: عمدة القاري (11/ 200).
(3)
سورة الفتح الآية (25).
(4)
يُنْظَر: عمدة القاري (11/ 200).
(5)
سورة الأعراف الآية (138).
(6)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 321).
(7)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 132)، الذخيرة (2/ 534)، الْحَاوِي (3/ 486)، الكافي لابن قدامة (1/ 454).
(8)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 145).
(9)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 371)، الهِدَايَة (1/ 132).
(10)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 109)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 348).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 215)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 372).
[محظورات الاعتكاف]
وأمّا محظوراتُهُ الجِماعُ، ودَواعِيهِ، وبيانُ كونِ الخُروجِ مِنَ نقائِضِهِ، والجِماعُ مِن محظوراتِهِ يأتي بعدَ هذا.
وأمَا آدابُهَ: فأنْ لا يتكلمَ إِلاَّ بخيرِ، وأنْ يلاِزمَ بالِاعْتِكَافِ عَشرًا مِنْ رمضانَ، وأنْ يختارَ أفضلَ المساجدِ كالمسجدِ الحرامِ، والمسجدِ الجامعِ
(1)
.
قولُه رحمه الله: (والصحيحُ أنُه سُنةٌ مٌؤَكَدَةٌ)
(2)
احترازاً عمّا ذَكِرَ في مُخْتَصرُ القُدُوري
(3)
بأنهُ مُستحبٌّ، ودليلُ ما ادّعاه بأنهُ سُنة مؤكدةً ظاهِرَ، وهو ما رُوِيَ في الْكِتَابِ مِن مُواظبةِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام، فإنْ قلتْ: مُطلَقُ المواظبةِ يحُمل على المواظبةِ مِنْ غيرِ تَرْكٍ، فحينئذٍ كانَ هو دليلًا على الوجُوبِ لا على السَّنةِ، فحسبْ خصُوصًا ما رُوِيَ عن النبي عليه الصلاة والسلام:«أنهُ ما تَرَكَ الِاعْتِكَافَ حتى قُبِضَ»
(4)
، فحينئذٍ كيفَ تَثْبُتُ المطابقةُ بينَ الدليلِ والمدلُولِ
(5)
.
قلت: نعم كذلك إِلاَّ أنّ النبَي عليه الصلاة والسلام بعدَ المواظبةِ كانَ يأمُر في الوجوبِ بفعلهِ، وُينكِرُ علىَ تارِكِهِ، ولم يأمرِ الناسَ بهِ، ولم يُنكِرْ على تارِكِهِ فلو كانَ واجبًا لأنكرَ على ذلكَ/ دلّ أُنّهُ غيرُ واجبٍ، أشار إلى هذا في مبسوطِ شيخِ الإسلامِ، وذكر في «المَبْسُوط»
(6)
: الِاعْتِكَافَ قُرْبَةٌ مشروعةٌ بالكتابِ، والسُّنةِ أمّا الْكِتَابُ فقولُهُ تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
(7)
، فالإضافةِ إلى المساجدِ المختصةِ بالقُرْبِ، وتَرْكِ الوطئِ المُباح لِأجْلهِ دليلٌ على أنهُ قُرْبةٌ، وأمّا السُّنةُ لحديثِ أبي هريرةَ، وعائشةَ رضي الله عنها:«أنّ رسولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام كانَ يعتكِفُ في العشرِ الأواخِرِ منَ رمضانَ حين قَدِمَ المدينةَ إلى أنْ توفَّاهُ اللهُ تعالى»
(8)
، وقال الزُّهري
(9)
(10)
: عجبًا مِنَ الناسِ كيفَ تركوا الاعتكاف، ورسولُ الله عليه الصلاة والسلام كانَ يفعلُ الشيءَ ويتُركُهُ، وما ترك الِاعْتِكَافُ حتى قُبِضَ، وفي الِاعْتِكَافِ تفريغُ القلبِ عن أمورِ الدَّنيا، وتسليمُ النفسِ إلى بارئِها، والتحصُّن بِحُصْنِ حَصِيْنٍ، وملازمةُ بيتِ اللهِ تعالى. قالَ عطاءُ رحمه الله
(11)
: مَثَلُ المعتكِف كرُجلٍ لهُ حاجَةُ إلى عظيمٍ فيجلسُ على بابهِ، ويقولُ: لا أبرحُ حتى يقضيَ حاجِتي، فالمعتكفُ يجلسُ في بيتِ اللهِ، ويقولُ: لا أبرحُ حتى يغفَر اللهُ لي، فهوَ أشرفُ الأعمالِ إذا كانَ عن إخلاصٍ.
(1)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 393)، والفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 211، 212).
(2)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 371)، الهِدَايَة (1/ 132).
(3)
يُنْظَر: مُخْتَصرُ القُدُوري (ص 65).
(4)
أخرجه السيوطي في الدر المنثور (1/ 488).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 389)، والمَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 207).
(6)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 207).
(7)
سورة البقرة الآية (187).
(8)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب الِاعْتِكَافِ في العشر الأواخر (1921). ومسلم في صحيحه (1171)، كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(9)
هو: مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب الزهرى القرشي، كنيته أبو بكر، رأى عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أحفظ أهل زمانه وأحسنهم سياقًا لمتون الأخبار، وكان فقيهًا فاضلًا. روى عنه الناس مات ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائة في ناحية الشام، وقبره ببدا وشغب مشهور يزار على قارعة الطريق أوصاه أن يدفن على قارعة الطريق حتى يمر به مار فيدعو له.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (5/ 349)، التاريخ الكبير (1/ 220)، الجرح والتعديل (8/ 71).
(10)
بحثت عنه في كتب السنة ولم أجده، وإنما يذكره الحنفية في كتبهم، المَبْسُوط (3/ 207)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 108)، عمدة القاري (11/ 200)، والله أعلم.
(11)
أخرجه بنحو هذا اللفظ الْبَيْهَقِي في شعب الإيمان، باب في الِاعْتِكَافِ (3/ 426)، من قول عطاء رحمه الله، ولفظه:" إن مثل المعتكف مثل المحرم ألقى نفسه بين يدي الرحمان، فقال: والله لا أبرح حتى ترحمني ".
والصَّوْم مِنْ شرطِهِ عندَنا
(1)
خلاِفًا للشافعي
(2)
، ومذهبنا مَرْوِيٌّ عن ابنِ عباسٍ
(3)
(4)
، وعائشةَ أنَهما قالا:«لا اعتكافَ إِلاَّ بالصَّوْم»
(5)
، ومذهبُهُ مَرْوِيٌّ عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه، وعن علي رضي الله عنه روايتان
(6)
: فالشَّافِعِي استدَلَّ بهذا، وبحديثِ عُمَر في سؤالهِ:«إني نذرْتُ أنْ أعتكفَ ليلةً في الجاهليةِ فأَمَرهُ عليه الصلاة والسلام بالوفاءِ»
(7)
، والليلُ لا يُصامُ فيهِ، ولِأَنَّ ابتدأَ الِاعْتِكَاف مِنْ وقتِ غرُوبِ الشمسِ في حقِّ مَنْ نَذَرَ أنْ يعتكفَ شَهرًا، وما يكونُ شرْطُ العبادةِ شرطِ إقترانهِ بأولهِ كالطَّهارةِ، ولِأَنَّ الصَّوْم أحدُ أركانِ الدِّينِ فلا يكونُ شرطًا لما هو دونَهُ، إذ في الشرطِ معنى التبِعَيِة، ولنا أنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام ما اعتكفَ إِلاَّ صائمًا
(8)
والأفعالُ المتفقةُ في الأوقاتِ المختلفةِ، لا تجري على نَمِط واحدٍ، إِلاَّ لِدَاعٍ يدعو إليهِ، وليسَ ذلك إِلاَّ لبيانِ أنهُ من شرائطِ الاعتكافِ، وعن كلامهِ جوابان: أحدُهما أنَّ الصَّوْم شرْطُ الاعتكافِ، والشرائِطُ إنما تثبتُ بحسَبِ الإمكانِ، ولا يُمكنُ اشتراطُ الصَّوْم ليلًا فسقطَ للتعُّذرِ، وجعلَ الليالي تِبعًا للأيام ِكما أنَّ الشُّربَ، والطريقَ يجُعلُ تْبِعًا في بيعِ الأرضِ.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 209)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 371).
(2)
يُنْظَر: مختصر المزني (1/ 60)، الْحَاوِي (3/ 486).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 209)، الْحَاوِي (3/ 486).
(4)
المصدران السابقان.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه، باب المعتكف يعود المريض (2/ 310)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وأوله: "السنة على المعتكف
…
" الحديث، قال أبو داود: غير عبدالرحمن بن إسحاق لا يقول فيه: قالت السنة، وجعله من قول عائشة ا. هـ.، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (7/ 235): إسناده حسن صحيح ا. هـ.، وقال الدَّارقُطنيّ في سننه بعد أن خرجه (2/ 201): يقال: إن قوله: " وأن السنة للمعتكف
…
" إلى آخره، ليس من قول النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه من كلام الزهري، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم، والله أعلم، وهشام بن سليمان لم يذكره ا. هـ.
(6)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 486)، الْمُغْنِي (3/ 125)، وفي المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 209) أن لعليّ رضي الله عنه روايتان.
(7)
سبق تخريجه، ص (397).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 210).
والثاني: أنَّ شرطَ الِاعْتِكَافِ أنْ يكونَ مُؤَدَّى في وقتِ الصَّوْم، وبوجودِ الصَّوْم في النَّهارِ بنصفِ جميعِ الشهرِ بأنهُ وقتُ الصَّوْم، دليلُهُ شهرُ رمضانَ، فصارَ الشرطُ بهِ مَوجودًا، وحديثُ عُمر دليلُنا، فإنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قالَ له:«اعتكفْ، وصُمْ»
(1)
هكذا ذكرهُ أبو عيسى رحمه الله في المسندِ، وبلفظ رسولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام تبيَّنَ أنَّ الصحيحَ من الروايةِ:"إني نذرتُ أنْ أعتكفَ يومًا"
(2)
، كذا في المَبْسُوط
(3)
وغيره
(4)
.
وأما جوابُ كونِ الرَّكن تِبعًا لغيرِه فقدُ ذكرناهُ في بابِ قضاءِ الفوائِتِ منْ كتابِ الصَّلَاةِ
(5)
. فإنْ قِيلَ: إنَّ شرطَ الشيءِ إمّا أنْ يكونَ شرطَ انعقادِهِ، وهو ابتداءُ فعلهِ أو شرطَ دوامهِ، وبالإجماعِ هذا ليسَ بشرطِ انعقادِهِ، فإنَّ مَنْ نَذَرَ أنْ يعتكفَ أيامًا يلزمُهُ الابتداءُ منَ الليلِ، والصَّوْم لا يتُصورُ في الليلِ، وكذلكَ يدومُ في الليالي، ويبقى، ولا صومَ في الليالي عَلِمْنَا أنَّ هذا ليسُ بِشَرْطٍ أصلاً
(6)
.
