المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الرسالة الثامنة والثلاثون بحث في قصة بني هشام بن المغيرة واستئذانهم النبي - بحث في قصة بني هشام بن المغيرة واستئذانهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزوجوا عليا رضي الله عنه - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ١٨

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

الرسالة الثامنة والثلاثون

بحث

في قصة بني هشام بن المغيرة واستئذانهم النبي صلى الله عليه وسلم

أن يزوِّجوا عليًّا رضي الله عنه

ص: 565

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

أما بعد، فهذا بحث فيما جاء من قصة بني هشام بن المغيرة واستئذانهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يزوِّجوا عليًّا عليه السلام.

فاعلم أن الحديث ثبت في "الصحيحين"

(1)

من رواية علي بن الحسين بن علي عليهم السلام عن المسور بن مخرمة، ومن رواية ابن أبي مليكة عن المسور أيضًا. وأخرج الإمام أحمد في "المسند"(4/ 323)

(2)

والحاكم في "المستدرك"(3/ 154) طرفًا من الحديث من طريق عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي عليه السلام عن المسور. وقال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي.

وفي "المسند"(4/ 332)

(3)

و"المستدرك"(3/ 154) طرفٌ منه أيضًا من طريق جعفر بن محمد عن ابن أبي رافع عن المسور.

(1)

البخاري (3729) ومسلم (2449/ 96).

(2)

رقم (18907).

(3)

رقم (18930).

ص: 567

وأخرجه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 5)

(1)

: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال أنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير أن عليًّا ذكر ابنة أبي جهل، فبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:"إنها فاطمة بَضْعة مني، يُؤذيني ما آذاها ويُنصِبني ما أنصبَها".

وأخرج الترمذي

(2)

الحديث من حديث المسور، ثم أخرجه من حديث ابن الزبير، رواه عن أحمد بن منيع عن إسماعيل بن عُلية ــ وهو شيخ الإمام أحمد ــ فذكره، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، هكذا قال أيوب:"عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير"، وقال غير واحد:"عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة". ويحتمل أن يكون ابن أبي مليكة روى عنهما جميعًا.

وذكر الحافظ في "الفتح"

(3)

أنه رواه عن ابن أبي مليكة عن المسور: عمرو بن دينار والليث بن سعد وغيرهما، ورواه أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير. وقال الحافظ في النكاح

(4)

: "والذي يظهر ترجيح رواية الليث

". وقال في المناقب

(5)

: "رجح الدارقطني وغيره طريق المسور

نعم يحتمل أن يكون ابن الزبير سمع هذه القطعة فقط، أو سمعها من المسور فأرسلها".

(1)

في الأصل: (5/ 232). والتصويب بالرجوع إلى "المسند". وهو فيه برقم (16123).

(2)

رقم (3869).

(3)

(7/ 105).

(4)

"الفتح"(9/ 327).

(5)

(7/ 105).

ص: 568

أقول: الجاري على الأصول وفي النظر صحة الطريقين، فإن ابن أبي مليكة ثقة جليل، لم يُغمَزْ بما يدل على وهن ما في حفظه وضبطه. وأيوب جبل من الجبال. سأله شعبة عن حديث فقال: أشكُّ فيه، فقال له: شكُّك أحبُّ إليَّ من يقين غيرك

(1)

.

وإسماعيل بن عُلية كذلك، قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة. وقال زياد بن أيوب: كان يقال: ابن عُلية يعدُّ الحروف. وقال أبو داود: ما أحدٌ من المحدثين إلَّا قد أخطأ إلا إسماعيل بن عُلية وبشر بن المفضل

(2)

.

ويؤيد صحةَ الطريقين أن حديث ابن الزبير مختصر، ولفظه غير لفظ حديث مخرمة.

وأخرج الحاكم في "المستدرك"(3/ 159) القصة بسند صحيح "عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة رجلٍ من أهل مكة أن عليًّا

". قال الذهبي: مرسل.

وأخرجه أيضًا (3/ 158) بسند صحيح "عن الشعبي عن سُويد بن غَفلة قال: خطب عليٌّ

". قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال الذهبي: مرسل قوي.

وسويد أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه صلَّى وراءه مرارًا. ولكن قال المزي وغيره: لم يصحّ ذلك

(3)

.

(1)

انظر "تهذيب التهذيب"(1/ 398).

(2)

المصدر السابق (1/ 276).

(3)

انظر "تهذيب التهذيب"(4/ 278).

ص: 569

وفي "روح المعاني"(5/ 308)

(1)

أن الزبير بن بكار أخرج في "الموفقيات" عن ابن عباس قال: قال لي عمر رضي الله عنه، فذكر إشارة عمر إلى القصة وموافقة ابن عباس عليها.

وأخرج الطبراني في "المعجم الصغير"(ص 166)

(2)

من طريق عبيد الله بن تمام عن خالد الحذّاء عن عكرمة عن ابن عباس، فذكر القصة.

وعبيد الله بن تمام ضعيف. وفي ترجمته من "لسان الميزان"

(3)

الإشارة إلى هذه الرواية.

وههنا مباحث

(4)

:

الأول: أنهم ذكروا أن المسور وُلِد بعد الهجرة بسنتين، وقُدِم به المدينة في ذي الحجة سنة ثمانٍ وهو غلام أيْفعُ ابن ست سنين، حكاه في "الإصابة"

(5)

عن يحيى بن بكير، وفي "التهذيب"

(6)

عن عمرو بن علي

(1)

(16/ 270) ط. المنيرية. وانظر "الدر المنثور"(10/ 248).

