الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الحَجِّ
قَفّى الصوم بالحجِّ؛ لأن كلا منهما عبادة هجران عن المألوف، في الصوم هجران عن المألوف النفساني الداخلي
(1)
، ونفسه شيء داخلي ومركب فيه. الحجّ هجران عن الأهل والوطن، وهما شيئان خارجان، فكان [أن يُقدّم]
(2)
ما هو أكثر لصوقًا به أَولى، وإليه وقعت الإشارة في قوله تعالى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}
(3)
، أو لأن النفس عدولله تعالى، فكان في الصوم طاعة الله تعالى وقهر عدوّه، وفي الحجّ طاعة مجرّدة، فكان تقديم الشيء الذي هو مشتمل على خصلتين محمودتين أولى من تقديم شيء هو مشتمل على
(4)
خصلة فذّة.
(5)
(1)
ساقطة من (ب، ج).
(2)
أثبته من: (ج).
(3)
سورة الشعراء الآية (214).
(4)
في (ج): إلي.
(5)
خصلة فذة: ويقصد بها خصلة واحدة.
انظر: مختار الصحاح، مادة خصل، (ص/ 65).
سبب تقديم الحج على النكاح
وأما تقديم الحجّ على النكاح وغيره، فظاهر لما أن الحجّ من الأركان الخمسة في الدِّين والنكاح من المعاملات، ثُمَّ لمّا كانت هذه العبادة أشقّ العبادات كان فيها فوائد مُحرَّضةً
(1)
على الإتيان بها، فمنها: أنها سميت بالحجّ الذي هوالقصد، فإنه عمل القلب؛ ليكون إشارة إلى شرف هذه العبادة، لما أن شرف العمل يزداد بشرف العامل، ألا ترى إلى قول الله تعالى:{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}
(2)
في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
فالقلب رئيس الأعضاء، فكذلك عمله رئيس الأعمال، وهذا لأن الحجّ نموذج المحشر؛ لما أنهم يحشرون في العَرَصَات
(3)
حُفاًة
(4)
عُراةً
(5)
بُهمًا
(6)
.
ترك الزينة في الحج
مزايلي
(7)
[دَعَة]
(8)
الزينة مجانبي راحته الأنس
(9)
والسكينة، فكما أن أشرف حالات المرء أن يكون مؤمنًا في العَرَصَاتِ، فكذا أشرف أحواله أن يكون محرمًا في عرفات.
(1)
مُحرَّضةً: أي مانعة.
انظر: تاج العروس، مادة حضض، (1/ 145)
(2)
سورة الأحزاب من الآية (31).
(3)
العَرَصَاتُ: جمْعُ عرصة، وقِيل: هِي كُلُّ موْضِعٍ واسِعٍ لا بِناء فِيهِ. والعرّاصُ مِن السّحابِ: ما اضْطرب فِيهِ البرقُ وأظلّ مِنْ فوقُ فقرُب حتّى صار كالسّقْف ولا يكُونُ إِلا ذا رعدٍ وبرْقٍ.
انظر: النهاية (3/ 208)، مختار الصحاح (1/ 205)، لسان العرب (7/ 53).
(4)
(حَفِي) مشى بِلا خُفٍّ ولا نعْلٍ حفاءً بِالْمَدِّ.
انظر: المغرب (1/ 123).
(5)
عُرَاةً: العُرْيُ: خلافُ اللُّبْسِ. عَرِيَ مِنْ ثَوْبه يَعْرَى عُرْياً وعُرْيَةً فَهُوَ عارٍ.
انظر: لسان العرب (15/ 46).
(6)
بُهْماً: البُهْم جَمْعُ بَهِيم، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الَّذِي لَا يُخالط لونَه لونٌ سِوَاهُ، يَعْنِي ليْس فِيهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْعَاهَاتِ والأعْراض الَّتي تَكُونُ فِي الدُّنْيَا كالْعَمى والعَوَر والعَرج وَغَيْرِ ذَلِكَ.
انظر: القاموس المحيط (1/ 1081)، النهاية في غريب الحديث (1/ 167).
(7)
مزايلي: بمعنى ترك الزينة، ومزايلي: من الفعل ز ي ل: (زِلْتُ) الشّيْء مِنْ مَكَانِهِ مِنْ بَابِ بَاعَ لُغَةٌ فِي (أَزَلْتُهُ)، (وَزَيَّلَهُ فَتَزَيَّلَ) أَيْ فَرَّقَهُ فَتَفَرَّقَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ}
[سورة يونس: من الآية 28]
وَ (الْمُزَايَلَةُ) الْمُفَارَقَةُ، يُقَالُ:(زَايَلَهُ مُزَايَلَةً) وَ (زِيَالًا) أَيْ فَارَقَهُ. وَ (التَّزَايُلُ) التَّبَايُنُ.
أي مفارقة أو ترك الزينة نهائياً في هذا الركن من أركان الاسلام لأنه مرتبط باليوم الاخر، رغم أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالزينة عن كل مسجد في الركن الثاني والذي يشمل جيع أركان الاسلام.
انظر مختار الصحاح (1/ 139) لسان العرب (11/ 217).
(8)
أثبته من (ج)، وفي (أ، ب) دعت ولعل الصواب ما أثبته لأنها أصح إملائياً.
(9)
في (ب، ج): راحة الأنفس.
ومنها توطين النفس على فراق الأهل والولد إذ لابدّ من مفارقتهم، فلو فارقهم فجأة
(1)
بالكلية يلزم الباقين منه أمر عظيم عند صدمة الفراق.
من فوائد الحج ترك الشح
ومنها نزع مادة الشحّ
(2)
عن صدره، فإن الشحيح هو الذي يشح على نفسه أولاً، فإذا خرج إلى هذا السفر لا يمكنه أن يبخل على نفسه لخوف التلف، فيعتاد الجود على نفسه، فيتعدّى عادته حينئذٍ منه إلى غيره، فينال محمدة
(3)
الأسخياء.
ومن فوائد الحج التوكل على الله
ومنها: اعتياد التوكل؛ إذ لا يمكنه أن يحمل مع
(4)
نفسه جميع ما يحتاج إليه، فلا بد من التوكل في نفسه، وفيما في يده؛ لأن المسافر على قَلَتٍ
(5)
إلا ما وقى
(6)
الله تعالى، وكذلك فيما لم يحمل مع نفسه؛ لأنه لا محافظة بنفسه لمفارقته، فلا بد من التوكل فيه، ثُمَّ يتعدى عادة توكله منه إلى غيره، فينال درجة المتوكلين وفوائد أُخر.
ثُمَّ يحتاج هاهنا إلى بيان تفسير الحجّ لغةً، وشرعاً، وبيان صفته، وسببه، وشرطه، وركنه، وواجباته، [وسننه، ومحظوراته]
(7)
.
تعريف الحج لغة
أما تفسيره لغة: فهو عبارة عن القصد، ومنه قول المُخَبَّل السعدي
(8)
:
(1)
فَجَأَه فجَاءَة بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ، وفَاجَأَه مُفَاجَأَة إِذَا جَاءَهُ بَغْتَة مِنْ غَيْرِ تَقَدُّم سَبَبٍ.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 412).
(2)
الشُّحُّ: أشدُّ البُخْل، وَهُوَ أبلَغُ فِي الْمَنْعِ مِنَ البُخل. وَقِيلَ هُوَ البخلُ مَعَ الحِرْص. وَقِيلَ البُخل فِي أفْرَاد الْأُمُورِ وَآحَادِهَا، والشُّحُّ عامٌّ.
انظر: النهاية في غريب الحديث (2/ 448).
(3)
محمدة: ويقصد بها محمودة وهي صفة وسجية الكرماء،
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، (8/ 243).
(4)
في (ب، ج): على.
(5)
القَلَتُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْهَلَاكُ؛ قَلِتَ، بِالْكَسْرِ، يَقْلَتُ قَلَتاً، وأَقْلَتَهُ اللهُ. وَتَقُولُ: مَا انْفَلَتُوا، وَلَكِنْ قَلَتُوا. وَقَالَ أَعرابيٌّ: إِن الْمُسَافِرَ ومَتاعَه لَعَلى قَلَتٍ، إِلَّا مَا وَقَى اللهُ. وأَقْلَتَه فلانٌ: أَهْلَكه. ابْنُ سِيدَهْ: أَقْلَتَ فلانٌ فُلَانًا: عَرَّضَه للهَلَكة. والمَقْلَتة: المَهْلَكة، والمكانُ المَخُوفُ.
انظر: لسان العرب (2/ 72).
(6)
وقى: أي وقاه منعه الله وحفظه.
انظر: لسان العرب، مادة وقي، (12/ 453)
(7)
أثبته من (ج).
(8)
المخبل السعدي ربيع بن مالك بن ربيعة بن عوف السعدي، أبو يزيد، من بني أنف الناقة، من تميم: شاعر فحل، من مخضرمي الجاهلية والإسلام. هاجر إلى البصرة، وعمر طويلا، ومات في خلافة عمر أو عثُمَّان. قال الجمحي: له شعر كثير جيد، هجا به الزبرقان وغيره، وكان يمدح بني قريع ويذكر أيام بني سعد قبيلته.
انظر: (الإصابة في تمييز الصحابة: 6/ 47)، و (الأعلام للزركلي: 3/ 15).
يحجُّون سِبَّ الزِّبْرَقَانِ
(1)
المُزَعْفَرا
(2)
أي: يقصدون له معظمين إياه.
تعريف الحج شرعا
وأما تفسيره شرعًا: فهوعبارة عن
(3)
زيارة البيت على وجه التعظيم لأداء ركن الدين (عظيم)، ولا يتوسّل
(4)
إلى ذلك إلا بقصدٍ وعزيمةٍ وقطعِ مسافة بعيدة، فالاسم شرعي فيه معنى اللغة.
صفة الحج وحكمه
وأما صفته: فإنه فريضة ثبتت
(5)
فرضيتها بالكتاب والسنة والإجماع
(6)
أما الكتاب فقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}
(7)
الآية، قال في «الكشاف
(8)
»
(9)
: (في هذا الكلام أنواع من التأكيد والتشديد، منها: قوله:
{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}
(10)
، يعني أنه حق واجب لله في رقاب الناس لا ينفكُّون عن أدائه، والخروج عن عهدته، ومنها: أنه ذكر النَّاس، ثُمَّ أبدل عنه {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}
(11)
،
(1)
انظر: جمهرة اللغة: (1/ 427)، والبيان والتبيين:(ص/ 435)، كما ورد في الزركلي أن: الزبرقان: هو الزبرقان بن بدر المزعفرا التميمي السعدي: صحابي من رؤساء قومه، قيل اسمه الحصين لقب بالزبرقان - وهو من أسماء القمر - لحسن وجهه، ولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقات قومه فثبت الى زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتوفي في أيام معاوية بن أبي سفيان (45 هـ/ 665 م)، وكان فصيحا شاعرا، لذلك كان يحج إليه من قصد الفصاحة والشعر.
انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 534)، الأعلام للزركلي (3/ 41).
(2)
هذا عجز البيت وصدره: وأشهد من عوف حلولاً كثيرةً.
انظر: تفسير السمعاني: (1/ 158).
(3)
سقطتا من (ب، ج).
(4)
في (ب، ج): يُتوصَّل.
(5)
في (ج) تثبت.
(6)
الإجماع: هو اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على أمر من الأمور.
انظر: كشف الأسرار، للبخاري (3/ 424)، المعجم الجامع للتعريفات الأصولية (ص/ 10).
(7)
سورة آل عمران من الآية (97).
(8)
انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 391)،
(9)
كتاب: "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل" للعلامة جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (467 ـ 538 هـ) الكتاب مطبوع في أربعة مجلدات طبعته دار الكتاب العربي ـ بيروت عام 1407 هـ.
…
انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 391).
(10)
سورة آل عمران من الآية (97).
(11)
سورة آل عمران من الآية (97).
وفيه ضربان من التأكيد:
أحدهما: أن الإبدال تثنية للمراد وتكرير له.
والثاني: أن الإيضاح بعد الإبهام، والتفصيل بعد الإجمال إيراد له في صورتين مختلفتين.
ومنها: قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ} مكان قوله (ومن لم يحج) تغليظًا على تارك الحجّ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إن شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّ»
(1)
.
ومنها: ذكر الاستغناء عنه، وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان، ومنها قوله: {وَمَنْ كَفَرَ
…
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}
(2)
، ولم يقل عنه، وفيه من الدلالة على الاستغناء عنه ببرهان؛ لأنه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء لا محالة، ولأنه يدل على الاستغناء الكامل، فكان أدل على عظم السخط.
دليل الحج من السنة
وأما السنة: فهي ما ذكرنا في
(3)
الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ»
(4)
فمنها الحجّ والإجماع
(5)
منعقد على فرضيته من [غير]
(6)
نكير
(7)
.
(1)
أخرجه الدارمي في "سننه" باب: [من مات ولم يحج](2/ 1122) برقم: [1826]، وأخرجه الفاكهي في "أخبار مكة" باب:[ذِكْرُ التَّشْدِيدِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْحَجِّ وَالْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ](1/ 380) برقم: [801]، وأخرجه الروياني في "مسنده" باب:[عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ](2/ 301) برقم: [1246]، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب:[إمكان الحج](4/ 546) برقم: [8661]، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 305) برقم:[14450]. وضعفه الألباني مرفوعًا، وحسنه موقوفًا من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه في "سلسلة الأحاديث الضعيفة"(10/ 165 - 166).
(2)
سورة آل عمران من الآية (97).
(3)
في (ج): من.
(4)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ](1/ 11) برقم: [8]، و أخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ](1/ 45) برقم: [16] واللفظ لمسلم.
(5)
قلت: ونقل جماعة من الأئمة الإجماع على فرضية الحجّ.
انظر: البدائع (2/ 118)؛ مواهب الجليل (2/ 466)؛ الاختيار (1/ 181)، تحفة الفقهاء (1/ 577)، البحر العميق (1/ 355)؛ المجموع (7/ 9)؛ المفهم (2/ 256)،. وقال ابن حجر في الفتح (3/ 378):«وجوب الحجّ معلوم من الدين بالضرورة» .
(6)
أثبته من (ب، ج).
(7)
وهي من الإنكار: أي الجحود والمخادعة والمراوغة والجهالة.
انظر: تاج العروس، (14/ 291).
سبب الحج وشرطه
وأما سببه: فالبيت؛ قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}
(1)
فالأحكام تضاف إلى أسبابها وهو الأصل لما عُرف، ولهذا لا يجب في العُمرِ إلا مرةً واحدةً
(2)
؛ لأن سببه -وهو البيت - غير متكرر.
شروط الحج
وأما شرطه فنوعان:
شرائط الأداء، وشرائط الوجوب، فشرائط أدائه ثلاثة: الإحرام، والمكان وهو: البقعة المعظمة، والزمان وهو: أشهر الحجّ، فلا يجوز شيء من أفعالها نحو: الطواف والسعي قبل أشهر الحجّ، ويفوت الحجّ بانقضاء الأشهر.
وشرائط وجوبه خمس: الاستطاعةُ، والحريةُ
(3)
، والعقلُ
(4)
، والبلوغُ
(5)
، والوقتُ حتى لا يجب قبل أشهر الحجّ.
أركان الحجّ
وأما ركنه: فشيئان: الوقوفُ بعرفة
(6)
، وطوافُ الزيارة،
(1)
سورة آل عمران من الآية (97).
(2)
نقل بعض الأئمة الإجماع على أن الحجّ لا يجب في العمر إلا مرة واحدة.
انظر: الإجماع لابن المنذر (ص/ 54)، المغني (5/ 6)، شرح مسلم للنووي (8/ 72)، فتح الباري (3/ 378)، المجموع (7/ 9)، مواهب الجليل (2/ 465)، معالم السنن (2/ 275)، الاختيار (1/ 181).
(3)
الحرية: الخصلة المنسوبة إلى الحرَ، وهو خلاف العبد ويتعار الكريم.
انظر: المغرب (110).
(4)
العقل: جوهر لطيف يفصل به بين حقائق المعلومات، أو هو نور يضئ به طريق إصابة الحق والمصالح الدينية والدنيوية فيدرك القلب به كما تدرك العين بالنور الحسي المبصرات.
انظر: كشف الأسرار (4/ 274).
(5)
البلوغ: من الفعل بلغ، وبلغ المكان وصل إليه، وكذا إذا شارف عليه ومنه قوله تعالى " فإذا بلغن أجلهن " أي قاربنه، وبلغ الغلام أدرك وبابها دخل، والإبلاغ والتبليغ الإيصال والاسم منه البلاغ، والبلاغ أيضا الكفاية، وشيء بالغ أي جيد، والبلاغة الفصاحة.
انظر: مختار الصحاح/ مادة بلغ، (ص/ 65)، والمقصود بها شرعيًا بلوغ الرجل أو الشاب سن الحلم، القدرة على نكاح النساء.
(6)
في تسمية عرفة بهذا الاسم أقوال عدة منها:
أن جبريل عليه السلام عرف إبراهيم عليه الصلاة والسلام المناسك بها.
وقيل: لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام عرف أن الحكم من الله فيه.
وقيل: لأن آدم عليه السلام وحوّاء تعارفا بها، وذلك بعد نزولهما من الجنة.
وقيل: لأن الناس يعترفون فيها بذنوبهم، ويسألون غفرانها فتغفر.
وقيل: لأن الناس يتعارفون فيها.
وقيل: هو يوم اصطناع المعروف إلى أهل الحج. وقيل: غير ذلك،
انظر: طلبة الطلبة (ص/ 61)؛ تهذيب الأسماء واللغات (2/ 2/ 56)؛ شفاء الغرام (1/ 306)؛ البحر العميق (3/ 1500)؛ هداية السالك (3/ 1006)؛ البحر الرائق (2/ 361).
ولكن الوقوف أقوى من الطواف، بدليل أنه يفسد الحجّ بالجماع قبلَ الوقوفِ [بعرفة]
(1)
، ولا يفسدُ بالجماع
(2)
قبل الطواف.
واجبات الحج
وأما واجباته: فخمس: الوقوفُ بمزدلفة
(3)
، والسعيُ بين الصفا والمروة
(4)
، ورمي الجمار، والحلقُ، وطواف الصدر للآفاقي
(5)
.
سنن الحج
وأما سننهُ: فأربع: طوافُ القدومِ
(6)
، والرملُ
(7)
في الطوافِ، والسعي بين الميلين الأخضرين سعيًا
(8)
، والبيتوتةبمنى
(9)
في أيام الرميِ.
(1)
أثبته من (ب، ج).
(2)
ساقطة من (ب، ج).
(3)
المزدلفة: وهي بَطْنُ مُحَسِّرٍ: بضم الميم، وفتح الحاء، وتشديد السين وكسرها: هو وادي المزدلفة، وفي كتاب مسلم أنه من منى، وفي الحديث: المزدلفة كلّها موقف إلّا وادي محسّر، قال ابن أبي نجيح: ما صبّ من محسّر فهو منها وما صبّ منها في منى فهو من منى.
انظر: معجم البلدان (1/ 449).
(4)
الصفا والمروة: من مناسك الحج وتقع على ذرع ما بين (الركن الأسود والصفا) مائتان واثنتان وستّون ذراعا وثمانية عشر إصبعا، وذرع ما بين المقام إلى باب المسجد الّذي يخرج منه إلى الصفا مائة ذراع وأربع وستّون ذراعا ونصف، وذرع ما بين باب المسجد الّذي يخرج منه إلى الصفا إلى وسط الصفا مائة واثنتا عشرة ذراعا ونصف، ومن وسط الصفا إلى علم المسعى الّذي في حدّ المنارة مائة واثنتان وأربعون ذراعا، وذرع ما بين العلم الّذي في حدّ المنارة إلى العلم الأخضر الّذي على باب المسجد- وهو المسعى- مائة واثنتا عشرة ذراعا.
انظر: المسالك والممالك للبكري، (1/ 398).
(5)
ويقصد بها البلاد البعيدة عن مكة، وعكسها المكي، أو فيما سمي ببلاد المحجوج.
انظر: فتاوى ابن حجر الهيثُمَّي، (1/ 163).
(6)
قلت: كون طواف القدومُ سنّة هو الصحيح والمشهور، وقد قيل أنه واجب على قول، لكنه خلاف المشهور، والله أعلم.
انظر: المسلك (ص/ 51).
(7)
ذُكرت في تفسير الرمل أقوال أخرى منها:
قول النسفي في الكافي (ل/ 82): هو المشي بسرعة مع هزّ الكتفين.
وقول الحدادي في السراج الوهاج (ل/ 266): هو سرعة المشي مع تقارب الخطا وهزّ الكتفين.
وقول المحب الطبري في القرى (ص/ 298): «وهو وثبٌ في المشي مع هزّ المنكبين، هكذا ذكره المنذري، وأكثر المفسرين يفسرونه بالإسراع في المشي مع هزّ المنكبين، دون وثب» .
(8)
ساقطة من (ب، ج).
(9)
وهي تصغير للمبيت بمنى: ولعله يقصد بها قضاء جزء من الليل وليس الليل كله.
انظر مختار الصحاح، مادة بيت (41).
ومنى: عَلَمٌ على موضع بقرب مكة ينزل فيه الحجّاج يوم التروية كما يبيت فيه أيام التشريق، وهو في حدود الحرم، والغالب عليه التذكير فيكون منصرفًا، وإذا أُنّث مُنع من الصرف، وهو شِعْب ممدود بين جبلين (الثبير- الضائع) ويحده من جهة مكة جمرة العقبة، ومن جهة مزدلفة وادي محسّر.
انظر: المجموع (8/ 129)، تهذيب الأسماء واللغات (2/ 2/ 157)، المصباح المنير (ص/ 582)، معجم البلدان (5/ 198)، معجم لغة الفقهاء (430).
محظورات الحج
وأما محظوراته فنوعان: أحدهما ما يفعله في نفسه؛ وذلك ست: الجماعُ، والحلقُ، وقلمُ الأظفارِ، والتطيب، وتغطيةُ الرأسِ والوجهِ، ولبس المخيطِ.
والثاني: ما يفعل في غيره وهو التعرض للصيد في الحل والحرم، وقطع شجر الحرم.
كذا في «الجامع الصغير»
(1)
لقاضي خان
(2)
، و «التحفة»
(3)
وغيرهما.
قوله رحمه الله: (الحجُّ وَاجِبٌ عَلَى الْأَحْرَارِ الْبَالِغين)
(4)
.
فجواب ذِكرِ الوجوب هاهُنا كجواب ذِكرِ الوجوب في قوله: (الزكاة واجبة)
(5)
، وقد مرَّ في بابه
(6)
، فإن قلتَ: ما فائدة الجمع هاهنا بقوله: (على الْأَحْرَار الْبَالِغين الْعُقَلَاء)
(7)
مع أن حرف التعريف يُبطل معنى الجمعية لما عُرِف، ولم يُفرِد كما أفرد في الزكاة بقوله:(الزكاةُ واجبةٌ على الحرِ البالغِ العاقلِ)
(8)
، [قلتُ]
(9)
نعم كذلك إلا أنه قد يُلمَح جانب الجمعية؛ أيضاً في مواضع من الإثبات كما في الإقرار
(10)
، والخلع
(11)
، والوصية
(12)
في قوله لفلان: عليَّ من الدراهم؛ وقولها: خالعني على ما في يدي من الدراهم وقوله: أوصيت بثلث مالي للفقراء، فلما كان كذلك فقد أُخرج الكلام هنا مخرج العادة في إرادة الجمعية، فإن العادة جرت فيما بين الحاجّ وقت خروجهم إلى بيت الله بالجماعة الكثيرة، والطائفة الغزيرة من الرفقاء بخلاف الزكاة، فإن الإخفاء خير من الإبداء، قال الله تعالى:{وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}
(13)
، أو لأن الوجوب هاهنا أعمّ على المكلف نظراً إلى السبب، فإن سببية البيت في الحجّ ثابتة في حق الكل حتى قال بعض العلماء: بالوجوب على كل صحيح مكتسِب بخلاف الزكاة، فإن سببها النصاب النامي، وهو يتحقق في حق شخصٍ دون شخص، فكانت إرادة زيادة التعميم هاهنا أوفق، فلذلك أتى بصيغة الجمع مع حرف الاستغراق.
(1)
شرح الجامع الصغير، وهومخطوط، للإمام فخر الدين الحسن بن منصور الأوزجندي المعروف بقاضي خان (ت 592 هـ).
انظر: كشف الظنون (1/ 569).
(2)
قاضي خان هو الإمام فخر الدين الحسن بن منصور الأوزجندي الفرغاني، المعروف بقاضي خان، من فقهاء الحنفية الكبار حتى قالوا: إن تصحيحه مقدّم على تصحيحِ غيره؛
انظر: الجواهر المضية (2/ 94)؛ تاج التراجم (ص/ 151)؛ الفوائد البهية (ص/ 111).
(3)
كتاب: تحفة الفقهاء للإمام: محمد بن أحمد بن أبي أحمد، أبو بكر علاء الدين السمرقندي (المتوفى: نحو 540 هـ) دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان - الطبعة: الثانية، 1414 هـ - 1994 م.
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 42).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 32).
(6)
ساقطة من (ج).
(7)
انظر: بداية المبتدي (1/ 42).
(8)
انظر: بداية المبتدي (1/ 32).
(9)
أثبته من (ج).
(10)
الإقرار: أي أقر بالشيء جعله في قرارة، وقرر عنده الخبر حتى استقر، وفلان ما يتعارض في مكانه أي ما يستقر منه. انظر: مختار الصحاح، (1/ 560).
(11)
الخلع: كالنزع الا أن النزع مهلة، وخلع قليدة ودانية خلعا، وخلع امرأته خلعا وخلعة، واختلعت هي، وهي خلع، وخلع العذار، مثل: أي رفع الحشمة، وهي بمعنى الفصح أيضا.
انظر: المحيط في اللغة، (1/ 9).
(12)
الوصية: تمليك للغير مضاف لما بعد الموت، والمملِّّك هو الموصي، ولمن له التمليك هو الموصى له. الوصيَّة: هو شيء يوصيك بهِ الشّخص لتفعلهُ وتكون على عاتِقك بحيث أنّ الشخص الذي أوصاك لا يستطيع فعلهُ بسبب مرض مزمن قد يؤدّي إلى الموت، أو أنّ يكتب ورقة وصيّة مثلاً بعد موتهِ يوصّي بأن يفعلَ الموصى بهِ شيئاً كتوزيع الأموال، التبرع، حسب ما هي الوصيّة بحيث يصبح الموصى بهِ هو المسؤول عن الشيء الذي أوصى بهِ المتوفَّى، ويجب عليهِ أن يفعلها.
انظر: معجم الفقهاء (436) التعريفات (544) المعجم الوسيط (4/ 657).
(13)
سورة البقرة من الآية (271).
(إِذا قدرُوا على الزَّاد
(1)
وَالرَّاحِلَة
(2)
(3)
.
أي: إذا قدروا عليهما بطريق الملك أو الاستئجار، لا بطريق الإباحة
(4)
والعارية، فإنه ذكر في «التحفة»
(5)
: لا يجب الحجّ عندنا بوجود الزاد والراحلة بطريق الإباحة سواء كانت الإباحة من جهة مَن لا مِنة له
(6)
عليه: كالوالدين والمولودين، أو من جهة من عليه المِنّة كالأجانب.
وقال الشافعي
(7)
رحمه الله: إن كانت من جهة مَن لا منة
(8)
له عليه
يجب الحجّ عليه"، وإن كانت من جهة الأجنبي، فله فيه قولان
(9)
؛ وأمّا إذا وهَبَه
إنسانٌ مالاً يحج به
(10)
لا يجب عليه القبول عندنا.
وعنده يجب في قولٍ، وفي قولٍ: لا يجب، وأصله أن القدرة بالملك هو الأصل في توجه الخطاب.
(1)
الزاد: الطعام الذي يتخذ للسفر، وجمعه: أزواد وأزودة.
انظر: المصباح المنير (ص/ 259)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 206).
(2)
الراحلة: المركب من الإبل ذكرًا كان أو أنثى، وقيل: الناقة التي تصلُح لأن يُرحل عليها.
انظر: المصباح المنير (ص/ 222)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 193).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 42).
(4)
الإباحة: هي الإذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل في حدود الإذن ولا يكون فيه تمليكًا.
انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 15).
(5)
انظر: تحفة الفقهاء (1/ 386).
(6)
ساقطة من (ج).
(7)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 93).
(8)
المنة: منه القلب وهي قوته، وتعني أيضا قضاء الحقة والحاجة، ومنها جهاز المراة، للتفاصيل يمكن الرجوع إلى المحيط في اللغة، (2/ 472).
(9)
قلت: (قال الشافعي): وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ سَعَةٌ يَحُجُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ فَهُوَ لَا يَجِدُ السَّبِيلَ وَلَكِنْ إنْ كَانَ ذَا عَرَضٍ كَثِيرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَ عَرَضِهِ أَوْ الِاسْتِدَانَةُ فِيهِ حَتَّى يَحُجَّ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَخَادِمٌ وَقُوتُ أَهْلِهِ بِقَدْرِ مَا يَرْجِعُ مِنْ الْحَجِّ إنْ سَلِمَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ لَهُ قُوتُ أَهْلِهِ أَوْ مَا يَرْكَبُ بِهِ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَقُوتُ أَهْلِهِ أَلْزَمُ لَهُ مِنْ الْحَجِّ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ حَتَّى يَضَعَ لِأَهْلِهِ قُوتَهُمْ فِي قَدْرِ غَيْبَتِهِ.
انظر: الأم (2/ 127).
(10)
ساقطة من (ب، ج).
(فَاضلاً عَن الْمسكن وَمَا لَا بُد مِنْهُ وَعَن نَفَقَة عِيَاله)
(1)
.
وانتصاب فاضلًا على الحال من الزاد والراحلة، كان
(2)
من حقه أن يقال: فاضلين، لكن أفرده على تأويل كل واحدٍ منهما.
ومعني الكلام إذا قدروا على الزاد والراحلة بطريق الملك أو الاستئجار، وعلى وجه يفضُل قدرُ ذلك الملك والاستئجار عن حاجته الأصلية، فإن المال المشغول بالحاجة الأصلية ملحق بالعدم، فلا يكون به مستطيعًا.
وفي «الإيضاح
(3)
»
(4)
.
وذكر ابن شجاع
(5)
: إذا كانت له دار لا يسكنها وعبد لا يستخدمه، وما أشبه ذلك يجب عليه أن يبيعه، ويحج به، ويحرم عليه الزكاة إذا بلغ نصابًا؛ لأنه فاضلٌ عن حاجته، فتحصل الاستطاعة به، فأما المشغول بالحاجة فله حكم العدم، فإن أمكنه بيع منزله وأن يشتري بثُمَّنه داراً أدون
(6)
منه، ويحج بالفضل
(7)
لم يجب عليه ذلك، وإن أخذ به فهو أفضل؛ لأنه إذا كان مشغولاً بالحاجة صار كالعدم ولم يُعتبر/ في الحاجة قدر ما لابد منه.
ب/ 235
ألا ترى أنه لا يجب عليه بيع المنزل والاقتصار على السكنى
(8)
.
شروط الحج عند قاضي خان
وذكر في «فتاوى قاضي خان»
(9)
: (ومن الشرائط
(10)
الاستطاعة
(11)
، وهي أن يملك الرجل مالاً فاضلًا عن مسكنه، وفُرُشه، وثياب بدنه، وفرسه، وسلاحه، ونفقة عياله
(12)
، وأولاده الصغار مدة ذهابه وإيابه، وأن يكفي ذلك الفاضلُ للزاد والراحلة أو زامله، أو شِقَّ محمل كان عليه الحجّ.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 42).
(2)
في (ب): فإن.
(3)
كتاب الإيضاح: للإمام أبي الفضل عبد الرحمن بن محمد بن أميروَيْه الكرماني (ت 543 هـ).
كتاب معتبر في فروع الفقه الحنفي، شرح فيه المؤلف كتابه «التجريد الركني» ، ويقع «الإيضاح» في ثلاث مجلدات، وهو مخطوط، انظر: الجواهر المضية (2/ 388)، تاج التراجم (ص 184)، كشف الظنون (1/ 211، 345)، الفوائد البهية (ص 157)، مفتاح السعادة (2/ 283)، معجم المؤلفين (5/ 172).
(4)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 123).
(5)
ابن شجاع هو الإمام أبو عبد الله محمد بن شجاع الثلجي، ويقال: ابن الثلجي، من أصحاب الإمام الحسن بن زياد، فقيه أهل العراق في وقته، والمقدم في الفقه والحديث وقراءة القرآن، مع ورع وعبادة، له: المناسك، تصحيح الآثار، الرد على المشبهة، توفي ساجدًا في صلاة العصر سنة (266 هـ).
انظر: الجواهر المضية (3/ 173)، تاج التراجم (242)، الفوائد البهية (281).
(6)
أدون: أي أقل منه قيمة.
(7)
أفضل: بالباقي من فرق بين المنزل الأول والثاني.
(8)
في (ج): الأدنى.
(9)
فتاوى قاضي خان أو (الفتاوى الخانيّة) للإمام فخر الدين الحسن بن منصور الأُوزْجَنْدِي الحنفي
(ت 592 هـ)(المطبوع بهامش الفتاوى الهنديّة)، تصوير عن الطبعة البولاقية، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
(10)
في (ب، ج): شرائط.
(11)
الاستطاعة: يقصد بها هنا الاستطاعة المادية كما أوضح في العبارة بعد ذلك.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة طوع، (3/ 349).
(12)
العيال: جمع عيَل، وعال عياله: اهتم وأنفق عليهم. انظر: المغرب (332)
شروط الحج عند العلماء
وقال بعض العلماء: إن كان الرجل تاجراً يملك مالًا ودفع منه الزاد والراحلة لذهابه، وإيابه، ونفقة أولاده وعياله من وقت خروجه إلى وقت رجوعه، ويبقى له بعد رجوعه رأس مال التجارة التي كان يتّجر بها كان عليه الحجّ، وإلا فلا، وفي المحترف
(1)
مقدار ما يُبقي له آلات حرفته بعد رجوعه كان عليه الحجّ وإلا فلا، وإن كان حرَّاثًا يملك مالًا يكفي للزاد والراحلة، ويبقى له آلات الحراثين من البقر ونحو ذلك كان عليه الحجّ وإلا فلا، هذا إذا كان آفاقيًّا، وإن كان مكيًّا، أو ساكنًا بقرب مكة كان عليه الحجّ، وإن كان فقيراً لا يملك الزاد والراحلة
هل الحج واجب على الفور أم على التراخي
(ثُمَّ هو واجبٌ على الفورِ
(2)
عند أبي يوسف
(3)
رحمه الله.
أي: ثُمَّ بَعْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، حَتَّى يَأْثمَّ بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَوَاهُ عَنْهُ بِشْرُ بْنُ الْمُعَلَّى
(4)
.
(وعند أبي حنيفة رحمه الله ما يدل عليه).
أي: على الفور، وهو: ذَكَرَ ابْنُ شُجَاع عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَالَ: سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ مَالٌ أَيَحُجُّ بِهِ أَمْ يَتَزَوَّجُ، قَالَ: بَلْ يَحُجُّ بِهِ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ، كذا ذكره في «المبسوط»
(5)
في باب الحجّ، عن الميت وغيره.
(1)
المحترف: أي من يملك حرفة أو صاحب حرفة ما.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة حرف، (1/ 265).
(2)
المراد من الفور: الإتيان به في أول أوقات الإمكان، من قولهم: فارت القِدْر، أي: غلت، استُعير للسرعة، ثُمَّ أطلق على الحالة التي لا تراخي فيها مجازًا مرسلاً، والفورية في الحجّ تعني: أنه لا يباح له التأخير عن أول أوقات الإمكان، ويتعين أشهر الحجّ من العام الأول للأداء.
انظر: النهر الفائق (2/ 53)، شرح الجامع الصغير لقاضي خان (2/ 499)، جامع الرموز (1/ 386).
(3)
الإمام القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، من أئمة الفقه المجتهدين، وحفّاظ الحديث، وكان إليه تولية القضاء في المشرق والمغرب، أملى المسائل ونشرها، وبث عِلْم أبي حنيفة في أقطار الأرض حتى قيل: لولا أبو يوسف ما ذُكر أبو حنيفة، وجلالته ووثاقته مشهورة مبسوطة، من مصنفاته: الخراج، والأمالي، والنوادر (ت 182 هـ).
انظر: الجواهر المضية (3/ 611)، تاج التراجم (ص/ 315)، الفوائد البهية (ص/ 372).
(4)
بشر بن المعلى، روى عن أبى يوسف هكذا ذكر صاحب الجواهر. انظر: الجواهر المضية (1/ 166).
(5)
المبسوط للإمام أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السَّرَخْسي (ت 483 هـ)، ط (1414 هـ)،
…
دار المعرفة، بيروت، (4/ 163، 164).
هل يقدم الحج على الزواج
ثُمَّ وجه الاستدلال بهذا على الفور، أن بالتزوج يحصل تحصين النفس، والتحصين واجب في كل الأحول، وبالاشتغال بالحجّ يفوت التحصين، فلو لم يكن الوجوب على الفور، فلا معنى للأمر بالاشتغال بالحجّ الذي يفوت به التحصين مع أن الاشتغال بالتزوج لا يؤدي إلى تفويت الحجّ، بل هو أداء في كل وقت يؤديه، ومن الجائز أن يجد مالًا آخر يحج به، لما أن المال غادٍ ورائح، فثبت بأمره بالحجّ أن عنده الوجوب على الفور.
قوله رحمه الله:
(وعند محمد
(1)
والشافعي
(2)
-رحمهما الله- على التراخي)
(3)
.
ولكن بين قوليهما فرق، وهو أن عند محمد يسعه التأخير بشرط أن لا يفوته بالموت فإن أخّر حتى مات، فهو
(4)
آثِمٌ
(5)
بالتأخير، وعند الشافعي
(6)
رحمه الله لا يأثَم بالتأخير، وإن مات.
(1)
هوشيخ الإسلام الإمام أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، وهو الذي أظهر علم أبي حنيفة بتصانيفه المشهورة ومنها: الأصل، والجامع الصغير والكبير، والسير الصغير والكبير، والزيادات، يُعد من أئمة الفقه المجتهدين، ومن أئمة العربية (ت 189 هـ).
انظر: الجواهر المضية (3/ 122)، تاج التراجم (ص/ 237)، الفوائد البهية (ص/ 268).
(2)
ذهب الشافعي، والأوزاعي، والثوري، ومحمد بن الحسن من الحنيفية، إلى أن الحج على التراخي، ونقله الماوردي عن ابن عباس، وأنس، وجابر، وعطاء، وطاووس، وذهب أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، والمزني من الشافعية، وأبو يوسف: أنه على الفور، وعن مالك قول آخر: أنه على التراخي مالم يخش الفوات، فإن خشي الفوات وجب على الفور.
انظر: بدائع الصنائع (2/ 119)، البناية (3/ 428)، كشف الأسرار (1/ 349)، بداية المجتهد (1/ 321)، المجموع شرح المهذب (7/ 70)، الشرح الكبير (8/ 50)، الإنصاف (8/ 50).
(3)
التراخي: جواز تأخير الفعل عن وقته الأول إلى ظن الفوت، فيشمل تمام العمر.
والتراخي في الحجّ لا يعني تعيّن التأخير، بل بمعنى عدم لزوم الفور، فيجوز له تأخيرُه عن سَنَة الإمكان، ولا يتعين أشهر الحجّ من العام الأول للأداء.
انظر: جامع الرموز (1/ 386)، رد المحتار (6/ 459)، التعريفات الفقهية (ص/ 225).
(4)
ساقطة من (ب، ج).
(5)
في (ب، ج): يأثم.
(6)
انظر: "المجموع"(7/ 106)، "مغني المحتاج"(2/ 207).
تأخير الرسول صلى الله عليه وسلم لحجته
واستدل محمد رحمه الله بتأخير رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجّ بعد نزول فرضيته، وإنما نزلت
(1)
فرضية الحجّ في سنة ست من الهجرة، وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة عشر، والمعنى فيه أن الحجّ فرض العمر، فكان جميع الوقت وقت أدائه بدليل أنه إذا أخره كان مؤديًا لا قاضيًا، وأبو حنيفة وأبو يوسف -رحمهما الله- استدلا بقوله صلى الله عليه وسلم:«من وجد زادًا وراحلة يبلغانه بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا»
(2)
.
وقال عمر رضي الله عنه: «لقد هممت أن أنظر إلى من ملك الزاد والراحلة ولم يحج، فأحرق عليهم بيوتهم، والله! ما أراهم مسلمين قالها ثلاثًا»
(3)
والمعنى: هو ما ذُكر في الكتاب.
سبب تأخير الرسول صلى الله عليه وسلم لحجته
وأما تأخير النبي صلى الله عليه وسلم فقد منع ذلك بعض مشايخنا، فقالوا: نزول فرضية الحجّ بقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}
(4)
وإنما نزلت هذه الآية في سنة عشر، وأما النازل سنة ست فقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
(5)
وهذا
(6)
أمر بالإتمام لمن شرع فيه، فلا يثبت به ابتداء الفرضية، مع أن التأخير إنما لا يحل لما فيه من التعريض للفوت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمن ذلك؛ لأنه مبعوث لبيان
(7)
الأحكام للناس، والحجّ من أركان الدين فأمن أن يموت قبل أن يبينه للناس بفعله، ولأن تأخيره كان بعذر؛ وذلك لأن المشركين كانوا يطوفون بالبيت عراة ويُلبُّون تلبيةً فيها شرك، وما كان التغيير ممكنًا للعهد، حتى إذا تمت المدة بعث عليًّا رضي الله عنه حتى قرأ عليهم سورة:{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}
(8)
.
(1)
ساقطة من (ج).
(2)
أخرجه الترمذي في "سننه" باب: [مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيظِ فِي تَرْكِ الحَجِّ](3/ 176) برقم: [812]، والعقيلي في الضعفاء (4/ 348)، وابن عدي (7/ 2580)،
انظر الكلام عليه في نصب الراية (4/ 411)، والتلخيص الحبير (2/ 222)، اللآلئ (2/ 118)، التعقيبات على الموضوعات، للسيوطي (ص 23)، تنزيه الشريعة (2/ 172)، الفوائد المجموعة:(ص 102) قال الشيخ المعلمي رحمه الله في تعليقه على الفوائد المجموعة: حاصله أن أسانيد الخبر كلها واهية.
(3)
أخرجه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"(4/ 923) برقم: [1567]، وصححه ابن كثير في "مسند الفاروق" كتاب:[الحج](1/ 293).
(4)
سورة آل عمران من الآية (97).
(5)
سورة البقرة من الآية (196).
(6)
في (ج) وهو.
(7)
في (ج) ليبين.
(8)
سورة التوبة من الآية (1).
ونادى: «ألا لا يطوفن بهذا البيت بعد هذا العام مشركٌ ولا عريان»
(1)
، ثُمَّ حج بنفسه، ومن ذلك أنه كان لا يستطيع الخروج وحده، بل يحتاج إلى أصحاب يكونون معه ولم يكن متمكنًا من تحصيل كفاية كل واحد منهم؛ ليخرجوا معه فلهذا أخره)، كذا في «المبسوط»
(2)
.
الحرية والبلوغ شرطان للحج
ثُمَّ ثَمَرة اختلافهم في أن الوجوب على/ الفور، أو على التراخي
(3)
إنما يظهر في حق الإثُمَّ لا غير، لا في حق القضاء والأداء، ولا في حق نفي مشروعية التطوع لما عُرف في أصول الفقه.
(وإِنما شرط الحرية والبلوغ إلى آخره).
الفرق بين الحج والصلاة والصوم
فإن قلتَ: ما الفرق بين الصلاة والصوم وبين الحجّ من حيث المعنى في حق العبد حيث وجبت الصلاة والصوم عليه، ولم يجب الحجّ، مع أنَّ كلًّا منهما عبادة بدنية، ولا خلَفَ للحج يقوم مقامه في حق العبد بخلاف الجمعة؟
قلتُ - والكلام للمؤلف -: الفرق
(4)
هو:
أحدهما: أن عبادة الحجّ لا يتأدى بدون المال غالبًا [أي: فاضلاً]
(5)
من الزاد والراحلة، ولا كذلك الصلاة والصوم، والمال ملك المولى، فلا يتملك العبد المال، وإن ملك فلم يجب لعدم ملك ما يتوسل به، فكان هذا نظير الجهاد، فإن ذلك عبادة بدنية، ولكن لا يحصل هو بدون المال ظاهرًا من الكراع
(6)
والسلاح، فلم يجب عليه الجهاد لذلك، فكذا هذا، بخلاف الفقير
(7)
، فإن اشتراط الزاد والراحلة في حقه لليسر لا لإثبات أهلية الوجوب، فكان سقوط وجوب أداء الحجّ عن الفقير نظير سقوط وجوب أداء الصوم وصلاة الجمعة عن المسافر من حيث إن السقوط في كل منهم للترفيه
(8)
[من الرفاهية وهي الواسعة]
(9)
، فلذلك وجب على الفقراء بمكة، ولم يجب على العبيد الذين يسكنون مكة.
(1)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 4](6/ 65) برقم: [4657]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[لَا يَحُجُّ الْبَيْتَ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَبَيَانُ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ](2/ 982) برقم: [1347]
(2)
انظر: المبسوط (4/ 164).
(3)
سقطتا من (ج).
(4)
أي الفرق بين الحج والصلاة والصوم.
(5)
فاضلاً: ويقصد به الاستطاعة المالية لتحمل أعباء الحج.
انظر: مختار الصحاح، مادة فضل، (264).
أثبته من (ج).
(6)
الكراع: معنى كَرَع في الماء أو الإناء، كَرْعاً، وكُرُوعاً: تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفَّيه ولا بإناء. وـ النَّخلَة وغيرها: كانت على الماء ولم يفارق أصلها الماء. فهي كارعة. وـ الوحشَ وغيره كَرْعاً: رماه فأصاب كراعه. (كَرِعَت) الساق ـَ كَرَعاً: دقَّت، أو دقّ مُقَدَّمها. وـ فلان: شكا كُرَاعها.
انظر: المعجم الوسيط/ مادة كرع، (3/ 458)، والكراع: اسم لجميع الخيل.
(7)
الفقير: من لاشي له، والمسكين: من له أدنى شئ وهو مروي عن أبي حنيفة.
انظر: البناية (3/ 190).
(8)
والترفيه هنا من قبيل التيسير الديني.
انظر فقه العبادات الحج، (43).
(9)
أثبته من هامش (ب).
والثاني: أن حق المولى في الحجّ يفوت في مدة طويلة فقُدم حق العبد على حق الله تعالى؛ لافتقار العبد، وغنى الله تعالى، فلم يستثن هذه القدرة على مولاه بخلاف الصلاة والصوم، فإنه لا يخرج مولاه باستثنائهما عن ملك مولاه، فكان العبد لذلك في حقهما يبقى
(1)
على أصل الحرية، وهذا لأن ذات العبد ملك المولى، فكان ما يحصل من منافع بدنه أيضًا ملك المولى، لما أن ملك الذات موجب لملك الصفات تبعًا، إلا ما استُثني عليه من القرب
(2)
البدنية التي لا يخرج باستثنائه كثير خرجٍ وهي الصلاة والصوم، فبقي فيما وراءهما على أصل القياس
(3)
لذلك.
(وكذا صحة الجوارح)
(4)
.
من شروط الحج صحة الجوارح
معطوف على قوله: (والعقلُ شرطُ)، أي: صحة الجوارح شرط أيضاً.
(لأن العجزَ
(5)
دونها لازمٌ).
وجوب الحج على الأعمى إذا توافرت الشروط
أي: العجز يلزم، بدون صحة الجوارح، أي: بغيرها كما في الأعمى والمُقعد
(6)
، فلذلك ذكرهما بعده.
(والأعمى إذا وجد من يكفيه مؤنة سفره، ووجد زادًا وراحلةً، لم يجب عليه الحجّ عند أبي حنيفة رحمه الله).
(1)
في (ج) مُبقي.
(2)
القرب البدنية: أي الاستطاعة البدنية.
انظر: مختار الصحاح، مادة قرب (457).
(3)
القياس في اللغة: يطلق على تقديرشيء بشيء آخر.
وعند الأصوليين: إلحاق مالم يرد فيه نص على حكمه بما ورد فيه نص على حكمه في الحكم، لاشتراكهما في علة ذلك الحكم.
انظر: جامع الأسرار (4/ 959)، الوجيز في أصول الفقه (ص/ 195).
(4)
الجوارح: من الفعل جرح، من باب قطع، والاسم الجرح بالضم، والجمع جروح، والجوارح هي السباع والطير ذوات الصيد، وجوارح الإنسان أي أعضاء هذا الإنسان التي يكتسب بها.
انظر: مختار الصحاح/ مادة جرح، (ص 98)
(5)
العجز: من عجز ع ج ز: العَجُزُ بضم الجيم مؤخر الشيء يذكر ويؤنث وهو للرجل والمرأة جميعا وجمعه أعْجَازٌ و العَجِيزةُ للمرأة خاصة و العَجْزُ الضعف.
انظر: مختار الصحاح/ مادة عجز، (439)، ويقصد بها هنا عدم الاستطاعة أو الإعاقة لعطل أو فقد عضو من الأعضاء.
(6)
المقعد: هو الذي أُلزم القُعود لإصابته بداء في جسده، فلا يستطيع الحركة وليس لديه القدرة على القيام و المقعد: من قعد ق ع د: قَعَد من باب دخل و مَقْعَداً أيضا بالفتح أي جلس.
انظر: المصباح المنير (510)، المسلك (35).
توفير المرشد أو القائد للأعمى
فإن الأعمى إذا وجد قائدًا يقوده إلى الحجّ، ووجد مؤنة القائد، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله في المشهور لا يلزمه الحجّ، وذكر الحاكم الشهيد
(1)
في «المنتقى»
(2)
أنه يلزمه الحجّ.
وأما على قولهما فقد ذكر شيخ الإسلام
(3)
أنه يلزمه الحجّ على قياس الجمعة، والأعمى إذا ملك الزاد والراحلة إن لم يجد قائدًا لا يلزمه الحجّ بنفسه في قولهم.
وهل يجب الإحجاج بالمال عند أبي حنيفة رحمه الله؟، لا يجب، وعندهما يجب، وإن وجد قائدًا عند أبي حنيفة لا يلزمه الحجّ بنفسه، كما لا يلزمه الجمعة، وعن صاحبيه فيه روايتان هما فرقًا على إحدى الروايتين [بين]
(4)
الجمعة والحجّ، وقالا: وجود القائد إلى الجمعة (ليس بنادر، بل هو غالب فيلزمه الجمعة، ولا كذلك القائد إلى الحجّ) كذا في «الذخيرة»
(5)
(6)
.
حكم وجوب الحج على المقعد
(وأما المُقْعَدُ فعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يجب).
عليه، هذا رواية الحسن
(7)
عن أبي حنيفة رحمه الله.
(1)
الحاكم الشهيد هو الإمام أبو الفضل محمد بن محمد بن أحمد المروزي البلخي، الشهير بالحاكم الشهيد، العالم الكبير، الفقيه المحدث، شيخ الحنفية في زمانه، كان يحفظ الفقهيّات وستين ألفًا من الحديث الشريف، له: الكافي، المنتقى، توفي شهيدًا وهو ساجد عام (344 هـ).
انظر: الجواهر المضية (3/ 313)، تاج التراجم (ص/ 272)، الفوائد البهية (ص/ 305).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (2/ 121)، العناية شرح الهداية (2/ 415)،
والمنتقى في الفقه الحنفي لمحمد بن محمد بن أحمد، أبو الفضل المروزي السلمي البلخي، الشهير بالحاكم الشهيد، قاض، ووزير، كان عالم مرو، وإمام الحنفية في عصره، (ت 334 هـ)، ولا يزال الكتاب مخطوطاً.
انظر: الجواهر المضية (3/ 313)، تاج التراجم (ص/ 272).
(3)
شيخ الإسلام هو الإمام أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه.
(4)
أثبته من (ج).
(5)
انظر: أصله في المحيط البرهاني (2/ 417)، والذخيرة البرهانية، لمؤلفه: برهان الدين بن محمود
تاج الدين، اختصرها من كتابه المشهور بـ (المحيط البرهاني) وهو لايزال مخطوطاً.
انظر: كشف الظنون (1/ 823).
(6)
انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 139).
(7)
هو الإمام الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، كان حسن الخُلق يقظًا، فطنًا، فقيهًا، تولى قضاء الكوفة، وكان حافظًا للروايات عن أبي حنيفة، كان محبًا للسنّة واتّباعها، حتى كان يكسو مماليكه مما كان يكسو به نفسه، وكان يقول: كتبت عن ابن جريج اثني عشر ألف حديث كلها يحتاج إليها الفقهاء، له: المجرد، الأمالي (ت 204 هـ).
انظر: الفوائد البهية (ص/ 104)، الجواهر المضية (2/ 56).
(وأما في ظاهر رواية أبي حنيفة: لا يجب الحجّ على الزَّمِن
(1)
، والمفلُوج
(2)
، والمُقعد، ومقطوع الرجلين، وإن ملكوا الزاد والراحلة وهو رواية عنهما حتى لا يجب الإحجاج عليهم بمالهم؛ لأن الإحجاج بالمال بدل عن الحجّ بالبدن، ولم يجب على هؤلاء الحجّ بالبدن لمكان العجز، فكيف يجب عليهم البدل؟! وفي ظاهر روايتهما يجب الحجّ على هؤلاء إذا ملكوا الزاد والراحلة قدر ما يحجون به، ويحج معهم مَن يرفعهم ويضعهم
(3)
.
ويقودهم إلى المناسك
(4)
، وإلى حاجتهم، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة حتى يجب على هؤلاء الحجّاج بما لهم؛ لأنه لزمهم الأصل: وهو الحجّ بالبدن فيجب عليهم البدل) كذا في «الذخيرة»
(5)
.
ثُمَّ الإحجاج يصح من هؤلاء المعذورين حال حياتهم، إذا أيسوا عن الأداء بالبدن.
وقال في «المبسوط» :
(6)
فالمذهبُ عندنا أن المُقعَد والمعضُوب
(7)
أي: الزَّمِن لا يجب عليه الحجّ باعتبار ملك المال، وعلى قول الشافعي
(8)
رحمه الله: يجب، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وحجته في ذلك حديث الخثعمية
(9)
حيث قالت: (إنَّ فريضةَ الله الحجّ أدرَكتُ أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة
(10)
.
(1)
الزّمِن: بكسر الميم هو صاحب المرض المُزمن الذي يدوم زمانه طويلاً، بحيث لا يرجى برؤه كالمصاب بمرض الكبد أو الفالج أو الفَشَل الكلّوي، وذكر بعضهم أن مَن ضعف بكبر سنّ أو مطاولة علّة فهو زَمِن.
انظر: المسلك (ص/ 35)؛ الهادي إلى لغة العرب (2/ 281)؛ المعجم الوسيط (1/ 401).
(2)
المفلوج: من فلج ف ل ج: الفَلْجُ بوزن الفلس الظفر والفوز و فَلَجَ على خصمه من باب نصر وفي المثل من يأت الحكم وحده يفلج و أفْلَجَهُ الله عليه والاسم الفُلْجُ بالضم و أفْلَجَهُ الله حجته قواها وأظهرها و الفَلَجُ في الأسنان بفتحتين: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات، وبابه طرب ورجل أفْلَجُ الأسنان وامرأة فَلْجاءُ الأسنان والفالِجُ ريح، وقد فُلِجَ الرجل بضم الفاء فهو مَفْلوجٌ.
انظر: مختار الصحاح/ مادة فلج، (511)، ويقصد بها المبعد أو المهزوم.
(3)
في (ج) يرفقهم وبعضهم.
(4)
المناسك: من نسك ن س ك: النُّسُكُ العِبادة و النَّاسِكُ العابِد وقد نَسَكَ يَنْسُك بالضم نُسْكًا بوزن رُشدٍ وتَنَسَّكَ أي تعبد و نَسُكَ من باب ظرُف صار نَاسكا و النَّسِيكَةُ الذبيحة والجمع نُسُكٌ بضمتين ونَسَائِكُ تقول نَسَكَ لله يَنْسُكُ بالضم نُسُكاً، والمَنْسَكُ بفتح السين وكسرها الموضع الذي تُذبح فيه النسائك وقُرئ بهما قوله تعالى {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} الحج من الآية (67).
انظر: مختار الصحاح/ مادة نسك، (617)، وهي بمعنى العبادة.
(5)
انظر المحيط البرهاني (2/ 417).
(6)
انظر المبسوط (4/ 153، 154).
(7)
المعضوب: الزمِن الذي لا حِراك به، أو هو مَن أهدّه المرض وأقعده عن الحركة كالمشلول شللاً كلّيًا، واللفظ مشتق من العضْب وهو القطع، كأنه قُطع عن كمال الحركة والتصرف، ويقال أيضًا: بالصاد المهملة (المعصوب) كأنه ضُرب على عصبه، فانقطعت أعضاؤه عن عملها.
انظر: المغرب (2/ 66)، معجم لغة الفقهاء (411)، البحر العميق (1/ 370).
(8)
انظر: المجموع (7/ 94)، مغني المحتاج (6/ 247).
(9)
الخثعمية: لم أقف إلاعلى أنها امرأة من خثعم كما في أسد الغابة (7/ 434)، ومعنى خثعم اسمُ جبل فمن نزله فهم خَثْعَمِيُّونَ وخَثْعَمٌ اسم قبيلة أيضًا وهو خَثْعَمُ بن أَنمار من اليمن ويقال هم من مَعَدٍّ صاروا باليمن وقيل خَثْعَمٌ اسم جمل سُمي به خَثْعَمٌ. انظر: اللباب (1/ 423)، لسان العرب/ مادة خثعم (2/ 457).
(10)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [وُجُوبِ الحَجِّ وَفَضْلِهِ](2/ 132) برقم: [1513]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[الْحَجِّ عَنِ الْعَاجِزِ لِزَمَانَةٍ وَهَرَمٍ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ لِلْمَوْتِ](2/ 973) برقم: [1334].
وقولها: "شيخًا كبيرًا" نصبٌ على الحال، يعني لزمه الحجّ في هذه الحالة، ولم ينكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فدل أن الحجّ يجب على المُقعد والمعضُوب، والمعنى فيه: أن شرط الوجوب التمكن من أداء الواجب، وإذا صار أداء الواجب بالمال عند العجز عن الأداء بالبدن، عرفنا أن شرط الوجوب يتمُّ به، وإذا جاز بقاء الواجب بعد وقوع اليأس عن الأداء بالبدن؛ يُؤَدَّى بالمال، فكذلك يثبت الوجوب بالبدن
(1)
ابتداء بهذه الصفة: كالصوم في حق الشيخ الفاني
(2)
، فيجب باعتبار بدله: وهو الفدية
(3)
، وحجتنا في ذلك قول الله تعالى:{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}
(4)
، فإنما أوجب الله الحج على من يستطيع الوصول إلى بيت الله، والزّمِن لا يستطيع الوصول إلى بيت الله، فلا يتناوله هذا الخطاب، ثُمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشرط مالًا يوصله إلى البيت لقوله صلى الله عليه وسلم:«من وجد زادًا وراحلةً يبلغانه بيت الله»
(5)
. وزاد المقعد وراحلته لا يبلغانه بيت الله، فصار وجوده كعدمه، ولأن المقصود بهذه العبادة تعظيم البقعة
(6)
بالزيارة، والمال يشترط؛ [ليتوصل]
(7)
به إلى هذا المقصود، وما هو المقصود فائت في حق المَعضُوب، فلا يعتبر وجود الشرط؛ لأن الشرط تبع، والتبع لا يقوم مقام الأصل في إثبات الحكم به ابتداء، وإذا كان يبقى الحكم بعد ثبوته باعتباره، واعتبار الابتداء بالبقاء فاسد، فإنه إذا افتقر بهلاك المال بعدما وجب الحجّ عليه يبقى واجبًا، ثُمَّ لا يجب ابتداء على الفقير وليس هذا نظير الفدية في حق الشيخ الفاني؛ لأنها بدل عن أصل الصوم بالنص، فيجوز أن يجب الأصل باعتبار البدل، وهاهنا المال ليس ببدل عن أصل الحجّ، ألا ترى أنه لا يتأدى بالمال، وإنما يتأدى بمباشرة النائب الحجّ عنه، فإذا لم يكن المال بدلًا عن أصل الحجّ لا يثبت الوجوب باعتباره، والروايات اختلفت في الخثعمية ففي بعضها قالت:«هو شيخٌ كبيٌر»
(8)
، وهذا بيان أنه في الحال بهذه الصفة [لا أنه]
(9)
في وقت الوجوب بهذه الصفة).
(1)
في (ج) بالأمال.
(2)
الشيخ الفاني: أي الرجل العجوز الذي بلغ من العمر عتيا وأوشك على الموت.
(3)
الْفِدَاءُ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ، وَبِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ مَعَ الْقَصْرِ - فِي اللُّغَةِ: فَكَاكُ الأْسِيرِ، يُقَال: فَدَاهُ يَفْدِيهِ، وَفَادَى الأْسِيرَ: اسْتَنْقَذَهُ مِنَ الأْسْرِ، وَفَدَتْ وَافْتَدَتْ وَفَادَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا: بَذَلَتْ لَهُ مَالاً لِيُطَلِّقَهَا، وَقَال ابْنُ بَرِّيٍّ نَقْلاً عَنِ الْوَزِيرِ المغربي: يُقَال: فَدَى: إِذَا أَعْطَى مَالاً وَأَخَذَ رَجُلاً، وَأَفْدَى: إِذَا أَعْطَى رَجُلاً وَأَخَذَ مَالاً، وَفَادَى: إِذَا أَعْطَى رَجُلاً وَأَخَذَ رَجُلاً، وَالْفِدَاءُ وَالْفِدْيَةُ وَالْفَدَى كُلُّهُ بِمَعْنًى، وَقَال بَعْضُهُمُ: الْفِدْيَةُ اسْمٌ لِلْمَال الَّذِي يُفْتَدَى بِهِ الأَْسِيرُ، وَنَحْوُهُ.
انظر: المعجم الوسيط،/ مادة فدي (2/ 702)
(4)
سورة آل عمران من الآية (97).
(5)
سبق تخريجه ص (136).
(6)
البقعة: من بقع في ب ق ع: البُقْعَةُ من الأرض واحدة البِقاعِ و الباقعةُ الداهية و البَقِيعُ موضع فيه أروم الشجر من ضروب شتى وبه سمي بقيع الغرقد وهي مقبرة بالمدينة والغراب الأَبْقَعُ الذي فيه سواد وبياض و بُقْعَانُ الشام الذي في الحديث خدمهم وعبيدهم.
انظر: مختار الصحاح/ مادة بقع، (65)، والمقصود بها الأرض المقدسة.
(7)
أثبته من (ب، وج).
(8)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [وُجُوبِ الحَجِّ وَفَضْلِهِ](2/ 132) برقم: [1513]، وأخرجه مسلم في باب:[الْحَجِّ عَنِ الْعَاجِزِ لِزَمَانَةٍ وَهَرَمٍ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ لِلْمَوْتِ](2/ 973) برقم: [1334].
(9)
في (ج) لأنه.
(وَهُوَ قَدْرُ مَا يَكْتَرِى بهِ شِقَّ
(1)
مَحْمَلٍ)؛ الشِق الجانب، أي: قدر ما يستأجر به جانب محمل؛ لأن للمحمل جانبين، ويكفي للراكب أحد جانبيه أو رأس زاملة، الزَّامِلة
(2)
البعير يحمل عليه المسافر متاعه وطعامه، من زَمل الشيء حمله،
يعني: سرباري
(3)
، وقدر النفقة ذاهبًا وجائيًا راكبًا لا ماشيًا بنفقة وسط بلا إسرافٍ ولا تقتير
(4)
، مع أمن
(5)
الطريق وقت خروج أهل بلده كذا في «شرح الطحاوي»
(6)
(7)
.
(وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكْتَرِي عَقَبَةً).
العقبة النوبة وقول صاحب الإيضاح: أن يكتري عقبة فيه توسّع، كذا في «المغرب»
(8)
، وعقبة الأجير هو أن يستأجر اثنان بعيرًا يتعاقبان في الركوب فرسخًا فرسخًا، أو منزلًا منزلًا كذا في «الجامع الصغير»
(9)
لقاضي خان.
(1)
الشق: وهو النصف أو الشيء المجزئ.
انظر مختار الصحاح، مادة شق (351)
(2)
الزاملة: من زمل ز م ل: الزَّامِلَةُ بعير يستظهر به الرجل يحمل متاعه وطعامه عليه و المُزَامَلَةُ المعادلة على البعير و زَمَّلَهُ في ثوبه لفه و تَزَمَّلَ بثيابه تدثر، البعير الذي يحمل عليه الطعام والشراب والمتاع، والهاء للمبالغة، وجمعها: زوامل.
انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 206)، المصباح المنير (ص/ 355)، طلبة الطلبة (ص/ 229).
(3)
سرباري: كلمة فارسية، ويقصد بها هنا مصاحبة الطعام له في كل مكان.
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 416).
(4)
تقتير: قتر: القَتْرُ والتَّقْتِيرُ: الرُّمْقةُ مِنَ الْعَيْشِ، وقَتَّر وأَقْتَرَ، كِلَاهُمَا: كَقَتَر. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا، وَلَمْ يَقْتُرُوا، قَالَ الْفَرَّاءُ: لَمْ يُقَتِّروا عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّفَقَةِ. يُقَالُ: قَتَرَ وأَقْتَر وقَتَّر بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وقَتَرَ عَلَى عِيَالِهِ يَقْتُرُ ويَقْتِرُ قَتْراً وقُتُوراً أَي ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ فِي النَّفَقَةِ، وأَقْتر الرجلُ إِذا أَقَلَّ، فَهُوَ مُقتِرٌ، وقُتِرَ فَهُوَ مَقْتُور عَلَيْهِ. والمُقْترُ: عَقِيبُ المُكْثرِ. انظر: لسان العرب (5/ 70)، وهي هنا بمعنى التضيق.
(5)
الأمن: هو عدم توقع مكروه في الزمان الآتي.
انظر: التعريفات (31)
(6)
شرح الطحاوي، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبدالملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (ت 321 هـ) واسم كتابه (شرح مشكل الاثار) حققه شعيب الأرنؤوط وطبعته دار الرسالة.
(7)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 338).
(8)
انظر: المُغْرِب في ترتيب المُعْرِب، للإمام أبي الفتح ناصر بن أبي المكارم عبد السيد بن علي المُطَرِّزي (ت 610 هـ)، تحقيق: محمود فاخوري، وعبد الحميد مختار، ط (1) 1399 هـ، مكتبة أسامة بن زيد، حلب. انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 322).
(9)
انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 261).
تقديم حق العبد على حق الشرع
(وحقُ العبدِ مقدّمٌ على حقِ الشرعِ بأمره).
قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}
(1)
.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجب أخاك وافطر واقض
(2)
يوماً مكانه»
(3)
.
وذكر الإمام التمرتاشي
(4)
رحمه الله في باب الرجل يدرك الفريضة من «الجامع الصغير»
(5)
: (أن المرأة إذا كانت تَفور قِدرُها
(6)
وهي في الصلاة جاز لها القطع، وكذا المسافر إذا ندَّت دابته، وكذا لو خاف الراعي على غنمه الذئب، أو رأى أعمى على حريم بئر وسعه قطعها)، وفي اللآلئ
(7)
: (تُقطع لأجل الدرهم)، وفي هذا كله تقديم لحق
(8)
العبد على حق الشرع لغنى الله وافتقار العبد.
(1)
سورة الأنعام من الآية (119).
(2)
اقض: أي صم يوما مكانه.
انظر: فقه العبادات الحج، (43).
(3)
أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" باب: [الْأَفْرَادُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ](3/ 655) برقم: [2317]، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب:[مَنِ اسْتَحَبَّ الْفِطْرَ إِنْ كَانَ صَوْمُهُ غَيْرَ وَاجِبٍ](7/ 430) برقم: [14537] بلفظ: «أَخُوكَ صَنَعَ طَعَامًا وَدَعَاكَ، أَفْطِرْ وَاقْضِ يوماً مَكَانَهُ» ، وأخرجه الدارقطني في "سننه" باب:(3/ 140) برقم: [2239]. وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" برقم: [1951](7/ 12).
(4)
التُّمُرتاشي هو الإمام أبو العباس ظهير الدين أحمد بن إسماعيل بن محمد، المعروف بالظهير التمرتاشي الخوارزمي الحنفي، إمام جليل القدر، له: شرح الجامع الصغير، الفتاوى (ت 610 هـ).
انظر: تاج التراجم (ص/ 108)، الفوائد البهية (ص/ 35)، الأعلام (1/ 97).
(5)
شرح الجامع الصغير لمؤلفه الإمام: أحمد اسماعيل التمرتاشي ت (600)، وهو لايزال مخطوطاً.
انظر: كشف الظنون (1/ 563).
(6)
تفور قدرها: فار التنور مثل لبلوغ الشيء إلى أقصى ما يتحمل مثله. كما يقال: بلغ السيل الزبى، وامتلأ الصاع، وفاضت الكأس وتفاقم.
انظر: التحرير والتنوير (2/ 368)
(7)
اللآلئ: وهو كتاب اللآلئ المنثورة في شرح المقصورة لإمام الفاضلية، الإمام أبو منصور زين الدين محمد بن مكرم بن شعبان الكرماني، من فقهاء الحنفية، وهو عبارة عن تحقيق لرسالة دكتوراه قدمها الباحث علي بن الحسن السرحاني، بجامعة أم القرى 1423 - 1424 هـ.
(8)
في (ج) حق.
من شروط الحج أمن الطريق
ولابد من أمن الطريق، وهو أن يكون الغالب فيه السلامة،
من شروط الحج وجود المحرم مع المرأة
فإن كان بينه وبين مكة بحر، فهو عذر بمنزلة فوت الطريق، والفرات
(1)
والدجلة
(2)
والجيحون
(3)
أنهار وليست بحاراً، فلا تمنع الاستطاعة، ثُمَّ تكلموا أن أمن الطريق وسلامة البدن على قول أبي حنيفة رحمه الله، ووجود المَحرَم
(4)
[للمرأة]
(5)
شرط؛ لوجوب
(1)
الفرات: نهر عظيم ينبع من تركيا، ثُمَّ يجري في سورية ثُمَّ في العراق إلى الغرب من دجلة، ويلتقي به في البطائح قرب عبّادان في نهر واحد هو شط العرب، ويصب هذا في خليج البصرة، ويعرف أيضًا بنهر الكوفة، والفراتان، دجلة والفرات.
انظر: الهادي إلى لغة العرب (3/ 387)، معجم البلدان (4/ 241)، بلدان الخلافة الشرقية (ص/ 96).
(2)
دِجْلة: بكسر الدال أو فتحه، نهر كبير ببغداد، يضم في طريقه أنهارًا وأودية عديدة، ويعرف بنهر بغداد.
انظر: المصباح المنير (ص/ 189)، معجم البلدان (2/ 440)، بلدان الخلافة الشرقية (ص/ 41).
(3)
جَيْحون: نهر عظيم في الشرق الجنوبي من روسيا، ويضم عدّة أنهار، ويجمد تمامًا في الشتاء، ويعرف بنهر بلخ. انظر: الهادي إلى لغة العرب (1/ 306)، معجم البلدان (2/ 196)، بلدان الخلافة الشرقية (ص/ 476).
(4)
المَحرَم: معنى حرم في اللغة الحُرْمُ بالضم، والحُرْمَةُ: ما لا يحلُّ انتهاكه. وكذلك المَحْرَمَةُ والمَحْرُمَةُ، بفتح الراء وضمها. وقد تَحَرَّمَ بصُحبته. وحُرْمَةُ الرجل: حَرَمُهُ وأهله. ورجلٌ حَرامٌ، أي مُحْرَمٌ؛ والجمع حُرُمٌ، ويقال: هو ذو مَحْرَمٍ منها، إذا لم يحلَّ له نكاحُها.
انظر: المعجم الوسيط (4/ 452).
والمحارم من النسب هم: (1) الآباء، والأجداد سواء من جهة الأب أو الأم، (2) الأبناء، وأبناء الأبناء، وأبناء البنات، (3) الإخوة سواء كانوا إخوة أشقاء أو لأب، أو لأم، (4) أبناء الإخوة وأبناء الأخوات سواء كانوا أشقاء، أو لأب، أو لأم، (5) الأعمام سواء أعمامًا أشقاء، أو لأب، أو لأم، (6) الأخوال سواء كانوا أخوالَا أشقاء أو من الأب أو من الأم.
انظر تعريف المحرم في: بدائع الصنائع (2/ 124)، الخانية (1/ 283)، التتارخانية (2/ 434)، العناية (2/ 420)، البحر (2/ 339)، رد المحتار (2/ 464)، أحكام القران لابن العربي (1/ 372).
(5)
أثبته (ب، ج).
حكم حج المرأة من غير محرم أو زوج وبعض أحكامها الفقهية
الحجّ أو
(1)
لأدائه، بعضهم جعلها شرطًا للوجوب، وبعضهم شرطًا للأداء وهو الصحيح
(2)
، وثُمَّرة الاختلاف فيما إذا مات قبل الحجّ، فعلى قول الأولين لا يلزمه الوصية، وعلى قول الآخرين يلزمه، وكذا في «الجامع الصغير»
(3)
لقاضي خان، وفرق في «الإيضاح»
(4)
على قول البعض بين الزاد والراحلة وبين أمن الطريق من حيث إن الزاد والراحلة شرط الوجوب إجماعًا بخلاف أمن الطريق، فإنه شرط الأداء دون الوجوب على قول ذلك البعض فقال هو أن التمكن بالزاد والراحلة/ يتحقق [بها الاستطاعة]
(5)
، فإذا عدما
(6)
لم تثبت الاستطاعة، فأما خوف الطريق يعجزه عن الأداء بمعارض ومانع، فلا ينعدم به الاستطاعة اُعتبر هذا بالمحسوسات، فإن القيد الممنوع عن الشيء لا يكون نظير المريض الذي لا يقدر.
(ويعتبرُ في المرأةِ أنْ يكونَ لها محرمٌ تحجُ به أو زوج).
(7)
لشابة كانت أو عجوز، وصفة المحرم كل من لا يجوز مناكحتها على التأبيد
(8)
برضاع، أو قرابة، أو صهرية؛ لأن الحرمة تزيل التهمة، والحر والعبد والذمي سواء.
(إلا أنْ يكونَ مجوسيًّا)
(9)
يعتقد إباحة مناكحتها، فلا تسافر معه، وإن لم يكن لها محرم، لا يجب عليها أن تتزوج ليحج بها، كما لا يجب على الفقير اكتساب المال لأجل الحجّ كذا في فتاوى قاضي خان والولوالجي
(10)
.
(1)
في (ج): أم.
(2)
عبارة: «وهو الصحيح» مصطلح عند الحنفية يستعمل للترجيح بين الأقوال، وهو يشعر بأن بقية الأقوال ضعيفة؛ لأن مقابل الصحيح هو الفاسد، فيتعين العمل بالصحيح، وتُترك الأقوال الباقية.
انظر: الكواشف الجلية (72).
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 419).
(4)
انظر: بدائع الصنائع (2/ 124).
(5)
أثبته من (ج).
(6)
فاذا عدم الزاد أو الراحلة لم تثبت الاستطاعة.
انظر محمد بن أبي بكر ناصر الدين، الاتحاف بحديث فضل الانصاف، تحقيق محمود بن محمد الحداد، نشر دار العاصمة الرياض، 1407، (279)
(7)
انظر: بداية المبتدي (1/ 43).
(8)
التأبيد: أي بدية التحريم لمناكحة المرأة وفق الشرع.
انظر: الإتحاف بحديث فضل الإنصاف، (ص/ 275)
(9)
المجوس: من جوس و الجَوْسُ مصدر جاسَ جَوْساً وجَوَساناً تردّد وفي التنزيل العزيز {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} أَي تردّدوا بينها للغارة وهو الجَوَسانُ وقال الفراء: قتلوكم بين بيوتكم قال وجاسُوا وحاسُوا بمعنى واحد يذهبون ويجيئون وقال الزجاج فجاسوا خلال الديار أَي فطافوا في خلال الديار ينظرون هل بقي أَحد لم يقتلوه وفي الصحاح: جاسوا خلال الديار أَي تخللوها فطلبوا ما فيها.
انظر: لسان العرب (6/ 1132) والمجوسي منسوب إلى المجوسية، وهم قوم يعبدون النار، والشمس، والقمر، وهم في الأشهر كان مقرهم بلاد فارس قبل الإسلام.
انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 377).
(10)
انظر: الفتاوى الولوالجية (ص/ 254).
ولأنها بدون المحرم يخاف عليها الفتنة، فإن قلتَ: يُشكل على هذا سفر الهجرة، فإن المرأة إذا أسلمت في دار الحرب
(1)
، فلها أن تهاجر إلى دار الإسلام بغير محرم، مع أن المهاجَرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ليست من الأركان الخمسة في الدين، وحَجة الإسلام من تلك
(2)
الأركان [الخمسة]
(3)
، فيجب أن يجوز لها الحجّ المفروض، وإن لم يكن لها محرم بالطريق الأولى.
قلتُ: إن المُهاجِرة لا تُنشئ سفرًا، ولكنها تقصد النجاة، ألا ترى أنها لو وصلت إلى جيش من المسلمين في دار الحرب حتى صارت آمنة، لم يكن لها أن تسافر بعد ذلك من غير محرم، ولأنها مضطرة هناك لخوفها على نفسها.
ألا ترى أن العدة
(4)
لا تمنعها من الخروج هناك، وهنا لو كانت معتدة لم يكن لها أن تخرج للحج، وتأثير فقد المحرم في المنع من السفر، كتأثير العدة، فإذا مُنعت من الخروج لسفر الحجّ بسبب العدة، فكذلك بسبب فقد المحرم كذا في «المبسوط»
(5)
.
والمعنى الفقهي في هذا: أنَّ هذه سفرة تمنعها العدة، فكذا عدم المحرم قياسًا على سفر المباح، وعكسه سفر الهجرة، وهذا لأن المرأة حرُمَ عليها الخروج في العدة على الخصوص صيانة لحرمة خاصة عليها، وهي حرمة نكاح آخر لحقّ الأول، فإذا انقطع الأول حرم عليها السفر بغير محرم صيانة لحرمة الزنا، فإنها متى سافرت وحدها وخرجت من حصن بيتها طمع فيها الرجال، فإنها لحم على وضم والرجال بمنزلة الذئاب، وحرمة الزنا فوق حرمة النكاح في العدة؛ لأن الزنا يوجب الحد والنكاح في العدة لا، فلما مُنعت عن سفر الحجّ لأدنى الحرمتين، فللأعلى أولى
(6)
، وإذا لم يمنع الهجرة عدم المحرم فالعدة أولى.
(1)
دار الحرب: هي أراضي الدولة الكافرة التي أعلنت الحرب على المسلمين، أو: هي بلاد الكفر الذين لا صلح لهم مع المسلمين، ويقابله دار الإسلام وهي البلاد التي غلب فيها المسلمون، وكانوا فيها آمنين يحكمون بأنظمة الإسلام. انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 182)، المصباح المنير (ص/ 127).
(2)
ساقطة من (ج).
(3)
أثبته من (ج).
(4)
العدة: تعني انحباس المرأة عن الزواج في أيام العدة وهي الأيام التي تنحبس فيها عن التزوج، لا يحل فيها أن تتزوج حتى تنتهي يقال لها عدة سواء كان من طلاق، أو من خلع، أو من موت تسمى عدة، كما في قوله- جل وعلا- {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} (البقرة: من الآية 228) يعني في العدة، وقال-تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (البقرة: من الآية 228)، هذه العدة، وقال في اليائسات {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (الطلاق: من الآية 4) فالعدة هي التربص بعد الطلاق، أو بعد الموت، أو بعد المخالعة يقال لها عدة.
انظر: معجحم لغة الفقهاء (221).
(5)
انظر: المبسوط (4/ 111).
(6)
الاعلى أولى: أي الزنا
فإن قيل: هذا الاستدلال فاسدٌ؛ لأن العدة تمنع أصل الخروج وعدم المحرم لا، فعُلم أن هذه الحرمة أخف.
قلنا: إنما افترقا لأن الحرمة بعدم المحرم تعم العمر كله، وهي تحتاج في العمر إلى الخروج لمصالح المعيشة، فالأسباب تضيع بلا مطالعة في العادات، فاستثنى عن التحريم قدر الخروج لمصالح ملكها كذا في «الأسرار»
(1)
.
(وَلَنَا أَنَّ حَقَ الزوجِ لا يَظْهَرُ في حَقِّ الفَرَائِضِ).
حكم منع الزوج زوجته من حج الفريضة
(ألا ترى أنه لا يمنعها من صيام شهر رمضان، والمولى لا يمنع مملوكيه من أداء الصلاة والصيامات المفروضة؛ لأن ذلك مستثنى من حقه، فهذا مثله بخلاف ما إذا لم يجد محرمًا، فإن هناك الفرض لم يتوجه عليها؛ لانعدام شرطه حتى لو كانت لا تحتاج إلى سفر بأن كان بينها وبين مكة دون مسيرة ثلاثة أيام، فليس للزوج أن يمنعها، وإن لم تجد محرمًا؛ لأن اشتراط المحرم للسفر لا لما دونه، حتى لو كان الحجّ نفلًا
(2)
له أن يمنعها؛ لأن حج التطوع لم يصر مستثنى من حق الزوج؛ لأن ذلك ليس بفرض عليها، فإذا أحرمت بحجة التطوع كان للزوج أن يمنعها ويُحَلِلهَا، إلا أن هاهنا لا يتأخر تحليله إياها إلى ذبح الهدي
(3)
، ولكن يُحَلِلهَا من ساعته، وعليها هدي لتعجيل الإحلال وعمرة، وحجة لصحة شروعها في الحجّ بخلاف حجة الإسلام، فإن هناك لا يتحلل إلا بالهدي؛ لأن هناك لا حق للزوج في منعها، لو وجدت محرمًا، وإنما تعذر عليها الخروج لفقد المحرم، فلا تحلل إلا بالهدي، وهاهنا تعذر الخروج لحق الزوج وكما لا يجوز لهما أن تبطل حق الزوج، لا يكون لها أن تؤخر حق الزوج، فكان له أن يحللها من ساعته وتحليله لها أن ينهاها، ويصنع بها أدنى ما يحرم عليها في الإحرام من قص ظفر أو غيره، ولا يكون التحليل بالنهي، ولا بقوله: حللتكِ وهو نظير الصوم إذا صح الشروع فيه لا يصير خارجًا إلا بارتكاب محظوره) كذا في «المبسوط»
(4)
.
(1)
الأسرار، لمؤلفه: أبي زيد عبد الله بن عمر الدبوسي الحنفي (ت 430 هـ). تحقيق: الدكتور/ نايف بن نافع العمري. الناشر/ دار المنار، الأسرار (ص/ 534).
(2)
نفلًا: من نفل: النَّفْلُ و النَّافِلَةُ عطية التطوع ومنه نَافِلَةُ الصلاة و النَّافِلَةُ أيضا ولد الولد والنَّفَلُ بفتحتين الغنيمة والجمع الأَنْفَالُ.
أي أعطاه نفلا و التَّنَفُّلُ التطوع. انظر: مختار الصحاح/ مادة نفل، (ص/ 487)
(3)
الهدي: هو كل نَعَم يهديه الحاج للحرم قربانا لله تعالى وفداء عن النفس وهو من بهيمة الأنعام التي ذكرها الله تعالى في سورة الأنعام على سبيل الامتنان على بني الإنسان حيث قال سبحانه وتعالى {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} . والهدي واجب على كل حاج متيسر له سواء كان متمتعا أو مقرنا لقوله تعالى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
…
الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. البقرة من الآية (196)
وان لم يجد الهدي أو ثُمَّنه فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع هذا إن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وإلا فلا هدي عليه لقوله تعالى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} البقرة من الآية (196). انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 243)
(4)
انظر: المبسوط (4/ 112).
لأن إحرامهما انعقد لأداء/ النفل فلا ينقلب لأداء الفرض ثُمَّ هاهنا شبهة ظاهرة ترد على هذا، وهي ما ذكره شمس الأئمة السرخسي
(1)
رحمه الله في «الجامع الصغير»
(2)
. فقال: (فإن قيل: [فأين]
(3)
ذهب قولكم: إن الإحرام شرط في باب الحجّ بمنزلة الطهارة
(4)
في حق الصلاة ولو توضأ صبي، ثُمَّ بلغ بالسن، فصلى بتلك الطهارة جازت صلاته).
حكم حج الصبي
قلنا: الإحرام من وجه يشبه طهارة الصلاة، ومن وجه يشبه سائر أعمال الحجّ، فقد يتصل به أداء الأعمال، فيكون من هذا الوجه ركنًا، والأخذ بالاحتياط في باب العبادات أصل، وذكر هو رحمه الله أيضًا في «المبسوط»
(5)
: (ولو أن الصبي أهَلَّ بالحجّ قبل أن يحتلم، ثُمَّ احتلم قبل أن يطوف بالبيت، أو قبل أن يقف بعرفة لم يُجزِهِ من حجة الإسلام عندنا، وعلى قول الشافعي
(6)
رحمه الله يجزئه، وهذا بناءً على ما بينا في كتاب الصلاة إذا صلى في أول الوقت
(7)
،
(1)
هو الإمام أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، المشهور بشمس الأئمة، كان فقيهًا، أصوليًا، محدثاً، مناظرًا، يحفظ اثني عشر ألف كراس، له: المبسوط، وقد أملاه من خاطره من غير مطالعةٍ ولا مراجعةٍ، حيث كان محبوسًا في الجُبّ، وله أيضًا: الأصول، وشرح السير الكبير (ت 483 هـ).
انظر: الجواهر المضية (3/ 78)، تاج التراجم (234)، الفوائد البهية (261).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (1/ 114)، وشرح الجامع الصغير، (مخطوط) للإمام أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، المشهور بشمس الأئمة ت عام (483 هـ)، انظر: كشف الظنون (1/ 563).
(3)
أثبته من (ج).
(4)
الطهارة: من الفعل طهر، وطهر الشيء بفتح الهاء وضمها يطهر بالضم، طهارة، تطهير والاسم الطهر بالضم، طهر تطهير و تطهر بالماء، وهم قوم يتطهرون أي يتترهون من الأدناس، ورجل طاهر الثياب أي منزه، وثياب طهارى بوزن حيارى على غير قياس كأنه جمع طهران و الطهر بالضم ضد الحيض والمرأة طاهر من الحيض وطاهرة من النجاسة ومن العيوب، والطهور بفتح الطاء ما يتطهر به كالفطور والسحور والوقود، قال تعالى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} سورة الفرقان من الآية (48).
انظر: مختار الصحاح/ مادة طهر، (ص/ 399)
(5)
انظر: المبسوط للسرخسي (4/ 173)
(6)
انظر: المجموع (7/ 20)؛ مغني المحتاج (2/ 210).
(7)
في (ج): وقت الصلاة.
ثُمَّ بلغ في آخره عنده يجزئه عن الفرض، ويجعل كأنه بلغ قبل أداء الصلاة، وهنا أيضًا يجعل كأنه بلغ قبل مباشرة الإحرام، فيجزئه ذلك عن حجة الإسلام.
الفرق بين الشروط والأركان
قال أي: الشافعي
(1)
: وهذا على أصلكم أظهر؛ لأن الإحرام عندكم من الشرائط دون الأركان، ولهذا صح الإحرام بالحجّ قبل دخول أشهر الحجّ، ولكنّا نقول: حين أحرم هولم يكن من أهل أداء الفرض، فانعقد إحرامه لأداء النفل، فلا يصح أداء الفرض به، وهو نظير الصلاة إذا أحرم بنية النفل عندنا لا يجزئه أداء الفرض به وعنده ينعقد إحرامه للفرض والإحرام وإن كان من الشرائط عندنا ولكن في بعض الأحكام هو بمنزلة الأركان، ومع الشك
(2)
لا يسقط الفرض الذي ثبت وجوبه بيقين، فلهذا لا يجزئه عن حجة الإسلام بذلك الإحرام).
وذكر في «الجامع الصغير»
(3)
: (فإذا وجد الإحرام في حالة الصغر لم ينعقد إلا للنفل) فلا يتصور أن ينقلب فرضًا كالصبي يحرم للظهر، ثُمَّ بلغ بالسن في خلال الصلاة فأتم صلاته أن ذلك لا يجزئه عن الفريضة.
لأن إحرام الصبي غير لازم؛ لأن ذلك الإحرام الذي يباشره في حالة الصغر كان تخلقًا ولم يكن لازمًا عليه لعذر الصبا
(4)
.
ألا ترى أنه لو أُحصر
(5)
لم يلزمه قضاء ولا دم ولو تناول محظورًا لم يلزمه شيء.
وإذا جدد والثاني فرض غير الأول؛ لأنه نفل وكان من ضرورة تجديد الثاني فسخ الأول، والأول محتمل للفسخ لكونه غير لازم فانفسخ كرجل باع عبدًا بألف ثُمَّ تبايعا بألف ومائة أن الأول يفسخ ضرورة تجديد الثاني، فكذلك هذا
(6)
.
(1)
انظر: المجموع (7/ 57).
(2)
الشك: أي حدوث اللبس في أدائه. انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة شكك، (4/ 178).
(3)
انظر: المبسوط (4/ 174).
(4)
قلت: وكان القياس أن يصحّ فرضًا لو نوى حجة الإسلام حال وقوفه؛ لأن الإحرام شرط، كما أن الصبي إذا تطهر ثُمَّ بلغ فإنه يصح أداء فرضه بتلك الطهارة، إلا أن الإحرام له شبه بالركن؛ لاشتماله على النية، فحيث إنه لم يعده ما صح له، كما أن الصبي لو شرع في صلاة ثُمَّ بلغ، فإن جدد إحرام الصلاة ونوى بها الفرض يقع عنه، وإلا فلا. انظر: العناية (2/ 332)، تبيين الحقائق (2/ 6)، المسلك (ص/ 78).
(5)
أحصر: من حصر ضَيَّقَ عَلَيْهِ وَأَحَاطَ بِهِ وَبَابُهُ نَصَرَ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: (أَحْصَرَهُ) الْمَرَضُ أَيْ مَنَعَهُ مِنَ السَّفَرِ أَوْ مِنْ حَاجَةٍ يُرِيدُهَا. انظر: مختار الصحاح/ مادة حصر، (ص/ 144)، والمقصود بها إذا وقع في محظور، أو وقع منه سهو أو نسيان.
(6)
قلت: وعلى هذه المسألة تفريع مهم ذكره صاحب إرشاد الساري في (ص/ 77) بتفصيل حسن جدًا خلاصته فيما يلي: اختلف الفقهاء في المعتبر عند تجديد الإحرام بعد البلوغ، هل هو مجرد الوقوف بعرفة، أو فوات وقت الوقوف؟ فمنهم من يرى أن من وقف بعرفة بعد الزوال لحظة فبلغ، ليس له التجديد وإن بقي وقت الوقوف، ومنهم من يرى أن من وقف بعرفة بعد الزوال فبلغ، ووقت الوقوف باق، كان له أن يجدد الإحرام.
نعم، لو لبى مَنْ بلغ بعد الوقوف قاصدًا المضي في إحرامه، ثُمَّ جدد لم يجُز بالاتفاق، وقد اختار القول الثاني علي القاري وطاهر سنبل، وهو الأرفق بالناس لا سيما بأهل الآفاق، والله أعلم.
حكم حج العبد
وأما إحرام العبد، فلازم في حقه لكونه مخاطبًا
(1)
حتى أنه لو أصاب صيدًا، فعليه الصيام؛ لأنه صار جانيًا
(2)
على إحرامه بقتل الصيد، وهو ليس [من أهل التكفّر]
(3)
بإراقة الدم
(4)
، ولا بالطعام فيكفّره بالصوم كما إذا حنث
(5)
في يمينه كان عليه أن يكفّر بالصوم، فلا يتمكن بعد العتق
(6)
من فسخ ذلك الإحرام، وإنما طريق خروجه من ذلك الإحرام أداء الأفعال، فسواء جدّد التلبية، أولم يجدّد فهو باقٍ في ذلك الإحرام، فلا يجزئه من حجة الإسلام، كذا في «المبسوط»
(7)
و «الجامع الصغير»
(8)
لفخر الإسلام
(9)
.
(1)
مخاطباً: أي مصاحباً له في الحج، انظر: مختار الصحاح، مادة صحب، (ص 146)
(2)
جانياً: من جانٍ: جمع: جُنَاةٌ. جَانِيَاتٌ. [ج ن ى]. (اسم فاعل من جَنَى).: - تَأَكَّدُوا مِنْ شَخْصِيَّةِ الجَانِي: -: مَنِ ارْتَكَبَ ذَنْباً أَوْ جُرْماً.
انظر: المعجم الوسيط/ مادة جنى (1/ 126)، والمقصود بها ارتكب ذنباً.
(3)
أثبته من (ج). والمقصود أنها من (الكفّارة) وليس (الكفر).
(4)
الدم إذا أطلق في الحج فالمراد به ذبح شاة.
انظر: التعريفات الفقهية (ص/ 294).
(5)
الحنث: من حَنِثَ في يمينه ـَ حِنْثاً: لم يَبَرَّ فيها وأثُمَّ. وفي التنزيل العزيز: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} سورة ص من الآية (44). فهو حانث. وـ مال من حقٍّ إلى باطل. (أحْنَثَه).
انظر: المعجم الوسيط/ مادة حنث، (1/ 98)، والحنث أي نقض العهد أو الكذب باليمين أوإنكار اليمين.
(6)
العتق: من عَتَقَ الشيءُ ـِ عَتْقاً: قدُم. فهو عاتِق، وعتيق. وـ بلغ نهايته ومداه. ـ العبدُ عَتْقاً، وعَتَاقاً، وعَتَاقة: خرج من الرِّقّ. فهو عاتق، وعتيق. (ج) عُتَقَاء. وهي عتيق، وعتيقة. (ج) عَتَائق. انظر: المعجم الوسيط/ مادة عتق، (3/ 98)، أي أصبح حرًا.
(7)
المبسوط للسرخسي (4/ 174).
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 423)، وشرح الجامع الصغير، مخطوط للإمام فخر الإسلام أبي الحسن علي بن محمد الشهير بأبي العُسر البزدوي الحنفي، الإمام الكبير، ت عام (482 هـ).
انظر: كشف الظنون (1/ 563).
(9)
فخر الإسلام هو الإمام أبو الحسن فخر الإسلام علي بن محمد الشهير بأبي العُسر البزدوي الحنفي، الإمام الكبير، الجامع بين أشتات العلوم، إمام الدنيا في الفروع والأصول، كان ممن يُضرب به المثل في حفظ المذهب، له: المبسوط، وشرح الجامع الكبير، أصول البزدوي، توفي عام (482 هـ).
انظر: الجواهر المضية (2/ 594)؛ تاج التراجم (ص/ 205)؛ الفوائد البهية (ص/ 209).
وحاصله: أن الإحرام وإن كان شرطًا بدليل أنه يستدام
(1)
من أول الأفعال إلى آخرها، كما في سائر الشروط بدليل جواز تقديمه على أشهر الحجّ كالطهارة للصلاة، لكن أثر أحكام الأركان أيضًا قد ظهر في حقه.
ألا ترى أن فائت
(2)
الحجّ ليس له أن يستديم الإحرام إلى أن يؤدي الحجّ به في السنة القابلة) ذكره في باب المُحصر من «المبسوط»
(3)
، ولو كان من الشرائط المحضة؛ لكان له ذلك كما في الطهارة للصلاة، ولما كُره تقديمه على أشهر الحجّ كما لا يكره تقديم الوضوء على الوقت.
ولا ينعقد إحرامه لعمرتين أو حجتين معًا عند محمد رحمه الله اعتبارًا بسائر الأركان حيث لا يصح كالطواف لعمرتين، فلذلك عمل بالاحتياط
(4)
بتجديد الإحرام في حق الصبي إذا بلغ اعتبار يشبه الركنية، والله أعلم بالصواب.
فصلٌ: فِي أفعالِ الحَجّ
لما ذكر من يجب عليه الحجّ، وذكرشروط الوجوب، وما يتبعها شرع في بيان أول أمكِنة يُبْتَدأُ بأفعال الحجّ فيها، وهي المواقيتُ التي لا يجوز أن يجاوزها الإنسان إلّا محرمًا.
المواقيت
(5)
: جمع الميقات؛ وهو الوقت المحدود، فاستعير للمكان: كالمكان استعير للزمان في قوله تعالى: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ}
(6)
.
اعلم: أن البيت لما كان معظمًا مُشرَّفًا جُعل له
المواقيت المكانية
حِصنٌ، وهو مكّة. وحِمى، وهو الحرم. وللحرم حِمى؛ وهو المواقيت حتى لا يجوز لمن دونه أن يتجاوزه إلا بالإحرام
(7)
تعظيمًا للبيت، والأصل فيه
(8)
أن كل من قصد مجاوزة
(9)
ميقاتين لا يجوز إلا بالإحرام، ومن قصد مجاوزة ميقات واحد حل له المجاوزة بغير إحرام، [بناءً على]
(10)
أن من أتى ميقاتًا بنية الحجّ أو العمرة
(11)
أو دخول مكة لحاجةٍ لا يجوز إلا بالإحرام؛ لأنه قصد مجاوزة ميقاتين ميقات أهل الآفاق، وميقاتُ أهل الحل
(12)
، والحيلة لمن أراد دخوله بغير إحرام، أن يقصد الآفاقي بستان بني عامر
(13)
أو غيره من الحل فلا يجب الإحرام؛ لأنه قصد مجاوزة ميقات واحد.
(1)
يستدام: أي يستمر، انظر: مختار الصحاح، مادة دوم، (ص 79)
(2)
فائت: أي تارك أو مهمل، انظر: مختار الصحاح، مادة فوت، (ص 354)
(3)
انظر: المبسوط (4/ 115).
(4)
الاحتياط: الاحتراز، مختار الصحاح، مادة حوط، (ص/ 62)
(5)
المواقيت جمع ميقات والمراد هنا: الأماكن التي لا يجوز لمن يريد الحجّ أو العمرة من أهل الآفاق أن يتجاوزها إلا محرمًا، وهي توقيفية حددها الشارع الحكيم.
انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 438)، التعريفات الفقهية (ص/ 512)؛ المصباح المنير (ص/ 667).
(6)
سورة الكهف من الآية (44).
(7)
ورد نقل الإجماع في: التبيين (2/ 7)، البحر العميق (1/ 608)، المجموع (7/ 206).
(8)
ساقطة من (ج).
(9)
مجاوزة: من جاوز القول ـُ جَوْزاً، وجَوازاً، ومَجازاً: قُبل، ونَفَذَ. وـ العَقْد وغيرُه: نفَذَ ومضى على الصِّحَّة. وـ الدرهم: قُبل على ما فيه ولم يُرَدّ. وـ الموضعَ وبه: سار فيه وقَطَعه. ويقال: جاز بفلان الموضعَ: قاده حتى قطعه. وـ تعدَّاه وخلَّفه وراءه. (أجَازَ) على اسمه: أعلَمَ عليه.
انظر: المعجم الوسيط/ جاوز، (1/ 102)، والمقصود به تخطّى أو تعدى.
(10)
أثبته من (ج).
(11)
العمرة: اسم من الاعتمار، وأصلها القصد إلى مكان عامر، ثُمَّ غلب على الزيارة على وجه مخصوص.
انظر: المغرب (110)
(12)
الحِل: هم أهل مكة وسكانها، وعكسها الآفاقي: أي من خارج مكة والقادم إليها.
انظر: الإتحاف بحديث فضل الإنصاف (ص 346)
(13)
بستان بني عامر: موضع قريب من مكة داخل الميقات وخارج الحرم (أي: في الحل)، قال بعضهم: من (ذات عرق) إلى بستان بني عامر (22) ميلاً، ومن بستان بني عامر إلى مكة (24) ميلاً، ويعرف أيضًا باسم: بستان ابن عامر، أو بطن نخلة، أو نخلة محمود بن كمال. وقيل: هذه القرية على يسار مستقبل الكعبة إذا وقف بأرض عرفات، وقيل: هي بالقرب من جبل عرفات على طريق العراق والكوفة إلى مكة.
انظر: طلبة الطلبة (ص/ 72)، معجم البلدان (5/ 278)، البحر العميق (1/ 617)، رد المحتار (7/ 338).
كذا ذكره الإمام المحبوبي
(1)
(2)
.
مسافة المواقيت المكانية بالنسبة إلى مكة
ثُمَّ اعلم أن قدر المسافة من هذه المواقيت الخمسة إلى مكة كم هو؟ فمن ذات عرق
(3)
إلى بستان بني
(4)
عامر اثنان وعشرون ميلًا
(5)
، ومن البستان إلى مكة أربعة وعشرون ميلًا، ومن ذي الحليفة
(6)
إلى الجُحفَة
(7)
التي هي ميقاتُ أهل
(1)
انظر: شرح الطحاوي (ل/ 123)، المسالك (1/ 308)، العناية (2/ 334)، الكفاية (2/ 336)، السراج الوهاج (ل/ 292)، البحر العميق (1/ 616).
(2)
هو الإمام محمود بن أحمد بن عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي الحنفي، الملقب بتاج الشريعة، كان عالمًا فاضلاً، محقّقًا، مدققًا، أخذ العلم عن أبيه صدر الشريعة الأكبر، صاحب التصانيف الجليلة، له: الوقاية، شرح الهداية، الفتاوى، الواقعات، توفي سنة (673 هـ)، وقيل:(694 هـ).
انظر: الجواهر المضية (4/ 369)، تاج التراجم (ص/ 291)، الفوائد البهية (ص/ 338، 400).
(3)
ذات عِرْق: هي الحد بين نجد وتهامة، وهي قرية سُمّيت به؛ لأن فيه عرْقًا، وهو الجبل الصغير ممتد من الشرق إلى الغرب بطول (2) كم، مطلّ على موضع الإحرام من الجهة الجنوبية، ويقع على بعد (100) كم تقريبًا إلى الشمال الشرقي من مكة، وتسمى الآن بالضريبة واحدة (الضّراب) وهي الجبال الصغار.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (1/ 2/ 114)، المصباح المنير (ص/ 405)، معجم البلدان (4/ 107)، البحر العميق (1/ 604)، المجموع (7/ 195)، توضيح الأحكام (3/ 277).
(4)
ساقطة من (ج).
(5)
الميل: بكسر الميم مقدارُ مدّ البصر من الأرض، وهو ثُلُث الفرسخ، والمراد هنا: الميل الشرعي الهاشمي، وهو ما يعادل ألف باع، والباع قدر مدّ اليدين، وهو عند الحنفية يعادل تقريبًا (1866، 24) مترًا، وكل خمسة أميال تساوي تقريبًا ثُمَّاني كيلو مترات.
انظر: المغرب (2/ 281)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 440)، المكاييل والموازين الشرعية (ص/ 35).
(6)
ذي الحليفة: هي قرية بينها وبين المدينة ستة أميال، وهي ذو الحليفة، وميقات أهل المدينة، وهو من مياه بني جشم بالجيم والشين المعجمة، بينهم وبين بني خفاجة من عقيل، وهو تابع لعياض في ذلك، وزاد كونها قرية، المسافة موافق لتصحيح النووي كالغزالي أنها على ستة أميال، ويشهد له قول الشافعي كما في المعرفة: قد كان سعيد بن زيد وأبو هريرة يكونان بالشجرة على أقل من ستة أميال، فيشهدان الجمعة ويدعانها، والمراد بالشجرة ذو الحليفة، انظر: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (4/ 62)
(7)
الجُحْفة: هي قرية كبيرة كانت عامرة ذات منبر، تقع على طريق المدينة إلى مكة، قريبة من البحر حيث تبعد عنه بحوالي (14) كم، وسُميت بذلك لأن السيل جحفها، أي: قلعها وحمل أهلها في الزمن الماضي، وكانت تُسمّى قديمًا مهْيعة، وهي الآن تبعد عن المدينة حوالي (247 كم) تقريبًا، وعن مكة حوالي (187 كم) تقريبًا، وتجاور مدينة رابغ الساحلية على بعد (17) كم إلى الجنوب الشرقي منها.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (1/ 2/ 58)، المصباح المنير (ص/ 91)، معجم البلدان (2/ 111)، المجموع (7/ 195)، توضيح الأحكام (3/ 275)، النعم السوابغ مع تعليقات المحقق (ص/ 42).
الشام
(1)
مائة وسبعة وخمسون ميلًا، ومنها إلى مكة [مائة]
(2)
ميل، ومن المدينة إلى ذي الحليفة أربعة أميال، ومن يلملم
(3)
إلى مكة مرحلتان، ومن قرن
(4)
إلى مكة مرحلتان، وكل ثلاثة أميال فرسخ، وكل ميل ألفان وثلاثة مائة وثلاث وثلاثون خطوةً، فيكون الفرسخ
(5)
على هذا القول سبعة آلاف خطوةً، وكل أربعة فراسخ بريد، ومن بغداد
(6)
إلى مكة على طريق المدينة: تسعمائة وثمانية وخمسون ميلًا.
(1)
الشام: بلد معروف، يقع في الإقليم الشمالي الغربي من شبه جزيرة العرب، وكان حدّها سابقًا من الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية، وعَرْضها من جَبَلَي طي إلى بحر الروم، وحاليًا بلاد الشام تُعرف باسم (سورية)، ومن أمهات مدنها: دمشق (العاصمة)، حمص، حلب، حماة، سميت بالشام لكثرة قُراها وتداني بعضها من بعض، فشُبهت بالشامات، وفيها ثلاث لغات: شأْم، شَأَم، شآم.
انظر: معجم البلدان (3/ 312)، معجم ما استعجم (3/ 773)، المعجم الوسيط (1/ 469).
(2)
أثبته من (ج).
(3)
يَلَمْلَمْ: جبل بتهامة، يقال له أيضًا: ألَمْلَم أو يألملم أو يرمرم، والميقات المعروف وإن اندثر اسمه إلا أنه على وادي يلملم، وهو وادٍ عظيم ينحدر من جبال السراة إلى تهامة، ثُمَّ يصبّ في البحر الأحمر عند ساحل يسمّى (المجيرمة)، وهو الآن قرب قرية (السعدية) التي تقع على طريق اليمن إلى مكة على مسافة تبعد عن مكة بـ (120) كم تقريبًا.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 2/ 201)، المصباح المنير (19)، معجم البلدان (5/ 441)، البحر العميق (1/ 602)، توضيح الأحكام (3/ 276).
(4)
قرْن: بسكون الراء جبل مشرف على عرفات، يقال له: قرن المعادن أو قرن المنازل أو قرن الثعالب، ويُعرف الآن بالسيل الكبير في الطريق بين مكة والطائف من جهة الحوية، ويبعد عن مكة حوالي (80) كم تقريبًا، وبمحاذاته ميقات (وادي مُحرم) على طريق الطائف المار بالهدا على بعد (75) كم عن مكة.
انظر: البحر العميق (1/ 413)، المصباح المنير (97).
(5)
الفرسخ: والفرسخ لفظ فارسي معرب، يراد به المسافة المعلومة من الأرض، وهو مقياس من مقاييس المسافات، وهو عند الحنفية يعادل تقريبًا (5598، 75) مترًا.
انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 311) المصباح المنير (ص/ 468) الهادي إلى لغة العرب (3/ 396).
(6)
بغداد: مدينة معروفة ومشهورة جدًا، تقع على نهر الدجلة، وهي عاصمة العراق حاليًا، وقد بناها المنصور العباسي، وكانت تسمى بمدينة السلام والزوراء، وصفها ياقوت الحموي بأنها أم الدنيا وسيدة البلاد، وأطال في وصفها، وذكر أن في لفظة (بغداد) سبع لغات.
انظر: معجم البلدان (1/ 456)، الهادي إلى اللغة (1/ 177)
موقع المسجد الحرام
اعلم أن البيت في وسط المسجد الحرام، والمسجد في وسط مكة، والصفا والمروة خارج المسجد من الجانب الشرقي، والصفا في الجنوب، والمروة في الشمال، ومنى خارج مكة من الجانب الشرقي تميل إلى الجنوب قليلًا، ومزدلفةُ فوق منى من الجانب الشرقي أيضاً، وعرفات فوق مزدلفة من الجانب الشرقي أيضاً يميل إلى الجنوب، بحيث لو صلى رجل في موضع من هذه المواضع يتوجه إلى المغرب الشمالي، وهذه صورتها.
وصف البيت الحرام
اعلم أن الذراع أربعة وعشرون أصبعًا مضمومةً، وذراع البيت إلى جانب السماء سبعة وعشرون ذراعًا، ومن الشامي إلى الغربي اثنان وعشرون، ومن الغربي إلى اليماني أربعة وعشرون وشبرًا
(1)
، ومن اليماني إلى الحجر الأسود
واحد
(2)
وعشرون ذراعًا وشبرًا، وعرض جدار البيت ذراعان، وللبيت سقفان أحدهما فوق الآخر، وعرض الباب أربعة أذرع
(3)
، قالوا
(4)
: وعرض سطح الكعبة ثمانية عشر ذراعًا في خمسة عشر ذراعًا، والميزاب
(5)
في وسط الجدار الذي يلي الحِجْر
(6)
، وطول باب الكعبة إلى جانب السماء ستة أذرع وعشرة أصابع،
(1)
الشِّبْرُ: مَا بَيْنَ أَعلى الإِبهام وأَعلى الخِنْصر مُذَكَّرٌ، وَالْجَمْعُ أَشْبارٌ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يُجاوزُوا بِهِ هَذَا الْبِنَاءَ. والشَّبْرُ، بِالْفَتْحِ: الْمَصْدَرُ، مَصْدَرُ شَبَرَ الثوبَ وغيرَهُ يَشْبُرُه ويَشْبِرُه شَبْراً كَالَهُ بِشِبْرِه، وَهُوَ مِنَ الشِّبْرِ كَمَا يُقَالُ بُعْتُه مِنَ الْبَاعِ.
