الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النكاح
وقد ذكرنا في صدر الكتاب أن المعاملات في المشروعات تالية العبادات لما أنّها سبب لِبَقَاءِ الْعَابِدِينَ وَنَسْلِهِم [ثم من بينها]
(1)
النكاح أقرب منزلة من العبادات حتّى أن التخلي
(2)
بالاشتغال بالنكاح كان أفضل من الاشتغال بالنوافل
(3)
.
وتواترت الآثار في تَوْعِيدِ من رَغِبَ عنه وتَحْرِيضِ من رَغِبَ فيه، نعم أنّ الجهاد كذلك إلا أنّ هذا شامل الفضيلتين، وذلك لفضيلة فَذَّة
(4)
؛ لأنّ هذا سبب لوجود المسلم والإسلام، وهو سبب لوجود الإسلام لا غير ولا ننس [على]
(5)
ما نبهت على فضيلة القرَان على الإِفْرَاد
(6)
فإنّه قريب الإيراد ثم للنكاح فضائل، ومحاسن
(7)
منها: انضمام الذكر والأنثى ظاهراً، وباطنًا غاية الانضمام إذ لا بقاء لهذا العقد ما لم يوجد/ بينهما الالْتِئَام قال الله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}
(8)
ومنها المسارعة إلى حكم الله تعالى به بقاء العالم الى حِينه، فإنّ الله تعالى علّق بقاء العالم بالتّوالد والتّناسل ولا يكون ذلك إلا بإتيان الذكر الأنثى
(9)
ثم بعد ذلك لا يخلو إما أن يكون بالاختصاص الشّرعي أو لا؛ فإن لم يكن ففيه فسادان:
(1)
وفي تبيين الحقائق (وقدم النكاح) - (2/ 94)، وفي العناية شرح الهداية (ابتدأ من بينها بالنّكاح)، وفي البناية شرح الهداية (ثم قدم النكاح) - (5/ 3).
(2)
التَّخَلّي: التَّفَرُّغ. يقال تَخَلّى للعبادة وهو تَفَعّل من الخُلُوّ يُنْظَر: النهاية في غريب الأثر (2/ 146).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 193)، بدائع الصنائع (2/ 229)، اللباب (2/ 652).
(4)
ومعناه في اللغة: الفَذّ: الواحد، والفاء والذَّال كَلِمة واحدة تَدُل على انفراد وتَفَرُّق. وقال الخليل: الفَذُّ أول سَهْم القداح، والفَذُّ: الفَرْدُ، ويقال: كلمة شاذَّة فَذَّة، ويُجمع الفذُّ على الفُذُوذِ والفِذاذ).
يُنْظَر: كتاب العين (8/ 177)، معجم مقاييس اللغة (4/ 438)، النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 422)، لسان العرب (3/ 502)، تاج العروس (9/ 451).
(5)
ساقط من (ب).
(6)
ذكر النكاح بعد الحج لأنه أقرب إلى العبادات، والاشتغال به كما قال بعض العلماء أفضل من الاشتغال بالنوافل، لاشتماله على المصالح الدينية والدنيوية، ومنهم من قدمه على الحج إن كانت نفسه تتوق إليه، وكلاهما يحتاج المال فتناسبا. ينظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 82)، أنيس الفقهاء (ص 50). وأما ما ذكره من فضيلة القِران على الإفراد فلا يسلم وهو رأي أبي حنيفة رحمه الله، وقد اختلف العلماء في أي الإنساك أفضل، ولمراجعة المسألة ينظر: مجلة البحوث الإسلامية (59/ 255 - 264)، وأما مناسبة ذكر فضيلة القرآن في هذا الموضع فلعله لا يخفى وجه المشابهة من حيث المعنى فالقِران ضم الحج إلى العمرة، وقيل: الجمع بين الزوجين في العقد، وكذلك النكاح، فمعناه لغة الضم والتداخل. ينظر: المعجم الوسيط (2/ 731)، التعريفات (ص 246).
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 194)، بدائع الصنائع (2/ 229).
(8)
سورة الروم، الآية:. 21
(9)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 193).
أحدهما: الإلحاق بالبهائم، وهو ممّا يأباه بديهة العقل.
والثاني: التغالب
(1)
والتقاتل وهو أساس الفساد وتهيج الضّغائن والأحقاد لتعين القسم الأول وهو النكاح الشّرعي لينقطع طمع من لم يقر بالاختصاص
(2)
.
ومنها: انتظام مصالح العبادات وهي أصل السّعادات وذلك لأن إقامة العبادة لا تتهيّأ إلا بإقامة مصالح البدن والمصالح تتعلّق بداخل البيت وخارجه فلم يكن بد في تحقيق هذه المصالح من الجمع بين الذكر والأنثى ليقوم أحدهما بمصالح خارج البيت والآخر بمصالح داخلة ومنها كفاية مؤنه من لا كفاية فيه ندبا من النسيم وذب المضار الواقعة على الذي أنصف بمشابهة لَحْمٌ عَلَى وَضَمٍ
(3)
.
ومنها: استعمال الحكم الذي هو استنان بسنن النبي الكريم الموصوف بالخلق العظيم عليه أفضل الصلوات والتّسليم وأن يحمل سوء الخلق من أخلاق الأبرار وصيغ الأخيار جاء في الخبر عن عائشة رضي الله عنها أنّها كانت تبكي على جارية كانت لها فقيل لها في ذلك فقالت: (أبكي حسرة على ما فاتني من تحمل السفه عنها والحلم عن سوء خلقها؛ فإنها كانت سيئة الخلق)
(4)
.
(1)
قولُهم: غَلَب على فُلان الكَرَمُ، أَي هو أَكْرَمُ خِصالِه. ورجل غَالِبٌ من قَوْمٍ غَلَبَة، وغَلَّاب من قَوْم غَلَّابِين. ورجُلٌ غُلُبَّةٌ وَغَلُبَّة: غَالِبٌ كَثيرُ الغَلَبَة. وقال اللِّحْيانِيُّ: شَديدُ الغَلَبة وقال: (لتَجِدنَّه غُلُبَّة عن قَلِيل) وَغَلُبَّة، أَي غَلَّاباً، وقد غَالَبه مُغَالَبَةً وغِلَاباً. قال كَعْبُ بْنُ مالِك: هَمَّتْ سَخِينَةُ أَن تُغَالِبَ رَبَّها. يُنْظَر: تاج العروس من جواهر القاموس (3/ 494).
(2)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (2/ 229).
(3)
وضم: الوَضَم: كلّ شيء يُوضَع عليه اللحم من خشب يوقى به من الأرض، والْجَمْع أَوْضَام- يقال للضعيف: هو لحمٌ على وَضَم، والنساء في الضعف مثل ذلك اللحم الذي لا يمتنع من أحد إلا أن يذب عنه.
يُنْظَر: غريب الحديث (3/ 352)، شمس العلوم (11/ 7196)، لسان العرب (12/ 640)، تاج العروس (34/ 55).
(4)
بحثت هذا الأثر في كتب الحديث لم اجد له ذكر ولكن وجدته في كتابين من غير سندهما:
1 -
روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار (ص/ 343)، لمحمد بن قاسم بن يعقوب الأماسي الحنفي، محيي الدين، ابن الخطيب قاسم (المتوفى: 940 هـ).
يقال: التحمل من سوء الخلق من اخلاق الأبرار، كانت عائشة تبكي على جارية، فقيل لها في ذلك فقالت: أبكي حسرة على مافاتني من تحمل خلقها، فإنها كانت سيئة الخلق.
2 -
روح البيان (4/ 485) لإسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي، المولى ابو الفداء (المتوفى: 1127 هـ).
قيل الحلم ملح الأخلاق وكانت عائشة رضي الله عنها تبكي على جارية فقيل لها في ذلك فقالت ابكي حسرة على مافاتني من تحمل السفه منها والحلم عن سوء خلقها فانها سيئة الخلق.
وكان شيخي
(1)
رحمه الله
(2)
كثيراً ما يقول: ما أنفق في حكم من أحكام الشّرع مثل ما أنفق في النكاح من اجتماع دواعي الشّرع والعقل والطّبع، فأمّا دواعي الشّرع من الكتاب والسنة والإجماع فظاهره، وأمّا العقل فإن كلّ عاقلّ يحب أن يبقى اسمه، ولا يُمْحَى رَسْمُه وما ذاك غالب إلا ببقاء النّسل
(3)
، ودوام النَّجْل
(4)
.
وأمّا الطّبع فإنّ الطَّبْعَ الْبَهِيمِيَّ من الذكر والأنثى يدعو إلى تحقيق ما أُعِدَّ من الْمُبَاضَعَاتِ الشَّهْوَانِيَّةِ وَالْمُضَاجَعَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ، ولا مَدْحَرَة
(5)
فيها إذا كانت بإذن الشّرع وإن كانت بدواعي الطّبع بل يؤجر عليه على ما ذكرنا
(6)
بخلاف سائر المشروعات ثم يحتاج ههنا إلى معرفة سبعة أشياء
(7)
وهي تفسير النكاح لغة، وشرعًا، وسببه، وشرطه، وركنه، وحكمه، وصفته.
أمّا تفسير النكاح لغة فقد ذكر المطرزي
(8)
: أصل النكاح الوطء، ومنه قول الفرزدق
(9)
يذم قوما:
إذَا سَقَى اللَّهُ قَوْمًا صَوْبَ غَادِيَةٍ
…
فَلَا سَقَى اللَّهُ أَرْضَ الْكُوفَةِ الْمَطَرَا
التَّارِكِينَ عَلَى طُهْرٍ نِسَاءَهُمْ
…
وَالنَّاكِحِينَ بِشَطَّيْ دِجْلَةَ الْبَقَرَا
(10)
ثم قيل للتزوج نكاح مجازًا لأنّه سبب للوطئ المباح، ومنه قول الأعشى
(11)
شعر:
وَلا تَقرَبَنَّ جارَةً إِنَّ سِرِّها
…
عَلَيكَ حَرامٌ فَاِنكِحَن أَو تَأَبَّدا
(12)
أي: فتزوج أو توحش وتعفف، عليه أراد تأيدن فأبدل الألف من النّون كما يبدل من التّنوين عند الوقف في حالة النّصب
(13)
.
(1)
حافظ الدين: هو مُحَمَّد بنُ مُحَمَّد بن نَصْر ابن القلانِسيّ أبو الفضل، الْبُخَارِيّ، الحنفي، ولد في بخارى سنة (615 هـ)، ومات بها سنة (693 هـ). "وكلما ذكر الصغناقي (السغناقي) هذا في شرح الهداية من لفظة الشيخ؛ فالمراد به حافظ الدين. وما ذكر من لفظة الأستاذ، فالمراد به فخر الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إلياس لمايمريمي (الْمَايَمَرْغِيّ) ".
يُنْظَر: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي (5/ 165)، تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام (15/ 763)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 121)، تاج التراجم (1/ 161)، الطبقات السنية في تراجم الحنفية (1/ 254).
(2)
في (أ): (رح) وهو اختصار لقوله: رحمه الله كما في (ب).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 192)، بدائع الصنائع (2/ 229).
(4)
النَّجْل: الأصل، النَّسْل.
يُنْظَر: مختار الصحاح (1/ 305)، لسان العرب (11/ 646)، تاج العروس (30/ 454).
(5)
مَدْحَرَة: ومعناها الطرد والابعاد والدفع.
يُنْظَر: تهذيب اللغة (4/ 235)، لسان العرب (4/ 276)، تاج العروس (11/ 278).
(6)
أي من الأدلة العقلية والشرعية التي زادته تشريفًا وفضلًا.
يُنْظَر: تهذيب اللغة (4/ 235)، لسان العرب (4/ 276)، تاج العروس (11/ 278).
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 192).
(8)
المطرزى: هو ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المطرزى: أديب، عالم باللغة، من فقهاء الحنفية، ومات سنة (610 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 190)، وفيات الأعيان (5/ 369)، البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة (1/ 79).
(9)
الفرزدق: هو همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس، الشهير بالفرزدق: شاعر، من النبلاء، من أهل البصرة، عظيم الأثر في اللغة، ومات سنة (110 هـ).
يُنْظَر: الشعر والشعراء (1/ 462)، الأعلام (8/ 93).
(10)
هذا الشعر للنجاشى الحارثى، وقد ذكره المطرزي للنجاشي وغيره، وليس للفرزدق.
النجاشي الحارثي: وهو قيس بن عمرو بن مالك، من بنى الحارث بن كعب، من كهلان شاعر هجاء مخضرم، اشتهر في الجاهلية والإٍسلام. أصله من نجران انتقل إلى الحجاز، واستقر في الكوفة. وهجا أهلها. ونسب إلى أمه وكانت من الحبشة، ومات سنة (40 هـ).
يُنْظَر: ديوان النجاشي الحارثي (1/ 36)، الشعر والشعراء (1/ 317 - 318)، المغرب (1/ 473)، معجم ديوان الأدب (2/ 151)، سمط اللآلي في شرح أمالي القالي (1/ 890)، الأعلام (5/ 207).
(11)
الأعشى: هو ميمون بن قيس بن جندل، من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، أبو بصير، المعروف بأعشى قيس، ويقال له أعشى بكر بن وائل، والأعشى الكبير: من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وأحد أصحاب المعلقات عاش عمرا طويلا، وأدرك الإسلام ولم يسلم. ولقب بالأعشى لضعف بصره. وعمي في أواخر عمره، ومات سنة (7 هـ) في قرية (منفوحة) باليمامة قرب مدينة (الرياض) وفيها داره، وبها قبره.
يُنْظَر: الشعر والشعراء (1/ 250)، الأعلام (7/ 341).
(12)
في الأمالي لأبي علي القالي: (فلا تنكحن جارةً إن سرها
…
)، والبيت من بحر (الطويل).
سرها: أي النكاح. تأبد: البعد عن النساء.
يُنْظَر: الأمالي لأبي علي القالي (1/ 129)، نهاية الأرب في فنون الأدب (18/ 71)، ديوان الأعشى الكبير (134 - 137).
(13)
البيت للأعشى يُنْظَر: معجم ديوان الأدب (2/ 151)، والأصول في النحو، لابن السراج (3/ 255).
وأمّا ما استشهدوا به من الأبيات وهي:
أَنَكَحتُ صُمَّ حَصَاهَا خُفَّ يَعْمَلَة
…
تَغَشْمَرَتْ بِي إلَيكَ السَّهْلُ وَالْجَبَلَا
(1)
فهو للمُتَنَبِّي
(2)
.
يقال: انكحوا بحصى أخفاف الإبل إذا ساروا الْيَعْمُلَةُ الناقة النجيبة المطبوعة على العمل
(3)
و [التَّغَشْمُرُ]
(4)
الأخذ قهراً
(5)
، وقوله عليه السلام: «[نعم]
(6)
الختن
(7)
القبر»
(8)
فكله محال، وأمّا تفسيره شرعًا فعبارة عن وجود ركن النكاح عند وجود شروطه.
[أو نقول النكاح شرعًا عبارة عن عقد يجري بين الشّخصين لإرادة استمتاع الرجل من المرأة مقصودًا، فقولنا عقد يجري بين الشخصين جنس يدخل تحته البياعات والإجارات والشركات والنكاح وغيرها، وكذلك لفظ الشّخصين يتناول العاقدين سواء كانا رجلين أو امرأتين أو أحدهما رجل والآخر امرأة اصليين كانا أو نائبتين وقولنا لإرادة استمتاع الرّجل من المرأة فصل حيث يقع به الاحتراز عن سائر التّصرفات سوى النكاح ولكن يحتمل سوى المادية للتَّسَرِّي
(9)
.
(1)
الصُّمُّ: جَمْعُ أَصَمَّ وهو الصَّخْرُ الَّذي لَا خَرْقَ فِيه وَلَا صَدْعَ. والبيت من بحر (البسيط).
يُنْظَر: طلبة الطلبة (1/ 38).
(2)
المُتَنَبِّي: أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، أَبُو الطَّيِّب المُتَنَبِّي: أحد مفاخر الشعر العربيّ. امتاز شعره بالأمثال والحكم، ولد بالكوفة سنة (303 هـ)، ومات سنة (354 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (16/ 199 - 201)، الأعلام (1/ 115).
(3)
يُنْظَر: الصحاح (5/ 53)، القاموس المحيط (1/ 48)، المغرب (2/ 327).
(4)
غير واضحة في (أ)، وفي (ب):(التَّغَشْمُرُ) وهو ما أثبتناه.
(5)
يُنْظَر: المغرب (1/ 473)، شرح ديوان المتنبي (1/ 14)، لسان العرب (5/ 23).
(6)
زبادة من (ب).
(7)
الختن: (الختن عِنْدهم من قبل الْمَرْأَة مثل الْأَخ، وَالْأَب وكل من كَانَ من قبلهَا. وَأما عِنْد الْعَامَّة فختن الرجل زوج ابْنَته والصهر من قبل الزَّوْج، وَقيل: الختن الزَّوْج وَمن كَانَ ذَوي رَحمَه، والصهر من قبل الْمَرْأَة). ينظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري (14/ 30).
(8)
ويأتي من يزعم أن رسول الله قال: (نعم الختن القبر)، والحديث موضوع. يُنْظَر: المفصل في فقه الدعوة إلى الله تعالى (8/ 57)، اللطائف والظرائف (1/ 83) صاحب الطيوريات أبي طاهر السِّلَفي بلفظ "نعم الختن القبر"(4/ 1310).
(9)
التَّسَرِّي: واصله تسررت من السِّرّ وَهُوَ النِّكَاح. يُنْظَر: غريب الحديث (2/ 471).
وقولنا: مقصودًا احتراز عنه]
(1)
وأمّا سببه فتعلّق البقاء المقدور بتعاطيه بيان هذا أنّ الله تعالى خلق العالم وقدر بقاء جنسه إلى حين القيامة من طريق التناسل ولا تناسل إلا بإتيان الذكور والإناث في مواضع الحدث
(2)
فشرع الله تعالى له طريقاً يتأدى به
(3)
ما قدروا الله تعالى من غير أن يتّصل به/ فساد ولا ضياع وهو طريق الازدواج
(4)
في الملك وضعًا لأنّ الوطءعلى التغالب فساد، وفي الإقدام بغير ملك اشتباه الأنساب وهوسبب لضياع النّسل
(5)
، وأمّا شرطه فإنّ له شرطًا خاصاً، وشرطًا عامًا.
فأمّا شرطه الخاص فحضور الشّهود فإنّه ليس في ذات العقد، ولا يتم العقد إلا عنده، وهذا هو حدّ الشّرط
(6)
.
وإنّما قلنا: إنّه خاصّ لأنّ اشتراط الشّهود في سائر المواضع ليثبت وجه الحكم للقاضي عند التأكد لا للجواز، وههنا هو شرط لجواز النكاح حتى لا يشرط مجلس القضاء لصحّته ههنا.
وأمّا شرطه العام فالأهليّة
(7)
من وجود العقل، والبلوغ، وهو شرط عام في تنفيذ كلّ تصرفي دائر من الضّرر والنّفع، وكذلك المحل وهو المرأة التي أحلّها الشّرع بالنكاح وهي ما سوى المحرمات فإن محلّ كلّ تصرف شرط لنفوذ تلك التّصرف الوارد عليه.
وكذلك الحريّة شرط فإنّ العبد أو الأمة إذا تزوج بدون إذن المولى لا ينعقد النكاح.
وأمّا ركنه
(8)
فالإيجاب والقبول
(9)
بألفاظه
(10)
كما في سائر العقود إلا أن هذا العقد لا ينعقد بالتعاطي
(11)
مبالغة في صيانة الأبضاع من الهتك وصيانة الأنساب من الاشتباه
(12)
.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
مواضع الحدث: هو الفَرْج (قُبُل الرَّجْل والمرأَة): يقصد الوطء والجماع.
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 193).
(4)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (2/ 230).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 193)، بدائع الصنائع (2/ 252)، تحفة الفقهاء (2/ 120).
(6)
الشرط: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.
الشهود شرط لصحة عقد النكاح: رجل أخذ ابنته وذهب يزوجها بلا شهود؛ فهنا اختل شرط من الشروط وهو: الشهود، فيلزم من عدم وجود الشهود عدم وجود العقد
…
!
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 31)، بدائع الصنائع (2/ 232).
(8)
الركن: ركن الشيء ما يتم به وهو داخل فيه، بخلاف شرطه وهو خارج عنه؛ وقيل: ما يقوم به ذلك الشيء التقوم إذ قوام الشيء بركنه. وأركان العبادات جوانبها التي عليها مبناها وبتركها بطلانها. ينظر: التعريفات الفقهية (1/ 106).
(9)
يراد بالإيجاب والقبول الصيغة الصادرة من المتعاقدين والدالة على توجه إرادتهما الباطنة لإنشاء العقد وإبرامه، سواء كان ذلك بالقول، أو الكتابة المستبينة، أو الإشارة المفهمة، أو الفعل، كما في التعاطي، وهذه الصيغة هي التي تدل على التراضي من كلا الجانبين على إنشاء العقد. انظر المراجع التالية: حاشية ابن عابدين (4/ 21)، الشرح الكبير (3/ 5)، نهاية المحتاج (3/ 381)، المجموع (9/ 169)، كشاف القناع (3/ 148).
(10)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (2/ 118)، الْمَبْسُوطِ (5/ 15)، بدائع الصنائع (2/ 229).
(11)
التعاطي: مصطلح يستخدم في البيع ويقصودون به إجراء العقد بغير كلام بين المتعاقدين وهما في ذلك متراضيان. ينظر: التعريفات الفقهية، (1/ 58).
(12)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (2/ 252).
ويعني بالإيجاب إخراج الممكن من الإمكان إلى الثبوت والتحقق لا الإيجاب الذي هو أن يكون تاركه آثمًا لعدم ولاية الموجب على القبول، ثم المعنى بالإيجاب هو ما تلفظ به أولاً من أيّ جانب كان من الرجل والمرأة وأمّا حكمه فثبوت الحل والملك له عليها ووجوب المهر
(1)
لها عليه وثبوت حرمة المصاهرة من طرفي كلّ واحد منهما للآخر أعني بالطّرفين الوالد والد وحرمة الجمع بين الأختين وغيرها لكن الحكم القصدي هو الأوّل والآخر كالتّابع له.
وأمّا صفته فإن كان له خوف وقوع الزّنا بحيث لا يتمكّن من التّحرز عن الزّنا إلا به كان فرضاً لأنّ التّحرز عن الزنا
(2)
فرض
(3)
وما لا يتوسل الْفَرْض إلا به كان فَرْضًا
(4)
وإن كانت نفسه لا تَتَوَّق
(5)
إلى النّساء ويقدر إلى إيفاء حقوقهن فالنكاح أفضل من التَّخَلِّي لنوافل العبادات عندنا
(6)
خلافاً للشّافعي
(7)
كذا في الْمَبْسُوطِ
(8)
(9)
والتحفة
(10)
(11)
وغيرهما.
(1)
المهر: الصداق. مهرت المرأة أمهرها مهراً وأمهرتها. ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 821)، تهذيب اللغة (2/ 174). واصطلاحاً: هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها. ينظر: كشاف القناع (5/ 128)، نهاية المحتاج (6/ 434) ..
(2)
الزنا: لغة: الرقي على الشيء. ينظر: التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 187).
شرعاً: هو ما يوجب الحد، وهو "وطء مكلف طائع مشتهاة حالاً أو ماضياً في قبل خال من ملكه وشبهته في دار الإسلام، أو تمكينه من ذلك، أو تمكينها. ينظر:. شرح فتح القدير (5/ 31)، حاشية ابن عابدين (3/ 141)، مغني المحتاج (4/ 143).
(3)
الحنفية تفرق بين الفرض والواجب وعندهم: الفرض ما ثبت بدليل قطعي والواجب ما ثبت بدليل ظني. والجمهور لا فرق بين الفرض والواجب.
يُنْظَر: كشف الأسرار (2/ 549 - 551)، المحصول (1/ 97).
(4)
قاعدة: مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِه فَهُوَ وَاجِبٌ.
يُنْظَر: العدة في أصول الفقه (2/ 162، 419)، المستصفى (1/ 231)، الفروق (3/ 3).
(5)
في (أ): (تترف)، وفي (ب):(تتوق) وهو ما أثبتناه.
يُنْظَر: العين (5/ 199)، تهذيب اللغة (9/ 199)، لسان العرب (10/ 33).
تَتَوَّق: من التًّوْقُ الشَّوق إلى الشيء، نفس تَوّاقَةٌ: مشتاقة.
(6)
أي عند الأحناف يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 193)، بدائع الصنائع (2/ 229)، اللباب (2/ 652).
(7)
ذهب الشافعي في من لم تَشْتَاق نفسه إلي النِّكَاحِ أَنَّ التَّخَلِّي لنوافل الْعِبَادَة أَفْضَل من النِّكَاحِ.
وذهب الحنفية والمالكية وأحمد وحكي وجه عند الشافعية أَنَّ النِّكَاح أفضل من التَّخَلِّي لنوافل الْعِبادَة.
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 193)، بلغة السالك (331)، الذخيرة (4/ 190)، الأم (5/ 144)، تكملة المجموع شرح المهذب (16/ 130)، روضة الطالبين (6/ 14)، المغني (7/ 5)، الروض المربع (1/ 508).
(8)
كتاب الْمَبْسُوطِ لشمس الدين أبي بكر مُحَمَّد بن أبي سهل السَّرَخْسِي حققه خليل محي الدين الميس وطبعته دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بلبنان من أصول المذهب الحنفي في الفقة يقول عن كتابه في المقدمة (فرأيت الصواب في تأليف شرح المختصر لا أزيد على المعنى المؤثر في بيان كل مسألة اكتفاء بما هو المعتمد في كل باب).
(9)
وفي (ب): (المنشور).
(10)
تحفة الفقهاء لعلاء الدين مُحَمَّد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي المتوفى سنة (539 هـ) والكتاب طبعته دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1405 هـ.
(11)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 193)، تحفة الفقهاء (2/ 118).
[قوله رحمه الله]
(1)
النِّكَاح ينْعَقد بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول
(2)
قال الإمام بدر الدين الورسكي رحمه الله
(3)
: النكاح عبارة عن معنى شرعي يثبت في المحلّ. وقولنا: زوّجت وتزوّجت آلة انعقاد ذلك المعنى.
وقوله: بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول
(4)
؛ يشير إلى هذا المعنى لأنّ الباء تدخل على الآلة يُعَبّر بهما عَن الْمَاضِي
(5)
؛ أي بلفظ وتبيّن لأن التعبير والعبارة البيان.
قال الله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}
(6)
أي تبينون وإنّما اختير لفظ الماضي للإنشاء وهو إثبات أمر لم يكن لبدلّ على التحقق والثبوت فكان أدّل لقضاء الحاجة ثمّ صورة العبارتين بالماضي نحو أن يقول أحدهما: زوّجت ويقول الآخر: قبلت وبالآخر عَن الْمُسْتَقْبل مثل أَن يَقُول زَوجنِي
(7)
؛ لأنّ الأمر للاستقبال لأنه لطلب الفعل في المستقبل
(8)
وذكر في نكاح فتاوى سمرقند:
(9)
إذا قال لغيره: (دختر خويش مراره) فقال: (دادم)،
(10)
ينعقد النكاح وإن لم يقل الخاطب: (يذرفتم)، ولو قال:(مراد ادي) فقال: (دادم)، لا ينعقد النكاح ما لم يقل الخاطب:(يذرفتم)، والفرق أن قوله (ده أمر) وتوكيل والواحد يصلح وكيلاً من الجانبين في النكاح وقوله:(دادي)، استخبار فلا يثبت التوكيل به قالوا إلا إذا أراد بقوله:(دادي) التّحقيق دون السّوم، فحينئذ ينعقد النكاح وإن لم يقل الخاطب (يذرفتم)، وعن نجم الدّين النّسفي-رحمه الله
(11)
أنّه كان يقول ينبغي أن يقول الخاطب (خويش بزني دادي) وتقول المرأة (خويش بزني دادم) لأنّ في انعقاد النكاح بدون ذكر (بزنى) اختلاف المشايخ فلابد من ذكر هذه الزّيادة لتصير المسألة متّفقاً عليها
(12)
كذا في (الذّخيرة)
(13)
على ما نبينه إن شاء الله تعالى أي في أوّل فصل الوكالة في النكاح.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 58).
(3)
الورسكِيِّ: هو بدرِ الدِّيْنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِالكَرِيْمِ الورسكِيِّ، البخاري، من تصانيفه شرح الْجَامِعِ الصَّغِيرِ للصدر الشَّهِيد فِي الفُروع، ومات ببلخ سنة (594 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 392).
(4)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 58).
(5)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 58).
(6)
يوسف من الآية: 43.
(7)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 58).
(8)
الشارح يتكلم عن مسأله فيها خلاف وهي أحوال الصيغة في الماضي والمستقبل.
(9)
يُنْظَر: فتاوى سمرقند: (1/ 188)، المحيط البرهاني لأبي المعالي برهان الدين في الإحالة (3/ 5).
(10)
هذه الألفاظ فارسية في صيغ النكاح وألفاظه التي يصح بها النكاح والتي لا يصح
…
!
(11)
نجم الدّين النسفي: هو عمر بن مُحَمَّد بن أحمد، أبوحفص النسفي، مفتي الثقلين، ولد بنسف وإليها نسبته سنة (461 هـ)، كان عالماً مفسراً محدثاً فقيهاً إماماً مشهوراً، له مصنفات في الحديث والفقه والتاريخ وغيرها، ومات سنة (537 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (14/ 494)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 394)، الأعلام (5/ 60).
(12)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني للإمام لبرهان الدين (3/ 5).
(13)
ذخيرة الفتاوى، المشهورة بالذخيرة البرهانية؛ لبرهان الدين، محمود بن أحمد بن عبدالعزيز بن عمر بن مازه البخاري المتوفى سنة ستمائة وست عشرة من الهجرة، والذخيرة البرهانية مختصرة من كتابه المحيط البرهاني؛ لابن مازة، وهذه الفتاوى لها نسخ متعددة منها نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بجامعة الإمام مُحَمَّد بن سعود بالرياض، تحت الرقم (3867 ف)، عن مكتبة تشتربيتي بدبلن بإيرلندا.
يُنْظَر: كشف الظنون (1/ 823)، المدخل لمذهب الامام أَبِي حَنِيفَةَ النعمان (1/ 362).
قوله: رحمه الله سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي مَحَلِّهَا
(1)
احتراز عن تمليك الغلمان والبهائم وغيرها فإنّ تمليكها ليس بسبب لملك المتعة التي هي الوطئ وحجّتنا أيضاً في هذا قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
(2)
فوهبت نفسها له فقد جعل الله الهبة جواباً للاستنكاح وهو طلب النكاح
(3)
/ فأمّا قوله: {خَالِصَةً لَكَ}
(4)
فالأصحّ أنّ المراد هبة خالصة لأنّ قوله: {إِنْ وَهَبَتْ}
(5)
يقتضي هبة فكان المعنى هبة خالصة لا يلزمك مهر لها وهذا لك دون المؤمنين.
ألا ترى أنّه قال: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ}
(6)
يعني من الابتغاء بالمال والدّليل عليه أنّه قابل المرهونة
(7)
نفسها بالموتى مهرها بقوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ}
(8)
وكذلك قال في آخر الآية: {لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ}
(9)
فهو نصّ على أن هذه الخصوصية لدفع الحرج عنه وذلك ليس في اللّفظ إذ لا حرج عليه في ذكر لفظ النكاح وإنّما الحرج في إيفاء المهر.
وأمامنا في المسألة علي رضي الله عنه فإنّ رجلاً وهب ابنته لعبيدالله بن الحر
(10)
بشهادة شاهدين فأجاز ذلك علي
(11)
كذا في الْمَبْسُوطِ
(12)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية (2/ 460).
(2)
الأحزاب من الآية: 50.
(3)
ينظر: تفسير فتح القدير (4/ 283)، وجوز أبو حنيفة النكاح بلفظ الهبة، ومنعه مالك والشافعي وابن حزم الظاهري. انظر: مختصر اختلاف العلماء، للطحاوي (2/ 291)، المبسوط للسرخسي (5/ 59)، المحلى بالآثار، لابن حزم (9/ 48).
(4)
الأحزاب من الآية: 50.
(5)
الأحزاب من الآية: 50.
(6)
الأحزاب من الآية: 50.
(7)
وفي (ب): (الموهوبة).
(8)
الأحزاب من الآية: 50.
(9)
الأحزاب من الآية: 50.
(10)
عبيد الله بن الحر: هو عبيد الله بن الحر بن عمرو الجعفي، من بني سعد العشيرة: قائد، كان من خيار قومه شرفا وصلاحا وفضلا. وكان من أصحاب عثمان بن عفان، ومات سنة (68 هـ).
يُنْظَر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (5/ 88)، الأعلام (4/ 192)،
(11)
أخرجه مسلم في الحج حديث رقم (1199) رواه سعيد بن منصور (1/ 178)، البيهقي (7/ 228).
(12)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 108).
فإن قلت: كيف ينعقد النكاح بلفظ الهبة والفرقة يقع به إذا قال لامرأته وهبت نفسك لك كان بمنزلة لفظ الطّلاق
(1)
.
فلو قلت: ثبت النكاح مجازًا كان اللّفظ مستعار
(2)
الضدّ ما وضع له وهو باطل
(3)
ولأنّ ملك الرّقبة متى ورد على ملك النكاح أفسده فكيف يفسد
(4)
النكاح باللّفظ الذي هو مبطل للنكاح بموجبه.
قلت: أمّا الأوّل: فإنّه منقوض بلفظ التزوج فإن النّكاح ينعقد بلفظ التزوّج بالإتفاق مع أن ذلك اللّفظ لفظ تقع به الفرقة فإنّه إذا قال لامرأته تزوجي ونوى به الطّلاق تطلق علم به أن ذلك المعنى غير مانع.
وأمّا الثّاني: فإنّ ملك الرّقبة لا يفسد ملك المتعة من حيث أنّه يحرم امرأته عليه. ولكن من حيث أن في ملك الرقبة إبطال مالكيّة المرأة فإنّ للمنكوحة ضرب ملك على الزّوج في مواجب
(5)
النكاح من طلب القسم
(6)
وتقدير النّفقة
(7)
والسّكنى والمنع عن العزل
(8)
وغيرها فعند ورود ملك الرّقبة يصير الرّجل مالكًا محضاً ولأنّه
(9)
مملوكة محضة ونحن لم نجعل الهبة كناية
(10)
عن النكاح إلا من حيث أنّه سبب لملك المتعة إذا ثبت حقيقة ومن هذا الوجه لا يبطل تحقيقه ملك الرّقبة فلم يكن بينهما منافاة فصلح للاستعارة إلى هذا أشارفي الْمَبْسُوطِ
(11)
والأسرار
(12)
.
(1)
الطلاق: هو رفع القيد الثّابت شرعًا بالنّكاح. ينظر: كنز الدقائق (ص: 269).
(2)
اللّفظ المستعار وهو المشبَّه به للدلالة به على غير معناه الموضوع له، وهو المشبَّه. ينظر: البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها (ص: 639).
(3)
الباطل هو الذي لا يكون صحيحا بأصله وما لا يعتد به ولا يفيد شيئا. ينظر: التعريفات (ص: 61).
(4)
وفي (ب): (يثبت).
(5)
في (ب): (موجب).
(6)
القسم بفتح القاف قسمة الزوج بيتوتته بالتسوية بين النساء. ينظر: التعريفات (ص: 224)
(7)
النفقة شرعا هي الطعام والكسوة والسكنى. ينظر: الدر المختار (3/ 572).
(8)
العزل صرف المني عن المرأة خوف الحمل. ينظر: التعاريف (ص: 513). وحكمه الكراهة عند عامة العلماء ينظر: حاشية ابن عابدين (3/ 175).
(9)
في (أ): (لأنّه)، وفي (ب):(والأمة).
(10)
الكناية عند علماء البيان هي أن يعبر عن شيء لفظا كان أو معنى بلفظ غير صريح من الدلالة عليه لغرض من الأغراض كالإبهام على السامع نحو جاء فلان أو لنوع فصاحة نحو فلان كثير الرماد أي كثير القرى. ينظر: التعريفات (ص: 240).
(11)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 108).
(12)
كتاب الْأَسْرَارِ لعبدالله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي الحنفي، ينسب إلى دبوسية، وهي قرية بين بخارى وسمرقند، كان من أكابر فقهاء الحنفية، ويضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، برع في علم أصول الفقه، له عدة مؤلفات منهاهذا الْكِتَاب الْأَسْرَارِ وهو كبير جداً حقق منه كتاب المناسك في مصر وبقي الجزء الباقي منه مفقوداً (430 هـ). يُنْظَر: تاج التراجم (1/ 192).
وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ
(1)
؛ بأن قالت المرأة بعتك نفسي أو قال أبو الابنة
(2)
بعتك ابنتي بكذا وكذلك بلفظ الشّرى بأن قال الرجل لامرأته اشتريتك بكذا فأجابت بنعم كان أبو القاسم البَلْخِي– رحمه الله
(3)
يقول بانعقاده وإليه أشار مُحَمَّد
(4)
رحمه الله في كتاب الحدود كذا في (الذّخيرة)
(5)
.
قوله رحمه الله والصّحيح احتراز عن قول أبي بكر الأعمش
(6)
فإنّه يقول لا ينعقد بلفظ البيع لأنّه خاص لتمليك مال بمال والمملوك بالنكاح ليس بمال ولكنّ الصّحيح هو الانعقاد لأنّ البيع موجب ملكًا هو سبب لملك المتعة في محلّه.
قوله رحمه الله: وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ
(7)
فِي الصَّحِيحِ
(8)
؛ احتراز عن قول الكرخي
(9)
فإنّه يقول: ينعقد بها لأنّ المستوفى بالنّكاح منفعة في الحقيقة
(10)
وإن جعل في حكم العين وقد سمّى الله تعالى العوض أجراً بقوله تعالى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
(11)
فذلك دليل على أنّه بمنزلة الإجارة ولكن هذا فاسد فإنّ الإجارة شرعًا لا تنعقد إلا مؤقتة والنكاح لا ينعقد إلا مؤبدًا وبينهما مغايرة على سبيل المنافاة كذا في الْمَبْسُوطِ
(12)
.
(1)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 58)، ومنع الشافعي وأحمد النكاح بلفظ البيع، انظر: المجموع شرح المهذب (16/ 210)، جواهر العقود، لشمس الدين الأسيوطي (2/ 15)، الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 152).
(2)
وفي (ب): (أب الابن).
(3)
أبو القاسم الصفار: هو أَحْمد بن عصمَة أَبُو الْقَاسِم الصفار الملقب حم بِفَتْح الْحَاء قَالَ فى الألقاب حم لقب أَحْمد بن عصمَة الصفار الْبَلْخِي الْفَقِيه الْمُحدث، ومات سنة (326 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 376)، الطبقات السنية (1/ 117)، الأعلام (5/ 51).
(4)
مُحَمَّد بن الحسن: هو مُحَمَّد بن الحسن بن فرقد أبو عبدالله الشيباني، فقيه العراق، وصاحب أَبِي حَنِيفَةَ، أخذ بعض الفقه عن أَبِي حَنِيفَةَ، وتمّم الفقه على أبي يوسف، وأخذ عنه الشافعي، ومات سنة (189 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (9/ 134)، تاريخ بغداد (2/ 561)، طبقات الفقهاء (1/ 135).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 6).
(6)
الأعمش: هو سليمان بن مهران الأسدي بالولاء، أبو مُحَمَّد، الملقب بالأعمش علامة الإسلام، تابعي، مشهور، أصله من بلاد الري، ومنشأه ووفاته في الكوفة، كان عالما بالقرآن والحديث، ومات سنة (148 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (6/ 228)، تهذيب التهذيب (4/ 195).
(7)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 58)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 230)، ولا ينعقد النكاح بلفظ الإجارة عند الشافعي، انظر: المجموع شرح المهذب (16/ 210).
(8)
يُنْظَر: الهداية (2/ 459).
(9)
الكرخي: هو أبو الحسن عبيدالله بن الحسن البغدادي الكرخي الفقيه الشيخ الإمام الزاهد، مفتي العراق وشيخ الحنفية، حدث عنه أبو بكر الرازي، وإليه انتهت رئاسة المذهب، وانتشرت تلامذته في البلاد، ومات سنة (340 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (15/ 426)، الجواهر المضية (1/ 337).
(10)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 61).
(11)
النساء: 24.
(12)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 61).
لأنّه ليس بسبب لملك المتعة أي المتعة المخصوصة وهي الوطئ وقال أبو بكر الرازي-رحمه الله
(1)
: لا ينعقد النكاح بلفظ الإجارة لأنّ لفظ الإجارة يستعمل لملك المنفعة والمستحق بعقد النكاح في حكم الإجزاء كذا في الإيضاح
(2)
.
قوله: رحمه الله لما قلنا إشارة إلى قوله: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ
(3)
، وذلك لأنّ لفظ الْإِجَارَة وَالْإِبَاحَة
(4)
لا يوجب ملكًا أصلاً فإن من أحلّ لغيره طعامًا أو أباح له لا يملّكه فإنما يبلّغه على ملك المبيح لأنّها توجب الملك مضافاً إلى ما بعد الموت. ولو صرّح بلفظ النكاح مضافاً إلى ما بعد الموت لا يصحّ.
فإن قيل: الهبة أيضاً لا توجب الملك ما لم ينضم إليها القبض.
قلنا: الهبة لا توجب إضافة الملك ولكن لضعف في السّبب لتعدّمه عن العوض بتأخير الملك إلى أن يتقوى بالقبض وينعدم ذلك الضّعف إذا استعمل في النكاح لأنّ العوض يجب به بنفسه مع أنّ المملوك بالنكاح بنفس العقد يصير كالمقبوض.
ولهذا لو ماتت عقيب العقد بقدر البدل فكان هذا بمنزلة عين في يد الموهوب له فيوجب/ الملك بنفسه كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
ولو أضاف العقد في الوصيّة
(6)
إلى ما بعد الموت بأن قال أوصيت لك ببضع أمتي بعد موتي بألف درهم وقبل الآخر لا ينعقد النكاح وإن قال أوصيت لك ببضع أمتي للحال بألف درهم وقبل الآخر ينعقد النكاح كذا ذكره شيخ الإسلام
(7)
رحمه الله وعن أبي الحسين
(8)
أنّه لو قال أوصيت لك بابنتي فلانة
(9)
ينعقد النكاح ولو قال أعطيتك مائة درهم على أن تكوني امرأتي فهو جائز إذا قبلت بمحضر من الشهود فإنّ النكاح ينعقد بلفظ الكون فإنّ من قال لامرأة كون امرأتي تمامه فقبلت بمحضر من الشهود صحّ كذا في (الذّخيرة)
(10)
و (الإيضاح) لقوله عليه السلام: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ»
(11)
.
(1)
أبو بكر الرازي: هو أحمد بن علي، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص، وسكن بغداد، وانتهت إليه رئاسة الحنفية، وسئل العمل بالقضاء فامتنع، ومن مصنفاته "أحكام القرآن"، وشرح "مختصر الطحاوي"، ولد سنة (305 هـ)، ومات سنة (370 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 84)، تاج التراجم (1/ 96)، الطبقات السنية (1/ 122 - 123)، الأعلام (1/ 171).
(2)
كتاب الْإِيضَاحِ في شرح التجريد، لايزال مخطوط في ثلاث مجلدات مؤلفه عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن أميرويه، أبو الفضل الكرماني: فقيه حنفي مولده بكرمان ووفاته بمرو سنة 543 هـ. يُنْظَر: الأَعْلَام للزركلي (3/ 327).
(3)
يُنْظَر: الهداية (2/ 460).
(4)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 58).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 61).
(6)
الوصية هي ما أوجبه الإنسان في ماله بعد موته أو في مرض موته. ينظر: البحر الرائق (8/ 459).
(7)
شيخ الإسلام: محمد بن الحسين بن محمد، أبو بكر البخاري، المعروف ببكر خواهر زاده، أو خواهر زاده (483 هـ): فقيه. كان شيخ الاحناف فيما وراء النهر. مولده ووفاته في بخارى. له (المبسوط) و (المختصر) و (التجنيس) ينظر: الأعلام للزركلي (6/ 100).
(8)
أبو الحسين القدوري: هو أحمد بن مُحَمَّد بن جعفر بن حمدان الإمام المشهور، أبو الحسين بن أبي بكر الفقيه البغدادي المعروف بالقدوري، وكان ممن أنجب في الفقه لذكائه، انتهت إليه بالزعامة رئاسة أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ، وعظم عندهم قدره، وارتفع جاهه، ومات سنة (428 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 336)، تاج التراجم (1/ 98)، الطبقات السنية (1/ 127)، الاعلام (4/ 329).
(9)
وفي (ب): (الآن).
(10)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 8).
(11)
لم أجده بهذا اللفظ ولكن روي معناه في أحاديث فيها مقال عند أهل الحديث ورواه الترمذي باب ماجاء لا نكاح الا ببينة عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس: لا نكاح إلا ببينة برقم (1104)، (3/ 411) وقال عنه حديث غير محفوظ.
قال الزيلعي في نصب الراية: غريب بهذا اللفظ اهـ. (3/ 167)، وقال ابن حجر في الدراية لم أره بهذا اللفظ اهـ. (2/ 55)، وبلفظ «لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل» رواه الشافعي (1/ 220)، وعبدالرزاق (6/ 195)، وأخرجه الدارقطني (4/ 322)، والطبراني (18/ 142)، وبلفظ:«البَغَايَا اللاَّتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ» في مصنف با أبي شيبة (3/ 458)، والترمذي برقم (1103)، وصح موقوفا عن ابن عباس رضي الله عنهم قوله:«لَا نِكَاحَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ» . وقال الترمذي: (العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم، قالوا: لا نكاح إلا بشهود).
فإن قلت: كيف جاز تخصيص عموم قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
(1)
وغيره من الآي بخبر الواحد
(2)
.
قلت: ذكر فخر الإسلام البزدوي رحمه الله في الْمَبْسُوطِ
(3)
هذا حديث مشهور تلقته الأمة بالقبول فيجوز الزّيادة بمثله على كتاب الله ولأن ذلك عام خصّ منه مواضع المحرمات فيجوز تخصيصه [حينئذ]
(4)
بخبر الواحد وهو حجّة على مالك
(5)
.
وكذلك على ابن أبي ليلى
(6)
وعثمان البتي
(7)
فإنّهم يقولون الشّهود ليسوا بشرط في النكاح إنّما الشّرط الإعلان حتّى لو أعلنوا بحضور الصبيان والمجانين يصحّ النكاح ولو أمر الشّاهدين بأن لا يظهر العقد لا يصحّ وحجّتهم في ذلك قوله عليه السلام: «أَعْلِنُوا النِّكَاح ولو بالدُّفَّ»
(8)
ولأنّ حرام هذا الفعل لا يكون إلا شراً فالحلال لا يكون إلا ضدّه وذلك بالإعلان لتنتفي التّهمة. ولنا الحديث المذكور في الكتاب
(9)
.
(1)
النساء من الآية: 3.
(2)
اختلاف العلماء في خبر الْوَاحِد الْعدْل على أقوال:
-القول الأول: خبر الْوَاحِد الْعدْل: حجَّة للْعَمَل بِهِ فِي أَمر الدّين وَلَا يثبت بِخَبَر الْوَاحِد علم الْيَقِين.
-القول الثاني: خبر الْوَاحِد الْعدْل: حجَّة للْعَمَل بِهِ فِي أَمر الدّين ويثبت بِخَبَر الْوَاحِد علم الْيَقِين.
-القول الثالث: خبر الْوَاحِد الْعدْل: ليس بحجة.
يُنْظَر: أصول السرخسي (1/ 321 - 338)، الْمَبْسُوطِ (16/ 112).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوط (5/ 30 - 31).
(4)
في (أ): (ح)، وفي (ب):(حينئذ).
(5)
أن الإمام مالك اشتراط الإعلان دون الشهادة؛ أي يصح النكاح من غير شهود، وهذا المشهور عن مالك رحمه الله والله أعلم .. ! قال ابن رشد رحمه الله:"اتفق أبو حنيفة ومالك والشافعي أن الشهادة شرط في النكاح "، والمشهور عن أحمد.، واختلفوا هل هي شرط صحة أو شرط تمام ". يُنْظَر: بداية المجتهد (2/ 17)، المنتقى شرح الموطأ (3/ 312)، المدونة (2/ 745)، تكملة المجموع (16/ 199).
(6)
ابن أبي ليلى: هو مُحَمَّد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، العلامة، الإمام، مفتي الكوفة وقاضيها، أبو عبدالرحمن الأنصاري، الكوفي، قال العجلي: كان فقيها، صاحب سنة، صدوقا، جائز الحديث، وكان قارئا للقرآن، عالما به، ومات سنة (148 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (6/ 310)، وفيات الأعيان (4/ 17).
(7)
عثمان البتي: هو أبو عمرو البصري فقيه البصرة أسم أبيه مسلم وقيل أسلم واسم جده جرموز البتي وأصله من الكوفة صاحب رأي وفقه وقال أحمد صدوق ثقة، ومات سنة (148 هـ).
يُنْظَر: سيرأعلام النبلاء (6/ 148) تهذيب التهذيب (7/ 153).
(8)
صحيح ابن حبان: (9/ 374). المستدرك على الصحيحين: (2/ 200) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. كلاهما دون لفظ (بالدف). وهو بهذه الزيادة في البحر الزخار المعروف بمسند البزار. أحمد بن عمرو بن عَبْد الخالق البزار أبو بكر. (215/ 292). تحقيق: د. محفوظ الرَّحْمَن زين الله. وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن ابن الزبير إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد.
(9)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 30 - 31).
وأمّا الذي ذكره من اشتراط الإعلان فهو موجود بحضور الشّاهدين فإنّه إذا حضره الشّهود فهو إعلان حقيقة كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
والإيضاح لأنّ العبد لا شهادة له لعدم الولاية
(2)
والشّهادة من باب الولاية فلا يصحّ العبد شاهدًا وكذلك المجنون.
فإن قلت: إنّما يحتاج إلى وصف الولاية في حق الأداء عند مجلس القضاء لأنّ المعنى من الولاية هو نفاذ القول على الغير شاء الغير أو أبى وذلك إنّما يحتاج إليه عند الأداء لينفذ قوله على القاضي على وجه صار ملجأ إلى القضاء لا عند التّحمل وليس المراد من صلاحيته للشّهادة ههنا كونه صالحًا للأداء.
ألا ترى أنّ النكاح ينعقد بشهادة المحدودين في القذف
(3)
وبشهادة العميان
(4)
ولا أداء لهما علم بهذا أنّ المراد من الشّهادة ههنا هو كونه مسلمًا عاقلاً بالغًا يسمع كلام العاقدين والعبد كذلك وأيّده ما ذكر في النّافع بقوله والشّهود هو الحضور.
قلت: نعم كذلك إلا أنّ مراد المصنّف من الولاية ههنا هو ولاية المرء على نفسه بدليل قوله في تعليل الفاسق
(5)
بقوله: وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَحْرُمْ الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ لَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ
(6)
، وليس للعبد ولاية على نفسه وهي الأصل في الولاية [لأن الولاية]
(7)
المتعدية فرع الولاية القائمة فلما لم يكن للعبد ذلك لم يكن من أهل الشّهادة.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 31).
(2)
معنى الولاية: الولاية حق شرعي، ينفذ بمقتضاه الأمر على الغير جبراً عنه. انظر: فقه السنة، لسيد سابق (2/ 125)، الموسوعة الفقهية الكويتية (17/ 300).
(3)
المحدود: الذي أقيم عليه حد القذف: قال أبو حنيفة لا تقبل شهادته وإن تاب، إذا كانت توبته بعد الحد، وقال مالك والشافعي وأحمد: تقبل شهادته إذا تاب، سواء كانت توبته قبل الحد أو بعده إلا أن مالكا اشترط مع التوبة أن لا تقبل شهادته في مثل الحد الذي أقيم عليه. انظر: جواهر العقود، لشمس الدين الأسيوطي (2/ 351).
(4)
قال أبو حنيفة لا تقبل شهادته أصلاً، وقال مالك وأحمد تقبل فيما طريقه السماع، كالنسب والموت والملك المطلق والوقف والعتق وسائر العقود، كالنكاح والبيع والصلح والإجارة والإقرار، ونحو ذلك، سواء تحملها أعمى أو بصيرا ثم أعمى، وقال الشافعي تقبل في ثلاثة أشياء ما طريقه الاستفاضة والترجمة والموت، ولا تقبل شهادته في الضبط حتى يتعلق بإنسان فيسمع إقراره ثم لا يتركه من يده حتى يؤدي الشهادة عليه، ولا تقبل فيما عدا ذلك. انظر: جواهر العقود، لشمس الدين الأسيوطي (2/ 352).
(5)
الفاسِقُ لمَنْ التَزَم حُكمَ الشّرع وأقرّ بهِ ثم أخلّ بجَميعِ أحكامِه. ينظر: تاج العروس (26/ 302).
(6)
يُنْظَر: الهداية (2/ 461).
(7)
ساقط من (ب).
وقوله: - والشّهود هو الحضور أي حضور من له ولاية على نفسه لما ذكر فأوله أنّ الشّهادة من باب الكرامة لأنّ في اعتبار قوله في نفسه ونفاذه على الغير إكرامًا للقاتل والفاسق ليس من أهل الإكرام [لجريمته]
(1)
.
وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ
(2)
أي
(3)
من أهل الولاية على نفسه فكان من أهل الولاية على الغير عند وجود دليله فأمّا [العدالة]
(4)
فيعتبر للتّرجيح في حق العمل به لأنّ الأمر في حق القاضي محتف أن هذا صدّق أو كذّب فاحتاج إلى دليل مرجح لبناء القضاء عليه ولا كلام في القضاء إنّما الكلام في الانعقاد [والانعقاد]
(5)
تعتمد الأهليّة لا غير ألا ترى أنّ النكاح ينعقد بشهادة الأب والابن ولا يقضى بها.
كذا في الإيضاح وذكر في الْمَبْسُوطِ
(6)
وفي الحقيقة المسألة تبتني على أن الفاسق من أهل الشّهادة عندنا وِإنما لم تقبل شهادته لتمكّن تهمة الكذب وفي الحضور والسّماع لا يتمكّن هذه التّهمة فكان بمنزلة العدل وعند الشّافعي رحمه الله
(7)
الفاسق ليس من أهل الشّهادة أصلاً لنقصان حاله بسبب الفسق وهي تبتني أيضاً على أنّ أصل الفسق/ لا ينتقض من إيمانه عندنا فإنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص
(8)
والأعمال من شرائع الإيمان لا من نفسه وعنده الشّرائع نفس الإيمان يزداد الإيمان بالطّاعة وينقص بالمعصية فجعل نقصان الدّين بسبب الفسق كنقصان الحال بسبب الرّق والصّغر.
(1)
في (أ) غير واضح، وفي (ب):(لجريمته).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 461).
(3)
وفي (ب): (لأنّ).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
زياده من (ب).
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 31).
(7)
ذهب المالكية إلى أن الفاسق لا يقبل خبره رواية كان أو شهادة وهو مجمع عليه، والشافعي إلى بطلان النكاح بشهادة الفاسق - وهو رواية عن أحمد، وذهب الحنفية إلى انعقاد النكاح بشهادة الفاسق - وهو رواية عن أحمد.
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 31)، بدائع الصنائع (2/ 255)، بداية المجتهد (2/ 17)، مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل (5/ 27)، تكملة المجموع (16/ 157)، روضة الطالبين (6/ 40)، المغني (7/ 9).
(8)
وجب التنبيه على هذه المسألة لأهميتها. لقد اشتهر هذا القول عن الإمام أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.
وقول الجمهور في المسألة أن الإيمان: قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وأقوال السلف. قال الله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} سورة آل عمران، الآية:173.
الشاهد {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} دل على زيادة الإيمان وكل دليل دلّ على زيادة الإيمان دل على نقصانه، والعكس صحيح.
يُنْظَر: أصول السنة (1/ 34)، شرح الطحاوية لابن أبي العز (1/ 331 - 346)، التنكيل (1/ 116)، وغيرها من كتب العقيدة، ويرحم الله أئمتنا وعلمائنا ويجزيهم عنا كل خير اللهم آمين.
ولكنّا نقول الفسق لا يخرجه من أن يكون أهلاً للأمانة
(1)
والسّلطنة فإنّ الأئمة بعد الخلفاء الرّاشدين رضي الله عنهم قلّما يخلو واحد منهم عن فسق فالقول بخروجه من أن يكون إماماً بالفسق يؤدّي إلى فساد
(2)
عظيم ومن ضرورة كونه أهلاً للأمانة كونه أهلاً للقضاء لأنّ تقلّد القضاء يكون من الإمام
(3)
ومن ضرورة كونه أهلاً لولاية القضاء أن يكون أهلاً للشّهادة وبه ظهر الفرق بينه وبين نقصان الحال بسبب الرّق.
ولأنّه صلح مقلدًا بكسر اللام أي صلح الفاسق إمامًا وسلطانًا كالحجّاج
(4)
وغيره فيصلح مقلّدًا بفتح اللام أي قاضياً.
بخلاف ما إذا لم يسمعا كلام الزّوج لأنّه مخاطب بالشّهادة على العقد والعقد لا يكون إلا بكلام المتعاقدين وليس هذا كأنّهما لم يسمعا كلام الزّوج لما أنّ سماعهما كلام المسلم صحيح.
ألا ترى أنّه لو تزوّجها بشهادة الكافرين والمسلمين ثم وقعت الحاجة إلى أداء هذه الشّهادة تقبل شهادة الكافرين عليها إذا جحدت وعلى الزّوج لو كانا أسلما بعد ذلك فظهر أن سماعهما كلام المسلم صحيح فيحصل به الإشهادة عليهما بالعقد كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
سواهما أي سوى المأمور والأب.
قوله: رحمه الله لِأَنَّ الْأَبَ يُجْعَلُ مُبَاشِرًا
(6)
إلى آخر هذا التّعليل الذي ذكره تكلّف غير محتاج إليه بأن يجعل الأب مباشراً أو الزّوج شاهدًا لأن الأب يصلح شاهدًا في باب النكاح.
وذلك يغني عن هذا التكلّف وإنّما يحتاج إلى هذا التكلّف في المسئلة
(7)
الأخيرة وفيها إذا زوّج الأب ابنته البالغة لما أنّ الابنة البالغة لا تصلح شاهدة على نفسها فلابدّ من نقل عبارة الأب إليها هناك ليصح العقد وذلك لأنّ الموجود من الوكيل واجب الانتقال إلى الموجب
(8)
في باب النكاح ضرورة أنّ الوكيل سفير ومعبّر
(9)
فيه ومتى كانت البكر حاضرة أمكن اعتبار الأب شاهدًا وأمّا إذا كانت غائبة فلا لأنّ الشّيءإنّما يقدر تقديراً أن لو تصوّر تحقيقاً إلى هذا أشار في الفوائد الظهيريّة
(10)
ومن هذا الجنس قال الإمام نجم الدّين النّسفي رحمه الله امرأة وكّلت رجلاً أن يزوجها [رجلاً فزوجها]
(11)
بحضرة امرأتين والموكلة حاضرة قال يجوز النكاح وتصير الموكله هي المزوّجة قيل فإن أنكر الزّوج أو المرأة الموكّلة هذا العقد هل تقبل شهادة الوكيل والمرأتين على النكاح قال نعم إذا لم يقل الوكيل أنا زوّجتها إيّاه بالوكالة بل يقول هذه امرأة هذا كذا في الذّخيرة
(12)
.
(1)
وفي (ب): (للإمامة).
(2)
وفي (ب): (فسق).
(3)
وفي (ب): (الإيمان).
(4)
الحجاج: هو الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي، أبو مُحَمَّد: قائد، داهية، ولد ونشأ في الطائف (بالحجاز) ولاه عبد الملك مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليها العراق والثورة قائمة فيه، فانصرف إلى بغداد في ثمانية أو تسعة رجال على النجائب، فقمع الثورة وثبتت له الإمارة عشرين سنة. وبنى مدينة واسط (بين الكوفة والبصرة) وأخبار الحجاج كثيرة، ومات سنة (95 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (4/ 343)، الأعلام (2/ 168).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (3/ 32).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 462).
(7)
وفي (ب): (المسلمه).
(8)
وفي (ب): (الموكل).
(9)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 18 - 21)، بدائع الصنائع (2/ 232).
(10)
هو كتاب الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة وهو فوائد على الْجَامِعِ الصَّغِيرِ للحسام الشهيد سماها الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة في الفقه، وهو لظهير الدين أبي بكر مُحَمَّد بن أحمد القاضي الفقيه الأصولي، (ت 619 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 20)، معجم المؤلفين (8/ 303).
(11)
ساقط من (ب).
(12)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 31).
فإن قلت: يشكل على أصل المسألة ما إذا وكّل الرجل رجلا أن يزوّج عبده امرأة فزوّج الوكيل العبد امرأة بشهادة رجل واحد والعبد حاضر لا يجوز مع إمكان جعل العبد مباشرًا للعقد والوكيل مع رجل آخر شاهدًا لما لو باشر المولى عقد
(1)
تزويج العبد عند حضرة العبد مع رجل آخر فإنّه يجوز
(2)
.
قلت: لو جاز فيما ذكرت إنّما يجوز بأن تنتقل عبارة الوكيل إلى العبد فيجعل كان العبد تزوّج بنفسه ولا وجه إليه لأنّ الوكيل ليس بوكيل من جهة العبد حتّى تنتقل عبارته إلى العبد فبقي الموكل مزوّجًا لا شاهدًا بخلاف ما إذا تأثيره المولى عند حضرة العبد فإنّ العبد هناك يجعل مباشراً للنكاح بنفسه والمولى شاهدًا فيكون النكاح بحضرة شاهدين بخلاف ما لو كان [العبد غائباً أوكان]
(3)
العبد حاضراً إلا أنّه غير عاقل فإنّه لا يجوز لعدم إمكان جعل العبد مباشراً إذا
(4)
الصبي والمجنون ليسا من أهل مباشرة النكاح كذا في الذّخيرة
(5)
. والله أعلم.
فصل في المحرمات
لما ذكر بيان شرعيّة النكاح على الأنثى من بني آدم ليست هي من المحرمات احتاج إلى بيان المحرّمات ليتميز المحللات من المحرمات فيقول أنّ إثبات الحرمة وهنّ من محاسن الشّريعة إذ الأصل فيهنّ الأمّهات وذلك لأنّ المحارم من وجب احترامه وتعظيمه/ شرعًا واحترام هذه المحرّمات ثابت في طبع كلّ ذي طبع سليم.
وفي النكاح استرقاق واستدلال وجعلهنّ مصبا للفضلات المستقذره وكيف يسترقها بالنكاح فإنّها تعتق عليه بملك اليمين ولأنّ ائتمار أمر الأم واجب فلو جاز نكاحها لصارت هي مأمورة يجب عليها امتثال أمر الابن فتناقض وشرع الشّارع منزّه عن التّناقض وكذلك من هنّ في معناها بسبب القرابة وغيرها.
وحاصلها أنّ المحرمات التي يضمنها كتاب النكاح، والرّضاع على أحد وعشرين نوعًا: سبعة من جهة النّسب، وسبعة من جهة الرّضاع، وأربعة من جهة المصاهرة، واثنان من جهة الجمع، وواحدة من جهة الكفر.
أمّا السّبعة من جهة النّسب: فالأمّهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، وكذلك يحرم الرّضاع في هؤلاء لقوله عليه السلام:«يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»
(6)
.
(1)
وفي (ب): (عند).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 31).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
وفي (ب): (إذ).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 41).
(6)
رواه البخاري كتاب الشهادات باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم برقم (2645)، (1/ 378).
ومسلم كتاب الرضاع باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة برقم (1447) بلفظ: (
…
وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّحِمِ). قال النووي: فيه دليل على أنه يحرم النكاح ويحل النظر والخلوة والمسافرة لكن لا يترتب عليه أحكام الأمور من كل وجه فلا يتوارثان ولا يجب على واحد منهما نفقة الآخر ولا يعتق بالملك ولا يسقط عنها القصاص بقتله فهما كالأجنيين في هذه الأحكام.
والحكمة في ذلك أن سبب التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها وهو اللبن، فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءاً من أجزائهما، فانتشر التحريم بينهم بخلاف قرابات الرضيع؛ لأنه ليس بينهم وبين المرضعة ولا زوجها نسب، ولا سبب، والله أعلم.
وأمّا الأربعة التي من قبل المصاهرة: فأم المرأة، وابنتها، ومنكوحة الأب، وحليلة الابن.
وأمّا اللتان من جهة الجمع: الجمع بين أكثر من أربع، والجمع بين الأختين
(1)
.
وأمّا الواحدة التي من جهة الكفر: فهي المجوسيّة
(2)
هذا في شرح الطّحاوي
(3)
(4)
وذكر في التحفة
(5)
فقال تحريم النكاح يتنوّع إلى تسعة أنواع بالقرابة والصهريّة والرّضاع والجمع وتقديم الأمة على الحرّة وبسبب حق الغير وبسبب المشترك
(6)
وبسبب ملك اليمين وبسبب الطّلقات الثّلاث فعلى هذا تكون المحرمات خمسة وعشرين وكلّها مذكور في الكتاب
(7)
.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 198)، بدائع الصنائع (2/ 256)، المحيط البرهاني (3/ 63).
(2)
المجوسية: هي ديانة فارسيَّة وثنية ثنوية تُقدِّس النار وتقول بإلهين اثنين: إله للخير وإله للشر، وقد تأثروا ببعض الديانات الهندية، فقالوا بتناسخ الأرواح، وكان لهم أثر كبير في ظهور بعض الحركات الباطنية الذين تستروا بحب آل البيت لهدم الإسلام من الداخل فمنهم عبد الله بن سبأ المجوسي أصل الباطنية في الأمَّة الإسلامية وكذلك أبو لؤلؤة المجوسي قاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ينظر: موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية (7/ 318).
(3)
شَرْح الطَّحَاوِيِّ، لأبي جعفر أحمد بن مُحَمَّد بن سلامة بن عبدالملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (ت 321 هـ) واسم كتابه (شرح مشكل الاثار) حققه شعيب الأرنؤوط وطبعته دار الرسالة.
(4)
يُنْظَر: مختصر الطحاوي (1/ 178)، شرح الطّحاوي (4/ 335).
(5)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (2/ 121).
(6)
وفي (ب): (الشِّرك).
(7)
[قوله]
(1)
رحمه الله: إذْ الْأُمُّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً أَوْ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ
(2)
.
وفيه مذهبان، فعلى قول من يقول: أنّ اللّفظ الواحد يجوز أن يراد به الحقيقة والمجاز في محلّين مختلفين فحرمة الجدات ثابتة بالنصّ لأنّ اسم الأمّهات يتناولهنّ مجازاً وعلى قول من يقول لا يراد باللّفظ الواحد الحقيقة والمجاز فحرمة الجدّات تثبت بدليل الإجماع
(3)
إذ الأمّهات هي الأصول وهو حقيقة معنى هذا الاسم وذلك بجمع الكل إلا أنّ إطلاق اسم الأم في الأم الدنيا دون غيرها بدليل العرف فعلى هذا النصّ يتناول الجدّات حقيقة وعلى هذا البنات أمّا أن يتناول لفظ البنات على بنات البنات وبنات الابن بطريق المجاز أو تثبت حرمتهنّ الإجماع كذا في الْمَبْسُوطِ
(4)
وذكر في الكتاب العمات المتفرقات وغيرها ولم يذكر الأخوات والمتفرقات والحكم فيهنّ أيضاً كذلك لأن الأختيّه عبارة عن مجاورة في الصّلب او في الرّحم فكان هذا الاسم حقيقة للفرق الثلاث [أي للأخت لأب وأمّ والأخت لأب والأخت لأم]
(5)
لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}
(6)
من غير قيد بالدّخول ولا يثبت امرأته التي دخل بها لثبوت قيد الدّخول بالنصّ وحاصله أن حرمة أمّهات نساء الرّجال تثبت بنفس العقد
(7)
.
[عندنا]
(8)
بخلاف حرمة بنات نسائهم.
وكان بشر المريسي
(9)
، وابن شجاع
(10)
، ومالك، وداود
(11)
(12)
رحمهم الله يقولون لا تثبت إلا بالدّخول بالبنت
(13)
وهو أحد قولي الشّافعي-رحمه الله
(14)
ومذهبنا [مذهب]
(15)
عمر وابن عبّاس وإليه رجع ابن مسعود –رضي الله عنهم أيضاً حين ناظره عمر ومذهبهم مذهب علي وزيد بن ثابت رضي الله عنه واستدلّوا بقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}
(16)
إلى قوله تعالى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}
(17)
والأصل أنّ الشّرط والاستثناء إذا تعقّب كلمات [منسوق]
(18)
بعضها على بعض ينصرف إلى جميع ما سبق ذكره
(19)
كما إذا قال فلانة طالق وفلانة طالق إن دخلت الدّار ولكنّا نستدلّ بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنّ النبي عليه السلام قال: «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ ابْنَتُهَا إنْ دَخَلَ بِهَا»
(20)
، وكان ابن عبّاس رضي الله عنه يقول:(أُمُّ الْمَرْأَةِ مُبْهَمَةٌ فَأَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ)
(21)
بين أن الشّرط المذكور وهو الدّخول ينصرف إلى الرّبائب دون الأمّهات وهذا هو الظّاهر في اللّغة لأنّ النّساء المذكورة في قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}
(22)
مخفوض بالإضافة وفي قوله تعالى: {مِنْ نِسَائِكُمُ}
(23)
مخفوض بحرف من والمخفوضات بإداتين لا ينعتان بنعت واحد.
(1)
طمس في (أ).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 462).
(3)
الإجماع في اصطلاح الأصوليين: هو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي في واقعة. ينظر: علم أصول الفقه (ص: 45)، التحبير شرح التحرير (4/ 1632).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 198).
(5)
ساقط من (ب).
(6)
النساء من الآية: 23.
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 199).
(8)
زيادة من (ب): [عندنا].
(9)
بشر المريسي: هو بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي، العَدَوى بالولاء، أبو عبد الرحمن: فقيه معتزلي عارف بالفلسفة، يرمى بالزندقة. وهو رأس الطائفة (المريسية) القائلة بالإرجاء، وإليه نسبتها. أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف، وقال برأي الجهمية، وأوذي في دولة هارون الرشيد. وهو من أهل بغداد ينسب إلى (درب المريس) فيها. عاش نحو 70 عامان، ومات سنة (218 هـ).
يُنْظَر: وفيات الأعيان (1/ 277)، الأعلام (2/ 55).
(10)
ابن شجاع: هو مُحَمَّد بن شجاع أبو عبدالله، يعرف بابن الثَّلْجِي البغدادي،. كان فقيه أهل العراق في وقته، وهو من أصحاب الحسن بن زياد اللؤلؤي، وحدّث عن يحيى بن آدم، والواقدي وغيرهما. ولد في سنة (181 هـ)، ومات سنة (266 هـ).
يُنْظَر: تهذيب الكمال (25/ 362)، الجواهر المضيئة (2/ 294)، الأعلام (2/ 156 - 157).
(11)
داود الظاهري: هو أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني الإمام المشهور المعروف بالظاهري، وينسب إليه مذهب الظاهرية كان زاهداً متقللاً كثير الورع، أخذ العلم عن إسحاق بن راهويه وأبي ثور والشافعي وغيرهم.
ولد في الكوفة سنة (201 هـ) ومات في بغداد سنة (270 هـ).
يُنْظَر: وفيات الأعيان (2/ 255)، الأعلام (2/ 333).
(12)
ينظر: المحلى بالآثار، لابن حزم (9/ 141).
(13)
ذهب جمهور الفقهاء على إن أمهات النساء، تحرم بالعقد دخل بها أو لم يدخل، وذهب قوم إلى أن الأم لا تحرم إلا بالدّخول على البنت، يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 199)، بداية المجتهد (2/ 34)، تكملة المجموع (16/ 216)، المغني (9/ 515 - 516)، المحلى بالآثار (9/ 142).
(14)
يُنْظَر: الأم (5/ 24).
(15)
زيادة من (ب).
(16)
النساء من الآية: 23.
(17)
النساء من الآية: 23.
(18)
في (أ): غير واضح، وفي (ب):(منسوق). وفي الْمَبْسُوطِ: (منسوقة).
(19)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 199).
(20)
رواه الترمذي كتاب أبواب النكاح باب ما جاء فيمن يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، هل يتزوج ابنتها، أم لا (3/ 425) برقم (1117) بلفظ و «أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا، فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، فَلْيَنْكِحْ ابْنَتَهَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا» قال الشيخ الألباني: ضعيف من حديث شعيب عن أبيه عن جده البيهقي (7/ 259).
(21)
روي عن ابن عَبَّاس رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: هِيَ مُبْهَمَةٌ وَكَرِهَهَا "، وفي رواية أبهموا ما أبهم الله. وعنه بلفظ: "هِيَ مُبْهَمَةٌ".
روى مالك عن يحي بن سعيد أنه قال: سُئِلَ زيد بن ثابت رضي الله عنه عن رجُل تزوَّج امرأَة ثُمّ فارقها قبل أَنْ يُصِيبها، هل تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا؟ فقال زيد بن ثابت:«لَا الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ» . قال البيهقي وَرُوِيَ عن ابن عَبَّاس رضي الله عنه، قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَاهُ.
يُنْظَر: موطأ الإمام مالك (2/ 533)، سنن سعيد بن منصور (1/ 270)، السنن الكبرى للبيهقي (7/ 259).
(22)
النساء من الآية: 23.
(23)
النساء من الآية: 23.
ألا ترى أنّه لا يستقيم أن يقول مررت بزيد إلى عمرو الظريفين ولو كانا محفوظين بخافض واحد جاز ذلك بأن يقول مررت بزيد وعمرو الظريفين كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
والتّيسير
(2)
.
وأمّا الشرط فإنّما يعود إلى الجميع إذا أمكن/ ولم يمكن ههنا لأنّه يؤدّي إلى أن يكون الشّيء الواحد معمولاً بعاملين مختلفين لأنّ العامل في الموصوف هو العامل في الصّفة وهذه الصّفة صفة لهما فكانت معمولة بعاملين مختلفين لا محالة كما أن مثل هذا لا يجوز في العطف
(3)
وهو العطف على عاملين بأن يقال أن في الدّار زيدًا والحجرة عمرواً فكذلك ههنا لأن كلاً منهما من التّوابع وذكر في الْمَبْسُوطِ
(4)
والمعنى فيه أن قطيعة الأرحام يتزوج زوج الأم أو زوج البنت ثابتة في الطّرفين إلا أنّ الأم إذا كانت غير مدخولة لا ينقطع من أمهات
(5)
التي تزوّجت بزوجها الذي لم يدخل بها لغلبة الشفقة عليها وقلة المبالاة بانقطاع الزّوج الذي لم يدخل بها.
بخلاف جانب البنت فإن شفقتها ليست كشفقة أمّها فيلزم قطيعة الأرحام عند تزوج الأم زوج البنت الذي لم يدخل بها وذكر في الكشّاف
(6)
(7)
بعد السؤال.
قوله تعالى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ}
(8)
[لايخلو]
(9)
إمّا أن يتعلّق بقوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}
(10)
وبالربائب [الربائب مبهمة فلا يجوز الأول]
(11)
فتكون حرمة الأمّهات وحرمة الرّبائب غير مبهمتين وأمّا أن يتعلّق بالأمهات دون الرّبائب فيكون حرمة الأمّهات غير مبهمة وحرمة الربائب مبهمة فلا يجوز الأوّل لأنّ معنى من مع أحد المتعلقين خلاف معناه مع الآخر الأتراك إذا قلت وأمّهات نسائكم قال تعالى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}
(12)
فقد جعلت من لبيان النّساء وتمييز المدخول بهنّ من غير المدخول بهنّ.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 199).
(2)
التيسير في التفسير لنجم الدين أبي حفص، عمر بن مُحَمَّد بن أحمد بن إسماعيل أبي حفص نجم الدين النسفي، عالمٌ بالأصول والتفسير والأدب والتاريخ، من فقهاء الحنفية، توفي سنة (537 هـ) بسمرقند، وكتابه التفسير مخطوطاً في مكتبة أحمد الثالث برقم (1756) ويوجد له نسخة على شكل مايكرو فيلم في جامعة الملك عبدالعزيز. يُنْظَر: الفوائد البهية (ص 150)، تاج التراجم (34 - 35)، معجم المؤلفين (7/ 305 - 306).
(3)
العطف عطف بيان وهو التابع المشبه بالصفة في إيضاح متبوعه وعدم استقلاله وعطف نسق وهو تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف. ينظر: المعجم الوسيط (2/ 608).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 198).
(5)
وفي (ب): (أبنتها).
(6)
كتاب: "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل" للعلامة جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشرى (467 ـ 538 هـ) الْكِتَاب مطبوع في أربعة مجلدات طبعته دار الْكِتَاب العربي ـ بيروت عام 1407 هـ.
(7)
يُنْظَر: الكشاف (1/ 516).
(8)
النساء من الآية: 23.
(9)
غير واضح في (أ): (لايخ). وفي (ب): (لايخلوا).
(10)
النساء من الآية: 23.
(11)
زياده في (ب).
(12)
النساء من الآية: 23.
وإذا قلت: وربائبكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن
(1)
فإنك عاجل
(2)
من لابتداء الغاية كما يقول بنات رسول الله عليه السلام من خديجة وليس بصحيح أن يعنى بالكلمة الواحدة في خطاب واحد معنيان مختلفان ولا يجوز الثاني لأن ما يليه هو الذي يستوجب التعلق به وهو ما ذهبنا إليه سواء كانت في حجره أو في حجرة غيره واختلفت الصّحابة رضي الله عنهم أن الحجر هل ينتصب شرطًا لهذه الحرمة أو لا فكان علي رضي الله عنه يقول: (الحِجْر شرط)
(3)
، لقوله تعالى:{فِي حُجُورِكُمْ}
(4)
.