قلنا: الصَّوْم شرطٌ دائِمٌ منْ أولهِ إلى آخرِه لكنْ سقطَ اعتبارُهُ بالليالي لِعَدَمِ الإمكانِ كالمرأةِ عليها صومُ شهرِ] رمضانَ
(7)
متتابعٌ يلزمُها بصفةِ التتابُعِ، فلو أفطرتْ بعُذْرِ الحيضِ لم ينقطعْ التتابعُ، ولو أفطرتْ بعذرٍ آخَر استقبلتْ، وكالمُستحاضةُ تصلي، والدَّمُ يسيلُ منها، والشرطُ أنْ لا تصلي مع الحدثِ، ولكنْ سقَط اعتبارُ هذا الحديثِ في حقِّها التعذرُ، فكذلكَ أمرُ الصَّوْم في الليالي هاهنا، ألا ترى أنَّ الرُكنَ يسقطُ اعتبارُه للضرورةِ، فالشرطُ أولى لما أنَّ اللبثَ في المسجدِ رُكنُ الِاعْتِكَافِ حتى لا يبقى بالخروجِ منهُ، وأمّا إذا خرجَ للبولِ، والغائطِ، والتوضئِ كانَ الِاعْتِكَافُ قائمًِا للضرورةِ إلى هذا أشارَ في «الْأَسْرَارِ»
(8)
فإن قلْتُ: يلزُم في اشتراطِ الصَّوْم هاهنا فسادٌ من وجهٍ آخَر، وهو أنّ اللهَ شرعَ الِاعْتِكَافَ مُطلقًا بقولهِ:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
(9)
على ما ذكرنا من «المَبْسُوط»
(10)
بغير شرِط الصَّوْم، والقولُ باشتراطِ الصَّوْم قولٌ بالزيادةِ على النصِّ، وذلك لا يجوزُ بالخبرِ الواحدِ لما أنهُ يجري مجَرى النَّسْخِ.
(1)
سبق تخريجه، ص (397).
(2)
سبق تخريجه، ص (397).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 209 - 211).
(4)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 349).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (1/ 485).
(6)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 349).
(7)
زيادة في (ب).
(8)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (1/ 216).
(9)
سورة البقرة الأية (187).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 208).
قلتُ: قالَ شَيْخِي رحمه الله في جوابهِ: بأنَّ الإمساكَ عن الجِماعِ
(1)
ثبتَ شَرطُ الصِّحَةِ الِاعْتِكَافُ بهذا النصِّ القَطْعِيِّ، والإمساكَ عن الجِمَاعِ أحدُ رُكني الصَّوْم فبعدَ ذلك يلحقُ الإمساكُ/ عن الأَكْلِ، والشَّربِ بهِ بطريقِ الدلِالَةِ لاستواءِ هذه الثلاثةِ في الإباحةِ، والحظرُ منْ كُلِّ وجهِ
(2)
لما عُرِفَ في قولهِ تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} إلى قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
(3)
كما ألحُقَ الأكلُ، والشُّربُ بالجِمَاعِ في كفارةِ رمضانَ، وألُحِقَ الجماعُ بالأكلِ، والشُّربِ ناسيًا في حقِّ بقاءِ الصَّوْم بدلالةِ النصِّ لهذا المعنى، ثُمَّ لما ثبتَ وجُوبُ الإمساكِ على المعتكفِ عن الجِمَاعِ، والأكلِ، والشَّربِ لله تعالى بهذا الطريقِ كانَ صومًا؛ إذ الصَّوْم عبارةٌ عن هذا، فكانَ الصَّوْم شرطًا على المعتكفِ بدلالةِ النصِّ، والحديثُ وَرَدَ مُؤيدًا لهذه الدِلالةِ لا زيادةً على النصِّ، ثُمَّ الصَّوْم شرطٌ لِصِحَّةِ الواجبِ منهُ، روايةٌ واحدةُ إلى منَ غيرِ ترددَ في الروايةِ.
فكان معناهُ الصَّوْم شرطٌ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ في جميعِ الرواياتِ، ثُمَّ لما اشترطَ الصَّوْم في حقِّ الِاعْتِكَافِ الواجبِ يجبُ أنْ يكونَ الصَّوْم مُستغِرقًا عليهِ من أَولِهِ حتى أنْ رجلًا لو صامَ يومًا تطوُعًا، ثُمَّ قالَ: في بعضِ النهارِ على اعتكافِ هذا اليومِ، لا اعتكافَ عليهِ سواءً قالَ ذلكَ قِبلَ: نصفُ النهارِ أو بعدَهُ
(4)
؛ لأنّ الِاعْتِكَافَ لا يَصِحُّ إِلاَّ بالصَّوْم، وإذا وَجَبَ الِاعْتِكَافُ وَجَبَ الصَّوْم، والصَّوْم في أولِ النَّهارِ انعقدَ تطوُعًا فتعذرَ جعلُهُ واجبًا
(5)
، كذا ذكرهُ الإمامُ الولوالجي رحمه الله
(6)
.
وفي روايةِ الأصلِ (وهو قولُ مُحَمَّد أقلَّهُ ساعةً
(7)
، فيكونُ من غيرِ صوم)
(8)
. جعلَ هذه الروايةُ في شُروحِ «المَبْسُوط»
(9)
، وشرحِ الطَّحَاوِيّ
(10)
، وفَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(11)
، و «الذخيرة»
(12)
ظاهر رواية علمائنا الثلاثة
(13)
، فقالَ في مبسوطِ فَخْرُ الْإِسْلَام، و «الذخيرة»: وفي ظاهر الروايةِ ليسَ بشرطٍ، وهو قولهما
(14)
، وذكر في «المَبْسُوط»
(15)
: وفي ظاهرِ الرواية
(16)
يجوزُ النفلُ مِنَ الِاعْتِكَافِ من غيرِ صومٍ، فإنهُ قال: في الْكِتَابِ إذا دخلَ المسجدَ بنيةِ الِاعْتِكَافِ فهو مُعتكِفٌ ما أقامَ تاركَهُ إذا خرجَ، وهذا لِأَنَّ مبنيَّ الفعلِ على المساهَلَةِ حتى تجوزَ صلاةُ النفلِ قاعِدًا مع القدرةِ على القيامِ، وراكبًا مع القُدرةِ على النزولِ، والواجبُ لا يجوزُ.
(1)
الجمع مصدر جامع، وجماع الشيء: جمعه، والجماع: هو الوطء، وهو إيلاج الذكر في الفرج. يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (1/ 200).
(2)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 109).
(3)
سورة البقرة الآية (187).
(4)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 678).
(5)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 391)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (4/ 205).
(6)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 677).
(7)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 392)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 109).
(8)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 132).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 211).
(10)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 323).
(11)
فَتَاوَى قَاضَي خَانْ (1/ 195).
(12)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 211)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 349).
(13)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 393)، الجوهرة النيرة (1/ 146)، مجمع الأنهر (1/ 381).
(14)
أي: قول أبي يوسف ومحمد. يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 674).
(15)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 211).
(16)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 371)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 109).
وذكرَ في «الذخيرةِ» : يُشَترطُ وجودُ ذاتِ الصَّوْم لا الصَّوْم بجهةِ الِاعْتِكَافِ حتى أنّ مَنْ نذرَ باعتكافِ رمضانَ صحَّ نذرُهُ، وإنْ لم يقبلْ صومُ رمضانَ أنْ يكونَ لجَِهةِ الاعتكافِ، وذَكَرَ فيها أيضًا أنَّ الرجُلَ إذا أرادَ الإيجابَ على نفسهِ ينبغي أنْ يَذْكُرَ بلسانهِ، ولا يكفي لإيجابهِ النيةُ بالقلبِ، ذكرَه شمسُ الأئمةِ الحلواني رحمه الله
(1)
؛ لِأَنَّ بمجرَدِ النِّيةِ لا يجبُ على الإنسانِ شيءٌ مِنَ الصَّلَاةِ، والصَّوْم فكذا الاعتكاف
(2)
.
وذكر في «التحفةِ» ، و «الإيضاحِ» مُطلقًا
(3)
: ويبتِنى على هذا الأصلُ، أنّ الإيجابَ لا يجوزُ بالليلِ وحدَهُ عِنْدَنَا خِلافًا للشَّافِعي؛ لِأَنَّ الصَّوْم شَرْطُ الاعتكافِ، ولا وُجوَد للشيءِ بدُونِ شْرطٍ، ويجوزُ في الليلِ الذي هو تبعٌ للنهارِ بصومُهُ، ولو شَرَعَ فيهِ، أي: في الِاعْتِكَافِ النفلِ، ثُمَّ قطعهُ لا يلزمُهُ القضاءُ في روايةِ الأصلِ
(4)
، وفي روايةِ الحسنِ يلزمُهُ
(5)
، ثُمَّ فائدةُ تقييدِهِ بالشُّروعِ دُونَ الإيجابِ، وليبينَ هذا الاختلافَ لما أنَّ القضاءَ واجِبٌ في الِاعْتِكَافِ الواجبُ في الرواياتِ كُلهِّا، ومكانُ اختلافِ الرِوايةِ هنا مَبْنِيَّاً على اختلافٍ آخرَ، وهو أنَّ الصَّوْم: هلْ هوَ شَرْطٌ للتطُوعِ من الِاعْتِكَافِ أم لا؟ فعلى رِوَايةِ الأصل، وهي ظاهِرُ الروايةِ ليسَ بشْرطٍ
(6)
، وعلى روايةِ الحسنِ شْرطٌ على ما ذكرنا
(7)
، فكانَ لزومَ القضاءِ في روايةِ الحسنِ في] التطوعِ من الِاعْتِكَافِ لِضَرورِةِ لِزُومِ القضاء في شْرِطهِ لا أنْ يكونَ اعتكافُ التطوَّعِ
(8)
لَاْزِمُ الإتمامِ في نفسهِ
(9)
، وإلى هذا أشارَ الإمامُ الْإِسْبِيجَابِي رحمه الله في مبسوطهِ، وذكَر في «شرحِ الكافي»: وإنْ اعتكفَ الرجُلُ مِنْ غيرِ أنْ يوصِيَ على نفسهِ فهو مُعتكِفٌ، فإنْ قطعَهُ فليسَ عليهِ شيءٌ فَرْقٌ بينَ هذا، وبينَ ما إذا صامَ مِنْ غير أنْ يوجَبهُ على نفسهِ، ثُمَّ قطعَهُ، فإنَّ عليهِ القضاءُ، ووجهُ الفْرقِ بينهما أنَّ كُلَّ جُزءٍ منَ اللبثِ في المسجدِ غيرُ مفتقِرٌ إلى جُزْءٍ آخرَ في كونهِ عبادةً؛ لِأَنَّ اللبثَ في المسجدِ، وإنْ قلَّ يقعُ على خلافِ العادةِ، فصلحَ عِبَادةً بنفسهِ. أمّا كُلُّ جُزءٍ مِنَ الإمساكِ مفتقِرٌ إلى جُزءٍ آخرَ في كونهِ عِبادةٌ؛ لِأَنَّ أحوالَ الإنسانِ على ما عليهِ العادةُ لا يخلو عن قليلِ إمساكٍ، فجزْءٌ منهُ لا يقعُ عبادةً تامةً. ثُمَّ الِاعْتِكَافُ لا يَصِحُّ إِلاَّ في مسجدِ الجماعةِ
(10)
هذا لبيانِ حُكْمِ شرطِ الجوازِ، فقالَ في «المَبْسُوط»
(11)
: ثُمَّ جوازُهُ يختصُّ لمساجدِ الجماعاتِ.
