الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وبِهِ تَوْفِيقِي
أحمدُ بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عُبَيْد الله بن يَزِيد بن المُنَادِيّ، أبو الحُسَين البَغْدَاديّ
(1)
حَدَّثَ عن جَدِّهِ مُحَمَّد، وأبي دَاوُد سُليْمان بن الأشْعَث، وزَكرِيَّاء بن
يَحْيَي المَرْوَزيّ، وأبي البَخْتَرِيّ عبد الله بن مُحَمَّد بن شَاكِر، والعبَّاس بن مُحَمَّد
الدُّوْرِيّ، ومُحَمَّد بن أبي مُوسَى الزُّرْقِيّ، وحَامِد بن مُحَمَّد بن شُعَيْب البَلْخِيّ،
وأبي العبَّاس عِيسَى بن مُحَمَّد بن عِيسَى المَرْوَزيّ، وعبد الله بن أحْمَد بن
حَنْبَل، وكَثِيْر بن شِهَاب القَزْوينيّ، وأبي بَكْر عُمَر بن إبْراهيم، والحسن بن
المُتَوَكِّل، والحَسَن بن العبَّاس الرَّازِيّ، والعبَّاس بن الفَضْل بن رُشَيْد
الطَّبِرسْتانِيّ، وأبي الأحْوَص مُحَمَّد بن الهَيْثَم، وأبي بَكْر أحْمَد بن أبي العَوَّام
الرِّياحِيّ، وإبْراهيم بن عُمَر بن دَنُوقَا، ومُحَمَّد بن عَبْد المَلِك الدَّقِيْقِىِّ، وأبي
يُوسُف القُلُوسِيّ، وعِيسَى بن جَعْفَر الوَرَّاق، ومُحَمَّد بن إسْحاق الصَّغانِيّ،
(1)
توفي سنة 336 هـ، ترجمته في: الفهرست للنديم 1/ 1: 99، طبقات الفقهاء للشيرازي 173، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 5: 110 - 112، ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة 2: 3 - 6، ابن الجوزي: المنتظم 14: 65 - 66، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 17: 263، تاريخ الإسلام 7: 698، تذكرة الحفاظ 3: 849 - 850، طبقات القراء 1: 355 - 356، والعبر في خبر من غبر 2: 51، معرفة القراء الكبار 2: 563 - 564، سير أعلام النبلاء 15: 361 - 363، الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي 142، الوافي بالوفيات 6: 290، 30: 74،: ومرآة الجنان لليافعي 2: 244، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 219، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 44، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3: 295 - 296، وبغية الوعاة للسيوطي 1: 300 - 301 وفيه: صبيح بدل يزيد، وطبقات المفسرين للداودي 1: 34 - 35، وشذرات الذهب 4: 197، كحالة: معجم المؤلفين 1: 183، الزركلي: الأعلام 1: 107.
وأبي سُليْمان عبد الله بن جَرِبر الجَوَالِيْقِيّ (a)، وعَبْد العَزِيْز بن مُحَمَّد بن دِيْنار، وهارُون بن عليّ بن الحَكَم المُزَوِّق، وعليّ بن دَاوُد، والقَاسِم بن زَكرِيَّاء، وسَعْدَان بن نَصر، وغيرهم.
رَوَى عنهُ أبو الحَسَن بن الصَّلْت، وأبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، ومُحَمَّد بن فارس الغُورِيّ، وأبو [. . . . .](b) .
وقَدِمَ طَرَسُوس، ثمّ عاد منها إلى بَغْدَاد سَنَة سَبْعٍ وثَلاثِمائة.
وله مُصَنَّفاتٌ كَثِيرةٌ
(1)
؛ وَقفتُ منها على كتاب الحافِظ لمَعَارِف حَرَكَات الشَّمْس والقَمَر والنُّجُومِ، وأوْصَاف الأفْلَاك والأقَاليْم، وأسْماء بُلْدانها
(2)
، وعلى كتابٍ في المَلَاحِم وسَمَهُ بكتابِ مَلَاحِم عَابري الأيَّام المُقْتَصّ على محُدِّثي الأعْوَام
(3)
، وعلى كتابٍ له في الوَفَيَات، وكتابٍ في خَطِّ المُصْحَف، وعلى كتاب وَازع المتُنازعين في معنى كَلَّا عن التَّهاتُر لِمَا من غَوامضها جَلَّا، ومن مُصنَّفاته كتاب أفْوَاج القُرَّاء
(4)
.
(a) ذكره ابن المنادي في كتاب الملاحم 76: الجوالقي.
(b) ترك المؤلف بياضًا قدر أزيد من نصف سطر، ولم نجد فيمن يروي عنه زيادة على المذكورين أعلاه، وعند الخطيب البغدادي 5: 111: روى عنه المتقدمون كأبي عمر بن حيويه ونحوه.
_________
(1)
قدَّر النديم عددها بمائة ونيف وعشرون كتابًا في علوم متفرقة، أغلبها في علوم القرآن. الفهرست 1/ 1:99.
(2)
نقل عنه ابن العديم في مواضع عديدة في الجزء الأول من هذا الكتاب.
(3)
نُشر الكتاب تحت عنوان، "كتاب الملاحم"، على نسخته الوحيدة المحفوظة في خزانة آية الله العظمى البروجردي بإيران (رقم 1917)، وهي نسخة متأخرة النسخ (وقع الفراغ من نسخها سنة 1270 هـ)، وصدرت بتحقيق عبد الكريم العقيلي، دار المسيرة، قم، 1418 هـ. ق، الموافق 1997 م. وتقدم في المجلد الأول الإحالة على هذا الكتاب في أكثر مرويات الملاحم التي اتصل سند ابن المنادي بها. وورد في مقدمة محقق كتاب الملاحم ص 9 أن عنوانه عند ابن طاووس (كتاب الطرائف): المقتضّ على محدثي الأعوام لنبأ ملاحم غابر الأيام، ولم يذكره النديم من بين مؤلفات ابن المنادي.
(4)
ذكر هذا الكتاب الخطيب البغدادي والصفدي، انظر: تاريخ بغداد 6: 187 الوافي بالوفيات 1: 53، وترك ابن العديم بعده بياضًا قدره ثلث الصفحة.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الصّمَد بن مُحَمَّد القَاضي، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن مَنْصُور بن قُبَيْس، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيب، قال
(1)
: أحْمَد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عُبيد الله بن يَزِيد أبو الحُسَين المَعْرُوفُ بابنِ المنُادِيّ، سَمِعَ جَدَّهُ مُحَمَّد بن عُبيد الله، ومُحَمَّد بن إسْحاق الصَّغَانِيّ، والعبَّاس بن مُحَمَّد الدُّوْرِيّ، وزَكرِيَّاء بن يَحْيَى المَرْوَزيّ، ومُحَمَّد بن عَبْدِ المَلِك الدَّقِيْقِيّ، وأبا البَخْتَرِيّ عبْد الله بن مُحَمَّد بن شَاكِر العَنْبَرِيّ، وأبا دَاوُد السِّجِسْتَانِيّ، وعِيسَى بن جَعْفَر الوَرَّاق، وأبا يُوسُف القُلُوسيِّ، وخَلْقًا كَثِيرًا نحوَهُم.
وكانَ ثِقَةً، أمِيْنًا، ثَبْتًا، صَدُوقًا، وَرِعًا، حُجَّةً فيما يرويه، مُحَصِّلًا لِمَا يَحْكِيْهِ (a)، صنَّفَ كُتُبًا كَثِيْرة، وجَمَعَ عُلُومًا جَمَّةً، ولم يسمَع النَّاسُ من مُصنَّفاته إلَّا أقلَّها.
ورَوَى عنهُ المُتَقدِّمونَ كأبي عُمَر بن حَيَّوْيَه ونحوه، وآخر مَنْ حَدَّثَ عنهُ مُحَمَّد بن فَارِس الغُورِيّ.
أنْبَأنَا أبو اليُمن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز (b)، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الحافِظ
(2)
، قال: حَدَّثَني أبو الفَضْل عُبَيْد الله بن أحْمَد بن عليّ الصَّيْرَفِيّ، قال: كان أبو الحُسَين بن المُنَادِيّ صُلْبَ الدِّين، خَشِنا، شَرِسَ الأخْلَاق (c)، فلذلك لم تَنْتَشر الرِّوَايَةُ عنْهُ.
قال
(3)
: وقال لي أبو الحَسَن بن الصَّلْت: كُنَّا نمضي مع ابن قَاجٍ الوَرَّاق إلى ابن المُنَادِيّ لنَسْمَع منه، فإذا وقفنَا ببابهِ خرجَت إلينا جَارِيَةٌ له وقالت: كم أنتُم؟ فنُخْبرها بعدَدنا، ويُؤْذَن لنا في الدُّخُول، ويُحَدِّثنا، فحضَرَ مَعَنا مرَّةً إنْسَانٌ عَلَويٌّ
(a) تاريخ بغداد: لما يمليه.
(b) الأصل بالراء المهمله القزَّار، وصوابه بالمعجمة؛ محدث مشهور.
(c) في تاريخ بغداد: صلب الدين، حسن الطريقة، شرس الأخلاق، وفي نسخة منه ما يوافق المثبت.
_________
(1)
تاريخ بغداد 5: 110.
(2)
تاريخ بغداد 5: 111.
(3)
تاريخ بغداد 5: 111.
وغُلَامٌ له، فلمَّا (a) اسْتَأْذنا قالت الجارِيَةُ: كم أنْتُم؟ فقُلنا: نحن ثلاثة عَشر، وما كُنَّا حَسَبنا العَلَويّ ولا غُلَامَهُ في العَدَدِ، فدَخلنا عليه، فلمَّا رآنا خَمْسَة عَشر نفسًا قال لنا: انْصَرفُوا اليَوْم فلسْتُ أُحَدِّثكم، فانْصَرَفْنا، وَظَننا أنَّهُ عرضَ له شُغْل، ثمّ عُدْنا إليه مَجْلسًا ثانيًا، فَصَرَفنا ولم يُحَدِّثنا، فسألناهُ بعدُ عن السَّبَب الّذي أوْجَبَ ترك الحَديث (b) لنا؟ فقال: كُنْتُم تَذْكرونَ عدَدَكم في كُلِّ مرَّةٍ للجارِيَةِ وتَصْدُقونَ، ثمّ كذبتُم في المرَّة الآخرة، ومنْ كَذَبَ في هذا المِقْدَار لم يُؤمَن أنْ يَكْذب فيما هو أكْثَر (c) منه! قال: فاعْتذَرنا إليه، وقُلنا: نحن نتَحفَّظُ فيما بَعْدُ، فحدَّثنا، أو كما قال.
أنْبأنَا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمّد الأنْصَاريّ، قال: أْخبَرَنا عليّ بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ
(1)
، قال: حَدَّثني عَبْدُ العَزِيْزِ بن عليّ الوَرَّاق قال: وُلِدَ أبو الحُسَين بن المنُادِىِّ لثمانِ عشرة ليلَةٍ خَلَتْ من شَهْر ربيع الأوَّل سَنَة ستٍّ وخمسِين ومَائتَيْن، وقال غيرُه: سَنَة سبعٍ وخَمْسِين.
كَتَبَ إلينا أحْمَدُ بن أحْمَد البَنْدَنيْجيّ أن مَنُوجَهر بن مُحَمَّد أخْبَرَهم، قال: أْخبَرَنا المُبارَكُ بن عَبْد الجبَّار الصَّيْرَفِيّ، قال: أخبَرَنا أبو مُحَمَّد الجوهَرِيُّ، قال: أنْبأنَا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه الخزَّاز (4) قال: قُرِئ على أبي الحُسَين أحْمَد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن المُنَادِيّ فى الوَفَيَاتِ الّتي جَمَعَها، قال: وأبو القَاسِم عِصَام بن عَتَّاب بن عِصَام الكِنْدِيّ البَزَّاز يَوْم الاثْنين، يعني من سَنَة سَبْعٍ وثَلاثِمائة، وهو اليَوْمُ الّذي دَخَلْتُ فيه إلى مَدِينتنا من طَرَسوس.
أنْبأنَا أبو اليْمْن الكِنْدِيّ، قال: أخبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخبَرَنا
(a) الأصل: علما!.
(b) تاريخ بغداد: التحديث، وفي بعض أصوله ما يوافق نقل ابن العديم.
(c) في تاريخ بغداد: أكبر.
(d) الأصل: الخراز.
_________
(1)
تاريخ بغداد 5: 111.
أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: حُدِّثْث عن أبي الحَسَنِ بن الفُرَات، قال: تُوفي أبو الحُسَين بن المُنَادِيّ يَوْم الثّلاثَاء لإحْدَى عَشْرَة ليلَة بَقِيَتْ من المحرَّم سَنَة ستٍّ وثَلاثين وثَلاثِمائة، ودُفِنَ في مَقْبَرَة الخيزُرَان.
أحمدُ بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن هارُون بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عليّ بن عبد الله بن عبَّاس بن عَبْد المُطَّلِب بن هاشِم، أبو العبَّاس الهاشمىّ، الملُقَّب بالمُعتَمد على الله ابن المُتَوَكِّل ابن المُعْتَصِم ابن الرَّشِيد ابن المَهْدِيّ ابن المنصور
(2)
قَدِمَ حَلَبَ صُحْبَة أبيهِ المُتَوَكِّل سَنَة أربعٍ -وقيل: ثلاث- وأرْبَعين ومَائتيْن، حين توجَّه إلى دِمَشق، وفي عَوْدَته منها.
وبُوْيِعَ بالخِلَافَة يَوْم الثّلاثَاء لأرْبَع عشرة ليلَة بَقِيَتْ من رَجَب سنَة ستٍّ وخَمْسِينَ ومَائتيْن، وعَقَد العَهْد لأَخِيه أبي أحْمَد المُوَفَّق، فغلَبَ على أمْرِه، ومنعَهُ من التَّصَرُّف، وحكَمَ على جيْشه حتّى أنَّهُ كان لا يُمَكِّنه من الخُرُوج إلى
(1)
تاريخ بغداد 5: 112.
(2)
توفي سنة 279 هـ، وترجمته في: تاريخ الطبري 9: 438، 459، 462، 467، 474، 620 - 621، 10: 30، المعارف 394، ابن زبر الربعي: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 251، الثقات لابن حبان 2: 332 - 333، الديارات للشابشتي 98 - 106، تاريخ بغداد 5: 98 - 99، ابن الجوزي: المنتظم 12: 103 - 108، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 15: 366 - 367، 16: 5 - 7، 160 - 164، فوات الوفيات 1: 64 - 66، ابن الفوطي: مجمع الآداب 5: 322 - 323، الذهبي: تاريخ الإسلام 6: 478 - 488، سير أعلام النبلاء 12: 540 - 553، العبر في خبر من غبر 1: 400 - 401، ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار 24: 251 - 253، الوافي بالوفيات 6: 292 - 293، النويري: نهاية الأرب 22: 327 - 346، تاريخ ابن الوردي 1: 351 - 363، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 23 - 24، الزركشي: عقود الجمان ورقة 27 أ - 28 أ، ابن خلدون: العبر 6: 86، 126 - 128، 165، السيوطي: تاريخ الخلفاء 580 - 587، ابن العماد: شذرات الذهب 3: 326 - 327.
مَوضِع إلَّا بأمْره. وخرجَ مَرَّةً إلى نَاحِيَةِ المَوْصِل ليمضيَ إلى ابن طُوْلُونَ، فردَّهُ منها، ولم يبقَى له في الخِلافَة غير اسْمها
(1)
.
وكان سَمْحًا، جَوَادًا، فَصِيحًا. رَوَى عنهُ ورَّاقُهُ الحَضْرَميّ بيتَيْن من شِعْره.
أخبَرَنا تَاجُ الأُمَناء أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن إذْنًا، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِمِ، قال: بُوْيِعَ له -يعني: للمُعْتَمد على الله- بالخِلَافَة يَوْم الثّلاثَاء لأرْبَع عَشرة لَيْلة بَقِيَتْ من رجَب سنَة ستٍّ وخَمْسِين ومَائتَيْن.
وكان قَدِمَ دِمَشْق مع أبيهِ جَعْفَر المُتَوَكِّل، فيما قَرأتُهُ بخطِّ عبد الله بن مُحَمَّد الخَطَّابيّ الشَّاعر.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْديّ كتابةً، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيب
(2)
، قال: أَحمدُ؛ أَمير المُؤمنِين المُعْتَمد على اللهِ بن جَعْفَر المُتَوَكِّل بن مُحَمَّد المُعْتَصِمِ بن الرَّشِيْد، ويُكْنَى أَبا العبَّاس، وَلي الخلَافَة بعد المُهْتَدي باللهِ، وكان مَولدُهُ بسُرَّ مَنْ رَأى. فأخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيْز بن عليّ الوَرَّاق، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد المُفِيدُ، قال: حَدَّثنا أبو بِشْر الدُّولَابِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا جَعْفَر مُحَمَّد بن الأزْهَر الكاتب، قال: وُلد أحْمَد بن جَعْفَر المُعْتَمد على الله بسُرَّ مَنْ رَأى سَنَة تِسْعٍ وعشرين ومَائتيْن، وأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقالُ لها: فِتْيَان؛ رُومِيَّة.
وقال الخَطِيبُ
(3)
: أخْبرَني الأزْهَريّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثنا إبْراهيمُ بن مُحَمَّد بن عَرَفَةَ، قال: كانت البَيْعَة للمُعْتَمد على الله -وهو أحْمَد بن جَعْفر المتُوَكِّل على الله ابن المُعْتَصِم بالله ابن الرَّشِيْد ابن المَهْدِيّ ابن
(1)
لمَّا نزع المعتمد إلى ابن طولون هربًا من تغلب أخيه الموفَّق، قبضَ عليه وأعاده مقيَّدًا إلى سامراء. انظر في ذلك: الطبري: تاريخ 9: 620 - 621، الكندي: ولاة مصر 251، مجهول: العيون والحدائق 4/ 1: 55، ابن الأثير: الكامل 7: 394 - 395، 455، ابن خلدون: العبر 6: 126 - 128، 8: 28 - 30.
(2)
تاريخ بغداد 5: 98.
(3)
تاريخ بغداد 5: 98.
المنصُور بن مُحَمَّد الكامِل بن عليّ السّجّاد بن عبد الله الحَبْر والبَحْر، وتُرْجُمان القُرْآن، ابن العبَّاس، سَيِّد العُمُومَة ذي الرَّأي والمُسْتَسْقَى به، ابن عَبْدِ المُطَّلب، وهو شَيْبَةُ الحَمْد، ابن عَمْرو، وهو مُطْعِم الثَّرِيد، وبذلك سُمِّيَ هَاشِمًا لهَشْمه الثَّرِيد، ابن عَبْدِ مَنَاف- يَوْم الثّلاثَاء لأرْبَع عَشرة ليلَة بَقِيَتْ من رَجَب سنَة ستٍّ وخَمْسِين ومَائتَيْن.
وأنْبأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد المُؤدِّب، عن أبي غَالِب بن البنَّاء، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب بن بِشْران (a) إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المَرَاعِيشِيّ، وأبو العَلَاء الوَاسِطِيّ، قالا: أخْبَرَنا إبْراهيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة، وذَكرَ ما ذَكَره أحْمَد بن إبْراهِيم، وقال بعدَهُ: ورَكِبَ يَوْم الاثْنَين إلى دار العامَّة، ثمّ مرَّ على الجَوْسَق، وحَضَره من أوْلادِ الخُلفَاء: بنو الوَاثِق، وحَمْزَة ابن المُعْتزّ، والعبَّاسُ ابن المُسْتَعِين، وبنُو المُنْتَصر ابن المُتَوَكِّل، والعبَّاس ابن المُعْتَصِم. وبعَثَ بولد المُهْتَدي وعِيَالِه إلى مَدِينَة السَّلام، وقَدِمَ عُبيدُ الله بن يَحْيَى، فخُلِع عليه، ووَلي الوزَارَة.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الحَرَسْتَانِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الغَسَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن أبي بَكْر، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عَبد الله الشَّافِعِىّ، قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بن حَفْصٍ السَّدُوسِيِّ، قال: وبُوْيِعَ أحْمَدُ ابن المتُوَكِّل، المُعْتَمد على الله، يَوْم الثّلاثَاء لأرْبَع عَشرة بَقِيت من رَجَب سَنَة ستٍّ وخَمْسِين ومَائتيْن، وأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقالُ لها: فِتْيَان، وقَدِمِ المعتَمدُ بَغْدَاد يَوْم السَّبْت ارْتفاع النَّهَار لعَشْرٍ خَلوْنَ من جُمَادَى الآخرة، ونَزَل الشَّمَّاسِيَّة، فأقام بها السَّبْت والأَحَد والاثْنَيْن والثّلاثَاء، ودَخلَ يَوْم الأرْبَعَاء بَغْدَاد، فعَبَرها مارًّا يُريدُ الزَّعْفَرَانيَّة لحَرْب الصَّفَّار، وكان يَوْم الأرْبَعَاء لأرْبَع عَشْرة خَلَتْ من
(a) مهملة في الأصل.
_________
(1)
تاريخ بغداد 5: 98 - 99.
جُمَادَى الآخرة، ولأرْبَع عَشرة في آذَار، سَنة اثنتَين وسِتِّين ومَائتيْن، فكانت الحربُ بين أَمِير المُؤمِنِين والصَّفَّار بسِيْب بني كُوْمَا يَوْم الأَحَد العاشِر من رَجَب، والتَّاسِع من نَيْسَان مع الظُّهْر إلى اللَّيْل سنَة اثْنتَيْن وسِتِّين ومَائتيْن.
قال أحْمَد بن عليّ
(1)
: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن رِزْق، قال: أخْبَرَنا عُثْمان بن أحْمد الدَّقَّاق، قال حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحْمَد بن البَرَاء، قال: وأقْبل يَعْقُوب بن اللَّيْث -يعني: الصَّفَّار- وخَرجَ المُعتَمد إليه، والْتقَى الجَيْشان بإضطَرْبَذ (a) بين سِيْبِ بني كُوْمَا ودَيْر العَاقُول، فهُزِمَ يَعْقُوب أقْبَح هَزيمة، وذلكَ في رَجَبَ يَوْم شَعَانِين؛ قال مُحَمَّد بن أبي عَوْن البَلْخِيّ
(2)
: [من البسيط]
للهِ ما يَومُنا، يَوْم الشَّعَانِين
…
فَضَّ الإلهُ بهِ جَيْشَ المَلَاعِيْن
وطَارَ بالنَّاكِثِ الصَّفَّار مُنشَمِرٌ
…
كأنَّما بعْدَه نَسْل (b) السَّراجين
أنْبَأنَا أبو رَوْحٍ عَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الهَرَويّ، قال: أخْبَرَنا زَاهِرُ بن طَاهِر بن مُحَمَّد الشَّحَّامِيِّ إذْنًا، عن أبي القَاسِم عليّ بن أحْمَد البُنْدَار، عن أبي أحْمَد عُبيد الله بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الصُّوْلِيّ إجَازَةً، قال: حَدَّثَنا الحُسَينُ بن إسْحاق، قال: حَدَّثنا أبو جَعْفَر أحْمَد بن الحارِث، قال: بُوْيِعَ المُعْتَمد على اللهِ -وهو أبو العبَّاس أحْمَد بن جَعْفَر المُتَوَكِّل على الله، وأُمُّهُ أمُّ وَلَدٍ يقال لها فِتْيَان- في يَوْم الثّلاثَاء لأرْبَع عَشرة ليلَة بَقِيَتْ من رَجَب سنَة ستٍّ وخمسِين ومَائتَيْن، وهو اليَوْمُ الّذي ماتَ فيه المهتَدِي، ودُعِيِ له بالخِلَافَة على المنْبَر يَوْم
(a) الأصل: أصطربذ، ومثله ما عند الزبيدي: تاج العروس، مادة: صطربذ، والمثبت بالضاد من تاريخ الطبري 9: 517، والمسعودي: مروج الذهب 5: 109، وتاريخ بغداد (مصدر النقل)، ولم ترد عند ياقوت، وهي بلدة حدد المسعودي موضعها بين السيب ودر العاقول.
(b) تاريخ بغداد: كأنَّما بعره غسل، وفي رواية المرزباني: طاوي الضمير خفيف كالسراحين.
_________
(1)
تاريخ بغداد 5: 99.
(2)
البيتان في معجم الشعراء للمرزباني 473.
الجُمُعَة لعَشْرٍ بَقِينَ منِ رَجَب، وقد قيل إنّ المُهْتَدي بالله مات يَوْم الخَمِيْس بعد ما بُوْيِعَ المُعْتَمد بيَوْمَيْن.
قال: وركبَ المُعْتَمد يَوْم الاثْنين لسَبْع بَقِينَ مِنْ رَجَب إلى دَار العامَّة، وقَعَد لبني هاشِم والنَّاس فبايَعُوهُ، فلمَّا كان يَوْم الخَمِيْس لأرْبَع ليالٍ بَقِينَ من رَجَب ركبَ في الميدَانِ إلى وَادِي إسْحاق، وخرَجَ من الماءِ، فرَكبَ وظَهَرَ للعَامَّة من الوَادِي إلى الجَوْسَق في شارع الحَسَنيَّة، ثمّ أمَرَ أنْ يُحْدَر عِيال الوَاثِق وولده إلى مَدِينَة السَّلام، ولمَّا ماتَ المُهْتَدي بالله نُودِي على أخيه عَبْد الله بن الوَاثق، وبُذل لمَن جاءَ بهِ مال، ثمّ ظَهَر أمْرهُ أنَّهُ هَرَب إلى يَعْقُوب الصَّفَّار، وأنَّ يَعْقُوب قَبِلَهُ أحْسَنَ قَبُول، وأظْهر إكرامَهُ، وكتَبَ المُعْتَمد إلى يَعْقُوبَ في حَمْلِهِ فلم يُجِب إلى ذلك.
وقال أبو بَكْر الصُّوْلِيّ: حَدَّثَنا عَوْنُ في مُحَمَّد، قال: قَتَل المُهْتَدي يَوْمَ حَارَبَ الأتْراكَ جَمَاعَةً بيَده، ورأَوا من شَجَاعَتِهِ وبأْسهِ ما لم يَرَوهُ من أحدٍ قَطّ، فلمَّا صار في أيديهم أرادُوه على الخلعِ فأبَى، وسَمِعَ الضَّجَّة، فقال: ما هذا؟ قيلَ: جَاءُوا بأحْمد في المُتَوَكِّل للخِلَافَة، فقال: أحْمَد هذا هو ابن فِتْيَان؟ قالوا: نَعَم، قال: وَيلٌ لهم؛ فهَلَّا أتَوا بأبي عِيسَى أخيهِ، فإنَّهُ كان أقْرب لهم إلى الله عَزَّ اسْمهُ، وأنْفَعَ للمُسْلِمين.
قال: وأوْقَع الأتْراكُ البَيْعَة لأحمدَ بن المُتَوَكِّل على الله وسَمّوه المُعْتَمد، وذلك في يَوْم الثّلاثَاء لثلاث عَشرة ليلَة بَقِيَتْ من رَجَب سَنَة ستٍّ وخَمْسِين ومَائتَيْن، ولم يَخْلَعِ المُهْتَدي نَفْسَهُ فقَتَلوه، وقيل: ماتَ من سَهْمٍ وضَرْبةٍ كانا به، وصَلَّى عليه جَعْفرُ بن عَبْد الوَاحِد الهاشِميّ.
قال أبو بَكْر الصُّولِيّ: وكان المُعْتَمدُ جَهِيْرًا، فَصِيْحًا، صَيِّتًا؛ إِذا خَطَبَ أسْمَعَ أقْصَى النَّاس، وكان يُمَثَّلُ بينه وبين المُسْتَعِين بالسَّخَاء، فيُقالُ: ما وليَ لبني العبَّاس أسْخَى منهما، وكان جَيِّد التَّدْبِير فَهِمًا بالأُمُور، جَليْلًا في قلُوب النَّاسِ، فلمَّا جَرَى عليه ما جَرَى من تفويضِه أمْرَهُ، وغُلِبَ على رَأيهِ، نَقَصَتْ حَالُهُ عند النَّاسِ.
وكان يُحبُّ الشِّعْرَ ويَشْتَهيْه، ولم يكنْ له طَبْعٌ يَزنُهُ بهِ، فكان رُبَّما وقَعَ له المَوْزُون، ورُبَّما لم يتَّزِنْ فيُغني المُغَنِّى في الشِّعْر الّذي هُو عنهُ مَوْزُون ويَعْملُون ألْحانًا عليه، فَيُرَى أنّه جَيِّدٌ لمَّا غُنِي فيه، وليسَ كُلُّ مغَنّ يفهَمُ التَّقْطِيعَ والقِسْمَة، ولا يُغَنّي إلَّا بشعْرٍ صَحيح.
قال الصُّوْلِيّ: أنْشَدَني عبدُ الله بن المُعْتزّ للمعْتَمد ممَّا وَزنُهُ صحيح
(1)
: [من المجتثّ]
الحَمْدُ للهِ رَبِّي
…
مَلَكْتُ مَالِكَ قَلْبي
فَصرْتُ مَوْلىً لملكِي
…
وصار مَوْلَىً لحُبِّي
قال: وهو القائل لمَّا أكْثرَ النَّاصِرُ لدِين الله
(2)
نقلَهُ من مَكانٍ إلى مكان
(3)
: [من المتقارب]
أَلِفْتُ التَّبَاعُدَ والغُرْبه
…
ففي كُلِّ يَوْمٍ أطَأ تُرْبَهْ
وفي كُلِّ يَوْم أرَى حَادِثًا
…
يُؤدِّي إلى كَبدِي كُرْبَه
أمرَّ الزَّمانُ لنا طَعْمَهُ
…
فما لي تُرَى سَاعَةٌ عَذْبَه
قال: وممَّا قاله، وأنْشَدَنيهِ جَمَاعَةٌ، وبعضُ النَّاسِ يَنْحَلهُ إلى غيره، لِمَا في نفُوسِهم ممَّا كان يقَعُ له في الوَزْن
(4)
: [من الوافر]
بُلِيْتُ بشَادنٍ كالبَدْر حُسْنًا
…
يُعَذِّبُني بأنْوَاعِ الجَفَاءَ
ولي عَيْنان دَمْعُهما غَزيرٌ
…
ونَوْمُهما أعزُّ من الوَفَاءَ
قال الصُّوْلِيّ: وحَكَى عَبْدُ اللهِ بن خَرْدَاذْبَه أنَّهُ رأى هذين البَيْتَيْن بخَطِّ
(1)
الأبيات في الديارات للشابشتي 99.
(2)
هو أخوه: الخليفة أبو أحمد الموفق.
(3)
الأبيات في الديارات للشابشتي 99، والوافي بالوفيات 6:293.
(4)
الأبيات في الديارات للشابشتي 100، والوافي بالوفيات 6:293.
الحَضْرَميّ وَرَّاقِ المُعْتَمد، وقد كتَبَ الحَضْرَميّ: أنْشَدَنيهما المُعْتَمدُ لنَفْسِه.
قَرأتُ في كتاب مُعْجَم الشُّعَراء لأبي عُبَيْدِ اللهِ المَرْزُبانيّ
(1)
: المُعْتَمد على اللهِ أبو العبَّاسِ أحْمَدُ بن جَعْفَر المُتَوَكِّلُ على الله كان يَقُولُ الشِّعْر المَكْسُور، ويُكْتب لهُ بالذَّهَب، ويُغَنِّي فيهِ المُغَنُّونَ، وذكَر لهُ هذين البَيْتَيْن والأَبيات الّتي قبْلها.
أنْبَأنَا ابن المُقَيِّر، عن ابن نَاصِر، عن أبي القَاسِم البُنْدَار، عن أبي أحْمَد المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا الصُّوْلِيّ إجَازَةً، قال: وكان المُكْتَفِي أخْرَج إلينا مَدَارِج مَكْتُوبةً بالذَّهَب، فكان فيها من شِعْر المُعْتَمد على اللهِ المَوْزُون
(2)
: [من مجزوء الرمل]
طالَ واللهِ عَذَابي
…
واهْتمامي واكْتِئابي
لغَزَالٍ من بني الأصْـ
…
فَرِ لا يَعْنيهِ مَا بِي
أَنا مُغْرًى بِهَوَاهُ
…
وهو مُغْرًى باجْتِنَابي
فإذَا ما قُلْتُ: صِلْني
…
كان: لا، منْهُ جَوَابي
قال الصُّوْلِيّ: ووجَدْتُ أيضًا من المَوْزُون
(3)
: [من مجزوء الرمل]
عَجَّل الحُبُّ بِفُرْقَهْ
…
فبقَلبي منْهُ حُرْقَهْ
مَالكٌ بالحُبِّ رَقِّي
…
وأنَا أمْلكُ رِقَّهْ
إنَّما يَسْتَروِحُ الصَّـ
…
ـــبُّ إذا أَظْهَرَ عِشْقَهْ
وبعْدَ هذا أبْياتُ لا نِظامَ لها.
وقال الصُّوْلِيّ: حَدَّثَنَا مُحَمّد بن يَحْيَى بن أبي عَبَّاد، قال: طلَبَ المُعْتَمدُ ثلاثمائة دِيْنارٍ يَصِلُ بها عَريب وقد حَضَرْتُ مَجْلِسَهُ، فلم يَجِدها، فطَلَبَ مائتين
_________
(1)
لم أقف عليه في معجم الشعراء للمرزباني.
(2)
الأبيات في الديارات للشابشتي 100، ومرآة الزمان 16: 160، والوافي بالوفيات 6: 292، وعقود الجمان للزركشي ورقة 27 أ.
(3)
الأبيات في الديارات للشابشتي 100 ومرآة الزمان 16: 160.
فلم يَجدها! وكان قد أمَر أنْ يُطْرَحَ لها تُكَاءٌ فأبَتْ، فكان يَجْعَلُ تحت ركبَتِها أُترُجَّتان من الأُتْرُجّ الكبار ورُبَّما قُوِّرَتا، وجُعِلَ فيها دَنَانِيْر، قال: فبَلَغني أنَّهُ لمَّا لم يجد الدَّنَانِيْرَ قال شِعْرًا
(1)
: [من الوافر]
ألَيْسَ من العَجَائب أنَّ مِثْلي
…
يرى ما قلَّ مُمتنعًا عَلَيهِ
وتُؤْخَذُ باسْمِه الدُّنْيا جَميعًا
…
وما من ذاكَ شَيءٌ في يَديهِ
إليهِ تُحْمَلُ الأمْوَال طُرًّا
…
وَيُمْنَعُ بعضَ مما يُجْبَى إليهِ
قال الصُّوْلِيّ: وكان المُعتَمدُ من أسْمَح النَّاس، قال لهُ القَاسِمُ بن زُرْزُر المُغَنِّي: يا سَيِّدِي، إلى جانِب ضَيْعَتي ضَيْعَةٌ لا تَصْلُح إلَّا بها، تُباعُ بسَبْعَة آلاف دِيْنار، وما عندي من ثَمنها إلَّا ألْفي دِيْنارٍ، فقال: أحضرُوني خَمْسَةَ آلاف دِيْنارٍ، فجيءَ بها، فدَفَعها إليهِ فاشْتَرى الضَّيْعَةَ. فسَألَه بعدَ أيِّامٍ عنها، فَعَرَّفَهُ شِرَاءَها، فقال: ما أُحِبُّ أنْ يكونَ لك فيها وَزْنٌ، ادْفَعوا إليهِ ألْفَي دِيْنارٍ مكانَ أَلْفَيْهِ، فأخَذَهَا وانْصَرف.
وقال أبو بَكْر الصُّوْلِىِّ: حَدَّثنا الحسنُ بن إسْمَاعِيْل، قال: جَلسَ المُعْتَمدُ يشربُ يَوْم الأَحَد لاثْنَتي عَشرة ليلَة بَقِيَت من رَجَب بالحَسَنيّ على المُسَنَّاةِ الشَّرْقيَّةِ على دِجْلَةَ مع المُغَنِّين والمُخَنَّثِيْن، وأكل فى ذلكَ اليَوْم من رؤوسِ الجدَاءِ، واصْطَبَحَ، ثمّ تَشَكَّى في عَشِيَّته تلكَ، فتعالجَ وباتَ وَقِيْذًا
(2)
، فماتَ في (a) ليْلَته، وأحْضَر المُعْتَضِدُ القُضَاةَ ووجُوهَ النَّاسِ فَنَظَرُوا إليهِ، ثمّ حُمِلَ إلى سُرَّ مَنْ رَأى، ودُفِنَ بها، وكانت خِلَافَتُهُ ثلاثًا وعشرين سَنَةً وستَّة أيَّام، وقيل: غير يَوْم،
(a) الأصل: "من"، وكتب فوقها:"في"، وعليها علامة التصحيح "صح".
_________
(1)
الأبيات في الديارات للشابشتي 101، ومرآة الزمان 16: 60، ومسالك الأبصار 24: 252، النويري: نهاية الأرب 22: 345، والبيت الأول والثاني في سير أعلام النبلاء 12: 548، والوافي بالوفيات 6: 293، وتاريخ ابن الوردي 1: 363، وتاريخ الخلفاء للسيوطي 583، وشذرات الذهب 3:327.
(2)
الوَقيذُ: الشديد المرض المُشرف على الموت. لسان العرب، مادة: وقذ.
وقيل: يَوْمًا. وكان صَوْتُه الّذي شَرِبَ عليه يَوْم اصْطَبَح في شِعْر أبي نُوَاس
(1)
: [المديد]
يا كَثِيْرَ النّوحَ في الدِّمَنِ
…
علا عَلَيْهَا بل على السَّكَنِ
قال: وكان عُمْرُهُ يومَ ماتَ خَمْسين سَنَة كَامِلةً، وكان أسَنَّ من المُوَفَّق بستَّة أشْهُر.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق قال: أخْبَرَنا أبو بَكْرٍ الخَطِيبُ
(2)
، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد بن عُمَر المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد بن أبي قَيْس، ح.
وأخْبَرَنا عُمَر بن طَبرزَد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقنديّ، إنْ لم يَكُن سَمَاعًا فإجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن عَبْد العَزِيْز، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا عُمَرُ بن الحَسَنِ الأُشْنانِيُّ، قال: أخْبَرَنا ابنُ أبي الدُّنْيا، قال: وماتَ المُعْتَمدُ على الله ليلَة الاثنيْن لإحْدَى عَشْرة بَقِيَتْ من رَجَب سَنَة تِسْعٍ وسَبْعِين ومَائتيْن فجأةً ببَغْدَادَ، وحُمِلَ إلى سُرَّ مَنْ رَأىَ. قال الأُشْنانِيُّ: فدُفِنَ بِها، فكانت خِلَافَتُه ثلائًا وعشرِين سَنةً وثلاثة أيَّامٍ. وكان أسْمَر رَقِيق اللَّون، أَعْيَنَ، خفيف -زادَ الأُشْنانيّ- العَارِضَين؛ وقالا: لَطيف اللّحْيَةِ، جَمِيلًا، وميلادُه سنةَ تسعٍ وعشرين ومَائتَيْن في أوَلها -زادَ ابنُ السَّمَرْقَنْديّ- ويُكْنَى أبا العبَّاسِ، وأُمُّهُ أُمُّ ولدٍ يقال لها: فِتْيَان.
أحمد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد البزَّاز (a) البَغْدَاديّ، أبو بَكْر الوَزَّان الحَلَبِيّ الخُزَيْمي
(3)
بَغْدَاديٌّ نَزَلَ حَلَب وسَكَنها، فنُسِبَ إليها. حَدَّثَ بها عن سَوَّار بن عبد الله
(a) الأصل: البزار، والمثبت موافق لما عند الخطيب البغدادي 5:101.
_________
(1)
ديوان أبي نواس 551.
(2)
تاريخ بغداد 5: 99.
(3)
ترجمته عند الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5: 101، لسان الميزان 1: 144 - 145.
ابن سَوَّار العَنْبَرِيّ، وأبي عليِّ الحَسَن بن مُحَمَّد البُوسَنْجِيّ، وزَيْد بن أخْزَم، ومُجَاهِد بن مُوسَى، ويَحْيَى بن مُحَمَّد بن السَّكَن، وأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عبدِ اللهِ بن المُبارَك المُخَرِّميِّ، وحُمَيْد بن زَنْجُوَيْه النَّسَائِيّ، ويَعْقُوبَ الدَّوْرَقيّ.
رَوَى عنه الحفّاظ: أبو أحْمَد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن إسْحاق الحاكِم، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن إبْراهيم بن المُقْرِئ، وأبو أحْمَد عبدُ الله بن عَدِيّ الجُرْجَانِيّ، ومُحَمَّد بن جَعْفَر قاضي مَنْبِج، وأبو حَفْص عُمَر بن عليّ العَتَكِيِّ الأنْطَاكِيُّ، وأبو القَاسِم عُبَيْدُ الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد السَّرَّاج، المَعْرُوفُ بابنِ الطُّبَيْز، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن عبد اللهِ الأرْدُبِيْليّ، وأبو إسْحاق إبْراهيم بن أحْمَد بن مُحَمَّد الأبْزَارِيّ، ومُحَمَّدُ بن عبدِ اللهِ الأبْهَرِيّ، وأبو المُفَضَّل مُحَمَّد بن عَبْد الله بن البُهْلُول الشَّيْبَانِيّ، وأبو العبَّاس أحْمَد بن مُحَمَّد بن عُمَر.
أخْبَرَنا أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الهَرَويّ، وزَيْنَبُ بنتُ عَبْد الرَّحْمن بن الحَسَن بن أحْمَد الشَّعْرِيّ في كتابَيْهما إلينا من هَرَاة ونَيْسَابُور، وأخْبَرَنا عنهُما سَمَاعًا، أبو مُحَمَّد عَبْدُ العَزِيْز بن الحُسَين بن هِلالَة الأنْدَلُسِيّ، قالا: أخْبَرَنا زَاهِرُ بن طَاهِر الشَّحَّامِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد (a) مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن الكَنْجَرُوذِيّ، قال: أخْبَرَنا الحاكِم أبو أحْمَد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن إسْحاق الحافِظُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن جَعْفَر البزَّازُ البَغْدَاديّ بحَلَبَ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْد اللهِ بن المُبارَك المُخَرِّميِّ، قال: حَدَّثَنَا يَعْلَى بن مَنْصُور، وقال أبو رَوْح سَهْل بن مَنْصُور، قال: حَدَّثَنَا خَالِد بن مُوسَى، عن مَنْصور بن زَاذَان، عن قَتَادَة، عن عبدِ الله بن بُرَيْدَة، عن أبي سبْرة، عن عَبْد الله بن
(a) كناه في الأصل: أبا سعد، وتتكرر نسبته فيما بعد: الجنزرودي، وهو: أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن النيسابوري الكنجروذي (ت 433 هـ)، ترجم له السمعاني في الأنساب 11: 155، والذهبي: سير أعلام النبلاء 18: 101 - 102 وأورد مختلف الأقوال في نسبته، والصفدي: الوافي بالوفيات 3: 231 - 231، والسيوطي: بغية الوعاة 1: 157 - 158.
عَمْرو
(1)
، عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قال: حَوْضِي عَرْضُه كطُوله كَرَانبُه (a) عدَد نُجُوم السَّماء.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُفُ بن خَلِيل بن عبد الله الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلِم بن الإخْوَة، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَج سَعيد بن أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر الثَّقَفِيّ، وأبو الفَتْح مَنْصُور بن الحُسَيْن، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمّد بن إبْراهيم بن المُقْرِئ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر أحْمَد بن جَعْفَر الوَزَّانُ البَغْدَاديُّ، نَزِيلُ حَلَبَ، بها، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مُحَمَّد بن السَّكَن، قال: حَدَّثَنَا حِبَّان بن هِلالٍ، قال: حَدّثَنَا مُبَارَكُ بن فَضَالَة، عن عبد الله بن سَعيد، عن مُحَمَّد بن المُنْكَدِر، عن جَابِر
(3)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أحبَّكُم إليَّ، وأقْرَبكم منِّي مَجْلسًا يَوْم القِيامَة أحَاسنُكُم أخْلاقًا، وإنَّ أبْغَضَكم إليَّ، وأبْعَدَكُم منِّي مَجْلِسًا يَوْم القِيامَة، الثَّرْثارُونَ المُتَشَدِّقُون والمُتَفَيْهقُون؟ قالوا: يا رسُول الله، قد عَلِمْنا ما الثَّرْثارُونَ والمُتَشَدِّقُونَ، فما المُتَفَيْهقُون؟ قال: المُتَكَبِّرون.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن قُشَام الحَلَبِيُّ، عن الحافِظ أبي العَلَاء الحَسَن بن أحْمَد الهَمَذَانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن أبي عليّ الهَمَذَانيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا الحاكِم أبو أحْمَد الحافِظُ
(4)
، قال: أبو
(a) كذا في الأصل، وفي رواية أبي نعيم:"عرضه كطوله، آنيته. . .".
_________
(1)
لم أجده بهذا الإسناد إلا في تاريخ أصبهان لأبي نعيم 2: 66.
(2)
معجم ابن المقرئ 150.
(3)
الطبراني: المعجم الكبير 10: 235 (رقم 10424)، الطبراني: مكارم الأخلاق 1: 48 (رقم 6)، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5: 101.
ورواه من حديث أبي ثعلبة الخشني: ابن أبي شيبة: المصنف 5: 211 (رقم 25311)، وفيه:"مساوئكم"، والأصبهاني: حلية الأولياء 3: 97، وفيه:"أسواكم"، وابن بلبان: صحيح ابن حبان 12: 368 (رقم 5557)، وفيه:"وأقربكم مني في الآخرة".
(4)
الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم 2: 222.
بَكْر أحْمَدُ بن جَعْفَر البزَّازُ البَغْدَاديُّ، سَكَنَ حَلَبَ، مَدِينةٌ من مُدُن الشَّام، سَمِعَ سَوَّار بن عَبْد الله بن سَوَّار العَنْبَرِيّ، وأبا جَعْفَر مُحَمّد بن عَبْد الله بن المُبارَك المُخَرِّميِّ.
وأخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْدُ بن الحَسَن إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بنُ عليّ بن ثَابِت الخَطِيبُ
(1)
، قال: أحْمَد بنُ جَعْفَر بن مُحَمَّد، أبو بَكْر البَزَّاز، وقيل: الوَزَّانُ، سَكَنَ حَلَبَ، وحَدَّثَ بها.
أحمَدُ بن جَعْفَر بن مُشْكَان المِصِّيْصيُّ
حَدَّثَ عن عَبْد الله بن رُمَاحِس الرَّمَادِيّ. رَوَى عنهُ أبو عليّ سَعيد بن عُثْمان بن السَّكَن.
أحمد بن جَعْفَر الأرْتَاحِيّ
(2)
من أرْتاح؛ قَرْيَة كبيرة بين حَلَب والعَمْق، وكان بها حِصْنٌ مَانِع، ولها دِكْرٌ فى التَّاريخ.
حكَى عن شَيْخ من الصَّالِحين لقيَهُ بأوْلَاس، حِصْن الزُّهَّادِ. حَكَى عنهُ أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد الله بن جَهْضَم.
أخْبَرَنا الحافِظ أبو مُحَمّد عَبْد القَادِر بن عَبْد الله الرُّهَاوِيّ، في كتَابِهِ إليْنَا منها، قال: أخْبَرَنا الخَطِيبُ أبو الفَضْل عَبْد الله بن أحْمَد بن مُحَمّد الطُّوْسيُّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عَبْد القَادِر، قال: أخْبَرَنا عليّ بن عَبْد العَزِيْز، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن عَبْد الله، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن جَعْفَر الأرْتاحِيّ، قال
(3)
: دَخَلْتُ أوْلَاس، فإذا شيخٌ كبيرٌ (a)،
(a) تذكرة ابن العديم: كبير السنّ.
_________
(1)
تاريخ بغداد 5: 101.
(2)
ذكره ابن العديم في تذكرته 242.
(3)
تذكرة ابن العديم 242.
فدَنوتُ منهُ، فقلتُ له: يا شَيْخ، حَدّثني بشيءٍ ينفعُني اللهُ عز وجل به، قال: عليك بالجدِّ، فإنَّهُ كان لي وِرْدٌ أقْرأُ فيه جُزْوَين من القُرْآن كُلّ ليلَةٍ، قال: فنمْتُ عنه، فنُوديتُ من زَاويَة البيتِ: إنْ كُنْتَ تَزْعُم حُبّي فِلم جَفوْتَ يا هذَا كِتابي، أوَمَا تدبَّرتَ ما فيهِ لك من لَطيفِ عِتَابي وأذْكاري ومَوَاعِظي وآلائي وإعْجازي؟! ثُمَّ أنْشَد:[من المجتث]
إنْ كُنْتَ تَزْعُم حُبِّي
…
فَلِم جَفَوْتَ كتَابي
أما تَدبَّرتَ ما فيـ
…
هِ من لَطِيْفِ عِتَابِي
ومن أفْرَاد حَرْف الجيم في آبَاءِ الأحْمَدِين
أحمدُ بن جَنَاب بن المُغِيرَة، أبو الوَلِيد المِصِّيْصيّ الحَدَثِيّ، وقيل: الحَلَبِيّ
(1)
حدَّثَ عن عِيسَى بن يُونُس بن أبي إسْحاق السَّبِيْعِيِّ، وخَالِد بن يَزِيد بن خَالِد بن عَبْد الله القَسْرِيّ.
رَوَى عنهُ: أبو الحُسَين مُسْلم بن الحجَّاج القُشَيْريّ، وأبو عَبْد الله أحْمَد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل، وابنُه عَبْد الله بن أحمد، وأبو حَاتِم، وأبو زُرْعَة الرَّازِيّان، وجُنَيْد بن حَكِيم بن الجُنَيْد الأزْدِيّ، وأبو أحْمَد بن عُبْدُوْس السَّرَّاج، وعبَّاس بن مُحَمّد الدُّوْرِيّ، ومُحَمّدُ بن طَاهِرِ بن أبي الدُّمَيْك، ومُحَمّد بن هِشَام بن أبي الدُّمَيْكِ، وأحمد بن الحَسَن بن عَبْد الجبّار الصُّوْفيّ، وأبو يَحْيَى مُحَمّد بن عبد الرَّحيم البزَّاز
(2)
صاحبُ السَّابِرِيّ، وأبو بَكْر المَرْوَزيّ، وأبو يَعْلَى المَوْصِليّ، وأحمد بن مَنْصُور
_________
(1)
توفي سنة 230 هـ، وترجمته في: تاريخ الطبري 5: 347، 389، 9: 392، الثقات لابن حبان 8: 17، الجرح والتعديل 2: 45، تاريخ بغداد 5: 123 - 124، المزي: تهذيب الكمال 1: 283 - 285، الذهبي: تاريخ الإسلام 5: 505، الكاشف 1: 54، سير أعلام النبلاء 11: 25، الوافي بالوفيات 6: 294، تقرب التهذيب 1:12.
(2)
الأصل: البزار، والمثبت موافق للمزي: تهذيب الكمال 1: 284، والذهبي: سير أعلام النبلاء 12: 295.
الرَّمَادِيّ، وعُثْمانُ بن عَبْد الله الحافِظ، ومُحَمَّد بن إبْراهيم البزَّازُ، ومُحَمَّد بن يَعْقُوب بن الفَرَجِيّ
(1)
، وعُمَر بن شَبَّة النُّمَيرِيّ، ومُحَمَّد بن عِيسَىَ التَّمِيْمِيّ.
أخْبَرَنا الأَخَوَانِ أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن وأبو العبَّاس أحْمَد ابنا عَبْد الله بن عُلْوَان، والأَخَوَان أبو البَرَكات سَعيد وأبو الفَضْل عَبْد الوَاحِد ابْنا هاشِم بن أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد الأسَدِيُّون الحلبِيُّون، وأبو الحَجَّاج يُوسُف بن سَوَّار بن عُبيد السَّلَمِيُّ البُرْجِيْنيُّ، كُلّهم بحَلَب، قالوا: أخْبَرَنا أبو طَالِب عبد الرَّحْمن بن الحسَن بن عَبد الرَّحمن بن العَجَمِيّ الحَلَبِيُّ بها، قال: أخْبَرَنا الرَّئِيس أبو القَاسِم عليّ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن بيان، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم طَلْحَةُ بن عليّ بن الصَّقْر بن عَبْد المجيْب، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عُثْمانَ الآدَمِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن جَنَاب، قال: حَدَّثَنَا عِيسَى بن يُونُس بن عبد الرَّحْمن بن يزِيد بن جَابِر، عن عُثْمان بن حَيَّان، قال: سَمِعْتُ أُمّ الدَّرْدَاء تقُول: إنَّ أحَدَهُم يقول: اللَّهُمَّ ارزُقني، وقَدْ عِلمَ أنَّ الله عز وجل لا يُمْطِر عليهِ دِيْنارًا ولا دِرْهَمًا، وبعضُهُم من بعْض، فإذا أُعْطي أحَدكم شيئًا فليَقْبلْهُ، فإنْ كان ذا غَنَاء عنه فليضَعْهُ في ذي الحاجَة من إخْوَانِه، وإنْ كان إليهِ مُحْتاجًا فليَسْتَعن بهِ على حاجتهِ ولا يرُدّ على اللهِ عز وجل رزقَهُ الّذي رَزَقَهُ.
أخْبَرَنا أبو الحجَّاج يُوسُف بن خَليل بن عَبْد الله الدِّمَشقيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح نَاصِرُ بن محمد، قال: أخْبَرَنا سَعيد بن أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد بن النُّعْمان، وإبْراهيم بن مَنْصُور سِبْط بَحْرُوَيه، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن إبْراهيم بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْلَى المَوْصِليّ، قال: حَدَّثنَا أحْمَد بنُ جَنَاب الحلبِىُّ، قال: حَدَّثَنَا عِيسَى -يعني: ابن يُونُس- عن هِشَام بن عُرْوَة، عن أَبِيهِ، عن ابن عُمَر، قال: قال رسُول الله صَلَّى اللهُ عليهِ
(1)
منسوب إلى جده: الفرج. انظر الزبيدي: تاج العروس، مادة: فرج.
وسلَّم
(1)
: غَيِّرُوا الشَّيْب، ولا تَشَبَّهُوا باليَهُودِ.
وذكَرَ أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبِى حَاتِم الرَّازِيّ في كتاب الجَرْح والتَّعْدِيل، قال
(2)
: أحْمَدُ بن جَنَاب بن المُغِيرَة المِصّيْصيّ أبو الوَلِيد، رَوَى عن عِيسَى بن يُونُس. رَوَى عنهُ أبي وأبو زُرْعَة. سُئل أَبي عنهُ فقال: صَدُوق.
أخْبَرَنا بذلك الخَطِيبُ أبو البَرَكَات بن هاشِم إذْنًا، عن أبي طَاهِر الخَضِر بن الفَضْل المَعْرُوف برَجُل (a)، عن أبي عَمْرو بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبي حَاتِم.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بنُ الحَسَن بن زَيْد الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُريق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيب
(3)
، قال: أخْبرَني مُحَمَّد بنُ أحْمَد بن يَعْقُوب، قال: أخْبَرَنا مُحَمّد بن نُعَيْم الضَّبِّيّ، قال: أخْبَرَنِي عليّ بن مُحَمّد الحُبِّيْنِيّ (a) بمَرْو، قال: سَألتُ صالِح بن مُحَمَّد جَزَرَة عن أحْمَد بن جَنَابٍ المِصِّيْصيّ فقال: صَدُوقٌ.
قال الخَطِيبُ
(4)
: أخْبَرَنا الأزْهَريّ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن عُمَر الحافِظ، قال: أحْمَدُ بن جَنَاب بَغْدَاديٌّ يَرْوي عن عِيسَى بن يُونُس، آخِر من حَدَّثَ عنهُ أحْمَدُ بن الحَسَن بن عَبْد الجَبَّار الصُّوْفيّ. قال الخَطِيبُ: كَذَا قال عليّ بن عُمَر، ولم
(a) في النجوم الزاهرة 5: 380: المَعْرُوف بزحل.
(b) في الأصل: الحبيبيّ، وترد فيما بعد (الجزء السادس، في ترجمة الحكم بن مُوسَى): الحنينيّ، وصوابه المثبت، وهو منسوب إلى سكة معروفة بمدينة مرو تعرف بسكية حبين، السمعاني: الأنساب 4: 59، تاريخ بَغْدَاد 9:131.
_________
(1)
سنن النسائيّ شرح السيوطيّ 8: 137 (رقم 5073)، تاريخ بَغْدَاد 5:123. وأخرجه ابن حنبل: المسند 3: 9 (رقم 1415)، من طريق عثمان بن عروة عن أبيه عن الزبير. وأخرجه الترمذيّ: الجامع الكبير 3: 358 (رقم 1752)، وأبو يعلى الموصلي: المسند 2: 42 (رقم 681)، والبغوي: شرح السنة 12: 89 (رقم 3175)، وفيه:"اليهود والنصارى"، وابن بلبان: صَحيح ابن حبَّان 12: 287 (رقم 5473)، وفيه:"اليهود والنصارى"، من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة. والطبراني في المعجم الأوسط 2: 133 (رقم 1252)، وفيه:"اليهود والنصارى"، من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
(2)
الجرح والتعديل 2: 45.
(3)
تاريخ بَغْدَاد 5: 123.
(4)
تاريخ بَغْدَاد 5: 124.
يكن بَغْدَاديَّ الأصْل إنَّما هو مِصِّيْصيٌّ وَرَدَ إلى بَغْدَاد.
سَمِعَ أحْمَد بن الحَسَن بن عَبْد الجَبَّار الصُّوْفيّ من أحْمَد بن جَنَاب في رَجَب من سَنَة ثلاثين ومائتين فقد تُوفِّي بعد ذلك.
أحْمَدُ بن جَوَّاس المَنْبِجِيُّ
(1)
رَجُلٌ صَالِحٌ، أثْنَى عليه عليّ بن عَبْد الحَميْد الغَضَائِريّ، وحَكَى عنه مَنامًا رأى فيه يَحْيَى بن أكْثَم القَاضِي؛ وهو ما أخْبَرَنا به القَاضِي أبو المَجْد مُحَمَّدُ بن الحُسَين بن أحْمَد بن الحُسَين بن بَهْرَام القَزْوِينيّ، قِراءَةً عليهِ بحَلَب، قلتُ له: أخْبَرك أبو حَفْص عُمَر بن عَبْد المَجِيْد بن عُمَر المَيَّانْشِيُّ القُرَشِيّ بمَكَّة، فأقرَّ بهِ، وقال: نَعَم، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن حَامِد المقَدِسِيِّ، قال: أمْلَى علينا الشَّيْخُ أبو مُحَمَّد يَحْيَى بن مُحَمَّد الكَلْبيّ: أخْبَرَنا الشَّيْخ الفَقِيه أبو نَصْر أحْمَدُ بن عليّ بن مُحَمَّد المُقْرِئ النَّسَفِيّ بها، والشَّيْخُ الحافِظ أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن عبد الرَّحيمِ البركَديّ، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم مَيْمُون بن عليِّ بن مَيْمُون المَيْمُونيّ، قال: حَدَّثَنَا الأَمِين أبو سَهْل إسْحَاق بن مُحَمَّد بن إسْحَاق المَرْوزيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن عَلُّويَة العَبْدِيّ، قال: سَمِعْتُ عليّ بن عَبْد الحَميْد بن سُلَيمان الغَضَائِريّ بحَلَب يقُول: بلَغني عن أحْمَد بن جَوَّاس المَنْبِجِيّ، وكان من خِيَار عِبَاد اللهِ، قال: رأيتُ يَحْيَى بن أكْثَم في المَنَام، فقُلتُ: يا يَحْيَى، ماذا فُعِلَ بك؟ فقال: وَقَفْتُ بين يَديهِ جل جلاله فقال: يا شَيْخ السَّوْءِ، لولا شَيْبَتُك لأحرقْتُكَ بالنَّار، قال: فسَقَطْتُ بين يَدي رَبِّي جَلَّ وعَزَّ ونَزل بي
(1)
يرد في كتب الرجال اسم: أحْمَد بن جواس الحنفيّ، أبو عاصم الكُوْفِيُّ (ت 338 هـ)، ولعل الحنفي تصحف بالمنبجي أو بالعكس. انظر: الثّقات لابن حبَّان 8: 20، تهذيب الكمال 1: 285 - 286، الكشف 1: 54، سير أعلام النبلاء 11: 37، تاريخ الإسلام 5: 754، الوافي بالوفيات 6: 294، تهذيب التهذيب 1: 22، تقريب التهذيب 1:13.
ما يَنْزل بالعَبْد بين يَدي مَوْلاهُ، ثمّ أفقْتُ، فقالَ: يا شَيْخ السَّوْءِ، لولا شَيْبتُك لأحْرَقْتُكَ بالنَّار، قال: فسَقَطْتُ بين يَدي رَبّي جل جلاله، ونزلَ بي ما ينزل بالعَبْد بين يَدَي موْلاهُ، ثمَّ أفقْتُ فقال: يا شَيْخ السَّوْءِ، لولا شَيْبَتُكَ لأحرقْتُك بالنَّار، قال: فقلتُ: يا سَيِّدِي وموْلاي، ما هَكَذَا أُخْبرْتُ عنك. فقال: يا يَحْيَى، بماذا أُخْبِرْت عنِّي؟ فقُلتُ: حَدَّثَني عَبد الرَّزَّاق بن هَمَّام، عن مَعْمَر، عن الزُّهْرِيّ، عن أنَس بن مالِك، عن نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم، عن جِبرِيل صَلَواتُ الله عليهِ، عنكَ، تَبارَكْتَ وتعاليْتَ، أنَّكَ قُلت: لا يَشِيْبُ لي عَبْدٌ في الإسْلَام ثمّ أحرقه بالنَّار. فقال جل جلاله: صَدَقَ عَبد الرَّزَّاق، وصَدقَ مَعْمَرٌ، وصدَقَ الزُّهْرِيُّ وأنَسٌ، وصَدَقَ نَبِيّي، وصَدَق جِبْرِبلُ، انْطلقُوا به إلى الجَنَّة.
قُلتُ: وذَكَرنا هذا المَنَام فيما يأتي من كتابنا هذا
(1)
، في تَرْجَمَةِ بُشْرَى بن عَبْد الله المُقْتَدِريّ، عن عليّ بن عَبْد الحَميْد الغَضَائِريّ، عن أحْمَد بن عليّ الخَوَّاص، أنَّه رَأى المَنَام، وقد رَوَاهُ عُمَر بن سَعيد بن سِنَان عن أحْمَد بن سَلْم الخَوَّاص، وفي الرَّائِي للمَنام اخْتلافٌ قد ذَكَرناهُ في تَرْجَمَةِ يَحْيَى بن أكْثَم
(2)
. وقد قيل: إنَّ يَحْيَى بن أكْثَم رآهُ في حَياته، وَسَنَذْكُر ذلك فيما يَأتي من كِتابنا هذا إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
حَرفُ الحاءِ في آبَاءِ الأحْمَدِيْن
أحْمدُ بن حَرْب بن مُحَمَّد بن عليّ بن حَيَّان بن مَازِن بن الغَضُوْبَة الطَّائيّ
(3)
صَاحِب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، أبو عليّ المَوْصِلِيّ أَخُو عليّ بن حَرْب، وقيل: كُنْيَتُهُ أبو بَكْر.
(1)
لم يرد ذكره فيما يلي بضياع تَرْجَمَة بُشرى المقتدري في حرف الباء.
(2)
ترجمته في الضائع من الكتاب.
(3)
توفي سنة 263 هـ، ترجمته في: الثّقات لابن حبَّان 8: 39، الجرح والتعديل 3: 49، ابن زبر الربعي: =
نَزَلَ أَذَنَة؛ مَدِيْنَة من الثُّغُور الشَّامِيَّة، قد ذَكَرناها في مُقدِّمَة كتابنا هذا
(1)
، وحَدَّثَ بها عن أبي مُحَمَّد عَبْد الله بن إِدْرِيس الأوْدِيِّ، وأبي بِشْر إِسْمَاعِيْل بن إبْراهيم ابن عُلَيَّة الأسَدِيّ، وسُفْيان بن عُيَيْنَة، وأبي يَزِيد قاسم بن يَزِيد الجَرْميّ المَوْصِليّ، ومُصْعَب بن المِقْدَام، وعَبْد الرَّحمن بن مُحَمَّد المُحَارِبِيّ، وأبي بَكْر أحْمَد بن هِشَام بن الحَكَم، وأخيهِ عليّ بن حَرْب، وأبي بَكْر مُوسَى بن سَعِيد، وأحمد بن يُوسُف المَنْبِجِيّ، وأبي مُحَمَّد أسْبَاط بن مُحَمَّد القُرَشِيّ.
رَوَى عنهُ عَتِيقُ بن عبد الرَّحْمن الأسَدِيُّ الأَذَنِيُّ، ووَصِيْفُ بن عَبْد الله الأنْطَاكِيُّ الحافِظُ، وأبو الحُسَين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن المَلَطِيّ، وأبو الفَضْل صالح بن الأَصْبَغ المنَبِجِيُّ، وأبو اللَّيْث سَلْم بن مُعَاذ بن سَلْم البَصْرِيُّ، ومُحَمَّد بن عَبْدِ الله البَيْرُوتِيّ، وأبو بَكْر أحْمَد بن مُحَمَّد بن صَدَقَة.
أخْبَرَنا أبو المحاسِن الفَضْل بن عَقِيل بن عُثْمان بن عَبْد القَاهِر العبَّاسيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو النَّدَى حَسَّان بن تميْم الزَّيَّاتُ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح نصْرُ بن إبْراهيم المَقْدِسِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عُمَر بن أحْمَد بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ، قال: أخْبَرنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن المَلَطِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ أحْمَدُ بن حَرْب الطَّائيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد المُحَارِبِيّ، عن الوَصَّافِيّ، عن عَطِيَّة العَوْفِيّ، عن أبي سَعيد الخُدْرِيّ، هحال: قالَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
: ما من رَجُل يَعْتَذرُ إلى أخيهِ فلا يقبَل منه إلَّا تحمَّل كخَطئَة صَاحبِ مَكْسٍ.
= تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 242 (أرخ وفاته سنة 266 هـ)، المزي: تهذيب الكمال 1: 288 - 290، تاريخ الإسلام 6: 261، سير أعلام النبلاء 11: 35، 12: 253 - 254، الكاشف 54: 1، وانظر ترجمة أبيه حرب في الجزء الخامس من هذا الكتاب، وزاد في نسبه هناك: الخطامي.
(1)
في الجزء الأول من الكتاب.
(2)
الخرائطي: اعتلال القلوب 1: 251 (رقم 502)، وأخرجه ابن ماجه: السنن 2: 33 (رقم 3718)، من طريق ابن ميناء عن جوذان، ولفظه:"من اعتذر إلى أخيه بمعذرة فلم يقبلها منه كان عليه كخطيئة صاحب مكس".
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن قُشَام الحَلَبِيّ، قال: كَتَبَ إلينا الحافِظ أبو العَلَاء الحَسَنُ بن أحْمَد الهَمَذَانيّ أنَّ أبا جَعْفَر مُحَمَّد بن أبي عليّ أخْبَرَهم، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الصَّفَّارُ، قال: أخْبَرَنا ابنُ فَنْجُوَيه، قال: أخْبَرَنا الحاكِم أبو أحْمَد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الحافِظ
(1)
، قال: أبو بَكْر أحْمَدُ بن حَرْب بن مُحَمَّد بن عليّ بن حَيَّان بن مَازِن بن الغَضُوْبَة الطَّائيّ، صاحب رسُول الله صلى الله عليه وسلم، أخُو علِيّ بن حرْب، أصْلُهُما من المَوْصِل، سَكَنَ أحْمَدُ أَذَنَةَ، سَمِعَ أبا مُحَمَّد أسْبَاط بن مُحَمَّد القُرَشِيَّ، وأبا مُحَمَّد عبدَ الرَّحْمن بن مُحَمَّد المُحَارِبِيّ، كَنَّاهُ لي أبو اللَّيْث سَلْم بن مُعَاذ بن سَلْم البَصْرِيِّ (a).
وقَرَأتُ في كتاب الجَرْح والتَّعْدِيل لأبي مُحَمَّد بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ، قال
(2)
: أحْمَد بن حَرْب المَوْصِليّ، أخو عليّ بن حَرْب المَوْصِليّ، كان يَسْكن (b) الثَّغْر، رَوَى عن أبي مُعاوِيَة الضَّرِيْر، وأدْرَكته، ولم أكتُب عنهُ، وكان صَدُوقًا.
أنْبَأنَا بذلك أبو البَرَكَات بن هاشِم الخَطِيب، عن أبي طاهِر مُحَمَّد بن الفَضْل، قال: أنْبَأنَا أبو عَمْرو بن مَنْدَة، قال: أَخْبَرَنا حَمَد بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد المُعَافَى بن إسْمَاعِيْل بن الحُسَيْن بن أبي السِّنَان العَدْل، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن مكَارِم بن أحْمَد المُؤدّب، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم نَصْرُ بن مُحَمَّد بن أحمَد (c) بن صَفْوَان، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضائِل الحَسَنُ بن هِبَة الله الخَطِيبُ، وأبو البَرَكَات سَعْد بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَرَج مُحَمَّد بن
(a) في الأسامي والكنى للحاكم: التميمي بدل البصريّ،
(b) الجرح والتعديل: سكن.
(c) الأصل: أحمدين، أو أنَّه كرر كلمة "ابن"، وذكره بالسياق المثبت ابن عساكر في مُعْجَم شيوخه 1194، والسلفي في مُعْجَم السفر 233، وزادا في ألقابه: الذهلي الموصلي.
_________
(1)
الأسامي والكنى لأبي أحْمَد الحاكم 2: 197، وفيه: ابن الغضوية، تحريف.
(2)
الجرح والتعديل 2: 49.
إِدْرِيس، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور المُظَفَّر بن مُحَمَّد بن الطُّوْسيّ، قال: أخْبَرَنا أبو زَكَرِيَّاء يَزِيد بن مُحَمَّد بن إِيَاس الأزْدِيّ
(1)
، قال: ومنهم -يعني: من الطَّبَقَة السَّابِعة من عُلَماء المَوْصِل- أحْمَد بن حَرْب بن مُحَمَّد، وكان فَاضِلًا وَرِعًا، ورَحَلَ عن المَوْصِل إلى ثَغْر أذَنَة رَغْبةً في الجِهاد، فأوْطَن هُناك، وتكَلَّم في مَسْألةِ اللَّفظ الّتى وقَعَت إلى أهْلِ الثُّغُور فقال: فيما ذُكِرَ لي يقول مُحَمَّد بن دَاوُد المِصِّيْصيّ، فهَجَرهُ عليّ بن حَرْب لذلك، وتَرَكَ مُكَاتبَتَهُ.
وَرَوَى عن عَبْد الله بن إِدْرِيس، وسُفْيان بن عُيَيْنَة، وشارك عليًّا فى رِجَالِه، وتفرَّدَ عنهُ بإسْمَاعِيْل ابن عُلَيَّة، فإنَّ عليًّا لم يسمع منهُ.
وكانَ مَوْلدُهُ في سَنَة أرْبَعٍ وسَبْعِين ومائة، وتُوفِّى في صَدْر خِلَافة هارُون الرَّشِيْد بأذَنَة سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين ومَائتَيْن، ودُفِنَ بها، وله هناك ولد.
أخْبَرَنا المُبارَك بن مَزْيَد الخَوَّاصُ ببَغْدَاد، قال: أخْبَرَنا أبو السَّعَادَات نَصْرُ الله بن عبد الرَّحْمن القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المُبارَكُ بن عَبْد الجَبَّار الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عُمَر بن مُحَمَّد الحَرْبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكر مُحَمَّد بن عَبْد الله الأبْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَرُوبَة الحرَّانيُّ، قال: أحْمَد بن حَرب الطَّائيُّ المَوْصِلِيّ، نَزَلَ أذَنَة، وماتَ بها سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين، يُكْنَى أبا عليّ.
نَقَلْتُ من خَطِّ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، وأنْبَأنَا عنه أبو القَاسِم عبد الرَّحيم بن الطُّفَيْل وغيره، قال: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد هِبَةُ الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، عن أبي الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن أحْمَد التَّغْلِبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم تَمَّام بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الحافِظ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليّ بن الحَسَن بن عَلَّان
(1)
في كتابه طبقات محدثي الموصل، وهو كتاب مفقود، ذكره ابن العديم في ترجمة رفاعة بن شدَّاد (الجزء الثامن) وسماه:"طبقات محدثي أهل الموصل وفقهائهم"، ولم يرد لأحمد بن حرب ذِكْر في كتاب الأزدي الآخر: تاريخ الموصل.
الحَرَّانيّ، قال: أحْمَد بن حَرْب المَوْصِلِيِّ أخْبرَني أبو عَرُوبَة أنّهُ نَزَلَ أذَنَة وماتَ بها سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين ومَائتَيْن.
أحمدُ بن حَرِيز بن أحْمَد في خَميْس بن أحْمَد بن الحُسَين بن مُوسَى، أبو بَكْر السَّلَمَاسِيُّ القَاضِي
(1)
حَجَّ في سَنَة ثمانٍ وعشرين وأرْبَعِمائة، واجْتازَ بحَلَب في طَريقه، وذكَره الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ في تاريخ دِمَشْق
(2)
، بما أَخْبَرَنا به القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ الله الشِّيْرَازيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن، قال: أحْمَد بن حَرِيز بن أحْمَد بن خَمِيْس بن أحْمَد بن الحُسَين بن موسَى أبو بَكْر السَّلَمَاسِيِّ القَاضِي، قَدِمَ دِمَشْق سَنَة ثمانٍ وعشرين وأرْبَعِمائة حَاجًّا.
وحَدَّثَ عن أبِي عليّ الحُسَين بن مُحَمَّد بن يُوسُف اللِّحْيَانِيّ، وأبي القَاسِم الطَّيِّب بن يُمْن، وعِيسَى بن سُلَيمان الفَقِيه، ويُوسُف بن الحُسَين، وعَبْد الله بن مُحَمَّد بن حَبَابَة، وأبي حَفْص بن شَاهِين، وأبي بَكْر بن شَاذَان، وأبي بَكْر بن إسْمَاعِيْل الوَرَّاق، وأبي إسْحَاق إبْراهيم بن أحْمَد الطَّبَرىِّ، وأحمد بن طَالِب بن عُثْمان بن مُحَمَّد، وأبي مُحَمَّد كُوهِيّ الحَسَن بن يُوسُف، وغَيْرِهم.
رَوَى عنهُ أبو الحَسَن بن أبي الحَدِيْد، وأبو القَاسِم بن أبي العَلَاء، وأبو عبد الله بن أبي الحَدِيْد، وأبو القَاسِم عُمَر بن أحْمَد بن عُمَر الآمِدِيّ.
أنْبَأنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحسَن، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد الوَاحِد بن الحَسَن بن شَوَّاش، وأبو يَعْلَى حَمْزَةُ بن الحَسَن بن
(1)
كان حيًّا سنة 428 هـ، وترجمته في تاريخ الإسلام 9:432.
(2)
لم أقف على ترجمته في تاريخ ابن عساكر، وانظره في مُعْجَم شيوخ ابن عساكر 2:733.
(3)
مُعْجَم شيوخ ابن عساكر 2: 733.
أبي خَيْش (a)، وأبو القَاسِم الخَضِر بن الحُسَين بن عَبْدَان، قالوا: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم بن أبي العَلَاء سَنَة سَبْعٍ وتِسْعِين، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو بَكْر أحْمَد بن حَرِيز بن أحْمَد بن خَمِيْس السَّلَمَاسِيِّ قِراءَةً عليهِ بدِمَشْق، في شَهْر رَمَضَان سَنَة ثمانٍ وعشرين وأرْبَعِمائة، قَدِمَ علينا حَاجًّا، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحَسَنُ بن أحْمَد بن يُوسُف اللِّحْيانِيُّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن مُحَمَّد البَغَويُّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن حَنْبَل، قال: حَدَّثَنَا أبو أحْمَدَ الزُّبَيْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان، عن عليّ بن بَذِيْمة: حَدَّثَني قيسُ بن جُبَيْر
(1)
، عن ابن عبَّاسٍ، قال: قال رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم
(2)
: كُلُّ مُسْكر حَرامٌ.
ذِكْرُ مَنْ اسْمُ أبيْهِ الحَسَنُ من الأحْمَدِين
أحْمدُ بن الحَسَن بن أحْمَد، أبو العبَّاس الكَفْرطَابِيّ
(3)
خَطِيبُ سَقْبَا من ضِيَاع الغُوْطَة، أنشدَ عن أبي سَالِم البَارِيّ شِعْرًا، وكَتَبَهُ عنه الحافِظُ أبو المَوَاهِب الحَسَن بن هِبَة الله بن صَصْرَى، وذَكَره في مُعْجَم شُيُوخه، وقال في تَرْجَمَتِهِ ونَقَلْتُهُ من خَطِّه: أحْمَدُ بن الحَسَن بن أحْمَد
(a) مهملة في الأصل، والإعجام من ترجمته في تاريخ ابن عساكر 15:199.
_________
(1)
في مسند ابن حنبل 4: 218: حَبتر، وفي سنن الدَّارقطنيّ 3: 256 ما يوافق المثبت.
(2)
ابن حنبل: المسند 4: 218 (رقم 2625)، وسنن الدارقطني 3: 256 (رقم 56)، صحيح ابن حبَّان بترتيب ابن بلبان 12: 187 (رقم 5365).
ورواه الدارمي في سننه 2: 113، من طريق أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه، ورواه ابن أبي شيبة: المصنف 5: 66 (رقم 23734، 23735، 23739، 23740) ومسلم في صحيحه 3: 1586 (رقم 1733، 2002)، وسنن النسائيّ بشرح السيوطيّ 8: 296 (رقم 5582، 5590، 5591)، من طرق مختلفة غير طريق ابن عباس. ورواه ابن ماجه: السنن 2: 1123 (رقم 3387)، من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه. والترمذي: الجامع الكبير 3: 441 (رقم 1864)، ومسند أبي يعلى الموصل 470 (رقم 5621، 5622)، من طريق أبي سلمة عن ابن عمر. وسنن أبي داود 4: 89 - 90 (رقم 3684، 3685)، 91 (3687)، من حديث أم سلمة وحديث عائشة.
(3)
توفي بعد سنة 570 هـ، وترجمته في: تاريخ دِمَشْق لابن عساكر 71: 68 - 69.
الكَفْرطَابِيّ، الشَّيْخُ الصّالِح.
أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور بن نَسِيم إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو المَوَاهِب الحَسَنُ بن هِبَة الله بن صَصْرَى، قال: أنْشَدَنا الشَّيْخُ أبو العبَّاسِ الخَطِيبُ بسَقْبَا، قَرْيَةٌ من قُرَى الغُوْطَة، قال: أنْشَدَني الشَّيْخ أبو سَالِم المعرُوفُ بابنِ الذُّكُوْرىِّ، من أهل البَارَة، الخَطِيب ببَعْلَبَك:[من البسيط]
الحُرُّ مَنْ عرفَ الدُّنْيا فجاد بها
…
فإنَّما هي دُنيا كُلُّها غَرَرُ
تَصْفُو لِمَن عاش فيها وَهْيَ كارهَةٌ
…
صَفْوًا قَليلًا ويأتى بَعْدَهُ الكَدرُ
وَيْح اللِّئام أمَا يَدْرُون أنَّهُمُ
…
لا يُصْبحُ المالُ مقْبُورًا وقد قُبروا
لا باركَ اللهُ في مَالٍ تُثَمِّرُهُ
…
يَدُ البَخِيْلِ ولا يُجْنَى لهُ ثَمَرُ
قال الحافِظُ أبو المَوَاهِب، ورَأيتُهُ بخَطِّهِ: أخْبَرَني هذا الشَّيْخُ، رحمه الله، أنَّهُ سَمِعَ حَدِيثًا ببَغْدَاد وبدِمَشْق، ولم يَقَع إليَّ من سَمَاعِه شيءٌ، وتُوفِّيَ بعدَ السَّبْعين
(1)
وقد جاوزَ التِّسْعِين سنةً، وأقامَ خَطِيْبًا ستِّين سَنَةً، وحَفَّظَ جَمَاعَةً القُرْآن، وعادَتْ عليهم بَركاتُهُ.
أحْمَد بن الحَسَن في جُنَيْدب (a) التِّرمِذيّ، أبو الحَسَن الحافِظُ
(2)
صاحب الإمَام أحْمَد بن حَنْبَل، قَدِمَ الشَّامَ ودَخَلَ الثُّغُور الشَامِيَّةَ، وسَمِعَ
(a) في الأصل: جندب، ولم أجد ما يعضده في المصادر، والمثبت بالتصغير من مصادر ترجمته التالية باتِّفاقها.
_________
(1)
أي: وخمسمائة.
(2)
توفي بعد سنة 241 هـ، وترجمته في: الثّقات لابن حبَّان 8: 27، تاريخ دِمَشْق لابن عساكر 71: 59 - 61، المزي: تهذيب الكمال 1: 290 - 293، الكاشف 1: 55، (وفيه: مات قبل 205 هـ!)، سير أعلام النبلاء 12: 156 - 157، تاريخ الإسلام 5: 997، تذكرة الحفاظ 2: 536، الوافي بالوفيات 6: 319 - 320، تهذيب التهذيب 1: 24، تقريب التهذيب 1: 13، السيوطيّ: طبقات الحفاظ 239 - 240.
بها أبا تَوْبَة الرَّبِيْع بن نَافِع الحَلَبِيّ، ومُحَمَّد بن عِيسَى بن الطَّبَّاع، ورَوَى عنهُما، وعن أحْمَد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل وغيرهم؛ رَوَى عنهُ الإمَام أبو عبد الله مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ في صَحِيْحه، وأبو عِيسَى التِّرْمِذيُّ في جَامِعهِ وغيرهما.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم أحْمَدُ بن عبد الله بن عبد الصَّمَد السُّلَميّ البَغْدَاديّ، وأبو سَعْد ثَابِتُ بن مُشَرَّف بن أبي سَعْد البنَّاءُ البَغْدَاديُّ، وأبو الحَسَن عليّ بن أبي بَكْر بن عبد الله بن رُوزْبَة البَغْدَاديّ، قالوا: أخْبَرَنا أبو الوَقْتِ عَبْدُ الأوَّل بن عِيسَى السِّجْزِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن الدَّاوُودِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَمَوِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن يُوسُفَ الفِرْبريّ، قال: أخْبَرَنا أبو عبد اللهِ مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن حَنْبَل بن هِلال، قال: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بن سُلَيمان، عن كَهْمَس، عن ابن بُرَيْدَةَ، عن أَبيهِ، قال: غَزا مع رسُول الله صلى الله عليه وسلم ستَّ عَشْرَةَ غَزْوةً.