وأمّا عمر وابن مسعود كانا يقولان: الحجر ليس بشرط
(5)
؛ لأنّ ذلك الحجر خرج مخرج العادة
(6)
فإن بنت المرأة تكون [في]
(7)
حجر زوج أمّها أي في تربيتها لا على وجه الشّرط كقوله تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ}
(8)
، {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ}
(9)
، ولهذا اكتفى في موضع الإحلال بنفي الدخول ولم يشترط نفي الدّخول مع نفي الحجر لأن التحريم ضدّ الإحلال فما كان وجود الشّيء يجزيه شرطًا للتحريم كان نفي ذلك الشيء يجزيه شرطًا للتحليل وذكر في مبسوط
(10)
شيخ الإسلام قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}
(11)
.
(1)
يُنْظَر: الكشاف (1/ 516).
(2)
وفي (ب): (جاعل).
(3)
حكي عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه أنها لا تحرم إلا بالدخول بابنتها كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول بها.
أكثر أهل العلم على أن من عقد على امرأة حرم عليه كل أم لها من نسبٍ أو رضاعٍ قريبةٍ أم بعيدة ولا يشترط في هذا التحريم الدخولُ، وبه يقول من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود وابن عمر وجابر وعمران بن حصين وغيرهم من الصحابة والتابعن رضي الله تعالى عنهم، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد، يُنْظَر: موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الاسلامي، باب: الزوجة تموت او تطلق قبل الدخول، (2/ 682).
(4)
النساء من الآية: 23.
(5)
ينظر: الموطأ (2/ 533).
(6)
العادة في اللغة: الديدن يعاد إليه، سميت بذلك؛ لأن صاحبها يعاودها أي يرجع إليها مرة بعد أخرى. ينظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/ 436).
واصطلاحاً: ما استمر الناس عليه على حكم المعقول، وعادوا إليه مرة بعد أخرى. ينظر: التعريفات للجرجاني (ص: 146).
(7)
ساقط من (ب).
(8)
آل عمران من الآية: 167.
(9)
البقرة من الآية: 79.
(10)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 200).
(11)
النساءمن الآية: 23.
فتعليق الإباحة بعدم الدخول دليل على أنّ الحرمة لم تتعلّق بالدّخول والحجر جميعًا لأنّه لو كانت الحرمة متعلّقة بالدّخول والحجر جميعًا لتعلقت الإباحة بعدمهما جميعًا لأنّ الإباحة تتعلّق بضد ما تتعلّق به الحرمة ولم يكن كذلك علم أنّ الحرمة لم تتعلّق بالحجر.
فإن قلت: يحتمل أن يكون الحرمة متعلّقة بعلّة ذات وصفين وهما الدّخول والحجر ثم تنتفي الحرمة بانتفاء أحدهما لأنّ الشّيء ينتفي بانتفاء الجزء فكانت كالقرابة مع الملك في حق العتق حيث ينتفي العتق بانتفاء أحد هذين الوصفين فكذلك ههنا ثبوت الإباحة عند انتفاء الدخول لا يدلّ على أنّ الحرمة غير متعلّقة بالدخول والحجر.
قلت: نعم كذلك إلا أنّ الاستعمال في مجاري الكلام عند نفي الكلام ينفي عليه التي هي ذات وصفين هو نفي الوصفين جميعًا أو نفى عليه مطلقاً وأمّا أن ينفي أحد وصفيه ويسكت عن الآخر فلا حيث لا يقال لم يعتق لأنّه لم يرد الملك عليه أو لم ترد القرابة عليه بل يقال لأنّه لم يرد عليه الملك مع القرابة أو لم يوجد فيه علة العتق وكذلك لا يقال لا يجري حكم الربا وهو حرمة الفضل مع النّسيئة بين هذين البدلين لأنّه لم يوجد الجنسية أو لم يوجد القدر بل يقال لم يوجد القدر مع الجنسيّة أو لم يوجد علة الرّبا ولأنّ الأصل في النساء الحرمة بدليل أنّ الحرملة تثبت بالشبهات لا الحل [فلو]
(1)
كان الحجر مع الدّخول شرطًا لحرمة الرّبيبة كان الأولى أن يكتفى بأحدهما في موضع الحرمة ويقرن أحدهما بالنّفي في موضع الإحلال ولم يقل هكذا بل عكس علم أن ذكر الحجر خرج على [وفاء من]
(2)
العادة لا لشرط قوله تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}
(3)
فحليلة الابن حرام على الأب سواء/ دخل بها الابن أو لم يدخل
(4)
.
وكذلك منكوحة الأب حرام على الابن سواء دخل بها [الأب]
(5)
أو لم يدخل فسمّيت امرأة الابن حليلة لأنّها حلّت للابن من الحل أو هي مشتقة من الحلول على معنى أنّها تحل فراشه وهو يحل فراشها.
فإن قيل: ابن الابن لا يكون من صلبه فكيف يصح تعدية حرمة حليلة الابن الصّلبي إليه مع هذا التّقييد.
(1)
وفي (ب): (هو).
(2)
وفي (ب): (وفاق)
(3)
النساء من الآية: 23.
(4)
انظر: المبسوط، للسرخسي (4/ 200)، الكافي في فقه أهل المدينة، لابن عبدالبر (2/ 536)، الحاوي الكبير، للمرداوي (9/ 200).
(5)
ساقط من (ب).
قلنا: مثل هذا اللّفظ يذكر باعتبار أنّ الأصل من صلبه كقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)}
(1)
والمخلوق من التراب هو الأصل كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(2)
.
وذكر الأصلاب لإسقاط اعتبار التبني [فإنّ التبني]
(3)
قد انتسخ بقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}
(4)
فكان رسول الله عليه السلام تبنى
(5)
زيد بن حارثة
(6)
ثم تزوّج زينب
(7)
بعدما طلقها زيد
(8)
فطعن المشركون [وقالوا: إنّه تزوّج حليلة ابنه، وفيه نزل قوله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}
(9)
فهذا التّقييد هاهنا لدفع طعن المشركين]
(10)
لا لإحلال حليلة الابن من الرّضاع فإنّ حليلة الابن من الرّضاع حرام على أبيه
(11)
من الرّضاع عندنا.
وقال الشّافعي رحمه الله
(12)
يحرم بناء على أصله أن لبن الفحل يحرم واستدلّ لهذا التقييد المذكور وأنا نقول ذلك التقييد لإخراج حليلة ألابن المتبنى لا لإخراج حليلة الابن من الرّضاع على ما ذكرنا ودليلنا قوله عليه السلام: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»
(13)
كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(14)
.
(1)
الروم من الآية: 20.
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 201).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
سورة الأحزاب من الآية: 5.
(5)
التبني: اتخاذ الشخص ولد غيره ابنا له، وكان الرجل في الجاهلية يتبنى الرجل، فيجعله كالابن المولود له، ويدعوه إليه الناس، ويرث ميراث الأولاد، وهو محرم. انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (6/ 295، 10/ 120).
(6)
هو زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى، شهد بدراً وأحداً واستخلفه رسول الله على المدينة حين خرج النبي إلى المريسيع، وشهد الخندق والحديبية وخيبر، استشهد في غزوة مؤتة سنة 8 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى، 3/ 29 - 34، التاريخ الكبير، 3/ 379، الجرح والتعديل، 3/ 559.
(7)
هي: أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رئاب بن أسد، بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة 3 هـ، وهي أول نسائه لحوقاً به صلى الله عليه وسلم، توفيت سنة 20 هـ، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، ثم زوجها الله منه من فوق سبع سماوات بشهادة جبريل، كانت أواهة كثيرة الخير. ينظر: معرفة الصحابة، 6/ 3222 - 3226، أسد الغابة، 5/ 463 - 465.
(8)
رواه البخاري كتاب النكاح باب الاكفاء في الدين (1/ 12) برقم (5088).
(9)
سورة الأحزاب من الآية: 40.
(10)
ساقط من (ب).
(11)
وفي (أ): (ابنه).
(12)
يُنْظَر: الأم (5/ 26)، تكملة المجموع (18/ 210)، المغني (9/ 520 - 522).
(13)
سبق تخريجه (ص 75).
(14)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 200).
ولا يجمع بين الأختين نكاحاً.
وكذلك لا يجوز الجمع بين من كانت في علّة الأختين أيضاً وهي أنّ كل شخص لو جعلت أحدهما ذكراً والأخرى أنثى لا يجوز النكاح بينهما وهذا المعنى شامل النّسب والرّضاع لضرورة من أهله مضافاً إلى محلّه أمّا الأهل فظاهر.
وأمّا المحل فلأنّ الأخت المملوك لم تصير فراشاً بنفس الوطئ ولم يشتغل رحمها بمائه شغلاً معتبراً ولهذا لا يلزمها العدة لو أعتقها ولو علقت بوطئه لا يثبت النّسب إلا بدعوته فإذا صحّ نكاح الأخت صار فراشاً له بالنكاح الصّحيح حتّى لو جاءت بولد لمدة يتوهّم [أو]
(1)
يكون العلوق
(2)
بعد النكاح يثبت النّسب منه فلا يكون له أن يطأ المملوكة بعد هذا لأنّ المنكوحة صارت فراشاً له فلو استفرش المملوكة بالوطئ صار جامعًا بين الأختين في الفراش يعني الاستفراش الحسي في أحديهما والحكمي في الأخرى وذلك حرام.
قوله: لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا
(3)
.
فإن قيل: لو كان النكاح قائمًا مقام الوطئ حتّى تصير المنكوحة موطوءة حكمًا وجب أن لا يجوز هذا النكاح [فلا]
(4)
يصير جامعًا بينهما وطئاً كما قال: مالك رحمه الله.
قلنا: نفس النكاح ليس بوطئ، وإنّما يصير وطئاً بعد ثبوت حكمه وهو حلّ الوطئ وحكم النكاح يثبت بعده فالنكاح حال وجوده ليس بوطئ فيصحّ لوجوده من أهله في محلّه ثمّ تصير المنكوحة موطوءة حكمًا فلا يطأ الأخرى كيلا يصير جامعًا بينهما.
قوله: وَلَا يَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ
(5)
لأنّ أختها وهي المملوكة موطوءة حقيقة وحكم ذلك الوطئ قائم حتّى لو أراد أن يبيع يستحب له الاستبراء
(6)
فيصير جامعًا بينهما وطئاً حقيقة إلا إذا حرم الموطوءة على نفسه بسبب من الأسباب كالبيع والتّزويج لأنّه لا يبقى بعد هذا معنى إشتغال رحمها بمائة حقيقة ولا حكمًا ألا ترى أنه يحلّ لزوجها أن يغشاها فيحلّ له أن يطأ المنكوحة هذا كله من الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(7)
(8)
لِقَاضِي خَانْ
(9)
والمحبوبي
(10)
فإن تزوّج أختين في عقدين ولا يدري أيتهما أولى وإنّما قيّد بهذين القيدين لأنّه لو تزوّجها في عقد واحد بطل نكاحهما ولو علم أن واحدة منهما أولى بطل نكاح الثّانية لعدم الفائدة [والفائدة]
(11)
حلّ القربان للزّوج وذلك لا يثبت ههنا للجهالة.
(1)
وفي (ب): (أن).
(2)
العلوق: والمعالق، وهى الناقة تعطف على غير ولدها فلا ترأمه، وإنما تشمه بأنفها وتمنع لبنها. قال الجعدى: وما نحنى كمناح العلوق ما تربى غرة تضرب يُنْظَر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1530).
(3)
يُنْظَر: الهداية (2/ 464).
(4)
وفي (ب): (كيلا).
(5)
يُنْظَر: الهداية (2/ 464).
(6)
الاستبراء: هو لغة: طلب البراءة؛ وشرعا: التربص الواجب على كاملة الرق بسبب تجديد ملك أو زوال فراش مقدرا بأقل ما يدل على البراءة، فلو باع جارية ثم اشتراها في المجلس ثبت الاستبراء فيها تقديرا عند الحنفية، يُنْظَر: كتاب الكليات (1/ 104).
(7)
الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وشرحه النافع الكبير لأبي عبدالله مُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ طبعته دار عالم الكتب ببيروت سنة 1406 هـ ويقع في جزء واحد وله شروحات كثيرة منها شرح البزدوي وشرح التُّمُرْتَاشِي.
(8)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وشرحه النافع الكبير لمن يطالع الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 176).
(9)
هو الإمام الكبير، فخر الدين قاضي خان، الحسن بن منصور بن أبي القاسم محمود الأوزجندي الفرغاني، وله "الفتاوي المشهورة، وشرح الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" قال عنه أبو المحاسن محمود الحصيري: هو سيدنا القاضي الإمام، والأستاذ فخر الملة ركن الإسلام، بقية السلف، مفتي الشرق. (ت 592 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 383)، الطبقات السنية (3/ 116)، سير أعلام النبلاء (21/ 231)، الأعلام (2/ 224).
(10)
المحبوبي: هو جمال الدين أبو الفضل عبيدالله بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز بن مُحَمَّد بن جعفر بن هارون بن مُحَمَّد بن أحمد بن محبوب بن الوليد بن عبادة بن الصامت الانصاري العبادي المحبوبي البخاري الحنفي، انتهت إليه معرفة المذهب، والمعروف بأَبِي حَنِيفَةَ الثاني، مات سنة (630 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 336)، سير أعلام النبلاء (22/ 345).
(11)
زيادة من (ب).
فإن قيل: ما الفرق بين هذه المسألة وبين ما إذا كان لرجل أربع نسوة طلق واحدة منهن بعينها ثم نسيها يؤمر بالبيان ولا يفرق وههنا يفرق.
قلنا: أن الزوج هناك يتمكّن من دعوى نكاح ثلاث منهنّ بِأعيانهنّ لأنّ نكاح كلّ واحدة منهنّ كان ثابتًا بيقين فيمكن الزّوج بدعوى ثلاث منهن تمسكًا بما هو ثابت بيقين وأمّا ههنا فنكاح كلّ واحدة منهما غير ثابت بيقين فلا يتمكّن من دعوى النكاح في واحدة منهما تمسكًا بما هو ثابت فلذا قال بالتّفريق كذا في الفوائد الظهيريّة أو للضّرر أي في حق المرأة لأنّ كل واحدة منهما تبقى معلقة لأدات تعل ولا مطلقة وإذا عيّن أحديهما جاز أن تكون الأخرى هي الأولى فتتضر هي بالفرقه أو المعيّنة لوقوعها في الوطئ الحرام ولكن الأولى من الصّور الثّلاث/ هي [المعينة]
(1)
المثبتة في شروح الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(2)
.
ولهما نصف المهر بينهما نصفان لأنا تيقنا أن نكاح أحديهما قد صحّ وهي الأولى منهما ثم وقعت الفرقة بينه وبينهما بسبب مضاف إلى الزّوج وهو التّجهيل فصار كالطّلاق فكان لها نصف المهر وليست أحديهما بهذا الاستحقاق بأولى من الأخرى فيجعل القدر المستحق بيقين بينهما نصفين أو يقول كل واحدة منهما إن كانت سابقة فلها نصف المهر وإن كانت متأخرة فلا شيء لها فيكون لكلّ واحدة منهما ربع المهر.
وروى هشام
(3)
عن مُحَمَّد
(4)
-رحمهما الله- عليه مهر كامل بينهما نصفين لأنّ الزّوج أقرّ بجواز نكاح أحديهما وإذا جاز نكاح أحديهما وجب المهر كاملاً فلا يسقط شيء منه ما لم يطلقها.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وشرحه النافع الكبير لمن يطالع الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 176).
(3)
هِشَام بن عبيدالله الرَّازِيّ: فقيه حنفي، من أهل الري. أخذ عن أبي يوسف ومُحَمَّد، صاحبي الإمام أَبِي حَنِيفَةَ، ومن آثاره: النوادر في فروع الفقه، وصلاة الاثر، ومات سنة (201 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 205)، الأعلام (8/ 87).
(4)
هو: مُحَمَّد بن الحسن بن فرقد، من موالي بني شيبان، أبو عبدالله، إمام بالفقه والأصول، وهو الذي نشر علم أَبِي حَنِيفَةَ، أصله من قرية حرستة، في غوطة دمشق، وولد بواسط، ونشأ بالكوفة، فسمع من أَبِي حَنِيفَةَ وغَلَبَ عليهِ مذهبه وعُرف به، وانتقل إلى بغداد، فولاه الرشيد القضاء بالرقة ثُمَّ عزله، ولما خرج الرشيد إلى خراسان صحبه، فمات في الري، قال الشَّافِعِي:(لو أشاء أن أقول نزل القرآن بلغة مُحَمَّد بن الحسن، لقلت، لفصاحته) ونعته الخطيب البغدادي بإمام أهل الرأي، له كتبٌ كثيرة في الفقه والاصول، منها (الْمَبْسُوطِ) في فروع الفقه، و (الزيادات) و (الجامع الكبير)، و (الْجَامِعِ الصَّغِيرِ)، و (الآثار)، و (السير) توفي بالري سنة (189 هـ). يُنْظَر: تاج التراجم (1/ 18)، تاريخ بغداد (2/ 172)، طبقات الحنفية (2/ 42).
وعن أبي يوسف
(1)
(2)
رحمه الله قال لا يجب على الزّوج شيء لأنّ المقضيّ له مجهول وجهالة المقضي له تمنع القضاء كمن قال لرجلين لأحدكما عليّ ألف درهم لا يكون لأحدهما أن يأخذ منه شيئاً ما لم يصطلحا كذا ههنا قال الفقيه أبو اللّيث
(3)
رحمه الله: - يحتمل أنّ المراد ههنا من قوله: للمرأتين نصف المهر إذا اصطلحنا عليه فكان موافقاً لما روي عن أبي يوسف رحمه الله كذا ذكره الإمام المحبوبي
(4)
قيل لابدّ من دعوى كلّ واحدة منهما بأن ادّعت كلّ واحدة منهما أنّها هي الأولى.
وأمّا إذا قالتا لا ندري أيّ النكاحين كان أولاً لايقضي لهما بشيء حتّى يصطلحا لأنّ الحقّ للمجهولة فلابدّ من الدّعوى أو الاصطلاح ليقضي لهما كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(5)
لِقَاضِي خَانْ رحمه الله وصورة الاصطلاح هي أن يقولا عند القاضي لنا عليه المهر وهذا الحق لايعدونا فيصطلح على أخذ نصف المهر فيقضي القاضي كذا بخط شيخي-رحمه الله.
(6)
«ولَا تَسْأَلُ امْرَأَةٌ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا في صَحْفَتِهَا فإنّ الله هو رازقها»
(7)
، وهذا الحديث يرويه رجلان من الصّحابة ابن عبّاس وجابر-رضي الله عنهما وهو مشهور تلقته العلماء بالقبول والعمل به كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(8)
.
(1)
أبو يوسف: هو القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي، قاضي الكوفة، العلامة، المجتهد، قال عن نفسه: صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة (ت 182 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (8/ 535)، الجواهر المضية (2/ 220)، طبقات الفقهاء (1/ 134).
(2)
ينظر: البحر الرائق (3/ 104).
(3)
هو: نصر بن مُحَمَّد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه، أبو الليث المعروف بإمام الهدى، تفقه على الفقيه أبو جعفر الهندواني وهو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة. يُنْظَر: سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (16/ 322)، (الجواهر المضية (2/ 196)، الأَعْلَام للزركلي (8/ 27).
(4)
هو جمال الدين أبو الفضل عبيدالله بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز بن مُحَمَّد بن جعفر بن هارون بن مُحَمَّد بن أحمد بن محبوب بن الوليد بن عبادة بن الصامت الانصاري العبادي المحبوبي البخاري الحنفي، انتهت إليه معرفة المذهب، والمعروف بأَبِي حَنِيفَةَ الثاني، (ت 630 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 336)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (22/ 345)، الوافي بالوفيات (19/ 229).
(5)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وشرحه النافع الكبير لمن يطالع الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 176).
(6)
حديث جابر رضي الله عنه قال: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا» . رواه أحمد في مسنده برقم (14633)(3/ 338)، وهذا حديث صحيح، وفي البخاري بلفظ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا». كتاب النكاح باب لا تنكح المرأة على عمتها برقم (5108) يُنْظَر: صحيح البخاري نسخة طوق النجاة (1/ 22)، وفي مسلم بلفظ «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا» . كتاب النكاح باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها برقم (1408)(2/ 1029).
وعن ابن عباس رضي الله عنه في الترمذي باب ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها برقم (30)(3/ 431) وقال الترمذي حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند عَامَّة أهل العلم.
(7)
متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا، لِتَسْتَفْرِغَ (لِتَكْتَفِئَ، لِتَكْفَأَ) صَحْفَتَهَا (مَا فِي إِنَائِهَا)، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» . وفي مسلم (فَإِنَّمَا لَهَا مَا كَتَبَ اللهُ لَهَا)، (فَإِنَّ اللهَ عز وجل رَازِقُهَا).
(8)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 195).
فإن قلت: ما فائدة التكرار لحكم واحد بصيغتين مختلفتين في موضعين.
فإنّ المراد من قوله عليه السلام: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا»
(1)
هو أن لا يجمع بينهما في النكاح ثم جمع المرأة بينها وبين عمتها هو عين جمع المرأة بينها وبين ابنت أختها وكذلك الجمع بين المرأة وخالتها هو عين الجمع بينها وبين ابنت أختها.
قلت: قال شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السّرخسي
(2)
رحمه الله ذكر هذا النفي من الجانبين إمّا للمبالغة في بيان التّحريم أو لإزالة الإشكال لأنّه ربما يظنّ ظان أن نكاح ابنة الأخ على العمّة لا يجوز ونكاح العمّة على ابنة الأخ يجوز لتفضيل العمّة كما لا يجوز نكاح الأمة على الحرّة ويجوز نكاح الحرّة على الأمة فبيّن رسول الله عليه السلام ثبوت هذه الحرمة من الجانبين
(3)
لإزالة الإشكال وهذا مشهور تجوز الزّيادة على الكتاب بمثله.
فإن قلت: الزيادة إنما تجوز بالمشهور على كتاب الله تعالى إذا كانت تلك الزّيادة زيادة محضة وليس بينهما وبين الكتاب معارضة صورة كما في زيادة المسح على الخف وزيادة التتابع في كفارة اليمين وههنا معارضة محضة بين هذا الحديث وبين قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
(4)
فحينئذ كان الحديث ناسخًا للكتاب من كلّ وجه وليس فيه شائبة البيان وليس ذلك للخبر المشهور.
قلت: فيه وجهان:
أحدهما: أنّ قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
(5)
عام خصّ منه البعض وذلك لأنّ قوله ما وراء ذلكم إشارة إلى المذكور قبله وهو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}
(6)
إلى هذه الآية وليس فيه ذكر المشركات فكانت المشركات مخصوصة [منه]
(7)
، فحينئذ تجوز الزّيادة به وبما دونه.
(1)
سبق تخريجه (ص 90).
(2)
هو: مُحَمَّد بن أحمد بن أبي سهل؛ أبو بكر؛ السَّرَخْسِي من أهل سرخس بلدة في خراسان. ويلقب بشمس الأئمة. كان إمامًا في فقه الحنفية، وعلامة حجة متكلمًا ناظرًا أصوليًّا مجتهدًا في المسائل. أخذ عن الْحُلْوَانِيّ وغيره. توفي سنة 483 هـ. من تصانيفه:(الْمَبْسُوطِ) في شرح كتب ظاهر الرواية في الفقه؛ و (الأصول) في أصول الفقه.
يُنْظَر: الفَوَائِد البهية: ص (158)؛ والجواهر المضية: (2/ 28)، والأَعْلَام للزركلي:(6/ 208).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 195).
(4)
سورة النساء من الآية: 24.
(5)
سورة النساء من الآية: 24.
(6)
سورة النساء من الآية: 23.
(7)
ساقط من (ب): [منه].
والثّاني: أنّ معنى قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
(1)
؛ أي ما وراء المذكور [قيل]
(2)
هذا والملحق به وهو المشركات وهذا من قبيل الملحق به في التّحريم، وذكر شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السّرخسي رحمه الله وجهين فيه بعد ذكر النسخ وقال أو نقول هذا الحديث مبين لما في الكتاب وليس بناسخ لأنّ الحلّ في الكتاب مفيد بشرط مبهم وهو قوله:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}
(3)
، وهذا الشّرط مبهم والحديث ورد لبيان ما هو مبهم في الكتاب ورسول الله عليه السلام بعث مبينًا قال الله تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}
(4)
أو يقول هذا مقدر للحرمة المذكورة في الكتاب فإنّ الله تعالى ذكر في المحرّمات الجمع بين الأختين لأن بينهما رحمًا يفترض وصلها ويحرم قطعها وفي الجمع قطيعة/ على ما يكون بين الضّرائر من العداوة فبين رسول الله عليه السلام أن كلّ قرابة يفترض وصلها فهي في معنى الأختيّه في تحريم الجمع والتي بين العمة وابنة الأخ قرابة يفترض وصلها حتّى لو كانت أحديهما ذكر والأخرى أنثى لا يجوز النكاح بينهما صيانة للرّحم وكذلك إذا ملك عتق عليه تحرّزًا عن قطيعة الرّحم لما روينا من قبل وهو قوله عليه السلام: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»
(5)
، وقال زفر
(6)
رحمه الله-لا يجوز وأسند هذا القول في (الْمَبْسُوطِ)
(7)
إلى ابن أبي ليلى رحمه الله.
ولكنّا نستدلّ بحديث عبدالله بن جعفر
(8)
فإنه جمع بين امرأة علي رضي الله عنه وابنته
(9)
ثم المانع من الجمع قرابة بين المرأتين أو تشبيه القرابة في الحرمة كالرّضاع وذلك غير موجود بين هاتين وما قاله ابن أبي ليلى إنّما يعتبر إذا تصوّر من الجانبين كما في الأختين وذلك لأنّ الاصل في حرمة الجمع بين المرأتين الجمع بين الأختين لأنّه هو المنصوص عليه والذي نحن فيه فرع عليه فيجب أن يكون الفرع على وفاق الأصلي والحرمة هناك من الجانبين فكذا هنا.
(1)
النساء: 24.
(2)
وفي (ب): (قبل).
(3)
سورة النساء من الآية: 24.
(4)
سورة النحل من الاية: 44.
(5)
سبق تخريجه (ص 75).
(6)
هو: زُفَر بن الهذيل بن قيس من بلعنبر، كنيته أبو الهذيل الكوفي، وكان من أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ، يروي عن يحيى ابن سعيد الأنصاري، روى عنه شداد بن حكيم البلخي، وأهل الكوفة، وكان زُفَر متقنًا حافظًا قليل الخطأ، وكان أقيس أصحابه وأكثرهم رجوعا إلى الحق إذا لاح له، ومات بالبصرة (158 هـ).
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (6/ 339)، الجواهر المضية (1/ 243)، وفيات الأعيان (2/ 317).
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 196).
(8)
عبدالله بن جعفر: هو عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي: صحابي. ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها. وهو أول من ولد بهامن المسلمين. وأتى البصرة والكوفة والشام. وكان كريما يسمى بحر الجود. ومات سنة (80 هـ).
يُنْظَر: الإصابة (4/ 39)، الأعلام (4/ 76).
(9)
رواه ابن أبي شيبة (3/ 496)، والداقطني (4/ 496)، ومصنف عبدالرزاق باب: الرجل يتزوج امرأة الرجل وابنته (7/ 481) رقم (13965)، ذكره البخاري في "باب ما يحل من النساء وما يحرم"(2/ 765)، وابنة علي هذه اسمها: زينب، من فاطمة، وامرأته هي ليلى بنت مسعود.
يُنْظَر: نصب الراية لأحاديث الهداية (3/ 176).
[قوله]
(1)
: لِأَنَّهَا نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ
(2)
. وذلك لأنّ الله تعالى منّ به على عباده بقوله تعالى: {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا}
(3)
، وهو معقول فإن أمهاتها وبناتها يصرن كأمهاته وبناته حتى يخلو بهنّ ويسافر بهن وهذا يكون بطريق الكرامة فلا ينال بالزنى الذي هو محظور محض وحجّتنا في ذلك قوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ}
(4)
، وقد بيّنا [أن]
(5)
النكاح للوطء حقيقة فتكون الآية نصاً في تحريم موطوءة الأب على الابن فالتقييد يكون الوطئ حلالاً زيادة فلا تثبت هذه الزيادة بخبر الواحد ولا بالقياس والدّليل [عليه]
(6)
أن موطوءة الأب بالملك حرام على الابن بهذه الآية دلّ أنّ المراد به الوطء لا العقد، وقد نقل مثل مذهبنا على ابن مسعود وابن عبّاس وأبي بن كعب
(7)
، وعمران الحصين رضي الله عنهم
(8)
(9)
، والمعنى فيه أن الزنى حرث للولد فيكون علة لحرمة المصاهرة كالوطء الحلال وبنكاح فاسد ووطء أمة مشتركة كذا في الْمَبْسُوطِ
(10)
.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
يُنْظَر: الهداية (2/ 465).
(3)
سورة الفرقان من الآية: 54.
(4)
سورة النساء من الآية: 22.
(5)
ساقط من (ب).
(6)
ساقط من (ب).
(7)
أبي بن كعب رضي الله عنه: هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد، من بني النجار، من الخزرج، ابو المنذر: صحابي أنصاري، كان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود، مطلعا على الكتب القديمة، يكتب ويقرأ - على قلة العارفين بالكتابة في عصره - ولما أسلم كان من كتاب الوحي. وشهد بدرا وأحد والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتي على عهده. وشهد مع عمر بن الخطاب وقعة الجابية، وكتب كتاب الصلح لأهل بيت المقدس. وأمره عثمان بجمع القرآن، فاشترك في جمعه. وله في الصحيحين وغيرهما 164 حديثاً، مات بالمدينة سنة (21 هـ). يُنْظَر: الإصابة (1/ 180)، الأعلام (1/ 82).
(8)
وفي (ب): (عمرو بن الحصين).
(9)
عمران بن حصين رضي الله عنه: عمران بن حصين بن عبيد، أبو نجيد الخزاعي: من علماء الصحابة. أسلم عام خيبر وكانت معه راية خزاعة يوم فتح مكة، ومات سنة (52 هـ).
يُنْظَر: الإصابة (4/ 584)، الأعلام (5/ 70).
(10)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 205).
قوله: ولنا أنّ الوطء سبب الجزية أي بين الواطئ والموطوءة يعني يصيران كشخص واحد بواسطة الولد.
قوله: وكذلك على العكس أي تصير أصوله وفروعه كأصولها وفروعها حتّى لا يحلّ للزّانية أن تتزوج أب الزّاني أو ابنه.
[قوله]
(1)
: إلا في موضع الضّرورة وهي الموطوءة لأنّه لو قيل بحرمة الموطوءة لما حلت امرأة فيؤدّي حينئذ إلى إبطال المقصود من شرع النكاح وهو التّوالد والتّناسل فلمعنى الضّرورة لم يعتبر ذلك ههنا كما حلت حواء لآدم عليه السلام وقد خلقت منه حقيقة وحرمت [عليه]
(2)
ابنته وهذا لأنّ [العلل]
(3)
الشّرعيّة أمارات لا موجبات وإنّما يثبت الحكم بها في المواضع الذي جعلها الشّرع [علة وقد جعل للشّرع]
(4)
موضع الضّرورة مستثنى من الحرمة بقوله تعالى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}
(5)
ثمّ هذه البعضية لا تختلف بالحلّ والحرمة فلا تختلف حكم الحرمة والوطء محرم إلى آخره جواب عن قوله فلا ينال بالمحظور يعني أن الوطء إنما يوجب حرمة المصاهرة من حيث أنّه سبب الولد فكان قائمًا مقام الولد لأنّه سببه كما أقيم السّفر مقام المشقّة ثم لا عدوان ولا عصيان في المسبّب الذي هو الولد فكذا لا عصيان ولا عدوان في السّبب الذي قام مقامه من ذلك الوجه وهو الزني لأن وصف النائب إنما يؤخذ من وصف المنوب كما في التيمم مع الوضوء.
[قوله]
(6)
: وَمن مسته امْرَأَة بِشَهْوَة حرمت عَلَيْهِ أمهَا وابنتها
(7)
قال الفقيه أبو الليث-رحمه الله
(8)
: وتأويل المسألة إذا صدق الرّجل المرأة أنها مسته عن شهوة ولو كذّبها ولم يقع في أكبر رأيه إنّما فعلت ذلك عن شهوة وينبغي أن لا تحرم عليه أمّها وابنتها كذا ذكره المحبوبي وقاضي خان -رحمهما الله-.
وقال الشّافعي رحمه الله
(9)
لا تحرم فإن قلت قد ثبت بما ذكر في المسألة الأولى أنّ الوطء الحرام لا يوجب حرمة المصاهرة عنده فعلم من ضرورة أنّ المسّ الحرام لا يوجبها أيضاً لأنّ الوطء لا يكون بدون المسّ عن شهوة فما فائدة ذكر المس عنده بعد ذلك قلت إنّما يكون تكراراً أن لو كانت مسألة المسّ مصورة في الحرام لا غير وليس كذلك بل هذه مصورة في المسّ الحلال لكن عندنا/ لا تفاوت بين أن يكون المسّ عن شهوة عن حلال أو حرام في إيجاب حرمة المصاهرة وكذلك عنده لا تفاوت بين المسّ الحلال والحرام في أنّه لا يوجبها فذكر هذه المسألة لإثبات حكم المسّ الحلال وصورة ذلك ما ذكره في الْمَبْسُوطِ
(10)
هي أن يقبّل أمته بشهوة.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
الأنعام من الآية: 119.
(6)
ساقط من (ب).
(7)
يُنْظَر: بداية المبتدى (1/ 59).
(8)
أبو الليث: هو نصر بن مُحَمَّد بن احمد، السمرقندي، الملقب بإمام الهدى، فقيه من أئمة الحنفية، له تصانيف نفيسة منها:"خزانة الفقه "، و"المقدمة فى الفقه"، " وشرح الْجَامِعِ الصَّغِيرِ"، و""مختلف الرواية فى الخلافيات يين أبى حنيفة ومالك والشافعى"، ومات سنة (373 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 370 - 371)، تاج التراجم (1/ 310)، الأعلام (8/ 27).
(9)
اللمس بشهوة هل يوجب في حرمة المصاهرة: ذهب المالكية والشافعية والحنابلة أنه لا يوجب حرمة المصاهرة، وذهب الحنفية أنه يوجب حرمة المصاهرة. يُنْظَر: الاستذكار (ص: 3164)، الأم (5/ 164)، تكملة المجموع (16/ 221)، المغني (9/ 531)، حاشية الدسوقي (2/ 251).
(10)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 207).
ثم أراد أن يتزوج ابنتها عنده يجوز.
وكذلك لو تزوّج امرأة وقبّلها بشهوة ثم ماتت عنده يجوز له أن يتزوّج ابنتها بناء على أصله أن حرمة المصاهرة تثبت بما يؤثر في إثبات النّسب والعدة وليس للتقبيل والمسّ عن شهوة تأثير في إثبات النّسب والعدة.
فكذلك في إثبات الحرمة فيقام مقامه في موضع الاحتياط أي فيقام المس أو النظر مقام الوطء في إثبات حرمة المصاهرة لأنّ حرمة الفرج ممّا يحتاط فيها أكثر ممّا يحتاط في غيرها حتّى أن شبهة البعضيّة بسبب الرضاع قامت مقام حقيقة البعضيّة في إثبات الحرمة دون سائر الأحكام من التوارث ومنع وضع الزكاة ومنع قبول الشّهادة وكذلك لا يقوم المس أو النّظر مقام الوطء في إفساد الصّوم والإحرام ووجوب الاغتسال وإن قام مقامه في حق إثبات حرمة المصاهرة.
فإن قلت: النّظر إلى الفرج ليس كالمسّ عن شهوة ألا ترى أنّه لا يفسد الصّوم وإن اتّصل به الإنزال ولأنّ النّظر إلى الفرج لو قام مقام الوطء باعتبار أنّه سبب داع إلى الوطء لوجب أن يقدم النّظر إلى جمال المرأة أيضاً مقام الوطء لأنّه سبب داع إلى الوطء.
قلت: أمّا الجواب عن الصّوم فقد قلنا إن رعاية الاحتياط في أمر الفرج أشدّ من الرعاية في غيره فلا يلزم من قيام النّظر ههنا مقام المسّ والوطء قيامه مقامه في الصّوم وغيره.
وأمّا الجواب عن الثّاني: فإن التّفاوت ثابت بين النّظرين لما أنّ النّظر إلى الفرج لا يحلّ إلا في الملك بمنزلة المسّ عن شهوة بخلاف النّظر إلى سائر الأعضاء فلا يلزم من ثبوت حرمة المصاهرة في النّظر إلى فرج المرأة ثبوتها في النّظر إلى وجهها
(1)
.
قوله: أو يزداد انتشاراً وهو الصّحيح احتراز عن قول كثير من المشايخ فقال في الذّخيرة
(2)
وكثير من المشايخ لم يشترطوا الانتشار وجعلوا حدّ الشهوة أن يميل قلبه إليها ويشتهي جماعها وما اختاره في الكتاب قول شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السّرخسي وشيخ الإسلام -رحمهما الله- ثم معنى قوله أن ينتشر الآلة أي إذا لم تكن منتشرة قبل النّظر أو المس أو يزداد انتشاراً أي إذا كانت منتشرة قبل هذا ولكن ازدادت قوة وشدة بالنّظر أو المسّ كان ذلك عن شهوة وإلا فلا وهذا إذا كان شاباً قادراً على الجماع فإن [كان]
(3)
شيخًا أو عنّينًا
(4)
فحدّ الشهوة أن يتحرك قلبه بالاشتهاء إن لم يكن متحركاً قبل ذلك ويزداد الاشتهاء إن كان متحرّكًا فهذا هو حدّ الشّهوة وكان الفقيه مُحَمَّد بن مقاتل الرازي
(5)
رحمه الله لا يعتبر تحرك القلب وإنما يعتبر تحرك الآلة وكان لا يفتي بثبوت الحرمة في الشيخ الكبير والعنّين الذي ماتت شهوته حتّى لم يتحرك عضوه بالملامسة.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 208).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 65).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
قال وسُمِّيَ عِنِّيناً لأَنه يَعِنُّ ذكَرُه لقُبُل المرأَة من عن يمينه وشماله فلا يقصده ويقال تَعَنَّنَ الرجل إذا ترك النساء من غير أَن يكون عِنِّيناً، يُنْظَر: لسان العرب (4/ 3140).
(5)
مُحَمَّد بن مقاتل: هو مُحَمَّد بن مقاتل الرازي قاضي الرّيّ من أصحاب مُحَمَّد بن الحسن. كان إمام أصحاب الرأي بالري ومات بها وكان مقدما في الفقه. ومات سنة (248 هـ) وقيل في التي بعدها.
يُنْظَر: لسان الميزان (5/ 388)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 134).
قوله والصّحيح أنّه لا يوجبها احتراز عن اختيار بعض المشايخ فإنّهم قالوا بثبوت حرمة المصاهرة بالمس وإن اتّصل به الإنزال.
ووجه ذلك ظاهر فإنّ بمجرّد المسّ بشهوة تثبت حرمة المصاهرة عندنا فهذه الزيادة وإن كانت لا توجب زيادة حرمة لا توجب خللاً فيها والذي اختاره في الكتاب
(1)
اختيار شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السرخسي
(2)
، وفخر الإسلام
(3)
علي البزدوي -رحمهما الله- وقد نصّ مُحَمَّد رحمه الله في أن الجماع في الدّبر لا يثبت حرمة المصاهرة وكذا النّظر إلى موضع الجماع من الدبر بشهوة في باب إتيان المرأة في غير مأتيها من الزيادات وهذا أصحّ لأنّ المسّ المجرّد والنّظر المجرّد.
إنّما يوجب حرمة المصاهرة لكونه سبباً للوطء الذي هو سبب للحرمة وباتّصال الإنزال تبيّن أنّ ذلك المسّ لم يكن بهذه الصّفة، فلا يثبت به حرمة المصاهرة كذا في الذّخيرة
(4)
والتتمة
(5)
.
ولهذا يعلم أن معنى قولهم أنّ حرمة المصاهرة لا تثبت بالمسّ عند الإنزال هو أنّ حرمة المصاهرة عند ابتداء المسّ عن شهوة كان أمراً موقوفاً أنّه هل يتصل به الإنزال أم لا فإن اتّصل فلا يثبت وإن لم يتّصل فيثبت لا أن يكون معناه أنّ حرمة المصاهرة تثبت/ بالمسّ ثمّ بالإنزال سقط ما ثبت من الحرمة لأنّ حرمة المصاهرة إذا ثبتت لا تسقط أبدًا.
وقال الشافعي رحمه الله
(6)
إن كانت العدة عن طلاق بائن أو ثلاث يجوز والطّلاق البائن الذي هو دون الثلاث على قول الشّافعي رحمه الله إنما يكون في الطّلاق على مال لا غير لما أنّ الكتابان عنده رواجع والخلع فسخ وليس بطلاق فتعيّن هذا كالنّفقة والمنع والفراش والمعنى من الفراش هو ضرورة
(7)
المرأة بحال لو جاءت بولد يثبت النّسب منه وهذا كذلك ما دامت العدّة والحد لا يجب على إشارة كتاب الطّلاق وعلى عبارة كتاب الحدود يجب وصورة ما ذكر في كتاب الطّلاق معتدة عن طلاق ثلاث جاءت بولد لأكثر من سنتين من يوم طلقها زوجها لم يكن الولد للزّوج إذا أنكره ففي قوله لا يثبت نسبه منه إذا أنكره دليل على أنّه لو ادّعى يثبت نسبه منه ففيه إشارة إلى أنّ الوطء في العدّة من طلاق ثلاث لا يكون [زنى]
(8)
إذ لو كان زنى لا يثبت به النّسب وإن ادّعى.
(1)
يقصد بالكتاب كتاب الهداية شرح البداية للمرغيناني رحمه الله.
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 207).
(3)
هو: علي بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد البزدوي، أبو الحسن، فَخْرُ الْإِسْلَام. فقيه، أصولي، محدث، مفسر. ولد في حدود سنة 400 هـ وتوفي سنة 482 هـ، ودفن بسمرقند، من تصانيفه: الْمَبْسُوطِ، شرح الجامع الكبير للشيباني في فروع الفقه الحنفي.
يُنْظَر: معجم المؤلفين (7/ 192)، الطبقات السنية (ص 238)، (تاج التراجم (ص 14)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (18/ 603).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 63).
(5)
التتمة في الفتاوى؛ لبرهان الدين، محمود بن أحمد بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة البخاري المتوفى سنة (616 هـ) والتتمة كتابٌ جمع فيه مصنفه ما وقع إليه من الحوادث والواقعات وضم إليها ما في الكتب من المشكلات وجمع في كل مسألة روايات مختلفة. يُنْظَر: كشف الظنون (1/ 823)، معجم المؤلفين (3/ 796)، الفوائد البهية (ص 336).
(6)
مذهب الشافعي: "أَنْ من طلَّق امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا، فله نِكَاح أُخْتِهَا في عِدَّتِهَا، وَإِن كان رَجْعِيًّا، لم تَحِلَّ أُخْتُهَا حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا يُنْظَر: روضة الطالبين (6/ 112).
(7)
وفي (ب): (صيرورة).
(8)
زيادة من (ب).
وقد نصّ في كتاب الحدود أن من طلق امرأته ثلاثاً ثمّ وطئها في العدّة يجب عليه الحدّ إذا لم يدّع الشبهة فصار في حقّ وجوب الحدّ بوطء المطلّقة الثّلاث في العدة روايتان وجه رواية كتاب الطّلاق هو أنّ النكاح قائم من وجه ما دامت العدّة باقية فكفى ذلك شبهة لدرء الحد ووجه رواية كتاب الطلاق هو أنّ النكاح قائم من وجه مادامت العدّة باقية فكفى ذلك شبهة لدرء الحد ووجه رواية كتاب الحدود هو أنّ الحل ينفي من كل وجه بدليل مقطوع به فلا يصير شبهة لأنّ النكاح قائم في الاختصاص إمساكًا لا استمتاعاً بوجه من الوجوه فصار في حق ما يرجع إلى الحلّ هي وسائر الأجنبيات سواء كذا ذكره فخر الإسلام رحمه الله في الْمَبْسُوطِ
(1)
وذكر في الْمَبْسُوطِ
(2)
، وإذا ثبت أن العدّة حق من حقوق النكاح لما لحق بعمل عمل الحقيقة في إثبات الحرمة، ألا ترى أنّ الحق في جانبها جعل كحقيقة النكاح في المنع من التزوّج فكذلك في جانبه، ثم الحدّ كما يلزمه إذا وطئها يلزمها الحد إذا مكنت نفسها منه ولا يدل ذلك على زوال المنع في جانبها فكذلك في جانبه ولا يتزوج المولى أمته ولا المرأة عبدها وعلى قول نفات القياس يجوز واستدلّوا بقوله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
(3)
وقوله تعالى: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}
(4)
وحجتنا قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}
(5)
فإنّما خاطب الله تعالى المولى بإنكاح الإماء لانكاحهن، ولأنّ العبد إذا تزوج مولاته فهو يستوجب عليها النّفقة بملك اليمين وهي تستوجب عليه النّفقة بالنكاح فيتقاصان ويموتان جوعًا، وفي هذا من الفساد ما لا يخفى والحرّ إذا تزوّج أمته فهذا العقد غير مفيد؛ لأنّ موجب النكاح ملك الحل وملك الحلّ ثابت له تبعًا لملك الرقبة كذا في الْمَبْسُوطِ
(6)
لأنّ النكاح ما شرع إلا مثمراً ثمرات مشتركة بين المتناكحين يعني كما يجب للزّوج على الزّوجة حق يقتضي مالكية الزّوج عليها وهو ظاهر نحو طلب تمكينها منها في الوطء ودواعيه شرعًا بغير اختيارها والمنع عن البروز والخروج والتحصين فكذلك يجب عليه حق يقتضي مالكيتها عليه نحو طلب النفقة [جبراً والسكنى]
(7)
والقسم والمنع عن العزل والقيام في أمورها الرّاجعة إلى الزّوجية فلذلك وقع مشتركًا ما وقع من موجبات النكاح نحو المجامعة والمعانقة والولد لوجود المالكية من الطّرفين كما ذكرنا والمملوكية تنافي المالكية أصلاً فلذلك لا يتحقق النكاح مع المملوكية للتنافي على ما ذكرنا من إشارة الأسرار إلى هذا المعنى في النكاح بلفظ الهبة.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 208).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 208).
(3)
سورة النساء من الآية: 3.
(4)
سورة النساء من الآية: 25.
(5)
سورة النور من الآية: 32.
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 129).
(7)
ساقط من (ب).
قوله والمملوكية تنافي المالكية لأنّ المملوكيّة أثر المقهورية والمالكيّة أثر القاهريّة فبينهما تضاد وتناف.
فإن قلت: إنّما يثبت التنافي إذا لم يكن من جهتين مختلفتين وههنا من جهتين مختلفتين فجاز أن يجتمعا وذلك لأنّ المرأة مالكة بجهة ملك اليمين فجاز أن تكون هي مملوكة لعبدها بجهة النكاح كالأب يكون ابنًا لأبيه.
قلت: ليس هذا نظيره لأنّ هناك اجتمعت الأبوّة والبنوّة في حق شخص واحد لكن باعتبار شخصين مختلفين وهنا في حق شخص واحد وهو المرأة/ باعتبار شخص واحد وهو العبد فيقع التّنافي ولأنّ المرأة بجميع أجزائها مالكة لعبدها فلو جاز النكاح بينهما يكون نصفها مملوكًا لعبدها فباعتبار مالكيّتها يمتنع عن تسليم نصفها وباعتبار مملوكيتها لا يتمكن من الامتناع.
فحينئذ يمتنع ولا يمتنع فيتحقّق التّنافي ويجوز تزويج الكتابيات لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}
(1)
أي العفايف
(2)
وإنّما فسّره بهذا احترازًا عن قول ابن عمر رضي الله عنهما فإنّه فسّر المحصنات بالمسلمات.
فإن قلت: أهل الكتاب مشركون قال الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}
(3)
إلى قوله تعالى: {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}
(4)
وقد ذكر في التيسير والكشّاف
(5)
أنّ اسم أهل الشرك يقع على أهل الكتاب ثم ذكر بعد هذا في الكتاب فلا يجوز تزويج المجوسيّات ولا الوثنيّات لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ}
(6)
فلم يجز هناك نكاح أهل الشرك لإشراكهم وقد أجاز هنا نكاح أهل الكتاب مع أنّهم مشركون على ما ذكرنا فما وجه التّوفيق بين الآيتين والروايتين.
قلت: فيه وجهان:
أحدهما: ما ذكره في الْمَبْسُوطِ
(7)
، وهو أنّ اسم المشرك لا يتناول الكتابي مطلقاً، فإنّ الله تعالى عطف المشركين على أهل الكتاب في قوله:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ}
(8)
وغيره علم أنّ معنى الإشراك صار معلومًا
(9)
فيهم فلم يلتفت لوجوده فكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يجوّز ذلك ويقول أن الكتابية مشركة وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}
(10)
فكان معنى قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}
(11)
أي واللاتي أسلمن من أهل الكتاب ولسنا نأخذ بهذا لما ذكرنا من أنّ الله تعالى عطف المشركين على أهل الكتاب ولأنّا لو حملنا الآية على ما قال ابن عمر لم يكن لتخصيص الكتابية بالذكر معنى فإن غير الكتابية إذا أسلمت حلّ نكاحها أيضاً وقد جاء عن حذيفة رضي الله عنه أنه تزوّج يهوديّة، وكذلك كعب بن مالك رضي الله عنه
(12)
.
(1)
سورة المائدة من الآية: 5.
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 193).
(3)
سورة التوبة من الآية: 30.
(4)
سورة التوبة من الآية: 31.
(5)
يُنْظَر: الكشاف (1/ 360، 596).
(6)
سورة البقرة من الآية: 221.
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 210).
(8)
سورة البيِّنة من الآية: 1.
(9)
وفي (ب): (مغلوبا).
(10)
سورة البقرة من الآية: 221.
(11)
سورة المائدة من الآية: 5.
(12)
أخرجه سعيد بن منصور (1/ 224)، وعبد الرزاق الصنعاني (6/ 78)، مصنف ابن أبي شيبة (4/ 2/ 158)، سنن البيهقي) (7/ 172). صحيح من حديث أبي وائل يُنْظَر: الإرواء برقم (1889) أحرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في الناسخ والمنسوخ ص (90 - 91) رقم (156)، وابن جرير في تفسيره (4/ 366) - (367) بلفظ قريب. وقال ابن كثير عن إسناده:(وهذا إسناد صحيح) تفسير القرآن العظيم (2/ 540).
والثّاني: ما ذكره أهل التّفسير فإنّهم قالوا: قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ}
(1)
الآية منسوخة
(2)
بقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}
(3)
فإن سورة المائدة كلّها ثابتة لم ينسخ منها شيء قط وهو قول ابن عبّاس والأوزاعي رضي الله عنه كذا في التيسير والكشّاف
(4)
سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب أي اسلكوا بهم طريقتهم يعني عاملوهم معاملة هؤلاء في إعطاء الأمان بأخذ الجزية
(5)
منهم كذا في المغرب
(6)
(7)
، ويجوز تزويج الصابيات وهي من صبا إذا خرج من الدّين وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة كذا في الكشّاف
(8)
، وذكر في الصّحاح
(9)
هم جنس من أهل الكتاب والاختلاف فيه مبني على الاختلاف في تفسير الصّابي وهو معروف ويجوز للمحرم والمحرمة [أن يتزوّجا]
(10)
في حالة الإحرام.
فإن قلت: النكاح مما يثبت به حرمة المصاهرة فيجب أن لا يجوز على المحرم قياساً على الوطئ.
قلت: حرمة المصاهرة حرمة تبنى على الاحتياط.
ألا ترى انها تثبت بالاشتباه فإنّ أصل الحرمة متعلّق بالما للبعضيّة ثم [يعرف]
(11)
إلى المحرمية إلى الرّحم ثمّ إلى اللّبن وما في اللّبن بعضيّة حقيقة ولكنّه سبب إلى النشوء والتدني فجاز التعدّي إلى العقد الذي هو سبب الوطء حتّى أن سائر المحرمات لا تتعدّى إلى اللّبن.
(1)
سورة البقرة من الآية: 221.
(2)
النسخ: هو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر، فالحكم المرفوع يُسمي (المنسوخ)، والدليل الرافع يسمى (الناسخ). ينظر: الناسخ والمنسوخ لقتادة (ص: 5 - 6)، وفي معنى النسخ: مقاييس اللغة (5/ 424)، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (41)، مفردات الراغب (ص 511).
(3)
سورة المائدة من الآية: 5.
(4)
يُنْظَر: الكشاف (1/ 360).
(5)
الجزية اسم لما يؤخذ من أهل الذمة والجمع جزى كلحية ولحى لأنها تجزئ عن القتل أي تقضي وتكفي فإذا قبلها سقط عنه القتل. ينظر: البحر الرائق (5/ 119).
(6)
كتاب المُغْرِب في ترتيب المعرب لإبي الفتح ناصر الدين بن عبدالسيد بن علي بن المطرز حقق الْكِتَاب محمود فاخوري وعبدالحميد مختار وطبعته مكتبة أسامة بن زيد في سوريا يقول في مقدمة الْكِتَاب ترجمتُه بكتاب "المُغْرِب في ترتيب المُعْرب" لغرابة تصنيفه ورصانة ترصيفه وإلى الله سبحانه وتعالى أبتهل في أن ينفعني به وأئمةَ الإسلام ويجمعني وإياهم ببركات جمعه في دار السلام.
(7)
يُنْظَر: المغرب (1/ 236).
(8)
يُنْظَر: الكشاف (1/ 285).
(9)
يُنْظَر: الصّحاح (1/ 59).
(10)
ساقط من (ب).
(11)
وفي (ب): (تعدت).
ألا ترى أنّ الصّيد المخلوق من مائي صيدين يحرم على المحرم بالإجماع ولو ربّى ولد شاة بلبن صيد لم يحرم على المحرم وكذلك لو كان ولد شاة من فحل من الظّباء لم يحرم على المحرم وأخذ المائين صيد لأن الصّيد به لم يتكامل فكذلك ههنا لم يتعد الحرمة في حق المحرم من الوطء إلى العقد باعتبار السببيّة لأنّ هذه الحرمة دون حرمة المصاهرة وإلى هذا أشار في الأسرار.
وليّته أي موليّته وما رواه محمول على الوطء أي لا يطأ ولا يمكن المرأة أن يطأها كما هو فعل البعض وقيل هو إخبار عن معتاد أحوال المحرمين أنّهم في إحرامهم لا يستغلون بالإنكاح والنكاح بل هم يستغلون بأمور المناسك من الوقوف والطّواف والرمي كما قال الحاج الشعث النعل ولا يشتغل بالاغتسال لأنّ جواز نكاح الإماء ضروري عنده حتّى أنّه لا يجوز للحرّ أن يتزوج أكثر من واحدة ولا يجوز نكاحها عند طول الحرة ولا يجوز نكاحها [إلا]
(1)
عند خوف العنت وهو الزنى لما فيه من تعريض الحر على الرّق لأنّ الولد/ جزء منه وهو تابع للأمّ في الرّق فلهذا جعل طول الحرة مانعًا منه أي من تزوّج الأمة لإطلاق المقتضي وهو قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
(2)
.
وقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
(3)
وفيه امتناع عن تحصيل الحر في الإقدام على نكاح الأمة امتناع عن حدوث صفة الحريّة في الحرّ لا إرقاقه لأنّه لم يوجد بعد وبعد وجود الماء فالماء موات لا يوصف بالرقية والحريّة إلا بطريق التبعية وله أن لا يحصل الأصل بأن يعزل برضاء المرأة وكذلك نكاح العجوز والعقيم يجوز وفيه تضييع النّسل أصلاً فلأن يجوز نكاح الأمة ولو كان فيه تضييع صفة الحريّة للنّسل أولى
(4)
.
وكذلك إذا تزوّج أمة ثم قدر على طول حرة أو تزوج حرة كان له أن يطأ الأمة بالنكاح بعد ذلك وفيها تعريض ولده للرّق أيضاً وبهذا يتبين أنّ اعتماده على هذا المعنى لا يصحّ.
كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
وهو بإطلاقه حجة على الشّافعي-رحمه الله
(6)
في حق تجويزه ذلك العبد فإنّ الشّافعي
(7)
يجوّز للعبد أن يتزوّج الأمة على الحرّة والكلام فيه يرجع إلى أصل وهو أنّ المنع عن نكاح الأمة على أصله ما كان لمعنى فيها فإنّ الرّق فتح عليها باباً من أبواب المملوكية فلا يسدّ باباً وإنّما المنع في حق الحرّ لمعنى فيه وهو تعريض جزء منه للرّق مع الغنية عنه ولهذا لم يجوز حال القدرة على نكاح الحرة وهذا لا يوجد في حقّ العبد؛ لأنّه رقيق بجميع أجزائه كذا في الإيضاح فثبت به حل المحلية في حالة الانفراد دون حالة الانضمام وذلك لأنّ الحلّ الذي يبنى عليه عقد النكاح نعمة في جانب الرجال والنساء جميعًا فكما ينتصف ذلك الحلّ برق الرجل حتّى يتزوج العبد ثنتين والحر أربعًا فكذلك ينتصف برق المرأة لأنّ الرّق هو المنّصف والرق يشملهما ولا يمكن إظهار هذا التّنصيف في جانبها بنقصان العدد لأنّ المرأة الواحدة لا تحلّ إلا لواحد فظهر التّنصيف باعتبار الحالة فبعد ذلك أمّا أن يقول الأحوال ثلاث حال ما قبل نكاح الحرّة وبحال ما بعده وحال المقارنة ولكن الحالة الواحدة لا تحتمل التحرّي فنقلت الحرمة على الحلّ فتجعل محللة سابقة على الحرّة ومحرمة مقترنة بالحرة أو متأخّرة عنها أو في الحقيقة حالتان حالة الانضمام إلى الحرّة وحالة الانفراد عنها فتجعل محلّلة منفردة عن الحرة ومحرمة مضمومة إلى الحرة فأمّا إذا كان تحته حرة فهو بنكاح الأمة بضمّها إلى الحرّة فلهذا لا يصحّ كذا في الْمَبْسُوطِ
(8)
، ويجوز عندهما لأنّ هذا ليس يتزوج عليها.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
سورة النساء من الآية: 3.
(3)
سورة النساء من الآية: 24.
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 109).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 109).
(6)
لا تحل الأمة المسلمة للحر لمن لم يخشى العنت. يُنْظَر: تكملة المجموع (16/ 237).
(7)
يجوّز للعبد أن يتزوّج الأمة على الحرّة، والحرة على الأمة. يُنْظَر: بداية المجتهد (2/ 42)، الأم (5/ 43).
(8)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 109).
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا تزوّج امرأة في عدة أختها من طلاق بائن فإنّه لا يجوز بالإجماع فما جوابها عن تلك المسألة.
قلت: إنهما يقولان إنّ المحرم هناك الجمع فإذا تزوّجها في عدة أختها صار جامعًا بينهما في حقوق النكاح فلا يجوز، وأمّا هذا المنع فليس لأجل الجمع فإنّه لو تزوّج الأمة ثم الحرّة صحّ نكاحهما ولكن المنع من تزوّج الأمة على الحرّة إدخال ناقصة الحال في مزاحمة كاملة الحال وهذا لا يوجد بعد البينونة
(1)
أو نقول إنّما حرم نكاح الأمة على الحرة ليظهر تنصيف حالها في باب النكاح في مقابلة نكاح الحرة على ما ذكرنا فلا يثبت حكم هذا التنصيف حال الخلوّ عن مقابلة نكاح الحرة ونكاح الحرّة مزايل بالإبانة لأن بعد الفرقة لم يبق بينه وبينها نكاح فلا يكون متزوجًا عليها كما لو كانت الحرة تفيد من نكاح فاسد أو وطئ بشبهة فتزوج أمه يجوز وأبو حنيفة رحمه الله-يقول المنع من نكاح الأمة يثبت بنكاح الحرّة وكلّ منع ثبت بسبب النكاح يبقى ببقاء العدة كالمنع من نكاح الأخت والأربع وهذا لأنّ العدّة حق من حقوق النكاح وحق الشيء كنفس ذلك الشيء في إبقاء الحرمة ونكاح الأمة إنّما لا يجوز بعد الحرّة لأنّها محرمة في هذه الحالة فتبقى تلك الحرمة بقاعدتها فإنّها محرمة مضمومة إلى الحرة وفي هذا نوع ضم في فراش النكاح فأمّا إذا كانت الحرّة معتد من نكاح فاسد فقد قيل أن ذلك قولهما
(2)
.
فأمّا عند أَبِي حَنِيفَةَ –رحمه الله فلا يجوز وبعد التّسليم يقول: هناك المنع لم يكن ثابتًا بالنكاح الفاسد
(3)
حتّى يقال يبقى ببقاء العدّة وإنّما يعتبر في العدّة ما صار معتبراً في أصل النكاح والنكاح الفاسد ضعيف/ في أصله فلم يعمل بمقابلة الصّحيح كذا في الْمَبْسُوطِ
(4)
والأسرار لأنّ المقصود أن لا يدخل غيرها في قسمها ولم يدخل فلا يحنث والتّنصيص على العدد يمنع الزّيادة عليه.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 212).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 117).
(3)
النكاح الفاسد: هو ما ورد الشرع بتحريمه، أو اختل ركن من أركانه. كنكاح المُحِرِم، والمحلَّل، وكالنكاح بلا ولي ولا شهود. والفاسد والباطل لفظان مترادفان مدلولهما واحد عند غير الحنفية إذ الحنفية يقولون إن الباطل: ما لم يشرع بأصله، ولا بوصفه، والفاسد ما شرع بأصله ومنع بوْصفه، إلاّ أنهم في النكاح يوافقون الجمهور وترادف الباطل والفاسد.
ينظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص 337)، رد المحتار (3/ 131)، وشرح حدود ابن عرفة (2/ 377)، وحاشية الدسوقي (2/ 239)، والإحكام في أصول الأحكام (1/ 131)، والمطلع على أبواب المقنع (ص 276).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 117).
فإن قلت: يشكل على هذا قوله عليه السلام: «إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: مِنْ بَوْلٍ، وَغَائِطٍ، وَقَيْءٍ، وَمَنِيٍّ، وَدَمٍ»
(1)
فبالاتفاق أنّ الثّوب يغسل من [غير خمس]
(2)
خمر مع أنّه عليه السلام نصّ على العدد مع كلمة الحصر ويشكل أيضاً قوله عليه السلام: «ثَلَاث جِدُّهُنّ جِدّ»
(3)
الحديث.
…
فقد زيد عليه النذر والعفو عن القصاص والعتاق مع أنّ المذكور هو اليمين والنكاح والطّلاق لا غير.
قلت: قال شيخي رحمه الله معناه إنّما يغسل الثّوب من خمس ممّا يخرج من بدن الآدمي لأنّ هذا الحديث خرج جواباً لسؤال من سأل عن [النجاسة]
(4)
، وهو منحصر على هذا العدد وقد مرّ في الصّلاة.
وأمّا الجواب عن قوله عليه السلام: «ثَلَاث جِدُّهُنّ جِدّ»
(5)
فمذكور في عوارض الوافي ثم الرّوافض تمسكوا بظاهر قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}
(6)
حيث جوّزوا الجمع بين تسع نسوة لما أنّ الواو للجمع فإذا جمعت بين هذه الأعداد كانت تسعًا ولأنّ النبي عليه السلام كان قدوة الأمة وهو جمع بين تسع نسوة وحجّتنا في ذلك قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}
(7)
والمراد أحد هذه الأعداد قال: الفراء رحمه الله
(8)
لا وجه لحمل هذا على الجمع
(9)
لأنّ العبارة عن التسع بهذا اللّفظ ثم من العيّ في الكلام والدّليل عليه قوله تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}
(10)
والمراد أحد هذه الأعداد بالإجماع والنّبي عليه السلام كان مخصوصاً بإباحة تسع نسوة له وهو اتساع حله بفضيله النبوّة فإن بزيادة الفضيلة يزداد الحل كما فيما بين الأحرار والمماليك ولم ينقل عن أحد في حياة رسول الله عليه السلام ولا بعده إلى يومنا هذا أنّه جمع بين أكثر من أربع نسوة نكاحاً وقال عليه السلام: «يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ ثِنْتَيْنِ وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ»
(11)
ممّا يدل على أنّ الحرّ لا يتزوّج أكثر من أربع لأن حال المملوك على النّصف من حال الحرّ كذا في الْمَبْسُوطِ
(12)
وفي مثل قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}
(13)
يراد القصر على أحد هذه الأعداد ونظيره قول الطّبيب للمريض كل لقمة ولقمتين وثلاثاً يريد إطلاق الثلاث لا الجمع بين الأعداد وقد صحّ أنّه عليه السلام فرق بين غيلان الديلمي
(14)
وبين الزيادة على الأربع من نسائه حتّى أسلم وتحته عشر نسوة
(15)
فثبت أنّ الحل مقصود على ما قلنا كذا في مبسوط
(16)
فخر الإسلام، ولأنّ التّأويل لو كان كما قاله الرّوافض من معنى الجمع لجاز ثمانية عشر لأن مثنى معدول من اثنين اثنين وثلاث من ثلاثة ثلاثة ورباع من أربعة أربعة فإذا جمعتها كانت ثمانية عشر وهي لا تجوز بالإجماع علم بهذا أنّ الجمع غير مراد وقال: الشّافعي-رحمه الله
(17)
لا يتزوّج إلا أمة واحدة لأنّه ضروري عنده هذا في حق الحر حتّى أنّه لا يجوز للحرّ نكاح الأمة [مع طول الحرّة]
(18)
وكذلك لا يجوز نكاح الأمة الكتابية لما أنّ الضرورة ترتفع بالمسلمة وأمّا نكاح الأمة في حق العبد ليس بضروري حتّى جاز للعبد نكاح الأمة مع طول الحرّة ونكاح الأمتين وتزوج الأمة على الحرة عنده لأنّ نكاح الأمة في حقّه ليس ببدل إذ ليس فيه تعريض شيء منه للرّق فإنّه رقيق بجميع أجزائه كذا في الْمَبْسُوطِ
(19)
والحجّة عليه ما تلونا وهو قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
(20)
كما في الظّهار أي يتحقق الظّهار في حق الأمة المنكوحة مع أنّ آية الظهار مذكورة بذكر النّساء قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}
(21)
ولا يجوز أن يتزوّج أكثر من اثنتين والمكاتب والمدبّر وابن أمّ الولد في هذا كالعبد لأنّ الرّق المنصف للحل فيهم قائم كذا في الْمَبْسُوطِ
(22)
لأنّه في حقّ النكاح بمنزلة الحرّ عنده فقال: ألا ترى أن بالتبني لا تقع الفرقة ولأنّ العبد يملك أهل ملك النكاح بالإجماع ولو صار مملوكًا في حقّه لما ساوى الحرة فيه كما لا يساويه في حق ملك المال لما صار مملوكًا مالاً فعلمنا أنّه بقي في حق ملك النكاح على ما كان ولهذا قلت إنّه يتزوج بغير إذن مولاه.
(1)
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لم يروه غير ثَابت ابْن حَمَّاد وَهُوَ ضَعِيف. ينظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/ 92)، أخرجه البزار (1/ 131/ 248)، والدارقطني في "سننه"(ص 47)، وكذا أبو نعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 309) من طريق أبي إسحاق، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعه (10/ 414).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
رواه أبو داود كتاب الطلاق باب في الطلاق على الهَزْلِ برقم (2194)، و الترمذى كتاب الطلاق واللعان باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق برقم (1184)، وابن ماجه كتاب الطلاق باب من طلق أو نكح أو راجع لاعبا برقم (2039)، أخرجه الحاكم وقال اسناده صحيح (2/ 216)، وحسنه الألباني في الإرواء برقم (1826).
(4)
وفي (ب): (النخامة).
(5)
سبق تخريجه بنفس الصفحة.
(6)
سورة النساء من الآية: 3.
(7)
سورة النساء من الآية: 3.
(8)
الفراء: هو يحيى بن زياد بن عبدالله بن منظور الديلميّ، أبو زكرياء: إمام الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة: أمير المؤمنين في النحو، ولد في الكوفة سنة (144 هـ)، من مؤلفاته:"معاني القرآن"، ومات في طريق مكة سنة (207 هـ).
يُنْظَر: بغية الوعاة (2/ 333)، الأعلام:(8/ 145 - 146).
(9)
يُنْظَر: معاني القرآن (1/ 253).
(10)
سورة فاطر من الآية: 1.
(11)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى باب نكاح العبد وطلاقه (7/ 158) برقم (14269) بلفظ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ» وقال الألباني رحمه الله: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. يُنْظَر: إرواء الغليل (7/ 150).
(12)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 161).
(13)
سورة النساء من الآية: 3.
(14)
غيلان الديلمي: هو غيْلان بن سلمة الثقفي: حكيم شاعر جاهلي. أدرك الإسلام وأسلم يوم الطائف وعنده عشر نسوة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاختار أربعا، فصارت سنة. وكان أحد وجوه ثقيف، انفرد في الجاهلية بأن قسم أعماله على الأيام، فكان له يوم يحكم فيه بين الناس، ويوم ينشد فيه شعره، ويوم يُنْظَر فيه إلى جماله. وهو ممن وفد على كسرى وأعجب كسرى بكلامه، مات سنة (320 هـ).
يُنْظَر: الإصابة (5/ 253 - 256)، الأعلام (5/ 124).
(15)
رواه أحمد في مسنده (8/ 220 - 221) برقم (4609)، وقال محققوا المسند:"حديث صحيح بطرقه وشواهده، وبعمل الأئمة المتبوعين به"، وصححه الألباني في إرواء الغليل (6/ 291) برقم (1883).
(16)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 54).
(17)
يُنْظَر: تكملة المجموع (16/ 239).
(18)
ساقط من (ب).
(19)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 124).
(20)
سورة النساء من الآية: 3.
(21)
سورة المجادلة من الآية: 3.
(22)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 124 - 125).
ألا ترى أنّه يطلّق بغير إذنه إلا أنّا نحتج بحديث عمر رضي الله عنه أنّه قال: لا يتزوّج العبد إلا امرأتين
(1)
، ولأنّ الذي يتعلّق بصفة الحلّ استحلال فعل/ اقتضاء شهوة الفرج وهو لا يتصور ولا يتزوّج إلا من الجانبين فإنّه في الأصل يقع بالنكاح وحق التّمتع يقع مشتركًا بينهما حتّى أن للمرأة حق المطالبة به كما للرّجل ثم أجمعنا على أنّ ما يكون للمرأة من الاستمتاع المعلّق بصفة الحل يعود إلى الشّرط بالرّق حتّى لو كانت المرأتان الحرتان تحت رجل تستويان في حق القسم ولو كانت أحديهما أمة كان لها نصف ما يكون للحرّة فكذلك في جانب الرّجل إذا كان عبدًا.
وقوله: العبد يملك أصل ملك النكاح فملك أصل الشّيء لا يمنع التنصيف بالرّق كالأمة المنكوحة يملك أصل طلب القسم وتنصيف قيمتها بالرّق على ما ذكرنا والسّبي أحد أسباب ملك الرّقبة فمحلّه المال لا النكاح فلذلك لم تقع الفرقة بالسّبي بعض هذا مذكور في (الأسرار)
(2)
.
وقال أَبُو يُوسُف رحمه الله النكاح فاسد ثمّ في النكاح الفاسد لكلّ واحد من الزّوجين فسخ النكاح بغير محضر من صاحبه عند بعض المشايخ وعند بعضهم إن لم يدخل بها فالجواب كذلك وإن دخل بها فليس لواحد منهما حق الفسخ إلا بمحضر من صاحبه ذكره في الفوائد الظهيريّة وفيها أيضاً وأحاله إلى النّوازل فقال رجل تزوّج امرأة بها حبل من الزّنى منه فالنكاح صحيح عند الكلّ [ويستحق النّفقة عند الكلّ]
(3)
ويحلّ له وطئها عند الكلّ وهذا الحمل محترم لأنّه لا جناية منه فلما كان محترمًا صار كحمل هو ثابت النّسب وفيه لا يجوز النكاح فكذا هنا وذلك لأنّ حرمة النكاح في حمل ثابت النّسب لوجوب صيانة الحمل عن سقيه بماء حرام فإنّ الحمل يزداد سمعه وبصره حده بالوطء على ما روي عن النبي عليه السلام: «أنه أمر بلالاً يؤم أوطاس لينادي ألا من أصاب حبلى فلا يقربنها فإنّ البضع يزيد في السمع والبصر»
(4)
أي البضاع
(5)
والنكاح يفضي إلى ذلك فلم يجز النكاح هناك لهذا فكذلك ههنا ولهما أنّه من المحللات بالنصّ وهو قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
(6)
فالله تعالى عد المحرمات وهذه غير داخلة في عداد المحرمات فكانت داخلة في عداد المحلّلات ضرورة ولأنّ حرمة الحبل لا تمنع صحة النكاح فإنّه لو تزوّجها من كان نسب الحبل منه يصحّ فعرفنا أنّ المانع حق صاحب النّسب وهذا المعنى غير موجود إذا كان الحبل من الزنى لأنّه لا حق للزّاني وماؤه غير مصون كذا ذكره صاحب الفوائد والمحبوبي.
(1)
رواه الدار قطني (4/ 475)، البيهقي (7/ 255)، مصنف بن أبي شيبة (3/ 464)، وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم (2067).
(2)
يُنْظَر: شرح فتح القدير (3/ 241).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
رواه أحمد (17/ 326)، أبو داود كتاب النكاح باب وطء السبايا برقم (2157)، صححه الألباني في الارواء برقم (187).
(5)
وفي (ب): هامش توضيح (أي الجماع).
(6)
سورة النساء من الآية: 24.
وذكر الإمام التمرتاشي
(1)
رحمهم الله ولا نفقة لها وقيل لها ذلك ولا يباح وطئها ولا دواعيه وعدتها بوضع الحمل وقيل لا بأس بوطئها بخلاف الأمة الحامل من الزنى لا يقربها المولى قبل.
وكذا الخلاف لو زوّجت نفسها من الزّاني ولم يقر الزّاني بأنّ الحبل منه فإن أقرّ صحّ النكاح عند الكلّ تستحق النفقة لأنّه غير ممنوع عن وطئها.
قلت: فالحرف الذي يدور عليه الخلاف هو أنّ امتناع التّزوج في الحامل التي كان حملها ثابت النّسب لماذا فعند أبي يوسف رحمه الله لحرمة الحبل وصيانته عن سقيه بماء حرام لأنّه لا ذنب له فيضاف وعندهما امتناع التزوّج لحق صاحب الماء وذلك إنّما يكون عند ثبوت النّسب ولا حرمة للزاني فيجوز نكاحها فإن تزوّج حاملاً من السّبي فالنكاح فاسد صورتها الحربيّة الحامل إذا سبيت فأراد السّابي أن يزوّجها لا يجوز ما لم تضع حملها لأنّ نسب ما في بطنها ثابت من زوجها الحربي فالأنساب تثبت في دار الحرب كثبوتها في دار الإسلام
(2)
ومتى
(3)
كان النّسب ثابتًا من آخر [لم]
(4)
يكن هي محلاً للنكاح في حق غير صاحب النّسب ما لم تفرغ منه وكذا المهاجرة إلى دارنا إذا كانت حاملاً ليس لها أن تتزوّج ما لم تضع حملها لأن في بطنها ولدًا ثابت النسب وروى الحسن عن أَبِي حَنِيفَةَ -رحمهما الله- في المهاجرة والمسبيّة أنّها إن تزوجت جاز النكاح ولكن لا يقربها زوجها حتى تضع حملها وإن لم تكن حاملاً يجوز النكاح لأنّ الفرقة وقعت بتباين الدّارين كذا ذكره الإمام المحبوبي رحمه الله وإن زوج أم ولده وهي حامل منه فالنكاح باطل
(5)
ذكر لفظ الباطل هنا ولفظ الفاسد فيما تقدّم.
وذكر فخر الإسلام-رحمه الله في مبسوطه المراد من الفاسد هناك أيضاً الباطل لأنّ ثبوت الملك في باب النكاح مع المنافي وإنّما يثبت الملك ضرورة تحقّق المقاصد من حلّ الاستمتاع للتّوالد/ والتّناسل فلا حاجة إلى عقد لا يتضمّن المقاصد فلا يثبت الملك ولكن بقي ههنا سؤال تخصيص العبارة هنا بالباطل وهناك بالفاسد.
(1)
الإمام التُّمُرْتَاشِيّ: هو أحمد بن إِسماعِيل التُّمُرْتَاشِيّ، أبو العباس، ظهير الدين الْخَوَارِزْمِيّ: عالم بالحديث، على مذهب أَبِي حَنِيفَةَ، كان مفتي خوارزم. نسبته إلى تمرتاش قرية من قرى خوارزم. له شرح الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. ومات سنة (610 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضيئة (1/ 61)، تاج التراجم (1/ 108)، الأعلام (1/ 97).
(2)
ينظر: المبسوط للسرخسي (31/ 31).
(3)
وفي (ب): (وهي).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 59)، وسبق الكلام على تفريق الحنفية بين النكاح الفاسد والباطل (ص 149).
