الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الطلاق
(1)
(2)
اعلم أن الترتيب الوجودي يقتضي التّرتيب الوضعي
(3)
، ثُمَّ الطلاق شُرِعَ لرفع قيد النكاح] فكان
(4)
مقتضيًا سبق النكاح لا محالة وجودًا متناسبًا ترتيبًا ووضعًا لذلك هكذا، ثُمَّ محاسن الطلاق عند الحاجة إليه كثيرة:
[محاسن الطلاق عند الحاجة]
منها: الِاشْتِقَاق
(5)
؛ فإنّه مأخوذ من إطلاق الأسير
(6)
عن القيد، وإطلاق البعير عن العِقَالِ
(7)
، فكان نفس الطّلاق إحسانًا؛ لأنّ نفس المانع ضرر، لاسيّما إذا كان الإطلاق متضّمنًا معنى الإعتاق
(8)
، وفي ذلك قال النبي عليه السلام: «النكاح رق)
(9)
، فكان الطّلاق إعتاقاً وكلّ إعتاق حسن عقلاً.
(1)
الطلاق، لغة: اسْمٌ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ كَالسَّلَامِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ، وَمَصْدَرٌ مِنْ طَلُقَتْ، بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ كَالْجَمَالِ وَالْفَسَادِ، مِنْ جَمُلَ وَفَسَدَ وَامْرَأَةٌ طَالِقٌ ومنها أَطْلَقْتُ الْأَسِيرَ، إذَا حَلَلْتَ إسَارَهُ وَخَلَّيْتَ عَنْهُ وَأَطْلَقْتُ النَّاقَةَ مِنْ الْعِقَالِ فَطَلَقَتْ. انظر: المغرب في ترتيب المعرب (ص: 293).
وشرعاً: رفع قيد النكاح في الحال بالبائن أو المآل بالرجعي، بلفظ مخصوص هو ما اشتمل على الطلاق، وقيل تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ يُحْدِثُهُ بِلَا سَبَبٍ، فَيَقْطَعُ النِّكَاحَ.
يُنْظَر: الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار (ص: 205)، ومغني المحتاج (3/ 279).
(2)
لَمَّا فَرَغَ مِنْ النِّكَاحِ وَبَيَانِ أَحْكَامِهِ اللَّازِمَةِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ وَهِيَ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ شَرَعَ يَذْكُرُ مَا بِهِ يَرْتَفِعُ وهو الطلاق، فتح القدير للكمال ابن الهمام (3/ 463).
(3)
الترتيب الوجودي: يعني في الحياة الواقعية، وقال ابن الهمام: وَأَيْضًا التَّرْتِيبُ الْوُجُودِيُّ يُنَاسِبُهُ التَّرْتِيبُ الْوَضْعِيُّ، وَالنِّكَاحُ سَابِقٌ فِي الْوُجُودِ بِأَحْكَامِهِ، وَيَتْلُوهُ الطَّلَاقُ فَأَوْجَدَهُ فِي التَّعْلِيمِ وقال الشلبي:(التَّرْتِيبُ الْوُجُودِيُّ يُنَاسِبُ التَّرْتِيبَ الْوَضْعِيَّ، وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فِي الْوُجُودِ بِأَحْكَامِهِ وَيَتْلُوهُ الطَّلَاقُ فَأَوْجَدَهُ فِي التَّعْلِيمِ)، وبالرجوع لكتاب البداية والهداية وشروحهم وضع بهذا الترتيب، وهو الصواب، والله أعلم.
يُنْظَر: فتح القدير لابن الهمام (3/ 463) و (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 188)
(4)
سقط من (ب).
(5)
الِاشْتِقَاق: هُوَ أَخذ شقّ الشَّيْء و اشتقاق الحرف من الحرف: أَخْذُهُ منه، انظر (الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية)(4/ 1503).
وَفِي الِاصْطِلَاح: هُوَ اقتطاع فرع من أصل يَدُور فِي تصاريفه حُرُوف ذَلِك الأَصْلوَهُوَ من أصل خَواص كَلَام الْعَرَب، الكليات (ص: 117)
(6)
والأسر، معناه في اللغة: الشدّ، وأصل الْأسر الْحَبْس وكل مَحْبُوس فَهُوَ أَسِيرإذا شَدَدْتُه.
انظر: الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 77)، غريب الحديث للقاسم بن سلام (3/ 308).
(7)
العقال: هو الحبل الذي يربط به البعير. مختار الصحاح (ص 215)(مادة: عقل).
(8)
الإعتاق: هو إثبات القوة الشرعية للمملوك، والعتق هو الحرية. يُنْظَر: الكليات (ص 150)، تاج العروس (26/ 116) (مادة: عتق).
(9)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (كتاب النكاح، باب الترغيب في التزويج من ذي الخلق والدين، 13481) بلفظ: "إِنَّمَا النِّكَاحُ رِقٌّ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ أَيْنَ يَرِقُّ عَتِيقَتَهُ"، قال البيهقي وَرُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا وَالْمَوْقُوفُ أصح. ينظر: تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (2/ 972).
ومنها: أنه شَرَّعَ العدد في الطلاق ليُجَرِّبَ نفسه في الفراق كما جَرَّبَ في النكاح
(1)
، فأمَّا أن يصبر على موجب الطلاق، أو يرجع إلى ما فيه الاجتماع والوفاق
(2)
.
ومنها: حصر العدد بالثلاث؛ لأن التجرب بها يحصل غالبًا.
ومنها حكم الحرمة الغليظة
(3)
؛ لِيَتَأَدَّبَ بِمَا فِيهِ غَيْظُ
(4)
الفحول
(5)
، و] يصون
(6)
عن الفضول
(7)
.
(8)
(9)
(1)
النكاح: هو في اللغة الضم والجمع. انظر: التعريفات (ص: 246).
واصطلاحاً: عقد يرد على تمليك منفعة البضع قصدًا. ينظر: ملتقى الأبحر (ص: 467) التعريفات (ص: 246)
(2)
مِنَ (الْمُوَافَقَةِ) بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ كَالِالْتِحَامِ والاتفاق. انظر: (مختار الصحاح (ص: 342).
(3)
هي الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى وَهِيَ الَّتِي لَا حِلَّ بَعْدَهَا إلَّا بِنِكَاحِ زَوْجٍ آخَرَ. انظر: (الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 310).
(4)
الغيظ: ما يغتاظ الإنسان منه، يقال: غاظني يغيظني، وقد غظتني (يا هذا) انظر:(مجمل اللغة لابن فارس (ص: 689).
(5)
والفحول: الذكر القوي من الحيوان. ينظر: مختار الصحاح (ص 235)(مادة: فحل). والمعنى: الرجولة الخالصة.
(6)
في (ب)"منصور"، والصواب ما أثبته لموافقة السياق والله اعلم.
(7)
مَا لَا فَائِدَة فِيهِ، يُقَال هَذَا من فضول القَوْل، واشتغال الْمَرْء أَو تدخله فِيمَا لَا يعنيه. انظر: المعجم الوسيط (2/ 693).
(8)
قال الشلبي: (ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ؛ لِيَتَأَدَّبَ بِمَا فِيهِ غَيْظُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ الثَّانِي، عَلَى مَا عَلَيْهِ جِبِلَّةُ الْفُحُولَةِ بِحِكْمَتِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ). انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 188).
(9)
لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُوَافِقُهُ النِّكَاحُ فَيَطْلُبُ الْخَلَاصَ فَمَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ عَدَدًا وَحُكْمَهُ مُتَأَخِّرًا لِيُجَرِّبَ نَفْسَهُ فِي الْفِرَاقِ كَمَا جَرَّبَهَا فِي النِّكَاحِ، ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ لِيَتَأَدَّبَ بِمَا فِيهِ غَيْظُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى مَا عَلَيْهِ جِبِلَّةُ الْفُحُولَةِ بِحِكْمَتِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ، ينظر (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 188)
)
ومنها: أنّ الطلاق جُعل في يد الرجال دون النّساء؛ لما أنّهن ضعيفة الأداء سريعة الاغترار قليلة الاصطبار.
ومنها: أنه لم يشترط الْعِوَضُ
(1)
في أصله؛ لأنه لو شرط عليها] برقتها
(2)
وهي عاجزة عن الأداء على ما عليه حيلتها، فلا يحصل فيه مقاصد النص، وإلى ما ورائها من المحاسن السنية.
ثم يحتاج ههنا إلى بيان سبعة أشياء، وهي بيان معناه لغة وشريعة، وركنه
(3)
، وسببه
(4)
، وشرطه
(5)
، وحكمه
(6)
، وأقسامه.
(1)
الْعِوَض هُوَ الْبَدَل الَّذِي ينْتَفع بِهِ، الفروق اللغوية للعسكري (ص: 237).
(2)
في (ب) بوقتها، والصواب ما أثبته لموافقة السياق والله اعلم.
(3)
الركن في اللغة: رُكْن كل شَيْء: جَانِبه. وَفُلَان يأوي إِلَى رُكْن شَدِيد، أَي إِلَى عشيرة ومَنَعَة. والجانب الأقوى والأمر العظيم. يُنْظَر: لسان العرب (13/ 185)، جمهرة اللغة (2/ 799).
والركن في الاصطلاح: ما لا وجود لذلك الشيء إلا به. التعريفات 99، الكليات 2/ 395،
(4)
السبب في اللغة: الحبل، اسم لما يتوصل به إلى المقصود والجمع أسباب. انظر: لسان العرب (1/ 458)(مادة: سبب)، التعريفات (ص: 117).
السبب شرعا: وصف ظاهر منضبط دل على كونه معرّفا لحكم شرعي. وهو أحد أقسام الحكم الوضعي. ينظر: أصول الفقه لابن مفلح (1/ 251)، التعريفات (ص: 117).
(5)
الشرط في اللغة: إلزام الشيء والتزامه، يُنْظَر: لسان العرب (7/ 329)(مادة: شرط).
وفي الاصطلاح: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. يُنْظَر: حاشية البناني على جمع الجوامع (2/ 20)، الفروق (1/ 62).
الفرق بين الركن والشرط: قال الإمام الكاساني: "الأصل أن كل متركب من معان متغايرة ينطلق اسم المركب عليها عند اجتماعها، كان كل معنى منها ركنا للمركب، كأركان البيت في المحسوسات، والإيجاب والقبول في باب البيع في المشروعات، وكل مايتغير الشيءبه ولاينطلق عليها اسم ذلك الشيء كان شرطا، كالشهود في باب النكاح". يُنْظَر: بدائع الصنائع (1/ 105).
(6)
هو: مدلول الخطاب الشرعي وأثره. ينظر: روضة الناظر وجنة المناظر (1/ 98).
[الطلاق لغة]
أمّا اللّغة: فهو عبارة عن دفع القيد، يقال: طلق تطلق تطليقًا وطلاقًا، كما يقال: سلَّم يسلِّم تسليمًا وسلامًا
(1)
.
وهو أيضاً عبارة عن ارتفاع القيد، يقال: طلقت المرأة يطلق طلاقاً، وهو مشتّق من إطلاق الإبل والأسير
(2)
، ولكن استعمل في حقّ النّساء من باب التفعيل، وفي غيرها مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ، وعن هذا قالوا لو قال لامرأته: أنت مُطَلَّقَةٌ -بالتّشديد-يقع الطلاق بدون النية
(3)
، ولو قال: أنت مُطْلَقَةٌ-بسكون الطاء-لا يقع بدون النيّة. وإن كانا في اللّغة سواء. وهذا كما في قولهم: حِصَانٌ، وحَصَانٌ
(4)
، كلاهما للمنع، ولكن في الفرس حِصان بالكسر، وفي المرأة حَصان بالفتح، وكذلك عَدل] العِدل
(5)
(6)
، بالفتح والكسر، كلاهما من المعادلة، لكن العَدْلُ مخصوص بالآدمي دون الآخر، وأمّا الثاني: فإنَّه في عرف الفقهاء عبارة عن لفظه صادرة من الزوج، رافعة قيد النكاح عن المرأة المنكوحة
(7)
.
وأمّا ركنه: فهو هذه اللّفظ الصّادرة من الزوج
(8)
.
وأمّا سببه: فهو الحاجة المحوجة إلى الطّلاق من المستأجرة
(9)
، وعدم الموافقة وخوف حياطة حدود الزواج، ورغبة استبدال غيرها التي لا تجامعها شرعًا، كأختها وأربع سواها، وأمّا طبعًا كعامة الضّراير وغيرها.
(1)
يُنْظَر: مختار الصحاح (ص 192)، لسان العرب (10/ 226)، تاج العروس (26/ 93)، الكليات لأبي البقاء الحنفي (ص 584) (مادة: طلق).
(2)
طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 52).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 76)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 101)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 207).
(4)
حصان بكسر الحاء: هو الفرس. مختار الصحاح (ص 75)(مادة: حِصْن).
حصان بفتح الحاء: المرأة العفيفة. النهاية في غريب الأثر لابن الأثير (مادة: حَصَ).
(5)
في (ب) المعدل.
(6)
العِدْل والعَدْل بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ: هُمَا بِمَعْنَى المِثْل. وَقِيلَ: هُوَ بِالْفَتْحِ مَا عَادَلَه مِنْ جنْسِه، وَبِالْكَسْرِ مَا لَيْسَ مِنْ جنْسِه. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 191).
(7)
نقلًا عن المبسوط للسرخسي (6/ 2) بتصرف يسير.
(8)
وهي لفظ طالق وهو مذهب الحنفية وأما المالكية فقالوا: أركان الطلاق أربعة: أهل له: أي موقعه من زوج أو نائبه، وقصد ومحلولفظ وأما الشافعية والحنابلة فقالوا: أركان الطلاق خمسة: مطلِّق، وصيغة، ومحل، وولاية، وقصد. يُنْظَر: البدائع: (98/ 3)، ابن عابدين (3/ 230)، ومغني المحتاج (3/ 279)، مختصر خليل (ص: 114)، و روضة الطالبين وعمدة المفتين (8/ 22).
(9)
ولعل ما ذكر في البناية يبين ذلك (وسببه الحاجة المحوجة إليه) ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 280)
وأمّا شرطه: فمن الزّوج كونه عاقلاً بالغًا، ومن المرأة كونها في نكاحه، أو عدّته التي] تصلح
(1)
بها محلاً للطّلاق على ما قدمنا في النكاح
(2)
.
وأمّا حكمه: فزوال الملك عن المحلّ مع انتقاص العدد في] البائن
(3)
وانتقاص العدد في الحال، وزوال الملك عند انقضاء العدّة في
(4)
الرجعي
(5)
، والإثم في مواضع مخصوصة على ما يجيء.
وأمّا أقسامه: فهي ما ذكر في الكتاب بقوله: الطّلاق على ثلاثة أوجه.
إلى هذا أشار في «المبسوط»
(6)
(7)
و «المنشور»
(8)
وغيرهما
(9)
.
[حكم الطلاق]
وإيقاع الطّلاق مُبَاحٌ
(10)
وإن كان مبغضاً في الأصل عند عَامَّةِ] العلماء
(11)
(12)
، ومن النّاس من يقول:
(13)
لا يباح إيقاع الطّلاق إلا عند الضّرورة
(14)
(15)
لقوله عليه السلام: «لعن الله كلّذوّاق
(16)
مطلاق
(17)
(18)
، ولنا قوله تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}
(19)
.
(1)
سقط من (أ).
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 194)، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 360).
(3)
الطَّلَاقُ البَائِن: هُوَ الَّذِي لَا يَمْلك الزوجُ فيهِ اسْترجاع الْمَرْأَةِ إِلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، يُنْظَر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 175)، و (المعجم الوسيط (1/ 80).
(4)
سقط في (ب).
(5)
الطلاق الرجعي: هِو اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ بِلَا عِوَضٍ مَا دَامَتْ (فِي الْعِدَّةِ) أَيْ عِدَّةِ الدُّخُولِ حَقِيقَةً وقيل هو الطلاق الذي يملك الزوج بعده إعادة المطلقة إلى الزوجية من غير حاجة إلى عقد جديد ما دامت في العدة. ينظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 397)، والفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (9/ 6955).
(6)
المبسوط للسرخسي (6/ 3).
(7)
المبسوط لمحمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (المتوفى: 483 هـ)، وهو المشهور: بمبسوط السرخسي، وهو المراد إذا أطلق:(المبسوط في شروح الهداية) وغيرها. وشرحه الإمام: أحمد بن منصور الأسبيجاني أيضا. وهو من كتب الأحناف المتقدمة ظاهر الرواية، طبعته دار المعرفة في بيروت عام: 1414 هـ-1993 م ويقع في: 30 جزء ينظر (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1378).
(8)
المنشور في فروع الحنفية، لناصر الدين أبي القاسم محمد بن يوسف السمرقندي، توفي 556 هـ. لم يطبع فيما أعلم. انظر: تاج التراجم لابن قُطْلُوْبَغَا الحنفي (ص 338)، كشف الظنون (2/ 1861).
(9)
الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 30)، اللباب في شرح الكتاب (3/ 37).
(10)
المباح: المباح: ما استوى طرفاه. وماخير الشرع المكلف بين فعله وتركه، التعريفات (ص: 196)
(11)
سقط من (ب).
(12)
المراد أكثر العلماء ..
(13)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 2)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 189).
(14)
الحاجة الشديدة والمشقة والشدة التي لا مدفع لها. معجم لغة الفقهاء (ص: 283).
(15)
وقد أجمع العلماء على أن الطَّلَاق مشروع واختلفوا في الأصل هل هو الإباحة وذكر الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) أن الطَّلَاق جائز، والأولى عدم ارتكابه، لما فيه من قطع الألُفة إلا لعارض، إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: هُوَ حرَام مَعَ استقامة الْحَال وتعتريه الأحكام الأربعة من حرمة، وكراهة، ووجوب، وندب، والأصل أنه خلاف الأولى يُنْظَر: الشرح الكبير مع الدسوقي: (2/ 361)، الشرح الصغير:(2/ 533 وما بعدها)، المهذب:(2/ 78)، كشاف القناع:(5/ 261)، المغني:(7/ 97 وما بعدها)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 253) اختلاف الأئمة العلماء (2/ 167).
(16)
ذواق: إِذا كَانَ كثير النِّكَاح كثير الطَّلَاق. انظر: تهذيب اللغة (9/ 204).
(17)
مطلاق: رجلٌ مِطْلاقٌ، أي كثير الطَلاقِ للنساء. انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1519).
(18)
أخرجة الطبراني في المعجم الاوسط (باب الميم/ 7848) بلفظ: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلَا الذَّوَّاقَاتِ)، قال ابن القطان لَيْسَ لهَذَا الحَدِيث إِسْنَاد قوي. قال الهيثمي: فيه راوٍ لم يسمّ، وبقية إسناده حسن. ينظر: بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (3/ 508)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 335).
(19)
[البقرة: 236].
وقال: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
(1)
وذلك كلّه يقتضي إباحة الإيقاع
(2)
، وطلق رسول الله عليه السلام حفصة
(3)
،
(4)
وكذلك الصّحابة رضي الله عنهم، فطلق المغيرة بن شعبة
(5)
، كان له أربع نسوة، فأقامهنّ بين يديه صفّا، وقال: أنتن حسنات الأخلاق، ناعمات الأرزاق، طويلات الأعناق اذهبن فأنتن] طلاق
(6)
(7)
، كذا في «المبسوط
(8)
وكذا في (الأسرار»
(9)
(10)
.
(1)
[الطلاق: 1].
(2)
معنى قوله تعالى ذكره: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} ، لا حرج عليكم إن طلقتم النساء، يقول: لا حرج عليكم في طلاقكم نساءكم وأزواجكم. ينظر: تفسير الطبري (5/ 117).
(3)
أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهماكانت حفصة من المهاجرات، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت حنيس بن حذافة السهمي، وطلقها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تطليقة ثم ارتجعها، وذلك أنّ جبريل قال له:"أرجع حفصة، فإنّها صوّامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة"، توفيت سنة خمس وأربعين. انظر: أسد الغابة (7/ 67) والإصابة في تمييز الصحابة (8/ 86).
(4)
أخرجه ابو داود في السنن (كتاب الطلاق/ باب في الرجعة/ 2283)، والنسائي في سنن الكبرى (كتاب الطلاق/ باب الرجعة/ 5723)، وصححه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/ 215).
(5)
المغيرة بْن شعبة بْن أَبِي عَامِرالثقفي، يكنى أبا عَبْد اللَّهِأسلم عام الخندق، وشهد الحديبيةكَانَ موصوفا بالدهاء، وولاه عمر بْن الخطاب البصرة، ثُمَّ ولاه الكوفة وشهد اليمامة، وفتوح الشام، وذهبت عينه باليرموك، وشهد القادسية، وغيرها روى عَنْهُ الصحابة: أَبُو أمامة الباهلي، والمسور بْن مخرمة، وقرة المزنيومن التابعين أولاده: عروة، وَحَمْزَة، وعقار، مات سنة خمسين. يُنْظَر: أسد الغابة (5/ 238) والإصابة في تمييز الصحابة (6/ 156).
(6)
سقط من (ب).
(7)
ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (3/ 31)، وذكره ابن عساكر كما في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (25/ 176) ولم يسنده، وهذا الأثر لا يصح عن الصحابي الجليل المغيرة رضي الله عنهم.
(8)
المبسوط للسرخسي (6/ 4).
(9)
كتاب الأسرار، في الأصول والفروع، للشيخ العلامة أبي زيد عبيد الله بن عمر الدبوسي، الحنفي، وهو: مجلد كبير. لم يطبع، فيما اعلم. يُنْظَر: كشف الظنون (1/ 81).
(10)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 189)، والمبسوط للسرخسي (6/ 4).
(التحريمات التي تنفذ من الزّوج بحكم] ملك
(1)
النكاح أربعة أنواع: الطلاق، والإيلاء
(2)
واللّعان
(3)
والظّهار
(4)
وقوله رحمه الله (وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي الْكَرَاهَةِ)
(5)
؛ أي: في عدم الكراهة
(6)
، كذا وجدتُ بخط شيخي
(7)
رحمه الله؛ لأنّ الأصل في الطّلاق هو الحظر
(8)
؛ لأنّه قطع النكاح، الذي هو سنة، فيكون محظوراً، ولأنّ الحكم وهو إباحة الطّلاق يدار على دليل الحاجة
(9)
لا على حقيقتها؛ لأنّ الوقوف على حقيقة الحاجة [321/ أ] متعذّر، فيقام السّبب الظّاهر مقام الأمر الخفي تيسيراً، فإذا فعل ذلك وقع الطّلاق وهذا احتراز عن قول الشيعة
(10)
.
(11)
(1)
سقط من (أ).
(2)
هُوَ فِي اللُّغَةِ: الْيَمِينُ. انظر: التعريفات (ص: 41).
وفي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ فِي مُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ. ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 55).
(3)
هو لغة: مصدر لاعن كقاتل ولاعَن امْرأَتَهفِي المُحْكَمِ مُلاعَنَةً ولِعاناً، بالكسْرِ: وذلِكَ إِذا قَذَفَ امْرأَتَه. انظر: تاج العروس (36/ 121).
وشرعاً: شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن من جهة وبالغضب من أخرى، قائمة مقام حد القذف في حقه. انظر: اللباب في شرح الكتاب (3/ 74).
(4)
لُغَةً مَصْدَرُ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ: إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 465).
(5)
الكراهة: بفتح الكاف مصدر كره، البغض وعدم الرضا. معجم لغة الفقهاء (ص: 379).
وفي اصطلاح الأصوليين والفقهاء، يطلقه الجمهور على:«ما نهى عنه الشرع نهيا غير جازم» أو: «ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله» ، وفرَّق الحنفيَّةُ في المطلوبِ الكفُّ عنه على وجه الإلزامِ بين ما ثبتَ بدليلٍ قطعيِّ الورود كالقرآن والسُّنةِ المتواترَةِ، فسمَّوا ما ثبت به (الحرام)، وما ثبتَ بدليلٍ ظنِّيِّ الورودِ كحديثِ الآحادِ الصَّحيحِ، فسمَّوه:(المكروهُ تحريمًا) وجمهُورُ العلماءِ على عدمِ التَّفريقِ، وهو الصَّوابُ والله أعلم.
ينظر: المهذب في علم أصول الفقه المقارن (1/ 290)، وتيسير علم أصول الفقه (ص: 42)، وأصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله (ص: 51).
(6)
يعني لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِكَرَاهَةِ هَذَا الطَّلَاقِ. ينظر: العناية شرح الهداية (3/ 467)
(7)
محمد بن محمد بن نصر البخاري كما نص على ذلك في مقدمته.
(8)
الْحَظْرِ في اللغة: هو الحبس، والمنع. يُنْظَر: لسان العرب (4/ 203)(مادة: حظر). وفي الاصطلاح: هو الممنوع شرعاً، وَهُوَ ضِدُّ الْإِبَاحَةِ وَ (حَظَرَهُ) فَهُوَ (مَحْظُورٌ) أَيْ مُحَرَّمٌ. يُنْظَر: التعريفات للجرجاني (ص 120)، وشرح البدخشي (1/ 47، 48).
(9)
(حَوَجَ) الْحَاءُ وَالْوَاوُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الِاضْطِرَارُ إِلَى الشَّيْءِ، مقاييس اللغة (2/ 114).
ودليل الحاجة هنا الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَانِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ، فَالْحَاجَةُ كَالْمُتَكَرِّرَةِ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا ينظر: فتح القدير للكمال ابن الهمام (3/ 468).
(10)
الشيعة هم الذين شايعوا عليًا رضي الله عنه على الخصوص. وقالوا بإمامته وخلافته نصًا ووصية، إما جليًا، وإما خفيًا. ينظر: الملل والنحل (1/ 146).
(11)
مَذْهَبُ الشِّيعَةِ لا يقع (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 96».
[وقوع الطلاق البدعي]
وفي «المبسوط» : إذا طلّق الرجل امرأة في حالة الحيض أو في طهر قد جامعها فيه يقع الطّلاق عند جمهور الفقهاء
(1)
، وعند الشيعة لا يقع، إذا طلّقها ثلاثاً جملة عندنا يقع ثلاثاً والزيدية
(2)
من الشيعة يقولون: يقع واحدة، والإمامية
(3)
يقولون: لا يقع شيء
(4)
، ويزعمون أنّه قول علي رضي الله عنه، وهو افتراء منهم على علي رضي الله عنه، ومشهور من قول علي:«كلّ طلاق جائز إلا طلاق الصبيّ والمعتوه»
(5)
، وشبهتهم أن الزوج مأمور شرعًا بإيقاع الطّلاق للسنّة، والمأمور من جهة الزّوج بإيقاع الطّلاق للسنّة، وهو الوكيل
(6)
، إذا أوقع لغير السنّة، لم تقع، فكذلك المأمور شرعًا أولى؛ لأنّ أمر الشرع ألزم وحجّتنا في ذلك حرفان:
(1)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 191)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 233)، البناية شرح الهداية (5/ 284).
(2)
أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها، ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم. ينظر: الملل والنحل (1/ 154).
(3)
هم القائلون بإمامة علي رضي الله عنه بعد النبي عليه السلام؛ نصًا ظاهرًا، وتعيينًا صادقًا، من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين. ينظر: الملل والنحل (1/ 162).
(4)
ذهب الجمهور بأن الطلاق يقع في حال الحيض، أو في حال الطهر الذي جامع الرجل امرأته فيه؛ وقال ابن تيمية وابن القيم: يحرم الطلاق في أثناء الحيض أو النفاس أو في طهر وطئ الرجل زوجته فيه، ولا ينفذ هذا الطلاق البدعي لأنه مخالف لأمر الله عز وجل. انظر: المجموع شرح المهذب (17/ 87)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (4/ 500)، المغني لابن قدامة (7/ 372)، جامع المسائل لابن تيمية (1/ 264)، وزاد المعاد في هدي خير العباد (5/ 201).
(5)
أخرجه الترمذي في السنن (كتاب الطلاق/ باب ما جاء في طلاق المعتوه)، هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، والصحيح أنه موقوف على علي رضي الله عنه ينظر: نصب الراية (3/ 221)، و (ضعيف الجامع الصغير 4240).
(6)
سُميالوكيلوكيلا؛ لأنموكلهقدفوضإليهالقيامبأمرهفهوموكولإليهالأمر. لسان العرب (11/ 736)(مادة: وكل). والوكالة في الشرع: هي إقامةالغيرمقامنفسهفيتصرفجائزمعلوم. يُنْظَر: حاشيةابنعابدين (4/ 400)، واللبابشرحالكتاب (2/ 138).
أحدهما: أنّ النّهي
(1)
دليل ظاهر على تحقّق المنهي عنه؛ لأن النّهي عما لا يتحقّق لا يكون، فإن موجب النّهي الانتهاء على وجه يكون المنهيّ عنه فيه مختاراً حتّى يستحقّ الثّواب، إذا انتهى، ويستوجب العقاب إذا اقدم، وما لم يكن المنهيّ عنه متحققاً لا يتصوّر كونه مختاراً في الانتهاء.
والثّاني: أنّ النّهي متى كان لمعنى في غير المنهي عنه لا يعدم المنهيّ عنه، ولا يمنع نفوذه شرعًا كالنّهي عن الصّلاة في الأرض المغصوبة
(2)
، وههنا النّهي بمعنى في غير الطّلاق من تطويل العدة، واشتباه أمر العدة عليها، وسدّ باب التلاقي عند العدم فلا يمنع بعوده.
وهذا بخلاف الوكيل؛ فإنه يعود تصرفه بأمر الموكل
(3)
، فإذا خالف المأمور لم ينفذ، وههنا يعود تصرفه بحكم ملكه، وهو بعقد النكاح صار مالكًا للتطليقات والملك عليه تام، ليعود التّصرف ممن هو من أهل التّصرف، وإن لم يكن مأموراً به ولا مأذونًا فيه، بخلاف الصبي
(4)
والمعتوه
(5)
؛ لأن الأهليّة لإيقاع الطّلاق غير متحقّقة فيهما
(6)
.
وذكر الإمام التمرتاشي
(7)
رحمه الله بين النّاس اختلاف في وقوع الثّلاث في هذه الصورة، وهذا الاختلاف غير معتدّ به، حتى لا يسع للقاضي أن يقضي به ولو قضى لا ينفذ
(8)
.
(1)
النهي: ضد الأمر، وهو قول القائل لمن دونه: لا تفعل. التعريفات (ص: 248).
وفي الاصطلاح: النَّهْيِ هُوَ التَّحْرِيمُ وهو طلب الترك بالقول ممن هو أعلى. أو هو: القول الطالب للترك على سبيل الاستعلاء. ينظر: التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام (1/ 333)، وأصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله (ص: 270).
(2)
تجزئه الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 130)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 88).
(3)
الموكل صاحب الشأن بالعمل الذي وكل فيه غيره. انظر: الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (5/ 4116).
(4)
صَبَى: يَدُلُّ عَلَى صِغَرِ السِّنِّ. ينظر: مقاييس اللغة (3/ 331)
(5)
المعتوه: ناقص العقل، مختلط الكلام، فاسد التدبير. انظر: معجم لغة الفقهاء (ص: 439).
(6)
المبسوط للسرخسي (6/ 57، 58) وفيه تصرف يسير.
(7)
هو أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أيدغمش، أبو العباس التمرتاشي، عالم بالحديث، حنفي، كان مفتي خوارزم. نسبته إلى تمرتاش (من قراها)، صنف شرح الجامع الصغير والفرائضوالتراويح توفي سنة ستمائة وعشره. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 108)، والأعلام للزركلي (1/ 97).
(8)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 344)، البحر الرائق (3/ 285).
وذكر الرّازي
(1)
: ولم يجعل أصحابنا
(2)
قول من نفى الوقوع خلافاً؛ لأنّهم أوجبوا الحد على من وطئها في العدّة، فيبتلي بالإيقاع عقيب الوقاع، يَعْنِي لَوْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُجَامِعَ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ فَإِذَا جَامَعَ، وَمَنْ قَصْدُهُ تَطْلِيقُهَا يُبْتَلَى الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ
(3)
، وهو الطّلاق بعد الجماع فيكون مبتلى بالطّلاق الْبِدْعِيِّضرورة، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
(4)
رحمه الله: كُلُّ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ
(5)
.
فإن قلت: يُشْكِلُ على هذا التعميم طلاقه في حالة الحيض، وطلاقه في طهر قد جامعها فيه فإنّ الطّلاق - في هذين الوقتين - حرام عنده أيضاً
(6)
، ذكره في «المبسوط»
(7)
و «الخلاصة الغزالية»
(8)
(9)
.
(1)
أحمد بن علي، أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص. وانتهت إليه رئاسة الحنفية، تفقه على أبي الحسن الكرخي، وتخرج به. وله كتاب "أحكام القرآن"، وشرح "مختصر الكرخي"، وشرح "مختصر الطحاوي"، وشرح "الجامع الصغير"، توفي سنة سبعين وثلاثمائة ببغداد. يُنْظَر: تاريخ بغداد (5/ 72)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 96).
(2)
المراد أئمة المذهب الحنفي: الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله. ينظر: المذهب الحنفي (1/ 131).
(3)
الطلاق البدعي، فهو الطلاق المخالف للمشروع: كأن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة. انظر: فقه السنة (2/ 264).
(4)
محَمَّدُ بنُ إِدْرِيْسَ بنِ العَبَّاسِ الشافعي وهو قرشي أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. وإليه نسبة الشافعية كافة، ارْتَحَلَ وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَقَدْ أَفْتَى وَتَأَهَّلَ للإمامة، وشيخه الإمام مالك، وقد حفظ الموطأ، كان صاحب سنة وأثر، وفضل مع لسان فصيح وعقل رصين صحيح، كان سمع من مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة، وتوفي الشافعي رحمه الله تعالى - بمصر سنة أربع ومائتين. انظر: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (2/ 156)، وتاريخ بغداد وذيوله (2/ 55)، و (الأعلام للزركلي (6/ 26).
(5)
الأم للشافعي (5/ 193).
(6)
يُنْظَر: نهاية المطلب في دراية المذهب (14/ 6)، والمجموع شرح المهذب (2/ 387).
(7)
المبسوط للسرخسي (6/ 57).
(8)
الخلاصة المسمى: خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر تأليف الإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي/ ت 505 هـ، وهو اختصارٌ وترتيبٌ لمختصر المزني بالفقه الشافعي وهو من مطبوعات دار المنهاج.
(9)
الخلاصة للغزالي (480).
قلت: أمّا الطّلاق في حالة الحيض فقد ذكر جوابه في الكتاب، وهو أنّه اقترن به معنى محرم، وهو تطويل العدّة، وكذلك في طهر قد جامعها فيه اقترن به معنى محرّم، وهو التباس أمر العدة عليها، فإنّه إذا طلّقها في طهر قد جامعها فيه تلبس أمر العدّة، فإنّها لا تدري أنّها حامل فتعتد بوضع الحمل، أو حائل فتعتد بالإقراء، وأمّا إذا طلّقها في طهر لم يجامعها فيه فقد انعدم هذان المعنيان، فيجوز من غير كراهة سواء وقع الثّلاث أو الواحدة، وهو معنى قولهم هذا طلاق صادف زمان الاحتساب مع زوال الارتياب
(1)
.
ثمّ قال
(2)
: لا أعرف في الجمع بدعة
(3)
، ولا في التّفريق سنة، بل الكلّ مباح، ويقول: إيقاع الثّلاث جملة سنة، حتّى إذا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً للسنّة، وقع الكلّ في الحال عنده
(4)
، قال: وبالاتّفاق
(5)
(6)
لَوْ نَوَى وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً، يَقَعُ جُمْلَةً، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سُنَّةٌ، لَمَا عَمِلْت نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ بِخِلَافِ الْمَلْفُوظِ بَاطِلٌ
(7)
، واستدلّ بحديث الحسن بن علي
(8)
رضي الله عنه طَلَّقَ امْرَأَتَهُ (شَهْبَاءَ)
(9)
ثلاثاً حين هنّأته بالخلافة بعد موت علي
(10)
رضي الله عنه
(11)
، وحجّتنا في ذلك ظاهر قوله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}
(12)
؛ معناه في دفعتين
(13)
، كقول القائل: أعطيته مرتين، وضربته مرتين، والألف واللام للجنس، فيقتضي أن يكون كلّ الطّلاق المباح في دفعتين، ودفعة ثالثة في قوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا}
(14)
، أو في قوله تعالى:[321/ ب]{أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(15)
على حسب ما اختلف فيه أهل التّفسير
(16)
.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 5).
(2)
القول للشافعي. انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 190).
(3)
(الْبِدْعَةُ) اسْمٌ مِنْ ابْتَدَعَ الْأَمْرَ إذَا ابْتَدَأَهُ وَأَحْدَثَهُ وهُوَ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ أَوْ نُقْصَانٌ مِنْهُ، المغرب في ترتيب المعرب (ص: 37).
(4)
انظر: الأم للشافعي (5/ 194).
(5)
يقصدبهإجماعالأئمةالثلاثةأبوحنيفةوأبويوسفومحمد بنالحسن?رحمةاللهعليهمجميعاً. ينظر: المذهب الحنفي (1/ 131)
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 4)
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 4)، والأم للشافعي (5/ 194).
(8)
الحسن بْن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب سبط النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأمه فاطمة بنت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوكَانَ يشْبِهُ جَدَّهُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَحَفِظَ عَنْ جَدِّهِ أَحَادِيْثَ، وَعَنْ أَبِيْهِ وَأُمِّهِ. توفي سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين انظر: أسد الغابة (2/ 13)، سير أعلام النبلاء (4/ 327).
(9)
اسمها عائشة بنت خليفة الخثعمية، وهي زوجة الحسن بن علي رضي الله عنه. ينظر: مختصر تاريخ دمشق (7/ 28)، والطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 287).
(10)
عليّ بْن أَبِي طَالِب بْن عَبْد المطلب، ابْن عم رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصهره عَلَى ابنته فاطمة، وهو أول من صَدَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، وَأَبُو السبطين، وأول خليفة من بني هاشم، كانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر، ودفن بالكوفة عند مسجد الجماعة في قصر الإمارة. يُنْظَر: أسد الغابة (4/ 88)، تجريد الأسماء والكنى المذكورة في كتاب المتفق والمفترق (2/ 107)، تاريخ دمشق لابن عساكر (42/ 10).
(11)
أخرجه البيهقي في السنن الكبير (كتاب الصداق/ باب المتعة/ 14492)، والطبراني في المعجم الكبير (باب الحاء/ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ/ 2757)، وفيه سلمة بن الفضل وهو الأبرش القاضي، قال الحافظ:"صدوق كثير الخطأ ". وفيه أيضاً: محمد بن حميد الرازي، قال الحافظ:"حافظ ضعيف"، وقال الهيثمي:"فِي رِجَالِهِ ضَعْفٌ، وَقَدْ وُثِّقُوا". ينظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (4/ 339)، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (3/ 353).
(12)
[البقرة: 229]
(13)
يَعْنِي الطَّلَاقَ الَّذِي يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ عَقِيبَهُ مَرَّتَانِ. يُنْظَر: تفسير البغوي (1/ 269).
(14)
[البقرة: 230].
(15)
[البقرة: 229].
(16)
وأما قوله: " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، فإنّ في تأويله وفيما عُني به اختلافًا بين أهل التأويل.
فقال بعضهم: عنى الله تعالى ذكره بذلك الدلالة على اللازم للأزواج المطلقات اثنتين بعد مراجعتهم إياهن من التطليقة الثانية- من عشرتهن بالمعروف، أو فراقهن بطلاق، وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: "الطلاق مرتان"، قال: يقول عند الثالثة: إما أن يمسك بمعروف، وإما أن يسرح بإحسان، وقال مجاهد: الرجل أملك بامرأته في تطليقتين من غيره، فإذا تكلم الثالثة فليست منه بسبيل، وتعتدّ لغيره، وقيل: هو ترك المعتدة حتى تبين بانقضاء العدة، وقيل أراد به: الطلقة الثالثة. ينظر: تفسير الطبري = جامع البيان (4/ 544)، التفسير البسيط (4/ 223).
وفي حديث مَحْمُودِ بن لبيد
(1)
: أن رجلاً طلّق امرأته ثلاثاً بين يدي رسول الله عليه السلام، فقام رسول الله عليه السلام مغضباً، فقال:«أتلعبون بكتاب الله وأنا بين أظهركم»
(2)
، واللعب بكتاب الله تعالى ترك العمل به، فدلّ أن إيقاع الثلاث جملة مخالف للعمل بما في الكتاب، وأن المراد من قوله:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
(3)
تفريق الطلقات على عدد إقراء العدة
(4)
.
ألا ترى أنّه خاطب الزّوج بالأمر بإحصاء العدة، وفائدة التّفريق فإنّه قال: لا يدري لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً؛ أي: يبدو له فيرجعها وذلك عند التّفريق لا عند الجمع.
وفي حديث عبادة بن صامت رضي الله عنه
(5)
: أن قومًا جاءوا إلى رسول الله عليه السلام وقالوا: أن أبانا طلّق امرأته ألفاً، فقال:«بَانَتْ امْرَأَتُهُ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَقِيَ تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٍ وَتِسْعِينَ وِزْرًا فِي عُنُقِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
(6)
، وأن الحسن رضي الله عنه إنّما قال لِشَهْبَاءَ: أنت طالق ثلاثاً للسنة، وعندنا هذا لا بأس به، ولأنّ في إيقاع الثّلاث قطع باب التلاقي، وتفويت التّدارك عند النّدم، وَفِيهِ مَعْنَى مُعَارَضَةِ الشَّرْعِ، فَالْإِسْقَاطَاتُ فِي الْأَصْلِ لَا تَتَعَدَّدُ، كَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ الطَّلَاقَ مُتَعَدِّدًا لِمَعْنَى التَّدَارُكِ عِنْدَ النَّدَمِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَفْوِيتُ هَذَا الْمَعْنَى فِي نَفْسِهِ بَعْدَ مَا نَظَرَ الشَّرْعُ لَهُ، كَمَا لَا يُبَاحُ لَهُ الْإِيقَاعُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ حَالَةُ نَفْرَةِ الطَّبْعِ عَنْهَا، وَكَوْنُهُ مَمْنُوعًا شَرْعًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْدَمُ إذَا جَاءَ زَمَانُ الطُّهْرِ، فَيُكْرَهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ لِمَعْنَى خَوْفِ النَّدَمِ، فَهَذَا مِثْلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فِيالطُّهْرِ، ثُمَّ أُخْرَى فِي الْحَيْضِ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَلَيْسَ فِي إيقَاعِ الثَّانِيَةِ فِي الْحَيْضِ مَعْنَى تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَلَا مَعْنَى اشْتِبَاهِ أَمْرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، فَدَلَّ أَنْ مَعْنَى كَرَاهَةِ الْإِيقَاعِ لِمَعْنَى خَوْفِ النَّدَمِ، فهذا مثله كذا في «المبسوط»
(7)
.
(1)
مَحْمُودُ بنُ لَبِيْدِ بنِ عُقْبَةَ بنِ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ. وُلِدَ: بِالمَدِيْنَةِ، فِي حَيَاةِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَوَى عَنْهُ أَحَادِيْثَ يُرْسِلُهَاقَالَ البُخَارِيُّ: لَهُ صُحْبَة، روَى عَنْهُ: بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَتُوُفّي محمود ابْن لبيد سَنَة ست وتسعين بالمدينة وكان ثقة قليل الحديث. انظر: سير أعلام النبلاء (3/ 485)، والطبقات الكبرى (5/ 57)، وتاريخ الإسلام (2/ 1168).
(2)
أخرجه النسائي في السنن الكبرى (كتاب الطلاق/ باب طلاق الثلاث مجموعات ومافيه من التغليظ/ 5564)، من طريق مخرمة، وقَالَ النَّسَائِيّ لَا أعلم رَوَاهُ غير مخرمَة. انظر: تخريج أحاديث الكشاف (4/ 48).
(3)
[الطلاق: 1]
(4)
ووجه الدلالة أن يطلقها وهي طاهر من غير جماع، أو حَبَل يستبين حملها. ينظر: تفسير الطبري = جامع البيان (23/ 434).
(5)
عبادة بْن الصامت بْن قيس بن أصرمالأنصاري الخزرجي، أَبُو الْوَلِيد، شهد العقبة الأولى، والثانية وشهد بدرًا، وأحدًا، والخندق والمشاهد كلها، هو أحد النقباء الاثني عشر. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيُّ توفي عبادة سنة أربع وثلاثين بالرملة، وقيل: بالبيت المقدس. يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (2/ 5)، وأسد الغابة (3/ 158)، والطبقات الكبرى (3/ 413)
(6)
أخرجه الدارقطني في السنن (كتَابُ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَغَيْرِهِ/ 3924)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (كتاب الخلع والطلاق/ 14668)، قالَ الدَّارَقُطْنِيّ:"رُوَاته ضعفاء وَمَجْهُولُونَ" انظر: تخريج أحاديث الكشاف (4/ 49).
(7)
المبسوط للسرخسي (6/ 6).
(لما فيه من النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِالْمَصَالِحُالدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ).
أما الدينيّة؛ فلأنّ فيه حفظ نفسه عن الزّنى وحفظ المرأة عن الزنا، وفيه تكثير الموحدين وتحقيق مباهاة سيّد المرسلين بكثرة أمته.
وأمّا الدنيوية؛ فلأن بالنكاح يقوم أمر المعيشة؛ لأنّ المرأة تعمل داخل البيت والرجل خارجه، فينتظم أمرهما، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْحَظْرِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ حِبَالَةِ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ علىالْأَطْهَارِ
(1)
ثابته؛ أي: والحاجة ثابتة في التفريق على الْأَطْهَارِ] نظراً إلى دليلها أي دليل الحاجة وهو الإقدام على الطّلاق في زمان تجدد الرغبة وهو الطّهر
(2)
.
فإن قلت: لو كانت الإباحة دائرة مع دليل الحاجة - وهو الإقدام على الطّلاق في زمان تجدّد الرغبة، وهو الطّهر على ما ذكرت - ينبغي أن لا يتفاوت بين إرسال الثلاث جملة في ذلك الوقت، أو قرن الثّلاث لوجود دليل الإباحة عند إرسال الثلاث أيضاً، وهو الإقدام على الطّلاق في زمان تجدّد الرّغبة.
قلت: نعم كذلك فإنّ دليل الإباحة قد وجد، ولكن عارضه دليل الحرمة، وهو مخالفة السنّة لقوله عليه السلام:«أنّ من السنّة أن يستقبل الطهر استقبالاً»
(3)
، وحديث عبادة بن صامت إثبات المعصية عند إرسال الثّلاث جملة وغيرهما من النّصوص، والعلّة
(4)
لا تعمل في معارضة النصّ
(5)
، وإنّما عملها عند عدم النصّ والحاجة في نفسها باقية، هذا جواب سؤال مقدّر؛ ذكره فخر الإسلام
(6)
رحمه الله، وفي «المبسوط»
(7)
وهو أنّ الأصل في الطّلاق لو كان الحظروالإباحة تعارضه لكان لا يباح الطّلاق الثّاني والثّالث، وإن فرقهما على الأطهار لانقضاء الحاجة بالواحدة؛ لأنّ الخلاص بالواحدة يتحقّق.
(1)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 31).
(2)
سقط من (ب).
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (مسند عبدالله بن عمر بن الخطاب\ 13997)، وَقَالَ البيهقي:"أَتَى عَطاء الخراساني فِي هَذَا الحَدِيث بِزِيَادَات لم يُتَابع عَلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيف". ينظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 69).
(4)
العلة في اللغة: الْمَرَضُ. مقاييس اللغة (4/ 14).
العلة: هي ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجًا مؤثرًا فيه. وقيل: هي المعنى الجالب للحكم، وقيل: المعنى الذي تعلق به الحكم. انظر: العدة في أصول الفقه (1/ 176)، التعريفات (ص: 154).
(5)
قال السرخسي: التعليل في معارضة النص أو فيما يبطل حكم النص باطل بالاتفاق. انظر: أصول السرخسي (2/ 161)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (3/ 220).
(6)
علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد، أبو الحسن، فخر الإسلام البزدوي، الفقيه بما وراء النهر، كَانَ أَحَدَ مَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي حِفْظ المَذْهَب حدث عَنْهُ صَاحِبه أَبِي المَعَالِي مُحَمَّدِ بن نَصْرٍ الخَطِيْب، نسبته إلى " بزدة " قلعة بقرب نسف. له تصانيف، منها (المبسوط - كنز الوصول)، توفي سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 205)، وسير أعلام النبلاء (18/ 603)، والأعلام للزركلي (4/ 328).
(7)
المبسوط للسرخسي (6/ 4).
فأجاب عنه وقال: دليل الحاجة موجود، وهو قيام ملكه، فجاز أن يكون الزّوج محتاجاً إلى سدّ باب التّزوج لبدايته فيها، أو لمعنى آخر، فكانت حاجة نافية إلى استكمال الثلاث بالتّفريق، فيجب على هذا التّعليل أن يباح إرسال الثّلاث جملة أيضاً، لكن لما كانت العلة على ذلك التّقدير معارضة للنصّ لم يؤثر، فأثرت عند عدم المعارضة، وهو استكمال الثلاث بالتّفريق على الأطهار.
قوله رحمه الله: والْمَشْرُوعِيَّةُ فِي ذَاتِهِإلى آخره هذا جواب عمّا قاله الخصم
(1)
، وهو قوله وَالْمَشْرُوعِيَّة لَا تُجَامِعُ الْحَظْرَ
(2)
.
وإنّا نقول: الحظر جاء لمعنى في غير الطّلاق - وهو ما ذكرناه - وهو قوله: فيه قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُوسنّة النبي عليه السلام، ولكن ليس في نفس الطّلاق حظر؛ لأنّ نفسه إزالة [322/ أ] الرق وهي محمودة، وليست بمحظورة، فصار هو كالصّلاة في الأرض المغصوبة، فإنّها مكروهة باعتبار الغصب، لا أنّها مكروهة في ذاتها
(3)
.
قوله رحمه الله: لما قلنا، إشارة إلى قوله: وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ، وسنة في العدد، وهي إيقاع الواحدة في طهر لم يجامعها فيه، ويصير إلى أن ينقضي الأجل، وكذلك السنّة في الوقت هي أن يختار الوقت، وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ، لإيقاع الطّلاق، ولكن الافتراق بينهما هو أن المقصود في سنة الوقت هو الطّهر الخالي عن الجماع، وفي سنة العدد المقصود هو رعاية جانب العدد؛ فلذلك لم يختلف في سنة العدد المدخول بها وغير المدخول بها، غير أنّهما يختلفان في حقّ الوقت، ففي حق المدخول بها بشرط الوقت وهو الطهر الخالي عن الجماع؛ لكون الطّلاق سنياً وفي غير المدخول بها لا بشرط، حتّى أنّه لو طلّقها في حالة الحيض لا يكون بدعيًا، لما أنّ الرغبة فيها صادقة لعدم الدّخول بها، وإنّما سمى الواحد عددًا مجازاً لأنّه أصل العدد
(4)
.
وَلَنَا أَنَّ الرَّغْبَةَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا صَادِقَةٌ لَا تَقِلُّ بِالْحَيْضِ، فكان الطّلاق في حالة الطهر مشروعًا بلا كراهة نظرًا إلى دليل الرّغبة.
(1)
المراد هنا الشافعي انظر: العناية شرح الهداية (3/ 471).
(2)
ينظر: الأم للشافعي (5/ 193).
(3)
المبسوط للسرخسي (2/ 88).
(4)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 96)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 200)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 31).
فإن قيل: ينبغي أن يكون الطّلاق في حالة الحيض مكروهًا في حق غير المدخول أيضاً؛ لقوله النبيّ عليه السلام لعمر
(1)
رضي الله عنه: «إن ابنك أخطأ السنة»
(2)
، والعبرة لعموم اللّفظ
(3)
، وهو الطّلاق في حالة الحيض، فتعم المدخول بها وغير المدخول بها.
قلنا: كان ذلك في حقّ المدخول بها بدليل آخر ذلك الحديث وهو مدّة فليراجعها؛ لأنّ الشّهر في حقها قائم مقام الحيض.
فإن قيل: لما أقيم الشّهر مقام الحيض، فإذا وقع الطّلاق في أيّ شهر، كان من الأشهر الثّلاثة، كان موقعًا للطّلاق في الحيض، فكان حراماً كما في حالة الحيض.
قلنا: الْخُلْفُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ بِحَالِهِ لَا بِذَاتِهِ؛ أي لا يقوم مقامه من جميع الوجوه، فإنّ الشّهر في حقّ الآيسة طهر حقيقة، وإنّما أقيم الشّهر مقام الحيض في حق انقضاء العدّة والاستبراء.
وذكر شيخ الإسلام
(4)
: فلو كانت الأشهر بدلاً عن الإقراء
(5)
في حق جميع الأحكام، لكان الطّلاق بعد الجماع محرمًا، كما في حق ذوات الإقراء، فلما لم يحرم علم أنّ الأشهر قامت مقام الحيض في حقّ تعلّق انقضاء العدّة بها لا غير
(6)
(7)
أي: من الصغائر اللاتي لم يبلغن، أو اللاتي بلغن بغير حيض، كذلك يعتدون بثلاثة أشهر، كذا في «التّيسير»
(8)
(9)
.
(1)
عمر بن الخطّاب بن نفيل القرشي العدوي رضي الله عنه، أبو حفص أمير المؤمنين، أسلم في السنة السادسة من النبوة، وله سبع وعشرون سنة، كان إسلامه فتحًا على المسلمين، وهو أحد الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، استشهد في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 484)، والتاريخ الكبير للبخاري (6/ 139)، سير أعلام النبلاء (2/ 397).
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (مسند عبدالله بن عمر بن الخطاب/ 13997)، وَقَالَ البيهقي:"أَتَى عَطاء الخراساني فِي هَذَا الحَدِيث بِزِيَادَات لم يُتَابع عَلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيف". انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 69).
(3)
انظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (1/ 296).
(4)
علي بن محمد بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن محمد بنإسحاق الاسبيجابي، شيخ الإسلام، السمرقندي سكن سمرقند، وصار المفتي، والمقدم بها لم يكن بما وراء النهر في زمانه من يحفظ المذهب مثله، له كتب، منها الفتاوى وشرح مختصر الطحاوي. توفي بسمرقند سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 213)، التحبير في المعجم الكبير (1/ 578)، الأعلام للزركلي (4/ 329).
(5)
الْأَقْرَاء: الحَيْض، والأقراء: الْأَطْهَار، وَقد أقرأتِ الْمَرْأَة فِي الْأَمريْنِ جَمِيعًا، وأصلُه من دُنُوِّ وَقت الشَّيْء. انظر: تهذيب اللغة (9/ 209).
(6)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 475)، البناية شرح الهداية (5/ 290).
(7)
[الطلاق: 4]
(8)
التيسير، في التفسيرلنجم الدين، أبي حفص: عمر بن محمد النسفي، الحنفي. المتوفى: بسمرقند، سنة 537 هـ، وهو من الكتب المبسوطة في هذا الفن وهو غير مطبوع فيما أعلم. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 519).
(9)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 475)، البناية شرح الهداية (5/ 290).
[اقامة الشهر مقام الحيض]
وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ الْحَيْضِ أي: إقامة الشّهر مقام الحيض في حق الحيض خاصّة، لا في حقّ الحيض والطّهر، وهو احتراز عن ظن بعض أصحابنا
(1)
.
وفي «المبسوط» : وقد ظن بعض أصحابنا أنّ الشّهر في حق التي لا تحيض بمنزلة الحيض والطّهر في حقّ التي تحيض، وليس كذلك، بل الشّهر في حقها بمنزلة الحيض في حقّ التي تحيض حتّى يتقدّر به الاستبراء
(2)
(3)
،] ولو كانت الإقامة باعتبارهما لكان ينبغي أن يقدر الاستبراء بعشرة؛ لأنّه أكثر الحيض
(4)
ويفصل به بين طلاقي السنّة؛ وهذا لأنّ المعتبر في حقّ ذوات القرء الحيض، ولكن لا يتصوّر تجدّد الحيض إلا بتحلل الطّهر، وفي الشّهور يتقدم هذا المعنى، فكان الشّهر قايمًا مقام ما هو المعتبر
(5)
.
فإن قلت: في أيّ موضع يظهر ثمرة اختلاف بعض أصحابنا في أنّ الشّهر قائم مقام الحيض والطّهر، وعند غيرهم في حقّ الحيض خاصة.
قلت: في حق إلزام الحجّة
(6)
، فإنّهم لما اجتمعوا على أنّ الاستبراء يكتفى بالحيض لا غير، من غير توقف إلى الطّهر والشّهر قائم مقامه في حقّ التي لا تحيض، علمنا أنّ الشّهر قائم مقام الحيض لا غير؛ لأنّ الخلف إنّما يعمل فيما يعمل فيه الأصل، واشتراط الحيض مع الطّهر في ثلاث حيض إنّما كان ليتحقّق عدد الثلاثة، لا لذات الطّهر على ما ذكر في «المبسوط»
(7)
ولو كان لذاته لا يشترط فيما لا يشترط فيه العدد من الحيض، فكانوا محجوجين؛ لما قلنا من أثر العلة تعبير الشّهور بالأهلة سواء كانت ناقصة أو كاملة، وإن كان في وسطه أي: وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ، وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا بِالِاتِّفَاقِ
(8)
، وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
(9)
رحمه الله أي: يعتبر جميع ثلاثة أشهر بالأيّام، ولا يحكم بانقضاء عدّتها إلا بتمام تسعين يومًا، من حين طلّقها - كذا في «المبسوط»
(10)
- ويجوز أن يطلّقها، ولا يفصل بين وطئها وطلاقها بزمان، قال شمس الأئمة الحلواني
(11)
[322/ ب]رحمه الله وكان شيخاً رحمه الله يقول:
(12)
هذا إذا كانت صغيرة لا يرجى منها الحيضوالحبل
(13)
، وأمّا إذا كانت صغيرة يرجى منها الحيض والحبل فالأفضل أن يفصل بين جماعها وطلاقها بشهر
(14)
- كذا في «المبسوط»
(15)
- ولكن يكثر من وجه آخر.
(1)
البناية شرح الهداية (5/ 288).
(2)
هُوَ طلب بَرَاءَة رحم الزوجة و الْجَارِيَة الْمَمْلُوكَة من الْحمل (قواعد الفقه (ص: 170)
(3)
المبسوط للسرخسي (6/ 12)
(4)
سقط من (ب).
(5)
المبسوط للسرخسي (6/ 12).
(6)
هي الْبُرْهَانُ و (حَاجَّهُ فَحَجَّهُ) مِنْ بَابِ رَدَّ أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ. انظر: مختار الصحاح (ص: 67).
(7)
المبسوط للسرخسي (6/ 12).
(8)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 13)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 259).
(9)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 13)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 259).
(10)
المبسوط للسرخسي (6/ 12).
(11)
عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح، شمس الأئمة الحلواني إمام الحنفية في وقته ببخارى صاحب المبسوط تَفقَّه بِالقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الحُسَيْن بن الخَضِر النسفِي. وحدَّث عن أبي عبد الله غُنجار وتفقه على جماعة. توفي سنة ثمان، أوتسع وأربعين وأربعمائة بـ"كَشّ" ودفن ببخارى. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 189)، سير أعلام النبلاء (18/ 177)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 318).
(12)
المقصود هنا زفر رحمه الله. ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 32).
(13)
الحُبلى: الحامل. يُنْظَر: معجم ديوان الأدب (2/ 6).
(14)
انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 200)، والعناية شرح الهداية (3/ 476).
(15)
المبسوط للسرخسي (6/ 15).
فإن قيل: تعارضت جهة الرغبة مع جهة الفتور، فتساقطتا بالمعارضة، فرجعنا إلى الأصل، وهو أنّ الأصل في الطّلاق الحظر؛ لما مرّ، فيحرم عدم الفصل بين وطئها بطلاقها كما في ذوات الحيض.
قلنا: الطّهر زمان الرغبة، فلما عارضة فتور الرغبة بالجماع تساويا، فترجّحت جهة الرغبة بعد معارضتهما الْوَطْءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ، أو يكون تعارض الفتور بالجماع مع الرّغبة المعنيّة، وهي الرغبة في وطء غير معلّق، فبقي تعيّن الرغبة باعتبار أنّ الزّمان زمان الطّهر، وذلك لأنّ انتفاء المعيّن لا يوجب انتفاء، ونفس الرغبة كافية لنفي الكراهة لصلاحتها لدليل الحاجة، والشّرع ورد بالتّفريق على فصول العدّة، وفصول العدة هي الأشهر، والحيض والشّهر في حق الحامل ليس من فصولها، وَلَا يُرْجَى مَعَ الْحَملِ.، أي: لا يرجى تجدّد الطّهر مع الحمل؛ لأنّ الحيض غير ممكن، فلا يمكن الطّهر؛ لأنّ النّهي عنه بمعنى في غيره.
قال شيخي رحمه الله:
(1)
الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ هَاهُنَا هُوَ النَّهْيُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ضِدِّ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ في قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
(2)
أي: لإظهار عدّتهن، والأمر المذكور في قوله عليه السلام:«مر ابنك فليراجعها»
(3)
لما أنّه كان مأموراً برفع الطّلاق الواقع في حالة الحيض لأجل الحيض، كان منهيًّا عن إيقاع الطّلاق في حالة الحيض
(4)
.
قوله رحمه الله: وهو ما ذكرنا، إشارة إلى قوله: لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَا الطَّلَاقِ؛ وذلك لأنّ الحيض الذي وقع الطّلاق فيه لا يعتبر من العدّة، فيطول العدة، وهذا يفيد الوقوع؛ لأنّ المراجعة إنّما تكون بعد وقوع الطّلاق؛ ولأنّه ذكر عند عمر رضي الله عنه في الشّورى
(5)
ابنه قال: "سبحان الله! أقلّد أمور المسلمين من لم يخش طلاق امرأته، فطلّقها في حالة الحيض"، فهذا إشارة منه إلى أن ذلك كان واقعًا، خلافاً للروافض
(6)
على ما ذكرنا، عملاً بحقيقة الأمر، وهي نزولاًيقال هذا الأمر يثبت الوجوب على عمر بأن يأمر ابنه بالمراجعة فكيف يثبت وجوب المراجعة بقول عمر.
(1)
ينظر: العناية شرح الهداية (3/ 480).
(2)
[الطلاق: 1]
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (مسند عبدالله بن عمر بن الخطاب/ 13997). وَقَالَ البيهقي أَتَى عَطاء الخراساني فِي هَذَا الحَدِيث بِزِيَادَات لم يُتَابع عَلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيف. انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 69).
(4)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (3/ 480)، البناية شرح الهداية (5/ 292)
(5)
من المشاورة، قال اللّه تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} أي: يتشاورون فيه. انظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (6/ 3582).
(6)
يَقُوْلُوْنَ بِاثْنَي عَشَرَ إِمَامًا أَوَّلُهُم عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ وَآخِرُهُم الإِمَامُ المُنْتَظَرُ. انظر: المُعْجَمُ الوَسِيْطُ (1/ 101).
قلنا: فعل النّائب
(1)
كفعل المنوب
(2)
، فصار كأنّ النبي عليه السلام أَمَرَ، فيثبت الوجوب في الطّهر الذي يلي الحيضة؛ أي: الحيضة التي طلّقها فيها.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ
(3)
رحمه الله: ما ذكره، أي: ما ذكره الطّحاوي
(4)
وَمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ
(5)
قَوْلُهُمَا
(6)
، وكلا الوجهين روى في حديث ابن عمر فطريق رواية شعبة
(7)
مثل قولهما، وطريق رواية أخرى مثل قول أبي حنيفة
(8)
رحمه الله
(9)
كذا في «المبسوط»
(10)
، أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ طَلَاقَيْنِ بِحَيْضَةٍ، بحيضة، أي: كاملة.
(1)
من قَامَ مقَام غَيره فِي أَمر أَو عمل. انظر: المعجم الوسيط (2/ 961).
(2)
الْأَمْرُ مُنَابٌ فِيهِ وَنَابَ الْوَكِيلُ عَنْهُ فِي كَذَا وَالْأَمْرُ مَنُوبٌ فِيهِ، وَزَيْدٌ مَنُوبٌ عَنْه. انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/ 629).
(3)
عبيد الله بن الْحُسَيْن بن دلال بن دلهم أَبُو الْحسن الْكَرْخِي، وكان أبو الحسن انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق، مع غزارة علمه وكثرة روايته، عظيم العبادة، كثير الصلاة والصوم، وانتشر أصحابه في البلاد، وعنهُ أَخذ أَبُو بكر الرَّازِيّ وَأَبُو عبد الله الدَّامغَانِي وله "شرح الجامع الصغير" و"شرح الجامع الكبير"، توفي سنة أَرْبَعِينَ وَثَلَاث مائَة. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 337)، وتاريخ بغداد (10/ 353)، والأعلام للزركلي (4/ 193).
(4)
أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ولد ونشأ في (طحا)، من صعيد مصر، وتفقه على مذهب الشافعيّ، ثم تحول حنفيًا، وانتهت رياسة أصحاب أبي حنيفة بمصر، أخذ العلم عن أبي جعفر ابن أبي عمران، صنف الشروط وأحكام القرآن ومعاني الآثار. توفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. يُنْظَر: طبقات الفقهاء (ص: 142)، الأعلام للزركلي (1/ 206)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 102).
(5)
الأصلالمعروفبالمبسوط، لمحمدبنالحسنبنفرقدالشيباني، أبي عبدالله، (ت 189 هـ) سماه به، لأنه صنفه أولا، وأملاه على أصحابه، رواه عن الجوزجاني، وغيره، وهو مطبوع ومحقق منتحقيقأبيالوفاالأفغاني، ويقع في 30 مجلد. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 81).
(6)
انظر: اللباب في شرح الكتاب (3/ 40)، والبناية شرح الهداية (5/ 294).
(7)
شعبة بن الحجاج بن الورد، أبو بسطام العتكي، مولاهم الْحَافِظُ الْكَبِيرُ عَالِمُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِي زَمَانِهِ، بَلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ رأى الحسن، ومحمد بن سيرين، وسمع قتادة روى عنه أيوب السختياني، والأعمش، وسفيان الثوري،، وسفيان بن عيينة، قَالَ يَحْيَى بن معين: كان شعبة رجل صدق له كتاب (الغرائب) في الحديث مات سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة. انظر: تاريخ بغداد (9/ 267)، تاريخ الإسلام (4/ 71)، والأعلام للزركلي (3/ 164).
(8)
النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ بْنُ زَوْطِيٍّ، الإِمَامُ الْعَلَمُ، أَبُو حَنِيفَةَ الْكُوفِيُّ، الفقيه المجتهد المحقق، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِينَ، وَرَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَسَادَ أَهْلَ زَمَانِهِ فِي التَّفَقُّهِ وَتَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ، وَتَصَدَّرَ لِلإِشْغَالِ وَتَخَرَّجَ بِهِ الأَصْحَابُ. فَمِنْ تَلامِذَتِهِ: زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ الْعَنْبَرِيُّ، والقاضي أَبُو يوسف مَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسِينَ. انظر: تاريخ الإسلام (3/ 996)، وسير أعلام النبلاء (6/ 391)، الأعلام للزركلي (8/ 36).
(9)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 193)، والعناية شرح الهداية (3/ 482)، والبناية شرح الهداية (5/ 294).
(10)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 58).
فإن قلت: هذا خلاف النصّ، وهو قوله عليه السلام:"أن يستقبل الطهر استقبالاً"
(1)
، وهو غير متعرض طهراً أطلقها في الحيض الذي قبله أو لم يطلقها فيه.
قلنا: الطّهر مع الحيض المتّصل به، فصلٌ واحد من فصول العدة، فالطّلاق في الحيض كالطّلاق في الطّهر المتّصل به، فلو طلّقها في الطّهر حقيقة، لم يكن له أن يطلقها في ذلك الطّهر ثانيًا - على وجه السنّة - فكذلك إذا طلّقها في الحيض المتّصل بهذا الطّهر؛ لما أنّ السنّة أن يفصل بين كل طلاقين بحيضة؛ لأنّ اللام فيه للوقت.
فإن قلت: لما كانت اللام ههنا للوقت، كان تقدير كلامه أنت طالق ثلاثاً أَوْقَاتِ السَّنَةِ، فلو قال هكذا، ثم نوى إيقاع الثّلاث جملة السّاعة لا يصّح، بل يقع مفرقاً في ثلاثة أطهار، فيجب أن يكون ههنا كذلك، وليس ههنا كذلك بل تصحّ نيته جملة السّاعة بدليل.
قوله: (وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ) فهو على ما نوى، فما وجهه؟
(2)
.
قلت: الفرق بينهما هو أنّ كلامه ههنا ذو وجهين؛ لما أنّ اللام ليس بصريح في الوقتـ بل يحتمله فترجح جانب الوقت بذكر السنة، ومطلق السنة ينصرف إلى الكامل، وهو السنّة وقوعًا وإيقاعاً؛ فلذلك انصرف إليه عند عدم النية.
أمّا جانب احتمال أن يكون اللام للوقت فباقٍ، فترجّح جانب أن لا يكون للوقت عند نيّة أن تقع جملة، وكان ذكر السنة منصرفاً إلى سنة من وجه دون وجه، وهو السنّة من حيث الوقوع.
وأمّا عند التّصريح بالوقت لم يحتمل عند وقت السنة، فانصرف [323/ أ] لذلك إلى وقت السنّة كاملاً، وهو أن يكون وقوعًا وإيقاعًا، وهو إنّما يكون عند التّفريق على الأطهار
- إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية»
(3)
(4)
- أو نوى عند رأس كلّ شهر واحدة، فهو على ما نوى؛ لأنّ رأس الشّهر يحتمل أن يكون زمان طهرها فيكون سبباً مطلقاً.
(1)
اخرجه الطبراني في المعجم الكبير (مسند عبدالله بن عمر بن الخطاب\ 13997)، وَقَالَ البيهقى:"أَتَى عَطاء الخراساني فِي هَذَا الحَدِيث بِزِيَادَات لم يُتَابع عَلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيف". انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 69)
(2)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 194)، والمبسوط للسرخسي (6/ 102).
(3)
الفوائد الظهيريةفي الفتاوى، لظهير الدين، أبي بكر: محمد بن أحمد بن عمر. المتوفى: سنة 619 هـ، جمع فيها: فوائد (الجامع الصغير الحسامي)، وهو مخطوط فيما أعلم. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1298).
(4)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 261).
ويحتمل أن يكون رأس الشّهر زمان حيضها، فيكون سنياً من حيث الوقوع، وكان متردّدًا بين أن يكون سنياً مطلقاً، وبين أن يكون سنياً من حيث الوقوع، ولو كان سنياً من حيث الوقوع قطعًا صحّت بينة، فهذا أولى كذا في «الجامع الصّغير»
(1)
(2)
لقاضي خان
(3)
؛ لأنّه سنّي وقوعًا؛ لما ذكرنا أنّ وقوع الثّلاثة جملة من مذهب أهل السنّة والجماعة - بخلاف الروافض-؛ لما أنّه عرف صحة وقوعه بالسنّة، وهي ما روي عن النبي عليه السلام أنّه قال:«من طلّق امرأته ألفاً، بانت امرأته بثلاث والباقي رد عليه»
(4)
، وما ذكرنا من حديث عبادة بن الصّامت رضي الله عنه أنّ قومًا جاءوا إلى النّبي عليه السلام
…
الحديث
(5)
.
فإن قيل: ما ذكرتم من المعنى موجود في الإيقاع؛ لأنّه إذا صحّ الوقوع صحّ الإيقاع لامتناع الوقوع بدون الإيقاع، فحينئذ يكون سبباً من حيث الإيقاع والوقوع.
قلنا: الوقوع لا يوصف بالحرمة؛ لأنّه ليس فعل المكلف
(6)
، ولأنّه حكم شرعي، وحكم الشّرع لا يوصف بالبدعة، والإيقاع يوصف بها لكونها فعل المكلّف، فكان الوقوع أشبه بالسنّة المرضيّة، فلذلك قال سنّتي وقوعًا، بخلاف قوله: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أوقات لِلسُّنَّةِ؛ لأنّ هناك صرّح بالإضافة إلى الأوقات
(7)
.
(1)
شرح الجامع الصغير، المؤلف حسن بن منصور المعروف بقاضي خان، حنفي، وهو غير مطبوع والله أعلم. ينظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 151).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 201).
(3)
قَاضِي خَانَ حَسَنُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ مَحْمُوْدٍ البُخَارِيُّ هُوَ العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الحَنَفِيَّةِ صاحب الفتاوى سمِعَ الكَثِيْر مِنَ: الإِمَام ظَهِيْر الدِّيْنِرَوَى عَنْهُ: العَلاَّمَة جَمَال الدِّيْنِ مَحْمُوْد. له (الفتاوى)، (الأمالي)، و (شرح الجامع الصغير)، توفي سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. انظر: سير أعلام النبلاء (21/ 232)، و (الأعلام للزركلي (2/ 224)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 151).