أخْبَرَنا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ الله بن الشِّيْرَازيّ، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بنُ الحَسَن
(1)
، قال: أحْمَدُ بن الحَسَن بن جُنَيْدب (a)، أبو الحَسَن التِّرْمِذيّ الحافِظ، رَحَّالٌ؛ طَوَّفَ الشَّامَ ومِصْر والعِرَاق، واجْتازَ بدِمَشْقَ.
سَمِعَ بمِصْرَ: سَعيدَ بن الحَكَم بن أبي مَرْيَم، وسَعِيدَ بن كَثِيْر بن عُفَيْر، وأبا صَالِح عبْد الله بن صالِح.
وبالشَّام: آدَم بن أبي إِيَاس، ويَزِيْد بن عَبْد رَبِّه الجُرْجُسِيّ (b)، وأبا تَوْبَة الرَّبِيْع بن نَافِع، ومُحَمَّد بن عِيسَى بن الطَّبَّاع.
(a) الأصل: جندب، والمثبت من ابن عساكر (مصدر النقل)، وتقدم التعليق عليه.
(b) مهملة الأوّل في الأصل، كان منزله عند كنيسة جرجس فنسب إليها، انظر: الثقات لابن حبَّان 9: 274، تهذيب =
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 59 - 60.
وبالعِرَاق: يَعْلَى بن عُبَيْد، وعُبَيْد الله بن مُوسَى، وأبا نُعَيْم، وأبا النَّضْر هاشِم بن القَاسِم، وأَسْوَد بن عَامِر شَاذَان، ومُحَمَّد بن عَبْد اللهِ الأنْصَاريّ، وعَمْرو بن عَاصِم الكِلابِيّ، وأبا النُّعْمان مُحَمَّد بن الفَضْل عَارِمًا، وأحمد بن حَنْبَل، والحَسَن بن الرَّبِيْع البُوْرَائيّ (a)، ووَضَّاح بن يَحْيَى النَّهْشَلِيّ، وقَيْس بن حَفْص الدَّارِمِيِّ، ومُحَمَّد بن عَرْعَرَة بن البِرِنْد (b)، وغيرهم.
رَوَى عنهُ البُخاريّ في الصَّحيح، وأبو عِيسَى التِّرْمِذيّ في جَامِعهِ، وإبْراهيمُ بن أبي طَالِبٍ، وأبو بَكْر بن خُزَيْمَة، ومُحَمَّد بن النَّضْر الجَارُودِيّ، وجَعْفَر بن أحْمَد بن نَصْر الحافِظُ، وأبو عبدِ الله مُحَمَّدُ بن اللَّيْث المَرْوَزيّ.
أنْبَأنَا عَبْدُ الله بن عُمَر، وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر، قالا: أخْبَرَنا أبو الخَيْر القَزْوِينيّ، قال: أخْبَرَنا زَاهِرُ بن طَاهِر، قال: أخْبَرَنا أبَوَا بَكْر البيهَقِيّ والحِيْرِيّ، وأبَوَا عُثْمان الصَّابُونِيّ والبَحِيْرِيّ إجَازَهً، قالوا: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحافِظُ، قال: أحْمَد بن الحَسَن الحافِظ، أبو الحَسَن التِّرْمِذيّ، صاحبُ أحْمَد بن حَنْبَل، وَرَدَ نيسَابُور سَنَة إحْدَى وأرْبَعين ومَائتيْن، فحدَّثَ في مَيْدَان الحُسَين، ثُمَّ حَجَّ، وانْصَرَفَ إلى نَيْسَابُور، فأقام بها مُدَّةَ سنَةٍ يُحَدِّثُ، فكَتب عنهُ كَافَّةُ مَشَايخنا، وسَألُوه عن عِلَل الحَدِيْث والجَرْح والتَّعْدِيل، وذَكَرَ بعضَ مَنْ سَمِعَ منهُ، ثمّ قال: رَوَى عنهُ مُحَمَّدُ بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ في الجامع الصَّحيح، وسَمِعَ منهُ مَشَايخُنا بنَيْسَابُور.
= الكمال 1: 291، تذكرة الحفاظ 2: 423 - 424، ابن كثير: البداية والنهاية 10: 292، وتهذيب التهذيب 11: 344 - 345، وتقريب التهذيب 2: 367، وفي ضبط حرف: بجيمين مضمومتين بينهما راء ساكنة، وسير أعلام النبلاء 10:667.
(a) الأصل: البورانيّ، وله ترجمة تأتي في موضعها من الجزء الخامس، وقيده هناك بما يوافق المثبت، ونبه ابن ناصر الدين (توضيح المشتبه 1: 642) أن الصواب في نسبته هو: البُوْرَائيّ، فارسيّ معرّب وهي الحُصُر التي من القصب.
(b) الضبط من تاريخ بَغْدَاد 7: 75، في ترجمة ابنه إبْرَاهِيم، والمزي: تهذيب الكمال 1: 291.
أَنْبَأنَا تاجُ الأُمَناءَ أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن هِبَة الله، قال: أخْبَرَنا عمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة الله
(1)
، قال: كَتَبَ إليَّ أبو نَصْر عبدُ الرَّحيم بن عَبْد الكَريم القُشَيْريّ: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَيْهَقِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عبد اللهِ الحافِظُ، قال: حَدَّثَني أبو أحْمَد الحُسَين بن مُحَمَّد بن يَحْيَى، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسْحَاق بن خُزَيْمَة، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن الحَسَن التِّرْمِذِيّ بنَيْسَابُورَ، وكان أحَدَ أوْعيَة العِلْم.
أحْمدُ بن الحَسَن بن الحُسَيْن بن أحْمَد الشِّيْرَازيّ الوَاعِظُ، أبو نَصْر
(2)
دَخَلَ الشَّام، وجَالَ في أقْطَارها وسَوَاحلها، واجْتازَ بحَلَب، أو ببعض أعْمَالها، في طَرِيقهِ ما بين الجَزِيرَة وأطْرَابُلُس الشَّام.
ذَكَرهُ أبو سَعْد السَّمْعَانيّ، بما أخْبَرَنا به أبو هاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، إجَازَة إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أحْمَد بن الحَسَن بن الحُسَيْن بن أحْمَد الشِّيْرَازيّ الوَاعِظُ من أهل شِيْرَاز، سَكَنَ دِيَار مِصْر والإسْكَنْدَرِيَّة. وكان حَافِظًا فَاضِلًا عَارِفًا بطُرق الحَدِيْث، رَحَلَ عن بَلَده، وسَافَرَ إلى العِرَاق والشَّام والسَّواحل والجَزِيْرَة، وكان بمِصْر يُخَرِّجُ على الشُّيُوخ مثل: القَاضِي أبي عبد الله مُحَمَّد بن سَلامَة القُضَاعِيّ، وأبي الحَسَن عليّ بن الحَسَن بن الحُسَين الخِلْعِيّ (a) وغيرهما.
سَمِعَ أبو نَصْر الشِّيْرَازيّ ببلَده شِيْرَاز: أبا مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد
(a) ضبطه في الأصل في بعض المواضع بفتح اللام، وصوابه بكسر الخاء وسكون اللام، نسبة لمن يبيع خلع الملوك. انظر: توضيح المشتبه لابن ناصر الدين 3: 439، وتاج العروس، مادة: خلع.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 60.
(2)
توفي بعد سنة 436 هـ، وترجمته عند المقريزي: المقفى الكبير 1: 359.
الدِّمَشقيِّ، وأبا بَكْر أحْمَدَ بن مُحَمّد بن علىِّ الجَوَالِيْقِيّ، وأبا الحَسَن علىِّ يُوسُف بن أحْمَد الحافِظ، وأبا القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن القَسَّام، وأبا القَاسِم عبد الصَّمَد بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الحافِظ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن أحْمَد بن اللَّيْث الصَّفَّار.
وبالأهْوَاز: أبا عبد الله الحُسَين بن مُحَمَّد بن عُمَر بن إبْراهيم الخَطِيبَ الفَرَضِيّ، وأبا القَاسِم رِضْوَان بن الحَسَن بن يَعْقُوبَ بن سَهْلَان الفَقِيه، وأبا الحَسَن عليّ بن عُمَر بن أحْمَد البَرْمَكِيّ.
وبإيْذَج: أبا القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن عبد الرَّحيم البَصْرِيّ.
وبكَازَرُون: أبا الحُسَيْن عَبْد المَلِك بن الحَسَن بن سِيَاوُش الفَارِسِيّ.
وبالبَصْرَة: أبا مُحَمَّد الحَسَن بن مُحَمَّد بن أحْمَد الفَقِيه الشَّافِعيّ، وأبا الحُسَين مُحَمَّد بن عليّ بن أحْمَد السِّيْرَافيّ، وأبا إسْحَاق إبْراهيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَةَ بن غَسَّان البَصْرِيّ، وأبا الرَّبِيْع سُليْمان بن نُفَيْد (a) بن رَاشِد الحَنَفِيّ الشَّاهِد.
وبالنُّعْمانيَّة: أبا بَكْر عبدَ الله بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن رِزْقُوَيْه البَغْدَاديّ.
وببَغْدَاد: القَاضِي أبا الطَّيِّب طَاهِرَ بن عَبْد الله الطَّبَريّ، وأبا الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عُبْدُوْس بن كَامِل الزَّعْفَرَانىِّ السُّلَمِىِّ، وأبا طَالِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إبْرَاهيم بن غَيْلان البَزَّازَ، وأبا القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن عليّ بن أحْمَد بن الفَضْل الأَزَجِيّ، وأبا الحُسَين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن المُظَفَّر السَّرَّاج الدَّقَّاق، وأبا بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك بن بِشْرَان القَنْدِيّ، وأبا الفَرَج الحُسَين بن عليّ بن أحْمَد الطَّناجِيريّ (b)، وأبا إسْحَاق إبْراهِيم بن عُمَر بن أحْمَد البَرْمَكِيّ، وأبا حَفْصٍ
(a) الضبط من الشجري في أماليه الخميسية 1: 217، وفيه: سُلَيمان بن نفيد بن مُحَمّد.
(b) في الأصل: الطناجُريّ، ويأتي فيما بعد صحيحًا في عديد المواضع التي اتَّصل سنده بها، وانظر: أمالي الشجري الخميسية 1: 118، تاريخ بَغْدَاد 8: 635، المنتظم لابن الجوزي 15: 309، سبط ابن الجوزي: =
عُمَر بن مُحَمَّد بن عليّ بن عَطِيَّة المَكِّيّ، وأبا طَالِب مُحَمَّد بن عليّ بن الفَتْح بن العُشَارِيّ، وأبا القَاسِم عبد الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن لُؤْلُؤ البَغْدَاديّ، وأبا مُحَمَّد الحَسَنَ بن عليّ بن مُحَمَّد الجوهَرِيّ.
وبأصْبَهَان: أبا بَكْر مُحَمَّد بن عبد الله بن رِيْذَةَ الضَّبِّيَّ، وأبا مَنْصُور أحْمَد بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الصَّيْرَفِيّ، وأبا طَاهِر مُحَمَّد بن أحْمَدَ بن عبد الرَّحيم الكَاتِب، وأبا بَكْر مُحَمَّد بن عليّ الجُوزْدَانِيّ، وأبا الفَرَج مُحَمَّد بن عبد الله بن جَعْفَر البَزَّازَ الحافِظ، وأبا طَاهِر عَبْد الكَريم بن عَبْد الوَاحِد بن مُحَمَّد بن سُلَيمان الحَسَنَابَاذِيَّ.
وبمَكَّة: أبا القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن بُنْدَار بن عليّ الشِّيْرَازيَّ، وأبا القَاسِم عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن الأدِيْب، والقَاضِي أبا عبد الله مُحَمَّد بن سَلامَةَ بن جَعْفَر القُضَاعِيِّ، وبمِصْر أيضًا.
وسَمِعَ بمِصْرَ أبا الحَسَن مُحَمَّد بن الحُسَين بن الطَّفَّال النَّيْسَابُوريّ، وأبا القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن الحَسَن بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّابَ، وأبا طَاهِر مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن سَعْدُون المَوْصِلِيّ، وأبا زَكَرِيَّاء عبد الرَّحيم بن أَحْمَد بن نَصْر البُخاريّ الحافِظَ، وأبا الحَسَن عَبْد المَلك بن عبد اللهِ بن مَحْمُود بن مِسْكِين الفَقِيه، وأبا الحُسَين مُحَمَّد بن الحَسَن بن التُّرْجُمان الغَزِّيّ (a) الصُّوْفيّ.
وببَيْت المقدِس: أبا عبْد اللهِ مُحَمَّد بن عليّ البَيْهَقِيّ.
وبِصُوْر: أبا الفَرَج عَبد الوَهَّاب بن الحُسَيْن بن عُمَر بن بَرْهان الغَزَّال، وأبا مُحَمَّد عبد الله بن عليّ بن عِيَاض بن أحْمَد بن أبي عَقِيْل القَاضِي، وأبا مَنْصُور
= مرآة الزمان 18: 465، واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير 2: 285 (والضبط منه)، وسير أعلام النبلاء 17: 618 - 619، والوافي بالوفيات 7: 205، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 247.
(a) كذا في الأصل، ومثله في الوافي بالوفيات 3: 10، وفي سير أعلام النبلاء 18: 50 - 51: العزيّ، ووقع اختلاف في اسم أبيه، فيرد أيضًا باسم: الحُسَيْن كما هو في سير أعلام النبلاء والوافي بالوفيات، وانظر السمعاني: الأنساب 4: 33 - 35، 10:41.
نَصْر بن أبي نَصْر الطَّوْسيّ المُقْرِئ.
وبأطْرَابُلُس: أبا الحَسَن حَامِد بن مُنِير بن عَبد الرَّزَّاق الطَّرابُلُسِيّ، وأبا الفَيْض مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن رَجَاء الشَّاهِد.
وبتِنِّيْس (a): أبا الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن عُثْمان بن جَابِر القَاضِى. وبدِمَشق: أبا الحُسَين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن عُثْمان بن أبي نَصْر التَّمِيْمِيّ، وأبا عبد الله مُحَمَّد بن عليّ بن يحيَى بن سلوَان المَازِنِيّ، وأبا القَاسِم عليَّ بن الفَضْل بن طَاهِر بن الفُرَات المُقْرِئ، وأبا عليّ الحُسَيْن بن عليّ بن إبْراهيم الأهْوَازِيّ المُقْرِئ، وأبا القَاسِم الحُسَين بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الحِنَّائِيّ.
وبمَيَّافَارقِين: أبا الفَتْح العبَّاس بن أحْمَد بن العبَّاس بن بهَّات العَدْلَ. وبآمِد: أبا مَنْصُور مُحَمَّد بن أحْمَد بن القَاسِم المُقْرِئَ، وأبا القَاسِم بن أحْمَد بن إسْحَاق بن أَحْمَد الأصْبَهَانِيَّ.
وبالمَوْصِل: أبا نَصْر أحْمَد بن عَبْد البَاقِي بن الحُسَين بن طَوْق الشَّاهِد.
وبتَكْرِيت: أبا الغَنائِم حَاجِبَ بن حَمْزَة بن القَاسِم بن شُعَيْب الزَّاهِد؛ وجَمَاعَةً كَثِيْرة سوى مَنْ ذكَرناهُم.
صَنَّفَ كِتَاب المُعْجَم لأسْماءِ أصْحَاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم، سَمِعَ منهُ ذلك الكتابَ في مُجَلَّدين أبو اللَّيْث نَصْرُ بن الحَسَن بن القَاسِم التّنْكُتيّ (b) التَّاجر.
(a) ضبطها في الأصل بفتح التاء خلاف المشهور، ويتكرر ضبطه لها بالفتح في العديد من المواضع التالية. انظر: ياقوت: معجم البلدان 2: 51 - 54، غرائب الفنون لمجهول 388، المقريزي: الموعظ والاعتبار 1: 426، ابن سباهي زادة: أوضح المسالك 255.
(b) في الأصل بإهمال التاء الأولى والنون، وهي نسبة لتُنكت؛ مَدِينَة من مدن الشاش، ويكنى أيضًا: أبا الفتح. ضبطها السمعانى بفتح الكاف، وياقوت بضمها، واعتمدنا قول ياقوت. انظر: السمعاني: الأنساب 3: 88، ياقوت: مُعْجَم البلدان 2: 50، الوافي بالوفيات 27:59.
أخْبَرَنا أبو هاشِم الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن أبي بَكْر بن أبِي المُظَفَّر المَروَزيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا الإمَامُ والدي رحمه الله إجَازةً، قال: أخْبَرَنا أبو القاسِم هِبَةُ الله بن عَبْد الوَارِث الشِّيْرَازيّ الحافِظُ كِتابةً، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن الحسَن بن الحُسَين، أبو نَصْر الشِّيْرَازيّ بمِصْرَ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عبد اللهِ أبو بَكْر بن رِيْذَة الضَّبِّيّ، قال: أخْبَرَنا سُليْمانُ بن أحْمَدَ بن أيُّوب، قال: حَدَّثَنَا أحْمدُ بن مُحَمَّد بن الحَارِث بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن اليَحْصُبِىّ، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: بَقِيَّةُ بن الوَلِيد، عن أبي بَكْر بن أبي مَرْيَم، عن حَبِيْب بن عُبَيْد، عن المِقْدَام بن مَعْد يكَرِب الزُّبَيْدىّ رَضِىَ اللهُ عنهُ
(1)
، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، قال: يأتي على النَّاسِ زَمَانٌ مَنْ لم يَكُنْ معَهُ أصْفَر وأبْيَضُ لم يتَهَنَّ بالعَيْشِ.
أخْبَرَنا أبو هاشِم بن الفَضْل عن أبى سَعْد السَّمْعَانيِّ، قال: ماتَ أبو نَصْر أحْمَدُ بن الحَسَن بن الحُسَين الشِّيْرَازيّ الحَافِظ بعْدَ سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة؛ فإنَّ أبا اللَّيْث الشَّاشِيَّ سَمِعَ منهُ فى هذه السَّنَة بالإسْكَنْدَرِيَّة.
أحْمَد بن الحَسَن بن زُرَيْق الحَرَّانيّ، أبو مُحَمَّد
(2)
حَدَّثَ بدِمَشْقَ، واجْتَازَ بحَلَب في طريقه إليها من حَرَّان، أو ببَعْض عَمَلها.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحَسَن قال: أخْبَرَنا عَمِّي أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظُ
(3)
، قال: أحْمَدُ بن الحَسَن بن زُرَيْق، أبو مُحَمَّد الحَرَّانيّ، حَدَّثَ بدِمَشْقَ عن عبدِ الله بن مُحَمَّد النُّفَيْلِيّ، وإسْمَاعِيْل بن عبدِ الله بن زُرَارَة الرَّقِّىِّ، وعَبْد العَزِيْز بن دَاوُد الحَرَّانيّ.
(1)
الطبرانيّ: المعجم الأوسط 3: 141 (رقم 2290)، الأصبهاني: حلية الأولياء 6: 102.
(2)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 65.
(3)
تاريخ ابن عساكر 71: 65.
رَوَى عنهُ أبو المَيْمُون بن رَاشِد، وأبو عليّ بن حَبِيْب الحَصَائريّ، وأبو الطَّيِّب أحْمَد بن إبْراهيم بن عَبَادِل.
أحْمدُ بنُ الحَسَن بن عَبدِ الله، أبو الحَسَن المَلَطِيُّ المُقْرِئُ
قَرأ القُرْآن العَظِيْم برواية عَاصِم بن أبي النَّجُود على أبي الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن أَيُّوبَ بن الصَّلْت بن شَنَبُوذ، وأخْبَره أنّهُ قَرأ على أبي مُحَمَّد عبد الله بن سُلَيمان الرَّقِّيّ، وأخْبره أنّه قَرأ على أبي زيْد عُمَر بن شَبَّة، وأخْبَره أنّهُ قَرأ على أبي أحْمَد جَبَلَة بن مَالِك بن جَبَلَة النَّضرِيّ (a)، وأخْبرهُ أنَّهُ قَرَأ على المفضّل، وأخْبَره أنّهُ قَرأ على عَاصِم.
رَوَى عنهُ أبو الحَسَن أحْمَد بن مُلاعِب الحَلَبِيّ، أنْبَأنَا بذلك عُمَر بن قُشَام، عن أبي العَلَاء الحافِظ، قال: قَرأتُ به على أبي العِزّ الوَاسِطِيّ، وأخْبَرهُ أنَّهُ قَرأ على ابن مُلاعِب.
أحمدُ بن الحَسَن بن عَبد الرَّزَّاق بن عَبد الوَهَّابِ، أبو الفَوَارِس
قاضي بَالِس، حَدَّثَ بها عن أبي بَكْر أحْمَد بن الحُسَين بن عليّ البَيْهَقِيّ. رَوَى عنهُ القَاضِي أبو البَرَكَات مُحَمَّدُ بن عليّ بن مُحَمَّد الأنْصَاريّ قاضي سُيُوط.
أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُرْتَضَى بن حَاتِم بن المُسَلَّم الحَارِثِيّ، في كِتَابِهِ إليْنَا، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو البَرَكَاتِ مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد الأنْصَاريُّ، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخان: القَاضِي الأجَلّ أبو الفَوَارس أحْمَدُ بن الحَسَن بن عَبد الرَّزَّاق بن عَبد الوَهَّاب الحاكِم يَوْمئذٍ ببَالِس، والشّيْخُ أبو بَكْر مُحَمَّد بن مَنْصُور بن الفَرَج
(a) وردت مهملة في الأصل، وشهرته بالداريّ، ولم يرد أنَّه بصريّ، والأقرب إلى أن يكون: النضريّ؛ من بني النضر بن كنانة. انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 1: 336، أسد الغابة 1:269.
الدِّيْنَورِيّ، بقراءتي عليهما بمَدِيْنَة بَالِس، في صَفَر سَنَة تِسْعٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن الحُسَيْن بن عليّ البَيْهَقِيّ، رحمه الله، قراءةً عليه، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَضْل القَطَّان، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو بن السَّمَّاك، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عَبْد الجَبَّارِ أبو مُعاوِيَة، عن الأَعْمَش، عن عَمْرو بن مُرَّة، عن سَالِم بن أبي الجَعْد، عن أبي الدَّرْدَاءِ، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
: ألَا أُخْبرُكم بأفْضَل من درجَةِ الصِّيَام والصَّلاة والصَّدَقَة؟ قالوا: بلَى يا رسُول الله، قال: صَلَاح ذَات البَيْن، فإنَّ فَسَاد ذَات البَيْن هي الحالقَةُ. لم يُرِد أنَّها تَحْلِقُ الشَّعَرَ بل تَحْلِقُ الدِّين.
أحمدُ بن الحَسَن بن عليّ بن كُلَيْب، أبو جَعْفَر الطَّرَسُوسِيِّ
حَدَّثَ عن أبي الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد بن سَلَّام الطَّرَسُوسِيّ، ومُحَمَّد بن إبْرَاهيم بن أبي أُمَيَّة الطَّرَسُوسِيّ، وأبي حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَاهِر بن أبي خَيْثَمَة، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن دَاوُد بن عِيسَى الكَرْجِيّ.
رَوَى عنهُ أبو القَاسِم هِبَةُ الله بن سُلَيمان الجَزَرِيّ، وأبو الحُسَين عَتِيق بن إبْرَاهيم بن أحْمَد ابن الكَاتِب الإسْكَنْدَرَانِيّ؛ سَمِعَ منهُ بأطَرابُلُس، وكتبَ عنهُ مُحْتَسِب دِمَشْق إبْراهيم في عبدِ اللهِ بن حِصْن الأنْدَلُسِيُّ، وأبو إسْحَاق إبْراهيم بن هِبَة الله بن إبْرَاهيم.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبد الوَهَّاب بن رَوَاج الإسْكَنْدَرَانِيّ بمنَظَرة سَيْفِ الإسْلَام بين مِصْر والقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ، والشَّرِيْفان أبو مُحَمَّد عبدُ الله، وأبو الطَّاهِر إسْمَاعِيْل ابْنَا أبي الفَضْلِ عَبْد الرَّحْمن بن
(1)
سنن أبي داود 5: 218 (رقم 4919)، الترمذي: الجامع الكبير 4: 279 (رقم 2509)، الطبرانيّ: المعجم الكبير 1: 109، البغوي: شرح السنة 13: 116 (رقم 3538)، صحيح ابن حبَّان بترتيب ابن بلبان 11: 489 (رقم 5092)، المسند الجامع 14: 368 (رقم 11027).
يَحْيَى الدِّيباجِيّ، إجازَةً من كُلِّ واحدٍ منهم، قالوا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الله بن يَحْيَى بن حَمُّود المالِكِيُّ، قال: أخْبَرَنا أَبو مَعْشَر الطَّبَريّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَة الله بن سُلَيمان الجَزَرِيّ بمَيَّافَارقِين، قال: حَدَّثَنَا أبو جَعْفَر أحْمَدُ بن كُلَيْب الطَّرَسُوسِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن دَاوُد بن عِيسَى الكَرْجِيّ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيمُ بن الهَيْثَم البَلَدِيُّ، قال: حَدَّثَنَا آدَمُ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَة، عن الأَعْمَش، عن يَحْيى بن وَثَّاب، عن ابن عُمَر، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
: المُؤْمِن الّذي يُخَالِطُ النَّاسَ، ويَصبر على أذاهُم، أفْضَل من المُؤْمِن الّذي لا يُخالِط النَّاس ولا يَصْبرُ على أذَاهُم.
أحمدُ بن الحَسَن بن عِيسَى الخشَّاب، أبو الفَتْح الحَلَبِيِّ الكُرْدِيّ
من بُيُوت حَلَب المَذْكُورَة القَدِيْمَة، وعِيسَى الخَشَّاب جَدّهم كان مُقَدَّمًا في دولة بني حَمْدَان، وتَقَدَّم بنُوه وعَقبهُ بعْدَهُ، ورَأسوا بها، واتَّخَذُوا الأمْلَاك بحَلَب، ومال إليهم الشِّيْعَةُ بها، وتَولّوا بها المَرَاتِب السَّنِيَّة، وسيأتي في كتابنا هذا ذِكْرُ جَمَاعَة منهم
(2)
، وكان أبو الفَتْح هذا من فُقَهَاء الشِّيْعَة، ومن أعْيَان حَلَب، وكان عنده تَدَيّنٌ وَوَرَعٌ.
سَمِعَ بحَلَب الحُسَيْن بن أحْمَد القَطَّان البَغْدَاديّ، وأبا مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن
(1)
ابن أبي شيبة: المصنف 5: 294 (رقم 26211)، ابن حنبل: المسند 7: 94 (رقم 5022)، ابن ماجه: السنن 2: 1338 (رقم 4032)، الترمذيّ: الجامع الكبير 4: 278 (رقم 2507)، الطبرانيّ: المعجم الأوسط 1: 239 (رقم 370).
(2)
انظر تراجم: أحْمَد بن مُحَمَّد الخشَّاب أبو الحَسَن (الجزء الثالث)، وأحمد بن مَيمُون بن عَبد الله الخشَّاب (الجزء الثالث)، وأسَد بن مُحمَّد المِصِّيْصيّ الخَشَّاب (الجزء الرابع)، والحَسَن بن إبْرَاهِيم بن سَعيد بن يَحْيى بن مُحمَّد بن الخشَّاب (الجزء الخامس)، والأديب ابن الخَشَّاب (الجزء العاشر)، وابن الخشَّاب القَاضِي الهاشميّ (الجزء العاشر)، (لم يقف ابن العديم على اسميهما فذكرهما في الكنى والألقاب)، إضافة إلى آخرين لم يفردهم بالتَّرْجَمَة وذكرهم عرضًا حيثما اتصلت الرواية بهم.
الحَسَن الوَاعِظ النَّيْسَابُوريّ، وأبا الحَسَن مُحَمَّد بن الحُسَين البَصْرِيّ، وكَتَبَ عنهم.
قَرأتُ بخَطّ أبي الحَسَن مُحَمَّد بن أبي الفَتْح أحْمَد بن الحَسَن بن عِيسَى الخَشَّاب لنَفْسِه أبْيَاتًا يَرْثِي بها أباهُ أحمَد، وقد تُوفِّي بحَلَب:[من السريع]
أتانيَ الدَّهْرُ بما لم أزَلْ
…
أحذَرُهُ منْهُ وأَخْشَاهُ
بفَقْدِ مَوْلًى فعْلُه دائمًا
…
للخَيْر أَدْنَاهُ وأَقْصَاهُ
مُرَاقبًا في كُلِّ أفْعالِهِ
…
للهِ ذِي العزَّةِ مَوْلَاهُ
تالِى كِتَابِ اللهِ مُسْتَشْعِرًا
…
بآيهِ قَدْ فازَ مَسْعَاهُ
قوَّامُ لَيْلٍ صَائمٍ دَهْرَهُ
…
ذُو غَيْرَةٍ للدِّين أَوَّاهُ
غَزِيْرُ عِلْمٍ عالِمٌ عَامِلٌ
…
رجَاهُ في أفْعالِهِ اللهُ (a)
كَرِيمُ نَفْسٍ باذلٌ جُهْدَهُ
…
يُنْهَبُ منهُ المَالُ والجاهُ
بَاكٍ لأوْلَادِ نَبيِّ الهُدَى
…
قد ذهَبَتْ بالدَّمْع عَيْنَاهُ
وَصولُ أرْحَامٍ على قَطْعِها
…
يُعْطي بيُمْنَاهُ ويُسْرَاهُ
يا رَبّ بَلّغْ أحْمَدًا سُؤلَهُ
…
أَكْرِمْ غَدًا في البَعْثِ مَثْوَاهُ
أحمدُ بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن الحُسَين ابن عِيسَى بن يَحْيَى بن الحُسَين بن زَيْد بن عليّ بن الحُسَين بن عليّ بن أبي طَالِب، أبو الطّيِّب ابن القَاضِي أبي مُحَمَّد العَلَويّ، الزَّيْدِيّ الشَّريفُ
أخو الشَّريف أبي الغَنائِم الزَّيْدِيّ النَّسَّابَة.
أصْلُهُ من الكُوفَة. وتَولَّى أبُوه أبو مُحَمَّد القَضَاءَ بحَلَب في أيَّام سَعْد الدَّولَة أبي المَعَالِي شَرِيْف ابن سَيْف الدَّولَة ابن حَمْدَان، وكان أبو الطَّيِّب هذا وأخُوهُ مع أبيهما أبي مُحَمَّد بحَلَبَ.
(a) كتب ابن العديم في الهامش: "لو قال: رجاؤه في فعله الله" كان أجود.
وذَكَرَهُ أخُوهُ أبو الغَنائِم عبدُ اللهِ بن الحَسَن الزَّيْدِيّ النَّسَّابَة في كتاب نُزْهَة عُيُون المُشْتاقِيْن
(1)
، في النَّسَب، وذَكَرَ له أبْيَاتًا من الشِّعْر، وأنَّهُ أنْشَدَهُ إيَّاها لنَفْسِه، وهي:[من السريع]
اصْبر فإنَّ الصّبْر مُرٌّ كَرِيهْ
…
سَيُعْقبُ الصَّبْرُ بما تَشْتَهِيْهْ
كم آملٍ أمْرًا وقد فاتَهُ
…
فلم يَنَلْ بالسَّعْي ما يَرْتَجيْهْ
فكُنْ على الصَّبْر صبُوْرًا عَسَى
…
يَنْفَعُكَ الصَّبْرُ بخَيْر يَلِيْهْ
فكم عَسِيْرٍ عَزَّ في عُسْرِهِ
…
هَوَّنَهُ الرَّحْمنُ باليُسْرِ فيْهْ
أحمدُ بن الحَسَن الأنْطَاكِيُّ، أبو بَكْر
رَوَى عن أبي زَكَرِيَّاء الحَبَّال. رَوَى عنهُ أبو عبد اللهِ أحْمَد بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الأنْبارِيّ الضَّرِيْر.
أخْبَرَنا المُؤيَّدُ بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ في كِتَابِهِ إليْنَا من نَيْسَابُور، عن أبي الحَسَن علِيّ بن عبد الله بن أبي جَرَادَة الحَلَبيّ، قال: حَدَّثني أبو الفَضْل أحْمَد بن عليّ بن زُرَيْق المَعَرِّيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العَلَاء أحْمَدُ بن عبد الله بن سُلَيمان المَعَرِّيّ، قال: حَدَّثَني أبو الفَرَج عبدُ الصَّمَد بن أحْمَد بن عبد الصَّمَد، قال: حَدَّثَني أبو عبد الله أحْمَد بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الأنْبارِيّ الضَّرِيْر، قال: حَدَّثني أبو بَكْر أحْمَد بن الحَسَن الأنْطَاكِيّ، عن أبي زَكَرِيَّاء الحَبَّال عن أبي زَيْدٍ النَّحْوِيّ، عن مُعَاذ بن العَلَاءِ، قال: لَمَّا فُتِحَتْ مَدَائن كِسْرَى بِيْعَ تَابُوتٌ مُقْفَل، فاشْتَراهُ تَوْبَةُ بن جُلْهُمَة بثمَانين
(1)
كتاب في النسب يزيد على عشر مجلدات، عنوانه الكامل: نزهة عيون المشتاقين إلى وصف السادة الغرّ الميامين، ذكره ابن العديم ونقل عنه في سبعة مواضع تالية من كتابه هذا، وكان مؤلفه حيًّا سنة 400 هـ. انظر عن الكتاب ومؤلفه: تاريخ ابن عساكر 27: 400، الوافي بالوفيات 17: 129، حاجي خليفة: كشف الظنون 2: 1944.
دِيْنارًا، ففَتَحه، فإذا فيه لَوْحٌ من الذَّهَب مُرَصَّعٌ بالجَوْهَر، فيهِ تسع عَشْرة كَلِمةً بالسُّرْيَانيَّة، ففُسِّرت بالعَرَبِيَّةِ، فإذا هى: مَنْ أكْثر التَّفَكُّر في الله تَزَنْدَقَ، ومَنْ تَعاطَى النُّجُوم كَفَر، ومَنْ كَثُر حَدِيثهُ كَذَبَ، ومَنْ طلبَ الدُّنْيا بالكِيْمِيَاءِ افْتَقَرَ، ومَن وَقَّرَ أباهُ زِيْدَ لهُ في العُمر، ومَنْ وَقَّرَ أُمَّهُ رأى في بَيْته ما يَسُرُّهُ، ومَنْ أحَدَّ النَّظَر إلى وَالدَيْهِ فقَدْ عَقَّهُما. والدُّهْنُ يُذْهبُ البُؤْسَ، والكُسْوَةُ الحَسَنَةُ تُظْهرُ الغِنَى، والإحْسان إلى المَمْلُوكِ يكبِتُ الأعْدَاءَ، ومُشَاشُ الطَّيْر يُوْرِث السِّلَّ، واسْتِقْبالُ الشَّمْس يُوْرِث الدَّاءَ الدَّفِيْن، والتَّخَلُّل بالقَصَب يُوْرِث الدَّاءَ في الفَمِ، والتَّدَلُّكُ بالنُّخَالَةِ يُوْرِثُ الفَقْرَ، ومَسْحُ الوَجْهِ بالذَّيْل يَجْلُبُ الصَّرْفَةَ، وأكلُ سُؤْر الفَأر يُوْرِث النِّسْيَان، ومَنْ باتَ وفي جَوْفه وَزْنُ دِرْهَم من جَزَر أَمِنَ ريْحَ القُوْلَنْج باقي لَيْلَتِهِ، وما أَقْفَرَ بَيْتٌ فيه خَلٌّ، وفَوْتُ الحاجَةِ خيرٌ من طَلَبها من غير أهْلِها.
أحمدُ بن الحَسَن المَلَطِيّ المُقْرِئُ، أبو الحَسَن
قَرأ على أبي الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن أَيُّوب بن الصَّلْت بن شَنَبُوذ، ورَوَى عنهُ.
قَرأ عليه ورَوَى عنهُ أبو مُحَمَّد الحَسَن بن مُلَاعِب الحَلَبِيِّ المَكْفُوف، وقيل في مَوضعٍ آخر: قرأَ عليه أبو الحَسَن أحْمَد بن مُلاعِب بن عَبْد اللهِ الحَلَبِيُّ، والصَّحيح: الحَسَنُ بن مُلاعِب.
أحمدُ بن الحَسَن المَنْبِجِيُّ
من رُوَاةِ الشِّيْعَة، يَرْوي عن يَعْقُوب بن شُعَيْب. رَوَى عنهُ الحَسَنُ بن مُحَمَّد.
أحْمَد بن الحَسَن الأقْلِيْدِسِيّ، أبو يُوسُف الحاسِبُ المِصِّيْصيُّ
وقيل فيه: أحْمَدُ بن الحُسَين
(1)
، وَقفتُ على كتابٍ صَنَّفَهُ في الجَبْرِ والمُقَابَلَةِ في عِلْم الحِسَابِ، وهو كتابٌ حَسَنٌ؛ تكلَّم في مُقَدِّمته في الدَّلالَةِ على أنَّ جَميع العُلُوم مُفْتَقرةٌ إلى الحِسَاب.
(1)
أثبته فيما يلي في موضعه من الترتيب على حروف الهجاء، وأسقط من ألقابه "الأقليدسي".
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبِهِ ثِقَتِي
مَنْ اسْمُ أبيْهِ الحُسَيْن من الأحْمَدِين
أحمدُ بن الحُسَين بن أحْمَد ابن علِيّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عَبْد اللهِ بن الحُسَين الأصْغَر بن علىّ بن الحُسَين بن عليّ بن أبي طَالِب، أبو القَاسِم الحُسَيْنيّ الشَّريفُ العَقِيْقِيّ الدِّمَشقيَّ
(1)
وبَعْضُهُم يُسَمِّيه مُحَمَّدًا. ونُسِب العَقِيْقِيّ إلى جَدِّ جَدِّهِ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وكان يُعْرَف بالعَقِيْقِيّ، مَنْسُوبٌ إلى العَقِيْق من ناحيَةِ المَدِيْنَةِ.
وأبو القَاسِم هذا هو صَاحب الدَّار والحَمَّام المَعْرُوفَيْن بالعَقِيْقِيّ بناحيَةِ باب البَرِيدِ بدِمَشْقَ، وكان من وُجُوه الأشْرَاف بدِمَشْق وأُولي المَرَاتِب العَاليَة والمُمَدَّحين بها، وكان قَدِمَ إلى حَلَب وَافِدًا على الأَمِير سَيْف الدَّوْلَة، وكان مُكْرِمًا له، مُحْتَرمًا عنده.
وسَمِعَ بحَلَب أبا عَبْد الله بن خَالَوَيْه اللُّغَويّ، وسَمِعَ منه عَبْدُ العَزِيْز بن مُحَمَّد بن عَبْدُوَيْه الشِّيْرَازيّ، ومَدَحَهُ الوَأْوَاء الدِّمَشقيّ
(2)
، وعبد الله بن مُحَمَّد الخَطَّابيّ الشَّاعر.
أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن هِبَة الله في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا عَمِّي أبو
(1)
توفي سنة 378 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 70 - 73، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 18: 30 - 31، تاريخ الإسلام 8: 447، الوافي بالوفيات 6: 347 - 348، النجوم الزاهرة 4: 153، النعيمي: الدارس في تاريخ المدارس 1: 263.
(2)
ديوان الوأواء الدّمشقيّ 11 - 16، 94 - 97، 191 - 196، 214 - 219.
القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَةِ الله
(1)
، قال: قَرأتُ بخَطِّ عَبْد العَزِيْز بن مُحَمَّد بن عَبْدُوَيْه الشِّيْرَازيّ: سَمِعْتُ الشَّريفَ أبا القَاسِم أحْمَد بن الحُسَين الحُسَيْنيّ المَعْرُوف بالعَقِيْقِيّ يقُول في قول اللهِ عز وجل في قِصّةِ يُوسُف وخطابِه لأخوتهِ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ}
(2)
قال: يتَّق الله في جَميع أُمُوره ويَصْبر على العُزُوبَةِ كما صَبَرَ يُوسُف عن زَلِيْخا وعُزُوبَتُهُ في تلكَ السِّنِيْن كُلّها.
قَرَأتُ في جُزءٍ وَقَعَ إليَّ من أمَالي أبي عَبْدِ الله الحُسَيْن بن أحْمَد بن خَالَوَيْه، مُكتَتبٌ من إمْلائه وعليه خَطُّهُ
(3)
: سألَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ جَمَاعَةَ العُلَمَاءِ بحَضْرتهِ ذاتَ لَيْلَةٍ فقال: هل تَعْرفُونَ اسْمًا مَمْدُودًا وجَمْعُه مَقْصور؟ فقالوا: لا، فقال: يا ابنَ خَالَوَيْهِ، ما تقُول أنتَ؟ قلتُ: أنا أعرِفُ اسمَيْن مَمدُوْدَين وجمعُهُما مَقْصُورٌ، قال: ما هُما؟ قُلتُ: لا أقول لك ذلك إلَّا بألف دِرْهَم، ثمّ كتبتُ رُقْعَةً فقُلتُ: إنَّما لم أقُلْهُما لأن لا تُؤْخَذ بغير شُكْرٍ؛ وهما: صَحْراءُ وصَحَارَى، عَذْراء وعَذَارَى. فلمَّا كان بعدَ شَهْر، كتبتُ إليهِ: إنِّي قد أصَبْتُ حَرْفَين آخرين ذَكَرهما الجَرْمِيّ في كتاب التَّنْبِيْه (a)، وهما: صَلْفاءُ وصَلَافَى؛ وهي الأرْضُ الغَلِيْظَة، وخَبْرَاءُ وخَبَارَى وهي أرضٌ فيها نُدُوَّةٌ، فلمَّا كان بعد عشرين سَنَةً من هذا الحَدِيث أمْلَلْتُ هذه الأحرُفَ على أبي القَاسِم العَقِيْقِيّ أيَّدَهُ اللهُ، فلمَّا مضَى إلى دِمَشْق كتَبتُ إليهِ: إنَّهُ بإقْبالِ الشَّريفِ ويُمْنهِ لمَّا اسْتَغْربَ هذه الأحرُفَ وجَدْتُ حَرفًا خَامِسًا ذَكَرَهُ ابن دُرَيْد في الجَمْهَرَة
(4)
، وهو: سَبْتَاءُ وسَبَاتَاءُ؛ وهي الأرضُ الخَشِنَة.
(a) في الأصل: التَّبنِية، ويأتي فيما بعد بالرسم المثبت، ولم يرد ذكره ضمن مؤلّفات الجرمي التي عدّدها النديم وياقوت وابن الساعي والصفديّ، وفيها عوضه: كتاب التثنية والجمع (ولعله المراد أعلاه)، وكتاب الأبنية، وكتاب الأبنية والتصريف، والمثبت كما قرأه السيوطيّ نقلًا عن ابن العديم في بغية الوعاة 1: 530، وانظر: النديم: الفهرست 1/ 1: 161 - 162، مُعْجَم الأدباء 4: 1444، ابن الساعي: الدر الثمين 396، الوافي بالوفيات 16:250.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 70 - 71.
(2)
سورة يوسف، من الآية 90.
(3)
نقله السيوطيّ عن ابن العديم في بغية الوعاة 1: 530.
(4)
جمهرة اللغة لابن دريد 3: 476.
قَرَأتُ في جُزءٍ وَقَعَ إليَّ بخط أبي القَاسِم حَمْزَة بن عبد الله بن الحُسَين الأطْرَابُلُسِيّ، يتضمَّن تعاليق وأمَالي عن أبي عبد الله بن خَالَوَيْه، وذكَر أنَّهُ قرأهُ على ابن خَالَوَيْه ونقَله من خَطِّه: نُسْخة كتاب كَتَبَهُ أبو عبد الله بن خَالَوَيْه إلى أبي القَاسِم أحْمَد بن الحُسَيْن العَقِيْقِيّ الحُسَيْنيّ
(1)
: [من أخذ الكامل]
هَنَّأْتَني برًّا ملكت بهِ
…
شُكْري وشُكرُكَ وَاجبٌ فَرْضُ
لم يُبْتَذَلْ (a) وَجْهٌ ولا شَفَعَتْ
…
شُفَعَاءُ لي في مَنِّها هَضُّ
ففَداكَ منّاعُونَ لَوْ ملَكُوا
…
عدَدَ (b) البحار إذًا لَمَا بَضُّوا
سَلَامُ الله عليك وصَلَواتُه ومَغْفرته ورَحمَتُهُ وريحانُهُ أيُّها السَّيِّدُ الكريم والشَّريفُ ذا الحِكْمَة، يا زينَةَ الدُّنْيا وبهْجَتها، أطالَ اللهُ بقَاءَك، ووَهَبَ والدُك ابنُ خَالَوَيْه وِقَاكَ وفِدَاك، فلقد تَقَيَّلْتَ آباءَك الطَّاهِرين، وتَسَنَّمْتَ خِيْمَك
(2)
وأَسْلَافَك المُنْتَجَبين، وأشْبَهتَهُم خَلْقًا وخُلقًا، ومَضَيْتَ على أسَاسِهم، وقفَوْتَ حَمِيدَ أفْعالهم، فأصبحتَ فذَّ الدَّهْر، وقَرِيعَ العَصْر، وواحدَ السُّمَحاءِ، وسَيِّدَ الأُدَبَاءِ بَراعَةً وفَصَاحَةً، وكَرِيمَ الكُرَمَاءِ سَخاءً وسَمَاحَةً، وتبعْتَ جَدَّيْك مُحَمَّدًا سَيِّد المُرْسَليْن، وعليًّا سَيِّد الوَصيَّيْن صَلَواتُ الله على ذِكْراهما كُلّما ذرّ شَارقٌ، وطَرَق آناءَ اللَّيْل طَارق، ونَزَعْتَ إليهما حَذْوَ القُذَّة (c) والماءِ بالماءِ، تهذيْبَ خلُقٍ ومحضَ ضَريبةٍ، ودَمَاثَة شَمَائِل، وكَريم سَجيَّة، أقْوَلُ من قُسٍّ إذا نَطق، وأفْصَحُ من سَحْبَانَ وَائِل إذا خَطَب، وأسْخَى من اللَّافظَة كفًّا، وأجْوَدُ من السَّحَاب جُوْدًا، وأبْهَى من فَخْت القَمَر، وأسْنَى من الهَالَة، فأَنْسَأ اللهُ أجلَك، وبلَّغك أكْلَأ الأعْمَار يَدَ المُسْنَد وسَمِيرَ اللَّيالِيَ ما بَلَّ بَحْرٌ صُوفَه، ونَعَمَتْ
(a) الديوان: تبتذل.
(b) الديوان: مدد.
(c) كذا في الأصل، ولعل تمامه: حذو القذة بالقذة، مثل يضرب للشيئين يستويان ولا يتفاوتان. لسان العَرَب، مادة: قذذ، مجمع الأمثال للميداني 1: 195، المستقصى في أمثال العَرَب للزمخشري 2:61.
_________
(1)
تُنْسَب الأبيات الثلاثة لعمارة بن عقيل الكلبي اليربوعي ضمن قصيدة طويلة. انظر ديوانه 64.
(2)
الخِيمُ: الأصل. لسان العَرَب، مادة: خيم.
ظَبْيَةٌ في تَنُوفَه، واسْتَدار من رَمْل عَالِج كُوْفة، وظَهرت في أظْفُور ناشئٍ فُوْفَة.
كَتَبْتُ غُرَّة الشهْر إلى غُرَّة الزَّمان عن سَلامَةٍ تَتِمُّ بسَلَامَته، ونعْمَة من الله جَلَّ وعَزَّ لا أَقُوم بشُكْرها، وتَوْق إلى الشَّريف العَقِيْقِىّ لا أصفُهُ:[من الطّويل]
فأيْهَاتَ أيْهاتَ العَقِيْقُ ومَنْ بِهِ
…
وأَيْهاتَ وَهْلٌ بالعَقِيْقِ تُواصِلُه
(1)
وهَيْهات هَيْهات أين للعَقِيْقيّ شَرْوَى ونَظِير [من الكامل]
عُقِمَ النِّسَاءُ فما يَلِدنَ شَبيهَهُ (a)
…
إنَّ النِّسَاءَ بمثْلهِ عُقْمُ
وعن لَوْعة لا تُطْفَى حَرارَتُها إلَّا باجْتماع وشِيْكٍ لدى مَوْلَانا الشَّريف ابن الشَّريف، والسَّيِّد ابن السَّيِّد، شَرِيْف ابن سَيْف الدَّوْلَة، أطالَ اللهُ حَيَاتَهُ، وأعَاشَهُ عُمر نَصْر بن دُهْمَان، إذ كان لا يَقْطَع مَجالسَهُ إلَّا بذِكْر مَنَاقِبكَ وصِفَاتكْ أتاح الله من ذلك ما تُحبّه.
ووَصَل كتابُ سَيِّدنا الشَّريف أدَامَ اللهُ عِزَّهُ بعد ظَمَأ إليهِ، فما أتمَمتُ قراءتَهُ حتَّى تبادر أهل المَجْلِس إلى نَسْخِهِ اسْتِحْسَانًا لألْفَاظه الجَزْلَة، ومَعانيه الفَخْمَة، ووصلَتْ معَهُ -وصلَ اللهُ أيَّامَهُ بمَحابّهِ- الهَدِيَّة النَّفِيْسَة، والكُسْوَة الشَّرِيْفَة.
وذَكَرَ تمَام الرِّسَالَة، اقْتصرتُ منها على ما فيه وَصْفُ العَقِيْقِيّ وتقرِيْظه، وألغَيْتُ ما عَدَاهُ
(2)
.
قَرأتُ بخَطِّ أبي الخَطَّاب عُمَر بن مُحَمَّد العُلَيْمِيّ، وأنْبَأنَا عنهُ أبو عبد اللهِ
(a) الأصل: شبهه، والتصويب من ديوان أبي دهبل الجمحي 66 والبيت له.
_________
(1)
البيت لجرير (ديوانه 385)، وعجزه في الديوان: وأيهات وصل بالعقيق تواصله.
(2)
هذه القطعة التي نقلها ابن العديم من الجزء الَّذي وقع له، والمتضمنة كلام ابن خَالَوَيْه في العقيقيّ، كتبه ابن العديم في طيَّارة مفردة، وعيَّن موضع إدراجها.
مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد النَّسَّابَةُ وغيره قال: وَجَدْتُ بخَطِّ أبي مُحَمَّد عَبْد المُنْعِم بن عليّ بن النَّحْوِيّ الدِّمَشقيّ سَنَة ثمانٍ وسَبْعِين -يعني: وثَلاثِمائة-: وفي يَوْم الثّلاثَاء لأرْبَع خَلَوْنَ من جُمَادَى الأُوْلَى منها تُوفِّي الشَّريفُ أبو القَاسِم العَقِيْقِيُّ بين الصَّلَاتَيْن، ورَكِبَ ابنُ البَقَّال المُحْتَسِب، ودَارَ البَلَدَ، وأمَرَ أنْ لا يفْتَح أحدٌ من الغَد إلَّا خَبَّاز أو قَصَّاب، وأُغْلِقَ البَلَدُ بأَسْره يَوْم الأرْبَعَاء، وأُخْرِجت جنازَتهُ ضَحْوَةً إلى المُصَلَّى، وحَضَر بُكْجُور وأصْحَابه، ومَشَى الأشْرَاف خَلْفَ سَرِيْره، ودُفِنَ في المَقْبَرَة الّتي كان بَناها خارجَ باب الصَّغير.
أحمدُ بن الحُسَين بن بُنْدَار بن أَبان الأصْبَهَانِيُّ القَاضِي الطَّرَسُوسِيُّ، أبو بَكْر
(1)
سَمِعَ أبا سَعيد بن الأعْرَابِيّ، وعبد الله بن مُحَمَّد بن العَلَاءِ الطَّرَسُوسِيّ، وكان زَاهِدًا عَابِدًا.
أنْبَأنَا أبو المُظَفَّر عبدُ الرَّحيم بن أبي سَعْد السَّمْعَانيّ، عن أَبِيهِ الإمام تاج الإسْلَام أبي سَعْد
(2)
، قال: وأبو بَكْر أحْمَدُ بن الحُسَين بن بُنْدَار بن أَبَان الأصْبَهَانِيّ القَاضِي الطَّرَسُوسِيّ الشَّيْخ العَابِد الصَّالح المُجْتَهد. سَمِعَ أبا سَعيد أحْمَد بن مُحَمَّد بن زِيَاد بن الأعْرَابِيّ، وعَبْد الله بن مُحَمَّد بن العَلَاءِ الطَّرَسُوسِيُّ، ذكَره الحاكِم أبو عبد اللهِ الحافِظُ في التَّاريخ
(3)
، وقال: أبو بَكْر الطَّرَسُوسِيّ، وَرَدَ علينا نيسَابُور عندَ مِحْنَة أهل طَرَسُوسَ، وسَكَنها إِلى أنْ تُوفِّي بها في شَهر رَمَضَان سَنَةَ سبعينَ وثَلاثِمائة، ودُفِنَ في مَقْبرة باب معْمَر.
(1)
توفي بحسب ابن العديم سنة 370 هـ، وعند الذهبي سنة 390 هـ، وترجمته في: تلخيص تاريخ نَيسَابُور للحاكم 76 وفيه: أبو بَكْر الطوسيّ؛ عوض: الطرسوسيّ، تاريخ الإسلام 8:656.
(2)
الأنساب 9: 65 - 66.
(3)
بعضه قي تلخيص تاريخ نَيسَابُور 76.
أحمدُ بن الحُسَين بن الحَسَن بن عليّ، أبو بَكْر البَرُوجِرْديُّ
نَزِيلُ حَلَبَ، حَدَّثَ بها عن أبي الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد الفَقِيه، رَوَى عنهُ أبو مَعْشَر عَبْد الكَريم بن عبد الصَّمَد الطَّبَريّ المُقْرِئُ.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبد الوَهَّاب بن ظَافِر رَوَاج
(1)
الإسْكَنْدَرَانِيّ، بمَنْظَرة سَيْف الإسْلَام بين مِصْر والقَاهِرَة، قال: أخْبَرنا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن إبراهيم السِّلَفِيّ، والشَّرِيْفان أبو مُحَمَّد عبدُ الله وأبو الطَّاهر إسْمَاعِيْل ابنا أبي الفَضْلِ عَبْد الرّحْمن بن يَحيَى بن إسْمَاعِيْل العُثْمانيَّان الدِّيباجِيَّان، كُلّهم إجَازَةً، قالوا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الله بن يَحْيَى بن حَمُّود المالِكِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو معْشَر عَبْدُ الكَريم بن عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد الطَّبَريُّ المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر أحْمَد بن الحُسَين بن الحَسَن بن عليّ البَرُوجِرْديّ بحَلَبَ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد الفَقِيهُ، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم إسْمَاعِيلُ بنُ القَاسِم، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد الحَميْد، قال: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بن أسْلَم، قال: حَدَّثَنَا مَرْوَان بن مُعاوِية، عن أَبَان بن إسْحَاق، عن الصَّبَّاح بن مُحَمَّد، عن أبي حَازِم، عن مُرَّةَ الهَمْدانِيّ، عن عبد اللهِ بن مَسْعُودٍ، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم
(2)
: اسْتَحْيُوا منَ اللهِ حَقّ الحياءِ. قالوا: يا رسُول الله، إنَّا لنَسْتَحيى، قال: ليسَ ذلك، ولكن مَنْ اسْتَحْيا من اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ فليحْفَظ الرَّأس وما حَوَى، وليحفَظ
(1)
حتَّى لا يقع لبس فإن ظافر يسمى رواجًا.
(2)
ابن حنبل: المسند 5: 245 - 246 (رقم 3671)، ابن أبي شيبة: المصنف 7: 99 (رقم 34308)، الترمذيّ: الجامع الكبير 4: 246 (رقم 2458)، وفيه:"الرأس وما وعى والبطن وما حوى"، مسند أبي يعلى المَوصِليّ 8: 461 (رقم 5047)، الحاكم: المستدرك 4: 323، البغوي: شرح السنة 14: 234 (رقم 4033)، وفيه:"الرأس وما وعى والبطن وما حوى".
ورواه الطبرانيّ: المعجم الكبير 3: 246 (رقم 3192)، من طريق مُوسَى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير، وفي المعجم الصغير 193 (رقم 485)، من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مَسْعُود عن أبيه.
البَطنَ وما وَعى، وليَذْكر المَوْتَ والبِلَى، ومَنْ أراد الآخرة تركَ زِيْنَة الدُّنْيا، فَمَن فعل ذلك فقد اسْتَحْيَا من الله حَقَّ الحَيَاء.
أحمدُ في الحُسَين بن الحَسَن بن عبد الصَّمَد، أبو الطَّيِّب الجُعْفِىُّ الكُوْفيُّ الشَّاعِر المَعْرُوف بالمُتَنَبِّي
(1)
وقيل: هو أحْمَد بن الحُسَيْن بن مُرَّة بن عَبْد الجَبَّار، وكان والده الحُسَين يُعْرَفُ بعِيْدَان السَّقَّاء.
وكان أبو الطَّيِّب شَاعِرًا مَشْهُورًا مَذْكُورًا، مَحْظُوظًا من المُلُوك والكُبَرَاء الّذين عَاصرَهم، والجَيِّدُ من شِعْره لا يُجَارَى فيه ولا يُلْحَق، والرَّدِيء منه في نِهَايَة الرَّدَاءَة والسُّقُوط
(2)
، وكان يَتَعَظَّم في نفسه ويترفَّعُ. وقيل: إنَّهُ ادَّعَى النُّبُوَّة
(1)
توفي 354 هـ، وترجمته وأخباره مبثوثة في كثير من المصادر. وكتبت حوله الكثير من المصنفات القديمة، وكذا البحوث والدراسات الحديثة، عنه وعن شعره أيضًا. وترجم له: النديم: الفهرست 1/ 2: 542، التنوخي: نشوار المحاضرة 4: 245 - 251، الثعالبي: يتيمة الدهر 1: 110 - 224، الخطيب البَغْدَادي: تاريخ بَغْدَاد 5: 164 - 169، السمعاني: الأنساب 12: 77 - 80، تاريخ ابن عساكر 71: 76 - 84، ابن الأنباري: نزهة الألباء 219 - 223، ابن الجوزي: المنتظم 14: 162 - 169، ابن الأثير: الكامل 8: 566، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 17: 365 - 371، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1: 120 - 125، 400، ابن الفوطي: مجمع الآداب 4: 345 - 346، الذهبي: تاريخ الإسلام 8: 65 - 70، سير أعلام النبلاء 16: 199 - 201، الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي 151، ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار 15: 17 - 146، الوافي بالوفيات 6: 336 - 346، تاريخ ابن الوردي 1: 434 - 435، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 256 - 259، لسان الميزان 1: 159 - 161، المقريزي: المقفى الكبير 1: 366 - 383 (وجُلّها نقلًا عن ابن العديم دون عزو)، النجوم الزاهرة 3: 340 - 342، حسن المحاضرة 1: 560 - 561، البديعي: الصبح المنبي عن حيثية المتنبي، محسن الأمين: أعيان الشيعة 2: 513 - 564.
وتَرْجَمة ابن العديم هذه، من أوْعب تراجم المتنبي، أشاد بها الشّيخ محمود شاكر في دراسته للمتنبي، وأدرج الترجمة كاملة في كتابه المعنون بـ "المتنبي"، (ص 605 - 656)، كما تتوزع أخباره أيضًا في كثير من التراجم التالية؛ تراجم ممدوحيه ومُدَّاحه، والمتعصبون له وعليه، وتراجم كثير مِمَّن اتصلت علاقتهم به.
(2)
اقتبس المقريزي هذا القول في المقفى 1: 378.
في حَدَاثَته فَلُقِّبَ بالمُتَنَبِّي لذلك، وكان عَارِفًا باللُّغَة قَيِّمًا بها.
قَدِمَ الشَّامَ في صِبَاه وجَالَ في أقْطَارها، وصَعِدَ بعد ذلك إلى الدِّيَار المِصْرِيّة، وكان بها في سَنَة خَمْسٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة
(1)
، ثمّ قَدِمَ حَلَب وَافِدًا على الأَمِير سَيْف الدَّولَة أبي الحَسَن عليّ بن عبد الله بن حَمْدَان، ومَادِحًا له، فأكْرَمه ونَفَق عليه، وصار خَصِيْصًا به، مُلَازمًا حَضَرًا وسَفَرًا، إلى أنْ خَرَجَ من حَلَب غَضْبانَ بسبَب كلام وقَعَ بينه وبين أبي عبد الله بن خَالَوَيْه في مَجْلِس سَيْف الدَّوْلَة، فضَرَبهُ ابنُ خَالَوَيْه بمِفْتاح.
وكان دُخُوله إلى حَلَب سَنَة سَبْعٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة، وخُرُوجه منها إلى مِصْر الدّفْعَة الثَّانيَة في سَنَة ستٍّ وأرْبعين وثَلاثِمائة، وكان نُزُوله بحَلَب في مَحَلَّتنا المَعْرُوفة بآدر بَنِي كِسْرَى.
قال لي والدي: وكانت دارهُ دارًا هي الآن خَانكَاه سَعْد الدِّين كُمُشْتُكِيْن مُلَاصقَة لدَارِي.
وكان ابن خَالَوَيْه مُؤَدِّبَ وَلدَيْ الأَمِير سَيْف الدِّين: أبي المَكارِم، وأبي المَعَالِي، فظَفِرْتُ بجُزءٍ بخَطّ ابن خَالَوَيْه ذَكَرَ فيه ما يَحْفظه الأمِيْران المذْكُوران، فذكَرَ أنْواعًا من الفِقْه، والأَدَب، وأشْعَار العَرَب، وقال في جُمْلَتها: ويحفَظان من شِعْر الشَّاعر المَعْرُوف بالمُتَنَبِّي كَذَا وكَذَا قَصِيدَةً، وعَيَّنَها، ولم يَذْكر أنَّهُما يَحْفظان لغيره من العَصْريِّين شيئًا. وهذا يَدُلُّ على عِظَمِ قَدْره وجَلَالَة أمْره في ذلك الزَّمان.
رَوَى عن أبي الطَّيِّب: القَاضِي أبو الحُسَين مُحَمَّد بن أحْمَد بنِ القَاسِم المَحَامِلِيّ، وأبو الفَتْح عُثْمان بن جِنِّي النَّحْوِيُّ، وأبو مُحَمَّد الحَسَن بن عليّ بن الصَّقْر
(1)
علَّق الأستاذ مَحْمُود شاكر على هذا القول بأنه خبر جديد تفرَّد به ابن العديم. انظر كتاب المُتَنَبِّي 607.
الكَاتِبُ، وأبو الحَسَن عليُّ بن أَيُّوبَ بن الحُسَين بن السَّارْبَان الكَاتِب، والأُسْتَاذُ أبو عليٍّ أحْمَد بن مُحَمَّد مَسْكَوَيْه (a)، وأبو عبْد الله بن بَاكُوَيْه الشِّيْرَازيّ، وأبو الحَسَن عليَّ بن عِيسَى الرَّبَعِيُّ، وأبو القَاسِم بن حَسَن الحِمْصِيُّ، وعَبد الصَّمَد بن زُهَيْر بن هارُون بن أبي جَرَادَةَ، ومُحَمَّدُ بن عبد الله بن سَعْدٍ النَّحْوِيُّ الحَلَبِيَّان، وعَبْد الله بن عُبَيْد الله الصُّفْرِيّ الشَّاعر الحَلَبِيّ، وعُبَيْد الله بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن أبي الجُوْع الوَرَّاق (b) المِصْرِيّ، وأبو إسْحَاق إبْراهيمُ بن عبد الله بن المَغْرِبيّ، وأبو بَكْر الطَّائيّ، وأبو القَاسِم النِّيْلَبُخْتِيُّ (c)، وأبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن عُمَر بن إبْراهيم، وأبو العبَّاس بن الحَوْت (d)، وجَمَاعَةٌ سواهم.
أنْبَأنا تاجُ الأُمَناء أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، عَمِّي، قال: قال لنا هِبَةُ الله بن عبْد الله بن أحْمَد الوَاسِطِيّ: قال لنا أبو بَكْر الخَطيبُ
(2)
: عِيْدَان بكَسْر العَيْن وبالياء المُعْجَمة باثنتَيْن من تحتها، هو والدُ أبي الطَّيِّب أحْمَد بن الحُسَيْن المُتَنَبِّي، كان يُعْرَفُ بعِيْدَان السَّقَّاءِ.
أخْبَرَني صَدِيقُنا أبو الدُّرّ يَاقُوت بن عَبد الله الرُّوميّ، مَوْلَى الحَمَوِيّ البَغْدَاديُّ، قال: رَأيتُ دِيْوَانَ أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي بخَطِّ أبي الحَسَن عليّ بن عِيسَى الرَّبَعِيِّ، قال في أوَّلهِ
(3)
: الّذي أعْرفهُ من نَسَب أبي الطَّيِّب أنَّهُ: أحْمَدُ بن الحُسَين بن مُرَّة بن عَبْد الجبَّار الجُعْفِيّ، وكان يَكْتُم نَسَبَهُ، وسَألتُه عن سَبَب طَيِّهِ
(a) في الأصل: ابن مسكويه، وضبب على كلمة "ابن"، وأجراه فيما بعد على هذه الصُّورَة، واختلفت المصادر بين إثباتها أو حذفها.
(b) المقريزي: المقفى 1: 378: الوزان، تصحيف.
(c) المقريزي: المقفى 1: 378: البلنجي.
(d) ضبطه من ابن العديم، حيثما يرد، بفَتح الحاء. وورد عند المقريزي مرة: الجون، وأخرى: الحرث. المقفى 1: 378، 380.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 81.
(2)
قريبٌ منه في تاريخ بَغْدَاد 5: 165.
(3)
تَرْجَمَة الربعي للمتنبي من أقدم التراجم، وكاتبها آخر من لقي أبا الطَّيِّب بشيراز في السنة التي قُتل فيها (354 هـ)، وأثبت الأستاذ مَحْمُود شاكر تَرْجَمة الربعي في كتابه المُتَنَبِّي 585 - 604، وأشار إلى أنَّه وجدها بآخر شرح الواحدي على ديوان المتنبي، ولم نجده في مطبوعة الشرح المَذْكُور.
ذلك؟ فقال: إنِّي أنْزل دَائمًا بعَشَائِر وقَبَائِل من العَرَب، ولا أحبُّ أنْ يَعْرفُوني؛ خِيْفَةَ أنْ يكون لهم في قَوْمي تِرَّةٌ. وهذا الّذي صَحَّ عندي من نَسَبِه.
قال: واجْتَزْتُ أنا وأبو الحَسَن مُحَمَّدُ بن عُبَيْد الله السَّلَامِيِّ الشَّاعر على الجِسْر ببَغْدَاد، وعليه من جُمْلَةِ السُّؤَّالِ رَجُل مَكْفُوفٌ، فقال لي السَّلَامِيّ: هذا المكْفُوفُ أخو المُتَنَبِّي، فدنَوتُ منه، فسَألتُه عن ذلك، فصَدَّقَهُ، وانْتَسَبَ هذا النَّسَب، وقال: من هَاهُنا انْقَطَعَ نسَبُنا.
وكانَ مَوْلدُهُ بالكُوفَة في كِنْدَةَ سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثِمائة، وأرْضَعتْهُ امرأةٌ عَلَوِيَّة من آل عُبَيْد اللهِ.
قال الرَّبَعِيُّ: وقال لي المُتَنَبِّي: كُنْتُ أُحبُّ البَطَالَة وصُحْبَةَ البَادِيَة، وكان يَذُمُّ أهل الكُوفَة؛ لأنَّهم يُضَيِّقُونَ على أنْفُسهم في كُلِّ شيء، حتَّى في الأسْماء فيتَدَاعَوْنَ بالألْقَابِ، ولَمَّا لُقِّبْتُ المُتَنَبِّي ثَقُلَ ذلك عليَّ زَمانًا، ثمّ ألِفْتُهُ.
وقال الرَّبَعِيُّ: رأيتُ عنده بشِيْرَاز جُزءًا من شِعْره بخَطِّ ابن أبي الجُوْعِ الوَرَّاق المِصْرِيّ، وعليه بخَطّ آخر: المُتَنَبِّي السُّلَميُّ البَغْدَاديُّ، فقال: ما كفاه أنْ عَزَاني إلى غير بَلَدِي، حتَّى نَسَبني إلى غير أبي! قال: وما أظُنُّ أنَّ أحدًا صَدَقَ في رِوَايَةِ هذا الدِّيْوَان صِدْقي؛ فإنَّنى كنتُ أُكاثرهُ ونحنُ بشِيْرَازَ، ورُبَّما أخذَ عنِّي من كَلَام أبي عليّ النَّحْوِيّ، وسَمِعْتُ شِعْرَهُ يُقْرَأُ عليه دَفْعَاتٍ، ولم أقرأ عليه بلَفْظي إلَّا العَضُديَّات والعَمِيْديَّات، فإنِّي قَرأتُها تَكْرِمة لمَنْ قيلَتْ فيهِ، ونَقَلْتُها بخَطِّي من مُدْرَج بخَطِّه كان معَهُ. هذا آخر كلام الرَّبَعِيِّ.
أخْبَرَنا أبو اليُمْنِ زَيْد بن الحَسَن بن زَيْد الكِنْدِىِّ، فيما أَذِنَ لنَا فيهِ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: قال لنا أبو بَكْر الخَطيْبُ
(1)
: أحْمَد بن
(1)
تاريخ بَغْدَاد 5: 164 - 165.
الحُسَين بن الحَسَن بن عبد الصَّمَد، أبو الطَّيِّب الجُعْفِيّ الشَّاعِر المَعْرُوف بالمُتَنَبِّي، بَلَغَني أنَّهُ وُلِد بالكُوفَة في سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثِمائة، ونَشَأ بالشَّام، وأكْثرَ المُقام بالبَادِيَةِ، وطلبَ الأدَب وعِلْم العَرَبِيَّةِ، ونَظَر في أيَّام النَّاس، وتَعاطَى قَوْلَ الشِّعْر من حَدَاثَته، حتَّى بلَغَ فيهِ الغايَة الّتي فَاقَ أهْلَ عَصْره، وعَلَا شُعَرَاء وَقْتِهِ. واتَّصَلَ بالأَمِير أبي الحَسَن بن حَمْدَان المَعْرُوف بسَيْف الدَّوْلَةِ، وانْقَطَع إليهِ، وأكْثَرَ القَوْلَ في مَدِيحِهِ. ثمّ مضَي إلى مِصْرَ، فمَدَحَ بها كَافُورَ الخادِم، وأقامَ هُناكَ مُدَّةً، ثمّ خَرَجَ من مِصْر وورَدَ العِرَاق، ودَخَلَ بَغْدَادَ، وجَالَسَ بها أهل الأدَب، وقُرئَ عليهِ دِيْوَانهُ.
فحَدَّثَني أحْمَدُ بن أبي جَعْفَر القَطِيْعِيِّ، عن أبي أحْمَدَ عُبَيْد الله بن مُحَمَّد بن أبي مُسْلِم الفَرَضِيّ، قال: لمَّا ورَدَ المُتَنَبِّي بَغْدَاد سَكَنَ في رَبَض حُمَيْدٍ، فمضَيْتُ إلى المَوضِع الّذي نَزَلَ فيه لأسْمَعَ منهُ شَيئًا من شِعْره، فلم أُصَادِفهُ، فجلَسْتُ أنْتَظرهُ، وأبْطأَ عليَّ، فانصرفْتُ من غير أنْ ألْقَاهُ، ولم أعُد إليهِ بعد ذلك. وقد كان القَاضِي أبو الحُسَين مُحَمَّد بن أحْمَد بن القَاسم المَحَامِلِيّ سَمِعَ منه دِيْوَانه ورَوَاهُ عنه.
قال الخَطِيبُ
(1)
: أخْبَرَنا عليّ بنُ المُحَسِّن التَّنُوخِيّ، عن أَبِيهِ، قال: حَدَّثَني أبو الحَسَن مُحَمَّد بن يَحْيَى العَلَويّ الزَّيْدِيّ قال: كان المُتَنَبِّي، وهو صَبيٌّ، ينزلُ في جِوَاري بالكُوفَة، وكان يُعرف أبوه بعِيْدَان (a) السَّقَّاء، يَسْتَقي (b) لنا ولأهْلِ المَحَلَّة. ونَشَأ هو مُحبًّا للعِلْم والأدَب، فطَلَبَهُ، وصَحِبَ الأعْرَابَ في البَادِيَة، فجاءَنا بعد سِنينَ (c) بَدَويًّا قُحًّا، وقد كان تَعلَّم الكِتَابَةَ والقرَاءةَ، فلَزِمَ أهْلَ العِلْم والأدَب،
(a) ضبطه في نشرة تاريخ بَغْدَاد بفتح العين كما وجده مجودًا في بعض نسخه، ومثله -بالفتح- في تاريخ الإسلام للذهبي 8: 66، وتحرف في نشوار المحاضرة إلى: عبدان.
(b) تاريخ بَغْدَاد: يسقي.
(c) المقريزي: المقفى 1: 367: سنتين.
_________
(1)
تاريخ بَغْدَاد 5: 165 - 166، وانظر الرواية في نشوار المحاضرة للتنوخي 4: 246 - 247.
وأكثَرَ من مُلَازَمة الوَرَّاقين، فكانَ عِلْمُهُ من دَفاتِرهم؛ فأخْبرَني ورَّاقٌ كانَ يَجْلِسُ إليهِ يَوْمًا، قال لي: ما رأيْتُ أحفَظَ من هذا الفَتَى ابن عِيْدَان قَطّ! فقُلتُ لَهُ: كيفَ؟ فقال: كان اليَوْم عندي، وقَدْ أحضَر رَجُلٌ كِتَابًا من كُتب الأصْمَعِيِّ، سمَّاهُ الوَرَّاقُ، وأُنْسِيَهُ أبو الحَسَنِ، يكُونُ نحو ثلاثين ورَقة ليَبِيْعَهُ، قال: فأخَذَ ينظرُ فيه طَويْلًا، فقال له الرَّجُلُ: يا هذا، أُريدُ بَيْعَهُ، وقد قطَعْتَنِي عن ذلك، فإنْ كُنْتَ تُريد حِفْظَهُ، فهذا إنْ شَاءَ اللهُ يكونُ بعدَ شَهْر! قال: فقال له ابنُ عِيْدَان: فإنْ كُنتُ قَدْ حَفظْتهُ في هذه المُدَّة، فما لي عليك؟ قال: أَهَبُ لكَ الكتابَ. قال: فأخَذْتُ الدَّفْتَر من يَده. فأَقْبَلَ يتلُوه عَلَيَّ إلى آخِره، ثمّ اسْتَلَبَهُ (a) فجعَلَهُ في كُمِّه وقام، فعَلِقَ به صَاحبُه وطالبَهُ بالثَّمَنِ، فقال: ما إلى ذلك سَبِيلٌ، قد وَهبْتَهُ لي، قال: فمَنَعْنَاهُ منه، وقُلنا له: أنتَ شَرطْتَ على نَفْسكَ هذا للغُلَام! فتَركهُ عليه.
وقال أبو الحَسَن: كان عِيْدَانُ والدُ المُتَنَبِّي يَذْكرُ أنَّهُ من جُعْفِيّ، وكانت جَدَّةُ المُتَنَبِّي هَمْدَانيَّةً صَحِيْحَة النَّسَبِ لا أشُكّ فيها، وكانت جَارتَنا، وكانت من صُلَحَاءِ النِّسَاء الكُوْفيَّات.
قال التَّنُوخِيّ
(1)
: قال أبي: فاتَّفَقَ مَجيءُ المُتَنَبِّى بعد سنين إلى الأهْوَاز مُنْصَرفًا من فارِس، فذاكرتُهُ بأبي الحَسَن، فقال: تِرْبي وصَدِيقي وجَارِي باِلكُوفَة، وأطْراهُ ووصَفَهُ. وسألتُ المُتَنَبِّي عن نَسَبهِ، فما اعْتَرفَ لي به، وقال: أنا رجُل أَخْبِطُ القَبَائِل وأطْوِي البَوَادِي وحْدِي، ومتى انْتَسَبْتُ لم آمَنْ أنْ يأخُذَني بعضُ العَرَب بطَائلةٍ بينها وبينَ القَبِيلَة الّتي انْتَسِبُ إليها، وما دُمْتُ غير مُنْتَسِبٍ إلى أحدٍ فأنا أُسَلِّم (b) على جَمِيْعِهم، ويَخافونَ لِسَاني.
(a) المقريزي: المقفى 1: 367: استلمه.
(b) هكذا مجودًا في الأصل، وفي المقفى للمقريزي 1: 368: أسْلَم من جميعهم.
_________
(1)
نشوار المحاضرة 4: 245 - 347، والنقل متتابع عن الخطيب البَغْدَادي.
قال
(1)
: واجْتمعتُ بعد مَوتِ المُتَنَبِّي بسِنين مع القَاضِي أبي الحَسَن ابن أُمِّ شَيْبَان الهاشِميِّ (a) الكُوْفيِّ، وجَرَى ذِكْر المُتَنَبِّي، فقال: كُنتُ أعْرفُ أباهُ بالكُوفَة شَيْخًا يُسَمَّى عِيْدَان، يَسْقِي على بَعِيْر له، وكان جُعْفِيًّا صَحيْحَ النَّسَب.
قال: وقد كان المُتَنَبِّي لمَّا خَرَجَ إلى كَلْب وأقام فيهم، ادَّعَى أنَّهُ عَلَوِيٌّ حَسَنيٌّ (b)، ثمّ ادَّعَى بعد ذلك النُّبُوَّة، ثمّ عاد يَدَّعِي أنَّهُ عَلَويٌّ، إلى أنْ أُشْهِدَ (c) عليهِ بالشَّام بالكَذِب في الدَّعْوَتَيْن، وحُبِسَ دَهْرًا طَويلًا، وأشْرَف على القَتْل، ثمّ اسْتُتِيْبَ وأُشْهِدَ عليه بالتَّوْبَةِ وأُطْلِقَ.
قَرأتُ بخَطِّ عُبَيْد الله بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن أبي الجُوْعِ الوَرَّاق المِصْرِيّ: سألتُ أبا الطَّيِّب المُتَنَبِّي أحْمَد بن الحُسَين بن الحَسَن عن مَوْلدِه ومَنْشَئهِ، فقال: وُلدتُ بالكُوفَة سنَة ثَلاثٍ وثلاثِمائة في كِنْدَة، ونَشَأتُ بها، ودَخَلْتُ مَدِيْنَة السَّلام، ودُرْتُ الشَّام كُلَّه سَهْلَهُ وجَبَلَهُ.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ العَزِيْز بن مَحْمُود بن الأخْضَر البَغْدَاديُّ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا الرَّئِيسُ أبو الحَسَن عليّ بن عليّ بن نَصْر بن سَعيد البَصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَاتِ مُحَمَّد بن عبد اللهِ بن يَحْيَى الوَكِيل، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أَيُّوب بن الحُسَين بن السَّارْبَان، قال: وُلد أبو الطَّيِّب أحْمَدُ بن الحُسَين بن الحَسَن المُتَنَبِّي بالكُوفَة في مَحَلَّةِ كِنْدَة، سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثِمائة، وقال الشِّعْرَ وهو صَبيٌّ في المَكْتَب.
وقَرَأتُ في بَعْض النُّسَخ من شِعْره أنَّ مولدَهُ قيل على التَّقْريب لا على التَّحقِيق.
(a) المقريزي: المقفى 1: 368: القاضي أبي الحُسَيْن شيبان الهاشميّ، والمثبت موافق لنشوار المحاضرة وتاريخ بَغْدَاد.
(b) المقريزي: المقفى 1: 368: حسينيّ، وذكر الأستاذ مَحْمُود شاكر أن انتسابه للحسين هو الصواب المحض. انظر: كتاب المُتَنَبِّي 613.
(c) الأصل: أَشْهَدَ.
_________
(1)
التنوخي: نشوار المحاضرة 4: 347، والنقل من تاريخ بَغْدَاد.
وقَرَأتُ في تاريخ أبي عبْد الله مُحَمَّد بن عليّ العُظَيْميّ الحَلَبيِّ
(1)
، وأخْبَرَنَا به المُؤيَّد بن مُحَمَّد الطُّوْسيُّ إجَازَةً عنه، قيل إنَّهُ ولد -يعني المُتَنَبِّي- سَنَة إحْدَى وثَلاثِمائة، والأوَّل أصَحّ، واللهُ أعْلَمُ.
أخْبَرَنا أبو الدُّرّ يَاقُوت بن عَبْد الله الحَمَوِيّ
(2)
، قال: ذَكَرَ أبو الرَّيْحان مُحَمَّدُ بن أحْمَد البَيْرُونيّ، ونَقَلْتُه من خَطِّه: أنَّ المُتَنَبِّي لمَّا ذَكَرَ في القَصِيدَة الّتي أوَّلها: [من الكامل]
كُفِّي أرَاني وَيْكِ لَوْمَكِ أَلْوَمَا
(3)
النُّور الّذي يُظَاهِر لاهوتيّته في ممدُوحه، وقال:[من الكامل]
أنا مُبْصِرٌ وأظُنُّ أنّي حَالمٌ
(4)
ودارَ على الأَلْسن، قالوا: قد تَجَلَّى لأبي الطَّيِّب رَبُّه، وبهذا وقَعَ في السِّجْن والوثَاق الّذي ذَكَرهُ في شِعْره:[من المتقارب]
أيا خَدَّدَ اللهُ وَردَ الخُدُودِ
(5)
ولم يَذْكُر سَبَبَ لَقَبهِ -على صِدْقه- وإنَّما وَجَّهَ له وَجْهًا ما، كما حَكَى عنهُ
(1)
كتاب العظيمي الَّذي ينقل عنه ابن العديم اسْمُه "المُؤصّل على الأصل الموصَّل"، وهو كتاب مفقود، ولم ترد الإشارة إلى مولد المُتَنَبِّي في كتاب العظيمي المختصر في السنة المذكورة، بينما ذكر ذلك في أحداث سنة 303 هـ بدون لفظة التضعيف "قيل". انظر: تاريخ حَلَب 280.