قلنا: أمّا في تزويد الحامل من الزنا [قط]
(1)
لأنّ الحرمة فيها مختلف فيها خصوصاً على رواية النّوازل التي ذكرناها فكانت الحرمة فيها أهون من الحرمة هنا فذكر لذلك الفاسد دون الباطل وكذلك في المسبية على رواية الحسن عن أَبِي حَنِيفَةَ -رحمهما الله- على ما ذكرنا لأنّها فراش لمولاها لوجود حدّ الفراش لأنّ الفراش عبارة عن صيرورة المرأة متعيّنة لثبوت نسب ولد الرّجل منها وهذا كذلك وذكر الإمام المحبوبي-رحمه الله.
اعلم بأنّ الفراش على ثلاثة أنواع قوي وضعيف ووسط الحال فالقوي فراش النكاح ولهذا لو جاءت المنكوحة بولد يثبت نسبه من غير دعوى ولو نفاه الزّوج لا ينتفي لمجرّد النّفي من غير لعان والمتوسّط فراش أمّ الولد حتّى لو جاءت بولد يثبت النّسب من غير دعوى ولو نفاه ينتفي بمجرّد النّفي من غير لعان والضّعيف فراش الأمة حتّى لو جاءت بولد لا يثبت نسبه من المولى من غير دعوى منه
(2)
.
قوله إلا أنّه غير متأكّد حتّى ينتفي الولد بالنّفي من غير لعان.
فإن قيل: إذا كان الولد ينتفي نسبه بمجرّد النّفي ينبغي أن يجوز النكاح وإن كانت حبلى لأن الإقدام على النكاح يكون نفياً للنّسب لما أنّ النكاح لا يجوز مع ثبوت النسب عن الغير وهذا لأنّ النّسب كما ينتفي بالنّفي صريحًا [ينتفي بالنفي]
(3)
دلالة بدليل أنّ الرّجل إذا كانت له جارية ولدت ثلاثة أولاد في بطون مختلفة فادّعى المولى الأكبر ثبت نسب الأكبر وينتفي نسب الأوسط والاصغر لدلالة نفي نسبهما بتخصيص نسب الأكبر.
قلنا: ما ذكرتم عمل بالدّلالة مع قيام الصّريح بخلافهما فإن المسألة مصورة فيما إذا كان الحمل منه فإنّه قال رجل زوج أم ولده وهي حامل منه كذا في الفوائد الظهيريّة.
وقوله: إلا أنّه غير متأكّد إلى آخره جواب إشكال يرد على قوله لأنّها فراش على مولاها وهو أن يقال يشكل لما إذا زوجها وهي حامل فإنّه يجوز فلو كانت أمّ الولد فراشاً لمولاها لما جاز نكاحها عند كونها حاملاً لما أنّ الجمع بين الفراشين الصّحيحين لا يجوز فأجاب عنه فقال نعم كذلك إلا أن فراشها ضعيف فيتأكّد عند اتّصال الحمل بها منه وإنّما تأكّد به لأن الحمل مانع في الجملة وكذلك الفراش مانع أيضاً فعند اجتماعهما يحصل التأكّد لأنّها ليس بفراش لمولاها لانعدام حدّ الفراش الذي ذكرناه إذ لو كانت متعينة لثبوت النّسب منها لثبت من غير دعوة إلا أنّ عليه أن يستبرئها صيانة لمائه أي الاستبراء على المولى بطريق الاستحباب
(4)
دون الحتم ثم تزوّجها صيانة لمائه فللزّوج أن يطأها قبل الاستبراء عند أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يوسف-رحمهما الله- وهذا [الاختلاف]
(5)
فيما إذا لم يستبرئ المولى أمّا إذا استبرئها المولى ثم زوّجها فإنّه يجوز الوطئ قبل الاستبراء بالاتّفاق.
(1)
وفي (ب): (فظاهر).
(2)
انظر: النتف في الفتاوى، للسغدي (ص 310).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
الاستحباب في اللغة: كالاستحسان، يقال: استحبه عليه أي اختاره عليه وآثره. ينظر: لسان العرب (1/ 289)، مختار الصحاح (ص: 65)، تاج العروس (2/ 234).
وفي الاصطلاح: ما طلب الشارع فعله من غير إلزام، بحيث يمدح فاعله ويثاب، ولا يذم تاركه ولا يعاقب. ومن أسمائه: المندوب، والتطوع، والنفل، والحسن، والمرغَّب فيه، والفضيلة. ينظر: التعريفات (ص: 213)، أصول السرخسي (1/ 17)، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (2/ 302 - 303).
(5)
زيادة في (ب).
وذكر الإمام المحبوبي-رحمه الله من المشايخ من قال لا اختلاف بينهم في الحاصل فإنّ أبا حينفة رحمه الله قال للزّوج أن يطأها بغير استبراء واجب ولم يقل لا يستحب ومُحَمَّد رحمه الله لم يقل هو أيضاً واجب.
ولكنّه قال لا أحب أن يطأها وعند زفر
(1)
رحمه الله لا يجوز للرّجل أن يتزوّجها حتّى تحيض ثلاث حيض بناء على أصله أنّه لا يجوز نكاح الزّانية بعد الزّنى إلا بعد أن تحيض ثلاث حيض؛ لأنّ العدة تجب عنده حلالاً كان أو حراماً قال الفقيه أبو الليث
(2)
رحمه الله وهو قول مُحَمَّد رحمه الله أقرب إلى الاحتياط وبه نأخذ لأنّه احتمل الشغل بماء المولى فوجب التنزّه يعني أن سبب الشّغل قد وجد وهو الوطئ ولو تحقّق الحمل حرم الوطئ كيلا يكون ساقياً ماؤه زرع غيره فإن احتمل وجب التنزّه صيانة لمائه عن الخلط كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(3)
لِقَاضِي خَانْ-رحمه الله.
قوله: فوجب التنزّه أي ثبت لا الوجوب المصطلح بدليل قران قوله فيما قبله لا أحب أن الحكم بجواز النكاح أمارة الفراغ فلا يؤمر بالاستبراء لأنّ النكاح لم يشرع إلا على رحم فارغة فلما جاز النكاح [على الفراغ]
(4)
علم الفراغ ولما علم الفراغ جاز الوطئ من غير استبراء.
فإن قيل: يشكل على هذه النكتة جواز نكاح الحبلى من الزنى وحرمة وطئها على قول أَبِي حَنِيفَةَ/ ومُحَمَّد -رحمهما الله- على ما مرّ فلم يدل هناك جواز النكاح على حلّ الوطء فكيف [دلّ]
(5)
هنا
(6)
.
قلنا: هذا طرد لا نقص لما أنّ جواز النكاح ثابت في الصّورتين بالمقتضى وهو قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}
(7)
لكن الوطء هناك حرام لوجود الحمل حقيقة لئلا يكون الوطءساقياً زرع غيره فلم يدل جواز النكاح هناك على حلّ الوطء لوجود الحمل حقيقة.
(1)
زفر: هو زفر بن الهذيل بن قيس العنبري، من تميم، أبو الهذيل: الفقيه المجتهد، من أصحاب الإمام أَبِي حَنِيفَةَ. أصله من أصبهان. ولد سنة (110 هـ). أقام بالبصرة وولي قضاءها ومات بهاسنة (158 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (8/ 38 - 40)، الأعلام (3/ 45).
(2)
هو نصر بن مُحَمَّد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه أبو الليث المعروف بإمام الهدى، صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة، صاحب كتاب "تنبيه الغافلين" وله كتاب "الفتاوى"(ت 373 هـ).
ترجمته في: الجواهر المضية (2/ 196)، سير أعلام النبلاء (16/ 322)، تاج التراجم (3/ 544).
(3)
يُنْظَر: شرح الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 179).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
زيادة في (ب).
(6)
انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (3/ 48).
(7)
سورة النساء من الآية: 24.
وأمّا ههنا الأمة ليست بفراش المولى ولا حمل فيها حقيقة فلو كانت إنّما كان حكمًا وشرعًا فكان جواز النكاح شرعًا دليلاً على فراغ رحمها حكمًا مع أنّ الظّاهر هو أن يمتنع المولى من الإحبال بالعزل تصوّنًا عن إفساد ملكه.
قوله رحمه الله: لا استحبابا ولا وجوباً بخلاف الشّرى
(1)
، وإنّما آخر قوله وجوباً مع أنّه يقتضي التقدم لقوّته ولاستلزام عدم الاستحباب عدم الوجوب.
بخلاف العكس ليتّصل بقوله: بخلاف الشّرى فإنّ الاستبراء فيه واجب ثم وجه ورود الشّرى فيه هو أنّ جواز الشّرى لم يدل على فراغ الرّحم فينبغي أن لا يدلّ جواز النكاح أيضاً على فراغ الرّحم والجامع بينهما تجويز الوطء.
فالجواب عنه أن حلّ الوطء في النكاح قصدي وفي الشّرى ضمني فيجوز أن يدلّ جواز السّبب القصدي على فراغ الرّحم وإن لم يدل جواز السّبب الضمني عليه لأنّه يجوز مع الشّغل أي لأنّ الشّرى يجوز مع شغل الرّحم يحمل من غير المولى فلذلك لم يدل جواز الشّرى على فراغ الرّحم فيجب الاستبراء على المشتري صيانة لمائه عن سقي زرع الغير أمّا جواز النكاح فيدلّ على فراغ الرّحم لما قلنا فلذلك لم يجز نكاح الحامل.
وأمّا نكاح الحامل من الزّنا على قولهما إنّما جاز للحوق ذلك الحمل بالعدم لانعدام احترام صاحب الماء وكذا لو رأى امرأة تزني فتزوجها حلّ الوطئ لإطلاق قوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ}
(2)
، ولا يقال ينبغي أن لا يحلّ لأنّه احتمل الشغل بماء الزّاني ودليل الحرمة راجح عند معارضته بدليل الحل.
لأنا نقول تعارض الاحتمالان وهما وجود الحمل وعدمه فبعد ذلك رجحنا جانب العدم لأصالته ولتقوى الأصاله هنا بانعدام حرمة صاحب الماء ولأنّ مجرّد احتمال الشغل لا يعارض إطلاق قوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ}
(3)
، ونكاح المتعة
(4)
باطل
(5)
فصورته أن يقول لامرأة خذي هذه العشرة لأتمتع بك أو لأتمتع بك أيامًا أو متعيني نفسك أيامًا [أو عشرة أيّام]
(6)
أو لم يقل أيّام والنكاح المؤقت أن يتزوّج امرأة عند الشّهود عشرة أيّام والفرق بينهما هو أن يذكر لفظ التّزويج والنكاح في المؤقت مع ذكر التّوقيت ولفظ المتعة في نكاح المتعة.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 195).
(2)
سورة المؤمنون من الآية: 6.
(3)
سورة المؤمنون من الآية: 6.
(4)
نِكاح المُتْعَة: هُوَ النِّكاح إِلَى أجَلٍ مُعَيَّن، وَهُوَ مِنَ التَّمَتُّع بِالشَّيْءِ: الانْتفاع بِهِ. يُقَالُ: تَمَتَّعْتُ بِهِ أَتَمَتَّعُ تَمَتُّعاً. وَالِاسْمُ: المُتْعَة، كَأَنَّهُ يَنْتفع بِهَا إِلَى أمَدٍ مَعْلُومٍ. وَقَدْ كَانَ مُباحاً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ حُرِّم، وَهُوَ الْآنُ جَائِزٌ عِنْدَ الشِّيعة. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 292).
(5)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 59).
(6)
ساقط من (ب).
ثم في نكاح المتعة خلاف مالك رحمه الله فإنّه يجوز عنده
(1)
، وهو الظّاهر من قول ابن عبّاس واستدلّ بقوله تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
(2)
.
ولأنا اتّفقنا أنّه كان مباحًا فإنّ النبي عليه السلام أحلّ المتعة ثلاثة أيام من الدّهر في غزاة غزاها اشتدّ على النّاس فيها العزوبه
(3)
، والحكم الثابت يبقى حتى يظهر ناسخه.
ولكنّا نقول قد ثبت نسخ هذه الإباحة بالآثار المشهورة فمن ذلك ما روى مُحَمَّد بن الحنفيّة
(4)
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أن منادي رسول الله عليه السلام نادى يوم خيبر أَلَا إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ الْمُتْعَةِ»
(5)
.
ومنه حديث الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ رضي الله عنه
(6)
قَالَ: «أَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام الْمُتْعَةَ عَامَ الْفَتْحِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَجِئْتُ مَعَ عَمٍّ [لِي]
(7)
إلَى بَابِ امْرَأَةٍ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدَةٌ وكانت بُرْدَةُ عَمِّي أَحْسَنَ مِنْ بُرْدَتِي فَخَرَجَتْ امْرَأَةٌ كَأَنَّهَا دُمْيَةٌ عَيْطَاءُ فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إلَى شَبَابِي وَإِلَى بُرْدَتِهِ، وَقَالَتْ هَلَّا بُرْدَةٌ كَبُرْدَةِ هَذَا أَوْ شَبَابٌ كَشَبَابِ هَذَا ثُمَّ آثَرَتْ شَبَابِي عَلَى بُرْدَتِهِ فَبِتُّ عِنْدَهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ إذا منادي رسول الله عليه السلام يُنَادِي [أَلَّا]
(8)
إنَّ اللَّهَ تَعَالَى - وَرَسُولَهُ يَنْهَاكُم
(9)
عَنْ الْمُتْعَةِ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْهَا»
(10)
ثم الإباحة المطلقة لم تثبت في المتعة قط.
(1)
وأما نكاح المتعة فإنه وإن تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريمه إلا أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم ففي بعض الروايات أنه حرمها يوم خيبر وفي بعضها يوم الفتح وفي بعضها في غزوة تبوك وفي بعضها في حجة الوداع وفي بعضها في عمرة القضاء وفي بعضها في عام أوطاس وأكثر الصحابة وجميع فقهاء الأمصار على تحريمها واشتهر عن ابن عباس تحليلها وتبع ابن عباس على القول بها أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن ورووا أن ابن عباس كان يحتج لذلك لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} وفي حرف عنه إلى أجل مسمى. أي: الأجل البعيد. يُنْظَر: بداية المجتهد كتاب النكاح (2/ 58).
(2)
سورة النساء من الآية: 24.
(3)
رواه مسلم كتاب النكاح باب نكاح المتعة (2/ 1022) برقم (1405).
(4)
مُحَمَّد بن الحنفية: هو مُحَمَّد بن علي بن أبي طالب، الهاشمي القرشي، أبو القاسم المعروف بابن الحنفية: أحد الأبطال الأشداء في صدر الإسلام. وهو أخو الحسن والحسين، غير أن أمهما فاطمة الزهراء، وأمه خولة بنت جعفر الحنفية، يُنسب إليها تمييزا له عنهما. ولد سنة (21 هـ)، ومات سنة (81 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (4/ 110 - 130)، الأعلام (6/ 270).
(5)
رواه البخاري كتاب النكاح، باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة (7/ 12) برقم (5115)، ومسلم كتاب النكاح نكاح المتعة (2/ 1027) برقم (1407).
(6)
الربيع بن سبرة: هو الربيع بن سبرة بن معبد، ويقال بن عوسجة الجهني المدني روى عن أبيه، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهما، وروى له مسلم.
يُنْظَر: الثقات (4/ 227)، تهذيب التهذيب (3/ 244).
(7)
زيادة من (ب).
(8)
زيادة من (ب).
(9)
وفي (ب): (ينهيانكم).
(10)
رواه مسلم كتاب النكاح باب نكاح المتعة (2/ 1025) برقم (1406).
وإنما ثبتت الإباحة المؤقتة بثلاثة أيام فلا يبقى ذلك بعد مضيّ الأيّام حتى يحتاج إلى دليل النسخ، وقال جابر بن زيد
(1)
: ما خرج ابن عبّاس رضي الله عنه من الدّنيا حتّى رجع عن قوله: في الصّرف
(2)
والمتعة
(3)
فثبت النسخ باتفاق الصّحابة، والمراد بقوله تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ}
(4)
الزّوجات فإنه نها عن قوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ}
(5)
/ والمحصن النّاكح كذا في الْمَبْسُوطِ
(6)
.
(1)
جابر بن زيد: هو جابر بن زيد الأزدي البصري، أبو الشعثاء: تابعي فقيه، من الأئمة. من أهل البصرة. أصله من عُمان. صحب ابن عباس. وكان من بحور العلم ولد سنة (21 هـ). ومات سنة (93 هـ).
يُنْظَر: تهذيب التهذيب (2/ 38)، الأعلام (2/ 104).
(2)
رواه الحاكم في مستدركه عن حَيَّان بن عبيدالله العدوي قال سألت أَبَا مجلز عَن الصّرْف فَقَالَ كَانَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنه (لَا يرَى بِهِ بَأْسا مَا كَانَ يدا بيد
…
) فلقِيَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ إِلَى مَتَى تَوَكِّلُ النَّاسَ الرِّبَا؟
…
وَقَالَ فِي آخِره لأبي سعيد جَزَاك الله الْجنَّة ذَكرتني أمرا كنت نَسِيته وَأَنا أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ قَالَ وَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ.
يُنْظَر: مستدرك الحاكم (2/ 49)، وفي الطيوريات بلفظ:(أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ مَوْتِه)(3/ 990).
(3)
يشير لحديث مُحَمَّد بن كعب عن ابن عباس رضي الله عنه قَالَ: " إِنَّمَا كَانَتِ المُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ، كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ البَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ فَيَتَزَوَّجُ المَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ، وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ، حَتَّى إِذَا نَزَلَتِ الآيَةُ: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] "، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه:«فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَى هَذَيْنِ فَهُوَ حَرَامٌ» . رواه الترمذي كتاب أبواب النكاح باب ماجاء في تحريم نكاح المتعة برقم (1122).
يُنْظَر: الدراية (2/ 58)، نصب الراية (3/ 181).
(4)
سورة النساء من الآية: 24.
(5)
سورة النساء من الآية: 24.
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 153).
[قوله]
(1)
قلنا: ثبت النسخ بإجماع الصّحابة
(2)
رضي الله عنهم أي ظهر ثبوت النّسخ الذي كان انتسخ وقت النبي عليه السلام بإجماع الصّحابة أي الصّحابة أجمعوا على أن نكاح المتعة قد انتسخ وقت النبي عليه السلام على ما ذكرنا من الأحاديث في نهي النبي عليه السلام عنه فكان إجماعهم منعقدًا على ثبوت ذلك النهي وإنّما احتجنا إلى هذا لما أنّ الإجماع لا يصلح ناسخًا لحكم الكتاب أو السنّة في المذهب الصّحيح لما عرف فكان تأويله ما قلنا.
ولنا أنّه أتى بمعنى المتعة لما أنّ توقيت الملك بالمدّة لا يكون إلا في المنافع التي تحدث في المدّة ولفظ النكاح يحتمل معنى المتعة لما أنّه في الحقيقة لملك التّمتع بالمرأة وإنما وقع الملك على المرأة شرعًا لا مقتضى لفظ النكاح فصار المحتمل من صدر كلامه محمولاً على الحكم من سياقه لما أنّ العبرة في العقود للمعاني كالمضاربة بشرط أن يكون الرّبح كلّه للعامل كان إقراضاً وبشرط أن يكون الربح كلّه لربّ المال كان إبضاعاً.
وكذلك الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة والحولة بشرط عدم براءة الأصيل كفالة اعتباراً للمعنى وإذا اعتبر المعنى كان متعة ففسد العقد لعدم ركنه وهو اللّفظ الموضوع لهذا العقد لا لشرط فاسد دخل عليه كذا في الأسرار وغيره.
فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا شرط وقت العقد أن يطلقها بعد شهر صحّ النكاح وبطل الشرط فيجب أن يصحّ إذا تزوّجها إلى شهر لما أنّ التّوقيت فيهما موجود.
قلت: هذا الذي ذكرته هو ممّا تشبث به زفر رحمه الله ولكن الفرق بينهما ظاهر وذلك لأنّ الطّلاق قاطع للنكاح فاشتراط القاطع بعد شهر لينقطع به دليل على أنّهما عقد العقد مؤبدًا، ألا ترى أنّه لو صحّ الشرط هناك لا يبطل النكاح بعد مضي شهر فههنا لو صحّ التّوقيت لم يكن بينهما عقد مضى الوقت كما في الإجارة كذا في الْمَبْسُوطِ
(3)
ولا فرق بين ما إذا طالت مدّة التأقيت أو قصرت هذا احتراز عن قول الحسن بن زياد رحمه الله
(4)
.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 195).
(3)
انطر: الْمَبْسُوطِ (5/ 153).
(4)
الحسن بن زياد: هو الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، أبو علي: قاض، فقيه، من أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ، أخذ عنه وسمع منه، وكان عالما بمذهبه بالرأي. ولي القضاء بالكوفة نسبته إلى بيع اللؤلؤ. وهو من أهل الكوفة، نزل ببغداد. وكان أبوه من موالي الأنصار. ومات سنة (204 هـ).
انطر: الميزان (2/ 208)، الأعلام (5/ 245).
فإنّه قال: إن ذكرا من الوقت ما يعلم أنهما لا يعيشان إلى ذلك الوقت كمائة سنة أو أكثر يكون النكاح صحيحًا؛ لأنّ في هذا تأكيد معنى التأبيد، فإنّ النكاح يعقد للعمر بخلاف المدّة القصيرة وعندنا الكلّ سواء؛ لأنّ التّأبيد من شرط النكاح فالتّوقيت يبطل طالت المدّة أو قصرت، كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
ثم جميع المسمّى للتي تحلّ عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وعندهما يقسم على مهر مثلهما وهي مسألة الأصل أي الْمَبْسُوطِ ذكرها في آخر باب المهور فقال: فيه وحجّتهما أن الألف مسمّى بمقابلة البضعين، وإنّما التزمها الزّوج عند سلامة البضعين له فإذا لم [يسمّ]
(2)
له إلا أحديهما لا يلزمه إلا حصّتهما من الألف، كما لو خاطب امرأتين بالنكاح بألف فأجابت أحديهما دون الأخرى، وكما لو اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبّر، والدّليل عليه أنّ الانقسام جعل معتبراً في حق التي لا تحلّ له لما أنّها دخلت في العقد عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله حتّى لا يلزمه الحدّ بوطئها مع العلم، ومن ضرورة دخولها في العقد انقسام البدل المسمّى
(3)
، وعندهما إنّما يجب الحدّ؛ لانتفاء شبهة الحلّ، فإنّ العقد لا ينعقد في غير محلّ الحلّ وسقوط الحدّ من حكم انعقاد العقد.
فأمّا الانقسام فمن حكم التّسمية لا من حكم انعقاد العقد كما لو أجابته إحدى المرأتين دون الأخرى، وأبو حنيفة-رحمه الله احتج في ذلك وقال: ضم التي لا تحلّ له إلى [الشيء]
(4)
يحلّ له في عقد النكاح لغو، فهو بمنزلة [ضم]
(5)
جدار أو أسطوانة إلى المرأة في النكاح، وهناك البدل المسمّى كلّه بمقابلتها دون ما ضمّه إليها فكذلك ههنا، وبيان ذلك: أنّ النكاح تختصّ لمحل الحل؛ لأنّ موجبه ملك الحل، [وبين]
(6)
الحلّ والحرمة في المحلّ منافاة، ففي حق المحرمة العقد مضاف إلى غير محلّه، وانقسام البدل من حكم المعاوضة، والمساواة في الدّخول في العقد، فإذا انعدم ذلك لا يثبت الانقسام، ألا ترى أنّه لو طلق امرأة ثلاثا بألف درهم كان بإزاء كلّ تطليقة ثلث الألف، ولو كان عنده بتطليقة واحدة
(7)
فطلّقها ثلاثاً بألف درهم كانت الألف كلّها بمقابلة الواحدة، وهذا بخلاف ما إذا خاطبهما بالنكاح، [فأجابت أحديهما]
(8)
لأنّهما استويا في الإيجاب حتّى لو أجابتا صحّ نكاحهما جميعًا فثبت حكم انقسام البدل بالمساواة في الإيجاب، وكذلك المدبّر مع العبد فإنّه قال مملوك فيدخل/ في العقد ثمّ يستحقّ نفسه بحق الحريّة، ولهذا لو قضى القاضي بجواز بيعه جاز وسقوط الحدّ على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله من حكم صورة العقد لا من حكم انعقاده وقد وجد ذلك في حق التي لا تحلّ له فأمّا انقسام البدل فمن حكم انعقاد العقد
(9)
.
(1)
انطر: الْمَبْسُوطِ (5/ 153).
(2)
وفي (ب): (يسلّم).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 169).
(4)
وفي (ب): (التي).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
وفي (ب): [أي لو نفت امراته تطليقة واحدة كان يملكها بثنتين وبقيت طلقة واحدة] زيادة في الهامش.
(8)
ساقط من (ب).
(9)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 170).
ومن ادعت عليه امرأة إلى أن قال: وسعها المقام معه؛ بضم الميم، وفتحها فقد ذكر في الصّحاح
(1)
.
وأما المقام والمقام فقد يكون كلّ واحد منهما بمعنى الإقامة ثم قال وقرى {لَا مُقَامَ لَكُمْ}
(2)
بالضمّ أي لا إقامة لكم ولقب المسألة أن قضاء القاضي بشهادة الزّور في العقود والفسوخ في قول أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يوسف -رحمهما الله- أولا [ينعقد]
(3)
ظاهراً، وباطنًا وعند أبي يوسف آخراً وهو قول مُحَمَّد وزفر والشّافعي-رحمهم الله
(4)
ينفذ ظاهراً لا باطنًا والمعنى من النفاذ باطنًا ثبوت الحلّ فيما بينهما وبين الله تعالى وعلى هذا الاختلاف البيع بأن ادّعى رجل على رجل بيع جارية أقام البيّنة ولم يبعها فقضى القاضي بها للمدّعي حلّ له وطئها عند أَبِي حَنِيفَةَ-رحمه الله وكذلك إذا ادعت المرأة الطّلقات الثّلاث على زوجها وأقامت البيّنة فلم يكن طلقها يقضي القاضي بالطّلقات الثّلاث وتزوّجت بزوج آخر حلّ للزّوج الثّاني أن يطأها عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وعند مُحَمَّد رحمه الله لا يحلّ للثّاني ولا للأوّل أن يطأها.
وكذلك الاختلاف في الفسخ بأن ادّعى أحد المتبايعين على صاحبه فسخ البيع وأقام البيّنة وصاحبه لم يكن فسخ البيع ففسخ القاضي البيع ينفسخ بفسخ القاضي وحلّ للبائع عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.
وكذلك في دعوى العتق والنّسب وأجمعوا أنّ قضاء القاضي في الأملاك المرسلة وفي الميراث ينفذ ظاهراً لا باطنًا.
وأمّا في الهبة والصدقة فعن أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله روايتان في رواية ألحقها بالأشربة والأنكحة من حيث أنّه يحتاج فيه إلى الإيجاب والقبول وفي رواية ألحقها بالأملاك المرسلة.
والحاصل أنّ في المسألة أربعة أقاويل: قائل يقول يحلّ للثاني وطئها دون الأوّل وهو أبو حنيفة رحمه الله وقائل يقول لا يحلّ للأوّل وطئها للتهمة ولا للثّاني للحرمة وهو أَبُو يُوسُف ومُحَمَّد - رحمهما الله - وقائل يقول يطأها الأوّل سرًا والثّاني علانية وهو الشّافعي رحمه الله.
وذكر شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السّرخسي-رحمه الله أن على قول مُحَمَّد يحلّ للأوّل أن يطأها قبل دخول الثّاني وإذا دخل لا يحلّ الوطء للأوّل لوجوب العدة عليها من الثاني كالمنكوحة إذا وجبت عليها العدة من [غير]
(5)
الزّوج
(6)
، وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله يأخذ بقولهما في الفتوى فوجه قولهم أنّ القضاء ههنا أما إمضاء لعقد قد سبق أو إنشاء لعقد لم يسبق لا سبيل إلى الأوّل لأنّ العقد لم يسبقه فيمتنع القضاء بالإمضاء ولا سبيل إلى الثّاني لأنّ إنشاء العقد إنّما يكون بالإيجاب والقبول ولم يوجد فلما امتنع القسمان وجب أن لا يحلّ له قربانها لقوله تعالى:{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}
(7)
وأبو حنيفة رحمه الله استدلّ بما روي أنّ رجلاً ادّعى على امرأة نكاحًا بين يدي علي رضي الله عنه فأقام شاهدين فقضى بالنكاح بينهما فقالت المرأة: إن لم يكن بد يا أمير المؤمنين فزوجني منه فقال رضي الله عنه: "شاهداك زوجاك"
(8)
، ولو لم ينعقد العقد بينهما بقضائه لما امتنع من تجديد العقد عند طلبها ورغبة الزّوج فيها وقد كان في تحصينهما من الزنى وكان ذلك منه قضاء بشهادة الزّور والفقه فيه أنّ القاضي قضى بالزّوجيّة في محلّ قابل للزّوجية بأمر الشّرع على وجه لو امتنع عنه يأثم فوجب أن يلزم وإن كانت الشّهادة كاذبة دليله نفاذ قضاء القاضي بالفرقة باللّعان ظاهراً وباطنًا وإن كانت شهادة أحد الزّوجين كاذبة تيقين بالفرقة باللّعان متفرقة إلى
(9)
شهادتهما.
(1)
يُنْظَر: الصحاح (5/ 2017).
(2)
سورة الأحزاب من الآية: 13.
(3)
وفي (ب): (يَنْفُذُ).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (7/ 96)، المحيط البرهاني (8/ 53)، الأم (8/ 292)، تكملة المجموع (18/ 160).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (16/ 184).
(7)
سورة المؤمنون من الآية: 7.
(8)
ذكره ابن عبدالهادي في تنقيح التحقيق (5/ 65) برقم (3246)، وابن قدامة في المغني (10/ 53).
(9)
في (ب): (مفتقرة على).
وأمّا قولهم فإنّ القضاء إما إمضاء لعقد أو إنشاء إلى آخره فيقول القاضي مأمور بالقضاء بما في وسعه عند قيام الحجة شرعًا فالذي في وسعه أن يجعلها زوجة له بطريق الإظهار وإن كان بينهما عقد سابق وبطريق الإنشاء إن لم يكن بينهما عقد سابق/.
فإن قيل: لو كان قضاؤه بمنزلة إنشاء العقد ينبغي أن يشترط حضرة الشّهود عند قوله قضيت عملاً بقوله عليه السلام: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ»
(1)
.
قلنا: عند بعض المتأخّرين من مشايخنا لا ينفذ هذا النكاح في الباطن عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بقوله قضيت إلا بمحضر من الشّهود وإليه مال شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السّرخسي رحمه الله ذكره في الرّجوع عن الشّهادات في الْمَبْسُوطِ
(2)
، وعند بعضهم يصحّ النكاح بغير محضر منهم لأنّ إنشاء النكاح لا يثبت مقصودًا.
وإنما يثبت بمقتضى صحّة قضائه في الباطن وما يثبت مقتضى صحة الشيء لا يراعى شرائطه لو ثبت مقصودًا كالبيع في قوله اعتق عبدك عنّي على ألف درهم وعلى هذا سقوط الإيجاب والقبول أيضاً ثم فيما صرنا إليه حكمة بالغة وهي أن لا يجتمع رجلان على امرأة واحدة يطأها أحدهما بنكاح ظاهر عند النّاس والقاضي والآخر بنكاح باطن وفيه من القبح ما لا يخفى وصيانة الدّين عن القبح واجب
(3)
كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(4)
للإمام المحبوبي رحمه الله والفوائد الظهيريّة بخلاف الأملاك المرسلة أي المطلقة عن إثبات سبب الملك بأن ادّعى ملكًا مطلقاً في الجارية والطّعام من غير تعيين شرى أو إرث حيث ينفذ القضاء ظاهراً لا باطًنا بالاتفاق حتّى لا يحلّ للمقضي له [وطئها]
(5)
ثم إنّما لا يثبت الملك هناك للمقضي له لأنّه لا يتوجّه على القاضي القضاء بالملك لأنّ التكليف بحسب الوسع وليس في وسعه إثبات الملك لإنسان بغير أسباب وفي أسباب الملك كثرة لا يمكن تعيين شيء منهما بدون الحجّة فعرفنا أنّه غير مخاطب بالقضاء بالملك.
وإنّما يصير مخاطباً باليد وذلك نافذ منه فأمّا ههنا توجه عليه القضاء بالنكاح لأنّ طريقه يتعيّن من الوجه الذي قلنا يوضحه أنّ القاضي لا يقول هناك للمدّعي ملّكتك هذا المال بل تقصر يد المدعى عليه من المال وههنا يقول قضيت بالنكاح بينكما وجعلتها زوجة لك ثم فيما ذهب إليه أَبُو يُوسُف ومُحَمَّد- رحمهما الله- من قضاء القاضي بالطلقات الثلاث بشهادة الزّور تعطيل الفرج؛ لأنّها لا تحلّ للأوّل ولا للثّاني ولا يتمكّن من [التزوج]
(6)
بزوج وفيه ضرر عليها وفيما قاله الشّافعي رحمه الله
(7)
اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد وهو قبح، فعرفنا أنّ الأوجه ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله، كذا ذكره الإمام المحبوبي رحمه الله، والله أعلم بالصّواب.
(1)
سبق تخريجه (ص 67).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (16/ 181).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (16/ 182 - 183).
(4)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وشرحه النافع الكبير لمن يطالع الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 178).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
وفي (ب): (الزوج).
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (16/ 183 - 184)، بداية المجتهد (2/ 359)، تكملة المجموع (16/ 191)، المغني (6/ 132).
باب
(1)
في الأولياء والأكفاء
لما فرغ من بيان المحرّمات التي كان خلوا المرأة منها شرطه جواز النكاح شرع في بيان الأولياء، والأكفاء التي هي إحدى شرائط النكاح لكن يوصف الاختلاف في عامتها فقدم بيان المحرمات إمّا لأنّ عامتها ثابت بالكتاب أو لأن حل المحلية بشرط النكاح بالاتفاق بخلاف الأكفاء والأولياء وينعقد نكاح الحرة العاقلة البالغة وروي أن امرأة زوجت ابنتها برضاها [فجاء أوليائها]
(2)
فخاصموها إلى علي رضي الله عنه: فأجاز النكاح
(3)
، وفي هذا دليل على أن المرأة إذا زوّجت نفسها أو أمرت غير الولي أن يزوّجها جاز النكاح وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله سواء كانت بكراً أو ثيّباً إذا زوّجت نفسها جاز النكاح وفي ظاهر الرّواية
(4)
سواء كان الزّوج كُفُؤًا لها أو غير كُفْءٍ فالنكاح صحيح إلا أنّه إذا لم يكن كُفُؤًا لها فللأولياء حق الاعتراض وفي رواية الحسن
(5)
عنه
(6)
إن كان الزّوج كُفُؤًا لها جاز النكاح وإن لم يكن كُفُؤًا لها لا يجوز النكاح أصلاً.
(1)
الباب هو مدخل البيت والباب من الكتاب القسم يجمع مسائل من جنس واحد. ينظر: معجم المعاني.
(2)
زيادة من (ب).
(3)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6/ 197) برقم (10479)، والدارقطني في سننه (4/ 504) برقم (3885)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 181) برقم (13649)، وقال:"وهذا الأثر مختلف في إسناده ومتنه ومداره على أبي قيس الأودي، وهو مختلف في عدالته وبحرية مجهولة، واشتراط الدخول في تصحيح النكاح، إن كان ثابتا والدخول لا يبيح الحرام، والإسناد الأول عن علي رضي الله عنه في اشتراط الولي إسناد صحيح، فالاعتماد عليه وبالله التوفيق"، وانظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه (4/ 1502)، حيث قال محققه:"وما دامت راوية القصة مجهولة كما ذكره الحافظ الدارقطني، فإنه لا يقوى هذا الأثر على معارضة الأدلة الصحيحة الواردة في اشتراط الولي في النكاح التي منها حديث عائشة السابق، لا سيما أن في إحدى روايات القصة أن أباها كان نصرانياً ولا ولاية لكافر على مسلمة".
(4)
ظاهر الرواية: عبارة عن ستة كتب على الراجح صنفها الإمام محمد بن الحسن الشيباني وهي: الأصل المعروف بالمبسوط، الزيادات، الجامع الصغير، الجامع الكبير، السير الصغير والسير الكبير. وإنما سميت بظاهر الرواية: لأنها رويت عن محمد، برواية الثقات، فهي: إما متواترة، أو مشهورة عنه. قال ابن عابدين:"وهي مسائل مروية عن أصحاب المذهب، وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، ويلحق بهم زفر والحسن بن زياد وغيرهما ممن أخذ عن الإمام، لكن الغالب الشائع في ظاهر الرواية أن يكون قول الثلاثة وكتب ظاهر الرواية، كتب محمد الستة المبسوط والزيادات والجامع الصغير والسير الصغير والجامع الكبير، وإنما سميت بظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن محمد بروايات الثقات، فهي ثابتة عنه إما متواترة أو مشهورة عنه". ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، (2/ 1282)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)، (1/ 69).
(5)
هو الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، من أصحاب أَبِي حَنِيفَةَ، سبق ترجمته (ص 125).
(6)
عن الإمام أبي حنيفة.
وكان أَبُو يُوسُف رحمه الله[يقول]
(1)
أولاً: لا يجوز تزويجها نفسها من الْكُفْءٍ أو غير كُفْءٍ إذا كان لها ولي ثم رجع، وقال: إن كان الزّوج كُفُؤًا لها جاز النكاح وإلا فلا ثمّ رجع وقال النكاح صحيح سواء كان الزّوج كُفُؤًا لها أو غير كُفْءٍ وعلى قول مُحَمَّد رحمه الله يتوقف نكاحها على إجازة الولي سواء زوجت نفسها من كُفْءٍ أو غير كُفْءٍ فإنّ إجازة الولي جاز وإن أبطل بطل إلا أنّه إذا كان الزّوج كُفُؤًا لها ينبغي للقاضي أن يجدد العقد إذا أبى الولي أن يزوّجها منه، وعلى قول مالك والشّافعي- رحمهما الله-
(2)
تزويجها نفسها باطل على كل حال، ولا ينعقد النكاح بعبارة النساء أصلاً سواء زوجت نفسها أو ابنتها أو أمتها/ أو توكلت بالنكاح عن الغير، ومن العلماء من يقول: إن كانت غنية شريفة لم يجز تزويجها نفسها بغير رضاء الولي، وإن كانت فقيرة خسيسة يجوز لها أن تزوج نفسها بغير رضاء الولي، ومنهم من فصل بين البكر والثّيب
(3)
، وهو قول أصحاب الظّواهر
(4)
كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
لأنّ النكاح يراد لمقاصده والتّفويض إليهن يخل بها.
فإن قلت: هذا التعليل غير [ممشي]
(6)
في عدم انعقاد النكاح بعبارة النساء فإنّ عند الشّافعي رحمه الله
(7)
لا ينعقد النكاح بعبارة النّساء وإن أذن لها وليّها في النكاح ورأى المصلحة في تزويجها نفسها ذكرها في الأسرار
(8)
.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
اختلف العلماء في مسألة: هل يجوز للمرأة تزويج نفسها؟ وسبب الخلاف: هو اشتراط الولي في النكاح، فذهب الجمهور إلى اشتراط الولي في النكاح، وقالوا: لَا تُزَوِّج الْمَرْأَة نَفْسَهَا، وَذَهَب أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّه لَا يُشْتَرَط الْوَلِيّ، وَيَجُوز أَنْ تُزَوِّج نَفْسَهَا وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا.
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 10)، المدونة (2/ 119)، تكملة المجموع (16/ 149)، المغني (7/ 7)، التمهيد (19/ 90 - 91)، فتح الباري (9/ 187).
(3)
البكر هي التي يكون واطئها مبتدءًا لها، ويقابلها الثيب وهي التي يكون واطئها راجعًا إليها. ويطلق على الرجل والمرأة. ينظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 63)، طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 40)، المغرب في ترتيب المعرب (ص: 49).
(4)
يُنْظَر: المحلى بالآثار (9/ 34 - 36)، بداية المجتهد (2/ 8 - 9).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 10).
(6)
وفي (ب): (موشي).
(7)
يُنْظَر: روضة الطالبين (7/ 50).
(8)
الأسرار في الأصول والفروع، لأبي زيد، عبدالله بن عمرو الدبوسي الحنفي (ت 430 هـ)، وهو مجلد كبير. ينظر: كشف الظنون، لحاجي خليفة (1/ 81).
وكذلك فيما ذكرنا من الْمَبْسُوطِ
(1)
بقوله أو توكلت النكاح عن الغير.
فحينئذ يمكن أن يقال فلمّا كانت مباشرتها بإذن الولي فيها ورؤيته المصلحة في تزويجها نفسها يرتفع الإخلال بالمقاصد
(2)
لأنّه لا يكون بمباشرة الولي إلا هذا وهي قد أتت به فكان كلا الفعلين سواء فيجوز مباشرتها النكاح وليس كذلك قلت هذا التّعليل تعليل أن [لا]
(3)
يفوض إليهنّ أمر النكاح مطلقاً من غير نظر إلى أن يأذن لها الولي بالنكاح أولاً.
وأمّا تعليل عدم جواز مباشرتها النكاح بنفسها وإن أذن لها وليّها هو ما ذكره في الأسرار وقال فقال مُحَمَّد وأَبُو يُوسُف- رحمهما الله- آخراً أنّ المرأة تملك العقد بإذن الولي.
وعند الشّافعي-رحمه الله
(4)
لا تملك لأنّها أنثى فيكون مولياً عليها في النكاح قياساً على الصّغير وهذا لأنّ الولاية عليهنّ لم تثبت بالصّغر بل بالأنوثة حتّى بقيت بعد الكبر بالإجماع على أنّ الولي إذا زوّج البكر كان سكوتها رضا وغير الوليّ إذا زوج لا ينفذ إلا بالرضا باللّسان وكذلك المرأة منهية عن المباشرة بالإجماع مأمورة بالطّلب من الوليّ وإذا طلبت لزم الولي الإجابة ولولا ذلك لما لزمه بطلبها مباشرة العقد كما في مالها وإذا كان كذلك صارت صفة الأنوثة في هذا الباب كالصّغر في باب المال بلغت المباشرة منها.
وذكر في (الْمَبْسُوطِ)
(5)
في دعواه هذا الحكم حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو أنّ النبي عليه السلام: قال: «لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا»
(6)
إنما الزانية هي التي تنكح نفسها وأمّا من شرط الولي فاستدلّ بقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}
(7)
.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 10).
(2)
المقاصد في اللغة: جمع مقصد، وهو: الوجهة أو المكان المقصود. وفي الاصطلاح: لم يتعرض علماء الأصول إلى تعريف المقاصد، والذي يستخلص من كلامهم في ذلك: أنها المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة. ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (38/ 329).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
إذا زَوَّجَ البكر البالغ غير الأب والجد من الأولياء لم يصح حتى يستأذن، وهو إجماع لا خلاف فيه، وفى اذنها وجهان:
أحدهما: لا يحصل الا بنطقها، لان كل من يفتقر نكاحها إلى اذنها افتقر إلى نطقها مع قدرتها على النطق كالثيب وهو المذهب انها إذا استؤذنت فصمتت كان ذلك اذنا منها في النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم اليتيمة تستأمر في نفسها فان صمتت فهو اذنها لانها تستحى ان تأذن بالنطق بخلاف الثيب.
يُنْظَر: تكملة المجموع (16/ 169 - 170).
(5)
يُنْظَر الْمَبْسُوطِ (5/ 11).
(6)
رواه الشافعي في مسنده (2/ 13) بلفظ «لا تُنْكِحُ المَرْأةُ المَرْأةَ فإن البَغيَّ إنما تُنْكِحُ نفسها» ، الدارقطني (4/ 326) بلفظ «لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، إِنَّ الَّتِي تُنْكِحُ نَفْسَهَا هِيَ الْبَغِيُّ، ابن ماجة في كتاب النكاح باب لا نكاح الا بولي برقم (1882) بلفظ «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا» ، وصححه الألباني في الارواء برقم (1841).
(7)
سورة البقرة من الآية: 232.
وقال الشّافعي-رحمه الله
(1)
: هذه أبين آية في كتاب الله [نزل]
(2)
على أن النكاح لا يجوز بغير ولي؛ لأنّه نهى الولي عن المنع وإنّما يتحقّق المنع منه إذا كان الممنوع في يده.
وفيه حديث عائشة رضي الله عنها أنّ النبي عليه السلام قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ وَإِذَا دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا لَا وَكْسَ، وَلَا شَطَطَ
(3)
فَإِنْ أبى فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ»
(4)
.
وأمّا من جواز النكاح بغير وليّ فاستدلّ بقوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ}
(5)
.
وقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
(6)
، وقوله تعالى:{أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}
(7)
أضاف العقد إليهنّ في هذه الآيات فدلّ أنها تملك المباشرة، والمراد بالفصل المنع حساً بأن يحبسها في بيت ويمنعها من أن تتزوّج، أو هذا خطاب للأزواج فإنّه تعالى قال في أوّل الآية:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}
(8)
، ونقول: أن من طلق امرأته وانقضت عدّتها وليس له أن يمنعها من التزوج بزوج آخر
(9)
، وقال عليه السلام:«الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا»
(10)
والأيم اسم لامرأة لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً هذا هو الصّحيح عند أهل اللغة
(11)
وغيره من الأحاديث، وأن عائشة رضي الله عنها زوجت بنت أخيها عبد الرّحمن
(12)
من المنذر بن الزبير
(13)
وهو غائب فلما رجع قال: أو مثلي يفتات عليه في بناته؟ وقالت عائشة رضي الله عنها أو ترغب عن المنذر والله لتملكنّه أمرها وبهذا تبين أن ما رووا من حديث عائشة رضي الله عنها غير صحيح فإن فتي الرّاوي بخلاف الحديث دليل وهن الحديث، ومدار ذلك الحديث على الزهري رحمه الله
(14)
- وأنكره الزّهري وجوّز النكاح بغير ولي ثم هو محمول على الأمة إذا زوجت نفسها بغير إذن مولاها أو على الصّغير أو على المجنونة
(15)
.
(1)
ينظر: الأم، للشافعي (5/ 178).
(2)
في (ب): (تدل).
(3)
قال العلماء: الوكس الغش والبخس، وأما الشطط فهو الجور يقال شط الرجل وأشط واستشط إذا جار وأفرط وأبعد في مجاوزة الحد. شرح النووي على مسلم (11/ 138).
(4)
رواه أحمد (6/ 66)، (166)، وأبو داود في النكاح، باب في الولي. حديث رقم (2069)، (6/ 98، 100)، والترمذي في النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي. حديث رقم (1102)، (3/ 398 - 399)، وابن ماجه في النكاح، باب لا نكاح إلا بولي. حديث رقم (1879)، (1/ 605)، وهو في صحيح أبي داود (1835)، وصحيح الترمذي (880)، وصحيح ابن ماجه (1524)، الإرواء (1840)، المشكاة (1331) وحسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، وابن حبان، وغيرهم.
(5)
سورة البقرة من الآية: 234.
(6)
سورة البقرة من الآية: 230.
(7)
سورة البقرة من الآية: 232.
(8)
سورة البقرة من الآية: 231.
(9)
انظر: تفسير الشافعي (2/ 579)، وتفسير السمعاني (1/ 235).
(10)
رواه مسلم كتاب النكاح، باب استئذان الثيب
…
(2/ 1037) برقم (1421)، أبو داود كتاب النكاح، باب في الثيب (2/ 232) برقم (2098) الترمذي كتاب ابواب النكاح، باب ما جاء في استئمار البكر (3/ 416) برقم (1108)، النسائي كتاب النكاح، باب استئذان البكر (27/ 94) برقم (3260).
(11)
انظر: شرح النووي على مسلم (7/ 203)، شرح صحيح البخاري، لابن بطال (7/ 253)، لسان العرب، لابن منظور (4/ 86) مادة "أيم"، وتاج العروس (31/ 255) مادة "أ ي م".
(12)
عبدالرحمن: هو عبدالرحمن بن عبدالله أبي بكر الصديق ابن أبي قحافة القرشي التيمي: صحابي، ابن صحابي. كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن، و مات في مكة سنة (53 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (2/ 471)، الأعلام (3/ 311).
(13)
المنذر بن الزبير: هو المنذر بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي: من وجوه قريش وشجعانهم في صدر الدولة الأموية. مات سنة (73 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (3/ 381)، الأعلام (7/ 293).
(14)
الزهري: هو مُحَمَّد بن مسلم بن عبدالله بن شِهَاب الزهري، من بني زهرة بن كلاب، من قريش، أبو بكر: أول من دون الحديث، وأحد أكابر الحفاظ والفقهاء. تابعي، من أهل المدينة. ولد سنة (58 هـ)، ومات سنة (124 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (5/ 326)، الأعلام (7/ 97).
(15)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 12).
قوله وجه الجواز أنّها تصرفت في خالص حقّها وهي من أهلها لكونها عاقلة/ مميزه.
فإن قلت: فما جواب أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يوسف -رحمهما الله- عن الحديث الذي نفى النكاح بغير شهادة وبغير ولي في حديث واحد وهو قوله عليه السلام: «لَانِكَاح إِلَّابِوَلِيّ وشَاهِدَي عَدْل»
(1)
حيث اشترطا الشّهود بذلك الحديث ولم يشترطا الولي مع أنّ النّفي فيهما على نسق واحد بل نفي النكاح عند عدم الولي أهم لتقدم ذكره.
فإن قلت: جوز النكاح بغير الولي بالأدلّة التي ذكرنا من الكتاب والسنّة والمعقول وحملا الحديث الذي [هو]
(2)
يقتضي اشتراط الولي على الأمة والمجنونة والصّغيرة فكانا عاملين بهما جميعًا أو حملًا اشتراط الولي على الاستحباب لقيام الدّليل عليه فإنّ المستحبّ أن لا تباشر المرأة العقد ولكن الولي هو الذي يزوّجها وجواز النكاح بغير الولي مرويّ عن عمر وعلي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم
(3)
كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(4)
لِقَاضِي خَانْ.
وأمّا اشتراط الشهود فقد ذكرناه فيما تقدّم.
قوله: وإنما يطالب الولي جواب إشكال يرد على قوله أنها تصرفت في خالص حقها بأن يقال فلما كان النكاح حقّها فلم أمر الولي بالتزويج لكن للولي الإعراض في غير الكفء أي للولي حق الفسخ إذا تزوّجت غير كُفْء ما لم تلد من الزّوج كذا في فتاوى قاضي خان والخلاصة
(5)
.
وأمّا إذا ولدت منه فليس للأولياء حق الفسخ لكيلا يضيع الولد عمّن يربيه.
ولكن ذكر في مبسوط
(6)
شيخ الإسلام
(7)
: وإذا زوّجت المرأة نفسها من غير كُفْءٍ فعلم الولي بذلك فسكت حتّى ولدت أولادًا ثم بدا له أن يخاصم في ذلك فله أن يفرّق بينهما، لأنّ السكوت إنما جعل رضا في حق النكاح في حق البكر نصاً.
(1)
رواه الشافعي بلفظ: (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ)(1/ 291)، ومصنف عبدالرزاق (6/ 195)، والدارقطني (4/ 318)، والطبراني (18/ 142)، البيهقي (7/ 202)، وقال الألباني في الإرواء:"صحيح لشواهده"(6/ 261) برقم (1860)
(2)
ساقط من (ب).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 12).
(4)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 170).
(5)
الخُلَاصَة الغزاليَّة، وتسمى خُلاصة المختصر ونقاوة المُعتصر لحجة الاسلام أبي حامد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغزالي (505 هـ) الْكِتَاب مطبوع بمجلد واحد طبعته دار المنهاج بتحقيق أمجد رشيد مُحَمَّد علي.
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 25 - 26).
(7)
هو كتاب الْمَبْسُوطِ لمُحَمَّد بن الحسن الشَّيْبَانِيّ رحمه الله ويطلق عليه الأصل عند الأحناف وهو مطبوع في خمس مجلدات بتحقيق أبو الوفا الأفغاني طبعته إدارة القرآن والعلوم الإسلامية في كراتشي.
بخلاف القياس
(1)
، كذا كان مكتوباً بخط شيخي-رحمه الله وعن أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يوسف -رحمهما الله- أنّه لا يجوز في غير الكفء جعل في (فتاوى) قاضي خان هذا القول أصحّ وقال والمختار في زماننا للفتوى رواية الحسن وهو ما روى الحسن عن أَبِي حَنِيفَةَ -رحمها الله- أنّه يجوز النكاح إن كان كُفُؤًا وإن لم يكن كُفُؤًا لا يجوز أصلاً.
ولا يجوز للولي إجبار البكر البالغة على النكاح خلافاً للشّافعي
(2)
وابن أبي ليلى-رحمهما الله- فحاصله أن علة الولاية عندنا الصغير وعندهما البكارة حتّى أنّ الصّغيرة إذا طلّقها زوجها بعدما دخل بها وانقضت عدتها كان لأبيها أن يزوجها عندنا فقال الشافعي ليس للأب أن يزوّج البنت الصغيرة حتّى تبلغ فيشاورها لقوله عليه السلام: «الثَّيِّب تُشَاوَر»
(3)
فقد علق هذا الحكم باسم مشتق من [مبني وهو البيتوته]
(4)
فيكون ذلك المعنى هو المعتبر في إثبات هذا الحكم كالزنا والسّرقة.
وحجّتنا في ذلك أنّه ولي من لا يلي نفسه وماله فيستبد بالعقد عليه كالبكر وتأثيره أنّ الشّرع باعتبار صغرها أقام رأى المولى مقام رأيها كما في حق الغلام.
وكما في حق المال [وبالبينونة ولا يرون الصفة]
(5)
والمراد بالحديث البالغة لأنّه علق به ما لا يتحقّق إلا بعد البلوغ وهو المشاورة وفي عكسه أن [الابنة]
(6)
الكبيرة إذا أبت وردّت لم يجز العقد عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى والشّافعي-رحمهما الله-يجوز العقد كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(7)
.
(1)
القياس: قد عرف العلماء القياس بتعريفات كثيرة. منها أن القياس هو: "حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما". ينظر: المعتمد في أصول الفقه، (2/ 443)، العدة في أصول الفقه، أبو يعلى الفراء، (4/ 1317).
(2)
فصل إجبار البكر على التزويج ويجوز للأب والجد تزويج البكر من غير رضاها صغيرة كانت أو كبيرة يُنْظَر: المهذب (2/ 37).
(3)
قال صاحب نصب الراية: غريب بهذا اللفظ، وقال: ابن حجر في الدراية لم أره بهذا اللفظ، ومعناه في الصحيحين من حديث أبي هريرة بلفظ: " لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ،
…
". رواه البخاري كتاب النكاح باب لا ينكح الأب وغيره البكر أو الثيب الا برضاها (7/ 17) برقم (5136)، ومسلم كتاب النكاح باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (2/ 1036) برقم (1419).
يُنْظَر: نصب الراية (3/ 195)، الدراية (2/ 62).
(4)
في (ب): (معني وهو الثيوبه).
(5)
في (ب): (وبالثيوبة لا يزول الصغر).
(6)
وفي (ب): (الأمه).
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 2).
وإنما يملك الأب قبض الصّداق برضاها دلالة وهذا جواب لقوله ولهذا يقبض الأب صداقها بغير أمرها.
وإنما قلنا إنّها أذنت لابنها بقبض صداقها دلالة فإنّ الظّاهر أن البكر [تستحق]
(1)
عن قبض صداقها وأن الأب هو الذي يقبض ذلك لتجهيزها بذلك مع مال نفسه ليبعث بها إلي بيت زوجها فكان له أن يقبض لهذا حتّى لو نهت الأب عن قبض صداقها لم يكن له أن يقبض ذلك عندنا وبعد [البينونة]
(2)
لا توجد هذه العادة لأن التجهيز من الإباء بالإحسان مرّة بعد مرّة لا يكون فصار الأب في المرّة الثّانية كسائر الأولياء كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(3)
.
وإذا استأذنها فسكتت إذا ضحكت فهو إذن جعل السّكوت رضا في ثلاثة عشر موضعًا وهي مذكورة في المحيط
(4)
(5)
وغيره إذا ضحكت كالمستهزيه لا يكون رضا وإن تبسمت فهو
(1)
في (ب): (تستحي).
(2)
في (ب): (الثيوبه).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 3).
(4)
المحيط البرهاني؛ لبرهان الدين محمود بن أحمد بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة البخاري، المتوفى سنة (616 هـ) والمحيط البرهاني كتاب مطبوع في الفقه الحنفي، جمع فيه مصنفه مسائل ظاهر الرواية من كتب ظاهر الرواية؛ لمُحَمَّد بن الحسن الشيباني وألحق به مسائل النواد والفتاوى والواقعات وضم إليها عدداً من الفوائد. يُنْظَر: كشف الظنون (2/ 1619)، معجم المؤلفين (3/ 796)، الفوائد البهية (ص 336).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 56 - 57)، حيث قال: "جعلوا السكوت رضاً في مسائل معدودة:
أحدها: في البكر إذا استأمرها وليها في التزويج.
الثانية: إذا قبض الأب أو الجد مهر البكر البالغة فسكتت كان سكوتها رضاً حتى برئ الزوج.
الثالثة: إذا سكت الشفيع بعدما علم بالبيع ساعة بطلت شفعته كما لو سلم الشفعة.
الرابعة: إذا تواضعا في السر أن يظهر البيع تلجئه ثم قال أحدهما علانية، بمحضر من صاحبه قد بدا لي أن أجعله بيعاً صحيحاً فسكت صاحبه ولم يقل شيئاً .... كان البيع جائزاً.
الخامسة: عبدٌ أسره المشركون فوقع بعد ذلك في غنيمة المسلمين وساقه في قسم واحد من الغانمين فباعه الذي وقع في سهمه ومولاه الأول حاضر عند البيع فسكت لا سبيل له على أخذ العبد بعد ذلك.
السادسة: إذا قبض المشتري البيع والبائع يراه فسكت ولم يمنعه من القبض بطل حقه في الحبس، ذكره الطحاوي رحمه الله في باب المأذون، وهو مخالف لما ذكر محمد رحمه الله في باب الإكراه.
السابعة: مجهول النسب إذا بيع وهو ساكت كان ذلك إقراراً منه بالرق ذُكر في كتاب الإقرار، زاد الطحاوي رحمه الله وقيل له بعد البيع قم مع مولاك فقام فذلك منه إقرار بالرّق.
الثامنة: إذا رأى المولى عبده يبيع ويشتري فسكت صار العبد مأذزوناً في التجارة.
التاسعة: وهب لرجل جارية والجارية حاضرة فقبلها وقبضها في المجلس بمحضر من الواهب ولم يأذن له الواهب بالقبض، ولم ينهه عنه بل هو ساكت، فإنه يثبت له إذن بالقبض استحساناً ويثبت الملك للموهوب له.
ولو قام الواهب عن المجلس قبل قبض الموهوب له لم يصح قبضه حتى يأمره بذلك.
العاشرة: إذا باع بيعاً فاسداً والمبيع حاضر عند العقد فقبضه المشتري بحضرة البائع ولم يمنعه من قبضه وسكت كان إذناً له بالقبض حتى يملكه المشتري، دفع الثمن أو لم يدفع.
الحادي عشر: إذا قال: والله (لا) أُسْكِنُ فلاناً في داري، أو قال: والله لا أتركه في داري وفلان في دار الحالف فسكت الحالف بعد اليمين ولم يقل: اخرج منها حنث. ولو قال اخرج منها فأبى (أن) يخرج فسكت عنه لا يحنث في يمينه.
الثاني عشر: إذا كان الخيار للمشتري فرأى عبده الذي اشتراه يبيع ويشتري فسكت فهو اختيار للبيع وإبطال لخياره، ولو كان الخيار للبائع لا يكون إبطالاً لخياره.
والثالث عشر: إذا سكت عن نفي الولد حتى مضى على ذلك زيادة على يومين لزمه الولد في قول أبي حنيفة رحمه الله، وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله إذا هنئ بالولد فسكت لزمه الولد".
رضاء هو الصحيح من المذهب/ ذكره شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيّ
(1)
رحمه الله.
وفي البكاء عن أبي يوسف رحمه الله روايتان، ومنهم من قال: في البكاء إن كان الدّمع حاراً فهو رد، وإن كان باردًا فهو رضاً. كذا في المحيط
(2)
.
فإن فعل هذا غير ولي يعني فعل الاستئمار والاستئذان غير ولي وهو الأجانب أو قريب ليس بوليّ بأن كان كافراً أو عبدًا أو مكاتبا أو ولي غيره أولى منه بأن استأمر الأخ مع وجود الأب لم يكن رضا حتى يتكلّم به.
وحكى عن الكرخي
(3)
رحمه الله أن سكوتها عند الاستئمار الأجنبي يكون رضا؛ لأنها تستحي من الأجنبي أكثر ممّا تستحيي عن الولي والأصح ما قلنا لأنّ السّكوت جعل رضا بطريق الضّرورة والضّرورة تندفع بجعله رضا في حق الأولياء فلا يجعل رضا في حق الأجانب ولا في حق قريب ليس بولي بأن كان كافراً أو عبدًا كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(4)
لِقَاضِي خَانْ والذي جعل السّكوت رضا في حق الأب، فكذلك جعل سكوتها رضا في حق غير الأب أيضاً كالأخ والعم إذا لم يكن غيره أقرب منه كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
ولا يشترط تسمية المهر هو الصّحيح هذا الاحتراز عن قول بعض المتأخرين.
قال بعض المتأخّرين: يقولون لابدّ من تسمية المهر في الاستئمار؛ لأن رغبتها تختلف باختلاف الصّداق في القلّة والكثرة كذا في الْمَبْسُوطِ
(6)
، وهذا إذا سمّي الزّوج عندهما تسمية يقع لها المعرفة فكان الزّوج كفوًا وسمّى المهر وافراً أمّا إذا أبهم الزوج لم يكن السّكوت رضا وكذلك إذا سمّى الزّوج وسمّى المهر والمهر ليس بوافر وكان المهر وافراً إلا أنّ الزّوج ليس بكفو فالسّكوت لا يكون رضا في حق جميع الأولياء إلا في حقّ الأب والجد عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله والمسألة معروفة كذا في المحيط
(7)
ولو زوجها فبلغها الخبر فسكتت فهو على ما ذكرنا أن يكون رضا.
(1)
شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيّ: هو عبدالعزيز بن أحمد بن نصر بن صالح الْحُلْوَانِيّ البخاري، أبو مُحَمَّد، الملقب بشمس الأئمة: فقيه حنفي. نسبته إلى عمل الحلواء، وربما قيل له "الحلوائي" والْحُلْوَانِيّ بِفَتْح الْحَاء المهلة وَسُكُون اللَّام وَبعدهَا وَاو وفى آخرهَا النُّون مَنْسُوب إِلَى عمل الْحَلْوَى وَبَيْعهَا. كان إمام أهل الرأي في وقته ببخارى، ومات سنة (448 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 318)، الأعلام (4/ 13).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 58).
(3)
سبق ترجمته (ص 64).
(4)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 170).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 4).
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 4).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 55).
وكان مُحَمَّد بن مقاتل رحمه الله يقول إذا استأمرها قبل العقد فسكتت فهو رضاء منها بالنصّ فأمّا إذا بلغها العقد فسكتت فلا يتم العقد لأنّ الحاجة إلى الإجازة ههنا والسّكوت لا يكون إجازة لأن هذا ليس في معنى المنصوص فإن السّكوت عند الاستئمار لا يكون ملزمًا وحين يبلغها العقد الرّضاء يكون ملزمًا فلا يثبت ذلك بمجرّد السّكوت لكنّه ما يقول هذا في معنى المنصوص لأن عند الاستئمار لها جوابان نعم أو لا فيكون سكوتها دليلاً على الجواب الذي يحول الحياء بينها وبين ذلك وهو يعم لما فيه من إظهار الرّغبة في الرجال وهو موجود فيما إذا بلغها العقد كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
وله نظائر كعزل الوكيل وحجر المأذون وإخبار المولى بجناية العبد.
الثيّب تشاور والمشاورة من باب المفاعلة فيقتضي وجود الفعل من الطّرفين وقد وجد النّطق من الولي فينبغي أن يوجد منها والدّليل على أنّ المراد هذا ما ذكر في رواية أخرى، والثّيب يعرب لسانها عنها فدلّ على أنّ النّطق شرط والمشاورة عبارة عن طلب الرأي بالإشارة إلى الوجه الصّواب وذلك لا يكون إلا بالنّطق كذا في مبسوطي شيخ الإسلام وفخر الإسلام -رحمهما الله-
(2)
.
الوثبة يعني الوثوب من فوق والطفرة إلى فوق عنست الجارية بمعني عنست عنوساً إذا صارت عانساً أي نصفاً [مبانة]
(3)
، وهي التي لم تتزوّج وعنسها أهلها عن اللّيث كذا في المغرب
(4)
لأنّها بكر حقيقة.
فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا اشترى جارية على أنّها بكر فوجدها زائلة البكارة بالوثبة فإن له أن يردها بأنّه لم يجدها بكراً فعلم أنّها ليست ببكر حقيقة.
قلت: إنها بكر على التّفسير الذي ذكر في الكتاب
(5)
بأن يصيبها أوّل مصيب لها لكن ولاية الردّ باعتبار فوات شرط المرغوب فيه المثوبة الثّواب وإنّما سمى بها لأنها روجع إليها في العافية والمثابة الموضع الذي يثاب إليه أي يرجع إليه مرّة بعد أخرى والتّثويب هو الدّعاء مرة بعد أخرى ولأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنّ النّاس عرفوها بكراً [فيعتبرونها]
(6)
بالنّطق فيكتفى بسكوتها.
فإن قلت: هذا تعليل في معرض النصّ وهو قوله عليه السلام: «الثَّيِّب تُشَاوَر»
(7)
والتّعليل لإبطال حكم ثابت بالنصّ.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 3).
(2)
يُنْظَر: المبسوط، للسرخسي (4/ 197 - 198)، العناية شرح الهداية (3/ 269).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
يُنْظَر: المغرب (1/ 329).
(5)
ينظر: العناية شرح الهداية (3/ 270).
(6)
وفي (ب): (فيعيبونها).
(7)
سبق تخريجة (ص 139).
وإنما قلنا ذلك لأنّ هذه المرأة ثيب حقيقة وشرعًا، أمّا حقيقة فظاهر؛ لأن وصيها يكون عائدًا إليها وأمّا شرعًا فإنّها تستحق من الوصية للثيب/ دون الوصية للإنكار والمسألة في (الْمَبْسُوطِ)
(1)
و (الأسرار).
قلت: العلّة إذا كانت منصوصة كان عملها في تعميم الحكم مثل سائر المنصوصات وهذا كذلك فإنّ عائشة رضي الله عنها لما أخبرت أنّ البكر تستحي حينئذ قال عليه السلام: «سُكُوتُهَا رِضَاهَا»
(2)
فجعل السّكوت رضا لعلّة الحياء؛ لا لأنّها بكر فيدور الحكم أينما دارت العلّة وحياء التي زنت [مرة]
(3)
في خفية أكثر من حياء البكر من الرغبة في النكاح.
فإن قلت: بين الحيائين فرق فإن حياء هذه حياء معصية فإنها لما لم تستحي عن إظهار الرّغبة في الرّجال على أفحش الوجوب فكيف تستحيي من الرغبة على أحسن الوجوه.
بخلاف حياء البكر فإنّها حياء كرم الطّبيعة وذلك أمر محمود فلا يتقاسان.
قلت: هذا الاستحياء منها أيضاً محمود؛ لأنها تستر على نفسها وقد أمرت بذلك قال عليه السلام: «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا. فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ»
(4)
مع أن علّة الحياء ههنا أكثر من الحياء في البكر فإنّها وإن ابتليت بالزّنى مرة لفرط السّبق وأكرهت على الزّنى لا ينعدم حياؤها بل يزداد لأن في الاستنطاق باعتبار أنّها ثبت ظهور فاحشتها وإشاعة الفاحشة منهيّ عنها قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ}
(5)
.
فلا يجوز إلى هذا أشار في الْمَبْسُوطِ
(6)
لأنّ الشّرع ما [أظهره]
(7)
عليهاحيث علّق به أحكاماً وهي إلزام العدة والمهر وإثبات النسب وههنا الشّرع ما أظهر عليها حيث لم يعلق به شيئاً من الأحكام وأمرها بالستر على نفسها حتّى لو أشتهر حالها بأن أقيم عليها الحد أوصار الزّنى عادة لها، لا يكتفى بسكوتها وهو الصّحيح كذا في الْمَبْسُوطِ
(8)
.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 7).
(2)
رواه البخاري كتاب النكاح باب لا ينكح الأب وغيره البكر أو الثيب الا برضاها (7/ 17) برقم (5137) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يارسول الله إن البكر تستحي قال "رضاها صمتها"، ومسلم كتاب النكاح باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (2/ 1036) برقم (1420).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
رواه مالك في الموطأ (2/ 825) من حديث زيد بن أسلم مرسلًا رقم (1508) ومن طريق مالك أخرجه الشافعي وعنه البيهقى (8/ 326) وقال: (قال الشافعي: هذا حديث منقطع ليس مما يثبت به هو نفسه وقد رأيت من أهل العلم عندنا من يعرفه ويقول به فنحن نقول به)، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا (78/ 11/ 1).
(5)
سورة النور من الآية: 19.
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 7).
(7)
وفي (ب): (اظهر).
(8)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 8).
فإن قلت: يجب أن يكتفى بسكوتها في هاتين الصورتين أيضاً لأنّها داخلة تحت اسم البكر في لسان الشّرع وهو قوله عليه السلام: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ»
(1)
.
قلت: هو قول بعض المشايخ
(2)
وهو ضعيف فإنّ في الموطوءة بالشبهة والنكاح الفاسد هذا موجود أيضاً ولا يكتفي بسكوتها بالإجماع فعرفنا أنّ المعتبر بقاء صيغة الحياء وإنّما [لا]
(3)
ترجم لانعدام شرط الإحصان وهو دخول الزّوج بها بنكاح صحيح إلى هذا أشار في الْمَبْسُوطِ
(4)
لأنّ السّكوت أصل لأنّه عبارة عن عدم الكلام والعدم أصل وكان الردّ عارضاً لأنّ الردّ إنما يكون بالكلام والكلام عارض فكان الردّ عارضاً أيضاً كالمشروط له الخيار إذا ادّعى الرد بعد مضي المدة أي لا يعتبر قول من يدّعي الردّ بل القول قول من يدعي لزوم العقد بالسّكوت بالإجماع لأنّ السكوت هو الأصل والردّ عارض فكان القول قول من يدعي السكوت.
فكذلك ههنا يجب أن يكون القول قول من يدّعي السّكوت وهو الزوج وكذلك الشّفيع مع المشتري إذا اختلفا فقال الشّفيع علمت بالبيع أمس فطلبت الشفعة وقال المشتري بل سكت فالقول قول المشتري لتمسكه بما هو الأصل كذا هنا ولكنّا نقول الزوج يدّعي تملك بضعها وهذا ملك حادث وهو ينكر ثبوت ملكه عليها فكانت هي المتمسكة بالأصل معنى فالقول قولها.
وحاصله أن القول قول المنكر بلا خلاف بيننا وبين زفر-رحمه الله لكن الخلاف في معرفة المنكر وهو يعتبر الإنكار الصّوري في المواضع كلّها كما في الوديعة وغيرها ونحن نعتبر الإنكار المعنوي لأنّه هو المقصود.
وذكر في الْمَبْسُوطِ
(5)
والمسألة في الحقيقة بناء على مسألة أخرى وهي أنّه إذا قال لعبده إن لم تدخل الدّار اليوم فأنت حرّ فمضى اليوم وقال العبد لم أدخل وقال المولى قد دخلت فعند زفر رحمه الله القول قول العبد لتمسّكه بما هو الأصل وعندنا القول قول المولى؛ لأنّ حاجة العبد إلى إثبات الاستحقاق، والظّاهر لهذا لا يكفي؛ لأنّ عدم الدّخول شرط العتق فلا يكفي ثبوت الشّرط بطريق الظّاهر فكذلك ههنا رضاها شرط؛ لثبوت النكاح والظّاهر لا يكفي لذلك.
(1)
رواه مسلم كتاب الحدود باب حد الزاني (3/ 1316) برقم (1690)، وأبو داود كتاب الحدود: باب في الرجم (4/ 144) برقم (4415)، والترمذي كتاب الحدود: باب الرجم على الثيب، (4/ 41) حديث رقم (1434).
(2)
المشايخ: اصطلاح عند الحنفية يقصدون به العلماء الذين لم يدركوا أبا حنيفة من مذهبه، وهو مصطلح عام لدى علماء الحنفية، وقد يخرج بعضهم عنه، كصاحب الهداية حيث يريد بقوله:"مشايخنا" علماء وراء النهر من بخارى وسمرقند. قال ابن عابدين: "وأما المشايخ ففي وقف النهر عن العلامة قاسم أن المراد بهم في الاصطلاح من لم يدرك الإمام". الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)، (4/ 495).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 5).
(5)
يُنْظَر: المرجع السابق نفسه.
فأمّا الشّفيع إذا قال: طلبت حين علمت فالقول قوله وإن قال علمت أمس بالبيع فطلبت أمس وقال المشتري لا بل طلبت الآن فالقول قول المشتري لأن حاجة المشتري إلى دفع استحقاق الشّفيع والظّاهر يكفي لدفع الاستحقاق وكذلك في باب البيع فإن سبب لزوم العقد وهو مضي مدّة الخيار قد ظهر بحاجة الآخر إلى دفع استحقاق مدّة الفسخ والظاهر يكفي/ لذلك فإن أقام الزّوج البيّنة على سكوتها وثبت النكاح
(1)
.
فإن قلت: هذه شهادة قامت على النّفي لما ذكرت أن السّكوت عبارة عن عدم الكلام والشّهادة على النّفي غير مقبولة.
قلت: لا نسلّم مطلق هذه الدّعوى فإنّ الشّهادة على النّفي مقبولة فيما إذا كان علم الشّاهد محيطًا به
(2)
كما إذا ادّعى الزّوج أني قلت قول النّصارى فيما إذا ادّعت المرأة أنّه قال عزير ابن الله ثم ادّعت المرأة [فيما قال]
(3)
لم يقل قول النّصارى وأقامت على ذلك بيّنة حيث يقبل ويفرق بينهما لما أنّه لو قاله لسمعه الشّهود فكذلك ههنا أو نقول بل السّكوت أمر وجودي وهو ضمّ الشّفتين فيلزم منه عدم الكلام فكان السّكوت من لوازمه فحينئذ لا تكون الشّهادة على النّفي وذكر الإمام التمرتاشي-رحمه الله
(4)
فإن أقاما البيّنة فبيّنتها أولى لأنّها تثبت الرد وهو يثبت عدمًا وهو السّكوت لا جرم لو أقامها على أنّها أجازت أو رضيت حين علمت حتّى استويا في الإثبات ترجّحت بينتة لإثبات اللّزوم.
ويجوز نكاح الصّغير والصّغيرة إذا زوّجهما الولي إلى آخره.
وقال ابن شبرمة
(5)
، وأبو بكر الاصم
(6)
- رحمهما الله- أنّه لا يزوّج الصّغير والصّغيرة أحد حتى يبلغا لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}
(7)
فلو جاز التّزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا معنى ولأنّ ثبوت الولاية على الصّغير لحاجة المولى عليه حتّى أن فيما لا يتحقّق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات ولا حاجة بهما إلى النكاح لأنّ مقصود النكاح طبعًا هو قضاء الشّهوة وشرعًا هو النّسل والصّغير ينافيهما وحجتنا قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}
(8)
بيّن الله تعالى عدة الصّغيرة وسبب العدة شرعًا هو النكاح فذلك دليل [قصور]
(9)
نكاح الصغيرة والمراد بقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}
(10)
الاحتلام وحديث عائشة رضي الله عنها وهو أنّ النبي عليه السلام تزوّجها وهي صغيرة ابنة ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين نص في الجواز
(11)
وكذلك سائر ما ذكره من الآثار فإن قدامة ابن مظعون
(12)
رضي الله عنه تزوج ابنة الزبير رضي الله عنه يوم ولدت وقال: إن مت فهي خير ورثتي وإن عشت فهي ابنة الزّبير والمعنى أن النكاح يشتمل على الأغراض والمقاصد فلا يحصل ذلك إلا بين الأكفاء والكفو لا يتفق في كلّ وقت فكانت الحاجة ماسّة إلى إثبات الولاية للولي في صغرها لأنّه لو انتظر بلوغها يفوت ذلك الكفو ولما كان هذا العقد بعقد للعمر فيتحقّق الحاجة فيه إلى ما هو من مقاصد هذا العقد جعلت تلك الحاجة كالمتحقّقة للحال لإثبات الولاية كذا في الْمَبْسُوطِ
(13)
.
(1)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (3/ 126).
(2)
انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص 271).
(3)
في (ب): (أنه).
(4)
ينظر: العناية شرح الهداية (3/ 273).
(5)
ابن شبرمة: هو عبدالله بن شبرمة أبو شبرمة الكوفي قاضيها وهو من فقهاء أهل العراق ولد سنة (72 هـ) ومات سنة (144 هـ).
يُنْظَر: لسان الميزان (7/ 496)، تهذيب التهذيب (5/ 250).
(6)
أبو بكر الأصم: هو عبد الرحمن بن كيسان، ابو بكر الأصم. فقيه معتزلي مفسر، ومات ستة (225 هـ).
يُنْظَر: لسان الميزان (3/ 427)، الأعلام (3/ 323).
(7)
سورة النساء من الآية: 6.
(8)
سورة الطلاق من الآية: 4.
(9)
وفي (ب): (تصور).
(10)
سورة النساء من الآية: 6.