(1)
يُنْظَر: مجمع الأنهر (1/ 377)، حاشية ابن عابدين (2/ 441).
(2)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 211).
(3)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 372).
(4)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 679)، الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 211).
(5)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 371)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 109).
(6)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 348 - 349).
(7)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 371)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 109).
(8)
زيادة في (ب).
(9)
يُنْظَر: اللباب في شرح الْكِتَاب (1/ 175).
(10)
يشير المصنف إلى الإجماع بعدم جواز الِاعْتِكَافِ إلاّ في المسجد.
يُنْظَر: الأصل (2/ 271)، المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 207)، الْحَاوِي (3/ 485)، التمهيد (8/ 326)، الْمُغْنِي (3/ 127).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 207، 208).
ورَوى الحسنُ عن أبي حنيفةَ رحمه الله
(1)
قالُ: كُلُّ مسجدٍ لهُ إمامٌ، ومَؤذِنٌ معلومٌ، ويصلي فيه الصلواتِ الخمسَ بالجماعةِ، فإنهُ يعتِكفُ فيهِ./
[المسجد هو مكان الاعتكاف]
وفي «الإيضاح»
(2)
: ورَوَى الحسنُ عن أبي حنيفةَ رحمه الله: أنهُ لا يَصِحُّ إِلاَّ في مسجدٍ يُصليِّ فيه الصلواتِ كُلهَّا
(3)
. وفي «الذخيرة»
(4)
قِيلَ: أرادَ أبو حنيفةَ رحمه الله هذا غيرَ المسجدِ الجامعِ، فإنّ في المسجِد الجامعِ يجوزُ الِاعْتِكَافُ فيه، وإنْ لم يُصلُّوا فيهِ الصلواتِ كلُهَّا بجماعة
(5)
. وفي المنتقى
(6)
عن أبي يوسفَ رحمه الله: أنَّ الِاعْتِكَافَ الواجبَ لا يجوزُ أداؤُهُ في غير مسجدِ الجماعةِ، وأمّا النفلُ فيجوزُ أداؤُهُ في غيرِ مَسْجدِ الجَماعةِ
(7)
، وكانَ سعيدُ بنُ المسيبِ رحمه الله
(8)
(9)
يقولُ: لا اعتكافَ إِلاَّ في مسجدينِ: مسجدِ المدينةِ، ومسجدِ الحرام، ومن العلماء
(10)
من قال: لا اعتكاف إِلاَّ في ثلاثة مساجد
(11)
، وضموا إلى هذين المسجدينِ، المسجدِ الأقصى، لقولهِ عليه الصلاة والسلام:«لا تُشَدُّ الرِحَالُ إِلاَّ إلى ثلاثةِ مساجدَ»
(12)
، وهي هذه المساجدُ والدليلُ على الجوازِ في سائرِ المساجدِ قولُه تعالى:{وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
(13)
، فعمَّ المساجَد في الذِكْرِ
(14)
، وذُكِرَ عن حُذيفةَ رضي الله عنه قالَ:«لا اعتكافَ إِلاَّ في مسجدِ جمَاعةٍ»
(15)
هذا بيانُ حُكْمِ الجوازِ فأمّا الأفضلُ، فهو الِاعْتِكَافُ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ منهُ في سائرِ المساجدِ، وفي سائرِ البلادِ الِاعْتِكَافُ في الجامعِ أفضلُ منهُ في سائرِ المساجدِ.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 208)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 394).
(2)
يُنْظَر: اللباب شرح الْكِتَاب (1/ 88).
(3)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 393).
(4)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 674).
(5)
يُنْظَر: المحيط للبرهاني (2/ 674).
(6)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 394)، مراقي الفلاح (1/ 262).
(7)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 394).
(8)
هو: سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي، أبو محمد: سيد التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة. ولد سنة 13 هـ. جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع، وكان يعيش من التجارة بالزيت، لا يأخذ عطاء. وكان أحفظ الناس لأحكام عمر بن الخطاب وأقضيته، حتى سمي راوية عمر. توفي بالمدينة سنة 94 هـ.
يُنْظَر: (الثقات: 4/ 273)، و (التاريخ الكبير: 6/ 426)، و (الأَعْلَام للزركلي: 3/ 102).
(9)
أخرجه عنه ابن أبي شيبة في مصنفه، باب من قال: لا اعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه (3/ 91).
(10)
أخرجه عنه ابن أبي شيبة في مصنفه، باب من قال: لا اعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه (3/ 91). عن حذيفة رضي الله عنه وعن الزهري رحمه الله.
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 208).
(12)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة (1132). ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد (1397)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(13)
سورة البقرة الآية (187).
(14)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 208).
(15)
رَوَاهُ ابن أبي شيبة في مصنفه (9762 - 3/ 91)، والطبراني في المعجم الكبير (9509 - 9/ 301).
وَروَىَ مُحَمَّد عن أبي حنيفةَ رحمه الله أنهُ كانَ يكرُه الجوارَ بمكةَ
(1)
، ويقولُ: إنها ليستْ بدارِ هِجَرةِ، فإنَّ رسولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام هاجَر فيها إلى المدينةِ وعلى قولِ أبي يوسفَ، ومُحَمَّد رحمهما اللهُ: لا بأسَ بذلكَ
(2)
، وهو أفضلُ، وعليهِ عَمَلُ الناسِ اليوَم.
[مكان اعتكاف المرأة]
(أمّا المرأةُ تعتكفُ في مسجدِ بيتِها) هذا عندنا
(3)
، وقالَ الشَّافِعِي رحمه الله: لا اعتكافَ إِلاَّ في مسجدِ جمَاعةِ الرجالِ، والنساءُ فيهِ سواءٌ
(4)
قالَ: لِأَنَّ مسجدَ البيتِ ليسَ لهُ حُكْمُ المسجدِ
(5)
بدليلِ جوازِ تبعه، والنومُ فوقَهُ للجُنُبِ، والحائضِ، ويَحِلُّ للجُنُبِ، والحائضِ المكثُ فيهِ كِسائرِ البقَاعِ بخلافِ المساجدِ، ولماَّ لم تثبتْ لهُ حرمةُ المساجِد لم يصلُحْ موضعُ الاعتكافِ، وهذا لِأَنَّ المقصودَ منَ الِاعْتِكَافِ تعظيمُ البقُعةِ، فيختصُّ ببقعةٍ تعظمها شرعًا، وذلك لا يُوجد في مساجدِ البيوتِ، ولنا أنَّ موضِعَ أدل الاعتكاف في حقِّ الموضِعِ الذي تكونُ صلاتهُا فيهِ أفضلُ، كما في حقِّ الرجُلِ، وصلاتهُا في مسجدِ بيتهِا أفضلُ. فإنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام لما سُئِل عن أفضلِ صَلاةِ المرأةِ قالَ:«أشدَّ مكانٍ منْ بيتِهَا ظلمة»
(6)
، وفي الحديث: أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام لما أرادَ الِاعْتِكَافَ أمرَ بُقَبِةٍ، فضُرِبَتْ في المسجدِ، فلما دَخَلَ المسجدَ رَأَى قِبابًا مَضروبةً فقالَ:«لَمِنْ هذِه» ، فقالَ: لعائِشَةَ، وحفصةَ رضي الله عنهما فغضبَ فقالَ:«آلبرُّ يُرِدْنَ بهنَّ» ، وأمرَ بقُبتهِ فنُقِضَتْ، فلم يعتكفْ في تلِكَ العشر»
(7)
، فإذا كِرَهَ لَهُنَّ الِاعْتِكَافُ في المسجدِ مع أنهَّن كُنَّ يخرجْنَ إلى الجماعةِ في ذلكِ الوقتِ، فلأنْ يمُنعْنَ في زمانِنا أوَلى
(8)
.
(1)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (5/ 324).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 209).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 215)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 372).
(4)
يُنْظَر: الْحَاوِي (3/ 485)، العزيز شرح الوجيز (6/ 502).
(5)
وهو مذهب الحنابلة، يُنْظَر: الكافي (1/ 454)، الإنصاف (3/ 258).
(6)
رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في السنن الكبرى (5568 - 3/ 131)، وابن خزيمة في صحيحه (1691 - 3/ 95).
(7)
أصل الحديث متفق عليه، أخرجه الْبُخَارِيُ في صحيحه، باب اعتكاف النساء (3/ 48)، ومسلم في صحيحه، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه (3/ 175)، من حديث عائشة رضي الله عنها، ولفظه في الْبُخَارِيُ: عن عائشة رضي الله عنها: " أن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف، إذا أخبية؛ خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، فقال: (آلبِر تقولون بهن)، ثم انصرف، فلم يعتكف، حتى اعتكف عشرا من شوال".
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 215).
وقد رَوَى الحسنُ عن أبي حنيفةَ رحمه الله
(1)
أنها إذا اعتكفتْ في مسجدِ الجماعةِ جازَ ذلك، واعتكافُها في مسجدِ بيتهاِ أفضلُ، وهذا هو الصحيحُ؛ لِأَنَّ مسجدَ الجماعةِ يَدخُلُ كُلَّ أَحدٍ، وهي طولَ النَّهارِ لا تقدِرُ أنْ تكونَ مُستتُرةً، ويخُافُ عليها الفتنةُ من الفَسَقَةِ فالمنعُ لهذا، وهو ليس بمعنَى راجعٍ إلى غيرِ الاعتكافِ، فلا يمنعُ جوازُ الاعتكافِ، والحُرمةِ التي ذكرنا إنّما تثبتُ للمسجدِ المُطلقِ لا للمسجدِ المُقيدِ، ونحنُ لا نسلم أنَّ شرطَ الِاعْتِكَافِ في حقهِنَّ المسجدُ المطَلقُ، فإنْ قِيلَ: اللهُ تعالى ذَكَرَ المساجدَ مُطلقةً فلابُدَّ منْ إقامةِ الدليلِ في حقِّ جوازِ اعتكافِها بالمساجدِ المقيّدةِ قلنا: إنما كانتْ المساجُد المطلقةُ شرطًا، والله أعلم؛ لِأَنَّ حالَ الصَّلَاةِ حالُ الُقْربِ، والتحلي باللهِ للنجاةِ، والبناءِ، والاستغفارِ، والإخلاصِ للهِ تعالى بُكلِّ جارَحةٍ بالتحريم من جميعِ أفعالِ الدُّنيا، فإنَّ نفسَ اللبثِ من المعتكفِ هو العبادةُ في المكانِ المعدِّ للصَّلاةِ، ولمّا كانَ المسجُد شرِطًا؛ لِأَنهُ مكانُ الصَّلَاةِ لم يُشَترطْ معهُ معنىً آخرَ، وهو مكانَ صَارَ للهِ تعالى وقد ذَكَرْنا أنَّ صلاتهِا في بيتهِا أفضلُ، فلذلكَ كانَ الِاعْتِكَافُ لها في مسجدِ بيتهِا أفضلُ، وإذا اعتكفتْ في مسجِد بيتِها فتلك َالبقُعةُ في حقِّ المسجدِ الجماعةِ في حقِّ الرجلِ (لا يخرجُ منهُ إِلاَّ لِحَاجةِ الإنسانِ)
(2)
(3)
، فإنْ حاضتْ خرجتْ، ولا يلزمُها بهِ الاستقبالُ إذا كانَ اعتكافُها شَهرًا أو أكثَر، ولَكنَّها تَصِلُ قضاءَ أيامِ الحيضِ بِطُهْرِهَا، ومسجدُ بيتهِا الموضِعُ الذي تُصلِّي فيهِ الصلواتِ الخمسَ من بيتِها. هذا كُلُّهُ منَ «المَبْسُوط»
(4)
، و «الْأَسْرَارِ»
(5)
.