(2)
لم أجده في مؤلفات ياقوت، ولا عند أبي الريحان البيروني.
(3)
ديوانه بشرح العكبريّ، 4: 27، وعجز البيت:
هَمٌّ أقامَ على فؤَادٍ أنْجما
(4)
ديوانه بشرح العكبريّ، 4: 32، من ذات القصيدة السابقة، وعجز البيت:
مَنْ كانَ يَحْلُمُ بالإله فأحْلُما
(5)
ديوانه بشرح العكبري 1: 341، ويدرج ابن العديم قريبًا أبياتًا من هذه القصيدة التي منها هذا الصدر.
أبو الفَتْح عُثْمان بن جِنِّي أنَّ سَبَبَهُ هو قَوْله
(1)
: [من الخفيف]
أنَا في أُمَّةٍ تَدَرَاكَها اللّـ
…
ـهُ، غَرِيبٌ كصَالِحٍ في ثَمُودِ
وإنَّما هو أنَّ الخُيُوط في رأسهِ كانت تُدِيرُهُ وتُزْعجه، فتحيَّن غَيْبَةَ سَيْف الدَّوْلَة في بعض غَزَواته، وقصَدَ أعْرَابَ الشَّام، واسْتَغْوَى مِقْدَار ألف رَجُل منهم، واتَّصَلَ خَبَرُه بسَيْف الدَّوْلَةِ، فَكَرَّ راجعًا وعاجَلَهُ، فتفَرَّق عنه أصْحَابُهُ، وجيءَ بهِ أَسِيْرًا، فقال له: أنتَ النَّبِيُّ؟ قال: بل أنا المُتَنَبِّي حتَّى تُطْعمُوني وتَسْقُوني، فإذا فَعَلْتُم ذلك، فأنا أحْمَدُ بن الحُسَين، فأُعْجِب بثَبات جَأْشهِ وجُرْأَته في جَوابهِ، وحقَنَ دَمَهُ، وألْقَاهُ في السِّجْن بحمْصَ، إلى أنْ قُرِّر عندَهُ فَضْلُه، فأطلقَهُ واسْتَخَصَّهُ. ولمَّا أكثروا ذكرهُ بالتَّنَبِّي تَلَقَّبَ به كَيْلا يَصِير ذَمًّا إذا احْتَشَم أُخْفِي عنه، وشَتمًا لا يُشَافَهُ به. واسْتمرَّ الأمرُ على ما تَوَلَّى التَّقلُّبِ (a) به.
قُلتُ: قَوْل أبي الرَّيْحان: إنَّهُ تحيَّن غَيْبَةَ سَيْف الدَّوْلَة في بَعْض غَزَواته، إلى آخر ما ذَكَرهُ، ليسَ بصَحيح، فإنَّ أهل الشَّام وغيرَهُم من الرُّوَاة لم يَنْقُلُوا أنَّ المُتَنَبِّي ظهرَ منه شيء من ذلك في أيَّام سَيْف الدَّوْلَة ومَمْلَكَته بحَلَب والشَّام، ولا أنَّهُ حَبَسَهُ منذُ اتَّصَلَ به، وإنَّما كان ذلكَ في أيَّام لُؤْلُؤٍ الإخْشِيْذِيّ أمير حِمْصَ.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن البَغْدَاديّ كتابةً، قال أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(2)
، قال: وأخْبَرَنَا عليّ بن المُحَسِّن التَّنُوخِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: حَدَّثَني أبو عليّ بن أبي حَامِد، قال: سَمِعْتُ خَلْقًا بحَلَب يَحْكُون، وأبو الطَّيِّب المُتَنَبِّي بها إذ ذاكَ، أنّه تَنَبَّأ في بَادِيَة السَّمَاوَة ونَوَاحيها، إلى أنْ خَرَجَ إليهِ لُؤْلُؤٌ أمير حِمْصَ من قِبَل الإخْشِيْذِيّةِ، فقاتلَهُ وأسرَهُ، وشرَّدَ
(a) كذا في الأصل، ولعل الأظهر: التلقُّب.
_________
(1)
ديوانه بشرح العكبري 1: 324.
(2)
تاريخ بَغْدَاد 5: 167، والخبر في المقفى للمقريزي 1: 369 - 370.
مَنْ كان اجْتَمع إليهِ من كَلْبٍ وكِلَابٍ وغيرهما من قَبَائِل العَرَب، وحَبَسَهُ في السِّجْن دَهْرًا طَويلًا، فَاعْتَلَّ وكاد أن يَتْلَفَ، حتَّى سُئِل في أَمره فاسْتَتَابَهُ، وكَتب عليه وَثِيْقةً أَشْهَدَ عليه فيها ببُطْلان ما ادَّعَاهُ ورجُوعه إلى الإسْلَام، وأنَّهُ تائب منهُ، ولا يُعاوِدُ مثلَهُ، وأطْلَقَهُ.
قال
(1)
: وكان قَدْ تَلَا على البَوَادِي كَلَامًا ذَكَرَ أنَّهُ قُرآنٌ أُنْزل عليه، وكانوا يَحْكُونَ له سُوَرًا كَثِيْرةً، نَسَخْتُ منها سُورةً ضاعَتْ وبقي أوَّلُها في حِفْظِي وهو: والنَّجْم السَّيَّار، والفَلك الدَّوَّار، واللَّيْل والنَّهَار، إنَّ الكَافِر لفي أخْطَار، أمْض على سَنَنِك (a)، واقْفُ أثَرَ مَنْ كان قَبْلك من المُرْسَليْن، فإنَّ الله قامعٌ بكَ زيْغَ من أَلْحَدَ في دينهِ، وضَلَّ عن سَبيلهِ. قال: وهي طَويلةٌ لم يَبْقَ في حِفْظِي منها غير هذا.
قال: وكان المُتَنَبِّي إذا شُوْغِبَ في مَجْلس سَيْفِ الدَّوْلَة، ونحنُ إذ ذاكَ بحَلَبَ، يُذْكَر لهُ هذا القُرْآن وأمْثاله ممَّا كان يُحْكى عنه، فيُنْكِرَهُ ويَجْحَده.
قال: وقال له ابن خَالَوَيْه النَّحْوِيّ يَوْمًا في مَجْلِس سَيْف الدَّوْلَة: لولا أنَّ الآخرَ جاهِلٌ لَمَا رضي أنْ يُدْعَى بالمُتَنَبِّي، لأنَّ مُتَنبّي مَعْناه: كاذبٌ، ومَنْ رَضِي أنْ يُدْعَى بالكَذِب فهو جَاهِل، فقال له: أنا لسْتُ أرْضَى أنْ أُدْعَى بهذا، وإنَّما يَدْعُوني به مَنْ يريد الغَضَّ منِّي، ولَسْتُ أقْدِرُ على الامْتناع.
قال الخَطِيبُ
(2)
: قال لنا التَّنُوخِيّ: قال لي أبي: فأمَّا أنا فإنّي سألتُهُ بالأهْوَاز في سَنَة أرْبَعٍ وخَمْسِين وثَلاثِمائة، عند اجْتيَازه بها إلى فَارِس، في حَديثٍ طَويْل جَرَى بيننا، عن مَعْنى المُتَنَبِّي، لأنّي أرَدْتُ أنْ أسْمَعَ منه هل تَنَبَّى أم لا؟
(a) المقريزي: المقفى 1: 370: سُنَّتك.
_________
(1)
تاريخ بَغْدَاد 5: 167.
(2)
تاريخ بَغْدَاد 5: 168.
فأجابني بجوابٍ مُغَالِطٍ لي، وهو أنْ قال: هذا شيء كان في الحَدَاثَة أوْجَبتهُ الصُّورةُ، فاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أسْتَقْصِيَ عليه وأمسَكْتُ.
وقال لي أبو عليّ بن أبي حَامِد: قال لي أبي ونحنُ بحَلَب، وقد سَمِعَ قَوْمًا يحكُونَ عن أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي هذه السُّورة، الّتي قَدَّمْنا ذِكْرَها: لولا جَهْلُهُ، أينَ قولهُ: امْضِ على سَنَنِكَ إلى آخر الكَلَام من قَوْل اللهِ تعالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}
(1)
إلى آخر القِصَّة، وهل نتقاربُ الفَصَاحَةُ فيهما أو يَشْتَبه الكَلَامان؟!
(2)
.
قَرَأتُ في نُسْخَة وَقَعَتْ إلىَّ من شِعْر أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي ذُكِرَ فيها عند قَوْله
(3)
: [من الوافر]
أبا عَبْد الإِلَهِ مُعَاذُ، إنّى
…
خَفِيٌّ عَنكَ في الهَيْجَا مَقامِي
ذكَرْتَ جَسِيمَ ما طَلَبي، وأَنَّا
…
نُخاطِرُ فيهِ بالمُهَجِ الجِسَامِ
أَمِثْلِى تَأْخُذُ النَّكَباتُ مِنهُ
…
ويَجْزَعُ من مُلاقاةِ الحِمَامِ
ولَو برَزَ الزَّمانُ إليَّ شَخْصًا
…
لَخَضَّبَ شَعْرَ مَفْرِقهِ حُسَامي
وما بَلَغَتْ مَشِيَّتَها اللَّيالِي
…
ولا سَارَتْ، وفي يَدِها زِمامي
إذا امْتَلأَتْ عُيُونُ الخَيْلِ مِنِّي
…
فَوَيْلٌ للتَّيَقُّظِ والمَنَامِ
وقال: قال أبو عَبدِ الله مُعَاذُ بن إسْمَاعِيل اللَّاذِقِيُّ: قَدِمَ المُتَنَبِّي اللَّاذقِيَّةَ في سَنة نَيّف وعِشْرين وثَلاثِمائة، وهو كما عَذَّرَ (a)، ولهُ وفرَةٌ إلى شَحمتي أذُنِه، وَضَوَى إليَّ فأكرمْتُهُ وعَظَّمْتُهُ، لِمَا رأيْتُ من فصَاحَتهِ وحُسْنِ سَمْتِهِ، فلمَّا تمكَّن الأُنْسُ
(a) هكذا في الأصل، ومثله في أصول المقفى للمقريزي 1: 370، وحولها المحقق إلى:"وهو ما عذَّر"، أي لم ينبت شعر عذاره.
_________
(1)
سورة الحجر، 94 - 95.
(2)
الخبر في المقفى للمقريزي 1: 370.
(3)
ديوانه بشرح العكبري 4: 44 - 45.
بيني وبينَهُ، وخَلَوْتُ معهُ في المَنْزل اغْتنامًا لمُشَاهَدَته، واقْتباسًا من أَدَبِه، وأعْجَبَني ما رأيتُ، قُلتُ: واللهِ إنَّكَ لشَابٌّ خَطيرٌ، تَصْلُح لمُنادمَة مَلِك كبير. فقال لي: وَيحَك! أتَدْري ما تَقُول؟ أنا نَبيٌّ مُرْسَلٌ! فظَنَنْتُ أنَّهُ يَهْزُلُ، ثمّ فكَّرتُ (a) أنّي لم أُحَصِّلْ عليه كلمة هَزْلٍ منذُ عرَفْتُهُ، فقلتُ له: ما تقول؟ فقال: أنا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، قلتُ له: مُرْسَلٌ إلى مَنْ؟ قال: إلى هذه الأُمَّةِ الضَّالَةِ المُضِلَّة. قُلتُ: تَفْعَل ماذا؟ قال: أمْلَأُها عَدْلًا كما مُلئَتْ جَوْرًا. قُلتُ: بماذا؟ قال: بإدْرَار الأرْزَاق والثَّوَابِ العَاجِل والآجلِ لمَنْ أطَاعَ وأَتَى، وضَرْبِ الأعْنَاق وقَطْع الأرْزَاق لمَن عصَى وأَبَي. فقلتُ له: إنَّ هذا أمرٌ عظيمٌ أخَافُ منهُ عليك أنْ يَظْهَر، وعَذَلْتُه على قَوْلِه ذلك، فقال بَدِيْهًا
(1)
: [من الوافر]
أبا عَبْدِ الإله مُعَاذُ، إنّى
…
خَفِيٌّ عَنْكَ في الهَيْجَا مَقَامِي
الأبيات.
فقلتُ له: لِمَ ذَكَرتَ (b) أنَّكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إلى هذه الأُمَّةِ، أَفَيُوْحَى إليكَ؟ قال: نعم، قُلتُ: فَاتْلُ علىَّ شَيئًا من الوَحْي إليكَ، فأَتَاني بكلامٍ ما مَرَّ بسَمْعي أحسَنُ منهُ، فقُلتُ: وكم أُوْحِيَ إليكَ من هذا؟ فقال: مائة عِبْرةٍ وأرْبَع عَشْرةَ عِبْرةً، قُلتُ: وكم العِبْرَة؟ فأَتَى بمِقْدَارٍ أكَبرِ (c) الآي من كتاب الله. قُلتُ: ففي كم مُدَّة أُوحِي (d) إليك، قال: جُمْلَةً واحدةً، قُلت: فاسْمَعُ في هذه العِبَرَ أنَّ لكَ طاعةً في السَّماءِ، فما هي؟ قال: أَحْبِسُ المدْرَارَ لقَطْع أرْزَاقِ العُصَاةِ والفُجَّار، قُلتُ: أتَحْبسُ من السَّماءِ مَطَرَها؟ قال: إي، والّذي فَطَرَها! أفما هي مُعْجِزَةٌ؟ قُلتُ: بَلى واللهِ. قال: فإن حَبَسْتُ عن مكانٍ تَنْظُر إليهِ ولا تشُكّ فيه، هل تُؤمنُ بيّ،
(a) يمكن أن تُقرأ أيضًا: ذكرت.
(b) المقريزي: المقفي 1: 370: ألم تكن ذكرت.
(c) مهملة في الأصل، والمثبت موافق لما عند المقريزي.
(d) في المقفي 1: 371: الوحي.
_________
(1)
ديوانه بشرح العكبري 4: 44.
وتُصَدِّقُني على ما أُتيْتُ به من رَبِّي؟ قُلتُ: إِي واللهِ. قال: سَأفْعَلُ، فلا تَسألْني عن شيءٍ بعدَها حتَّى آتيَكَ بهذه المُعْجِزَةِ، ولا تُظْهِرْ شَيئًا من هذا الأمر حتَّى يَظْهرَ، وانتظرْ ما وُعِدْتَهُ من غير أنْ تَسْألَهُ.
فقال لي بعدَ أيَّامٍ: أَتُحِبُّ أنْ تَنْظُرَ إلى المُعْجِزَة الّتي جَرَى ذِكْرُها؟ قُلتُ: بلَى والله، فقال لي: إذا أرْسَلْتُ إليكَ أحدَ العَبِيْد فارْكَبْ مَعَهُ ولا تَأَخَّرْ، ولا يَخْرُج معك أحَدٌ، قُلتُ: نعم.
فلمَّا كان بعد أيَّامٍ، تَغَيَّمَتِ السَّماءُ في يَوْم من أيَّامِ الشّتَاء، وإذا عَبْدُهُ قد أقْبَل، فقال: يقُول لكَ مَوْلايَ: اركبْ للوَعْدِ، فبادَرْتُ بالرُّكُوبِ معَهُ، وقُلتُ: أينَ رَكِبَ مولَاكَ؟ فقال: إلى الصَّحْرَاءِ، ولم يَخْرج معه أحدٌ غيري، واشْتَدَّ وقعُ المَطَر، فقال: بادر بنا حتَّى نَسْتَكِنَّ معه من هذا المَطَر، فإنَّهُ ينتَظرُنا بأعْلَى تَلٍّ لا يُصِيْبُه فيه المَطَرُ، قُلتُ: وكيفَ عَمِلَ؟ قال: أقبَلَ ينظُرُ إلى السَّماءِ أوَّل ما بدا السَّحاب الأسْوَد وهو يتكلَّم بما لا أفْهَم، ثمّ أَخَذَ السَّوْطَ فأدَار به في مَوضعٍ ستَنْظُر إليهِ من التَّلِّ، وهو يُهَمْهِم، والمَطَرُ ممَّا يليهِ، ولا قَطْرَة منهُ عليه، فبادَرتُ معَهُ حتَّى نظرْتُ إليهِ، وإذا هو على تلٍّ على نصف فرسَخٍ من البلدِ. فأتيتُهُ وإذا هو عليه قائمٌ، ما عليهِ من ذلك المَطَر قَطْرَةٌ واحدةٌ، وقد خُضْتُ في الماءِ إلى ركْبَتَي الفَرَس، والمطَرُ في أشَدِّ ما يكونُ، ونظَرتُ إلى نحو مائتي ذِرَاع في مثلها من ذلك التَّلِّ: يابسٌ، ما فيه نَدًى ولا قَطْرَة مَطَر، فسَلَّمتُ عليه، فرَدَّ عليَّ، وقال لي: ما تَرى؟ فقُلتُ: ابْسُطْ يدَكَ، فإنِّي أشْهَدُ أنَّك رسُول الله، فبسَطَ يدَهُ فبايَعْتُهُ بَيْعَةَ الإقْرار بنُبُوَّتِه، ثمّ قال لي: ما قال هذا الخَبِيثُ لمَّا دَعَا بِكَ -يعني عبدَهُ-؟ فشرَحْتُ له ما قال لي في الطَّريق لمَّا استَخْبرتَهُ، فقَتَل العَبْدَ، وقال
(1)
: [من مجزوء الرجز]
(1)
ديوانه بشرح العكبري 2: 341، وذكر أنَّه قال هذه الأبيات في صباه.
أيَّ مَحَلٍّ أَرْتَقي؟
…
أيَّ عَظيمٍ أتَّقي؟
وكُلُّ ما قَدْ خَلَقَ اللَّـ
…
ـهُ ومَا لَمْ يَخْلُقِ
مُحْتقرٌ في هِمَّتي
…
كشَعْرَةٍ في مَفْرِقي
وأخَذتُ بيعَتَهُ لأهلي، ثمّ صحَّ بعدَ ذلك أنَّ البَيْعَةَ عَمَّتْ كُلَّ مَدِيْنَةٍ بالشَّام، وذلك بأصْغَر حيلةٍ تعَلَّمها من بعض العَرَب، وهي صَدْحَةُ المَطَر؛ يَصْرفُه بها عن أيّ مكانٍ أحبَّ بعد أنْ يَحْوِيَ عليه بَعَصًا وَيَنْفُثُ بالصَّدْحَة الّتي لهم. وقد رأيْتُ كَثِيْرًا منهم بالسَّكُون وحَضْرَمَوْتَ والسَّكاسِك من اليَمَن يَفْعلُون هذا ولا يَتَعاظَمُونَهُ، حتَّى إنَّ أحَدَهُم يَصْدَح عن غَنَمه وإبلِهِ وبَقَرِهِ، وعن القَرْيَةِ من القُرَى فلا يُصِيبُها من المَطَر قَطْرَةٌ، ويكون المَطَر ممَّا يلي الصَّدْحَةَ. وهو ضرْبٌ من السِّحْر، ورأيتُ لهم من السِّحْر ما هو أعظَمُ من هذا.
وسألتُ المُتَنَبِّي بعدَ ذلك: هل دَخَلْتَ السَّكُونَ؟ قال: نعم، ووالدِي منها،
أمَّا سمِعْتَ قَوْلي
(1)
: [من الوافر]
أَمُنسِيَّ السَّكُونَ (a) وحَضْرَمَوْتا
…
ووالِدَتي وكِنْدَة والسَّبِيْعَا
فقُلتُ: مِنْ ثَمَّ اسْتفادَ (b) ما جَوَّزَهُ على طَغَامِ أهلِ الشَّام
(2)
.
وجَرَتْ له أشياءُ بعدَ ذلك من الحُرُوب والحَبْس، والانْتقالِ من مَوضعٍ إلى مَوضعٍ، حتَّى حصَل عند سَيْفِ الدَّوْلَة وعَلَا شَأنُهُ.
قُلتُ: والصَّدْحَة الّتي أشار إلى أنَّها تَمْنَع المَطَر مَعْرُوفةٌ إلى زَماننا هذا، وأخْبَرني غير واحد ممَّن أثِق به من أهل اليَمَن أنَّهم يَصْرفُون المَطَرَ عن الإِبِل
(a) في ديوانه بشرح العكبري: الكناس، والمثبت موافق لرواية الواحدي في شرحه على الديوان 147.
(b) المقريزي: المقفي 1: 374: استعار.
_________
(1)
ديوانه بشرح العكبري 2: 257.
(2)
خبر معجزته بطوله مثبت في المقفي للمقريزي 1: 370 - 374.
والغَنَم وعن زَرْعِ عدُوّه، وأنَّ رِعَاءَ الإِبِل والغَنَم ببلادهم يَسْتعملون ذلك، وهو نوعٌ من السِّحْر.
وذَكَر أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن عليّ بن فُوْرَجَة (a)، في كتاب التَّجَنِّي على ابن جِنِّي، قال: أخْبرَني أبو العَلَاء أحْمَدُ بن سُلَيمان المَعَرِّيُّ
(1)
عمَّن أخْبَرَهُ من الكُتَّابِ، قال: كُنْتُ بالدِّيْوَان في بعض بلادِ الشَّام، فأسرَعْتِ المُدْيَةُ في إصْبَع بعضِ الكُتَّاب، وهو يَبْري قَلَمَه، وأبو الطَّيِّب حاضرٌ، فقام إليهِ وتَفَل عليه، وأمْسَكها ساعةً بيده، ثمّ أرسلَهَا وقد اندملَتْ بدَمها، فجَعَل يعْجَبُ من ذلك، ويُري مَنْ حضَرَ أنَّ ذلك من مُعْجزَاته.
قال: وممَّا كان يُمَخْرِقُ
(2)
به على أبيات البَادِيَة أنَّهُ كان مَشَّاءً قَوِيًّا على السَّير سَيْرًا لا غايةَ بعده، وكان عارفًا بالفَلَواتِ، ومواقع المياهِ، ومَحَالِّ العَرَبِ بها، فكان يَسيرُ من حِلَّةٍ إلى حِلَّةٍ بالبَادِيَة في لَيْلَةٍ، وبينهُما مسيرَةُ ثلاثٍ، فيأتي ماءً ويَغْسِل يدَيْهِ ووَجْهَه ورجْلَهُ، ثمّ يأتي أهْل تلكَ الحِلَّة فيُخْبرها عن الحِلَّةِ الّتي فَارَقَها، ويُريهم أنَّ الأرضَ طُويَتْ له، فلمَّا عَلَتْ سِنُّهُ رَغِبَ عن ذلك وزَهِدَ فيه، وأقْبَلَ على الشِّعْر وقد وُسِمَ بتلك السِّمَةِ.
أنْبَأنَا أبو مُحمَّد عبْد العَزِيز بن مَحْمُود بن الأخْضَر، قال: أخبَرَنَا الرَّئِيسُ أبو الحَسَن عليّ بن علىّ بن نَصْر بن سَعيد، قال: أخبَرَنا أبو البرَكَاتِ محمَّدُ بن
(a) هكذا ضبطه المؤلِّف حيثما يرد في عديد المواضع، وأبقينا عليه. وضبطه ياقوت ضبط حرف:"بضم الفاء وسكون الواو وتشديد الراء المفتوحة وفتح الجيم"(مُعْجَم الأدباء 6: 2524)، وخالفهما الصفدي في تَرْجَمَتِه لمحمد بن حمد بن فورجة، وفيه بجيم مشددة. الوافي بالوفيات 3: 24، اما ابن الساعي فسمى مؤلفه: مُحمَّد بن حمد بن فُورَّجَه البروجرديّ، أبو عليّ الأديب، وذكر له كتاب: التجني على ابن جني، وكتاب الفتح على أبي الفتح، والكتابان يرد فيهما على ابن جني في تفسير شعر المُتَنَبِّي. ابن الساعي: الدر الثمين 210.
_________
(1)
شبيهه في رسالة الغفران 289، والخبر بنصه في المقفي للمقريزي 1:374.
(2)
أي: يُموِّه. والمخرق: المموّه. لسان العَرَب، مادة: مخرق.
عَبْد اللهِ بن يَحْيَى، قال: أخبَرَنا عليّ بن أَيُّوب بن الحُسَين، قال: أنشَدَنا أبو الطَّيِّب المتنَبِّي لنَفْسِه، وكان قَوْمٌ في صِبَاهُ وَشَوْا به إلى السُّلْطان، وتكذَّبُوا عليه، وقالوا له: قد انْقَاد له خلْقٌ من العَرَب، وقد عَزَم على أخْذِ بَلَدِكَ! حتَّى أوْحَشُوهُ منهُ، فاعْتَقَلَهُ وضَيَّقَ عليه، فكَتَبَ إليهِ يَمْدَحُهُ
(1)
: [من المتقارب]
أيا خَدَّد اللهُ وَرْدَ الخُدُودِ
…
وقَدَّ قُدُودَ الحسَان القُدُودِ
فهُنَّ أسَلْنَ دَمًا مُقْلَتي
…
وعَذَّبْنَ قَلْبي بطُولِ الصُّدُودِ
قال فيها في ذِكْر المَمْدُوح
(2)
:
رمَي حَلَبًا بنَوَاصِي الخُيُول
…
وسُمْرٍ يَرِقْنَ دَمًا في الصَّعيدِ
وبيضٍ مُسَافرةٍ ما يُقِمْـ
…
ـنَ لا في الرِّقابِ ولا في الغُمُودِ
يَقُدْنَ الفَنَاءَ غَدَاةَ اللِّقاءِ
…
إلى كُلِّ جَيْشٍ كَثِيْرِ العَدِيدِ
فَوَلَّي بأشْيَاعهِ الخَرْشَنِيُّ
…
كِشَاءٍ أَحَسَّ بزَأْرِ الأُسُودِ
يُرَوْنَ من الذُّعْرِ صَوْتَ الرِّيَاح
…
صَهيْل الجِيَادِ وخَفْقَ البُنُودِ
فمَن كالأَمِير ابنِ بنْتِ الأميـ
…
ـرِ أَمْ (a) مَن كآبائهِ والجُدُودِ
سَعَوْا للمَعَالي وهُمْ صِبْيَةٌ
…
وسَادُوا وجَادُوا وهُم في المُهُودِ
أمَالِكَ رِقِّي، ومَنْ شَأنُهُ
…
هِبَاتُ اللُّجَيْنِ وعِتْقُ العَبِيْدِ
دَعَوْتُك عند انْقِطَاع الرَّجَا
…
ءِ والمَوْتُ منِّي كحَبْلِ الوَرِيْدِ
دَعَوْتُكَ لمَّا بَرَاني البِلَى
…
وأوْهَنَ رِجْلَيَّ ثِقْلُ الحَدِيدِ
وقد كانَ مَشْيُهُما في النِّعَالِ
…
فقد صَار مَشْيُهُمَا في القُيُودِ
وكنتُ مِنَ النَّاسِ في مَحْفِلٍ
…
فها أنا في مَحْفِلٍ من قُرُودِ
(a) الديوان بشرح العكبري 1: 345: أو.
_________
(1)
ديوانه بشرح العكبري 1: 341.
(2)
ديوانه بشرح العكبري 1: 344 - 347.
تُعَجَّلُ فيَّ وُجُوبُ الحُدُود
…
وحَدِّيَ قَبْلَ وُجُوبِ السُّجُودِ
وقيل عدَوْتَ على العَالمـ
…
ـين بين وِلَادِي وبينَ القُعُودِ
فما لكَ تَقْبَلُ زُورَ الكَلامِ
…
وقدْرُ الشَّهادَةِ قَدْرُ الشُّهُودِ
فلا تَسْمَعَنَّ من الكاذبيْنَ (a)
…
ولا تعْبَأَنَّ بمَحْكِ اليَهُودِ
وكُنْ فارقًا بين دَعْوَى: أرَدْتَ
…
ودَعْوَى: فعَلْتَ بشَأْوٍ بَعِيْدِ
وفي جُودِ كفَّيكَ ما جُدْتَ لي
…
بنَفْسِي ولو كُنْتُ أشْقَى ثَمُودِ
وذكَر أبو مَنْصُور الثَّعالِبِيّ في اليَتِيْمَة
(1)
عن ابن جِنِّي أنَّهُ قال: سَمِعْتُ أبا الطَّيِّب يقولُ: إنَّما لُقِّبْتُ بالمُتَنَبِّي لقَوْلي: [من الخفيف]
أنا في أُمَّةٍ تَدَاركها اللـ
…
ـهُ غَرِيبٌ كَصَالحٍ في ثَمُودِ
ما مُقَامي بِدَارِ (b) نَحْلَة إلَّا
…
كمُقَام المَسِيْحِ بينَ اليَهُودِ
أخْبَرَنا أبو هاشِم عبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْدُ الكَريم بن مُحمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: أنشَدَنا عُمَرُ بن مُحمَّد السَّرْخَسيُّ، قال: أنْشدَنا الحسَنُ بن عليّ الحافظُ، قال أنشَدنا الأُسْتَاذ أبو عليّ أحْمَدُ بن مُحَمَّد المَعْرُوف بمَسْكَوَيْه قال: أنشدنا المُتَنَبِّي
(2)
: [من الطّويل]
ومِنْ نَكَدِ الدُّنْيا على الحُرِّ أنْ يَرَى
…
عَدُوًّا لَهُ ما مِنْ صَدَاقَتِهِ بُدُّ
قال: قيل للمتَنَبِّي: على مَنْ تَنَبَّأتَ؟ قال: على الشُّعَراءِ، فقيل: لكُلِّ نَبِيّ مُعْجِزَةٌ، فما مُعْجزَتُكَ؟ قال: هذا البيتُ.
(a) الديوان بشرح العكبري 1: 347: الكاشحين.
(b) في يتيمة الدَّهر والديوان بشرح العكبري 1: 319: بأرض.
_________
(1)
الثعالبي: يتيمة الدَّهر 1: 113، والمقفي للمقريزي 1: 374، وانظر الشعر في ديوان المُتَنَبِّي بشرح العكبري 1: 319، 324.
(2)
ديوانه بشرح العكبري 1: 375، من قصيدة يمدح فيها مُحمَّد بن سيار بن مُكرَم التميميّ.
وقَرَأتُ في رسالةِ علىّ بن منْصُور الحَلَبِيّ، المعْرُوف بدَوْخَلَةَ، وهي الّتي كَتَبها إلى أبي العَلَاء بن سُلَيمان، وأجابه عنها برسَالة الغُفْران، وذَمّ فيها أبا الطَّيِّب المتنَبِّي، وقال
(1)
: وذَكَر ابن أبي الأزْهَر والقُطْرُبُّلِيُّ في التَّاريخ الّذي اجتَمَعا على تَصْنِيفه، أنَّ الوَزِير عليّ بن عِيسَى أحْضَره إلى مَجْلسه، فقال له: أنت أحْمَدُ المُتَنَبِّي؟ فقال: أنا أحْمَدُ النَّبِيَّ، ولي علامَةٌ في بَطْني؛ خاتَم النُّبُوَّة، وأراهُمْ شبيهًا بالسَّلْعَة على بَطْنه، فأمرَ الوَزِير بصَفعه فصُفِعَ وقُيِّد، وأمرَ بحَبْسه في المُطْبَق.
ثمّ طالعْتُ التَّاريخ المُشَار إليهِ، فقَرَأتُ فيه في حَوَادِث سَنَة اثْنَتَيْن وثَلاثِمائة، قال: وفيها جَلَسَ الوَزِيرُ عليّ بنُ عِيسَى للنَّظَر في المَظَالِم، وأحْضَر مَجْلسَهُ المُتَنَبِّي وكان مَحْبُوسًا ليُخلي سَبيله، فناظرَهُ بحَضْرَة القُضَاةِ والفُقَهَاء، فقال: أنا أحْمَدُ النَّبِيّ، ولي علامةٌ في بَطْنِي، خاتَم النُّبُوَّة، وكشَفَ عن بَطْنه وأراهُم شَبيهًا بالسَّلْعَة على بَطْنِه، فأمرَ الوَزِير بصَفْعه فصُفِعَ مائة صفْعَة، وضَرَبه وقَيَّده، وأمَرَ بحَبْسهِ في المُطْبَق.
فبانَ لي أنَّ أبا الحَسَن عليّ بن مَنْصُور الحَلَبِيّ، رأى في تاريخ ابن أبي الأزْهَر والقُطْرُبُّلِيّ ذِكْر أحْمَد المُتَنَبِّي فظَنَّهُ أبا الطَّيِّبِ أحْمَد بن الحُسَين، فوقَع في الغَلَط الفَاحِش لجَهْله بالتَّاريخ، فإنَّ هذه الوَاقِعَة مَذْكُورَة في هذا التَّاريخ في سَنَة اثْنَتَين وثَلاثِمائة، ولم يكُن المُتَنَبِّي وُلد بَعْدُ، فإنَّ مَولده على الصَّحيح في سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثِمائة، وقيل إنَّ مَولده سَنَة إحْدَى وثَلاثِمائة، فيكون له من العُمْر سَنَة واحدة. وأبو مُحَمَّد عَبْد اللهِ بن الحُسَين الكَاتِب القُطْرُبُّلِيّ، ومُحَمَّد بن أبي الأزْهَر ماتا جميعًا قبل أنْ يَتَرعرع المُتَنَبِّي ويُعْرَف.
وهذا المُتَنَبِّي الّذي أحْضرَهُ عليُّ بن عِيسَى هو رَجُل من أهل أصْبَهَان تنبَّأ في
(1)
رسالة ابن القارح المعروف بدوخلة (منشورة مع رسالة الغفران) 225، وانظر الخبر في تذكرة ابن العديم 246، والمقفي للمقريزي 1:369.
أيَّامِ المُقْتَدِر، يُقالُ له: أحْمَد بن عبد الرَّحيم الأصْبَهَانِيّ، ووَجَدْتُ ذِكْرَهُ هكذا مَنْسُوبًا في كتاب عُبَيْد الله بن أحْمَد بن طَاهِر الّذي ذَيَّلَ به كتاب أبيه في تاريخ بَغْدَاد.
أخْبرَني يَاقُوتُ بن عبد الله الحَمَوِيّ، قال: وَقَعَ لي كتابٌ مُصَنَّفٌ في أخْبارِ أبي الطَّيِّب، صَغِير الحَجْم، تَصْنيف الأُسْتَاذِ أبي القَاسِم عُبَيْدِ الله بن عبد الرَّحيم الأصْبَهَانِيّ
(1)
، وذَكَرَ فيهِ ادِّعَاءَهُ النُّبُوَّةَ، وقال فيه: وقد هَجاهُ الشُّعَراءُ بذلك، فقال الضَّبُّ الضَّرِيْرُ الشَّامِيِّ فيه
(2)
: [من الطّويل]
أطْلَلْتَ، يا أيُّها الشَّقِيُّ، دَمَكْ
…
لا رَحِمَ اللهُ رُوْحَ مَنْ رَحَمكْ (a)
أَقْسَمْتُ لو أَقْسَمَ الأَمِيرُ على
…
قَتْلِكَ قتلَ العِشَارِ ما ظَلَمَكْ
ويُروَى: قَبْل العشَاء.
فأجابَهُ المُتَنَبِّي فقال
(3)
: [من المنسرح]
إيْهًا أتَاكَ الحِمَامُ فاخْتَرَمَكْ
…
غيرُ سَفِيهٍ عَليكَ مَنْ شَتَمَكْ
هَمُّكَ في أَمْردٍ تُقَلِّبُ في
…
عَيْنِ دَوَاةٍ من صُلْبهِ قَلَمَكْ
وهِمَّتي في انْتِضَاءِ ذي شُطَبٍ
…
أقُدُّ يَوْمًا بحَدِّه أَدَمَكْ
فاخْسَأ كُلَيْبًا واقْعُدْ على ذَنَبٍ
…
واطْلِ بما بين إلْيَتَيْكَ فَمَكْ
(a) عجزه في كتاب الواضح للأصفهاني: بالهذيان الَّذي ملأتَ فَمك.
_________
(1)
عنوان كتابه: "الواضح في مشكلات المُتَنَبِّي"(الدار التونسية، 1968 م) ص 7، وهي نسخة مختصرة تختلف ألفاظها، وتقل، وفيها تقديم وتأخير، خلاف ما نقله ابن العديم عن ياقوت، وورد اسم مؤلفه في نشرة الكتاب: أبو القَاسِم عبد الله بن عبد الرحمن الأصفهاني.
(2)
البيتان في خزانة الأدب للبغدادي 2: 348، باختلاف في الرواية.
(3)
لم ترد الأبيات في ديوانه بشرح العكبري ولا شرح الواحدي، وثلاثة منها، باستثناء البيت الأوّل - عند الأصفهاني: الواضح 7.
قال: وهَجَاهُ شاعرٌ آخر فقال -وقيل: هو الضَّبّ أيضًا
(1)
-: [من الكامل]
قَدْ صَحَّ شِعْرُك والنُّبُوَّةُ لم تَصِحْ
…
والقَوْلُ بالصِّدْقِ المُبيَّن يَتَّضِحْ
الْزَم مَقَالَ الشِّعْرِ تَحْظَ برُتْبَةٍ
…
وعن التَّنَبِّي (a) لا أبا لَكَ فانْتَزِحْ
ترْبَحْ دَمًا قد كُنْتَ تُوجِبُ سَفْكهُ
…
إنَّ المُمَتَّع بالحَياةِ لمَنْ رَبِحْ
فأجابَهُ بأياتٍ وهي
(2)
: [من الكامل]
نارُ الذّرابةِ (b) من لِساني تُقْتَدحْ
…
تَغْدُو عليَّ مِن النُّهَى ما لم يُرَحْ
بَحْرٌ لو اغْتُرِفَتْ لُطَامةُ مَوْجهِ
…
بالأرضِ والسَّبْع الطّباق لما نُزِحْ
أَمْري إليَّ، فإنْ سَمَحْتُ بمُهْجَةٍ
…
كَرُمَتْ عليَّ فإنَّ مثْلي مَنْ سَمَحْ
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبدُ الله بن الحُسَين بن عبد الله بن رَوَاحَة الحَمَوِيُّ، وأبو يَعْقُوبَ يُوسُف بن محمُود السَّاوِيّ الصُّوْفيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: سَمِعْتُ أبا عبد الله الحُسَينَ بن عليّ بن هَمَّام الحُسَيْنيّ الطَّالَقَانِيّ ببَغْدَاد يقول: هجَا أبو عبد الله بنُ الحَجَّاج أبا الطَّيِّب المُتَنَبِّي لمَّا دَخَلَ بَغْدَاد بمُقَطَّعاتٍ منها
(3)
: [من المجتث]
(a) الوافي: النبوة.
(b) في الأصل بإهمال الحرف ما قبل الأخير، وقرأه الأستاذ مَحْمُود شاكر (المُتَنَبِّي 625): الدراية.
_________
(1)
الأبيات (2، 3) في كتاب الواضح للأصفهاني 7، ومرآة الزمان 17: 367، والوافي بالوفيات للصفدي 6: 345، وخزانة الأدب للبغدادي 2: 348، وقد نسبها ابن العديم في تَرْجَمة أبي الحُسَيْن الحَلَبيِّ الآتية في الجزء العاشر لأبي العبَّاس النامي في مهاجاة بينه وبين المُتَنَبِّي.
(2)
ليست في ديوانه بشرح العكبري ولا شرح الواحدي.
(3)
بيتان منها (1، 2) من أصل ثمانية أبيات مدرجة ضمن ما جمعه جمال الدين ابن نباتة المصريّ من شعر ابن حجَّاج، في كتابه: تلطيف المزاج من شعر ابن حجَّاج، مخطوط المكتبة الملكية الدنماركية، الورقة 8 ب - 9 أ، وفي المجموع قصائد أخرى فيها هجاء مقذع للمتنبي؛ غاية في الابتذال. وثلاثة من الأبيات (1، 2، 4) عند الصفدي: الوافي بالوفيات 6: 340، 12: 334، والعباسي: معاهد التنصيص 1: 29.
يا دِيمَةَ الصَّفْعِ هُبّيِ (a)
…
على قَفَا المُتَنَبِّي
ويا قَفاهُ تَقدَّمْ
…
تَعَالَ واجْلِسْ بجَنْبي (b)
ويا يَدِي فاصْفَعيهِ
…
بالنَّعْلِ حتَّي تَدِبّي
إن كان هذا نَبِيٌّ
…
فالقِرْدُ لا شَكَّ رَبِّي
فلمَّا بَلَغ أبا الطَّيِّب قال
(1)
: [من السريع]
عارَضَني كَلْبُ بَنِي دَارِمٍ
…
فصُنْتُ منهُ الوَجْهَ والعِرْضَا
ولم أُكلِّمهُ احْتقارًا بهِ
…
مَنْ ذا يعَضُّ الكَلْبَ إنْ عَضَّا
كذا رَوَاهُ السِّلَفِيّ: هُبِّي، والمَحْفُوظ: صُبِّي.
وقال لي يَاقُوت الحَمَوِيّ: وذَكَرَ الأُسْتَاذُ أبو القَاسِم عُبَيْد الله بن عبد الرَّحيم الأصْبَهَانِيّ في أخْبَار أبي الطَّيِّب، قال
(2)
: وقد تَعَلَّق قَوْمٌ ممَّن يَتَعَصَّبُ على المُتَنَبِّي فانْتَزع من شِعْره أبْيَاتًا زعمَ أنَّها تَدُلُّ على فَسَادِ اعْتقادٍ، وقد جَعل لها مَنْ يَتَعَصَّب وجْهًا، منها
(3)
: [من البسيط]
هَوِّنْ على بَصَرٍ ما شَقَّ منْظَرهُ
…
فإنَّما يَقَظَاتُ العَيْنِ كالحُلُمِ
قالوا: هذا البَيْتُ من اعْتقادِ السُّوفَسْطَائِيَّة.
وقَوْله في أُخْرى
(4)
: [من الوافر]
تَمَتَّعْ من سُهَادٍ أو رُقادٍ
…
ولا تَأْمُلْ كَرىً تحتَ الرِّجَامِ
(a) رواية ابن نباتة والصفدي والعباسي: صُبِّي. وهي رواية أخرى يذكرها ابن العديم بعد انتهاء النقل.
(b) عند ابن نباتة والصفدي والعباسي: حتَّى تصير بجنبي.
_________
(1)
البيتان ليسا في ديوانه بشرح العكبري ولا شرح الواحدي.
(2)
كتاب الواضح في مشكلات المُتَنَبِّي ص 7 - 8.
(3)
والبيت أيضًا في ديوانه بشرح العكبري 4: 162.
(4)
ديوانه بشرح العكبري 4: 149.
فإنَّ لثالِثِ الحالَيْنِ مَعْنًى
…
سِوي مَعْنَى انِتَباهِكَ والمَنَامِ
قالوا: فهذا يُنْبئُ عن اعتقادِ الحَشِيْشِيَّة.
وقَوْله في أُخرى
(1)
: [من البسيط]
تَخَالفَ النَّاس حتَّى لا اتِّفاق لَهُم
…
إِلَّا على شَجَبٍ، والخُلْفُ في الشَّجَبِ
فقيلَ: تَسْلَمُ نَفْسُ المَرْءِ باقيةً (a)
…
وقيل: تشْرَكُ جِسْمَ المرءِ في العَطَبِ
قالوا: فهذا مَذْهَبُ من يقول بالنَّفسِ النَّاطِقَة.
وقَوْله في عَضُد الدَّوْلَة
(2)
: [من السريع]
نَحنُ بنُو الدُّنْيَا فما بالُنَا
…
نَعَافُ ما لا بُدَّ من شُرْبِهِ
تبخَلُ أَيْدِينَا بأرْواحِنا
…
على زمانٍ هيَ مِن كَسْبهِ
فهذِه الأروَاحُ من جَوِّهِ
…
وهذه الأجسادُ من تُرْبهِ
فهذا مَذْهَبُ الهَوائيَّة وأصحَاب الفَضَاء.
وقوله في ابن العَميدِ
(3)
: [من الطّويل]
يُعَلّلُنَا هَذا الزّمانُ بذا الوَعْدِ
…
وَيَخْدَعُ عَمّا في يَدَيْهِ من النّقدِ
فإنْ يكُنِ المَهْدِيّ مَن بانَ هَدْيُهُ
…
فهَذا وَإلَّا فالهُدى ذا فَما المَهْديّ!
قالوا: فهذا مَذْهَبُ أهل النُّجُوم (b) .
(a) الواضح في مشكلات المُتَنَبِّي: فقيل تخلد. . . .، وفي الديوان بشرح العكبري: فقيل تخلُص نفس المرء سالمة.
(b) في كتاب الواضح للأصفهاني: مَذْهَبُ السبعية "الطائفة من الشيعة".
_________
(1)
ديوانه بشرح العكبري 1: 95 - 96.
(2)
لم يرد البيت الثاني منها عند الأصبهاني، والأبيات ليست في ديوانه بشرح العكبري.
(3)
سقط البيت الأوّل من نشرة كتاب الواضح ص 8، والبيتان في ديوانه بشرح العكبري 2: 67 - 68، من قصيدة طويلة.
وقال لي يَاقُوتُ الحَمَوِيّ
(1)
: نقلت من خط أبي الريحان مُحمَّد بن أحْمَد البَيْرُونِيّ في رسالةٍ له سمَّاها التَّعلل بإجابة (a) الوهم، في مَعَاني نُظُوم أُولي الفضل، قال في أثناء كلام ذكره: ثمّ إن لي من أخلاقهم -يعني: الشُّعَراء- أسوة حسنةٌ ومسْلاة أكيدةٌ، بإمام الشعراء الَّذي طرَّق لهم ولمَن بعده إلى طريقته المخترعة في الشعر، وخَلَّفَهم من معاني كلامه في بُروق تَخْطَفُ أبصارهم وبصائرهم، {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا}
(2)
: أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي، حتَّى إنَّ أفاضلَ أهل زماننا كأحمد بن فارس يحسُده على ما آتاه الله من فضله، ويقول: إنَّهُ مَبْخُوتٌ وإلَّا. . .! قال لي ياقوت: كذا رأيته مُبيَّضًا بخَطِّه.
ويقُول: سألتُ أبا الفَضْل بن العميد عن مَعْنى قوله: [من الطّويل]
وفاؤُكُما كالرَّبْعِ أشَجْاهُ طَاسِمُه
فأجابني بأنَّ المُتَنَبِّي خَرَجَ من الدُّنيا بعد ستين سنة عاشها، ولم يكن وقف على معناهُ.
وكان أبو الطّيب، على ضيق عَطَنه، رفيع الهمَّة في صناعته، فاقتصَرَ لها في رحلته بمَدْح عَضُد الدَّوْلَة ووزيره ابن العَمِيد، وراودَهُ الصَّاحبُ إسماعيل بن عبَّاد على التَّزاور رغبةً في مديحه، فأبى الانحطاط إلى الكَتَبَةِ، وهذا ما حَمَلهُ على الخَوض في مساوئ شِعره
(3)
، وليس يترَفَّع عن حَلِّه ونَثْره في أثناء كتابتِهِ، ومُشاركة الحَاتِمِيّ
(4)
في إدامَة حَلِّ نَظْمِه في رسَائلِه، بعد مقالته التي عَمِلَها فيه
(a) عند ياقوت في موضعين من كتابه: "بإجالة". انظر: مُعْجَم الأدباء 5: 2186، 2333.
_________
(1)
لم يثبته ياقوت في كتابه مُعْجَم الأدباء، وأشار إلى نقله من رسالة البَيْرُونِيّ المذكورة. مُعْجَم الأدباء 5:2186.
(2)
سورة البقرة، من الآية 20.
(3)
عنوانه: الكشف عن مساوئ شعر المتنبي، مطبوع بتحقيق الشّيخ مُحمَّد حسن آل ياسين. مكتبة النهضة ببغداد، 1965 م.
(4)
مُحمَّد بن الحَسَن بن المظفر الحاتمي (ت 388 هـ)، ومقالته المذكورة تسمى "الرسالة الحاتمية" أو:"الموضحة في ذِكْر سرقات أبي الطيب المُتَنَبِّي وساقط شعره"، وسماه ابن الساعي:"الموضحة في مساوئ المُتَنَبِّي". ابن الساعي: الدر الثمين 205.
مُحَرِّضًا عليهِ ومُتَنادِرًا به كنَوَادر المُخَنَّثِين، كما حَمَلَ مثلُه أبا مُحمَّد المُهَلَّبِي مُسْتَوْزَرَ بَخْتِيار بن مُعِزّ الدَّولَةِ على إغْرَاءِ سُفَهاءِ بَغْدَاد عليهِ، ومُعاملَته بالسُّخْف الّذي أعْرَض بوَجْههِ عنْهُ وعنهم ولم يَزِدْ في الجَوَاب على الخَسْأ، تَرَفُّعًا وتَنَزُّهًا واكْتفاءً من مُهاجاتِهِم، على ما في خلال شِعْره من مثل قَوْلِه
(1)
: [من البسيط]
أفَاضِلُ النَّاسِ أعْرَاضٌ (a) لذا الزَّمَنِ
…
يَخْلُو من الهَمِّ أخْلَاهُم من الفِطَنِ
وذكر أبياتًا مثلَهُ.
وقال: ثمّ ما يُدْريني هل كان في سبب الفَتك به من الأعرابيِّ نُبَذٌ من ذلك الإغراءِ، فالقَائلُ بالشَّرِّ غيرُ مُبَالٍ أيضًا بفعله، وخاصَّةً عند استِمَاع ما كان حظي به لَدَى المَقْصُودين من القَبُول والإقْبَال، حتَّى إنَّهُ قال عند دخوله إلى شيراز: أنا لا أُنْشد ماثِلًا، فأمر عَضُدُ الدَّوْلَة بكُرسيّ له، فلمّا دَخَلَ ورآهُ، أنشدَهُ قائمًا، فأمره بالجُلُوس، فأبَى وقال: هيبَتُكَ تمنع عن ذلك، فوقع قوله وفعله منه أحسَنَ المَواقِع
(2)
.
وكان المُهَلَّبِيّ -مع بَخْتِيارِه- يُنَاكر أنَّ عضُد الدَّوْلَة فعل ذلك حَنَقًا وجَهلًا بالقدر.
قال: وممَّا يغيظُنِي حقًّا قومٌ مُتَّسِمُونَ بالفَضْلِ يُكابرُونَ عُقُولَهُم في أمره، ويَرْتكبُون في إطفاءِ نُوره، كشَمْس المَعَالي قَابُوس، فقد كان يقول: ليس للمُتَنَبِّي في ديوانه ما يَسْوَى استماعًا إِلَّا أربَعَة أبيات، ثمّ لم يكن يبتدئ من ذات نفسه بالإشارة إليها، وكان سوءُ خُلقه يَمْنَعُنِي من سُؤالِه عنها، وكأبي الفَتْح البُسِتِيّ في قَوْله
(3)
: [من المتقارب]
(a) في الأصل، أعراض.
_________
(1)
ديوانه بشرح العكبري 4: 209.
(2)
الخبر في المقفى للمقريزي 1: 376.
(3)
لم يرد البيت في نشرتي الديوان (نشرة مجمع اللغة العربية بدمشق، 1989 م، ونشرة شاكر العاشور في مجلة المورد، 2005 م)، ولا في المستدرك على الديوان الَّذي صنعه حاتم الضامن (مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، مج 66، ج 4، 1991 م).
سُئِلْتُ عن المُتَنَبِّي فقُلْتُ
…
مقال إمرئٍ [مُنْصِفٍ](a) ليسَ يَغْلُو
لهُ في مَواضِعَ فَصْلُ الخِطَابِ
…
وسَائرُ ما قَالَه فهو فَسْلُ
قال: ولو كان قَلَبَهُ فقال: إنَّ مواضِعَ منه فَسْلٌ، وسائر ما قالَهُ فَصْلُ خِطَابٍ، لكان أبْعدَ عن الإثم، وأقْرَب إلى الصِّدق والصَّواب.
وذكر ابن الصَّابِئ في كتاب الوُزَرَاء
(1)
: أنَّ ابن العَمِيد كانَ يُجلِسُ المُتَنَبِّي في دَسْتِه، ويقعد بين يديه، فيقرأ عليه الجمهرة لابن دريد، لأن المُتَنَبِّي كان يَحفظُها عن ظَهر قَلْبٍ.
وقَرَأتُ في بعض مُطَالَعاتي أنَّ المُتَنَبِّي لمَّا اجتازَ بالرَّمْلَةِ ومدَحَ طَاهِرَ بن الحَسَن بن طاهر بن يَحْيَى العَلَويَّ، أجْلَسَه طَاهر في الدَّسْتِ، وجَلَس بين يَديهِ حتَّى فرغ من مِدْحَتِه.
وقَرَأتُ في كتاب نُزْهَة عُيُون المُشْتاقِين
(2)
لأبي الغَنائِم الزَّيديّ، قال: حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ أنَّ المُتَنَبِّي لمَّا مدح طاهر بن الحَسَن بن طاهر أجازَهُ ألف دينارٍ.
قُلْتُ: والقَصِيدَةُ التي مدحه بها هي القَصِيدة البائيَّة التي أوَّلُها
(3)
: [من الطّويل]
أعِيدُوا صبَاحِي فهو عِندَ الكَوَاعِبِ
…
ورُدُّوا رُقادِي فهو لَحْظُ الحَبَائِبِ
وقال ابنُ فُوْرَجَة في كتاب التَّجَنِّي على ابن جِنّي: حَدَّثَنِي الشّيخ أبو عليّ أحْمَد بن مُحمَّد بن يعقوب مسكَوَيْه بأصْبَهَان، وكان تَربية ابن العَميد ونَدِيمَهُ، قال: حضرتُ مجلس ابن العميد بأرَّجَان وقد دخل عليه أبو الطَّيِّب، وكان
(a) زيادة افترضها الأستاذ مَحْمُود شاكر ليستقيم الوزن. كتاب المُتَنَبِّي 628.
_________
(1)
ضمن الضائع من كتاب الوزراء أو تحفة الوزراء للصابئ.
(2)
تقدّم التعريف بالكتاب في هذا الجزء.
(3)
ديوانه بشرح العكبري 1: 147، وبشرح الواحدي 327.
يَسْتَعرض سُيوفًا، فلمّا بَصُرَ بأبي الطَّيِّب نَهض من مجلسه، وأجلَسَه في دَستِهِ، ثمّ قال لأبي الطَّيِّب: اختر سيفًا من هذه السُّيوف، فاختار منها واحدًا ثقيل الحَلْي، واختار ابن العميد آخر غيره، فقال كلٌّ منهما: سيفي الَّذي اخترته أجْوَد! ثمّ اصطلحا على أن يُجرِّباهما، فقال ابنُ العميد: فبماذا نجرِّبهما؟ فقال أبو الطَّيِّب: في الدنانير، فيُؤتى بها فيُنَضَّدُ بعضها على بعض، ثمّ تُضرب به، فإن قدَّها، فهو قَاطعٌ، فاستَدعى ابن العميد بعشرين دينارًا، فنُضدت، ثمّ ضربها أبو الطَّيِّب فقَدَّها وتفرَّقت في المَجلس، فقام من مجلسهِ المُفخَّم يلتَقط الدنانير المُتَبدِدة في كُمِّه، فقال ابن العميد: ليَلزم الشّيخُ مجلسه. فإنَّ أحد الخُدَّام يلتقطها ويأتيه بها، فقال: بل صاحب الحاجة أولى بها.
قال ابن فُورَجَة: وكان رَجُلًا ذا هيئةٍ، مُرَّ النَّفْس، شجاعًا، حُفَظَةً للآداب، عفيفًا، وكان يَشِيْن ذلك كُلَّهُ ببُخْلِه.
قرأتُ على ظَهْر نُسخة قَديمة من شعر المُتَنَبِّي ما صُورتَهُ: وحَكى أبو بَكْر الخُوارِزْمِيّ أنَّ المُتَنَبِّي كان قاعدًا تحتَ قَول الشَّاعر
(1)
: [من الطّويل]
وإنَّ أحقَّ النَّاس باللَّوْمِ شَاعرٌ
…
يلُوم على البُخل الرِّجالَ ويَبْخَلُ
وإنَّما أعربَ عن طريقَته وعادته بقوله
(2)
: [من الطّويل]
وُقُوفَ شَحِيحٍ ضاع في التُّرْبِ خَاتَمُهْ
قال: فحضرتُ عندَهْ يومًا وقد أُحْضِرَ مالٌ من صلَاتِ سَيْف الدَّوْلَة،
(1)
هو الشاعر أحْمَد بن صالح بن أبي معشر، أبو عَبْد اللهِ بن أبي فنن (ت 278 هـ)، والشعر عند: ابن حمدون: التذكرة الحمدونية 2: 327، الثعالبي: يتيمة الدَّهر 1: 119، الثعالبي: التمثيل والمحاضرة، 187 ابن رشيق القيرواني: العمدة 1: 196، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1: 400، وفي غيرها من المجاميع الأدبية.
(2)
ديوانه بشرح العكبري 3: 328، وصدر البيت: بَلِيتُ بِلَى الأطلال إنْ لم أقِفْ بها
فَصُبَّ بين يديهِ (a) على حَصِيرٍ قد افتَرشَهُ، فوُزِنَ وأُعيدَ في الكِيْس، وتخلَّلَتْ قطعَةٌ -كأصْغَر ما تكُون- خِلَال الحَصِيْر، فأكبَّ عليه بمَجامِعِه يُعَالِجُ لاستنقاذهَا منهُ، ويَشْتَغِلُ [بذلك](b) عن جُلَسائه، حتَّى توصَّل إلى إظْهارِ بَعضها، وأنْشَدَ قَولَ قيس بن الخَطِيم
(1)
: [من الطّويل]
تَبَدَّتْ لنا كالشَّمْس بين غمامَةٍ (c)
…
بَدَا حَاجِبٌ منا وضَنَّتْ بحَاجبِ
ثمّ استَخْرجها وأمر بإعادتها إلى مكانها، وقال: إنَّها تُخَضِّرُ (d) المائدة.
أنبأنا أحْمَد بن أزهر بن عبد الوهّاب البَغْداديّ في كتابه، عن أبي بَكْر مُحمَّد بن عبد البَاقي الأنصارِيّ، قال: أَخْبَرَنَا أبو غالِب بن بِشْرَان إجَازَةً، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن علىّ بن نَصْر الكاتب -قُلْتُ: ونقَلْتُه من خطِّه ببغْدَاد- قال: حَدَّثَنِي أبو الفرج عَبْد الوَاحِد بن نَصْر البَبَّغَاء، قال: كان أبو الطَّيِّب المُتَنَبِّي يأْنَسُ بي، ويَشْكو عندي سَيْفُ الدَّوْلَة، ويأمَنُنِي على غِيبَتِه له، وكانت الحَالُ بيني وبينهُ صافيَةً عَامِرَةً دونَ باقي الشُّعَراء، وكان سَيْفُ الدَّوْلَة يغْتَاظ من عَظَمَته وتَعاطيْهِ (e)، ويَجْفُو عليه إذا كَلَّمَهُ، والمُتَنَبِّي يُجيبُهُ في أكثر الأوقاتِ، ويتَغَاضَى في بعضِها.
قال: وأذكُر لَيلَةً وقد اسْتَدعى سَيْفُ الدَّوْلَة بَدْرةً فشَقَّها بسِكِّين الدَّواةِ، فمدَّ أبو عَبْد اللهِ ابن خَالَوَيْه النَّحْوِيُّ جَانِبَ طَيْلَسَانه، وكان صُوفًا أزْرَق، فحَثا فيهِ سَيْفُ الدَّوْلَة صَالِحًا، ومَدَدْتُ ذَيْلَ دُرَّاعَتي، وكانت دِيباجًا، فَحَشي لي فيها،
(a) في الأصل: "وقد أحضر مال [فصب بين يديه] من صلات سَيْف الدَّوْلَة، وإعادة ترتيبه حسب رواية الخبر عند الثعالبي: يتيمة الدَّهر 1: 119 - 120، وابن خلكان: وفيات الأعيان 1: 400.
(b) زيادة من الثعالبي وابن خلكان.
(c) في الديوان: تحت غمامة، وكتب ابن العديم في الهامش أسفلها:"المعروف: تحت غمامة". والرّواية أعلاه عند الثعالبي 1: 120، وابن خلكان 1:400.
(d) عند الثعالبي وابن خلكان: تحضر.
(e) كذا في الأصل، ولعله: تعاليه؛ كما في وفيات الأعيان 1: 122.
_________
(1)
ديوان ابن الخطيم 79، وهو في اليتيمة للثعالبي وابن خلكان.
وأبو الطَّيِّب حَاضِرٌ، وسَيْف الدَّوْلَة يَنْتَظر منه أنْ يَفْعل مثل فعلِنَا، أو يَطْلبُ شَيئًا منها، فما فَعَلَ، فغَاظَهُ ذلك، فَنَثَرها كُلَّها، فلمَّا رأى أنها قد فاتَتْهُ، زاحَمَ الغِلْمَان يلتَقط معهم، فغمزَهُم عليه سَيْفُ الدَّوْلَة، فداسُوهُ ورَكبوهُ، وصارَت عِمَامته وطُرْطُورُه في حَلْقِهِ، واستَحْيى، ومضَتْ به لَيْلَةٌ عَظِيمَةٌ، وانصَرفَ، فَخَاطَبَ أبو عَبْد اللهِ ابنُ خَالَوَيه سَيْفُ الدَّوْلَة في ذلك، فقال: مَنْ يَتَعاظَمُ تلك العَظمة، يَتَّضِعُ إلى مثل هذه المَنْزلةِ، لولا حَمَاقَتُهُ؟!
وممَّا يُحْكَي من بُخْلِه وشُحّه ما قرأتُه في تاريخ أبي غَالب هَمَّام بن الفَضل بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ
(1)
، سَيَّرَهُ إلىَّ بعضُ الشِّرَاف بحَلَب، قال: وكان سَيْفُ الدَّوْلَة قد أقْطَعَهُ -يعني المُتَنَبِّي- ضَيْعَةً تُعرفُ ببَصِّف
(2)
، من ضِيَاع مَعَرَّة النُّعْمَان القِبْليَّة، فكان يترَدَّدُ إليها، وكان يُوْصَف بالبُخْل، فمِمَّا ذُكِرَ عنه ما حَدَّثُوه جَمَاعَةٌ من أهل بَصِّف أنَّ كَلبًا من كِلَاب الضَّيْعة المَعْروفة بصَهْيَان كان يَطْرقُ تِيْنَ بَصِّفَ، فذُكِر ذلك لأبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي، فقال للنَّاطُور: إذا جاء الكَلْبُ فعرِّفني به، فلمّا جاء عَرَّفَهُ، فقال: شُدُّوا على الحِصَان، وخرَجَ إليهِ فطَرَدَهُ أمْيَالًا، ثمّ عاد لا يَعْقِلُ من التَّعَب، وقد عَرِقَ فَرَسهُ، فقال له أهلُ بَصِّف: يا أُستاذُ، كيف جَرَى أمرُ الكَلْب؟ فقال: كأنَّهُ كان فَارِسًا مرَّةً! إنْ جئتُهُ بالطَّعْنَة عن اليَمِيْن عاد إلى الشَّمال، وإن جئْتُه من الشَّمَال عادَ إلى اليَمِين.
قال أبو [غَالِب] هَمَّام المَعَرِّيّ: وَحَدَّثُوا عنه أنَّ أبا البهيء بن عَدِيٍّ، شَيْخَ رَفَنِيَّة، كان صَدِيْقًا له، فنَزل عنده ببَصِّف، فسَمِعُوهُ وهو يَقُول له: يا أبا البَهِيء، أَوْجِز في أكْلكَ؛ فإنَّ الشَّمْعَة تَتْوَا. وسَمعُوه يُحاسِبُ وَكِيْلًا له وهو يَقُولُ: والحَبَّان ما فَعَلَتَا؟ يَعْنِي: فضَّةً.
أَخْبَرَنِي يَاقُوت بن عَبْد اللهِ مَوْلَى الحَمَوِيِّ، قال: قَرَأتُ في أخْبَار المُتَنَبِّي
(1)
تقدّم التعريف بالكتاب في الجزء الأوّل.
(2)
لم أهتد للتعريف بها وبصهيان المذكورة بعدها.
تَصْنيف أبي القَاسِم عُبَيْد الله بن عبد الرَّحيم الأصْبَهَانيّ
(1)
، قال: وأخبرني أبو الحَسَن (a) الطَّرائفِيّ ببَغْداد أنَّهُ قال: رَأَيْتُ المُتَنَبِّي وقد مَدَح رَجُلًا بقولهِ: [من البسيط]
انصُرْ بجُودكَ ألْفَاظًا تَرَكْتَ بها
…
في الشَّرْقِ والغَرْبِ مَنْ عَادَاكَ مَكْبُوتا.
فقَدْ نَظرتُكَ حتَّى حانَ مُرْتَحَلٌ
…
وذا الوَدَاعُ، فكُنْ أهْلًا لِمَا شِيْتا
فأُعْطِي دون الخَمْسة دَراهم وقبِلَها.
قال: وأخبرني الطَّرائفِيّ، قال: حَدَّثَنِي المُتَنَبِّي، قال: أوَّل يَوْم وصَلْتُ بالشِّعْر إلى ما أردتُه، أنِّي كُنتُ بدِمَشْقَ، فمدحْتُ أحد بَنِي طُغْج بقَصِيدَتِي الَّتي أَوَّلُها
(2)
: [من الطّويل]
أيا (b) لَائِمِي إن كُنْت وقتَ اللَّوَائِمِ
…
عَلِمْتَ بما بي بَيْنَ تلكَ المَعَالِمِ
فأثابني المَمْدُوح بمائةِ دِينارٍ، ثمّ ابيَضَّتْ أيَّامي بعدَها.
قال أبو القَاسِم بن عبد الرَّحيم
(3)
: واتَّصل بعدَ هذا بأبي العَشَائر الحُسَيْن بن عليّ بن الحُسَيْن بن حَمْدَان، ونفَق عليه نفاقًا تامًّا، فأجرى ذِكْرَهُ عندَ سَيْفِ الدَّوْلَة أبي الحَسَن عليّ بن حَمْدَان، فأمرَهُ بإحْضَارِه عنده، فاشتَطَّ المُتَنَبِّي عليه، واشْترط أن يُنْشدَهُ جالِسًا (c)، وأنْ لا يُكلَّفَ تَقْبِيل الأرْض بين يديه، فأجابَهُ إلى ذلك، وأنْشَدَهُ، فصَادف من سَيْف الدَّوْلَة رجُلًا قد غُذِيَ بالعِلْم، وحُشِي
(a) في الأصل: أبو الحُسَيْن، والمثبت من كتاب الواضح للأصفهانيّ، والمقفي للمقريزي 1:376.
(b) في ديوانه بشرح العكبري وكتاب الواضح: أنا.
(c) كتاب الواضح: فاشترط أنَّه لا ينشد إِلَّا قاعدًا وعلى الوحدة.
_________
(1)
الواضح في مشكلات المُتَنَبِّي 9، وانظر الخبر في المقفي للمقريزي 1:376. والشعر في ديوان المُتَنَبِّي بشرح العكبري 1: 223.
(2)
ديوانه بشرح العكبري 4: 110.
(3)
الواضح في مشكلات المُتَنَبِّي 9 - 10، والنص في نشرة الكتاب مقتضبٌ يشي بأنها نسخة مختصرة.
بالفَهْم، فأعجبَهُ شعرُهُ، واسْتَخْلَصَهُ لنَفْسِه، وأجْزَل عَطاءَهُ، وأكرَمَ مَثْواهُ، ووصلَهُ بصلَاتٍ كَثِيْرة، وسَلَّمَهُ إلى الرَّوَّاضِ فعَلَّمُوه الفُرُوسِيَّة، وصَحِبَ سَيْفَ الدَّوْلَة في عِدَّة غزَواتٍ إلى بلد الرُّوم؛ منها غَزْوةُ الفناء التي لم يَنْجُ منها إِلَّا سَيْف الدَّوْلَة بنَفْسه، وأخذَتْ عليه الرُّوم الطُّرُقَ، فجَرَّد السَّيف وحمل على العَسْكَر، وخَرَقَ الصُّفُوف ونَجَا بنَفْسه.
قرأتُ بخطِّ مُحمَّد بن علىّ بن نَصْر الكاتِب في كتابه المَوْسُوم بالمُفَاوضَة
(1)
، وأَخْبَرَنَا به أبو حَفْص عمر بن مُحمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرْزَد وغيره، إجَازَةً، عن أبي بَكْر مُحمَّد بن عبد الباقي الأنصاريّ، قال: أنبأنا أبو غالب بن بِشْرَان، قال: أَخْبَرَنَا ابن نَصْر، قال: حَدَّثَنِي أبو القَاسِم الرَّقِّيّ المُنَجِّم، عن سَيْف الدَّوْلَة: أنَّه انهَزَم في بعض السنين، وقد حُلِّلَت الصَّنَاديقُ عن بِغالِه في بعض دُرُوب الرُّوم، وأنَّها مَلأتِ الدُّرُوب، وكان على فَرَسٍ له يُعْرف بالثُّريَّا، وأنَّهُ حَرَّكَ عليها نحو الفَرْسَخ حتَّى نزل، ولم يَعثُر ولم يتَلَعْثم، وأخْبَرنِي أنَّه بقي في هذه السَّفْرَة في تسَعَة أنْفُسٍ أحدُهم المُتَنَبِّي، وأنَّه كان يُحَدِّث أبا عَبْد الله بن خَالَوَيْه النَّحَوِيّ حديث الهَزِيمَة، وأنَّ المُتَنَبِّي كان يجري بفَرَسه، فاعْتَلَقَتْ بِعِمَامَته طاقَةٌ من الشَّجَر المَعْرُوف بأُمِّ غَيْلَان، فكُلَّما جَرى الفرسُ انتشرت العِمَامَةُ، وتخيَّل المُتَنَبِّي أنَّه قد ظُفِرَ بِه، فكان يَصِيْح: الأمان يا عِلْج! قال: فهَتَفْتُ به وقُلْتُ: أيَّما عِلْج؟ هذه شَجَرَةٌ قد عَلِقَت بعِمَامَتِك، فوَدَّ أنَّ الأرْضَ خاسَتْ (a) به، وما سَمِعْتُه يقول ذلك، فقال
(a) كذا في الأصل وفوقه "صـ "، وكتب في الهامش:"ساخَتْ".
_________
(1)
كتاب المفاوضة لأبي الحَسَن عليّ بن مُحمَّد بن نَصْر الكاتب (ت 437 هـ) ألفه للملك العزيز خسرو فيروز بن جلال الدَّوْلَة، وهو يقع في ثلاثين كراسة، ضمنه بعض رسائلة ومشاهداته، وهو كتاب في حكم المفقود، حفظ لنا ياقوت والقفطي وابن العديم بعض نصوصه. انظر: ياقوت: مُعْجَم الأدباء 5: 1946 - 1955، ابن خلكان: وفيات الأعيان 3: 192، وانظر عن المتبقي من نصوص الكتاب عند إحسان عباس: شذرات من كتب مفقودة 287 - 324.
له ابنُ خَالَويه: أيُّها الأَمِيرُ، أفلَيْسَ قام مَعك حتَّى بقى في تسعة أنْفُسٍ؟ تكفيه هذه الفَضِيلَةُ!.
وقرأتُ في مَجْمُوعٍ بِخَطِّ بعض الفُضَلَاء أنَّه لَمَّا فَعَل ذلك، لَحقَهُ سَيْفُ الدَّوْلَة وضحك منهُ وقال له: يا أبا الطَّيِّب أين قَوْلُك
(1)
: [من البسيط]
[فـ]ـالخَيْلُ واللَّيلُ والبَيْدَاءُ تَعْرِفُنِي
…
والطَّعْنُ والضَّرْبُ والقِرْطاُس والقَلَمُ
ولم يَزَل يَضْحَكُ منه بَقِيَّة يَوْمه في مُنْهَزَمِه.
أنبأنا أبو الحَسَن عليّ بن أبي عَبْد اللهِ بن المُقَيِّر، عن أبي عليّ الحَسَن بن جَعْفَر بن المُتَوَكِّل البغداديّ، ونَقَلْتُه من خَطِّه، قال: حَدَّثَنِي الشّيخ الإمام الفَصِيحِيُّ وقتَ قراءتي عليهِ ديوان أبي الطَّيِّب أحْمَد بن الحُسَيْن المُتَنَبِّي -وهو ابنُ عيدان السَّقَّاء- قال: قَدِمَ بعضُ الأشْرَاف من الكوفة، فدخل إلى مَجْلسٍ فيه المُتَنَبِّي، فنهَضَ النَّاسُ كُلُّهم له سوى المُتَنَبِّي، فجعَل كُلّ واحدٍ من الحاضِرين يسألُه عن الأحْوَالِ بالكُوفَة، وما تجدَّدَ هناك، فقال له المُتَنَبِّي: يا شَرِيف، كيف خلَّفْتَ الأسعار بالكُوفة؟ فقال: كل راوِيةٍ برِطْلَين خُبْز! فأخْجَلَهُ. وقصد الشَّريف أن يُعَرِّض بأنَّ أباه كان سَقَّاءً
(2)
.
ذكَرَ ابن فُورَجَة في التَّجَنِّي على ابن جِنّي وقال: وأمّا مَحَلُّهُ -يعني المُتَنَبِّي- في العِلم، فقال الحَسَنُ بن عليّ بن الحلَّاب (a): سمعته يقول: من أراد أنْ يُغْرب عليَّ بَيْتًا لا أعْرِفُه فليفعل، قال: وهذه دَعْوى عظيمة، ولا رَيْب أنَّه صَادِق فيها.
وأُخْبِرتُ عن أبي العَلاء بن سُلَيمان المَعَرِّيّ أنَّهُ كان يُسَمِّي المُتَنَبِّي: الشَّاعر، ويُسَمِّي غيره من الشُّعراء باسْمِهِ، وكان يقُول: ليس في شِعْره لَفْظَةٌ
(a) هكذا في الأصل، بالحاء المهملة، ولم أهتد إليهِ.
_________
(1)
ديوانه بشرح العكبري 3: 369، وتاريخ الإسلام 8:68.
(2)
الخبر في المقفى 1: 378 - 379.
يُمْكن أن يُغْرمَ عنها ما هو في مَعْناها.
وقَرأتُ في بعض كلام أبي العَلَاء: قد عُلِمَ أنَّ أحْمَد بنَ الحُسَين كان شَديد التَّفَقُّد لِمَا يَنْطقُ به من الكَلَام، يُغَيِّرُ الكَلِمَةَ بعد أن تُرْوَى عنهُ، ويفِرُّ من الضَّرورَة وإنْ جَلَبَ إليها الوزنُ.
سَمِعْتُ شَيْخَنا ضِيَاءَ الدِّين الحَسَن بن عَمْرو المَوْصِليِّ، المَعْرُوفُ بابنِ دُهْن الحَصَا يقول: كان أبو العَلَاء المَعَرِّيَ يُعَظِّم المُتَنَبِّي ويقُول: إيَّاي عَنَى بقَوْلِه
(1)
: [زمن البسيط]
أنا الّذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أَدَبي
…
وأَسْمَعَتْ كَلِمَاتي مَنْ بِهِ صَمَمُ
أنْبَأنَا أحْمَدُ بن أزْهَر بن عبد الوهَّاب السَّبَّاكُ، قال: أخْبَرنا أبو بكر مُحَمَّدُ بن عبد البَاقِي الأنْصَاريّ، إجَازَةً، عن أبي علىّ التَّنُوخِيّ، قال: حَدَّثَني أبو عبد الله الحُسَينُ بن مُحَمَّد بن الصَّقْرِ الكَاتِبُ -رَجُلٌ من أهل مَعَلْثَايا (a)، وممَّن نَشَأَ بالمَوْصِل، وكان أبوه عاملًا لسَيْف الدَّوْلَة على أَنْطاكِيَة، وهو من أهل الأدَب- قال: جَرَي ذِكْرُ أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي بين يدي أبي العبَّاس النَّامِيِّ المِصِّيْصيّ، فقال لي النَّاميِّ: كانَ قد بَقيَ من الشِّعْر زاويةٌ دَخَلها المُتَنَبِّي. قال: وقال لي في هذا المَجْلِس: كنتُ أشْتَهي أنْ أكونَ قد سبَقْتهُ إلى مَعْنَيَيْن قالهما ما سُبِقَ إليهما، ولا أعْلم أنَّ أحدًا أخْبَر عنهما (b) قبلَهُ، فقُلتُ: ما هُما؟ قال: أمَّا أحَدُهما فقَوْله
(2)
: [من الوافر]
رَمانِي الدَّهْرُ بالَأرْزَاءِ حتَّى
…
فُؤادِيَ في غِشَاءٍ من نِبَالِ
(a) هكذا ضبطها ابن العديم، وعند ياقوت (معجم البلدان 5: 158): بفتح الميم وسكون العين. وأفرد ترجمة لابن الصقر المعلثاوي استنادًا لحكاية التنوخي هذه. انظر الجزء السادس فيما يلي.
(b) كذا في الأصل، واقترح الأستاذ محمود شاكر عوضه:"اخترعهما".
_________
(1)
ديوانه بشرح العكبري 3: 369، ووفيات الأعيان 1:114.
(2)
ديوانه بشرح العكبري 3: 9، وتاريخ الإسلام 8:69.
والآخر قولُهُ
(1)
: [من الكامل]
في جَحْفلٍ سَتَر العُيُونَ غُبَارُهُ
…
فكأنّمَا يُبْصِرْنَ بالآذَانِ
أخبرني ياقُوتُ بن عبد الله الحَمَوِيُّ، قال: حَكَي لي بَعْضُ الفُضَلَاءِ في المُذَاكَرَة، قال: لمَّا وَرَد المُتَنَبِّي إلى شِيْرَاز مَادِحًا لعَضُد الدولة، كان يَجْتازُ على مَجْلس أبي عليّ وقد اجتمع إليه أعيانُ أهل العلم، وكان زيُّ المُتَنَبِّي زِيًّا عجيبًا؛ يلبَسُ طُرْطُورًا طويلًا وقَبَاءً، ويعمل له عَذَبَةً طويلةً تَشَبُّهًا بالأعراب، فكان أبو عليّ يَسْتَثْقلهُ، ويَكْرهُ زِيَّهُ، ويَجِدُ في نفسه نُفُورًا منه، وكان إذا اجتاز عليهم يَقُول أبو علىّ لتَلَامِيْذه: إذا سَلَّمَ عليكُم فأوْجزُوا في الرَّدِّ لئلا يَسْتَأنس فيَجْلِس إلينا، وكان أبو الفَتْح عُثْمانُ بن جِنِّي يُعْجَبُ بشِعْره ويُحِبُّ سَماعَهُ، ولا يَقْدر على مُرَاجَعة شَيْخهِ فيه، فقال أبو عليّ يَوْمًا: هاتُوا بيتًا تُعْربونَهُ، فابْتَدَرَ أبو الفَتْح فأنْشَدَ للمُتَنَبِّي
(2)
: [من الخفيف]
حُلْتِ دونَ المَزَار، فاليْوْمَ لو زُرْ
…
تِ لَحَالَ النُّحُولُ دونَ العنَاقِ
فقال أبو عليّ: أَعِد، أَعِد! فأعَادَهُ، فقال: وَيْحَكَ، لمَن هذا الشِّعْر فإنَّهُ غَرِيْبُ المَعْنَى؟ قال: هو للّذي يقُول
(3)
: [من الكامل]
أَمْضَى إرادَتَهُ فسَوْفَ لهُ قَدٌ
…
واسْتَقْرَبَ الأقْصَى فثَمَّ لَهُ هُنَا
قال: فازْدَاد أبو علىّ عُجبًا وقال: ما أَعْجبَ هذه المعاني وأغربها، مَنْ قائلُها؟ قال: الّذي يقول
(4)
: [من الطويل]
ووضْعُ النَّدَى في مَوضع السَّيْف بالعُلَى
…
مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْف في مَوضع النَّدَي
(1)
ديوانه بشرح العكبري 4: 176، وانظر الخبر في وفيات الأعيان 1: 121، والمقفي 1:379.
(2)
ديوانه بشرح العكبري 2: 363، وكتاب الفسر لابن جني 2:585.
(3)
ديوانه بشرح العكبري 4: 200، کتاب الفسر 3:662.
(4)
ديوانه بشرح العكبري 1: 288، کتاب الفسر 1:833.
قال: فاسْتَخفَّ أبا علىّ الطَّرب وقال: وَيْحَك، من قائل هذا؟ قال: الّذي يقول: قال: ونَسِي البَيْت الّذي أنشَدَه - قال: فقال أبو علىّ: أحْسَنَ والله، وأطَلْتَ أنتَ، مَنْ يكون هذا؟ قال: هو صاحبُ الطُّرْطُور الّذي يَمُرّ بكَ فتَسْتَثْقلهُ ولا تُحبّ مُحاضَرتَهُ، قال: وَيْحَك، أهذاكَ يقول هذا؟! فقال: نعم، قال أبو علىّ: والله ما ظَنَنْتُ أنَّ ذلك يأتي بخَيْر أبدًا، إذا كان في الغَد ومَرَّ بنا فاسْأَلُوه أنْ يجلِسَ إلينا لنَسْمَعَ منه، فلمَّا كان في الغَد، ومَرَّ بهم، كلَّمُوهُ وسألُوهُ النُّزُول عندهم ففَعَل، واسْتَنْشَدَهُ أبو عليّ، فملَأ صَدْرَهُ، وأحَبَّهُ وعَجِبَ منه ومن فَصَاحَته وسَعَة عِلْمِهِ، فكَلَّم عَضُدَ الدَّوْلَة فيه حتَّى أحسَنَ إليه وضَاعفَ جائزَتَهُ.
قُلتُ: وهذه الحِكايَةُ لا يَقْبلها القَلْب، ولا تكادُ تَثْبتُ؛ فإنَّ أبا عليّ الفارسيِّ كان يعرف المُتَنَبِّي قبل أن يصير بِشيْرَاز حين كانا بحَلَب.