(11)
رواه البخاري كتاب مناقب الأنصار باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم (7/ 17) برقم (5133)، ومسلم كتاب النكاح باب تزويج الأب البكر الصغيرة (2/ 1039) برقم (1422).
(12)
قدامة بن مظعون: هو قدامة بن مظعون بن حبيب الجمحيّ القرشي: صحابي، كان أحد السابقين الأولين، هاجر الهجرتين، وشهد بدرا، ومات سنة (36 هـ). يُنْظَر: الاصابة (5/ 32)، الأعلام (5/ 191).
(13)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 213).
قوله في غير الأب والجدّ إن كان المراد من هذا اللّفظ ولاية الإجبار فالرّواية موافقة لكتب أصحاب الشّافعي رحمهم الله وإلا فهو مخالف فإنّه تثبت الولاية في النكاح لغير الأب والجدّ لكن لا على وجه الإجبار وذكر في الخلاصة الغزالية
(1)
والهادي الأوّل في أصناف الأولياء وهم أربعة الأوّل: الأب وفي معناه الجدّ أبو الأب عند عدم الأب ولهما ولاية الإجبار في حق الابن بشرط صغره وفي حق البنت بشرطين: أحدهما: البكارة والآخر أن يزوجها من كفو فإن كانت ثيباً لم يزوّجها في صغرها ويزوّجها في كبرها برضاها والصّنف الثّاني: العصبات من النّسب سوى الابن ومراتبهم كمراتب عصبات الميراث فلهم ولاية التّزويج وليس لهم تزويج صغيرة يتيمة أصلاً ولا إجبار بالغة ولا تزويج مجنونة وإنّما لهم ولاية الاستئمار
(2)
.
والصنف الثّالث: المعتق وعصباته وحكمهم حكم الصّنف الثّاني ليس لهم ولاية الإجبار والصّنف الرّابع: القضاة وليس لهم ولاية الإجبار إلا في حق المجنونة البالغة إذا لم يكن لها أب وجد.
قوله: وفي الثيّب الصّغيرة أيضاً
(3)
.
أي ويخالفنا الشّافعي في إجبار الثّيب الصّغيرة للأب والجدّ ويقول بعدم ولاية إجبار الثّيب للأب والجد وإن [لم تكن]
(4)
صغيرة إلا أن ولاية الأب تثبت نصًّا بخلاف القياس لأنّه سلب الولاية عن الجدّ خصوصاً في حقّ الصّغيرة فإنّه إذلال وإرقاق معنى ولهذا يحرم نكاح القريبة
(5)
.
ولكن ثبت نصًا وهو أنّ النبي عليه السلام تزوج عائشة رضي الله عنها بتزويج أبيها رضي الله عنه والجدّ ليس في معناه لبعد الجدّ وقرب الأب حتى أن/ للأب ولاية استيلاد جارية الابن مع وجود الجدّ وليس للجدّ ذلك مع وجود الأب علم أنّه ليس في معنى الأب وكذلك تتقدم وصيّة الأب على الجدّ في التصرّفات لا يملك التّصرف في المال مع أنّه أدنى مرتبة لأنّ المال وقاية للنّفس والنفس أنفس كل نفيس.
(1)
كتاب الخلاصة، للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي، أصلها مختصر المزني، وهو عبارة عن اختصار وتحرير وإعادة ترتيب وتقسيم وزيادات في المسائل، وذكر الخلاف على كتاب (المختصر) للإمام إبراهيم المزني. انظر: مقدمة تحقيق الخلاصة، لأمجد رشيد محمد علي (ص 13).
(2)
ينظر: الخلاصة الغزالية (ص 428 - 430).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 198).
(4)
وفي (ب): (كانت).
(5)
انظر: البناية شرح الهداية (5/ 85).
ولنا أنّ القرابة داعية إلى آخره والأصل فيه قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا}
(1)
معناه في نكاح اليتامى وإنّما يتحقق هذا الكلام إذا كان يجوز نكاح اليتيمة وقد نقل عن عائشة رضي الله عنها في تأويل الآية أنّها نزلت في يتيمة تكون في حجر وليّها يرغب في مالها وجمالها ولا [يسقط]
(2)
في صداقها.
[قوله]
(3)
فنهوا عن نكاحين حتّى يبلغوا بهنّ [على]
(4)
سننهنّ في الصّداق والمعنى فيه أنه وليها بعد البلوغ فيكون وليًّا لها في حالة الصغر كالأب والجدّ وهذا لأن تأثير البلوغ في زوال الولاية فإذا جعل هو الولي بعد بلوغها بهذا السّبب عرفنا أنّه وليّها في حالة الصّغر وبه فارق المال لأنّه لا يستفيد الولاية بهذا السّبب في المال بحال وكان المعنى فيه أنّ المال تجري فيه الجنايات الخفية وهذا الولي قاصر الشفقة فربما يحمله ذلك على ترك النّظر لها فأمّا الجناية في النّفس فمن حيث التّقصير في المهر أو الكفاءة، وذلك ظاهر توقف عليه إن فعله فيرد عليه تصرفه كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
.
بخلاف التّصرف في المال لأنّه يتكرّر فلا يمكن تدارك الخلل أي بعد [تداول]
(6)
الأيدي بأن باع الولي من ماله شيئاً ثم باع المشتري إلى آخر أوغاب المشتري فلا يمكن تدارك الخلل الواقع من قصور الشفقة بخلاف النكاح فإن المتناكحين باقيان فيمكن تدارك الخلل وجه قوله في المسألة الثّانية.
وهو قوله: وفي الثّيب الصّغيرة أيضاً وقد ذكرناها.
قوله: إنّ الثيابة سبب لحدوث الزنى.
وفي المغرب
(7)
ثيبت تثييبا إذا صارت ثيباً كعجزت المرأة وثيبت الناقة.
وأمّا الثّيب في جميعها والثيابة والثيوبة في مصدرها فليس من كلامهم [قوله]
(8)
ثم الذي يؤكد كلامنا فيما تقدم وهو قوله ويجوز نكاح الصّغير والصّغيرة إذا زوجهما الولي ذكر الولي مطلقاً وإطلاق الجواب في غير الأب والجدّ يتناول الأم والقاضي أي في إثبات الخيار عند البلوغ أراد بإطلاق الجواب قوله فإن زوجهما غير الأب والجدّ فلكلّ واحد منهما الخيار إذا بلغ.
قوله هو الصحيح احتراز عمّا روى خالد ابن صبيح المروزي عن أَبِي حَنِيفَةَ -رحمهما الله- أنه لا يثبت الخيار وفيما إذا كان القاضي هو الذي زوج اليتيمة فوجهه أنّ للقاضي ولاية تامة تثبت في المال والنفس جميعًا فتكون ولايته في القوّة كولاية الأب ووجهه ظاهر الرّواية أنّ ولاية القاضي متأخرة عن ولاية الأخ والعم فإذا ثبت لهما الخيار في تزويج الأخ والعم ففي تزويج القاضي أولى وهذا لأنّ شفقة القاضي إنّما يكون لحق الدّين والشّفقة بحق الدّين لا تكون إلا من المتيقن بعد التكلّف فيحتاج إلى إثبات الخيار لهما إذا أدركا لننظر لأنفسهما.
(1)
النساء من الآية: 3.
(2)
وفي (ب): (يبسط).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
في (ب): (أعلا).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 214).
(6)
وفي (ب): (بتداول).
(7)
يُنْظَر: المغرب (1/ 72).
(8)
ساقط من (ب).
وكذلك الأم إذا زوجت الصّغير والصّغيرة جاز عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وفي إثبات الخيار لهما إذا أدركا عنه روايتان في إحدى الروايتين لا تثبت لأنّ شفقتها وافرة كشفقة الأب أو أكثر والأصحّ أنّه يثبت لهما الخيار لأنّ لها قصور الرأي مع وفور الشّفقة ولهذا لا تثبت ولايتها في المال وتمام النّظر بوفور الرّأي والشفقة كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(1)
لقصور الرأي في أحدهما أي الأم ونقصان [الشّفقة]
(2)
في الآخر أي القاضي.
ويشترط فيه القضاء أي في فسخ النكاح فيختار البلوغ لأنّ الفسخ ههنا أي في خيار البلوغ لدفع ضرر خفي وهو تمكن الخلل لما أن سبب الخيار قصور شفقة المزوج ولا توقف على حقيقته فكان ضعيفاً في نفسه.
[فكذلك]
(3)
توقف على قضاء القاضي ولأنّ السّبب مختلف فيه لأنّ [من]
(4)
مذهب أبي يوسف رحمه الله أنّه لا خيار لها كما في تزويج الأب ومنهم من رأى الخيار فكان الضرر غير متيقّن به فيحتاج إلى القضاء ليقع إلزاماً على الآخر من كلّ وجه.
قوله ولهذا يشتمل الذكر والأنثى أيضاً
(5)
لتمكن الخلل أي تمكن الخلل ثابت في حقّهما لأن قصور شفقة الولي جاز أن يكون في حق الغلام وجاز أن يكون في حق الأنثى.
وأمّا ثبوت خيار العتق فاعتبار زيادة الملك وذلك يختص بجانب الأمة دون الغلام فلذلك [افتراقا]
(6)
في شمول الخيار/ وعدم شموله.
لدفع ضرر جليّ وهو زيادة الملك أي ملك الزّوج عليها.
فإن قيل: العتق كان [لا]
(7)
يملك مراجعتها في قرائن ويملك عليها تطليقتين وعدتها حيضتان وقد ازداد ذلك بالعتق فكان لها أن تدفع الزّيادة ولا يتوسّل إلى دفع الزّيادة إلا بدفع أصل الملك فكما أن دفع أصل الملك عند انعدام رضاها يتمّ بها فكذلك دفع زيادة الملك.
فأمّا ههنا فالبلوغ لا يزداد الملك وإنّما كان ثبوت الخيار لتوهّم ترك النّظر من الولي وذلك غير متيقّن به فلذلك لم تتم الفرقة إلا بالقضاء فملكت المعتقة دفع ما كان ثابتًا ضمنًا لدفع الزّيادة لا قصدًا.
ولا يقال بأن المرأة إن كانت دافعة للزّيادة فهي مبطلة حق الزوج عمّا كان ثابتا والزّوج يستبقى ملكه الثّابت ثم ثبوت الزّيادة من ضرورات ذلك فلماذا يترجح جانب المرأة لأنّا نقول بلى الزّوج يتضرّر بإبطال ما كان باقياً له إلا أنّ اعتبار جانب المرأة أولى لأنّها تبطل حقاً مشتركًا بينهما لدفع زيادة حق عليها للزّوج والزّوج يثبت لنفسه زيادة حق عليها لاستيفاء حق مشترك بينهما وبينه ولأن الزّوج رضي بهذا الضّرر حيث تزوج الأمة باختياره أمّا المرأة لم ترضى بهذا الضّرر لأنّه لا اختيار لها في النّكاح والحاصل أنّ الفرق بين خيار البلوغ وخيار العتق من خمسة أوجه:
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 216).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
في (ب): (فلذلك).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
وفي (ب): (ايضاح).
(6)
في (ب): (افترقا).
(7)
ساقط من (ب).
أحدها: ما بيّنا بأنّ خيار البلوغ في الفرقة يحتاج إلى القضاء وخيار العتق لا.
والوجه ما بيّنا.
والثّاني: أن خيار المعتقة لا يبطل بالسّكوت بل يمتد إلى آخر المجلس كخيار المخيرة وخيار البلوغ في جانبها يبطل بالسّكوت لأنّ المعتقة إنّما يثبت لها الخيار بتخيير الشّرع حيث قال رسول الله عليه السلام: «مَلَكْت بُضْعَك فَاخْتَارِي»
(1)
فيكون بمنزلة الثّابت بتخيير الزّوج فأمّا هذا الخيار فيثبت للبكر لانعدام تمام الرضاء منها ورضاء البكر يتم بسكوتها شرعًا.
ألا ترى أنّها لو زوّجت بعد البلوغ فسكتت كان سكوتها رضاء فكذلك إذا زوّجت قبل البلوغ ولهذا قلنا لو بلغت ثيباً لا يبطل خيارها بالسّكوت كما لو زوجت بعد البلوغ وكذلك الغلام لا يبطل خياره بالسّكوت لأنّ السّكوت في حقّه لم يجعل رضاء كما لو زوج بعد البلوغ والثّالث أن خيار العتق يثبت للأمة دون الغلام وخيار البلوغ يثبت لهما جميعًا لأن ثبوت خيار العتق باعتبار زيادة الملك وذلك في عتق الأمة دون الغلام وثبوت خيار البلوغ لنقصان شفقة الولي وذلك موجود في حق الغلام والجارية.
ولا يقال بأنّ الغلام ههنا يتمكّن من التخلّص بالطّلاق كما في العتق لأنّا نقول أنّه لا يتمكّن من التخلّص عن المهر بالطّلاق ولم يكن متمكّنًا من التخلّص عند العقد بخلاف العبد فإنّه كان عند العقد متمكّنًا من التخلّص بالطّلاق بدون وجوب المهر فإنّ وجوب المهر كان يومئذ في مال المولى وباعتبار تملك المولى إجباره على النكاح فلهذا فرقنا بينهما.
والرّابع أنّ المعتقة إذا علمت بالعتق ولم تعلم أنّ لها الخيار لا يسقط خيارها حتّى تعلم به والتي بلغت إذا لم تعلم بالخيار وعلمت بالنكاح [فسكتت]
(2)
سقط خيارها لأنّ سبب الخيار في العتق وهو زيادة الملك حتّى لا يعلمه إلا الخواص من النّاس فتعذّر بالجهل وقد كانت مشغولة بخدمة المولى فعذرناها لذلك.
(1)
رواه الدار قطني بلفظ "اذْهَبِي، فَقَدْ عَتَقَ مَعَك بُضْعُك"(4/ 444)، وفي الصحيحين عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ، فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الوَلَاءَ لِمَنْ أَعْطَى الوَرِقَ»، فَأَعْتَقْتُهَا، فَدَعَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا، فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا ثَبَتُّ عِنْدَهُ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا"رواه البخاري كتاب العتق باب بيع الولاء وهبته (3/ 147) برقم (2536)، ومسلم كتاب العتق باب إنما الولاء لمن أعتق (2/ 1142) برقم (1504).
يُنْظَر: نصب الراية (3/ 204)، والدراية (2/ 64).
(2)
ساقط من (ب).
وأمّا خيار البلوغ فظاهر يعرفه كل أحد ولظهوره ظن بعض النّاس أنّه يثبت في نكاح الأب أيضاً ولأنّها ما كانت مشغولة بشيء قبل البلوغ فكان سبيلها أن تتعلّم ما تحتاج إليه بعد البلوغ فلذلك لا تعذر بالجهل والخامس أن خيار البلوغ في حق الثّيب والغلام لا يبطل بالقيام عن المجلس وخيار العتق يبطل بالقيام عن المجلس لأنّ سبب خيار البلوغ عدم الرضاء فبقي ما لم يوجد الرضاء كخيار العيب أمّا خيار العتق ثبت بتخيير الشّرع فيكون بمنزلة الخيار الثّابت بتخيير الزّوج وذلك يبطل بالقيام عن المجلس ولأنها ملكت بضعها بتمليك الشّرع وجواب التّمليك يقتصر على المجلس كما في البيع والقيام عن المجلس دلالة الردّ كذا في (الْمَبْسُوطِ) وجامع الصّغير لِقَاضِي خَانْ.
ثم عندهما أي عند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد -رحمهما الله- لأنّ قول أبي يوسف رحمه الله لا يردها هنا لأنّه لا يرى خيار البلوغ وإن كان الزّوج غير الأب والجد فعذرت بالجهل [كجهل]
(1)
من أسلم في دار الحرب بالشّرائع فأنه يعذر بخلاف جهل من أسلم في/ دار الإسلام حيث لا يعذر.
قوله: أو يجيء منه بالجزم بالعطف على ما لم يقل فكان تقديره أو ما لم يجيء وكذلك الجارية أي لا يبطل خيار الجارية بعد الدّخول ما لم تقل رضيت أو ما لم يجيء ما [لم]
(2)
يعلم به أنه رضا.
قوله: اعتباراً لهذه الحالة بحال ابتداء النكاح
(3)
فهذا التعليل يتعلّق بمجموع ما ذكر وهو خيار البكر وخيار الغلام وخيار الجارية التي دخل بها الزوج أي يبطل خيار البكر بالسّكوت اعتباراً بحال ابتداء النكاح عليها بعد البلوغ.
وخيار الغلام لا يبطل ما لم يقل رضيت أو يجيء ما يعلم منها أنّه رضاء اعتباراً بابتداء نكاحه وهو بالغ وخيار الجارية التي دخل بها زوجها قبل البلوغ لا يبطل ما لم تقل رضيت أو يجيء ما يعلم منها أنّه رضاء اعتباراً بابتداء النكاح عليها بعد البلوغ فإنّها لو كانت بالغة ثيباً فأخبرت بتزويجها لا يكون سكوتها رضاء فكذلك ههنا.
وخيار البلوغ في حق البكر لا يمتدّ إلى آخر المجلس يعني يبطل بمجرّد السّكوت ثم المراد من المجلس هو مجلس صيرورتها بالغة [بأن]
(4)
رأت الدّم في مجلس وقد كانت بلغها خبر النكاح فسكتت وهي بكراً ومجلس بلوغ خبر النكاح وهي بكر بالغة فسكتت يبطل الخيار في الوجهين ولا يبطل بالقيام في حق الثّيب.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 199).
(4)
ساقط من (ب).
والغلام أي في خيار [الغلام]
(1)
.
ثمّ الفرقة بخيار البلوغ ليس بطلاق وفائدته تظهر في موضعين:
أحدهما أن الفرقة إذا وقعت بخيار البلوغ ثم بنكاحها يملك الزّوج ثلاث تطليقات.
والثاني أنّ الفرقة به إذا كانت قبل الدّخول لا يجب نصف المسمّى بخلاف الطّلاق قبل الدّخول كذا ذكره الأستاذ رحمه الله
(2)
، وهل يقع الطّلاق في العدة إذا كانت الفرقة بعد الدّخول لو طلّقها يذكر في باب نكاح أهل الشّرك وذكر الإمام التمرتاشي-رحمه الله ثم الفرقة التي تختصّ بقضاء هي الفرقة بالجب والعنّة واللّعان وإباء الزوج الإسلام طلاق وبخيار البلوغ وعدم الكفاءة ونقصان في المهر فسخ.
وكذا إذا مات بعد البلوغ قبل التّفريق يعني ورثة الآخر بخلاف ما لو كان النكاح بعد البلوغ فردّ حيث يبطل بردّه لأنّ ثمة أصل العقد موقوف فيبطل بموت من توقف على إجارته وهنا العقد كان نافذًا فلا يبطل بمجرّد الردّ ما لم يتأكّد بالقضاء لما ذكرنا أنّ خيار البلوغ مختلف فيه وسببه باطن خفي وهو قصور شفقة الولي فكان الردّ إبطالاً لحق الآخر فلا ينفرد به أحدهما كذا ذكره الإمام قاضي خان-رحمه الله وهو معنى قوله بخلاف مباشرة الفضولي ولا نظر في التفويض إلى هؤلاء لعجزهم عن تحصيل الكفو على وجه النّظر وهذا في الصّغير والمجنون [ظاهر]
(3)
فأمّا العبد فعاجز أيضاً لقوله تعالى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا}
(4)
لا يقدر على شيء والولاية قدرة [القدرة]
(5)
للعبد قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)}
(6)
أي لم يشرع الله ولم يحكم أن يكون للكافرين على المؤمنين ولاية ولو ثبت الولاية فذلك حسي لا شرعي وذكر في الْمَبْسُوطِ
(7)
؛ لأن اختلاف الدين يقطع التوارث.
(1)
وفي (ب): (البلوغ).
(2)
فخر الدين: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إلياس الملقب فَخر الدّين الْمَايَمَرْغِيّ تلميذ الكردري وروى الْهِدَايَة عَنهُ عَن مصنفها وَهُوَ أستاذ السغناقي وَعنهُ روى الْهِدَايَة عَن الكردري عَن المُصَنّف رَحْمَة الله عَلَيْهِم.
"وكلما ذكر السغناقي في شرح الهداية من لفظة الشيخ؛ فالمراد به حافظ الدين مُحَمَّد بنُ مُحَمَّد بن نَصْر، وما ذكر من لفظة الأستاذ، فالمراد به فخر الدين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إلياس الْمَايَمَرْغِيّ (المايمريمي) ".
يُنْظَر: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي (5/ 164 - 165)، الجواهر المضية (2/ 115)، تاج التراجم (1/ 161).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
سورة النحل من الآية: 75.
(5)
في (ب): (ولا قدرة).
(6)
سورة النساء من الآية: 141.
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 223).
فكذلك يقطع ولاية التّزويج قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا}
(1)
الآية، نصّ على قطع الولاية بين من هاجر وبين من لم يهاجر حين كانت الهجرة فريضة فكان ذلك تنصيصاً على انقطاع الولاية بين الكفّار والمسلمين بالطّريق الأولى ويجري بينهما التوارث لأن لأنكحة الكفّار فيما بينهم حكم الصحّة إلا على قول مالك فإنّ أنكحتهم باطلة عنده لأنّ الجواز نعمة وكرامة ثابتة شرعًا فلا يجعل الكافر أهلاً لمثله ولكنّا نستدل بقوله تعالى:{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)}
(2)
ولو لم يكن لهم نكاح لما سمّاها امرأته وقال عليه السلام: «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أُولَدْ مِنْ سِفَاحٍ»
(3)
وهذه نعمة كما قال ولكن الأهلية لهذه النّعمة باعتبار صفة الآدمية.
وبالكفر لم يخرج من أن يكون من بني آدم فلا يخرج من أن يكون أهلاً لهذه النّعمة كذا في الْمَبْسُوطِ
(4)
.
ولغير العصبات من الأقارب كالأخوال والخالات والعمّات ولاية التّزويج معناه عند عدم العصبات أي عصبته كانت سواء كان عصبة تحل النكاح بينه وبين المرأة كابن العمّ أولاً يحل كالعم ثمّ بعد العصبات وإن تعدت مولى العتاقة ثم العصبة لمولى العتاقة ثم الأم ثم ذوي الأرحام/ الأقرب فالأقرب فإنّ الأقرب عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله -بعد العصبات الأم [ثم البنت]
(5)
ثم بنت الابن ثم بنت البنت [ثم]
(6)
ابن الابن ثم بنت بنت البنت ثم الأخت لأب وأم ثم الأخت لأب ثم الأخ والأخت لأم ثم أولادهم ثمّ العمات والأخوال والخالات وأولادهم على هذا التّرتيب ثمّ مولى الموالات ثمّ السلطان ثمّ القاضي ومن نصبه القاضي إذا شرط تزويج الصّغار والصّغاير في عهده وإذا لم يشرط فلا ولاية له، ثمّ إنّما يحتاج إلى الولي في الصّغير والصغيرة والمجنون والمجنونة وإذا زال الصّغر والجنون تزول الولاية عندنا. كذا في (المحيط)
(7)
و (فتاوى) قاضي خان.
لهما ما روينا وهو قوله عليه السلام: «الإِنكَاح إلَى الْعَصَبَات»
(8)
، ولم يوجد وإدخال الألف واللام دليل على أن جميع الولاية في باب النكاح إنّما تثبت لمن هو عصبة دون من ليس بعصبة وحجّة أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله حديث ابن مسعود رضي الله عنه في إجازته تزويج امرأته لابنتها فإنّ الأصحّ أنّ ابنتها لم تكن من عبد الله وإنّما جوز نكاحها بولاية [الأمومية]
(9)
ثم قرابة الأب يقدمون باعتبار العصوبة وهذا لا يبقى ثبوتها لهؤلاء عند عدم العصبات كاستحقاق الميراث يكون بسبب القرابة وتقدم في ذلك العصبات ثم يثبت بعد العصبات لذوي الأرحام كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(10)
وإذا عدم الأولياء فالولاية إلى الأمام.
(1)
سورة الأنفال من الآية: 72.
(2)
سورة المَسَد، الآية:4.
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 329)، والبيهقي (7/ 307)، وحسنه الألباني في الارواء برقم (1914).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 224).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 43).
(8)
قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الهداية: "حديث النِّكاح إلى العصبات لم أجده" اهـ، وبيّض له الزيلعي في نصب الراية، وقال أحمد شلبي في حاشيته على تبيين الحقائق:"لم يخرجه أحد من الجماعة ولا يثبت. اهـ، وقد ذكر ابن قدامة في (المغني)، وغيره من الحنابلة نحوه موقوقاً على عليّ رضي الله عنه بلفظ: "إذا بلغ النساء نصّ الحقائق فالعصبة أولى إذا أدركن"وهذا الأثر قد أورده البيهقي بسنده إلى معاوية بن سويد (وهو ابن مقرِّن المزني) قال: وجدت في كتاب أبي، عن عليّ رضي الله عنه أنَّه قال: "إذا بلغ النِّساء نصّ الحقائق فالعصبة أولى، ومن شهد فليشفع بخير"، الدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر (2/ 62)، نصب الراية للزيلعي (3/ 195)، حاشية تبيين الحقائق (2/ 122)، يُنْظَر المغني مع الشرح الكبير (7/ 350)،
البيهقي (7/ 121) نكاح، باب ما جاء في نكاح اليتيمة.
(9)
وفي (ب): (لامرأته).
(10)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 223).
وقد ذكرنا من رواية (المحيط)
(1)
أنّ مولى الموالاة مقدّم على الإمام ثمّ مادام له قريب فالقاضي ليس بولي في قول أَبِي حَنِيفَةَ وعند صاحبيه- رحمهم الله مادام له عصبة فالقاضي ليس بولي ثم القاضي إنّما يملك إنكاح من يحتاج إلى الوليّ إذا كان ذلك في عهده ومنشوره وإلا فلا كذا في (فتاوى) قاضي خان وإذا غاب الولي الأقرب كالأب جاز لمن هو أبعد منه كالجدّ أن يزوّج ههنا ثلاثة أقاويل فعندنا الأبعد أن يزوّجها دون السلطان وقال الشّافعي- رحمه الله يزوّجها السلطان وقال زفر رحمه الله لا يزوجها أحد حتّى يحضر الأقرب.
وحجّتنا في ذلك أنّ ثبوت الولاية بمعنى النّظر للمولى عليه حيث لا يثبت إلا على من هو عاجز عن النّظر لنفسه وجعل الأقرب مقدّمًا لأن نظره لها أكثر لزيادة القرب ثم النّظر لها لا يحصل بمجرّد رأي الأقرب بل برأي حاضر منتفع به وقد خرج رأيه من أن يكون منتفعًا به لهذه الغيبة فالتحق بمن [لا]
(2)
رأى له أصلاً كالصّغير والمجنون ورأي الأبعد خلف عن رأي الأقرب ففي ثبوت الحكم للخلف لا فرق بين انعدام الأصل وبين كونه غير منتفع به، ألا ترى أنّ التراب لما كان خلفاً عن الماء في حكم الطّهارة فمع وجود الماء النجس يكون التراب خلفاً كما أن عند عدم [الماء التراب خلف لأنّ الماء النّجس عند منتفع به في حكم الطّهارة هو كالمعدوم أصلاً ونظيره الحضانة والتربية تقدم فيها المقدم]
(3)
الاقرب فإذا تزوّج الأقرب حتى اشتغلت تزوّجها كانت الولاية للأبعد يوضحه أن للأبعد قرب التدبير وبعد القرابة وللأقرب قرب القرابة وبعد التّدبير وثبوت الولاية بهما فاستويا من هذا الوجه فكان بمنزلة ولييّن في درجة واحدة فإنهما [زوجهما]
(4)
يجوز.
[وعن هذا قلنا إذا زوّجها الأقرب حيث هو يجوز لأنّها انتفعت برأيه، ولكن هذه منفعة حصلت لها اتفاقاً فلا يجوز بناء الحكم عليها]
(5)
فلذلك تثبت الولاية للأبعد كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(6)
وهو اختيار بعض المتأخّرين منهم القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي
(7)
(8)
والقاضي الإمام أبوعلي النّسفي
(9)
، وهو قول مُحَمَّد بن مقاتل الرّازي [وسفيان الثّوري]
(10)
(11)
، وأبي عصمة سعد بن معاذ المروزي
(12)
رحمهم الله وقيل إذا كان بحال يَفُوت الْكُفْء الخاطب باستطلاع رأيه وعن هذا ذكر الإمام قاضي خان في (الْجَامِعِ الصَّغِيرِ)
(13)
حتّى لو كان [مختفياً]
(14)
في البلدة لا يوقف عليه يكون غيبتة منقطعة وكذا لو انتظر حضوره أو استطلاع رأيه يَفُوت الْكُفْء، الخاطب فهو منقطعة، وإلا فلا عليه أكثر المشايخ منهم الشّيخ الإمام أبو بكر مُحَمَّد بن الفضل
(15)
، والشّيخ الإمام شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السّرخسي-رحمهما الله- وقال مُحَمَّد-رحمه الله أبوها لأنّ ولاية الأب تعم النفس والمال ولا يثبت للابن الولاية في المال ولهما أنّ الابن هو المقدّم في العصوبة، ألا ترى أنّ الأب معه يستحق السّدس بالفرضية فقط كذا في الْمَبْسُوطِ
(16)
، والله أعلم بالصّواب./
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 42 - 43).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
في (ب): (زوجها).
(5)
ساقط من (ب).
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 222).
(7)
ركن الإسْلام السغدي: هو على بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد القاضى ركن الاسلام أَبُو الْحسن السغدي الْفَقِيه الْحَنَفِيّ. أصله من السغد (بنواحي سمرقند) نزيل بخارى. صنف شرح الْجَامِع الْكَبِير للشيباني فِي الْفُرُوع. مات سنة (461 هـ)، يُنْظَر: الجواهرالمضية (2/ 371)، الإعلام (4/ 279).
(8)
يُنْظَر: النتف في الفتاوى (1/ 272 - 273).
(9)
القاضي أَبُو عَليّ النَّسَفِيّ: هو الحسين بن الخضر بن مُحَمَّد بن يُوسف الفَقِيه القشيديرجي القَاضِي أستاذ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيّ. إِمام عصره تفقه بِبَغْدَاد، وهو من أصحاب الإمام أبي بكر مُحَمَّد بن الفضل. مات سنة (424 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 211)، الطبقات السنية (1/ 247).
(10)
سفيان الثوري: هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، من بني ثور بن عبد مناة، من مضر، أبو عبد الله: أمير المؤمنين في الحديث. كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى. ولد ونشأ في الكوفة. ولد سنة (97 هـ)، ومات سنة (161 هـ)، يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (7/ 227)، الأعلام (3/ 104).
(11)
ساقط من (ب): [وسفيان الثّوري].
(12)
أَبُو عصمَة: هو سعد بن معَاذ الْمروزِي أَبُو عصمَة. ومات في بَمْرو سنة (260 هـ).
يُنْظَر: تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام (6/ 89)، الجواهر المضية (2/ 257 - 258)
(13)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 175).
(14)
وفي (ب): (مختصاً).
(15)
أبو بكر مُحَمَّد بن الفضل أَبُو بكر الفضلي الكماري، ومات ببخارى سنة (381 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 107 - 108).
(16)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 220).
فصل في الأكفاء
(1)
لما كانت الكفاءة
(2)
معتبرة في النكاح
(3)
بحيث يكون للأولياء التّفريق عند عدمها لكن لا على شرط الجواز حتّى جاز للأب أن يزوّج بنته [عبدًا]
(4)
عند أَبِي حَنِيفَةَ ألحق ذكرها بسائر الشّرائط وآخرها عنه لانحطاط درجتها
(5)
.
قوله: الْكَفَاءَة فِي النِّكَاح مُعْتَبرَة
(6)
أي يعتبر وجودها في حق اللّزوم في النكاح فإنّ عند عدمها كان للأولياء الاعتراض بالتفريق وذكر في شرح الطّحاوي
(7)
القياس أن لا تكون الكفاءة معتبرة في النكاح كما في ساير العقود إلا أنا شرطنا الكفاءة فيه بالجبر وهو قوله عليه السلام: «أَلَا لَا تُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ»
(8)
ثم الكفاءة إنّما تعتبر في خمسة أشياء في النّسب والحرية والكفاءة من حيث المال والكفاءة في الحرف.
(1)
وفي (ب): (الكفاءة).
(2)
الكفاءة: لغة: التساوي والتعادل.
واصطلاحاً: اختلفت عبارة الفقهاء في تعريفها الاصطلاحي، وعرفها القهستاني من الحنفية بأنها مساواة الرجل للمرأة في الأمور المعتبرة في النكاح. وعرفها الشافعية: بأنها أمر يوجب عدمه عاراً. الموسوعة الفقهية الكويتية (13/ 201).
(3)
يُنْظَر في حكم الكفاءة في الزواج: الموسوعة الفقهية الكويتية (34/ 267 - 268).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
دليل أبي حنيفة النظر، بأن الإعراض عن الكفاءة لمصحلة تفوقها. ينظر: الهداية في شرح بداية المبتدي (1/ 197).
(6)
يُنْظَر: بداية المبتدى (1/ 61).
(7)
يُنْظَر: شرح الطحاوي (4/ 254).
(8)
أخرجه الدار قطني (4/ 457)، سنن سعيد بن منصور (1/ 177)، هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِمَرَّةٍ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ، أنبأ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ السُّكَيْنِ الْبَلَدِيُّ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ الْحَسَنِ الرَّسْعَنِيُّ، ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ، ثنا مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، فَذَكَرَهُ قَالَ عَلِيٌّ رحمه الله: مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ أَحَادِيثُهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، وَقَدْ رَوَاهُ بَقِيَّةُ، عَنْ مُبَشِّرٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ الْحُجَّةُ، وَقِيلَ عَنْ بَقِيَّةَ مِثْلُ الْأَوَّلِ، يُنْظَر: السنن الكبرى للبيهقي (7/ 215).
والخامس: الكفاءة في الحسب، كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
، وذكر الإمام الولوالجي
(2)
رحمه الله في سبعة أشياء وزاد عليها التّقوى وإسلام الأب والعقل
(3)
؛ ولأن انتظام مصالح النكاح والمصالح هي السكن والازدواج والتّوالد والتّناسل وهذه المقاصد لا تتحصل عادة إلا عند التساوي في أسباب الشّرف لأنّ الزّوج إذا لم يكن شريفاً فلما ترض المرأة أن تكون مستفرشة له.
فحينئذ يختلفان ويتشاجران فلا تتحقّق مقاصد النكاح عند ذلك وعن الكرخي-رحمه الله أنه كان يقول: الأصح عندي أنّه لا تعتبر الكفاءة أصلاً؛ لأنّ الكفاءة غير معتبرة فيما هو أهم من النكاح، وهو الدّماء فلأن لا تعتبر في النكاح أولى، ولكن هذا ليس بصحيح فإنّ الكفاءة في الدّين غير مُعْتَبَرَة في باب الدّم حتى يقتل المسلم بالكافر الذي يدلّ ذلك على أنّه غير معتبر في النكاح كذا في الْمَبْسُوطِ
(4)
بخلاف جانبها أي أنّ الكفاءة إنّما تعتبر في جانب الرجال للنساء.
بخلاف جانب المرأة للرجال لأنّ المرأة وإن كانت خسيسة يستفرشها الرجال فلم يعتبر الكفاءة [في جانبها ثم الكفاءة تعتبر في النسب الا على قول سفيان الثوري رحمه الله فإنه كان يقول لاتعتبر الكفاءة]
(5)
من حيث النّسب وقيل أنّه كان من العرب فتواضع ورأى المولى كفوًا [له]
(6)
وأبو حنيفة رحمه الله كان من الموالي فتواضع ولم ير نفسه كفوًا للعرب.
وحجّته في ذلك قال عليه السلام: «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إنَّمَا الْفَضْلُ بِالتَّقْوَى»
(7)
، وهذا الحديث يؤيّده قوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
(8)
، وقال عليه السلام:«كُلُّكُمْ بَنُوا آدَم طَفّ الصَّاع لَمْ يُمْلَأه»
(9)
.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 25).
(2)
الإمام الْوَلْوَالِجِيُّ: هو عبد الرشيد بن ابى حنيفة نعمان بن عبدالرَّزَّاق بن عبدالله الولوالجى. القاضى ظهير الدَّين أَبُو الْفَتْح الْفَقِيه الْحَنَفِيّ. صنف الامالى فِي الْفِقْه الْفَتَاوَى. سكن سَمَرْقَنْد ولد سنة (467 هـ) وَمات سنة (540 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 313 - 315)، تاج التراجم (1/ 188)، الأعلام (3/ 353).
(3)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 110).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 24).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
أخرجه الديلمي عن سهل بن سعد. يُنْظَر: كشف الخفاء ومزيل الالتباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني (2/ 451). وهو ضعيف الإسناد، أخرجه ابن لال بلفظ قريب عن سهل بن سعد «الناس كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى» (سبل السلام: 129/ 3).
(8)
سورة الحُجُرات من الآية: 13.
(9)
أخرجه أحمد (4/ 145، رقم 17351)، والطبرانى (17/ 295، رقم 814)، قال الهيثمى (8/ 84): فيه ابن لهيعة وفيه لين وبقية رجاله وثقوا.
وفي المغرب
(1)
طَفُّ الصّاع وطففه وطفافه مقداره النّاقص من ملئه معناه أنّ كلكم في الانتساب إلى أبٍ واحد بمنزلة ثم شبههم [في نقصانهم]
(2)
بالمكيل الذي لا يبلغ أن يملأ المكيال.
وعن الأزهري
(3)
كلكم قريب بعضكم من بعض لأنّ طف الصّاع قريب من ملئه والآثار تدلّ على المساواة وأن التفاضل بالعمل فـ «مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُه، لَمْ يُسْرِع بِهِ نَسَبُه»
(4)
ولنا ما ذكرنا من الحديث والمعقول والمراد من الأثرين الذين رواهما في أحكام الآخرة وبه نقول أنّ التفاضل في الآخرة بالتقوى كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
، والموالي بعضهم اكفاء لبعض.
وفي المغرب
(6)
أن الموالى بمعنى العتقاء لما كانت غير عرب في الأكثر غلبت على العجم حتّى قالوا الموالي أكفاء بعضها لبعض والعرب أكفاء بعضها لبعض ولا يعتبر التفاضل فيما بين قريش لما روينا وهو قوله عليه السلام: «قُرَيْشٌ بَعْضُهُم أَكْفَاءٌ لِبَعْض»
(7)
حيث قابل النبي عليه السلام البعض بالبعض من غير اعتبار الفضيلة بين قبائلهم.
ألا ترى أنّ النبي عليه السلام زوّج ابنتيه من عثمان – رضي الله عنه وكان عبشمياً [أي قبيلة عبد شمس]
(8)
فعرفنا أن بعضهم أكفاء لبعض وتسكينًا للفتنة لا لانعدام أصل الكفاءة، ولا يكون العرب كفوًا لقريش والموالي لا يكون أكفاء للعرب كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(9)
وبأهله قبيلة من قيس غيلان وهي في الأصل اسم امرأة من همدان كانت تحت معين ابن أعصر ابن سعد بن قيس غيلان فنسب ولده إليه
(10)
كذا في الصّحاح
(11)
لأنهم معروفون بالخساسة لأنهم كانوا يأكلون بقيّة الطّعام مرّة ثانية ولأنّهم كانوا يأخذون من عظام الميتة ويطبخون ويأخذون الدسومات منها كما قيل ولا ينفع الأصل من هاشم إذا كانت النّفس من باهله، وقيل إذا قيل للكلب يا باهلي عوى الكلب من لوم هذا النّسب.
(1)
يُنْظَر: المغرب (1/ 291).
(2)
زيادة في (ب).
(3)
يُنْظَر: تهذيب اللغة (13/ 207).
(4)
جزء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أوله: من نفَّس عن مؤمن كربة، في مسلم كتاب الذكر والدعاء
…
، باب الاجتماع على تلاوة القرآن
…
(4/ 2074) برقم (2699).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 23).
(6)
يُنْظَر: المغرب (1/ 496).
(7)
رواه البيهقي في السنن الكبرى حديث رقم (13769) هَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ شُجَاعٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ حَيْثُ لَمْ يُسَمِّ شُجَاعٌ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، وَرَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُرْوَةَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ بِمَرَّةٍ (7/ 217)، قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": هَذَا مُنْقَطِعٌ، إذْ لَمْ يُسَمِّ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، انْتَهَى نصب الراية (3/ 197).
(8)
زيادة من (ب).
(9)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 24).
(10)
وفي (ب): (اليها).
(11)
يُنْظَر: الصحاح (4/ 1642).
وفي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(1)
للتمرتاشي غير العربي لا يكافئ العربي لأنّ العربي أقرب إلى النبي عليه السلام والعرب لا يكافئ القرشي لأنّ قريشاً رهط النبي/ عليه السلام فمن كان أقرب إليه كان أفضل والقرشي يكافئ القرشي وإن كان بنوا هاشم أفضلهم لأنّه عليه السلام زوّج ابنته من عثمان وهو قرشي والقرشي من كان من ولد النضر أو جمعهم أب دونه من المنتسبين إليه والهاشمي من كان من ولد هاشم أو جمعهم أب دونه من المنتسبين إليه والعربي من جمعهم أب فوق النضر.
ومن أسلم بنفسه لا يكون كفوًا لمن له أب واحد في الإسلام وذكر الإمام المحبوبي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(2)
، هذا في الموالي وأمّا في العرب فإن من لا أب له في الإسلام من العرب وهو مسلم فهو كفؤ لمن له أباً في الإسلام لأنّ العرب يتفاخرون بالنّسب فيعدّون النّسب كفوا لنسب آخر إذا كانا مسلمين.
وأمّا العجم قد ضلوا أنسابهم ومفاخرتهم بالإسلام فمن كان له أباً في الإسلام يفتخر على من لا أب له في الإسلام ولا يعد مكافئًا إياه والكفاءة في الحرية نظيرها في الإسلام في جميع ما ذكرنا أي من الوفاق والخلاف فإنّ العبد لا يكون كفوًا لامرأة حرّة الأصل وكذلك [للعبد]
(3)
لا يكون كفؤًا [للحرية]
(4)
الأصلية والمعتق أبوه لا يكون كفوًا لامرأة لها أبوان في الحريّة
(5)
وروي عن أبي يوسف- رحمه الله أن الذي أسلم بنفسه [إذا]
(6)
أعتق إذا أحرز من الفضائل ما يقابل نسب الآخر كان كفؤاً له.
ويعتبر أيضاً الكفاءة في الدّين أي في الديانة وهي التقوى والصّلاح والحسب وإنّما فسّره بالدّيانة لأن مطلق الدّين الإسلام ولا كلام فيه لأنّ إسلام الزّوج شرط جواز نكاح المسلمة إنّما الكلام في حق الاعتراض للأولياء بعد انعقاد العقد وذلك لا يكون إلا في الدّين بمعنى الدّيانة ثم الكفاءة يعتبر في التقوى حتّى لا يكون الفاسق كفوًا للعدل عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله سواء كان معلن الفسق أو لم يكن هكذا ذكر شيخ الإسلام وذكر شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السّرخسي -رحمهما الله- أنّ الصّحيح عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أن الكفاءة في التّقوى والحسب غير معتبرة وعن أبي يوسف رحمه الله أنّه يعتبر الكفاءة في الحسب ولم يعتبر في التقوى وفسّر الحسب فقال هو مكارم الأخلاق كذا في المحيط
(7)
، وذكر الإمام المحبوبي محيلاً إلى صدر الإسلام - رحمهما الله- فالخسيس لا يكون كفؤا للحسيب، والحسيب الذي له جاه وخدمة وحشمة عند الناس والخسيس الذي لا جاه له بل هو من جملة العوام.
(1)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 173).
(2)
يُنْظَر: المرجع السابق نفسه.
(3)
وفي (ب): (المعتق).
(4)
وفي (ب): (للحرة).
(5)
وفي (ب): (الحرة).
(6)
وفي (ب): (أو).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 23).
قوله: وهذا قول أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يوسف -رحمهما الله- هو الصّحيح [أي قران قول أَبِي حَنِيفَةَ مع قول أبي يوسف- رحمهما الله- هو الصّحيح]
(1)
فإنّه روي عن أَبِي حَنِيفَةَ رواية أخرى أنّه مع مُحَمَّد-رحمهما الله- في أنّه غير معتبر كذا وجدت بخط شيخي رحمه الله وفي (الْجَامِعِ الصَّغِيرِ)
(2)
لِقَاضِي خَانْ وذكر شمس الأئمة السّرخسي-رحمهما الله- الصّحيح من مذهب أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنّ الكفاءة من حيث الصّلاح غير معتبرة قالوا الحسيب يكون كفؤًا للنّسيب حتّى أنّ الفقيه يكون كفوًا للعلوي لأنّ شرف العلم فوق شرف النّسب وفي الصّحاح
(3)
الصَفْعُ كلمة مولدة والرجل صفعان، وهو الذي يضرب على قفاه بعرض الكف إلا إذا كان يصفع ويسخر منه ويخرج إلى الأسواق سكران فيستهزئ به الصّبيان لا يكون كفوًا لامرأة صالحة من أهل البيتوتات قيل وعليه الفتوى كذا في (المحيط)
(4)
، ولو تزوّجها وهو كفؤ لها ثم صار فاجرا داعرًا لا يفسخ النكاح لأن اعتبار الكفاءة عند ابتداء النكاح لا استمرارها بعد النكاح كذا في الفتاوى الظهيريّة
(5)
.
ويعتبر في المال إلى أن قال وبالنّفقة قوام الازدواج وهي إلى ذلك أحوج منها إلى نسب الزّوج فإذا كان تنعدم الكفاءة ويضعه نسب الزّوج فيعجزه عن المهر والنّفقة أولى وعن أبي يوسف رحمه الله أنّه قال إذا كان يقدر على ما يعجلها من الصّداق ويكتسب فينفق عليها يومًا بيوم كان كفوًا لها.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 173).
(3)
يُنْظَر: الصحاح (2/ 1243).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 23).
(5)
لظهير الدين الحسن بن علي الميرغيناني (ت 600 هـ)، قال اللكنوي في ترجمة علي بن عبدالعزيز ظهير الدين الكبير المرغيناني ما نصه:[وقد رأيت في الفتاوى الظهيرية أن صاحبها كثيراً ما ينقل المسائل والفوائد عن ظهير الدين المرغيناني ويصفه بالشيخ الإمام الأستاذ الأجلّ، ومن المعلوم أن الظهير المرغيناني لقب لصاحب الترجمة عليّ، ولابنه الحسن، ويفرق بينهما بتوصيف الأول بالظهير الكبير].
الفوائد البهية ص (206) وبناءً على كلام اللكنوي فإن المقصود بما ذكره المصنف نقلاً عن المحيط: [قال الشيخ الإمام الأجلّ الأستاذ] يقصد به أحد الإثنين علي بن عبد العزيز المرغيناني أو ابنه الحسن بن علي المرغيناني، انظر ترجمة الأولّ في الفوائد البهية، ص (204)، الجواهر المضية (2/ 576)، وترجمة الثاني في الفوائد البهية، ص (107)، الجواهر المضية (2/ 74).
وأمّا إذا كان قادراً على المهر والنّفقة كان كفوًا لها وإن كانت صاحبة أموال عظيمة وبعض المتأخرين اعتبروا الكفاءة في كثرة المال بحديث عائشة رضي الله عنها (رأيت ذا المال مهيباً ورأيت ذا الفقر مهينًا وقالت: إن [أحساب]
(1)
أهل الدنيا المال)
(2)
، والأصحّ أن ذلك لا يعتبر لأن كثرة المال في الأصل/ مذمومة قال عليه السلام:«هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ إلَّا مَنْ قَالَ بِمَالِهِ: هَكَذَا وَهَكَذَا»
(3)
يعني يتصدّق به كذا في الْمَبْسُوطِ
(4)
.
لأنّه تجري المساهلة في المهور لأن الآباء يتحملون المهور الغالية عن الابناء ولا يتحملون النفقة الدّارة فلذلك إذا لم يكن قادراً على النّفقة لا يكون كفوًا وإن كان قادراً على المهر كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(5)
لِقَاضِي خَانْ وعن أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله في ذلك روايتان في رواية لا يعتبر وهو الظّاهر حتى يكون البيطار كفوًا للعطار وفي رواية قال الموالي بعضهم أكفاء لبعض إلا الحائك والحجّام وقال أَبُو يُوسُف الكفاءة في الحرفة معتبرة حتّى لا يكون الحجّام والدّباع والحائك والكنّاس كفوًا للعطّار والبزّار والصّراف وهو أظهر الرّوايتين عن مُحَمَّد وقيل هذا اختلاف عصر وزمان ففي زمن أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله الدناءة في الحرفة لا يعدّ منقصة فلم يعتبر وفي زمانهما تعدّ منقصة فاعتبرهما في الكفاءة كذا ذكره الإمام قاضي خان.
فللأولياء الاعتراض عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وعلى قول أبي يوسف ومُحَمَّد -رحمهما الله- لا يثبت للأولياء حق الاعتراض إلا أنّ قول مُحَمَّد لا يتحقّق في تزويجها نفسها وإنّما يتحقق فيما قال في كتاب الإكراه فيما إذا أكرهت المرأة والولي على أن يتزوّجها بأقلّ من مهر مثلها
(6)
.
(1)
وفي (ب): (إحسان).
(2)
التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ج (5/ 162) للشيخ منصور على ناصف.
(3)
رواه أحمد في مسنده عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَخْلٍ لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ:"يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: حَثَا بِكَفَّيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ -، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ "(13/ 447) رقم (80/ 85).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 25).
(5)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِير (1/ 173).
(6)
مهر المثل عند الحنفية: هو مهر امرأة تماثلها من قوم أبيها وقت العقد سناً، وجمالاً، ومالاً، وبلداً، وعصراً. ينظر: القاموس الفقهي (ص 341).
ثم زال الإكراه ورضيت المرأة وأبى الولي أن يرضى فليس له ذلك في قول أبي يوسف ومُحَمَّد -رحمهما الله- لأنّ المهر من خالص حقها إلى آخره كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
، وذكر في الأسرار وعلى قول مُحَمَّد رحمه الله لا يتصوّر هاهنا.
وإنّما يتصوّرهما إذا طلبت التّزويج من الولي بكفؤ بدون مهر مثلها لم يجبر الولي عليه وعندهم جميعًا يجبر وذكر في الْمَبْسُوطِ
(2)
ثم فيما فيه الاعتراض للولي لو طلق زوجها قبل تفريق القاضي وقبل أن يدخل بها كان لها نصف ما سمّى لها لأنّ الطّلاق قبل الدّخول مسقط للطّلاق قياساً إلا أنا أوجبنا لها نصف المسمّى بالنصّ وإن فرّق القاضي بينهما فإن كان قبل الدّخول بها فلا شيء لها لأنّه فسخ أصل النكاح بهذا التّفريق.
قوله: وقد صحّ ذلك
(3)
أي الرّجوع وهذه شهادة صادقة عليه أي وهذه المسألة شهادة صادقة على الرجوع ويعيّرون بنقصانها فأشبه الكفاءة.
فإن قيل: لم يشبه الكفاءة لما أنّ بينهما فرقاً في ذلك وهو أنّ الشّرع قد ندبنا إلى رخص الصّداق ولم يندبنا إلى ترك الكفاءة وكذلك رسول الله عليه السلام لم يضع بناته في غير الأكفّاء وزوجهنّ بأدنى الصّداق
(4)
فإنّه ما زاد على أربع أوقية ونشٍ ومهورهن كانت فوق مهور سائر النّساء؛ لأنّ الزّيادة بقدر الشّرف ولم يزل الشرف كان لقريش قلنا أن الرّخص مندوب إليه وطلب تمام مهر المثل مباح وكذلك المندوب في الإسلام أن يضع الرجل ابنته عند الأكرم عند الله وإن كان دونها في النّسب، فلما كان كذلك كان في كلّ واحد منهما معنى النّدب ولا كلام فيه إنّما الكلام في أنّ الأولياء يتعيرون بنقصان مهورهنّ كما في عدم الكفاءة وفيه إلحاق الضّرر بنساء العشيره أيضاً فإن من تزوّج منهنّ بعد هذا بغير مهر فإنّما يقدّر مهرها بمهر هذه فعرفنا أن في ذلك ضرراً عليهنّ.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 14).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 13 - 14).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 202).
(4)
الْفرق بَين الْمهْر وَالصَّدَاق: أَن الصَدَاق اسْم لما يبذله الرجل للْمَرْأَة طَوْعًا من غير إِلْزَام، وَالْمهْر اسْم لذَلِك وَلما يلْزمه وَلِهَذَا اخْتَار الشروطيون فِي كتب المهور صَدَاقهَا الَّذِي تزَوجهَا عَلَيْهِ وَمِنْه الصداقة لِأَنَّهَا لَا تكون بإلزام وإكراه وَمِنْه الصَّدَقَة ثمَّ يتداخل الْمهْر وَالصَّدَاق لقرب مَعْنَاهُمَا. ينظر: الفروق اللغوية للعسكري (ص 169).
بخلاف التقاء بعد التّسمية لأنّ الأولياء لا يشتغلون بذلك عادة وإنما حقهم في أصل التّسمية والشرف فيه يقع فأمّا الاستيفاء بكماله فضرب من اللّوم في العادات وينشدون:
قول المرأة في ولادتها بنتًا
(1)
.
وَمَا عَلَيَّ أَنْ تَكُونَ جَارِيَهْ
…
تَمشُطُ رَأْسِي وَتَكُونُ فَالِيَهْ
حَتَّى مَا إذَا بَلَغَتْ ثَمَانِيَهْ
…
زوّجها مَرْوَانَ أَوْ مُعَاوِيَهْ
أزواج صدق بمهور غالية
(2)
وفي رواية الْمَبْسُوطِ أَخْتَانُ صِدْق افتخرن بشرف الزّوج وغلاء المهر كذا في الأسرار والْمَبْسُوطِ
(3)
.
وذكر الإمام التمرتاشي لو رضي بالزّوج أقرب الأولياء لم يكن للباقين الاعتراض لأنه لا ولاية لغيره معه فأما المستوون فإذا رضي به البعض سقط حق الباقين خلافاً لأبي يوسف رحمه الله كدين لهم إبراء أحدهم أو لهم قصاص فعفا أحدهم أو لهم شفقة فأبطل أحدهم لا يسقط حق الباقين كذا هنا
(4)
.
ولهما الاعتراض حق [واحد]
(5)
ثبت لكلّ واحد منهم كملا فتصرف أحدهم كتصرف الكلّ كما في الإنكاح والأمان وسكوت الولي ليس برضاء لأنّه محتمل فإن قبض مهرها وجهزها فهو رضاء دلالة فإذا زوجها/ الوليّ من غير كفؤ ثم فارقته ثم زوّجت نفسها إياه بغير الوليّ فكان للوليّ حقّ التّفريق فلا يكون رضاه بالنّكاح الأوّل رضا بالنكاح الثّاني كذا ذكره في الذّخيرة
(6)
.
ولا يجوز ذلك لغير الأب والجدّ هذا بالإجماع بدليل ما ذكر بعد هذا بقوله ولهذا لا يملك ذلك غيرهما وهذا الخلاف المذكور بين أَبِي حَنِيفَةَ وصاحبيه-رحمهم الله كما هو في المهر فكذلك في عدم الكفاءة بأن زوج ابنته غير كفؤ لها ثابت أيضاً على ما يجيء بعد هذا فيما يقولان أنّ الأب لو زوج أمة ابنتها بمثل هذا الصّداق لا يجوز فإذا زوجها أولى وولايته عليها دون ولاية المرأة على نفسها ولو زوّجت هي نفسها من غير كفؤ وبدون صداق مثلها ثبت للأولياء حقّ الاعتراض فههنا أولى.
(1)
يُنْظَر: تاريخ دمشق (68/ 143)، لسان العرب (13/ 138)، ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (4/ 271).
(2)
انكحها مروان او معاوية
…
أَخْتَان صِدْق وَمُهُورٌ غَالِيَه. الشعر من بحر (الرجز).
زوّجتها مروان أو معاويه
…
أصهار صدق بمهور غالية
يُنْظَر: التذكرة الحمدونية (9/ 351)، المحاسن والمساوئ (1/ 239).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 14).
(4)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (2/ 318).
(5)
ساقط من (ب).
(6)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 24).
ولكن أبا حنيفة ترك القياس بما روي أنّ النبي عليه السلام تزوج عائشة على صداق خمسمائة درهم زوّجها منه أبو بكر رضي الله عنه وزوج فاطمة من علي رضي الله عنه على صداق أربعمائة درهم
(1)
ومعلوم أن ذلك لم يكن صداق مثلها لأنّه إن كان ذلك صداق مثلها مع أنّهما مجمع [الفاضل]
(2)
فلا صداق في الدنيا يزيد على هذا المقدار والمعنى فيه أنّ النكاح يشتمل على مصالح وأغراض ومقاصد جمّة والأب وآفر الشّفقة كامل الرّأي إلى آخره.
بخلاف تصرف الأب في المال؛ لأنّه لامقصود هناك سوى المالية فإذا قصر في المالية فليس بإزاء هذا النقصان ما يجبره وبخلاف [فالزوج]
(3)
أمته لأن سائر مقاصد النكاح لا يحصل للصّغير والصّغيرة هناك إنما يحصل للأمة ففي حق الصّغير قد انعدم ما يكون جبراً للنقصان وبخلاف العمّ والأخ فإنّه ليس لهما شفقة وافرة فيحمل بقصرها في الكفاءة والمهر على معنى ترك النّظر.
وبخلاف المرأة في نكاح نفسها؛ لأنها سريعة الانخداع ضعيفة الرأي متابعة للشهوة عادة فكان تقصيرها في الكفاءة والصّداق لمتابعة الهوى لا لتحصيل سائر المقاصد على أن سائر المقاصد تحصل لها دون الأولياء وبسبب عدم الكفاءة والنقصان في الصّداق بغير الأولياء وليس بإزاء هذا النقصان في حقهم ما يكون جابراً فيثبت لهم حق الاعتراض كذا في الْمَبْسُوطِ
(4)
والله أعلم بالصّواب.
فصل في الوكالة
(5)
بالنكاح وغيره
(1)
رواه مسلم كتاب النكاح باب الصداق وجواز (2/ 1042) برقم (1426).
(2)
وفي (ب): (الفضائل).
(3)
وفي (ب): (مالو زوّج).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (4/ 225).
(5)
الْوِكَالَةُ مَصْدَرُ الْوَكِيلِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْفَتْحِ لُغَةٌ الْوَكِيلُ مِنْ وَكَلَ إلَيْهِ الْأَمْرَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ تَرَكَ وَسَلَّمَ تَقُولُ فِي الدُّعَاءِ: "لَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي" وَهُوَ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ وَوَكَّلَهُ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ جَعَلَهُ وَكِيلًا.
وَالتَّوَكُّلُ قَبُولُ الْوَكَالَةِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاتِّكَالُ عَلَيْهِ هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عز وجل وَقَالَ فِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ التَّوَكُّلُ إظْهَارُ الْعَجْزِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى غَيْرِك وَالْوَكَلُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْكَافِ الرَّجُلُ الضَّعِيفُ الْعَاجِزُ وَوَاكَلَ فُلَانًا إذَا ضَيَّعَ أَمْرَهُ مُتَّكِلًا عَلَى غَيْرِهِ وَالْوَكَالُ فِي الدَّابَّةِ أَنْ تَسِيرَ بِسَيْرٍ أَبْطَأَ. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (1/ 173 - 138)، وانظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 1845).
فلمّا كانت الوكالة نوعًا من الولاية من حيث أن فعل الوكيل ينفذ على الموكل كفعل الولي ينفذ على المولى عليه ألحقها بباب الكفاءة التي طلبها للأولياء.
قوله: ويجوز لابن العمّ أن يزوج بنت عمّه من نفسه
(1)
، وفي هذا الاختلاف بيننا وبين الشّافعي رحمه الله
(2)
بدليل قوله في الكتاب إلا أنّ الشّافعي يقول في الولي ضرورة
(3)
.
ثم اعلم أن هذه المسألة تدلّ على صحة ما ذكرت من الخلاصة الغزالية
(4)
في شرح قوله: ويجوز نكاح الصّغير والصّغيرة إلى قوله: في غير الأب والجدّ على أنّ الولاية ثابته عند الشّافعي لغير الأب والجدّ من العصبات بخلاف ما يدلّ عليه ظاهر رواية الهداية
(5)
هناك حيث لم يجعل هناك غير الأب والجدّ ولياً عنده فجعل ابن العم ههنا وليًا وهو غير الأب.
والجدّ [قوله لأنّه لا]
(6)
يتولاه سواه لأن في تنفيذ العقد بعبارته ضرورة لأنّ أكثر ما في الباب أن يأمر غيره من أحد الجانبين فيكون مأموره قائمًا مقامه وهو الولي من الجانبين شرعًا فيملك مباشرة العقد.
ووجه قول علمائنا قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}
(7)
أي في نكاح اليتامى فهو دليل على أنّ للولي أن يزوّج وليته من نفسه وكذلك قوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}
(8)
دليل على أنّ المولى أن يزوّجها من نفسه.
وفي الحديث أن شرط علي رضي الله عنه أتوه بشيخ مع جارية فسأله عن قصّتها فقال: أنها ابنة عمي وأني خشيت أنّها إذا بلغت ترغب عنّي فتزوّجها فقال: خذ بيد امرأتك
(9)
، والمعنى فيه أنّ العاقد فيه معبّر والواحد كما يصلح أن يكون معبّراً عن الواحد يصلح أن يكون معبّرًا عن اثنين
(10)
.
(1)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 61).
(2)
وقوله ونكاحه: أي لنفسه بأن أراد أن يتزوج بنت عمه ولم يوجد من يساويه في الدرجة فإن الحاكم يزوجها له. يُنْظَر: حاشية إعانة الطالبين (3/ 361).
(3)
يُنْظَر: الهداية في شرح البداية (1/ 197).
(4)
ينظر: الخلاصة الغزالية (ص 430).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 198).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
سورة النساء من الآية: 3.
(8)
سورة النساء من الآية: 127.
(9)
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 551) برقم (2/ 8881)، والدولابي في الكنى والألقاب (2/ 527) برقم (955)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (14/ 424) برقم (5729)، وقال:"وفي ذلك ما قد دل على جواز نكاح الرجل من نفسه من هو وليه، كما يقوله أبو حنيفة، ومالك وأصحابهما في ذلك، وبخلاف من يقول: إن الرجل لا يكون مزوجًا من نفسه، كما لا يكون بائعًا من نفسه".
(10)
يُنْظَر: المبسوط، للسرخسي (5/ 18).
ألا ترى أنّه لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الزّوجين وبه ظهر الفرق بينه وبين البيع فإنّه يستغني عن إضافة العقد إلى غيره في البيع فكان مباشراً للعقد لا معبراً ولما باشر العقد في البيع من الجانبين أدّى إلى أحكام متضادّة/ لأنّه يكون مطالباً [ومطالباً]
(1)
مسلمًا ومستلمًا مخاصمًا ومخاصَمًا وفي باب النكاح لا تتعلّق الحقوق بالعاقد فلا تؤدّي إلى أحكام متضادة ولهذا قلنا ببيع الأب مال ولده من نفسه لأنّه في جانب الصّغير يكون ملزمًا إيّاه حقوق العقد بولايته عليه حتّى إذا بلغ كانت الخصومة في ذلك إليه دون الأب كذا في (الْمَبْسُوطِ) والتمانع في الحقوق دون التعبير أي الحقوق من التّسليم والتسلّم والإيفاء والاستيفاء لو رجعت إلى شخص واحد يمتنع كما في الوكيل في البيع وليست الحقوق براجعه إلى الوكيل في النكاح فلا يمتنع.
فإن قيل: الكتابة لا تنعقد بالوكيل الواحد والحقوق لا تجب للوكيل وعليه الإجماع كما في النكاح.
قلنا: روى ابن سَمَّاعَة
(2)
رحمه الله أنّها تنعقد بالواحد ثم الجواب أنّ الوكيل في اختيار تسميته بدل الكتابة مالك يسمي ماشياً وكذلك أن بين له ملك الزيادة عليه في حق المولى والنّقصان في حق العبد.
بخلاف الرّسول فإنّه لا يملك ولما صار مالكًا في حق اختيار التسمية لم يستقم إثبات ولاية الاختيار على التّناقض.
وأمّا النكاح فيصحّ بلا تسميه فبطلان ولاية التسمية لمعنى التناقض لا يبطل ولاية النكاح إذ هذا لا يكون أكثر حالاً من ترك التسمية رأساً كذا في الأسرار.
وإذا تولى طرفيه فقوله زوجت يتضمن الشطر من أي شطري الإيجاب والقبول لأن الواحد لما قام مقام اثنين قامت عبارته الواحدة أيضاً مقام عبارتين وله مجيز أي قابل يقبل وسواء كان ذلك القائل فضولياً آخر ووكيلاً أو أصيلاً انعقد موقوفاً إنّ ركن التصرف وهو قوله زوجت وتزوّجت من أهله وهو الحرّ العاقل البالغ مضافاً إلى محلّه وهو الأنثى من بنات آدم وليست من المحرمات [قوله]
(3)
، وقد يتراخى حكم العقد عن العقد كما في البيع بشرط الخيار فإن لزومه متراخ إلى سقوط الخيار هذا جواب عن قول الخصم، لأنّ العقد وضع لحكمه فبلغها فأجازت فهو باطل أي خلافاً لأبي يوسف-رحمه الله وإن قال آخر اشهدوا أني زوّجتها منه أي بعدما قال تزوّجت فلانة فبلغها الخبر جاز أي بالإجماع وهذا عند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد-رحمهما الله- أي مجموع ما ذكر، وقال أَبُو يُوسُف رحمه الله: إذا زوجت نفسها غائباً فبلغه فأجاز جاز
(4)
وكذلك في جانب الرجل إذا تزوج امرأة غائبة فبلغها الخبر فأجازت جاز عنده وحاصل هذا أن الواحد لا يصلح فضوليًّا
(5)
من الجانبين قبل هذا إذا تكلم الفضولي بكلام واحد بأن قال: الفضولي زوّجت فلانة من فلان وقبلت منه يتوقف بالإجماع كذا في شرح الكافي أو فضوليًا من جانب أصيلاً من جانب كالمسألة الأولى.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
ابن سماعة: هو مُحَمَّد بن سماعة بن عبدالله بن هلال التميمي، أبو عبدالله: حافظ للحديث، ثقة. حدث عَن اللَّيْث ابن سعد وَأبي يُوسُف القَاضِي وَمُحَمَّد بن الْحسن وَكتب النَّوَادِر عَن أبي يُوسُف وَمُحَمَّد وروى الْكتب والأمالي، تجاوز المئة وهو كامل القوة، ولي القضاء لهارون الرشيد، ببغدادصاحب أبي يوسف ومُحَمَّد بن الحسن. ولد سنة (130 هـ)، ومات سنة (233 هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (10/ 646)، الجواهر المضية (2/ 58)، الأعلام (6/ 153).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
ينظر: الهداية شرح البداية (1/ 198).
(5)
الفضولي لغة: من يشتغل بما لا يعنيه. وأما في الاصطلاح فهو: من لم يكن وليا ولا أصيلا ولا وكيلا في العقد.
وجاء في العناية: أن الفضولي بضم الفاء لا غير، والفضل: الزيادة، وغلب استعمال الجمع (فضول) بدلا من المفرد (فضل) فيما لا خير فيه. وقيل: لمن يشتغل بما لا يعنيه فضولي، وهو في اصطلاح الفقهاء: من ليس بوكيل.
وجاء في حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: وفي حاشية ابن عابدين أن الفضولي: هو من يتصرف في حق الغير بغير إذن شرعي، كالأجنبي يزوج أو يبيع. ولم ترد النسبة إلى الواحد وهو الفضل، وإن كان هو القياس، لأنه صار بالغلبة كالعلم لهذا المعنى، فصار كالأنصاري والأعرابي. الموسوعة الفقهية الكويتية (9/ 115 - 116).
فكذلك إذا كان فضولياً من جانب وكيلاً من جانب وذكر الإمام المحبوبي-رحمه الله فقال
(1)
: واعلم أن ههنا مسائل شتّى ثلاث منها تقف على الإجازة بلا خلاف أحديها أنّ الفضولي إذا قال زوجت فلانة من فلان وقبل عنه فضولي آخر أو قال الرجل تزوجت فلانة وهي غائبة فأجابه فضولي وقال زوجتها منك أو قالت المرأة زوجت نفسي من فلان الغائب وقبل عن فلان فضولي توقف العقد على الإجازة في هذه الفصول الثّلاثة بالاتّفاق لأنّه عقد جرى بين اثنين فيكون باباً موقوفاً على الإجازة وفي ثلاث منها اختلاف:
أحديها:
…
ما ذكر أولاً وهو قوله ومن قال اشهدوا أني قد تزوّجت فلانة.
والثّانية:
…
أن تقول المرأة زوجت نفسي من فلان وفلان غائب ولم يقبل عنه أحد.
والثّالثة:
…
أن يقول الفضولي زوجت فلانة من فلان وهما غائبان ولم يقبل أحد فعلى قولهما لا يتوقف العقد على إجازة الغائب وهو قول أبي يوسف-رحمه الله أولاً وعلى قوله الآخر يقف لأنّ الكلام الواحد في باب النكاح عقد تام.
ألا ترى أنّه لو كان مأموراً بالعقد أو ولياً من الجانبين كان كلامه عقداً نافذاً.
قوله: وما جرى بين الفضوليين عقد [تام]
(2)
لوجود الإيجاب والقبول فيتوقّف وكذا الخلع
(3)
وأختاه وهما الطّلاق على مال والإعتاق على مال لأنّه تصرف يمين من جانبه
(4)
.
وإنما قلنا أن الخلع في جانبه يمين لما فيه من تعليق الطّلاق لقبولها والطّلاق يحتمل التّعليق بالشّرط ولهذا لا يصحّ الرجوع عنه ولا يبطل لقيامه عن المجلس وفي النكاح قوله زوّجت فلانة لا يمكن أن يجعل تعليقاً لأنّ النكاح لا يحتمل التّعليق بالشّرط فكان هذا شطر العقد فلا يتوقف.
فإن قيل: لو قال الزّوج بمحضر منها طلقتك بكذا فقامت المرأة عن المجلس قبل القبول فإنّه يبطل ذلك ولو كان تعليق بالشّرط لما بطل بقيامها عن المجلس كما في سائر التعليقات.
(1)
ينظر: العناية شرح الهداية (3/ 310 - 311).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
الخلع (بالفتح) لغة هو النزع والتجريد، والخلع (بالضم) اسم من الخلع. ينظر: القاموس المحيط (ص: 713)، تاج العروس (20/ 518).
وأما الخلع عند الفقهاء فقد عرفوه بألفاظ مختلفة تبعا لاختلاف مذاهبهم في كونه طلاقا أو فسخا، فالحنفية يعرفونه بأنه عبارة عن: أخذ مال من المرأة بإزالة ملك النكاح بلفظ الخلع. وتعريفه عند الجمهور في الجملة هو: فرقة بعوض مقصود لجهة الزوج بلفظ طلاق أو خلع. ينظر: فتح القدير (3/ 199)، جواهر الإكليل (1/ 330)، روضة الطالبين (7/ 374)، كشاف القناع (5/ 212).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 203).
قلنا: لا يلزم من كونه تعليقاً امتناع بطلانها بالقيام على المجلس فإن من التعليقات ما يبطل بالقيام عن المجلس ويقتصر على وجود الشّرط في المجلس كقوله لها أنت طالق إن شئت يقتصر على وجود المشيئه في المجلس حتّى يبطل بقيامها عن المجلس فهذا مثله كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
والفوائد
(2)
.
ثم اعلم أنّ عقد الوكيل عند غيبة الموكل إنّما تصح إذا عرفه باسمه ونسبه وذكر في التّفاريق زوجها من نفسه بأمرها وقال اشهدوا أن فلانة وكلتني أن أزوجها من نفسي ولم ينسبها ولم يعرفها الشّهود وبيعه فيما بينه وبين الله وفي النّوازل لم ينسبها ولم يعرفها الشّهود لا يجوز النّكاح [لأنّ الغائب]
(3)
إنّما يعرف بالتسمية.
ألا ترى أنّه لو قال تزوّجت امرأة قد وكلتني لا يجوز وفي شرح [القاضي]
(4)
: لو كانت حاضرة متيقنة ولا يعرفها الشّهود، فعن الحسن وبشر يجوز وقيل لا يجوز ما لم يرتفع، ويراها الشّهود كذا ذكره الإمام التمرتاشي-رحمه الله، ولا وجه إلى التنفيذ فيهما للمخالفة أي لمخالفة الأمر لأنّ الآمر لم يأمره به ولا إلى التنفيذ في أحديهما غير عين للجهالة وكان أَبُو يُوسُف-رحمه الله يقول أولاً يصح نكاح أحديها بغير عينها والبيان إلى الزّوج لأنّ المأمور ممتثل أمره في أحديهما ولا ينفذ أن يكون أحديهما بغير عينها منكوحة والأخرى مطلقة كما لو طلق إحدى امرأتيه ثلاثاً بغير عينها قال: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله
(5)
، وهذا ضعيف لأنّه إنّما يثبت في المجهول ما يحتمل التّعليق بالشّرط [كما في الطّلاق وأمّا النكاح فلا يحتمل التّعليق بالشّرط لأنّه تمليك وما لا يحتمل التّعليق بالشّرط]
(6)
لا يثبت في المجهول لأنّه تعليق بالبيان.
بخلاف الطّلاق ولو أمره بأن يزوّج فلانة فزوّجها مع أخرى في عقد جاز ونكاح فلانة للأمر به.
ولو أمره أن يزوّجه امرأتين في عقده فزوجه واحدة جاز وبمثله لو أمره بشرى ثوبين في صفقة لا يملك التّفريق لأنّ الثياب إذا اشتريت جملة توجد بأرخض ممّا يشتري على التفاريق فاعتبر قيده.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 19).
(2)
هو كتاب الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة وهو فوائد على الْجَامِعِ الصَّغِيرِ للحسام الشهيد سماها الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة في الفقه، وهو لظهير الدين أبي بكر مُحَمَّد بن أحمد القاضي الفقيه الأصولي، (ت 619 هـ). يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 20)، معجم المؤلفين (8/ 303).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (6/ 22).
(6)
ساقط من (ب).
أمّا هنا فبخلافه وكذا ذكره [الامام]
(1)
التمرتاشي-رحمه الله ومن أمره أمير بأن يزوجه امرأة فزوجه [أمة]
(2)
لغيره.
وإنّما قيد بقوله أمير لكون الكفاءة مستحسنة في الوكالة عندهما على ما ذكر في الكتاب وذكر الإمام المحبوبي رحمه الله وعلى هذا الخلاف إذا لم يكن أميراً فزوجه الوكيل أمة أو حرة عمياء أو مقطوعة اليدين أو رتقاء أو مفلوجة أو مجنونة وقيّد بقوله لغيره فإنّه لو زوّجه أمه نفسه لا يجوز إجماعاً لمكان التهمة كذا في (الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) لِقَاضِي خَانْ رجوعًا إلى إطلاق اللّفظ وعدم التّهمة فإنّ لفظ امرأة مطلق يقع على الحرّة والأمة كما إذا حلف بأن لا يتزوّج امرأة يقع على كل امرأة على الحرّة والأمة جميعًا كذا ذكره صدر الإسلام-رحمه الله.
وقال أَبُو يُوسُف ومُحَمَّد - رحمهما الله - لا يجوز إلا أن يزوجه كفوًا دلّت المسألة على أن عندهما الكفاءة تعتبر في النّساء للرّجال أيضاً كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ للكُشانِيّ
(3)
: لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف كما في التوكيل بشراء الفحم والجمد.
وههنا أيضاً المعتاد التزوج بالأكفاء فيتقيد بها.
قلنا: العرف مشترك أي يستعمل فيما قلتم ويستعمل فيما قلنا فلا يكون لأحد الخصمين حجّة على الآخر أو عرف عملي فلا يصلح مقيدًا لما أنّ التقييد والإطلاق وصف لفظي والعمل ليس بلفظه فلا يصلح مقيَّدًا للفظ لأن المقيّد إنّما يصلح مقيدًا إن كان وروده فيما فيه الإطلاق وهو اللّفظ لما أن بين الإطلاق والتقييد معارضة وإتحاد المحلّ شرط المعارضة بيان ذلك أنّ العرف على نوعين لفظي نحو الدّابة تفيد لفظًا بالفرس ونحو المال بين العرب بالإبل وعمل أي العرف من حيث العمل والاستعمال لا من حيث اللّفظ بيان ذلك فيما ذكره صدر الإسلام رحمه الله في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(4)
، وقال: وأمّا قولهم فإنّهم لا يتزوّجون إلا الأكفاء قلنا هذا عادة فعل والكلام ينصرف إلى ما يعتاده النّاس قولاً/ لا فعلاً.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
الكُشاني: مَسْعُود بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم. الكشاني: بِضَم الْكَاف والشين الْمُعْجَمَة وفى آخرهَا النُّون هَذِه النِّسْبَة إِلَى كشانية بَلْدَة من بِلَاد السغد بنواحي سَمَرْقَنْد. مات سنة (520 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 168، 341)، تاريخ الإسلام (11/ 327).
(4)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 174).