(لا يخرجُ مِنَ المسجدِ إِلاَّ لحِاجةِ الإنسانِ)، ثُمَّ في خُروجهِ لقضاءِ تلكَ الحاجةِ لا يتفاوتُ بينَ أنْ يدخُلَ تحتَ السقفِ أو لا فإنهُ جِائزٌ، وكانَ مالِكٌ رحمه الله
(6)
يقولُ: إذا خَرجَ لحاجةِ الإنسانِ لا ينبغي أنْ يدخلَ تحتَ سقفٍ، وإن أُواهُ سقفٌ غيرُ سقفِ المسجدِ فسدَ اعتكافُهُ/ وهذا ليسَ بشيءٍ فإنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام كانَ يدخُلُ حجَرَتُه إذا خرجَ لحاجَتِهِ، كذا في المَبْسُوط
(7)
، لأنهُ يمكنهُ الِاعْتِكَافُ في الجامعِ فإنَّهُ إذا كانَ اعتكافُهَ دَونَ سبعةِ أيامٍ اعتكفَ في أيِّ مسجدٍ شاءَ، وإنْ كانَ سبعةٌ أو أكثَر اعتكفَ في مسجدِ الجامعِ؛ وذلك لِأَنَّ رُكْنَ الِاعْتِكَافِ هو المقامُ، فالخروجُ ضِدَّهُ فيكونُ مُفْسِدًا لهُ إِلاَّ بقدَرِ ما تحققتْ الضرورةُ فيهِ، ولا ضرورةَ في الخُروجِ للجُمعةِ على ما ذكرنا؛ لأنهُ يمكنُهُ أنْ يعتكفَ في الجامعِ على وجهٍ لا يحتاجُ إلى هذا الخُروجِ، وإنّما احتاجَ إليها بسببِ اختيارِهِ مَسجدًا آخَر فلا يكونُ عَفوًا شَرعًا، كما إذا اختارَ الخَروجَ إلى عِبادَةٍ، أو رَأَى إنسانًا يغَرقُ فأنجاهُ فَسَدَ الِاعْتِكَافُ، وإنْ كانَ ذلك عليهِ فَرْضًا لِأَنها وجبتْ بِعَارضِ وُقوعِ ذلكَ الإنسانِ في الماءِ، وأمّا بهِ غنيمةٌ عنها في أصلِ الوضْع بِخلافِ الخُروجِ إلى الغائِطِ، والبولِ؛ لأَنّهُ لابُدَّ منهُ فكانَ مستثنى بِحُكْمِ الوضْعِ فصارَ كما لو استثنى بالنصِّ لمِا أنَّ الِاعْتِكَافَ لُبْثٌ، والخروجُ ضِدَّهُ فلا يبقى معهُ كالصَّوْم مع الأَكْلِ، ولنا ما رُوِيَ عن عليِّ رضي الله عنه أنهُ قالُ:«المعتكِفُ يخرجُ للغائِطِ، والبولِ، والجُمعةِ»
(8)
. فجعلَ الخُروجَ إلى الكُلِّ خُروجًا واحداً، ولِأَنَّ الخُروجَ إلى الجُمعةِ مِعْلومٌ وُقُوعُهُ في زَمانِ الاعتكافِ، فصار مستثنىً مِن نَذْرِهِ كالخُروجِ للحاجةِ، وإذا اعتكفَ في الجامعِ رُبَّما كانَ خُروُجهُ أكثَر؛ لِأَنّهُ يحتاجُ في الخُروجِ لحاجةِ الإنسانِ إلى الرُجوعِ إلى بيتهِ، وإذا كانَ بيتُه بعيدًا يزدادُ خُروجُه إذا اعتكفَ في الجامعِ على ما إذا اعتكفَ في مسجدِ حِّيهِ
(9)
.
(1)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 113).
(2)
يُنْظَر: بداية المبتدى (1/ 42).
(3)
يُنْظَر: الأصل (2/ 273)، المَبْسُوط (3/ 212).
(4)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 216).
(5)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (3/ 571).
(6)
يُنْظَر: الاستذكار (3/ 390).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: (3/ 212).
(8)
رَوَاهُ الترمذي في سننه (805)، كتاب أبواب الصَّوْم، باب المعتكف يخرج لحاجته أم لا، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 212).
وأمّا قولُه: (أنَّ الخُروجَ للجُمعةِ) يلزمُهُ بسبَب اختيارِهِ بُقْعَةَ أخُرى، فَغَلطٌ
(1)
؛ لِأَنّا نقولُ: الخروجُ إلى الجُمعةِ مِنْ وَظائِفِ العُمْرِ في كُلِّ إنسانٍ قبلَ أنْ يعتكِفَ؛ لِأَنهُ لابُدَّ لِكُلِّ إنسانٍ مخُاطبٍ مِنَ الخُروجِ إلى المسجدِ الجامعِ شَرْعًا، كما لابُدَّ مِنَ الخُروجِ لقِضَاءِ الحاجةِ طَبعًا، وإنّما سقطَ الخُروجُ إلى الجُمعةِ باختيارِه الجامعَ، والمصيرُ إليهِ قبلَ الوُجوبِ لا أنْ يصيرَ الخروجُ وظيفةً باختيارِهِ البُعدَّ عنْ الجامِعِ فإنهُ على أصلِ سُكْنَاهُ خارجاً عن المسجدِ، فكانَ الخروجُ كانَ عليهِ قبلَ الِاعْتِكَافِ فورَدَ الِاعْتِكَافُ على هذا الأصلِ، فبقى الخروجُ مستثنى فإنْ قِيلَ: إنَّ الجُمعةُ تسقطُ بأعذارٍ كَثيرةٍ مِنَ السفرِ، والرِّقِ، فجازَ أنْ تسقطَ بهذا. قلنا: لا يجوزُ أنْ تسقطَ الجُمعةُ صِيانةً للاعتكافِ؛ لأَنَّ الِاعْتِكَافَ دُونَ الجُمعةِ وُجوبًا لِأَنّهُ واجبٌ بالنذْرِ، وذلكَ بإيجابِ اللهِ تعالى، وما وَجَبَ بإيجابِ اللهِ تعالى ليسَ للعبدِ أنْ يُسقطَهُ بإيجابهِ بنذْرِهِ فإنهُ إذا نذَر صومَ رَجَبَ فصامَ عن الكفارةِ صُحَّ، ولم يتغيرْ حُكْمُ الكفارةِ فيهِ بإيجابهِ، ولم يصير كإيجابِ اللهِ تعالى رمضانَ، كذا في «المَبْسُوط»
(2)
، و «الْأَسْرَارِ»
(3)
.
(ولو أقامَ في المسجدِ الجامعِ أكثرَ منْ ذلكَ لا يفسدُ اعتكافُهُ)؛
(4)
لأَنَّ المفسِدَ للاعتكافِ الخروجُ من المسجدِ لا المكْثِ في المسجدِ
(5)
(فلا يُتِمُهُ في مسجدينِ منْ غيرِ ضَرورةٍ)
(6)
، وإنّما قَيدنا لِضَرورةٍ فإنهُ إذا أتمهُ في مسجدينِ لضرورةٍ جازَ، فإنهُ إذا اعتكفَ في مسجدٍ فانهدمَ فهذا عذرُهُ،
(7)
ويخرجُ إلى مسجدٍ آخرَ؛ لأنهُ مضطرٌ في الخروجِ فصارَ عَفوًا، ولِأَنَّ المسجدَ بَعْدَ الانَهدامِ خَرَجَ منْ أنْ يكونَ مُعتكفًا، والمعتكفُ مسجدٌ يصلِّي فيهِ الصلواتِ الخمسِ بالجماعةِ، ولَا يتأتى ذلكَ في المسجدِ المَهدومِ فكانَ عُذرًا في التحُّولِ إلى مسجدٍ آخرَ، كذا في شروح المَبْسُوط
(8)
، (ولو خرجَ من المسجدِ ساعةً بغيرِ عُذْرٍ فَسَدَ اعتكافُهُ) (عندَ أبي حنيفةَ رحمه الله
(9)
، وفي «المَبْسُوط»
(10)
: وقولُ أبي حنيفةَ رحمه الله أقيسُ
(11)
، وقولهُما أوسعُ
(12)
قالا
(13)
: اليسيرُ مِنَ الخُروج عَفْوٌ لِدَفْعَ الحرجِ، وإنْ لم يُوجُد فيهِ كثيرُ ضَرورةٍ، فإنهُ إذا خرجَ لحاجةِ الإنسانِ لا يُؤْمَرُ بأنْ يشرعُ المشيَ، ولهُ أنْ يمشَي على التُؤَدَةِ فظهَرَ أنَّ القليلَ منَ الخروجِ عَفْوٌ، والكثيرُ ليسَ بعفْوٍ فجعلنا الحدَّ الفاصِلَ أكثرَ منْ يومٍ وليلةٍ، كما قلنا: في نيةِ الصَّوْم في رمضانَ إذا وُجِدَتْ في أكثِر اليوم جُعِلَتْ كوجودِها في جميعِ اليومِ لِمَا أنَّ الأقلَ تابِعٌ للأكثرِ، وأبو حنيفةَ رحمه الله يقولُ: رُكْنُ الِاعْتِكَافِ هو المقامَ في المسجدِ
(14)
، والخروجُ ضِدُّهُ فيكونُ مُفَوِتًا رُكْنُ العبِادَةِ، والقليلُ، والكثيرُ في هذا سواءٌ كالأَكْلِ في الصَّوْم، والحدثِ للطَّهارةِ.
(1)
المصنف رحمه الله يرى انه يجب أن يختار المعتكف مسجد تقام فيه صلاة الجمعة، والمذهب يرون جواز خروجه للجمعة أن أعتكف في مسجدٍ لا تقام فيه الجمعة. يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 212)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 113).
(2)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 212).