انظر: لسان العرب (4/ 391).
(2)
في (ج) أحدٌ.
(3)
أذرع جمع ذراع، ولفظه: مؤنث، وقيل: مذكر، والتأنيث أفصح، والمراد به هنا ذراع القياس، وهو مقياس طولي يطلق عليه الفقهاء: ذراع الكرباس أو ذراع العامة أو المكسّر، وهو الوحدة القياسية الشرعية لقياس الأطوال، وقدره بالقياس المدي (46، 5) سم تقريبًا.
انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 190)، الهادي إلى اللغة (2/ 91)، المصباح المنير (ص/ 207).
(4)
ساقطة من (ج).
(5)
الميزاب: بكسر الميم لفظ معرب، وهو شيء كالقناه أو نصف قناة أو أنبوب من معدن أو غيره يسيل فيه الماء من سطح البيت إلى الأرض.
والمراد هنا: ميزاب الكعبة المعظمة المنصوب على سطحه من جهة الحطيم وهو مطلي بالذهب وقياسه: طوله (2، 53) م، والظاهر منه خارجًا (1، 95) م، وارتفاعه (23) سم، وعرضه (26) سم.
انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 440)، الهادي إلى اللغة (4/ 480)، تاريخ مكة قديمًا وحديثًا (ص/ 49)، حجر الكعبة المشرفة (ص/ 116).
(6)
الحِجْر: المكان المشهور المعروف بجانب الكعبة المشرفة، مما يلي الميزاب شمال الكعبة المعظمة، وهو مكان محوط محصور على صورة نصف دائرة. انظر: النهاية (1/ 403)، طلبة الطلبة (ص/ 59).
والبابُ من خشبِ الساجِ
(1)
مُضبّبٌ
(2)
بالفضة، وعرض الملتزمِ
(3)
، وهو ما بين الباب إلى الحجرِ الأسودِ أربعة أذرعٍ، وعرضُ الحجرِ القدر الذي يُرى شبر وأربعة أصابع مضمومةً، وعرض الحجر الذي يُصلى فيه سبعة أشبارٍ، وطوله عشرةُ أشبارٍ، ومن الحجر الأسودِ إلى المقامِ سبعة وعشرون ذراعًا، وموضع قبة
(4)
زمزم من الكعبةِ في بعد ثلاث وثلاثين ذراعًا، وذرع ما بين المقام إلى زمزم إحدى وعشرون ذراعًا، وذرع بئر زمزم من أعلاها إلى أسفلها تسع وستون، وذرع عرض رأس زمزم
(5)
أربعة أذرع في أربعة أذرع، وأما المسجد فمن الجانب الشرقي الذي هو مقابل باب الكعبة، والمقام
(6)
ثلاثون [طاقًا]
(7)
(8)
، ومن الأسطوانة
(9)
ستة وتسعون أسطوانةً كلها من مرمرٍ
(10)
أو رخامٍ.
(1)
الساج: من سوج: (الساّج: شَجَرٌ) يَعْظُمُ جِدًّا، ويَذهبُ طُولاً وعَرْضاً، وَله وَرقٌ أَمثالُ التِّرَاس الدَّيْلَميَّة، يَتَغَطَّى الرَّجُلُ بِوَرَقَةٍ مِنْهُ فَتَكِنُّه من المَطَر، وَله رائحةٌ طيِّبة تُشابِه رائحةَ وَرقِ الجَوْزِ، مَعَ رِقَّة ونُعومة، حَكَاهُ أَبو حنيفةَ. وَفِي (الْمِصْبَاح): السَّاج: ضَرْبٌ عظيمٌ من الشَّجَر.
انظر: تاج العروس/ مادة سوج (6/ 50).
(2)
المضبب: من ضب بأضبّت السماء، والسماء مضبة. ويوم مضب. وأرض مضبة: كثيرة الضباب. ووقعنا في مضاب منكرة. وضب يضب نحو بضّ يبضّ وهو سيلان قليل، يقال: ضبت يده بالدم.
انظر: تكملة المعاجم، مادة ضبب، (6/ 497)، وضبب الخشب أي ألبسه أعوادًا من الحديد.
(3)
الملتزم: بفتح الزاي، هو ما بين باب الكعبة إلى الحجر الأسود من حائط الكعبة الشريفة، سُمّي به لأن الناس يلتزمونه للدعاء، أي: يعتنقونه ويضمونه إلى صدورهم. ويقال له أيضًا: المدَّعى والمتعوّذ لالتزامه للدعاء والتعوّذ، وقدره أربعة أذرُع على الصحيح المشهور عند الجمهور، وعن بعض السلف: أن الملتزم هو ما بين الركن اليماني والباب المسدود في ظهر البيت، وهو المسمى بالمستجار، ويقال له: ملتزم عجائز قريش، ومقداره نحو أربعة أذرع أيضًا.
وقيل في الملتزم أقوال أخرى، ولكن المشهور ما ذكرته.
انظر: المصباح المنير (553)، طلبة الطلبة (64)، إرشاد الساري (94)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 428)، أخبار مكة للأزرقي (1/ 347 - 350)، القرى (315)، المجموع (8/ 258)، هداية السالك (1/ 66 - 71)، البحر العميق (1/ 183 - 190) و (3/ 1333).
(4)
قبة زمزم: هي أعلى مكان ارتقت فيه السيدة هاجر أم نبي الله اسماعيل لتبحث عن الماء.
(5)
ساقطة من (ج).
(6)
المقام: وهو مقام سيدنا ابراهيم القريب من الكعبة، انظر: فقه العبادات الحج، (45)
(7)
أثبته من (ج)، وفي (أ، ب) طاقات، ولعل الصواب ماأثبته لأن تمييز العدد ثلاثين يكون مفردًا منصوبًا وليس جمعًا.
(8)
قال الجوهري: والطاق ما عطف من الأبنية، والجمع الطاقات والطيقان: فارسي معرب، وقال صاحب "المطالع" طاق البناء: الفارغ ما تحته، وهو الحنية. انظر مختار الصحاح (1/ 194)، والمطلع على ألفاظ المقنع (1/ 128)
(9)
الاسطوانة: من (سطن) السّطْن: مِنْهُ اشتقاق جمل أُسْطُوان، إِذا كَانَ مرتفعاً طَوِيل الْعُنُق.
قَالَ الراجز: جرّبَن منّي أُسْطُواناً أعْنَقا .. يَعْدِلُ هَدْلاءَ بشِدْقٍ أشْدَقا،
وَمِنْه اشتقاق الأُسْطُوانة. والسّاطن: الْخَبيث هَكَذَا قَالَ أَبُو مَالك وَلم يعرفهُ سَائِر أَصْحَابنَا.
انظر: جمهرة اللغة/ مادة سطن، (2/ 838).
(10)
المرمر: من (م ر ر): (مَرَّ) الْأَمْرُ وَاسْتَمَرَّ أَيْ مَضَى (وَقَوْلُهُ) اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ يَعْنِي دَامَ وَاطَّرَدَ و (الْمَرْمَرُ) الرُّخَامُ وَهُوَ حَجَرٌ أَبْيَضُ رَخْوٌ، انظر: المغرب في ترتيب المعرب، مادة مرر، (1/ 439).
وفي هذا الجانبِ أربعةُ أبوابٍ: بابُ بني شيبة
(1)
،
وباب النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
، وباب الجنائز
(3)
، وباب علي رضي الله عنه
(4)
.
وفي الجانبِ الشامي، وهو مما يلي الحطيم
(5)
من الطاقاتِ أربعة وأربعون، ومن الأسطوانة مائة وثمانية وثلاثون.
(1)
باب بني شيبة: أحد أبواب المسجد الحرام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه، ويسمى باب السلام، وقد كان هذا الباب خلف مقام إبراهيم عليه السلام، بحوالي (12) مترًا تقريبًا في السابق، وكان الداخل منه يحاذي بوجهه الكعبة وبابها، والمنبر والمقام والركن، وكان يسمى أيضًا بباب بني عبد شمس، ومع توسعة الحرم قد أزيل هذا الباب، ويعتبر الآن موقعه الأصلي في المطاف تقريبًا، ويقول الزائر عندخوله من هذا الباب: " أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم باسم الله، والحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لى أبواب رحمتك.
انظر: أخبار مكة للأزرقي (2/ 87)، المناسك للحربي (ص/ 475)، الحاوي مع تعليق المحقق (1/ 542).
(2)
بَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ الْبَابُ الَّذِي مُقَابِلُ زُقَاقِ الْعَطَّارِينَ، وَهُوَ الزُّقَاقُ الَّذِي يُسْلَكُ مِنْهُ إِلَى بَيْتِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها، وَهُوَ طَاقٌ وَاحِدٌ.
انظر: أخبار مكة للأزرقي (2/ 78).
(3)
هو بَابُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ الْبَابُ الَّذِي عِنْدَ الْعَلَمِ الْأَخْضَرِ الَّذِي يَسْعَى مِنْهُ مَنْ أَقْبَلَ مِنَ الْمَرْوَةِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَهُوَ ثَلَاثُ طِيقَانٍ، وَفِيهِ أُسْطُوَانَتَانِ.
انظر: أخبار مكة للأزرقي (2/ 78).
(4)
يسمى ببَابُ بَنِي هَاشِمٍ، الَّذِي يَسْتَقْبِلُ الْوَادِيَ وَالْبَطْحَاءَ، وَوُسِّعَ ذَلِكَ الْبَابُ، وَجُعِلَ بِإِزَائِهِ مِنْ أَسْفَلِ الْمَسْجِدِ مُسْتَقْبِلُهُ بَابًا آخَرَ، وَهُوَ الْبَابُ الَّذِي يَسْتَقْبِلُ فَجَّ خَطِّ الْحِزَامِيَّةِ، يُقَالُ لَهُ: بَابُ الْبَقَّالِينَ.
انظر: أخبار مكة للأزرقي (2/ 80).
(5)
الحطيم: المكان المشهور المعروف بجانب الكعبة المشرفة، مما يلي الميزاب شمال الكعبة المعظمة، وهو مكان محوط محصور على صورة نصف دائرة بين جدار الكعبة الذي يحدّه الركنان العراقي والشامي والجدار القصير الذي يليهما على بعد ستة أذرع تقريبًا، وله فتحتان من طرفيه، للدخول إليه، والخروج منه.
وسمي بالحطيم؛ لأنه حُطم من البيت وحُجر عنه، أي: كسر، فهو حطيم بمعنى محطوم، كقتيل بمعنى مقتول، أو لأن من دعا فيه على من ظلمه حطمه الله، أو لأن الناس يزدحمون فيه على الدعاء ويحطم بعضهم بعضًا، ويسمّى الحطيم أيضًا باسم: حجر إسماعيل، الحِجْر، حجر الكعبة، الجَدْر، الحظيرة.
انظر: النهاية (1/ 403)، طلبة الطلبة (ص/ 59)، هداية السالك (1/ 66)، الاختيار (1/ 190)، الإيضاح (ص/ 246)، القاموس المحيط (4/ 98)، القرى (ص/ 314)، فتح الباري (7/ 204)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 160)، قاموس الحج والعمرة (ص/ 108)، حِجْر الكعبة المشرفة (ص/ 16).
وفيه ثلاثةُ أبوابٍ: بابُ دارِ الندوة
(1)
، وبابُ دارِ العجلة
(2)
، وبابُ بني عبد شمس
(3)
.
وفي الجانبِ الغربي، وهو
(4)
مما يلي حلق الكعبة من الطاقاتِ تسعة
(5)
وثلاثون، ومن الأسطوانةِ مائة وأربعون، وفي هذا الجانبِ أربعةُ أبوابٍ: بابُ العمرةِ، وبابُ دار زبيدة، وبابُ إبراهيم، وبابُ حرورة، وفي الجانب الجنوبي، وهو اليماني أربعة وأربعون من الحجارةِ، وأبوابه سبعة: بابُ أبي جهل، وبابُ العَلاّفِين
(6)
(7)
، وبابُ التمارين
(8)
، وبابُ الجنادِ، وبابُ الصفَا
(9)
، وبابُ الحنَّاطِين
(10)
(11)
، وبابُ القائدِ، وقيل: في ذرع جميع المسجد مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع، وهو/ صورة المسعى والبيت وجبل أبي قبيس
(12)
.
(1)
باب دار الندوة: بابها في وسط الصحن، بينه وبين الصف الأول مثل ما بينه وبين الطيقان الأولى من المسجد الحرام اليوم، فكان على النصف من ذلك أو نحوه من الاسطوانة الحمراء إلى موضع الصف الأول.
انظر: أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه (2/ 151).
(2)
باب دار العجلة: كان طريقا مسلوكا يمر فيه سيل السويقة، وسيل ما أقبل من جبل شيبة بن عثُمَّان، ولم تزل تلك الطريق على ذلك حتى سدها يقطين بن موسى حين بنى دار العجلة قدم الدار إلى جدر المسجد وأبطل الطريق، وجعل تحت الدار سربا مستقيما مسقفا يمر تحته السيل، وذلك السرب على حاله إلى اليوم، وسد أحد بابي المسجد الذي كان في ذلك الزقاق، وهو الباب الأسفل منهما، وموضعه بين جدر المسجد، وجعل الباب الآخر بابا لدار العجلة. انظر: أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار (2/ 77).
(3)
انظر: أخبار مكة (2/ 77).
(4)
في (ج): هما.
(5)
في (ج): سبعة.
(6)
علف: عَلَفْتُ الدّابةَ أَعْلِفُها عَلْفاً، أي: أطعمتها العَلَف. والمِعْلَفُ: موضع العَلَف. والدّابة تعتلف، أي: تأكل، وتستعلِفُ، أي: تطلب العَلَفَ بالحمحمة.
انظر: معجم العين، مادة علف، (2/ 144)، وسمي هذا الباب لوجود العلافين أو علف الدواب والرواحل الآتية مع الحجاج لأداء فريضة الحج.
(7)
باب العلافين: هو باب مدرسة الشريف عجلان أو "باب بني تيم" ..
شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (1/ 379).
(8)
في (ج): التجارين.
(9)
باب الصفا: هو باب بني مخزوم، فإنه ينسب لبني مخزوم، سمي بذلك؛ لأنه يلي الصفا.
انظر: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (1/ 379).
(10)
باب الحنَّاطين: باب بني سفيان بن عبدالأسد كان للمسجد فيما بين باب الحزورة وباب بني جمح الذي في وزانه الآن: باب الزيادة بالجانب الغربين ولا أثر الآن لباب الحناطين، والمراد به جهته، لأنه لم يكن إلا عقب موت المهدي العباسي فيما أمر به من الزيادة الثانية في المسجد الحرام، فينبغي للخارج من المسجد مسافرا أن يخرج من باب الحزورة، أو هي باب الزيارة المشار إليها لقربها من باب الحناطين.
انظر: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (1/ 379).
(11)
حنط: الحِنْطة: البُرُّ. والحِناطةُ: حِرفة الحَنّاط، وهو بَيّاع البُرِّ. والحَنُوط: يُخلَط (من الطِّيب) للميِّت خاصَّةً، وفي الحديث: أنّ ثُمَّودَ لمّا أيقَنُوا بالعذاب تَكَفَّنُوا بالأَنْطاع وتَحَنَّطوا بالصبر.
انظر: معجم العين، مادة حنط، (2/ 171)، وسمي هذا الباب بهذا الاسم لوجود الأحناط المعدة للرواحل التي تأتي مع الحجاج إلى مكة.
(12)
أَبو قُبَيْسٍ: بلفظ التصغير كأنه تصغير قبس النار: وهو اسم الجبل المشرف على مكة، وجهه إلى قعيقعان ومكة بينهما، أبو قبيس من شرقيّها، وقعيقعان من غربيّها، قيل سمّي باسم رجل من مذحج كان يكنّى أبا قبيس، لأنه أول من بنى فيه قبّة، قال أبو المنذر هشام: أبو قبيس، الجبل الذي بمكة، كناه آدم، عليه السلام، بذلك حين اقتبس منه هذه النار التي بأيدي الناس إلى اليوم، من سرختين نزلتا من السّماء على أبي قبيس، فاحتكّتا، فأورتا نارا، فاقتبس منها آدم.
انظر: معجم البلدان، جبل أبوقبيس، (1/ 81).
واعلم أنَّ بابَ الصفا حيال الحجر الأسود، ومنه يُصعد إلى الصفا، والصفا والمروة جبلان يشتد فيهما من سعي، ولم يكن فيهما بناء، ولا درج إلى زمن أبي جعفر فبنى هو على الصفا اثنتي عشرة درجة، وعلى المروة خمس عشرة درجة، ومن الكعبة إلى الصفا مائة ذراع واثنان وستون ذراعًا، والمسعى مائة ذراع واثنا عشر ذراعًا، ومن الصفا إلى المروة طواف واحد سبع مائة، وستة وستون ذراعًا وشبر، وأما هنا فإن حده من العقبة إلى محسّر
(1)
، ومن جمرة العقبة، وهي أول الجمار مما يلي مكة إلى الجمرة الوسطى أربع مائة ذراع وسبع وثمانون ذراعًا، ومن الوسطى إلى الجمرةِ
(2)
الأولى، وهي التي تلي مسجد منى بثلاثمائة ذراع وخمسة أذرع،
وصف لأبعاد المواقيت
والمشعر الحرام
(3)
ما بين جبل
(4)
مزدلفة وحد محسّرمن القرن الأحمر إلى منقطع السيل الذي يهبط إلى بطن محسّر.
(1)
قلتُ: والمحسِّر بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين مشدّدة، اسم فاعل من (الحسْر)، وهو واد صغير بين مزدلفة ومنى، سمّي بذلك لأن فِيلَ أصحاب الفيل أعيا فيه وكَلَّ عن المسير، أي حَسَر، من حسرت الدابة إذا أعيت، وقيل: لأنه يُحسّر سالكيه ويُتعبهم، من قولهم: حَسَرت الناقة، أي أتعبتها، وقيل: لأن إبليس وقف فيه متحسّرًا، ويجوز أن يكون من الحَسْرة وهي الندامة؛ لأن فيل أبرهة حَسَر أصحابه بفعله وأوقعهم في الحَسَرات، ويسمّى أيضًا ببطن محسِّر أو قرن محسِّر،
وللمزيد من التفصيل في تعيين حدوده تفصيلاً.
انظر: المصباح المنير (ص/ 135)، فتح القدير (2/ 381)، قاموس الحج والعمرة (ص/ 245)، معجم البلدان (5/ 62)، القرى (ص/ 155)، البحر العميق (3/ 1652).
(2)
في (أ) و (ب) ومن جمرة العقبة وهي أول الجمار.
(3)
الأفصح في المشعر الحرام فتح الميم، وكسر الميم لغة حكاه البعض، ولم ترد إلا بالفتح في القرآن وروايات الحديث، وهو الصحيح والمشهور كما يقول النووي. وسمي مَشْعرًا من الشِّعار وهو العلامة؛ لأنه مَعْلَم للحج والصلاة والمبيت به، والدعاء عنده من شعائر الحج، والشعائر هي معالم الدين وطاعة الله تعالى التي ندب الله إليها وأمر بالقيام بها. ومعنى الحرام: المحرّم الذي يحرم فيه الصيد وغيره؛ لأنه من الحرم، ويجوز أن يكون معناه ذو الحرمة، وأصل الحرام: المنع فهو ممنوع من أن يفعل فيه ما لم يؤذن فيه. انظر: شرح مسلم للنووي (8/ 189)، شفاء الغرام (1/ 317)، المجموع (8/ 130)، القرى (ص/ 154)، هداية السالك (3/ 1070)، البحر العميق (3/ 1640)، القاموس المحيط (2/ 60).
(4)
في (ج): جبلي.
ومن مزدلفة إلى مسجدِ عرفات ثلاثة أميال، ومِن مكة إلى منى أربعة أميال، ومِن منى إلى مزدلفة ثلاثة أميال، ومِن أولِ عرفات إلى موقفِ الإمامِ ميل، ومِن مكةَ إلى موقف الإمام بريد، والبريد اثنا عشر ميلًا، وهو أربع فراسخ، وأما الحرم ذكر أبو الليث
(1)
عن الهندواني
(2)
[إلى]
(3)
أن الحرم من جانب المشرق ستة أميال، ومن الجانب الآخر اثنا عشر ميلًا، ومن الجانب الثالث ثمانية [عشر]
(4)
، ومن الجانب الرابع أربعة وعشرون ميلًا، هذا كله مما ذكره الإمام السيد الزاهد العالم قاضي القضاة جمال الدين أبو سعد المطهر بن الحسين بن سعد بن علي اليزدي
(5)
رحمه الله في كتاب له مفرد في المناسك.
وصف المواقيت ميقات القرن (قرن المنازل)
القرن
(6)
ميقات أهل نجد جبل مشرف على عرفات قال الشامي:
(1)
نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الليث السمرقندي، إمام الهدى. له " تفسير القرآن" وكتاب "النوازل" في الفقه و"خزانة الأكمل" و"تنبيه الغافلين"ن وكتاب "بستان العارفين"، تفقه أبو الليث على أبي جعفر الهندواني توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة، سنة ثلاث وتسعين وثلاثُمَّائة.
انظر: الجواهر المضية (2/ 196)، تاج التراجم (1/ 310).
(2)
الهنداوني: محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر أبو جعفر الفقيه البلخي الهندواني ذكره صاحب الهداية، كان يقال له أبو حنيفة الصغير لفقهه تفقه على أستاذه أبي بكر محمد بن أبي سعيد المعروف بالأعمش، مات ببخارى فى ذي الحجة سنة اثنتين وستين وثلاث مائة وهو ابن اثنتين وستين سنة.
انظر: الجواهر المضية (2/ 68)، تاج التراجم (1/ 264).
(3)
أثبته من (ج).
(4)
أثبته من (ج).
(5)
هو الإمام أبو سعد جمال الدين المطهر بين الحسن بن سعيد اليزدي الحنفي، وكان يلقب أيضًا
بجلال الدين القاضي، شيخ الإسلام، جليل القدر، أوحد الزمان، له: التهذيب، الخلاصة، اللباب
(ت 591 هـ). انظر: الجواهر المضية (3/ 485)، الفوائد البهية (ص/ 353).
(6)
قرن المنازل: وقال القاضي عياض: قرن المنازل وهو قرن الثعالب، بسكون الراء: ميقات أهل نجد تلقاء مكة على يوم وليلة، وهو قرن أيضا غير مضاف وأصله الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير، ورواه بعضهم بفتح الراء، وهو غلط إنما قرن قبيلة من اليمن، وفي تعليق عن القابسي: من قال قرن، بالإسكان، أراد الجبل المشرف على الموضع، ومن قال قرن، بالفتح، أراد الطريق الذي يفترق منه فإنه موضع فيه طرق مختلفة مفترقة، وقال الحسن بن محمد المهلبي قرن قرية بينها وبين مكة أحد وخمسون ميلا وهي ميقات أهل اليمن، بينها وبين الطائف ذات اليمين ستة وثلاثون ميلا. وقرن البوباة: واد يجيء من السّراة لسعد ابن بكر ولبعض قريش وبه منبر.
انظر: معجم البلدان (4/ 323).
أَلَم تَسأَلِ الرَبعَ أَن يَنطِقا بِقَرنِ المَنازِلِ قَد أَخلَقا
(1)
وفي الصحاحِ بالتحريك وفيه نظر، والقَرَن بفتحتين، حيٌ من اليمن
(2)
إليهم يُنسب أويس القرني
(3)
هكذا في «المْغُرِْب»
(4)
.
(هكَذَا وقَّتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لهؤلاء).
وصف لأبعاد المواقيت
أي: وقّت هذه المواقيت لمن ذكر من أهلها كذي الحليفة لأهل المدينة، وكذلك في غيرها، وذكر في «الإيضاح»
(5)
، وقال أبو حنيفة رحمه الله:(في أهل المدينة إذا جاوزوا ذا الحليفة فلا بأس بذلك، وأحبّ إلى أن يحرموا من ذي الحليفة)؛ لأنهم إذا وصلوا
(6)
في الميقات يجب مراعاة حرمتها قصد الحجّ، أو العمرة أو لم يقصد عندنا.
وقال الشافعي
(7)
رحمه الله: (إنما يجب الإحرام عند الميقات على من أراد دخول مكة للحج والعمرة فأما من أراد دخولها [لقتال]
(8)
، فليس عليه الإحرام عنده قولًا واحدًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها يوم الفتح بغير إحرام، فإن أراد دخولها للتجارة، أو طلب غريم له فله فيه قولان، في أحد قوليه: لا يلزمه الإحرام؛ لأن الإحرام غير مقصود لعينه، بل لأداء النُسك
(9)
به، وهذا الرجل غير قاصد أداء النُسك فكان الحرم في حقه كسائر البقاع، فوجه قول علمائنا حديث ابن شريح الخزاعي
(10)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة يوم الفتح: «أنَّ مكةَ حرامٌ حرمها الله تعالى يوم خلق السموات والأرض، وأنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي،
(1)
البيت منسوب لعمر بن أبي ربيعة.
انظر: معجم البلدان، (4/ 76).
(2)
اليمن: إقليم معروف من بلاد العرب، يقع إلى الجنوب الغربي من جزيرة العرب، سمي بذلك لأنه إلى يمين الناظر إلى مطلع الشمس في الشرق، وقيل: لأنه عن يمين الكعبة، والنسبة إليه (يمني) و (يمانيّ).
انظر: مختار الصحاح (ص/ 309)، المصباح المنير (ص/ 682)، الهادي إلى اللغة (4/ 557).
(3)
أويس بن عامر، وقيل: عمر ويقال: أويس بن عامر بن جزء من مالك بن مرادي القرني، الزاهد المشهور أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمر وعلي، ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة وكان ثقة، أسلم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن منعه من القدوم بره بأمه.
انظر: تهذيب التهذيب (1/ 195).
(4)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 381).
(5)
انظر: البحر الرائق شرح كنوز الدقائق (2/ 342).
(6)
في (ج) حصلوا.
(7)
انظر: المجموع (7/ 59)، مغني المحتاج" (2/ 286).
(8)
أثبته (ب، ج).
(9)
أي تأدية الفرائض والأركان والسنن المقررة في الحج.
انظر: الاتحاف بحديث فضل الانصاف (ص 43).
(10)
وأَبو شُرَيْحٍ الخُزاعيّ الكَعْبِيّ، واسْمه خُويلدُ بنُ عَمْرو، وَقيل: عَمْرُو بنُ خُوَيلد، حاملُ لِوَاءِ قومِه يومَ الفَتْح. وأَبو شُرَيحٍ هانئُ بنُ يَزيدَ، جَدُّ المِقْدَامِ بن شُرَيْح، لَهُ وِفادةٌ ورِوَايَةٌ. وأَبو شُرَيْحٍ الأَنصاريّ، مُحدِّثون.
انظر: تاج العروس (6/ 506).
وإنما أحلت في
(1)
ساعة من نهار، ثُمَّ هي حرام إلى يومِ القيامةِ»
(2)
، فقد ترخص
(3)
لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوصية له، وإنما يكون كذلك أن لو لم يكن لغيره أن يصنع كصنعه) كذا في «المبسوط» .
(4)
هل قصد الحرم مثل قصد مكة في وجوب الإحرام
ولكن ذكر في «الخلاصةِ الغزالية»
(5)
: (قوله مثل قولنا) ولأن وجوب الإحرام لتعظيم هذه البقعةِ الشريفة
(6)
، لا؛ لأنه شرط للحج بدليل أن من كان داخل الميقات يُحرمُ من دويرة أهله، فالكل سواء في افتراض الحجّ فيستويان في شرط الأداء، فَعُلم أن الوجوب من الميقات لمكان البيت، فإن الله تعالى جعل البيت معظمًا بأن جعله بيته، فجعل مكّة حصنًا
(7)
له بناء، والحرم حمى له مأمنًا، وإلى المواقيت من الحل حريمًا للحرم تأكيدًا لحرمة البيت، وجعل داخل مكة كداخل البيت؛ لأنه حصنه فلم يمكنه من الدخول
(8)
إلا بإحرام؛ ليكون الدخول على قصد تعظيم البيت، وزيارته بخلاف من كان داخل الميقات؛ لأنهم جُعِلُوا في حكم حاضري المسجد الحرام، وإذا صاروا من حاضريه حُكمًا لم يُتصور منهم القدوم على البيت، فلم يلزمهم ما يجب بحق القدوم، وأنهم كالحرّاس حول الحصن، وإنما يلزمهم الإحرام الذي هو/ شرط الحجّ والعمرة إذا أرادوهما كذا في «الأسرار»
(9)
.
(1)
في (ب، ج): لي.
(2)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [لَا يُنَفَّرُ صَيْدُ الحَرَمِ](3/ 14) برقم: [1833]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[تَحْرِيمِ مَكَّةَ وَصَيْدِهَا وَخَلَاهَا وَشَجَرِهَا وَلُقَطَتِهَا، إِلَّا لِمُنْشِدٍ عَلَى الدَّوَامِ](2/ 988) برقم: [1355].
(3)
ترخص: أي رخصة أو إجازة، انظر: مختار الصحاح، مادة رخص (83).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 167).
(5)
الخلاصة الغزالية، وتسمى خُلاصة المختصر ونقاوة المُعتصر لحجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (505 هـ) الكتاب مطبوع بمجلد واحد طبعته دار المنهاج بتحقيق أمجد رشيد محمد علي.
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 427). البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 342).
(6)
البقعة الشريفة: أي منطقة المشاعر المقدسة والتي تشمل مكة وجميع أماكن الحج.
انظر: فقه العبادات الحج، (68).
(7)
حصناً: (ح ص ن) الْحصن: مَعْرُوف واشتقاقه من حصنت الشَّيْء تحصينا إِذا منعته وحظرته. وَمِنْه حصنت الْمَرْأَة إِذا زوجتها، وكل شَيْء منعته فقد حصنته وحويته. وَقد سمت الْعَرَب حصنا وحصينا ومحصنا. وَامْرَأَة مُحصنَة: متزوجة وحاصن: عفيفة.
انظر: جمهرة اللغة/ مادة حصن، (1/ 543).
(8)
سقط من (ج). من قوله: (مأمنًا، وإلى المواقيت) إلى قوله: (من الدخول).
(9)
انظر: الأسرار (ص 50).
هل لأهل مكة وسكانها ميقات
؟
(ومَنْ كانَ داخلِ الميقاتِ لهُ أنْ يدخلَ مكةَ بغيرِ إحرام)
(1)
، وهذا عندنا، وفي أحد قولي الشافعي
(2)
رحمه الله: ليس له ذلك، فإنه لا يفرّقُ على أحدِ القولين بين أهل الآفاقي
(3)
وبين أهل الميقات في أنه لا يدخل منهم مكة إلا محرمًا، وحجتنا في ذلك حديث ابن عباس: «أن النبي عليه السلام رخَّصَ للحطَّابين
(4)
أن يدخلوا مكة بغير إحرام»
(5)
والظاهر: أنهم لا يجاوزون الميقات، فدلّ أن كل من كان داخل الميقات له أن يدخل مكة بغير إحرام، ولو خرج المكِّي من مكّة لحاجة له فبلغ الوقت، ولم يجاوزه حتى عاد، فله أن يدخل مكة بغير إحرام، ولو جاوز الوقت لم يكن له أن يدخل مكة إلا بإحرام لما بيَّنا أن من وصل إلى موضع فحاله في الإحرام كحال أهل ذلك الموضع كذا في مبسوطي شمس الأئمة، وفخر الإسلام، وإتمامها أن يحرم بهما
(6)
من دويرة أهلك، كان شيخي رحمه الله كثيرًا ما يقول: إن ذكر الدار هاهنا بلفظ التصغير بمقابلة تعظيم بيت الله تعالى، يعني: أن بيت الله تعالى معظّم، وغيره من البيوت مصغّر.
معناه، أي: الحل الذي بين المواقيت وبين الحرم؛ لأنه يجوز إحرامه من دويرة أهله، وهذا الدليل لبيان ما ادّعاه في معنى الحل بأن المراد من الحل المطلق في قوله:
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 43)
(2)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 9).
(3)
الآفاقي: نسبة إلى الآفاق جمع أفق، والمراد به من كان خارج المواقيت المكانية للحرم، ويرى البعض أن الصواب في النسبة أن يُقال: أُفُقي أو أَفَقي.
انظر: معجم لغة الفقهاء (14)، التعريفات الفقهية (152)، المغرب (1/ 41).
(4)
حطب: الحَطَبُ معروف، تقول منه: حَطَبْتُ واحتطبتُ، إذا جمعته. ويقال لمن يتكلم بالغث والسمين: حاطب لَيْلٍ، لأنّه لا يبصر ما يجمع في حَبْلِهِ.
انظر: جمهرة اللغة/ مادة حطب (1/ 556).
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة: في "مصنفه"(4/ 1/ 211) بسنده عن ابن عباس موقوفاً بلفظ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، إِلَّا الْحَطَّابِينَ والحمالين وَأَهْلَ مَنَافِعِهَا» وأسنده الطحاوي في شرح معاني الأثار (2/ 263) عن علي بن الحكم، عن عطاء، قال:«لايدخل أحد الحرم إلا بإحرام، فقيل ولا الحطابون؟، قال: ولا الحطابون، قال: ثُمَّ بلغني بعد ذلك أنه رخص للحطابين» .
(6)
ساقطة من (ج).
(فَوقْتُهُ الحِلُّ
(1)
، [الحل]
(2)
الذي هو بين الميقات وبين الحرم لا الحل الذي هو خارج الميقات)؛ إذ لو كان المراد منه خارج الميقات لما جاز لمن كان داخل الميقات أن يُحرم من دويرة أهله كما لا يجوز ذلك للآفاقي الذي هو خارج الميقات، فلمّا حلّ لمن كان داخل الميقات أن يُحرم من دويرة أهله عُلم أن المراد [منه]
(3)
وهو الحل الذي هو داخل الميقات، فبعد ذلك لا يتفاوت في حق داخل الميقات جميع أمكنة ذلك الحل، فيُحرم من أي موضع شاء لورود الأثر به، وهو ما ذُكر قبيل هذا، وأمر أخا عائشة
(4)
رضي الله عنهما أن يعمّرها من التنعيم
(5)
.
ثُمَّ اعلم أن الأحاديثَ التي وردت في فضائلِ الحجِّ أوردها الثقات
(6)
في كتبهم منها ما ذكره الإمام العالم جمال الدين الأستاجي
(7)
في مناسكه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «[من أعظم الناس]
(8)
ذنبًا من وقف بعرفة، وظن أن الله لم يغفر له»
(9)
، وقال صلى الله عليه وسلم:«أنَّ الحجر ياقوتة من يواقيت الجنة، وأنه يبعث يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، ويشهد لمن استلمه بحق وصدق»
(10)
، وكان صلى الله عليه وسلم يقبله كثيرًا، وقال صلى الله عليه وسلم:«حجَّة مبرورة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَحجَّة مبرورة لَيْسَ لَهَا جَزَاء إِلَّا الْجنَّة»
(11)
.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 43)
(2)
أثبته من (ج).
(3)
أثبته من (ج).
(4)
وهما: عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق وهو أخوها لأبيها، والطفيل بن عبد الله بن سخبرة أبو
الحارث بن الطفيل وهو أخوها لأمها.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات، (1/ 294).
(5)
التنعيم: مكان معروف في الحل يقع عند طرف حرم مكة من جهة المدينة، ويبعد عن المسجد الحرام
نحو (7) كم تقريبًا نحو الشمال، وسُمّي بذلك لأن الجبل الذي عن يمين الداخل إلى الحرم يقال له: نُعيم، والذي عن شماله يقال له: ناعم، والوادي نَعْمان، وهو أقرب الحل إلى المسجد الحرام، ويعتبر الآن أحد أحياء مكة، انتشر فيه العمران والمساجد، وبه جامع مشهور باسم مسجد عائشة، يحرم المعتمرون منه.
انظر: معجم البلدان (2/ 49)، تهذيب الأسماء واللغات (1/ 2/ 43)، المناسك للحربي مع حاشيته (ص/ 467)، قاموس الحج والعمرة (ص 2/ 68).
(6)
الثقات: وهم أهل العلم الشرعي الاسلامي.
(7)
مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أبي الْفضل بن الْحُسَيْن بن سعيد بن عَليّ الْوَاعِظ الأستاجي الإِمَام جمال الدّين مَاتَ لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ سَابِع ربيع الأول سنة أَربع وَتِسْعين وست مائَة وَدفن بمقبرة بَاب الْحَاج رَحمَه الله تَعَالَى.
انظر: الجواهر المضية (2/ 49).
(8)
أثبته من (ب).
(9)
انظر: ابن تيمية في "مختصر الفتاوى المصرية"(1/ 316).
(10)
أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 91) برقم: [2215]، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (9/ 25) برقم:[3711]، وأخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/ 220) برقم:[2971]، وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 63) برقم:[12479]، أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" باب:[ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْحَجَرَ إِنَّمَا سَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ خَطَايَا الْمُسْلِمِينَ](4/ 220) برقم: [2734]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 436) برقم:[2182].
(11)
أخرجه الغزالي في "إحياء علوم الدين"(1/ 240)، وذكره العراقي في "المغني عن حمل الأسفار"(1/ 284).
وقال صلى الله عليه وسلم: «الحَجّةُ المبرورةُ كفارةُ سبعينَ سنة»
(1)
، وفي الخبر «النظر إلى الكعبة بغير طواف، وبغير صلاة أفضل عند الله تعالى من عبادة سنة بصيام نهارها، وقيام ليلها»
(2)
، وروي عن الحسن البصري رحمه الله «أن صوم يوم فيها يعدل بمائة ألف يوم، وتصدق درهم بمائة ألف درهم، وكذا كل حسنة تعدل بمائة
ألف»
(3)
، والله أعلم.
بَابُ الإحرامِ
[فصلٌ]
(4)
لما ذكر المواقيت شرعَ في بيانِ كيفيةِ الإحرامِ الذي يُفعل في تلك المواقيت، اعلم: أن المرء في أمور الحجّ يتبرأُ عن العقلِ، ويأتسي بالنقلِ
(5)
؛ إذ أي عقل يهدي إلى أن لبس غير المخيط عبادة ذوي الحصافة، وودع نظافة الطيب عين النظافة، ولا
(6)
إلى رمي جمار معدودة في أماكن محدودة من غير مرمي إليه يشار، ولا غير ظنين به يهادُ، فإنه يلبس لباس الأموات، ويصنع صنيع من لحقته الوفاة حيث لا يحلق رأسه، ولا يقلم أظفاره، ولا يقطع شاربه، ولا يزيل أوضاره، ولا يقضي شهوته، ولا يصطاد، ولا يرتاد
(7)
قاتل ابنه، ولا يستاد يشير بذلك كله إلى أنه مات في سبيل الله تعالى لينال الموعود في قوله:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ}
(8)
الآية.
(1)
ورد هذا الحديث بهذا النص وهو: " الحجة المبرورة ليس لها جزاء إلا الجنة، والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما " في كتاب السنن الكبرى للنسائي (4/ 6)، الحديث رقم 3588، بإخبار عبده بن عبدالله، حدثنا سويد بن عمرو الكلبي، حدثنا زهير ابن معاوية الجزري، حدثنا سهيل عن أبي صالح، عن أبي هريرة، كما ورد بنفس رواية أبي هريرة عند ابن حيان في الإحسان في تقريب صحيح ابن حيان لمحمد التميمي تحقيق شعيب الأرنؤوط، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت 1408 هـ 1988 م، (9/ 9)، وفي المعجم الأوسط للطبراني (2/ 51) برقم 1217، أما كفارة سبعين سنة فقد انفرد بها المؤلف.
(2)
ورد هذا الحديث في أخبار مكة للأزرقي بقوله: قال عثُمَّان أخبرني ياسين عن أبي الأشعث بن دينار، عن يونس بن خباب قال:" النظر الى الكعبة عبادة فيما سواها من الأرض، عبادة الصائم القائم الدائم الفائت "، (2/ 8)، كما ورد بنص آخر عند الأزرقي " النظر الى الكعبة عبادة، ودخول فيها حسنة، وخروج منها خروج من سيئة "(2/ 9)، كما ورد بنص أخر عند الأزرقي:" النظر الى الكعبة محض الإيمان " بقوله: حدثنا أبو الوليد حدثني جدي، حدثنا عثُمَّان، قال أخبرني ياسين، عن أبي بكر المدني عن عطاء، قال سمعت ابن عباس، (2/ 9)، كما ورد في بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي بنص: قال صلى الله عليه وسلم: " النظر إلى الكعبة عبادة "، (1/ 107).
(3)
انظر: أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين"(1/ 242)، وذكره الفاكهي في "أخبار مكة" (2/ 271) برقم:[1507].
(4)
أثبته من (ج).
(5)
يتبرأ من العقل، ويأتسي بالنقل: أي يتبع ولا يبتدع، يتبع كل التعليمات ويقتدي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - أقوالا وأفعالا وتقريراً، ولا يحاول أن يخضع ما يفعله للعقل لان العقل يتبع الهوى.
انظر: الإتحاف بحديث فضل الانصاف، (ص 352).
(6)
ساقطة من (ج).
(7)
يرتاد: أي يبحث عن قاتل أبيه ليأخذ بالثأر.
انظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة رود، (4/ 56).
(8)
سورة النساء من الآية (100).
أو يشير إلى أنه ائتمرَ بأوامرِ الشرعِ، وَقَمُؤ
(1)
في سبيله قماءة النزعِ، والنقع غير راجع إلى عقله، ومسكنته، وحولهِ وقوته.
من سنن الإحرام
قوله رحمه الله: (والغُسلُ أفضل)
(2)
.
وهذا الاغتسالُ ليسَ بواجبٍ
(3)
لما رُوي أن أبا بكر رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أسماء
(4)
قد نفست فقال: «مُرهَا فَلتغتَسل، وَلتحرم بالحجّ»
(5)
.
ومعلومٌ أنَّ الاغتسالَ الواجب مع الحيضِ لا يتأدى فعرفن أنَّ الاغتسال لمعنى النظافة، وما كان لهذا المقصود فالوضوء/ يقوم مقامه كما في العيدين، والجمعة لكن الغسل أفضل؛ لأن معنى النظافة فيه أتم)، فلا بد من الوضوء؛ لأنه يحتاج إلى أن يصلي، كذا في «المبسوط»
(6)
وغيره.
(اختاره).
بالخاء المعجمة، أي: آثره على الوضوء.
كيفية إرتداء ملابس الإحرام
(إزارًا
(7)
ورداءً
(8)
: الإزار من الكتف، والرداء من الحقو، ويُدخل الرداء تحت يمينه، ويلقيه على كتفه الأيسر، ويبقى كتفه الأيمن مكشوفًا كذا في «الجامع الصغير
(9)
»
(10)
للإمام المحبوبي، وعن محمد أنه يكره أن يتطيب بما يبقى عينه كالمسك
(11)
،
(1)
(قَمُؤ) الرجل وَغَيره قماء وقماءة صغر وذل فِي الْأَعْين، من الذل والهوان.
انظر المعجم الوسيط، باب القاف (2/ 757).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 43).
(3)
قلت: نقل البعضُ الإجماعَ على أن الاغتسال للإحرام غير واجب، وأن الإحرام جائز بغير اغتسال، ولكن نُقل عن الحسن البصري، وعطاء، والظاهرية القول بوجوب الاغتسال للإحرام.
انظر: الإجماع لابن المنذر (ص/ 51)، المجموع (7/ 212)، الاستذكار (3/ 303)، المغني (5/ 75)
(4)
أسماء بنت عميس أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية لأمها، كانت أولا تحت جعفر بن أبي طالب ثُمَّ تزوجها أبو بكر، ثُمَّ علي، وولدت لهم، هاجرت إلى الحبشة، وكان عمر يسألها عن تفسير الرؤيا.
انظر ترجمتها في: تهذيب التهذيب (4/ 663)
(5)
أخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [إِحْرَامِ النُّفَسَاءِ وَاسْتِحْبَابِ اغْتِسَالِهَا لِلْإِحْرَامِ، وَكَذَا الْحَائِضُ](2/ 869) برقم: [1209]، وأخرجه ابن ماجه في "سننه" باب:[النفساء](2/ 971) برقم: [2911]، وأخرجه أبو داود في "سننه" باب:[الْحَائِضِ تُهِلُّ بِالْحَجِّ](2/ 144) برقم: [1743]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(5/ 422).
(6)
انظر: المبسوط (4/ 3).
(7)
الإزار لغة: ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن، يذكَر ويؤنث، وعند الفقهاء: مايكون من السرة إلى الركبة انظر: المعجم الوسيط (1/ 15)
(8)
الرداء: مايلبس فوق الثياب كالجبة والعباءة، وعند الفقهاء: مايكون على الظهر والكتفين والصدر.
انظر: تعريف الرداء والإزار في: ص (78)
(9)
شرح الجامع الصغير، (مخطوط) للإمام محمود بن أحمد بن عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي الحنفي، الملقب بتاج الشريعة، كان عالمًا فاضلاً، محقّقًا، مدققًا، (ت 553 هـ)،
انظر: كشف الظنون (1/ 563)، تاج التراجم (1/ 333).
(10)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 430)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 345).
(11)
المسك: ملك أنواع الطيب وأشرفها، من دم دابة كالظبي والغزال، ويتكون المسك في حويصلات خاصة، توجد في الذكر دون الأنثى وموضعها خلف السرة تماما، وهو دهني الملمس، رائحته قوية نفاذة، وطعمه مر.
انظر: زاد المعاد (1/ 192)، الحيوان (5/ 301)، المعجم الوسيط (2/ 876).
والغالية
(1)
؛ لأنه منتفع بالطيب بعد الإحرام؛ لأنه لمّا كان الطيب مما يبقى عينه بعد الإحرام كان منتفعًا بعين الطيب، وهو ممنوع عن ذلك، وذلك لأن للبقاء حكم الابتداء كما في [الثوب]
(2)
، والدليل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه رأى أعرابيًا عليه الخَلُوف
(3)
فقال: «اغسل عنك هذا الخَلُوف»
(4)
.
ولنا ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «طيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِإِحْلَالِهِ حِينَ أَحَلَّ، قبل إنْ يَطوفَ بالبيتِ»
(5)
«ولقدْ رأيتُ وبيصَ الطيبِ في مفارقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعدَ إحرامهِ»
(6)
، ولأنه إذا تطيب صار الطيب كالتابع له لاتصاله به، وأطلق له ذلك لما حرم عليه في الإحرام؛ ليندفع به ما يوجد في الإحرام من معنى [التفل]
(7)
، وأنه على مثال السحور تقدم على الصوم ليندفع به أذى الجوع، فيحصل له معنى العبادة، ويندفع عنه
(8)
الأذى، رحمة من الله وفضلًا بخلاف الثوب؛ لأنه مباين عنه، فلم يمكن أن يُعتبر تابعًا له وحديث الأعرابي محمولٌ على هذا، وهو كون الطيبِ على ثوبه لا على بدنه كذا في «الإيضاح»
(9)
.
(1)
الغالية: نوع من الطيب، مركّب من مسك وعنبر وعود ودهن، فهي أخلاط من الطيب، ويقال: إن أول من سماها بذلك سليمان بن عبد الملك، يقال فيه: تغاليت بالغالية.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 2/ 62)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 296)، المصباح المنير (ص/ 452).
(2)
أثبته من (ج) وفي (أ، ب) الثبوت، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(3)
الخَلُوف: تَغَيُّرُ طَعْمِ الْفَمِ لتأَخُّرِ الطَّعَامِ.
انظر: لسان العرب (3/ 93).
(4)
أخرجه الشافعي بالنص برواية سفيان عن عبدالرحمن بن القاسم بن محمد قال: سمعت عائشة رضي الله عنها وقد بسطت يديها تقول: " أنا طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي هاتين لاحرامه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت "(1/ 121)، وفي مسند أحمد برواية محمد بن عبيد الله، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت:" طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم لاحرامه حين أحرم، ولحله حين أحل بمنى، قبل أن يفيض "(41/ 209)، برقم 24672، كما اخرجه ابن ماجة في سننه برواية علي بن محمد حدثنا خالي محمد وابو معاوية وابو أسامة عن عبيد الله عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت:" طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاحرامه حين حرم، ولإحلاله حين حل "(2/ 1011)، برقم [3042]
(5)
أخرجه ابن ماجه في "سننه" باب: [مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ، إِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ](2/ 1011) برقم: [3042]،
(6)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، وَمَا يَلْبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ](2/ 136) برقم: [1537]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ](2/ 848) برقم: [1190].
(7)
أثبنه من (ب، ج)، وفي (أ) النقل. ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(8)
في (ب، ج): غير.
(9)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 432).
نية الحج اللهم إني أريد الحج
قال رحمه الله: (قال: ([وقال]
(1)
: اللهم إني أريدُ الحجّ)
(2)
.
أي: قال محمد رحمه الله قال الذي يريد الحجّ: اللهم إني أريد الحجّ.
وفي بعض النسخ لم يذكر قال الأول، وألحقه بحديث جابر رضي الله عنه، أي:«صلى النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة»
(3)
.
و (قال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح هو الأول لأنه هو المثبت في الكتب المتقنة عند الأساتذة
(4)
، ولأنه موافق لرواية «المبسوط»
(5)
؛ لأنه ذكر في «المبسوط»
(6)
حديث جابر بلفظ الماضي الغائب كما ذُكر هنا.
ثُمَّ قال (وقل اللهم إني أريد الحجّ) خطابًا من أبي حنيفة لأبي يوسف -رحمهما الله- كما خاطب فيما قبله، وفيما بعده، وهذا اللفظ كما ترى لا يحتمل أن يكون معطوفًا على حديث جابر لتنافر الكلام.
التلبية أول الأقوال بعدالإحرام
(ثُمَّ يلبي عقيب صلاته)
(7)
.
والكلام هاهنا في [فصول]
(8)
.
الاختلاف في التلبية
أحدها: في اشتقاق التلبية قيل: هي مشتقة من قولهم: لبَّ الرجل إذا أقام في
مقام، فمعنى قول القائل: لبيك أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة
(9)
؛ لأن التثنية
(10)
(11)
للتكرير
(12)
، والتكثير
(13)
كما في قوله تعالى {كَرَّتَيْنِ
…
يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ
…
خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}
(14)
، فالمراد به: التكرير، والتكثير؛ لأن انقلاب البصر خاسئًا وهو حسير يدل عليه.
(1)
أثبته من (ج).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 43)
(3)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام: فَقَصَرَ وَهُوَ يَرَى البُيُوتَ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الكُوفَةُ قَالَ: «لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا»](2/ 43) برقم: [1089]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[تَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَإِشْعَارِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ](2/ 912) برقم: [1243].
(4)
الأساتذة: المقصود بهم أهل الحديث وعلماؤه.
(5)
انظر: المبسوط (4/ 4).
(6)
انظر: المبسوط (4/ 4).
(7)
انظر: بداية المبتدي (1/ 43)
(8)
ساقطة من (ب)، وفي (ج) على وجوه.
(9)
وهذا كما يقال: ادخلوا الأول فالأول، والغرض من ذلك دخول الجميع. انظر: الشِّلْبي (2/ 10).
(10)
في (ج) التلبية.
(11)
قلت: القول بأن (لَبَّيْكَ) لفظ مثنى هو قول أكثر النحويين، ومنهم سيبويه حيث قال: إنه مثنى للتكثير والمبالغة، ومعناه: إجابة بعد إجابة ولزومًا لطاعتك، فتثنيته للتوكيد ولزيادة إظهار الطاعة لا تثنية حقيقية. وقال يونس البصري: إن (لَبَّيْكَ) اسم مفرد، وإن ألفه انقلبت ياء لاتصالها بالضمير على حدّ (لديّ). وقال ابن الأنباري: ثنوا (لَبَّيْكَ) كما ثنو حنانيك، أي: تحنّنا بعد تحنّن. قال ابن الضياء: والصحيح مذهب سيبويه أنه مثنى، وعليه أكثر الناس. وأصل (لَبَّيْكَ): لبّبْتك، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث باءات، فأبدلوا من الثالثة ياء، كما قالوا من الظن: تظنيت، والأصل: تظننت.
انظر: المفهم (3/ 266)، شرح مسلم للنووي (8/ 87)، هداية السالك (2/ 506)، لسان العرب (5/ 3980)، البحر العميق (2/ 658)، فتح الباري (3/ 409)، طلبة الطلبة (ص/ 57)، المصباح المنير (ص/ 547)، المجموع (7/ 244).
(12)
التكرير: أي تكرار التلبية. انظر: مختار الصحاح، مادة كرر (249)
(13)
التكثير: أي الإكثار من ذكر التلبية لبيك اللهم لبيك.
انظر: مختار الصحاح، مادة كثر (243).
(14)
سورة الملك من الآية (4).
وقيل: هي مشتقةٌ من قولهم: داري تلب دارك، أي: تواجهها، فمعنى قولك لبيك، أي: اتجاهي لك، وقيل: هي مشتقةٌ من قولهم: امرأةٌ لبّة، أي: محبّةٌ لزوجها، فمعناه محبتي لك يا رب.
(والثاني): أن المختار عندنا أن يلبي في دبر صلاته، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول يلبي حين يستوي على راحلته، وذكر جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حين علا البيداء
(1)
، إلا أن ابن عمر ردّها
(2)
فقال: " [إن بيداكم]
(3)
يكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما لبّى رسول الله حين استوى به راحلته".
وعن سعيد بن جبير
(4)
: قلتُ لابن عباس: كيف اختلف الناس في وقت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حج إلا مرة واحدة؟ فقال: «لبّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دبر صلاته، فسمع ذلك قوم من أصحابه فنقلوا، وكان القوم يأتونه أرسالًا فلبّى حين استوت به راحلته فسمع تلبيته قوم، فظنوا أنها أول تلبية فنقلوا ذلك، ثُمَّ لبّى حين علا البيداء فسمعه قوم آخرون، فظنوا أنها أول تلبيته فنقلوا ذلك، وأيمُ الله ما أوجبها إلا في مصلاه»
(5)
.
(1)
بيد: البيداء: المفازة والجميع بيد، وباد الشيء بيدا وبيودا: هلك، والبيدانة: الأتان تسكن البيداء، وبيد بمعنى غير، يقال: هو كثير المال بيد أنة بخيل.
انظر: تاج العروس/ مادة بيد، (7/ 454)، والمقصود بها الصحاري والفلاء.
(2)
في (ج): ردّ هذا.
(3)
أثبته من (ج).
(4)
الإمام أبو عبد الله سعيد بن جبير الأسدي الكوفي، المقرئ، الفقيه، من التابعين الأجلاء، والعُبّاد المشهورين، نُقل عنه أنه كان يختم القرآن كل ليلتين، وقام ليلة في جوف الكعبة فقرأ القرآن كله في ركعة واحدة، وكان يُقال له: جهْبذ العلماء، وكان لا يدع أحدًا يغتاب عنده، قُتل سنة (95 هـ).
انظر: حلية الأولياء (4/ 272)؛ تذكرة الحفاظ (1/ 76)؛ الأعلام (3/ 93).
(5)
والثالث: أنه لا خلاف أن التلبية جواب الدعاء، والكلام في أن الداعي من هو؟ فقيل الداعي هو الله تعالى كما قال تعالى:{فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ}
(1)
، وقيل: الداعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم:«إن سيدًا بنى دارًا، واتخذ فيها مأدبة، وبعث داعيًا»
(2)
وأراد بالداعي نفسه.
والأظهر أن الداعي هو الخليل/ عليه السلام
(3)
على ما روي أنه لما فرغ من بناء البيت أُمر بأن يدعو الناس إلى الحجّ، فصعد أبا قبيس، وقال: «ألا إن الله تعالى أمر ببناء بيت له، وقد بُني، ألا فحجّوه فبلّغ الله تعالى صوته الناس في أصلاب
(4)
آبائهم، وأرحام أمهاتهم، فمنهم من أجاب مرة ومرتين، وأكثر من ذلك، وعلى حسب جوابهم يحجّون»
(5)
، وبيان هذا في قوله تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}
(6)
، فالتلبية إجابة لدعاء الخليل صلوات الله عليه) كذا في «المبسوط»
(7)
، و «الفوائد الظهيرية»
(8)
.
(1)
سورة إبراهيم من الآية (10).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: (9/ 93) برقم: [7281].
(3)
انظر: تبيين الحقائق (2/ 10)، البحر العميق (2/ 659)، التتارخانية (2/ 335)، يقول علي القاري معلقًا على قول المؤلف:(هو الأظهر) بما نصه: «إن كان المرادُ الإجابةَ الروحية فلا شك أنه الأظهر، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم أُمر بالنداء أيضًا لقوله تعالى:] وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ [[الحج-27] على خلافٍ فيه أن المأمور به إبراهيم، أو هو صلى الله عليه وسلم، وقد نادى الناس بالحج عام الوداع، ثُمَّ لا مِرْية أن الداعي الحقيقي هو الله سبحانه، فالصواب أن الخطاب في (لَبَّيْكَ) لرب الأرباب، لدلالة ما بعده من لفظ (اللَّهُمَّ) و (لاشريك لك) وغيره، ودعوى الالتفات مما لا يُلتفت إليه، ولا يعرج عليه» . انظر: المسلك (72).
(4)
الأَصْلَاب: جمعُ صُلْب، وَهُوَ الظَّهر، وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «فِي الصُّلْب الدِّيةُ» أَيْ إنْ كُسِرَ الظَّهْرُ فَحُدِبَ الرجُل فَفِيهِ الدِّيةُ. وَقِيلَ أَرَادَ إنْ أُصِيبَ صُلْبُهُ بشيءٍ حَتَّى أُذْهِبَ مِنْهُ الجماعُ، فسُمِّي الجماعُ صُلْباً، لأنَّ المَنِيَّ يخْرُج مِنْهُ: انظر: غريب الحديث، (4/ 81).
(5)
أخرجه ابن الجعد في مسنده، برواية أخرى عن علي عن الحكم عن عطاء عن طاوس عن عكرمة في قوله تعالى:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ}
سورة ابراهيم من الآية 37، قال:" هواكم إلى مكة يحجون "، (1/ 54)، برقم 246.
(6)
سورة الحج من الآية (27).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 4 - 5).
(8)
هو كتاب الفوائد الظهيرية وهو فوائد على الجامع الصغير للحسام الشهيد سماها الفوائد الظهيرية في الفقه، وهولظهير الدين أبي بكر محمد بن أحمد القاضي الفقيه الأصولي، ومن كتبه أيضا الفتاوى الظهيرية، (ت 619 هـ) انظر: الجواهر المضية (2/ 20)، معجم المؤلفين (8/ 303).
حكم الزيادة أو النقصان في صيغة التلبية
وقوله: (إنَّ الحمْدَ بكسر الألف).
هكذا رواه ابن عمر، وابن مسعود في صفةِ تلبيةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن بكسر الألف يكون ابتداء بالثناء، وبفتح الألف يكون وصفاً لما تقدّم، وبناءً على ما قبله فكان معناه؛ لأن الحمد أو بأن الحمد، وابتداء الثناء أولى.
على ما هو المعروف في القصة، وقد ذكرنا كيفية القصة، ثُمَّ ظاهر المذهب عندنا أن غير هذا اللفظ من الثناء، والتسبيح يقوم مقامه في حق من يحسن التلبية أو لا يحسن، وكذلك لو أتى بها
(1)
بالفارسية، وهي والعربية سواء، أما على قول أبي حنيفة رحمه الله فظاهرٌ؛ لأن لفظ الفارسيةِ والعربيةِ في تكبيرةِ الافتتاح عنده سواء. ومحمد يفرق بينهما حيث يجوّز هاهنا؛ لأن غير الذِكر هاهنا يقوم مقام الذِكر، وهو تقليد الهدي، فكذلك غير العربية يقوم مقام العربية بخلاف الصلاة، وبهذا يفرق أبو يوسف بين الصلاة والتلبية
(2)
كذا في «المبسوط»
(3)
، وذكر في «فتاوى قاضي خان»
(4)
، ولكن العربية أفضل، ولو قال: اللهم، ولم يزد عليه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل
(5)
: هو على الاختلاف الذي ذكرنا في الشروع في الصلاة من قال: يصير به شارعًا في الصلاة قال: يصير به محرمًا وقال: فلما
(6)
زادوا على المأثور قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: في هذه المسألة أجَهِل الناسُ أم طال بهم العهد لبيكَ عدد التراب لبيكَ
(7)
، وأراد بالعهد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزادوا في رواية: لبيكَ حقًّا حقًّا لبيك تعبّدًا ورقًّا
(8)
، لبيكَ عدد التراب لبيكَ لبيكَ ذا المعارج، لبيكَ لبيكَ إله الخلق لبيكَ لبيكَ،
(1)
ساقطة من (ب، ج).
(2)
في (ج): التكبير.
(3)
انظر: المبسوط (4/ 6).
(4)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 436).
(5)
هو الإمام أبو بكر محمد بن الفضل الكماري البخاري، من فقهاء الحنفية الكبار، حفظ المبسوط، وكان إمامًا وشيخًا جليلاً، معتمدًا في الرّواية، مقلّدًا في الدراية (ت 381 هـ).
انظر: الجواهر المضية (3/ 300)، الفوائد البهية (ص/ 303).
(6)
في (ج): فلا.
(7)
اخرجه ابن راهويه في مسنده عن عبدالرحمن بن يزيد قال: «حججنا في غمارة عثُمَّان بن عفان رضي الله عنه مع عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
…
» فذكر حديثاً فيه طول وفي آخره وزاد ابن مسعود في تلبيته: «لبيك عدد التراب» ، قال عبدالرحمن بن يزيد: وما سمعته قبل ذلك ولابعد. (نصب الراية 3/ 25). وذكر الحافظ ابن حجر في الدراية (2/ 10) بأنه أخرجه ابن راهوية في مسنده، وأبو يعلى.
قلت: وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 227)، والبيهقي في السنن (5/ 121).
(8)
رقًّاً: الرَّقِيقُ: الْمَمْلُوكُ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَقَدْ يُطْلق عَلَى الجَماعة كَالرَّفِيقِ، تَقُولُ رَقَّ العبْدَ وأَرَقَّهُ واسْتَرَقَّهُ.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 251)، والمقصود بها هنا الرقة واللين.
والرغباء
(1)
إليك، لبيكَ من عبدٍ آبق
(2)
لبيك. كذا ذكره صاحب «الأسرار»
(3)
، والمحبوبي
(4)
.
التشهد تلي التلبية مباشرة
وأما الجواب عن التشهدِ فإنه روي في تعليم التشهد زيادة تأكيد، قال ابن مسعود رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ»
(5)
، ولأن شرعية التلبية على سبيلِ الشِعار
(6)
، والزيادة عليه مقرونًا بالتلبية لا يفوت معنى الشعار، فلا يكره بخلاف التشهد، فإنا نكره الزيادة بعدما أدّى حق النظم المنقول؛ لأن فيه إخلالًا بنظم الصلاة كما يُكره تكرار التشهد حتى إذا كان في آخر الصلاة لا يُكره الزيادة؛ لأنه فرغ من أفعال الصلاة، وكذلك في الأذان؛ لأنه للإعلام، وقد صار معروفًا بهذه الكلمات، فلا يبقى إعلامًا بغيرها، وليس في المسألة كثير خلاف فإنه جعل المنقول أفضل؛ لأنه أبلغ في الشِعار، ونحن لا ننكر هذا كذا في «الأسرار»
(7)
وغيره.
(ولا يَصِيرُ شَارِعًا) إلى قوله (ما لَمْ يأتِ بالتَّلْبِيةِ
(8)
.
(1)
رغب: رغبت في الشئ، إذا أردتَه، رغبةً ورَغَباً بالتحريك. وارْتَغَبْتُ فيه مثله. ورغبت عن الشيء، إذا لم تُرِدْهُ وزَهِدت فيه. وأرغبني في الشيء ورغبني فيه، بمعنىً. ورجلٌ رغبوب من الرَغْبَةِ. والرغيبة: العطاء الكثير.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، (1/ 137) والمقصود بها العودة والرجوع الى الله.
(2)
أبق: أَبَقَ العبدُ يَأْبِقُ ويأْبُقُ إباقاً، أي هرب. وتَأَبَّقَ: استتر، ويقال احتبس. ومنه قول الأعشى:
ولكنْ أَتاهُ الموتُ لا يَتَأَبَّقُ وقال آخر: ألا قالت بهان ولم تأبق .. كبرت ولا يليق بك النعيم.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، (1/ 67).
(3)
انظر: الأسرار (ص 154).
(4)
نقلاً عن البحر العميق (2/ 665).
(5)
أخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [التَّشهُّدِ فِي الصَّلَاةِ](1/ 302) برقم: [403].
(6)
الشَعائِرُ: أعمالُ الحجِّ. وكلُّ ما جُعل عَلَماً لطاعة الله تعالى. قال الأصمعي: الواحدة شَعيرةٌ. قال: وقال بعضهم: شِعارَةٌ. والمَشاعِرُ: مواضع المناسك. والمَشْعَرُ الحرام: أحد المَشاعِرِ. وكسر الميم لغة.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، (2/ 682)، والاشعار هنا بمعنى الإخبار والإعلام.
(7)
الأسرار (ص 155).
(8)
انظر: بداية المبتدي (1/ 43). قلت: وقد اختلف الفقهاء في حكم التلبية في الحج، فعند أبي حنيفة: أنها ركن في الإحرام لاينعقد بدونها كالتكبير للصلاة، وعند مالك: أنها واجبة، يجب بتركها دم، وعند الشافعي و أحمد: سنة لايجب بتركها شيء.
راجع الأقوال في: تحفة الفقهاء (1/ 400)، المدونة (1/ 295)، المجموع (7/ 202)، الشرح الكبير (8/ 210).
أوما يقوم مقامها وهو التقليد خلافًا للشافعي، أي: في أحد قولي
(1)
[الشافعي]
(2)
ينعقد الإحرام بمجرد النية، وجَعلَ الإحرام قياس الصوم من حيث إنه التزم الكف عن ارتكاب المحظورات
(3)
، ومثل هذه العبادة يحصل بالشروع فيها بمجرد النية كالصوم، وعلى قولنا: الإحرام هذا
(4)
قياس الصلاة، لأن الإحرام لأداء الحجّ والعمرة، وذلك يشتمل على أركان مختلفة كالصلاة، وكما لا يصير شارعًا بالنية بدون التحريمة، فكذلك في الإحرام بخلاف الصوم، فإنه ليس للصوم إلا ركن واحد، وهو الإمساك، وذلك معلوم بزمانه، فكان الوقت للصوم معيارًا، ولهذا لا يسع في كل زمان إلا صوم واحد فبعد وجود النية ودخول وقت الأداء لا حاجة إلى مباشرة فعل الأداء، فلهذا صار شارعًا فيه بمجرد النية، وهذا الزمان ليس بمعيار للحج، ولهذا صح أداء [الحجّ]
(5)
النفل في الزمان الذي يؤدى فيه الفرض، وإنما أداؤه بأفعاله، وبمجرد النية لا يصير مباشراً للفعل، فلا يصير شارعًا في الأداء
أيضًا، ولكن لو قلّد البدنة
(6)
بنية الإحرام، أو/ أمر فقلدت له، وهو ينوي الإحرام صار محرمًا عندنا، وقال الشافعي
(7)
: "لا يصير محرمًا إلا بالتلبية" على القول الذي يقول: لا ينعقد الإحرام بمجرد النية، وحجته في ذلك: أن الفعل لا يقوم مقام الذكر في التحرم للعبادة كما في الصلاة لما كان الشروع فيها بالتكبير لا يقوم الفعل فيه مقامه، حتى لو ركع وسجد بنية الشروع في الصلاة لا يصير شارعًا، وحجتنا في ذلك قوله تعالى:
{وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ
(8)
(9)
، إلى أن قال تعالى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}
(10)
ولم يتقدم ذكر، الإحرام ففي قوله {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}
(11)
إشارة إلى أن الإحرام يحصل بتقليد الهدي، وذلك مروي عن الصحابة عمر، وابن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهم حتى روي أنَّ قيس بن سعد
(12)
كان يغسل رأسه فبعدما غسل أحد شقي رأسه نظر، فإذا هداياه قد قُلِّدَت فقامَ، وتركَ غسل الشق الآخر، فقال: أما أن من قُلِّدَت هذه الهدايا له فقد أحرم، والمعنى فيه: أن الحجّ يشبه الصلاة من وجه، والصوم من وجه فمن حيث إنه ليس في أثنائه ذكر مفروض كان مشبهًا بالصوم.
(1)
أثبته من (ب) وفي (أ) قوله. ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
(2)
انظر: "المجموع"(7/ 202)، "مغني المحتاج" (2/ 233). وفي:(ب) الشافعي.
(3)
في (ب)، (ج) محظور دينه.
(4)
في: (أ) و (ب) الحج ومثل هذه العبادة يحصل بالشرع
(5)
أثبته منم (ب).
(6)
البدنة: أي أعد الجسم بنية الإحرام.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة بدن، (1/ 67).
(7)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 224)، "مغني المحتاج"(2/ 233).
(8)
القلائد: من (ق ل د): الْقِلَادَةُ مَعْرُوفَةٌ وَالْجَمْعُ قَلَائِدُ وَقَلَّدْتُ الْمَرْأَةَ تَقْلِيدًا جَعَلْتُ الْقِلَادَةَ فِي عُنُقِهَا وَمِنْهُ تَقْلِيدُ الْهَدْيِ وَهُوَ أَنْ يُعَلَّقَ بِعُنُقِ الْبَعِيرِ قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدٍ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَكُفَّ النَّاسُ عَنْهُ.
انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مادة قلد، (2/ 512).
(9)
سورة المائدة من الآية (2).
(10)
سورة المائدة من الآية (2).
(11)
سورة المائدة من الآية (2).
(12)
قيس بن سعد بن عباده بن دليم بن بني ساعدة الأنصاري الخزرجي صحابي جليل. وابن صحابي شهد المشاهد مع رسول الله ص كان سخيا كريما داهية صاحب رأى ومكيدة في الحرب. شهد صفين وبقي في الكوفة حتى مقتل علي ثُمَّ كان مع الحسن. ولما صالح معاوية رجع قيس إلى المدينة وبقي فيها حتى مات في آخر خلافة معاوية
انظر: (طبقات ابن سعد: 6/ 52، والإصابة: 5/ 473).
محرمات الإحرام
ومن حيث إنه يشتمل على أركان [مختلفة كان]
(1)
مشبهًا بالصلاة، فيوفي على كل واحد من الشبهين حظه، فنقول: لشبهه بالصلاة لا يصير شارعًا [فيه]
(2)
بمجرد النية، ولشبهه بالصوم يصير شارعًا فيه، وإن لم يأت بالذكر إذا أتى بفعل يقوم مقام الذكر، وهذا لأن المقصود بالتلبية إظهار الإجابة للدعوة، وبتقليد الهدي تحصل الإجابة)، وسيجيء بيان التقليد، كذا في «المبسوط»
(3)
.
(والرَّفَثُ
(4)
الجِمَاعُ).
منع الجماع أثناء الحج فترة الإحرام
قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}
(5)
.
(أو ذِكرُ الِجماعِ بِحَضرةِ النساءِ)
(6)
.
وإنما قيده بحضرتهن؛ لأن ذكر الجماع في غير حضرتهن ليس من الرفث
(7)
، حتى روي أن ابن عباس
(8)
كان ينشد في إحرامه:
وهُنَّ يمشينَ بنا هميسًا
(9)
إن يصدُقِ الطَّير نَنِكْ لميسًا
(1)
اثبته من (ب)
(2)
اثبته من (ب)
(3)
المبسوط (4/ 138 - 139).
(4)
وهو قول الجمهور، انظر: تفسير النسفي (1071)، تفسير الجصاص (1/ 226) تفسير الدر المنثور (1/ 529)، تفسير الطبري (3/ 129 - 133)، تفسير الماوردي (1/ 216)، زاد المسير (1/ 211)، شرح اللباب (80)، رد المحتار (2/ 487)، غنية الناسك (85).
(5)
سورة البقرة من الآية (187).
(6)
انظر: تفسير الطبري (4/ 125)، تفسير الماوردي (1/ 216)، أحكام القران للجصاص (1/ 307) فإن لم يكم فلا، قال في شرح اللباب (80) والأصح أنه ذكر الجماع ودواعيه مطلقاً سواء بحضرة النساء أو لا، أي أن الاختلاف في المراد من الرفث هل هو الجماع؟ أم الكلام الفاحش؟ أو هو ذكر الجماع بحضرة النساء؟ ولا خلاف في أن المحرم ممنوع من ذلك كله.
انظر: الفتح (2/ 439)، تبيين الحقائق (2/ 11)، العناية (2/ 348)، البناية (3/ 474)، الدر المختار (2/ 487)، الجوهرة (1/ 195)
(7)
ا نظر: الكشاف (1/ 230).
(8)
أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 276) في كتاب التفسير، من حديث أبي العالية ولفظه قال: كنت أمشي مع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو محرم، وهو يرتجل بالإبل، وهو يقول:" وهن يمشين بنا هميسا ..... " قال: قلت: أترفث وأنت محرم؟ قال " إنما الرفث ما روجع به النساء " قال الحاكم: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي على تصحيحه في تلخيص المستدرك.
(9)
الهميس: صوت نقل أخفاف الإبل.
انظر: تهذيب التهذيب (6/ 142)، لسان العرب (6/ 250)، (المعجم الوسيط (2/ 1004).
فقيل له: أترفث وأنت محرم؟ فقال: إنما الرفث بحضرة النساء، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كنا ننشد الأشعار في حالة الإحرام، فقيل له: مثل ماذا فقال مثل قول القائل:
قَامَتْ تُرِيكَ رَهْبَةً أَنْ تَصْرَمَا
…
سَاقَا بَخَنْدَاةً وَكَعْبًا أَدْرَمَا
(1)
البخنداة، والخبنداة
(2)
، من النساء التامة القصب
(3)
، القصب كل عظم مستدير أجوف، والدرم في الكعب أن يوازيه اللحم حتى لا يكون له حجم، وكعب أدرم [وقد درِم]
(4)
بالكسر، والمرأة درماء.
منع الصيد
(ولا يقْتُلُ صَيداً)
(5)
.
المراد من الصيد: المَصيد لا المصدر، بدليل إضافة القتل إليه.
(وأنتم حرم أي: محرمون جمع حرام كردخ في جمع رَدَاخ، وهو الجعبة العظيمة.
وحاصله: أن الذي يَحرُم على المُحرِم ثمانية أشياء: الجماعُ، وحلقُ الرأسِ، والإبطِ
(6)
، والعانةِ
(7)
، والطيبُ، والنُورَةُ
(8)
، ولبسُ المخيط، ولبس
(1)
البيت للعجاج بن رؤبة: عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر السعدي التميمي أبو الشعثاء. راجز مجيد، من الشعراء، ولد في الجاهلية وقال الشعر فيها، ثُمَّ أدرك الإسلام وأسلم وعاش إلى أيام الوليد بن
عبد الملك و كان بعيداً عن الهجاءله ابن يعتبر من شعراء الدولتين الاموية و العباسية وهذا البيت من قصيدة مطلعها.
طاف الخيالان فهاجا سقما ** خيال تكنى وخيال تكتما.
انظر: ابن الأثير الكامل (1/ 192).
(2)
في: (ب): الخنداه، وفي (ج): الجنداة.
(3)
القصب: ويقصد بها النساء البالغات والتي وصلت لسن الزواج.
انظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة قصب، (3/ 340).
(4)
أثبته من (ب).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 43)
(6)
أبط: الإِبِطُ: ما تحت الجَناح، يذكَّر ويؤنّث، والجمع آباطٌ. وحكى الفراء عن بعض الأعراب: فرفع السوطَ حتَّى بَرَقَتْ إبْطُهُ. وتَأَبَّطَ الشئ، أي جعله تحت إبطه. والتَأَبُّطُ: الاضطباعُ، وهو أن يُدخل رداءه تحت يده اليمنى ثُمَّ يلقيَه على عاتقه الأيسر.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة ابط، (3/ 1114).
(7)
عانة [مفرد]: جمعها عَانات وعُون: شَعر نابت في أسفل البطن حول الفرج.
انظر: معجم الغة العربية المعاصرة، عون (1/ 1580).
(8)
النُورَة: بضم النون وفتح الراء، حجر كلسي يطحن ويخلط بالماء ويطلى به الشعر فيسقط.
انظر: معجم لغة الفقهاء، حرف النون (1/ 490).
الخف
(1)
، والاصطيادُ في البر مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل، وتقليم الأظفار، والأدَّهانُ، فإن فعل شيئاً من ذلك يذبح شاة، إلا الجماع فإن حكمه مختلف على ما يجيء، كذا ذكره الإمام المحبوبي رحمه الله.
(ولا يُشِيرُ إليه، ولا يَدلُّ عَليه).
الإشارةُ تقتضي الحضرة، والدلالة تقتضي الغيبة، وهو الفرق بينهما، ولأنه إزالة الأمن عن الصيد، وهو حرام على المُحرِم، وذلك يحصل بالدلالة، والإشارة، وما يكون محرَّم العين فهو محرَّم بدواعيه كالزنا.
(والكَعْبُ هُنَا المِفْصَلُ التي في وَسَطِ القَدَمِ عِندَ مَعقدِ الشِّرَاكِ).
وعلى هذا قال المتأخرون
(2)
من مشايخنا لا بأس للمحرم بأن يلبس التُمشكَ؛ لأنه لا يستر الكعب فهو بمنزلة النعلين
(3)
كذا في «المبسوط»
(4)
التُمُشْكُ لغةٌ بُغدادية بضم الأول والثاني، وسكون الثالث، وهو مما لم يُذكر في الأصول كذا في «المغرب»
(5)
.
(ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُخَمِّروا
(6)
وَجْهَهُ، ولا رَأسَهُ، فإنهُ يبعثُ يومَ القيامةِ
ملبياً»
(7)
قاله في محرم تُوفي)، وهو الأعرابي الذي وقصت
(8)
به ناقته في أخانيق جرذان وهو محرم فمات.
(1)
الخف: هو الذي يلبس في القدم ويستر الكعبين ويكون خفيفًا، وجمعه: خفاف وأخفاف.
انظر: الهادي إلى لغة العرب (1/ 650)، معجم لغة الفقهاء (175).
(2)
لفظ «المتأخرون» مصطلح عند الحنفية يراد به: من لم يُدرك الأئمة الثلاثة أبا حنيفة وأبي يوسف ومحمد.
وقيل: هم من عَصْر شمس الأئمة الحلواني (ت 448 هـ) إلى عصر حافظ الدين البخاري (ت 693 هـ). انظر: الكواشف الجلية (44)، الفوائد البهية (412).
(3)
النعل: هو المداس وهو مايلبسه أهل الحرمين ممن له شراك. انظر: رد المحتار (2/ 490)
(4)
انظر: المبسوط (4/ 127).
(5)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 61).
(6)
والتخمير: التغطية.
انظر: النهاية في غريب الحديث (2/ 77)،
لسان العرب (4/ 255).
(7)
متفق عليه، أخرجه البخاري في "صحيحه" كتاب الحج (25) باب (21) [سنة الْمُحْرِمِ إِذَا مَاتَ] برقم:[1851]، وأخرجه مسلم كتاب الحج (15) باب:(4)[مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْرِمِ إِذَا مَاتَ] برقم: [98/ 1206]
(8)
وقصت، الوَقْصُ: دق العنق وكسرها. وقصت الناقة براكبهاوقصاً رمتْ به فدقت عنقه.
انظر: المغرب (491)، المصباح المنير (668)، الصحاح 3/ 1161 مادة: وقص)
فإن قلتَ: كيف يتمسك أصحابنا بهذا الحديث ومذهبنا على خلاف حكم هذا الحديث في محرم يموت في إحرامه حيث يُصنع به ما يُصنع بالحلال من تغطية رأسه ووجهه بالكفن عندنا خلافًا للشافعي
(1)
، وهو يتمسك هناك بهذا الحديث.
قلتُ: في الحديث دليل على أن للإحرام تأثيرًا في ترك تغطية الرأسِ والوجهِ، فإنه صلى الله عليه وسلم علل لترك التغطية بأنه يبعث ملبياً، أي: محرمًا، ثُمَّ الحجّة لنا في تغطية رأس المحرم ووجهه إذا مات،
منع خمر الوجه والرأس
ما روى عطاء
(2)
أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن/ محرم مات؟ فقال: «خمروا رَأسَهُ ووجههُ، ولا تُشَبِهوه باليهودِ»
(3)
، وسُئلتْ عائشةُ رضي الله عنها في ذلك فقالت:«اصْنَعُوا بِهِ مَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ»
(4)
، ولأنه انقطع بموته قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا مَاتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عملهُ إلا مِنْ ثَلاثة»
(5)
، والإحرام ليست منها فينقطع بالموت.
(1)
استدل الحنفية بهذا الحديث على حرمة تغطية الوجه على المحرم الحي المفهوم من التعليل، ولم يعملوا بمنطوقه في حق المحرم الميت، فإن حكمه عند الحنفية كسائر الأموات في تغطية الوجه والرأس، كذا لايجوز تغطية الوجه عند مالك، والرواية الثانية عند أحمد، أما عند الشافعي، وأحد الروايتين عن أحمد: أن تغطية الوجه جائز للمحرم. انظر: فتح القدير (2/ 441)، العناية (2/ 441)، البناية (3/ 480)، بداية المجتهد (1/ 327)، المجموع (7/ 237)، الشرح الكبير (8/ 243).
(2)
عطاء بن أبى رباح القرشي، مولى أبى خثيم الفهري، واسم أبى رباح أسلم، كنيته أبو محمد مولده بالجند من اليمن، ونشأ بمكة وكان أسود أعور أشل أعرج، ثُمَّ عمى في آخر عمره، وكان من سادات التابعين فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلًا لم يكن له فراش إلا المسجد الحرام إلى أن مات سنة أربع عشرة ومائة، وقد قيل: إنه مات سنة خمس عشرة ومائة وكان مولده سنة سبع وعشرين.
انظر: (ثقات ابن حبان: 5/ 198)، و (التاريخ الكبير: 6/ 463)، و (الجرح والتعديل: 6/ 330).
(3)
أخرجه الدارقطني في "سننه" باب: [المواقيت](3/ 368) برقم: [2772] بلفظ: خَمِّرُوهُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ»، و (3/ 368) باب:[المواقيت] بلفظ: ««خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» وقال: الزيلعي عن ابن القطان أن فيه علة. انظر: سنن الدار قطني.
وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى (3/ 394). مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا "خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ"، قال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 574) وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْن جُرَيْجٍ مُرْسَلًا وَتَابَعَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ حَفْصًا فِي وَصْلِهِ إلَّا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ كَثِيرُ الْغَلَطِ.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2/ 459) برقم: [11014].
(5)
أخرجه مسلم في الصحيح كتاب الوصية (25)، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (3) حديث رقم (14/ 1631) بلفظ "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث .. " وأخرجه الترمذي في "سننه" باب:[فِي الوَقْفِ](3/ 652) برقم: [1376]، وأخرجه النسائي في "سننه" باب:[فَضْلُ الصَّدَقَةِ عَنِ الْمَيِّتِ](6/ 251) برقم: [3650]، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (1/ 71) برقم:[203].
وحديث الأعرابي تأويله «أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عرف بطريق الوحي خصوصيته ببقاء إحرامه بعد موته، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص بعض أصحابه بأشياء، وكذا أيضًا في وجوب كشف الوجه للمحرم هو أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعثُمَّان حين اشتكت عينه في حالة الإحرام أنْ يغطي وجهه، فتخصيصه حال الضرورة بالرخصة، دليل على أنَّ المُحرمَ منهي عن تغطيةِ الوجهِ» هذا كله من «المبسوط»
(1)
.
منع الطيب على المحرم
(ولا يَمَسُّ طِيبًا)
(2)
.
الطيبُ ما له رائحة طيبة.
(الْحاجُّ الشَّعِثُ)
(3)
.
هذا جملة من مبتدأ أو خبر، والشَعِثُ من الشَعَثِ بكسر العين نعت، وبفتحها مصدر، وهو انتشار الشعر، وتغبره لقلة التعهد
(4)
، وكذلك التَفَلُ من التَفَلِ، وهو أنْ يتركَ التطيب حتى يوجد منه رائحة كريهة.
وامرأةٌ تفلةٌ أي: غير متطيبة، ومنها وليخرجن تفلات كذا في «المغرب»
(5)
.
لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ}
(6)
الآية.
فإن قلتَ: في هذه الآية نهيٌ عن حلقِ الرأسِ، فما وجه التمسك بها في النهي عن حلق شعر البدن؟
قلتُ: حلق شعر البدن في معنى حلق شعر الرأس من حيث الارتفاق
(7)
، فكانت الآية عبارة في حق حلق [شعر]
(8)
الرأس، ودلالة في حق شعر البدن، وذلك لأن الشعر له حياة نامية فينمو ويزداد، فإذا نُهي عن حلق الرأس استحق شعر رأسه الأمن عن الإزالة، فيشاركه في ذلك ما هو في معناه، وشعر البدن في معناه، فيلتحق به في حق استحقاق الأمن عن الإزالة إلى هذا أشار في «مبسوط شيخ الإسلام»
(9)
.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 6 - 7).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(3)
الشعث هنا بمعنى: تفرّق الشعر وانتشاره وتغيّره لقلة التعهّد كما يتشعب رأس السواك، والرجل الشعث: المغبر الرأس، المنثور الشعر.
انظر: المصباح المنير (ص/ 314)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 234).
(4)
التعهد: تصفيف الشعر.
انظر: مختار الصحاح، مادة عهد، (378).
(5)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 60).
(6)
سورة البقرة من الآية (196).
(7)
الارتفاق: الترافق بينهما.
انظر: مختار الصحاح، مادة رفق، (ص 98).
(8)
أثبته من (ج).
(9)
هو كتاب المبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني رحمه الله ويطلق عليه الأصل عند الأحناف وهو مطبوع في خمس مجلدات بتحقيق أبو الوفا الأفغاني طبعته إدارة القرآن والعلوم الإسلامية في كراتشي.
انظر: المبسوط للشيباني (2/ 433)، العناية شرح الهداية (2/ 442).
الوَرسُ
(1)
صبغ أصفر، وقيل: نبت طيب الرائحة، وفي «القانون»
(2)
الوَرسُ شيء أحمر قانئ يشبه سحيق الزعفران، وهو مجلوب من اليمن.
(إلا أنْ يَكونَ غَسِيلًا، لا يَنْفُضُ)
(3)
.
النفض تحريكُ الشيء ليسقطَ ما عليه من غبارٍ أو غيره يقال: نَفَضَه فانتفض، ومنه ثوبٌ نافضٌ ذهبَ بعضُ لونهِ من حمرةٍ أو صفرةٍ.
والنفض عند الفقهاء التناثر
(4)
، وعن محمد رحمه الله: أن لا يتعدى أثر الصبغ إلى غيره أو لا تفوح منه رائحة الطيب، ومنه قوله:(إلا أنْ يَكونَ غَسِيلًا)
(5)
كذا في «المغرب»
(6)
.
وذكر في «فتاوى قاضي خان»
(7)
: إلا أن يكون غسيلًا.
(لا ينفض).
منع الطيب العصفر والزعفران على المحرم
أي: لا يوجد منه رائحة العصفر
(8)
، والزعفران
(9)
، وتعليل الكتاب
(10)
يدل على هذا التفسير.
ومذهبنا في حرمةِ العصفر على المحرم مذهبُ عائشةَ رضي الله عنها وهي لا ترد بأسماء رضي الله عنها ولا تعارض بها، لأن أسماء لم تكن من أهل الاجتهاد، ثُمَّ نص الحديث ورد في تحريم الوَرْسِ، فهو دليل على تحريم المعصفر بالطريق الأولى، إذ الورس دون العصفر في الرائحة كذا في «الأسرار»
(11)
.
(1)
الوَرْس: نبت من الفصيلة البقلية، يزرع باليمن والهند، ثُمَّرته قرن، يغطى عند نُضجه بغُدد صفراء، ويوجد عليه زغب قليل، يستعمل في صبغ الثياب.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 2/ 190)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 472).
(2)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 442).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(4)
وهذا لا يصح لأن العبرة للطيب لا للتناثر.
انظر: البناية (3/ 484)، حاشية الشلبي (2/ 12)
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(6)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 473).
(7)
انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 140).
(8)
العصفر: نبت معروف من الفصيلة المركبة له زهر يصنع منه صبغ أصفر، وله بزر يقال له (القرطم).
انظر: المصباح المنير (ص/ 414)، الهادي إلى لغة العرب (3/ 220).
(9)
الزَّعْفَران: نبات بصلي معمّر من الفصيلة السوسنية، منه أنواع برية ونوع صبغي طبي مشهور، يقال: زعفرت الثوبَ، أي: صبغته بالزعفران، فهو مزعفر.
انظر: المصباح المنير (253)، المعجم الوسيط (1/ 394).
(10)
مختصر القدوري، وهو كتاب للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد بن أحمد القدوري البغدادي (ت 428 هـ)، (المطبوع مع التصحيح والترجيح لابن قطلوبغا)، تحقيق: ضياء يونس، ط (1) 1424 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. العناية شرح الهداية (2/ 484).
(11)
انظر: الأسرار (169).
(إنْ كَانَ لَا يُصِيب رَأسه وَلَا وَجهه فَلَا بَأْس بِهِ)
(1)
.
منع تغطية الرأس على المحرم
لأن التغطية إنما تحصل بما يمس بدنه وإن كان الستر يصيب رأسه و وجهه كُرهت له ذلك لتغطية الرأس والوجه، وعلى هذا لو حمل المحرم شيئاً على رأسه، فإن كان شيئاً من جنس ما لا يغطى به الرأس كالطَّشْت والإِجَّانة
(2)
ونحوهما فلا شيء عليه، وإن كان من جنس ما يغطى به الرأس من الثياب
(3)
فعليه الجزاء، لأن ما لا يُغطى به الرأس يكون هو حاملًا لا مستعملاً.
ألا ترى أن الأمين لو فعل ذلك لا يصير ضامنًا كذا في «المبسوط»
(4)
.
الهمْيان فِعلان، من هَمَي الماءُ والدمع، يهميَ همياً إذا سال، وسُمي به لأنه يهمي بما فيه، وقول الحريريّ، هَمّن، بمعنى جعل الشيء في الهمْيان، على توهم أصالة النون، كقولهم بَرهَنَ، من البرهان، كذا وجدت بخط الإمام الزرنوجي
(5)
رحمه الله.
سُئلتْ عائشة رضي الله عنها فقيل هل يلبس المحرم الهمْيان؟ [فقالت]
(6)
«استُوثقْ في نَفَقَتِكَ بِمَا شِئت»
(7)
، ولنا أنه ليس في معنى لبس المخيط.
(فاستوت فيهِ الحَالتان).
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44).
(2)
الْإِجَّانَةُ: المركن وهو شبه لقن وهو الإناء الذي تغسل فيه الثياب، وجمعها أجاجين.
انظر: المغرب (21)، مختار الصحاح (1/ 14).
(3)
في (ب، ج): كالثياب.
(4)
انظر: المبسوط (4/ 130).
(5)
الزرنوخي. النُّعْمَان بن إِبْرَاهِيم بن الْخَلِيل الزرنوخي الإِمَام الملقب تَاج الدّين مَاتَ ببخارى يَوْم الْجُمُعَة فى عَاشُورَاء سنة أَرْبَعِينَ وست مائَة رَحمَه الله تَعَالَى وَدفن من يَوْمه بدرب حاجبان وزرنوخ من بِلَاد التّرْك تفقه على الشَّيْخ زكي الدّين الفراخي وَشرح المقامات وَسَماهُ الموضح.
انظر: الجواهر المضية (2/ 201)، تاج التراجم (1/ 213)
(6)
أثبته من (ب).
(7)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب: [الْمُحْرِمِ يَلْبَسُ الْمِنْطَقَةَ وَالْهِمْيَانَ لِلنَّفَقَةِ، وَالْخَاتَمَ](5/ 111) برقم: [9186]، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" باب:[فِي الْهِمْيَانِ لِلْمُحْرِمِ](3/ 410) برقم: [15448]، صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (3/ 96) وقال:
" أخرجه البيهقي بسند صحيح عنها، ورواه سعيد بن منصور بلفظ: إنها كانت ترخص في الهميان يشده المحرم على حقويه، وفي المنطقة أيضا".
أي: نفقة نفسه، ونفقة غيره، فإن قلتَ: يشكل على هذا شد الإزار والرداء بحبل أو غيره، فإن ذلك مكروه إجماعًا مع أن ذلك أيضًا ليس في معنى لبس المخيط.
قلتُ: تثبت الكراهة
(1)
هناك بحديث خاص ورد فيه، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه رأى رجلًا قد شد فوق/ إزاره حبلًا فقال: ألق ذلك الحبل، ويْلَك!!»
(2)
، وكذلك [لا]
(3)
يكره أن يحل [له]
(4)
رداؤه بحلال؛ لأنه لا يحتاج إلى تكلف في حفظه على نفسه، ولكنه مع هذا لو فعل لا شيء عليه؛ لأن المحظور عليه الاستمتاع بلبس المخيط، ولم يوجد ذلك، فإن قلتَ: يُشكل على هذا عصب العصابة على رأسه، فإن ذلك مكروه، فلو فعل يوماً إلى الليل فعليه صدقة مع أنه لم يوجد الاستمتاع بلبس المخيط هنا
(5)
أيضًا.
قلتُ: وجوب الصدقة هناك لا باعتبار الاستمتاع بالمخيط، بل باعتبار (تغطية بعض الرأس بالعصابة، وهو ممنوع من تغطية الرأس إلا أن ما يُغطى به جزء يسير من رأس، فتكفيه الصدقة لعدم تمام جنايته
(6)
كذا في «المبسوط»
(7)
.
لأنه نوع طيب، ولأنه يقتل هوامّ الرأس فلوجود هذين المعنيين تكاملت الجناية، فوجب الدم عند أبي حنيفة رحمه الله إذا غسل رأسه بالخطميّ
(8)
، فإن له رائحة وإن لم يكن ذكية.
(1)
المكروه عند الحنفية نوعان: المكروه تحريماً وهو: ما طلب الشارع من المكلف الكف عنه حتماَ بدليل ظني لاقطعي، وهذا النوع يقابل الواجب عندهم، والثاني: المكروه تنزيهاً وهو: ما طلب الشارع الكف عنه طلباَ غير ملزم.
انظر: التوضيح على التنقيح (2/ 263)، الوجيز في أصول الفقه
ص (54).
(2)
لم أقف عليه بهذا النص. وقد ذكره ابن حزم في المحلى (7/ 259)، وقال: مرسل لاحجة فيه.
وقال الألباني بعد أن أخرجه في سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم (1026)، قلت ومع ضعف هذا الحديث فقد روي مايخالفه وهو بلفظ «رخص عليه الصلاة والسلام في الهيمان للمحرم» .
(3)
في: (ج) لا
(4)
أثبته من (ج).
(5)
في: (ب، ج): هناك.
(6)
جنايته: أي الذنب الذي فعله.
انظر: مختار الصحاح، مادة جني، (ص 87).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 127).
(8)
الخطمي: بكسر الخاء وفتحه، والكسر أكثر، وهو نبت من الفصيلة الخُبّازية كبير الزهر جدًا، مليّن شديد اللزوجة، كثير النفع، يُدق ورقه يابسًا ويجعل غِسلا للرأس فينقيه.
انظر: المصباح المنير (ص/ 174)، المعجم الوسيط (1/ 245)، الهادي إلى لغة العرب (1/ 645).
(وفي قول أبي يوسف رحمه الله: عليه صدقة؛ لأنه ليس بطيب، بل هو كالأشنان
(1)
يُغسل به الرأس، ولكنه يقتل الهوام
(2)
، كذا في «المبسوط»
(3)
.
(وَكُلَّما عَلا شَرَفاً)
(4)
. بفتحتين أو كلما علا مكانًا مرتفعًا.
وروى الأعمش
(5)
عن خيثُمَّة
(6)
كانوا يستحبون التلبية عند ست: في أدبار الصلاة، وإذا استعطف الرجل راحلته، وإذا صعد شرفاً
(7)
، وإذا هبط واديًا
(8)
، وإذا [لقي]
(9)
بعضهم بعضًا، وبالأسحار
(10)
.
(1)
الأشنان: هي شجرة تنبت في الأرض الرملية يستعمل هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي.
انظر: المعجم الوسيط (1/ 191)
(2)
الهوام: جمع هامة وهي الدابة من دواب الأرض، أريد بها القمل.
انظر: طلبة الطلبة (134)، المغرب (506)
(3)
المبسوط (4/ 124 - 125).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(5)
أبو بكر الأعمش محمد بن سعيد بن محمد بن عبد الله، أبو بكر، المعروف بالأعمش، فقيه حنفي، تفقه على أبي بكر محمد بن أحمد الإسكاف. تفقه عليه ولده أبو القاسم عبيد الله، والفقيه أبو جعفر الهندواني.
انظر: (الجواهر المضية: (2/ 361).
(6)
خيثُمَّة بن أبي خيثُمَّة، واسمه:"عبد الرحمن" فيما يُقال، أبو نصر البصري: روى عن أنس بن مالك، والحسن البصري. روى عنه الأعمش، قال الدوري، عن ابن معين:" ليس بشيء"، وذكره ابن حِبَّان في "الثقات".
انظر: التذييل على كتب الجرح والتعديل (1/ 93).
(7)
شرفا: المقصود به الجبل أو المكان المرتفع.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة شرف (3/ 179).
(8)
واديا: أي مكان منخفض أو مكان منبسط.
انطر: مختار الصحاح، مادة ودي، (ص 465).
(9)
أثبته من (ب) وفي (أ) ألقى. ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(10)
الأسحار: والمقصود به الوقت قبيل صلاة الفجر وهو من أوقات إجابة الدعاء.
انظر: مختار الصحاح، مادة سحر، (ص 276).
رفع الصوت بالتلبية
(ويَرفعُ صَوتهُ بالتلبِيةِ)
(1)
.
التكبير عند رؤية الكعبة
والمستحب عندنا في الدعاء والأذكار: الخِفْيةُ، إلا فيما تعلق بإعلامه مقصود كالأذانِ، والخطبةِ، وغيرهما، والتلبية أيضًا للشروع فيما هو من أعلام الدين، فلهذا كان (المستحب رفع الصوت [بها]
(2)
هكذا في «المبسوط»
(3)
.
(وَإذا عَاَينَ
(4)
البَيتَ كَبَّرَ وهَلَّلَ)
(5)
.
والمعنى فيه أن الله أكبر من هذه الكعبة المعظمة، أي: أن
(6)
حرمتك وجلالك من الله الأكبر لا منك، ومعنى التهليل يقول: لا إله إلا الله تبرؤاً عن كل شيء إلى الله، ويشير إلى قطع شركه إلى الغير في الألوهية، وكمال العظمة والجلال.
ماذا يقول المحرم عند رؤية الكعبة
(وإنْ تَبَركَ
(7)
بِالْمنَقولِ منها فَحَسن).
(8)
.
وعن عطاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لقِيَ البيت قال: «أَعُوذُ بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْفَقْرِ وَمِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ»
(9)
، ويدخل مسجد الحرام من باب بني شيبة، ويقول عند الدخول: «اللهم صل على محمد وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، اللهم هذا حرمك، وأمنك، الذي من دخله كان آمنًا، أسألك يا حنان ويا منان أن تحرّم لحمي، ودمي، وشعري، وبشرتي على النار، اللهم أمّني من عذابك يوم تبعث عبادك، اللهم جنبنا عقوبتك، ووفقنا لصالح الأعمال والأخلاق، فإنه لا يهدي لصالحها إلا أنت، واصرف عني سيئها، فإنه لا يصرف [عني]
(10)
سيئها إلا أنت، ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب» كذا ذكره الإمام المحبوبي رحمه الله.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(2)
أثبته من (ج).
(3)
المبسوط (4/ 6).
(4)
عاين: أي رأى البيت رأي العين لأول مرة عندما يدخل مكة.
انطر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، (3/ 239).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(6)
ساقطة من (ج).
(7)
أثبته من (ب) وهي في (أ) يترك، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته أصله في بداية المبتدي.
(8)
أخرجه البيهقي (5/ 73) كتاب الحج: باب القول عند رؤية البيت، من طريق الثوري عن أبي سعيد الشامي عن مكحول مرسلا.
ورواه الأزرقي في "تاريخ مكة" كما ذكر السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 132)، وعزاه له، ولابن أبي شيبة.
قال الحافظ في التلخيص الحبير: أخرجه: البيهقي من حديث سفيان الثوري عن أبي سعيد الشامي عن مكحول به مرسلا وسياقه أتم وأبو سعيد هو محمد بن سعيد المصلوب كذاب، ورواه الأزرقي في تاريخ مكة من حديث مكحول أيضا وفيه مهابة وبرا في الموضعين وهو ما ذكره الغزالي في الوسيط وتعقبه الرافعي بأن البر لا يتصور من البيت.
وقال الزيلعي في نصب الراية: قوله روي عن ابن عمر أنه كان يقول إذا لقي البيت: بسم الله، والله أكبر، قلت: غريب، والذي رواه البيهقي عنه
انظر: التلخيص الحبير (2/ 526)، نصب الراية (3/ 36).
(9)
أخرجه الزيلعي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" باب: [الإحرام](2/ 15).
(10)
أثبته من (ج).
(وَاسْتَلَمَهُ إنْ اسْتَطَاعَ)
(1)
.
استلام الحجر
واستلم الحجر
(2)
تناوله باليد، أو بالقبلة، أو مسحه بالكف من السَلِمة بفتح السين، وكسر اللام، وهي الحجر كذا في «المغرب»
(3)
، وعن عمر رضي الله عنه أنه استلم الحجر الأسود، وقال: «رأيت أبا القاسم
(4)
بك حفيًا»
(5)
، وعن ابن عمر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل الحجر، ووضع شفتيه [عليه]
(6)
، وبكى طويلًا [ثُمَّ نظر]
(7)
فإذا هو بعمر رضي الله عنه فقال: يا عمر هاهنا تُسكب العبرات
(8)
، وإن عمر رضي الله عنه في خلافته لما أتى الحجر الأسود وقف فقال:«أما إني أعلم أنك حجر لا تضر، ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك»
(9)
فبلغ مقالته عليًّا رضي الله عنه
(10)
، فقال: أما أن الحجر ينفع، فقال له عمر رضي الله عنه: وما منفعته يا ختن
(11)
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى لما أخذ الذرية من ظهر آدم، وقررهم بقوله:
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(2)
ذكروا في اشتقاق لفظ (الاستلام) ما خلاصته: أن الاستلام مشتق من (السِّلام) بكسر السين، وهو الحجارة، لما كان لمسًا للحجر قيل له: استلام، فيكون معنى (الاستلام) التمسح بالسِّلام. وقيل: هو افتعال من السَّلام، بفتح السين، أي (التحية)، لأن ذلك الفعل سَلام على الحجَر، فيكون استلم بمعنى (حيّا)، ولهذا سمي الركن الأسود بالمحيّا؛ لأن الناس يحيونه بالسَّلام.
انظر: المسالك (1/ 389)، هداية السالك (2/ 810)، فتح الباري (3/ 473)، البحر العميق (2/ 1172)، المجموع (8/ 31)، طلبة الطلبة (ص/ 59).
(3)
المغرب في ترتيب المعرب (1/ 234).
(4)
أبو القاسم: هي كنية الرسول - صلى الله عليه وسلم - نسبة الى ابنه القاسم.
انظر: فقه العبادات الحج، (87).
(5)
أخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [اسْتِحْبَابِ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ](2/ 926) برقم: [1271]، وأخرجه أحمد في "المسند" (1/ 445) برقم:[382]، وأخرجه النسائي في "سننه" (5/ 236) برقم:[2936]. وصحح إسناده شعيب الأرنؤوطي وقال: " إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير إبراهيم بن عبد الأعلى، فمن رجال مسلم ".
(6)
أثبته من (ب).
(7)
أثبته من (ج).
(8)
العبرات: المقصود بها الدموع، ومفردها العبرة وهي جمع مؤنث سالم، ومفرد الدموع الدمعة، وهي جمع تكسير.
انظر: مختار الصحاح، مادة عبر، (ص 365).
(9)
أخرجه ابن ماجه في "سننه"(2/ 982) برقم: [2945]، وأخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 624) برقم:[1670]، وقد صحح الحاكم إسناده، وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" باب:[فَضِيلَةُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَالْمَقَامِ، وَالِاسْتِلَامِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ](5/ 490) برقم: [3765]. قال محمد فؤاد عبد الباقي: " في الزوائد في إسناده محمد بن عون الخراساني ضعفه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما ".
(10)
قال العراقي: هذه الزيادة من قول علي رضي الله عنه في هذا الحديث أخرجها الحاكم وقال ليس من شرط الشيخين اهـ
انظر: تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (2/ 635).
(11)
ختن: خَتَنَ يختِنُ خَتْنا فهو مختون، والخِتانَةُ صنعته، والختان ذلك الأمر كله وعلاجه، وطعامه: العذار، والخَتَنُ: الصهر، والخَتْن أيضا، وخاتَنْتُ فلانا مُخاتَنةً، وهو الرجل المتزوج في القوم، والأبوان أيضا خَتَنا ذلك الزوج. والرجل خَتَنٌ، والمرأة خَتَنَةٌ: والخَتَنُ: زوج فتاة القوم، ومن كان قبله من رجل وامرأة، كلهم أختانٌ لأهل المرأة.
انظر: العين (4/ 138).
{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}
(1)
، أودع إقرارهم الحجر فمن استلم
(2)
الحجر فهو يجدد العهد بذلك الإقرار، والحجر يشهد له يوم القيامة»
(3)
، وفي رواية
(4)
: «مناسك البزدوي»
(5)
.
فقررهم أنه الرب، وهم العبيد، ثُمَّ كتب ميثاقهم في رق، فقال له: افتح فاك
(6)
فَأَلْقَمَهُ ذلك الرق، فقال: تشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة.
واستلام الحجر للطوف بمنزلة التكبير للصلاة ليبدأ به طوافه.
(والتحَرُزُ عَنْ أذَى المسلمِ/ واجبٌ)
استلام الحجر باليد وبالإشارة له
فلا ينبغي له أن يؤذي مسلمًا لإقامة السُّنة، ولكن إن استطاع تقبيله فعل، وإلا مس الحجر بيده وقبّل يده، وإن لم يستطع ذلك أمسَّ الحجر شيئًا في يده من عُرجون أو غيره، ثُمَّ قبّل ذلك الشيء، وإن لم يستطع شيئاً من ذلك استقبله، وكبّر، وهلّل، ويجعل باطن كفيه إلى الحجر، فلا يجعل باطن كفيه إلى السماء كما يُفعل في سائر الأدعية؛ لأن في حقيقة الاستلام باطن كفيه إلى الحجر، فكذا في البدل كذا وجدت بخط شيخي رحمه الله وهذا استقبال مستحب غير واجب؛ لأن استقبال الحجر عند الطواف لو كان واجبًا كان في جميع الطواف كاستقبال القبلة في الصلاة، ولكنه مستحب لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال:«إنْ الحجرَ يبعثُ يومَ القيامةِ له عينانِ يبصرُ بِهما، ولسانٌ ينطقُ به يشهدُ بالحقِ لمن اسْتَلمَهُ واسْتَقَبَلَهُ»
(7)
.
(1)
الأعراف من الآية (172).
(2)
في (ب، ج): يستلم.
(3)
أخرجه الطبراني وابن خزيمة في صحيحه برقم 1563 (2/ 231). بنص: " يأتي هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، ويشهد لمن استلمه بحق "
(4)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (2/ 16).
(5)
مخطوط للإمام فخر الإسلام أبي الحسن علي بن محمد الشهير بأبي العُسر البزدوي الحنفي، الإمام الكبير، ت عام (482 هـ)
انظر: كشف الظنون (1/ 563).
(6)
فاك: أي فمك، وهو من الأسماء الستة في اللغة العربية والنحو العربي (أبوك - أخوك - حموك - فوك - هنوك - ذو بمعنى صاحب).
(7)
أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 91) برقم: [2215]، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" باب:[](9/ 25) برقم: [3711]، وأخرجه الطبراني ي "المعجم الأوسط" (3/ 220) برقم:[2971]، وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 63) برقم:[12479]، أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" باب:[ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْحَجَرَ إِنَّمَا سَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ خَطَايَا الْمُسْلِمِينَ](4/ 220) برقم: [2734]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 436) برقم:[2182].
العُرجون
(1)
: العذق الذي يعوج، ويقطع منه الشماريخ، فيبقى على النخل يابسًا.
والحجَن بالتحريك الاعوجاج، والمِحجَن
(2)
كالصولجان، وهو عود مُعوجّ الرأس، ثُمَّ إذا استقبل الحجر الأسود يقول عند أول طواف يطوف: (بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك، [اللهم هذا البيت بيتك]
(3)
اللهم هذا الحرم حرمك، وهذا الأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار)، كذا ذكره الإمام الأستاجي.
قوله: (وَاسْتَلَمَ الأركَانَ بِمحجَنِه).
بداية الطواف
أراد بالأركان الحجر الأسود، والركن اليماني، وجمعه باعتبار تكرر الأشواط، وإنما قلناه؛ لأنه ذُكر في الكتاب بعد هذا، فإنه لا يستلم غيرهما.
(ثُمَّ أخَذَ عَنْ يَمَينه)
(4)
.
أي
(5)
: عن يمين نفسه، وهو يمين الطائف فطاف بالبيت، فكان ابتداء الطواف من الحجر الأسود إلى جانب الباب.
وذكر في «المبسوط»
(6)
: (ثُمَّ طف، على يمينك) على باب الكعبة، وأما لو افتتح الطواف من غير الحجر الأسود) لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في الأصل، وقد اختلف فيه المتأخرون بعضهم قالوا: لا يجوز، وهكذا ذُكر في «الرّقَيَّاتِ
(7)
»
(8)
فوجهه أن الأمر بالطواف مجمل في حق البداية فالتحق فعل النبي صلى الله عليه وسلم بيانًا له فتفترض البداية
(9)
، وبعضهم قالوا: يجوز؛ لأن الأمر بالطواف مطلق لكن السنة ما ذكر في الكتاب
(10)
.