وقد حكى أبو الفتح عثمان بن جِنِّي عن أبي عليّ الفَارِسيِّ في كتاب الفَسْر
(1)
ما يشهد بخلاف ما تضمَّنتهُ الحكاية: قال أبو عليّ: خرجتُ بحَلَبَ أُريدُ دار سيف الدَّولة، فلمَّا برزتُ (a) من السُّور، إذا أنا بفَارس مُتَلَثِّم قد أهْوَى نحوي برُمْح طويل (b)، فكِدتُ أطرَحُ نفسي من (c) الدَّابَّةِ فَرَقًا، فلمَّا قَرَّبَ منِّي ثَنَي السِّنَانَ، وحسَرَ لثامَهُ، فإذا المُتَنَبِّي، وأنشدني
(2)
: [من الطويل]
نثرت رُؤوسًا بالُأحَيْدِب منهُمُ (b)
…
كما نُثِرَتْ فَوْق العَرُوس الدَّراهِمُ
ثم قال: كيف تَرى هذا القَوْلَ، أحَسَنٌ هُو؟ فقُلتُ: وَيْحَك، قتلْتَني يا رَجُل!.
(a) كتاب الفسر: بدوت.
(b) زيد بعده في كتاب الفسر: وسدده إلى صدري.
(c) كتاب الفسر: عن.
(d) كتاب الفسر: نثرتهم فوق الأحيدب كُلّه.
_________
(1)
كتاب الفسر لابن جني 3: 402.
(2)
ديوانه بشرح العكبري 3: 388، باختلاف في صدره:
نَثرتهم فوق الأحيدب نثرةً
قال ابنُ جِنِّي: فحكيتُ هذه الحكاية بمدينة السَّلام لأبي الطَّيِّب، فعَرَفَها، وضَحِك لها، وذكر أبا علىٍّ بالثَّناء والتَّقْرِيْظ بما يُقال في مثله.
وجَرَى للمُتَنَبِّي مع ابن خَالَوَيْه مثل هذه الوَاقِعَة الّتي حَكَاها أبو عليّ؛ فإنَّني نَقَلْتُ من خَطِّ أبي الحَسَن عليّ بن مُرْشِد بن عليّ بن مُقَلَّد بن نَصْر بن مُنْقِذ الكِنَانِّي المالِكيِّ
(1)
من كتابه المَوْسُوم بالبِدَايَة والنِّهايَة في التَّاريخ، قال فيه: حدَّثني أبي، قال: حدَّثني -وبَيَّضَ ولم يَذْكر من حدَّث أبَاهُ- قال: حدَّثني ابنُ خَالَوَيْه، وكان نَدِيْمًا ومُجَالسًا لسَيْف الدَّوْلَةِ، قال: خَرَجْتُ في بعض الأيَّام إلى ظاهر حَلَب، فقَعَدْتُ أُطالِعُ في كتاب، وأنْظُر إلى قُوَيْق، فما رَفَعْتُ رأسي إلَّا من وَقْعِ فَرَسٍ، فَنَظرْتُ، فإذا بفَارس مُسَدِّد نَحْوي رُمْحَهُ، فقُلتُ: والله ما أعرفُ بيني وبين أحدٍ من النَّاس ما يُوجب هذا ورأيت الفارس مُتَلثِّمًا، فلمَّا دَنَا حَطّ لثَامَهُ فإذا بأحمد بن الحُسَين المُتَنَبِّي، فسَلَّم علىَّ، فرددتُ السَّلام وجارَيْتُهُ الحديث، فقال: كيف رأيتَ قَصِيْدَتي التي أنْشَدتُها أوَّل أمْس الأمِيرَ سَيْف الدَّوْلَة؟ فقُلتُ: والله إنَّها لمَلِيْحَة، وإنَّ أوَّلها لا يحتاجُ إلى تمامٍ في قَوْلك
(2)
: [من الطويل]
على قَدْر أهْل العَزْم تأتي العَزَائم
وفيها كَذَا وكذا، فقال: ما رأيتَ إلَّا مليحًا، والّذي فيه ما سبقني إليه من أحسن فيه من ذكر الدَّرَاهِم فإنَّها لا تأتي في شِعْر إلَّا بَرَّدَتْهُ وضَعَّفَتْهُ، إلَّا ما جاءني
(3)
: [من الطويل]
(1)
كذا في الأصل، وسكتت المصادر -ومنها كتب طبقات المذاهب- عن ذكر مذهب أسرة بني منقذ، ولم ترد إشارة إلى تمذهبهم بالمالكية أو غيره إلَّا ما ورد في سير أعلام النبلاء، في ترجمة أسامة بن مرشد، نقلًا عن تاريخ يحيى بن أبي طيء، وهو قوله:"كان إماميًّا حسن العقيدة، إلَّا أنه كان يُداري عن منصبه ويُتَاقِي". انظر سير أعلام النبلاء 21: 166.
(2)
ديوان المُتَنَبِّي بشرح العكبري 3: 378، وعجزه:
وتأتي على قَدْرِ الكِرام المكارمُ
(3)
ديوانه بشرح العكبري 3: 388.
نَثَرتَهُمُ فوقَ الأحَيْدِبِ نَثْرةً
…
کما نُثِرَتْ فوقَ العَرُوس الدَّرَاهِمُ
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد اللَّطِيْف بن يُوسُف بن علىّ إذْنًا، عن أبي الفَتْح محمد بن عبد الباقي بن البَطِّيّ، عن أبي نَصْر الحُمَيْدِيّ، قال: أخبرَنا غَرْسُ النِّعْمَةِ مُحَمَّد بن هِلِّل المُحَسِّن بن أبي إسْحاق الصَّابِئ، قال: وحدَّثَني رضي الله عنه -يعني أباهُ هِلِّل بن المُحَسِّن- قال: حَدَّثَني أبو إسْحاق جَدِّي، تَجَاوَزَ اللهُ عنهُ، قال: لمَّا وَرَدَ أبو الطَّيِّب أحْمَدُ بن الحُسَين المُتَنَبِّي إلى بَغْدَاد مُتَوَجِّهًا إلى حضرة المَلِك عَضُد الدَّوْلَة بفارِسَ، أعدَّ له أبو مُحَمَّد عَشرة آلاف دِرْهَم وثيابًا كثيرةً مقطوعةً وصحاحًا، وفرسًا بمركب ليُعْطِيَهُ ذلك عند مَديحهِ له، فأخَّر المُتَنَبِّي من ذاك ما كان مُتوقّعًا منه، وحَضَر مجلس أبي محمد للسَّلام عليه الّذي لم يخلط به غيرَهُ، فغَاظ أبا مُحمَّد فعْله، وخاطَبت المُتَنَبِّي على استِعماله ما استعمل وتأخيره من خدمة الوزير ما أخَّر، فقال: لم تَجْر عادَتي بمدح مَنْ لم يتقدَّم له إليَّ جَمِيلٌ، فقُلتُ: إنَّ الوَزِير شديدُ الشَّغَف بَمْوردِكَ، ومُعْتَقد فيكَ الزِّيادَة بك على أملكَ، والامْتناع من خِدْمته إلَّا بعد الاستسْلَاف لصلته غير مُسْتَحْسن منك بل مُسْتَقْبح لك، فقال: ليس إلى مخالفة عادتي سبيل.
واتَّصَلَ ذلك بأبي محمد من غير جِهَتي، فأكَّدَ غَيْظَهُ، وأظْهَر الإمْلَال بهِ، والاطِّرَاح له، وفرَّق ما كان أعدَّهُ على الشُّعراء، وزادَهُم، مُدَّة مقام أبي الطَّيِّب، من الإحْسان والعَطَاءِ، وتَوَجَّه أبو الطَّيِّب إلى شِيْرَاز، ثمّ عاد منها، فكانت وفاتُهُ في الطَّريق بين دَيْر العَاقُول ومَدِيْنَة السَّلام، على ما شُرِحَ في أخْبَاره؛ وقد كان أبو محمد اعْتَقَد أنْ يَقْطَعَهُ بالفَعَال الجَمِيل، والحِبَاء الجَزِيْل عن قصْدِ شيْرَاز، فلمَّا جَرَى أمُرُه على ما جَرَى، تغَيَّرتْ نِيَّتُهُ، واسْتَحالَتْ تلك العزيمة منهُ.
قُلتُ: وهذا الوَزِير أبو مُحمَّد هو المُهَلَّبيّ.
قال: وحَدَّثَني، قال: حدثني أبو عليّ والدي، قال: حدثني أبو إسحاق والدي، قال: راسلتُ أبا الطَّيِّب المُتَنَبِّي في أن يمدحني بقصيدتين، وأعطيتُهُ خَمْسَة آلاف دِرْهَمٍ، ووسَّطتُ بيني وبينَهُ صديقًا له ولي، فأعاد الجواب بأنني ما رأيت بالعراق من يستحق المدح غيرك، ولا مَنْ أوْجب عليَّ حقًّا سواك، وإنْ أنا مدحتُكَ تنكَّر لك الوزير أبو محمد المُهَلَّبيّ لأنَّني لم أمْدَحهُ، وجرى بيننا في ذاك ما قد عرفته، فإنْ كُنتَ لا تُراعي هذه الحال، ولا تُباليها فعلْتُ ولم أرد منك عوضًا من مالٍ. قال: فنبَّهني والله إلى ما كان ذَهَبَ عنِّي، وعلي أنه نصحني، فلم أعاوده.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبِهِ تَوْفِيقِي
وذَكَرَ عليّ بن عِيسَى الرَّبَعيِّ في كتاب التَّنْبِيهِ الّذي ردَّ فيه على ابن جِنِّي في كتاب الفَسْر، قال: كنتُ يومًا عند المُتَنَبِّي بشيْرَاز، فقيل له: أبو عليّ الفارسيِّ بالباب، و كانت بينهما مودَّةٌ، فقال: بادِرُوا إليه فأَنْزِلُوهُ، فدخل عليه أبو عليّ وأنا جالسٌ عندهُ، فقال: يا أبا الحَسَن، خُذ هذا الجُزءَ، وأعطاني جُزءًا من كتاب التَّذْكِرَة، وقال: اكْتُب عن الشَّيْخ البَيْتين اللَّذين ذَاكرتُكَ بهما، وهما
(1)
: [من الطويل]
سَأَطلُبُ حَقِّي بالقَنَا ومَشَايخٍ
…
كأنهُمُ من طُولِ ما الْتَثَموا مُرْدُ
ثقَالٍ إذا لاقَوا، خِفَافٍ إذا دُعُوا،
…
كَثِيْرٍ إذا شَدُّوا، قَلِيلٍ إذا عُدُّوا
فهما مُثْبَتان في التَّذْكرَة بخَطِّى، قال: وهذا من فعْل الشَّيْخ أبي علىّ الفَارسيِّ عظيمٌ، قال الرَّبَعيُّ، وكان قَصْدُ أبي عليّ الفارِسِيّ نَفْعُهُ لا التَّأدُّب والتَّكثُّرُ، وأيًّا قَصَدَ فهو كَثِيْرٌ.
قرأتُ بخطِّ يَحْيَى بن سَلامَةَ بن الحُسَين بن مُحَمَّد الحَصْكَفيِّ في تَعْلِيق له، حُكي أنَّ السَّرِيَّ الرَّفَّاءَ حين قصَدَ سَيْفَ الدَّوْلَةِ ابن حَمْدَان، رحمه الله أنشَدَهُ بَدِيْهًا بَيْتَيْن هُما
(2)
: [من الكامل]
إنِّي رأيتُكَ جالسًا في مَجْلِسٍ
…
قَعَدَ المُلُوكُ به لدَيْكَ وقَامُوا
فكأنَّكَ الدَّهْرُ المُحِيْطُ عليهم
…
وكأنَّهُم من حَوْلكَ الأيَّامُ
ثُمَّ أنْشَدَهُ بعد ذلك ما كانَ قال فيهِ منَ الشِّعْر، وبعد يَوْمَيْن أو ثلاثةٍ
(1)
ديوانه بشرح العكبري 1: 373.
(2)
ليس في ديوان السري الرفاء المطبوع باعتناء كرم البستاني (دار صادر، 1996 م). وهو عند البديعي في كتابه: الصبح المنبي على حيثية المتنبي 79 - 80، وخبر السري الرفاء والمتنبي فيه.
أنْشدَهُ أبو الطَّيِّب المُتَنَبِّي
(1)
: [من الوافر]
أيَدْري الدَّمْعُ (a) أيَّ دم أرَاقَا
إلى أنْ انْتَهى إلى قولهِ
(2)
:
وخَصْرٌ تَثْبُتُ (b) الأبْصَارُ فيهِ
…
كأنَّ عليه من حَدَقٍ نِطاقَا
قال: فقال السَّريُّ هذا والله مَعْنًى ما قَدِرَ عليه المُتَقدّمُون، ثمّ إنَّهُ حُمَّ في الحالِ حَسَدًا، وتَحَامَلَ إلى منزله، فماتَ بعد ثلاثة أيَّامٍ.
قُلتُ: هكذا وجدته بخط الحَصْكَفيِّ. والمُتَنَبِّي فارَقَ سَيْفَ الدَّولة في سنة ستٍّ وأربعين وثَلاثِمائة، والسَّرِيّ تُوفِّي بُعَيْدَ سَنة ستِّين وثَلاثِمائةَ ببغداد على ما نَقَلَهُ الخطيبُ في تاريخه
(3)
، وقيل: سنة اثنتين وستِّين وثلاثِمائة، فعلى هذا لا يكُون لهذه الحكاية صحَّةٌ.
وقد نقل أبو إسحاق إبراهيم بن حبيب السَّقَطِيّ في تاريخه المُسَمَّى بلَوَامع الأُمُور
(4)
أنَّ السَّرِيّ تُوفِّي سَنَة أرْبَعٍ وأربعين وثلاثمائة، فعلى هذا تكون هذه
(a) كتب في الهامش: الربع، وهي رواية توافق رواية الديوان بشرح العكبري.
(b) في الأصل: تنبت، ولا وجه له، والمثبت من الديوان.
_________
(1)
ديوانه بشرح العكبري 2: 294، وعجز البيت:
وأيَّ قُلُوب هذا الرَّكبِ شاقا
(2)
ديوانه بشرح العكبري 2: 296.
(3)
تاريخ بغداد 10: 270، وشكك البديعي أيضًا في صحة هذه الرواية. الصبح المنبي 80.
(4)
مؤلفه من أهل البصرة توفي سنة 391 هـ، وعدَّه النديم من أصحاب محمد بن جرير الطبري، وأن له "کتاب موصول (مذيل) بتاريخ الطبري؛ ضمنه من أخبار أبي جعفر وأصحابه شيئًا كثيرًا، وله كتاب الرسالة وكتاب جامع الفقه"، (الفهرست 2/ 1: 122)، وعرَّفه ابن العديم في موضعين من نقوله = عنه (في الجزءين التاسع والعاشر) أنه صاحب كتاب الرديف، وعنوان كتابه الكامل: لوامع الأمور وحوادث الدهور، وهو من الكتب المفقودة التي لم تصلنا، ونقل عنه ابن العديم في عدة مواضع من =
الحكايةُ محتملة الصحة بشرط أن يكون موتُ السَّرِيّ بالشَّام، ولم يُنْقَل ذلك كيف، وهو أنَّ هذه القَصِيدَة من أوَّلِ شِعْر أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي في سَيْف الدَّوْلَة واللهُ أعلَمُ.
أخْبَرَنا ياقُوت بن عبد الله الحَمَوِيّ، قال: وحدَّثَ أبو العبَّاس أحمد بن إبراهيم الضَّبِّيُّ أنَّ الصَّاحب إسماعيل بن عبَّاد قال بأصبهان، وهو يومئذٍ على الإنشاءِ: بلغني أنَّ هذا الرَّجُلَ -يعني المُتَنَبِّي- قد نزل بأرَّجَانَ مُتَوجِّهًا إلى ابن العميد، ولكن إن جاءني خرجتُ إليه من جميع ما أملكُه، وكان جميعُ ما يملكه لا يبلغ ثلاثمائة دينارٍ، فكنا نَعْجَبُ من بُعْدِ همَّتِهِ وسُمُوِّ نفسه، وبلغ ذلك المُتَنَبِّي، فلم يُعَرِّج عليه، ولا التفت إليه، فحقَدها الصَّاحبُ حتى حمله على إظهار عُيُوبه في كتابٍ ألَّفَهُ
(1)
، لم يصنع فيه شيئًا، لأنَّه أخذ عليه مواضع تَحَمَّل فيها عليه.
أخْبَرَني بعضُ أهلِ الأدَب، قال: وجَدتُ في كتاب بَعْض الفُضَلَاء عن أبي القَاسِم عبد الصَّمد بن بَابَك، قال: قال أبو الفتح بن جِنِّي: كنتُ أقرأُ ديوان أبي الطيب عليه، فقرأتُ قوْلَهُ في كافور
(2)
: [من الطويل]
أُغَالِبُ فيكَ الشَّوْقَ، والشَّوْقُ أغْلَبُ
…
وأعجَبُ مِن ذَا الهَجْر، والوَصْل أعْجَبُ
حتَّى بلَغْتُ إلى قوله
(3)
:
ألَا لَيْتَ شِعْري هَل أَقُولُ قَصِيْدَةً
…
فلا أَشْتَكِي فيها ولا أتَعَتَّبُ
وبي ما يَذُودُ الشِّعْرَ عَنِّي أَقَلُّهُ .... ولكنَّ قَلْبي يا ابنَةَ القَوْم قُلَّبُ
فقُلتُ لهُ: يَعزُّ عليَّ! كيف يكونُ هذا الشِّعْرُ في مَمْدُوح غيرِ سَيْفِ الدَّوْلَة؟
= كتابه هذا، وذكره بعنوانه أحيانًا، وسماه في أحيان أخرى: تاريخ أبي إسحاق السقطي. وانظر: حاجي خليفة: کشف الظنون 2: 1568، هدية العارفين 1:7.
(1)
هو كتاب الكشف عن مساوئ شعر المتنبي، لابن عبَّاد؛ مطبوع متداول.
(2)
ديوانه بشرح العكبري 1: 176.
(3)
ديوانه بشرح العكبري 1: 181، وتاريخ الإسلام 8:70.
فقال: حذَّرناهُ وأَنْذَرناهُ فما نفَعَ، ألَسْتُ القائل فيه
(1)
: [من الطويل]
أخَا الجُود (a) أعْطِ النَّاسَ ما أنتَ مَالكٌ
…
ولا تعْطيَنَّ النَّاسَ ما أنا قَائلُ
فهو الّذي أعْطاني لكَافُور بسُوء تَدْبِيره وقِلَّة تَمْيزه
(2)
.
وأحضَرَ إلىَّ عماد الدِّين أبو القَاسِم عليّ بن القاسم بن عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ، وقد قَدِمَ علينا حلب في رحلته إلى خُرَاسَان، جُزءًا في أخبار سيف الدَّولة ابن حَمْدَان تأليف أبي الحَسَن عليّ بن الحُسَين الدَّيْلَميِّ الزَّرَّاد
(3)
، فَنَقَلْتُ منهُ: وكان لسيف الدَّوْلَة مَجْلسٌ يحضُرهُ العُلَمَاءُ كُلّ لَيْلَةٍ فيتكَلَّمُونَ بحضرته، وكان يَحْضُره أبو إبراهيم، وابنُ مائِل القَاضِي، وأبو طَالِب البَغْدَاديّ، وغيرهم، فوقع بين المُتَنَبِّي وبين أبي عبد الله الحُسَين بن خَالَوَيْه کلامٌ، فَوثَبَ ابنُ خَالَوَيْه على المُتَنَبِّي فَضَرَبَ وَجْهَهُ بمفتاحٍ كان معَهُ، ففَتَحَهُ (b)، وخَرَجَ دمُهُ يَسِيْلُ على ثيابهِ وغَضِب، فَمضى إلى مِصْرَ، فامتدح كافورًا الإخْشِيْذيّ.
أنْبَأنَا أبو القاسم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد القاضي، عن أبي الحسن عليّ بن أحمد بن منصور الغَسَّانيِّ، وأبي الحَسَن عليّ بن المُسَلَّم السُّلَميِّ، قال: أخبرنا أبو نصر بن طَلَّاب، قال: أمْلَى علينا أبو عبد الله المُحَسِّن بن عليّ ابن كَوْجَك، وأخبرنا أنَّ أباهُ حدَّثَهُ، قال: كُنْتُ بحَضْرَة سَيْف الدَّولة وأبو الطَّيِّب اللُّغَويّ
(a) في ديوانه: إذا الجود، والمثبت موافق لرواية ابن خلكان 1:122.
(b) كذا في الأصل، ولعل الأظهر: ففجَّهُ.
_________
(1)
ديوانه بشرح العكبري 3: 117، وتاريخ الإسلام 8:70.
(2)
انظر كلام ابن جني في وفيات الأعيان لابن خلكان 1: 122 وتاريخ الإسلام 8: 70، والمقفي للمقريزي 1: 379، ومعاهد التنصيص للعباسي 1:30.
(3)
يرد اسم الكتاب فيما بعد: "سيرة سيف الدولة"، ولم أقف على ترجمة لمؤلفه الديلي الزرَّاد، نقل عنه ابن العديم في ثلاثة مواضع تالية: في ترجمة الحسن بن طاهر بن يحيى النسابة العلوي (الجزء الخامس)، وترجمة أبي العشائر الحسين بن علي بن حمدان (الجزء السادس)، وترجمة أبي الطالب الواعظ (الجزء العاشر).
والمُتَنَبِّي وأبو عبد الله بن خَالَوَيْه، وقد جَرَت مسألة في اللَّغة تكلَّم فيها ابن خَالَوَيْه مع أبي الطَّيِّب اللُّغويّ، والمُتَنَبِّي ساكتٌ، فقالَ له الأمير سَيْف الدَّوْلَة: ألَا تتكلَّم يا أبا الطَّيِّب، فتكلم فيها بما قوَّي حُجَّة أبي الطَّيِّب اللُّغويّ، وأضْعَفَ قول ابن خَالَوَيْه، فَحَرِدَ منه وأخرج من كُمِّهِ مِفْتاح حديد لبيته ليَلْكُم به المُتَنَبِّي، فقال له المُتَنَبِّي: اسكت، ويْحَك، فإنَّك عَجَميٌّ، وأصْلُكَ خُوْزِيٌّ، وصَنْعَتُكَ الحِيَاكَة! فما لكَ وللعربيَّة؟.
ودفع إلىَّ بَعْضُ الشِّرَاف من أهل حَلَب كتابًا فيه تاريخٌ جَمَعَهُ أبو غَالِب هَمَّامُ بن الفضل بن جعفر بن عليّ بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ
(1)
، قال في حوادث سنة سَبْعٍ وثلاثين وثلاثمائة، وفيها: وصل أبو الطَّيِّب المُتَنَبِّي الشاعر إلى سيف الدولة ومَدَحَهُ بالقَصِيدَة المِيْمِيَّة
(2)
: [من الطويل]
وفَاؤكُما كالرَّبْع أشْجَاهُ طَاسِمُهُ
بعد انْصرَافه من حِصْن بَرْزَوَيْه.
وقال في حوادث سنة ستٍّ وأربعين وثلاثمائة: فيها سار المُتَنَبِّي من الشَّام إلى مصر.
ووقع إلىَّ أجْزاء من تاريخ مُخْتَار المُلْك مُحَمَّد بن عُبَيْد الله بن أَحْمَد المُسَبِّحيّ
(3)
، فقرأتُ فيه قصيدةً لأبي الطَّيِّب يَرْثِي بها أبا بكر بن طُغْج الإخْشِيْذ، ويُعَزِّي ابنه أُونُوجُور بِمصْر في سَنَة خَمْسٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة، والقَصِيدَة ليْسَتْ في
(1)
تقدم التعريف بالكتاب في الجزء الأول.
(2)
ديوانه بشرح العكبري 3: 325، وعجزه: بأنْ تُسْعدا والدَّمْع أشفْاه ساجمه
(3)
وضع المسبحيّ (ت 420 هـ) كتابًا كبيرًا في تاريخ (أخبار) مصر قدَّره ابن خلكان بثلاثة عشر ألف ورقة، (وفيات الأعيان 4: 377)، لم يصلنا منه سوى قطعة صغيرة تتناول حوادث السنوات 414 - 416 هـ، (نشرها المعهد الفرنسي بالقاهرة 1978 م بتحقيق أيمن فؤاد سيد وتياري بيانکي)، كما جمع =
ديوان شِعره، فقد كان أبو الطَّيِّب صَعِدَ إلى مِصْر مرَّةً أُخرى قبل هذه المَرَّة الّتي ذكرناها، وأول القصيدة
(1)
: [من البسيط]
هو الزَّمانُ مُشِتٌّ (a) بالّذي جَمَعا
…
في كُلِّ يَوْم تَرَى من صَرْفِهِ بِدَعَا
إنْ شئْتَ مُتْ أَسَفًا أو فابْقَ مُصْطَبرًا (b)
…
قد حَلَّ ما كُنتَ تَخْشَاه وقد وقعا (c)
لو كان مُمْتَنِعٌ تُغْنِيه مَنْعَتُهُ
…
لم يَصْنَع الدَّهْر بالإخْشِيْذ ما صَنَعَا
وهي طويلةٌ.
وقرأتُ في كتاب أبي القاسم يحيى بن عليّ الحضرميّ
(2)
، الّذي ذَيَّل به تاريخ أبي سعيد بن يُونُس، وذكَر فيه مَنْ دخل مِصْر من الغُرَباء، فقال: أحمد بن الحُسَين بن الحَسَن الكُوْفيّ الشَّاعر، أبو الطَّيِّب، يُعرفُ بالمُتَنَبِّي، رَحَلَ من مِصْر سِرًّا من السُّلطان ليلة النَّحْر سنة خمسين وثلاثمائة، ووجَّه الأستاذ كَافُور خَلْفَهُ رَوَاحلَ إلى جهاتٍ شتَّى، فلم يُلْحَق.
أنشَدَنا علىّ بنُ أحْمَد المَادَرَائيّ، قال: كَتَبَ إلىَّ أبو الطَّيِّب أحمد بن الحُسَين
(a) ديوانه بشرح الواحدي: مَنَنْتَ.
(b) ديوانه بشرح الواحدي: مضطربا.
(c) ديوانه بشرح الواحدي: لأن يقعا.
_________
= الدكتور أيمن فؤاد سيد بعض نصوص الكتاب مما وجده عند المؤرخين اللاحقين أمثال المقريزي والقلقشندي ونشرها بعنوان: "نصوص ضائعة من أخبار مصر"، Annales islamogique المجلد 17، 1981 م، وانظر: ابن الساعي: الدر الثمين 237، السخاوي: الإعلان بالتوبيخ 278.
أما نقول ابن العديم من كتاب المسبحي فقد توزَّعت على العديد من التراجم ممّن اتَّصلت علاقتهم بمصر، ونقل عنه في 11 موضعًا، إضافة إلى نقوله عن كتاب منتخب (أو مختار) من كتاب المسبحي، ولعله هو ذاته أورده باسم: تاريخ المسبحي، والمختار من أخبار المسبحي.
(1)
الأبيات الثلاثة مثبتة في الذيل الملحق بشرح الواحدي على الديوان 876.
(2)
ذيل تاريخ مصر لابن يونس صنعه يحيى بن علي بن محمد بن إبراهيم الحضرمي المعروف بابن الطحان (ت 416 هـ)، وذكر الزركلي أن الذيل مخطوط. الأعلام 8: 157، ونقل ابن العديم عن الذيل وعن تاريخ ابن يونس في العديد من التراجم التالية.
المُتَنَبِّي في حَاجَةٍ كانتْ له إلىَّ بالرَّملَة
(1)
: [مجزوء الكامل]
إنِّى سَأَلتُكَ بالّذي
…
زَان الإمَامَةَ بالوَصِي
وأبانَ في يَوْم الغَدِير
…
لكُلِّ جَبَّار غَوي
فَضْلَ الإمَامِ عليهم
…
بولاية الرَّبّ العَلِي
إلَّا قَصَدْت لحاجَتي
…
وأعَنْتَ عَبْدَكَ يا عَلِي
قال: وكان يَتَشَيَّعُ، وقيل: كان مُلْحِدًا، واللهُ أعْلَمُ.
قُلتُ: وَسَنَذْكُر في تَرْجَمَةِ طَاهِر بن الحَسَن بن طَاهِر
(2)
حِكايَةً عن الخَالِديَّين تَدُلُّ على أنَّ المُتَنَبِّي كان مُخالِفًا للشِّيْعَة.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْديِّ، عن الشَّيْخ أبي مَنْصُور مَوْهُوب بن أحمد بن الجَوَالِيْقِيِّ، قال: قال عليّ بن حَمْزَة البَصْرِيّ صاحب أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي -أو غيره ممَّن صَحِبَ المُتَنَبِّي، شَكَّ فيه أبو مَنْصُور- قال
(3)
: بَلَوتُ من أبي الطَّيِّب ثلاث خِلَالٍ مَحْمُودة، وتلك: أنَّهُ ما كَذَب، ولا زَنَى، ولا لَاط، وبَلَوتُ منه ثلاث خلالٍ ذَمِيْمَة كُلّ الذَّمّ، وتلك: أنَّهُ ما صَام، ولا صَلَّى، ولا قَرَأ القُرْآن. عفا اللهُ عنَّا وعنه آمين.
وذكر ابنُ فُوْرَجَةَ في كتاب التَّجَنِّي على ابن جِنِّي، عن أبي العَلَاءِ أحْمَد بن عَبْد الله بن سُلَيمان المَعَرِّيّ، عن رَجُل من أهل الشام كان يتوكَّل لأبي الطَّيِّب (a) في داره، يُعْرَفُ بأبي سَعْد، قال: وبقى إلى عَهْدنا، قال: دعاني أبو الطَّيِّب يومًا ونحنُ بحَلَب، أظُنُّه قال: ولم أكُن عرفتُ منه المَيْل إلى الَّلْهو مع
(a) قوله: "لأبي الطيب"، مكررة في الأصل.
_________
(1)
لم ترد في ديوانه بشرح العكبري ولا بشرح الواحدي، ولم أجد الأبيات عند غيره.
(2)
ضاعت ترجمته من الكتاب بضياع تراجم حرف الطاء.
(3)
نقله المقريزي في المقفي الكبير 1: 380.
النِّسَاءِ ولا الغِلْمَان، فقال لي: أرأيْتَ الغلام ذا الأصْداغِ الجالس إلى حَانُوْت كَذَا من السُّوق، وكان غُلَامًا وسيمًا فَحَّاشًا فيما هو بسَبِيْله، فقُلتُ: نعم؛ وأعْرِفُهُ، فقال: امضِ فأتِني به واتَّخِذ دعْوةً وأَنْفِق وأَكْثِر، فقُلتُ: وكم قَدْر ما أُنْفقُه، فلم يزدْني على قَوْلِه: أَنْفق وأَكْثِر، وكُنْتُ أَسْتَطلعُ رأيَهُ في جميع ما أُنْفِقُ، فمضَيْتُ، واتَّخذتُ له ثلاثة ألوان من الأطعمة وصحفات من الحَلْوَاء، واسْتَدْعَيْتُ الغُلَام، فأجاب وأنا مُتَعَجِّبٌ من جميع ما أسمَعُ منه، إذ لم تَجْرِ له عادَةٌ بمثله، فعاد من دار سَيف الدولة آخر النهار وقد حضر الغلام، وفُرِغَ من اتِّخَاذ الطعام، فقال: قَدِّم ما يُؤْكل ووَاكِلْ ضَيْفَكَ، فقدمت الطعام فأكلا وأنا ثالثهما، ثم أجَنّ اللَّيلُ، فقدَّمْتُ شمعةً ومرفَع دفاتره، وكانت تلك عادتُهُ كل ليلة، فقال: أحْضِر لضيفِكَ شرابًا واقْعُد إلى جانبه فنادِمْهُ، ففعلْتُ ما أمرني به، كل ذلك وعينه إلى الدَّفْتَر يدْرُس ولا يلتفتُ إلينا إلَّا في الحين بعد الحين، فما شربنا إلَّا قليلًا حتى قال: افرش لضيفك وافرُش لنفسك وبَتْ ثالثنا، ولم أكُن قبل ذلك أُبايتُهُ في بَيْتِه، فَفَعْلتُ وهو يدرسُ حتَّى مضى من الليل أكْثرهُ، ثم آوَى إلى فراشه ونام، فلمَّا أصبحنا قُلتُ له: ما يصنَعُ الضيفُ؟ فقال: احْبُهُ واصْرِفْهُ، فقلتُ له: وكم أُعطيه؟ فأطْرَقَ ساعةً ثم قال: أَنْطِهِ ثلاثمائة دِرْهم، فتعجَّبْتُ من ذلك، ثم جسَّرتُ نَفْسِي فدَنَوتُ إليه وقُلتُ: إنَّهُ ممَّن يُجِيْبُ بالشَّيء اليسير، وأنت لم تَنَلْ منه حظًّا، فقطَّبَ ثم قال: أتظُنُّني من هؤلاء الفسقة، أَنْطِهِ ثلاثمائة درهم ولينصرف راشدًا، قال: ففعَلْتُ ما أمرني به، وصَرَفْتُهُ قال: وهذا من بديع أخباره، ولولا قوَّةُ إسنَادِهِ لما صَدَّقتُ به.
أنبأنا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر، عن أبي الفَتْح بن البَطِّيّ، عن أبي نصر الحُمَيْدِيّ، قال: أخبرني غَرْسُ النِّعْمَة أبو الحَسَن مُحَمَّد بن هِلِّل بن المُحَسِّن بن أبي إسْحاق الصَّابِئ، قال: وحدَّثني رضي الله عنه -يعني والده هِلِّل بن المُحَسِّن- قال: حدَّث الرَّضِيُّ أبو الحَسَن مُحَمَّد بن الحُسَين المُوْسَويّ، قال: حدثني أبو
القاسِم عبد العزيز بن يوسف جَكَّار (a)، قال: لمَّا وصل أبو الطَّيِّب المُتَنَبِّي إلى حضرة عضد الدولة في أول مجلسٍ شاهدهُ فيه، قال لي عَضُد الدَّوْلَة: أخرج واسْتوقفْهُ واسألْهُ كيف شَاهَد مَجْلسنا، وأين الأُمراءُ الّذين لقيَهُم في نَفْسِه منَّا؟ قال: فامْتثَلتُ ما أمرني به، ولحقْتُه وجَلسْتُ معه وحادَثتُه وطاولته وأطَلتُ معه في المعنى الذي ذكرته، فكان جوابه عن جميع ما سمعهُ مني أن قال: ما خَدَمَتْ عَيْنَايَ قَلْبي كاليَوم! فجاء بالجَوَاب مَوْزُونًا، واسْتَوْفي القول في اختصار من اللَّفظ
(1)
.
قرأتُ في مجموع صالح بن إبراهيم بن رِشدين بخَطِّه: قال لي أبو نصر بن غِيَاثٍ النَّصْرانيُّ الكَاتِبُ: اعْتَلَّ أبو الطَّيِّب المُتَنَبِّي بمِصْرَ العلَّة التي وصَفَ الحُمَّي في أبْياته من القصيدة المِيْمِيَّة
(2)
، فكُنْتُ أُواصِل عيادتَهُ وقَضاء حَقِّهِ فيها، فلما توجَّه إلى الصَّلاح وأبَلَّ، أَغْبَبْتُ زيارتَهُ ثِقَةً بصَلاحه، ولشُغْلٍ قطعَنِي عنه، فكَتَبَ إلىَّ: وصلْتَني -وَصَلَكَ اللهُ- مُعْتَلًّا، وقطَعْتَني مُبِلًّا، فإنْ رأيتَ أن لا تُحَبِّب العِلَّة إلىَّ، ولا تُكَدِّر الصِّحَّةَ عليَّ، فعلْتَ إنْ شَاءَ اللهُ
(3)
.
ونَقَلْتُ من هذا المَجْمُوع بخَطِّه: ذَكَر لي أبو العبَّاس بن الحَوْت الوَرَّاقُ، رحمه الله، أنَّ أبا الطَّيِّب المُتَنَبِّي أنْشَدَهُ لنَفْسِه هذين البَيْتَيْن
(4)
: [من الطويل]
(a) في الأصل بالحاء المهملة: حكار، والمثبت من: قطع تاريخية من كتاب عنوان السير للهمذاني 175، الكامل لابن الأثير 9: 144، والوافي بالوفيات للصفدي 18: 566، وتصحف في البداية والنهاية لابن كثير 11: 325 إلى: الحطان.
_________
(1)
اقتبسه المقريزي في المقفي 1: 376 دون عزو.
(2)
طالع قصيدته الميميَّة التي تُعدّ أحسن ما وصفت به الحُمَّى، قوله:
مَلُومُكما يجلُّ عن الملام
…
ووقْعُ فعالهِ فوقَ الكلام
انظر ديوانه بشرح العكبري 4: 142 - 149.
(3)
الخبر في وفيات الأعيان 1: 121، والمقفي 1:380.
(4)
البيتان ليسا في ديوانه بشرح العكبري ولا الواحدي.
تضَاحكَ منَّا دَهْرنُا لعتابِنا
…
وعلَّمنا التَّمْويهَ لو نَتَعَلَّمُ
شريفٌ زُغَاوِيٌّ (a) وزَانٍ مُذَكِّرٌ
…
وأعمَشُ كَحَّالٌ وأعْمي مُنَجِّمُ
أنشدنا أبو حفص عمر بن عليّ بن قُشَام الحَلَبِيّ، قراءةً عليهِ بها، قال: أنْشَدَنا الحافِظُ أبو بَكْر مُحَمَّد بن عليّ بن ياسر الجَيَّانيِّ الحافِظ، قال: أنشدني أبو القاسم زاهر بن طاهر، قال: أخبرنا أبو الحُسَين البَحِيْرِيّ، قال: أنشدنا مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُوسَى السُّلمِيِّ، قال: أنشدني محمد بن الحُسين البغداديُّ، قال: أنشدني المُتَنَبِّي
(1)
: [من الطويل]
هَنِيْئًا لكَ العيْدُ الّذي أنْتَ عِيْدُهُ
…
وعيْدٌ لمَنْ سَمَّي وضَحَّي وعَيَّدَا
فذَا اليَوْمِ في الأيَّامِ مِثْلُكَ في الوَرَى
…
كما كُنْتَ فيهم أوْحَدًا كان أوْحَدَا
أخْبَرَنا الشَّيْخ الصالح أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن عُلْوَان الأسَديُّ، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الخطيب، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن منصور بن محمد السَّمْعَانيّ، قال: سمعتُ الشَّيْخ أبا الحسن عليّ بن أحمد المدينيّ، قال: سمعتُ أبا عبد الرحمن السُّلَمِيّ، قال: سمعتُ السَّيِّدَ أبا الحَسَن مُحَمَّد بن أبي إسماعيل العَلَويِّ يقول: دخل المُتَنَبِّي على الأُسْتاذ الرئيس أبي الفَضْل مُحَمَّد بن الحُسَين، وبينَ يَدَيْهِ مَجَامِرُ من آسٍ ونَرْجِس، قد أُخْفِي فيها مواضع النَّار، لا تُرَى النَّار، ويُشَمُّ رائحة النَّدِّ، فقال: يا أبا الطَّيِّب، قُل فيهِ شيئًا! فأنْشَأَ يَقُول
(2)
: [من المتقارب]
أحَبُّ الّذي حبَّتِ الأنْفُسُ
…
وأَطْيَبُ ما شَمَّهُ المَعْطِسُ
ونَشْرٌ من النَّدِّ لكنَّهُ
…
مَجَامِرُهُ الآسُ والنَّرْجِسُ
(a) المقفي للمقريزي 1: 380: دعاوي.
_________
(1)
ديوانه بشرح العكبري 1: 285 - 286، وانظر الخبر في المقفى للمقريزي 1:380.
(2)
ديوانه بشرح العكبري 2: 205 - 206، باختلاف في الرواية.
ولَسْتُ أرَى وَهَجًا هَاجَهُ
…
فهل هَاجَهُ عِزَّكَ الأَقْعَسُ
وإنَّ الفِئَامَ (a) الّتي (b) حَوْلَهُ
…
لتَحْسُد أقدامَهَا الأرْؤسُ
أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود بن الأخضر البغدادي في كتابه، قال: أخبرنا الرئيس أبو الحسن علي بن علي بن نصْر بن سعيد البصريُّ، قال: أخبرنا أبو البركات مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى الوكيل، قال: أخبرنا عليّ بن أيُّوب بن الحُسَين بن السَّارْبَان، قال
(1)
: وخرجَ -يعني المُتَنَبِّي- من شِيْرَاز لثمانٍ خَلَوْنَ من شَعْبان قاصدًا إلى بَغْدَادَ ثمّ إلى الكُوفَة، حتَّى إذا بلغ دَير العَاقُول، وخرج منهُ قدر ميْلَين، خرجَ عليه فُرْسانٌ ورجَّالةٌ من بني أسد وشَيْبَان، فقَاتلَهُم مع غُلَامَيْن من غِلْمَانهِ سَاعةً وقَتلُوه، وقُتِلَ معَهُ أحَدُ الغُلامَيْن وهربَ الآخرُ، وأخَذُوا جَميعَ ما كان معهُ، وتَبعهم ابنُهُ المُحَسَّد طلبًا لكثب أبيه فقتلوهُ أيضًا، وذلك كُلُّه يوم الاثنين لثمانٍ بقين من رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
أنْبَأنَا زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت الخطيب
(2)
، قال: خرج المُتَنَبِّي إلى فارس من بغداد فمدح عضد الدولة، وأقام عنده مدّةً مديدةً (c)، ثم رجع يريد بغداد، فقُتل في الطريق بالقرب من النُّعمانيَّة في شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
وقرأتُ في تاريخ أبي محمد عبد الله بن أحمد الفرغانيّ
(3)
: لمَّا هرب المُتَنَبِّي
(a) الأصل: القتام، وبإهمال المثناة الفوقية، والمثبت موافق لما في ديوانه. والفئام: الجماعة من الناس. لسان العرب، مادة: فام.
(b) الأصل: الذي.
(c) في تاريخ بغداد: وأقام عنده مُديدة!
_________
(1)
نقله المقريزي في المقفي الكبير 1: 377.
(2)
تاريخ بغداد 5: 169.
(3)
عبد الله بن أحمد بن جعفر بن خذيان الفرغاني، أبو محمد الأمير القائد (ت 362 هـ)، صاحب أبي جعفر الطبري، وألف كتابًا في التاريخ مرتب على السنين جعله ذيلًا على تاريخ الطبري، وهو هذا الذي ينقل عنه ابن العديم في هذين النصين أعلاه، وفي ترجمة الحجاج بن يوسف (الجزء الخامس)، =
الشَّاعرُ من مِصْر وصَار إلى الكُوفَة فأقام بها، وصار إلى ابن العَمِيْد فمدَحَهُ، فقيل إنه صار إليه منه ثلاثون ألف دينار، وقال له: تَمْضي إلى عَضُد الدولة فمضى من عنده إليه، فمدحَهُ ووصَلَهُ بثلاثين ألف دينارٍ، وفارقه على أن يمضي إلى الكُوفَة يحمل عيَالَهُ ويجيءُ معهم إليه، وسار حتى وصل إلى النُّعْمانيَّة بإزاءِ قَرْيَةٍ تَقْرُب منها يُقال لها بَنُورَا (a)، فوجد أثر خيل هناك فَتَنَسَّم خَبَرها فإذا خَيْل قد كمَنَتْ له، فصادفَتْهُ لأنَّهُ قَصَدَها فطُعِنَ طعنَة نُكِّسَ عن فَرَسه، فلمَّا سَقَطَ إلى الأرض نَزَلُوا فاحْتَزُّوا رأسَهُ ذَبْحًا، وأخَذُوا ما كان معه من المال وغيره، وكان مَذْهَبُهُ أنْ يَحْملَ مالَهُ معه أين تَوجَّه، وقُتِلَ ابنُهُ معهُ وغُلَامٌ من جُمْلَةِ خَمْسة (b) غِلْمَة كانوا معهُ، وأنَّ الغُلَام المقتول قاتل حتى قتل، وكان قَتْلُ المُتَنَبِّي يوم الاثنين لخمسٍ بَقِينَ من شَهْر رَمَضَان سَنَة أرْبَعٍ وخَمْسين وثلاثمائة.
قال الفَرْغَانيّ: وحُدِّثتُ أنَّهُ لمَّا نَزَلَ المَنْزل الّذي رَحَل منهُ فقُتل، جاءَهُ قَوْمٌ خُفَراءُ فطلَبُوا منه خَمْسينَ دِرْهمًا ليَسِيْرُوا معه فمنعَهُ الشُّحُّ والكِبْر، فأنذروا به، فكان من أمُره ما كان.
قال: وقيل بأنَّهُم لمَّا طلبُوا منهُ الخِفَارَةَ اعْتَذَر في ذلك أنْ قال لهم: لا أُكذبُ نَفْسِي في قَوْلي
(1)
: [من الوافر]
يُذِمُّ لمُهْجَتِي سَيفي (c) ورُمْحِي
ففَارقوه على سخْطٍ وأنْذَرُوا به وكان من أمْره ما كان.
(a) كذا في الأصل، وعند المقريزي (المقفي 1: 377): بيوزي: بفتح أوله وضم ثانيه وبعده زاي معجمة، مقصور على وزن فعولي.
(b) الأصل: خمس.
(c) ديوانه بشرح العكبري: ربي.
_________
= وهو في حكم الضائع، ولشهرة كتابه نُعت به: صاحب التاريخ أو: التاريخى. انظر عن المؤلف وكتابه: تاريخ بغداد 11: 32، تاريخ ابن عساكر 27: 11 - 13، ابن الساعي: الدر الثمين 264، الوافي بالوفيات 17:30.
(1)
ديوانه بشرح العكبري 4: 144، وعجزه:
إذا احتاج الوَحيدُ إلى الذّمامِ
وقَرأتُ في جُذَاذَة طِرْس مَطْرُوح في النّسْخَة الّتي وَقَعَتْ إليَّ بَسَماعِ جَدِّ
جَدِّ أبي القاضي أبي الحَسَن أحمد بن يحيى بن زُهَيْر بن أبي جَرَادَة، من شِعْر
المُتَنَبِّي على مُحَمَّد بن عبد الله بن سَعْد النَّحْويِّ الحَلَبيِّ، وفيها مَكْتُوب بغير خَطّ
النُّسْخَة: المُتَنَبِّي أبو الطَّيِّب أحمد بن الحُسَين، عاد من شيراز من عند فَنَّاخُسْرُو
وابن العَمِيْد وزِيره بأموال جَزِيْلة، فلمَّا صَار بالصَّافِيَةِ من أرْض وَاسِط وقع به
جماعة من بني أسد وغيرهم فقتلُوه وخمسة (a) غلمان كانوا معه وولده، وسَلَبُوا
المالَ، وذلك في شَوَّال من سنة أربعٍ وخَمْسِين وثلاثمائة، وكان المُتَوَلِّي لقَتْله
رَجُل منهم يقال له فاتكُ بن أبي جهل، وهو ابن خَالةِ ضبَّة الّذي هَجَاهُ المُتَنَبِّي،
وكان على شَاطئ دِجْلَة
(1)
.
وسَمِعْتُ والدي رحمه الله يقول لي: بلغَني أنَّ المُتَنَبِّي لما خرج عليه قُطَّاع الطَّريق ومعه ابنُهُ وغِلْمَانهُ أراد أن ينَهزم، فقال له ابنُهُ: يا أبَهْ، وأين قَوْلُك
(2)
: [من البسيط]
[فـ]ـالخَيْل واللَّيْل والبَيْدَاء تَعْرِفُني
…
والطَّعْنُ والضَّرْبُ والقِرْطاسُ والقَلَم
فقال له: قَتَلْتَني يا ابن اللَّخْنَاءِ، ثُمّ ثَبَتَ وقاتل حتّى قُتِلَ.
سَيَّرَ إلىَّ الشَّريفُ الأجَلّ العَالِم تاجُ الشَّرَف شَرَف الدِّين أبو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحمن بن عليّ الحُسَيْنيّ جُزءًا بخَطِّه في مقتل أبي الطَّيِّب، كتب فيه ما نقلتُه وصُوْرتُه: نَقَلْتُ من خَطِّ أبي بَكْر مُحَمَّد بن هاشم الخالديّ، أحد الخالديَّين، في آخر النُّسْخَة الّتي بخَطِّه من شِعْر أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي ما هذه صُوْرته: ذِكْرُ مقْتله، كُنَّا كتَبْنا إلى أبي نَصْر مُحَمَّد بن المُبارَك الجَبُّليِّ نسألُه شرح ذلك، وهذا
(a) الأصل: خمس.
_________
(1)
الخبر في المقفي للمقريزي 1: 377.
(2)
ديوانه بشرح العكبري 3: 369.
الرَّجُل من وُجُوه التُّنَّاءِ
(1)
بهذه النَّاحِيَة وله أَدَبٌ وحُرْمَةٌ، فأجابنا عن كتابنا جَوَابًا طويلًا يقول فيه: وأمَّا ما سألتُما عنه من خَبَرِ مَقْتَل أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي رحمه الله، فأنا أنسُقُه لكما وأشْرَحُه شَرْحًا بَيِّنًا:
اعلَمَا أنَّ مسيرهُ كان من وَاسِط في يَوْم السَّبت لثلاث عَشرة لَيْلَة بَقِيَتْ من شَهْر رَمَضَان سَنَة أربعٍ وخمسين وثلاثمائة، وقُتِلَ ببَيْزَعَ
(2)
؛ ضَيْعَةً بقُربٍ من دَيْر العَاقُول في يَوْم الأرْبَعَاء للَيْلَتَيْن بَقِيَتا من شَهْر رَمَضَان سَنَة أربعٍ وخَمْسِين وثَلاثِمائة، والّذي تولّى قَتْلَهُ وقَتْل ابنهِ وغُلَامهِ رَجُل من بني أسدٍ يُقال له فَاتك بن أبي الجَهْل بن فِرَاس بن بَدَادٍ (a)، وكان من قَوْله لمَّا قَتَلَهُ وهو مُنْعَفِرٌ: قُبْحًا لهذه اللّحْيَة يا سَبَّاب، وذلكَ أنَّ فاتكًا هذا قَرابةٌ لوالدة ضَبَّة بن يَزِيد العَيْنِيّ الّذي هَجَاهُ المُتَنَبِّي بقَوْلِه
(3)
: [من المجتث]
ما أنْصَفَ القَوْمُ ضَبَّهْ
…
وأُمَّهُ الطُّرْطُبَّهْ
ويقال: إنَّ فَاتِكًا خالُ ضَبَّة، وأنَّ الحَمِيَّة داخَلتْهُ لمَّا سَمع ذِكْرها بالقَبِيْح في الشِّعر.
وما للمُتَنَبِّي شِعْر أسْخَفُ من هذا الشِّعر، ولا أوْهَى كَلَامًا، فكان على سَخَافته وركاكَته سبَبَ قَتْله وقَتْل ابْنه وذهَاب ماله.
وأمَّا شَرحُ الخَبَر؛ فإنَّ فاتِكًا كان صديقًا لي، وكان كما سُمِّي فاتكًا لسَفْكِه
الدِّماءَ، وإقْدَامه على الأهْوَال، فلمَّا سَمَعٍ الشِّعْر الّذي هُجِي به ضَبَّة، أحْظَهُ ذلك
(a) المقفي للمقريزي 1: 378: بكار.
_________
(1)
التُّنَّاءُ: المقيمون بالبلد وهم من خارجه، فأصبحوا كأنهم الأصول فيه. لسان العرب، مادة: بنك.
(2)
جعلها ياقوت قرية، وحدد موضعها بين دير العاقول وجَبُّل. (معجم البلدان 1: 527)، وجبُّل الآن بلدة بأعلى مدينة الكوت العراقية.
(3)
ديوانه بشرح العكبري 1: 204، ومرآة الزمان 17:369.
واشتدَّ عليه، ورجع على ضَبَّة باللَّوم، وقال له: قد كان يجب أن لا تجعل لشَّاعِرٍ عليك سبيلًا، وأضْمر غير ما أظهر، واتَّصل به انصراف المُتَنَبِّي من بلاد فارس إلى العراق، وأن اجتيازه بجَبُّلَ ودَيْر العَاقُول، فلم يكن ينزل عن فرسه، وجماعة معه من بَنِي عمه رأيُهُم في المُتَنَبِّي مثل رأيه في طلبه واستعلام خبره من كل صادرٍ وواردٍ. وكان فاتك يتَحَرَّق خوفًا أن يَفُوتهُ، وكان كثيرًا ما يَجيئُنِي وينزل عندي، فقلتُ له يومًا -وقد جاءني وهو يسألُ قومًا مُجتازين عنه-: قد أكثَرتَ المسألةَ عن هذا الرّجُل، فأيّ شيء عَزْمُكَ أنْ تفعلهُ به متى لقيتَهُ، قال: ما عزمي إِلَّا الجَميل، وأنْ أعذُلَهُ على ما أفْحَشَ فيه من الهِجَاء، فقُلتُ: هذا الأليَقُ بأخلاقك والأشبه بأفعالكَ، فتَضاحك ثمّ قال: يا أبا نَصْر، والله لئن اكْتَحلت عيني به، أو جَمعتني وإيَّاه بُقعة لأسفكنَّ دَمه ولأمحَقَنَّ حياتهُ إِلَّا أن يُحال بيني وبينَه، فقلتُ له: كُفَّ -عافاك الله- عن هذا القَول، وارجع إلى الله، وأزل هذا الرأي عن قلبك، فإنَّ الرَّجل شهيرُ الاسم، بعيدُ الصَّوت، وقتلُك إيَّاه في شِعرٍ قالهُ لا يحسُنُ، وقد هَجَت الشُّعراء الملوك في الجاهليّة والخلفاء في الإسلام فما علمنا أن شاعرًا قُتِل بِهجاءٍ، وقد قال الشَّاعِر
(1)
: [من الطّويل]
هَجوتُ زُهيرًا ثمّ إني مدحتُهُ
…
ومازالتِ الأشرافُ تُهْجَي وتُمْدَحُ
ولم يبلغ جُرْمهُ ما يُوجب قتله، فقال: يَفعلُ الله ما يشاء، وانصرف، فلم يَمض لهذا القول إِلَّا ثلاثة أيَّام حتَّى وافَى المُتَنَبِّي ومعه بِغَال مُوْقَرةٌ بكل شيء من الذَّهب والفضة والثِّياب والطِّيب والجَوهر والآلة، لأنَّه كان إذا سافر لم يُخَلِّف في منزله درهمًا ولا دينارًا ولا ثَوبًا ولا شيئًا يُساوي درهمًا واحدًا فما فوقه، وكان أكثر إشْفَاقه على دَفاتِره لأنَّه كان قد انتَخَبَهَا وأحكمها قِراءَةً وتَصْحيحًا.
(1)
هو الراعي النميريّ، انظر ديوانه 44.
قال: فتَلقَّيتهُ وأنزلته داري، وسائلتُه عن أخباره وعمَّن لَقي، وكيفَ وَجَدَ مَنْ قَصَدَهُ، فعرَّفني من ذاك ما سُرِرتُ به، وأقبلَ يَصفُ لي ابن العَمِيْد وفضلهُ وأدبَهُ وعِلْمَهُ وكَرَمَهُ، وسَماحة المَلك فَنَّاخُسْرُو ورغبته في الأدب وميله إلى أهله، فلمّا أمْسَينا قُلْتُ له: على أيّ شيءٍ أنتَ مُجْمِعٌ؟ قال: على أن أتَّخذ اللَّيل جَمَلًا، فإنَّ السير فيه يخفُّ علىَّ. قُلْتُ: هذا هو الصواب، رجاء أن يُخْفيه اللَّيْل ولا يُصبح إِلَّا وقد قطع بلدًا بعيدًا، والوجه أن يكون معك من رَجَّالة هذه المَدِينَة الذين يَخْبُرونَ الطَّرِيق، ويعرفون المواضع المَخُوفَةَ فيه، جَمَاعَةٌ يَمشونَ بين يَديكَ إلى بَغْدَاد، فقطَّب وقال: لم قُلْت هذا القول؟ قُلْتُ: تَستأنس بهم، قال: أمَّا والجُرازُ
(1)
في عُنُقي فما بي حاجةٌ إلى مُؤنِسٍ غيره، قلتُ: الأمرُ كما تقول، والرأي في الَّذي أشرتُ به عليك، فقال: تَلويحُكَ هذا يُنبئ عن تَعريضٍ، وتَعريضكَ يُخبر عن تَصريحٍ، فعرِّفني الأمرَ وبيِّن لي الخَطبَ، قُلْتُ: إنَّ هذا الجاهل فاتك الأسديَّ كان عندي منذ ثلاثة أيَّامٍ، وهو مُحْفَظٌ عليك لأنَّك هَجَوتَ ابن أُخته، وقد تكلَّم بأشياء تُوجبُ الاحتِراس والتَّيقُّظ، ومعه أيضًا نحو العشرين فارسًا من بَنِي عمه، قولُهم مثل قوله، قال: وغُلامه -وكان عاقلًا، لَبِيبًا، فَارسًا- يسمعُ كلامَنا، فقال: الصَّواب ما رآه أبو نَصْر، خُذ مَعَكَ عشرين راجِلًا يَسيرُونَ بين يديك إلى بَغْدَاد، فاغتاظَ غيظًا شديدًا، وشَتَم الغُلام شَتْمًا قَبيحًا، وقال: والله لا تُحُدِّث عني أني سِرتُ في خِفَارة أحدٍ غير سَيفي.
قُلْتُ: يا هذا، فأنا أُوجِّه قومًا من قِبَلي في حاجةٍ يسيرونَ بِمَسيركَ ويكونونَ في خِفَارتك، قال: والله لا فعلتُ شيئًا من هذا، ثمّ قال لي: يا أبا نَصْر، أَبِخُرُوِّ الطَّير تُخَشِّيْنِي، ومن عَبِيْد العَصَا تَخافُ عليّ، ووالله لو أنَّ مِخْصَرَتِي
(2)
هذه مُلْقَاةٌ
(1)
الجُرَازُ من السُّيوف: الماضي النافذ. لسان العَرَب، مادة: جرز.
(2)
المِخْصَرَةُ: ما أمسكه الإنسان بيده من عصًا أو مقرعة أو عكَّازة أو قضيب، وقد يتَّكأ عليه. لسان العَرَب، مادة: خصر.
على شَاطِئ الفُرات وبَنُو أسد مُعْطِشونَ لخمسٍ وقد نَظرُوا إلى الماء كبُطُونِ الحَيَّات ما جَسَر لهم خُفٌّ ولا ظِلفٌ أن يَرِدَهُ، حاشَ للهِ من فكْرٍ أشغَلهُ بهم لَحظة العَين، فقُلتُ له: قل إن شاء الله، فقال: كلمةٌ مقولَةٌ لا تَدفع مَقضِيًّا ولا تَستجلِبُ أَتِيًّا، ثمّ ركب فكان آخر العهد به.
قال: ولمَّا صحَّ عندي خبرُ قتلِهِ، وجَّهتُ مَنْ دَفنهُ وابنهُ وغُلَامهُ، وذهبَتْ دماؤُهم هَدرًا
(1)
.
والحمد لله ربّ العالمين، وصلَّى الله على مُحمَّد النَّبِيّ وعلى أهل بيته الطَّيِّبين الطَّاهرين وسَلِّم تسليمًا.
وكتبَ مُحمَّد بن هاشم الخالديّ بالموصل في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وهو يستغفر الله ويَستَقيلهُ من كل ذَنبٍ وخَطيئة عن عَمْد أو خَطَأ.
أمَّا قَوله: أَبِخُرُوِّ الطَّير تُخَشِّيِنِي، ومن عَبَيْد العصا تَخاف عليَّ، فإنَّ بَنِي أسد يُلقَّبُون خُرُوءَ الطَّير. قال امرؤ القيس
(2)
: [من مجزوء الكامل]
فَرَّتْ بنُو أسَدٍ خُرُو
…
ءَ (a) الطَّيْر عن أرْبَابِها
ويُلقَّبون أيضًا: عَبِيْد العصا، قال الشَّاعِر، ونَظُنُّهُ أمرءَ القَيس أيضًا
(3)
: [من السريع]
قُوْلَا لِدُوْدَانَ (b) عِبِيْدِ العصا
(a) العقد الفريد: فرار، الأغاني: حرود.
(b) في الأصل بإعجام الدال، ومثله في الديوان، وقد تقدّم في آخر الجزء الأوّل التعليق على وجه ذلك.
_________
(1)
خبر مقتل المُتَنَبِّي بحسب الجبُّليّ مثبت في الصبح المنبى 170 - 174.
(2)
ليس في شعر امرئ القيس، وهو ولد ختنوس بنت لقيط بن زرارة الدارمية، شاعرة جاهلية، توفيت سنة 30 ق 50. وانظر بيت الشعر ضمن أبيات أخرى لها عند ابن طيفور: بلاغات النساء 185، الجاحظ: الحيوان 5: 293، ابن عبد ربه: العقد الفريد 5: 144، والأصفهاني: الأغاني 11: 102.
(3)
ديوان امرئ القيس 141، وهو صدر بيت وعجزه الَّذي يأتي في السطر بعد الَّذي يليه.
آخر ما كان بخَطِّ أبي بَكْر الخَالديّ:
ما غَرَّكُم بالأسَدِ البَاسِل
كذا في الأصل، قد أتمَّ هذا البيت وأظنُّ أنَّه بخط أخيه أبي عُثمان ولا أتحقَّقهُ.
أَخْبَرَنَا تاجُ الأُمناء أحْمَدُ بن مُحمَّد بن الحَسَن كتابةً، قال: أَخْبَرَنَا عَمِّي أبو القَاسِم، عن أبي غَالِب شُجاع بن فارس بن الحُسَيْن الذُّهْليّ، قال: أنشدَنِي الحكيم أبو عليّ الحُسَيْن بن عَبْد الرَّحْمَن الثَّقَفِيّ النَّيْسَابُورِيّ لأبي القَاسِم المُظَفَّر الزَّوْزَنِيّ -قُلْتُ: هو المُظَفَّر بن عليّ- الكاتب يَرثي المُتَنَبِّي
(1)
: [من الخفيف]
لا رَعَى اللهُ سِرْبَ هذا الزَّمان
…
إذ دهَانَا في مثل ذاك اللِّسان
ما رأى النَّاسُ ثانيَ المُتَنَبِّي
…
أيُّ ثانٍ يُرى لبِكْرِ الزَّمان
كان في نفسِهِ الكَبيرة في جَيْـ
…
ــشٍ وفي كِبرياءِ ذي سُلْطَان
كان في لفظه نَبِيًّا ولكن
…
ظهرتْ مُعجزاتهُ في المَعَاني
أنشَدَني نَجِيبُ الدِّين داود بن أحْمَد بن سَعِيد بن خلف بن داود الطِّيبيّ التَّاجر، إملاءً من لفظه بحَلَب، قال: أنشدني شمس الدِّين بن الوالي بالمَوصِل لأُخْت المُتَنَبِّي تَرثي أخَاها المُتَنَبِّي لمَّا قُتِلَ
(2)
: [من البسيط]
يا حَازمَ الرأي إلا في تَهَجُّمِهِ
…
على المَكارهِ غابَ البدرُ في الطَّفَلِ
لَنِعْمَ ما عاملَتْكَ المُرْهَفَاتُ بهِ .. . ونِعْمَ ما كُنتَ تُوليها مِنَ العَملِ
الأرضُ أُمٌّ أَصَبْناها بواحِدِها
…
فاسْتَرجَعتهُ وردَّتهُ إلى الحَبَلِ
(1)
أورد ابن العديم الأبيات الأربعة في تذكرته 245، وانظرها عند الثعالبي: يتيمة الدَّهر 1: 224، وابن خلكان: وفيات الأعيان 1: 124، تاريخ الإسلام 8: 67، الصفدي: الوافي بالوفيات 6: 343، المقريزي: المقفي 1: 382 (باستثناء البيت الثاني)، معاهد التنصيص للعباسي 1: 31، البديعي: الصبح المنبي (175).
(2)
الأبيات في المقفى للمقريزي 1: 382.
أحْمَد بن الحُسَيْن بن حَمْدَان، أبو العبَّاس التَّمِيمِيِّ الشِّمْشَاطِيُّ
(1)
أديبٌ، فَاضِلٌ، شَاعِر، لَهُ مَعرفَةٌ بالنَّحو واللُّغَة.
قَدِم حَلَب في أيَّام سَيْف الدَّوْلَة أبي الحَسَن بن حَمْدَان، وأمْلَى بها أماليَ وفَوَائِد، وكَتَب عنهُ بعضُ أَفَاضِل الحَلَبِيِّين شيئًا منها، ورَوَى في أمَالِيْه عن أبَوَي بَكْر: ابن دُرَيْد وابن الأنْبَاريّ، وأبَوَي عَبْد الله: إبْرَاهِيم بن مُحمَّد نِفْطَوَيْه، والحسن بن إسماعيل المَحَامِلِيّ، وإسْمَاعيل بن العبَّاس الوَرَّاق، وأبي زَكَريَّاء يزيد بن مُحمَّد، وجَحْظَة البَرْمَكِيِّ، ومَغَصَا غُلام أبي عَبْد اللهِ نِفْطَوَيْه، ومُحمَّد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ، ومُحَمَّد بن عَبْد اللهِ بن الحُسَيْن المُسْتَعِينِيّ، وأبي نَصْر عَبْد العَزِيْز بن نُبَاتَة السَّعْدِيّ، وجَمَاعَة سِوَاهُم.
رَوَى عنه أبو القَاسِم سَلامَة بن مُحمَّد بن عتْرَة، وأبو الحَسَن مُحمَّد بن عبد الكافي بن مُحمَّد، وأبو بَكْر أحْمَد بن عمر بن البَقَّال، وغيرهم.
نَقَلتُ من أمَالي أبي العبَّاس أحْمَد بن الحُسَيْن الشِّمْشَاطِيّ (a) الَّتي أمْلَاها بحَلَب من خطِّ من كَتَبها عنه بها، وأنْشَدَنا الشَّيْخُ لنَفْسِه:[من المتقارب]
إذا شئتَ أنْ تكبتَ الحَاسِديـ
…
ـنَ غَيْظًا وتقمَعَ كيدَ العَدُو
فأَغْضِ وَعَفَّ وسَوِّ المَسَا
…
ءَ في الفَضْل يَزْدَادُهُ بالغُدُو
تُبتْ حَاسِدِيْكَ على غُصَّةٍ
…
وتَحْمِ عَدُوَّك طِيْبَ الهُدُو
ونَقَلْتُ من الأمَالي المَذْكُورَة بعَينها: أنْشَدَنا الشَّيْخُ لنَفْسِه -يعني التَّمِيمِيِّ-[من السريع]
(a) الأصل: السمشاطي.
_________
(1)
توفي بعد سنة 371 هـ، وترجمته في: تاريخ بَغْدَاد 5: 170 - 171، السمعاني: الأنساب 8: 150، السيوطيّ: بغية الوعاة 1: 304 وفيه: السمساطيّ، ومصدره في النقل عن ابن العديم.
قدْ تَسْتَزلُّ المَرْءَ أوْقَاتهُ
…
ويطمَحُ السَّمْعُ بهِ والبَصَرْ
فالكَيِّسُ العَاصِي هَوَى نَفْسِهِ
…
والأيّدُ العَفُّ إذا ما قَدَرْ
أستغفرُ اللهَ فكَمْ نظْرَةٍ
…
سَكْرَتُها ما كَلَّفَتْ من سَهَرْ
قال: وأنشدنا الشَّيْخُ لنَفْسِه: [من الخفيف]
حَسَرَاتٌ تَطُولُ إنْ أنتَ أكْثَرْ
…
تَ التِفاتًا إلى الزَّمانِ القَدِيمِ
لكَ فيما فقَدْتَ أُسوةُ أَسْيَا
…
نَ (a) وسالٍ وَجَاهِلٍ وعَلِيمِ
كُلُّهُم رَاعَهُ الزَّمانُ بِشَيْبٍ
…
وفِراقٍ لصَاحبٍ ونَعِيمِ
فاسْتَكَانُوا لذاكَ طَوْعًا وكَرْهًا
…
ورَضُوا بالبَقَاءِ والتَّسْلِيمِ
لو بقُوا هَانَت الرَّزَايا ولكِنْ
…
سُلِبُوا بعدَ ذاك رَوْحَ النَّسِيمِ
قال: وأنشدنا الشّيْخُ لنَفْسِه: [من مجزوء الرمل]
أيُّها الرَّائحُ في العِيْـ
…
ـدِ بأرْوَاح الوُقُوفِ
فَاتِرٌ لحْظُكَ تَفْتَرُّ (م)
…
عن الدُّرِّ الرَّصِيْفِ
أنتَ في العَالَمِ إحْدَى
…
بِدَعِ البَرِّ اللَّطِيفِ
إنَّ مَنْ قلَّدَك السَّيْـ
…
فَ جَهُولٌ بالسُّيُوفِ
أو غَفُولٌ عندَ إيما
…
ئكَ باللَّحْظِ الضَّعِيْفِ
وقَرَأتُ في كتاب اطْرَغَشَّ
(1)
تأليفُ أبي عَبْد اللهِ الحُسَيْن بن خَالَوَيْه النَّحْوِيّ، وذكر جَمَاعَةً مدَحُوه ومَدَحوا كتابه المَذْكُور، وقال: قال أبو العبَّاس:
_________
(a) كتب المؤلِّف في الهامش: الأسيان: الحزين. وهو في لسان العَرَب، مادة: أسا.
_________
(1)
كتاب في اللغة، من كتب ابن خالوية الضائعة، نقل عنه ابن العديم في موضعين آخرين غير النقل أعلاه، وذكره النديم: الفهرست 1/ 1: 259، والصفدي: الوافي بالوفيات 12: 324، والسيوطي: بغية الوعاة 1: 530.
[من الرجز]
الشِّمْشَاطِيُّ تَمِيْمِيُّ
…
للعِلْمِ لَألآءٌ بِجَانِبَيْهِ
ليسَ بنَحْوِ نَحْوِ سِيْبَوَيْهِ
…
إِلَّا إذا قرأتَهُ عَلَيهِ
وقد كان بين أبي العبَّاس وبين ابن خَالَوَيْه مَوَدَّة تقتضي الثَّنَاءَ عليه، فإنَّنِي وَقَفْتُ على أبيات لأبي العبَّاس يَرْثِي بها أبا عَبْد اللهِ بن خَالَوَيْه بعد وفاته.
أَنْبَأنَا أبو اليُّمْن زَيد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أَخْبَرَنَا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أَخْبَرَنَا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثابت الخطيب
(1)
، قال: أحْمَد بن الحُسَيْن بن حَمْدَان، أبو العبَّاس التَّمِيمِيِّ الشِّمْشَاطِىّ، حدَّث ببَغْدَاد عن مُحمَّد بن عَبْد اللهِ بن الحُسَيْن المُسْتَعينِيّ. رَوَى عنه أبو بَكْر أحْمَد بن عمر بن البَقَّال، وقال: هو شَيخٌ ثِقَةٌ، قَدِمَ علينا من الموصل في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
رأيت إجازة بخطِّ أبي العبَّاس التَّمِيمِيِّ كتبها لأبي الحَسَن مُحمَّد بن عَبْد المَلِك بن مُحمَّد، وقال في آخرها: وكتب أحْمَد بن الحُسَيْن التَّمِيمِيِّ بخَطِّه بشاطِئ دجلة في شوَّال سنة إحدى وسَبْعين وثلاثمائة، فتكُون وفاتُهُ بعدَ ذلك.
أحْمَدُ بن الحُسَيْن بن سعد بن أبَانَ الشَّاهِدُ الطَّرَسُوسِيِّ
(2)
حَدَّث عن أبي بَكْر مُحمَّد بن إبْرَاهِيم الشِّيرازيّ، رَوَى عنه [. . .](a).
(a) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات، وذكر الذّهبيّ في تاريخه 10: 161 مِمَّن رَوَى عنه: عمر الرواسي وهبة الله بن الأكفاني.
_________
(1)
تاريخ بَغْدَاد 5: 170.
(2)
توفي سنة 462 هـ، وترجمته في: تاريخ الإسلام 10: 161.
أحْمَدُ بن الحُسَيْن بن العبَّاس الطَّرَسُوسِيِّ، أبو عليّ
حَدَّثَ [. . .](a) . رَوَى عنه الحَسَن بن فارس الطَّرَسُوسِيِّ نَزِيل سَمَرْقَنْد.
أحْمَدُ بن الحُسَيْن بن عليّ بن إبْرَاهِيم بن الحَكَم بن عَبْد اللهِ، أبو زُرْعَة الرَّازِيُّ
(1)
.
رَحل في طَلَب الحَدِيْث، ودخل حَلَب، وسَمِع بها أبا بَكْر مُحمَّد بن الحُسَيْن بن صالح بن إسماعيل السَّبِيعيّ الحَافِظ. رَوَى عنه أبو الطَّيِّب أحْمَد بن عليّ الطَّالِبيّ الجَعْفَرِي وغيرُه.
وذكَرهُ أبو بَكْر الخطيب في تاريخ بَغْدَاد
(2)
، بما أَخْبَرَنَا به زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ إذْنًا، قال: أَخْبَرَنَا أبو مَنْصُور القَزَّارُ، قال: أَخْبَرَنَا الحَافِظُ أبو بَكْر أحْمَد بن علىّ بن ثابت الخَطِيبُ، قال: أحْمَد بن الحُسَيْن بن عليّ بن إبْرَاهِيم بن الحَكَم بن عبد الله، أبو زُرْعَة الرَّازيّ، سَمِعَ مُحمَّد بن إبْرَاهِيم بن نُومَرْد، وعَبْد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ، وعليّ بن إبْرَاهِيم القَطَّان القزوينيّ، وعَبْد اللهِ بن مُحمَّد الحارثيّ، وبكْر بن عَبْد اللهِ المحتسب البخاريّ، والحسين بن إسماعيل المَحَامليّ، ومُحمَّد بن مَخْلَد الدُّوْرِيّ.
وكان حافظًا، مُتقنًا، ثقةً، رَحَلَ في الحَدِيْثِ، وسَافَرَ الكَثير، وجَالَسَ الحُفَّاظ، وجمع التَّرَاجِمَ والأبْوَابَ، وحَدَّث ببَغْدَاد، فَحَدَّثنا عنه القاضِيَان:
(a) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات.
_________
(1)
توفي سنة 375 هـ، تَرْجَمَته في: تاريخ بَغْدَاد للخطيب 5: 174 - 175، الذّهبيّ: تاريخ الإسلام 8: 409، سير أعلام النبلاء 17: 46: - 48، تذكرة الحفاظ 3: 999 - 1000، العبر في خبر من غبر 2: 144، اليافعي: مرآة الجنان 2: 304، الوافي بالوفيات: 30: 83 - 84، لسان الميزان 1: 158، النجوم الزاهرة 4: 147، شذرات الذَّهب 4:400.
(2)
تاريخ بَغْدَاد 5: 174.
أبو العَلَاءِ الوَاسِطِيَّ، وأبو القَاسِم التَّنُوخِيَّ، وأبو زُرْعَةَ رَوْحُ بن مُحمَّد الرَّازِيّ، ورِضْوَان بن مُحمَّد الدِّيْنَورِيّ.
أَخْبَرَنَا أبو عليّ حَسَنُ بن أحْمَد بن يُوسُفَ الأَوَقِيّ الصُّوْفيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، عن الحَافِظ أبي طاهر أحْمَد بن مُحمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ الأصبهانَيِّ، قال: أَخْبَرَنَا أبو البقاءِ المُعَمَّر بن مُحمَّد بن عليّ الحبَّالُ بالكُوفَة، قال: أَخْبَرَنَا أبو الطَّيّب أحْمَد بن عليّ بن مُحمَّد الطَّالبِيُّ الجَعْفَرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة أحْمَد بن الحُسَيْن بن عليّ بن إبْرَاهِيم بن الحَكَمِ بن عَبْد اللهِ الرَّازِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحمَّد بن الحُسَيْن بن إسْمَاعِيْل السَّبِيْعِيُّ بحَلَب، قال: أخْبرَني المُنْذِر بن مُحمَّد القابُوسِيّ، قال: حَدَّثَنِي أبي، قال: حَدَّثَنِي عمِّي الحُسَيْن بن سَعِيد، قال: حَدَّثَنِي أبي، قال: حَدَّثَنَا أبو أيُّوبَ الإفريْقِيّ عَبْدُ اللهِ بنُ عليّ، قال: حَدَّثَنِي سِمَاكٌ، عن جَابِر بن سَمُرَة، قال: كان أصْحَابُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يَتَناشَدُونَ عندَهُ الشِّعْرَ ويذْكُرون أمْرَ جاهليَّتهم، فيَضْحَك رسُول الله صلى الله عليه وسلم ويتبسَّم إليهم.
أَخْبَرَنَا أبو الحَسَن عليّ بن شُجاع بن سَالِم، قال: أَخْبَرَنَا أبو عَبْد اللهِ مُحمَّد بن عبْد المَوْلَى بن مُحمَّد اللُّبْنيّ، قال: أَخْبَرَنَا أبي، قال: حَدَّثَنَا أبو خلف عبد الرَّحيم بن مُحمَّد بن المُدَبّر، قال: حَدَّثَنَا المَرْوَزيّ -يعني أبا عَبْد اللهِ الحَسَن بن على بن مُحمَّد- قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة أحْمَد بن الحُسَيْن بن علىّ الرَّازِيّ، رحمه الله، قال: حَدَّثَنَا ابن رُمَيْس (a)، قال: حَدَّثَنَا عَبْد المَلِك بن مُحمَّد الرَّقَاشِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو زَيْد الهَرَويّ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَة، عن الأعْمَش، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيْرَة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
(1)
أنَّهُ كان يُصَلِّي حتَّى تَرِمَ قَدَماهُ، فقيل له: أتَفْعَل هذا وقد غَفَر اللهُ لك ما تقدَّم من ذَنْبك وما
(a) الضبط من تاريخ بَغْدَاد للخطيب 2: 514، واسم ابن رميس: مُحمَّد بن جَعْفَر القصري.
_________
(1)
ابن ماجه: السنن 1: 456 (رقم 1420). ورواه الحميدي: المسند 2: 335 (رقم 759)، والتِّرمذيّ: الجامع الكبير 1: 437 (رقم 412)، والطَّبرانيّ: المعجم الكبير 20: 419 (رقم 1009)، وسنن النسائيّ بشرح السيوطيّ 3: 219 (رقم 1644)، وصحيح ابن حبَّان بترتيب
تأخَّرَ؟ قال: أفَلَا أكُون عبدًا شَكُورًا! (a).
أَنْبَأنَا أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحمَّد بن أبي الفَضْل الأَنْصَارِيّ القاضي، قال: أَخْبَرَنَا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن قُبَيْسٍ الغَسَّانِيّ، قال: أَخْبَرَنَا الحَافِظ أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخطِيبُ
(1)
، قال: أَخْبَرَنَا علىّ بن المُحَسِّن قال: سَألنا أبا زُرْعَة الرَّازِيّ عن مَوْلدِه، فقال: لسْتُ أحفَظُه (b)، ولكن خَرَجْتُ إلى العِرَاق أوَّل دُفعَة لطَلَب الحَدِيْث سَنَة أرْبَعٍ وعشرين وثَلاثِمائة، وكان لي آنذاك أرْبَع عَشرة سنةً أو نَحْوها.
أَخْبَرَنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن بن زَيْد الكِنْدِيّ إذْنًا، قال: أَخْبَرَنَا أبو مَنْصُور عَبْدُ الرَّحْمَن بن مُحمَّد بن زُرَيْق القَزَّاز، قال: أَخْبَرَنَا أحْمَد بن عليّ الحَافِظُ
(2)
، قال: قَرَأتُ في كتابِ أبي القَاسِم بن الثَّلَّاج بخَطِّه: فُقِدَ أبو زُرْعَة. أحْمَد بن الحُسَيْن الرَّازِيّ في طريق مَكَّة سَنَة خَمْسٍ وسبْعِين وثَلاثِمائة.
أحْمَدُ بن الحُسَيْن بن عليّ بن مُحمَّد السَّكْرَان ابن عَبْد اللهِ ابن الحُسَيْن بن الحَسَن الأفْطَس ابن عليّ بن عليّ بن الحُسَيْن بن عليّ بن أبي طالب، أبو القَاسِم الحُسَيْنيّ الأَنْطَاكِيُّ الشَّاعِر
(3)
ولد بمِصْرَ ثُمَّ انتقَلَ إلى نَصِيبِيْن، ثمّ انتقَلَ إلى أَنْطَاكِيَة، فسَكَنها فعُرِفَ
(a) بعده في الأصل فراغ قدر نصف صفحة.
(b) تاريخ بَغْدَاد: لست أحقه، وفي بعض نسخه ما يوافق المثبت.
_________
= ابن بلبان 2: 9 (رقم 311)، و 2: 387 (رقم 620)، وابن حجر: فتح الباري 3: 14 (رقم 1130)، والمسند الجامع 15: 94 (رقم 11775). من حديث المغيرة بن شعبة.
ورواه ابن أبي شيبة: المصنف 7: 102 (رقم 34337)، من طريق هشام عن الحَسَن. ومسلم في صحيحه 4: 2171 (رقم 2819)، و 4: 2172 (رقم 2820)، من طرق مختلفة غير طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، والطَّبرانيّ: المعجم الصغير 94 (رقم 182)، من طريق عروة بن الزُّبَيْر عن عائشة.
(1)
تاريخ بَغْدَاد 5: 175.
(2)
تاريخ بَغْدَاد 5: 175.
(3)
كان حيًّا سنة 359 هـ لخروجه مع تبر الأخشيدي في تلك السنة، تَرْجَمَته في: المقفي الكبير =
بالأنْطَاكِيّ لذلك.
ووفَد على الأمير سَيْفُ الدَّوْلَة أبي الحَسَن عليّ بن عَبْد اللهِ بن حَمْدَان إلى حَلَب، وكان عندَهُ بها في سَنَة إحْدَى وخَمْسِين وثَلاثمائة حين اسْتَولَى نقَفُور على حَلَب، وأسَرَ الرُّوم في تلك السَّنَة امرأتَهُ فاطِمَة بِنْت مُحمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الشَّبيْه العَلَويَّة، وخلَّصَها اللهُ تعالَى من الأسْرِ بغير سَعي، وقد ذَكَرنا حِكايَةَ أسْرها وخلَاصِهَا في ترْجَمَتِهِا، في ذِكْر النِّسَاء، فيما يأتي في آخر الكتاب إنْ شاءَ اللهُ تعالَي
(1)
. وحَكَى عنهُ ابنهُ منها أبو يَعْلَى
(2)
.