(3)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (3/ 571).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 133).
(5)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 675)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 325).
(6)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 133).
(7)
يُنْظَر: الأصل (2/ 278)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 114).
(8)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 213)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (4/ 208).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 214)، الهِدَايَة (1/ 133).
(10)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 214).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 214)، الهِدَايَة (1/ 133).
(12)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 351).
(13)
هما مُحَمَّد وأبا يوسف. يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 214)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 147).
(14)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 394).
وذكر في «الذخيرة»
(1)
: هذا كله في الِاعْتِكَافِ الواجبِ بأنْ أوجبَ/ الِاعْتِكَافَ على نفسهِ، وأمّا في الِاعْتِكَافِ النفلِ، وهو أن يَشْرعَ فيهِ منْ غيرِ أنْ يوجَبهُ على نفسه، لِا بأسَ بأن يخرجَ بُعِذْرٍ، وبغيرِ عُذْرِ في ظاهِرِ الرِوايةِ
(2)
، فإنَّ اعتكافَ التطوُعِ غيرُ مُقَدَرِ في ظاهرِ الروايةِ على ما ذكرنا؛ لِأَنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام لم يكنْ لهُ مَأَوَى إِلاَّ المسجدَ في غالب أِحوالهِ، لم يتخذْ مَوْضِعًا آخرَ مأوَىَ إِلاَّ المسجدَ، فكانَ أَكْلُهُ متحقِقًا فيهِ حينئذٍ
(3)
.
(ولا بأسَ بأنْ يَبيِعُ، ويُبُتاعُ
(4)
مِنْ غيرِ أنْ يُحضِرَ السِّلْعَة)
(5)
، أيْ: منْ غيرِ أنْ تحضُرَ المسجدَ السِّلعَةُ
(6)
لِما أنَّ الإحضارَ يتعدى إلى مفعولين كقوله تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ}
(7)
، ثُمَّ هذا الذي ذَكَرهُ منْ إباحَةِ البيعِ والشِّرَى معناهُ: إذا باعَ واشترَى لنفسِهِ حاجَتهُ الأصليْة
(8)
؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لابُدَّ منهُ، وأمّا إذا باعَ، واشتَرى للتِّجارةِ يُكْرَهُ
(9)
؛ لِأَنَّ المسجدَ بُنيِ للصَّلاة لِا للتِّجارةِ
(10)
، كذا في التجنيسِ
(11)
، ويُّدلُ على صحة هذهِ الروايةُ أيضًا، ما ذَكَرهُ في الْكِتَابِ بقولهِ: وُيكُرهُ لغيرِ المعتكِفِ البيعُ، والشِّرى في المسجِدِ
(12)
للحديثِ
(13)
فُعِلمَ بهذا أنَّ إباحةَ البيعِ والشِّرى لِأَجْلِ الضرورةِ، والثابتُ بالضرورةِ يتقدَّرُ بِقَدَرِ الضَرورةِ
(14)
، وهي الشِّرى والبيعُ فيما لابُدَّ منهُ في معاشِهِ دُونَ غيرِه، ولا يتكلمُ إِلاَّ بخيرٍ فإنْ قلتَ: هذا النفيُ، والإثباتُ من المستثنى منهُ، والمستثنى ثابِتٌ في حقِّ كُلِّ مُسلمِ. فما وجهُ تخصيصِهِ بالمعتكِفِ؟ قلنا: كانَ هذا من نظيرِ قولهِ تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}
(15)
، وقولِه تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ}
(16)
(17)
، ولفظُ مُخْتَصرُ القُدُوري
(18)
في الحجِّ يقولُ: ويبقى ما نهى اللهُ تعالى عنهُ مِنَ الرفَثِ، والفُسوقِ، والجِدالِ، والظُلم حَرَامٌ في كٌلِّ وَقْتٍ، ومكانٍ، والاتقاءُ مما نهى اللهُ تعالى مِنْ تلكَ الأشياءِ الثلاثةِ المذكورةِ واجِبٌ في كُلِّ وَقْتٍ، ومع ذلك خصَّهُ بالذِّكْرِ في ذلكَ الوقتِ، والمكانُ لِبَيانِ عِظَمِ حُرْمَةِ الظُلمِ في ذلكِ الوقتِ، والمكانُ بالنسبةِ إلى سائرِ الأوقاتِ، والأماكنُ فكانَ معناهُ، ولا يتكلمُ إِلاَّ بخيرٍ في جميع الأوقاتِ خُصوصًا في حالةِ الِاعْتِكَافِ فإنَّ حُرمةَ التَكَلُّمِ بالشِّر فيها أشدُّ بالنسبةِ إلى سائِرِ الأوقاتِ، وُيكْرَهْ لهُ الصمتُ
(19)
، قِيلَ: معنى الصمتِ: أنْ ينذُرَ بأنْ لا يتكلمُ أصلًا كما في شريعةِ مَنْ قَبَلنا، وقِيلَ: إنْ يصمُتُ، ولا يتكلمُ أصلًا منْ غيرِ نَذْرِ سابقٍ، كذا قالهُ الإمامُ بدُر الدَّينِ الكردري
(20)
. لكنَّ تعليلَ الْكِتَاب بقولهِ: لِأَنْ صومَ الصمتَ ليسَ بِقُرْبَةٍ في شريعتِنا
(21)
، وكذلك في «المَبْسُوط»
(22)
يأتي هذا التأويلُ حيثُ أطلقَ اسمَ الصَّوْم، وهو ينصرفُ إلى الصَّوْم المعَهودِ، وكان معناهُ، وُيكَرهُ أنْ ينويَ الصَّوْم المعهودَ، وهو الإمساكُ عن المفطراتِ الثلاثِ مع زيادةِ نَيةِ أنْ لا يتكلمَ، ويؤيدُ هذا التأويلُ ما ذُكِرَ في الكشَّافِ، والتيسير
(23)
(24)
، فقالَ في الكُشَّاف
(25)
في قولهِ تعالى: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا}
(26)
: وقِيل: صيِامًا إِلاَّ أنهم كانوا لا يتكلمونَ في صيامِهم، وقد نهى رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام عن صومِ الصمتِ لأنِّهُ نُسِخَ في أمتهِ، وفي التيسير
(27)
قوله: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} ، أي: التزمْتُ صمتًا، وإمْساكًا عن الكلامِ، وقِيلَ:
(28)
أيْ حقيقةَ صومِ، وكانَ صومُهم فيهِ الصمتُ فكانَ ذِكْرٌه، والتزامُهُ، وكانَ جوازُ ذلك في تلكِ الشريعةِ، وقد نُسِخَ ذلك فينا، وقد وُجِدَتْ رِوايةٌ منصوصةٌ مؤثِرةٌ لِما ذَكَرْتُ من التأويلِ بخطِّ شَيْخِي رحمه الله
(29)
منقولًا عن كشفِ الْأَسْرَار
(30)
قال: حدثنا مُحَمَّد بنُ قدامةَ الزاهدُ البلخي
(31)
قالَ: حدثنا شجاعُ بنَ مخلدِ البغدادي
(32)
قالَ: حدثنا زكريا بن [أبي]
(33)
زائدة
(34)
قال: حدثنا أبو حنيفة، عن عدي بن ثابت
(35)
، عن أبي حازم
(36)
، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال:«نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنِ صومِ الوِصَالِ، وصومِ الصَّمْتِ»
(37)
قالَ زكريا بنُ [أبي]
(38)
زائِدُةَ: فقلتُ لأبي حنيفةَ رحمه الله: ما صَوْمُ الصمْتِ؟ قالَ: أنْ يصومَ ولا يُكِلمَ أحدًا في يومِ الصَّوْم
(39)
، ويحرمُ على المعتكفِ الوَطْئُ
(40)
،] ولا يُقالُ: كيفَ يتهيأُ لهَ الوطْئُ، وهو في المسجدِ
(41)
لأنا نقولُ: جازَ للمعتكِفِ الخروجُ للحاجةِ الإنسانيةِ فعندَ ذلك أيضًا يحرُمُ عليهِ الوطئُ حتى يفسدَ اعتكافُهُ لما أنَّ اِسَم المعتكِفِ لا يزولُ عنهُ بُخِروجِهِ ذلك، ورتَّبَ ذلك الحُكْمَ على المعتكفِ.
(1)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 674).
(2)
هذا في ظاهر الرواية أنه لو خرج بغير عذر في اعتكاف التطوع فإنه لا يفسد، وفي رواية الحسن بن زياد عن أبي حَنِيفَةَ أنه يفسد بناء على أنه مدته مقدرةٌ بيوم كالصَّوْم يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 374)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 115).
(3)
يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (1/ 213).
(4)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 351)، مجمع الأنهر (1/ 379).
(5)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 42).
(6)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 326).
(7)
سورة النساء الآية (128).
(8)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 133)، مجمع الأنهر (1/ 379).
(9)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 117)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 351).
(10)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 397).
(11)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 351).
(12)
يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 326).
(13)
يشير المصنف رحمه الله إلى الأحاديث الواردة في النهي عن البيع والشراء في المسجد ومنها ما أخرجه مسلم في صحيحه، باب النهي عن نشد الضالة في المسجد، وما يقوله من سمع الناشد (2/ 82)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من سمع رجلا ينشد ضالته في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا)، وماأخرجه النسائي في سننه الكبرى، باب ما يقول لمن يبيع أو يبتاع في المسجد (9/ 77)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا رأيتم من يبيع، أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 71).
(14)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 133)، مجمع الأنهر (1/ 379).
(15)
سورة التوبة (36).
(16)
سورة الحج الآية (25).
(17)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 397).
(18)
يُنْظَر: مُخْتَصرُ القُدُوري (ص 70).
(19)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 133)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 327).
(20)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (2/ 398)، كشف الْأَسْرَار (2/ 374).
(21)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 219)، الهِدَايَة (1/ 133).
(22)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 219).
(23)
التيسير في التفسير لنجم الدين أبي حفص، عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل أبي حفص نجم الدين النسفي، عالمٌ بالأصول والتفسير والأدب والتاريخ، من فقهاء الحنفية، توفي سنة (537 هـ) بسمرقند، وكتابه التفسير مخطوطاً في مكتبة أحمد الثالث برقم (1756) ويوجد له نسخة على شكل مايكرو فيلم في جامعة الملك عبدالعزيز. يُنْظَر: الفوائد البهية (ص 150)، تاج التراجم (34 - 35)، معجم المؤلفين (7/ 305 - 306).
(24)
يُنْظَر: مدارك التنزيل للنسفي (3/ 35).
(25)
يُنْظَر: الكشاف عن حقائق التنزيل: (3/ 15).
(26)
سورة مريم الآية (26).
(27)
يُنْظَر: مدارك التنزيل (3/ 35).
(28)
المصدر السابق.
(29)
هو صاحب الهِدَايَة رحمة الله. يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 133).
(30)
بحثت عنه في كشف الْأَسْرَار للبزدوي ولم أجده، وعثرت عليه في شرح مسند أبي حَنِيفَةَ لملا علي قاري (1/ 487)، وذكره في العناية (2/ 404).