(4)
أخرجه الدارقطني في السنن (كِتَابُ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَغَيْرِهِ/ 3928)، والبيهقي في السنن الكبرى (كتاب الخلع والطلاق/ بَابُ مَا جَاءَ فِي إِمْضَاءِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ/ 14976)، إسناده صحيح. انظر (إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (7/ 123).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
المكلف: هُوَ البالغ العاقلالمخاطب بأمر أو نهي. ينظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 135).
(7)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 484)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 261)، والبناية شرح الهداية (5/ 296).
وفيما نحن فيه ذكر ما هو تعريض، وكناية عنها والعمل بالصّريح أولى - كذا في «الفوائد الظهيرية»
(1)
- لا إيقاعاً أنّ السنّة في الإيقاع تفريق الثلاث على الإطهار، فإذا نواها جملة لا يكون الإيقاع سنيًّا، فحينئذ تكون اللام للتّعليل، فكان معنى قوله: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ، أي: وقوع الثّلاث جملة مستفاد لأجل السنّة الواردة فيه
(2)
، وقعن عندنا لما قلنا، وهو قوله: ولنا أنه محتمل لفظاً، بخلاف ما إذا قال: أنت طالق للسنّة، ولم ينصّ على الثلاث حيث لا يصحّ نية الجملة فيه، اعلم أن هذا الذي ذكره رواية بعض شروح «الجامع الصّغير»
(3)
.
(4)
وأمّا رواية «المبسوط» : فإنّه يصحّ نيّة الثلاث جملة
(5)
فيه أيضاً، كما لو نصّ على الثلاث - كذا ذكره الإمام قاضي خان، وفي «الجامع الصّغير»
(6)
- وقال: وإن نوى وقوع الثّلاثة جملة يصحّ؛ لأنّه إذا نوى الثّلاث صار كقوله: أنت طالق ثلاثاً للسنّة، وفي ذلك لو نوى الوقوع جملة يصحّ - كذا هنا ذكره في باب الطّلاق من الأصل
(7)
- وذكر بعض المتأخّرين
(8)
في شرح هذا الكتاب: أنّه لا يصحّ حتّى لا يقع أكثر من واحدة؛ لأنّ الثلاث ليست بملفوظة، وإنّما يصحّ نيّة الثلاث لتعدّد وقت السنّة، فإذا نوى وقوع الكلّ ساعة بطل تعدّد الوقت، فيبطل نيّة الثّلاث ضرورة فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ الْوَقْتِ فيه؛ أي: يفيد تعميم أوقات السنة، ومن ضرورة تعميم الواقع؛ لأنّه جعل كلّ وقت طرفاً للواقع.
(1)
يُنْظَر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 247).
(2)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 261).
(3)
الجامع الصغير للإمام، المجتهد: محمد بن الحسن الشيباني، الحنفي. المتوفى: سنة 187، وهو كتاب قديم، مبارك، مشتمل على ألف وخمسمائة واثنتين وثلاثين مسألة، كما قال البزدوي، والكتاب في الفقه الحنفي، طبعته دار عالم الكتب مع شرحه النافع الكبير. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 563).
(4)
قيل: هكذا ذكر فخر الإسلام، والصدر الشهيد، وصاحب " المختلفات "، وعلاء الأئمة السمرقندي. انظر: البناية شرح الهداية (5/ 296)، والعناية شرح الهداية (3/ 485).
(5)
المبسوط للسرخسي (6/ 4).
(6)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 201).
(7)
ينظر: ملتقى الأبحر (ص: 7)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 383).
(8)
المتأخرون: هم الذين لم يدركوا الأئمة الثلاثة. ينظر: المذهب الحنفي (327/ 3).
وقد تكرّر للظّرففيتكرّر المظروف، كما في قوله: أنت طالق في كلّ يوم؛ أي: من ضرورة تعميم الوقت في قوله: أنت طالق للسنّة تعميم الواقع، فإذا نوى الثلاث جملة، لا يتعمّم الوقت، فلا يتعمم الواقع، فلا يجوز نيّة الثلاثلا لأنّ بطلان المقتضى يوجب بطلان المقتضى في قوله أنت طالق للسنة
(1)
.
وأمّا في قوله: (أنت طالق ثلاثا للسنة)، ونيّة الثلاث جملة صحيحة؛ لأنّ الثلاث مذكورة صريحًا فيصح نيّته لما مرّ فلا يصحّ نيّة الثّلاث؛ لأن نعت الفرد لا يحتمل العدد، والله أعلم.
[أنواع الطلاق من حيث الوقوع]
فصل
(2)
لما ذكر طلاق السنّة لأنه الأصل في شرعيّة الطّلاق طلاق السنّة، وذكر أيضاً ما يقابله من طلاق البدعة، تحقيقاً للمقابلة لا أصالة، شرع في بيان أنواع الطّلاق التي تقع أو لاتقع وما يملك به كمال العدد وما لا يملك.
قوله: لِقَوْلِهِ: عليه الصلاة والسلام «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ»
(3)
.
فإن قلت: نفي الجواز من طلاق الصّبي
(4)
والمجنون
(5)
لا يقتضي عدّم الوقوع؛ لما أنّ الطّلاق في حالة الحيض وإرسال الثلاث جملة في طهر واحد يوصف بالحرمة - على ما مرّ في لفظ «المبسوط»
(6)
- وما كان حراماً لا يكون جائز، فكيف استدلّ هنا لعدم الجواز على عدم الوقوع.
(1)
انظر: العناية شرح الهداية (3/ 485)، والبناية شرح الهداية (5/ 296).
(2)
عنون صاحب البناية للفصل (فصل من يقع طلاقه ومن لا يقع). ينظر البناية شرح الهداية (5/ 298).
(3)
أخرجة الترمذي في السنن (أبواب الطلاق واللعان/ باب ما جاء في طلاق المعتوه/ 1191)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (كتاب الطلاق والخلع/ باب طلاق ىالسكران/ 14822)، وَقَالَ الترمذي:"هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ"، نصب الراية (3/ 221)
(4)
وطلاق الصبي الذي لا يميز لا يقع بالاتفاق، واختلفوا في الصبي المميز؛ فذهب الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية عن أحمد بعدم وقوعه، وقال بوقوعه أحمد في أكثر الروايات. يُنْظَر: المبسوط (6/ 178)، بداية المجتهد (2/ 138)، روضة الطالبين (6/ 22)، المقنع شرح مختصر الخرقي (3/ 963)، شرح منتهى الارادات (5/ 364)، المغني (10/ 349).
(5)
إن كان جنونه مطبق لا يقع بالإجماع، وإن كان يفيق ويجن ذكر الشافعي وقوعه حال إفاقته. يُنْظَر: الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 42)، الأم (5/ 535)، وبداية المجتهد (2/ 137)، والمغني (10/ 345).
(6)
المبسوط للسرخسي (6/ 7).
قلت: المراد من الجواز هنا النفاذ، كما في البيع وغيره، ونفاذه إنما يكون بالوقوع، وإنما [323/ ب] قلنا ذلك؛ لأنّ فعل الصبيّ والمجنون فيما يرجع إلى المعاملات لا يوصف بالحرمة؛ لأنّه لا يجري القلم عليهما بكتبة السّيئة والحرمة باعتبارها، فكان الجواز محمولاً على النفاذ، وذلك بالوقوع، وهما عديما العقل
(1)
.
فإن قلت: هذا في المجنون المسلم، وأمّا الصّبي فيوصف بالعقل، فيقال: يصحّ إسلام الصبيّ العاقل.
قلت: لا لم يعتدل عقله بالبلوغ كان طرف العدم ثابتاً لقيام الصبا خصوصاً فيما هو ضرر محض وهو زوال ملك النكاح.
وفي «المبسوط» وطلاق الصبي باطل
(2)
؛ لأنّه ليس له قصد معتبر شرعًا، خصوصاً فيما يضرّه، وهذا لأنّ اعتبار القصد ينبني على الخطاب، والخطاب ينبني على اعتدال الحال، ولكن قدر ذلك العقل، وإن لم يعتدل يصلح، لتحقيق ما هو حسن بعينه؛ بحيث لا يحتمل القبح كالإيمان وتحقيق ما هو فسخ بعينه، بحيث لا يحتمل الحسن كالردّة
(3)
؛ لأنّهما لا يحتملان الردّ بعد تحقّقهما بحدهما، لما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى.
ولنا: أنه قصد إيقاع الطلاق، هذا احتراز عن الإقرار بالطّلاق في حالة الإكراه بالإقرار فإن إقراره هناك لغو حيث لا يقع به الطّلاق؛ لأنّه ما قصد هناك إيقاع الطّلاق، بل قصد الإقرار، وهو خبر متمثل بين الصدق والكذب، وقيام السّيف على رأسه دليل على أنّه كاذب فيه، والمخبر عنه إذا كان كذباً فبالإخبار عنه لا يصير صدقاً في حال أهليته، احتراز عن الصبي والمجنون فلا يعزى عن قضيته أي: عن حكمه؛ وهذا لأنّه عرف الشّرين، واختار أهونهما. هذا جواب عن قوله إنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُجَامِعُ الِاخْتِيَارَ، فقال: بل هو اختار لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ وَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا، وذلك لأنّ الإكراه لا يزيل الخطاب
(4)
.
أمّا في غير ما أكره عليه فلا إشكال، وفيما أكره عليه كذلك، حتّى ينوّع الأمر عليه فتارة يباح له الإقدام، كالفطر في رمضان، وتارة يعترض عليه كشرب الخمر، وتارة يحرم عليه كالقتل والزّنا، والخطاب إنّما يرد على المختار، وذكر في «المبسوط» ، وحجّتنا في ذلك ما روي أن امرأة كانت تبغض زوجها، فوجدته نائمًا فأخذت شفرة، وجلست على صدره ثم حركته، وقالت: لتطلقني ثلاثاً أو لاذبحنك فناشدها الله فأبت فطلّقها ثلاثاً ثمّ جاء إلى رسول الله عليه السلام فسأله عن ذلك فقال: «لا قيلولة في الطّلاق»
(5)
(6)
.
(1)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (3/ 488).
(2)
المبسوط للسرخسي (6/ 53).
(3)
لغة: الرِّدَّةُ، (بِالْكَسْرِ: الاسمُ مِنَ الارْتِدادِ) وَقد ارْتَدَّ،: تَحوَّلَ، وَمِنْه الرِّدّة عَن الإِسلامِ، تاج العروس (8/ 90).
شرعًا: وهو الرجوع من الدين الحق إلى الباطل. ينظر: أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ (ص: 67).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 178) وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 195) والعناية شرح الهداية (3/ 488)
(5)
أخرجه سنن سعيد بن منصور (كتاب الطلاق/ باب ما جاء في طلاق ىالمكره/ 1130)، قال ابن حجر:"هذا الحديث مُنكر". انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 70).
(6)
المبسوط للسرخسي (6/ 177).
[طلاق المكرة والهازل]
وروي عن عمر رضي الله عنه أنّه قال: «أربع مبهمات مقفلات، ليس فيهنّ رد يد النكاح والطّلاق والعتّاق والصدقة»
(1)
، إلا أنّه غير راض بحكمه وذلك غير محلّ به كالهازل
(2)
.
فإن قلت: الفرق ثابت بين المكره
(3)
(4)
والهازل
(5)
؛ لأنّ المكره له اختيار فاسد وللهازل اختيار كامل، والفاسد في حكم العدم، فلا يلزم من الوقوع في الهازل الوقوع في المكره
(6)
، قلت: للهازل اختيار كامل في السّبب، أمّا في حق الحكم - وهو المقصود من السّبب - فلا اختيار له أصلاً، فكان اختيار الهازل - أيضاً - غير كامل بالنّظر إلى هذا، فكانا متساويين، فيجوز اعتبار أحدهما بالإقصار كزواله بالبنج.
وفي مسألة البنج
(7)
تفصيل: فإنّه ذكر عبد العزيز الترمذي
(8)
رحمه الله فقال: سألت أبا حنيفة وسفيان الثّوري
(9)
- رحمهما الله عز وجل: شرب البنج فارتفع إلى رأسه وطلق امرأته، قال: إن كان حين شرب يعلم ما هو، تطلق امرأته، وإن كان حين شرب لم يعلمما هو، لا تطلق، ولو شرب من الأشربة التي تتّخذ من الحبوب أو من العسل أو من الشّهد
(10)
وسكر
(11)
، وطلق امرأته لا يقع طلاقه عند أبي حنيفة
(12)
وأبي يوسف
(13)
، خلافاً لمحمّد
(14)
رحمه الله على ما يجيء في الأشربة إن شاء الله تعالى كذا في «المحيط»
(15)
(16)
.
(1)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (كتاب النكاح/ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّعِبِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ/ 10253)، بلفظ:"ثَلَاث لَا لعب فِيهِنَّ النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعتاق"، وهو مَوْقُوف، وَزَاد فِي رِوَايَة: وَالنّذر. ينظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 91).
(2)
الهُزلُ: نقيضُ الجِدّ. فلان يَهْزِل في كلامه، إذا لم يكن جادّاً. انظر: العين (4/ 14).
(3)
اخْتلفُوا فِي طَلَاق الْمُكْره فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَقع. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِذا نطق بهَا دافعا عَن نَفسه لَا يَقع. ينظر: بداية المجتهد (3/ 137)، ومغني المحتاج (4/ 470)، والمغني (10/ 351)، تبيين الحقائق (6/ 244).
(4)
الْمُكْره مغلق عَلَيْهِ أمره وتصرُّفه. انظر: الفائق في غريب الحديث (3/ 72).
(5)
قال الجمهور من الحنيفية والمالكية والشافعية ورواية عن أحمد بوقوع طلاق الهازل، وروي عن أحمد عدم وقوع طلاق الهازل. يُنْظَر: رد المحتار (4/ 457)، حاشية الخراشي (4/ 457)، والمجموع (18/ 310)، والمغني (10/ 373).
(6)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (3/ 489).
(7)
البَنْجُ (نَبْتٌ مُسْبِتٌ) مُخَدِّر، وَهُوَ (غَيْرُ حَشِيشِ الحَرَافِيشِ، مُخَبِّطٌ للعَقْلِ، مُجَنِّنٌ، مُسَكِّنٌ لأَوْجَاعِ الأَوْرَامِ والبُثُورِ وأَوْجاعِ) انظر: تاج العروس (5/ 429).
(8)
عبد الْعَزِيز بن خَالِد بن زياد التِّرْمِذِيّ من أَصْحَاب الإِمَام أَخذ عَنهُ الْفِقْه من أَقْرَان نوح بن أبي مَرْيَم رَوَى عَنْ: أبيه خالد بن زياد، وعن حَجّاج بن أرطأة، وَعَنْهُ: أحمد بن يعقوب، وداود بن حماد، قال أبو حاتم: شيخ. توفي عام مئة وواحد وتسعون للهجرة. انظر: تاريخ الإسلام (4/ 914)، والجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 318).
(9)
سفيان بن سعيد الثوري هُوَ شَيْخُ الإِسْلَامِ، إِمَامُ الحُفَّاظِ، سَيِّدُ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ فِي زَمَانِهِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الثَّوْرِيُّ، الكُوْفِيُّ، المُجْتَهِدُ، مُصنِّفُ كِتَابِ "الجَامِعِ" من شيوخه إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عُقْبَةَ، وروى عنه الأَعْمَشُ، وَأَبَانُ بنُ تَغْلِبَ، وَابْنُ عَجْلَانَ، مات إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ. يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (6/ 620، 651)، وطبقات الفقهاء (ص: 85).
(10)
العَسَل مَا دَامَ لم يُعصَر من شَمعه. انظر: تهذيب اللغة (6/ 48).
(11)
من سكر بمباح لا يقع طلاقه بالاتفاق. انظر: إعلام الموقعين (4/ 39).
(12)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 207)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 196).
(13)
المرجع السابق.
(14)
المرجع السابق.
(15)
الميحط البرهاني في الفقه النعماني المؤلف: محمود بن أحمد برهان الدين مازه كتاب في الفقه الحنفي ثم اختصره. وسماه: (الذخيرة)، الناشر: دار إحياء التراث العربي. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1619).
(16)
انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 207).
وذكر في «المبسوط» وحجّتنا ما روينا: كلّ طلاق جائز الإطلاق الصبي والمعتوه، ولأنّ السّكران
(1)
مخاطب، فإذا صادف تصرفه محله تعد كالصّاحي، ودليل الوصف قوله تعالى:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}
(2)
إن كان هذا خطابا في حال سكره، فهو نصّ، وإن كان خطابًاله قبل سكره، فهو دليل على أنّه مخاطب في حال سكره؛ لأنّه لا يقال إذا جننت فلا تفعل كذا
(3)
.
وَلَنَا أَنَّهُ زَالَبِسَبَبٍ - هُوَ مَعْصِيَةٌ - فَجُعِلَ بَاقِيًا حُكْمًا زَجْرًا لَهُ.
فإن قيل: ما الفرق بين هذا وبين سفر المعصية؟ فإنّ أصحابنا جعلوا ذلك السّفر سبباً للتّخفيف، حتّى ترخّص برخص المسافرين كسفر ليس فيه معصية، ولم يجعلوا زوال العقل هنا بشرب هو معصية بمنزلة [324/ أ] شرب لا معصية فيه، حتّى فرقوا بين زوال العقل بالبنج وبين زواله بشرب الخمر؟
(4)
.
قلنا: الرّخصة
(5)
هناك مبنية على نفس السّفر، ولا معصية فيها، إنّما المعصية تقصد في باطنه، وحيث في عقيدته أو تحصل المعصية بعد انقضاء السّفر.
ألا ترى أنّه يجوز هناك أن يكون أوّل السّفر لنيّة المعصية، ثم انقلب للطّاعة.
وأمّا هنا إذا ثبت زوال العقل بشرب هو معصية، كان زوال العقل مضافاً إلى الشّرب الذي هو معصية - لا محالة - فلا يمكنه الامتناع عند زوال العقل بعد تحقّق الشرب المسكر؛ لأنّه من المتولدات فجعل السّبب قائمًا في حق الحكم كما في حقّ] القتل
(6)
العمد في حقّ القصاص، وأمّا هناك فيتصوّر الانفصال، فاعتبر منفصلاً على ما ذكرنا - هكذا نقل من إفادة مولانا حميد الدّين
(7)
رحمه الله ثم على قوله: (زَجْرًا لَهُ)، يرد الإشكال، فإنّه لو كان تحقيق وقوع الطّلاق للزّجر، لكان تحقيق الردّة والإقرار بالحدود الخالصة لله تعالى أولى به؛ لأنّ الزّجر والعقوبة هناك، ثمّ قلنا: ذكر في «المبسوط» ، وهذا بخلاف الردّة، فإنّ الركن فيها الاعتقاد، والسّكران غير معتقد لما يقول، فلا يحكم بردّته لانعدام ركنها، لا للتخفيف عليه بعد تقرّر السّبب
(8)
.
(1)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة ومَالك: يَقع. وَقَالَ الشَّافِعِي قَولَانِ، أظهرهمَا: أَنه يَقع. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا أَنه يَقع أَيْضاً. يُنْظَر: بدائع الصنائع (4/ 213)، بداية المجتهد (2/ 138)، الأم (5/ 253)، مغني المحتاج (4/ 456)، المغني (10/ 346).
(2)
[النساء: 43].
(3)
المبسوط للسرخسي (6/ 176).
(4)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 301)، وتحفة الفقهاء (1/ 149).
(5)
الرخصة: هيمَا رُخِّصَ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ؛ قيل: ما شرع الله من الأحكام تخفيفًا على المكلف في حالات خاصة، تقتضي هذا التخفيف. يُنْظَر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (2/ 299)، وعلم أصول الفقه (ص: 115).
(6)
زيادة في (ب).
(7)
علي بن محمد بن علي، الإمام، حميد الدين، الضرير، الرامشي، البخاري. إمام، علامة، له [شرح] على "الهداية" جزآن يسمى بـ"الفوائد"، و"شرح الجامع الكبير"، توفي سنة ست وستين وستمائة. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 215)، والأعلام للزركلي (4/ 333).
(8)
المبسوط للسرخسي (6/ 176).
أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ فَإِنَّ السَّكْرَانَ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ على شيء، فيجعل راجعًا عمّا أقرّ، فيؤثر السكر فيما يحتمل الرجوع.
ثم اعلم أنّ ههنا اختلاف الروايتين، وذلك لأنّ فخر الإسلام
(1)
رحمه الله جعل السّكر على نوعين مباح ومحظور، ثمّ رتب هذه الأحكام، وهي وقوع الطّلاق والعتاق على السّكر المحظور، دون المباح، وجعل السّكر من المباح بمنزلة الإغماء في حق منع وقوع الطّلاق والعتاق، ثم قال: أمّا السّكر المباح فمثل من أكره على شرب بالقتل، فإنّه يحل له، وكذلك المضطر إذا شرب منها ما يرد به العطش فسَكَّرتْه
(2)
، وأمّا السكر المحظور فهو السّكر من كل شراب محرم يعني] إذا شرب طايعًا
(3)
، ويستفاد ذلك من قوله:(محرم)، وجعل الإمام أبو الفضل الكرماني
(4)
رحمه الله في «الإيضاح»
(5)
(6)
حكم جميع السكر بمنزلة حكم السكر المحظور سوى سكر البنج، وقال: ولو أكره على الشّرب أو شرب الخّمر عند الضّرورة، فسكر فإن طلاقه واقع؛ لأن زوال العقل حصل بفعل هو محظور في الأصل، فإن حظر الفعل وإن زال يعارض الإكراه، لكن السّبب الدّاعي إلى الحظر قائم، فأثر قيام السّبب في حقّ الطّلاق حَتَّى لَوْ شَرِبَ فَصُدِعَ إلى أن قال: لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ
(7)
.
(1)
انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (1/ 188)، والاختيار لتعليل المختار (3/ 124).
(2)
انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (1/ 188)، والاختيار لتعليل المختار (3/ 124).
(3)
سقط من (ب).
(4)
عبد الرحمن بن محمد بن أميرويه بن محمد، العلامة أبو الفضل الكرماني. شيخ الحنفية بخراسان في زمانه، الأرسابندي، كان فقيهاً فاضلاً عارفاً بالمذهب، ورعاً، عفيفاً، مبالغاً في الاحتياط، وله كتاب "شرح الجامع الكبير"، وكتاب "التجريد" وشرحه بكتاب سماه "الإيضاح"، مات سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. يُنْظَر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 184)، والتحبير في المعجم الكبير (1/ 405)، الأعلام للزركلي (3/ 327).
(5)
الإيضاح في الفروع، للإمام، أبي الفضل: عبد الرحمن بن محمد الكرماني، الحنفي، لم يطبع فيما أعلم. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 211).
(6)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 196)
(7)
انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 385)، والاختيار لتعليل المختار (3/ 124).
فإن قيل: الصُّدَاعَ أَثَرُ الشُّرْبِ، وزوال العقل أَثَرُ الصداع، فكان زوال العقل مضافاً إلى الشّرب بواسطة الصداع، فإن الحكم كما يضاف إلى العلّة، يضاف إلى علّة العلّة، كما في الرمي وقود الدّابة.
قلنا: إنّما يضاف إلى علة العلّة إذا لم يكن للعلّة المتّصلة به صلاحية الإضافة إليها، ولا ينفصل بالثّانية، كالنفوذ لا ينفصل عن الرمي.
بخلاف ما نحن فيه؛ لأنّه يتصوّر انفصال الصداع عن الشّرب، فاعتبر منفصلاً، ولأنّ شرب الخمر ليس بموضوع للصداع، فلا يضاف الصداع إلى شربها.
[من بيده الطلاق]
بخلاف الرمي فإنّه موضوع للنّفوذ، والقود فإنّه موضوع للانقياد.
وطلاق الأمة ثنتان
(1)
إلى آخره، أنت الطّلاق على تأويل التّطليقة.
ثم مذهبنا
(2)
فيه قول علي وابن مسعود
(3)
رضي الله عنه
(4)
، وما قاله الشافعي
(5)
قول عمر
(6)
وزيد ابن ثابت رضي الله عنه
(7)
، وأمّا عبد الله بن عمر
(8)
فيعتبر بمن رق منهما حتّى لا يملك عليها ثلاث تطليقات إلا إذا كانا حزين - كذا في «المبسوط»
(9)
-؛ لقوله عليه السلام: «الطّلاق بالرجال والعدّة بالنّساء»
(10)
.
(1)
وَاخْتلفُوا هَل يعْتَبر الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء، ذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن عدد الطلاق معتبر بالرجال، فإن كان حر فثلاث، وإن كان عبدًا فطلقتين، وذهب الحنيفة إلى أنه باعتبار النساء. يُنْظَر: المدونة الكبرى (2/ 281)، المغني (8/ 321)، روضة الطالبين (8/ 71)، فتح القدير (3/ 42)، اختلاف الأئمة العلماء (2/ 180).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 39)، والغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة (ص: 155).
(3)
عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ غَافِلِ بنِ حَبِيْبٍ الهُذَلِيُّ، كَانَ مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، وَمِنَ النُّجَبَاءِ العَالِمِيْنَ، ولازم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة، وكان خادم رسول الله الامين، شَهِدَ بَدْراً، وَهَاجَرَ الهِجْرَتَيْنِ، وَكَانَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ عَلَى النَّفْلِ رَوَى عِلْماً كَثِيْراً، مَاتَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ بِالمَدِيْنَةِ، وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِيْنَ. انظر: سير أعلام النبلاء (1/ 461)، والإصابة في تمييز الصحابة (4/ 199)، و (الأعلام للزركلي (4/ 137).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 39)، والغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة (ص: 155).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 39)، والغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة (ص: 155).
(6)
ينظر: سنن سعيد بن منصور (1/ 345).
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 39)، والغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة (ص: 155).
(8)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 39)، والغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة (ص: 155).
(9)
المبسوط للسرخسي (6/ 39).
(10)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (كتاب الرجعة/ بَابُ مَا جَاءَ فِي عَدَدِ طَلَاقِ الْعَبْدِ/ 15163)، وسعيد بن منصور في السنن (بَابُ الطَّلَاقِ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةِ بِالنِّسَاءِ/ 1329)، قال ابن حجر:"لم أَجِدهُ مَرْفُوعا وهو مَوْقُوفًا على ابْنِ مَسْعُودٍ". انظر: التلخيص الحبير (3/ 428)، والدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 70).
فوجه التمسّك به: أنّ النبي عليه السلام قابل الطّلاق بالعدّة على وجه يختصّ كل واحد منهما بجنس على حدّة، ثمّ اعتبار العدّة بالنّساء من حيث القدر، فيجب أن يكون اعتبار الطّلاق بالرجال من حيث القدر تحقيقًا للمقابلة، ومعنى الآدمية في الحر أكثر بدليل شهادة الأحكام؛ لأنّ الحرّ يصلح للقضاء والشهادة والولاية، وإذا كان كذلك فيعتبر حال الزّوج؛ لأنّه هو المالكوالمالكية من معنى الآدمية أيضًا؛ وذلك فيما قبله بأنّه يملك الثلاث إذا كان حرًا ويملك ثنتين إذا كان عبدًا «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ»
(1)
(2)
، فقد جمع بين الطّلاق والعدّة، والعدّة يعتبر بالنّساء
(3)
.
[طلاق الأمة]
فكذلك الطّلاق، ثم هذا اللفظ ورد عامًا فكان معناه طلاق كل الإماء ثنتان، سواء كان زوجهما حراً أو عبدًا، فلو كان اعتبار الطّلاق بالرجال لكان [324/ ب] لبعض الإماء ثنتان فلم يبق اللام للجنس ولا دليل له.
فإن قيل: يحتمل أن يكون المراد منه التي تحت عبد فكان طلاقها ثنتين فلم يبق عاماً.
قلنا: لا يصح ذلك؛ لأنّه لو كان المراد هذا لم يبق لتخصيص العدّة بها بالحيضتين فائدة أدالها في قوله: وَعِدَّتُهَاراجعة إلى الأمة المذكورة، فلو كان المراد ذلك؛ لكان التّقدير وعدّة الأمة التي تحت العبد حيضتان وليس للتخصيص حينئذٍفائدة؛ لأن الإجماع، منعقد بيننا وبين الخصم
(4)
، أنّ عدّة الأمة لا تزداد لا وتنتقص
(5)
بكون زوجها حراً أو عبدًا من الحيضتين، وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ رُدّ لتعليل الخصم في موضع، فإنّه يقول: حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ إشارة إلى تمهيد المحلّ، لإثبات الملك فيه بالعقد، وذلك ليس من الكرامة، بل هو مشعر بنقصان حال المحلّ، فلم يؤثر رقها في تنصيف الحلّ، وأنا نقول الحل نعمة وكرامة من الجانبين جميعًا، قال الله تعالى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}
(6)
فسوّى بينهما في موضع النّفي فكذا في موضع الإثبات؛ وهذا لأنّ عقد النكاح من باب المصالح وضعًا من الجانبين، فثبوت الملك عليها ما كان مقصودًا.
(1)
وهذا لفظ مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
(2)
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (كتاب الرجعه/ بابُ مَا جَاءَ فِي عَدَدِ طَلَاقِ الْعَبْدِ/ 15166)، والطبراني في المعجم الكبير (مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب/ 13868)، قال الزيلعي:"أهل الْحَدِيثِ ضَعَّفُوه". انظر: نصب الراية (3/ 226).
(3)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 39)، وتحفة الفقهاء (2/ 173).
(4)
وهو الامام الشافعي. يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 28).
(5)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 28)، الأم للشافعي (5/ 232).
(6)
الممتحنة: 10.
ولكن لتحقيق ما هو المقصود، وهو حلّ المحليّة لتحقيق المقصود.
ألا ترى أن من كان أبعد عن الإسلام لم يثبت في حقه حلّ المحلية كالمجوسيّة
(1)
، والشّافعي رحمه الله
(2)
نظر إلى صورة العقد والملك، ونحن
(3)
نظرنا إلى المعنى المطلوب من العقد، وإذا ثبت أنّه من باب الكرامة يجب أن ينتقص بسبب الرق، وقد تعذّر إظهار النقصان في نفس الحل؛ لأنّه لا يقبل الوصف بالتجزي فأظهرنا أثره في تحديد العقد عليها فيملك التّجديد في حق الحرة مرّتينوفي حق الأمة مرّة واحدة كذا في «الإيضاح»
(4)
.
ثم المراد من قوله: (إلَّا أَنَّ الْعُقْدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَكَامَلَتْ عُقْدَتَانِ)، أي: إلا أنّ العقدة لا تتجزأ فيتكامل الطلقتين، فإنّ العقدة تستعمل بمعنى الطلقة - على ما يجيء من لفظ «المبسوط»
(5)
-؛ لما أنّ العقدة سبب للطلقة فسمّى السّبب باسم المسبّب، ويحتمل أن يكون المراد من العقدة ما هو المذكور في «الإيضاح»
(6)
هو أنّ الحلّ الذي هو نعمة في حقهما لا يحصل إلا بالعقد، فكان يجب أن ينصف العقد، فيكون للحرّة عقد تام، وللأمة نصف عقد ولكن العقد لا ينصف ولا يتجزأ فيتكامل العقد للأمة، فلما حصل لها عقد لضرورة التّمليك حصل للحرة عقدان تحقيقًا للتّضعيف في حق الحرّة، ثم التنضيف بالعقد الواحد، والتّضعيف بالعقدين إنّما يتحقّق إذا كان منتهى طلاق الأمة يتبين، ومنتهى طلاق الحرة ثلاثاً إذا طلق الأمة واحدة بائنة بحل بعقد، ثم إذا طلّقها أخرى انتهى الحلّ في الحرّة ينتهي الحلّ بعد العقدين بالطّلقة الثّالثة، فصار منتهى حل الحرّة بالعقدين، ومنتهى حلّ الأمة بالعقد الواحد، وتفسير هذا ما ذكر في «الأسرار»
(7)
(8)
، فقال فيه: ثمّ أنّ هذا الوصف وهو حلّ الحرة في حكم ضعف حلّ الأمة، وحلّ الأمة على النّصف، حيث ينصف برقها كم يتّصف برقها كما يتصف حلاً لعبد برقه وإذا صار على النّصف، فإن بنصف ما يفوت به حلّ الحرّة وهو تطليقة، ونصف إلا أنّها لا يتجزأفصارت ثنتين، ومعنى المذكور في الكتاب على هذا التّفسير هو أن حلّ المحلية لما كان نعمة في حقّ المرأة وجب تنصيفه في حقّ الأمة عند تفويت ذلك الحلّ بالطّلاق، ثم تفويت الحلّ في حقّ الحرّة بثلاث عقد أي بثلاث تطليقات، كان في حق الأمة تطليقة ونصف، تحقيقاً للتّنصيف ولكن لا يمكن تجزيه التطليقة فكملناها نقلنا في حق الأمة عقدتان؛ أي: تطليقان وفي حقّ الحرة ثلاث تطليقات
(9)
.
(1)
الْمَجُوسُ هُمْ عَبَدَةُ النَّارِ، الْقَائِلُونَ أَنَّ لِلْعَالَمِ أَصْلَيْنِ اثْنَيْنِ مُدَبِّرَيْنِ، يَقْتَسِمَانِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَالنَّفْعَ وَالضَّرَّ، وَالصَّلَاحَ وَالْفَسَادَ، أَحَدُهُمَا النُّورُ، وَالآْخَرُ الظُّلْمَةُ. انظر: الملل والنحل للشهرستاني (1/ 232).
(2)
انظر: الأم للشافعي (5/ 232).
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 28).
(4)
يُنْظَر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 400).
(5)
المبسوط للسرخسي (6/ 40).
(6)
يُنْظَر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 400).
(7)
الأسرار في الأصول والفروع، للشيخ، العلامة أبي زيد: عبيد الله بن عمر الدبوسي، الحنفي، المتوفى: سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وهو غير مطبوع فيما أعلم. ينظر كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 81).
(8)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 166).
(9)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 166).
وفي «المبسوط» ولأنّه قابل الطّلاق بالعدّة، والمقابلة تقتضي التّسوية وبالاتّفاق في العدّة يعتبر حالها، فكذلك في الطّلاق، ومن ملك على امرأته عددًا من الطّلاق بملك إيقاعها أوقات السنة وبهذا أفحم عيسى بن أبان
(1)
الشّافعي-رحمه الله فقال: أيها الفقيه إذا ملك الحرّ على امرأته الأمة ثلاث تطليقات، كيف يطلقها في أوقات السنّة؟ فقال: يوقع عليها واحدة، فإذا حاضت وطهرت أوقع أخرى، فلما أراد أن يقول: فإذا حاضت وطهرت، قال: حَسْبُكفإنّعِدَّتُهَاقَدْ انْقَضَتْ، فَلَمَّا تَحَيَّرَ رَجَعَ فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةٌ وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةٌ
(2)
.
والمعنى أيضاً دليلنا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ الْحُرُّ عَلَى النِّسَاءِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ عُقْدَةً [325/ أ] فإنّه يتزوج أربع نسوة، ويملك على كلّ واحدة ثلاث عقد، فينبغي أن يملك العبد نصف ذلك وذلك ستّ عقد بأن يتزوّج حرّتين فيملك على كلّ واحد منهما ثلاث عقد كما هو مذهبنا
(3)
، وذكر في «الأسرار» بعد هذا وعندك لا يملك إلا أربعًا والعبد لا يملك على الأمتين إلا أربعًا فوجب أن لا يملك الحر عليهن إذا كن إماء إلا ضعفها ثمانياً، وهذا مذهبنا.
وتأويل ما روي وهو قول الطّلاق بالرجال، قيل: أنه كلام زيد
(4)
، لا يثبت مرفوعًا إلى رسول الله عليه السلام
(5)
، وقيل: معناه إيقاع الطّلاق بالرجال:
(1)
عيسى بن أبان بن صدقة، أبو موسى، صحب محمد بن الحسن الشيباني وتفقه به، واستخلفه يحيى بن أكثم على القضاء بعسكر المهدي، ثم تولى عيسى القضاء بالبصرة روى عن هشيم ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ومحمد بن الحسن، روى عنه الحسن بن سلام السواقله كتب، منها:"إثبات القياس"، و"اجتهاد الرأي"، توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين. انظر: تاريخ بغداد وذيوله (11/ 158)، والأعلام للزركلي (5/ 100)، وتاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 227).
(2)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 40)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 269).
(3)
المبسوط للسرخسي (6/ 40).
(4)
زيد بن ثابت بن الضّحاك الأنصاريّ الخزرجيّ، كتب الوحي للنّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، كان زيد من علماء الصحابة، هو الّذي جمع القرآن في عهد أبي بكر، وأجَازَهُ عَامَ الْخَنْدَقِ، وَكَانَ حَبْرَ الْأُمَّةِ عِلْمًا وَفِقْهًا وَفَرَائِضَ، مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ. توفي سنه خمس وأربعين. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (2/ 492)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1151).
(5)
سبق تخرجه.
وأمّا قوله: مَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْحُرِّ أَكْمَلُ، فَكَانَتْ مَالِكِيَّتُهُ أَبْلَغَ وَأَكْثَرَ.
قلنا: أنّ الحجر يثبت مرّة بأحوال المالك مع قيام أهل الملك، كما في الصبي والمجنون، ومرّة يثبت لمعنى في المحلّ، بأن لا يقبل التّصرف، كالعصير يتخّمر والعبد يأبق، وههنا المرأة محل هذا العقد، فيقع الاختلاف في التصرّف بسبب اختلال المحلّ؛ لما أنّ حل المحلّ يختلّ بالرّق على ما مرّ كذا في «المبسوط»
(1)
و «الأسرار» .
لأن ملك النكاح حق العبد؛ لأنّ النكاح من خواصّ الآدمية والعبد مبقي على أصل الحريةفيها، فعلى هذا يجب أن يملك العبد النكاح بدون إذن المولى، لكن لو قلنا به يتضرّر المولى، فلذلك لم يملك بدون إذن المولى، والله تعالى أعلم بالصّواب وإليه المرجع والمآب.
باب إيقاع الطّلاق
لما ذكر أصل الطّلاق ووصفه، شرع في بيان تنويعه، فقال: الطّلاق على ضربين أي: التّطليق
(2)
بأن ورود الفعال بفتح الفاء بمعنى التّفعيل شايع في كلامهم كالسّلام والكلام والسّراح وأنّه يعقب الرجعة
(3)
بالنصّ وهو قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
(4)
، وهذه الآية تدل على أنّ الطّلاق الرجعي لا يرفع الزّوجية، ولا يبطلها، فإنّ الله تعالى سمّاه بعلاً
(5)
بعد الطّلاق وهو الزّوج
(6)
.
فإن قيل: أليس أنّ الله تعالى قال: {أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} ، وإنّما يستعمل الردّ فيما زال عنه ملكه، فأمّا ما هو في حكم ملكه لا يصحّ أن يقال: مردها إلى ملكه، قيل لهم: يجوز إطلاق اسم الرد عند انعقاد سبب زوال الملك، فيكون الردّ بمعنى المنع للسبّب عن إثبات الزوال، ويكون فسخًا للسّبب، فإنّ اسم الردّ كما يطلق لفسخ السببّ والحكم جميعًا [ففيه فسخ
(7)
للسّبب والحكم]، كما إذا اشترى جارية فوجد بها عيباً، ففسخ، يقال: رد الجارية بالعيب يطلق لفسخ السّبب فقط، وإذا اشترى على أنّهما بالخيار، ولم يثبت الملك للمشتري بالاتفاق
(8)
، ثم إذا فسخها يقال: ردّ الجارية، ففيه فسخ للسّبب لا غير.
(1)
المبسوط للسرخسي (6/ 40).
(2)
رفع قيد النِّكَاح المنعقد بَين الزَّوْجَيْنِ بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة. انظر: المعجم الوسيط (2/ 563).
(3)
الرجعة: وهي ارتجاع الزوجة المطلقة غير البائن إلى النكاح من غير استئناف عقدٍ. انظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 415).
(4)
[البقرة: 228]
(5)
البعلُ: الزوج والصاحب. انظر: مجمل اللغة لابن فارس (ص: 128) والمراد هنا الأول.
(6)
ينظر: تفسير الطبري (4/ 527).
(7)
فسخ الشيء: نقضه، تقول: فَسَخْتُ البيع والعزمَ والنكاحَ، فانفسخ، أي انتقض. انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 429).
(8)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (8/ 62).
فإن قيل: لايخلو عن أحد المجازين؛ لأنّ الردّ لو كان على حقيقته وهو الردّ بالنكاح الجديد كان اسم الفعل مجازاً، ولو كان البعل على حقيقته، كان الردّ مجازاً، فلم يرجح جعل جانب الردّ مجازاً.
قلنا: لما أنّ البعل في اللغة اسم للزّوج حقيقة، والحقيقة لا يترك إلا بالدّليل، وأمّا لفظ الرد فيستعمل في الوجهين اللّذينذكرهما، ولأنّه جعل الردّ إلى الأزواج والردّ إذا كان بسبب النكاح لا يكون هو أحق منها، إلى هذا أشار في شرح التأويلات، ذلك إذا نوى الإبانة
(1)
، هذا عطف على حكم المسألة فيما قبله، وهو قوله: فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ أن يكون رجعيًّا أيضاً وإن نوى الإبانة؛ لأنّه قصد إثبات الإبانة في الحال فيرد عليه؛ لأنّ الشّارع أخّر حكم الإبانة إلى انقضاء العدّة؛ لأنّ الله تعالى قال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(2)
فالإمساك إنّما يتحقق أن لو كان الحلّ والملك باقياً، وقوله:{أَوْ تَسْرِيحٌ}
(3)
، فهو أن يترك الرجعة حتّى تنقضي العدّة، فعلم بهذا أنّ البينونة معلقة به.
تَحْقِيقُهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الرَّجْعَةَ إمْسَاكًا، وَالْإِمْسَاكُ إبْقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ، فَمَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً كَانَتْ وِلَايَةُ الرَّجْعَةِ بَاقِيَةً، وَإِذَا انْقَضَتْ مِنْ غَيْرِ رَجْعَةٍ بَانَتْ، فَصَارَتْ الْبَيْنُونَةُ مُعَلَّقَةً بِالِانْقِضَاءِ كذا في «مبسوط فخر الإسلام»
(4)
(5)
فيرد عليه؛ لأنّه استعجل ما أخّره الشّرع، فيجازى بالردّ كما في قتل المورث، فجوزي بالحرمان، وكما في قصد من عليه السّهو بتسليمه قطع الصّلاة، ردّ قصده عليه، ولو نوى الطّلاق عن [325/ ب] وثاق بفتح الواو وهو: القيد
(6)
، والكسر لغة فيه لم يدين في القضاء؛ أي: لم يصدّق فاستعمال التدين بمعنى التّصديق على وجه الاستعارة؛ لأنّ حَقِيقَتُهُ دَيَّنْت الرَّجُلَ تَدْيِينًا وَكَلْتُهُ إلَى دِينِهِ فَاسْتُعْمِلَ، أي: أوكلته إلى دينه لأنّه يحتمله؛ لأنّ الطّلاق من الإطلاق، والإطلاق يستعمل في الإبل والوثاق، فيحتمل أن يكون الطّلاق عبارة عنه مجازاً؛ فلذلك دين فيما بينه وبين الله
(7)
، ولو قال: أنت طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ، لم يقع عليها شيء في القضاء؛ لأنّه بين موصولاً بكلامه، مراده من قول طالق والبيان المغني صحيح موصولاً، ولو قال: عنيت بقولي طالق من عمل من الأعمال في رواية الحسن عن أبي حنيفة
(8)
، هذا والأوّل سواء، وفي ظاهر الرواية
(9)
لابد من هُنَاكَ لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَمَلِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، إلا أن يذكر موصولاً، فيقول أنت طالق من عمل كذا.
(1)
البائن: التي لا رجعة لزوجها عليها، لكونها مطلقة ثلاثًا. انظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 391).
(2)
[البقرة: 229].
(3)
[البقرة: 229].
(4)
مبسوط فخر الإسلام، لعلي بن محمد البزدوي. المتوفى: سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، في: أحد عشر مجلدًا. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1581).
(5)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 6).
(6)
وثاقٍ. الشَّيْءُ المُحْكم، لسان العرب (10/ 371).
(7)
يُنْظَر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 251)، العناية شرح الهداية (4/ 6).
(8)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 82)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 198)، والبناية شرح الهداية (5/ 307).
(9)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 82)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 198)، والبناية شرح الهداية (5/ 307).
فحينئذ هي امرأته فيما بينه وبين الله تعالى ويقع الطّلاق في القضاء؛ لأنّه ليس ببيان من حيث الظّاهر لما لم يكن ذلك اللفظ مستعملاً منه،] وكل ما لا يدينه القاضي فيه، فكذلك المرأة إذا سمعت منه أو شهد به عنها شاهد عدل، لا يسعها أن تدينه لأنها لا تعرف منه
(1)
، إلا الظّاهر كالقاضي - كذا في «المبسوط»
(2)
- والحاصل أنّ الفرق بين إرادة الوثاق وبين إرادة العمل في قوله: أنت طالق في موضعين، أحدهما: في إرادتهما عند القران، والثّاني: في إرادتهما عند عدم القران.
وقال الشّافعي رحمه الله يقع ما نوى، وهو قول زفر
(3)
.
(4)
وقول أبي حنيفة رحمه الله الأوّل
(5)
؛ لأنّ الصّريح
(6)
أقوى من الكناية
(7)
فإذا صحّ بنية الثلاث في قوله: أنت بائن، فلأن يصح في قوله: أنت طالق أولى، وحجّتنا في ذلك هي أنّ ابن عمر رضي الله عنهما لما طلّق امرأته أمره رسول الله عليه السلام بأن يراجعها، ولَمْ يَسْتَفْسِرْهُ إنَّك أَرَدْت الثَّلَاثَ أَمْ لَا، وَلَمْ يُحَلِّفْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ تِسْعًا فِي هَذَا اللَّفْظِ لَحَلَّفَهُ كَمَا حَلَّفَ ابنرُكَانَةَ
(8)
(9)
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي لَفْظِ الْبَتَّةِ
(10)
، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، فَلَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: حُجِّي أَوْ زُورِي أَبَاك أَوْ اسْقِينِي مَاءً مِنْ خَارِجٍ، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ فَقَدْ تَجَرَّدَتْ النِّيَّةُ عَنْ اللَّفْظِ، وَبِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ. - «المبسوط»
(11)
-ذِكْرُ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِطَلَاقٍ ُ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ لَا لِطَلَاقٍ هُوَ تَطْلِيقٌ، وحاصله أن ذكر النعت
(12)
يقتضي وصفاً ثانياً بالموصوف لغة، كذكر العالم هو ذكر لعلم قام بالموصوف لا بالواصف وكذلك في قولنا جالس وقائم.
(1)
سقط من (أ).
(2)
المبسوط للسرخسي (6/ 82).
(3)
زفر بن الهذيل بن قيس العنبري، البصريصاحب أبي حنيفةالفَقِيْهُ، المُجْتَهِدُ، الرَّبَّانِيُّ، العَلاَّمَةُتَفَقَّهَ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَهُوَ أَكْبَرُ تَلَامِذَتِه، وَكَانَ مِمَّنْ جَمَعَ بَيْنَ العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَكَانَ يَدْرِي الحَدِيْثَ وَيُتْقِنُهُ، وقال أبو حنفية عنه في خطبته: هذا زفر بن الهذيل إمام من أئمة المسلمين وعلم من أعلامهم في شرفه وحسبه وعلمه. ولي قضاء البصرة. ومات بها سنة ثمان وخمسين ومائة. يُنْظَر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 170)، وسير أعلام النبلاء (8/ 38)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 243).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 76)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 108)، وروضة الطالبين وعمدة المفتين (8/ 76).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 76)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 108).
(6)
الصَّرِيح: هُوَ مَا ظهر المُرَاد مِنْهُ لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله فِيهِ. يُنْظَر: الكليات (ص: 562).
(7)
الْكِنَايَة: ما خَفِي اسْتِعْمَاله فِيهِ وَفِي غَيره. يُنْظَر: الكليات (ص: 562).
(8)
ذكر هنا أنه ابن ركانة، وفي بعض كتب الأحناف ذكر أنه ركانة، كما في تبيين الحقائق:(طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدٍ يَزِيدَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا)، وذكر شك فيه، كما قال صاحب البدائع:(وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ زَيْدٍ أَوْ زَيْدَ بْنَ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ)، وبالرجوع لكتب الحديث تبين أنه ركانة بن عبد يزيد، والله أعلم بالصواب. انظر: سنن أبي داود (2195)، والسنن الكبرى للبيهقي (1500)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 108)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 191).
(9)
ركانة بْن عبد يزيد بْن هاشم بْن المطلب بْن عبد مناف القرشي، هذا ركانة هو الذي صارعه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فصرعه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثًا، وكان من أشد قريش، وأسلم ركانة في الفتح، وقيل: إنه أسلم عقب مصارعته، وهو الذي طلَّق امرأته سهيمة بنت عويمر بالمدينة، وتوفي ركانة في خلافة عثمان، وقيل: توفي سنة اثنتين وأربعين. انظر: أسد الغابة (2/ 293)، والإصابة في تمييز الصحابة (2/ 413).
(10)
أخرجه أبي داود في السنن (كتاب الطلاق/ باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث/ 2195)، والبيهقي في السنن الكبرى (جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنَ الْكَلَامِ وَلَا يَقَعُ إِلَّا بِنِيَّةٍ/ بَابُ مَا جَاءَ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ 15000)، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ. انظر: نصب الراية (3/ 337).
(11)
المبسوط للسرخسي (6/ 76).
(12)
النَّعْتُ: وصفُكَ الشيءَ بما فيه. انظر: العين (2/ 72).
وإذا كان كذلك فيه العدد إنّما يعمل في الطّلاق الذي هو فعل الرجل إذا كان محتملاً لنيّة العدد، فلما كان هذا نعيا للمرأة، ولم يكن الطّلاق نائباً لها قبل هذا، كان نعته إياها بذلك كذباً محضاً في مخرجه لغة، كما إذا قلت لرجل قائم بأنّه جالس، أو على العكس، لكن أثبت طلاق بها شرعًا لا لغة قبيل قوله: أنت طالق لضرورة تصحيح وصف الواصف به وذلك نائب اقتضاؤه لا عموم للمقتضي عندنا؛ لأنّ ثبوته لتصحيح الكلام لما أنّ الثّابت بطريق الضّرورة يثبت على حسب ثبوت الضّرورة لا ما وراه، والضّرورة تندفع بالواحدة، فلما لم يثبت الطّلاق فيما وراءها، لا لغة ولا شرعًا، كانت نيته الثلاث أو الثنتين مصادفة للعدم فلا يثبت؛ لأنّ بمجرّد النيّة لا يقع بشيء إذا لم يكن اللّفظ محتملاً لها، وكذلك قَوْلِهِ قَدْ طَلَّقْتُكِ أَوْ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ فلا وجه لتصحيحه، إلا أن يجعل الطّلاق ثابتاًقبل أخباره بهذا الضّرورة تصحيح أخباره، فكان هذا ثابتاً شرعًا - أيضاً - بطريق الاقتضاء، فلا تعمل نية الثنتين أو الثّلاث لما قلنا.
بخلاف قوله: طَلِّقِي؛ لأنّ ثبوت التّطليق هناك ليس على طَرِيق الِاقْتِضَاء؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لتصحيح الصدق حتّى يثبت الطّلاق قبله ضرورة، لما أنّه للطّلب لا للأخبار، فلم يثبت هناك من معنى الاقتضاء الذي ذكرناه في الأخبار، ويوفيه هذا الكلام في الوافي وذكر في «المبسوط» أنّ نيّة العدد لا يعمل هناك عندناحتّى لو نوى الثّنتين لا يصح ونيته الثلاث إنّما صحت باعتبار معنى العموم؛ لأنّه تفويض والتفويض قد يكون عامًا وقد يكون خاصًّا
(1)
والمفوّض [326/ أ] إليها بهذا اللّفظ طلاق، والطّلاق بمنزلة أسماء الأجناس محتمل للعموم والخصوص، فتعمل بينة في العموم فصار بمنزلة قوله أنت طالق.
فإن قيل: لما أقيم قوله: أنت الطّلاق مقام أنت طالق.
وفي قوله: أنت طالق لا يصحّ نيّة الثّلاث، فينبغي أن لا يقع بقوله أَنْتِ الطَّلَاقُ الثلاث وإن نوى كما في قوله أنت طالق.
قلنا: لا يصحّ نية الثلاث في قوله: أنت طالق؛ لأن ذلك نعت فرد من كلّ وجه فلا يحتمل العدد كما ذكر.
وأمّا الطلاق فهو مصدر في أصله، وإن وصف به، فلمح فيه جانب المصدر به فلذلك خالف لقوله: أنت طالق في صحّة نية الثلاث، وفي «المبسوط» لَوْ قَالَ أَنْتِ الطَّلَاقُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ
(2)
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْكِسَائِيَّ
(3)
-رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعَثَ إلَى مُحَمَّدٍ
(4)
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِفَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ، مَا قَوْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ فِيمَنْ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ:
فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ
فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ
…
وَإِنْ تَخْرِقِي يَا هِنْدُ فَالْخَرْقُ أَشْأَمُ
ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرِقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ
(5)
كَمْ يَقَعُ عَلَيْهَا؟. فَكَتَبَ فِي جَوَابِهِ: إنْ قَالَ: ثَلَاثٌ مَرْفُوعًا تَقَعُ وَاحِدَةً، وَإِنْ قَالَ: ثَلَاثًا مَنْصُوبًا، يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَهُ مَرْفُوعًا كَانَ ابْتِدَاءً، فَيَبْقَى قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَتَقَعُ وَاحِدَةً، وَإِنْ قَالَ: ثَلَاثًا مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى الْبَدَلِ أَوْ عَلَى التَّفْسِيرِ يَقَعُ بِهِ ثَلَاثٌ
(6)
، والمثنى بمعزل منهما أي: من الفردية والجنسية.
(1)
المبسوط للسرخسي (6/ 77).
(2)
محمد بن سماعة بن عبيد التميمي، أبوعبد الله. حدَّث عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وولي القضاء ببغداد، له كتاب "أدب القاضي"، وَكتب النَّوَادِر عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد، توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وله مائة سنة وثلاث سنين. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 241)، وتاريخ بغداد وذيوله (2/ 402)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 58).
(3)
علي بن حمزة الكِسَائي المُقرئ، كنيته أبو الحسن. يروي عن: الأعمش وعاصم بن أبي النجود. كان أحد أئمة القراء السبعة وصنف "معاني القرآن"، و"الآثار فِي القرءات"، مات بالري سنة تسع وثمانين ومائة برَنْبُويَه قرية من قراها مع محمد بن الحسن الشيباني في يوم واحد. انظر: تاريخ بغداد (13/ 345)، والثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (7/ 201)، ونزهة الألباء في طبقات الأدباء (ص: 58).
(4)
هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، مولاهم، نشأ في الكوفة وتلقى العلم عن الإمام أبي حنيفة أولاً، وعن أبي يوسف، وروى عنه الشافعي فأكثر جداً، يعود له الفضل في تدوين مسائل الفقه الحنفي، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ الْفِقْهِ بِالْعِرَاقِ بَعْدَ أَبِي يُوسُفَ، له كتب كثيرة في الفقه والأصول، منها:(المبسوط) في فروع الفقه، و (الزيادات)، و (الجامع الكبير)، و (الجامع الصغير)، توفي سنة تسع وثمانين ومائة (189 هـ). انظر: تاريخ الإسلام (4/ 954)، وسير أعلام النبلاء (9/ 134)، ومناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه (ص: 79)، الأعلام للزركلي (6/ 80).
(5)
انظر: الحماسة البصرية (2/ 314)، والبصائر والذخائر (5/ 129).
(6)
المبسوط للسرخسي (6/ 77).
[مسألة طلاق اليد]
ولو قال: يدك طالق أو رجلك طالق لم يقع الطلاق/
(1)
.
فَإِنْ قِيلَ الْيَدُ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جميع البدن؛ لقوله عليه السلام: «على اليد ما أخذت حتّى ترده»
(2)
.
قلنا: ذكر في «الأسرار» : أراد النّبي عليه السلام بذكر اليد هناك صاحبها، وعندنا متى قال الزّوج: أردت إضمارصاحبها طلقت، وإنّما الكلام من حيث حقيقته، ولأنّه يجوز أن يكون اليد هناك عبارة عن الكلّ مقرونًا بالأخذ؛ لأنّ الأخذ باليد يكون ولا يكون كذلك مقرونًا بالطّلاق
(3)
، وأنّه نأب بُنى على حسب عُرْفِ اللِّسَانِ
(4)
بكلّ بلد، فمتى جاء بلفظ يكنى به عن البدن كله في عرف بلدهم، كان طلاقاً صحيحًا، وإن امتنع ذلك في بلد آخر لا يكون طلاقاً في ذلك البلد، كالنبطي
(5)
يطلق امرأته بالفارسية فتطلق، والعربيّ إذا تكلّم به وهو لا يدري ما هو لم تطلق فهذا باب لا مناقشة فيه
(6)
، وإنّما الخلاف في أَنَّ مَا يُمْلَكُ تَبَعًا، هَلْ يَكُونُ مَحَلًّا لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ صَيْرُورَتِهِ عِبَارَةً عَنْ جملة البدن؟ فأمّا على جوازه وصيرورته أنّه عبارة عن البدن، فلا إشكال أنّه يقع بذلك يدًا كان أو رجلاً، بعدما يستقيم ذلك في اللغة أو كانت لغة لقوم يعرف لسانهم، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ.
(1)
إذا أضاف الطلاق إلى جزء شائع، فان الطلاق يقع؛ لأن ذكر مالا يتبعض ذكر للجميع، وإذا أضافه إلى جزء معين لا يعبر به عن جميع البدن، كالإصبع واليد فقول الجمهور: أنها تطلق، والحنيفة قالوا: لا تطلق. يُنْظَر: بدائع الصنائع (4/ 310)، والإفصاح (2/ 157)، والفتاوى الهندية (1/ 360)، والفروع (5/ 309).
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه (أبواب الصدقات/ باب الوديعه/ 2400)، وأبي داود في سننه (كتاب البيوع/ باب في تضْمين العاريَّة/ 3561)، قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَالَ الحاكم:"حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ". انظر: نصب الراية (4/ 167).
(3)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 37).
(4)
عرف اللسان: ما يفهم من اللّفظ بحسب وضعه اللغويّ. ينظر: معجم اللغة العربية (2/ 1486).
(5)
النبطي نسبة إلى نبط بفتحتين، وهم قوم ينزلون سواد العراق، وقال الفقيه أبو الليث:"النبطي"رجل من غير العرب، بلاد النبط وهي الري والموصل والجزيرة. انظر: البناية شرح الهداية (6/ 374).
(6)
انظر: البناية شرح الهداية (5/ 315)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 386).
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ
(1)
: إذَا قَالَ لَهَا رَأْسُك طالق، وعن اقتصار الطّلاق على الرأس لا يبعد أن يقول] لا تطلق، ولو قال يدك طالق، وأراد به العبارة عن جميع البدن لا بد أن يقول
(2)
أنّها تطلق - كذا في «المحيط»
(3)
- فيكون محلاً لحكم الطّلاق؛ لأنّ الطّلاق هو رفع حكم النكاح، وحكم النكاح حلّ الاستمتاع - وهو موجود ههنا - فكان حكم النكاح ثابتاً فكان محلاً للطّلاق.
فِي الطَّلَاقِ الْأَمْرُ عَلَى الْقَلْبِ أي: في كلّ موضع اجتمع الحلّ والحرمة مترجّح جانب الحرمة في الابتداء والانتهاء، ثمّ في النكاح عدم انعقاده، من باب تغليب الحرمة على الحلّ فكذلك وقوع الطّلاق في قوله: يدك طلاق على وجه السراية
(4)
، من باب تغليب الحرمة على الحلّ - أيضاً -، وكانت المفارقة بين النكاح والطّلاق عند إضافتهما إلى اليد؛ لوجهين:
أحدهما: أن مبنى الطّلاق على السّراية دون النكاح، والثاني: أن تغليب الحرمة على الحلّ في النكاح في عدم انعقاده، وفي الطّلاق في وقوعه فلذلك افترق الحكم بينهما، لا أنّ اليد ليست بمحلّ حكم النكاح.
ولنا أنّه أضاف الطّلاق إلى غير محلّه فيلغوا؛ وذلكلأنّ الأصبع أو اليد ليست بمحلّ لإضافة النكاح إليها.
فكذلك الطّلاق لمعنى، وهو أنّها تبع
(5)
في حكم النكاح والطّلاق، ولهذا صحّ النكاح والطّلاق، وإن لم يكن لها يد ويبقى بعد فوات اليد؛ وهذا لأنّ النكاح والطّلاق يزدان عليها فيكون الأطراف فيها تبعًا، كما في ملك الرقبة سرى، وإذا ثبت أنّها تبع فيذكر الأصل يصير التبع مذكوراً، أمّا بذكر التبع فلا يصير الأصل مذكوراً، وإذا كان تبعًا لم يكن محلاً لإضافة التصرف [326/ ب] إليه مقصودًا، والسّراية إنّما تتحقق بعد صحة الإضافة إلى محلّه.
والأصحّ أنّه لا يصحّ؛ أي: لا يقع حتّى لا يكون به مظاهراً، فإنّه إذا قَالَ: ظَهْرُكِ أَوْ بَطْنُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا؛ وإن طلّقها نصف تطليقة
(6)
أو ثلثها، كانت تطليقة واحدة، وعند نفاه القياس
(7)
(8)
لا يقع عليها شيء؛ لأنّ نصف التّطليقة غير مشروع وإيقاع ما ليس بمشروع من الزّوج باطل.
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 215)، والبناية شرح الهداية (5/ 312).
(2)
زيادة في (ب).
(3)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 215).
(4)
يعني مضي الطلاق على غلبة الحرمة في هذا الجزء تغلب الحل في سائر الأجزاء، لوطَلقَ نِصْفَهَا سَرَى إلَى الْكُلِّ. انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 702)، البناية شرح الهداية (5/ 314).
(5)
التبع: التابع والخاضع. يقال: على التبع، أي: تابعًا. يُنْظَر: تكملة المعاجم العربية (2/ 20).
(6)
اتفقوا على وقوع نصف التطليقة. يُنْظَر: الافصاح (2/ 156).
(7)
القياس هو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما. انظر: روضة الناظر وجنة المناظر (2/ 141).
(8)
نفاة القياس: وأمانفاة القياس مطلقاً فهم الظاهرية، وعلى رأسهم أبو محمد ابن حزم. انظر: روضة الناظر وجنة المناظر (2/ 332)، والواضح في أصول الفقه (2/ 192).
ولكنّا نقول: ما لا يحتمل الوصف بالتحري، فذكر بعضه كذكر كلّه، فَكَانَ هُوَ مُوقِعًا تَطْلِيقَةً كَامِلَةً بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِيقَاعُ التَّطْلِيقَةِ مَشْرُوعٌ.
[وقوع أجزاء الطلاق]
وكذا الجواب في كلّ جزء سمّاه من النّصف أو الثلث أو الرّبع فهو كذا، وإن قال: أنت/ طَالِقٌ نِصْفَيْ تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْقَعَ أَجْزَاءَ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ، وإن قال: أنت طالق نصف تطليقة، وثلث تطليقة، وربع تطليقة، وقد دخل بها فهي طالق ثلاثاً؛ لأنّه أوقع من كلّ تطليقة من التّطليقات الثّلاث جزءاً، فإنّه نكر التطليقة في كلّ كلمة والمنكر إذا اعتد منكراً، فالثاني غير الأول، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَجْزَاءَ الْمَذْكُورَةَ إلَى تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَرُبُعَهَا، فَمِنْ أَصْحَابِنَا
(1)
من يقول ههنا يطلق ثنتين؛ لأنك إذا جمعت هذه الأجزاء المذكورة يكون أكثر من واحدة، فالأصحّ
(2)
أنّها لا تطلق إلا واحدة؛ لأنّه أضاف الأجزاء المذكورة إلى تطليقة واحدة فلم يقع إلا واحدة - كذا في «المبسوط»
(3)
- ولو قال لها: أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين، فهي طالق ثلاثاً وهذه من خواص مسائل «الجامع الصّغير»
(4)
، وذكرفَخْرُ الْإِسْلَامِ: إنَّمَا أَوْرَدَ: يَعْنِي مُحَمَّدًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِإِشْكَالٍ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ عَدَدٍ نَصَّفْته لَا يَكُونُ إلَّا نِصْفَيْنِ، فالقول بالثّلاثة في ذلك يجب أن يلغو، والجواب عنه أنّه إنّما أراد بهذا تسمية الطّلاق، أي: أراد بذلك النّصف نفس الطّلاق، ثمّ جمع هذا الطّلاق الذي أراده بذكر النّصف بالثّلاث، فكان كلّ نصف تطليقتين عبارة عن تطليقة واحدة، فكان ثلاث تطليقات عند الاجتماع لا محالة؛ لأنّه لما كان نصف تطليقتين عبارة عن تطليقة واحدة فإيقاع التّطليقة الواحدة ثلاث مرات على المدخول بها يوجب التّطليقات الثلاث
(5)
.
(1)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 139).
(2)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 139).
(3)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 139).
(4)
انظر: الجامع الصغير (ص 195).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (4/ 17).
فإن قيل: أليس أنّه لو قال لها: أنت طالق ثلاثة أرباع تطليقتين إلا ثنتين، لم تطلق ولم يقل هذا وقع ثلاث مرّات ربع تطليقتين وربع التّطليقتين نصف تطليقة، ومن أوقع على امرأته ثلاث مرّات نصف تطليقة يطلق ثلاثاً
(1)
.
قلنا: جواب هذا اللّفظ غير محفوظ قضاء، وبعد التّسليم الفرق واضح، فإن الأجزاء التي أوقعها هناك وهي ثلاثة أرباع موجودة في التّطليقتين؛ لأنّ ربع تطليقتين نصف تطليقة فثلاثة أرباع تطليقتين تطليقة ونصف فيقع تطليقتان، فلا حاجة إلى صرف الكلام عن ظاهره، وههنا الأجزاء التي أوقعها غير موجودة في التّطليقتين؛ إذ ليس للتطليقتين ثلاثة أنصاف فلا وجه لتصحيح كلامه، إلا ما ذكرنا وكلام العاقل محمول على الصحّة، فلهذا جعلنا كأنّه طلقها ثلاث مرات نصف التّطليقتين - كذا في «الجامع الصّغير»
(2)
لشمس الأئمة السّرخسي
(3)
(4)
رحمه الله-ولو قال: أنت طالق من واحدة إلى ثنتين إلى آخره.
وحاصله أنّ الأقسام الثلاثة موجودة من الأقسام الأربعة التي اقتضتها] القسمة
(5)
(6)
العقلية، ولم يوجد الرّابع، وهو أن يدخل الغاية الثّانية دون الأولى، وذلك أن عندهما تدخل الغايتان، وعند زفر
(7)
لا يدخل الغايتان، وعند أبي حنيفة
(8)
رحمه الله يدخل الغاية الأولى دون الثّانية وقال زفر-رحمه الله: في الأولى لا يقع شيء إلى آخر، وقد حاج الأصمعيّ
(9)
زفر في هذه المسألة عند باب الرّشيد
(10)
، فقال له الأصمعيّ: ما قولك في رجل] قيل له
(11)
كم سنك؟ فقال: ما بين ستين إلى سبعين، أيكون ابن تسع سنين فيتحير زفر-رحمه الله، واستحسن في مثل هذا كذا ذكره فخر الإسلام رحمه الله
(12)
.
(1)
انظر: العناية شرح الهداية (4/ 17).
(2)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 17)، الجامع الصغير (195).
(3)
محمد بن أحمد بن أبي سهل، أبو بكر السرخسي، شمس الأئمة صاحب المبسوط كان عالمًا، أصوليًّا، مناظرًا، أحد الفحول الْأَئِمَّة الْكِبَار أَصْحَاب الْفُنُون، كَانَ إِمَامًا عَلامَة حجَّة لزم أَبَا مُحَمَّد عبد الْعَزِيز الْحلْوانِي، مَاتَ في حُدُود التسعين وَأَرْبع مائَة، يُنْظَر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 234)، والجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 28)، معجم المؤلفين (8/ 267).
(4)
شرح الجامع الصغيرفي الفروع، للإمام الشيباني، لمؤلفه شمس الأئمة، أبو بكر: محمد بن أحمد بن أبي بكر سهل السرخسي، لم يطبع فيما أعلم. انظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 563).
(5)
الْقِسْمَة بِكَسْر الْقَاف: الِاسْم من قَوْلك قسم المَال يقسمهُ قسمًا، بِالْفَتْح وقاسمه وتقاسما واقتسموا وتقاسموا. يُنْظَر: تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 336).
(6)
سقط من (ب).
(7)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 316).
(8)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 316).
(9)
أَبُو سَعِيْدٍ عَبْدُ المَلِكِ بنُ قُرَيْبِ الأَصْمَعِيُّ، البَصْرِيُّ، اللُّغَوِيُّ، الأَخْبَارِيُّ، أَحَدُ الأعلَامِ .. قدم بغداد في أيام هارون الرشيد، من تصانيفه الكثيرة: نوادر الاعراب، الاجناس في أصول الفقه، المذكر والمؤنث، كتاب اللغات، وكتاب الخراج، مَاتَ الأَصْمَعِيُّ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمَائَتَيْنِ، وقد قارب التسعين. انظر: تاريخ دمشق (37/ 88)، معجم المؤلفين (6/ 187).
(10)
الرشيد هارون، أمير المؤمنين أبو جعفر بْن محمد المهديّ ابن المنصور، ولد بالري، واستخلف بعد وفاة أخيه موسى الهادي، كان من أميز الخلفاء وأجل ملوك الدنيا، كان شجاعاً كثير الحج والغزو، حج في خلافته ثماني حجج، وقيل تسع، وغزا ثماني غزوات، ولم يحج خليفة بعده، وكان في أيامه فتح هرقلة. تُوُفّي سنة ثلاثٍ وتسعين ومائة. يُنْظَر: تاريخ الإسلام (4/ 1226)، تاريخ بغداد وذيوله (14/ 6)، فوت الوفيات (4/ 225).
(11)
زيادة في (ب).
(12)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 202)، والبناية شرح الهداية (5/ 318).
قوله: ثُمَّ الْغَايَةُ الْأُولَى لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ، ولا ثانية قبل الأولى ولابدّ للكلام من الابتداء، فإذا لم تقع الأولى كما قال زفر
(1)
، تصير الثّانية ابتداء.
فلا يمكن إيقاعهما أيضاً؛ فلأجل هذه الضّرورة أدخلت الغاية الأولى، ولا ضرورة في الغاية الثّانية، فأخذنا فيها بالقياس كما قال زفر
(2)
رحمه الله: وحاصله أنّه لما لم يتصوّر وقوع الثّانية [327/ أ] إلا بعد وقوع الأولى أوقعنا الأولى، وهذا المعنى لا يوجد في الغاية الأخيرة ولأنّه يتصوّر وقوع الثّانيّة بدون الثّالثة.
فإن قيل: أليس أنّه لو قال لها: أَنْت طَالِق تَطْلِيقَة بَائِنَة، لم يقع إلا واحدة.
ولا يقال من ضرورة وقوع الثّانية وقوع الأولى.
قلنا: لأنّ قوله بائنة صار لغوًا هناك، وقوله ههنا من واحدة إلى ثلاث كلام معتبر في إيقاع الثّانية، ولا يتحقّق ذلك إلا بعد إيقاع الأولى.
فإن قيل: فعلى قول زفر رحمه الله إذا قال أنت طالق من واحدة إلى واحدة ينبغي أن لا يقع بشيء لأنّه ليس بين الحدين شيء.
قلنا: قد قال بعض المتأخّرين: ينبغي أن يكون هذا على قياس مذهبه، قال رحمه الله والأصحّ أنّه يقع تطليقة واحدة؛ لأن آخر كلامه لغو باعتبار أنّه جعل الشيء الواحد حدًا ومحدودًا، وذلك لا يتصوّر، فإذا لغا آخر كلامه، يبقى قوله: أنت طالق -كذا في «الجامع الصّغير»
(3)
، لشمس الأئمة السرخسي -.
وَلَنَا أَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ أَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ، وذلك لأنّ الواحد بالضرب في المثنى لا يزداد في نفسه، ولكن تتكثر أجزاؤه وتتعدّد أبعاضه؛ لأنّه لو كان يزداد في نفسه لم يبق في دار الدّنيا فقير
(4)
، لأنّ الفقير الذي بقي إلى هذا الوقت، لابد أنه كان واحد مما يبقيه ممّا يأكل ويشرب ويلبس حتّى بقي، ثم لو وجد درهمًا مثلاً فجعله عشرين ألف جزء، كان له عشرين ألف درهم على تقدير زيادة المضروب في نفسه، وكذلك ما وجده من المأكولات والمشروبات والملبوسات، لو زاد في نفسه عند الضّرب صار عينًا ولم يبق فقيراً، وإذا ثبت أنّه لم يردد في نفسه عند الضّرب، تكثر أجزاؤه عند الضّرب، كأنه أوقع أجزاء طلقة واحدة بصفة التّفرق.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 136)، والعناية شرح الهداية (4/ 21).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 136)، والعناية شرح الهداية (4/ 21).