ألا ترى أن من حلف لا يأكل لحمًا فأكل لحم الآدمي أو لحم الخنزير يحنث وإن كان النّاس لا يأكلون لحم الادمي ولا لحم الخنزير عرفاً
(1)
، فعلم بهذا أنّ العرف العمل لا يصلح مقيدًا لإطلاق اللّفظ وكذلك ههنا المتعارف أن لا يتزوّج النّفيس الخسيسة عملاً ولكن لا يكون هذا رافعًا لإطلاق اللفظ كما أنّ هناك عرف وترك أكل لحم الآدمي والخنزير لم يصلح مقيدًا لإطلاق قوله لا يأكل لحمًا بل بقي اللّحم مطلقاً كما كان لأنّ إطلاقه لا يرتفع إلا بلفظ آخر وذكر شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله
(2)
المنع في مسألتي الْفَحْم وَالجَمد
(3)
لما أنّ ذلك أيضاً عرف عملي فلا يصلح مقيدًا لإطلاق اللّفظ كذا في الفوائد الظهيريّة ولو زوّجه صغيرة لا يجامع مثلها جاز بالإجماع فإنّه معتاد ألا ترى أن النبي عليه السلام تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين
(4)
ذكره الإمام المحبوبي أن اعتبار الكفاءة استحسان عندهما أي في جانب النساء للرجال.
وأمّا في القياس فهو غير معتبر؛ لأنّه ذكر في الْمَبْسُوطِ
(5)
، وإذا تزوّجت المرأة رجلاً خيراً منها فليس للولي أن يفرق بينهما؛ لأنّ الكفاءة غير مطلوبة من جانب النّساء لأنّ الولي لا يتغير بأن يكون تحت الرجل من لا يكافئه؛ لأن نسب الولد يكون إلى أبيه لا إلى أمّه ألا ترى أن إسماعيل عليه السلام كان من قوم إبراهيم عليه السلام[لا]
(6)
من قوم هاجر، وكذلك إبراهيم عليه السلام ابن رسول الله عليه السلام كان من قريش وما كان قبطياً، وأولاد الخلفاء من الإماء يصلحون للخلافة.
وذكر الإمام الإسْبِيجَابِيّ رحمه الله.
وقولهما أحسن للفتوى وبه أخذ الفقيه أبو الليث رحمه الله والله أعلم.
(1)
يُنْظَر: بدائع الصنائع (6/ 27).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (12/ 214).
(3)
الجَمَد: المَاء الجامد، وَقد جَمَدَ يَجْمُد جُمُوداً، وقال: البابرتي في شرح الهداية: "شِرَاءِ الْفَحْمِ بِأَيَّامِ الْبَرْدِ، وَبِالْجَمْدِ بِسُكُونِ الْمِيمِ: مَا جَمَدَ مِنْ الْمَاءِ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ. ".
يُنْظَر: تهذيب اللغة (10/ 357)، الصحاح (2/ 459)، العناية (8/ 78).
(4)
سبق تخريجه (ص 149).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 29).
(6)
ساقط من (ب).
باب المهر
لما ذكر ركن النكاح وشرطه وما هو في معنى الشّرط شرع في بيان حكمه وهو وجوب المهر وبه صرّح في المنشور
(1)
(2)
بأن وجوب المهر حكم النكاح لما أنّ المهر إمّا مسمّى أو مهر المثل يجب بالعقد فكان حكمه ثم الله تعالى بحكمته البالغة لم يشرع عقد النكاح إلا ببدل لتّعظيم خطره عند الناكح ويحل شأنه لعين الطّامح ويكون خوف المطالبة بالصّداق مانعًا له عن الطّلاق فحينئذ يمتد التّوافق والتّساعد ويدوم البقاء والتّوالد وعن هذا كانت المتعة والنكاح الموقت حراماً وازداد حسن تأييد المعاشرة قوة ونظاماً.
ثم اعلم أنّ الكلام ههنا في مواضع في وجوب المهر بدون الذكر وفي بيان ما يصلح وما لا يصلح وفي بيان ما تفسد به التسمية وما يصح وفي بيان ما يستحق به جميع المهر وما يسقط به نصفة.
وفي بيان من يعتبر به مهر المثل وفي بيان حكم الاختلاف بين الزّوجين وما يتبعها فبدأ ببيان الأوّل.
وقال ويصحّ النكاح وإن لم يسم فيه مهراً ولها مهر مثلها من نسائها إن دخل بها أو مات عنها وهو أحد قولي الشّافعي-رحمه الله
(3)
وفي القول الآخر لا يجب بنفس العقد وإنّما يجب المهر بالفرض بالتّراضي أو بقضاء القاضي حتّى إذا مات أحدهما قبل الدّخول فلا مهر لها عنده وذكر في (الأسرار) وغيره قوله الثّاني مطلقاً ومشايخهم مختلفون فيما إذا دخل بها فأكثرهم على أنّه يجب المهر بالدّخول.
ومنهم من يقول لا يجب بالدّخول [أيضاً]
(4)
كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
سوى ما أحيل ثم المهر واجب شرعًا هذا جواب سؤال مقدّر وهو أن يقال ينبغي أن لا يتم النكاح بدون تسمية المهر لأنّ المهر واجب كالثّمن في باب البيع فكما يفسد البيع هناك عند ترك تسمية الثمن فكذا هنا عند ترك تسمية المهر فأجاب عنه وقال نعم أنّ المهر واجب لكن وجوب المهر لا بأنه شرف المحل المحترم وهو بضع الحرّة ويضع من لا يملكه بملك اليمين لا لصحّة النكاح فلذلك لم يحتج إلى ذكره لصحّة النكاح فيصح النكاح وإن لم يسم المهر.
قوله: وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ-رحمه الله
(6)
أي فيما إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها
(7)
فإن هذا النكاح لا يجوز عنده فقال؛ لأنّه عقد معاوضة ملك متعة بملك مهر فيفسد بشرط نفي عوضه كالبيع بشرط أن لا ثمن إلا أنّا نقول أنّه قد ثبت بالدّليل أنّ النكاح ينعقد بلفظ الهبة وهي تمليك في اللّغة بلا عوض فكان قوله بشرط أن لا مهر لك تقريراً لما أوجبه الهبة لأنّ النكاح بغير تسمية المهر جائز بالإجماع
(8)
وما كان عوضاً شرط ذكره في العقد لا يختلف بين ترك ذكره وبين نفي ذكره كالبيع.
(1)
المنشور، في فروع الحنفية للإمام، السيد، ناصر الدين: أبي القاسم بن يوسف السمرقندي، الحنفي، وفي (ب):(الْمَبْسُوطِ).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 62، 113).
(3)
يُنْظَر: الأم للشافعي (5/ 63)، روضة الطالبين (6/ 267 - 269).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 62).
(6)
إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها اختلف العلماء في ذلك:
- ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة: إلى جواز النكاح.
- ذهب المالكية: إلى عدم جواز النكاح.
يُنْظَر: بدائع الصنائع (2/ 274)، الشرح الكبير (2/ 313)، روضة الطالبين (7/ 280)، المعني (7/ 94).
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 41).
(8)
لم أعثر على من نقل الإجماع، إلا أن عامة أهل العلم على جواز النكاح بغير تسمية المهر. ينظر: الشرح الكبير على متن المقنع (8/ 81)، المبسوط، للسرخسي (5/ 62)، متن أبي شجاع المسمى الغاية والتقريب (ص 32).
ألا ترى أنّ البيع بلا ثمن ومطلقاً عن ذكر الثمن سواء في عدم الجواز إلى هذا أشار في الأسرار.
ولنا قوله عليه السلام: «وَلَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَة»
(1)
إنّما ذكره بالواو لأنّ هذا معطوف على ما قبله في الحديث وهو ما روى جابر رضي الله عنه أنّ النبي عليه السلام قال: «أَلَا لَا تُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ، وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاء ولا مهر أقل من عشرة دراهم»
(2)
.
وفي حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنّ النبي عليه السلام قال: «لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِم ولَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَة دَرَاهِم»
(3)
.
فإن قلت: هذا الحديث معارض بما روي من الأحاديث منها ما روي عن النبي عليه السلام أنّه قال: «من اسْتَحَلَّ بِدِرْهَمٍ فَقَدْ اسْتَحَلَّ»
(4)
، ومنها ما روي أن امرأة عرضت نفسها على رسول الله عليه السلام فلم ير فيها رغبة فقال:«مَالي حَاجَة إلى النِّسَاء» فقالت: زوّجني من شئت فقام رجل فقال زوّجها منّي فقال: «ماذا تُصْدِقُهَا؟ فقال: إزاري هذا فقال: «إذًا قَعَدْتَ، وَلَا إزَارَ لَك الْتَمِسْ، وَلَوْ بِفَلْسٍ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»
(5)
ولأنّه قوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}
(6)
مطلق
(7)
فيقيد ذلك المال بالعشرة يكون زيادة على النصّ ولا يجوز ذلك بالخبر الواحد
(8)
.
(1)
سبق تخريجه (ص 165).
(2)
سبق تخريجه (ص 165).
(3)
قال الترمذي رحمه الله: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "لَا قَطْعَ إِلَّا فِي دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ"، وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، رَوَاهُ القَاسِمُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَالقَاسِمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ، قَالُوا: لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. وَرُوِي عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: "لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ". وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ. رواه الترمذي في كتاب ابواب الحدود باب ما جاء في كم تقطع يد السارق (4/ 50) برقم (1446)، والجزء الثاني "ولَا مَهْرَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَة دَرَاهِم" سبق تخريجه.
(4)
رواه ابن أبي شيبة (3/ 492)، نصب الراية (3/ 203)، البيهقي (7/ 238)، وابن الأثير في "أسد الغابة"(6/ 267) من هذا الطريق وكذا ذكره ابن عبدالبر في "الاستيعاب (4/ 305)، والذهبي في "المهذب" (11359)، والحافظ في "الإصابة" (4/ 169) والهيثمي في "المجمع" (4/ 281) وعزياه لأبي يعلى، ورواه أبو يعلى في "مسنده" (943)، وابن أبي شيبة (7/ 288 - 289) (36156) من طريق ابن أبي لبيبة عن جده، وكذا هو في "المطالب" (1569)، و"إتحاف الخيرة المهرة" (3281)، قال الطحاوي في "أحكام القرآن" كما في "الجوهر النقي": هذا الإسناد لا يقطع به أهل الرواية اهـ. وقال ابن عبد في "الاستغناء" (1/ 208): إسناده ليس بالقوي. اهـ. وقال الذهبي في "المهذب" (11359): يحيى واهٍ. اهـ.، وقال الهيثمي في "المجمع" (4/ 281): فيه يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة، وهو ضعيف. اهـ.
(5)
رواه البخاري كتاب النكاح باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح (7/ 13) برقم (5121)، ومسلم كتاب النكاح باب الصداق وجواز
…
(2/ 1040) برقم (1425).
(6)
سورة النساء من الآية: 24.
(7)
المطلق، فهو الدال على شيء معين باعتبار حقيقة شاملة لجنسه، وهو النكرة في سياق الإثبات. المطلع على ألفاظ المقنع (ص 480).
(8)
ينظر: الاختيار لتعليل المختار (3/ 101).
قلت: تأويل الأحاديث فيما يعجله لها باليد.
ألا ترى أنّه أمر ذلك الرّجل بالالتماس والصّداق يمكن إثباته في الذمّة
(1)
فعرفنا أنّ المراد ما يعجله لها باليد وذلك غير مقدر عندنا.
وأما تقييد الآية بمال مقدر فقد عرفنا بإشارة النصّ
(2)
وهي قوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ}
(3)
معناه ما قدّرنا فإنّ الغرض عبارة عن التقدير وخبر الواحد ورد مفسراً لذلك التّقدير المجهول الذي ثبت بالكتاب وهذا لأنّ كل مال أوجبه الشّرع تولى بيان مقداره كالزكوات وغيرها.
فكذلك الصّداق ممّا أوجبه الشّرع عرف بقوله ما فرضنا فيكون مقدراً شرعًا كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(4)
أو كان معنى قوله فهو مهر أي بعض المهر فإنّ الدّرهم من المهر وفائدة ذكره أنّه لا يجب مهر المثل عند ذكر الدّرهم وبه نقول لأنّ تسمية ما لا يصلح مهراً شرعًا كانعدامه كما في تسمية الخمر والخنزير فما ذكره زفر-رحمه الله قياس وما ذكرناه استحسان وللاستحسان وجهان:
(1)
الذِّمَّة: فِي اللُّغَة الْعَهْد وَإِنَّمَا سمي ذمَّة لِأَن نقضه يُوجب الذَّم. وَعند الْبَعْض وصف. وَعند الْبَعْض ذَات فَمن جعلهَا وَصفا عرفهَا بِأَنَّهَا وصف يصير بِهِ الشَّخْص أَهلا لإِيجَاب مَاله وَمَا عَلَيْهِ. وَمن جعلهَا ذاتا عرفهَا بِأَنَّهَا نفس لَهَا عهد فَإِن الْإِنْسَان يُولد وَله ذمَّة صَالِحَة للْوُجُوب لَهُ وَعَلِيهِ عِنْد الْفُقَهَاء بِخِلَاف سَائِر الْحَيَوَانَات وَفِي جَامع الرموز فِي كتاب الْكفَالَة الذِّمَّة لُغَة الْعَهْد وَشرعا مَحل عهد جرى بَينه وَبَين الله تَعَالَى يَوْم الْمِيثَاق أَو وصف صَار بِهِ الْإِنْسَان مُكَلّف. فالذمة كالسبب وَالْعقل كالشرط ثمَّ استعير على الْقَوْلَيْنِ للنَّفس والذات بعلاقة الْجُزْئِيَّة والحلول فَقَوْلهم وَجب فِي ذمَّته أَي على نَفسه. انظر: جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (2/ 89).
(2)
المراد بما يفهم من إشارة النص المعنى الذي لا يتبادر فهمه من ألفاظه ولا يقصد من سياقه ولكنه معنى لازم للمعنى لازم للمعنى المتبادر من ألفاظه، فهو مدلول اللفظ بطريق الالتزام. ولكنه معنى إلتزامياً وغير مقصود من السياق كانت دلالة النص عليه بالإشارة لا بالعبارة. وقد يكون وجه التلازم ظاهراً، وقد يكون خفيا، ولهذا قالوا: إن ما يشير غليه النص قد يحتاج فهمه إلى دقة نظر ومزيد تفكير، وقد يفهم بأدنى تأمل. فدلالة الإشارة هي دلالة النص عن معنى لازم لما يفهم من عبارته غير مقصود من سياقه؛ يحتاج فهمه إلى فضل تأمل أو أدناه، حسب ظهور وجه التلازم وخفائه. علم أصول الفقه، لعبدالوهاب خلاف (ص 145).
(3)
سورة الأحزاب من الآية: 50.
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 81).
أحدهما: أنّ العشرة في كونها صداقاً لا يتَجَزَّأ وذكر بعض ما لا يتَجَزَّأ كذكر كلّه كما لو تزوّج نصفها صحّ النكاح في جميعها.
والثّاني: أنّ الإمهار إلى تمام العشرة حق الشّرع، وما زاد على ذلك حقها فإذا رضيت بالخمسة فقد أسقطت ما هو حقها، وبعض ما هو حق الشّرع فيعمل إسقاطها فيما هو حقها، وهو الزّيادة على العشرة، ولا يعمل في حق الشّرع، كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
.
قوله: ولا ترضى فيه بعوض يسير فلما كان كذلك لا يكون عدم التّسمية دليلاً على الرضاء بالعشرة فلا تجب العشرة لذلك بل يجب مهر المثل لأنّ بالدخول يتحقق تسليم المبدل وهو البضع وبه يتأكّد تسليم البدل أي بتسليم المبدل يتأكّد تسليم البدل وهو المهر كما في تسليم المبيع في باب البيع يتأكّد وجوب تسليم الثّمن لأنّ وجوب الثّمن قبل ذلك كان على ضعف ووهاء لأنّه كان على عرضته أن يهلك المبيع في يد البائع وينفسخ البيع وبتسليمه يتأكّد وجوب الثّمن على المشتري فكذلك ههنا كان وجوب المهر على ضعف ووهاء لأنّه كان على عرضيّه إن قبلت المرأة ابن زوجها أو ارتدت والعياذ بالله فيسقط جميع المهر والشيء بانتهائه يتقرر فكذلك ههنا النكاح بالموت يتقرّر والدّليل عليه جريان الإرث بينهما فإنّ الإرث سببه أمّا النّسب أو السّبب ولا نسب ههنا فكذلك لا سبب سوى سبب النكاح فعلم به أنّ النكاح بينهما باق تقديراً فيتقرر بجميع مواجبة أي فيما يمكن تقريره مثل الإرث والعدّة والمهر والنّسب ولكن لا يتقرّر في حق وجوب النّفقة وفي حق وجوب النّفقة وفي حق حل التزوّج بعد انقضاء العدّة.
قوله: وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ [بِهَا]
(2)
وَالْخَلْوَة
(3)
. أي بعدما سمّى لها مهراً.
قوله والْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ
(4)
جواب سؤال مقدّر وهو أن يقال ينبغي أن يسقط الكلّ لأنّ بالطّلاق قبل الدّخول يعود المعقود عليه سالمًا إليها فيجب أن يسقط كلّ البدل كما إذا تبايعا ثم أقالا فأجاب عنه وقال إن ههنا قياساً آخر يقتضي وجوب كل المهر لأنّه فوت ما ملكه باختياره فصار كمن اشترى شيئاً.
ثم باعه من آخر وكمن أعتق عبده فهذا الوجه يوجب تأكّد جميع البدل فعلم أنّ القياسين متعارضان فتركناهما وأخذنا بالنّص كذا ذكر الأستاذ
(5)
المحقق رحمه الله.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 82).
(2)
زيادة من البداية (1/ 62).
(3)
يُنْظَر: بداية المبتدى (1/ 62).
(4)
يُنْظَر: الهداية (2/ 490).
(5)
إذا ذكر الأستاذ عند الأحناف فالمقصود به فخر الدين المايمرغي. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 213).
فإن قلت: ففي هذا وجوه من السؤال:
أحدها: أن ههنا ليس أوان القياس إذ فيه نصّ ظاهر ولا وجود لقياس واحد مع وجود النصّ على مخالفة النص فصلاً عن الأقيسة
والثّاني: أنّ التّعارض إذا ثبت بين الحجّتين إنّما يصار إلى ما بعدهما من الحجّة لا إلى ما قبلهما حيث يرجع إلى السنّة عند معارضة الآيتين لما عرف وانعكس ههنا.
والثّالث: أن المعارضة في الحقيقة لا تثبت بين القياسين لفقد شرطها لما عرف في أصول الفقه لشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله
(1)
ولئن تثبت صورة فلا يتركان بل يعمل المجتهد بأيّهما كان بشهادة قلبه.
قلت: أمّا الجواب عن الأوّل فقد ذكر الأستاذ رحمه الله هذا نص دخل فيه الخصوص فإنّه إذا سمّى الخمر أو الخنزير في العقد ثم طلّقها قبل الدخول لا يجب نصف المفروض وإذا ثبت الخصوص فيه جاز أن يعارضه القياس وهو أن لا يجب عليه شيء لعود المعقود إليها سالمًا كما في إقالة البيع ثم يقول القياسان متعارضان صورة فلم يثبت الخصوص وإذا لم يثبت الخصوص بالقياس يجب عليه نصف المسمّى عملاً بالنصّ والأوجه فيه أن يقال ذكر معارضة القياسين أو الأقيسة ههنا لا لإثبات الحكم بهما أو بأحدهما بل لبيان أنّ العمل [بهما غير ممكن لتعارضهما في انفسهما ولمخالفتة كل منهما النص فصار كأنه قال فوجب علينا العمل]
(2)
.
بظاهر قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ}
(3)
من غير رجوع إلى القياس والمعقول فإنا لو خلّينا [ومجرد]
(4)
القياس وعملنا به على وجه الفرض والتقدير وإن لم يكن أوان العمل بالقياس من غير نظر إلى النصّ يلزم ترك أخذ [أحد]
(5)
القياسين فتركناهما جميعًا.
فعملنا بالنصّ وبهذا خرج الجواب عن الأسولة كلّها فإنّه لما لم تكن المعارضة على حقيقتها بل هذا قول على وجه الفرض والتقدير لا يرد فيه ما يرد في التعارض وهذا كما قيل في نجاسة البئر وتقرير نزحها بالسنّة بحسب قدر الواقع منها أن في أحكام البئر اتباعاً للآثار وتمسكًا بالسنن وإلا فيها قياسان متعارضان أحدهما يقتضي أن لا ينجس البئر أصلاً كما روي عن مُحَمَّد رحمه الله أنّه قال اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف أنّ ماء البئر في حكم الماء الجاري لأنّه ينبع من أسفلها ويؤخذ من أعلاها فلا يتنجّس بوقوع النّجاسة أو تطم طمّاً ويحفر في موضع آخر كما قاله بشر لأنّه وإن نزح ما فيها من الماء تبقى الطّين والحجارة نجساً [ولكن]
(6)
لما كان القياسان مخالفين للآثار المشهورة والسنن المستفيضة بتقدير النّزح بحسب تقدير الواقع لم يعمل بهما لعدم أوانهما لأن أوان القياس هو بعد الكتاب والسنّة والسنّة موجودة ههنا.
(1)
يُنْظَر: أصول السرخسي (2/ 15 - 18).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
سورة البقرة من الآية: 237.
(4)
زيادة من (ب).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
زيادة من (ب).
فكذلك ههنا فإن القياسين مخالفان لظاهر الكتاب كما هناك [قوله: ففيه تفويت الزوج الملك الفاء لتفسير التعارض ثمّ]
(1)
.
قوله: تفويت الزوج الملك على نفسه باختياره
(2)
يقتضي وجوب كل المهر كالمشتري إذا تلف المبيع قبل القبض.
وقوله: وفيه عود المعقود عليه
(3)
سالمًا يقتضي عدم وجوب شيء من المهر كما في الإقالة والفسخ بخيار رؤية أو شرط.
قوله: إِن دخل بهَا أَو مَات
(4)
الزّوج وكذلك إن ماتت المرأة فإنه ذكر في شرح الطّحاوي
(5)
في هذه الصورة فإن طلقها بعد الدخول أو بعد الخلوة أو مات الزّوج أو ماتت المرأة فلها مهر المثل وكذا أيضاً في تحفة الفقهاء
(6)
، والذّخيرة
(7)
، وأكثرهم أي أكثر أصحاب الشّافعي رحمه الله
(8)
، ولنا أن المهر وجوباً حق الشرع وذكر في المحيط
(9)
، وفي المهر حقوق ثلاثة: حق الشّرع: وهو أن لا يكون أقلّ من عشرة، وحق الأولياء: وهو أن لا يكون أقلّ من مهر مثلها، وحق المرأة: وهو كونه ملكًا لها، غير أن حق الشّرع، وحق الأولياء يعتبر وقت العقد لا في حالة البقاء.
وكذلك إذا زوجت نفسها من رجل بمقدار مهر مثلها ثم أبرأته عن كلّها أو عن بعضها لا يكون للأولياء حق الاعتراض وفي الْمَبْسُوطِ
(10)
، والمعنى فيه أنّ المسمّى إذا تأكّد بالتّسمية والعقد جميعًا ولتأكده لا يسقط كله لا بالطّلاق ولا بالموت والنفقة ضعيفة من كل وجه لأنّها لا تجب بنفس العقد ولا بالتّسمية فتسقط بالطّلاق والموت جميعًا ومهر المثل ضعيف من وجه لأنّه غير مسمّى في العقد وقوي من وجه لأنّه واجب بنفس العقد فلقوته من وجه لا يسقط بالموت ولضعفه من وجه يسقط كلّه بالطّلاق قبل الدّخول ولو طلقها قبل الدّخول بها فلها المتعة.
وإنما قلنا أن المتعة مخصوصة في هذه الصّورة لسياق الآية وهو قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ}
(11)
الآية، قيل أو بمعنى الواو أي وما لم تفرضوا.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 204).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 204).
(4)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 62).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 84)
(6)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (2/ 244).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 121)
(8)
يُنْظَر: الأم (5/ 63 - 64)، تكملة المجموع (16/ 389).
(9)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 85)
(10)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 11 - 12).
(11)
سورة البقرة من الآية: 236.
قوله: ثم هذه المتعة واجبة
(1)
إنما قيد بقوله ثم هذه لأنّه إذا طلّقها بعد الدّخول وقد سمّى لها مهرها أو طلّقها بعد الدّخول ولم يسمّ لها مهراً فإنّ المتعة لهما مستحبة بالاتّفاق على ما يجيء.
وأمّا في هذه الصّورة وهي ما إذا طلّقها قبل الدخول ولم يسمّ لها مهراً فإن المتعة فيها واجبة عندنا
(2)
وقال مالك رحمه الله
(3)
المتعة مستحبة في جميع الصّور بدليل ما ذكر في المنظومة
(4)
ولا ترى وجوبها في الشّرعة وقال: لأنّ الله تعالى سمّاه إحسانًا بقوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}
(5)
.
وقلنا المتعة واجبة في هذه الصّورة التي ذكرنا لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ}
(6)
فالأمر للوجوب وما ذكره من الإحسان مصروف إلى التي لها مهر أو نصف مهر دفعًا للتّعارض إلى هذا أشار في الْمَبْسُوطِ
(7)
، والمتعة ثلاثة أثواب إلى قوله درع وخمار وملحفة يعني كرتة ومعجر وجادر وفي الْمَبْسُوطِ
(8)
، وأدنى المتعة درع وخمار وملحفة وذلك لأنّ المرأة تصلي في ثلاثة أثواب وتخرج في ثلاثة أثواب عادة فيكون ذلك متعة لها تذكره من الزّوج إذا فارقها قبل أن يدخل بها [وفي مبسوط]
(9)
فخر الإسلام رحمه الله قالوا هذه في ديارهم.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 205).
(2)
وعند الشافعية والحنابلة أيضاً واجبة. انظر: العناية شرح الهداية (3/ 326)، الوسيط في المذهب، لأبي حامد الغزالي (5/ 267)، المغني، لابن قدامة (7/ 239)، الموسوعة الفقهية الكويتية (36/ 95).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (6/ 61)، بداية المجتهد (2/ 97 - 98)، تكملة المجموع (16/ 387)، المغني (7/ 237).
(4)
المنظومة، للإمام النسفي عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن لقمان السمرقندي، وذكر أنه فرغ منها بعد الخمس مائة ورتبها على عشرة أبواب بحسب الإئتلاف والإختلاف بين الأئمة وهم أبو حنيفة وصاحباه وزفر والشافعي ومالك رضي الله عنهم أجمعين". انظر: لسان الميزان (4/ 327)، وانظر أيضاً: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 456، 3/ 543)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1230).
(5)
سورة البقرة من الآية: 236.
(6)
سورة البقرة من الآية: 236.
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 82).
(8)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 82).
(9)
زيادة من (ب).
وأما في ديارنا فينبغي أن يجب عليه أكثر من ذلك لأن يمتعها بثياب بدنها عادة والنساء في ديارنا تلبس أكثر من ذلك عادة فينبغي أن يزاد عليها إزار ومكعب.
قوله: رحمه الله لِقِيَامِهَا مَقَامَ مَهْرِ الْمِثْلِ
(1)
. كان من حقّه أن يقول لقيامها مقام نصف مهر المثل لأنّ المهر التّام لم يجب في صورة من الصّور إذا طلقت المرأة قبل الدّخول ولكن يراده إلحاق المتعة بنفس مهر المثل في اعتبار حالها من غير نظر إلى تمام مهر المثل أو نصفة.
وفي مهر المثل المعتبر حالها فكذا فيما قام مقامه.
وذكرفي شرح الطّحاوي
(2)
المتعة ثلاثة أثواب على اعتبار حالها فإن كانت من السفلة
(3)
فمن الكرباس
(4)
، وإن كان وسطًا فمن القز
(5)
، وإن كانت مرتفعة الحال فمن الإبريشم
(6)
ثم هي لا يزاد على نصف مهر مثلها وفي الذّخيرة
(7)
، والمتعة ثلاثة أثواب على ما ذكرنا وسط لا جيّد غاية الجودة ولا ردي غاية الرداءة إلا إذا زاد ذلك على نصف مهر مثلها فحينئذ لها نصف مهر مثلها وإن كان لا يزيد ذلك على نصف مهر مثلها [فلها]
(8)
الأثواب إلا أن تنقص قيمتها عن خمسة دراهم.
والحاصل أن لها الأقلّ من نصف مهر المثل ومن المتعة إلا أن تكون قيمة المتعة أقلّ من خمسة دراهم.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 492).
(2)
يُنْظَر: شرح الطحاوي (4/ 413 - 414).
(3)
[سفل] السفل، والسفل، والسفول، والسفال، والسفالة بالضم: نقيض العلو، والعلو، والعلو، والعلاء، والعلاوة. يقال: قعدت بسفالة الريح وعلاوتها. والعلاوة: حيث تهب، والسفالة بإزاء ذلك. والسافل: نقيض العالي. والسفالة بالفتح: النذالة، وقد سفل بالضم.
يُنْظَر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 1730).
(4)
الكِرْبَاسُ: الثوب الخشن وهو فارسي معرب بكسر الكاف والجمع "كَرَابِيسُ" وينسب إليه بياعه فيقال "كَرَابِيسيٌّ" وهو نسبة لبعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه. يُنْظَر: المصباح المنير (1/ 273).
(5)
[ق ز ز] القَزُّ: معرب، قال الليث: هو ما يعمل منه الإبريسم، ولهذا قال بعضهم:"القَزُّ" والإبريسم مثل الحنطة والدقيق، والقازوزة إناء يشرب فيه الخمر. يُنْظَر: المصباح المنير (1/ 259).
(6)
الإبريسم: بكسر الهمزة والراء وفتح السين. لفظ معرب، أجود أنواع الحرير، أو الحرير المنقوض قبل أن تخرج الدودة من الشرنقة، يُنْظَر: معجم لغة الفقهاء (1/ 36).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (9/ 438).
(8)
ساقط من (ب).
فحينئذ لا تنقص عن خمسة دراهم وهذا لأنّ مهر المثل هو العوض الأصلي ولكن يقدر بنصفه لجهالته فيصير إلى المتعة خلفاً عنه ولا يجوز أن يزيد على نصف مهر المثل ولا ينقص عن خمسة دراهم لأنّ المهر لا يكون أقلّ من عشرة دراهم وإن كانت المتعة مثل نصف المهر فلها المتعة لأنّها فريضة بكتاب الله تعالى فعند المساواة تترجّح المتعة.
وقال الشّافعي-رحمه الله المتعة شيء نفيس من ثوب أو خادم أو فرس أو نحو ذلك ولا يعتبر بمهر المثل لأنّه سقط بالطّلاق قبل الدّخول فلا يعني لاعتباره بعد ذلك ولكنا نقول النكاح الذي فيه التّسمية في حكم الصّداق أقوى ممّا لا يسميه فيه وإذا كان في العقد الذي فيه التسمية لا يجب لها بالطّلاق أكثر من نصف ما كان واجباً قبله فلذلك في النكاح الذي لا يسميه فيه وقد كان الواجب قبل الطّلاق مهر المثل فلا يزاد بالمتعة على نصف مهر المثل بعد الطّلاق بل الواجب الأقل من المتعة ومن نصف مهر المثل كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(1)
، وإن تزوّجها ولم يسمّ لها مهراً ثم تراضيا على تسمية أو رافعته إلى القاضي ففرض لها مهراً لأن لها أن ترافعه إلى القاضي ليفرض لها مهراً كذا ذكره الإمام التمرتاشي-رحمه الله.
ولنا أنّ هذا الفرض [بتعيين الواجب بالعقد وهو مهر المثل بدليل أنّه إذا دخل بها يسقط مهر المثل ويلزمه المفروض بعده فلولا أنّ هذا]
(2)
تعيين لمهر المثل و تقدير له لكان يلزمه مهر المثل مع المفروض كما إذا سمّى لها مهراً ثم زاد لها شيئاً فإنّهما جميعًا يجبان على تقديري الموت والدّخول فثبت أن هذا تقدير لمهر المثل وبالطّلاق قبل الدّخول يسقط اعتبار مهر المثل فكذا يسقط اعتبار ما كان تقديراً أو تعيينًا له ولأنّ العقد من الابتداء انعقد موجباً مهر المثل فلا ينعقد موجباً شيئاً آخر فيكون فرض الزّوج تعيينًا لمهر المثل كذا في الفوائد الظهيريّة وإذا خلا الرّجل بامرأته وليس هناك مانع من الوطئ أي مانع حسي كالمرض أو شرعي كالصّوم.
ولنا أنّها سلّمت المبدل حيث دفعت الموانع والأصل فيه قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}
(3)
نهى عن استرداد شيء من الصّداق بعد الخلوة مابلغ نهي فإن الإفضاء عبارة عن الخلوة ومنه سمّى المكان الخالي فضاء فلابد من الخلوة وبعد وجود الخلوة يتأكّد وجوب المهر لأنّ البدل في عقود المعاوضات يقرره بتسليم من له البدل المبدل لا تحقيقه استيفاء المبدل.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (24/ 125).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
سورة النساء من الآية: 20.
ألا ترى أن البائع إذا خلّى بين المبيع وبين المشتري أو الآجر إذا خلى بين المستأجر والمستأجر يتأكد البدل وإن لم يوجد القبض حقيقة والمعنى فيه أنّه لو وقفنا تقرّر البدل على استيفاء المبدل حقيقة فمن عليه البدل يمتنع عن الاستيفاء قاصدًا الإضرار والضّرر مرفوع شرعًا.
قوله: رحمه الله وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا
(1)
، وفي الذّخيرة
(2)
.
والحاصل أنّ المرض في جانبها متنوع بلا خلاف وأمّا المرض في جانبه فقد قيل أنّه متنوع أيضاً وقيل أنّه غير متنوع وأنّه يمنع صحّة الخلوة على كل حال وجميع أنواعه في ذلك على السّواء.
قال الصّدر الشّهيد رحمه الله
(3)
هو الصّحيح وإن كان أحدهما صائمًا تطوعًا فلها المهر كله.
فإن قلت: ينبغي أن لا يلزم كلّ المهر لأنّه يلزمه القضاء على تقدير الإفساد فلا تكون الخلوة صحيحة كما في قضاء رمضان.
قلت: لزوم القضاء في التطوع عندنا لضرورة صيانة المؤدّى عن البطلان والثّابت بالضّرورة يتقدّر بقدر الضّرورة فيظهر ذلك في حقّ الصّائم ثم خاصّة بالقضاء فلا يعدو إلى غيره حتّى تفسد الخلوة.
بخلاف صوم [قضاء]
(4)
رمضان فإنّه فرض مطلقاً فكان أثره عاماً.
وفي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(5)
لِقَاضِي خَانْ وإن كان صائمًا عن التطوّع فلها كلّ المهر؛ لأنّ له الإفطار بعذر الضّيافة وإدخال السّرور على أخيه هكذا روي عن مُحَمَّد رحمه الله وهو موافق لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ رجلاً أضاف رسول الله عليه السلام مع أصحابه وكان فيهم رجل صائم وقال له رسول الله عليه السلام: «أحب أخاك واقض يومًا مكانه»
(6)
فعلى هذا قالوا له أن يفطر لأجل المرأة.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 493).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 360).
(3)
الصّدر الشّهيد: هو عمر بن عبدالْعَزِيز بن عمر بن مازة حسام الدين، الملقب بالصدر الشَّهِيد: من أكابر الحنفية، من أهل خراسان، وهو أستاذ صاحب "المحيط". ومن مصنفاته:"الْمَبْسُوطِ" في الخلافيات، ولد سنة (483 هـ)، ومات بسمرقند سنة (536 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 376)، تاج التراجم (1/ 217 - 220)، الأعلام (5/ 51).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 186).
(6)
رواه أبي داود الطياليسي (3/ 655) رقم الحديث (2317) السنن الكبرى للبيهقي (4/ 226)(8311/ 8313) ومسند الشاميين (2403) حسن لغيره، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ؛ لِضَعْفِ مُحَمَّد ابْنِ أَبِي حَمِيدٍ وَسَيَأْتِي فِي الأَطْعِمَةِ فِي الاِجْتِمَاعِ عَلَى الطَّعَامِ، يُنْظَر: اتحاف الخيرة المهرة: كتاب الزكاة (3/ 137).
ومنهم من قال لا يباح له الإفطار بعذر الضّيافة لما روي عن رسول الله عليه السلام أنّه قال: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطراً فليأكل وإن كان صائمًا فليصلّ يعني فليدع له بالبركة والخير»
(1)
، والأوّل أصحّ والحديث الثّاني محمول على أنّه لا يفطر لشهوة نفسه.
قوله: رحمه الله وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ
(2)
؛ أي أخذ رواية المنتقى
(3)
في حق كمال المهر دفعًا للضّرر عنها هو الصّحيح.
وأمّا في حق جواز الإفطار فالصحيح غير رواية المنتقى وهو أنّه لا يباح الإفطار من غير عذر فكان هذا فائدة تقييده بقوله وهذا القول في المهر.
وأمّا قوله: هو الصّحيح فاحتراز عن رواية شاذة عن أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وهي أن صوم التطوّع يمنع صحّة الخلوة لأنه يمنعه عن الوطئ شرعًا لما فيه من إبطال العمل كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(4)
لِقَاضِي خَانْ أنّ المستحق عليها التّسليم في حق المستحق لأنّ هذا عجز لا يرجى زواله وكان المعقود عليه في حقه منفعة المساس وقد سلمت ذلك من غير مانع ولهذا لو جاءت بولد يثبت النّسب منه كذا ذكره الإمام قاضي خان.
ولكن ذكر الإمام التمرتاشي-رحمهما الله- بثبوت النسب على التّفصيل فقال وقالوا إن علم أنّه ينزل يثبت وإن علم بخلافه فلا وعليها العدّة في جميع هذه المسائل أي سواء كانت [الخلوه]
(5)
صحيحة أو فاسدة.
وذكر في جامع الصّغير
(6)
لِقَاضِي خَانْ والتمرتاشي-رحمهما الله- إلا إذا أفسدت الخلوة بالعجز عن الجماع حقيقة.
فحينئذ لا تجب العدة.
وذكر في الذّخيرة
(7)
الأحكام التي تقوم الخلوة مقام الجماع في حقها وما لا يقوم فقال:
وأمّا الأحكام التي أقاموا الخلوة فيها مقام الوطئ تأكّد جميع المسمّى إن كان في العقد تسمية وتأكّد مهر المثل إن لم يكن في العقد تسمية وثبوت النّسب ووجوب العدّة ووجوب النّفقة والسّكنى في هذه العدّة وحرمة نكاح أختها مادامت العدّة قائمة وحرمة نكاح أربعة سواها وحرمة نكاح الأمة عليها على قياس قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله في حرمة نكاح الأمة على الحرّة في العدّة عن طلاق بائن ومراعاة وقت وقوع الطّلاق في حقّها.
(1)
رواه مسلم كتاب النكاح باب الأمر باجابة الداعي إلى الدعوة الدعوة (2/ 1054) برقم (1431) وغيره.
(2)
يُنْظَر: الهداية (2/ 494).
(3)
قال حاجي خليفة: (ذكره: رضي الدين في (المحيط)، ولا يوجد (المنتقى) في هذه الأعصار).
يُنْظَر: كشق الظنون (2/ 1282).
(4)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 186).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 178).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 111).
وأمّا الأحكام التي ما أقاموا الخلوة فيها مقام الوطئ فالإحصان حتّى لا يصير محصنًا بالخلوة وحرمة البنات والإحلال للزّوج الأوّل والرّجعة والميراث حتّى لو طلقها ثم مات وهي في العدّة لا يرث.
وأمّا وقوع طلاق آخر في هذه العدة فقد قيل لا يقع وقيل يقع وهو الأقرب إلى الصّواب لأنّ الأحكام لما اختلفت في هذا الباب وجب القول بالوقوع احتياطاً ثمّ هذا الطّلاق يكون رجعيًّا أو بائنًا ذكر شيخ الإسلام-رحمه الله أنّه يكون بائنًا والعدّة حق الشّرع والولد حتّى لا يصير الولد هالكًا فلا يصدق أي في أنّه لم يطأ في إبطال حق الغير وهو حق الشّرع والولد.
بخلاف المهر أي لا يجب المهر فيما إذا كانت الخلوة فاسدة لأنّه قال لانحطاط في إيجابه فلا يجب ويستحب المتعة لكلّ مطلقة إلا لمطلقة واحدة وهي التي طلّقها الزّوج قبل الدّخول وقد سمّى لها مهراً إلى آخره وهذا هو الصّحيح من النّسخ وهذا بخطّ شيخي رحمه الله أيضاً ولكن وقع الاشتباه ههنا في المستثنى وفي المستثنى منه وفي قول الشّافعي رحمه الله.
أمّا في المستثنى فإنّه ذكر في الْمَبْسُوطِ
(1)
، والحصر أن المتعة تستحب للتي طلّقها قبل الدّخول وقد سمّى لها مهراً ولاستثناء ههنا يقتضي أن لا يستحب لهذه المرأة.
وأمّا في المستثنى منه فهو أن المتعة واجبة للتي طلقها قبل الدّخول ولم يسمّ لها مهراً لما ذكر [قيل هذا]
(2)
بقوله فإن تزوّجها ولم يسمّ لها مهراً إلى أن قال ثمّ هذه المتعة واجبة.
ثم عمّ ههنا بالاستحباب لكلّ مطلقة في صدر الكلام ثم استثنى حكم واحدة من الاستحباب وهو يقتضي أن لا يستحبّ في حقّها وصرّح بالاستحباب في حقها في الْمَبْسُوطِ
(3)
والحصر.
وأمّا في قول الشّافعي-رحمه الله
(4)
فإنّه لم ير المتعة واجبة لهذه المرأة المستثناة في الكتاب حيث استثناها من الوجوب بقوله تجب لكلّ مطلقة إلا لهذه.
وذكر في الحصر أنّ المتعة واجبة عنده لهذه المرأة المستثناة أيضاً مع نصف المفروض أمّا الجواب عن الاشتباه الواقع في المستثنى فظاهر وأنّ المذكور لفظ القدوري.
وعند أبي الحسن القدوري رحمه الله
(5)
الحكم في حق المرأة التي استثنيت هكذا فإنّه ذكر في شرحه أنّ المتعة واجبة ومستحبة فالواجبة للتي طلّقها قبل الدّخول والتسمية والمستحبة لكلّ مطلقة إلا التي طلّقها قبل الدّخول وقد سمّى لها مهراً فكان اختياره وقع على خلاف ما اختاره في الْمَبْسُوطِ
(6)
، والحصر ورواية التحفة تؤيد ما اختار القدوري فإنّه ذكر في التحفة
(7)
أمّا المتعة المستحبّة فهي ثابتة لكلّ مطلقة لم تستحق بالطّلاق جميع المهر ولا نصفه فكان فيه إشارة إلى أنّها لا تستحبّ لمن استحقّت نصف المهر وههنا المستثناة قد استحقت نصف المهر فلا يستحب لها المتعة.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (6/ 61 - 63).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (6/ 61 - 63).
(4)
يُنْظَر: الأم (7/ 270)، تكملة المجموع (16/ 387).
(5)
يُنْظَر: مختصرالقدوري (1/ 147).
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (6/ 61 - 63).
(7)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (3/ 366).
وأمّا الجواب عن الاشتباه الواقع في المستثنى منه فإنّه لما بيّن من تجب لها المتعة مرّة أراد بالكلّ المذكور ههنا غير تلك إذ لو كانت هي داخلة ههنا أيضاً يلزم تكرار حكمها ذكراً من غير فائدة فكان تقدير الكلام ويستحب المتعة لكلّ مطلقة سوى التي ذكرنا حكمها أنّ المتعة واجبة لها إلا التي طلقها قبل الدّخول وقد سمّى لها مهراً فكان قوله إلا التي طلّقها استثناء عن قوله لكلّ مطلقة لا عن قوله سوى التي ذكرنا حكمها لأنّه لا يصح الاستثناء لأنّ استثناء الواحد عن الواحد لا يصحّ فكان مستثنى عن قوله لكلّ مطلقة ضرورة لكن بعد خروج المذكورة أولاً عن اسم الكل لذكرها مرّة وقال بعضهم في التّصحيح جاز أن يريد بالاستحباب الوجوب مجازاً حتّى يدخل تلك المذكورة سابقاً في اسم الكلّ أيضاً كما يراد بالوجوب الفرض.
قلت: هذا لا يصحّ لأنّه حينئذ يلزم أن يتناول لفظ الاستحباب للوجوب والاستحباب في لفظ واحد فكان جمعًا بين الحقيقة والمجاز بل الوجه ما قلنا وذكر الإمام بدر الدّين [الكردي]
(1)
رحمه الله وحاصله أن المطلقات أربعة مطلقة قبل الدّخول والتّسمية وهي التي يجب لها المتعة ومطلقة بعد الدّخول وقد سمّى لها مهراً ومطلقة بعد الدّخول فلم يسمّ لها مهراً فيستحب المتعة لهما ومطلّقة قبل الدّخول بعد التّسمية وهي التي لا يستحب لها المتعة ولا يجب على اختيار القدوري وصاحب التحفة
(2)
خلافاً لشمس الأئمة ونجم الدّين-رحمهم الله لأن ما أخذت من نصف الصّداق قائم مقام المتعة.
وأمّا الجواب عن قول الشّافعي رحمه الله بأنّ في وجوب المتعة لهذه المذكورة المستثناة وهي التي طلقها قبل الدّخول وقد سمّى لها مهراً قولين له وأصحّ القولين ما هو المذكور في الكتاب فكان المذكور في الحصر واقعًا على القول الآخر له.
وإنّما قلنا أنّ المذكور في الكتاب أصحّ قوليه لأنّه ذكر في الخلاصة الغزالية
(3)
.
فقال فإن طلّقها قبل المسيس وبعد التّسمية أو الفرض فحسبها نصف المهر بنصّ القرآن وهو الصّحيح.
قوله: رحمه الله لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صِلَةً مِنْ الزَّوْجِ
(4)
هذا دليل قوله تجب لكل مطلقة وبقوله صلة يحترز عن قولنا بأنّ المهر عوض والمتعة خلف عنه لأنّه أوحشها بالفراق فتجب المتعة لكلّ مطلقة جبراً لإيحاشها بالطّلاق وتداركًا لإذاقته إيّاها مرارة الفراق.
(1)
وفي (ب): (الكرخي).
(2)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (3/ 366).
(3)
قال رِياض زَادَه: الخلاصة الغزالية لعبد الْجَبَّار فِي الْإِحْيَاء. يُنْظَر: أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون (1/ 143).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 494).
لكن المرأة في هذه الصّورة وهي التي طلّقها قبل الدّخول وقد سمّى لها مهراً أخذت نصف المهر وهو لها متعة مع أنّ الطّلاق فسخ في هذه الحالة لعود مالها إليها سالمًا كان ينبغي أن لا يجب عليه نصف المهر كما في فسخ البيع لكن الشّارع أوجب عليه لها نصف المهر بطريق المتعة وهي لا تتكرّر فلا تجب المتعة لهذه المرأة خاصة وتجب لغيرها من المطلقات لما ذكرنا من جبر الإيحاش في المفوضة بكسر الواو أي في المرأة التي فوضت نفسها من غير مهر إلى الزّوج وبيان هذا لأنّ الله تعالى ما شرع النكاح إلا بالمال لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}
(1)
، والباء للإلصاق فلا ينفك الملصق وهو المال عن الملصق به وهو الانتفاء أي انتفاء النكاح فكان وجوب المال عليه عوضاً عما يملك من البضع ثم لما سقط مهر المثل ههنا وجبت المتعة فكان وجوبها بطريق الحلفية عن مهر المثل لأنّه هو الموجب الأصلي والحلف لا يجتمع مع الأصل وجوباً وإنّما يجمع معه استحباباً لأنّها مبرّة وإحسان فلمّا لم يجمع مع الأصل لم يجتمع وجوباً معه لا عند وجوب كل المفروض كما إذا كان بعد الدّخول.
والتّسمية ولا عند وجوب نصف المفروض كما إذا كان قبل الدّخول وبعد التّسمية وهو معنى قوله لا يجامع الأصل ولا شيئاً منه.
قوله: رحمه الله وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ
(2)
هذا جواب عن حرف الخصم وهو قوله أوحشها بالفراق لأنّه فعل ما فعله بإذن الشّرع فلا تلحقه الغرامة فيما فعله بإذن الشّرع حتى يقال بوجوب المتعة فبقية المتعة مستحبة لكلّ مطلقة لا واجبة.
بخلاف ما يقوله الخصم بالوجوب وإذا زوّج الرجل بنته على أن يزوج الزّوج بنته أو أخته أو أمته ليكون أحد العقدين عوضاً عن الآخر [وشرطا]
(3)
شرطًا صريحًا بأن قال على أن يكون مهر كلّ واحد منهما نكاح الأخرى.
فإنّ النكاح بهذه الصّفة يجوز عندنا ولكلّ واحد منهما مهر مثلها ويسمّى هذا النكاح نكاح الشغار من قولهم شغروا فلانًا عن بلده إذا نفوه وطردوه
(4)
لما أنّه عقد نفي عنه المهر وعن ابن فارس
(5)
التّركيب يدل على الخلو كذا في المغرب
(6)
المهمل الغين.
(1)
سورة النساء من الآية: 24.
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 495).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
يُنْظَر: مقايس اللغة (3/ 197).
(5)
ابن فارس: هو أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني المعروف بالرازيّ، أبو الحسين: العلامة اللغوي المحدث. أصله من قزوين، نزيل همذان، ثم انتقل إلى الريّ، ولد سنة (329 هـ)، ومات سنة (39 هـ)، وله تصانيف منها (المُجْمَل في اللغة)، (مقاييس اللغة) وغيرهما.
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (12/ 538)، الأعلام (1/ 193).
(6)
يُنْظَر: المغرب (1/ 252).
وذكر في الصّحاح
(1)
يقال شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول وسمّى به هذا العقد لأنّهما بهذا الشّرط كأنهما رفعا المهر وأخليا البضع عنه لأنّه جعل نصف البضع صداق والنّصف منكوحة والاشتراك في هذا الباب.
وذلك لأنّه لما جعل ابنته منكوحة الآخر وصداقاً لابنته اقتضى ذلك انقسام منافع بضعها عليهما نصفين فيصير النّصف منها للزّوج بحكم النكاح والنّصف لبيته بحكم المهر فيلزم الاشتراك في منافع البضع وهذا ممّا لا وجه له.
قوله: رحمه الله وَلَا شَرِكَةَ بِدُونِ الِاسْتِحْقَاقِ
(2)
جواب عن حرف الخصم بيانه أنّ البضع لما لم يكن له صلاحية كونه صداقاً لم يتحقّق الاشتراك لأنّ منافع بضع المرأة لا تصلح أن تكون مملوكة لامرأة أخرى فبقي هذا شرطًا فاسدًا والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة.
بخلاف ما لو زوجت المرأة نفسها من رجلين حيث لا يصحّ لصلاحيّة الاشتراك لأنها تصح منكوحة لكلّ واحد منهما فيتحقّق بمعنى الاشتراك واستدلاله بالنّهي بقوله عليه السلام: «وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ»
(3)
باطل؛ لأنّ النّهي للخلو عن المهر فكان المراد به أنّه لا تخلوا المرأة بالنكاح عن المهر وبه يقول كذا في الْمَبْسُوطِ
(4)
، وخدمة العبد ابتغاء بالمال تقديراً إن لم يكن تحقيقاً؛ لأنّه لمى سمى الخدمة مهراً يجب تسليم نفسه للخدمة ونفسه مال فصار كأن العبد مهرها في حق وجوب التّسليم إليها للخدمة فيمتنع وجوب مهر المثل بخلاف الحرّ فإنّه ليس فيه تسليم مال ولا الانتفاع بالمال فلا يجب.
كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(5)
لصدر الإسلام رحمه الله وروى ابن سماعة عن مُحَمَّد-رحمهما الله- أنّه إذا تزوّجها على أن يرعى غنمها سنة يجوز استدلالاً بقصّة موسى مع شعيب عليهما السلام فمن أصحابنا من فرّق بينهما فقال هي مأمورة بأن تعظمه وتراعي حقّه وذلك التّعظيم ينعدم باستخدامها إيّاه فلهذا لم يجز أن تكون خدمتها صداقاً وذلك لا يوجد في عمل الرّعي.
ألا ترى أنّ الابن لا يستأجر أباه للخدمة ويستأجره لعمل آخر والأصحّ أن في الفصلين أي الرعى والخدمة روايتين في إحدى الروايتين لا تصحّ التّسمية أي تسمية منفعة الحر لأنّ المنفعة ليست بمال واشتراطها من حرّ لا يتضمن بتسليم المال إليها وفي الرّواية الأخرى تصحّ التسمية لأنّ المنفعة تأخذ حكم الماليّة عند العقد ولهذا لا يثبت الحيوان دينًا في الذمّة بمقابلتها فقد صحّت التّسمية ثم تعذّر تسليم المسمّى لكونها ممنوعة من استخدام الزّوج شرعًا فيكون لها قيمة المسمّى كما لو تزوّجها على عبد فاستحق وأبو حنيفة رحمه الله يقول امتنع استحقاق المسمّى لكونه غير ماله في نفسه فيسقط اعتبار تسميته ويكون لها مهر المثل كما لو تزوّجها على خمر فكان منفعة البدن هنا بمنزلة منفعةالبضع في نكاح الشّغار وهناك يجب مهر المثل فكذا ههنا كذا ذكره شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله في باب [نكاح]
(6)
الشّغار من نكاح الْمَبْسُوطِ
(7)
، والمحبوبي في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لما فيه من قلب الموضوع وهو أن عقد النكاح يقتضي أن تكون المرأة خادمة والزّوج مخدومًا لقوله عليه السلام:«النِّكَاحُ رِقٌّ»
(8)
، وفي جعل خدمة الزّوج إيّاها مهراً لها يكون الرجل خادمًا والمرأة مخدومة فكان على خلاف موضوع عقد النكاح فلا يجوز على أنّه ممنوع في رواية أي في رعي الغنم رواية أخرى على أنه لا يجوز مهراً على ما ذكرنا من رواية الْمَبْسُوطِ
(9)
على الأصحّ وعلى قول مُحَمَّد رحمه الله تجب قيمة الخدمة أي قيمة خدمة الحرّ الذي تزوّجها على خدمته سنة وهذا لأن تقومه أي تقوم ما سمى وهو المنفعة لضرورة أي لاحتياج النّاس إليه في موضع وهو عقد الإجارة فلا يكون له قيمة فيما وراه فصار بمنزلة تسمية شيء لا قيمة له كالخمر فيجب مهر المثل فإن تزوّجها على ألف إلى آخره فالمسألة على وجهين:
(1)
يُنْظَر: الصحاح (2/ 700).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 495).
(3)
رواه مسلم كتاب النكاح باب تحريم نكاح الشغال وبطلانه (2/ 1035) برقم (1415) وغيره.
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوط (5/ 105).
(5)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 183).
(6)
ساقط من (ب).
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 105).
(8)
رواه سعيد بن منصور (1/ 191)، رُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ وَاللهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ: البيهقي (7/ 132).
(9)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 23).
إمّا أن يتزوّجها على ما لا يتعيّن بالتعييّن كالدّراهم والدّنانير أو على ما يتعيّن بالتعيين كالحنطة والشّعير وكل وجه على وجهين: إمّا أن يكون الصّداق مقبوضاً للمرأة.
أو لم يكن وكلّ وجه على وجهين إمّا أن تهب المرأة الكلّ أو البعض فإن تزوّجها على ما لا يتعيّن بالتعيين وهو ألف درهم ههنا فوهبت المرأة لزوجها بعد القبض ثم طلّقها الزّوج قبل الدّخول فإنّه يرجع عليها بخمسمائة درهم لأنّ الطّلاق قبل الدّخول بنصف الصّداق بالنصّ وما وهبت الزّوج لا يكون محسوباً عليه مما استوجب الرّجوع به عليها عند الطّلاق لأنّ المقبوض التحق بسائر أملاكها فهبتها هذه الألف كهبة ألف أخرى لأنّه لا يلزمها عند الطّلاق ردّ المقبوض بعينه فإن لها أن تمسكها وندفع غيرها فإنّ النّقود لا تتعيّن في العقود والفسوخ وبه فارق ما لو كان الصّداق عوضاً بعينه فدفعه إليها فوهبت له ثم طلقها قبل الدّخول حيث لا يرجع عليها لأنّ حقّه عند الطّلاق في نصف المقبوض بعينه حتّى لو أرادت أن يحبس المقبوض ويعطيه شيئاً آخر لم يكن لها ذلك فإذا عاد المقبوض إليه قبل الطّلاق فقد وصل إليه عين حقّه فلا يرجع عند الطّلاق عليها بشي آخر ولا يقال إنّما عاد إليه بسبب الهبة لا بسبب الطّلاق فاختلاف الأسباب ينزل منزلة اختلاف الأعيان وهو حجّة زفر رحمه الله لأنّا نقول اختلاف الأسباب [لا]
(1)
ينزل منزلة اختلاف الأعيان بالنّسبة إلى المتعاقدين بل بالنّسبة إلى من سواهما
وحديث بريرة رضي الله عنها حيث قال رسول الله عليه السلام: «هي لكِ صَدَقَة ولَنَا هَدِيَّة»
(2)
كان في حق من سواهما أو يقول أن الاسباب غير مطلوبة لأعيانها وبعد حصول المقصود لا يعتبر باختلاف السّبب كمن يقول لآخر لك علي ألف درهم ثمن هذه الجارية التي اشتريتها منك وقال الجارية جاريتك ولي عليك ألف لزمه المال لحصول المقصود وإن كذبه في السّبب وهو بيع الجارية كذا ذكره شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ والمرغيناني-رحمهما الله- قوله: رحمه الله لم يرجع وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه بِشَيْء
(3)
أي فيما يتعيّن وفيما لا يتعيّن أمّا فيما يتعيّن فلا يشكل لما ذكرنا أنّه وصل إلى الزّوج عين حقّه وأمّا فيما لا يتعيّن فلا يرجع عليها استحسانًا وفي القياس يرجع عليها بنصف الصداق في الوجوه كلّها وهو قول زفر لأنّها أتلفت الصّداق بتصرفها قبل القبض فكان براءته بالإبراء ولا بسبب الطّلاق فلا يحتسب ذلك عمّا وجب عليها بالطّلاق لاختلاف الأسباب فصار هذا كما لو قبضت ثم وهبت. وفي الاستحسان لا يرجع عليها بشيء فإنّ المقصود سلامة نصف الصّداق للزّوج عند الطّلاق وقد حصل له ذلك حين وهبت منه قبل القبض والهبة قبل القبض في حكم الفسخ ولهذا لو وهب المشتري المبيع قبل القبض ينفسخ العقد بينهما نصّ عليه في الجامع الكبير
(4)
، ولو وصل بسبب الفسخ لم يكن له أن يرجع عليه بشيء فهذا مثله كذا ذكره الإمام المحبوبي رحمه الله ولا يبالي باختلاف السّبب عند حصول المقصود.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
رواه البخاري كتاب الهدية وفضلها باب قبول الهبة (2/ 155) برقم (2577)، ومسلم كتاب الزكاة باب اباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم (2/ 755) برقم (1075) بلفظ:«هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» ، و «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ» .
(3)
يُنْظَر: البداية (1/ 62).
(4)
الجامع الكبير في الفروع للإمام المجتهد أبي عبدالله مُحَمَّد بن الحسن الشيباني الحنفي المتوفى: سنة 187، سبع وثمانين ومائة قال الشيخ: أكمل الدين: هو كاسمه لجلائل مسائل الفقه جامع كبير قد اشتمل على عيون الروايات ومتون الدرايات بحيث كاد أن يكون معجزا ولتمام لطائف الفقه يُنْظَر: كشف الظنون (1/ 569).
فإن قلت: يشكل على هذا الأصل ما إذا قال الرجل لآخر بعتني هذه الجارية بكذا وقال المولى زوجتها منك لا يحلّ له وطئها لاختلاف السّبب مع أنّ المقصود قد حصل لأنّ كلّ واحد من السّببين أعني الشرى والتزوّج يثبت حل الوطئ ذكره في جنايات هذا الكتاب في فصل من قتل عبدًا خطأ.
قلت: هناك اختلف السّبب والحكم معًا أمّا السّبب فظاهر لما أن الشرى غير التزوّج.
وأمّا الحكم فإن ملك اليمين يغاير ملك النكاح حكمًا لأنّ النكاح يثبت الحلّ مقصودًا والبيع لا يثبته ولو أثبته لا يكون مقصودًا وهما لا يجتمعان فعند الاختلاف لم يثبت واحد منهما يقينًا فصار كأنّهما لم يثبتا أصلاً للتّدافع في الحكم فلم يثبت الحلّ لما أن الموضع موضع الاحتياط.
وأما فيما نحن بصدده فحكم السّببين متّحد؛ لأنّ كلاً منهما يثبت الملك مقصودًا وفي كل منهما وصول ما يستحقّه الزّوج إليه وقد وصل فإنّ حكم الهبة ههنا في حق عدم الرجوع مثل حكم الردّ لنصف المفروض بحكم الطّلاق اعتباراً للبعض بالكلّ لأنه لو لم يقبض شيئاً حتّى وهبت الكلّ للزّوج [ثم]
(1)
طلّقها قبل الدّخول لا يرجع عليها بشيء ولو قبضت الكلّ [ثم]
(2)
ذهبت للزّوج ثمّ طلّقها قبل الدّخول يرجع عليها بنصف ما قبضت ولأنّ هبة البعض حط أي البعض الذي لم يقبضه ثم حطّ بعض البدل يلتحق بأصل العقد فيصير كأنّه تزوجها في الابتداء على الخمس مائة المقبوضة ولأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنّ مقصود الزّوج قد حصل وهو سلامة نصف الصّداق بلا عوض فلا يستوجب الرجوع عند الطّلاق كمن له على آخر دين مؤجّل فاستعجل قبل حلول الأجل والحط لا يلتحق بأصل العقد في النكاح.
ألا ترى أنّ الزيادة فيه لا تلتحق والاستدلال به هو أنّ الحط كالزّيادة في الالتحاق بأصل العقد فإنّ الزّيادة اينما التحقت بأصل العقد التحق الحطّ به أيضاً وههنا لم تلتحق الزّيادة بأصل العقد فكذا الحط وألا يرى أنّها لو حطت عن الزّوج إلا خمسة لم يكمل لها عشرة اعتباراً بالابتداء ولو التحق الحط بأصل العقد يكمل ولو حطت النّصف ولم تهب الباقي حتّى طلّقها لم يتنصف الباقي اعتباراً بالابتداء فعلم بهذا أنّ الحط غير ملحق بأصل العقد في النكاح.
ثم المعنى في عدم الالتحاق في النكاح والالتحاق في غيره بأصل العقد هو أنّ النكاح ليس بعقد مغابنة ولا مبادلة مال بمال فلا تقع الحاجة إلى دفع الغبن فلا يلتحق بأصله.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
زيادة من (ب).
بخلاف البيع فإنّه عقد مغابنة ومرابحة وتقع الحاجة إلى دفع الغبن ولا يمكن ذلك إلا بأنّ يلتحق الحط بأصل العقد فيما يرجع إلى براءة ذمة العاقد ولأنّ الحط يلتحق بأصل العقد عن المحطوط لا في إيجاب الغرم عليه بسببه لأنّه متبرّع في ذلك والتبرّع لا يوجب الضّمان على المتبرّع فيما يتبرّع به كذا في الأسرار وشرح الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(1)
فعنده يرجع عليها إلى تمام النّصف وعندهما بنصف المقبوض.
صورته ما إذا تزوّجها على ألف فوهبت المرأة ما تبين وقبضت الباقي فعند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يرجع عليها بثلاث مائة درهم حتّى يتم النّصف وعندهما يرجع عليها بأربعة [مائة]
(2)
درهم لأنّ عنده ما سلم للزوج معتبر وعندهما المعتبر هو المقبوض فصار كأنّه تزوّجها على ما قبضت فبنصف المقبوض وهو ثمان مائة على ما مرّ تقريره وهو وقوله [لأنه]
(3)
يسلم المهر له بالإبراء فلا تبرأ عمّا تستحقّه بخلاف ما إذا باعت أي المهر العوض لأنّه وصل إليه ببدل والزّوج يستحق عليها نصف المهر بغير عوض فلا ينوب هذا عمّا تستحقّه [بخلاف ما إذا باعت إلى المهر العوض لأنّه]
(4)
بالطّلاق قبل الدّخول فلذلك يرجع عليها بنصف المهر ولو تزوّجها على حيوان المراد به الفرس أو الحمار أو نحوهما لا مطلق الحيوان فإنّ التّسمية تفسد بذكر مطلق الحيوان فيجب حينئذ مهر المثل على ما يجيء في هذا الباب فكذا الجواب أي لم يرجع عليها بشيء سواء قبضت أو لم تقبض.
قوله: رحمه الله وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَحَمَّلَتْ فِي النِّكَاحِ
(5)
إلى آخره هذا إقامة دليل على دعوتين:
أحديهما: أن الحيوان الذي أردناه بأنّه فرس أو حمار وإن كان مجهولاً يصلح دينًا في الذمّة في باب النّكاح بخلاف المعاوضات المحضة.
والثّاني: أنّ الحيوان والعروض ممّا يتعيّن [بالتعيين]
(6)
بخلاف الدّراهم والدّنانير ثم فائدة الدّعوى الأولى صحّة التّسمية حتّى منعت وجوب مهر المثل وفائدة الدّعوى الثّانية شيئان أحدهما هو أنّها لو وهبت للزوج بعد القبض وطلقها زوجها قبل [القبض]
(7)
لا يلزم له عليها شيء من نصف المهر بخلاف الدّراهم والدّنانير حيث كان يرجع الزّوج عليها بنصف المهر بعدما أخذ منها جميع ما أعطى بطريق الهبة لأنّ الدّراهم لا تتعيّن بالتعيين فيجعل كأن هذه الدّراهم التي قبضها منها بطريق الهبة عبر ملك الدّراهم التي أعطاها إيّاها بطريق المهر والثّاني أنّها لو لم تهب وطلقها زوجها قبل الدّخول يجب عليها رد نصف ما قبضت بعينه وليس له ولاية منع ما قبضت وأعطاه غيره.
(1)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 462 - 463).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 498).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
وفي (ب): (الدخول).
بخلاف الدّراهم والدّنانير وإذا تزوّجها على ألف على أن لا يخرجها من البلدة.
صورة المسألة فيما إذا كان مهر مثل هذه المرأة أكثر من ألف درهم فسمّى لها الزّوج ألف درهم بشرط أن يفي لها ما هو مرغوبها من أن لا يخرجها من بلدتها أو أن لا يتزوج عليها أخرى أو أن يطلق فلانة ثم أبى أن يطلّقها أو أخرجها من بلدها فلها كمال مهر مثلها عندنا لأنّها إنّما رضيت بالألف باعتبار وفاء ما شرط لها فإذا لم يسلم لها ذلك كان لها كمال مهر مثلها كما في تسمية الكرامة بأن يكرمها ولا يكلّفها الأعمال الشّاقة وما تتعب به مع الألف والهديّة مع الألف أي وشرط أن يهدي لها هديّة ويرسل إليها الثياب الفاخرة مثلاً مع الألف.
وقال زفر-رحمه الله ان شرط لها مع الألف ما هو مال كالهديّة والجواب [هكذا وإن شرط]
(1)
ما ليس بمال كطلاق الضّرة فليس لها إلا الألف لأنّ المال يتقوّم بالإتلاف فكذلك يتقوم بمنع التّسليم إذا شرط لها في العقد فأمّا الطّلاق ونحوه فلا يتقوّم بالإتلاف فكذلك يمنع التّسليم ولكنّا لا نوجب التّسليم باعتبار تقوم ما شرط لها؛ وإنّما كان لانعدام رضاها بالألف بدون المنفعة المشروطة كذا في الْمَبْسُوطِ
(2)
فلها نصف الأوكس في ذلك كلّه بالإجماع عندهما لا يشكل. وكذلك عنده لأنّ مهر المثل لا يعتبر بعد الطّلاق قبل الدّخول فيجب ما هو المتيقّن ونصف الأوكس متيقّن وهو فوق المتعة ظاهراً وصار كالخلع والإعتاق على مال أي بهذا الطّريق الذي ذكرنا بأن خالع أو أعتق على ألف أو ألفين على هذا العبد أو على هذا العبد أنّ الموجب الأصلي مهر المثل كالقيمة في باب البيع إذ هو الأعدل أي مهر المثل هو الأعدل لأنّه لا تجري الزّيادة فيه والنقصان لأنّه قيمة البضع وقيمة الشّيء لا تزيد ولا تنقص.
بخلاف التّسمية فإنّ فيها تقع الزّيادة والنّقصان وقد فسدت لمكان الجهالة لأنّه أدخل فيه كلمة الشك معنى هذه المسألة أن يسمّى جنس الحيوان أي نوعه بأن يتزوّجها على فرس أو حمار فالحاصل أنّ جهالة الجنس كما لو تزوّجها على حيوان أو جهالة القدر كما لو تزوّجها على حنطة في الذمّة مانعة لصحّة التّسمية وجهالة النّوع والوصف لا يمنع لأنّ المهر عوض بأصله وليس بعوض في حقّ صفة الماليّة لأنّه لا مالية فيما يقابله وكان عوضاً من وجه واجباً مبتدأ من وجه فلكونه واجباً مبتدأ من وجه صح مع جهالة الوصف والنّوع ولكونه عوضاً من وجه لم يصحّ مع جهالة الجنس والقدر عملاً بهما ثم فيما تزوّج على مجهول الجنس تبطل التّسمية ويجب مهر المثل بالغًا ما بلغ نحو أن يتزوّجها على ثوب أو دابّة أو حيوان وفيما تزوّج على فرس أو حمار فهو معلوم النّوع مختلف الأوصاف.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 89).
وحكمه أنّ الزوج بالخيار إن شاء أعطى لها الوسط من ذلك وإن شاء أعطى قيمته وتجبر المرأة على القبول بخلاف البيع لأنّ النكاح يحتمل ضرباً من الجهالة فإنّه يجوز بمهر المثل مع جهالته فكلّ جهالة هي نظير جهالة مهر المثل لا تمنع صحّة التسمية وجهالة الوصف نظير ذلك فأمّا البيع فلا يصحّ مع الجهالة اصلا ونوع من المهر هو معلوم النّوع والصّفة بأن يزوّجها على مكيل موصوف أو موزون موصوف في الذمّة فإنّه يجوز ولا خيار للزّوج في ذلك بل يجبر الزّوج على دفعه إليها ولا يجوز أن يدفع قيمة ذلك إلا برضاها لأنّ هذا يثبت دينًا في الذمّة صحيحًا ولهذا جاز البيع به فحصل ما يسمّى من المهر دينًا ثلاثة أنواع جهالة فاحشة وجهالة مستدركة وما لا جهالة فيه أصلاً كذا في التحفة
(1)
، وفتاوى الإمام الولوالجي رحمه الله.
ولنا أنّه معاوضة مال بغير مال إلى آخره بيان هذا هو أنّ المهر إنّما يستحقّ عوضاً عمّا ليس بمال والحيوان يثبت دينًا في الذمّة مطلقاً في مبادلة ما ليس بمال [بمال]
(2)
.
ألا ترى أن الشّرع أوجب في الذمّة مائة من الإبل وأوجب في الجنين غرة عبدًا أو أمة فإذا جاز أن يثبت الحيوان مطلقاً ديناً في الذمّة عوضاً عمّا ليس بمال شرعًا فكذلك يثبت [شرعًا]
(3)
، وهذا لأن في معنى الماليّة هذا مال يلتزمه ابتداء والجهالة المستدركة في التزام المال ابتداء لا يمنع صحّته كما في الإقرار فإن من أقرّ لإنسان بعبد صحّ إقراره إلا أنّ هناك لا ينصرف إلى الوسط عند مُحَمَّد لأن المقر به عينه ليس بعوض وهنا عين المهر عوض وإن كان باعتبار صفة الماليّة هو التزام مبتدأ ولكونه عوضاً صرفناه عند إطلاق التّسمية إلى الوسط ليعتدل النّظر من الجانبين كما أوجب الشّرع في الركوب الوسط نظراً للفقراء وأرباب الأموال.
ولكونه ما لا يلتزم ابتداء لا يمنع جهالة الصّفة صحّة الالتزام ولهذا لو أتاها بالقيمة أجبرت على القبول لأنّ صحّة الالتزام باعتبار صفة الماليّة والقيمة فيه كالعين كذا في الْمَبْسُوطِ
(4)
، وشرطنا أن يكون المسمّى مالاً هذا جواب سؤال مقدّر بأن يقال لما ألحق هذا بالإقرار ينبغي أن تصحّ التّسمية هنا وإن كان المسمّى مجهول الجنس كما في الإقرار فإنّه لو قال لفلان عليّ شيء يصح إقراره ويجب عليه [بيان]
(5)
ما أقرّ به فيتخير بينهما أي الزّوج يتخيّر بين أداء العبد وبين أداء قيمته والمرأة تجبر على القبول بأيّهما أتى إذ الثياب أجناس مختلفة من القطن والكتان والإِبْرَيْسِم
(6)
، وغير ذلك كذا في الْمَبْسُوطِ
(7)
فإن تزوّج مسلم على خمر أو خنزير فالنكاح جايز وعلى قول مالك النكاح فاسد لأن تسمية الخمر والخنزير تمنع وجوب عوض آخر ولا يمكن إيجاب الخمر بالعقد على المسلم فكان باطلاً كما لو باع عينًا بخمر ولكنّا نقول هما شرطا قبول الخمر وهو شرط فاسد إلا أنّ النكاح لا يبطل بالشّرط الفاسد وشرط صحته التسمية أن يكون المسمّى مالاً فإذا بطلت صار كأنّه لم يسم لها عوضاً فكان لها مهر مثلها وهكذا نقول في البيع يصير كأنّه لم يسمّ ثمنًا والبيع يفسد عند عدم تسمية الثّمن كذا في الْمَبْسُوطِ
(8)
، وذكر في الإيضاح وعقد النكاح لا يبطل بالشّروط الفاسدة.
(1)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (2/ 285).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
وفي (ب): (شرطاً).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُ وطِ (5/ 68).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
الإِبْرِيسَمُ: هو الحرير، والابريسم معرب، وفيه ثلاث لغات؛ الابريسم: بكسر الهمزة والراء وفتح السين ومنهم بفتح الهمزة والراء، ومنهم من يكسر الهمزة ويفتح الراء.
يُنْظَر: تهذيب اللغة (9/ 292). الصحاح (5/ 1871)، مختار الصحاح (1/ 32).
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 69).
(8)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 89).
بخلاف البيع وكان الفقه فيه هو أنّ الشّرط الفاسد في البيع يصيره ربا والرّبا حرام بنصّ الكتاب ولا ربا في باب النكاح فلم يؤثر الشّرط في ركن العقد فبقي الركن صحيحًا وأمّا الشّرط الفاسد فإن تزوج امرأة على هذا الدّن من [الخمر]
(1)
فإذا هو خمر فحاصل الخلاف بينهم هو أن مُحَمَّد مع أبي يوسف -رحمهما الله- في ذوات الأمثال في أنّ الحكم يتعلّق بالتّسمية دون مهر المثل ومع أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله في ذوات القيم في إيجاب مهر المثل دون القيمة ثم الأصل عندهم هو أنّ المعتبر هو الإشارة عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله في الفصول كلّها حتى إذا لم يكن المشار إليه مالاً كان لها مهر المثل وعند مُحَمَّد في الجنس الواحد يعتبر الإشارة وفي الجنسين يعتبر التّسمية.
وعند أبي يوسف رحمه الله يعتبر التّسمية في الفصول كلها.
قوله: رحمه الله فَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ
(2)
، وذلك لأنّ تسميتة واقعة على المشار إليه لأنّه قال تزوجتك على هذا يبقى إشكال وهو أنّه سمّاه بغير اسمه لكن بهذا لا يمتنع انصراف التّسمية إليه لأنّ الشّيء قد يسمّى باسم مجازه كما يسمّى باسم حقيقته.
ألا ترى أنّ من قال لامرأته هذه الكلبة طالق طلقت أو قال لعبده هذا الحمار حرّ فإنّه يعتق فلو امتنعت الإضافة إليه بتسميته باسم غيره لما وقع الطّلاق والعتاق وإنّما لا يمتنع لأنّ التّسمية تحتمل المجاز أمّا الإشارة فلا تحتمله فلا يستقيم أن يجعل الإشارة إلى عين إشارة إلى غيره.
أمّا الطّلاق اسم عين يجوز على عين آخر مجازًا فكان صرف التّسمية إلى المشار إليه ممكنًا أمّا صرف الإشارة إلى محلّ آخر غير ممكن لأنّ الإشارة إلى شيء بمنزلة وضع اليد على ذلك الشّيء فلا يتصوّر أن يكون الوضع على شيء وضعًا على آخر فيتعلّق الحكم بالمشار إليه ضرورة والمشار إليه ليس بمال فيجب مهر المثل إلى هذا أشار فخر الإسلام-رحمه الله
(3)
والوصف يتبعه أي في الاستحقاق كذا في الأسرار والتّسمية أبلغ في التّعريف من حيث أنّها تعرف الماهية والإشارة تعرف الذّات فإنّ التّسمية للتّعريف والإشارة كذلك وكلّ واحد منهما اختصّ بنوع تعريف والإشارة بقطع شركة الأغيار ويثبت التّعيين لكن لا يفيد العلم بصفة المشار إليه وماهيته والتّسمية تفيد العلم بصفة المسمّى وماهيته لكن شائعًا في الجنس فيجب اعتبارهما وتعذّر اعتبارهما في شيء واحد؛ لأن قضية الإشارة وجوب مهر المثل إذا كان المشار إليه حراً وقضية تسمية العبد وجوب القيمة فيجب اعتبارهما في الحالين ففي الجنس الواحد اعتبرنا الإشارة.
(1)
وفي (ب): (الخل).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 500).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 84).