(1)
العُرجون: عود العذق وأصله، وهو من النخل كالعنقود من العنب، سمي بذلك لانعراجه وانعطافه، ويكون أعوج فتقطع عنه شماريخ التمر، فيبقى على النخلة يابسًا يشبه ضلع الإنسان في اعوجاجه، ونونه زائدة، وجمعه (عراجين).
انظر: المصباح المنير (ص/ 401)، المعجم الوسيط (2/ 592)، الهادي إلى اللغة (3/ 188).
(2)
المِحْجَن: على وزن (مِقْوَد) خشبة أو عود معوج الرأس كالصولجََان، وقيل: هو عصا معقَّفة يتناول بها الراكب ما يسقط منه ويحرك بها بعيره للمشي، وجمعه (محاجن).
انظر: المغرب (1/ 184)، المصباح المنير (ص/ 123)، النهاية (1/ 347)، فتح الباري (3/ 473).
(3)
أثبته من (ب، ج).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(5)
في (ب، ج): أو.
(6)
المبسوط (4/ 50).
(7)
الرّقِّيات: هي المسائل التي فرعها محمد بن الحسن (ت 189 هـ)، حينما كان قاضياً بالرقة، ورواها عنه محمد بن سماعة. وقد نقل عنه المصنف رحمه الله مرة واحدة.
(8)
انظر: العناية شرح البداية (2/ 451)، البحر الرقائق شرح كنز الرقائق (2/ 352)، وقال في فتح القدير (3/ 59) وذكر محمد في الرقيات: لا يعتد بذلك الشوط إلى أن يصل إلى الحجر فيعتبر ابتداء الطواف منه.
(9)
في (ج) البداءة.
(10)
انظر: مختصر القدوري (ص/ 184).
وإنما قيد بقوله: (ثُمَّ أخذ عن يمينه)
(1)
فإنه لو أخذ عن يساره، وهو الطواف المنكوس
(2)
، وطاف كذلك سبعة أشواط يعتد به طوافه عندنا، ويعيده مادام بمكة، وإن رجع إلى أهله قبل الإعادة
(3)
فعليه دم
(4)
.
وقال الشافعي
(5)
: "لا يعتد بطوافه" كذا في «الذخيرة»
(6)
(7)
.
(وَقَدْ اضطَبَعَ رِدَاءهُ)
(8)
.
وذكر في «المْغُرِب»
(9)
، وهو سهو، وإنما الصواب: بردائه، وفي «الصحاح»
(10)
: وإنما سمي هذا الصنيع بذلك لإبداء الضبعين، وهو التأبط أيضًا عن الأصمعي، ويلقيه على كتفه الأيسر، ويبدي منكبه الأيمن، ويغطي الأيسر.
الطواف وراء الحطيم
(وَيجعَلُ طَوَافَهُ مِنْ وَرَاءِ الحْطَيمِ)
(11)
.
الحطيم: اسم لموضع بينه وبين البيت فرجه، وتسميته بالحطيم على أنه محطوم من البيت.
حدود الكعبة الأصلية (الحطيم جزء من الكعبة)
أي: مكسَّر منه، فعيل، بمعنى مفعول، وقيل: بل فعيل بمعنى فاعل، أي: حاطم كالعليم بمعنى العالم، وبيانه فيما جاء في الحديث:«من دعا على من ظلمه فيه حطّمه الله»
(12)
لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها وهو ما روي أن عائشة
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(2)
طواف المنكوس لا يصح، لكن المذهب الاعتداد به ويكون تاركاً للواجب، فالواجب هو الأخذ في الطواف من جهة الباب فيكون بناء الكعبة عن يسار الطائف.
انظر: فتح القدير (2/ 453)، حاشية الشلبي (2/ 17).
(3)
الإعادة: الإتيان بمثْل الفعْل الأول في وقته على صفة الكمال.
انظر: معجم لغة الفقهاء (54)، التعريفات الفقهية (183).
(4)
انظر: المسالك (2/ 787).
(5)
انظر: المجموع (8/ 30)، مغني المحتاج (2/ 244).
(6)
انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 271)، المحيط البرهاني (2/ 461).
(7)
انظر المبسوط للشيباني (2/ 398)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 271)، المحيط البرهاني (2/ 461).
(8)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(9)
انظر: المغرب (1/ 280).
(10)
انظر: مختار الصحاح (1/ 182).
(11)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44).
(12)
ذكره أبو بكر الزبيدي في " الجوهرة النيرة على مختصر القدوري "(1/ 154)، وذكره ابن نجيم في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" باب:[الاغتسال ودخول الحمام](2/ 352).
-رضي الله عنها «نذرتْ إنْ فَتحَ اللُه مكةَ على رسولهِ أنْ تصلي في البيتِ ركعتين، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها وأدخلها الحطيم فقال: صلي هاهنا فإن الحطيمَِ مِن البيتِ إلا أنَّ قومك قصرت بهم النفقة، فأخرجوه من البيت، ولولا حِدثان
(1)
قومك بالجاهلية لنقضت بناء الكعبة، وأظهرت قواعد الخليل وأدخلت الحطيم في البيت، وألصقت العتبة بالأرض، وجعلت لها بابًا شرقيًا، وبابًا غربيًا، ولئن عشت إلى قابل لأفعلن ذلك فلم يعش»
(2)
، ولم يتفرغ لذلك أحد من الخلفاء الراشدين حتى كان زمن عبد الله بن الزبير، وكان سمع الحديث فيها ففعل ذلك، وأظهر قواعد الخليل، وبنى البيت على قواعد الخليل عليه السلام بمحضر من الناس فأدخل الحطيم في البيت، فلما قُتل، كره الحَجَّاجُ بناء البيت على ما فعله ابن الزبير، فنقض بناء الكعبة، وأعاده على ما كان عليه في الجاهلية، فإذا ثبت أن الحطيم من البيت فالطواف بالبيت كما قال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ
(3)
(4)
، نبغي له أن يطوف من وراء الحطيم، ولا يقال:
لو استقبل الحطيم في الصلاة لا تجوز صلاته، ولو كان الحطيم من البيت لجازت؛ لأنّا نقول: إن الحطيم من البيت إنما ثبت بخبر الواحد
(5)
، وفرضية استقبال الكعبة
(6)
ثبت بالنص
(7)
، فلا يتأدى بما ثبت بخبر الواحد)
(8)
.
(1)
حدثان: أي حداثة، والمقصود بها قرب عصرهم من عصر الجاهلية أو دخولهم الإسلام في مكة في وقت متأخر، انظر: الإتحاف في شرح حديث الإنصاف (ص 45).
(2)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ](9/ 86) برقم: [7243]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[جَدْرِ الْكَعْبَةِ وَبَابِهَا](2/ 973) برقم: [1333].
(3)
العتيق اختلف فيه على أقوال، منها: أي البيت القديم، وقيل: عتق من الغرق أيام الطوفان، وقيل: لأنه أعتق من الجبابرة، وقيل: العتيق بمعنى الكريم.
انظر: الكشاف (3/ 153)، تفسير فتح القدير (3/ 435)، معاني القرآن للزجاج (3/ 424)، معاني القرآن للفراء (2/ 225)، الدر المنثور (6/ 41).
(4)
سورة البقرة من الآية (29).
(5)
خبر الواحد: كل خبر يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا، أي ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد لم يبلغ حد التواتر، وسنة الآحاد عند الجمهور تفيد الظن وتفيد العلم عند الظاهرية، واتفق الكل على وجوب العمل بخبر الواحد، إلا أنهم اختلفوا في الشروط اللازمة لوجوب العمل بها فعند الحنفية اشترطوا: أن لا تكون السنة متعلقة بما يكثر وقوعه،، وأن لا تكون السنة مخالفة للقياس الصحيح وللأصول والقواعد الثابتة في الشريعة، وألا يعمل الراوي بخلاف الحديث الذي رواه، واشترط المالكية: عدم مخالفته لعمل أهل المدينة. أما الشافعية والحنابلة: أن السنة التي رواها العدل الثقة وتوفرت في راوي خبر الآحاد مشروط القبول فإنه يجب العمل بها.
انظر تفصيل ذلك في: أصول السرخسي (1/ 341)، جامع الأسرار (3/ 694)، العضد على ابن الحاجب (2/ 56)، الأحكام للآمدي (2/ 32)، الإحكام لابن حزم (1/ 107 - 125)، التعريفات للجرجاني ص (85).
(6)
في (ج): البيت.
(7)
في: (ج): بالكتاب.
(8)
أي أن كون الحطيم من البيت إنما ثبت بخبر الواحد في قوله: (الحطيم من البيت)، وفرضية استقبال القبلة تثبت بنص الكتاب "فولوا وجوهكم شطره "، فلا يتأدى بما ثبت بخبر الواحد، والحاصل أنه يحتاط في الطواف والصلاة جميعا ً؛ لأن خبر الواحد يوجب العمل ولا يوجب اليقين.
انظر: المبسوط (4/ 12)، البناية (3/ 497)، رد المحتار (2/ 496).
فالحاصل: أنه يحتاط
(1)
في الطواف، والصلاة جميعًا، وذكر الإمام الأستاجي فقال: إذا بلغ الطائف مقابل الباب يقول: "اللهم بيتك عظيم، ووجهك كريم، وأنت أرحم الراحمين فأعذني من النار، ومن الشيطان الرجيم، وحرّم لحمي ودمي على النار، وأمّني من أهوال يوم القيامة، واكفني مؤنة الدنيا والآخرة"، وإذا بلغ الركن العراقي يقول:"اللهم إني أعوذ بك من الشرك، والشك، والنفاق، والشقاق، وسوء الأخلاق، وسوء المنظر في الأهل، والمال، والولد"
(2)
، وإذا بلغ الميزاب يقول:"اللهم أظلني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ولا إله غيرك يا أرحم الرحمين، اللهم اسقني بكأس محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا أظمأ بعدها أبدًا"
(3)
، وإذا بلغ الركن الشامي يقول: "اللهم اجعله حجًّا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، وذنبًا مغفورًا، وتجارة [لن تبور
(4)
يا عزيز يا غفور، رب اغفر، وارحم، وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم"
(5)
، وإذا بلغ الركن اليماني يقول:"اللهم إني أعوذ بك من الكفر، وأعوذ بك من الفقر، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من الخزي في الدنيا، والآخرة"
(6)
، ويقول فيما بين الركن اليماني، والحجر الأسود:"اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا برحمتك عذاب القبر، وعذاب النار"
(7)
، ويقول أيضًا عند الحجر [الأسود]
(8)
إذا بلغه: "اللهم اغفر لي برحمتك، وأعوذ برب هذا الحجر من الدين، والفقر وضيق الصدر، وعذاب القبر"، وهذا الذي ذكرته شوط واحد من الأشواط السبعة، وذكر في «المغرب»
(9)
الشوط جري مرة إلى الغاية.
(1)
في (ب، ج): يحتاج.
(2)
ذكره الغزالي في الإحياء (1/ 250)، والزيلعي في تبيين الحقائق (2/ 17)، وشيخي زاده في مجمع الأنهر (1/ 272)، إلى قوله:"والولد". وانظر التاتارخانية (2/ 448). قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 247): ذكره الرافعي ولم يذكر له مستنداً، وقد أخرجه البزار من حديث أبي هريرة مرفوعاً لكن لم يقيده بما عند الركن ولا بالطواف.
قلت: حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود: الصلاة، باب في الاستعاذة (2/ 191)، والنسائي: الاستعاذة، باب الاستعاذة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق (8/ 232)، والطبراني في الدعاء (3/ 1448)، والخطيب في تاريخه (9/ 382)، بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ".
(3)
ذكره الغزالي في الإحياء (1/ 250)، وانظر: والمحيط البرهاني (4/ 1104).
(4)
الَبوارُ: الكساد، وبارت السُّوق، وبارت البِياعاتُ إذا كسدت تبور.
انطر: العين (8/ 258)، لسان العرب (4/ 86، مادة: بور)
(5)
ذكره الغزالي في الإحياء (1/ 250)، قاضي خان في فتاويه (1/ 316)، ابن مودود في الاختيار (1/ 272). وعندهم:" تجارة لن تبور، يا عزيز يا غفور "، ولم يكن فيما بعده.
(6)
أخرجه الأزرقي في اخبار مكة (1/ 340) بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ..
(7)
ففي حديث عبدالله بن السائب رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الركنين يقول: "ربنا آتنا .... ": أخرجه أبو داود: المناسك، باب (52) الدعاء في الطواف (2/ 448)، وعبدالرزاق (5/ 50)، وابن الجارود (ص 160)، وابن خزيمة (4/ 215)، وابن حبان (6/ 51)، والحاكم (1/ 455). صححه ابن خزيمة، والحاكم، وحسنه الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (4/ 378).
(8)
أثبته من (ب).
(9)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 259).
(وَيَرْمُلُ في الثَّلاث الأُول)
(1)
.
كيفية الطواف
الرَّمل، والرملَان بالتحريك فيها، الهرولة من حد نصَرَ، وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: لا رمل في الطواف، وإنما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إظهارًا للجلادة للمشركين على ما روي في عمرة القضاء، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة للعمرة في عام الحُدَيْبيةُ
(2)
صده المشركون عن البيت، فصالحهم على أن ينصرف، ثُمَّ يرجع في العام الثاني، ويدخل مكة بغير سلاح فيعتمر ويخرج، فلما قدم في العام الثاني أخلوا له البيت ثلاثة أيام، وصعدوا الجبل.
طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فسمع بعض المشركين يقول لبعض: أضناهم حُمى يثرب. فاضطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه فرمل، وقال لأصحابه:«رحم الله امرءًا أرى من نفسه قوة»
(3)
، فإذا كان ذلك لإظهار الجلادة يومئذ، وقد انعدم ذلك المعنى الآن فلا معنى للرمل.
والمذهب عندنا: أن الرَّمل سنة لحديث جابر، وابن عمر
(4)
رضي الله عنهم: «أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم طافَ يومَ النحرِ في حجةِ الوداعِ فرمل في الثلاث الأول»
(5)
، ولم يبق المشركون بمكة في عام حجة الوداع، وروي [أن]
(6)
عمر رضي الله عنه لما أراد الرمل في طوافه فقال: "عَلامَ أهزُ كتفي وليس هاهنا أحدٌ رأيته، ولكني رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يفعلهُ فأفعلهُ اتباعًا له"
(7)
.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(2)
الحُدَيْبيةُ: مخففة وكثرمن المحدثين يشددونها، وكانت قرية صغيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة، وعندها بايع الصحابة رضوان الله عليهم نبيهم صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، سنت ست، وهي غرب مكة على طريق جدة، نحو (22 كيلو تقريباً) من مكة.
انظر: النهاية في غريب الحديث (1/ 349)، معجم البلدان (2/ 229)، تهذيب الأسماء واللغات (2/ 1/ 82).
(3)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الرَّمَلِ](2/ 150) برقم: [1602]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[اسْتِحْبَابِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ وَالْعُمْرَةِ، وَفِي الطَّوَافِ الْأَوَّلِ فِي الْحَجِّ](2/ 923) برقم: [1266]، وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 472) برقم:[3536]، بلفظ:«أَنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ: إِنَّ مُحَمَّدًا، وَأَصْحَابَهُ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَامِهِ الَّذِي اعْتَمَرَ فِيهِ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: " ارْمُلُوا بِالْبَيْتِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَكُمْ " فَلَمَّا رَمَلُوا، قَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا وَهَنَتْهُمْ» وأقرب لفظ لما وقع في النسخة هو لفظ أحمد في "المسند".
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب: [الطَّوَافِ رَاكِبًا](5/ 164) برقم: [9383]، بلفظ:«قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ، يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو وَثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، ثنا جَدِّي يَزِيدُ بْنُ مُلَيْكٍ فَذَكَرَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: " أَمَّا شُعْبَةُ الَّذِي طَافَ لِمَقْدِمِهِ فَعَلَى قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّ جَابِرًا الْمَحْكِيُّ عَنْهُ فِيهِ أَنَّهُ رَمَلَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ» . انظر: في البخاري باب: [الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ](2/ 175) برقم: [1732].
(6)
في (ب، ج) ابن.
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 32)، والبيهقي (5/ 128).
قلت: وروي مرفوعاً من حديث أبي سعيد وابن عمر رضي الله عنهما وإسنادهما ضعيف كما ذكر الحافظ ابن حجر في الدراية (2/ 26).
وأكثر ما فيه أن سببه ما ذكره ابن عباس رضي الله عنه، [لم يبق]
(1)
ولكنه صار سنة لذلك السبب، فيبقى بعد زواله كرمي الجمار سببه رميُ الخليلِ الشيطانَ الذي كان يراه، ثُمَّ بقي بعد زوال ذلك السبب.
(وَيَمشِي في البَاقِي عَلَى هَيْنَته)
(2)
.
أي: على السكينةِ، والوقارِ (فَعْلَة) من الهون.
(وَالرَّمَلُ مِنْ الحْجَرِ إلى الحْجرِ)
(3)
.
أي: من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، وهذا عندنا، وقال سعيد بن جبير:"لا رمَل بين الركن اليماني، والحجر".
وروي في بعض الآثار: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمُل من الحجر إلى الركن اليماني؛ لأن المشركين كانوا يطلعون عليه، فإذا تحول إلى الجانب الآخر حال البيت بينه وبينهم، فكان لا يرمل لكنّا نأخذ بحديث جابر، وابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم رمل في الثلاثة الأُول من الحجر إلى الحجر.
(فَإنْ زَحَمهُ النَّاسُ في الرَّملِ قَامَ)
(4)
.
أي وقف، ولا يطوف بدون الرمل في تلك الثلاث، (ويستلم الركن اليماني)
(5)
.
اليمن خلاف الشام؛ لأنها بلاد على يمين الكعبة، والنسبة إليها يمنيّ بتشديد الياء أو يَمانٍ بتخفيف على تعويض الألف من إحدى يائي النسب كذا في «المغرب»
(6)
.
(وَهو حَسن).
أي: مستحب، وذكر في «فتاوى قاضي خان»
(7)
واستلام الركن
اليماني مُستحب في قول أبي حنيفة رحمه الله وليس بواجب.
الصلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم
(ثُمَّ يأتي [المقام])
(8)
.
أي: مقام إبراهيم عليه السلام، وذكر في «المغرب»
(9)
المقام بالفتح
(10)
موضع القيام، ومنه مقام إبراهيم، وهو الحجر الذي [ظهر]
(11)
فيه أثر قدميه، وموضعه أيضًا، فأما المقام بالضم فموضع الإقامة، وهي واجبة عندنا، فإن قيل: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الأعرابي الصلوات الخمس [فقال: هل عليّ غيرهن؟ فقال: «لَا، إِلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ»
(12)
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ما زاد على الخمس] تطوعًا، فكيف يثبت الوجوب مع وجود هذا الحديث؟
(1)
أثبته من (ج).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(5)
نفس المصدر السابق.
(6)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 69).
(7)
انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 144).
(8)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44).
(9)
المغرب في ترتيب المعرب (1/ 397).
(10)
في (ج): بفتح الميم.
(11)
أثبته من (ب).
(12)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [الزَّكَاةُ مِنَ الإِسْلَامِ](1/ 18) برقم: [46]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[بَيَانِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ](1/ 40) برقم: [11]، وأخرجه الترمذي في "سننه" باب:[مَا جَاءَ إِذَا أَدَّيْتَ الزَّكَاةَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ](3/ 4) برقم: [618]. واللفظ للترمذي "تتطوع".
قلنا: هذا الحديث متروك الظاهر، فإنّا أجمعنا أن صلاة الجنازة وصلاتي العيدين واجبة وليس في الحديث بيانها، أو يحتمل أن ذلك الحديث كان قبل هذا الحديث لورود التخلف بالإجماع.
أنواع الطواف
وهذا الطواف طواف القدوم، وله أربعة أسماء: هذان، وطواف اللقاء، وطواف أول العهد.
وفيما رواه سماه تحية، وهو دليل الاستحباب؛ لأن التحية في اللغة اسم لإكرام يُبتدأ به الإنسان على سبيل التبرع
(1)
، فلا يدل على الوجوب وإن كان على صيغة الأمر كما في قوله:(أكرموا الشهود).
يعتبر الطواف تحية للبيت
فإن قلتَ: يشكل على هذا قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ
…
فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}
(2)
، وجواب السلام واجب، وإن كان بلفظة التحية.
قلتُ: عنه جوابان.
أحدهما: أن الجواب المقيد بالأحسن ليس بواجب، فكانت التحية لمعنى الأحسن
والثاني: أن لفظة التحية هنا مُخرَّج على طريق المطابقة (لقوله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ}
(3)
، فلا يدل على عدم الوجوب، ولأن الطواف الذي هو ركن مؤقت بيوم النحر بالإجماع
(4)
فلا يتكرر ركن واحد في الإحرام كالموقوف، فجعلناه سنة لهذا بخلاف طواف الصدر، فإنه يؤتى به بعد تمام التحلل فلو جعلناه واجبًا لا يؤدي إلى تكرار الطواف الواجب في الإحرام، فكان هذا الطواف بمنزلة ثناء الافتتاح في الصلاة؛ لأن التلبية عند الإحرام هاهنا كالتكبير هناك، وثناء الافتتاح بعد التكبير هناك سنة، فكذا الطواف عقيب الإحرام هنا سنة.
(ثُمَّ يَخْرُجُ إلى الصَّفا فَيَصعَدُ عَلَيْه)
(5)
إلى آخره.
وذكر في «التحفة»
(6)
: والمفرد بالحج إذا طاف طواف اللقاء تحية للبيت، فالأفضل له أن لا يسعى بين الصفا والمروة؛ لأن طواف اللقاء سنة، والسعي واجب فما ينبغي أن يجعل الواجب تبعًا للسنة، ولكن يؤخر إلى طواف الزيارة؛ لأنه ركن، والواجب يجوز أن يجعل
(7)
تبعًا للفرض، ومتى أخر السعي عن طواف اللقاء، فإنه لا يرمل فيه، وإنما الرمل سنة في طواف يعقبه السعي عرفناه بالنص بخلاف القياس، فيقتصر على مورد النص، ولكن العلماء رخصوا في [إتيان]
(8)
السعي عقيب طواف اللقاء؛ لأن يوم النحر الذي هو وقت طواف الزيارة يوم شغل من الذبح، ورمي الجمار، ونحو ذلك، وكان فيه تخفيف بالناس.
(1)
ويقصد به هنا التطوع.
(2)
سورة النساء من الآية (86).
(3)
سورة النساء من الآية (86).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 34)، البدائع (2/ 127)، المسالك (1/ 426)، تبيين الحقائق (2/ 33)، الاختيار (1/ 199)، هداية السالك (3/ 1166)، البحر العميق (2/ 1106).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44).
(6)
انظر: تحفة الفقهاء (1/ 403).
(7)
في (ب، ج): يكون.
(8)
أثبته من (ب).
الدعاء عند الفراغ من الطواف
(وَيَدْعُو اللهَ لحاجَتِه)
(1)
.
ذكر الدعاء هاهنا، ولم يذكر عند استلام الحجر؛ لأن تلك الحالة حال ابتداء العبادة، وهذا حال ختْم العبادة، فإن ختم الطواف يكون بالسعي، والدعاء عند الفراغ من العبادة لا عند ابتدائها كما في الصلاة، وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد الصفا قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب
وحده»
(2)
، ثُمَّ قرأ مقدار خمس وعشرين آية من سورة البقرة، ثُمَّ نزل وجعل يمشي نحو المروة، فلما انصبَّت قدماه في بطن الوادي سعى حتى التوى إزاره بساقيه، وهو يقول:«رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم»
(3)
.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(2)
أخرجه من حديث جابر رضي الله عنه: «إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثاً ويقول: لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو على المروة مثل ذلك» أخرجه النسائي: في المناسك، باب التكبير على الصفا (5/ 192)، ومالك (1/ 372)، وأحمد (3/ 388)، وابن خزيمة (4/ 230)، وابن حبان (6/ 57)، والبيهقي (5/ 93). من رواية مالك ويحيى عن جعفر، عن أبيه عن جابر. وفي رواية ابن الهاد، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر عند النسائي: المناسك، باب الذكر والدعاء على الصفا (5/ 193)(يحيي ويميت). وفي رواية حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن أبيه عند مسلم باب:[حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (2/ 886) برقم: [1218]: وأبي داود: وابن ماجة والدارمي، وابن حبان والبيهقي -كما تقدم- (لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده).
(3)
أخرجه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه الطبراني في الدعاء (2/ 1203)، والأوسط مجمع البحرين (3/ 238) بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سعى في بطن المسيل قال (اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم) قال الهيثُمَّي في المجمع (3/ 248): فيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقة لكنه مدلس.
وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (1/ 321): أخرجه الطبراني في الدعاء، وفيه ليث بن أبي سليم مختلف فيه، ورواه موقوفاً عليه بسند صحيح.
قال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 251): فقول إمام الحرمين في النهاية: صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سعيه: (اللهم اغفر وارحم، واعف عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة .. ).
الشروع في السعي بعد الطواف
وذكر الإمام الأستاجي يقول في ابتداء السعي: "اللهم استعملني لسنتك، وسنة نبيك، وتوفني على ملتك، وملة رسولك، وأعذني من مضلات الفتن برحمتك يا أرحم الراحمين". وذكر في «فتاوى قاضي خان»
(1)
: «يرفع بهذا التكبير، والتهليل صوته» .
(فإذا بلغَ بَطْن الوَادِي)
(2)
.
ولم يبق اليوم بطن الوادي؛ لأن السيول كبسته وقد جعل هناك ميلان ليعلم أنه بطن الوادي حتى يسعى الناس بينهما.
(يَسعَى بَينَ الميلينِ الأخضرين)
(3)
.
هذا على طريق التغليب، فإن أحد الميلين أخضر، والآخر أحمر، كذا ذكره الإمام الإسبيجابي
(4)
رحمه الله.
وذُكر في «المغرب»
(5)
، و «الصحاح»
(6)
: (الميل
(7)
في كلام العرب مقدار منتهى مد البصر). وقيل: للأعلام المبنية في طريق مكة أميال؛ لأنها بُنيت على مقادير مدى البصير، وأما الميلان الأخضران
(8)
فيهما شيئان على شكل الميلين منحوتان من نفس المسجد الحرام لا أنهما منفصلان عنه، وهما علامتان لموضع [الهرولة
(9)
(10)
في ممر بطن الوادي بين الصفا والمروة، وقيل: أصل هذه السنة أن إبراهيم عليه السلام لما هاجر بها وابنه إسماعيل إلى واد غير ذي زرع، فتركها عند الكعبة، فعطشت أمه فصعدت الصفا لترى الماء فلم تر، فنزلت تمشي على هينتها
(11)
تنظر إلى ولدها، فلما بلغت بطن الوادي سعت، فلما خرجت مشت، فعلت هكذا سبعًا فلما أيست
(12)
جاءت إلى ولدها فرأت ماءً قد نبع تحت رجل ولدها، فخافت الضياع، فجعلت تضع حولها أحجارًا، وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم:«لولا أم إسماعيل لكانَ زمزم ماء معينًا إلى يومِ القيامةِ»
(13)
، فصار ذلك سنة، وشعائر الحجّ ليبقى لهم ذكر إلى يوم القيامة.
(1)
انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 144).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(4)
هو الإمام علاء الدين أو بهاء الدين علي بن محمد بن إسماعيل السمرقندي الإسبيجابي المعروف بشيخ الإسلام، لم يكن بما وراء النهر في زمانه من يحفظ مذهب أبي حنيفة ويعرفه مثله، عُمّر في نشر العلم، وسماع الحديث، تفقه على صاحب «الهداية» ، له: شرح مختصر الطحاوي، المبسوط (ت 535 هـ).
انظر: الجواهر المضية (2/ 592)، الفوائد البهية (ص/ 509)، كشف الظنون (2/ 1581، 1627).
(5)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 451).
(6)
انظر: مختار الصحاح (1/ 301).
(7)
الميل بكسر الميم مقدارُ مدّ البصر من الأرض، وهو ثُلُث الفرسخ، والمراد هنا: الميل الشرعي الهاشمي، وهو ما يعادل ألف باع، والباع قدر مدّ اليدين، وهو عند الحنفية يعادل تقريبًا (1866، 24) مترًا، وكل خمسة أميال تساوي تقريبًا ثُمَّاني كيلو مترات.
انظر: المغرب (2/ 281)، معجم لغة الفقهاء (440)، المكاييل والموازين الشرعية (35).
(8)
الميلان الأخضران: هما علامتان في جدار المسجد الحرام للدلالة على موضع الهرولة في ممر بطن الوادي بين الصفا والمروة، وحاليًا يدل عليهما أنوار خضراء موضوعة في جدار المسعى.
انظر: المغرب (2/ 281)، المصباح المنير (588).
(9)
هو ضربٌ من العَدْو بين المشي والعَدْو، وقيل: هو فوق المشي ودون الخَبَب، والخبب دون العَدْو.
انظر: النهاية (5/ 261)، المصباح المنير (ص/ 637)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 465).
(10)
أثبته من (ج).
(11)
هينتها: من هينة مفرد: هَوْن تمهُّل وتُؤدة ووقار "امش على هِينَتِكَ: على رِسْلِك"
انظر: معجم اللغة العربية المعاصر، (3/ 2377).
(12)
يئس: اليأْسُ: القنوطُ. وقد يَئِسَ من الشئ ييأس.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة يئس، (3/ 992)، والمقصود بها هنا فقدان الأمل في العثور على الماء أو المغيث
(13)
أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: (4/ 142) برقم: [3362] بلفظ: «يَرْحَمُ الله أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْلَا أَنَّهَا عَجِلَتْ، لَكَانَ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا» .
وفي «المبسوط»
(1)
: وللناس في أصل السعي في بطن الوادي كلام، فقد قيل: بأن أصله من فعل أم إسماعيل هاجر حين كانت في طلب الماء، كلما صار الجبل حائلًا بينها وبين النظر إلى ولدها كانت تسعى حتى تنظر إلى ولدها شفقة منها على الولد، فصار ذلك سنة، والأصح: أن نقول: [فعل رسول الله]
(2)
صلى الله عليه وسلم[في نسكه]
(3)
فأمر أصحابه أن يفعلوا ذلك فنفعله اتباعًا له، ولا نشتغل بطلب المعنى فيه، كما لا نشتغل بطلب المعنى في تقدير الطواف والسعي سبعة أشواط).
(كَمَا فَعلَ عَلَى الصَّفا)
(4)
.
أي: من التكبير، والتهليل، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء بحاجته.
قال: (وَهَذَا شوطٌ واحدٌ فيطوفَ سبعةَ أشواطٍ تبدأُ بالصَّفَا، وَتُختمُ بالمروَةِ)
(5)
.
وظاهرُما قال [في الكتاب]
(6)
(7)
: إن ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر، وإليه أشار بقوله: يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة.
وذكر الطحاوي: "أنه يطوف بينهم سبعة أشواط من الصفا إلى الصفا، وهو لا يعتبر رجوعه فلا يَجْعل ذلك شوطاً آخر، والأصح: ما ذكر في الكتاب؛ لأن رواة نُسك رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفقوا على أنه طاف بينهما [سبعة]
(8)
أشواط، وعلى ما قاله الطحاوي يصير أربعة عشر شوطًا) كذا في «المبسوط»
(9)
.
ومعنى قوله: (يبتدأ بالصفا، ويختم بالمروة)، أي: يبدأ الشوط الأول من الصفا، ويختم الشوط السابع بالمروة، ولو كان الأمر على ما قاله الطحاوي لقال: يبدأ بكل شوط بالصفا، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(10)
.
فإن قيل: الواجب في الطواف أن يُبدأ كل شوط من موضع واحد، وهو أول ما بدأ به، وهو الحجر الأسود، فينبغي أن يكون السعي كذلك قلنا: الواجب هناك الطواف بالبيت، وهو الدوران حول البيت، والدور حوله إنما يكون أن لو عاد إلى ما بدأ به، وهاهنا الواجب هو السعي بين الصفا والمروة، وهو ساع بينهما من أي موضع بدأ من الصفا أو المروة.
(1)
المبسوط (4/ 13).
(2)
في: (ب)، (ج) فعله.
(3)
أثبته من (ب).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(6)
أثبته من (ب، ج)، والكتاب: مختصرالقدوري.
(7)
انظر: المبسوط (4/ 14).
(8)
أثبته من (ب).
(9)
انظر: المبسوط (4/ 14).
(10)
الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (2/ 357).
الصلاة في المسجد - ركعتين بعد السعي
فإذا فرغ من السعي يدخل المسجد، ويصلي ركعتين كذا في «فتاوى قاضي خان»
(1)
ومثله يستعمل للإباحة، كما في قوله تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ}
(2)
، فاقتضى ظاهر الآية ألاّ يكون واجبًا، ولكنا تركنا هذا الظاهر في حكم الإيجاب بدليل الإجماع فبقي ما وراءه على ظاهره، وإنما ذكر هذا اللفظ،
-والله أعلم- لأن الصحابة كانوا يتحرزون عن الطواف بهما لمكان الصنمين عليهما في الجاهلية إِسَافٌ، ونَائِلَةُ
(3)
، فأنزل الله هذه الآية، ثُمَّ بيّن في الآية أن المقصود حج البيت لقوله تعالى:{فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ}
(4)
، فكان ذلك دليلًا على أن ما لا يتصل بالبيت من الطواف يكون تبعًا لما هو متصل بالبيت، ولا يبلغ درجة التبع درجة الأصل، فيثبت فيه
(5)
صفة الوجوب لا الركنية، وهو نظير رمي الجمار من حيث إنه مقدر بعدد
(6)
السبع غير مختص بالبيت، ولا يصح الاستدلال بظاهر الحديث الذي رواه؛ لأن ظاهره يدل على أن السعي مكتوب، وبالاتفاق عين السبع غير مكتوب، فإنه لو مشى في طوافه بينهما أجزأه، ولأن الحجّ فريضة ثبت
(7)
بنص الكتاب يقينًا، فلا يجعل شيء ركنًا له إلا بما يوجب العلم قطعًا، والسعي يثبت بخبر الواحد فلا يصير ركنًا على ما مرّ نظيره في الصلاة، والمعنى فيه: أن السعي يؤتى به بعد الإحلال التام، فلا يكون ركنًا
(8)
في/ الحجّ كالرميات، وطواف الصدر، وهذا لأن الإحرام ما شُرع إلا لأداء أركان الحجّ، ولهذا جعلنا الوقوف معظم الركنين؛ لأن الطواف يؤتى به بعد أحد الحلين، لا يتأدى السعي بلا إحرام أصلًا، وهو من أفعال الحجّ في الجملة، وأفعال الحجّ لا تتأدى إلا بإحرام علم ضرورة أنه تبع لما مضى فلا يجوز أن يكون التبع مساويًا للمتبوع في الفرضية، ولأن مبنى الحجّ على أن ركنه المقصود ينفرد بوقته كالطواف، والوقوف بعرفة، وأن ما يؤتى به في وقت الآخر يكون تبعًا؛ كالوقوف بالمزدلفة مع عرفة، فالسعي يؤتى به في وقت الطواف، بل لا وقت له، فإنه يصح مع طواف التحية، وركن الحجّ لا يخلو عن وقت معلوم من وقت الإحرام كذا في «الأسرار»
(9)
، و «المبسوط»
(10)
.
(1)
فتاوى قاضي خان (1/ 146).
(2)
سورة البقرة من الآية (235).
(3)
وَكَانَ إِسَافٌ وَنَائِلَةُ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ هُوَ إِسَافُ بْنُ بَغِيٍّ وَنَائِلَةُ بِنْتُ دِيكٍ فَوَقَعَ إِسَافُ عَلَى نَائِلَةَ فِي الْكَعْبَةِ، فَمَسَخَهُمَا الله حَجَرَيْنِ، ذكر اليعقوبي: أن عمرو بن لحي وضع هبل عند الكعبة، فكان أول صنم وضع بمكة؛ ثُمَّ وضعوا به "إساف ونائلة"، كل واحد منهما على ركن من أركان البيت؛ فكان الطائف إذا طاف بدأ "بإساف" فقبله وختم به.
انظر: تفسير ابن كثير (1/ 200)، وأخبار مكة للأزرقي (2/ 23).
(4)
سورة البقرة من الآية (158).
(5)
في (ج): به.
(6)
في (ب، ج): بقدر.
(7)
في (ب، ج): ثبت
(8)
السعي بين الصفا والمروة عند أبي حنيفة، ورواية عن أحمد: واجب، ويجبر بدم، وعند مالك، والشافعي، و أحمد في رواية: أنه ركن من أركان الحج لايتم إلا به، ولا يجبر بدم، وفي رواية لأحمد: أنه سنة ليس بركن ولا واجب.
انظر: بدائع الصنائع (2/ 133)، بداية المجتهد (1/ 344)، المجموع (8/ 81)، الإنصاف (9/ 229).
(9)
انظر: الأسرار (ص 56).
(10)
انظر: المبسوط (4/ 14).
(ثُمَّ يقيمُ بِمَكةَ حَرَامًا)
(1)
.
وإنما ذكر هذا احترازاً عن قول ابن عباس، فإنه قال:"يحلق، ويحل"، واحتج بحديث جابر أنه قال:«خرجنا معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فمنا من أهلّ بحجة، ومنا من أهلّ بعمرة فكنت ممن أهلّ بالعمرة فدخلنا مكة صبيحة رابعة من ذي الحجّة فلما طفنا، وسعينا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلّ بالحجّ بالإحلال، وأحللنا، وواقعنا النساء»
(2)
، والجواب: أنه منسوخ
(3)
، كان ذلك في الابتداء حين كان الناس يعدّون العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور فأمرهم أن يحلوا، ويجعلوها عمرة تقريراً لحكم الشرع ورداً للجاهلية، ثُمَّ نُسخ ذلك.
الإقامة بمكة محرمًا
وقال عمر رضي الله عنه: «متعتانِ كانتا على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم[وأنا]
(4)
اليومَ أنهى عنهما، وأعاقبُ عليهما متعة النساءِ، ومتعة الحجِّ»
(5)
، كذا في «مبسوط الإمام الإسبيجابي»
(6)
؛ ولأن من شرع في إحرام الحجّ لا يحل له الخروج إلا بعد الفراغ منه، وهاهنا لم يفرغ، فلا يحل له الخروج كذا في «مبسوط فخر الإسلام» .
وقوله (في الكتاب)؛ لأنه محرم بالحجّ فلا يتحلل إشارة إلى هذا التعليل بخلاف إحرام العمرة، فإن العمرة ليست إلا الطواف، والسعي، فإذا [أدَّاهما]
(7)
فقد فرغ من أفعال العمرة، فيحل له الخروج عن إحرامها.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 44)
(2)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [التَّمَتُّعِ وَالإِقْرَانِ وَالإِفْرَادِ بِالحَجِّ، وَفَسْخِ الحَجِّ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ](2/ 142) برقم: [1562]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَجَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَمَتَى يَحِلُّ الْقَارِنُ مِنْ نُسُكِهِ](2/ 870) برقم: [1211].
(3)
والنسخ لغة: الإزالة،
وشرعاً: رفع حكم شرعي بدليل شرعي آخر.
(4)
أثبته من (ب، ج).
(5)
كما في بعض الشروح: أنها كانت مشروعة على العموم ثُمَّ نسخت كمتعة النكاح.
انظر: تبيين الحقائق (2/ 21)، البحر (2/ 360)، رد المحتر عن النهر (2/ 502).
انظر: العضد على ابن الحاجب (2/ 185)، إرشاد الفحول (184)، كشف الأسرار (3/ 155)، أصول السرخسي (2/ 549).
(6)
انظر: المبسوط (4/ 27) وهو مبسوط الإمام السرخسي رحمه الله، وليس الإمام الإسبيجابي رحمه الله كما ذكر المؤلف.
(7)
أثبته من (ب) وفي (أ) أذاهما، ولعل الصواب مأثبته لموافقته سياق الكلام.
(والصَّلاة ُخيرُ مَوْضُوعٍ).
فكذلك الطواف؛ لكن طواف التطوع أفضل من صلاة التطوع للغرباء، وأما لأهل مكة فالصلاة أفضل؛ لأن الغرباء يفوتهم الطواف، ولا يفوتهم الصلاة، وأهل مكة لا يفوتهم الأمران، فعند الاجتماع الصلاة أفضل. «كذا في شرح الطحاوي» .
(والتَّنَفلُ بالسَّعْي غَيْرُ مَشْرُوعٍ).
فإن قيل: السعي تبع للطواف، ولهذا لا يجوز قبله، والتنفل بمتبوعه مشروع، فيجب أن يكون النفل بالسعي أيضًا مشروعًا تبعًا للطواف النفل كإصابة لفظ السلام في النوافل من الصلاة.
قلنا: السعي إنما ثبت كونه عبادة بالنص بخلاف القياس فيقتصر على مورد النص، والنص ورد بالإتيان مرة فلا يشرع ثانيًا بالقياس؛ لأنه لا مجال له.
(فإذا كان قبل يوم التروية
(1)
بيوم)
(2)
.
وهو اليوم السابع من ذي الحجّة.
(خطب الإمام خطبة)
(3)
.
واحدة من غير أن يجلس بين الخطبتين بعد صلاة الظهر، وكذلك في الخطبة الثالثة التي يخطب بمنى، وأما في خطبة عرفات، فيجلس بين الخطبتين، وهي قبل صلاة الظهر. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(4)
، و «شرح الطحاوي»
(5)
.
(1)
ذكروا في تسميته بيوم التروية وجوهًا عدة، أشهرها: أنه مشتق من الارتواء، فإنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بعده، فكانوا يُروُّون إبلهم فيه استعدادًا للوقوف بعرفة. وقيل: من الرَّويَّة وهي الفكر؛ لأن رؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بذبح ابنه كانت في ليلته، فتروَّى فيه، أي: تفكر ونظر في أنّ ما رآه من الله أو لا؟ وقيل: من الرِّواية؛ لأن الإمام يَرْوي فيه للناس مناسكَهم، وقيل غير ذلك. ويسمّى أيضًا بيوم النُّقْلة، لانتقال الناس فيه من مكة إلى منى.
انظر: المسالك (1/ 479)، فتح القدير (2/ 368)، القرى (ص/ 378)، طلبة الطلبة (60)، البحر العميق (3/ 1404)، المجموع (8/ 81)، مختار الصحاح (116)، المصباح المنير (246).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45)
(4)
انظر: العناية شرح البداية (2/ 466)، واللباب في شرح الكتاب (1/ 187).
(5)
انظر: العناية شرح البداية (2/ 466)، واللباب في شرح الكتاب (1/ 187).
اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية
وفي «المبسوط»
(1)
: وإنما سُمي يوم التروية؛ لأن الحاجَّ يروون فيه بمنى أو لأنهم يروون ظهورهم فيه بمنى، ففي هذه التسمية ما يدل على أنه ينبغي لهم أن يكونوا بمنى يوم التروية.
مواقيت الوقوف بعرفة
(ثُمَّ يتوجه إلى عرفات)
(2)
.
أي: ثُمَّ يتوجه من منى بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى عرفات.
(وأما لو دفع
(3)
قبله جاز) أي: لو ذهب من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس بعد صلاة الفجر من يوم عرفة جاز، كان من حقه الكلام أن يقول: أما لو دفع قبل طلوع الشمس لما أنه لم يتقدم ذكر طلوع الشمس، ولكن اتّبع لفظ «الإيضاح»
(4)
، ولكن ذكر هناك
(5)
الضمير بعد ذكر طلوع الشمس، فقال في «الإيضاح»: قال: وإذا طلعت الشمس يوم عرفة [خرج]
(6)
إلى عرفات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذلك، وإن وقع
(7)
قبله جاز، والأول أولى.
(لأنه لا يتعلق بهذا المقام حكم).
[إن لم يتعلق بمنى في هذا اليوم حكم]
(8)
من المناسك، فيجوز الذهاب قبل طلوع الشمس إلى عرفات للوقوف فيها، وهو الركن الأعظم، فإن قلتَ: لا شك أن الحكم الثابت بالعبارة أقوى من الحكم الثابت بالإشارة، وقد/ انعكس هذا في حق الوقوف بعرفة مع الوقوف بمزدلفة في قوله تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}
(9)
، فما وجهه، ولو ثبتت ركنية الوقوف بعرفات بقوله صلى الله عليه وسلم:«الحجُّ عرفة»
(10)
، وهو خبر واحد فكيف ثبتت به الركنية مع أن الوقوف بعرفات أعظم الركنين؟
الوقوف بالمزدلفة ليس ركنا
قلتُ: القوة والضعف من العبارة والإشارة إنما تظهر عند المعارضة، ولا معارضة هاهنا بينهما لا زمناً ولا مكانًا، فعند عدم المعارضة كل واحدة من العبارة والإشارة، والاقتضاء يوجب الحكم قطعًا لما عُرف، فلما دلت إشارة الكتاب على الوقوف ثُمَّة، وقد انعقد الإجماع على ركنيته ثبتت [الركنية]
(11)
، فكان خبر الواحد داعيًا إلى ذلك الإجماع وعدم ركنية الوقوف بمزدلفة مع أنه ثبت بعبارة النص يجيء بعد هذا.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 52).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45)
(3)
دفع عن الموضع، أي: رحل عنه.
انظر: المصباح المنير (ص/ 196).
(4)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 468).
(5)
في (ج): هنا.
(6)
أثبته من (ج).
(7)
في (ب، ج): ذهب.
(8)
أثبته من (ب، ج).
(9)
سورة البقرة من الآية (198).
(10)
في حديث عبدالرحمن بن يعمر رضي الله عنه (الحج عرفة فمن جاء جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج، أيام منى ثلاثة) أخرجه أبوداود: المناسك، باب (69) من لم يدرك عرفة (2/ 485)، والترمذي الحج، باب (57) ماجاء فيمن أدرك الإمام بجمع
…
(3/ 273)، وابن خزيمه (4/ 257)، وابن حبان (6/ 76)، والحاكم (2/ 278) وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، قال وكيع: هذا أم المناسك ذكر ذلك الترمذي. وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح"(2/ 829) برقم: [2714].
(11)
أثبته من (ب).
وفي «الإيضاح»
(1)
: "وإنما لم يجعل وقوف المزدلفة ركنًا"؛ لأن الركن لا يثبت إلا بدليل مقطوع به، وقد أجمعت الأمة على كون الوقوف بعرفة، والطواف من جملة الأركان فأما وقوف المزدلفة، فلم ينعقد الإجماع على كونه ركنًا، بل الحديث ورد دالًا على أنه ليس بركن
(2)
، على ما يجيء، ولأنهم أجمعوا على أن الجماع قبل الوقوف بعرفة مفسد للحج وبعده لا، والإِحْصَار قبله إحصار، وبعده لا، وعدم الإدراك لوقته الخاص مفوت للحج بخلاف سائر الأفعال، فكانت هذه الأحكام الثلاثة دالة على أنهم أجمعوا على أن الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم، وذكر في «الأسرار»
(3)
: (ولأن أصل الحجّ ثابت بالكتاب يقينًا)، وهو عبارة عن أركانه فلا يثبت ركن منه له ركنًا إلا من الطريق الذي ثبت أصله، وقال صلى الله عليه وسلم:«الْحَجُّ عَرَفَةُ»
(4)
فمثل هذه الصيغة صالح لإثبات الركنية، فيُلحق بالكتاب في إثبات الركنية.
(وإذا زالت الشمس)
(5)
أي في عرفات. (فيخطب خطبة)
(6)
أي: قبل الصلاة. (والجمع منها)، أي: الجمع بين الصلاتين من المناسك.
حكم صلاة الظهر والعصر معاً يوم عرفة
(وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه يؤذن قبل خروج الإمام).
لأن هذا الأذان لأداء الظهر [كما في سائر الأيام، (ويصلي بهم الظهر،
والعصر في وقت الظهر)
(7)
، وفي «الجامع الصغير»
(8)
لقاضي خان: في آخر وقت الظهر]
(9)
.
(ولا يتطوع بين الصلاتين)
(10)
.
وفي «التحفة»
(11)
: (ولا يشتغل الإمام، ولا القوم بالسنن والتطوع فيما بينهما، فإن اشتغلوا بذلك أعاد المؤذن أذان العصر، ويخفي الإمام بالقراءة فيهما كما في سائر الأيام).
(1)
العناية شرح الهداية (1/ 294)،
(2)
القول بالوجوب وأنه ليس بركن هو قول الحنابلة والشافعية والمالكية (جمهور فقهاء الأمصار) المبسوط (4/ 63)، شرح معاني الآثار للطحاوي (2/ 211)، الإشراف للبغدادي:(/ 232)، المغنى (5/ 284)، بداية المجتهد (1/ 350)، الكافي (1/ 373)، المدونة (1/ 417)، الإفصاح (1/ 279)، مع اختلاف بينهم في وجوب الدم بتركه. المجموع (8/ 130)، فتح القدير (2/ 482)، بدائع الصنائع (3/ 1117)، شرح النووي على مسلم (8/ 188)
(3)
انظر: الأسرار (ص 383).
(4)
سبق تخريجه (243)
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45)
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45)
(7)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45)
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 470)، واللباب في شرح الكتاب (1/ 188).
(9)
أثبته من (ب).
(10)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45)
(11)
انظر: تحفة الفقهاء (1/ 404).
وفي «الذخيرة»
(1)
، و «المحيط»
(2)
: (ويصلي الإمام بهم العصر في وقت الظهر من غير أن يشتغل بين الصلاتين بالنفل غير سنة الظهر).
وفي «شرح الطحاوي»
(3)
: (فيصلي بهم الإمام صلاة الظهر، والعصر في وقت الظهر بأذان واحد
(4)
، وإقامتين إلا إذا اشتغلوا فيما بينهما بالتطوع، أو بغيره أعادوا الأذان للعصرخلافًا لمحمد رحمه الله) لما روي عن محمد أنه يقول: لا يعيد الأذان؛ لأن الوقت قد جمعهما، فيكفيهما أذان واحد كالفوائت.
ونحن نقول: بأن الأذان للإعلام، وكل صلاة أصل بنفسها إلا أنه إذا جمع بينهما استغنينا عن الإعلام، وإذا قطع على حكم الأصل. كذا في «الإيضاح»
(5)
.
(ومن صلى الظهر في رحله وحده صلى العصر في وقته)
(6)
عند أبي حنيفة رحمه الله، وقالا: يجمع بينهما المنفرد).
فالحرف الذي يدور عليه أصل اختلافهم: هو أن تقديم العصر على وقته لماذا عندهما؟ لأجل امتداد الوقوف، فإنه لو صلى كل واحدةٍ منهما في وقتها تخيل امتداد الوقوف.
وعند أبي حنيفة رحمه الله لأجل محافظة الجماعة، لا لأجل إعانة امتداد الوقوف.
ثُمَّ الشأن في الترجيح، فقالا: تقديم العصر لأجل الوقوف، بدلالة أنه لا جمع لمن لا وقوف عليه، وهذا تعظيم شأن الوقوف، فقُدِّم العصر ليقع الوقوف من
أوله إلى آخره متصلًا غير منقطع ليكون أفضل. هذا كما في
(7)
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الفجر حقًّا لصلاة الفرض؛ ليكون الوقت في حكم المشغول به، لا لذهاب الوقت حتى حلّ أداء الفرض لو أخر إليه، وحلّ أداء فرض آخر مثله، وفي حق الوقوف المنفرد وغيره سواء، فيجوز للمنفرد التقديم كما يجوز للذي يصلي بجماعة.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: إن النص المجمع عليه في التعجيل جاء مع الجماعة، فأما المنفرد ففيه اختلاف على ما هو المروي عن ابن مسعود/ وذلك لأن فضيلة الجماعة لا يجوز تفويتها لحق الوقوف؛ لأن الجماعة تفوت لا إلى خلف، وحق الوقوف يتأدى قبل وبعد أو معه، والناس يتفرقون في الموقف، وهو موضع ذو عرض وطول، فلا يمكنهم إقامة الجماعة إلا بالاجتماع، وأنه يتعذر مرتين في العادات، فعجل العصر حتى لا يفوتهم فضيلة الصلاة بالجماعة.
(1)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 427).
(2)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 427).
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 469).
(4)
وعند مالك: يؤذن ويقام لكل منها.
انظر: تبيين الحقائق (2412)، البناية (3/ 522)، البحر (2/ 361)، بداية المجتهد (1/ 347)، المجموع (8/ 96)، الإنصاف (9/ 157).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 470).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45)
(7)
ساقطة من (ج).
وأما قولهما: (إن الوقوف يتفرق) قلنا: إنه جوّز التفريق بالأكل، وبالحديث، والحدث، ولم يكره ذلك فلأن لا يكره بالصلاة أولى، وإذا لم يكن هذا تفريقاً لم يجزأ بكتاب محظور، وهو تعجيل الصلاة قبل الوقت لإدراك فضيلة، وهي اتصال الوقوف ليس بواجب، ولا في حكم الواجب، فأما الجماعة فإدراكها في حكم الواجب حتى أن الثواب يتضاعف بالجماعة، ويقاتَل القوم التاركون الصلاة بجماعة كما يقاتلون على أصل الصلاة.
ولذلك لابد أن يكون فضل وصل الوقوف دون فضل الجماعة، فيحال التعجيل إلى أولى الفضيلتين، وأتمهما
(1)
، إلى هذا أشار في «الأسرار»
(2)
؛ أن المحافظة على الوقت فرض بالنص، وهو قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا
…
مَوْقُوتًا}
(3)
أي: فرضًا مؤقتًا فالمحافظة على الوقت في الصلوات فرض بيقين، فلا يجوز تركه إلا بيقين مثله، وهو الموضع الذي ورد فيه النص، وإنما ورد النص بجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين، والخلفاء من بعده، فلا يجوز الجمع إلا بتلك الصفة، وكان المعنى فيه أن هذا الجمع مختص بمكان وزمان، كان الإمام شرطًا فيها بخلاف الجمع الثاني، فإنه أداء المغرب في وقت العشاء، وذلك غير مختص بمكان وزمان، وأما هذا فتعجيل العصر على وقته، وذلك لا يجوز إلا في هذا المكان وهذا الزمان، ثُمَّ يسلم أن هذا الجمع لأجل الوقوف، ولكن الحاجة إلى الجمع للجماعة لا للمنفرد؛ لأن المنفرد يمكنه أن يصلي العصر في وقته في موضع وقوفه فإن المصلي واقف فلا ينقطع وقوفه بالاشتغال بالصلاة، فإنما يحتاجون إلى الخروج لتسوية الصفوف إذا أدوها بالجماعة، فيشق عليهم الاجتماع بعد الفراغ، فلذلك جوّز الجمع دفعًا للمشقة عنهم.
(إذ لا منافاة).
أي: بين الوقوف، والصلاة على ما ذكرنا.
لأنه هو المتغير عن [وقته]
(4)
واشتراط الإمام لوقوع التغير فيقتصر على ما يقع فيه التغير، ولأبي حنيفة رحمه الله أن العصر
(5)
في هذا اليوم كالتبع للظهر؛ لأنهما صلاتان أديتا في وقت واحد، والثانية منهما مُرتبة على الأولى، وكان بمنزلة العشاء مع الوتر، ولما جعل الإمام شرطًا في التبع كان شرطًا في الأصل بالطريق الأولى، ودليل التبعية
(6)
أنه لا يجوّز العصر في هذا اليوم إلا بعد صحة أداء الظهر حتى لو تبين في يوم الغيم أنهم صلوا الظهر قبل الزوال، والعصر بعده؛ لزمهم إعادة الصلاتين، وكذلك لو جدد الوضوء بين الصلاتين، ثُمَّ تبين أنه صلى الظهر بغير وضوء لزمه إعادة الصلاتين بخلاف سائر الأيام.
(1)
في (ج): أهمهما.
(2)
انظر: الأسرار (ص 376).
(3)
سورة النساء من الآية (103).
(4)
أثبته من (ب) وفي (أ) وفيه، ولعل الصواب ماأثبته لموافته سياق الكلام.
(5)
في: (أ) و (ب) أن العصر.
(6)
في: (ج) التغير.
وعلى هذا الخلاف: الإحرام بالحجّ شرط لأداء هاتين الصلاتين حتى أن الحلال إذا صلى الظهر مع الإمام، ثُمَّ أحرم بالحجّ، فصلى العصر أو المحرم بالعمرة وصلى الظهر مع الإمام، ثُمَّ أحرم بالحجّ فصلى العصر معه لم يجزه العصر إلا في وقتها، وعند زفر
(1)
يجزئه.
وحاصله: أن جواز الجمع عند أبي يوسف ومحمد، معلق بإحرام الحجّ لا غير، وعند أبي حنيفة رحمه الله معلق بإحرام الحجّ، وبالجماعة، وبالإمام الأكبر، وهو قول زفر؛ غير أنه يشترط هذه الشرائط في العصر لا غير، وأبو حنيفة رحمه الله يشترط في الظهر والعصر جميعًا. كذا في المبسوطين
(2)
.
الإكثار من الدعاء بعد صلاتي الظهر والعصر يوم عرفة
(ثُمَّ يتوجه)
(3)
.
أي: بعد صلاة العصر يتوجه الإمام إلى الموقف، وهو المسمى بموقف الأعظم.
ما يقال في الدعاء يوم عرفة بعد صلاتي الظهر والعصر
(وفي وقوفه يدعو) وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَكْثَرُ دُعَائِي وَدُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي بِعَرَفَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللهُمَّ اجْعَلْ [لي]
(4)
فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي»
(5)
. كذا في «المبسوط»
(6)
، وزاد الإمام الأستاجي بعد هذا (اللهم إني أعوذ بك من وساوس الصدر./ وشتات الأمر، وعذاب القبر اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل، و [شر]
(7)
ما يلج في النهار، وشر ما يهب به الرياح، وشر بوائق الدهر)
(8)
(9)
، وكل دعاء يعلمه يدعو به، وكل حاجة في صدره يسأل الله إياها، وفي «مبسوط شيخ الإسلام»
(10)
سأل عمر وعلي
(1)
هو الإمام زفر بن الهذيل بن قيس العنبري البصري، صاحب الإمام أبي حنيفة، إمام من أئمة الفقهاء، كان ثقة، مأمونًا، حافظًا، اشتُهر بأنه أقيس أصحاب أبي حنيفة (ت 158 هـ) رحمه الله.
انظر: الجواهر المضية (2/ 207)، تاج التراجم (169)، الفوائد البهية (132).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 17).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45)
(4)
أثبته من (ج).
(5)
أخرجه الترمذي في السنن من حديث عمرو بن شعيب؛ في كتاب الدعوات (45) باب في دعاء يوم عرفة (122)، حديث رقم (3585)، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ماقلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير". قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأخرجه ابن ماجه في السنن، في كتاب المناسك (25)، باب الدعاء بعرفة (56)، حديث رقم (3013)، "أن رسول الله دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة
…
الخ". قال الزيلعي: رواه ابن عدي في " الكامل: وأعله.
انظر: نصب الراية (3/ 65)، الفتح (2/ 474)، التتارخانية (2/ 455)، تبيين الحقائق (2/ 25)، العناية (2/ 474)، مجمع الأنهر (1/ 226)، الدر المختار (2/ 507)، شرح اللباب (135)، غنية الناسك (154).
(6)
انظر: المبسوط (4/ 17).
(7)
أثبته من (ج).
(8)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب: [أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ](5/ 190) برقم: [9475]، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" باب:[ما يُقَالُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الدُّعَاءِ](3/ 381) برقم: [15135].
(9)
أخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْفُقَرَاءُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ النِّسَاءُ وَبَيَانِ الْفِتْنَةِ بِالنِّسَاءِ](4/ 2097) برقم: [2739]، وأجرجه أبو داود في "سننه" باب:[فِي الِاسْتِعَاذَةِ](2/ 91) برقم: [1545] كما أخرجه البغوي في باب الاستعاذة بقوله حديث صحيح، (5/ 168)، برقم 1368
(10)
انظر: المبسوط للشيباني (1/ 385).
-رضي الله عنهما النبي عليه السلام ما يدعو في هذا اليوم؟ فقال: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه ُ»
(1)
إلى آخره، فقيل لسفيان بن عيينة:"هذا ثناء فلم سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء، قال: الثناء على الكريم دعاء؛ لأنه يعرف حاجته"، وفي «الجامع الصغير» للإمام المحبوبي، وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يقف عَشِّيَة عرفة في الموقف مستقبل القبلة، ثُمَّ يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له [له الملك، وله الحمد كله وهو على كل شيء قدير، ويقرأ بفاتحة الكتاب مائة مرة، ثُمَّ يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له]
(2)
وأن محمدًا عبده ورسوله مائة مرة، ثُمَّ يقول: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت ورحمت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد إلا قال الله تعالى: يا ملائكتي ما جزاء عبدي هذا سبَّحني، وهلَّلني، وكبَّرني، ومجَّدني، وعرفني وأثنى عليّ وصلى على نبيي اشهدوا أني [قد]
(3)
شفعته في نفسه، وغفرت له، ولأهل الموقف معه»
(4)
.
(والموقف الأعظم).
أي: يُسمى الموقف موقف الأعظم.
(وعرفات كلها موقف إلا بطن عُرنَة
(5)
(6)
.
(1)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب: [أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ](5/ 190) برقم: [9475]، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" باب:[ما يُقَالُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الدُّعَاءِ](3/ 381) برقم: [15135].
(2)
سقط من (ج). من قوله: (له الملك، وله الحمد .. ) إلى قوله: (لا شريك له).
(3)
أثبته من (ب، ج).
(4)
أخرجه البيهقي عن محمد بن عبدالله الحافظ عن أبي جعفر أحمد بن عبيد الله بن إبراهيم الأسدي عن علي بن الحسن الطيالسي عن إبراهيم الترجماني، عن عبدالرحمن الطلحي عن عبدالرحمن المحاربي عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله، وزاد على ماسبق " ولو سألني عبدي هذا لشفعته في أهل الموقف كلهم " في باب شعب الإيمان، (5/ 502)، برقم 3780.
(5)
لفظ (عُرنة): المشهور في ضبطه ضم العين وفتح الراء وبعده نون مفتوحة وهاء التأنيث على وزن (رُطَبة)، وقيل: بضم العين والراء، ولكنه خطأ كما قاله البكري، وقيل: بضم العين وسكون الراء.
انظر: المصباح المنير (ص/ 406)، معجم ما استعجم (3/ 935)، شفاء الغرام (1/ 307). انظر: بداية المبتدي (1/ 45).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45).
وهو واد بحذاء عرفات، قيل: رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيه الشيطان، فكان هذا نظير النهي في ظرف الزمان في حق الصلاة بالحديث «ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(1)
إلى أن قال: «فإنها تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَيْطَان»
(2)
فكذلك في ظرف المكان، لما نُسب إلى الشيطان كره فيه فعل المناسك، وسميت عرفات بعرفات لتعارف الناس في ذلك الجمع إذا شهدوه، ويقال: إنما سميت بها؛ لأن جبريل عليه السلام قال لإبراهيم عليه السلام لما أراه المناسك: أعرفت؟ قال: نعم، وقيل: إنما سميت بها؛ لأن آدم عليه السلام عرف هناك حواء، وقيل: إنما سميت بذلك؛ لأن الناس يعترفون بذنوبهم فيها فحينئذٍ يغفر لهم، وسميت المزدلفة
(3)
بها لاجتماع الناس فيها، ومنه قوله تعالى:{وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ}
(4)
أي: جمعناهم، وقيل هي من الازدلاف بمعنى التقرب، ومنه قوله تعالى:{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ}
(5)
أي: قربت، وسميت بها لاقتراب الناس إلى منى بعد الإفاضة من
(6)
عرفات، وقيل: إنما سميت بها؛ لأن حواء ازدلفت إلى آدم فيها، كذا في «المناسك البزدوية
(7)
»
(8)
.
(1)
أخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا](1/ 568) برقم: [830]، بلفظ:«ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ينهانا» وأخرجه أبو داود في "سننه" باب: [الدَّفْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا](3/ 208) برقم: [3192]، وأخرجه ابن ماجه في "سننه" باب:[مَا جَاءَ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا يُدْفَنُ](1/ 486) برقم: [1519]، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (1/ 327) برقم:[1040].
(2)
هذا الجزء متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ](4/ 122) برقم: [3272]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ](1/ 427) برقم: [612].
(3)
في تسمية مزدلفة بهذا الاسم أقوال منها: قيل: هي مشتقّة من الازدلاف وهو الاجتماع، وذلك لاجتماع الناس فيها، أو لاجتماع آدم وحواء فيها. وقيل: من الزّلفى وهي القُربة؛ لأن الحجاج يتقرّبون إلى الله بالوقوف فيها. وقيل: من الازدلاف وهو الاقتراب، أو التزلّف وهو التقرّب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها واقتربوا منها، أو لاقتراب الحجاج فيها من منى. وقيل: لمجيء الناس إليها في زُلَف من الليل، وزلف الليل: ساعاته. وأصل مزدلفة: مفتعِلة من الزّلفة وهي القُرب، يقال: أزلفتُه فازدَلَف، أي: قرّبته فتقرّب، والأصل ازتَلف، فأُبدل من التاء دال، ومنه (مزدلفة).
انظر: المصباح المنير (254)، معجم البلدان (5/ 120)، البحر العميق (3/ 1600)، المجموع (8/ 628)، طلبة الطلبة (62)، القرى (154)، فتح الباري (3/ 523).
(4)
سورة الشعراء الآية (64).
(5)
سورة الشعراء الآية (90).
(6)
في (ب، ج): الإقامة.
(7)
مخطوط للإمام فخر الإسلام أبي الحسن علي بن محمد الشهير بأبي العُسر البزدوي الحنفي، الإمام الكبير، ت عام (482 هـ).
انظر: كشف الظنون (1/ 563).
(8)
انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 263).
وادي محسِّر بكسر السين، وتشديدها، وهو بين مكة، وعرفات.
(وينبغي للإمام أن يقف بعرفة على راحلته)
(1)
.
وهو أفضل، وإلا فيقف قائمًا، والناس يقفون معه، وكل من كان وقوفه إلى الإمام أقرب فهو أفضل؛ لأن الإمام يعلم الناس أمور المناسك فيقرب منه حتى يسمع منه، فيقفون إلى غروب الشمس فيكبرون، ويهللون، ويحمدون الله تعالى، ويثنون عليه، ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويسألون الله حوائجهم، فإنه وقت مرجو، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أفضل الدعاء دعاء أهل عرفة»
(2)
، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله تعالى يباهي بأهل عرفة يوم عرفة فيقول: انظروا ملائكتي إلى عبادي يأتون شعثًا غبرًا من كل فج عميق، اشهدوا أني قد غفرت لهم. فيرجعون كيوم ولدتهم أمهم»
(3)
كذا في «التحفة»
(4)
.
(مادًا يديه كالمستطعم المسكين). ففي تقديم الصفة على الذي يجري مجرى الموصوف فائدة، وهي أن التشبيه إنما يحصل بحالة الاستطعام فيقدم الأهم، فكان في تقديم الصفة مبالغة في تحقيق فعل المد.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45).
(2)
أخرجه الترمذي في "سننه"(5/ 572) برقم: [3585] بلفظ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ» وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح"(2/ 797) برقم: [2598].
(3)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب: [الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ يَكْفِيهِمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ بَعْدَ عَرَفَةَ فَإِنْ كَانَا قَدْ سَعَيَا بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ اقْتَصَرَا عَلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ بَعْدَ عَرَفَةَ وَتَحَلَّلَا](5/ 174) برقم: [9425]، بلفظ:«فَإِذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَإِنْ كَانَ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ وَرَمْلِ عَالِجٍ وَإِذَا رَمَى الْجِمَارَ لا يدري أحد له مَا لَهُ حَتَّى يُوَفَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فَلَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَقَطَتْ مِنْ رَأْسِهِ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِذَا قَضَى آخِرَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أمه» ، وصححه ابن حبان في "صحيحه" باب:[ذِكْرُ وَصْفِ بَعْضِ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ لِلْمُصَلِّي فِي صَلَاتِهِ](5/ 207) برقم: [1887].
(4)
انظر: تحفة الفقهاء (1/ 405).
(فاستجيب له إلا في الدماء، والمظالم). أي: إلا في حق الدم الذي وجب لبعضهم على بعض قصاصًا، وعجزوا عن استيفائه، وفي حق المظلمة التي وجبت لبعضهم على بعض، وعجزوا عن الانتصاف لم يستجب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم/ بالمغفرة لهم لعظم هذه الذنوب، وتعلق حقوق العباد بها. [وَإِنْ وَرَدَ الْآثَارُ بِبَعْضِ الدَّعَوَاتِ، وَقَدْ أَوْرَدْنَا تَفْصِيلَهَا فِي كِتَابِنَا الْمُتَرْجَمُ]
(1)
.
«بعُدَّةِ النَّاسِكِ بضم العين فِي عِدَّةٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ»
(2)
بكسر العين، [بتوفيق الله تعالى]
(3)
.
(فيأتي بها إلى آخر جزء من الإحرام). وذلك في
(4)
الرمي يكون كذا في «المبسوط»
(5)
، وإذا غربت الشمس أفاض
(6)
الإمام، وفي «شرح الطحاوي»
(7)
: فإذا غربت الشمس دفع
(8)
الإمام، والقوم خلفه على السكينة والوقار إلى مزدلفة.
قوله رحمه الله: (والناس معه على هينتهم)
(9)
.
هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس ليس البر في إِيجَافِ
(10)
الخيل، ولا في إيضاع
(11)
الإبل عليكم بالسكينة والوقار)
(12)
.
(1)
ما بين الحاصرتين سقط أثبته من أصله المصدر الهداية، لايستقيم السياق بدونه.
انظر: الهداية (1/ 42).
(2)
عدة الناسك في عدة من المناسك. كتاب مفقود للإمام المرغيناني رحمه الله. قال عنه في كتابه الهداية مانصه: (وإن ورد الآثار ببعض الدعوات وقد أوردنا تفصيلها في كتابنا المترجم بعدة الناسك في عدة من المناسك بتوفيق الله تعالى).
(3)
ما بين الحاصرتين سقط أثبته من أصله المصدر الهداية.
انظر: الهداية (1/ 42).
(4)
في (ب، ج): عند.
(5)
انظر: المبسوط (4/ 18).
(6)
أفاض بمعنى: دفع.
انظر: المصباح المنير (ص/ 485).
(7)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 477)، واللباب في شرح الكتاب (1/ 209).
(8)
في (ب، ج): رجع.
(9)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45)
(10)
الإيجاف سرعة السيروقد أوجف دابته يوجفها إيجافاً إذا حثها، ويقال راكب البعير يوضِعُ، وراكب الفرس يوجف. انظر: النهاية (5/ 157) لسان العرب (9/ 352، مادة وجف).
(11)
الإيضاع: حَمْل الدابة على إسراعها في السير، وقيل: هو ضَرْبٌ من السَّير السريع أو الحثيث، وقيل: هو سير مثل الخَبَب، وهو من سير الإبل، يقال: وضع البعيرُ إذا سار سيرًا سهلاً سريعًا، وكذلك غير البعير.
انظر: النهاية (5/ 196)، فتح الباري (3/ 522)، طلبة الطلبة (ص/ 62)، البحر العميق (3/ 1590).
(12)
أخرجه بنحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: البخاري الحج (94) أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة (الفتح 3/ 522)، وأبوداود المناسك، باب (64) الدفع من عرفة (2/ 470).
(ولأن فيه إظهار مخالفة المشركين).
روي أنه صلى الله عليه وسلم خطب عشية عرفة فقال: «أيها الناس إن أهل الجاهلية والأوثان، كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس إذا تعممت بها رؤوس الجبال كعمائم الرجال في وجوههم، وإن هُدانا ليس كهُداهم»
(1)
فادفعوا بعد غروب الشمس فقد باشر ذلك، وأمر به إظهارًا لمخالفة المشركين، فليس لأحد أن يخالف ذلك.
(فإنْ خافَ الزحام فدفعِ قبلَ الإمامِ، ولم يجاوز حدودَ عرفة أجزأه).
وإنما قيد به؛ لأنه لو جاوز حدود عرفة قبل الإمام، وقبل غروب الشمس يجب عليه الدم.
لا يجوز الخروج من حدود عرفه قبل غروب الشمس
وحاصله: أنه إذا وقع قبل غروب الشمس ينظران فإن جاوز حد عرفة بعد غروب الشمس فلا شيء عليه، وإن جاوز قبل الغروب
(2)
وجب عليه الدم، ولكن إن عاد إلى عرفة قبل الغروب، ثُمَّ دفع مع الإمام منها بعد الغروب سقط عنه الدم، وقال زفر
(3)
: لا يسقط كما قال في مجاوزة الميقات بغير إحرام: إنه يجب عليه الدم، ثُمَّ لا يسقط عنه الدم بالعود إلى الميقات، وتجديد التلبية به، فأما إذا عاد إلى عرفة بعد الغروب، فإنه لا يسقط عنه الدم
(4)
بالإجماع
(5)
.
والجملة فيه: أنه إن أدرك عرفة بالنهار، فإنه يقف بها إلى غروب الشمس، وإن لم يقف، ولكنه مرّ بها مارًا بعد الزوال قبل الغروب فعليه الدم، وإن أدركها بعد غروب الشمس، ولم يقف، ومرّ بها فلا شيء عليه، ويكون مدركًا وتم حجه، كذا في «شرح الطحاوي»
(6)
، و «التحفة»
(7)
، وذكر الإمام المحبوبي: والسنة في المشي أن يتقدم الإمام على القافلة، وإن تقدم واحد على القوم والإمام، فعليه دم.
(1)
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(4/ 347) برقم: [4395]، وفي "المعجم الكبير" (13/ 227) برقم:[13956]، وقال الطبراني:" لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ".
(2)
في هامش (ج): غروب الشمس.
(3)
إن عاد قبل الغروب وقبل نفر الإمام سقط عندنا خلافًا لزفر، وإن عاد قبل الغروب بعدما خرج الإمام من عرفة؛ روى ابن شجاع عن الإمام: أنه يسقط، واعتمده القدوري، وذكر في الأصل عدمه، ولو عاد بعد الغروب لايسقط بلا خوف لتقررالواجب فلا يحتمل السقوط بالعود.
انظر: الجوهرة النيرة (1/ 223)، العناية (3/ 60)، تبيين الحقائق (2/ 61)، رد المحتار عن النهر (2/ 553)، وفي البدائع (2/ 127).
(4)
قلت: الذي وقفت عليه في الأصل (2/ 414) ما نصه: «فإن رجع ووقف بها بعدما غابت الشمس لم يسقط عنه الدم» .
(5)
لأنه لما غربت الشمس عليه قبل العود فقد تقرر عليه الدم الواجب، فلا يحتمل السقوط بعد العود»، كذا علل في المصدر.
(6)
شرح الطحاوي (ل/ 129).
(7)
انظر: تحفة الفقهاء (1/ 406).
يقال: قُزَحُ، وهو غير منصرف للعدل، والعلمية من قَزَح الشيء ارتفع.
(لما بيّنا).
وهو قوله: لأن يدعوا، ويعلم.
صلاة المغرب يوم عرفة
(ويصلي الإمام بالناس بأذان، وإقامة)
(1)
.
أي: في وقت العشاء.
(ثُمَّ تعشى) أي: أكل العشاء، وهو الطعام بعينه في العشاء.
(ولا تشترط الجماعة).
وذكر الإمام المحبوبي
(2)
: ولا يشترط بجمع المزدلفة الخطبة، والسلطان، والجماعة، والإحرام
(3)
؛ لأن المغرب مؤخرة عن وقتها وأداء الصلاة بعد خروج وقتها موافق للقياس؛ لأن القضاء مشروع في جميع الصلوات قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ»
(4)
. الحديث، فلا يجب مراعاة مورد النص، والنص وإن ورد في تأخير المغرب عند وجود الجماعة فلا يشترط الجماعة فيه، وأما تقديم الصلاة على وقتها فمخالف للقياس
(5)
من كل وجه، فيراعى لذلك فيه جميع ما ورد فيه النص.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45).
(2)
انظر قوله في: الكفاية (2/ 378).
(3)
ذكر علي القاري في المسلك (ص/ 144) أن ما ذكره المحبوبي من أن الإحرام لا يُشترط لجمع المزدلفة غير صحيح، لتصريحهم بأن هذا الجمعَ جمعُ نُسُك، ولا يكون نُسُكًا إلا بإحرام الحج، وأقره عليه ابن عابدين في رد المحتار (7/ 103) وصاحب غُنية الناسك (ص/ 163).
(4)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَ، وَلَا يُعِيدُ إِلَّا تِلْكَ الصَّلَاةَ](1/ 122) برقم: [597]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[قَضَاءِ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ، وَاسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ قَضَائِهَا](1/ 477) برقم: [684].
(5)
قلت: وإنما فرق الحنفية بين جَمْع عرفة ومزدلفة في اشتراط الجماعة مع الإمام في عرفة دون مزدلفة بأن الجَمْع بعرفات ثابتٌ على خلاف القياس، لكون العصر مقدّمة على وقتها، ولا جواز للصلاة قبل وقتها، وإنما عرفنا جوازَها بالشرع، والشرعُ إنما ورد بها جماعة، فيتبّع موردُ الشرع، ويراعى فيه جميع ما ورد به النص، وهو الأداء مع الإمام في حالة الإحرام.
أما الجمع بمزدلفة فلم يخالف القياس؛ لأن المغربَ مؤخرةٌ عن وقتها، وأداء الصلاة بعد خروج وقتها موافق للقياس؛ لأن القضاء مشروع في جميع الصلوات، ولأن القضاء بعد الوقت أمر معقول لوجود المسبب بعد وجود السبب، فلا يشترط فيه مراعاة ما ورد به النص وهو الأداء مع الإمام جماعة، والله أعلم.
انظر: الهداية مع العناية (2/ 377)، البدائع (2/ 155)، السراج الوهاج (ل/ 269)، المحيط البرهاني (3/ 404)، البحر العميق (3/ 1608)، فتح القدير (2/ 378).
(وعلى هذا الخلاف إذا صلى بعرفات).
أي: إذا صلى المغرب بعرفات.
(فيصير مسيئًا بتركه).
أي: بترك التأخير المسنون.
(الصلاة أمامَك)
(1)
.
معناه وقت الصلاة؛ لأن الصلاة فعل المصلي، وفعله لا يتصور أن يكون أمامه، ولكن الصلاة تذكر، ويراد بها الوقت على ما قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلصَّلَاةِ أولًا
وَآخِرًا»
(2)
، وإذا أداه في الطريق فقد أداه قبل الوقت الثابت بهذا الخبر، فوجب الإعادة؛ كما إذا صلى الظهر في منزله يوم الجمعة، فإنه يؤمر بالنقض حتى يأتي به على الوجه الأكمل، فإن تعذر ذلك يقع مجزيًا عنه كذا في «المختلفات»
(3)
، والذي يدور عليه أصل تعليلهما
(4)
.
(1)
كما في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أفاض من عرفة مال إلى الشّعب فقضى حاجتَه فتوضأ، فقلتُ: يا رسول الله أتصلّي؟ فقال: «الصلاة أمامَك» .
أخرجه البخاري في الحج، باب (93) النزول بين عرفة وجمع (1667).
قلت: ومعنى الحديث أن المغرب لا تصلّى هنا، وكأن أسامة رضي الله عنه ظن أنه صلى الله عليه وسلم نسي صلاة المغرب ورأى وقتها قد كاد أن يخرج أو خرج، فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أنها في تلك الليلة يُشرع تأخيرُها لتُجمَع مع العِشاء بالمزدلفة، ولم يكن أسامة يعرف تلك السنّة قبل ذلك.
وقوله: «الصلاة أمامَك» أي: الصلاة ستصلّى بين يديك، أو أطلق الصلاة على مكانها، أي: المصلى بين يديك وهي المزدلفة، أو معنى (أمامك): أنها لا تفوتك وستدركها في وقتها الجائز وهو وقت العشاء، فالمراد بالحديث إما الوقت وإما المكان، وليس المراد به فعل الصلاة، والله أعلم.
انظر: فتح الباري (3/ 521)، البحر العميق (3/ 1611)، المبسوط (4/ 62)، فتح القدير مع الكفاية (2/ 378)، شرح مسلم للنووي (9/ 26)، رد المحتار (7/ 105).
(2)
أخرجه أحمد في "المسند"(12/ 94) برقم: [7182]، وأخرجه الترمذي في "سننه" باب:[مَا جَاءَ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (1/ 283) برقم: [151]، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب:[آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَالْآخَرُ نِصْفُهُ فَمَنْ قَالَ: بِالْأَوَّلِ احْتَجَّ بِها](1/ 552) برقم: [1760]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير" (1/ 435) برقم:[2177].
(3)
المختلفات، في فروع الحنفية، للإمام الفقيه المحدث الزاهد أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد السمرقندي، من كبار أئمة الحنفية، له: النوازل، والعيون، وخزانة الفقه، وتنبيه الغافلين، وقد اشتُهر بإمام الهدى (ت 373 هـ).
(4)
وأصل هذه المسألة: أن من صلّى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل الجمعة يُتوقف، فإن سعى إلى الجمعة وشهدها قبل فراغ الإمام انقلبت الظهر نفلاًُ، وإلا بقيت فرضًا.
انظر: العناية وفتح القدير (1/ 433)، البناية (3/ 153)، تبيين الحقائق (1/ 191)، البحر الرائق (2/ 96).
قوله رحمه الله: (وإنما وجبَ ليمكنه الجمعَ بين الصلاتين بالمزدلفة).
بيانه أنه مأمور بالتأخير عن وقته بالاتفاق، وذلك الأمر [لا؛ لأن] في الاشتغال بالصلاة انقطاع سيره، فإن أداء الصلاة في وقتها فريضة، فلا يسقط بهذا العذر، ولكن الأمر بالتأخير للجمع بينهما بالمزدلفة، وهذا المعنى يفوت بأداء المغرب في طريق المزدلفة، فعليه الإعادة بعد الوصول إلى المزدلفة؛ ليصير جمعًا بين الصلاتين كما هو المشروع/ نسكًا، فلذلك سقط عنه الإعادة بطلوع الفجر؛ لأن وجوب الإعادة لإمكان إدراك فضيلة الجمع بينهما، وهذا يفوت بفوات وقت العشاء، ولهذا قلنا: إذا بقي في الطريق حتى صار بحيث يعلم أنه لا يصل إلى المزدلفة قبل طلوع الفجر يصلي المغرب في الطريق، ولا يؤخرها بعد ذلك. كذا في «المبسوط»
(1)
، فإن قلتَ: ما الفرق بين خبر الواحد هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن صلاة أو نسيها»
(2)
.
فإن هناك إن صلى الوقتية ذاكرًا الفائتة، وهو صاحب ترتيب يجب عليه الإعادة، وإن ذهب الوقت الذي صلى فيه الوقتية، وهاهنا لا تجب الإعادة بعد ذهاب الوقت.
قلتُ: وجوب الإعادة هناك لوجوب الترتيب، وهو قائم ما لم يدخل في حد الكثرة، وهنا وجوب الإعادة لرعاية الجمع بين صلاتي العشاء في المزدلفة، فيفوت إمكان الجمع بينهما لفوات وقت العشاء، فلو قلنا بالإعادة بعد فوات وقت العشاء كان ذلك من باب العلم، وخبر الواحد لا يوجب العلم. فإن قلتَ: ما الفرق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»
(3)
فإنه لو صلى، وترك الفاتحة ساهيًا أو عامدًا لا يجب إعادة الصلاة، وهاهنا وجبت مادام وقت العشاء باقيًا. فإن قلتَ: خبر الواحد واجب العمل بأي عمل كان على وجه لا يؤدي إلى إبطال الكتاب، ثُمَّ هاهنا الإعادة من باب العمل مادام الوقت باقيًا لما أنه صلى قبل الوقت الثابت بخبر الواحد، والصلاة قبل الوقت لا تجوز، فيجب الإعادة كما في مسألة الترتيب، وأما خبر الفاتحة فقد علمنا به كما يليق بحاله؛ حيث قلنا: بوجوب سجدتي السهو إذا تركها ساهيًا، وبالإثُمَّ إذا تركها عامدًا، وأما لو قلنا: بالإعادة، كان خبر الواحد مبطلًا لإطلاق قوله تعالى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}
(4)
، وذلك لا يجوز، فإن قلتَ: ففي حديث أمامة أيضًا القول بالإعادة في الوقت إبطال لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا
…
مَوْقُوتًا}
(5)
.
(1)
المبسوط (4/ 62، 63)، وقد نقل الإجماع هنا وهو اتفاق الحنفية. انظر: المسلك (ص/ 145).
(2)
سبق تخريجه (ص/ 108)
(3)
أخرجه أحمد في "المسند"(15/ 324) برقم: [9529]، وأخرجه أبو داود في "سننه" باب:[مَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاتِهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ](1/ 216) برقم: [820]، وأخرجه الترمذي في "سننه" باب:[مَا جَاءَ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ](2/ 25) برقم: [247] بلفظ: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الكِتَابِ» ، وصححه ابن خزيمة في "صحيحه" باب:[إِيجَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَنَفْيِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ قِرَاءَتِهَا](1/ 246) برقم: [488].
(4)
سورة المزمل من الآية (20).
(5)
سورة النساء من الآية (103).
قلتُ: الإعادة فيه لنوع فساد اقتضاه خبر الواحد لا لفساد قوي، فلو قلنا: بالإعادة بعد خروج وقت العشاء لكنّا قائلين بالفساد القوي، [فحينئذٍ]
(1)
كنا مبطلين موجب قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}
(2)
، ولا نقول به، ومثل هذا جائز، ألا ترى أنهم قالوا جميعًا في طواف المحدث: إنه يعيد؛ عملًا بخبر الواحد مادام بمكة، مع أن إطلاق قوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
(3)
يوجب الجواز، فإذا رجع لم يلزمه الإعادة؛ لأنا لو أُمرنا بذلك حتمًا لكان بسبب فساد ما أدى، وهو من باب العلم، وخبر الواحد لا يوجبه، وعن هذا خرج الجواب لقول أبي يوسف رحمه الله:"أن من صلى المغرب في وقته [لا يخلو من أن] وقع صحيحًا أو فاسدًا، فإن وقع صحيحًا فلا يجب الإعادة لا في الوقت، ولا بعد الوقت، وإن وقع فاسدًا يجب الإعادة في الوقت وبعد الوقت" لأن ما وقع فاسدًا لا ينقلب صحيحًا بمضي الوقت؛ لأنّا نقول: أمره موقوف لنوع فساد اقتضاه خبر الواحد على وجه يظهر أثره في ثاني الحال؛ كما في طواف المحدث على ما ذكرنا، وهو المذكور في «الأسرار»
(4)
.
(وإذا طلع الفجر)
(5)
. أي: من أول يوم النحر.
الغلس
(6)
: ظلمة في آخر الليل يقال: غلس بالصلاة إذا صلاها في الغلس، ولأن في التغليس دفع حاجة الوقوف، فيجوز كتقديم العصر بعرفة، وذلك لأنه لما جاز تعجيل العصر على وقتها للحاجة إلى الوقوف، فلأن يجوز التغليس بالفجر، وهو وقتها كان أولى. كذا في «المبسوط»
(7)
.
(فاستجيب له دعاؤه لأمته حتى الدماء والمظالم).
(1)
أثبته من (ب، ج) وهي مختصرة في (أ) فح.
(2)
سورة النساء من الآية (103).
(3)
سورة الحج من الآية (29).
(4)
سورة الأسراء (ص 379).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45)
(6)
الغَلَس بفتح الغين واللام، أصله ظلام آخر الليل، ويراد به حين يطلع الفجر الثاني من غير تأخير قبل أن يزول الظلام وينتشر الضياء.
انظر: طلبة الطلبة (ص/ 62)، المصباح المنير (ص/ 450).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 19).
المبيت بالمزدلفة تمهيداً لرمي الجمرات
بالدفع بأن يرضي
(1)
الخصوم بالازدياد في مثوباتهم حتى يتركواخصوماتهم في الدماء والمظالم، فاستوجب المغفرة عن هذا من عليه الدماء والمظالم.
قوله رحمه الله: (وقال الشافعي رحمه الله: إنه ركن).
ونسبة هذا القول إليه سهو وقع من الكاتب؛ لما أنه ذكر في كتب أصحاب الشافعي
(2)
من «الوجيز»
(3)
، للغزالي، وغيره أن الوقوف بالمزدلفة سنة، وذكر في «المبسوط»
(4)
الليث بن سعد
(5)
مكان الشافعي هنا.
وذكر في «الأسرار»
(6)
علقمة
(7)
مكان الشافعي، وذكر في «فتاوى قاضي خان»
(8)
مالكًا مكان الشافعي، وذكر في «التحفة» ، و «الإيضاح»
(9)
، وغيرهما
(10)
/ الوجوب من غير ذكر خلاف أحد، والمذكور فيما تلا الذكر.
وهو ليس بركن بالإجماع، فكيف تثبت ركنية الوقوف؟ يعني: أن الذكر بالمزدلفة لا يتصور إلا بعد كونه بالمزدلفة، والكون فيها عبارة عن الوقوف، ثُمَّ الإجماع منعقد على عدم ركنية المقتضى، وهو الذكر فكيف تثبت ركنية المقتضى؟ وهو الوقوف ثُمَّة مع أن المقتضى الذي هو غير مذكور يجب أن يكون أحط رتبة من المقتضى المنصوص؛ لأنه تبع للمنصوص، فلا يجوز أن يكون التبع أقوى حالًا من المتبوع.
(1)
في (ب، ج): يرى.
(2)
الوقوف بمزدلفة واجب يجبر بدم، وهو قول الأئمة الأربعة، وفي قول للشافعي: إنه سنة، ولايجب بتركه دم، وعند ابن عباس، وابن الزبير ركن لايتم الحج إلا به.
انظر: البدائع (2/ 135)، عقد الجواهر (1/ 409)، المجموع (8/ 122)، الشرح الكبير 9/ 183).
(3)
انظر: الوجيز (1/ 263).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 63).
(5)
الليث بن سعد بن عبدالرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري، الإمام الحافظ الفقيه، شيخ الإسلام عالم الديار المصرية، ولد سنة أربع وتسعين، وسمع من التابعين مثل عطاء، وأبي الزبير، مات ليلة الجمعة من نصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة للهجرة.
انظر: سير أعلام النبلاء (8/ 122)، التهذيب (8/ 495).
(6)
انظر: الأسرار (ص 382).
(7)
علقمة أبن قيس ابن عبدالله النخعي الكوفي الفقيه فقيه الكوفة وعالمها ومقرئها، روى عن عمر وعثُمَّان و عبدالله بن مسعود، وتصدر للفتيا بعد علي وابن مسعود، مات في خلافة يزيد.
انظر سير أعلام النبلاء (4/ 53 - 61).
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 482).
(9)
نقلًا عن البناية شرح الهداية (4/ 236). قوله (وفي " الإيضاح " الركن لا يثبت إلا بدليل مقطوع به، وقد أجمعت الأمة أن الوقوف بعرفة وطواف الزيارة من جملة الأركان، وفي الوقوف بمزدلفة لم ينعقد الإجماع بل الحديث ورد به.
(10)
ساقطة من (ج).
فلا شيء عليه لما روينا، وهو قوله:
ما روي: «أنه صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بالليل»
(1)
.
فعُلم بهذا الحديث أن المراد من تعليق تمام الحج في قوله صلى الله عليه وسلم «من وقف معنا هذا الموقف»
(2)
إلى آخره من حيث الكمال،
وهو الإتيان بالواجب لا من حيث الجواز
(3)
.
قوله: (لما روينا من قبل).
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «والمزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن وادي محسَّر»
(4)
.
(1)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ، فَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَيَدْعُونَ، وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ القَمَرُ](2/ 165) برقم: [1678]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ دَفْعِ الضَّعَفَةِ مِنَ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى فِي أَوَاخِرِ اللَّيْلِ قَبْلَ زَحْمَةِ النَّاسِ، وَاسْتِحْبَابِ الْمُكْثِ لِغَيْرِهِمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ بِمُزْدَلِفَةَ](2/ 941) برقم: [1295]، بلفظ: قال ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: «أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ» .
(2)
أخرجه أحمد في "المسند"(26/ 146) برقم: [16209]، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب:[فِي مَنْ لَمْ يُدْرِكْ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ الْإِمَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ](4/ 171) برقم: [4031]، وصححه ابن خزيمة في "صحيحه" باب:[ذِكْرِ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُفِيضَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ مُدْرِكٌ لِلْحَجِّ غَيْرُ فَائِتِ الْحَجِّ، ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُفِيضَ مِنْ عَرَفَةَ الْخَارِجَ مِنْ حَدِّهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَائِتُ الْحَجِّ، إِذَا لَمْ يَرْجِعْ فَيَدْخُلَ حَدَّ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنَ النَّحْرِ](4/ 255) برقم: [2820]، واللفظ للنسائي.
(3)
الجواز هنا بمعنى: الصحّة، يقال: جاز العقدُ وغيرُه إذا نفذ ومضى على الصحّة.
انظر: المصباح المنير (ص/ 114).
(4)
أخرجه مالك في "الموطأ" باب: [الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ](3/ 570) برقم: [1449] بلفظ: «أَنَّ الْمُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ، إِلاَّ بَطْنَ مُحَسِّر» وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" باب: [فِي مَنْ لَمْ يُدْرِكْ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ الْإِمَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ](4/ 173) برقم: [4037]، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2/ 1135) برقم:[6692].
[قوله:]
(1)
هكذا وقع في نسخ «المختصر»
(2)
وهذا غلط
(3)
.
مواقيت رمي جمرات العقبة وعددها
لما أن الإفاضة بعد طلوع الشمس فعل أهل الجاهلية؛ فيجب أن يقصد على مخالفة فعلهم، وهو إنما يتحقق إذا كانت الإفاضة قبل طلوع الشمس. هكذا رواه جابر، وابن عمر فقالا:«أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بالمشعر الحرام حتى إذا كادت الشمس تطلع دفع إلى منى»
(4)
، وأن أهل الجاهلية كانوا لا يدفعون من هذا الموقف حتى تطلع الشمس فإذا طلعت، وصارت كالعمائم على رؤوس الجبال دفعوا، وكانوا يقولون: أَشْرِقْ بثيركَيْمَا نُغِيرُ فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع قبل طلوع الشمس، فيجب الأخذ بفعله لما فيه من إظهار مخالفة المشركين كما في الدفع من عرفات، فإنهم يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس على ما ذكرنا في «المبسوط»
(5)
.
(1)
أثبته من (ب).
(2)
أي: مختصر القدوري، وهو كتاب للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد بن أحمد القدوري البغدادي (ت 428 هـ)، (المطبوع مع التصحيح والترجيح لابن قطلوبغا)، تحقيق: ضياء يونس، ط (1) 1424 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت. العناية شرح الهداية (2/ 484).
(3)
أقره على هذا شُرّاح الهداية كابن الهمام والكرلاني والبابرتي. انظر: فتح القدير (2/ 381)، الكفاية (2/ 381)، العناية (2/ 381). قلت: ولكن قوام الدين الإتقاني في شرحه للهداية ذكر «أن هذا الغلَط وقع من الكاتب لا مِن القُدوري نفسه، لأن تلميذ القدوري -أبا نصر البغدادي- قد أثبت لفظ القدوري في هذا الموضع في شرحه بقوله: «قال: ثُمَّ يُفيض الإمامُ من مزدلفة قبل طلوع الشمس والناس معه حتى يأتوا منى» ، وأثبت القُدوريّ في شرحه لمختصر الكرخي مثل هذا أيضًا فقال:
«ويفيض الإمام قبل طلوع الشمس فيأتي منى» ، فعُلم أن ما ذكره صاحب الهداية منقولاً عن «مختصر القدوري» فذاك سهو من الكاتب لا من القدوري، والشيخ القدوري أجلّ منصبًا من أن تزل قدمُه في هذا القدر، وهو بحر زخّار، وغيث مِدرار في الحديث».
انظر: البحر العميق (3/ 1647)، البناية (5/ 126).
(4)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب: [الْإِفَاضَةِ لِلطَّوَافِ](5/ 236) برقم: [9643]، كما ورد هذا الحديث بنص آخر في حديث السراج عن محمد بن إسحاق عن عبدالرحمن بن القاسم عن عائشة رضي الله عنها:" أفاض الرسول صلى الله عليه وسلم حين صلى الظهر ثُمَّ دفع إلى منى فقام بها نبي الله صلى الله عليه وسلم أيام التشريق الثلاث يرمي الجمار حتى تزول الشمس بسبع حصيات كل جمرة، ويكبر مع كل حصاة تكبيرة، ويقف عند الأولى وعند الوسطى ببطن الوادي فيطيل القيام، وينصرف إذا رمى الكبرى ولا يقف عندها "(2/ 279)، برقم 1165
(5)
انظر: المبسوط (4/ 65).
(فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها)
(1)
.
الكلام في الرمي في اثني عشر موضعًا:
أحدها: في وقته اتفق العلماء على أن وقت الرمي يوم النحر وثلاثة أيام.
والثاني: فيما يرمي به فإنه يرمي بكل ما كان من جنس الأرض نحو الحصاة والمدر.
والثالث: في مقدار ما يُرمى به فيرمى بالصغار مثل حصي الخذف
(2)
.
والرابع: في بيان صفة المرمي ينبغي أن يكون الحصاة مغسولة، وينبغي أن تكون مأخوذة من قوارع الطريق لا من موضع الرمي.
والخامس: في كيفية الرمي، وقد اختلف المشايخ
(3)
فيه، قال بعضهم: يأخذ الحصى
(4)
بطرف إبهامه، وسبابته كأنه عاقد بثلاثين ويرميها.
وقال: يحلق سبابته، ويضعه على متصل
(5)
إبهامه كأنه عاقد عشرة فيرميها، والأول: أصح.
والسادس: في صفة الرامي قال أصحابنا: يجوز الرمي راكبًا، وماشيًا.
والسابع: في محل الرمي [إليه فمحل الرمي]
(6)
الجمار الثلاث: مسجد الخيف
(7)
، والوسطى، والآخرة، وهي جمرة العقبة.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45).
(2)
الخَذْف: بفتح الخاء وسكون الذال هو أن ترمي بحصاة أو نواة أو نحوهما تأخذه بين سبّابتيك، وقيل: أن تضع طرف الإبهام على طرف السبّابة، وخذفتُ الحصاة ونحوها خَذْفًا، إذا رميتُها بطرفي الإبهام والسبابة، فالخَذْف هو الرمي برؤوس الأصابع، يقال: الخذف بالحصى والحذف بالعصى، وقولهم: يأخذ حصى الخذْف، أي: حصى الرمي، والمراد الحصى الصغار، لكنه أطلق مجازًا.
انظر: المغرب (1/ 248)، طلبة الطلبة (ص/ 63)، المصباح المنير (ص/ 165)، القاموس المحيط (3/ 131)، لسان العرب (2/ 1117)، النهاية (2/ 16)، البحر العميق (3/ 1692).
(3)
لفظ «المشايخ» مصطلح عند الحنفية يراد به: مَن لم يدرك الإمام أبا حنيفة رحمه الله من علماء مذهبه.
انظر: المذهب عند الحنفي (1/ 328)، الكواشف الجلية (ص/ 45).
(4)
الحصى: وعددها سبع حصيات لكل جمرة، والجمار التي ترمى كل يوم من أيام التشريق ثلاث في كل يوم من الأيام الثلاث لمن تأخر، ويومان لمن تعجل، وترمى جمرة العقبة وحدها يوم النحر، فيكون جميع الحصى الذي يرمى به بالنسبة لمن تأخر سبعون حصاة، وبالنسبة لمن تعجل تسع وأربعون.
انظر: فقه العبادات الحج، (131).
(5)
ساقطة من (ب).
(6)
أثبته من (ب، ج).
(7)
الخَيْف ما انحدر من غِلَظ الجَبل وارتفع عن مسيل الماء، ومنه سُمّي مسجد الخيف؛ لأنه يقع في سفح جبل (الصابح) من داخل منى، وقد أقيم هذا المسجد في الموضع الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث ضُربت قبّته يوم التروية، وهو اليوم مسجد جامع معروف ومشهور بالقرب من الجمرات. انظر: قاموس الحج والعمرة (ص/ 206)، معالم مكة التاريخية (ص/ 271)، معجم ما استعجم (2/ 526).
والثامن: من أي موضع يرمي فيرمي من بطن الوادي، يعني: من أسفله إلى أعلاه.
والتاسع: في موضع وقوع الحصاة، فينبغي أن تقع الحصاة عند الجمرة أو قريبًا منها حتى لو وقعت بعيدًا عنها لم يجزه.
والعاشر: في عدد الحصاة، فيرمي كل جمرة سبع حصيات.
والحادي عشر: أنه يكبر عند كل حصاة، فيقول: بسم الله، والله أكبر رغمًا
(1)
للشيطان وحزبه، اللهم اجعل حجي مبرورًا، وسعيي مشكورًا، وذنبي مغفورًا.
والثاني عشر: أنه في اليوم الأول يرمي جمرة العقبة لا غير، وفي بقية الأيام يرمي الجمار كلها. كذا في «المحيط»
(2)
،
وفتوى الإمام
(3)
الولوالجي
(4)
.
أصل رمي الجمرات
وذكر في «المغرب»
(5)
: الجمار: هي الصغار من الأحجار جمع جمرة، وبها سموا المواضع التي تُرمى الجمار أو الجمرات لما بينهما من [المناسبة]
(6)
، وقيل: لتجمع ما هنالك من الحصى من تجمر القوم إذا تجمعوا، وفي «مبسوط شيخ الإسلام»
(7)
إنما سُمي جمرة؛ لأن إبراهيم عليه السلام لما أُمر بذبح الولد جاء الشيطان يوسوسه، فكان إبراهيم عليه السلام يرمي إليه الأحجار، وطردًا له.
(أو كان يجمر بين يديه) أي: يسرع في المشي و الإجمار: الإسراع في المشي.
(فيرميها من بطن الوادي)
(8)
.
يعني: من أسفله إلى أعلاه على ما ذكرنا، وإذا وقف للرمي جعل منى عن يمينه، والكعبة عن يساره، ويرمي حيث يرى موضع الحصاة. كذا في «المحيط»
(9)
.
(1)
في (ج): زعمًا.
(2)
انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني، كتاب مطبوع، للإمام برهان الدين أبي المعالي محمود بن أحمد بن مازة البخاري الحنفي (ت 616 هـ) دار الكتب العلمية بيروت لبنان- (2/ 417)، (2/ 431).
(3)
انظر: الفتاوى الولوالجية (ص 295)
(4)
الولوالجي هو: عبد الرشيد بن أبي حنيفة نعمان بن عبد الرزاق بن عبد الله الولوالجي، ظهير الدين أبو الفتح، فقيه حنفي، قال أبو المظفر السمعاني: لقيته، وسمعت منه، وكان إمامًا، فقيهًا فاضلًا، حنفي المذهب، حسن السيرة، تفقه ببلخ على أبي بكر القزاز محمد بن علي، وعلي بن الحسن البرهان البلخي. من تصانيفه:"الفتاوى الولوالجية"، وكتب "الآمالي" عن جماعة من الشيوخ.
انظر: (الجواهر المضية: 2/ 417)، و (الفوائد البهية: ص 94، 122)، (معجم المؤلفين: 5/ 220).
(5)
انظر: المعرب في ترتيب المعرب (1/ 89).
(6)
أثبته من (ج).
(7)
العناية شرح الهداية (2/ 485).
(8)
انظر: بداية المبتدي (1/ 45)
(9)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 431).
(الخذف).
رمي الحصاة بالأصابع، وفي «المغرب»
(1)
: هو أن يضع طرف الإبهام على طرف السبابة، وفعله من باب ضَرَبَ، وقد أطلق هنا على الرمي يرمي به.
(لم يعرِّج على شيء).
أي: لم يقف عنده يقال: مررت به.
(فما عرجت عليه)، أي: ما وقفت عنده.
(حتى رمى جمرة العقبة).
ثُمَّ قال: (إن أول نسكنا بمنى أن نرمي، ثُمَّ نذبح، ثُمَّ نحلق، ولا نقف عند منى
(2)
أي: عند جمرة العقبة.
لأن ما عندها من الحصى مردود، وهكذا جاء في الأثر فيُتشاءم به ولا يُتبرك، وبيانه في حديث سعيد بن جبير رضي الله عنه قال قلتُ: لابن عباس رضي الله عنه " ما بال الجمار تُرْمَى من وقت الخليل عليه السلام، ولم تصر هضابًا تسد الأفق فقال: أما علمت أن من يقبل حجه تُرْفَع حصاه،
ومن لم يُقْبَل حجه تُرك حصاه"
(3)
حتى قال مجاهد
(4)
رحمه الله: "لما سمعت هذا من ابن عباس جعلت على حصياتي علامة، ثُمَّ توسطت الجمرة فرميت من كل جانب، ثُمَّ طلبت، فلم أجد بتلك العلامة شيئاً من الحصاة".
ومع هذا لو فعل أجزأه لوجود [فعل]
(5)
الرمي، ومالك
(6)
يقول: "لا يجزئه"، وهو عجيب من مذهبه، فإنه يجوز التوضؤ بالماء المستعمل، ولا يجوز الرمي بما قد رُمي من الأحجار، ومعلوم أن فعل الرمي لا يغير صفة الحجر. هذا كله من «المبسوط»
(7)
.
(ويجوز الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض عندنا).
فإن قلتَ: يُشكل على هذا الرمي بالفيروز
(8)
، والياقوت
(9)
فإنهما من أجزاء الأرض حتى جاز التيمم بهما، ومع ذلك لا يجوز الرمي بهما حتى لم يقع معتداً بهما في الرمي.
(1)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 141).
(2)
في (ب، ج): عندها.
(3)
روي مرفوعاً من حديث أبي سعيد وابن عمر رضي الله عنهما وإسنادهما ضعيف كما ذكر الحافظ ابن حجر في الدراية (2/ 26).
(4)
الإمام أبو الحجاج مجاهد بن جَبْر المكي المخزومي، من كبار التابعين، شيخ القراء والمفسرين، اتفقوا على جلالته وإمامته، أخذ التفسير عن ابن عباس، وتنقّل في الأسفار، واستقرّ في الكوفة، وكان لا يسمع بأعجوبة إلا ذهب فنظر إليها، مات وهو ساجد عام (104 هـ).
انظر: حلية ألأولياء (3/ 279)، صفة الصفوة (2/ 208)، الأعلام (5/ 278).
(5)
أثبته من (ب، ج).
(6)
انظر: "مواهب الجليل"(3/ 139).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 67).
(8)
الفيروز: حجركريم غير شفاف معروف بلونه الأزرق كلون السماء أو أميل إلى الخضرة ويقال له: لون فيروزي. انظر: المعجم الوسيط (2/ 714)
(9)
الياقوت: حجر من الأحجار الكريمة، وهو أكثر المعادن صلابة بعد الماس، ولونه شفاف مشرب بالحمرة، أو الزرقة، فارسي معرب واحدته ياقوتة، وجمعه: اليواقيت.
انظر: الصحاح (1/ 271)، لسان العرب (2/ 109)، المعجم الوسيط (2/ 1079)
قلتُ: الرمي بكل ما كان من أجزاء الأرض جائز بشرط وجود الاستهانة برميه، ولا تقع الاستهانة بالرمي بهما، ولهذا قال الفقيه أبو جعفر البلخي
(1)
رحمه الله: (أنه لو رمى كَفًّا مِنْ تُرَابٍ مكان حصاة جاز؛ لأن الحصاة بمنزلة الكف من التراب). كذا ذكره الإمام الإسبيجابي رحمه الله في «المبسوط
(2)
»
(3)
.
(خلافًا للشافعي
(4)
رحمه الله).
فإن عنده لا يجوز الرمي إلا بالحجر اتباعًا لما ورد به الأثر، فإن فيما لا يعقل المعنى فيه إنما يحصل الامتثال بعين المنصوص.
(لأن المقصود فعل الرمي، وذلك يحصل بالطين كما يحصل بالحجر).
والأصل فيه فعل الخليل، ولم يكن في الحجر له بعينه مقصودًا، إنما مقصوده فعل الرمي إما لإعادة الكبش أو لطرد الشيطان على حسب ما [اختلف الرواة]
(5)
، فقلنا: بأي شيء حصل فعل الرمي أجزأه بمنزلة أحجار الاستنجاء، فكما يحصل الاستنجاء بالحجر يحصل الاستنجاء بالطين، وغيره أيضًا، وبعض المتعسفة
(6)
يقولون: إن رمى بالبعرة
(7)
أجزأه؛ لأن المقصود إهانة الشيطان، وهي بالبعرة تحصل، ولسنا نقول به.
(ظاهر بالترحم).
أي: كرر لفظ رحم الله المحلقين، «فإنه صلى الله عليه وسلم لما قال:«رحم الله المحلقين» فقيل: والمقصرين فقال أيضًا: «رحم الله المحلقين» حتى قال في الرابعة: «والمقصرين»
(8)
فقد ظاهر في الدعاء ثلاث مرات للمحلقين، فدل أنه أفضل». هذا كله من «المبسوط»
(9)
، ومن وجب عليه الحلق وليس على رأسه شعر
(10)
أمرَّ الموسى على رأسه؛ لأنه إن عجز عن الحلق، والتقصير قدَرَ على التشبه بالحالقين، أوالمقصرين، ثُمَّ اختلفوا في أن إجراء الموسى مستحب أو واجب، قال بعضهم: مستحب، وقال بعضهم:(واجب؛ لأن الواجب عليه شيئان إجراء الموسى، وإزالة الشعر إلا أنه عجز عن أحدهما، وقدر على الآخر فما عجز عنه سقط، وما قدر عليه بقي واجبًا). كذا ذكره الإمام الولوالجي رحمه الله في فتواه
(11)
.