(3)
انظر: الجامع الصغير (ص 195).
(4)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 23)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 390).
وحينئذ لا يقع إلا واحدة، كما لو قال لها: أنت طالق تطليقة وثلثها وربعها، وكما لو قال لها: أنت طالق نصفي تطليقة على ما ذكرنا إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية»
(1)
؛ لِأَنَّ (الطَّلَاقَ لَا يَصْلُحُ) ظَرْفًا؛ لأنّه عرض، والعرض يفتقر إلى المحلّ ليقوم فيه، وهو لا يقوم بنفسه، فكيف يقوم غيره به حتّى يصير محلاً له؟ ونوى الضّرب والحساب فهي ثنتان، وكذلك لو لم ينو شيئاً - كذا في «الجامع الصّغير»
(2)
لقاضي خان
(3)
-. الاعتبار للمذكور الأوّل، وهو قوله (أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ) على ما بيّناه، وهو قوله:(أَنَّ عَمَلَ الضَّرْبِ) أَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَضْرُوبِ، وإن نوى واحدة مع ثنتين يقع الثلاث، أي: سواء دخل بها أو لم يدخل فلذلك أطلق ولم يقيد بالدخول، بخلاف ما إذا نوى واحدة وثنتين، فإنّه إذا، (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ ثِنْتَانِ)، سواء دخل بها أو لم يدخل بخلاف ما إذا قال: أنت طالق واحدة وواحدة، وقال: زفر هي بائنة؛ لأنّه وصف الطّلاق بالطّول.
فإن قيل: على قول زفر، إذا قال الرّجل لامرأته: أنت طالق تطليقة طويلة، يقع الطّلاق رجعيًّا على ما ذكر في المنظومة، وواصف الطلاق حين أوقعه بالطّول أو العرض له المراجعة، فكيف صح تعليله هنا بالوصف بالطّول في إيقاع البينونة؟.
قلنا: يفرق بين ذكر الطّول صريحًا وبين ذكره كناية، ويقول: إذا ذكره صريحًا فقد وصف صريح الطّلاق بما لا يوصف به حقيقة؛ لأنّ الطّلاق عرض وليس له طول، والطّول والعرض من صفات الأعيان، فلما لغا وصفه بالطّول، بقي صريح الطّلاق، وهو يعقب الرجعة بالنصّ.
(1)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 282).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 224).
(3)
الحسن بن منصور بن أبي القاسم محمود بن عبد العزيز الفرغاني، المعروف بـ"قاضي خان"، فخر الدين، سَمِع كثيرًا منَ الْإِمَام ظهير الدّين حسن بْن عَلِيّ بْن عَبْد الْعَزِيز، وإبراهيم بْن إِسْمَاعِيل الصفاري. رَوَى عَنْهُ العلامة جمال الدّين محمود بْن أَحْمَد بْن عَبْد السيد، وله "الفتاوي" في أربعة أسفار، وشرح "الجامع الصغير"، وشرح "الزيادات"، توفي سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. يُنْظَر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 151)، وتاريخ الإسلام (12/ 922).
وأمّا إذا قال: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هُنَا (إلَى الشَّامِ)
(1)
، فقد أثبت الطّول بطريق الكناية، وثبوت الشّيء بالكناية أقوى من ثبوته بالصّريح، فإن ثبوت الشيء بالكناية] ثبوت
(2)
[بدليله ولا كذلك الصّريح
(3)
.
ألا ترى أن قولك: فلان كثير الرماد
(4)
، أبلغ في إثبات الجود من قولك: فلان جواد، لما أن كثرة الرّماد أثر الجود وعلامته.
وأمّا قوله: جواد فمجرّد وصف لا غير، أو يقول جاز أن يوقع تعليل المسألة على مذهبنا فيقول: لما قال لامرأته أنت طالق من ههنا إلى الشّام، فقد وصف الطّلاق بالطّول وفي وصف الطّلاق بالطّول صريحًا عندكم تثبت البينونة فكذا في وصفه بالطّول بطريق الكناية عندي هذا كما علّل مسالة سقوط النيّة أصلاً في صوم رمضان من الصّحيح المقيم بالقياس على صاحب النصاب إذا وهبه من الفقير بعد الحول مع أنّ الزكاة لا تسقط عنده فيما إذا تصدّق بجميع النصاب على فقير واحد
(5)
.
قُلْنَا: لَا بَلْ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ إلى آخره وذكر الإمام التمرتاشي-رحمه الله
(6)
لنا أنّه من المرأة دون الطّلاق حتّى لو [327/ ب] قال: أنت طالق] تطليقة
(7)
إلى الشّام فنائن
(8)
؛ لأنّ الطّول يكون صفة لا طلقة، وكذا لو قال: أنت طالق تطليقة طولها كذا وعرضها كذا، ولا يكون ثلاثاً وإن نوى؛ لأنّ الطّول والعرض يكون للشّيء الواحد، فلا يسع فيه نية الثّلاث، ولو اعتبر على رواية أنت طالق تطليقة شديدة أو طويلة أو عريضة، ونوى الثلاث، قيل: لا يكون ثلاثاً وقيل يكون؛ لأنّ الطّلاق لا يتخصّص بمكان دون مكان.
(1)
بلاد الشام: هي من الفرات إلى العريش طولاً، ومن جبلي طيء إلى بحر الروم عرضاً؛ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الشام صفوة الله من بلاده وإليها يجتبي صفوته من عباده". ينظر: آثار البلاد وأخبار العباد (ص: 205).
(2)
سقط من (ب).
(3)
انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 222)، والاختيار لتعليل المختار (3/ 127).
(4)
كثير الرماد هُوَ كَثْرَة رماده وَمَعْنَاهُ أَنه كثير الضَّيْف. انظر: جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (3/ 203).
(5)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (4/ 98)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (2/ 313).
(6)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 285).
(7)
سقط من (أ).
(8)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 285).
بخلاف الزّمان فإن الطلاق لا يخصص ولا يعلق به؛ لما أنّ بين الطّلاق والزّمان مناسبة من حيث التجدّد والحدوث، فيمكن أن يقال: تجدّد الطّلاق بحسب تجدّد الزمان الذي تعلّق به الطّلاق.
بخلاف المكان، فإنّه عين قائم بنفسه، ولا يتجدّد كلّ ساعة، ولما لم يكن للطلاق تعلّق بالمكان، كان ذكر المكان وعدم ذكره بمنزلة، فبقي أنت طالق، وهو موجب لوقوع الطّلاق في الحال.
وأمّا الزّمان فهو على ثلاثة أوجه:
أمّا إن كان أوقع الطّلاق في الزّمان الماضي
(1)
أو الحال
(2)
أو الاستقبال
(3)
، ففي الماضي والحال وقع في الحال؛ لأنّ الزّمان الماضي مضى عنه حالياً عن الطّلاق، وليس في وسعه شغل ذلك الزّمان بالطّلاق؛ لأنّه انعدم وإنشاء الصَّفة في المعدوم ليس بمقدور للعباد، ولكن لو كان واقعًا فيما مضى كان واقعًا في الحال؛ لأنّ الطّلاق لا يتوقت؛ فلذلك جَعَل كأنّه أوقعه في الحال فظاهر؛ لأنّ الطّلاق صادف محلّه فيقع
(4)
.
وأمّا إذا أوقعه في المستقبل فيقع؛ لتعلّقه به لما أنّ الطّلاق فعل من الأفعال كلّها تتجدد ساعة فساعة، فكذلك الزّمان؛ فلذلك ناسب التعليق بالزّمان المستقبل، فيوجد الطّلاق عند وجود ذلك الزّمان الذي عينه، فكان كلاهما معدومًا في الحال، وهذا هو معنى التّعليق وذكر في «المبسوط» إذا قال:(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ فَهِيَ طَالِقٌ فِي الْحَالِ)
(5)
، وكذلك قوله: أنت طالق في ثوب كذا وعليها غيره طلقت؛ لأن وصفه إيّاها بالطّلاق لا يختصثوب دون ثوب، وإن قال: عنيت به إذا لبست ذلك الثوب دين فيما بينه وبين الله؛ لأنّه جعل ذكر الثوب كناية عن فعل اللبس فيه، وهو نوع من المجاز، وكذلك قوله: في الدّار، أو في الظلّ، أو في الشّمس
(6)
.
وإن قال: في ذهابك إلى مكة
(7)
، أو في دخولك الدّار، وفي لبسك ثوب كذا، لم يطلق حتّى يفعل ذلك؛ لأنّ حرف (في) للظرف، والفعل لا يصلح ظرفاً للطّلاق على أن يكون شاغلاً له، فيحمل على معنى الشرط لمناسبة بين الشّرط والظرف؛ لأنّ المظروف لا يوجد بدون الظّرف، وكذلك المشروط لا يوجد بدون الشّرط، والشّرط يكون سابق على المشروط، فكذلك الظّرف يكون سابقاً على المظروف
(8)
.
(1)
الْمَاضِي هُوَ الزَّمَان الَّذِي قبل زمَان تكلمك. انظر: الكليات (ص: 736).
(2)
الحالُ: الوَقْتُ الَّذِي أنتَ فِيهِ. يُنْظَر: تاج العروس (28/ 374).
(3)
الاستقبال: هو ما يترقب وجوده بعد زمانك الذي أنت فيه. انظر: التعريفات (ص: 213).
(4)
انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 195)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 288).
(5)
المبسوط للسرخسي (6/ 116).
(6)
انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 316)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 203).
(7)
مكّة هي مصر هذا الإقليم قد خطّت حول الكعبة، بيت الله الحرام مَكَّةُ، هِيَ مَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ، وَهِيَ الْحَرَمُ الْآمِنُ، وَأُمُّ الْقُرَى، وَمَهْبِطُ الْوَحْيِ، وَمَبْعَثُ خَيْرِ الْبَشَرِ، ويقال: مكة اسم المدينة، وبكة اسم البيت، وقال آخرون: مكة هي بكة. يُنْظَر: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم (ص: 71)، ومعجم البلدان (5/ 181)، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية (ص: 301).
(8)
المبسوط للسرخسي (6/ 117).
فصل في إضافة الطّلاق إلى الزّمان
لمّا شرع في باب إيقاع الطّلاق، أورد فيه فصولاً مترادفة من إضافة الطّلاق وتنويعه وتشبهه.
قوله رحمه الله: آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ، صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى، كما لو قال: لا أكل طعاماً وهو ينوي طعاماً دون طعام، - كذا في «المبسوط»
(1)
- (يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ الَّذِي تَفَوَّهَ بِهِ)؛ لأنّه وصفها بالطّلاق في اليومين وبوقوع تطليقة عليها في الحال ينصف بالطّلاق اليوم وغدًا وبعد غد، فكان قوله غدًا فضلاً من الكلام.
فإن قيل: لماذا لم يجعل ذكر الغد لإيقاع تطليقة أخرى فيه.
قلنا: لعدم الحاجة إلى ذلك، فإنا إنّما نجعل كلامه الذي هو وصف حقيقة إيقاعاً لأجل الحاجة، وهذه الحاجة ترتفع بالواحدة فإنّها بالتطليقة الواحدة تكون طالقاً في الوقتين جميعًا، فلا يقع أخرى لذلك، كما قال في النّوازل
(2)
لو قال لها: أنت طالق أوّل النّهار وآخره أنّه يقع تطليقة واحدة
(3)
، وَإِذَا قَالَ: غَدًا كَانَ إضَافَةً وَالْمُضَافُ
(4)
لَا يَتَنَجَّز؛ وذلك لأنّه لما قال: غداً اليوم فإنّما وصفها بالطّلاق غدًا وبالطّلاق الذي يقع عليها في الغد لا تكون موصوفة بأنّها طالق اليوم
(5)
، فلغا قوله اليوم، ولا ينبغي أن يجعل كلامه إيقاعاً تطليقة أخرى في اليوم فإنّه أضاف الطّلاق أولاً إلى المستقبل
(6)
، ثم ذكر الوقت القائم، وهو متقدّم في الوجود، والمضاف إلى المستقبل لا يتقدم وجوده على الوقت المضاف إليه، وإذا لم يصح بعدم المضاف اقتضى وقوعه ضرورة وقوع طلاق آخر في الوقت، كما لو قال: أنت طالق [328/ أ] آخر النّهار وأوّله؛ حيث تقع تطليقتان، كما لو قال لامرأته في اللّيل: أنت طالق في نهارك، فإنّها تطلق تطليقتين للمعنى الذي قلنا: وكذلك ههنا قلنا في تلك المسألة إنّما وقعت تطليقة أخرى؛ لأنّه ذكرها بحرف الواو، والواو في مثله يعتبر للابتداء، فيجعل كلّ واحد طرفاً على حدة، فاقتضى مظروفاً، وههنا أضاف الطّلاق إلى وقتين بغير حرف الواو، وجعل الوقت الثاني صفة للأوّل، فإنّه بغير الواو يصير الثاني صفة للأوّل؛ كقوله: ضربت رجلاً أسود، والوقت الثّاني لا يصحّ صفة للأوّل فيلغوا ذكره؛ لأنّه لما وصفها في الوقتين بأنّها طالق بتطليقة واحدة لم يمكن إيقاع تطليقتين؛ لأنّه إنّما صرّح بأنّها طالق بطلاق يقع عليها في الغد، فلهذا جعلنا آخر الوقتين لغوًا في الوجهين كذا في «الجامع الصّغير»
(7)
لشمس الأئمة السرخسي-رحمه الله، والإمام المحبوبي
(8)
رحمه الله.
(1)
المبسوط للسرخسي (6/ 115).
(2)
النوازل في الفروع، للإمام أبي الليث: نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي، الحنفي، المتوفى: سنة 376، ست وسبعين وثلاثمائة. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1981).
(3)
انظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 44)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 290).
(4)
المضاف: هو ما أضيف إلى شيء كماء الورد. انظر: مفاتيح العلوم (ص: 24).
(5)
قال صاحب الإنصاف: لا خلاف بوقوع طلاق من قال: أنت طالق اليوم. يُنْظَر: الإنصاف (9/ 45).
(6)
طلاق المستقبل كأن يقول: أنتِ طالق غداًأو رمضان، قول الجمهور: يقع أوله؛ لأن اليوم والشهر ظرفًا للطلاق، فاذا وجد ما يكون ظرفا له طلقت، وقال أبو ثور: يقع آخره؛ لأن فيه احتمال ولا يقع إلا بزواله. يُنْظَر: الشرح الكبير (22/ 410)، والإنصاف (9/ 45).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 309)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 205).
(8)
عبيد الله بن مسعود المحبوبي، البخاري، الحنفي، تاج الشريعة، الإمام الكبير، تَفقَّه بِالعَلاَّمَة عِمَاد الدِّيْنِ، وإليه انتهت رئاسةُ الحنفية بما وراء النهر، وتُوُفّي سَنَة ثلاثين وستمائة. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 251)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (365/ 2).
فإن قيل: قد ذكر حكم هذين الوقتين إذا ذكرا بغير الواو، فما حكمها إذا ذكر مع الواو؟.
قلت: قد ذكر في «المبسوط» الفرق بين المسألتين عند ذلك، فقال: ولو قال أنت طالق اليوم وغدًا طلقت للحال واحدة، ثم لا يطلق عرفا؛ لأنّ العطف للاشتراك وقد وضعها بالطّلاق في الوقتين، وهي التّطليقة الواحدة تتصّف بالطّلاق في الوقتين جميعًا، وأمّا إذا قال: غدًا واليوم تطلق واحدة اليوم عندنا وأخرى غدًا؛ لأنّه عطف الجملة النّاقصة على الجملة الكاملة، فالخبر المذكور في الجملة الكاملة يصير معاداً في الجملة النّاقصة، فإنّ العطف للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر، فكأنّه قال وأنت طالق اليوم وعند زفر
(1)
رحمه الله أنّه لا يطلق إلا واحدة؛ لأنّ صيغة كلامه وصف، وهي بالتّطليقة الواحدة تتصف بأنّها طالق في الوقتين جميعًا
(2)
.
وجوابه ما ذكرناقوله رحمه الله لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: الْيَوْمَ كَانَ تَنْجِيزًا وَالْمُنَجَّزُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ، فإن قلت: هذه الدّعوى إنّما تصح إن لو اقتصر على ذكر اليوم، وأمّا عند ضمّه إلى ذلك ذكر الغد فلا فات أوّل الكلام يتوقّف إلىآخره إذا كان في آخره ما يغيّره.
ألا ترى أنّه إذا قال: طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، فلم يقل هناك المبحر بذكر اليوم لا يحتمل التّعليق بذكر الشّرط، لما قلنا أنّ أوّل الكلام يتوقّف على آخره، إذا كان في آخره ما يغيّره، فينبغي أن يكون هنا كذلك بأن لا يلقي ذكر الإضافة كما لا يلقي هناك ذكر التّعليق.
قلت: قاله الإمام المحقق شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «المبسوط» جوابه، فقال: إنّما تغير حكم أول الكلام هناك؛ لأنّ ذلك تعليق بالشّرط وبذكر الشّرط موصولاً يخرج كلامه من أن يكون تنجيزًا، كما لو قال: أنت طالق اليوم إذا كلمت فلاناً، أو إن كلمت فلاناً لم تطلق قبل الكلام، وتبين بذكر الشّرط أنّ قوله اليوم لبيان وقت التّعليق، لا لبيان وقت الوقوع بخلاف قوله: اليوم غدًا، فإنّ هناك ليس بذكر الشّرط، فيبقى قوله اليوم بيانًا لوقت الوقوع
(3)
.
وذكر في «الذّخيرة»
(4)
(5)
في جواب هذا السؤال فقال: إن قوله: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إيقاع للحال، وقال: إذا جاء غد تعليق، فقد أتى بالإيقاع والتّعليق فلابدّ من اعتبار أحدهما، فاعتبر بالتعليق؛ لأنّ في اعتبار التعليق الغاء كلمة واحدة، وهي اليوم وفي اعتبار اليوم إلغاء كلمات وهي قوله: إذا جاء غد ولاشك أن الفاء كلمة واحدة أهون، وإذا اعتبرنا التعليق، صار تقدير مسألتنا: أنت طالق إذا جاء غد؛ لأنّ قوله: أنت طالق إيقاع الواحدة من حيث الحقيقة، فلو وقع أخرى في الغد إنّما يقع كيلا يلغو ذكر الغد ولا يلغو ذكر الغد إذا لم يقع أخرى في الغد، فيكون الغد؛ لأنّه جعل الغد طرفاً لكونها طالقاً في الغد، وإذا وقعت واحدة في اليوم، فيبقى ذلك في الغد ظرفاً لكونها طالق في الغد، وقوله رحمه الله على ما بيّنا إشارة إلى قوله: لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ، ولأبي حنيفة
(6)
رحمه الله أنّه نوى حقيقة كلامه في هذه النكتة جواب عن قولهما بقوله على ما بيّناه أي: أنّه نوى التّخصيص في العموم، فكان هو خلاف الظّاهر، فلا يصدّق قضاءً، فقال: ففي خلاف الظّاهر إنّما يدين في القضاء إذا لم يكن بينة مصادفة لحقيقة كلامه، وههنا صادفت بينة حقيقة كلامه فتدين قضاء وديانة.
(1)
المبسوط للسرخسي (6/ 116).
(2)
المبسوط للسرخسي (6/ 116).
(3)
المبسوط للسرخسي (6/ 116).
(4)
كتاب ذخيرة الفتاوىالمشهور: بـ (الذخيرة البرهانية). للإمام، برهان الدين: محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري. المتوفى: سنة 616 هـ، اختصرها من كتابه المشهور بـ (المحيط البرهاني) وهو غير مطبوع فيما أعلم. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 823).
(5)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 309).
(6)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 196)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 204).
أَلَا تَرَى أَنَّ [328/ ب] مَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَنَوَى جَمِيعَ النِّسَاءِ، صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ لِمُصَادَفَةِ نِيَّتِهِ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، والظرفية لا تقتضي الاستيعاب؛ أي: الظرفية الثابتة بكلمة في لا تقتضي الاستيعاب، بخلاف الظّرفية المنزوعة عنها كلمة في أنها تقتضيه.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عليّ أن أصوم في هذه السنة، فصام يومًا يخرج عن العهدة، ولو قال: لله علي أن أصوم السنة يلزمه صوم جميع السنة بالإجماع
(1)
(2)
، والفقه هو أنّ قوله غدًا يصير ظرفاً بطريق الضّرورة؛ لأنّ الظّرفيّة تثبت لا بلفظ يدل عليها.
وفي قوله: في غد يثبت بلفظ يدل عليها والثّابت باللّفظ يحتمل البينة؛ لأن النيّة لتعيين بعض ما احتمله اللّفظ، وما يثبت بدونه فلا يحتملها فيبقى على ما اقتضاه اللّفظ يوضح فرق المسألة ههنا الفرق المذكور في قوله أنت طالق كلّ يوم.
وقوله: أنت طالق في كل يوم، حيث يقع في الأوّل تطليقة واحدة؛ لأنّه وضعها بالطّلاق في كلّ الأيّام، وهي موصوفة بالطّلقة الواحدة في جميع الأيام، لما أنّه لو سكت على أنت طالق كانت واحدة، وكانت طالق كلّ يوم، وكذا إذا ذكر كلّ يوم، وكذا إذا قال: أنت طالق أبدًا وفي الثّاني يقع ثلاث تطليقات في ثلاثة أيام؛ لأنّه أوقع عليها في كل يوم تطليقة - كذا في «الفوائد الظهيرية»
(3)
وشروح «الجامع الصّغير»
(4)
- (ونفس الجزء الأوّل)، أي: عند عدم النيّة هذا جواب عن قولهما، وهو قوله: ولهذايَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ؛ يعني أنّ وقوع الطّلاق في الأوّل باعتبار عدم المزاحم؛ لأن كلّ الغد ظرف فإذا عين آخر النّهار كان التعيين القصدي أولى بالاعتبار، فكان ذلك منه تعيينًا لا تغييراً، فيتعين المبهم يصح منه قضاء وديانة، كما إذا قال لامرأتيه: أحديكما طالق، ثم عين أحديهما فهو تعيين لا يعتبر، والجامع بينهما تعيين المبهم، يعني أن قوله: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ عُمْرِي يستغرق جميع عمره كما أن غدًا يستغرق جميع الغد وكذلك لأصومنّ الدّهر.
(1)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 227).
(2)
الإجماع: اتفاق المجتهد ينفي أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر، وأحيانا يقصد به إجماع علماء المذهب، كما ورد هنا. ينظر: التعريفات (ص 10)، الكليات (ص 42)، كشاف اصطلاحات الفنون (103/ 1).
(3)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 291).
(4)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 142)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 291).
وقال: (والله لأصومنّ في عمري أو في الدّهر) لا يستغرق العمر والدّهر، بل يجب عليه صوم يوم من العمر لا غير؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ، أي: معلومة مُنَافِيَةٍ لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ فَيَلْغُوَ؛ لأنّها لم تكن في ملكه في ذلك الوقت الذي أضاف الطّلاق إليه
(1)
.
وحاصله أنّه متى وصفها بالطّلاق في وقت لم يكن هو مالكاً للإيقاع فيه كان ذلك منه إنكارًا للطّلاق لا إقراراً به، كما قال: طلقتك قبل أن أتزوجك أو قبل أن تخلقي ومتى وصفها بالطّلاق في وقت كان مالكاً للإيقاع فيه، كان ذلك منه إقراراً صريحًا بالطّلاق، ومن ضرورة كونها طالق في ذلك الوقت أن يكون طالقاً في الحال، ولأنّه يمكن تصحيحه إخباراً عن عدم النكاح إلى آخره؛ وهذا لأنّه لما كان للإخبار وضعًا جعل إخباراً، كما لو قال لامرأتيه: أحديكما طالق مراراً، لم يقع إلا واحدة؛ لإمكان جعل الثّاني إخباراً.
فإن قيل: ما ذكرتم منتقض بما إذا قال لامرأته بعد الدّخول: أنت طالق، قاله مراراً يقع الثّلاث، وإن أمكن جعل الثّاني والثّالث إخباراً.
قلنا: لا يمكن؛ لأنّ القيد كما يزول عنها يعود إليها، فيمتنع كون الثّاني إخباراً، وهذا عند بعضهم، والمتبحّرون من مشايخنا يقولون: يتوقف زوال القيد عنها على انقضاء العدّة.
ولذا قالوا: لو قال لامرأته وهي مدخول بها: أنت طالق، ثم قال:(كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ) يقع عليها طلاق آخر، وهذا شاهد لهم بقيام النكاح بعد الطّلاق، وإذا كان كذلك تعذر اعتبار الثّاني إخباراً، وهذا بخلاف ما استشهد به؛ لأنّ القيد ثمة يزول عن مسمّى أحديهما قضية للإخبار بلا عود لامتناع وجوب العدّة عليها؛ إذ وجوبها من وقت البيان وحاصل هذه النكتة أن قوله: أنت طالق إنما يجعل إنشاءً وإيجاباً للطّلاق، وإن لو لم يمكن جعله إخباراً؛ إذ هو حقيقة في الإخبار والكلام على حقيقته، ما لم يقم الدّليل على مجازه فلما تزوّجها اليوم، فقد أمكن العمل بحقيقته؛ لأنّها كانت طالقاً أمس فلم يجب إيقاع الطّلاق، فأمّا [329/ أ] إذا تزوّجها أوّل من أمس فلم يستقم العمل بحقيقته، فوجب إضمار الواقع فيه اقتضاء؛ لأنّه وصفها بكونها طالقاً أمس وهي لم تكن طالقاً، فلم يمكن تصحيح هذا الكلام بطريق الإخبار، إلا أن يتضمّن طلاقًا قبله، فيكون إيقاع الطّلاق أمس، وإيقاع الطّلاق في الماضيلا يتصوّر، ولكن إيقاع الطّلاق في الماضي إيقاع في الحال - كذا في «الجامع الصّغير» لشمس الأئمة وفخر الإسلامو «الفوائد الظهيرية»
(2)
-.
(1)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (1/ 342).
(2)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 195)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 317).
(ولو قال أنت طالق ما لم أطلقك) إلى آخره، ههنا ثلاث مسائل في ثنتين على الاتفاق
(1)
، وفي واحدة على الاختلاف، ثم كلمها ومتى ونيتهما في هذه المسائل للوقت بالاتفاق
(2)
، فمتى سكت عن هذا القول، فقد وجد شرط وقوع الطّلاق فيقع، وكلمة أن في قوله:(إن لم أطلقك) للشّرط بالاتّفاق
(3)
، فلذلك لم يجز قرانها بما يتيقن وجوده إذا كان يعرف وقت وجوده، فكان شرط وقوع الطّلاق عليها عدم التّطليق، ومادام في الإحياء يتوقع منه التّطليق، ثم البرّ في هذه المسألة للتطليق والحنث عدم التّطليق، كَمَا فِي قَوْلِهِ: إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ، أي:] قال: أنت طالق إن لم آت البصرة
(4)
، فإنّه لا يقع الطّلاق حتّى يقع] اليأس
(5)
عن الإتيان،] فإذا انتهى إلى الموت فقد وقع اليأس
(6)
، فوجد الشرط والمحل قايد والملك باق فوقع.
فكذلك ههنا موتها بمنزلة موته، أي: يقع الطّلاق قبل موتها أيضاً.
قوله رحمه الله: هو الصحيح احتراز عن رواية النّوادر، فإنّه قال في النّوادر: لا يقع الطّلاق بموتها
(7)
؛ لأنّ الزّوج قادر على الإيقاع، كما إذا قال: إن لم أدخل الدّار فأنت طالق، يقع الطّلاق بموته، ولم يقع بموتها؛ لأن بعد موتها يمكن دخول الدّار فلا يتحقق الياس، فلا يقع
(8)
، وفي «المبسوط»: ثم إن مات الزّوج وقع الطّلاق عليها قبل موته تقليل، وليس لذلك القليل حدّ معروف، ولكن قبيل موته يتحقّق عجزه عن إيقاع الطّلاق عليها فيتحقّق شرط الحنث، فإن كان لم يدخل بها فلا ميراث لها، وإن كان قد دخل بها فلها الميراث بحكم القرار حين يقع الثّلاث عليها بإيقاعه قبيل موته بلا فصل، وإن ماتت المرأة وقع الطّلاق أيضاً قبيل موته، وفي النّوادر يقول: لا يقع؛ لأنّه قادر على أن يطلقها ما لم يمت، فإنّما عجز بموتها فلو وقع الطّلاق لوقع بعد الموت] فيوجد الشّرط عند انقضاء محلّ الطلاق
(9)
، وهو نظير قوله: إن لم آت البصرة، وجه ظاهر الرّواية أنّ الإيقاع من حكمه الوقوع، وقد تحقّق العجز عن إيقاعه قبيل موتها] لأنّه لا يعقبه الوقوع، كما لو قال: أنت طالق مع موتك، فيقع الطّلاق قبيل موتها
(10)
بلا فصل ولا ميراث للزّوج؛ لأنّ الفرقة وقعت بينهما قبل موتها بإيقاع الطّلاق عليها، ثم الفرق بين رواية مسألة الكتاب وبين قوله: أنت طالق إن لم آت البصرة؛ حيث لا يقع الطّلاق بموتها
(11)
.
(1)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 326).
(2)
يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 133)، والبناية شرح الهداية (5/ 325).
(3)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 326).
(4)
سقط من (ب).
(5)
في (أ)"الناس"، والصحيح ما اثبتنا لموافقة السياق، وكما جاء في بعض الشروح والله أعلم. يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 31).
(6)
سقط من (ب).
(7)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 31).
(8)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 326)، والعناية شرح الهداية (4/ 31).
(9)
سقط من (ب).
(10)
سقط من (ب).
(11)
المبسوط للسرخسي (6/ 111).
وفي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ
(1)
(2)
يَقَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ تَحَقَّقَ شَرْطُ الْوُقُوعِ وَهُوَ عَدَمُ التَّطْلِيقِ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ التَّطْلِيقُ وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَتَطْلُقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، بخلاف قوله: إن لم آت البصرة
(3)
؛ لأنّه لا يتحقق الشّرط بموتها؛ لأنّه قادر على إتيانه البصرة، فلم يتحقّق الشّرط فلم يقع الطّلاق، وإذا يكون كرهه وقتلةبل في القصة.
أمن السوية إن إذا استغنيتم
…
وأمنتموا فأنا البعيد الأجنب
وإذا الشدائد بالشدائد مرة
…
أسجتكم فأنا المحب الأقرب
ولجندب سهل البلاد وعذبها
…
وإلى الملاح وحزنهن المجذب
وإذا تكون كريهة أدعى لها
…
وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
والأشجاء الأحزان والحيس الخلط، قوله: وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ- وهو تمر يخلط بسمن وأقط، ثم يُدْلَك حتى يختلط، يقول: منه حايس الحيس بجنسه جنساً؛ أي: اتخذه، ولأبي حنيفة
(4)
رحمه الله أنّها تستعمل في الشّرط - أيضاً - بطريق الحقيقة، فإنّه اسم مشترك بين الوقت والشّرط، وإذا استعمل للشّرط سقط منه معنى الوقت أصلاً، فصار كحرف أن، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وبه قال أهل الكوفة
(5)
، وأمّا البصريونيقولون أداء للوقت
(6)
.
(1)
مختصر القدوري في فروع الحنفية للإمام، أبي الحسين: أحمد بن محمد القدوري، البغدادي، الحنفي، وهو: الذي يطلق عليه لفظ: (الكتاب) في المذهب. وهو من مطبوعات دار الكتب العلمية. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1631).
(2)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 31).
(3)
البصرة: هي المدينة المشهورة التي بناها المسلمون؛ قال الشعبي: مصرت البصرة قبل الكوفة بسنة ونصف. وهي مدينة على قرب البحر كثيرة النخيل والأشجار. ينظر: آثار البلاد وأخبار العباد (ص: 309).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 112)، البناية شرح الهداية (5/ 327).
(5)
الكوفه: بالضم: هي المدينة المشهورة التي مصرها الإسلاميون بعد البصرة بسنتين، في العراق، قال أبو بكر محمد بن القاسم: سميت الكوفة لاستدارتها. ينظر: معجم البلدان (4/ 490)، آثار البلاد وأخبار العباد (ص: 250).
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 112)، البناية شرح الهداية (5/ 327).
ولكن يستعمل للشّرط مجازاً، ولا يسقط به معنى الوقت إذاأردت به الشّرط بمنزلة متى، وهو مذهب أبي يوسف ومحمّد
(1)
رحمه الله كذا في «المبسوط»
(2)
.
وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى
…
وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ
أبني إن أباك حارب يومه
…
وإذا دعيت إلى المكارم فاعجل
أوصيك أيضاً آمراً لك ناصح
…
ظني برب الدّهر غير معقل
استغن بما أغناك ربك بالغنى، وإذا تصيبك خصاصة بتحمل
(3)
.
كون الشّيء إذا دنى غير معقل، من عقلت الإبل من العقال، شدد للكثرة والمبالغة التحمل التصبر، وقيل هو الاكتفاء بالجمل وهو الشحم المذاب، يوصي الأب ابنه يتصالح، بقول: أن أباك قريب يوم موته، فاعمل بنصيحتي فإن عقل مصروف الدّهر عالم بها غير ممنوع عن العلم بها، فمن نصائحي هو أن تتعفف عن المسألة، ورفع الحاجة إلى الغير مادام إعتاق الله باقياً بك.
وأمّا إذا أصابك فقر تكلف بالصّبر على الفعل الجميل، أو أكل الجهل وهو الشحم المذاب تعففاً، فإن أريد الشّرط لم يطلق، وإن أريد به الوقت يطلق في الحال، فلا يطلق بالشّك.
فإن قيل: بالنّظر إلى هذه النكتة ينبغي أن يقال بوقوع الطّلاق؛ لأنّه لما تعارض معنى الشّرط مع معنى الوقت يرجح دليل الحرمة، وهو دليل الوقوع فيقع الطّلاق حينئذٍ.
قلنا: هذا متروك] بجميع
(4)
صور التردد، وإن كان تغليب جانب الحرمة موجودًا فإنّه إذا شكّ في انتقاضطهارته، وقد كان طاهراً قبله يقينًا فإنّه لم يقل فيه بالانتقاص، مع أن في الانتقاض تغليب جانب الحرمة، والصلاة يراعى فيها جانب الاحتياط؛ لما أنّ الشك لا يزيل اليقين، فههنا كذلك، ولا يلزم على هذا قوله: أنت طالق حين لم أطلقك، أنّه يقع للحال، وإن اختلف استعمال هذه الكلمة في المدّة بين مديد وقصير؛ لأنّه متى ذكر بكلمة لما كان ذلك مضافاً إلى الماضي، فجعل ذلك إيقاعاً للحال، ولو قال: حين لا أطلقك لم يقع، إلا لمضي ستة أشهر؛ لأنه لا يدخل في المستقبل، يقال لا أفعل كذا والحين يذكر ويراد به الأبد، ويذكر ويرد به الساعة، ويذكر ويراد به ستة أشهر، والأبد والسّاعة غير مراد عرفاً، فتعين الوسط كذا ذكره الإمامالكشاني وقاضي خان
(5)
، معناه قال ذلك موصولاً، وأمّا إذا قال مفصولاً، فيقعان قياساً واستحسانًا
(6)
؛ لأنّه وجد الزّمان الحالي عن التّطليق.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 112)، البناية شرح الهداية (5/ 327).
(2)
المبسوط للسرخسي (6/ 112).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 112)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 131)، البناية شرح الهداية (5/ 328).
(4)
سقط من (ب).
(5)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 35).
(6)
الِاسْتِحْسَانُ هُوَ الْعُدُولُ فِي مَسْأَلَةٍ عَنْ مِثْلِ مَا حُكِمَ بِهِ فِي نَظَائِرِهَا إِلَى خِلَافِهِ لِوَجْهٍ هُوَ أَقْوَى. انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 158).
وكذا لو قال: أنت طالق ثلاثاً ما لم أطلقك ولم أطلقك أنت طالق موصولاً، تقع واحدة ولا تقع الثلاث؛ لأنّ الثّلاث مضاف إلى الزّمان الحالي عن التّطليق، ولم يوجد ذلك الزّمان إذا طلّقها موصولاً، وعلى قول زفر رحمه الله تقع الثّلاث
(1)
.
قوله رحمه الله (وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْمُضَافُ)، أي: المضاف أيضاً مع المنجز فيقعان، وفي «المنتقى»
(2)
: لو قال لها: إذا طلقتك فأنت طالق وإذا لم أطلقك فأنت طالق، فمات قبل أن يطلق يقع عليها طلاقان؛ لأنّه لما مات قبل التّطليق صار حانثًا في اليمين الثّانية، فيقع عليه الطّلاق باليمين الثانية، وهذا الطّلاق يصلح شرطًا في اليمين الأولى؛ لأنّه وقع بكلام وجد بعد اليمين الأولى فيحنث في اليمينين جميعًا، فيقع عليها طلاقان، ولو قال: إذا لم أطلقك فأنت طالق، فمات قبل أن يطلق يقع تطليقة واحدة؛ لأنّه لما مات قبل التّطليق صار حانثاً في اليمين الاولى فيقع الطّلاق، وهذا الطّلاق لا يصلح شرطًا في اليمين الثّانية؛ لأنّه وقع بكلام وجد قبل اليمين الثّانية والشّروط تراعى في المستقبل، لا في الماضي هكذا ذكر في «المنتقى»
(3)
.
ولم يذكر فيه خلافاً، وعلى قياس قولهما ينبغي أن لا ينتظر الموت، بل كما سكت يحنث في قوله: إذا لم أطلقك فأنت طالق - كذا في «الجامع الصّغير»
(4)
لقاضي خان رحمه الله.
قوله رحمه الله: وَأَخَوَاتُهُ. وهي نحو قوله: حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَوَهُوَ لَابِسُهُ، ولا يركب هذه الدّابة وهو راكبها، فنزعه في الحال وينزل منها لا يحنث، وإن كان اللبس القليل يوجد وقت اشتغاله بالنّزع فيحمل عليه، وَإِذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ يَمْتَدُّ كَالصَّوْمِ وَالْأَمْرِ بِالْيَدِحتّى إذا قال: أنت طالق إذا صمت يومًا، طلقت في اليوم الذي يصوم حين تغيب الشّمس، ولو قال: أمرك بيدك
(5)
يوم تقدم فلان، فقدم فلاناً] نهاراً
(6)
، فلم تعلم به حتّى جن اللّيل قال لا خيار لها؛ لأنّ الأمر باليد ممّا تمتدّ فحمل على بياض النّهار، فإذا لم تعلم حتّى مضى فإنّما وقع العلم بعد انقضاء الأمر، فلم يبق الأمر في يدها على ما يجيء، والطّلاق من هذا القبيل هكذا وقع في عامّة النسخ ولكن الصّريح من النسخ
(7)
.
(1)
يُنْظَر: فتح القدير للكمال ابن الهمام (4/ 35)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 133).
(2)
المنتقى: في فروع الحنفية، للحاكم الشهيد أبي الفضل: محمد بن محمد بن أحمد. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1851).
(3)
يُنْظَر: فتح القدير للكمال ابن الهمام (4/ 35)، والدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 271).
(4)
انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 377)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 207).
(5)
تفويض الطلاق جائز بالإجماع، وقال الحنابلة: إنها تملك ثلاثًا؛ لأنه اسم جنس مضاف، فيتناول جميع الطلقات، وقال الشافعية: ليس لها أن تطلق نفسها ثلاث إلا إذا نوى. يُنْظَر: روضة الطالبين (8/ 51)، المغني (4/ 465).
(6)
زيادة في (ب).
(7)
انظر: فتح القدير للكمال ابن الهمام (4/ 36)، والبناية شرح الهداية (5/ 330).
والتزوّج من هذا القبيل لوجوه:
أحدها: أنّه هكذا وجدت مصحّحًا بخطّ شيخي [330/ أ] وغيره، والثّاني: أنّه اعتبر في الكتاب من وزان هذه المسألة فعل الشّرط لا فعل الجزاء، فقال في باب اليمين في الكلام من كتاب إيمان هذا الكتاب وقال:(وَلَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَأَمْرَأَتْهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)، إلى أن قال: وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ ولم يقل والطّلاق لا يمتد، وإن كان حكمها واحد.
والثّالث: أن ذكر الفعل إنّما يستقيم من غير تأويل في أتزوّجك، لا في أنت طالق.
والرّابع: أن ذكر القِرَان في قوله: (إذَا قُرِنَ)، يدل على أنّ المراد به التزوّج لا الطّلاق؛ لأنّ المقارنة بين اليوم والتزوّج أكثر من المقارنة بين اليوم والطّلاق؛ لأن اليوم والتزوّج يقترنان على وجه الإضافة والمضاف مع المضاف إليه كشيء واحد.
فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا قال: والله لا أكلِّم فلاناً اليوم ولا غدًا ولا بعد غد، فله أن يكلّمه باللّيل، ولا يحنث مع أنّ الكلام فعل غير ممتدّ على ما ذكرت من رواية الكتاب، وقد اقترن باليوم فلم يحمل على مطلق الوقت.
وكذلك لو قال: لا يكلّمه في كلّ يوم، لا يدخل اللّيلة حتّى لو كلّمه ليلاً لا يحنث، والمسألتان في «تتمة الفتاوى»
(1)
.
قلت: أمّا في المسألة الأولى فقد أريد النّهار باليوم، بدلالة إعادة حرف النّفي عند ذكر الغدر، وإلا لا يكون لذكر حرف النّفي فائدة حتى لو لم يعد، وقال: والله لا أكلّمه اليوم وغدًا وبعد غد، يدخل اللّيلة، فصار بمنزلة قوله: لا أكلّمه ثلاثة أيّام.
وأمّا في مسألة الثّانية فذكر كلمة في لتحديد الكلام على ما ذكرنا في قوله: أنت طالق في كلّ يوم والتّحديد إنّما يتحقّق إن لو لم يتناول ذكر اليوم لمطلق الوقت؛ لأنّه يكون للاستمرار لا للتحديد، ألا ترى أنّه لو قال: لا أكلّمه كلّ يوم دخلت اللّيلة، حتّى لو كلّمه ليلاً أو نهاراً يحنث في يمينه إلى هذا أشار في الذّخيرة
(2)
.
(1)
تتمة الفتاوى للإمام، برهان الدين: محمود بن أحمد بن عبد العزيز الحنفي، صاحب:(المحيط). وهو زيادة على كتاب الصدر الشهيد حسام الدين، الفتاوى الكبرى الذي جمع فيه ما وقع إليه من الحوادث، والواقعات. ثم إنمحمود بن أحمد بن عبد العزيز زاد على كل جنس ما يجانسه. وذيل على كل نوع ما يضاهيه، وهو غير مطبوع فيما أعلم. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 343).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 289).
فإن قلت: ما يقول في قوله: (أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ)، واليوم هناك محمول على بياض النّهار، مع أن الأوجه الثلاثة التي ذكرتها تقتضي أن يكون المراد من الفعل المقرون فعل القدوم، فحينئذ يجب أن يكون المراد من اليوم مطلق الوقت، فيدخل فيه اللّيل والنّهار
(1)
.
قلت: الجواب عنه من وجهين أحدهما: أنّ المقصود من ذكر الشّرط والجزاء الجزاء.
وقوله: (يوم يقدم) في معنى الشّرط وإن لم يكن حرف الشّرط مذكوراً، والأمر باليد جزاؤه وهو ممتدّ، فحمل اليوم على بياض النّهار نظراً إلى جانب الجزء الذي هو المقصود، بخلاف ما ذكرنا من الأوجه الثلاثة في مسالة التزوّج والكلام، فإن كلاً من فعلي الشّرط والجزاء فعل غير ممتدّ، فاعتبر جانب الأوجه الثلاثة هناك لذلك.
والثّاني: أنّ اليوم في أصله موضوع لبياض النّهار، ولهذا يذكر عند مقابلة اللّيل، ويقال يوم وليلة، ويترجم بالفارسية اليوم روز، وفعل الشّرط مع جزائه بمنزلة كلام واحد؛ لتعلّق كلّ منهما بالآخر، ولمّا كان كذلك، ووجد فعل ممتد، وهو الأمر باليد مع ذكر اليوم في كلام واحد، يرجح جانب الوضع الأصلي لليوم، وهو بياض النّهار؛ لما أنّ الأصل يراعى جانبه مهما أمكن، وقد أمكن هنا للوجه الذي ذكرنا فلذلك حمل اليوم على بياض النّهار والله أعلم.
فصل
(2)
وملك النكاح مشترك بينهما حتّى سميا متناكحين، وهذا في النكاح يذكر كلّ واحد منهما وينتهي النكاح بموت كلّ واحد منهما، حتّى يرث كلّ واحد منهما صاحبه، وحجّتنا في ذلك ما روي أن امرأة قالت لزوجها: لو كان إلي ما إليك لرأيت مَاذَا أَصْنَعُ، فَقَالَ: جَعَلْتُ إلَيْكِ مَا إلَيَّ، فَقَالَتْ: طَلَّقْتُكَ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فقال:"خطّا الله نوءها، هلّا قالت: طلقت نفسي منك"
(3)
، وروي: خطّ الله نوءها من الخطيطة، وهي أرض لم تمطر بين أرضين ممطورتين، فعلته بمعنى مفعوله؛ أي: جعلت كالمخطوطة بخط ظاهر بينهما
(4)
.
(1)
انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 271)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 299).
(2)
عنون له صاحب العناية: فَصْلٌ، قَالَ: لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ. ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 38).
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (كتاب الخلع والطلاق/ بَابُ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنَ الْكَلَامِ، وَلَا يَقَعُ إِلَّا بِنِيَّةٍ/ 2678)، والطبراني في المعجم الكبير (باب العين/ 9649).
(4)
انظر: غريب الحديث للقاسم بن سلام (4/ 211).
والنوء: جمع انواء، وهي: كواكب تستمطر بها العرب
(1)
، فقول ابن عبّاس رضي الله عنه: خطأ الله نوءها أي: جعل هذا النوء لا تصيب أرضها، شبّه تفويض الرجل التطليق إليها بالنوء الذي يستمطر به، وشبه بطلان ذلك بتطليقها زوجها بالمطر، الذي ينزل ولا يصيب أرضها، بل يتعداها وخطأ الشّيخ الإمام نجم الدّين عمر النسفي
(2)
رحمه الله خطأه، وصوّبه صاحب الفائدة-كذا «الفوائد الظهيرية» وغيرها
(3)
-.
وذكر في «المغرب»
(4)
(5)
في حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما: «خطأ الله نوءها إلا طلقت [330/ ب] نفسها» أي: جعله مخطئاً لا يصيبها مطره، وهذا إنكار لفعلها، ويقال لمن طلب حاجة فلم ينجح:"أخطأ نوءك"، ويروى خطي بالألف اللينة من الخطيطة، وهي الأرض التي لم تمطر، وأصله خطط فعليه الطاء الثّالثة تاء، وأمّا خط فلم يصح ولأنّ معنى الطّلاق هو الإطلاق والإرسال وقيد الملك في جانبها لا في جانبه.
ألا ترى أنّها لا تتزوّج بغيره، والزّوج يتزوّج بغيرها، فلا يتحقّق الإرسال في جانبه، ولهذا يكون بالوقوع عليها لا عليه، وإنّما هو مطلق لها كما يكون المولى معتقاً لعبده، ولو قال: أنا حرّ منك لم يعتق العبد، فكذلك الطّلاق وبه فارق لفظ البينونة] والحرمة؛ لأنّ البينونة
(6)
قطع للموصلة والوصلة بينهما، ألا ترى أنّه يقال: بان عنها] وبانت عنه
(7)
، وكذلك الحرمة والذي يقول: الملك مشترك، كلام لا معنى له، بل الملك للزوج عليها خاصّة حتّى يتزوج المسلم الكتابية ولا يتزوج الكتابي المسلمة
(8)
.
(1)
انظر: غريب الحديث للقاسم بن سلام (4/ 211).
(2)
عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل، نجم الدين، النسفي من أهل نسف، سكن سمرقند، إمام فقيه فاضل، عارف بالمذهب، والأدب، صنف التصانيف في الفقه والحديث ونظم "الجامع الصغير"، وجعله شعراً، وتوفي بسمرقند، سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. انظر: تاريخ بغداد وذيوله (20/ 99)، التحبير في المعجم الكبير (1/ 527)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 220).
(3)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 303)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 208).
(4)
المغرب في ترتيب المعرب المؤلف: ناصر بن عبد السيد أبى المكارم الخوارزمي المُطَرِّزِىّ، وهو كتاب لغة، شرح فيه مؤلفه الألفاظ الفقهية الواردة في كتب الأحناف، الناشر: دار الكتاب العربي. ينظر: أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون (ص: 50).
(5)
يُنْظَر: المغرب في ترتيب المعرب (ص: 147).
(6)
سقط من (ب).
(7)
زيادة في (ب).
(8)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 78).
وما يثبت لها بالنكاح ملك المهر والنّفقة فذلك لا يقبل الطّلاق، وما يثبت له عليها ملك الحل، وهو الملك الذي يقابله البدل والطّلاق مشروع لرفعه، وإنما يرفع الشيء عن المحلّ لوارد عليه دون غيره، ثم الملك الذي يثبت في جانبها تبع للملك الثابت للزّوج عليها، وما يكون تبعًا في النكاح لا يكون محلاً لإضافة الطّلاق إليه عند تأكيدها ورجلها - كذا في «المبسوط»
(1)
- بخلاف الإبانة؛ لأنّها لإزالة الوصلة وهي مشتركة.
فإن قلت: لو كان الزّوج والمرأة في الإبانة مشتركين، لا يجد حكم الإبانة في حقّ الإضافة إليهما فلم يتحد بل اختلف، ألا ترى أنّه إذا قال لامرأته: أنا نائن، يعني: منك، ولم يقل منك لا يقع شيء، وإن عنى به الطّلاق، وكذلك لو قال: أنا حرام ولم يقل عليك.
بخلاف ما لو قال: أنت نائن أو أنت حرام، ونوى به الطّلاق، يقع الطّلاق، وإن لم يقل مني.
قلت: الفرق بينهما إنما تراجع من وجه آخر، وهو أن البينونة قطع الوصلة المشتركة، ولا وصلة في حقها إلا التي بينها وبينه؛ إذ لا يتصوّر على المرأة نكاحان فعند إضافة البينونة إليها يتعيّن الوصلة التي بينهما وإن لم يضف إلى نفسه، وأمّا في جانبه فالوصلة تحقّق بينه وبين غيرها مع قيام الوصلة بينه وبينها، فإذا قال: أنا نائن، لا يتعين بهذا اللّفظ الوصلة التي بينهما لتعدّدها ما لم يقل منك، وكذلك في لفظ الحرمة، فإنها لا تحل إلا له خاصة.
بخلاف جانبه فإنّه يحل لها ولغيرها مع قيامها، فعلم بهذا إنّما نشأ إفراق تلك الإضافة من جهة اختصاص وصلة المرأة وعدم اختصاص وصلة الزّوج، ولكن الوصلة بينهما بالله على وجه الكمال، فصحّ إضافة البينونة إلى كلّ واحد منهما، ولكن على وجه يعلم بها إرادة الوصلة القائمة بينها - إلى هذا أشار في «المبسوط»
(2)
-وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. أحديهما: قوله: أنت طالق واحدة أولاً، والثّانية: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا شَيْءَ أي: لا فرق في حق التّشكيك في الإيقاع أو في حقّ الوضع، ولو كان المذكور ههنا، أي: في «الجامع الصّغير»
(3)
قول الكلّ، فعن محمّد رحمه الله روايتان؛ لأنّه لم يذكر الخلاف في وضع «الجامع الصّغير»
(4)
في أنّه شيء، وكان عن محمّد
(5)
رحمه الله أيضًا لا يقع شيء، ثم ذكر قول محمّد في طلاق «المبسوط» بأن عنده يطلق واحدة رجعية في قوله: أنت طالق واحدة أو لا شيء
(6)
، ولا تفاوت بين هذا الوضع وبين وضع «الجامع الصّغير» بقوله: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا
(7)
فلما اتحد الوضعان، فذكر في أحدهما أنّ الجواب قول الكل في أنّه لا يقع، وفي الآخر ذكر أنه على قول محمّد يقع واحدة رجعية، يلزم من ذلك ضرورة ورود الروايتين عن محمّد
(8)
، أمّا لو قال لها: أنت طالق أو لا بدون ذكر الواحدة، أو قال: أو لا شيء، أو قال: أنت طالق أو غير طالق، لا يقع شيء عند الكل.
(1)
المبسوط للسرخسي (6/ 78، 79).
(2)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 83).
(3)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 194).
(4)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 194).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 136)، والمحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 317)، والعناية شرح الهداية (4/ 41).
(6)
المبسوط للسرخسي (6/ 136).
(7)
الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 194)
(8)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 136)، والمحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 317)، والعناية شرح الهداية (4/ 41).
قوله رحمه الله له أي: لمحمد، ولهما أي: لأبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله
(1)
أن الوصف متى قرن، أي قوله: أن الوصف متى قرن بالعدد، أي: بالواحدة أو بالثنتين أو بالثلاث، وإنّما أطلق اسم العدد على الواحدة لما أنّها أصل العدد، يعني أنّ الوصف متى قرن بالعدد كان الكلّ كلامًا واحدًا في الإيقاع، فحينئذ كان الشّك الدّاخل في الواحدة [331/ أ] في الإيقاع، فحينئذ يصير نظير قوله: أنت طالق أولاً، وهناك لا يقع شيء بالإجماع
(2)
، فكذا ههنا، والدّليل على أنّ الشّك إذا دخل في الواحدة كان كأنه دخل في أنت طالق، مسائل ثلاث:
أحديها: ما ذكر في الكتاب، وهو أنّه لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثاً، يقع الثلاث، ولو كان الوقوع بقوله: أنت طالق لما وقع الثلاث
(3)
.
والثّانية: أنّه لو قال لامرأته: أنت طالق واحدة إن شاء الله، لا يقع شيء، فلو كان الوقوع قوله: أنت طالق، لكان قوله: واحدة فاصلاً بين الاستثناء والواقع فلا يعمل الاستثناء.
والثّالثة: أنّه لو قال لها: أنت طالق واحدة.
أو قال: أنت طالق ثلاثاً فصادفها قوله: أنت طالق وهي حية، وصادفها العدد وهي ميتة لا يقع شيء، فلو كان الوقوع بقوله: أنت طالق لوقع الطّلاق، وثمرة ذلك تظهر في غير المدخول بها حتّى لو كانت مطلقة يجب نصف المسمّى، ولو لم تكن مطلقة يجب جميع المسمّى ويظهر أيضاً في حقّ أنّه لا يطلق امرأته فليس بشيء، أي: لا يقع شيء؛ لأنّ معنى قوله مع مولى أي بعد موتي.
ألا ترى أنّه لو قال: أنت طالق مع دخولك الدّار، فإنّ الدّخول يصير شرطًا، ولا يطلق إلا بعد الدّخول، فكذلك ههنا، ولو وقع الطلاق بهذا اللفظ إنما يقع بعد موته أو بعد موتها، ولا نكاح بينهما بعد موت أحدهما، ولأن للمقارنة وحال موت أحدهما حال ارتفاع النكاح، والطّلاق لا يقع إلا في حال استقرار النكاح، فإذا كان الإيقاع يقترن بالموت، كان الوقوع بعده
(4)
؛ لأن الوقوع حكم الإيقاع والحكم يعقب السّبب، ولا يقترن به، - كذا ذكره شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله في «الجامع الصّغير»
(5)
- وَأَمَّا مِلْكُهُ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ؛ لأنّ إثبات الملك على الحرة ثابت على خلاف القياس، ولما طرأ عليه ملك اليمين وهو الحلّ القوي ينتفي للحل الضعيف.
(1)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 303)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 396).
(2)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 194)، المجموع شرح المهذب (17/ 140) الشرح الكبير على متن المقنع (8/ 281).
(3)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 295).
(4)
يُنْظَر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 396)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 209).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 117)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 396)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 209).
فإن قيل: هذا مسلم فيما إذا ملك الزّوج جميع منكوحته لملك اليمين.
وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ شِقْصًا
(1)
منها فلا يثبت الحلّ بملك الشّقص، فينبغي أن لا ينتفي الحلّ الثّابت بينهما نكاحاً؛ لأنّه لا يطرأ عليه لأجل قوي ولا ضعيف
(2)
.
قلنا: ملك اليمين دليل الحلّ، فقام دليل الحلّ مقام الحل تيسيراً، فعلى هذا ينبغي أن يبطل نكاح المكاتب - أيضاً - إذا اشترى منكوحته؛ لورود دليل الحل القوي على الضّعيف ومع ذلك لا يبطل، - ذكر في «المبسوط» -؛ لأنّ الثّابت له في كسبه حقّ الملك وحقّ الملك لا يمنع بقاء النكاح، ولأن ملك اليمين لا يثبت المكاتب، إنّما يثبت له ملك التصرف؛ لأنّ قيام الرق تمنعه عن ذلك، فالمكاتب عبد ما بقي عليه درهم، فلم يبطل نكاحه لذلك
(3)
، لَا عِدَّةَ هُنَاكَ أي: في حق مولاها الذي كان زوجها؛ أي: لا يظهر أثر عدتها في حقّه بدليل حلّ وطئها.
وأمّا العدّة فواجبة في نفسها حتّى أنّه لو أعتقها ليس لها أن يتزوّج تأخر قبل انقضاء عدّتها كذا ذكره الإمام المحبوبي رحمه الله، وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ، أراد به الإعتاق واستعار الحكم عن علته.
ألا ترى إلى قوله: إياك ولا تستعمل ذلك، إلا فيما يتعدى من الفعل - كذا ذكره فخر الإسلام في «الجامع الصّغير»
(4)
-؛ لأنّ اللّفظ بينهما؛ أي: لفظ العتق يحتمل الإعتاق والعتق على طريق البدلية، فللإعتاق على طريق الاستعارة لما أن العتق لا يتصوّر بدون الإعتاق، فكأنه ذكر الحكم، وأراد علته وللعتق على طريق الحقيقة؛ لأنّه هو الملفوظ، فكان معنى الانتظام ههنا، احتمال التناول على طريق البدليّة، لما عرف أنّ اللّفظ الواحد لا ينتظم الحقيقة والمجاز معًا.
قوله رحمه الله: (وَالْمَذْكُورُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ)، أي: العتق معدوم على خطر الوجود أي متردّد الوجود، والحكم وهو الطّلاق تعلق بذلك المذكور - وهو العتق - فكان العتق شرطًا، ووقوع الطّلاق مشروطًا، فلما كان كذلك مكان وقوع الطّلاق بعد وقوع العتق، لما أنّ المشروط يتعقب الشّرط، فصار كأنّه قال: إن أعتقك مولاك فأنت طالق اثْنَتَيْنِ، وإنّما حمل مع ههنا للشّرط لما أنّه ليس بمحكم للقران، بل يجيء لمعنى التعدية والتعقيب، كما في قوله تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
…
يُسْرًا}
(5)
؛ أي: بعد العسر لأنّهما متضادان فلا يجتمعان
(6)
.
(1)
الشقص: القطعة من الارض، والطائفة من الشيء. انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1043).
(2)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 42).
(3)
المبسوط للسرخسي (6/ 56).
(4)
البناية شرح الهداية (5/ 337).
(5)
[الشرح: 6].
(6)
ينظر: التفسير الوسيط للواحدي (4/ 517).
وقال تعالى: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ}
(1)
؛ أي: بعده وهذا الحدّ الذي ذكره للشّرط موجود ههنا، وهو محكم [331/ ب] للشرط لا يحتمل غيره، فحمل المحتمل على المحكم، فلما كان هو بمعنى الشّرط للوجه الذي قلنا، والمشروط يجد بعد وجود الشّرط، وههنا الشّرط هو العتق والطّلاق هو المشروط؛ لأنّ وجود الطّلاق متعلّق بوجود العتق، كان طلاق الثنتين مصادفاً إياها وهي حرّة، فيملك الرجعة لذلك.
فإن قيل: يجب على هذا أن يصحّ قوله: أنت طالق مع نكاحك، بمعنى إن أنكحتك فأنت طالق، ولم يصحّ ذلك.
قلنا: العدول عن حقيقة معنى القران في مع فيما نحن بصدده باعتبار أنّه مالك لإنشاء الطّلاق تنجيزًا أو تعليقاً، وكان ذلك من ضرورة تصحيح كلام من هو مالك للتصرّف في ذلك مع تحمل تغيرات من تقديم الكلمات بعضها على بعض وتأخيرها، والعدول عن معنى القران الذي هو حقيقة لكلمة مع، فلم يلزم من العدول ههنا العدول هناك؛ لأنّه غير مالك لإنشاء الطّلاق تنجيزًا وتعليقاً إلا في صورة صريح الشّرط مع منافاة الدّليل، وهو قوله:(إن تزوجتك فأنت طالق)، فلمّا لم يلزم العدول عن معنى القران يقينًا على حقيقته، والطّلاق مع النكاح يتنافيان؛ إذ الطّلاق رفع القيد والنكاح إثباته، فيلغوا كلامه ضرورة: وقال محمّد رحمه الله: يملك الرجعة وكان كلتا المسألتين أعني قوله: أنت طالق مع عتق مولاك.
وفي قوله: ولو قال: إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين، وعلق المولى به العتاق - أيضاً - عنده سواء في أنّه يملك الزّوج الرجعة، فوجه ذلك هو أن الزّوج قرن إيقاع الطّلاق بإعتاق المولى معنى؛ أي: على وجه التّعليق لما أنّه علّق الطّلاق بالشّرط الذي علّق به المولى العتق، وهو مجيء الغد، والعتق يقارن الإعتاق؛ لأنّ الإعتاق علّة العتق، والعلة مع المطول يقترنان، كما في الاستطاعة مع الفعل عندنا - خلافاً للمعتزلة - فكان التّطليق مقارنًا للعتق ضرورة، لما أنّ المقارن لمقارن الشيء مقارن لنفس ذلك الشّيء، فإنّه لما قرن التطليق من الإعتاق، كان التطليق مقارنًا؛ لأنّ العتق يقارن الإعتاق، ثمّ العتق حكم الإعتاق، فتتعقب الإعتاق، على ما هو اختيار بعض المشايخ، والحال أن التطليق مقارن للعتق، فكان وقوع الطّلاق عقيب الإعتاق ضرورة، فصار كالمسألة الأولى معنى، ولا يتضح كلام محمّد رحمه الله ههنا إلا أن يوصف حكم العلّة بالتأخّر عن العلّة، كما هو قول بعض المشايخ كما وصفه شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في مسألة: أنت طالق مع موتي
(2)
، وقد ذكرناه عن قريب، ثم العتق ههنا حكم الإعتاق، فلما وصف العتق بالتأخّر عن الإعتاق والتّطليق مقترن بالعتق، فكان التّطليق بعد الإطلاق، فيصادفها الطّلاق وهي حرة فيملك الرجعة.
(1)
[النمل: 44].
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 111)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 209).
فإن قلت: ما وجه التّخلص عمن يعكس المسألة؟ فيقول: كما أنّ الزوج علق طلاق الثنتين بمجيء الغد، فكذلك المولى علق الإعتاق بمجيء الغد، فكما قرن التطليق بالإعتاق فكذلك قرن الإعتاق بالتّطليق، ولما قرن الطلاق الذي هو حكم التّطليق بالعتق، الذي هو حكم الإعتاق، كذلك قرن العتق بالطّلاق - أيضاً - فكان العتق واقعًا عليها بعد] ذكر
(1)
التطليق] كما ذكرت
(2)
أنت وقوع الطّلاق بعد الإعتاق، فكان طلاق الثنتين مصادفاً إياها وهي أمة فتحرم حرمة غليظة.
قلت: وجهه هو العمل بالاحتياط والعمل بالأصل؛ وذلك لأنّا لو قلنا: يتأخّر العتق عن التّطليق يلزمه الحرمة الغليظة، ولو قلنا يتأخّر الطّلاق عن الإعتاق على الوجه الذي قلنا من مقارنة التطليق للعتق لا يلزم ولم يكن لازمه، قيل: هذا فلا يثبت الشّك.
فإن قلت: يلزم من هذا إثبات أمر آخر بالشّك وهو ولاية الرجعة.
قلت: الرجعة عبارة عن استدامة النكاح، فكان له قبل هذا ولاية استدامة النكاح، فيبقى ما كان على ما كان، وهو العمل بموجب الشك، فإنّ الشّك إذا ثبت في موضع ولم يكن ترجيح أحد الجانبين على الآخر، فيعمل بما كان على ما كان، ولقول محمّد رحمه الله وجهان آخران صحيحان - ذكرهما في «الفوائد الظهيرية»
(3)
- أحدهما: أنّ قوله: أنت حرّة أو جزء من قوله: أنت طالق ثنتين، وهما أي: التّطليق والإعتاق بهذين اللّفظين يوجدان في زمان واحد فينعدم أوجزهما في الوجود، [332/ أ] وهو قوله: أنت حرة فصادفها التّطليقتان وهي حرّة، فيملك الرجعة عليها.
والثّاني: أنّ التطليق مع الإعتاق وإن تقارنا في الوجود، لكن يتأخر حكم التّطليق عن حكم الإعتاق في الوجود، لكون الطّلاق مختصاً ببطء الثبوت؛ لأنّ ثبوته مع المنافي، لأنّ الأصل في الطّلاق الحظر والعتاق مختصّ بسرعة الثبوت؛ لأنّ ثبوته على وفاق الدّليل، لأنّ الإعتاق مندوب إليه شرعًا، بل هو واجب في مواضع الكفّارات، فكان أسرع ثبوتًا فيلزمه تقدمه على الطّلاق، وحينئذٍ يصادفها الطّلاق وهي حرّة وهذا معنى مؤثر.
ألا ترى أنّ الملك في البيع الفاسد تأخر إلى زمان القبضبخلاف البيع الصّحيح؛ لأنّ ثبوت حكم البيع الصّحيح على وفاق الدّليل، وثبوت حكم البيع الفاسد على خلافه، وأمّا وجه قولهما فظاهر، وهو أنّ الطّلاق والعتاق تعلقا بشرط واحد، وهو مجيء الغد، فيقعان معًا فكما أنّ العتق صادفها وهي أمّه
(4)
، فكذلك الطّلاق صادفها وهي أمة، والأمة تحرم حرمة غليظة بتطليقتين
(5)
.
(1)
سقط من (ب).
(2)
زيادة في (ب).
(3)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 315).
(4)
يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 133).
(5)
يُنْظَر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 397)، والمحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 320).
وأمّا في الفصل الأوّل فإنّه علّق التّطليق بإعتاق المولى، فيقع الطّلاق بعد العتق؛ لأنّ وجود المشروط] بعد
(1)
وجود الشّرط، قوله-رحمه الله: فيقترنان، أي العتق مع الطّلاق والإعتاق مع التطليق، والله أعلم بالصّواب.
فصل في تشبيه الطّلاق ووصفه
ذكر فصل وصف الطّلاق بعد ذكر أصول الطّلاق وتنويعه، لما أنّ الوصف تابع، فيتبع موصوفه، ومن قال لامرأته: أنت طالق هكذا يشير بالإبهام والسّبابة، وقد طعن بعض النّاس في تسمية السّبابة، قالوا: هذا اسم جاهلي، وإنّما اسمها الشّرعي المسبحة
(2)
.
والجواب: أنّه كتب في بعض النسخ السباحة وهي من أسمائها.
وأما السّبابة فقد وردت في السنة في حديث عبدالله ابن عمر
(3)
رضي الله عنهما: "أنّ النبي عليه السلام أدخل السّبابتين في أذنيه في صفة الطهور"
(4)
، وروى أنّه عليه السلام "أمسك السّبابة والإبهام للأذنين"
(5)
، ولأنّ الأسماء التي هي أعلام لا يوجب تحقيق معانيها في المسميات بالإجماع - كذا في «الجامع الصّغير» لفخر الإسلام -، وقال عليه السلام:«الشهر هكذا» الحديث
(6)
.
(1)
زيادة في (ب).
(2)
السَّبّابة: الإصبَع الّتي تلِي الْإِبْهَام، وَهِي المُسَبِّحة عِنْد المُصَلِّين. انظر: تهذيب اللغة (12/ 220).
(3)
عبد اللَّه بن عمربن الخطاب القرشي، هاجر وهو ابن عشر سنين، وكان ابن عمر من أئمة الدين، روى عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاس، وجابر، والأغر المزني من الصحابة. وروى عَنْهُ من التابعين بنوه: سالم، وعبد اللَّه، مات سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين. يُنْظَر: الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 161)، وأسد الغابة ط العلمية (3/ 336).
(4)
أخرجه النسائي في سننه (أبواب الطهارة/ بَابُ مَا جَاءَ فِي مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ/ 439)، والدارقطني في السنن (كتاب الطهارة/ بَابُ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» / 371)، والبيهقي في السنن الكبرى (جُمَّاعُ أَبْوَابِ سُنَّةُ الْوُضُوءِ وَفَرْضِهِ/ باب غسل اليدين/ 253)، وَهَذَا إسْنَادٌه صَحِيحٌ. انظر: نصب الراية (1/ 23).
(5)
أخرجه النسائي في سننه (أبواب الطهارة/ بَابُ مَا جَاءَ فِي مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ/ 439)، والدارقطني في السنن (كتاب الطهارة/ بَابُ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» / 371)، والبيهقي في السنن الكبرى (جُمَّاعُ أَبْوَابِ سُنَّةُ الْوُضُوءِ وَفَرْضِهِ/ باب غسل اليدين/ 253)، وَهَذَا إسْنَادٌه صَحِيحٌ. انظر: نصب الراية (1/ 23)
(6)
أخرجه البخاري في صحيحة (كتاب الطلاق/ باب اللعان/ 5302)، ومسلم في صحيحه (كتاب الصيام/ بَابُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ/ 1080).
وروي عن النبي عليه السلام أنّه عدّ الشّهر وقال: «هكذا أو هكذا وهكذا» ، نشر الأصابع كلّها في كلّ مرة، ثم قال:«مرة الشّهر هكذا وهكذا وهكذا»
(1)
، وجنّس إبهامه في المرّة الثّالثة وكان مراده عليه السلام من ذلك بيان أنّ الشّهر قد يكون ثلاثين، وقد يكون تسعة وعشرين، والقول كما يكون باللّسان فكذلك الجوارح.
قال الشاعر:
فقالت بطرف العين خيفة أهلها
…
إشارة مذعور ولم تتكلم
(2)
واعلم بأنّه لا فرق بين الإشارة بالأصابع التي اعتاد النّاس الإشارة بها وبين الأصابع الأخر - كذا في «الفوائد الظهيرية»
(3)
-.
وقيل: إذا أشار بظهورها فبالمضمومة منها، يعني إذا جعل باطن الكف إليها، فأمّا إذا جعل ظهرالكف إليها وبطون الأصابع إلى نفسه لا يقع الا واحدة؛ لأنّ الظّاهر شاهد له، وأنّ العادة فيما بين النّاس الإشارة ببطون الأصابع إلى المخاطب لا إلى نفسه - كذا في «الجامع الصّغير» لقاضي خان
(4)
-.
وقيل: إن] كان
(5)
بطن كفه إلى السّماء فالعبرة للنشر، وإن كان إلى الأرض فالعبرة للضم، وقيل: إن كان نشراً عن ضم فالعبرة للنشر، وإن كان ضمًا عن نشر فالعبرة للضمّ -كذا ذكره الإمام التمرتاشي -، ولو لم يقل هكذا يقع واحدة يعني أشار بأصابعه، فقال: أنت طالق ولم يقل هكذا فهي واحدة؛ لأنّ الإشارة إنّما اعتبرت تفسيرًا إذا قربت بعدد مبهم،] ولم يوجد ههنا ذكر عدد مبهم
(6)
، فبقي قوله: أنت طالق وهو لا يحتمل العدد؛ لأنّه نعت فرد فلا يقع إلا واحدة - كذا ذكره فخر الإسلام في «المبسوط»
(7)
-.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الطلاق/ باب اللعان/ 5302)، ومسلم في صحيحه (كتاب الصيام/ بَابُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ/ 1080).
(2)
وهذا البيت منسوب لعمر بن أَبى ربيعَة المخزومى. انظر: الحماسة البصرية (2/ 141).
(3)
يُنْظَر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 397)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 309).
(4)
يُنْظَر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 397)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 309).
(5)
زيادة في (ب).
(6)
سقط من (ب).
(7)
يُنْظَر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 379)، والمحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 222).
وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ؛ أي وصف الطّلاق بالبينونة بقوله: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ والطّلاق يحتمل البينونةألا ترى أنّ البينونة قبل الدّخول يحصل به.
فإن قيل: لو كان قوله: أنت طالق محتملاً للبينونة، ينبغي أن تصحّ نية البينونة في قوله: أنت طالق؛ لأنّ النيّة إنّما تعمل فيما احتمله اللّفظ، ولم يصحّ بالإجماع
(1)
.