وفي الجنسين اعتبرنا التّسمية والاعتبار على هذا الوجه أولى من العكس لأنّ المرأة رضيت بالمسمّى وعند قلة التّفاوت لو علّقنا حق المرأة بالمشار إليه لا يتضرّر كثير ضرر فيتعلّق بالمسمّى والتّفاوت في الجنس الواحد يسير وفي الجنسين كثير وهو معنى ما قال مشايخنا أن المشار إليه إذا كان من جنس المسمّى يتعلّق العقد بالمشار إليه وإذا كان من خلاف جنسه يتعلّق بالمسمّى حتى قالوا لو اشترى فصًا على أنّه ياقوت فإذا هو زجاج يبطل العقد لأنّهما جنسان فيتعلّق العقد بالمسمّى والمسمّى معدوم فيبطل ولو اشترى فصًا على أنه ياقوت أخضر فإذا هو أحمر جاز العقد ويجبر المشتري لأنّهما جنس واحد فيتعلّق العقد بالمشار إليه فيصحّ العقد ويجبر المشتري لفوات الوصف المشروط.
وكذا لو اشترى حيواناً على أنّه ذكر فإذا هو أنثى جاز العقد ويجبر المشتري لأن الذكر والأنثى في البهائم جنس واحد وفي الآدمي الذكر والأنثى جنسان يختلفان إذا ثبت هذا فنقول الحرّ مع العبد جنس واحد وكذلك المذكاة مع الميتة لاتفاقهما في الصّورة وأكثر المعاني.
وإنّما الاختلاف بينهما في صفة واحدة وهي المالية فإذا غلب ما يوجب الاتحاد جعل جنساً واحداً فيعتبر الإشارة فكان لها مهر المثل لعدم صلاحية المشار إليه للمهر أمّا الخلّ مع الخمر جنسان مختلفان لأنّهما اتفقا صورة واختلفا اسمًا ومعنى والعبرة للمعنى وعند اختلاف الجنس لا يعتبر الإشارة ويصير كأنّه قال تزوجتك على دن من الخلّ وأبو حنيفة رحمه الله يقول في الحر والعبد والخلّ والخمر اختلف المعاني والصّفات في ذات واحدة [في صورة واحدة فإنّ الحر يسترقّ والخمر تخلل فهما صفتان تتعاقبان على ذات واحدة]
(1)
، ومثل هذا لا يوجب اختلاف المجانسة كالصّغر والكبر وإذا ثبت أنّ الجنس واحد كانت العبرة للإشارة والمشار إليه ليس بمال فكان لها مهر المثل فإذا ثبت هذا في العبد الواحد فيقول إذا تزوّجها على هذين العبدين فإذا أحدهما حرّ وهو ظاهر كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله ووجوب المسمّى وإن قلّ يمنع وجوب مهر المثل.
فإن قيل: يشكل على هذا ما ذكره قبل هذا تورق وهو قوله ولو تزوجها على ألف إن قام بها إلى أن قال وإن أخرجها فلها مهر المثل.
وكذلك ما ذكره في الزّيادات أنّ الرجل إذا تزوّج امرأة على ألف درهم وعلى أن يعتق إباها ثم إن لم يف بالشّرط فلها الألف إلى تمام مهر مثلها فعلم بهذا أنّ ذكر المسمّى لا يمنع وجوب مهر المثل.
(1)
زيادة من (ب).
قلنا: أنّ المرأة إنّما رضيت بالألف بشرط وفاء ما قرن به وهو الإقامة في البلدة وعتق أمّها فإذا لم يصل ذلك المشروط إليها صار كأن التّسمية لم توجد فيجب مهر المثل.
وأمّا العبد الباقي في هذه الصّورة فقد رضيت به معنى وإن لم ترض صورة وذلك لأنّه لما ظهر أن أحدهما حر صار كأنّه تزوّجها ابتداء على حرّ وعبد فلو كان كذلك لا يجب مهر المثل كذا هنا ولأنّ المرأة يلزمها الضّرر الكثير هناك وإن لم يكمل مهر المثل لعدم إمكان يوفيها عنه وكانت مغرورة بشرط الزّوج فيجب عليه دفع الغرور بتكميل مهر المثل وفيما نحن بصدده يمكنها التعرّف عن حال كلّ واحد من المشار إليهما قبل النكاح فلو لزمها الضّرر إنما لزمها بتفريط كان منها فكان هذا الضرر أخف وإذا فرق القاضي بين الزّوجين في النكاح الفاسد.
فمن النكاح الفاسد النّكاح بغير شهود ونكاح الأخت في عدّة الأخت في الطّلاق البائن ونكاح الخامسة [في عدّة الرابعه]
(1)
، ونكاح الأمة على الحرّة وغيرها ثم هذا الحكم وهو عدم وجوب المهر قبل الدّخول كما هو في تفريق القاضي فكذلك في المتاركة وتسمية الزّوجين مجاز لوجود صورة التزوّج.
قوله: رحمه الله وهُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ
(2)
، أي أن القيمة في البيع الفاسد تجب بالغة ما بلغت وإن كانت زائدة على الثّمن فيجب أن يكون مهر المثل في النكاح الفاسد كذلك فيجب هو وإن كان زائدًا على المسمّى لأن كلاً منهما موجب أصلي فإذا اعترض الفساد يرجع إلى الموجب الأصلي وإنّما يتقوّم بالتّسمية أي المستوفى إنما يتقوم زائدًا على مهر المثل بالتّسمية.
وأمّا نفس مهر المثل فيثبت بمجرّد العقد في النكاح الصّحيح لما عرف في مسألة المفوضة.
قوله: رحمه الله لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ
(3)
؛ أي لفساد النكاح فإنّ التّسمية ثبتت ههنا في ضمن نكاح فاسد فأخذت حكمه ففسدت [التّسمية]
(4)
بفساده ولم تجب الزّيادة على المسمّى لانعدام التّسمية أي حكمًا وإذا كان المسمّى معدومًا حكمًا لا يجب بخلاف ما إذا كان المسمّى أقلّ من مهر المثل يجب المسمّى ولا يجب الزّايد لوجود الرضا من المرأة ومهر المثل يؤيّد هذا القدر لوجوده بقدره فصار كأن التّسمية صحيحة لتأيدها بمهر المثل والضعيف يتقوّى بمؤيّد كالبيع الفاسد [يتقوى]
(5)
في إيراث الملك بمؤيّد وهو إيصال القبض به بخلاف البيع أي تجب القيمة فيما إذا كان المسمّى أقلّ من القيمة وعليها العدّة أي في النكاح الفاسد على تقدير الدّخول لما مرّ أنّ الخلوة فيه لا تقام مقام الدّخول فلابدّ من حقيقة الدّخول لوجوب العدّة وذكر في المحيط
(6)
في النكاح الفاسد إذا دخل لها الأقلّ ممّا سمّى لها ومن مهر المثل إن كان ثمّة مسمّى وإن لم يكن ثمة مسمّى فلها مهر المثل بالغًا ما بلغ وتجب العدّة ويعتبر الجماع في القبل حتّى يصير مستوفياً المعقود عليه ولكلّ واحد من الزّوجين فسخ هذا النكاح بغير محضر من صاحبه عند بعض المشايخ.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 501).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 501).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
ساقط من (ب).
(6)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 121).
وعند بعضهم إن لم يدخل بها فكذلك الجواب وإن دخل بها فليس لواحد منهما حق الفسخ إلا بمحضر [من صاحبه كما في البيع الفاسد لكل واحد من المتعاقدين حق الفسخ بغير محضر من صاحبه قبل القبض وليس له ذلك بعد القبض والطلاق]
(1)
في النكاح الفاسد ليس بطلاق على الحقيقة بل هي متاركة حتّى لا ينتقض به العدد والمتاركة في النكاح الفاسد لا تتحقّق لعدم مجيء كل واحد منهما إلى صاحبه.
وإنّما تتحقّق بالقول بأن يقول الزّوج تركتك أو تركتها خليت سبيلك أو خليت سبيلها.
قوله: رحمه الله وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ
(2)
أي ابتداء العدّة من وقت التّفريق وعند زفر-رحمه الله من آخر الوطئات حتّى إذا وطئ في النكاح الفاسد.
ثم رأت ثلاث حيض ثم فرق القاضي يفيد عندنا.
وأمّا عند زفر-رحمه الله فتكون عدّتها منقضية والإقامة باعتباره أي إقامة النكاح مقام الوطئ باعتبار أن النكاح داع إلى الوطئ.
وفي النكاح الفاسد ليس بداع إليه فلا يقام مقام الوطئ حتّى لو تزوّج امرأة نكاحاً فاسدًا بأن تزوّج أمها بشهوة ثم تركها له أن يتزوّج الأم كذا في الخلاصة ومهر مثلها يعتبر بأخواتها أي بعشيرتها التي من قبيل أبيها وقال ابن أبي ليلى رحمه الله يعتبر بأمّها وقوم أمّها كالخالات ونحو ذلك لأن المهر قيمة بضع النّساء فيعتبر فيه قراباتها من قبيل النساء.
ولكنّا نقول قيمة الشّيء إنّما يعرف بالرجوع إلى قيمة جنسه والإنسان من جنس قوم أبيه لا من جنس قوم أمه.
ألا ترى أنّ الأم قد تكون أمة والابنة قد تكون قريشية تبعًا لأبيها لأنّ مهر المثل يختلف باختلاف هذه الأوصاف قال النبي عليه السلام: «تُنْكَح الْمَرْأَة لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا»
(3)
، وكذلك يعتبر أن تكون تلك المرأة من بلدتها ولا يعتبر مهرها بمهر عشيرتها في بلدة أخرى لأنّ المهور تختلف باختلاف البلدان عادة.
وفي الحاصل مهر المثل قيمة البضع، وقيمة الشّيء إنّما تعرف بالرجوع إلى نظيره بصفته هذا كلّه من الْمَبْسُوطِ
(4)
.
وفي الفتاوى سئل أبو القاسم-رحمه الله عن امرأة زوجت نفسها بغير مهر وليس لها مثل في قبيلة أبيها في المال والجمال قال ينظر إلى قبيلة أخرى مثل قبيلة أبيها فيقضي لها بمهر مثلها من نساء تلك القبيلة وإنّما يعتبر حالها في السن والجمال حالة التزوج كذا في المحيط والذّخيرة
(5)
.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 501).
(3)
رواه البخاري في كتاب النكاح باب الاكفاء في الدين (7/ 7) برقم (5090)، ومسلم كتاب الرضاع باب استحباب نكاح ذات الدين (2/ 1066) برقم (1466).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 64).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 85).
قوله: رحمه الله بِاخْتِلَافِ الدَّارِ
(1)
أي البلد.
قوله: رحمه الله وَإِذا ضمن الْوَلِيّ الْمهْر صَحَّ ضَمَانه
(2)
، وهذا اللّفظ بظاهره يحتمل أن يكون المراد منه ولي الصّغير بأن زوج ابنة الصّغير امرأة وضمن عنه المهر للمرأة ويحتمل أن يكون المراد منه ولي الابنة الكبيرة ثم بقوله فيما بعده ثم المرأة بالخيار في مطالبتها زوجها أو وليّها يعلم أنّ المراد به الثّاني لكن الحكم وهو صحّة الضّمان لا يتفاوت بين الصّورتين لما أنّه ذكر في التتمة الأب إذا زوج ابنه الصّغير امرأة وضمن عنه المهر وأدى كان متطوّعًا استحساناً إلا إذا شهد عند الأداء أنّه أدى ليرجع.
فحينئذ لا يكون متطوّعًا ويرجع في ماله ولكن ذكر في باب الوليمة من شرح الطّحاوي
(3)
الأب إذا زوج الصّغير امرأة فللمرأة أن تطالب بالمهر من أب الزّوج فيؤدّي الأب من مال ابنه الصّغير وإن لم يضمن الاب باللّفظ صريحًا بخلاف الوكيل إذا زوج فإنّه ليس للمرأة أن تطالب الوكيل بالمهر ما لم يضمن وقد أضافه إلى ما يقبله أي أضاف الضمان إلى شيء يقبل الضّمان وهو المهر لأنّ المهر دين والكفالة والضمان يصحّان في الدّين ويصحّ إبراءه عند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد -رحمهما الله- أي إبراء الأب المشتري وكذلك الوصي وهذا إذا أجلا أو إبراء ما هو واجب للصبي بعقدهما وأمّا إذا لم يكن واجباً بعقدهما لا يجوز بالإجماع كذا في أحكام الصّفار للإمام الاستروشني-رحمه الله
(4)
، ويملك قبضه بعد بلوغه أي ويملك الأب قبض الثّمن بعد بلوغ الصّغير وولاية قبض المهر للأب هذا جواب سؤال مقدر بأن يقال أنّ الأب يملك قبض الصّداق أيضاً كالوكيل يملك قبض الثمن فلو صحّ الضّمان يصير ضامنًا لنفسه وذا لا يجوز هناك فكذا في الأب.
فأجاب عنه بما ذكر في الكتاب وللمرأة أن تمنع نفسها حتّى تأخذ المهر كان هذا في عرفهم أمّا إذا كان في موضع يعجل البعض ويترك الباقي في الذمّة إلى وقت الطّلاق أو الموت كما هو عرف ديارنا كان لها أن تحبس نفسها بالاستيفاء المعجّل وهو الذي يقال بالفارسيّة دستبيمان وليس لها أن تطالبه ببقية المهر المؤجّل الذي يقال له كابين كردني فإن بينوا قدر المعجّل يعجل ذلك وإن لم يبينوا شيئاً ينظر إلى المرأة وإلى المهر المذكور في العقد أنّه كم يكون المعجّل بمثل هذه المرأة من مثل هذا المهر فيعجل ذلك معجّلاً ولا يقدر بالرّبع ولا بالخمس وإنما ينظر إلى المتعارف لأنّ الثّابت عرفاً كالثّابت شرطًا وإن شرطا تعجيل الكل في العقد فهو كما شرطا ووجب تعجيل الكلّ إذ لا يعتبر لدلالة العرف إذا جاء الصّريح بخلافها كذا في المحيط
(5)
، وفتاوى قاضي خان-رحمه الله وغيرهما وصار كالبيع يعني للبائع أن يحبس المبيع حتّى يأخذ الثّمن فكذلك للمرأة أن تمنع نفسها حتى تأخذ المهر لكن على اختيار المتأخّرين حتّى تأخذ المعجّل من المهر ليس للزّوج أن يمنعها من السّفر فإنّه لو تزوّج امرأة بمهر معجل كان لها أن تخرج في حوائجها ما لم تقبض مهرها وكذا لو كان البعض معجّلاً كان لها أن تخرج قبل أداء المعجلّ وبعد أداء المعجّل ليس لها أن تخرج إلا بإذن الزّوج.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 502).
(2)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 63).
(3)
يُنْظَر: شرح الطّحاوي (4/ 435).
(4)
الأستروشني: هو مُحَمَّد بن محمود بن حسين مجد الدين، الأستروشني؛ بِضَم الْألف وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَضم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وفى آخرهَا النُّون نِسْبَة على استروشنه بَلْدَة كَبِيرَة وَرَاء سَمَرْقَنْد، مات سنة (632 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 282)، تاج التراجم (1/ 279)، الفوائدالبهية (1/ 200).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 100).
ولو كان المهر كلّه مؤجّلاً [ليس لها ان تمنع نفسها وفي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ-رحمه الله ولو كان المهر مؤجلاً]
(1)
لم يكن لها أن تحبس نفسها لاستيفاء المهر [لا]
(2)
قبل حلول الأجل ولا بعده في ظاهر الرّواية أمّا قبل حلول الأجل فظاهر.
وكذلك بعده لأن هذا العقد ما أوجب لها حق الحبس فلا يثبت بعده وكذا لو كان بعضه عاجلاً وبعضه آجلاً فاستوفت العاجل وكذا لو أجلته بعد العقد مدّة معلومة ليس لها أن تحبس نفسها.
وعلى قول أبي يوسف رحمه الله لها أن تحبس نفسها في جميع هذه الفصول إذا لم يكن دخل بها لأنّ موجب النكاح عند الطّلاق تسليم المهر أولاً عيناً كان أو دينًا فحين قبل الزوج الأجل مع علمه بموجب العقد فقد رضي بتأخير حقّه إلى أن يوفى المهر بعد حلول الأجل وبه فارق البيع لأنّ تسليم الثمن أولاً ليس من موجبات البيع لا محالة.
ألا ترى أنّ البيع لو كان مقايضة لا يجب تسليم أحد البدلين أولا فلم يكن المشتري راضياً بتأخر حقّه في البيع إلى أن يوفي الثّمن وجعل للفتوى على قول أبي يوسف في فتاوى الإمام الولوالجي-رحمهما الله - وقال رجل تزوّج امرأة على ألف درهم إلى سنة فأراد الزّوج الدّخول قبل السنة قبل أن يعطيها شيئاً إن شرط الزّوج في العقد أن يدخل بها قبل السنة جاز وإن لم يشترط في العقد أن يدخل بها قبل السنة.
قال مُحَمَّد رحمه الله كذلك الجواب كالبيع والجامع بينهما أن بالتأجيل تأخر حق البائع في المطالبة بالثّمن فلا يثبت له حق حبس المبيع فكذا هنا تأخّر حقّها بالمطالبة بالمهر فلا يثبت لها حبس نفسها وقال أَبُو يُوسُف رحمه الله القياس أن يكون للزّوج ذلك كالبيع لكن في الاستحسان ليس له ذلك.
بخلاف البيع لأنّ هذا أمر فاحش وبهذا نفتي؛ لأنّه حسن وفي ديارنا كلّ المهر إذا كان مؤجلاً والدّخول غير مشروط لم يكن له أن يبني بها على قول أبي يوسف رحمه الله استحساناً وأمّا إذا كان بعضه معجلاً فأدى المعجل فله أن يبني بها لأنّ الدّخول عند أداء المعجل مشروط عرفاً فصار كما لو كان مشروطًا نصاً وإن دخل بها فكذلك الجواب عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أي للمرأة أن تمنع [نفسها]
(3)
حتى تأخذ المهر وعندهما ليس لها ذلك فينبني على هذا أي على هذا الاختلاف استحقاق النفقة في حال منع نفسها بهذا السّبب فعند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله تجب النّفقة لها؛ لأنّ المنع بحق فلا تكون ناشزة ظالمة فتجب النّفقة وصار المهر مقابلاً بالكل كالعبد إذا جنى جناية إلى آخره وكذلك المدبّر في استحقاق قيمته وإذا كان كذلك فلما حبست نفسها فقد حبست ما لم يصادفه التسليم منها في حقّه فكانت سبيل من ذلك.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
زيادة من (ب).
فإن قلت: أن منافع بضعها لاتخلوا أما إن كانت ملحقة بالأعيان كما في البيع أو ملحقة بالمنافع كما في الإجارة فليس فيهما ولاية الحبس بعد التّسليم بالرضاء فيجب أن يكون هناك كذلك وكذلك لا يجوز أن يكون كتسليم بعض المبيع لأنّها تطالب عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بكلّ المهر بخلاف البيع فإنّه إذا سلم بعض المبيع ليس له أن يحبس ما سلم لأجل كلّ الثّمن.
قلت: ليس هذا نظير البيع ولا الإجارة في ذلك من الوجه الذي قاله أبو حنيفة رحمه الله وذلك لأنّ للزّوج أن يطالبها بتسليم النفس بعد الوطئة الأولى فبقاء حقها في المطالبة بالبدل يمنع توجه المطالبة عليها بتسليم النفس كما قبل الوطأة الأولى.
بخلاف البيع والإجارة فإن البائع إذا سلم المبيع إلى المشتري ليس للمشتري أن يطالب البائع بشيء وكذلك بعد تسليم الدّار ليس للمستأجر أن يطالب الآجر بشيء وأمّا قوله لا يجوز أن يكون كتسليم بعض المبيع قلنا أنّ التسليم والإتلاف إنّما وجد في جزء وهي لا تحبس ذلك الجزء كما في البيع وإنما تحبس ما وراه وما وراء ذلك الجزء غير مستوفى فكان لها أن تحبس نفسها لاستيفاء البدل ولكن كل ذلك البدل يصلح أن يكون مقابلاً بإزاء ما بقي بعد الوطأة الأولى من الوطئات.
وأمّا قولهما أن المعقود عليه كلّه صار مسلمًا إليه بالوطئة الواحدة فضعيف فإنّ الوطئات بعد الوطئة الأولى في حكم الوطئة الأولى من حيث أنّها مستحقة بالنكاح مقصودًا وإنّما يتأكّد جميع البدل بالوطئة الأولى لدفع الضّرر عنها لأنّ ما وراء الوطأة الأولى مجهول فلا يصحّ للانقسام فإذا صار معلومًا زاحم للأولى وذلك لا يدلّ على أنّه ليس بمقابلة ما يستوفي منه بعد ذلك شيء من البدل ألا ترى أن البدل يتأكد بالخلوة وإذا وطئها بعد ذلك فذلك لا يدلّ على أنّ البدل ليس بمقابلة المستوفى من الوطئ كذا ذكره الإمام المحبوبي رحمه الله وإذا أوفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء.
وكان أبو القاسم الصفاريفتي في عدم المنع من الوطئ بقولهما حتّى لو دخل بها قبل إيفاء المهر ليس لها أن تمنع نفسها منه لطلب المهر ولو منعت لا نفقة لها وفي السّفر يفتي بقول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله حتّى لو دخل بها قبل إيفاء مهرها لا يملك أن يخرجها من البلدة إلى السّفر قال الصّدر الشّهيد رحمه الله وهذا حسن كذا في فصول الامام الاستروشني رحمه الله.
وقال الإمام ظهير الدين
(1)
رحمه الله في الفوائد وفي هذا إشارة إلى أنّ الاختلاف في القولين لا يكون اتفاقاً على بطلان قول ثالث وقيل لا يخرجها إلى بلد غير بلدها وهو قول الفقيه أبو اللّيث رحمه الله وذكر في فصول الاستروشني محالاً [المحال اسم مفعول من الاحاله اي مضافاً ومنسوباً]
(2)
إلى العدّة الزّوج إذا أراد أن يخرج المرأة إلى بلد آخر وقد أوفاها مهرها ليس له ذلك هكذا اختار الفقيه أبو اللّيث قال ظهير الدّين المرغيناني -رحمهما الله- الأخذ بقول الله تعالى أولى من الأخذ بقول الفقيه قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}
(3)
.
(1)
ظهير الدين: هو عَليّ بن عبدالْعَزِيز بن عبدالرزاق المرغيناني الإِمَام أَبُو الْحسن ظهير الدّين، الحنفي، من مصنفاته "فوائد ظهير الدين"، مات سنة (506 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (1/ 364، 378)، كشف الظنون (2/ 1298).
(2)
هامش في (ب).
(3)
سورة الطلاق من الآية: 6.
وذكر في التجنيس
(1)
والفتوى على أن للزّوج أن يسافر بها إذا أوفاها المعجّل
(2)
لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}
(3)
لأن الغريب يؤذي.
فإن قيل: هذا التّعليل معارض لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}
(4)
فلا يقبل قلنا قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}
(5)
مقيّد بالنصّ بترك الإضرار بدليل سياق الآية وهو قوله تعالى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ}
(6)
وفي النقل إلى بلد آخر مضارّة ولهذا جاز الإخراج برضاها ومن تزوّج امرأة ثم اختلفا في المهر أي في مقدار المهر فهذه المسألة على وجوه أمّا ان اختلفا في حياتهما أو بعد موتهما إذا اختلف ورثتهما أو بعد موت أحدهما فإن اختلفا في حياتهما فلايخلوا أمّا إن اختلفا قبل الطّلاق أو بعده وكلّ ذلك على وجهين أمّا إن كان الاختلاف في أصل التسمية أو في مقدار المسمّى أما إذا وقع الاختلاف في حال قيام النكاح أو بعد الفرقة بعد الدّخول أو بعد موت أحدهما فإن القول قول المرأة إلى تمام مهر مثلها أو ورثتهما والقول قول الزّوج أو ورثته في الزّيادة في قول أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد-رحمهما الله-.
وصورة الاختلاف أن يقول الزّوج تزوّجتك على ألف درهم والمرأة تقول تزوجتني على ألفين كذا في شرح الطّحاوي
(7)
، وجامع الصّغير
(8)
لِقَاضِي خَانْ والتقسيمات مذكورة في الكتاب ومعناه ما لا يتعارف مهراً هو الصّحيح هذا احتراز عن قول بعض مشايخنا في تفسير قول أبي يوسف رحمه الله حيث قالوا معناه ما دون العشرة فإنه مستنكر شرعًا لأنّه لامهر أقلّ من عشرة دراهم والأصحّ أن مراده أن يدّعي شيئاً قليلاً يعلم أنّه لا يتزوّج مثل تلك المرأة على ذلك المهر عادة فإنّه ذكر هذا اللّفظ في البيع أيضاً إذا اختلفا في الثّمن بعد هلاك السّلعة القول قول المشتري إلا أن يأتي بشيء مستنكر وليس في الثّمن تقدير شرعًا كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(9)
لا يصار إليه أي إلى مهر المثل أنّه بحكم متعة مثلها وهو قياس قولهما أي قول أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد -رحمهما الله- وإنّما خصّ قولهما فإنّ [على]
(10)
قول أبي يوسف القول قول الزّوج في جميع الصّور؛ لأنّ العقد موجبه بعد الطّلاق أي موجب العقد إذا كان الطّلاق قبل الدّخول كمهر المثل قبله أي قبل الطّلاق.
(1)
التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيد، لعلي بن أبي بكر بن عبدالجليل الْمَرْغِينَانِي، صاحب الهِدَايَة، حققه الدكتور مُحَمَّد أمين مكي وطبعته في مجلدين إدارة القران والعلوم الإسلامية في باكستان.
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق (3/ 192).
(3)
سورة الطلاق من الآية: 6.
(4)
سورة الطلاق من الآية: 6.
(5)
سورة الطلاق من الآية: 6.
(6)
سورة الطلاق من الآية: 6.
(7)
يُنْظَر: شرح الطّحاوي (4/ 414 - 416).
(8)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 181).
(9)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 65 - 66).
(10)
ساقط من (ب).
ووجه التّوفيق أي بين رواية الجامع الكبير وبين روايتي الْمَبْسُوطِ والْجَامِعِ الصَّغِيرِ فإن روايتيهما تتفقان لكن رواية الْمَبْسُوطِ مفسرة بتقدير ورواية الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مطلقة فحملت على رواية الْمَبْسُوطِ لأنّ المطلق يحمل على المتعارف والمتعارف هو الاختلاف في الألوف ورواية الجامع الكبير تخالفهما والمخالفة بسبب اختلاف الوضع على ما ذكر في الكتاب.
وقيل في المسألة روايتان فوجه رواية الجامع الكبير هو ما ذكر في الكتاب وكشفه أن المتعة موجب نكاح لا تسمية فيه قبل الطّلاق فكما يحكم مهر المثل لو اختلفا قبل الطّلاق بحكم المتعة.
وإذا اختلفا بعد الطّلاق ووجه رواية الْمَبْسُوطِ
(1)
، والْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(2)
هو أنّه عاد إلى المرأة حقها كما كان [وكان]
(3)
ينبغي أن يسقط كلّ الصّداق.
وإنّما عرفنا بقاء نصف الصّداق نصًّا بخلاف القياس فيما إذا كان الصّداق معلومًا وتعذر إيجاب المتعة لأنّ المتعة حكم نكاح لا تسمية فيه أصلاً وهنا قد اتفقا على التّسمية فقلنا ببقاء ما اتفقا عليه وهو نصف ما أقر به الزوج فإن كان مهر مثلها ألفاً أو أقلّ فالقول قوله أي مع اليمين لأنّ الاصل في [الدّعاء فهي]
(4)
أن يكون القول قول من يشهد له الظّاهر مع يمينه وإن نكل يقضي عليه بألفي درهم كما لو أقرّ لأنّ النكول إقرار وإن كان ألفين فالقول قولها أي مع يمينها لأنّ الزّوج يدّعي عليها الحطّ وهي تنكر فإن نكلت [يقضي]
(5)
بألف درهم لأنها أقرت بالحط وإن حلفت يقضي [لها]
(6)
بألفي درهم ألف بطريق التّسمية لاتفاقهما على تسمية الألف والألف باعتبار مهر المثل وفائدة هذا أن يخيّر الزّوج في هذا الألف إن شاء أعطى الدّراهم وإن شاء أعطى الدّنانير فإيّهما أقام في الوجهين أي فيما إذا شهد مهر المثل للزّوج وفيما إذا شهد مهر المثل للمرأة في الوجه الأوّل: [تقبل بينتها]
(7)
، وهو ما إذا كان مهر المثل شاهدًا للزّوج.
[وفي الوجه الثّاني: تقبل بينته وهو ما إذا كان مهر المثل شاهدًا للزّوج]
(8)
، وفي الوجه الثّاني يقبل بيّنته وهو ما إذا كان مهر المثل شاهدًا للمرأة.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (3/ 107).
(2)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 180).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
وفي (ب): (الدّعاوي).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
زيادة من (ب).
(8)
ساقط من (ب).
والأصل في هذا هو أنّ البيّنة تثبت ما ليس بثابت ظاهراً وإن كان مهر مثلها ألفاً وخمسمائة تحالفا لأنّ الزّوج يدّعي عليها الحط عن مهر المثل وهي تنكر والمرأة تدّعي الزيادة وهو ينكر وينبغي أن يقرع القاضي بينهما في البداية لاستوائهما فإن [نكل]
(1)
الزّوج يقضي عليه بألف وخمسمائة كما لو أقر بذلك صريحًا وإن نكلت المرأة وجب المسمّى ألف لأنّها أقرّت بالحط وإن حلفا جميعًا وجب ألف وخمسمائة ألف بطريق التسمية لا يخيّر الزّوج فيهما لاتفاقهما على تسمية ألف وخمسمائة باعتبار مهر المثل يخيّر فيها الزّوج فأيّهما أقام البيّنة قبلت بيّنته وإن أقاما يقضي بألف وخمسمائة ألف بطريق التّسمية وخمسمائة باعتبار مهر المثل لأنّ البيّنتين بطلتا لمكان التّعارض ونصّ مُحَمَّد – رحمه الله في هذا الفصل أنّ بيّنة المرأة أولى لإثباتها الزّيادة كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(2)
لِقَاضِي خَانْ وذكر الإمام المحبوبي-رحمه الله بعد ذكر وجوب مهر المثل فيما إذا تحالفا فقال ثم إذا تحالفا يبدأ بيمين الزوج؛ لأنه أثبتهما إنكاراً وإن أقاما البينة فالبيّنة بيّنة المرأة؛ لأنّها تثبت الزّيادة والبينة مشروعة للإثبات وقال الكرخي- رحمه الله يتحالفان أي على قول أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد - رحمهما الله- ثم يصار إلى مهر المثل في الفصول الثّلاثة وهي أن يكون مهر المثل شاهدًا له أو شاهدًا لما بينهما لأنّهما اتفقا على أصل التسّمية والتّسمية الصّحيحة تمنع المصير إلى مهر المثل وإذا حلفا بعذر التّسمية فيحكم مهر المثل.
وذكر أبو بكر الرّازي رحمه الله أنّ التحالف في فصل واحد وهو إذا لم يكن مهر المثل شاهدًا لأحدهما فإذا كان شاهدًا لأحدهما كان القول قول من يشهد له مهر المثل مع يمينه ولا يتحالفان وهو الصّحيح لأنّ بحكم مهر [المثل]
(3)
ليس لإيجاب مهر المثل بل لمعرفة من يشهد له الظّاهر ثم الأصل في الدعاوى أنّ القول قول من يشهد له الظّاهر مع يمينه ولو كان الاختلاف في أصل المسمّى فإن ادّعى أحدهما التّسمية وأنكر الآخر كان القول قول من ينكر التسمية ويجب مهر المثل لأنّه هو الأصل عندهما.
أي: عند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد -رحمهما الله-.
وعنده أي عند أبي يوسف رحمه الله تعذر القضاء بالمسمّى لعدم ثبوت التّسمية للاختلاف فيجب مهر المثل كما لو تزوّجها ولم يسمّ لها مهراً كذا في (الْجَامِعِ الصَّغِيرِ)
(4)
لِقَاضِي خَانْ وإذا مات الزّوجان وقد سمّى لها مهراً بأن يثبت ذلك بالبيّنة أو يتصادق الورثة فلورثتها أن يأخذوا ذلك من ميراث الزّوج هذا إذا علم أنّ الزّوج مات أولاً أو علم أنّهما ماتا معًا أو لم يعلم أيّهما مات أولاً حينئذ يأخذ ورثة المرأة جميع المهر من تركة الزّوج لأنّ المهر كان واجباً فلما لم يتيقن بسقوط شيء منه بموت المرأة أولاً يسقط وأمّا إذا علم أنّها ماتت أولاً فنصيب الزّوج من ذلك يسقط لأنّه ورث دينًا على نفسه فيسقط بقدر ما ملك فعلم بهذا أنّ [المسمى]
(5)
المستثنى منه المحذوف في قوله إلا إذا علم أنّها ماتت أولاً هو الصّور الثّلاث التي ذكرتها.
(1)
وفي (ب): (نكاح).
(2)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 179 - 180).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 184).
(5)
ساقط من (ب).
قوله: رحمه الله معناه إشارة إلى قوله الْمهْر فِي الْوَجْهَيْنِ
(1)
أي فيما إذا سمّى وفيما إذا لم يسمّ وأمّا الثّاني فوجه قولهما إلى آخره فقولهما قياس وقول أَبِي حَنِيفَةَ-رحمه الله استحسان ولقول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله طريقان: أحدهما: هو ما استدلّ به أبو حنيفة في الكتاب وقال: أرأيت لو ادّعى ورثة علي رضي الله عنه[على ورثة عمر]رضي الله عنه
(2)
مهر أم كلثوم أكنت أقضى فيه بشيء.
وهذا إشارة إلى أنّه انما يقول بهذا بعد تقادم العهد لأنّ مهر المثل يختلف باختلاف الأوقات فإذا تقادم العهد وانقرض أهل ذلك العصر يتعذّر على القاضي الوقوف على مقدار مهر المثل وعلى هذا الطّريق إذا لم يكن العهد متقادمًا بأن لم يختلف مهر مثل هذه المرأة يقضي بمهر مثلها والطّريق الآخر يقتضي سقوطه وإن لم يتقادم وهو أنّ المستحق بالنكاح ثلاثة أشياء المسمّى وهو الأقوى والنّفقة وهي الأضعف ومهر المثل وهو متوسّط على ما قدّرنا فالمسمّى لقوته لا يسقط لا بموت أحدهما ولا بموتهما والنّفقة لضعفها تسقط بموتهما وبموت أحدهما ومهر المثل يتردّد بين ذلك فيسقط بموتهما ولا يسقط بموت أحدهما لانّ ما تردد بين أصلين يوفر حظّه عليهما.
ألا ترى أنّ الصّحابة رضي الله عنهم اختلفوا أن مهر المثل هل يسقط بموت أحدهما فيكون ذلك اتفاقاً منهم أنّه يسقط بموتهما كذا في الْمَبْسُوطِ
(3)
، والمراد منه ما يكون مهيئاً للأكل نحو الحلواء والمشوي وطبق فاكهة مما لا يعطى من المهر عادة بل يتعارف هديه فلا يصدق على خلافه وكذا هذا في جميع قضاء الدّيون.
وأمّا لو بعث إليها طعاماً أو دقيقاً أو لوزًا أو عسلاً أو سمنًا وقال هو من المهر فالقول له كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله.
قوله: رحمه الله فالقول له أي مع اليمين كذا في الذّخيرة
(4)
ثم قال فإن حلف والمتاع قائم فللمرأة أن تردّ وترجع بما بقي من المهر، فإن كان هالكًا لا يرجع بالمهر.
وأمّا الذي بعث أبو المرأة إن كان هالكًا لم يكن على الزّوج شيء وإن كان قائمًا وقد بعثه الأب من مال نفسه فله أن يرجع فيه لأنّ الواهب في هذه الصّورة الأب وإن كان بعثه من مال البنت برضاها لم يكن له أن يرجع [فيه]
(5)
لأنّ الواهب في هذه الصّورة البنت وقد وهبت من زوجها وفي فتاوى أهل سمرقند
(6)
: رجل تزوج امرأة وبعث إليها هدايا وعوّضته المرأة على ذلك عوضاً ثم زفت إليه ثم فارقها وقال إنما بعثت إليك عاريّه فأراد أن يسترد ذلك وأرادت المرأة أن تسترد العوض فالقول له في الحكم لأنّه أنكر التّمليك وإذا استرد ذلك من المرأة كان للمرأة أن تسترد منه ما عوضته عليه.
(1)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 64).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 67).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 108).
(5)
ساقط من (ب).
(6)
بلد معروف مشهور قيل: إنه من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر، وهو قصبة الصغد مبنية على جنوبي وادي الصغد مرتفعة عليه. قال أبو عون: سمرقند في الأقليم الرابع طولها تسع وثمانون درجة ونصف وعرضها ست وثلاثون درجة ونصف، وقال الأزهري: بناها شمر أبو كرب، فسميت شمر كنت فأعربت فقيل سمرقند هكذا تلفظ به العرب في كلامها وأشعارها. يُنْظَر: معجم البلدان (3/ 246).
قوله: رحمه الله وَقِيلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ
(1)
، وإنّما قيّد بالوجوب لأنّه إذا بعث الخف والملاءة كان له أن يحتسب من المهر لأنّ ذلك لا يجب عليه.
قوله: وغيره كَمَتَاعِ الْبَيْتِ وفي فتاوى الظهيريّة وههنا مسألة عجيبة وهي أنّه لا يجب على الزّوج خفها ويجب عليه خف أمتها لأنّها منهية عن الخروج دون أمتها.
[فصل في أحكام النكاح في الكفّار]
فصل
لما ذكر أحكام النكاح في حق المسلمين وهم الأصول في الشّرائع ذكر من هو تبع لهم في المعاملات ومن المعاملات أحكام النكاح في الكفّار.
ثم اعلم أنّ كل نكاح يجوز فيما بين المسلمين فهو جائز فيما بين أهل الذمّة لأنّهم يعتقدون جوازه.
ونحن نعتقد ذلك في حقهم أيضاً فإن النبي عليه السلام قال: «بُعِثْتُ إلَى الْأَحْمَر وَالْأَسْوَد»
(2)
وخطاب الواحد خطاب الجماعة فما يوافقوننا في اعتقاده يكون ثابتاً في حقّهم فأمّا ما لا يجوز بين المسلمين فهو أنواع منها النكاح بغير شهود فإنّه جاز بين أهل الذمّة يقرّون عليه إذا أسلموا عندنا خلافاً لزفر رحمه الله على ما يجيء بعد هذا ثمّ قوله وذلك في دينهم جائز من صورة المسألة فإن جواب المسألة قوله فليس لها مهر.
قوله: رحمه الله فَلَيْسَ لَهَا مهر
(3)
يعني وإن أسلما كذا في الْمَبْسُوطِ
(4)
.
وأمّا في الذمية فلها مهر مثلها إن [دخل بها]
(5)
أو مات عنها إلى آخره إلا أنّ أهل الذمّة لا يتعرض لهم ما لم يسلموا أو يرفع أحدهما الأمر إلى القاضي كذا في الْمَبْسُوطِ
(6)
، وهذا الشرع وقع عاما وهو قوله تعالى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}
(7)
فكان الكافر مخاطباً
(8)
أيضاً بإبتغاء النكاح بالمال إذا أراد النكاح لأنّهم التزموا أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}
(9)
، ووجوب مهر المثل في النكاح عند نفي المهر من أحكام الاسلام فيظهر في حقّهم كما ظهر حكم الربا وحكم الزنا ولأنّ الابضاع تارة يتناول بالسّفاح وطوراً بالنكاح ثم تناولها بالسّفاح دية إيجاب العقر فيكون تناولها النكاح جهة في إيجاب العقر ولأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنّ أهل الذمة لا يلتزمون أحكامنا في الديانات كالصّلاة والصّوم وفيما يعتقدون خلافه في المعاملات كبيع الخمر والخنزير والربا مستثنى عن عقودهم قال الله تعالى:{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ}
(10)
بيّن أنّه كان حرامًا في دينهم.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 505).
(2)
رواه أحمد (4/ 416)، برقم (19750). قال الهيثمى (8/ 258): رواه أحمد متصلاً ومرسلاً، والطبرانى ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (6/ 304، رقم 31645).
(3)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 64).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 38).
(5)
ساقط من (ب).
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 41).
(7)
سورة النساء من الآية: 24.
(8)
يقول ابن اللحام الحنبلي: "الكفار مخاطبون بالإيمان إجماعًا ونقله القرافي وبفروع الإسلام في الصحيح عن أحمد رحمه الله تعالى وقاله الشافعى أيضا واختاره أكثر أصحابنا وأصحاب الشافعى والرازي والكرخي وجماعة من الحنفية وبعض المالكية وجمهور الأشعرية والمعتزلة. وعن أحمد رواية لا يخاطبون بالأوامر ويخاطبون بالنواهى وهو الذي قاله القاضى أبو يعلى في مقدمة المجرد. وحكى بعض أصحابنا رواية أنهم غير مخاطبين بشيء من الفروع الأوامر والنواهى وقاله بعض الحنفية. وحكى القرافي عن الملخص للقاضى عبد الوهاب أن المرتد مكلف بالفروع دون الأصل". انظر: القواعد والفوائد الأصولية ومايتبعها من الأحكام الفرعية (ص 76).
(9)
سورة المائدة من الآية: 49.
(10)
سورة النساء من الآية: 161.
أمّا النكاح بغير مهر جائز في دينهم كما لو تزوّجها على خمر ولأنّ المهر لو وجب لايخلوا إمّا أن يجب حقاً لها أو حقاً للشرع لا وجه إلى الأوّل لأنّها رضيت بغير مهر ولا وجه إلى الثّاني لأنّه غير مخاطب بحقوق الشّرع كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(1)
لِقَاضِي خَانْ والفوائد وقد قيل في الميتة والدّم روايتان عن أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وهذا كلّه عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أي كلّ ما ذكر وهو ما إذا كان معينين أو غير معينين لها مهر المثل في [الوجه]
(2)
الوجهين أو في المعين وغير المعيّن.
قوله: رحمه الله وجه قولهما وإنّما جمع قولهما وإن كانا يختلفان فيما بينهما حيث قال أَبُو يُوسُف رحمه الله فيهما بمهر المثل ومُحَمَّد رحمه الله قال فيهما بالقيمة ومهر المثل غير قيمة الخمر والخنزير لكنهما تتفقان في أن لا يوجبا عين الخمر والخنزير أنّ القبض
(3)
مؤكد لتملك في المقبوض.
ألا ترى أنّ الصّداق يتنّصف بنفس الطّلاق قبل الدّخول إذا لم يكن مقبوضاً وبعد القبض لا يعود شيء إلى ملك الزّوج إلا بقضاء أو رضاء وكذلك الزّوايد ينتصف قبل القبض ولا ينتصف بعده وكذا لو مر يوم الفطر والصّداق عند غير مقبوض ثم طلّقها قبل الدّخول لا تجب صدقة الفطر عليها بخلاف ما بعد القبض وكذلك الزّكاة لا تجب [عليها]
(4)
عند أبي حينفة رحمه الله في المهر قبل القبض بخلاف ما بعده ولأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنّ الملك في الصّداق المعيّن يتم بنفس العقد ولهذا يملك التصرف فيه وبهذه النكتة يخرج الجواب عن فصل البيع فإنّه إذا باع الخمر أو الخنزير أو اشترى.
(1)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 183).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
القبض: بالمعجمة: إكمال الأخذ. وأصله القبض باليد. والقبض بمهملة: أخذ بأطراف الأصابع، وهو جمع عن بسط، ذكره الحرالي. وقال الراغب: القبض بمهملة: التناول بأطراف الأصابع. والقبض بمعجمة: التناول بجميع الكف. وقبض اليد على الشيء جمعها قبل 4 تناوله، وذلك استدلالا منه كإمساك اليد عن البذل قبض. ويستعار القبض لتحصيل الشيء وإن لم يكن فيه مراعاة الكف، كقبضت الدار من فلان أي حزتها، ومنه {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُه} . أي في حوزه. ويكنى عن الموت بالقبض، فيقال: قبضه الله. والقبض محركة: ما قبض من الغنائم قبل أن يقسم .. التوقيف على مهمات التعاريف (ص 267).
(4)
زيادة من (ب).
ثم أسلم قبل القبض حيث ينفسخ البيع ويمنع عن القبض ويخرج الجواب أيضاً عمّا إذا لم يكونا عينين حيث لا يستحق عين الخمر والخنزير بالإجماع.
أمّا البيع فإنّ المبيع بعد القبض يستفاد ملك التصرف فيه لا قبله والإسلام مانع فيه ولأن ضمان المبيع في يد البائع ضمان ملك حتّى لو هلك يهلك على ملكه وكان قبض المشتري ناقلاً لضمان الملك فأمّا ضمان المسمّى في يد الزّوج فليس بضمان ملك حتّى لو هلك يهلك على ملكها ولهذا وجب لها القيمة فلا يكون الإسلام مانعًا من القبض الناقل للضمان إذا لم يكن ضمان ملك كاسترداد المغصوب بلا ولي لأن في استرداد المغصوب إزالة اليد المانعة وهي يد الغاصب وليس ههنا إزالة اليد المانعة فلأن لا تمنع عن القبض كان أولى.
وأمّا المسمّى إذا كان غير معيّن فإنما لا يملك قبضه لأنّ القبض هناك موجب ملك العين والإسلام يمنع من ذلك إذا كان ذلك المسمّى خمراً أو خنزيراً.
وأمّا قوله أنّ القبض مؤكّد للملك في المقبوض على ما ذكر من المسائل فإن ذلك كلّه يدل على ضعف الثبوت وتعلّق الوكادة بالقبض لا يدلّ على امتناع تأكيد ما هو ثابت بالإسلام بل يدلّ على عكسه فإنّه إذا اشترى خمراً وقبض وبها عيب فالملك غير متأكّد وبالإسلام يتأكّد ويسقط الخيار هذا كلّه من الْمَبْسُوطِ
(1)
، والأسرار وشروح الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(2)
.
ألا ترى أنّه لو جاء بالقيمة قبل الإسلام تجبر على القبول في الخنزير هذا دليل على أنّ قيمة الخنزير بمنزلة عينه لأنّه لو لم يكن كذلك لما أجبرت على القبول فمن أوجب مهر المثل أوجب المتعة ومن أوجب القيمة أوجب نصفها ففي العين لها نصف العين في قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وفي غير العين في الخمر لها نصف القيمة.
وفي الخنزير لها نصف المتعة؛ لأنّ مهر المثل لا ينتصف بالطّلاق قبل الدّخول بل في كل موضع كان الواجب مهر المثل قبل الطّلاق فالواجب المتعة بعد الطّلاق وعند مُحَمَّد لها بعد الطّلاق نصف القيمة على كلّ حال كذا في الْمَبْسُوطِ
(3)
، وعند أبي يوسف رحمه الله لها المتعة على كلّ حال والله أعلم بالصّواب.
باب نكاح الرّقيق
آخر هذا الباب عن فصل النصراني والنصرانية؛ لأن الرّق من آثار الكفر إذ الاسترقاق ابتداء لا يرد إلا على الكافر ولاشك أنّ الأثر يقفو المؤثر.
وذكر في (الصّحاح)
(4)
[في الإيضاح]
(5)
الرّقيق المملوك وقد يطلق على الواحد والجمع وذكر في (المغرب)
(6)
الرقيق العبد وقد يقال للعبيد ومنه هؤلاء رقيقي وقال مالك رحمه الله: - يجوز للعبد قيد بالعبد لأنّه لا يجوز للأمة بالإجماع لأن بضعها مملوك المولى لأنّه يملك الطّلاق فيملك النكاح لأنّ الطّلاق حكم يستفاد من النكاح فلما كان أهلاً لحكمه بغير إذن المولى كان أهلاً لسببه.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 42).
(2)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 185).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 43).
(4)
يُنْظَر: الصحاح (4/ 1484).
(5)
ساقط من (ب).
(6)
يُنْظَر: المغرب (1/ 195).
واستدلّ أصحابنا بظاهر قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}
(1)
، والنكاح شيء، فلا يملكه العبد بنفسه، ومذهبنا مروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال:«أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ [عَاجرٌ]»
(2)
(3)
كذا في الْمَبْسُوطِ
(4)
أسند هذا الحديث إلى عمر رضي الله عنه في الْمَبْسُوطِ
(5)
كما ترى.
ولكن رفعه إلى النبي عليه السلام في الإيضاح كما هو المذكور في الكتاب ولأنّ في تنفيذ نكاحهما تعييبهما إذ النكاح عيب فيهما ففي هذا جواب عمّا استدلّ به مالك بأنّه يملك الطّلاق فيملك النكاح لأن في الطّلاق إزالة العيب فيملك إزالة العيب عن نفسه بالطّلاق ولا يملك التعييب بالنكاح.
فإن قلت: يشكل على هذا صحّة إقراره بالحدود والقصاص فإن وجوب قطع اليد في السّرقة ووجوب القصاص عيب فيهما على قول أبي يوسف ومُحَمَّد. -رحمهما الله-.
وأمّا على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فمنزلة الاستحقاق وهو أيضاً أقوى العيوب فولايته على هذا التعييب يبطل هذه النكتة.
قلت: العبد لا يصير مملوكًا لمالكه فيما يتعلّق به خطاب الشّرع ثم الحدود والقصاص إنّما وجبت عقوبة وجزاء على هتك حرمة لزمت العبد شرعًا وصيانة هتك المحرمات واجبة على من خوطب بها و العبد منه وما ثبت من التعييب ثبت في ضمن صيانة الواجب شرعًا لله تعالى فلا يبالي به وأمّا النكاح فعقد ازدواج واقتضاء شهوة كلّ واحد من الزّوجين من صاحبه فلا يملك إلا بملك الرقبة والرقبة للمولى فلا يصحّ بدون إذنه يوضحه أنّه لو باع رقبته أو رهنه بمال لم يجز، وإن كان منفعة ذلك يرجع إلى المولى فإذا تزوج ولا منفعة للمولى في عقده أولى أن لا يجوز، إلى هذا أشار في الْمَبْسُوطِ
(6)
والأسرار وكذا المكاتبه [لا]
(7)
تملك تزويج نفسها بدون إذن المولى وتملك تزويج أمتها وفي الأصل الأب والجدّ والوصي والقاضي والمكاتب والمضارب والشّريك المفاوض يملكون تزويج الأمة كذا في الخلاصة لما بيّنا وهو قوله لأنّه من باب الاكتساب وكذلك المدبّر.
(1)
سورة النحل من الآية: 75.
(2)
وفي (ب): (عاهر).
(3)
رواه ابن أبي شيبة بهذا اللفظ (2/ 534) برقم (16862)، وأحمد (2/ 377) برقم (15031)، أبو داود كتاب النكاح باب في نكاح العبد بغير إذن سيده (2/ 228) برقم (2078)، والترمذى كتاب النكاح باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده (3/ 411) برقم (1111)، وابن ماجه كتاب النكاح باب تزويج العبد بغير إذن سيده برقم (1959) بلفظ "أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ (سَيِّدِهِ)، فَهُوَ عَاهِرٌ (زَانٍ) " من حديث جابر، ومن حديث ابن عُمر. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الْإسناد.
يُنْظَر: مستدرك الحاكم (2/ 211)، نصب الراية (3/ 203)، الدراية (2/ 64).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 125).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 125).
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 125).
(7)
ساقط من (ب).
وكذلك المدبرة وابن أمّ الولد ومعتق البعض عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله والمهر دين في رقبته تباع فيه ثم إذا بلغ في مهرها ولم يف الثّمن لا يباع ثانياً لأنّه [بيع]
(1)
في جميع المهر ويطالب بالباقي بعد العتق وفي دين النّفقة تباع مرّة أخرى لأنّه يجب شيئاً فشيئاً فإن مات سقط المهر والنفقة لأن محلّ الاستيفاء قد فات كذا ذكره الإمام التمرتاشي-رحمه الله وإذا زوج عبده أمته لا مهر لها عليه، واختلف المشايخ فيه منهم من قال: يجب المهر ثم يسقط، ومنهم من قال: لا يجب وهذا أصحّ؛ لأنّ الوجوب وإن كان حقاً لله تعالى فإنما يجب حقاً لله تعالى للمولى ولو جاز وجوبه للمولى ساعة لجاز وجوبه أكثر من ساعة كذا في فتاوى الإمام الولوالجي والمحيط
(2)
، وذكر في الْمَبْسُوطِ
(3)
لا مهر لها عليه؛ لأنّ المهر لو وجب كان للمولى، وإنّما وجب في مالية العبد وماليته مملوكة [للمولى]
(4)
، فلا فائدة في وجوبه أصلاً، وعلى طريق بعض أصحابنا يجب ابتداء لحق الشّرع ثم يسقط لقيام ملك المولى في رقبة الزّوج، فقال المولى طلقها أو فارقها فليس هذا إجازة بخلاف ما إذا زوّج الفضولي رجلاً امرأة فلما بلغ الخبر إليه قال طلقها حيث يكون إجازة لأنه يملك التّطليق بالإجازة فيملك الأمر به أيضاً كذا في الفوائد الظهيريّة ولأنّ [فعل]
(5)
الفضولي إعانة وليس بتمرّد فكان الردّ أليق في العبد لأنّه متمرد ولأنّ الضّرر منجبر في حق الزّوج يملك بضع يقابله.
بخلاف ضرر المولى فلذلك افترقا وقال ابن أبي ليلى-رحمه الله في مسألة الكتاب فقوله طلقها يكون إجازة لأنّه أمر بالطّلاق والمطلق ينصرف إلى الجائز.
ولنا أنّ الأمر بالطّلاق يحتمل الأمر بالمتاركة وليس في هذا الكلام ما يدلّ على الإجازة والرضاء فلا يثبت الإجازة حتّى لو قال أوقع عليها تطليقة أو طلّقها تطليقة يقع عليها يكون إجازة لأنّ وقوع الطّلاق يختص بالنكاح الجائز فيكون إجازة كذا ذكره الإمام شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله
(6)
.
فإن قلت: ما الفرق بين هذه الصّورة وبين ما إذا قالت المرأة لرجل طلقني كان إقرار منها بالنكاح وكذلك لو زوّج الرجل فضولي أربعًا في عقده وثلاثاً في عقده وبلغه الخبر فطلق إحدى الثلاث أو إحدى الأربع بغير عينها كان إجازة منه لنكاح ذلك الفريق.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 130).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 128).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
يُنْظَر: المبسوط (5/ 228).
قلت: أما الأوّل فإنّ الظّاهر من حالها مباشرة النكاح الصّحيح فحمل عليه وهنا دليل الفساد ظاهر وهو تمرّد على مولاه بالنكاح بغير إذنه.
وأمّا الثّاني فإنّ قول الزّوج لا يصحّ إلا بأن يحمل على الطّلاق لأنّه إن وقع في التي صحّ نكاحهن صحّ كلامه وإن وقع في التي لم يصح نكاحهنّ لا يصحّ كلامه فجعل منه إجازة للعقد تصحيحًا لكلامه وههنا قول المولى صحيح في الحالين سواء كان أمراً بالطّلاق أو بالمتاركة [لما أنّ قوله طلّقها يصلح أمراً بالمتاركة فإنّ الطّلاق في النكاح الفاسد والموقوف يكون متاركة]
(1)
، ويصلح أن يكون أمراً له بالطّلاق عن النكاح في الأول لا يصلح أن يكون إجازة وفي الوجه الثّاني يصلح فلا يكون إجازة بالشّك كذا ذكره الإمام التمرتاشي والإمام المحبوبي - رحمهما الله -؛ لأن الطلاق الرجعي لا يكون إلا في النكاح الصّحيح.
فإن قيل: إذا قال المولى لعبده كفر يمينك بالمال لا يثبت العتق وإن كان التكفير بالمال لا يتحقق إلا بعد العتق.
قلنا: الاعتاق إثبات الأهلية في التصرفات الشّرعية بطريق الأصالة وما هذا حاله لا يثبت في ضمن نوع من التصرفات كالإيمان لا يثبت في ضمن خطاب الشّرائع فلذلك لم يخاطب الكفار بأوامر الشّرائع لما عرف.
وأمّا ههنا ما هو الأصل وهو أصل شرعيّة النكاح فثابت للعبد لأنّه يبقى على الحريّة في خصائص الآدمية وإنما توقف النفاذ إلى إذن المولى وهو فرع على أصل النكاح فصحّ أن يثبت النفاذ ضمنًا لما يقتضي النكاح الصّحيح وهو الأمر بالطّلاق الرجعي ومن قال لعبده تزوج هذه الأمة ليس في ذكر الإشارة بالتعيين وفي ذكر الأمة بالتقييد كثير فائدة فإنّ الحكم في غير المعيّن وفي غير الإماء كذلك لأنّه قال في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(2)
لِقَاضِي خَانْ-رحمه الله:
وكذا لو أمره أن يتزوّج امرأة ولم يعيّن فتزوج امرأة نكاحاً فاسدًا ثم تزوّج أخرى نكاحاً جائزًا أو حدّد النكاح في الأولى لوصف الصحّة عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لا يجوز وعندهما يجوز بناء على أصل مذكور في الكتاب وهو قوله وأصله أنّ الإذن في النكاح ينتظم الفاسد والجائز عنده ألى اخره. ويبتنى عليه حكمان أحدهما ما قلنا أنّه يباع في المهر عنده.
وعندهما لا يباع والثّاني إذا تزوجها بوصف الصحّة بعد ذلك عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لا يجوز لانتهاء الإذن بالعقد وعندهما يجوز.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 188).
قوله رحمه الله: لهما أنّ المقصود من النكاح في المستقبل الإعفاف
(1)
إلى أن قال: ولهذا لو حلف لا يتزوّج
(2)
إنّما قيّد بالمستقبل لأنّه لو حلف وقال أنّه ما تزوّج امرأه في الماضي وقد كان تزوج فاسدًا أو صحيحًا كان حانثاً في يمينه كذا في الْمَبْسُوطِ
(3)
كما في البيع أي أن أمره بالبيع فإن أمره به يتناول الجائز والفاسد ومثله اليمين ممنوعة على هذه الطريقة وهي طريقة أجزاه اللّفظ المطلق على إطلاقه فكان إشارة إلى أوّل النكتة ولئن كان قول الكل فالعذر لأَبِي حَنِيفَةَ-رحمه الله أنّ ثمة تقيد بالعرف ومبنى الإيمان على العرف وكذلك التّوكيل في النكاح عند أَبِي حَنِيفَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(4)
لِقَاضِي خَانْ.
وأمّا قولهما المراد بالنكاح الإعفاف والتحصين قلنا الإعفاف الحاصل من النكاح ليس في يد المولى فإنّه إنّما يكون بداوم النكاح ودوامه ليس في يده مع أنّ العفة أمر باطن فليس هو في يد المولى أيضاً ومن زوج عبدًا مأذونًا [له اي مأذوناً له]
(5)
، ومديونًا ومعناه إذا كان النكاح بمهر المثل أو أقلّ من ذلك حينئذ تكون المرأة أسوة للغرماء.
وأمّا إذا كان المسمّى أكثر من مهر المثل فإنّها لا تساوي الغرماء بل يؤخر حقها إلى استيفاء الغرماء ديونهم كدين الصحّة مع دين المرض.
قوله: رحمه الله وَالنِّكَاحُ لَا يُلَاقِي حَقَّ الْغُرَمَاءِ بِالْإِبْطَالِ
(6)
إلى آخره جواب سؤال مقدّر وهو أن يقال النكاح يلاقي حق الغرماء بالإبطال مقصودًا فيجب أن لا تكون المرأة أسوة للغرماء بل يجب أن يدرأ بدين الغرماء أولاً كما لو قتل العبد رجلاً عمدًا فصالح المولى مع الولي على رقبته بدي بدين الغرماء.
وكذا لو خلع أمته المديونة المزوجة على رقبتها وزوجها عبد بدي يدين الغرماء.
فأجاب عنه بهذا وتفسيره هو أن النكاح لما صحّ بالدّليل وهو قيام ملك الرقبة والحاجة إلى التّحصين وبقاء العبد على الحريّة في حق صحّة النكاح ثبت ما هو من ضرورته التي هو غير منفك عنه وهو لزوم المهر عليه لأنّ النكاح في الأصل أينما ثبت لا يثبت بدون المال رجوعًا إلى قوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}
(7)
إذ الباء للإلصاق ولا وجود للملصق به بدون الملصق فكان بثبوت المال هنا ضمنًا لصحّة النكاح ضرورة فكان بمنزلة ثبوت المقتضى عند ثبوت المقتضى فيراعى شرائط المقتضى المنصوص لكونه مقصودًا لا شرائط المقتضى المدرج لأنّه غير مقصود وأمّا في تينك المسألتين فالعفو والخلع الذي أصله الطلاق ينفكان عن المال فكان إيجاب المال هناك مضافاً إلى المولى.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 216).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (1/ 216).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 127).
(4)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 273).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 509).
(7)
سورة النساء من الآية: 24.
بخلاف النكاح وإلى هذا المعنى أشار بقوله إلا إذا صحّ النكاح وجب الدّين بسبب لا مرد له إلى هذا أشار الإمام التمرتاشي-رحمه الله فشابه دين الاستهلاك أي [اذا]
(1)
استهلك العبد مال الغير وذلك الغير أسوة للغرماء ومن زوج أمته فليس عليه أن يبوئها، يقال: وبوَّأت للرجل منزلاً وبوّأته منزلاً بمعنى، أي هيأته ومكنت له فيه. كذا في الصّحاح
(2)
، وذكر الإمام التمرتاشي-رحمه الله التبوئه هي: أن يخلي بينها وبينه ولا يستخدمها وإن كانت تجيء وتخدم المولى بلا استخدامه فلها النفقة.
فإن قيل: ينبغي أن يجب على المولى التبوئة؛ لأنّ التبوئة من باب التّسليم والتّسليم واجب على المولى.
قلنا: التبوئة أمر زائد على التّسليم؛ لأنّ التسليم يتحقّق بدون التبوئه بأن يقال له متى ظفرت بها وطئتها فلا تجب عليه التبوئه وإذا بقي حقّه في الاستخدام وأنه أمر مستدام فقد ثبت للزوج حق الاستمتاع بالوطئ أيضاً لكن الحاجة إليه تقع أحيانًا فلا يجوز الإنتزاع من يد المولى لأجل حاجة تقع أحيانًا كذا في مبسوط
(3)
فخر الإسلام، ولو بوأها بيتاً.
ثم بدا له أن يستخدمها له ذلك ولم يذكر أنّه هل تسقط النّفقة بالاستخدام بعد وجوبها بالتبوئه أم لا ذكر الإمام المحبوبي-رحمه الله أنّها تسقط وإليه أشار في الكتاب بقوله لأنّ النّفقة تقابل الاحتباس وإنّما قلنا أنها تسقط لأنّ المولى أزال ما به كان تجب نفقتها عليه فكانت كالحرّ الناشزة.
فإن قيل: إنّما زال ذلك لحق له فإن حق المولى باق في استخدامها بعد التزوّج فينبغي أن لا تسقط النفقة كالحرّة إذا حبست نفسها لاستيفاء الصداق.
قلنا: الحرة إذا حبست نفسها لاستيفاء صداقها فالتّفويت إنّما جاء من قبل الزوج حين امتنع من إيفاء ما التزم وههنا التفويت ليس من جهة الزوج بل من جهة من له الحق وهو المولى لشغله إياها بخدمة نفسه فلهذا لم يكن لها النفقة كما في المحبوسة بالدّين فإنّه لا نفقة لها فكذلك ههنا ولو استخدمها الولى ثم أعادها إلى بيت الزّوج فلها النفقة كالحرة إذا هربت من زوجها ثم عادت إلى بيته وكالمحبوسة بالدّين إذا قضت الدّين وعادت إلى بيت زوجها فلها النّفقة.
وكذلك لو خرجت حاجة تسقط نفقتها فإذا عادت إلى بيت زوجها تكون لها النّفقة فإن جاءت الأمة بولد من الزّوج فلا نفقة عليه للولد لأنّ ولد الأب مملوك لمولاها فنفقته تكون على مالكه وإن كانت مكاتبة وقد بوأها معه أو لم يبوّئها فلها النفقة لأنّها في يد نفسها كالحرّة وليس لمولاها أن يستخدمها فصارت كالحرّة في استحقاق النّفقة على الزّوج إذا لم تكن ظالمة في حبس نفسها منه كذا ذكره الإمام المحبوبي-رحمه الله.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
يُنْظَر: الصحاح (1/ 37).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 192).
وعند الشّافعي رحمه الله
(1)
لا اختيار للعبد؛ لأن مايتناوله النكاح من العبد غير مملوك للمولى عليه فتصرفه فيما لا يملكه من عبده كتصرف الأجنبي.
ألا ترى أنّه لا يملك عليه الإقرار بالقصاص كالأجنبي ولا يملك أن يطلق امرأة العبد لأنّها غير مملوكة للمولى يوضحه أن تزويجه بغير رضاه لا يفيد مقصود النكاح لأنّ الطّلاق بيد العبد فيطلقا من ساعته.
لكنا نستدل بقوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}
(2)
وإباء عقد المولى شيء فلا يقدر العبد عليه ولأنّه مملوك على الإطلاق فيملك إنكاحه بغير رضاه كالأمة وهذا لأنّ في الأمة إنّما ينفذ عقد المولى [عليها]
(3)
بملكه رقبتها لا بملكه ما يملك بالنكاح فإن ولاية التّزويج لا يستدعي ملك ما يملك بالنكاح طردًا وعكساً وجودًا وعدمًا.
ألا ترى أنّ الولي تزوج الصّغيرة ولا يملك عليها ما يملك [العبد]
(4)
بالنكاح والزوج لا يزوّج امرأته وهو مالك عليها ما يملك بالنكاح وهذا موجود في جانب العبد بل أولى لأن في تزويج الأمة ينظر لنفسه وفي تزويج العبد ينظر للعبد وما قال أنه غير مملوك للمولى عليه فاسد لأنّ العبد لا يستبد بالنكاح بالاتفاق وما لا يملكه المولى من عبده فالعبد فيه يبقى على أصل الحرية فيستبد به وإن كان فيه ضرر المولى كالإقرار [بالقصاص وإيقاع الطّلاق على زوجته وقوله إنه يطلقها من ساعته فكان النكاح غير مفيد قلنا موجب النكاح الحلّ، وكذلك يحصل بالنكاح إلى أن يرتفع بالطّلاق، والظّاهر أن صحة المولى تمنعه من الطّلاق. كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
، وأمّا عدم ملكية طلاق امرأة عنده لما أنّ إزالة الحل لمن وقع له الحلّ فالحلّ واقع للعبد وكان الدفع له أيضاً لأنّهما التحق بالإحراز تصرفاً فيشترط رضاهما وعن هذا استخرجت المسألة اللطيفة وهي أنّ المولى إذا زوج مكاتبته الصّغيرة توقف النكاح على إجازتها لأنّها ملحقة بالبالغة فيما يبتنى على الكتابة ثم أنّها لو لم ترد حتّى أدت فعتقت بقي النكاح موقوفاً على إجازة المولى لا على إجازتها لأنّها بعد العتق لم يبق مكاتبة وهي صغيرة والصّغيرة ليست من أهل الإجازة وهذه من ألطف المسائل وأعجبها حيث اعتبر إجازة المكاتبة في حال رقبتها ولم يعتبر في حالة العتق لما ذكرنا من الفرق كذا ذكرها في الخلاصة محالة إلى المحيط لأن المقتول ميّت بأجله فصار كما إذا قتلها أجنبي أو قتلت الأمة نفسها أو قتلت الحرّة نفسها أو قتل المولى زوجها والدّليل على أنّ القتل موت ما لو خرجها المولى ثم أعتقها فاكتسبت مالاً ثم مات من تلك الجراحة فإن الزّوج يرثها ولو مات الزّوج قبلها ورثته أيضاً والتّوريث إنّما يكون عند انتهاء النكاح بالموت فتبين به أن النكاح بذلك لم ينفسخ وسقوط المهر من حكم انفساخ النكاح وله أنّه منع المبدل قبل التّسليم فيجازى بمنع البدل كما إذا ارتدت الحرة قبل الدخول أو قبلت ابن زوجها فإن قبل الصغيرة المنكوحة إذا ارتضعت من أم زوجها أو المجنونة إذا قبلت ابن زوجها بشهوة قبل الدخول حق ثانياً منه لا يسقط المهر وإن منعنا المبدل قبل التّسليم.
(1)
يُنْظَر: تكملة المجموع شرح المهذب (7/ 286).
(2)
سورة النحل من الآية: 75.
(3)
زيادة من (ب).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 114).
قلنا: أن منع البدل من مانع المعقود عليه وجب بطريق المجاراة لا بطريق الجبر لأن ملك النكاح لا يضمن بالإتلاف فيكون منع البدل أيضاً بطريق المجاراة تحقيق للمساواة الواجبة فعقد المعاوضة وهما ليستا من أهل [المجازاة] بخلاف المولى من أهل المجازاة.
ألا ترى أنّه يجب عليه الكفارة حتّى لو كان المولى صبياً يجب أن لا يسقط المهر عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله.
فإن قيل: أليس أنّ الصّغيرة العاقلة إذا ارتدت تجازى بسقوط المهر إن كان قبل الدخول بها فعند جعلت الصّغيرة من أهل المجاراة.
قلنا: إنها لا تجازى على أفعال لا تكون محظورة في حقّها والردة محظورة من الصبية العاقلة بدليل أنّها تحرم عن الميراث بسبب الردة وتسميات بالحبس ولأن القتل يحل في بعض المواضع والردّة لا تحلّ في موضع ما فلا يلزم من خطر الردة خطر القتل في حقها والقتل في حق أحكام الدنيا جعل إتلافاً هذا جواب عن قولهما بأن المقتول ميّت بأجله حتى وجب القصاص والدية والكفارة وحرمان الإرث فكذلك في حقّ المهر اعتبر فعله فجعل بيعًا للمبدل وإن كان المقتول ميتًا بأجله.
ألا ترى أن من ذبح شاة إنسان بغير أمره يكون ضامنًا له وباعتبار الموت هو محسن إلى صاحب الشاة فيما ضيغه لأنّه غير متلف عليه شيئاً حيث حلّ أكلها وعلى تقدير الموت لا يحلّ يوضحه أن المولى لو عيّب أمته لم يكن له أن يطالب الزّوج بصداقها مع ولايته فيه شرعياً فإذا أتلفها أولى أن لا يكون له أن يطالب بصداقها أمّا قوله كما إذا قتلها أجنبي قلنا هناك لم يوجد منع المبدل ممن له البدل بخلاف ما نحن فيه.
وكذلك إن قتلت هي نفسها لأن ذلك هدر في حق أحكام الدنيا فاعتبر موتًا.
وأما مسألة صرّح المولى قلنا إنما اعتبرناه موتًا في حق الزّوج لأن الزوج ليس بقاتل والقتل في حق غير القاتل موت هذا كله من الْمَبْسُوطِ
(1)
والفوائد الظهيريّة وجامع الإمام التمرتاشي.
فإن قلت: ما فائدة تخصيص الحرة في قوله كما إذا ارتدت الحرة وفي تحقيق الارتداد لا تتفاوت الحرة والأمة.
قلت: يتفاوتان في حكم الارتداد وإن لم يتفاوتا في تحققه فإنّ الحرّة إذا ارتدت قبل الدّخول بها يسقط المهر رواية واحدة من غير تردد فيه كما ذكر وأمّا إذا ارتدّت الأمة أو قبلت ابن زوجها فقد ذكر في الفوائد فلا رواية عن أصحابنا أن المهر يسقط أم لا من المشايخ من قال: لا يسقط لأنّ المنع ما جاء من قبل من له الحق وهو المولى حتى يجازى بمنع البدل ومنهم من يقول يسقط لأنّ المهر يجب لها ثمّ ينتقل إلى مولاها أو أفرغ عن حاجتها حتّى لو كان عليها دين يصرف المهر إلى دينها كذا ذكره شيخ الإسلام خلافاً لزفر رحمه الله وذكر في الْمَبْسُوطِ
(2)
.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 114).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 49).
خلاف الشّافعي
(1)
مقام خلاف زفر والجامع ما بيّناه وهو قوله أنّه منع المبدل قبل التّسليم.
قوله رحمه الله: حَتَّى تَجِبَ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ
(2)
؛ أي فيما إذا كان قبل المولى خطأ وكذلك يجب الضّمان على المولى إن كان عليها دين توضيحه أن بعد قبلها نفسها المهر لورثتها لأنّها ولم يوجد من جهة الورثة ما يكون تفويتًا للمعقود عليه وقد بيّنا أنّ القتل موت في حق غير القاتل ولأن قتل الحرّة نفسها لو اعتبر تفويتًا إنّما يعتبر بعد الموت وبالموت انتقل المهر إلى الورثة فلا يسقط بتفويتها.
أمّا في الأمّة مهرها ملك المولى فكان فعله بإبطال المبدل إبطالاً لحق نفسه وهو يملك إبطال حق نفسه هذا كمن قال لغيره اقتل عبدي فقتله لا تجب القيمة على القاتل.
والحرّ إذا قال لرجل اقتلني كان عليه ديته ولا يصح إذنه في إبطال حق الورثة كذلك ههنا.
فإن قيل: هذا يشكل بالحرّة إذا قتلها وارثها فإنّه لا يسقط المهر أيضاً.
قلنا: إنما لا يسقط المهر لأنّ الوارث صار محرومًا عن الميراث فلم يصر مبطلاً حق نفسه في المهر فلذلك لم يبطل المهر بإبطال حقّه في المهر كذا في الْمَبْسُوطِ
(3)
، والْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(4)
لِقَاضِي خَانْ وإذا تزوّج أمة فالإذن في العزل إلى المولى هذه المسألة يدلّ على جواز العزل خلافاً لما قاله بعض النّاس.
أمّا الجواز فلقوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(5)
. قال بعض المفسّرين إن شئتم عزل أو إن شئتم غير عزل. وذلك أنّ اليهود كانوا يكرهون العزل ويقولون هو الودّة الصّغرى فنزلت هذه الآية بالإباحة وعن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما أنّه سئل عن العزل فقال لا بأس به ولو أنّ الله تعالى أخذ ميثاق نسمة فلو القيتها في صخرة تخلق فيها
(6)
. وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي عليه السلام مثله ثمّ أجمعوا على أنّها لو كانت حرّة فالإذن في ذلك إليها ولو كانت مملوكة غير منكوحة لا إذن فيه إلى أحد وفي المنكوحة لو كانت أمة اختلفوا في تعيين الإذن كما ذكر في الكتاب وفي كراهية الفتاوى إن خاف من الولد السّوء يسعه أن يعزل عنها وإن كانت حرّة لسوء الزّمان.
(1)
يُنْظَر: المهذب (2/ 58).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 510).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 116).
(4)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 187).
(5)
سورة البقرة من الآية: 223.
(6)
رواه مسلم كتاب النكاح باب حكم العزل (2/ 1062) برقم (1438).
وكذا لو عالجت في إسقاط الولد لا يأثم ما لم يستبين شيء من خلقه فإن ذلك لا يكون ولدًا وخلقه إنّما يستبين في مائة وعشرين يومًا ثم إذا عزل بالإذن أو بغير الإذن فظهر بها حبل بعد ذلك هل تحلّ له ففي هذا الحبل قالوا هو على وجهين.
أمّا إن عاد إلى مباشرتها بعد العزل. أو لم يعد فإن لم يعد حلّ له ذلك وإن عاد فهو على وجهين: إن بال قبل العود حلّ له النّفي وإن لم يبل لا يحلّ لأنّ بقيّة المني يصل إلى رحمها فتعلق بذلك ولا يسعه نفيه هكذا روي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه
(1)
.
قال أبو حنيفة رحمه الله إن اغتسل الرّجل بعدما جامع امرأته قبل أن يبول ثمّ بال فخرج بقيّة المني أنّه يجب الغسل ثانياً ثم لم يذكر في الكتاب ان زوج الامه لو كان عنينا فحق الخصومه لمن يكون قالو فهو على هذا الاختلاف المذكور في العزل ولو قال لها بعد العده كنت راجعتك في العدّة فصدقه المولى وكذبته الأمة أو على العكس بأن كان صدقه الزّوج.
وكذبها المولى فالمعتبر قولها وقال القول قول المولى مع الزّوج لأنّ نصفها مملوك المولى فهو بتصديق الزّوج في الرّجعة أقر بالملك له فيما هو خالص حقّه فيصحّ إقراره وكما لو أقرّ عليها بالنكاح وأبو حنيفة رحمه الله يقول حكم الرجعة يبنى على العدة والمعتبر في بقاء العدّة وانقضائها قولها لا قول مولاها فكذلك فيما يبنى عليه وهو الرّجعة كذا ذكره الإمام المحبوبي والإمام التمرتاشي -رحمهما الله- وإذا تزوّجت بإذن مولاها ثم أعتقت فلها الخيار وكذلك إذا زوجها مولاها فلها الخيار إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته لما روت أنّ عائشة رضي الله عنها لما أعتقت بربوة قال لها رسول الله عليه السلام: «ملكت بضعك فاختاري» وكان زوجها مغيث يمشي خلفها ويبكي وهي تأباه فقال رسول الله عليه السلام لأصحابه: «أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ شِدَّةِ حُبِّهِ لَهَا، وَبُغْضِهَا لَهُ» ثم قال لها: «اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ زَوْجُك وَأَبُ وَلَدِك» فقال أتأمر لي يا رسول الله فقال: «لَا إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ» فقالت: إذاً لا حاجة بي إليه فاختارت نفسها»
(2)
.