(1)
الفقيه أبو جعفر البلخي هو الإمام أبو جعفر محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر الفقيه البلخي الهندواني الحنفي، شيخ كبير، وإمام جليل القدر، كان على جانب عظيم من الفقه والذكاء والزهد والورع، وكان يقال له من كماله في الفقه: أبو حنيفة الصغير، حدّث ببلخ، وأفتى بالمشكلات وأوضح المعضلات
(ت 362 هـ).
انظر: الجواهر المضية (3/ 192)، تاج التراجم (ص/ 264)، الفوائد البهية (ص/ 295)
(2)
في (ب، ج): مبسوطه.
(3)
هذا القول لم أجد نسبته للفقيه أبي جعفر ولا للإمام الإسبيجابي رحمهم الله إنما وجدته قول لأبي يوسف رحمه الله.
انظر: الجوهرة النيرة (1/ 158).
(4)
انظر: المجموع (8/ 154).
(5)
أثبته من (ب).
(6)
في (ب، ج) المتقشفة.
(7)
بعر: (البَعْر، ويُحَرَّكُ رَجِيعُ الخُفِّ والظِّلْفِ) من الإِبِل والشّاءِ، وَبَقَرِ الوَحْشِ، والظِّبَاءِ، والأَرْنَبُ تَبْعَرُ أيضًا، وَقد بَعَرَتِ الشّاةُ والبَعِيرُ يَبْعَرُ بَعْراً. (واحِدَتُه) البَعْرَةُ بهاءٍ. جمعها أَبْعَارٌ. والفِعْلُ بَعَرَ (كمَنَعَ).
انظر: المُبَرِّدُ فِي الْكَامِل، تاج العروس (ج 10/ ص 218).
(8)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [الحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإِحْلَالِ](2/ 174) برقم: [1727]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب [تَفْضِيلِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَجَوَازِ التَّقْصِيرِ] (2/ 945) برقم:[1301].
(9)
انظر: المبسوط (4/ 21، 22).
(10)
في (ب، ج) شيء.
(11)
انظر: الفتاوى الولوالجية (ص 279).
دواعي الجماع بعد الحلق والتقصير والتحلل
(لأنه من دواعي الجماع).
ألا ترى أن المعتدة يحرم عليها الطيب لهذا المعنى، والجماع بدواعيه لا يحل حتى يطوف كالقبلة والمس عن شهوة، إلا أنا نحتج بما روي عن عائشة رضي الله عنها وابن عباس أنهما قالا:«إذا حلق الحاج حلّ له كل شيء إلا النساء»
(1)
ورجحنا قولهما؛ لأن عائشة رضي الله عنها رفعته فقالت: «طَيَّبْتُ رَسُولَ الله عليه السلام لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ»
(2)
، ولأن حظر الطيب من جنس حظر لبس المخيط، وقص الأظافير، والصيد، بدلالة أن ارتكابه قبل الحلق يوجب الكفارة دون الفساد، فيزول الحظر بالحلق استدلالًا بجنسه بخلاف حظر الجماع؛ لأنه أقوى لما تعلق به من الفساد.
وأما قوله: (أنه من دواعي الجماع) فيبقى الحرمة كالقبلة فغير مُسلّم، فإن الاستبراء يحرّم الجماع بدواعيه، ولا يحرّم الطيب، وقال الليث: إلا النساء وقتل الصيد؛ لأنهما محرمان بنص القرآن فما دامت حرمة أحدهما باقية؛ كانت حرمة الآخر باقية ضرورة، ولكنا نقول: قتل الصيد ليس نظير الجماع، ألا ترى أن الإحرام يفسد بالجماع، ولا يفسد بقتل الصيد، فكان هو نظير سائر/ المحظورات فيرتفع بالحلق، (ولهذا الأصل قال الشافعي
(3)
: "حرمة الجماع فيما دون الفرج ترتفع بالحلق أيضًا"؛ لأنه لا يفسد الإحرام بحال، ولكنا نقول: ما يتصل من قضاء الشهوة بالنساء، فحله مؤخرًا إلى تمام الإحلال بالطواف شرعًا، وفي ذلك الجماع في الفرج، وفيما دون الفرج سواء). كذا في «المبسوط»
(4)
، و «الأسرار»
(5)
.
(1)
أخرجه مالك في "الموطأ" باب [الإفاضة](3/ 601) برقم: [1545] بلفظ: «مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ، ثُمَّ حَلَقَ، أَوْ قَصَّرَ، وَنَحَرَ هَدْياً؛ إِنْ كَانَ مَعَهُ. فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ. إِلاَّ النِّسَاءَ، وَالطِّيبَ، حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.» ، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب:[مَنْ قَالَ: يَحِلُّ الصَّيْدُ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، وَمَنْ قَالَ: لَا يَحِلُّ](5/ 334) برقم: [9998].
(2)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، وَمَا يَلْبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ](2/ 136) برقم: [1539]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ](2/ 846) برقم: [1189].
(3)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 210). الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج"(2/ 312).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 22).
(5)
انظر: الأسرار (ص 175).
(ولنا أن ما يكون محللًا يكون جناية في غير أوانه كالحلق).
فإن قلتَ: يُشكل على هذا دم الإِحْصَار
(1)
، فإنه للمتحلل
(2)
، وهو ليس بمحظور الإحرام.
قلتُ: الأصل فيما شرع محللًا هو الذي ذكر في الكتاب، وهو أن يكون محظورًا للإحرام، وأما دم الإِحْصَار فهو ليس بأصيل في التحلل، وإنما صير إليه لضرورة المنع.
(بخلاف الطواف).
فهو جواب شبهة ترد على قوله: (أنّ ما يكون محللًا يكون جناية في غير أوانه) بأن يقال: يُشكل بالطواف، فإنه محلل في حق النساء، ومع ذلك هو ليس بمحظور الإحرام، بل هو من أفعال الحجّ، فقال في «الأسرار»
(3)
: لا يحل بالطواف، ولكن بالحلق عند الطواف، فصار كأن الحلق [هو]
(4)
أوجب بعض التحلل معجلًا، وبعضه مؤجلًا إلى الطواف ليقع الطواف الذي هو ركن في الإحرام، وليتبين أنه دون الوقوف حيث لم يُشرع في مطلق الإحرام، فأما أن يكون التحلل بالطواف فلا.
(ثُمَّ يأتي مكة من يومه ذلك)
(5)
.
وهو أول أيام النحر.
(ووقته أيام النحر)
(6)
، أي
(7)
: وقت طواف الزيارة
(8)
.
(1)
الاحصار: الإحصار: منع الحاج من دخول مكة والوصول إلى البيت غالباً، قال ابن قدامة:"أجمع أهل العلم على أن المحرم إذا حصره عدو من المشركين وغيرهم فمنعوه الوصول إلى البيت ولم يجد طريقاً آمناً، فله التحلل"
انظر: المغني (3/ 371)، وانظر أيضًا: الشرح الكبير (3/ 515)، ويطلق أيضًا على المنع من إتمام المناسك، فالمكي لا يحصر، لأنه في مكة، فلا بد له من إتمام أعمال الحج. وروي نحو هذا عن الإمام أحمد النيسابوري في المسائل برقم 720، ج 1/ 146 حيث قال:"قلت لأبي عبد الله: على المكي إحصار؟ قال: لا، قد وجب عليه الحج ساعة يلبي بالحج، وقال: أذهب إلى قول عمرو بن دينار: لا تكون متعة إلا من الموقت"، أي لا يكون تحلل الإحصار إلا لمن جاء من الميقات، والظاهر أن هذا ما لم يمنع الحاج من الوقوف بعرفة، فإنه لو منع يكون له التحلل كمن منع من دخول مكة السابق حكمه في المسألة (1398)، (1494)، وما دام هو في مكة يحل بعمرة، كما نقل ذلك ابن المنذر عن الإمام أحمد، فلا يتحلل من إحرامه كتحلل المحصر، مسائل الإمام أحمد، (5/ 2324).
(2)
في (ج): للتحلل.
(3)
انظر: الأسرار (ص 176).
(4)
أثبته من (ج)
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 46)
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 46)
(7)
ساقطة من (ج).
(8)
وهذا الطواف هو الحج الأكبر المذكور في قوله تعالى: "وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر " وهو الطواف المفروض في الحج، ويسمى طواف الإفاضة، وطواف يوم النحر، ويقال له طواف الزيارة، والطواف الواجب، وأول وقته بعد طلوع الفجر الثاني من يوم النحر، ولا يجوز قبل ذلك عند الحنفية، وعند مالك بعد طلوع شمس يوم النحر، وعند الشافعي وأحمد: أول وقته بعد نصف ليلة النحر.
انظر: المبسوط (4/ 22)، مختصر الطحاوي (65)، التتارخانية (2/ 465)، المجموع (8/ 158)، الشرح الكبير (9/ 227)
(فكان وقتهما واحدًا).
أي: وقت ذبح الأضحية، ووقت طواف الزيارة إلا أن الأضحية لم تشرع بعد أيام النحر، والطواف مشروع بعد ذلك إلا أنه يكره تأخيره عن هذه الأيام على ما يجيء.
وحاصله: أن الأمور الأربعة، وهي: الرمي، والذبح، والحلق، والطواف تُفعل في أيام النحر على الترتيب وضابطه (رذ حط).
(والرمل ما شُرع إلا مرة في طواف بعده سعي).
لأن النبي عليه السلام إنما رمل في طواف العمرة، وهو طواف بعده سعي فرضًا كان الطواف أو نفلًا، لما بيّنا، وهو قوله: «وليصل الطائف لكل أسبوع
(1)
ركعتين»
(2)
، والأمر للوجوب، وإنما لم يقل لما روينا؛ لأنه ذكر فيه وجه التمسك بالوجوب، فكان [قول نبينا]
(3)
أشمل وأعم من قوله: [لما]
(4)
روينا.
(ثُمَّ يعود إلى منى)
(5)
.
أي: بعد طواف الزيارة.
(لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إليها كما روينا)
وهو ما ذكر قبل هذا بمقدار خمسة عشر خطًا لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق أفاض إلى مكة، فطاف بالبيت.
(ثُمَّ عاد إلى منى، يكبر مع كل حصاة ويقف عندها)، أي: عند الجمرة.
وذكر في «المحيط»
(6)
يبدأ بالتي تلي مسجد الخيف، فيرميها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبّر عند كل حصاة، ثُمَّ يأتي المقام الذي يقوم فيه الناس، فيقوم بحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو الله بحاجته.
يريد بقوله: (يأتي المقام الذي يقوم فيه الناس أعلى الوادي ثُمَّ يرمي الجمرة الوسطى)، وكذا أيضًا في «المبسوط»
(7)
وعدد الحصيات في الأيام كلها سبعون، سبعة لليوم الأول وواحد وعشرون لليوم الثاني، وكذا اليوم الثالث، والرابع.
(1)
الأسبوع من الطواف بضم الهمزة: سبع طوفات (أي: أشواط أو مرات)، يقال: طاف بالبيت أسبوعًا، أي: سبع مرات، والجمع: أسبوعات وأسابيع.
انظر: المغرب (1/ 380)، طلبة الطلبة (ص/ 63).
(2)
أخرجه مالك في "الموطأ" باب: [تَقْبِيلُ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ فِي الاسْتِلَامِ](3/ 535) برقم: [1353] بلفظ: «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ كُلِّ سُبْعٍ رَكْعَتَيْنِ» وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" باب: [هَلْ تُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ وَرَاءِ السَّبْعِ](5/ 60) برقم: [9002]، وصححه ابن خزيمة في "صحيحه" باب:[إباحة الطواف](4/ 226) برقم: [2749].
(3)
أثبته من (ج).
(4)
أثبته من (ج).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 46).
(6)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 431).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 23).
(ويقف عند الجمرتين).
[أي]: الجمرة الأولى، والوسطى، فإنه لا يقف عند الثالثة، وذكر في «المبسوط»
(1)
، وفي الحديث المشهور (لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: عند افتتاح الصلاة، وعند القنوت في الوتر، وفي العيدين، وعند استلام الحجر، وعلى الصفا والمروة، وبعرفات، وبجمع، وعند المقامين عند الجمرتين)
(2)
، فهذا دليل على أنه إنما يقيم عند الجمرتين الأولى، والوسطى، ولا يقيم عند جمرة العقبة.
(وإذا كان من الغد رمى الجمار الثلاث)
(3)
.
وهو اليوم الثالث من أيام النحر.
(وإن أراد أن يتعجل النفر نفر إلى مكّة)
(4)
.
أي وإن أراد أن يتعجل الذهاب، والخروج من منى إلى مكة في اليوم الثالث من أيام النحر يجوز [له]
(5)
أن يذهب. من نَفَرَ الحاج نَفْرًا إذا خرجوا من منًى يقال: يوم النفر الأول، وهو اليوم الثالث من أيام النحر، ويوم النفر الثاني، وهو آخر أيام التشريق، وهو اليوم الرابع للنحر الأول أيضًا.
فمن تعجل في يومين، وهما اليوم الثاني والثالث من أيام النحر.
(ومن تأخر)، أي: إلى اليوم الرابع {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}
(6)
.
أي: الله تعالى، فإن قلتَ: التعجل رخصة، والتأخر عزيمة، والعمل بالعزيمة أولى على ما ذكر في/ الكتاب بقوله:(والأفضل أن يقيم).
ثُمَّ قرن الله تعالى التقوى بالفعل بالعزيمة دون فعل الرخصة، والقياس يقتضي أن يقرن بفعل الرخصة، ولأنه لما لم يكن عليه إثُمَّ عند فعل الرخصة، فكان الأولى ألّا يكون عليه إثُمَّ [عند]
(7)
فعل العزيمة، فما فائدة تقييد فعل العزيمة بالتقوى؟
تعجيل الرمي والرمي لمن تعجل
قلتُ: قوله: (لمن اتقى) يتعلق بهما جميعًا، أي: ذلك التخيير، ونفي الإثم عن المتعجل، والمتأخر لأجل الحاج المتقي؛ لئلا يتحاجج في قلبه شيء منهما، فبحسب أن إحداهما يرهق صاحبه آثامٌ في الإقدام عليه، وإنما خص المتقي؛ لأن ذا التقوى حَذِرٌ متُحذر من كل ما يريبه أو لأنه المنتفع به دون من سواه؛ لأنه هو الحاج على الحقيقة عند الله تعالى كقوله تعالى:{ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ}
(8)
، إلى هذا أشار في «الكشاف»
(9)
.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 23).
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ وقد ورد متفرقاً دون ذكر (القنوت والوتر والعيدين) عند البزار (كشف الأستار 1/ 251)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 176)، والطبراني في المعجم الكبير (11/ 385)، والبيهقي في السنن (5/ 72) من حديث ابن عباس. وهو حديث ضعيف، انظر الكلام عليه في نصب الراية (1/ 390)، والدراية (1/ 148)، والسلسلة الضعيفة رقم (1054).
قلت: والمتن الذي ذكره المؤلف رحمه الله فيه ثمانية.
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 46)
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 47)
(5)
أثبته من (ج).
(6)
سورة البقرة من الآية (203).
(7)
أثبته من (ب).
(8)
سورة الروم من الآية (38).
(9)
الكشاف عن حقائق وغوامض التنزيل (1/ 250).
وفيه خلاف الشافعي
(1)
، فإن عنده ينقطع خيار النفر بغروب الشمس من اليوم الثالث، فإذا غربت فليس له أن ينفر بعد ذلك قبل أن يرمي.
وقال: (لأن المنصوص عليه الخيار في اليوم)، وامتداد اليوم إلى غروب الشمس، وأنا نقول: الليل ليس بوقت لرمي اليوم الرابع فيكون خياره في النفر ثابتًا فيه كما قبل غروب الشمس من اليوم الثالث، بخلاف ما بعد طلوع الفجر في اليوم الرابع، فإنه وقت الرمي فلا يبقى خياره بعد ذلك، وقد بيّنا أن الليالي هاهنا تابعة للأيام الماضية، فكما كان خياره ثابتًا في اليوم الثالث، فكذلك في الليلة التي بعده.
وقالا: (لا يجوز اعتبارًا بسائر الأيام) أراد بالأيام: اليومين، وهو اليوم الثاني، والثالث دون اليوم الأول من أيام النحر، فإن رمى جمرة العقبة في ذلك اليوم يجوز قبل زوال الشمس بالاتفاق.
وحاصله: أنهما يقيسان رمي اليوم الرابع على رمي اليوم الثاني والثالث من أيام النحر؛ لأنه يوم يرمى فيه الجمار الثلاث كهذين اليومين.
وأبو حنيفة رحمه الله يقيس آخر الأيام على أول الأيام؛ لأن هذا يوم خف حكم الرمي فيه بالترك وجب أن يكون جميع اليوم وقتًا له كيوم النحر الأول لما خف حكم الرمي فيه يرمي جمرة واحدة كان وقته جميع اليوم، وكذا هنا.
قوله رحمه الله: (بخلاف اليوم الأول، والثاني).
أراد بهما اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، وهما ثاني أيام النحر، وثالثه، وأما الرمي في الأول من أيام النحر، فيجوز قبل الزوال بالاتفاق في الروايات كلها على ما ذكرنا.
(فأما يوم النحر فأول وقت الرمي من وقت طلوع الفجر).
وعلى قول سفيان الثوري
(2)
من وقت طلوع الشمس (لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله
(3)
من المزدلفة.
ويقول: أغيلمة بني عبدالمطلب لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس. وحجتنا في ذلك ما روي أنه لما قدَّم ضعفة أهله، قال: أي بني لا ترموا جمرة العقبة إلا مصبحين)، فنعمل بالحديثين جميعًا، فنقول: بعد الصبح يجوز، وتأخيره إلى ما بعد طلوع الشمس أولى. هذا كله من «المبسوط»
(4)
.
(1)
انظر: الخطيب في "مغني المحتاج"(2/ 276).
(2)
سفيان الثوري هو الإمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الحجّة، الفقيه، الزاهد، المحدث، نقل عنه قوله:«كان الرجل إذا أراد أن يكتب الحديث تأدب وتعبد قبل ذلك بعشرين سنة» ، (ت 161 هـ).
انظر: سير أعلام النبلاء (7/ 229)، حلية الأولياء (6/ 356).
(3)
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله) أخرجه البخاري: الحج باب (98) من قدم ضعفة أهله بليل (الفتح 3/ 526)، ومسلم: الحج، باب (49) استحباب تقديم دفع الضعفة من النساءوغيرهن من مزدلفة (2/ 941).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 21).
(لا يجوز الرمي فيهما إلا بعد الزوال في المشهور من الرواية)
وروى الحسن عن أبي حينفة رحمه الله: أنه إن
(1)
كان من قصده أن يتعجل في النفر الأول، فلا بأس بأن يرمي في اليوم الثالث قبل الزوال، وإن رمى بعد الزوال فهو أفضل، وإن لم يكن ذلك من قصده لا يجوز الرمي إلا بعد الزوال؛ لأنه إذا كان من قصده التعجيل، فربما يلحقه بعض الحرج في تأخير الرمي إلى ما بعد الزوال [حتى لو]
(2)
تأخر الرمي إلى ما بعد الزوال لا يصل إلى مكة إلا بالليل، فهو يحتاج إلى أن يرمي قبل الزوال ليصل إلى مكة بالنهار، فيرى موضع نزوله فيرخص له في ذلك.
(وفي ظاهر الرواية
(3)
يقول: هذا اليوم الثالث نظير اليوم الثاني، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رمى فيه بعد الزوال فلا يجزئه الرمي فيه قبل الزوال). كذا في «المبسوط»
(4)
، وذكر في «المحيط»
(5)
.
وذكر الحاكم الشهيد في «المنتقى»
(6)
قال محمد: كان أبو حنيفة يقول: أحب
إلي ألاّ يرمي في اليوم الثاني، والثالث حتى تزول الشمس، فإن رمى قبل ذلك أجزأه.
(ثُمَّ عند أبي حنيفة رحمه الله يمتد هذا الوقت).
أي: وقت الرمي في اليوم الأول من أيام النحر، والحجة عليه ما روينا، وهو
لقوله عليه السلام: (أن أول نسكنا في هذا اليوم)
(7)
إلى آخره).
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
أثبته من (ب).
(3)
المراد بظاهر الرواية: فهو عبارة عن المسائل التي رويت عن أئمة المذهب: أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، مما ذكره محمد بن الحسن في كتبه المعروفة بكتب ظاهر الرواية:(الأصل، الجامع الصغير والكبير، والسير الصغير والكبير، والزيادات)، وقد يلحق بهم قول زفر، والحسن بن زياد، وغيرهما ممن أخذ الفقه عن أبي حنيفة، لكن الغالب الشائع في ظاهر الرواية أن يكون قول الثلاثة، أو قول بعضهم، وإنما سُميت بظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن محمد برواية الثقات، فهي ثابتة عنه إما متواترة أومشهورة.
انظر: شرح عقود رسم المفتي (ص/ 67)، رد المحتار (1/ 225)، المذهب الحنفي (1/ 358).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 68).
(5)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 429 - 430).
(6)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 500).
(7)
أخرجه البخاري في باب الأكل يوم النحر: " إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثُمَّ نرجع فننحر، من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك"، مختصر صحيح البخاري، (1/ 293 رقم 490).
فالحاصل: أن ما بعد طلوع الفجر من يوم النحر إلى طلوع الشمس وقت الجواز مع الإساءة، وما بعده إلى/ الزوال وقت مسنون، وما بعد الزوال إلى الغروب وقت الجواز من غير إساءة، والليل وقت الجواز مع الإساءة)، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(1)
.
وبيان الأفضل مروي عن أبي يوسف رحمه الله، فإنه حكى عن إبراهيم بن الجراح
(2)
قال: دخلت على أبي يوسف رحمه الله في مرضه الذي مات فيه ففتح عينيه، وقال: الرمي راكبًا أفضل أم ماشيًا؟ فقلتُ: ماشيًا، فقال: أخطأت فقلتُ: راكبًا، فقال: أخطأت، ثُمَّ قال: كل رمي بعده
(3)
وقوف، فالرمي فيه ماشيًا أفضل، وما ليس بعده
(4)
وقوف فالرمي راكبًا أفضل. فقمت من عنده فلما انتهيت إلى باب الدار سمعت الصراخ بموته، فتعجبت من حرصه على العلم في مثل تلك الحالة، والذي روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم «رمى الجمار كلها راكبًا» إنما فعله؛ ليكون أشهر للناس حتى يقيدوا به فيما يشاهدونه منه، ألا ترى أنه قال:«خذوا عني مناسككم فلا أدري لعلي لا أحج بعد هذا العام»
(5)
، كذا في «المبسوط»
(6)
.
(ولو بات في غيرها)
(7)
.
أي: في غير منى.
(متعمدًا لا يلزمه شيء عندنا)
(8)
خلافًا للشافعي رحمه الله.
وقال الشافعي
(9)
رحمه الله: إن ترك البيتوتة ليلة فعليه مد، وإن ترك ليلتين فعليه مدان، وإن ترك ثلاث ليال فعليه دم.
(1)
انظر: المبسوط للشيباني (2/ 428)، العناية شرح الهداية (2/ 500).
(2)
إبراهيم بن الجراح بن صبيح مولى بني تميم من بني مازن، من أهل مرو الروذ، سكن الكوفة، وولي القضاء بمصر خمسا وعشرين سنة. يروي عن أبي يوسف، وغيره، وأهل العراق. روى عنه أحمد بن
عبد الله الكندي. قال ابن يونس: توفي بمصر في المحرم سنة سبع عشرة ومائتين، وقيل: مات بالرملة.
انظر: (ثقات ابن حبان: 8/ 69)، و (لسان الميزان: 1/ 43)، و (الجواهر المضية: 1/ 36).
(3)
في (ب) بعد.
(4)
في (ب) بعد.
(5)
أخرجه مسلم في "صحيحه" باب: (51)[اسْتِحْبَابِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا، وَبَيَانِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ»](2/ 943) برقم: [1297].
(6)
انظر: المبسوط (4/ 23).
(7)
انظر: بداية المبتدي (1/ 47)
(8)
انظر: بداية المبتدي (1/ 47)
(9)
انظر: مغني المحتاج (2/ 275).
وقال: (ترك البيتوتة في وجوب الجزاء به بترك الرمي)، ولكنا نستدل بحديث العباس رضي الله عنه أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيتوتة بمكة في ليالي الرمي لأجل السقاية، فأذن له في ذلك، ولو كان واجبا ما رخص له في تركه لأجل السقاية، ولأن هذه البيتوتة غير مقصودة بل [هي]
(1)
تبع للرمي في هذه الأيام فتركها لا يوجب إلا الإساءة، كالبيتوتة بمزدلفة ليلة يوم النحر.
(2)
(نزل بالمحصب، وهو الأبطح
(3)
، وهو اسم موضع).
أي: لذلك الموضع اسمان المحصب، والأبطح، وكذا يقال له: الخيف
أيضًا.
(وكان نزوله قصدًا وهو الأصح
(4)
.
وهذا احتراز عن قول ابن عباس، فإنه يقول: ليس النزول فيه بسنة، ولكنه موضع نزل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفاقًا، والأصح عندنا أنه سنة، وإنما نزله رسول الله قصدًا على ما روي أنه قال لأصحابه بمنى: «إنّا نازلون بالخيف غدًا خيف بني
كنانة»
(5)
إلى آخره كذا في «المبسوط»
(6)
.
(الخيف فهو بالمخصب) وقد كانت قريش اجتمعت فيه، فتحالفوا على بني هاشم، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه نزل فيه لمخالفتهم، فإنهم اجتمعوا للمعصية فيه، ونحن نجتمع فيه للطاعة، وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في المناسك على وجه المخالفة، فهو نسك [كما]
(7)
نفر من عرفة بعد غروب الشمس. كذا في «شرح الأقطع»
(8)
الخيف بالسكون للمكان المرتفع نحو خيف منا، أو الذي اختلفت
(9)
ألوان حجارته، ومنه الحديث نحن نازلون بخيف بني كنانة، وهو المحصب، كذا في «المغرب»
(10)
.
(1)
أثبته من (ب).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 25)
(3)
الأبطح: في الأصل مسيل واسع فيه دِقاق الحصى، وهو اسم لموضع بمكة، ينزل به الحاج إذا مرّ به، ويسمّى أيضًا بالمحصّب، والحصباء، والحصبة، والبطحاء، وخيف بني كنانة، والنزول فيه يسمّى بالتحصيب، وهو اليوم تقريبًا في منطقة بين المعابدة والجميزة.
وقيل: المحصّب هو المكان الذي تنتظم فيه الجمرات الثلاث.
انظر: طلبة الطلبة (64)، المصباح المنير (51)، معجم لغة الفقهاء (17)، قاموس الحج والعمرة (53)، معالم مكة (252).
(4)
عبارة: «وهو الأصح» مصطلح عند الحنفية يستعمل للترجيح بين الأقوال، وهو يُشعر بأن بقية الأقوال صحيحة، لكن الفتوى على أصحها.
انظر: الكواشف الجلية (72).
(5)
أخرجه بنحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري: الحج، باب (45) نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة (الفتح 3/ 453)، ومسلم: الحج، باب (59) استحباب النزول بالمحصب (2/ 952).
(6)
انظر: المبسوط (4/ 24).
(7)
أثبته من (ب)، وفي (أ) لما. ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(8)
انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 281).
(9)
في: (ب) اختلف.
(10)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 158).
(ويسمى طواف الوداع).
بفتح الواو اسم للتوديع عند الرحيل كذا في «الصحاح»
(1)
.
قلتُ: الفعال بفتح الفاء يجيء اسمًا للتفعيل كثيرًا كذا في السلام والكلام، والصلاة بمعنى التسليم، والتكليم، والتصلية.
(وهو واجب عندنا خلافًا للشافعي).
فإن طواف الصدر سنة عند الشافعي
(2)
رحمه الله؛ لأنه بمنزلة طواف [القدوم]
(3)
ألا ترى أن كل واحد منهما يأتي به الآفاقي دون المكي، وما يكون من واجبات الحجّ فالأفاقي، والمكي فيه سواء، ولنا في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من حج هذا البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف»
(4)
.
(ورخص للنساء الحيض).
والأمر دليل الوجوب، وتخصيصه الحائض برخصة الترك دليل على الوجوب أيضًا، ويسمى هذا الطواف طواف الوداع، وإنما يجب على من يودع البيت دون من لا يودعه). كذا في «المبسوط»
(5)
.
(إلا على أهل مكة).
أي: ليس على أهل مكة، ومن وراء الميقات طواف الصدر، وكذلك من اتخذ مكة دارًا، ثُمَّ بدا له الخروج لا يلزمه طواف الصدر، وكذلك على فائت الحجّ لا يلزمه طواف الصدر؛ لأن العود مستحق عليه، ولأنه صار بمنزلة المعتمر في حق الأفعال، وليس عليه طواف الصدر، وذكر في «التحفة»
(6)
وليس على المعتمرين من أهل الآفاق طواف الصدر؛ لأن./ ركن العمرة هو الطواف، فكيف يصير مثل ركنه تبعًا له، وكذلك ليس على حائض، ونفساء طواف الصدر، ولاشيء عليهما لتركه؛
(1)
انظر: مختار الصحاح (1/ 335).
(2)
انظر: النووي في "المجموع"(8/ 12).
(3)
أثبته من (ب).
(4)
أخرجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: الترمذي: الحج، باب (99) ماجاء في المرأة تحيض بعد الإفاضة (3/ 280)، والنسائي في السنن الكبرى: الحج، باب الإباحة للحائض أن تنفر إذا كانت قد أفاضت يوم النحر (2/ 466)، وابن خزيمة (4/ 328)، وابن حبان (6/ 78)، والحاكم (1/ 469)، وقال الترمذي حسن صحيح. وقال الحاكم على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. ومن حديث الحارث بن عبدالله بن أوس رضي الله عنه: أخرجه الترمذي: الحج، باب (101) ماجاء من حج أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت (3/ 282)، وأبوداود: في المناسك، باب (85) الحائض تخرج بعد الإفاضة (2/ 510).
قال المنذري في مختصر السنن (2/ 430): الإسناد الذي أخرجه أبوداود والنسائي حسن. وأخرجه الترمذي بإسناد ضعيف، وقال غريب.
(5)
انظر: المبسوط (4/ 35).
(6)
انظر: المبسوط (1/ 410).
لأن النبي صلى الله عليه وسلم «رخّص للنساء الحيض تركه»
(1)
.
(ولم يأمرهن بإقامة شيء مقامه لما قدمنا) أي: في موضعين من قوله صلى الله عليه وسلم:
«وليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين»
(2)
.
وقال: (لأن ختم كل طواف بركعتين
(3)
فرضًا كان الطواف أو نفلًا).
(ثُمَّ يأتي زمزم)
(4)
.
أي: بعد تقبيل العتبة، وإتيانه الملتزم، وإلصاقه خده بجوار الكعبة يأتي زمزم.
(فيشرب من مائها)
(5)
.
ويصب منه على جسده، ويقول:«اللهم إني أسألك رزقًا واسعًا، وعلمًا نافعًا، وشفاءً من كل داء برحمتك يا أرحم الراحمين»
(6)
. كذا في «المحيط»
(7)
.
(فهذا بيان تمام الحجّ أي: الحجّ الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «من حج البيت فلم يرفث، ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»
(8)
. كذا في «المبسوط»
(9)
.
(1)
أخرجه البخاري الحج باب (145) إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت (فتح الباري 3/ 568)، ومسلم: الحج باب (67) وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (2/ 963).
(2)
سبق تخريجه (ص 123).
(3)
وركعتا الطواف عند الحنفية، والمالكية: واجبة تجبر بدم، وعند الشافعية والحنابلة والقاضي أبو محمد من المالكية: سنة مؤكدة.
انظر: المبسوط (4/ 12)، الاختيار (1/ 191)، مجمع الأنهر (1/ 273)، عقد الجواهر (1/ 399)، المجموع (8/ 56)، الشرح الكبير (9/ 121).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 47)
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 47)
(6)
أخرجه الدار قطني (2/ 288)، والحاكم (1/ 473) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان إذا شرب من زمزم قال: (اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء). وانظر: فتاوى قاضي خان (1/ 319)، فتح القدير (2/ 457).
(7)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 433).
(8)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [فَضْلِ الحَجِّ المَبْرُورِ](2/ 133) برقم: [1521]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[فِي فَضْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ](2/ 984) برقم: [1350].
(9)
انظر: المبسوط (4/ 24).
فصلٌ: أفعال الحجّ على الترتيب
لما ذكر أفعال الحجّ على الترتيب، وأتمها، ألحقها مسائل شتى من أفعال الحجّ بفصل على حدة.
(على ما بيّنا).
أي: من أحكام الوقوف بعرفة فأول وقت الوقوف بعد الزوال عندنا.
(وقال مالك
(1)
: أول وقته بعد طلوع الشمس).
لأن هذا اليوم مُسمى بأنه يوم عرفة، وإِنما يصير اليوم مطلقًا من وقت طلوع الشمس، فتبين أن وقت الوقوف من ذلك الوقت، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم:«الْحَجُّ عَرَفَةُ»
(2)
فمن وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تمّ حجه.
(والنهار اسم للوقت من طلوع الشمس): سمي نهارًا لجريان الشمس فيه كالنهر، يسمى نهرًا لجريان الماء فيه، وحجتنا في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقف بعد الزوال، وكان مبينًا وقت الوقوف بفعله، فدل أن ابتداء الوقوف بعد الزوال، وقال ابن عمر للحجاج بعد الزوال: إن أردت السنة فالساعة، ولا يُبعد أن يسمى اليوم بهذا الاسم، وإن كان وقت الوقوف بعد الزوال كيوم الجمعة صار وقتًا لأداء الجمعة بعد الزوال، مع أن اليوم مُسمى بهذا الاسم.
(وقال مالك
(3)
: لا يجزئه إلا أن يقف في اليوم، وجزء من الليل).
وذلك بأن يكون إفاضة بعد غروب الشمس،
واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحجّ، ومن فاتته عرفة بليل فقد فاته الحجّ» ، ولكنا نقول: هذه الزيادة غير مشهورة، وإنما المشهور «من فاته عرفة فقد فاته الحجّ»
(4)
، وفيما روينا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«ساعة من ليل أو نهار» ، دليل على أن بنفس الوقوف في وقته يصير مدركًا للحج)، كذا في «المبسوط»
(5)
.
(لأن ما هو الركن قد وجد، وهو الوقوف).
فإن قلتَ: يشكل على هذا الطواف بالبيت، فإنه إذا طاف بالبيت طالبًا للغريم أو هاربًا من عدو أو سبع، ولا ينوي الطواف لا يجزئه عن طوافه مع أن ركن الطواف، وهو الدوران حول البيت، وقد وجد بخلاف الوقوف بعرفة، فإنه يتحقق الوقوف، وإن كان الوقوف بهذه الأشياء، ولا ينوي الوقوف لوجود ركن الوقوف فما وجه الفرق بينهما؟.
قلتُ: ذكر الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله وأثابه الجنة. الفرق بينهما في باب الطواف من «المبسوط»
(6)
وقال: (لأن الوقوف رُكن عبادة وليس بعبادة مقصودة، ولهذا لا يتنفل به، فوجود النية في
(7)
أصل تلك العبادة، يُغني عن اشتراط النية في ركنه، والطواف عبادة مقصودة، ولهذا ينتقل
(8)
به فلابد من اشتراط أصل النية، وسقط اعتبار جهة النية لتعينه)، حتى أن المحرم إذا طاف يوم النحر طوافًا، كان أوجبه لله على نفسه أجزأه عن طواف الزيارة، ولم يجزه فيما
(9)
أوجب؛ كما قلنا في صوم رمضان، ولأن الوقوف يؤدى في إحرام مطلق، وأما طواف الزيارة فيؤدى بعد التحلل من الإحرام بالحلق، فوجود النية في الإحرام لا يغني عن النية في الطواف، ولكن هذا الفرق الثاني [يتأتى]
(10)
في طواف الزيارة دون طواف العمرة، والفرق الأول يعم الفصلين.
(1)
انظر: مواهب الجليل (3/ 118)، إرشاد السالك (ص 45).
(2)
سبق تخريجة (96).
(3)
انظر: مواهب الجليل (3/ 94).
(4)
أخرجه بهذا اللفظ بتمامه من غير كلمة (أدرك) الدارقطني (2/ 241)، وفيه (من وقف) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً وضعفه برحمه بن مصعب. وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 1/ 235)، وابن عدي (6/ 2194) من حديثه إلى قوله (فقد فاته الحج)، وفي إسناده عندهما ابن أبي ليلى وهوضعيف. وعد ابن عدي هذا الحديث من مناكيره. وفي حديث عبدالرحمن بن يعمررضي الله عنه:(الحج عرفة فمن جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد تم حجه) وهوحديث صحيح أخرجه أصحاب السنن وغيرهم كما تقدم.
(5)
انظر: المبسوط (4/ 55، 56).
(6)
انظر: المبسوط (4/ 37).
(7)
ساقطة من (ب).
(8)
في (ب): ينتفل.
(9)
في (ب): مما.
(10)
أثبته من (ب).
(ومن أغمي
(1)
عليه فأهلّ عنه رفقاؤه
(2)
جاز).
وأصل هذا: أن الإحرام عندنا شرط بمنزلة الوضوء وستر العورة، وليس بنسك، فاستقام القول فيه بالنيابة بعد وجود العبادة منه، وهو خروجه لحج البيت، وفي هذا الاختلافات عند علمائنا بأن الإحرام يتأدى بالنائب كما لو أمر غيره
(3)
بالتقليد، فقلد المأمور صار الأمر محرمًا به، ولكنهم اختلفوا في أن الموافقة
(4)
هل تكون./ إذنًا، وأمرًا؟
قال أبو حنيفة رحمه الله: "يكون"، وقالا:"لا يكون"، كذا ذكر فخر الإسلام، وغيره.
فإن قلتَ: كيف صورة المسألة: فالرفقاء يجزون عليه أفعال الإحرام من إلباس الرداء، والإزار، وتجنيبه من محظورات الإحرام
(5)
أنهم يتولونها بأنفسهم، ويجرونها على أنفسهم، فلو أجروها على أنفسهم، ولبوا عنه، وهم أيضًا مخرجون لأنفسهم؛ لأنهم خرجوا لحج بيت الله، فكيف يتحقق تداخل الإحرامين؟ وكيف يصح إلحاق هذا بالوضوء فإن إنسانًا إذا توضأ لا يكون غيره به متوضئًا، وإن نوى ذلك الإنسان عنه، ولو أخروا
(6)
عليه أفعال الإحرام، وصار المغمى عليه [به]
(7)
محرمًا، لم يصيروا نائبين عنه، ولأنهما يفرقان بين هذا وبين ما إذا طيف به المناسك كلها، فإنه يجزئه بالاتفاق؛ لأنه هو الفاعل لها فعلم بهذا أن إجراء أفعال الإحرام عليه غير مراد.
(1)
الإغماء لغة: فقد الحس والحركة، و اصطلاحاً: آفة يصير بها العقل في كلال وتتعطل بها القوى المدركة.
انظر: جامع الأسرار (5/ 1278)، التلويح (2/ 355)، عوارض الأهلية ص (242)
(2)
رفق: الرِّفْقُ، بالكسرِ: مَا اسْتعِينَ بِهِ وَقَالَ العَضُدُ: الرِّفْقُ: حُسنُ الانْقِيادِ لما يؤَدِّي إِلَى الجَميلِ.
وقالَ اللّيْث: الرِّفْقُ: ليِنُ الجانِب، ولَطافَةُ الفِعْل، وصاحِبُه رَفِيقٌ، وَقد رَفقَ يَرْفُق رِفقاً بِالْكَسْرِ ومَرْفِقاً كمَجْلسٍ.
انظر: تاج العروس، مادة رفق، (25/ 230)، والمقصود بالرفقاء هم الأصحاب او الأصدقاء في الحج.
(3)
أثبته من (ب) وفي (أ) عنده. ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(4)
في (ب): المرافقة.
(5)
محظورات الإحرام: هي الأمور التي يجب على الحاج تجنبها في حالة إحرامه وهي: الجماع ودواعيه مثل القبلة، واللمس بشهوة والتعرض للنساء بفحش القول، الخروج عن طاعة الله تعالى وهو قبيح في غير الإحرام، المخاصمة مع الرفقة والخدم وغيرهم، الجدال المثير للغضب ممنوع شرعا، لبس المخيط بجميع أنواعه.
انظر: فقه العبادات الحج، (62).
(6)
في: (ب) أجروا.
(7)
أثبته من (ب).
قلتُ: بل الرفقاء هم الذين يحرمون بطريق النيابة عنه مع أنهم أحرموا عن أنفسهم أيضًا؛ لأنه لما جرت النيابة في الإحرام عند علمائنا رجع كل واحد من الإحرامين إلى ما هو عنه، فصار الرفيق محرمًا عن نفسه بطريق الأصالة، ومحرمًا عنه أيضًا بطريق النيابة، ولكن في إحرام النيابة كان المحرم في الحكم هو المنوب لا النائب، فصار كالأب يحرم عن نفسه، وعن ابن صغير له، وذكر في «المبسوط»
(1)
، (وإذا أهلّ الرجل عن نفسه، وعن ابن صغير معه، ثُمَّ أصاب صيدًا فعليه دم واحد، ولا يجب عليه من جهة إهلاله عن ابنه شيء؛ لأن عبادته في إهلاله عن ابنه، كعبادة ابنه أن لو كان من أهله فيصير الابن بهذا محرمًا، لا أن يصير الأب محرمًا عنه، وبقي للأب إحرام واحد، فعليه جزاء واحد؛ بخلاف القارن فهو محرم عن نفسه بإحرامين فكان عليه جزءان).
وذكر في «المبسوط»
(2)
أيضًا بعد ذكر إحرام الرفقاء عن المغمى عليه: (فإن أصاب الذي أهلّ عن المغمى عليه صيدًا، فعليه الجزاء من قبل إهلاله عن نفسه إن كان محرمًا وليس عليه من جهة إهلاله عن المغمى عليه شيء؛ لما بيّنا أن بهذا الإهلال يصير المغمى عليه محرمًا كما لو أمره به إفصاحًا، فأما المهل بهذا الإهلال، فلا يصير محرمًا، فلا يلزمه الجزاء باعتبار إحرامه)
بخلاف ما لو أهلّ عن الميت بأمره، حيث يجب عليه الجزاء بذلك الإحرام، لو أصاب صيداً؛ لأنه ليس بنائب عنه في الإحرام، وإنما للميت ثواب الإنفاق، فبقي الإحرام مقصورًا عليه فيجب الجزاء، وأما تداخل الإحرامين إنما يلزم أن لو كان المحرم هو النائب في الإحرامين من كل وجه وليس كذلك، بل المحرم في إحرام النيابة هو المغمى عليه لا النائب على ما ذكرناه.
ثُمَّ قياس هذه المسألة على الوضوء من حيث إن كل واحد منهما شرط يحتمل النيابة، ولكن النيابة في حق الوضوء بالتوضئة، بأن يجري الماء على أعضاء المنوب، وفي هذا يتولى النائب الإحرام بنفسه.
فإنه ذكر في «المبسوط»
(3)
(تجري النيابة في الشروط، وإن كانت لا تجري في الأعمال، ألا ترى أن المحدث إذا غسل أعضاء غيره كان له أن يصلي بتلك الطهارة، وإن كانت النيابة لا تجري في أعمال الصلاة).
عُلم بهذا أن النيابة في الوضوء هي التوضئة، ثُمَّ الحجّة بقولهما، وهو القياس؛ لأنه لم يأمر أصحابه بالإحرام وليس للأصحاب عليه ولاية بخلاف الآمر، وبخلاف الأب فلا يصير هو محرمًا بإحرامهم عنه، ولأن العادات في التلبية التولي بأنفسهم لا بالإبانة، فلا تدل المرافقة على الإنابة عادة.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 160).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 161).
(3)
انظر: المبسوط (4/ 160 - 161).
ألا ترى أنه لو مات بغير وصية، لم يحجوا عنه بسبب الرفقة، ولأن الإحرام لا ينعقد إلا بالنية، وقد انعدمت النية من المغمى عليه حقيقة وحكمًا؛ لأن نية الغير عنه بدون أمره لا يقوم مقام نيته، والدليل عليه: أن سائر المناسك لا تتأدى بأداء الأصحاب عنه، فكذلك الإحرام، وجه قول أبي حنيفة رحمه الله-أنه لما عاقدهم عقد المرافقة
(1)
، فقد استعان بهم في كل ما يعجز عن مباشرته بنفسه، والإذن دلالة بمنزلة الإذن إفصاحًا كما في شرب ماء السقاية، وكمن نصب القدر على الكانون، وجعل فيها اللحم، وأوقد تحتها النار، فجاء إنسان وطبخه
(2)
، لم يكن ضامنًا لوجود الإذن دلالة، وإذا ثبت الإذن قام بينهم مقام نيته، كما لو كان أمرهم بذلك نصًّا، وأما سائر المناسك فالأصح أن نيابتهم عنه في أدائه صحيحًا إلا أن الأولى أن يقفوا به، وأن يطوفوا به ليكون أقرب إلى أدائه./ لو كان مفيقا
(3)
، ولو أدوا عنه جاز.
ومن أصحابنا من فرق فقال: الإحرام بمنزلة الشرط، وتجري النيابة في الشروط، وإن كانت لا تجري في الأعمال -على ما ذكرنا- لما أن النيابة عند تحقق العجز، وفي أصل الإحرام تحقق عجزه عنه بسبب الإغماء، فينوب عنه أصحابه، وأما في أداء الأعمال، فلم يتحقق العجز؛ لأنهم إذا أحضروه المواقف كان هو الواقف، وإذا طافوا به كان هو الطائف، بمنزلة من طاف راكبًا بعذر، وإنما يفترق الحال بين القادر والمغمى عليه، أن القادر لو طيف به، وهو لا يشعر بأن كان نائمًا؛ لم يجز لانعدام الفعل منه حقيقة وحكمًا، لعدم الإذن، وهاهنا يجوز؛ لأن الإذن وجد دلالة بعقد المرافقة؛ لأنها تعقد الاستعانة بهم حال العجز، والإغماء
(4)
، عجز لا يمكنه إزالته، بخلاف النوم فإنه لا يدوم، ويقدر على إزالته، فكان عقد الرفقة لإزالة النوم ليعمل بنفسه لا للإذن بالطواف به، كذا في «المبسوط»
(5)
، و «الأسرار»
(6)
.
(1)
في (ب): الرفقة.
(2)
في (ب): فطبخنا.
(3)
أفاق ففاق العليل إفاقةً واستفاق، والأسم: الفواق، وكذلك السكران إذا صحا، وافاق عنه النعاس: أقلع.
انظر: لسان العرب (مادة: فوق 1/ 123)، والمفيق أي الواعي لكل شئ وهو بعكس المغمى عليه.
(4)
الإغماء لغة: فقد الحس والحركة، واصطلاحاً: آفة يصير بها العقل في كلال وتتعطل بها القوى المدركة.
انظر: جامع الأسرار (5/ 1278)؛ التلويح (2/ 355)؛ عوارض الأهلية ص (242).
(5)
انظر: المبسوط (4/ 160).
(6)
انظر: الأسرار (ص 133).
وذكر فخر الإسلام: فأما إذا أغمي عليه بعد الإحرام، فطيف به المناسك كلها، فإن ذلك يجزئه عند أصحابنا جميعًا؛ لأنه هو الفاعل لها هاهنا، وقد سبقت النية فأجزأه كمن نوى الصلاة في ابتداء صلاته، ثُمَّ يؤدي أفعال الصلاة من الركوع، والسجود ساهيًا، ولا يدري ما يفعل؛ جازت صلاته بسبق النية قبله، وقد سبقت النية فأجزأه كمن نوى الصلاة في ابتداء صلاته، ثُمَّ يؤدي أفعال الصلاة من الركوع، والسجود ساهيًا، ولا يدري ما يفعل جازت صلاته إلى فكذلك هاهنا، ثُمَّ قيد في الكتاب بأنه أهلّ عنه رفقاؤه، فإذا
(1)
أهلّ عنه غير رفقائه ما حكمه؟
قال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني
(2)
رحمه الله: وكان الجصاص
(3)
يقول: لا يجوز، ثُمَّ رجع، وقال: يجوز، ولا يختص بذلك رفقاؤه، بل هم وغيرهم في ذلك سواء؛ لأن هذا ليس من باب الولاية، بل هذا من باب الإعانة. قال الله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
(4)
، وفي هذا الرفقاء وغيرهم سواء. كذا في «الفوائد الظهيرية»
(5)
.
(لأنها مخاطبة كالرجال).
لأن اسم الناس في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ}
(6)
، يقع على الرجال، والنساء جميعًا، فيدخلن في الخطاب.
(إحرام المرأة في وجهها).
أي: أثر إحرام المرأة في وجهها بالكشف.
(ولو سدلت
(7)
.
(1)
في (ب): وإن.
(2)
أبو عبد الله الجرجاني هو الإمام أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مهدي الجرجاني، من فقهاء
…
الحنفية، وأحد الأعلام الكبار، تفقه على الجصاص، مارس التدريس، وكان من أصحاب التخريج في المذهب (ت 398 هـ).
انظر: الجواهر المضية (3/ 397)؛ تاج التراجم (98)، الفوائد البهية (331)
(3)
الجصاص هو الإمام أحمد بن علي الشهير بأبي بكر الرازي، والملقب بالجصاص، الإمام الكبير الشأن، الفقيه المحدث، انتهت إليه رئاسة الحنفية في عصره، واشتهر بالورع والزهد، وكان يعدّ من المجتهدين في المذهب، له: أحكام القرآن، شرح مختصر الكرخي، شرح مختصر الطحاوي، الفصول في الأصول (ت 370 هـ).
انظر: الجواهر المضية (1/ 220)، تاج التراجم (ص/ 96)، الفوائد البهية (ص/ 53).
(4)
سورة المائدة من الآية (2).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 512).
(6)
سورة آل عمران من الآية (97).
(7)
سدل: السَّدْل: شَعرٌ مُنسَدِل كثير طويل، وَقَع على الظَّهْر. وكُرِه السَّدْل في الصلاة، وهو إرخاء الثوب من المَنْكِبَيْن الى الأرض.
انظر: كتاب العين، مادة سدل، (7/ 228)، والمقصود بها ستر الوجهه وتغطيته
من سدل الثوب سدلًا من باب طلب، إذا أرسل من غير أن يضم جانبيه، وقيل: هو أن يلقيه على رأسه، ويرخيه على منكبيه.
وفي بعض النسخ، ولو أُسدلت مكان سدلت، وذكر في «المغرب» إن أُسدلت خطأ.
واعلم: أن سدل الشيء على وجهها واجب عليها، لما أنه ذكر في الواقعات الناطفي: أن المرأة المحرمة ترخي على وجهها خرقة، وتجافي عن وجهها، ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للرجال من غير ضرورة؛ لأنها منهية من تغطية الوجه لحق النسك، ولولا أن الأمر كذلك، وإلا لما أمرت بهذا الإرخاء، كذا في «المحيط»
(1)
(2)
.
(وجافته).
بالجيم أي: باعدت ذلك الشيء عن وجهها، وهو مفاعلة من جفا جنبه عن الفراش إذا نبأ وارتفع.
(وتلبس من المخيط ما بدا لها)
(3)
.
من الزروع، والقميص
(4)
، والخمار
(5)
، والخف، والقفازين
(6)
؛ لأنها عورة، وهي مأمورة بأداء العبادة على استواء الوجوه، ولكن (لا تلبس المصبوغ بورس، ولا زعفران، ولا عُصفر؛ إلا أن يكون قد غُسل؛ لأن ما حلّ في حقها من اللبس كان للضرورة، ولا ضرورة في لبس المصبوغ، فهي في ذلك بمنزلة الرجل، ولأن هذا تزين، وهو من دواعي الجماع، وهي ممنوعة من ذلك في الإحرام كالرجل). كذا في «المبسوط»
(7)
.
قوله رحمه الله: (ومن قلّد بدنة
(8)
تطوعًا، أو نذرًا
(9)
، أو جزاء صيد، أو شيئًا من الأشياء) إلى أن قال:(فقد أحرم)
(10)
.
(1)
المحيط البرهاني (2/ 494).
(2)
سقط من (ب). من قوله: وفي بعض النسخ، إلى قوله: المحيط.
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 47)
(4)
في (ب): والقمص.
(5)
خمار المرأة: منديل واسع طويل تغطي به المرأة رأسها وعنقها وقسمًا من وجهها، وقد اختمرت وتخمَّرت إذا لبست الخمار، والتخمير: التغطية، وجمع خمار: خمرٌ.
انظر: المغرب (1/ 270)، الهادي إلى لغة العرب (1/ 672)، معجم لغة الفقهاء (178).
(6)
القفاز: هو لباس للكف يتخذ من الجلود وغيرها تلبسه نساء العرب ليقي أيديهن الحر ويحفظ نعومتها.
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 2/ 100)، الهادي إلى لغة العرب (3/ 551)، المغرب (2/ 189).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 33)
(8)
الْبَدنَة: والبدنة هِيَ النَّاقة سميت بَدَنَة بالعظم إِمَّا لسمنها أَو لسنها لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يساق مِنْهَا الصغار، إِنَّمَا يساق مِنْهَا الثنيان فَمَا فَوق. وكل مَا أسن مِنْهَا وَعظم فَهُوَ أفضل. وَيُقَال للرجل المسن: بدن.
انظر: غريب الحديث (1/ 220).
(9)
ما يقدمه المرء لربه، أو يوجبه على نفسه من صدقة، أوعبادة. أو نحوهما.
انظر: معجم لغة الفقهاء (1/ 389).
(10)
انظر: بداية المبتدي (1/ 47)
فإن قلتَ: ما وجه صحة قول أو جزاء صيد، وهذا الرجل إنما يصير محرمًا الآن بتقليد جزاء الصيد، فكيف يتصور جزاء الصيد قبل الإحرام؟ وإنما يجب الجزاء لجنايته على الصيد في الإحرام، فحينئذٍ يلزم الدور، ولا يوجد واحد منها لتوقف كل واحد منهما إلى الآخر.
قلتُ: هذا في حق ابتداء الإحرام في السنة القابلة، بأن قتل المحرم صيدًا حتى وجبت عليه قيمته فاشترى بتلك القيمة بدنة في سنة أخرى، وقلدها، وساقها إلى مكة. كذا ذكر العتابي
(1)
في «الجامع الصغير»
(2)
، ويحتمل أن يراد به جزاء صيد المحرم بأن قتل الحلال بعامة في الحرم، ووجبت عليه قيمتها جزاء، فاشترى بها بدنة فقلّدها حالة الإحرام/ وتوجه معها إلى مكة يريد الحجّ صار محرمًا.
وقوله: (أو شيئاً آخر من الأشياء).
أراد به البدنة للمتعة أو للقران، وذكر في «الفوائد الظهيرية» يريد به ما وجب جبرًا [لنقائض]
(3)
الحجّ، كما إذا طاف طواف الزيارة جنباً، لكن هذا إنما يظهر أثره في حق السنة القابلة على ما ذكرنا، وأصل هذا أن الشروع في الحجّ لا يحصل بمجرد النية عندنا، خلافًا للشافعي رحمه الله.
فإن على أظهر قولي الشافعي
(4)
رحمه الله ينعقد الإحرام بمجرد النية، وجعل الإحرام قياس الصوم من حيث إنه التزام الكف عن ارتكاب المحظورات.
وعلى قولنا: الإحرام قياس تكبيرة الافتتاح للصلاة؛ لأن الإحرام لأداء الحجّ والعمرة، وذلك مُشتمل على أركان مختلفة كالصلاة، وكما لا يصير شارعًا هناك بالنية بدون التحريمة، فكذلك في الإحرام بخلاف الصوم، فإنه إنما يصح الصوم بمجرد النية لاتصال النية بالفعل، وهو الإمساك؛ لأنه ليس للصوم إلا ركن واحد، وهو الإمساك، وكانت النية مصادقة للمَنوِيّ، فيصح كنية الإقامة للمسافر يصير مقيمًا بمجرد النية؛ لأن الإقامة عبارة عن ترك السفر، بخلاف نيّة السفر
(5)
حيث
(1)
أحمد بن محمد بن عمر العتابي، نسبة إلى العتابة محلة ببخارى، الحنفي (زين الدين العتابي فقيه، مفسر توفي سنة 586 هـ، الموافقة 1190 م ببخارى من مؤلفاته: كتاب جوامع الفقه المعروف بالفتاوى العتابية في أربع مجلدات، تفسير القرآن، شرح الجامع الكبير، شرح الجامع الصغير، وشرح الزيادات وكلها لمحمد بن الحسن الشيباني في فروع الفقه الحنفي.
انظر: الجواهر المضية (1/ 114)؛ تاج التراجم (1/ 103)
(2)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 514).
(3)
أثبته من (ب) وفي (أ) لقابض. ولعل الصواب ماأثبته من (ب) لموافقته سياق الكلام.
(4)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 212).
(5)
سقطتامن (ب).
لا يصير مسافرًا بمجرد النية، بل بالسفر مع النية، وذُكر في «المحيط»
(1)
إذا أراد الرجل الإحرام ينبغي أن ينوي بقلبه الحجّ أو
(2)
العمرة، ويلبي، ولا يصير داخلًا في الإحرام بمجرد النية، ما لم ينضم إليها التلبية أو سَوقُ الهدي
(3)
، وفي رواية أخرى أن بتقليد الهدي، والسوق، والتوجه معه يصير محرمًا كما يصير محرمًا بالتلبية.
وذكر في «شرح الطحاوي»
(4)
: ولو قلّد بدنة بغير نية الإحرام لا يصير محرمًا، ولو ساقها هدياً قاصدًا إلى مكة صار محرمًا بالسَوقِ نوى الإحرام أولم ينوِ.
قلتُ: صيرورته محرمًا بمجرد السوق من غير انضمام نية الإحرام، لم أجد في الشروح بهذه العبارة إلا في «شرح الطحاوي»
(5)
؛ فإن في عامة النسخ شرط النية بأي شيء، كان مما يُضَمُ إليه
(6)
النية من التلبية، وسوق هدي المتعة، وتقليد البدنة، ولكن ذكر في «الإيضاح»
(7)
من ذلك
(8)
فقال: إنما اعتبر السوق مع التقليد؛ لأن التقليد من جملة الشعائر، وبالسوق يتحقق معنى الهدي، فاعتبر السوق مع التقليد، ولهذا المعنى قلنا: إن السنة أن تقدم التلبية على التقليد؛ لأنه إذا قلّدها فربما يسير، فيصير شارعًا في الإحرام، والسنة أن يكون الشروع بالتلبية حيث اعتبر مجرد سيره بعد التقليد في تصييره محرمًا من غير قصد منه في الإحرام.
وذكر في «فتاوى قاضي خان»
(9)
، ولا يصير محرمًا عندنا بمجرد النية ما لم يضم إليها التلبية أو سوق الهدي، ولو لبى ولم ينوِ لا يصير محرمًا في الروايات الظاهرة، وفي قيده في الروايات الظاهرة إشارة إلى أنه يصير محرمًا بالتلبية بدون النية في غير ظاهر الرواية، وقد ذكرنا تمامه في ذكر ابتداء الإحرام.
(في إظهار الإجابة).
أي: إجابة دعاء إبراهيم عليه السلام.
(وصفة التقليد
(10)
: أن يربط على عنق بدنته قطعة نعل).
(1)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 420).
(2)
في (ب): و.
(3)
السوق: سوق البدن يكون بدفعها من ورائها يقال: ساق الدابة إذا حثّها على السير من خلّْفها، وهو ضدّ قادها، انظر: الهادي إلى لغة العرب (2/ 407)، المسلك (ص/ 72).
(4)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 516).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 516).
(6)
في (ب): إلى.
(7)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 516).
(8)
سقطتا من (ب).
(9)
انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 140).
(10)
التقليد: أن يُعلّق بعنق البعير قطعة من جلد أو قلادة، ليُعلم أنه هدي، فيكفّ الناس عنه.
انظر: المصباح المنير (512)؛ معجم لغة الفقهاء (121).
أي: خف، أو لحاء شجرٍا بالمد، وهو قشرة، وفي المثل بين العصاه، ولحائها. كذا في «الصحاح»
(1)
.
والمعنى في تقليد هذه الأشياء بالهدي أن هذا أُعدّ ليتقرب بإراقة دمه،
فيصير جلده عن قريب مثل هذه القطعة من الجلد، ومثل هذا اللحاء في
اليبوسة
(2)
، وليعرف
(3)
حتى لا يُمنع من الماء، والعلف، إذا عُلم أنه هدي، وهذا فيما غاب عن صاحبه كالإبل، والبقر دون الغنم، فإن الغنم يضيع إذا لم يكن صاحبه معه، فلذلك لا يقلد الغنم. كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله.
(فبعث بها، وأقام في أهله حلالًا لا يحرم به ما يحرم على المحرم، فعرفنا أنه لا يصير محرمًا بمجرد التقليد، والصحابة كانوا مختلفين في هذه المسألة على ثلاثة أقاويل، فمنهم من يقول: إذا قلدها صار محرمًا، ومنهم من قال: إذا توجّه في أثرها صار محرمًا.
ومنهم من قال: إذا أدركها فساقها صار محرمًا، فأخذنا بالمتيقن من ذلك، وقلنا: إذا أدركها، وساقها، صار محرمًا باتفاق الصحابة في هذه الحالة إلا في بدنة المتعة، فإنه يصير محرمًا حين خرج على أثرها، وإن لم يدركها استحسانًا). كذا في «المبسوط»
(4)
، وإذا أدركها، وإنما ردد بين السوق وعدمه؛ لأن الرواية قد اختلفت فيه فقد شرط في «المبسوط»
(5)
السوق مع اللحوق، ولم يشترط السوق في «الجامع الصغير»
(6)
، والمصنف رحمه الله جمع بين الروايتين./ وذكر فخر الإسلام في «الجامع الصغير»
(7)
، وقال في الأصل: ويسوقه، ويتوجه معه، وذلك أمر اتفاقي، وإنما الشرط أن يلحقه له
(8)
؛ ليصير فاعلًا فعل المناسك على الخصوص.
(1)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 515).
(2)
ي ب س {يَبِسَ، بِالكَسْرِ،} يَيْبَسُ، بالفَتْحِ، أَي من حَدِّ عَلِمَ، {ويَابَسُ، بقَلْبِ اليَاءِ أَلِفاً،} ويَيْبِسُ، كيَضْرِبُ، أَي بالكَسْرِ فيهمَا، وَهَذَا شاذٌّ، فَهُوَ كيَئِسَ يَيْئِسُ الَّذِي تَقَدَّم فِي الشُّذُوذِ، صَرَّحَ بِهِ الجَوْهَرِيّ {يَبْساً، بالفَتْح،} ويُبْساً، بالضّمّ، فَهُوَ يَابِسٌ، {ويَبِسٌ، ككَتِفٍ،} ويَبِيسٌ، كأَمِيرٍ، {ويَبْسٌ، بفتحٍ فسُكُون: كانَ رَطْباً فجَفَّ،} كاتَّبَسَ، على افْتَعَل فأُدْغِمَ، قَالَ ابنُ السَّرَّاج: هُوَ مُطَاوِع {يَبَّسْتُه} فاتَّبَسَ، وَهُوَ {مُتَّبِسٌ. وقِيلَ: مَا أَصْلُه} اليُبُوسَةُ ولَمْ يُعْهَدْ رَطْباً قطُّ، أنظر: تاج العروس، مادة يبس، (17/ 57).
(3)
في (ب): والعرق.
(4)
انظر: المبسوط (4/ 140).
(5)
انظر: المبسوط (4/ 140).
(6)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 516).
(7)
انظر: البحر الرائق في شرح كنز الدقائق (2/ 382).
(8)
ساقطة من (ب).
فقد اقترنت النية بعمل هو من خصائص الإحرام، أما سوق الهدي فظاهر، وأما إذا
(1)
أدرك، ولم يسق، وساق غيره فكذلك؛ لأن فعل الوكيل بحضرة الموكل كفعل الموكل.
قوله رحمه الله: (قال: إلا في بدنة المتعة).
(2)
هذا الاستثناء من قوله: (لم يصر محرمًا حتى يلحقها)
(3)
.
ثُمَّ اعلم أن هاهنا قيدًا لابد من ذكره، وهو أنه في بدنة المتعة إنما يصير محرمًا بالتقليد، والتوجه إذا حصلا في أشهر الحجّ، فإن حصلا في غير أشهر الحجّ لا يصير محرمًا ما لم يدرك الهدي، ويسير معه. هكذا ذكر في «الرّقَيَّاتِ
(4)
»؛ لأن تقليد هدي المتعة في غير أشهر الحجّ لا يعتد به؛ لأنه فعل من أفعال المتعة.
وأفعال المتعة قبل أشهر الحجّ لا يعتد بها فيكون تطوعًا، وفي هدي التطوع ما لم يدرك، ويسير معه لا يصير محرمًا. كذا في «الجامع الصغير» للإمام قاضي خان رحمه الله.
وجه القياس ما ذكرنا، وهو قوله:(لأن عند التوجه إذا لم يكن بين يديه هدي يسوقه لم يوجد منه إلا مجرد النية) إلى آخره.
ووجه الاستحسان
(5)
: هو أن يهدي المتعة نوع اختصاص لبقاء الإحرام بسببه، فإن المتمتع إذا ساق الهدي، فليس له أن يتحلل بين النسكين بخلاف ما إذا لم يسق الهدي، فكما كان له (نوع اختصاص ببقاء الإحرام، فكذلك في ابتداء الشروع [في الإحرام]
(6)
لهدي المتعة نوع اختصاص، وذلك في أن يصير محرمًا بنفس التوجه، وإن لم يدرك الهدي بخلاف هدي التطوع). كذا في «المبسوط»
(7)
، وذكر أبو اليسر
(8)
:
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 47)
(3)
المصدر السابق
(4)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 516)، تبيين الحقائق (2/ 39).
(5)
الاستحسان: هو اسم لأحد القياسين، أو هو اسم للدليل الأقوى في مقابلة القياس، وقيل: هو تَرْك القياس والأخذ بما هو أرفق للناس.
انظر: التعريفات الفقهية (ص/ 171)، المعجم الجامع للتعريفات الأصولية (ص/ 15).
(6)
أثبته من (ب).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 140).
(8)
أبو اليسر: هو صدر الإسلام أبو اليسر هو القاضي أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين البزدوي الحنفي المعروف بصدر الإسلام، وهو أخو الإمام فخر الإسلام البزدوي أبي العسر، وكان أبو اليسر من الفقهاء الكبار بماوراء النهر، ومن فحول المناظرين، تولى القضاء بسمرقند، وكان يدّرس ببخارى، وكني بأبي اليُسر ليُسْر تصانيفه (ت 493 هـ).
انظر: الجواهر المضية (4/ 98)، تاج التراجم (ص/ 275)، الفوائد البهية (210).
دم القران يجب أن يكون كدم المتعة لمكان هذا الاختصاص
(1)
.
(أنَّ هَذَا الهدي مشروع على الابتداء).
وهذا احتراز عن الهدي [الذي] وجب.
(الحَجّ وَضعًا).
أي: شرع كذلك ابتداء؛ لأنه يختص بمكة دليل قوله: (نُسكًا من مناسك الحجّ).
(وغيره قد يجب بالجناية).
…
أي: وغير هدي المتعة قد يجب بالجناية قبل الوصول إلى مكة. بأن أصاب صيداً في إحرامه قبل أن يصل إلى مكة، فيجب عليه الجزاء، وهدي المتعة لا يجب إلا في مكة؛ لأنه لا يجب إلا عند الجمع بين النسكين، وموضع النسكين مكة، وكان وجوبه بمكة ضرورة.
وحاصله: أن يهدي المتعة لما كان زيادة اختصاص بمناسك الحجّ في هذه الوجوه، كان التوجه إليه مع نية الإحرام، وإن لم يدرك قائمًا مقام الإدراك، وكان كافيًا لصيرورته محرمًا لشروعه فيما هو يختص بالمناسك.
تجليل الفرس، وهو أن تلبسه الجل، وإشعار البدنة إعلامها بشيء أنها هدي من الشعار، وهو العلامة، كذا في «الصحاح»
(2)
، و «المغرب»
(3)
، والصحيح: من الرواية في الحديث كالهدي جزورًا
(4)
، ولئن ثبت تلك الرواية التي رواها، قلنا: التمييز من حيث الحكم بالعطف لا يدل على اختلاف الجنسية، وكذلك التخصيص باسم خاص لا يمنع الدخول يجب اسم العام لقوله تعالى:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}
(5)
.
وقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}
(6)
؛ كذا ذكره الإمام المحبوبي رحمه الله والله أعلم بالصواب.
بًابُ القِرَان
لما ذكر حكم المفرد شرع في بيان المركب، وهو القران، والتمتع إلا أن القران أفضل من التمتع على ما يأتي، فلذلك قدمه على التمتع.
وحاصله: أن المحرمين أنواع أربعة: مفرد بالحجّ، ومفرد بالعمرة، وقارن، ومتمتع، فالمفرد بالحجّ هو أن يحرم بالحجّ لا غير، ثُمَّ يأتي بأفعال الحجّ، والركن فيه شيئان الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة على ما ذكرنا، والمفرد بالعمرة هو أن يحرم بالعمرة لا غير سواء أحرم للعمرة من الميقات، أو قبل الميقات في أشهر الحجّ، أو في غير أشهر الحجّ، ويذكر العمرة بلسانه عند التلبية مع القصد بالقلب.
(1)
هذا القول لم أقف على نسبته لأبي اليسر رحمه الله إنما وجدته قول لأبي يوسف رحمه الله
انظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 262).
(2)
انظر: مختار الصحاح (1/ 165).
(3)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 251).
(4)
الجزور: والمقصود به البعير، ومن هذا اللفظ أخذت مهنة الجزارة لمن يقوم على الذبح والسلخ والبيع للحم الطيب.
انظر: مختار الصحاح، مادة جزر (65).
(5)
سورة البقرة من الآية (98).
(6)
سورة الأحزاب من الآية (7).
فيقول: لبيك بعمرة، ثُمَّ يأتي بأفعال العمرة، وأفعالها أربعة، فاثنان منها ركنها، وهما الطواف، والسعي، والاثنان شرطها، وهما الإحرام، والحلق، فإن الإحرام شرط أدائها، والحلق والتقصير شرط الخروج، وما ذكرنا من الشرائط في وجوب الحجّ، فشرط في العمرة، وما هو المحظور في إحرام الحجّ محظور في إحرام العمرة، وأما وقت العمرة، فالسنة كلها وقت لها، ولا يكره سواء/ كان في أشهر الحجّ أو في غيرها إلا في خمسة أيام، يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق
(1)
لكون الحاج مشغولًا بأداء الحجّ إلا إذا قصد القران أو التمتع، فلا بأس به، بل يكون أفضل في حق الآفاقي كذا في «التحفة»
(2)
.
وأما تفسير القارن فهو من يجمع بين العمرة والحجّ في الإحرام، فيقول: لبيك بحجة، وعمرة، ويأتي بأفعال العمرة أولًا، ثُمَّ بأفعال الحجّ من غير أن يحل بينهما، وكذلك لو أحرم بعمرة، فلم يطف أو طاف لها أقل من أربعة أشواط، ثُمَّ أحرم بالحجّ كان قارناً؛ لأن الأكثر قائم، وللأكثر حكم الكل، ولو أحرم بالحجّ، ولم يطف حتى أهلَّ بعمرة كان قارناً أيضًا؛ لأنه جمع بين إحرامين قبل أداء أحدهما، وقد أساء في ذلك؛ لأن السنة أن يجمع بينهما في الإحرام ويبني إحرام الحجّة على إحرام العمرة.
ولو أحرم بالحجّ فطاف بها شوطًا، ثُمَّ أحرم بالعمرة، فإنه يرفض العمرة، وعليه قضاؤها، وعليه الدم لأجل الرفض؛ لأنه عجز عن الأداء على السنة، وهي ترتيب أفعال الحجّ على أفعال العمرة فترفض العمرة؛ لأنها أيسر بخلاف ما إذا أهلّ بالعمرة قبل أن يطوف للحج حيث يلزمه الجمع بينهما؛ لأنه لم يعجز عن الأداء على وجه السنة.
والمتمتع: من يأتي بالعمرة في أشهر الحجّ، أو بأكثر طوافها في أشهر الحجّ، ثُمَّ يحرم بالحجّ، ويحج من عامه، ذلك على وصف الصحة قبل أن يلم بأهله إلمامًا صحيحًا، وسواء أحل من عمرته بالحلق أو بالتقصير، ثُمَّ أحرم للحج قبل أن يحلّ من عمرته، فيكون إحرام عمرته كوفيًّا، وإحرام حجته مكيًّا، كذا في «شرح الطحاوي»
(3)
، و «الجامع الصغير»
(4)
لقاضي خان.
(1)
أيّام التّشريق: هي ثلاثة أيّام بعد (عيد الأضحى)؛ أي الحادي عشر، والثّاني عشر، والثّالث عشر من ذي الحجّة، وهذه الأيّام هي:(يوم القَر) وسمّي بذلك لأنّ الحجّاج يقرّون ويبيتون فيه بمنى. قال الرّسول صلى الله عليه وسلم: (أعظم الأيّام عند الله يوم النّحر ثُمَّ يوم القر). أخرجه الإمام أحمد. (يوم النّفر الأوّل) ويجوز النّفر فيه لمن تعجّل بعد رمي جمرات العقبة الأولى والثّانية. (يوم النّفر الثاني) وهو يأتي بعد رمي الجمرات في اليوم الثّالث من أيّام التّشريق.
انظر: الموسوعة الفقهية، (1/ 338 - 339).
(2)
انظر: تحفة الفقهاء (1/ 392).
(3)
انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 289).
(4)
انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 289).
قوله رحمه الله: (والقران أفضل من التمتع والإفراد)
(1)
.
هذا اللفظ محتاج إلى التأويل؛ لأن الإفراد يحتمل أن يراد به إفراد الحجّ فحسب، أو إفراد العمرة فحسب، أو إفراد كل واحد منها بإحرام، وإلمام صحيح بينهما
على حِدة.
قلتُ: المراد من هذا اللفظ الثالث دون الأوَلَينِ استدلالًا بمواضع الاحتجاج، ووضع المسائل في «المبسوط»
(2)
فإن الشافعي
(3)
رحمه الله يستدل لترجيح مذهبه بقوله: (ولأن في الإفراد زيادة التلبية، والسفر، والحلق).
وهذا التعليل إنما يتأتى له لو أتى بهما جميعًا منفردين، وكذلك ذكر في تعليلنا، ولأن في القران معنى الوصل، والتتابع في العبادة، وهو أفضل من إفراد كل واحد منهما كالجمع بين الصوم، والاعتكاف، وكذلك روي عن محمد رحمه الله
أنه قال: "حجة كوفية، وعمرة كوفية أفضل عندي من القران"، ولو اتخذ
إحرام الحجّة، والعمرة فيما ذكره محمد رحمه الله لكان هو عين القران فحينئذٍ
لا يصح.
قوله: (أفضل من القران).
لأن الشيء لا يكون أفضل على نفسه عُلِم به أن المراد إفراد كل واحد منهما بإحرام على حدة، ثُمَّ ظاهر مذهب أصحابنا أن القران أفضل من الذي ذكره محمد.
فعُلم بذلك أن قولهم: (القران أفضل من الإفراد) أي: من إفراد الحجّة، والعمرة بعد الإتيان بهما، لا أن يأتي بواحد منهما منفردًا فحسب، فإنه لا خلاف فيه على أن القران حينئذٍ يكون أفضل؛ لأنه على ذلك التقدير كان عين الإفراد مع زيادة شيء فكان أفضل، وكان هذا نظير قول أبي حنيفة رحمه الله.
(أن أربعًا أولى من اثنين)، أي: أن أربعًا أولى من اثنين اثنين على معنى أنه لو صلى أربع ركعات لكن بتسليمتين، وأما لو اقتصر على الركعتين، فلا خلاف فيه لأحد أن الأربع أولى منه، فعلم بهذا أن المراد من الإفراد إفراد الحجّة والعمرة بإحرام على حدة، وإلمام صحيح بينهما؛ لأنه لو لم يكن بينهما إلمام صحيح كان هو عين المتعة.
وقال الشافعي
(4)
رحمه الله: "الإفراد أفضل لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردًا بالحجّ، وإنما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة مرة، فما كان يترك ما هو الأفضل فيما يؤديه مرة واحدة"، ولأن القران رخصة كما قال
صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «إنما أجرك على قدر تعبك
(5)
» وإنما القران رخصة، والإفراد عزيمة، والتمسك بالعزيمة خير من التمسك بالرخصة ولأن الإفراد زيادة الإحرام، والسفر، والحلق، فإن القارن يؤدي النسكين بسفر واحد، ويلبي لهما تلبية واحدة، ولأجل هذا النقصان يجب عليه الدم جبرًا، والمفرد يؤدي كل نسك بصفة الكمال، وأداء النسك بصفة الكمال/ يكون أفضل من إدخال النقص، والجبر فيهما.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 48)
(2)
انظر: المبسوط (4/ 25).
(3)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 151).
(4)
انظر: "المجموع"(7/ 152)، "مغني المحتاج"(2/ 287).
(5)
في (ب): نصبك، أخرجه الدارقطني في "سننه" باب:[المواقيت](3/ 350) برقم: [2729] بلفظ: «إِنَّ لَكِ مِنَ الْأَجْرِ قَدْرَ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ» ، وصححه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 644) برقم:[1733]، وقال:"هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ"، متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [أَجْرِ العُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ](3/ 5) برقم: [1787]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَجَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَمَتَى يَحِلُّ الْقَارِنُ مِنْ نُسُكِهِ](2/ 876) برقم: [1211].
وعلماؤنا استدلوا بحديث علي، وابن مسعود رضي الله عنهما، وعمران بن الحصين:«أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين الحجّ والعمرة فطاف لهما طوافين، وسعى سعيين»
(1)
، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:«كنت آخذًا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقصع بجرتها، ولعابها يسيل على كتفي» وهو يقول: «لبيك بحجة وعمرة
معًا»
(2)
، وأهل الحديث جمعوا رواة نُسك رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكانوا ثلاثين نفرًا، عشرة منهم يروي أنه كان قارناً، وعشرة أنه كان مفردًا، وعشرة أنه كان متمتعًا، فنوفق بين هذه الروايات، ونقول: لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أولًا بالعمرة، فسمعه بعض الناس، ثُمَّ رأوه بعد ذلك حج، فظنوا أنه كان متمتعًا، فنقلوا كما وقع عندهم، ثُمَّ لبى بعد ذلك بالحجّ، فسمعه قوم آخرون، فظنوا أنه مفرد بالحجّ، ثُمَّ لبى بها فسمع قوم آخرون فعلموا أنه قارن، وكلٌ نقل ما وقع عنده، وهو نظير ما روينا من توفيق ابن عباس في اختلاف الروايات من وقت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لما وقع الاختلاف في فعله يصير إلى قوله: وقد قال صلى الله عليه وسلم «أتاني آت من ربي، وأنا بعقيق
(3)
فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك ركعتين فقل لبيك بحجة وعمرة معًا»
(4)
، فقال صلى الله عليه وسلم:«يا آل محمد أهلّوا بحجة وعمرة معًا»
(5)
، ولأن في القران معنى الوصل والتتابع في العبادة، والجمع بين العبادتين أفضل من إفراد كل واحد منهما.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" باب: [فِي الْقَارِنِ مَنْ قَالَ: يَطُوفُ طَوَافَيْنِ](3/ 291) برقم:
[14314]
، بلفظ:«إِذَا قَرَنْتَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطُفْ طَوَافَيْنِ، وَاسْعَ سَعْيَيْنِ» ، وذكره ابن حبان في "صحيحه" باب:[ذكر الخبر الآخر الْمُدْحِضِ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طوافين ويسعى سعيين](9/ 225).
(2)
أخرجه مسلم: الحج، باب (34) إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهديه (2/ 915).
(3)
العقيق: وادي يقع ببطن وادي ذي الحليفة، والعقيق كل مسيل ماء شقه السيل في الأرض.
انظر: معجم البلدان (4/ 139).
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «العَقِيقُ وَادٍ مُبَارَكٌ»](2/ 135) برقم: [1534]. بلفظ: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ» .
(5)
أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(2/ 154) برقم: [3721] بلفظ: «أَهلوا، يَا آلَ مُحَمَّدٍ، بِعُمْرَةٍ فِي حَجَّةٍ» . و أخرجه ابن حجر في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية] باب: [بَاب وُجُوه الْإِحْرَام] (2/ 33) برقم: [485]، وأخرجه أحمد في مسنده، (1/ 172)، برقم 26549، كما أخرجه ابن حيان برواية أحمد بن علي بن المثنى عن أبي خيثُمَّة المقري عن أبي علي سمعنا يزيد بن أبي حبيب عن عمران عن أم سلمة رضي الله عنها بنص: " يا آل محمد من حج منكم فليهل بعمرة في حجه، (9/ 231)، برقم [3920].
(فأشبه الصوم مع الاعتكاف، والحراسة في سبيل الله مع صلاة الليل).
وهذا لأن الجمع بين العبادتين لما جاز؛ كان الجمع أفضل لما فيه من المسارعة، وفي التأخير من الكسل المذموم.
(ولأن في القران زيادة النسك)، وهي إراقة الدم، وقال صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الْحَجِّ: الْعَجُّ
(1)
وَالثَّجّ
(2)
»
(3)
، والكلام في الحقيقة ينبني على هذا الحرف، فإن دم القران عنده دم جبر حتى قال
(4)
: لا يباح التناول منه للمُهدي، وعندنا هو دم نسك حتى يباح التناول منه له، والدليل على أنه دم
(5)
نُسك أنه يتوقت بأيام النحر كالأضحية، ودم الجبر لا يتوقت به، وإن سبّبه مباح، ودماء الجبر يستدعي سببًا محظورًا؛
لأن النقصان إنما يتمكن بارتكاب ما لا يحل، وقد [يتناول]
(6)
رسول الله صلى الله عليه وسلم من هداياه على ما روي «أنه ساق مائة بدنة، فنحر سبعًا وستين بنفسه، وولى الباقي عليًّا رضي الله عنه، ثُمَّ أمر أن يؤخذ من كل واحد قطعة فيطبخ له، فأكل من لحمها، وحسا من مرقها»
(7)
وقد صح عندنا أنه كان قارناً. كذا في «المبسوط»
(8)
، وغيره.
(1)
العَجّ في اللغة: الصياح ورَفْعُ الصَّوْتِ، وفي الاصطلاح: رفع الحاج صوته بالتلبية. انظر: مختار الصحاح (177)، المصباح المنير (393)، معجم لغة الفقهاء (275).
(2)
الثجّ في اللغة: السّيلان والصبّ الكثير، وفي الاصطلاح: إسالة دماء الهدي والأضاحي.
انظر: مختار الصحاح (ص/ 42)، المصباح المنير (ص/ 80)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 133).
(3)
في حديث أبي بكر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الحج أفضل؟ قال: (العج والثج). أخرجه الترمذي: الحج، باب (14) باب ماجاء في فضل التلبية والنحر (3/ 189)، وابن ماجة: المناسك، باب رفع الصوت بالتلبية (2/ 975)، والدارمي (2/ 31)، وابن خزيمة (4/ 175) والحاكم (1/ 451)، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، وأعله الدارقطني (1/ 279) وانظر الكلام عليه في التلخيص الحبير (2/ 239) والسلسلة الصحيحة للألباني رقم (1500).
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
ساقطة من (ب).
(6)
أثبته من (ب) وفي (أ) يتأول. ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(7)
أخرجه من حديث علي رضي الله عنه، البخاري: الحج، باب (122) يتصدق بجلال البدن الفتح (3/ 557)، وجابر بن عبدالله عند مسلم، الحج، باب (19) حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 889).
(8)
انظر: المبسوط (4/ 26 - 27).
(والتلبية غير محصورة).
فإن المفرد كما يكرر التلبية مرة بعد أخرى، فكذلك القارن يكرر مرة بعد أخرى، وإذا كان كذلك جاز أن يقع تكرار القارن بالتلبية أكثر من تكرار المفرد، فحينئذٍ لم يكن ترجح المفرد على القارن بكثرة التلبية في المفرد.
وذكر في «الأسرار»
(1)
: (ولو أحرم رجل بالعمرة أولًا، ثُمَّ لبى بالحجّة كان قارناً بتلبيتين)، ومع ذلك أن هذا أنقص عند الشافعي
(2)
.
(والسفر غير مقصود).
فإن قلتَ: لا نسلم؛ بل السفر في حق الحجّ مقصود، بدليل أن الوجوب يتعلق بشرط استطاعة السفر، وبدليل أن الرجل إذا أوصى أن يحج عنه من ثلث ماله وجب أن يحج عنه من وطنه، ولو أحج عنه من أدنى المواقيت لا يجوز علم أن السفر مقصود، وبدليل أن من نذر حجًّا ماشيًا، ثُمَّ ركب يلزمه الدم، فلو لم يكن السفر مقصودًا لم يكن وصفه مرعيًّا شرعًا في النذر لما أن النذر لا يصح فيما ليس بمقصود على ما مرّ في الاعتكاف.
قلتُ: الكلام في أن النقصان في السفر هل يورث نقصًا في الحجّ حتى كان الدم دم جبر، وعند الشافعي
(3)
رحمه الله يورث، فلذلك جعل الدم الذي يجب في القران والمتعة دم جبر، وقلنا: لا يورث ذلك [نقصًا]
(4)
في الحجّ، وذلك في السفر ما يتقدم الإحرام، فعدمه لا يوجب
(5)
نقصًا في الإحرام فكيف بقضائه
(6)
، وأما الوصية في الإحجاج، إنما انصرفت إلى الوطن؛ لأن الميت لو حج بنفسه يحج من وطنه، والأمر المطلق انصرف إلى ما يكون منه بدلالة الحال؛ لا أنه يُشرط لتمام الحجّ، ألا ترى أن من دخل مكة قبل أشهر الحجّ بالعمرة ثُمَّ حج؛ لم يكن عليه شيء جبرًا لما ترك من السفرللحجة، وكذلك المتمتع الذي ساق/ الهدي مع نفسه إذا رجع إلى أهله بعد العمرة، ثُمَّ حج بسفرة
(7)
إنشاءها من بيته لزمه دم المتعة، وإن أدى كل واحدة منهما بسفرة على حدة من بيته؛ لأن المتعة لم تبطل بهذا الإلمام عنده على ما هو مذهبه، وأما الذي نذر أن يحج ماشيًا إذا ركب لزمه دم بالنص بخلاف القياس، فلا يرد نقضًا. كذا في «الأسرار»
(8)
.
(والمقصد بما روي).
(1)
انظر: الأسرار (ص 105).
(2)
انظر "المجموع"(7/ 173).
(3)
انظر "المجموع"(7/ 176).
(4)
أثبته من (ب).
(5)
في (ب): يورث.
(6)
أثبته من (ب) وفي (أ) بقضاء. ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(7)
في (ب): سفره.
(8)
انظر: الأسرار (ص 107).
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «القران رخصة»
(1)
، وإنما سميت رخصة مع أن القران عزيمة لما أن أشهر الحجّ كان للحج قبل الإسلام، فأدخلها الله تعالى في أشهر الحجّ إسقاطًا للسفر الجديد عن الغرباء.
(فكان اجتماعهما في وقت واحد رخصة من الله تعالى) أي: توسعة من الله كإسقاط شطر الصلاة بالسفر.
(رخصة)، أي: توسعة، فأما الأداء معًا بعدما اجتمعا فعزيمة كالقصر في السفر على أصلنا، وهذه رخصة مجازًا، كذا في «الأسرار»
(2)
.
(من أفجر الفجور).
أي: من أسوأ السيئات.
(على ما روينا من قبل) أي: في فصل المواقيت، والدليل الآخر على أن المراد منه القران هو أن التمتع استفيد من قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
…
الْحَجِّ}
(3)
.
(واستفيد الإفراد بقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ}
(4)
أي: لبى بالحجّ فكان المراد من قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
(5)
، القران ليصير كل آية محمولة على فائدة جديدة، فالله تعالى لما بدأ بالقران، ثُمَّ بالتمتع، ثُمَّ بالإفراد دل ذلك على قوة الاهتمام في القران، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(6)
.
(ثُمَّ فيه).
أي: في القران، وقيل: الاختلاف بيننا وبين الشافعي
(7)
بناء على أن القارن عندنا يطوف طوافين، وذكر في «المبسوط»
(8)
(من أراد القران تأهب للإحرام كتأهب المفرد على ما بيّنا، إلا أنه في دعائه بعد الفراغ من الركعتين يقول: اللهم إني أريد العمرة والحجّ) وكذلك يلبي بهما، ويقول تعالى: (لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ، وَحَجَّةٍ
مَعًا)
(9)
، وإنما تقدم ذكر العمرة؛ لأن الله تعالى قدّمها في قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
…
الْحَجِّ}
(10)
، ولأنه في أداء الأفعال يبدأ بالعمرة فكذا في الإحرام يبدأ في التلبية بذكر العمرة.
(1)
انظر: ابن حجر في "نصب الراية"(3/ 99) وقال: "غريب جدًا".
(2)
انظر: الأسرار (ص 112).
(3)
سورة البقرة من الآية (196).
(4)
سورة البقرة من الآية (197).
(5)
سورة البقرة من الآية (196).
(6)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 524).
(7)
انظر: "المجموع"(8/ 61)، "مغني المحتاج"(2/ 286).
(8)
انظر: المبسوط (4/ 27).
(9)
سبق تخريجه (ص 151)
(10)
سورة البقرة من الآية (196).
وإن اكتفى بالنية، ولم يذكرهما في التلبية أجزأه على قياس الصلاة
(1)
، إذا نوى بقلبه فائتة الصلاة، وكبر على ما ذكر في الكتاب من صفة القران، ولأن مبنى القران على التداخل؛ لأنه لو لم يتداخل لما صح القران بينهما كما لا يصح القران بين صلاتين وصومين؛ لأنه لا يتصور أداء عبادتين من جنس واحد في وقت واحد؛ لأن تأديتهما بمنفعة واحدة، ولا يسع لعملين.
وهذا يرجع إلى أن الإحرام على أصله من أركان الحجّ، والركنان من عبادة لا يتصور تأديهما في حالة واحدة، فكذلك الإحرامان، فلما جاء الشرع به علم أن أحدهما يدخل في الآخر، ولأنه لا تداخل في العبادات، كالصلاتين لا ينوب إحداهما عن الأخرى، وكالأركان لا ينوب بعضها عن بعض كالسجدات
(2)
في الصلاة والركعات، وهذا احتراز عن العقوبات كالحدود، والقصاص، والكفارات التي فيها شبهة العقوبة، فإن قلتَ: أليس أن سجدات التلاوات تداخل بعضها في بعض، وهي عبادة.
قلتُ: إن بناءها على التداخل بالإجماع دفعًا للحرج، ألا ترى أن سبب الوجوب يتضاعف من التالي، فإنه كما يتلو يسمع أيضًا، والتلاوة، والسماع سببان لوجوب السجدة، ولا يجب عليه إلا سجدة واحدة بالإجماع، وذلك لأن مثل الحرج الذي يتحقق في حق التالي تتكرر السجدة عند تكرر التلاوة لا يتحقق في غيرها مثل سجدات الصلاة، وطواف العمرة مع الحجّة بمنزلة سجدات الصلاة في أن لا حرج لا كالتلاوة؛ لأن سجدات الصلاة لا تزداد على ما شرعها الله تعالى، ولا حرج في قدر الشروع، وأما التلاوة فتكرر من التالي بأسباب، فيتضاعف الوجوب، فيخرج بتكرر الوجوب، فلا يقاس عليه غيره، كذا في «الأسرار»
(3)
.
(وبتحريمة واحدة يؤديان).
لما أن التحريمة غير مقصودة، فيجري التداخل فيه، فمعنى ما رواه دخل وقت العمرة في وقت الحجّ على معنى أنه يؤديهما في وقت واحد، فكان هذا ردًا لزعم أهل الجاهلية على ما ذكرنا في
(4)
«الأسرار»
(5)
في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم: «القران رخصة»
(6)
.
(فكذا بالاشتغال بالطواف).
أي: بطواف التحية؛ لأن أحدهما طواف التحية، والأخرى طواف العمرة.
(1)
انظر مثلاً: خِزانة الفقه (1/ 140)، البدائع (2/ 160)، المسالك (1/ 317)، فتاوى قاضي خان (1/ 301)، النتف (1/ 206)، البحر العميق (1/ 352)، فتح القدير (2/ 320).
(2)
في (ب): السجلات.
(3)
انظر: الأسرار (ص 152).
(4)
في (ب): من.
(5)
انظر: الأسرار (ص 112).
(6)
سبق تخريجه.
وهذا (لأن تقديم طواف التحية على سعي العمرة لا يكون أعلى حالًا من ترك طواف التحية أصلاً، فاشتغاله بطواف التحية قبل سعي العمرة لا يكون أكثر تأثيرًا من اشتغاله بأكل أو نوم، ولو أنه بين طواف العمرة، وسعيها اشتغل بنوم أو أكل لم يلزمه دم، فكذلك إن اشتغل بطواف التحية). كذا في «المبسوط»
(1)
.
(أو سبع بدنة).
فإن قلتَ: بعض الهدي ليس بهدي كما أن بعض العبد في قوله: (إذا
(2)
اشتريت عبدًا) لو العبد ليس بعبد حتى لا يقع يمينه على البعض.
(وذلك لأن الهدي اسم لما هدي
(3)
إلى الحرم).
أي: نقل، وبعض الهدي لا ينقل حتى أن من نذر بقوله:(إن فعلت كذا فعليّ هدي، ففعله كان عليه ما استيسر من الهدي، وهو شاة). ذكر في «المبسوط»
(4)
في باب النذر من كتاب المناسك، فكيف وقع لفظ الهدي المنصوص على سُبع بدنة.
قلتُ: جواز سُبع البدنة
(5)
أو البقرة هنا إنما عُلم بحديث جابر أنه قال:
(اشتركنا حتى
(6)
كنا مع رسول الله عليه السلام في البقرة سبعة، وفي البدنة سبعة، وفي الشاة واحد)
(7)
، ثُمَّ لم يذكر فيما ذكر من باب النذر من «المبسوط»
(8)
أنه لو نوى سُبع بقرة أو سُبع بدنة ما حكمه؟ فمن الجائز أن يجوز سُبع البقر في النذر أيضًا كما يجوز هنا، ومن الجائز أن لا يجوز، فالفرق حينئذٍ هو أن النذر ينصرف إلى المتعارف كاليمين، وبعض الهدي ليس بهدي عرفًا، وأما هنا فالحديث قاضٍ على العرف.
وذكر في «المبسوط»
(9)
، «والبقرة أفضل من الشاة، والجزور
(10)
أفضل من البقرة لقوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ}
(11)
فما كان أقرب إلى التعظيم كان أفضل، وقد (نحر رسول الله عليه السلام مائة بدنة في حجة الوداع) ولو ساق هدياً مع نفسه كان أفضل؛ لأن رسول الله عليه السلام ساق الهدايا مع نفسه»
(12)
.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 37).
(2)
في (ب): إن.
(3)
في (ب): يُهدى.
(4)
انظر: المبسوط (4/ 136).
(5)
البَدَنَة: هي البعير ذكرًا كان أو أنثى، وقيل: هي الإبل خاصة، سُميت بذلك لعِظَم بدنها، وإنما أُلحقّت البقرة بالإبل بالسنة، وجمع البدنة: بَدَنات، وبُدُن. انظر: المصباح المنير (39)، المغرب (1/ 62).
(6)
في (ب): حين.
(7)
أخرجه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه، الحج، باب (19) حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/ 889).
(8)
المبسوط (4/ 29).
(9)
انظر: المبسوط (4/ 29).
(10)
الجَزور: اسم لما يُنحر من الإبل خاصة ذكرًا كان أو أنثى، والجمع: جُزُر وجُزُرات. انظر: المصباح المنير (98)، فتح الباري (3/ 534)، طلبة الطلبة (69).
(11)
سورة الحج من الآية (32).
(12)
سبق تخريجه من حديث جابر رضي الله عنه.
(فإذا لم يجد ما يذبح صام ثلاثة أيام في الحجّ آخرها يوم عرفة وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله)
(1)
.
فإن قلتَ: هل بين الوقتين في حق الصومين، أعني: صوم ثلاثة أيام، وصوم سبعة أيام فرق في حق الجواز؟
قلتُ: نعم، فإنه إذا قدم صوم ثلاثة أيام على هذه الأيام التي ذكرها، وهي الأيام التي آخره يوم عرفة جائز، بعد أن كان ذلك الصوم بعد إحرام العمرة عندنا، وأما صوم سبعة أيام، فلا يجوز
(2)
.
(معلق بالرجوع) أي: قبل الرجوع من أفعال الحجّ، وهو الرجوع من منًى، فإن قلتَ: من أين وقعت هذه المفارقة؟
قلتُ: من قبل أن
(3)
الإضافات أسباب في الحال، والتعليقات ليست بأسباب في الحال حتى أن الرجل إذا حلف، وقال: والله! لا أطلق امرأتي، ثُمَّ قال: أنتِ طالق غدًا، يحنث في الحال، ولو قال: إذا جاء غد فأنت طالق؛ لا يحنث في يمينه حتى يجيء الغد، ثُمَّ هاهنا صوم ثلاثة أيام مذكور في الآية على وجه الإضافة، وصوم سبعة أيام مذكور على وجه التعليق، فإن الله تعالى قال:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}
(4)
، وكان صوم ثلاثة أيام نظير صوم المسافر في قوله:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
(5)
، فإن المسافر إذا صام في سفره قبل أن يدرك عدة من أيام أُخَرَ جاز بل الأفضل، وكذلك إذا قال: لله علي أن أتصدق بدرهم غدًا، فتصدق قبل مجيء الغد خرج عن موجب نذره بخلاف ما إذا قال: إذا جاء غد فتصدق به قبل مجيء الغد؛ فإنه لا يخرج عن موجب نذره، لأن هناك علق النذر بالشرط، والمعلق بالشرط معدوم قبل وجود الشرط، وإنما يجوز الأداء بعد وجوب السبب، فالسبب هو النذر، فإذا علقه بالشرط كان معدومًا قبله.
وأما في قوله: (لله عليّ أن أتصدق بدرهم غدًا)(أضاف النذر إلى وقت، والإضافة إلى وقت لا يخرجه من أن يكون سببًا في الحال، فيجوز التعجيل بمنزلة أداء الزكاة قبل كمال الحول). كذا في نوادر صوم «المبسوط» ،
(6)
وفي «أصول الفقه»
(7)
لشمس الأئمة السرخسي رحمه الله: في بيان تقسيم السبب قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}
(8)
.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 48)
(2)
في (ب): تحل.
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
سورة البقرة من الآية (196).
(5)
سورة البقرة من الآية (184).
(6)
انظر: المبسوط (3/ 130).
(7)
انظر: أصول السرخسي (2/ 315).
(8)
سورة البقرة من الآية (196).
فإن قلتَ: ما فائدة الفذلكة؟
قلتُ: الواو قد يجيء للإباحة في نحو قولك جالس الحسن وابن سيرين
(1)
رحمه الله، ألا ترى أنه لو جالسهما جميعًا، أو واحداً منهما كان ممتثلًا، فَفُذلِكَتْ نفيًا لوهم الإباحة.
(وقيل: كاملة أي: في وقوعها بدلًا من الهدي) كذا في «الكشاف»
(2)
.
(والمراد بالحجّ وقته).
لأن نفسه، أي: نفس الحجّ لا يصلح طرفًا؛ لأنه عبارة/ عن الأفعال، والفعل لا يصلح طرفًا للفعل، وهذا مذهبنا فإن المتمتع إذا لم يجد الهدي له أن يصوم ثلاثة أيام قبل اليوم السابع من ذي الحجّة.
وقال في «الإيضاح»
(3)
: (ولو صام بعدما أحرم بالعمرة جاز)، وقال الشافعي
(4)
رحمه الله: "لا يجوز حتى يحرم بالحجّ"، وهذا أيضًا مبني على الأصل الذي ذكرنا، وهو أن الدم عنده وجب جبرًا لما يكون من النقص في سفرة الحجّ، فقيل: الإحرام بالحجّة لا يتحقق البعض
(5)
، وعندنا يجب شكرًا لما أصاب من النعمة، بسوائر
(6)
التمتع يظهر في حق العمرة؛ لأن الحجّة تقع في وقتها، والكفار كانوا يعدون العمرة في أشهر الحجّ من أكبر الكبائر، فمنَّ الله تعالى علينا، وشرع العمرة في هذا الوقت فظهر أثر التمتع في العمرة، وكان الصوم واجبًا لأجل العمرة، فإذا وجد الإحرام، وهو سبب للأداء جاز.
لأن الصوم يدل على الهدي، فإن قلتَ: جواز أداء البدل إنما يتحقق عند جواز أداء الأصل؛ أن لو كان قادرًا عليه كما في التيمم مع الوضوء، وغيره من الإبدال، ثُمَّ هاهنا لو قدر على الهدي لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر، فكيف يجوز أداء الصوم الذي هو بدل عينه قبل يوم النحر فصار هذا بمنزلة أداء الشيخ الفاني الفدية عن صوم رمضان قبل دخول شهر رمضان، وأداء كفارة اليمين قبل توجه البر وانتقاضه، وذلك لا يجوز؛ لأن الأصل [لم]
(7)
يتوجه عليه، فكيف يتوجه البدل؟ والأصل المذكور في «أصول الفقه»
(8)
أن خطاب الأصل يتوجه عليه، ثُمَّ يتحول إلى التراب للعجز الحالي.
(1)
ابن سيرين الإمام أبو بكر محمد بن سيرين البصري، إمام وقته في علوم الدين، تابعي، من أشراف الكتاب، نشأ بزازًا، ثُمَّ تفقه، وروى الحديث، واشتهر بالورع، وتعبير الرؤيا، واستكتبه أنس بن مالك بفارس، له: تعبير الرؤيا، توفي بالبصرة عام (110 هـ).
انظر: حلية الأولياء (2/ 263)، وفيات الأعيان (4/ 181)، تذكرة الحفاظ (1/ 77).
(2)
انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 242).
(3)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 173).
(4)
انظر: المجموع (7/ 186)، مغني المحتاج (2/ 290).
(5)
في (ب): النقض.
(6)
في (ب): وأثر.
(7)
أثبته من (ب).
(8)
انظر: أصول السرخسي (1/ 67).
قلتُ: إن إراقة الدم لا يكون قربة قياسًا، وإنما كانت قربة شرعًا بوقت مخصوص أو مكان مخصوص، فيكون ذلك الوقت شرطًا لكونه قربة، فإذا عدم لم تكن قربة، [وكان]
(1)
بمنزلة ما لو ذبح للحم، فلم يجز قبل الوقت المخصوص لا للتعجيل قبل السبب، ولكن لعدم شرط كونه قربة بعد وجود السبب؛ كما لو صام ليلًا بعد دخول شهر رمضان، فهذا كما امتنع من العبد أداء التكفير بالمال لعدم شرطه، وهو الملك لا لعدم سببه، فأما الصوم فقربة في كل يوم، فيصح بعد وجود سببه في كل يوم، وسببه قد وجد، وهو المتعة بإحرام العمرة، ولا يشكل على هذا دماء الكفارات
(2)
، فإنها تصح قبل يوم النحر، وهي كلها رب لأنّا نقول الكفارات دماء جبر ولا وقت للجبر، فأما هاهنا فدم نسك عندنا، وللإحرام مناسك مؤقتة لا يتأدى قبل زمانها؛ لأنها غير مشروعة فيه كالصوم ليلًا.
(فيستحب تأخيره).
أي: تأخير الصوم إلى آخر وقت الصوم، وهو ثلاثة أيام في آخر وقت جواز الصوم، وهو قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية، ويوم عرفة
(3)
، رجاء أن يقدر على الأصل، وهو الهدي كما يستحب تأخير التيمم إلى آخر وقت الصلاة رجاء أن يقدر على الأصل الذي هو الماء فكذلك هاهنا.
(وإن صامها بمكة)
(4)
.
أي: وإن صام السبعة، وذكر في «الإيضاح»
(5)
: وأما صوم السبعة فيجوز إذا فرغ من أفعال الحجّ، وإنما لم يجز الأداء قبله؛ لأن صوم السبعة معلق بالرجوع، قال الله تعالى:{وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}
(6)
، وتعجيل المعلق لا يصح؛ لأن التعليق ينفي كونه سببًا في الحل، بخلاف الإضافة على ما عرف من أصول
(7)
أصحابنا، وإنما جاز الأداء بعد الفراغ من أفعال الحجّ؛ لأن الفراغ من الحجّ سبب للرجوع، فجاز الأداء بعد وجود السبب.
(1)
أثبته من (ب).
(2)
سُمِّيت الكَفّارات كفَّارات لِأَنَّهَا تُكَفِّرُ الذُّنوب، أَي تَسْتُرها، مثل كَفَّارةِ الأَيْمان، وكفَّارة الظِّهار والقَتْل الخَطَإِ، وَقد بيَّنها اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابه وَأمر بهَا عباده، وَقد تكرَّر ذِكرُ الكَفَّارة فِي الحَدِيث اسْما وفِعلاً مُفرداً وجمعاً، وَهِي عبارةٌ عَن الفَعْلَة والخَصْلَة الَّتِي من شَأْنِها أَن تُكَفِّر الخَطيئة، أَي تَمْحُوها.
انظر: تاج العروس، (14/ 64).
(3)
سقط من (ب) من قوله: وهو ثلاثة أيام إلى قوله: ويوم عرفة.
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 48)
(5)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 174)، البحر الرائق في شرح كنز الدقائق (2/ 391).
(6)
سورة البقرة من الآية (196).
(7)
ساقطة من (ب).
(وإذا قدر على الهدي في خلال صوم الثلاثة)؛ إذ بعدها قبل يوم النحر لزمه الهدي، ويسقط حكم الصوم؛ لأنه خلف.
وإذا قدر على الأصل قبل بادئ الحكم بالخلف سقط حكمه كما في سائر الأخلاف، وإن وجد الهدي بعدما حلق قبل أن يصوم السبعة في أيام الذبح أو بعدها، فلا هدي عليه؛ لأن التحلل قد حصل بالحلق، فوجود الأصل بعد حصول المقصود بالحلق لا يغير حكم الحلق، وقد اختلفت مشايخنا في صوم السبعة، قال أبو عبد الله: هو ليس ببدل عن الهدي، فإنه يجوز مع وجود الهدي، وذكر أبو بكر الرازي أنه بدل؛ لأنه يجب بالعجز عن الأصل.
وإن لم يحل حتى مُضُي أيام النحر، ثُمَّ وجد الهدي فصومه تام، ولا هدي عليه؛ لأن الذبح مؤقت بأيام النحر، فإذا مضت فقد حصل المقصود، وهو إباحة التحلل كأنه تحلل، ثُمَّ وجد الهدي.
(وقال الشافعي
(1)
: لا يجوز)، أي:
قبل الرجوع، والوصول إلى الوطن. ذكره في «الأسرار»
(2)
.
لأنه معلق بالرجوع، فإن قلتَ: هذا التعليل منقوض على أصله لما أن التعليقات أسباب في الحال عنده، فحينئذٍ صار كأن الرجوع قد وجد على أصله ألا ترى أن الرجل إذا قال: إذا قدم فلان فلله عليّ أن أتصدق بدرهم، فعنده يجوز التعجيل بالتصدق قبل قدوم فلان، وعندنا لا يجوز بناء على [هذا]
(3)
الأصل، والمسألة في نوادر
(4)
صوم «المبسوط»
(5)
، وعلى هذا الأصل أمضى
(6)
جواز التكفير بعد اليمين قبل الحنث عنده، ثُمَّ هاهنا هو عين التعليق، فلم يَجُزْ فما وجهه؟
قلتُ: نعم كذلك إلا أنه يفرق بين البدني، والمالي في الواجبات، فبمجرد التعليق يثبت نفس الوجوب لا وجوب الأداء، فوجب الأداء عند وجود الشرط
(7)
، وفي البدني لا ينفصل الوجوب عن وجوب الأداء فلما تأخر وجوب الأداء تأخر نفس الوجوب أيضًا، ولأنه لو انتقض مذهبه فلا علينا، وقد ذكر شمس الأئمة السرخسي كثيرًا ما نذكر من مناقضاته، فمنها ما ذكر في الفصل الثاني من «مناسك المبسوط»
(8)
، واحتج الشافعي
(9)
رحمه الله في أن القارن يطوف طوافًا واحدًا، ويسعى سعيًا واحدًا بحديث عائشة رضي الله عنها «طاف بحجته وعمرته طوافًا واحدًا، وسعى سعيًا واحدًا»
(10)
هكذا رواه الشافعي، وهذا منه تناقض ظاهر، فإنه روي عن عائشة رضي الله عنها في المسألة الأولى:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردًا»
(11)
، ثُمَّ روى في هذه المسألة أنه كان قارناً.
(1)
انظر: المجموع (7/ 186)، مغني المحتاج (2/ 273).
(2)
انظر: الأسرار (ص 459).
(3)
أثبته من (ب).
(4)
قلت: والمراد بمصطلح «رواية النوادر» : هي المسائل التي رويت عن أئمة المذهب: أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، مما هي مذكورة في غير كتب ظاهر الرواية المشهورة، بأن تكون مرويّة في كتبه الأخرى، مثل كتاب:«الجرجانيات» ، و «الرّقّيات» ، و «الكَيسانيات» ، و «الهارونيات» ، أو كتب غيره من أصحاب أبي حنيفة كـ «الأمالي» لأبي يوسف، «و «المجرد» للحسن بن زياد، أو تكون مروية بروايات مفردة، كرواية ابن سماعة، والمعلى بن منصور، وابن هشام، وابن رستم وغيرهم في مسائل معينة.
انظر: شرح عقد رسم المفتي (ص/ 68)، الكواشف الجلية (ص/ 62)، المذهب الحنفي (1/ 362).