وكان أبو القَاسِم الشَّريفُ هذا شاعرًا مجِيْدًا، جلِيْل المِقْدار، فَاضِلًا أديْبًا، ومن شِعْره ما أورَدَهُ الشَّريفُ النَّسَّابَة أبو الحَسَن عليّ بن أبي الغَنَائِم العُمَرِيُّ:
[من الخفيف]
قدْكَ عنّي (a) سَئمْتُ ذُلّ الضَّراعَهْ
…
أنا ما لي وضَيْعَة وبضَاعَه
إنّما العزُّ قدرَةٌ تملأُ الأرْ
…
ضَ وإِلَّا فَعِفَّةٌ وقَناعَه
أحْمَد بن الحُسَيْن بن القَاسِم -وقيل: ابن أبي القَاسِم- أبو حَامِد الصَّغَانِيّ
(b)
قدم مَنْبِج، وحدَّثَ بها عن أبي القَاسِم يَحْيَى بن الحُسَيْن بن مُوسَى العطَّار، وسَعِيد بن العبَّاس النَّيْسَابُورِيّ المُقْرِئ، رَوَى عنه المبارَكُ بن محْفُوظ بن أحْمَد الرُّهَاوِيّ.
(a) المقفي للمقريزي: عيني.
(b) الأصل: الصنعانيّ، ويأتي في التَّرْجَمَة على الوجه المثبت. ولم نقف له على تَرْجَمَة له في غير ابن العديم والإمام الرافعي: التدوين في أخبار قزوين 2: 166، وكان حيًا سنة 459 هـ.
_________
= للمقريزي 1: 383، وفيه ابن الشكران، وسماه النويري في نهاية الأرب 28: 134: أبو القَاسِم العلوي الأقطينيّ، وأعاد ابن العديم التَّرْجَمَة له في الكني في الجزء العاشر: أبو القَاسِم الأفطسي العلوي.
(1)
ترجمتها ضمن الضائع من أجزاء الكتاب.
(2)
اسْمُه حَمْزَة بن أحْمَد، وله تَرْجَمَة تأتي في الجزء السادس.
أَخْبَرَنَا أبو حفْصٍ عُمَرُ بن عليّ بن قُشَام الحَلَبِيُّ الفقِيهُ الحنفِيُّ، فيما أذِنَ لَنا أن نَرْويَهُ عنْهُ، قال: أَخْبَرَنَا أبو الفَضائِل عَبدُ الوَهَّاب بن صالح بن مُحمَّد بن عليّ الهَمَذَانيّ في كتابهِ، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم عَبْدُ الغَالِب بن عمَّار بن الحُسَيْن بن مُحمَّد الخَطِيب بحَلَب، قال: حَدَّثَنِي أبو الأسد مُحمَّدُ بن عَبْد العَزِيْز بن مُحمَّد البالِسِيُّ بَبالِس، قال: أَخْبَرَنَا والدي أبو تمَّامٍ عبْدُ العزيْز (a) بن مُحمَّد القاضِيّ، قال: أَخْبَرَنَا نَاشِي بن مَرْوَان البصِيْرُ، قال: حَدَّثَنَا المُبارَك بن مَحْفُوظ بن أحْمَد الرُّهَاوِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حامد أحْمَدُ بن الحُسَيْن بن القَاسِم الصَّغَانِيّ، قدِمَ علينا مَنْبِج، قال: أَخْبَرَنَا أبو القَاسِم يَحْيَى بن الحُسَيْن بن مُوسَى العطَّارُ، قال: حَدَّثَنَا الحُسَيْن بن عَبْد العَزِيْز الواعِظُ الكَوَّاز، قال: حَدَّثَنَا أبو الفرج عبد الرَّزَّاق بن حَمْدَان البَطِيْنُ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحمَّد بن المُنْذِر، قال: حَدَّثَنِي الرَّبِيْعُ بن سُلَيمان، قال: سمعت الشَّافِعِيّ يقول: فارقتُ مَكَّةَ وأنا ابنُ خَمْس عشْرةَ سنَةً، وذَكَرَ القِصَّةَ إلى آخرها، أعْني رحْلَة الإمام الشَّافِعِيّ رضي الله عنه.
أحْمَد بن الحُسَيْن بن مُحمَّد بن أحْمَد، أبو العبَّاس البَغْدَاديّ الحنبلِيّ المُقْرِئ العِرَاقِيّ
(1)
كان عارِفًا بعُلُوم القُرْآن، وانتفع به جَمَاعَة، وكان حَسَن المحاضَرَة، دخَلَ حَلَب، وسَمِعَ بها أبا عَبْد الرَّحْمَن بن أبي الرِّضَا بن سالِم الرَّحبِيّ، وقرأ عليه قَصِيدَة
(a) مكرر في الأصل.
_________
(1)
توفي سنة 588 هـ، وترجمته في: التكملة للمنذري 1: 180، تاريخ الإسلام 12: 850، سير أعلام النبلاء 21: 228، الوافي بالوفيات 6: 352 وزاد الصفدي في نسبته: البزوغانيّ، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 1: 376، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 50، شذرات الذَّهب 6:480.
أبي عَبْد اللهِ مُحمَّد بن عليّ المعروف بابن المُتَقَّنة (a) في الفَرَائِض بروايته لها عنهُ، وكانت قراءته عليه بمدْرَسَة الزَّجَّاجِين في شهْر رَجَب من سنَة اثنتَيْن وأرْبَعين وخمْسِمائَة.
وسَمِعَ أيضًا بحَلَب أبا الحُسَيْن أحْمَد بن مُنِير الأطرابُلُسِيّ، وسمِعَ ببَغْدَاد أبا مُحمَّد سعْد الخيْر الأنصاريّ، ومُحمَّد بن عَبْد اللهِ بن سهْلُون السِّبْط. ورَوَي عن هؤلاء المذكُورين، وحدَّثَنَا أيْضًا بدمَشْق بالإجَازَة عن أبي بَكْر مُحمَّد بن عُبَيْد الله بن نَصْر الزَّاغُونِيّ.
رَوَى عنه أبو عمر مُحمَّد بن أحْمَد بن مُحمَّد المقدِسِيّ، وشيخنا أبو مُحمَّد عَبْدُ الرَّحْمَن بن نجم بن عبد الوهّاب بن الحنبَلِيّ، وروى لنا عنه أبو الحَجَّاج يوسُفُ بن خَلِيل بن عَبْد اللهِ الدِّمَشقيّ.
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الحَافِظُ أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خليل بن عَبْد اللهِ الدِّمشقيّ، قال: أَخْبَرَنَا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن الحُسَيْن بن مُحمَّد بن أحْمَد البَغْدَاديّ المُقْرِئ، بقراءتي عليه بدمَشْقَ في سَنَة اثنَتَيْن وثمانين وخمْسِمائَة، قُلْتُ له: أخبركم مُحمَّد بن عَبْد اللهِ بن سهْلُون السِّبْط بقراءتك عليه، فأقَرَّ به، قال: أَخْبَرَنَا أبو مُحمَّد عَبْدُ اللهِ بن مُحمَّد بن عَبْد اللهِ بن هزَارْ مَرْد الصَّرِيفِيْنِيّ، قراءَةً عليهِ في مَسْجِده بصرِيْفِيْن، في شَعْبان سنة ستِّين وأرْبَعِمائة، قال: أَخْبَرَنَا أبو القَاسِم عُبَيْدُ الله بن مُحمَّد بن إسْحَاق بن سُلَيمان بن حَبَابَةَ، قراءَةً عليه، قال: حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بن مُحمَّد بن عَبْد العَزِيْز البغويّ، قال: حدَّثَنَا عليُّ بن الجَعْد، قال: أَخْبَرَنَا شعْبَةُ، وشيْبَان، عن قَتَادَة، قال: سمِعْتُ أنَسَ بن مَالِك، قال: صلَّيْتُ خَلْف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بَكْر وعُمَر وعُثْمان رضي الله عنهم، فلم أسْمَع أحَدًا منهم يَجْهَرُ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
(a) قيده المؤلِّف هكذا بتشديد القاف، ومثله ضبط العماد الأصفهاني له في تَرْجَمَتِه (الخريدة 12: 241)، ويرد في تَرْجَمَة أبي عَبْد الرَّحْمَن بن أبي الرضا الحَلَبِيّ في الكنى (الجزء العاشر): ابن المتفنة، بالفاء، وأثبتناه هناك بالقاف أيضًا.
وأَخْبَرَنَا به أعلَى منه بدَرجَة الشَّيْخ أبو سَعْد ثابِتُ بن مشرَّف بن أبي سَعْد البَنَّاءُ البَغْدَاديّ، بقراءتي عليه بحَلَب، قال: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أبو القَاسِم نَصْر بن نَصْر بن عليّ بن يونس العُكْبَريّ، وأبو بَكْر مُحمَّد بن عُبَيْد الله بن الزَّاغُونيّ، قالا: أَخْبَرَنَا الشّيخُ أبو القَاسِم عليّ بن أحْمَد [بن](a) البُسْرِيّ قال: أَخْبَرَنَا أبو طاهِر مُحمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن بن العبَّاس البزَّازُ المُخلِّصُ
(1)
، قِراءَةً عليه في شَهْر رَبيع الأوَّل سنَة ثَلاثٍ وتِسْعِين وثَلاثمائة، قال: أَخْبَرَنَا أبو القَاسِم عَبْد اللهِ بن مُحمَّد بن عَبْد العَزِيْز البغَويّ فذكَرَهُ بإسْنَادِهِ مثلَهُ سَواءً.
وقَعَ إليَّ جُزءٌ بخطِّ أبي الخَطَّاب عُمَر بن مُحمَّد العُلَيْمِيّ، جُزءًا يتضمَّن أسْماء جَمَاعَة أجازُوا لأبي العبَّاس أحْمَد بن الحُسَيْن بن مُحمَّد بن أحْمَد البَغْدَاديّ العرَاقِيّ هذا، فمنهم: أبو الفَتْح بن البَطِّيّ، وأبو مُحمَّد عَبْد اللهِ بن الموصِلِيّ، وأبو بَكْر بن المقَرَّب، ويحْيَى بن ثابت؛ ومن أهل أصبَهَان: أبو الخَيْر مَسْعُود الثَّقفِيّ، وأبو عَبْد اللهِ الرُّسْتُمِيّ، وأبو المطَهَّر الصَّيْدَلانِيّ، وأبو مُوسَى الحَافِظ وجمَاعَة يطول ذكْرهُم.
قرأت بخطِّ شيخنا ناصِح الدِّين أبي مُحمَّد عَبْد الرَّحْمَن بن نجم بن الحنْبَلِيّ، في كتاب الاسْتِسْعَاد بَمن لقيتُ من صَالِحي العُبَّاد في البِلاد
(2)
، وقد أجازَ لنا الرواية عنه الشَّيْخُ أحْمَد بن الحُسَيْن بن مُحمَّد البَغْدَاديّ ورأيت بخَطِّه: العرَاقِيّ سَمِعَ الحَدِيْث الكثِيْر ببَغْدَاد، وقرأ القُرْآن العزيز بطُرقٍ كَثِيْرة، وكان ماهِرًا فيه، وتصَدَّرَ لإقْرَاء القُرْآن تحت النَّسْر بجامع دِمَشْقَ، فخَتَم عليه القُرْآن جَمَاعَة، وكان كَثِيْر الحكايات والنَّوَادر، قَدِمَ من بَغْدَاد مع الفَقِيه الأعَزّ سَنَة
(a) هو ابن البسريّ، كما يرد في عديد المواضع تاليًا، وليست لقبًا له.
_________
(1)
المخلِّصيّات 2: 101.
(2)
کتاب مفقود، حفظ لنا ابن العديم نصوصًا منه، وكانت وفاة مؤلفه ناصح الدين سنة 634 هـ. السخاوي: الإعلان بالتوبيخ 205، هدية العارفين 1:524. وضبْط لفظة العُبَّاد بالضم والتشديد من المؤلِّف حسبما جودها في تَرْجَمَة أحْمَد الشّيخ، أبو العبَّاس، في الجزء الثالث.
أرْبعين وخَمِسمائَة، قال لي: جئثُ إلى الشَّام بنِيَّة أنِّي أزُور القُدس، وإلى الآن ما زُرتُه، فقُلتُ: معي تَزُوره إن شاء اللهُ، فزَارَهُ في صُحْبتي سنة سبْعٍ وثَمانين أو سَنَة ثمانٍ.
وقرَأتُ عليهِ فَاتِحةَ الكتَّاب تَجْويدًا وتَحْريرًا، وقرَأتُ عليه كتاب الفَصيح لثَعْلَب، رَواهُ عن سَعد الخَيْرِ الأنْدَلُسِيّ، وقَرَأتُ عليه رسالة الشَّيْخ ابن مُنير إلى الشَّيخ شَرَف الإسْلَام جَدِّي رَوَاها عنه، قال: اجتَمَعتُ ابن مُنِير في حَلَب، وسَمِعتُ الرِّسالة عليه، وقَرَأتُ عليه أيضًا تصديقَة القُرآن إنْشَاء ابن مُنِير، رَواها أيْضًا عنه، وكان يُصَلِّي إمامًا في مسجد الخَشَّابين، أقام بهِ سنين، وكان له منهم أصْحَاب وجَمَاعَة، فحُسن فيه الظّنّ، وكان يقول: كان عندنا في الحَرْبِيَّة قَوْمٌ من المُتَشَدِّدين يُسَمُّونَ السَّبْعِيَّة، لا يَسلِّمُون على مَن سلم على مَنْ سَلَّم - إلى سَبْعة (a) - على مُبْتدع.
وبلَغَ من العُمر فوق السَّبْعين سَنَةً، ومات بدِمَشْق.
أحْمَدُ بن الحُسَيْن بن مُحمَّد النِّفَّرِيّ، أبو العبَّاسِ
حَدَّث بحَلَب عن القَاضِي أبي عِمران مُوسَى بن القَاسِم بن مُوسَى بن الحَسَن الأشيب، رَوَى عنه أبو الحَسَن المُهَذَّب بن عليّ بن المُهَذَّب بن أبي حَامِدٍ المَعَرِّيّ.
قرأت بخَطِّ أبي صالح مُحمَّد بن المُهَذَّب بن عليّ بن المُهَذَّب، وأَنْبَأْنَا به أبو اليُّمْن زَيد بن الحَسَن الكِنْديّ إجازَةً، قال: أَنْبَأْنَا مُحمَّد بن كامل بن دَيْسَم، قال: أَخْبَرَنَا أبو صالحِ مُحمَّد بن المُهَذَّب إجَازَةً، قال: حَدَّثَنَا أبي أبو الحَسَن المُهَذَّب، في جُمادى الأوْلَى من سَنَة سَبْعٍ وتِسْعين وثلاثمائة، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس
(a) في ذيل طبقات الحنابلة 1: 377: إلى شيعة.
أحْمَد بن الحُسَيْن بن مُحمَّد النِّفَّرِيّ بحَلَب لسبع عشرة ليلة خلت من شوال سنة تسع وستين وثلاثمائة، قال: حَدَّثَنَا القاضي أبو عمران موسي بن القَاسِم بن مُوسَى بن الحَسَن الأشْيَبِ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن زُهَيْر، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن إسماعيل، قال: حَدَّثَنَا مُعْتَمِر، عن أبيه، قال: وحدَّثَ أيضًا أبو عُثْمَان النَّهْدِيّ، عن عَبْد الرَّحْمَن بن أبي بَكْر، أنَّه قال
(1)
: كُنَّا مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال: هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رَجُل صاع من طعام أو نحوه فعُجِنَ، ثمّ جاء رَجُل مُشْرِك طَويل بغَنَم يَسُوقها، فقال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَبَيْعٌ أم عَطِيَّة؟ - أو قال: هِبة. قال: لا، بل بَيْعٌ، فاشترى منه شاةً فصُنِعَت، وأمَر نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بِسَواد البَطْن أنْ يُشْوَى، قال: وأيمُ الله ما من الثَّلاثين ومائة إِلَّا وقد حَزَّ له رسُول الله صلى الله عليه وسلم حزَّةً من سَواد بَطْنها، إن كان شَاهِدًا أعطاه إيَّاها، وإن كان غائِبًا خبَّأها له؛ قال: وجَعَل منها قَصْعَتِين، فأكَلْنَا أجْمَعين وشَبعنا، وفضَل في القَصْعَتين، فَحَمَلْتُه على البَعِير، أو كما قال.
أحْمَد بن الحُسَيْن بن المُؤَمَّل، أبو الفَضْل المَعْروف بابنِ الشَّوَّاءِ
كتبَ عنهُ الحَافِظ أبو القَاسِم عليُّ بن الحَسَن الشَّافِعيّ الدِّمَشْقِىُّ بها إنْشَادًا ذكَرهُ في مُعْجَمُ شُيُوخه
(2)
.
أَنْبَأْنَا أبو الوحش عَبْد الرَّحْمَن بن أبي مَنْصُور بن نُسِيم، قال: أَخْبَرَنَا الحَافِظ أبو القَاسِم عليُّ بن الحَسَن بن هِبَةِ الله الشَّافِعِيّ في مُعْجَمُ شُيُوخه
(3)
، قال: أَنْشَدَني
(1)
ابن حنبل: المسند 3: 154 (رقم 1703)، وفيه:"هبة بدل هديه"، صحيح مسلم 3: 1626 (رقم 2056)، البيهقيّ: دلائل النبوة 6: 95، ابن حجر: فتح الباري 5: 230 (رقم 2618)، وعند جميعهم:"رجل مشرك مشعان طويل".
(2)
ابن عساكر: مُعْجَمُ الشيوخ 1: 33.
(3)
ابن عساكر: المصدر نفسه 1: 33.
أحْمَد بن الحُسَيْن بن المؤمّل أبو الفَضْل المَعَرِّيّ المَعْرُوفُ بابن الشَّوَّاءِ، بدِمَشق لابن النُّوْت المَعَرِّيّ، في بعض الوزراء من اليَهُود:[من المنسرح]
يَهودُ هذا الزَّمانِ قد بلَغُوا
…
غايةَ آمالِهم وقَد مَلَكُوا
العِزُّ فيهم والمالُ عندَهُمُ
…
ومنهم المُسْتَشارُ والمَلِكُ
ولسْتُ مِمَّن فيهم يُغرُّكُم
…
تهَوَّدُوا قد تَهوَّدَ الفَلكُ
استغفر الله! (a).
أحْمَد بن الحُسَيْن النَّحْوِيّ المُقْرئ، أبو بَكْر المَعْرُوف بالكَتَّانِيّ
(1)
قرأ على أبي عِمْران مُوسَى بن جَرير الضَّرِير الرَّقِّيّ النَّحْويّ، وقرأ عليه بحَلَب أبو الطَّيِّب عبد المُنعم بن عُبَيْد الله بن غَلْبُون الحَلَبِيّ المُقْرئ، وحَدَّث عنهُ بِمصْر.
أحْمَد بن الحُسَيْن، أبو بَكْر البَصْرِيّ
حَدَّثَ بأَنْطَاكِيَة عن عِمْران بن مُوسَى النَّصِيْبِيّ. رَوَى عنهُ أبو الحَسَن مُحمَّد بن الحُسَيْن الآبُرِيّ، وسَمِعَ منهُ بها.
كَتَبَ إلينا الحَافِظ أبو مُحمَّد عبدُ القادر بن عَبْد اللهِ الرُّهاوِيّ أنَّ الإمامَ أبا الفَتْح مُحمَّد بن عُمَر بن أبي بَكْر الحَازِمِيّ أخبرَهُم، قال: أَخْبَرَنَا عِيسَى بن شُعَيب بن إسْحَاق السّجْزِيّ، قال: أَخْبَرَنَا أبو الحَسَن عليّ بن بُشرَى اللَّيْثِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن مُحمَّد بن الحُسَيْن بن إبْرَاهِيم الآبريّ، قال: قرأت على أبي بَكْر أحْمَد بن الحُسَيْن البصْرِيّ بأَنْطَاكِيَة، عن عِمْران بن مُوسَى بن أيُّوب النَّصِيْبِيّ،
(a) كتب ابن العديم استغفاره في الهامش.
_________
(1)
تَرْجَمَتِه في: بغية الوعاة للسيوطي 1: 304، نقلًا عن تَرْجَمَة ابن العديم هذه ولقبه فيها بـ "الكياني".
عن أَبِيه في تَارِيخهِ، بإسْنَاد ذَكَرَهُ، عن سَعِيد بن المُسَيَّب، عن ابن عبَّاس، فزادَ فيهِ في نسَبِه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعد أُدَد بن السَّمَيدَع بن عَائِذ (a) بن شَالخِ بن الهُمَيْسَع.
أحْمَد بن الحُسَيْن المَنْبِجيّ، المَعْرُوف بدَوْقَلَة بن العَبْد
شَاعرٌ مُجِيْدٌ من أهل مَنْبِج، وإليه تُنْسَبُ القَصِيدَةُ اليَتِيْمَة الَّتي أوَّلُها
(1)
: [من أحذ الكامل]
هَل بالطُّلُول لسَائِلٍ رَدُّ
…
أمْ هَل لها بتَكَلُّمٍ عَهْدٌ
وسَنَذكُرهُ إنِ شاءَ اللهُ تَعَالَى في حَرْف الدَّال
(2)
لأنَّه اشْتَهر بدَوْقَلَة، وصارَ اسمه مهجورًا.
أحْمَد بن الحُسَيْن بن الزَّيَّات، أبو الحَسَن
أمير الثُّغُور الشَّامِيَّة، ولي إمارةَ الثُّغُور. في غَالِب ظَنِّي -بعد أخيهِ أبي بَكْر مُحمَّد بن الحُسَيْن بن الزَّيَّات، وخَرَج عن طَرَسُوس بعد اسْتِيلاء الرُّوم عليها، وتَوَجَّه إلى الدِّيار المِصريَّة، واتَّصل بكَافُور الإخْشِيذِيّ، وسَنَذكُر في تَرْجَمَةِ غَيْطة (b)
(a) في الأصل: عابد، مهملة.
(b) مهملة في الأصل، ويمكن أن تكون أيضًا: غيظة، ولم نهتد للتعريف بها، كما أن ترجمتها التي أشار إليها المؤلِّف ضائعة بضياع الجزء الخاص بالنساء.
_________
(1)
القَصِيدَة طويلة، وهي نيف وسبعون بيتًا، نشرها الميمنيّ ضمن كتابه بحوث وتحقيقات 2: 218 - 221، وبعض أبياتها في بلوغ الأرب للألوسي 2: 20 - 21 (أورد منها 21 بيتًا)، وكثر الاختلاف والتنازع في نسبتها، تروى لسبعة عشر شاعرًا، ورجح ابن العديم أنها للحسن بن حميد المنبجيّ، حسبما يأتي ذلك في تَرْجَمَتِه (الجزء الخامس)، وما رجَّحه ابن العديم يرجحه أيضًا من المعاصرين الأستاذ عَبْد العَزِيْز الميمني في دراسته للقصيدة اليتيمة، انظر: بحوث وتحقيقات (بيروت: دار الغرب الإسْلَاميّ، 1995 م) 1: 455، 2: 217، وانظر فهرست ابن خير الإشبيلي 2: 527 - 528.
(2)
ضاعت تَرْجَمَته بضياع الجزء المَذْكُور.
مَوْلَاةِ مَنْصُور النَّسِيميّ الخَادم فيما يأتي من هذا الكتاب إن شاءَ اللهُ تَعَالَى في ذِكْر النِّساءِ، أنَّه كان معها مال في عشر قَمَاقِم
(1)
حَصَلْت به في مِصْر، فاعترضَ فيه كَافُور وهَمَّ به، فَخَاطَبهُ أميرُ الثُّغور أبو الحَسَن هذا، وقال: إنَّهُ كان هذا المالُ بطَرَسُوس وعنها أُخرج، وقد جَرَتْ لنا أحْوالٌ كُنَّا فيها أحْوَجَ إليهِ من الأُستاذ، فكَفَفْنَا عنهُ وتَركناهُ بحاله ليتَولَّى من هُو في يَدِه منهُ ما تَولَّى، فأمْسَكَ عنه خَجِلًا.
وكان أحْمَد هذا، وأخوه مُحمَّد، من أهل الرُّقَّة، وسَكَنَا الثَّغْر.
أحْمَد بن الحُسَيْن الجَزَريُّ التَّغْلِبِيّ، المَعْرُوف بالأصْفَر
(2)
كان مُقَدَّمًا مْذكورًا، ظَهَر في الجَزِيرَة، وعبر إلى الشَّام مُظهِرًا غَزْو الرُّومِ، فتبعَهُ خَلْقٌ عَظِيمٌ من المُسْلِمين، وجَرتْ لَهُ مع الرُّوم وَقْعاتٌ، ودَخَلَ حَلَبَ في سَنة خَمْس وتِسْعين وثلاثِمائة، فقبَض عليه لُؤْلُؤ السَّيْفِيّ، وجعله في قَلْعَة حَلَب.
قَرَأَتُ في تاريخ أبي غَالِب هَمَّام بن الفَضْل بن جَعْفَر بن عليّ بن المُهَذَّبِ المَعَرِّيّ
(3)
، قال: فَحَدَّثَنِي من شاهَدَ عَسْكَره أنَّه كان يكُون في اليوم ثلاثين ألفًا، ثمّ يَصيرُ في يوم آخر في عشرة آلاف وأكْثَر وأقلّ لأنَّهم كانوا عَوَامًّا وعَرَبًا، ونزل على شَيزر، وطال أمرُه فاشتَكَاهُ بَسِيْل (a) ملك الرُّوم إلى الحاكم، فأنْفَذَ إليهِ مُفْلِحًا اللِّحيَانِيّ في عَسْكَرٍ عظيم فطَرَدَهُ سَنَة خَمْسٍ وتِسْعين.
(a) ضبطه في الأصل بتشديد السين، وهو: الإمبراطور البيزنطي باسيل الثاني II Basil (حكم 365 - 415 هـ / 976 - 1025 م)، وانظر أخباره مع الدَّوْلَة الفاطمية في النجوم الزاهرة 4:118. وما بعدها.
_________
(1)
جمع قُمْقُمْ، وعاء من نحاس يُسْتَقي به. لسان العَرَب، مادة: قمم.
(2)
كان حيًا سنة 406 هـ، وترجمته في: زبدة الحلب 1: 175.
(3)
تقدّم التعريف بتاريخ ابن المُهَذَّب في الجزء الأوّل.
وقَبَضَ عليه أبو مُحمَّد لُؤْلُؤ السَّيْفِيّ بخَدِيعَةٍ خَدَعَهُ بِها، وذلك أنَّه أنفذَ إليهِ أنْ يَدْخُلَ إليهِ إلى حَلَب، وأوْهَمَهُ أنَّه يصير من قبله، فلمّا حصل عنده قبَضَ عليه وجعله في القَلْعَة مُكرمًا، لأنَّه كان يُهَوِّل به على الرُّوم.
قال أبو غالب هُمَّامُ بن المُهَذَّب: ورأيتُه أنا وقد خَرَجَ مباركُ الدَّوْلَة سَنَة ستٍّ، وله شَعْرةٌ، والمُصْحَفُ في حِجره على السَّرْج وهو يَقْرأُ فيه.
ونقَلتُ من خَطِّ يَحْيَى بن عليّ بن عبد اللَّطيف بن زُرَيق المُؤرِّخ: وفي سَنَة خَمْسٍ وتِسْعين ظَهَرَ رَجُل غَازٍ (a) مُتَزَيِّ بزيِّ الفُقَرَاءِ، ومعه خَلْقٌ كَثِيْرٌ من العَرَب يُسَمَّى أحْمَد بن الحُسَيْن أصْفَر تَغْلِب، ويُعْرف بالأصفَر، وتَبِعَهُ وصَحِبَهُ رَجُلٌ من العَرَب يُعْرفُ بالحَمْلِيّ، وأَسرى في جَمَاعَة من العَرَب وغيرهم مِمَّن اجتمع إليهِ، ولَقِي عَسْكَر الرُّوم فأخَذَهُ وكَسَرَهُ إلى أرْتاح.
وسار يُريد أَنْطَاكِيَة نحو جِسر الحَدِيْدِ، فلقيَهُ بِطْرِيْق من بَطَارِقَة
السَّقْلَارُوس في عَسْكَر كان معه، فقُتِلَ الحَمْلِي وانْهَزَم الأصْفَر إلى بَلدِ سَرُوج، فانْتَهى إلى المَاخُسْطرس أنَّ الأصْفَر سَاكنٌ في الجَزِيرَة، في ضَيْعَة تُعرف بكَفْر عَزُون
(1)
من عَمَلِ سَرُوج، وهي ضَيْعَةٌ كبيرةٌ ولها سورٌ، فقصَدَهُ في عَسَاكِره وعَبَر الفُرَات، ونازَل كفْر عَزُون، وكان قد اجتَمع إليها أكثَر أهلِ تلكَ الأعْمَال لحَصَانَتها، وأقام ثَمانية عَشَر يومًا وفتَحها وأخذ منها اثْنَى عَشَر ألف أسِيْر وغَنَائم كَثِيْرةً، وحُرَم الأصْفَر، وهَرَبَ هو باللَّيْل.
(a) الأصل: غازيّ، وفوقها "صـ".
_________
(1)
قيدها ابن العديم في هذا الموضع وتاليه بالراء في آخره "کفر عزور" وصوابه النون، كما هو عند ابن طيفور والطبري وابن الأثير وياقوت وصفي الدين البَغْدَادي "مختصر معجمه"، وهي ضيعة قرب مَدِينَة سروج بالجَزِيرَة، انظر: كتاب بَغْدَاد لابن طيفور 96 (وجاءت تسميتها في أصوله: کفر عزوز)، تاريخ الطبريّ 8: 598، الكامل لابن الأثير 6: 388، مُعْجَمُ البلدان 4: 470، مراصد الاطلاع 3: 1171، ولم يرد ذِكْر هذه الضيعة في كتاب ابن العديم في غير هذين الموضعين.
وكانت عَربُ بَنِي نُمَيْر وكِلَاب اجتمعت مع وَثَّاب في زُهاء ستَّة آلاف فارِس، فلَقُوا عسكر الرُّوم وظفروا بهم، وهرب (a) إلى أَنْطَاكِيَة، وجدَّ المَاخُسْطرس في طلب الأصفر، والْتَمَس من لُؤْلُؤ أن يحمله إليهِ خوفًا من إرهاج المُسْلِمين عليه، وتوسَّط الحال بينهما على أن يأتي إلى حَلَب على أن يكون الأصفر في القَلْعَة بحَلَب معتقلا أبدًا، وحمله إليهِ في شعبان سنة سبع وتسعين، فقده لُؤْلُؤ واعتقله ولم يزل في القَلْعَة إلى أن حصلت حَلَب للمغاربة في سنة ستِّ وأربعمائة.
أحْمَد بن الحُسَيْن، أبو الفَرج القَاضِي، قاضي طَرَسُوس
كان فاضلًا عَالِمًا، وهو الَّذي مدحَه المُتَنَبِيّ بالقصيدة الفَائِيَّة التي أَخْبَرَنَا بها أبو مُحمَّد عَبْد العَزِيْز بن مَحْمُود بن الأخضر البغدادي في كتابه، قال: أَخْبَرَنَا الرئيس أبو الحَسَن عليّ بن عليّ بن نَصْر بن سَعِيد البصريّ، قال: أَخْبَرَنَا أبو البركات مُحمَّد بن عَبْد اللهِ بن يَحْيَى الوكيل، قال: أَخْبَرَنَا على بن أيوب بن الحُسَيْن بن الشاربان، قال: أنشدنا أبو الطَّيِّب المُتَنَبِيّ التفسه يمدح أبا الفرج أحْمَد بن الحُسَيْن القاضي
(1)
: [من الطّويل]
لجِنِّيَّةٍ أم غَادةٍ رُفِعَ السَّجْفُ
…
لَوْحِشِيَّةٍ لا ما لَوْحِشِيَّةٍ شَنْفُ
قال فيها
(2)
:
أُرَدِّدُ وَيْلي لو قضَى الوَيلُ حاجةً
…
وأكثرُ لَهْفي لو شَفَى غُلَّةُ لَهْفُ
ضَنًى في الهوى كالسُمِّ في الشَّهْدِ كامنًا
…
لَذِذْتُ بِه جَهْلًا وفي اللَّذَّةِ الحَتْفُ
(a) بعده بياض في الأصل قدر كلمة، ويفهم من زبدة الحلب 1: 175 أن المطرود هو الأصفر.
_________
(1)
ديوان المُتَنَبِيّ بشرح العكبري 2: 282.
(2)
المصدر نفسه 2: 284 - 287.
فأفَنَي وما أفَنَتُه نَفْسِي كأنَّما
…
أبو الفرَج القَاضي له دُونها كَهفُ
قليلُ الكرى لو كانت البيضُ والقنا
…
كآرائه ما أغنَتِ البيضُ والزَّغفُ
يقوم مقام الجيش تقطِيبُ وجههِ
…
ويستغرق الألفَاظَ من لَفظه حرفُ
وإن فَقَد الإعطاءَ حنَّت يمينُه
…
إليهِ حين الإلفِ فارقَه الإلفُ
أديبٌ رسَت للعِلم في أرض صدْره
…
جبالٌ، جِبالُ الأرضِ في جنبها قُفُّ
جوادٌ سمَت في الخَير والشَّرِّ كفُّه
…
سُمُوًّا لوَدَّ الدَّهْر أنَّ اسْمُه كَفُّ
تفَكُّرُه عِلْمٌ، ومَنطقُهُ حُكمٌ
…
وباطنُهُ دِينٌ، وظاهرُهُ ظَرفُ
وهي طويلةٌ اقتصرتُ منها على هذه الأبْيَات.
أحْمَدُ بن الحُسَيْن -وقيل: الحَسَن- أبو يوسُفَ المِصِّيْصِيُّ الحَاسِبُ
له كتابٌ في الجَبر والمُقابلَة، وقد ذكرناهُ فيمَن اسم أبيه الحَسَن
(1)
.
ومن أفرادِ حرف الحاءِ في آباء الأحْمَدِين
أحْمَد بن الحُصَيْن التَّمِيمِيُّ
(2)
ورَدَ دَابِق في أيَّام عَبْد المَلِك بن مَرْوَان، وبها مَسْلَمةُ بن عَبْد المَلِك، ودَخَل معَه غازيًا بلادَ الرُّوم حين توجَّه إلى القُسْطَنْطِينِيَّة هو وأَخُوه مع الفتيةِ الذين تابُوا بالمَدِينَة. وسيأتي ذِكْر خبرهم إن شاءَ اللهُ تَعَالَى
(3)
.
(1)
تقدّم فيما مرَّ من هذا الجزء، وزاد في ألقابه هناك: الإقليدسيّ.
(2)
توفي سنة 86 هـ، وترجمته في: الفتوح لابن أعثم 7: 171.
(3)
لم يرد خبرهم في المتبقي من كتابه، وترجم الاثنين آخرين منهم، هما: أحْمَد بن مُحمَّد اليشكريّ، وسعيد بن إسماعيل الأسدي، وانظر خبر هؤلاء الفتية الذين تابوا مما هم فيه من لهو وفسق، عند ابن أعثم: الفتوح 7: 171 - 183، وعدد الفتية عشرة.
أحْمَدُ بن حمّاد بن سُفيان، أبو عَبْد الرَّحْمَن القرشيُّ، مولاهم، الكُوْفِيُّ
(1)
قاضي المِصِّيْصَة، حَدَّث عن خِرَاش بن مُحمَّد بن خِرَاش، وهارُون بن سَعيد الأيليّ، وأبي مَسْعُود مُحمَّد بن عَبْد اللهِ بن مُحمَّد المؤدِّب، وعُقبة بن مُكرم، وإسْحَاق بن مُوسَى، وأبي كُرَيب الهمدانيّ، وحكيم بن سَعِيد المازنِيّ، وأبي بلال الأشعريّ، وأحمد بن عبد المُؤمن، وعَبْد اللهِ بن مُعَاوِيَة الجُمحيّ، وجعفَر بن دِهقان، ويوسف بن مُوسَى القَطَّان، وأبي الرَّبيع ابن أخي رِشدين، وعَبْد الرَّحْمَن بن الفَضل بن مُونق
(2)
، ومُحمَّد بن سُلَيمان الأسديّ، وعبَّاد بن يعقوبَ، وأبي عَمْرو بن حازِم، ومُحمَّد بن عَوْف، وأبي عَبْد اللهِ أحْمَد بن يَحْيَى ابن الوزير المصريّ، وكَثِيْر بن عُبَيْد، وبشر بن هِلَالٍ، وأبي سَعِيد الأشَجِّ، وإبْرَاهِيم بن مَرْوَان، وعَبْد اللهِ بن حفصٍ البَرَّاد، وعَبْد اللهِ بن مُعَاوِيَة، وإسرائيل.
روى عنه أبو بَكْر مُحمَّد بن الحَسَن بن زيَاد النَّقَّاش، وأبو عَمْرو بن السَّمَّاك، وأبو مُحمَّد الحَسَن بن عَبْد الرَّحْمَن بن خلَّاد الرَّامَهُرْمُزيّ، وعبدُ الباقي بن قانِع، وأبو القَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بن مَنْصُور بن سَهْل بن عَمْرو الحلبيّ، وأبو بَكْر مُحمَّد بن الحُسَيْن السَّبيعيِّ الحَلَبيِّ الحَافِظ، وأحمد بن مُحمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن الجّلِّيِّ الطَّرسُوسيّ، وأبو عَبْد اللهِ مُحمَّد بن نَصْر المِصِّيصيّ، وجَعفر بن مُحمَّد ابن بنت حَاتِم، ومُحمَّد بن إبْرَاهِيم بن حَبُّون الحِجَازيّ، ومُحمَّد بن عليّ بن حُبَيش، وأبو العبَّاس أحْمَد بن مُحمَّد بن سَعِيد.
(1)
توفي سنة 288 هـ وقيل: سنة 297 هـ، وترجمته في: تاريخ بغداد 5: 200 - 201، الذّهبيّ: تاريخ الإسلام 6: 671، 879، (ترجم له الذّهبيّ في الموضعين للاختلاف في سنة وفاته)، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 51.
(2)
كذا في الأصل: بالنون وسكون الواو، وفي مُعْجَمُ الصّحابة لابن قانع (مكتبة الغرباء الأثرية، المَدِينَة المنورة 2: 244): ابن موفق، ذكره عرضًا في تَرْجَمَة عمارة بن رؤيبة، فيمن اتَّصل به سند صاحب التَّرْجَمَة أحْمَد بن حمّاد القاضي.
أَخْبَرَنَا أبو حَامِد مُحمَّد بن عَبْد اللهِ بن زُهرَة الحُسَيْنِيّ قراءةً عليه بحَلَب، قال: أَخْبَرَنَا عَمِّي أبو المكارم حَمْزَةُ بن عليّ بن زُهْرَة، قال: أَخْبَرَنَا أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد اللهِ بن مُحمَّد بن أبي جَرَادَةَ، قال: حَدَّثَنِي أبو الفتح عَبْد اللهِ بن إسمَاعيل بن أحْمَد الجِلّي الحَلَبِيِّ بها، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليّ بن مُحمَّد بن أحْمَد المعروف بابن الطُّيوريّ، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بن مَنْصُور بن سهل، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن حمّاد القاضيّ، قال: حَدَّثَنَا يوسف بن مُوسَى القطَّان، قال: حَدَّثَنَا عِيسَى بن عَبْد اللهِ أبو بَكْر العَلَويّ، قال: حَدَّثَنِي أبيّ، عن جدّيّ، عن جَدِّهِ، عن عليّ عليه السلام أنَّه قال
(1)
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من زَعم أنَّه يُحبُّني ويُبْغض عليًّا فقد كَذَب.
أَخْبَرَنَا أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحمَّد بن أبي الفَضْل الأَنْصَارِيّ القاضيّ، بجامع دِمَشْقَ، قال: أَخْبَرَنَا أبو الحَسَن عليّ بن المُسَلَّم السُّلَمِيِّ، قال: أَخْبَرَنَا أبو نَصْر بن طَلَّاب، قال: أَخْبَرَنَا أبو الحُسَيْن مُحمَّد بن أحْمَد بن جُمَيْع الصَّيدَاويّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن عَبْد الرَّحْمَن بَرامَهُرْمُز، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن حمّاد بن سُفيان، قال: حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بن حَفْص البَرَّاد، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مَيمُون، قال: حَدَّثَنَا أبو الأشهَب العُطَارديّ، عن الحَسَن، عن أبي أيُّوب، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
: يا أبا أيُّوبَ، ألا أدُلُّكَ على عَمَل يَرْضاهُ اللهُ عز وجل، أصْلح بين النَّاس إذا تفاسَدُوا، وحَبِّبْ بينَهُم إذا تَبَاغَضُوا.
(1)
المجروحين لابن حبَّان 2: 122، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 4:399.
(2)
ابن جميع الصيداوي: مُعْجَمُ الشيوخ 249 - 250.
(3)
الصيداوي: مُعْجَمُ الشيوخ 250 (رقم 209)، والذّهبيّ: سير أعلام النبلاء 16: 74. ورواه الطبرانيّ: المعجم الكبير 8: 307 (رقم 7999)، من طريق عَبْد اللهِ بن حفص عن أبي أمامة، بلفظ قريب.
أَخْبَرَنَا أبو القَاسِم الأَنْصَارِيّ إذنًا، قال: أَخْبَرَنَا أبو الحَسَن الغَسَّانيّ، قال: أَخْبَرَنَا أبو بَكْر الخطيبُ
(1)
، قال: أحْمَد بن حمّاد بن سُفيان، أبو عَبْد الرَّحْمَن الكُوْفِيُّ القرشيّ مَولاهُم، سَمعَ أبا بلال الأشعريّ، وهارون بن سَعِيد الأيليّ، وعَبْد اللهِ بن مُعَاوِيَة الجُمحيّ، وعقبة بن مكرم، وأبا كريب الهمدانيّ، ويوسف بن مُوسَى القطان ونحوهم.
وقدِم بغداد، وحَدَّثَ بها، فرَوَى عنه أبو عَمْرو بن السَّمَّاك، وعبد الباقي بن قانِع، وجعفر بن مُحمَّد ابن بنت حاتم بن ميمون، ومُحمَّد بن عليّ بن حُبَيش. وكان ثِقَة، وَلِيَ قَضَاء المِصِّيصة، وذكَره الدَّارقُطِنيّ، فقال: لا بأس به.
أنبأنا عَبْد العَزِيْز بن الأخضر، قال: أَخْبَرَنَا أبو زرعة طاهر بن مُحمَّد، عن أحْمَد بن عليّ بن خَلَف، عن أبي عَبْد اللهِ الحاكِم
(2)
، قال: أَخْبَرَنَا أبو الحَسَن الدارقطنيّ، قال: أحْمَد بن حمّاد بن سفيان القاضيّ، كُوفِيٌّ لا بأس به.
أنبأنا أبو اليُمن زيد بن الحَسَن الكِنْديّ، قال: أَخْبَرَنَا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أَخْبَرَنَا أحْمَد بن عليّ
(3)
، قال: أَخْبَرَنَا أحْمَد بن على بن الحُسَيْن المُحَتْسِبُ، قال: قرأنا على أحْمَد بن الفرج بن الحَجَّاج الورَّاق، عن أبي العبَّاس أحْمَد بن مُحمَّد بن سَعِيد، قال: تُوفِّي أبو عَبْد الرَّحْمَن أحْمَد بن حمّاد بن سفيان بالمِصِّيصَة لِيَوْمَين بَقِيَا من المُحَرَّم سنَة سَبْعٍ وتِسْعِين ومائتين، ورأيتُه لا يَخضبُ.
أنبأنا حسن بن أحْمَد الأوَقِيّ
(4)
، قال: أَخْبَرَنَا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ،
(1)
تاريخ بغداد 5: 200.
(2)
سؤالات الحاكم للدارقطني 94.
(3)
تاريخ بغداد 5: 201.
(4)
ضبطه المصنف في هذا الموضع بفتح الواو، وتقدم له - في عشرات المواضع التي سبقت -ضبطه بالسكون، ويأتي فيما بعد على الوجهين. وأبقينا على ضبطه بالفتح. قال ياقوت في كلامه على قرية أَوَه: بفتحتين؛ قرية بين زنجان وهمذان، منها الشّيخ الصالح الزاهد أبو عليّ الحَسَن بن أحْمَد بن يوسف الأوَقيُّ. مُعْجَمُ البلدان 1: 283، وله تَرْجَمَة في هذا الكتاب (الجزء الخامس)، وفيها الكلام على نسبته إلى قرية أوه.
قال: أَخْبَرَنَا المُبَارك بن عَبْد الجَبَّار، قال: أَخْبَرَنَا أبو الحَسَن عليّ بن مُحمَّد الحربيّ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْد اللهِ بن عُثمان الصَّفَّار، قال: أَخْبَرَنَا عبد الباقي بن قانع، قال: سنة سبع وتِسعين ومائتين: أحْمَد بن حمّاد بن سفيان الكوفيّ، وهو قاضي المِصِّيْصَة، يعني مات.
أحْمَد بن حَمدَان العَائذِيُّ الضَّبِّيُّ، أبو الحَسَن الأَنْطَاكِيُّ
من بَنِي عائذة بن مَالِك بن بَكْر بن سعد بن ضَبَّة بن أُدّ، وقيل: عائذ الله بن سَعِيد بن ضَبَّة.
من أهل أَنْطَاكِيَة، رُوي عن الحُسَيْن بن الجُنَيد الدَّامَغَانِيّ. رَوَى عنهُ عليّ بن الفَضْل بن طاهر البلخيّ، والمُثَلَّم بن المُشَخَّر الضَّبِّيُّ.
من اسم أبيه حَمْدُون من الأحمَدِين أحْمَد بن حمدون بن إسماعيل بن دَاوُد، أبو عبد اللهِ الكَاتِبُ الشَّاعرُ
(1)
وقد سَمَّاهُ بعضُهم مُحمَّدًا.
قَدِمَ حَلَب صُحبَة المُتَوكِّلَ حين قدمها، وغَزَا بلَد الرُّوم مع المَأمون والمعتصِم، واجتازَ بحَلَب في غزاته تلك.
(1)
توفي سنة 264 هـ، وترجمته في: الديارات للشابشتي 4 - 12، 153، الرَّشِيد بن الزُّبَيْر: الذخائر والتحف 116، تاريخ ابن عساكر 71: 94 - 97، ياقوت مُعْجَمُ الأدباء 1: 164 - 171، وسماه: أحْمَد بن إبْرَاهِيم بن إسماعيل بن داود بن حمدون النديم، ونقله عنه بهذا الاسم القفطي: إنباه الرواة 1: 60، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 16: 20 - 21، ابن الساعي: الدر الثمين 250 - 251، والصفدي: الوافي بالوفيات 6: 209، تاريخ الإسلام 6: 262، بغية الوعاة 1: 291، محسن الأمين: أعيان الشيعة 2: 508.
ہ
رَوَى عن أبيه حمدون بن إسماعيل، وعن الواثق بن المعتصم. رَوَى عنه أحْمَد بن الطَّيِّب السَّرْخَسِيّ، وعلي بن مُحمَّد بن بسَّام، والحسن بن مُحمَّد، عم أبي الفرج الأصبهانيّ، وجعفر بن قدامة. وكان أديبًا شاعرًا.
أَخْبَرَنَا أبو حفص عمر بن مُحمَّد بن مُعَمَّر بن طبرزد إذنًا، قال: أَخْبَرَنَا أبو بَكْر مُحمَّد بن عبد الباقي الأنصاريّ، إجازة إن لم يكن سماعة، قال أَخْبَرَنَا أبو القَاسِم بن أبي عليّ البصري إذنا، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عَبْد اللهِ الدُّورِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن إسْحَاق بن إبْرَاهِيم، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن الطَّيِّب السَّرْخَسِيّ، قال: حَدَّثَنِي أبو عَبْد اللهِ بن حمدون بن إسماعيل، عن أبيه، قال: سمعتُ المُعتصم بالله يُحَدِّثُ عن المَأْمون، عن الرَّشِيد، عن المَهْدِيّ، عن المَنْصُور، عن أبيه، عن جدِّه، عن ابن عبَّاس عليهم السلام، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: وذَكَر الحِجَامة يوم الخميس فكَرَهها
(1)
.
كتب إلينا أبو روح بن مُحمَّد الهروي أنَّ زاهر بن طاهر المُسْتَمْلِيّ أخبرهم، إجازَةً إن لم يكن سماعًا، عن أبي القَاسِم عليّ بن أحْمَد البندار، قال: أنبأنا أبو أحْمَد عُبَيْد الله بن مُحمَّد بن أحْمَد بن أبي مُسلم، قال: أَخْبَرَنَا أبو بَكْر مُحمَّد بن يَحْيَى الصُّوليّ، إجازةً، قال في كتاب الأوراق، في ذِكْر من نفاه المُتَوكِّلَ، قال: ونفَى أحْمَد بن حمدون النَّدِيم إلى بغداد، وقطع طَرفَ أنَّه وقال له: أنت قُدْتَّ على بعض غِلْمَانيّ، ثمّ ردَّهُ.
أنبأنا أحْمَد بن مُحمَّد بن الحَسَن، تاج الأُمناءِ، قال: أَخْبَرَنَا عمي أبو القَاسِم على بن الحَسَن، قال
(2)
: أحْمَد بن حمدون بن إسماعيل بن داود، أبو عَبْد الله الكاتب، شاعرٌ في غاية الظرف والملاحة والأدب، حكى عن الواثق وعن أبيه
(1)
أورد ابن العديم نص الحَدِيْث بسند آخر يتصل بابن الطَّيِّب السَّرْخَسِيّ في تَرْجَمَة السَّرْخَسِيّ الآتية قريبًا.
(2)
تاريخ ابن عساكر: 71: 94 - 95.
حمدون، قدم دِمَشْقَ في قبة المُتَوكِّلَ، وامتدحه البُحْتُري
(1)
.
رَوَى عنه عليّ بن مُحمَّد بن نَصْر بن بَسَّام، وهو ابن أخته، وجعفر بن قُدامة، والحسن بن مُحمَّد، عم أبي الفرج الأصبهانيّ، وأحمد بن الطَّيِّب السَّرْخَسِيّ.
وذكره أبو عَبْد اللهِ مُحمَّد بن داود بن الجَرَّاح في كتاب الورقة في أسماء الشعراء
(2)
، وأنشد له في أحْمَد بن مُحمَّد بن ثَوَابة، وكان ابن حمدون يُلَقّبه بابة، وكان ابن ثوابة قد دعا أبا القَاسِم عُبَيْد الله بن سُلَيمان بن وهب فترك لمُوسي بن بُغَا رغِيفًا من بيت (a) ابن ثوابة، فمات مُوسَى من غد ذلك اليوم. فقال:[من الخفيف]
استَعَذنا الإله من شرِّ ما يط .... ــرُقُ (b) صُبْحًا ومن رَغيفِ لُبَابَهْ
قد دَهانا الرَّغيف في الفارس المعـ
…
ـلَمِ واجتَثَّ ملكه ونِصَابَهْ
من رأى مصرع الأمير فلا يَطْـ
…
ـــعَمْ طعامًا من منزل ابن ثوابَهْ
فلقد حرَّم الإله على كلِّ (م)
…
أديب طعامه وشرابَهْ
إن فيه خلائقًا وخِصالا
…
موجباتٍ هجرائه واجتنابَهْ
صلِفٌ مُعجبٌ بغيضٌ مقيتٌ
…
أحمقُ مائقٌ ضَعِيف الكتابَهْ
قال: ومن شِعره يُعَاتِبُ أَبا الحَسَن عليّ بن يَحْيَى المُنَجِّم
(3)
: [من المديد]
من عَذِيري من أبي حسَنٍ
…
حين يجفوني ويصْرمُنِي
كان لي خِلًّا وكنت له
…
كامتِزَاج الرَّاحِ (c) بالبَدَنِ
(a) مهملة في الأصل، والدلالة عليه من الشعر التالي.
(b) ابن عساكر: يصرق!.
(c) الديارات والمرآة والوافي: الروح.
_________
(1)
انظر ديوانه 1: 617، 4: 2247 - 2250.
(2)
لم أقف عليه في نشرة كتاب ابن الجراح، ونقله ابن العديم من ابن عساکر، فالنقل متتابع عنه، انظر: تاريخ ابن عساكر 71: 95.
(3)
الأبيات الأربعة عند الشابشتي: الديارات 10، ياقوت: مُعْجَمُ الأدباء 1: 167، وسبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 16: 20، والصفدي: الوافي بالوفيات 16: 210.
فَوَشَي واشٍ فغيَّرهُ
…
وعليهِ كان يَحْسُدُنِي
إنَّما يَزدادُ مَعرفةً
…
بودَادي حينَ يَفْقِدُني
أَخْبَرَنَا أبو هاشم عبد المُطَّلب بن الفَضْل بن عبد المُطَّلب الهاشميّ، قال: أَخْبَرَنَا أبو شُجاع عُمر بن مُحمَّد بن عَبْد اللهِ البِسطَاميّ بَبلخ، قال: ورُوِيَ أنَّه رَمَدْت عين الفتح بن خاقان، فقال فيه أحْمَد بن حَمْدُون
(1)
: [من البسيط]
عيناي أحملُ (a) من عَينَيك للرَّمَد
…
فاسلم وكان الأذي بي (b) آخر الأبد
من ضَنَّ عنك بعَينَيهِ ومُهْجَته
…
فلا رأي الخَير في مالٍ ولا وَلَدِ
فَدَتْك من ألَم الشَّكوى ولوعَتها
…
نفسٌ تخلَّصتها من مخلب الأسَدِ
لولا رجاؤك لم تلبث ولا سكنَت
…
ولا استَقَرَّ قرار الرُّوح في الجَسَدِ
أحْمَد بن حَمْدُون -وقيل: مُحمَّد بن حَمْدُون- بن مُغْرض بن صالح بن عُمَر بن خَالِد بن سُويد بن يَحْيَى بن الكوثر بن الفَرَج
بن المُنْذر بن مَحذُور بن سَعْدَين بن مُغرض بن عَائِذ (c) بن عَمْرو بن فَهْم بن تَيْمِ الله بن أسد بن وبرة التَّنُوخيّ، أبو الحُسَيْن -وقيل: أبو الحَسَن- وقيل فيه: أحْمَد بن مُحمَّد
(2)
، عِوَضَ حَمْدُون، ويُعرفُ بالقَنُوع المَعَرِّيّ
(3)
شَاعِرٌ من أهل مَعرَّة النُّعْمَان، حَسَن الشِّعْر، رَوَى عنه شيئًا من شِعره
(a) الوطواط: أجمل.
(b) رواية الثعالبي والوطواط: فاسلم وقيت الردى في
…
(c) في الأصل: عائد، مهملة.
_________
(1)
البيتان الأوّلان عند: الثعالبي: لطائف اللطف 45، والوطواط: غرر الخصائص الواضحة 562.
(2)
أفرده ابن العديم بتَرْجَمَة تحت هذا الاسم، تأتي في الجزء الثالث، وتَرْجَمَة أخرى في الألقاب (الجزء العاشر) تحت لقب القنوع المعريّ، وفي كل واحدة من هاتين الترجمتين أورد أشعارًا مختلفة له.
(3)
تَرْجَمَتِه في: تتمة اليتيمة للثعالبي 13 - 15، الثعالبي: خاصّ الخاص 241، الباخرزي: دمية القصر =
أبو يَعْلَى مُحمَّد بن الحَسَن البصريّ، وإبْرَاهِيم بن أحْمَد بن اللّيث الأَذْرِيّ الكَاتِب؛ وقيل: إنّما لُقِّبَ بالقَنُوع لأنَّهُ قال: قد قَنِعْتُ من الدُّنيا بكسرَة وكُسْوَة.
وقال إبْرَاهِيم الأَذْرِيّ في ذِكْره
(1)
: إنَّهُ رَضي من دُنياه بسَدٍّ الجُوع ولبسِ المُرْقُوع، ولهذا لُقِب بالقَنُوع.
قَرَأتُ في مَرَاثِي بَنِي المُهَذَّب
(2)
، في مَرْثِيَّة أبي عَبْد اللهِ الحُسَيْن بن إسماعيل بن جَعْفَر بن عليّ بن المُهَذَّب: وقال أبو الحُسَيْن أحْمَد بن حَمْدُون القَنُوع يَرْثيه: [من الطّويل]
أمَا وَذَهاب الحُزنِ في كُلِّ مَذْهَبِ
…
ورَوعات قَلْبٍ ذَاهِلٍ غير قُلَّبِ
لقد شَغَلَتْنِي عن رزيَّة واحدِي
…
رزيَّةُ أهل الفَضْلِ آل المُهَذَّب
فحتَّى متَى يا دَهْرُ لسِتَ بمُعْتِبِي
…
وفيم على ما فاتَ منْكَ تَعَتُّبي
تصَبَّرتُ حتَّى عيلَ صَبْري وأخُلَقَتْ
…
قُوي جَلَدِي في مَوطني وتغرُّبي
ولي عبرَاتٌ عَبَّرتْ عن ضمائري
…
بألسُنِ دَمْعٍ تَرْجَمَتْ عن تَلهُّبي
فللَّه أنفاسٌ عَلَتْ في تَصَعُّدٍ
…
وأدمُعِ أجْفَانٍ هَوَتْ في تَصَوُّبِ
وَسَنَذْكُر في كُلِّ حَرْف ما سُمِّي به
(3)
، ونُورد من شِعره في ذلك الحَرْف
= 1: 137 - 138 (وسماه: أبو الحَسَن مُحمَّد بن حَمْدُون القنوع)، القفطي: المحمدون من الشعراء 304 - 305 (مُحمَّد بن حَمْدُون القنوع)، الوافي بالوفيات 8: 153 - 154، ويعيد ابن العديم التَّرْجَمَة له في الجزء الثالث برسم أحْمَد بن مُحمَّد أبو الحُسَيْن المعري القنوع، وأيضا في الألقاب (الجزء العاشر).
(1)
كان إبْرَاهِيم بن أحْمَد بن اللّيث الأَذْرِيّ قد زار الشَّام سنة 432 هـ، وكتب رسالة لبعض الكتاب بأصبهان، يذكر فيها مَن لقي من العلماء ومنهم القنوع المعري. وانظر كلامه على القنوع في تاريخ ابن عساكر 6:264.
(2)
يذكر ابن العديم أنَّ هذا الكتاب جُمَع فيه مَراثِي بَنِي المُهَذَّب المَعَرِّيّين، ولم يَذْكر اسْمَ جامعِه، وقد نقلَ عنه قطعًا عديدة موزَّعة على كثير من التراجم.
(3)
تقدّم في طالع التَّرْجَمَة الإشارة لذلك والإحالة عليه.
ما نُسِبَ إلى ذلك الاسم، والذي يترجَّح عندي أنَّ اسْمُه: مُحمَّد بن حَمْدُون لأنَّ الأكْثَر عليه، والله أعلَمُ.
أحْمَد بن حَمْدُون البَالِسِيُّ
حدَّثَ [
…
] (a)، رَوَى عنه الفقيه أبو شاكر عثمان بن مُحمَّد بن الحَجَّاج بن رام البَزَّاز (b) النَّيْسَابُوريّ.
أحْمَدُ بن حَمْدَويه بن مُوسَى، أبو حامد المُؤذِّن النَّيْسَابُورِيُّ
(1)
كان من الصُّلحاء الرَّاغبين في عمل الخَير، وقدم طَرَسُوس مجاهدًا في سَبيل الله عز وجل، وأقام بها مُرَابِطًا ثلاث سنين.
أنْبَأنا أبو بَكْر عَبْد اللهِ بن عمر بن عليّ بن الخَضِر، وعَبْد الرَّحْمَن بن عُمَر بن أبي نَصْر، قالا: أَخْبَرَنَا أبو الخَير القَزْوينيّ، قال: أَخْبَرَنَا زَاهِر بن طَاهر أنَّ أبَوي بَكْر البَيْهَقيّ والحيريّ، وأبوي عثمان الصَّابُونِي والبَحيري كتبوا إليهِ: أَخْبَرَنَا أبو عَبْد اللهِ مُحمَّد بن عَبْد اللهِ الحَافِظ، قال: أحْمَد بن حَمْدَويه بن مُوسَى النَّيْسَابُورِيّ أبو حامد المؤذِّن الفَامِيّ بباب عَزْرَة.
وكان من أعيان الصَّالِحين، جَاوَرَ بِمَكَّة خمسَ سنين، وبطَرَسُوس ثلاثَ سنينَ، وكان كثير الحجّ والجهادِ، والإحسان إلى أكَابِر العُلَمَاءِ؛ بلغني أنَّ أبا بَكْر مُحمَّد بن إسْحَاق بن خُزَيمة كان لا يَخْلُو من مال أحْمَد بن حَمْدَويه قرضًا عليه، وكان يُفَرّق بِمَكَّة (c) ونَيسَابُور.
(a) بياض في الأصل قدر أربع كلمات، ولم أهتد لمعرفة شيوخه.
(b) مهملة في الأصل، والإعجام من تاريخ بغداد 13:196.
(c) وردت مكررة في الأصل.
_________
(1)
توفي سنة 315 هـ، وترجمته في: تلخيص تاريخ نَيسَابُور للحاكم 61، تاريخ الإسلام 7: 288، وزاد فيه: الفاميّ.
سَمِعَ بنَيسَابُور: إبْرَاهِيم بن عَبْد اللهِ السَّعِدِيّ، ومُحمَّد بن عبد الوهّاب، وقَطَن بن إبْرَاهِيم، ومُحمَّد بن يزيد. وبالرَّيّ: أبا حاتم وطَبقَتَهُ. وببغداد: أبا قِلَابة وطَبَقَتَهُ. وبالكُوفَة: أحْمَد بن حَازِم بن أبي غرزَة وطَبقَتَهُ. وبالحِجَاز: مُحمَّد بن إسماعيل بن سالِم، وابن أبي مَسَرَّة وطبقَتَهُما. وبالبَصْرَة: أبا دَاود السِّجِسْتَانِيّ وطبقَتهُ.
رَوَى عنه: أبو سَعِيد بن أبي عُثمان، وابنه أبو سَعِيد، وأبو الطَّيِّب المُذَكِّر وغيرُهُم.
وقال أبو عَبْد اللهِ الحاكم
(1)
: سَمِعتُ أبا سَعِيد بن أبي حَامِد يقول: تُوفِّي أبيّ، رحمه الله، في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وثلاثمائة، وصلى عليه أبو عَمْرو الحِيريّ، ودفن في مقبرة الحُسَيْن بن معاذ.
من اسم أبيه حَمْزَة من الأحمدين
أحْمَدُ بن حَمْزَة بن الحُسَيْن بن الشَّامِ الحَلَبِيّ
أصله من طَرابُلُس، وسَكَن حَلَب فَنُسِب إليها. وكان أديبًا، فاضِلًا، مُتْقِنًا، له خَطٌّ حسن على غاية ما يكون من الضَّبط والإتقان، وهو من بيتٍ مشهور بالفَضْلِ والأدَب
(2)
، وكان جَدُّهم يعرف بالشَّامِ يَدَهُ، فاختُصِرَ بعد ذلك، وقيل الشَّام.
قال لي ياقوتُ بن عَبْد اللهِ الحَمَوِيّ: رأيت بخطه نُسخةً من شعر المُتَنَبِيّ نَسَخَه بمِصر في سَنَة ثَمانٍ وخمسمائة، ولهُ عليه نُكَتٌ حسنةٌ من كلامه تدلُّ على عِلمه وفَضْله، وذَكَر أنَّه نقلَهُ من نُسخَةٍ بخَطِّ أبي بَكْر مُحمَّد بن هاشم الخالدي.
(1)
لم يرد في تلخيص تاريخه.
(2)
ترجم ابن العديم لاثنين من بيت ابن الشَّام، هما: حَمْزَة بن القَاسِم الشّاميّ (الجزء السادس)، وأبو الفرج بن الشَّام يده الطرابلسي (الجزء العاشر).
أحْمَد بن حَمْزَة بن حمّاد، أبو الفَضْل
(1)
شَاعرٌ كان بمعَرَة النُّعْمَان، وَقَفْتُ لهُ على أبياتٍ يَرْثي بها أبا العَلَاء أحْمَد بن عَبْد اللهِ بن سُلَيمان، وعلى أبيات يَرْثي بها أبا طَاهِر حَامِد بن جَعْفَر بن المُهَذَّب، فأمَّا مَرْثِيتُهُ في أبي العلاء فإنَّنِي وقفت عليها في جُزءٍ وَقَع إليَّ بخَطِّ بعض المَعَرِييِّن، جمع فيه ما رُثِيَ به أبو العَلاء حين مات، وأورد فيه لأحمد بن حَمْزَة بن حمّاد:[من الكامل]
لعظيم هذا الرُّزء حارَ لِسَاني
…
ونأى وخَان لما أجنَّ جنَاني
هدمَ الرَّدى من كان يَبني جاهدًا
…
مَجْدًا لأهل مَعَرَّةِ النُّعْمَان
أَتُرى يَد الدُّنيا تجُود بمثلِهِ
…
هيهات ليس يُرى له من ثان
شَرَفُ العُلُوم وتاجُ أربَابِ العُلا
…
كنفُ العديم ومعدنُ الإحسان
أسَفي عليه مُجدَّدٌ ما ينقَضِي
…
أو ينْقَضِي عُمري ووَقْتُ زَماني
ما كنتُ أدري قَبل ميِتَة أحْمَدٍ
…
أنَّ البحار تُلَفُّ في الأكفَان
حتَّى رأيتُ أبا العَلَاء مُوسَّدًا
…
فرَويت ذاك رِوَايَةً بعِيَان
للهِ ما يَحوي الثَّرى من جِسْمه
…
ويضمُّ من شَرَفٍ بغير بنَان
فَخْرٌ لو أنَّ الفَخْر ينطق لانْبَري
…
منه التَّفاخُر نَاطِقًا ببَيَان
إنِّي وإن أورَدتُ مَعْنًى حازَهُ
…
عِلْمي لقد خَلَّفْتُ فيه مَعَاني
يا مَوتُ أنت سقيتَنِي كأس الرَّدَى
…
ومَلأت قَلْبِي غُلَّةَ الأحزَان
وقصدْتَّ سيِّدنا فأمسَى ثاويًا
…
ما بيننا فهو البَعيدُ الدَّاني
وأمّا مَرْثِيَّةُ أبي طَاهِر بن المُهَذَّب فإنَّني قَرأتُها في جُزء يتَضَمَّن مَرَاثي بَنِي المُهَذَّب المَعَرِييِّن، حَمَلَهُ إليَّ بعضهم، فنَقَلْتُ منه قوله:[من الكامل]
(1)
توفي بعد سنة 449 هـ.
جِسمي من الوَجْدِ الدَّخيل نحيلُ
…
وكَذَا الفُؤَادُ متيمٌ معلولُ
لي مُقلَةُ لا ينَقَضِي هَمَلَانُها
…
وجَوىً على مَرِّ الزَّمانِ طَويلُ
ذَهَبَ الَّذي قد زَال صَبْري بَعْده
…
عنِّي وحُزني ما أراهُ يزُولُ
قد كُنْتُ أرجُو أنْ يُفَادى ميِّتُ
…
ويكون منهُ لدَى الحمام بَديلُ
فأكون أوَّلَ باذلٍ نَفْسِي له
…
لو كان لي فيما أرُوم سَبيلُ
آل المُهَذَّب قد عرتكُم نَكبةُ
…
والصَّبْرُ عند النَّائباتِ جَميلُ
فقد الرئيس وليسَ يُوجد مثلُهُ
…
طول الزَّمان لأنَّ ذاك قليلُ
هو مَاجِدٌ من أهل بيتٍ طاهرٍ
…
وفواضل فيَسَاره مَبذولُ
قد عَاش ذا دعةٍ لأهلِ ودادِه
…
ولحاسديه صَارمٌ مصقُولُ
تُوفِّي هذا الشَّاعر في سنة تِسْعٍ وأربعين وأربعمائة أو بعدَها، فإنَّه رَثَى أبا العلاء في هذا التَّاريخ.
أحْمَد بن حَمْزَة بن سُوَيْد المَعَرّيُّ
شاعرٌ آخر كان بمَعَرَّة النُّعْمَان، ظَفِرتُ من شِعْره بأبيات وقَعَت إليَّ أيضًا في الجُزءِ الَّذي حمل إلي في مراثي بَنِي المُهَذَّب، يرثِي بها أبا الفَضْل عَامِر بن شهاب وأبا اليُسر عبد الجبار بن مُحمَّد بن المُهَذَّب وهي:[من الطّويل]
يعارض وجدًا في الحَشَا عارضُ الفكر
…
فينهَلَّ دمعُ العين منّي ولا أدري
وأرفُلُ في ثوب الكآبة كلَّما
…
تذكّرت فقيري عَامِرًا وأبا اليُسر
تقَيَّيْن حَازا كل فخر وسُؤدَد
…
فمجدُهما عالٍ على الأنجُمِ الزُّهْرِ
وفِيَّين كانا زاهدين تورُّعًا
…
فقد أَمنا من كُلْفَة الإثم والوزرِ
وما حيلةُ المُشتَاق فيمن يوَدُّهُ
…
إذا غَيَّبُوه عنه في ظُلمة القبرِ
وقد رُمتُ صبرًا عنهما فوجَدتُهُ
…
أمرَّ مذاقًا من مُسَاوَغَةِ الصَّبْرِ
لقد ألبَسَا جِسْمي الصَّبابة والضَّنَا
…
وقد حمَّلاني الحزن وقرًا على وَقْرِ
سَأبكيهما ما عِشتُ دمعًا فإن ونَتْ
…
دُمُوعي عن التِّسكاب بكَّيتُ بالشِّعر
أحْمَد بن حَمْزَة بن عُبَيْد الله. وقيل: عَبْد اللهِ - أبو نَصْر الأسديّ المُلَقَّب بالمُهنَّد: بمُهنَّد الدَّوْلَة (a)، ويُعرَفُ بابن الخَيْشِيّ الحَلَبِيّ الشَّاعِر
شاعرٌ مُجيدٌ، جَزْل الألَفاظ، حَسَن المعانيّ، أصلُه من خِلَاط، وأقامَ بحَلَب فَنُسِبَ إليها.
رَوَى عنه شيئًا من شعره أبو عَبْد اللهِ بن الخَيَّاط الشَّاعِر، وأبو الفوارِس حَمْدَان بن عبد الرحيم التَّمِيميّ، وكان قد أنزله حَمْدَان عنده بداره بالأثَارب، فأقام ابن الخَيْشِيّ عنده بها أشهرًا.
أَخْبَرَنَا أبو الحَسَن مُحمَّد بن أحْمَد بن عليّ بدمشق، قال: أَخْبَرَنَا أبو مُحمَّد القَاسِم بن على بن الحَسَن الحَافِظ، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْد اللهِ مُحمَّد بن المُحَسَن بن أحْمَد الملحِيّ لفظًا، قال: أنشَدَنِي أيضًا -يعني حَمْدَان بن عبد الرَّحيم- لأبي نَصْر الخَيْشِيّ من قَصيدَة إلى سُلطان الأُمَرَاء يَسْتهْدِي منه مملوكًا: [من البسيط]
وما ثَلاثُون دينارًا تَحوزُ بها
…
شُكري وعند نَزْرٌ ألفُ دينارِ
غدًا يُسَوِّدُ نَبْتُ الشَّعر عارضَهُ
…
وعَارض المَجْد مُبَيَضٌ بأشعَارِي
وقرأت في شَرْح خُطبَة دِيوان شِعر أبي القَاسِم بن أفلح الشَّاعِر وهو الشَّارح لها لابن الخَيْشِيّ الحَلَبِيّ
(1)
: [من الكامل]
عِقبان روَع والسُّروج (b) وكوْرُها
…
وليُوثُ حَرْبٍ والقَنَا آجامُ
(a) قوله: "بمهند الدَّوْلَة" مخرج كتبه في الهامش، وفوقه حرف (ح).
(b) في الأصل: والسروح، مهملة.
_________
(1)
الأبيات عند الوطواط: غرر الخصائص الواضحة 415، والنويري: نهاية الأرب 3: 223، دون عزو.
وبدُور تمَّ والتَّرائكُ (a) في الوَغَى
…
هالَاتُها والسَّابريُّ (b) غَمَامُ
جَادُوا بممنُوع (c) التَلادِ وجَوَّدُوا
…
ضربًا تُجَدّ به (d) الطُّلَا والهَامُ
وَتَحاوَرَتْ (e) أسْيافُهُم وجِيَادُهُم
…
فالأرْضُ تُمْطَرُ والسَّماءُ تُغَامُ
(a) النويري: والشوائك.
(b) الوطواط: والسائرون.
(c) الوطواط: بممنوح.
(d) الوطواط: بحدِّيه، النويري: تخد به.
(e) الوطواط: وتجاوبت، النويري: وتجاورت.
أَنْبَأْنَا أبو اليُمْن زَيد بن الحَسَن الكِنْديّ، عن أبي عَبْد اللهِ مُحمَّد بن نَصْر بن صَغِير القَيْسَرَانِيّ، قال: قال أبو عَبْد اللهِ ابن الخيَّاط: رأيتُ الأَمِير ابن المُهَنَّد أبا نَصْر أحْمَد بن حَمْزَة الخَيْشِيّ بطَرابُلُس، وكنا نجْتَمع على الطَّرِيق وكانَ يتَشَوَّق إليَّ أبدًا، واجتَمَعْنا يومًا في أوَائل شهْر رمَضَان، فعَرَضَ عليَّ الإفْطارَ عندَهُ، فامتَنَعْتُ، فلم يُراجعنيّ، وافْتَرقنا، وأتبَعَني غُلَامَهُ وأنا لا أعلَمُ، فعرفَ البيْتَ، ورصَدَني إلى حين خُرُوجي فخالفَني إليهِ فَفَشَّ القُفْلَ
(1)
، ونَقل جميعَ ما فيه إلى بَيْت مَوْلاهُ، فلمَّا انصرَفْتُ عِشَاءً، وعايَنْتُ بَيْتي، ظنَنْتُ أنِّي سُرِقْتُ، وإذا الأَمِيرُ الخَيْشِيّ قد وافَاني يَضْحَكُ، فعلِمْتُ أنَّهُ صاحِبُ القِصَّة، وما بَرحَ حتَّى انصَرَفْتُ معَهُ، فأقْمتُ عندَهُ الشَّهْرَ كُلَّهُ.
قال أبو عَبْد اللهِ: ورأيتُهُ في هذا الشَّهْر وقد بَيَّضَ سَبْعًا وعشرين قصيدَةً لجَمَاعَة من الطَّرابلسِيِّيْنَ وصار إليهِ منهم نحو مائتي دينارٍ، فعرَضَ عليَّ القِسْمَة فما فَعَلْت، ولم يَحْصُل لي أنا شيءٌ.
قال القَيْسَرَانِيُّ: وكان أبو عَبْد اللهِ يَرْوي له أشْعَارًا جَيِّدةً منها القِطْعَةُ الّتي عَمِلَها في ابن الأحْمَر
(2)
: [من الطّويل]
هُو البَيْنُ لَا أشْكُو الصَّبَابَةَ لولَاهُ
قال: وكان أبو عَبْد اللهِ يَسْتَجِيْدُها ويَعْجبُ من قَوْله فيها في صِفَة الطَّبِيْب، كذا.
(1)
فَشَّ القُفل: فتحه بغير مفتاح. لسان العَرَب، مادة: فشش.
(2)
صدر بيت وعجزه:
وما قدَرٌ يجدي على المرء شكواهُ
انظر: عنوان الشرف الوافي لابن المقرئ (ط 5، قطر، 1985 م) 199 دون عزو.
قال: وسَمِعْتُه يَوْمًا يُنْشد: [من البسيط]
لا تُخْدعنّ الأمَانِي بالمَواعِيْدِ
…
وكَلِّفِ العَزْمَ رَمْيَ البِيْدِ بالبِيْدِ
فالجَدُّ ما صَافَحتْ بالمُدْلجين بها
…
أيْدي النَّجائب هَامَات القراديْد
فقُلتُ: لَمن هَذا؟ فقال: للخَيْشِيّ يَمْدَحُ بها نَصْر بن مَحْمُود يقُولُ فيها:
صَاحَتْ بهَامِ العِدَى والضَّرْبُ يَحْرسُهُمْ
…
نَصْرٌ منَ اللهِ يا نَصْرُ بن مَحْمُودِ
نَقَلْتُ من خطِّ أبي المظَفَّر أُسامَة بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ، وأخْبَرَنا بهِ أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عليّ عنهُ، إجَازَةً، قال: ومن شُعَرَاءِ الشَّام الأَمِيرُ المُهَنَّدُ أبو نَصْر أحْمَدُ بن عُبَيْد اللّه الأسَدِيُّ المعرُوفُ بالخيشِيِّ، وهو شَاعِرٌ مجُيْدٌ، عَجيبُ الأُسْلُوب، طَويْلُ النَّفَسِ، يَخْرُج من حَسَن إلى حسن، وكان يَبْسُط لسَانَهُ بالهَجْو سِرًّا، ويَتَرفَّعُ عنهُ ظَاهِراً؛ فمن شِعْره يَمْدَحُ ضِيَاءَ الدَّوْلَةِ أبا عليّ حَسَن بن مَنيع قَصِيدَةً أوَّلها:[من الكامل]
كَم بينَ غَيْطَلَ في الهَوَى ومَعَان
…
من أَرْبُعٍ أشْتَاقُها ومَغَانِ
فارَقْتُها والقلبُ في عَرَصَاتِها
…
مُستوطِنٌ فأنا البعيدُ الدَّاني
لولَا غرامٌ لي جريتُ بحُكمِها
…
لَثَني إليها الاشْتِيَاقُ عِنَاني
عَجَبًا لصَبْري واشْتِيَاقي كُلّما اعـ
…
ـتَلَجا بقلبي كيف يَتَّفِقَانِ
إنّي لأَنْأَى مُرْغَمًا وكذاكَ مَنْ
…
لا يبْلُغُ الأوْطارَ في الأوْطَانِ
وأصُدُّ عن شُرْب النَّميْر على الظَّمَا
…
والذُّلُّ فيه تعِلَّةُ الظَّمْآنِ
لا خَيْر في أرْضٍ ولا قَوْم معًا
…
لا يَعرفونَ بها شَرِيْفَ مَكَانِ
ومنها:
وإذا الرّجال غدَتْ عليّ قلوبُهُم
…
قَلْبًا تفِيْضُ بجمَّةِ الأضْغانِ
وَلَّيْتُ أطْرافَ العوَالي متْحَها
…
في نَزْحها عِوَضًا من الأَشْطَانِ
إنْ لم أُجَشِّمْها الخِطَارَ فلا عَصَتْ
…
يُمْنايَ يَوْمَ كريْهَة بيَمَاني
أصبَحْتُ في الأقْوَام أُحْسَبُ شَاعِرًا
…
يا فَضْلُ قد بالغْتَ في نُقْصَانِي
أَعَلَى السُّؤَالِ مُعَوَّلي يا سُنَّةً
…
شانَتْ عُلَاي ولم يَكُن من شَاني
لا رزْقَ إِلَّا بالصَّوَارِم والقَنَا
…
عندي وبَعْضُ الرِّزْق کالحِرْمانِ
أعْزَزْتُ بالآدَاب نَفْسًا مُرَّةً
…
فَعلَام أَعرِضُها بسُوق هَوَانِ
ولقد صَدَفْتُ عن القَوَافي بُرْهةٍ
…
وأَرَحْتُ منها خَاطِري ولِسَاني
حتَّى تَعرَّضَ لي ضِيَاءُ الدَّوْلَة الـ
…
ـعُظْمَي بغَامِر فضْلهِ فثَنَاني
وعَلَا على عُنُقِ القَرِيْضِ نَوالُهُ
…
مُتَغَطْرِسًا فانْقادَ بَعْدَ حِرَانِ
هكذا ذَكَرَه أُسامَةُ ونسَبَه إلى جدِّه عُبَيْد الله وأسْقط ذِكْر أبيه حَمْزَة.
وذكَرهُ [الرَّشِيد أحْمَدُ بن علىّ](a) بن الزُّبَيْر في كتاب جِنَان الجِنَانِ، وقال: شَاعرٌ مُجيْدٌ من شعْره: [من البسيط]
هذا الحِمَى وكِنَاسٌ الغيْدِ والبَان
…
فاستَوْقِفِ الرَّكْبَ واسْأَلْ أيَّةً بانُوا
عسَى حَمائمُهُ يَعْلَمنَ مِن خَبَرٍ
…
أو عنْدَهُنَّ لسرِّ الدَّمْعِ إعْلانُ
أشْبَهنَنا فَوق أكوَار المَطيّ وقَد
…
مادَتْ بهنّ مَن الأشْجَار أغْصَانُ
وما شَجَا القلْبَ تَغْريد سجعْنَ به
…
إِلَّا ونَمَّتْ صَبَاباتٌ وأشْجَانُ
(a) مكانها في الأصل بياض قدره ثلاث كلمات، وهو أحْمَد بن عليّ بن إبْرَاهِيم القاضي الرَّشِيد ابن الزُّبَيْر (ت 562 هـ)، وعنوان كتابه الكامل "جنان الجنان ورياض الأذهان"، جعله ذيلًا على يتيمة الدَّهر للثعاليّ، ويقع في أربع مجلدات، ولم يصلنا، انظر عنه وعن كتابه هذا: خريدة القصر للعماد الأصفهاني 14: 200 - 202، ابن الفوطي: مجمع الآداب 5: 204، ياقوت: مُعْجَمُ الأدباء 1: 399 - 404، وتكملة عنوان الكتاب فيه "وروضة الأذهان"، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 21: 135 - 136، وفيات الأعيان لابن خلكان 1: 161، الأسنوي: طبقات الشَّافِعِيّة 1: 116 - 118، وعنْوَن كتابه:"الجنان ورياض الأذهان في شعراء الزمان"، تاريخ ابن الفرات 4/ 1: 7 - 10، المقريزي: المقفي 1: 534، السيوطيّ: بغية الوعاة 1: 337 - 338، ونقل ابن العديم عن هذا الكتاب في نحو عشرة مواضع تالية.