قلنا: النيّة تصح في الملفوظ لا في غير الملفوظ، والبينونة ما صارت ملفوظة، فلا تُعمل نيته كمن عليه السّهو إذا سلّم، يريد به قطع الصّلاة لا تُعمل نيته، بخلاف ما إذا قال:[232/ ب] أنت طالق نائن، فالبينونة ملفوظة وحجّتنا في هذا - أيضاً ما ذكره في «المبسوط» - وهو أنّ إيقاع صفة البينونة تصرف من الزّوج في ملكه، فيكون صحيحًا كإيقاع أصل الطّلاق، بيانه أنّ الطّلاق بالنكاح] للزوج وما صار
(2)
مملوكًا له، إلا للحاجة إلى النقص عن عهدة النكاح
(3)
.
وذلك بإزالة الملك] مملوكة بالرفع وبالدخول نافية يتأكد ملكة
(4)
و] كذلك قبل الدّخول إزالة الملك مملوكة للزّوج وبالدّخول يتأكّد ملكه
(5)
.
فلا يبطل ما كان نائباً له بالملك من ولاية الإزالة، وكذلك يملك الاعتياض عن إزالة الملك.
وإنّما يملك الاعتياض عمّا هو مملوك له، فثبت أنّ الإبانة مملوكة له، فكان وصفه الطّلاق الذي أوقع بالبينونة تصرّفًا منه في ملك نفسه، فيجب إعمال ما أمكن، وكان ينبغي على هذا الأصل أن يزول الملك بنفس الطّلاق، إلا أن حكم الرّجعة بعد صريح الطّلاق قد يثبت شرعًا، بخلاف القياس فلا يلحق به ما ليس في معناه؛ لأنّ قوله لها: أنت طالق يحتمل الطّلاق المبين وغير المبين، وكان قوله: نائباً؛ لتعيين أحد المحتملين كما يقول النّاس، يكون محتملاً للعموم والخصوص، وإذا قال النّاس كلهم، يزول به هذا الاحتمال، وكذلك إذا قال: بعت يحتمل البيع بخيار والبيع البات، وإذا قال: بيعًا باتًا فلا يزول به هذا الاحتمال.
قوله رحمه الله: فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ- إلى قوله -: لما مرّ من قبل، وهو قوله: نقول: نية الثلاث إنما صحت لكونها جنسًا، إلى آخره - في أوائل باب إيقاع الطّلاق - في مقابلة قول زفر: يقع تطليقات بأعيان؛ لأنّ قولهنائن خبر للمبتدأ بعد خبر فكان المبتدأ مقدّراً له، فصار كأنّه قال: أنت طالق أنت نائن
(6)
.
(1)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 83).
(2)
سقط من (أ).
(3)
المبسوط للسرخسي (6/ 74).
(4)
سقط من (أ).
(5)
سقط من (ب).
(6)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 211).
فهذا معنى قوله؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ، وذكر الإمام التمرتاشي
رحمه الله: وإن نوى بالنية أخرى قياسان، وكذا كلّ كتابه، وكذا (إذا قال: أنت طالق أفحش الطّلاق)، وهذا معطوف على قوله أنت طالق بائن في الأحكام الأربعة وهو قوله فتقع واحدة بائنة إذا لم تكن له نية أو نوى الثنتين، ولو نوى الثلاث فثلاث، ولو عنى بقوله: أنت طالق واحدة، وبقوله: أفحش الطّلاق وأخرى، تقع تطليقتان.
فإن قيل: أنّ قوله (أفحش) أفعل التّفصيل، فيقتضي أن يكون هناك فاحشان أحدهما أفحش من الآخر، والأفحش هو الذي لا يكون فوقه أفحش، فيتعيّن الثلاث؛ لأنّه ليس فوقها طلاق.
فحينئذ لا يشترط نيّة الثلاث، بل يقع الثلاث في قوله: أفحش الطّلاق، نوى أو لم ينو.
قلنا: هذا الوزن مشترك بين التّفصيل وبين مجرّد الإثبات قال الله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
(1)
.
وقال الشاعر:
أن الذّي سمك السماء بنا لنا
…
بيتا دعايمه أعز وأطول
(2)
أي: عزيزة وطويلة، وإذا كان كذلك لم يجب حمل مطلق اللفظ على الثلاث، فكذا هذا الجواب في الأخبث والأسوأ الأشد، إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية»
(3)
، فكان تشبيهًا في توحيده أي: في تقريره عن الوصف وعن العدد فيكون رجعيًّا.
وأمّا الثّاني: وهو قوله: (أَوْ كَأَلْفٍ) فيراد به التشبه في القوة، يقال: ربّ واحد يعدل ألفاً زايدًا، والواحد القوي في الطّلاق هو الطّلاق البائن، فيصحّ نيته لذلك، وقد يراد به الكثرة فيصحّ نية الثلاث لذلك، فيصحّ نيّة الأمرين وهما القوة والكثرة في العدد وعند عدم نيتهما يثبت أقلّهما، وهو الواحد البائن، ثم في قول يقع ثانياً أي: شيء كان المشبه به احتراز عن قول زفر فإنه لو وقع البينونة عنده بشرط أن يكون المشبه به عظيمًا في نفسه وإلا فهو رجعيّ، وفي قوله أَمَّا ذِكْرُ الْعِظَمِ فَلِلزِّيَادَةِ لَا مَحَالَةَ، وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ مِمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ لا غير رواية هذا الكتاب وعامة شروح «الجامع الصّغير»
(4)
.
(1)
[البقرة: 228].
(2)
وهذا البيت منسوب للفرزدق. ينظر: الكامل في اللغة والأدب (2/ 227).
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 212).
(4)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 351)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 312).
ولكن زاد في «الذّخيرة» و «الجامع الصّغير» البرهاني
(1)
في قول أبي يوسف،
(2)
وقال: إن لم يذكر لفظ العظم لكن شبهه بشيء عظيم أو صغير حقير إن كان له حدة يكون بائنًا، وإن لم يكن له حدة يكون رجعياً، فعلى هذا إن شبه برأس الإبرة تقع واحدةبائنة، عند أبي يوسف-رحمه الله، وَبَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ مِثْلُ رَأْسِ الْإِبْرَةِ مِثْلُ عِظَمِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ وَمِثْلُ الْجَبَلِ مِثْلُ عِظَمِ الْجَبَلِ، عند أبي حنيفة-رحمه الله خاصّة على تقدير أن يكون محمد مع أبي يوسف-رحمه الله مثل عظم رأس الإبرة يكون نائنا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمه الله
(3)
مثل الحبل يكون نائنا عند أبي حنيفة وزفر مثل عظم الحبل يكون نائنا بالإجماع
(4)
[333/ أ] المركب: فعند أبي حنيفة لوجود التّشبيه، وعند أبي يوسف لوجود ذكر العظم وعند زفر لكون الحبل عظيمًا عند النّاس
(5)
والله أعلم بالصّواب.
فصل في الطّلاق قبل الدّخول
لما كان وضع النكاح للدّخول كان الطّلاق بعد الدّخول جرياً على الأصل، والطّلاق قبل الدّخول بمنزلة العارض فقدم الأصل على العارض، ثمّ شرع في بيان العوارض، فإنّ له أحكاماً تخصه فلذلك فصل بفصل على حدة.
قوله رحمه الله: لِأَنَّ الْوَاقِعَ مَصْدَرٌ مَحْذُوفٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا، إنّما ذكر هذا ردّ لقول من يقول أن قوله: أنت طالق عامل بنفسه فيقع، والمرأة غير مدخولة، فيلغوا ذكر الثّلاث؛ لأنّها بانت لا إلى عدة، فقال: لا بل الواقع ذكر العدد إذا كان العدد مقرونًا بقوله: أنت طالق، لما أنّ قوله: ثلاثاً، عدد والمرأة ليست بمتعدّدة.
وإنّما المتعدّد ما يدل عليه قوله: أنت طالق، وهو الطّلاق فصار كأنّه قال: أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًاثلاثاً، وكان الواقع في الحقيقة هو المصدر الموصوف بالثّلاث، وقال في «المبسوط»
(6)
: وهذا عندنا، وهو قول عمر وعلي وابن عبّاس وأبي هريرة رضي الله عنهم، وقال الحسن البصري رحمه الله: يقع واحدة بقوله، طالق، فيبين لا إلى عدة، وقال: ثلاثاً، يصادفها وهي أجنبيّة فلا يقع به شيء، كما لو قال لها: أنت طالق وطالق وطالق، ولكنّا نقول: الطَّلَاقُ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ فَالْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ، لأنّ الموضع هو العدد وإذا صرّح بذكر العدد كان هو العامل دون ذكر الوصف، ولهذا لو ماتت المرأة بعد قوله طالق، قبل قوله ثلاثاً لا يقع شيء، وهذا لأنّ الكلّ كلمة واحدة في الحكم، فإن إيقاع الثلاث لا يتأتى بعبارة أوجز من هذا، والكلمة الواحدة لا يفصل بعضها عن بعض بخلاف قوله: طالق وطالق وطالق؛ لأنّها كلمات متفرّقة فإن فرق الطّلاق بانت بالأولى، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ، وكذا لو قال: أنت طالق وطالق وطالق، وإنّما يفترق الحكم بين ذكر الواو وعدمه إذا كان في آخره شرط أو استثناء
(7)
.
(1)
شرح الجامع الصغير للشيباني، المؤلف الامام برهان الدين مازه، والكتاب في الفقه الحنفي وهو غير مطبوع.
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 351).
(3)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 36)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 130).
(4)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 36)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 130).
(5)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 36)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 130).
(6)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 88، 89).
(7)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 88، 89).
وقال في «الإيضاح»
(1)
: إذا قال أنت طالق طالق إن دخلت الدّار، وهي غير مدخول بها، بانت بالأولى ولم يتعلّق الثّانية، وإن كان معطوفاً؛ نحو: إن قال: وطالق إن دخلت الدّار، وفطالق إن دخلت، تعلقاً جميعًا بالدخول؛ لأنّ قوله: أنت طالق، من حيث أنّه جزاء الكلام قاصر يحتاج إلى ذكر الشّرط ليتمّ الكلام يمينًا.
فيتوقّف الأول والثّاني على ذكر الشّرط، فتعلّقا به دفعة واحدة فإذا لم يوجد حرف العطف.
والثّاني: صار فاصلاً بين الأوّل وبين ما ذكر من الشّرط بعده فكان تنجيزًا، وكذا إذا قال: أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة، وقعت واحدة؛ لأنّها بانت بالأولى، وعند مالك
رحمه الله
(2)
تطلق ثلاثاً؛ لأنّ الواو للجمع وجمعه بين التّطليقات بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع، بأن يقول لها: أنت طالق ثلاثاً.
ولكنّا نقول الواو للعطف، فلا يقتضي جمعًا وليس في آخر كلامه ما يغير موجب أوله؛ لأنّ موجب أوّل الكلام وقوع الطّلاق وهو واقع سواء أوقع الثّانية والثالثة أو لم يوقع، فتَبِيْن بالأولى، كما تكلّم بها ثمّ تكلّم بالثّانية وهي ليست في عدّته، وهذا بخلاف ما لو ذكر شرطًا أو استثناء في آخر الكلام؛ لأنّ في آخره ما يغير موجب أوّله فيوقف أوّله على آخره كذا في «المبسوط»
(3)
.
فإن قلت: هذا الذي ذكرته هو أنّ الواو للعطف، فلا يقتضي توقف أوّل الكلام على آخره إذا لم يكن في آخره ما يغيّره من الشّرط والاستثناء، فيقع الأولى دون الثّانية منقوض بما إذا قال لها - وهي غير مدخولة -: أنت طالق واحدة ونصفاً، وبقوله: أنت طالق أحدًا وعشرين فإنّ في الأولى تقع الثنتان وفي الثّانية تقع الثّلاث، وفي هاتين الصّورتين ذكر الكلام بالواو العاطفة وليس في آخره ما يغيره، ومع ذلك يوقف أوّل الكلام على آخره حتّى وقع الثنتان أو الثلاث في حق غير المدخول بها.
قلت: القياس ما ذكرت أولاً، وهو أن لا يتوقّف أوّل الكلام على آخره إذا لم يكن في آخره ما يغيره، فيقع الواحدة في هاتين الصورتين - أيضاً - وهو قول زفر.
لأنّ المراد من نصف التّطليقة كمالها، فكأنّه قال: أنت طالق واحدة [333/ ب] وواحدة ولكنّا نقول هذا كلّه ككلام واحد معنى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ وَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ بِعِبَارَةٍ أَوْجَزَ مِنْ هَذِهِ فَإِنَّ لِوَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ عِبَارَتَيْنِ، إمَّا هَذِهِ، وَإِمَّا اثْنَتَانِ إلَّا نِصْفٌ، وَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالِاسْتِثْنَاءِ،، وهذا معلوم في نفسه فهو أولى العبارتين، بخلاف قوله واحدة وواحدة فإنّهما عبارتان؛ لأن الاثنتين عبارة أوجز من هذا، وهي أن يقول: ثنتين، وكذلك لو قال: أنت طالق أحدًا وعشرين، عندنا تطلق ثلاثاً، لأنّه ليس لهذا العدد عبارة أوجز من هذا، فكان الكلام واحدًا معنى وعند زفر يطلق واحدة؛ لأنّهما كلامان أحدهما معطوف على الآخر، فتبين بالأولى، وإن قال أحد عشر يطلق ثلاثاً بالاتفاق؛ لأنّه ليس بينهما حرف العطف فكان الكلّ واحداً - كذا في «المبسوط»
(4)
-.
(1)
ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 44).
(2)
ينظر: شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 49).
(3)
المبسوط للسرخسي (6/ 133).
(4)
المبسوط للسرخسي (6/ 134).
فإن قيل: الواو العاطفة لمطلق الجمع عندنا، فحينئذ يجب أن يتوقّف أوّل الكلام على آخره في قوله: أنت طالق واحدة وواحدة، ليتحقّق الجمع.
قلنا: لو توقف لصار للقِرَان ولم يوضع لِلقِرَان.
فإن قيل: لو لم يتوقف يصير للتّرتيب، وهو أيضاً ليس من مذهبنا.
قلنا: الواو لم يوضع للقران والتّرتيب، ولكن لمطلق الجمع، إلا أنّه وقع الطّلاق بالأول لوجود الإيقاع وعدم المانع، فلم يبق محلاً للثّانية، بخلاف ما إذا قال: مع واحدة؛ لأنّها للقران فتوقف الأولى على الثّانية فوقعتا معًا.
فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا قال لامرأته التي لم يدخل بها: أنت طالق ثلاثاً إن شئت، فقالت: قد شئت واحدة وواحدة واحدة، وقع عليها ثلاث تطليقات، مع أنّها ما آتت به بعد ذكر جزاء الشّرط بحرف الواو.
قلت: إنّما طلقت هناك ثلاثاً؛ لأن تمام الشّرط بآخر كلامها فما لم يتم الشّرط لا ينزل الجزاء، فكذلك وقع الثّلاث عند تمام الشرط جملة، سواء دخل بها أو لم يدخل بها - كذا في «المبسوط»
(1)
-، (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً كَانَ بَاطِلًا) أي: لا يقع شيء، بخلاف ما إذا مات الرجل بعد قوله: أنت طالق قبل قوله ثلاثاً، فهي طالق واحدة؛ لأنّ الزّوج وصل لفظ الطّلاق بذكر العدد، فما إذا ماتت المرأة فكان العامل هو العدد وذكر العدد حصل بعد موتها، فأمّا إذا مات الرجل فلفظ الطّلاق ههنا لم يتّصل بذكر العدد، فيبقى قوله: أنت طالق، وهو عامل بنفسه فيقع.
ألا ترى أن من قال لامرأته: أنت طالق وهو يريد أن يقول ثلاثاً فأمسك رجل فاه، فلم يقل شيئاً بعد ذكر الطّلاق فهي طالق واحدة؛ لأنّ الوقوع بلفظه لا يقصده، وهو ما يلفظ إلا بقوله: أنت طالق، - كذا في «المبسوط»
(2)
-.
فإن قيل: لماذا وضعت المسألة من غير المدخول بها؟ أعني قوله: (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً كَانَ بَاطِلًا)، والحكم في المدخول بها أيضاً، كذلك قلنا النكاح قبل الدّخول واه؛ لأن الملك في المهر لا يتأكّد قبل الدّخول فلمّا كان واهياً، وهذا الإيجاب إذا لم يكن له تأثير في إبطال ملك واه فلأن لا يكون له تأثير في إبطال ملك مؤكّد أولى، فكان الوضع في غير المدخول بها وضعًا في المدخول بها بالطّريق الأولى - كذا في «الفوائد الظهيرية»
(3)
-، وهذه تجانس ما قبلها من حيث المعنى؛ أي: هذه المسائل الثلاث، وهي قوله:(أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً)، وكذا لو ماتت قبل قوله: ثنتين، أو ماتت قبل قوله: ثلاثاً، يوافق ما قبلها وهو قوله:(وَإِذَا طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَعْنَ عَلَيْهَا)، من حيث الدّليل، وهو أنّ الواقع فيها جميعًا ذكر العدد لا ذكر الوصف وحده، إلا أنّ الحكم اختلف بينهما لما أنّ ذكر العدد الذي هو الواقع في هذه المسائل الثّلاث صادف المرأة وهي ميتة فلم يقع الطّلاق أصلاً.
(1)
المبسوط للسرخسي (6/ 199).
(2)
المبسوط للسرخسي (6/ 122).
(3)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 56)، البناية شرح الهداية (5/ 356)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 241).
وهناك لما لم يقع الطّلاق بذكر الوصف نفسه بل بالعدد وصادفها العدد، وهي] منكوحة حية
(1)
وقع الثلاث، لكون الواقع هو العدد فكان الاعتبار في الصّورتين للعدد لا للوصف، ولو قال: أنت طالق واحدة قبل واحدة أو بعدها واحدة، وقعت واحدة وجنس هذه المسائل ينبني على أصله - كذا في «المبسوط»
(2)
-، والأصلان مذكوران في الكتاب.
أحدهما: قوله: وَالْأَصْلُ؛ لأنّه متى ذكر شيئين، والآخر قوله: وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ، ثم لما ثبت [334/ أ] أنّه متى أدخل الطرف بين شيئين ولم يقربها بها الكتابة كان صفة للمذكور أولاً، فكانت صفة القبلية في قوله:(أنت طالق واحدة قبل واحدة) صفة للواحدة الأولى، فسبقت الواحدة الأولى بالوقوع قبل الثّانية فبانت لا إلى عدّة؛ لأنّها غير مدخولة فلم تقع الثّانية، فكان معنى قوله:(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ)، أي: قبل واحدة يقع عليك فتبين بالأولى.
وكذلك قوله: (أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ)، أي: بعدها واحدة أخرى يقع عليك فبانت بالأولى قبل أن يقع الأخرى، (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ ثِنْتَانِ)؛ لأنّ القبلية صفة الثّانية لاتصالها بحرف الكناية، فصار كأنّه قال قبلها أخرى وقعت عليك، وهذا منه إسناد للثانية إلى وقت ماضٍ، فيكون موقعًا لها في الجامع الأولى فكان وقوع الواحدة بالإنشاء بالإقرار فيقع ثنتان، وإذا قال: أنت طالق واحدة بعد واحدة يقع ثنتان؛ لأن التعدية صفة للأولى فيكون معناه أنت طالق واحدة بعد واحدة أخرى قد وقعت عليك، فاقتضى إيقاع الواحد في الحال وإيقاع الأخرى قبل هذه فكان وقوع الواحدة بالإنشاء، والأخرى بالإقرار فيكون ثنتين.
وفي المدخول بها تقع ثنتان في الوجوه كلها، وهذا الجواب مشكل في قوله:(أنت طالق واحدة قبل واحدة)؛ لأنّ كون الشيء قبل غيره لا يقتضي وجود ذلك الغير - على ما ذكره محمّد رحمه الله في الزيادات
(3)
(4)
- ألا ترى قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}
(5)
إلى قوله: {لَنَفِدَ الْبَحْرُ
…
قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ
…
رَبِّي}
(6)
.
(1)
زيادة في (ب).
(2)
المبسوط للسرخسي (6/ 133).
(3)
الزياداتفي فروع الحنفية. للإمام: محمد بن الحسن الشيباني. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 962).
(4)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 317).
(5)
[المجادلة: 3].
(6)
[الكهف: 109].
وقال النبي عليه السلام: «خلّلوا أصابعكم قبل أن تتخللها نار جهنم»
(1)
، وجوابه مذكور في أصول الجامع - كذا في «الفوائد الظهيرية»
(2)
-.
لهما أن حرف الواو للجمع المطلق دون الترتيب، بدليل تعلّق الكلّ بالشّرط من غير وقوع في الحال، فلو كان للترتيب في مثل هذه لما تعلّق الكلّ كما في كلمة (ثم) عند أبي حنيفة رحمه الله
(3)
، ولِما عرف من أصلنا في آية الوضوء، ولأنّ قوله: واحدة جملة ناقصة معطوفة على الجملة التّامة، والمذكور في الجملة التّامة يصير معاداً في الجملة النّاقصة، كما في قوله تعالى:{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}
(4)
معناه فعدّتهن ثلاثة أشهر
(5)
فههنا يصير كأنّه قال ثانياً وأنت طالق واحدة إن دخلت الدّار ولو صرّح بهذا ثم دخلت الدّار طلقت ثنتين فكذا هنا كذا في «المبسوط» .
(6)
قوله رحمه الله: كما إذا نجز بهذه اللفظة، بأن قال لها:(أنت طالق واحدة وواحدة)، فإنّه يقع واحدة بالاتفاق
(7)
- على ما مرّ - والمعلّق بالشّرط كالملفوظ به عند وجود الشّرط، فلذلك اعتبر بالمنجز.
فإن قلت: لا نسلّم صحّة اعتبار المعلّق بالمنجز مطلقاً في حقّ تفريق الطّلقات، فإن تفريق الوقوع في التنجيز لا يدلّ على تفريق الوقوع في التّعليق.
ألا ترى أن من قال لامرأته التي لم يدخل بها: إن دخلت الدّار فأنت طالق واحدة لا بل ثنتين، فدخلت الدّار يطلق ثلاثاً، ولو نجز بهذا اللفظ قبل الدّخول بها لم تقع إلا واحدة لما أنّ المنجز طلاق فتبين بالأولى، والمعلّق بالشرط ليس بطلاق، بل يجتمع جملة ثم عند الوقوع يقعن جملة، فعلم بهذا أنّ اعتبار المعلّق المنجز غير صحيح.
قلت: بل يصحّ اعتباره بالمنجز؛ لأنّ الواو في اللغة لعطف مطلقاً، من غير أن يقتضي جمعًا ولا ترتيباً، كما في قوله: جاء زيد وعمرو، لا يقتضي جمعًا ولا ترتيباً، وهذا الأصل لا يختلف بين التّنجيز والتّعليق.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (كتاب الطهارات/ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ/ 95)، وأخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (كتاب الطهارة/ بَابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ/ 67)، وَإِسْنَاده واه جداً. انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/ 24).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (1/ 23).
(3)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 129).
(4)
[الطلاق: 4].
(5)
أي: هن بمنزلة الكبيرة التي قد يئست عدتها ثلاثة أشهر. ينظر: التفسير البسيط (21/ 510).
(6)
المبسوط للسرخسي (6/ 127).
(7)
يُنْظَر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 401)، العناية شرح الهداية (4/ 58).
وأمّا قوله: إن دخلت الدّار فأنت طالق واحدة لا بل ثنتين
(1)
، فإنما كان كذلك؛ لأن (لَا بَلْ) لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مُقَامَ الْأَوَّلِ، فَصَحَّ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيقِ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ، فَتَتَعَلَّقُ الثَّانِيَةُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ كالأولى، فصار كأنّه أعاد الشّرط في حق الثنتين، عملاً بموجب (لا بل)، بخلاف ما إذا نجز بقوله: لا بل؛ لأنّها بانت بالأولى فلم يصحّ منه التكلّم بالثنتين لعدم المحلّ، فأمّا إذا قال: الثّانية والثّالثة بدون حرف العطف بأن قال: إن دخلت الدّار فأنت طالق واحدة واحدةواحدة، ثم دخلت طلقت واحدة بالاتفاق
(2)
؛ لأنّه ما عطف الثّانية والثّالثة على الأولى فيتعلّق الأولى ويلغوا الثّانية والثّالثة، وأمّا إذا ذكر الثّانية بالفاء فقد ذكر حكمه في الكتاب هذا إذا كان تعليق الثّانية والثّالثة في الطّلاق، وأمّا إذا كان في الظّهار والإيلاء [334/ ب] بأن قال: إن دخلت الدّار وإن تزوّجتك فأنت طالق وأنت عليّ كظهر أمي والله لا أقربك
(3)
، ثمّ دخلت الدّار وتزوّجها طلقت وسقط عنه الإيلاء والظّهار عند أبي حنيفة
(4)
رحمه الله؛ لأنّ تعليقها بالشّرط بواسطة الطّلاق فيشتق وقوع الطّلاق وتبين إلى عدة، فلا يكون مظاهراً ولا مولياً منها بعدما خرجت من ملكه، وعند أبي يوسف ومحمّد
(5)
رحمه الله مطلق مظاهر مولى؛ لأنّ الكلّ تعلّق بالتزوّج عندهما جملة، ولو قال: إذا تزوّجتك فوالله لا أقربك، وأنت عليّ ظهر أمي وأنت طالق، ثم تزوّجها، وقع هذا كلّه عليهاأمّا عندهما فلا إشكالوعند أبي حنيفة
(6)
رحمه الله فلأنه يشتق الإيلاء ويكون بعده محلاً للظّهار، فيصير مظاهراً، ثم يكون بعدهما محلاً للطّلاق فيقع الطّلاق - أيضاً -، وعلى هذا حكم التّعليق بدخول الدّار - كذا في «المبسوط»
(7)
-.
(1)
يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 139)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 214).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 320).
(3)
تطلق ولا يلزم الظهار؛ لأنها بانت قبل الظهار. يُنْظَر: الشرح الكبير (2/ 446)، والمبسووط (6/ 82)، والمدونة (2/ 314).
(4)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 128)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 320).
(5)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 128)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 320).
(6)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 128)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 320).
(7)
المبسوط للسرخسي (6/ 128).
وأمّا الضّرب الثّاني والكنايات ذكر في أوّل باب إيقاع الطّلاق، أنّ الطّلاق على ضربين صريح وكناية.
وفرع من بيان أنواع الصّريح ثم شرع ههنا في بيان أنواع الكناية، وإنّما قدم ذكر الصّريح لما أنّ الأصل في الكلام هو الصّريح؛ [إذ الكلام وضع للأفهام والأفهام الكامل في الصّريح وأمّا الكناية ففيها ضرب قصور]
(1)
حتّى ظهر أثره فيما يدرأ بالشبهات من الحدود.
قوله رحمه الله: أو بدلالة الحال، لما أنّ دلالة الحال تصلح دليلاً على المراد كما في البيع بالدراهم
(2)
المطلقة يصرف إلى غالب نقد البلد، وكذا لو أطلق النية في الحجيصرف إلى الفرض بدلالة الحال؛ لأن يحمل المشاق فدل ظاهراً على أن غرضه الأهم هو الفرض، فكذلك ههنا. قوله رحمه الله أَمَّا الْأُولَى؛ أي: قوله: اعتدى، أنه على تأويل الكلمة، قوله: فإن نوى الأولى تعين بنيته فيقتضي طلاقًا سابقًا، والطلاق يعقب الرجعة، وذكر في النّوادر
(3)
هذا استحسان والقياس أن يكون بايباً اعتباراً بسائر الكنايات وإنّما استحسنا بحديث سودة رضي الله عنها
(4)
وهو معروف - كذا في «الجامع الصّغير» لقاضي خان رحمه الله، وهذا أي: القول بالاقتضاء والرّجعة إذا كان قاله بعد الدّخول.
وأمّا إذا كان قاله قبل الدّخول جعل قوله: اعتدى، قائمًا مقام قوله: كوني طالقاً، بطريق الاستعارة وكان الحكم وهو الاعتداد إذاً مستعارًا لسببه وهو الطّلاق، واستعارة الحكم للسّبب جائزة إذا كان مخصوصاً به، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}
(5)
؛ أي إذا أردتم القيام إليها، والأفعال الاختيارية مخصوصة بالإرادة السابقة عليها، وقال الله تعالى:{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}
(6)
؛ أي: عنبًا والخمر مخصوصة بالعنب
(7)
، والاعتداد شرعًا بطريق الأصالة إنّما هو في الطّلاق، وأمّا في غير الطّلاق فبالعارض كالموت وحدوث حرمة المصاهرة وارتداد الزّوج وغيرها.
(1)
سقط من (ب).
(2)
(الدِّرْهَم) جُزْء من اثْنَي عشر جُزْءًا من الْأُوقِيَّة، وَقطعَة من فضَّة مَضْرُوبَة للمعاملة. ينظر: المعجم الوسيط (1/ 282).
(3)
مسائل النوادر. وهي: مسائل مروية عن أصحاب المذهب، لكن لا في كتب ظاهر الرواية بل في كتب غيرها،، تنسب إلى محمد كالكيسانيات، والهارونيات، والجرجانيات، والرقيات، وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية: لأنها لم ترو عن محمد بروايات ظاهرة صحيحة ثابتة. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1282).
(4)
سَوْدَةُ بِنْت زَمْعَةَ بْن قَيْس، أم المؤمنين، القرشية العامرية، تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَوْدَةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُّوَةِ بَعْدَ وَفَاةِ خَدِيجَةَ، وَهَاجَرَ بِهَا. وَتُوُفِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وقيل: في زمن عمر. يُنْظَر: تاريخ الإسلام (2/ 161)، أسد الغابة (7/ 157)، الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 196).
(5)
[المائدة: 6].
(6)
[يوسف: 36].
(7)
يَعْنِي: عِنَبًا. قَالَ: وَأَهْلُ عَمَّانَ يسمُّون الْعِنَبَ خَمْرًا. ينظر: تفسير ابن كثير (4/ 388).
وأمّا الثّانية: وهي قوله: اسْتَبْرِي واستبراء الجارية طلب براء رحمها من الحمل كذا في «المغرب»
(1)
، فلأنّها تستعمل بمعنى الاعتداد، فحينئذ كان قوله: اعتدي، وقوله: استبرئ سواء، ثمّ قوله: اعتدي تعقب الرّجعة.
فكذا استبرئ وكان إلحاق قوله: استبرئ لقوله: اعتدي في حق إثبات الرّجعة صحيحًا، وأمّا في حق احتمال الاعتداد لنعم الله فلا يصحّ إلحاق الاستبراء، فلابدّ من إثبات معنى آخر للاستبراء حتّى يكون هو من ألفاظ الكناية به، فيحتاج إلى النيّة؛ لأنّه لو لم يثبت له معنى آخر سوى ما ألحق به من معنى الاعتداد عن النكاح كان هو متعينًا في الطّلاق، فيقع به الطّلاق حينئذٍ بدون النيّة، كما في قوله: اعتدى، إذا نوى به الاعتداد عن النكاح يقع الطّلاق بلا توقف، فكذا في استبرئ، وليس كذلك، بل هو من ألفاظ الكناية، وكان قوله: ويحتمل الاستبراء ليطلقها لإثبات ذلك المعنى؛ يعني: قوله استبرئ رحمك، يحتمل أن يكون معناه اطلبي براءة رحمك حتى تعلمي أنها فارغة عن الولد أم لا، فلو كانت فارغة أطلقك، وإلا فلا، فلو كانت نيته هكذا لا يقع الطلاق ولو كانت بينة الاعتداد عن النكاح يقع، كما في اعتدي، فلذلك احتاج إلى النيّة؛ لأنّ قوله: أنت طالق منها مقتضى، أي: في قوله اعتدي واستبرئ- على ما ذكر أو مضمر - أي: قوله أنت طالق منها مقتضى أو مضمر. ولو كان مظهراً لا تقع بها إلا واحدة لا يعتبر بإعراب الواحدة عند عامة المشايخ
(2)
، وهو الصحيح
(3)
؛ هذا [335/ أ] احتراز عن قول بعضهم، فإنّهم قالوا: إنّما يقع الطّلاق بقوله أنت واحدة، إذا نصبها ليكون صفة للمطلقة، أمّا إذا رفعها فلا يقع؛ لأنّها حينئذٍ تكون صفة شخصها، وقيل: هو قول محمّد رحمه الله
(4)
، وعند أبي يوسف رحمه الله
(5)
يَقَعُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الطَّلَاقِ تُعْرِبُ عَنْ الْغَرَضِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْإِعْرَابِ، وَإِنْ أَسْكَنَ اختلف المشايخ فيه - كذا في «مبسوط فخر الإسلام»
(6)
رحمه الله، وقال بعضهم: إن أعرب الواحدة بالنّصب يقع من غير نيّة.
(1)
يُنْظَر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 424).
(2)
المراد أكثر علماء المذهب عند الحنفية. يُنْظَر: الفوائد البهية في تراجم الحنفية (ص 242).
(3)
يُنْظَر: اللباب في شرح الكتاب (3/ 42)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 403).
(4)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 63).
(5)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 63).
(6)
العناية شرح الهداية (4/ 63).
قلنا: هو لا يكاد يصح؛ لأنّ الواحدة وإن انتصب كما يصلح نعتًا للطلقة تصلح نعتًا للمرأة، ألا ترى أنه يستقيم أن يقال: أنت ضاربة ضربة واحدة، وإذا كان كذلك لا يقع بدون النيّة - كذا في «الفوائد الظهيرية»
(1)
- سوى بين هذه الألفاظ أي: القدوري
(2)
رحمه الله والكنايات ثلاثة أقسام ما يصلح جواباً وردًّا، وهو سبعة: اخرجياذهبي اغربي قومي تقنعي استبري تخمري
(3)
.
أمّا صلاحية هذه الألفاظ للردّ أن يرد الزّوج بقوله: اخرجي، أي: اتركي سؤال الطّلاق وكذلك: اذهبي اغربي قومي، وأمّا تقنعي فمن القناعة، وقيل: من القناع وهو الخمار، ومعنى الردّ فيه هو أن ينوي واقنعي بما رزقك الله مني منْ أَمْرِ الْمَعِيشَةِ وَاتْرُكِي سُؤَالَ الطَّلَاقِ وَاشْتَغِلِي بِالتَّقَنُّعِ الَّذِي هُوَ أَهَمُّ لَك مِنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ؛ إذ كشف الرأس يشينك والتقنع يزينك.
(1)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 36)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 326).
(2)
أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان، الإمام المشهور أبو الحسين بن أبي بكر، الفقيه، البغدادي، المعروف بالقدوري، انْتَهَت إِلَيْهِ بِالعِرَاقِ رِئاسَةُ الحَنَفِيَّة، وَعظُمَ وَارتفَعَ جَاهُهُ، وَكَانَ حَسَنَ العِبَارَةِ، جَرِيء اللِّسَان، مُديماً للتلَاوَة. صاحب "المختصر" تكرر ذكره في "الهداية" أخذ الفقه عن أبي بكر الرازي، وتفقه على القدوري أبو نصر، مات ببغداد في يوم الأحد منتصف رجب سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. يُنْظَر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 99)، سير أعلام النبلاء (13/ 224).
(3)
يُنْظَر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 36)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 326).
وكذا قوله: استبرئ وتخمري؛ لأنّهما من الستر والخمار، وما يصلح جواباً لا ردًا، ثمانية ألفاظ: خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ بَائِنٌ بَتَّةٌ حَرَامٌ اعْتَدِّي أمرك] بيدك
(1)
اختاري.
ولكن الخمسة الأوّل يصلح للجواب، ويصلح للسّبب، والثلاثة الأخر وهي: اعتدي اختاري أمرك بيدك، لا يصلح للسّبب، ولكن في عدم الصّلاحية للردّ يشترك الثمانية؛ لأنّ الظّاهر أن مراده الطلاق عند سؤالي الطّلاق، والقاضي مأمور بإيقاع الظّاهر؛ لأنّ كلامه جواب لسؤالها الطّلاق، وما تقدم من السّؤال يصير معادًا في الجواب.
ألا ترى أنّ الرجل إذا قال لغيره: لي عليك ألف درهم، فقال: نعم كان إقرار بالمال، وإذا قال: أعتقت عبدك، فقال: نعم، كان إقرار بالعتق، واللفظ واحد، فيصير كأنَّ الزّوج قيد كلامه بما سألت، وهو الطّلاق.
قوله رحمه الله: وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى، مثل اغربي واستتري، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الرَّدِّ وَالسَّبِّ، احتمال الردّ في السّبعة المذكورة، مثل: اخرجي اذهبي، واحتمال السب في الخمسة المذكورة، التي في أوائل الثّمانية، وهي: خلية بَرِيَّةٌ بَائِنٌ بَتَّةٌحرام، ثم وجه احتمال هذه الخمسة معنى السب، فإن قوله: أنت خلية نسبة إلى الشّر، أي: خلية من الخير، ومن جنس الخلق أو أفعال المسلمين بريه، أي: لا أصل لك باين من الخيرات، حرام الصحبة والعشرة لسوء خلقك، إلا فيما يصلح للطّلاق، ولا يصلح للردّ والشتم، وذلك ثلاثة ألفاظ: اعتدي اختاري أمرك بيدك، وهذا الاستثناء من قوله، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ يُصَدَّقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، إلا في هذه الثّلاثة، ثم الفرق في حقّ هذه الثّلاثة بين حالة الرضاء وبين حالة الغضب في حكم اللفظ ظاهراً، ألا ترى أن من يقول لغيره - في حالة الرضاء -: لست لأبيك لا يكون قاذفاً له، ولو قال في حالة الغضب، كان قاذفاً له ملتزمًا الحد، وعن أبي يوسف رحمه الله
(2)
قوله: أنّه يصدق في حالة الغصب، وألحق أبو يوسف الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلسَّبِّ، مِنْ حَيْثُ احْتِمَالُهَا السَّبَّ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّك أَقَلُّ مِنْ أَنْ تُنْسَبِي إلَى مِلْكِي أَوْ أُنْسَبَ إلَيْك بِالْمِلْكِ، وَلَا سَبِيلَ لِيعَلَيْك لِسُوءِ خُلُقِك، واجتماع أنواع الشر فيك، وخليت سبيلك، كراهية مني لصحبتك، ولا التفت إليك بعد هذا لسّوء خلقك فارقتك، أي: في المسكن لسوء خلقك، والحقي بأهلك، بمعنى فارقتك، ولمّا كان في هذه الألفاظ احتمال معنى السّب لسوء الخلق، وحالة الغضب يدل على ذلك، كان مديناً في القضاء إذا لم أرد الطّلاق - كذا في «الجامع الصّغير»
(3)
لشمس الأئمة السّرخسي رحمه الله والمحيط و «الفوائد»
(4)
(1)
زيادة في (ب).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 81)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 107)، والمحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 232).
(3)
يُنْظَر: المراجع السابقة.
(4)
انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 232).
فالحاصل أنّ ألفاظ الكناية عشرون في الكلّ، تصدق قبل ذكر الطّلاق وقبل الغضب، فأمّا بعد ذكر الطّلاق فينقسم إلى قسمين، في سبعة منها يصدق قضاء، كما يصدق في الكلّ، قبل ذكر الطّلاق وهي: اخرجي وأخواته، وفي غير السّبعة لا يصدق بعد ذكر الطّلاق، وهي ثلاثة عشر لفظًا: خلية برية منه بائن حرام اعتدي اختاري هذا لسّوء خلقك الرّواية الظّاهرة خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ فَارَقْتُكِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ لَا مِلْكَ] عليك
(1)
الحقي بأهلك فيما روي عن أبي يوسف
(2)
.
وأمّا بعد الغضب فهذه الثّلاثة عشر تنقسم إلى قسمين، لا يصدق في ثلاثة، وهي: اعتدي اختاري أمرك بيدك، ويصدق في العشرة، وهي الخمسة المذكورة في ظاهر الرّواية، والخمسة الملحقة بها برواية أبي يوسف، هذا الذي ذكرته من إلحاق ما روي عن أبي يوسف، وهي خمسة ألفاظ بالخمسة المذكورة في ظاهر الرواية، هو رواية هذا الكتاب
(3)
وفي رواية «الجامع الصّغير»
(4)
لشمس الأئمة السّرخسي رحمه الله ورواية «الإيضاح» وغيرها
(5)
.
وأمّا رواية «الجامع الصّغير»
(6)
، لفخر الإسلام رحمه الله ورواية «الفوائد الظهيرية»
(7)
، فالخمسة المرويّة عن أبي يوسف ملحقة بالألفاظ الثلاثة التي لا تدين الزّوج في حالة الغصب أيضاً، كما لا يدين في حال مذاكرة الطّلاق، وهي: اعتدي اختاري أمرك بيدك، ثم الكنايات على نوعين كناية في إنشاء الطّلاق كقوله أنت باين وحرام ونحوهما.
وكناية في تفويض الطّلاق كقوله: اخْتَارِي وأمرك بِيَدِك، فإنّه لا يكون الأمر بيدها بهذين اللّفظين إلا عند نية الزّوج الطّلاق، بهذا التخيير، ثم لا يقع الطّلاق بهما، وإن كان في مذاكرة الطّلاق، إلا بعد أن تقول المرأة طلقت نفسي، فذكرهما من باب كناية الطّلاق ههنا باعتبار احتمالهما معنى آخر سوى الطّلاق، من اختيار الدّخول والخروج والطبخ والخبز؛ لأنّ الواقع بها طلاق والطّلاق يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ بِالنَّصِّ، ولهذا يشترط النيّة؛ أي: نية الطّلاق لأنّه صدر من أهله مضافاً إلى محلّه، ولهذا يقال بانت منه، وحرمت عليه كيلا يفسد عليه باب تدارك دفع المرأة عن نفسه، وذلك لأنه لو لم تقع البينونة عند نيته فتثبت الرجعة والزوج يريد فراقها.
(1)
سقط من (ب).
(2)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 81).
(3)
ينظر: مختصر القدوري (ص: 155).
(4)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (2/ 183)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 217)، واللباب في شرح الكتاب (3/ 44).
(5)
يُنْظَر: المراجع السابقة.
(6)
يُنْظَر: المراجع السابقة
(7)
يُنْظَر: المراجع السابقة
قوله رحمه الله: وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ أَحَدِ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ، جواب إشكال يرد على قوله: وَلَيْسَتْ كِنَايَاتٍ، بأن يقال: لو لم يكن كنايات لكانت صريحًا؛ إذ ألفاظ الطّلاق لايخلو عنهما على ما مرّ، وفي الصّريح لا يحتاج إلى النية، وقد احتج ههنا على أنّها كناية، فأجاب عنه وقال: شرطت النيّة لا لاعتبار أن يكون كناية عن الطّلاق، بل باعتبار أنّ هذه الألفاظ يحتمل معاني أُخَرْ سوى معنى الطّلاق، واشترطت النيّة ليتعين بها معنى الطّلاق، ثم بعد تعين جانب الطّلاق بالنية، أو بدلالة الحال كانت هذه الألفاظ عاملة بحقائقها؛ إذ الحقيقة حقيق بأن يراد قوله، وإنّما يصح الثلث جواب سؤال أيضاً، وهو أن لفظ الباين لو كان عاملاً بنفسه لما صحّ نية الثلاث عندكم، كما لا يصحّ نيّة الثلاث في قوله: أنت طالق عندكم؛ لأنّه عامل بنفسه قلنا صحّة نية الثّلاث لم ينشأ من أنّه عامل بنفسه بل نشأت من تنوع البينونة إلى غليظة وخفيفة
(1)
.
قوله رحمه الله: (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ). إشارة إلى قوله في أوائل باب إيقاع الطّلاق: وَنَحْنُ نَقُولُ: نِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جِنْسًا، إلى آخره وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِالْبَاقِي شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، أي: عندنا، وعند زفر يقع واحدة
(2)
، بناء على أن في قول زفر: اعتدي لا يتعيّن للطّلاق في حال مذاكرة الطّلاق بدون النيّة، وعندنا يتعيّن بدلالة الحال من غير نيّة.
فإن قيل: ينبغي أن لا يقع؛ لأنّ الكلام متى أمكن حمله على الحقيقة لا يجوز حمله على المجاز، وإن كانت الحقيقة على خلاف العادة لما عرف في مسألة لا أشرب الماء ونوى شرب جميع المياه، لا يحنث أبدًا، وهنا أمكن حمله على الحقيقة لمكان العدّة على وجه لا يخالف العادة فأولى أن لا يقع.
قلنا: الطّلاق صار مراداً بقوله اعتدي، فكان خاطراً بالبال، فيحمل الثاني والثّالث عليه وهذا؛ لأنّ اللّفظ إنّما يحمل على الحقيقة لخطرانها بالبال، وما كان أشد خطراناً بالبال كان أولى بالحمل عليه، وفي مسألة لا أشرب الماء ليس فيه داع يدعو إلى المجاز، فحمل على حقيقته فلم يحنث إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية»
(3)
، فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ، أي: قضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لمكان الاحتمال؛ لأنّه نوى بالأوّل الإيقاع وبالثّانيوالثّالث: التكرار وإذا قال: عنيت بالأوّل الإيقاع وبالباقي الأمر بعدة واجبة، نظيره من قال لامرأته: أنت طالق وطالق وطالق
(4)
، ثم قال: نويت بهنّ واحدة، فإنّه لا يصدق قضاء، ولكن يصدق ديانة، لما قلنا كذا ههنا، كذا في «الجامع الصّغير»
(5)
، البرهاني وذكر الإمام شمس الأئمة السّرخسي
(6)
، والإمام قاضي خان رحمه الله
(7)
هذه المسألة على اثني عشر وجهاً، أحدها: أن يقول: لم أنو الطّلاق بشيء منها، وفي هذا كان القول قوله كما لو ذكر ذلك مرّة، والثّاني: أن يقول: نويت بالأولى الطّلاق، ولم أنو بالباقيتين شيئاً
(8)
، أو يقول: نويت بالأولى والثّانية الطّلاق ولم أنو بالثالثة شيئاً، أو نويت بالكلمات كلّها الطّلاق، ففي هذه الوجوه يطلق ثلاثاً نوى بالأولى الطّلاق صار الحال مذاكرة الطّلاق، وكان الباقي طلاقاً نوى أو لم ينو؛ لأنّ الأوّل رجعي فيلحقه الباقي، والخامس: إذا قال: نويت بالأولى الطّلاق وبالباقيين الحيض، فهو مدين في القضاء، لما ذكر في الكتاب
(9)
، والسّادس: أن يقول نويت بالأولىوالثّانية الطّلاق وبالثّالثة الحيض، فهو مدين أيضاً في القضاء، وتطلق ثنتين لما قلنا، والسّابع: أن يقول نويت بالأولى الطّلاق وبالثالثة الحيض ولم أنو بالثّالثة شيئاً، أو قال: نويت بالأولى الطّلاق وبالثّانية الحيض ولم أنو بالثّالثة شيئاً، فإنّها يطلق ثنتين في هذين الوجهين؛ لأنّه لما صار الحال حال مذاكرة الطّلاق وكل لفظ لم ينو فيه شيئاً فهو طلاق، وإن قال: لم أنو بالأولى والثّانية شيئاً، وعنيت بالثالثة الطّلاق فهي طلاق واحد؛ لأنّه لم يكن الحال حال مذاكرة الطّلاق غير الأولى والثّانية فلا يقع بها شيء، وإنّما يقع بالثّالثة لأجل النيّة.
(1)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 71)، والبناية شرح الهداية (5/ 370)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 327).
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 310)، والجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 33).
(3)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 238).
(4)
ولو قال: أنت طالق، وطالق، وطالق، فيقع الطلقة الأولى والثانية وأما الثالثة، فإنها على صيغة الثانية عند الشافعية، وقال المالكية والحنابلة بوقوع الثلاث. ينظر: شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 49)، نهاية المطلب في دراية المذهب (14/ 151)، والمجموع شرح المهذب (17/ 46)، والمغني لابن قدامة (7/ 346).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 80)، والبناية شرح الهداية (5/ 371)، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 370).
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 80)، والبناية شرح الهداية (5/ 371)، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 370).
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 80)، والبناية شرح الهداية (5/ 371)، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 370).
(8)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 218).
(9)
يُنْظَر: المراجع السابقة.
وكذا لو قال: لم أنو بالأولى شيئاً ونويت بالثّانية الطّلاق وبالثّالثة الحيض، فهي طلاق واحد، والحادي عشر هو أن يقول: لم أنو بالأولى شيئاً ونويت بالثّانية الطّلاق [أو لم أنو بالثّالثة] الطّلاق، فهي ثنتان؛ لأنّه لم يكن الحال حال مذاكرة الطّلاق عند الأولى، فلا يقع بها شيء، والثّانية صارت طلاقاً بالنيّة، والثّالثة ذكرت في حال مذاكرة الطّلاق، فصار طلاقاً، والثّاني عشر إذا قال: اعتدى ثلاثاً، وقال: نويت في قولي اعتدى طلاقاً، ونويت بالثّلاث ثلاث حيض، فهو كما قال في القضاء، أما نية الطّلاق في قوله اعتدي صحيح؛ لما قلنا، وبعد وقوع الطّلاق يلزمها الاعتداد بثلاث حيض، وكان الظّاهر شاهدًا له فيما نوى، ونصيب الثلاث دليل على ذلك، كأنّه قال بثلاث حيض أيضاً؛ لأنّه أمين، أي لأنّ الزّوج أَمِينٌفِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ، ولهذا يصدق في حال عدم مذاكرة الطّلاق، وإذا كان أمينًا لا يصدق قوله بدون اليمين
(1)
.
وذكر في «المبسوط» ولو قال لها: اعتدي، وقال: لم أنو به الطّلاق فهي امرأته بعد أن يحلف، وكذلك في جميع الألفاظ المتقدّمة، إذا قال لم أنو الطّلاق فعليه اليمين؛ لأنّه أمين فيما يخبر عن ضميره، والقول قول الأمين مع اليمين، واليمين لنفي التهمة عنه، ألا ترى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف ابن ركانةفي لفظ النيّة
(2)
(3)
، والله أعلم بالصّواب.
باب تفويض
(4)
الطّلاق
لما فرغ من بيان الطّلاق بنفسه، وهو الأصل لما أنّ الأصل أن يكون التصرّف واقعاً للمتصرف نفسه لا لغيره، شرع في بيان التصرّف الذي يستفاد ولاية التصرّف من الغير
(5)
.
(1)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 218)، والبناية شرح الهداية (5/ 372).
(2)
أخرجه أبي داود في السنن (كتاب الطلاق/ باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث/ 2195)، والبيهقي في السنن الكبرى (جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنَ الْكَلَامِ وَلَا يَقَعُ إِلَّا بِنِيَّةٍ/ بَابُ مَا جَاءَ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ 15000)، والدارقطني في سننه (باب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره/ 3978، 3979)، قال الدارقطني:"قال أبو داود هذا حديث صحيح"، ينظر: سنن الدارقطني (5/ 59 - 60).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 79).
(4)
[فوض] فَوَّض إليه الأمرَ، أي ردَّه إليه. ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1099).
(5)
قَدَّمَ فَصْلَ الِاخْتِيَارِ عَلَى فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُؤَيَّدٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 219).
اعلم أنّ المرأة إذا اختارت نفسها بعدما قال لامرأته اختاري] يقع الطّلاق
(1)
، والقياس أن لا يقع عليها شيء وإن نوى الزّوج الطّلاق
(2)
؛ لأنّ التفويض إليها إنّما يصحّ فيما يملك الزّوج مباشرته بنفسه، وهو لا يملك إيقاع الطّلاق عليها لهذا اللّفظ، حتّى لو قال: اخترتك من نفسي، أو اخترت نفسي منك، لا يقع شيء فلا يملك التّفويض إليها بهذا اللفظ - أيضاً - ولكنّا تركنا القياس لآثار الصحابة رضي الله عنهم
(3)
. روى عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمروجابر وزيد وعائشة رضي الله عنهم أجمعين، قالوا في الرجل يخير امرأته: إن لها الخيار مادامت في مجلسها ذلك، فإذا قامت من مجلسها فلا خيار لها
(4)
، وقد خيّر رسول الله عليه السلام نسائه حين نزل قوله تعالى:{فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ}
(5)
(6)
، ثم كان القياس أن لا يبطل خيارها بالقيام عن المجلس؛ لأن التخيير من الزّوج مطلق والمطلق فيما يحتمل التأييد يتأيد.
ولكنّا تركنا هذا القياس بآثار الصحابة، ولأنّ الخيار الطّارئ لها على النّكاح من جهة الزّوج معتبر بالخيار الطّارئ شرعًا، وهو خيار المعتقة وذلك يتوقت بالمجلس، فكذا هذا لها الخيار ما بقيت في المجلس، وإن تطاول يومًا أو أكثر؛ لأنّ المجلس قد يطول ويقصر كذا في «المبسوط»
(7)
.
(1)
سقط من (ب).
(2)
ذهب الحنفية إلى أنه لا تملك المرأة إيقاع الطلاق الثلاث دفعة واحدة، ويرى المالكية أن الطلاق الواقع بالتفويض عند اختيار الزوجة أو تطليقها نفسها هو الطلاق الثلاث، إذا كان التفويض بالتخيير، وقال الشافعية: طلقي نفسك ونوى ثلاثاً، فقالت: طلقت ونوتهن، وقد علمت نيته أو وقع العلم بنيته صدقة، فتقع الثلاث؛ لأن اللفظ يحتمل العدد والحنابلة قالوا ولا يطلق الوكيل أكثر من واحدة. انظر: البدائع (3/ 113)، مغني المحتاج (3/ 285)، الشرح الصغير (2/ 595)، والمغني (7/ 212).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 211).
(4)
روي في الآثار لأبي يوسف (باب الخيار/ 639)، وفي سنن سعيد بن منصور (كتاب الطلاق/ 1626).
(5)
[الأحزاب: 28].
(6)
أخرجة البخاري في صحيحه كتاب تفسير القرآن بَابُ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَاوَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا/ 4785)، وأخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الطلاق/ بَابُ بَيَانِ أَنَّ تَخْيِيرَ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ/ 1103).
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 211).
قال: مادامت في مجلسها ذلك، وإن قامت منه أو أخذت في عمل آخر، خرج الأمر من يدها، هذا المجموع من قول الصّحابة رضي الله عنهم؛ ولأنّه تملكت الفعل منها يعني لا توكيلها، لما أنّ التّمليك يقتضي أن يكونالمملك إليه عاملاً لنفسه، وهذا كذلك وكان تمليكًا، فأمّا الوكيل فهو عامل لغيره، والتمليكات تقتضي جواباً في المجلس، فلذلك اقتصر بالمجلس.
فإن قيل: ههنا من وجوه من الشبه:
إحداها: أنّ ربّ الدّين إذا وكل المديون بإبراء ذمته عن الدّين فهو وكيل، وإن كان عاملاً لنفسه في إبراء ذمته عن الدّين، والدّليل على أنّه وكيل أنه لا يقتصر على المجلس، ويملك صاحب الدّين الرجوع قبل الإبراء، وهو مسألة الجامع.
والثّانية: أنّ التّخيير لو كان تمليكًا لكانت المرأة مالكة للطّلاق.
فحينئذٍ لا يبقى الزّوج مالكاً لاستحالة كون الشّيء الواحد بجميع أجزائه ملكًا لكلّ واحد] منهما في زمان واحد
(1)
، والزّوج مالك للطّلاق بعد التخيير، فلا تكون هي مالكة له، فحينئذ يكون تصرفها بالنيابة، لا بالملك والدّليل على صحّة ما ادعينا أنّها نائبة، لا مالكة وهو الشبهة.
الثّالثة: ما ذكره محمّد في الزيادات
(2)
، رجل قال لامرأته: طلقي نفسك، ثم حلف أن لا تطلق فطلقت هي نفسها حنث الزّوج في يمينه، وإنّما يحنث إذا كانت هي في تطليقها نفسها نايبة عن الزّوج، أمّا إذا لم تكن فلا، قلنا المالك هو القادر على التصرّف؛ لأنّه فاعل عن الملك وهو القدرة والتّمليك تفعيل منه، فيكون لإثبات الملك وهو الإقدار على التصرّف إلا أنّه في الشّرع يراد به القادر على التصرف برأيه واختياره على وجه لو لم يفعله لا يلحقه إثم ولا خلف وعد، وما وقع النّزاع فيه بهذه المثابة فيكون تمليكًا، بخلاف الوكيل إذا لم يأتمره بما أمر به، يلزم فيه خلف الوعد أو الإثم.
وأمّا الجواب عن توكيل المديون بإبراء ذمّته أنّه وكيل وإن كان عاملاً لنفسه.
قلنا: نعم هناك المديون وكيل عن جانب ربّ الدين، لكن تصرفه لنفسه إنّما وقع ضمن صحّة وكالته، فإنّه في ذلك الإبراء لا يعمل لنفسه خاصّة، بل يعمل لربّ الدّين -أيضاً- بتحقيق ما أمره به، ثم صحّة الرجوع لا يدل على أنّه ليس بتمليك.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَللأجنبيّ قبل القبض وبعده قابلة للرجوع، وهي تمليك، وعدم صحّة الرجوع فيما نحن بصدده لاشتمال التخيير على معنى التّعليق، لا لكونه تمليكًا.
(1)
زيادة في (ب).
(2)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 226)، والعناية شرح الهداية (4/ 77).
وأمّا حنث الزّوج في يمينه في المسألة الثّالثة ممنوع على رواية محمّد رحمه الله، والمنع مذكور في الزيادات لصاحب «المحيط»
(1)
.
وأمّا قوله: لو كانت المرأة مالكة لا يبقى الزّوج مالكاً.
قلنا: بقاء ملك الزّوج في الطّلاق لبقاء ملكه في النكاح، فإن ملك الطّلاق يستفاد من ملك النكاح، وملك الطّلاق بهذه الصفة لا يمكن تمليكه من المرأة، فلا جرم ثبت الملك لها بقدر ما ملكها الزّوج، والزّوج ملكها ما في وسعه من التّمليك وهو ولاية التصرف لها في الطّلاق بتمليك الزّوج، لا سلب ولاية تصرّف الزّوج عن الطّلاق، فإنّ ذلك للتصرف يبقى له مادام سببه باقياً وهو النكاح، إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية»
(2)
، ثم لابدّ من النيّة في قوله اختاري أي: نيّة الطّلاق وإذا خيرها وقال: لم أرد به الطّلاق فالقول قوله مع يمينه؛ لأنّ قوله اختاري كلام محتمل، يجوز أن يكون مراده اختاري نفقة أو كسوة أو داراً للسكنى.
وفي الكلام المحتمل القول قول الزّوج أنّه لم يرد به الطّلاق مع يمينه، لكونه متّهمًا] في ذلك
(3)
وأمّا إذا اختارت بعد ذكر الطّلاق فاختارت نفسها ثمّ قال:] لم
(4)
أنوِ به الطّلاق لم يصدق في القضاء، وكذلك إن كان في غضبه، وقد بيّنا هذا في فصول الكنايات.
وكما لا يصدقه القاضي، فكذلك لا تسمع المرأة أن تقيم معه إلا بنكاح مستقبل، ثم المخيّرة إذا اختارت زوجها لم يقع عليها شيء، إلا على قول علي
(5)
رضي الله عنه، فإنّه قال: تطلق تطليقة رجعيّة إذا اختارت زوجها، وكأنّه جعل عين هذا اللّفظ طلاقاً، فقال: إذا اختارت زوجها، فالواقع به طلاق لا يرفع الزّوجة، ولسنا نأخذ بهذا، بل بقول عمر وعبدالله بن مسعودرضي الله عنهما
(6)
: أنّها إذا اختارت زوجها لا يقع عليها شيء، وقالت عائشة رضي الله عنها:«خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك طلاقاً»
(7)
، وإن اختارت نفسها فواحدة باينة عندنا، وهو قول علي رضي الله عنه، وعلى قول عمروابن مسعود رضي الله عنهما واحدة رجعيّة وعلى قول زيد رضي الله عنه
(8)
إذا اختارت نفسها فثلاث، وكأنّه حمل هذا على أتم ما يكون من الاختيار، وعمر وابن مسعود حملاه على أدنى ما يكون منه وهو التّطليقة الرّجعيّة، ولكنّا نأخذ في هذا بقول علي رضي الله عنه؛ لأن اختيارها نفسها إنّما يتحقّق إذا زال ملك الزّوج عنها، فصارت مالكة أمر نفسها وذلك بالواحدة الثّانية، وليس في هذا اللّفظ ما يدل على الثّلاث؛ لأنّ حكم مالكيتها أمر نفسها لا يختلف بالثّلاث والواحدة البائنة، ولهذا قلنا وإن نوى الثّلاث بهذا اللّفظ لا يقع إلا واحدة باينة؛ لأنّ هذا مجرّد نية العدد وهو قوله اختاري أمر بالفعل فلا يحتمل العدد، بخلاف قوله: أنت بائن بنية الثّلاث، إنّما يصحّ هناك باعتبار أنّه نوى نوعًا من البينونة، وههنا الاختياري لا يتنوع، فبقي هذا مجرّد نيّة العدد كذا في «المبسوط»
(9)
.
(1)
الزياداتلصاحب: (المحيط)، برهان الدين محمود بن أحمد بن مازة البخاري. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 963).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 212).
(3)
زيادة في (ب).
(4)
زيادة في (ب).
(5)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 212)، والنتف في الفتاوى للسغدي (1/ 364)، والبناية شرح الهداية (5/ 372).
(6)
انظر: المراجع السابقة.
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الطلاق/ بَابُ مَنْ خَيَّرَ نِسَاءَهُ/ 5262)، ومسلم في صحيحه (كتاب الطلاق/ بَابُ بَيَانِ أَنَّ تَخْيِيرَ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ/ 1477).
(8)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 212)، والنتف في الفتاوى للسغدي (1/ 364)، والبناية شرح الهداية (5/ 372).
(9)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 85).
فإن قلت: لابدّ من ذكر الفرق بين قوله: اختاري نفسك، ونوى] الزوج
(1)
الثلاث فقالت المرأة: اخترت، يقع تطليقة واحدة بائنة ولا يقع الثّلاث، وبين قوله: أمرك بيدك، وطلقي نفسك، وأنت بائن، ففي هذه الصّورالثّلاث، إذا نوى الزّوج التّطليقات الثّلاث، وأوقعت المرأة، يقع الثلاث مع أنّ القياس يقتضي وقوع الثّلاث في الأخبار بعد قوله اختاري بالطّريق الأولى؛ لاجتماع ما يقتضي وقوع الثّلاث فيه، وهو صيغة الأمر، ولفظ الكتابة، وفي تلك الثلاثة لم يجتمع.
قلت: الفرق من وجهين:
أحدهما: ما ذكره في «الإيضاح» فقال: إنّ القياس يقتضي أن لا يقع بالتخيير شيء وإن اختارت؛ لأن اختيار الشّيء لا يدلّ على الإيقاع، وإنّما يثبت ذلك بإجماع
(2)
الصّحابة رضي الله عنهم، والإجماع انعقد في الطّلقة الواحدة
(3)
، فما عدا ذلك يبقى على أصل القياس، ولم يرد الإجماع في حق تلك المسائل على أنّ الواقع فيها الواحدة فأجرى إيقاع الثّلاث هناك على ما تقتضيه تلك الألفاظ وهو مذكور في تقرير تلك المسائل.
والثّاني: هو ما أشار إليه شيخ الإسلام فقال:
(4)
أن الأمر اسم عام يتناول كل شيء، قال الله تعالى:{وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}
(5)
أراد به الأشياء كلّها، وإذا كان الأمر إسماعاً ما صلح اسمًا لكلّ فعل، فإذا نوى الطّلاق صار كناية عن قوله: طلاقك بيدك، والطّلاق يحتمل العموم والخصوص، أمّا الاختيار فاسم لفعل خاص وهو الخلوص والصّفوة وثبوت البينونة فيه مقتضى ثبوت الصّفوة والخلوص، فلم يصلح فيه نيّة العموم؛ لأنّ الصّفوة إذا حصلت لها بالاختصاص بنفسها فبعد ذلك لا يزداد هي بانضمام شيء آخر له.
وأمّا قوله: طلّقي، فإنّ الطلاق في نفسه محتمل للعموم والخصوص، فإن له إفراداً وأجزاء فيقتضي عمومه تمام أجزائه.
وقال: (طَلِّقِي نَفْسَك) مختصر قوله: افعلي فعل التّطليق، فكان هو محتملاً للعموم والخصوص أيضاً، فإذا نوى الثّلاث فقد نوى العموم فيصحّ، وأمّا الفرق بينه وبين قوله: أنت بائن فهو ما ذكر في الكتاب
(6)
من أنّ البينونة تتنوّع إلى نوعين: خفيفة وغليظة، فأيّ النّوعين نوى فقد أصاب، بخلاف الاختيار، فإنّه عبارة عن الصّفوة والخلوص والصّفوة إذا حصلت، فلا يريد لها بعد ذلك، فلا يحتمل نيّة الثّلاث فلذلك لم يصحّ نيّة الثّلاث.
(1)
زيادة في (ب).
(2)
المجموع شرح المهذب (17/ 90)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 134)، بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار (2/ 282).
(3)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 212)، والنتف في الفتاوى للسغدي (1/ 364)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 342).
(4)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 89)، والبناية شرح الهداية (5/ 376).
(5)
[الانفطار: 19].
(6)
ينظر: النهر الفائق شرح كنز الدقائق (2/ 351)
قوله رحمه الله: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ فِي كَلَامِهَا،
قلت: هذا ليس بمنحصر بذكر النّفس في حق إرادة الطّلاق الباين من التخيير، فإنّ البينونة كما يقع عند ذكر النّفس في أحد الكلامين، فكذلك ما يقع بذكر ما يقوم مقام النّفس في أحد الكلامين، كالتّطليقة والاختيار، وفي قول المرأة اخترت أبي أو أميّ أو أهلي أو الأزواج على ما يجيء بيانه، ثمّ إنّما اشترط ذكر أحد هذه الأشياء في أحد الكلامين، فإنّه إذا كان في كلام الرجل يتضمّن جوابها إعادة ذلك، كأنّها قالت: فعلت ذلك، وإن كان مذكوراً في كلامها فالعامل لفظها، فإذا وجد ما يختصّ بالبينونة في اللّفظ يقع به كفى ذلك كذا في «الإيضاح»
(1)
.
لأنّ كلامه مفسر، وكلامها خرج جواباً له هذا التّعليل لجواب سؤال مقدّر، وهو أن يقال: إنّ قولها اخترت مبهم، والمبهم لا يصلح مفسراً لكلام غيره، فقال في جوابه: إن كلامها خرج جواباً لكلامه، وكلامه مفسر فكان جوابها أيضاً مفسراً.
لأنّ الجواب يتضمّن إعادة ما في السؤال؛ لِأَنَّ الْهَاءَ فِي الِاخْتِيَارَةِ أي الهاء سماها لتصورها بصورة الهاء، ولكونها هاء عند الوقف هو الذي يتحد مرّة، فإن قال: اختاري نفسك بطلقة، ويتعدد أخرى بأن قال: اختاري نفسك لما شئت، أو اختاري نفسك بثلاث تطليقات، فعلم بهذا أن اختيارها] نفسها
(2)
هو الذي يتخذ مرّة، ويتعدّد أخرى بخلاف اختيارها زوجها، فإنّه لا يتعدّد؛ لأنّه عبارة عن إبقاء النكاح وهو غير متعدّد، وقيد الكلام بشيء ينبئ عن الاتحاد إنّما يفيد فائدته أن لو كان ذلك احترازاً عن شيء ينبئ عن التعدّد، وإلا لا يكون في قيده] فائدة
(3)
.
فعلم بهذا أنّ كلامه وقع في شيء يقبل الاتحاد والتعدّد، وليس هنا منها إلا اختيارها نفسها دون اختيار الزّوج، فكان كلامه مفسراً أيضاً على هذا التقدير، كما في اختاري نفسك، ثمّ جوابها اخترت، وإن كان مبهمًا في نفسه يكون مفسراً لوقوعه جواباً للكلام المفسّر؛ لأنّ الجواب يتضمن إعادة ما في السؤال، ثم ذكر في الكتاب وقوع كلام المرأة
(4)
مفسرًّا بذكر النّفس، فقال: ولو قال اختاري، فقالت: اخترت نفسي، يقع الطّلاق إذا نوى الزّوج، لما ذكرنا أن الشّرط في هذا هو أن يقع المفسّر في أحد الكلامين، إمّا في كلام الزّوج أو في كلام المرأة.
(1)
يُنْظَر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 320).
(2)
زيادة في (ب).
(3)
سقط من (ب).
(4)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 81).
وقد وقع التّفسير ههنا في كلام المرأة تذكر النّفس فيصحّ، ولم يذكر وقوع كلام المرأة مفسّراً بذكر الاختيار، وذكره في كلام الزّوج والحكم فيه كذلك أيضاً؛ لأن ذكر الاختيار لما صحّ التّفسير صار ذكرها بمنزلة ذكر النّفس، فذكر النّفس في أي الكلامين وقع يكون كلامها مفسّرًا، حتّى لو قال الزّوج: اختاري، فقالت المرأة اخترت اختياره تحصل البينونة، كما لو قالت: اخترت نفسي بمقابلة قوله اختاري، وكذلك ذكر الطّلقة في جميع ما ذكرنا من ذكر النّفس والاختيار.
ولو قالت المرأة: اخْتَرْتُ أَبِي أوَ أُمِّي أَوْ أَهْلِي وَالْأَزْوَاجَ بعدما قال الزّوج لها اختاري، والقياس أن لا يقع شيء؛ لأنّه لم يوجد في لفظها ما يدلّ على اختيار البينونة.
ولكنا نستحسن فيوقع؛ لأنّ الزّوج لو قال لها: الحقي بأهلك، ونوى الطّلاق يكون طلاقاً، فكذلك اختيارها الانضمام إليهم اختيار للبينونة - كذا في «الإيضاح» - كما إذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: أنا أطلّق نفسي لا يطلق، وكذا لو قال لعبده: اعتق رقبتك، فقال: اعتق، لا يعتق وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حدِيثُ «عَائِشَةَ رضي الله عنها -وهو ما روي أنّه لما نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ
…
تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا}
(1)
الآية، بدأ رسول الله بعائشة رضي الله عنها، فقال لها:«إني مخيرك بأمر فلا تجيبيني حتى تستأمري أبويك» ، ثم أخبرها بالآية، فقالت: في هذا أستأمر أبوي فَإِنَّهَا قَالَتْ لَا بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»
(2)
اعْتَبَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَوَابًا مِنْهَا، والمعقول فيه هو أنّ الفعل الذي يحتمل الحال والاستقبال أصله الحال فيما يصلح حكاية عن الحال، فقال فلان يصلّي ويقرأ، يراد به الحال في موضع الحكاية، فكذلك ههنا موضع الحكاية؛ لأنّ الاختيار من عمل القلب، فيكون الذكر باللّسان حكاية عن أمر قائم بالقلب لا محالة، وذلك كالرّجل يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أنه جعل إيجاباً؛ لأنّه حكاية عن أمر قائم] بالقلب
(3)
وهو التصديق فصار إيجاباً وكذلك قول الشّاهد في مجلس الحكم: أشهد؛ لأنّه حكاية عن معنى قائم] بقلبه
(4)
.
(1)
[الأحزاب: 28].
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب تفسير القرآن/ بُاب قَوْلِهِ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ .. ) / 4785)، ومسلم في صحيحه (كتاب الطلاق/ بَيَانِ أَنَّ تَخْيِيرَ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ/ 1475).
(3)
زيادة في (ب).
(4)
زيادة في (ب).
فكذلك قولها إنشاء الطّلاق في مسألتنا حيث يقع به الطّلاق.
وأمّا قولها أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي فليس بحكاية عن حال قائمة] بالقلب
(1)
إذ لا حال ههنا.
وإنّما الإيجاب حاصل بهذه الصيغة نفسها من قبل أنّ الإيقاع باللّسان دون القلب، فلم يصحّ] جعل
(2)
فعل اللّسان حكاية عن فعل قائم باللّسان على سبيل الحال، فيتعذر الأصل، يحمل على ما هو دخيل عليه، وهو الوعد المستفاد من الاستقبال، فلم يكن بد من لفظ دال على أمر ماض ليجعل إيجاباً، وهو قولها: طلقت - كذا في «الجامع الصّغير» لفخر الإسلام والإمام الكشاني
(3)
- ولأن هذه الصيغة حقيقة في الحال ويجوز في الاستقبال.
فإن قلت: ما نقول بروايات النحو كلها وهو مشترك بين الحاضر والمستقبل.
قلت: نعم كذلك، إلا أن أحد المعنيين من المشترك يترجّح بدلالة تدل على ذلك المعنى، وقد وجد ههنا دلالة إرادة الحال به، إذ العادة العُرفيّة والشّرعية
(4)
تدلان على أنّ مثل هذه الصيغة للحال، يقول الرجل فلان يختار كذا، أو أنا أختار كذا، ويقول أملك كذا وكذا من العبيد والجواري، والمراد به الحال.
وأمّا الشّرعية فما ذكر في الكتاب من قوله: أشهد في كلمة الشّهادة
(5)
، وقوله: أشهد في أداء الشهادة، إلى هذا أشار في الفوايد
(6)
.