(5)
المبسوط (3/ 130).
(6)
في (ب): أيضا.
(7)
الشرط عند الأصوليين: هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.
انظر: التعريفات (125)، التوقيف (427)، معجم لغة الفقهاء (231).
(8)
انظر: المبسوط (4/ 27).
(9)
انظر: النووي في "المجموع"(8/ 61)؛ الخطيب في "مغني المحتاح"(2/ 286).
(10)
أخرجه الدارقطني في "سننه" بلفظ: «فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعَى لَهُمَا سَعْيًا وَاحِدًا» باب:
[المواقيت](3/ 294) برقم: [2591]؛ وأخرجه ابن ماجه في "سننه" باب: [طَوَافِ الْقَارِنِ](2/ 990) برقم: [2972].
(11)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب: [الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ يَكْفِيهِمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ بَعْدَ عَرَفَةَ فَإِنْ كَانَا قَدْ سَعَيَا بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ اقْتَصَرَا عَلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ بَعْدَ عَرَفَةَ وَتَحَلَّلَا](5/ 172) برقم: [9418]، وصححه ابن حبان في "صحيحه" باب:[ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَهُمْ مَا وَصَفْنَا قَبْلَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ مَرَّةً أُخْرَى مِثْلَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ بِسَرِفٍ](9/ 228) برقم: [3919].
(فإن فاته الصوم)
(1)
.
أي: صوم ثلاثة أيام حتى أتى يوم النحر.
(لم يجزه إلا الدم)
(2)
.
أي: دم القران، وكذا إذا عجز عن الأداء أو مات فأوصى؛ لم يجزه الفدية إنما يلزمهم الذبح عنه، وقال الشافعي
(3)
رحمه الله: "يجوز القضاء، والفدية عند العجز".
لأنه صوم مؤقت فيُقضَى كصوم رمضان، ونذر صوم شهر بعينه، وعلى هذا الاختلاف من كان عليه صوم كفارة فعجز بالكبر أجزأه الفدية عنده، وعندنا لا يجوز. كذا في «الأسرار»
(4)
.
(وقال مالك
(5)
: يصوم فيها).
أي: في أيام النحر، والتشريق.
(وهذا وقته).
أي: وقت الحجّ؛ لأن طواف الزيارة يؤدى فيها.
(فيتقيد به النص).
أي: فيتقيد بالنهي المشهور عن الصوم، وهو قوله: «ألا لَا تَصُومُوا هَذِهِ
الْأَيَّامَ»
(6)
النص المقتضي لجواز الصوم في وقت الحجّ، وهو قوله تعالى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}
(7)
، لما أن الخبر خبر مشهور مقبول بالإجماع، فيتقيد به نص الكتاب بأن المراد بنص الكتاب ما وراء أيام التشريق لا أيام النحر، والتشريق للنهي الوارد فيها عن الصوم، ثُمَّ لو لم يتقيد به نص الكتاب، فلا أقل من أن يورث النقص في صوم هذه الأيام، وصوم المتعة وجب عليه كاملاً، فلا يؤدى بالناقص، وهذا معنى قوله (أو يدخله النقص).
(لأن الصوم بدل، والأبدال لا تنصب إلا شرعًا).
بيانه أن الصوم بدل عن الهدي، ووقت أدائه وقت الحجّ، فلو جاز بعد ذلك إنما يجوز قضاء لا أداء، فيكون ذلك إقامة بدل مقام بدل، وهذا لا يجوز. كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(8)
.
(والنص خصه بوقت الحجّ).
لما ذكرنا أن المراد من قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}
(9)
، أي: في وقته؛ لأن نفس الحجّ لا يصلح ظرفًا للأداء فإذا تعين هذا الوقت للخلف، وهو الصوم يفوت بفوات الوقت، فيظهر حكم الأصل على ما كان، ومذهبنا مذهب عمر، وابن عباس. كذا في «الإيضاح»
(10)
.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 48)
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 48)
(3)
انظر المجموع (7/ 164).
(4)
انظر: الأسرار (ص 462).
(5)
انظر: إرشاد السالك (1/ 40).
(6)
أخرجه أحمد في "المسند"(25/ 425) برقم: [16038]؛ وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" باب: [](3/ 246) برقم: [2896]؛ وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"(7/ 1539) برقم: [3573].
(7)
سورة البقرة من الآية (196).
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 531).
(9)
سورة البقرة من الآية (196).
(10)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 531)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 388).
قوله رحمه الله: (وجواز الدم على الأصل).
يخرج على وجهين، أحدهما: أنه جواب سؤال مقدر بأن يقال: الدم يجوز في أيام التشريق وبعدها، فكذا الصوم، فقال: إن الدم أصل وليس ببدل عن
شيء آخر، فلذلك يجوز في أيام التشريق وبعدها؛ لأن قوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ}
(1)
، مطلق غير متعرض لوقت دون وقت.
والثاني: أنه دليل لما ذُكر في أصل المسألة بقوله: (لم يجزه إلا الدم)، لما أنه أصل فيجوز حال جواز الصوم، وحال عدم جوازه، وذكر في «الأسرار»
(2)
(أن هذا الوقت لا يصلح وقتًا للمأمور به صحيحًا).
وذلك لأن الله تعالى شرع صوم عشرة أيام بدلًا عن الهدي فإنه قال: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ}
(3)
، عطف على الأول، فكان حكمه كقول النبي صلى الله عليه وسلم:«جلد مائة، وتغريب عام»
(4)
، ثُمَّ أكد بقوله:{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}
(5)
نص على أنهما جميعًا عدد واحد، ثُمَّ الشرع فرق بين وقتهما؛ لأن/ وقتهما وقت الهدي، وهو وقت التحلل، وأنه لا يصلح للصوم على ما قلنا من النهي، فلابد من التقديم أو التأخير فقدّم البعض؛ وأخر البعض ليكون عدلًا بين الطرفين، فإن أحدهم لا يترجح إلا بدليل، وجعل الأكثر مؤخرًا؛ لأن الوقت بعده أوسع، وقبله إلى أول الإحرام أضيق، فُعلم أنه ما فرق إلا لعدم صلاح يوم النحر، وأيام التشريق، ولو شرع مطلقًا أو متتابعًا لوقع فيها لا محالة، ولهذه الضرورة ثبت حكم التحلل يوم النحر قبل صوم السبعة.
(فإن لم يدخل القارن مكة، وتوجه إلى عرفات، فقد صار رافضًا لعمرته بالوقوف)
(6)
.
وهذا عندنا، وقال الشافعي
(7)
رحمه الله: "لا يكون رافضًا لعمرته" وهذا بناء على ما سبق، فإن عنده طواف العمرة يدخل في طواف الحجّ، فلا يلزمه طواف مقصود للعمرة، وعندنا لا يدخل طواف العمرة في طواف الحجّ، بل عليه أن يأتي بطواف كل واحد منهما، ويقدم العمرة في الأداء على الحجّ، وهذا يفوت بالوقوف؛ لأن معظم أركان الحجّ الوقوف، ويصير به مؤديًا للحج على وجه يأمن الفوت، فلو بقيت عمرته لكان يأتي بأعمالها، فيصير بانيًا أعمال العمرة على الحجّ، وهذا ليس بصفة القران، فجعلناه رافضًا للعمرة لهذا، والأصل فيه حديث عائشة رضي الله عنها نصه
(8)
، فإن النبي عليه السلام دخل عليها بسرف
(9)
، وهي تبكي قال:«ما يبكيك لعلك نفست؟» فقالت: نعم فقال: «هذا شيء كتبه الله على بنات آدم دعي عنك العمرة» أو قال: «ارفضي عمرتك، وانفضي رأسك، وامتشطي، واصنعي جميع ما يصنع الحاج عدا أن لا تطوفي بالبيت»
(10)
فقد أمرها برفض العمرة لمّا تعذر عليها الطواف، فلولا أنها بالوقوف تصير رافضة لعمرتها لما أمرها برفض العمرة. كذا في «المبسوط»
(11)
.
(1)
سورة البقرة من الآية (196).
(2)
انظر: الأسرار (ص 463).
(3)
سورة البقرة من الآية (196).
(4)
أخرجه البخاري: كتاب الشهادات، باب شهادة القاذف والسارق والزاني، برقم:[2468]
(5)
سورة البقرة من الآية (196).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 48)
(7)
انظر: النووي في "المجموع"(8/ 13).
(8)
ساقطة من (ب).
(9)
سَرِف: هو موضع على ستة أميال من مكة، وقيل: سبعة، تزوج به رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث وهناك بنى بها وهناك توفيت.
انظر: معجم البلدان (2/ 212)
(10)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ]
(1/ 68) برقم: [305]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ، وَجَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَمَتَى يَحِلُّ الْقَارِنُ مِنْ نُسُكِهِ](2/ 873) برقم: [1211].
(11)
انظر: المبسوط (4/ 36).
(وذلك خلاف المشروع).
لأن المشروع أن يكون الوقوف مرتباً على أفعال العمرة.
قوله رحمه الله: (ولا يصير رافضاً بمجرد التوجه وهو الصحيح).
احتراز عن رواية الحسن، فإنه يروى (عن أبي حنيفة رحمه الله "أنه يصير رافضاً للعمرة بالتوجه إلى عرفات" وهذا هو القياس على مذهبه كما جعل التوجه إلى الجمعة قبل فراغ الإمام بمنزلة الشروع في الجمعة في ارتفاع الظهر، والذي ذكره في الكتاب استحسان، والفرق بينه وبين تلك المسألة أن مصلى الظهر مأمور بنقض الظهر بالسعي إلى الجمعة، فيتقوى السعي بنفسه، فإنه مستحق عليه فوجب إثباته بأدنى ما يمكن، وهنا المتمتع والقارن ممنوعان عن نقض العمرة بل أُمرا بتقديمها، فإذا كان يمنع الشرع من ذلك لم يجب إثباته إلا بأقصى ما يكون من نفس الوقوف لا بما له شبه به). كذا في «المبسوط»
(1)
، و «الجامع الصغير»
(2)
للإمام.
قال شيخي رحمه الله في قوله: (والتوجه في القران، والتمتع منهي عنه قبل أداء العمرة).
لأنه مأمور بابتداء أفعال العمرة بقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [سورة البقرة، من الآيه (196)] منهيًا عن تقديم أفعال الحجّ عليها اقتضاء و
(3)
دلالة على حسب اختلاف المشايخ في ضد الأمر.
(وسقط عنه دم القران
…
ولكن عليه دم لرفض العمرة).
لأن الإحرام ارتفض قبل أداء الأفعال، ورفض الإحرام قبل أداء الأفعال يوجب الدم كما في الإِحْصَار، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(4)
، والله أعلم بالصواب.
بَابُ التمتع
(5)
ذكر التمتع بعد القران؛ لأنهما يقترنان في معنى الترفق لنسكين في سفرة واحدة استفيد حكم القران من قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ}
(6)
إلا أن القران أفضل على ما ذكرنا، فقدمه على التمتع؛ لأن المتمتع سفره واقع لعمرته بدليل أنه إذا فرغ من العمرة صار مكيًّا حكمًا في حق الميقات؛ [لأنه]
(7)
يقيم بمكة حلالًا، ثُمَّ يحرم للحج من المسجد الحرام فكان سفره منتهيًا بالعمرة، وأما المفرد فسفره، واقع لحجته، والحجّة فريضة، والعمرة سنة، والسفر الواقع للفرض أولى من الواقع للسنة.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 36).
(2)
انظر: العناية شرح الهداية (2/ 532)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 389).
(3)
في (ب) أو.
(4)
انظر: المبسوط للشيباني (2/ 533)، العناية شرح الهداية (2/ 533)؛ مجمع الأنهرفي شرح ملتقى الأبحر (1/ 289).
(5)
التمتع: هو الجمع بين أفعال الحجّ والعمرة في أشهر الحجّ في سَنَة واحدة بإحرامين، بتقديم أفعال العمرة من غير أن يُلمّ بأهله إلمامًا صحيحًا، أو هو الإتيان بالعمرة في أشهر الحجّ ثُمَّ التحلل منها، ثُمَّ الإتيان بالحجّ. انظر: التعريفات الفقهية (ص/ 237)؛ معجم لغة الفقهاء (ص/ 125).
(6)
البقرة: 196.
(7)
أثبته من (ب) وفي (أ) لأنه، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
تعريف التمتع
(ومعنى التمتع) إلى أن قال: (من غير أن يلم بأهله بينهما إلمامًا صحيحًا).
وهذا احتراز عن الإلمام الفاسد، فإن الإلمام الفاسد لا يمنع صحة التمتع عند أبي حنيفة، وأبي يوسف على ما يأتي.
(والإلمام لغةً النزول يقال: ألّم بأهله) أي: نزل.
(وهويزوربإلمامٍ) أي: بمنى، والإلمام الصحيح
(1)
عبارة عن النزول في وطنه من غير بقاء صفة الإحرام، وهذا إنما يكون في المتمتع/ إذا لم يسق الهدي، وأما إذا ساق الهدي فإلمامه لا يكون صحيحًا، وكذا
(2)
لا يمنع صحة التمتع خلافًا لمحمد على ما يأتي. وذكر في «المحيط»
(3)
، وتفسير الإلمام: الصحيح أن يرجع إلى أهله، ولا يكون العود إلى مكة مستحقًّا عليه، وعن هذا قلنا: إنه لا تمتع لأهل مكة، وأهل المواقيت، ومن دونها إلى مكة أما أهل مكة فلأن من شرط المتمتع أن لا يلم بأهله فيما بين عمرته، وحجته إلمامًا صحيحًا، وذلك لا يتصور في حق أهل مكة؛ لأنه كما فرغ من العمرة، فقد صار ملمًا بأهله إلمامًا صحيحًا، وأما المواقيت، ومن دونها
(4)
فلأنهم ألحقوا بأهل مكة، ولهذا جاز لهم دخول مكة بغير إحرام فألحقوا بهم في حق هذا الحكم أيضًا
(5)
.
(ويحلق أو يقصر).
وهذا التخيير إنما كان له إذا لم يكن شعره ملبداً، أو معقوصاً، أو مضفراً، فأما إذا كان
(6)
ملبداً، فإنه لا يتخير؛ لأن التقصير لا يتهيأ له إلا بالقبض
(7)
؛ لأن المقراض لا يعمل فيتعين الحلق هكذا روي عن ابن عمر كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(8)
، وذُكر في «المحيط»
(9)
ولا يدع الحلق في جميع ذلك ملبدًا، أو مضفرًا، أو عاقصًا، والتلبيد
(10)
أن يجمع شعر رأسه على هامته، ويشده بصمغ أو غير ذلك حتى يصير كاللبد، والعقص هو الإحكام، وهو أن يشتد شعره حول رأسه، وقد بيّنا أن الحلق أفضل، ولا يدع ما هو الأفضل بشيء من هذه الأسباب.
(1)
انظر: التتارخاية (2/ 529)، البناية (3/ 630).
(2)
في (ب): وذلك.
(3)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 469).
(4)
سقط من (ب) من قوله: إلى مكةإلى قوله: ومن دونها.
(5)
أثبته من (ب) وفي (أ) صحيحًا، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(6)
أثبته من (ب) وفي (أ) يخاف، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(7)
في (ب): بالنقض.
(8)
انظر: المبسوط للشيباني (2/ 383)، العناية شرح الهداية (3/ 4)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 390).
(9)
انظر: المحيط البرهاني (1/ 473)، في:(ب) وذكر في المحيط.
(10)
التلبيد: من لبّد الحاج رأسه، إذا ألصق شعره بلزوق من صمغ ونحوه، صيانة له عن القمل والتشعث.
انظر: المصباح المنير (548)، طلبة الطلبة (31)، المغرب (2/ 240).
قوله رحمه الله: (وهذا هو تفسير العمرة).
وإنما لم يذكر طواف القدوم للعمرة لما أنه (ليس للعمرة طواف القدوم، ولا طواف الصدر أما طواف القدوم، فلأنه كما وصل إلى البيت تمكن من أداء الطواف الذي هو ركن في هذا النسك، فلا يشتغل بغيره بخلاف الحجّ، فإنه عند القدوم لا يتمكن من الطواف الذي هو ركن الحجّ، فيأتي بالطواف المسنون إلى أن يجيء وقت الطواف الذي هو ركن، وأما طواف الصدر فكان الحسن يقول في العمرة: طواف الصدر أيضًا في حق من قدم معتمراً إذا أراد الرجوع إلى أهله كما في الحجّ، ولكنا نقول: إن معظم الركن في العمرة للطواف، وما هو معظم الركن في النسك لا يتكرر عند الصدر كالوقوف في الحجّ؛ لأن الشيء الواحد لا يجوز أن يكون معظم الركن في نسك، وهو بعينه غير ركن في ذلك النسك) كذا في «المبسوط»
(1)
.
(لأن العمرة زيارة البيت، وتتم به).
أي، وتتم الزيارة بوقوع البصر على البيت.
وذكر في «المبسوط»
(2)
: (لأن العمرة زيارة البيت، وقد تم مقصوده بوقوع بصره على البيت، ولأن هذا الطواف هو الركن في العمرة بمنزلة طواف الزيارة في الحجّ، فكما يقدم قطع التلبية هناك على الاشتغال بالطواف، فهاهنا يقدم قطع التلبية [هناك]
(3)
على الاشتغال بالطواف، ولكنا نستدل بحديث ابن مسعود:«أن النبي عليه السلام قطع التلبية في عمرة القضاء حين استلم الحجر»
(4)
، والمعنى فيه أن قطع التلبية هاهنا عند الطواف بالاتفاق؛ لأن مالكًا
(5)
اعتبر وقوع بصره على البيت، ورؤية البيت غير مقصودة إنما المقصود الطواف، فينبغي أن يكون القطع من افتتاح الطواف، وذلك عند استلام الحجر كما قلنا في الحجّ أن قطع التلبية عند الرمي، وذلك مع أول حصاه يرمى بها)،
(1)
انظر: المبسوط (4/ 35).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 30).
(3)
أثبته من (ب).
(4)
أخرجه الترمذي في "سننه" باب: [مَا جَاءَ مَتَى تُقْطَعُ التَّلْبِيَةُ فِي الحَجِّ](3/ 252) برقم: [919]، بلفظ:«أَنَّهُ كَانَ يُمْسِكُ عَنِ التَّلْبِيَةِ فِي العُمْرَةِ إِذَا اسْتَلَمَ الحَجَرَ» وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" باب:[لَا يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ](5/ 171) برقم: [9413]. وضعفه الألباني في "ضعيف سنن الترمذي"(1/ 107)، وصححه موقوفا على ابن عباس رضي الله عنه.
(5)
انظر: ابن عساكر في "إرشاد السالك"(1/ 44)، والطرابلسي في "مواهب الجليل"(3/ 12).
ولكن الجامع بينهما هو قطع التلبية فيهما بعد الشروع في الأفعال.
(فإذا كان يوم التروية أحرم بالحجّ)
(1)
.
وهذا الوقت ليس بلازم بل (إن شاء أحرم قبل يوم التروية، وما تقدم إحرامه بالحجّ، وهو أفضل؛ لأن فيه إظهار المسارعة، والرغبة في العبادة، ولأنه أشق على البدن، فكان أفضل) كذا في «المبسوط»
(2)
.
(وفعل ما يفعله الحاج المفرد)
(3)
.
(غير أنه لا يطوف طواف التحية)؛ لأنه لما حل صار هو والمكي سواءً، ولا تحية للمكي كذا هنا بخلاف القارن؛ لأن ميقاته لحجته وعمرته كان من الحل، فلم يضره بمعنى المكي، فيطوف طواف التحية، ولا كذلك هاهنا؛ لأنه صار في معنى المكي في حق الميقات كذا ذكره شيخ الإسلام
(4)
، ولذلك قال في الكتاب: ويرمل في طواف الزيارة، ويسعى بعده؛ لأن هذا أول طواف له في الحجّ، ولو كان هذا المتمتع بعدما أحرم بالحجّ.
(طاف وسعى)
(5)
.
أي: طاف طواف القدوم.
(ولو كان هذا المتمتع) إلى قوله (لم يرمل في طواف الزيارة).
سواء رمل في طواف التحية أو لم يرمل؛ لأنه لما/ سعى بعده فقد سقط الرمل هنا؛ لأن الرمل إنما شرع في طواف بعده سعيٌ هاهنا، ولا سعى؛ لأنه وجد مرة فلذلك سقط الرمل، وقال: لم يرمل، ولا يسعى بعده دليل على أن طواف التحية مشروع على المتمتع حتى اعتبر رمله، وسعيه في طواف التحية.
(ثُمَّ اعتمر).
أي: أحرم للعمرة لما يذكر في الكتاب بعد هذا، وقد ذكرنا أيضًا أن صوم الثلاثة في أشهر الحجّ بعد إحرام العمرة عندنا جائز خلافًا للشافعي
(6)
فإن عنده لا يجوز صوم ثلاثة أيام حتى يحرم بالحجّ، وقد ذكرناه في باب القران، ولنا أنه أدّاه بعد انعقاد سببه، فيجوز كمن أدى الزكاة قبل الحول بعد النصاب، أو جرح إنسانًا خطأً، فصام قبل الموت [كفارة]
(7)
أو المسافر صام رمضان قبل أن يقيم؛ وذلك لأن السبب ما ذكره الله تعالى، وهو التمتع بالعمرة إلى الحجّ فأصل العلة التمتع بالعمرة، والشروع فيها في وقت الحجّ وصفها، والوصل بالحجّ، وهذا لأن العرب كانت ترى العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور، فنسخ الإسلام ذلك بهذه الآية.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 48).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 32).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 48).
(4)
انظر: المبسوط للشيباني (2/ 381).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 48).
(6)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 185)، والخطيب في "مغني المحتاج"(2/ 290).
(7)
أثبته من (ب) وفي (أ) كعادة، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(فكان تمتعًا بالعمرة في أشهر الحجّ) أي: ارتفاقًا بإباحة الشروع فيها في وقت الحجّ، فكان موجب أصل الشكر هو الارتفاق بشرعية العمرة في أشهر الحجّ؛ لأنه لم يكن له هذا الارتفاق قبل هذا، وكذلك يرتفق بالحجّ، فجرى الوصل بالحجّ مجرى الوصف لأصل العلة كالنماء للنصاب، فيجوز تعجيل الواجب كما يجوز هناك فعدم الوصف منع وجوب الأداء، ولم يمنع التعجيل كقول الله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}
(1)
إلى قوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
(2)
، فمنع الأجل الوجوب، ولم يمنع جواز الأداء إذا عجل إلى هذا أشار في «الأسرار»
(3)
.
(وهذا أفضل).
أي: من الذي لم يسق هديه.
(على ما رويناه)، أي: في فصل قبل باب القران أنها قالت
(4)
: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله عليه السلام.
(لأن له ذكراً في الكتاب).
التقليد والإشعار
وهو قوله تعالى: {وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ}
(5)
، ولأن شرعيته ثابتة بالكتاب والسنة مقصودًا في إعلام أنها هدي، والتجليل ما يثبت إلا بفعل النبي عليه السلام وهو غير مقصود للإعلام نفسه لمشاركته معاني أخر، وهي الزينة، ودفع الذباب، ودفع الحر، والبرد، فكان التقليد أولى.
(لأنه يصير محرمًا بتقليد الهدي، والتوجه معه).
معنى
(6)
، وإذا كان كذلك كان تقديم التلبية على التقليد أولى؛ ليكون شروعه في الإحرام بالتلبية لا بالتقليد؛ لأن (الأولى أن يحرم بالتلبية، فلذلك كان الأفضل أن يلبي أولًا، ثُمَّ يقلد هديه) كذا في «المبسوط»
(7)
.
(على ما سبق).
أي: في فصل قبل
(8)
باب القران.
(والأشبه
(9)
هو الأيسر).
(1)
سورة البقرة من الآية (185).
(2)
سورة البقرة من الآية (184).
(3)
انظر: الأسرار (80).
(4)
لقول عائشة رضي الله عنها: " كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث بها وأقام في أهله حلالا ". أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب الحج (25)، باب: من قلد القلائد بيده (109). حديث رقم (1700).
(5)
سورة المائدة من الآية (2).
(6)
في (ب): يعني.
(7)
انظر: المبسوط (4/ 32).
(8)
في (ب): قتل.
(9)
لفظ (هو الأشبه) يستعمل عند تعدد الأقوال في حكم مسألة معيّنة حيث يرجح أحد الأقوال على غيرها، فهو مصطلح عند الحنفية يراد به:«هو الأشبه بالمنصوص رواية، والراجح دراية، فيكون الفتوى عليه» . بمعنى: أنه الأقرب في معناه إلى النص المروي عن الإمام أو صاحبيه من جهة، ومن جهة أخرى هو الراجح على بقية الأقوال لمعرفة دليله بعد النظر والتأمل من قبل المفتي المجتهد.
انظر: الكواشف الجلية (ص/ 78)
أي: والأشبه إلى الصواب في الرواية.
وذكر فخر الإسلام في «الجامع الصغير»
(1)
: وتفسير الأشعار
(2)
عند أبي يوسف رحمه الله الطعن بالرمح في أسفل السنام من قبل اليسار، وقال الشافعي
(3)
رحمه الله: من قبل اليمين، وكل ذلك مروي من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والأشبه من قبل اليسار؛ وذلك لأن الهدايا كانت مقبلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدخل بين كل بعبرين من قبل الرؤوس، وكان الرمح بيمينه لا [محالة]
(4)
، فكان يقع طعنه [عادة]
(5)
أولًا على يسار البعير الذي هو يسار النبي عليه السلام ثُمَّ كان يعطف عن يمينه، ويشعر الآخر من قبل يمين البعير اتفاقًا للأول لا قصدًا إليه، فصار الأمر الأصلي أحق بالاعتبار في الهدي و إذا كان واحد وليس بعدد، وإنما ذلك خدش مُدمي، وفي «المبسوط»
(6)
: (وأما الإشعار فمكروه عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما هو حسن في البدنة، وإن ترك لم يضرْه، وصفة الإشعار هي أن يضرب بالمبضع في أحد جانبي سنام البدنة حتى يخرج الدم منها، ثُمَّ يلطخ بذلك الدم بسنامها سمي بذلك إشعاراً لمعنى أنه جعل ذلك علامة لها،
والإشعار هو الإعلام، وكان ابن أبي ليلى
(7)
يقول: الإشعار في الجانب الأيسر من السنام)؛ لأنه ألزم؛ (لأن القلادة قد تُحَل، وقد يحتمل أن يسقط منها، وإنما يتم بالإشعار؛ لأنه لا يفارقها) كذا في «المبسوط»
(8)
.
(أن لا يهاج).
أي: لا يثار، ولا يصرف من هاجه.
(فهاج)، أي: هيجه، وأثاره، [فصار]
(9)
يتعدى، ولا يتعدى.
(1)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 8)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 391).
(2)
أشعر: إشعار البُدُن: هو أن يشق أحدَ طرفي سَنامها حتى يسيل منه الدم، ليُعلم أنه هدي.
انظر: التعريفات الفقهية (180)، معجم لغة الفقهاء (50)، طلبة الطلبة (58).
(3)
انظر: المجموع (8/ 360).
(4)
أثبته من (ب).
(5)
أثبته من (ب) وفي (أ) عادته. ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(6)
انظر: المبسوط (4/ 138).
(7)
ابن أبي ليلى هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار، وقيل: داود بن بلال. أنصاري كوفي. فقيه من أصحاب الرأي. ولي القضاء 33 سنة لبني أمية، ثُمَّ لبني العباس. له أخبار مع أبي حنيفة وغيره. مات بالكوفة 148 هـ. انظر:(التاريخ الكبير: 1/ 162)، و (الجرح والتعديل):(7/ 322)، و (الأعلام للزركلي: 6/ 189).
(8)
انظر: المبسوط (4/ 138).
(9)
أثبته من (ب).
(ولو وقع التعارض).
أي: بين كونه سنة/ فالترجيح للمحرم إما للعمل بالاحتياط، أو للاحتراز عن تكرار النسخ وبيانهما مسبقاً
(1)
مذكور في «دامعة المبتدعين، وناصرة
المهتدين»
(2)
، ولأن الإحرام سبب لتحريم ما كان حلالًا قبله، فيستحيل أن يكون سببًا لتحليل ما كان حرامًا قبله، ثُمَّ الطعن، والجرح كان حرامًا قبله، فلا يجوز أن يكون سببًا لتحليله، والجواب عما رويا من الحديث في الأشعار احتمل أنه فعل ذلك قبل النهي عن المثلة.
أو معنى قوله (أشعر بدنة)
(3)
، أي: أعلمها بعلامة سوى الجرح؛ إذ الإشعار هو الإعلام، كذا ذكره الإمام الإسبيجابي، والإمام المحبوبي.
وقيل: إن أبا حنيفة رحمه الله كره إشعار أهل زمانه، وبه قال الطحاوي، فقال: (ما كره أبو حنيفة أصل الإشعار، وكيف يكره ذلك مع ما اشتهر فيه من الآثار، وإنما كره إشعار أهل زمانه؛ لأنه رآهم يستقصون في ذلك على وجه يخاف منه هلاك البدنة لسرايته خصوصًا في حر الحجاز"
(4)
.
فرأى الصواب في سر هذا الباب على العامة لأنهم لا يتيحون على الحد، فأما من وقف على ذلك بأن قطع الجلد فقط دون اللحم، فلا بأس بذلك) كذا في «المبسوط»
(5)
، وإنما كره إيثاره على التقليد كإيثار الكتابية على المسلمة.
(فإذا دخل مكَّة)
(6)
.
أي: المتمتع الذي ساق الهدي.
«لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لمَا سُقْتُ الهَدْيَ»
(7)
، أي: لو عرفت أولًا ما عرفت آخرًا لما سقت الهدي، وقصة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بأن يفسخوا إحرام الحجّ، ويحرموا [بالعمرة]
(8)
.
(1)
في (ب): مُشبعًا.
(2)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 9).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 48).
(4)
الحجاز: بلاد معروفة في غرب الجزيرة العربية بالقرب من البحر ما بين تهامة ونجد، سمي به أخذًا من (الحَجْز) وهو الفصل؛ لأنه فصل بين نجد والسراة، وقيل: بين الغور والشام، وقيل: لاحتجازه بالجبال. انظر: المصباح المنير (122)، الهادي إلى اللغة (1/ 420)، المعجم الوسيط (1/ 158).
(5)
انظر: المبسوط (4/ 138).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 49)
(7)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه باب: [قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ»] (9/ 83) برقم: [7229]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَجَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَمَتَى يَحِلُّ الْقَارِنُ مِنْ نُسُكِهِ](2/ 883) برقم: [1216]. واللفظ للبخاري.
(8)
أثبته من (ب).
لمّا بلغوا مكَّة تحقيقًا لمخالفة الكفرة، وكانوا لا يفسخون، ولا يحلقون ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يحلق أم لا، فاعتذر النبي صلى الله عليه وسلم وقال:(لَوِ اسْتَقْبَلْتُ) الحديث، وقد بيّن أن سوق الهدي يمنعه عن التحلل لولا ذلك لتحلل كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(1)
.
(ولجعلتها عمرة).
أي: ولجعلت السفرة أو لجعلتُ الحجّ أثبت
(2)
وصف الخبر في المبتدأ، وهذا ينفي التحلل عند سوق الهدي، ولأن لسوق الهدي تأثيرًا في إثبات الإحرام ابتداء، وكان له أثر في استدامة الإحرام أيضًا، بل أولى؛ لأن البقاء أسهل.
قوله رحمه الله: (وهو دم التمتع على ما بيّنا).
إشارة إلى ما ذكر قبل هذا المقدار
(3)
ورد بقوله: (وعليه دم)
(4)
.
دم التمتع للنص الذي تلوناه، وهو قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
…
الْحَجِّ}
(5)
.
(وإذا حلق يوم النحر فقد حل من الإحرامين)
(6)
.
أي: إحرام العمرة والحجّة، فإن قيل: لو كان إحرام العمرة باقيًا إلى وقت الحلق ينبغي أن يلزم على القارن دمان فيما إذا جنى قبل الحلق
(7)
، وقد قال علماؤنا: أن القارن لو قتل صيداً بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق، فعليه قيمة واحدة، ولو بقي إحرام العمرة بعد الوقوف لوجب عليه قيمتان كما قبل الوقوف قلنا: إن إحرام العمرة انتهى بالوقوف، وإنما يبقى في حق التحلل لا غير؛ لأن التحلل لا يتصور إلا بعد قيام الإحرام، يبقي الإحرام في حق التحلل لا غير كإحرام المفرد فيه بالحجّ بعد الحلق، فإنه لا يبقى في حق سائر المحظورات، ويبقى في حق الجماع ضرورة طواف الزيارة.
وإنما قلنا: إن إحرام العمرة لا يبقى بعد الوقوف؛ لأن الله تعالى جعل الحجّة غاية إحرام العمرة، والمضروب له الغاية لا يبقى بعد وجود الغاية إلا بضرورة، وهي ما ذكرنا، وإذا لم يبق إحرام العمرة لم تقع الجناية عليه، فلا يجب لأجله شيء كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(8)
خلافًا للشافعي
(9)
رحمه الله فإن عنده لهم القران، والمتعة، ولكن لا دم عليهم، والحجّة عليه قوله تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
(10)
، ذكر في «الكشاف»
(11)
.
(1)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 168)، العناية شرح الهداية (3/ 9).
(2)
في (ب): أنث.
(3)
في (ب): بمقدار.
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 48).
(5)
سورة البقرة من الآية (196).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 49).
(7)
سقط من (ب) من قوله: ينبغي أن يلزم إلى قوله: قبل الحلق.
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 10)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 392).
(9)
انظر: المجموع (8/ 288).
(10)
سورة البقرة: من الآية (196).
(11)
انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 238).
حكم التمتع والقران للمكي
وقوله ذلك إشارة إلى التمتع عند أبي حنيفة، وأصحابه رحمهم الله فإنه لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام عندهم، ومن تمتع منهم أو قرن كان عليه دم، وهو دم جناية لا يأكل منه، وأما القارن، والمتمتع من أهل الآفاق، فدمهما دم نسك يأكلان منه، وعند الشافعي
(1)
رحمه الله إشارة إلى الحكم الذي هو وجوب الهدي أو
(2)
الصيام، ولم يوجب عليه شيئاً، وحاضرو المسجد الحرام أهل المواقيت، فمن دونها إلى مكة عند أبي حنيفة رحمه الله وعنده أهل الحرم، ومن كان من الحرم على مسافة لا يقصر فيها الصلاة.
وفي «الأسرار»
(3)
احتج الشافعي
(4)
بقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
…
الْحَجِّ}
(5)
من غير تفصيل، وقوله تعالى:{ذَلِكَ}
(6)
كناية عن الهدي لأنه كناية عن فرد، فينصرف
(7)
إلى الأقرب، وهو الهدي، ولأن الله تعالى شرع القران والمتعة إبانة لنسخ ما كان عليه
أهل الجاهلية من غير تفصيل، وقوله تعالى {ذَلِكَ}
(8)
كناية عن الهدي؛ لأنه كناية عن فرد فينصرف إلى الأقرب وهو الهدي، ولأن الله تعالى شرع القران، والمتعة إلى في تحريمهم العمرة في أشهر الحجّ، والنسخ ثبت في حق الناس كافة إلا أنه لا دم على المكّي لما أن هذا الدم دم جبر عندي لتمكن نقصان فيه لسقوط إحدى السفرتين من
(9)
نفسه، فلزمه الدم جبراً، وهذا لا يتحقق في حق المكي؛ لأنه لا سفر عليه.
ولنا قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
(10)
، وذلك كناية مبهمة يصلح كناية من المفرد والجماعة.
قال الله تعالى: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ}
(11)
، أي: بينهما، وإذا كان كذلك انصرف إلى الكل حتى يقوم دليل الخصوص، ولأنه قال لمن لم يكن أهله، ولو أريد به الدم لقيل: على من؛ لأن
(12)
نفس القران مشروع لنا أن شئنا، [فعلناه]
(13)
، والدم بعد الشروع علينا لا اختيار لنا فيه، وأما المعنى، فإن المكي عندنا من أهل القران، والمتعة أيضًا لكن للمتعة شرط لا يوجد من الذي داره بمكة كما للجمعة شرطٌ لا يوجد في قرية أهلها أقل من أربعين رجلًا بخلاف سائر الصلوات، فشروط العبادات تختلف، فتوجد في بعض البقاع دون البعض، ولا متعة عندنا، ولا قران لمن كان وراء الميقات على معنى أن الدم لا يجب نُسكًا، أما المتمتع فلأنه لا يتصور متمتعًا للإلمام الذي [لا]
(14)
يوجد منه بينهما، وأما القران فيكره، ويلزمه الرفض؛ لأن القران أصله أن يشرع القارن في الإحرامين معًا، والشروع معًا من أهل مكة لا يتصور إلا بخلل في أحدهما؛ لأنه إن جمع بينهما في الحرم كان أخل بشرط إحرام العمرة، فإن ميقاته الحل، وإن أحرم بهما من الحل، فقد أخل بميقات الحجّة؛ لأن ميقاتها الحرم، فلما كان الأصل في القران الشروع فيهما جميعًا معًا، والأصل في الساكنين وراء الميقات أهل مكة لم يشرع القران في حقهم، فكذلك في الساكنين وراء الميقات تبعًا فلذلك خص بهما من لم يكن حاضري المسجد الحرام لوجود شرط الجواز في حقهم.
(1)
انظر: النووي في "المجموع"(8/ 419).
(2)
في (ب): و.
(3)
ا انظر: لأسرار (129).
(4)
انظر: المجموع (7/ 184)، مغني المحتاج (2/ 288).
(5)
سورة البقرة من الآية (196).
(6)
سورة البقرة من الآية (196).
(7)
ساقطة من (ب).
(8)
سورة البقرة من الآية (196).
(9)
في (ب): عن.
(10)
سورة البقرة من الآية (196).
(11)
سورة البقرة من الآية (68).
(12)
في (ب): فإن.
(13)
أثبته من (ب) وفي (أ) فقلناه، ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
(14)
أثبته من (ب).
المكي إذا أحرم بالعمرة في أشهر الحج
وأما النسخ فثابت عندنا
(1)
في حق المكي أيضًا حتى يعتمر في أشهر الحجّ فلا يكره له ذلك، ولكن لا يدرك فضيلة التمتع؛ لأن الإلمام قطع متعته
(2)
كما قطع منعه الآفاقي إذا رجع بين النسكين إلى أهله قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
(3)
، فحاضرو المسجد الحرام عندنا أهل مكة، ومن كان في الميقات سواء كان بينه وبين مكة مسيرة سفر أو لم يكن.
وقال الشافعي
(4)
رحمه الله: "هم أهل مكة، ومن حولها إذا لم يكن بينه وبين مكة مسيرة سفر" كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(5)
بخلاف المكّي إذا خرج إلى الكوفة
(6)
، وقرن حيث يصح، وإنما خصه بالقران دون التمتع؛ لأنه لو اعتمر هذا المكي في أشهر الحجّ ثُمَّ حج من عامة ذلك لا يكون متمتعًا؛ لأن الآفاقي إنما يكون متمتعًا إذا لم يلم بأهله بين النسكين إلماماً صحيحًا، والمكي هاهنا يلم بأهله بين النسكين حلالًا إن لم يسق الهدي، وكذلك إن ساق الهدي لا يكون متمتعًا بخلاف الآفاقي إذا ساق الهدي، ثُمَّ ألّم بأهله محرمًا كان متمتعًا؛ لأن العود هناك مستحق عليه، فيمنع ذلك صحة إلمامه بأهله. وأما في المكي هذا
(7)
العود غير مستحق عليه، وإن ساق الهدي فكان إلمامه بأهله صحيحًا فلذلك لم يكن متمتعًا، كذا في «المبسوط»
(8)
.
(1)
اختلف مشايخ الحنفية في هذه المسالة على أقوال فالقول المشهور: أنه ليس لأهل مكة وأهل المواقيت ومن بينها وبين مكة تمتع، فمن تمتع منهم كان عاصياً ومسيئاً وعليه لإساءته دم جبر، نص على ذلك نص البدائع العناية، والتحفة، والمحيط، والكرماني، والاسبيجابي، القول الثاني: كراهة العمرة المفردة للمكي في أشهر الحج وإن لم يحج عن عامه، وإليه ذهب صاحب البدائع، القول الثالث: عدم كراهة العمرة للمكي في أشهر الحج وإن لم يحج من عامه إلا أنه لا يدرك فضيلة التمتع، ولا يلزمه الدم، وإليه ذهب مؤلفنا السغناقي رحمه الله.
راجع المسألة في: العناية (3/ 10 - 11)، البدائع (2/ 166 - 171)، الفتح (3/ 10)
(2)
في (ب): تبعته.
(3)
سورة البقرة من الآية (196).
(4)
انظر: المجموع (7/ 174)، مغني المحتاج (2/ 288).
(5)
انظر: المبسوط للشيباني (2/ 520)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 169).
(6)
الكوفة: هي المدينة المشهورة، وهي أحدى مدن العراق، قال ابن عباس الهمداني: الكوفة مثل اللهاة من البدن يأتيها الماء بعذوبة وبرودة.
انظر: معجم البلدان (4/ 490).
(7)
ساقطة من (ب).
(8)
انظر: المبسوط (4/ 169).
الافافي إذا اعتمر في أشهر الحج وأقام بمكة
وذكر الإمام المحبوبي في «الجامع الصغير»
(1)
: أن هذا المكي الذي خرج إلى الكوفة وقرن، إنما يصح قرانه إذا خرج من الميقات قبل دخول أشهر الحجّ وأما إذا دخل أشهر الحجّ، وهو بمكة، ثُمَّ قدم الكوفة، ثُمَّ عاد، وأحرم بهما من الميقات لم يكن قارنًا؛ لأنه لما دخل أشهر الحجّ، وهو بمكة صار ممنوعًا من القران شرعًا، فلا يتغير ذلك بخروجه من الميقات، فأما إذا دخل أشهر الحجّ، وهو بالكوفة فهو غير ممنوع من القران؛ لأنه في هذه الحالة بمنزلة الكوفي هكذا روي عن محمد رحمه الله
(2)
.
(بطل تمتعه)
(3)
.
مسألة لو عاد المتمتع إلى بلده
بالإجماع بين أصحابنا، وفي أحد قولي الشافعي
(4)
يكون متمتعًا، ويقول:"لا أعرف الإلمام ماذا يكون" وهو بناء على أصله في أن المكي له المتعة، والقران، واعتمادنا فيه على حديث ابن عباس، فإنه قال مثل مذهبنا، والمعنى في أنه أنشأ لكل نسك سفرًا من أهله، والمتمتع من يترفق بأداء النسكين في سفر واحد.
(لأنه أداهما بسفرتين).
لأنه ألّم بأهله بين النسكين، وهو إلمام صحيح، فإن العود غير مستحق عليه حتى لو بعث/ هدية لتنحر عنه، ولم يحج كان جائزًا، وهو بمنزلة المكي الذي اعتمر من الكوفة، وساق الهدي لمتعته، وهناك لا يكون متمتعًا فكذلك هاهنا، وهما يقولان: إلمامه غير صحيح بأهله؛ لأنه محرم على حاله ما لم ينحر عنه الهدي
(5)
، فكان العود مستحقًّا عليه، وذلك يمنع صحة إلمامه بأهله كالقارن إذا أتى بعمل العمرة، ثُمَّ رجع إلى أهله، ثُمَّ عاد فحج كان قارنًا، ولم يصح إلمامه بأهله محرمًا فكذا هذا، وهذا بخلاف من لا هدي معه، فقد حل هناك من إحرام العمرة، فإنما ألّم بأهله حلالًا فكان إلمامه صحيحًا كذا في «المبسوط»
(6)
.
(ومن أحرم بعمرة قبل أشهر الحجّ)
(7)
.
هاهنا مذاهب ثلاثة، فعندنا تقديم الإحرام على أشهر الحجّ غير مانع لصحة التمتع بعد أن أتى بأفعال العمرة أو بأكثرها في أشهر الحجّ، وعند مالك
(8)
تقديم أفعال العمرة على أشهر الحجّ أيضًا لا يمنع صحة التمتع بعد أن كان التحلل من إحرام العمرة في أشهر الحجّ.
(1)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 394).
(2)
انظر مثلاً: الجامع الصغير (ص/ 148)، المبسوط (4/ 31)، البدائع (2/ 171)، الكفاية (2/ 435)، تبيين الحقائق (2/ 50)، المحيط البرهاني (3/ 461)، البحر العميق (1/ 771 - 775).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 49).
(4)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 169)، و"مغني المحتاج" للخطيب (2/ 290).
(5)
في (ب): الدم.
(6)
انظر: المبسوط (4/ 185).
(7)
انظر: بداية المبتدي (1/ 49).
(8)
انظر: الطرابلسي في "مواهب الجليل"(3/ 56).
عند الشافعي
(1)
إذا أحرم بالعمرة قبل أشهر الحجّ لم يكن متمتعًا، وإن كان أداء أعمال العمرة في أشهر الحجّ، وعنده المعتبر وقت الإحرام بالعمرة، وعند مالك
(2)
وقت التحلل من الإحرام.
ونحن نقول: إن كان أداء الأعمال قبل أشهر الحجّ لم يكن [متمتعًا]
(3)
؛ لأن إحرامه في غير أشهر الحجّ صار بحيث لا يفسد بالجماع، وهو كما لو تحلل منه، وإن لم يأت بالأعمال حتى دخل أشهر الحجّ، فإحرامه العمرة في أشهر الحجّ بحيث يفسد بالجماع، وكما لو أحرم بها في أشهر الحجّ؛ لأنه مترفق بأداء النسكين في أشهر الحجّ
(4)
كذا في «المبسوط»
(5)
.
(والحجّة عليه ما ذكرنا).
وهو قوله: (وهذا لأنه صار بحال لا يفسد نسكه بالجماع)؛ لأن نسك العمرة يفسد إذا جامع بعدما طاف ثلاثة أشواط للعمرة، ولا يفسد إذا جامع بعدما طاف للعمرة أربعة أشواط علم للأكثر حكم الكل.
أشهر الحج
(وأشهر الحجّ شوال
(6)
، وذو القعدة
…
إلى آخره)
(7)
.
وفائدة هذا يظهر في حق أفعال الحجّ، فإن شيئًا من أفعال الحجّ لا تصح
إلا فيها، وكذلك الإحرام عند الشافعي
(8)
لا ينعقد إلا فيها، وعندنا يصح الإحرام قبل أشهر الحجّ، ولكن يكره، ويكون مسيئًا، كذا في «الكشاف»
(9)
، و «شرح الطحاوي»
(10)
، وكذلك تظهر في حق المتمتع، فإن المتمتع هو الذي يجمع بين النسكين في أشهر الحجّ حتى أنه لو طاف لعمرته أربعة أشواط أو أكثر قبل أشهر الحجّ، ثُمَّ الباقي في أشهر الحجّ لا يكون متمتعًا.
(1)
انظر: النووي في المجموع (7/ 144)، مغني المحتاج (2/ 223).
(2)
انظر: الطرابلسي في "مواهب الجليل"(2/ 530).
(3)
أثبته من (ب) وفي (أ) سميعًا. ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(4)
قلت: وفي نهاية هذه المسائل أنقل خلاصة قيّمة في بيان مجاوزة الميقات المكاني، ذكرها ابن عابدين في رد المحتار (7/ 331) خلاصة قيّمة في بيان مجاوزة الميقات المكاني للأصناف الثلاثة حيث قال ما خلاصته:«المحرم ثلاثة أصناف: آفاقي، وحِلّي، وحِرْمي، ولكلّ ميقات مخصوص، فمن أراد نسكًا وجاوز وقته، لزمه العود إليه، فإنّ كلَّ من لم يُحرم من ميقاته المعيّن له، لزمه دم، ما لم يعُد إليه، سواء كان حِرْميًا أم بستانيًا (وهو الحلي)، أم آفاقيًا، غاية الأمر أنه يشترط للزوم الإحرام في البستاني والحِرمي قَصْد النسك، ويكفي في الآفاقي قَصْد دخولِ الحرم، قَصَد مع ذلك نسكًا أم لا» .
(5)
انظر: المبسوط (4/ 31).
(6)
أوّلها: مستهلّ شوال بالاتفاق، أي: باتفاق الأربعة كما في هداية السالك (2/ 445).
(7)
انظر: بداية المبتدي (1/ 49).
(8)
انظر: المجموع (7/ 144)، مغني المحتاج (2/ 223).
(9)
انظر: الكشاف (1/ 242).
(10)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 211)، العناية شرح الهداية (3/ 17)، واللباب في شرح الكتاب (1/ 203).
فإن قلتَ: ففي تخصيصك التمتع كأنك تشير إلى أنه لا يحتاج في أفعال عمرة القارن إلى أشهر الحجّ، والقياس يقتضي أن يكون حكم القارن كحكم المتمتع في ذلك لما أن شرعية القران إنما استفيدت من قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
…
الْحَجِّ}
(1)
، ولأن الدم واجب فيهما، وذلك
(2)
لشرعية أفعال العمرة في أشهر الحجّ على ما ذكرت قبل هذا.
قلتُ: كثيراً ما [حيث]
(3)
بأودية الشروح من نسخ الفقه، وما صادفت إلا بتخصيص المتمتع بأشهر الحجّ في جمع نسكين دون القارن ثُمَّ وجدت بعد لأي رواية في «المحيط»
(4)
بأنه لا يشترط لصحة القران أن يكون أفعال عمرته في أشهر الحجّ.
وقال في «المنتقى»
(5)
: (رجل جمع بين حجة وعمرة) أي: أحرم، ثُمَّ قدم مكة، وطاف لعمرته في شهر رمضان كان قارناً [ولكن]
(6)
لا هدي عليه، وقال مالك
(7)
: جميع ذي الحجّة من أشهر الحجّ أيضًا، وهو مروي أيضًا عن عروة بن الزبير
(8)
استدلالًا بقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}
(9)
، وأقل الجمع المتفق عليه ثلاثة، وفائدة مذهبه إنما يظهر في حق جواز تأخير طواف الزيارة إلى آخره، فإن قلت: فكيف كان الشهران، وبعض الثالث أشهرًا.
قلتُ: اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد بدليل قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}
(10)
، فلا سؤال فيه إذًا، وإنما يكون موضعًا للسؤال لو قيل: ثلاثة أشهر معلومات، وقيل: نزل بعض الشهر منزلة كله كما يقال: رأيتك سنة كذا أو على عهد فلان، ولعل العهد عشرون سنة أو أكثر، وإنما رآه في ساعة منها كذا في «الكشاف»
(11)
.
(1)
سورة البقرة من الآية (196).
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
أثبته من (ب).
(4)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 17).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 17).
(6)
أثبته من (ب).
(7)
انظر: مواهب الجليل للطرابلسي (3/ 15).
(8)
عروة بن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية الزّبير بن العوام بن خوليد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب الإمام عالم المدينة الفقيه، أحد الفقهاء السّبعة. حدّث عن أبيه بشيء يسير لصغره، وعن أمه أسماء بنت أبي بكر الصّدّيق، وعن خالته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولازمها وتفقه بها. توفي سنة ثلاث وتسعين، وله سبع وستون سنة.
انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 421 - 434).
(9)
سورة البقرة من الآية (197).
(10)
سورة التحريم من الآية (4).
(11)
انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 243).
وفي «المبسوط»
(1)
(فأقاموا أكثر الثلاثة مقام الكمال في بيان الآية) وهو أن بالاتفاق يفوت الحجّ بطلوع الفجر من يوم النحر، وفوات العبادة يكون بمضي وقتها، وأما مع [بقاء]
(2)
الوقت فلا يتحقق الفوات.
ولهذا قال أبو يوسف رحمه الله: (من ذي الحجّة عشر ليال، وتسعة أيام، فأما اليوم العاشر، فليس بوقت الحجّ"؛ لأن الفوات يتحقق بطلوع الفجر من اليوم العاشر، وهو يوم النحر، وفي ظاهر المذهب
(3)
اليوم العاشر من وقت الحجّ؛ لأن الصحابة/ قالوا: وعشر من ذي الحجّة، ولأن الله تعالى سمي هذا اليوم الحجّ الأكبر، قال الله تعالى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ}
(4)
.
والمراد يوم النحر إلا أنه وقت الحجّ لأداء الطواف فيه دون الوقوف، كذا روي عن العبادلة الثلاثة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر) كذا في «المبسوط»
(5)
.
حكم الإحرام قبل أشهر الحج
(فإن قدم الإحرام بالحجّ عليها).
أي: على أشهر الحجّ فإنه عنده يصير محرمًا بالعمرة؛ لأن الشروع إذا انعقد المقصود، وهو غير صالح لذلك المقصود، ولكن صالح لغيره يصرف شروعه إلى ذلك الغير كمن نوى صوم القضاء من النهار يكون شارعًا في النفل؛ لأن شروعه في الفرض لم يصح، وكذلك من شرع في الفريضة الوقتية من الصلاة، ثُمَّ يذكر أن عليه صلاة قبل هذه يصرف شروعه إلى النفل؛ لأن النفل يصح بمطلق نية الصلاة، ويقول: لأن الوقت وقت العمرة ألا ترى أنه لو فات حجة بمضي الوقت يبقى إحرامه للعمرة، فكذلك إذا حصل ابتداء إحرامه في غير أشهر الحجّ.
(وهو شرط عندنا).
بدليل أنه يبقى مسألة ما
(6)
إلى الفراغ منه، وهذا حد شرط العبادة لا حد ركن العبادة، ولأنه لا يتصل به أداء الأفعال؛ لأن الإحرام يكون عند الميقات، وأداء الأفعال بمكة، فلو أحرم في أول يوم من أشهر الحجّ يصح بالاتفاق وأداء الأفعال بعد ذلك بزمان، فعرفنا أنه بمنزلة الشرط، فلا يستدعي صحة الوقت بخلاف الصلاة، فإن أداء الأركان هناك يتصل بالتكبير، فإذا حصل قبل دخول الوقت لا يتصل أداء الأركان به، فإن قلتَ: لو كان شرطًا لما كره قبل أشهر الحجّ، وهو مكروه ذكر في «المبسوط»
(7)
، ولأن قوله صلى الله عليه وسلم:«المهل بالحجّ في غير أشهر الحجّ مهل بالعمرة»
(8)
دليل على أنه ليس بشرط حيث لم يصح تقديمه للحج بمقتضى هذا الحديث.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 61).
(2)
أثبته من (ب).
(3)
«ظاهر المذهب» هو نفسه «ظاهر الرواية» ، فهما مصطلحان متقاربان لفظًا ومتحدان معنى.
انظر: المذهب الحنفي (1/ 359)، الكواشف الجلية (ص/ 60).
(4)
سورة التوبة من الآية (3).
(5)
انظر: المبسوط (4/ 61).
(6)
في (ب): مستدامة.
(7)
انظر: المبسوط (4/ 61).
(8)
أخرجه أبو عوانه في باب ذكر الخبر المبين: ان فسخ الحج بعمرة لمن لا يكون معه هدي على الإباحة لا على الحتم، حيث يقول: وان المهل بالحج اذا قدم مكة ولم يكن معه هدي إن أحب أقام على إحرامه إلى انقضاء نسكه، وان احب جعلها عمرة، وحظر فسخ الحج لمن معه هدي ...... )، (2/ 292).
قلتُ: أما الكراهة
(1)
فقد قال بعض أصحابنا
(2)
: فإن الإحرام بمنزلة الأركان من وجه، ولهذا لو حصل قبل العتق لا يتأدّى به فرض الحجّ بعد العتق، وما تردد بين أصلين يوفر حظهما، فلشبهه بالشرائط يجوز قبل الوقت، ولشبهه بالأركان كأن يكون مكروهًا، وقيل: بل الكراهة؛ لأنه لا يأمن من مواقعة المحظور إذا طال مكثه في الإحرام، وأما الحديث فشاذ جدًّا، ولا يُعتمد على مثله، وفيه سؤال وجواب آخر قدمناهما في أوائل كتاب الحجّ.
(فصار كالتقديم على المكان).
بأن أحرم من دويرة أهله في أشهر الحجّ، ثُمَّ أتى مكان الميقات، وإذا قدم الكوفي بعمرة في أشهر الحجّ إلى آخره، اعلم: بأن جنس هذه المسألة على أربعة أوجه:
الأول: إذا أقام بمكة بعدما فرغ من العمرة، وحلق، ثُمَّ حج من عامه ذلك، وفي هذا الوجه هو متمتع لما ذكرنا من صورة المتمتع.
والوجه الثاني: إذا خرج من مكة، ولكن لم يجاوز الميقات حتى حج من عامه ذلك، وفي هذا الوجه هو متمتع أيضًا.
والثالث: إذا خرج من المواقيت، وعاد إلى أهله، ثُمَّ حج في عامه ذلك، وفي هذا الوجه هو ليس بمتمتع، والرابع: إذا خرج من الميقات فأتى البصرة
(3)
فاتخذها داراً، ثُمَّ حج من عامه ذلك.
(قال في الكتاب)، أي: في «الجامع الصغير»
(4)
: وهو متمتع، ولم يذكر فيه خلافًا، وروى الحاكم الشهيد عن أبي عقبة سعد بن معاذ
(5)
رضي الله عنه.
(1)
الكراهة: ما كان تركُه أولى من فعله، ولم يُنه عنه بدليل قطعي.
أو هو ما طلب الشارع تركه طلبًا غير جازم.
انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 347)، المعجم الجامع للتعريفات الأصولية (ص/ 114).
(2)
ذكر الكراهة في «شرح الطحاوي» و «مختصر الكرخي» ، و «الكافي» ، و «البدائع» ، و «المجمع» ، و «السّراجية» ، و «الكفاية» ، و «العناية» ، وغيرها.
(3)
البصرة: بلدة بأرض العراق وتسمى البصرة العظمى، وسميت كذلك لغلضها وشدتها. انظر: معجم البلدان (1/ 430).
(4)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 19).
(5)
سعد بن معاذ بن النعمان بنِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ.
السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، الأَشْهَلِيُّ، البَدْرِيُّ الَّذِي اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِهِ. وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُوْرَةٌ فِي الصِّحَاحِ وَفِي السِّيْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ أَوْرَدْتُ جُمْلَةً مِنْ ذَلِكَ فِي "تاريخ الإسلام" في سنة وفاته.
انظر: أسد الغابة (2/ 461)، والإصابة " (2/ 2304).
أما ما ذكر في الكتاب قول أبي حنيفة رحمه الله: وعلى قولهما: لا يكون متمتعًا، وهكذا ذكر الطحاوي، وذكر الجصاص
(1)
: أنه لا يكون متمتعًا على قول الكل، كذا في «المحيط»
(2)
، أما الأول: وهو ما إذا اتخذ مكة دارًا، وأما الثاني: وهو ما إذا اتخذ البصرة دارًا.
(ونسكاه هذان ميقاتيَّان).
لأنه بعدما جاوز الميقات حلالًا إذا عاد يلزمه الإحرام من الميقات فهو والذي ألّم بأهله سواء، وأبو حنيفة رحمه الله استدل بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فإن قومًا سألوه فقالوا: اعتمرنا في أشهر الحجّ، ثُمَّ زرنا القبر، ثُمَّ حججنا، فقال:"أنتم متمتعون"؛ لأنه مترفق بأداء النسكين في سفر واحد؛ لأنه ماض على سفره ما لم يعد إلى أهله فهو بمنزلة ما لو لم يخرج من الميقات حتى عاد، وحج فيكون متمتعًا، فصار
(الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله أنه ما لم يصل إلى أهله فهو كمن لم [يجاوز]
(3)
الميقات، وعندهما من خرج من الميقات/ فهو كمن وصل إلى أهله) كذا ذكره في «المبسوط»
(4)
في موضعين، وفائدة الخلاف يظهر في حق وجوب الدم.
فقال أبو حنيفة رحمه الله: "دم التمتع دم قربة؛ لأنه دم شُكر، ولهذا حل له التناول منه، فيصار إلى إيجابه باعتبار هذه الشبهة احتياطًا ".
(فإن قدم بعمرة)
(5)
.
أي: بإحرام عمرة، فأفسدها بأن جامع امرأته قبل أفعال العمرة.
(ثُمَّ اعتمر في أشهر الحجّ)
(6)
.
أي: قضى العمرة التي أفسدها، وهذه المسألة في الحاصل على خمسة أوجه، وهي كوفي قدم مكة بعمرة في أشهر الحجّ، وأفسدها، ومضى فيها فطاف لها، وسعى وحلق، ثُمَّ حج من عامه ذلك لم يكن متمتعًا؛ لأن العمرة الفاسدة مضمونة بالقضاء فلا تكون موجبة للشكر، وكذا لو اعتمر على الصحة، وأفسد حجته بالجماع قبل الوقوف بعرفة، ومضى فيها لم يكن متمتعًا؛ لأنه لم يترفق بأداء النسكين على الصحة في سفر واحد، ولو أنه اعتمر في أشهر الحجّ، وأفسد عمرته، ومضى فيها، ثُمَّ خرج إلى البصرة، واتخذها دارًا، ثُمَّ اعتمر في أشهر الحجّ، وحج من عامه ذلك لا يكون متمتعًا.
وقال أبو يوسف رحمه الله: "يكون متمتعًا" وهي بناء على المسألة الأولى، وهي على ثلاثة أوجه إن لم يخرج من الميقات حتى اعتمر عمرة صحيحة، وحج من عامه ذلك لا يكون متمتعًا بالاتفاق؛ لأنه فرغ من العمرة الفاسدة، وهو بمكة فصار كواحد من أهل مكة، ولا متعة للمكي فكذا من كان ملحقًا بهم، ولو أنه فرغ من العمرة الفاسدة فعاد إلى أهله بالكوفة.
(1)
في (ب): الخصاف.
(2)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 470).
(3)
أثبته من (ب) وفي (أ) يخافه. ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
(4)
انظر: المبسوط (4/ 184).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 49).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 49).
(ثُمَّ اعتمر في أشهر الحجّ، وحج من عامة ذلك كان متمتعًا عند أبي حنيفة)
(1)
.
لأنه لما عاد إلى أهله انقطع سفره الأول، وصار كأن لم يكن، وإنما أنشأ السفر بعد ذلك من وطنه، وترفق بأداء النسكين في هذا السفر على الصحة فيكون متمتعًا، ولو أنه فرغ من العمرة الفاسدة، فأتى البصرة أو الطائف
(2)
، واتخذها داراً، ثُمَّ اعتمر في أشهر الحجّ، وحج من عامه لا يكون متمتعًا في قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن حكم السفر الأول قائم لا ينقطع ما لم يعد إلى وطنه، فإن اتخاذه البصرة داراً بمنزلة مكثه بمكة، ولو مكث بمكة، ثُمَّ اعتمر، وحج لا يكون متمتعًا، وهذا لأنه خرج من أن يكون أهلًا للمتعة في السفر الأول، وحكم السفر الأول قائم من وجه، فلا يكون متمتعًا بالشك، وعلى قولهما يكون متمتعًا؛ لأن المتمتع من كانت عمرته ميقاتية، وحجته مكية، وهو في السفر الثاني أتى بعمرة ميقاتية، وحجة مكية، وكان متمتعًا كما لو عاد إلى أهله بالكوفة، ثُمَّ اعتمر، وحج من عامه ذلك بخلاف ما لو اتخذ دارًا؛ لأنه صار من أهل مكة، ولا يمنع لأهل مكة كذا في «الجامع الصغير»
(3)
لقاضي خان رحمه الله.
قوله رحمه الله: (وحج من عامه)
(4)
.
لم يكن متمتعًا عند أبي حنيفة رحمه الله هذا إذا خرج إلى البصرة في أشهر الحجّ، وأما إذا خرج قبل أشهر الحجّ، واعتمر، وحج من عامه ذلك فإنه يكون متمتعًا بلا خلاف كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(5)
، و «الفوائد الظهيرية»
(6)
.
(وإذا تمتعت المرأة فضحت بشاة لم يجزها عن المتعة لأنها أتت بغير الواجب)
(7)
.
أي: بغير الواجب الذي وجب عليها؛ لأن الواجب عليها الدم بسبب التمتع، والأضحية غير واجبة عليها؛ لأنها مسافرة أو لأن الأضحية لو كانت واجبة عليها بسبب شرائها بنية الأضحية أو لا، فأتتها بعد استظهارها لكن الأضحية واجبة غير هذا الواجب، فإذا نوت أحدهما لم يجز عن الآخر.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 49).
(2)
الطائف: وادي وجَ، وهو بلاد ثقيف، وهي بلدة ذات مزارع وأعناب. انظر: معجم البلدان (4/ 9).
(3)
العناية شرح الهداية (3/ 20).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 49).
(5)
انظر: المبسوط للشيباني (2/ 541)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 169).
(6)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 169)، العناية شرح الهداية (3/ 20). البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 395).
(7)
انظر: بداية المبتدي (1/ 49).
(وكذا الجواب في الرجل).
حكم لو حاضت المرأة عند الإحرام
إلا أنه خص المرأة بالذكر أما لأن المرأة كانت هي السائلة، فوضع المسألة على ما وقعت، وأما لأن الغالب من حالهن الجهل، ونية التضحية في هدي المتعة لا تكون إلا عن جهل، ثُمَّ لمّا لم يجز عن المتعة كان عليها دمان سوى ما ذبحت دم لأجل المتعة، ودم آخر لأنها قد حلت قبل الذبح كذا في «الجامع الصغير»
(1)
للمحبوبي وغيره.
(لحديث عائشة رضي الله عنها حين حاضت بسرف).
وقد ذكرنا ذلك الحديث في باب القران.
سرف بوزن كتف جبل بطريق المدينة، وهذا الاغتسال للإحرام لا للصلاة فيكون مفيدًا لحصول النظافة، وهذا الجواب لسؤال بأن قيل: وهي حائض فلا يفيدها الاغتسال.
(ولا شيء عليها لطواف الصدر)
(2)
.
أي: لترك طواف الصدر.
بعدما حل النفر الأول، وهو
اليوم الثالث من أيام النحر، فلا يسقط بنية الإقامة بعد ذلك؛ لأن نية الإقامة إنما تؤثر في الإسقاط إذا كانت قبل الوجوب، وأما بعد الوجوب فلا، وهو نظير من أصبح، وهو مقيم في رمضان، ثُمَّ سافر لا يحل له أن يفطر، فأما إذا أقام قبل أن يحل النفر لم يجب عليه طواف الصدر؛ لأنه [صار]
(3)
كالمقيم إذا سافر قبل أن يصبح يباح له الإفطار.
وعلى قول أبي يوسف رحمه الله: "يسقط عنه طواف الصدر إلا أن يكون عزم على الإقامة بعدما افتتح الطواف"؛ لأن وقت الطواف باقٍ بعدما حل النفر، وما بقي الوقت لا يصير دينًا في ذمته فسقط بالعارض المغيّر كالمرأة إذا حاضت في وقت الصلاة لا يلزمها قضاء تلك الصلاة، وكذلك لو حاضت بعدما حل النفر لا يلزمها طواف الصدر إلا إذا شُرع فيه فيلزمه المضي بسبب الشروع كذا في «الإيضاح»
(4)
، و «الجامع الصغير»
(5)
للمحبوبي، والله أعلم بالصواب.
بَابُ الجِنَايات
(6)
(1)
العناية شرح الهداية (3/ 21).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 49).
(3)
أثبته من (ب).
(4)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 23).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 23).
(6)
(بَابُ الْجِنَايَاتِ): جمع جناية، والجناية في اللغة معناها الذنب يؤاخذ به، الجنايات العارضة أثناء الإحرام والمراد به هنا نوعان: الأول ما تكون حرمته بسبب الإحرام كالتطيب وإزالة الشعر والتعرض للصيد والوطء ومقدماته؛ فكل هذه جنايات على الإحرام، والثاني ما تكون حرمته بسبب الحرم كالتعرض لصيده أو شجره؛ وهي جناية على الحرم لا على الإحرام.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (1/ 310).
تعريف الجناية لغة وشرعاً
لما فرغ من بيان أحكام المحرمين بدأ بما تغير بهم من العوارض من الجنايات، وهو
(1)
الإِحْصَار، والفوات ذكر الإمام السرخسي رحمه الله في أول جنايات «المبسوط»
(2)
. (اعلم: بأن الجناية اسم لفعل محرّم شرعًا سواء حل بمال أو نفس، ولكن في لسان الفقهاء يراد بإطلاق اسم الجناية لفعل في النفوس، والأطراف فإنهم خصّوا الفعل في المال باسم، وهو الغصب، والعرف غيره في الأسامي).
وذكر في «المغرب»
(3)
(الجناية ما تجنيه من شر) أي: تحدثه تسمية بالمصدر من جنى عليه شراً، وهو عاجز
(4)
إلا أنه خص بما يحرم من الفعل، وأصله من جنى الثُمَّر، وهو أخذه من الشجر.
تطيب المحرم
(وَإِذا تطيب الْمحرم فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة)
(5)
.
ذكر أولًا التطيب في جميع البدن، ثُمَّ تطييب الأعضاء عضوًا فعضوًا على وجه التفصيل.
اعلم: أن المحرم ممنوع من استعمال الدهن والطيب،
لقوله صلى الله عليه وسلم: «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ»
(6)
قال: يأتون شعثًا غبرًا من كل فج عميق، واستعمال الدهن، والطيب يزيل هذا الوصف، وما يكون صفة للعبادة يكره إزالته) كذا في «المبسوط»
(7)
.
(تطيب المحرم عبارة عن صيرورته طيبًا بطيب)، وهو لصوق الطيب ببدنه أو بعضو منه، والطيب عبارة عن عين له رائحة طيبة، وبهذين المعنيين
(8)
وقع الاحتراز عن شم الطيب، فإنه لا جزاء فيه عندنا خلافًا للشافعي
(9)
رحمه الله لما أنه لم يلتصق بعضو منه، وما حصل لمن شم رائحة، والرائحة ليست بعين، كذا ذكره الإمام الإسبيجابي رحمه الله.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
انظر: المبسوط (27/ 84).
(3)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 94).
(4)
في (ب): عام.
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 49)
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده"(1/ 224) برقم: [330]، وأخرجه ابن ماجه في "سننه" باب:[رَفْعِ الصَّوْتِ، بِالتَّلْبِيَةِ](2/ 967) برقم: [2896]، وأخرجه الترمذي في "سننه" باب:[مَا جَاءَ فِي فَضْلِ التَّلْبِيَةِ وَالنَّحْرِ](3/ 180) برقم: [827]، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وفي اسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو متروك. وورد في حديث عمر رضي الله عنه عند البزار كما في كشف الأستار (2/ 17): أنه قال لمعاوية رضي الله عنه حين أخبره أنه مرَ بأم حبيبة فطَّيبته، قال:(ارجع فاغسله عنك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحاج الشعث التفل) وفي إسناده: إبراهيم الخوزي المتقدم ذكره. قال البيهقي: في المعرفة (5/ 548): ولوبلغ عمر رضي الله عنه ماروته عائشة رضي الله عنها لرجع إلى خبرها، وإذا لم يبلغه فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع كما قال سالم بن عبدالله بن عمر
(7)
انظر: المبسوط (4/ 122).
(8)
في (ب): الوصفين.
(9)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 169)، و"مغني المحتاج" للخطيب (2/ 295).
(فإِن طيب عضواً).
وفي بعض النسخ (تطيب عضوًا)، والصحيح هو الأول؛ لأن التطيب لازم كالتزين.
(وَإِنْ طيبَ أقل منْ عُضْو فَعَلَيهِ الصَّدَقَة).
وكان الشعبي يقول: القليل، والكثير من الطيب سواء في وجوب الدم به؛ لأن رائحة الطيب توجد منه سواء استعمل القليل، و
(1)
الكثير، ولكنّا نقول: الجزاء إنما يجب بحسب الجناية، وإنما تتكامل الجناية بما هو مقصود من قضاء [التفث
(2)
(3)
، والمعتاد استعمال الطيب في عضو كامل، فيتم به جنايته، وفيما دون ذلك في جنايته نقصان، فيكفيه الصدقة، ونحن نذكر الفرق بينهما.
وهو قوله: (ولنا أن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل) إلى آخره.
إلا في موضعين يذكرهما، وهو ما إذا طاف طواف الزيارة جنبًا. والثاني: إذا جامع بعد الوقوف بعرفة.
(إِلَّا مَا يجب بقتل القملة والجرادة).
فإن التصدق فيهما غير مقدر بنصف صاع بل يتصدق بما شاء.
هل الحناء طيب
؟
(فإِن خضب رَأسه بحناء)
(4)
.
بحناء بالتنوين، فإنه فعّال لا فعلاء بدليل أن الجوهري
(5)
رحمه الله أورده في باب الهمز لا في باب النون قال عليه السلام: (الحناء
(6)
طيب)
(7)
قاله حين نهى المعتدة أن تخضب بالحناء، وقال:(الحناء طيب)، ولأن له رائحةُ مستلذًة، وإن لم تكن ذكيًة.
(1)
في (ب): أو.
(2)
التفث: الوسخ والدرن، ورجل تفث، أي: مغبّر شعث وذلك إذا ترك الادهان والاستحداد فعلاه الوسخ والغبار، وقضاء التفث، أي: إزالته بقص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد.
انظر: المغرب (1/ 104)، المصباح المنير (ص/ 75)، المعجم الوسيط (1/ 85).
(3)
أثبته من (ب) وفي (أ) البعث، ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50).
(5)
الجوهري هو: عبد الغفور بن محمد، النابلسي، الشافعي، المعروف بالجوهري. فقيه، نحوي منطقي، ولد بنابلس، وقرأ القرآن على الشيخ بكر الأخرمي، وأخذ الحديث عنه وأثنى عليه في قوة الفهم، وكان الشيخ المذكر من خيار العلماء عالماً، محدثاً، فقيهًا. من تصانيفه:"شرح الجامع الصغير"، و"شرح
ألفية ابن مالك". (معجم المؤلفين: 5/ 270).
(6)
الحناء: نبت يتخذ ورقة للخضاب. أنظر: القاموس المحيط (37)، المعجم الوسيط (1/ 200)
(7)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" باب: [](23/ 418). بلفظ: «لَا تَطَيِّبِي وَأَنْتِ مُحْرِمَةٌ، وَلَا تَمَسِّي الْحِنَّاءَ فَإِنَّهُ طِيبٌ» وقال ابن حجر في "نصب الراية"(3/ 124)[أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ - فِي الْحَجِّ" عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: "لَا تَطَيَّبِي وَأَنْتِ مُحْرِمَةٌ، وَلَا تَمَسِّي الْحِنَّاءَ، فَإِنَّهُ طِيبٌ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ].
وإن كان
(1)
ملبدًا بأن كان الحناء جامدًا غير مائع وهذا إذا غطاه يومًا إلى الليل فإن كان أقل من ذلك فعليه صدقة وكذا إذا غطى ربع الرأس، و [أما]
(2)
إذا كان أقل من ذلك فعليه صدقة كذا في «الفوائد الظهيرية»
(3)
.
(يُغلف). أي: يغطي الوسِمة
(4)
بكسر السين، وسكونه شجرة، ورقها خضاب كذا في «المغرب»
(5)
. (وهي من الوسم)، وهو العلامة.
قوله رحمه الله: (ثُمَّ ذكر محمد في الأصل رأسه، ولحيته).
هل يعد الدهن بالزيت طيب
؟
أي: في مسألة الحناء/ وبه صرح فخر الإسلام رحمه الله، وفي «الفوائد الظهيرية»
(6)
، ولأنه ذكره مسألة الوسمة في «المبسوط»
(7)
، ثُمَّ قال: لا دم عليه
ولا ذكر
(8)
الوسمة في أصل «الجامع الصغير»
(9)
. (فإن أدَّهن بزيت)
(10)
.
أي: بزيت خالص أما المطيب بغيره، فيجيء ذكره، وخصّ الزيت، فإنه لو أدهن بالشحم أو بالسمن، فلا شيء عليه ذكره في «التجريد»
(11)
فعليه دم لإزالة الشعث، فيكون من قضاء التفث قيل: وقته.
(1)
في (ب): صار.
(2)
أثبته من (ب).
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 26)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 2).
(4)
الوسمة بكسر السين وسكونه، وكسره أفصح، نبات عشبي من الفصيلة الصليبية يُختضب بورقه، وقيل: هو الخِطر، وقيل: هو العِظْْلم، يجفف ويطحن ثُمَّ يخلط بالحناء فيقنأ لونه، وإلا كان أصفر اللون.
انظر: المغرب (2/ 355)، المصباح المنير (660)، المعجم الوسيط (2/ 1033)،
وإذا خضب المحرم رأسه بالوسمة لاشي عليه لأنها ليست بطيب وعن أبي يوسف إذا خضب بها لأجل المعالجة من الصداع فعليه الجزاء باعتبار أنه يغلف رأسه، قال في الهداية: هذا صحيح، ثُمَّ ذكر محمد في الأصل رأسه ولحيته، وأقتصر على ذكر الرأس في الجامع مما يدل على ان كل واحد منها مضمونه .. قال في الفتح؛ وعن أبي حنيفة: فيه صدقة لأنه يلين الشعر ويقتل الهوام. انظر: الهداية (1/ 160)، الفتح (1/ 160).
(5)
المغرب في ترتيب المعرب (1/ 343).
(6)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 26).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 125).
(8)
أي أن محمد ذكر في الأصل رأسه ولحيته، واقتصر على ذكر الرأس في الجامع الصغير.
(9)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 26).
(10)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50).
(11)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 26).
ولأبي حنيفة رحمه الله أنه أصل الطيب، فإن الروائح تلقى في الدهن فيصير غالية، فيجب باستعمال أصل الطيب ما يجب باستعمال الطيب كما إذا كسر المحرم بيض الصيد يلزمه الجزاء كما يجب بقتل الصيد، (ثُمَّ الدهن إذا كان مطيباً كدهن ألبان، والبنفسج
(1)
، والزئبق بوزن العنبر فهو طيب يجب باستعماله الدم، وكذلك إذا ادّهن بزيت قد طبخ، وجعل فيه طيب) كذا في «المبسوط»
(2)
، والبنفسج تغريب بنفسه الزئبق
(3)
بوزن العنبر دهن الياسمين
(4)
فما أشبههما كدهن البان، وهو شجر البحت الخالص، والحل دهن السمسم.
(ولو داوى به)
(5)
.
أي: بالزيت البحت.
(فلا كفارة عليه)
(6)
.
حكم تغطية الرأس
أي: لا شيء عليه، وبه صرح في «المبسوط»
(7)
، وإنما ذكر بنفي الكفارة دون الدم ليتناول الدم والصدقة إنما لم يكن عليه شيء لأن قصده التداوي، والتداوي غير ممنوع عنه في حالة الإحرام، ولأنه لو أكله لم يلزمه شيء فإذا ادّهن [به]
(8)
شقاق رحله أولى بخلاف ما إذا تداوى بالمسك، وما أشبهه كالعنبر، والكافور؛ لأنه طيب بنفسها فيجب الدم بها، وإن استعملت على وجه التداوي.
(أو غطى رأسه يومًا كاملًا)
(9)
.
(أو ليلة كاملة)، كذا في «الأسرار»
(10)
و «مبسوط فخر
(11)
الإسلام»
(12)
.
اتشح
(13)
الرجل، وهو أن يدخل ثوبه تحت يده اليمنى، ويلقيه على منكبه الأيسر.
(1)
البنفسج: نبات جميل يوجد في الأراضي الغير مزروعة، طيب الرائحة، جمعه يحتاج إلى رعاية خاصة، وهو من زهور الزينة يرمز بها للذكرى. انظر: معجم الأعشاب ص (106)، المعجم الوسيط (1/ 71).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 122).
(3)
سقط من (ب) من قوله: بوزن العنبر فهو إلى قوله: بنفسه الزئبق.
(4)
الياسمين: نوع من الزهور يستخرج منها دهن الياسمين، وهي نبتة مستقلة ذات ساق طويل دقيق، ويزرع للزينة، وقيل فيه أشعار كثيرة. أنظر: معجم الأعشاب ص (376) المعجم الوسيط (2/ 1078).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50)
(7)
انظر: المبسوط (4/ 124).
(8)
أثبته من (ب).
(9)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50).
(10)
انظر: الأسرار (ص 248).
(11)
في (ب): شيخ.
(12)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 28).
(13)
أتشح: وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَهُ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُحْرِمُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَتَوَشَّحُ بِحَمَائِلِ سَيْفِهِ فَتَقَعُ الْحَمَائِلُ عَلَى عَاتِقِهِ الْيُسْرَى وَتَكُونُ الْيُمْنَى مَكْشُوفَةً وَقَوْلُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ
رحمه الله (التَّوَشُّحُ) أَنْ يَفْعَلَ بِالثَّوْبِ مَا يَفْعَلُ الْقَصَّارُ فِي الْمِقْصَرَةِ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرْتُ،
انظر: المغرب في ترتيب المعرب، (1/ 486).
أو اتزر.
قولهم: اتزر عامي، والصواب ائتزر افتعل من الإزار، وأصله ائتزر بهمزتين الأولى للوصل، والثانية فاء افتعل كذا في «المغرب»
(1)
ولو لبس المحرم اللباس كله من القميص، والسراويل، والقباء
(2)
،
والخفين يومًا كاملًا
(3)
لزمه دم واحد؛ لأن هذه الجنايات من جنس واحد، فصارت كجناية واحدة، وكذا لو دام أيامًا أو كان ينزعه من
(4)
الليل ما لم يعزم على تركه كذا ذكره الإمام الولوالجي
(5)
، والإمام التمرتاشي رحمه الله.
(لأنه ما لبس لبس القباء).
لأن العادة في لبس القباء الضم إلى نفسه بإدخال المنكبين، واليدين إذ هو مأخوذ من القبو، وهو الضم، وكمال الضم فيما قلنا، وقال زفر: ليس له ذلك، وعليه الجزاء؛ لأن القباء مخيط فإذا أدخل فيه منكبيه صار لابساً للمخيط، فإن القباء يلبس هكذا عادة، واحتج أصحابنا بأن هذا لبس الأردية، فلو لبس القميص لبس الأردية لم يلزمه شيء فكذلك هاهنا، وهذا لأنه يحتاج إلى تكلف لحفظه على منكبيه عند اشتغاله
(6)
بعمل كما يحتاج إليه لابس الرداء، فأما إذا أدخل يديه في كميه فلا يحتاج إلى حفظه على نفسه عند الاشتغال بالعمل، فيكون لابسًا للمخيط، وكذلك إن زره عليه كان لابسًا؛ لأنه لا يحتاج إلى تكلف حفظه عليه بعدما زره كذا في «مبسوط شمس الأئمة»
(7)
، والإسبيجابي -رحمهما الله-.
والتقدير في تغطية الرأس إنما أعاد هذا ليبني عليه الفروع.
حلق الرأس
(ما بيّناه). وهو قوله أو غطى رأسه يومًا كاملًا فالمروي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه اعتبر الربع، قال ما يتعلق بالرأس من الجناية فالربع فيه حكم الكمال كالحلق، وهذا لأن تغطية بعض الرأس استمتاع مقصود يفعله الأتراك
(8)
، وغيرهم عادة فإنهم يغطون بالقلانس
(9)
الصغار، ويعيدون ذلك معًا كاملًا.
(1)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 25).
(2)
القَباء: ثوب طويل يُلبس فوق القميض أو الثياب ويصل إلى الرسغين من القدمين ويتمنطق عليه، ويعرف أيضًا بالقنباز، وجمعه: أقبية. انظر: الهادي إلى لغة العرب (3/ 471)، المصباح المنير (ص/ 489)، انظر: المعجم الوسيط (2/ 713).
(3)
وعند الشافعية والحنابلة: أن الفدية باللبس لا تتقدر بطول زمن اللبس، أو قصره، أو بالانتفاع، فمتى لبسه عامداً مختاراً لزمته الفدية. انظر: المجموع (7/ 303)، الشرح الكبير (8/ 428).
(4)
في (ب): في.
(5)
انظر: الفتاوى الولوالجية (274).
(6)
في (ب): استعماله.
(7)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 30).
(8)
الأتراك: جمع ترك اسم جنس أختلف في أصلهم فقيل: هم بنوقنطوراء أمة كانت لإبراهيم عليه السلام، وقيل: هم من أولاد يافث وقيل: هم بنو عم يأجوج ومأجوج لما بني ذو القرنين السد كان بعضهم غائبين فتركوا ولم يدخلوا فسمو تركا، وذكر أن لهم شعورا طويلة حتى تصير أطرافها في أرجلهم موضع النعال. أنظر: فتح الباري (6/ 129 - 754).
(9)
القَلَنْسُوةُ والقُلنسية: من ملابس الرؤوس. معروف قال ابن القطاع: قلنس الشيء: غطاه، ومنه القلنسوة.
انظر: لسان العرب (6/ 181، مادة: قلس)، القاموس المحيط (2/ 251).
(وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: إن غطى أكثر رأسه فعليه دم، وإلا فعليه صدقة) لأن القليل من تغطية الرأس لا تتم به الجناية، والقلة والكثرة، وإنما يظهر بالمقابلة، وهذا أصل أبي يوسف في المسائل كذا في «المبسوط»
(1)
.
(وقال مالك
(2)
رحمه الله "لا يجب إلا بحلق الكل").
فإنه أخذ بظاهر النص بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ}
(3)
.
(وقال الشافعي
(4)
رحمه الله: "يجب بحلق القليل").
فإنه أخذ بالاحتياط، وعلق الحكم باسم الجنس، ولحكم المعلق باسم الجنس يتأدّى بأدنى ما ينطلق عليه الاسم، فعامة مشايخنا حملوا هذه المسألة على المسح بالرأس في باب الوضوء، وهذا/ البناء غير صحيح؛ لأن الله أمر في باب المسح مقروناً بحرف الباء فقال:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}
(5)
، والباء في المحل يقتضي التبعيض (أي البعضية أو الجزء وهي من كلمة بعض)، فصار كأنه قال: بعض رؤوسكم، وأما هاهنا فقد ذكر، ولا تحلقوا رؤوسكم فيكون المحظور بالنص كمال الرأس، والبعض لا يقوم مقامه إلا بدلالة كذا في «الأسرار»
(6)
.
(ولنا أن حلق بعض الرأس ارتفاق كامل؛ لأنه معتاد فتتكامل به الجناية، وتتقاصر فيما دونه).
ولله در (أسلوب تعجب مشوب بالمدح) المصنف رحمه الله ما أحسن في العبارة، وألطف في الإشارة في قصر المباني، وتكثير المعاني حيث قال: (أقام الدليل بأول النكتة
(7)
، وهو قوله:(لأنه معتاد) على إثبات مدعاة بأنه ارتفاق كامل، وبما يعقبه، وهو قوله:(فتتكامل به الجناية) أجاب عن حرف مالك، وبما تعقب ذلك، وهو قوله:(وتتقاصر فيما دونه) أجاب عن حرف الشافعي
(8)
مع رعاية حسن الترتيب، ثُمَّ بيان قوله:(لأنه معتاد) فيما ذُكر في «المبسوط»
(9)
: (أن حلق بعض الرأس لمعنى الراحة، والزينة) معتاد؛ لأن الأتراك يحلقون أوساط رؤوسهم، وبعض العلوية يحلقون نواصيهم لابتغاء الراحة، والزينة، ويتكامل الجناية بهذا المقدار، والجناية المتكاملة يوجب الجبر بالدم.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 128).
(2)
انظر: الطرابلسي في "مواهب الجليل"(3/ 127).
(3)
سورة البقرة، من الآية (196).
(4)
انظر: المجموع (7/ 247)، مغني المحتاج (2/ 297).
(5)
سورة المائدة، من الآية (6).
(6)
انظر: الأسرار (ص 220).
(7)
النكتة: النكتة في قلبه، نكتة: فكرة لامعة ونكتة: قضية، مشكلة،
نكتة: قطعة، جزء، نبذة من كتاب أو من منتجات أدبية أو فكرية، إنني لم أخله من قطع الأشعار، ونكت الرسائل القصار، نكتة: مجمل، مختصر، وفي النكتة من الكلام الجملة المنقحة المحذوفة الفضول، نكتة: بمعنى ملحة، نكتة: والجمع نكت ونكائت: حكاية، فكاهة، نكتة: مصادفة أو مغامرة غريبة، نكتة: أصالة، غرابة، انفراد، نكتة: فكاهة مسلية، دعابة، أصالة في الفكرة أو في الشخص، هزلي، فكه (بوشر)، دعابة (صفة)، وهي بمعن المسألة الغربية أو الفكرة الجديدة التي عليها خلاف.
انظر: تاج العروس (3/ 345).
(8)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 374).
(9)
انظر: المبسوط (4/ 73).
وذكر في «الفوائد الظهيرية»
(1)
: (أن حلق اللحية متعارف، فإن الأكاسرة يستعملون حلق اللحى شجعانهم، وكذلك بعض القضاة يفعلون ذلك) على ما ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «أدب القاضي»
(2)
: (أن قاضيًا سمع هذا الحديث من جعل على القضاء، فقد ذبح بغير سكين، فقال: كيف يذبح الإنسان بغير سكين؟ ثُمَّ أنه دعا بحلاق ليسوّى لحيتيه فجعل الحلاق يحلق تحت لحيتيه إذ عطس القاضي فألقى الموسى رأسه بين يديه).
فلما كانت اللحية مقصودة بالحلق في بعض الناس ألحقت اللحية بالرأس احتياطًا لإيجاب الكفارة في المناسك، فإنها مبنية على الاحتياط حتى وجب مع الأعذار بخلاف تطييب ربع العضو؛ لأنه غير مقصود؛ لأن العادة في الطيب ليس هو الاقتصار على الربع، بل يطيبون العضو على الكمال، فصار العضو الكامل في باب الطيب بمنزلة الربع في باب الحلق في حق الكفارة، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(3)
رحمه الله.
قلتُ: ما ذكر هاهنا من قول علمائنا، وهو أن في حلق ربع الرأس أو اللحية الدم موافق لجامعي الصغير للأخوين صدر الإسلام
(4)
، وفخر الإسلام -رحمهما الله-، وشرح الطحاوي: فيما ذكره من ظاهر الرواية، ومخالف «الجامع الصغير»
(5)
لشمس الأئمة السرخسي، وقاضي خان، ورواية الطحاوي فيما ذكره من «شرح الطحاوي»
(6)
، وذكر شمس الأئمة، وقاضي خان أن على قول أبي يوسف، ومحمد إن حلق جميع الرأس فعليه الدم، وإن حلق أقل من ذلك فعليه الطعام، وهو قول مالك
(7)
، وذكر الإمام المحبوبي فكان الصحيح ما ذكره عامة المشايخ
(8)
في كتبهم يعني به عدم الاختلاف من علمائنا كما هو المذكور في «الهداية»
(9)
.
(1)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 32).
(2)
انظر: أداب القاضي (9/ 11).
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 32).
(4)
سبق التعريف به حينما أطلق عليه المؤلف رحمه الله كنيته (أبواليسر).
انظر: (ص/ 150).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 32).
(6)
أبو حنيفة، و أبو يوسف، ومحمد قالوا: إذا حلق ربع رأسه أو لحيته فعليه دم، وإن كان أقل فعليه صدقة، وهو مخالف لما ذكره السرخسي، وقاضي خان، وما ذكر الطحاوي.
انظر: مختصر الطحاوي (69)، الفتح (3/ 31)، شرح اللباب (218)، البناية (3/ 673).
(7)
عند الحنفية يجب الدم لحلق ربع الرأس، أو ربع اللحية، وإن كان أقل فصدقة، وشعر البدن إن كان عضوا كاملا فدم، وإلا طعام، أمَا المالكية فكل ماتحصل به الرفاهية يجب به الدم، وعند الشافعية والحنابلة: تجب فيه ثلاث شعرات فصاعداً.
انظر: البناية (3/ 673)، بداية المجتهد (1/ 329)، المجموع (7/ 222)، الشرح الكبير (8/ 225).
(8)
لفظ «عامة المشايخ» مصطلح عند فقهاء الحنفية يراد به أكثر مشايخ المذهب، ومثله لفظ (العامة).
انظر: الكواشف الجلية (ص/ 43)، المذهب الحنفي (1/ 322)، الفوائد البهية (ص/ 413).
(9)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 32).
حكم نتف الإبطين
(ذكر في الإبطين الحلق هاهنا).
…
أي: في رواية «الجامع الصغير»
(1)
.
(وفي الأصل).
أي: «المبسوط»
(2)
(النتف وهو السنة).
وأما العانة فالسنة فيها الحلق، لما جاء في الحديث عشر من السنة منها الاستحداد، وتفسيره حلق العانة بالحديد كذا ذكره الإمام المحبوبي.
وقال أبو يوسف، ومحمد -رحمهما الله-:(إذا حلق عضوًا فعليه دم)
(3)
إلى قوله: (أراد به الصدر والساق).
وهذا مخالف لما ذكر في «المبسوط»
(4)
فقال فيه بعد ذكر حلق الرأس، ثُمَّ الأصل بعد هذا أنه متى حلق عضوًا مقصودًا بالحلق من بدنه قبل أوان التحلل فعليه دم، وإن حلق ما ليس بمقصود فعليه صدقة.
ثُمَّ قال: (ومما ليس بمقصود حلق شعر الصدر أو الساق) وما هو مقصود حلق الرأس أو الإبطين، ولم يذكر الخلاف فيما ترى، ولكن ما ذكر في الكتاب موافق «الجامع الصغير»
(5)
لفخر الإسلام.
حكم أخذ الشارب
(أراد به) أي: بقوله (عضوًا)، وما أشبه ذلك كالعانة، بطريق التنور يقال تنور، أي: أطلى بالنورة، ونوره غيره طلاه بها.
(وإن أخذ من شاربه فعليه طعام)
(6)
.
وكذا إذا أخذ شاربه ففيه طعام أيضًا، وهو رواية «الجامع الصغير»
(7)
، فقال: (وإن أخذ الشارب كله كان عليه حكومة عدل
(8)
(9)
.
(1)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 32).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 74).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 173).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 33).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50)، وفي حلق الشارب ثلاث أقوال: المذهب الأول: وجوب الصدقة ذكره في الكافي، وصححه في غاية البيان والمبسوط، والثاني: ينظر إلى الشارب كم يكون من ربع اللحية قيلزمه الصدقة بقدره، وإليه ذهب صاحب الهداية، والثالث: لزوم الدم كحلقه.
انظر هذه الأقوال في: البدائع (2/ 1939، الفتح (3/ 33)، التتارخانية (2/ 500)، تبيين الحقائق (2/ 55)، البحر (3/ 12).
(7)
العناية شرح الهداية (3/ 33).
(8)
حكومة عدل: معنى الحكومة عند الأئمة الأربعة: أن تقدر قيمة المجني عليه باعتباره عبدا قبل الجرح، ثُمَّ تقدر بعد الجرح أو البرء منه، ثُمَّ نعرف نسبة النقص في القيمة، ثُمَّ يؤخذ من الدية بنسبة هذا النقص فذلك هو مايستحقه المجني عليه. وطريقة التقدير على أساس فرض المجني عليه عبدا لاتصلح اليوم، لأن الرق أبطل من العالم فلا يمكن معرفة القيم المختلفة، وبعض الفقهاء من مذهب أحمد والشافعي يرون أن ماقبل الموضحة إذا ما أمكن معرفة قدره من الموضحة وجب فيها على قدر ذلك من أرش الموضحة.
انظر: فتح القدير (3/ 67)، الخانية (1/ 290)، شرح اللباب (242).
(9)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50).
فإن قيل: الشارب عضو مقصود بالحلق فإن من عادة بعض الناس حلق الشارب دون اللحية، وكذلك الشرع، فصل بين الشارب، واللحية فأمرنا
(1)
/ بإعفاء اللحية، وقص الشارب، فينبغي أن تتكامل الجناية بحلق الشارب، قلنا: نعم، ولكن أن كل
(2)
عضو واحد حقيقة لاتصال البعض بالبعض، فلا يجعل في حكم أعضاء متفرقة كالرأس، فمن العلوية من يعتاد حلق مقدم الرأس، وهذا لا يدل على أن كله لا يكون عضوًا واحدا في الحكم كذا في «الجامع الصغير»
(3)
لشمس الأئمة قاضي خان.
(والسنة أن يقص حتى يوازي الإطار).
ذكر في «المغرب»
(4)
إطار الشفة ملتقى جلدتها، ولحمها مستعار من إطار المنخل أو
(5)
الدف، وذكر الطحاوي في «شرح الآثار»
(6)
(أن القص)، أي: قص الشارب حسن، وتفسيره أن يؤخذ الشعر حتى ينتقص الشعر في
(7)
الإطار من الطرف الأعلى من الشفة العليا.
ثُمَّ قال: (والحلق سنة)، وهو أحسن من القص، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد -رحمهما الله-
(8)
.
ومن الناس من قال: الحلق بدعة
(9)
، والقص سنة، وهو المذهب عند بعض المتأخرين من مشايخنا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«عشر من فطرتي، وفطرة إبراهيم خليل الرحمن» ، وذكر من جملتها «قَصُّ الشَّارِبِ»
(10)
كذا ذكره الإمام المحبوبي.
المحجمة بالكسر قارورة الحجّام، وكذا المحجم بطرح الهاء، والمحجم صح بالفتح من العنق موضع المحجمة، ومنه قوله:(ويجب غسل المحاجم) يعني: مواضع الحجامة
(11)
من البدن كذا في «المغرب»
(12)
.
(1)
في (ب): فأمر.
(2)
في (ب): الكل.
(3)
العناية شرح الهداية (3/ 34)
(4)
المغرب في ترتيب المعرب (1/ 26).
(5)
في (ب): و.
(6)
شرح معاني الآثار (4/ 230).
(7)
في (ب): من.
(8)
حلق الشارب سنة ورجحه في البحر (3/ 12)، انظر: رد المحتار عن النهر (2/ 550).
(9)
بدعة: من (بَدَعَ) وفِي أَسْمَاءِ الله تَعَالَى «البَدِيع» ، هُوَ الْخَالِقُ المختَرع لَا عَنْ مِثال سَابِقٍ، فَعِيل بِمَعْنَى مُفْعِل. يُقَالُ أَبْدَعَ فَهُوَ مُبْدِع،
انظر: النهاية في غريب الحديث (1/ 107). وهي هنا بمعنى الأمر المحدث في الدين وليس له سند شرعي.
(10)
أخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [خِصَالِ الْفِطْرَةِ](1/ 223) برقم: [261]، بلفظ:«عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» .
(11)
الحجامة: من الحجم وهو المص، والمحجم: مشرط الحجام، ويقال للحاجم حجام، لامتصاصه فم المحجمة. أنظر: لسان العرب (12/ 116).
(12)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 105).
حكم حلق موضع المحاجم
(وإن حلق موضع المحاجم)
(1)
.
وفي بعض النسخ (مواضع المحاجم)، وهما مختلفان فإن المواضع تقع على الجماعة، وهي ما على الكاهل، والأخذ عين، وإن كانت الرواية مواضع المحاجم فذلك أظهر لأبي حنيفة رحمه الله وكذا في «الجامع الصغير»
(2)
لفخر الإسلام.
(لا يتوسل إلى المقصود).
وهو الحجامة، وقد وجد إزالة التفث عن عضو كامل؛ لأن هذا الموضع في حق الحجامة كامل.
(وإن حلق رأس محرم)
(3)
.
أي: (محرم حلق رأس محرم) هكذا نص في «المبسوط»
(4)
وقال الشافعي
(5)
رحمه الله: لا يجب.
(إذا كان بغير أمره)
(6)
أي: لا يجب على المحلوق دم إذا كان بغير أمره، ثُمَّ الشافعي
(7)
كما خالفنا في حكم المحلوق حتى قال: بعدم وجوب الدم عليه خالفنا أيضًا في حكم الحالق حتى قال: بعدم وجوب الصدقة عليه.
(والنوم أبلغ منه).
أي: من الإكراه؛ لأن الإكراه يفسد قصده، وبالنوم ينعدم القصد أصلًا، وعنده أن الإكراه متى أباح الإقدام على الفعل أعدم أصل الفعل من المكره في الأحكام.
(وهو ما نال من الراحة، والزينة).
أي: المحلوق، فإن قلتَ: يشكل هذا بما ذكره في الديات من هذا الكتاب بقوله: (وفي شعر الرأس الدية) لما قلنا إشارة إلى قوله: (لأنه يفوت به منفعة الجمال) حيث جعل هناك وجود الشعر جمالًا، وهو الزينة على وجه تجب الدية على من أزاله، وهل
(8)
هنا فواته زينة، فكيف يكون الشيء الواحد ديته بوجوده؟ ثُمَّ عين ذلك الشيء زينة بعدمه.
قلتُ: شعر الرأس زينة من حيث أصل الخلقة، [لا يرى أن من عدمه خلقة يتكلف في بنزه فكان وجوب الدية بناء على جمال أصل الخلقة]
(9)
والمراد من الزينة هنا زوال الشعر، والتفل الناشئين من انتشار شعر الرأس، وهو أمر عارض، فإنه يزيد صفرة الوجه المستقبحة عند من رآه، وهو أمر محسوس، فكان هذا غير ذلك؛ لأن ذلك ينشأ من الأصل، وهذا ينشأ من العوارض، وعن هذا أطلق اسم الجمال هناك واسم الزينة هنا فحصل الفرق.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50)
(2)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 193)، العناية شرح الهداية (3/ 34).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50)
(4)
انظر: المبسوط (4/ 73).
(5)
انظر: المجموع (7/ 349)، مغني المحتاج (2/ 298).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50)
(7)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 344).
(8)
في (ب): جعل.
(9)
أثبته من (ب).
(ثُمَّ لا يرجع المحلوق رأسه على الحالق).
وقال بعض العلماء: يرجع [به]
(1)
؛ لأنه هو الذي أوقعه في هذه العهدة، وألزمه هذا الغرم، ولكنّا نقول: إنما لزمه ذلك بمعنى الراحة، والزينة، وهو حاصل له فلا يرجع به على غيره كما لا يرجع المغرور بالعقر؛ لأنه بمقابلة اللذة الحاصل له بالوطء، وكما إذا أُكره على أكل مال الغير فإن ثُمَّة لا يرجع بضمان ما أكل على المكره، وهذا لأنه لا يجوز أن يجمع بين المضمون، والضمان؛ لأنه يؤدي إلى أن يسلم له عوضان بمقابلة مضمون واحد، ولا وجه إليه في باب العدوان كذا في «المبسوط»
(2)
(3)
، وصورة المغرور أن يغر رجل رجلًا، ويقول: تزوج هذه المرأة فإنها حرة فتزوجها، ودخل بها، ثُمَّ استحقها مستحقًا بأنها أمته، فإن المولى يأخذ من الزوج العقر، ثُمَّ هو لا يرجع به على الآمر الغار.
(يلزمه الصدقة في مسألتنا).
أي: فيما إذا كان الحالف محرمًا.
(في الوجهين).
أي: يأمره أو بغير أمره.
(وعلى هذا الخلاف إذا حلق المحرم رأس الحلال).
أي: عندنا يجب الصدقة على الحالق، وعنده لا يجب/ الصدقة، واحتج الشافعي
(4)
رحمه الله بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ}
(5)
، وإنما يحلق الناس رؤوسهم بأيدي غيرهم، ومطلق الكلام ينصرف إلى العهود، ولأصحابنا قوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ}
(6)
، وهذا يتناول رأس غيره لا محالة؛ لأنه لا يقدر على رأس نفسه، فكان هو الثابت نصًّا، وغيره ثانيًا دلالة، ولأن فيه نوع ارتفاق لما أن الإنسان قد يتأذى برؤية تفث غيره كم يتأذى بتفث نفسه خصوصًا فيما بين الأزواج، والزوجات، والسيد، والإماء وبين المخالطين بالأكل إلا أن التأذي ثُمَّة أصل، وفي نفسه أكثر لكن وجد نفس التأذي، فيحصل بإزالته نفس الارتفاق لا كماله، فيكفي لإيجاب الصدقة. كذا في «الجامع الصغير»
(7)
لفخر الإسلام، والإمام الكاشاني.
قوله رحمه الله: (ولنا أن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان) إلى أن قال: (بمنزلة نبات الحرم).
يقتضي أن الحلال إذا حلق رأس الحلال في الحرم أن يجب الجزاء على الحالق كم يجب على من يقطع نبات الحرم، وإن كان حلالًا لكني ما صادفت رواية تقتضيه، بل وجدت رواية تدل على أنه لا يجب الجزاء، وهو ما علّل الشافعي
(8)
بقوله: "فلا يحصل شيء من معنى الراحة بحلق رأس الحلال، فلا يلزمه شيء، (ألا ترى أن الحلال لو حلق بنفسه لم يلزمه شيء) كذا في «المبسوط»
(9)
.
(1)
أثبته من (ب).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 73).
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 36)
(4)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 248).
(5)
سورة البقرة من الآية (196).
(6)
سورة البقرة من الآية (196).
(7)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 37).
(8)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 247).
(9)
انظر: المبسوط (4/ 72).
وحاصله: أن أمر الحالق، والمحلوق [لايخلو]
(1)
أما أن يكون كلاهما محرمين، أو كلاهما حلالين أو الحالق محرمًا، والمحلوق حلالًا أو على العكس ففي كل الصور على الحالق صدقة إلا أن يكونا حلالين، وعلى المحلوق دم إلا أن يكون حلالًا.
(إلا أن كمال الجناية في شعره لوجود المعنيين).
وهما إزالة الأمر، والارتفاق الكامل.
(والوجه فيه ما بينا).
إزالة ما ينمو من الجسم
أي: آنفًا، وهو قوله:(ولنا أنّ إزالة ما ينمو من بدن الإنسان) إلى آخره، وفي هذه المسألة أيضًا خلاف الشافعي
(2)
، فكان قوله في الكتاب، ولا يعزي عن نوع ارتفاق جوابًا عن قوله فإنه ذكر في «الجامع الصغير»
(3)
لقاضي خان بعدما ذكر قوله:
(فإن أخذ من شارب حلال أو قص أظافيره)
(4)
.
وقال الشافعي
(5)
رحمه الله: "لا شيء عليه"؛ لأنه لا
(6)
ارتفاق له فيما فعل، فلا يلزم الدم كما لو ألبس غيره مخيطًا، وما ذكره في الكتاب جواب عن لبس المخيط، فإنه قال: لأنه يتأذى بتفث غيره، فكان في إزالته ارتفاق بخلاف إلباس المخيط ليس بتفث غيره، فكان في إزالته ارتفاق بخلاف إلباس المخيط، فإن لبس غيره المخيط ليس بتفث حتى يكون إلباس المخيط مزيلًا للتفث.
(وإن قص أظافير يديه، ورجليه فعليه دم).
وقال عطاء: "لا شيء عليه"؛ لأن قص الأظفار من الفطرة، ولم يصح حديث في النهي عنه بسبب الإحرام فكان نظير الختان، ولا بأس بالختان في الإحرام، فكذلك قص الأظفار، ومذهبنا مروي عن ابن عباس، ولأن قص الأظفار من قضاء التفث؛ لأن الجناية من نوع واحد تسمية ومعنى، أما التسمية، فلأن الكل سُمى قصًّا، وأما المعنى وهو حصول الارتفاق من جانب القص، وهو شيء واحد فهذا كذلك؛ لأن مبناها على التداخل حتى أن المحرم إذا قتل صيد الحرم يكفيه قيمة واحدة، وإن كانت الجناية في حق الإحرام، والحرم، وهاهنا أولى؛ لأن هذه الجنايات تستند إلى سبب واحد، فلا توجب إلا كفارة واحدة كما في حلق جميع الرأس لا فرق بين أن يكون في مجالس متفرقة أو في مجلس واحد، والمعنى أنه لو قصّها في مجلس واحد لزمته كفارة واحدة فكذا في المجالس دليل التطيب، وعكسه قتل الصيد.
(1)
أثبته من (ب) وفي (أ) لايج. اختصار ل لايجوز ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(2)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 248).
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 37).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50).
(5)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 350).
(6)
في (ج): ليس بتعث غيره، فكان في إزالته ارتفاق بخلاف اللباس المخيط.
(وهما يقولان)، أي
(1)
: كفارات الإحرام يغلب فيها معنى العبادة بدليل أنها تجب على المعذور كالمكره، والنائم، والمخطئ، والناسي كالعبادات تجب عليهم، ولا تجب العقوبات إلا أنه إذا كان في مجلس واحد، فالمقصود واحد، والمحال
(2)
مختلفة فرجحنا اتحاد المقصود بسبب اتحاد المجلس، وأما إذا اختلفت المجالس فيرجح
(3)
جانب اختلاف المحال فيوجب بكل فعل دمًا كما في آي السجدة، فإن قلتَ: قص الأظفار من حيث أنه قص جنس واحد، ففي الجنس [الواحد]
(4)
لا يتعذر الواجب، وإن اختلفت الأمكنة كم لو ترك الرمي أصلًا لزمه دم واحد، وإن اختلفت أمكنة الرمي وأزمنته، وكذلك في حلق الرأس كله دم واحد، وإن كان الحلق في مواضع كثيرة، وكذلك التطيب./ قلتُ: دعوى اتحاد الواجب باعتبار أنه من حيث أنه كذا شيء واحد غير مستقيم، فإن قتل الصيود من حيث أنه قتل الصيد شيء واحد، ومع ذلك تعدد الواجب بتعدد الصيود بالإجماع باعتبار تعدد محل القتل، ثُمَّ إنما وجب دم واحد عند ترك الرميات لما أن الرمي نسك من المناسك، وجناية ترك النسك جناية [نقص]
(5)
الأداء، والرميات كلها في الأداء نسك واحد لاتفاق الجنس، فيصير الأداء منقوضًا بفوات نسك واحد، فيجب جبر واحد، والجناية فيما نحن فيه تجرح الإحرام، وكل جناية أوجب جرحًا على حدة، فيجب لكل جرح كفارة على حدة إذا اختلفت الجنايات، وهو في القص عند اختلاف المحل.
فأما الرأس فإنه عضو واحد فكان حلقه جناية واحدة؛ إذ به يطلب الراحة من طريقة واحدة، وكان حلق الرأس جناية واحدة من حيث المحل، والمقصود.