إذا هتَفْنَ بأطْرَافِ الغُصُونِ ضُحَىً
…
هاجَتْ لنا الوَجْد أوطارٌ وأوطَانُ
وفي الهَوَادج أقمارٌ تضمَّنُها
…
مثْل النَّواظر تحويْهنّ أجْفَانُ
تَأَلَّفَتْ لِتَلافِ الصَّبِّ واختلَفَتْ
…
منها بُدُورٌ وأغْصَانٌ وكُثْبانُ
وفي رحالِهم قلْبٌ تَقَسَّمَه
…
بالبُغْض والحُبّ آسَادٌ وغزلَانُ
ما زال يُطْمِعُني منهُمْ ويُوْئسُني
…
ظبيٌ غريرٌ وباغِي الغُرْم غيْرَانُ
إن قُلْتُ إنَّ شَبَابي قد مَضَى وأنا
…
كما عَهدْت إلى ظمْيَاءَ ظَمآنُ
فكم بنُعْمَي شَبِيْبٍ شبَّ من هَرَمٍ
…
وكم صَدٍ بأبي الرَّيَّانِ رَيَّانُ
كأنَّهُ وكأنَّ الأعْوَجيّ إذا
…
رَمَي به الرَّوْع ضِرْغَامٌ وسِرْحَانُ
مِلءُ النَّوَاظِر والرَّاحَاتِ من يَدِهِ
…
ووَجْهُهُ للنَّدَي حُسْنٌ وإحْسَانُ
وقال: [من مجزوء الوافر]
أيا من يستحلَّ دَمي
…
ويُظهرُ للوَرَى وَرَعَا
أما تَرْثِي لمُكْتئِبٍ
…
نَقَضْتَ عُهُوده وَرَعَي
وكانَ حِمَامُهُ بكُم
…
ومبدَأُ حُبِّكُمْ وَلَعَا
فقُلْ لفَتى تعَثَّرَ في
…
هَواكَ سَلامَةً وَلَعَا
قال: وكتبَ إلى الأَمِير سَدِيد المُلْك، يعني أبا الحَسَن بن مُنْقِذ:[من الكامل]
إنّي وحقِّكَ في طرابُلُسٍ كما
…
تهْوى العِدَى تحتَ المُقِيْم المُقْعِدِ
أمَّا المُحَرَّمُ قد حُرمْتُ نجازَ ما
…
وعَدُوا وفي صَفَرٍ فقد صَفِرَت يَدِي
قالت لي العلْيَاء لما أَنْ سَقَوْ
…
ني كأسَ مَطْلِهِمُ سكرْتَ فعَرْبِدِ
قَرأتُ بخَطِّ أُسامة بن مُرْشِد بن علِيّ بن مُنْقِذ، وأَخْبَرَنَا به أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ إجَازَةً عنهُ، قال: كتَبَ عَبْد اللهِ بنُ الدُّوَيْدَة المَعَرِّيّ إلى جَدِّي سَدِيد المُلْك أبي الحَسَن عليّ بن مُقَلَّد بن نَصْر بن مُنْقِذ وقد وَفَدَ عليه ابنُ الخَيْشِيّ الشَّاعِرُ: [من الخفيف]
يا عليُّ بنَ مُنْقِذٍ يا هُمَامًا
…
حينَ يُدْعَى الوَغَى يُعَدُّ بجَيْشِ
قد أتاكَ الخَيْشِيُّ في وَسْطِ آبٍ
…
بقَربضٍ يُغْنِيكَ عن بَيْتِ خَيْشِ
أحمدُ بن حَمْزَة في مُحَمَّد بن حَمْزَة بن خُزَيْمَة الهَرَويُّ، أبو إسْمَاعِيْل الحَدَّادُ الصُّوْفيّ المَعْرُوف بعَمُّوَبْه
(1)
شَيْخ الصُّوْفيَّةِ بهَرَاة (a).
أحمَدُ بن حُمَيْدَان الرُّمَّانِيّ، أبو القَاسم
لهُ كَلَامٌ حَسَنٌ في الحَقِيْقَة وطَريْقَة الصُّوْفيَّة.
رَوَى عنهُ أبو الفَرَج هِبَة الله بن سَهْل، وقَدِمَ حَلَب في أيَّام سَيْف الدَّوْلَة أبي الحَسَن عليّ بن حَمْدَان، وحَفَر عندَهُ وفاوضَهُ في شيء.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن أبي طَاهِر بَرَكات بن إبْراهيم الخشُوعِيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو مُوسَى مُحَمَّد بن أبي بَكْر بن أحْمَد المَدِيْنِيّ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن مُحَمَّد بن عُمَرَ الإمامُ، قال: أخْبَرَنا أبو مَسْعُود بن أبي القَاسِم، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد المَالِيْنِيّ إجَازَةً، قال: سَمِعْتُ أبا الفَرَج هِبَة الله بن سَهْلٍ يقُول: سَمِعْتُ أبا القَاسِم أحْمَدَ بن حُمَيْدَان الرُّمَّانِيّ يقُولُ: دخَلْتُ حَلَبَ، فأُحْضِرْتُ بين يَدي سَيْف الدَّوْلَة، فقال لي: بما تدَخُل في الصَّلاة؟ فقلتُ: على مَذْهَبنا أو مَذْهَبكم؟ فقال: وَأيْشٍ مَذْهَبُنا ومَذْهَبُكم؟
(a) بقية هذه الورقة بياض في الأصل، وهي بمقدار نصف الصفحة، والصفحة التي تليها بياضٌ أيضًا، ويظهر أن المؤلِّف أبقاها لاستكمال ترجمة الهرويّ.
_________
(1)
توفي سنة 441 هـ، وترجمته في: تاريخ الإسلام 9: 631، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 18: 472، النجوم الزاهرة 5:48.
فقُلتُ: أمَّا على مَذْهَبكم فتَدْخل بفَرْضَيْن وسُنَّة التَّكْبير فَرْضاهُ، ورفعُ اليَدِين عند التَّكْبير سُنَّة، وأمَّا على مَذْهَبنا فالدُّخُول باللّهِ والخُرُوجُ باللّهِ عز وجل.
ذِكْرُ حَرْف الخاءِ في آبَاءِ الأحْمَدِين
مَنْ اسْمُ أبيْهِ خَالِد
أحمدُ بن خَالِد المُزَنِيُّ الحَلَبيِّ
حَدَّثَ عن مُبَشِّر بن إسْمَاعِيْل الحَلَبِيّ. رَوَى عنهُ سُليْمان بن عَبْد الحَيْد البَهْرَانِيّ.
أنْبَأنَا عَبْد الجلِيْل بن أبي غَالِب، وسَمِعْتُ منه بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن نَصْرُ بن المُظَفَّر، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبي أبو عَبْد اللّه بن مَنْدَة، قال: أحْمَدُ بن خَالِد المُزَنِيّ كما أهل حَلَبَ؛ سَمِعَ مُبَشِّربن إسْمَاعِيْل؛ رَوَى عنهُ سُليْمان بن عَبْد الحَميْدِ البَهْرَانِيُّ.
أحْمَدُ بن خَالِد الدَّامَغَانِيّ، أبو العبَّاس
(1)
نَزِبلُ نيسَابُور، كان رَحَّالًا، وَاسع الرّحْلَة، دَخَلَ الشَّام، وسَمِعَ بتَلِّ مَنَّس
(2)
من ناحيةِ حَلَب المُسَيَّب بن وَاضِع السُّلَميِّ
(3)
.
(1)
توفي سنة 288 هـ، وترجمته في: تاريخ أصبهان لأبي نعيم 1: 136، تلخيص تاريخ نَيسَابُور للحاكم 42، وفيه: أحْمَد بن خلد، السمعاني: الأنساب 5: 291، تاريخ الإسلام 6:672.
(2)
تلّ مَنَّس: كانت قرية من قرى حِمْصَ، وفيها حصن، تقع إلى الجنوب بميلة إلى المشرق من مدينة معرة النُّعْمَان على بعد نحو 6 كم، وهي تمثل آخر حد جُنْد قِنَّسْريْن، وهي اليوم قرية في سهول إدلب نتبع منطقة معرة النعمان بمحافظة إدلب، البلدان لليعقوبي 324، مجم البلدان لياقوت 2: 44، طلاس: المعجم الجغرافي 2: 565.
(3)
بعده في الأصل بياض يستغرق ثلثي هذه الصفحة وربع الصفحة التي تليها.
أنْبَأنَا أبو بَكْر عبدُ اللّه بن عُمَر بن عليّ بن الخَضِر، وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر بن أبي نَصْر الغَزَّال، قالا: أخْبَرَنا أبو الخَيْر القَزْوِينيُّ ببَغْدَاد، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بنُ طَاهِر أنَّ أبَوَي عُثْمان الصَّابُونِيّ والبَحِيْرِيّ، وأبَوَي بكْر البيهَقِيّ والحِيْرِيّ كَتَبُوا إليهِ: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه الحاكمِ
(1)
، قال: أحْمَدُ بن خَالِد أبو العبَّاس الدَّامَغَانِيّ نَزِيلُ نَيْسَابُور، شَيْخُ ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الرِّحْلَةِ، سَكَنَ نَيْسَابُور وتُوفِّيَ بها.
سَمِعَ ببَغْدَاد: دَاوُد بن رُشَيْد، وعُبَيْد اللّه بن عُمَر القَوَارِيرِيّ وغيرهمُا.
وبالبَصْرَة: نصْر بن عليِّ، وعَمْرو بن عليّ وأقرانَهُما. وبالكُوفَة: أبا كُرَيْب وأقرانَهُ. وبالحِجَاز: أبا مَنْصُور الزُّهْرِيّ، وبَعْقُوب بن حُمَيْد. وبمِصْر: الحَارِث بن مِسْكِين، وأبا الطَّاهِر، وعِيسى بن حَمَّادٍ، وأبا الرَّبِيْع الرَّشِيْدِىِّ وغيرهُم. وبالشَّام: مُحَمَّد بن المُصَفَّى، والمُسَيَّب بن وَاضِح، وهِشَام بن عَمَّار، ودُحَيْم بن اليَتِيْم. رَوَى عنهُ أبو العبَّاس الكَوْكَبِيّ، وأبو حَامِد بن الشَّرْقيّ، وأبو بَكْر بن عليّ، وأبو عَبْد اللّه بن يَعْقُوبُ، وهم حُفَّاظُ بَلَدِنا.
قال أبو عَبْد اللّه الحافِظ
(2)
: أخْبَرَني عَبْدُ اللّه بن مُحَمَّد بن عبد اللّهِ، عن أَبِيهِ، قال: تُوفِّي أحْمَدُ بن خَالِد الدَّامَغَانِيّ بنَيْسَابُور سَنَة ثَمانٍ وثَمانِيْن ومَائتَيْن.
ومن أفْرَاد حَرْف الخاء في آبَاءِ الأحْمَدِين
أحْمدُ في الخَصِيْب في عبد الرَّحْمن
(3)
تَيللُ طَرَسُوس؛ حَدَّثَ عِنِ مُحَمَّد بن عَمْرو بن جَبَلَة، وأحمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل، وصَحِبَهُ وأخذَ عنه الفِقْه؛ رَوَى عنهُ أبو عَمْرو أحْمَد بن مُحَمَّد بن إبْراهيم بن حَكِيم، وكان فَقِيهًا تَصَدَّرَ بطَرَسُوس، وكان له حَلقَهُ فِقْهٍ بها.
(1)
بعضه في تلخيص تاريخ نَيسَابُور 42.
(2)
بعضه في تلخيص تاريخ نَيسَابُور 42.
(3)
ترجمته في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1: 42.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَليل بن عبد اللّه، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا مَسْعُودُ بن أبي مَنْصُور الجَمَّال، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم أحْمَد بن عبد اللّه الحافِظ
(1)
، قال: أحْمَد بن الخَصِيْب، سَكَنَ طَرَسوس.
حدَّثنا أبو مُحَمَّد بن الحَجَّاجِ، قال: حَدَّثنا أبو عَمْرو بن حَكِيم، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن الخَصِيْب بطَرَسُوس، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مَمْرو بن جَبَلَة، قال: حَدَّثَنَا أبو الجَوَّاب، [عن](a) عَمَّار بن رُزَيْق، عن الأَعْمَش، عن أبي إسْحاق، عن أبي أسْماء، عن أنَس بن مالِك، قال: سَمِعْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول
(2)
: لبَّيكَ بحجةٍ وعُمْرة معًا.
أنْبَأنَا أبو الحَجَّاج يُوسُف، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد فارس بن أبي القَاسِمِ بن فارس الحَرْبِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِىِ أبو الحُسَين مُحَمَّد ابن القَاضِي أبي يعْلَى مُحَمَّد بن الحُسُين بن الفَرَّاء
(3)
، قال: أحْمَدُ بن الخَصِيْب بن عبْد الرَّحْمن، ذكَره أبو بَكْر الخَلَّال، فقال: مَشْهُور بطَرَسُوس، كان له حَلقَهَ فِقْهٍ، ورئيسَ قَوْمه، نَقَلَ عن إمامِنَا مَسائل جِيَادًا.
أحْمَد بن الخَضِر بن هِبَةِ اللّه بن أحْمَد بِن عَبْد الله بن عليّ بن طَاوُوس،
أبو المَعَالِي بن أبي طَالِب بن أبي مُحَمَّد بن أبي البَرَكَات الدِّمَشقيُّ
(4)
شَيْخٌ حَسَنٌ، صَحيحُ السَّمَاعِ، ثِقَةٌ.
(a) في الأصل: "حدثنا أبو الحواب (بالحاء المهملة) عمار"، وهما راويان اثنان وليسا واحد كما في أخبار أصبهان لأبي نُعيم (مصدر النقل).
_________
(1)
تاريخ أصبهان 1: 136.
(2)
الحميدي: المسند 2: 510 (رقم 1215)، ابن أبي شيبة المصنف 3: 278 (رقم 14298)، مسند أبي يعلى الموصلي 6: 133 (رقم 3407)، صحيح ابن حبَّان بترتيب ابن بلبان 9: 241 (رقم 3932). ورواه الطبرانيّ في المعجم الكبير 5: 97 (رقم 4706)، من طريق قَتَادَة عن أنس عن أبي طلحة.
(3)
طبقات الحنابلة 1: 42.
(4)
توفي سنة 625 هـ، وترجمته في: التكملة للمنذري 3: 229 - 230، تاريخ الإسلام 13: 788 - 789، =
سَمِعَ والده الخَضِر بن هِبَهَ اللّه بن أحْمَد، وأبا يَعْلَى بن كَرَوَّس.
سَمِعْتُ عليهِ الأرْبَعِينِ حَدِيثًا الّتي جَمَعها نَصْرُ بن إبْىاهِم المَقْدِسِيّ بروايته لها عن أبِىِ يَعْلَى بن كَرَوَّس عن الفَقِيه نَصْر، وسألتُه عن موْلدِه فقال: تَقْدِيرًا بعد الأرْبعِين وخَمْسِمائَة، فإنَّني في عَشر الثَّمانيْن، وكان سُؤالي إيَّاه في شَوَّال سَنَة ثَلاثٍ وعشرين وستِّمائة بدِمَشْقِ، قال لي: ودَخَلتُ حَلَب وأقَمْتُ بها مُدَّة، وهو من بَيْتٍ مَشهُور بدِمَشْق، خَرَج منه جَماعةُ من أهل الحَدِيث.
أخْبَرَنا أبو المَعَالِىِ أحْمَد بن الخَضِر بن هِبَةِ اللّه بن أحْمَد بن طَاوُس، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْلَى حَمْزَةُ بن أحْمَد بن فارس السُّلَمِيّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا الإمامُ أبو الفَتْح نَصْرُ بن إبْراهيم بن نَصْر المَقْدِسِيُّ بقراءته علينا من لَفْظه بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الرَّحْمن بن عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد السَّرَّاج بدِمَشْق، قال: حَدَّثنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن السَّقَّاء بحَلَب، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُعَاذ بن هِشَام، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن كَثِيْر، قال: حَدَّثنا مُسْلِمِ بن إبْراهيم الفَرَاهِيْدِيّ، قال: حَدَّثنا هِشَامٌ وأبَان، قالا: حَدَّثنا يَحْيَى، عن أبي جعْفَر، عن أبي هُرَيْرَة، أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قال
(1)
: ثلاث دَعَوات مُسْتَجاباتٌ (a) لا شَكَّ فيهِنّ: دَعْوةُ الوالدِ، ودَعْوَةُ المُسافِر، ودَعْوة المَظْلُوم. قال أبَان: دَعْوة الوَالدِ على ولده.
أخْبَرَنا أبو المَعَالِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْلَى حَمْزَةُ بن أحْمَد بن فارس، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح الفَقِيهُ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللّه بن عُمَر، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح - هو:
(a) في الأصل: مستحابات، والتصويب من سنن أبي داود.
_________
= العبر في خبر من غبر 3: 195، اليافعي: مرآة الجنان 4: 47، النجوم الزاهرة 6: 370، شذرات الذَّهب 7:304.
(1)
سنن أبي داود 3: 187 (رقم 1536).
الفَرْغَانيّ- قال: سَمِعْتُ أبا القَاسِمِ المُفَسِّر يقُول: حَمِعْتُ أبا جَعْفَر مُحَمَّد بن عليّ بن الطَّيَّان القُمِّيّ يقُول: قال سَالِم خادِم ذي النُّون المِصْرِيّ: قال ذُو النُّون: رأيتُ مَجْنُونًا أسْوَد في بعض البَوَادِي كُلَّما ذكر اللّه عز وجل أبيَضَّ، فسَمِعْتُهُ يقُول، وقد سَأَلتُه: لم لا تَأْنَس بالنَّاسِ؟ فقال: [من الوافر]
أنِسْتُ بهِ فما أَبْغِي سِوَاه
…
مَخافَة أنْ أضِلّ فلا أَرَاهُ
وحَسْبُكَ حَسْرةً وضَنًا وسُقْمًا
…
يُصَادرُ عن مَوَاردِ أَوْليَاهُ
أخْبرَني جَمال الدِّين أبو عَبْد اللّه مُحَمَّدُ بن عِليّ بن مَحْمُود الصَّابُونِيِّ أنَّ شَيْخنا أبا المَعَالي أحْمَد بن الخَضِر بن طَاوُوس تُوفِّي بدِمَشْقَ في رابع شَهْر رمَضَان من سَنَة خَمْسٍ وعِشْرين وسِّتمائة.
أنْبَأنَا الحافِظ أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْم بن عَبْد القَوِيّ المُنْذِريّ، قال في ذِكْرِ مَنْ ماتَ في سَنَة خَمْسٍ وعشرين وسِتِّمائة
(1)
: وفي شَهْر رمَضَان تُوفِّي الشَّيْخ الأجَلّ أبو المَعَالِي [أحْمَد ابن الشَّيْخ الأجَلّ أَبي طَالِب الخَضِر](a) ابن الشَّيْخ الأجَلّ أبي مُحَمَّد هِبَة اللّه ابن الشَّيخ الأجَلّ أبي البَرَكَات أحْمَد بن عبد اللّه بن عليّ بن طَاوُس بن مُوسَى بن العبَّاسِ بن طَاوُس، البَغْدَاديَّ الأصْل، الدِّمَشقيّ المَوْلد والدَّار، بدمَشْق، سَمِعَ من أبي يَعْلَى حَمْزَة بن أحْمَد بن فارس بن كَرَوَّس السُّلَمِيّ، وغَالِب ظَنِّي أنَّني لفيته ببُلْبَيْس (b)، ولم يتَّفق لي السَّمَاع منهُ، ولنا منه إجَازَة، وهو من بَيْت الحَدِيْث.
أحمدُ بن الخَطَّاب السُّمَيْسَاطِيُّ
من أهل سُمَيْسَاط من الثُّغُور الجَزَرِيَّة على شاطئ الفُرَات، وقد ذَكَرناهُ
(2)
.
(a) ما بين الحاصرتين من التكملة ويوافق اسمه في أول الترجمة.
(b) هكذا جوَّده المؤلِّف في عديد المواضع التالية، والمشهور فيه فتح أوله والكسر، وارتضى ياقوت ضبط نَصْر الإسكندري وهو بكسر البائين. معجم البلدان 1:479.
_________
(1)
المنذري: التكملة 3: 339.
(2)
المراد: ذِكْر ثغر سميساط، وتقدم ذكره في الجزء الأوّل.
أنْبَأنَا عَبْدُ الجلَيْل بن أبىِ غَالِب، قال: أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن نَصْر بنُ المُظَفَّر، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو عَبد الوَهَّاب بن مُحَمَّد بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبي أبو عَبْد اللّه مُحَمَّدُ بن مَنْدَة، قال: أحْمَدُ بن الخَطَّاب من أهل سُمَيْسَاط؛ حَدَّثَ عن العَلَاءِ بن هِلَال، رَوَى عَنْهُ ابنُ قُتَيْبَة.
أحمدُ بن خَلَدٍ، أبو العبَّاس المَعْرُوفُ بابنِ حَيَاة أُمّهَا
رَجُلٌ أدِيبٌ فَاضِلٌ، قرأ بحَلَب على أبىِ عبدِ اللّه الحُسَنِ بن خَالَوَيْه، وِتَصَدَّرَ بعدَهُ بحَلَب لإفَادة عِلْم الأدَب، قرأ عليه جَمَاعَةٌ من الأُدَبَاءَ بها، ورأيتُه مَضْبُوطًا - في بعض الأسَانِيْدِ الّتي ظَفِرْتُ فهِا بذِكْره - بفَتْح الخاءِ واللَّامِ.
أحمدُ بن خَلَف بن أحْمَد بن عليّ، أبو العبَّاس المَعَرِّيّ، المَعْرُوف بالمُمْتِع (a)
أدِيبٌ، شَاعِرٌ، فَاضِلٌ، كان مُقِيْمًا بحَلَب في أيَّام بني مِرْدَاس الكِلابِيِّيْن، وهو شَاعِر حَسَن الشِّعْر، سَمِعَ الحَدِث بحَلَب من الشَّيْخ أبي عبَيْدِ اللّهَ بن عَبْد السَّلام بن أبىِ نُمَيْر العَابِد، ومن أبي الحَسَن علىِّ بن مُحَمَّد بن الطُّيُورِىِّ، وبمَعَرَّة النُّعْمَان من الشَّيْخ أبي العَلَاء أحْمَد بن عبد اللّه بن بن سُلَيمان، وحدَّث بمَعَرَّة النُّعْمَان عن أبي الحُسَنِ مُحَمَّد بن أحْمَد الرَّقِّيّ الصُّوْفيّ.
رَوَى عنهُ أبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن عليّ بن الحُسَين السَّمَّان، وخَرَّجَ عنهُ حَدِيثًا في مُعْجَم شُيُوخه، وذكَرَهُ أبو العَلَاءِ أحْمَدُ بن عبد اللّه بن سُلَيمان في رسالة الغُفْرَان الّتي أجابَ بها عليّ بن مَنْصُور الحَلَبِىِّ المَعْرُوف بدَوْخَلَة، فقال
(1)
:
(a) هكذا جوده المؤلِّف حيثما يرد في سائر أجزاء الكتاب.
_________
(1)
المعري: رسالة الغفران 354.
وسَيِّدِي الشَّيْخُ أبو العبَّاس المُمْتع (a)، أدَامَ اللهُ عِزَّهُ، في السِّنِّ ولَدٌ، وفي المَوَدَّةِ أخٌ، وفي فَضْلِه جَدٌّ أو أبٌ. وإنَّه في أدبهِ لكما قال تَعَالى:{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى}
(1)
.
وإيَّاهُ عَنَى أبو يَعْلَى عَبْد البَاقِي بن أبىِ حَصِيْن بقولِه في أبياتٍ كَتبها إلى تِلْمِيْذه أبىِ اليُمْن مُحَمَّد بن الخَضِر المَعْرُوف بالسَّابِق بن أبي مَهْزُول المَعَرِّيّ، ونَقَلْتُه من خَطِّ الشَّيْخ أبي الحَسَن عليّ بن عبْد الله بن أبي جَرَادَة الحَلَبِيِّ:[من الخفيف]
أيُّها السَّابِقُ الّذىِ سَبَقَ النَّا
…
سَ إلى المُعْجِزَاتِ يَوْمَ الرِّهَانِ
ذَهَبَ المُمْتِعُ الأدِيْبُ وخَلَّا
…
كَ أباهُ تَجْلُو غَرِيْبَ المَعَاني
لأنَّ أبا المُمْتِعِ اسْمُه خَلَف، فقال: ذَهَبَ المُمْتع وخَلَّاكَ خَلَفًا من بَعْده.
كتَبَتْ إلينا زيْنَبُ بنْتُ عبْد الرَّحْمن الشَّعْرِيّ من نَيْسَابُور أنَّ أبا القَاسِم مَحْمُود بن عُمَر الزَّمَخْشَرِيّ أخْبَرها إجَازَةً، وقرأتُهُ بخَطِّه في مُعْجَمِ أبي سَعْد السَّمَّان في الكُتُب المَوْقُوفة في مَشْهَد أبىِ حَنِيْفَة رضي الله عنه، ظَاهِر بَغْدَاد، قال: حَدَّثَني الأُسْتَاذُ أبو الحَسَن عليُّ بن الحسُين بن مَرْدَك، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ الزَّاهِدُ الحافِظُ أبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن عليّ بن الحُسَين السَّمَّان إجَازَهً، قال: حدَّثَنَا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن خَلَف المُمْتِعَ بقراءتي عليهِ بمَعَرَّة النُّعْمَان، قال: حَدَّثَنَا أبو الحُسَنِ مُحَمَّد بن أحْمَد الرَّقِّيّ الصُّوْفيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو هاشِم مُحَمَّد بن أحْمَد بن سِنَان بالمَوْصِل، قال: حَدَّثَنا جَدِّي، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن أَيُّوبَ بن أبي عِلَاجٍ، قال: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بن عُتْبَةَ، عن يَحْيَى بن أبي كَثِيْر، عن أبي سَلمَة، عن أبيَ هُرَيْرَة، قال: قيل: يا رسُول الله، ما مُنْتَهى العِلْم الّذي إذا عَلِمه العَبْدُ كان عَالِمًا؟ فقال
(a) ضَبْطُه عند المعري: المُمَتعَّ.
_________
(1)
سورة الليل، الآية 19.
رسُول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
: مَنْ حَفِظَ على أمَّتِي أربعين حَدِيثًا من أمْر دِيْنِهم بعثَهُ اللهُ يَوْم القِيامَة فَقِيهًا عَالِمًا.
وقَعَ إليَّ جُزءٌ بخَطّ بعض المَعَرِّيّين يتضمَّن مَرَاثِيِ أبي العَلَاء أحْمَد بن عبد الله بن سُلَيمان، فقَرَأتُ فيهِ لأحْمد بن خَلَف المُمْتِع يرْثِيهِ:[من البسيط]
قبرٌ تَضَمَّن شَخْصَ العَالِمِ العَلَمِ
…
يَجلُّ عن لَامسٍ أولَا ثمٍ بفَمِ
جَادَتْ عليهِ غوَادِي الدَّمِع واتَّصَلَتْ
…
بها السَّواري فأغْنته عن الدّيمِ
وآلتِ الشَّمْسُ لا تَنفَكُّ كاسفَةً
…
فسَوّدَتْ غُرَرَ الأيَّام بالظُّلَم
فَلَوْ تكُونُ على هاماتنا لِمَمًا
…
لَمَا ألَمَّ بَيَاضُ الشَّيْب باللِّمَمِ
نَبغِي السُّرُور من الدُّنْيا وقَدْ قُدِرَتْ
…
بها الهُمُومُ على الأقْدَار والهمَمِ
وما تَزَالُ بنا الآمالُ مائلةً
…
إلى المطَامعِ في وُجْدٍ وفي عَدَمِ
إذا الشَّبِيْبَةُ بانَتْ عن أخي أَرَبٍ
…
فلا مآرب بعد الشَّيْبِ والهَرَمِ
نَبْكي الأقاربَ منَّا والبُكَاءُ على
…
نُفُوسنا واجِبٌ إذ نَقْتدِي بهم
فلَيْتَ ذا الحِلْمِ منَّا حين نفقِدُهُ
…
مُخَبَّرٌ بالَّذي يَلقَاهُ في الحُلُمِ
ولَيْتَ مَنْ بدِيَارِ الشَّام مَنْزِلُهُ
…
ليَوْم ربِّ العُلَا والمَجْد لم يَشِمٍ
في قَلْب كُلّ يمَانٍ نازحٍ أَلَمٌ
…
فلا يُلَامُ حَليْفُ القُرب في الألَمِ
وفي تهَامَةَ أَحْشَاءٌ حُشِيْنَ أسىً
…
وأعْينٌ كُحِلَتْ بالسُّهْدِ لا التّهمِ
وقاطنُونَ رأوا تَحْريمَ أمنهمُ
…
على النُّفُوس وما بانُوا عن الحَرَمِ
لا يَنْعَمون بحالٍ يظفَرون بها
…
من الزَّمانِ وهُم حالُونَ بالنِّعَمِ
قَوْمٌ إلى شَرَفِ الآباءَ نِسْبَتُهُمْ
…
فطِيْبُ فَرْعهمُ الزَّاكي بأصْلِهِمِ
يرونَ مَوْتَ ابن عَبْدِ الله عندَهم
…
نظيرَ مَوْت ابن عَبْد الله جَدِّهِم
ومَا العِرَاقُ بمَذْمُومٍ علىَ جَذَلٍ
…
لوصْف أَكثَره بالغَدْرِ في الذِّمَمِ
(1)
القرطبي: جامع بيان العلم 1: 51، ورواه الشجري في أماليه الخميسية 1: 10 من حديث أبي الدرداء.
أبانَ صَفْحَةَ أهْلِ العِلْم فيه لمَن
…
رأى التَّصَفُّحَ من عَرَب ومن عَجَمِ
وبثَّ من عِلْمه كُتُبًا مُصَحَّحةً
…
بها أَبَان لهم تَصْحِيفَ كُتْبِهِمِ
وكان أحْدَثُ ما أملَاهُ بينَهُمُ
…
يفوقُ أفضَلَ ما أمْلَى أُولو القِدَم
فسَلَّمتْ لسُليْمانٍ وأُسْرَته
…
بنُو الأكارِم طَرْفَ العِلْم بالكَرَمِ
فما يُصَنَّفُ عِلْمٌ مثْلُ عِلْمهمِ
…
ولا يُشَرَّفُ بيث مثْلُ بَيْتهِمِ
تميَّزُوا بخلالٍ لا نَظِيرَ لها
…
مع الخلالِ جَلَالُ الحُكْم والحِكَمِ
وقد تضمَّن عَبْدُ الله فَخْرَهُمُ
…
فليس يُوْجَد فَخْرٌ مثل فَخْرهِمِ
يُريدُ أبا مُحَمَّد عبْد الله بن أبي المَجْد أخي أبي العَلَاء، وكان قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان، والقَصِيدَة طَوِيلَةٌ اقتَصَرْتُ منها على هذا القَدْر، وقرأتُ بعدَها في الجُزء المَذْكُور: ولهُ فيه أيضًا: [من الخفيف]
أيّ بَحْرٍ ما كانَ يُخْشَى عُبَابُهْ
…
وبدُرِّ المَحَارِ يُزْرِى حَبَابُهْ
وطَريقُ إلى العَلَاءَ مَجُوبٌ
…
بأبيْهِ ما ضَلَّهُ مُجْتَابُهْ
يَوْمَ أفْضَى إلى قرارِ ضَرِيِحٍ
…
كُلُّ جفْنٍ عليه تَهْمى سَحَابُهْ
ما الخِضَمُّ المُحِيْطُ إلَّا الّذي يُعْـ
…
ـرِبُ فيه عن الأَرِيْب ارتيابُهْ
غَاضَ منْهُ ما طبَّقَ الأرْضَ إذ فا
…
ض فلَوْ تَحْمِ عنْهُ طوْدًا شِعَابُهْ
فكأَنَّ الزَّمانَ لم يَبْقَ فيهِ
…
مُذْ عَدَاهُ البَقَاءُ أو لأسرَابُهْ
تَرْبَ الدَّهْرُ من وَحِيْدِ بَنِيهِ
…
فبَعِيْدُ بِمِثْلِهِ أتْرابُهْ
وتَأَلَّتْ أنْ لا أَتَتْ بَنظِيرٍ
…
بعْدَهُ في صِفَاتِهِ أَحْقَابُهْ
وادَّعَى النَّقْصَ غايَةُ الفَضْل إذ لا
…
حَكَمٌ يدْرَأُ المحالَ صَوَابُهْ
ونَأى النَّازِحُ الغَرِيْب الّذي كا
…
ن إليهِ نُزُوحُهُ واغْترابُهْ
فعَزيزٌ على المحلِّ الّذي حُوِّ
…
ل عنْهُ أنْ يُغْلَقَ الدَّهْرَ بابُهْ
ولقد كان لا يُخَافُ إذا آ
…
نَ أوانُ الحجاب منهُ حِجَابُهْ
ويُرَى نَازِلًا بهِ كُلّ حين
…
مَن يرُومُ (a) الرّكُوبَ يُغْشَى ركابُهْ
طَالِبًا منهُ ما يَهُونُ عليهِ
…
وهو مُسْتَصْعِبٌ يَعِزُّ طِلَابُهْ
فكأنَّ المُلُوكَ تصْحَبُ للعِـ
…
ـزَّة في كَوْنها لدَيْهِ صِحَابُهْ
أدَّبَتْها وهذَّبَتْ رأيها الثَّا
…
قِبَ في كُلِّ مَذْهَبٍ آدَابُهْ
كُلُّ مَلِكٍ يَزينهُ عنهُ ما يَحْـ
…
ـفَظُ لا تاجُهُ ولا ألْقَابُهْ
لا يُرجِّيهِ للثَّوَابِ وإنْ كا
…
نَ جَزِيْلًا على العُفَاةِ ثَوابُهْ
وَرَعٌ يؤنسُ الجَلِيْسَ ولا يُؤْ
…
نَسُ منهُ إذا يَغِيْبُ اغْتِيَابُهْ
لم يُخَلِّف من طَوْلِ دنياهُ ما يُحْـ
…
ـسَبُ كيْلَا يَطُولَ فيه حسَابُهْ
أتَنُوخُ اعقري الجِيَادَ وحُطِّي
…
كُلَّ عالٍ على السُّهَا أَطْنَابُهْ
فلقَدْ راحَ واغْتَدَى ابنُ تُرَابٍ
…
بعدَ حُمْرٍ القِبَابِ سُوْدًا قِبَابُهْ
وإلى غير ما انْتَسَبْتِ إليَهِ
…
من بَني يعْرُبَ الكِرَام انْتِسَابُهْ
كُل يَوْم يُروْنَ في الحيّ كالحَوْ
…
م تَراغَى قُرومُهُ وسِقَابُهْ
لا تَظُنِّي حَوْلًا يَحْول فنلقَى (b)
…
قاضِيًا للأسىَ عليهِ انْقِضَابُهْ
واضْربي في البِلادِ طُولًا وعَرْضًا
…
أبدًا لن تُرَى بها أضْرَابُهْ
غَاب عنِ لدنها السِّنَانُ فما تُحْـ
…
ـدِثُ نفْعًا بعد السِّنَانِ كِعَابُهْ
وتعرَّى من المَعَرَّةِ إذ كا
…
ن ذهَابُ الجَمَالِ عنها ذهَابُهْ
أو أقيمي بها فأكثَرُ أسْبَا
…
بِ عُلَاها وفَخْرها أسْبَابُهْ
منها:
بانَ منِّي مَنْ كانَ يَكْثُر عنِّي
…
في الخُطُوب الّتي تَنُوبُ مَنَابُهْ
إنْ قضَى نَحْبَهُ فإنِّي من لا
…
ينْقَضي أو إليه يُفْضِي انْتِخَابُهْ
وقليلٌ لذي الكآبةِ والوَجْـ
…
ـدِ عليه بُكَاؤُهُ واكْتئابُهْ
(a) الأصل: كل من حين يروم.
(b) الأصل: فللقى.
فوَشَى قَبْرَهُ الرَّبيع ولا زا
…
ل مُرِبًّا عَلَى ثَراهُ رَبَابُهْ
أحمد بن خُلَيْد بن يَزِيد بن عَبْد الله الحَلَبِيِّ، أبو عَبْدِ الله الكِنْدِيَّ
(1)
سَمعَ بحَلَبَ: زُهَيْرَ بن عَبَّادٍ الرُّوَاسيِّ (a)، وأبا نُعَيْم عُبيدَ بن هِشَام الحَلَبِيِّ، ومُحَمَّد بن أبي أُسامَة الحَلَبِيِّ، وعُبَيْد بن جَنَّاد الحَلَبِيِّ القَاضِي، وأبا تَوْبَة الرَّبيْعَ بن نَافِع الحَلَبِيِّ. وبالثُّغُور: مُحَمَّد بن عِيسَى بن الطَّبَّاع، وإبْراهيم بن مَهْدي المِصِّيْصيَّ، وإسْحَاق بن عبد اللهِ الأَذَنِيّ التَّمِيْمِيِّ، وعبد الله بن السَّرِيّ الأنْطَاكِيِّ، وسَعِيد بن رَحْمَة، وعبد الرحيم بن مُطَرِّف السَّرُوجِيّ. وبدِمَشْق: عَبد الله بن يَزِيد بن رَاشِد الدِّمَشقيّ. وبِحمْص: أبا اليَمَان الحَكَم بن نَافِعِ، وعبد الله بن جَعْفَر الرَّقّيِّ. وبالحِجَاز: عبدَ الله بن الزُّبير الحُمِيْدِيِّ، وإسْمَاعِيْل بن أبي أُوَيسْ. وبالعِرَاق: أبا نُعَيْم الفَضْل بن دُكَيْن، وحَدَّثَ بحَلَب عنهُم، وعن مُحَمَّد بن مُعاوِيَة النَّيْسَابُوريّ، وأبي الحُسَين يُوسُف بن يُونُس الأفْطَس.
رَوَى عنهُ أبو جَعْفَر أحْمَد بن إسْحاق بن يَزِيد قاضي حَلَب، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن الحُسَين بن صالح السَّبِيْعِيِّ الحَلَبِيَّان، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن يُوسُف بنِ بُرَيْد الكُوْفيّ، وأبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن عليّ المِصِّيْصيّ، وأبو بَكْر أحْمَد بن مَرْوَان المالِكِيِّ، وأبو القَاسِم سُليْمان بن أحْمَد بن أَيُّوب الطَّبَرَانِيّ، وأبو عَبْد الله عُبَيْد الله بن
(a) تجاوز ابن العديم عن ضبط أوله، ونسبته في رُوَاس بطن من كلاب، واسم رواس: الحارث بن كلاب بن ربيعة، وهذا الضبط هو الذي ارتضاه ابن حزم في الجمهرة (270، 282) وذكره من بين رجالهم، وذكره مرة أخرى (287) مهموزًا: رؤاس. وله ترجمة مفردة تأتي في موضعها من حرف الزاي في الجزء التاسع.
_________
(1)
توفي نحو سنة 289 هـ، وترجمته في: الثقات لابن حبان 8: 53، تاريخ ابن عساكر 71: 102 - 105، تاريخ الإسلام 6: 672، سير أعلام النبلاء 13:489.
عبد الصَّمَد بن المُهْتَدي باللهِ، وعُمَر بن مُحَمَّد بن سُلَيمان العَطّار نَزِيلُ مِصْرَ، وأبو زُرْعَة أحْمَدُ بن شَبِيْب الصُّوْرِيّ، وأبو عَبْد الله أحْمَد بن جَعْفَر بن أحْمَد الحاضِرِيّ الحَلَبِيِّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن بَرَكة بِرْدَاعِس القِنَّسْرِيّ
(1)
، وأحْمد بن سَعيد بن أُمّ سَعيد.
حدَّثنا أبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن هِلالَة الأنْدَلُسِيّ، قال: أخْبَرَنا أَسْعَد بن أبي سَعيد الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَتْنا فاطِمَةُ بِنْتُ عبْد اللهِ بن أحْمَد بن القَاسِمِ بن عَقِيل الجُوزْدَانيِّة، ح.
وأخْبَرَنا يُوسُفُ بن خَلِيل بن عبد الله الحافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن مَعْمَر بن عَبْد الوَاحِد بن الفَاخِر الأصْبَهَانِيّ بها، فال: أخْبَرَتْنا خُجَسْتَه بنْتُ عليّ بن أبي ذَرّ الصَّالِحانيِّة، وفاطِمَة بنت عبد الله بن أحْمَد بن القَاسِم بن عَقِيل الجُوزْدَانيَّة، قالتا: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عبد الله بن رِيْذَة الضَّبِيِّ، قال: أخْبرَنا الإمَامُ أَبو القَاسِم سُليْمان بن أحْمَد بن أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيّ، قال: حَدَّثتا أحْمَد بن خُلَيْد الحَلَبِيِّ أبو عَبْد الله بحَلَب سَنَة ثمانٍ وسَبْعِين ومَائتَيْن، ح.
وأخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن مَحْمُود بن عبد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف المُلَثَّم بالقَاهِرَهَ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَة الله بن عليّ بن سُعُود البُوْصِيرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن الحَسَن بن عُمَر المَوْصِلِيّ الفَرَّاء، ح.
قال لنا أبو عَبْد الله: وأخْبَرَنا أبو عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن حَمْد الأرْتاحِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الفَرَّاء إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ عَبْد العَزِيْزِ بن الحَسَن بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّاب، قال: أخْبَرَنا أبي، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن مَرْوَان المالِكِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن خُلَيْد الكِنْدِيِّ، قال: حَدَّثَنَا يوسُف بن الأفْطَس أخو أبي مُسلم المُسْتَمْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا سُليْمان بن بِلَال، عن عبد اللهِ بن دِيْنار، عن ابن عُمَر،
(1)
وجه من وجوه النسبة إلى قِنَّسرين، ويقال أيضًا: القنسريني، كما تقدم في الجزء الأول من هذا الكتاب.
(2)
الدينوري المالكلي: المجالسة وجواهر العلم 10.
قال: سَمِعْتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(1)
: إذا كانَ يَوْمُ القيامَة دَعا اللهُ عز وجل عَبْدًا (a) من عَبِيْده فيُوقَف بين يَدَيْهِ فيَسأله عن جَاهِه كما يَسأَلهُ عن مَالِه.
قال أبو القَاسِم الطَّبَرَانِيّ
(2)
: لم يَرْوه عن عبْد الله بن دِيْنار إلَّا سُليْمان بن بِلال تفرَّدَ بهِ يُوسُف بن يُونسُ.
أنْبَأنا تاجُ الأُمَناء أبو الفَضْل (b) أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ
(3)
، قال: أنْبَأنَا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عليّ بن أبي العَلَاء، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(4)
، قال: حَدَّثَني عُبَيْدُ الله بن أحْمَد بن عُثْمان الصَّيْرَفِيّ أنَّ أبا الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ دبَهَرَ هذا الحَدِيْث -يعني حَديث الجَاه- فقال: يُوسُف بن يُونسُ الأفْطَس ثِقَةٌ، وهو أخُو أبي مُسلم المُسْتَمْليِّ، وأحمد بن خُلَيْد ثِقَةٌ أيضًا.
قال أبو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ: وحَدَّثَني الحَسَن بن أحْمَد بن صالح الحافِظُ الحَلَبِيِّ أنَّ هذا الحَدِيْث كان في كتاب أحْمَد بن خُلَيْد، عن يُوسُف بن يُونُس، عنِ سُليْمان بن بِلال، عن عَبد الله بن دِيْنار، عن ابن عُمَر، وقد دَرَسَ مَتْنه ودَرس إسْنَادُ الحَدِيْث الّذي بعدَهُ، وبعدَهُ هذا الكَلَام فكتَبَهُ بعضُ الوَرَّاقين عنهُ، وألزَقَ إسْنَاد حَدِيث سُليْمان بن بِلال إلى هذا المَتْن.
حدثنا يَحْيَى بن عَقِيل بن شَرِيْف بن رِفَاعَة بن غَدِير السَّعْدِيّ، قال: أخْبَرَني
(a) في المجالسة للدينوري: بعبد.
(b) في الأصل: المُفَضَّل، ويتكرر كذلك في العديد من المواضع من هذا الجزء، وأصلحه المؤلف بكشط حرف الميم، مع بقاء الضبط أحيانًا، واستدرك المؤلِّف الخطأ الواقع في كنيته في الأجزاء التالية فلم يرد فيها إلا بأبي الفضل. وانظر: المنذري: التكملة 2: 281، ذيل الروضتين لأبي شامة 132، الذهبي: تاريخ الإسلام 13: 230، العبر في خبر من غبر 3: 153، سير أعلام النبلاء 22: 26، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 66، النجوم الزاهرة 6: 210، شذرات الذهب 7:75.
_________
(1)
الطبراني: المعجم الأوسط 1: 378 - 279 (رقم 451).
(2)
المعجم الأوسط 1: 279.
(3)
تاريخ ابن عساكر 71: 104.
(4)
تاريخ بغداد 16: 438.
جَدِّي لأُميِّ وهو عَمَّ أبي أبو مُحَمَّد عبد الله بن رِفَاعَة بن غَدِي السَّعْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الخِلْيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس الإشْبِيلِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر أحْمَد بن إسْحاق، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن خُلَيد بن يَنِ يَزِيد الحَلَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُعاوِيَة النَّيسَابُوريّ، قال: حَدَّثَنَا الوَلِيد بن بُكَيْر، عن عليّ بن زَيْد بن جُدْعان، عن سَعيد بن المُسَيَّب، عن جَابِر بن عَبْد الله، قال: خَطَبَنا رسُول الله صلى الله عليه وسلم فقال
(1)
: أيُّها النَّاسُ، تُوبُوا إلى اللهِ قبَل أنْ تَمُوِتُوا، وصِلُوا الّذي بينكم وبين ربِّكم بكَثْرة الصَّوْم والصَّلاة تُؤْجَرُوا وتُجبرُوا وتُرْزقُوا وتُنْصَرُوا.
وذكَرَ أبو حَاتِم مُحَمَّد بن حِبَّان البُسْتِيّ في تاريخ الثِّقَات
(2)
، في الطَّبَقَةِ الرَّابعة، قال: أحْمَدُ بن خُلَيْد أبو عَبْدِ الله الحَلَبِيّ، يَرْوي عن أبي اليَمَان، وقد سَمعَ أبو اليَمَان صَفْوَان بن عَمْرو وحَرِيز بن عُثْمان، وقد رَوَبا جَمِيعًا عن عبْد الله بن بُسْرٍ، ماتَ بعد الثَّمانيْن والمائتين.
أنْبَأنَا عَبْد الجلِيْل بن أبي غَالِب الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو المحاسِن نَصْر بنُ المُظَفَّر، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو عَبد الوَهَّاب بن أبي عبد الله بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبي أبو عَبْد الله بن مَنْدَة، قال: أحْمَدُ بن خُلَيْد الحَلَبِيّ، حَدَّثَ عن أبي نُعَيْم، ماتَ بعد الثَّمانيْن.
أخْبَرَنا الحافِظُ أبو مُحَمَّد عَبْد القَادِر بن عَبْد الله الرُّهَاوِيّ في كِتَابِهِ إليْنَا، قال: أخْبَرَنا رَجَاء بن حَامِد بن رَجَاء المعدَانيّ، عن أبي عَبد الله مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد العُمَيْريّ، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْقُوبَ إسْحاق بن إيْاهيم القَرَّابُ، قال: سَمِعْتُ مَنْصُور بن عَبد الله يقُول: سَمعْتُ عليّ بن مَحُمُود بن دَاوُد بن أبي الفَهْم القَاضي التَّنُوخِيّ يقُول: تُوفِّي أحْمَد بنُ خُلَيْد بن يَزِيد الكِنْدِىِّ سَنَة تِسْعٍ وثَمانِيْن ومَائتَيْن.
(1)
ابن ماجة: السنن 1: 343 (رقم 1081)، مسند أبي يعلى الموصلي 3: 381 - 382 (رقم 1856)، وفيهما زيادة.
(2)
الثقات لابن حبان 8: 53.
مَنْ اسْمُ أبيْهِ خَلِيفَة من الأحْمَدِين
أحْمدُ بن خَلِيفَة الحَلَبِيُّ
حدَّثَ [
…
] (a). رَوَى عنهُ أبو العبَّاس أحْمَد بن جَعْفَر بن نَصْر الجمال (b) الرَّازِيّ.
أحمدُ بن خَلِيفَة الهَرَّاسُ المقرِئُ
(1)
إمَام جَامع مَعَرَّة النُّعْمَان. كان مُقْرئًا صَالِحًا، مَرْضِيّ الطَّريقة، مَحْمُود السِّيْرَة.
قرأتُ قي تاريخ أبي غَالِبٍ هَمَّام بن المُهَذَّب
(2)
: وفيها -يِعني: سَنَة ستٍّ وعشرين وأرْبَعِمائة- تُوفِّي أبو القَاسِم عليُّ بنُ عبْد الله بن الحَسَن بن عَبْد المَلِك الطَّبِيْبُ المَعْرُوف بالمُنَجِّم إمام المَسْجِد الجامع بالمَعَرَّة، وقُدِّمَ بعدَهُ أحْمَدُ بن خَلِيفَة الهَرَّاسُ، وكان صَالِحًا مَحْمُودًا يقرأ للسَّبْعَة روايات. قال: وفيها -يعني سَنَةَ ثلاثين- تُوفِّىِ أحْمَدُ بن خَلِيفَة إمَام الجَامع بمَعَرَّة النُّعْمَان، وقُدِّمَ ولدهُ خَلِيفَة.
أحمدُ بن الخلَيل بن سَعَادَة بن جَعْفَر بن عِيسَى الشَّافِعيُّ، أبو العبَّاس الخُوَيّيّ القَاضِي
(3)
فَقِيْهٌ فَاضِلٌ، حَسَن الصُّورَة، كَامِل الأوْصَاف، قَدِمَ علينا حَلَب، وتولَّى
(a) بياض في الأصل قدر خمس كلمات.
(b) الأصل: الحمال، وانظر: الإكمال لابن ماكولا 3: 28.
_________
(1)
توفي سنة 426 هـ.
(2)
انظر التعريف بالكتاب في الجزء الأول.
(3)
توفي سنة 637 هـ، وترجمته في: التاريخ المنصوري لابن نظيف الحموي 123، المنذري: التكملة 3: 537، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 33: 367 - 368، ابن الشعار: قلائد الجمان 1: 348 - 249،=
بها الإعادَة بالمَدْرَسَة السَّيْفيَّة ومُدَرِّسها إذ ذاك القَاضِي زَيْن الدِّين أبو مُحَمَّد عبد الله ابن شَيْخنا عبد الرَّحمن بن عُلْوَان، وسَمعَ بحَلَب جَمَاعَةً من شُيوخنا مثل قاضِي القُضَاةِ أبي المحاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تمِيْم، وأبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عبد الله بن عُلْوَان الأسَدِيّ وغيرهما.
وأقامَ بها مُدَّةً ثمّ سار منها إلى دِمَشْق، وحضَر مَجْلِس المَلِك المُعَظَّم عِيسَى ابن المَلِك العادِل، صاحبها، فأعْجبَهُ كلَامُه، ونفَق عليه، وارْتَفَعَت حاله عندَهُ إلى أنْ وَلَّاهُ القَضَاءَ بدِمَشْق والتَّدْرِيس بالمَدْرَسَة العَادِلِيَّة، فسَلَكَ أحْسَن المَسَالك والطُّرُق في القَضَاء، ولازَم العِفَّة والصَّلَاح، وحُمِدَتْ طَرِيْقَتُه، وشُكرتْ سِيْرَتُه، ولم تَزل مَنْزِلتُه تَزدَاد ومَرتبته تَرْتَفعِ إلى أنْ مات المَلِكُ المُعَظَّم عِيسَى، ووَليَ ابنُه صَلاح الدِّين دَاوُد دِمَشْق فاسْتَمَرَّ في القَضَاء على حاله، إلَّا أنَّ دَاوُد بن عِيسَى وَلَّى القَضَاء أيضًا معَهُ القَاضِي مُحْيى الدِّين يَحْيَى بن مُحيى الدِّين مُحَمَّد بن الزَّكِيّ، ونَزَل المَلِكُ الكَامِل مُحَمَّد والمَلِك الأشْرَفُ مُوسَى على دمشْق وحَصَراها وفتَحَاها، وسُلِّمتْ إلى المَلِك الأشْرَف مُوسَى، فعُزِلَ ابن الزَّكِيّ عن القَضَاء واسْتمرَّ شَمْسُ الدِّين أحْمَد الخُوَيّيّ على قضاءَ القُضَاةِ في سَنَة سَبعٍ وعشرين وسِّتمائة.
وسَمَتْ نَفْسُه إلى حِفْظ القُرآن العزيز ولم يكُن يَحْفظه، فَحدَّثَني جَمَاعَة بدِمَشْق أنَّهُ ألْزمَ نفسَه بحِفْظه حتَّى حَفِظَهُ جميعَهُ، وكان يقرأهُ وهو قاضِي القُضَاة على بعض القُرَّاءَ بدِمَشْق، فكان يَجْلِس بينَ يَدَيْهِ وهو قاضِي القُضَاة بجامع
= ذيل الروضتين 259 - 260، ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء 646 - 647، تاريخ الإسلام 14: 331، سير أعلام النبلاء 23: 64 - 65، تذكرة الحفاظ 4: 1415 (ذكر عارض)، العبر في خبر من غبر 3: 229، المشتبه في الرجال 193، الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي 264، الوافي بالوفيات 6: 375 - 376، 30: 94 - 95، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 8: 16 - 17، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 155، الأسنوي: طبقات الشافعية 1: 500 - 501، ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 3: 70، ابن دقماق: نزهة الأنام 91، 119 - 120، النجوم الزاهرة 6: 316، شذرات الذهب 7:320.
دِمَشْق كما يَجْلس التِّلْمِيذ بين يَدي الأُسْتَاذ، ثمّ إنَّه رَغِبَ عن القَضَاء ومَال إلى الزُّهْد والانْقطَاع، وطَلَبَ من المَلِك الأشْرَف الإقَالَة من القَضَاء، وأنْ يأذن له في الحَجّ، فأَجابَهُ إلى ذلك، وحَجَّ إلى بيت الله الحَرَام، وأرْسلَهُ المَلِك الأشْرَف في رسالةٍ إلى سُلْطان الرُّوم كَيْقُبَاذ بن كَيْخُسْرُو، فتوجَّه إليه، واجْتازَ علينا بحَلَب في سَنَة أرْبَعٍ وثَلاثين وسِتّمائة، ثمّ إنَّهُ وَلِيَ القَضَاء بعد ذلك مرَّةً ثانيَةً، فبقي قَاضِيًا بها، ومرض مَرْضةً بحُمُّى السِّلّ، وتُوفِّي بدِمَشْق في سَنَة سَبعٍ وثَلاثينِ وسِّتمائة، وكُنْتُ إذ ذاك رَسُولًا بمِصْر، فبلغَتني وفاتُه وأنا بها.
وكان بيني وبينه اجْتماع ومُخالَطة بحَلَب ودِمَشْق، وسَمعَ معي بحَلَب الحَدِيْث. وكان حَسَن العِشْرة، حلو العِبَارَة في بَحْثهِ، مُوَفَّقًا في أحْكَامه، لا تأخُذه في الله لَوْمَهَ لَائِم، ولا يُراعِي في أحْكَامه ذا سُلْطان لسُلْطانه ولا ذا جاهٍ لجاهه، بل يَرْي على سَنَن الحَقّ وطَريق العَدْل.
وكان قد سَمعَ بنَيْسَابُور المُؤيَّد بن مُحَمَّد بن عليّ الطُّوْسيّ، وحَدَّثَ عنهُ بدِمَشْق بشيء يَسِيْر، وصنَّف عِدَّة تَصَانيف منها: كتاب في تفسِيْر سُوْرة الإخْلَاص، وكتاب في الفَرَائِض وتَعْليْلها وبَيان الحِكْمَة في مَقاديْرها، وكتاب في النَّفْس.
وأخْبرَني ولده أنَّهُ تُوفِّي في السَّابِع من شَعْبان سَنَة سَبْعٍ وثَلاثين وسِّتمائة.
وأخْبَرَني جَمال الدِّين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عليّ بن الصَّابُونِيّ، قال: سألتُ القَاضِي شَمْس الدِّين الخُوَيِّيّ عن مَوْلدِه، فقال: في سَنَة ثَلاثٍ وثمانين وخمْسِمائَة بِخُوَيّ، وذَكَرَ غيره في شَوَّال.
وقَرأتُ بخَطِّ عَبْد العَزِيْز بن عُثْمان الإرْبليّ: تُوفِّي قاضِي القُضَاهَ شَمْسُ الدِّين أبو العبَّاس أحْمَد بن الخلِيل بن سَعَادَة بن جَعْفَر بن عِيسَى الخُوَيِّيّ يَوم السَّبْتِ سَابع شَعْبان سَنَة سَبع وثَلاثين وسِّتمائهَ، ودُفِنَ من الغَد بسَفْح جَبَل
قَاسِيُون، ووَلِيَ قَضاء دِمَشْق يَوْم الاثنين سابع شهر ذي القَعْدَة من سَنَة خَمْسٍ وثَلاثين وسِّتمائة، يعني الولاية الثَّانيَة.
ذِكْرُ حَرْف الدَّال في آبَاءَ الأحْمَدِين
ذِكْرُ مَنْ اسْمُ أبيْهِ دَاوُد
أحمدُ بن دَاوُد بن هلَالٍ، أبو طَالِب القَاضِي
قاضي أَذَنَة، حَدَّثَ بالمِصِّيْصَة وغيرها عن مُحَمَّد بن حَرْب المَدِيْنيِّ، وأسَد بن مُحَمَّد الخشَّاب، رَوَى عنهُ أبو حَاتِم مُحَمَّد بن حِبَّان البُسْتِيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بنُ الحَسَن بن زِيَادٍ النَّقَّاش.
أخْبَرَنا أبو رَوْح عَبْدُ المُعِزّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الصُّوْفيُّ في كِتَابِهِ إليْنَا من هَرَاة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم تميْم بن أبي سَعيد بن أبي العبَّاس الجُرْجَانِيّ، قال: أخْبَرَنا البَحَّاثِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الزَّوْزَنِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو حَاتِم بن حِبَّان، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب أحْمَد بن دَاوُد بن هِلالٍ بالمِصِّيْصَة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ حَرْب المَدِيْنِيُّ، قال: حَدَّثَنَا إسْحاق الفَرْوِيُّ (a)، عن مَالِك بن أنسٍ، عن سُمَي، عن أبي صَالحٍ، عن أبي هُرَيْرَة، قال: قال رسُول الله صَلَّي اللّهُ عليه وسلَّم
(1)
: مَنْ أقال نادِمًا بَيْعَتَهُ أقالَهُ اللهُ عَثْرتهُ يَوْم القِيامَة.
قال أبو حَاتِم: ما رَوَاهُ عن مالك إلَا إسْحاقُ.
(a) بسكون الراء، من ولد أبي فروة المدني. العبر في خبر من غبر للذهبي 1: 311، الوافي بالوفيات 8:423.
_________
(1)
الأصبهاني: حلية الأولياء 6: 345، وفيه:"مسلما بدل نادما"، القضاعي: مسند الشهاب 1: 279 (رقم 454)، (وسقط منه لفظ: بيعته)، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 11: 404 (رقم 5029).
قَرَأتُ في كتاب القُضَاةِ، تأليفُ الحافِظ أبي مُحَمَّد عَبْد الغَنِيّ بن سَعيد المِصْرِيّ
(1)
، من نُسْخَةٍ مَنْقُولَة من خَطِّه، قال: أحْمَدُ بن دَاوُد بن هلال، أبو طَالِب، قاضي أَذَنَة، رَوَى عن أسَد بن مُحَمَّد الخشَّاب حَدِيثًا غَرِيْبًا حدَّثناهُ أبو بَكْر النَّقَّاشُ، قال: حَدَّثَنَا أبو طَالِب -وسمَّاهُ: أحْمَد بن دَاوُد في هلال- قال: حَدَّثَنَا أسَدُ بن مُحَمَّد الخشَّاب، قال: حَدَّثَنَا أبو عُثْمان الصَّيَّاد، قال: حَدَّثَنَا أبو إسْحاق الفَزَارِيّ، عن الأوْزَاعيِّ، عن عَبْدَةَ بن أبي لُبَابَةَ، عن زِرّ بن حُبيشٍ، عن عَبد اللهِ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
: ما من أيَّامٍ أحَبّ إلى اللهِ عز وجل العَمَل فيهنّ من أيَّام العَشْرِ، قيل: ولا الجِهاد في سَبِيْل اللهِ عز وجل؟ قال: ولا الجِهاد في سَبِيْل الله عز وجل.
أحمدُ بن دَاوُد المَكِّيُّ
سَمعَ بحَلَب مُحَمَّد بن أبي أُسامَة الحَلَيِّ، رَوَى عنهُ أبو القَاسِم الطَّبَرَانِيّ.
أخْبَرَنا يُوسُف بن خَلِيل، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد خَلِيل بن بَدْر بن ثَابِت الصُّوْفيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَن بن أحْمَد بن الحَسَن الحدَّاد، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم أحْمد بن عَبْد الله الحاَفظ، قال: أخْبرَنا أبو القاسِم سُلَيمان بن أحمَد بن أيُّوب الطَّبَرَانيّ، قال: أخْبرنا أحْمَد في دَاوُد المَكِّيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أبي أُسامَة الحَلَبيِّ، ح.
حَدَّثَنَا أبو أُسامَة عبدُ الله بن مُحَمَّد بن أبي أُسامَة، قال: حَدَّثَني أبي، قال:
(1)
مؤلفه عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري (ت 409 هـ)، صاحب كتاب المؤتلف والمختلف الذي نقل عنه ابن العديم في أكثر من موضع، أما كتابه "كتاب القضاة" فنقل عنه ابن العديم في ثلاثة مواضع: هذا الموضع، ثم في ترجمة حيان بن بشر (الجزء السادس)، وترجمة ربيعة بن عمرو الجرشي (الجزء الثامن).
(2)
رواه الطبراني في المعجم الكبير 12: 13 (رقم 12326) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.
حَدَّثَنَا ضَمْرَة بن رَبِيْعَة، عن السَّرِيّ بن يَحْيَى، عن عَبْد الكَريم بن رشيد، عن ابن الشَّخِّيْر، عن أَبِيهِ، قال: كُنْتُ أسْمعُ للنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أزِيْرًا بالدُّعَاء وهو ساجد كأَزِيز المِرْجَل.
أحمدُ بن دُبَيْس الأَحَصِّيّ، أبو العبَّاس المَعْرُوفُ بابنِ عَادِب
شَاعِرٌ من أهل الأحَصّ، كان بحَلَب في أيَّام أتَابِك زَنْكِي بن آقْسُنْقُر، قرأتُ له أشْعَارًا بخَطِّ الأُسْتَاذ أبي عبْد الله مُحَمَّد بن عليّ العُظَيْميّ الحَلَبِيّ
(1)
، وأنْبَأنَا بها المُؤيَّد بن مُحَمَّد بن عليّ الطُّوْسيّ عنهُ. منها:[من البسيط]
خَاطِرْ فما المَجدُ إلَّا بيْنَ أَخْطارِ
…
وادْلِجْ فإنَّ العُلَى للمُدْلجِ السَّارِي
واضْرِبْ غَوارِبَها في كُلِّ مهْلكةٍ
…
تفُزْ بعِزٍّ مُقيمٍ غَيْر يسِّارِ
ولا تُرِحْهَا فمن بَعْد الكَلالِ لها
…
بالنُّجْح راحَةُ نفَاعٍ وضَرَّارِ
وارْخَ الرَّواسِمِ أو تَدمى المناسِم في
…
طِلَابِ ثَأر العُلَى إنْ كُنْتَ ذا ثارِ
العَجْزُ يفرسُ أهْليهِ الهَوَانَ كما
…
أنَّ العُلَى في قرابيسٍ وأكْوَارِ
وإنْ تَطَاولَ حرمانٌ كما اعتَرَضَتْ
…
عَوائقٌ دُون أغْرَاضٍ وإيْثَارِ
المَجْد لا يقْتَضِيهِ الماجدُونَ إذا
…
ما اعْتَاص إلَّا بماضي الحدِّ بتَّارِ
وارْم الخِطَارَ إلى العَلْيَاءَ مُقْتَحمًا
…
وناجِهًا بعَوالي كُلّ خَطَّارِ
واصْدَعْ جَلَابِيبَ هذا اللَّيْلِ مُقْتَدِحًا
…
متَى ظلْلتَ (a) زِنادَ العزْمَة الوَارِي
ولا تَرَقْ لمحبُوبٍ تُفارقهُ
…
ولا تُعرِّجْ على رَبْعٍ ولا دَارِ
(a) كتب ابن العديم في الهامش: "أظنه: ضَللت".
_________
(1)
كتاب العظيمي المُراد هو كتاب المُؤصّل على الأصل الموصَّل، المفقود أصله، ولم نقف على ذكر لصاحب الترجمة ولا لأشعاره في مختصره المسمى تاريخ حلب.
أحمد بن دِهْقَان، أبو بَكْر الحافِظُ
كان يَسْكن الحَدَث، مَدِيْنَةٌ من الثُّغُور قد ذكَرْناها في صَدْرِ كتَابِنا هذا
(1)
، ودِهْقَان لقَبٌ، واسْمه الفَضْل، وإنَّما ذَكَرناهُ ها هُنا لأنَّهُ جاءَ في بعض الأسَانِيْد هكذا، وَسَنَذْكُر تَرْجَمَتهُ في حَرْف الفاء من آباءِ الأحْمَدِين
(2)
إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
ذِكْرُ حَرْف الذَّال في آبَاءِ الأحْمَدِين
أحمد بن ذِكْر بن هَارُون بن إسْحاق بن إبْراهيم البَجَليُّ، أبو العبَّاس
سَمعَ بمَعَرَّة النُّعْمَان أبا الفَتْح مُحَمَّد بن الحَسَن بنِ مُحَمَّد بن أحْمَد بن رَوْح المَعَرِّيّ، وَكيْلَ أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي، وحَدَّثَ عنهُ بعَكَّا، روَى عنهُ أبو زَكَرِيَّاء عبدُ الرَّحيم بن أحمد بن نَصْر الحافِطُ البُخاريّ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الرَّحيم بن يُوسُف بن الطُّفَيْل إذْنًا، قال: أنْبَأنَا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن إبْراهيم السِّلَفِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن المُشَرَّف المِصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو زَكَرِيَّاء عبدُ الرَّحيم بن أحْمَد بن نَصْر الحافِظُ البُخاريّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن ذِكْر بن هارُونَ بن إسْحاق بن إبْراهيم البَجَليّ بعَكَّا، قال: حَدَّثَنَا أبو الفَتْح مُحَمَّدُ بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن رَوْح المَعَرِّيّ، قال: حَدَّثَنَا عَمُّ أبي البَهيءَ مَيْمُونُ بن أحْمَد بن رَوْح، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بنُ خَلَصَة، قال: حَدَّثَنَا مَالِك بن يَحْيَى القَلَانِسِيّ، عن يَعْلَى بن الأشْدَق، عن عَمِّه عَبْد الله بن جَرَادٍ، قال: كنتُ عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأتاه النَّابِغَةُ، فأنْشَدَهُ شِعْرًا، فقال له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: لا يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ، قال: فَعاشَ النَّابِغَةُ عِشْرين ومائة سنةٍ لم تَسْقُط له سِنّ.
(1)
تقدم الكلام على الحدث في الجزء الأول.
(2)
ضاعت الترجمة الأخرى لابن دهقان بضياع الجزء الضامّ لها.
أحْمَدُ بن ذُؤَالَة المِصِّيْصيّ
أنْبَأنَا عَبْد الجَلِيْل بن أبي غَالِب، قال: أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن نَصْر بن المُظَفَّر، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو عَبد الوَهَّاب بن مُحَمَّد بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبي أبو عَبْد الله بن مَنْدَة، قال: أحْمَدُ بن ذُؤَالة المِصِّيْصيّ، حَدَّثَ عن أحْمَدَ بن خَالِد الوَهْبِيّ، رَوَى عنهُ أحْمَدُ بن رِشْدِين.
أحْمَدُ بن ذُو غبَاش القَائِد
(1)
كان من قُوَّاد خُمَارَوَيْه بن أحْمَد بن طُوْلُون، ووَلَّاهُ حَلَب بعد السَّبْعين والمائتين بعد ولاية مُحَمَّد بن العبَّاس بن سَعيد الكِلابِيّ.
وقَعَ إلىَّ جُزءٌ بخَطِّ أبي مَنْصُور هِبَة الله بن سَعْد الله بن سَعيد بن الجِبْرَانيّ (a)، والد شَيْخنا تَاج الدِّين أحْمَد بن هِبَة الله، يَتَضمَّنُ ذِكْر وُلَاة حَلَب، وكان أَدِيْبًا ولهُ عنايةٌ بالتَّارِيخ. قال في هذا الكتاب، ونَقَلْتُه من خَطِّه: ثمّ تنقَّلَت الحالُ بمُحَمَّد بن عبَّاس إلى أنْ وَلي حَلَبَ من ابنِ طُوْلُون، ثمِّ وَلِيَ حَلَب بعدَهُ ابن ذُو غبَاش، وكان من قُوَّاد الطُّولُونيَّة، ثمّ وليها بعدَهُ مُحَمَّدُ بن دِيْودَاد بن أبي السَّاج.
(a) هكذا قيده المؤلف بكسر الجيم، ووافقه على هذا ابن الشعار في قلائد الجمان 1: 340، ويأتي في العديد من المصادر بالفتح مثل التكملة للمنذري 3: 387 وتاريخ الإسلام للذهبي 13: 853 والجواهر المضية للقرشي 1: 345، وبغية الوعاة للسيوطي 1: 394، وتكلم ابن العديم على وجه نسبته في ترجمة ابن المذكور أعلاه (الجزء الثالث) وأبقينا على ضبطه كما جاء لاتِّصاله بهم وسؤاله إياهم عن النسبة.
_________
(1)
ترجمته في: ولاة مصر للكندي 246 (أحمد في دوغياش)، تاريخ دمشق لابن عساكر 6: 93 - 94، (وفيه: أحمد بن يد غباش التركي)، ابن الأثير: الكامل 7: 411، (وفيه: ابن دعباش، وكان عاملًا على الرقة والثغور والعواصم لابن طولون)، زبدة الحلب 1: 87 (أحمد بن ذو غباش)، أبو الفداء: اليواقيت والضرب 68 (أحمد في ذو غباش)، الوافي بالوفيات 30: 59، (وفيه: ابن يدغباش)، ابن خلدون: العبر 8: 22 (أحمد في دوغباش)، الطباخ: إعلام النبلاء 1: 201 - 202.
ويقال فيه أحْمَد بن يد غبَاش، وَسَنَذْكُره إنْ شَاءَ اللهُ
(1)
.
ذِكْرُ حَرْف الرَّاء في آبَاءِ الأحْمَدِين
أحمدُ بن رَاشِد بن أبي الحَسَن، أبو العبَّاس الدِّيَار بَكْرِيُّ ثمّ الحَلَبِيّ
سَكَنَ حَلَبَ وأقامَ بها، وسَمعَ بها جَمَاعَة منهم: يُوسُف بن مُحَمَّد بن مُقَلَّد الدِّمَشقيّ، وأبو الفَضْل مُحَمَّد بن يُوسُف الغَزْنَوِيّ وغيرهما.
وكان رَجُلًا كَيِّسًا، عنده محُاضَرَة ومُجالَسة، كتَبَ عنه الشَّريفُ إِدْرِيس بن الحَسَن الإِدْرِيسِيّ فَوَاِئِد، وأجاز لشَيْخنا أبي مُحَمَّد عبد الله بن عُمَر بن حَمُّوْيَه، وحَدَّثَنَا عنه بتلك الإجَازَة.
أخْبَرَنا شَيْخ الشُّيُوخ أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن عُمَر بن حَمُّوْيَه بدِمَشْق قراءةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَد بن رَاشِد بن أبي الحَسَن في كِتَابِهِ إليْنَا منِ حَلَب، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن مُحَمَّد بن مُقَلَّد الدّمَشقيّ بحَلَب في ذِىِ الحِجَّة من سَنَة سَبْعٍ وخَمْسِين وخَمْسِمائَة، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي في مُحَمَّد الأنْصَارىُّ، ح.
وأخْبرناهُ عاليًا تَاجُ الدِّين أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن بن زَيْد الكِنْدِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن إبْراهيم بن عِيسَى البَاقلَّانيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر أَحْمَدُ بن جَعْفَر بن حَمْدَان بن مالك القَطِيْعِيُّ، قال: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بن عَبْد الكَريم المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا خَلَفُ بن هِشَام، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاشٍ، عن بَحِير بن سَعْد، عن خَالِد بن مَعْدَان، عن عُقْبَهَ بن عَامِر أنَّه سَمِعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقُول
(2)
: الجَاهِرُ بالقُرْآن كالجاهِر بالصَّدَقَة، والمُسِرُّ بالقُرْآن كالمُسِرّ بالصَّدَقَة.
(1)
ستأتي ترجمته في الجزء الثالث، وترجمته هناك أوعب من هذه.
(2)
الطبراني: المعجم الكبير 17: 334 (رقم 923)، سنن أبي داود 3: 83 - 84 (رقم 1333)،=
أحمدُ بن رُسْتُم بن كَيْلَان شَاه الدَّيْلَمِيّ الأصْل، الدِّمَشقيّ المَوْلد، أبو العبَّاس الشَّافِعيّ
(1)
وكان أبوه يُعْرَفُ باسْبَاسْلَار، شَيْخٌ حَسَنٌ، فَقِيْهٌ، أدِيبٌ، شَاعِرٌ، نَاثِرٌ، أمِيْنٌ، ثِقَةٌ.
قَدِمَ حَلَب، وأقامَ بها مُدَّة في صُحْبَة أبىِ مُحَمَّد طَاهِر بن جَهْبَل الحَلَبِىّ المَعْرُوف بالمَجْد، وتَفَقَّهَ عليه بها، ووَلَّاهُ ابن جَهْبَل وَقْف المَدْرَسَة النُّورِيَّة المَعْرُوفة بالنِّفَّرِىّ، وانْتَقَل ابنُ جَهْبَل إلى البَيْت المُقَدَّس، فانتَقل في صُحْبته ولم يُفَارقه. وأقام بالبَيْت المُقَدَّس بعد وفاته، وصارَ من المُعَدَّلين بها.
ولمَّا هَدَم المَلِك المُعَظَّم أسْوار البَيْت المُقَدَّس في سَنَة خمسِ عَشْرة وسِّتمائة، خَرَجَ من البَيْت المُقَدَّس، وانْتَقَلَ إلى دِمَشْقَ وسَكَنَها إلى أنْ ماتَ.
وكان قد سَمِعَ بدِمَشْق من أبي الفَهْم عبد الرَّحْمن بن عَبْد العَزِيْز بن أبي العَجَائِز الأزْدِيّ، ومن أبي علي الحَسَن بن هِبَة الله بن يَحْيَى المَعْرُوفُ بابنِ البُوْقِيّ الوَاسِطِيّ، ومن أبي مُحَمَّد القَاسِم بن عليّ بن الحَسَن الحافِظ؛ وسَمِعَ بمِصْرَ من أبي الطَّاهِر إسْمَاعِيْل بن يَاسِيْن المُقْرِئ، وأبي القَاسِم البُوْصِيرِيّ، وأبي عبد الله بن حَمْد الأرْتاحِيّ، وفاطِمَة بنْت سَعْد الخَيْر، وغيرهم.
اجْتَمَعْتُ بهِ بالبَيْت المُقَدَّس وكَتَبتُ عنه الجُزء الأوَّل من حَدِيث ابن سُخْتَام بروايته عن أَبي الفَهْم بن أبي العَجَائِز، وجُزءًا من روايته عن أبي عليّ بن
= صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 3: 8 (رقم 734)، المسند الجامع 13: 55 (رقم 9885).
وفي جميعها: "عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن عقبة بن عامر"، وراه النسائي في سننه بشرح السيوطي 3: 225 (رقم 1663) بلفظ مختلف.
(1)
توفي سنة 621 هـ، وترجمته في: قلائد الجمان لابن الشعار 1: 226 - 235، الوافي بالوفيات 6: 381، 30: 97، المقريزي: المقفى الكبير 1: 385 - 386.
البُوْقِيّ، وجُزْءًا يتضمَّن عدَّةَ قصائد ومَقاطِيْع من شِعْره، وخُطْبَة من إنْشائه.
وأخْبرَني رفيقُنا الحافِظ إبْراهيم بن الأزْهَر الصَّرِيفِيْنِيّ أنَّ مَوْلد شَيْخنا أحْمَد ابن اسْبَاسْلَار رُسْتُم في سَنَة ثَمانٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة بدِمَشْق.
أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَد بن اسْبَاسْلَار رُسْتُم بن كَيْلَان شَاه الدَّيْلَمِيّ الدِّمَشقيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَهْم عبد الرَّحْمن بن عَبْد العَزِيْز بن أبي العَجَائِز الأزْدِيُّ بجامع دِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن إبْراهيم بن الحِنَّائِيّ، قال: قُرِئ على أبي الحَسَن عليّ بن إبْراهيم بن نَصْرُوَيْه بن سُخْتَام الفَقِيهُ السَّمَرْقَنْديّ -قَدِمَ علينا دِمَشْق طَالِبًا للحَجِّ- فأقَرَّ بهِ، قيل لهُ: حدَّثكم الشَّيْخُ والدُك أبو إسْحاق إبْراهيم بن نَصْرُوَيْه بن سُخْتَام بن هَرْثَمَة بن إسْحاق بن عبد اللهِ، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحَارِث الحافِظُ، عن عليّ بن إِسْمَاعِيْل الخُجَنْدِيّ، وفَتْح بن عُبَيْد، قالا: حَدَّثَنَا عليّ بن إسْحاق، عن مُحَمَّد بن مَرْوَان، عن الكَلْبىّ، عن عَامِر بن خَلِيفَة الأنْصَاريّ، عن الحَسَن، عن عبد الله بن عُمَر
(1)
، عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: إنَّ في القِيامَة لثلَاث سَاعات يَشْتَغل فيها المَرْءُ عن وَلده وعن والده وعن مَنْ في الأرْض جَمِيعًا حتَّى يَعْلَم في أيّ الفريقَيْن يكُون.
أخْبَرَنا الفَقِيهُ أبو العبَّاس أحْمَد بن رُسْتُم قِراءَةً عليهِ بالبَيْت المُقَدَّس، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن هِبَةِ الله بن يَحْيَى المَعْرُوفُ بابنِ البُوْقِيّ الوَاسِطِيّ، قال: حَدَّثَنَا والدي شَيْخُ الإسْلَام أبو جَعْفَر هِبَةُ الله، قال: قُرِئ على الشَّيْخ أبي نُعَيْم مُحَمَّد بن إبْراهيم بن مُحَمَّد بن خَلَف الجُمَّارِيّ (a)، فأقرَّ بهِ وأنا حاضِرٌ أسْمَع، قيل له: أخْبَركُم أبو الحَسَن أحْمَد بن المُظَفَّر بن أحْمَد العَطَّار، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد
(a) الضبط من تقييد ابن نقطة 1: 137.
_________
(1)
لم أقف على تخريجه.
عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عُثْمان الحافِظ الوَاسِطِيّ، المُلَقَّبُ بابن السَّقَّاء، قال: حَدَّثَنَا أبو خَلِيفَة الفَضْل بنُ الحُبَابِ الجُمَحِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بن مُسَرْهَد، قال: حَدَّثَنَا أبو عَوَانَة، عن عُثْمان بن المُغِيرَة الثَّقَفِيّ، عن عليّ بن رَبِيْعَة، عن أسْماء بن الحَكَم الفَزَارِيّ، عن عليّ بن أبي طَالِب رضي الله عنه، قال
(1)
: كنْتُ إذا سمعْتُ من رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا نفَعَني اللهُ بما شَاء أنْ يَنْفَعني حتَّى حَدَّثَني أبو بَكْر الصِّدِّيْق رضي الله عنه، وصَدَقَ أبو بَكْر، وكانَ إذا حَدَّثَني بعضُ أصْحَابنا حَدِيثًا اسْتَحْلَفْتُه؛ فإنْ حَلَفَ لي صَدَّقْتُه، وإنَّه حَدَّثَني أبو بَكْرٍ، وصَدَق أبو بَكْر عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: ما من عَبْدِ يُذْنبُ ذَنْبًا ثمّ يتوضَّأُ ويُصَلِّي رَكْعَتَيْن، ثمّ يَستَغْفر الله عز وجل لذلك الذَّنْب إلَّا غُفِرَ له.
أنْشَدَني أبو العبَّاسِ أحْمَدُ بن رُسْتُم بن كَيْلَان شَاه الدَّيْلَمِيّ لنَفْسِه في الغَزَل
(2)
: [من الرمل]
شَهَرتْ من لحْظها لي مُرْهَفَين
…
يَوْم زُمَّتْ عِيْسُها بالمَأزِمَيْن
عَرَّفَتْ في عَرَفاتٍ وانثَنَتْ
…
بشِعَار النُّسْك نَحْوَ المشْعَرَيْن
وأفَاضتْ فأفاضَتْ عَبْرَتي
…
حَاثَّة الإعْمَال بين العَلَمَيْن
لمِنًى ثُمّ رمَتْ خَاذفةً (a)
…
جَمْرةً أذكَتْ بقَلْبي جَمْرتَيْن
ثُمَّ طابتْ نَفْسُها في طَيْبَةٍ
…
إذ أَلَبَتْ سحَرًا باللَّابَتَيْن
حَرَمَتْ عيْني الكَرى وَادِعَةً
…
حين وَلَّتْ من وَدَاعِ الحَرَمَيْن
ليْتَها إذْ عذَّبَتْني بالقلَا
…
سمحتَ مالكَتِي بالأَعْذَبَيْن
(a) ابن الشعار: حاذقة.
_________
(1)
ابن حنبل: المسند 1: 46 (رقم 47)، سنن أبي داود 2: 180 (رقم 1521)، مسند أبي يعلى الموصلي 11، النسائي: عمل اليوم والليلة 138 - 139 (رقم 417 - 420)، الطبراني: المعجم الأوسط 1: 348 - 349 (رقم 588)، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 2: 390 (رقم 633).