(31)
هو: مُحَمَّد بن قدامة بن سيار البلخى الزاهد من صغار الآخذين عن تبع الأتباع، لم يخرج له أحد من الستة وهو مقبول عن ابن حجر من الثانية عشر.
يُنْظَر: لسان الميزان (9/ 414)، تقريب التهذيب (1/ 503).
(32)
هو: شجاع بن مخلد الفلاس أبو الفضل، من أهل بغداد. يروي عن هشيم والعراقيين، حدثنا عنه أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي وغيره. مات سنة خمس وثلاثين ومائتين.
يُنْظَر: (ثقات ابن حبان: 8/ 313)، و (الجرح والتعديل: 4/ 379)، و (الأَعْلَام للزركلي: 3/ 157).
(33)
سقط من الأصل.
(34)
هو: زكريا بن أبي زائدة، هو ابن خالد أبو يحيى الهمداني الأعمى الكوفي، سمع الشعبى وأبا اسحاق وسماكا، روى عنه الثوري ووكيع وابنه يحيى، وقال أبو نعيم: مات سنة ثمان وأربعين ومائة، وقال يحيى القطان: ليس به بأس.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (6/ 334)، التاريخ الكبير (3/ 421)، تهذيب الكمال (9/ 359).
(35)
هو: عدي بن ثابت الأنصاري. عداده في أهل الكوفة. يروي عن البراء بن عازب، وأبي أمه عبدالله بن يزيد الذي روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري. روى عنه أهل الكوفة، مات في ولاية خالد على العراق.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (5/ 270)، التاريخ الكبير (7/ 44)، الجرح والتعديل (7/ 2).
(36)
هو: أبو حازم الأعرج اسمه سلمان الأشجعي مولى عزة الأشجعية عداده في أهل الكوفة يروى عن أبى هريرة روى عنه الأعمش ومنصور توفى في خلافة عمر بن عبد العزيز.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (4/ 333)، التاريخ الكبير (4/ 137)، الجرح والتعديل (4/ 297).
(37)
بحثت عنه في كتب الحديث ولم أجده إلا في شرح مسند أبي حنيفة: ص 514، وذكره شراح كتب الهداية مثل: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 398).
(38)
سقط من (أ).
(39)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 398).
(40)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 42).
(41)
زيادة في (ب).
(وكذا اللمسُ والقُبلةُ)؛
(1)
لأنهُ مِنْ دَواعيهِ فيحُرُم عليهِ إلى آخرِه
(2)
، وشرحُ هذا ما ذُكِرَ في «الإيضاح»
(3)
فقالَ: فَرْقٌ بينَ هذا وبينِ الصَّوْم فإنْ التِقبيلَ، والمسَّ لا يحرمُ بالصَّوْم، ويحرمُ بالاعتكاف
(4)
؛ ِ لِأَنَّ الجِماعَ ليسَ بحرامٍ في بابِ الصَّوْم؛ لِأَنَّ الصَّوْم عَبِادةُ، والكُفُّ عن الجِمَاعِ رُكْنٌ فيهِ، ورُكْنُ العبادةِ/ يجبُ أنْ يكونَ بالكفِّ عن الفعلِ الحلالِ والحُرَمةُ إنما تثُبتَ لِفَواتِ الرَّكْنِ فإذاُ بِقيَ الفِعْلُ حلالًا في نفسهِ، والحُرمَةُ لغيرهِ، وهو ضرورةُ وجُوبِ الكَفِّ عن الجِمَاعِ لم يتعدَّ الحرُمةَ
(5)
، إلى القُبلةِ والملُامسةِ إِلاَّ إذا خافَ الوقُوعَ في الجِمَاعِ، وفي بابِ الِاعْتِكَافِ الرُكْنُ هو اللبثَ في المسجِد لا الكفُّ عن الجِمَاعِ، فكان الجِمَاعُ من محظوراتِ اللبثِ، والدليلُ عليهِ: أنْ ثبتَ بالنهي، وموجِبُ النَّهيِ الحرُمةَ فبَعُدَتْ الحُرمةُ إلى التقبيلِ، واللَّمْسِ؛ لأنهُ مِن تَوابِعِ المحظورِ كما في الإحرامِ، وحاصِلُ هذا الكلامُ راجِعٌ إلى ما أشرنا إليهِ في الوافي في فصلِ حُكُمِ الأثر
(6)
، والمنهي في ضدِّ ما نُسِبَ إليهِ، وهو أن حُرمةَ الوطئِ أينما تثُبتُ بالنهي تعدَّتْ الحرمَة إلى دَواعيِ الوَطْئ ِ، كحرُمَةِ الوطْئِ في حقِّ المُحرِمِ، والمعتكفِ، ويشتري الجاريةَ فَإنَّ الحرمةَ تثبتُ في هذه المواضعِ بقولهِ تعالى:{فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ}
(7)
، ويُقال: ولا {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
(8)
، وقوله عليه الصلاة والسلام:«أّلاَّ تُوطَأُ الحُبالى حتى يضعْنَ حمَلهُنَّ، ولا الحُبالى حتى يستبرِئْنَ بحيضة»
(9)
، وإنما تثبتُ حُرمُة الوْطئِ بالأمرِ لا يتعدَّى الحُرمَة إلى دَواعيهِ، كما في حالةِ الحيضِ، وحالةِ الصَّوْم، فإنَّ الحُرمَة فيهما تثبتُ بقولهِ تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}
(10)
، وقالَ:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
(11)
بعدَ ذِكْرِ المفطراتِ الثلاثِ، أي: كُفُّوا عن هذهِ الجُملةِ، ثُمَّ المعنى الدَّاعِي إلى الفرقِ هو أنَّ الحُرمةَ حُكْمٌ خاصٌ للنهي؛ لأنهُ لتحريمِ الفِعْلِ، والمنعُ عنهُ فكانتْ الحُرمةُ مقصودةً فيهِ فبعُدَتْ إلى دواعِيها لِقُوةِ زِيادَةِ الاهتمامِ فيها، وأمّا الحُرمةُ في الأمرِ إنما تثبتُ بسببِ النَّهي الثابتِ في ضِمْنِ الأمْرِ، فكانَ تحققُ تلك الحُرمةِ منْ ضَرورةِ أنْ لا يفوتَ المأموُر بهِ، فلم تكنْ الحُرمةُ فيهِ مقصودةً فلم يتعدَّ إلى دَواعيهِ لانعدامِ زيادةِ القُوةِ في الحُرمةِ
(12)
.
(1)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 42).
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 398، 399).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 222)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 115).
(4)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 115)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 147).
(5)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 146).
(6)
يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (2/ 676).
(7)
سورة البقرة الآية (197).
(8)
سورة البقرة الآية (187).
(9)
أخرجه أبي داود في النكاح في باب في وطء السبايا (1/ 293)، والحاكم في مستدركه في النكاح (2/ 195). والْبَيْهَقِي في السنن الكبرى (18767 - 9/ 125) وابن أبي شيبة في مصنفه (17751 - 4/ 370) قال الحاكم حديث صحيح، على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وأعله ابن القطان في كتابه بشريك، وقال: إنه مدلس، وهو ممن ساء حفظه بالقضاء.
(10)
سورة البقرة الآية (222).
(11)
سورة البقرة الآية (187).
(12)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 146).
قولُه رحمه الله: بخلافِ الصَّوْم؛ لِأَنَّ الكَفَّ رُكْنُهُ لا محظورةً، أي: لِأَنَّ الكَفَّ رُكْنُ الصَّوْم لا محَظورَ الصَّوْم، فإنْ قلتَ: في هذا اللفظِ اشتباهٌ فإنهُ إنما ذَكَرَ قولُه: لا محظورةَ للفرقِ بينَ الصَّوْم، وبينَ الِاعْتِكَافِ فحينئذٍ يجبُ أنْ يكونَ الكّفُّ عن الوطْئِ، ودَواعيهِ محظورُ الاعتكافِ
(1)
، وليسَ كذلكَ، بلْ الوطُئ، ودواعيهِ محظورُ الِاعْتِكَافِ لا الكفَّ عنهُ
(2)
.
قلتُ: معنى قولِه: لِأَنَّ الكفَّ رُكْنَهُ لا محظوَرهُ، أيْ: لِأَنَّ الكَفَّ إنّما وَجَبَ في الصَّوْم لتحقيقِ رُكْنِيَةِ الكفِّ لا للاحترازِ عنهُ المحظورِ بخلافِ الاعتكافِ، فإنَّ وجُوبَ الكّفِّ هناك للاحترازِ عن مَحظورِ الِاعْتِكَافِ لا لتحقيقِ رُكْنِ الاعتكافِ، فإنّ جْامَعَ ليلًا، أو نهارًا عامِدًا أو ناسِيًا بطلَ اعتكافُهُ سواءً أنزل أو لم ينزل
(3)
؛ لقولهِ تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
(4)
، فصارَ الجِمَاعُ بهذا النصِّ محظورُ الِاعْتِكَافِ فكان مُفسدًا له بُكلِ حالٍ كالجِماعِ في الإحرام، وذَكَر ابنُ سمَاعة روايةً عن أصحابِنا
(5)
: أنهُ إذا كانَ ناسِيًا لا يفسدُ اعتكافُهُ بهِ فإنَّ الِاعْتِكَافَ فَرْعٌ علىِ الصَّوْم، والفرعُ مُلْحَقٌ بهِ الأصلُ في حُكْمِهِ، وإذا أَكَلَ المعتكِفُ نهارًا ناسِيًا شيئًا لم يضْرهُ؛ لِأَنَّ حرُمةَ الأَكْلِ لا حِلَّ الصَّوْم لا لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ حتى اختصَّ بوقْتِ الصَّوْم
(6)
، والأَكل ناسِيًا لا يفسِدُ الصَّوْم بخلافِ ما إذا جَامَعَ ناسِيًا فحرمةَ الجِمُاع لِأجْل الِاعْتِكَافِ حتى يدومَ الليلُ، والنهارُ جميعًا، وقد بيّنا أنّ ما كانتْ حرمتُه لِأَجلِ الِاعْتِكَافِ يستوي فيهِ الناسِي، والعامِدُ بالقياسِ على الإحرامِ، ومعنى الفرقِ أنهُ متى اقترن بحالهِ ما يذكُرَه لا يُبلى بالنسيان فيه عادةً، وإذا لم يقترنْ بحالهِ ما يذكُرُهُ يُبتلى فيهِ بالنسيانِ عادةً فيُعذَرُ لِأَجْلِهِ ففي الإحرامِ هيئةُ المحرمينِ مُذَكِرَةً لهُ وفي الِاعْتِكَافِ كونُهُ في المسجدِ مُذَكِرٌ لهُ وأمّا في الصَّوْم فلم يقترنْ بحالهِ ما يُذَكِرَهُ؛ لأنّهُ غيرُ ممنوعٍ عن التصُّرفِ في الطَّعامِ في حالةِ الصَّوْم ألا ترى أنّ في الأَكْلِ في الصَّلَاةِ سوِى بينَ النسيانِ، والعَمْد؛ لأنهُ اقترنَ بحالةٍ ما يُذَكِرَهُ، وفي السلامِ فصلٌ بينَ النسيانِ، والعمْدِ؛ لِأَنَّهُ من جنسِ أذكار الصَّلَاةِ، كذا في «المَبْسُوط»
(7)
. (ولو جامعَ فيما دُونَ الفَرْجِ فأنزلَ أو قَبَّلَ أو لَمَسَ يَبْطُلُ اعَتكافُهُ)
(8)
.