وأما قص الأظفار فله جهة الاتحاد، والاختلاف على ما ذكرنا إلى هذا أشار في «الأسرار»
(6)
، و «المبسوط»
(7)
.
وحاصلة: أن أبا حنيفة، وأبا يوسف -رحمهما الله- جعلا اختلاف المجالس بمنزلة اختلاف الجنس كما في حلق ربع الرأس مع تطييب عضو كامل، ومحمدًا جعل افتراق المجلس عند اتفاق الجنس مع عدم التكفير للأول كاجتماعه في مجلس واحد كما في كفارة الفطر إلى هذا أشار في «شرح الطحاوي»
(8)
: أن أظافير كف واحد أقل ما يجب الدم [بقملة]
(9)
، وذلك لأن (الدم في الأصل إنما يجب بقص أظافير اليدين، والرجلين، واليد الواحد ربع ذلك، فيجعل بمنزلة الكمال كربع الرأس في الحلق، فكان هذا أدنى ما يتعلق به الدم، فلا يمكن أن يقام الأكثر فيه مقام الكمال؛ إذ لو فعل كذا أدّى إلى ما لا يتناهى فيقال: إذا قصّ الظفرين فقد قص أكثر الثلاثة، ثُمَّ إذا قص ظفرًا، ونصف ظفر فقد قص أكثر الظفرين، ولكن يقال: ما كان أدنى المقدار شرعًا لا يتعلق بما دونه الحكم المتعلق به. كذا في «المبسوط»
(10)
.
(1)
في (ب): أن.
(2)
في (ب): المحلل.
(3)
في (ب): فيترجح.
(4)
أثبته من (ب).
(5)
أثبته من (ب) وفي (أ) بعض، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(6)
انظر: الأسرار (227).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 73).
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 39).
(9)
أثبته من (ب) في (أ) بقلمه، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(10)
انظر: المبسوط (4/ 77 - 78).
ولأن في الربع شبهة الكل فلذلك أقيم مقام الكل، ثُمَّ لو أقمنا أكثر الربع مقام الربع لكان فيه اعتبار شبهة الشبهة، والمعتبر فيما يعمل بالشبهات هو الشبهة لا النازل عنها، فلذلك لم يعتبر لما دون الربع، وذكر الإمام المحبوبي ألا ترى أنه لو حلق ربع رأسه يلزمه الدم، ولو حلق أكثر الربع لا يجب عليه شيء.
حكم قص بعض الأظافر
(وإن قص خمسة أظافير متفرقة)
(1)
.
بجر متفرقة كقوله تعالى: {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ}
(2)
.
على إيقاع الصفة صفة للمعدود لا للعدد.
(وبما إذا حلق ربع الرأس من مواضع متفرقة).
حكم حلق بعض الرأس من مواضع متفرقة
لما أن المقصوص هنا خمسة أظافير كما أن المحلوق هناك ربع الرأس أنه لو طيب بدنه في مواضع مختلفة مقدار ما لو جمع كان كثيرًا فاحشًا يجب عليه الدم، وكذلك النجاسة إذا أصابت موضع مختلفة، فإنه يضم بعضها إلى بعض، وهما يقولان: هذه جنايات بمواضع متفرقة، فلا يضم بعضها إلى بعض كمن جرح غيره جراحات في مواضع مختلفة، ولو جمعت تصير هاشمة أو منقلة، فإنه لا يضم بعضها إلى البعض لكن يعتبر كل جناية على حدة، واعتبار الأظافير بالطيب لا يصح؛ لأن الطيب ليس له عضو مخصوص، فيجعل له البدن كله في حكم الطيب كعضو واحد، وكذلك النجاسة على البدن، وإذا لم تتكامل الجناية
(3)
كان عليه لكل ظفر صدقة حتى قالوا: لو قص ستة عشر ظفرًا من كل عضو أربعة، (فعليه لكل ظفر طعام مسكين إلا أن يبلغ ذلك دماً، فحينئذٍ ينقص منه ما شاء). كذا في «المبسوط»
(4)
، وشروح «الجامع الصغير»
(5)
.
(والآيةُ نزلتْ في المعذور).
وهو كعب بن عُجْرة رضي الله عنه
(6)
العُجْرة بضم العين، وسكون الجيم واحدة العجر، وهو العقد في عود أو غيره قال كعب: «مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتهافت على وجهي، وأنا أوقد تحت قدر لي، فقال: أتؤذيك هوام رأسك فقلتُ: نعم فأنزل الله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
(7)
، فقلتُ: ما الصيام يا رسول الله؟ فقال:
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 50).
(2)
سورة يوسف من الآية (43).
(3)
في (ب): النجاسة.
(4)
انظر: المبسوط (4/ 51).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 40)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 13).
(6)
كعب بن عجرة: كَعْب بن عجْرَة السالمي كنيته أَبُو مُحَمَّد من بني سَالم بن عَوْف وقيل غير ذلك، استأخر إسلامه، ثُمَّ أسلم، وشهد المشاهد.
انظر: تهذيب التهذيب (3/ 469).
(7)
سورة البقرة من الآية (196).
{ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ}
(1)
»
(2)
إلى آخره كما هو المذكور في الكتاب، ولو لم يكن النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقدير الصوم بثلاثة أيام لكنا نقدره بستة أيام؛ لأنه لما لم نقدر الطعام
بطعام ستة مساكين، وصوم يوم بمنزلة/ طعام مسكين فينبغي أن يلزمه صوم ستة أيام، ولكن ثبت ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصوم ثلاثة أيام، فسقط اعتبار، وكل قياس بمقابلته، وكذلك الجواب في كل ما اضطر إليه مما لو فعل غير مضطر لزمه الدم.
(فإذا فعله المضطر فعليه أي الكفارات الثلاث شاء؛ لأنه في معنى المنصوص عليه من كل وجه، فيكون ملحقًا به) كذا في «المبسوط»
(3)
.
(وكذلك الصدقة عندنا).
أي: خلافًا للشافعي
(4)
رحمه الله، وقال الشافعي
(5)
رحمه الله: "لا يجزيه الطعام إلا في الحرم"؛ لأن المقصود به رفق [فقراء]
(6)
الحرم، ووصول المنفعة إليهم، ولكن نقول التصدق قربة في أي موضع كان هو بمنزلة الصيام لما بيّنا.
وهو قوله: (لأنه عبادة في كل مكان)
…
(وأما النسك يختص بالحرم).
يقال: نسك لله نسكًا، ومنسكًا إذا ذبح لوجهه.
(ويقال: من فعل كذا فعليه نسك)، أي: دم يهريقه [بمكة]
(7)
، ثُمَّ قالوا: لكل عبادة نسك، ومنه {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي}
(8)
، كذا في «المغرب»
(9)
.
ثُمَّ المراد هنا به الهدي الذي يذبحه في الحرم بطريق الجزاء عما باشره من محظورات الإحرام كالتطيب، والحلق في حالة العذر، وذلك مخصوص بالحرم بالاتفاق؛ لأن إراقة الدم لا يكون قربة إلا في وقت مخصوص كالتضحية، وهدي المتعة، والقران في أيام النحر، أو مكان مخصوص، وهو الحرم كما في دماء الكفارات، وهذا الدم غير مؤقت بالزمان، فيكون مختصًا بالمكان، وهو الحرم؛ ليتحقق في معنى القربة فيه، فيكون كفارة لفعله كما قال تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
(10)
، ولأن الله تعالى قال في جزاء الصيد:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}
(11)
، وذلك وجب بطريق الكفارة، فصار أصلًا في كل هدي وجب بطريق الكفارة في اختصاصه بالحرم، ثُمَّ ليس المراد من الاختصاص بالحرم عين إراقة الدم؛ لأن فيها تلويث الحرم إنما المقصود التصدق باللحم بعد الذبح، فعليه أن يتصدق بلحمه فكذلك كل دم وجب عليه بطريق الكفارة في شيء من أمر الحجّ والعمرة، فإنه لا يجزيه ذبحه إلا في الحرم، وعليه التصدق بلحمه بعد الذبح على فقراء الحرم، وإن تصدق على غيرهم من [الفقراء]
(12)
أجزأه عندنا؛ لأن الصدقة على كل فقير قربة.
(1)
سورة البقرة من الآية (196).
(2)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [غزوة الحديبية](5/ 129) برقم: [4191]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[جَوَازِ حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ بِهِ أَذًى، وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ لِحَلْقِهِ، وَبَيَانِ قَدْرِهَا](2/ 860) برقم: [1201].
(3)
انظر: المبسوط (4/ 75).
(4)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 339) و"مغني المحتاج" للخطيب في (2/ 297).
(5)
انظر: المجموع (7/ 501)، مغني المحتاج (2/ 309).
(6)
أثبته من (ب) وفي (أ) فقر، ولعل الصواب ماأثبته لأن الكلام في سياق الجمع.
(7)
أثبته من (ب).
(8)
سورة الأنعام من الآية (162).
(9)
المغرب في ترتيب المعرب (1/ 463).
(10)
سورة هود من الآية (114).
(11)
سورة المائدة من الآية (95).
(12)
أثبته من (ب) وفي (أ) الفقير، ولعل الصواب ماأثبته لأن الكلام في سياق الجمع.
فإن سُرق المذبوح لم يكن عليه شيء؛ لأن الذبح قد بلغ محله، ووجوب التصدق كان متعلقًا بالعين، فيسقط بهلاك العين كما إذا هلك مال الزكاة سقطت عنه الزكاة، وإن سرق قبل الذبح فعليه بدله؛ لأنه ما بلغ محله بعد، وهو نظير الأضحية
(1)
الواجبة إذا سرقت قبل الذبح، فعلى صاحبها مثلها. كذا في «المبسوط»
(2)
، والله أعلم بالصواب.
فصلٌ جناية الجماعِ
لما شرع في بيان الجنايات ذكر كل نوع منها بفصل على حدة، فقدم جناية الجماع، ودواعيه على غيره؛ لأنه هو المهم في الباب إذ به يفسد الحجّ بخلاف سائر الجنايات، وأما تقديم التطيب، واللبس عليه؛ لأن ذلك كالوسيلة للجماع.
(وفي «الجامع الصغير»
(3)
يقول: إذا مسّ بشهوة فأمنى).
وإنما عاد لفظ «الجامع الصغير»
(4)
لشرط الإمناء مع المس بشهوة في حق وجوب الدم، وفي «الجامع الصغير»
(5)
لقاضي خان، وذكر في الأصل المس ولم يشترط الإمناء.
(والصحيح ما ذُكر هنا) أي: في «الجامع الصغير»
(6)
حتى يكون جماعًا من وجه، ولكن ذكر في «المبسوط»
(7)
، ويجب الدم في الجماع فيما دون الفرج، فأما إذا أنزل فغير مشكل، وكذلك إذا لم ينزل عندنا، وللشافعي
(8)
رحمه الله قول: إنه لا يلزمه شيء إذا لم ينزل على قياس الصوم، فإنه لا يلزمه شيء إذا لم ينزل [بالتقبيل]
(9)
فكذا الحجّ، ولكنا نقول: الجماع فيما دون الفرج من جملة الرفث فكان منهيًا بسبب الإحرام، وبالإقدام عليه يصير مرتكبًا محظور إحرامه فيلزمه الدم، وهكذا ينبغي في الصوم إلا أن الشرع، ورد بالرخصة في التقبيل هناك، ثُمَّ المحرم هناك قضاء الشهوة، ولا يحصل ذلك بالتقبيل بدون الإنزال، وهاهنا المحرم الجماع بدواعيه.
(والتقبيل من جملته في جميع ذلك) أي: لمس امرأته بشهوة فأنزل، أو قبّل امرأته بشهوة فأنزل.
(1)
الأضحية: أوالضحية اسم لما يذبح من الابل والبقر والغنم يوم النحر وأيام التشريق بقصد التقرب إلى الله تعالى، ويقال فيها: أضحية بضم الهمزة وكسرها وأضحاة وضحية، انظر: فقه العبادات، الحج، (154).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 75).
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 42).
(4)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 42).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 42).
(6)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 42).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 120).
(8)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 421) و"مغني المحتاج" للخطيب في (2/ 60).
(9)
أثبته من (ب).
(وهذا ليس بجماع مقصود).
أي: المس مع الإنزال.
قوله رحمه الله: (ولنا أن فساد الحجّ يتعلق بالجماع).
أي: بعينه، وما تعلق بعين/ الجماع من العقوبة لا يتعلق بالجماع فيما دون الفرج كالحد ثُمَّ أبلغ ما يجب هنا القضاء، فيكون قياس الكفارة في الصوم، ولا يجب هناك بالجماع فيما دون الفرج الكفارة، فكذلك لا يجب هاهنا القضاء كذا في «المبسوط»
(1)
.
(فسد حجه، وعليه شاة)
(2)
.
وكذا هذان الحكمان في المرأة، وعليهما الحجّ من قابل فلا يحب عليهما العمرة؛ لأنه لا يفوت عنهما الحجّ ألا ترى أنه لم يسقط أفعال الحجّ بخلاف المحصر إذا حل من إحرامه بذبح الهدي فعليه قضاء الحجّ والعمرة كذا في «المبسوط»
(3)
، و «شرح الطحاوي»
(4)
، وذكر الإمام التمرتاشي-رحمه الله جامعها، وهما محرمان بالحجّ قبل الوقوف بعرفة عامداً أو ناسياً، وهي نائمة، أو مكرهة فسد حجه، أو مضيا فيه؛ لأن الإحرام لا يمكن فسخه.
(والحجّة عليه إطلاق ما روينا).
وهو قوله عليه السلام: «يُرِيقَانِ دَمًا»
(5)
، وذكر الدم مطلقًا يتناول الشاة؛ لأنه متيقن
(6)
، ولا يقال: إن المطلق ينصرف إلى الكامل، وهو الجزور لأنّا نقول: إنه ينصرف إلى الكامل في الماهية مع حصول التيقن به، وهو الشاة.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 120).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 51).
(3)
انظر: المبسوط (4/ 157).
(4)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 44)، اللباب في شرح الكتاب (1/ 206).
(5)
ذكره ابن حجر، وقال: [رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "الْمَرَاسِيلِ" حدثنا معاوية يعني ابن سلام، عن يحيى، أخبرني يزيد بن نعيم، أو زيد بن نعيم، شك أبو توبة، أن رجلا من جذام جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لهما: " اقضيا نسككما، واهديا هديا، ثُمَّ ارجعا، حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما تفرقا، ولا يرى واحد منكما صاحبه، وعليكما حجة أخرى، فتقبلان، حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما، فأحرما، وأتما نسككما، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ بِلَا شَكٍّ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ نُعَيْمٍ مَجْهُولٌ، وَيَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ ثِقَةٌ، وَقَدْ شَكَّ أَبُو تَوْبَةَ، وَلَا يُعْلَمُ عَمَّنْ هُوَ مِنْهُمَا، وَلَا عَمَّنْ حَدَّثَهُمْ بِهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، فَهُوَ لَا يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُذَامٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ، فَسَأَلَ الرَّجُلُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمَا: " أَتِمَّا حَجَّكُمَا، ثُمَّ ارْجِعَا وَعَلَيْكُمَا حَجَّةٌ أُخْرَى، فَإِذَا كُنْتُمَا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتُمَا فِيهِ مَا أَصَبْتُمَا، فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا، وَلَا يَرَى وَاحِدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ، ثُمَّ أَتِمَّا نُسُكَكُمَا" انظر: ابن حجر، نصب الراية (3/ 125).
وَأَهْدِيَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَفِي هَذَا: أَنَّهُ أَمَرَهُمَا بِالتَّفَرُّقِ فِي الْعَوْدَةِ لَا فِي الرُّجُوعِ، وَحَدِيثُ الْمَرَاسِيلِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْهُ، قَالَ: وَهَذَا أيضًا ضَعِيفٌ بِابْنِ لَهِيعَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ].
(6)
في (ب): مشفق.
(ولا يجب إلا لاستدراك المصلحة)، أي: فلا يجب القضاء هاهنا إلا لتدارك فساد حجه الذي كان شرع فيه.
(وهو مصلحة)
(1)
، أي: إصلاح أمره وشأنه فلما ناب القضاء من قابل مناب حجه الذي شرع فيه صار كأنه لم يفسد حجه، فعلى هذا كان ينبغي أن لا يجب عليه شيء من الدم لكن وجب هذا الدم لتعجيل هذا الإحلال والشاة تكفيه كما في المحصر؛ لأن جزاء فعله هاهنا وجوب القضاء عليه؛ لأنه أهم ما يجب في الحجّ، فلا يجب مع القضاء كفارة أخرى بخلاف ما إذا جامع بعد الوقوف بعرفة، فإن ذلك الدم وجب جزاء لفعله؛ لأنه لم يجب القضاء عندنا، فيجب أن يكون ذلك الجزاء أزيد من الدم الذي وجب معه شيء آخر لغلطه لجناية عند قيام الإحرام، وعدم قيامه حجة أخرى مقام هذه الحجّة إلى هذا أشار في «المبسوط»
(2)
.
(وعن أبي حنيفة رحمه الله أن في غير القُبل منهما).
أي: من السبيلين، وقيل: أي
(3)
: من المرأة والرجل.
(لتقاصر معنى الوطء).
ولهذا لم يجب الحد عنده، ولا يجب المهر بالإجماع، وفي رواية يفسد؛ لأنه كامل من حيث أنه ارتفاق، وعندهما يفسد؛ لأنه يوجب الحد، وإتيان البهيمة؛ لأنه ليس بوطئ مقصود، وعليه دم إن أنزل؛ لأنه سببه الجماع كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله.
(وليس عليه أن يفارق امرأته في قضاء ما أفسداه، عندنا، خلافًا لمالك
(4)
رحمه الله).
والأصل فيه: أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: إذا رجع للقضاء يفترقان، معناه: يأخذ كل واحد منهما في طريق غير طريق صاحبه، ومالك أخذ بظاهر هذا اللفظ فقال: كما خرجا من بيتهما فعليهما أن يفترقا، ولكن هذا بعيد من الفقه، فإن له أن يواقعها
(5)
ما لم يحرما، والافتراق للتحرز عن المواقعة، فلا معنى للأمر بالافتراق في وقت تحل المواقعة بينهما، وزفر يقول: يفترقان من وقت الإحرام؛ لأن الافتراق نسك بقول الصحابة أو أن أداء ما هو نسك بعد الإحرام، وهذا ليس بقوي أيضًا، فإن الافتراق ليس بنسك في الأداء، فلا يكون نسكًا في القضاء؛ لأن القضاء إنما يكون بصفة
(6)
الأداء.
وقال الشافعي
(7)
: "إذا قربا من الموضع الذي جامعها فيه يفترقان"؛ لأنهما لا يأمنان إذا [وصلا]
(8)
إلى ذلك الموضع أن تتهيج بهما الشهوة فيواقعها فيفترقان للتحرز عن هذا، وهذا ليس بصحيح أيضًا؛ لأنه إنما واقعها في السنة الأولى بسبب النكاح القائم بينهما، فلو وجب الافتراق إنما يجب بسبب النكاح أيضًا، وأحدٌ لا يأمر بهذا، بل إذا بلغا إلى ذلك الموضع، فتأملا فيما لحقهما من المشقة بسبب لذة يسيرة ازداد ندمًا وتحرزًا عن ذلك ثانيًا.
(1)
في (ب): مصلحته.
(2)
انظر: المبسوط (4/ 118).
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
انظر: مواهب الجليل (3/ 335).
(5)
في (ب): يوافقها.
(6)
في (ب): نصفه.
(7)
انظر: المجموع (7/ 415).
(8)
أثبته من (ب) وفي (أ) فصلا. ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
ولكنا نقول: مراد الصحابة أنهما يفترقان على سبيل الندب إن خافا على أنفسهما الفتنة لا أن يكون ذلك واجبًا عليهما كما يندب الشاب إلى الامتناع عن التقبيل في حالة الصوم إذا كان لا يأمن على نفسه ما سوى ذلك كذا في «المبسوط»
(1)
.
(لم يفسد حجه، وعليه بدنة خلافًا للشافعي
(2)
رحمه الله).
فإن على قول الشافعي إذا جامع قبل الرمي يفسد حجه؛ لأن إحرامه قبل الرمي مطلقًا ألا ترى أنه لا يحل له شيء مما هو حرام على المحرم، والجماع في الإحرام المطلق مفسد/ للحج كما قبل الوقوف بعرفة بخلاف ما بعد الرمي، وقد جاء أوان التحلل، وحل له الحلق الذي كان حرامًا على المحرم، والحجّة لنا في ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا جامع قبل الوقوف يفسد نسكه، وعليه دم، وإذا جامع بعد الوقوف فحجته تامة، وعليه بدنة، وقال صلى الله عليه وسلم:«الْحَجُّ عَرَفَةُ»
(3)
فمن وقف بعرفة فقد تم حجه، وبالاتفاق لم يرد التمام من حيث أداء الأفعال فقد بقي عليه بعض الأركان، وإنما أراد به التمام من حيث إن يأمن الفساد [بعده]
(4)
لما أن حجه تأكد بالوقوف ألا ترى أنه يأمن الفوت بعد الوقوف، فكما يثبت حكم التأكد في الأمن من الفوات، فكذلك في الأمن من الفساد، فأما قبل الوقوف فحجه غير متأكد ألا ترى أنه يفوته بمضي وقت الوقوف فكذلك يفسد بالجماع، وهذا لأن الجماع محظور كسائر المحظورات، وارتكاب محظورات الحجّ غير مفسد له، فكان ينبغي أن لا يكون الجماع مفسدًا لكن تركنا هذا الأصل فيما إذا حصل الجماع قبل تأكد الإحرام بدليل الإجماع، وما بعد التأكد ليس في معنى ما قبله، فيبقى على أصل القياس يوضحه أن عنده لو جامع قبل الرمي يفسد الحجّ، وإذا جامع بعده لا يفسد، والجماع قبل الرمي لا يكون أكثر تأثيرًا من ترك الرمي، وترك الرمي غير مفسد للحج، فكيف يكون الجماع قبله مفسدًا، كذا في «المبسوط»
(5)
.
وإن جامع ثانيًا فعلى كل واحد شاة؛ لأنه وقع في حرمة إحرام مهتوكة فيكفيه شاة بخلاف الأول كذا ذكره الإمام التمرتاشي، وما أشبهه كالتطيب.
(وإذا جامع).
أي: في العمرة.
(بعدما طاف أربعة أشواط أو أكثر فعليه شاة)
(6)
.
فإن قلتَ: كيف فضل طواف العمرة على طواف الزيارة حيث لم يجب شيء في طواف الزيارة إذا جامع بعدما طاف لها أربعة أشواط، ويجب الدم في طواف العمرة إذا جامع بعدما طاف لها أربعة أشواط مع أن العمرة سنة، والحجّ فريضة، وطواف الزيارة ركن الحجّ.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 119).
(2)
انظر: المجموع (7/ 341).
(3)
سبق تخريجه (96).
(4)
أثبته من (ب).
(5)
انظر: المبسوط (4/ 58).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 51).
قلتُ: لم ينشأ هذا من تفضيل العمرة على الحجّ، بل ينشأ ذلك من معنى فقهي فيه، وهو أن طواف الزيارة إنما
(1)
يؤتى به بعد الحلق على ما هو المسنون في الترتيب، فلما حلق أو قصّر فقد تحلل إلا أن حكم التحلل، قد تأخر إلى طواف الزيارة في حق النساء لما ذكرنا، وهو أن يكون ركن الحجّ مؤدى في الإحرام، ولما كان كذلك قام أكثر أشواط الطواف في حكم التحلل مقام جميع الطواف، فكما أنه لو أتم الطواف تحلل في حق النساء، فكذلك إذا أتى بأكثر أشواط الطواف تحلل في حقهن، والدليل على أن عدم وجوب الدم هنا باعتبار سبق عمل التحلل بالحلق هو أنه لو لم يكن حلق قبل طواف الزيارة، ثُمَّ جامع بعدما طاف أربعة أشواط للزيارة يجب عليه الدم كما في طواف العمرة لارتكاب محظور الإحرام، فإن التحلل بالطواف لم يحصل إذا لم يحلق، وكذلك في العمرة أن الحلق مؤخر عن طوافها، فلم يقع التحلل بالطواف، فكان الحلق واقعاً في محض الإحرام سواء كان قبل أكثر أشواط الطواف أو بعده إلى هذا أشار في «المبسوط»
(2)
في باب الجماع من المناسك.
الجماع ناسيا
(ومن جامع ناسيًا). أي: ناسيًا لإحرامه
(كان كمن جامع متعمدًا)
(3)
.
أي: في حق فساد الإحرام وعدم الفساد لا في حق الإثُمَّ، فإنه لا يأثُمَّ فيه بعذر النسيان.
(وقال الشافعي
(4)
رحمه الله: جماع الناسي غير مفسد للحج).
"جماع الناسي غير مفسد على قياس الصوم" ولكنّا نقول: هذا الحكم تعلق بعين الجماع، وبسبب النسيان لا ينعدم عين الجماع، وهذا لأنه قد اقترن ما يذكره، وهو هيئة المحرمين فلا يعذر بالنسيان كما في الصلاة أداء إذا أكل أو شرب بخلاف الصوم، فإنه لم يقترن بحاله ما يذكره، فجعل النسيان فيه عذرًا في المنع في إفساد الصوم بخلاف القياس، وإذا كانت نائمة أو مكرهة يفسد حجتها عندنا، ولا يفسد عند الشافعي
(5)
بناء على أصله أن الإكراه متى أباح الإقدام أعدم أصل الفعل من المُكَره في الأحكام، والنوم بعدم أصل الفعل من النائم، ولهذا قال: لا يفسد الصوم بهذا الفعل في حالة الإكراه أو النوم فكذلك الإحرام، وعندنا تأثير الإكراه والنوم فكذلك الإحرام، وعندنا تأثير الإكراه/ والنوم في رفع المأثُمَّ
(6)
لا في إعدام أصل الفعل ألا ترى أنه يلزمه الاغتسال، وتثبت به حرمة المصاهرة، فكذلك يتعلق به فساد النسك، ويستوي إن كان الزوج محرمًا، أو حلالًا، أو صغيرًا عاقلًا، أو مجنونًا، أو تكون المرأة مجنونة أو صغيرة؛ لأن فساد النُسك يتعلق بعين الجماع، وذلك لا ينعدم بالجنون
(7)
، والصغر إذا كان يجامع مثله، وإنما قلنا: إنه يتعلق بعين الجماع؛ لأن المنهي عنه في الإحرام الرفث، والرفث اسم الجماع كذا في «المبسوط»
(8)
.
(1)
في (ب): لهما.
(2)
انظر: المبسوط (4/ 56).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 51).
(4)
انظر: المجموع (7/ 239)، مغني المحتاج (2/ 299).
(5)
انظر: المجموع (7/ 239)، مغني المحتاج (2/ 299).
(6)
في (ب): الأثُمَّ.
(7)
الجنون: إختلال العقل بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهجه. أنظر: جامع الأسرار (4/ 1257)، وعوارض الأهلية ص (160).
(8)
انظر: المبسوط (4/ 121).
هو يقول: (الحظر ينعدم).
أي: الحرمة تنعدم، فلا يقع الفعل جناية فلذلك لا يفسد به الإحرام.
فصل الجناية التي تتحقق في حق الطواف
شرع في هذا الفصل في بيان جنس جناية أخرى، وهي الجناية التي تتحقق في حق الطواف، وإنما قدم ما ذكر قبل هذا؛ لأن ذلك في ذكر حياته يتحقق في حق الإحرام، وهو شرط، وهذا في حق بيان جناية يتحقق في حق الطواف، وهو
ركن
(1)
؛ لأن الأصل في الأطوفة الثلاثة طواف الزيارة، والشرط مقدم على الركن وجودًا، فكان ما يتعلق بالمقدم مقدمًا أيضًا.
(ومن طافَ طواف القدوم محدثاً فعليه صدقة)
(2)
.
وذكر في مبسوط شيخ الإسلام أنه ليس لطواف التحية محدثًا أوجنبًا شيء؛ لأنه لو تركه أصلًا لم يكن عليه شيء، فكذا إذا تركه من وجه، وذكر في «فتاوى قاضي خان»
(3)
وإن طاف بالبيت تطوعًا على غير طهارة عن محمد رحمه الله أنه يلزمه الصدقة، وقال بعض مشايخ العراق
(4)
: أنه يلزمه الدم، وقال الشافعي
(5)
: لا يعتد به.
(وعندنا يعتد به)، أي: يعتبر حتى لو كان هذا في طواف الزيارة خرج
(6)
به عن إحرامه، وحل له النساء، وكذا لو أتى به أكثر الطواف يتحلل حتى لو جامع بعد ذلك لا يلزمه شيء، كذا في «المبسوط»
(7)
، و «فتاوى قاضي خان»
(8)
.
(الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أباح فيه المنطق).
أي: صلاة حكماً؛ لأنه بعث لتعليم الأحكام دون الأسامي، ولأنه استثنى حكماً فعلم أن المستثنى منه حكم أيضًا، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتغل بالاستثناء لإباحة الكلام إلى ذلك على تعميم الحظر.
قلنا: أما قوله: (الطواف صلاة)، فمعناه في حكم الصلاة أيضًا
(9)
، والمقتضي لا عموم له عندنا، وإنما يقتضي حكمًا، وأنه ثابت فإن الجواز يتعلق بالبيت كما في الصلاة، وكذلك الإباحة بالطهارة، وأما الاستثناء قلنا: ذلك عندنا كلام مبتدأ، وهو استثناء مقطوع كأنه قال: ولكن أبيح فيه الكلام إزالة لإشكال الحرمة ألا ترى أنه أبيح فيه المشي، والانحراف عن البيت بخلاف الصلاة، كذا في «الأسرار»
(10)
، ولنا قوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ}
(11)
،
(1)
سقط من (ب) من قوله: (وإنما قدم) إلى قوله: (وهو ركن).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 51).
(3)
انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 147).
(4)
مشايخ العراق: الْجَصَّاص والْقُدُورِيِّ والكرخي. انظر: حاشية ابن عابدين (3/ 86).
(5)
انظر: النووي في "المجموع"(2/ 67).
(6)
في (ب): جرح.
(7)
المبسوط (4/ 43).
(8)
فتاوى قاضي خان (1/ 147).
(9)
في (ب): اقتضاء.
(10)
انظر: الأسرار (ص 399).
(11)
سورة الحج من الآية (29).
فوجه التمسك به أن الطواف اسم الدوران حول البيت، وذلك يتحقق من المحدث، والطاهر فاشتراط الطهارة فيه
(1)
يكون زيادة على النص، ومثل هذه الزيادة لا تثبت بخبر الواحد ولا بالقياس، ولكن الوجوب يثبت بخبر الواحد؛ لأنه يوجب العمل، ولا يوجب علم اليقين، فلم تصير الطهارة ركنًا، ولكنها واجبة، وهو الصحيح من المذهب.
وكان ابن شجاع يقول: "إنه سنة"، وإيجاب الدم عند تركه دليل على وجوبه، ثُمَّ المراد من الحديث تشبيه الطواف بالصلاة في حق الثواب دون الحكم ألا ترى أن الطواف يتأدّى بالمشي، والمشي مفسد للصلاة، ولأن الطواف من حيث أنه ركن الحجّ لا يستدعي الطهارة كسائر الأركان، ومن حيث أنه متعلق بالبيت يستدعي الطهارة كالصلاة، وما يتردد بين أصلين يوفر حظه عليهما فلشبهه بالصلاة تكون الطهارة واجبة فيه، ولكونه ركنًا من أركان الحجّ يُعتد به إذا حصل من غير طهارة كذا في «المبسوط»
(2)
.
(فيجبر بالصدقة إظهارًا لدنو رتبته عن الواجب).
فإن قلتَ: ينبغي ألّا يختلف الجائز بين الفرض، والنفل لما أن نقائص الحجّ
تجبر بالدماء كنقائص الصلاة يجبر بسجدتي السهو، ثُمَّ أن سجدتي السهو كما
تجب لنقائص الصلاة المفروضة كذلك يجب لنقائص صلاة التطوع، فلم يختلف الجائز فيها بين فرض ونفل، فيجب أن يكون هنا كذلك؛ لأنه قيس هذا بذاك في مواضع.
قلتُ: نعم كذلك إلا أن الجائز في حق الصلاة شيء واحد متعين فلا تعد، ووجوب الجبر منه إلى آخر لما أنه ليس له جابرٌ آخر شرعاً، وأما هاهنا فالجابر شُرِعَ مختلفاً في نفسه من البدنة، والشاة، والصدقة فأمكن فيه إظهار التفاوت، فلذلك وجب متفاوتاً على ما هو مقتضى القياس/ وكان أفحش من الأول، وهو طواف القدوم، ولأن الجنابة أغلظ من الحدث ألا ترى أن المحدث لا يمنع من قراءة القرآن، والجنب يمنع من ذلك، ولأن المنع مع الجنابة من وجهين من حيث الطواف، ومن حيث دخول المسجد، ومنع المحدث من [وجه]
(3)
واحد فلتفاحش النقصان هنا قلنا يلزمه الجبر بالبدنة.
(لأن أكثر الشيء له حكم كله).
أي: تركًا، وتحصيلًا فإن قلتَ: من أين وقعت المفارقة بين هذا وبين سائر الفرائض من الصلاة والصوم حيث لا يقام هناك أكثر ركعات الصلاة مقام كله، وأكثر الصوم مقام كله، وهنا تقام، والقياس يقتضي ألّا يقام الأكثر هنا أيضًا مقام الكل كما هو مذهب الشافعي
(4)
لما أن الطواف سبعة أشواط ثابت بالأحاديث المتواترة يثبت بها الزيادة على كتاب الله تعالى، والفرضية.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 38).
(3)
أثبته من (ب).
(4)
انظر: الخطيب في "مغني المحتاج"(6/ 243).
قلتُ: إن المنصوص عليه في القرآن الطواف بالبيت، وهو عبارة عن الدوران حوله، ولا يقتضي ظاهره التكرار إلا أنه ثبت عن رسول الله عليه السلام قولًا، وفعلًا تقديرًا كمال الطواف سبعة أشواط، فيحتمل أن يكون ذلك للإتمام، ويحتمل أن يكون للاعتداد به فيثبت منه القدر المتيقن، وهو أن يجعل ذلك شرط الإتمام، وإن كان شرط الاعتداد يقام الأكثر فيه مقام الكمال؛ ليترجح جانب الوجود على جانب العدم إذا أتى بالأكثر منه، ومثله صحيح في الشرع كمن أدرك الإمام في الركوع يجعل اقتداؤه في أكثر الركعة كالاقتداء في جميع الركعة في الاعتداد به، والمتطوع بالصوم إذا نوى قبل الزوال يجعل وجود النية في أكثر اليوم كوجودها في جميع اليوم، وكذلك في صوم رمضان عندنا، كذا في «المبسوط»
(1)
.
وذكر الإمام الإسبيجابي رحمه الله: "وإنما كان كذلك؛ لأن الشرع أقام الأكثر في الحجّ مقام الكل في وقوع الأمن عن الفوات احتياطًا وصيانة وتحقيقًا.
بيانه أن النبي عليه السلام قال: «من وقف بعرفة فقد تم حجه»
(2)
.
وقد قلنا: أن من جامع بعد الوقوف لا يفسد، وبعد الرمي لا يفسد بالإجماع، ولو حلق أكثر الرأس صار متحللًا، فلما كان الأمر على هذا الوجه للتيسير جرينا على هذا الأصل فأقمنا الأكثر مقام الكل في باب التحلل، وما يجري مجراه صيانة لهذه العبادة عن الفوات، وتحقيقًا للأمن، يعني: أن الطواف أحد سببي التحلل، فلما أقيم الأكثر مقام الكل في أحد السببين، وهو الحلق بالإجماع أقيم في السبب الآخر، وهو الطواف أيضًا.
قوله: (والأفضل أن يعيد الطواف مادام بمكة)
(3)
.
(والأفضل أن يعيد الطواف مادام بمكة) لتحصيل الجبران بما هو من جنسه. كذا في «المبسوط»
(4)
.
(وفي بعض النسخ)، أي: نسخ «المبسوط»
(5)
.
(وعليه أن يعيد).
أي: طواف الزيارة.
(وإن أعاده بعد أيام النحر).
وأن هذه الوصل، وذكر في الأوضح أن هذه المسألة دليل على أن العبرة في فصل الحديث للطواف الأول إذ لو كان للثاني للزم الدم جبراً للتأخير عند أبي حنيفة، وحيث لم يجب دلنا على أن المعتبر هو الأول لكن الثاني شرع جابراً لنقصان تمكّن في الأول، ولو طاف جنبًا، ثُمَّ أعاد سقط عنه البدنة، ثُمَّ اختلف مشايخنا في أن المعتبر طواف الثاني أم الأول.
فكان أبو الحسن الكرخي
(6)
يقول: المعتبر هو الأول، والثاني جبراً للأول، وكان يستدل على هذا بما قال في الكتاب أنه لو طاف لعمرة جنبًا في رمضان، ثُمَّ أعاد طوافه في أشهر الحجّ، وحج من عامه ذلك لا يكون متمتعًا، ولو كان المعتبر هو الطواف الثاني لكان متمتعًا، وذلك لأن المعتد به هو ما يتحلل به من الإحرام، والتحلل حصل بالطواف الأول فكان هو المعتد به، والثاني جبر النقصان المتمكن فيه كالبدنة، وكما لو كان محدثًا في الطواف الأول كان هو المعتد به، والأصح أن المعتد به هو الثاني، وأن الأول ينفسح بالثاني.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 34).
(2)
سبق تخريجه (96).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 51).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 38).
(5)
انظر: المبسوط (4/ 41).
(6)
الكرخي هو الإمام أبو الحسن عبيد الله بن الحسين بن دلاّل بن دَلَهْم الكرخي، الإمام الفقيه الزاهد، شيخ الحنفية في زمانه، وكان غزير العلم والرواية، كثير الصوم والصلاة، صبورًا على الفقر والحاجة، له: المختصر المشهور، وشرح الجامع الصغير والكبير، وكان يعد من المجتهدين في المذهب
(ت 340 هـ).
انظر: الجواهر المضية (2/ 493)، تاج التراجم (ص/ 200)، الفوائد البهية (ص/ 183).
ألا ترى أنه قال في الكتاب: لو طاف للزيارة جنباً في أيام النحر، ثُمَّ أعاد طوافه بعد مضي أيام التشريق، فعليه دم عند أبي حنيفة لتأخير طواف الزيارة عن وقته، ولو كان المعتد به هو الأول لم يلزمه دم التأخير؛ لأن الأول مؤدًى في وقته، وأما مسألة التمتع فلأنه بما أدى من الطواف في رمضان وقع له الأمن عن فساد العمرة، وإذ أمن فسادها قبل دخول وقت الحجّ لا يكون بها متمتعًا لما أن/ الأول كان حكمه يراعى لتفاحش النقصان فيه، فإن إعادة الفسخ الأول، وصار المعتد به الثاني، وإن لم يعد كان هو معتداً به في التحلل كمن قام في صلاته، ولم يقرأ حتى ركع كان قيامه، وركوعه مراعى على سبيل التوقف، فإن عاد فقرأ، ثُمَّ ركع قرأ انفسخ الأول بالثاني حتى أن من أدرك معه الركوع الثاني كان مدركًا للركعة، وإن لم يعد، وقرأ في الركعتين الأخريين كان الأول معتداً به، وهذا بخلاف المحدث؛ لأن النقصان هنا
(1)
يسير، فلا يتوقف به حكم الطواف الأول، بل بقي معتدًا به على الإطلاق، فكان الثاني جابرًا للنقصان المتمكن فيه كذا في «المبسوط»
(2)
.
وبالثاني قال أبو بكر الرازي: ورجح في «الإيضاح» قول أبي الحسن الكرخي
(3)
على قول أبي بكر الرازي، وهو أن يكون الثاني جابرًا، فقال: وهو أقرب إلى الفقه؛ لأن فيه تقدير ما حكم بالاعتداد به، وهذا أولى من الفسخ، والله أعلم.
لأن بعد الإعادة لا تبقى إلا شبهة النقصان، وهي نقصان الطواف بالحدث كما ذكرنا من «المبسوط»
(4)
، وليست شبهة النقصان تأخير الطواف عن أيام النحر؛ لأنه لو كان كذلك لوجب عليه شيء من الدم أو الصدقة على قول أبي حنيفة ولم يجب، عُلم أن شبهة النقصان كانت بسبب الحدث، وقد ارتفعت تلك الشبهة بالإعادة، فلا يجب شيء.
(وإن أعاده بعد أيام النحر لزمه الدم عند أبي حنيفة).
أي: الشاة، فإن البدنة تسقط بالإعادة بالاتفاق على ما عُرف من مذهبه فإن من مذهب أبي حنيفة رحمه الله أي
(5)
: من أخر نسكًا عن نسك، أو قدم نسكاً على نسك يجب عليه الدم حتى أن من حلق قبل الرمي أو ذبح القارن قبل الرمي أو حلق قبل الذبح يلزمه الدم عند أبي حنيفة، وعندهما لا يلزمه الدم بالتقديم، والتأخير، كذا في «المبسوط»
(6)
. لأن النقص كثير، فصار بمنزلة عدم الطواف.
(1)
في (ب): هناك.
(2)
انظر: المبسوط (4/ 39).
(3)
أبو الحسن الكرخي: هو عُبَيْد الله الكَرْخي (260 - 340 هـ = 874 - 952 م)، أبو الحسن: فقيه، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق. مولده في الكرخ ووفاته ببغداد. له " رسالة في الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية - ط " و " شرح الجامع الصغير " و " شرح الجامع الكبير " الاعلام للزركلي،
ج 4، ص 193
(4)
انظر: المبسوط (4/ 39).
(5)
في (ب): أن.
(6)
انظر: المبسوط (4/ 42).
ويعود بإحرام جديد، فإن قلتَ: لما كان الطواف الأول بمنزلة العدم بسبب فحش الجناية، وهو الجنابة كان هو في إحرامه
(1)
أبدًا، فإنه قال بعد هذا: ولو لم يطف طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله فعليه أن يعود بذلك الإحرام، وهو محرم من النساء أبدًا حتى يطوف صرح بتأييد الإحرام عند عدم الطواف، فكيف يحتاج إلى إحرام جديد هاهنا مع أن ذلك الطواف بمنزلة العدم على ما ذكر؟
قلتُ: لأن التحلل قد وقع له من وجه؛ لأن أصل الطواف قد وجد، وقد ذكرنا أنه بذلك الطواف صار حلالًا في حق النساء، فبالنظر إلى وقوع التحلل من وجه ينبغي أن يحرم إذا عاد إلى مكة؛ لأنه لا يحل لأحد أن يدخل مكة من غير إحرام إذا كان من أهل الآفاق، والكلام فيه، فلذلك يعود بإحرام جديد كذا في «مبسوط فخر الإسلام»
(2)
رحمه الله إلا أن الأفضل هو العود، فيكون الجابر من جنس المجبور، وهو الطواف.
(ومن طاف طواف الصدر محدثاً فعليه صدقة)
(3)
.
(فأشبه النقصان بسبب الحدث).
وفي رواية أبي حفص رحمه الله سوى بين الحدث.
(والجناية في ذلك) أي: في وجوب الصدقة، أي: تجب الصدقة في طواف الصدر سواء كان جنبًا أو محدثًا؛ لأن طواف الجنب معتد به ألا ترى أن التحلل من الإحرام يحصل به في طواف الزيارة فلا يجب بسبب هذا النقصان ما يجب بتركه أصلاً، كذا في «المبسوط»
(4)
.
(لأن النقصان يترك الأقل يسير).
لرجحان جانب الوجود، ويبعث بشاة. وفي «المبسوط»
(5)
، وإن كان طاف أربعة أشواط أجزأه أن لا يعود، ولكن يبعث بشاتين إحديهما لما بقي عليه من أشواط الطواف، فالدم الآخر لطواف الصدر، وإن اختار العود إلى مكة يلزمه إحرام جديد؛ لأن التحلل قد حصل له من الإحرام الأول، فإذا عاد بإحرام جديد، وأعاد ما بقي من طواف الزيارة، وطاف للصدر أجزأه، وكان عليه لتأخير كل شوط من أشواط طواف الزيارة صدقة؛ لأن تأخير الكل كما كان يوجب الدم عنده، فتأخير
(6)
الأقل لا يوجب الدم، ولكن يوجب الصدقة، فإن طاف الأول من طواف الزيارة، وطاف للصدر في آخر أيام التشريق يكمل طواف الزيارة من طواف الصدر؛ لأن استحقاق طواف الزيارة عليه أقوى/ فما أتى به مصرفه
(7)
إلى إكماله، وإن نواه عن غيره لما بينا، وهو قوله:(لأنه خف معنى النقصان)، وفيه نفع الفقراء.
(1)
في (ب): إحرام.
(2)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 135)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 25).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 51).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 44).
(5)
انظر: المبسوط (4/ 43).
(6)
في (ب): فتأخر.
(7)
في (ب): مصروف.
(ومن ترك أربعة أشواط).
أي: من طواف الزيارة،
ترك أقل أو أكثر الطواف
(ومن ترك ثلاثة أشواط من طواف الصدر، فعليه الصدقة).
(إظهارًا للتفاوت بين ترك الأقل من طواف الصدر وبين ترك الأقل من طواف الزيارة، فإن في ترك الأقل من طواف الزيارة تجب
(1)
شاة فيجب في ترك الأقل من طواف الصدر صدقة، ثُمَّ معنى الصدقة هنا هو أن يكون لكل شوط منه نصف صاع من حنطة، وإنما قلنا بالصدقة؛ لأن الدم يقوم مقام جميع طواف الصدر، فلا يجب في ترك أقله ما يجب في ترك كله) كذا في «المبسوط»
(2)
.
(لأنه واجب) أي: لأن طواف الصدر، وفي الوجه الثاني، وهو ما إذا طاف طواف الزيارة جنبًا.
(لأنه مستحق الإعادة أي: لأن طواف الزيارة الذي طاف جنبًا واجب الإعادة لفحش الجناية، فيقع عما هو المستحق، وإن نواه عن غيره، وفي إقامة هذا الطواف مقام طواف الزيارة فائدة، وهي إسقاط البدنة عنه، ثُمَّ اعلم أن هاهنا أصلًا، وهو أن كل من وجب عليه طواف، وأتى به في وقته وقع عنه سواء نواه أو لم ينوه أو نوى به طوافًا آخر، مثاله أن المحرم بالعمرة أو الحجّة إذا قدم مكة فطاف، ولم ينو شيئًا أو نوى التطوع، فإن كان معتمرًا وقع عن العمرة، وإن كان حاجًا وقع عنه طواف القدوم، وإن كان قارنًا كان الطواف الأول للعمرة ثُمَّ الحجّ
(3)
، سواء نوى التطوع أو طوافاً آخر، وإنما كان كذلك؛ لأن عقد الإحرام انعقد لأدائه، فإذا أتى به وقع عما هو مستحق عليه، ولم تتغير نيته
(4)
كما إذا سجد ينوي به تطوعاً لم يعتبر نيته، ووقعت السجدة عما هو مستحق عليه كذلك هاهنا، وكذلك في طواف الزيارة إذا نفر في النفر الأول، ثُمَّ طاف ينوي تطوعًا أو لا ينوي شيئاً فهو للزيارة، وإن طاف بعد ذلك تطوعًا فهو للصدر لما بيّنا كذا في «الإيضاح»
(5)
، و «المبسوط»
(6)
.
(وبتأخير الآخر على الخلاف).
وهو طواف الزيارة، ولا يؤمر بالرجوع على ما بيّنا، وهو قوله:(ومن ترك طواف الصدر أو أربعة أشواط فعليه شاة) إلى قوله: (ومادام بمكة يؤمر بالإعادة)، فيعلم منه أن وجوب الشاة فيما إذا رجع إلى أهله، ولا يؤمر بالرجوع إلى مكة لإعادة طواف الصدر، وأما السعي فلأنه تبع للطواف، وهذا لأن إعادة السعي إنما لزمه، وإن كان السعي في الأضداد
(7)
لا يفتقر إلى الطهارة؛ لأنه متى طاف ثانيًا صار الطواف الأول كأن لم يكن؛ لأن الأول لو لم يصر كأن لم يكن، يلزم اتصاف الطوافين بالفرضية، أو امتناع فرضية الثاني، وكل واحد منهما منتفٍ أما امتناع فرضية الثاني على هذا التقدير فظاهر؛ لأن الأول لو بقي كما كان، والثاني فرض يلزم اتصافهما بالفرضية، وذلك منتفٍ؛ لأن الفرض في العمرة أحدهما، فإذا صار الطواف كأن لم يكن بقي السعي قبل الطواف، فلا يقع به الاعتداد، ولأن السعي إنما كان قربه تبعاً للطواف، وإذا وجب إعادة الطواف وجب إعادة السعي لمكان
(8)
التبعية، ولهذا لم يكن قربه بدون الطواف كذا في «الفوائد الظهيرية»
(9)
فإن عاد الطواف، ولم يعد السعي كان عليه دم؛ لأنه لما أعاد الطواف فقد نقض الطواف الأول، فإذا انتقض حصل السعي قبل الطواف، فلا يعتبر.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 44).
(3)
في (ب): للحج.
(4)
في (ب): بنيته.
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 56).
(6)
انظر: المبسوط (4/ 29).
(7)
في (ب): الاعتداد.
(8)
في (ب): لكان.
(9)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 57).
هكذا ذكر بوجوب الدم عند عدم إعادة السعي في كثير من شروح «الجامع الصغير»
(1)
من جامع الصغير لقاضي خان، والتمرتاشي، والحسامي
(2)
، و «الفوائد الظهيرية»
(3)
، وغيرها، ولكن ذكر الإمام الزاهد المحقق شمس الأئمة السرخسي، والإمام المحبوبي -رحمهما الله-: وإن أعاد الطواف، ولم يعد السعي فلا شيء عليه؛ لأن الطهارة ليست بشرط في السعي، وإنما كانت شرطاً للطواف
(4)
لاختصاصه بالبيت، واعتباره بالصلاة من وجه لما جاء في الحديث، وهذا المعنى لا يوجد في السعي، وإنما الشرط في السعي أن يأتي على أثر طواف معتد به، وطواف المحدث بهذه الصفة.
ألا ترى أنه يتحلل به فوقع اختيار المصنف
(5)
على ما اختاره شمس الأئمة السرخسي/ رحمه الله حيث قال: (وكذا إذا أعاد الطواف، ولم يعد السعي في الصحيح)، أي: لا شيء عليه، وقال: وليس عليه في السعي شيء معطوف على قوله: (فعليه دم لترك الطهارة في الطواف)، وهذا الجواب لسؤال مقدر، وهو أن يقال: لمّا قام الدم مقام الطواف عند الرجوع إلى أصله
(6)
صار كأنه أعاد الطواف، فإذا أعاد الطواف كان يجب عليه إعادة السعي، فلمّا لم يعد السعي وجب الدم كما إذا أعاد الطواف ولم يعد السعي على تلك الروايات التي ذُكرت في كثير من شروح «الجامع الصغير»
(7)
، فأجاب عن هذا السؤال في «الفوائد الظهيرية»
(8)
، وقال: إذا أعاد الطواف، ولم يعد السعي إنما يلزمه الدم؛ لأن بالإعادة يرتفع المؤدى فيبقى السعي قبل الطواف، فلا يقع الاعتداد فيلزمه الدم لتركه بخلاف ما إذا لم يعد الطواف، وأراق الدم؛ لأن بإراقة الدم لا يرتفع المؤدى، ومن أفاض قبل إذن الإمام من عرفات فعليه دم فكان من حق الرواية أن يقال: ومن أفاض قبل غروب الشمس فعليه دم، لما أن المحظور عليه الإفاضة قبل غروب الشمس ألا ترى أنه تعرض في جانب التعليل إلى هذا فقال: ولنا أن الاستدامة إلى غروب الشمس واجبة.
(1)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 57).
(2)
حسام الدين الأخسيكثي الحسامي: هو: محمد بن محمد بن عمر الأخسيكثي، حسام الدين: فقيه حنفي أصولي. من أهل (أخسيكث) من بلاد فرغانة. مات فى يوم الإثنين الثالث والعشرين من ذي القعدة سنة أربع وأربعين وست مائة، ودفن بمقبرة القضاة السبعة بالقرب من قاضي خان. له (المنتخب في أصول المذهب)، ويعرف بالمنتخب الحسامي، نسبة إلى لقبه (حسام الدين) شرحه جماعة، منهم
عبد العزيز بن أحمد البخاري.
(الجواهر المضية: 2/ 120)، و (الأعلام للزركلي: 7/ 28)، (معجم المؤلفين: 11/ 253).
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 57).
(4)
اشتراط الطهارة من الحدث هو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد في المشهور من مذهبه، وعند أبي حنيفة: الطهارة ليست بشرط للطواف فلو طاف وعليه نجاسة أو محدثا صح طوافه، واختلف أصحابه في وجوبها أم أنها سنة؟.
انظر: البدائع (2/ 129)، شرح اللباب (103 - 155)، بداية المجتهد (1/ 342)، المجموع (8/ 18)، الشرح الكبير (9/ 115).
(5)
هذه المسألة خلافية حاصلها: أنه لو أعادها لاشئ عليه، وإن أعاد الطواف ولم يعد السعي خلاف: قيل: لا شئ عليه وصححه مسكين، واختاره شمس الأئمة كما ذكر الزيلعي تبعا لتصحيح الهداية، لكن في غاية البيان وأكثر المشايخ في شروح الجامع على خلاف ماذهب إليه صاحب الهداية حيث قالوا إذا أعاد الطواف ولم يعد السعي كان عليه دم.
انظر: الهداية 01/ 166)، تبيين الحقائق (2/ 61)، منحة الخالق نقلا عنهم (2/ 24)، غاية البيان (خ. جـ. ل: 256)، النافع الكبيرص (162)، البناية عنه (3/ 711).
(6)
في (ب): أهله.
(7)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 57)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 24).
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 57)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 24).
وذكر في «المبسوط»
(1)
: (وإن لم يستدم الوقوف إلى وقت غروب الشمس لم يجب عليه الدم إذا أفاض قبل غروب الشمس؛ لأن نفس الغروب ركن واستدامته إلى غروب الشمس واجبة لما فيها من إظهار مخالفة المشركين فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر به، وترك الواجب يوجب الجبر بالدم؛ لأن استدامة الوقوف على من وقف نهارًا لا ليلًا؛ لأن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:«من وقف بعرفة بليلٍ أو نهارٍ فقد أدرك الحجّ»
(2)
يقتضي أن لا يكون الامتداد شرطًا لا في الليل، ولا في النهار غير أنّا تركنا ظاهر هذا الحديث في حق النهار بقوله صلى الله عليه وسلم:«فادفعوا بعد غروب الشمس»
(3)
وقوله صلى الله عليه وسلم:
«اثبتوا على مشاعركم حتى تغرب الشمس»
(4)
، والمعنى مخالفة المشركين فيه على
ما ذكرنا، فبقي الباقي على ظاهره فلا يكون الامتداد شرطًا في الليل، فإن عاد إلى عرفة بعد غروب الشمس لا يسقط عنه الدم.
وروى ابن شجاع عن أبي حنيفة أنه يسقط عنه الدم، وقال: لأنه استدرك ما فاته، وأتى بما عليه؛ لأن الواجب عليه الإفاضة بعد غروب الشمس، و [قد]
(5)
أتي بها فيسقط عنه الدم كمن جاوز الميقات حلالًا، ثُمَّ عاد إلى الميقات فأحرم.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 56).
(2)
سبق تخريجه (96).
(3)
أخرجه أبو داود في "سننه" باب: [صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (2/ 182) برقم: [1905] بلفظ: «فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ» ، وأخرجه الترمذي في "سننه" باب:[مَا جَاءَ أَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ](3/ 223) برقم: [885]، بلفظ:«ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ» . وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح"(2/ 783) برقم: [2555].
(4)
أخرجه الفكهاني في باب أخبار مكة برواية محمد بن يحيي قال حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار عن عمرو بن صفوان قال: إن يزيد بن شيبان قال: كنا في موقف لنا بعرفة خلف الموقف في مكان بعيد، فاتانا ابن مربع الأنصاري فقال: إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم إليكم يقول لكم: " اثبتوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث إبراهيم "(5/ 10)، برقم 2790.
(5)
أثبته من (ب) وفي (أ) لم، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
الجناية بترك الواجب في باقي أفعال الحج والوقوف بعرفة
قوله
(1)
: (لا يسقط عنه الدم في ظاهر الرواية).
لأن الواجب على من وصل إلى عرفات بعد الزوال استدامة الوقوف إلى غروب الشمس، ولم يتدارك ذلك بالانصراف بعد غروب الشمس فلا يسقط عنه الدم.
قوله: (وإن عاد قبل غروب الشمس حتى أفاض مع الإمام) ذكر الكرخي
رحمه الله في «مختصره»
(2)
: (أن الدم يسقط عنه)؛ لأن الواجب عليه الإفاضة مع الإمام بعد غروب الشمس فقد تدارك ذلك في وقته، ومن أصحابنا من يقول: لا يسقط عنه الدم هاهنا أيضًا؛ لأن استدامة الوقوف قد انقطعت بذهابه، وبرجوعه لا يصير وقوفه مستدامًا، بل ما فات عنه لا يمكن تداركه فلا يسقط عنه الدم، كذا في «المبسوط»
(3)
.
وذكر الإمام الإسبيجابي؛ لأن الدم وجب لفوت الامتداد إلى غروب الشمس، وبالعود لا يقع التدارك بخلاف ما لو طاف جنباً، ثُمَّ أعاده؛ لأن التدارك قد حصل فبطل عنه الدم، ومن ترك الوقوف بمزدلفة فعليه دم؛ لأنه من الواجبات ذكر هذا، وذكر السعي بين الصفا والمروة بأنهما واجبان قد مر، وإنما أعاد هاهنا؛ لأن هذا الفصل فصلٌ ذكر فيه جنس ما ترك من الواجبات من أفعال المناسك، وهما من تلك الأجناس فذُكر لذلك، ومن ترك رمي الجمار في الأيام كلها، وهي أربعة أيام فإن ابتدأ يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجّة إلى ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث، وهو اليوم الثاني عشر النفر الأول، وإن مكث إلى اليوم الرابع رمى فيه، وفيه النفر الثاني، وقد ذكرناه، ويكفيه دم واحد خلافًا لقول بعض المشايخ: فإن عندهم يجب لكل يوم دم واحد.
قوله رحمه الله: (لأن الجنس متحد كما في الحلق).
فإنه لو حلق شعر البدن كله يلزمه دم واحد، وإن كان لزمه دم لو اقتصر على البعض كذا في «مبسوط// ي
شيخ الإسلام»
(4)
،
(والترك إنما يتحقق بغروب الشمس من آخر أيام الرمي).
وهو اليوم الرابع من أول يوم النحر، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة، وإنما لا يبقى وقت الرمي بغروب الشمس في آخر أيام الرمي، ولا يبقى في تلك الليلة التي غربت الشمس بخلاف الليالي التي قبلها حيث يبقى وقت الرمي الذي في النهار كما في رمي جمرة العقبة؛ لأن الليلة الأخيرة ليست بوقت الرمي وليست بتابعة للتي
(5)
قبلها، وإنما جُعلت تبعًا إذا تعقبها الرمي حتى تصير متخللة.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 127)، العناية شرح الهداية (3/ 60).
(3)
انظر: المبسوط (4/ 56).
(4)
انظر: المبسوط للشيباني (2/ 433)، العناية شرح الهداية (3/ 60)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 25).
(5)
في (ب): للذي.
ولم يوجد بخلاف رمي جمرة العقبة إذا أخره حتى غربت الشمس في أول يوم النحر، فإنه يرميها في الليل، ولا شيء عليه لم يعرف قربة إلا فيها، فإن معنى القربة في الرمي غير معقول، وإنما عرفناه [قربة]
(1)
بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو إنما رمى في هذه الأيام فلا يكون الرمي قربة بعد مضي وقتها كما لا يكون إراقة الدم قربة بعد مضي أيام النحر، فإذا لم يكن قربة كان عبثًا فلا يشتغل به، ومادامت الأيام باقية، وهي أربعة أيام آخرها آخر أيام التشريق، فالإعادة ممكنة لبقاء وقت الرمي، فكان هذا نظير تكبيرات التشريق، فإن من ترك شيئًا من الصلاة في هذه الأيام يقضيها بالتكبيرات إلى آخر أيام التشريق، ونظيره الأضحية أيضًا.
(على التأليف).
أي: على الترتيب الذي شُرع.
(وإن ترك رمي يوم [واحد]
(2)
فعليه دم)
(3)
.
فإن قيل: هذا بظاهره يتناول كل يوم من الأيام الأربعة، ثُمَّ هو مخير في اليوم الثالث بين النفر وبين الإقامة في منى، وهذا آية كونه تطوعاً، فكيف يجب الدم بتركه؟
قلنا: التخيير قبل طلوع الفجر من اليوم الرابع من أيام الرمي، فأما إذا طلع الفجر، فقد وجب عليه الإقامة، ويجب بتركه الدم، وهذا كالتطوع إذا تركه بعد الشروع يجب القضاء، ولا يجب قبل الشروع شيء بتركه.
الجناية بترك رمي إحدى الجمار الثلاث
(ومن ترك رمي إحدى الجمار الثلاث فعليه الصدقة)
(4)
.
حتى أنه لو ترك رمي جمرة العقبة في اليوم الثاني يجب عليه
(5)
الصدقة؛ لأن ذلك ثلث الرمي الذي يوجد في ذلك اليوم، ولو تركه في اليوم الأول يجب الدم؛ لأنه كمال الرمي في اليوم الأول فكان مضموناً بالدم، ثُمَّ اعلم أن وجوب الدم، والصدقة بالترك إنما يستقيم أجزاؤه على الإطلاق من غير خلاف أن لو لم يقض في أيام الرمي أما لو قضى رمي اليوم الأول في اليوم الثاني، أو في اليوم الثالث، أو قضى رمي اليوم الثاني في اليوم الثالث، فالوجوب على قول أبي حنيفة رحمه الله، وأما قولهما: فلا دم ولا صدقة؛ لأن تأخير النسك وتقديمه غير موجب عندهما شيئاً فكان المتروك أقل؛ لأن المتروك كان سبع حصيات والمؤتى به أربع عشرة حصاة إلا أن يكون المتروك أكثر من النصف بأن يرمي عشر حصيات
(6)
، ويترك إحدى عشرة حصاة؛ وذلك لأن وظيفة الرمي في كل يوم إحدى وعشرون حصاة، فكان إحدى عشرة أكثرها، ثُمَّ أنّا قد ذكرنا اختلاف العلماء في ابتداء وقت رمي جمرة العقبة، وكذلك يختلفون في آخر وقته، ففي ظاهر المذهب وقته إلى غروب الشمس، ولكنه لو رمى بالليل لا يلزمه شيء، وعند أبي يوسف رحمه الله: أن وقته إلى زوال الشمس، وما بعد الزوال يكون قضاء، وللشافعي
(7)
فيه قولان: في قول يرمي إلى غروب الشمس فإذا غربت تعين عليه الفدية لفوات الوقت في حق هذا الرمي، وفي قول يمتد وقته إلى آخر أيام التشريق، وحجتنا في ذلك النص قوله صلى الله عليه وسلم:«إن أول نسكنا في هذا اليوم إلى آخره»
(8)
، وذهاب تمام اليوم بغروب الشمس إلا أن أبا يوسف رحمه الله يقيس الرمي في هذا اليوم بالرمي في اليوم الثاني فيقول كما أن وقت الرمي في اليوم الثاني نصف اليوم، وهو ما بعد الزوال فكذا في هذا اليوم وقت الرمي نصف اليوم، وذلك إلى زوال الشمس إلا أنه إذا رمى بالليل لم يلزمه شيء، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا ليلًا؛ لأن اليوم لمّا كان وقتًا للرمي فالليل يتبعه في ذلك كليلة النحر تجعل تبعًا ليوم عرفة في حكم الوقوف، فإن لم يرمها حتى يصبح من الغد رماها لبقاء وقت جنس الرمي، ولكن عليه دم للتأخير
(1)
أثبته من (ب).
(2)
أثبته من (ب).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 51).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 51).
(5)
ساقطة من (ب).
(6)
في (ب): حصاة.
(7)
انظر "المجموع" للنووي (8/ 229).
(8)
أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [اسْتِقْبَالِ الإِمَامِ النَّاسَ فِي خُطْبَةِ العِيدِ](2/ 21) برقم: [976] بلفظ: «إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا» .
في قول أبي حنيفة -رحمهما الله-/ وعندهما
(1)
لا دم عليه هذا كله من «المبسوط»
(2)
، و «مبسوط الإسبيجابي»
(3)
.
(وكذا إن ترك الأكثر منها).
أي: من جمرة العقبة.
(ومن أخر الحلق حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفة -رحمه
الله-)
(4)
.
والحاصل: أن عند أبي حنيفة الحلق للتحلل في الحجّ يتوقت بالزمان، وهو أيام النحر، وبالمكان، وهو الحرم، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله لا يتوقت لا بالزمان، ولا بالمكان على ما يجيء بعد هذا.
قوله رحمه الله: (لأن التأخر عن المكان يوجب الدم) إلى آخره.
وهذا دليل لإثبات مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وهو جواب أيضًا عن قولهما إنه لا يجب مع القضاء شيء آخر، ولنا
(5)
القياس كذلك إلا أنا أوجبناه استدلالًا بالتأخير عن الميقات، فإن تأخير الإحرام عن الميقات شرع موجب للدم، وإن قضى المتروك بمثله، والقياس يترك بدلالة النص، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(6)
.
(ومن اعتمر فخرج من الحرمِ، وقصّرَ فعليهِ دم).
وكذلك لو حلق.
(وقيل: هو بالاتفاق)، أي: وجوب الدم على الحاج إذا حلق في غير الحرم؛ لأن السنة جرت في الحجّ.
(فالحاصل: أن الحلق يتوقت).
أي: في الحجّ؛ لأن الحلق في العمرة غير موقت بالزمان، وبالإجماع على ما يأتي.
(بالزمان والمكان عند أبي حنيفة رحمه الله.
الزمان هو يوم النحر، والمكان الحرم حتى لو أخر عنهما يجب الدم عنده، وقال: لأن ما كان للتحلل في الحجّ يتوقت بالزمان، والمكان جميعًا كالطواف الذي يتم به التحلل لا يكون إلا في المسجد، فيتوقت بأيام النحر فكما أنه لو أخر الطواف عن وقته يلزمه الدم عنده، فكذلك إذا أخر الحلق عن وقته فعلى هذا كان ينبغي أن لا يُعتدّ بحلقه خارج الحرم كما في الطواف لكنا جعلنّاه معتدًّا به؛ لأن محل فعله الرأس دون الحرم، ولكن جاز لتأخيره عن مكانه، فليلزمه دم كما يلزمه بالتأخير عن وقته لا يتوقت بهما؛ لأن الحلق الذي هو نسك في أوانه بمنزلة الحلق الذي هو جناية قبل أوانه فكما أن ذلك لا يختص بزمان ومكان، فكذلك هذا لا يختص بزمان ومكان؛ لأنه لو خصّ بهما لما وقع معتدًّا به في غير ذلك المكان والزمان كالوقوف بعرفة، وقد اعتدّ به، وعند محمد يتوقت بالمكان دون الزمان؛ لأن تعلق المناسك بالمكان أكد من تعلقها بالزمان كالطواف بالبيت، وعند زفر على عكسه؛ لأن التحلل عن الإحرام معتبر بابتداء الإحرام، وابتداء الإحرام مؤقت بالزمان دون المكان حتى يكره له أن يحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ، ولا يكره له أن يحرم بالحجّ في أي مكان شاء قبل أن يصل إلى الميقات، فكذلك التحلل عنه بالحلق يتوقت من حيث الزمان دون المكان، فلذلك إذا أخره عن أيام النحر يلزمه الدم، وإذا خرج من الحرم، ثُمَّ حلق لا يلزمه شيء كذا في «المبسوط»
(7)
غير مؤقت بالزمان بالإجماع، وأما في حق المكان، ففيه الاختلاف كالاختلاف في الحلق للحج.
(1)
أي: الصاحبين.
(2)
انظر: المبسوط (4/ 64).
(3)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 139).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 52).
(5)
في (ب): وقلنا.
(6)
انظر: المبسوط للشيباني (2/ 521)، العناية شرح الهداية (3/ 62)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 26).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 71).
(لأن أصل العمرة لا يتوقت به).
أي: بالزمان فإن الركن في العمرة، وهو الطواف لا يتوقت من حيث الزمان، فكذلك الحلق فيها لا يتوقت بخلاف الحجّ.
وقوله: (بخلاف المكان لأنه مؤقت به).
أي: على قول أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- وذكر في «المبسوط»
(1)
فإنه لو حلق للعمرة خارج الحرم، فعليه دم عند أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- كما في الحجّ، وعند أبي يوسف رحمه الله لا شيء عليه.
قال: (فإن لم يقصّر).
أي: قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير»
(2)
، وإن لم يقصّر المعتمر، وهو قوله:
(معناه إذا خرج المعتمر، ثُمَّ عاد).
أي: أتى الحرم [فقصر]
(3)
، وإنما وضع المسألة في المعتمر؛ لأن الحاج [إذا]
(4)
خرج ثُمَّ عاد إلى الحرم بعد أيام النحر فحلق أو قصر يجب عليه الدم عند أبي حنيفة رحمه الله بسبب تأخير الحلق، وبهذه المسألة، وهي مسألة [المعتمر]
(5)
يُعلم أن أفعال العمرة غير مؤقتة بالزمان بالإجماع.
(وهو الأول).
أي دم بالحلق من غير أوانه، فإن قلتَ: ينتقض هذا الذي ذكره بما ذكر قبل هذا الصفحة في مسألة تأخير الحلق، وهو قوله:(وقال: لا شيء عليه في الوجهين)
(6)
إلى أن قال: (والحلق قبل الذبح). فقد أثبت هناك أن الحلق قبل الذبح غير موجب عندهما شيئًا، ثُمَّ أوجب هاهنا عندهما فيه/ دمًا فما وجهه؟
قلتُ: وجهه أنهما يوجبان على القارن دمًا، وهو دم القران، وهو بالاتفاق، ولا يوجبان شيئًا بسبب تقديم الحلق، وتأخيره لكن التعليل في «الهداية» هاهنا وقع في غير محله؛ لأنّا لو قلنا: وجوب الدم على القارن سبب تقديم الحلق على الذبح ينبغي أن يجب على القارن ثلاثة دماء في هذه الصورة على قول أبي حنيفة، وعلى قولهم دمان لم يقل به أحد، وهذه المسألة من مسائل «جامع الصغير»
(7)
.
وقال في أصل رواية «الجامع الصغير»
(8)
لمحمد رحمه الله في قارن حلق قبل أن يذبح قال: عليه دمان
(9)
دم القران، ودم آخر؛ لأنه حلق قبل أن يذبح، يعني: على قول أبي حنيفة رحمه الله ولفظ «الجامع الصغير»
(10)
لفخر الإسلام في قارن حلق قبل أن يذبح قال: عليه دمان، وقال أبو يوسف، ومحمد: ليس عليه إلا دم القران، وهذا لأنّا لو أجرينا هذا التعليل على ما يقتضيه يوجب أن يقال على قول أبي حنيفة رحمه الله في تقديم نسك على نسك دمان دم لتقديم نسك، ودم لتأخير نسك؛ لأن في كل تقديم تقديمًا وتأخيرًا، ولم يقل أبو حنيفة رحمه الله في تقديم نسك على نسك إلا بوجوب دم واحد، ولمّا ثبت هذا كان من حق الرواية أن يقال:(فإن حلق القارن قبل أن يذبح فعليه دمان عند أبي حنيفة)
(11)
دم القران، ودم آخر؛ لأنه حلق قبل أن يذبح، وعندهما يجب عليه دم واحد، وهو الأول كما هو لفظ رواية «الجامع الصغير» .
(1)
انظر: المبسوط (4/ 70).
(2)
انظر: لعناية شرح الهداية (3/ 65).
(3)
أثبته من (ب) وفي (أ) يقصر، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(4)
أثبته من (ب) وفي (أ) إلى، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(5)
أثبته من (ب) وفي (أ) العمرة، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 52)
(7)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 66)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 28).
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 66)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 28).
(9)
عند أبي حنيفة، ودم واحد عند محمد، وقال زفر: إن حلق في أيام النحر لاشي عليه، وإن حلق بعدها عليه دم خلافًا لأبي يوسف. انظر: تبيين الحقائق (2/ 26).
(10)
العناية شرح الهداية (3/ 66)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 28).
(11)
انظر: بداية المبتدي (1/ 52).
(ولا يجب بسبب التأخير شيء على ما قلنا).
وهو قوله (لهما أن ما فات مستدرك بالقضاء)، ولا يجب مع القضاء شيء آخر، والله أعلم.
فصل في جناية الصيد
لما أراد بيان جنس آخر من الجنايات في الإحرام، وهو الجناية على الصيد، أتى بفصل آخر متصلًا به لوجود معنى الاتصال من حيث الجناية، ومعنى الانفصال من حيث المغايرة في النوع الخاص.
(اعلم أنَّ صيدَ البرِ محرمٌ على المحرم).
أي: سواء كان مملوكًا أو مباحًا؛ لأن اسم الصيد عام لا يتبدل بالحكم الشرعي، وهو الملك.
(وصيد البحر ما يكون توالده، ومثواه في الماء).
وأما ما يأوي البحر، ويتوالد في البر فهو من صيد البر، وما يتوالد في البحر، ويكون في البر كالضفدع
(1)
فهو من صيد البحر؛ لأن التوالد هو الأصل [والكينونة]
(2)
بعد ذلك أمر عارض، فيعتبر الأصل كذا في «الإيضاح»
(3)
.
تعريف الصيد
(والصيد هو الممتنع المتوحش في أصل الخلقة).
قيد بالممتنع، وهو الذي يمنع نفسه عمن قصد إليه إما بقوائمه الأربع أو بجناحيه احترازًا عن الدجاج، والبط الأهلي.
وقيّد بالمتوحش في أصل الخلقة ليدخل فيه الحمام المسرول، والظبي
(4)
المستأنس، ويخرج الإبل والغنم المستوحشة لما أن التوحش أصلي في الحمام المسرول والظبي، والاستئناس عارض، وبالعارض لا يتبدل حكم الأصل، وفي الإبل المستوحشة انعكس الحكم لانعكاس العلة، فإن الاستئناس فيها أصلي، والتوحش عارض، فلا يثبت لها حكم الصيد باعتبار العارض، ولا ينتقض هذا بالجرح الاضطراري في حقها كما في الصيود؛ لأنّا نقول: الذبح الاضطراري غير مختص بالصيد، فإن ذلك دائر بالضرورة لا بالصيدية حتى أن الشاة، أو البعير إذا وقعت في البئر، فلم يمكن ذبحه، فإن هناك يقوم الجرح مقام الذبح، وهو ليس بصيد، وإذا أخذ الصيد، وهو حي لا يحل بدون الذبح الاختياري، كذا في «الإيضاح»
(5)
، وغيره. والدلالة: ليست بقتل؛ لأن القتل فعل متصل من القاتل بالمقتول، فأما الدلالة والإشارة، فغير متصلة بالمحل، وهو الصيد، والحكم الثابت بالنص لا يجوز إثباته فيما ليس في معنى المنصوص، فأشبه دلالة الحلال حلالًا، فإن الحلال إذا دل الحلال على صيد الحرم فقتله المدلول كان الجزاء مقتصراً على القاتل، ولا يكون على الدال شيء للمعنى الذي قلنا.
(1)
الضفدع: حيوان برمائي، ذو نقيق، وضفدع الماء أو المكان: كثرت ضفادعه، وهو على نوعين: ضفادع خضراء، وضفادع بنية.
انظر: المعجم الوسيط (1/ 543).
(2)
أثبته من (ب) وفي (أ): الكسوة. ولعل الصواب ماأثبته لموافقته كتب شروح الفقه.
(3)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 205)، العناية شرح الهداية (3/ 66).
(4)
الظبي: جنس من الحيوانات، من ذوات الأظلاف، المجوفات القرون، يستلذ الحنظل ويشرب الماء المالح.
انظر: المعجم الوسيط (2/ 581).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 66).
قلتُ: قيده حلالًا اتفاقي، فإن الدال إذا كان حلالًا لا يضمن في صيد الحرم، وإن كان المدلول محرمًا، فلذلك أطلق الدلالة من قيد أن يكون المدلول محرمًا في «المبسوط»
(1)
، و «الإيضاح»
(2)
في بيان جزاء صيد الحرم، وذكر في «المحيط»
(3)
، ومسائل الدلالة أقسام: أحدها: محرم دل محرمًا على صيد، فقتله المدلول/ فعلى كل واحد منهما جزأ
(4)
كامل، والثاني: محرم دلّ حلالًا على صيد فقتله المدلول فعلى الدال قيمته، ولا شيء على الحلال، والثالث: حلال دل محرمًا على صيد، والحلال في الحرم، فقتل المحرم الصيد فليس على الدال الجزاء في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله- وقال في «الْهَارُونِيِّ»
(5)
: على الحلال نصف قيمته، ولنا ما روينا من حديث أبي قتادة
(6)
أي: في باب الإحرام بعد صفحة أو أكثر، وقال عطاء وهو عطاء
(7)
بن أبي رباح تلميذ ابن عباس: «أجمع الناس على أن [على]
(8)
الدال الجزاء»، فعلى هذا كان ما روي عن ابن عمر «ليس على الدال الجزاء»
(9)
محمولاً على ما إذا دل، ولم يقتله المدلول حتى يوافق [قوله]
(10)
قول سائر الصحابة كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(11)
.
(لأن المحرم بإحرامه التزم الامتناع عن التعرض) إلى آخره.
في هذا جواب؛ لقوله: أن حرمة الصيد في حق المحرم لا يكون أقوى من حرمة مال المسلم ونفسه، ولا يضمن الدال على مال المسلم، ولا على نفسه شيئاً بسبب الدلالة، فكذلك هاهنا.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 79).
(2)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 66).
(3)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 444).
(4)
في (ب): جزاء.
(5)
انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 297).
(6)
أبوقتادة هو: الحارث بن ربعي بن بلدمة بن خناس بن عبيد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري الخزرجي السلمي، وقيل اسمه نعمان، وقيل عمرو، الصحابي الجليل فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد
أحدًا والمشاهد كلها، توفي سنة أربع وخمسين رضي الله عنه ورحمه.
انظر: أسد الغابة (6/ 250)، سير أعلام النبلاء (2/ 449)، الإصابة (4/ 157).
(7)
ساقطة من (ب).
(8)
أثبته من (ب).
(9)
ذكره البغوي في "السنة" باب: [جَوَازِ أَكْلِ لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يُصَدْ لِأَجْلِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ](7/ 265) برقم: [1989].
(10)
أثبته من (ب).
(11)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 49).
فإنّا نقول: ما التزم ترك التعرض لذلك بعقد خاص هناك، وأما هاهنا الإحرام عقد خاص، وقد ضمن ترك التعرض بعقده، فإذا تعرض له بالدلالة قد باشر بخلاف ما التزم، وكان قياس المودع يدل سارقًا على سرقة الوديعة. كذا في «المبسوط»
(1)
، والدلالة الموجبة للجزاء أن لا يكون المدلول عالماً بمكان الصيد، فأما إذا كان المدلول عالمًا به، فلا جزاء على الدال؛ لأن المدلول ما تمكن من قتله بدلالته، وفي «المبسوط»
(2)
: ولو أمره بقتله ينبغي أن يضمن الجزاء، وعلى هذا لو أعار المحرم سكينًا غيره ليقتل صيدًا فإن لم يكن مع ذلك الغير ما يقتل به الصيد، فعلى المعير الجزاء، وإن كان معه ما يقتل به الصيد، فلا شيء على المعير؛ لأن تمكّنه من قتله لم يكن بإعارة السكين، وأن يصدّقه في الدلالة حتى لو كذبه، وصدّق غيره لا ضمان على المكذب، وفيه إشارة إلى أن الجزاء على ذلك الغير الذي صدّقه، وإن كانت دلالة ذلك الغير بعد دلالة الأول المكٌذَب، وبه صرح في «المبسوط»
(3)
فقال: فالجزاء على الدال الثاني دون الأول، وفيه قيود أُخر سوى هذين المذكورين.
أحدها: أن يتصل القتل به بهذه الدلالة لا مجرد الدلالة.
والثاني: أن الجزاء إنما يجب على الدال إذا أخذ المدلول الصيد، والدال محرم فأما إذ حلّ من إحرامه قبل أن يأخذه المدلول فلا جزاء على الدال؛ لأن فعله إنما يتم جناية عند بقاء إحرامه إلى وقت القتل ألا ترى أن قتل الغير بدلالته أكثر تأثيرًا من قتله بنفسه، ولو قتله بنفسه لم يلزمه شيء، فكذلك إذا أخذه غيره بدلالته.
والثالث: أن يأخذه المدلول قبل أن ينفلت الصيد حتى أنه لو صدقة، فلم يقتله حتى تفلّت
(4)
ثُمَّ أخذه بعد ذلك فقتله فلا شيء على الدال؛ لأن ذلك بمنزلة جرح اندمل، كذا في «المبسوط»
(5)
، وغيره لم يكن عليه شيء لما قلنا، وهو قوله:
(لأنه لا التزام من جهته).
لأنه ضمان يعتمد وجوبه الإتلاف، فأشبه غرامات الأموال، فإن قلتَ: بل لا تشبه هذه الغرامة غرامات الأموال، أعني: غرامة المحرم بسبب قتل الصيد عُرف ذلك بمسألتين، إحداهما: أن للصوم مدخلًا في هذه الغرامة وليس في غرامات أموال الناس مدخلٌ للصوم.
والثانية: أن المحرمين إذا اشتركا في قتل صيد واحد، فعلى كل واحد منهما جزاءُ كاملُ بخلاف ما إذا اشتركا في إتلاف شاة الغير مثلاً فعلى كل واحد منهما نصف القيمة، فعُلم بهاتين المسألتين أن مشابهة هذه الغرامة بغرامة قتل الإنسان خطأ أكثر من مشابهته بإتلاف أموال الناس فعند ذلك يفترق الحكم بين العمد، والخطأ.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 80).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 80). في (ب): المنشور.
(3)
انظر: المبسوط (4/ 80).
(4)
في (ب): انفلّت.
(5)
انظر: المبسوط (4/ 80).
قلتُ: المراد من تشبيه غرامات الأموال كون الضمان دائراً مع الإتلاف، فإن ضمان أموال الناس كما يدور مع الإتلاف، وهذا الضمان أيضًا يدور مع الإتلاف، ثُمَّ لم يفترق فيه العمد، والخطأ، فكذلك هنا يجب أن لا يفترق بين العمد، والخطأ فإنه بما ذكر يحترز عن كفارة الصوم، والظهار
(1)
، فإن وجوبها هناك غير متوقف على الإتلاف، ثُمَّ جناية المحرم بقتل الصيد كما هي جناية في حق المحل، فكذلك جناية في حق الفعل أيضًا، وما ذكرت من المسألتين إنما كان كذلك نظراً إلى جانب جزاء الفعل كان ما قلناه من عدم الافتراق بين العمد، والخطأ نظر إلى جانب/ جزاء المحل. وقال في «المبسوط»
(2)
: والذي قلنا من عدم الافتراق بين العمد والخطأ قول عمر، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص رحمه الله، وقال ابن عباس رضي الله عنه:"ليس على المحرم في قتل الصيد خطأجزاء".
وذكر الإمام الإسبيجابي
(3)
: "وبه أخذ داود الأصبهاني
(4)
(5)
لظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ}
(6)
".
فالتقييد بالعمدية لإيجاب الجزاء يمنع وجوبه على المخطئ لكنا نقول: هذه كفارة تجب جزاء للفعل، فيكون واجبًا على المخطئ كالكفارة بقتل المسلم، وهذا لأن الله تعالى حرم قتل الصيد على المحرم مطلقًا، وارتكاب ما هو محرم بسبب الإحرام موجب للجزاء عمداً كان أو خطأ، فأما تقييده بالعمد في قوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا}
(7)
، فليس لأجل الجزاء، بل لأجل الوعيد المذكور في آخر الآية بقوله تعالى:{لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}
(8)
، إلى قوله:{وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}
(9)
، وهذا الوعيد على العامد دون المخطئ، ثُمَّ ذكر العمد هاهنا للتنبيه؛ لأن الدلالة قد قامت على أن صفة العمدية في القتل مانعة من وجوب الكفارة؛ ليمحص
(10)
الخطر به، فذكره الله تعالى هاهنا حتى يُعلم أنه لما وجب الكفارة هاهنا إذا كان الفعل عمداً وجبت إذا كان خطأ بالطريق الأولى.
(1)
الظهار هو: تشبيه زوجته، أو مايعبر عنها، أو جزء شائع منها بعضو يحرم نظره إليه من أعضاء محارمه نسبا أو رضاعه كقوله: أنت عليَ كظهر أمي. وكفارته: عتق رقبة، فأن عجز فصيام شهرين متتابعين، وإن عجز أطعم ستين مسكينا.
انظر: شرح الوقاية (1/ 219 - 212)، تبيين الحقائق (2/ 65)، العناية (3/ 80).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 196).
(3)
انظر: البناية شرح الهداية (4/ 377).
(4)
في (ب): الأسبهاني.
(5)
داود بن علي بن خلف الأصبهاني، أبو سليمان أحد الأئمة المجتهدين. تنسب إليه الطائفة الظاهرية. سميت بذلك لأخذها بظاهر الكتاب والسنة وإعراضها عن التأويل والرأي والقياس، وكان داود أول من جهر بهذا القول ولد بالكوفة، سكن بغداد وانتهت إليه رئاسة العلم بها وبها توفي.
انظر: (سير أعلام النبلاء: 13/ 102)، و (طبقات الشافعية الكبرى: 2/ 284)، و (الأعلام: 2/ 333).
(6)
سورة المائدة من الآية (95).
(7)
سورة المائدة من الآية (95).
(8)
سورة المائدة من الآية (95).
(9)
سورة المائدة من الآية (95).
(10)
في (ب): لتمحِّض.
(1)
: في الآية بيان الجزاء في العمد وليس فيها نفي الجزاء من
(2)
المخطئ، فكان حكمه موقوفًا إلى قيام الدليل، وقد قام الدليل، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«الضبع صيد، وفيه شاة»
(3)
، ولم يفصل بين العمد والخطأ، والصحابة أيضًا رضي الله عنهم أوجبوا الجزاء من غير فصل، وفائدة ذكر العمد في الآية بيان شرعية التخيير في حالة العمد؛ لأنه لو ذكر الخطأ، وأثبت التخيير لما ثبت التخيير في حالة العمد [كما]
(4)
في كفارة الحلق.
(والمبتدئ، والعائد سواء).
ففي العائد [أيضًا]
(5)
خلاف ابن عباس، وداود الأصبهاني
(6)
، وقال ابن عباس: يجب الجزاء على المبتدئ بقتل الصيد، فأما العائد إليه فلا يلزمه الجزاء، ولكن يقال له: اذهب فينتقم الله منك؛ لظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}
(7)
، ولكنا نقول: بأن علة وجوب الجزاء في المرة الثانية قد وجدت كما وجدت في الأول، فيجب جزاء آخر كما قلنا في سائر المحظورات، وأما الآية، فإن المراد منه إذا عاد مستحلاً له مستخفّا، وهو مثل قوله في باب الربا:{فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
(8)
، كذا في «مبسوط الإسبيجابي»
(9)
.
(فيقومه ذوا عدل).
أي: يقومانه من حيث نفس الصيد لا من حيث الصفة
(10)
، فإنه ذكر في «المبسوط»
(11)
في آخر باب جزاء الصيد، وإذا قتل المحرم البازي المعلم، فعليه فيه الكفارة قيمته غير معلم؛ لأن وجوب الجزاء باعتبار معنى الصيدية، وكونه معلماً صفة عارضته ليست من [معنى]
(12)
الصيدية في شيء؛ لأن معنى الصيدية في تنفره، وبكونه معلمًا ينتقص ذلك، ولا يزداد؛ لأن توحشه من الناس يقل إذا كان معلماً، فلا يجوز أن يكون ذلك معنى زائداً في الجزاء بخلاف ما إذا كان مملوكًا لإنسان، فإن مُتْلِفَهُ يغرم قيمته معلمًا؛ لأن وجوب القيمة هناك باعتبار المالية، وماليته بكونه منتفعًا به، وذلك يزداد بكونه معلماً، وكذلك الحمامة إذا كانت تجيء من موضع، كذا ففي ضمان قيمتها على المحرم لا يعتبر ذلك المعنى، وفي ضمان قيمتها للعباد يعتبر، فأما إذا كانت تُصوّت، وازدادت قيمتها بذلك، ففي اعتبار ذلك في الجزاء روايتان في إحدى الروايتين لا يعتبر؛ لأنه ليس في معنى الصيدية في شيء، وفي رواية أخرى: يعتبر لأنه وصف ثابت بأصل الخلقة بمنزلة الحمام إذا كان مطوقاً.
(1)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 198)، العناية شرح الهداية (3/ 72).
(2)
في (ب): عن.
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب المناسك (17) باب قتل الحية في الحرم رقم (1706)، (2/ 103)، وأبو داود في "سننه" باب:[فِي أَكْلِ الضَّبُعِ](3/ 355) برقم: [3801]، وأخرجه الترمذي في "سننه" باب:[مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الضَّبُعِ](4/ 252) برقم: [1791]، وصححه الحاكم وابن خزيمة في "صحيحه" (4/ 183) برقم:[2648]، وصححه الألباني في "صحيحه" (4/ 242) برقم:[1050].
(4)
أثبته من (ب).
(5)
أثبته من (ب).
(6)
في (ب): الأسبهاني.
(7)
سورة المائدة من الآية (95).
(8)
سورة البقرة من الآية (81).
(9)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 198)، العناية شرح الهداية (3/ 72).
(10)
في (ب): الصنعة.
(11)
انظر: المبسوط (4/ 105).
(12)
أثبته من (ب).
(ثُمَّ هو مخيّر).
أي: القاتل، وقال محمد، والشافعي
(1)
-رحمهما الله-: "يجب في الصيد
(2)
النظير لا اختلاف في هذه المسألة" في فصول:
أحدها: هذا أن الواجب على المحرم القاتل قيمة الصيد في الموضع الذي قتله فيه عند أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله- وقال محمد، والشافعي
(3)
-رحمهما الله-: "يجب النظير فيما له نظير من النعم" الذي يشبهه في المنظر لا في القيمة.
والعناق الأنثى من أولاد المعز، والجدي الذكروهو دون الجذع، والجفر منها ما بلغ أربعة أشهر، والأنثى جفرة كذا في «المغرب»
(4)
والصحابة رضي الله عنهم أوجبوا النظير، وهم: عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم على ما بيّناه، وهو قوله:(ففي الظبي شاة، وفي الضبع شاة) إلى آخره.
من حيث إن كل واحد منهما تعب، وتهدر العب من باب طلب أن يشرب الماء [بمرة]
(5)
من غير أن يقطع الجزع، وقال أبو عمرو: الحمام يشرب هكذا بخلاف سائر الطير، فإنها تشرب شيئًا فشيئًا.
وهدر البعير، والحمام إذا صوت من باب ضرب، ويقال: إن الكبش حينما
(6)
يهدر يكون صوته مثل صوت الحمامة، كذا في «المغرب»
(7)
، وأبو حنيفة، وأبو يوسف -رحمهما الله- أخذا بقول ابن عباس، فإنه فسّر المثل بالقيمة.
(1)
انظر: المجموع (7/ 319)، مغني المحتاج (2/ 309).
(2)
الصيد إما ان يكون مثلي، وهو ماله مثيل من النعم وهي: الأبل، والغنم، والبقر، وغير المثلي، وهو مالا يشبه شيئا من النعم الثلاثة، أما المثلي فيخير في واحد من الثلاثة: إما أن يذبح المثل المشابه من النعم في الحرم ويتصدق به على مساكين الحرم، أو أن يقوم المثل بقيمته من النقود ثُمَّ يشتري به طعاماً، ويتصدق به على مساكين الحرم - وهذا قول الشافعية والحنابلة، أما مالك وأبو حنيفة فمذهبهما: يقوم الصيد لا المثل - وإما أن يصوم عن كل مد يوماً.
وغير المثلي عند الحنفية يخير قاتله بين أن يشتري بقيمته طعاما ويطعمه المساكين، أو أن يصوم عن كل مد يوما ويكون بتقدير عدلين في مكان قتل الصيد، وتعتبر القيمة في موضعه، أو في أقرب المواضع.
انظر: تبيين الحقائق (2/ 32)، بداية المجتهد (1/ 358)، المجموع (7/ 359 - 368)، الشرح الكبير (9/ 5).
(3)
انظر: المجموع (7/ 319)، مغني المحتاج (2/ 309).
(4)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 85).
(5)
أثبته من (ب).
(6)
ساقطة من (ب).
(7)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 501).
فحمل على المثل معنى؛ لكونه معهودًا في الشرع أو يوضّحه أن المماثلة بين الشيئين عند اتحاد الجنس أبلغ من عند اختلاف الجنس، فإذا لم تكن النعامة مثلًا للنعامة كيف تكون البدنة مثلاً للنعامة؟ والمثل في الأسماء المشتركة فمن ضرورة كون الشيء مثلًا لغيره أن يكون ذلك الغير مثلاً له، ثُمَّ لا يكون النعامة مثلاً للبدنة عند الإتلاف، فكذلك لا يكون البدنة مثلًا للنعامة، وإذا تعذر اعتبار المماثلة صورة وجب اعتبارها للمعنى، وهو القيمة. كذا في «المبسوط»
(1)
.
والثاني: أن الذي في الحكمين تقويم الصيد فإذا ظهرت قيمته، والخيار إلى المحرم بين التكفير بالهدي، والإطعام، والصيام في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف
رحمه الله وعند محمد الخيار إلى الحكمين، وإذا عنيا نوعاً عليه/ يلزمه التكفير به بعينه.
والثالث: يجوز للمحرم أن يختار الصوم مع القدرة على الهدي، والإطعام عندنا لقوله تعالى:{أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}
(2)
، وحرف أو للتخيير، وعلى قول زفر رحمه الله:"لا يجوز له الصيام مع قدرة التكفير بالمال".
(وقاس بكفارة اليمين، وهدى المتعة، والقران، وقال: حرف أو لا ينفي الترتيب في الواجب كما في قطاع الطريق {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ}
(3)
، الآية، ولكنّ هذا خلاف الحقيقة، والتمسك بالحقيقة واجب حتى يقوم دليل المجاز، وقياس المنصوص على المنصوص باطل.
والرابع: إذا اختار الطعام فالمعتبر قيمة الصيد يشتري بها الإطعام عندنا، وعند الشافعي
(4)
المعتبر فيه قيمة النظير، وهو قول محمد بناء على أصلهما أن الواجب هو النظير.
والخامس: أنه إذا اختار الصيام صام مكان نصف كل صاع يوماً عندنا، وعند الشافعي
(5)
رحمه الله يصوم مكان كل مد يوماً، وهذا بناء على الاختلاف في طعام الكفارة لكل مسكين عندنا يتقدر بنصف صاع، وعنده بمد). كذا في «المبسوط»
(6)
.
(أو لكونه مراداً بالإجماع).
أي: لأن القيمة لا عموم له، كذا ذكره فخر الإسلام رحمه الله.
(أو لما فيه من التعميم، وفي ضده التخصيص).
بيانه أن قوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ}
(7)
، عام، وقوله:{وَمَنْ قَتَلَهُ}
(8)
، منصرف إلى المذكور، فكان بيانًا لحكمه على سبيل العموم، والمثل على سبيل العموم هو المثل من حيث القيمة، فإن من الصيود ما لا مثل له في الخلقة كالعصفور، وما أشبه ذلك وضمانه يجب بنص الكتاب، فيجب حمل المثل على ما يمكن إثبات التعميم
(9)
فيه، وهو المثل المعهود في الشرع، فإن الأصل في ضمان الآفات
(10)
أن يعتبر المثل صورة، ومعنى كما في ذوات الأمثال من المكيلات، والموزونات، أو معنى بلا صورة كما في ذوات القيم من الحيوانات، وغيرها في حقوق العباد، فأما اعتبار الصورة بلا معنى
(11)
، فلا يوجد له نظير في أصول الشريعة
(12)
، فكان مخالفًا للإجماع فلا يصح إثباته بدليل فيه شبهة، ولأن التخيير يوجب الاعتدال، والمساواة، وأجمعنا أن الطعام، والصيام بُنيا على التقويم، فكذلك الهدي.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 83).
(2)
سورة المائدة من الآية (95).
(3)
سورة المائدة من الآية (33).
(4)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 428).
(5)
انظر: المجموع (7/ 439)، مغني المحتاج (2/ 176).
(6)
انظر: المبسوط (4/ 85).
(7)
سورة المائدة من الآية (95).
(8)
سورة المائدة من الآية (95).
(9)
في (ب): العموم.
(10)
في (ب): الإتلافات.
(11)
في (ب): مثل.
(12)
ساقطة من (ب).
(والمراد بالنص، والله أعلم، فجزاء قيمة ما قتل).
أي: فعليه الجزاء، وذلك قيمة المقتول إذا كان ذلك المقتول من النعم الوحش، وإن كان (اسم النعم ينطلق على الوحشي، والأهلي).
لكن المراد منه هاهنا الوحشي دون الأهلي؛ لأن الجزاء بالقتل إنما يجب على المحرم بقتل الصيد، ثُمَّ مثل الحيوان قيمته؛ لأنه يماثله معنى فإنه جواب آخر لا يماثله لا ذاتاً، ولا معنىوالوجه الثاني: أن في الآية تقديماً وتأخيراً، وتقديره فجزاء مثل ما قتل: يحكم به ذوا عدل منكم من النعم هدياً، وإنما حملنا على هذا الوجه؛ ليكون [الآية]
(1)
بياناً للواجب بقتل الصيد على سبيل العموم، وإثباتاً للحكم على ما عليه قواعد الشرع./ كذا في «الإيضاح»
(2)
، ومختلفات المعنى. وذكر في «الكشاف»
(3)
: فإن قلتَ: فما يصنع من تفسير
(4)
المثل بالقيمة بقوله: من النعم، وهو تفسير للمثل، وبقوله:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}
(5)
، قلتُ: قد خيّر من أوجب القيمة بين أن يشتري بها هديًا أو طعامًا، أو يصوم كما خيّر الله تعالى في الآية.
وكان قوله: (من النعم).
بيانًا للهدي المشتري بالقيمة في أحد وجوه التخيير؛ لأن من قوّم الصيد، واشترى بالقيمة هدياً فأهداه [فقد]
(6)
جزاء بمثل ما قتل من النعم على أن التخيير الذي في الآية بين أن يجزي بالهدي أو يكفر بالإطعام أو الصوم إنما يستقيم استقامة ظاهرة بغير تعسف إذا قوّم. (ونظر بعد التقويم)، أي: الثلاثة يختار فأما إذا عمد إلى النظير، وجعله الواجب وحده من غير تخيير فإذا كان شيئاً لا نظير له قُوِّم حينئذٍ، ثُمَّ تخير بين الإطعام، والصوم ففيه نبأ عما في الآية، وقُرئ فجزاء مثل ما قتل. يرفع جزاءٌ، ومثل جميعًا بمعنى فعليه جزاء يماثل ما قتل من الصيد، وهو عند أبي حنيفة رحمه الله قيمة صيد المأخوذ يُقوّم حيث صيد، فإن بلغت قيمته ثُمَّن هدي تخير بين أن يهدي من النعم ما قيمته قيمة الصيد وبين أن يشتري بقيمته طعامًا، فيعطى كل مسكين نصف صاع من بر، وإن شاء صام عن [كل]
(7)
طعام كل مسكين يومًا.
وقرئ فجزاءُ مثلُ ما قتل على الإضافة، وأصله فجزاءٌ مثل ما قتل ينصب المثل بمعنى فعليه أن يجزئ مثل ما قتل ثُمَّ أضيف كما تقول: عجبت من ضربٍ زيدًا، ثُمَّ من ضربِ زيد، وقرأ السلمي على الأصل، وقرأ محمد بن مقاتل، فجزاءً مثلَ ما قتل بنصبهما بمعنى، فلينحر
(8)
جزاءً مثلَ ما قتل {يَحْكُمُ بِهِ}
(9)
.
(1)
أثبته من (ب).
(2)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 76).
(3)
انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 678).
(4)
في (ب): يفسر.
(5)
سورة المائدة من الآية (95).
(6)
أثبته من (ب).
(7)
أثبته من (ب).
(8)
في (ب): فليجز.
(9)
سورة المائدة من الآية (95).
بمثل ما قتل {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}
(1)
، حكمان عادلان من المسلمين قالوا: وفيه دليل على أن المثل القيمة؛ لأن التقويم مما يحتاج إلى النظر، والاجتهاد دون الأشياء المشاهدة.
(والمراد بما روى التقدير).
(أي: بما روى كل واحد من محمد، والشافعي من أثر الصحابة رضي الله عنهم وخبر النبي صلى الله عليه وسلم تقدير النظائر لا باعتبار أعيانها، بل باعتبار القيمة إلا أنهم كانوا أرباب المواشي، فكان ذلك أيسر عليهم من النقود،
وهو نظير ما قال علي رضي الله عنه في ولد المغرور: [يُفك]
(2)
الغلام بالغلام، والجارية بالجارية، والمراد القيمة)، كذا في «المبسوط»
(3)
.
(ثُمَّ الخيار إلى القائل في أن يجعله هديًا).
أي: في أن يجعل المثل أو
(4)
الجزاء هديًا.
فالحاصل: أن عند أبي حنيفة، وأبي يوسف الحاجة إلى الحكمين؛ لإظهار قيمة الصيد لا أن يكون الخيار إلى الحكمين في تعيين أحد الأشياء الثلاثة، فإذا ظهرت قيمة الصيد بتقويمهما، فالقيمة كفارة واجبة على المحرم فإليه التعيين لما يؤدي به الواجب كما في كفارة اليمين، وكما في ضمان قيمة المتلفات، فإن تعيين ما يؤدي به الضمان إليه دون المقومين فكذا هنا.
وإن حكما بالطعام أو بالصيام، (فعلى ما قال أبو حنيفة، وأبو يوسف -رحمهما الله-) أي: من حيث أن للوجوب بالقيمة فيما ذكرا فيما تقدم بقوله: (وإن شاء اشترى بها طعامًا، ويصدق) إلى آخره.
لأنه تفسير لقوله: {يَحْكُمُ بِهِ}
(5)
.
لأن الهاء في {بِهِ} مجمل لا يُدري ما هو ففسر بقوله: {هَدْيًا}
(6)
، فكان نصبًا على التفسير فيصير كأنه قال: يحكم به ذوا عدل بالهدي فثبت أن المثل إنما يصير هديًا باختياره، وحكمه كذا في «الجامع الصغير»
(7)
البرهاني.
ثُمَّ ذكر الطعام، والصيام بكلمة، أو أي عطفاً على هدياً بدليل قراءة عيسى
(8)
، وعميرًا، وكفارة بالنصب.
(1)
سورة المائدة من الآية (95).
(2)
أثبته من (ب).
(3)
انظر: المبسوط (4/ 83)
(4)
في (ب): و.
(5)
سورة المائدة من الآية (95).
(6)
سورة المائدة من الآية (95).
(7)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 77).
(8)
عيسى بن عمر، أبو عمر، الهمداني الكوفي، من موالي بني أسد، المقرئ، أخذ القراءة عرضًا عن
طلحة بن مصرف وعاصم بن بهدلة، والأعمش. تلا عليه: الكسائي: وعبد الرحمن بن أبي حماد، حدث عن عطاء بن أبي رباح، وحماد الفقيه، وعنه ابن المبارك، ووكيع، وأبو نعيم، وغيرهم، وثقه ابن معين وغيره. وكان مقرئ الكوفة في زمانه بعد حمزة، ومعه. قال العجلي: كوفي ثقة، رجل صالح كان أحد قراء الكوفة رأسًا في القرآن.
انظر: (الثقات لابن حبان: 7/ 233)، و (التاريخ الكبير: 6/ 397)، و (الجرح والتعديل: 6/ 282).
قلنا: الكفارة عطفت
(1)
على الجزاء، أي: على قوله: {فَجَزَاءٌ}
(2)
، وفي «الكشاف»
(3)
: {هَدْيًا} حالٌ عن جزاءٌ فيمن وصفه بمثل؛ لأن الصفة خصّصته فقرّبته من المعرفة، أو يدل عن مثل، فيمن نصبه أو عن محله فيمن جره، ويجوز أن ينتصب حالاً عن الضمير في به، فإن قلتَ: بم يرفع كفارة من ينصب جزاء؟
قلتُ: يجعلها خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل: أو الواجب عليه كفارة، أو تقدر فعليه أن يجزئ جزاء، أو كفارة فيعطفها على أن يجرئ.
وقرئ: (أو كفارةُ طعامِ مساكين) على الإضافة، وهذه الإضافة مبنية كأنه قيل: أو كفارة من طعام مساكين كقولك: خاتم فضة بمعنى خاتم من فضة.
ويقومان في المكان الذي أصابه، وكذلك يعتبر الزمان الذي أصابه فيه؛ لأن القيمة تختلف باختلاف الأزمنة أيضًا كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(4)
، و «المحيط»
(5)
.
(ويجوز الإطعام في غيرها).
أي: في غير مكة، وقال الشافعي
(6)
رحمه الله: لا يجوز؛ لأن الغرض/ من نقل الهدايا التوسعة على سكان الحرم بلحومها، فاعتبر الطعام لها، وقلنا: لا بل اختص الهدي بالحرم ليصير قربة؛ لأن الإراقة لا تعقل قربة، ألا ترى أنها لو أريقت خارج الحرم، ثُمَّ تُصدق بلحمها على فقراء الحرم لم يجز، وأما الطعام فيعقل التصدق بها قربة، كذا ذكره فخر الإسلام رحمه الله.
(فإن ذبح الهدي بالكوفة أجزأه عن الطعام)
(7)
معناه إذا تصدق باللحم.
ولكن بين الذبحين فرق، أعني: الذبح بالكوفة، والذبح بمكة مع أن التصدق فيهما واجب، فإنه إذا ذبح بمكة، ثُمَّ سُرق قبل أن يتصدق بلحمه يخرج عن عهدة الجزاء؛ لأن الهدي قد بلغ محله، ووجوب التصدق كان متعلقًا بعين المذبوح فسقط الوجوب بهلاكه كما في مال الزكاة.
وأما إذا ذبح بالكوفة، فلا يخرج عن العهدة بسرقة المذبوح، بل يبقى عليه وجوب الجزاء كما كان في الأشياء الثلاثة كما ذُكر؛ لأنه لا يخرج عن العهدة بمجرد الإراقة في غير الحرم لما ذكرنا، وقد ذكرناه قبل هذا قبيل فصل مسائل
(8)
الجماع.
(1)
في (ب): عطفًا.
(2)
سورة المائدة من الآية (95).
(3)
انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/ 679).
(4)
انظر: المبسوط للشيباني (2/ 452)، العناية شرح الهداية (3/ 78).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 78).
(6)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 428).
(7)
انظر: بداية المبتدي (1/ 52)
(8)
ساقطة من (ب).
(وإذا وقع الاختيار على الهدي يهدي ما يجزيه في الأضحية) إلى أن قال: (وقال محمد والشافعي
(1)
: يجزي صغار الغنم).
وذكر في «المبسوط»
(2)
، و «الأسرار»
(3)
، وشروح «الجامع الصغير»
(4)
لفخر الإسلام، وقاضي خان: قول أبي يوسف مثل قول محمد.
وقال في «المبسوط»
(5)
: (وإذا بلغت قيمة شيء من هذه الحيوانات حملًا أو عناقًا لم يجزه الحَمَل والعناق من الهدي في قول أبي حنيفة رحمه الله)، وأدنى ما يحزئ في ذلك الجذع العظيم من الضأن أو الثني من غيرها، فإن كان الواجب دون ذلك كفر بالإطعام أو الصيام؛ لأن الواجب بالنص هاهنا الهدي قال الله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}
(6)
، فهذا بمنزلة هدي
(7)
المتعة والقران، فكما لا يجوز الحمل والعناق في هدي المتعة والقران فكذلك هاهنا، وأبو يوسف، ومحمد، وابن أبي ليلى رحمهم الله جوزوا ذلك في جزاء الصيد استحسانًا للآثار التي جاءت.
(لأن مطلق اسم الهدي منصرف إليه).
أي: إلى ما يجزيه في الأضحية، فإن قلتَ: لا نسلم لهذا الأصل لما أن الثوب يكون هديًا في قوله: إن فعلت كذا فثوبي هذا هدي، وكذلك الهدي تلد فيذبح مع الأصل هديًا، فصار ولدها هديًا، وإن كان حمَلَاً أو عناقًا.
قلتُ: الكلام في هدي القربان لا في هدي الصدقة، فإن هناك صار الهدي مجازًا عن الصدقة، وإنما الذي أنكرناه في هدي القربان الذي يتقرب به إلى الله تعالى بإراقة الدم كذا في «الأسرار»
(8)
ونقول الكلام في مطلق اسم الهدي، وهذا الذي ذكرته في المقيد لما أنه قيد الهدي بإشارته إلى الثوب فلم يبق مطلقاً حتى أنه لو قال: إن فعلت كذا فعليّ هديٌ كان عليه ما استيسر من الهدي، وهو شاة؛ لأن اسم الهدي عند الإطلاق يتناول الإبل، والبقر، والغنم وهو المتيقن، ولا يذبحها إلا في الحرم، كذا في «المبسوط»
(9)
. وإنما جاز، وكذا
(10)
الهدي هديًا تبعًا للأم كولد الأضحية، وأطرافها فإن أطراف الأضحية يثبت لها حكم الأضحية تبعًا لجملتها، ولو قُصدت بالتضحية لم يجز، وكالمبيعة إذا ولدت قبل القبض ولدا كان مبيعًا لسرايته فمن الأصل إليه، وهو جنين، ولو قصد بالبيع إليه، وهو جنين لا يصح، كذا في «الأسرار»
(11)
، ينصرف إلى ما هو المعهود في الشرع، والمعهود في الشرع في الطعام نصف صاع كما في صدقة الفطر، وكفارة اليمين، والظهار، وكذا إن كان الواجب دون طعام مسكين يطعم قدر الواجب بأن لم يبلغ الطعام نصف صاع بأن قتل يربوعًا أو عصفورًا.