والشّافعي
(3)
يخالفنا فيما إذا كان زوجها حراً واستدلّ الشّافعي بما روي أنّه كان لعائشة رضي الله عنها زوجان فأرادت عتقهما وسألت رسول الله عن ذلك فأمرها بالبداية بالغلام قال وإنّما أمرها بذلك كيلا يثبت لها الخيار ولكنّا نقول أمرها بذلك لإظهار فضيلة الرجال على النّساء فإنّها لو أعتقها معًا عنده لا يثبت الخيار أيضاً ومن طريق المعنى نقول الشّافع لما اعترض تحقّق المساواة بينهما فلا معنى لإثبات الخيار كالكتابة يجب مسلم إذا أسلمت أو المعسرة إذا سرت والزوح موسر بخلاف ما إذا كان الزّوج عبدًا فإن باعتراض وريثها هناك تنعدم الكفاءة ويظهر التفاوت ولكنّا نقول ثبوت الخيار لها ليس لانعدام الكفاءة فإنّ الكفاءة شرط لابتداء النكاح لا في البقاء.
(1)
يُنْظَر: المبسوط (1/ 67).
(2)
رواه البخاري كتاب الطلاق باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة (7/ 48) برقم (5283).
(3)
(قال الشَّافِعِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وإذا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فَإِنْ كانت تَحْتَ عَبْدٍ فَلَهَا الْخِيَارُ وَإِنْ كانت تَحْتَ حُرٍّ فَلَا خِيَارَ لها، يُنْظَر: الأم، باب الطلاق (7/ 157).
ألا ترى أنّه وإن أعسر الزّوج حتّى لم يبق كفوًا لها أو أصابت جاهاً وشرفاً لم يكن لها خيار.
ولكن ثبوت الخيار لزيادة ملك الزّوج عليها.
وفي هذا لا فرق عندنا بين أن يكون حراً أو عبدًا والرواة اختلفوا في زوج بريرة روي أنّه كان عبدًا وروي أنّه كان حرًّا وأصحابنا قالوا ما روي أنّه كان عبدًا أي عند أصل العقد ولكنّه كان حرًّا عند عتقها ولما تعارضت الرّوايات في صفة زوجها يجعل كأنّه لم ينقل في ذلك شيء وبيع الاعتماد على قول رسول الله عليه السلام: «مَلَكْتِ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي»
(1)
، وفي هذا التعليل لا فرق بين أن يكون الزوج حراً أو عبدًا كذا في الْمَبْسُوطِ
(2)
، ولأنّه يزداد الملك عليها عند العتق لأنّها كانت تتخلّص من زوجها قبل العتق بطلاقين فبعد الإعتاق لا يتخلّص منه إلا بثلاث تطليقات فزاد ملك الزّوج عليها بسبب الإعتاق بتطليقة ثم هي لا تملك دفع تلك الزّيادة إلا بدفع أصل النكاح فخيرها الشّرع لذلك في رفع أصل النكاح أو ابقائه على ما كان وتلك الزيادة نصف الملك عليها فلها أن ترد ولا يمكن ذلك إلا بردّ الأصل فملكت إذ الأصل كعبد بين الاثنين كائنة.
أحدهما فللآخر أن يرد الكل لأنّ له أن يرد نصيبه ولا يمكنه إلا يرد الكلّ ولهذا لو اختارت نفسها كان فسخًا لاطلاق كخيار البلوغ لأنّ سبب هذا الخيار معنى في جانبها وهو ملكها أمر نفسها وكل فرقة كانت بسبب من جهة المرأة لا يكون طلاقاً.
فإن قلت: هذا التعليل الذي ذكر في الكتاب هو أن ثبوت الخيار لها بسبب ازدياد الملك عليها عند العتق إلى آخره غير لازم على الشّافعي أصلاً وجودًا وعدماً أعني وجود كون زوجها حراً أو عدمه أمّا وجودًا فإنّه لا يرى الخيار لها عند الإعتاق إذا كان زوجها حرًا والكلام فيها ولا يرى ازدياد الملك عليها.
وأمّا عدماً فإنّه لا يزداد الملك عليها أيضاً إذا كان زوجها عبدًا وإن أعتقت لما قلنا أنّه يرى عدد الطّلاق معتبراً بحال الرجال على ما يجيء في كتاب الطّلاق إن شاء الله فالزّوج لما كان عبدًا لا يزداد طلاق امرأته عن ثنتين وإن كانت امرأته حرّة فكيف ما دارت القصّة لا يراد إلزام هذه النكتة عليه فما وجه إلزامه لهذه النكتة؟
قلت: هذا تعليل مسألة مبنية على مسألة أخرى بيننا وبين الشّافعي أعني أنّ مسألة خيار العتاقة فيما إذا كان زوجها حرًا مبنية على مسألة أخرى وهي أنّ اعتبار عود الطّلاق معتبر عندنا بحال المرأة وعنده معتبر بحال الرجال حتّى أن العبد إذا كان تحت حرة ملك الطّلقات الثلاث عندنا وعنده التطليقتين فلمّا كان كذلك جعل المصنف رحمه الله تلك المسألة التي عليها وهو اعتبار عدد الطّلاق بحال المرأة بمنزلة المتّفق عليها لقيام الدّليل على ذلك لأنّ]
(3)
الثّابت بالدّليل الظاهر كانت ثابت إجماعاً لقوّة الدّليل فعلى ذلك التّقدير يلزم ازدياد الملك عليها عند عتقها لا محالة وبهذا الذي قلته من دعوى البنا صرّح صاحب الأسرار والإيضاح فقال: في الأسرار بعد ذكر حديث بريرة رضي الله عنه: وأمّا المعنى فبناء على مسألة أخرى وهي أن ملك النكاح على الحرة عندنا على الضّعف من ملك الأمة فبالعتق يزداد عليها نصف الملك.
(1)
سبق تخريجه (ص 155).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 99).
(3)
ساقط من (ب): بمقدار لوح ونصف [307 ب و 308 أو 308 ب]، [بالقصاص وإيقاع
…
على ذلك لأنّ].
فإن قيل: هذا البناء لا يستقيم بل الخيار لها باعتبار أن المولى كان وليها وعند التّزويج وهو غير الأب والجدّ فإذا ملكت نفسها بالإعتاق اختارت نفسها كما إذا زوج الصّغيرة أخوها أو عمّها ثمّ بلغت فلها خيار البلوغ.
قلنا: المولى تصرف فيها بحكم أنّه مالك لا أنّه ولي عليها على سبيل النّيابة عنها.
ألا ترى أنّ المهر له لا لها والتصرف بمعنى الملك يقع لازمًا كذا ذكر السؤال.
والجواب في الأسرار وقال زفر-رحمه الله لا خيار لها لأن ثبوت الخيار في الأمة؛ ليعود العقد بغير رضاها؛ وسلامة المهر لمولاها، وهذا غير موجود ههنا فإنّ المهر لها، والنكاح ما نفذ إلا برضاها، فكان ابن أبي ليلى يقول: إن أعانها على أداء بدل الكتابة لا خيار لها وإن [لم]
(1)
يعنها فلها الخيار، ولكن الصّحيح الموافق لتعليل صاحب الشّرع ما بينا، ولو كانت حرّة في أصل العقد ثمّ صارت أمة ثم عتقت بأن ارتد رجل وامرأة ولحقا بدار الحرب معًا ثم سبيا معًا فأعتقت الأمة فلها الخيار عند أبي يوسف-رحمه الله، ولا خيار لها عند مُحَمَّد رحمه الله؛ لأنّ بأصل العقد ثبت عليها ملك كامل برضاها ثم انتقض الملك بعارض الرق فإذا اعتقت عاد الملك الى اصله كما كان فلا يثبت الخيار لها وأَبُو يُوسُف-رحمه الله يقول: بالعتق ملكت أمر نفسها، وازداد ملك الزّوج عليها، وذلك يثبت الخيار لها شرعًا، ولما صارت أمة حقيقة التحقت بالتي كانت أمة في الأصل في حكم النكاح، فيثبت لها الخيار بالعتق. كذا في الْمَبْسُوطِ
(2)
، وإن تزوّجت أمة بغير إذن مولاها ثمّ أعتقت صحّ النكاح.
والحكم في العبد كذلك فإنّ العبد إذا تزوّج حره بغير إذن مولاه ثمّ أعتقه المولى جاز النكاح وكذلك لو باعه فأجاز المشتري كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(3)
، وعلّل بهذه العلّة التي علّل بها في الأمة فبعد ذلك كان تخصيص الأمة في الكتاب جاز أن يكون لبناء المسألة التي تليها عليها وهي المسألة المتعلّقة بالمهر وهي إنّما تتأتى في حق الأمة لا غير وذكر في الفوائد الظهيريّة إنما خصّها بالأمة لتفريع مسألة الخيار والخيار يختصّ بالإماء دون العبيد.
ولكن ههنا ذكر مسألة الخيار قبل هذا وكان تخصيصها بالأمة لما قلت والله أعلم.
قوله: رحمه الله ثُمَّ أُعْتِقَتْ: صَحَّ النِّكَاحُ
(4)
؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ
(5)
.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 100).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 126).
(4)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 65).
(5)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 511).
فإن قلت: يشكل هذا بالشّرى فإنّها إذا اشترت ثمّ أعتقها المولى فإنّ الشّرى يبطل.
قلت: إنّما كان كذلك لأن الشّرى إنعقد موجباً للملك حين اشترت فلو نفذ بعد عتقها كان موجباً للملك لها فيتغير حكم من له الحق وأمّا ههنا فانعقد موجباً الحلّ لها ابتداء وانتهاء.
قوله: رحمه الله وَامْتِنَاعُ النُّفُوذِ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ
(1)
.
فإن قيل: يرد على هذا الأصل من النقوص منها أن العبد إذا تزوّج بغير إذن مولاه ثم أذن له المولى في النكاح لا يجوز النكاح المباشر بدون الإجازة.
ومنها: أنّ الفضولي إذا زوّج رجلاً امرأة [ثم وكله الزّوج]
(2)
بالنكاح لا يجوز النكاح [المباشر]
(3)
بدون الإجازة.
ومنها: أنّ الصّغيرة إذا كان لها وليّان أحدهما أقرب والآخر أبعد [فزوجها الأبعد]
(4)
حال قيام الأقرب فإن مات أو غاب غيبة منقطعة حتى تحولت الولاية إلى الأبعد لا يجوز إلا بإجازة مستأنفة.
ومنها: أنّ المولى إذا زوج مكاتبة الصّغيرة من إنسان توقف النكاح على إجازتها فإن أدت فعتقت لا يجوز ذلك النكاح إلا بإجازة مستقبلة.
قلنا أمّا الجواب عن الأوّل فإن الإذن فكّ الحجر عن التصرف، ولو جاز النكاح المباشر قبل الإذن لا يقع الإذن فكاً فيمتنع الجواز، وقضيته هذا أن لا يجوز بإجازة مستقبلة قياساً إلا أنّا اسْتَحْسَنَّا، وقلنا بالجواز عند الإجازة لقيام الإجازة مقام النّكاح كما في نكاح الفضولي، وهكذا نقول في التوكيل.
وأمّا الجواب عن الثّالث فإن الأبعد حين باشره لم يكن ولياً ومن لم يكن وليًا في شيء لا يتأنّى في عواقبه بل يتوانى في ذلك اتكالاً على رأي الأقرب فلم يكن النكاح على الوجه الأصلح فيجب توقيفه على إجازته بعد صيرورته ولياً تمكيناً له من اكتساب أصلح النكاحين وبهذا الحرف يقع الانفصال عن النقص الرّابع كذا في الفوائد الظهيريّة
(5)
، ولا خيار لها لأنّ النفوذ بعد العتق وخيار العتق إنّما شرع في نكاح نافذ قبل العتق لدفع زيادة ملك ثبت بعد العتق والنكاح هنا نفذ بعد العتق.
قوله: رحمه الله فَإِن كَانَت تزوجت بِغَيْر إِذْنه على ألف وَمهر مثلهَا مائَة فَدخل بهَا زَوجهَا
(6)
إلى آخره فالمسمّى بمنزلة الثمن ومهر المثل بمنزلة القيمة ثم إنّما قيّد في صورة المسألة بأنّ المسمّى ألف ومهر المثل مائة ليعلم أن المسمّى وإن زاد على مهر المثل فهو للمولى إذا كان الدّخول قبل العتق وكان ينبغي أن يكون ما توازى مهر المثل للمولى وما زاد فللمرأة لما أن مهر المثل قيمة البضع من كل وجه دون الزائد عليه والبضع ملك الولى فكان قيمته له لا الزّايد على قيمة ملكه وجوابه ما ذكر في الكتاب لأنّ نفاذ العقد بالعتق استند إلى وقت وجود العقد.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 512).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
يُنْظَر: شرح فتح القدير (3/ 404).
(6)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 65).
فإن قيل: كيف يستند الجواز إلى العقد والمانع من الاستناد قائم لأنّ الملك مانع من الجواز وبالعتق يزول الملك مقصوراً عليه فيمتنع الاستناد باعتبار هذا المانع والدّليل على صحّة هذا ما إذا حرمت هذه الأمة حرمة غليظة على زوج كان لها قبل ذلك والمسألة بحالها لا تحلّ على زوجها الأوّل باعتبار أنّ العقد غير معتبر في حق هذا الدّخول الذي كان قبل العتق.
قلنا: ما ذكرته قياس فإنّ القياس هو أن يلزمه مهران مهر بدخول قبل نفاذ النكاح وذلك مهر المثل ومهر بالنكاح وهو المسمّى.
وفي الاستحسان يلزمه مهر واحد وهو المسمّى وقت العقد لأنّه لو وجب مهر بالدّخول لوجب بحكم العقد إذ لولاه لوجب الحد وكان المهر واجباً فالدّخول مضاف إلى العقد فإيجاب مهر آخر بالعقد جمع بين المهرين بعقد واحد وذلك ممتنع يوضحه أنّ العبد إذا تزوّج امرأة بغير إذن المولى ودخل بها يجب المهر ويؤخذ به بعد العتق.
ولو كان المهر واجباً بالدّخول لا غير وجب أن يؤخذ به في الحال لأنّ العبد المحجور مؤاخذ بضمان الفعل في الحال دون ضمان القول وإذا كان كذلك فقد أمكن القول بالاستناد ولأنّ المقتضى لجواز النكاح موجود وهو صدور الركن من أهله مضافاً إلى محلّه وامتناع الجواز للحاجة إلى التصوّف عن الإضرار بالمولى [فمتى أعتقه المولى فقد خلا هذا النكاح عن الإضرار بالمولى]
(1)
من وقت وجوده فيثبت الجواز من وقت وجوده عملاً بالمقتضي.
ونظير هذا ما قالوا في الإجارات العبد المحجور عليه إذا آجر نفسه في عمل من الأعمال يوقف جوازه إلى إجازة المولى ثمّ لما سلم من العمل [لا]
(2)
يجوز العقد ويجب المسمّى فكذا هنا وامتناع حلّها على زوجها الأوّل إنّما كان لأن الاستناد يظهر في القايم لا في المتلاشي والمستوفي بالوطئ متلاش.
ولهذا قلنا أنّ الواهب إذا وهب جارية ووطئها الموهوب له مراراً.
ثم ارتجعها الواهب لا يجب العُقْر
(3)
على الموهوب له وإن كان الرّجوع في الهبة فسخاً لها من الأصل لما عرف في زكاة الجامع
(4)
.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
العُقر: الْمهْر. عُقر الْمَرْأَة: مَهرها، وَجمعه أَعقار، وَقَالَ ابْن المظفَّر: عُقر الْمَرْأَة: دِيَة فرجهَا إِذا غُصِبت فَرجَها.
الْمَرْأَةُ تَعْقُرُ بِالضَّمِّ (عُقْرًا) بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ صَارَتْ عَاقِرًا؛ أي لا تحبل. ورجل عاقِر: أي لا يولد له.
يُنْظَر: تهذيب اللغة (1/ 149)، مختار الصحاح (1/ 214).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (6/ 249).
فإن قيل: دعوى الاستناد تنتقص بالمسألة الثّانية وهي قوله وإن لم يدخل بها حتّى أعتقها فالمهر لها ولو أسند الجواز إلى أصل العقد يجب أن يكون المهر للمولى كما لو تزوجت بإذن المولى ولم يدخل بها الزّوج حتّى أعتقها.
قلنا: إن حكم الاستناد يظهر فيما لا يختلف مستحقّة لا فيما يختلف وههنا يختلف لأن المستحق زمان الثبوت هو الأمة وزمان العقد هو المولى ولما كان المستحق زمان الثبوت هو الأمة امتنع استناد هذا الاستحقاق إلى زمان العقد لأنه لو استند هذا الاستحقاق إلى زمان العقد يبطل هذا الاستحقاق زمان الثبوت فيبطل الاستناد من حيث يثبت كذا في الفوائد الظهيريّة.
وذكر في مبسوط
(1)
فخر الإسلام رحمه الله هذا السؤال فقال فإن قالوا حكم النفاذ لا يظهر في المستوفى لأنّه معدوم والاستناد إنما يظهر في الموجود لا في المعدوم.
قلنا: بل يظهر هنا؛ لأنّ المستوفى له حكم الأعيان عندنا أو يقال أظهرنا حكم الإذن في البضع وهو موجود وما ورد الاستيفاء إلا في بضع واحد فيجب عليه بدل واحد.
فإن قلت: يشكل على ما ذكر في جواب الاستحسان مسألة من قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق فتزوّجها ودخل بها طلقت وعليه نصف المسمّى بالطّلاق قبل الدّخول بحكم العقد ومهر بالدّخول بعد الطّلاق بالحنث.
قلت: كمال المهر هناك إنّما وجب بسبب سقوط الحدّ باعتبار الشّبهة ونصف المهر بسبب العقد بالحنث في يمينه فلمّا اختلف السببان قلنا يجب مهر ونصف مهر يحتال كل واحد من السببين.
بخلاف ما [يجب]
(2)
فيه فإنّه لو وجب المهران هنا لكان الوجوب مستندًا إلى عقد النكاح وإلا وجب الحدّ والعقد الواحد لا يوجب مهرين إلى هذا أشار الإمام المحبوبي-رحمه الله ووجهه أن له يملك مال أبنه للحاجة إلى البقاء لأنّ الشّرع أضاف مال الولد إلى الأب بقوله عليه السلام: «أَنْتَ، وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»
(3)
كبيراً كان الابن أو صغيراً أو جارية ابنه من ماله وكان للأب أن يستولدها ويثبت نسب هذا الولد إذا ادّعاه الأب صدّقه الابن في ذلك أم كذبه لأنّ في إثبات نسب الولد منه إبقاه معنى والشّرع أثبت له ولاية الانفاق على نفسه من مال ولده بغير شيء لحاجته إلى إبقاء نفسه حاجته أصلية فلا يوجب عليه العوض وحاجته إلى إبقاء نسله دون ذلك فيكون معتبراً به في أصل التملك فلذلك كان متملكًا الجارية مقابلاً بالقيمة سابقاً على الاستيلاد وباعتبار صلاحية التملّك.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 76 - 78).
(2)
وفي (ب): (نحن).
(3)
رواه أحمد برقم (6902)(11/ 503)، ابن ماجه في كتاب التجارات باب ما للرجل من مال ولده برقم (2291، 2292)، وصححه الألباني في الإرواء برقم (838)(3/ 323).
قلنا: لو وطئ جارية ابنه وقال علمت أنها علي حرام لا يحد.
بخلاف الابن أو نقول أن حاجته إلى تملك الجارية ليست بكاملة لأنّها غير ضرورية.
ألا ترى أن الابن لا يجبر على أن يعطي أباه جارية ليستولد ولا يحلّ للأب أن يطأها راغباً في استيلادها فلقيام الحاجة أثبتنا له التملك ولعدم الضّرورة أوجبنا القيمة صيانة لمال الولد.
ثم هذا الملك يثبت قبيل الاستيلاد شرطًا له أي شرطًا للاستيلاد بيان هذا هو أنا أجمعنا من غير خلاف بيننا وبين زفر والشّافعي-رحمهما الله-
(1)
أن استيلاد الأب جارية [الابن]
(2)
صحيح حتّى يثبت النّسب إذا ادّعاه بالإجماع وتصير الجارية أم ولد له والاستيلاد لا يصحّ إلا في الملك كما في جاريته ألقنّه أو في حق الملك كما في مكاتبته والجارية المشتركة بينه وبين أخر وذلك لأنّ النّسب لا يثبت إلا بالفراش لقوله عليه السلام: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ»
(3)
أي لصاحب الفراش [والمرء إنّما يصير صاحب الفراش]
(4)
بملك اليمين أو بملك النكاح وليس ههنا ملك النكاح والكلام فيه مكان الثّابت ملك اليمين وليس للأب ملك في مال ولده قبل الوطئ فيثبت الملك مقتضى الاستيلاد سابقاً عليه شرطًا لصحّته وهذا لأنّا أجمعنا على ثبوت الملك للأب في جارية الابن فبعد ذلك وقع الاختلاف بيننا وبين الشّافعي
(5)
في تاريخ الملك فعنده يثبت الملك بصفة التأخر وعندنا يثبت بصفه التقدّم [والقول بالتقدّم]
(6)
أولى صيانة لفعله عن الحرمة وصيانة للولد عن الرّق فلما لاقى وطئه ملكه بهذا الطّريق لم يجب العقر.
فإن قيل: فمن العجب أنّ الجارية إذا كانت مشتركة بين الأب والابن وولدت فأدعاه الأب يثبت النّسب فيجب العقر إجماعاً مع نوع ملك له ولا يجب فيما نحن فيه مع أنّه لا ملك للأب فيها أصلاً ووجوب العقر في تلك المسألة يدل على أن الملك لم يثبت سابق على الوطئ كما قال زفر والشّافعي-رحمهما الله- فلما لم يثبت الملك هناك لم يثبت هنا بالطّريق الأولى وكذلك أنّ الأب إذا وطئها وطئاً غير معلّق يجب العقر وكذلك إذا وطئ جارية ابنه ثم قذفه إنسان لا يحدّ ولو كان الملك نائباً بوصف التقدم لما وجب العقر في المسألتين ولوجب الحدّ في المسألة الثالثة.
(1)
وفي (ب): (نحن).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
رواه البخاري كتاب الفرائض باب الولد للفراش حرة كانت أو أمة (8/ 153) برقم (6749)، مسلم كتاب الرضاع باب الولد للفراش وتوقي الشبهات (2/ 1080) برقم (1457). بلفظ «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ» .
(4)
ساقط من (ب).
(5)
يُنْظَر: الوسيط (5/ 187)، روضة الطالبين (7/ 213).
(6)
ساقط من (ب).
قلنا: أمّا الفرق بين هذه المسألة وبين المسألة الأولى فهو أن الحاجة إلى إثبات الملك بوصف التقدم ههنا أمسّ لأن الملك لو لم يثبت بهذا الوصف لكان الوطئ مصادفاً للمحل الخالي عن أحد الملكين وفيما إذا كانت مشتركة بينهما لم يصادف الوطئ المحلّ الخالي عن أحد الملكين لاشتماله على أحد الملكين وأمّا المسألة الثّانية فلا ترد نقضاً لأن الملك غير ثابت فيها لا بوصف التقدّم ولا بوصف التأخّر فلا يستويان في الحاجة إلى إثبات الملك لما أنّ إثبات الملك بصفة التقدم كان لصيانة فعله عن الحرمة وصيانة الولد عن الرّق وهذا المجموع لا يتأتى ههنا.
[وأمّا المسألة الثّالثة فلأن الملك بوصف التقدم كان زايد لصيانة فعل عن الحرمة وصيانة الولد عن الرّق وهذا المجموع لا يتأتى ههنا]
(1)
.
وأمّا المسألة الثّالثة فلأن الملك بوصف التقدم مجتهد فيه فيكون الوطئ حراماً عند البعض فيتمكن فيه شبهة وبالشّبهة تدرء الحدود إلى هذا أشار في الفوائد والجامع المحبوبي-رحمه الله. قوله: رحمه الله ثُمَّ هَذَا الْمِلْكُ يَثْبُتُ قُبَيْلَ الِاسْتِيلَاءِ شَرْطًا لَهُ
(2)
أي لتصحيح الاستيلاد.
فإن قلت: ليس له نظير في الشّرع لما أن الملك للأب يثبت بسبب العلوق لما مرّ أنّ الملك لا يثبت في الوطئ الذي لا علوق فيه فكان الملك حكمًا للعلوق لا محالة وحكم الشّيء إن لم يتعقبه على ما هو الأصحّ من المذهب فلا يسبقه فكيف سبق ههنا والقول بتقدم الحكم قول بما لا نظير له في الشّرع.
قلت: بل له نظير لكن لا على تقدم الحكم على السّبب وهو جميع مسائل المقتضى كما في قوله اعتق عبدك عني بألف درهم على ما يجيء فيثبت التّمليك سابق على الإعتاق لأنّ التّمليك شرط لصحّة الإعتاق عن الآمر والكلام في الحقيقة بيننا وبين الخصم راجع إلى أن ثبوت الملك للأب شرط للاستيلاد أو حكم له.
قلنا: أنّه شرط استدلالاً بدلالة الإجماع فإنّ الإجماع ينعقد بيننا وبين الخصوم أن استيلاد الأب صحيح في جارية الولد ومن شرط صحّة الاستيلاد وقوع الوطئ في الملك حتّى إذا خلا عن الملك أصلاً لا يثبت الاستيلاد كما في جارية الأجنبي فلما ثبت كونه شرطًا ثبت متقدمًا لأنّ الشروط أبدًا تتقدم على الحكم وكان هذا نظير ما قلنا في السّرقة في انتقال العصمة فإنا نقول انتقلت العصمة من العبد إلى الله تعالى قبيل السرقة استدلالاً بقوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}
(3)
ليكون جزاء الله بالقطع على مقابلة جناية وقعت في عصمة الله تعالى على الخلوص لما عرف. وأمّا قوله إن الملك لا يثبت في الوطئ الذي لا علوق فيه فلما قلنا أن إثبات الملك للأب لضرورته ثبوت نسبه لبقاء نسله وفيما لا علوق فيه لا ضرورة فلا يثبت الملك شرطًا ولا حكمًا لأنّ الثّابت بالضّرورة يتقدّر بقدر الضّرورة.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 512).
(3)
سورة المائدة من الآية: 38.
قوله: رحمه الله حَتَّى يَجُوزَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا
(1)
أي يجوز للأب التزوّج بجارية الابن هذا نتيجة عدم حقيقة الملك [وعدم حق الملك]
(2)
إذ لو كان واحد منهما لا يجوز التزوّج كما في مملوكته ومكاتبته على ما قلنا وهذا الحكم أعني جواز التزوّج للأب مذهبنا فصار كأنّه قال أنّ للأب حق التمليك لقوله عليه السلام: «أَنْتَ، وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»
(3)
لا حق الملك ولا حقيقته عندنا والدّليل على أنّ المذهب هذا عندنا جواز حلّ التزوّج.
ولكن لم يذكر دليل عدم حقيقة الملك وحقه لظهوره إذ الفائز بالحكم هو الفائز بالسّبب والفائز بالسّبب هو الابن لا الاب.
فكذلك كان هو فائزًا بالحكم حتّى حلّ للابن وطئها ثم ذكر الإمام المحبوبي رحمه الله حرمة الوطئ أي وطئ جارية ولده فقال هو قول أكثر العلماء.
وقال ابن أبي ليلى-رحمه الله: لا بأس للرّجل أن يطأ جارية ابنه إذا احتاج إليه وهو مذهب أنس بن مالك رضي الله عنه ولكن الصّحيح قول الأكثر [لما]
(4)
قلنا.
وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله هذا إذا كان الأب حرًا مسلمًا أمّا إذا كان عبدًا أو مكاتباً أو كافراً لم يجز دعوته لعدم الولاية والجدّ كالأب عند عدمه فأمّا أبو الأم فلا؛ لأنّه لا ولاية له بحال؛ لأنّه صحّ التّزويج عندنا خلافاً للشّافعي
(5)
[فوجه]
(6)
.
قوله: رحمه الله أن للأب حق الملك في مال ولده حتّى لو وطئ جارية ابنه مع علمه بحرمتها لا يلزمه الحد فلا يجوز له أن يتزوّجها كالمولى إذا تزوّج الأمة من كسب مكاتبة لأنّ حق الملك في مال ولده أظهر
(7)
.
ألا ترى أن استيلاده في جارية الابن صحيح واستيلاد المولى أمة مكاتبة لا يصحّ ولكنّا نقول ليس له في جارية ولده ملك ولا حق ملك فيجوز [له]
(8)
أن يتزوّجها كأمة لابنه وأخيه وإنّما قلنا ذلك لأنّه [لا]
(9)
يحلّ للابن أن يطأ جاريته بالاتفاق ولو كان لأبنه فيها حق ملك لم يحلّ له وطئها كالمكاتب فإنّه لا يحلّ له أن يطأ أمته لما كان للمولى فيها حق الملك فأمّا سقوط الحدّ فليس لقيام حق الملك له في الجارية ولكن لظاهر الإضافة في قوله عليه السلام: «أَنْتَ، وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»
(10)
، وهذا الظّاهر وإن لم يكن معمولاً به في إيجاب ملك أو حق ملك له فيها يصير شبهة في إسقاط الحدّ كالبيع بشرط الخيار لا يوجب الملك ولا حق الملك للمشتري ثم يسقط الحدّ به وكذلك العقد الفاسد من نكاح أو بيع قبل القبض ولا تصير أم ولده وهذا عندنا وقال زفر رحمه الله تصير أمّ ولد له.
(1)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 512).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
سبق تحريجه (ص 267).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
يُنْظَر: روضة الطالبين (7/ 213).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 223).
(8)
زيادة من (ب).
(9)
ساقط من (ب).
(10)
سبق تحريجه (ص 267).
وكذلك لو استولدها بنكاح فاسد ووطئ بشبهة لا تصير أمّ ولد له خلافاً لزفر رحمه الله.
وحجّته أنّه لو استولدها بفجور صارت أمّ ولد له فإذا استولدها بنكاح أو شبهة نكاح أولى أن تصير أم ولد له ولكنّا نقول إذا استولدها بغير شبهة يصير متملّكًا لها لحاجته إلى ذلك كيلا يضيع ماءه فإن إثبات النّسب منه غير ممكن بدون التملك لأنّه ليس له فيها ملك ولا حق ملك وإذا تملكها سابقاً على الاستيلاد كان استيلاده في ملك نفسه فلهذا صارت أمّ ولد له وههنا [هو]
(1)
غير محتاج إلى تملكها لإثبات النّسب بل النكاح أو شبهة النكاح تكفي لذلك فلم يصر متملّكًا فلهذا لا تصير أم ولد له كذا في الْمَبْسُوطِ
(2)
، وكذا يملك من التصرّفات ما لا يبقى معها ملك الأب كالبيع والهبة.
قوله: رحمه الله لِصِحَّةِ الْعِتْقِ عَنْهُ
(3)
أي عن الآمر فيصير قوله: أَعْتِقْ طَلَبُ التَّمْلِيكِ مِنْهُ
(4)
أي من المولى بقوله منه صلة طلب لا التمليك طلب التّمليك منه بالألف ثم أمره بإعتاق عبد الآمر عنه فقوله طلب التمليك منه ثم أمره كلاهما على لفظ المصدر المضاف لا على لفظ الماضي [فوجه]
(5)
قوله رحمه الله: - قولنا لأن إيجاب الحكم الشّرعي يتضمن تقديم مقتضاه تصحيحًا له كرجل يقول لامرأة وقد دخل بها اعتدّى إذا نوى الطّلاق صحّ لأنّه لا صحّة لاعتدادها إلا بتقديمه فوجب تقديمه.
فإن قلت: إذا صرّح المقتضى وهو التمليك لا يصحّ العتق من الآمر بل يقع عن المأمور ذكره في التقويم فلا يكون مقتضاه أقوى من تصريحه.
قلت: كم من شيء يثبت ضمنًا ولا يثبت قصدًا كبيع الأجنة في أرحام الأمّهات فإنه يثبت ضمنًا وإن كان لا يثبت قصدًا وكذلك الحكم في جنين الأضحيّة.
والجندي يصير مقيمًا بإقامة السلطان في المصر وإن كان الجندي في المفازة وإذا ثبت الملك فسد النكاح للتنافي على ما مرّ.
فإن قيل: وجب أن لا يبطل النكاح ههنا وإن ثبت ملك اليمين لوجهين: أحدهما أن الملك ثابت هنا بطريق الاقتضاء والحكم الثّابت بطريق الاقتضاء ثابت بطريق الضّرورة لأنّه لا عموم للمقتضى فاثبتنا التمليك ضرورة صحّة العتق فلا يثبت الملك فيما وراء صحّة العتق وفساد النكاح ما وراء العتق فيجب أن يجعل الملك عدمًا في حقّه وألا يلزم تعميم المقتضى وعن هذا قلنا لا يصحّ نية الثّلاث في قوله اعتدي وفي قوله أنت طالق لما عرف والثاني أن الملك ههنا كما يثبت يزول حكمًا للإعتاق ومثل هذا الملك لا يفسد النكاح كالوكيل إذا اشترى منكوحته لا يفسد النكاح لأنّ الملك كما يثبت يزول قلنا نعم أن المقتضى لا عموم له وأن فساد النكاح أمر وراء العتق ولكن من ضروراته ولوازمه فإنّه أينما ثبت الملك ثبت فساد النكاح فلا يكون هذا من تعميم المقتضى بل [هو]
(6)
من قبيل إثبات المقتضى بلوازمه والمقتضى إذا ثبت ثبت ما هو من لوازمه.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 123).
(3)
يُنْظَر: الهداية (2/ 513).
(4)
يُنْظَر: الهداية (2/ 513).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
زيادة من (ب).
ألا ترى أن من قال لصغير له أم معروفة هذا ولدي ثم جاء أمّة بعد موت المدّعي وصدقته وادّعت ميراثها منه بالنكاح فإنّه يقضي لها بالميراث ولاشك أنّ ثبوت النكاح ههنا لضرورة ثبوت النّسب منه مقتضى ثم ظهر أثر ذلك النكاح في استحقاق الميراث والميراث أمر وراء صحّة النسب.
ولكن من حيث الظاهر أنّ النكاح أينما ثبت ثبت موجباً للميراث مع أن النكاح متصور في الجملة أن لا يكون موجباً للإرث كما إذا تزوّج المسلم كتابيّة فلأن يثبت فساد النكاح ههنا لما أنّه لم يوجد الملك غير مفسد للنكاح في صورة ما بالطّريق الأولى.
وأمّا الجواب عن الثّاني ففيه منع وتسليم أمّا المنع فهو أنّه لا نسلّم أنّ الملك يثبت للوكيل ثم يثبت للموكّل فإنّ المشايخ اختلفوا فيه والأصحّ أنّه يثبت للموكل ابتداء وهو اختيار شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وأبي طاهر الدبّاس
(1)
-رحمهما الله- كذا ذكره في وكالة التتمة.
فحينئذ لا يتجه علينا نقضًا وأمّا التّسليم فهو أنّا سلّمنا أنّه يثبت الملك للوكيل أولاً ثم ينتقل إلى الموكّل ولكن الفرق بينهما هو أن الملك متى ثبت في المحل على هذا الوجه إن تعلّق به حق غيره زمان الثبوت لا يفسد به النكاح وإن لم يتعلّق به حق غيره يفسد وفيما نحن فيه لم يتعلّق به حق غيره وفي شرى الوكيل منكوحته قد تعلّق به حق غيره وهو الموكّل فلا يفسد به النكاح بعض هذا مذكور في (الفوائد الظهيريّة) لأنّه تقدم التّمليك بغير عوض لأنّه لما جاز سقوط القبول وهو الركن في المسألة الأولى فلأن يسقط القبض وهو شرط تمام الهبة في هذه المسألة أولى لما أن مرتبة الشّرط دون مرتبة الرّكن كما إذا كان عليه كفارة ظهار فأمر غيره أن يطعم عنه بأن قال لآخر اطعم عني عن كفارة يميني عشرة مساكين بعشرة دراهم فأطعم عنه تسقط عنه الكفارة ولا يفصل بين ما إذا كان الطّلب بعوض أو بغير عوض لما أن كلام العاقل يجب تصحيحه ما أمكن وقد أمكن تصحيحه ههنا بأن يتضمن إعتاقه عنها ثبوت الملك سابقاً عليه كما إذا كان يبدل كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(2)
لأبي اليسر
(3)
رحمه الله[قوله]
(4)
: لأنّه فعل حسي أي لما كان فعلاً حسيًّا لا يتضمّنه القول أي لا يمكن أن يقال أنّ الإعتاق يتضمن القبض لأن هذا قول والقول لا يتضمّن الفعل أمّا الفعل يتضمّن القول إلا أن قول أبي يوسف رحمه الله أظهر كذا في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(5)
لأبي اليسر وفي تلك المسألة الفقير ينوب عن الآمر في القبض كالفقير في باب الزكاة ينوب قبضه عن الله تعالى ثم يصير قابضاً لنفسه أمّا العبد فلا يقع في يده شيء لأن الإعتاق إتلاف للملك.
(1)
أبو طاهر الدبّاس: هو مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سفيان أبو طاهر الدباس. كان إمام أهل الرأى بالعراق وكان من أهل السنة والجماعة وكان من أقران عبدالله الكرخى كان يوصف بالحفظ ومعرفة الروايات.
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 117)، تاج التراجم (1/ 336).
(2)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 223).
(3)
أبو اليسر: هو مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبدالكريم، أَبو اليسر، صدر الإسلام الْبَزْدَوِيّ: فقيه بخاريّ، ولي القضاء بسمرقند. انتهت إليه رياسة الحنفية في ما وراء النهر. ولد سنة (421 هـ)، ومات سنة (493 هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 270)، الأعلام (7/ 22).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 223).
وأما دعوى انحطاط درجة الشرط عن درجة الركن فمسلم.
ولكن دليل السّقوط إنّما يعمل في محلّه ولا يعمل في غير محلّه فجاز أن يكون الشّرط وإن كان أدون من الركن ممّا لا يحتمل السقوط كالطّهارة والنية في باب الصّلاة حيث لا تسقطان بحال والقراءة تسقط بالاقتداء والقيام يسقط بالعذر وهما ركنان
(1)
. والله أعلم.
باب نكاح أهل الشرك
لما ذكر باب الرّقيق للمناسبة التي ذكرنا ذكر من هو أدون منزلة وأخس رتبة منهم وهم أهل الشرك الذين لا كتاب لهم قوله: رحمه الله لأنّه لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحُكَّامِ
(2)
أي والمرافعة فإن أحدهما [كان]
(3)
عنده للتعرّض في الوجه الأوّل أي التزوج بغير شهود.
وفي الوجه الثّاني أي التزوج في عدة الكافر.
وقال زفر رحمه الله لا يتعرض لهم في ذلك إلا أن يسلموا أو يرافعوا فحينئذ يفرق القاضي بينهم لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}
(4)
، ولأنّهم بعقد الذمّة صاروا من أهل دارنا والتزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات فيثبت في حقّهم ما يثبت في حقّنا.
ألا ترى أن حرمة الربا بالله في حقّهم بهذا الطّريق فكذا حرمة النكاح بغير شهود ولكنا نعرض عنهم لمكان عقد الذمة لا لأنا نقرهم على ذلك كما نتركهم وعبادة النّار والأوثان على سبيل الإعراض لا على سبيل التقرير والحكم بصحة ما يفعلون بل ليصير الخطاب قاصراً عنهم في أحكام الدنيا استدراجاً بهم ومكراً عليهم وتركًا لهم على جهلهم وتمهيدا لعقاب الآخرة والخلود في النّار وتحقيقاً لقول النبي عليه السلام: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»
(5)
، ولا نعرض عنهم في عقد الربا؛ لأنّ ذلك مستثنى من عقد الذمّة قال عليه السلام:«إلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَهْدٌ»
(6)
، وحجّتنا في ذلك أنّ الإشهاد على النكاح من حقّ الشّرع، وهم لا يخاطبون بحقوق الشّرع بما هو أهم من هذا إلى آخره كذا في (الْمَبْسُوطِ)
(7)
و أصول الفقه لفخر الإسلام
(8)
رحمه الله.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (1/ 217).
(2)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 515).
(3)
وفي (ب): (كاف).
(4)
سورة المائدة من الآية: 49.
(5)
رواه مسلم في كتاب الفتن واشراط الساعة باب الزهد والرقائق (4/ 2272) برقم (2956).
(6)
رواه ابن أبي شيبة (7/ 426) بلفظ: «أن من بايع منكم بالربا فلا ذمة له» . قال صاحب نصب الراية: غَرِيب، وقال ابن حجر: لم أَجِدهُ بِهَذَا اللَّفْظ.
يُنْظَر: نصب الراية (3/ 203)، الدراية (2/ 64).
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 38).
(8)
سبق ترجمته (ص 99).
وأمّا قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}
(1)
قلنا إن ممّا أنزل الله أن لا يلزم حكم الخطاب إلا بعد البلوغ والخطاب في حقّهم كأنّه غير نازل فإنّهم يكذبون المبلغ، ويزعمون أنه لم يكن رسولاً، وقد انقطعت ولاية الإلزام بالسّيف وبالمحاجة؛ لمكان عقد الذمة فصار حكم الخطاب قاصراً عنهم، وشيوع الخطاب إنّما يعتبر في حق من يعتقد كون المبلغ رسولاً فإذا اعتقدوا ذلك بأن أسلموا ثبت حكم الخطاب في حقّهم كذا في الأسرار والْمَبْسُوطِ
(2)
، وحرمة النكاح بغير شهود مختلف فيه فإن عند مالك وابن أبي ليلى-رحمهما الله- النكاح بغير الشّهود جائز ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات ولكن لا يتعرّض لهم لمكان عقد الذمة وإذا كان كذلك فلما رافعوا أو أسلموا وجب الحكم فيهم بما هو حكم الإسلام كما في نكاح المحارم وهذا إذا رفع أحدهما الأمر إلينا أو أسلم والعدّة غير منقضية فرق بينهما.
وأمّا إذا كانت المرافعة أو الإسلام بعد انقضاء عدّة الزّوج الأوّل ولكن كان تزوج الزّوج الثّاني قبل انقضاء عدّة الزّوج الأوّل لا نفرق بالإجماع أو الإسلام بعد انقضاء العدة لا نفرق بالإجماع كذا في الْمَبْسُوطِ
(3)
والأسرار.
ولأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أن الحرمة لا يمكن إثباتها إلى آخره واختلف مشايخنا في [قول]
(4)
أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله منهم من يقول: العدة لا تجب من الذمي؛ لأنّ وجوبها؛ لحق الشّرع أو؛ لحق الزّوج ولا يمكن إيجابها؛ لحق الشّرع هنا؛ لأنّهم لا يخاطبون بذلك، ولا لحق الزوج؛ لأنّه لا يعتقد ذلك وإذا لم تجب العدة كان النكاح صحيحًا، ومنهم من يقول العدة واجبة، ولكنها ضعيفة لا تمنع النكاح بناء على اعتقادهم كالاستبراء فيما بين المسلمين فكان النكاح صحيحًا، وبعد المرافعة أو الإسلام الحال حال بقاء النكاح، والعدّة لا تمنع بقاء النكاح كالموطوءة إذا وطئت بالشّبهة كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
فانظر كيف جمع المصنف رحمه الله بين القولين بنكته واحدة حيث جعل أول التّعليل بتعليل البعض وأتم آخره بتعليل البعض الآخر.
قوله: رحمه الله وَعِنْدَهُ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِي الصَّحِيحِ
(6)
احتراز عن قول مشايخ العراق فإنّهم قالوا له حكم الفساد وقال مشايخنا له حكم الجواز واتفقوا على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنّه لا يجري الإرث ويقضي بالنّفقة ولا يسقط إحصانه متى دخل بها واتفقوا على قوله أيضاً لو تزوج أختين في عقده واحدة ثم فارق أحديهما قبل الإسلام ثمّ أسلم أنّ الباقية نكاحها على الصحّة حتى يُقرّا عليه.
(1)
المائدة من الآية: 49.
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 40).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 39).
(4)
وفي (ب): (حق).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 39).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 516).
وحاصله أنّ الذمي إذا تزوج محارمه أو تزوّج خمس نسوة أو أختين فما داموا على الكفر ولم يترافعوا إلينا لم يتعرّض لهم بالاتفاق إذا كانوا يدينون ذلك غير أن على قول أبي يوسف ومُحَمَّد -رحمهما الله- هذا النكاح [يقع]
(1)
فاسد حالة الكفر حتى طلبت من قاضي المسلمين النّفقة فالقاضي لا يقضي لها بذلك ولا يجري الإرث بينهما وإذا دخل بها يسقط إحصانه حتّى لو أسلم بعد ذلك وقذفه قاذف لا يحدّ.
[وأمّا قول أبي حينفة رحمه الله-فقد اختلف المشائخ وقد ذكرناه كذا في المحيط فوجه]
(2)
قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنّ الكافر لو تزوّج مجوسيّة صحّ النكاح بالاتّفاق والمجوسية محرمة النكاح بخطاب الشّرع كذوات المحارم وإنّما حكمنا بجوازه بينهم لأنّ الخطاب في حقّهم كأنه غير نازل فإنهم يكذبون المبلغ إلى آخر ما قرّرنا من الْمَبْسُوطِ
(3)
فلما قصر الخطاب عنهم بقي حكم المنسوخ في حقّهم ما لم يثبت النّاسخ كما بقي حكم جواز الصّلاة إلى بيت المقدس في حق أهل قباء لما لم يبلغهم الخطاب بالتوجه إلى الكعبة فإذا ثبت حكم صحة النكاح بهذا الطّريق ثبت به ما هو من ضرورة صحّة النكاح كالنّفقة وبقاء الإحصان فأمّا الميراث فليس من ضرورة صحّة النكاح من كل وجه فقد يمتنع التوارث بأسباب كالرق واختلاف الدين إذا ثبتت هذه القاعدة فنقول عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إن رفع أحدهما الأمر إلى القاضي وطلب حكم الإسلام لم يفرق بينهما إذا كان الآخر يأتي ذلك وعندهما نفرق بينهما لأن أصل النكاح كان باطلاً ولكن ترك التعرض كان للوفاء بعقد الذمّة فإذا رفع أحدهما وانقاد لحكم الإسلام كان هذا بمنزلة ما لو أسلم أحدهما وأبو حنيفة رحمه الله يقول أصل النكاح كان صحيحًا فرفع أحدهما إلى القاضي ومطالبته بحكم الإسلام لا يكون حجّة على الآخر في إبطال الاستحقاق الثابت له باعتقاده بل اعتقاده يكون معارضاً لاعتقاد الآخر فبقي حكم الصحّة على ما كان.
بخلاف ما إذا أسلم فإنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى فلا يكون اعتقاد الآخر معارضاً لإسلام المسلم منهما.
وبخلاف ما إذا رفعا لأنّهما إنقادا لحكم الإسلام فيثبت حكم الخطاب في حقّهما بانقيادهما له وإليه أشار الله تعالى في قوله: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ}
(4)
فيكون مرافعتهما كإسلامهما كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
إلا أن المحرمية تنافي بقاء النكاح كما تنافي ابتداء النكاح حتّى لو اعترضت المحرميّة في نكاح المسلمين برضاع أو مصاهرة يبطل النكاح بخلاف العدّة على ما مرّ.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 40).
(4)
سورة المائدة من الآية: 42.
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 40).
وفي الْمَبْسُوطِ
(1)
فأمّا إذا تزوّج الكافر ذات رحم محرم منه من أم أو ابنة أو أخت فإنّه لا يتعرّض لهم في ذلك وإن علم القاضي ما لم يرفعوا إليه إلا في قول أبي يوسف رحمه الله الآخر ذكره في كتاب الطّلاق أنّه يفرق بينهما إذا علم ذلك لما روي أنّ عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله: أن فرقوا بين المجوس وبين محارمهم وامنعوهم عن الرمرمة، إذا أكلوا
(2)
، ولكنّا نقول هذا غير مشهور وإنّما المشهور ما كتب به عمر بن عبدالعزيز إلى الحسن البصري -رحمهما الله-: ما بال الخلفاء الرّاشدين تركوا أهل الذمة وما هم عليه من نكاح المحارم واقتناء الخمور والخنازير وكتب إليه إنما بذلوا الجزية ليتركوا وما يعتقدون وإنّما أنت متبع ولست بمبتدع والسّلام، ولأنّ الولاة والقضاة من ذلك الوقت إلى يومنا لم يشتغل أحد منهم بذلك مع علمهم أنّهم يباشرون ذلك ولا يجوز أن يتزوّج المرتد
(3)
؛ لأنّ المرتدّ مستحق القتل والمستحق إلى جهة كالمصروف إلى تلك الجهة، فصار كالميّت فلا ينتظم مصالح النكاح وكذا المرتدة لا يتزوّجها مسلم ولا كافر فقد عمّ الكافر ليتناول أهل الكتاب والمشركين والمرتدين فإنّه ذكر في الْمَبْسُوطِ
(4)
، ولايجوز نكاح المرتدة مع أحد لأنها مأمورة بالتأمّل لتعود إلى الإسلام وممنوعة من الاشتغال بشيء آخر ولأنّها بالردّة صارت محرمة فالنكاح يختص بمحل الحلّ ابتداء أو تحبس هي لتسلم فلا ينتظم مصالح النكاح بالمحبوسة فإن كان أحد الزّوجين مسلمًا فالولد على دينه.
فإن قلت: كيف يصحّ هذا التّعميم ولا وجود لنكاح المسلمة مع كافر أي كافر كان.
قلت: هذا محمول على حالة البقاء بإن أسلمت المرأة ولم يعرض الإسلام على الزّوج بعد فجاءت بالولد والشافعي-رحمه الله
(5)
يخالفنا فيه أي في جعل الولد تبعًا للكتابي فإنّه يجعل الولد تبعًا للمجوسي في حقّ حلّ الذّبيحة والنكاح حتّى حلّ ذبيحة ذلك الولد المولود بين الكتابي والمجوسيّ ويحل مناكحته للمسلمين ولا يحلّ ذلك عند الشّافعي-رحمه الله
(6)
فقال وقعت المعارضة بينهما فإنّ أحدهما يوجب الحرمة والآخر يوجب الحل فيغلب موجب الحرمة للحديث بخلاف ما إذا كان أحدهما مسلمًا لأنّ الكفر لا يعارض الإسلام ولكنّا نستدلّ بقوله عليه السلام: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ»
(7)
. الحديث، فقد جعل اتفاق الأبوين علّه ناقل عن أصل الفطرة فيثبت ذلك فيما أتفق عليه الأبوان وفيما اختلفا فيه يبقى على أصل الفطرة أوعلى ما هو أقرب إلى أصل الفطرة ونحن بينا التّرجيح وهو قوله لأنّ فيه نوع نظر له وذلك لأنّا لو قلنا بأنّه كتابي تحلّ ذبيحته ويجوز مناكحته فكان فيه نظر للولد ولأنّ الكتابي يعتقد التّوحيد أو يظهره فكان في جعل الولد تبعًا له نوع نظر للولد وذلك واجب كذا في الْمَبْسُوطِ
(8)
.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 41).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 39)، والأثر أصله عند البخاري في صحيحه، كتاب الجزية، باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب (4/ 96) برقم (3156).
(3)
الراء والدال أصل واحد مطرد منقاس، وهو رجع الشيء. تقول: رددت الشيء أرده ردًا. وسمي المرتد؛ لأنه رد نفسه إلى كفره مقاييس اللغة (2/ 386).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 111).
(5)
(قال الشَّافِعِيُّ) وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدَّةِ وَإِنْ نَكَحَتْ فَأُصِيبَتْ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَنِكَاحُهَا مَفْسُوخٌ وَالْعِلَّةُ في فَسْخِ نِكَاحِهَا الْعِلَّةُ في فَسْخِ نِكَاحِ الْمُرْتَدِّ يُنْظَر: الأم (كِتَابُ الصَّدَاقِ)(5/ 57).
(6)
(قال الشَّافِعِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ إلَى أَيِّ دِينٍ ما ارْتَدَّ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَخَّصَ في ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُقِرُّونَ على أَدْيَانِهِمْ، (قال الشَّافِعِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَدِّ أَنْ يَنْكِحَ قبل الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَهُ مُسْلِمَةً لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ وَلَا وَثَنِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ له إلَّا ما يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا كِتَابِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ على دِينِهِ فَإِنْ نَكَحَ فاصاب وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَلَا يَكُونُ لِلْمُرْتَدِّ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ وَلَا أَمَتَهُ وَلَا امْرَأَةً هو وَلِيُّهَا مُسْلِمَةً أو مُشْرِكَةً وَلَا مُسْلِمًا وَلَا مُشْرِكًا وإذا أَنْكَحَ فَإِنْكَاحُهُ بَاطِلٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. يُنْظَر: الأم، باب: ذبيحة المرتد (6/ 164).
(7)
رواه البخاري في كتاب الجنائز باب ما قيل في أولاد المشركين (2/ 100)(1385)، رواه مسلم في كتاب القدرباب معنى كلّ ولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكُفَّار وأطفال المسلمين (4/ 274)(2658).
(8)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 44).
ثم ذكر كفر الزّوج مطلقاً في إسلام المرأة فقال وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافر.
وذكر كفر المرأة مقيدًا بالمجوسية في إسلام الزّوج فقال وإن أسلم الزوج وتحته مجوسيّة لما أنّ النكاح لا يبقى مع كفر الزّوج بالإباء عند إسلام المرأة أي كفر كان.
وأمّا كفر المرأة عند إسلام الزّوج فإنّما يوجب التّفريق إن لو لم يجز النكاح ابتداء مع ذلك الكفر كما في المجوسيّة.
وأمّا إذا كانت كتابيّة فيبقى النكاح بينهما وإن أسلم زوجها على ما يجيء بعد هذا محطوط وإن أبت فرق القاضي بينهما فإن لم تسلم المرأة حتى مات الزّوج كان لها المهر كاملاً دخل بها أو لم يدخل بها؛ لأنّ النكاح منته بالموت حين لم يفرق القاضي بينهما فيتقرّر به جميع المهر كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
، وإن كانت من غير أهل الكتاب فهي امرأته حتّى يعرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا فرق بينهما وكذلك إن كانت المرأة هي التي أسلمت والزّوج من أهل الكتاب [أو من غير أهل الكتاب]
(2)
فهي امرأته حتّى يعرض عليه الإسلام فإن أسلم وإلا فرّق بينهما ويستوي إن كان دخل بها أو لم يدخل عندنا.
وقال الشّافعي-رحمه الله
(3)
إن كان قبل الدّخول تقع الفرقة بإسلام أحدهما وإن كان بعد الدّخول يتوقّف وقوع الفرقة بينهما على انقضاء ثلاث حيض ولا يعرض الإسلام على الآخر.
قوله: كما في الطّلاق فإنّ نفس الطّلاق قبل الدّخول يرفع النكاح وبعد الدّخول لا يرفع إلا بانقضاء العدة وحجّتنا في ذلك ما روي أن دهقانة نهر الملك أسلمت فأمر عمر رضي الله عنه أن يعرض الإسلام على زوجها فإن أسلم وإلا فرق بينهماوإن دهقانًا [كل سيّد من العجم دهقان ضم الدال لغة فيه ويقال: للمرأة دهقانه على القياس نهر الملك على طريق الكوفة من بغداد وهو يسقي الفرات]
(4)
أسلم على عهد علي رضي الله عنه فعرض الإسلام على امرأته فابت ففرق بينهماوكأن المعنى فيه أنّ النكاح كان صحيحًا بينهما فلا يرتفع إلا بعد وجود السّبب الموجب له وإسلام المسلم منهما لا يصلح سبباً لذلك لأنّه سبب لإثبات العصمة وتأكيد الملك به.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 50).
(2)
ساقط من (ب).
(3)
فَإِذَا ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ النِّكَاحَ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ حكم بَاطِلٌ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَوْقُوفٌ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ النكاح بإسلام أحد الزوجين، يُنْظَر: الحاوي في فقه الشافعي، باب: بيان اصل تحريم التناكح بين المسلمين، (9/ 292).
(4)
هامش في (ب).
وكذلك كفر من أصرّ منهما على الكفر لأنّه كان موجودًا قبل هذا وما كان مانعًا لابتداء النكاح ولا لبقائه وكذلك اختلاف الدّين فإن عينه ليس بسبب كما لو كان الزّوج مسلمًا والمرأة كتابية فلابدّ من أن يقرّر السّبب الموجب للفرقة لمّا تعذّر استدامة النكاح بينهما وذلك السبب عرض الإسلام على الكافر منهما لابطريق الإجبار عليه.
ولكن لأنّ بالنكاح وجب عليه الإمساك بالمعروف أو التّسريح بالإحسان والإمساك بالمعروف في أن يساعدها على الإسلام فإذا أبى ذلك تعين التّسريح بالإحسان فإذا امتنع من ذلك ناب القاضي منابه في التّفريق بينهما ولأنّ قرار النكاح يقف على زوال كفر الآخر لا زوال إسلام هذا فعلم أنّ الفرقة كانت بسبب كفر الباقي منهما دون الإسلام ثم إذا كانت المرأة هي التي أبت الإسلام حتى فرق القاضي بينهما كانت الفرقة بغير طلاق بالاتفاق وإن كان الزوج هو الذي أبى الإسلام كان الفرقة بطلاق عند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد -رحمهما الله- وعند أبي يوسف رحمه الله تكون الفرقة بغير طلاق.
وأمّا الفرقة بردّة المرأة فتكون بغير طلاق وردة الزّوج كذلك في قول أَبِي حَنِيفَةَ وأبي يوسف.
وفي قول مُحَمَّد يكون بطلاق وحجّة أبي يوسف في الفصلين أن سبب هذه الفرقة يشترك فيه الزوجان على معنى أنّه متحقق منهما وهو الإباء والردّة ومثل هذه الفرقة تكون بغير طلاق كالفرقة الواقعة بالمحرميّة وملك أحد الزّوجين صاحبه وحجّة مُحَمَّد في الفصلين أن سبب الفرقة قول من جهة الزّوج إمّا إباء أو ردّة فيكون بمنزلة إيقاع الطّلاق وهذا لأنّه يفوت الإمساك لهذا السّبب فيتعيّن التّسريح بالإحسان [والتّسريح]
(1)
طلاق كما في العنين بهذا الطّريق وأبو حنيفة رحمه الله يقول بالفرق بينهما من وجهين:
أحدهما أنّ الفرقة بالردّة كانت لفوات صفة الحلّ وذلك مناف للنكاح.
ألا ترى أنّ الفرقة لا تتوقف على قضاء القاضي فإنّه ينافي النكاح ابتداء وبقاء فيكون نظير المحرمية والملك وإنما إباء الإسلام فغير مناف للنكاح.
ألا ترى أنّ الفرقة لا تقع به إلا بعد قضاء القاضي بها فالفرقة بسبب غير مناف للنكاح إذا كان مضافاً إلى الزّوج يكون طلاقاً والثّاني أنّ في فصل الإباء لما كانت الفرقة لا تقع إلا بالقضاء أشبهت الفرقة بسبب العنية وفي مسألة الردّة لمّا لم تتوقّف الفرقة على القضاء أشبهت الفرقة بسبب المحرمية والملك.
ألا ترى أنّها تتم بالمرأة وليس إليها في الطّلاق شيء في الفصلين يقع طلاقه عليها مادامت في العدّة أمّا في الإباء فظاهر لأنّ الفرقة كانت بالطّلاق وأمّا في الردّة فلأنّ حرمة المحلّ بهذا السّبب غير متأيدة.
(1)
ساقط من (ب).
ألا ترى أنّها ترتفع بالإسلام فيوقر على الطّلاق ما هو موجبه وهو حرمة المحلّ إلى غاية إصابة الزّوج الثّاني فلذلك يقع طلاقه عليها في العدّة بخلاف ما بعد المحرمية فإنّ حرمة المحلّ هناك مؤبدة فلا يظهر معه ماهو موجب الطّلاق كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
، والأسرار لم تقع الفرقة عليها حتى تحيض ثلاث حيض ثم تبين من زوجها هذا إذا أسلمت المرأة وهي تحيض وأمّا إذا كانت ممّن لا تحيض فلا تقع الفرقة ما لم يمض ثلاثه أشهر فإن أسلم الباقي منهما في المدّة فهما على النكاح وإلا فقد وقعت الفرقة بينهما عند مضي المدّة ثم المرأة إذا كانت هي المسلمة فهي كالمهاجرة ولا عدة عليها بعد ذلك في قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وعندهما يجب عليها العدّة بعد وقوع الفرقة بثلاث حيض وإن كان الزّوج هو المسلم فلا عدة عليها بالإجماع كذا في شرح الطّحاوي
(2)
.
فعلم بهذا أنّ ما قالوا ثلاث حيض لأجل الفرقة وثلاث حيض أخرى لأجل العدّة لا يصحّ إجزاؤه على الإطلاق بل هو محمول على قولهما خلافاً لأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مقام السّبب وهو تفريق القاضي عند إباء الزّوج الإسلام كما في حفر البئر فإن الأصل أن يضاف التلف في وقوع البئر إلى الثقل لإنّه هو العلّة للسقوط والحفر شرطه لأنّ الأرض كانت مسئلة مانعة عمل الثقل فبالحفر زال المانع فعمل الثقل عمله فعلم به أنّه شرط لكن العلّة ليست بصالحة للحكم لأنّ الثقل طبع لا يفدى فيه والمشي مباح لا شبهة فيه فلم يصلح المشي عليه بواسطة الثقل وإذا لم يعارض الشرط ما هو علة أو للشرط شبة بالعلل كما يتعلّق به من وجود الحكم أقيم مقام العلّة في ضمان النفس والأموال جميعًا كذا ذكره فخر الإسلام-رحمه الله في أصول الفقه فكذلك ههنا كان الأصل أن تضاف الفرقة إلى تفريق القاضي عند إباء الزّوج الإسلام ولكن هو غير ممكن لأن يد أهل الإسلام لا تصل إلى المصر منهما لتعرض عليه الإسلام ويحكم بالفرقة عند إبائه فأقيم ثلاث حيضات مقام ثلاث عرضات في تقرّر سبب الفرقة لما أن انقضاء ثلاث حيض شرط البينونة في الطّلاق الرجعي وشرط انقطاع علائق النكاح في الطّلاق البائن وإنّما كان كذلك لأنّ الزّوج صار غير مريد لها حين لم يساعدها على الاسلام وبعد ماصار غير مريد لها فالفرقة تقع بانقضاء ثلاث حيض كما لو طلقها إلا أنّ هناك إذا كان الطّلاق قبل الدّخول يمكن إثبات الفرقة [بنفسه لمباشرة الزوج سبب الفرقه]
(3)
، وههنا لا يمكن إثبات الفرقة قبل الدّخول بدون انقضاء ثلاث حيض لأنّ الزوج ما باشر سبباً بل هو مستديم لما كان عليه فلذلك توقف انقطاع النكاح على انقضاء ثلاث حيض في الوجهين جميعًا كذا في الْمَبْسُوطِ
(4)
، وبهذا خرج الجواب عمّا يرد على ما ذكر في الكتاب في قوله ولا فرق بين المدخول بها وغير المدخول بها.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 47).
(2)
يُنْظَر: شرح الطّحاوي (4/ 352 - 358).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 57).
فإن قيل: العدة غير واجبة على غير المدخول له فكيف تقوم ثلاث حيض مقام انقضاء العدّة في حق المدخول له لأنا نقول لما أقيم ثلاث حيض مقام تفريق القاضي عند الإباء لم يكن [بد من وجوده سواء كان قبل الدخول أو بعده كما لا]
(1)
بدّ من وجود تفريق القاضي عند إمكانه في دار الإسلام عند الإباء من غير نظر إلى أنّه دخل بها أو لم يدخل والشّافعي رحمه الله
(2)
يفصل أي بين المدخول بها وغير المدخول بها حيث يقول إن كان قبل الدخول تقع الفرقة بإسلام أحدهما وإن كان بعد الدّخول يتوقف على انقضاء العدّة وهذا الحكم عنده [لا]
(3)
يختلف بدار الحرب ودار الإسلام كما مرّ له أي للشّافعي-رحمه الله وهو قوله إلا أن ملك النكاح قبل الدّخول غير متأكّد إلى آخره وإذا وقعت الفرقة والمرأة حربية فلا عدّة عليها أي بالإجماع لأنّ حكم الشّرع لا يثبت في حقّها [ابتداء]
(4)
فلأن يبقى أولى لأنّ البقاء أسهل من الابتداء فكم من شيء يتحمّل حالة البقاء في النكاح ولا يتحمّل في الابتداء.
ألا ترى أنّ المنكوحة إذا وطئت بشبهة تعتد له وتبقى منكوحة ولا يجوز نكاح المعتدة [ثم]
(5)
من وطئ بشبهة ابتداء وإذا خرج أحد الزّوجين إلينا من دار الحرب مسلمًا وقعت البينونة
(6)
بينهما خلافاً للشّافعي رحمه الله
(7)
، والخلاف فيما إذا خرج أحد الزّوجين مسلمًا غير مراغم.
وأمّا إذا خرجت المرأة مراغمة مسلمة وقعت الفرقة بالاتفاق عندنا لتباين الدّارين وعنده للقصد إلى المراغمة والاستيلاء على حق الزوج.
وأمّا إذا خرجت غير مراغمة لزوجها أو خرج الزّوج مسلمًا أو ذميًّا تقع الفرقة بتباين الدّارين عندنا ولا يقع عند الشّافعي
(8)
كذا في الْمَبْسُوطِ
(9)
له أنّ التباين أثره في انقطاع الولاية المراد بانقطاع الولاية سقوط مالكيته عن نفسه وعن ماله كالحربي المستأمن والمسلم المستأمن يعني أنّ الحربي إذا دخل دارنا بأمان أو دخل المسلم دار الحرب بأمان لا تثبت الفرقة وإن كان تباين الدّار موجوداً.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
يُنْظَر: الحاوي في فقه الشافعي، باب: بيان أصل تحريم التناكح بين المسلمين، (9/ 292).
(3)
ساقط من (ب).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
ساقط من (ب).
(6)
البينونة: مصدر بان الشيء عن الشيء أي: انقطع عنه وانفصل بينونة وبيونا. انظر: انيس الفقهاء (ص 55).
(7)
يُنْظَر: الوسيط (6/ 218).
(8)
يُنْظَر: تكملة المجموع شرح المهذب (16/ 295).
(9)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 51).
علم أنّ [القياس]
(1)
ليس بسبب للفرقة ولهذا أسقط الدّين عن ذمة المسمي يعني أنّ الحربي إذا سبي وعليه دين لآخر بطل بالسّبي كذا في الأسرار وهذا لأنّ السّبي سبب لملك ما يحتمل الملك ومحلّ النكاح محتمل للتملك فيصير مملوكًا للسابي لأنّه لو امتنع ثبوت الملك إنما يمتنع لحق الزّوج وهو ليس بحق محترم ولهذا قلنا لو كانت المسبية منكوحة لمسلم أو ذمي لا يبطل النكاح لأن مالك النكاح محترم واحتج هو أيضاً بقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
(2)
معناه ذوات الأزواج من النساء {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
(3)
فإنّها محللة لكم وإنّما نزلت الآية في سبايا أوطاس وإنّما سبي أزواجهن معهنّ.
وحجّتنا في ذلك أن السبي سبب لملك الرقبة مالاً فلايكون مبطلاً للنكاح كالشّرى وهذا لأنّ المملوك بالنكاح ليس بمال فلا يثبت فيه التملّك بالسّبي مقصودًا لأن بملك البضع مقصودًا بسببه مختص بشرائط من الشهود والولي وذلك لا يوجد في السّبي فإنّما يثبت الملك هنا تبعًا لملك الرقبة وذلك لا يثبت إلا عند فراغ المحلّ عن حق الغير ونفس السّبي ليست بمنافية للنكاح.
ألا ترى أنّ مالك النكاح لو كان محترمًا لا يبطل النكاح مع تقرّر السّبي والمنافي إذا تقرّر فالمحترم وغير المحترم فيه سواء كما إذا تقرّر بالمحرميّة والرضاع وأمّا الدين فإن كان على عبد فسبي لم يسقط الدّين نص عليه في المأذون [وإن كان على حر فسبي يسقط لأنّه لما]
(4)
صار عبدًا والدّين لا يجب على العبد إلا شاغلاً مالية رقبته فكذلك لا يبقى إلا شاغلاً للماليّة وحين كان واجباً على الحرّ لم يكن شاغلاً لماليّة الرقبة إذ لا ماليّة في رقبته فلا يمكن إبقاؤه إلا بتلك الصّفة وقد تعذر إبقاؤه بتلك الصّفة بعد السّبي.
ألا ترى أنّه لو كان الدّين لمحترم لا يبقى كذلك وبه يبطل.
قولهم أن السّبي يقتضي صفا المسبي للسّابي فإنّ مالك النكاح إذا كان محترمًا يبقى النكاح ولا صفا.
فإن قيل: يجوز أن يكون الدّين في الذمة بلا تعلّق في الرّقبة كالعبد يقر بدين.
قلنا: لا يجوز ذلك وإنّما لا يطالب إذا أقر لأنّه غير ثابت في حق المولى لأن إقراره ليس بحجة عليه حتّى إذا ثبت بالاستهلاك معاينة [تقع]
(5)
فيه كذا في الْمَبْسُوطِ
(6)
والأسرار.
(1)
وفي (ب): (التباين).
(2)
سورة النساء من الآية: 24.
(3)
سورة النساء من الآية: 24.
(4)
ساقط من (ب).
(5)
وفي (ب): (بيع).
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 53).
ولنا أن مع التّباين حقيقة وحكمًا لا تنتظم المصالح.
المراد بالحقيقة تباعدهما شخصاً وبالحكم أن لا يكون في الدّار التي دخلها على سبيل الرجوع بل يكون على سبيل القرار والسكنى، وفي قوله حكمًا جواب عن قوله كالحربي المستأمن والمسلم المستأمن لأنّ الحربي المستأمن وإن كان في دار الإسلام حقيقة ولكن هو في دار الحرب حكمًا لأنّه على نية الرجوع فلذلك لم يترتب عليه حكم التباين وكذلك في المسلم المستأمن حتّى لو انقطعت نية الرجوع كان حكم التباين ثابتًا في حقّه فإنّه ذكر في الْمَبْسُوطِ
(1)
، ويستوي في وقوع الفرقة بتباين الدّارين إن خرج أحدهما مسلمًا أو ذميًا أو خرج مستأمنًا ثم أسلم أو صار ذميًّا لأنّه صار من أهل دارنا حقيقة وحكمًا والآية دليلنا فإنّ الله تعالى حرّم ذوات الأزواج فلما لم يثبت انقطاع الزّوجية بينهما كانت محرمة على السابي بهذا النصّ كذا في الْمَبْسُوطِ
(2)
.
المهاجرة من أرض إلى أرض ترك الأولى للثانية وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة بأن خرجت مسلمة أو ذميّة على نية أن لا ترجع إلى ما هاجرت منه أبدًا لأنّ الفرقة وقعت بعد الدّخول في دار الإسلام.
وإنّما قيّد به احترازاً عمّا لو طلّقها الحربي ثلاثاً في دارهم ثم هاجرت فإنّه لا عدّة عليها بالإجماع لأنّ الفرقة وقعت في دارهم وهم لا يؤاخذون بأحكامنا فبانت بلا عدة فلا تجب بعد ذلك عدّة لأنّها إذا سقطت مرّة أصلاً لا تعد إلا بتجديد سبيها وكذلك لا تجب العدّة على التي سبيت فإنّ السّبي المبيح للسابي منع ثبوت العلّة والعلّة لا تعمل عند معارضة المانع إيّاها وهذا كأمّ الولد تعتق فتلزمها العدّة وإذا كانت منكوحة لا تجب وأبو حنيفة رحمه الله استدلّ بقوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
(3)
، فالله تعالى أباح نكاح المهاجرة مطلقا فتقييد ذلك بما بعد انقضاء العدّة يكون زيادة وقال الله تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}
(4)
، وفي إيجاب العدّة إمساك بعصم الكوافر والمعنى فيه أنّ هذه الفرقة وقعت بتباين الدّارين فلا توجب العدّة كالمسبية وهذا لأنّ تباين الدّارين حقيقة وحكمًا مناف للنكاح فكان منافياً لأثر النكاح فلا تجب العدة لحق الشّرع مع وجود المنافي ولا لحق الزّوج لأنّه حربي غير محترم كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
والأسرار ولا خطر لملك الحربي.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 58).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 53).
(3)
سورة الممتحنة من الآية: 10.
(4)
سورة الممتحنة من الآية: 10.
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 57).
فإن قيل: لو خرجت حاملاً اعتدت بالإجماع ولو لم يكن لملكه خطر لما وجبت العدّة في صورة الحمل أيضاً قلنا هناك لا تعتد ولكنها لا تتزوج لأن في بطنها ولد إثابت النّسب وهذا كما قيل أنّ فراش أمّ الولد لا يمنع التزويج ولو كان في بطنها ولد لم يجز.
فإن قيل: أبلغ ما في الباب أن يكون سقوط الحرمة بتباين الدّارين في حكم السّقوط بالموت وهناك وجبت العدّة قلنا أنّ الموت لا يوجب سقوط الحرمات أصلاً فإنّ التركة مبقاء على أصل ملكه وإنّما أسقط الموت الحرمة في حقيقة صفة مالكيته وذلك منقطع بالموت حتّى لا يصح منه إضافة الطّلاق إلى ما بعد الموت ولكن بقيت الحال المملوكة على حكم ملكه لبقاء الحرمة حكمًا فلزمتها العدة بحكم الملك لا بحقيقته وبتباين الدّارين أسقطت الحرمة حقيقة وحكمًا حتّى أنّ المرتد الذي يلحق بدار الحرب يصير بمنزلة الميّت حكمًا فتورث أملاكه ويعتق مدّبروه فأوجب الزّوال لا إلى أثر ملكه كذا في الأسرار فإذا ظهر الفراش في حق النّسب يظهر في حق المنع من النكاح وهذا هو الأصح بخلاف الحبل من الزنى لأنّ الحبل من الزنى لا نسب له وهنا النّسب ثابت من الحربي وباعتبار ثبوت النّسب المحل مشغول فلهذا لا يصحّ النكاح ما لم يفرغ المحلّ عن حق الغير كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
، وإذا ارتد أحد الزّوجين عن الإسلام وقعت الفرقة سواء دخل بها أو لم يدخل بها عندنا وعند الشّافعي-رحمه الله
(2)
إن كان لم يدخل بها فكذلك وإن كان بعد الدّخول يتوقف انقطاع النكاح على انقطاع ثلاث حيض بناء على أصله على ما مرّ وسواء كانت امرأته مسلمة أو كتابية أو مجوسيّة بصورة المسلمة والكتابية ظاهرة.
وأمّا صورة المجوسية فهي ما إذا كان الزّوج كتابياً والمرأة مجوسية فأسلم الزّوج ثم ارتد عن الإسلام بانت منه فإنّ النكاح بعد إسلامه باق ما لم يفرق القاضي بينهما.
ألا ترى أنّها لو أسلمت كانا على نكاحهما منفردة بالردّة في حال بقاء النكاح موجب للفرقة وقال ابن أبي ليلى-رحمه الله لا تقع الفرقة بردّة أحدهما قبل الدّخول ولا بعده حتّى يستتاب المرتد فإن تاب فهي امرأة وإن مات أو قبل ورثته وجعل هذا قياس إسلام أحد الزّوجين ولكنّا نقول الردّة تنافي النكاح والمرض
(3)
السّبب المنافي موجب للفرقة بنفسه كالمحرمية.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 58).
(2)
يُنْظَر: الأم (6/ 160)، اللباب في الفقه الشافعي (1/ 297).
(3)
وفي (ب): (واعتراض).
وأمّا اختلاف الدّين فعينه لا ينافي النكاح حتى يجوز ابتداء النكاح بين المسلم والكتابية وكذلك الإسلام لا ينافي النكاح فإنّ النكاح نعمة وبالإسلام تصير النعم محرزه له فلذلك لا تقع الفرقة هناك إلا بقضاء القاضي كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
.
وذكر في المحيط
(2)
إذا ارتدّ أحد الزّوجين وقعت الفرقة بينهما في الحال هذا جواب ظاهر الرّواية.
وأمّا بعض مشايخ بلخ وبعض مشايخ سمرقند كانوا يفتون بعدم الفرقة بارتداد المرأة حسمًا لباب المعصية وعامتهم على أنّه تقع الفرقة إلا أنّها تجبر على الإسلام والنكاح مع زوجها الأوّل لأنّ الحسم يحصل بالجبر على النكاح مع الأوّل ومشايخ بخارى كانوا على هذا ووجهه أنّ الردّة منافية للنكاح لما ذكرنا أنّ الفرقة بالردة لفوات صفة الحل وذلك مناف للنكاح.
ألا ترى أنّ الفرقة لا تتوقف على قضاء القاضي فكان نظير المحرمية وقد ذكرنا من (الْمَبْسُوطِ)
(3)
.
فإن قلت: [لو كانت الردّة منافية للنكاح كالمحرمية]
(4)
ينبغي أن لا يقع طلاق بالمرتدّ إذا طلق امرأته بعد الارتداد كما في المحرمية ومع هذا لو طلقها يقع بالاتفاق على ما يجيء في سبر هذا الكتاب.
قلت: فقد أشار في الأسرار إلى أنّ ردّة أحد الزّوجين سبب موجب الفرقة على سبيل المنافاة حكمًا لا وضعًا بدليل أنّ الردّة اسم لتبديل الدّين لا لقطع النكاح شرعًا ووضعًا وكذلك يصح في غير نكاح ولأنّ الفرقة عقيب الردّة بلا فصل واقعة بالإجماع في غير المدخول بها ثبت أنّها وقعت لمنافاة بينهما حكمًا إذ لا ثالث هاهنا وإذا كان كذلك كانت المحلّية باقية من حيث الوضع والحقيقة لانعدام تأييد الحرمة فكانت المرتدّة في العدّة محلاً للطّلاق وغير باقية من حيث الحكم فجعلناه فسخًا عملاً بالشّبهين بخلاف الحرمة الثّابتة بالمحرميّة لأنها مؤبدّة فكانت منافية للنكاح من كل وجه فلم تبق محلاً للطّلاق لانعدام فائدة أثر الطّلاق.