قوله رحمه الله: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِكَايَةٍ عَنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ،؛ لأنّه لا حال ههنا حتّى يحمل الكلام عليه من قبل أنّ الإيقاع باللّسان دون القلب، فلم يصحّ فعل اللّسان حكاية عن فعل قائم باللّسان على سبيل الحال؛ لأنّه معدوم يعدو الحكاية يقتضي وجود المحكي عنه طلقت ثلاثاً - في قول أبي حنيفة
(7)
رحمه الله ولا يحتاج إلى نيّة الزّوج، ولا إلى ذكر نفسها؛ لأنّ اختيار الطّلاق يتكرّر، واختيار الزّوج لا يتكرّر فتكرار التخيير دليل على أن مراد الطّلاق، ولهما أنّ ذكر الأولى ما يجري مجراه، وهو ذكر الوسطى والأخيرة إن كان لا يفيد من حيث التّرتيب بالاتفاق يفيد من حيث الأفراد، وهذا لأنّ الأولى فأثبت الأول، وهو اسم لفرد] سابق والوسطى تأنيث الأوسط وهو اسم لفرد
(8)
يقدم عليه مثل ما تأخر عنه والأخيرة اسم لفرد لاحق، إذا ثبت هذا فيقول: قولها الأولى ينتظم معنيين:
(1)
زيادة في (ب).
(2)
زيادة في (ب).
(3)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 83).
(4)
العرف: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول. ينظر: التعريفات (ص: 149).
(5)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 379).
(6)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 379).
(7)
يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 126)، والبناية شرح الهداية (5/ 380).
(8)
سقط من (ب).
أحدهما: الفرديّة، والآخر: السّبق، فلو بطل معنى السّبق الذي يقتضي التّرتيب، فلا يبطل الفرديّة، فصار كأنّها قالت: اخترت التطليقة الأولى؛ لأنّ معنى قولها اخترت الأولى، اخترت ما صار إلي بالكلمة الأولى، والذي صار إليها بالكلمة الأولى تطليقة، فكأنها صرحت بذلك، وفي ذلك يقع واحدة، فكذا هنا وأبو حنيفة
(1)
رحمه الله يقول الأولى: نعت لمؤنث ولكن النعتينصرف إلى منعوت مذكور، وهو الأصل، والمذكور الاختيار دون الطّلاق، فكان هذا بمنزلة قولها: اخترت الاختيار أو المرأة الأولى، فلو صرحت بذلك طلقت ثلاثاً، وحرف آخر له أنّها أبت بالتّرتيب فيما لا يليق به صفة التّتريب، فيلغو ذكر التّرتيب ويبقى قولها اخترت، ويكون جواباً للكلّ - كذا في «المبسوط» والفوائد
(2)
- كالمجتمع في المكان والقوم إذا اجتمعوا في مكان لا يقال هذا أوّل وهذا آخر وإنّما التّرتيب في فعل الأعيان، يقال: هذا جاء أولاً، وهذا جاء آخراً، فإذا لغا ذلك بقي قولها اخترت، ولأنّ الأولى أو الوسطى كما يصلح نعتا للتطليقة تصلح نعتاًللاختياره الحاصلة منها، ولو اقتصرت على قولها اخترت كان جواباً للكلّ، فلا يتغيّر ذلك بكلام محتمل.
بخلاف ما لو اختارت التطليقة؛ لأنّ التّطليقة لا يتناول الثلاث - كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله، فإذا لغا في حق الأصل وهو التّرتيب، لغا في حق البناء وهو الأفراد، فإذا لغا جميعًا، بقي قولها: اخترت، وهو يصلح جواباً للكلّ فيقع الثّلاث.
فإن قيل: ينبغي أن تقع التطليقة واحدة، كما في قوله:(أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ)؛ لأن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال، بقي قوله: أنت طالق وبه تقع التّطليقة الواحدة.
قلنا: هذا طرد وليس بنقص، لما أنّه لو قالت - ههنا ابتداء في جوابه -: اخترت، كان جواباً للكلّ فيقع الثّلاث، فكذا إذا بقي قولها اخترت بعد بطلان ما ضم إليه من التّرتيب والأفراد، كما هناك باب اقتضاء قوله: أنت طالق للطّلقة الواحدة لم يتفاوت بين ما قاله وذلك ابتداء أو بقي ذلك بعدما انضم إليه من قوله أمس، ولو قالت:(طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ)؛ أي: في جواب قول الزّوج اختاريفهي واحدة بملك الرّجعة، وقال بملك الرّجعة غلط وقع من الكاتب- هكذا ذكره في «الفوائد الظهيرية»
(3)
- وقال: لأنّ المرأة إنّما تتصرف حكمًا للتّفويض والتّفويض تطليق بصفة الإبانة؛ لأنّه من الكنايات سوى الثلاثة فيملك الإبانة لا غير.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 219).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 218، 219).
(3)
يُنْظَر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 374)، والبناية شرح الهداية (5/ 382).
قلت: والأصحّ من الرواية فهي واحدة لا تملك الرّجعة؛ لأنّ رواية «المبسوط»
(1)
والجامع الكبير
(2)
والزيادات وعامة نسخ «الجامع الصّغير»
(3)
هكذا سوى «الجامع الصّغير» لصدر الإسلام، فإنّه ذكر فيه مثل ما ذكره في الكتاب، والدّليل أيضاً يساعد لما ذكر في عامّة النّسخ
(4)
.
فإنّه ذكر في «الجامع الصّغير»
(5)
لقاضي خان، أمّا وقوع الواحدة فلما قلنا: وهو أنّ التّطليقة لا يتناول أكثر من الواحدة، وإنّما يكون ثانياً؛ لأنّ العامل تخيير الزّوج والواقع بالتخيير يكون ثانياً؛ لأنّه تمليك النّفس منها والرّجعي لا يثبت ملك النّفس، ثم قال: وفي بعض النّسخ تقع واحدة رجعيّة والصّحيح ما ذكرنا نصّ عليه في الزيادات
(6)
.
فإن قلت: ما الفرق بين قوله: اخترت، وبين قوله: طلقت
(7)
، [فإن قولها طلقت] نفسي يصلح جواباً لقوله: اختاري حتّى يقع به التّطليقة الواحدة الباينة، وقولها: اخترت لا يصلح جواباً لقوله: طلقي نفسك، بل يقع لغوًا حتّى لا يقع به شيء، هكذا ذكر في «المبسوط»
(8)
.
قلت: لأنّ لفظ الاختيار الأضعف من لفظ الطّلاق.
ألا ترى أنّ الزّوج يملك الإبقاء بلفظ الطّلاق دون لفظ الاختيار، فالأضعف لا يصلح جواباً للأقوى، والأقوى يصلح جواباً للأضعف، يوضحه أن قولها: طلقت نفسي لو كان قبل تخيير الزّوج [توقف على إجازة الزوج]، فإذا كان بعد تخيير الزّوج كان عاملاً، وقولها: اخترت نفسي قبل تخيير الزّوج يكون لغوًا لا يتوقّف على إجازة الزّوج، فكذلك بعد تفويض الزّوج بقوله: طلقي نفسك؛ لأنّ التّفويض غير التخيير كذا في «المبسوط»
(9)
.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 216).
(2)
يُنْظَر: الجامع الكبير (181).
(3)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 205)، والبناية شرح الهداية (5/ 382)، والعناية شرح الهداية (4/ 86).
(4)
انظر: العناية شرح الهداية (4/ 86)، والبناية شرح الهداية (5/ 382).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (4/ 86)، والبناية شرح الهداية (5/ 382).
(6)
انظر: العناية شرح الهداية (4/ 86)، والبناية شرح الهداية (5/ 382).
(7)
والفرق أن حالة التخيير تقتضي ألا يكون للزوج سبيل على المرأة إذا اختارت نفسها، وهذا لا يتحقق إلا بوقوع الطلاق الثلاث، وأما في حالة التمليك فقد ملكها ما يملكه، فإذا أوقعت طلقة واحدة أو اثنتين أو الثلاث، كانت عاملة بمقتضى اللفظ. انظر الشرح الصغير:(2/ 597)، والفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (9/ 6945).
(8)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 216).
(9)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 216).
قوله رحمه الله: لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الِاخْتِيَارَ لَكِنْ بِتَطْلِيقَةٍ.
فإن قيل: لو كان جعل لها الاختيار بتطليقة كان قوله هذا في التّقدير بمنزلة قوله: طلّقي نفسك، وقد ذكرنا أن قولها: أختر، لا يصلح جواباً لقوله: طلّقي نفسك.
قلنا: آخر كلامه لما صار تفسيراً للأوّل كان العامل هو المفسّر والمفسّر هو الأمر باليد والتخيير وقولها اخترت يصلح جواباً لذلك كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله في «الجامع الصّغير»
(1)
والله أعلم.
فصل في الأمر باليد
لما ذكر باب تفويض الطّلاق، ذكر فصول أنواع التّفويض من الاختيار والأمر باليد، إلا أنّه قدم فصل الاختيار على غيره؛ لأنّ ذلك مؤيد بإجامعالصّحابة
(2)
رضي الله عنهم اعلم أنّ الرّجل] إذا جعل
(3)
أمر امرأته بيدها فالحكم فيه كالحكم في الخيار في سائر مسائله، إلا أنّ هذا صحيح قياساً واستحسانًا؛ لأنّ الزّوج مالك لأمرها فإنما يملكها بهذا اللّفظ ما هو مملوك له، فيصحّ منه، ويلزم حتّى لا يملك الرّجوع عنه اعتباراً بإيقاع الطّلاق، وإن نوى الأمر ثلاثاً كان كما نوى حتّى إذا طلقت نفسها ثلاثاً تطلق ثلاثاً؛ لأنّ هذا تفويض للأمر إليها، وهو يحتمل العموم والخصوص بخلاف قوله: اختاري، فإنّه أمر بالفعل فلا يحتمل معنى العموم، وإن لم ينو الثلاث فهو واحدة بائنة، وعند ابن أبي ليلى
(4)
هو ثلاث
(5)
، ولا يصدق في القضاء إذا قال: نويت واحدة؛ لأنّه فوض إليها بهذا الكلام جنس ما يملكه عليها وذلك ثلاث، ولكنا نقول: التفويض قد يكون خاصاً وقد يكون عاماً، فإذا نوى الواحدة فقد قصد تفويضاً خاصاً، وهو غير مخالف للظّاهر، وكذلك إن نوى الطّلاق فقط؛ لأنّه لا يثبت به إلا القدر المتيقن عند الاحتمال.
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 382).
(2)
أخره عَنْ الِاخْتِيَارِ لِتَأَيُّدِ التَّخْيِيرِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فِيهِ خِلَافٌ لَيْسَ فِيهِ إجْمَاعٌ. ينظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 342)، والمغني لابن قدامة (7/ 409).
(3)
زيادة في (ب).
(4)
مُحَمَّدُ بنُ عبد الرحمن بن أَبِي لَيْلَى العَلاَّمَةُ الإِمَامُ مُفْتِي الكُوْفَةِ، وَقَاضِيهَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ الكُوْفِيُّ، قال القَاضِي أَبَا يُوْسُفَ: مَا وَلِيَ القَضَاءَ أَحَدٌ أَفْقَهُ فِي دِيْنِ اللهِ، وَلَا أَقرَأُ لِكِتَابِ اللهِ، وَلَا أَقْوَلُ حَقّاً بِاللهِ، وَلَا أَعفُّ عَنِ الأَمْوَالِ مِنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. توفي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَوَمائَةٍ. انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 402)، الأعلام للزركلي (6/ 189).
(5)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 222).
وكذلك إن نوى ثنتين؛ لأنّ هذا نية العدد وهي لا تسع في هذا اللّفظ، فيكون واحدة ثانية - كذا في «المبسوط»
(1)
- كأنّها قالت: اخترت نفسي بمرة واحدة، وإنّما تصير مختارة بمرّة واحدة إذا وقع الثّلاث، وَهُوَ فِي الْأُولَى الِاخْتِيَارَةُ، أراد بالأولى قوله: قد اخترت نفسي بواحدة، وفي الثّانية التّطليقة أراد بالثانية قوله: ولو قالت طلقت نفسي واحدة، وإنّما كان كذلك؛ لأنّ الواحدة صفة فلابدّ لها من موصوف، وهو محذوف، فوجب إثبات ذلك على حسب ما يدل عليه المذكور السابق، والمذكور السّابق في الأوّل قولها: اخترت فيجب إثبات الاختيارة التي يدل عليها اخترت.
وفي الثّالثة: يجب إثبات الطّلقة، وهي عبارة عن الواحدة، فيقع واحدة عن الواحدة فيقع واحدة.
فإن قيل: كما يجوز أن يراد بها الطلقة الواحدة، فكذا يجوز أن يراد بها المرّة الواحدة كما يقال ضربته ضربة.
ألا ترى إلى ما قالوا: لفعله للمرأة، والفعلة للحالة، والمفعل للمصدر، والمفعل للآلة، فلمَ كان إرادة ذلك أولى من إرادة هذا؟.
قلنا: إنما يراد به [المرة] إذا كانت مرتبة على فعل مصرف من مصدرها، كما في ضربته ضربة.
وأمّا إذا لم يكن فلا ومصدرها الطّلاق دون التّطليق، ثم لو أريد بها التّطليقة وقع التّعارض بين إرادة المرأة والتّطليقة فإثبات التّطليقة أولى لكونها منتفياً بها، إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية»
(2)
.
قوله رحمه الله: (وقد حقّقناه من قبل) إشارة إلى قوله: في فصل الاختيار (لا يتنوع لم يدخل فيه اللّيل) وفائدته تظهر في موضعين:
أحدهما: أنّها لو اختارت نفسها في اللّيل لا يقع.
والثّاني: أنّها لو روت الأمر في اليوم فاختارت زوجها يبطل في ذلك اليوم خاصة، ولا يبطل أبدًا، بل يكون الأمر في يدها بعد الغد، والمسألة الثّانية: وهي قول: أمرك بيدك اليوم وغدًا، لما دخلت فيها اللّيلة خالفت هي هذه المسألة في هذا الحكمين؛ لأنّه صرّح بذكر وقتين بينهما وقت من جنسهما لم يتناوله الأمر وهو الغد، فإنّها لو اختارت نفسها في الغد لا تطلّق لأنّه لم يتناوله الأمر.
وإنّما ذكر قوله: من جنسها احترازاً عن قوله: أمرك بيدك اليوم وغدًا، فإنّه دخل فيه اللّيلة، وإن لم يكن من جنس اليوم والغد، لما أنّ المراد منه مد وقت واحد بيومين، فيدخل فيهما اللّيلة ضرورة، وإن لم يكن من جنسهما، وههنا لم يدخل الغد وإن كان من جنس اليوم، وبعد غد علم أنّ المراد منه تحديد الأمر لها في كلّ واحد من الوقتين المذكورين، معتبراً كلّ واحد منهما منفردًا لا متّصلاً، ويذكر اليوم بعبارة الفرد لا يدخل فيه اللّيل: وقال زفر
(3)
هما أمر واحد وكذلك لو قال: اليوم ورأس الشّهر؛ لأنّه عطف أحد الوقتين على الآخر من غير تكرار لفظ الأمر، فيكون أمراً واحداً، كما في قوله:(اليوم وغدًا)، ولكنا نقول: أحد الوقتين المذكورين ههنا غير متّصل بالآخر، بل بينهما وقت غير مذكور لا يثبت فيه حكم الأمر، فعرفنا أنّه ليس المراد بذكر الوقت الثاني امتداد الأمر الأوّل، فاقتضى ضرورة إيجاب أمر آخر، فأمّا إذا قال وعداً فأحد الوقتين متّصل بالوقت الآخر، فكان ذكر الغد لامتداد حكم الأمر، فلا يثبت به الأمر الآخر إذ لا ضرورة فيه - كذا في «المبسوط»
(4)
-، وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ يَحْتَمِلُهُ؛ أي: يحتمل التأقيت فلما يوقت الأمر باليوم الأوّل، وانقطع مجيء الغد لم يعد الانقطاع إلا بتحديد الأمر، فاقتضى ذكر ما بعد الغد بسبب العطف على اليوم أمراً آخر، فصار كأنه قال: نايباً أمرك بيدك بعد غد فيكون الأمر في يدها بعد الغد.
(1)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 222).
(2)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 222).
(3)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 223).
(4)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 223).
وأمّا الطّلاق فلا يحتمل التّأقيت حتّى ينقطع بمضي اليوم، فبقي الوصف في بعد الغد بطلاق واحد، فلم يقتض واقعًا آخر- كذا في «مبسوط فخر الإسلام» رحمه الله؛ لأنّها لا تملك ردّ الأمر، كما لا يملك ردّ الإيقاع، معنى هذا الكلام هو أنّه ليس للمرأة أن تردّ الأمر باليد الذي صدر من زوجها، كما ليس لها أن ترد وقوع الطّلاق الذي أوقعه زوجها عليها بقوله: أنت طالق؛ أي: ليس للمرأة أن ترد الأمر باليد الذي صدر من زوجها كما ليس لها أن ترد وقوع الطّلاق الذي أوقعه زوجها عليها بقوله: أنت طالق أي: ليس للمرأة أن تقول لا أقبل الأمر باليد، بعدما قال لها الزّوج: أمرك بيدك، فإن الأمر باليد يثبت لها إذا قال الزّوج: أمرك بيدك من غير قبول منها، كما يثبت إيقاع الطّلاق عليها إذا قال الزّوج لها: أنت طالق من غير قبول منها.
فإذا كان كذلك كان الأمر باقياً في الغد كما كان فكان لها أن تختار نفسها غدًا، وذكر الإمام شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله في «الجامع الصّغير»
(1)
في هذا الموضع، ولو اختارت زوجها اليوم بأن ردّت الأمر لم يكن لها أن تختار نفسها غدًا، إلا في رواية عن أبي حنيفة
(2)
رحمه الله، ذكره الكرخيّ رحمه الله أنّ لها أن تختار نفسها غدًا، وجعل ردها الأمر في اليوم بمنزلة قيامها عن المجلس إذ اشتغالها بعمل آخر، فيكون لها أن تختار نفسها غدًا، وكأنه ذهب إلى أنّها لا تملك ردّ الإيقاع.
ألا ترى أنّه لا يتوقت ضرورة الأمر في يدها على قبولها.
فكذلك لا يريد بردها - وجه ظاهر الرواية- أنّ الوقت المذكور ههنا بمنزلة المجلس في قوله: أمرك بيدك مطلقاً، وهناك لو اختارت زوجها خرج الأمر عن يدها، وإن بقي المجلس فههنا إذا اختارت زوجها يخرج الأمر من يدها أيضاً؛ وهذا لأنّ لها الخيار بين أن يختار نفسها بإيقاع الطّلاق وبين أن تختار زوجها يرد الأمر، ولو اختارت نفسها طلقت، ولم يبق لها خيار في الغد، فكذلك إذا اختارت زوجها قلنا لا يبقى لها الخيار في الغد.
وعن أبي يوسف
(3)
رحمه الله أنّه إذا قال: أمرك بيدك اليوم، وأمرك بيدك غدًا أنّهما أمان، حتّى إذا اختارت زوجها اليوم ثم جاء الغد صار الأمر في يدها، جعل شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله
(4)
هذه الرواية صحيحة، فقال: وهو صحيح، لِمَا أَنَّهُ ذَكَرَ لِكُلِّ وَقْتٍ خَبَرًا عرفنا أنّه لم يرد اشتراك الوقتين في خبر الواحد، وجعل الإمام قاضي خان رحمه الله هذه الرّواية أصل الرواية
(5)
، ولم يذكر فيه خلاف أحد، ثم قال: وروى ابن سماعةعن محمّد رحمه الله: لو قال لها: أمرك بيدك اليوم، كان الأمر بيدها إلى غروب الشّمس، ولو قال: أمرك بيدك في اليوم، فقامت عن مجلسها بطل وهو على ما ذكرنا من الأصل في قوله:(أنت طالق غدًا أنت طالق في غد)، فَيَحْمِلُ الْيَوْمَ الْمَقْرُونَ بِهِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ، أي: اليوم المقرون بالأمر باليد، ولما لم يعلم بالقدوم حتّى غربت الشّمس، فإنّما علمت بعد انقضاء مدّة الأمر فلا يبقى الأمر في يدها، كما جعل أمرها بيدها غدًا وهي غائبة، كان لها الخيار إذا علمت، قال: طلقت نفسها قبل العلم لم يطلق، في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله- لأنّ أوامر الشّرع لا تلزم بدون العلم فأوامر العباد كان أولى أن لا تثبت كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله.
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 386)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 116).
(2)
يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 116)، والدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 327)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 348).
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 223)، والعناية شرح الهداية (4/ 92).
(4)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 223)، والعناية شرح الهداية (4/ 92).
(5)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 223)، والعناية شرح الهداية (4/ 92).
فإن قلت: فقد وجد في هذه المسألة فعل ممتد، وهو الأمر باليد وفعل غير ممتد وهو القدوم، فلماذا ترجّحت جهة الفعل الممتد حتى حمل اليوم على بياض النّهار، ولم يرجح جانب الفعل الذي هو غير ممتدّ وهو القدوم، فلماذا ترجحت جهة الفعل الممتد حتى حمل اليوم على بياض النّهار، ولم يرجح جانب الفعل الذي هو غير ممتد حتّى يحمل اليوم على مطلق الوقت؟.
قلت: جواب هذا وما يلحق به من الشبهة قد ذكرت في آخر فصل إضافة الطّلاق إلى الزّمان في قوله: ومن قال لامرأته: يوم أتزوّجك فأنت طالق.
قوله رحمه الله: وقد حقّقناه من قبل، إشارةإلى ذلك الموضع أيضاً (وَإِذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، أَوْ خَيَّرَهَا فَمَكَثَتْ يَوْمًا لَمْ تَقُمْ، فَالْأَمْرُ فِي يَدِهَا مَا لَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ) - دينيا ذلك العمل أو دنيوياً -، فإذا حدث في عمل آخر على وجه يعرف أن ذلك العمل قطع حكم اتخاذ المجلس خرج الأمر من يدها، وسيأتيك بعد هذا بيان أنواع ذلك العمل وأضداده.
فإن قلت: في الأمر باليد أحكام متناقضة، فلابدّ من التّوفيق، فإنّه ذكر قبل هذا ولو قال: أمرك بيدك اليوم وغدًا يدخل اللّيل فلا يبطل هناك الأمر باليد في اليومين، وإن قامت عن المجلس
(1)
؛ لأنّه لو بطل بالقيام عن المجلس لم يكن لتقييده باليومين فائدة لما أن المرأة إذا لم تقم عن مجلس لا يخرج الأمر من يدها فإن بقيت أيامًا وشهورًا.
وكذلك إن كانت غائبة، ولم يسمع الأمر باليد بيدها إلى ما وراء المجلس كذا في الذّخيرة
(2)
.
وقال ههنا يبطل بالقيام عن المجلس، ولو قلت: عدم بطلانه في المسألة الأولى باعتبار أن وقته بيومين لا يصح أيضاً، لما أنّ فيه معنى التّمليك أو التّعليق كما ذكر في الكتاب، فكلاهما غير قابل للتّوقيت كالبيع والهبة والطّلاق والعتاق، وذكر في الذّخيرة
(3)
أيضاً إذا جعل أمر امرأته بيدها أو بيد أجنبي ثم أنّها ردّت الأمر أو رده الأجنبي لا يبطل الأمر؛ لأنّ هذا تمليك شيء لازم فيقع لازمًا والمسألة مروية عن أصحابنا.
وذكر في الكتاب
(4)
ولو قال: أمرك بيدك اليوم وغدًا وإن ردت الأمر في يومها لا يبقى الأمر في يدها فكان قابلاً للردّ فلو قلت: إن قبول الردّ فيما ذكر في الكتاب باعتبار أنّه موقت فقد ذكر في المطلق أيضاً، وهو الذي نحن فيه أنّه يريد بالقيام عن المجلس فكان المطلق أيضاً قابلاً للرد.
(1)
انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 207).
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 239).
(3)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 223).
(4)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 223).
وذكر في فصول
(1)
الاستروشني
(2)
إذا جعل الرجل أمر امرأته بيدها ثم طلّقها طلاقاً باينًا خرج الأمر من يدها وذكر في موضع آخر فيها لا يخرج الأمر من يدها، وإن كان الطّلاق باينًا فلابدّ من دفع هذه المناقضات فيه تظهر فقهالمرأ وكثرة مطالعاته وامتداد مراجعاته في تفتيش المعاني بإحياء الليالي ومحى الدعة والتواني.
فصل
قلت: وبالله التوفيق. اعلم أنّ الأمر باليد فيه مَعْنَى التَّمْلِيكِ ومعنى التّعليق، أمّا التمليك فلما ذكر في الكتاب
(3)
؛ لأنّ المالك هو الذي يتصرف لنفسه وهذا كذلك، وأن المرأة عاملة لنفسها ولا يكون نايبة عن الغير.
وأمّا التّعليق فإنّ الإيقاع وإن صدر من غير الزّوج؛ إلا أن الوقوع مضاف إلى معنى من قبل الزّوج على وجه يوجد الإيقاع من المرأة أم لا، فصار كأنّه قال لها: إن طلقت نفسك، فأنت طالق، وبناء هذه الأحكام لوجود هذين المعنيين والتّمليك والتّعليق يتنافيان معنى وحكمًا، لما أنّ التّمليك يقتضي التعدد قطعًا، والتّعليق يقتضي التردد، فلذلك يبرأ؛ أي: الأحكام المبنية عليهما متناقضة.
لكن الشّأن في التّخريج ثم التّمليك فيه معتبر بتمليك المنافع كالإجارة
(4)
والعارية
(5)
، لا بتمليك الأعيان كالبيع والهبة، وبهذا خرج الجواب عن المسألة الأولى، فإن الإجارة والعواري قابلة للتّوقيت وإن كانت للتّمليك فكذا هنا.
وذكر في «الذّخيرة»
(6)
: ولا يسقط بالقيام عن المجلس في الأمر الموقت بوقت ولا بشيء آخر؛ لأن في هذا التّفويض معنى التّعليق والتّوقيت يلائم التّعليق فصح التّوقيت من حيث أنه يتضمّن التّعليق، وإذا صحّ التّوقيت في الأمر باليد صار الطّلاق بيدها في هذه المدة التي وقتها، فلو بطل الأمر بعد ذلك بقيامها عن المجلس أو بشيء آخر لم يكن للتأقيت حينئذ فائدة، ولما لم يكن في الأمر المطلق توقيت يراعي وجوده واعتبرنا جانب التمليك، فقلنا بالاقتصار على مجلس العلم، واعتبرنا معنى التعليق، فقلنا ببقاء للإيجاب إلى ما وراء المجلس إذا كانت غائبة عملاً بالدّليلين بقدر الإمكان.
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 346).
(2)
محمد بن محمود الأستروشني، له كتاب "الفصول" في الفتاوى، وقال عبد القادر: الشروشني. والله أعلم. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 279).
(3)
ينظر: النهر الفائق شرح كنز الدقائق (2/ 382).
(4)
الإِجارة: عبارة عن العقد على المنافع بعوض هو مال، فتمليكُ المنافع بعوضٍ إجارةٌ وبغير عوضٍ إعارةٌ. ينظر: التعريفات الفقهية (ص: 16).
(5)
الْعَارِيَّةُ: مَا يُسْتَعَارُ فَيُعَارُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّدَاوُلُ. ينظر: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 98).
العرية: إعارة الأعيان التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، كالثوب والدواء والعبد والدابة. ينظر: انيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء (ص: 94).
(6)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 241)
وأمّا المسألة الثانية فقد ذكر الإمام الاستروشني رحمه الله
(1)
فقال: ولو جعل أمرها بيدهاأو بيد أجنبي ثم أنّها ردت الأمر أورده الأجنبي لا يصح، وقد ذكر قبل هذا أنّه يريد بالردّ ووجه التّوفيق بينهما أنّ الأمر باليد؛ يريد بالردّ عند التفويض، أمّا بعد ذلك فلابدّ بالردّ قال نظير هذا مسألة ذكرها صاحب «المحيط»
(2)
في أوّل إقرار فتاواه، وهي رجل أقر بشيء لرجل وصدقة المقرّ له، ثم ردّ إقراره لا يصحّ الرد، وحاصله أنّ الأمر باليد بمنزلة إبراء الدّين من حيث أنّ ثبوته للمرأة لا يتوقف على القبول على ما ذكرت من «الجامع الصّغير»
(3)
لشمس الأئمة، ولكن يريد بالردّ عند ابتداء التّفويض كإبراء الدّين، فإنّه كذلك حيث يسقط الدّين من غير قبول المديون، ولكن يريد بالردّ لما فيه من معنى الإسقاط ومعنى التّمليك، أمّا الإسقاط فإن الدّين عبارة عن وصف شرعي في الذّمة يظهر أثره عند المطالبة، فبالإبراء أزال هذا الوصف فكان إسقاطاً كالإعتاق.
وأمّا التّمليك فلقوله تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
…
تَعْلَمُونَ}
(4)
سمى إبراء الدين التصدّق، والتصدّق عبارة عن التّمليك.
وأمّا المسألة الثّالثة: وهي أنّ الذي قاله يخرج الأمر من يدها في الطّلاق البائن هو فيما إذا كان الأمر باليد منجزًا خالياً عن الشرط، فإن قال لها: أمرك بيدك، والذي قاله لا يخرج الأمر من يدها في الطّلاق البائن فيما إذا كان الأمر باليد معلّقاً بالشّرط بأن قال: أكر ترابزنم
(5)
، أو قال: واكراز تو غايب شوم
(6)
، أو ما أشبه ذلك فأمرك بيدك، ثم أنّه خالعها أو طلّقها] طلاقا
(7)
بائنًا لا يبطل الأمر حتّى لو تزوّجها ثم ضربها أو غاب عنها، يصير الأمر بيدها سواء تزوّجها في العدّة أو ما بعد ما انقضت العدّة، ولو طلقها ثلاثاً وتزوّجت بزوج آخر، ثم عادت إلى الأوّل، ثم ضربها لا يصير الأمر بيدها، وهي مسألة أن التنجيزبالثلاث يبطل التعليق عندنا، خلافاً لزفر رحمه الله كذا في الفصول في الفصل الحادي والعشرين.
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 346)
(2)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 241)
(3)
انظر الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 402).
(4)
[البقرة: 280].
(5)
كلمة فارسيه ومعناها: إذا ضربتك.
(6)
كلمة فارسيه ومعناها: إذا غبت عنك.
(7)
زيادة في (ب).
وذكر في «الذّخيرة»
(1)
: ثم الأمر باليد قد يكون مرسلاً، وقد يكون معلقاً، بالشّرط بأن قال: إذا قدم فلان فأمر امرأتي بيدها، أو قال: بيد فلان فإن كان مرسلاً فهو على وجهين: إن كان مطلقاً غير موقت فحكمه ما ذكرنا، أنّ المفوّض إليه إن كان يسمع فالأمر بيده ما دام في ذلك المجلس، وإن لم يسمع أو كان غائباً فإنّما يصير الأمر بيده إذا علم أو بلغه الخبر، فيكون الأمر في يده مادامفي مجلس العلم، والقبول في المجلس ليس بشرط ولكن إذا ردّ المفوّض إليه ذلك يريد برده، وهذا لما ذكرنا أنّ الأمر باليد يتضمّن معنى التّمليك ومعنى التّعليق والقبول في التّعليقات ليس بشرط، فاعتبرنا معنى التعليق فلم يشترط القبول من المفوّض إليه، واعتبرنا معنى التّمليك قلنا يريد بالردّ عملاً بالمعنيين بقدر الإمكان.
وأمّا إذا كان ههنا مؤقت بوقت بأن قال: أمر امرأتي بيد زيد اليوم فإن علم المفوّض إليه بالأمر مع بقاء شيء من الوقت فله الخيار في بقيّة الوقت، ولا يبطل بالقيام من المجلس، وإن مضى الوقت قبل علم المفوض إليه بذلك ينتهي الأمر؛ لأنّه خصّ التّفويض بزمان فلا يبقى بعد مضي ذلك الزّمان وأمّا إذا كان الأمر معلّقاً بالشّرط، فإنّما يصير الأمر في يد المفوّض إليه إذا جاء الشّرط.
وإذا جاء الشّرط فإن كان الأمر مطلقاً غير مؤقت بوقت صار الأمر في يده في مجلس علمه، والقبول في ذلك المجلس ليس بشرط لكن يريد بالردّ، وإن كان مؤقتاً فعلم المفوض إليه بالأمر، مع بقاء شيء من الوقت والأمر في يده ما دام ذلك الوقت باقياً، وإذا مضى الوقت قبل العلم ينتهي الأمر، كما إذا قال إذا قدم زيد وأمرك بيدك يومًا، ثمّ المرأة التي كان الأمر في يدها لو قالت: طلاق افكندم تطلق نوت الطّلاق أم، ولو قالت: أمرا فكندم تطلق إن نوت الطّلاق؛ لأنّ هذا اللّفظ في العرف معيّن لإيقاع الطّلاق.
قوله رحمه الله: (مَا لَمْ تَأْخُذْ فِي عَمَلٍ آخَرَ)، يراد به عمل يعرف أنّه قطع لما كان فيه، لا مطلق العمل، حتى لو لبست ثيابها من غير قيام أو أكلت أو شربت أو قرأت قليلا من القرآن أو ما أشبه ذلك، ما هو من عمل الفرقة كانت هي على خيارها، وهذا الذي ذكرته كما يكون في قوله: أمرك بيدك، كذلك يكون في قوله لامرأته، اختاري نفسك وفي قوله طلّقي نفسك.
وفي قوله: (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ) وفي قوله لأجنبي: أمر امرأتي بيدكأو قال له: طلقها إذا شئت أو إن شئت أو أمر امرأتي بيدك في أن يخلعها، وكذا في قوله: اعتق عبدي إذا شئت، بخلاف الوكيل بالبيع إذا قيل له: بعه إن شئت، حيث لا يقتصر على المجلس؛ لأنّ البيع لا يحتمل التّعليق فلم يتقيّد بالمجلس.
(1)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 240).
بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي ضَرَّتَك لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌوإنابة، ولهذا يملك الرجوع عنه كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله
(1)
.
وفي «فتاوى أهل سمرقند» : أمر امرأتي بيدها، فقالت المرأة: أعطني كذا إن طلقتني، فقال الزّوج: لا أدري ما هذا؟ فقالت المرأة: إن جعلت أمري بيدي فقد طلقت نفسي، لا تطلق؛ لأنّها تكلمت بكلام زائد، وهو قوله: أعطني كذا إن طلقتني، وقولها: إن جعلت أمري بيدي فقد قطعت المجلس.
ومنها أيضاً: رجل قال لامرأته: أمر ثلاث تطليقاتك بيدك، فقالت له: لم لا تطلقني بلسانك، فقالت: طلقت نفسي طلقت؛ لأنّ قولها لم لا تطلّقني بلسانك ليس برد التمليك وكان لها أن تطلق نفسها بعد ذلك، وفيه نوع نظر؛ لأنّه يتبدّل به المجلس من حيث أنّه كلام زائد كذا في «المحيط»
(2)
و «الذّخيرة»
(3)
.
والأوّل أصحّ احتراز عن الرواية الأخرى (أَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ) ففيه روايتان، والصّحيح أنّه لا يبطل خيارها؛ لأن مستجمع الرأي ببكاء مرّة ويقعد أخرى، وإن شتمت أو قرأت شيئاً قليلاً لم يبطل خيارها؛ لأنّه قد يفعل ذلك للاستخارة إلا إذا طال - كذا في «الإيضاح» - ودليل قوله وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ أيضاً، هو أن من حرية إصابة أمر قد يستند للتفكر لما أن الاستناد سبب للرّاحة، كالقعود في حق القائم، ولأنّ الاتكاء نوع جلسه فلا يعتبر به ما هو الثابت للجالس.
وفي «المبسوط» : وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَتَمَّتْ صَلَاتَهَا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ قَطْعِ الصَّلَاةِ قَبْلَ إتْمَامِهَا، فَلَا تَتَمَكَّنُ مِنْ الِاخْتِيَارِ مَا لَمْ تَفْرُغْ، دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ بِتَرْكِ الِاخْتِيَارِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ وَالْوَتْرُ فِي هَذَا كَالْمَكْتُوبَةِ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ قَطْعِهَا قَبْلَ تَمَامٍ فَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ إذَا كَانَتْ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَأَتَمَّتْ ذَلِكَ الشَّفْعَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ وَالرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَكُونُ صَلَاةً مُعْتَبَرَةً، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاَللَّهِ مَا أَجَزْت رَكْعَةً قَطُّ وَإِنْ تَحَوَّلَتْ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ فَاشْتِغَالُهَا بِالشَّفْعِ الثَّانِي دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ افْتَتَحَتْ الصَّلَاةَ بَعْدَ مَا خَيَّرَهَا الزَّوْجُ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ إذَا كَانَتْ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ حِينَ خَيَّرَهَا فَأَتَمَّتْ أَرْبَعًا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَ تُؤَدَّى بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عَادَةً
(4)
.
(1)
ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 46).
(2)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 243).
(3)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 243).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 213).
(وَالسَّفِينَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ)؛ يريد بهذا أنّ السفينة ما سارت لا يبطل خيارها، بخلاف الدّابة إذا سارت حيث يبطل الخيار، لما أنّ السّفينة لا يجريها راكبها بل هي تجري به، قال الله تعالى:{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ}
(1)
، وسير الدّابة مضاف إلى راكبها فكان ذلك كمشيها في حكم تبدل المجلس إلا أن تكون الدّابة واقعة أو تكون سايرة اختارت نفسها متّصلاً بتخيير الزّوج من غير سكوت بين الكلامينفحينئذ يصح اختيارها؛ لأنّ دليل الاعتراض إنّما يتحقق بسكوتها بعد تخيير الزّوج ولم يوجد وكذلك إن كان معها على تلك الدّابة أو كان في محل واحد وهكذا الجواب في البيع إن اتصل قبول المشتري بإيجاب البايع من غير سكتة بينهما في هذا الفصل ينعقد البيع وإلا فلا كذا في «المبسوط»
(2)
والله أعلم بالصّواب.
فصل في المشيئة
وقد تقدم ذكر وجه المناسبة، وقد أراد الزّوج ذلك وقعن عليها، وقد أشبعنا الفرق بين هذا وبين قول الزّوج طلقت، ونوى الثّلاث حيث لا يصحّ نية الثّلاث هناك، وصحت ههنا في أوائل باب إيقاع الطّلاق، فقالت:(أَبَنْت نَفْسِي طَلَقْت)، أي: طلقت طلاقاً رجعياً، وكذا لو قالت: أنا باين أوحرام أوبرية - كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله
(3)
- فيلقوا الوصف الزائدوهو الإبانة، ويثبت الأصل وهو نفس الطّلاق.
فإن قلت: يشكل على هذا اذا قال الزّوج لها طلقي نفسك نصف تطليقه، فطلقت نفسها تطليقه لم تقع، وكذا لو أمرها بثلاث فطلقت نفسها ألفاً لا يقع، والمسألتان في «الجامع الصّغير»
(4)
للإمام التمرتاشي، مع أنها أتت بالأصل والزايد، فيجب على ما ذكر في الكتاب أن يثبت الأصل ويلغوا الزايد.
قلت: ما ذكر في الكتابمن الزائد وهو وصف وهو الإبانة، فيصحّ أن يلغي الوصف لانحطاط درجته، فكان في الإتيان بالأصل موافقة للزّوج فتطلق، أما ههنا ففي المسألة الأولى النّصف الثّاني أصل كالنّصف الآخر، فلم يثبت التبعية، فكانت هي بالإتيان بالواحدة مغيرة للفظ لا موافقة فلا يصحّ جواباً فيلغوا، ولأنّ الزّوج ملكها نصف الطّلاق الذي يقع سارياً فإذا أوقعت الواحدة لا تكون آتية بما فوّض إليها فلا تقع.
(1)
[هود: 42].
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 213).
(3)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 225).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 241)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 225).
وفي المسألة الثّانية: المرأة ليست بمالكة للطّلاق، وإنما تملك ما ملكت من الطّلاق بقدر التّفويض والأمر؛ فإذا خالفت لم يصح إيجاب الألف جملة، فلم يثبت ما في ضمنه من الثّلاث.
بخلاف الرجل إذا طلق امرأته ألفاً فإنّ الثّلاث تقع؛ لأنّ الرجل يتكلم بالطّلاق عن ملك لا عن أمر، فهو بمالكيته ما يشاء من العدد، إلا أنّه لا ينفذ إلا بقدر المحل فإن المحل شرط النّفاذ لا شرط الإيجاب، وإذا كان كذلك صح إيجاب الألف في نفسها فثبتت ما في ضمنها من الثّلاث، ويعد بقدر المحل - إلى هذا أشار صاحب «الأسرار» والإمام التمرتاشيرحمه
الله-
(1)
.
قوله: وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، هذا شرح، لا طلاق، جواب محمّد رحمه الله وهو قوله: طلقت، فإن محمدًا رحمه الله لم يتعرض لوصف الإبانة فكان رجعياً نظراً إلى الطّلاق وهو المتيقن
(2)
.
قوله: بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ، متعلّق بقوله: لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ؛ إلى آخره.
ولأنّ الكتابة
(3)
إذا صلحت صفة للصّريح يصير الصّريح عند ذكر الكتابة في مضمون الكلام فيصحّ جواباً؛ لأنّ الجواب تارة يكون صريحًا وتارة يكون ضمنًا، وفيما نحن فيه البينونة تصلح صفة للصّريح؛ لأنّ الصّريح يصير باينًا بانقضاء العدة، وكذلك إذا لم يكن مدخولاً بها بخلاف الاختيار؛ لأنّ الطّلاق لا يصير اختياراً قط، فلم يصلح جواباً، فكان هذا منها إعراضاً، فلا يقع شيء، وخرج الأمر من يدها، لاشتغالها بما لا يعنيها -كذا في «الفوائد الظهيرية»
(4)
-، وإن قال لها: طلقي نفسك، فليس له أن يرجع عنه؛ لأن فيه معنى اليمين إلى قوله، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي ضَرَّتَك لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ.
(1)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 227).
(2)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 98).
(3)
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ وَانْعِقَادِهَا بِالْكِتَابَةِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْقَبُول أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ بُلُوغِ الْكِتَابِ، لِيَقْتَرِنَ بِالإْيجَابِ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ، وَجَعَل الشَّافِعِيَّةُ الْكِتَابَةَ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ، فَتَنْعَقِدُ بِهَا الْعُقُودُ مَعَ النِّيَّةِ. قال الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَتَبَ طَلَاقَهَا بِالصَّرِيحِ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ. وَإِنْ كَتَبَهُ بِالْكِنَايَةِ فَهُوَ كِنَايَةٌ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ كَتَبَهُ عَازِمًا عَلَى الطَّلَاقِ بِكِتَابَتِهِ، فَيَقَعُ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ كِتَابَةِ: هِيَ طَالِقٌ. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (4/ 10)(2/ 365)، وحاشية الدسوقي (3/ 3)، ومغني المحتاج (2/ 5)، وكشاف القناع (3/ 148)، ومواهب الجليل (3/ 419).
(4)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 355).
فإن قلت: من أين اختصّ جهة اليمين في الأمر بطلاق نفسها دون غيرها، وكذلك أمره غيره بأن يطلق امرأته توكيل لا يمين، حتّى صحّ الرجوع عنه، ومن أين اختصّ جهة التّمليك في الأوّل وجهة التّوكيل في الثّاني؟.
قلت: لما اختصّ أمر الزّوج لامرأته بطلاق نفسها بالتّمليك للمعنى الذي ذكر، أنّها تصرف لنفسها لا لغيرها، وكان ذلك التّمليك مثبوتًا بالتّعليق؛ لأن فيه تعليق وقوع الطّلاق بتطليقها كان يمينًا؛ لأنّ كلّ تعليق يوجد من الزّوج في الطّلاق هو يمين
(1)
؛ لأنّ الطّلاق ممّا يُحلف به فكان يمينًا، واليمين لا يقبل الرجوع بإجماع الأمة؛ لأنّ الأيمان تعقد للزجر عن الأفعال أو للحمل على الأفعال على وجه التّأكيد.
ولو قبلت الرجوع ما أفادت فائدتها، فلما كان فيه معنى اليمين والتّمليك قلنا: باللّزوم لمعنى اليمين وبالاقتصار على المجلس لمعنى التمليك، فلذلك لم يمكن الرجوع للزّوج عمّا أمر لامرأته بطلاق نفسها، وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله أنّ قوله: طلق امرأتي أو طلّقي ضرّتك توكيل؛ لأنّ التوكيل من يعمل لغيره والأجنبي يعمل لغيره، وأمّا المرأة في قول الزّوج لها طلّقي نفسك فبالطّلاق يعمل لنفسها، والتّوكيل لا يقتصر على المجلس؛ لأنّه لو اقتصر على المجلس ربما لا يقدر على الفعل في المجلس، فلا يحصل العرض ويملك الرّجوع عنه؛ لأنّه يعمل للموكّل وفي لحوق المنة ضرّر به فكان له أن يرجع، أمّا قوله: طلقي نفسك تمليك وأنّه تقتصر على المجلس لما قلنا من إجماع الصّحابة رضي الله عنهم في خيار المخبرة، ولأنّ قوله طلّقي نفسك مشتمل على التمليك والتّعليق
(2)
.
أمّا التّمليك فلما قلنا، وأمّا التّعليق فلأنّ وقوع الطلاق معلق بقبول المرأة، فإن اعتبرناه تعليقاً كان لازمًا؛ لأنّ تعليق الطّلاق لازم، وإن نظرنا إلى التمليك يكون لازمًا أيضاً فيكون لازمًا على كلّ حال، أمّا قوله لأجنبي طلّق امرأتي يشتمل على التّوكيل والتّعليق، وأنّ التّعليق وإن كان يقتضي اللزوم، فالتوكيل لا يقتضي اللّزوم بل يمنع فلا يثبت اللزوم؛ لأنّ اللزوم لم يكن ثابتًا.
(1)
اليمين في الطلاق، قال الجمهور - من الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية -: لا نفرق بين ما كان جاري مجرى اليمين وبين غيره، وهو عندهم سواء، أي: إن كان قاصداً التعليق أو التهديد أو البر وعدمه، وقال ابن تيمه وابن القيم بالتفريق بين ما يجري مجرى اليمين، وما لا يجري مجرى اليمن، فما كان مجرى اليمين لا يقع، وما لا يجري مجرى اليمين يقع. انظر: المغني (3/ 316)، والدر المختار (3/ 341)، وحاشية الدسوقي (2/ 693)، ومجموع الفتاوى (33/ 188)، وإعلام الموقعين (3/ 92).
(2)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 269).
قوله:
(1)
والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته واختيار له، وأمّا غير المالك فيطلب منه التّصرف حتمًا، فإذا ذكر المشيئة على وجه الشّرط فيما يحتمل التّعليق يصح ذكر المشيئة، ويصير لازمًا بخلاف التّوكيل بالبيع؛ لأنّه ذكر المشيئة على وجه الشّرط والبيع لا يحتمل التّعليق بالشّرط، فلا يصحّ ذكر المشيئة، وبدون المشيئة لا يصير لازمًا، كذا ذكره الإمام قاضي خان.
فإن قيل: هذا توكيل للبيع لا البيع نفسه والتّوكيل به قابل للتّعليق.
قلنا: اعتبر التوكيل بالبيع بأصل البيع، ثم قوله: والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته.
فإن قيل: لو قال لأجنبي: طلّق امرأتي، كان الوكيل منصرفاً أيضاً عن مشيئة واختيار، فلمَ لا يكون تمليكًا على التّفسير الذي قال؟ قلنا: إنّما نشأذلك الاختيار والمشيئة من عدم نفاذ إلزام الأمر عليه، لعدم الولاية لا من الصيغة، فإنّ الصيغة ملزمة إذا صدرت من ذي ولاية، ولمّا قال للأجنبي: إن شئت، ثبتت فالمشيئة جاءت من الصيغة صريحًا، وأثبتت خاصية المالكية مكان هذا الكلام للتّمليك لا للإلزام.
ألا ترى أنّ الله تعالى لو قال: اعملوا كذا إن شئتم، لم يكن إلزاماً، فكان تمليكًا بخلاف المشيئة الثّابتة للوكيل في ضمن عدم نفاذ ولاية إلزام الأمر، وكلامنا في المالكية المستفادة من الصيغ، وذكر في «المبسوط» ، وإذا قال لغيره: طلّق امرأتي، فهو رسول معناه أنّ الوكيل في الطّلاق والرسول
(2)
سواء؛ لأنّه سفير، ومعبّر والرسالة
(3)
لا يختصّ بالمجلس، فكان له أن يطلّقها بعد المجلس
(4)
، (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْهَا إنْ شِئْت)، كان ذلك على المجلس عندنا حتّى لا يملك الإيقاع بعد قيامه عن المجلس، لأنّا نقول بآخر كلامه، فتبيّن أنّ مراده تمليك أمرها منها لا الرسالة، وجواب التّمليك مقتصر على المجلس، كما لو خاطبها به، وحاصل هذا أنّ في حقّها لا يتحقّق الرسالة، فإنها لا تكون رسولاً إلى نفسها، فيكون تمليكًا، سواء قال لها: طلّقي نفسك بدون ذكر المشيئة، أو قال: إن شئت، وفي حق الأجنبي يتحقّق الرسالة والتّمليك جميعًا، فإذا قال: طلّق، كان رسالة، وإذا قال: إن شئت، كان تمليكًا لأمرها منه، وعلى هذا يقول إذا قال: له (طلّقها)، له أن يعزله قبل الإيقاع، (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْهَا إنْ شِئْت)، لم يكن له أن يعزله، كما لو ملك الأمر منها، ومالا يقع واحدة؛ لأنّها أتت بما ملكته، وزيادة بجرزيادة، وهذا لأنّ الواحديّة موجودة في الثلاث، فصار هو كما قالت: طلّقت نفسي واحدة وواحدة وواحدة.
(1)
زيادة في (ب).
(2)
الرَّسُولَ الذي يَنْقُلُ كَلَامَ الْمُرْسِلِ. يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 126).
(3)
الرِّسَالَةُ هِيَ أَنْ يَبْعَثَ الزَّوْجُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ الْغَائِبَةِ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ فَيَذْهَبُ الرَّسُولُ إلَيْهَا وَيُبَلِّغُهَا الرِّسَالَةَ عَلَى وَجْهِهَا. انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 126).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 203).
وكما لو قال لها: (طَلِّقِي نَفْسَك) فطلقت نفسها وضرّتها، أو قال لعبده اعتق نفسك فأعتق نفسه وصاحبه.
ألا ترى أنّه إذا قال لها: (طلّقي نفسك، فقالت: أَبَنْت نَفْسِي)، يقع عليها تطليقة رجعيّة وبما زادت من صفة البينونة لا ينعدم الموافقة في أصل الطّلاق، فكذلك إذا أوقعت الثّلاث؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الثَّلَاثِ الْبَيْنُونَةُ الْغَلِيظَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا، فَكَانَتْ مُبْتَدِئَةً فَيَتَوَقَّفُ إيقَاعُهَا عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ، كما لو قال لها: طلّقي نفسك، فطلقت ضرّتها
(1)
.
وبيان الوصف أنّ الثّلاث غير الواحدة، لأنّ الواحدة أصل العدد لا تركيب فيها، والثنتان والثّلاث اسم لعدد مركّب فكانت المغايرة بينهما على] سبيل
(2)
المضادة، بخلاف ما لو قالت: وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً؛ لأنّها بالكلام الأوّل يكون ممتثلة لما فوّض إليها، وفي الكلام الثّاني والثّالث مبتدئة، وكذلك إذا وقعت على نفسها وضرّتها.
فإن قيل: فكذلك ههنا بقولها: طلقت نفسي، تكون ممتثلة لو اقتصرت عليه، وإنّما تكون مبتدئة في قولها ثلاثاً، فيلغي هذه الزيادة.
قلنا: مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ؛، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وكذا لو ماتت قبل قوله ثلاثاً لا يقع الطّلاق، فإذا كانت مبتدئة في كلمة الإيقاع، لم يقع عليها شيء بدون إجازته، وبه فارق صفة البينونة؛ لأنّ قَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي أي طلقت نفسي تطليقة بائنة، وأصل الطّلاق إنّما يقع بقولها طلقت نفسي لما يذكر صفة البينونة، وهي في ذلك ممتثلة أمره، وهذا بخلاف ما لو قال: لها طلّقي نفسك ثلاثاً، فطلّقت نفسها واحدة، لأنّ الثّلاث غير واحدة.
ولكن من ضَرُورَةِ صَيْرُورَةِ الْأَمْرِ في يدها في الثّلاث، وقوع الواحدة بإيقاعها، فإنّها بعض ما صار مملوكًا لها، فإنّما ينفذ باعتبار أنّها تصرفت فيما ملكت، وههنا إنّما صارت الواحدة في يدها، وليس من ضرورة صيرورة] الواحدة في يدها صيرورة
(3)
الثّلاث في يدها، فهي في إيقاع الثلاثة غير متصرّفة فيما يملك ولا ممتثلة أمره - كذا في «المبسوط»
(4)
-، ولأبي حنيفة: أنها أتت بغير ما فوض إليها، فكانت مبتدئة فحينئذ يتوقف ما أتت به على إجازة الزّوج.
(1)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 198).
(2)
زيادة في (ب).
(3)
زيادة في (ب).
(4)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 199).
فإن قلت: قد ذكرت من «المبسوط» في أوّل فصل الأمر باليد: أنّ الزّوج إذا قال: لامرأته أمرك بيدك ونوى الواحدة، والمرأة طلقت نفسها ثلاثاً تقع واحدة
(1)
عندنا - خلافاً لابن أبي ليلى- فعلى ما ذكر ههنا ينبغي أن لا يقع شيء؛ لأنّها أتت بغير ما فوّض إليها؛ لأنّ الثّلاث غير الواحدة على ما ذكر.
قلت: الجواب ما مرّ هناك أيضاً، وهو: أنّ التّفويض لم يتعرّض هناك بشيء فقد يكون خاصاً وقد يكون عامًّا، فإذا نوى الواحدة فقدقصد تفويضاًخاصًا، وهو غير مخالف للظّاهر، فلما وقعت هي ثلاثاً فقد أوقعته فيما هو أصل التّفويض، وهو لا يكون أقلّ من الواحدة فيقع الواحدة والثلاث غير الواحدة.
فإن قلت: أين ذهب قولنا أنّ الواحد لا عين العشرة ولا غيرها؟ فكذلك الواحدة مع الثّلاث لا عين الثّلاث ولا غيرها، فلو لم يقع ما أوقعته من حيث أنّها لا عينها فيقع من حيث أنّها لا غيرها، لكونها موافقة له في ذلك من ذلك الوجه.
قلت: المغايرة بين أسماء الأعداد أصلها ونفسها ثابتة فوق ثبوتها بين ألفاظ العموم والخصوص، حتّى جرى المجاز والاستعارة في ألفاظ العموم والخصوص، بأن يذكر العام ويراد به الخاص، كما في قوله تعالى:{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ}
(2)
أو يذكر العام ويراد به بعضه كما في قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}
(3)
ولم يجز ذلك فيما بين أسماء الأعداد، لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز، لما أنّ ذلك بمنزلة أسماء الأعلام لمسمياتها حتّى أثر وصف العلمية في منع الصرف، فإنّه لو اقترن بها سبب آخر يمتنع الصّرف، فقالوا: ستة ضعف ثلاثة بدون التنوين، فلم يجز أن يذكر زيد ويراد به عمرو لا حقيقة ولا مجازاً، فكذلك لا يجوز أن يذكر عدد معلوم ويراد ما فوقه أو ما تحته، فعلم بهذا أنّ المغايرة بينهما ثابتة من كل وجه.
وأمّا قولنا: لا غيرها فباعتبار عدم تصوّر الأكثر منها بدون الأقلّ منه لا غير، وهو لا يقدح ثبوت المغايرة بينهما؛ لأنّه يجوز أن يكون لأحد المتغايرين أوصاف فلمشاركته للآخر في وصف من الأوصاف لا تثبت العينية، فلما كانت الثلاث مغايرة للواحدة كان الآتي بالثّلاث مخالفاً للأمر بالواحدة لا محالة، ولأنّ قولنا ذلك في العشرة الموجودة.
وأمّا الثّلاث ههنا فمعدوم والواحد الموجود عبر الثّلاث المعدوم لا محالة، وهي بإيقاع الواحدة ما شاءت الثّلاث، فلم يوجد الشّرط، وأمّا لو قال: لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت، فَقَالَتْ: قَدْ شِئْت واحدة وواحدة وواحدة، وقع عليها ثلاث تطليقات دخل بها أو لم يدخل؛ لأنّ تمام الشّرط بآخر كلامها، فما لم يتم الشّرط لم ينزل الجزاء، ولهذا وقع الثّلاث عند تمام الشّرط جملة، ولو قالت: قد شئت واحدة فسكتت، ثم قالت: قد شئت واحدة وواحدة، لم يقع عليها شيء؛ لأنّ كلامها يفرق بسكوتها، وهي في الكلام الأوّل شاءت غير ما جعله الزّوج شرطًا؛ لأنّ الشّرط مشيئتها الثّلاث، وَقَدْ شَاءَتْ الْوَاحِدَةَ وَاشْتِغَالُهَا بِمَشِيئَةٍ أُخْرَى يَكُونُ رَدًّا لِلْمَشِيئَةِ التي جعلها الزّوج شرطًا، فكان هذا بمنزلة قولها: لا أشاء، ولو قالت ذلك، لم يكن لها مشيئة بعد ذلك، فكذلك ههنا - كذا في «المبسوط»
(4)
-، وهي بإيقاع الواحدة ما شاءت الثّلاث فلم يوجد الشرط فلذلك لم يقع شيء.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 221).
(2)
[آل عمران: 39].
(3)
[التوبة: 5].
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 199، 200).
فإن قلت: ما وجه الفرق بين هذه المسألة، وبين قوله لها: طلّقي نفسك ثلاثاً، فطلقت واحدة يقع واحدة والصورة واحدة، ثمّ في تلك المسألة جعلها مالكة لإيقاع الواحدة، حتّى جعل إيقاعها الواحدة إيقاعاً لها وهنا لم يجعلها مالكة لإيقاع الواحدة، حتّى لم يقع شيء بإيقاعها الواحدة؟.
قلت: جعل ههنا أيضاً مالكة لإيقاع الواحدة إذا ملك إيقاع الثّلاث ملك لاجزاء الثّلاث، وإنّما لم تقع الواحدة عند إيقاع الواحدة لعدم وجود الشّرط؛ لأنّ الشّرط لوقوع الطّلاق مشيئة الثّلاث فبوجود مشيئة الواحدة لم يوجد مشيئته الثّلاث ولم يقع الواحدة أيضاً؛ لأنّ المشروط لا يتوزع على أجزاء الشّرط.
ألا ترى أن الرجل إذا قال لامرأته: إن دخلت هذه الدّار وهذه الدّار [وهذه الدار]
(1)
فأنت طالق ثلاثاً، فدخلت إحدى هذه الأَدْؤُرٌ الثّلاث لا تقع الواحدة فكذا هنا.
وأمّا في تلك المسألة فليس فيه شرطًا، فلما ملكت الثّلاث ملكت إيقاع الواحدة فوقعت الواحدة بإيقاعها، فخرج الأمر من يدها كما لو علقت لمشيئة رجل آخر، ولا يقع الثّلاث بقوله: شئت.
فإن قيل: كان ينبغي أن يقع بقول الزّوج شئت؛ لأنّه يملك إيقاع الطّلاق بهذا اللّفظ، قلنا: إنما يملك الإيقاع بمشيئة الطّلاق وهو بهذا اللّفظ شاء مشيئتها؛ لأنّه قصد جوابها حتّى لو قال: شئت الطّلاق يقع إذا نوى كذا في «المبسوط»
(2)
.
قوله رحمه الله: حَتَّى لَوْ قَالَ: شِئْت طَلَاقَك يَقَعُ إذَا نَوَى، سواء ذكر هذا اللّفظ، وهو قوله: شِئْت طَلَاقَك، بمقابلة جوابها، أو ذكره ابتداء يقع الطّلاق.
بخلاف قوله: شئت من غير ذكر الطّلاق، إذاً المشيئة تنبئ عن الوجود، فصار كأنّه قال أوقعت طلاقك؛ وهذا لأنّ المشيئة في الأصل مأخوذة من الشيء، والشيء اسم للموجود فكان قوله: شئت بمنزلة قوله: أوجدت، وإيجاد الطّلاق بإيقاعه.
بخلاف الإرادة، فإنّها في اللغة عبارة عن الطّلب، قال النبي عليه السلام:«الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ»
(3)
، أَيْ طَالِبُهُ وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ: أَهْلَهُيْ طَالِبُ الْكَلَأِ أَوْ الْغَيْثِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الطَّلَبِ الْوُجُودُ، وروي عن أبي حنيفة رحمه الله ما يدل على التفرقة بين المشيئة والإرادة، استدلالاً بهذه المسألة، ويجوز أن يكون بينهما تفرقة بالنّسبة إلى العباد وتسويةبالنّسبة إلى الله تعالى؛ لأن ما شاء الله يوجد لا محالة، وكذا ما يطلبه بخلاف العباد -كذا في «الفوائد الظهيرية»
(4)
-، ثمّ مع هذا إنّما يشترط النيّة في قوله: سبب طلاقك مع ذكر الطّلاق فإنّه قد يقصد: وجوده وقوعًا وقد يقصد وجوده ملكًا، فلابدّ من النيّة لتعيّن جهة الوجود ووقوعًا، وذكر في «المحيط» ، وإذا قال لها: شئت طلاقك ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في شرحه أنّه يقع الطّلاق ولم يشترط نية الإيقاع
(5)
.
(1)
سقط من (ب).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 202).
(3)
أخرجه أبي نعيم الأصفهاني في الطب النبوي (باب الحميات وصفاتها وأدويتها/ 581)، والشهاب القضاعي في مسنده (باب الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ/ 58)، والبيهقي في شعب الإيمان (9404)، وقال أبو الفضل العراقي:"وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ جَهَالَةٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُرَقَّعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ" فذكره. ينظر: طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 188).
(4)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 228)، البناية شرح الهداية (5/ 399).
(5)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 210).
وفي «المبسوط» رجل قال لامرأته شائي الطلاق، ينوي به الطلاق، فقالت: قد شئت، فهي طالق، وإن لم يكن له نية فليست بطالق، لما بيّنا أن مشيئتها من عمل فلها كاختيارها فهذا بمنزلة قوله: اختاري الطّلاق، فقالت: قد اخترت، وهناك إن نوى الزّوج الإيقاع يقع، فكذلك في المشيئة، فإن قَالَ: أَحِبِّي الطَّلَاقَ أَوْ أَرِيدِي الطَّلَاقَ أو أهوي الطّلاق، فقالت: قد فعلت كان باطلاً، وإن نوى به الطّلاق؛ لأنّ الإرادة والمحبة والهوى من العباد نوع ثمن، فكأنه قال: تمني الطّلاق فقالت: تمنيت لا يقع؛ وهذا لأنّ المشيئة في صفات المخلوقين ألزم في اللّغة من الإرادة والهوى والمحبة، ألا ترى أنّ المشيئة، لا تذكر مضافة إلى غير العقلاء، وقد تذكر الإرادة قال الله تعالى:{فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ}
(1)
وليس إلى الجدار من الإرادة شيء؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ؛ أي: بشرط ثابت موجود كما إذا قال: امرأتي طالق إن كان زيد في الدّار والحال أنّه في الدّار يقع الطّلاق
(2)
.
فإن قيل: لو كان التّعليق بشرط كان تنجيزًا لكان تنجيزًا، فيما إذا قال الرجل هو يهودي إن كنت فعلت كذا أمس وهو يعلم أنّه كان قد فعله، ولو كان تنجيزًا لوجب تكفيره ولم يجب.
قلنا: قال شيخ الإسلام خواهر زاده
(3)
رحمه الله: اختلف المشايخ في هذه المسألة فتمنع، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ نَقُولُ: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ صَارَتْ كِنَايَةً عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا حَصَلَ التَّعْلِيقُ بِهَا بِفِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ
(4)
، فكذا إذا حصل التّعليق بفعل في الماضي تحامياً عن تكفير المسلم، ولا تطلق نفسها إلا واحدة؛ لأنّها تعم الأزمان دون الأفعال، بخلاف كلمه كلها فإن فيها تستوفي الطلاقات الثلاث مرّة بعد أخرى؛ فإنّها تعم الأفعال بالتّكرار على ما يجيء، لكن الأمر صار في يدها، فلا يخرج بالشّك، يعني: لو نظرنا إلى كونه للشّرط يخرج الأمر من يدها بالقيام عن المجلس، ولو نظرنا إلى كونه للوقت لا يخرج، والأمر كان في يدها فلا يخرج بالشك.
(1)
[الكهف: 77].
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 201، 202).
(3)
محمد بن الحسين بن محمد، أبو بكر البخاري، المعروف ببكر خواهر زاده، أو خواهر زاده: فقيه. كان شيخ الأحناف فيما وراء النهر. له (المبسوط) و (المختصر) توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. انظر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 259)، والأعلام للزركلي (6/ 100).
(4)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (4/ 205).
فإن قيل: وجب أن يحمل على الشّرط في هذه الصّورة تصحيحًا للردّ.
قلنا: إنّما يحمل على الشّرط إذا كان الردّ صادراً ممن كان التّعليق صادراً منه؛ وهذا لأنّ إرادة الشّرط تختص بمن كان التّعليق مختصًّا به دون من كان الردّ مختصاً به، فلذلك لم يحمل على الشرط تصحيحًا للرد كذا في «الفوائد الظهيرية»
(1)
.
(حتّى لو عادت إليه بعد زوج آخر، فطلقت نفسها لم يقع شيء)؛ لأنّه ملك مستحدث، أما لو شاءت مرة فطلقت، وانقضت عدتها، ثم تزوجت بآخر ودخل بها، ثم عادت إليه عادت بثلاث مشيئات، وعند محمّد رحمه الله بمشيئتين، فلو لم تشاء شيئاً وردت المشيئة بطل ردها، ولها أن تشاء لتجرّد المشيئة، كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ)؛ لأنّها توجب عموم الانفراد دون الاجتماع، ثم لو شاءت الثّلاث جملة، فعند أبي حنيفة رحمه الله
(2)
، لا يقع شيء، وعندهما تقع واحدة والطّلاق لا تعلّق له بالمكان فيلغوا
(3)
.
فإن قيل: إذا لغا ذكر المكان، بقي قوله: أنت طالق ست، فينبغي أن يقع، فلا يبطل بالقيام عن المجلس، يدل عليه ما لو قال لها: أنت طالق إندخلت الدّار يقع السّاعة، والمسألة في التّجريد
(4)
.
قلنا: حيث وأين يفيدان ضربًا من التأخير أيضاً، فيشتركان في تحقيق معنى التّأخير، فيجعلان مجازاً عن حرف الشّرط، فلهذا لا يقع.
فإن قيل إذا جعلا مجازاً عن حرف الشّرط لماذا يبطل بالقيام عن المجلس؟، وإنّما يبطل بالقيام عن المجلس إذا جعلا مجازاً عن حرف أن، وأمّا إذا جعلا مجازاً عن كلمه إذا أو متى فلا يبطل بالقيام، فلم كان جعلهما مجازاً عن أن أولى من جعلهما مجازاً عن إذا ومتى؟ قلنا: جعلهما مجازاً عن أن أولى لما أنّها لمحض الشّرطيّة، فكانت هي أصلاً في الباب، فكان جعلهما مجازاً عمّا هو أصل في ذلك المعنى الذي هو مجوز المجاز أولى -كذا في «الفوائد الظهيرية»
(5)
-؛ لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ، أي: بالزّمان؛ لأنّ الطلاق لو وقع يقع في زمان دون زمان، وأمّا إذا وقع في مكان كان واقعًا في جميع الأمكنة، فلا يكون له تعلّق بالمكان؛ لأنّه لا فائدة في تعلّقه بالمكان لعدم اختصاصه بالمكان، والتّعليق بالشّيء لبيان الاختصاص به، كما في الأفعال، وكما في الأزمنة فوجب اعْتِبَارُ الزَّمَانِ خُصُوصًا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ عُمُومًا، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت، أما إذا أرادت ثلاثاً والزّوج واحدة باينة أو على القلب تقع واحدة رجعيّة، وحاصل ذلك أن عند اتفاق إرادتهما يكون ذلك وعند اختلافهما ثبت ما اقتضاه قوله: أنت طالق، وفي مقتضى قوله: أنت طالق الواحدة الرّجعيّة سواء نوى به الزّوج الثّلاث أو الباين أو غيرهما، فكذا هنا وشرح ذلك في «المبسوط» ، وقال: وإن قال: أنت طالق كيف شئت، فهي طالق تطليقة في قول أبي حنيفة رحمه الله
(6)
، ولا مشيئة لها إن لم يكن دخل بها، وإن كان قد دخل بها وقعت تطليقة رجعيّة، والمشيئة إليها في المجلس بعد ذلك، فإن شاءت الثّانية وقد نوى الزّوج ذلك كان بائنًا، وإن شاءت ثلاثاً، وقد نوى الزّوج] ذلك كان طالقاً ثلاثاً، وإن شاءت واحدة بائنة وقد نوى الزّوج
(7)
ثلاثاً فهي واحدة رجعيّة وإن شاءت ثلاثاً، وقد نوى الزّوج واحدة بائنة، فهي واحدة رجعيّة وعند أبي يوسف ومحمّد رحمه الله
(8)
لا يقع شيء ما لم تشأ، فالتّفريع كما قال أبو حنيفة رحمه الله، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْف شِئْت عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا مَشِيئَةَ لَهُ، وَلَا يَعْتِقُ عِنْدَهُمَ ما لم يشأ
(9)
وحاصل الاختلاف راجع إلى أنّ أصل الطّلاق هل يتعلّق لمشيتها أم لا؟ عنده لا يتعلّق، وعندهما يتعلّق بها أصل الطّلاق بأوصافه، وثمرة الاختلاف يظهر فيما إذا قامت عن مجلسها، قيل: المشيئة عند أبي حنيفة رحمه الله يقع واحدة رجعيّة، وعندهما لا يقع شيء، قال العبد الضّعيف: قال في الأصل: هذا قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا يقع، وإنّما قال هذا؛ لأنّ ما أورده في هذا الفصل هو مسائل «الجامع الصّغير»
(10)
وليس في أصل رواية «الجامع الصّغير» ذكر قولهما
(11)
.
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 402).
(2)
يُنْظَر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 125).
(3)
ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 212)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/ 125).
(4)
تجريد القدوري وهو: للإمام أبو الحسين: أحمد بن محمد الحنفي. المتوفى: سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. وهو في مجلد كبير، وهو مطبوع. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 346).
(5)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (3/ 355).
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 206).
(7)
سقط من (ب).
(8)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 207).
(9)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 207).
(10)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 213).
(11)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 207).
وإنّما ذكر الرّواية على قول أبي حنيفة رحمه الله لا غير -كذا في كشف الغوامض
(1)
-، فذكره ليبين أنّ ما ذكره في «الجامع الصّغير»
(2)
قول أبي حنيفة لا قولهما، بدليل ما ذكر في الأصل، هما يقولان: الزّوج تكلم بالطّلاق، وجعله مفوّضاً إليه مشيئتها، فلا يقع بدون مشيئتها كقوله: أنت طالق إن شئت
(3)
، أو أنت طالق كم شئت، وأنت طالق حيث شئت، أو أين شئت، لا يقع ما لم تشأ، ولأبي حنيفة رحمه الله أن المشيئة إنّما دخلت على حال الطّلاق فبقي أصله بلا مشيئة فوقع؛ وإنّما قلنا ذلك لأنّ كيف وضعت للسؤال عن الحال في اللغة، والحال نوعان: صفة، وعدد، فتعلق ذلك بالمشيئة والبيان فيه إلى الزوج، فإن نوى الإبانة وقد أبانت صحّ، وإن نوى العدد وقد وافقته صحّ أيضاً.
وأمّا إذا نَوَى الزَّوْجُ الْوَاحِدَةَ الْبَائِنَةَ فَشَاءَتْ الثَّلَاثَةَ، فَقَدْ شَاءَتْ غَيْرَ مَا نَوَى، وكذلك إن نوى الزّوج الثلاث فشاءت الواحدة الثانية فقد شاءت غير ما نوى؛ فلهذا كان الواقع عليها تطليقة رجعيّة، يوضحه أن الاستخبار عن وصف الشيء وحاله لما كان من ضرورته وجودًا أصلهتقدم وقوع أصل الطّلاق في ضمن تفويضه المشيئة في الصفة إليها، فإن الاستخبار عن وصف الشيء قبل وجود أصله محال، كما في قول القائل: يقول خليلي تراجع، بخلاف قوله: كم شئت؛ لأن الكمية استخبار عن العدد، فيقضي تفويض العدد إلى مشيئتها، وأصل العدد في المعدودات الواحد، وبخلاف قوله: حيث شئت وأين شئت؛ لأنّه عبارة عن المكان والطّلاق إذا وقع في مكان يكون واقعًا في الأمكنة كلها، فكان ذلك تعليق أصل الطّلاق بمشيئتها، وهذه الألفاظ كلّها على المجلس؛ لأنّها لا تنبئ عن الوقت فيتوقت بالمجلس، كقوله: إن شئت
(1)
كشف الغوامض في الفروع، لأبي جعفر الهنداوني، الفقيه. ذكر فيه: بعض ما أورده محمد، في:(الجامع الصغير). ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1493).