(2)
الأبيات في قلائد الجمان 1: 227 - 228.
كُلّما اسْتَنْجَدتُ (a) فيها عزْمَةً
…
لسُلُوٍّ فتَرَتْ بالفَاتِرَيْن
كيفَ أسْلُو والهَوَى لَمْحة عَيْن
…
أوْدَعَتْني عَارِضًا من عَارضَيْن
مَنْ مُجِيْري من هَوَاها فلَقَد
…
حجَبَ النَّوْمَ قِسِىُّ الحاجِبَيْن
أعرضَا عَنِّي فما يَنْفَعُني
…
طِبُّ بُقْرَاطٍ ولا رَأىُ حُنَيْن
لَيْسَ يُرْجَى لي شِفَاءٌ عندَهُ
…
بَلْ شِفَائي من بَرُودِ الشَّفَتَيْن
قد رَآني قَاضِيًا حَقّ الصِّبَى
…
بحقَاقٍ (b) حَمَلَتْ عَنْبرتَيْن
واعجَبَا (c) منِّي ومن مُعْجِبَةٍ
…
بنْتِ تسْع وثَلَاثٍ واثنَتَيْن
وأنْشَدَني أحْمَد بن رُسْتُم الشَّافِعيّ لنَفْسِه
(1)
: [من الخفيف]
رُبَّ كاسٍ عَار من الآدَابِ
…
هَمُّه ما يَشيْدُهُ للخَراب
يَتَباهَى بثَوْبهِ وثرَى المَـ
…
ـالِ وجسْم يَبْلى وعَيْشٍ لُبَابِ
مُهْملًا أَمْرَ دِيْنِهِ ليسَ يَدْرِي
…
أنَّ هذا جَميعَهُ للذَّهَابِ
وأنْشَدَني لنَفْسِه
(2)
: [من المتدارك]
اشْتَدِّي أزمَةُ تَنْفَرجي
…
فالضِّيْقُ مَنُوطٌ بالفَرَج
والعُسْرُ يَؤُولُ إلى يُسُرٍ
…
والرُّوْح تُراحُ من الحَرَج
مُذْ لاحَ بَياض في لممٍ
…
من بَعْد سَوَادٍ كالسَّبَج
فاسمَع يا صَاحِ وَصِيَّةَ مَنْ
…
في زُوْر البَاطِل لَمْ يلج
اعْلَم واعْمَل بالعِلْم لكي
…
تَسْمُو في الخُلْدِ ذُرَى (d) الدَّرَج
لا تُرض أخَاكَ وتُوْسعُهُ
…
مَكرًا فالبَهْرَجُ لَمْ يَرُج
لا تَرْم النَّاسَ بمُعْضلةٍ
…
يَرمُوكَ بقَاصمَةِ الثَّبَج (e)
(a) ابن الشعار: استحدثت.
(b) ابن الشعار: لحقاق.
(c) ابن الشعار: عجبًا
(d) ابن الشعار: ذوي.
(e) ابن الشعار: الشبج.
_________
(1)
الأبيات في قلائد الجمان 1: 228.
(2)
الأبيات في قلائد الجمان 1: 228 - 229.
إيَّاكَ فلاتَكُ مُعْتَذرًا
…
للَّائم من أمْرٍ مَرج
إِيَّاكَ وعَيْبَ سِوَاكَ وكُن
…
ما عِشْتَ بعَيْبك ذا لَهَج
والخِلَّ فَوَاسِ بما مَلكَتْ
…
كفاكَ بلا خُلُقٍ سَمج
أخْبَرَنِي مُحِبّ الدِّين أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن النَّجَّارِ أنَّ شَيْخَنا أبا العبَّاس أحْمَد بن رُسْتُم الدِّمَشقيّ تُوفِّي بها يَوْم الجُمُعَة الرَّابِع عَشر من ذِي الجِّة من سَنَة إحْدَى وعشرين وسِتّمائة، ودُفِنَ بجَبَل قَاسِيُون.
أحمدُ بنُ رِضْوَان، أبو الفَضْل البَرْمَكِيُّ
سَمِعَ بحَلَب أبا الحَسَن عليّ بن أحْمَد الجُرْجَانِيّ نَزِيلُ حَلَبَ. رَوَى عنهُ أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن مُحَمَّد الأنْطَاكِيّ الوَرَّاق.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم بن يُوسُف المَعَرِّيّ، عن أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، ونَقَلْتُه من خَطِّه، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخ أبو القَاسِم يُوسُف بن إبْراهيم بن يُوسُف بن بَكْرَان النَّشَويّ، بالنَّشَوَى، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو الحُسَين إبْراهيمِ بن حَمْكَان بن مُحَمَّد النَّشَويّ، قال: حَدَّثَنَا أبيّ، قال: حَدَّثَنِي أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن مُحمَّد الأنْطَاكِىّ الوَرَّاق، قال: حَدَّثَني أبو الفَضْل أحْمَد بن رِضْوَان البَرْمَكِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد الجُرْجَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرو بن عِليّ الصَّيْرَفِيّ، يقول: سَمِعتُ مُعَاذ بن مُعَاذ يقول: كُنَّا عند هِشَام بن حَسَّان ذات يَوْم فذكر ابن عَوْن، فقال: لأحدِّثَنَّكم عن رَجُلٍ واللّه ما رَأت عَيْناي مثلَهُ قَطّ، فقُلتُ: من تقول: القَاسِم بن مُحَمَّد أو مُحَمَّد بن سِيْرِيْن؟ قال: ذاك القائم يُصَلِّيّ، قال: فإذا هو ابن عَوْن قائم يُصَلِّي إلى سَارِيَة.
أحمدُ بنُ رَمَضَان المِصْرِيُّ، أبو العبَّاس
حَدَّثَ بطَرَسُوس عن أحْمَد بن مُحَمَّد بن سَلَّام البَغْدَاديّ، وأحمد بن
شُعَيْب، والعبَّاس بن مُحَمَّد بن العبَّاس المِصْرِيّ، ومُحَمَّد بن مَخْلَد العَطَّار. رَوَى عنهُ أبو عَمْرو عُثْمان بن عبد اللّه الطَّرَسُوسِيِّ قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان.
قَرأتُ بخَطِّ أبي عَمْرو الطَّرَسُوسيِّ القَاضِي: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس أحْمَدُ بنُ رَمَضَان المِصْرِيّ قِراءَةً عليهِ ونحنُ ماشِيَان في صَحْن المَسْجِد الجامع بطَرَسُوس، فذكَرَ حَدِيثًا.
أحمدُ بن رَوْحِ بن زِيَاد بن أيُّوبَ، أبو الطَّيِّب البَغْدَاديُّ الشَّعْرَانيُّ
(1)
سَمِعَ بأنْطَاكِيَةَ عَبْد اللّه بن خُبَيْق بن سَابِق الأنْطَاكِيِّ، وحَدَّثَ عنهُ، وعن العبَّاسِ بن الوَلِيدِ بن مَزْيَد البَيْرُوتيّ، ومُحَمَّد بن حَرْب النَّشَائيّ، والرَّبيعْ بن سُلَيمان، والحَسَن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانيَّ، ومُحَمَّد بن يَزِيد بن مَاجَة القَزْوِينيّ، والحَسَن بن عَرَفَة.
رَوَى عنهُ القَاضِي أبو أحْمَد مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن إيْاهيم العَسَّال، وحَبِيْبُ بن الحَسَن القَزَّازُ، وأبو القَاسِمِ سُليْمان بن أحْمَد الطَّبَرَانِيّ، وأحمد بن بُنْدَار بن إسْحَاق الشَّعَّار، وعَبْد الرَّحمن بن منْصُور بن سَهْل بن أبي طَالِب.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن الحُسَين بن هِلالَة الأنْدَلُسِيُّ، قال: أخْبَرَنا أَسْعَدُ بن أبىِ سَعيد الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرتْنا فاطِمَةُ بِنْتُ عبْد اللّه الجُوزْدَانيَّة، قالت: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن رِيْذَة، قال: أخْبرَنا أبو القَاسِم الطَّبَرَانِىِّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن رَوْح الشَّعْرَانىِّ ببَغْدَاد، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللّه بن خُبَيْق الأنْطَاكِيّ، قال: حَدَّثَنَا يُوسُف بن أسْبَاط، قال: حَدَّثنَا سُفْيان، عن مُحَمَّد بن جُحَادَة، عن قَتَادَة،
(1)
كان حيًا سنة 290 هـ، ترجمته في: تاريخ بَغْدَاد 5: 257 - 259، مختصر تاريخ دِمَشْقَ لابن منظور 3: 81، تاريخ الإسلام 6: 673 - 674، طبقات المحدثين بأصبهان 4:86.
عن أنس، أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يَطُوفُ على نسائهِ في غُسْلٍ واحدٍ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن بن زَيْد الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيب
(1)
، قال: أحْمَدُ بن رَوْح في زِيَاد بن أيُّوبَ، أبو الطَّيِّب الشَّعْرَانيُّ، حَدَّثَ عن عَبْد اللّه بن خُبَيْق الأنْطَاكِيّ، ومُحَمَّد بن حَرْب النَّشَائيّ، والحَسَن بن مُحَمَّد بن الصَّبَّاح الزَّعْفَرَانيّ. رَوَى عنهُ القَاضِي أبو أحْمَد مُحَمَّد بن أحْمَد بن إبْراهيم العَسَّال، وأحمد بن بُنْدَار بن إسْحَاق الشَّعَّار الأصْبَهَانِيَّان، وأبو القَاسمِ الطَّبَرَانِيُّ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر
(2)
، قال: قال لنا أبو نُعَيم: أحْمَد بن رَوْح بَغْدَاديٌّ، قدِمَ أصْبَهَان قَبْل سَنَة تسعين ومَائتَيْن، لهُ مُصَنَّفاتٌ في الزُّهْدِ والأخْبار.
ذِكْرُ حَرْف الزَّاي في آبَاءِ الأحْمَدِين
أحمدُ بن زُرْقان، أبو بَكْر المِصِّيْصىُّ
حَدَّثَ عن حُسَين بن الفَرَج الخَيَّاط، رَوَى عنهُ أبو عليّ الحَسَنُ بن حَبِيْب.
أحْمَد بن زَكَرِيَّاء بن يَحْيَى بن يَعْقُوب المقدِسِيُّ، أبو الحَسَن
(3)
حَدَّثَ عن أحْمَد بن شَيْبَان الرَّمْليّ، ومُحَمَّد بن سُلَيمان بن هِشَام البَصْرِيّ، وإسْمْاعِيْل بن حَمْدُوَيْه البِيْكَنْدِيّ، وإبْراهيم بن مُحَمَّد بن بَزَّة الصَّنْعانِيّ، ومُحَمَّد بن
(1)
تاريخ بَغْدَاد 5: 257.
(2)
تاريخ بَغْدَاد 5: 259.
(3)
توفي في حدود سنة 350 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 133 - 133، تاريخ الإسلام 7:901.
حَمَّاد الطَّهْرَانيّ، وإبْراهيم بن عبد اللّه ابن أخي عَبد الرَّزَّاق.
رَوَى عنهُ أبو الحُسَين أحْمَد بن مُحَمَّد بن جُمَيْع الغَسَّانِيّ، وأبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن مَنْدَة الأصْبَهَانِيّ، ومُحَمَّد بن يُوسُف بن يَعْقُوب الرَّقِّيّ، وَأبو أحْمَد عبد اللّه بن بَكْر الطَّبَرَانِيّ، وأبو الحسُين مُحَمَّد بن أحْمَد بن الحَسَن الكَرْخِيّ، وأبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن إسْحَاق الحَسَّانِيّ، وتَمَّام بن مُحَمَّد بن أحْمَد الرَّازِيّ.
ورَوَى عنهُ تمَّامِ أيْضًا مُنَاوَلَةً، فقال: أخْبَرَني أحْمَد بن زَكَرِيَّاء بن يَحْيَى بن يَعْقُوب المقدِسِيّ مُنَاولَةً وهو مَارٌّ إلى الرَّقَّة، ففي مُروره من دِمَشْق إلى الرَّقَّة اجْتازَ بحَلَب أو ببَعْض عَمَلها.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن الحَرَسْتَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليُّ بنُ المُسَلَّمِ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر بن طَلَّاب، قال: أَخْبَرَنا أبو الحُسَين بن جُمِيع
(1)
، قال أحْمد بن زَكَرِيَّاء بن يَحْيَى بن يَعْقُوب أبو الحَسَن المَقْدِسِيِّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عبد الرَّحْمن (a) أحْمَد بن شَيْبَان، قال: حَدَّثَنَا مُؤَمَّل بن إسمَاعِيْل، قال: حَدَّثنا سُفْيان الثَّوْرِيّ، عن عَاصِم، عن أبي عُثْمان، عن أبي مُوسَى، قال: قال رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم
(2)
: أهلُ المَعْرُوف في الدُّنْيا أهل المعرُوف في الآخرة، وأهل المُنْكَر في الدُّنْيا أهل المُنْكَر في الآخرة.
روَى الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(3)
هذا الحَدِيْث من طَريق ابن جُمَيعْ وقال عَقِيْبَهُ: كَذَا قال، والمحفُوظ أنْ كُنْية أحْمَد بن شَيْبَان أبو عَبْد المُؤْمِن.
(a) ابن جميع الصيداوي: أبو عبد المؤمن، وانظر نقل ابن العديم بعده عن ابن عساكر.
_________
(1)
ابن جميع الصيداوي: معجم الشيوخ 192.
(2)
رواه الطبرانيّ في المعجم الكبير 6: 51 (رقم 6112) والبيهقي: دلائل النبوة 6: 159 من طريق أبي عثمان النهدي عن سلان، ورواه الطبرانيّ في المعجم الأوسط 1: 135 (رقم 156)، والأصبهاني: حلية الأوّلياء 9: 319، من طريق الحَسَن عن أبي هريرة، والقضاعي في مسنده 1: 199 - 200 (رقم 217) من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة. ورواه الحاكم: المستدرك 1: 124 من حديث أنس بن مالك.
(3)
تاريخ ابن عساكر 71: 133.
أحمدُ بنُ زِيَاد بن يُوسُف، أبو بَكْر الحَلَبِيَّ
حَدَّثَ بها عن سَهْل بن صالح الأنْطَاكِيّ، رَوَى عنهُ أنر الحُسَين مُحَمَّد بن المُظَفَّر بن مُوسَى الحافِظُ.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عبد اللّه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم ذَاكِر بن كَامِل بن أبي غَالِب، قال: أنْبَأنَا أبو الوَفَاء عَقِيل بن مُحَمَّد بن عَقِيل، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْدِ المَلِك بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بنُ المُظَفَّر بن مُوسَى الحافِظُ، قَال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر أحْمَد بن زيَاد بن يُوسُف الحَلَبيِّ بحَلَب، قال: حَدَّثنا سَهْلُ بن صَالح، قال: حَدَّثَنَا أبو عَامِر، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان الثَّوْرِيّ، عن الأَعْمَش، عن أبي حَازِم، عن أبي هُرَيْرَة، أرَاهُ رفعَهُ، أنَّ رَجُلًا مَرَّ بكَلْب على رَأسِ قَليبٍ يلهَثُ، فنَزَعَ خُفَّهُ فَسَقاهُ، فغُفِرَ لهُ (a).
[أحْمَدُ بن السَّرِيّ الأنْطاكِيّ]
(b)
[ .... ]
(1)
السَّرِيّ قال: كان بالبَصْرَة شَاب مُتَعبِّد، وكانت عَمَّةٌ لَهُ تَقُومُ بأمْره، فأبْطَأتْ عليهِ مَرَّةً، فمكث ثلاثهَ أيَّام يَصُومُ ولا يُفْطر على شيء، فلمَّا كان بعد ثلاثٍ قال: يا رَبّ رفعْتَ رِزْقيّ، فأُلْقي إليهِ من زَاوِيَة البَيْت مِزْوَدٌ مُلئ سُويقًا (c)، فقيل لهُ: هَاكَ يا قَليل الصَّبْر.
(a) الصفحة التي تلي هذا بياض في الأصل.
(b) وقع في نسخة الأصل خرم يشتغرق ورقة، وبضمنها اسم المؤرجم له، المدرج بين حاصرتين، واستكملناه من تاريخ دِمَشْقَ لابن عساكر.
(c) الأصل: ملأ سويق. والمثبت من تاريخ ابن عساكر.
_________
(1)
انظر سند الرواية في تاريخ دِمَشْقَ لابن عساكر 49: 137، في ترجمة القاسم بن عليّ، الَّذي يروي عن أحْمَد في السري الأنطاكي.
أحمدُ في سَطْحَان اليَمَانِيُّ
حدَّثَ بطَرَسُوسَ عن عليّ بن إبْراهيم النَّاقِد، وأبي حَامِد أحْمَد بن عَبْد اللّه الأصْبَهَانِيّ، وعُبَيْد اللّه بن مُحَمَّد بن العبَّاس بن الفَضْل اللَّحَّام.
رَوَى عنهُ أبو عَمْرو عُثْمان بن عبد اللّه بن إبْراهيم الطَّرَسوسِيّ قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان.
أحْمَدُ بن سَعْد بن إِبْراهيم في سَعْد بن إبْراهيم بن عبد الرَّحْمن بن عَوْف، أبو إبْراهيم الزُّهْرِيُّ
(1)
خَرَجَ إلى جَبَل اللُّكَام والثُّغُور، وتردَّدَ في نَوَاحِيها، ودخَلَ المِصِّيْصَة، وكان من العُبَّادِ المَذْكُورينَ، ويقال إنَّهُ كان من الأبْدَال.
حَدَّثَ عن عليّ بن الجَعْد، وأبي أَيُّوب سُلَيْمان بن عَبْد الرَّحْمَن، ومُحَمَّد بن سَلَّام الجُمَحِيّ، وهشَام بن عَمَّار، وعَفَّان بن مُسْلِم، وإبْراهيم بن يَحْيَى بن أبي المُهاجِر، وسَعيد بن حَفْص الحَرَّانيّ، وإبْراهيم بن الحَجَّاجِ، ودُحَيْم، وإسْحَاق بن مُوسَى الأنْصَاريّ، ويَحْيَى بن عبد اللّه بن بُكَيْر، ويَحْيَى بن سُلَيمان الجُعْفِيّ، وعُبَيْد بن إسْحَاق العَطَّار، وعَبْد العَزِيْز بن مِمْران، وعليّ بن بَحْر بن بَرِّي.
رَوَى عنهُ أبو العبَّاس الأصَمّ، وأبو القَاسِم البَغَويّ، وأبو عَوَانَة يَعْقُوبُ ابن إسْحَاق الإسْفَرَاينِيّ، والحُسَين بن إسْمَاعِيْل المحامِلِيّ، وأبو مُحَمَّد يَحْيَى بن مُحَمَّد بن صَاعِد، وأبو الحُسَين أحْمَدُ بن جَعْفَر بن المُنَادِيّ، وأبو بَكْر عبد اللّه بن
(1)
توفي سنة 273 هـ، وترجمته في: تاريخ بَغْدَاد 5: 294 - 298، ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة 1: 46 - 47، تاريخ ابن عساكر 71: 136 - 141، المنتظم 13: 255 - 256، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 16: 113 - 114، ابن منظور، مختصر تاريخ دِمَشْقَ 3: 85 - 86، تاريخ الإسلام 6: 482، سير أعلام النبلاء 13: 117 - 118.
مُحَمَّد بن زِيَاد النَّيْسَابُوريّ، وأبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن أحْمَد الحَكيْمِيّ، وإسْمَاعيْل بن مُحَمَّد الصَّفَّار، وأبو القَاسِمِ الحَذَّاءُ الحَرْبِيّ، والقَاسِمِ بن زَكَرِيَّاء المُطَرِّزُ، ومُحَمَّدُ بن مَخْلَد الدُّوْرِيُّ.
أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر عبد الرَّحيم بن عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، في كِتَابِهِ إليْنَا من مَرْو غير مَرَّة، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَات عبد اللّه بن مُحَمَّد بن الفَضْل الفَرَاوِيّ قراءةً عليه، ح.
وأخْبَرَنا أبو بَكْر القَاسِمُ بن أبي سَعْد عَبْد اللّه بن عُمَر بن الصَّفَّار، في كِتَابِهِ إليْنَا من نَيْسَابُور، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخان أبو الأَسْعَد هِبَة الرَّحمن بن عَبْد الوَاحِد بن أبي القَاسمِ القُشَيْريّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، وأبو البَرَكَات الفَرَاوِيّ إجَازَةً، قال أبو البَرَكَات: أخْبَرَنا أبو عَمْرو عُثْمان بن مُحَمَّد بن عَبْد اللّهِ المَحْمِيِّ. وقال أبو الأَسْعَد: أخْبَرَنا ابو مُحَمَّد عَبْدُ الحَميْد بن عبد الرَّحْمن البَحِيْرِيُّ، قالا: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم عَبْد المَلِك بن الحَسَن الإسْفَرَاينِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَوَانَة يَعْقُوبُ بن إسْحَاق بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا أبو إبْراهيم الزُّهْرِىُّ - وكان من الأبْدَال - قال: حَدَّثَنَا أبو أَيُّوب سُليْمان بن عبد الرَّحْمن، قال: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بن إسْحَاق، قال: حَدَّثنا الأوْزَاعِيّ، قال: أخْبَرَني يَحْيَى بن أبي كَثِيْر، أنَّ عَمْرو بن يَحْيَى أخبرَهُ عن أَبِيهِ يَحْيَى بن عُمَارَة، أنَّه سَمِعَ أبا سَعيد الخُدْرِيّ يقُول: قال رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم
(1)
: ليسَ
(1)
ابن أبي شيبة: المصنف 3: 355 - 356 (رقم 9857)، صحيح مسلم 2: 673 (رقم 979)، سنن أبي داود 3: 208 (رقم 1558)، الترمذيّ: الجامع الكبير 3: 14 (رقم 626)، مسند أبي يعلى الموصلي 2: 331 (رقم 1071)، سنن الدارقطني 1: 93، وفيه:"أواق من الورق، ذود من الإبل، أوسق من التمر"، صحيح ابن حبَّان بترتيب ابن بلبان 8: 76 (رقم 3282)، سنن النسائيّ بشرح السيوطيّ 5: 17 (رقم 3445)، المسند الجامع 6: 369 (رقم 4338)، 372 (رقم 4339)، وفيه:"أوساق من التمر، أواق من الورق، ذود من الإبل".
ورواه ابن ماجة: السنن 1: 572 (رقم 1794)، من طريق عمرو بن دينار عن جابر بن عبد اللّه.
فيما دونَ خَمْس أوَاقٍ صَدَقَة، وليسَ فيما دُون خَمس ذَوْدٍ
(1)
صَدَقَة، وليس فيما دون خَمْسَة أوْسُق صَدَقَةٌ.
وقال أبو عَوَانَة في حَديثٍ ذكرَهُ: قُلتُ لابن خِرَاشٍ؛ يعني عبد الرَّحْمن بن خِرَاش: أخاف أنْ يكون أبو إبْراهيم غلط على عليّ بن الجَعْد، فقال: أبو إبْراهيم كان أفضَل من عليّ بن الجَعْدِ كَذَا وكَذَا مرَّة، أحْسَبُه قال: مائةَ مرَّة.
أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد عَبْد القَادِر بن عبد الله الرُّهَاوِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل عبد الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد الخَطِيبُ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عَبْد القَادِر بن مُحَمَّد بن يُوسُف، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيْز بن عليّ الأَزَجِيّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن عبد الله بن الحَسَن بن جَهْضَم، قال: حَدَّثَنَا عُثْمان بن الحُسَين، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم الحَرْبِيّ الحَذَّاءُ، قال: حَدَّثَني أبو إبْراهيم الزُّهْرِيّ، قال: كُنْتُ جَائِيًا من المِصِّيْصَة فمرَرْتُ باللُّكَام، فأحبَبْتُ أنْ أراهُم، فقَصَدْتُهم، ووِافَيْتُ صلَاةَ الظُّهْر، قال: وأحْسَبُه رآني منهُم إنْسَان عَرفَني، فقُلتُ لَهُ: فيكم رَجُل تَدُلُّوني عليهِ؟ فقالوا: هذا الشَّيْخُ الّذي يُصَلِّي بنا، فَحضَرْتُ معهم صلاةَ الظُّهْر والعَصْر، فقال له ذلك الرَّجُل: هذا من وَلدِ عبد الرَّحْمن بن عَوْف، وجَدُّه أَبُو أُمّه سَعْد بن مُعَاذ، قال: فبَشَّ بي وسَلَّم عليَّ كأنَّهُ كان يَعْرفُني، فقُلتُ لَهُ: من أين تأكُل؟ فقال: أنتَ مُقِيم عندنا؟ قُلتُ: اللَّيْلةَ، ثمّ جَعَل يُحدِّثُنِي ويُؤانِسُني، ثمّ جاء إلى كَهْف فدَخَل، وقعَدْتُ وأخْرَج قَعْبًا فوضَعَهُ، ثمّ جَعَل يُحدِّثُني حتَّى إذا كادَت أنْ تَغرُبَ، اجْتَمع حَوَاليه ظِباءٌ، فاعْتَقل منها واحدةً، فَحَلَبَها حتَّى ملأَ ذللث القدَحَ، ثمّ أرْسلها، فلمَّا سقَط القُرْص حسَاهُ (a)، ثمّ قال: ما هو غير ما تَرَى.
(a) مهملة في الأصل بهذا الرسم، اتخذه حساءً.
_________
(1)
الذَّوْدُ: عدد من الإبل مُختَلَف في عددها؛ قيل من الثلاث إلى التسع: قيل: إلى العشر وإلى الخمس عشرة وإلى العشرين وإلى فُويق الثلاثين. وأورد ابن منظور الحديث المذكور أعلاه في الاستشهاد، وفي تفسيره أن الرسول جعل الناقة الواحدة ذَودًا. لسان العرب، مادة: ذود.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن، فيما أَذِنَ لَنا أنْ نَرْويَهُ عنْهُ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّازِ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن ثَابِت
(1)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عُمَر بن روْح النَّهْرَوَانيّ، قال: أخْبَرَنا عُبَيدُ الله بن عبد الرَّحْمن الزُّهْرِيّ، قال: سَمِعْتُ أبي يَقُول: مَضَى عَمِّي أبو إبْراهيم الزُّهْرِيّ إلى أحْمَد بن حَنْبَل فسَلَّم عليه، فلمَّا رآهُ وثبَ إليه، وقام إليه قائمًا وأكْرَمَهُ، فلمَّا أنْ مَضَى قال لهُ ابنُهُ عبدُ اللهِ: يا أَبَه، أبو إبْراهيم شَابٌ، وتَعمل به هذا العَمَل، وتَقُوم إليه؟! فقال له: يا بُنَي لا تُعارضْني في مثل هذا، أَلَا أقُومُ إلى ابن عبد الرَّحْمن بن عَوْف!
قال أبو بَكْر الخطيبُ
(2)
: وكان -يعني أحْمَد بن سَعْد- مَذْكُورًا بالعِلْم والفَضْل، مَوْصُوفًا بالصَّلَاح والزُّهْدِ، ومن أهل بيتٍ كُلّهم مُحَدِّثُونَ (a).
وقال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(3)
، قال: أنْبَأنَا مُحَمَّد بن أحْمَد بن رِزْق، قال: أخْبَرَنا إبْراهيم بن مُحَمَّد بن يَحْيَى المُزَكِّي، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن إسْحاق السَّرَّاج، قال: حَدَّثَنَا أبو إبْراهيم أحْمَد بنُ سَعْد الرِّضَا.
وقال أبو بَكْر
(4)
: أخْبَرَني الأزْهَريُّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الفَضْل عُبَيْدُ الله بن عبد الرَّحْمن الزُّهْرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مُحَمَّد بن صَاعِد، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن سَعْد الزُّهْرِىُّ، وكانَ ثِقَةً.
أنْبَأنَا تَاجُ الأُمَناء أبو الفَضْل (b) أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسمِ عليّ بن الحَسَن بن هِبَة الله الحافِظُ
(5)
، قال: أحْمَد بن سَعْد بن إبْراهيم بن سَعْد بن إبْراهيم بن عبد الرَّحْمن بن عَوْف، أبو إبْراهيم الزُّهْرِيّ، سَمِعَ بدِمَشْق: سُليْمان بن عبد الرَّحْمن، وهِشَام بن عَمَّار، وعَبْد الرَّحمن بن إبْراهيم
(a) في نشرة تاريخ بغداد: من أهل بيت كلهم علماء ومحدثون.
(b) الأصل: المفضل، وتقدم التعليق عليه.
_________
(1)
تاريخ بغداد 5: 297.
(2)
المصدر نفسه 5: 295.
(3)
تاريخ بغداد 5: 298.
(4)
المصدر نفسه 5: 298.
(5)
تاريخ ابن عساكر 71: 136.
دُحَيْمًا، وإبْراهيم بن يَحْيَى بن إسْمَاعِيْل بن عُبَيْد الله بن أبي المُهاجِر. وبمِصْر: يَحْيَى بن عبد الله بن بَكْر، وعَبْد العَزِيْز بن عِمْران بن مِقْلَاص، ويَحْيَى بن سُلَيمان الجُعْفِيّ. وبالعِرَاق: عليّ بن الجَعْد، وعليّ بن بَحْر بن بَرِّي، ومُحَمَّد بن سَلَّام الجُمَحِيّ، وعُبَيْد بن إسْحاق العَطَّار، وإسْحَاق بن مُوسَى الأنْصَاريّ، وإبْراهيم بن الحَجَّاج السَّامِيّ، وعَفَّان بن مُسْلِم، وسَعيد بن حَفْص الحَرَّانيّ خال النُّفَيْلِيّ.
رَوَى عنهُ البَغَويّ، وابن صَاعِد، والحُسَين المَحَامِلِيّ، وابن مَخْلَد، وأبو عَوَانَة الإسْفَرَاينِيّ، وأبو الحُسَين بن المُنَادِيّ، وإسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد الصَّفَّار، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أحْمَد بن إبْراهيم الحَكِيْمِيّ، والقَاسِم بن زَكَرِيَّاء المُطَرِّز، وأبو بَكْر عبدُ الله بن مُحَمَّد بن زِيَاد النَّيْسَابُوريّ وغيرهم. وكان يُعَدُّ من الأبْدَال، وسَكنَ بَغْدَادَ، وخَرَج إلى الثَّغْر.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الحافِظُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن عليّ الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن العبَّاس، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن المُنَادِيّ، قال: وأبو إبْراهيم أحْمَدُ بن سَعْد بن إبْراهيم القُرَشِيّ ثمّ الزُّهْرِيّ، كان مَعْرُوفًا بالخَيْر والصَّلَاح والعَفَاف إلى أنْ مات.
أنْبَأنَا الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر
(2)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن أبي جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن المُظَفَّر، قال: قال عبدُ الله بن مُحَمَّد البَغَويّ
(3)
: سَنَة ثَلاثٍ وسَبْعِين -يعني: ومَائتَيْن- فيها ماتَ أبو إبْراهيم الزُّهْرِيّ.
وقال أبو بَكْر
(4)
: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن العبَّاس، قال: قُرئَ على ابن المُنَادِيّ، وأنا أسْمَعُ، قال: أبو إبْراهيم أحْمَدُ بن سَعْد بن إبْراهيم
(1)
تاريخ بغداد 5: 298.
(2)
تاريخ بغداد 5: 298.
(3)
تاريخ وفاة الشيوخ الذين أدركهم البغوي 90.
(4)
تاريخ بغداد 5: 298.
الزُّهْرِيّ تُوفِّي يَوْم السَّبْت، ودُفِنَ يَوْم الأَحَدِ لخمسٍ خَلَوْنَ من المُحَرَّم سَنَة ثَلاثٍ وسَبْعِين، وقد بلَغ خَمْسًا وسَبْعِين سنةً، كان ميلادُهُ سنة ثمانٍ وتِسْعِين ومائة، ودُفِنَ في مَقْبَرَة التَّبَّانِيِّيْنَ (a).
مَنْ اسْمُ أبيْهِ سَعيد من الأحْمَدِيْنَ
أحمدُ بن سَعيد بن الحَسَن بن النَّضْر الشِّيْحِيُّ، أبو العبَّاس الشَّامِيّ
(1)
وهو جَدُّ عَبْد المُحْسِن بن مُحَمَّد بن عليّ الشِّيْحِيّ التَّاجر لأُمِّهِ.
وهو من أهْل شِيْح بني حَيَّة بالقُرْبِ من بُزَاعَا، أو من شِيْح الحَدِيْد بالقُرْبِ من الدَّربْسَاك
(2)
، وكلتاهُما من أعْمَال حَلَبَ.
وأخْبَرَنا أبو المُظَفَّر السَّمْعَانيّ كتابةً، عن أَبيِهِ أبي سَعْد الإمَامِ، قال في كتاب الأنْسَاب
(3)
: الشِّيْحِيُّ بكَسْر الشِّيْن المُعْجَمة وسُكُون الياءِ المَنْقُوطَة من تحتها باثْنَتَيْن وفي آخرها حاءٌ مُهْملَةٌ مَكْسُورَة، هذه النِّسْبَةُ إلى شِيْحَة وهي قَرْيَةٌ من قُرَى حَلَبَ، وذكَرَ منها جَمَاعَةً منهم: أحْمَد بن سَعيد الشِّيْحِيّ (b).
قُلتُ: ولا أعْرفُ في قُرَى حَلَب قَرية يُقال لها شِيْحَة، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يكونَ في بَلَد مَنْبِج؛ فإنَّ بها قَرْيَة يُقال لها شِيْحَة، والّذي يَغْلِبُ على ظَنِّي أنَّ أحْمَد بن سَعيد من شِيْح بني حَيَّة من وَادِي بُطْنَان بالقُرْبِ من بُزَاعَا.
(a) هكذا في الأصل بزيادة مثناة تحتية ثانية، وفي مصادر ترجمته -كما غيرها- بواحدة: التبانين.
(b) كتب مُتملِّك النسخة ابن السابق الحموي في الهامش: "قلت: والشيحة قرية كبيرة عامرة غربيّ حَماة، ومن عملها أيضًا".
_________
(1)
توفي سنة 406 هـ، وترجمته في: الإكمال لابن ماكولا 4: 481 - 482، تاريخ بغداد 5: 283، السمعاني: الأنساب 8: 313، ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة 2: 179، تاريخ ابن عساكر 71: 141 - 142.
(2)
تقدم التعريف بهما في الجزء الأول من الكتاب.
(3)
أنساب السمعاني 8: 209 - 210.
حدَّثَ أحْمَد الشِّيْحِيّ عن أبي الطَّيِّب عَبْد المُنْعِم بن غَلْبُون الحَلَبِيّ المُقْرِئ، وأبي عليّ الحَسَن بن مُوسَى الثَّغْرِيّ، وأبي القَاسِم شِهَاب بن مُحَمَّد بن شِهَاب الصُّوْرِيّ، وأبي أحْمَد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحيم الزَّاهِدِ.
رَوَى عنهُ الإمَام القَادِرُ أبو العبَّاس أحْمَد بن إسْحاق أَمِير المُؤمِنِين، وأبو طَالِب مُحَمَّد بن عليّ العُشَارِيّ، وأبو مُحَمَّد إبْراهيم بن الخَضِر الصَّائِغ، وأبو أحْمَد عَامِر بن أحْمَد بن مُحَمَّد السُّلَمِيّ، وأبو الفَضْل مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز بن العبَّاسِ الهاشِميّ.
أخْبَرَنا أبو يَعْقُوبَ يُوسُف بن مَحْمُود بن الحُسَين السَّاوِيّ الصُّوْفيّ بالقَاهِرَة، قال: أنْبَأنَا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيُّ -قُلتُ: وقرأته بخَطِّ الحافِظ السِّلَفيّ
(1)
- قال: أخْبرَني أبو المَجْدِ صَمْصَام بن عَسَاكِر بن يَعْقُوبَ الكَاتِبُ بالإسْكَنْدَرِيَّة، قال: أخْبَرَنا يَحْيَى بن أبي مُغِيْث اللَّخْمِيّ، قال: كَتَبَ إليَّ عَبْد السَّلام بن عَبْد العَزِيْز بن مُحَمَّد الهاشِميّ من البَصْرَة: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن بَقِيَّة بن عبد الله بن مُحَمَّد الزَّاهِد إمْلاءً في مَسْجِده بقَسَامِل، وهو مَجْلِسٌ أمْلاهُ، قال: أخْبرَنا الإمَامُ أبو العبَّاسِ أحْمَد بن إسْحاق القَادِرُ باللهِ أَمِير المُؤمِنِين إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن سَعيد الشِّيْحِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحيم الزَّاهِد قرأتُ عليه، قلت له: حَدَّثَكَ أبو الحَسَن عليّ بن سَعيد صاحب أبي بَكْر بن يزدَانِيَار، قال: حَدَّثَني أبو المُؤَمَّل العبَّاس بن الفَضْل (a)، قال: حَدَّثَنَا أبو عُتْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قال: حَدَّثَنَا عِيسَى بن إبْراهيم، عن مُوسَى بن أبي حَبِيْب، عن الحَكَم بن عُمَيْر، عن أبي مُوسَى الأشْعَرِيّ
(2)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: يَنْزلُ عليَّ القُرْآنُ كلامُ اللهِ غير مَخْلُوق.
(a) السلفي: الفضيل.
_________
(1)
السلفي: معجم السفر 122.
(2)
الإيماء إلى زوائد الأمالي والأجزاء 4: 413.
أنْبَأنَا أبو البَرَكاَت بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد، قال: أنْبَأنَا أبو عليّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن المَهْدِيّ، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن سَعيد الشِّيْحِيُّ المُعَدَّلُ، قال: حَدَّثَنَا أبو الطَّيِّب عَبْدُ المُنْعِم بن غَلْبُون المُقْرِئُ، قال: قال الحُسَين بن خَالَوَيْه: كُنْتُ عندَ سَيْف الدَّوْلَة، وعندَهُ ابن بنْتِ حَامِد، فناظَرني على خَلْق القُرآن، فلمَّا كان تلك اللَّيْلةُ نمْتُ، فأتاني آتِ فقال: لِمَ لَمْ تحْتَجَّ عليه بأوَّل القصَص {طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ}
(1)
، والتّلَاوةُ لا تكون إلَّا بالكَلَام.
قَرأتُ بخَطِّ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، وأخْبَرَنا عنه جَمَاعَة من شُيُوخنا إجَازَةً، قال: أبو العبَّاس أحْمَد بن سَعيد الشِّيْحِيّ، كَتَبَ عن أبي الطَّيِّب عَبْد المُنْعِم بن عُبَيْد الله بن غَلْبُون المُقْرِئ الحَلَبِيّ بمِصْرِ، وأبي أحْمَد مُحَمَّد بن مُحمّد بن عبد الرَّحيم الزَّاهِد القَيْسَرَانِيّ المَعْرُوفُ بابنِ أبي رَبِيْعَة بقَيْسارِيَّة، وعن غيرهما؛ رَوَى عنه أبو طَالِب مُحَمَّد بن عليّ بن الفَتْح العُشَارِيّ، وآخرون من أهل بَغْدَاد، وكان اسْتَوطنَها. وهو من أهل الشَّام، وقد رَوَى عنهُ الإمَام القَادِرُ بالله أبو العبَّاس أحْمَد بن إسْحاق أَمِير المُؤمِنِين.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: قال لنا أبو بَكْر الخطيبُ
(2)
: أحْمَد بن سعيد، أبو العبَّاس الشَّامِيّ يُعْرَفُ بالشِّيْحِيّ، سَكَنَ بَغْدَادَ، وحَدَّثَ بها عن عَبْد المُنْعِم بن غَلْبُون المُقْرِئ وغيره. ولهُ كتابٌ مُصَنَّفٌ في الزَّوَال وعِلْم مَوَاقيْت الصَّلاةِ
(3)
، حدَّثَناهُ عنهُ مُحَمَّد بن عليّ بن الفَتْح الحَرْبِيّ. وكانَ ثِقَةً، صَالِحًا دَيِّنًا، حَسَنَ المَذْهَب، وشَهدَ عند القُضَاةِ وعُدِّلَ، ثمّ تركَ الشَّهَادَة تَزَهُّدًا. وذكَرَ لي أبو الفَضْلِ مُحَمَّد بن
(1)
سورة القصص، الآيات 1 - 3.
(2)
تاريخ بغداد 5: 283.
(3)
ذكر السمعاني أيضًا كتابه هذا في ترجمته له. الأنساب 8: 213.
عَبْد العَزِيْز بن المَهْدِيّ الخَطِيبُ: أنَّهُ ماتَ في ذي القَعْدَهَ من سَنَة ستٍّ وأرْبَعِمائة، قال: ودُفِنَ بباب حَرْبٍ.
أحمدُ بن سَعيد بن سَلْم بن قُتَيْبَة بن مُسْلِم بن عَمْرو بن الحُصَيْن بن رَبِيْعَة
بن خَالِد بن أُسَيْد الخَيْرِ بن قُضَاعى (a) بن هلال بن سَلامَة بن ثَعْلَبَة بن وَائِل بن مَعْنِ بن مَالِك بن أَعْصُر بن سَعْد بن قَيْس بن عَيْلَان بن مُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ بن عَدْنَان البَاهِلِيّ
(1)
ولَّاهُ الوَاثِق على الثُّغُور والعَوَاصِم في سَنَة إحْدَى وثَلاثين ومَائتَيْن، وأمرَهُ بحضُور الفِدَاء مع خَاقَان الخَادِم، وصاحب الرُّوم مِيْخائِيْل بن تُوفِيْل، فخرج على سَبْعة عَشر منِ البَرِيد على قَدَمٍ، وأمْضَى الفِدَاء، وبَلغَ عدَّة المُسْلمِيْن أرْبَعة آلاف وثَلاثِمائة وسَبْعة وسِتِّين إنْسَانًا.
فلمَّا انْقَضَت المُدَّةُ بين خَاقَان والرُّوم أرْبعون يَوْمًا، غَزّا أحْمَد بن سَعيد بن سَلْم شَاتِيًا، فأصَاب النَّاسَ الثَّلْجُ والمَطَر، فمات منهم قَدْر مائتي إنْسَان، وغَرق منهم في البَذَنْدون قَوْم كَثِيْر وأُسِر منهم نَحْوًا من مائتين، فوجَد الوَاثِق عليه لذلك، وعزَلَهُ وعقَد لنَصْر بن حَمْزَة الخُزَاعِيّ في جُمَادَى الآخرة من سَنَة إحْدَى وثلاثين.
وكان أبوه سَعيد بن سَلْم من صِحَاب المَأْمُون وقُوَّادِه، ووَلي مَرْو.
(a) كذا وجدته مقصورًا، ولم أجده في كتب النسب. وعند ابن خلكان في ترجمة أبي جده قتيبة (وفيات الأعيان 4: 86): قضاعي.
_________
(1)
كان حيًا سنة 231 هـ، وترجمته في: تاريخ اليعقوبي 2: 339، تاريخ الطبري 9: 142، 144 - 145، ابن الأثير: الكامل 7: 24 - 25، ابن العديم: زبدة الحلب 1: 79، أبو الفداء: اليواقيت والضرب 59، الطباخ: إعلام النبلاء 1: 186.
ورَوَى أحْمَد بن سَعيد عن أَبِيهِ، رَوَى عنهُ القَاسِم بن إسْمَاعِيْل، وأبو العبَّاس أحْمَد بن يَحْيَى ثَعْلَب.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل، قال: أخْبَرَنا ابن بَوْش، قال: أخْبَرَنا ابن كَادِش، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الجاَزِرِيّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زكَرِيَّاء
(1)
، قال: صَدَّثتا مُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن يَحْيَى ثَعْلَب، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن سَعيد بن سَلْم البَاهِلِيّ، عن أَبِيهِ، قال: دَخَلنا (a) إلى الرَّشِيْد يَوْمًا فقال: أنْشدني في شِدَّة البَرْد، فأنْشَدته لابن (b) مَحْكَان السَّعْدِيّ:[من البسيط]
في ليلَةٍ من جُمَادَى ذات أنْديَةٍ
…
لا يُبْصِرُ الكَلْبُ في ظُلمائِها الطُّنَبا
ما يَنْبحُ الكَلْبُ فيها غيرَ واحدةٍ
…
حتَّى طِفَّ على خرطُومهِ الذَّنَبا
فقال: هات غير هذا، فأنْشَدتُه
(2)
: [من الطّويل]
ولَيْلةِ قَرٍّ يصْطلى القَوْسَ رَبُّها
…
وأقْدُحَهُ اللَّاتي بها يتَنبَّلُ
فقال لي: ما بعد هذا شيءٌ.
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبرزَد، عن أبي غَالِب بن البنَّاء، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب بن بِشْرَان إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المَرَاعِيشِيّ، وأبو العَلَاء الوَاسِطِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه نِفْطَوَيْه قال: ووَلى الوَاثِق في هذه السَّنَة - يعني: سَنَة إحْدَى وثَلاثين ومَائتَيْن - الفِدَاء ومعَهُ خَاقَان خَادِمُ الرَّشِيْد، ومعهما أبو رَمْلَة، وجَعْفَر الحَذَّاء، وأَمَرَ بامْتحان أسْرى المُسْلِميْن، ومَنْ قال بخَلْق القُرآن فُوْدِي بهِ، ومَنْ
(a) الجريري: أُدخلت.
(b) في الأصل: لأبي، وصوابه المثبت كما في كتاب الجليس الصالح، وهو مُرَّة بن محكان السعدي. انظر: ابن دريد: الاشتقاق 247، والأغاني 22: 225 - 227.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 3: 78.
(2)
الشعر للشنفرى، انظر ديوانه 69، وفيه: وليلة نحس
…
وأقطعه اللاتي.
امْتَنَع تُركَ في أيْدِي الرُّوم، فأجابوا كُلّهم إلى خَلْقِ القُرآن وكانوا ألْفَين وتسعمائة وخمْسِين رَجُلًا، أو (a) نَحْوًا من مائة مُراهِقٍ.
أحْمَدُ بن سَعيد بن عبَّاس بن الوَلِيد، أبو العبَّاس الكِلابِيُّ
(1)
ولي مَدِيْنَة حَلَب في سَنَة خَمْسٍ وعشرين وثَلاثِمائة، ومَدَحَهُ أبو بَكْر الصَّنَوْبَريّ
(2)
. وقَرَأتُ في بعض التَّوَاريخ أنَّهُ كان وَاليًا حَلَب سَنَة أرْبَعٍ وعشرين وثَلاثِمائة، وكانَتْ ولَايتُهُ حَلَب بعد طَرِيف السُّبُكْرِيّ.
وقَرَأتُ في مُخْتَصَر تَاريخ السَّلِيْل بن أحْمَد بن عِيسَى، اخْتِصَار الشِّمْشَاطِيّ
(3)
، قال: وفيها - يعني: سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة - دَخَل سَيْفُ الدَّوْلَة حَلَب، وصرَفَ عنها صاحب الإخْشِيْد مُحَمَّد بن طُغْج، وكان أحْمَد بن سَعيد الكِلابِيّ.
وهذا يَدُلُّ على أنَّهُ وَلِيَها خلَافة عنِ الإخْشِيْذ (a) مرَّةً ثانيَةً، فإنَّ الحُسَين بن حَمْدَان وَليها سَنَة اثْنَتَيْن وثلاثين، وسار مُحَمَّد بن طُغْج الإخْشِيْذ نحوه، فهزمَهُ عن حَلَب، واسْتَولَى عليها، فقد اسْتَناب الإخْشِيْذ عند اسْتِيلائهِ عليها هذه المَرَّة أحْمَدَ بن سَعيد الكِلابِيّ على حَلَب، وبقي وَاليًا بها إلى أنْ قَدِمَ إليها سَيْفُ الدَّوْلَة وافْتتَحها من يده (c).
(a) كذا في الأصل، ولعل الأظهر: و.
(b) قيده في هذا الموضع بالدال المهملة، وبالمعجمة في تاليه.
(c) بقية الصفحة بياض في الأصل، قدره أزيد من النصف.
_________
(1)
كان حيًا سنة 333 هـ، وترجمته في: زبدة الحلب 1: 98، 103 - 105، أبو الفداء: اليواقيت والضرب 83 - 84، الطباخ: إعلام النبلاء 1: 319.
(2)
انظر ديوان الصنوبري 184 - 186.
(3)
الشِّمْشَاطِي (كان حيًا سنة 377 هـ) هو صاحب كتاب الديارات وكتاب الأنوار ومحاسن الأشعار اللذين نقل ابن العديم عنهما كثيرًا، أما المختصر هذا فقد وضعه السليل بن أحْمَد واختصر فيه تاريخ الطبري وحذف أسانيده، وذكر النديم أن الشِّمْشَاطِي اختصر تاريخ الطبري أيضًا، ولعل الشمشاطي - استنادًا إلى ابن العديم - اختصر عمل السليل لا أن يكون اختصر تاريخ الطبريّ. انظر عن مختصر السليل الفهرست للنديم 2/ 1:119.
وقَرأتُ بخَطِّ أبي الحسُين بنِ المُهَذَّب المَعَرِّيّ في تاريخٍ جَمَعَهُ، قال: في سَنَة خَمْسٍ وعشرين وثَلاثِمائة، وفيها أغَارتْ بنو كِلَاب على البلَدِ، فخرَج إليهم وَالي المَعَرَّةً مُعَاذ بن سَعيد وجُنْدُه، واتَّبعهم إلى مكان يُعْرَفُ بمَرْج البَرَاغِيْث، فعَطَفُوا عليهِ فأسَرُوه ومَنْ كانَ معَهُ، وعذَّبُوْهُم بالماءَ والجلَيْدِ، وأقام مُعَاذُ بن سَعيد عند بني كِلَاب وأصْحَابُهُ حتَّى خرَجَ إليهم أبو العبَّاس أَحْمَدُ بنُ سَعيد الكِلابِيّ فخلَّصَهُم.
أحمدُ بن سَعيد بن نَجْدَة الأزْدِيُّ المَوْصِلِيُّ
(1)
نَزِيلُ طَرَسُوس، وقيل: هو بَغْدَاديُّ، ذكَرهُ أبو بَكْر الخَطِيب في تاريخ بَغْدَاد
(2)
، بما أنْبَأنَا بهِ أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيبُ، قال: أحْمَدُ بن سَعيد بن نَجْدَة الأزْدِيُّ البَغْدَاديُّ، حَدَّثَ عن أبي بَدْر شُجاع بن الوَلِيدِ، وعليّ بن عَاصِم، وَيزِيْد بن هارونَ، ورَوْح بن عُبَادَةَ، وأبي النَّضْر هاشِم بنِ القَاسِم، ودَاوُد بن المُحَبَّر، والحُسَين بن عُلْوَان، وإسْحَاق بن سُلَيمان الرَّازِيّ. روَى عنهُ مُحَمَّد بن عليّ الرَّقِّيّ المَعْرُوف بالمُرِّيّ، وزَيْد بن عَبْد العَزِيْز المَوْصِلِيّ، والوَلِيد بن مَضَاءٍ الخَشَّاب
(3)
، وغيرهم.
وذكَرَ بعضُ النَّاس أنَّ ابن نَجْدَة هذا مَوْصِلىُّ، وقال: ماتَ في سنَة ستٍّ وسَبْعِين ومَائتَيْن.
أخْبَرَنا عَبْدُ الجليل بن أبي غَالِب الأصْبَهَانِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن نَصْرُ بن المُظَفَّر البَرْمَكِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو عَبد الوَهَّاب بن مُحَمَّد بن مَنْدَةَ، قال: أخْبَرَنا والدي أبو عَبْد اللّهِ، قال: أحْمَد بن سَعيد بن نَجْدَةَ الأزْدِيُّ
(1)
توفي سنة 276 هـ، وقيل: 266 هـ وترجمته في: تاريخ بَغْدَاد 5: 276، تاريخ الإسلام 6: 264 (ووفاته فيه: سنة 266 هـ).
(2)
تاريخ بَغْدَاد 5: 376.
(3)
لم يرد اسم الوليد بن مضاء الخشاب في نشرة تاريخ بَغْدَاد (مصدر النقل)، ضمن مَن يروي عنه.
المَوْصِليُّ، حَدَّثَ عن أبي بَدْرٍ شُجاع بن الوَلِيد، سكَنَ طَرَسُوس وماتَ بها.
أحمدُ بنُ سَعيد ابن أُمِّ سَعيد، أبو الحَارِث
(1)
سَمِعَ بحَلَبَ أبا عَبْد اللّهِ أحْمَد بنَ خُلَيْد بن يَزِيد الحَلَبيِّ الكِنْدِيّ، ورَوَى عنهُ، وعن يُونُس بن عَبْد الأعْلَى.
رَوَى عنه: مُحَمَّد بن المُظَفَّر البَزَّاز (a)، وأبو بَكْر بن المُقْرِئ.
أحمدُ بن سَعيد المالِكِيُّ، أبو الحُسَين الصُّوْفيُّ
(2)
نَزَلَ طَرَسُوس غَازِيًا، وكان من أصْحَاب الجُنَيْد بن مُحَمَّد.
أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر عبد الرَّحيم بن عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، في كِتَابِهِ إليْنَا من مَرْو، قال: أخْبَرَنا أبوِ سَعْد مُحَمَّد بن مَنْصُور بن عبد الرَّحيم الحُرْضِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر المُزَكِّي إجَازةً، قال: أخْبَرَنا أبو عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن الحُسَين السُّلَمِيّ
(3)
، قال: أحْمَد بن سَعيد المالِكِيّ، أبو الحسُين بَغْدَاديّ الأصْل، صَحِبَ الجُنَيْد، ونَزَلَ طَرَسُوسَ للغَزْو وماتَ بها. سَمِعْتُ الشَّيْخ أبا سَهْل مُحَمَّد بن سُلَيمان يقول: لم أَرَ فيمَن رأيتُ أفْصَحَ من أبي الحسُين المالِكِيّ.
أحْمَدُ بن سَعيد الشَّيْزَرِيُّ
(4)
حَدَّثَ بدِمَشْقَ، وكان من طَبَقَة ابن جَوصَا.
(a) الأصل: البزار.
_________
(1)
توفي سنة 320 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 145، تاريخ الإسلام 7:363.
(2)
ترتجه في: تاريخ بَغْدَاد 5: 282.
(3)
لم يترجم له في طبقات الصوفية، وذكره عرضًا في 323.
(4)
كان حيًا سنة 313 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 148.
أنْبَأنَا أبو البَرَكاَتِ الحَسَن بن مُحَمَّد بنِ الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة اللّه الحافِظُ
(1)
، قال: وجَدْتُ بخَطِّ أبي مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ -ذكَرَ أنَّهُ نقَلَهُ من خَطِّ بعض أصْحَاب الحَدِيْث- في تَسْمِيَةِ مَنْ سَمِعَ منه بدِمَشْق: أحْمَد بن سَعيد الشَّيْزَرِيّ، وفَوْقَهُ: غَرِيْبٌ، وذَكَرَ طَبَقَةً فيها ابن جَوصَا وأبو الدَّحْدَاح في سَنَة ثلاث عَشرة وثَلاثِمائة.
اسْمٌ مُفْرَدٌ
أحمدُ بنُ سَلْم الحَلَبِيُّ السَّقَّاءُ
(2)
حَدَّثَ عن سُفْيان بن عُيَيْنَة، وعُبَيْد اللّه بن مُوسَى، وعبدِ اللّه بن السَّرِيّ المَدَائِنِيّ، وعَبد الرَّزَّاق، ومَعْن بن عِيسَى، وشَبَابَة.
رَوَى عنهُ مُحَمَّدُ بن الحَسَن بن قُتَيْبَة أبو العبَّاس العَسْقَلانِيّ، ومُحَمَّدُ بن عَوْف الحِمْصِيّ، وصالح بن بِشْر.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عبد اللّه الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّهِ محمُود بن أحْمَد الثَّقَفِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَج بن أبي الرَّجَاء، ح.
وأخْبَرَنا أبو الغَنائِم بن شَهْرَيَار في كِتَابِهِ إليْنَا، قال: أخْبَرَتْنا أُمُّ البَهَاء فاطِمَة بنْتُ أبي الفَضْل البَغْدَاديّ، قالا (a): أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن محمُود الثَّقَفِيّ، قال: أَخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ الحَسَن بن قُتيبَة، قال: خَدَّثنا أحْمَدُ بن سَلْم الحَلَبِيُّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيانُ بن عُيينَة، عن مِسْرَ، عن سَعْد بن إبْراهيم، عن أبي سَلَمَة، عن عائِشَةَ، قالت
(3)
: ما زالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
(a) الأصل: قال، وصححه بالمثبت بعد أن أدرج سند أبي الغنائم في الهامش.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 148.
(2)
ترجمته في: الثّقات لابن حبَّان 8: 42، الجرح والتعديل 2:54.
(3)
فتح الباري 4: 271 (رقم 2026) من طريق أبن شهاب عن عروة بن الزُّبَيْر عن عائشة رضي الله عنها.
يَعْتَكِفُ العَشرَ الأواخرَ من شَهْر رَمَضَان حتَّى فارق الدُّنْيا.
قال أبو الفَرَج: قال ابنُ المُقْرِئ: يقَال إنَّ أحْمَد بن سَلْمْ حَدَّثَ عنهُ ابنُ عَوْف الحِمْصِي.
ذكَرَ أبو حَاتِم بن حِبَّان البُسْتِيّ في تاريخِ الثِّقَات
(1)
، في الطَّبَقَةِ الرَّابعَة، فقال: أحْمَدُ بن سَلْم السَّقَّاء من أهل حَلَب، يَرْوي عن عُبَيْد اللّه بن مُوسَى، وعَبد الرَّزَّاق، حَدَّثَنَا عنهُ ابنُ قُتَيْبَة وغيره.
وذكَرَ عبد الرَّحمن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ في كتاب الجَرْحِ والتَّعْدِيل
(2)
، قال: أحْمَد بن سَلْم المُقْرِئ شَامِيٌّ، المَعْروف بالسَّقَّاء، رَوَى عن مَعْن بن عِيسَى، وسُفْيان بن عُيينة، وشَبَابَة. رَوَى عنهُ: صاع بن بِشْر بن سَلَمَة الطَّبَرانيّ (a)، وأبو عَامِرَ الإمام الحِمْصِيّ.
مَنْ اسْمُهُ سَلْمَان في آبَاءٍ الأحْمَدِيْن
أحمدُ بن سَلْمَان بن أحْمَد بن سَلْمَان بن أبي شَرِيك، أبو العبَّاسِ الحَرْبِيُّ
(3)
المُلَقَّب بالسُّكَّر، لقَّبَهُ أبوه بذلكَ في حَال صِغَره، فاسْتَمَرَّ اللَّقَبُ عليهِ.
(a) الأصل: الطبريّ، وصوابه المثبت كما في الجرح والتعديل، نسبة إلى طبرية، ويزاد في ألقابه: الصيداني الفلسطيني.
_________
(1)
تاريخ الثّقات 8: 42.
(2)
الجرح والتعديل 3: 54.
(3)
توفي سنة 600 هـ، وقيل: 601 هـ، وترجمته في: ذيل تاريخ بَغْدَاد لابن الدبيثي 2: 246 - 247، المنذري: التكملة 2: 56 - 57، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 22: 144، العبر في خبر من غبر 3: 131 (وفيه: أحْمَد بن سليمان)، المختصر المحتاج إليه 1: 182، تاريخ الإسلام 13: 29 - 30 (وفيه: أحْمَد بن سُلَيمان)، طبقات القراء 2: 897 - 898، المشتبه في الرجال 363 (وفيه: مات بعد سنة 600 هـ)، معرفة القراء الكبار 3: 1128 (أحْمَد بن سُلَيمان)، الوافي بالوفيات 6: 399 - 400، =
كان عَالِمًا بعُلُوم القُرْآن من التَّفْسِير والقِرَاءَات وغيره، وكان رَجُلًا صَالِحًا، سَافَرَ إلى البِلاد في طَلَب الحَدِيْث، وقَدِمَ حَلَب في رِحْلَته.
وذَكَرَ لي الفَقِيهُ عِزّ الدِّين عُمَر بن دَهْجَان البَصْرِيّ المالِكِيّ أنَّ أحْمَد بن سَلْمَان الحَرْبِيّ وُلد سَنَة أرْبعين وخَمْسِمائَة، قال لِيِ: وقَرأ القُرْآن بالرِّوَايَات، وسَافَرَ إلى وَاسِط، فقَرَأ بها بالقِرَاءَاتِ العَشْر حتَّى مَهَرَ في ذلك، وصَنَّف وأَقْرأَ، وكان عَالمًا بتَفْسِيْر القُرْآن وأسْباب نُزُولهِ وتأويله. وكان كُلّ يَوْم إذا صَلَّى الفَرْض بآياتِ، يقعُد في المَسْجِد ويُفَسِّرُ لهمِ تلكَ الآيات، وكان يقُول: واللّه إنِّي لأعْلَم تفسِير الآيةِ وتأويلها وسبَبَ نُزُولها ووَقْتَهُ وفيمَن نَزلتْ، فأيْشٍ يذهَبُ عليَّ بعد ذلك من القُرْآن، أو ما هذا معناهُ.
قال: وكان كَثِيْرَ التِّلَاوَة للقُرْآن، طَويْلَ القُنُوتِ، كان يُصَلِّي التَّرَاوِيح كُلّ ليلَةٍ بعَشَرة أجْزاء من القُرْآن، فإذا كان النِّصْف من رَمَضَان صَلَّى كُلِّ لَيْلَةِ بنصْف الخَتْمة، وكان يَنْصَرف من صَلاةِ التَّرَاوِيح وقد صَعِدَ المُسَحِّرُون المنَارات، وكان خَشن العَيْش يأكلُ من كَسْب يديْهِ، وانْقَطَعَ إلى العِلْم.
قال: وكان عَفيْفًا، لطيفَ الأخْلَاق، كَتَبَ الكَثيْر بخَطِّه، وكان خَطُّه رَدِيئًا، وكان مُفيدَ النَّاس في زَمَانِهِ، يقرأُ لهم، وينْقُل السَّمَاعات، ويَدُلُّهم عِلىِ الشُّيُوخ، وسافَرَ في طَلَب العِلْم والحَدِيْث إلى البِلادِ، ودَخَلَ حَلَبَ ودِمَشْقَ وغيرَهمُا، وعاد إلى بَغْدَادَ، فتُوفِّي بالحَرْبيِّةِ في جُمَادَى من سَنَة ستِّمائة، ودُفِنَ بمَقْبَرَة أحْمَد رضي الله عنهما.
أنْبَأنَا الحافِظ أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْمِ بن عَبْد القَوِيّ قال في كتاب التَّكْمِلِة لوَفَيَات النَّقَلَة
(1)
، في ذِكْر مَنْ مات في سنَة إحْدَى وسِتّمائة: وفي لَيْلَة العاشر من
= ابن الجزري: غاية النهاية 1: 58 (وفيه: ابن شريك)، العيني: عقد الجمان 3: 170، النجوم الزاهرة 6: 188 (أحْمَد بن سُلَيمان)، شذرات الذَّهب 7: 6 (أحْمَد بن سُلَيمان).
(1)
التكملة لوفيات النقلة 2: 56.
صَفَر تُوفِّي الشَّيْخ المُفِيدُ أبو العبَّاس أحْمَد بن سَلْمَان بن أحمَد بن سَلمان بن أبي شَرِيك البَغْدَاديُّ الحَرْبِيُّ المُقْرِئ المَعْرُوف بالسُّكَّر ببَغْدَاد، ودُفِنَ من الغَدِ ببَاب حَرْب، ومَوْلدُه سَنَة تِسْعٍ وثَلاثين أو سَنَة أرْبعين وخَمْسِمائَة.
قرأ القُران الكريمِ ببَغْدَاد بالقِرَاءَات الكَثِيْرة على أبي الفَضْل أحْمَد بن مُحَد بن شُنَيْف، وأبي مُحَمَّد يَعْقُوب بن يُوسُف المُقْرِئ، وبوَاسِط (a) على القَاضِي أبي الفَتْح نَصْر اللّه بن عليّ بن الكَيَّال، وأبي بَكْر عبد اللّه بن منْصُور بن البَاقِلَّانِيّ، وسَمِعَ الكَثِيْر من أبي القَاسِم سَعيد بن أحْمَد بن البَنَّاء، وأبي الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد البَاقي بن أحمد، وأبي السَّعَادَات ظَافِر بن مُعاوِيَة الحَرْبيّ، وخَلْق كَثِيْر، وسَمِعَ بمَكَّة شَرَّفَها اللّهُ تعالَى، وبدِمَشْق والقُدْس وغيرها.
وأَقْرأ وحدَّثَ ببَغْدَاد والشَّام، وكان مُفِيْدًا لأصْحَاب الحَدِيْث، كَثِيْر الخَيْر، كَثِيْر التِّلَاوة للقُرْآن الكريم، كَثِيْر القيام به، ويُكرِّرُ (b) قيامه به في رَكْعَة أو رَكْعَتين.
وعُرف بالسُّكَّر لأنَّ أباهُ كان وهو صَغِيرٌ يُحبّه مَحَبَّة كبيرة، وإذا أقْبَل عليه وهو بين جَمَاعةٍ أخَذَهُ وضمَّهُ إليه وقبَّلَهُ، وكان قَوْمٌ يلومُونَه على إفْراط مَحبَّته له، فيقول: إنَّهُ أحْلَى في قَلْبي منَ السُّكَّر، وتكرَّر ذلك منه، فَلُقِّبَ بالسُّكَّر، وغَلَبَ عليه حتَّى كان لا يُعْرَف إلَّا بهِ.
أحمدُ بنُ سَلْمَان بن الحَسَن بن إِسْرَائِيل بن يُونُس، المَعْرُوف بالنَّجَّاد، الفَقِيه الحَنْبَلِيُّ
(1)
كان فَقِيهًا مُفْتِيًا، ومُحَدِّثًا مُتْقِنًا، وَاسِع الرِّوَايَة، مَشْهُور الدِّرَايَة، قَدِمَ حَلَب،
(a) المنذري: وقرأ بواسط.
(b) المنذري: وتكرر.
_________
(1)
توفي سنة 348 هـ، وترجمته في: طبقات الفقهاء للشيرازي 172، تاريخ بغداد 5: 309 - 313، =
وسَمِعَ بها مُحَمَّد بن مُعَاذ المَعْرُوف بِدُرَّان الحَلَبيّ، وأبا عليّ الحَسَن بن أبي جَعْفَر الحَلَبِيّ، وبطَرَسُوس أبا اللَّيْث يَزِيد بن جَهْوَر الطَّرَسُوسِيّ، وعبد اللّه بن جَنَاب الطَّرَسُوسِيّ، وسعيد بن مُسْلِم بن أحْمَد بن مُسْلِم، وبأنْطَاكِيَة أحْمَد بن يَحْيَى بن صَفْوَان الأنْطَاكِىّ وببَالِس جَعْفَر بن مُحَمَّد بن بكْر البَالِسِيّ، وبمَنْبِج عُمَرَ بن سَعيد بن سِنَان المنبِجِيّ، وحَدَّثَ عن هؤلاءَ، وعن أبي بَكْر بن أبي الدُّنْيا، وهِلَال بن العَلَاء، وأبي العبَّاس أحْمَد بن أصْرَم بن خُزَيْمَة المُزنِيّ، وأبي مُحَمَّد عبد اللّه بن مَحْفُوظ، وأحمد بن عليّ بن المُثَنَّى، والحَارِث بن أبي أسامَة التَّمِيْمِيّ، وأبي إسْمَاعِيْل التِّرْمِذيّ، وعَبْد المَلِك بن مُحَمَّد أبي قِلَابَة الرَّقَاشِيّ، وعبد اللّه بن أحْمَد بن حَنْبَل، والحَسَن بن مُكْرَم البَزَّاز (a)، ومُحَمَّد بن عبد اللّه بن سُلَيمان الحَضْرَميّ، وعُثْمان بن أبي شَيْبَة، وأبي دَاوُد سُليْمان بن الأشْعَث السِّجِسْتَانِيّ، ومُحَمَّد بن سُلَيمان البَاغَنْدِيّ، وإسْحَاق بن الحَسَن الحَرْبِيّ، وإبْراهيم بن إسْحاق الحَرْبِيّ، ويَعْقُوبَ بن يُوسُفَ، والحسُين بن الهَيْثَم الكِسَائِيّ الرَّازِيّ (b)، ومُحَمَّد بن غالب بن حَبيْب التَّمْتَام، ومُحَمَّد بن عُبْدُوْس السَّرَّاج، ومُحَمَّد بن عُثْمان العَبْسِيّ، وأبي أحْمَد الزُّبَيْر بن مُحَمَّد الأسَدِيّ، وإِدْرِيس بن عَبْد الكَريم المُقْرِئ، ويَحْيَى بن جَعْفَر بن الزِّبْرَقَان، ويَحْيَى بن أِبي طَالِب، وجَعْفَر بن مُحَمَّد بن شَاكِر الصَّائِغ، ومُحَمَّد بن يُونسُ بن مُوسَى، ومُحَمَّد بن الهَيْثَم بن حَمَّاد القَاضِىِ، وإسْمَاعِيْل بن إسْحَاق القَاضِي، وبِشْر بن مُوسَى، ومُوسَى بن إسْحَاق القَاضِي، وأحمد بن أبي
(a) الأصل. البزار.
(b) في الأصل بعده: "وسعيد بن مسلم بن أحمد بن مسلم"، وضبَّب عليه.
_________
= السمعاني: الأنساب 13: 30 - 31، ابن الجوزي: المنتظم 14: 118 - 119، صفة الصفوة 2: 468 (وفيه: أحمد بن سليمان)، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 15: 345 - 246، 17: 317، طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 2: 7 - 12، الذهبي: تاريخ الإسلام 7: 761، 860 - 861، سير أعلام النبلاء 15: 502 - 505، العبر في خبر من غبر 2: 78 - 79 (وفيه: أحمد بن سليمان)، ميزان الاعتدال 1: 48، تذكرة الحفاظ 3: 868 - 869، الوافي بالوفيات 6: 400، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 234 (أحمد بن سليمان)، لسان الميزان 1: 180 - 181، شذرات الذهب 4:251.
خَيْثَمَة، وأحمد بن مُلاعِب المُخَرِّمِيّ، وأحمد بن مُحَمَّد البِرْتيّ، وأحمد بن عليّ الأبَّار، وأبي الأحْوَص العُكْبَرِيّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن أبي العَوَّام، ومُعَاذ بن المُثَنَّى، وغيرهم.
رَوَى عنهُ أبو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، وأبو حَفْص بن شَاهِين، وأبو بَكْر القَطِيْعِيّ، وأبو عَبْد اللّهِ الحُسَين بن مُحَمَّد الغَضَائِريّ، وأبو القَاسِم عَبْد المَلِك بن مُحَمَّد بن بِشْرَان، وأبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن رِزْقُوَيْه، وأبو عليّ الحَسَن بن أحمد بن شَاذَان، وأبو القَاسِم عبد الرَّحْمن بن عُبَيْد اللّه الحُرْفِيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن عُثْمان القَطَّان، وأبو عَبْد اللّهِ أحْمَدُ بن عَبد اللّه المَحَامِلِيّ، وأبو عَبْد اللّه أحْمَد بن عبد اللّه بن مُحَمَّد بن كَثِيْر البَيِّع، ومُحَمَّد بن عبد اللّه بن أَبَان الهِيْتِيّ، وأبو عقيل أحْمَدُ بن عِيسَى بن زَيْد السُّلَمِيّ البَزَّاز، وأبو القَاسِم الحَسَن بن الحَسَن بن المُنْذِر، وأبو عَبْد اللّه مُحَمَّدُ بن يُوسُف بن كَرَاكيْر الرَّقِّيّ، ومُحَمَّد بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن الفَضْل القَطَّان، وأبو زَكَرِيَّاء بن أبي إسْحاق المُزَكِّي، وأبو الحَسَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إبْراهم بن مَحْلَد، وأبو الحَسَن مُحَمَّد بنِ أحْمَد بن سَعيد بن الرُّوزبهان، ومُحَمَّد بن فارس الغُورِيّ، والحسُين بن عُمَر بن بَرْهان الغَزَّال، وعليّ بن مُحَمَّد بن بِشْرَان.
أخْبَرَنا أبو الفَضْل أحْمَد بن مُحَمَّد بن سِيْدهُم بن هِبَةِ اللّه الأنْصَاريّ الدِّمَشقيّ بها، قال: أخْبَرَنا الفَقِيه أبو الفَتْح نَصْر اللّه بن مُحَمَّد بن عَبْد القَوِيّ المِصِّيْصيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيبُ (a)، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن الفَضْل القَطَّان، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن سَلْمَان بن الحَسَن النَّجَّاد، قال: قرأتُ على مُحَمَّد بن مُعَاذ وهو المَعْرُوف بِدُرَّان الحَلَبِيّ: حدَّكم القَعْنَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبي، عن هِشَام بن عُرْوَة، عن أَبِيهِ، عن عائِشَة رضي الله عنها، قالت: جاء عَمِّي من الرِّضَاعة يَسْتَفتح بعد أنْ ضُرِبَ علينا الحِجَابُ، فأبيْتُ حتَّى يأتي رسُول اللّه
(a) لم يورده في تاريخه.
صَلَّى اللّهُ عليه وسلَّم فأسْتأذنهُ، فجاء رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فقُلتُ: إنَّ عَمِّي من الرِّضَاعة جاء يَسْتأذنُ عليَّ فأبيْتُ أنْ آذن له حتَّى أسْتَأذنكَ. فقال لها: ليَلج عليكِ، فقالت: إنَّما أرضعَتني المَرْأةُ ولم يُرْضعْني الرَّجُل، فقال: إنَّهُ عَمُّكِ فليَلج عليكِ.
أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن إبْرَاهيم بن مُسَلَّم بن سَلْمَان الإرْبِلِيّ، قِراءَةً عليهِ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر عبدُ اللّه بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن النَّقُّور البزَّاز (a)، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن المُظَفَّر بن الحَسَن المَعْرُوفُ بابنِ سَوْسَن التَّمَّار، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم عبد الرَّحْمن بن عُبَيْد اللّه بن عَبْد اللّه الحُرْفِيُّ السِّمْسَار، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بنُ سَلْمَان الفَقِيه، قال: حَدَّثَنَا أبو اللَّيْث يَزِيد بن جَهْوَر بطَرَسُوس، قال: حَدَّثَنَا عُثْمان بن سَعيد، قال: حَدَّثَنَا بَقِيَّة بنُ الوَلِيدِ، عن مُحَمَّد بن الحَجَّاج، عن جَابَان، عنِ أنَس بن مالِك
(1)
، قال: قال رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: خَمْسٌ تفطر الصَّائِم وتَنقُض الوُضُوءَ: الكَذِب، والغِيْبَة، والنَّمِيْمَة، والنَّظَر بالشَّهوَة، واليَمِيْنُ الفَاجِرة. قال: ورأيتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُها كما يَعقد اليَسَار.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّازُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيبُ
(2)
، قال: أحْمَد بن سَلْمَان بن الحَسَن بن إِسْرَائِيل بن يُونُس، أبو بَكْر الفَقِيه الحنبَليُّ المَعْرُوف بالنَّجَّادِ، كان له في جَامع المنَصُور يَوْم الجُمُعَة حَلْقَتَانِ، قبل الصَّلاة وبعدها: أحديهما للفَتْوَى في الفِقْه على مَذْهَب أحْمَد بن حَنْبَل، والأُخْرى لإمْلاءِ الحَدِيْث، وهو ممَّن اتَّسَعَت رواياتُه، وانْتَشرت أحادِيثُه.
سَمِعَ الحَسَن بن مُكْرَم البَزَّاز، ويَحْيَى بن أبي طَالِب، وأحمد بن مُلاعِب
(a) الأصل: البزار.
_________
(1)
الموضوعات لابن الجوزي 3: 195 - 196، كنز العمال 8: 497 (رقم 23813).
(2)
تاريخ بغداد 5: 309 - 310.
المُخَرِّمِيّ، وأبا دَاوُد السِّجِسْتَانِيّ، وأبا قِلَابَة الرَّقَاشِيّ، وأحمد بن مُحَمَّد البِرْتِيّ، وإسْمَاعِيْل بن إسْحاق القَاضِي، وأبا الأحْوَص العُكْبَرِيّ، ومُحَمَّد بن سُلَيمان البَاغَنْدِيّ، وأبا إسْمَاعِيْل التِّرْمِذيّ، وجَعْفَر بن مُحَمَّد بن شَاكر الصَّائِغ، وأحمد بن أبي خَيْثَمَة، والحَارِث بن أبي أُسامَة، ومُحَمَّد بن غالب التَّمْتَام، وأبا بَكْر بن أبي الدُّنْيا، وهِلَال بن العَلَاء الرَّقِّيّ، وإبْراهيم بن إسْحاق، وإسْحَاق بن الحَسَن الحَرْبيِّيْن، وبِشْر بن مُوسَى، وعبد اللّه بن أحْمَد بن حَنْبَل، ومُحَمَّد بن عُبْدُوْس (a) السَّرَّاج، وخَلْقًا سوى هؤلاءِ من هذه الطَّبَقَة.
وكان صَدُوقًا، عَارِفًا، جَمَعَ المُسْنَد، وصَنَّف في السُّنَن كِتَابًا كبيرًا.
رَوَى عنهُ: أبو بَكْر بن مالك القَطِيْعِيِّ، والدَّارَقُطنِيّ، وابن شَاهِين، وغيرُهم من المُتَقدِّميْنَ.
وحَدَّثَنَا عنهُ: ابن رِزْقُوَيْه، وابن الفَضْل القَطَّان، وأبو القَاسِم بن المُنْذِر القَاضِي، ومُحَمَّدُ بن فَارس الغُورِيّ، وعليّ وعَبْد المَلِك ابْنَا بِشْرَان، والحُسَين بن عُمَر بن بَرْهان الغَزَّال، وخَلْقٌ يَطُول ذِكْرهم.
وقال أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: قال ابنُ أبي الفَوَارِس: أحْمَد بنُ سَلْمَان، يقال مَولدهُ سَنَة ثَلاثٍ وخَمْسِين ومَائتَيْن.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عبد اللّه بن عُلْوَان الأسَدِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبِو عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الخَطِيب الكُشْمَيْهَنيّ، قال: أنْبَأنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن منصُور السَّمْعَانيّ، ح.
(a) تجاوز ابن العديم عن ضبط أوله في أغلب المواضع التي أورده فيها، ويرد فيما بعد بالفتح، وجاء ضبطه في نشرة تاريخ بغداد بالفتح، ونبه الزبيدي وغيره من أعلام اللغة أن المعتبر الضم. تاج العروس، مادة: عبدس.
_________
(1)
تاريخ بغداد 5: 312.
وأخْبَرَنا عليّ بن عَبْد المُنْعِم بن عليّ بن الحَدَّاد الحَلَبِيّ، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن آدَم المَرَاغِيّ الدِّمَشقيّ، قال: أنْبَأنَا أبو بَكْر السَّمْعَانيُّ، قال: أبو بَكْر أحْمَد بن سَلْمَان بن الحَسَن بن إِسْرَائِيل بن يُونُس النَّجَّاد الفَقِيه، من أئمَّة بَغْدَاد في العِلْم والوَرَع والزُّهْد. سَمِعَ الحَسَن بن مُكْرَم، ويَحْيَى بن أبي طَالِب، وأبا دَاوُد السِّجِسْتَانِيّ، وأبا قِلَابَة الرَّقَاشِيّ، وإسْمَاعِيْل بن إسْحاق، وهلال بن العَلَاء الرَّقِّيّ، ومَنْ لا يُحْصَى كثرةً. رَوَى عنهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وابن شَاهِين، وغيرهما من المُتَقدِّمين.
أخْبَرَنا زَيْد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ
(1)
، قال: حَدَّثَني أحْمَد بن سُلَيمان بن عليّ المُقْرِئ، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن بن رِزْقُوَيْه غير مَرَّة يقُول: أبو بَكْر النَّجَّاد ابن صَاعِدِنا.
قال أحْمَد بن عليّ
(2)
: عَنَى بذلك أنَّ النَّجَّاد في كَثْرة حَدِيثه، واتِّساع طُرقه، وعظم رواياتهِ، وأصْناف فَوَائِده لِمَن سَمِعَ منه، كيَحْيَى بن صَاعِد لأصْحَابهِ، إذ كُلّ واحدٍ من الرَّجُلَين كان واحدَ وَقْته في كثرة الحَدِيْث.
أنْبَأنَا الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(3)
، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد بن عُمَر المقرِئُ، قال: سَمِعْتُ أبا عليِّ بن الصَّوَّاف يقُول: كان أبو بَكْر النَّجَّاد يجيء معنا إلى المحدِّثِيْن؛ إلى بِشْر بن مُوسى وغيره، ونَعْله في يَدِه، فقيل لهُ: لم لا تلبَس نعْلَكَ؟ قال: أُحِبُّ أنْ أمشِيَ في طَلَب حَدِيْث (a) رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم وأنا حافٍ.
وقال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيب
(4)
، قال: حَدَّثَني الحُسَين بن عليّ بن مُحَمَّد
(a) الأصل: الحديث.
_________
(1)
تاريخ بغداد 5: 310.
(2)
تاريخ بغداد 5: 310.
(3)
تاريخ بغداد 5: 311.
(4)
تاريخ بغداد 5: 311.
الفَقِيه الحَنَفِىّ، قال: سَمعْتُ أبا إسْحاق الطَّبَريَّ يقول: كان أحْمَدُ بنُ سَلْمَان النَّجَّاد يَصُوم الدَّهْرَ ويُفْطِر كُلَّ لَيْلَةٍ على رغِيف، ويَتْرك منهُ لقْمةً، فإذا كان لَيْلَة الجُمُعَة تصَدَّق بذلك الرَّغِيْف، وأكل تلكَ اللُّقَم الّتي اسْتَفْضَلَها.