(1)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 501).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 93).
(3)
انظر: الأسرار (ص 470).
(4)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 78)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 33).
(5)
انظر: المبسوط (4/ 93).
(6)
سورة المائدة من الآية (95).
(7)
ساقطة من ب.
(8)
الأسرار (ص 319).
(9)
المبسوط (4/ 136).
(10)
في (ب): صار ولد.
(11)
انظر: الأسرار (ص 321).
ولم يبلغ قيمته إلا مدّاً من الحنطة يطعم ذلك القدر أو يصوم يوماً كاملاً لما قلنا، وهو قوله:(لأن الصوم أقل من يوم غير مشروع).
فخرج من حيز الامتناع، والامتناع قد يكون بالطيران، أو بالعدو، أو بالدخول في الحجر.
(ومن كسر بيض نعامة فعليه قيمته)
(1)
.
أي: قيمة البيض، وذكر الإمام الإسبيجابي في مبسوطه يحرم كسر بيضة من بيض الصيد فإن كانت مذِرَةً فلا شيء عليه؛ لأنه لم يتلف صيداً، ولا ما هو أصله، وإن كانت صحيحة ضمن/ قيمتها عندنا، وقال مالك
(2)
: يضمن عُشرَ قيمة ما يخرج منه، وهو أحد قولي الشافعي
(3)
رحمه الله، واحتج بأنه أتلف ما هو بغرض أن يصير حيواناً، فوجب أن يضمن عُشرَ قيمة ما يخرج منه كمن ضرب بطن امرأة حرة، فألقت جنينًا ميتًا أنه يلزمه مثل عُشرَ دية الأم، واحتج أصحابنا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«في المحرم يكسر بيضة صيد أن عليه قيمتها»
(4)
، ولأنه أتلف متقوماً فيضمن بالغة ما بلغت كالبيضة المملوكة.
(فإن خرج من البيضة فرخ ميت)
(5)
.
أي: لا يعلم أن موته سبب الكسر أم لا، وإنما قلنا: هكذا؛ لأن الإمام التمرتاشي يقول: فإن خرج منها فرخ ميت ضمن قيمته إذا عُلم أنه كان حيّاً، ومات بالكسر، وإن عُلم أنه كان ميتاً فلا شيء عليه، وإن لم يُعلم فالقياس أن لا يجب الجزاء، وفي الاستحسان يجب.
(فعليه قيمته)
(6)
. أي: قيمة الفرخ.
(حيًّا)
(7)
.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(2)
انظر: الطرابلسي في "مواهب الجليل"(3/ 183)، وابن عسكر في إرشاد السالك (ص 47).
(3)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 318).
(4)
لم أقف عليه بهذا النص. وقد أخرجه من حديث كعب بن عجرة: عبدالرزاق (4/ 247)، والدارقطني (2/ 247)، والبيهقي:(5/ 208): أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بيض النعام يصيبه المحرم بثُمَّنه، وفي رواية عند الدارقطني، والبيهقي بقيمته. وقد ضعفه ابن القطان. انظر نصب الراية (3/ 136)، التلخيص الحبير (2/ 174). وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند ابن ماجة: المناسك، باب (90) جزاء الصيد يصيده المحرم (2/ 1031)، والدارقطني (2/ 250)، والبيهقي (5/ 208): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (في بيض النعام يصيبه المحرم ثُمَّنه). ضعفه النووي في (المجموع 7/ 294)، وابن حجر (الدراية 2/ 44).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(7)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
وبه صرح الإمام الإسبيجابي، فإن قيل: ينبغي أن يضمن قيمة البيض، والفرخ جميعًا كما إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنيناً ميتاً، وماتت الظبية أيضًا فإن عليه قيمتهما على ما يجيء بُعيد هذا، فكذا هاهنا ضمان البيض لا لذاته، بل باعتبار أنه سبب للفرخ بدليل أنه لا ضمان في كسر البيضة المذرة؛ لأنها لا تصلح سبباً، فإذا كان كذلك فقد وجب ضمان الفرخ، فلا يجب ضمان البيض.
(فيحال به عليه).
أي: فيضاف، ويحال بالموت على الكسر، والباء في به صلة، فكان أصله فيحال الموت على الكسر.
(فألقت جنينًا ميتًا وماتت فعليه قيمتهما).
فإن قلتَ: قد ذكر قبل هذا أن ضمان الصيد [هنا]
(1)
أشبه غرامات الأموال، ثُمَّ أن من ضرب بطن جارية أو حرة فألقت جنيناً ميتاً، وماتت الأم كان عليه قيمة الجارية، أو دية الحرة دون ضمان الجنين، فكيف وجب هنا ضمان قيمة الجنين مع أن هذا يشبه غرامات الأموال؟
قلتُ: قد ذكرت هناك وجه المشابهة، ثُمَّ إنما افترق هاهنا في ضمان قيمة الجنين لما أن الجنين في حكم الجزاء من وجه، وفي حكم النفس من وجه، فالضمان الواجب بحق العباد غير مبني على الاحتياط، فلا يجب في موضع الشك، فأما جزاء الصيد فمبني على الاحتياط، فلهذا رجح هنا شبه النفسية بالجنين
(2)
، فأوجب عليه جزاؤهما كذا في «المبسوط»
(3)
.
(وليس في قتل الغراب
(4)
، والحدأة)
(5)
(6)
.
(1)
أثبته من (ب).
(2)
في (ب): في الجنين.
(3)
انظر: المبسوط (4/ 95).
(4)
الغراب جنس من الطير، من الجواثُمَّ، يطلق على أنواع كثيرة، منها: الأسود، والأبقع والزاغ،
يتشاءمون به إذا نعق قبل الرحيل فيقولون: غراب البين، والعقعق: له ذنب طويل فيه بياض وسواد.
انظر: المعجم الوسيط (2/ 653)، المصباح المنير (2/ 422).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53).
(6)
الحدأة: طائر معروف من أصيد الطير، يقال أنها كانت تصيد لسليمان عليه السلام، فانقطع عنه الصيد لدعوة سليمان عليه السلام.
انظر: العين (3/ 278)، تهذيب اللغة (5/ 187) المصباح المنير (125).
فيما لا يجب الجزاء بقتله
إلى أن قال: لقوله صلى الله عليه وسلم: «خمس من الفواسق»
(1)
.
فإن قلتَ: ما وجه إعمال هذا الحديث، وهو خبر واحد في تخصيص عموم قوله تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}
(2)
، فهو بإطلاقه يتناول الصيود المؤذية، وغير المؤذية فلا يصح تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد ابتداء لما عرف.
قلتُ: خصّ هذا العام ابتداء بالنص القطعي، وهو قوله:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}
(3)
، لما أنه لما جهل التاريخ يجعل كأنهما ورد معاً، فيجعل مخصصاً فبعد ذلك يجوز تخصيصه بالقياس، فكيف بالخبر الواحد؟ أو نقول: وهو الوجه الأصح: أن هذا الحديث حديث مشهور وليس بخبر الواحد، كذا ذكره في «الأسرار»
(4)
، فيجوز الزيادة على كتاب الله تعالى بالحديث المشهور، وذكر في «المغرب»
(5)
الفسوق: الخروج من الاستقامة سميت هذه الحيوانات الخمس فواسق استعارة [لخبثهن]
(6)
، وقيل: لخروجهن من الحرمة، بقوله:«خمس لا حرمة لهن»
(7)
وقيل: أراد بتفسيقها تحريم أكلها لقوله تعالى: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ}
(8)
، بعدما ذكر ما حرم من الميتة، والدم.
قوله: (والكلب العقور
(9)
(10)
.
ذكر في فتاوى القاضيين لا فرق في الكلب بين العقور وغيره
(11)
، كذا ذكر بعد هذا في الكتاب بقوله:(وعن أبي حنيفة رحمه الله).
(1)
أخرجه البخاري كتاب الحج (25) باب مايقتل المحرم من الدواب (7) حديث رقم (1828)، وأخرجه مسلم كتاب الحج (15) باب مايندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم (9) حديث رقم (66/ 1198).
(2)
سورة المائدة من الآية (95).
(3)
سورة المائدة من الآية (96).
(4)
انظر: الأسرار (ص 305).
(5)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 361).
(6)
أثبته من (ب)، وفي (أ) لجبنهن ولعل الصواب ما أثبته لموافقته كتب اللغة، انظر: لسان العرب (11/ 182).
(7)
أخرجه أحمد في مسنده: برقم (4543) عن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه، قال: سئل النبي
- صلى الله عليه وسلم، عما يقتل المحرم من الدواب فقال:" خمس لا جناح في قتلهن على من قتلهن في الحرم: العقرب والفأر والغراب والحدأة والكلب العقور "، (8/ 143).
(8)
سورة المائدة من الآية (3).
(9)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53).
(10)
الكلب العقور الذي من شأنه العدو على الناس، وعقرهم ابتداء، ولايكاد يهرب من بني آدم، وفي الفتح: الكلب العقور يقال لكل عاقر حتى اللص القاتل.
انظر: البدائع، (2/ 421)، الفتح (3/ 82).
(11)
أي أن الكلب العقور، وغير العقور، والمستأنس منه، والمستوحش سواء.
انظر: الهداية (1/ 172)، الفتح (3 م 839، العناية (3/ 83)، تبيين الحقائق (2/ 66)، البحر (3/ 36). قيل: وفيه نظر؛ لأنه يفضي لأبطال الوصف المنصوص عليه، وهو كونه عقورا، والجواب: أنه ليس للقيد؛ بل لإظها نوع أذاه فإن ذلك طبع فيه. انظر: العناية (3/ 83)، البناية (3/ 753).
(والمراد بالغراب الذي يأكل الجيف
(1)
.
فقوله: (الذي يأكل الجيف) خبر؛ لقوله: (للمراد لا صفة الغراب، واحترز به عن الغراب الذي يأكل الزرع، فإنه صيد) كذا في «فتاوى قاضي خان»
(2)
.
وكذا الفارة الأهلية، والوحشية، والسنور
(3)
كذلك في رواية الحسن عن أبي حنيفة -رحمهما الله- لا يجب الجزاء على المحرم بقتله أهليًا كان أو وحشيًا
(4)
.
وفي رواية هشام
(5)
عن محمد رحمه الله ما كان منه بريًا فهو متوحش كالصيود يجب الجزاء على المحرم بقتله كذا في «المبسوط»
(6)
.
(وليست/ بمتولدة من البدن).
هذا احتراز عن القملة فإن في قتلها شيئاً على ما ذُكر.
(وما لا يؤذي لا يحل قتلها) لعدم العلة الثانية، وهي أنها مؤذية.
ولكن لا يجب الجزاء للعلة الأولى، وهي قوله:(لأنها ليست بصيود وليست بمتولدة من البدن). سماها علة واحدة مع أنها في معنى علتين؛ لأنه ذكر في موضع السلب، وفي موضع السلب يكون العلل الكثيرة بمعنى علة واحدة.
(ومن قتل قملة تصدق بما شاء)
(7)
.
هذا إذا أخذها من بدنة فقتلها، فأما إذا كانت القملة ساقطة على الأرض فقتلها، فلا شيء عليه كما في البرغوث، ثُمَّ لما أخذها من بدنه لا يتفاوت بعد ذلك إن أخذها من رأسه، ومن موضع آخر، وقال الشافعي
(8)
رحمه الله: "إن أخذها من رأسه يجب الجزاء، فإن أخذها من موضع آخر لا شيء عليه"، ثُمَّ وجوب شيء في قتل القملة ليس بمنحصر بالقتل، فإن للإلقاء على الأرض حكم القتل أيضًا، وفي «الجامع الصغير»
(9)
أطعم شيئاً ككسرة خبز هذا الذي ذكره في القملة الواحدة، وأما في الثنتين أو الثلاث كف من حنطة، وفي الزيادة على الثلاث نصف صاع من حنطة، ولو ألقى ثيابه في الشمس ليقتل القمل حرّ الشمس، فمات القمل فعليه الجزاء نصف صاع من حنطة؛ إذ كان القمل كثيراً، وأما لو ألقى ثوبه، ولم يقصد به قتل القمل، فمات القمل من حرّ الشمس، فلا شيء عليه، كذا في «المحيط»
(10)
، و «الجامع الصغير»
(11)
لقاضي خان لقول عمر رضي الله عنه «تمرة خير من جرادة» ، وقصة هذا الحديث: أن أهل حمص أصابوا [جرادًا]
(12)
كثيراً في إحرامهم، فجعلوا يتصدقون مكان كل جرادة بدرهم، فقال عمر:«أرى دراهمكم كثيرة يا أهل حمص تمرة خير من جرادة»
(13)
.
(1)
من الجيف جمع جيفة وهي النجاسة. انظر: شرح اللباب ص (252).
(2)
انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 143).
(3)
حيوان أليف، من خير مأكله الفأر، يشبه النمر فيما فيه من نقط بيضاء و أخرى سوداء.
انظر: الحيوان (5/ 271)، المعجم الوسيط (1/ 457).
(4)
عن أبي حنيفة، روى الحسن عنه: السنور الأهلي والوحشي ليس بصيد، وروى هشام عن محمد: أن السنور يجب الجزاء بقتله، قال ابن الهمام: وفي رواية هشام عن محمد: ماكان منه برياً فهو متوحش يجب بقتله الجزاء، وفي البحر الزاخر: في السنور الوحشي روايتان، وأمّا الأهلي فليس بصيد.
انظر: فتح القدير (2/ 67)، الخانية (1/ 290) شرح اللباب ص (242).
(5)
الإمام هشام بن عبيد الله الرازي أحد أئمة السنَّة الثقات، كان من بحور العلم، تفقه على أبي يوسف، ومحمد الشيباني، ومات محمد في منزله بالريّ، له: النوادر، وصلاة الأثر، نُقل عنه قوله: «لقيت ألفًا وسبعمائة شيخ، وأنفقت في العلم سبعمائة ألف دِرْهم (ت 221 هـ)،
انظر: الجواهر المضية (3/ 569)، تاج التراجم (ص/ 238)، الفوائد البهية (ص/ 367).
(6)
انظر: المبسوط (4/ 94).
(7)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(8)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 317).
(9)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 84).
(10)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 440).
(11)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 85). البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 37).
(12)
أثبته من (ب)، وفي (أ) أحراراً ولعل الصواب ما أثبته لموافقته كتب شروح الفقه.
(13)
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 416)، وأخرجه أبو يوسف في "الآثار لأبي يوسف" باب:[الصيد](1/ 105) برقم: [504]، وأخرجه عبد الرزاق الصنعاني في "مصنفه" باب:[الْهِرِّ وَالْجَرَادِ](4/ 410) برقم: [8246]، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 426) برقم:[15629].
الخنافس
(1)
جمع الخنفساء بفتح الفاء ممدودة، والأنثى خنفساء
(2)
، والفعل الذي اشتق منه أخفس الرجل إذا قال أقبح ما قدر عليه.
وعن أبي يوسف في قتل القنفد
(3)
روايتان في إحدى الروايتين هو نوع من الفأرة، وفي رواية جُعل كاليربوع، كذا في «المبسوط»
(4)
.
لأن اللبن من أجزاء الصيد قال الله تعالى: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ}
(5)
، ومن للتبعيض ويكون اللبن بعضه.
(كالسباع).
أي: كسباع البهائم كالأسد، والفهد، والنمر.
وقوله: (ونحوها).
أي: كسباع الطير كالبازي
(6)
، والصقر، فإن مطلق السباع يقع على سباع البهائم، وكذا اسم الكلب يتناول السباع بأسرها لغة، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى الكلب العقور، واسم الكلب يتناول جميع السباع بمعنى أن الكلب اسم لما يُتكلب، أي: يشترّ لا أنّ يكون المراد منه الكلب المعروف، فإنه أهلي وليس بصيد، ولا يحرم على المحرم أخذه، فعلى هذا كان اسم الكلب يتناول الأسد، والنمر وغيرهما ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم حين دعا على عتبة بن أبي لهب
(7)
لعنه الله، فقال:«اللهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ»
(8)
افترسه أسد بدعائه، فصار كأن الله تعالى قال: لا تقتلوا غير المؤذي من الصيود، وإذا
(9)
كان النص بهذه الصفة
(10)
لم يتناول إلا ما هو مأكول اللحم فكذا هنا.
(1)
الخُنْفُساء: دويبة سوداء منتنة يُضرب بها المثل في اللجاجة. يقال: ألج من خنفساء.
انظر: شمس العلوم، (1/ 76).
(2)
في (ب): خُنفُساة.
(3)
القنفذ: هو دويبة ذات شوكٍ، يلتف فيصيركالكرة ليقي نفسه من خطر الاعتداء عليه.
انظر: المعجم الوسيط (2/ 796).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 93)، الفتح (814).
(5)
سورة النحل من الآية (66).
(6)
الباز: ضرب من الصقور يستخدم فِي الصَّيْد.
انظر: المعجم الوسيط، (1/ 76).
(7)
عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ابن عم رسول الله، أسلم هُوَ وأخوه مُعَتّب يَوْم الفتح، وكانا قَدْ هربا من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فبعث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الْعَبَّاس بْن عَبْد المطلب عمهما إليهما، فأتى بهما، فأسلما، فسر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهما، وشهدا مَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم حنينًا، وكانا ممن ثبت ولم ينهزم. وشهدا الطائف ولم يخرجا عَنْ مكَّة، ولم يأتيا المدينة، ولهما عقب.
انظر: أسد الغابة (3/ 465)، الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 365).
(8)
أخرجه الحاكم في المُستدرك برقم [ح: 3984] ورواه البغوي في معجمه [153/ 5 ح: 2141] من طريق ابن أبي الْجُحَيْم، ورواه البيهقي في الدلائل [338/ 2] من طريق محمد بن غالب تمتام، ثلاثتهم (التمتام وبن ابي الجُحيم والحارث) عن العباس بن الفضل الأزرق قال: حدثنا الأسود بن شيبان، حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب، عن أبيه، قال: كَانَ لَهَبُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ يَسُبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ قَالَ فَخَرَجَ يُرِيدُ الشَّامَ فِي قَافِلَةٍ مَعَ أَصْحَابِهِ قَالَ فَنَزَلَ مَنْزِلا قَالَ فَقَالَ وَالله إِنِّي لأَخَافُ دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالُوا لَهُ: كَلا/ قَالَ: فَحَوَّطُوا الْمَتَاعَ حَوْلَهُ وَقَعَدُوا يَحْرُسُونَهُ قَالَ فَجَاءَ السَّبُعُ فَانْتَزَعَهُ فَذَهَبَ بِهِ "زاد تمتام في روايته: «فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا لَهَبٍ، فَقَالَ: أَلَمْ أَقَلْ لَكُمْ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِ دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ» [الدلائل للبيهقي 338/ 2] وقال البيهقي: «هكذا قال عباس بن الفضل وليس بالقوي: لهب بن أبي لهب، وأهل المغازي يقولون: عتبة بن أبي لهب، وقال بعضهم: عتيبة» .
(9)
في (ب): ولو.
(10)
في (ب): الصيغة.
ولنا قوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}
(1)
، واسم الصيد يعم الكل؛ لأنه يسمى به لتنفره واستيحاشه، وبعده من
(2)
أيدي الناس، وذلك موجود فيما لا يؤكل لحمه، ولأن حرمة الصيد تثبت بالإحرام، والحرم تعظيمًا للحرم، والإحرام لا لكونه مأكولًا حتى ألحق النبات في الحرم بالصيد فصار المأكول، وغير المأكول فيه سواء ألا ترى أن المأكول صار بمنزلة غير المأكول بالتحريم، وإنما حل بالنص ما يعدو علينا، والنزاع فيما لا يعدو علينا مثل الأسد، والنمر، والفهد لبعدها عنا.
وأما العادي فهو الذي يقرب منا، ومن مواشينا، والحدأة التي تعيش بالاختطاف بين العباد، والفأرة التي عيشها من طعام العباد، وكذلك الغراب، والحية، والعقرب من هذا الوجه، واضح، وذلك كالمرتد يجب قتله؛ لأنه ناقض للعهد، ومحارب، ومن كان من أهل القتال يجب قتله، وأما من كان منهم لا يقاتل مثل الشيوخ، والذمي، والنساء لا يحل قتلهم، فكذا هذا ذكره شمس الأئمة، وفخر الإسلام.
القياس على الفواسق
(والقياس على الفواسق ممتنع لما فيه من إبطال العدد). ولأن بينهما فرقًا على ما ذكرناه.
(واسم الكلب لا يقع على السبع عرفًا)./ (والعرف أملك). وفي هذا جواب عما قاله الشافعي رحمه الله.
(والعرف أملك: أي أضبط لصاحبه، وأقوى أفعل من الملك كأنه يملكه، ويمسكه، ولا يخليه إلى الآخر)، كذا في «المغرب»
(3)
، ثُمَّ كون العرف أقوى ظاهر كما في اسم البيت، وأم الولد، والصغيرة، والكبيرة والصبية، وكما في مسائل الإيمان حيث يترك الوضع الأصلي بالعرف، ولا يجاوز بقيمته شاة بالرفع؛ لأنه أسند إليها.
قوله رحمه الله: (ولا يجاوز).
فلا يجوز أن ينصب شاة على أنه مفعول ثان، ويسند الفعل إلى الجار، والمجرور؛ لأن للمفعول المتعدى إليه بغير حرف من الفضل على سائر ما بنى له متى ظفر به فممتنع أن يسند إلى غيره يقول: دفع المال إلى زيد.
(وبلغ بعطائك خمسمائة بدفع المال وخمسمائة)، أي: لا يجاوز بقيمة الذي لا يؤكل لحمه من الصيود قيمة شاة.
وقال زفر
(4)
: "يجب بالغة ما بلغت"، وقال الشافعي-رحمه الله: لا يجب شيء على ما ذكرنا وحجتنا في ذلك أن فيما لا يؤكل لحمه وجوب الجزاء باعتبار معنى الصيدية فقط لا باعتبار لحمه، وأما في الذي يؤكل لحمه وجوب الجزاء باعتبار إراقة الدم، وإفساد اللحم فتجب قيمته بالغة ما بلغت، بخلاف حقوق العباد فإنه إذا كان بازياً معلمًا مملوكًا حيث تجب قيمته بالغة ما بلغت؛ لأن وجوب الضمان للمالك هنا
(5)
باعتبار كونه منتفعاً به، ويزداد ذلك بكونه معلماً، ووجوب ضمان الجزاء على المحرم لكونه صيدًا ممتنعًا متوحشًا، وينتقض هذا المعنى بكونه معلماً؛ لأنه يصير به ألوفًا فلهذا لا يزداد الجزاء باعتباره، وهذا لأن زيادة القيمة في الفهد، والأسد بمعنى تفاخر الملوك به لا لمعنى الصيدية، وذلك غير معتبر في حق المحرم، فلم يلزمه ذلك أكثر من شاة، كذا ذكر في «المبسوط»
(6)
، وغيره.
(1)
سورة المائدة من الآية (95).
(2)
في (ب): عن.
(3)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 446).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 92).
(5)
في (ب): هناك.
(6)
انظر: المبسوط (4/ 92).
(وإذا صال السبع على المحرم فقتله لا شيء عليه)
(1)
.
أي: استطال وعدا على المحرم، وهذا الخلاف بيننا وبين زفر ثابت في السبع، وغير السبع إذا صال كذا ذكره شيخ الإسلام
(2)
رحمه الله، وكان ذلك السبع مخرجًا على ما هو الغالب، فإن الصيال غالبًا إنما يوجد من السبع لا من غيره، وقال زفر: عليه الجزاء؛ لأن فعل الصيد هدر، قال صلى الله عليه وسلم «جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ»
(3)
، فوجوده كعدمه فيما يجب من الجزء بقتله على المحرم. ألا ترى أن في الضمان الواجب لحق العباد إذا كان السبع
(4)
مملوكًا لا [يُفرق]
(5)
بين
(6)
أن يكون البداية منه أو من السبع.
وقال: إنا ابتدأناه ففي هذه التعليل بيان أن البداية إذا كانت من السبع لا توجب شيئًا.
ولا يدخل على ما ذكرنا قتل المحرم القمل فإنه يوجب الجزاء عليه، وإن كان يؤذيه؛ لأنه إنما يضمن بقتلها لمعنى قضاء التفث بإزالة ما ينمو من بدنه عن نفسه، فلهذا إذا وجدها على الطريق، فقتلها لا ضمان عليها؛ لأنها مؤذية.
(ومع وجود الإذن من الشارع لا يجب الجزاء).
فإن قلتَ: جاز أن يكون الفعل مأذوناً فيه من جانب الشرع، ومع ذلك يجب الجزاء بذلك الفعل كما إذا حلق المحرم رأسه، وتطيب بعذر فهو مأذون فيه من جانب الشرع بالحلق والتطيب، ومع ذلك
(7)
فهو مضمون عليه بالكفارة، وكذلك الملتقط إذا لم يجد مالك اللقطة، مأذون له بالتصدق من جانب الشرع ثُمَّ إذا جاء مالكها، ولم يجز التصدق يضمن الملتقط، وكذلك من تناول [مال]
(8)
الغير في حالة المخمصة مأذون فيه وضامن.
قلتُ: أما الأول فجوابه ما ذكره في الكتاب بعيد هذا بقوله:
(لأن الإذن مقيد بالكفارة بالنص على ما تلوناه).
وهو قوله تعالى: {كَانَ
…
مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ}
(9)
، الآية، فكان فائدة الإذن هي رفع الحرمة لا غير، وأما الملتقط فهو عين نظير مسألتنا فإنه لما لم يوجد الإذن من المالك كان مضمونًا عليه كما يضمن هاهنا لما لم يوجد الإذن من صاحب الجمل الصائل لما أن إذن الشرع لا يمنع ضمان حق العبد لتغاير الحقين، وكذلك مسألة المخمصة.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(2)
انظر: المبسوط للشيباني (2/ 444).
(3)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [المَعْدِنُ جُبَارٌ وَالبِئْرُ جُبَارٌ](9/ 12) برقم: [6912]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[جُرْحُ الْعَجْمَاءِ، وَالْمَعْدِنِ، وَالْبِئْرِ جُبَارٌ](3/ 1334) برقم: [1710].
(4)
في (ب): البيع.
(5)
أثبته من (ب)، وفي (أ) تعرف ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
(6)
في (ب): معنا.
(7)
في (ج): يجب الجزاء بذلك الفعل كما إذاحلق المحرم رأسه.
(8)
أثبته من (ب).
(9)
سورة البقرة من الآية (196).
قوله: (بخلاف الجمل الصائل؛ لأنه لا إذن من صاحب الحق، وهو العبد).
أي: مالك الجمل، فإن قلتَ: يُشكل على هذا أن العبد إذا صال على إنسان بالسيف ليقتله فقتله المصول عليه لا يضمن مع أنه لم يوجد الإذن هناك أيضًا من مالك العبد كما هنا
قلتُ: إن العبد مضمون في الأصل بأنه آدمي حقًّا للعبد لا للمولى؛ لأنه مكلف كسائر المكلفين، ألا ترى أنه إذا ارتد صار مباح الدم، وكذلك إذا قتل أو أقرّ بالقتل، وإذا كان الضمان في الأصل للعبد سقط المبيح جاء من قبله، وهو المحاربة كما لو ارتد؛ لأن فعله غير ضار
(1)
؛ لأنه مخاطب، ثُمَّ مالية المولى فيه، وإن كانت متقومة مضمونة له فهي تبع لضامن النفس، فيسقط التبع في ضمن سقوط الأصل كما لو ارتد أو أقر بالقصاص على نفسه إلى هذا أشار في «الأسرار»
(2)
.
لأن الإذن مقيد بالكفارة بالنص، وهو قوله: {كَانَ
…
مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ}
(3)
، وإنما قيد بهذا؛ لأنه إذا اضطر إلى قتله عند صياله على المحرم فقتله، فلا جزاء فيه على ما ذكرنا لما أن الإذن هناك مطلق وليس بمقيد بالكفارة على ما ذكرنا.
(يقال: حمام مسرول بفتح الواو)، أي: بين رجليه ريش كأنه سراويل من سرولته إذا ألبسته السراويل فتسرول والاستئناس عارض، فإن قيل: أليس أنه لا يحل بذكاة الاضطرار حتى لو رمى سهمًا إلى برج الحمام، فأصاب حماماً، فمات قبل أن يدرك ذكوته لا يحل، ولو كان صيداً يحل قلنا: من المشايخ من قال: يحل، ومنهم من قال: لا يحل، وأنه لا يدل على أنه ليس بصيد؛ لأن الإباحة بذكاة الاضطرار يتعلق بالعجز لا بكونه صيدًا حتى حلّ البعير الذي ندّ منه بذكاة الاضطرار، والصيد إذا وقع في يد إنسان لا يحل بذكاة الاضطرار، ولا عجز هاهنا؛ لأن الحمام يأوي ليلًا إلى البروج إلى هذا أشار شيخ الإسلام، (وإذا ذبح المحرم صيداً، فذبيحته ميتة)
(4)
ولا تؤكل، وكذا ما ذبحه الحلال في الحرم، كذا في «الإيضاح»
(5)
.
وذكر في «فتاوى قاضي خان»
(6)
: ولو اضطر إنسان في أكل ميتة وصيد ذبحه محرم يتناول أيهما شاء، وقال الشافعي
(7)
: "يحل ما ذبحه المحرم لغيره"؛ لأنه عامل له فانتقل فعله إليه، وهكذا أيضًا في «الإيضاح»
(8)
.
(1)
في (ب): جبار.
(2)
انظر: الأسرار (ص 298).
(3)
سورة البقرة من الآية (196).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(5)
انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 300).
(6)
انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 143).
(7)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 304).
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 90).
قلتُ: هذا التعليل يدل على أن الدم في الغيب متعلق بقوله: (ذبحه) لا بقوله: (يحل)، ولكن يثبت الحل لذلك الغير الذي ذبحه لأجله لانتقال الفعل إليه، ولكن لفظ «المبسوط»
(1)
يدل على أنه حلال لغيره سواء ذبحه لأجله أو لنفسه، فقال: لا يحل تناول ما ذبحه المحرم لأحد من الناس.
وقال الشافعي
(2)
: "لا يحل للمحرم القاتل تناوله، ويحل لغيره من الناس".
وفي «الوجيز»
(3)
للغزالي، "وما ذبحه المحرم بنفسه فأكله حرام عليه"، و [هل]
(4)
هو ميتة في حق غيره؟ فيه قولان.
وفي «المبسوط»
(5)
: (وحجته في ذلك أن معنى الذكاة في تسييل الدم النجس من الحيوان، وشرط الحل التسمية ندبًا أو واجبًا على اختلاف الأصلين، وذلك يتحقق من المحرم كما يتحقق من الحلال إلا أن الشارع حرم التناول على المحرم القاتل بطريق [العقوبة]
(6)
ليكون زجراً له"، وهذا لا يدل على حرمة التناول في حق غيره كما يجعل المقتول ظلمًا حيًّا في حق القاتل حتى لا يرثه، وهو ميت في حق غيره، وحجتنا في ذلك قول الله تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}
(7)
، والفعل الموجب للحل يسمى ذكاة شرعاً، فلما سماه قتلًا هاهنا عرفنا أن هذا الفعل غير موجب للحل أصلاً).
قوله رحمه الله: (ولنا أن الذكاة فعل مشروع، وهذا فعل حرام فلا يكون ذكاة).
(فإن قلتَ: يشكل على هذا ذبح شاة الغير بغير إذنه بأنه حرام محض حتى لو اضطر المسلم بين أكل الميتة فأكل مال الغير كان عليه أن يأكل الميتة لا مال الغير)، كذا في «المحيط»
(8)
لما فيه من إتلاف ماله، ومع ذلك لو ذبحها، وهو فعل حرام يقع ذكاة فيحل تناولها.
قلتُ: الذبح إذا كان ما يمنعه من الحل بالنهي لمعنى بالذابح أو المذبوح كان ذلك نهيًا لمعنى في عين
(9)
الفعل فكان مانعًا من أن يكون المنهي عنه مشروعًا، وإذا كان المنع بالنهي لمعنى بالثالث، وهو المالك كان النهي لمعنى في غيره، ولم يصر عين الذبح حرامًا، بل الحرمة هناك كانت لصيانة حق المالك حتى زالت تلك الحرمة بإذنه، فكان مشروعاً في نفسه، ألا ترى أن سبب الملك إذا ورد على الصيد لم يفد الملك كالورود على الخنزير؛ لأنه يزيل إلا من حكمها، ويدل على هذا الأصل
(1)
انظر: المبسوط (4/ 85).
(2)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 304).
(3)
انظر: الوجيز (1/ 270).
(4)
أثبته من (ب)، وفي (أ) قيل، ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
(5)
انظر: المبسوط (4/ 85).
(6)
أثبته من (ب)، وفي (أ) العفو، ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
(7)
سورة المائدة من الآية (95).
(8)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 445).
(9)
في (ب): غير.
قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}
(1)
، كما قال:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}
(2)
، وقال:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}
(3)
، كما قال/ في النساء:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}
(4)
، إلى قوله:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
(5)
، فوصف الصيد بأنه محرم كما وصف الخنزير، والميتة، وهذا الوصف يدل على خروج المحل عن قبول الفعل الحلال شرعًا فيكون ذكاته حرامًا من كل وجه، وكذلك اصطياده، وشراؤه كنكاح الأم، وشراء الخنزير، وذبحه، وهذا لأن الفعل الحسي لا يتصور إلا بفاعل، ومحل ينفصل فيه الفعل، وكذا الشرعي فيكون الانعدام بعدم المحلية كما في الخنزير كالانعدام بعدم الأهلية
(6)
من الفاعل، كما في المجوسي إلى هذا أشار في «الأسرار»
(7)
.
(فينعدم بانعدامه).
أي: فينعدم الميز بسبب انعدام كونه مشروعًا فلما لم يتحقق الميز بسبب انعدام كونه مشروعًا فلما لم يتحقق الميز
(8)
بين الدم واللحم كان حرامًا لاختلاط دمه مع لحمه كالمنخنقة، والموقوذة.
(فإن أكل المحرم الذابح من ذلك شيئًا فعليه قيمة ما أكل عند أبي حنيفة رحمه الله)
(9)
.
وقال الإمام التمرتاشي رحمه الله: "فإن أكل منه الذابح قبل أن يؤدي جزاءه دخل ضمان ما أكل في الجزاء، وإن أكل بعدما أدّى فعليه قيمة ما أكل"، وقالا:"لا شيء عليه سوى التوبة".
(ولهما: أن هذه ميتة).
ولهذا تحرم على الحلال كما تحرم على المحرم، ثُمَّ قوله: هذه [ميتة]
(10)
تأنيث لتأنيث الخبر كما في قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا}
(11)
.
(1)
سورة المائدة من الآية (96).
(2)
سورة المائدة من الآية (3).
(3)
سورة المائدة من الآية (96).
(4)
سورة النساء من الآية (23).
(5)
سورة النساء من الآية (24).
(6)
الأهلية: عبارة عن صلاحية الشخص لوجوب الحقّوق المشروعة له وعليه.
انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ 76)، التعريفات الفقهية (ص/ 198).
(7)
انظر: الأسرار (ص 289).
(8)
سقط من (ب) من قوله: بسب انعدام إلى قوله: المميز.
(9)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(10)
أثبته من (ب).
(11)
سورة الأنعام من الآية (23).
(فصارت حرمة التناول بهذه الوسائط مضافة إلى إحرامه).
وذلك لأن الحرمة باعتبار كونه ميتة، وكونه ميتة باعتبار خروج الصيد عن المحلية، والذابح عن الأهلية، وذلك باعتبار الإحرام، فكانت الحرمة مضافة إلى الإحرام بهذه الوسائط فكان متنأولًا محظور إحرامه، فيجب الجزاء كما قيل: إن شراء القريب إعتاق في الحكم؛ لأن الشري يوجب الملك، والملك في القريب يوجب العتق.
ولا يقال: أن الحلال إذا ذبح صيداً في الحرم، فأدى جزاءه، ثُمَّ أكل منه لا يلزمه شيء آخر، وكذلك المحرم إذا كسر بيض صيد فأدى جزاءه، ثُمَّ شواه فأكل لا يلزمه شيء آخر؛ لأنا نقول: إن وجوب الجزاء هناك باعتبار الأمن الثابت بسبب الحرم، وذلك للصيد لا للحم، وكذلك البيض وجوب الجزاء فيه باعتبار أنه أصل الصيد، وبعد الكسر انعدم هذا المعنى يقرره أن المقتول بغير حق في حق القاتل كالحي من وجه حتى لا يرث، وكالميت من وجه حتى تعتق أم الولد بأن قتلت مولاها، فهنا يُبنى أمره على الاحتياط جعلناه كالحي في حق القاتل، وهو جزاء الإحرام فيلزمه بالتناول جزاء آخر أما جزاء صيد الحرم، فغير مبني على الاحتياط في الإيجاب؛ لأنه ليس فيه معنى العبادة، ولهذا لا تدخّل
(1)
للصوم فيه، فلذلك اعتبرنا فيه معنى اللحمية، فلا يجب فيه الجزاء، كذا في «المبسوط»
(2)
، و «الفوائد» .
(فيما إذا اصطاده لأجل المحرم).
بأن نوى أن يكون الاصطياد للمحرم سواء أمره بذلك أو لم يأمره كذا في «مبسوط شيخ الإسلام»
(3)
رحمه الله.
(واللام فيما روى).
أي: في قوله: (أو يصد له)، ثُمَّ شرط عدم الدلالة في روايته الكتاب بقوله:(إذا لم يدل المحرم عليه وفيه روايتان)، أي: في شرط عدم الدلالة لإباحة الأكل، (وفي صيد الحرم إذا قتله الحلال قيمة يتصدق بها على الفقراء
(4)
إلا على قول أصحاب الظواهر، وهذا قول لا معتبر به لكونه مخالفاً للإجماع، والكتاب، والسنة أما الكتاب فقوله تعالى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}
(5)
، ويقال: في اللغة أحرم إذا دخل في الحرم، وقال صلى الله عليه وسلم:«إن مكة حرام حرّمها الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض لا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا ينفر صيدها»
(6)
فإذا ثبت الأمن لصيد الحرم بهذه النصوص كان القاتل جانياً بإتلافه محلاً محترماً متقوماً [أي: فيلزمه]
(7)
جزاءه، والجزاء قيمة الصيد كما في حق المحرم، كذا في «المبسوط»
(8)
.
(1)
في (ب): يدخل.
(2)
انظر: المبسوط (4/ 86 - 87).
(3)
انظر: المبسوط للشيباني (2/ 443)، العناية شرح الهداية (3/ 92).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(5)
سورة المائدة من الآية (95).
(6)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [لَا يُنَفَّرُ صَيْدُ الحَرَمِ](3/ 14) برقم: [1833]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[تَحْرِيمِ مَكَّةَ وَصَيْدِهَا وَخَلَاهَا وَشَجَرِهَا وَلُقَطَتِهَا، إِلَّا لِمُنْشِدٍ عَلَى الدَّوَامِ](2/ 988) برقم: [1355].
(7)
أثبته من (ب).
(8)
انظر: المبسوط (4/ 97).
وذكر في «الإيضاح»
(1)
: ولو قتل المحرم صيدًا في الحرم فعليه ما على المحرم أي: ما على المحرم الذي كان خارج الحرم، ولا يجب عليه لأجل الحرم شيء، والقياس أن يلزمه كفارتان؛ لأنه جنى على الإحرام، وعلى الحرم جميعًا فيجب عليه موجبهما، ووجه الاستحسان، وهو أن معنى تفويت الأمن إذا اعتبر مرة لإيجاب ضمان لا يمكن اعتباره لا يجاب ضمان آخر، وإنما أوجبنا ضمان الإحرام فيه معنى الجزاء وضمان المحل أيضًا، وضمان الحرم يجب عوضاً عن المحل لا غير مكان ضمان الإحرام مشتملاً على ضمانين فكان أولى،/ وذُكر في «شرح الطحاوي»
(2)
المحرم إذا قتل صيداً في الحرم كان ينبغي أن يجب عليه جزءان للإحرام، وللحرم إلا أنه يجب عليه جزاءٌ واحدٌ؛ لأن حرمة الإحرام أقوى؛ لأن المحرم يحرم عليه الصيد في الحل، والحرم جميعًا واستتبع أقوهما أضعفهما.
ولا يجزيه الصوم أي: فيما إذا قتل الحلال صيد الحرم، وأما إذا قتله المحرم في الحرم فإنه يتأدّى كفارته بالصوم؛ لأن في حق المحرم لا يظهر حرمة الحرم، فالواجب عليه كفارة، ولهذا يتأدى بالصوم، وعلى هذا لو دل محرم على صيد في الحرم وجب عليه الجزاء بخلاف الحلال إذا دلّ على صيد في الحرم كذا في «المبسوط
(3)
»؛ لأنها غرامة وليست بكفارة فأشبه ضمان الأموال، فإن قلتَ: لو كان [ضمان]
(4)
قتل صيد الحرم غرامة تشبه ضمان أموال الناس يجب أن لا يؤدي في ضمن أداء جزاء الإحرام فيما إذا قتل المحرم صيد الحرم كما لا يؤدي ضمان حق العبد في ضمن أداء جزاء الإحرام فيمن قتل صيداً مملوكاً لإنسان أو شرب خمر الذمي.
قلتُ: نعم كذلك إلا أن حرمة الحرم دخلت في حرمة الفعل بالإحرام فيما نحن فيه؛ لأن حرمة الحرم في إثبات [الأمن]
(5)
للصيد، وكذلك حرمة الإحرام، وهذان الضمانان لله تعالى، فأمكن أن يجعل أحدهما تبعاً للآخر بخلاف شرب خمر الذمي؛ لأن ما يجب بأداء الفعل حد الله تعالى فلا يمكن أن يُعطى
(6)
به حق العبد، فصار حق العبد كأن الضمان لم يستوف فظهر، وإن كان تبعًا، وكذلك في قتل صيد مملوك لإنسان إلى هذا أشار في «الأسرار»
(7)
، ولكن مشابهته بضمان الأموال من حيث أن وجوب الضمان باعتبار تفويت وصف ثابت في المحل، وهو صفة الأمن الثابت للصيد بسبب الحرم.
(1)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 207).
(2)
انظر: شرح مشكل الآثار (8/ 178).
(3)
انظر: المبسوط (4/ 100).
(4)
أثبته من (ب).
(5)
أثبته من (ب) وفي (أ) الأمر ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(6)
في (ب): يُقضى.
(7)
الأسرار (ص 270).
ألا ترى أنه إنما يتغير هذا الحكم بتغير وصف المحل بخروجه من الحرم إلى الحل، وألا ترى أنه كما يجب ضمان الصيد بسبب الحرم يجب ضمان النامي من الأشجار النابتة في الحرم، ولاشك أن ما يجب بقلع
(1)
الأشجار يكون عدم المحل فكذلك ما يجب بقتل صيد الحرم يكون غرم المحل، فكان أشبه بغرامات الأموال، فكما لا مدخل للصيام في غرامات الأموال، وإن كان وجوبها بحق الله تعالى كإتلاف مال الزكاة والعُشر، فكذلك لا مدخل للصوم في جزاء صيد الحرم، وهذا لأنه لما أزال الأمن عن محل أمن لحق الله تعالى، فيلزمه بمقابلته إثبات صفة الأمن عن الجوع للمسكين حقًّا لله تعالى، وذلك بالإطعام يحصل دون الصيام، فأما صيد الإحرام، فلما كان الواجب لارتكابه فعلًا محرمًا حقّاً لله تعالى متأدى بفعل هو قربة حقًّا لله تعالى وهو الصيام. كذا في «المبسوط»
(2)
.
فإن قلتَ: لو كان جزاء صيد الحرم من قبيل الغرامة، ومن قبيل ما يشبه ضمان أموال الناس لوجب على الصبي، والمجنون، والكافر غرامة إذا استهلكوا كما في أموال الناس، وقد نص في «الإيضاح»: على أنه لا يجب عليهم.
قلتُ: هذا الضمان، وإن كان ضمان المحل من حيث أنه يتعلق بتفويت المحل، ولكن فيه معنى الجزاء أيضًا حتى أن حلالًا لو أصاب صيد الحرم، فقتله وفي يده حلال آخر، فعلى كل واحد منهما جزاء كامل لما أن كل واحد منهما متلف بجهة أحدهما بالأخذ المفوت للأمن، وذلك في معنى استهلاك.
والثاني: الإتلاف حقيقة، فكان كمال الضمان على كل واحد منهما بمعنى آخر بخلاف المغصوب إذا أتلفه متلف في يد الغاصب حيث يجب ضمان واحد؛ لأنه عوض عن المحل لا غير، ثُمَّ يرجع الأخذ على القاتل هنا بما ضمن بالاتفاق، أما على قول أبي حنيفة رحمه الله فظاهر؛ لأنه قال في باب الإحرام: إن المحرم يرجع على القاتل.
وأما على قولهما، فيرجع في الحرم على القاتل لا يرجع في باب الإحرام؛ لأن الواجب على المحرم جزاء فعله، فلا يرجع على غيره، والواجب في باب الحرم ضمان المحل، فيجوز أن يرجع على غيره، كذا في «الإيضاح» .
(لأن الحرمة باعتبار معنى فيه). أي: في المحرم لا في الصيد، والفرق ما ذكرناه، وهو قوله:
(لأنها غرامة) إلى قوله: (والواجب على المحرم بطريق الكفارة).
وهل يجزيه الهدي، ففيه روايتان في إحدى الروايتين لا يتأدى الواجب بإراقة الدم بل بالتصدق باللحم حتى يشترط أن تكون قيمة اللحم بعد الذبح مثل
(1)
في (ب): بقطع.
(2)
انظر: المبسوط (4/ 98).
قيمة الصيد، فإن كان دون ذلك لا يتأدى الواجب به، وكذلك إن سرق المذبوح؛ لأنه لا مدخل لإراقة الدم في الغرامات، فإنما المعتبر فيه التمليك من المحتاج، وذلك يحصل في اللحم.
وفي رواية أخرى يقول: يتأدى الواجب بإراقة الدم حتى إذا سرق المذبوح لا يلزمه شيء)، ويشترط أن تكون قيمته قبل الذبح مثل قيمة الصيد؛ لأن الهدي مال يجعله لله تعالى، وإراقة الدم طريق صالح شرعاً لجعل المال خالصاً لله تعالى بمنزلة التصدق.
ألا ترى أن المضحي يجعل الأضحية خالصة لله تعالى بإراقة الدم فكذلك هاهنا، كذا في «المبسوط»
(1)
.
(ومن دخل الحرم بصيد)
(2)
.
أي: وهو حلال حتى يظهر خلاف الشافعي
(3)
، فإن في المحرم لا يتوقف وجوب الإرسال إلى دخول الحرم، فإنه يجب عليه الإرسال بمجرد الإحرام بالاتفاق، فإنه يقول: حق الشرع لا يظهر في مملوك العبد؛ لأن حق الشرع إنما يثبت في المباح دون المملوك كالأشجار، فإنما ينبتها الناس في الحرم لا يثبت فيها حرمة الحرم، وقاس هذا بالاسترقاق، فإن الإسلام منع الاسترقاق لحق الشرع، ثُمَّ لا يزيل الرق الثابت قبله كذلك هاهنا، ولكنا نقول: حرمة الحرم في حق الصيد كحرمة الإحرام، فكما أن الحرمة بسبب الإحرام تثبت في حق الصيد المملوك حتى يجب إرساله، فكذلك الحرمة بسبب الحرم وليس هذا نظير الأشجار؛ لأن ما يثبته الناس ليس بمحل لحرمة الحرم أصلاً بمنزلة الأهلي من الحيوانات كالإبل، والبقر، والغنم، فأما الصيد مملوكاً كان أو غير مملوك، فهو محل لثبوت الأمن له بسبب الحرم، كذا في «المبسوط»
(4)
.
وأما الجواب عن مسألة الاسترقاق: فإن بقاء الرق من الأمور الحكمية حتى يثبت بطريق التبعية في الأولاد المسلمين، فلأن يثبت في حق الرقيق أولى، فأما هاهنا فالمأخوذ صيد بدلالة الحرمة بالإحرام، فلما دخل في الحرم صار الصيد صيد الحرم، فإنه ليس المراد من صيد الحرم إلا أن يكون الصيد موجود في الحرم، وهذا كذلك يثبت في حقه الأمن كسائر الصيود، فلا يثبت حكم الحل في الأولاد فكذا فيه.
قوله رحمه الله: (لما روينا) إشارة إلى قوله: (ولا ينفر صيدها).
(وكذلك بيع المحرم)
(5)
.
أي: يرد البيع إن كان قائمًا، وتجب القيمة إن كان فائتًا.
قوله: (لما قلنا) إشارة إلى قوله: (لأن البيع لم يجز).
(1)
انظر: المبسوط (4/ 98).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(3)
انظر: المجموع للنووي (7/ 311).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 98).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
لما فيه من التعرض للصيد.
حكم من أحرم وفي بيته صيد
(ومن أحرم، وفي بيته أو في قفص معه صيد،)
(1)
ولفظ «الجامع الصغير»
(2)
للصدر الشهيد
(3)
، وغيره رجل أحرم، ومعه قفص فيه صيد.
وقوله: (في قفص معه صيد).
يحتمل أنه أراد به معه في يده، ويحتمل أنه أراد أنه مع خادمه أو في رجله، فكان لقائل أن يقول: إن كان معه في يده ينبغي أن يرسله؛ لأن القفص متى كان [معه كان]
(4)
الطير في يده ألا ترى أنه يصير غاصباً للطير بغصب القفص، ولقائل أن يقول: لا يكون الطير في يده فإن كان القفص في يده، فلا يلزمه الإرسال، فإن الجنب إذا حمل مصحفًا في غلافه لم يُكره، ولم يكن ذلك كأخذه المصحف بيده بلا خلاف، كذا ذكره الفقيه أبو جعفر.
وذكر عن أستاذه أبي بكر الأعمش: أنه لا يلزمه الإرسال سواء كان القفص في يده أو لم يكن، كذا في «الفوائد الظهيرية»
(5)
.
وذكر الإمام الكشاني:
(6)
"وإذا كان في يده فعليه إرساله، ولكن على وجه لا يضيع"، فإن إرسال الصيد ليس بمندوب كتسبيب الدابة، بل هو حرام إلا أن يرسله للعلف أو يبيح للناس أخذه، وبذلك جرت العادة الغاشية ألا ترى أن الرجل يحرم، وله بيوت الحمام لا يجب عليه إرسالها كذا في «الجامع الصغير»
(7)
لقاضي خان رحمه الله، فلا يعتبر ببقاء الملك، فإن وجوب الجزاء لو كان دائرًا مع الملك ينبغي أن يجب الجزاء سواء أرسل أو لم يرسل، ولا يقول به أحد، فإنه أرسله لا ينعدم ملكه.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(2)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 98)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 44).
(3)
الصدر الشهيد هو الإمام برهان الأئمة أبو محمد عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازة، المعروف بالحُسام الشهيد أو بالصدر الشهيد، إمام الفروع والأصول، المبرِّز في المعقول والمنقول، كان من كبار الأئمة وأعيان فقهاء الحنفية، اشتهر بالمناظرة والتدريس، له: الفتاوى الصغرى، والفتاوى الكبرى، استُشهد عام (536 هـ).
انظر: الجواهر المضية (2/ 649)، تاج التراجم (ص/ 217)، الفوائد البهية (ص/ 242).
(4)
أثبته من (ب).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 99)، بحر الرقائق شرح كنز الدقائق (3/ 45).
(6)
الكشاني: هو: مسعود بن الحسن بن الحسين بن محمد بن إبراهيم الكشاني، والد محمد تقدم أبو سعد ركن الدين الخطيب. روى عن الشيخ سيف الدين أبي محمد عبد الله بن علي الكندي، والخطيب أبي نصر محمد بن الحسن الباهلي، وشمس الأئمة السرخسي. المرغيناني. مات سنة عشرين وخمس مائة له ثلاث وسبعون سنة.
…
انظر: (الجواهر المضية: 2/ 168)، (معجم المؤلفين: 12/ 226).
(7)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 206). مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 300).
(لزمه إرساله لكن على وجه لا يضيع).
بأن يعلقه
(1)
في بيته.
(فأرسله من يده غيره)
(2)
.
أي: نزعه من يده، وتركه حتى ذهب، كذا في «الأسرار»
(3)
، وله أنه ملك الصيد بالأخذ ملكًا مجترحاً احترازًا عما أخذ المحرم، فإنه لا يملك الصيد، فلا يبطل احترامه بإحرامه بدليل أن الحلال إذا أخذ الصيد، ثُمَّ أحرم فأرسله، ثُمَّ حل فوجده في يد
(4)
غيره [كان له/ أخذه منه، بخلاف ما إذا أخذ الصيد، وهو محرم، ثُمَّ أرسله، ثُمَّ حل في إحرامه، فوجده في غيره]
(5)
، فلا سبيل له عليه كذا في «الجامع الصغير»
(6)
لقاضي خان.
(والواجب عليه ترك التعرض).
أي: [على]
(7)
الحلال الذي أصاب صيداً، ثُمَّ أحرم فإن الصيد لم يبق محلاً للتمليك في حق المحرم؛ لأن الصيد محرّم العين على المحرم بالنص، فلم يملك الأخذ فلم يكن المرسل متلفاً عليه شيئاً، والقاتل مقرر لذلك أو لأنه جنى على إحرامه بقتل الصيد.
(فيكون في معنى مباشرة علة العلة).
أي: يكون القاتل بمنزلة علة العلة، فيضاف الضمان إليه فلذلك يرجع الأخذ على القاتل، فإن قلتَ: فيه وجوه من السؤال، وهي أن الآخذ لم يملك الصيد، ولا كانت له فيه يد محترمة، ووجوب الضمان له على القاتل [بأخذ هذين فكيف يرجع]
(8)
عليه بالضمان، ولأنه بالقتل لزمته كفارة يفتي بها، ويخرج بالصوم منها، فلو رجع إنما يرجع عليه بضمان يطالبه، ويحبسه، ولا يجوز أن يرجع إليه بأكثر مما لزمه، ولأن الشيء لما خرج عن محلية التمليك لا يضمن المستهلك، وإن كان ضمن من في يده كمسلم يغصب خنزير ذمي أو خمره، ثُمَّ يجيء مسلم آخر فيستهلكه يضمن الآخذ للذمي، فإنه لا يرجع الآخر للذمي، فإنه لا يرجع الآخذ على المستهلك بشيء، وأقرب من هذا كله أن من حلف لا يأخذ هذه الشاة فأخذها، فجاء آخر فقتلها فكفر الأول عن يمينه لم يرجع بذلك على الثاني.
قلتُ: إن اليد على هذا الصيد كانت يدًا معتبرة لحق الآخذ؛ لأنه يتمكن به من الإرسال، وإسقاط الجزاء به عن نفسه فالقاتل يصير مفوتًا عليه هذه اليد، فيكون ضامناً له، وإن لم يهلكه الأخذ كغاصب المدبر
(9)
إذا قتله إنسان [ندّ]
(10)
في يده، فأدى الغاصب قيمته، فإنه يرجع على القاتل بقيمته كما لو ملكه، وإن كان المدبر لا ينقل من ملك إلى ملك، وكذا هاهنا [لما]
(11)
أن الجزاء بدل العين، فوجب أن يقوم جودته مقام المالك في استحقاق ضمان قيمته.
(1)
في (ب): يخليه.
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(3)
انظر: الأسرار (ص 334).
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
أثبته من (ب).
(6)
العناية شرح الهداية (3/ 99).
(7)
أثبته من (ب).
(8)
أثبته من (ب).
(9)
التدبير: عتق العبد عن دبر، وهو أن يعتق بعد موت صاحبه، أو هو تعليق العتق بالموت.
انظر: أنيس الفقهاء (169).
(10)
أثبته من (ب).
(11)
أثبته من (ب).
وأما قوله: فلو رجع إنما يرجع بضمان محبسه، فكان أكثر من الأول) قلنا مثل هذا التفاوت لا يمنع الرجوع كالأب إذا غصب مدبّر ابنه فغصبه منه آخر، ثُمَّ أن الابن ضمن أباه رجع الأب على الغاصب [منه]
(1)
، وإن كان هو لا يحبس فيما لزمه لابنه، ويكون [له]
(2)
أن يحبس الغاصب منه فيما يطالبه به، ولا يقع الفرق بين ضمان يُفتي به وبين ضمان يُقضى به، فإن زكاة السائمة تدخل تحت القضاء، وزكاة سائر الأموال لا تدخل فلا فرق
(3)
بينهما، ولكن حق الله إذا كان له طالب معين يكون له المطالبة، وإذا لم يكن له مطالب معين لا تبين المطالبة، وأما الجواب عن مسألة خمر الذمي فإن الشرع حرم الخمر، وأهانها لنجاستها، وفسادها فجرى ذلك مجرى هوان من المال كشربة ماء، وحبة حنطة، ولكن هذا في حق من يعتقد إهانتها، وهو المسلم، فكذلك لم يرجع المسلم على المسلم المستهلك لاتحاد اعتقادهما على الإهانة وفي التضمين إعزاز لها، وأما الصيد فثبت له زيادة احترام في حق المحرم بإحرامه كحرمة الآدمي، وهذا يدل على تأكد الضمان لا على سقوطه، وأما الجواب عن مسألة الكفارة، وأن الكفارة هناك إنما وجبت لهتك حرمة اسم الله تعالى، وهي جناية وقع فيها فيجبرها بالكفارة، وأما هاهنا بالجزاء بدل الصيد، والصيد متقوم في حق المحرم لما أنه حرم عليه بالإحرام والحرم، فكان مضموناً بالبدل كالحر، وإن لم يكن مملوكًا له، ولما كان الجزاء بدله قام بأدائه مقام المالك فيرجع عليه بحكم الملك تقريرًا إلى هذا أشار في «الأسرار»
(4)
، و «المبسوط»
(5)
.
أشجار الحرم ونباته
(فإن قطع حشيش الحرم)
(6)
إلى آخره.
واعلم بأن شجر الحرم أنواع أربعة ثلاث منها يحل قطعها، والانتفاع بها من غير جزاء، وواحدة منها لا تحل قطعها، ولا الانتفاع بها، وإذا قطعها رجل فعليه الجزاء.
بيان الثلاث: كل شجر أنبته الناس، وهو من جنس ما ينبته الناس وكل شجر أنبته الناس، وهو ليس من جنس ما ينبته الناس، وكل شجر منبت بنفسه، وهو من جنس ما ينبته الناس وبيان الواحدة هي كل شجر ينبت بنفسه، وهو ليس من جنس ما ينبته الناس، ويستوي في هذه الواحدة أن تكون مملوكة لإنسان بأن نبتت في ملكه أو لم يكن حتى قالوا: في رجل ينبت في ملكه أم غيلان فقطعها إنسان فعليه قيمتها لمالكها، وعليه قيمة أخرى لحق الشرع بمنزلة ما لو قتل صيداً مملوكاً في الحرم، وبعدما أدى جزاء الشجرة يكره للقاطع الانتفاع بها، وفي «المنتقى» عن أبي يوسف/ رحمه الله:"لا بأس لغيره من محرم أو حلال ينتفع به" كذا في «المحيط»
(7)
.
(1)
أثبته من (ب).
(2)
أثبته من (ب).
(3)
في (ب): فرقان.
(4)
انظر: الأسرار (ص 335).
(5)
انظر: المبسوط (4/ 104).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(7)
انظر: المبسوط (2/ 458).
قوله رحمه الله: (ولو نبت بنفسه في ملك رجل فعلى قاطعه قيمتان).
فإن قلتَ: في هذا شبهتان إحداهما: أن النبات يملك بالأخذ، فكيف تجب القيمة بعد ذلك. والثانية: أن الحرم غير مملوك لأحد، فكيف يتصور قوله:(وقيمة أخرى ضمانًا لمالكه).
قلتُ: أما الجواب عن الأولى، فإن قوله صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي الثَلَاثٍ»
(1)
فمنها الكلأ، وهو في الكلأ الذي هو خارج الحرم، فأما في الحرم فما نبت من النبات ثبت حرام التعرض، فلا يقاس هو على غيره كما في صيده.
وأما عن الثانية: فإن القول بكونه مالكًا على قول من يرى جواز تملك أرض الحرم، وهو قول أبي يوسف ومحمد على ما يجيء في كراهية هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، ثُمَّ في قوله:(فإن قطع حشيش الحرم) إلى أن قال: (فعليه قيمته)
(2)
.
إشارة إلى تلك الواحدة؛ لأنه لمّا أضاف الحشيش إلى الحرم عُلم أنه مما لم ينبته الناس إلا فيما جفّ منه، وما تكسّر فلا بأس بالانتفاع به؛ لأن ثبوت الحرمة بسبب الحرم لما يكون ناميًا فيه حياة مثله، والمنكسر، وما يبس ليس فيه معنى النمو، فلا بأس بالانتفاع به على ما يأتي.
وذكر في «الإيضاح»
(3)
لفظ الحديث: «لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها»
(4)
فالشجر اسم لما كان ينمو، وأما اليابس فهو حطب لا يختلى خلاه، واختلاه قطعة، والخلى: الرطب من المرعى، والعضد: قطع الشجر من باب ضرب.
(لأن حرمة تناولها بسبب الحرم). لأن المحرم غير ممنوع عن الاحتشاش خارج الحرم.
فكان [في]
(5)
ضمان المحال على [ما]
(6)
بيّنا، وهو قوله: لأنها غرامة، وليست بكفارة إلى آخره.
فنذكر هاهنا أيضًا
(7)
ما ذكرنا هناك من السؤال، والجواب، أعني: ما إذا قال: لو كان من ضمان المحال لوجب على الصبي، والمجنون، والكافر وقد ذكرناه.
(1)
أخرجه ابن ماجه في "سننه" باب: [الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ](2/ 826) برقم: [2472]، وقد ضعفه أبو زرعة والبخاري وغيرهما، وقال: محمد بن عمار الموصلي كذاب.
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53)
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 102).
(4)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [لَا يُنَفَّرُ صَيْدُ الحَرَمِ](3/ 14) برقم: [1833]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[تَحْرِيمِ مَكَّةَ وَصَيْدِهَا وَخَلَاهَا وَشَجَرِهَا وَلُقَطَتِهَا، إِلَّا لِمُنْشِدٍ عَلَى الدَّوَامِ](2/ 988) برقم: [1355].
(5)
أثبته من (ب).
(6)
أثبته من (ب).
(7)
ساقطة من (ب).
(بخلاف الصيد) أي: لا يجوز بيع صيد اصطاده محرم أو بيع صيد الحرم أصلاً، والفرق ما نذكره، وهو قوله: (لأن بيعه حياً
(1)
تعرضٌ للصيد الآمن).
(ولو نبت بنفسه).
أي: الذي لا ينبت عادة كأم غيلان، وقد ذكرناه.
(لا بأس [بالرعي]
(2)
، لأن فيه ضرورة).
لأن الذين يدخلون الحرم للحج أو للعمرة يكونون على الدواب، ولا يمكن منع الدواب من رعي الحشيش، ففي ذلك من الحرج ما لا يخفى، فيرخص فيه لدفع الحرج، وعلى قول ابن أبي ليلى: لا بأس بأن يحتش، ويرعى لأجل البلوى، والضرورة فيه، فإنه يشق على الناس حمل علف الدواب من خارج الحرم.
ولنا ما روينا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يختلى خلاها»
(3)
، وإنما تُعتبر البلوى فيما ليس فيه نص بخلافه، فأما مع وجود النص، فلا يعتبر به. كذا في «المبسوط»
(4)
.
وروي أن العباس رضي الله عنه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ»
(5)
قَالَ: إلاَّ الإِذْخِرَ يا رسول الله، فإنها لقبورهم وبيوتهم، فقال صلى الله عليه وسلم:«إلاَّ الإِذْخِرَ» ، وتأويل هذا أنه كان من قصده عليه السلام أن يستثنى إلا أن العباس سبقه بذلك، أو كان أوحي إليه أن يرخص فيما يستثنيه العباس. كذا في «المبسوط»
(6)
.
(وبخلافِ الكمأة).
لأنها ليست من جملة نبات الأرض، بل هي مودعة فيها، وكذلك لا بأس بأخذ حجارة الحرم؛ لأن الانتفاع بالحجر في الحرم مباح، وما يجوز الانتفاع في الحرم يجوز إخراجه من الحرم أيضًا، كذا في «المبسوط»
(7)
.
(وكل شيء فعله القارن فيما ذكرنا أن فيه على المفرد دماً فعليه دمان)
(8)
.
فإن قيل: ينبغي أن يتداخلا كحرمة الإحرام، والحرم، فإن المحرم إذا قتل صيد الحرم لم يجب عليه إلا جزاء واحدٌ.
قلنا: حرمة الإحرام أقوى من حرمة الحرم لما ذكرنا؛ لأنه يحرم قتل الصيد في الأماكن كلها، والحرم لا يحرمه إلا في الحرم، ولأن الإحرام يحرم الصيد، والحلق والتطيب، ولبس المخيط، والجماع، والحرم لا يحرم إلا الصيد، وتوابعه مما ينمو كالحشيش، والشجر فيتبع أضعف الحرمتين أقواهما؛ لن الأصل أن الشيئين إذا اجتمعا في إيجاب حكم واحد، وأحدهما أقوى من الآخر، فإن الحكم يضاف إلى أقواهما، ويجعل ما دونه كالمعدوم كالحافر مع الدافع، والجارح مع جاز الرقبة، وليس كذلك الحجّ والعمرة؛ لأن حرمتهما في المحرمات سواء فلم يتبع/ أحدهما الآخر، وذلك لأن العمرة، وإن كانت دون الحجّة في الفرضية، والأداء، فأما في الإحرام فهما سواء، فإن إحرامها يحرّم جميع ما يحرّمه إحرام الحجّ، وإذا استويا وجب إضافة الحرمة إليهما كما لو جرح اثنان رجلاً ومات أضيف القتل إليهما، كذا نُقل عن الإمام مولانا حميد الدين الضرير
(9)
رحمه الله.
(1)
في (ب): هنا.
(2)
أثبته من (ب). وفي (أ) المرعى ولعل الصواب ماأثبته لموافقته أصله في الهداية.
(3)
متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [لَا يُنَفَّرُ صَيْدُ الحَرَمِ](3/ 14) برقم: [1833]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب:[تَحْرِيمِ مَكَّةَ وَصَيْدِهَا وَخَلَاهَا وَشَجَرِهَا وَلُقَطَتِهَا، إِلَّا لِمُنْشِدٍ عَلَى الدَّوَامِ](2/ 988) برقم: [1355]
(4)
انظر: المبسوط (4/ 105).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
انظر: المبسوط (4/ 104).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 105).
(8)
انظر: بداية المبتدي (1/ 54)
(9)
حميد الدين الضرير علي بن محمد بن علي، حميد الدين الضرير من أهل رامُش -بضم الميم- قرية من أعمال بخارى من علماء الحنفية، كان إمامًا فقيهًا أصوليًا محدثاً متقنًا، تفقه على شمس الأئمة الكردري. وتفقه عليه جماعة منهم صاحب الكنز حافظ الدين النسفي. انتهت إليه رئاسة العلم بما وراء النهر. من تصانيفه:"الفوائد" حاشية على الهداية علقت على مواضع مشكلة؛ و"شرح المنظومة النسفية"، و"شرح الجامع الكبير".
(الجواهر المضية: 1/ 373)، و (الفوائد البهية: ص 125).
وذكر في «المبسوط»
(1)
بعد ذكر قول الشافعي
(2)
: أن عنده على القارن جزاء واحداً
(3)
، وعندنا عليه جزاءان فقال: لأن كل واحد من الإحرامين أصل مثل صاحبه، فيعتبر كل واحد منهما في إيجاب موجبه كأنه ليس معه صاحبه كما أن حرمة الجماع بسبب الصوم وعدم الملك إذا اجتمعا بأن زنى الصائم في رمضان يجب عليه الحد، والكفارة جميعًا. وكذلك حرمة الخمر ثابتة لعينها فتثبت باليمين إذا حلف لا يشربها، ثُمَّ عند الشرب يلزمه الحدّ، والكفارة جميعًا بخلاف حرمة الحرم، فإنها دون حرمة الإحرام؛ لما ذكرنا، وذكر شيخ الإسلام أن وجوب الدمين على القارن فيما إذا كان قبل الوقوف بعرفة في الجماع، وغيره من المحظورات.
فأما بعد الوقوف بعرفة ففي الجماع يجب دمان، وفي سائر المحظورات يجب دم واحد لما أن إحرام العمرة إنما بقي في حق التحلل لا غير. (إلا أن يتجاوز الميقات)
(4)
إلى قوله: (خلافًا لزفر).
وقال [زفر]
(5)
رحمة الله عليه: عليه دمان؛ لأنه أخّر الإحرامين جميعًا من الميقات، فيلزمه لكل إحرام دم.
ألا ترى أن القارن إذا ارتكب سائر المحظورات يجب عليه ضعف ما يجب على المفرد، فكذلك إذا أحرم وراء الميقات ولنا أن المستحق عليه عند الميقات إحرام واحد.
ألا ترى أنه لو أحرم للعمرة عند الميقات، ثُمَّ أحرم بالحجّ بعد ما جاوز الميقات كان جائزاً، ولا شيء عليه مع أنه قارنٌ أيضًا، فعرفنا أن المستحق عليه عنده الميقات إحرام واحد، فيجب عليه بتأخير ذلك الإحرام دم واحد بخلاف سائر المحظورات، فإنه صار بجنايته مرتكبا محظور إحرامين، فكان عليه جزاءان.
وأما هاهنا فلم يصر محرمًا بعد حتى يترتّب عليه جناية إحرامين، إنما عليه أن يقضي حق الميقات بالإحرام، فيقضي هو بإحرام واحد، وكان التارك تارك إحرام واحد، فيجب عليه دم واحد، وأما إذا بدأ فأهلّ بالحجّة بعدما جاوز الميقات، ثُمَّ دخل مكة، فأهلّ بالعمرة أيضًا كان عليه دمان؛ لأنه أخّر إحرام الحجّ عن ميقاته، فوجب عليه دم [واحد]
(6)
، ولمّا دخل مكة بإحرام الحجّة، فميقات إحرامه للعمرة الحِل بمنزلة ميقات أهل مكة، فحين أهلّ بالعمرة في الحرم فقد ترك ميقات إحرام العمرة أيضًا، فيلزمه لذلك دم آخر إلى هذا أشار في «المبسوط»
(7)
.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 82).
(2)
انظر: النووي في "المجموع"(7/ 331).
(3)
سقطتا من (ب).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 54)
(5)
أثبته من (ب).
(6)
أثبته من (ب).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 171).
(فعلي كل واحد منهما جزاء كامل).
وقال الشافعي
(1)
رحمه الله: عليهما جزاء واحد؛ لأن من أصله أن المعتبر هو المحل، ولهذا قال: الدال الذي لم يتصل فعله بالمحل لا يلزمه شيء، والمحل هنا واحد، فلا يلزمه إلا جزاء واحد، وقاس بصيد الحرم، وحقوق العباد، وحجتنا ما بيّنا أن الواجب على المحرم جزاء فعله، وفعل كل واحد من القاتلين كامل جنى به على إحرام كامل، فيجعل في حق واحد منها كأنه ليس معه غيره كما في كفارة القتل، وكما في القصاص، فلمّا كان الواجب بطريق جزاء الفعل جعل كل قاتل كالمنفرد [به]
(2)
، وبه فارق صيد الحرم؛ لأن وجوب الضمان هناك باعتبار المحلّ، ويسلك بضمان الصيد مسلك الغرامات يوضح الفرق أن المعتبر في الحرم حرمة الإحرام، وإحرام زيد غير إحرام عمرو، وهناك المعتبر حرمة الحرم، وهي متحدة في حق الفاعلين، وأما ضمان حقوق العباد فوجوبه بطريق الجبران، وذلك يتم بإيجاب بدل واحد، وما يكون بحق الله تعالى لا يكون بطريق الجبران؛ لأن الله سبحانه، وتعالى عن أن يلحقه نقصان ليكون ما يجب له جبرًا.
(وإذا باع المحرم الصيد أو ابتاعه، فالبيع باطل)
(3)
.
لأن الصيد في حقه محرّم العين، فلا يكون مالًا متقومًا كالخمر فهذا لا يجوز شراؤه أصلاً سواء اشتراه من محرم أو حلال، فإن عطبه في يده، فعليه الجزاء
(4)
لجنايته على الصيد بإثبات يده عليه، وأنه إتلاف لمعنى الصيدية فيه، ويجب على البائع جزاؤه أيضًا إن كان محرمًا؛ لأنه جانٍ على الصيد بتسليمه إلى المشترى، ومفوت لما كان مستحقّاً عليه من تخلية سبيله، فكان ضامناً للجزاء، كذا في «المبسوط»
(5)
.
(ومن أخرج ظبية من الحرم) إلى أن قال: (فعليه جزاءهن)
(6)
.
ذكر بكلمة (من) ليتناول المحرم، والحلال فإن حكمهما/ في هذا الحكم واحد.
(وهذه صفة شرعية فتسري إلى الولد).
أي: كون الظبية مستحقة للأمن بالرد إلى الحرم صفة شرعية لها فتسري إلى الولد كصفة الحرية، والرقيّة في بني آدم فإن قلتَ: يُشكل على هذا ولد المغصوبة فإن المغصوبة واجبة الرد إلى مالكها على الغاصب بحيث لوهلكت بأي وجه كان يجب الضمان، ثُمَّ صفة كونها مستحقة الرد على الغاصب صفة شرعية فيها، ومع ذلك لم يسر إلى ولدها حتى لو هلك ولدها لا يجب الضمان لما أن زوائد الغصب غير مضمونة.
(1)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 313).
(2)
أثبته من (ب).
(3)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55)
(4)
في (ب): جزاؤه
(5)
انظر: المبسوط (4/ 95).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 54)
قلتُ: الفرق بينهما من وجهين: أحدهما ما ذكره الإمام الزاهد الصفار
(1)
رحمه الله وهو إنما وجب جزاء الأولاد؛ لأن الذي أخرجه مأمور بإعادة الأم، والأولاد إلى المأمن، وهو الحرم فإذا لم يفعل دخلت الأولاد في الضمان بخلاف ولد المغصوبة؛ لأنه ما أمر صاحبه بإعادته إلى يده حتى لو كان مأمورًا من صاحبه نقول بضمانه، والثاني: ما أشار إليه فخر الإسلام رحمه الله وهو أن الصيد آمن بالحرم بكونه متوحشًا فتصير
(2)
الجناية عليه بإثبات اليد عليه؛ لأن التوحش، ومعنى الصيدية يزول به فساوى الفرع [الأصل]
(3)
في هذا؛ لأنه كما أثبت اليد على الأم فقد أثبتها على الولد المجتنى فيها، فلما [ساوى]
(4)
الفرعُ الأصلَ في علة الضمان ساواه أيضًا في الحكم بخلاف ولد المغصوبة؛ لأن إثبات اليد في باب الغصب لا يصلح علة للضمان؛ لأن مال المرء إنما يصان بالأيدي، وإنما يضمن بقطع اليد؛ لأن حقوق العباد إنما تضمن بالتفويت أبدا، والولد فارق الأصل في تفويت اليد؛ لأنه لا يتصور تفويت قبل الثبوت ففارقه في الحكم، والله أعلم بالصواب.
بَابُ مجاوزة الوقت بغير إحرام
لما ذكر بَابُ الجنايات، وأنواعها أعقبه ذكر باب مجاوزة الوقت بغير إحرام؛ لأن هذا من الجنايات أيضًا إلا أن هذا قبل الإحرام، وما ذكره من باب الجنايات، وما يتبعه بعد الإحرام، فمطلق ذكر جناية المحرم يتناول لما بعد الإحرام، فكان كاملًا في استحقاق اسم الجناية، فلذلك قدمه على هذا الباب.
قوله رحمه الله: (فإن رجع إلى ذات عرق)
(5)
.
تخصيصه بذات العرق بناء على ظاهر حال الكوفي، وإلا فالرجوع إلى ذات عرق، والرجوع إلى مواقيت أُخر [سواه]
(6)
، سواء في سقوط الدم عنه في ظاهر رواية أصحابنا رحمه الله لأنه ذكر في «شرح الطحاوي»
(7)
فإن عاد إلى ميقات آخر سوى الميقات الأول الذي جاوز قبل أن يتصل إحرامه بالفعل سقط عنه الدم عند علمائنا الثلاثة، وعوده إلى هذا الميقات، وإلى ميقات آخر سواء، وروى عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: ينظر إن عاد إلى ميقات، وذلك الميقات يحاذي الميقات الأول، ولم يعد
(8)
إلى الحرم سقط عنه الدم، وإلا فلا يسقط.
(1)
الإمام الزاهد الصفار إسحاق بن أحمد بن شيث بن نصر بن شيث بن الحكم، أبو نصر، الصفار، وقيل: هو أحمد بن إسحاق. فقيه حنفي، من أهل بخارى، قال السمعاني: له بيت في العلم ببخارى، ورأيت من أولاده جماعة، وسكن مكة، وكثرت تصانيفه وانتشر علمه بها، ومات بالطائف، ذكره الحاكم في
" تاريخ نيسابور" فقال: أبو نصر الفقيه الأديب، قدم علينا حاجًا، وما كانت رأيت ببخارى مثله في سنه في حفظ الفقه والأدب، وكان قد طلب الحديث مع أنواع من العلم.
انظر: الجواهر المضية: 1/ 142)، و (الفوائد البهية: 14)، و (معجم المؤلفين: 2/ 230).
(2)
في (ب): فيكون.
(3)
أثبته من (ب).
(4)
أثبته من (ب).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 54)
(6)
أثبته من (ب).
(7)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 109).
(8)
في (ب): أوأبعد.
ولولم يعد إلى الميقات، ولكنه أفسد إحرامه إن كانت عمرة بجماعه قبل أن يطوف لها أكثر طوافها، وإن كان حجة بجماعه قبل الوقوف بعرفة سقط ذلك الدم عنه؛ لأنه وجب عليه قضاؤها، فانجبر ذلك كله بالقضاء كمن سها في صلاته، ثُمَّ أفسدها فقضاها؛ لا يجب عليه سجدتا السهو، وكذلك إذا فاته الحجّ، فإنه يتحلل بالعمرة فعليه قضاء الحجّ، وسقط عنه ذلك الدم، وهذا عندنا، وعند زفر لا يسقط عنه ذلك الدم، وذكر في «المبسوط»
(1)
فإذا جاوز الكوفي الميقات حلالًا، فقد ارتكب المنهي، وأخر الإحرام عن الميقات فتمكّن نقصان في حجة، ونقصان الحجّ يجبر بالدم، فإن رجع إلى الميقات ولبى، إن رجع قبل أن يحرم، فأحرم بالحجّ من الميقات فلا شيء عليه بالاتفاق، يعني: عندنا، وعند زفر رحمه الله أيضًا؛ لأنه تلافى المتروك في وقته، ومكانه فصار في الحكم كأنه لم يجاوز الميقات إلا محرمًا، فإن الواجب عليه أداء الحجّ بإحرام يباشره من الميقات، وقد أتى بذلك.
وإن كان [أحرم]
(2)
بعدما جاوز الميقات، ثُمَّ عاد إلى الميقات فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله إن لبى عند الميقات سقط عنه بالدم، وإن لم يلبّ لا يسقط عنه الدم، وعندهما يسقط الدم عنه في الحالين جميعًا، وعند زفر فلا يسقط عنه الدم في الحالين جميعًا بخلاف الإفاضة؛ لأنه لم يتدارك المتروك/ لأن المتروك هناك استدامة الوقوف إلى غروب الشمس، وهو بعوده لم يتداركه في وقته حتى قال بعضهم: لو عاد قبل غروب الشمس يسقط عنه الدم؛ لأنه تدارك المتروك في وقته حين أفاض بعد غروب الشمس مع الإمام، وعند بعضهم لا يسقط؛ لأنه ما تدارك المتروك، وهو استدامة الوقوف فقد ترك جزأ من الوقوف إلى أن أعاد، وذلك الجزء لا يمكن تداركه، وبخلاف ما إذا دخل مكة، وطاف شوطًا؛ لأنه إنما أسقطنا عنه الدم باعتبار أنه مبتدئ للإحرام من الميقات، فيمكن في حجة الحجّ يجبر بالدم إلى الميقات، ورجع قبل تقديراً
(3)
وفي اعتبار ذلك بطل الطواف الذي وجد منه، ولا سبيل إلى ذلك لوقوعه معتداً به فلا يمكن اعتباره مبتدئًا بعد ذلك أما هاهنا فبخلافه.
(كما إذا مرّ به محرمًا ساكتًا).
يعني: أن الواجب عليه أن يكون محرمًا عند الميقات لا أن ينشئ الإحرام عند الميقات ألا ترى أنه لو أحرم قبل أن ينتهي إلى الميقات، ثُمَّ مرّ بالميقات محرمًا، ولم يلبّ عند الميقات لا يلزمه شيء.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 170).
(2)
أثبته من (ب).
(3)
سقط من (ب) من قوله: (فيمكن في حجة) إلى قوله: (تقديراً).
وعنده يعود
(1)
محرمًا ملبياً لما أنه لما انتهى إلى الميقات حلالًا وجب عليه التلبية عند الميقات، والإحرام، فإذا ترك [ذلك]
(2)
بالمجاوزة حتى أحرم وراء الميقات، ثُمَّ عاد فإن لبّى فقد أتى بجميع ما هو المستحق عليه، فسقط عنه الدم، وإن لم يلبّ، فلم يأت بجميع ما استحق عليه، وهذا بخلاف من أحرم قبل أن ينتهي إلى الميقات؛ لأن ميقاته هناك موضع إحرامه، وقد لبّى عنده فقد خرج الميقات المعهود من أن يكون ميقات الإحرام في حقه، فلذلك لا يضرّه ترك التلبية بخلاف ما نحن فيه، كذا في «المبسوط»
(3)
وغيره لا يسقط عنه الدم
(4)
بالاتفاق لما ذكرنا أن ما فعل وقع معتدًّا به، فبالعود إلى الميقات لا يعود حكم الابتداء، فلا يسقط عنه الدم.
(وإذا دخله).
أي: وإذا دخل البستان التحق بأهله سواء نوى الإقامة خمسة عشر يومًا أو لم ينو إلا أنه روى عن أبي يوسف رحمه الله أنه إن نوى الإقامة بالبستان خمسة عشر يومًا كان له أن يدخل، وإن نوى الإقامة بالبستان دون خمسة عشر يوماً ليس له أن يدخل مكة إلا بإحرام، كذا في «المبسوط»
(5)
.
(ومن دخل مكّة بغير إحرام، ثُمَّ خرج من عامه ذلك)
(6)
إلى آخره.
صورة المسألة أن الآفاقي إذا دخل مكة بغير إحرام، ولزمه بسبب دخوله مكة إما حجة أو عمرة عندنا خلافًا للشافعي
(7)
على ما مرّ، ثُمَّ حج من عامة ذلك حجة الإسلام أو حجة أو عمرة نذرها، فحجة الإسلام، أو الحجّة المنذورة، أو العمرة المنذورة تنوب عن الحجّة أو العمرة التي وجبت عليه بسبب دخول مكة بغير إحرام حتى يسقط ذلك عنه [بإتيان]
(8)
الحجّ المفروض أو غيره عندنا خلافًا لزفر رحمه الله.
واعلم: أن هاهنا قيداً ذكره في «شرح الطحاوي»
(9)
، وهو أن الآفاقي إذا جاوز الميقات قاصدًا مكة بغير إحرام مرارًا، فإنه يجب عليه لكل مرة إما حجة وإما عمرة، ثُمَّ لو خرج من عامه ذلك إلى الميقات، فأحرم بحجة الإسلام أو غيرها، فإنه يسقط عنه ما وجب عليه لأجل المجاوزة الأخيرة، ولا يسقط عنه ما وجب عليه لأجل مجاوزة قبلها؛ لأن الواجب قبل الأخيرة صار دينًا، فلا يسقط [عنه]
(10)
إلا بتعيين النية.
(1)
في (ب): بعوده.
(2)
أثبته من (ب).
(3)
انظر: المبسوط (4/ 171).
(4)
ساقطة من (ب).
(5)
انظر: المبسوط (4/ 169).
(6)
انظر: بداية المبتدي (1/ 53).
(7)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 10).
(8)
أثبته من (ب) وفي (أ) بإثبات. ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(9)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 166).
(10)
أثبته من (ب).
وحاصله: أن هاهنا أحكامًا أربعة أحدها أنه لا يجوز للآفاقي دخول مكة بغير إحرام.
وثانيها: أن من دخل مكة بغير إحرام يجب عليه إما حجة، وإما عمرة.
وثالثه: أنه إذا خرج من عامة ذلك، وحج حجة الإسلام يسقط عنه ما وجب عليه قبل ذلك بدخول مكة على ذلك القيد الذي ذكرنا، ورابعها: أنه إذا خرج بعد مضي تلك السنة لا يسقط عنه ما وجب عليه.
وقال زفر-رحمه الله: لا يجزيه
(1)
، وهو القياس اعتباراً بما لزمه بسبب النذر).
وذلك لأنه لما وجب بمجاوزته الميقات بغير إحرام إما حجة أو عمرة صار ذلك بمنزلة الشروع في صلاة التطوع، ثُمَّ أفسدها، ثُمَّ لو كان هو في الصلاة كذلك كان لا ينويها الصلاة المفروضة، أو المنذورة منَابها كذا هاهنا بجامع أن الوجوب الفعلي بمنزلة الوجوب القولي في الموضعين.
وجه قول علمائنا، وهو الاستحسان أنه تلافى المتروك في وقته وتداركه؛ لأن الإحرام الثاني، أعني به: الإحرام الذي يأتي به بعد دخول مكة، فيخرج إلى الميقات، فيحرم قائم مقام الإحرام الأول، أعني به: الإحرام/ الذي يأتي به حين بلغ الميقات في سفره الذي أتى إليه من الكوفة أو غيرها على معنى أن الإحرام الأول لو وجد يحصل به أداء الحجّ في هذه السنة بسبب هذا الإحرام بخلاف ما إذا تحولت السنة لما أن الثاني غير قائم مقام الأول، فإن الأول لو وجد يحصل به أداء الحجّ في العام الماضي، وبالإحرام الثاني يحصل به أداء الحجّ في العام القابل فلا يسد مسده كما في صوم الاعتكاف المنذور بصوم رمضان من هذه السنة على ما هو المذكور في الكتاب، والمعنى ما قلنا، فإن قيل: لو عاد إلى الميقات بعد تحول السنة، وأحرم بالعمرة لم يجز ذلك عما لزم بدخول مكة، وهو في الابتداء لو أحرم بعمرة، ثُمَّ أحرم أداء الأعمال إلى السنة الثانية جاز ذلك.
قلنا: نعم، ولكن يكره له تأخير أداء الأعمال بحكم ذلك الإحرام إلى السنة الثانية فالتأخير إلى وقت يوجب الكراهية بمنزلة التفويت في حكم التدارك، فلذلك لا ينوب عما لزمه لدخول مكة بغير إحرام كذا في «الجامع الصغير» الشمس الأئمة السرخسي، والفوائد كما في الاعتكاف المنذور أي المنذور في رمضان من هذه السنة.
(1)
أي إذا دخل مكة بغير إحرام لزمه به حجة أو عمرة إذا حج عما عليه من حجة الإسلام في تلك السنة أجزأه عما أحرمه بدخول مكة، وإن تحولت السنة لايجزئه، ووقال زفر: لايجزئه، وإن لم تتحول السنة أيضا وهو القياس.
انظر: تبيين الحقائق (2/ 74).
(ومن جاوز الميقات). وفي بعض النسخ (الوقت)
(1)
.
والمراد به هو الأول، أي ومن جاوز الميقات بغير إحرام، ثُمَّ أحرم بعمرة، ثُمَّ أفسد العمرة بأن جامع قبل الطواف لها مضى فيها
(2)
هاهنا ثلاثة أحكام، وهي المضي فيها، ووجوب القضاء وعدم لزوم الدم.
أما وجوب المضي فيها فلأن الإحرام عقد لازم لا يخرج المرء عنه بعد شروعه فيه إلا بأداء الأفعال، ولهذا كان مظنونه مضمونًا بخلاف الصلاة، والصوم، وأما القضاء، فلأنه التزم الأداء بوصف الصحة، ولم يوجد.
وأما لا دم عليه فلأنه يقضيها كاملًا بإحرام من الميقات فينجبر به ما نقص من حق الميقات بالمجاوزة بغير إحرام فسقط عنه الدم كمن سها في صلاته، ثُمَّ أفسدها فقضاها سقط سجود السهو فهذا كذلك على ما مرّ كذا في «شرح جامع الصغير»
(3)
.
حكم لو جامع المحرم قبل الوقوف بعرفة
فإن قلتَ: ما الفرق بين إفساد العمرة هاهنا بالجماع وبين إفساد الحجّ بالجماع فيما مرّ من مسائل الجنايات بالجماع حيث لم يسقط الدم هناك مع وجود القضاء فقال: ومن جامع هذا في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة فسد حجه
(4)
، وعليه شاة
(5)
وعليه
(6)
الحجّ من قابل، وهاهنا سقط وجوب الدم في العمرة لانجبار الفساد بالقضاء، وهناك أيضًا انجبر بالفساد بالقضاء، ومع ذلك لم
(7)
يسقط الدم.
قلتُ: هذا طرد لا نقض، وما وقع الافتراق بينهما باعتبار أنه أفسد العمرة
لا الحجّة، بل لمعنى آخر حتى أنه لو كان في الحجّة مثل ما كان في العمرة
هاهنا يسقط الدم في الحجّة أيضًا، وهو أن وجوب الدم هاهنا إنما كان لمجاوزة
(8)
الميقات حلالًا.
ثُمَّ في إحرام القضاء لما أحرم من الميقات فقد أدّى حق الميقات فانجبر به ما نقص من حق الميقات، فسقط الدم لما ذكرنا من الانجبار، وكذلك لو جاوز الميقات حلالًا، ثُمَّ أحرم بالحجّ، ثُمَّ جامع قبل الوقوف حتى فسد حجه سقط عنه دم الوقت عندنا أيضًا؛ لأن القضاء وجب عليه، فإذا عاد للقضاء يحرم من الميقات [فانعدم]
(9)
به المعنى الذي لأجله كان يلزمه الدم، فلذلك سقط الدم، كذا في «المبسوط»
(10)
.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 54).
(2)
في (ب): منها.
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 112).
(4)
أي إن كان الجماع قبل الوقوف بعرفة فسد حجه وهذا التقسيم عند الحنفية وباقي الأئمة على أن الجماع يفسد الحج قبل التحلل الأول سواء كان قبل الوقوف أو بعده.
انظر: الفتح (3/ 44)، الكافي (1/ 396)، المجموع (7/ 333)، الشرح الكبير (8/ 409).
(5)
سقطتا من (ب).
(6)
في (ب): وعليهما.
(7)
ساقطة من (ب).
(8)
في (ب): لمجاوزته.
(9)
أثبته من (ب)، وفي (أ) مما يعدم. ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(10)
انظر: المبسوط (4/ 173).
وإلى هذا المعنى أشار في الكتاب فقال: وهو
(1)
نظير الاختلاف في فائت للحج إذا جاوز الوقت بغير إحرام أي: والذي جاوز الميقات بغير إحرام، ثُمَّ أحرم بعمرة، ثُمَّ أفسد العمرة، ثُمَّ قضاه نظير فائت الحجّ بهذا الطريق، وصورته ما ذكر في «المبسوط»
(2)
، وهو أن يجاوز الميقات حلالًا بغير إحرام، ثُمَّ أحرم ففاته الحجّ سقط عنه دم الوقت عندنا، ولم يسقط عند زفر؛ لأن الدم بمجاوزته الميقات صار واجبًا عليه، فلا يسقط بفوات الحجّ كما لو وجب عليه الدم بالتطيب أو لبس المخيط لا يسقط عنه ذلك بفوات الحجّ، ولكنا نقول: لما فاته الحجّ وجب عليه القضاء، وهو للقضاء محرم من الميقات فينعدم به المعنى الذي لأجله يلزمه الدم، وهو أداء الحجّ بإحرام بعد مجاوزة الميقات بخلاف سائر الدماء؛ لأن وجوب ذلك عليه بما ارتكب من المحظورات، فلا ينعدم ذلك بفوات الحجّ، وعلى هذا لو جاوز الميقات حلالًا، ثُمَّ أحرم للحج، ثُمَّ جامع/ قبل الوقوف حتى فسد حجه، ثُمَّ قضاه سقط عنه الدم عندنا خلافًا لزفر رحمه الله على ما ذكرنا.
(لأن وقته الحرم) لما ذكر في فصل المواقيت وهو قوله: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بأن يحرموا بالحجّ من جوف مكة فأحرم، ووقف بعرفة»
(3)
، أي: من غير أن يعود إلى الحرم.
بَابُ إضافة الإحرام إلى الإحرام
فإضافة الإحرام إلى الإحرام في حق المكي، ومن في معناه جناية، وكذلك إضافة إحرام العمرة إلى إحرام الحجّة في حق الآفاقي إساءة، وكراهية ما يذكر بخلاف إضافة إحرام الحجّة إلى إحرام العمرة فلذلك ألحق بابها بباب الجنايات.
قال أبو حنيفة رحمه الله: (إذا أحرم المكي بعمرة، وطاف شوطاً، ثُمَّ أحرم بالحجّ، فإنه يرفض الحجّ)
(4)
.
فإنه فيه ثلاثة قيود كما ترى قيد بالمكي فإن الآفاقي إذا أهّل بالعمرة أولًا فطاف لها شوطًا، ثُمَّ أهّل بالحجّ مضى فيها، ولا يرفض الحجّ؛ لأن بناء أعمال الحجّ على أعمال العمرة صحيح في حق الآفاقي إلا أنه لو طاف للعمرة أقل الأشواط يكون قارناً، وإن طاف لها أكثر الأشواط، ثُمَّ أهّل بالحجّ كان متمتعًا؛ لأن المتمتع من يُحرم بالحجّ بعد عمل العمرة، ولأكثر الطواف حكم الكل، والقارن من يجمع بينهما، وقيّد بالعمرة فإن المكي إذا أهّل بالحجّ فطاف له شوطاً، ثُمَّ أهّل بالعمرة قال: يرفض العمرة؛ لأن إحرامه للحج قد تأكد، وقبل تأكده كان يؤمر برفض العمرة فبعد تأكده أولى كذا في «المبسوط»
(5)
.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 173).
(3)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم أن يحرموا بالحج من مكة. قال الحافظ ابن حجر في الدراية (2/ 7): أمر أصحابه أن يحرموا بالحج من جوف مكة. أخرجه مسلم من حديث جابر وأبي سعيد أهم أهلوا من البطحاء، وليس فيه تصريح بالأمر. قلت هو عند مسلم في صحيحه: الحج (17) بيان وجوب الأحرام (2/ 882) بلفظ (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحللنا، ان نحرم إذا توجهنا إلى منى قال: فأهللنا من الأبطح).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55)
(5)
انظر: المبسوط (4/ 183).
(وقيد بالشوط) أي: بالشوط الواحد فإنه إن طاف للعمرة أربعة أشواط، فيأتي حكمه بأنه لا خلاف في رفض الحجّ، ولهذا يُعلم أنه إذا طاف للعمرة شوطين أو ثلاثة أشواط، ففيه هذا الخلاف الذي ذكره فيما إذا طاف للعمرة شوطاً، وبه صرح فخر الإسلام في «الجامع الصغير»
(1)
.
ثُمَّ مسألتنا هذه، وهي أن المكي إذا أحرم لعمرة، وطاف لها شوطاً، ثُمَّ أحرم بالحجّ، فإنه يرفض الحجّ مبنية على أصل مختلف بيننا وبين الشافعي
(2)
، وهي أن المكي منهي عن التمتع، والقران عندنا إلا في صورة واحدة، وهي أن المكي إذا خرج إلى الكوفة لحاجة، ثُمَّ عاد إلى مكة، وقرن، وأحرم من الميقات بحجة وعمرة كان قارنًا؛ لأن القارن هو من يجمع بين الإحرامين من الميقات، وقد وجد.
وقال الشافعي
(3)
رحمه الله: يجوز ذلك للمكي مطلقًا، وقد ذكرناه فلما ثبت من أصلنا أن المكي منهي عن الجمع بين الإحرامين، وإذا جمع بين الإحرامين فلابد من رفض أحدهما لئلا يستديم في ارتكاب المنهي عنه فبعد ذلك لا [يخلو]
(4)
حاله.
عن أحد ثلاثة أوجه:
إما أن يكون أحرم بالحجّ قبل أن يأتي بشيء من طواف العمرة، أو يأتي فإن أتى فلا يخلوا. إما أن يأتي بالقليل منه أو بالكثرة
(5)
، وفي الوجهين إجماع، وهو أنه إن كان أحرم بالحجّ قبل أن يأتي بشيء من طواف العمرة فإنه يرفض العمرة إجماعًا؛ لأنه لم يوجد منه بلا عقد الإحرام فيهما، فإذا احتيج إلى رفض أحدهما كان رفض ما هو الأهون أولى، وهو العمرة.
والثاني: أنه إن كان طاف للعمرة أربعة أشواط، ثُمَّ أحرم بالحجّة، فإنه يرفض الحجّة إجماعًا لإتيانه بالأكثر.
والثالث: وهو مسألتنا فإنه إن طاف للعمرة أقل الأشواط، ثُمَّ أحرم بالحجّة، فإنه يرفض الحجّ عند أبي حنيفة رحمه الله خلافًا لهما.
لأنها أدنى حالًا؛ لأن الحجّ فريضة، والعمرة سنة هذا في حجة الإسلام فظاهر، وإن كان هذا في حجة التطوّع، فتعلل لرفض العمرة بالوجهين الآخرين، وهما أن العمرة أقل أعمالاً؛ لأن أفعالها الطواف والسعي لا غير؛ لأنها أيسر قضاء؛ لكونها غير مؤقتة.
قوله رحمه الله: (وكذا إذا أحرم بالعمرة، ثُمَّ بالحجّ).
(1)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 115)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 54).
(2)
انظر: المجموع (7/ 169)، مغني المحتاج (2/ 290).
(3)
انظر: المجموع (7/ 169)، مغني المحتاج (2/ 290).
(4)
أثبته من (ب) وفي (أ) يخ، ولعل الصواب ماأثبته لأنه اختصار ل يخلو.
(5)
في (ب): بالكثير.
أي: يرفض العمرة بالإجماع، كذا في «الجامع الصغير»
(1)
لشمس الأئمة السرخسي رحمه الله.
قوله رحمه الله: (ولا كذلك إذا طاف للعمرة أقل من ذلك عندهما) هكذا وقع في بعض النسخ.
وفي بعضها: (ولا كذلك إذا طاف للعمرة أقلّ من ذلك عند أبي حينفة رحمه الله).
وذكر الإمام مولانا حسام الدين الأخسيكثي
(2)
: والصواب وكذلك إذا طاف للعمرة أقل من ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله فقال: وهو المثبت في نسخة المصنف رحمه الله وهكذا أيضًا وجدته بخط شيخي رحمه الله فلكل واحدة من هذه النسخ وجه أما وجه الأولى، والثالثة فظاهر، وأما وجه الثانية فهو لدفع سؤال السائل/ وهو أن يقال: لما أخذ الأكثر حكم الكل يكون الأقل معدوماً حكماً ينبغي أن يرفض العمرة عند أبي حنيفة رحمه الله حينئذٍ؛ لأنه لم يأخذ حكم الوجود، فصار كأنه لم يطف للعمرة شيئاً، وهناك يرفض العمرة كما مرّ، فكذلك في المعدوم الحكمي.
فقال: (ولا
(3)
كذلك)، فإنه لما أتى شيء من أفعال العمرة، فقد تأكدت العمرة، ولم يتأكد الحجّ أصلاً، فكان رفض غير المتأكد أسهل، وله أن إحرام العمرة قد تأكد بأداء شيء من أعمالها، وإن كان بشوط من الطواف، فلذلك يرفض الحجّ، والدليل على أن التأكيد يحصل بشوط من الطواف ما بيّنا في الآفاقي أنه إذا جاوز الميقات، ثُمَّ أحرم، وقدم مكة فطاف شوطًا، ثُمَّ عاد إلى الميقات ملبيًا لا يسقط عنه دم الوقت بخلاف ما إذا عاد قبل أن يطوف شيئاً
(4)
لما قلنا: أن ما أتى به من الطواف عمل هو قربة، فلو رفض العمرة كان مبطلًا [للعمرة]
(5)
، كذا ذكر شمس الأئمة السرخسي في «الجامع الصغير»
(6)
.
(1)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 115).
(2)
سبق التعريف به حينما أطلق عليه المؤلف رحمه الله اسم (الحسامي) حسام الدين الأخسيكثي الحسامي.
انظر (239)
(3)
ساقطة من (ب).
(4)
وإنما سقط عنه الدم؛ لأنه لما عاد إلى الميقات قبل أن يُحرم، وأحرم منه، التحقت تلك المجاوزة بالعدم، وصار هذا ابتداءُ إحرامٍ منه، فكأنه تدارك ما فاته، وتلافى المتروك في وقته ومكانه، فصار في الحكم كأنه لم يجاوز الميقات إلا محرمًا.
انظر: المبسوط (4/ 170)، البدائع (2/ 165)، المسالك (1/ 310)، فتاوى قاضي خان (1/ 287)، تبيين الحقائق (2/ 73)، التتارخانية (2/ 358)، الهداية مع العناية (3/ 40)، البحر الرائق (3/ 51).
ورد نقل الإجماع في المصادر التالية: البدائع (2/ 165)، البحر العميق (1/ 620)، النهر الفائق (2/ 151)، شرح الطحاوي (ل/ 123).
(5)
أثبته من (ب). وفي (أ) العمل، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(6)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 116).
(والحالة هذه).
أي: أتى بشيء من أفعال العمرة، وعليه دم بالرفض أيهما رفضه لكن هو دم جبر لا شكر على ما يأتي حتى لا يباح له أن يتناول منه بمنزلة دماء الكفارات.
فإن قيل: هلا لزمه دمان لحرمة كل واحد من الإحرامين، قلنا: لأنه غير ممنوع من أحدهما، فالنقصان حيثُمَّا تمكّن في أحدهما، فلذلك لزمه واحدكذا في «الفوائد الظهيرية»
(1)
، فكان في معنى المحصر من حيث [أنه]
(2)
تحلل قبل أوانه؛ لتعذر المضي على وجهه، وفي رفض الحجّ قضاؤه، وعمرة أما الحجّ فلأنه صح شروعه فيه، ثُمَّ رفضه، وأما العمرة فلأنه في معنى فائت الحجّ، وفائت الحجّ يتحلل بأفعال العمرة بالحديث.
(غير أنه منهي عنهما).
أي: عن إحرام الحجّ، وإحرام العمرة جميعًا
(3)
، وفي نسخة شيخي رحمه الله بخطه (منهي عنها) أي: عن العمرة أو هي المتعينة للرفض إجماعاً فيما إذا لم يشتغل بطواف الحجّ، والكلام فيه؛ لأنها هي الداخلة في وقت الحجّ، وبسببها وقع العصيان كذا ذكره فخر الإسلام رحمه الله.
(فإن حلق في الأولى لزمته الأخرى)
(4)
.
أي: فإن كان حلق في الحجّة الأولى، ثُمَّ أحرم بحجة أخرى لزمته الأخرى
(5)
، ولا دم عليه، وأما إذا لم [يحلق]
(6)
في الأولى، ثُمَّ أحرم بحجة أخرى لزمته الأخرى أيضًا، ولكن عليه دم.
(قصر أو لم يقصر).
أي: حلق بعد إحرام الحجّة الأخرى أو لم يحلق، وإنما عبّر بالتقصير عن الحلق؛ لأن وضع المسألة في قوله:(من أحرم بالحجّ، ثُمَّ أحرم).
يتناول الذكور، والإناث؛ لأنه ذُكر بكلمة مَنْ فذكر أولًا لفظ الحلق، ثُمَّ ذكر لفظ التقصير لما أن الأفضل في حق الرجل الحلق، وفي حق النساء التقصير.
لأن الجمع بين إحرامي الحجّ أو إحرامي العمرة بدعة، وذكر الإمام التمرتاشي: الإحرام بحجتين أو عمرتين أو بحجة، ثُمَّ بحجة وعمرة، ثُمَّ بعمرة صحيح في حق الإيجاب دون الأداء؛ لأن الجمع أداء غير ممكن.
وعند محمد رحمه الله لا يصح؛ لأنه لا يمكن أداؤهما جملة، ولا ترتيب في أفعال إحديهما على الأخرى؛ لأنه غير مشروع، ثُمَّ عند أبي يوسف رحمه الله يرتفض إحداهما للحال؛ لأن الجمع في حق الأداء لم يصح؛ لأنه غير مشروع، وعند أبي حنيفة ما لم يشتغل بالأداء لا يرتفض؛ لأن التنافي في الأدائين، ولو أحرم بعمرة، ثُمَّ بحجة فهو قارن، وقد أحسن، ولو أحرم بحجة، ثُمَّ بعمرة إن لم يأت بشيء من أفعال الحجّ فهو قارن، وقد أساء حيث أدخل العمرة على الحجّة، وهو غير مسنون، ويقدم أفعال العمرة على أفعال الحجّ؛ لأنه كذا شُرع، ولو كان طاف للحج شوطًا.
(1)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 116).
(2)
أثبته من (ب).
(3)
في (ب): جمعاً.
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55).
(5)
في (ب): أخرى.
(6)
أثبته من (ب) وفي (أ) يتحقق، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(ثُمَّ أحرم بعمرة).
رفضها، ولزمه دم الرفض، وقضى العمرة هذا في الآفاقي، وأما المكي فقد ذُكر، وذكر في «الفوائد الظهيرية»
(1)
، وأصل هذا أن الجمع بين إحرامي الحجّ أو إحرامي العمرة بدعة لكن إذا جمع بينهما لزماه عند أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف، وعند محمد، والشافعي
(2)
يلزمه أحدهما.
والكلام مع الشافعي بناء على أن الإحرام عنده من الأداء أي: الأركان، وعندنا الإحرام شرط الأداء، ومحمد يقول الإحرام، وإن كان شرط للأداء إلا أنه ما شُرع إلا للأداء، فلا يشرع إلا على الوجه الذي يتصور الأداء وأداء حجتين أو عمرتين معًا لا يتصور، فلا يتصور الإحرام لهن أيضًا كالتحريمة في باب الصلاة، وهما يقولان: الإحرام بالحجّ التزام محض في الذمة بدليل أنه يصح منفصلًا عن الأداء، والذمة تسع حججاً كثيراً، فصار من هذا الوجه نظير النذر بخلاف التحريمة للصلاة؛ لأنها لا تصلح منفصلة عن الأداء إلا أنه لابد من/ رفض أحدهما عندهما إما تورعاً عن ارتكاب المنهي وإما؛ لأن البقاء للأداء لا للالتزام، والجمع أداء غير
(3)
متصور
(4)
، فبعد هذا قال أبو حنيفة رحمه الله:"إذا توجه إلى أداء إحديهما يصير رافضًا للأخرى"، وقال أبو يوسف:"كما فرغ من الإحرامين يصير رافضاً إحداهما".
وفائدة الاختلاف فيما إذا قتل صيداً قبل أن يتوجه إلى إحدهما على قول أبي حنيفة يلزمه قيمتان، وعلى قول أبي يوسف يلزمه قيمة واحدة، وكذلك إذا أُحصر في هذه الحالة يحتاج إلى هديين للتحلل عند أبي حنيفة خلافًا لأبي يوسف.
وإذا ثبت هذا فيقول: إن حلق في الإحرام الأول، ثُمَّ أحرم في يوم النحر بحجة أخرى لزمته الأخرى، ولا يلزمه شيء آخر؛ لأن الأولى قد انتهت نهايتها، وأما إذا لم يحلق في الإحرام الأول
(5)
، ثُمَّ أحرم بحجة أخرى صار جامعًا بين إحرامي الحجّ، فبعد ذلك لا [يخلو]
(6)
أما أن يحلق للأولى في هذه السنة أو لم يحلق إلى السنة الثانية، فإن حلق في هذه السنة، فقد تحلل عن الأولى لكن جنى على الثانية بالحلق، وإن لم يحلق إلى السنة الثانية فقد أخّر الحلق في الأولى عن وقته، والتأخير عن الوقت مضمون في قول أبي حنيفة، فلذلك قال في الكتاب: وعليه دم قصر أم لم يقصر عند أبي حنيفة.
(1)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 117).
(2)
انظر: النووي في "المجموع"(8/ 263).
(3)
في (ب): لا.
(4)
في (ب): يتصور.
(5)
أي إن لم يحلق في الأولى، وأحرم صار جامعا بين إحرامي الحج، فبعد ذلك: إما أن يحلق للأولى في خذة السنة، أو يؤخر الحلق إلى السنة الثانية، فإن حلق تحلل عن الأولى ولكن جنى على الثانية بالحلق، وإن أخر فقد أخر الحلق عن الأولى عن وقته. انظر: العناية (2/ 117)، تبيين الحقائق (3/ 75)، (3/ 800).
(6)
أثبته من (ب) وفي (أ) يخ، ولعل الصواب ماأثبته لأنه اختصار ل يخلو.
وعندهما لا يلزمه شيء على ما ذكرنا، وهو قوله في الفصل الثاني من باب الجنايات، (ومن أخّر الحلق) إلى قوله (لهما أنّ ما فات مستدرك بالقضاء).
فلا يجب مع القضاء شيء آخر.
([فإن]
(1)
أحرم بأخرى).
أي: بعمرة أخرى.
(فعليه دم لإحرامه قبل الوقت)
(2)
.