(2)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 213).
(3)
يَرَى أَبُو حَنِيفَةَ فِي حُكْمِ مَا لَوْ قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْتِ، لَا يَتَعَلَّقُ أَصْل الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا بَل تَقَعُ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةً وَلَا مَشِيئَةَ لَهَا، وذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الرَّجُل لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ زَوْجَتِهِ؛ بِأَنْ قَال لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ أَوْ إِذَا شِئْتِ أَوْ مَتَى شِئْتِ أَوْ كُلَّمَا شِئْتِ أَوْ كَيْفَ شِئْتِ أَوْ حَيْثُ شِئْتِ أَوْ أَنَّى شِئْتِ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى تَشَاءَ وَتَنْطِقُ، وقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَال لِزَوْجَتِهِ مُخَاطَبَةً: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ اشْتَرَطَ مَشِيئَتَهَا فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ فَإِنْ تَأَخَّرَتْ لَمْ تَقَعْ. يُنْظَر: روضة الطالبين (8/ 157)، وكشاف القناع (5/ 309)، ومطالب أولي النهى (5/ 436)، العناية بهامش فتح القدير (3/ 437)، المغني لابن قدامة (7/ 342).
-كذا في «المبسوط»
(1)
وغيره-، والتفويض في وصفه يستدعي وجود أصله.
فإن قيل: لما كان هذا تفويضاً لوصف الطّلاق إلى مشيئتها يجب أن يكون لها استقلال بإثباته من غير استطلاع رأي الزّوج اعتباراً بعامة التفويضات.
قلنا: ذكر الطّحاوي رحمه الله في مختصره
(2)
: أنّ لها أن يجعل الطّلاق ثانياً وثلاثاً في قول أبي حنيفة رحمه الله، فقد جعل الطّحاوي-رحمه الله المشيئة إليها في إثبات وصف الثّلاث والبينونة، حتّى قال بعض مشايخنا: أنّه إذا لم ينو الزّوج شيئاً وشاءت المرأة ثلاثاً وواحدة ثانية تقع ما أوقعت، بالاتّفاق على أصلين مختلفين؛ أما على أصل أبي حنيفة رحمه الله فلأن الزوج أقام امرأته مقام نفسه في إثبات الوصف، والزّوج متى أوقع طلاقاً رجعيًّا يملك أن يجعله ثانياً وثلاثاً، في قول أبي حنيفة رحمه الله فكذلك المرأة.
وأمّا على قولهما فكذلك يملك إيقاع الباين وإيقاع الثّلاث؛ لأنّه فوّض الطّلاق إليها على أي وصف شاءت، وهذا معنى قوله في الكتاب وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ تُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا فِيمَا قَالُوا جَرْيًا عَلَى مُوجِبِ التَّخْيِيرِ
وما ذكر في الكتاب قول الجصاص وقد راجعت الفحول في جواب هذا الإشكال، فلم يقرع سمعي بجوابه، فيجب التّعويل على ما ذكره الطّحاوي كذا في «الفوائد الظهيرية»
(3)
.
وإن قال أنت طالق كم شئت أو ما شئت، طلقت نفسها ما شاءت، وذكر في أصل رواية «الجامع الصّغير»
(4)
، قال: إن شاءت طلقت نفسها واحدة أو ثنتين أو ثلاثاً، فلم يقم عن مجلسها.
فإن قيل: يُبَاحُ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، والزّوج لا يسعه أن يطلقها ثلاثاً.
قلنا: قد روى الحسن بن زياد
(5)
عن أبي حنيفة
(6)
أن ذلك مباح لها في التخيير، واحتمل أن يكون المراد بقوله: إن شاءت طلقت نفسها ثلاثاً مشيئة القدرة، لا مشيئة الإباحة، يريد بذلك أنّها تقدر عليه، كقوله تعالى:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
(7)
.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 207).
(2)
مختصر الطحاوي، في فروع الحنفية للإمام، أبي جعفر: أحمد بن محمد الطحاوي، الحنفي. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1627).
(3)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 108).
(4)
يُنْظَر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 213).
(5)
الحَسن بن زياد اللُّؤلؤي الفقيه، أبو عليّ مولى الأَنْصَار، صاحبُ أَبِي حنيفة. وكان رأسا في الفقه. ولي القضاء بالكوفة سنة 194 هـ ثم استعفى. من كتبه:(أدب القاضي)، و (معاني الإيمان)، و (النفقات) توفي سنة أربع ومائتين. يُنْظَر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 150)، الوافي بالوفيات (12/ 16)، الأعلام للزركلي (2/ 191).
(6)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 406).
(7)
[الكهف: 29].
وقال علماؤنا في كتاب العتاق: في عبد بين اثنين دبّر أحدهما نصيبه أن الآخر بالخيار، إن شاء دبّر، وإن شاء استسعى، وإن شاء تركه على حاله، وإن شاء
(1)
أعتق نصيبه، وقد علمنا أنّه لا يباح له عتق نصيبه، وإنّما عنى به مشيئة القدرة؛ لأنّه لو أعتق نصيبه ضمن للآخر قيمة نصيبه مدبرًا -كذا في «كشف الغوامض» - وذكر في «الفوائد الظهيرية»
(2)
في المسألة التي تليها أنّ المرأة إذا طلقت نفسها ثلاثاً على قولهما أو ثنتين على قول أبي حنيفة رحمه الله لا يكره، لأنّها مضطرة إلى ذلك؛ لأنّها لو فرقت خرج الأمر من يدها، بخلاف ما لو أوقع الزّوج ذلك؛ لأنّهما يستعملان العدد، يقال: كم مالك؟ وخذ دراهمي ما شئت، أي العدد الذي شئت، فقد فوّض إليها أي عدد شاءت.
فإن قلت: هذا مسلم في كم، وأمّا كلمة ما فهي كما تستعمل للعدد كذلك تستعمل للوقت، لما مرّ في قوله: ما لم أطلقك، قال الله تعالى:{مَا دُمْتُ حَيًّا}
(3)
، فقد وقع الشّك في تفويض العدد إليها، فلا يثبت العدد بالشّك.
قلت: هذا معارض بمثله، فإنا لو عملنا فيه بمعنى الوقت لا يبطل بالقيام عن المجلس، ولو علمنا بمعنى العدد يبطل فوقع الشّك في ثبوته فيما وراء المجلس، فلا يثبت بالشك، ثم رجحنا جانب العدد بأصل آخر، وهو أنّ هذا تفويض بمعنى التّمليك؛ لأنّه تفويض إلى المرأة أمر نفسها والتّمليكات مقتصرة على المجلس.
وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَتْ مَعْمُولَةً بِمَعْنَى الْعَدَدِ لَا بِمَعْنَى الْوَقْتِ؛ لأنّ هذا أمر واحد، هذا احتراز عن (كلّما)، وهو خطاب في الحال احتراز عن (إذا ومتى)، فيعمل بهما، أي: بالتبعيض والعموم فإن الثنتين عام بالنسبة إلى الواحدة وبعض بالنّسبة إلى الثّلاث، ولعموم الصّفة، أي: في قوله: مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ؛ لأنّه وصفها بالمشيئة، وهي عامة، كما في قوله: لما أكلّم إلا رجلاًلا يحنث بالتكلم بجميع رجال الكوفة لهذا، والله أعلم.
(1)
سقط من (ب).
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 406).
(3)
[مريم: 31].
باب الأيمان
(1)
في الطلاق
(2)
لمّا فرغ من بيان تنجيز الطّلاق وهو الأصل صريحًا كناية، شرع في بيان تعليقه وهو الفرع؛ إمّا لأنّه مركب بذكر الطّلاق وحرف الشّرط والمركّب فرع على المفرد، أو لأنّه ليس بعلة في الحال بعروض حرف الشّرط والأصل عدم العروض.
ثم اعلم أنّ اسم اليمين كما يقع على الحلف بالله تعالى، فكذلك يقع على ذكر شرط وجزاء، فالمعنى من الشّرط هو ما ذكر فيه حرف (أن) وغيره على ما يجيء، والمعنى من الجزاء ما هو الحكم المعلّق به من طلاق أو عتاق، وإنّما سمّى هذا باليمين لما أنّ اليمين لغة عبارة عن القوة.
قال الشّاعر:
إن المقادير بالأوقات نازلة
…
ولا يمين على دفع المقادير
أي لا قوّة وسميت اليد اليمنى يمينًا لاختصاصها بزيادة قوّة، ثم أنّ الله تعالى خلق الإنسان على طبائع مختلفة وسجاياً معينة مضطرب الحال منقلب البال، فربما لا يثبت على ما يقصده من أفاضل الأمور، ولا يمتنع عمّا يهواه نفسه من مواضع الشّرور، فيتقوى تارة على حمل نفسه على تلك الأفاضل أو على منعها من تلك الأباطل بذكر اسم الله تعالى؛ الذي يلزم منه المكروه على تقدير هتك حرمته وزوال سداده، أو بذكر الشرط الذي يلزم منه على تقدير حنثه زوال سكنه وفوات وداده، فلما سمّى ذكر اسم الله تعالى إذا ذكر على وجه الحمل أو المنع يمينًا سمّى به أيضاً ذكر شرط وجزاء، لوجود معنى الحمل
(3)
أو المنع فيه على ما ذكرنا، أضَاف الطَّلَاق إِلَى النِّكَاح إلى آخره، وحاصل هذا أن ما يحتمل التّعليق بالشَّرْطِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ يجوز إضافته إلى الملك عمّ أو خصّ، وهو قول عمر رضي الله عنه روي ذلك عنه في الظّهار، وعند الشّافعي
(4)
رحمه الله لا يصحّ، وهو قول ابن عبّاس
(5)
رضي الله عنه، فإنّه سئل عمّن يقول لامرأة: إن تزوّجتك فأنت طالق، قيل: قوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}
(6)
الآية، قد شرع الله الطّلاق بعد النكاح، فلا طلاق قبله، وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله إن خصّ امرأة أو قبيلة انعقدت اليمين، وإن عم فقال: كلّ امرأة لا ينعقد، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه لما فيه من سدّ باب نعمة النكاح على نفسه، واستدلّ الشّافعي-رحمه الله لقوله عليه السلام:«لا طلاق قبل النكاح»
(7)
.
(1)
وَالْيَمِينُ فِي الطَّلَاقِ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْلِيقِهِ بِأَمْرٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ، سُمِّيَ يَمِينًا مَجَازًا لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ. انظر: العناية شرح الهداية (4/ 114).
(2)
زيادة في (ب).
(3)
زيادة في (ب).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 96).
(5)
يُنْظَر: مصنف عبدالرزاق (11468).
(6)
[الأحزاب: 49].
(7)
أخرجه ابن ماجه في سننه (أبواب الطلاق/ بَابٌ: لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ/ 2049)، البيهقي في السنن الكبرى (كتاب الخلع والطلاق/ بَابُ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ/ 14869)، والحديث صحيح. انظر: صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1250).
وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص
(1)
رضي الله عنه أنه خطب امرأة فأبى أولياءها أن يزوجوها منه، فقال: إن نكحتها فهي طالق ثلاثاً، فسئل عن ذلك رسول الله عليه السلام فقال:«لا طلاق قبل النكاح» ، والمعنى فيه أنه غير مالك لينجز الطّلاق، فلا يملك تعليقها بالشّرط، كما لو قال لها: إن دخلت الدّار فأنت طالق ثلاثاً، ثم تزوّجها فدخلت لم تطلق؛ وهذا لأنّ تأثير الشّرط في تأخير الوقوع إلى وجوده، ومنع ما لولاه لكان طلاقاً، وهذا الكلام لولا الشرط لكان لغوًا لا طلاقاً؛ ولأنّ الطّلاق يستدعي أهليّة في الموقع وملكًا في المحلّ، ثم قيل الأهليّة لا يصحّ التّعليق مضافاً إلى حالة الأهليّة، كالصبي إذا قال لامرأته: إذا بلغت فأنت طالق، فكذلك قيل: ملك المحلّ لا يصحّ مضافاً، وبهذا يتبيّن أنه يصرف مختص بالملك لإيجابه قبل الملك يكون لغوًا، كما لو باع الطير في الهواء ثم أخذه قبل قبول المشتري.
وحجّتنا في ذلك أنّ التّعليق بالشّرط يمين، فلا يتوقف صحته على ملك المحل، كاليمين بالله؛ وهذا لأنّ اليمين يصرف من الحالف في ذمة نفسه، لأنّه يوجب البر على نفسه والمحلوف به ليس بطلاق، للشرط له قيام المحلّ؛ لأنّه لا يكون طلاقاً إلا بالوصول إلى المرأة، وما دام يمينًا لا يكون واصلاً إليها، وإنّما الوصول بعد ارتفاع اليمين بوجود الشّرط، فعرفنا أن المحلوف به ليس بطلاق وقيام الملك في المحلّ لأجل الطّلاق، ولكن الحلوف به ما سيصير طلاقاً عند وجود الشّرط بوصوله إليها، ونظيره من الحسيّات الرمي عينه ليس بقتل والترس لا يكون مانعاً ما هو قتل ولا مؤخراً له، بل هو يكون مانعًا ما سيصير قتل إذا وصل إلى المحل، ولمّا كان التّعليق مانعًا من الوصول إلى المحلّ والتّصرف لا يكون إلا تزكية، ومحلّه حكمًا أنه بدون ركنه ومحلّه، فكما أن بدون ركنه لا يكون طلاقاً، فكذلك بدون محله لا يكون طلاقاً، وبه فارق ما لو قال لأجنبية: إن دخلت الدّار فأنت طالق، فإن المحلوف به هناك غير موجود، وما هو يصير طلاقاً عند وجود الشّرط؛ لأنّ دخول الدّار ليس بسبب لملك الطّلاق، ولا هو مالك لطلاقها في الحال حتى يستدلّ به على بقاء الملك عند وجود الشّرط، فأمّا ههنا فيتيقن بوجود المحلوف به؛ لأنّ التزوّج سبب لملك الطّلاق، ولو كان المحلوف به موجودًا بطريق الظّاهر بأن قال لامرأته: إن دخلت الدّار فأنت طالق، انعقدت اليمين، وإن كان من الجائز أن يكون دخولها بعد زوال الملك.
(1)
عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن العاص بْن وائل الْقُرَشِيّ، وكان أصغر من أَبِيهِ باثنتي عشرة سنة، أسلم قبل أَبِيهِ، وكان فاضلًا عالمًا، قَرَأَ القرآن والكتب المتقدمة، توفي سنة خمس وخمسين، وقيل: سنة ثمان وستين. انظر: أسد الغابة (3/ 345)، الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 165).
فإذا كان المحلوف به متيقن الوجود عند وجود الشّرط أولى بأن ينعقد اليمين، وبأن كان لا يملك التنجيز لا يدل على أنّه لا يملك التّعليق، كمن يقول لجاريته: إذا ولدت ولدًا فهو حرّ صحّ، وإن كان لا يملك تنجيز العتق في الولد المعدوم، وإنّما قال لامرأته الحائض: إذا طهرت فأنت طالق، كان هذا طلاق السنة، وإن كان لا يملك تنجيزه في الحال.
وهذا بخلاف الأهليّة في التصرف؛ لأنّه لابدّ منه في تصرّف اليمين، كما لابدّ منه في تصرّف الطّلاق، فأمّا الملك في المحلّ فمعتبر للطّلاق دون اليمين، وهذا بخلاف البيع فإنّ الإيجاب أحد شطري البيع وتصرف البيع قبل الملك لغو، فأمّا الإيجاب ههنا فيصرف آخر، سوى الطّلاق، وهو اليمين، وتأويل الحديث ما روي عن مكحول
(1)
والزّهري
(2)
وسالم والشعبي
(3)
رحمه الله أنّهم قالوا: كانوا في الجاهلية يطلقون قبل التزوّج تنجيزًا، ويعدّون ذلك طلاقاً، فنفى رسول الله عليه السلام ذلك بقوله:«لا طلاق قبل النكاح» ، وحديث عبد الله بن عمرو مشهور
(4)
، ولو ثبت فمعنى قوله إن نكحتها أي: وطئها؛ لأنّ النكاح حقيقة للوطء، وبهذا لا يحصل إضافة الطّلاق إلى الملك عندنا -كذا في «المبسوط»
(5)
-، فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمِلْكِ، أي: لا يشترط لصحّة اليمين قيام الملك كما في اليمين وبالله، وكذلك في اليمين يذكر شرط وجزاء، بأن قال: إذا أكلت هذا الطّعام فامرأته طالق، فالطّعام ليس في ملكه فأكل، حنث، فعلم أنّ قيام الملك في الحال ليس بشرط، كالشّعبي والزهري وغيرهما وهو مكحول وسالم بن عبد الله
(6)
.
(1)
هو أبو عبد الله مكحول بن زيد، يقال: كابلي، ويقال: هذلي، فالكابلي من سبى كابل، والهذيلي قيل: لأنه كان مولى لامرأة من هذيل، سمع أنس بن مالك، وأبا أمامة، روى عنه الزهرى، ومحمد بن إسحاق، وقال الزهري: العلماء أربعة: سعيد بن المسيب بالمدينة وعامر الشعبي بالكوفة والحسن بن أبي الحسن بالبصرة ومكحول بالشام. توفى سنة ثمانى عشرة ومائة. يُنْظَر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 114)، طبقات الفقهاء (ص: 75).
(2)
هو مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبيد الله بن عبد الله الأصغر بن شهاب بْنِ زُهرة وَيُكَنَّى أَبَا بَكْرٍ. وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ، جَالَسْعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، أَحَدُ الأَعْلامِ وَحَافِظُ زَمَانَهُ، وَطَلَبَ الْعِلْمَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَلَهُ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، توفي سَنَة أربع وعشرين ومئة. يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (5/ 326)، التاريخ الكبير للبخاري (1/ 220).
(3)
عامر بْن شراحيل وقيل: عامر بن عبد اللَّه بْن شراحيل، أَبُو عمرو الشعبي الكوفي سمع علي بْن أبي طالب، والحسن والحسين روى عنه أَبُو إسحاق السبيعي، وعبد اللَّه بْن بريدة، وقتادة، وقال مكحول: ما رأيت أحداً أعلم بسنة ماضية من عامر الشعبي. مات الشعبي سنة أربع ومائة. انظر: تاريخ بغداد وذيوله (12/ 227)، و (الفقهاء (ص: 81).
(4)
وهو ما روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَأَبَى أَوْلِيَاؤُهَا أَنْ يُزَوِّجُوهَا مِنْهُ، فَقَالَ: إنْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ»
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 98).
(6)
هو سالم بن عبد الله بن عمربن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبيد الله ويقال: أبو عمر العدوي المدني الفقيه. حدث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب. ينظر: مختصر تاريخ دمشق (9/ 190).
ثم اعلم أنّ هذا التّعليق الذي ذكرنا فيما إذا كان التّعليق بصريح الشّرط وهو حرف الشرط يعمل في المعينة وغير المعينة، وأمّا إذا كان معلّقاً بمعنى الشّرط فهو إنّما يعمل في غير المعينة، بأن قال: المرأة التي أتزوّج طالق، فتزوج امرأته، تطلق ولا يعمل في المعينة، حتّى لو قال: هذه المرأة التي أتزوّجها فهي طالق، فتزوّجها لا تطلق؛ لأنّه عرفها بالإشارة فلا يراعى فيها الصّفة وهي التزوّج، فبقي قوله: هذه المرأة طالق، وأمّا حرف أن فيجمع الوجهين أي المعينة وغير المعينة، حتّى لو قال: إن تزوجت هذه المرأة فهي طالق، فتزوّجها تطلق، كما لو تزوّجها في قوله: إن تزوّجت امرأة وهذا للفرق بين صريح الشّرط ودلالته -كذا في أصول الفقه لفخر الإسلام
(1)
-، وجامع الصّغير للإمام التمرتاشي رحمه الله تزوّجت امرأة على أنّها طالق، صحّ النكاح ولم تطلق؛ لأنّه تعذر اعتبار الطّلاق بدلاً أو شرطًا؛ لأنّه تقارب النكاح فلا يعتبر أصلاً.
وكذا لو اشترى عبدًا على أنّه حر، صحّ الشراء ولم يعتق. وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: إنْ زَوَّجْتنِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ، فَزَوَّجَهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لم يصح، ولو قال بالفارسيّة: آكرد حتر فلان مراد هندورا طلاق، فتزوجها لا تطلق؛ لأنّه لم يذكر النكاح، ولو قال: يرني دهند، وباقي المسألة بحالها تطلّق، والمختار أنّها لا تطلّق؛ لأنّه حنث بالتزوّج قبل الدخول في نكاحه، فصار كما لو قال لامرأته: إن جلست في نكاحك فأنت طالق، فجلس، ثم تزوّجها لم تطلق؛ لأنّه حنث قبل التزوج -كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله فصحّ يمينًا، أي: عندنا؛ لأنّ التّطليق معلّق عندنا فيكون يمينًا أوإيقاعاً عند الشّافعي، فإن عنده كونها طالقاً معلقبالتطليق، فكان في الحال إيقاعاً، ولكن لم يثبت حكمه في الحال؛ لأنّ الجزاء لابدّ أن يكون ظاهراً أي غالب الوجود ليكون مخيفاً أي بوقوع الجزاء فيما إذا كان المقصود منه المنع، كما إذا قال لامرأته: إن دخلت الدّار فأنت طالق، فإنّه على تقدير الإقدام يلزم وقوع الطلاق الذي يلزم منه قطع إدرار النفقات وكفاية مؤناتها، فكان وقوع الطّلاق مخيفاً لها وذلك إنّما يكون بالإقدام على وجود الشّرط، فلذلك يمتنع عن الإقدام ثم علامة كون اليمين للمنع هي أن يدخل حرف الشّرط على المثبت، كما في: إن دخلت الدّار فأنت طالق.
(1)
أصول الفقه الإمام، فخر الإسلام: علي بن محمد البزدويالحنفي، ولسغناقي شرح عليه، يسمى (الكافي). انظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/ 81).
وأمّا إذا كانت للحال فحرف الشّرط يدخل على النفي، كما في قوله: إن لم تدخل الدّار فأنت طالق.
فإن قلت: فقد صحّ في اليمين التي هي للمنع ما لا يمكن الامتناع منه، كما إذا قال لامرأته: إن حضت فأنت طالق، فلو كانت فائدة اليمين المنع - كما قلت من الصورة -، لما صحّ هذه اليمين، لما أنّ المرأة غير قادرة على منع الحيضة، فلا يفيد اليمين فائدتها.
قلت: بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْغَالِبِ الشَّائِعِ لا النادر؛ لأنّ الكلام في الكليّات العامّة فلا يرد عليه الإفراد الخاصّة، فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ، أي: أن الحامل على الوفاء هو قوة خوف نزول الجزاء والخوف إنّما يحصل بكون الجزاء غالب النزول عند الشّرط، وذلك بأحد هذين، فإذا انعدما انعدم الخوف وانعدم معنى اليمين؛ لأنّ معنى اليمين هو تأكيد العزم والوفاء وإنّما يحصل ذلك بما قلنا، والظهور بأحد هذين وهما: أن يكون مالكاً أو يضيف إلى الملك بأن قال إن ملكتك فأنت حرّ، ثم تزوّجها، فدخلت الدّار لم تطلق، وقال ابن أبي ليلى: تطلق؛ لأن المعتبر لوقوع الطّلاق وقت وجود الشّرط، فإنّ الطّلاق يصل إلى المحلّ، والملك موجود عند وجود الشّرط فيقع الطّلاق، ولكنّا نقول: هذا بعد انعقاد اليمين، ولا ينعقد اليمين بدون المحلوف به، فإذا لم يكن هو مالكاً للطّلاق في الحال، ولا في الوقت المضاف إليه لم ينعقد اليمين، فبعد ذلك وإن صار مالكاً للطّلاق لم ينعقد اليمين في الوقت المضاف إليه، فلا يقع شيء؛ لأنّ اليمين ما كانت منعقدة، و كذلك لو قال لها: أنت طالق غدًا، ثم تزوّجها اليوم لا يقع عليها شيء إذا جاء غد - كذا في «المبسوط»
(1)
-؛ لأنّ الحالف ليس بمالك إلى آخره، ولا يقال: لم لا يدرج إن تزوجك، بتقدير إن تزوجك ودخلت الدّار فأنت طالق، صيانة عن الإلغاء.
ولأنّا نقول فعل اليمين ممّا نذم به، فلا يجوز تصحيح قوله على وجه يؤدي إلى مذمته؛ وذلك لأنّ الله تعالى ذم من هو كثير الحلف فقال: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ
…
حَلَّافٍ مَهِينٍ}
(2)
، وإذا كان مذمومًا لا يكون السّعي إلى تصحيحه واجباً، وألفاظ الشّرط ولم يقل حروف الشّرط كما قال بعضهم لما أن عامتها اسم (كإذا ومتى).
فإن قلت: كيف لم يورد ما هو للشّرط وضعًا وهو لو أورد ما لم يوضع له كإذا ومتى وكلّ - وقد ذكر في المفصّل - ومن أصناف الحرف، حرفا الشّرط وهما:(أن ولو) فعلم به أنّ الموضوع للشّرط ذلك الحرفان لا غير، وغيرهما دخيل عليهما وبكلمة (لو) يتعلّق الطّلاق أيضاً حتّى لو قال لامرأته: أنت طالق لو دخلت الدّار، يتعلّق الطّلاق - ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 99).
(2)
[القلم: 10].
قلت: جاز أن يكون ترك ذكره باعتبار أن كلمة (لو) تعمل عمل الشّرط معنى لا لفظًا، وهذه الألفاظ تعمل عمله لفظًا ومعنى، فإنّه في مواضع الجزم يجزمن وفي غير مواضع الجزم لزم دخول الفاء في جزائهنّ، بخلاف كلمة (لو)؛ لأنّ الشّرط مشتقّ من العلامة.
ذكر في «الصّحاح»
(1)
الشّرط
(2)
بالتّحريك العلامة، وأشراط السّاعة علاماتها، فعلى هذا معنى ما ذكر في الكتاب لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّمِنْ الْعَلَامَةِ؛ لأنّ معنى الاشتقاق الذي هو عبارة عن أن ينتظم الصيغتين فصاعدًا معنى واحداً، ولم يوجد فيما ذكر في الكتاب، وهذه الألفاظ أي: سوى كلمة كلّ تليها الأفعال، مثل قولك: إن دخلت، وإن خرجت.
اعلم أنّ الجزاء متى تقدم على الشرط يتعلّق بدون حرف الفاء، وإن تأخّر لا يتعلّق بدونه إذا كان الجزاء اسمًا كقوله تعالى:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ}
(3)
وإن كان فعلاً يتعلّق كقوله: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ}
(4)
، وإن قال: أنت طالق إن، فعند محمّد يقع لعدم ذكر ما يتعلّق به، وعند أبي يوسف لا؛ لأنّ ذكره بيان إرادة التّعليق، وإن قال: أنت طالق وإن دخلت، تطلق للحال لعدم حرف التّعليق.
ولو قال: فإن دخلت، لا رواية فيه فلقائل أن يقولتطلق، لأنّ الفاء صارت فاصلة.
ولقائل أن يقول: يتعلّق؛ لأنّ الفاء حرف تعليق، ولو قال: أنت طالق دخلت، تطلق للحال؛ لأنّه لم يوجد التّعليق وكذلك لو قال: لدخلت.
وكذا أنت طالق لدخولك؛ لأنّه جعل الدّخول علّة الإيقاع.
وكذا لو قال: إن دخلت وأنت طالق، تطلق؛ لعدم التّعليق -كذا ذكره الإمام التّمرتاشي-، فقالت: قد حضت، طلقت هي ولم تطلق فلانة.
هذا ليس بِمُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ، بل هذا فيما إذا كذّبها الزّوج في قولها حضت.
وأمّا إذا صدّقها يقع الطّلاق عليهما جميعًا -كذا في «شرح الطّحاوي»
(5)
-، كما في الدّخول، أي: دخول الدّار كما قيل في حق العدة والغشيان.
أمّا قبول قولها في العدّة وهو ظاهر بأن قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِيأو لم تنقض، أمّا في الغشيان بأن تقول المطلّقة الثلاث انقضت عدّتي وتزوّجت بزوج آخر، ودخل في الزّوج الثّاني إلى آخره، على ما يجيء، أو يقبل قول المرأة في حقّ حل الجماع وحرمته بقولها أنا طاهر أو حائض، لكنّها كشاهدة في حق ضرتها فلا تقبل.
(1)
الصحاح، في اللغة، للإمام، أبي نصر: إسماعيل بن حماد الجوهري، الفارابي. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1073).
(2)
ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1136).
(3)
[المائدة: 118].
(4)
[النور: 32].
(5)
شرح الإمام، أبي جعفر: أحمد بن محمد الطحاوي. المتوفى: سنة 371، إحدى وسبعين وثلاثمائة.
فإن قلت: يلزم من هذا أن يكون الشّيء الواحد موجودًا، ولا يكون موجودًا في حالة واحدة، وهو محال، فإنّها لم تكن حاضت لا تطلق هي ولا ضرّتها؛ لأنّ الشّرط لم يوجد، وإن حاضت طلقت هي وضرتها لوجود الشّرط.
وأمّا أن يوجد في حقّها ولا يوجد في حق ضرّتها فلا؛ لأنّه حينئذٍ يكون الشّيء الواحد موجودًا ولا موجودًا في حالة واحدة.
قلت: هذا أمر شرعي، فإن الشّرع لما أثبت لقولها حضت وصفين متغايرين وهما الإقرار والشّهادة، رتب على ذينك الموصفين المتغايرين حكمين متغايرين على وفاق ما يقتضيه ذانك الوصفان، وليس ببعيد أن يعطي الشيء الواحد أوصافاً مختلفة فبحسب اختلاف تلك الأوصاف تثبت أحكام مختلفة، وهو شيء واحد، كمن حلف لا يشرب الخمر، ثمّ شرب خمر الذميّ في نهار رمضان بغير إذنه، يجب عليه خمسة أحكام مختلفة، وما سببها إلا شيء واحد وهو الشّرب، فالأحكام هي ضمان
(1)
خمر الذميّ، وكفارة الفطر، وقضاء صوم ذلك اليوم، وكفارة الحنث، والحد.
وكذلك يثبت الحكمان في رواية من المسائل لاقتضائها الوجود والعدم بحسب الحجّة، ألا ترى أن الملك إذا ثبت للمستحق بإقرار المشتري أي لم يرجع على البايع بالثّمن، وإن شهادة الرجل وامرأتين بالسّرقة حجّة في حق المال دون القطع، وأحد الورثة إذا أقرّ بدين الميّت يصدق في حقّه، ولا يصدق في حقّ سائر الورثة، وإن كان كلّ واحد من الوصفين في هذه المسائل لا ينفكّ عن الآخر، لاولم يقل فيه، ردت الملك للمستحقّ أم لا؟ بل يقال: ثبت من حيث الإقرار ولم يثبت من حيث الشّهادة.
قوله رحمه الله: وكذلك لو قال: إن كنت تحبين، إلى قوله: ولا تطلق صاحبتها، غير أنّ هذه المسألة تفارق المسألة الأولى بوجهين:
أحدهما: أنّ هذا يقتصر على المجلس، إذا صرت بذلك في المجلس يقع ولا يقع في غير ذلك المجلس؛ لأنّه أثبت التخيير حيث جعل الأمر إلى اختيارها ومحبتها، وفي مسألة الحيض لا يقتصر؛ لأنّه ليس فيه معنى التّمليك بل هي نظيره سائر التّعليقات فلا يقتصر على المجلس.
والثّاني: أنّها لو كانت كاذبة فيما قالت لا يقع الطّلاق فيما بينه وبين الله تعالى في مسألة الحيض.
وأمّا في فصل المحبة فيقع؛ لأنّ حقيقة المحبة والبغض ما لا يوقف عليها من قبل أحدٍ لا من قبلها ولا من قبل غيرها؛ لأنّ القلب متقلب لا يستقرّ على شيء ممّا لم يوقف عليه يتعلّق الحكم بدليله، كالسّفر مع المشقّة، والنوم مع الحدث، فصار كلّ الشّرط هو الاخبار عن المحبّة وقد وجد فتبعه حكمه.
(1)
الضمان، مصدر ضمن الشيء ضمانًا، فهو ضامن وضمين: إذا كفل به. انظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص 297).
وأمّا الحيض فإنّ له حقيقة وأيّامًا معلومة فيتعلّق الحكم به فإذا أخبرت كاذبة لا يقع فيما بينه وبين الله -كذا في «مبسوط فخر الإسلام»
(1)
رحمه الله، وذكر مسألة في «الفوائد الظهيرية»
(2)
، تشهد لصحّة ما ذكرنا، وهي أنّه لو قال: أنت طالق إن كنت أنا أحبّ كذا، ثم قال: لست أحبّه وهو كاذب به، فهي امرأته ويسعه أن يطأها فيما بينه وبين الله تعالى.
قال شمس الأئمة رحمه الله: وهذا مشكل؛ لأنّه إن كان لا يعرف ما في قلبها حقيقة يعرف ما في قلبه، ولكن الطّريق ما قلنا، وهو أنّ ما في قلبه وما في قلبها لا يمكن الوقوف على حقيقته، فإنّما يتعلّق الحكم بالسّبب الظّاهر وهو الإخبار فيدور الحكم مع السّبب الظّاهر وجودًا وعدمًا، ويسقط اعتبار المعنى الخفي ولا يتيقن بكذبها جواب سؤال مقدّر، فإنّه ذكر السؤال.
والجواب في «الجامع الصّغير» لقاضي خان رحمه الله وقال: فإن قيل: لما كان قبول قولها في حقّها باعتبار الصدق فإذا أخبرت بمحبته العذاب، ونحن نتيقن بكذبها في ذلك، وجب أن لا يقبل قولها أصلاً.
قلنا: لم يتيقن بكذبها في ذلك فإنّ الجاهل قد يختار العذاب على ما يبغضه، فلعلها لشدة بغضها زوجها وجهلها بمقدار ألم العذاب يختار ذلك، فلم تكن كاذبة قطعًا، فإذا استمر ثلاثة أيام حكمنا بالطّلاق حين حاضت، وفائدة هذا تظهر فيما إذا كانت المرأة غير مدخول بها، فإنّها لما رأت دماً تزوجت بزوج آخر، واستمر بها الدّم ثلاثة أيّام، كان النكاح صحيحًا؛ لانقطاعها عن الزوج بأوّل ما رأت لا إلى عدة، وتطهر أيضاً فيما إذا قال: إن حضت فعبدي حرّ، والمسألة بحالها كان العبد حرًا من حين رأت الدّم حتّى كان الإكساب للعبد، ويظهر أيضاً في حق الجناية منه وعليه، وقيل: يجب على المعنى أن يجيب بقوله: كانت مطلقة من أوّل ثلاثة أيّام عمّا سئل بعد استمرار ثلاثة أيّام هل يقع الطّلاق أم لا؟.
وبالفارسيّة طلاق شده است، ولو قال لها: إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتّى يظهر من حيضها، وكذا إذا قال إذا حضت نصف حيضة؛ لأنّ الحيض لا ينتصف - كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله، وعن هذا قالوا: لو قال: إذا حضت فأنت طالق، كان الطّلاق بدعياً، وإذا قال: إن حضت حيضة فأنت طالق، كان سنيًا؛ لأنّه لا يقع إلا بعد ما طهرت، ولهذا حمل عليه في حديث الاستبراء، وهو ما قال عليه السلام في سبايا
(3)
أوطاس
(4)
: «ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة»
(5)
، أراد بها الحيضة الكاملة وكمال الحيض بانتهائه بها
(6)
، وذلك انقطاع الدّم إذا كان أيّامها عشرة أو بالانقطاع والغسل أو ما يقوم مقام الغسل إذا كانت أيّامها دون العشرة -كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله.
(1)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (4/ 29).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (4/ 29).
(3)
سبي: السَّبْيُ والسِّباءُ: سَبَى العدوَّ وغيرَه سَبْياً وسِباءً إِذَا أَسَرَه، فَهُوَ سَبِيٌّ، وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هاءٍ مِنْ نِسْوة سَبايا. ينظر: لسان العرب (14/ 367).
(4)
بفتح أوّله، وبالطاء والسين المهملتين: واد فى ديار هوازن، فيه كانت وقعة حنين للنبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: معجم البلدان (1/ 281)، ومعجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع (1/ 212).
(5)
أخرجه أبي داود في سننه (كتاب النكاح/ باب في وطء السَّبايا/ 2157)، والدارمي في سننه (كتاب الطلاق/ بَابٌ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ/ 2341)، قال الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ:"حَدِيثٌ صَحِيحٌ، عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ"، ينظر: نصب الراية (4/ 252).
(6)
سقط من (ب).
اعلم أن ههنا قيدًا ذكره في «الذّخيرة»
(1)
، وهو إنّما يقبل قولهما فيما اخبرت من الطهر والحيض، الذي هو شرط وقوع الطّلاق إذا كان في ذلك الوقت الذي اخبرت به كان الطّهر أو الحيض قائمًا.
فأمّا إذا لم تكن موصوفة بما أخبرت في تلك الحال التي اخترت به، فلا تصدق وإن كان ذلك الطّهر والحيض بعد يمين الزّوج، بيان ذلك: أنّ الرجل إذا قال لامرأته: إنْ حِضْت حَيْضَةً فأنت طالق، فمكثت عشرة أيّام، ثم قالت المرأة حضت حيضة وطهرت واغتسلت، وكذّبها الزّوج فالقول في ذلك قولها.
وأمّا إذا قالت بعد تطاول الزّمان حضت فطهرت، وأنا الآن حائض بحيضة أخرى، لا يقبل قولها، ولا يقع عليها الطّلاق؛ لأنّها أخبرت عمّا هو شرط وقوع الطّلاق حين فواتها وانعدامها، ولا يقع الطّلاق إلا إذا أخبرت عن الطّهر بعد انقضاء هذه الحيضة، فحينئذ يقع الطّلاق، وكذلك في المسألة الأولى، إذا قال لها: إن حضت فأنت طالق، فمكثت خمسة أيام ثمّ قالت: قد حضت منذ خمسة أيام، وأنا الآن حايض صدقت، ووقع عليها الطّلاق؛ لأنّها أخبرت عمّا هو شرط وقوع الطّلاق حال قيامه، وهو ورود الدّم فإنّ الشّرط في هذه الحالة نفس الحيض، والحيض عبارة عنورود الدّم، ولو قالت - في هذه الصّورة -: حضت وطهرت لا تصدّق إذا كذّبها الزّوج؛ لأنّها أخبرت عمّا هو شرط وقوع الطّلاق حال فواته، والمعنى فيه هو أنّ الله تعالى جعل المرأة أمينة فيما تخبر من الحيض أو الطهر ضرورة إقامة الأحكام المتعلقة بها، فمادامت الأحكام قائمة كان الِائْتِمَانِ قائمًا من جهة الشّرع، فيصدق، وإذا كانت الأحكام مقتضية، كان الِائْتِمَانِفايتًا، فلا تصدق.
وهذا بخلاف المودع في حق الوديعة
(2)
، فإنّ المودع إذا قال: رددت الوديعة أو هلكت فإنّه يصدق، فلا يشترط لتصديقه فيما أخبر قيام الأمانة؛ لأنّ المودع صار أمينًا من جهة صاحب المال صريحًا وابتداءً لا لضرورة إقامة الأحكام فإنّ صاحب المال ائتمنه مطلقاً.
أمّا المرأة إنّما صارت أمينة فيما يخبر من الحيض أو الطّهر ضرورة إقامة الأحكام المتعلّقة بها على ما ذكرنا، وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا صُمْت يَوْمًا طَلُقَتْ، وكذا إذا قالت: صمت صومًا، بخلاف ما إذا قال: إذا صمت يعني فصامت ساعة مقرونة بالنية، طلقت -كذا ذكره الإمام التمرتاشي-، لزمه في القضاء تطليقة؛ لأنّ التيقّن فيها وفي الثّانية شك، وفيما بينه وبين الله تعالى ينبغي أن يأخذ التّطليقتين حتّى إذا كان طلقها قبل هذا واحدة فلا ينبغي له أن يتزوّجها حتى تنكح زوجًا غيره؛ لاحتمال أنّها مطلقة ثلاثاً، ولأن ترك امرأة يحل له وطئها خير من أن يطأ امرأة محرّمة عليه، وإن ولدت غلاماً وجاريتين في بطن واحد، فإن علم أنّها ولدت الجاريتين أولاً هي طالق ثنتين بولادة الأولى منهما، وقد انقضت عدّتها بولادة الغلام أولاً طلقت واحدة بولادة الغلام، وتطليقتين بولادة الجارية الأولى، وقد انقضت عدتها بولادة الأخرى، وَإِنْ وَلَدَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا، ثُمَّ الْغُلَامَ ثُمَّ الْجَارِيَةَ، طلقت تطليقتين بولادة الجارية الأولى والثّالثة بولادة الغلام، وقد انقضت عدّتها بولادة الأخرى، كذا في «المبسوط»
(3)
.
(1)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 129).
(2)
الوديعة: هي أمانة تركت عند الغير للحفظ قصدًا. ينظر: التعريفات (ص: 251).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 104).
فحاصل أحوالهما لايخلو عن ثلاثة أوجه، فإن علما أنّ الغلام أوّل طلقت واحدة وانقضت عدتها بالجارية، فلا يقع شيء، وإن علما أن الجارية أوّل طلقت ثنتين، وإن اختلفا فالقول للزّوج؛ لإنكاره الزيادة، وإن قالا: لا ندري طلقت واحدة قضاء، وفي النسوة ثنتان، هذا في الولادة، ولو قال: إن كان حملك هذا جارية فأنت طالق، وإن كان غلاماً فثنتين، فولدتهما لم تقع؛ لأنّ الحمل اسم لجميع ما في البطن، وما في البطن ليس بغلام ولا جارية، فلم يوجد شرط الحنث، ألا ترى لو نظر إلى جوالق، فقال: إن كان فيه حنطة فامرأتي طالق، وإن كان فيه دقيق فعبدي حرّ، فإذا فيه حنطة ودقيق لم تطلق ولم يعتق، وكذا لو قال: إن كان ما في بطنك، ولو قال إن كان في بطنك، لزماه بوجود الشّرطين -كذا ذكره الإمام التمرتاشي-، والمراد بالتنزّه: التّباعد عن السّوء وعمّا هو في مضان الحرمة؛ إذ هما في حكم الطّلاق كشيء واحد، من حيث أنّ الطّلاق لا يقع إلا بهما.
فصار الشّرطان بمنزلة شرط واحد، ولو كان شرطًا واحداً لما وقع بدون وجود الملك، فكذلك ههنا إلا أن الملك يشترط حالة التّعليق إلى آخره، جواب سؤال مقدّر، وهو أن يقال: لما كان محلّ اليمين الذمّة، ينبغي أن لا يشترط الملك وقت تعليق اليمين، فأجاب عنه وقال: إنّما اشترط الملك وقت التّعليق لكون الجزاء غالب الوجود؛ لأنّ الملك إذا كان موجودًا وقت التّعليق فالظّاهر بقاءه باستصحاب الحال إلى وقت وجود الشّرط، واذا لم يوجد الملك وقت التعليق لا يكون الجزاء غالب الوجود، فلا يفيد اليمين فائدتها، وهي المنع عن الإقدام على وجود الشرط الذي يلزم منه نزول الجزاء، وفيما بين ذلك الحال حال بقاء اليمين فنستغني عن قيام الملك، كما إذا علّق طلاقها بالشّرط فأبانها وانقضت عدّتها، ثم تراجع بانت بالشّرط.
فإنّها تطلق بالإجماع
(1)
، واليمين لم يبطل بزوال الملك وكان كالنصاب إذا انتقص في خلال الحول لم يضره، وإن قال لها: إن دخلت الدّار فأنت طالق ثلاثاً، فطلّقها ثنتين إلى آخره، فائدة الخلاف لم يظهر في هذا الذي ذكره في الكتاب، فَإِنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَعَادَتْ إلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ بِالِاتِّفَاقِ
(2)
، أمّا عند محمّد رحمه الله فلعدم الهدم، وأمّا عندهما وإن وجد الهدم، فبالدخول في الدّار تقع الثّلاث؛ لأن الثّلاث معلقة بدخول الدّار
(3)
.
(1)
ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 38).
(2)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 132).
(3)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 132).
وإنّما يظهر ثمرة الاختلاف فيما إذا علق الطّلقة الواحدة بدخول الدّار، ثم نجزها طلقتين وتزوّجت بزوج آخر، فعادت إلى الأوّل، ودخلت الدّار، تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ
(1)
، لِعَدَمِ الْهَدْمِ، وَعِنْدَهُمَا لا يثبت لتحقّق الهدم قَدْ بَقِيَ حَتَّى وُقُوعِهَا فَتَبْقَى الْيَمِينُ، أي: بنكاحها ثانياً بعد تزوّجها بزوج آخر، ولنا أنّ الجزاء طلقات هذا الملك؛ لأنّ المطلق يتقيد بدلالة الحل، فينصرف هذا الطّلاق إلى الطّلقات المملوكة، لا الطّلقات المستحدثة بعد التزوّج بزوج آخر؛ لأنّ الطّلقات الثّلاث تابعة لها عن دخول الدّار، فلا يتحقّق بزوج الثاني ولا العود إلى الأوّل ثانياً، فيكون المراد من إطلاق الطّلاق هو الطّلقات المملوكة من حيث الظّاهر، أو لأنّها لما تزوّجت بزوج آخر فالظّاهر أنّها لا تعود إلى الأوّل ثانياً، لما أنّ الزّوج الأوّل أتى بمكروه طبعها، وهو الطّلقات] الثّلاث فائتة جازاه بشيء هو مكروه طبع الزّوج، وهو يحلّل الزّوج الثّاني فإذا كان كذلك لا يوجد ملك الطّلاق المستحدثة
(2)
ظاهراً، فلا يكون لذلك مراد الزّوج الطلقات المستحدثة، فتعيّن لإطلاقه الطلقات المملوكة، وقد انتهى ذلك بإرساله الثلاث.
وذكر في «المبسوط» وحجّتنا في ذلك أن انعقاد هذه اليمين باعتبار التّطليقات المملوكة، فإن اليمين بالطّلاق لا ينعقد إلا في الملك، أو مضافة إلى الملك، ولم يوجد الإضافة ههنا، فكان انعقادها باعتبار التّطليقات المملوكة، وهي محصورة بالثّلاث، وقد أوقع كلّه والكلّ من كلّ شيء لا يتصوّر بعدده، فعرفنا أنّه لم يبق شيء من الجزاء المتعلّق بالشّرط طلاقاً كان أو غيره
(3)
، والطريق المعتمد أن يقول بوقوع الثلاث عليها خرجت من أن يكون محلاً للطّلاق؛ لأنّ الطّلاق مشروع لرفع الحل، وقد ارتفع الحلّ بالتّطليقات الثّلاث، وفوت محلّ الجزاء يبطل اليمين كفوت محلّ الشّرط بأن قال: إن دخلت هذه الدّار، ثم جعل الدّار بستاناً أو حمّامًا لا يبقى اليمين فهذا مثله.
فإن قلت: يشكل هذا بما إذا قال لعبده: إن دخلت الدّار فأنت حر، ثم باعه، ثم اشتراه، فدخل الدّار يعتق، مع أنّه بالبيع لم يبق العبد محلاً ليمينه، وكذلك بقيت هذه المرأة لحكم النكاح في حقّ الظّهار بعد الثلاث، فتبقى في حقّ الطّلاق أيضاً.
(1)
ينظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 425).
(2)
سقط من (ب).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 94).
لأنّهما حكمان مستفادان من ملك النكاح، وهو أنّه لو قال: لها إن دخلت الدّار فأنت عليّ كظهر أمي، ثم طلقها ثلاثاً، ثم عادت إليه بعد زوج يكون مظاهراً منها إذا دخلت الدّار، وكذلك لو طلّقها ثنتين في مسألة اليمين، ثمّ عادت إليه بعد زوج آخر فدخلت الدّار، تطلق ثلاثاً ما الفرق بين هذه المسائل؟.
قلت: أمّا الأوّل فإنّ العبد بصفة الرّق كان محلاً للعتق، وبالبيع لم يفت تلك الصفة حتّى لو فاتت بالعتق لم يبق اليمين، وأمّا الثّاني فلأن محلتّه الطّهار لا ينعدم بالتّطليقات الثّلاث؛ لأن الحرمة بالظّهار غير الحرمة بالطّلاق، فإن تلك الحرمة حرمة إلى وجود التّكفير، وهذه حرمة إلى وجود ما يرفعها، وهو الزّوج الثّاني، إلا أنّها لو دخلت الدّار بعد التطليقات الثلاث إنّما يصير مظاهراً؛ لأنّه لا حل بينهما في الحال والظّهار تشبيه المحلية بالمحرمة، وذلك يوجد بعد التزوّج بها إذا دخلت الدّار.
وأمّا الثّالث فإنّها إنّما تطلق ثلاثاً عند دخول الدّار؛ لأنّ المحلّ باق بعد الثنتين فإنّ المحليّة باعتبار صفّة المحلّ، وهي قايمة بعد الثنتين فيبقى اليمين، وعلى هذا لو قال: أنت طالق كلمّا حضت حيضة فبانت بثلاث، ثم لو عادت إليه بعد زوج لم يقع عليها شيء إن حاضت، إلا على قول زفر، وكذلك إن أتى منها فبانت بالإيلاء، ثمّ تزوّجها فبانت أيضاً، حتّى بانت بثلاث، ثم تزوّجها بعد زوج لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا بِهَذَا الْإِيلَاءِ طَلَاقٌ، إلا على قول زفر
(1)
رحمه الله ولكن إن قربها كفر يمينه؛ لأنّ اليمين نافية فإنّ انْعِقَادَهَا وَبَقَاءَهَا لَا يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْحِلِّ، فَإِذَا قَرُبَهَا، تَحَقَّقَ حِنْثُهُ فِي الْيَمِينِ، فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ-كذا في «المبسوط»
(2)
-وقد فات، أي الجزاء المملوك، وَإِنْ لَبِثَ سَاعَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، يريد به العقر، أي عندهما، خلافاً لأبي يوسف رحمه الله وإن أخرجه ثمّ أدخله وجب عليه المهر، أي بالإجماع
(3)
.
(وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
(4)
رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْمَهْرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ). أي: فيما إذا لم يخرجه، لوجود الاستمتاع في غير الملك.
(1)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 94).
(2)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 95).
(3)
ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 202).
(4)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 134)، ومجمع الضمانات (ص: 449).
وحاصله أنهُ جَعَلَ الدَّوَامَ عَلَى اللَّبَاثِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ الِابْتِدَائِيِّ. وجه الظّاهر أنّ الجماع إدخال الفرج في الفرج ولا دوام للإدخال، ولما لم يكن له الدّوام لم يجعل الدّوام على الإدخال بمنزلة الإدخال الابتدائي، فلم يجب العقر فيما إذا لم يخرجه ثمّ يدخله، والجماع في الأصل عبارة عن الموافقة والمساعدة في أي شيء كان، فإن محمّدًا رحمه الله كثيراً ما يقول في كتاب الحج على أهل المدينة ألستم قد جامعتمونا في كذا أي وافقتمونا.
وحكي عن الطّحاوي رحمه الله أَنَّهُ كَانَ يُمْلِي عَلَى ابْنَتِهِ مَسَائِلَ يَقُولُ فِي إمْلَائِهِ أَلَسْنَا قَدْ جَامَعْنَاكُمْ عَلَى كَذَا، أَوَلَسْتُمْ قَدْ جَامَعْتُمُونَا عَلَى كَذَا، فَتَبَسَّمَتْ ابْنَتُهُ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ فَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ مَا شَأْنُك؟ فَتَبَسَّمَتْ مَرَّةً أُخْرَى، فَأَحَسَّ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إلَى الْجِمَاعِ الْمَعْرُوفِ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَقَالَ أَوَ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا فَاحْتَرَقَ غَضَبًا، وَقَطَعَ الْإِمْلَاءَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ لَا أُرِيدُ حَيَاةً بَعْدَ هَذَا فَتَمَنَّى الْمَوْتَ فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ كذا في «الفوائد الظهيرية»
(1)
، لوجود المساس مع أن هذا له حكم دوام الجماع -عند أبي يوسف- كيلا يمنع مانع فأمّا دوام المساس فموجود بالإجماع
(2)
والله أعلم.
فصل في الاستثناء
(3)
الحق بالتّعليق فصل الاستثناء؛ لأنّهما جميعًا من بيان التغير، ولأنّ الشّرط يمنع كلّ الكلام، والاستثناء يمنع بعض الكلام، والجزء يتبع الكلّ، ثم ذكر أولاً في هذا الفصل من مسائل الاستثناء مسألة إنشاء الله تعالى لقربها ومشابهتها بمسائل ما قبل الفصل من مسائل التّعليق بوجهين:
أحدهما: وجود حرف الشّرط منهما، والثّاني منع موجب كلّ الكلام، الاستثناء: استفعال، من الثني وهو الصّرف، يقال: شئت الشيء عطفته، ثم المناسبة بين قوله: إنشاء الله وبين الاستثناء من حيث أن كلّ واحد منهما يمنع أول الكلام أو هو اسم توقيفي، قال الله تعالى:{وَلَا يَسْتَثْنُونَ}
(4)
، ثم اختلفوا في أن قوله: إنشاء الله بعد ذكْرِ الْجُمَلِ لِلْإِبْطَالِ أَوْ لِلتَّعْلِيقِ؛ ذكر ذلك في باب الاستثناء من إقرار هذا الكتاب، فقال: لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ، أي: إبطال على قول أبي يوسف
(5)
، وتعليق على قول محمّد
(6)
، وثمرة الاختلاف تظهر في مواضع: أحدها: أنّه إذا قدم المشيئة، فقال: إن شاء الله أنت طالق، عند أبي يوسف
(7)
رحمه الله لا يقع الطّلاق؛ لأنّه إبطال، فيبطل الطّلاق سواء قدم أو أخّر، بخلاف الفاء أو بغيره.
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (4/ 38).
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (4/ 38).
(3)
الاستثناء: أن يقول لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلاً. انظر: البناية شرح الهداية (5/ 432).
(4)
[القلم: 18].
(5)
العناية شرح الهداية (4/ 136).
(6)
العناية شرح الهداية (4/ 136).
(7)
العناية شرح الهداية (4/ 136).
وقال محمّد
(1)
: يقع الطّلاق؛ لأنّه للتّعليق، فإذا قدّم الشّرط ولم يذكر حرف الجزاء لم يتعلّق، وبقي الطلاق من غير شرط -كذا في الجامع الكبير لقاضي خان
(2)
-، وذكر في كتاب قاضي والفتوى على قول أبي يوسف
(3)
، والثاني يظهر فيما ذكر في «الإيضاح»
(4)
.
ولكن ذكر الاختلاف فيه على عكس ما ذكر في «الجامع الكبير» لقاضي خان فقال قال أبو يوسف رحمه الله هذه الكلمة شرط
(5)
.
وقال محمّد: رفع للكلام والاختلاف يظهر فيما إذا جمع بين ثنتين، فقال: أنت طالق إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إن شاء الله، قال أبو يوسف: يعود إلى الجملة التّامة، وقال محمد: ينصرف إلى الكلّ، فأبو يوسف اعتبر صيغة الشّرط والأصل في الجملتين إذا وجدنا، ثم عقب ذلك لم يشرط أن ينصرف الشّرط إلى الجملة التّامة، ومحمّد اعتبر معنى الكلام، فقال: الصيغة صيغة الشّرط ومعناه رفع الحكم وإعدامه على خلاف سائر التعليقات، فإن التعليق بالشروط وإن كان إعداماً للحال ولكن عرضية الوجود له ثابتة عند وجود الشّرط، والتّعليق بمشيئة الله إعدام لحكم الكلام أصلاً؛ إذ لا طريق للوقوف على المشيئة، وإحدى الجملتين ليست بأولى في الانعدام من الأخرى فانصرف إلى الكلّ
(6)
.
ولو قال: أنت طالق وعبدي حرّ إنشاء الله، انصرف إليهما بلا خلاف؛ لأنّه إن اعتبر شرطًا -كما قاله أبو يوسف
(7)
- انصرف إليهما وإذا اعتبر رفعًا -كما قاله محمّد- فكذلك، وذكر في «المحيط»
(8)
ما يوافق لما ذكر في «الإيضاح»
(9)
، فقال: قوله: إن شاء الله، يستعمل لإبطال الكلام أو يستعمل استعمال الشّروط للتّعليق، فعلى قول أبي يوسف
(10)
يستعمل استعمال الشروط، وعلى قولهما يستعمل استعمال الإبطال، حتّى أن من قال لامرأته: إن شاء الله أنت طالق، إنشاء الله وأنت طالق، فعلى قولهما لا يقع الطّلاق، وعلى قول أبي يوسف يقع.
(1)
سبق التعريف به.
(2)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 433).
(3)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 433).
(4)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 433).
(5)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 433).
(6)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 243).
(7)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 243).
(8)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 285).
(9)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 285)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 243).
(10)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 243).
والثالث: يظهر فيما ذكر في طلاق «فتاوى قاضي خان» ، فقال: ثم اختلف أبو يوسف ومحمّد أن الطّلاق المعروف بالاستثناء في موضع يصح الاستثناء هل يكون يمينًا؟ قال أبو يوسف: يكون يمينًا حتّى لو قال لامرأته: إن حلفت بطلاقك فعبدي حرّ، ثم قال لها: أنت طالق إنشاء الله، حتّى يصحّ الاستثناء عندهما يحنث، في قول أبي يوسف، وقال محمّد
(1)
: لا يكون يمينًا ولا يحنث، وإنماعدام أي: أنّ الاستثناء لعدم العلية قبل وجود الشّرط، والشّرط لا يعلم ههنا فيكون إعداماً من الأصل، فلذلك صار هو لإبطال الكلام
(2)
.
وذكر في «شرح الطّحاوي» أنّ قوله إنشاء الله
(3)
، كما يعطل] ويبطل
(4)
الكلام الذي قبله، كذلك لو قال: إن لم يشأ الله، أو قال ما شاء الله يبطل الكلام، وكذلك إذا علق بمشيئة من لا يظهر مشيئته لنا، كما إذا قال: أنت طالق إن شاء الجن، أو هذه الحائط، وما أشبه ذلك، ولو قال: أنت طالق إن شاء فلان، فعلم فلان ذلك في المجلس فشاء يقع الطّلاق.
وكذلك إن كان غائباً فإنّه يقتصر على مجلس علمه، بخلاف ما إذا قال: أنت طالق إن دخل فلان الدّار، أو فعل فعل كذا ففي أي وقت وجد الشّرط يقع الطّلاق، ولا يقتصر على المجلس، قال: وكذا إذا ماتت، هذا معطوف على قوله: لم يقع الطّلاق، والموت ينافي الموجب دون المبطل، هذا جواب سؤال مقدّر، بأن يقال: أن الموت ينافي قوله: أنت طالق.
حتّى لا يقع الطّلاق بقوله: أنت طالق حالة الموت، فينبغي أن ينافي المبطل -أيضاً -، وهو قوله: إن شاء الله، كما ينافي الموجب، فحينئذ يقع الطلاق، فأجاب عنه، وقال: أنّ الموت مبطل للإيجاب، كما أن إنشاء الله مبطل له فيتناسبان [من حيث الإبطال فلذلك لم يبطل الموت الاستثناء فلا يقع الطلاق لصحة الاستثناء، بخلاف ما إذا تاب الزوج، أي بعد قوله: أنت طالق، قبل قوله: إنشاء الله وهو يريد الاستثناء] حيث يقع الطّلاق، وإرادته الاستثناء إنّما يعلم فيما إذا كان قال قبل ذلك: إني أطلق امرأتي واستثنى.
(1)
ينظر: النهر الفائق شرح كنز الدقائق (2/ 402).
(2)
ينظر: النهر الفائق شرح كنز الدقائق (2/ 402).
(3)
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَعَلَى مَشِيئَةِ مَنْ لَا يُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ لَا يَقَعُ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَال: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ الطَّلَاقُ. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (2/ 513)، والاختيار (3/ 142)، ومغني المحتاج (3/ 302)، والمغني لابن قدامة (7/ 216)، وروضة الطالبين (8/ 96).
(4)
سقط من (ب).
وذكر في «المحيط»
(1)
فقال: وعلى قياس مسألة النّوازل، قالوا أن من حلف، وأراد أن يقول في آخره: إن شاء الله، فسد إنسان فمه، أنه يكون استثناء، تأويله إذا ذكر الاستثناء بعد دفع اليد عن فمه متصلاً به، وقد وجدنا في نوادر هشام
(2)
(3)
أنّه قال: سألت محمدًا عمن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً، وهو يريد أن يستثنى، فأمسكت بفمه، وحالت بينه وبين الاستثناء، قال يلزمه الطّلاق في القضاء، وفيما بينه وبين الله تعالى.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثُّنْيَا هُوَ الصَّحِيحُ.
هذا احتراز عن قول بعضهم أن الاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي إثبات، وهذا ينزع إلى أن في الاستثناء معنى المعارضة، وذلك فاسد لما عرف، ومعناه أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أي: بما بقي من المستثنى منه، فيصحّ استثناء البعض من الجملة فلمّا صحّ استثناء البعض من الجملة بعد ذلك لم يفرق بين أن يكون المستثنى أقل أو أكثر.
خِلَافًا لِلْفَرَّاءِ
(4)
، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ.
قوله رحمه الله: (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ)؛ لأنّه استثناء الأكثر، ولكنا نقول طريق الاستثناء ما.
قلنا: هو أن يكون عبارة عمّا وراء المستثنى، فشرط صحّته أن يبقى وراء المستثنى شيء يجعل كلامه عبارة عنه، وفي هذا لا فرق بين الأقلّ والأكثر، مع أنّ استثناء الأكثر موجود في القرآن، قال الله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}
(5)
استثنى الغاوين، وهم أكثر من المؤمنين على ما قال الله تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}
(6)
، ولم يذكر في الكتاب
(7)
إذا قال: أنت طالق ثلاثاً إلا نصف تطليقة، كم يقع، وقيل: على قول أبي يوسف رحمه الله
(8)
يطلق ثنتين؛ لأنّ التّطليقة كما لا يتجزأفي الاستثناء، فصار كأنّه قال: إلا واحدة، وعند محمّد يطلق ثلاثاً؛ لأنّ في الإيقاع إنّما لا يتجزأ لمعنى في الموقع، وذلك لا يوجد في الاستثناء] فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: إلَّا وَاحِدَةً في الاستثناء أي:
(9)
فيتجزأ فيه.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 287).
(2)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 287).
(3)
نوادر هشام، لهشام بن عبيد الله الرازيّ: فقيه حنفي، من أهل الري. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1282)، والأعلام للزركلي (8/ 87).
(4)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 244).
(5)
[الحجر: 42].
(6)
[سبأ: 13].
(7)
ينظر: مختصر القدوري (ص: 158).
(8)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 245).
(9)
سقط من (ب).
وإذا كان المستثنى نصف تطليقة صار كلامه عبارة عن تطليقتين ونصف، فتطلق ثلاثاً، ولا يصحّ استثناء الكلّ من الكلّ؛ لأنّه لا يبقى شيء يصير متكلّمًا به، فلمّا لم يبق شيء ههنا بعد الاستثناء لم يجعل متكلّمًا بما بقي، فبقي كلامه الأوّل كما كان، فيقع الثّلاث.
فظنّ بعض أصحابنا
(1)
أن استثناء الكلّ رجوع، والرجوع عن الطّلاق باطل، فلذلك لم يصحّ وهذا وهم منهم، لما أنّه أبطل استثناء الكلّ في الوصيّة - أيضاً - مع أنّ الوصيّة تحتمل الرّجوع.
فدلّ أنّ الطّريق ما قلنا، ولو قال: أنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
(2)
رحمه الله يطلق ثلاثاً؛ لأنّ عطف بعض الكلمات على البعض والعطف للاشتراك، وعند ذلك صار مستثنى للكلّ، فكأنه قال: إلا ثلاثاً، وهو الظّاهر من قول أبي يوسف
(3)
، وروي عنه أنّه يقع واحدة، وهو قول زفر
(4)
؛ لأنّه لو قال: إلا واحدة وواحدة كان مستثنى للثنتين، فكان صحيحًا، وإنّما بطل استثناء [الثالثة] فقط كذا في «المبسوط»
(5)
.
وذكر في زيادات المصنف-رحمه الله
(6)
-أنّ استثناء الكلّ من الكلّ إنّما لا يصحّ، إذا كان تعيّن ذلك اللّفظ، أي: تعين لفظ المستثنى منه.
وأمّا إذا استثنى بغير ذكر اللّفظ فيصحّ، وإن كان هو استثناء الكلّ [من الكل] من حيث المعنى، فإنّه لو قال: كُلُّ نِسَائِي طَوَالِقُإلَّا كُلَّ نِسَائِي، لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بل يطلق كلّهن.
ولو قال: كلّ نسائي يَقُولَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَهِنْدَ وَعَمْرَةَ وَبَكْرَةَ، لا تطلق واحدة منهنّ، وإن كان هو استثناء الكلّ من الكلّ، فكذلك لو قال: ثلث مالي لزيد إلا ثلث مالي، لا يصحّ الاستثناء.
ولو قال: ثلث مالي لزيد إلا ألفاً، وثلث ماله ألف صحّ الاستثناء، وذكر في «المحيط» و «الذّخيرة»
(7)
، وذكر القدوري في شرحه إذا أوقع [أكثر] من ثلث، ثم استثنى كان الاستثناء من جملة الكلام، لا من جملة الثّلاث التي يحكم بوقوعها نحو] أن يقول: أنت طالق عشرًا إلا تسعًا، وقعت واحدة فقد صح الاستثناء في هذه الصورة
(8)
(9)
أن كان هذا استثناء الكلّ من الكلّ لفظًا، وروي عن محمّد - في النّوادر - نسائي طوالق إلا فلانة وفلانة، وليس له من النسوة سواهنّ صحّ الاستثناء
(10)
، وفي البقالي
(11)
به إذا كان كلّ مرأة لي طالق إلا هذه، وليس له غيرها لم تطلق، ثم كما يصحّ الاستثناء من أصل الكلام يصحّ الاستثناء من الاستثناء
(12)
، قال الله تعالى:{إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ}
(13)
إنّه استثنى آل لوط من جملة النّاس، واستثنى امرأة لوط من آله، بيان هذا إذا قال: لها أنت طالق ثلاثاً إلا الاثنين إلا واحدة، يقع ثنتان، والأصل في جنس هذه المسائل أنّ المستثنى ثانياً يجعل مستثنى من الاستثناء الأول، وهو ببيان، ثم ينظر إلى ما بقي من الاستثناء الأوّل فيجعل ذلك مستثنى من أصل الكلام، إذا ثبت هذا فيقول: الاستثناء الثّاني واحدة يجعل مستثنى من الاستثناء الأوّل وهو ببيان، بقي من الاستثناء الأوّل واحدة، فيجعل ذلك مستثنى من أصل الكلام، وهو الثلاث يبقى من أصل الكلام ببيان فهي الواقع.
(1)
المشهور إطلاق أصحابنا على الائمة الثلاث، وأحيانا يطلق على أبي يوسف ومحمد، وأحيانا يُراد به عامة علماء الحنفية. يُنْظَر: المذهب الحنفي مراحله وطبقاته لأحمد النقيب.
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 92).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 92).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 92).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 92).
(6)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 143).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 290)، والدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(5/ 605).
(8)
زيادة في (ب).
(9)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 290).
(10)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (4/ 85).
(11)
محمد بن أبي القاسم بن بابجوك، البقالي الخوارزمي، أبو الفضل الملقب بزين المشايخ: عالم بالأدب، مفسر، فقيه حنفي، من أهل خوارزم .. من كتبه (منازل العرب ومياهها)، و (الهداية) في المعاني والبيان، و (الفتاوى)، مات في جمادى الآخرة، سنة اثنتين وستين وخمسمائة، وله بضع وسبعون سنة. ينظر: الأعلام للزركلي (6/ 335)، وطبقات المفسرين للسيوطي (ص: 117).
(12)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (4/ 85).
(13)
[الحجر: 59 - 60].
فعلم بهذا أن استثناء الكلّ من الكلّ إنمّا لا يصحّ إذا وقع استثناء الكلّ جملة.
أمّا إذا استثنى جزء فجزّأ حتّى أتى الكلّ فإنّه يجوز، لما أنّ الاستثناء يصرف فيما صح فيه اللفظ، فلما استثنى الجزء عن الكلّ صحّ لفظًا، فكذلك فيما بقي؛ إذ لو كان الاستثناء يتبع الحكم الشرعي لما صحّ في قوله: أنت طالق عشراً إلا تسعًا؛ لما أنّه لا مزيد على الثّلاث شرعًا، وهو صحيح بلا خلاف كما ذكرنا والله أعلم بالصواب.
باب طلاق المريض
(1)
لمّا فرغ من بيان طلاق الصّحيح سنياً وبدعياً تنجيزًا وتعليقاً صريحًا وكناية كلاً وجزء.
شرع في بيان طلاق المريض متعرضاً لبعض ما ذكر إذ المرض من العوارض السّماوية، فأخّر بيانه عن بيان حكم من به الأصل وهو الصحّة، أصل الباب أنّ من أبان امرأته في مرض الموت
(2)
من غير رضاها - وهي ممّن ترثه -، ثم مات في عدّتها ورثت، خلافاً للشّافعي
(3)
فإن مات بعد انقضاء العدّة لم ترثه، خلافاً لمالك وابن أبي ليلى كذا ذكره الإمام التمرتاشي
(4)
.
قيد بالإبانة؛ لأنّ في الطّلاق الرجعيّ إذا مات الزّوج وهي في العدّة ترث -أيضاً -، لكن لا باعتبار الفرار، بل باعتبار أن حكم النكاح باق من كلّ وجه، وبمرض الموت؛ لأنّه إذا طلقها ثانياً في مرض ثم صحّ ثم مات، لم ترث وبغير الرضاء؛ لأنّه إذا كانت برضاها لا ترث، وممن ترثه احترازاً عن الكتابية والأمة، فلأنّهما لا ترثان وبالموت في العدّة؛ لأنّه إذا مات بعد انقضاء العدّة لا ترث.
قلت: لم يذكر في أصل الباب هذا قيدًا آخر يجب ذكره، وهو أنّ يقول: إذا أبانت المرأة نفسها من الزّوج وهي مريضة، فإن حكم الفرار كما ثبت من جانب الرجل، يثبت من جانب المرأة] أيضا وهو أن المرأة]
(5)
إذا ارتدت - والعياذ بالله - وهي مريضة يثبت حكم الفرار في حقها؛ لأنّه تعلق حق زوجها بمالها حين مرضت، فكانت بالردّة قاصدة إلى إبطال حقّه، فارة عن ميراثه، فيرد عليها قصدها، فيرثها زوجها.
(1)
يقصد به مرض الموت. ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 439).
(2)
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ مُطْلَقًا، واختلفوا في الإرث، فقال الجمهور:(الحنفية والمالكية والحنابلة): إنها ترثه، وقال الشافعي في الجديد: لا ترثه. وقال الظاهرية: طلاق المريض كطلاق الصحيح، ولا فرق، فإذا مات أو ماتت فلا توارث بينهما بعد الطلاق الثلاث، ولا بعد تمام العدة في الطلاق الرجعي. انظر: الأم للشافعي (5/ 271)، والمبسوط للسرخسي (6/ 154)، والشرح الكبير على متن المقنع (7/ 181)، والمغني لابن قدامة (6/ 397).
(3)
قال: بأنها لَا تَرِثه. انظر: الأم للشافعي (5/ 271).
(4)
انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 155).
(5)
زيادة في (ب).
بخلاف ما إذا كانت صحيحة حين ارتدت؛ لأنّها بانت بنفس الردّة، فلم تصير مشرفة على الهلاك؛ لأنّها لا تقبلبخلاف الرجل، فلا يرثها زوجها؛ لأنّها لم تكن فارة، كذا في «المبسوط»
(1)
.
وذكر في «المبسوط» قَالَ: رضي الله عنه
(2)
-، إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أو واحدة باينة، ثم مات وهي في العدّة فلا ميراث لها منه - في القياس -، وهو أحد أقاويل الشّافعي رحمه الله، وفي الاستحسان ترث منه، وهو قولنا، وقال ابن أبي ليلى: وإن مات بعد انقضاء العدّة ترث منه ما لم تتزوّج بزوج آخر، وهو قول الشّافعي
(3)
رحمه الله، وقال مالك
(4)
: وإن مات بعدما تزوجت بزوج آخر فلها الميراث منه، وجه القياس إن سبب الإرث انتهاء النكاح بالموت، ولم يوجد لارتفاعه بالتّطليقات، والحكم لا يثبت بدون السّبب، كما لو طلّقها قبل الدّخول، ولأنّ استحقاق الميراث إمّا بالسّبب أو بالنّسب وقد انعدم الأمران ههنا.