وحاصله أنّ الفرقة إذا وقعت بين الزّوج وامرأته بخيار البلوغ أو خيار العتاقة بعد الدّخول ووجبت عليها العدة فلو طلّقها في هذه العدّة لا يقع في المنتقى لأنّه فسخ والعقد إذا فسخ يجعل كأنّه لم يكن.
وقال في المحيط
(5)
والأصل أنّ المعتدة بعدة الطّلاق يلحقها الطّلاق والمعتدة بعدّة الوطئ لا يلحقها الطّلاق ولو أسلم أحد الزّوجين لا يقع على الآخر طلاقه وكل فرقة توجب الحرمة مؤبدًا فإنّ الطّلاق لا يلحق المرأة وكذا لو اشترى منكوحته لم يلحقها الطّلاق هذا المجموع من الخلاصة.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 49).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 141).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 47).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 464).
وذكر في المحيط
(1)
وكل فرقة توجب التحريم مؤبدًا فإن الطّلاق لا يلحق المرأة لأنّه لا يظهر له أثر وإذا ارتد الرجل ولحق بدار الحرب لم يقع على المرأة طلاقه لأن تباين الدّارين مناف للنكاح فكان منافياً للطّلاق الذي هو من أحكام النكاح فإن عاد إلى دار الإسلام وهي في العدّة وقع عليها الطّلاق لأنّ المنافي وهو تباين الدّارين قد ارتفع ومحليّة الطّلاق بالعدّة وأنها قائمة فيقع الطّلاق وإذا ارتدت المرأة ولحقت بدار الحرب لم يقع طلاق الزّوج عليها عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لأنّ العدّة قد سقطت عنها عنده لفوات المحلية لأن من كان في دار الحرب فهو كالميّت في حقّنا وبقاء الشّيء في غير محلّه مستحيل والعدّة متى سقطت لا تعود الا بعود سببها بخلاف الفصل الأوّل؛ لأن هناك العدة باقية ببقاء محلّها لأنّها في دار الإسلام إلا أنّ تباين الدّارين كان مانعًا وقوع الطّلاق فإذا ارتفع المانع والعدة باقية وقع وقال أَبُو يُوسُف رحمه الله يقع الطّلاق لأنّ العدّة باقية.
وذكر في طلاق الْمَبْسُوطِ
(2)
من حيث المعنى إذا ملك أحد الزّوجين الآخر وقعت الفرقة بغير طلاق ثم لا يقع طلاقه عليها لأنّ ملك رقبتها كما تنافي أصل ملك النكاح تنافي ملك اليد بسبب النكاح وبه كان محلاً لوقوع الطّلاق عليها فلهذا لا يقع طلاقه عليها.
قوله: رحمه الله وَإِن لم يدْخل بهَا فَلَا مهر لَهَا وَلَا نَفَقَة
(3)
.
فإن قيل: قوله ولا مهر مستقيم فما فائدة ذكره ولا نفقة إذ المسلمة إذا كانت غير مدخولة ووقعت الفرقة لا تجب النّفقة على زوجها.
فحينئذ لا يرتاب أحد في عدم وجوب النّفقة في المرتدّة إذا كانت غير مدخولة.
قلنا: قوله ولا نفقة راجع إلى ما ذكر قبيلة وهو قوله وإن كانت هي المرتدّة فلها كل المهر إن دخل بها ولكن لا نفقة لها لأنّ الفرقة من قبلها ما روي أن بني حنيفة ارتدوا. حنيفة أبو حيي من العرب وهو حنيفة بن [لجيم]
(4)
بن صعب بن علي بن بكر بن وائل كذا في الصّحاح
(5)
.
قوله: رحمه الله لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ
(6)
جواب لسؤال وهو ما ذكره فخر الإسلام في مبسوطه بقوله.
فإن قيل: لأن ارتدادهم ما كان جملة بالإجماع فكيف يستقيم التعلّق به.
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 273).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (6/ 88).
(3)
يُنْظَر: البداية (1/ 66).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
يُنْظَر: الصحاح (4/ 1247).
(6)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 520).
قلنا: عند جهالة التّاريخ بالتقدّم والتأخر يجعل في الحكم كأنّه وجد جملة ولأن ردتهم كان يمنع الزّكاة على اعتقاد أنّها ليست بواجبة والمنع كان قائمًا بالمنعة جمله فصار بمنزلة فعل واحد فلا يوصف بالتقدّم والتأخّر.
وفي الْمَبْسُوطِ
(1)
والمعنى فيه أنّه لم يختلف بهما دين ولا دار فيبقى ما كان بينهما على ما كان كما إذا أسلم الكافران معًا والفقه فيه أن وقوع الفرقة عند رده أحدهما لظهور خبثه عند المقابلة بطيب المسلم فإذا ارتدّا معًا لا يظهر هذا الخبث بالمقابلة لأنه يقابل الخبيث بالخبيث واعتبار البقاء بالإبتداء فاسد فإن عدّة الغير تمنع ابتداء النكاح ولا يمنع البقاء فإن أسلم أحدهما وقعت الفرقة بينهما بإصرار الآخر على الردّة لظهور خبثه الآن عند المقابلة بطيب الآخر حتّى أن كانت المرأة هي التي أسلمت قبل الدّخول فلها نصف الصّداق وإن كان الزّوج هو الذي أسلم فلا شيء لها لأنّ الفرقة من جانب من أصرّ على الردّة فإن إصراره بعد إسلام الآخر كإنشاء الردّة والله أعلم بالصّواب.
باب القسم
لما ذكر جواز نكاح عدد من النّساء لم يكن بدّ من بيان العدل الوارد من الشّارع في حقهن وهذا بابه ولكن اعتراض ما هو أهم منه من بيان جواز النكاح وعدمه الراجعين إلى أمر الفروج وغيرهما أوجب تأخيره والقسم بالفتح مصدر قسم القسّام المال بين الشركاء فرّقه بينهم وعيّن أنصبابهم ومنه القسم بين النساء.
وأمّا القسم بالكسر النّصيب مثل طحنت طحنًا والطّحن الدّقيق.
والقسمة اسم للمقاسمة والتقاسم كذا في الصّحاح
(2)
، والمغرب
(3)
وإذا كان للرّجل امرأتان حرتان فعليه أن يعدل بينهما اعلم بأنّ الزّوج مأمور بالعدل في القسمة بين النساء وذلك ثابت بالكتاب والسنّة.
أمّا الكتاب فقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}
(4)
معناه أن لا يجوزوا وقوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}
(5)
معناه ولن تستطيعوا العدل والتسوية في المحبة فلا تميلوا في القسم.
وأمّا السنّة فهي المذكورة في الكتاب كذا في الْمَبْسُوطِ
(6)
والإيضاح.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 50).
(2)
يُنْظَر: الصحاح (5/ 2011).
(3)
يُنْظَر: المغرب (1/ 383).
(4)
سورة النساء من الآية: 3.
(5)
سورة النساء من الآية: 129.
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 217).
قوله: رحمه الله وَالْقَدِيمَةُ وَالْجَدِيدَةُ سَوَاءٌ
(1)
احتراز عن قول الشّافعي رحمه الله
(2)
فإنّه يقول إن كانت الجديدة بكراً يفضلها بسبع ليال وإن كانت ثيباً فبثلاث ثم التّسوية بعد ذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي عليه السلام قال: «تُفَضَّلُ الْبِكْرُ بِسَبْعٍ وَالثَّيِّبُ بِثَلَاثٍ»
(3)
.
وحجّتنا في ذلك أن سبب [وجوب]
(4)
التّسوية اجتماعهما في نكاحه وذلك بنفس العقد ولو وجب تفضيل أحديهما لكانت القديمة أولى بذلك لأنّ الوحشة في جانبها أكثر حيث أدخل عليها غيرها فإن ذلك يغيضها عادة ولأنّ للقديمة زيادة حرمة بالخدمة كما قيل لكل جديدة لذّة ولكلّ قديمة حرمة.
فأمّا الحديث فالمراد التفضيل بالبداية دون الزّيادة كما ذكر في حديث أم سلمة رضي الله عنها «إنْ شِئْت سَبَّعْت لَك وَسَبَّعْت لَهُنَّ»
(5)
، ونحن به نقول أن للزّوج أن يبدأ بالجديدة ولكن بعد أن نسوى بينهما كذا في الْمَبْسُوطِ
(6)
.
قوله: رحمه الله بِكْرَيْنِ كَانَتَا أَوْ ثَيِّبَيْنِ
(7)
[وكذلك]
(8)
المسلمة والكافرة والمراهقة والبالغة والمجنونة والعاقلة والمريضة والصّحيحة كلّ واحدة منهن في استحقاق القسم على السّواء للمساواة بينهما في سبب هذا الحق وهو الحلّ الثّابت بالنكاح وكذلك في طرف الرّجل المجبوب والخصي والعنّين في القسم [لأنّ وجوب القسمة]
(9)
بين النّساء سواء لما يجيء أن وجوب العدل في الصّحبة والمؤانسة دون المجامعة وحال هؤلاء في هذا [الحال]
(10)
كحال الفحل وكذلك الغلام الذي لم يحتلم إذا دخل بامرأتين له فإنّه يسوي بينهما في القسم لأن وجوب التّسوية لحق النّساء وحقوق العباد يتوجّه على الصّبيان عند تفرد السّبب كما يتوجه على البالغين كذا في الْمَبْسُوطِ
(11)
.
(1)
يُنْظَر: الهداية (2/ 521).
(2)
يُنْظَر: الأم (5/ 119)، تكملة المجموع (16/ 436).
(3)
رواه البخاري كتاب النكاح باب إذا تزوج البكر على الثيب (1/ 70) برقم (5213) بلفظ: «إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ، أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ، أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا» ، رواه مسلم كتاب الرضاعة باب قدر ما تستحقه البكر
…
من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه (2/ 1084) برقم (1460، 1461) بلفظ: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا» ، من حديث أُمّ سَلَمَةَ رضي الله عنه «إِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ، وَحَاسَبْتُكِ بِهِ، لِلْبِكْرِ سَبْعٌ، وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ» .
(4)
زيادة في (ب).
(5)
رواه مسلم كتاب الرضاعة باب قدر ما تستحقه البكر
…
(2/ 1083) برقم (1460)، من حديث أُمّ سَلَمَةَ رضي الله عنه بلفظ:«إِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ، وَحَاسَبْتُكِ بِهِ، لِلْبِكْرِ سَبْعٌ، وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ» .
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 218).
(7)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 66).
(8)
زيادة من (ب).
(9)
ساقط من (ب).
(10)
ساقط من (ب).
(11)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 218).
«جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ»
(1)
، ورواية الْمَبْسُوطِ
(2)
«وَأَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ» يقال له شق مائل أي مفلوج كذا في المغرب
(3)
الحق الوعيد بمقابلة ميل أحدهما فدلّ إلحاق الوعيد على أنّ العدل بينهما واجب إذ الوعيد إنّما يلزم عند ترك الواجب ولأن القسم من حقوق النكاح كالنّفقة ولا تفاوت بينهنّ في ذلك لما أنّ حكم الحلّ والاستحقاق على السّواء فكذا في الحكم المرتّب عليه والاختيار في تقدير الدّور للزّوج أي يجعل الزّوج لكلّ واحدة منهما ليلة ليلة أو ليلتين ليلتين أو أكثر لأنّ المستحق هو التّسوية دون طريقها أي لا طريق التسوية أي ليس للمرأة أن تقول ليلة لي وليلة [أخرى]
(4)
لضرّتي ولا أجوز أن تبيت عندي ليلتين وعندها ليلتين لما أنّ قدر الدّور مفوّض إلى الزّوج لا إلى المرأة والتّسوية المستحقة في البيتوتة لافي المجامعة لأنّ ذلك شيء يبتنى على النشاط فلا يقدر على اعتبار المساواة فيه وهو نظير المحبة بالقلب فلما كان كذلك لا يسقط وجوب القسم بمرضه لأنّه يقدر على البيتوتة وإن لم يقدر على الجماع.
وكذلك لا يسقط لمرضها لما روي أنّ رسول الله عليه السلام استأذن نساءه في مرضه أن يكون في بيت عائشة رضي الله عنها فأذن له في ذلك فكان في بيتها حتّى قبض صلى الله عليه وسلم
(5)
ففي هذا دليل على أنّ الصّحيح والمريض في القسمة سواء وإنّ [عند]
(6)
الإذن له أن يقيم عند أحديهنّ كذا في مبسوطي شمس الأئمّة وفخر الإسلام-رحمهما الله-.
(1)
رواه ابو داود كتاب النكاح باب في القسم بين النساء (2/ 242) برقم (2133)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» ، أخرجه الطيالسى (ص 322، رقم 2454)، وأحمد (2/ 471)، رقم (10092)، وأبو داود (2/ 242)، (رقم 2133)، والنسائى (7/ 63)، رقم (3942)، وابن ماجه (1/ 633)، رقم (1969)، والبيهقى (7/ 297)، رقم (14515). وأخرجه أيضًا: الدارمى (2/ 193)، رقم (2206). يُنْظَر: نصب الراية (3/ 214)، الدراية (2/ 66)، صححه الألباني في الإرواء برقم (2017)(7/ 80).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 217).
(3)
يُنْظَر: المعرب (1/ 255)، والصحاح (1/ 335).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
رواه البخاري كتاب النكاح باب اذا استأذن الرجل نساءه
…
، (7/ 34)، برقم (5217).
(6)
زيادة من (ب).
وقال الشّافعي رحمه الله القرعة
(1)
مستحبة والكلام هاهنا في فصلين أحدهما أن يسافر بايهن شاء من غير إقراع بينهما عندنا وعند الشافعي –رحمه الله
(2)
ليس له ذلك إلا أنّ يقرع بينهما والثّاني أنّه إذا سافر ببعضهن بغير إقراع ليس للباقيات بعد الرّجوع الاحتساب عليه بتلك المدّة عندنا.
وقال الشّافعي رحمه الله
(3)
إن سافر ببعضهن بغير إقراع فذلك محسوب عليه في حقّ الأخرى وهذا الفصل بناء على الفصل الأوّل لأنّ الإقراع مستحق عنده فإذا لم يفعل ذلك كانت مدّة سفره نوبة التي كانت معه فينبغي أن يكون عند الأخرى مثل ذلك لتحقّق العدل ولكنّا نقول وجوب التّسوية في وقت استحقاق القسم عليه [وهو مذكور في الكتاب وهو قوله: الا ترى انّ له ان لايستصحب واحدة منهن فكذا له ان يسافر بواحدة منهن]
(4)
، وقد بيّنا أنّه لا حق للمرأة في القسم في حال سفر الزّوج فلا يلزمه مراعاة [النسوة]
(5)
باعتبار تلك المدّة ألا ترى أن في حال الحضر لا فرق بين أن تكون البداية بإقراع أو غير إقراع.
فكذلك في السّفر ولو أقام عند أحديهما شهراً أي في غير حالة السّفر ثم خاصمته الأخرى في ذلك قضى عليه أن يستقبل العدل بينهما وما مضى فهو هدر غير أنه فيه إثم لأنّ القسمة تكون بعد الطّلب من كلّ واحد منهما فما مضى قبل الطّلب ليس من القسمة في شيء والواجب عليه العدل في القسمة فإن عاد للجور بعدما نهاه القاضي أوجعه عقوبة وأمره بالعدل لأنّه أساء الأدب فيما صنع وارتكب ما هو حرام عليه وهو الجور فيعزّر في ذلك ويؤمر بالعدل ولو أنّ عند الرجل امرأة فقد خلت في سنها أي كبرت فأراد أن يستبدل بها شابه فطلبت أن يمسكها ويتزوّج الأخرى ويقيم عند التي يتزوج أيامًا ويقيم عندها يومًا فتزوّج على هذا الشّرط كان جائزًا لا بأس به لقوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا}
(6)
قال علي رضي الله عنه: إنّما نزلت الآية في هذا وإذا كان للرجل امرأة واحدة وكان يقوم باللّيل ويصوم بالنّهار فاستعدت عليه امرأته [واستعدى فلان الأمير على من ظلمه اي استعان به فأعداه عليه اي اعانه عليه ونصره، المغرب
(7)
(8)
فإنّه يؤمر بأن يبيت معها وأن يفطر لها بلغنا عن عمر رضي الله عنه انّه قال لكعب بن سؤر [سور المدينة معروف وبه سمّي والد كعب بن سؤر الأزدي والشين تصحيف، المغرب
(9)
(10)
اقض بينهما فقال: أراها إحدى نسائه الأربع له ثلاثة أيّام ولياليهنّ ولها يوم وليلة.
(1)
القُرعة السُّهْمَة. اقْتَرَع الْقَوْم وتَقارَعُوا وقارَعْتُ بَينهم وأَقْرَعْتُ وقارَعْتُ فُلاناً فقَرَعْتُه أَقْرَعُه: أَي أَصَابَته القُرْعة دوني. انظر: المخصص، لابن سيده (4/ 18).
(2)
يُنْظَر: الأم (5/ 119).
(3)
يُنْظَر: الأم (5/ 120).
(4)
هامش في (ب).
(5)
وفي (ب): (التسوية).
(6)
سورة النساء من الآية: 128.
(7)
يُنْظَر: المعرب (1/ 239).
(8)
هامش في (ب).
(9)
يُنْظَر: المعرب (1/ 239).
(10)
هامش في (ب).
وقصّة هذا الحديث أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فقالت: إن زوجي يصوم ويقوم باللّيل، فقال: نعم الرّجل زوجك، فأعادت كلامها مراراً في كلّ ذلك يجيبها عمر بهذا فقال كعب بن سؤر/: يا أمير المؤمنين إنّها تشكو زوجها في أنّه هجر صحبتها فتعجب عمر من فطنته فقال: اقض بينهما فقضى كعب بما ذكر فولاه عمر قضاء البصرة
(1)
.
ثم في ظاهر الرّواية لا يتعيّن حقّها في يوم وليلة من كل أربع ليال ولكنه يؤمر الزّوج بأن يراعي قلبها ويبيت معها أحيانًا من غير أن يكون في ذلك شيء مؤقت وروى الحسن عن أَبِي حَنِيفَةَ -رحمهما الله- قال إذا كان للرجل امرأة واحدة فاشتغل عنها بالصّيام والقيام او بصحبة الإماء فخاصمته في ذلك قضى القاضي لها بليلة من كلّ أربع ليال لحديث كعب بن سؤر رضي الله عنه ولأن للزّوج أن يسقط حقّها عن ثلاث ليالي بأن يتزوّج ثلاثاً سواها.
وليس له أن يسقط من حقّها أكثر من ذلك.
ووجه ظاهر الرّواية أن القسمة والعدل إنّما يكون عند المزاحمة ولا مزاحمة ههنا حين لم يكن في نكاحه إلا واحدة وهذا لأنّ عند المزاحمة يلحق كلّ واحدة منهما المغايظة بمقامه عند الأخرى فيستحق عليه التّسوية ولايجب ذلك عند عدم المزاحمة كذا في مبسوط
(2)
لأنّها أسقطت حقاً لم يجب بعد فلا يسقط لأنّ الإسقاط إنما يتحقق في القائم فيكون رجوعها امتناعاً فصار بمنزلة العارية وللمعير أن يرجع متى شاء لما قلنا فكذا هذا كذا في مبسوط
(3)
فخر الإسلام رحمه الله والله اعلم.
كتاب الرضاع
لم يذكر عامة مسائل الرضاع في فصل المحرمات وأتى بكتاب له على حدة لما أنّ أحكاماً جمة مخصوصة به لا يشاركه فيها غيره ثم المعنى في تحريم الرضاع ما هو المعنى في تحريم المصاهرة بل أولى لأنّ الأصل في التّحريم فيهما هو [الحرمه]
(4)
ثم الوطئ هناك قد يكون معلقاً وقد لا يكون لاسيّما في حق أسبابه من التقبيل والمعانقة بشهوة ولا جزية فيها أصلاً فحرم هنا باعتبار شبهة الجزية وإقامة الأسباب مقام الجزئية [وهاهنا الجزية]
(5)
ثابتة يقينًا لما أنّ اللبن الذي هو جزء الآدمي يحصل به إثبات اللّحم وإنشاز العظم وإليه أشار رسول الله عليه السلام فقال: «الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ»
(6)
فكان التّحريم به أولى.
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب النفقة على العيال (2/ 688)، وعبدالرزاق في مصنفه، باب حق المرأة على زوجها وفي كم تشتاق (7/ 148) برقم (12587)، وقال صالح آل الشيخ في التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل (ص 138):"صحيح. أورده الحافظ في " الإصابة" في ترجمة كعب هذا، وذكر عن ابن عبد البر أنه خبر عجيب مشهور. وأنه قال: رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في "مصنفه" من طريق محمد بن سيرين، ورواه الشعبي أيضاً".
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 221).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 221).
(4)
وفي (ب): (الجزية).
(5)
ساقط من (ب).
(6)
أخرجه أبو داود في النكاح، باب: رضاعة الكبير: (2/ 549)، من حديث أبي موسى الهلالي عن أبيه قال أبو حاتم: مجهولان، وأخرجه البيهقي:(7/ 461) من وجه آخر تلخيص الحبير: (4/ 4)، رواه الطبراني في معجمه الكبير (9/ 92) رقم (8500) وفيه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي وهو ثقة ولكنه اختلط، يُنْظَر: مجمع الزوائد، باب في الرضاع (4/ 481).
ثم الرضاع لغة مصّ اللّبن من الثّدي وجعل في الدّيوان فتح الراء أصلاً والكسر لغة فيه وجعل الفعل من باب علم أصلاً وكونه من باب ضرب لغة فيه وهو لغة أهل نجد ومنه قول السّلولي
(1)
على هذه اللغة شعر:
وذَمُّوا لنا الدنيا وهم يَرْضِعونَها
…
أَفاويقَ حتى ما يَدِرُّ لها ثَعْلُ
(2)
الفيقة بالكسر اسم اللّبن الذي يجتمع بين الحلبتين صارت الواو بالكسرة ما قبلها والجمع فيق ثم أفواق ثم أفاويق الثعل زيادة في الإختلاف أي الضروع بهذا نهجوا العلماء وإنما ذكر الثعل للمبالغة في الإرتضاع فإن الثعل لا يدر في الشّريعة عبارة عن مص شخص مخصوص وهو أن يكون صبياً رضيعًا من ثدي مخصوص وهو ثدي الآدمية في وقت مخصوص وهو ما يذكر بعد قوله لا يثبت التّحريم إلا بخمس رضيعات يكتفي الصبي بكل واحدة منهاكذافي الْمَبْسُوطِ
(3)
لقوله عليه السلام: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ»
(4)
المصّة من فعل الرضيع والإملاجة من فعل المرضع يقال ملج الصبي أمّه من باب علم أي رضعها وأملجت المرأة الصبي أي أرضعته.
ثم وجه التمسك له بهذا الحديث لا يتم إلا بنفي مذهبنا وهو ثبوت حرمة الرضاع وإن قلّ الارتضاع لكن لما انتفى به مذهبنا يثبت مذهبه ضرورة لعدم القابل بالفصل أي بين القليل وبين خمس رضعات.
وقول من قال من أصحاب الظّواهر بثلاث رضعات غير معتبر فلا يقدح له في وجه التمسك به كما ذكرنا ويتمسك أيضاً بحديث عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: كان فيما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس رضعات معلومات يحرمن وكان ذلك مما يتلى بعد رسول الله عليه السلام
(5)
، ولنا قوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}
(6)
الآية، أثبتت الحرمة بفعل الإرضاع فاشتراط العدد فيه يكون زيادة على النص ومثله لا يثبت بخبر الواحد وفي حديث علي رضي الله عنه أنّ النبي عليه السلام قال:«الرَّضَاع قَلِيلُه وَكَثِيرُه سَوَاء»
(7)
يعني في إيجاب الحرمة ولأنّ هذا سبب من أسباب التّحريم فلا يشترط فيه العدد كالوطئ.
(1)
السّلولي: هو عبدالله بن همّام بن نبيشة بن رياح السّلولي، من بني مرة بن صعصعة: شاعر إسلامي وكان يقال له "العطار" لحسن شعره. ومات سنة (100 هـ).
يُنْظَر: الشعر والشعراء (2/ 637 - 639)، الأعلام (4/ 143).
(2)
الأفاويق: ما اجتمع من الماء في السحاب، كذلك من اللبن في الضرع. ثَعْلُ: حلمة الثدي. الثُعْلُ بالضم: خِلْفٌ زائدٌ صغير في أَخْلافِ الناقة وفي ضرع الشاة، يقال: ما أبينَ ثُعْلَ الشاةِ. والجمع ثُعولٌ. والبيت من بحر (الطويل).
يُنْظَر: شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات (1/ 270)، حماسة الظرفاء (1/ 29)، الصحاح (4/ 1646).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 134).
(4)
رواه مسلم كتاب الرضاعة باب في المصة والمصتين (2/ 1073) برقم (1450، 1451).
يُنْظَر: نصب الراية (3/ 217)، الدراية (2/ 68).
(5)
رواه مسلم كتاب الرضاعة باب رضاعة الكبير (2/ 1075) برقم (1452).
(6)
سورة النساء من الآية: 23.
(7)
رواه عبدالرزاق في مصنفه (6/ 101)، النسائي في كتاب النكاح باب القَدْر الَّذي يُحرّم من الرَّضاعة برقم (3311) بلفظ:«يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ» ، والدار قطني (5/ 302)، ابن أبي شيبة (3/ 548)، الطبراني (9/ 341) وغيرهم.
وأمّا حديث عائشة رضي الله عنها فضعيف جدًا لأنّه إذا كان متلوًا بعد رسول الله عليه السلام ونسخ التلاوة بعد رسول الله عليه السلام لا يجوز فلماذا لايتلى الآن.
وذكر في الحديث دخل داجن البيت فأكله وهو يقوي قول الروافض فإنّهم يقولون كثير من القرآن ذهب بعد رسول الله عليه السلام ولم يثبته الصّحابة في المصحف وهو قول باطل بالإجماع ثمّ لو ثبت هذا الحديث إنّما كان ثبوته في الوقت الذي كان إرضاع الكبير مشروعًا لما أنّ إنبات اللّحم وإنشاز العظم في حق الكبير لا يحصل بالرّضعة الواحدة، فكان العدد فيه مشروعًا ثم انتسخ بانتساخ حكم إرضاع الكبير كذا في الْمَبْسُوطِ
(1)
«يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»
(2)
فالنبي عليه السلام شبه هذه الحرمة بحرمة النّسب وتلك الحرمة لم تعلق بتكرّر السّبب وهو الوطئ بل يثبت بنفس الوطئ والنكاح فدّل السّببية على أن لا عبرة لتكرار المصّة كذا في مبسوط فخر الإسلام.
قوله: رحمه الله وإن كانت لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ
(3)
جواب سؤال مقدّر بأن يقال ينبغي أن لا يثبت الرّضاع بالقليل لما أن تحريم الرضاع انما كان لإنشازه العظم وإنباته اللّحم [كما جاء في الحديث. وفي القليل لا يثبت ذلك فلا يوجب الحرمة فأجاب عنه بقوله لكنّه أمر باطن أي إنشاء العظم وإنبات اللحم]
(4)
فكذلك تعلق الحكم بفعل الإرضاع كما في السّفر والنّوم والإنشاز بالزّاي المهملة الإحياء وفي التنزيل قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}
(5)
ومنه «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا أَنْشَرَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ»
(6)
أي قواه وشده كان أحياه.
ويروى بالزّاء كذا في المغرب
(7)
.
وقال زفر رحمه الله ثلاثة أحوال أي ثلاث سنين لأنّ الحول [حسن]
(8)
للتّحول أي الحول صالح للتحول من حال إلى حال كما في أجل العنين وهذا لأنّ الطّباع أربع من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فلا تتبدّل العادة بالفصال إلابسنّة فكان الحول صالحًا للزّيادة على الحولين فقدرت الزّيادة به أي بالحول وهذا معنى ما قال في الكتاب إلى هذا أشار في الأسرار.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 134).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 523).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
سورة عبس من الآية: 22.
(6)
سبق تخريجه (ص 306).
(7)
يُنْظَر: المغرب (1/ 464).
(8)
زيادة من (ب).
ولزفر-رحمه الله وجه آخر فيه وهو أن يقول لما ثبت مدّة الرضاع بحولين ونصف كما قال أبو حنيفة رحمه الله فلابدّ من الزّيادة عليها بشيء لأنّ الصّبي لا يتعود أكل الطّعام بعد الفطام بمرّة واحدة فاعتبرت تلك الزّيادة بأقل مدة الحمل وهو ستّة أشهر وتعيين ذلك للمعنى يجيء فلذلك كانت ثلاث سنين لهما قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ}
(1)
الآية والأوجه التمسّك لهما ما ذكرفي الْمَبْسُوطِ
(2)
لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}
(3)
ولا زيادة بعد التمام والكمال لما أنّ هذه الآية نصّ في بيان مدّة الرضاع لأنّ سوق الآية له وما ذكر في الكتاب ظاهر لأنّ سوق الآية لإثبات منه الوالدة منه الوالدة على الولد فالتمسّك بالنص الذي سيق لإثبات المدعى أولى وقال الله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}
(4)
ولا رضاع بعد الفصال. وله هذه الآية وهي قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}
(5)
كالأجل المضروب للدينين كما إذا قال لفلان علي ألف درهم وخمسة أقفزة حنطة إلى شهرين يكون الشّهران أجل كلّ واحدة من الدّينين بطريق الكمال إلا أنّه قام المنقص في أحدهما أي في حقّ الحمل والمنقص حديث عائشة رضي الله عنها وهو ما قالت: (الولد لا يبقى في بطن أمّه أكثر من سنتين ولو بفلكه مغزل)
(6)
.
فإن قلت: في النقيص معنى التغيير والزيادة على النص فلا يصحّ تغير موجب الكتاب بخبر الواحد كما لا يصح تخصيصه ابتداء بخبر الواحد لما فيه من نوع تغيير.
قلت: نعم كذلك إلا أنّ الكتاب مؤول والآية المؤولة في إثبات الحكم مثل القياس.
وإنّما قلنا ذلك لأنّ فخر الإسلام رحمه الله جعل الأجل المضروب للمدتين متوزعًا عليهما.
وكذلك عامة أهل التّفسير فكان هو مخالفاً لما ذكر ههنا فقال وفيه إشارة إلى أن أقلّ مدة الحمل ستّة أشهر إذا رفعت مدّة الرضاع ذكره في أوائل أصول الفقه.
(1)
سورة الأحقاف من الآية: 15.
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 134).
(3)
سورة البقرة من الآية: 233.
(4)
سورة لقمان من الآية: 14.
(5)
سورة الأحقاف من الآية: 15.
(6)
الأثر عن عائشة: "الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين
…
". أخرجه الدارقطني (3/ 322)، والبيهقي (7/ 443) بلفظ: "ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عود المغزل .... ". وينظر نصب الراية (3/ 265). ولم نجد الرواية الأخرى، ولم نر من تكلم على إسناده.
وكذا في التّيسير والكشّاف
(1)
وغيرهما روي أن رجلاً تزوّج امرأة فولدت لستة أشهر فجيء بها إلى عثمان رضي الله عنه فشاور في رحمها، فقال ابن عبّاس رضي الله عنه
(2)
: إن خاصمتكم بكتاب الله تعالى خصمتكم قالوا: كيف قال أنّ الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}
(3)
وقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}
(4)
فحملها ستّة أشهر وفصاله حولين وتركها كذا في التّيسير فقدرت بأدنى مدّة الحمل وهي ستّة أشهر؛ لأنّ تلك المدة مدّة تغير الغذاء، فإنّ الولد يبقى في البطن ستّة أشهر ويتغدّى بغذاء الأم، ثم ينفصل فيصير أصلاً في الغذاء فثبت أنّ مدّة تغيّر الغداء ستة أشهر كذا في الإيضاح والمحيط
(5)
، والحديث محمول على مدّة الاستحقاق وإنّما أبهم الاستحقاق لأنّ بعضهم قالوا المراد من قوله عليه السلام:«لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ»
(6)
أي لا يستحق الولد الرضاع بعد الحولين وقال بعضهم المراد من الحديث نفي استحقاق الآجرة وقال في المحيط
(7)
وكثير من المشائخ قالوا أن مدّة الرضاع في حق استحقاق الأجر على الأب مقدّرة بحولين عند الكلّ حتى لا تستحق المطلقة أجرة الرضاع بعد الحولين بالإجماع ويستحق في الحولين بالإجماع وذكر في الأسرار.
وأمّا الحديث فليس فيه بيان الحكم وعينه غير مراد لأنّ الرّضاع عينه بعد الحولين مما يوجد فلئن جاز لهما الحمل على حكم الحرمة جاز لنا أن نحمل على حكم الوجوب وإذا مضت مدّة الرضاع لم يتعلّق بالرضاع تحريم سواء فطم أو لم يفطم وقال بعض النّاس الكبير والصّغير سواء في حكم الرضاع.
واحتجوا بظاهر النّصوص وتقول عائشة رضي الله عنها
(8)
حتى كان إذا أراد أن يدخل عليها أحد من الرجال امرت أختها أم كلثوم أو بعض بنات أختها أن ترضعه خمساً ثم كان يدخل عليها إلا أن غيرها من نساء رسول الله عليه السلام كنّ يأبين ذلك ويقلن لا يرى هذا من رسول الله إلا رخصة لسهلة خاصة حيث قال لها رسول الله عليه السلام: «أَرْضِعِي سَالِمًا خَمْسًا تَحْرُمِينَ بِهَا عَلَيْهِ»
(9)
، ولكنّا نقول انتسخ هذا الحكم بقول رسول الله عليه السلام:«الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ»
(10)
، وذلك في الكبير لا يحصل والصّحابة اتفقوا على هذا ولأنّ الرضيع في اللغة اسم للصّغير دون الكبير لأنّه سمّى به لتربيه باللبّن لا لوجود الفعل.
(1)
يُنْظَر: الكشاف (3/ 521).
(2)
رواه عبدالرزاق في مصنفه (7/ 371).
(3)
سورة الأحقاف من الآية: 15.
(4)
سورة البقرة من الآية: 233.
(5)
يُنْظَر: المحيط (3/ 70).
(6)
رواه الدار قطني (5/ 306)، البيهقي (7/ 755) بلفظ:"لا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ". قال ابن حجر: إِسْنَادُه صَحِيحٌ. يُنْظَر: نصب الراية (3/ 218)، البدر المنير (8/ 272)، إتحاف المهرة (7/ 384).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 70).
(8)
رواه أبو داود كتاب النكاح باب فيمن حرم به برقم (2061)، مالك في الموطأ (2/ 603)، عبدالرزاق في مصنفه (7/ 459)، ابن أبي شيبة (3/ 548)، البيهقي (7/ 756).
(9)
رواه مسلم كتاب الرضاعة باب رضاعة الكبير (2/ 1076) برقم (1453) دون العدد بلفظ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ سَالِمًا، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ، فَأَتَتْ - تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ - النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ. وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا. وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا. وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ» فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ. فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ. وفي مسند أحمد برقم (25913)(43/ 86) بلفظ: "أَرْضِعِي سَالِمًا تَحْرُمِي عَلَيْهِ".
(10)
سبق تخريجه (ص 306).
ألا ترى أن الكبير لا يسمّى رضيعًا وإن شرب اللّبن ولما لم يكن هو رضيعًا لم تكن المرأة مرضعة واسم الرّضيع بمنزلة اسم الصبي يزول بالكبر [وإن كان الكبير]
(1)
قد يتصابى وروي أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه سئل عن رضاع الكبير فأوجب الحرمة ثم أتوا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فسألوه عن ذلك فقال: أترون هذا الأشمط رضيعًا فيكم، فلما بلغ أبا موسى حلف أن لا يفتي مادام عبد الله فيهم، وفي رواية: فقال أبو موسى: «لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَادَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ»
(2)
.
وهذا كاسم المأكول لا يطلق على ما لا يتغدى به وإن أكل بل يقال فلان أكل غير مأكول ويطلق على المأكول وإن لم يؤكل لأنّه صالح للتغدي فكذلك اسم الرّضيع للصّغير الذي تربيه باللّبن لضعفه وإن ربي بشيء آخر كذا في الْمَبْسُوطِ
(3)
والأسرار ولا يعتبر الفطام قبل المدّة يعني إذا فطم الصبي قبل أن يمضي الحولان ثم يسقى بعد ذلك لبن امرأة قبل أن يمضي الحولان فهو رضاع بالإجماع في ظاهر الرّواية.
وكذلك لو فطم قبل أن يمضي حولان ونصف على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله ثم أرضع في تلك المدّة فهو رضاع أيضاً على قوله في ظاهر الرواية.
وروى الحسن عن أَبِي حَنِيفَةَ -رحمهما الله- قال هذا إذا لم يتعود الصّبي الطّعام حتّى لا يكتفي به بعد هذا الطّعام.
وأمّا إذا صار بحيث يكتفي بالطّعام لا تثبت الحرمة برضاعه؛ لأنّه بعدما صار بحيث يكتفى بالطّعام فاللّبن بعده لايغذيه، فلا يحصل به معنى البعضية كذا في الْمَبْسُوطِ
(4)
قيل لا يباح وفي طريقة أبي اليسرلا يباح شربه للطّفل إذا استغنى.
فإن قيل: يجوز للدّواء قلنا بعض علمائنا لم يجوّزوا بعضهم جوّزوا إذا علم أنّه يزول به الرمد كذا ذكره الإمام التمرتاشي-رحمه الله للحديث الذي روينا وهو قوله عليه السلام: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»
(5)
قوله من الرّضاعة في قوله إلا أم أخته من الرضاعة جاز أن يتعلّق بالأم [وجاز أن يتعلّق بالأخت]
(6)
وجاز أن يتعلّق بهما أما صورة تعلقه بالأم فهو أن يكون لرجل أخت من النّسب ولها أمّ من الرضاعة فإنّه يجوز له أن يتزوّج أم أخته التي كانت أمّها من الرضاعة فأمّا صورة تعلّقه بالأخت فبان يكون له أخت من الرّضاعة ولها أمّ من النّسب فإنّه يجوز أن يتزوّج أمّ أخته التي كانت أمّها من النّسب.
(1)
ساقط من (ب).
(2)
رواه مالك في الموطأ (2/ 607)، عبدالرزاق في مصنفه (7/ 463)، البيهقي (7/ 759)، وصححه الألباني في الإرواء عند رقم (1683)(6/ 128).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 136).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 137).
(5)
سبق تخريجه (ص 75).
(6)
ساقط من (ب).
وأمّا صورة تعلّقه بهما فبأن يجتمع الصبي والصبيّة الأجنبيان في ثدي امرأة أجنبية وللصبية أم أخرى من الرضاعة فإنّه يجوز لذلك الصّبي أن يتزوّج أم أخته التي كانت الأم من الرضاعة التي انفردت بها رضيعًا.
وذكر في المحيط
(1)
قال أصحابنا رحمه الله وما يتعلّق به التّحريم في النّسب يتعلّق به في الرضاع إلا في مسألتين أحديهما أنّه لا يجوز للرجل أن يتزوّج أم أخته من النّسب ويجوز في الرضاع وإنّما كان كذلك لأنّ في النّسب إن كانا أخوين لأمّ وأمّ الأخ أمة وإن كانا أخوين لأب فأمّ الأخ امرأة أبيه وهذا المعنى معدوم في الرّضاع والمسألة الثّانية فإنّه لا يجوز للرجل أن يتزوّج أخت ابنه من النّسب ويجوز في الرضاع وإنّما كان كذلك لأن أخت ابنه من النّسب إن كانت منه فهي ابنته وإن لم يكن منه فهي ربيبة وهذا المعنى لا يتأتى في الرضاع حتّى أن في النّسب لو لم يوجد أحد هذين المعنيين فإنّه يجوز إن كانت جارية بين شريكين جاءت بولد فادعياه حتّى ثبت النسب فيهما ولكلّ واحد منهما ابنة من امرأة أخرى جاز لكلّ واحد من الموليين أن يتزوّج بابنة شريكه وإن كان كلّ واحد من الموليين متزوّجًا بأخت أبنه من النّسب وفي غيرها بين المسألتين فحكم الرضاع وحكم النّسب سواء.
قوله: ولا يجوز ذلك من النّسب
(2)
، وقد ذكرنا صورة ما يجوز ذلك من النّسب على ما ذكرنا من الجارية المشتركة فعلم بذلك أنّه غير مجرى على إطلاقه لما روينا إشارة إلى قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النّسب لإسقاط اعتبار التبني فإن حليلة الابن المتبنى كان حراماً في الجاهليّة.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون لإسقاط حليلة ابن الرضاع أو لإسقاطهما فما وجه ترجيح جانب حليلة الابن المتبنى في الإسقاط.
قلنا: حرمة حليلة ابن الرضاع ثابتة بالحديث المشهور وهو قوله عليه السلام: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»
(3)
فحملناه على حليلة الابن المتبنى لكيلا يلزم التّدافع بين موجب الكتاب والسنّة المشهورة ولبن الفحل هذا من قبيل إضافة الشّيء إلى سببه؛ لأنّ سبب اللّبن إنّما هو الفحل على ما ذكر في آخر هذه المسألة فأقيمت للأسباب في باب الحرمات مقام المسبّب كما أقيم المسّ بشهوة مقام [الوطئ]
(4)
وحرمة المصاهرة «لِيَلِجْ عَلَيْكِ أَفْلَحُ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ مِنْ الرَّضَاعَةِ» ، فإنّ عائشة رضي الله عنها ارتضعت من امرأة قُعَيْس وكان اسم أخ قعيس أفلح فلما كانت تلك المرأة أمًا لها [كان زوجها أباً لها]
(5)
، وأخو الزّوج عمًا لا محالة فإنّ عائشة قالت يا رسول الله:«إنَّ أَفْلَحَ بن أَبِي قُعَيْسٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَّا فِي ثِيَابٍ فَضْلٍ فَقَالَ: لِيَلِجْ عَلَيْكِ أَفْلَحُ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَقُلْتُ: إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ لَا الرَّجُلُ قال: فلِيَلِج علَيْك فَإِنَّهُ عَمُّك»
(6)
، والعمّ من الرضاعة لا يكون إلا باعتبار لبن الفحل كذا في الْمَبْسُوطِ
(7)
ولأنّه سبب لنزول اللّبن منها فيضاف إليه في موضع الحرمة احتياطاً.
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 68).
(2)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 67).
(3)
سبق تخريجه (ص 75).
(4)
وفي (ب): (الولد).
(5)
ساقط من ب).
(6)
رواه البخاري في كتاب باب (7/ 38) برقم (5239) بلفظ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:«إِنَّهُ عَمُّكِ، فَأْذَنِي لَهُ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي المَرْأَةُ، وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ عَمُّكِ، فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ» قَالَتْ عَائِشَةُ: وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ عَلَيْنَا الحِجَابُ، قَالَتْ عَائِشَةُ:«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الوِلَادَةِ» ، مسلم كتاب الرضاعة باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل (2/ 1070) برقم (1445). يُنْظَر: نصب الراية (3/ 220)، الدراية (2/ 68).
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 132).
فإن قلت: لاشكّ أن السّبب الذي أقيم مقام المسبب في إثبات الحكم كان أدنى [حال]
(1)
من المسّبب الذي هو الأصل في إثبات الحكم.
ألا ترى أنّ المسّ بشهوة أقيم مقام الوطئ في إيجاب حرمة المصاهرة باعتبار أنّه سبب الوطئ وثبوت حرمة المصاهرة بالوطئ الحلال حكم ثابت بإجماع بيننا وبين الشّافعي-رحمه الله وفي المسّ بشهوة على الاختلاف وإن كان المسّ حلالاً وما ذاك إلا أضعف السّبب وقوة المسبّب ثم ههنا لو ارتضع الصبي من ثُنْدُوَةِ
(2)
الرجل نفسه إذا نزل له اللّبن لا يثبت حرمة [المصاهرة]
(3)
فكيف يثبت منه بارتضاع اللّبن الحاصل بسببه ولا يثبت من اللّبن الحاصل من نفسه.
قلت: افتراق الحكم لافتراق الوصف وذلك لأنّ المعنى الذي لأجله يثبت الحرمة بسبب الرضاع لا يوجد في إرضاع الرّجل فإنّ ما نزل من ثندوته ولا يتغدى به الصبي ولا يحصل به إنبات اللّحم وهو نظير وطئ الميتة في أنّه لا يوجب حرمة المصاهرة وإن كان المسّبب موجودًا إلى هذا أشار في الْمَبْسُوطِ
(4)
.
ثم اعلم أنّ ههنا دقيقة لابدّ من معرفتها وعن إهمالها وقع بعضهم في الخطأ وهي أن من شرط لبن الفحل أن يكون لبن المرأة بسبب الولادة أو الحمل من زوجها حتّى أنّه لو نزل لها لبن بدون الولادة أو الحمل من زوجها كما ينزل للبكر كان ذلك اللّبن لبن المرأة خاصّة لا لبن الزّوج وإن كانت تلك المرأة تحت زوجها.
وتفسير ذلك ما ذكره في الذّخيرة والمحيط
(5)
فقال امرأة ولدت من زوج وأرضعت ولدها ثم يبس ثم درّ لها اللّبن بعد ذلك فأرضعت صبيًّا أنّ لهذا الصّبي أن يتزوّج بأبنة هذا الرجل من غير هذه المرأة قال وليس هذا بلبن الفحل وكذلك إذا تزوّج امرأة ولم تلد منه قط ثم نزل لها اللّبن فإنّ هذا اللّبن من هذه المرأة دون زوجها حتّى لو أرضعت صبيّة لا تحرم هي على ولد هذا الزّوج من غير هذه المرأة ولو زنى بامرأة فولدت منه فأرضعت بهذا اللّبن صبيّة لا يجوز لهذا الزّاني أن يتزوّج بهذه الصبية ولا لابيه ولا لأبناء أولاده لوجود البعضية بين هؤلاء وبين الزّاني فحصل من هذا أن يفسر لبن الفحل أن المرأة إذا أرضعت بلبن حدث من حمل رجل فذاك الرجل أبو الرضيع لا يحلّ لذلك الرجل نكاحها إن كان أنثى وكذلك إذا كان لرجل امرأتان وحملتا منه فأرضعت كلّ واحدة منهما صغيراً فقد صارا أخوين لأب فإن كان أحدهما أنثى لا يحلّ النكاح بينهما وإن كانا اثنتين لا يحلّ الجمع بينهما لأنّهما أختان لأب لأنّه يجوز أن يتزوّج بأخت أخيه من النّسب بأن كان له أخ لأب وأخت لأمّ فلأخيه لاب أن يتزوّج أخته لأمّ لأنّه لا نسب بينهما موجب للحرمة فكذلك في الرضاع كذا في الْمَبْسُوطِ
(6)
، وكلّ صبيين اجتمعا غلب الصبيّ على الصّبية لأنّ المذكّر أبدًا يغلب على المؤنث وكما في القمرين ثم لم يرد من الاجتماع هنا الاجتماع من حيث الزّمان ولا من حيث التبني والتسري بل المراد من الاجتماع اجتماعهما في امرأة واحدة ارتضاعاً على ثدي واحدة على الإضافة أي على ثدي امرأة واحدة حتّى لو اجتمعتا في ضرع بهيمة واحدة لا يحرم أحدهما على الآخر على ما يجيء فكان هو بمنزلة طعام أكلاه من إناء واحد وذكر في الْمَبْسُوطِ
(7)
حكاية في هذا وقال ومُحَمَّد بن إسماعيل
(8)
-رحمهما الله- صاحب الإخبار كأن يقول يثبت به حرمة الرضاع فإنّه دخل بخارى في زمن الشّيخ أبي حفص الكبير
(9)
رحمه الله وجعل يفتي فقال له الشّيخ لا تفعل فلست هنالك فأبى أن يقبل نصيحته حتّى استغنى عن هذه المسألة إذا ارتضع صبيّان بلبن شاة فأفتى بثبوت الحرمة فاجتمعوا وأخرجوه من بخارى لسّبب هذه الفتوى وهذا لأن ثبوت الحرمة بطريق الكرامة وذلك يختصّ بلبن الآدميّة دون لبن الأنعام ولا يتزوّج المرضعة أحدًا من ولد التي أرضعت المرضعة بصيغة اسم المفعول وبالرّفع على الفاعليّة ونصب أحدًا على المفعولية من ولد التي على طريق الإضافة هذا هو الأصل من النّسخ وفي نسخة أخرى ولا يتزوّج المرضعة أحد من ولد التي أرضعت بعكس الأولى في الفاعليّة والمفعولية وهذا أيضاً صحيح فكان كلاهما بخط شيخي رحمه الله ونسختان آخريان ليستا بصحيحتين وهما بعد صيغة اسم الفاعل في المرضعة كونها فاعلة أو مفعولة على ما ذكرنا ولكن على هذين التّقديرين لا بدّ أن يكون قوله من الولد الذي أرضعته معرفاً باللام وإذا اختلط اللّبن بالماء واللّبن هو الغالب تعلّق به التّحريم وكذا لو خلط بالدّواء أو بلبن البهيمة فالعبرة للغالب وفسّر الغلبة مُحَمَّد-رحمه الله فقال إن لم يغيّر الدّواء اللّبن تثبت الحرمة وإن يغيّر لا تثبت وقال أَبُو يُوسُف-رحمه الله أن غُيِّر طعم اللّبن ولونه لا يكون رضاعاً وإن غير أحدهما دون الآخر يكون رضاعًا وقيل على قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إذا جعل اللّبن في دواء أو خلط بالماء لا يثبت الحرمة بكل حال كذا في فتاوى قاضي خان
(10)
[وإذا غلب الماء لم يتعلّق به التحريم خلافاً للشّافعي فإنه عنده قدر ما يحصل به خمس رضعات من اللّبن]
(11)
إذا جعل في جب من الماء فشربه الصبي يثبت به الحرمة كذا في الْمَبْسُوطِ
(12)
، ونحن نقول المغلوب غير موجود حكمًا حتّى لا يظهر بمقابلة الغالب.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
ثدن، ثند، دثن: مستعملة.
ثند: قَالَ اللَّيْث: الثُّنْدُوَةُ لحمُ الثَّدَي. وَقَالَ ابْن السّكيت: هِيَ الثَّنْدُوَةُ اللَّحْم الَّذِي حول الثدي للْمَرْأَة. ثُندوة الثَّدْي، وَهِيَ رأْسه، فَقَدَّمَ الدَّالَ عَلَى النُّونِ مِثْلَ جَذَبَ وَجَبَذَ، وَاللَّهُ أَعلم،.
يُنْظَر: تهذيب اللغة (14/ 64)، الصحاح (5/ 2088)، مختار الصحاح (1/ 48)، لسان العرب (13/ 78).
(3)
وفي (ب): (الرضاع).
(4)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 139).
(5)
يُنْظَر: المحيطالبرهاني (3/ 69).
(6)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 133).
(7)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 139).
(8)
مُحَمَّد بن إسماعيل: هو أبو عبدالله مُحَمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة وقيل بزرويه وقيل بن الأحنف الجعفي مولاهم أبو عبدالله البخاري. صاحب الصحيح الإمام المشهور، ولد سنة (194 هـ)، مات سنة (256 هـ). يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (12/ 391 - 471)، تهذيب التهذيب (9/ 47).
(9)
أبو حفص الكبير: هو أَحْمد بن حفص أبو حفص الكبير البخاري
…
أخذ العلم عن مُحَمَّد بن الحسن، وله أصحاب كثير ببخارى. قال شمس الْأَئِمَّة قدم مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح بخارى فى زمن أبي حَفْص الْكَبِير. يُنْظَر: جواهر المضية (1/ 67)، تاج التراجم (1/ 94).
(10)
يُنْظَر: البحر الرائق (3/ 245).
(11)
ساقط من (ب).
(12)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 140).
فإن قيل: إن اعتبرت جهة الحكم لم تثبت به حرمة الرضاع وإن اعتبرت الحقيقة تثبت لأنّ اللبن موجود حقيقة وإن قل فعند التعارض ترجح الحرمة احتياطاً.
قلت: التعارض لم يثبت لأنّ التعارض عبارة عن تقابل الحجّتين على السّواء.
وههنا لم تثبت المساواة بينهما لما أنّ للغالب فضلاً ذاتياً وللمغلوب فضلاً حالياً وهو جهة الحرمة فكان الترجيح لمعنى راجع إلى الذّات لا لمعنى راجع إلى الحال.
فإن قيل: يشكل هذا بما إذا وقعت قطرة من الدّم أو الخمر في جبّ من ماء نجسة وإن كان الماء غالباً حقيقة.
قلنا: الماء لما لم يكن غالباً حكما بأن كان عشراً في عشر فهو في حكم القلّة فلمّا كان الماء أقلّ من عشر في عشر كان قليلاً والنّجاسة أيضاً قليلة فتعارضا فترجح جانب النّجاسة لظهور أوان التّرجيح بمعنى راجع إلى الحال وهو الحرمة عملاً بالاحتياط بخلاف اللبن فإنّه لم يرد التقدير فيه فيعتبر جانب الحقيقة لانعدام التّعارض لما ذكرنا أنّ الرّجحان بالذّات سابق على الرجحان بالحال هكذا نقل من فوائد مولانا الإمام حميد الدّين الضّرير
(1)
رحمه الله كما في اليمين وهو أنّه لو حلف لا يشرب اللّبن فشرب لبنًا مخلوطًا بالماء والماء غالب على اللّبن لا يحنث ولأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أنّ الطّعام أصل إلى آخره ولأنّ إلقاء الطّعام في اللّبن يغيره. ألا ترى أنه بِرِقِّ به وربّما يتغيّر به لونه فكان بمنزلة ما لو غيّرته النّار.
قوله: رحمه الله هو الصّحيح احتراز عن قول بعضهم في قول أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فقالوا هذا عنده إذا كان لا يتقاطر اللّبن من الطّعام عند حمل اللّقمة فأمّا إذا كان يتقاطر منه اللّبن تثبت به الحرمة عنده لأن القطرة من اللّبن إذا دخلت حلق الصّبي كانت كافية لإثبات الحرمة والأصحّ أنّه لا تثبت على كلّ حال عنده لأن التغذي كان بالطّعام دون اللّبن كذا في الْمَبْسُوطِ
(2)
يتعلّق التحريم بهما لإنّ الشيء يتكثر بجنسه ولا يصير مستهلكًا به وأصل المسألة في الأيمان وهو ما إذا حلف لا يشرب من لبن هذه البقرة فخلط لبنها بلبن بقرة أخرى فشربه فهو على الخلاف الذي بيّنا فأوجر الصّبي تعلّق به التّحريم خلافاً للشّافعي
(3)
الوجور الدواء الذي يصب في وسط الفم يقال أوجرته ووجرته وهذا الخلاف بيننا وبين الشّافعي رحمه الله بناء على أصلين:
(1)
حميد الدّين الضّرير: هو علي بن مُحَمَّد بن علي، حميد الدّين الضَّرِير الرامشي، البخاري، الإِمَام الْمَشْهُور الْمَذْكُور بحميد الْملَّة وَالدّين. له تصانيف، منها "الفوائد" الحاشية على الهداية في الفقه، مات سنة (666 هـ)
يُنْظَر: الجواهر المضية (2/ 369)، تاج التراجم (1/ 215).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 140).
(3)
يُنْظَر: روضة الطالبين (11/ 35).
أحدهما أنّ اللّبن لا يموت عندنا لأنّه لا حياة فيه.
ألا ترى أنّه يحلب في حالة الحياة من الحيوان فيكون ظاهراً وما فيه الحياة إذا بان من الحيّ يكون ميتًا فإذا لم يكن في اللّبن حياة لا يتنجس بالموت بل عند أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يبقى طاهراً وعندهما ينجس بنجاسته الوعاء كما في أنفجة الميت فكأنه حلب لبن امرأة في قارورة نجسة فأوجر به صبي فتثبت به الحرمة.
وعند الشّافعي-رحمه الله اللّبن يموت فيكون نجس العين وثبوت حرمة الرضاع باعتبار معنى الكرامة فلا يثبت بما هو نجس العين
(1)
.
والثّاني أن عنده الفعل الذي هو حرام لعينه وهو الزنى لا يوجب حرمة المصاهرة لأنّ ثبوتها بطريق الكرامة فكذلك إيجار لبن الميتة حرام فلا تثبت به الحرمة ثمّ قاس لبن الميتة بوطئ الميتة ولكن عندنا الفعل وإن كان حراماً يثبت به الحرمة إذا تحقق فيه المعنى الموجب للحرمة ولهذا أثبتنا الحرمة بالزنا لأنّ معنى البعضية لا ينعدم به حقيقة فكذلك ههنا ثبوت الحرمة باعتبار أنّ اللّبن يغذي الصّبي فيتقوى به ولو سلّمنا له حرمة اللّبن بالموت فبالحرمة لا يخرج من أن يكون مغذياً.
ألا ترى أنّ لحم الميتة مغذ، فكذلك لبنها وبه فارق وطئ الميتة لأنّ معنى البعضية ينعدم منه أصلاً وشبه اللّبن بالبيضة فإن بالموت لا يخرج البيضة من أن تكون مغذية.
فكذلك اللّبن كذا في الْمَبْسُوطِ
(2)
، وهذه الحرمة تظهر في الميتة دفنًا وتتميماً هذا جواب عن حرف الخصم وهو قوله بالموت لم يبق محلاً بها يعني لا تظهر فائدة حرمة الرضاع في حقّ الميتة وهي الأصل فكذلك لم يثبت لهذا الإيجار حرمة الرضاع فأجاب عنه بهذا وقال بل بقيت في حقّ الميتة أيضاً فائدة وهي في حقّ دفن هذه الميتة وتتميمها بأن كان لهذه المرضعة التي أوجر لبن هذه الميتة في فمها زوج فإن لهذا الزّوج يجوز أن يدفن ويتمم الميتة لما أنّ زوج الصّغيرة هذه صار محرمًا لها بالصّهرية بسبب هذا الإيجار لأنّ الميتة تكون أم المرأة وإذا احتقن الصبي باللّبن صوابه حقن لا احتقن.
يقال حقن المريض داواه [بالحقنة]
(3)
، وهي دواء يجعل في خريطة من أدم يقال له المحقنة و قولهم: احتقن الصبي بلبن أمّه بعيد واحتقن بالضم غير جائز.
وإنّما الصّواب حُقِنَ أي عولج بالحقنة كذا في المغرب
(4)
ولكن ذكرفي (تاج المصادر)
(5)
الاحتقان حقنة كردن فجعله متعدّياً فعلى هذا يجوز استعماله على البناء للمفعول وهو الأكثر في استعمال الفقهاء لأنّه ليس بلبن على التّحقيق ثم تسميته لبنًا بقوله وإذا نزل للرّجل لبن لتصوّره بصورة اللّبن كما يقال دم السّمك مع أنّه ليس بدم على التحقيق لتصوره بصورة الدّم وهذا لأنّ اللّبن إنّما يتصور ممّن يتصوّر منه الولادة فلا يتصوّر الولادة من الرجل فلذلك لم يتصوّر نزول اللّبن منه على التّحقيق.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 139).
(2)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 140).
(3)
وفي (ب): (بالحقيقة).
(4)
يُنْظَر: المغرب (1/ 124).
(5)
تاج المصادر في اللغة: لأبي جعفر: أحمد بن علي المعروف: بجعفرك المقري البيهقي المتوفى: سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وهو مجلد أوله: (الحمد لله رب العالمين حمدا يفوق حمد الشاكرين
…
الخ). جمع فيه: مصادر القرآن ومصادر الأحاديث وجردها عن: الأمثال والأشعار وأتبعها: الأفعال التي تكثر في دواوين العرب، يُنْظَر: كشف الضنون (1/ 269).
وإنّما قلنا ذلك لأنّ الله تعالى خلق اللّبن في أصله لغذاء الولد لعدم احتماله سائر الأطعمة والأشربة في ابتداء حاله ليقوم هو مقام الطّعام والشّراب فلذلك اختصّ اللّبن على التّحقيق ممّن يتصوّر منه الولادة فأرضعت الكبيرة الصّغيرة حرمتا على الزّوج
(1)
ثمّ إن كان هذا قبل الدّخول بالكبيرة جاز له أن يتزوّج بالصّغيرة لأنها ربيبته ولم يدخل بأمّها ولا يتزوّج الكبيرة أبدًا لأنّها أم امرأته من الرضاع كذا في الإيضاح
(2)
ثم إن لم يدخل الكبيرة فلا مهر لها سواء تعمّدت الفساد أو لم يتعمّد وللصّغيرة نصف المهر وقال مالك-رحمه الله لا يجب لأنّ الفرقة جاءت من قبلها بأن صارت بنتًا للكبيرة فسقط مهرها كما سقط مهر الكبيرة بأن صارت أمّها.
ألا ترى أن مهر الكبيرة يسقط وإن قصدت الحسبة بأن خافت الهلاك على الصّغيرة فإنا نقول أن هذه الفرقة لما صارت بسبب ضمان واستقام الإضافة إلى اسم الأمية والبنتية أضفناها إلى الأمية التي في الأم لأنّها هي المخاطبة دون البنت كذا في الأسرار.
قوله: رحمه الله وَالِارْتِضَاعُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا مِنْهَا
(3)
إلى آخره جواب سؤال مقدّر بأن يقال العلة لثبوت الفرقة هنا ارتضاع الصّغيرة دون الإلقام الذي هو فعل الكبيرة لأن الإلقام سبب والارتضاع علّه فيضاف الحكم إلى العلة لا إلى السّبب فأجاب عنه إن فعلها غير معتبر لأنّها صغيرة.
ألا ترى أن الصّغيرة لو قبلت بورثها لا تحرم عن الميراث وذكر الإمام التمرتاشي رحمه الله.
ولا يقال لولا اختصاصها ما جاءت الفرقة قيل له هي مجبورة على ذلك بحكم الطّبع والكبيرة في إلقام الثّدي في فمها مختارة فأضيف الفساد إليها كمن ألقى حيّه على إنسان فلدغته أن الضّمان على الملقى لأنّ اللّدغ لها طبع حتّى أنّ الصّغيره لو جاءت إلى الكبيرة وهي نائمة فارتضعت بانتا ولكل واحدة نصف المهر ولا يرجع الزوج على أحد.
قوله: رحمه الله لَكِنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا
(4)
.
فإن قيل: يشكل هذا بصغيرة مسلمة تحت مسلم ارتد ابواها ولحقا بها بدار الحرب بانت من زوجها ولا يقضى لها بشيء من المهر ولم يوجد الفعل منها قيل له الردّة محظورة لا إباحة لها بحال من الأحوال وأنّها تعني قام بها حكمًا بخلاف الارتضاع لأنّه لا خاطر له.
(1)
يُنْظَر: بداية المبتدي (1/ 67).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (3/ 183).
(3)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 528).
(4)
يُنْظَر: الهداية شرح البداية (2/ 528).
فإن قيل: يشكل هذا برجل تزوّج امرأة ولم يدخل بها حتّى جاء رجل وقتلها يقضى على الزّوج بالمهر ولا يرجع على القاتل شيء مع أنّ القتل محظور.
قلنا: القصاص وجب على القاتل إن كان القتل عمدًا والقصاص أحد موجبي القتل وإن كان القتل خطأ وجبت الدّية وأنها أحد موجبيّته أيضاً فلا يستوجب شيئاً آخر بسبب قتل واحد وللزّوج نصيب مما هو الواجب فلا يتضاعف حقّه بالتّضمين وأمّا الزّوج فيما نحن بصدده ولا نصيب له من شيء فيضمن من أتلف عليه نصف الصّداق كذا في الفوائد الظهيريّة
(1)
.
وذكر في الأسرار في جواب سؤال الردّة فقال لا يمكن إضافة الفرقة إلى ردة أبويها فإن ردتها في الجملة تنفصل عن ردتهما ولا تبين هي بردتهما وإنّما تبين بردة نفسها فكانت الفرقة لمعنى فيها.
ثم قال في الأسرار هذه مسألة مشكلة ويرجع به الزّوج على الكبيرة إن كانت تعمّدت افساد لأنّ نصف المهر كان على عرضية السقوط بأن قبلت ابن زوجها بعدما صارت مشتهاة وقد أكدته بالإرضاع فتضمن [نصف]
(2)
المهر كما في شهود الطّلاق وكما لو زنى بامرأة ابنه قبل الدّخول بها تقع الفرقة بينهما ويقضى على الاب بنصف الصّداق ويرجع به على ابنه.
فإن قيل: يشكل هذا برجل تحته صغيرتان رضيعتان فجاءت امرأتان لهما لبن من رجل فأرضعت كلّ واحدة منهما حرمتا على الزّوج ولم يغرما شيئاً فإن تعمدتا الفساد قيل له في الفرق بينهما أن فعل الكبيرة هنا يستقل بالإفساد.
فيضاف إليه الفساد وأمّا فعل كلّ واحدة منهما على الانفراد هناك لا يستقل بالإفساد فلا تضاف الفرقة إلى كلّ واحدة من المرأتين يوضحه أنّ الفساد هناك باعتبار الجمع بين الأختين لأنّهما لما ارتضعتا منهما صارتا أختين لأب فالأختيّة قائمة بهما فلا تعدو إلى المرأتين فلا يعتبر بعدتهما وههنا الفساد باعتبار الجمع بين الأم والبنت فالأميّة قائمة بالمرضعة فيعتبر بعدتها لأنها مخاطبة على ما ذكرنا إلى هذا أشار في الْمَبْسُوطِ
(3)
، والفوائد الظهيريّة، ولكن ذكر الإمام المحبوبي-رحمه الله في مسألة وطئ الابن أمرأة أبيه أنّ الأب لا يرجع على الابن وإن قال الابن تعمدت فساد النكاح لما أنّه وجب عليه حدّ الزّنا ولا يغرم شيئاً، وأما لو قتل الابن امرأة أبيه وقال تعمدت فساد النكاح يرجع الأب بما وجب عليه من نصف الصّداق على الابن لأنّه آكد ما كان على شرف السقوط تعديا فيرجع عليه وعن مُحَمَّد رحمه الله أنّه يرجع في الوجهين أي فيما إذا تعمدّت الفساد [ولم يتعمّد]
(4)
لأنّ من أصله أنّ السبب كالمباشر ولهذا جعل فتح باب القفص والاصطبل [في حلّ قيد الابن]
(5)
موجباً للضّمان وفي المباشرة المتعدى وغير المتعدى سواء فكذلك في التسبيب على قوله وعلى قول الشّافعي رحمه الله
(6)
يرجع عليها بمهر مثل المنكوحة لأنّها أتلفت ملك نكاحه فيها وملك النكاح عنده مضمون بالإتلاف حتّى قال في شاهدي الطّلاق [قبل]
(7)
الدّخول إذا رجعا ضمنا [نصف المهر]
(8)
كذا في الْمَبْسُوطِ
(9)
أمّا لأنّ الإرضاع ليس بإفساد للنكاح وضعاً لأنّ وضعه لتربية الصّغير لا لإفساد النكاح ثم لمّا لم يكن الإرضاع سببا للفساد وضعًا كانت المرضعة مسبّبة لا مباشرة فتقيّد الضّمان بقصد الإفساد والتّعدي فيضمن عند التعدي ولا يضمن عند عدمه كحافر البئر في ملك نفسه لا يضمن ما تلف به.
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (11/ 3).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (6/ 69).
(4)
ساقط من (ب).
(5)
وفي (ب): (وكل قيد الآبق).
(6)
يُنْظَر: روضة الطالبين (7/ 114).
(7)
وفي (ب): (بعد).
(8)
وفي (ب): (مهر المثل).
(9)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 142).
بخلاف الحافر في ملك الغير وإنّما يثبت ذلك باتفاق الحال أي إنّما ثبت الفساد هنا [الارضاع]
(1)
لتأدية الإرضاع إلى اجتماع الأم والبنت في ملك رجل واحد نكاحاً لأنّ الإرضاع سبب موضوع للإفساد ولأنّ إفساد النكاح ليس بسبب لإلزام المهر لأنّه غير مضمون بالإتلاف لما أن ملك النكاح ليس بمتقوّم في نفسه لأنّه ليس بملك عين فلا منفعة إنّما هو ملك ضروري لا يظهر إلا في حق الاستيفاء.
ألا ترى أنّه لا يظهر في حق الانتقال إلى الورثة ولا في حق النّقل إلى الغير فكذلك في حق التقوم بالمال فلذلك لم ينهض موجباً للضّمان عند الإتلاف ثم قوله إلا أن نصف المهر يجب بطريق المتعة جواب سؤال يرد على قوله لأنّ إفساد النكاح ليس بسبب لإلزام المهر بأن يقال قلت: إن إفساد النكاح ليس بسبب لإلزام المهر فلا يكون ملزمًا على الزوج شيئاً فقد انتقض قولك بوجوب نصف المهر عند الإفساد فعلم بهذا أنّ الإفساد ملزم شيئاً على الزّوج.
فأجاب عنه بهذا وتفسير الجواب هو أنّ وجوب نصف المهر بطريق المتعة والمتعة تجب ابتداء بالنص بقوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ}
(2)
لا بمقتضى العقد فإنّ العقد قد انفسخ قبل الاستيفاء فصار كهلاك المبيع قبل القبض وهو لا يوجب على المشتري شيئاً فكذلك ههنا ولو علمت بالنكاح ولم تعلم بالفساد لا تكون متعدية ايضاً كما لو أرضعتها ولم تعلم بالنكاح ومنهم من يقول هي ضامنة بكل حال لأنّها جهلت بحكم الشّرع فلا تعذر ألا ترى أنّها لو قبّلت ابن زوجها عن شهوة وهي لا تعلم بفساد النكاح محرم على زوجها ولا تعذر بجهلها كذا ذكره الإمام المحبوبي رحمه الله وهذا بناء على اعتبار الجهل لدفع قصد الفساد لا لدفع الحكم وهذا جواب سؤال مقدر يرد على جواب المسألة وهو أن يقال الجهل بحكم الشّرع في دار الإسلام ليس بعذر فكيف جعل جهل المرأة بفساد النكاح عذراً لها في حق عدم وجوب الضّمان فأجاب عنه بهذا وتفسير الجواب هو أنا لم نعتبر الجهل لدفع حكم الشّرع هو وجوب الضّمان.
وإنّما اعتبرناه لدفع قصد الفساد الذي به يصير الفعل تعدّياً أي يعلم قصدها الفساد أنّها متعدّية وبعدم قصدها الفساد يعلم أنّها غير متعدية فكان عدم التعدّي مبنيًّا على عدم قصد الفساد [وعدم قصد الفساد]
(3)
مبنياً على الجهل بالفساد فعدم الضّمان هنا كان لعدم علة الضّمان التي هي التّعدي وهذا معنى ما قاله الإمام الكشّاني
(4)
رحمه الله في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(5)
بقوله فإنّها إذا لم تعلم الفساد لم تقصد وإذا لم تقصد لا تصير العلّة موجودة مع الجهل فكان هذا عدم الحكم لعدم العلة لا عدم الحكم مع وجود العلّة لعذر الجهل فحصل من هذا أنّها ضمنت في وجه واحد ولم تضمن في ثلاثة أوجه كلّها مذكورة في الكتاب وهي ظاهرة.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
سورة البقرة من الآية: 236.
(3)
ساقط من (ب).
(4)
مسعود بْن الحسين أبو المعالي الكُشَانيَ السَّمَرْقَنْديّ، نقله الخاقان مِن بُخارى إلى سَمَرْقَنْد للتّدريس بالمدرسة الخاقانيَّة وولّاه خَطَابة سَمَرْقَنْد، فبقي عَلَى ذَلِكَ مدَّة، وتُوُفّي في ربيع الأوّل سنة 520 هـ. يُنْظَر: تاريخ الاسلام (11/ 327).
(5)
يُنْظَر: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (1/ 177).
وفي الْمَبْسُوطِ
(1)
، ولو كنّ ثلاثاً أي الصبايا ثلاثاً تحت رجل فأرضعتهن معًا امرأة بأن حلبت في قارورة، وألقمت إحدى ثدييها أحديهن والأخرى وأوجرت الثّالثة معاً بنّ جميعًا؛ لأنّهنّ صِرن أخوات معًا وإن أرضعتهن واحدة بعد أخرى بانت الأوليان والثّالثة امرأته؛ لأنّها حين أرضعت الثّانية فقد تحقّقت الأجنبية بينها وبين الأولى فيقع الفرق بينه وبينهما، ثم ارتضعت الثّالثة وليس في نكاحه غيرها وعلى هذا قياس المسائل ولا يقبل في الرضاع شهادة النّساء منفردات سواء كنّ أجنبيات أو أمّهات أحد الزّوجين والمراد من الانفراد انفرادّهن من الرجال لا انفرادهن عن جماعتهن فإنهنّ وإن كثرن لا تقبل شهادتهنّ في الرضاع بدون اختلاط الرجل معهن، وقال الشّافعي-رحمه الله
(2)
يثبت الرضاع بشهادة أربع نسوة بناء على مذهبه أن فيما لا تطلع عليه الرجال يعتبر فيه شهادة أربع نسوة لتقوم كل امرأتين مقام رجل وزعم أن الرضاع مما لا يطلع عليه الرجال لأنه بالثّدي يكون ولا يحلّ مطالعته للأجانب ولكنّا نقول الرضاع ممّا يطلع عليه الرجال لأن ذي الرّحم المحرم ينظر إلى الثّدي وهو مقبول الشّهادة في ذلك ولأن الحرمة كما تحصل بالرضّاع من الثّدي تحصل بالإيجار من القارورة وذلك ممّا يطلع عليه الرجال وقال مالك رحمه الله
(3)
لا تثبت بشهادة امرأة واحدة واستدلّ في ذلك بحديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه أنّه تزوّج ابنة أبي إهاب فجاءت امرأة سوداء وأخبرت أنّها أرضعتهما فذكر ذلك لرسول الله عليه السلام فأعرض عنه ثم ذكر ثانياً فأعرض عنه ثم ثالثاً فقال: «فارقها إذن» فقال: إنّها سوداء يا رسول الله قال: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ»
(4)
كذا في الْمَبْسُوطِ
(5)
كمن اشترى لحمًا وأخبره واحد أنّه ذبيحة مجوسيّ فإنّه لا ينبغي للمسلم أن يأكل ويطعم غيره لأن المخبر أخبره بحرمة العين وبطلان الملك فتثبت الحرمة مع بقاء الملك ثم لما ثبت الحرمة هنا مع بقاء الملك لا يمكنه الرد على بائعه ولا أن يحبس الثّمن عن البائع كذا في فتاوى قاضي خان رحمه الله
(6)
.
(1)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 142).
(2)
يُنْظَر: الأم (5/ 36)، روضة الطالبين (9/ 36).
(3)
الشَّهَادَة على الرَّضَاع اختلف العلماء في هذه المسألة:
- مذهب مالك: لا تُقْبَل فيه إِلَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْن.
- مذهب الشافعية: لا تُقْبَل فيه إِلَّا شَهَادَةُ أَرْبَع نِسْوَة.
- مذهب أَبِي حَنِيفَةَ وأحمد ورواية عن مالك: تُقْبَل فيه شَهَادَة امْرَأَة واحدة.
يُنْظَر: بداية المجتهد (2/ 39)، المدنة (2/ 300)، الأم (5/ 36)، روضة الطالبين (9/ 36)، المغني (10/ 136)، الروض المربع (1/ 724).
(4)
رواه البخاري كتاب الشهادات باب اذا شهد شاهدا وشهود
…
(3/ 169) برقم (2640).
(5)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (30/ 302).
(6)
يُنْظَر: المحيط البرهاني (5/ 100).
وحجّتنا في ذلك حديث عمر رضي الله عنه على ما يوافق مذهبنا، وحديث عقبة دليلنا فإنّ رسول الله عليه السلام أعرض عنه في المرّة الأولى والثّانية فلو كانت الحرمة ثابتة لما فعل ذلك لما رأى منه طمأنينة القلب إلى قولها حيث كرّر السؤال أمره أن يفارقها احتياطاً.
والدّليل على أنّ الشّهادة كانت عن ضِغْن
(1)
فإنّه قال جاءت امرأة سوداء تستطعمنا فأبينا أن نطعمها فجاءت تشهد على الرضاع وبالإجماع بمثل هذه الشّهادة لا تثبت الحرمة فعرفنا أنّ ذلك كان احتياطاً على وجه التنزه وإليه أشار عليه السلام في قوله: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ»
(2)
، وعندنا إذا وقع في قلبه أنّها صادقة فالأحوط أن يتنزّه عنها ويأخذ بالثّقة سواء أخبرت بذلك قبل عقد النكاح أو بعده وسواء شهد به رجل أو امرأة فأما القاضي فلا يفرق بينهما ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان كذا في الْمَبْسُوطِ
(3)
.
ولنا أنّ ثبوت الحرمة لا تقبل الفصل عن زوال الملك في باب النكاح فإنّ بقاء النكاح لا يتصوّر مع ثبوت الحرمة للمؤبدة فإذا لم يبطل النكاح بخبر الواحد لا تثبت الحرمة.
فلذلك حلّ له إمساكها ووطئها لأنّ ملك النكاح لم يبطل بهذه الشّهادة كذا في فتاوى قاضي خان رحمه الله والله أعلم بالصّواب.
(1)
ضغن: الضَّادُ وَالْغَيْنُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَغْطِيَةِ شَيْءٍ فِي مَيْلٍ وَاعْوِجَاجٍ الضِغْنُ والضَغينَةُ: الحِقد، وقد ضَغِنَ عليه بالكسر ضَغَناً. مِنْ ذَلِكَ الضِّغْنُ وَالضَّغَنُ: الْحِقْدُ.
يُنْظَر: الصحاح (6/ 2154)، مقايس اللغة (3/ 364) وغيرهما.
(2)
سبق تخريجه (ص 330).
(3)
يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (5/ 138).