(2)

(2/ 16) ط. المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.

(3)

(5/ 320).

(4)

كتب المؤلف في آخر الصفحة: "الأول: الطعن في المسور وابن الزبير، الثاني: صغر سنهما، الثالث: التفرد، الرابع: استبعاد ذلك، لما عُرِف من فضل علي وإجلاله للنبي (ص) وإكرامه لفاطمة، وبغضه لأبي جهل وحزبه". والموجود منها المبحث الثاني فقط، ويُنظر للبقية "فتح الباري"(7/ 85، 105، 9/ 327 - 329).

(5)

(10/ 177). وانظر "معجم الصحابة" للبغوي (5/ 354) و"المعجم الكبير" للطبراني (20/ 6).

(6)

"تهذيب التهذيب"(10/ 151).

ص: 570

وهو الفلاس. وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"

(1)

: "

المؤرخين لم يختلفوا أن مولده كان بعد الهجرة، وقصة خطبة علي كانت بعد مولد المسور بنحوٍ من ست سنين أو سبع سنين". ومن كان في هذا السن فالغالب أنه لا يضبط.

والجواب أولًا: أن ما ادَّعَوا إطباقَ المؤرخين عليه لم نجد نقلَه بطريق صحيح متصل بالمسور نفسه، أو بمن يعرف شأنه من معاصريه. ويحيى بن بكير وعمرو بن علي بين مولدهما وبين وفاة المسور نحو مئة سنة، ولم يبيِّنا مستندهما. وقد عُرِف تسامحُ المؤرخين وتهاونُ السلف في ضبط الولادة، وحسبك أن المؤرخين لم يضبطوا مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا تاريخ وفاته على التحقيق، بل قال أكثرهم 12 ربيع الأول، وتبيَّن أنه خطأ.

هذا، وقد ثبت في "الصحيحين"

(2)

و"مسند أحمد"

(3)

عنه في هذه القصة نفسها عن المسور قال: "فسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا، وأنا يومئذٍ محتلم".

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 326)

(4)

عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن المسور. ومن طريق الإمام أحمد

(1)

(10/ 151).

(2)

البخاري (3110) ومسلم (2449/ 95).

(3)

رقم (18913).

(4)

رقم (18913).

ص: 571

أخرجه مسلم في "صحيحه"

(1)

، وكذلك أخرجه البخاري في "صحيحه"

(2)

عن سعيد بن محمد الجرمي عن يعقوب. ووقع عند بعض رواة البخاري "وأنا يومئذٍ المحتلم"

(3)

. أخرج البخاري

(4)

الحديث ــ وفيه الكلمة المذكورة ــ في أبواب فرض الخمس عقب كتاب الجهاد: باب ما ذكر من دِرْع النبي صلى الله عليه وسلم.

ونقل الحافظ في "الفتح"

(5)

عن ابن سيد الناس أنه خطأ، لِما حكاه المؤرخون في عمر المِسور، وأن الصواب "كالمحتلم"، وأنه كذلك وقع في "مستخرج" الإسماعيلي من طريق يحيى بن معين عن يعقوب.

أقول: حكاية المؤرخين قد تقدم حالُها. ورواية الإمام أحمد بالمتابعة وتخريج صاحبي "الصحيح" أرجح، وعلى فرض أن الصواب "كالمحتلم" فهذا لا يقال لابن سبع أو نحوها، بل يكون فوق العشر. فالرد على المؤرخين بحاله. ولعل المسور وُلِد قبل الهجرة بسنتين"، فأخطأ سلف المؤرخين فقال: "بعد الهجرة بسنتين"، وتبعه غيره.

وتخريج الإمام أحمد الحديث في "مسنده" والشيخين في "صحيحيهما" بدون إنكار لهذه الكلمة "وأنا محتلم" يدلُّ دلالةً ظاهرةً على أن ما حكاه المؤرخون لا يُعرف له أساس ثابت. ويؤيِّد ذلك إضراب البخاري في

(1)

رقم (2449/ 95).

(2)

رقم (3110).

(3)

انظر "الفتح"(9/ 327).

(4)

رقم (3110).

(5)

(9/ 327).

ص: 572

"تواريخه" عن حكاية كلامهم في ذلك.

وفيما ذكرناه ما يُغني عن بيان أن ابن السبع أو الثمان قد يضبط كما هو معروف في الصحابة وغيرهم.

وأما قول ابن حجر

(1)

إن القصة كانت بعد مولد المسور بست سنين أو سبع سنين، فبيانه أن القصة كانت بعد فتح مكة يقينًا؛ لأن آل أبي جهل إنما أسلموا يوم الفتح، فهي بين مرجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وبين وفاته، وكان مرجعه إلى المدينة في أواخر سنة ثمان.

والذي يتجه أن تكون القصة تأخرت، فإنه يبعد أن يكون عقبَ إسلام القوم، وعليه فإنها تكون قُربَ وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والمسور ــ لو صحَّ كلام المؤرخين ــ ابن ثمان سنين أو فوقها، إذا جوَّزنا أن يكون وُلِد بعد سنة الهجرة بسنة وشيء، فقالوا "بسنتين" بجبر الكسر كما هو معروف من عادتهم. وفي "الفتح"

(2)

في كتاب النكاح في باب ذبّ الرجل عن ابنته ما يلاقي هذا. والله الموفق.

(1)

في "تهذيب التهذيب"(10/ 151).

(2)

(9/ 327).

ص: 573