(1)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 211)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 348).
(2)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 399).
(3)
يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 352)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 147).
(4)
سورة البقرة الآية (187).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 222).
(6)
يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 450).
(7)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 227).
(8)
يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 42).
قولهُ رحمه الله: فأنزلَ مَشرُوطٌ في التقبِيلِ
(1)
، واللَّمسِ أيضًا في حقِّ بُطلانِ الاعتكافِ، وإنْ كانَ ظاهِرَ اللفظِ لا يقتضيهِ حيثُ أطلقهما عن ذلكَ/ الشرطِ، فكانَ هذا نظيرُ أنهُ الظِّهارُ منْ حيثُ الظاهِرُ على أصلنِا في أنَّ المُطلقَ غيرُ محُمولٍ على المقيدِ
(2)
، وإنْ كانَ في حادثةٍ واحدةٍ، ولكنَّ الرِوايةَ منصوصةٌ في فتاوى الإمامِ الولوالجي رحمه الله
(3)
: على أنَّ الإنزالَ شَرْطٌ في التقبيلِ، واللَّمْسِ لإفسادِ الاعتكافِ، فقالَ: إنّ التقبيلَ، واللَّمْسِ بِدُونِ الإنزالِ لا يُفسِدُ الاعتكافَ
(4)
(5)
، ولكنهُ حَرَامُ؛ لِأَنَّهُ إذا اتصلَ بهِ الإنزالُ حُرِّمَ؛ لِأَنَّ الجِمَاعَ مَحظورٌ اعتكافُهُ فما هو مِن تَوابِعِهِ يَكونُ محَظورًا أيضًا بخلافِ الصَّوْم؛ لأَنَّ الجَمِاعَ ليسَ بمحظورِ الصَّوْم، بل هو نقيضٌ؛ لِأَنَّ الرُكْنَ هو الكفُّ عن قضاءِ الشهوتين، وهذا الركنُ لا يفوتَ باللمسِ، والتقبيلِ، وإنما يفوتُ بالجِمَاعِ، ولو لم يُنزلْ لا يَفْسُدُ، وإنْ كانُ محُرِمًا؛ لأنهُ ليسَ في معنى الجِمَاعِ، ويُقالُ: لأنهُ ليسَ في معنى الجِمَاعِ دليلٌ؛ لِقولِه: لا تفسدُ لا لِقولِه: وإنْ كانَ محُرِمًا؛ لِأَنَّ كونَهُ ليسَ في معنى الجِمَاعِ لا يصلحُ لإثباتِ الفَرْقِ في أنّ ذلكَ الفِعْلَ مُحرَّمٌ في الاعتكافِ، وغيرُ محُرُّمٍ في الصَّوْم، ولكنْ يصلحُ دليلًا لإثباتِ التسويةِ في عَدَمِ إفسادِ الِاعْتِكَافِ والصَّوْم، ولِأَنَّ معنى الفرقِ بينَ كونِهِ محُرِمًا هنا، وغير مُحرِمٍ في الصَّوْم قد ذكرناه مرتين فتذكَّرْ فإنْ قِيلَ: هلا جعلتَ نفسَ المُباشَرةِ
(6)
مُفِسدَةٌ من غيرِ إنزالٍ بظاهرِ قولهِ تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ}
(7)
، وتلكَ تتحققُ في الجِمَاعِ دونَ الفرجِ قلنا: لِأَنَّ مجازَها، وهو الجَمِاعُ قرارٌ فيبطلُ أنْ تكونَ الحقيقةُ مُرادُهُ
(8)
؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مُعتَبُرُ بالصَّوْم فيهاِ، ونفسُ المباشرةِ لا يفسدُ الصَّوْم كذا هنا
(9)
، كذا ذُكِرَ السؤالُ، والجوابُ في «الْأَسْرَارِ»
(10)
ومَنْ أوجبَ على نفسهِ اعتكافَ أيامٍ لَزِمَهُ اعتاكفُها بلياليها
(11)
بأنْ قالَ: للهِ عليّ أنْ أعتكفَ ثلاثينَ يومًا، وكذلك لو قالَ: للهِ عليَّ أنْ أعتكفَ شهرًا، ولم ينوِ شهرًا بعينهِ فهو مُتتابِعٌ عليه ليلًا، ونهارًا يفِتتحُهُ متى شاءَ
(12)
، وإنْ فَرَّقَهُ استقبلهُ، وقالَ زُفَر: هو بالخِيارِ إنْ شاءَ تابعَ، وإنْ شاءَ فَرّقَ
(13)
؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ فَرْعٌ على الصَّوْم فإنْ قالَ: لا أصلَ لهُ في الفرائضِ لا يَصِحُّ التزامُهُ بالنذْرِ، ولا أصلَ للاعتكافِ في الفرائضِ سوِى الصَّوْم، ثُمَّ التتابعُ في الصَّوْم لا يجبُ بمَطَلقِ النذْرِ، فكذلكَ في الاعتكافِ، ولنا أنَّ الِاعْتِكَافَ يدومُ الليلَ، والنهارَ جَميعًا فمُطلقُ ذِكْرِ الشَّهرِ، والأيامِ فيهِ يكونُ مُتتابعًا، كاليمينِ إذا حَلَفَ لا يُكُلِمُ فُلانًا شَهرًا أو عَشَرة أيام والآجالُ، والإجاراتُ بخلافِ الصَّوْم فإنهُ لا يدوُم الليلُ، والنهارُ، كذا في شروح «المَبْسُوط»
(14)
.
(1)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 133)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 352).
(2)
يُنْظَر: أصول السَّرَخْسِي (2/ 26).
(3)
يُنْظَر: فتاوى الولواجي (1/ 242).
(4)
يُنْظَر: الهِدَايَة (1/ 133)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 352).
(5)
هذا هو مذهب الأحناف وللشافعي قولان أحدهما: أنه يفسد لمجرد اللمس والقبلة. والثاني: إن أنزل يبطل، وإلا لا، وبه قال الإمام أحمد، وقال مالك يبطل مطلقاً. يُنْظَر: العزيز شرح الوجيز (6/ 482)، الْمَجْمُوع (6/ 524)، الإنصاف (3/ 271)، المبدع شرح المقنع (3/ 21) الاستذكار (3/ 403)، البيان والتحصيل (2/ 353).
(6)
المباشرة: من باشر الرجل المرأة، وذلك إفضاءوه ببشرته إلى بشرتها. يُنْظَر: معجم مقاييس اللغة (1/ 251).
(7)
سورة البقرة الآية (187).
(8)
يُنْظَر: بداية المجتهد (1/ 316)، الأحكام لابن العربي (1/ 136).
(9)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 400).
(10)
يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار (1/ 214).
(11)
يُنْظَر: الأصل (2/ 297)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 111).
(12)
في هذه المسألة خالف المصنف رحمه الله المذهب. فالأحناف يرون أنه بالخيار إن شاء تابع أو فرّق وهو إحدى الروايتين عند الحنابلة، وقال الشَّافِعِي رحمه الله حكم الِاعْتِكَافِ كحكم الصَّوْم، لأن اللفظ مطلق عن قيد التتابع، وعن نية التتابع، فيجرى على إطلاقه، كما في الصَّوْم، وهو إحدى الروايتين عند الحنابلة يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 111)، حاشية ابن عابدين (2/ 451) الأم (2/ 105)، الْحَاوِي (3/ 500)، الْمُغْنِي (3/ 155)، حاشية الروض المربع (3/ 486).
(13)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 11).
(14)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 216).
قلتُ: وحاصِلُ هذا أنَّ اعتكافَ الأيامِ مُنكرًا يُلحَقَ بالإجاراتِ والأيمانِ في شَرْطِ التتابُعِ، ويلحقُ بالصَّوْم في حقِّ عَدَمِ الاتصالِ بالوقتِ الذي نَذَرَ فيهِ بلْ لهُ أنْ يُعِّينَ أيَّ أيامٍ شاءَ، وأيَّ شَهْرٍ شاءَ؛ لِأَنهُ التزمَ أيامًا مُنكرةً فلا يتعينُ إِلاَّ بالتعيينِ، فإنْ قلتَ: ما ذُكِرَ في أصلِ المسألةِ، وهو قولُهُ: ولو أَوُجَبَ على نفسهِ اعتكافَ أيامٍ لزم اعتكفَها بلياليها
(1)
، مُشْكِلٌ على ما ذُكِرَ في أصولِ الفقه
(2)
: أنَّ اليومَ إذا قَرِنَ بفعلٍ ممتدٍ يُرادُ بياضُ النَّهارِ خاصةً كما في قولهِ: أَمرُكَ بيدِكَ يوَم يَقْدُمِ فلانٌ، ثُمَّ هاهنا الِاعْتِكَافُ فِعْلٌ ممُتدٌ يجبُ أنْ يُرادَ بالأيامِ النهارُ دُونَ الليالي، وعندَ الإطلاقِ عليهما يكونُ اليومُ بمعنى الوقتِ مع أنَّ الفعلَ المقرونَ بهِ ممتدُ، وهو خِلافُ رِوايةِ أُصولِ الفقهِ.