لأن وقته بعد الحلق عن الأولى، ثُمَّ أن محمداً سكت عن إيجاب الدم بسبب الجمع بين إحرامي الحجّ في «الجامع الصغير»
(3)
، وأوجب ذلك في كتاب المناسك من «المبسوط»
(4)
فذكر بعض مشايخنا في ذلك روايتين.
وذكر في «الجامع الصغير»
(5)
وجوب الدم بسبب الجمع بين إحرامي العمرة من غير اختلاف الروايتين، فوجه الرواية التي سوى بين الجمع بين إحرامي الحجّ وبين الجمع بين إحرامي العمرة هو أن الجمع بين إحرامي الحجّ غير مشروع كما أن الجمع بين إحرامي العمرة غير مشروع؛ لأنه في الصورتين صار مدخل للنقص في الإحرام، فلذلك وجب الدم فيهما، ووجه الرواية التي فرّق هو أن في الحجّة لا يصير جامعاً في الفعل؛ لأنه لا يؤدي أفعال الحجّ الآخر في هذه السنة، وإنما كره الجمع في الفعل، أما في العمرة فيصير جامعاً بينهما في الفعل؛ لأنه لا يؤدي العمرة الثانية في هذه السنة كذا في «الجامع الصغير»
(6)
للإمام الشيباني.
(فيصير بذلك قارناً).
لأنه قرن بين النسكين لكنه أخطأ السنة؛ لأن السنة إدخال الحجّ على العمرة
لا إدخال العمرة على الحجّ قال الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
…
الْحَجِّ}
(7)
، فجعل الحجّ
(8)
آخر الغايتين، لكن لما لم يكن أداء الحجّ صح؛ لأن الترتيب إنما فات في الإحرام دون الأداء، فعليه تقديم أفعال العمرة على أفعال الحجّ كذا ذكره فخر الإسلام، وظهير الدين المرغيناني رحمه الله.
(فهو رافضٌ لعمرته)
(9)
.
فينبغي أن يعرف هاهنا شيئان: الأول
(10)
أن العمرة تحتمل الرفض، والثاني: أنه يصير رافضًا إذا وقف بعرفات، وإنما قلنا: أن العمرة تحتمل الرفض لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال لها النبي صلى الله عليه وسلم وامشطي رأسك، وارفضي عمرتك»
(11)
، وقد ذكرناه، وأما الموقوف فإنه يتم
(12)
الحجّ على وجه لا يحتمل الفساد، وبتمام
(13)
الحجّ كانت غاية العمرة موجودة، والشيء لا يبقى بعد غايته، فيرتفض إحرام العمرة ضرورة، فلو وقف بعرفات، ولم يأت بأفعال العمرة فهو رافض لعمرته،
(1)
أثبته من (ب).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55)
(3)
انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 162).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 121).
(5)
انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 163).
(6)
انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (1/ 163).
(7)
سورة البقرة: من الآية (196).
(8)
ساقطة من (ب).
(9)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55).
(10)
ساقطة من (ب).
(11)
أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [العُمْرَةِ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا](3/ 4) برقم: [1783].
(12)
في (ج): وبتمام.
(13)
في (ب): وتمام.
وكذلك إذا طاف لعمرته شوطاً، أو شوطين، أو ثلاثة أشواط؛ لأن المأتي به أقل أعمالها، كذا في «الفوائد»
(1)
.
(لأنه تعذر عليه أداؤها). أي: أداء العمرة.
(إذ هي مبنية على الحجّ غير مشروعة).
بنصب مبنية على الحال، والعامل فيها معنى الإشارة في هي.
هكذا كانت مقيدة بقيد شيخي رحمه الله، أي: حال كون العمرة مبنية على الحجّ غير مشروعة، فإن المشروع هو بناء أفعال الحجّ على/ أفعال العمرة.
(فإن توجه إليها لم يكن رافضاً لها)
(2)
.
حتى لو بدا له فرجع من الطريق إلى مكة فطاف لعمرته، وسعى ثُمَّ وقف بعرفات كان قارناً، كذا في «الجامع الصغير»
(3)
لقاضي خان.
(وقد ذكرناه من قبل).
أي: في آخر باب القران، فقال:
(ولا يصير رافضاً بمجرد التوجه) هو الصحيح من مذهب أبي حنيفة رحمه الله أيضًا إلى آخره
(4)
.
فمضى عليهما، وتفسير المضي هو أن يُقدم أفعال العمرة على أفعال الحجّ كما هو المسنون في القران.
(على ما مرّ) وهو قوله: (لأنَّ الجمعَ بينهما مشروع في حقِ الآفاقي).
(وهو دمُ كفارةٍ وجَبر، هو الصحيح).
وهذا احتراز عما اختاره شمس الأئمة، وقاضي خان، والمحبوبي رحمهم الله.
وقال الإمام قاضي خان، وهو دم القران لتحقق القران، ثُمَّ قال:(ومن المشايخ من قال: يكون دم كفارة؛ لأنه خالف السنة)، فكان كقران المكي، فيلزمه دم كفارة فلا يأكل منه الحاج، وذكر فخر الإسلام كما ذكره في الكتاب بأن ذلك الدم دم كفارة.
قوله رحمه الله: (ومنْ أهلّ بعمرةٍ في يومِ النحرِ).
(5)
أي: المحرم بالحجّ إذا وقف بعرفات يوم عرفة، ثُمَّ أحرم بالعمرة قبل الحلق، أو قبل طواف الزيارة حتى يلزم رفض العمرة، وأما إذا أهلّ بالعمرة بعدما حلّ من الحجّة بالحلق، فيجيء ذكره بعد هذا بقوله:(وقيل: إذا حلقَ للحجِ، ثُمَّ أحرمَ) إلى آخره.
وفي تعليل الكتاب أيضًا إشارة إلى ما قلنا من صورة المسألة بأن المهلّ بالعمرة في يوم النحر هو المحرم الذي بقي عليه أفعال الحجّ، وهي قوله:(لأنَّ الكراهيةَ لمعنى في غيرها، وهو كونه مشغولاً في هذه الأيام بأداء بقيةَ أعمالِ الحجّ).
فُعلم بهذا أن عليه أداء بقية أفعال الحجّ، وليس ذلك إلا فيما
(6)
قلنا: بأنه لم يحل من إحرام الحجّ بالحلق أو بطواف الزيارة لزمته.
(1)
انظ: بدائع الصنائع (2/ 169).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55).
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 121).
(4)
سقطتا من (ب، ج).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55).
(6)
سقط من (ب، ج) من قوله: قلنا من صورة إلى قوله: وليس ذلك إلا فيما.
(لما قلنا) وهو قوله: (لأنَّ الجمعَ بينهما مشروع في حقِ الآفاقي على ما نذكر).
…
أي في باب الفوات، وهو قوله: (والعمرةُ لا تفوت، وهي جائزةٌ في جميعِ السنةِ إلا في
(1)
خمسةِ أيامٍ يكرهُ فعلها).
(وعمرة مكانها)
(2)
.
أي: قضاء لما رفض من العمرة، (لما بيّنا) وهو قوله: (لأنَّ الجمعَ بينهما
مشروع).
ثُمَّ فرق بين هذا وبين ما إذا شرع في الصوم في يوم النحر، ثُمَّ أفسد لا يلزمه القضاء؛ لأنه بنفس الشروع لا يصير معتمرًا مرتكبًا للمنهي عنه فصّح شروعه بمنزلة الشروع في الصلاة في الأوقات المكروهة، فإن قيل: كيف يكون جامعاً بينهما وقد أحرم بالعمرة بعد تمام التحلل من إحرام الحجّ بطواف الزيارة؟
قلنا: لأنه بقي عليه بعض واجبات الحجّ، وهو رمي الجمار في أيام التشريق، فيصير جامعًا بينهما عملًا، وإن لم يكن جامعاً بينهما إحرامًا، فلهذا لزمه الدم، كذا في «جامعي الصغير»
(3)
لشمس الأئمة، وقاضي خان.
(وقِيل: يَرفضها احترازاً عن النهي).
وهو النهي عن العمرة في هذه الأيام على ما يجيء أن العمرة مكروهة في خمسة في أيام، ومنها أيام النحر، والتشريق، وكان عليه الرفض امتناعاً من هذا النهي بمنزلة من شرع في صوم يوم الفطر
(4)
أنه يؤمر بالفطر.
ومعنى ما ذكر في الأصل بأنه (لا يرفضها).
أي: لا يرتفض من غير رفض، وقال بعض الناس: لا يرفضها، والأول أصح كذا في جامعي الصغير لفخر الإسلام، وقاضي خان.
(فإنْ فاته الحجّ، ثُمَّ أحرمَ بعمرةٍ أو بحجةٍ فإنه يرفضها)
(5)
.
وأصل هذا أن الركن الأصلي في الحجّ هو الوقوف بعرفة، ومن فاته فعليه أن يتحلل بأفعال العمرة للحديث الذي يأتي، ولا دم عليه عندنا خلافًا للشافعي
(6)
على ما يأتي في الفوات، وإذا ثبت هذا، فنقول: فائت الحجّ محرم بإحرام الحجّ مباشر أفعال العمرة بمنزلة المسبوق إذا قام إلى قضاء ما سبق يكون مقتدياً في أصل التحريمة حتى لا يصح اقتداء الغير به، وفي الأعمال منفرد فيلزمه القراءة، ولو سها يلزمه سجدة السهو، فإذا أحرم بعمرة كان جامعًا بين العمرتين فعلًا، وأنه غير مشروع فيرفضها، وإذا أحرم بحجة يصير جامعًا بين حجتين في الإحرام، وذلك باطل فيرفضها، فصار إحرام الحجّ رافعًا إحرام الحجّ، وصارت أفعال العمرة رافعة إحرام العمرة، فيرفضها بعد الصحة، كذا في جامعي المحبوبي، وقاضي خان.
(1)
ساقطة من (ب).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55).
(3)
وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي، وقاضي خان، والإمام المحبوبي
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 121)، تبين الحقائق (2/ 16)، البحر (3/ 57).
(4)
في (ج): النحر.
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55).
(6)
انظر "المجموع" للنووي (8/ 290).
قوله رحمه الله: (من غير أن ينقلب إحرامه إحرام العمرة).
هذا عند أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- وأما عند أبي يوسف رحمه الله فينقلب إحرامه إحرام عمرة، وفائدة هذا الاختلاف/ إنما تظهر في حق لزوم الرفض إذا أحرم لحجة أخرى، فعندهما يرفضها كي لا يصير جامعًا بين إحرامي الحجّ، وعند أبي يوسف لا يرفضها، بل يمضي فيها كذا ذكره فخر الإسلام،
وظهير الدين.
(على ما يأتيك في بابِ الفواتِ).
أراد به قوله: (لأن فائت الحجّ يتحلل بأفعال العمرة) لا قوله (منْ غير أنْ ينقلبَ إحرامه إحرام العمرة).
لأن هذا غير مذكور هنا، والله أعلم.
بَابُ الإِحْصَارِ
وقد ذكرنا وجه المناسبة فيما تقدم، المُحصر هو الذي أهلّ بحجة أو عمرة أو بهما، ثُمَّ مُنع من الوصول إلى البيت لمرض، أو عدو، أو لغيرهما على ما يأتي، ثُمَّ الكلام في الإِحْصَار في اثني عشر موضعاً:
أحدها: أن الإِحْصَار قد يكون بالعدو، وقد يكون بالمرض أو بعلة أخرى مانعة من المضي بأن سُرقت نفقته أو كانت امرأة فمات محرمها أو زوجها عندنا، وقال الشافعي
(1)
رحمه الله: "الإِحْصَار لا يكون إلا بالعدو"، وقد يكون بالمرض أو بعلة أخرى مانعة من المضي
(2)
على ما نذكر.
والثاني: أن هدي الإِحْصَار لا يجوز ذبحه إلا في الحرم عندنا، وعند الشافعي
رحمه الله
(3)
يجوز في المواضع كلها.
والثالث: أنه
(4)
إذا أُحصر لا يحل إلا بالذبح عندنا
(5)
، وقال مالك رحمه الله
(6)
: إذا أحصر يحل به من ساعته لقوله عليه السلام: «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ»
(7)
، ولم يذكر فيه الهدي، ولنا قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ
(1)
انظر: المجموع (8/ 294)، مغني المحتاج (2/ 313).
(2)
سقط من (ب، ج) من قوله: وقديكون بالمرض، إلى قوله: من المضي.
(3)
انظر: المجموع (8/ 303)، مغني المحتاج (2/ 316).
(4)
ساقطة من (ج).
(5)
المحرم بالحج له التحلل إذا أحصره عدو بالإجماع، ويلزمه دم شاة، وهو مذهب الجمهور، وقال مالك: لادم عليه.
انظر: الفتح (3/ 127)، الكافي (1/ 400)، المجموع (8/ 224)، الشرح الكبير (9/ 312).
(6)
انظر: الطرابلسي في "مواهب الجليل"(3/ 196)، وابن عسكر في ارشاد السالك (ص 49).
(7)
أخرجه أحمد في "المسند"(24/ 509) برقم: [1573]، وأخرجه ابن ماجه في "سننه" باب:[المحصر](2/ 1028) برقم: [3077]، وأخرجه أبو داود في "سننه" باب:[الإحصار](2/ 173) برقم: [1862]، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (6/ 117) برقم:[1627].
مَحِلَّهُ}
(1)
، فلو حلّ من ساعته لما منع من الحلق.
والرابع: أنه إذا أُحصر لا يحل إلا بالذبح سواء شرط عند الإحرام الإحلال عند الإِحْصَار أو لم يشترط، وقال بعض الناس: لا يجوز له أن يتحلل إلا أن يشترط في الابتداء، فيقول: إن عجزتُ أحل، وهو قريب مما قاله الشافعي
(2)
رحمه الله
في المرض.
والخامس: أن هدي الإِحْصَار يجوز تقديمه على أيام النحر، وقالا: لا يجوز تقديمه.
والسادس: أنه إذا ذبح عنه هدي حلّ له كل شيء، ولا يحتاج إلى الحلق في قول أبي حنيفة، ومحمد، وقال أبو يوسف:"أرى عليه أن يحلق"، فإن لم يفعل فلا شيء عليه، وهو قول الشافعي
(3)
على ما يأتي.
والسابع: أن المُحصر إذا كان لا يجد الهدي، ولا ثُمَّن الهدي لا يحل بالصوم عندنا، وقال عطاء بن أبي رباح رحمه الله:"يحل بصوم عشرة أيام"؛ لأن الله تعالى قال في المتمتع: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}
(4)
، ثُمَّ أقام صوم عشرة أيام مقام الهدي عند الضرورة فكذلك هاهنا، وحجتنا فيه أن الله تعالى رخّص الحِلّ بالشرط، وهو أن يبعث بالهدي لقوله:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}
(5)
، فإن لم يوجد الشرط يبقى على إحرامه، ولا يجوز جعل الصلاة بدلاً عن الهدي؛ لأن البدل إنما ثبت بالتوقيف، والأثر لا بالقياس، والنظر.
والثامن: المحصر إذا حلّ بالهدي عليه قضاء حجة، وعمرة لما نذكر.
والتاسع: أن القارن يحل بهديين عندنا لما يجيء.
والعاشر: أنه يكون محصرًا في إحرام العمرة لما يجيء.
والحادي عشر: أنه إذا ذبح هديه قبل اليوم الذي واعد أو قبل يوم النحر على قولهما، وقد باشر أفعالاً هي حرام بسبب الإحرام فإنه يجب عليه الجزاء؛ لأنه إذا ذبحه في غير ذلك اليوم الذي واعده فهو محرم بعد، والمحرم إذا باشر محظوره يجب عليه الجزاء.
والثاني عشر: أنه
(6)
إذا زال الإِحْصَار إن قدر على إدراك الهدي، والحجّ جميعًا، فإنه يجب عليه التوجه إلى البيت؛ لأن الهدي شرع عند الضرورة للإحلال، وقد زالت الضرورة، كذا في «شرح الطحاوي»
(7)
، و «التحفة»
(8)
، وشروح الجامع الصغير.
(1)
سورة البقرة من الآية (196).
(2)
انظر "المجموع" للنووي (8/ 308).
(3)
نظر: النووي في "المجموع"(2/ 316).
(4)
سورة البقرة من الآية (196).
(5)
سورة البقرة من الآية (196).
(6)
ساقطة من (ج).
(7)
انظر: شرح مشكل الآثار (2/ 76)، العناية شرح الهداية (3/ 132)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 60).
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 132).
(وبالإحلالِ ينجو منْ العدوِ).
فإنه يرجع إلى أهله فيندفع به عنه شر العدو بخلاف المريض، فإن ما ابتلي به من المرض لا يزول بالتحلل، فلا يكون له أن يتحلل كالذي ضل [عن]
(1)
الطريق.
[وفي «المبسوط»
(2)
: وعند الشافعي
(3)
ليس للمريض أن يتحلل إلا أن يكون شَرَطَ ذلك عند إحرامه، ولكنه يصبر إلى أن يبرأ، ولنا أن آية الإِحْصَار وردت في الإِحْصَار بالمرض بإجماع أهل اللغة، فإن قلتَ: كان من حق الكلام أن يقول: بإجماع أهل التفسير في هذا الموضع؛ لأن أهل اللغة لا تعلق لهم بورود الآية، وسبب نزولها، وإنما هو لأهل التفسير، فلو اشتغل أهل اللغة بذلك صاروا من أهل التفسير، فإنهم ما سُموا بأهل التفسير إلا لذلك، فحينئذٍ لا فائدة بقوله: بإجماع أهل اللغة، قلتُ: لأن
(4)
هذا اللفظ منقول من «الجامع الصغير»
(5)
لفخر الإسلام رحمه الله لكن بنوع تغيير، فبذلك التغيير وقع/ نوع من الخلل، فإن المذكور فيه، ولأصحابنا أن المراد بالآية المرض كذلك قال أهل اللغة: أن الحصر بالعدو، والإِحْصَار بالمرض، وهذا صحيح فإن معنى قوله:(أن المراد بالآية المرض) أي: يجب أن يكون المراد بالآية المرض نظراً إلى موضوعات اللغة كذلك قاله أهل اللغة لما أن استعمال الإِحْصَار في المرض، يعني: لو خُلينا، ومجرد النظر في استعمال الإِحْصَار في المرض يجب أن يكون المراد من الآية المرض، وذكر في «الأسرار»
(6)
.
فإن قيل: كيف يستقيم الحمل على المرض والآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وكان المنع
(7)
بالعدو؟
قلنا: إن النصوص إذا وردت لأسباب لم
(8)
تعلق بها إلا أن يكون السبب منقولاً معها كقول الراوي: «سها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد»
(9)
، فأما إذا وردت مطلقة عن الأسباب فنعمل بظاهرها، ولا يحمل على السبب، ثُمَّ إن كان التأويل هو المنع مطلقًا عرفوا الإحلال بنص مطلق، وإن كان التأويل هو المنع بالمرض عرفوا الإحلال بالعدو بمدلول هذا اللفظ، فإن النص لمّا أباح الإحلال بمنع من جهة المرض، فالمنع من جهة العدو أولى بالإباحة؛ لأن منع العدو أشد، فإنه حقيقي لا مدفع له، ومنع المرض مما يزول بالدابة والمحمل.
(1)
أثبته من (ب).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 107).
(3)
انظر: الخطيب في "مغني المحتاج"(2/ 315).
(4)
في (ب): أن. وساقطة من (ج).
(5)
نظر: العناية شرح الهداية (3/ 124).
(6)
انظر: الأسرار (ص 487).
(7)
ساقطة من (ج).
(8)
في (ج): لا.
(9)
أخرجه أحمد في "المسند" باب: (7/ 370) برقم: [4358]، وأخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/ 319) برقم:[6516]، وصححه ابن خزيمة في "صحيحه" باب:[ذِكْرِ الْمُصَلِّي يُصَلِّي خَمْسَ رَكَعَاتٍ سَاهِيًا](2/ 131) برقم: [1055].
فإن قيل: إنّا إذا حملناه على المرض صار كأن الله تعالى قال: فإن مرضتم فما استيسر من الهدي فلا يسبق الأوهام حينئذٍ إلى العدو قلنا: لا كذلك، فإن الإِحْصَار في اللغة ليس بعبارة عن المرض، بل عن منع يكون بالمرض، فيكون المنع علة، والمرض سبباً، فصار كأن الله تعالى قال: فإن مُنعتم بمرض
(1)
فما استيسر، فيدل على المنع بالعدو، ولأن المنع موجود أيضًا في الحالين، وبالعدو أشد على ما ذكرنا، فإن قيل: أن الله تعالى نسق به {فَمَنْ كَانَ
…
مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ}
(2)
، ولو كان أحصرتم عبارة عن المرض لم يستقم نسق المرض به.
ثانيًا: لأنه تكرار، والمعطوف أبدًا يكون غير المعطوف عليه، قلنا: قد ذكرنا أن الإِحْصَار ليس بالمرض بعينه، ولكن مُنع بسبب المرض، والمنع بسبب المرض يستفاد به التحلل بالدم، ولا يباح به الحلق إذا لم يتأذّ به، والمرض يتأذى به رأسه يباح الحلق أو بنفس الأذى، وإن لم يمنعه عن الذهاب، ولا يباح به التحلل، فكان عيدين فكأنه قال: فإن منعتم بمرض تحللتم بدم، وإن تأذى رأسكم بمرض حلقتم، وكفَّرتم، وهذا مستقيم على أن عطف الخاص على العام جائز كقوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}
(3)
، يقال له: ابعث شاة تُذبح في الحرم، ثُمَّ إذا بعث بالهدي، فإن شاء أقام مكانه، وإن شاء رجع؛ لأنه لما صار ممنوعاً عن الذهاب يخير بين المقام، والانصراف كذا في «المبسوط»
(4)
.
(قالوا: الإِحْصَار بالمرضِ، والحصر بالعدوِ)
(5)
.
بسكون الصاد لا غير، وهو المنع، فإن الحَصَر بفتحتين مصدر حَصِرَ، وهو العي وضيق الصدر من حدَّ عَلِمَ.
ثُمَّ قوله: فإنهم قالوا: الإِحْصَار بالمرض جواب لقول الشافعي
(6)
على وجه المنع.
(1)
ساقطة من (ب، ج).
(2)
سورة البقرة من الآية (196).
(3)
سورة الأحزاب من الآية (7).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 107).
(5)
الإحصار عند الحنفية يتحقق بجميع العوائق المانعة من الوصول إلى الحرم من عدو، أو مرض أو ضياع مال، أو حبس أو غير ذلك، بخلاف الجمهور فالمراد بالإحصارعندهم: هوماكان من العدو خاصة.
انظر: البدائع (2/ 175)، الفتح (3/ 124)، الكافي (1/ 399)، المجموع (8/ 223)، الإنصاف (9/ 312).
انظر كذلك: تفسير الطبري (4/ 25)، تفسير الماوردي (1/ 213).
(6)
انظر: النووي في "المجموع"(8/ 311).
وقوله: (والتحلل قبل أوانه لدفع الحرج الآتي من قِبَلِ امتداد الإحرام) جواب؛ لقوله: (وبالإحلال ينجو من العدو لا من المرض).
وأما الذي ضَلَّ الطريق فمحصر عندنا إلا أنه لا يجد من يبعث به الهدي، فإنه إن وجد من يبعث بالهدي على يده، فذلك الرجل يهديه إلى الطريق، فلا حاجة له إلى التحلل، وإن لم يجد من يبعث بالهدي على يده، فإنما لا يتحلل لعجزه عن تبليغ الهدي محله، [يقال له: ابعث شاة تُذبح في الحرم، ثُمَّ إذا بعث بالهدي، فإن شاء أقام مكانه، وإن شاء رجع؛ لأنه لما صار ممنوعاً عن الذهاب يخير بين المقام، والانصراف كذا في «المبسوط» ]
(1)
.
(وإذا جازَ لهُ التحللَ) إلى قوله: (وواعدَ منْ يبعثهُ بيومٍ بعينه يذبح فيه، ثُمَّ تحللَ)
(2)
.
هذا عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن دم الإِحْصَار عنده غير موقت، فيحتاج إلى المواعدة ليُعرف وقت الإحلال، وأما عندهما فدم الإِحْصَار في الحجّ موقت بيوم النحر، فلا يحتاج
(3)
حاجة إلى المواعدة، وإنما يحتاج إلى المواعدة عندهما في المحصر بالعمرة، كذا في «المحيط»
(4)
.
وإنما قيد بقوله: (يذبحُ فيه، ثُمَّ تحلل).
لأنه إذا ظن المحصر أنه ذبح هديه ففعل ما يفعل الحلال، ثُمَّ ظهر أنه لم يذبح كان عليه ما على الذي ارتكب محظورات إحرامه لبقاء إحرامه، كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله، وقد ذكرناه.
وإليه الإشارة بقوله: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}
(5)
،
والمحِل بكسر عين الفعل/ عبارة عن المكان كالمسجد والمجلس، نهى عن الحلق حتى يبلغ الهدي موضع حله، ثُمَّ فسِّر ذلك المحل بقوله {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
(6)
، وبقوله:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}
(7)
، فعُلم أن محل الهدي هو البيت، والمراد به الحرم، فإن عين البيت لا يراق فيه الدماء
(فإنَّ الهديَ اسم لما يهدي إلى الحرمِ).
(أي: ينقل، مأخوذ من الإهداء والهدية، ألا ترى أن من جعل ثوبه هديًا لزمه تبليغه إلى الحرم)، كذا في «الأسرار»
(8)
مُرَاعَى أصل التخفيف لا نهايته، ولهذا لم يستحق التخفيف متى لم يجد الهدي، بل يبقى محرمًا أبداً؛ ولأنه لو كان نهاية التخفيف مُرَاعَى لتحلل في الحال كما قال مالك
(9)
: ولا يتحلل باتفاق بيننا، بل له أن يبعث بالقيمة حتى يشتري الشاة هناك، ويذبح عنه فإن كان معسرًا لا يجد القيمة أيضًا. (ما يفعل)[ما هذه استفهامية]
(10)
فقال في «المحيط»
(11)
: وإن كان المحصر معسراً لا يجد الهدي أقام حرامًا حتى يطوف، ويسعى كما يفعله فائت الحجّ.
(1)
أثبته من (ب، ج).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55).
(3)
ساقطة من (ب، ج).
(4)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 472).
(5)
سورة البقرة من الآية (196).
(6)
سورة الحج من الآية (33).
(7)
سورة المائدة من الآية (95).
(8)
انظر: الأسرار (ص 511).
(9)
انظر: مواهب الجليل للطرابلسي (3/ 198، 201).
(10)
أثبته من (ب، ج) ..
(11)
انظر: المحيط البرهاني (2/ 472).
(وقال أبو يُوسف: عليه ذلك).
أي: الحلق.
فإن قلتَ: هذا الذي ذكره من الدليل دليل على قوله عليه ذلك، لما أن مجرد
(1)
فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الذي لا يعقل قربة دليل على الوجوب خصوصاً ما إذا كان فعله مقروناً بالأمر لغيره، فكان هو آكد في دلالته على الوجوب، فلا يكون هذا دليلاً على قوله:(ولو لم يفعلْ لا شيءَ عَليه).
فحينئذٍ كيف تثبت المطابقة بين المدلول والدليل؟
قلتُ: عن أبي يوسف في هذه المسألة روايتان، فقال في رواية: ينبغي له أن يحلق، ولو لم يحلق جاز
(2)
.
وفي الرواية الأخرى: الحلق واجب ذكرهما الإمام المحبوبي، ثُمَّ المصنف أورد دليل رواية الوجوب، ولم يورد دليل الرواية الأخرى، فإن دليل أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- يصلح دليلًا لها.
(ولهما أنَّ الحلقَ عُرف قربة مرتّبًا على أفعالِ الحجّ) إلى آخره.
يعني: أن كون الحلق قربة عرف بالنص بخلاف القياس، فيراعى فيه جميع ما ورد فيه النص من الأوصاف، والنص ورد بكون الحلق قربة حال كونه مرتبًا على أفعال الحجّ، فلا يكون في غير المرتب عليها قربة، وأما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، فقد ذكر أبو بكر الرازي رحمه الله: أن عند أبي حنيفة، ومحمد -رحمهما الله- إنما لا يحلق المحصر إذا أحصر في الحل، فأما إذا أحصر في الحرم فيحلق؛ لأن الحلق عندهما موقت بالحرم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان محصرًا بالحديبية، وبعض الحديبية من الحرم علي ما روي أن مضارب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في الحل، ومصلاه في الحرم على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالحلق ليتحقق به عزمهم على الانصراف، ويأمن المشركون جانبهم، ولا يشتغلوا بمكيدة أخرى بعد الصلح، كذا في «المبسوط»
(3)
، فإن قلتَ: فكيف يقولان: بجواز التحلل للمحصر قبل الحلق مع صريح النهي بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}
(4)
، الآية نزلت في حق المحصر ذكره في «الكشاف»
(5)
، ثُمَّ لما كان المحصر منهياً عن الحلق قبل الغاية كان مأمورًا بالحلق بعد الغاية؛ لأن حكم ما بعد الغاية يخالف ما قبلها؟
(1)
ساقطة من (ج).
(2)
في (ج): لا شيء عليه.
(3)
انظر: المبسوط (4/ 72).
(4)
سورة البقرة من الآية (196).
(5)
انظر: الكشاف عن غوامض حقائق التنزيل (1/ 238).
قلتُ: إنهما يقولان الله تعالى نهى المحصر عن الحلق حتى يبلغ الهدي محله بهذه الآية، فذلك دليل الإباحة بعد بلوغ الهدي محله لا دليل الوجوب كما في سائر المحظورات مع أن الحلق وجب عليه للإحلال، والدم أقيم مقامه، فيستغنى بذلك عن الحلق، كذا في «المبسوط»
(1)
، والجامع المحبوبي.
(وإنْ كانَ قارناً بعثَ بدمين)
(2)
لاحتياجه إلى التحلل من إحرامين.
(وإذا تحلل بهما فعليه عمرتان، وحجة يقضيهما بقران أو إفراد لما بيّنا أن إحدى العمرتين تلزمه للتحلل عن العمرة بعد الشروع فيها، والأخرى للتحلل عن إحرام الحجّ، وقد بيّنا في المفرد بالحجّ أن عليه عمرة وحجة إذا تحلل بالهدي لمّا بعث القارن الهديين لا يحتاج إلى أنه يعين الذي للعمرة منهما، والذي للحج؛ لأن [هذا]
(3)
تعيين غير مفيد، فلا يُعتبر أصلاً؛ لأن التحلل منهما شُرع في حالة واحدة، فلا يجوز التقدم، والتأخر بين الإحرامين، وقال صلى الله عليه وسلم:«فلا أحلّ حتى أحلّ منهما»
(4)
وبالهدي الواحد لا يتحلل منهما فلا يكون له أن يتحلل أصلاً) كذا في «المبسوط»
(5)
.
فإن قلتَ: ما الفرق بين الدم، والحلق في حق القارن حيث أوجب الدمين على القارن المحصر لاحتياجه إلى التحلل عن الإحرامين، ولم يوجب الحلقين على القارن غير المحصر بأن حلق مرة، وأجرى/ الموسى أُخرى كما في حق الأصلع، أو ينتظر إلى أن ينبت الشعر مع أنه محتاج إلى التحلل عن الإحرامين هناك أيضًا، والدم في حق المحصر بمنزلة الحلق في غير المحصر.
قلتُ: الفرق بينهما هو أن الحلق محلل بصفة الحظر، ثُمَّ لو قلنا: بالتكرار لا [يخلو]
(6)
أما إن كان التحلل واقعا بالأول أو بالثاني، فإن وقع بالأول كان الثاني لغوًا، وإن وقع بالثاني كان الأول جناية، فأما الذبح فليس بمحظور فصح الجمع، كذا ذكره الإمام الإسبيجابي رحمه الله في مبسوطه.
(ولا يجوزُ ذبحُ دمِ الإِحْصَار إلا في الحرمِ)
(7)
.
فإن قلتَ: ذكر هذه المسألة مرة عن قريب في هذا الباب، وبّين فيها خلاف الشافعي
(8)
رحمه الله فما فائدة تكرارها ثانيًا.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 72).
(2)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55).
(3)
أثبته من (ب، ج).
(4)
أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" باب: [إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ](4/ 567) برقم: [8747].
(5)
انظر: المبسوط (4/ 109).
(6)
أثبته من (ب، ج) وفي (أ) يخ، ولعل الصواب ماأثبته لأنه اختصار ل يخلو.
(7)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55).
(8)
انظر: الخطيب في "مغني المحتاج"(2/ 316).
قلتُ: فائدة إعادتها لفائدة ذكر مقترنها، وهو ذكر اختصاص الزمان، فإنه لما أراد ذكر الاختلاف في اختصاص ذبح دم الإِحْصَار بالزمان ذكر ما هو المجمع عليه، وهو الاختصاص بالمكان ليتهيأ القياس عليه لمن يشترط الاختصاص بالزمان، ولما أن هذه العبارة، أعني: أمور الحجّ مختصة بالمكان، والزمان، ولكن في اختصاص الزمان
(1)
أعرف
(2)
وأثبت فلذلك وقع الافتراق بينهما حيث أجمع علماؤنا على اختصاص ذبح دم الإِحْصَار بالمكان، واختلفوا في حق الزمان، فلما أراد ذكر أحد المقترنين ذكر ما هو الأعرف
(3)
فيها أولًا.
قوله رحمه الله: (اعتباراً بهدي المتعةِ والقِران).
هذا تعليلهما في المسألة التي قبل هذه، وهي قوله:(وقالا: لا يجوز الذبح للمحصرِ بالحجّ إلا في يومِ النحرِ)
(4)
.
قوله رحمه الله: (لأنه دمُ نُسكٍ).
يعني: أن سائر المناسك مختصة بالزمان فكذا هنا.
(وبخلافِ الحلقِ لأنه في أوانه).
وهذا لأن التحلل على نوعين في أوانه، أو قبل أوانه، [أما في أوانه فلابد من التوقيت بيوم النحر]
(5)
؛ لأن الركن الأصلي هو الوقوف، وإنما ينتهي مدة الوقوف بطلوع الفجر يوم النحر، فلابد من أن يقع الحلق في يوم النحر، وأما إذا وقع التحلل في غير أوانه، فلا يتوقف على أداء أفعال هو بها مؤدّ للحج إلى يوم النحر، فلا يتوقف الدم على يوم النحر لعدم الضرورة، كذا ذكره فخر الإسلام.
وبهذا يُعلم أن معنى قوله: (وهو الوقوفُ ينتهي به).
أي: ينتهي الوقوف بوقت الحلق، وهو طلوع الفجر يوم النحر، وذكر في «الأسرار»
(6)
، وأنا نحتج بقوله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}
(7)
، ولم يشترط زمانًا فلا نزيد على كتاب الله تعالى بخبر الواحد، ولا القياس؛ لأنه نسخ، ولأن المكان لما صار مرادًا بقوله:{حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}
(8)
، بطل أن يكون الزمان به مرادًا؛ لأنهما مختلفان فلا يجتمعان مرادين بلفظ واحد على ما عُرف، وقياسهم باطل؛ لأنه [لا]
(9)
يزيد أو لأنه قياس منصوص على منصوص.
(1)
في (ب، ج) المكان.
(2)
في (ب، ج): أغرق.
(3)
في (ب، ج): الأغرق.
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55)
(5)
أثبته من هامش (أ).
(6)
انظر: الأسرار (ص 505).
(7)
سورة البقرة من الآية (196).
(8)
سورة البقرة من الآية (196).
(9)
أثبته من (ب، ج) ..
(لما أنه في معنى فائت الحجّ).
من حيث أن في كل منهما يخرج عن الإحرام بعد صحة الشروع قبل أداء الأفعال، ثُمَّ فائت الحجّ يتحلل بأفعال العمرة، ويقضي الحجّ على ما يأتي فكذا هنا، فإن قيل: ينبغي ألّا تجب العمرة؛ لأن وجوب العمرة على فائت الحجّ باعتبار التحلل، وقد ثبت التحلل للمحصر بالهدي، فلا حاجة إلى إيجاب العمرة.
قلنا: الهدي لأجل التحلل لا أن يسقط ما وجب، وهو العمرة بعد تحقق الإِحْصَار؛ لأن المحصر في معنى فائت الحجّ والعمرة واجبة على فائت الحجّ، كذا ذكره الإمام مولانا حميد الدين الضرير رحمه الله.
وفي «المبسوط»
(1)
: أما قضاء الحجّ فإن كان محرمًا بحجة الإسلام فقد بقيت عليه حين لم تعتبر
(2)
مؤداة، وإن كان محرمًا بحجة التطوع فعليه قضاؤها عندنا؛ لأنه صار خارجًا عنها بعد صحة الشروع قبل أوانها، وعند الشافعي
(3)
رحمه الله لا يجب عليه القضاء، وهو نظير الشارع في صوم التطوع إذا أفسده، وقد بيّناه في كتاب الصوم.
قوله رحمه الله: (فإنْ بعثَ القارن هديًا، وواعدهم أنْ يذبحوه في يومٍ بعينه)
(4)
.
ذكر القارن هاهنا وقع غلطًا ظاهرًا من النسّاخ، فالصواب فيه أن يقال: فإن بعث المحصر وبيان الغلط من وجهين:
أحدهما أنه ذكر، فإن بعث القارن هديًا، ويجب على القارن بعث الهديين، فإنه لا يتحلل بالواحد؛ لأنه ذكر قبل هذا في هذا الباب، فإن كان قارناً بعث بدمين.
والثاني:/ أن المصنف رحمه الله[جمع]
(5)
بين روايتي «القدوري
(6)
»، و «الجامع الصغير»
(7)
، وهذه المسألة مذكورة في هذين الكتابين في حق المحصر بالحجّ، وذكر في «الجامع الصغير»
(8)
لقاضي خان، فلو أن المحصر بالحجّ بعث بالهدي، وواعدهم أن ينحروه عنه في يوم بعينه
(9)
، ثُمَّ زال الإِحْصَار فالمسألة على وجوه أربعة، و هي مذكورة في الكتاب، فوجه الانحصار ظاهر؛ لأنه إما أن يدرك الحجّ والهدي، أو لا يدركهما أو يدرك الهدي دون الحجّ أو على العكس، فإن كان لا يدرك الهدي، والحجّ لا يلزمه أن يتوجه
(10)
.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 107).
(2)
في (ب، ج): تصر.
(3)
انظر: النووي في "المجموع"(8/ 307).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 55).
(5)
أثبته من (ج).
(6)
القدوري هو الإمام أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي القدوري، الإمام المحدّث، انتهت إليه رئاسة الحنفية، وعظُم قدره، وارتفع جاهه، وكان حَسَن العبارة في المناظرة، مديمًا لتلاوة القرآن، له: المختصر المشهور في الفقه، شرح مختصر الكرخي، التجريد، (ت 428 هـ).
انظر: الجواهر المضية (1/ 247)، تاج التراجم (98)، الفوائد البهية (57).
(7)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 132). البحر الرائق شرح كتاب الدقائق (6/ 201).
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 132). البحر الرائق شرح كتاب الدقائق (6/ 201).
(9)
ساقطة من (ج).
(10)
هذه المسألة على ثلاثة أوجه: 1 - إما أن يقدر على إدراك الحج والهدي جميعا فعليه أن يتوجه لأداء الحج وليس له أن يتحلل بالهدي. 2 - وإما أن لا يقدر على إدراك الحج والهدي جميعا، فلا يلزمه التوجه فيتحلل بالهدي، وله أن يتحلل بأفعال العمرة لأنه فائت الحج، 3 - وإما أن يقدر على إدراك الحج، ولا يقدر على إدراك الهدي فعلى قول أبي حنيفة: يلزمه أن يتوجه ولا يتحلل بالهدي.
انظر: ذلك مفصلا في المبسوط (4/ 110)، البدائع (2/ 183).
فإن قيل: كان ينبغي أن يؤمر بالتوجه، والتحلل بالطواف، والسعي بمنزلة فائت الحجّ، قلنا: الطواف والسعي في حق فائت الحجّ غير مقصود لعينه، ولكن المقصود هو التحلل، وهذا المقصود يحصل له بالهدي الذي بعثه ليُنحر عنه، وإن توجه ليتحلل بالعمرة فله ذلك؛ لأن فائت الحجّ يتحلل بأعمال العمرة، وله في هذا التوجه غرض صحيح
(1)
، وهو أن لا يلزمه قضاء العمرة.
قوله رحمه الله: (لزمه التوجه لزوالِ العجزِ).
عن أداء الحجّ. فيبطل حكم الهدي كالمكفر بالصوم إذا أيسر قبل إتمام الكفارة، وإن كان يدرك الهدي دون الحجّ بأن كانت المواعدة بذبحه يوم النحر يتحلل أيضًا إذا ذبح هديه؛ ليتحقق الإِحْصَار.
وهذا التقسيم لا يستقيم على قولهما في المحصر بالحجّ؛ لأن دم الإِحْصَار لما كان يتوقت بيوم النحر عندهما، فبإدراك الحجّ يكون مدركًا للهدي لا محالة؛ لأن وقت ذبح الهدي يوم النحر، ووقت الحجّ، وهو الوقوف بعرفة يوم عرفة فلذلك لا يتصور إدراك الحجّ دون الهدي عندهما، وحرمة المال كحرمة النفس، فكما كان الخوف على نفسه عذرًا له في التحلل، فكذلك الخوف على ماله، والأفضل له
(2)
أن يتوجه، ومن وقف بعرفة، ثُمَّ أُحصر لا يكون محصرًا حتى لا يتحلل بالهدي، وهو محرم عن النساء حتى يطوف طواف الزيارة.
لأن معنى قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}
(3)
، أي: مُنعتم عن إتمام الحجّ والعمرة، وقال صلى الله عليه وسلم:«من وقف بعرفة فقد تم حجه»
(4)
. فإنما مُنع هذا بعد الإتمام، فلهذا لا يكون محصرًا، ولأن حكم الإِحْصَار إنما يثبت عند خوف الفوت، وبعد الوقوف بعرفة لا يخاف الفوت فلا يكون محصراً، ولكنه يبقى محرمًا إلى أن يصل إلى البيت، فيطوف طواف الزيارة، وطواف الصدر، ويحلق أو يقصر، وعليه دم لترك الوقوف بمزدلفة، ولرمي الجمار دم، ولتأخير الطواف دم، ولتأخير الحلق دم عند أبي حنيفة رحمه الله فكان عليه أربعة دماء عند أبي حنيفة رحمه الله كذا ذكره الإسبيجابي رحمه الله وعندهما ليس لتأخير الحلق، والطواف شيء، وقد تقدم.
فإن قيل: أليس أنكم قلتم: إذا ازداد عليه مدة الإحرام يثبت له حكم الإِحْصَار في حقه كما في إحصار العمرة، وقد ازداد مدة الإحرام هاهنا، فلماذا لا يثبت حكم الإِحْصَار في حقه؟، قلنا: لا كذلك فإنه متمكن من التحلل بالحلق إلا في [حق]
(5)
النساء، وإن كان يلزمه بعض الدماء، فلا يتحقق العذر الموجب للتحلل هنا.
(1)
ساقطة من (ب، ج).
(2)
ساقطة من (ج).
(3)
سورة البقرة من الآية (196).
(4)
سبق نخريجه (96).
(5)
أثبته من (ب).
(أما على الطوافِ).
أي: أما إذا قدر على الطواف، ولم يقدر على الوقوف، فإنه يصير
(1)
محصراً
(2)
حتى إذا فاته الحجّ يتحلل بالطواف والسعي، وهو الأصل في التحلل، والدم بدل عنه، فلمّا كان قادراً على الأصل لا يصير إلى الحلق
(3)
.
(وقد قيل: في هذه المسألة خلاف بين أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله-).
وهو ما ذكر علي بن الجعد
(4)
رحمه الله عن أبي يوسف قال: سألت أبا حنيفة رحمه الله عن المحرم يُحصَرُ في الحرم، فقال: لا يكون محصرًا فقلتُ: أليس أن النبي صلى الله عليه وسلم أحصر بالحديبية، وهي من الحرم، فقال: إن مكة يومئذ كانت دار الحرب، فأما اليوم [فهي]
(5)
دار الإسلام، ولا يتحقق الإِحْصَار فيها قال أبو يوسف:"وأما أنا فأقول إذا غلب العدو على مكة حتى حالوا بينه وبين البيت فهو محصر".
والأصح أن يقول: إذا كان محرمًا بالحجّ فإن مُنع من الوقوف، والطواف جميعًا فهو محصر، وإلا فلا على ما ذكرنا هذا كله ما ذكره شمس الأئمة السرخسي في «الجامع الصغير»
(6)
، و «المبسوط»
(7)
، وصاحب المحيط، فالله تعالى أعلم بالصواب.
بَابُ الفَواتِ
قوله رحمه الله: (أنَّ وقت الوقوفِ يمتدُ إليه). أي: إلى طلوع الفجر. (من فاته عرفة بليل) فأول الحديث، وهو ما رواه ابن عباس/ وابن عمر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحجّ، ومن فاته عرفة بليل»
(8)
الحديث.
(ولأنَّ الإحرامَ بعدما انعقدَ صحيحًا).
أي: نافذًا لازماً، وهذا احتراز عن إحرام العبد أو الأمة بغير إذن المولى، وإحرام المرأة في التطوع بغير إذن الزوج، فإن للمولى أو للزوج أن يحللهما.
فإن قوله: (صحيحًا) ليس باحتراز عما انعقد فاسدًا؛ لأن الإحرام الفاسد، وهو ما إذا جامع المحرم قبل الوقوف بعرفة أو أحرم مجامعًا، فإنه يلزم عليه المضي في حجه كما إذا لم يفسد، فإن الفاسد يؤخذ حكمه من الصحيح، فكما أن الإحرام الصحيح لازم المضي فكذلك الإحرام الفاسد، وقد ذكرناه، ويؤيده ما ذُكر في «المبسوط»
(9)
: (رجل أهّل بحجة فجامع فيها، ثُمَّ قدم مكة، وقد فاته الحجّ فعليه دم لجماعه، ويحل بالطواف والسعي)؛ لأن الفاسد معتبر بالصحيح، فكما أن التحلل عن الإحرام الصحيح بعد الفوات يكون بالطواف والسعي، فكذلك عن الإحرام الفاسد.
(1)
في (ب): يصبر.
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
في (ب، ج): الخلفِ.
(4)
علي بن الجعد على بن الجعد بن عبيد الجوهري، مولى بني هاشم من أهل بغداد، وكان مولده سنة ست وثلاثين ومائة، وكنيته أبو الحسن. يروي عن الثوري، وشعبة، وابن أبى ذئب، والحسن بن صالح. حدثنا عنه شيوخنا. مات يوم الإثنين في آخر رجب ببغداد سنة ثلاثين ومائتين.
انظر: الثقات لابن حبان (8/ 466)، والتاريخ الكبير (6/ 266)، والجرح والتعديل:(6/ 178).
(5)
أثبته من (ب، ج).
(6)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 134).
(7)
انظر: المبسوط (4/ 114).
(8)
سبق تخريجه (96).
(9)
انظر: المبسوط (4/ 176).
(لا طريقَ للخروجِ عنه إلا بأداءِ أحدِ النسكين).
أي: الحجّ والعمرة، فإن قلتَ: يُشكل هذا بالمحصر، فإن فيه خروجًا من الإحرام من غير أداء أحد النسكين.
قلتُ: أجرى الكلام على ما هو الأصل فلا يَرد العوارض نقضًا، وفصل المحصر من العوارض.
(كَما في الإحرامِ المبهم).
أي: المبهم من النسكين، وهما الحجّة والعمرة بأن أبهم في الإحرام، ويقول في التلبية: لبيك اللهم لبيك، ولم يعين الحجّة والعمرة، ولم ينو شيئاً بقلبه ولسانه
(1)
، فإنه يصح إحرامه، ولا يخرج عن الإحرام إلا بأداء أحد النسكين، فكذلك هاهنا لكن يتعين ذلك المبهم في المتيقن، وهو العمرة؛ لأنها أقل أفعالاً، وأيسر مؤنة، وذكر في «المبسوط»
(2)
في باب الجمع بين الإحرامين، فإن أحرم لا ينوي شيئاً فطاف ثلاثة أشواط، ثُمَّ أهّل بعمرة، فإنه يرفض هذه الثانية؛ لأن الأولى قد تعيّنت عمرة حين أخذ في الطواف لما أن الإيهام لا يبقى بعد الشروع في الأداء، بل يتعين ما هو المتيقن، وهو العمرة فكذلك هاهنا، ثُمَّ فائت الحجّ إذا تحلل بأفعال العمرة هل ينقلب إحرامه إحرام
(3)
عمرة؟ ذكرناه في باب الإِحْصَار.
(ولا دمَ عَليه).
(أي: عندنا خلافًا للشافعي، فإنه يوجب الدم عليه بالقياس على المحصر، وهذا فاسد؛ لأن المحصر عاجز عن التحلل بالطواف والسعي، وفائت الحجّ قادر على ذلك، ثُمَّ فائت الحجّ يقطع التلبية حين يستلم الحجر في الطواف لما أن هذا الطواف طواف العمرة، وأوان قطع التلبية في حقه هو أوان قطع التلبية في حق المعتمر، وإن كان قارناً فيقطع التلبية حين يأخذ في الطواف الثاني؛ لأن العمرة ما فاتته، فيجعل كأنه طاف لها قبل الفوات، ولا يقطع التلبية عندها، وإنما يقطع التلبية إذا أخذ في الطواف الذي يتحلل به عن الإحرام في الحجّ)، كذا في «المبسوط»
(4)
.
(إلا خمسةَ أيامٍ يكرهُ فعلها فيها، وهي يومُ عرفةَ ويومُ النحرِ، وأيام التشريق).
وفي كتاب الله تعالى إشارة إلى أن هذه الأيام ليست بوقت للعمرة قال الله تعالى: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ}
(5)
، وأن العمرة هي الحجّة الصغرى كما ورد به الأثر، فإضافة يوم النحر إلى الحجّ الأكبر دليل على أنه ليس بوقت للعمرة، وعلى قول الشافعي
(6)
لا يكره العمرة في هذه الأيام الخمسة أيضًا، كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله.
(1)
ساقطة من (ب، ج).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 184).
(3)
ساقطة من (ب، ج).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 184).
(5)
سورة التوبة من الآية (3).
(6)
انظر "المجموع" للنووي (7/ 148).
(ولأنها غَير مؤقتة بوقت).
فإن قلتَ: يُشكل هذا بالأيمان وصلاة الجنازة، فإنهما فرضان وليسا بمؤقتين.
قلتُ: إنما نشأ عدم التوقيت في الأيمان من فرضية الاستغراق، فإن فرضيته مستدامة من غير انقطاع، فكان جميع العمر من غير انقطاع وقته، ولا كذلك العمرة، فإن فرضيتها عند الخصم تتأدى بالمرة كما في الحجّ، وما هذا شأنه من المفروضات المقدرة يقتضي وقتا معيناً لأداء ذلك الفرض كما في سائر الفرائض، وأما صلاة الجنازة فوقتها حضورها، فكانت مؤقتة.
(وتتأدَى بنيةِ غَيرها).
أما عند الخصم، فإن المحرم بالحجّ قبل أشهر الحجّ يكون محرمًا بالعمرة، وأما بالإجماع فإن فائت الحجّ يتحلل بأفعال العمرة، والفرض إنما يباين النفل بهذا، فإن النفل يتأدى بنية الفرض، والفرض الذي هو غير معين لا يتأدى بنية النفل، كذا في «المبسوط»
(1)
في باب الخروج إلى منى.
قلتُ: وبما قيد في «المبسوط»
(2)
بقوله (غير معين) خرج الجواب عما يُورَدُ على لفظ الكتاب/ بصوم رمضان فإنه فرض فيتأدّى بنية النفل لما أنه متعين في وقت له ميعاد، ولم يشرع فيه غيره، فلذلك أصيب بنية النفل لما عرف، فإن قلتَ: ما جوابنا عما احتج به الخصم بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
(3)
، الله تعالى خاطبنا بهما بأمر واحد حيث عطف العمرة على الحجّ في الجملة الناقصة، ومثله يقتضي الاتحاد في الحكم بالاتفاق، والحجّ فريضة فيجب أن تكون العمرة فريضة أيضًا، وكذلك قوله تعالى:{يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ}
(4)
.
(فدل هذا على أن من الحجّ ما هو أصغر) أي: من حيث الأفعال فكانا في استحقاق اسم الحجّ سواء تم الحجّ فريضة فكذا هذا.
قلتُ: أما الآية الأولى فُقرئت بالنصب، والرفع فالقراءة بالرفع ابتداء إخبار بأن العمرة لله، والنوافل لله كالفرائض، ثُمَّ هذا أمر بالإتمام بعد الشروع، فلا خلاف فيه بأن العمرة واجبة الإتمام كالحجّ، وما عرفنا ابتداء فرضية الحجّ بهذه الآية، بل عرفناها بقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}
(5)
.
وبهذا يتبين أن المقصود زيارة البيت، وهذا المقصود حاصل بفرضية نسك واحد فلا تثبت الفرضية في عدد منه لما أن كل عبادة وجبت بسبب لم يجب الثني والتكرر
(6)
بذلك السبب بعينه كما في الصلوات، وأما الأكبر فدليلنا فإنه يدل على الأصغر، وهو العمرة فإنها الصغرى، ودون [الأكبر في]
(7)
مرتبة ووجوبًا، وعند الخصم ليس دونه وجوبًا، ولا يصح صرف الأكبر من حيث الأفعال، فإنه لا يقال: صلاة الظهر أكبر من صلاة الفجر إلى هذا أشار في «المبسوط»
(8)
، و «الأسرار»
(9)
، والله أعلم بالصواب.
(1)
انظر: المبسوط (4/ 58).
(2)
انظر: المبسوط (4/ 58).
(3)
سورة البقرة من الآية (196).
(4)
سورة التوبة من الآية (3).
(5)
سورة آل عمران من الآية (97).
(6)
في (ب): المكرر.
(7)
في (ب، ج): الكبرى.
(8)
انظر: المبسوط (4/ 59).
(9)
انظر: الأسرار (26).
بَابُ الحَجِّ عَن الغيرِ
لما فرغ من ذكر الحجّ لنفسه، وهو الأصل لما أن التصرفات الصادرة عن المنصرف شرعًا محمولة على أنه تصرف لنفسه؛ لأنه هو الأصل لا لغيره؛ شرع في بيان الحجّ لأجل الغير؛ لأنه كالتابع له.
مسألة: ثواب الحج هل يقع عن المأمورأم الآمر
؟
اعلم أن في هذه المسألة، وهي الحجّ عن الغير اختلف المتأخرون من أصحابنا قال شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده
(1)
: على قول أصحابنا الحجّ يقع عن المأمور، وللآمر ثواب النفقة، وصار إنفاق المأمور كإنفاق الآمر بنفسه، ولكن يسقط أصل الحجّ عن الآمر؛ لأن الإنفاق أُقيم مقام الأفعال في حق سقوط الأفعال حالة العجز كما أُقيم الفداء مقام الصوم في حق الشيخ الفاني، وهذا لأن الإنفاق سبب للأداء، وإقامة السبب مقام المسبب أصل في الشرع، و
(2)
إلى هذا القول مال عامة المتأخرين
(3)
منهم صدر الإسلام أبو اليسر، والإمام الإسبيجابي، وقاضي خان، وغيرهم، وهو رواية عن محمد رحمه الله.
وقال الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: "إن أصل الحجّ يكون عن الآمر"، وقال في «المبسوط
(4)
»: (رجل دفع إلى رجل مالًا ليحج به عن الميت، فلم يبلغ مال الميت النفقة فأنفق المدفوع إليه من ماله أو مال الميت، فإن كان النفقة من مال الميت، وكان ماله بحيث يبلغ الكِراءَ
(5)
، وعامة النفقة فهو جائز، وإلا فهو ضامن يرده، ويحج من حيث يبلغ؛ لأن المعتبر في الحجّ عن الغير الإنفاق من ماله في الطريق، والأكثر له حكم [الكل]
(6)
والتحرز عن القليل غير ممكن فاعتبر بالأكثر).
(1)
شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده هو الإمام أبو بكر محمد بن الحسين بن محمد البخاري الحنفي، المعروف ببكر خواهر زاده، ولفظة (خُوَاهر زاده) تقال لجماعة من العلماء، كانوا أولاد أخت عالم، وهذا المذكور ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن أحمد البخاري (ت 433 هـ)، كان إماماً فاضلاً، كبير الشأن، بحراً في معرفة المذهب، من عظماء ما وراء النهر، له طريقة حسنة معتبرة ومفيدة، جمع فيها من كلّ فنّ، وهي أبسط طرق الأصحاب، وكان يحفظها، له: المبسوط، والمختصر، والتجنيس
(ت 483 هـ).
انظر: الجواهر المضية (2/ 183) و (3/ 141)، تاج التراجم (259)، الفوائد البهية (270).
(2)
أثبته من (ب، ج).
(3)
في (ب، ج): المتأخرون.
(4)
انظر: المبسوط (4/ 147).
(5)
الكراء: هو الإجارة أو أجرة الشيء المستأجَر.
انظر: المصباح المنير (532)، معجم لغة الفقهاء (296).
(6)
أثبته من (ج).
فقلنا: إذا كان أكثر النفقة من مال الميت صار كأن الكل من مال الميت، وإذا
(1)
كان أكثر النفقة من مال نفسه صار كأن جميع نفقته من مال نفسه، فيكون الحجّ عنه، ويضمن ما أنفق من مال الميت؛ لأنه مخالف لأمره فإن أمره بأن ينفق في سفر يحج بذلك السفر عن الميت لا عن نفسه، وهذه المسألة تدل على أن الصحيح من المذهب فيمن يحج عن غيره أن أصل الحجّ يكون عن المحجوج عنه، وأن إنفاق الحاج من مال المحجوج عنه كإنفاق المحجوج عنه من مال نفسه أن لو قدر على الخروج بنفسه، وبنحوه جاءت السنة المشهورة، وهو حديث الخثعمية، وهذا هو الأصح فإن فرْض الحجّ لا
(2)
يسقط بهذا عن الحاج، وكذلك في هذه المسألة إذا كان أكثر نفقته من مال نفسه حتى صار حجته
(3)
عن نفسه كان ضامنًا لما أنفق من مال الميت، ولو كان للميت ثواب النفقة فقط لا يصير ضامناً؛ لأن ذلك قد حصل للميت، وذكر الإمام التمرتاشي
(4)
نقلاً عن «الزيادات البرهانية»
(5)
، وقيل: عن الحاج، وإليه مال بكر، ولكن لا يسقط عنه فرض الحجّ؛ لأن فرض الحجّ/ لا يتأدى إلا بنية الفرض أو بمطلق النية ولم توجد، وإنما وجدت النية عن الآمر.
ثُمَّ اعلم أن الحاج عن الغير إن شاء قال: لبيك عن فلان، وإن شاء اكتفى بالنية بمنزلة الحاج عن نفسه، وإن شاء صرح بالحجّ عند الإحرام، وإن شاء نوى، واكتفى بالنية كذا في «المبسوط»
(6)
.
قال رحمه الله: (عند أهلِ السنّة).
هذا
(7)
احتراز عن قول بعض أهل العلم الذين هم ليسوا على مذهب أهل السنة والجماعة، وذكر صدر الإسلام، والإمام الكشاني في جامعيهما: أن من صام، أو صلى، أو تصدق فجعل ثواب صلاته، وصدقته، وصومه لغيره جاز عند أهل السنة والجماعة، وقال بعض أهل العلم: بأنه لا يجوز.
واحتجوا بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}
(8)
، فلم يجعل الله تعالى للمرء إلا ما سعى، وهذا ليس من سعيه، ولأن الثواب هو الجنة وليس له ولاية تمليك الجنة لغيره؛ لأن الجنة ليست بملك له قلنا: أما الآية فإنه لمّا جعل سعيه للغير صار سعيه كسعي الغير، وله ولاية أن يكون ساعيًا وفاعلًا لغيره.
(1)
في (ج): وإن.
(2)
ساقطة من (ج).
(3)
في: (ب)، (ج) حجه.
(4)
شرح الجامع الصغير للتمرتاشي (خ. ل. 6)، الحواشي السعدية نقلا عن التمرتاشي (3/ 145).
(5)
شرح الزيادات البرهانية لمؤلفه: برهان الدين بن محمود تاج الدين، وهو لايزال مخطوطاً.
انظر: كشف الظنون (1/ 823).
(6)
انظر: المبسوط (4/ 159).
(7)
ساقطة من (ج).
(8)
سورة النجم الآية (39).
وأما قولهم: إن الثواب هو الجنة، فكيف يُجعل لغيره؟ قلنا: عرفنا هذا الحكم شرعًا فكان قولهم هذا اعتراضًا على صاحب الشرع، وهو باطل أو يحتمل أنه يجعل ماله من الاستحقاق لغيره.
(بكبشينِ أملحينِ).
يقال: كبشٌ أملح فيه مِلحة
(1)
، وهي بياض تشقه شعيرات سود، وهي من لون الملح.
(في حالتي الاختيارِ والضرُورة).
أي: في حالة الصحة، والمرض.
(لحصولِ المقصودِ).
وهو إيصال النفع [إلى]
(2)
الفقراء عند وجود المشقة، وهو تنقيص المال.
(لا يحصلُ به).
أي: بفعل النائب للمعنى الثاني، وهو المشقة بتنقيص المال، فإنه كما يلحق المرء المشقة عند فعله بنفسه [تلحقه المشقة أيضًا عند تنقيص ماله بالدفع إلى الغير، فقامت مشقة التنقيص مقام مشقة إتعاب نفسه عند فعله بنفسه]
(كان من حقه أن يقول للمعنى الأول) وهو حصول المقصود بفعل النائب لاعتبار جانب المال، ولكن ذكر للمعنى الثاني فوجهه ما قلنا.
قوله رحمه الله: (لأن الحجّ فرض العمر).
شرط النيابة في الحج
فإن قلتَ: لاشتراط العجز الدائم لا يستقيم التعليل بأنه فرض العمر، فإن الشيخ الفاني في الصوم يشترط العجز الدائم في جواز الفدية عن صومه مع أن الصوم ليس بفرض العمر.
قلتُ: لمّا فات الصوم عن وقته التحق بفرض العمر؛ لأن قضاءَه لازم عليه ما دام حيّاً فاستغرق العمر قضاءً، وإن لم يستغرق أداء، وروى المعلى عن أبي يوسف رحمه الله في الإحجاج: إن بَرَأَ المريض قبل فراغ المأمور يلزمه الإعادة، وإن بَرَأَ بعد الفراغ لا يلزمه الإعادة، ثُمَّ العجز
(3)
إن كان بعذر لا يزول كالعمى والزمانة جاز أن يُحَجُّ عنه لقيام العذر الدائم، وإن كان عجزاً بعذر يُرجى زواله كالمرض، والحبس فإن استمر إلى الموت حُكم بوقوع الإحجاج موقع الفرض للعذر.
وإن صح فعليه حجة الإسلام؛ لأن شرط الإحجاج لم يوجد كما [في حق]
(4)
الفدية عن الصوم، وإذا أحج الرجل الصحيح رَجِلًا، ثُمَّ عجز لم يجزه عن الحجّة لفقد العذر حالة الإحجاج، كذا في «الفوائد»
(5)
، و «فتاوى الولوالجي»
(6)
.
وفي الحجّ النفل يجوز الإنابة فيكون للآمر ثواب النفقة فيه بالاتفاق أما على قول شيخ الإسلام فظاهر، وأما على قول شمس الأئمة رحمه الله فكذلك؛ لأن وقوع أصل الحجّ عن الآمر بما روينا من حديث الخثعمية، وأنه وارد في الفرض لا في النفل، كذا في «الفوائد»
(7)
.
(1)
في (ب): ملحقة.
(2)
أثبته من (ب، ج).
(3)
ساقطة من (ج).
(4)
في (ب): حق في.
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 144). البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 65).
(6)
انظر: الفتاوى الولوالجية (ص 284).
(7)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 144). البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 65).
(فهي عن الحاج، ويضمن النفقة؛ لأن الحجّ يقع عن الآمر حتى لا يخرج الحاج عن حجة الإسلام).
فلا طباق بين المدلول والدليل كما ترى، ولكن هذا التعليل تعليل حكم غير مذكور، وتقدير الكلام، ويضمن النفقة؛ لأنه خالفهما، وإنما لا يضمن النفقة إذا وافق أمر الآمر؛ لأن الحجّ حينئذٍ يقع عن الآمر حتى لا يخرج الحاج عن حجة الإسلام، وهاهنا قد خالف، فلا يقع الحجّ عن الآمر، بل يقع عن المأمور
(1)
فكان هذا التعليل تعليلًا لمّا إذا وقع الحجّ عن الآمر، وهو في صورة عدم مخالفة المأمور للآمر، وإلا لا مطابقة بين الدليل والمدلول.
وقال: ([حتى]
(2)
لا يخرج). بالرفع؛ لأن الحكم ثابت.
(ولا يمكنُ إيقاعه عنْ أحدهما لعدمِ الأولوية).
بمنزلة امرأة زوجت نفسها من رجلين.
(فإنْ مضى عَلى ذَلك).
أي: لم يعين أحدهما؛ لأن فعل/ النائب كفعل المنوب فيما إذا وافق، وفعل المنوب حالة الأداء مبهمًا عن نفسه، وغيره لا يصح، فكذا فعل من قام مقامه.
(بخلافِ ما إذا لم يعين حجة أو عمرة).
بأن قال: لبيك اللهم لبيك، ولم يقل حجة أو عمرة على ما ذكرنا؛ لأن الملتزم هناك مجهول، وهنا المجهول من له الحق فجهالة الملتزم غير مانعة لوجوب التعيين، وأما جهالة من له الحق مانعة بدليل مسألة الإقرار، فإنه إذا أقر بمجهول لمعلوم صح، فيجب التعيين بأن قال: لفلان عليّ شيء، ولو أقر لمعلوم بمجهول لا يصح بأن قال لواحد من الناس: عليّ ألف درهم.
(أنَّ الإحرامَ شُرع وسيلةً إلى الأفعالِ
(3)
لا مقصوداً).
بدليل صحة تقديمه على وقت الأداء، وهو أشهر الحجّ.
(فاكتفى به شرطًا).
أي: فاكتفى بالإحرام المبهم من حيث أنه شرط.
(ولا يلزمُ على ما ذكرنا من وجهِ الاستحسانِ) وهي
(4)
مسألة الوكالة، وهي أن رجلين أمر كل واحد منهما رجلًا بأن يشتري له عبدًا فاشترى عبداً، ونوى عن أحدهما يصير العبد للمشتري قال فخر الإسلام رحمه الله في جوابها: "أنه لا رواية فيها، وإنما الرواية فيما إذا أطلق الشراء، فإنه يتعين بحكم النقد، وأما إذا أبهم فيحتمل أن يصير مخالفاً؛ لأنه بمنزلة الأداء هاهنا، ولا نص في مسألتنا في الإطلاق، ويجب أن يصح التعيين هاهنا بالإجماع).
(أنْ يقرنَ عنه فالدم على منْ أحرم؛ لأنه وجبَ شكراً لما وفقه الله).
فإن قلتَ: لما كان هذا دم شكر ينبغي أن يجب على الآمر؟ لأن المنتفع بمنفعة شكر القران إنما هو الآمر حتى سقطت عنه حجة الإسلام مع تضمن فضيلة القران.
(1)
سقط من (ب، ج): من قوله: حتى لا يخرج إلى قوله: عن المأمور.
(2)
أثبته من (ج).
(3)
في (ب، ج): الإحرام.
(4)
في (ب، ج): أن.
قلتُ: إن هذا الدم دم نسك كسائر المناسك، وسائر المناسك على المأمور فكذا هذا، ألا ترى أنه إذا عجز عن الهدي كان الصوم عليه.
وحاصله: أن الدماء ثلاثة أنواع: ما يجب جزاء على جناية كجزاء الصيد ونحوه، وما يجب نسكًا كدم القران والمتعة، وما يجب مؤنة كدم الإِحْصَار فكلها على المأمور سوى دم الإِحْصَار، فإنه مختلف فيه على ما هو المذكور في الكتاب.
(وأذنا له بالقِرانِ فالدمُ عليه)
(1)
.
وإنما قُيد بقوله: (وأذنا له) فإنه لو
(2)
لم يأذنا له بالقران لا يجوز له أن يجمع بينهما لأجلهما، فلو قرن كان مخالفًا كذا في «المبسوط»
(3)
، فإن قلتَ: في هذه المسألة شبهتان، إحديهما: هي أن وجوب الدم عليه غير منحصر بإذنهما له بالقران، فإنه لو لم يأذنا له أيضًا فقرن هو كان الدم عليه، فلم يبق للتقييد به فائدة.
(والثانية: هي أن القران أفضل من الإفراد عندنا) أي: إفراد كل واحدٍ من الحجّة، والعمرة على ما مرّ بيانه [فحينئذٍ]
(4)
كان القارن بهما آتيًا بما هو أفضل الأمرين، فلا يكون مخالفًا، فلو ثبت مخالفته إياهما إنما تثبت باعتبار أن الحجّة والعمرة المنفردتين كانتا أفضل من القران، فحينئذٍ يثبت مذهب الخصم.
قلتُ: أما الجواب عن الأولى: فإن فائدة التقييد بالإذن لدفع وهم وجوب الدم على الآمر، وذلك الوهم إنما يتأتى عند الإذن، فأما إذا لم يأذنا بالقران، فقرن هو كان مخالفًا لأمرهما فلا يُشكل [حينئذٍ]
(5)
وجوب الدم على المأمور؛ لأن القران وقع له فكان دمه واجبًا عليه أيضًا؛ لأن وجوب الشكر على من أنعم عليه.
وأما الجواب على
(6)
الثانية: أن ثبوت مخالفة أمرهما لم ينشأ من الإفراد بالحجّة، والعمرة أفضل من القران، بل باعتبار أن المأمور ما أتى بسفر خالص لواحد منهما فلم يكن مستوجبًا للنفقة في مال واحد منهما، فكان مخالفاً.
ألا ترى أن المأمور بالحجّ إذا قرن كان مخالفاً عند أبي حنيفة رحمه الله مع أن القران أفضل من الحجّ المفرد بالإجماع من غير خلاف لأحد، لا باعتبار أن القران أنقص من إفراد الحجّ، بل باعتبار أن المأمور بالحجّ كان مأمورًا بإنفاق المال في سفر مجرد للحج، وسفره هذا ما تجرد للحج بل بالحجّ والعمرة جميعًا فكان مخالفًا إلى هذا أشار في «المحيط» أن الآمر هو الذي أدخله في هذه العهدة، فعليه خلاصه كالعبد إذا أحرم بإذن مولاه، ثُمَّ أُحصر كان عليه إخراجه يوضحه أن دم الإِحْصَار بمنزلة نفقة الرجوع، ونفقة الرجوع في مال الميت، وإن كان الحاج هو المنتفع به، فكذلك دم الإِحْصَار في ماله، وإن كان الحاج هو المنتفع به، ولا ضمان عليه فيما أنفق؛ لأنه لم يكن مخالفًا لأمر الميت فيما أنفق، ألا ترى أنه لو مات في الطريق لم يضمن/ ما أنفق فكذلك إذا أُحصر كذا في «المبسوط»
(7)
.
(1)
انظر: بداية المبتدي (1/ 56).
(2)
في (ب، ج): إذا.
(3)
انظر: المبسوط (4/ 155).
(4)
أثبته من (ب، ج) وفي (أ) فح. ولعل الصواب ما أثبته لأنه والله أعلم أراد اختصار فحينئذٍ الى فح.
(5)
أثبته من (ب، ج) وفي (أ) ح. ولعل الصواب ما أثبته لأنه والله أعلم أراد اختصار حينئذٍ الى ح.
(6)
في (ب، ج): عن.
(7)
انظر: المبسوط (4/ 156).
(لأنه صلة).
والصلة عبارة عن أداء مال ليس بمقابلته عوض مالي.
[قوله]
(1)
: (وغيرها).
كالنذور، والكفارات.
(لأنَّ الصحِيحَ هو المأمور به).
أي: الحجّ الصحيح هو المأمور به دون الفاسد، ثُمَّ لمّا لم يكن الفاسد مأمورًا به كان ما أداه من الفاسد واقعا عن الحاج، فكذلك يجب الدم في ماله أيضًا.
ثُمَّ لما قضى الحجّ في السنة الثانية على وجه الصحة لا يسقط به حج الميت؛ لأنه لمّا خالف في السنة الماضية بالإفساد صار الإحرام واقعًا عن المأمور، والحجّ الذي يأتي به في السنة القابلة قضاء ذلك الحجّ فكان واقعا عن المأمور أيضًا، كذا في «الجامع الصغير»
(2)
لقاضي خان، وقال: لمّا بيّنا، ولمّا قلنا: راجع إلى قوله: (لأنه دم جناية، وهو الجاني عن اختيار).
وفي «المبسوط»
(3)
: وكل دم يلزم المُجهَّز، يعني: الحاج عن غيره فهو عليه في ماله؛ لأنه إن كان دم نُسك فإقامة المناسك عليه، وإن كان دم كفارة فالجناية وجدت منه، وإن كان دمًا بترك واجب، فهو الذي ترك ما كان واجبًا عليه، فلهذا كانت هذه الدماء عليه في ماله إلا دم الإِحْصَار، فإنه في مال المحجوج عنه في قول أبي حنيفة، ومحمد رحمه الله وقد ذكرناه.
أما الأول هو اعتبار الثلث. وحاصل ذلك: أن عند أبي حنيفة رحمه الله يوجد ثلث ما بقي فيحج به مرة أخرى، ويجعل الهالك كأن لم يكن، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله أن
(4)
[ما]
(5)
بقي من الثلث الأول، وهو ثلث جميع المال مقدار ما يمكن أن يحج به، يحج عنه بما بقي، وإلا فتبطل الوصية، وعلى قول محمد تبطل الوصيةسواء بقي من الثلث الأول شيء أو لم يبق، بيانه
(6)
إذا مات الرجل وترك أربعة آلاف، وأوصى بأن يُحج عنه، وكان مقدار الحجّ ألف درهم فأخذ الوصي
(7)
ألفاً، ودفعها إلى الذي يحج [عنه]
(8)
، فُسرق في الطريق في قول أبي حنيفة يؤخذ ثُلث ما بقي من التركة، وهو ألف درهم، وإن سرقت ثانيًا يؤخذ، ثلث ما بقي أخرى هكذا، وعند أبي يوسف يؤخذ ما بقي من ثلث جميع المال، وذلك ثلاثُمَّائة وثلاثة وثلاثون وثلث؛ وذلك لأن ثلث أربعة آلاف درهم ألف درهم وثلاثُمَّائة وثلاثون وثلث درهم، فلما دفع الوصي من هذا المجموع إلى الذي يحج عنه ألف درهم بقي هذا المقدار، فيُحج به فإن سُرق ثانيًا لا يؤخذ مرة أخرى.
(1)
أثبته من (ب، ج).
(2)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 154).
(3)
انظر: المبسوط (4/ 156).
(4)
ساقطة من (ب، ج).
(5)
أثبته من (ج).
(6)
صورة المسألة: رجل له أربعة ألاف درهم، أوصى بأن يحج عنه فمات، وكان مقدار الحج ألف درهم، فدفعها الوصي إلى من يحج عنه، فتوفي الحاج في الطريق، قال أبو حنيفة: يؤخذ ثلث ما بقي من التركة، وهو ألف درهم، فإن سرقت ثانيًا، يؤخذ ثلثه مرة أخرى، وقال أبو يوسف: يؤخذ ثلث ما بقي من ثلث جميع المال، وهو ثلاثُمَّائة وثلاثون وثلث درهم، فإن سرقت لا يؤخذ مرة أخرى، وقال محمد: إذا سرقت الألف التي دفعها أولًا، بطلت الوصية، فإن بقي فيها شئ يحج به لا غير.
انظر هذه المسألة مفصلة في: المبسوط (4/ 161)، البدائع (2/ 222)، الفتح (3/ 157)، تبيين الحقائق (2/ 87)، البناية (3/ 860)، رد المحتار (2/ 611)، غنية الناسك ص (329).
(7)
الوصي: مَن يُقام لأجل الحفظ والتصرّف في مال الرجل وأطفاله بعد الموت، والفرق بينه وبين القيّم أن الوصي يفوّض إليه الحفظ والتصرّف، والقيّم يفوّض إليه الحفظ دون التصرف. التعريفات الفقهية (ص/ 543)، معجم لغة الفقهاء (ص/ 475).
(8)
أثبته من (ج).
وفي قول محمد: إذا سُرقت الألف التي دفعها بطلت الوصية، ولا يؤخذ منه مرة أخرى سواء بقي من الثلث الأول شيء أو لم يبق.
وهذا الاختلاف بينهم إذا هلك المال أو سُرق في يد النائب حتى لو هلك المال في يد الوصي قبل الدفع إلى النائب بعدما قاسم الورثة، يُحج عنه من ثلث ما بقي بالاتفاق، ثُمَّ وثُمَّ إلى أن يبقى من المال حبة كذا ذكره الإمام قاضي خان، والإمام المحبوبي رحمه الله.
وأما الثاني: وهو اعتبار المكان في الحجّ. وذكر الإمام المحبوبي: وهذا الاختلاف في المكان فيما إذا خرج النائب ليحج عن الآمر، ثُمَّ مات أو خرج الموصي بنفسه للحج، ثُمَّ مات في الطريق، وأما لو خرج رجل من بلده تاجرًا لا للحج، ثُمَّ مات، وأوصى بأن يُحج عنه، فإنه يُحج عنه من وطنه اتفاقًا، وحاصل الاختلاف راجع إلى أن ما أدى من بيته من الحجّ هل يبطل بالموت؟ فعند أبي حنيفة رحمه الله يبطل، وعندهما لا يبطل، وكأنه حي فيجوز البناء عليه.
قوله رحمه الله: (انقطع عمله إلا من ثلاث). الحديث.
تمامه: (علم علمه الناس، وصدقة جارية، وولد صالح يدعو له بالخير)
(1)
، وهذا ليس من هذه
(2)
الثلاث فإذا بطل عمله في حق أحكام الدنيا وجب الاستئناف، ألا ترى أنه لو أحرم، ثُمَّ مات ينقطع ذلك الإحرام حتى لا يُبنى عليه كذا ذكره الإمام قاضي خان.
فإن قلتَ: هذا الحديث متروك الظاهر، فكيف يصح التمسك في إثبات المُدعى
(3)
، فإن الأعمال الصالحة التي عملها ابن آدم غير منقطعة، فإنه يثاب عليها، وظاهره يقتضي الانقطاع في جميع الأعمال سوى المستثنى وليس كذلك.
قلتُ: وجه التمسك به ظاهر؛ لأن المذكور في الحديث لفظ الانقطاع، وذلك لا يكون إلا فيما نحن فيه، وهو ما إذا شرع في العمل، ولم يتمّه بعد؛ لأن العمل الذي أتمّه لا يتصور فيه الانقطاع، ولكن يتصور فيه البطلان/ بمبطل، والعياذ بالله من ذلك، وليس كلامنا فيه وكذلك العمل الذي لم يشرع فيه لا يُتصور الانقطاع؛ لأنه غير موجود، والمنقطع موجود فتعيّن ما قلنا لانحصار إطلاق العمل عقلاً في هذه الثلاث.
ثُمَّ تأخير تعليلهما عن تعليل أبي حنيفة رحمه الله يحتمل أن يكون قولهما هو المختار عند المصنف رحمه الله لمّا أن قولهما استحسان، وقول أبي حنيفة رحمه الله قياس، والمأخوذ في عامة الصور حكم الاستحسان دون القياس، ولأن ظاهر الآية يعضد قولهما، وأصل الاختلاف في الذي يحج بنفسه، وهو أن يخرج الرجل حاجًا من وطنه، فلما بلغ الكوفة مثلاً مات، وأوصى بأن يُحج عنه من وطنه، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله وفي الاستحسان من حيث مات، وهو قولهما بخلاف المأمور على ما فرّقنا من قبل، وهو قوله:
(1)
سبق تخريجه.
(2)
في (ب): هذه.
(3)
في (ب، ج): مدعاه.
(لأنه متبرع بجعل ثواب عمله لأحدهما) إلى آخره.
والله أعلم بالصواب.
بَابُ الهدي
لمّا كثر دَور لفظ الهدي فيما تقدم من المسائل نسكًا، وجزاء، ومؤنة احتاج إلى بيان الهدي، وما يتعلق به من المسائل فلما لم يخلُ وجوبه عن أحد هذه الأشياء؛ أخر ذكره عن ذكر هذه الأشياء، وقد بيّنا المعنى فيما سبق، وهو قوله بعد ذكر رواية ابن عباس:
(ولأن الجنابة أغلظ من الحدث)، وقال:(أو لأنه أعلى أنواع الارتفاق، فَيتغلّظ موجبه).
(ويجوزُ الأكلُ منْ هدي التطوع).
ما يجوز في الهدايا وما لا يجوز
أي: للمُهدي، وللأغنياء أما للأغنياء، فيجوز لهم الأكل
(1)
من جميع الهدايا هذا إذا ذبح هدي التطوع في محله، وهو مكة. وأما إذا ذبحه في الطريق، أو عطب لا يجوز له الأكل من هدي التطوع، فيجوز من هدي الواجب على ما يجيء بعد هذا في الكتاب.
وذكر في «مبسوط شيخ الإسلام»
(2)
: ونوع من الهدايا لا يجوز الأكل منها، وهي دماءالكفارات، والنذور، وهدي الإِحْصَار، وهدي التطوع إذا لم يبلغ محله.
(ويستحب له أن يأكل منها).
لقوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا}
(3)
، وأدنى ما يثبت بالأمر هو الاستحباب، ولا ينبغي له أن يتصدق بأقل من الثلث، كذا في «المبسوط»
(4)
.
("لا تأكل أنت ورفقتك منها شيئًا").
وإنما نهاه، ورفقاؤه أن يتناولوا منها؛ لأنه كان غنيًا مع رفقته، كذا في «المبسوط»
(5)
، ولأنه دم نسك حتى يباح التناول منه كالأضحية.
وهو من أسباب التحلل في أوانه كالحلق فلذلك متوقت بيوم النحر.
(ولا يجبُ التعريف).
وقد ذكرنا أن التعريف له معانِ التشبه بأهل عرفة في غيرها من المواضع، والذهاب بالهدايا إلى عرفة.
(وتعريف الهدايا) أي: إعلامها بعلامة مثل التقليد، والإشعار، وكل هذا ليس بواجب، ثُمَّ هاهنا يحتمل أن يراد به الثاني
(6)
بدلالةٍ.
قوله: (فعسى ألا يجدَ منْ يَمسِكُه، فَيحتاج إلى أنْ يُعرف به).
(1)
أي في النوع الذي يجوز لصاحبه الأكل منه، وهو دم المتعة، والقران، والأضحية، وهدي التطوع إذا بلغ محله، والنوع الذي لايجوز هو: دم النذر، والكفارات، والإحصار.
انظر: الخانية (2/ 301)، البحر عنها (3/ 63)، شرح اللباب ص (307).
(2)
انظر المبسوط للشيباني (2/ 434)، العناية شرح الهداية (3/ 161).
(3)
سورة الحج من الآية (36).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 141).
(5)
انظر: المبسوط (4/ 145).
(6)
في (ب، ج): الأخير.
أي: يذهب به إلى عرفات، ويحتمل أن يراد به الأخير بدلالة
(1)
.
قوله: (ولأنه دمُ نسكٍ فيكون مبناه على التشهير).
(ثُمَّ إن شاء نحر الإبل في الهدايا قيامًا).
وفي قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}
(2)
، أي: سقطت ما يدل إلى هذا؛ لأن السقوط يكون عن حالة القيام قيامًا.
(معقولة اليد اليسرى).
أي: معقودة اليد اليسرى، فإن قلتَ: كيف يفيد عقل اليد الواحدة للنحر؟
قلتُ: ليس المراد ذلك بدليل التعليل الذي ذكره الإمام الإسبيجابي في «المبسوط»
(3)
، وقال: إنما يعقل اليد اليسرى ليقوم بالثلاث، ولا ينقلب لواحدة، وأما الفائدة: فإن المراد منه أن يضم الساق مع الفخذ بعد رفع ساقه منحنية إلى فخذه، ويربط/ عليها كما يربط كذلك عند البروك فتحصل الفائدة، وذكر في «المبسوط»
(4)
، وحُكى عن أبي حنيفة قال:"نحرت بيدي بدنة قائمة معقولة فكدت أهلك قيامًا من الناس؛ لأنها نفرت فاعتقدت أن لا أنحر بعد ذلك باركة معقولة، أو أستعين بمن يكون أقوى عليه منى".
(فنَحرَ نيّفًا وستين).
النيّف بالتشديد كل ما بين عقدين، وقد يُخفف، وأصله من الواو، وعن المبرد النيّف
(5)
من واحدة إلى ثلاث.
الجلال: جمع جُلّ، والخُطم: جمع الخطام، وهو حبل يُجعل في عنق البعير، ويُثنى في أنفه. كذا في «المغرب»
(6)
، النضح: الرش و [البّل]
(7)
، ومنه ينضح ضِرعها بكسر الضاد من حَدَّ ضَرَبَ، كذا في «الديوان»
(8)
، و «الصحاح»
(9)
.
(ومنْ سَاقَ هَديا فَعَطب، فإنْ كانَ تطوعًا فليسَ عَلَيه غَيره).
أحكام الهدايا قبل الذبح
فإن قلتَ: فلم لا يكون هذا بمنزلة أضحية الفقير، فإن الأضحية عليه تطوّع، ومع ذلك لو اشتراها للأضحية يتعين عليه الوجوب أكثر ما يتعين على الغنى حتى أن الغني إذا اشترى أضحية فضلت فاشترى أخرى، ثُمَّ وجد الأولى في أيام النحر كان له أن يضحي بأيهما شاء، ولو كان معسرًا فالواجب
(10)
عليه أن يضحي بهما جميعًا.
(1)
سقط من (ج): (من) أي يذهب (إلى) بدلالة.
(2)
سورة الحج من الآية (36).
(3)
انظر: المبسوط (4/ 146).
(4)
انظر: المبسوط (4/ 146).
(5)
ساقطة من (ب، ج).
(6)
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 149).
(7)
أثبته من (ب، ج)، وفي (أ) العبل. ولعل الصواب ما أثبته لموافقته أصله في كتاب المغرب في ترتيب المعرب.
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 164).
(9)
انظر: مختار الصحاح (1/ 312).
(10)
في (ج): قالوا يجب.
قلتُ: ذاك فيما أوجب الفقير بلسانه في كل واحدة من الشاتين بعدما اشتراها للأضحية، حتى أنه لو لم يوجب على نفسه بلسانه، فلا يجب عليه شيء بمجرد الشراء للأضحية، وذكر في «فتاوى قاضي خان»
(1)
، ولو اشترى الفقير شاة للأضحية، فماتت أو باعها لا يلزمه أخرى، وكذا لو ضلت، وإن أصابه عيب كثير بأن ذهب أكثر من ثلث الأُذن على قول أبي حنيفة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد إذا ذهب أكثر من نصف الأُذن، كذا في «فتاوى قاضي خان»
(2)
.
(لأنَّ الواجبَ باقٍ في ذمته).
الذمة عبارة عن معنى يصير المرء به أهلًا للإيجاب والاستحباب، كذا قاله الإمام الأرسابندي
(3)
رحمه الله: العَطَبُ بفتحتين الهلاك من حَدَّ عَلَمَ.
والمراد من قوله: (إذا عَطِبَتْ البَدَنة)
(4)
.
أي: قربت إلى الهلاك؛ لأن النحر يُعد حقيقة الهلاك لا يتصور، وبهذا خرج الجواب لسؤال من قال: إن هذا مكرر بما ذُكر أولًا بقوله: (ومن ساقَ هَديًا فَعَطب)
(5)
.
لأنّا نقول ذلك في حقيقة الهلاك، وهذا في القُرب إلى الهلاك.
الجَزرُ بفتحتين اللحم الذي يأكله السباع.
(وصنع بها ما شاء).
سواء أكل أو باع، ودم الإِحْصَار جائز فيلحق بجنسه، وهو الدماء الجابرة كدم الجنايات
[قوله]
(6)
: (على ما تقدم).
إشارة إلى ما ذُكر قبيل باب القران، بقوله:(وتقليد الشاة غير معتاد وليس بسنة).
ولكن لم يذكر هناك عدم الفائدة، ونحن قد ذكرناه في ذلك الموضع، والله أعلم.
قوله
(7)
(مَسَائلُ مَنثورَة)
(8)
:
فمن دأب المصنفين ذكر
(9)
ما شذَّ من الأبواب المتقدمة في آخر الأبواب لتتميم الفائدة، وتكثير العائدة وهذا كذلك.
(1)
انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 220).
(2)
انظر: فتاوى قاضي خان (1/ 220).
(3)
الإمام الأرسابندي: محمد بن الحسين بن محمد الأرسابندي، أبو بكر القاضي المروزي، المعروف بفخر القضاة. تفقه على أبي منصور السمعاني، ثُمَّ رحل عن وطنه إلى سحانا فى طلب الفقه، وتفقه على القاضي الزوزني، وكان إمامًا فاضلًا مناظرًا انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة، وحدث ورد بغداد حاجا بعد الثُمَّانين وأربع مائة، مات سنة عشرة وخمس مائة. من تصانيفه:"الأصول"، "شرح الجامع الكبير للشيباني في فروع الفقه".
انظر: (الجواهر المضية: 2/ 50)، و (معجم المؤلفين: 9/ 252).
(4)
انظر: بداية المبتدي (1/ 57).
(5)
المصدر السابق.
(6)
أثبته من (ب، ج).
(7)
ساقطة من (ب، ج).
(8)
انظر: بداية المبتدي (1/ 57)
(9)
في (ج): أن نذكر.
(أهْلُ عَرَفَة إذا وَقَفُوا في يوم) إلى آخره.
وصورة ذلك أن يشهدوا أنهم رأوا هلال ذي الحجّة في ليلة كان اليوم الذي وقفوا فيه اليوم العاشر.
وللاستحسان وجهان: أحدهما: أن هذه شهادة قامت على النفي، وهو نفي جواز الوقوف فلا يُقبل، والثاني: أن شهادتهم مقبولة؛ لأنها قامت على الإثبات صورة، ولكن حَجَّتهم
(1)
جائز؛ لأنه لم يظهر بهذه الشهادة أنهم لم يقفوا في وقته قال صلى الله عليه وسلم: «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وعرفتكم يوم تعرفون، وأضحيتكم يوم تضحون»
(2)
أراد بذلك أن وقت الوقوف بعرفة اليوم الذي هو عرفة عندكم، وقد وقفوا في ذلك اليوم، وكان الشيخ الإمام السرخسي يحكي عن أستاذه الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني
(3)
رحمه الله أنه كان يقول: "هذه المسألة من خواص هذا الكتاب"، أي:«الجامع الصغير»
(4)
،
(ينبغي للحاكمِ أنْ لا يسمعَ هذهِ الشهادة).
أصلاً، ولكن إذا جاءوا ليشهدوا بذلك قال لهم: قد تمّ حج الناس بالوقوف في يوم عرفة عندهم، فليس في شهادتكم منفعة للناس، وإنما فيها إيقاع الفتنة، وإفساد الحجّ على الناس فانصرفوا، ولا حاجة بنا إلى هذه الشهادة التي تهيج الفتنة كذا في جامعي قاضي خان، والمحبوبي.
(ومن رمى في اليوم الثاني)
(5)
إلى آخره.
يعني: رمي رجل في اليوم الثاني الجمرة الوسطى والثالثة، ولم يرم الأولى، ثُمَّ جاء يستغني في ذلك اليوم فالحكم ما ذكر، واعلم بأن الحاج في اليوم الثاني من أيام النحر يرمي بعد زوال الشمس في ثلاثة موضع يبدأ بالجمرة التي تلي المسجد، ثُمَّ بالوسطى، ثُمَّ بالعقبة [فإن بدأ بالوسطى ثُمَّ بالعقبة]
(6)
فإن بدأ بالوسطى، ثُمَّ بالثالثة، ولم يرم الأولى فإن أعاد الأولى أجزأه؛ لأنه أتى بأصل الرمي في وقته فإنما ترك المسنون من الترتيب، وذلك لا يوجب شيئاً عليه، وإن أعاد
(1)
في (ب، ج): حجهم.
(2)
أخرجه ابن ماجه في "سننه" باب: [مَا جَاءَ فِي شَهْرَيِ الْعِيدِ](1/ 531) برقم: [1660]، وأخرجه أبو داود باب:[إِذَا أَخْطَأَ الْقَوْمُ الْهِلَالَ](2/ 297) برقم: [2224]، وأخرجه الترمذي في "سننه" باب:[مَا جَاءَ فِي أَنَّ الْفِطْرَ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ](3/ 71) برقم: [697] ولفظ الترمذي هو «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ» وصححه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
(3)
الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني عبد العزيز بن أحمد بن نصر البخاري المشهور بشمس الأئمة الحلواني، إمام الحنفية في وقته، والحلْواني نسبة إلى عَمَل الحَلْوى وبيعها، له: المبسوط، النوادر (ت 448 هـ)، أو (449 هـ). انظر: الجواهر المضية (2/ 429)، تاج التراجم (ص/ 189)، الفوائد البهية (ص/ 162).
(4)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 168).
(5)
انظر: بداية المبتدي (1/ 57)
(6)
أثبته من (ب، ج).
الجمار الثلاث فحسن لما فيه من مراعاة سنة الترتيب، وهو نظير ما سبق أن الطائف إذا دخل الحطيم في طوافه لا ينبغي له ذلك، فإن أعاد على الحطيم أجزأه، وإن أعاد الطواف كله كان حسنًا كذا ذكره الإمام المحبوبي.
قوله رحمه الله: (وقال الشافعي لا يجزيه ما لم يُعد الكل).
اعلم أن أصحابنا، والشافعي
(1)
رحمه الله كلهم
(2)
عكسوا هنا ما
(3)
قالوا في اشتراط ترتيب الفوائت في الصلاة، فإن الترتيب عندنا في الصلاة شرط خلافًا له، وهاهنا على العكس فكلٌ احتاج إلى الفرق، والشافعي يقول: الصلوات كل واحدة منها مقصودة بنفسها، فلا تكون تبعًا لغيرها، وأما جمرات اليوم كلها فواحدة بدليل أنه يجب دم واحد بترك الكل، عُلم أن الجمرة الأخيرة مرتبة على الأولى لضرورة القول بالاتحاد، وعلماؤنا قالوا: كل جمرة مقصودة بنفسها؛ لأن كل واحدة منها متعلقة ببقعة على حدة، والبقعة في باب الحجّ أصل فكان ما شُرع فيه أصلاً أيضًا، فلا يتعلق جواز البعض بالبعض.
ألا ترى أنه لو أعاد على الترتيب كان مؤديًا لا قاضيًا، وأما في الصلاة فقد جاء النص بأن ما صلى من غير رعاية الترتيب صلاة قبل وقتها، ويتعلق جواز بعضها بالبعض إلى هذا أشار في «الأسرار»
(4)
.
(لأنه دونه): أي: لأن السعي دون الطواف، أي: أحطُ منزلة من الطواف؛ لأن الطواف فرض كطواف الزيارة أو من جنس الفروض كما في طواف القدوم، وأما السعي فواجب على كل حال فكان دون الطواف فصلح أن يكون تابعًا للطواف.
(والْمَروَةُ عُرِفَتْ مُنْتَهى السَّعِي بالنَّصِّ).
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «ابْدَؤُوا بما بدأ الله»
(5)
أراد به قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}
(6)
، وهذا إشارة إلى الوجوب، وهو قوله:
(لا يركب حتى يطوف).
وهو رواية «جامع الصغير»
(7)
، وهو الصحيح؛ لأنه التزم الحجّ بصفة الكمال كذا في «الجامع الصغير»
(8)
لقاضي خان رحمه الله.
(1)
انظر "المجموع" للنووي (8/ 239).
(2)
ساقطة من (ج).
(3)
ساقطة من (ج).
(4)
انظر: الأسرار (418).
(5)
الحديث بهذا اللفظ، أخرجه النسائي في المجتبى في الحج، باب (163) برقم (2962)، والدارقطني (2/ 254)، وكلاهما من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا، وصححه ابن حزم والنووي كما في التعليق المغني على الدارقطني (2/ 254).
(6)
سورة البقرة من الآية (158).
(7)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 171).
(8)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 171).
(لأنه التزمَ قربة بِصِفَةِ الكَمالِ).
وهو الحج ماشيًا بدليل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال بعدما كُف بصره «ما تأسفت على شيء كتأسفي على أن لم أحج ماشيًا»
(1)
فإن الله تعالى قدّم المشاة فقال تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}
(2)
، وقال صلى الله عليه وسلم: «من حج ماشيًا
(3)
فله بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم» قيل: وما حسنات الحرم قال: «كل حسنة بسبعمائة» ، وعن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه كان يمشي في حجة والجنائب تقاد إلى جنبه، فإن قلتَ: كيف يستقيم هذا؟
وقد كره أبو حنيفة رحمه الله المشي في طريق الحجّ قلنا ما كره المشي مطلقًا، وإنما كره الجمع بين الصوم والمشي؛ لأنه إذا فعل ذلك ساء خلقه فجادل رفيقه، والجدال في الحجّ منهي عنه، فإن قيل: ليس للمشي نظير في الفرائض، والواجبات ينبغي أن لا يصح النذرُ به قلنا: لا، بل له أصل فإن المكي الفقير إذا لم يملك الزاد، والراحلة، وأمكنه المشي إلى عرفات وجب عليه الحجّ ماشيًا، وأيدته السنة، وهي ما روي عن عقبة بن عامر الجهني
(4)
رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله، إن أختي نذرت أن تحج ماشية حافية، فقال صلى الله عليه وسلم:«إن الله لغني عن تعذيب أختك فلتركب، ولتذبح لركوبها شاة»
(5)
، وفي بعضها:«ولترق دمًا»
(6)
، فلو لم يجب الحجّ ماشيًا لما أوجب الكفارة بالركوب، ثُمَّ لم يذكر محمد في شيء من الكتب من أي موضع يبدأ.
(1)
ذكره صاحب الكامل في الضعفاء (5/ 424).
(2)
سورة الحج من الآية (27).
(3)
سقط من (ج)(من) فإن الله (إلى) حج ماشياً.
(4)
هو: عقبة بن عامر بن عبس بن عمر الجهني، الصحابي المشهور، كان قارئاً عالماً بالفرائض، من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الكريم، وهوأحد من جمع القرآن، شهد فتوح الشام وكان أميراً لمعاوية على مصر، مات سنة 58 رضي الله عنه.
انظر: أسد الغابة (4/ 53)، سير أعلام النبلاء (2/ 467)، الإصابة (2/ 482).
(5)
روي هذا الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: عبدالله بن مالك اليحصبي وآخرون. ففي رواية عبدالله بن مالك اليحصبي عنه (حافية غير مختمرة) وفيه: (فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام). أخرجه أبوداود: الأيمان والنذور باب (23) من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية (3/ 596)، والنسائي: الأيمان والنذور، باب إذا حلفت المرأة تمشسي حافية غير مختمرة (7/ 19)، وابن ماجة: الكفارات، باب من نذر أن يحج ماشياً (1/ 689)، وأحمد (4/ 149)، قال الترمذي: هذا حديث حسن. وفي رواية ابن عباس عنه: (تركب وتهدي هدياً) عند أبي داود والدارمي (2/ 183)، وعند الطحاوي (3/ 131):(تركب ولتختمر ولتهد هدياً) وفي رواية دخين الحجري عنه عند الطبراني (17/ 320)(مرها فلتختمر ولتركب ولتحج) هكذا في المطبوع. وفي رواية أبي الخير مرثد عنه: (لتمش ولتركب) أخرجه البخاري: جزاء الصيد، باب (27) من نذر المشي إلى الكعبة (الفتح 4/ 79)، ومسلم النذر باب (4) من نذر أن يمشي إلى الكعبة (3/ 1264).
(6)
الدم: والدماء الواجبة في الإحرام ثمانية وهي: دم التمتع، دم القِران وهو شاة أو ناقة أو سبع الناقة أو سبع البقرة، دم الاحصار وهو شاة تذبح في الحرم، دم الفوات، ودم الواجب بترك واجب من واجبات النسك كالإحرام من الميقات والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار، الدم الواجب بإجماع النسك، الدم الواجب بالجناية على الحرم كالتعرض لصيده أو شجره، انظر:، فقه العبادات، الحج، (148)
(وَقِيلَ: مِنْ بَيتِهِ).
وهو الأصح؛ لأنه هو المراد به عرفًا، ولهذا كان الأفضل أن يحرم من دويرة أهله، فإن ركب في الكل أراق دمًا، ويدل على وجوب الركوب من وقت الخروج
ما رُوي عن أبي حنيفة رحمه الله لو أن بغداديًا حلف، وقال: إن كلمت فلانًا، فعلي أن أحج ماشيًا، فلقيه بالكوفة، فكلمه فعليه أن يمشي من بغداد هذا كله من جامعي قاضي خان،/ والمحبوبي، و «الفوائد»
(1)
.
(بِخِلافِ النِّكاحِ)؛ لأنه ما كان [للبائع]
(2)
أن يفسخه).
فكذا للمشتري، وإنما لم يكن للبائع أن يفسخه إذا كان بإذنه لما أن النكاح حق الزوج، فقد تعلق حقه بإذن المالك، فلا يتمكن المالك فسخه، وإن بقى ملكه لتعلق حق العبد به كالراهن، وليس له ولاية
(3)
الاستمتاع بالمرهون لتعلق حق المُرتهن به بإذنه، فلما كان كذلك قام المشتري مقامه بعد الشراء، فلذلك لا يكون له حق
الفسخ أيضًا.
وأما هاهنا فقد اجتمع في الجارية حقان حق الله في الإحرام، وحق المشتري في الاستمتاع، فيُقدم حق العبد لحاجة العبد وعدم حاجة الشرع، ألا ترى أنه إذا اجتمع القصاص، والقتل بقطع الطريق يرى لحق العبد، وهو القصاص، ولأنه ما من شيء إلا ولله تعالى فيه حق، فلو قدم حق الشرع عند الاجتماع يبطل حقوق العباد، وأن الإذن إنما يُحتاج إلى البقاء على الإحرام لا للابتداء، فإنه لو أحرم بغير إذن المالك صح، وله أن يحلله، والبقاء في ملك المشتري، وفي النكاح شرط الإذن في الابتداء، فإنه لا يصح بغير إذن، وقد وجد الإذن، فلم يكن بغيره إبطاله فإن أحرمت الحرة بحجة التطوع، ثُمَّ تزوجت هل للزوج أن يحللها؟
فعلى قول زفر رحمه الله "ليس له أن يحللها"، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله:"له أن يحللها" وهو قياس قول أبي حنيفة رحمه الله وأما لو أحرمت الحرة بإذن الزوج بحجة التطوع، ثُمَّ أراد الزوج أن يحللها ليس له ذلك بخلاف الأمة؛ لأن الحرة هي المالكة لنفسها غير أن للزوج فيها حقًّا، وحين يأذن لها بالإحرام، فقد أبطل حقه فيها، فلا يتمكن من إبطال إذنه بعد ذلك كالراهن إذا باع الرهن بإذن المرتهن لم يكن للمرتهن أن ينقض البيع بعده لما قلنا فهذا مثله، ثُمَّ المراد من التحليل فسخ الإحرام، ورفضه، وينفسخ الإحرام بتحقيق أدنى شيء من محظوراته في إحرام يقبل الفسخ، وذلك المحظور فعل لا قول كما في
(1)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 175).
(2)
أثبته من (ب) وفي (أ) للتابع. ولعل الصواب ما أثبته لموافقته أصل في الهداية.
(3)
ساقطة من (ج).
قلم الظفر وغيره، والأصل فيه حديث عائشة رضي الله عنها قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ارفضي عمرتك، وانفضي رأسك، وامتشطي»
(1)
، وقد ذكرناه فيما قبل هذا كله من شروح
(2)
«الجامع الصغير»
(3)
لقاضي خان، والمحبوبي، والتمرتاشي، وغيرها، والله أعلم.
وقد ادْرَنْفق
(4)
بحمد الله مُرْمَعِلًا
(5)
، وخطرفَ مُشْمَعِلًا
(6)
نوع العبادات التي هي قَيْدُومِ
(7)
المشروعات، ومحلّ الموضوعات، فرحم الله أمرأ أبَرّ نَسَق بما خِرْتُ
(8)
من صُّمَادِح
(9)
النِّكات
(10)
، وبشرم بصيرة من غير تسكير، وتفادي عن إنْباضٌ
(11)
بغير تَوْتِيرٍ
(12)
، ولكن من قديمِ تَقَعْوسَ
(13)
بيتِ الإنصاف،
(1)
سبق تخريجه (ص 344).
(2)
ساقطة من (ب).
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 22).
(4)
المُدْرَنْفِقُ: المُسرعُ في السير. يقال: ادْرَنْفِق مُرْمَعِلاً! أي امْضِ راشدا، وادْرَنْفَقَ: تقدَّمَ وأسْرَعَ، أو هَمْلَجَ. ومَرَّ دَرَنْفَقاً، كسفرجلٍ: سريعاً
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1474)، القاموس المحيط (1/ 882).
(5)
ادْرَنْفِق مُرْمَعِلاً! أي امْضِ راشدا.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1474).
(6)
المُشْمَعِلُّ: المتفرِّق. والمُشْمَعِلُّ: السَّرِيعُ يَكُونُ فِي النَّاسِ والإِبل، واشْمَعَلَّتِ الإِبلُ: تَفَرَّقتْ مُسرِعةً.
انظر: لسان العرب، فصل الشين المعجمة (11/ 373)، تهذيب اللغة (3/ 209).
(7)
القَيْدُومِ: قَيْدُومِ كل شيء: مقدمه وصدره. وقدم: نقيض أخر، بمنزلة قبل ودبر. ورجل قدم: يقتحم الأمور والأشياء يتقدم الناس ويمشي في الحروب قدما.
انظر لسان العرب (12/ 468).
(8)
خِرْتُ لَك كَمَا أَخِير لنَفْسي، أَي اخْتَرْت. انظر: جمهرة اللغة (3/ 1290).
(9)
الصُّمَادِح الْخَالِص من كل شَيْء والصُّمادح أَيْضا: الشَّديد من كل شَيْء.
انظر تهذيب اللغة (5/ 209).
(10)
النُّكْتَةُ مِنْ الْكَلَامِ وَهِيَ الْجُمْلَةُ الْمُنَقَّحَةُ الْمَحْذُوفَةُ الْفُضُولِ.
انظر: المغرب في ترتيب المعرب (1/ 473).
(11)
نَبَضَ العِرْقُ يَنْبِضُ نَبْضاً ونَبيضاً ونَبَضاناً، أي تحرّك. ومنه قولهم: ما به حَبَضٌ ولا نَبَضٌ، أي حراكٌ. وأنْبَضْتُ القوسَ، وأنْبضْتُ بالوتر، إذا جذبته ثُمَّ أرسلته لِتَرِنّ.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة نبض (2/ 1107).
(12)
المُواتَرَةُ: المتابعةُ. ولا تكون المُواتَرَةُ بين الأشياء إلا إذا وقعت بينهم فترة، وإلا فهى مُداركةٌ ومواصلةٌ.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (مادة وتر، 2/ 843).
(13)
تَقَعْوَس: بمعنى الشيخ كبر، أو الرجل الكبير. انظر: معجم ديوان الأدب (2/ 490).
واقْمَطَرَّ
(1)
يومه بالإشراق حتى من هو أستاذ العالمين، ونِبْرَاسَ
(2)
العالمين الإمام الجلّ شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السّرخسيّ تغمده الله بالرحمة، والرضوان، وأسكنه في فراديس
(3)
الجنان بمصميات الدهر، ومُوبِقات
(4)
العصر في أيدي الأغنام الملاصق، والعُلوجُ
(5)
المَوَارِق
(6)
لعن الله من سعى في حبسه، وأخزاهه وأبدّ عقوبته في أخراه حتى قال هو رحمه الله هذا آخر شرح العبادات بأفصح المعاني، وأوجز العبارات أملاه المحبوس عن الجمع والجماعات مصليًا على سيد السادات محمد المبعوث بالرسالات، وعلى آله من المؤمنين، والمؤمنات.
(1)
اقْمَطَرَّ: الشَّيْء اجْتمع والعدو هرب وَالشَّيْء جمعه والقربة وَنَحْوهَا ملأها وشدها بالوكاء.
انظر: المعجم الوسيط (2/ 759).
(2)
النِّبْرَاسُ: المصباح؛ قال ابن سيده، رحمه الله تعالى: وإنما قضينا بزيادة النون لأن بعضهم ذهب إلى أن اشتقاقه من البرس الذي هو القطن، إذ الفتيلة في الأغلب إنما تكون من قطن.
انظر: لسان العرب، فصل الباء (6/ 25).
(3)
فراديس: جمع، والفردوس: هو الْبُسْتَان الْجَامِع لكل مَا يكون فِي الْبَسَاتِين (مُذَكّر وَقد يؤنث) وَالْمَكَان تكْثر فِيهِ الكروم والوادي الخصيب وَاسم جنَّة من جنَّات الْآخِرَة. انظر: المعجم الوسيط (2/ 680).
(4)
مُوبِقات [جمع]: مُوبِقَة والمُوبقات: الكبائر من المعاصي والذُّنوب المُهْلكات، اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ [حديث] ".
انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، وبق (3/ 2393).
(5)
العِلجُ: العَيْرُ. والعَلْجُ: الرجل من كفَّار العَجَم، والجمع عُلوجٌ وأعلاجٌ ومَعْلوجاءُ وعِلَجَةٌ.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، علج (1/ 330).
(6)
الموارق: مَرَقَ السهمُ من الرَمِيَّةِ مُروقاً، أي خرج من الجانب الآخر، ومنه سمِّيت الخوارجُ مارِقَةً، لقوله عليه السلام:" يَمْرُقونُ من الدين كما يَمْرُقُ السَهم من الرمِيَّة "
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مرق (4/ 1554).