وهذا بخلاف ما إذا طلّقها لا بسؤالها؛ لأن السّبب وإن انقطع حقيقة إلا أنا قضينا ببقاء السّبب تصوّنًا عن الإضرار بها، لتعلّق حقّها بماله في ابتداء مرضه، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا؛ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فقد روى عن إبراهيم
(5)
قال: جاء عروة البارقي
(6)
إلى شريح
(7)
من عند عمر رضي الله عنهم بخمس خصال منهنّ: إذا طلق المريض امرأته ثلاثاً ورثته إذا مات وهي في العدّة
(8)
، وعن الشّعبي رحمه الله: أن أم البنين بنت عيينةبن حصن
(9)
كانت تحت عثمان بن عفان رضي الله عنه فارقها وورثها بعدما حوصر، فجاءت إلى علي رضي الله عنه بعدما قتل، فأخبرته بذلك، فقال:«تركها حتّى إذا أشرف على الموت فارقها وورَّثها منه»
(10)
، وأن عبد الرحمن بن عوف
(11)
رضي الله عنه طلق امرأته تماضر
(12)
أحد التطليقات الثلاث في مرضه، فورَّثها عثمان منه، وقال:«ما اتهمته»
(13)
(14)
، ولكن أردت السنة، والقياس يترك بإجماع الصحابة
(15)
رضي الله عنهم.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 164).
(2)
وهذا الخبر هو ما جَاءَ به عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ إلَى شُرَيْحٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-. ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 155).
(3)
الأم للشافعي (5/ 271).
(4)
شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 18).
(5)
إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ بن الأسودالنَّخَعِيِّ، كُنْيَتُهُ: أَبُو عِمْرَانَ، الفقيه، الكوفي، النخعي؛ أحد الأئمة المشاهير، تابعي، رأى عائشة، وأدرك أنس بن مالك. مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَتِسْعِينَ. انظر: تاريخ الإسلام (2/ 1052)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/ 144)، والأعلام للزركلي (1/ 80).
(6)
عروة بن الجعد، ويقال ابن أبي الجعد الأزدي، ثم البارقي الكوفي، له صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، سكن الكوفة، روى عَنْهُ: الشَّعْبِيّ، والسبيعي، وشبيب بْن غرقدة، واستقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة. انظر: أسد الغابة (4/ 25)، الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 404).
(7)
شريح بن الحارث الكندي قَاضِي الكُوْفَةِ، حَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، وحَدَّثَ عَنْهُ: قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِم، وَمُرَّةُ الطَّيِّبُ، وَتَمِيْمُ بنُ سَلَمَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِيْنَ. انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (23/ 7)، سير أعلام النبلاء (4/ 106).
(8)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (كتاب الطلاق/ بَابُ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مَرِيضًا وَمَنْ يَرِثُهَا/ 1961)، والبيهقي في السنن الكبرى (بَابُ مَا جَاءَ فِي جِرَاحِ الْمَرْأَةِ/ 16314) وَرَوَاهُ جَابر الْجعْفِيّ - وَهُوَ ضَعِيف - عَن الشّعبِيّ، عَن شُرَيْح «أَن عمر كتب إِلَيْهِ بذلك» وَرَوَاهُ مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ:«كتب عمر إِلَى شُرَيْح» وَهُوَ مُنْقَطع. ينظر: البدر المنير (6/ 774).
(9)
أم البنين بِنْت عيينة بْن حصن بن حذيفة الفزارية، لوالدها صحبة، ولها إدراك، وتزوجها عثمان وهي أم عبد الملك ابْن عُثْمَان ينظر: أسد الغابة (3/ 578)، الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 366)، الطبقات الكبرى (3/ 40).
(10)
أخرجة الدارقطني في سننه (كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره/ 4049)، والبيهقي في السنن الكبرى، (باب ما جاء في توريث المبتوتة في مرض الموت/ 15124)، وابن أبي شيبة في مصنفه (كتاب الطلاق/ مَنْ قَالَ: تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ إِذَا طَلَّقَ وَهُوَ مَرِيضٌ/ 19042)، وقال البيهقي "قال الشيخ: هذا إسناد متصل وتابعه ابن أخي ابن شهاب عن عمه، وهذا السند رجاله على شرط مسلم". ينظر: السنن الكبرى البيهقي (7/ 593)، والجوهر النقي (7/ 363).
(11)
عبد الرحمن بن عوفابْنِ عَبْدِ عَوْفِ بنِ عَبْدِ بنِ الحَارِثِ أَبُو مُحَمَّدٍ. أَحَدُ العَشْرَةِ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَهْلِ الشُّوْرَى، وَأَحَدُ السَّابِقِيْنَ البَدْرِيِّيْنَ، القُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّمَانِيَةِ الَّذِيْنَ بَادَرُوا إِلَى الإِسْلَامِ. لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، له 65 حديثًا. ووفاته في المدينة سنة خمس وثلاثين. انظر: سير أعلام النبلاء (3/ 49)، الأعلام للزركلي (3/ 321).
(12)
تُمَاضِرُ بِنْت الأَصْبَغِ بْن عَمْرو بْن ثَعْلَبَة بْن حصن بْن ضمضم بْن عدي بْن جناب من كلب. وهي أوّل كلبية نكحها قرشي، سكنت المدينة، وأدركت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهِيَ أُمُّ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 56) الطبقات الكبرى ط العلمية (8/ 231).
(13)
رواه سعيد بن منصور في السنن (كتاب الطلاق/ بَابُ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مَرِيضًا وَمَنْ يَرِثُهَا/ 1958)، والدارقطني في السنن (كِتَابُ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَغَيْرِهِ/ 4049)، قال ابن حجر:"هَذَا حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ". انظر: التلخيص الحبير (3/ 469).
(14)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 154).
(15)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 246)، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (9/ 7064).
فإن قيل: الإجماع، فقد قال ابن الزبير
(1)
-في حديث تماضر-: لو كان الأمر إلى لما ورثتها.
وقال عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه: «ما طلقتها ضراراً ولا فراراً» .
قلنا: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه: مَا وَرَّثْتهَا، أَيْ؛ لِجَهْلِي بِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ
(2)
.
ولكن توريث عثمان رضي الله عنه إياها بعد سؤال الطّلاق دليل على أنّه كان يورثها قبله، وقد قيل: هي ما سألته الطّلاق.
ولكنّه قال لها: إذا طهرت فآذينني، فلما طهرت آذنته، وبهذا لا يسقط ميراثها.
قوله رحمه الله فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ بِتَأْخِيرِ عَمَلِهِ إلَى زَمَانِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، بتأخير متعلّق بقوله فيرد، والباء للآلة، وقال: دفعًا مفعول له فيرد، فإن الشّارع لما أخّر عمل الطّلاق إلى انقضاء العدّة في كثير من الأحكام من حرمة التزوج وحرمة الخروج والبروز وحرمة نكاح الأخت.
والرّابعة سواها وغيرها صلح ذلك التأخير في تأخير عمل الطلاق في حق الإرث أيضاً، فصار كأنّه لم يطلقها، كما هي كذلك في حق تلك الأحكام، أي: فيرد على هذا المريض المطلق قصده حرمًانها عن الإرث باستعانة تأخير عمل الطّلاق إلى انقضاء العدّة، لأجل دفع الضّرر عن المرأة، وبهذا خرج الجواب عن السؤال الوارد في قوله دفعًا للضّرر.
فإن قيل: لما كانت العلّة دفع الضّرر عن المرأة التي تعلّق حقها بماله في ابتداء مرضه، لوجب التّوريث في حقّ غير المدخول بها - أيضاً - إذا طلقها بغير سؤالها، لما أن حرمان الإرث في حقّها ضرر أيضاً.
لأنّا نقول إنّما نقول ببقاء النكاح حكمًا عند الإمكان ببقائه حكمًا، وذلك الإمكان عند بقاء العدّة، حتّى إذا انقضت عدة المعتدة لا نقول ببقاء النكاح حكمًا [أيضاً] ولا عدة على غير المدخول بها، لنا فلم يمكن الحكم بالبقاء لذلك، فلم يثبت التوريث، وإن تحقّق الضّرر أو يقول طلب دفع الضّرر هنا أي: في المدخولة أمس من دفع الضّرر في غير المدخولة، لما أن هذه المعتدة لا يمكنها اكتساب السّبب بواسطة التزوج، ولا كذلك ثمة، فلم يلزم من لزوم دفع الضّرر هنا لزوم دفعه هناك، وحاصله أنا نجعل البينونة الموجودة كالعدم، صيانة لحقها ودفعًا للظلم، كما جعل الشّرع القرابة الموجودة في حكم العدم بسبب العقل دفعًا للظلم.
(1)
عبد اللَّه بن الزّبير بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عمّ النبي صلى الله عليه وسلم. وهو أحد العبادلة، وأحد الشجعان من الصحابة، وأحد من ولى الخلافة منهم. يكنى أبا بكر. توفي في حربة مع الحجاج سنة ثلاث وسبعين من الهجرة. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 77)، وأسد الغابة (3/ 241).
(2)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 155).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا تَرِثُ فِي الْوَجْهَيْنِ
(1)
، أي: في العدّة وبعد انقضاء العدّة، كما لو كان الطّلاق برضاها أو قبل الدّخول أو مات بعد انقضاء العدّة، وكما لو برأ ثم مات وهي في العدّة، وكما لو ماتت المرأة لا ميراث له منها.
ولنا حديث عبد الرّحمن بن عوف وهو المعروف، ولم ينكر عليه أحد -كذا في الشّامل- والزّوجة في هذه الحالة هذا جواب عن حرف الخصم، وهو قوله: ولهذا لا يرثها إذا ماتت، معنى أنّ الزّوج إذا كان مريضاً لا يتعلّق للزّوج حقّ في مال المرأة؛ لأنّ المرأة صحيحة فلا يرث الزّوج إذا ماتت؛ إمّا لأنّه لم يتعلّق حقه بمالها، أو لأنّه لما طلقها صار راضياً لحرمان إرثه عنها، كما إذا طلقها بسؤالها لا يرث المرأة.
فأمّا الزوج فيما نحن بصدده فظالم، فجاز أن يتعلّق حق المرأة بماله، فلا تُحرم عن ميراثه ردًا لقصده.
قوله رحمه الله فيبطل (في حقه) بالنّصب؛ لأنّه جواب النفي (فإذا طلّقها ثلاثاً بأمرها) إلى آخره وإذا طلّقها بسؤالها فلا ميراث لها.
وكذلك إذا وقعت الفرقة بمعنى من قبلها، فلا ميراث لها؛ لأنّا إنما بقينا النكاح في حق الإرث مع وجود القاطع صيانة لحقها، وقد رضيت لبطلان حقها بسؤال الطلاق، ولمباشرته سبب الفرقة فعمل القاطع عمله.
وعن هذا قلنا أن امرأة العنين إذا اختارت نفسها في مرض الموت، فلا ميراث لها، وإذا جامعها ابن المريض مكرهة لم يرث؛ لأنّ الفرقة غير مضاف إلى الزّوج، وبقاء الإرث بعد الفرقة بسبب الفرار، وذلك عند إضافة الفعل إليه، فإذا لم يوجد لا يبقى الميراث، قال: إلا أن يكون الأب أمر الابن بذلك؛ لأنّه ينتقل فعل الابن إلى الأب في حق الفرقة، فصار كأن الأب باشر بنفسه للفرقة فيصير فاراً.
(2)
:
(3)
إذا قالت لزوجها: طلّقني فطلقها ثلاثاً، ثم مات وهي في العدّة ورثت استحساناً؛ لأنّها سألت الواحدة وهو طلقها ثلاثاً، بغير رضاها -كذا في «المحيط»
(4)
- ثم مات وهي في العدّة لم ترثه، وكذلك إذا كانت المرأة أمة أو كتابية حين أبانها في مرضه، ثمّ عتقت الأمة وأسلمت الكتابية، فلا ميراث لها وإن مات [وهي] في العدّة؛ لأنّه لم يكن فارًا من ميراثها، ثم طلقها، إذ لم يتعلّق حقّها بماله في المرض، فلو ورثت كان فيه إقامة العدة مقام النكاح في ابتداء الاستحقاق بعد العتق والإسلام، وذلك غير ما اتفق عليه الصّحابة، فلا يمكن إثباته بالرأي -كذا في «المبسوط»
(5)
-، وَالتَّأْخِيرِ لِحَقِّهَا، أي: تأخير عمل الطّلاق لأجل حقّ المرأة، فإذا رضيت بسقوط حقّها بالخلع، فلا حاجة إلى تأخير عمل الطّلاق لأجل حق المرأة إلى انقضاء العدّة في حقّ التّوريث، وإن قال لها في مرضه: إلى آخره، فعند أبي حنيفة رحمه الله في هذه المسألة والمسألة التي تجيء بعدها يجب الأقلّ، وقول زفر في مقابلته يجب فيهما بالغًا ما بلغ، وعندهما في المسألة الأولى تجب بالغًا ما بلغ.
(1)
ينظر: الأم للشافعي (5/ 271).
(2)
فتاوى: أبي الليثنصر بن محمد بن أحمد السمرقندي. المتوفى: سنة 383، ثلاث وثمانين وثلاثمائة. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1220).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 156).
(4)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 412).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 156).
وفي الثّانية يجب الأقل وَهِيَ سَبَبُ التُّهْمَةِ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ التُّهْمَةِ وَلِهَذَا يُدَارُ عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ، وهي أي: العدّة بسبب التهمة، أي تهمة إيثار الزّوج الزّوجة على سائر الورثة بزيادة نصيب لها كما في حقيقة الزّوجة، والحكم: أي عدم صحّة الإقرار والوصيّة على دليل التّهمة كالعدّة والنكاح والقرابة.
وَلِهَذَا يُدَارُ، أي: الحكم الذي ذكرنا وهو عدم صحّة الإقرار والوصيّة، عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ؛ أي: لا يجوز وصيته ولا إقراره لمنكوحته وقريبه، لهذا المعنى وهو أن الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ التُّهْمَةِ، فالنكاح والعدة والقرابة دليل التهمة، وتلخيص هذا الكلام هو أن في إقراره ووصيته لمنكوحته بعد الطّلاق تهمة المواضعة، فإنّ الإنسان قد يختار الطّلاق لينفتح باب الوصيّة والإقرار له، ولكن التهمة أمر مبطّن، فلذلك أراد الشّرع حكم التهمة مع دليل التهمة، ولم يعتبر التّهمة عند عدم دليلها.
ألا ترى أنّه أدار حكم التّهمة وهو عدم قبول الوصيّة والإقرار مع النكاح والقرابة، حيث لم تجوز الوصيّة والإقرار بمنكوحته به ولقريبه بالإجماع؛ فلذلك لم يعتبر أيضاً الوصية والإقرار بمعتدته.
وأمّا المرأة التي يصادف الزّوجان على أنّ عدتها قد انقضت فليس فيه دليل التهمة، فلذلك اعتبرنا صحّة إقراره ووصيته لها، لكونها أجنبيّة كسائر الأجنبيات، يوضحه أنّه لو اعتبرت التهمة هنا، لاعتبرت في حقّ التزوّج لما أن الحلّ والحرمة يوجد فيهما بالاحتياط، وإذا كان يجوز له أن يتزوّج أختها وأربعًا سواها، ويجوز لها أن تتزوّج بزوج آخر، عرفنا أنّه لا تهمة فيه أصلاً، وأبو حنيفة رحمه الله
(1)
لَمَّا مَرِضَ، وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا فِي الظَّاهِرِ، فَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ، والوصيّة لها، ومحتمل تهمة المواضعة إلى آخره، ولكن هذه التهمة فيما بينهما وبين سائر الورثة لا في حق الشّرع، وحلّ التزوّج حق الشّرع؛ فلهذا صدقا في ذلك -كذا في «المبسوط»
(2)
وجامع الصّغير لفخر الإسلام-.
قال بكر رحمه الله: ما تأخذه، تأخذه بطريق الميراث لا بطريق الدّين، وفايدته يظهر لو نوي شيء من التركة قبل القسمة، فالنوى على الكلّ ولو كان ما يأخذه يأخذه بطريق الدّين لَكَانَ التَّوَى
(3)
على الورثة مادام شيء من التركة قائمًا، وكذا لو طلبت أن يأخذ دنانير
(4)
والتركة عروض، ليس له ذلك ولو كان ما تأخذه تأخذه دينًا، فكان لها ذلك، ولو أرادت أن تأخذ من عين التركة ولا يعطها الورثة ليس لها ذلك، وتعامل فيه بناء على زعمها؛ لأنّ في زعمها أن لا تأخذه تأخذه بطريق الدّين، فالحاصل أنّ الشّرع رجح جانب الورثة أن يعطوها من عين التركة فلهم ذلك، وإن اختاروا أن يُعْطُوهَا مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ فلهم ذلك -كذا ذكره التمرتاشي
(5)
-، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ أي حُكْمُ الْفِرَارِ بما هو في معنى المرض إلى آخره، فأثبتهذا أن حكم الفرار غير منحصر بالمرض، بل كلّ شيء يقربه إلى الهلاك غالباً، فهو في معنى مرض الموت وما لا فلا.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 166).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 166).
(3)
هَلَاكُ الْمَالِ ينظر: مختار الصحاح (ص: 47)
(4)
جمع دينار و الدِّيْنَارُ: فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وأَصله دِنَّارٌ، بِالتَّشْدِيدِ ينظر: لسان العرب (4/ 292).
(5)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 248).
وفي «المبسوط» : والحاصل أنّ المريض مشرف على الهلاك، وكلّ سبب يعرض ممّا يكون الغالب فيه الهلاك فهو بمنزلة المرض، وما يكون الغالب السّلامة وقد يخاف الهلاك منه -أيضاً- لا يجعل بمنزلة المرض، ولهذه أخوات تخرج على هذا الحرف، منها راكب السّفينة بمنزلة الصّحيح، فإن تلاطمت الأمواج وخيف الغرق فهو كالمريض في هذه الحالة، والمرأة الحامل كالصّحيحة فإذا أخذها الطلق فهي كالمريضة، والمقعد والمفلوج
(1)
مادام يزداد ما به كالمريض وإن صار قديمًا لا يزداد كان بمنزلة الصّحيح في الطّلاق وغيره؛ لأنّه ما دام يزداد في علته فالغالب إن آخره الموت، وإذا صار بحال لا يزداد فلا يخاف منه فهو بمنزلة الصّحيح -كذا في «المبسوط»
(2)
-.
وقال (اذَا مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ، أَوْ قُتِلَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ) إلى آخره، وإذا طلّقها في مرضهثم قتل أو مات من غير ذلك المرض، غير أنه لم يصح، فلها الميراث، وكان عيسى ابن أبان رحمه الله
(3)
يقول: لا ميراث لها؛ لأن مرض الموت ما يكون سبباً للموت، ولما مات لسبب آخر علمنا أنّه لم يكن مرضه مرض الموت، وإن حقها لم يكن متعلقاً بماله يومئذ، فهو كما لو طلّقها في صحّته.
ولكنّا نقول قد اتّصل الموت بمرضه حين لم يصح حتّى مات.
وقد يكون للموت سببان، فلا يتبين بهذا أن مرضه لم يكن مرض الموت، وإن حقّها لم يكن ثابتًا في ماله، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إرْثَهَا مِنْهُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ، وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ ههنا -كذا في «المبسوط»
(4)
-.
(إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ)، إلى قوله: فأنت طالق، أي: فأنت طالق باين؛ لأن حكم الفرار إنما يعطى له إذا كان الطّلاق باينًا - على ما ذكرنا -وكانت هذه الأشياء أي: ووجدت هذه الأشياء تامة إلا في قوله: (إذَا دَخَلْت الدَّارَ)، أي: إلا في فصل واحد، وهو ما إذا كان التعليق بفعلها الذي لها منه بدّ فإنّه لا يصير فاراً.
وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَصِيرُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ حُكْمًا لَا قَصْدًا، يظهر ذلك بمسألتين، إحداهما: أنّه لو علق طلاق امرأته بالشّرط، ثمّ وجد الشّرط وهو مجنون، فإنّه يقع الطّلاق مع أن طلاق المجنون غير واقع، علم أنّ التّطليق هنا غير حقيقي.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 168).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 168).
(3)
العناية شرح الهداية (4/ 151).
(4)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 168).
والثّانية: أنّ الرّجل إذا علق طلاق امرأته بشرط، ثم حلف أن لا يطلق امرأته، ثمّ وجد الشّرط لا يحنث، فلو كان وجود الشّرط بمنزلة التّطليق حقيقة لحنث؛ ولأنّه لم يوجد منه صنع بعد التّعليق في حالة الصحّة في حقّ وجود الشّرط، ولا كان متمكنًا من المنع؛ لأن ما كان يقدر على إبطال التّعليق ولا على منع الأجنبي من إيجاد الشّرط فلا يكون ظالماً، فلم يترتب عليه ما ترتب على الفار الظّالم، ولأنا إن نظرنا إلى التّعليق فحقها لم يكن متعلقاً بماله وقت التعليق، وإن نظرنا إلى الشّرط فلا صنع للزّوج، فلا يكون فاراً أو لابدّ له منه يصير فاراً.
فإن قيل يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ فَارًّا فِي التَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ يَصِيرُ مُضْطَرًّا في مباشرة ذلك الفعل، فلا يصير الفعل ظلمًا فلا يرث.
قلنا: الاضطرار في جانب الفاعل لا ينفي وجوب الضّمان عنه، كمن اضطرّ إلى أكل مال الغير، أو إلى قتل الجمل الصائل، أو أتلف مال غيره، نائمًا أو مخطئاً أو لحاجته إلى سدّ رمقه واستيفاء بهجته، فإنّه يضمن، وإن لم يوصف فعله بالظلم، لما أنّ بقاء عصمته للغير يكفي لإيجاب الضّمان، فكذلك ههنا لم ترث؛ لأنّها راضية بذلك، فصار كأنّه طلقها بسؤالها لما أنّ الرضاء بالشّرط رضاء بالمشروط.
فإن قيل: لا كذلك فإنّ أحد الشريكين في العبد إذا قال لصاحبه: إن ضربته فهو حرّ، فضربه يعتق وللضارب ولاية تضمين الحالف، مع أنّ الضّارب ضربه باختياره، فلم يجعل ذلك منه رضاء يعتقه.
قلنا: الرضاء بالشّرط يكون رضاء بالمشروط إذا كان إقدام الشّرط باختياره ورضاه.
وأمّا إذا كان مجبوراً فلا كما في الشق الثاني من لْفِعْلُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ-على ما ذكر في الكتاب
(1)
-، والذي ذكرته من مسألة الإعتاق من قبيل ذلك، فإن تلك المسألة موضوعة في كتاب العتاق، فيما إذا كان قال: أحد الشّريكين إن لم أضرب هذا العبد اليوم فهو حرّ، فقال له شريكه: إن ضربته سوطًا فهو حرّ، فضربه، قال: للضّارب تضمين الحالف، وهو مضطر إلى اكتساب هذا الشّرط وفعل الشّرط بطريق الاضطرار لا يدل على رضاه بالمشروط.
ولا كذلك في مسألتنا فكانت راضية بالمشروط؛ لأنّها أقدمته باختيارها، -إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية»
(2)
- أو يقول: أن حكم الفرار حكم ثبت على خلاف القياس بشبهة العدوان، لما ذكرنا في أوّل الباب، فكذلك ينفي حكمه -أيضاً- بشبهة الرضاء، ولا كذلك حكم الضمان، وقد وجد هنا شبهة رضا المرأة فكفى ذلك لنفي حكم الفرار.
(1)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 450).
(2)
يُنْظَر: البناية شرح الهداية (5/ 450).
قوله رحمه الله في الدنيا راجع إلى أكل الطّعام.
وقال: أو في العقبى راجِعٌ إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ، قِيلَ إنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الْمَكْتُوبَاتِ فِيهِ سَوَاءً؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام
(1)
، فكان الفهم في النّظير إلى الأوّل أسبق، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله
(2)
، أي: لاترث المرأة؛ لأنّه حين علق الزّوج الطّلاق لم يكن لها في ماله حق، فلا يتهم بالقصد إلى الفرار، ولم يوجد بعد ذلك منه صنع، وأكثر ما في الباب أن ينعدم رضاها أو فعلها باعتبار أنّها لاتجد منه بدًا، فيكون هذا كالتّعليق بفعل حسي أو بمجيء رأس الشّهر، وقد بيّنا أنه هناك لا يرث إذا كان التّعليق في الصحّة.
فكذا ههنا لما أنّ الزّوج لما يباشر العلة في مرضه ولا الشّرط، فلا يكون فاراً، وهما يقولان: أنّها مكرهة من قبل الزّوج؛ لأن حد المكره أن يكون مضطراً بين شرين، والمرأة كذلك؛ لأنّها لو باشرت الشّرط تتضرّرفوقع الطّلاق، وإن امتنعت تعاقب في دار الآخرة، وهذا الاضطرار جاء من قبل الزوج، فكانت مكرهة فيضاف فعلها إليه، كمن أكره إنسانًا على إتلاف مال نفسه؛ هذا لأن الإكراه كما يقع بخوف تلف عاجل، فكذلك يقع بالتّفسيق.
ألا ترى أن فعل القاضي في باب القضاء بالشهادة، فيقول إلى الشّاهد حتى يكون الضّمان عليهم إذا رجعوا؛ لأنّ القاضي يصير ملجأ إليه بشهادتهم؛ لأنّه تفسيق لو لم يفضبها، إلى هذا أشار في «المبسوط» و «الأسرار» و «الجامع الصّغير» لقاضي خان، وذكر في «مبسوط فخر الإسلام»
(3)
في هذه المسألة: الصّحيح ما قاله محمّد
(4)
، قوله رحمه الله: ولو طلّقها فارتدت، أي: طلقها ثلاثاً أو باينًا، فإنّه إن لم يظهر أثر الثلاث والبينونة في الارتداد، فظهر فيما ذكره بمقابلته من مسألة المطاوعة، فإنّها إنما ترث في المطاوعة بعد الطّلاق الباين.
وأمّا إذا طاوعت ابن زوجها حال قيام النكاح أو بعد الطلاق الرجعي، فلا ترث بوقوع الفرقة بالمطاوعة وهي في العدّة لم ترث.
(1)
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، قَالَا:«أَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرُ» . ينظر: المعجم الأوسط برقم 9324 (9/ 128).
(2)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 154).
(3)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 451)، والعناية شرح الهداية (4/ 154).
(4)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 451)، والعناية شرح الهداية (4/ 154).
بخلاف النّفقة، فإنّها بالردّة تسقط ثم بالإسلام تعود؛ لأنّها معتدة -كذا ذكره الإمام التمرتاشي
(1)
رحمه الله؛ إذْ الْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا؛ لأن الإرث ولاية لنفوذه على المورث وعلى سائر الورثة، وبالارتداد تنقطع الولاية؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِرْثَ، بل تنافي النكاح كَمَا فِي الْأُمِّ وَالْأُخْتِ وهو الباقي، أي: الإرث، فَتَكُونُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ السَّبَبِ، أي: سبب الإرث وهو النكاح، لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالْمُطَاوَعَةِ لِتَقَدُّمِهَا عَلَيْهَا، أي: لتقدم الحرمة الحاصلة بالطّلقات الثلاث على المطاوعة، ولاعن في المرض ورثت.
وقال محمّد رحمه الله: لا ترث؛ لأنّ الطّلاق إنّما يقع بلعانها؛ لأنّه آخر اللعانين، فكان آخر المدارين
(2)
.
فإن قيل: لا كذلك، لأن الفرقة إنّما تقع بقضاء القاضي عندنا، فكان القضاء آخر المدارين.
قلنا: اللعان شهادة عندنا - على ما يأتي - والحكم أبدًا يثبت بالشّهادة لا بالقضاء، وجه قولهما: أن الفرقة وإن كانت تقع بلعانها، إلا أنّها مضطرة في ذلك، لاستدفاع العار عن نفسها.
وقد ذكرنا أنها إذا باشرت الشّرط عن اضطرار، لا تحرم عن الميراث -كذا في «الفوائدالظهيرية»
(3)
-.
وقد بيّنا الوجه فيه، وهو قوله: لأنّها مضطرة في المباشرة فيكون ملحقاً بالتّعليق بمجيء الوقت، فصار كأنّه قال: إذا مضت أربعة أشهر ولم أقربك، فأنت طالق، ولو علّق الطّلاق في صحّته بأمر سماوي، ووجد الشّرط في المرض لا يكون فارًّا، فلذلك ههنا.
فإن قيل: الإيلاء ليس نظير تعليق الطّلاق بمجيء الوقت، وإن كان الإيلاء في الصحّة لما أنّه متمكن من إبطال الإيلاء بالعي، فإذا لم يبطل في حالة المرض، صار كأنّه إنشاء الإيلاء في المرض، وهناك يرث فكذلك ههنا، فكان نظير من كلّ وكيلاً في صحّته بالطّلاق، فطلّقها الوكيل في المرض كان فارًّا؛ لأنّه كان متمكنًا من العزل فإذا لم يعزل جعل كأنّه إنشاء، كذلك ههنا.
قلت: الفرق بينهما ثابت وهو أنّه لا يمكنه إبطال الإيلاء إلا بضرر يلزمه، فلم يكن متمكّنًا مطلقاً، خلاف مسألة الوكالة -كذا ذكره الإمام قاضي خان رحمه الله، (والطلاق الذي يملك فيه الرجعة، ترث به في جميع الوجوه)، أي: سواء كان الطّلاق بسؤالها أو بغير سؤالها، وسواء كان التّعليق بفعلها أو بفعله، وسواء كان الفعل ممّا لها منه بدًّا ولم يكن سوى قيام العدّة، فإنّه مشروط فيها جميعًا والله أعلم.
(1)
ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 139)، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 383).
(2)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 415).
(3)
يُنْظَر: البناية تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 286).
باب الرّجعة
(1)
وقد نبّهت مراراً على أن كل ترتيب أوجب طبعًا يوجب وضعًا
(2)
.
فمن ذلك ذكر باب الرجعة في هذا المقام، لما أنّ الرجعة تقتضي سابقة الطّلاق لا محالة؛ إذ الرّجعة شرعت لرفع الطّلاق، والرفع أبدًا يكون بعد الوقوع.
فلمّا ذكر وقوع الطّلاق بأنواعه وصفة موقعه من صحيح ومريض، قفاه بذكر الرجعة فيما يستحقّ فيه الرجعة طلباً للتّناسب، ثمّ من محاسن الطّلاق أنّ الله تعالى ترحم علينا بأن لم يجعل الطّلاق قاطعًا للنكاح، ورافعًا للوصلة ذات النجاح؛ إذ لو جعل كذلك تعذّر التدارك بالنّدم وربّما لا ينال بعده كثير من المحاسن والخِدم.
فحينئذ قد يفضي إلى أهواء باطنة تستجلب الرحم؛ إذ لا يحسن منه مسكه بمنعه، ولا زيرًا لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً فإنّ النّعمة إذا شرفت على الزّوال عزّت، وعطف من لم يرث إليها هزّت.
فلذلك جعله قاطعًا للنكاح عند انتفاخ الضغينة وانضمام القرينة من صفة البينونة أو الفداء أو الثّلاث، ليكون ذلك مضافاً إلى فعله الناشئ منه بغير اكتراث، يقال: رجع بنفسه رجوعًا، ورجع إلى الجواب رجعًا، وقال تعالى:{يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ}
(3)
، وله على امرأته رُجعة ورَجعة، والفتح أفصح، ومنها الطّلاق الرجعي كذا في «الصّحاح» و «المغرب»
(4)
.
أصل الباب هو [أن] صريح الطّلاق بعد الدّخول دون الثّلاث في الحرّة ودون الثّنتين في الأمة معقب للرجعة بالكتاب والسنّة وإجماع الأمة
(5)
، وهو ظاهر -كذا في «الجامع الصّغير» لقاضي خان
(6)
- وكان شيخي رحمه الله يقول: إنما يتحقّق الطّلاق الرجعي بأربع شرايط: أحديها: صريح لفظ الطّلاق، أوبعض الكنايات المخصوصة، والثّانية: أن لا يكون بمقابلته مال، والثّالثة: أن لا يستوفي الثلاثة من الطّلاق إمّا جملة أو تتميمًا، والرّابعة: أن تكون المرأة مدخولاً بها.
وذكر في «المحيط»
(7)
إذا أراد الرجل أن يراجع امرأته فالأحسن أن يراجعها بالقول لا بالفعل؛ لأنّ صحّة المراجعة بالقول متفق عليها
(8)
، وصحّة المراجعة بالفعل مختلف فيها
(9)
، لقوله تعالى:{فَأَمْسِكُوهُنَّ}
(10)
، يعني قوله تعالى:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ}
(11)
، يعني إذا قرب انقضاء عدّتهن فأمسكوهنّ، لما أنّه لا يصحّ الرجعة بعد انقضاء العدة بالإجماع
(12)
، (والرَّجْعَةُ أَنْ يَقُولَ: رَاجَعْتُك)، أي: في الحضرة (أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي) أي: في الحضرة والغيبة، لكن بشرط الإعلام لها على ما يجيء؛ لأنّ الإعلام مستحب.
(1)
الرجعة: وهي ارتجاع الزوجة المطلقة غير البائن إلى النكاح من غير استئناف عقدٍ. انظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 415).
(2)
سبق ذلك في أول كتاب الطلاق.
(3)
[سبأ: 31].
(4)
المغرب في ترتيب المعرب (ص: 184).
(5)
مراتب الإجماع (ص: 75).
(6)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 251).
(7)
يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 422).
(8)
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ تَصِحُّ بِالْقَوْل الدَّال عَلَى ذَلِكَ، كَأَنْ يَقُول لِمُطَلَّقَتِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ رَاجَعْتُكِ، أَوِ ارْتَجَعْتُكِ، أَوْ رَدَدْتُكِ لِعِصْمَتِي وَهَكَذَا كُل لَفْظٍ يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى. يُنْظَر: بدائع الصنائع (3/ 181)، ومغني المحتاج (3/ 337)، وكشاف القناع (5/ 342).
(9)
يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْجِمَاعَ وَمُقَدِّمَاتِهِ تَصِحُّ بِهِمَا الرَّجْعَةُ، ويرَى الْمَالِكِيَّةُ صِحَّةَ الرَّجْعَةِ بِالْفِعْل كَالْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ الزَّوْجُ بِهَذِهِ الأْفْعَال الرَّجْعَةَ، وَالرَّجْعَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا تَصِحُّ بِالْفِعْل مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ بِوَطْءٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ، وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ بَيْنَ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، فَإِنَّ الرَّجْعَةَ عِنْدَهُمْ تَصِحُّ بِالْوَطْءِ وَلَا تَصِحُّ بِمُقَدِّمَاتِهِ. انظر: المبسوط للسرخسي (6/ 21)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 422)، والدسوقي (2/ 370)، الأم (6/ 244)، وروضة الطالبين للنووي (8/ 217)، الشرح الكبير لابن قدامة المقدسي مع المغني (8/ 475).
(10)
[البقرة: 231].
(11)
[البقرة: 231].
(12)
مراتب الإجماع (ص: 75).
ومن ألفاظ الرّجعة أيضاً رددتك أو مسكتك أو أن يقول أنت عندي كما كنت] أو أنت امرأتي
(1)
، إن نوى الرجعة أو أن يقول بالفارسيّة: باز آوردم ترا
(2)
آو باز كروان كردم ترا
(3)
، وكما تثبت الرجعة بالقول تثبت بالفعل وهو الوطء والتقبيل عن شهوة -كذا في «الجامع الصّغير» لقاضي خان والتمرتاشي رحمهما الله
(4)
-.
(أَوْ يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يَلْمِسَهَا) واللمس من حد نصر وضرب.
وقال الإمام قاضي خان رحمه الله: هذا إذا كان الفعل من الرجل فإن كان من المرأة بأن نظرت إلى فرجه أو قبّلته - على قول أبي حنيفة ومحمّد رحمهما الله
(5)
- تكون رجعة، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله
(6)
لا تكون رجعة؛ لأنّ الرّجعة بالقول تكون من جانب الزّوج، ولا تكون من جانب المرأة فكذلك الرّجعة بالفعل.
ولهما أن فعل الرّجل إنّما كان رجعة حملاً لفعله على الحلّ، فيستوي فيه الرّجل والمرأة، كما استويا في حرمة المصاهرة، ولهذا لو أدخلت فرجها في فرجه وهو نائم تكون رجعة، فكذلك ههنا، وإن تزوّجها في العدّة لا تكون رجعة في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعلى قول محمّد
رحمه الله تكون رجعة
(7)
.
قوله رحمه الله: لِأَنَّ الرَّجْعَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ؛ لأنّ الرّجعةإثبات الحلّ عنده، فكان بمنزلة ابتداء النكاح، ثم النكاح ابتداء لا يصحّ إلا بالقول، فكذا الرجعة.
قلت: وهذا الخلاف أعني صحّة الرجعة عندنا بالقول وبالفعل، وعدم صحّتها عنده إلا بالقول بناء على خلاف آخر بيننا وبينه، وهو الخلاف في تفسير الرجعة، فعندنا الرجعة عبارة عن استدامة الملك، والفعل المختص بالملك يكون أدلّ على استدامة الملك من القول، وهو نظير الفيء في الإيلاء، فإنّه منع المزيل من أن يعمل بعد انقضاء المدّة وذلك يحصل بالجماع، وعنده الرجعة عبارة عن إقامة
(8)
سبب لاستباحة الوطء ورفع الخلل الواقع في الملك، فلا يكون إلا بالقول، فكان الجماع قبل الرجعة حرام، كما في الجماع قبل النكاح، فهناك لا يثبت النكاح بالفعل، فكذلك هنا -أيضاً- لا تثبت الرّجعة بالفعل -إلى هذا أشار في «المبسوط»
(9)
- وعندنا: هو استدامة النكاح على ما بيّناه، وهو إشارة إلى قوله: ألا ترى أنّه سمّى إمساكًا وهو الابقاء.
(1)
سقط من (ب).
(2)
تعني بالفارسية راجعتك.
(3)
تعني بالفارسية راجعتك إلي.
(4)
ينظر: مختصر القدوري (ص: 159)، والجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 50).
(5)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 22)، والجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 193).
(6)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 22)، والجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 193).
(7)
ينظر: المبسوط للسرخسي (13/ 61).
(8)
سقط من (ب).
(9)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 21).
وقوله: وسنقرّره، إشارة إلى ما ذكر في آخر هذا الباب، وهو قوله: أنّها قائمة حتّى ملك مراجعتها إلى آخره.
فإن قلت: كما سمّى الله تعالى الرّجعة إمساكًا، فكذلك سمّاها ردًّا في قوله:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
(1)
، وحقيقة الردّ لا يكون إلا بعد الزّوال.
قلت: لمّا قامت لنا مسائل إجماعية بأن الملك لم يُزل، لزم علينا أن نحمل معنى الردّ إلى الردّ الذي هو إعادتها إلى الحالة الأولى، حتّى لا تبين بانقضاء العدّة؛ لا لأنّه يعيدها إلى الملك بعد الزّوال، أمّا المسائل فهو أنّه يملك الاعتياض بالخلع بعد الطّلاق الرّجعي إجماعاً، وملك الاعتياض لا يكون إلا بعد بقاء أصل الملك، وكذلك يملك عليها سائر التصرّفات التي كان يملك عليها قبل الطّلاق، وهو الظّهار والإيلاءواللعان، دلّ ذلك على بقاء الملك مطلقاً.
فإن قلت: جاز أن يثبت حرمة الوطء، مع قيام أصل الملك، كمن كاتب أمته يحرم وطؤها، وإن بقي الملك بعد الكتابة.
قلت: ملك النكاح ليس نظير ملك اليمين، فإن صفة الحلّ تنفك هناك عن أصل الملك ابتداء وبقاء، كما قلنا في الأخت من الرضاعة، والأمة المجوسية، وهنا صفة الحلّ لا تنفصل عن أصل الملك ابتداء وبقاء -إلى هذا أشار في «المبسوط»
(2)
-.
والأولى في الاستدلال في حلّ الوطء بعد الطّلاق الرّجعيّ ما ذكره في «الأسرار» ، فقال: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ}
(3)
، استثنى الأزواج من وجوب الحفظ، فيثبت أنّه لا يجب والزّوجية قايمة؛ لأنّ الزّوج والبعل سواء لغة، فالله تعالى سمّى المطلّقين بعولة بعد الطّلاق الرّجعي، فقال:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
(4)
.
وكذلك قال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}
(5)
، وأراد به الرّجعة، والإمساك كف عن الزّوال لا ردّ.
وَالْفِعْلُ قَدْ يَقَعُ دَلَالَةً عَلَى الِاسْتِدَامَةِكَمَا فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ، كمن باع أمته على أنّ البايع بالخيار ثلاثة أيّام، ثم وطؤها البائع يسقط الخيار، كما إذا أسقط بالقول، وهنا أولى؛ لأنّ في البيع يحتاج إلى رفع السّبب المزيل وهو البيع، أمّا هنا لا يحتاج إلى رفع الطّلاق، بل يحتاج إلى منع ما لولاه يزول والمنع أسهل من الرّفع، فلأن يكون الفعل دليلاً على الاستدامة هنا أولى، والجامع بينهما وجود السّبب المزيل، وَالدَّلَالَةُ فِعْلٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ، أي: يجب أن تكون دلالة استدامة النكاح التي هي الرجعة بفعل هو مخصوص بالنكاح، مثل الوطء والتقبيل بشهوة والنظر إلى الفرج لا مطلق الفعل، مثل النظر إلى وجهها والمسّ بغير شهوة وهذه الأفاعيل وهي الوطء وغيره يختصّ به أي: بالنكاح.
(1)
[البقرة: 228].
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 20).
(3)
[المؤمنون: 5 - 6].
(4)
[البقرة: 228].
(5)
[البقرة: 229].
فإن قيل لا نسلم ثم أنّ هذه الأفاعيل مخصوصة بالنكاح؛ لأنّها توجد في الأمة المملوكة أيضاً.
قلت: إن الملك هو المقصود في الأمة، وهذه الأفاعيل تابعة في حق المملوكة، والتابع معدوم حكماً.
قوله رحمه الله: وغيرهما كالخافضة، وهي الخائنة وكالشّاهد في الزّنا إذا احتاج إلى تحمل الشهادة -في أحد قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَرْطٌ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْ مَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجْعَلُ الْإِشْهَادَ
(1)
على النكاح شرطًا، ويجعل الإشهاد على الرّجعة شرطًا كذا في «المبسوط»
(2)
.
ولنا إطلاق النصوص في الرّجعة من غير شرط الإشهاد، وهي قوله تعالى:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}
(3)
، وقوله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}
(4)
، وقوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
(5)
، وقوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا}
(6)
، وقال عليه السلام:«مر ابنك فليراجعها»
(7)
، وما تلاه وهو قوله:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}
(8)
محمول عليه، أي: على الاستحباب، كيلا يجري التناكر، كما في قوله:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}
(9)
.
لَا تَرَى أَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْمُفَارَقَةِ وَهُوَ فِيهَا مُسْتَحَبٌّ، أي: قرن آية الإشهاد فيما تلاه بالمفارقة، حيث قال:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}
(10)
والإشهاد في المفارقة مستحبّ، فكان مستحبًّا في الرّجعة أيضاً.
(1)
اختلف العلماء ومنهم من قال بنَدْبُ الإْشْهَادِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ. وَالإْشْهَادُ عِنْدَهُمْ يَكُونُ عَلَى صِيغَةِ الرَّجْعَةِ أَوِ الإْقْرَارِ بِهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. وَثَانِيهِمَا: وُجُوبُ الإْشْهَادِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ بُكَيْرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةً عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 19)، المغني (7/ 283)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 425)، المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (3/ 48).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 19).
(3)
[البقرة: 231].
(4)
[البقرة: 229].
(5)
[البقرة: 228].
(6)
[البقرة: 230].
(7)
سبق تخريجه.
(8)
[الطلاق: 2].
(9)
[البقرة: 282].
(10)
[الطلاق: 2].
فإن قلت: أين ذهب قولكم إنّ القِرَان في النظم، لا يوجب القِرَان في الحكم، كما في قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}
(1)
فكيف أوجب ههنا؟.
قلت: هذا ليس من قبيل ذاك، فإنّ الذي نحن بصدده جملتان، تقفتهماجملة أخرى واقعًا حكم الأخيرة عليهما على السّواء، وما هذا شأن الجملتين لا يتخلّف حكم أحدهما عن الأخرى، وهذا لأنّ أمر الإشهاد لمّا كان منصرفاً إليهما، وهو لفظ واحد استحال أن يراد من اللّفظ الواحد معنيان مختلفان، فلذلك ما أريد من إحدى الجملتين كان مرادًا من الأخرى، وألا يلزم المحال.
يوضحه أن حكم الجملتين لمَّا لم يختلف بسبب شمول حكم جملة أخرى عليهما، كانت الجملتان بمنزلة حمل متّصل ببعض تقّفاها كلمة الاستثناء، فإنّها تشمل الكلّ وتلغي حكم الكلّ، كما إذا قال: أنت طالق، وعبدي حر، وعلي نذر صوم، إن شاء الله، وكذلك لو كان المذكور شرطًا مكان الاستثناء يتعلّق كلّها بالشّرط، فكانت كلّ واحدة من تلك كأنّها جملة ناقصة لدخول كلّها تحت حكم جملة أخرى، والقِرَان في الجمل النّاقصة يوجب القِرَانُ في الحكم، فكذلك ههنا، فكان كقوله تعالى:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}
(2)
إلى قوله: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}
(3)
، ولا شكّ أنّ ذلك الوعد العظيم شامل لكلّ منهم على السّواء.
فكذلك ههنا بخلاف قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}
(4)
، فإنّ كلّ واحدة من الجملتين مستقلة بنفسها، لم يلحقها ما ينافي استقلالها، فكذلك لم يقتضي ثبوت الحكم في إحداهما ثبوته في الأخرى.
وذكر في «المبسوط» في قوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}
(5)
، فقال: ألا ترى أنّه جمع بين الفرقة والرّجعة وأمر بالإشهاد عليهما، ثمّ الإشهاد على الفرقة مستحبّ لا واجب، فكذلك على الرجعة، وهو نظير قوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}
(6)
ثم البيع صحيح من غير إشهاد
(7)
، فكان قود تقرير هذا كما ترى دالاً على ما قلنا، ويستحبّ أن يعلمها، أي: ويستحبّ للزّوج] إذا راجعها
(8)
أن يعلمها بمراجعتها بأنّه راجعها، وذلك لأنّه لو لم يعلمها بالرّجعة ربما تقع المرأة في المعصية، فإنّها ربما تتزوج بناء على زعمها أن زوجها لم يراجعها، وقد انقضت عدّتها فتزوّجت آخر، وجامعها الزّوج الثاني فكانت هي عاصية، وزوجها الذي أوقعها فيها مسيئاً بتركه الإعلام، ولكن مع ذلك لو لم يعلمها بالرّجعة جاز؛ لأنّ الرّجعة عندنا استدامة للقائم، وليست بإنشاء فكان الزّوج بالرّجعة متصرفاً في خالص حقه] وتصرف الإنسان في خالص حقّه
(9)
لا يتوقّف على علم الغير - كذا في «المحيط»
(10)
-.
(1)
[البقرة: 43، وغيرها].
(2)
[الأحزاب: 35].
(3)
[الأحزاب: 35].
(4)
[البقرة: 43، وغيرها].
(5)
[الطلاق: 2].
(6)
[البقرة: 282].
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 19).
(8)
زيادة في (ب).
(9)
سقط من (ب).
(10)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 423).
(وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ قَدْ رَاجَعْتُك، فَقَالَتْ مُجِيبَةً) -أي: على الفور متّصلة بقول الزّوج -: (قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ)، وذكر في «شرح الطّحاوي»: ولو قال لها راجعتك فقالت المرأة -موصولاً بكلام الزّوج-: انقضت عدّتي، لا تصح الرجعة في قول أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما تصح الرجعة، وأجمعوا أنّها إذا سكتت ساعة، ثم قالت: انقضت عدّتي تصحّ الرّجعة ولو بدأت المرأة بالكلام.
(وَإِنْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي، وَقَالَ الزَّوْجُ) -مجيباً لها موصولاً بكلامها-: راجعتك لا تصحّ الرجعة؛ لأنّها صادفت العدة، أي: لأنّ الرجعة صادفت العدّة؛ إذ هي باقية] أي العدّة
(1)
بَاقِيَةٌ ظَاهِرًا إلَى أَنْ تُخْبِرَ وَقَدْ سَبَقَتْهُ الرَّجْعَةُ، أي: وقد سبقت الرجعة إخبار المرأة بانقضاء العدّة، فصحّت الرجعة، وسقطت العدّة، وهي حين أخبرت إنّما أخبرت بالانقضاء بعد سقوط العدّة، وليس لها ولاية الإخبار بعد سقوط العدّة، كما لو سكتت ساعة ثمّ أخبرت، ولأنّها صارت متّهمة في الإخبار بالانقضاء بعد رجعة الزّوج، فلا يقبل خبرها، كما لو قال الموكّل للوكيل: عزلتك، فقال الوكيل: كنت بعت، حيث لا يصدّق الوكيل، لكونه متّهمًا، ولكونه غير قادر على الإنشاء، فهذا كذلك، وأبو حنيفة رحمه الله
(2)
يَقُولُ: الرَّجْعَةُ صَادَفَتْ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لَيْسَ بِعِدَّةٍ مُطْلَقًا، وَشَرْطُ الرَّجْعَةِ أَنْ تَكُونَ فِي عِدَّةِ مُطَلَّقَةٍ، وَبَيَانُهُ أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ، وَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُخْبِرَ إلَّا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ، فَإِذَا أَخْبَرَتْ مُجِيبَةً لِلزَّوْجِ عَرَفْنَا ضَرُورَةَ أَنَّ الِانْقِضَاءَ سَابِقٌ، وَأَقْرَبُ أَحْوَالِهِ حِلُّ قَوْلِ الزَّوْجِ رَاجَعْتُك، بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَتْ سَاعَةً، فَإِنَّ أَقْرَبَ الْأَحْوَالِ لِلِانْقِضَاءِ هُنَاكَ حَالُ سُكُوتِهَا، وَلَا يُقَالُ مُصَادِفَةُ الرَّجْعَةِ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، والرّجعة لا تصحّ مع انقضاء العدّة أيضاً؛ لأنّ الرجعة شرعت بالنصّ في حال بقاء العدّة الموجودة من كلّ وجه في العدة حال الانقضاء لا تكون موجودة من كل وجه، فلا تثبت الرجعة، بدليل أنّه لو قال: لها أنت طالق مع انقضاء عدتك، لا يقع الطّلاق عند انقضاء العدّة؛ لأنّ المزيل لا يعمل إذا قارن الزّوال، فكذا لا يعمل المثبت حال الزّوال إذ هما في الاستحالة على السّواء؛ لأنّ في أحدهما إزالة الزّايل، وفي الآخر إثبات الزّائل
(3)
.
(1)
سقط من (ب).
(2)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 24).
(3)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 24).
فإن قيل: لما كان قولها انقضت عدّتي مقتضياً سبق الانقضاء، كان قول الزّوج راجعتك، مقتضياً سبق الرّجعة، فتكون الرّجعة سابقة على الانقضاء، لما ذكرت أن الرّجعة لا تصحّ حال الانقضاء ولا بعده.
قلنا: لا كذلك؛ لأنّ قَوْلُهُ: رَاجَعْتُك إنْشَاءٌ، وَهُوَ إثْبَاتُ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ، فَلَا يَسْتَدْعِي سَبْقَ الرَّجْعَةِ، وَقَوْلُهَا: انْقَضَتْعِدَّتِي إخْبَارٌ، وَهُوَ إظْهَارُ أَمْرٍ قَدْ كَانَ، فكان قولها سابقاً، أو لأنّ الشّرع جعلها أمينة في إخبارها بأمر العدّة، والزّوج في دعواه الرّجعة مدّعى، والقول قول الأمين في كل أمر اختلف المدّعي مع الأمين.
وذكر في «المبسوط» بيان هذا، فقال: أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ، وَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُخْبِرَ إلَّا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ، فَإِذَا أَخْبَرَتْ مُجِيبَةً لِلزَّوْجِ عَرَفْنَا ضَرُورَةَ أَنَّ الِانْقِضَاءَ سَابِقٌ، وَأَقْرَبُ أَحْوَالِهِ حِلُّ قَوْلِ الزَّوْجِ رَاجَعْتُك، بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَتْ سَاعَةً، فَإِنَّ أَقْرَبَ الْأَحْوَالِ لِلِانْقِضَاءِ هُنَاكَ حَالُ سُكُوتِهَا، وَلَا يُقَالُ مُصَادِفَةُ الرَّجْعَةِ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ نَادِرٌ؛ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُوَافِقَ حَالَةً، فَتَارَةً يُوَافِقُ كُلَّهَا، وَتَارَةً يَوْمَهَا، وَتَارَةً قَوْلَ الزَّوْجِ رَاجَعْتُك، وَإِنْ تَمَكَّنَ مَا هُوَ نَادِرٌ، وَهُوَ رَجْعَةُ الزَّوْجِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُتَّهَمَةً إذَا فَرَّطَتْ فِي الْإِخْبَارِ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَا تَفْرِيطَ مِنْهَا هُنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْإِخْبَارِ إلَّا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي الْإِخْبَارِ، لِأَنَّ بَيْعَهُ كَانَ قَبْلَ الْعَزْلِ لَا مَعَ الْعَزْلِ
(1)
.
وذكر في «مبسوط فخر الإسلام» بخلاف ما إذا سكتت؛ لأنّها اتّهمت بالتّأخير؛ لأنّ الواجب عليها أن تخبر متّصلاً بكلامه، لو كان الانقضاء ثابتًا قبل ذلك، وحيث سكتت ولم تجبر، فالظّاهر أنّها كاذبة، ومسألة الطّلاق على الخلاف، ولا يقع الطّلاق عند أبي حنيفة رحمه الله مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ، لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِالْوُقُوعِ، كَمَا لَوْ قَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ: كُنْت طَلَّقْتهَا فِي الْعِدَّةِ، كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ
(2)
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 24).
(2)
ينظر: البحر الرائق (4/ 56).
-كذا في «المبسوط»
(1)
- وهو يقول: حكم الرّجعة يبنى على العدة، وفي قيام العدة لا قول للمولى أصلاً، فإنّ القول في العدّة قولها في البقاء والانقضاء دون المولي، فكذلك فيما يبتنى عليها وهو الرجعة، يوضحه أنّ صحّة الرّجعة حال قيام العدّة ولا ملك للمولى في بضعها عند ذلك ولا تصرف، فكان القول فيه قولها، بخلاف التزويج والإقرار به عليها؛ لأنّ بضعها في تلك الحال ملك للمولى ولو كان على القلب، بأنّ كذّبه المولي وصدّقته الأمة، لم تثبت الرجعة أمّا عندهما فظاهر، وأمّا عند أبي حنيفة رحمه الله فَلِأَنَّ بُضْعَهَا فِي الْحَالِ خَالِصٌ حَقُّ المولي، فَإِنَّ عِدَّتَهَا مُنْقَضِيَةٌ؛ فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ-كذا في «المبسوط»
(2)
-إذْ هِيَ الْعَالِمَةُ بِهِ، أي بالانقضاء أو بلزوم حكم من الأحكام الظاهرات بمضي وقت الصّلاة، حيث تكون الصّلاة دينًا في ذمتها، وهو من أحكام الظّاهرات، بخلاف ما إذا كانت كتابته، فإنّ الرّجعة تنقطع في حقّها بنفس انقطاع الدّم، وتنقطع إذا تيقنت فصلّت مكتوبة أو تطوّعًا -كذا في «المبسوط» -حتى يثبت به [برفع يثبت]؛ لأنّ حتّى هنا ليست للغاية، إذ الأحكام ثابتة من حلّ الدّخول في الصّلاة والمسجد وحل قراءة القرآن ومس المصحف، فكان بمنزلته [أي فكان التيمم بمنزلة] الاغتسال والحكم بسقوط الرّجعة يؤخذ فيه بالاحتياط.
ألا ترى أنّها لو اغتسلت وبقيت [وبقيت] على بدنها لمعة تنقطع الرجعة عنها احتياطاً، وإن لم يحل لها أداء الصّلاة فههنا أولى، وكذلك لو اغتسلت بسور الحمار ولم تجد غيره تنقطع الرجعة،] احتياطاً ولم يحل له اداء الصلاة في هذين الموضعين، فهاهنا أولى ان تنقطع الرجعة
(3)
وقد حلّ لها أداء الصّلاة، قال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ -رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- قَالَا: التَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ ضَعِيفَةٌ، فَلَا تَنْقَطِعُ بِهِ الرَّجْعَةُ، كَنَفْسِ الِانْقِطَاعِ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ إلَّا بِيَقِينٍ، حَتَّى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ كَانَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ تَلْوِيثٌ وَتَغْيِيرٌ وَهَذَا ضِدُّ التَّطْهِيرِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ طَهَارَةً حُكْمًا لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ
(4)
.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 24).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 25).
(3)
زيادة في (ب).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 29).
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ عَلَى بَدَنِهَا لَمْعَةٌ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الرَّجْعَةِ هُنَاكَ لِتَوَهُّمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَسُرْعَةِ الْجَفَافِ، فَكَانَتْ طَهَارَةً قَوِيَّةً فِي نَفْسِهَا، وَالِاغْتِسَالُ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ كَذَلِكَ، فَإِنَّهَا طَهَارَةٌ قَوِيَّةٌ لِكَوْنِهَا اغْتِسَالًا بِالْمَاءِ، وَلَكِنَّهَا تُؤْمَرُ بِضَمِّ التَّيَمُّمِ إلَى ذَلِكَ فِي حُكْمِ حِلِّ الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا؛ لِاشْتِبَاهِ الْأَدِلَّةِ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ، وَقَدْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الطَّهَارَةَ، وَلِهَذَا لَوْ اغْتَسَلَتْ بِهِ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ آخَرَ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ -أَيْضًا-، لِكَوْنِهَا طَهَارَةً قَوِيَّةً.
وأمّا الحكم بحل الصّلاة في التيمم لا يدلّ على قوة الطّهارة؛ لأنّ قولنا: حلت لها الصّلاة] بالتيمم، تفسير لقولنا: تطهّرت، وقد ثبت أن قولنا: تطهرت بالتيمم ثابت في حقّ الصّلاة لا غير، فكذلك قولنا حلّت لها الصّلاة
(1)
.
وأمّا الصّلاة الثّابتة دينًا في الذمّة، فثابتة قياساً بالتّفويت، بعد توجه الخطاب لا بالشّرع، بخلاف القياس فبذلك ظهر في حق عامّة الأحكام - إلى هذا أشار في «المبسوط»
(2)
، و «الأسرار» - فتذكر ههنا الشبهة السّايرة والنكتة الدايرة فيما بين النّاس، ممّا يترآى أي مناقضة من الطّرفين وقد أسلفناه مشبعًا في باب الإمامة من كتاب الصّلاة، ثم المختصر ههنا في جواب الطّرفين، هو أن محمدًا عمل بالاحتياط في الموضعين جميعًا، وما يترآى مناقضة في حقّه إنّما كان بحسب اختلاف كلّ واحد من الموضعين في اقتضائه الاحتياط؛ ولأنه لا يلزم من كون التيمم قائمًا مقام الاغتسال صحّة الإمامة؛ لأنّ صحّة الإمامة ليست من ضرورة الاغتسال؛ لأنّه كم من مغتسل لا تجوز إمامته، كصاحب العذر لا تجوز إمامته وإن كان مغتسلاً، وما عملاً يترآاى مناقضة.
ولكن لا مناقضة فيما عملا -أيضاً-؛ لأنّهما عملا في حق الصّلاة بمورد الآية، حيث لا يتقيّد هناك بالضّرورة، وفي حق غيرها عملاً بحقيقة التلويث، وهو ضدّ التطهير، فكان طهارة ضرورية، والأحكام الثّابتة أيضاً ضرورية وهي حلّ قراءة القرآن، ومسّ المصحف، ودخول المسجد اقتضائية؛ لأنّ هذه الأحكام من توابع الصّلاة؛ إذ حلّ الصّلاة يقتضي حلّ دخول المسجد، وحلّ قراءة القرآن، فكان هذا جواباً عن حرف الخصم، بقوله كما أنّ الصّلاة تحلّ بالتيمم، فكذلك تحلّ هذه الأحكام علم أنّ التيمم طهارة مطلقة، وقيل بعد الفراغ وهو الصّحيح، وذكر في «المبسوط» ؛ لأنّ الحال بعد شروعها في الصّلاة كالحال قبله، ألا ترى أنّها إذا رأت الماء لا يبقى لتيممها أثر
(3)
، بخلاف ما بعد الفراغ، وإن كان أقلّ من عضو انقطعت، وهو نحو الأصبع -كذا في «المحيط»
(4)
-أنّ ما دون العضو يتسارع إليه الجفاف لقلّته، فلا يتيقّن بعدم وصول الماء إليه، فقلنا تنقطع الرجعة، حتّى لو تيقنت هي بعدم وصول الماء إليها، بأن منعت عنها قصدًا، لا تنقطع الرّجعة كذا في «المحيط»
(5)
.
(1)
سقط من (ب).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 29).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 30).
(4)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 426).
(5)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 426).
وعنه وهو قول محمّد رحمه الله هو بمنزلة ما دون العضو، فإن كان الباقي أحد المنخرين فالرّجعة باقية بالاتفاق، -كذا في «المحيط»
(1)
-؛ لأنّ في فرضيته اختلافاً، فإن عند الشّافعي رحمه الله المضمضة والاستنشاق في الجنابة والوضوء
(2)
.
وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ، أي: قبل الطّلاق على ما يجيء من تأويل المسألة في الكتاب
(3)
، وبطل زعمه بتكذيب الشّرع.
فإن قيل: وجب أن لا تكون كلمة حق الرجعة؛ لأنّ الرجعة حق مستحقّ له، وقد أنكر ثبوتها له أقصى ما في الباب أنّه صار مكذباً شرعًا حكمًا لثبات النّسب منه، لكن لا يلزم من كونه مكذباً شرعًا بقاء ما كان حقاً له، وصار هذا كرجل أقرّ بعين لإنسان، ثم اشتراها، ثم استحقّت من يده، ثمّ وصلت إليه يومًا من الدّهر أمر بالتّسليم إلى المقرّ له، وإن صار مكذباً شرعًا قلنا لم يتعلّق بإقراره هنا حقّ الغير، والموجب لحق الرجعة ثابت وهو الطّلاق بعد الدّخول، فوجب أن يكون له حق الرّجعة، بخلاف الإقرار فإنّه تعلّق به حق الغرماء، وإن صار المقر مكذباً شرعًا -كذا في «الفوائد الظهيرية»
(4)
-.
فإن قيل: قوله: (لَمْ أُجَامِعْهَا)، صريح في عدم الجماع، ودلالة ثبوت النّسب لم يكن صريحًا في وجود الجماع، والصّريح إذا اجتمع مع غير الصّريح فالصّريح أولى.
قلنا: الدّلالة من الشّارع أقوى من الصّريح الصّادر من العبد، لاحتمال الكذب من العبد وعدم احتماله من الشّارع، فلأن تثبت به الرّجعة أولى؛ لأنّ الإحصان له مدخل في وجود العقوبة، ومع هذا يثبت بهذا الوطء، فلأن يثبت به الرّجعة التي ليست فيها جهة العقوبة بالطّريق الأولى.
قوله رحمه الله: فإن خلا بها وأغلقباباً وأرخى ستراً، -إلىقوله-: لم يملك الرجعة.
وإنّما أورد هذه المسألة عقيب تلك المسألة، لما أنّ هذه المسألة يترآاىمناقضاً حكمها للمسألة التي قبلها، مع اتحاد المعنى، وهو أن في هذه المسألة -أيضاً- صار في قوله: لم أجامعها، مكذباً شرعًا، فإنّه بعدما خلا بها بمثل هذه الخلوة التي ذكر تجب كمال المهر شرعًا إذا طلّقها، وكمال المهر في الطّلاق إنّما يجب إذا كان الطّلاقبعد الدخول، فكان في قوله: لم أجامعها، مكذّبًا شرعًا لا محالة، ثم مع ذلك لا تصحّ منه رجعة هذه المرأة، فلم يعتبر كونه مكذّبًا شرعًا في هذه المسألة في حق الرّجعة، واعتبر في تلك المسألة حتّى أثبت له ولاية الرجعة هناك، فأجاب عنه هذه المناقضة بقوله: ولم يصر مكذباً شرعًا؛ لأن تأكّد المهر المسمّى يبتني على تسليم المبدل، وتفسير الجواب هو أنّ تأكّد المهر مبنيّ على تسليم النّفس، وقد وجد ههنا؛ وذلك لأنّ الإبدال في العقود كلّها من البياعات والإجارات يتأكّد بالتّسليم، وتفسير التّسليم هو أن يرفع الموانع بينالْمُسْلِمِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وتعدّد المسلم إليه، على أن يقبضه وقد وجد ههنا.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 427).
(2)
ينظر: الأم للشافعي (1/ 57).
(3)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 255).
(4)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (4/ 54).
وأمّا القدرة على القبض فليست بقبض كما أنّ القدرة على الزّنا ليست بزنا، بل القبض عبارة عن زيادة تصرّف مخصوص، يظهر من القادر في المقدور بحسب ذلك الموضع، فلما لم تكن القدرة قبضاً، لم يكن وطئاً فإذا لم يوجد الوطء لم يتأكد ملك الزّوج في بضعها، وإذا لم يتأكد الملك، لم تعقب الطّلاق الرجعة؛ لأنّ الرّجعة مبنيّة على ملك متأكد بالقبض، وقد أقرّ الزّوج بعدم القبض والرّجعة حقه فتصدّق في حق نفسه، وذكر في «الفوائد الظهيرية»
(1)
، وذكر هنا، أي: في «الجامع الصّغير» أغلق باباً وأرخى ستراً بالواو، وفي كتاب الطّلاق قال أَوْ أَرْخَى سِتْرًا وهو الصّحيح
(2)
.
قوله رحمه الله: فهي رجعة، أي: فالولادة الثّانية رجعة، أي فبالولادة الثانية يعلم أنّه كان وطئها بعد وقوع الطّلاق بالولد الأوّل؛ لأنّ المسألة مصوّرة في تعليق الطّلاق بالولادة، وهي أتت بعد ذلك بالولدين بينهما ستّة أشهر، فيقع الطّلاق بالولد الأوّل، ثم الولد الثّاني، لما جاء بعد ستة أشهر من علوق حادث لا محالة وهو بالوطء، فكان الوطء موجودًا في عدّة الطّلاق الرجعيّ، وهو موجب للرّجعة عندنا.
وأمّا الولدان إذا كانا من بطن واحد لا تكون الولادة الثّانية دليل الرّجعة، فوقع الطّلاق بالولد الأوّل، وانقضت العدّة بالولد الثاني، ولم يقم دليل لنا على أنّه وطئها بعد الولد الأوّل؛ فلذلك لم تكن الولادة الثّانية دليل الرّجعة في هذه الصورة.
قوله: وإن في قوله: وإن كان أكثر من سنتين للوصل، أي: لمّا كان بين الولد ستّة أشهر، لم يتفاوت بعد ذلك أن يكون الولادة الثّانية أقلّ من سنتين من وقت الطّلاق وأكثر من سنتين ثبت الرّجعة؛ لأنّ الولد الثّاني مضاف إلى علوق حادث لا محالة، وهو بالوطء بعد الطّلاق، فكان رجعة -إلى هذا أشار في «الجامع الصّغير» لقاضي خان رحمه الله
(3)
.
قوله: وبالولد الثّالث صار مراجعًا، أي: وبالولد الثّالث يُعلم أنّه وطئها بعد وقوع الطّلاق الثاني بولادة الولد الثّاني؛ لأن المسألة مصوّرة في أولاده في بطون مختلفة، ولذلك لابدّ أن يكون الولد الثّالث من علوق حادث وهو من الوطء الحادث بعد الولد الثّاني، فكان رجعة لما ذكرنا، إشارة إلى قوله: لأنّه وقع الطّلاق عليها بالولد الأوّل إلى آخره.
(1)
ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 229).
(2)
ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 229).
(3)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 173).
ولا تكون الولادة الثّالثة دليل الرّجعة، بخلاف الولادة الثّانية؛ لأنّه لا سبيل للرّجعة بعد الطّلقات الثّلاث.
وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَشَوَّفُ وَتَتَزَيَّنُ والتَّشَوُّفُ خَاصٌّ فِي الْوَجْهِ، وَالتَّزَيُّنُ عَامٌّ تَفَعُّلٌ مِنْ شُفْت الشَّيْءَ جَلَوْته، وَدِينَارٌ مَشُوفٌ: أَيْ مَجْلُوٌّ، وَهُوَ أَنْ تَجْلُوَ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا وَتَصْقُلَ خَدَّيْهَا. إذ النِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا، حتى أن التّوارث قائم بينهما، وكذلك جميع أحكام النكاح قائم، ألا ترى أنّه لو قال: كلّ امرأة له طالق، تدخل هذه الطّلقة فيه فتطلق.
فإن قلت: يشكل على هذا الأصل الذي ذكرت المسألة التي تليه، وهي قوله: وليس له أن يسافر بها، وكان له أن يسافر بمنكوحته، وليست له هذه الولاية في الطلقة الرّجعيّة، فانتقض ما ذكرت من قيام النكاح من كلّ وجه.
قلنا: هذه معارضة [معرض] النصّ فلا يسمع فكلّ قياس بمعارضته يتهاتر وكلّ معقول بوجوده يتصاغر، فإنّ القياس يقتضي أن تحلّ المسافرة بها، كالحلّ سائر الأحكام المخصوصة بالنكاح، إلا أن النصّ ورد بقوله: ولا تخرجوهنّ من بيوتهن.
وقال الإمام الصّفّار
(1)
: من قاس هذه القياس فقد قضى على نفسه بالوسواس.
ولنا قوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}
(2)
، الآية نزلت في الطّلاق الرجعي، دل عليه سياق الآية، وهو قوله تعالى:{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}
(3)
أَيْ: لَعَلَّهُ يَبْدُو لَهُ فَيُرَاجِعَهَا، وَالْمُسَافَرَةُ بِهَا إخْرَاجٌ مِنْ الْبَيْتِ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهَا.
فإن قيل: لما لا يجعل المسافرة بها دلالة الرّجعة حملاً لامرأتهعلى الصّلاح.
قلنا: كلامنا في رجل ينادي صريحًا بأني لا أراجعها، فبطلت الدّلالة عند الصّريح؛ ولأنّ قوله تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ}
(4)
الآية، لما كان خطاباً بالنّهي للأزواج عن الإخراج يلزم أن لا يكون الإخراج رجعة؛ لأنّ الإخراج منهي عنه، والرّجعة مندوب إليها وهما على طرفي نقيض -كذا في «الفوائد الظهيرية» - وذكر الإمام قاضي خان رحمه الله وكما لا يحلّ لها الخروج إلى السّفر، كذلك لا يباح لها الخروج إلى ما دون السّفر -أيضاً- لإطلاق النصّ
(5)
.
(1)
عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الصفار، الإِمَام أَبُو الْقَاسِم ابْن الإِمَام أبي عَليّ الصفار، النَّيْسَابُورِي، الْفَاضِل، البارع، ذُو الْفُنُون، جَاءَ نعية من أسفرائنفي رَمَضَان، سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس مائَة - رَحمَه الله تَعَالَى-. ينظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 359).
(2)
[الطلاق: 1].
(3)
[الطلاق: 1].
(4)
[الطلاق: 1].
(5)
ينظر: النهر الفائق شرح كنز الدقائق (2/ 420)، والجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 228).
وكما يكره المسافرة بها، يكره الخلوة بها؛ لأنّه لو خلا بها ربّما يقع بصره على موضع يصير به مراجعًا، وهو لا يريد الرّجعة، فيطلّقها أخرى فيؤدّي إلى تطويل العدّة، وذلك حرام، وذكر شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله في «الجامع الصّغير» إنّما يكره الخلوة بها إذا لم يأمن على نفسه أن يغشاها، أو يصير مراجعًا لها، بغير إشهاد وهو مكروه؛ لِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ، فالمبطل هو الطّلاق وعمله الإبطال تراخي إلى وقت انقضاء العدّة لحاجة الزّوج إلى المراجعة، فعمل المبطل عمله من وقت الإبطال، كالبيع الذي فيه الخيار تأخّر عمل البيع في اللّزوم إلى مدّة لحاجة من له الخيار إلى الاستدراك، فلمّا لم يفسخ حتّى مضت المدّة عمل البيع عمله من وقت البيع، حتّى كانت الزّوايد الحاصلة في مدّة الخيار للمشتري.
وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ، أي: والدّليل على أن عمل المبطل من وقت وجود المبطل احتساب الإقراء الماضيّة قبل انقضاء العدّة من العدة، فلو كان عمل المبطل مقتصراً على انقضاء العدّة لما احتسبت الأقراء الماضية من العدّة، كما لا يحتسب في قوله: إذا حضت فأنت طالق، فإن تلك الحيضة غير محتسبة من العدّة؛ لأنّه شرط وقوع الطّلاق، وإذا ثبت ما قلنا وهو أن عمل المبطل غير مقتصر على انقضاء العدّة، بل من وقت وجود المبطل وهو الطّلاق، كانت المطلقة الرجعيّة بمنزلة المبتوتة تقديراً حين لم يرد الرّجعة، فكما أنّه لا يملك إخراج المبتوتة إلى السّفر، فكذلك لا يملك إخراج المطلقة الرّجعية، لوجود القاطع في إحديهما تحقيقاً، وفي الأخرى تقديراً [حتى ملك مراجعتها] من غير رضاها ومن غير مهر ومن غير ولي، وكذا بغير شهود في قول عنده وملك الرّجعة عليها من غير رضاها من أدلّ الدّلائل على أنّ ملك النكاح قائم؛ إذ لو زال لكانت الرّجعة إثباتًا للملك عليها ابتداء واحد لا يملك إثبات النكاح ابتداء على الأجنبية إلا برضاها -كذا في «مبسوط فخر الإسلام» -وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ اسْتِبْدَادَهُ بِهِ، أي: معنى النّظر للزوج يوجب استبداد الزّوج بحق الرّجعة، يعني أنّ ثبوت الرّجعة للزّوج إنّما كان نظراً وشفقة له، لاحتمال أن يندم بعد الطّلاق بفراقها على وجه لو لم يقدر على تدارك الوصلة ربّما يفضي إلى هلاكه على ما ذكرنا، وكونه نظراً للزّوج يوجب استبداد الزّوج بالرّجعة؛ إذ لو لم يكن مستبدًا به لا يتحقّق النّظر.
وَذَلِكَ يُؤْذِنُ، أي: معنى الاستبداد يعلم بأنّ الزّوج مستديم الملك لا منشئ؛ لأنّ إنشاء النكاح إنّما يتعلّق بالزّوج والمرأة لا بالزّوج منفردًا؛ إذْ الدَّلِيلُ يُنَافِيهِ، أي: دليل الاستبداد ينافي الإنشاء؛ لأنّه لو كان إنشاء لما استبد به الزّوج، كما لا يستبد في ابتداء النكاح أو الدّلايل التي ذكرناها في موضعها ينافي الإنشاء، وهي قوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
(1)
فلو كان إنشاء لما كان الزّوج أحق.
وكذلك اسم البعل، وكذلك ذكر الإمساك، في قوله:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}
(2)
، وهو عبارة عن استدامة الملك لا عن إنشائه، والقاطع أخّر عمله، هذا جواب عن قول الخصم، وهو قوله: الزَّوْجِيَّةَ زَائِلَةٌ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ وَهُوَ الطَّلَاقُ.
قلنا: نعم وجد القاطع ولكن أخّر عمل القاطع إلى انقضاء العدّة إجماعاً، فإنّه عند الشّافعي تثبت الرجعة بالقول
(3)
، بدون رضاء المرأة، كما هو قولنا علم أنّ عمل القاطع مؤخّر بالإجماع
(4)
، أو مؤخر عمل القاطع نظرًا للزّوج -على ما تقدم- وهو قوله: لِأَنَّ حَقَّ الرَّجْعَةِ ثَبَتَ نَظَرًا لِلزَّوْجِ.
فصل فيما تحلّ به المطلّقة
لما ذكر تدارك الطّلاق الرجعي أنّه بالرّجعة احتاج إلى بيان تدارك غيره من المطلّقات، فبيّنه في هذا الفصل؛ لأنّ حلّ المحلية باق والمعنى من حلّ المحلية كونها أنثى من بني آدم ليست من المحرّمات وهو موجود هنا ومنع الغير جواب سؤال مقدّر بأن يقال أنّ الله تعالى لم يجوّز نكاح المعتدة مطلقاً لقوله تعالى:{وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}
(5)
، فأجاب عنه بقوله: إنّما كان ذلك لاشتباه النسب] وذلك إنما يكون في معتدة الغير، وأما ههنا فهذا المعتدة مُعْتَدَّتِهِ، فلم يلزم فيه اشتباه النسب
(6)
فيجوز.
ثم اعلم أنّ التّعليل باشتباه النّسب هو بيان الحكمة فيه، لَا بَيَانُ الْعِلَّةِ لِوُجُودِ التَّخَلُّفِفيه، فإنّه لو طلّق الصّغيرة أو الآيسة تجب العدّة، ومنع الغير عن تزوجها في العدّة، وإن لم يكن فيه اشتباه النسب، وكذلك لا يجوز تزويج المعتدّة من الصبي، كما لا يجوز من البالغ، ولا يلزم اشتباه النّسب في حق الصبي؛ لأنّه لا يثبت النسب منه، لأنّ الصبي لا ماء له.
(1)
[البقرة: 228].
(2)
[البقرة: 231].
(3)
ينظر: الحاوي الكبير (10/ 310).
(4)
ينظر: البناية شرح الهداية (5/ 456).
(5)
[البقرة: 235].
(6)
زيادة في (ب).
قوله رحمه الله: ولا اشتباه في إطلاقه، أي: لا يلزم اشتباه النّسب في تجويز نكاح معتدته؛ لأن الماء الواقع في رحمها في النكاح الأوّل والثّاني ماءه، فلا يشتبه النّسب، والاشتباه إنّما يكون عند اختلاف المائين، وذلك إنّما يكون في مُعْتَدَّةُ الْغَيْرِ، والمراد من الإطلاق التجويز.
والمراد الطّلقة الثّالثة، أي: عند أكثر أهل التّأويل
(1)
؛ لأنّ الله تعالى بيّن حكم الثالثة عقيب هذه الآية، ولم يبيّن حكمها عند قوله:{أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(2)
، وعند بعضهم حكم الثّالثة مستفاد من تلك الآية، أعني قوله تعالى:{أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
(3)
والزّوجية المطلقة إنّما تثبت بنكاح صحيح، خصوصاً فيما إذا أضيف النكاح إلى المستقبل كان المراد منه الإعفاف والتّحصين، وذلك إنّما يحصل بالنكاح الصّحيح، لا بالفاسد ولهذا لا يحنث إذا حلف لا تنكح فالنكاح الفاسد.
بخلاف الماضي فإنّ المراد منه مجرّد صحّة الأخبار، فيتناول الفاسد والجائزلذلك فيحنث في يمينه ما نكحت امرأة وقد نكحها فاسدًا، حملاً للكلام على الإفادة دون الإعادة، يعني لو حملنا النكاح المذكورة في قوله تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ}
(4)
على العقد، يلزم ذكر العقد مرّتين؛ لأنّه استفيد العقد مرة بقوله: زوجًا؛ لأنّ الرجل لا يسمّى زوجًا إلا بعد العقد.
أمّا لو حملنا النكاح المذكور على الوطء واستفدنا العقد من ذكر الزّوج كان كلّ واحد من ذكر الزّوج والنكاح محمولاً على فائدة جديدة، فحينئذ كان شرط وطء الزّوج الثاني في التّحليل مذكوراً في كتاب الله تعالى، ولا يحتاج إلى أن يراد على كتاب الله تعالى بالحديث المشهور، وهذا قول حسن لكنّه مخالف لما ذكره شمس الأئمة وفخر الإسلام رحمه الله في أصول الفقه، ويلزم -أيضاً- على هذا التّأويل ترك الأصل وهو أن يجعل المرأة واطئة، وهي ليست بواطئة، بل هي محلّ الفعل فكانت موطوءة.
قوله رحمه الله: روى بروايات، أي: بروايات مختلفة، فإن الرواية في أصول الفقه بلفظ الخطاب، بقوله:"إلا حتى تذوقي من عسيلته ويذوق من عسيلتك" سوى سعيد بن المسيّب
(5)
، فإنّ الدخول عنده ليس بشرط، وكذلك قول بشر بن غياث المريسي
(6)
بمثل قول سعيد بن المسيّب، ذكره الإمام التمرتاشي، وقوله غير معتبر؛ لأنّه مخالف للحديث المشهور فلذلك لو قضى القاضي بقوله لا ينفذ.
(1)
ينظر: التفسير البسيط (4/ 224)، تفسير السمعاني (1/ 231)، تفسير القرطبي (3/ 127).
(2)
[البقرة: 229].
(3)
[البقرة: 229].
(4)
[البقرة: 230].
(5)
أبو محمدسعيد بن المسيببن حزن بن أبي وهب المخزوميعالم أهل المدينة، وَسَيِّدُ التَّابِعِيْنَ فِي زَمَانِهِ رَأَى عُمَرَ، وَسَمِعَ عُثْمَانَ، وَعَلِيّاً، وَزَيْدَ بنَ ثَابِتٍ، روى عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِيْنَ. يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (5/ 124)، وطبقات الفقهاء (ص: 57).
(6)
بشر بن غياث بن أبي كريمة أبو عبد الرحمن المريسي، مولى زيد بن الخطاب، له روايات عن أبي يوسف، رغب الناس عنه لاشتهاره بالكلام، وخوضه في ذلك، وجرد القول بخلق القرآن، وحكي عنه أقوال شنيعة، ومذاهب مستنكرة، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين. يُنْظَر: تاريخ بغداد (7/ 531)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 143).
وذكر الإمام التمرتاشي في «الجامع الصّغير» وقال الصدر الشّهيد
(1)
رحمه الله: قال مشايخنا: لا ينفذ، وبهذا يعلم أن ما نقل عن الصّدر الشّهيد في بعض الحواشي أنّه لو قضى القاضي على قول سعيد بن المسيب ينفذ القضاء، فذلك افتراء على الصّدر الشّهيد، وكذا ذكر الإمام قاضي خان في «الجامع الصّغير» ، وقال: لو قضى القاضي بقوله لا ينفذ قضاؤه
(2)
.
ذكر الصّدر الشّهيد في كتاب الصّلاة
(3)
وَالْكَمَالُ قَيْدٌ زَائِدٌ، الحديث المشهور شرط الدّخول، وهو عبارة عن الإيلاج، فحسب وكان اشتراط الإنزال في الإيلاجزيادة قيد على الدّخول المطلق، والمطلق ينصرف إلى الكامل في الماهية، فلا يتوقّف الحكم المرتّب على الأمر الكامل إلى زيادة وصف لا دلالة في اللّفظ إليه [عليه]؛ لأنّه يجري مجرى النسخ، فلذلك لم يشترط الإنزال في الدّخول وفي الحديث -أيضاً- إشارة إلى أنّ الكمال وجد بدون الإنزال، وهو قوله: حتّى تذوق عسيلة الآخر، وفي الكفاية
(4)
طلّقها أزواج كلّ زوج ثلاثاً قبل الدّخول، فتزوّجت بآخر ودخل بها، تحلّ للأوّل؛ لأنّه لا تفصيل في النّص وقد فسّره في «الجامع الصّغير» ، أي: وقد فسّر الصبي المحلّل في «الجامع الصّغير» ، أي: في باب النكاح الفاسد من كتاب النكاح من رواية «الجامع الصّغير»
(5)
.
المرتبة الأولى أن يكون المحلّل حرًّا بالغًا ذكر البلوغ تحرّز عن خلاف مالك
(6)
وحماد
(7)
والحسن البصري، فإنّهم يشترطون الإنزال، وذكر الحرية تحرزًا عن خلاف أبي يوسف رحمه الله، فإنّه روي عنه: الحرّة لو زوّجت نفسها من عبد لا يجوز
(8)
.
(1)
عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازة، أبو محمد، برهان الأئمة، حسام الدين، المعروف بالصدر الشهيد، من أكابر الحنفية، له:(الفتاوى الصغرى)، و (الفتاوى الكبرى)، توفي سنة ست وثلاثين وخمسمائة. يُنْظَر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 218)، والأعلام للزركلي (5/ 51).
(2)
يُنْظَر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 386)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (4/ 61)، والجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 53).
(3)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 181).
(4)
الكفاية: في مسائل الخلاف لأبي الحسن: علي بن سعيد العبدري، الحنفي، المتوفى: سنة 493 هـ، وتسعين وأربعمائة. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1499).
(5)
ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 178).
(6)
هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر إمام دار الهجرة، وأحد أئمة المذاهب المتبوعة، صاحب الموطأ، وهو من تابعي التابعين، سمع نافعًا مولى ابن عمر، توفى بالمدينة في صفر سنة تسع وسبعين ومائة. انظر: سير أعلام النبلاء (7/ 150)، تهذيب الأسماء واللغات (2/ 75).
(7)
حماد بن أبي سليمان العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، فَقِيْهُ العِرَاقِ، أَبُو إِسْمَاعِيْلَ بنُ مُسْلِمٍ الكُوْفِيُّ، مَوْلَى الأَشْعَرِيِّيْنَ، أَصْلُهُ مِنْ أَصْبَهَانَ. رَوَى عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَتَفَقَّهَ: بِإِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، الإِمَامُ أَبُو حَنِيْفَةَ، وَابْنُهُ؛ إِسْمَاعِيْلُ بنُ حَمَّادٍ مَاتَ: سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَةٍ. يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (5/ 527)، تاريخ الإسلام (3/ 225).
(8)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 258) البناية شرح الهداية (5/ 478)
وفي «فتاوى الوبري»
(1)
: الشيخ الكبير الذي لا يقدر على الجماع لوأولجها [بمساعدة] اليد لا يحلّها -كذا في «الجامع الصّغير» للإمام التمرتاشي
(2)
-.
وقال الإمام قاضي خان: وثبوت الحلّ لزوجها الأوّل بوطء الصّبي مذهبنا، فإنّ بوطء الزّوج الثّاني يثبت الحلّ سواء، كان صبيًّا أو مجنونًا حرًا أو مملوكًا.
وقال الحسن البصري
(3)
رحمه الله: لا يحلّها جماع الصبي؛ لأن عنده التّحليل يتم بدون الإنزال وعند مالك
(4)
والشّافعي
(5)
لا يتمّ التحليل إلا بجماع من كان من أهل الماء.
وجه قول الحسن: قوله عليه السلام: «لا حتى تذوقي عسيلته وهو يذوق من عسيلتك»
(6)
يعني الماء.
وإنا نقول: العسيلة
(7)
كناية عن لذة الجماع، واللّذة تحصل بجماع المراهق، وعن عائشة رضي الله عنها: أنها فسّرت العسيلة بالجماع؛ ولأنّ الحلّ تعلق بإصابة الزّوج الثاني ليكون زجراً له عن إرسال الثّلاث وإصابة الزّوج تغيظه، فكان زاجراً، وإن وطئها الزّوج الثّاني في حيض أو نفاس أو إحرام يحلّ للزّوج الأوّل عندنا، وقال مالك لا تحلّ له؛ لأنّه حرام، فلا يثبت له الحلّ كما لو تزوجها نكاحاً فاسدًا ودخل بها.
(1)
فتاوى الوبري الحنفي، المتوفى: سنة 608 هـ، لم يطبع. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1230).
(2)
يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (4/ 61)، والدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(3/ 413).
(3)
الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد: تابعي، كان إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه. رأى عُثْمَان بن عَفَّان، روى عَنهُ: قَتَادَة، وَأَيوب، وَيُونُس بن عبيد. مات سنة عشر ومائة. ينظر: الأعلام للزركلي (2/ 226)، وطبقات الفقهاء (ص: 87).
(4)
ينظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/ 105).
(5)
انظر: الأم للشافعي (5/ 265).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الطلاق/ بَابُ إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ العِدَّةِ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَلَمْ يَمَسَّهَا/ 5317)، ومسلم في صحيحه (كتاب النكاح/ بَابُ لَا تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لِمُطَلِّقِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ/ 1433).
(7)
الْعُسَيْلَةُ فِي اللُّغَةِ: النُّطْفَةُ، أَوْ مَاءُ الرَّجُل، أَوْ حَلَاوَةُ الْجِمَاعِ، تَشْبِيهٌ بِالْعَسَل لِلَذَّتِهِ. وَالْعُسَيْلَةُ اصْطِلَاحًا: كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ. وَنَقَل ابْنُ حَجَرٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: ذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُجَامَعَةِ، وَهُوَ تَغَيُّبُ حَشَفَةِ الرَّجُل فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ. يُنْظَر: طلبة الطلبة (ص 115)، والمغرب (ص 315)، والعناية على الهداية بهامش فتح القدير (3/ 176)، فتح الباري (9/ 466).
ولنا قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
(1)
شرط نكاح الزّوج مطلقاً، بخلاف ما لو تزوّجها نكاحاً فاسدًا؛ لأنّ الله تعالى أمر بالنكاح، وأراد به النكاح الجائز؛ لأنّ الشّرع لا يأمر بالفاسد ومطلق النكاح ينصرف إلى الجائز.
ولو تزوّجها بشرط التحليل، بأن قال: تزوّجتك على أن أحللك
(2)
، أو قالت المرأة ذلك، أمّا لو أضمرا ذلك في قلبهما فإنّه يصحّ العقد، ويحلّ للأوّل عند عامة العلماء، وقال مالك: لا يصح، وذكر الإمام التمرتاشي
(3)
وَلَوْ خَافَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا الْمُحَلِّلُ، فتقول: زوجت نفسي منك على أنّ أمري بيدي أطلّق نفسي كلما أريد، فيقول الرّجل: قبلت، جاز النكاح وصار الأمربيدها، وفي التفاريق: لو ادّعت دخول المحلّل صدّقت، وإن أنكر هو، وكذا على العكس، وإذا طلق الحرّة تطليقة أو تطليقتين إلى آخره، وما قاله أبو حنيفة رحمه الله وأبو يوسف، قول ابن عبّاس، وابن عمر، وإبراهيم النخعي، وأصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، وما قاله محمّد وزفر والشافعي، قول عمر، وعلي، وأبي بن كعب
(4)
، وعمران بن حصين
(5)
، وأبو هريرة
(6)
رضي الله عنهم، فأخذ الشبان بقول المشايخ من الصّحابة والمشايخ من الفقهاء بقول الشبان من الصّحابة -كذا في «المبسوط»
(7)
-وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي الطّلاق، أي: الطّلقة والطلقتين؛ لأنّه غاية للحرمة بالنّص يعني أنّ الزّوج الثّاني غاية للحرمة الحاصلة بالثّلاث بالنّص وهو قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
(8)
وحتّى للغاية حقيقة، وفي التّطليقة والتّطليقتين لم يثبت شيء من تلك الحرمة؛ لأنّها متعلّقة بوقوع الثّلاث، وببعض أركان العلّة لا يثبت شيء من الحكم، فلا يكون الزّوج الثّاني غاية؛ لأنّ غاية الحرمة قبل وجودها لا يتحقّق، كما لو قال: إذا جاء رأس الشهر فوالله لا أكلّم فلاناً حتّى أستشير فلانًا، ثم استشاره قبل مجيء رأس الشّهر، لا يعتبر هذا؛ لأنّ الاستشارة غاية للحرمة الثابتة باليمين، فلا يعتبر قبل اليمين، فإذا لم يعتبر كان وجودها كعدمها، ولو تزوّجها قبل التزوّج، أوقبل إصابة الزوج الثّاني كانت عنده بما بقي من التّطليقات.
(1)
[البقرة: 230].
(2)
إذا تَزَوَّجَهَا عَلَى شَرْطٍ إِذَا أَحَلَّهَا بِإِصَابَةٍ لِلزَّوْجِ الأْوَّل، فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا النِّكَاحُ بَاطِلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْل عَامَّةِ أَهْل الْعِلْمِاء، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحَلِّل بِكُل صُوَرِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَهُمْ تَحْرِيمًا، إِذَا كَانَ بِشَرْطِ التَّحْلِيل كَأَنْ يَقُول: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَنْ أُحِلَّكِ لِلأْوَّل، فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ. انظر: كِفَايَة الأْخْيَار (2/ 109)، وَالْحَاوِي الْكَبِير للماوردي (11/ 455)، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَة (6/ 646)، وَالشَّرْح الصَّغِير (2/ 415 وَمَا بَعْدَهَا)، وَحاشية ابْن عَابِدِينَ (2/ 537، 540 وَمَا بَعْدَهَا).
(3)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 259).
(4)
أبي بن كعب بن قيس بن عبيد ابن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، سيد القراء شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً والعقبة، توفي في خلافة عمر سنة اثنتين وعشرين، وقيل مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ ثَلَاثِيْنَ. ينظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (7/ 308)، سير أعلام النبلاء (3/ 243).
(5)
عِمْرَانَ بْن حصين بْن عُبَيْد بْن خلف الخزاعي الكعبي، وكان من فضلاء الصحابة، واستقصاه عَبْد اللَّه بْن عَامِر عَلَى البصرة، وكان مجاب الدعوة، ولم يشهد الفتنة، توفي سنة اثنتين وخمسين. ينظر: أسد الغابة (4/ 269).
(6)
عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الملقب بأبي هريرة، صحابي، كان أكثر الصحابة حفظاً للحديث ورواية له، فأسلم سنة 7 هـ، ولزم صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، فروى عنه 5374 حديثاً، وكان أكثر مقامه في المدينة وتوفي فيهاسنة سبع وخمسين. ينظر: الأعلام للزركلي (3/ 308)، الإصابة في تمييز الصحابة (7/ 362).
(7)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 95)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 259)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 440).
(8)
[البقرة: 230].
فكذلك ههنا، وأبو حنيفة وأبو يوسف -رحمهما الله-
(1)
قَالَا: إصَابَةُ الزَّوْجِ الثَّانِي بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ يُلْحِقَ الْمُطَلَّقَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ بالحكم المختصّ بالطّلاق، كما بعد التطليقات الثلاث، وبيان هذا أن بالتطليقات الثّلاث تصير محرمة ومطلقة، ثم بإصابة الزّوج الثّاني يرتفع الوصفان جميعًا، ويلحق بالأجنبيّة التي لم يتزوّجها قطّ، فبالتّطليقة الواحدة تصير موصوفة بأنّها مطلّقة، فيرتفع ذلك بإصابة الزّوج الثّاني ثمّ الدّليل على أنّ الزّوج الثّاني رافع للحرمة، لأمنه أن المنهي يكون متقرراً في نفسه ولا حرمة بعد إصابة الزّوج الثّاني، فدلّ أنّه رافع للحرمة، ولأنّه موجب للحلّ فإن صاحب الشّرع سمّاه محلّلاً، فقال:"لعن الله المحلّل والمحلّل له"
(2)
، وإنّما كان محلّلاً لكونه موجباً ومن ضرورته أن يكون رافعًا للحرمة وبهذا يتبين أن جعله غاية مجاز، وهو نظير قوله تعالى:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}
(3)
، والاغتسال موجب للطّهارة رافع لحدث الجناية لا أن يكون غاية الجنابة، والدّليل عليه أن أحكام الصّلاة تثبت متأبدّة لا إلى غاية، ولكن يرتفع بوجود ما يرفعها، كحكم زوال الملك لا يثبت موقتًا ولكن يرتفع بوجودها ما يرفعه وهو النكاح، إذا ثبت أنّ الزّوج الثّاني موجب للحلّ، وإنّما يوجب حلالاً لا يرتفع إلا بثلاث تطليقات، وذلك غير موجود بعد التّطليقة والتطليقتين فيثبت به.
ولمّا كان رافعًا للحرمة إذا اعترض بعد ثبوت الحرمة فلا يرفعها وهي تعرض الثبوت أولى، ولكنّ قول محمّدًا
(4)
يَقُولُ: ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ، وذلك لا يرتفع بالزّوج الثّاني حتّى لا تعود منكوحة له، وبقاء الحكم ببقاء سببه، فعرفنا أنّه ليس برافع للحرمة، ولا هو موجب للحلّ، لأنّ تأثير نكاح الثّاني في حرمتها على غيره، فكيف يكون موجباً للحلّ لغيره وسمّها محلّلاً لأنّه شارط للحلّ، لا لأنّه موجب للحلّ.
ألا ترى سمّاه ملعونًا باشتراطه ما لا يحلّ شرعًا، فعرفنا أنّه غير موجب للحلّ، ولأن الحرمة تحتمل التوقيت كحرمة المعتدة، وحرمة الاصطياد على المحرم، فجعلنا الزّوج الثّاني غاية للحرمة عملاً بحقيقه حتّى المذكور في الكتاب وفي السنة، حيث قال عليه السلام:«حتّى تذوقي من عسيلته»
(5)
-كذا في «المبسوط»
(6)
-.
(1)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 95).
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (كتاب النكاح، باب في التحلل/ 2076)، وابن ماجه في سننه، (كتاب النكاح، باب المحلل والمحلل له/ 1936)، قال الزيلعي:"قال الترمذي: حديث حسن صحيح". ينظر: نصب الراية (3/ 239)
(3)
[النساء: 43].
(4)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 96).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الطلاق/ بَابُ التَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ/ 6084)، ومسلم في صحيحه (كتاب النكاح/ بَابُ لَا تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لِمُطَلِّقِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ/ 1433).
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 96).
ثم ذكر فيه وفي «الأسرار» ومسألة فيها يختلف كبار الصّحابة رضي الله عنهم يعوز فقها ويصعب الخروج منها.
سَمَّاهُ مُحَلِّلًا وَهُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ.
فإن قيل: في الطّلقة والطّلقتين الحلّ موجود، فلا حاجة إلى إثبات الحلّ.
قلنا: الحلّ وإن كان موجودًا لكن الزّوج الثّاني يثبت الحلّ الجديد، وهو أنّها لا تحرم بالطّلقة إذا كانت مسبوقة بالتّطليقتين، ولا تحرم بالطّلقتين إذا كانت مسبوقة بالطّلقة علم أنّ الزّوج الثّاني مثبت للحلّ الجديد، وإن كان الحلّ باقياً في المحلّ قبل الطلقات الثلاث.
أو نقول أنّ المحلّ إن كان لا يقبل إثبات أصل الحل لكن يقبل إثبات وصف الكمال في الحل لانتقاصه بالطّلقة والطلقتين وإذا طلّقها ثلاثاً، فقالت: انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْت وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ إلى آخره.
وإنّما ذكر أخبارها هذا مبسوطًا مطولاً -كما ترى- فإنّها لو قالت للأوّل: حلّلت لك فتزوّجها، ثم قالت: أنّ الثّاني لم يكن دخل بي إن كانت عالمة بشرائط الحلّ للأوّلى لم تصدق، وإلا فتصدق، وفيما ذكرت مبسوطًا لا يصدّق في كلّ حال، وعن شمس الأئمة السّرخسي
رحمه الله-حلَلْت لَك، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهَا، لِاخْتِلَافٍبين النّاس في حلّها له بمجرّد العقد، وفي التّفاريق: ولو توقعها ولم يسألها، ثم قالت: ما تزوّجت أو خلا بي ولم يدخل بي صدقت، بخلاف قولها: لم تنقض عدّتي، وإن قال الزّوج لها ذلك، وكذبته، تقع الفرقة كأنّه طلّق ويجب المهر
(1)
.
ولم يمرّ بي لو قال: المحلّل بعد الدّخول: كنت حلفت بطلاقها إن تزوّجها، هل تحل هي للأوّل؟ قلت: يبنى الأمر على غالب ظنها، إن كان صادقاً عندهما فلا يحلّ له وإن كان كاذباً تحلّ.
وعن الفضلي
(2)
رحمه الله: لو قالت: للأوّل تزوّجني فإني قد تزوّجت غيرك، وانقضت عدّتي، فتزوّجها، ثم قالت: لم أكن تزوجت صدّقت، إلا أن يكون قد أقرت بدخول الثّاني -كذا ذكره الإمام التمرتاشي رحمه الله؛ لأنّها معاملة، أي: لأنّ النكاح معاملة، أنث المبتدأ لتأنيث الخبر، كما في قوله تعالى:{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا}
(3)
، وفي المعاملة يقبل قول الواحد، ألا ترى أنّ في الهدايا يقبل قول الإماء والعبيد، وكذلك في الأمر الديني، حتّى أنّ واحدًا من المسلمين لو أخبر بنجاسة الماء أو طهارته، وهو عند السّامع صادق، يجوز تصديقه على ما يجيء في الكراهية -إنشاء الله تعالى-، واختلفوا في أدنى هذه المدّة، ذكر في «المبسوط» قبيل كتاب المناسك في باب النّفاس المطلقة
(4)
إذا كانت تعتدّ بالإقراء وأخبرت بانقضاء العدّة، قال أبو حنيفة
(5)
رحمه الله: لَا تَصْدُقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا، وقال أبو يوسف ومحمّد -رحمهما الله-: تصدّق في تسعة وثلاثين يومًا، وتخريج قولهما أنه يجعل كأنّه طلّقهافي آخر جزء من أجزاء الطّهر، وحيضها أقلّ الحيض ثلاثة وطهرها أقلّ الطّهر خمسة عشر، فالثلاثة إذا كانت ثلاث مرّات يكون تسعة وطّهران إن كان كلّ واحد منهما خمسة عشر يكون ثلاثين، فلذلك صدقت في تسعة وثلاثين يومًا؛ لأنّها أمينة، فإذا أخبرت بما هو محتمل وجب قبول خبرها.
(1)
ينظر: المبسوط للسرخسي (10/ 180).
(2)
حَمَّد بن الْفضل أَبُو بكر الفضلي الكماري، ذكره صَاحب الْهِدَايَة تفقه على الْأُسْتَاذ أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب السبذموني، توفي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مائَة. ينظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 107).
(3)
[الأنعام: 23].
(4)
ينظر: المبسوط للسرخسي (3/ 217).
(5)
ينظر: المبسوط للسرخسي (3/ 217).
وأمّا تخريج قول أبي حنيفة رحمه الله فيجعل كأنّه طلّقها في أوّل الطّهر تحرّزًا عن إيقاع الطّلاق في الطّهر بعد الجماع، وطهرها خمسة عشر؛ لأنّه لا غاية لأكثر الطّهر فقدّرنا بأقلّه، وحيضها خمسة؛ لأنّ من النّادر أن يكون حيضها أقلّ الحيض أو يمتد إلى أكثر الحيض، فيعتبر الوسط من ذلك، وذلك خمسة فثلاثة أطهار كلّ طهر خمسة عشر يكون خمسة وأربعين وثلاث حيض كلّ حيض خمسة يكون خمسة عشر فذلك ستّون يومًا، هذا على ما ذكر محمّد رحمه الله عن أبي حنيفة رحمه الله
(1)
.
أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ
(2)
عَنْهُ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ] وَاجِبٌ، وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي آخِرِ الطُّهْرِ أَقْرَبُ إلَى التَّحَرُّزِ عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ
(3)
، ثُمَّ حَيْضُهَا عَشَرَةٌ لأنا لمّا قدّرنا طهرها بأقلّ المدّة نظراً لها نقدّر حيضها بأكثر الحيض نظراً للزّوج، فثلاث حيض كلّ حيض عشرة يكون ثلاثين، وطهران كلّ طهر خمسة عشر، فذلك ستّون يومًا.
قوله رحمه الله: وسنبيّنها في باب العدّة، وقعت هذه الحوالة
(4)
حوالة غير رائجة؛ لأنّه لم يذكرها في باب العدّة ولا في غيره والله أعلم بالصّواب.
باب الإيلاء
(5)
ذكر في «الأسرار»
(6)
في أوّل كتاب الطّلاق منه التحريمات التي تنفذ من الزّوج بحكم ملك النكاح أربعة أنواع:
الطّلاق والإيلاء واللّعان والظّهار، ثم قال فيبدأ بالطّلاق؛ لأنّه الأصل والمباح للزّوج في وقته، ثم أدنى درجة منه في الإباحة الإيلاء؛ لأنّه من حيث أنّه يمين مشروع ولكن فيه معنى الظلم على ما يجيء، فكان أدنى منه في الإباحة.
(1)
ينظر: المبسوط للسرخسي (3/ 217).
(2)
ينظر: العناية شرح الهداية (4/ 186).
(3)
زيادة في (ب).
(4)
الحوالة لغة: الحَوَالة مشتقة من التَّحَوُّل حول فلان عن داره إلى مكان كذاالتَّنَقُّلُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ. ينظر: مختار الصحاح (ص: 85)، المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 299).
وشرعا: نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. ينظر: التعريفات (ص: 93).
(5)
وَالْإِيلَاءُ الْحَلِفُ، وَقَدْ آلَى يُؤْلِي إيلَاءً وَفِي الشَّرْعِ الْإِيلَاءُ اسْمٌ لِيَمِينٍ يَمْنَعُ بِهَا الْمَرْءُ نَفْسَهُ عَنْ وَطْءِ مَنْكُوحَتِهِ. انظر: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 61).
(6)
العناية شرح الهداية (4/ 188).
ثم يحتاج ههنا إلى معرفة الإيلاء لغة وشريعة وسببه وشرطه وركنه وحكمه، أمّا اللغة فإنّ الآلية الحلف، يقال: آلى يولي إيلاءً، مثل أعطى يعطي إعطاءً والجمع الآيا مثل عطية وعطايا ومن قول القائل
(1)
:
قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ
…
وَإِنْ بَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ
(2)
يمدح بهذا، ويقول فإنّه قليل الحلف، وإن حلف بطريق الندرة بأن وقعت يمينه على سرعة من غير قصد حفظ يمينه، فقوله: برّت كان أصله برّ في يمينه، أي: صدق فحذف المضاف مع حرف الجرّ، ثم انقلب الضّمير المجرور مرفوعًا، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِي خَبُثَ لَا
…
يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا}
(3)
لما عرف في الكشّاف
(4)
.
وأمّا تفسيره شرعًا فهو عبارة عن منع النّفس عن قربان المنكوحة أربعة أشهر فصاعدًا منعًا مؤكدًا باليمين، ولذلك قالوا: المولي من لا يخلو عن أحد المكروهين، إمّا وقوع الطّلاق وإمّا وجوب الكفارة
(5)
.
وأمّا سببه فما هو السّبب في الطّلاق الرّجعي؟ لما أن الإبانة فيه مؤقتة إلى وقت وههنا أيضاً موقتة إلى وقت
(6)
، وقد ذكرنا هناك أن السّبب الدّاعي إليه قيام المشاجرة، وعدم الموافقة، لكن على وجه الانتظار طلباً لما هو الموعود في كتاب الله الجبار في قوله تعالى:{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}
(7)
.
فمنهم من يختار الطّلاق الرجعي، لما أنّ التّدارك هناك غير مستعقب مكروهًا، بخلاف الإيلاء.
ومنهم من يختار الإيلاء لما أنّ التدارك هنا غير متضمّن نقصان عدد الطّلاق، بخلاف الطّلاق الرجعي.
وأمّا شرطه فكون من يمنع عنه القربان باليمين منكوحة، هذا في حقّ المحل فهو] وأما في حق المولي فهو
(8)
من كان أهلاً للطّلاق عند أبي حنيفة رحمه الله، ومن كان أهلاً لوجوب الكفارة عندهما.
(1)
انظر: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 61).
(2)
وهذه الأبيات منسوبة لكثير عزة. ينظر: المجموع اللفيف (ص: 212).
(3)
[الأعراف: 58].
(4)
الكشاف عن حقائق التنزيل، للإمام العلامة أبي القاسم، جار الله محمود بن عمر الزمخشري. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1475).
(5)
المطلع على ألفاظ المقنع (ص: 416)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 261).
(6)
العناية شرح الهداية (4/ 188).
(7)
[الطلاق: 1].
(8)
زياده في (ت).
وأمّا في حق اليمين فهو أن لا يكون المدّة منقوصة من أربعة أشهر.
وأمّا ركنه فنوعان، كما هو ركن سائر الإيمان، فإنّه إن كان في اليمين بالله فهو قوله: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وما يماثله من ذكر اسم من أسماء الله تعالى، وإن كان في اليمين بغير الله فهو قوله إن قربتك فعبده حرًا، وامرأته طالق، وما يشابهه ممّا يحلف به من الإيمان.
وأمّا حكمه فشيئان:
أحدهما: يتعلّق بالحنث بالقربان، وهو لزوم الكفارة في اليمين بالله، ولزوم الجزاء في اليمين بغير الله، والثّاني يتعلّق بالبرّ، بأن لم يقربها حتّى مضت مدّة الإيلاء وهو وقوع طلقة باينة.
فحاصله أن الإيلاء يوافق سائر الأيمان في حق حكم الحنث -كما ذكرنا من اليمينين-، ويخالف سائر الأيمان في حقّ حكم البرّ، فإنّ في سائر الأيمان لا يلزمه شيء بالبرّ، وهنا يلزمه تطليقة باينة، وقد تحقّق ما ذكرنا بأن المولي هو من لا يخلو عن أحد المكروهين -كذا في «الذّخيرة» وغيرها
(1)
-.
حنث في يمينه ولزمته الكفارة، وعند الشّافعي
(2)
رحمه الله يحنث في يمينه، ولا يلزمه الكفارة؛ لأنّ الله تعالى وعد المغفرة وبعدما صار مغفوراً لا يجب عليه الكفارة، لما أنّ الكفارة للستر.
قلنا: وعد المغفرة في الآخرة لا ينافي وجوب الكفّارة في الدنيا، كما في قتل الخطأ فإنّه وعد المغفرة في الآخرة ومع ذلك وجبت الكفارة، وحكم الكفّارة عند الحنث في اليمين بالله ثابت، لقوله تعالى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}
(3)
فكفارته كذا في «المبسوطين»
(4)
وسقط الإيلاء، على معنى أنّه لو مضت المدّة لا يقع الطّلاق.
بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَةٍ
(5)
أي: عندنا، فكان معنى الإيلاء إن مضت أربعة أشهر ولم أجامعك فأنت طالق تطليقة باينة، وهكذا نقل عن علي وابن مسعود وابن عبّاس وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم قالوا: عزيمة الطّلاق مضي المدة.
(1)
يُنْظَر: العناية شرح الهداية (4/ 200).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (8/ 147)، الأم للشافعي (5/ 282).
(3)
[المائدة: 89].
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (8/ 147)، الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (3/ 174).
(5)
فَإِنْ أَصَرَّ الْمُولِي عَلَى عَدَمِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ الَّتِي آلَى مِنْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ تَارِيخِ الإْيلَاءِ، كَانَ إِصْرَارُهُ هَذَا دَاعِيًا إِلَى الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؛ لأِنَّ فِي ذَلِكَ الاِمْتِنَاعِ إِضْرَارًا بِهَا، وَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَرْفَعَ الأْمْرَ إِلَى الْقَاضِي، فَيَأْمُرَ الرَّجُل بِالْفَيْءِ - أَيْ بِالرُّجُوعِ عَنْ مُوجَبِ يَمِينِهِ - فَإِنْ أَبَى أَمَرَهُ بِتَطْلِيقِهَا، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ طَلَّقَهَا عَلَيْهِ الْقَاضِي. وَهُوَ قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رَفْعِ الأْمْرِ إِلَى الْقَاضِي وَلَا حُكْمِهِ بِتَطْلِيقِهَا. يُنْظَر: بدائع الصنائع (3/ 176)، ومغني المحتاج (3/ 348)، والحاوي الكبير (13/ 229)، والخرشي (3/ 238)، وعقد الجواهر الثمينة (2/ 221)، والدسوقي على الشرح الكبير (2/ 436)، وبداية المجتهد (2/ 99 وما بعدها)، والمغني (11/ 30 وما بعدها).
وعند الشّافعي رحمه الله لا تقع الفرقة بمضي المدّة، ولكنّه توقف بعد المدّة على أن يفي إليها أو يفارقها، فإن أبى أن يفعل فرّق القاضي بينهما، وكان تفريقه تطليقة باينة-كذا في «المبسوط»
(1)
-.
ولنا أنّه ظلمها فجازاه الشّرع بزوال النعمة.
فإن قلت: فقد ذكر الإمام قاضي خان رحمه الله في باب العنّين من «الجامع الصّغير»
(2)
أنّ الزّوج إذا وطئها مرّة، ثم عجز بعد ذلك لا خيار لها؛ لأنّ ما هو المقصود وهو تأكد المهر والإحصان وغير ذلك يحصل بالواحد، وما زاد على ذلك فهو مستحق ديانة لا حكمًا، فلما لم تكن للمرأة ولاية مطالبة الزّوج بالوطء حكمًا بعد وطئه إيّاها مرّة، كيف يكون الزّوج يمنع ما ليس بمستحق عليه ظالماً؟.
قلت: إن لم يكن مستحقًا عليه حكمًا، فهو مستحق عليه ديانة، فلما وجب عليه قضاء حقها في الوطء مرّة بعد أخرى ديانة، جازاه الشّرع بزوال نعمة النكاح، بوقوع الطّلاق لمنعه مالها عليه واجب أداؤه ديانة، فإن كان حلف على الأبد فاليمين باقية.
اعلم أن ذكر لفظ الأبد ليس بشرط في حقّ هذا الحكم الذي ذكره، بل المراد منه أنّه لم يذكر في هذا لفظًا يتقيّد اليمين بأربعة أشهر، بأن قال: والله لا أقربك أربعة أشهر، فإنّ الإمام التمرتاشي قال: رجل حلف لا يجامع امرأته أبدًا، ولم يقل أبدًا، فهو مولى إن لم يقربها أربعة أشهر بانت، ثم لو مضت أربعة أشهر أخرى وهي في العدّة، بأن كانت ممتدة الطهر لم تقع أخرى؛ لأن بالأولى بانت ولم يبق حقها في الوطء، فلا ينعقد ثانياً ولو تزوّجها، ثم مضت أربعة أشهر أخرى منذ تزوّج تقع أخرى؛ لأن اليمين باقية وعاد حقها في الوطء فينعقد، وكذا إن تزوجها ثالثاً، فإن بانت بالإيلاء ثلاثاً أو تنجيز الثّلاث بطل الإيلاء لبطلان التّعليق بالتنجيز، فإن قربها كفّر لبقاء اليمين، فإن أبانها، ثم مضت المدّة وهي في العدّة بانت؛ لأنّ الباين المعلق يلحق الباين، فإنّ تزوّجها في العدة أي قبل الثلاث احتسب بما مضى من المدّة لبقاء محلّ اليمين، وإن تزوّجها بعد العدّة فهو مولى، ويستأنف المدّة لزوال محل الطّلاق، ولو حلف على أربعة أشهر سقط اليمين بمضيه، إلا أنّه لا يتكرّر الطّلاق قبل التزوّج.
وذكر في «المبسوط» ولم يذكر في الكتاب فصلاً آخر، وهو أنّه إذا آلى من امرأته، أي: إيلاء مطلقاً من غير أن يقيده بأربعة أشهر، فبانت بمضي أربعة أشهر، هل ينعقد مرّة أخرى قبل أن يتزوّجها أم لا؟ وَكَانَ أَبُو سَهْلٍ رحمه الله
(3)
يَقُولُ: تَنْعَقِدُ حَتَّى إذَا تَمَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَقَعَتْ تَطْلِيقَةً أُخْرَى، وَكَذَلِكَ الثَّالِثَةُ، قَالَ: لِأَنَّ مَعْنَى الْإِيلَاءِ كُلَّمَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ أَقْرَبْكِ فِيهِنَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا كَانَ الْحُكْمُ مَا بَيَّنَّا
(4)
، وَكَانَ الْكَرْخِيُّ رضي الله عنه يَقُولُ: لَا تَنْعَقِدُ الْمُدَّةُ الثَّانِيَةُ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي انْعِقَادِ الْمُدَّةِ ابْتِدَاءً لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْإِضْرَارِ، وَذَلِكَ لَا يَتَقَرَّرُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ مَا لَمْ يَتَزَوجْهَا؛ لأنّه لا حقّ لها في الجماع، فلذلك لا ينعقد المدّة ما لم يتزوّجها، (فَإِنْ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا)، أي: تزوّجها بعد البينونة بمضيّ أربعة أشهر وبعد انقضاء التزوّج عدّتها، فإنّه لو تزوّجها قبل انقضاء عدّتها كان ابتداء الإيلاء الثّاني من وقت الطّلاق لا من وقت التزوّج
(5)
.
(1)
انظر الأم للشافعي (5/ 289)، والمبسوط للسرخسي (7/ 20).
(2)
يُنْظَر: تحفة الفقهاء (2/ 227)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 23).
(3)
أَبُو سهل الزجاجي تفقه على أبي الحسن الكرخي. وتفقه به أهل نيسابور فَمَاتَ بهَا ودرس عَلَيْهِ أَبُو بكر الرَّازِيّ وتفقه بِهِ فُقَهَاء نيسابور من أَصْحَاب الإِمَام. وله كتاب "الرياض". ينظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 254)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 336).
(4)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (7/ 30).
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (7/ 31).
وقد ذكر هنا ابتداء الإيلاء من وقت التزوج، علم أنّ التزوّج كان بعد انقضاء العدّة، وفي العيون: إذا قال لها: والله لا أقربك سنة، فمضى أربعة أشهر، ولم يقربها حتّى بانت منه، ثم تزوّجها، ثم مضت أربعة أشهر أخرى بانت -أيضاً-، فإن تزوّجها ثالثاً لا يقع شيء؛ لأنّه لم يبق من السنة بعد هذا التزوّج أربعة أشهر -كذا في «المحيط»
(1)
-.
قوله رحمه الله: ويعتبر ابتداء هذا الإيلاء من وقت التزوّج، وإنما قيّد بقوله: هذا الإيلاء لما ذكرنا أن هذا الإيلاء الثّاني إنّما انعقد بعد انقضاء العدّة بالتزوّج، فكان هذا احترازاً عن انعقاد الإيلاء الثّاني قبل انقضاء العدّة، فإن اعتبار ذلك الإيلاء من وقت الطّلاق لا من وقت التزوّج، لما ذكرنا من رواية الإمام التمرتاشي، وكذا ذكر في «الفتاوى الظّهيريّة»
(2)
، وقال: وَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، وهي فرع مسألة التنجيزالخلافيّة، وقد مرّ من قبل، أي: في باب الأيمان في الطّلاق، وهو قوله: ولو قال لها: إن دخلت الدّار فأنت طالق ثلاثاً، ثم قال لها: أنت طالق ثلاثاً، إن قال: فدخلت الدّار لم يقع شيء، وقال زفر: يقع الثّلاث.
وفي «المبسوط» : وَإِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا أَبَدًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَطَلَ الْإِيلَاءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ مُؤَجَّلٌ، فَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ عَلَىالتَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ، لَمْ يَكُنْ مُولِيًا إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ، وَإِنْ قَرُبَهَا كَفَّرَ يَمِينَهُ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ لِنَفَاذِ مِلْكِ الطَّلَاقِ، فَقَدْ بَقِيَتْ الْيَمِينُ، فَإِذَا قَرُبَهَا تَمَّ شَرْطُ الْحِنْثِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ بَقَاءِ الْيَمِينِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، ثُمَّ تَزَوَّجَهَالَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَإِنْ قَرُبَهَا كَفَّرَ يَمِينَهُ
(3)
.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 446).
(2)
الفتاوى الظهيرية: لظهير الدين، أبي بكر: محمد بن أحمد القاضي الحنفي المتوفى: سنة 619 هـ، ذكر فيها: أنه جمع كتاباً من الواقعات والنوازل، مما يشتد الافتقار إليه، وفوائد غير هذه، والكتاب في الفقه الحنفي وهو غير مطبوع فيما أعلم. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1226).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (7/ 30).
(وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ)، أي: بعد التّطليقات الثلاث، ثم علّل لبقاء اليمين بوصفين: وهما إطلاق اليمين، أي: لم يقيّد يمينه شيء من الأوقات حتّى ينقضي اليمين بانقضاء ذلك الوقت، بل قال:(وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك) أبدًا، والثاني: عدم الحنث، أي: الحنث معدوم؛ لأنّ الكلام فيما إذا لم يطأها، ولفظ الكتاب: وعدم الحنث بالجرّ بالعطف على لإطلاقها، فإن حلف على أقلّ من أربعة أشهر لم يكن مولياً.
وقال ابن أبي ليلى
(1)
: هو قول إن تركها أربعة أشهر بانت بتطليقة، هكذا كان يقول أبو حنيفة رحمه الله
(2)
في الابتداء، فلما بلغه فتوى ابن عبّاس رضي الله عنه: لا إيلاء فيما دون أربعة أشهر
(3)
رجع عن قوله، وابن أبي ليلى استدلّ بظاهر الآية، قال الله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}
(4)
الآية، والإيلاء هو اليمين فتقييد اليمين عدّة أربعة أشهر تكون زيادة، ولكنّا نقول: المولي من لا يملك قربان امرأة في المدّة إلا بشيء يلزمه، وإذا عقد يمينه على شهر فهو يتمكّن من قربانها بعد مضي الشّهر من غير أن يلزمه شيء، فلم يكن مولياً، كما لو ترك مجامعتها في المدّة من غير يمين -كذا في «المبسوط»
(5)
-؛ ولأنّ الامتناع عن قربانها في أكثر المدّة بلا مانع، هذا التعليل على تقدير وضع صورة المسألة في شهر واحد، كما حكينا من رواية «المبسوط»
(6)
، فعلى هذا يكون الامتناع في أكثر مدّة الإيلاء، وهو ثلاثة أشهر، بلا يمين يمنعه عن القربان.
فلا يكون مولياً كما أنّه لو لم يقربها أربعة أشهر أو أكثر أو أقلّ بلا يمين لا يقع الطّلاق بمضي أربعة أشهر، أو نقول المراد من أكثر المدّة هو أربعة أشهر، وأربعة أشهر أكثر من المدّة التي حلف عليها، وهي ثلاثة أشهر أو ما هو أقلّ من أربعة أشهر مطلقاً، وفي أربعة أشهر الإيلاء معدوم؛ لأن الكلام فيما إذا كان حلفه في أقلّ من أربعة أشهر، فيصحّ قوله: أنّ الامتناع في أكثر المدة بلا يمين لا يوجب وقوع الطّلاق بالإجماع، فإنّه لو لم يقربها أبدًا بدون الإيلاء لا يقع الطّلاق بمضيّ أربعة أشهر. لفظ الأكثر وقع مقحماً.
(1)
ينظر: المبسوط للسرخسي (7/ 22)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 264).
(2)
ينظر: المبسوط للسرخسي (7/ 22)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 264).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (باب ما قالوا في الرجل يولي دون أربعة أشهر/ 18588)، وقال ابن حجر:"إسناده صحيح". ينظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 74).
(4)
[البقرة: 226].
(5)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (7/ 22).
(6)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (7/ 22).
وبعد ذلك التّقريب ظاهر وبمثله، أي: وبمثل الحلف الذي انعقد على ما دون أربعة أشهر لا يثبت حكم الطّلاق بمضي أربعة أشهر، ولو قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشّهرين، فهو مول، وكذلك لو قال: والله لا أقربك شهرين وشهرين، كان مولياً، أما لو قال: والله لا أقربك شهرين ومكث يومًا أو ساعة، ثم قال: والله لا أقربك شهرين، لم يكن مولياً، وقد صرّح بذكر السّاعة الإمام قاضي خان والإمام المحبوبي
(1)
، والفرق بينهما راجع إلى أن في المسألتين الأوليين يصير مولياً؛ لوجود العلّتين فإحدى العلّتين هي أنّه لم يعد ذكر اسم الله تعالى في المعطوف ولا حرف النفي، فكان المعطوف داخلاً في حكم المعطوف عليه بحرف الجمع، فصار كأنّه جمع بلفظ الجمع، وقال: والله لا أقربك أربعة أشهر، والعلّة الثّانية هي أن السكوت لم يوجد بعد ذكر المعطوف عليه بيوم أو ساعة فلم يكن المجموع منقوصاً عن أربعة أشهر فيكون مولياً.
وأمّا في المسألة الثالثة فلم يوجد إحدى العلّتين، بل انعدمت كلتاهما، فإنّه أعاد ذكر اسم الله تعالى في المعطوف، فكان كلّ واحد من المعطوف والمعطوف عليه يمينًا على حدة، وليس في كل واحد منهما نصاب مدّة الإيلاء.
وكذلك سكت بعد ذكر المعطوف عليه، فكان المجموع أربعة أشهر إلا يومًا وإلا ساعة، والنقصان من أربعة أشهر مانع لانعقاد الإيلاء.
وكذلك لو قال: (والله لا أقربك شهرين ولا شهرين)، حيث لا يصير مولياً؛ لأن عند إعادة حرف النّفي صار الثّاني إيجابًا آخر، وإذا كان كذلك صارا أجلين فتداخلا، ألا ترى أن من قال: والله لا أكلم فلانًا يومين ولا يومين أنّ اليمين ينقضي بيومين؛ لأنّه أعاد كلمة النّفي، فصار الثّاني منفردًا عن الأوّل، فتداخل وقتهما بعد الانفراد؛ لأنّ الوقت الواحد يصلح وقتًا الإيمان كثيرة.
وألا ترى أنّ الرجل يقول: والله لا أكلّم فلانًا شهراً، ولا أدخل هذه الدّار شهراً، ولا آكل هذا الطّعام شهراً، فمضى شهر واحد ينتهي الإيمان كلّها، فكذلك ههنا إذا مضى شهران، فقد مضت مدّة كلّ واحدة من اليمنين، فيمكنه قربان امرأته في مدّة الإيلاء بغير شيء يلزمه، فلا يصير مولياً، بخلاف قوله:(وشهرين)، فإنّه لما لم يفرد مدة الثّانية يبقى على حدة صار الكلّ مدة واحدة.
ألا ترى أن من قال: بعت منك العبد بألف درهم إلى شهر وشهر، أنّه بمنزلة قوله:(إلى شهرين)، وكذلك لو قال: لا أكلمك يومًا ويومين، أنّه بمنزلة قوله: إلى ثلاثة أيّام.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (6/ 206).
بخلاف ما إذا سكت أو أعاد اسم الله تعالى أو حرف النّفي على ما ذكرنا.
ثم في المسألة الثّالثة، وهي ما إذا قال -ثانياً بعد المكث-: والله لا أقربك شهرين بعد الشّهرين، لما لم يكن مولياً لو قربها قبل مضي شهرين يجب عليه كفارتان؛ لتعدّد لفظ اليمين بخلاف الأوليين -كذا في «الجامع الصّغير» لفخر الإسلام وقاضي خان والمحبوبي
(1)
-؛ لأن المستثنى يوم منكر، فلما كان يومًا منكراً، كان ما من يوم يمرّ عليه بعد يمينه إلا ويمكنه أن يجعله اليوم المستثنى، فيقربها فيه من غير أن يلزمه شيء، ثمّ أنّ ذلك اليوم لما كان منكراً لو صرفنا ذلك اليوم إلى آخر السّنة كان معينًا، ولم يبق منكراً فيها، أو تغير كلامه من غير حاجة لا يجوز، وفي الإجارات دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأنّا لو جعلنا اليوم منكراً] فيها لم يصح العقد للجهالة، ولا حاجة هنا؛ لأنّ الجهالة لا تمنع انعقاد اليمين، فلذلك جعلنا اليوم المستثنى منكراً
(2)
كما نكره -كذا في «المبسوط»
(3)
-.
فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا قال لغيره: والله لا أكلمك سنة إلا يومًا، فإنّ اليوم مستثنى وهو نكرة، ومع ذلك ينصرف إلى آخر السنة، وإن كان ذكره في اليمين وكذلك يشكل على هذا -أيضاً- ما لو قال: والله لا أقربك إلا نقصان يوم، أو قال لغيره: في التّأجيل أجلتك سنة إلا يومًا ينصرف اليوم إلى آخر السنة.
قلت: أمّا الأولى فإن الحامل له على ذلك اليمين مغايظة، والمغايظة في الحال قائمة، فلذلك صرف ذلك اليوم المستثنى إلى الآخر.
وأمّا المسألة الثّانية؛ لأنّ لفظ النقصان يصرف اليوم المستثنى إلى آخر يوم من السنّة؛ لأنّ النقصان لا يكون إلا من آخر المدّة، فذلك تنصيص على أنّ المستثنى آخر يوم من السنة.
وأمّا المسألة الثّالثة فإنّما انصرف اليوم المستثنى إلى الآخر؛ لأنّ المقصود من التأجيل التأخير، فلو لم يحمل على آخر السنة لا يحصل المقصود، ثم ينكر اليوم في قوله (لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا)، على خلاف التنكير في قوله: لا يقرب واحدة منهنّ لنسوته الأربع، لما أن شيوع اليوم في ذاك لا على طريق التّعميم، بل على طريق البدليّة، وصلاحيّة كلّ يوم لما استثناه؛ لأنّه نكرة في موضع الإثبات فيخصّ، بخلاف قوله واحدة، فإنّ ذلك على طريق التّعميم والشمول، بيان ذلك أن من كان تحته أربع نسوة فحلف، وقال: لا يقرب واحدة منهن، فهو مول منهنّ، فإن مضت أربعة أشهر بنّ جميعًا -في قول أبي حنيفة وأبي يوسف-، لما أنّه ذكر الواحدة منكرة في موضع النّفي؛ لأنّ القربان منفي والنكرة نعم.
(1)
يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 264)، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (4/ 69)، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 444).
(2)
سقط من (ب).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (7/ 26).
بخلاف النكرة في الإثبات، لما عرف من الفرق بين قوله: رأيت اليوم رجلاً، وبين قوله: ما رأيت اليوم رجلاً، لما أنّ معنى التنكير في محلّ النّفي لا يتحقق، إلا بالتّعميم ففيما ينبني على نفي القربان، وهو نوع الطّلاق عند مضي المدّة بنّ، ولهن جميعًا كلامه، وفيما يبنى على وجود القربان، وهو الكفارة يتناول كلامه إحداهن؛ فلهذا إذا قرب واحدة منهنّ لزمته الكفارة، وسقط الإيلاء عنهن؛ لأنّ اليمين لم يبق بعد تمام شرط الحنث.
وهذا بخلاف قوله: أحديكنّ، حيث يصير مولياً من واحدة منهنّ في حقّ الطلاق والكفارة جميعًا، حتّى إذا تركهن، ولم يجامعهنّ أربعة أشهر بانت منهنّ واحدة لا بعينها، فإنّ معنى التعميم هناك لا يتحقق.
ألا ترى أنّه لو قَرَن بكلامه حرف كلّ بأن قال: كل أحديكن لا يتناولهنّ جميعًا، ولو قال: كل واحدة منكنّ يتناولهنّ جميعًا، فكذلك بسبب التنكير في موضع النّفي -كذا في «المبسوط» -
(1)
، (لم يكن مولياً) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْكُوفَةِ.
فإن قلت: يشكل على هذا الأصل ما إذا حلف على أربعة نسوة لا يقربهنّ، فهو مول منهنّ إن تركهنّ جميعًا أربعة أشهر بن بالإيلاء عندناخلافاً لزفر مع أنَّ له أنْ يطأ كلّ واحدة منهنّ إلى أن يأتي الثّلاث منهنّ من غير شيء يلزمه، لما أن الحنث لا يتعلّق بأجزاء المحلوف قبل أن يأتي بالكلّ، كما لو حلف لا يدخل هذه إلا دور الأربع، له أن يدخل كلّ واحدة منها من غير حنث، ما لم يدخل الكلّ، ثم في مسألة الحلف على أربع نسوة بنفي القربان مول في الحال في حقّ كل واحدة منهنّ، علم أنّ إمكان القربان من غير شيء يلزمه لا يمنع صحّة الإيلاء.
قلت: بل يمنع، وإنّما صار مولياً في تلك المسألة، مع إمكان القربان على ما ذكرت؛ لأنّ الحالف مضار متعنت في حقّ كلّ واحدة منهنّ يمنع حقّها في الجماع، فيكون مولياً من كلّ واحدة منهنّ، كما لو عقد يمينه على كلّ واحدة منهنّ على الانفراد، إلا أنّه لا يلزمه الكفارة بقربان بعضهنّ؛ لأنّ الكفّارة موجب الحنث فلا يجب ما لم يتم شرط الحنث، ولكن عند تمام الشّرط لا يكون وجوب الكفّارة بقربان الآخرة فقط بل بقربانهنّ جميعًا.
فأمّا وقوع الطّلاق في الإيلاء فباعتبار البرّ، وذلك يتحقق في كلّ واحد منهنّ، فلهذا بنّ بمضي المدّة -كذا في «المبسوط»
(2)
-.
(1)
ينظر: المبسوط للسرخسي (7/ 28).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (7/ 27).
(وَلَوْ حَلَفَ بِحَجٍّ) بأن قال: قربتك فعلي حجّة البيع، موهوم فَلَا يَمْنَعُ الْمَانِعِيَّةَ فِيهِ، أي: في الإيلاء؛ ولأن البيع لا يتمّ به وحده، وربما لا يجد في المدّة مشترياً يشتريه منه، ولكن إن باع العبد سقط الإيلاء عنه؛ لأنّه صار بحال يملك قربانها من غير أن يلزمه شيء، فإن اشتراه لزمه الإيلاء من وقت الشّراء؛ لأنّه صار بحال لا يملك قربانها إلا بعتق يلزمه.
ولو كان جامعها بعدما باعه ثمّ اشتراه لم يكن مولياً؛ لأنّ اليمين قد سقطت بوجود شرط الحنث بعد بيع العبد، وإن مات العبد قبل أن يبيعه سقط الإيلاء؛ لأنّه يتمكّن من قربانها بعد موت العبد من غير أن يلزمه شيء -كذا في «المبسوط»
(1)
-، وإن آلى من المطلّقة الرجعيّة كان مولياً.
فإن قلت: تحقق الإيلاء لجزاء الظّلم الذي وجد من الزّوج يمنع حقها، فلذلك لم يثبت في حقّ الأمة، وثبت في حق المنكوحة، لما أنّ للمنكوحة ولاية المطالبة ديانة دون الأمة على ما مرّ، ثم المطلّقة الرجعيّة لا حق لها أصلاً في الجماع، لا قضاء ولا ديانة، ولهذا لم يكن لها ولاية المطالبة بذلك، حتّى أنّ المستحب للزّوج أن يراجعها بدون الجماع؛ لما مرّ فلم يكن الزّوج مانعًا حقّها، فلا يكون ظالمًا فينبغي أن لا يترتب عليه جزاء الظلم الذي هو تحقّق الإيلاء.
قلت: قال الإمام العلامة مولانا شمس الأئمة الكردري
(2)
-في جواب هذه الشبهة-: أن الحكم في المنصوص مضاف إلى النّص لا إلى المعنى، والمطلّقة الرجعيّة من نسائنا بالنص، وهو قوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
(3)
.
والبعل هو الزّوج، فكانت المرأة من نسائه، فكان الحكم المرتّب على نساء الأزواج، بقوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}
(4)
مرتباً على المطلقة الرجعة.
ولو قال لأجنبيّة: والله لا أقربك، ثمّ تزوّجها لم يكن مولياً، هذا إذا لم يثبت الإيلاء في ضمن التّعليق بالملك.
وأمّا إذا ثبت فيصحّ بأن قال لأجنبيّة: إنّ تزوّجتك فوالله لا أقربك، فتزوّجها، كان مولياً؛ لأنّه علّق الإيلاء بالتزوّج، والمعلّق بالشّرط عند وجود الشّرط كالمتّخذ لانعدام المحليّة؛ لأنّ المحلّ كون المرأة من نسائنا، فصار كبيع الحرّ، فصار باطلاً إذْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّهِ، أي: في حق الحنث؛ لأنّ اليمين تعمد تصوّر المحلوف عليه من الفعل حسًا ولا يعتمد حلّ ذلك الفعل وحرمته، بدليل أنّه ينعقد على ما هو حرام محض، بأن قال: والله لأشربنّ في هذا اليوم خمراً فمضى اليوم ولم يشرب حنث.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (7/ 35).
(2)
شَمْس الأَئِمَّة أَبُو الوحدَةِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الستَار الكردري، تفقه على برهان الدين، أبي الحسن، وتفقه عليه محمد بن محمود الكردري، توفي سنة اثنتين وأربعين وستمائة. ينظر: سير أعلام النبلاء (21/ 173)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: 267).
(3)
[البقرة: 228].
(4)
[البقرة: 226].
وفي «المبسوط» ذكر مسألة، ثم قال: ولهذا يتبيّن أن أحد الحكمين غير معتبر بالآخر أراد بالحكمين الطّلاق بمضي مدّة الإيلاء والكفّارة بوجود الحنث، ألا ترى أنّه إذا قال: إذا جاء غد فوالله لا أقربك، ثم قال: ثانياً وثالثاً فجاء الغد، ينعقد ثلاث أيمان في حكم الكفّارة ومدة واحدة في حكم الطّلاق، فإنّ عند مضي أربعة أشهر يقع تطليقة باينة لا غير، كما لو لم تكرّروعلى عكس هذا، لو قال: كلّما دخلت الدّار فوالله لا أقربك، فدخل الدّار ثلاث مرّات في ثلاث أيّام، ينعقد ثلاث إيلاءات في حكم الطّلاقولو قربها يلزمه كفارة واحدة
(1)
.
ولو قال: والله لا أقربك إذا جاء غد، والله لا أقربك إذا جاء بعد غد، يصير مولياً عند الغد وبعد الغد -أيضاً- بإيلاء آخر، وهما يمينان في حق الكفارة بتعدّد اللّفظين وإيلاآن في حقّ البر بتعدّد المدّتين ومدّة إيلاء الأمة شهران.
وقال الشّافعي
(2)
رحمه الله: مدّتها كمدة إيلاء الحرّة، وهذا يبتنى على الأصل الذي ذكرنا، أن عند الخصم
(3)
المدّة ضربت لإظهار الظّلم بمنع الحق في الجماع، والحرّة والأمة في ذلك سواء، وعندما شرعت أجلاً للبينونة، فشابهت مدّة العدّة فينتصف بالرق؛ لأنّه من حقوق النكاح -كذا في «الإيضاح»
(4)
- وإنكان المولي مريضاً إلى آخره.
فإن قيل: ينبغي أن لا يصحّ إيلاء المريض؛ لأنّ الحكم بوقوع الطّلاق عند انقضاء أربعة أشهر للحاجة إلى دفع الظلم منها؛ لأن الوقاع حق مستحق لها، وهو بالامتناع يصير ظالمًا ولا حق لها في الوقاع في حالة المرض، فلا يكون وهو ظالمًا بالامتناع بقوله: والله لا أقربك.
قلنا: النصّ يقتضي صحّة الإيلاء من النساء مطلق غير مقيّد بوصف الصحّة، وفيما ذكر من التّعليل إبطال حكم النصّ والتّعليل بوجه يبطل حكم النصّ باطل؛ لأنّ الحكم في موضع النصّ ثابت بالنصّ لا بالعلّة -كذا ذكر شمس الأئمة السّرخسي في أوّل كتاب البيوع-؛ ولأنّ المرض قد يطول وقد يقصر فكان هو ظالمًا على تقدير أن يقصر مرضه من أربعة أشهر -إلى هذا أشار في «الفوائد الظهيرية»
(5)
-.
(1)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (7/ 32).
(2)
يُنْظَر: الأم للشافعي (5/ 291).
(3)
المراد هنا الشافعي رحمة الله. انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 266).
(4)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 266)، والعناية شرح الهداية (4/ 205).
(5)
ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 267).
وإن كان المولي مريضاً، إلى أن قال: ففيؤه أن يقول بلسانه فئت إليها هذا إذا كان المولي مريضاً حين آلى، وتمّت أربعة أشهر وهو مريض، وكذلك إن اتّصل مرضه بالإيلاء معًا.
وأمّا إذا كان صحيحًا بعد إيلائه مقدار ما يستطيع فيه أن يجامعها، ثم مرض بعد ذلك لم يكن فيه إلا بالجماع.
وقال زفر رحمه الله
(1)
: ففئة باللّسان لتحقّق عجزه عن الجماع، والمعتبر عندنا آخر المدّة، كما لو كان واجدًا الماء في أوّل الوقت فلم يتوضأ حتى عدم الماء، جاز له أن يصلّي بالتيمم، ولكنّا نقول لما تمكّن من جماعها فقد تحقّق منه الإضرار والتعنّت بمنع حقّها في الجماع، فلا يكون رجوعه إلا بإيقاع حقّها في الجماع، فأمّا إذا كان مريضاً حتّى آلت، ثم صحّ قبل تمام أربعة أشهر لم يكن فيؤهإلا بالجماع، ويستوي إن كان فاء إليها في مرضه أو لم يف؛ لأنّه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل، فإنّ تمام المقصود بمضي المدّة.
لأنّه لو كان لو كان فاء لكان حنثاً؛ لأنّ المتعلّق بالفيء حكمان، وجوب الكفّارة وامتناع حكم الفرقة، ثمّ الفيء باللّسان لا يعتبر في أحد الحكمين هو الكفارة، فكذلك في حكم الآخر.
ولكنّا نقول الكفّارة تجب بالحنث، والحنث لا يتحقّق بالفيء باللّسان، فأمّا وقوع الطّلاق عند مضي المدّة فباعتبار معنى الإضرار والتعنّت، وذلك ينعدم بالفيء باللّسان عند العجز عن الفيء بالجماع، فكان الفيء بالجماع أصلاً باللّسان بدلاً منه؛ لأنّ الفيء عبارة عن الرّجوع، وإذا كان قادراً على الجماع، فإنّما قصد الإضرار بمنع حقها في الجماع، ففيؤه بالرجوع عن ذلك بأن يجامعها.
وإن كان عاجزًا عن الجماع، فلم يكن قصده الإضرار بمنع حقها في الجماع فإنّه لا حق لها في الجماع في هذه الحالة، وإنّما قصده الإضرار بإيحاشها بلسانه ففيؤه بالرّجوع عن ذلك، بأن يرضيها بلسانه؛ لأن التوبة بحسب الجناية، ومذهبنا مرويّ عن عليّ وابن مسعود رضي الله عنهما
(2)
-كذا في «المبسوط»
(3)
-، وإذا قال لامرأته: أنت عليّ حرام إلى آخره، والألفاظ التي يقع بها الإيلاء ضربان
(4)
: صريح وكناية، فالصّريح نحو قوله: لا أقربك، لا أجامعك، لا أطؤك، لا أباضعك، لا أغتسلنّ منك من جنابة.
(1)
ينظر: عيون المسائل للسمرقندي الحنفي (ص: 117).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (7/ 28)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 266).
(3)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (7/ 28).
(4)
سقط من (ب).
أمّا الكناية: فقوله: لا أمسّك، لا آتيك، لا أدخل بك، لا اغتسال، لا يجمع رأسي ورأسها شيء، أو لا يضاجعها، أو لا يقرب فراشها، فما لم ينو لا يكون إيلاء -كذا في «الفتاوى الظهيريّة»
(1)
-.
وإن آلى من امرأته، ثم قال لامرأة له أخرى: قد أغشاك في إيلاء هذه كان باطلاً؛ لأنّ الإشراك يغيّر حكم يمينه، فإنّه قبل الإشراك كان يحنث بقربان الأولى، وبعد الإشراك لا يحنث بقربان الأولى ما لم يقربها، كما لو قال: والله لا أقربكما، وهو لا يملك تغيير حكم اليمين مع بقائها، وبه فارق الظّهار؛ لأنّ إشراك الثّانية لا يغير حكم الظّهار في الأولى، هذا فيما إذا لم يقل للأولى بلفظ قوله:(أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ).
أمّا لو قال لامرأته أنت عليّ حرام، ثم قال لامرأة أخرى له: أشركتك معها، كان مولياً؛ لأنّ الإشراك منهما لا يغير موجب اليمين، فإنّه لو قال لهما: أنتما عليّ حرام، يصير مولياً من كلّ واحدة منهما، ويلزمه الكفّارة بوطء كلّ واحدة منهما، بخلاف قوله: والله لا أقربكما.
والفقه فيه أنّ قوله: والله لا أقربكما، إنّما صار يمينًا موجباً للكفّارة، باعتبار هتك حرمة اسم الله تعالى بمباشرة الشّرط، وذلك لا يتحقق إلا بقربانها.
أمّا قوله: أنتما عليّ حرام، إنّما صار إيلاءً باعتبار معنى التّحريم، وذلك موجود في حقّ كلّ واحدة منهما على حدة -كذا في «المبسوط»
(2)
، و «المحيط»
(3)
، و «الذّخيرة»
(4)
-؛ لأنه نوى حقيقة كلامه؛ لأنّ امرأته حلال له.
وقوله: أنت عليّ حرام كذب، وإرادة الكذب [من الكلام الكذب] حقيقة له.
وذكر في «المحيط»
(5)
: وإن قال: نويت به الْكَذِبَ، فَهُوَ كَذِبٌ لَا حُكْمَ لَهُ، ويصدقه القاضي؛ لأنّه فسّر لفظه بما يقتضيه ظاهره، وهو نظير ما لو قال لامرأته: أنت حرة، وقال: أردت نعتها بالحريّة لا الطلاق، يدين في القضاء -هكذا ذكر شمس الأئمة الحلواني-، وقال شمس الأئمة السّرخسي رحمه الله: قالوا لا يصدق في القضاء
(6)
؛ لأنّه يمين ظاهرٌ؛ لأنّه تحرم الحلال، وتحريم الحلال يمين، لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}
(7)
إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}
(8)
، سمى الله تعالى تحريم الحلال يمينًا، وَهُوَ الرُّكْنُ فِيهِ، أي: التّشبيه ركن في الطّهارة.
(1)
ينظر: الاختيار لتعليل المختار (3/ 152)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 262).
(2)
يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (7/ 33).
(3)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 443).
(4)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 443).
(5)
ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 226).
(6)
ينظر: المبسوط للسرخسي (6/ 71)، والمحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 226).
(7)
[التحريم: 1].
(8)
[التحريم: 2].