قلتُ: سقوطُ اختصاصِ بياضِ النهارِ مُنفردًا، قلنا: إنما يشاءُ يذكرُ الأياَم بلفظِ الجمعِ، وهي متناولُةُ ما بإزائِها مِنَ الليالي لا أنْ يكونُ اسمُ اليومِ مُنطلقًا على الوقتِ بخلافِ مسألةِ الأمرِ باليدِ فإنَّ اليوَم هُناكَ مذكورً بلفظِ الفردِ فوزان تلكَ المسألةِ أنْ يُوجِبَ على نفسهِ هاهنا بلفظِ اليومِ بأنْ قالَ: للهِ عليَّ أنْ أعتكفَ يَومًا حيثُ يختصُّ ذلكَ ببياضِ النهارِ دُونَ الليلِ، والمسألةُ في «التحفة»
(3)
، وفي الْكِتَابِ أيضًا إشارةٌ إليه بعدَ هذا، وأمّا لو نَوَى أيامًا مُعينةٍ أو شَهرًا مُعينًا يجبُ عليهِ اعتكافُ تلكَ الأيامِ، وذلك الشهرِ، ولو تَرَكَ اعتكافَ يومٍ يجبُ عليهِ باقِي الشهرِ، ويقضي يومًا، ولا يلزمهُ الاستقبالُ؛ لِأَنَّ التتابعَ ثبتَ لِتَجاوُزِ الأيامِ لا بالنذرِ، كذا في «التحفة»
(4)
، وإنْ نَوَى الأيامَ خاصةً صحتْ نيتُهُ
(5)
؛ لِأَنَّ حقيقةَ اليومِ لِبيَاضِ النَّهارِ
(6)
، فكانَ نَاويًا بالحقيقةِ، كلامه فيصِحَّ، وهذا بخلافِ ما لو أوجبَ على نفسهِ اعتكافَ شهرِ بغيرِ عينهِ، فَنَوىَ الأيامَ دَونَ الليالي أو الليالي/ دُونَ الأيامِ لا تَصِحُّ لمِا أنَّ الشهُر اسمٌ لِعَدَدِ ثلاثينَ يومًا، وثلاثينَ ليلةً، أو تسعَةَ وعشرينَ يومًا وليلةً، وليسَ باسمٍ عامٍ، واسُم العددِ لنا على ما دُونَ ذلك العددِ أصلٌ كاسمِ العَشْرةِ لا ينطلقُ على الخمسةِ لِا حقيقةً، ولا مجازًا، أمّا العددُ فيحْتَمِلُ الاستثناءَ، فلذلك صَحَّ أنْ يُوجِبَ على نفسهِ اعتكافَ شهرٍ إِلاَّ الأيامَ أو إِلاَّ الليالَي؛ لأَنَّ الاستثناَء تَكَلَمَ بالباقي بعدِ الشتاءِ، فصارَ كأنهُ قالَ: لله عليَّ أنْ اعتكفَ ثلاثينَ نهارًا، لكنْ عنَد استثناءِ الأيامِ لا يجبُ عليه شيءٌ، كما إذا أوجبَ عليهِ اعتكافُ ثلاثينَ ليلةً، ونوى الليلَ دونُ النهارِ تصدَّقَ
(7)
، ولا يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ لِعَدَمِ وقتِ الصَّوْم
(8)
، كذا في مبسوط فَخْرُ الْإِسْلَام، و «التحفة»
(9)
.
(1)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة (1/ 147).
(2)
يُنْظَر: أصول الفقه للِسَّرَخْسِي (1/ 175).
(3)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء: (1/ 376).
(4)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 376).
(5)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي (3/ 218)، حاشية ابن عابدين (2/ 451).
(6)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 407).
(7)
يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (2/ 111)، الْبَحْرُ الرَّائِق (2/ 328).
(8)
اختلف العلماء في هذه المسألة وهي هل الصَّوْم شرط لصحة الِاعْتِكَافِ فأبي حَنِيفَةَ ومالك يرون انه شرط لصحة الاعتكاف الواجب ولهم رويتان فيما إذا كان نفلاً روى الحسن عن أبي حنيفه ان النفل كالواجب، وفي رواية عن أبي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد وابي يوسف انه لايشترط الصِّيَامُ في الِاعْتِكَافِ النفل، وقال الشَّافِعِي واحمد ليس بشرط ويصح الاعتكاف سواءً كان واجباً أم نفلاً.
يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي (3/ 209)، تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 371)، الْحَاوِي (3/ 486)، الذخيرة للقرافي (2/ 536) الْمُغْنِي (3/ 125).
(9)
يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (1/ 376).
ومَنْ أَوْجَبَ اعتكافَ يومين يلزمُه بليليتهما حتى إذا اعتكفَ يجبُ عليهِ أنْ يدخُلَ المسجدَ قبلَ غُروبِ الشمسِ، فأقامَ فيهِ ليلةً، ويومَها، والليلةَ الأُخرى، ويومَها إلى أنْ تغربَ الشمسُ، وكذلك هذا في الأيامِ الكثيرةِ، وإذا ذَكَرَ ثلاثةَ أيامٍ أو أكثَر، فالجوابُ في قولهم جميعًا على ما ذُكِرَ قَبلَ هذا
(1)
.
قولُه
(2)
: (وقالَ أبْو يوسفَ رحمه الله: لا تدخلُ الليلةُ الأَولى)
(3)
، قلتُ: كانَ مِن حقِّهِ أنْ يُقالَ: وعن أبي يوسفَ كما هو المذكوُر بلفظٍ عن نسخ شروح «المَبْسُوط» ، و «الجامع الكبير»
(4)
لما أنَ هذه الروايةَ غيرُ ظاهرٍة عنهُ، والدليلُ على هذا ما ذَكَرَ في الْكِتَابِ حجتهما بقولهِ: وجهُ الظاهِرِ، وهو الأوفَقُ لمذهبِهِ أيضًا؛ لِأَنَّ المثنى غيرُ الجَمْعِ
(5)
، فلما كانَ غيرُ الجمعِ كانَ لفظُ المثنى، ولفظُ الفردِ سواءً، ثُمَّ في لفظِ الفردِ بأنْ قالَ: للهَ عليَّ أنْ أعتكفَ يومًا لا يدخلُ ليلتهَ بالاتفاقِ
(6)
،] فكذا في التثنية
(7)
، إِلاَّ أنَّ الليلةَ المتوسطةَ تدخلُ لِضَروُرةِ اتصالِ بعضِ الأجزاءِ بالبعضِ، وهذهِ الضرورةُ لا تُوجدُ في الليلةِ الأُولى
(8)
، ووجهُ ظاهِر الرِوايةِ
(9)
أنّ المثنى معنى الجَمْعِ، قالَ عليه الصلاة والسلام:«الاثنانِ فما فوقَهما جُماعْةُ»
(10)
فكانَ هذا، والمذكور بلفظِ الجمعِ سواء، ألا ترى أنهُ لو قالَ: ليلتين صحُّ نذرُهُ بخلافِ ما لو قالَ: ليلةً واحدةً. كذا في «المَبْسُوط»
(11)
، قلت: قولُه في «المَبْسُوط»
(12)
: لو قال: ليلتين صحَّ نذرُهُ، أيْ: إذا لم ينو الليلتين خاصةً، بل نَوى اليومين مع الليلتين، فأمّا إذا نوى الليلتين خاصةً لا يَصِحَّ نَذرُهُ، وَقدْ ذكرنا، فإنْ قلتَ: كيفُ تركَ علماؤُنا الثلاثةُ
(13)
أصلُّهم في هذهِ المسألةِ حيثُ أَلحقَ أبو يوسفَ التثنيةَ بالفردِ هنا، وهما ألحقَاهَا بالجَمْعِ، وهذا عكسُ مذهِبهم بعينهِ في مسألةِ الجُمعةِ، فكانُ هذا منهم تناقضًا.
(1)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 402).
(2)
هو صاحب بِدَايَةُ المُبْتَدِي الْمَرْغِينَانِي. يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (1/ 42).
(3)
يُنْظَر: المَبْسُوط (3/ 222)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 353).
(4)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 402).
(5)
يُنْظَر: الهِدَايَة شرح البداية (1/ 134)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 402).
(6)
يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (2/ 401)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (1/ 353).
(7)
هكذا هي في نسخ المخطوط ولعل الصواب ما ذكر في المَبْسُوط (3/ 222) ما نصه (لأن التثنية غير الجمع فهذا والمذكور بلفظ الفرد سواء)، والله تعالى أعلم.
(8)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 402).
(9)
يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي (3/ 222)، الْمُحِيط الْبُرْهَاني (5/ 774).
(10)
أخرجه ابن ماجه في سننه، باب الاثنان جماعة (1/ 312)، والدَّارقُطنيّ في سننه، باب الاثنان جماعة (1/ 280)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وضعفه الألباني في إرواء الغليل (2/ 248).
(11)
يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (3/ 222).
(12)
المصدر السابق.
(13)
هم: أبو حنيفة ومُحَمَّد وأبي يوسف. يُنْظَر: الفَوَائِد البهية ص (248).
قلتُ: إنما تركوا بدليلٍ لَاَحَ لهم في الموضعين، والعملُ بالدليلِ في كُلِّ موضعٍ على ما يليقُ بذلك الموضع لا يكونُ تناقضًا، وقد ذكرنا مثل هذا في بابِ الإمامةِ في مسألةِ إمامةِ المتيممِ للمتوضئين أما الوجُه لهما فظاهِرٌ، وهو العملُ بالاحتياطِ في الموضعين جميعًا.
أمّا في الجٌمعةِ فالجَماعةُ شَرْطٌ على حِدَةٍ بالاتفاقِ، وفي إقامةِ التثنية مقامَ الجَمعِ نَوْعُ تُرددٍ لتجاذبُ طُرُقِ الفردِ، والجمعُ؛ إذ هي بينهما، وفي الاكتفاءِ بالفرضِ الأصلي، وهو الظُهرُ خُروجٌ عن فرضِ الوقتِ يتعينُ فيما إذا استجمعْتَ شرائطَ الجُمعةِ خصُوصًا فيما إذا وقَعَ الترددُ في وجُودِ شرطِها، فكانَ في توقيفِ أمرِ الجمُعةِ إلى وجُودِ الجِمَاعةِ يتعينُ عملُ بالاحتياطِ؛ لِأَنَّ مَنْ وقَفَ أمُر الجمُعةِ إلى الجُماعِة تعَّينَ يصُلَّي فرضَ الظَّهرِ عندَ وقُوعِ التَرُددِ في وُجودِ الجماعةِ، وفيه خروجٌ عن عُهدةِ فرضِ الوقتِ بتعينٍ، فكانَ عملًا بالاحتياطِ، وأمّا وجَه الاحتياطِ هنا فظاهِرٌ؛ لِأَنَّ فيهِ إيجابُ اليومين مع الليلتين، فكانَ هو أحوطَ من إيجابِ يومين بليلةِ، وإلى هذا أشارَ في الْكِتَابِ بقولهِ: احتياطًا لأَمرِ العبادةِ
(1)
.
وأمّا أبو يِوسفَ رحمه الله فيقول: كانَ من حقِّ حُكْمِ التثنيةِ أنْ يغُايِرَ حُكْمَ الجَمْعِ في كُلِّ موضعٍ؛ لأنَّ فيهِ عَملًا بالأَوَضاعِ، وهي وحدان، وتثنية، وجمعٌ إِلاَّ أني قدْ وَجَبَ في الجُمعةِ أنْ يكونَ حُكْمُ التثنيةِ كَحُكُمِ الجَمْعِ، وهو مخصوصٌ بذلكَ الموضعِ لا في غيرهِ لما أنّ في التثنيةِ معنى الاجتماعِ، وفي الجَماعِة، والجُمعةِ معنى الاجتماعِ أيضًا، فكانتْ التثنيةُ في تحقيقِ معنى الاجتماعِ كالجمعِ، فكانتْ جمَاعةً لما أنَّ الجُمعةَ إنمّا سُميتْ جمعةٌ لِوُجودِ الاجتماعِ، وقد وُجِدَ هو في التثنيةِ، وأمّا في غيرِها لم يُوجْد شيءٌ يدلَّ على الاجتماعِ، فكانَ العملَ بحُقيقةِ الأوضاعِ أولى، واللهُ أعلمُ بالصواب
(2)
.
(1)
يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (2/ 402).
(2)
يُنْظَر: المرجع السابق (2/ 402).