وقال الخَطِيبُ
(1)
: أخْبَرَنا القَاضِي أبو عَبْدِ اللّهِ الصَّيْمَرِيّ، قال: حَدَّثَنَا الرَّئِيسُ أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد العَزِيْز في مَجْلِسه في دار الخِلَافَة، قال: حَضَرْتُ مَجْلِسَ أبي بَكْر أحْمَد بن سَلْمَان النَّجَّاد وهوِ يُمْلي، فغَلط في شيءٍ من العَرَبِيَّةِ، فرَدَّ عليه بَعْضُ الحاضِريْن، فاشْتَدَّ عليه، فلمَّا فَرَغ من المَجْلِس، قال: خُذوا، ثمّ قال: أنشَدنا هِلال بن العَلَاء الرَّقِّيّ: [من الطويل]
سيَبْلى لسَانٌ كانَ يُعْرب لفْظَهُ
…
فيا لَيْتَهُ في مَوْقف العَرْض يَسْلمُ
وما يَنْفَع الإعْرابُ إنْ لم يَكُن تُقًى
…
وما ضَرَّ ذا تَقْوَى لسَانٌ مُعْجَّمُ
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرْزَد البَغْدَاديّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن طَرَّاد الزَّيْنَبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْماعيل بنُ مَسْعَدَة الإسْمَاعِيْليّ، ح.
قال شَيْخُنا ابن طَبَرْزَد: وأخْبَرَنا إسْمَاعِيْل بن أحْمَد السَّمَرْقَنْديّ و [أبو السُّعُود بن](a) المُجْلِي، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا منهما أو من أحدهما، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الإسْمَاعِيْليّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم حَمْزَةُ بن يُوسُف السَّهْمِيّ، قال: سَأل الشَّيْخُ أبو سَعْد الإسْمَاعِيْليّ أبا الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ عن أبي بَكْر أحْمَد بن سَلْمَان النَّجَّاد، فقال الشَّيْخ أبو الحَسَن: قد حدَّث أحْمَد بنُ سَلْمَان من كتاب غيره بما لم يكُن في أُصُولِه.
(a) في الأصل: وابن مسعود المجلي، وصوابه المثبت حسبما يأتي في عديد المواضع التالية، ممن روى عنهم ابن طبرزد، واسمه: أحمد بن علي بن محمد بن المجلي، أبو السعود، توفي سنة 525 هـ. انظر: ابن الجوزي: المنتظم 17: 265، العبر في خبر من غبر 2:425. وانظر الرواية في تاريخ بغداد 5: 312.
_________
(1)
تاريخ بغداد 5: 312.
أنْبَأْنَا الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: كان النَّجَّاد قد كُفَّ بَصَرهُ في آخر عُمْرِه، فلعلَّ بعضَ طَلَبة الحَدِيْث قَرأ عليه ما ذكرَهُ الدَّارَقُطْنِيّ، واللّهُ أعْلَمُ.
وقال أبو بَكْر الخطيبُ
(2)
: سَمعتُ مُحَمَّد بن أحْمَد بن رِزْقُوَيْه يقُول: ماتَ أبو بَكْر النَّجَّاد في سَنَة ثمانٍ وأرْبَعين وثَلاثِمائة.
وقال الخَطِيبُ
(3)
: حَدَّثَنَا ابنُ الفَضْلِ القَطَّان إِمْلاءً، قال: تُوفِّي أحْمَد بن سَلْمَان النَّجَّاد لعَشْرٍ بَقِينَ من ذِي الحِجَّة سَنَة ثمانٍ وأرْبعين وثَلاثِمائة.
وقال
(4)
: أخْبَرَنا أبو عَمْرو عُثْمان بن مُحَمَّد بن يُوسُف العَلَّافُ، وأبو عَبْد اللّه أحْمَد بن عبد اللّه بن الحُسَين المَحَامِلِيّ، قالا: تُوفِّي أحْمَدُ بن سَلْمَان الفَقِيه النَّجَّاد يَوْم الثّلاثَاء - وقال ابنُ المَحَامِلِيِّ: ليلَة الثّلاثَاء - لعَشْرٍ بَقِينَ من ذِي الحِجَّة سَنَة ثمانٍ وأرْبَعين وثَلاثِمائة، ودُفِنَ في مقْبَرَة بَاب حَرْب، قال ابنُ المَحَامِلِيّ: صَبِيْحَة تلك اللَّيْلة. قال ابنُ العَلَّاف: وأحْسبُ أنَّهُ عاشَ خَمْسًا [وتسعين](a) سَنَةً.
حُدِّثْنا
(5)
عن أبي الحَسَن بن الفُرَات أنَّ النَّجَّاد دُفِنَ في مَقَابِر الحَرْبِيَّةِ عند قبَر بِشْر الحَارِث.
أحمدُ بن سَلْمَان بن أبي بَكْر بن سَلَامَة بن الأصْفَر، أبو العبَّاس الحَرِيْميّ
المُسْتَعمِل البَغْدَاديُّ
(6)
سَمعَ أبا العبَّاس أحْمَد بن أبي غَالِب الوَرَّاق المَعْرُوفُ بابنِ الطَّلَّايَة، وأبا القَاسِم
(a) في الأصل: سعين، مهملة الثاني، وفي بعض أصول تاريخ بَغْدَاد: وسبعين، والصواب ما أُثبت، ومولده في سنة 253 هـ.
_________
(1)
تاريخ بَغْدَاد 5: 312.
(2)
تاريخ بَغْدَاد 5: 312.
(3)
تاريخ بَغْدَاد 5: 312.
(4)
تاريخ بَغْدَاد 5: 312 - 313.
(5)
النقل متتابع عن تاريخ بَغْدَاد، وفيه: "حُدِّثت
…
".
(6)
توفي سنة 616 هـ، وترجمته في: ذيل تاريخ بَغْدَاد لابن الدبيثي 2: 247 - 248، المنذري: التكملة =
سَعيد بن البَنَّاء، وأبا بَكْر بن الأشْقَر الدَّلَّال، وهو آخر مَنْ رَوَى عنهُ فيما أُرَى.
وحَدَّثَ عنهُمِ وِعن أبي سَعْد ابن البَغْدَاديّ، وأبي مُحَمَّد المقرِئ، وأبي سَعْد السَّمْعَانيّ بالإجازة.
وأجازَ لي رِوَايَة جميعَ مَسْمُوعَاته، وجميعَ ما صحَّت عنهُ روايَتُه، وكَتَبَ إليَّ يَذكر أنَّهُ دَخَلَ حَلَب عند عوْده من دِمَشقَ، وذَكَرَ لي في كتابهِ إليَّ أنَّ مولدَهُ في عَاشِر مُحَرَّم من سَنَةِ خَمْسٍ وثَلاثين وخَمْسِمائَة ببَغْدَاد (a).
أخْبَرَني رَفِيْقُنا كَمَال الدِّين عبَّاسُ بن بَزْوَان الإرْبِلِيّ أنَّ ابن الأصْفَر هذا تُوفِّي بكرةَ يَوْم الثّلاثَاء خامس وعشرين ذِي الحِجَّة سنَة ستّ عَشْرة وسِتّمائة بالمَوْصِل، ودُفِنَ بصَحْرَاة (b) عَنَّاز، وكان أوْصىَ أنْ أُغَسِّلهُ وأُصَلِّي عليه، فغَسَّلْتُه وصَلَّيْتُ عليه، وكان دَيِّنًا، صَالِحًا، ثِقَةً، صَحيحَ السَّمَاعَ، رحمه الله.
مَنْ اسْمُ أبيْهِ سُليْمان في آبَاءِ الأحْمَدِين
أحمدُ بن سُلَيمان بن حُمَيْد بن إبْراهيم بن أحْمَد بن عليّ بن إبْراهيم المَخْزُوميّ، أبو العبَّاس البُلْبَيْسيّ المَعْرُوف بابنِ كسا المِصْرِيّ
(1)
من أهل بُلْبَيْس، شَاعِرٌ مجُيْدٌ مَشهُورٌ، كَثِيْر الشِّعْر، طافَ البِلَاد، ومَدَح
(a) بعده في الأصل بياض يستغرق نصف الصفحة.
(b) كذا في الأصل، ولعله اسم علم، ولم أجده في كتب البلدان والمسالك. ونبه ابن منظور إلى عدم جواز إدخال هاء التأنيث على التأنيث. لسان العَرَب، مادة: صحر.
_________
= 2: 487، ابن الفوطي: مجمع الآداب 1: 75، تاريخ الإسلام 13: 463، الذهبي: المختصر المحتاج إليه 1: 182 - 183، سير أعلام النبلاء 22: 96 (ذكر عارض أرخ فيه لوفاته)، العبر في خبر من غبر 3: 168 وفي: الخريبي وفي بعض نسخه ما يوافق المثبت.
(1)
توفي سنة 634 هـ وقيل: 635 هـ، وترجمته في: التكملة للمنذري 3: 475، ابن الشعار: قلائد الجمان 1: 168 - 170، تاريخ الإسلام 14: 167 (أرخ وفاته سنة 635 هـ)، الوافي بالوفيات 6: 404، المقريزي: المقفى الكبير 1: 389 - 390.
المُلُوك وأخَذَ صِلَاتهم، وكان له ثَرْوة وتَجمَّل، وقَدِمَ حَلَب.
ومن شِعْره قوله
(1)
: [من الكامل]
ورَكبْتُ ظَهْرَ تَوَصُّلي في أوْبَتِي
…
وحَلَفْتُ أنِّي لا أنامُ عن السُّرَى
حتَّى أُريتُ (a) الأُفْقَ أنَّ بدُورَه
…
تخْفَى وبدْرُ الدِّين مُتَّقِدًا يُرَى
أخْبرَني أبو علىِّ القِيْلويّ (b)، قال: بلَغَ الحَاجِب عليّ الأشْرَفِىّ، وهو بالشَّرْوَان أنَّ ابن كسا هَجَاهُ، فأحْضَره وقال: بلغَني أنَّك هجَوْتني، وها أنا أهْجُوك لتَعْلم أيّنا أهْجَى، وأيّ الهَجْوَين أوْجَع. ثمّ مَدَّه وما زال يَضْربه بالدَّبَابِيْس حتَّى أشْرَف على المَوْت، ورُفِعَ على بابٍ إلى السِّجْن فبَقي بالسِّجْن مُدَّة، ثمّ أطْلقَهُ.
وبلغني أنَّ ابن كسا تُوفِّي في صَفَر سَنَهَ أرْبَعٍ وثَلاثين وسِتّمائة بالقَاهِرَة.
أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْم بن عَبْد القَوِيّ المُنْذِريّ
(2)
، قال في ذِكْر مَنْ تُوفِّي سَنَهَ خَمْسٍ وثَلاثين وسِتّمائة: وفي شْهر رَبِيع الآخر تُوفِّي أبو العبَّاس (c) أحْمَد بن سُلَيمان بن حُمَيْد بن إبْراهيم بن مُهَلْهِل القُرَشِيّ المَخْزُوميّ البُلْبَيْسيّ الشَّافِعيّ المَعْرُوف بابنِ كسا بالقَاهِرَة، ومَوْلده ببُلْبَيْس في سَنَة سَبْعٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة، تَفَقَّهَ على مَذْهَب الإمام الشَّافِعيّ رضي الله عنه، وتأدَّب وقال الشِّعْر، وسَافرَ الكَثِيْر، وحدَّث بشيءٍ من شِعْره ببُلْبَيْس وغيرها، وذكَرَ أنَّهُ دخَلَ دِمَشْق واشْتَغل بها، وبالمَوْصِل وبَغْدَاد وخُرَاسَان، وأنَّهُ اجْتَمع بفَخْر الدِّينِ الرَّازِيّ، المَعْرُوف بابنِ الخَطِيب، بخُوارَزْم، وكان له أُنسٌ بالنَّظريَّاتِ والخِلَافِ (d).
(a) ابن الشعار: رأيت.
(b) مهملة في الأصل، وهو الحَسَن بن محمد في إسماعيل، ونسبته إلى قيلوية من قرى بَغْدَاد. انظر ترجمته في: مُعْجَمُ الأدباء 5: 2035، الوافي بالوفيات 12: 218، النجوم الزاهرة 6: 293، شذرات الذَّهب 7:279.
(c) المنذري: الأديب أبو العباس.
(d) المنذري: والخلافيات.
_________
(1)
البيتان في قلائد الجمان 1: 169 (في أبيات أخر).
(2)
التكملة لوفيات النقلة 3: 475.
أحمدُ بن سُلَيمان بن عُمَرَ بن شَابُور الحَلَبِيُّ
سَمِعَ إسْحَاق بن إبْراهيم بن الأخْيَل الحَلَبِيّ، وإبْراهيم بن عبد اللّه بن خُرَّزَاد الأنْطَاكِيّ. رَوَى عنهُ أحْمَد بن مُحَمَّد الحلَّال (a)، ومُحَمَّد بن إبْراهيم بن أبي شَيْخ الرَّقِّيّ الصُّوْفيّ.
أخْبَرَنا أبو القَاسمِ عبد اللّه في الحُسَين بن عبد اللّه بن رَوَاحَةَ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد الأصْبَهَانِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد هِبَةُ اللّه بن أحْمَد الأكْفانِيّ، عن أبي بَكْر أحْمَد بن عليّ الحافِظ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد أحْمَد بن مُحَمَّد بن حَفْص المَالِيْنِيُّ، ح.
وأخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عبد اللّه الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلِمِ المُؤيَّد بن عبد الرَّحيم بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابن الإخْوَة البَغْدَاديّ، وصاحبَته عَيْن الشَّمْس بنتُ أبي سَعيد بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن سُلِيم، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَرَج سَعيد بن أبي الرَّجَاء بن أبي مَنْصُور الصَّيْرَفِيّ، قال: سَمَاعًا، وقالت: إجازةً، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن محمُود بن أحْمَد الثَّقَفِيّ، وأبو الفَتْح الكَاتِبُ، ح.
وقال لنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه محمُود بن أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن أحْمَد في مَحْمُود الثَّقَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَج سَعيد بن أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِيّ، خ.
وأخْبَرَنا أبو الغَنائِم بن شَهْرَيَار في كتابهِ، قال: أخْبَرَتْنا فاطِمَةُ بِنْتُ البَغْدَاديّ، قالا: أخْبَرَنا أبو طَاهر أحْمَد بن مَحْمُود بن أحْمَد، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن إبْرَاهِيم ابن المُقْرِئ
(2)
، قالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إبْرَاهِيم بن أبي شَيْخ الصُّوْفيّ
(a) هكذا كتبه بالحاء المهملة، ولم أجد ما يعضده أو يخالفه.
_________
(1)
في تاريخ بَغْدَاد 5: 84 من طريق آخر غير الماليني.
(2)
مُعْجَمُ ابن المقرئ 133.
الرَّقِّيُّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن سُلَيمان الحَلَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا إسْحَاق بن الأخْيَل (a)، قال: حَدَّثَنَا مُبَشِّر (b) بن إسْمَاعِيْل، عن الخلِيل بن مُرَّة، عن عَمْرو بن دِيْنار، عن عَطَاء بن يَسَار، عن أبي هُرَيْرَة، قال: قال رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم
(1)
: إذا أُقِيْمت الصَّلاةُ فلا صَلاة إلَّا المكتُوبة.
أحمدُ بن سُلَيمان بن عَمْرو، أبو بَكْر الأنماطِيُّ، وقيل: الأنْطَاكِيُّ
حَدَّثَ بحَلَب عن مَخْلَد بن مَالِك وأحمد بن إبْراهيمِ، ومُؤَمَّل بن إِهَاب. رَوَى عنهُ عُمَرُ بن مُحَمَّد بن سُلَيمان العَطَّار، وعبد اللّه بن سَعِيد الحَلَبِيُّ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبدُ اللّه بن الحُسَين بن عبد اللّه بن رَوَاحَة الحَمَوِيُّ، عن الحافِظ أبي طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد هِبَةُ اللّه بن أحْمَد بن الأكْفانِيّ بدِمَشْقَ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عليّ الكَتَّانِيّ الحافِظُ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن جَعْفَر الميدانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن سَهْل بن نَصْر النَّابُلُسيّ، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن مُحَمَّد بن سُلَيمان العَطَّار، قال: حَدَّثَني أبو بَكْر أحْمَد بنُ سُلَيمان بن عَمْرو الأنْمَاطِيُّ بحَلَب، قال: حَدَّثَنَا مَخْلَد بنُ مَالِك، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَزِيد، عن مُجَاشِع بن عَمْرو، عن الزِّبرَقَان، عن مُقَاتِل بن حَيَّان، عن أبي الزُّبَيْر، عن جَابِر بن عبد اللّهِ، قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
(2)
: إنَّ أهل الجَنَّة ليَحْتاجُونَ إلى العُلَمَاء في
(a) مُعْجَمُ ابن المقرئ: الأخبل.
(b) مُعْجَمُ ابن المقرئ: بشر.
_________
(1)
ابن أبي شيبة: المصنف 1: 421 (رقم 4840)، ابن حنبل: المسند 19: 62 (رقم 9874)، صحيح مسلم 1: 493 (رقم 710)، ابن ماجة: السنن 1: 364 (رقم 1151)، الترمذيّ: الجامع الكبير 1: 445 (رقم 421)، سنن أبي داود 2: 50 - 51 (رقم 1266)، سنن النسائيّ بشرح السيوطيّ 3: 116 (رقم 866).
(2)
أبو شجاع الديلمي: الفردوس 1: 230 (رقم 880)، المتقي الهندي: كنز العمال 10: 150 (رقم 28767).
الجَنَّةِ، وذلك أنَّهم يَزُورونَ اللّه تعالى في كُلِّ جُمُعةِ فيقُول لهم: تمنَّوا عليَّ ما شئْتم، فيلتَفتون إلى العُلمَاء فَيَقولُونَ: ماذا نتمنَّى؟ فيقُولُوَنَ: تمنَّوا كَذَا وكذا، قال: فهُم يَحْتاجُون إليهم في الجَنَّة كما يحتاجُونَ إليهم في الدُّنْيا.
أحمدُ بن سُلَيمان، أبو الفَتْح الفَخْريّ الحَلَبِيُّ
(1)
شَاعِرٌ من أهل حَلَب، كان في عَصْرِ عَبْد المُحْسِن الصُّوْرِيّ، ورحل إلى مِصْرَ فأقامَ بها إلى أنْ مات.
وَجَدْتُ ذِكْرَهُ في مَجْمُوع جَمعه بعض أهل الأدَب، وقرأته بخَطِّه، ذَكَرَ أنَّ أحْمَد بن سُلَيمان الفَخْريّ الحَلَبِيِّ كَتَبَ إلى عَبْد المُحْسِن الصُّوْرِيّ، وقد بَلَغَهُ ما صَارَ عليهِ عَبْد المُحْسِن من الفَقْر والفَاقَة، وقرأتها أيضًا بخَطِّ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ
(2)
: [الوافر]
أعَبْدَ المُحْسِن الصُّوْرِيّ لم قَد
…
جَثَمْتَ جُثُوْمَ مُنْهاضٍ كَسيْرِ
فإنْ قلْتَ العِيَالَة (a) أَقْعَدَتْني
…
على مَضَضٍ وعَاقَتْ عن مَسِيْري
فهذا البَحْرُ يَحْمِل هَضْبَ رُضْوَى
…
ويَسْتَثْنِي برُكنٍ من ثَبِيْرِ
وإنْ حاوَلْتَ سَيْر البَرّ يِوْمًا
…
فلَسْتَ بمُثْقِلٍ ظَهْرَ البَعِيرِ
إذا اسْتَحْلَى أَخُوكَ قلَاكَ يوْمًا
…
فمثْلُ أخيك موْجُود النَّظِيْرِ
تَحرَّكْ عَلَّ أنْ تلْقَى كريمًا
…
تَزُولُ بقُرْبهِ إحَنُ الصُّدُورِ
فما كُلّ البَريَّة من تَرَاهُ
…
ولا كُلّ البِلَادِ بِلَادُ صُورِ
فكتبَ إليهِ عَبْد المُحْسِن الصُّوْرِيّ
(3)
: [من الوافر]
(a) كتب ابن العديم في الهامش: "بخط أبي طاهر السلفيّ: القَبَالَة"، وفي اليتيمة: العبالة.
_________
(1)
توفي نحو سنة 419 هـ، وترجم له الثعالبي (يتيمة الدَّهر 1: 309) تَرْجَمة مقتضبة، وصفه فيها بالشاعر الماهر، واقتصر فيها على إيراد الأبيات التالية، ولقّبه بالفجريّ، ولعله من أخطاء الطبع، تاريخ ابن عساكر 71: 159 - 160، المقريزي: المقفى الكبير 1: 392 - 393.
(2)
الأبيات في اليتيمة 1: 309.
(3)
يتيمة الدَّهر 1: 309.
جَزَاكَ اللّهُ عن ذَا النَّصْحٍ خَيْرًا
…
ولكن جَاء في الزَّمنِ الأخيْرِ
وقَدْ حدّت لِيَ السَّبْعُون حَدًّا
…
نَهَى عَمَّا أرَدْت من الأُمُورِ (a)
ومُذْ صَارَتْ نُفُوسُ النَّاسِ عنِّي (b)
…
قصَارًا عُدْتُ بالأمل القَصِيرِ
وذكَر صَاحِبُ المجمُوع أنَّهُ رحَلَ إلى مِصْر وماتَ بها.
ومن الأفْرَاد
أحمدُ بن سِنَان، أبو جَعْفَر المَنْبِجِيُّ
حَدَّثَ عن عُبَيْد اللّه بن مُوسَى العَبْسِيّ. رَوَى عنهُ مُوسَى بن العبَّاس.
أخْبَرَتْنا أُمُّ المُؤيَّد زَيْنَبُ بنْتُ الحافِظ أبي القَاسِم عبد الرَّحْمن بن الحَسَن في كتابها إلينا من نيسَابُور، وأخْبَرَنا بذلك عنها إبْراهيم بن مُحَمَّد بن الأزْهَر الصَّرِيفِيْنِيّ، قالت: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد إسْمَاعِيْل بن أبي القَاسِم بن أبي بَكْر القارئ الوَاعِظ، قال: أخْبَرَنا أبو حَفْص بن مَسْرُور، قال: حَدَّثَنَا أبو سَهْل مُحَمَّدُ بن سُلَيمان بن مُحَمَّد بن سُلَيمان الحَنَفِيُّ الصُّعْلُوكِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن العبَّاس سَنَة ثلاث عَشْرة وثَلاثِمائة، قال: حَدَّثَنَا أبو جَعْفَر أحْمَدُ بن سِنَان المَنْبِجِيّ، قال: حَدَّثَنَا عُبيدُ اللّه بن مُوسَى، عن أبي حَنِيْفَة، عن نَافِع، عن ابن عُمَر، أنَّ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم
(1)
نَهَى يَوْم خَيْبَر عن لُحُوم الحُمُر الأهْلِيَّةِ، وعن مُتْعَةِ النِّسَاء. قال: وما كُنَّا مُسافِحيْنَ.
(a) يتيمة الدَّهر: المسير.
(b) يتيمة الدَّهر: حولي.
_________
(1)
أبو يوسف الأَنْصَارِيّ: الآثار 152 (رقم 699)، ابن شاهين: ناسخ الحديث ومنسوخه 362 (رقم 446). ورواه سَعِيد بن مَنْصُور في سننه 3/ 1: 218 (رقم 849)، وصحيح مسلم 2: 1027 - 1028 (رقم 1407)، والترمذي: الجامع الكبير 2: 415 (رقم 1121)، من حديث عليّ عليه السلام. وفي سنن أبي داود 4: 163 (رقم 3809) من حديث غالب بن أبجر. وابن ماجة: السنن 1066 (رقم 3195 - 3196) من طريق ابن سيرين عن أنس بن مَالِك، والشعبي عن البراء بن عازب.
أحمدُ بن سَهْل فِي مُحَمَّد بن دَاوُد بن مِيْكائيِل بن سُلَيمان بِن سُلْجُق،
السّلْطان سنجَر بن مَلِكْشاه بن ألْب أَوَسْلَان بن جغرِي بك (a) بن مِيْكائيِل، أبو الحاَرِث
قَدِمَ صُحبَة أبيه مَلِكْشاه وهو طفل، وكان قد وُلدَ له بِظَاهِر سِنْجَار في طَريقه إلى الشَّام، وَسَنَذكُره في حَرْف السِّيْن
(1)
فيما يأتي إنْ شَاءَ اللهُ تَعالَى.
أحمدُ بن سَلامَة بن أحْمَد بن سَلْمَان، أبو العبَّاس النَّجَّار
(2)
رَجُلٌ صَالحٌ، عَارِفٌ بالحَدِيْث، قَدِمَ حَلَب غير مَرَّة، أحديْها قي سَنَة سَبعٍ وسِّتمائة، سَمِعَ بها شَيْخنا أبا هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب، وقَدِمها مرَّةً أُخْرى، وحَدَّثَ بها عن أبي الفَرَج بن كُلِيْب.
ذِكْرُ حَرْف الشِّيْن في آباءَ الأحْمَدِين
أحمَدُ بن شَاكِر بن عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سليمان،
أبو العلاء بن أبي اليُسْر بن ابن مُحَمَّد بن أبي المَجْد بن أبي مُحَمَّد، القَاضِي ابن أبي المَجْد أخي أبي العَلَاء التَّنُوخِيُّ المَعَرِّيُّ
(3)
من أهل مَعَرَّة النُّعْمَان، أخو شَيْخنا إبْراهيم الّذي قَدَّمْنا ذكره
(4)
، وتَمَام
(a) من قوله: السلطان سنجر إلى قوله: جغري بك؛ هذه ألقابٌ، والأولى أسماء لهم بالعربية.=
_________
(1)
ترجمته في "باب سنجر" ضمن الأجزاء الضائعة من الكتاب، وانظر بعض أخباره في كتاب الهمذاني: قطع تاريخية من عنوان السير 66، 103.
(2)
توفي سنة 646 هـ، وترجمته في: تاريخ الإسلام 14:541، شذرات الذهب 7:404.
(3)
توفي سنة 638 هـ، وترجمته في: الإنصاف والتحري لابن العديم (ضمن كتاب إعلام النبلاء للطباخ) 4: 94، تاريخ الإسلام 14: 232، سير أعلام النبلاء 23:53.
(4)
في الجزء الضائع قبل هذا.
نَسَبه قد تقدَّم في تَرْجَمَةِ أخيهِ.
شَيْخ حَسَن من أهلِ الفَضْل وبيت العِلْم والقَضَاء، وأبوه أبو اليُسْر من الفُضَلَاء المَشْهُورين، وأجْداده الّذين نَسَبْناهُ إليهم ما منهم إلَّا فَاضِلٌ مَشْهُور.
وأبو العَلَاء هذا سَمعَ أباهُ أبا اليُسْر شَاكِرًا، والحافِظ أبا القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَهَ الله الدِّمَشقيّ، وغيرهما، وقَدِمَ علينا حَلَبَ مِرَارًا مُتَعدِّدة، وكان يَسْكنْ مَعَرَّة النُّعْمَان.
وكنتُ ظَفِرْتُ بسَمَاعِه في عدَّهَ أجْزاء من تاريخ دِمَشْق للمحافِظ أبي القَاسِم، فانْتَخبتُ منها جُزءًا لَطِيفًا، وقرأَتهُ عليه بسَمَاعِه منهُ، وسمعَهُ بقراءتي جَمَاعَةُ كانُوا معي بحَلَب. وسألتُه عن مَوْلدِه فقال: في سَنَة أرْبَعٍ وأرْبَعين أو خمسٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة.
أخْبَرَنا أبو العَلَاء أحْمَد بن شَاكِر بن عبد الله المَعَرِّىِّ، قِراءَة علمِهِ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الشَّافِعيّ
(1)
، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمعُ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد الوَاحِد بن أحْمَد بن العبَّاس، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليّ بن عُمَر بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن القَزْوِينيّ، إمْلاءً سَنَة ستٍّ وثَلاثين وأرْبَعِمائة، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن علىِّ بن سَعيد (a) المُؤدّبُ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن مُحَمَّد العَسْكَرىِّ، قال: حَدَّثَنَا مُطَّلبُ بن شُعَيْب، قال: أَخْبَرَنا عَبْدُ الله بن صالح، قال: حَدَّثَني ابن لَهِيْعَة، عن عُقَيْلٍ، عن ابن شِهَابٍ، عن نَافعٍ، عن ابن عُمَر
(2)
، قال: قال رسُوِل الله صلى الله عليه وسلم: احْفَظُوني فيِ أصْحَابي، فمَنْ حَفِظني في أصْحَابي رافقَني ووَردَ عليَّ حَوْضي، ومَنْ لَم يَحْفظني فيهم لم يرِد عليَّ حَوْضي، ولَمْ يَرَني إلَّا من بَعِيْدٍ.
= وانظر الاختلاف في مسمياتهم وألقابهم، وصورة ما قيده ابن خلدون بخطه في أنسابهم: العبر 9: 3 وما بعدها.
(a) ابن عساكر: سويد.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 23: 463.
(2)
مجمع الزوائد للهيثمي. 10: 16 - 17، كنز العمال 11: 539 (رقم 32536).
قَدمتُ مَعَرَّة النُّعْمَان في بعض قَدْمَاتي إليها في جُمَادَى الأُوْلَى من سَنَة ثَمانٍ وثَلاثين وسّتمائة، فأخْبَرَني قاضِيْها أبو العبَّاس أحْمَدُ بن مُدْرِك بن عبد الله بن سُلَيمان أنَّ شَيْخَنا أبا العَلَاء أحْمَد بن شَاكِر تُوفِّي بها في شهر رَبيع الآخر من سَنَة ثمانٍ وثَلاثينِ المَذْكُورة.
أحمدُ بن شَبُّوَيْه بن أحْمَد في ثَابِت بن عُثْمان بن مَسْعُود بن يَزِيد الأكْبَر بن كَعْب بن مَالِك بن كَعْب بن الحَارِث بن قُرْط
في مَازِن بن سِنَان بن ثَعْلَبَة في حَارثَة بن عَمْرو بن عامر، وهو خُزَاعَة، أبو الحَسَن المَاخُوانِيُّ الخُزَاعِيُّ
(1)
وقيل: هو أحْمَد بن مُحَمَّد بن ثَابِت، وِشَبُّوَيْه لقَبُ أبيهِ مُحَمَّد أو جَدِّه، وقيل: هو مَوْلَى لبُدَيْل بن وَرْقَاء الخُزَاعِيِّ، وهو منْسُوبٌ إلى قَرْيَةٍ من قُرَى مَرْو ويُقالُ لها مَاخُوان، وسَكَنَ طَرَسُوسَ، وأقامَ بها إلى أنْ مات.
وذكَرهُ عبدُ الرَّحْمن بن أبي حَاتِم في كتاب الجَرْح والتَّعْدِيل
(2)
، فقال: أحْمَد بن شَبُّوَيْه المَرْوزيّ أبو الحَسَنِ الخُزَاعِيّ، وهو أحْمَد بن مُحَمَّد بن شَبُّوَيْه، حَدَّثَنَا عليّ بن الهِسِنْجَانِيّ (a) عنهُ. رَوى عن وَكِيع، وعَبد الرَّزَّاق، وأبي أُسامَة. ماتَ بطَرَسُوس سَنَة ثلاثين ومَائتَيْن، سَمِعْتُ أبي وأبا زُرْعَة يقُولان ذلك، سَمِعْتُ
(a) الضبط من ياقوت، نسبةٌ إلى قرية هِسِنْجان، من قرى الريّ. معجم البلدان 5:406.
_________
(1)
توفي سنة 229 هـ وقيل في التي تليها، ترجمته في: تاريخ البخاري الكبير 2: 5، التاريخ الصغير 2: 329، العجلي: تاريخ الثقات 47، تاريخ الطبري 4: 176، 344، 394، 430، 520، (وانظر فهرس الأعلام 10: 170)، الثقات لابن حبان 8: 13، الجرح والتعديل 3: 55، ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة 1: 47 - 48، تاريخ ابن عساكر 71: 167 - 170، ابن الجوزي: المنتظم 11: 154، تذكرة الحفاظ 3: 464 - 465 (أحمد بن محمد بن ثابت)، تاريخ الإسلام 5: 511 - 512، سير أعلام النبلاء 11: 7 - 8، الوافي بالوفيات 6: 415، تهذيب التهذيب 1: 71، تقريب التهذيب 1: 24، النجوم الزاهرة 2: 254، السيوطي: طبقات الحفاظ 205.
(2)
الجرح والتعديل 3: 55.
أبا زُرْعَة يقُول: جاءَنا نَعِيّه وأنا بحَرِّان (a)، ولم أكْتب عنه، وكذلك سَمِعْتُ أبي يَقُول: أدْرَكتُهُ ولم أكتبُ عنهُ. رَوى عنهُ أيوب بن إسْحاق بن سَافِرِي نَزَيلُ الرَّمْلَة، وعَبْد المَلِك بن إبراهيم الجُدِّيّ.
قال عبدُ الرَّحْمن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ: هو أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن شَبُّوَيْه، حَدَّثَنَا عليّ بن الحسُين الهِسِنْجَانِيّ عنُه؛ هكذا.
وَسَنَذْكُره في باب المُحَمَّدين من آباء الأحْمَدِين
(1)
إنْ شَاءَ اللهُ.
أنْبَأنَا أبو يَعْقُوب يُوسُف بن مَحْمُود الصُّوْفيّ، عن الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المُبارَك بن عَبْد الجَبَّار الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن عليّ بن أحْمَد بن الفَضْل الأَزَجِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد المُفِيد بجَرْجَرَايا، قال: أخْبَرَنا أبو عِمْران مُوسَى بن هارُون بن عبد الله البزَاز (b)، قال: وماتَ أحْمَدُ بنُ شَبّوَيْه بطَرَسوس آخر سنة ثلاثين أو تِسْع وعشْرين ومَائتَيْن.
أنْبَأنَا أبو القَاسمِ بن رَوَاحَة، عن أبي طَاهِر الحافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ أحْمَد بن مُحَمَّد البَرَدَانيّ (c)، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل أحْمَد بن الحَسَن بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد العَتِيْقيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن المُظَفَّر بن مُوسَى الحافِظُ قِراءَةً عليهِ، قال: قال أبو القَاسِم عبدُ الله بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز البَغَويّ ابن بنْت مَنيع
(2)
: ماتَ أحْمَد بن شَبُّوَيْه بطَرَسُوسَ سَنَة تِسْعٍ وعشرين، أو سَنَة ثلاثين في أوَّلها؛ يعني: ومَائتَيْن.
(a) الجرح والتعديل: بنجران.
(b) الأصل: البزار.
(c) يذكره في عديد المواضع فيما بعد على هذا النحو وبابن البرداني أيضًا.
_________
(1)
في جزء ضائع موضعه بعد هذا الجزء.
(2)
تاريخ وفاة الشيوخ الذين أدركهم البغوي 55.
مَنْ اسْمُهُ شُعَيْب في آبَاءِ الأحْمَدِين
أحْمَدُ في شُعَيْب بن عَبْد الأكْرَم الأنْطَاكيُّ
حَدَّثَ عن الحَسَن بن عَبْد الأعْلَى البَيَّاسيّ، ومُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب الدِّيْنَورِيّ، وعُبَيْد بن مُحَمَّد الكِشْوَرِيّ
(1)
، ويَعْقُوب بن يُوسُف الفَرْوِيّ.
رَوَى عنهُ أبو بَكْر مُحَمَّد بن إبْراهيم بن المُقْرِئ، وكان من الصَّالِحين العُبَّاد، والأخْيَار الزُّهَاد.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْدٍ عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن أبي المُظَفَّر السَّمْعَانيّ، ح.
وأخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بنِ عبد الله الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلم المُؤيدُ بن عبد الرَّحيم بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن اِلإخْوَة البَغْدَاديّ، وصَاحِبتهُ عَيْن الشَّمْس بنت أبي سَعيد بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن سُلَيم، قالوا: أخْبَرَنا أبو الفَرَج سَعيدُ بن أبي الرَّجَاء الدُّوْرِيّ، قالا: أخْبَرَنا؛ وقالت: إجَازَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مَحْمُود الثَّقَفِيّ، وأبو الفَتْح مَنْصُور بن الحُسَين الكاتِب، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن إبْراهيم بن المقرِئ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن شُعَيْب بن عَبْد الأكْرَم الأنْطَاكي -وكان يُقال إنَّهُ من الأبْدَالِ- قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن عبد الله (a) البَوْسِيّ -وقال أبو مُسْلم وصاحبتُهُ: الحَسَن بن عَبْد الأعْلَى البَيَّاسيّ، وهو الصَّحيحُ- قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، عن
(a) كذا في الأصل وفوقها هي والكلمة التي تليها "صـ"، وفي معجم ابن المقرئ: ابن عبد الأعلى النوسي، وعند الصفدي: الوافي بالوفيات 12: 62: الحسن بن عبد الأعلى البوسي.
_________
(1)
نسبة إلى كِشْوَر؛ قرية من قرى صنعاء اليمن. معجم البلدان 4: 463، والضبط عنه.
(2)
معجم ابن المقرئ 152.
عبد الله (a)، عن القَاسِم بن مُحَمَّد (b)، عن عائِشَة رضي الله عنها
(1)
: أنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رَأى الغَيْث قال: اللَّهُمَّ سَيْبًا (c) نَافِعًا.
أخْبَرَنا أبو الغَنائِم مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الرَّجَاء الشهرَيَاريّ في كتَابِهِ إليْنَا من أصْبَهَان، قال: أخْبَرَتْنا أُمُّ البَهَاء فاطِمَةُ بنْتُ مُحَمَّد بن أحْمَد البَغْدَاديّ، قالت: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مَحْمُود بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن إبْراهيم بن عليّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن شُعَيْب بن عَبْد الأكْرَم الأنْطَاكيِّ، قال: حدَّثَنَا عبيد بن مُحَمَّد بن إبراِهيم الكِشورِي، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن عُمَر بن أبي مُسْلِم، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُصْعَب الصَّنْعانِيِّ، قال: حَدَّثَني القَاسِمِ بن عبد الله بن عُمَر بن حَفْص بن عُمَر بن الخَطَّاب رضي الله عنهم، عن عَمِّه عُبَيْد الله بن عُمَر، عن عبد الله بن خَبَّابٍ، عن أبي سَعيد الخُدْرِيّ أنَّهُ سَمعَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يقُول، فذُكِر عندَهُ عمُّه أبو طَالِب، فقال
(2)
: لعلَّهُ بشَفاعَتي يَوْم القِيامَة يُجْعَلُ في ضَحْضَاحٍ من النَّار، يبلغُ كَعْبَيْهِ، تَغْلِي منهُ جَبْهَتُهُ أو دِماغُهُ.
أحمدُ بن شُعَيْب بن عليّ بن سِنَان بن بَحْر، أبو عبد الرَّحْمن النَّسَائيِّ
(3)
القَاضِي الحافِظ الإمام، كان عَلَمًا من الأغلَام، وإمامًا من أئمَّة الإسْلَام،
(a) معجم ابن المقرئ: عبيد الله.
(b) معجم ابن المقرئ: عن القاسم عن محمد، وهو القاسم بن مُحَمَّد بن أبي بكر، وعائشة أم المؤمنين عمته.
(c) معجم ابن المقرئ: صيبًا.
_________
(1)
الحميدي: المسند 1: 131 (رقم 270)، من طريق مسعر عن أبيه عن عائشة، ورواه ابن أبي شيبة: المصنف 6: 28 (رقم 29214)، وابن ماجة: السنن 2: 1280 (رقم 3889)، من طريق المقدام عن أبيه عن عائشة، والمسند الجامع 20: 226 (رقم 17074) من طريق شريح بن هانئ عن عائشة.
(2)
صحيح مسلم 1: 195 (رقم 360)، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 14، 168 (رقم 6271)، ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 7: 193 (رقم 3885).
(3)
توفي سنة 303 هـ، وترجمته في: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم لابن زبر الربعي 262، تاريخ ابن يونس=
وإليه في عِلْم الحَدِيْث ومَعْرفة رجاله النَّقْض والإبْرام، رَحَل الرِّحْلَة الوَاسِعَة، وسَافر في طلب الحَدِيْث وجَمْعهِ إلى البِلاد الشَّاسِعَة، قَدِمَ حَلَب، وسَمعَ بها أبا العبَّاس الفَضْل بن العبَّاس بن إبْراهيم الحَلَبِيّ، وسَمعَ بالمِصِّيْصَهَ قاضِيها أحْمَد بن عبد الله بن عليّ بن أبي المَضَاء المِصِّيْصيَّ (a).
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر الشِّيْحِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الدُّونيِّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو نَصْر الكَسَّارُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن إسْحاق السُّنّيِّ الحافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو عبد الرَّحْمن، قال: أخْبَرَنا عليّ بن حُجْر، قال: أخْبَرَنا يزِيد بن هارُون، عن هَمَّامِ بن يَحْيَى، عن قَتَادَة، عن أنس، قال
(1)
: خرَجَتْ جاريَة عليها أوضْاِحٌ، فأخَذَها يَهُوديٌّ فرَضَخ رأسها، فأخَذ ما عليها من الحَلْي، فأُدْركت وبها رَمَقٌ، فأُتي بها رسُول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ قَتَلكِ، أفُلَانُ؟ فقالت برأسها: لا. قال: ففُلَانٌ حتَّى سَمَّى اليَهُودِيّ، فقالت برأسها: نعم، فأُخِذَ فاعْتَرف، فأُتي به
(a) الصفحة التي تليها في الأصل بياض.
_________
= الصدفي 2: 24، تلخيص تاريخ نيسابور للحاكم 42، مختصر تاريخ ابن عساكر 71: 170 - 177، ابن الجوزي: المنتظم 13: 155 - 156 (وفيه: أحمد بن علي بن شعيب)، التقييد لابن نقطة 1: 312 - 317، ابن الأثير: الكامل 8: 96، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 16: 429 - 431، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 142 - 144، وفيات الأعيان 1: 77 - 78) وفيه: أحمد بن علي بن شعيب بن علي)، المزي: تهذيب الكمال 1: 328 - 340، تذكرة الحفاظ 2: 698 - 701، تاريخ الإسلام 7: 59 - 61، العبر في خبر من غبر 1: 444، سير أعلام النبلاء 14: 125 - 135، الوافي بالوفيات 6: 416 - 417، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 3: 14 - 16، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 123 - 124 (أحمد بن علي بن شعيب)، الأسنوي: طبقات الشافعية 2: 480 - 481، ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 1: 88، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 61، المقريزي: المقفى الكبير 1: 398 - 403، النجوم الزاهرة 3: 188، السيوطي: حسن المحاضرة 1: 349 - 350، 400، شذرات الذهب 4: 15، محسن الأمين: أعيان الشيعة 2: 601 - 603.
(1)
رواه مسلم في صحيحه 3: 1399 (رقم 1672) بلفظ مختلف من حديث أنس، الترمذي: الجامع الكبير 3: 68 (رقم 1394)، سنن النسائي بشرح السيوطي 8: 22 (رقم 4742).
رسُول الله صلى الله عليه وسلم فرَضَخ رأسَه بين حَجَرين.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن بن زَيْد الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن زُرْيق القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِتٍ الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد المَالِيْنِيُّ قراءةً، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الوَلِيد بن القَاسِم بن أحْمَد الصُّوْفيّ بمِصْرَ، قال: حَدَّثَنَا أبوعبد الرَّحْمن أحْمَد بن شُعَيْب بن عليّ النَّسَائِيُّ، قال: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بن العبَّاسِ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حَاتِم، قال: حَدَّثَني بِشْر، وهو ابن الحَارِث، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن سَعْد، عن أَبِيهِ، عن عبد الله بن جَعْفَر، قال: كان رسُول الله صلى الله عليه وسلم يأكُل القِثَّاء بالرُّطَب.
أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أبي المَعَالِي بن البَنَّاءَ البَغْدَاديّ بدِمَشْق، وأبو سَعْد ثَابِتُ بن مُشَرَّف بن أبي سَعْد البَنَّاءُ البَغْدَاديّ بحَلَب، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عُبَيْد اللهِ بن الزَّاغُونِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن أبي الصَّقْر الأنْبارِيُّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَاحِد بن مُحَمَّد بن عِيسَى، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عبد اللهِ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن شُعَيْب أبِو عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن رَبِيْعَة، عن أبي عُمَيْس -واسْمُهُ عُبَيْد (a) بن عبد اللهِ- عن العَلَاء بن عبد الرَّحْمن، عن أَبِيهِ، عن أبي هُرَيْرَة
(3)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: إذا انْتَصَفَ شَعْبان فكُفُّوا عن الصَّوْم.
أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر عبدُ الرَّحيم بن عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَاتِ عبدُ الله بن مُحَمَّد بن الفَضْل الفَرَاوِيّ، ح.
(a) مشيخة ابن أبي الصقر: عتبة.
_________
(1)
تاريخ بغداد 14: 339.
(2)
مشيخة أبي طاهر بن أبي الصقر 79 (رقم 12).
(3)
سنن أبي داود 2: 751 (رقم 2337)، الشجري: الأمالي الخميسية 1: 104 - 105، وفيهما:"إذا انتصف شعبان فلا تصوموا".
وأنْبَأنَا القَاسِم بن عبد الله بن عُمَر الصَّفَّار، قال: أخْبَرَتْنا عَمَّةُ أبي عائِشَةُ بنت أحْمَد بن مَنْصُور، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن خَلَف، قال: أخْبَرَنا الحاكِمُ أبو عَبْد اللهِ الحافِظُ
(1)
، قال: سَمِعْتُ عليّ بن عُمَر الحافِظ غير مَرَّة يقُول: أبو عبد الرَّحْمن مُقَدَّمٌ على كُلِّ مَنْ يُذْكر بهذا العِلْم من أهل عَصْره.
وقال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحافِظ، قال: سَمِعْتُ أبا عليّ الحافِظُ غير مَرَّة يَذْكر أرْبعةً من المُسْلمِيْن رآهُم، فبَدَأ بأبي عَبْد الرَّحْمن.
وقال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحافِظُ، قال: سَمِعْتُ جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الحَارِث يقُول: سَمِعْتُ مَأْمُونَ المِصْرِيَّ الحافظ يقُول: خَرجْتُ مع أبي عبد الرَّحْمن إلى طَرَسُوسَ سَنَةً للفِدَاءِ فاجْتَمع جَمَاعَةٌ من مَشَايخ الإسْلَام، واجْتَمعَ من الحُفَّاظ: عبدُ الله بن أحْمَد بن حَنْبَل، ومُحَمَّدُ بن إبْراهيم مُرَبَّع، وأبو الآذَان، وكِيْلَجَة، وسِنْجَة ألْف، وغيرهم، فتَشاوَرُوا مَنْ يَنْتَقِي لهم على الشُّيُوخ، فأجْمَعُوا على أبي عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ، وكتبُوا كُلّهُم بانْتخابهِ.
قال الحاكِم أبو عَبْد الله: فأمَّا كلامُ أبي عبد الرَّحْمن على فِقْه الحَدِيْث، فأكْثَر من أنْ يُذكرَ في هذا المَوِضع، ومَنْ نَظَر في كتاب السُّنَن له تَحَيَّر في حُسْن كَلَامهِ، وليسَ هذا الكتابُ مَسْمُوع عندنا.
ومع ما جَمَعَ أبو عبد الرَّحْمن من الفَضائِل، رُزِقَ الشَّهَادَةَ في آخر عُمْرِه، فحَدَّثَني مُحَمَّد بن إسْحاق الأصْبَهَانِيّ قال: سَمِعْت مَشَايخَنا بمِصْر يَذْكُرونَ أنَّ أبا عبد الرَّحْمن فارق مِصْر فيِ آخر عُمْرِه، وخَرَجَ إلى دِمَشْق، فسُئل بها عن مُعاوِيَة بن أبي سُفْيان وما رَوَى من فضَائله فقال: لا يرضَى منَّا مُعاوِيَة رأسًا برأسٍ حتَّى يُفَضَّل؟ فما زالُوا يدفَعُون في حِضْنَيهِ
(2)
حتَّى أُخْرج من المَسْجِد، ثمّ
(1)
كلام الحاكم في هذا النص وفي النقول التي بعده هي من كتابه تاريخ نيسابور، ولم يرد في تلخيص الكتاب سوى ذكر اسمه. انظر: تلخيص تاريخ نيسابور 42.
(2)
أي: في جنبيه. المقفى الكبير 1: 402، وانظر تاريخ الإسلام للذهبي 7:61.
حُمِلَ إلى الرَّمْلَة، فماتَ بها سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثِمائة وهو مَدْفُونٌ بالرَّمْلَةِ (a).
قَرأتُ بخَطِّ الحافظ أبي طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ، وأخْبَرَنا به إجَازَةً عنه أبو عليّ حَسَن بن أَحْمَدَ بن يُوسُف وغيره، قال: قرأتُ على أبي عبد اللهِ -يعني: مُحَمَّد بن أحْمَد بن إبْراهيِم الرَّازِيّ- بالإسْكَنْدَرِيَّة، عن أَبيِهِ أبي العبَّاسِ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن الحَسَن بن عُمَر الصَّيْرَفِىّ، قال: حَدَّثَنَا أبو إسْحاق إبْراهيم بن نَصْر البَزَّاز، وكَتَبَهُ لىِ بخَطِّه، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن مُحَمَّد الكَاتِبُ المَادَرَائيّ، قال: حَدَّثَني أبو مَنْصُور تكين الأَمِير، قال: قرأ عليّ أبو عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ كتاب الخَصَائِص، فقُلتُ لَهُ: حَدَّثَني بفَضَائِل مُعاوِيَة، فجاءني بعد جُمُعة بوَرَقَةٍ فيها حَدِيثان، فقُلتُ: أهذه بسَ؟ فقال: وليْسَت بصِحَاحٍ! هذه غَرِم مُعاوِيَةُ عليها الدَّرَاهِم. فقُلتُ لَهُ: أنت شَيْخُ سَوْءٍ، لا تُجاوِرنْي (b)، فقال: ولا لي في جوارك حَظٌّ، وخَرَج.
قال علىّ بن مُحَمَّد المَادَرَائيّ: وحَدَّثَني أهل بَيْت المَقْدِس، قالوا: قرأ علينا أبو عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ كتاب الخَصَائِص، فقُلتُ لَهُ: أين فَضَائِل مُعاوِيةَ؟ فقال: وما يَرْضَى مُعاوِيَة أنْ يُسْكَتَ عنهُ، قال: فرجَمْناهُ وضَغَطْنَاهُ، وجَعَلنا نَضْرب جَنْبَهُ، فماتَ بعد ثلاثٍ.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عبد الله بن عُلْوَان، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو مُحَمَّد عبدُ الله بن مُحَمَّد الأَشِيْرِىِّ، قال: أنْبَأنَا القَاضِىِ أبو الفَضْل عِيَاضُ بن مُوسَى بن عِيَاض
(1)
، قال: حَدَّثَنَا الفَقِيهان أبَوَا مُحَمَّد عبد الله بن أَبي جَعْفَر
(a) في تاريخ الإسلام 7: 61: حمل إلى مكة وتوفي بها، وفي المقفى للمقريزي (1: 402) أنه أخرج إلى مكة فمات ودفن بها. ويليه في الأصل الخبر الذي ينقله عن القبيطي، وكتب إزاءه: يؤخَّر، وكتب إزاء النص التالي: يُقدَّم، فأعدناه حسب ما أشار.
(b) في الأصل: تحاورني، بالحاء المهملة، والاستدلال عليه مما يليه، ومثل المثبت في المقفى 1:403.
_________
(1)
القاضي عياض: الإلماع إلى معرفة أصول الرواية 183.
الخُشَنيِّ، وعَبْد الرَّحمن بن مُحَمَّد بن عَتَّاب بقراءتي عليهما، قالا: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم حَاتِم بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن القَابِسِيّ الفَقِيه، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن بن هاشِم المَعَرِّيّ (a) يقُول: سُئِل أبو عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ عن اللَّحن (b)[في الحَدِيث، فقال: إنْ كان شيئًا تَقُوله العَرَب، وإنْ لم يكن في لُغَة قُرَيش، فلا يُغَيَّر، لأنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كان يُكلِّم النَّاس بكلامهم، وإنْ كان ممَّا يُوجد في كَلَام العَرَب، فرسُول الله صلى الله عليه وسلم لا يَلْحن].
أخْبَرَنا أبو الفَرَج مُحَمَّد بن عليّ بن حَمْزَة بن القُبَّيْطِيّ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن الآبِنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الإسْمَاعِيْليّ، قال: أَخْبَرَنا أبو القَاسِم السَّهْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(1)
، قال: سَمِعْتُ مَنْصُور الفَقيه وأحمد بن مُحَمَّد بن سَلَمَة الطَّحَاوِيّ يقُولان: أبو عبد الرَّحْمن النَّسَائيِّ إمامٌ من أئمَّةِ المُسْلمِيْن.
وقال أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(2)
: أخْبَرَني مُحَمَّد بن سَعيد البَاوَرْدِيّ، قال: ذكَرتُ لقاسِم المُطَرِّز أبا عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ فقال: هو إمامٌ، أو يَسْتحقُّ أنْ يكون إمَامًا، أو كما قال.
(a) في كتاب القاضي عياض: أبا الحسن بن هشام المصري، وفي بعض أصوله: هاشم.
(b) يليه في الصفحة التالية بياض، وانقطاع النص في نسخة الأصل يشي بوقوع خرم تقديره ورقة. وما بين الحاصرتين استكمالٌ من كتاب القاضي عياض، ومن المقفى للمقريزي (1: 403)، وهو ينقل عن ابن العديم في كثير من المواضع دون عزو.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 146.
(2)
ابن عدي: الكامل 1: 146.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثِقَتِي
أحمدُ بن شُكْر بن عبد الرَّحْمن بن أبي حَامِد بن عبد الرَّحْمن - المُلَقَّب بُنَان
- ابن عليّ - المُلَقَّب ذُؤَيْب - ابن أبى البَرَكَات - وكان يُلَقَّب عُصَيَّة لطُوْله ودِقَّتِهِ - ابن هِبَة الله- ويُكْنَى أبا الحُمَّر - ابن أبي العبَّاس أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن أبي الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن مُوسَى بِن يَعْقُوب في مُحَمَّد بن المِقْدَادِ بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة بن مَالك بن رَبِيْعَة المَعْرُوف بابن الأَسْوَد الكِنْدِيّ صاحب رسُول الله صلى الله عليه وسلم، أبو العبَّاس بن أَبي حَامِد بن أبي القَاسِم بن أبي حَامِد الكِنْدِيّ المِقْداديّ الحَرْبِيّ الخَيَّاط، المَعْرُوف بابنِ عُصَيَّة المُقْرِئ
من أوْلادِ المُحَدّثِيْن من أهل الحَرْبِيَّة. وكان أبو الحُمَّر هِبَة الله قَدِمَ من دِمَشْق، وسَكَنَ الحَرْبِيَّة، وأعْقَبَ بها.
سَمِعَ أبو العبَّاس أباهُ أبا حَامِد، وجَدّهُ أبا القَاسِم عبد الرَّحْمن، وجَدّه لأُمّه أبا بَكْر مُحَمَّد بن المُبارَك بن مَشَّق، وأبا مَنْصُور عبد اللهِ بن مُحَمَّد بن عليّ بن عَبْد السَّلام الكَاتِب، وأبا الفَرَج عَبْد المُنْعِم بن عَبد الوَهَّاب بن كُلَيْب الحَرَّانيّ، وأبا الفَرَج عبد الرَّحْمن بن عليّ بن الجَوْزِيّ، وخَلْقًا غير هؤلاء يَطُول ذِكْرهُم، وحدَّث ببعض حَدِيثه وسَمِعَ منه جَمَاعَةٌ من طَلَبةِ الحَدِيْث.
وقال لي أبو حَفْص عُمَرُ بن دَهْجَان البَصْرِيّ: هذا الشَّيْخ سَافَرَ إلى البَيْت
المُقَدَّس زَائِرًا بعد أنْ حَجَّ إلى بَيْتِ اللهِ الحَرَام، فدَخَلَ حَلَبَ مَرَّتَين في ذَهابِه وعَوْده.
ومَولدُه في سَنَة إحْدَى وثَمانين وخَمْسِمائَة بالحَرْبِيَّةِ، وهو شَيْخٌ صَالِحٌ، خَيِّرٌ، مُتَدَيِّنٌ، مُتَواضِعٌ، كَثِيْرُ التِّلَاوة للقُرْآن، مُحِبّ للحَدِيْث وأَهْلهِ، فَقِيْرٌ صَبُورٌ، متقنّعٌ بالحَلَال، يأكُل من كَسْب يَدِه، حَسَن الطَّريقة، صَحِيح العَقِيْدَة، مَحْمُود السِّيْرَة على قَانُون السَّلَف.
أحْمَدُ بنُ شَيْبَانُ الأحْنَفُ المِصِّيْصيُّ
حَدَّثَ عن مُحَمَّد بن كَثِيْر المِصِّيْصِيّ، رَوَى عنهُ أبو سَهْل أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن يَزِيد الفَارِسِىّ نَزيلُ المِصِّيْصَةِ.
ذِكْرُ حَرْف الصَّادِ في آبَاءِ الأحْمَدِين
أحْمدُ بن صَافِي، أبو بَكْر التِّنِّيْسِيّ
(1)
مَوْلَى الحُبَاب بن رَحِيْم البَزَّاز، سَمِعَ بحَلَب وغيرها من الثُّغُور والبِلَاد: أبا بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن أبي إِدْرِيس الإمَام، وأبا أَيُّوبَ سُليْمان بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن رُوَيْط، وأبا بَكْر مُحَمَّد بن بَرَكَة بن الفِرْدَاج (a) بِرْدَاعِس الحَلَبِيّين، وعُثْمان بن مُحَمَّد بن عليّ بن عَلَّان الذَّهَبِيّ نَزِيلُ حَلَبَ، وأبا عُمَيْر عَدِيّ بن أحْمَد بن عَبْد البَاقِي الأذَنيّ، وأبا الحُسَين مُسَدَّد ين يَعْقُوب القُلُوسِيّ (b) قاضي تِنِّيْس، وأبا عبد الله مُحَمَّد بن الحَكَم، وبَكْر بن أحْمَد الشَّعْرَانيّ، وأبا جَعْفَر مُحَمَّد بن الحُسَين بن زَيْد،
(a) في الأصل: الفرداح، بالحاء، وصوابه المثبت كما يأتي فيما بعد، وانظر: الأنساب للسمعاني 10: 498، وجاء في ترجمته من تاريخ ابن عساكر 52: 145: القرداح!.
(b) الأصل: الفلوسي، بالفاء، وصوابه المثبت، ويأتي صحيحًا فيما بعد، وشهرته بالأملوكي أكثر.
_________
(1)
توفي بعد سنة 360 هـ، وترجمته في تاريخ ابن عساكر 71: 179 - 180.
وأبا الحَسَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الحَرَويّ، وأبا الحَسَن عليّ بن عبد الله بن أبي مَطَر، وأبا إسْحاق إبْراهيم بن مَيْمُون الصَّوَّاف، وأبا أحْمَد جَابِر بن عبد الله بن حَاتِم الجِهَازِيّ، وأبا بَكْر أحْمَد بن عَمْرو بن جَابِر الرَّمْليّ، وأبا الحَسَن دَاوُد بن أحْمَد بن مُصَحِّح، وأبا الحُسَين عليّ بن مُحَمَّد بن أبي الحَدِيْد المِصْرِيّ، وعبد القُدُّوس بن عِيسَى بن مُوسَىِ الحِمْصِيّ، وأبا عليّ الحُسَين بن يُوسُف بن مُلَيْح الطَّرَائِفِيّ، وإسْمَاعِيْل بن يَعْقُوب الحَرَّاب.
رَوَى عنهُ أبو الحُسَين المَيْدانيّ، وسَمِعَ منه بدِمَشْق عَبْد العَزِيْز وعَبْدُ الوَاحِد ابْنَا مُحَمَّد بن عَبْدَوَيْه الشِّيْرَازيّ.
أنْبَأنَا أبو الفَضْل (a) أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن الدِّمَشقيّ، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَةِ الله الدِّمَشقيّ
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم عَبْد المُنْعِم بن عليّ بن أحْمَد الكِلابِيّ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الخَضِر، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المَيْدانيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن صَافِي التِّنِّيْسِيّ، قال: حَدَّثَنَا عُثْمان بن مُحَمَّد الذَّهَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن زِيَاد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد الأسْفَاطِيّ، قال: رأيتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في النَّوْم، فقُلتُ: يا رسُول الله، إنَّ عبد الله بن دَاوُد حَدَّثَنَا عن الأَعْمَش، عن زَيْد بن وَهْب، عن عبد الله بن مَسْعُود، عنْكَ بحديث الصَّادِق المَصْدُوق، فهوَ عنْكَ يا رسُول اللهِ؟ فذكَر الحَدِيْث، قال: رَحِمَ اللهُ كُلّ مَنْ حَدَّثَ بهِ إلى يَوْم القِيامَة.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
: قَرأتُ بخَطِّ المَيْدانيّ: حَدَّثَنَا أبو بَكْر أحْمَدُ بن صَافِي مَوْلَى الحُبَاب بن رَحِيْم البَزَّاز، قَدِمَ علينا من تِنِّيْس في سَنَة ستِّين وثَلاثمِائة، بحديثٍ ذكرَهُ، فتكُون وفاتُه بعد ذلك، واللّهُ أعْلَمُ.
(a) الأصل: المفضل، وقد صححه المؤلف في بعض المواضع من هذا الجزء بكشط حرف الميم.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 180.
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 180.
ذكرُ مَنْ أبُوه صالح من الأحْمَدِين
أحمدُ بن صَالح بن عبد الرَّحْمن، أبو بَكْر الصُّوْفيّ الحافِظُ الأنْمَاطِيُّ، المعرُوف بِكيلَجَة
(1)
ويُسَمَّى أيضًا مُحَّمدًا، والأكْثَرُ على ذلك، وقد ذَكَرنا في تَرجَمَةِ أبي عبد الرَّحْمن أحْمَد بن شُعَيْب النَّسَائِيّ
(2)
أنَّهُ كانَ مع جَمَاعَة من مَشَايخ الإسْلَام والحفَّاظ بطَرَسُوس، واجْتَمعوا للفِدَاءَ، وقد اسْتَقْصَيْنا ترجمَتَهُ في المُحَمَّدين
(3)
، إذْ الأكْثَر على أنَّ اسمَهُ مُحَمَّد.
أنبَأنَا أبو اليُمن الكِنْديّ، قال: أخبَرَنا أبو مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن زُرَيْق، قال: أخبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن علَيّ بن ثَابِت الخَطِيبُ
(4)
، قال: أحْمَدُ بن صالح الصُّوْفيُّ، وهو مُحَمَّد بن صالح بن عبد الرَّحْمن، أبو بَكْر الحافِظُ الأنْمَاطِيُّ، المَعْرُوف بكِيلَجَة، كان مُحَمَّد بن مَخْلَد يُسمِّيه أحْمَد في بعض رِواياته، ومُحَمَّدًا في بَعْضها. حَدَّثَ عن أبي حُذَيْفَة النَّهْدِيّ، وسَعيد بن أبي مَريَم المِصْريّ (a)، ومُوسَى بن أَيُّوب النَّصِيْبيّ، وغيرهم. رَوَى عنهُ أبوَ بَكْر بن أبي حَامِد صاحب بيت المَال وسمَّاهُ أحمَد، كما سمَّاهُ ابن مَخلَد هاهُنا، ورَوَى عنهُ غيرهما فسَمَّاهُ مُحَّمدًا، وقد ذكَرْناهُ في المُحَمَّدين
(5)
.
(a) في الأصل: البصري، وصوابه المثبت، وهو محدث الديار المصرية (ت 334 هـ). سير أعلام النبلاء 10: 327، الوافي بالوفيات 15: 215، تهذيب التهذيب 4: 17، تقريب التهذيب 1: 293، شذرات الذهب 3:110.
_________
(1)
توفي سنة 271 هـ، وترجمته في: تاريخ بغداد: 331، وفيه بفتح الكاف، والمثبت ضبط ابن العديم، تذكرة الحفاظ 2: 607 - 608 (وفيه: محمد بن صالح)، شذرات الذهب 3: 303 (محمد بن صالح).
(2)
تقدمت ترجمته في موضعها من هذا الجزء.
(3)
ترجمته ضمن الضائع من أجزاء الكتاب.
(4)
تاريخ بغداد 5: 331.
(5)
هذه إحالة للخطيب البغدادي، فإنه قدَّم ذكر المحمدين في أول كتابه، بخلاف ابن العديم الذين أدرج تراجمهم في موضعها من حرف الميم، وإن كان ابن العديم قد حذا حذوه فخصَّه بترجمة أخرى في المحمدين، ضاعت بضياع الجزء الضام لها.
أحمدُ بن صَالح بنِ عُمَر بن إسحاق، أبو بَكْر المُقرِئ البَزَّاز (a) البَغْدَاديُّ
(1)
صاحب أبي بَكْر بن مُجَاهِد، انتقل من بَغْدَاد إلى الشَّام، ونزَلَ أطْرَابُلُس وسَكَنَها، فقد اجْتازَ بحَلَب أو بعَملها.
ذَكَرهُ أبو بَكْر الخَطِيب في تاريخ بَغْدَاد
(2)
، بما أخبَرَنا به أبو اليُمن زَيد بن الحَسَن، قال: أخبَرَنا أبو مَنْصور القَزَّاز، قال: أخبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ، قال: أحْمَدُ بن صالح بن عُمَر، أبو بَكْر المُقرِئ انتَقَلَ إلى الشَّام، ونزلَ أطْرَابُلُس، [و] حَدَّثَ بها وبالرَّمْلَة عن جَعْفَر بن عِيسَى النَّاقِد، ومُحَمَّد بن الحَكَم العَتَكيّ، ورَوَى عنهُ الغُرَبَاءُ، وذَكَرَ ابنُ الثَّلَّاج أنَّهُ سَمِعَ منه.
وقال الخَطِيبُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عليّ، أبو طَالِب الدَّسْكَرِيّ لفظًا، قال: أخبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَد بن مُحَمد بن الحَسَن بن مالك الجُرْجانِيّ بها، قال: حَدَّثَني أبو بَكْر أحْمَد بن صالح بن عُمَر المُقرِئ البَغْدَاديّ بأطْرَابُلُس، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْد اللّهِ مُحَمَّد بن الحَكَم العَتَكِيّ، قال: حدَّثَنَا سُليْمان -يعني: ابن سَيْف- قال: حدَّثَنَا أحْمَدُ في عَبْد الَمِلِك، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن عَيَّاشٍ، عن أبي حَصِيْن، عن أبي بُردَة، قال: كنتُ جالِسًا عندَ عبد اللّه (b) بن زِيَاد، فقال: سَمِعْتُ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يقُول
(3)
: إنَّ عَذَاب هذه الأُمَّة في دُنْياها.
(a) الأصل: البزار، والمثبت من مصادر ترجمته.
(b) هكذا في الأصل وفوقه "صـ"، ومثله ما ورد في بعض أصول تاريخ بغداد، وقد نبه ابن العديم (آخر الترجمة) إلى وقوع تصحيف فيه، غير أنه جعل التصحيف في اسم زياد لا في اسم عبد اللّه.
_________
(1)
توفي بعد سنة 350 هـ، وترجمته في: تاريخ بغداد 5: 334 (ومنه اقتبس ابن العديم كلامه)، تاريخ ابن عساكر 71: 189 - 191، طبقات القراء 1: 369، تاريخ الإسلام 8: 159، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 63.
(2)
تاريخ بغداد 5: 334.
(3)
الحاكم: المستدرك 1: 49 - 50، القضاعي: مسند الشهاب 3: 115 (رقم 1000)، الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 7: 248، وفيه:"في دنياهم بالسيف"، المتقي الهندي: كنز العمال 4: 286 (رقم 10523 - 10525).
قال الخَطِيبُ: هكذا حدَّثناهُ أبو طَالِب من أصل كتابهِ، وقد سَقَطَ منهُ ألْفَاظُ كَثِيْرةُ ففَسَد بذلك وصَوَابهُ ما أخبرناهُ أبو عَبْد اللّه الحُسَين بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن القَاسِمِ المَخزُويّ، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد بن نُصَيْر (a) الخُلدِيّ إمْلاءً، قال: حَدَّثَنَا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن يُوسُف التُّركِيّ، قال: حدَّثَنَا إسحاق بن مُوسَى، قال: سألتُ أبا بَكْر بن عَيَّاش، وعنده هِشَام بن الكَلْبيّ، فأخبَرَنا عن أبي حَصِيْن، عن أبي بُرْدَة، قال: كُنْتُ عندَ عُبَيْد الله بن زِيَاد فأُتي برُؤوسٍ من رُؤوس الخَوَارِج، فجعلتُ كُلَّما أُتى برأسٍ أقول: إلى النّار، إلى النَّار، فعَيَّرني عبدُ اللّه بن يزيد الأنْصَاريّ وقال: يا ابن أخ، وما تَدْري؟ سَمِعْتُ رسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقُول: جُعِلَ عَذَاب هذه الأُمَة في دُنْياها.
كذا قال الخَطِيبُ: وقد سقَط منه ألفاظ كَثِيْرة ففسَدَ بذلك.
قُلتُ: والظَّاهر أنَّهُ تصحَّفَ يَزِيد بزياد لا غير، والصَّوَاب: كنتُ جالِسًا عند عبد اللّه بن يَزِيد فقال: سَمِعْتُ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم، وذكَر الحَدِيْث، ولم يَذكر أنَّهُ كان عند عُبَيْد اللّه بن زِيَادَ، ولا أنَّهُ أتي برُؤوس الخَوَارِج، فلا يفسُد الحَدِيثُ، واللهُ أعْلَمُ.
أحمدُ بن صالح المِصرِيُّ، أبو جَعْفَر الحافِظ المَعرُوف بابنِ الطَّبَريّ
(1)
حَدَّثَ عن عبد اللّهِ بن وَهْب المِصْرِيّ، وإسمَاعِيْل بن أبي أُوَيس؛ وإبْراهيم بن الحَجَّاج، وعَنْبَسَة بن خَالِد، وعبد اللّه بن نَافع.
(a) جاء في نشرة تاريخ بغداد محرفًا نصر، وصوابه المثبت بالتصغير، وهو المشهور أيضًا بالخواص؛ ويأتي ذكره تاليًا في عديد المواضع. وانظر: تاريخ ابن عساكر 6: 364.
_________
(1)
توفي سنة 248 هـ، وترجمته في: تاريخ البخاري الكبير 2: 6، تاريخ عثمان الدارمي 43، 46، 48، =
رَوَى عنهُ مُحمَّد بن إسمَاعِيْل البُخاريّ، ومُحَمَّد بن يَحْيَى الذَّهليّ، وأبو يُوسُف يَعْقُوب بن سُفْيان الفَسَوِيّ، وأبو دَاوُد سُليْمان بن الأشْعَث السِّجِسْتَانِيّ، وابنُه أبو بَكْر عبد اللّه بن أبي دَاوُد، وأبو زُرْعَة عبد الرَّحْمن بن عَمْرو الدِّمَشقيّ، وأبو إسمَاعِيْل التِّرْمِذيّ، وأبو بَكْر بن زَنْجُوَبْه، وأبو عليِّ صالح بن مُحَمَّد جَزَرَة، ومَحمُود بن غَيْلان، ومُحَمَّد بن عبد اللّه بن نُمير، وأبو حَاتِم مُحمَّد بن إسحاق الرَّازِيّ، وسَمعَ منه بأنْطَاكِيَة.
أخبَرَنا أبو عليّ الحَسَن بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ بالبيت المُقَدَّس، قال: أخبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيُّ، قال: أخبَرَنا أحْمَد بن عليّ بن الحُسَين الطُّرَيْثِيثِيّ، ومُحَمَّد بن عَبْد الكَريم بن مُحمَّد، ح.
وأخبَرَنا أبو إسحاق إبْراهيم بن عُثْمان الكَاشْغَرِيّ، قال: أخبَرَنا أبو الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي بن البَطِّيّ، وأبو المُظَفَّر أحْمَد بن مُحَمَّد بن عليّ الكَاغَديّ، قال أبو الفَتْح: أخبَرَنا أبو الفَضْل أحْمَد بن الحَسَن بن خَيْرُون. وقال الكاغَدِيَّ: أخبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ الطُّرَيْثِيثِيّ، قالوا: أخبَرَنا الحُسَين بن أحْمَد بن إبْراهيم بن شَاذَان قال: أخبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد اللّه بن جَعْفَر بن دَرَسْتَوَيْه، قال: حَدَّثَنَا أبو
= المسعودي: مروج الذهب 5: 79 (أرخ فيه لوفاته)، الثقات لابن حبان 8: 35 - 36، ابن زبر الربعي: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 230، تاريخ ابن يونس الصدفي 1: 13، الجرح والتعديل 2: 56، الثقات للعجلي 48، تاريخ بغداد 5: 319 - 330، ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة 1: 48 - 50، ترتيب المدارك للقاضي عياض 4: 38 - 41، تاريخ ابن عساكر 71: 180 - 188، ابن الجوزي: المنتظم 12: 9، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 15: 246 - 347، المزي: تهذيب الكمال 1: 340 - 354، الذهبي: تاريخ الإسلام 5: 1000 - 1004، معرفة القراء الكبار 1: 377 - 383، سير أعلام النبلاء 12: 160 - 177، الكاشف 1: 60، طبقات القراء 1: 213 - 217، العبر في خبر من غبر 1: 354، تذكرة الحفاظ 2: 495 - 496، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 3: 6 - 25، تهذيب التهذيب 1: 39 - 42، تقريب التهذيب 1: 16، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 62، المقريزي: المقفى الكبير 1: 404 - 412، الصفدي: الوافي بالوفيات 6: 434، 30: 109، النجوم الزاهرة 2: 328 - 329، السيوطي: طبقات الحفاظ 219 - 220، حسن المحاضرة 1: 306، 486، شذرات الذهب 3:222.
يُوسُف يَعْقُوب بن سُفْيان الفَسَوِيّ، [قال: كَتَبتُ عن ألف شَيخ وكسر، كُلُّهم ثقات، ما أحدُ منهم أتَّخِذَهُ عند اللّه عز وجل حجَّةً إلاَّ رَجُلين: أحمَد بن صَالح بمِصْر وأحْمَد بن حَنْبَل بالعِرَاق] (a).
أنبَأنَا أبو اليُمن زَيْد بن الحَسَن، قال: أخبَرَنا أبو مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد القَزَّاز، قال: أخبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت
(1)
، قال: أحْمَدُ بن صالح، أبو جَعْفَر المِصْرِيُّ، طَبَرىِّ الأصْل، سَمِعَ عبد اللّه بن وَهْب، وعَنْبَسَة بن خَالِد، وعبد اللّه بن نَافِع، وإسمَاعِيْل بن أبي أوَيسْ، وكان أحدَ حُفَّاظ الأثر، عَالِمًا بعِلَل الحَدِيْث، بَصِيرًا باخْتِلَافه.
ووَرَدَ بَغْدَادَ قديمًا، وجَالَسَ بها الحُفَّاظ، وجَرَى بينَهُ وبينَ أبي عبد اللّه أحْمَد بن حَنْبَل مُذَاكَرَات، وكان أبو عَبْد اللّهِ يذكره ويثنِي عليه، وقيل إنَّ كُلّ واحدٍ منهما كَتَبَ عن صاحبه في المُذَاكَرَهَ حدِيثًا.
ثُمّ رجع أحْمَدُ إلى مِصْر فأقامَ بها، وانتَشَرَ عند أهلها عِلمُه، وحدَّث عنه الأئمَّةُ؛ منهم: مُحَمَّد بن يَحْيَى الذُّهْلِىّ، ومُحَمَّد بن إسمَاعِيْل البُخاريّ، ويعْقُوب بن سُفْيان الفَسَوِيّ، وأبو زُرْعَة الدِّمَشقيٍّ، وأبو إسمَاعِيْل التِّرْمِذيّ، وأبو دَاوُد السِّجِسْتَانِيّ، وابنُه أبو بَكْر، وصالح جَزرة؛ ومن الشُّيُوخ المُتَقدِّمين: مُحَمَّد بن عبد اللّه بن نُمَير، ومَحمُود بن غَيْلَان (b) وغيرُهما.
أنبَأنَا تَاج الأُمَناء أبو الفَضْل (c) أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخبَرَنا
(a) بياض في الأصل قدره 5 - 6 أسطر، واستكمنا النقص مما اقتبسه المقريني عن ابن العديم في المقفى 1:406. ولم يرد في أصل كتاب المعرفة والتاريخ للبسوي، لكنه ملحق ضمن ما جمعه المحقق من نصوص تتصل بالكتاب مما وجده في المصادر. انظر: البسوي: المعرفة والتاريخ 3: 471.
(b) في الأصل: عيلان، بالمهملة.
(c) الأصل: الفضل، وتقدم التعليق عليه.
_________
(1)
تاريخ بغداد 5: 319.
أبو القَاسِم علىِّ بن الحَسَن بن هِبَة اللّه الشَّافِعيّ
(1)
، قال: أخبَرَنا أبو عَبْد اللّه الخَلَّال (a)، قال: أخبَرَنا أبو القَاسِم بن مَنْدَة، قال: أخبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخبَرَنا أبو الحَسَن الفَأْفَاء، ح.
قال الخلَّال: وأخبَرَنا ابن مَنْدَة، قال: أخبَرَنا حَمْدُ بن عبد اللّه الأصْبَهَانيّ إجَازَهً، قالا: أخبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بن أبي حَاتِم
(2)
، قال: أحْمَدُ بن صالح المِصْرِيَّ، أبو جَعْفَر، رَوَى عن ابنِ عُيينة، وابن وَهْبٍ، وعَبد الرَّزَّاق، سَمِعْتُ أبي وأبا زُرعَة يقولان ذلك.
قال: وسَمِعْتُ أبي يَقُول: كتبتُ عنه بمِصْر، ودِمَشْق، وأنْطَاكِيَة.
وقال ابنُ أبي حَاتِم
(3)
: حَدَّثنا علىِّ بن الحُسَين بن الجُنَيْد، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن عبد اللّه بن نُمير يقول: حَدَّثَنَا أحْمَد بنُ صالح: فإذا جاوَزْتَ الفُرَاتَ فليسَ أحَدٌ مثْلُه؛ سُئل أبي عن أحْمَد بن صالحٍ فقال: ثِقَة.
أخبَرَنا أبو الفَرَج مُحَمَّد بن عليّ بن حَمْزَة بن فارس المَعْرُوف بابنِ القُبَّيْطِيّ في كتابِه، قال: أخبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَد بن عبد اللّه بن عليّ بن الآبِنُوسِيّ، قال: أخبَرَنا أَبو القَاسِم الإسمَاعِيْليُّ، قال: أخبَرَنا أبو القاسِم حَمْزَهُ السَّهْمِيّ، قال: أخبَرَنا أبو أحْمَد بن عَديّ
(4)
، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن سَعْد السَّعْدِيّ، يقُول: سَمِعْتُ أبا عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ أحْمَد بن شُعَيْب يقول: سَمعْتُ مُعاوِيَة بن صالح يقول: سألتُ يَحْيَى بن مَعِيْن عن أحْمَد بن صالح فقال: رَأيتُهُ كَذَّابًا يخطب (b) في جامع
(a) في الأصل؛ في هذا الموضع وتاليه: الحلال، ووقع في إعجامه اختلاف حيثما يرد في مواضعه، بين الحلال بالحاء المهملة والخلال بالمعجمة، ومثله في تاريخ ابن عساكر، وقيده ابن عساكر في هذا الموضع بالخاء المعجمة.
(b) كتب ابن العديم فوقها "صـ"، وكتب في الهامش: يحظر. وفوقها حرف "خ".
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 185.
(2)
الجرح والتعديل 2: 56.
(3)
الجرح والتعديل 3: 56.
(4)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 184.
مِصْر. وكان النَّسَائِيّ هذا سيء الرَّأي فيه، ويُنكر عليه خمسَة أحاديثَ منها: عن ابن وهْبٍ، عن مالكٍ، عن سُهَيْلٍ (a)، عن أَبيِهِ، عن أبي هُريرَة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال
(1)
: الدِّين النَّصِيْحة.
قال ابنُ عَدِيّ: حدَّثناهُ العبَّاس بن مُحَمَّد بن العبَّاس عن أحْمَد بن صالح بذلك.
قال ابنُ عَدِيّ
(2)
: وأحمد بن صالح من حُفَّاظ الحَدِيْثِ، وخَاصَّة حَديث الحجَاز، ومن المَشهُورين بمَعْرفته، وحَدَّثَ عنهُ البُخاريّ مع شِدَّة اسْتقْصَائِه، ومُحَمَّد بن يَحْيَى، واعتمادُهمُا عليه في كَثِيْر من حَدِيث البُخاريّ، وعلى مَعْرفتهِ، وحَدَّثَ عنهُ مَنْ حَدَّث من الثِّقَات فاعْتَمدُوه حِفْظًا وإتْقَانًا، وكلام ابن مَعِيْن فيه تَحامُلُ.
فأمَّا سُوْءُ ثناءَ النَّسَائِيّ عليه (b)، فسَمِعْتُ مُحَمَّد بن هارُون بن حَسَّان البَرقِّيّ (c) يقُول: هذا الخُرَاسَانيّ -يعني النَّسَائِيّ- يتكلَّمَّ في أحْمَد بن صالح، وحضَرْتُ أحْمَد بن صالحٍ فطَرَدَهُ من مَجْلسِهِ، فحمَلَهُ ذلك علىِ أنْ تكلَّم (d) فيه، وهذا أحْمَدُ بن حَنْبَل قد أثنَى عليه، والقَوْلُ فيه ما قالَهُ أحْمَدُ رحمه الله لا ما قاله غيرُه.
وحديثُ الدِّين النَّصِيْحة، الّذي أنْكَره عليه النَّسَائِيّ، فقد رَوَاهُ عن ابن وَهْب: يُونُسُ بن عَبْد الأعْلَى، وقد رَوَاهُ عن مالك مُحَمَّدُ بن خَالِد بن عَثْمَة (e)، وغيره.
(a) ابن عدي: عن ابن سهيل.
(b) ابن عدي: وأما سوء رأي النسائي.
(c) الأصل: الرقي، والمثبت من كتاب الكامل لابن عدي وسير أعلام النبلاء 12: 166، وانظر ترجمته في تاريخ المصريين لابن يونس 1:464.
(d) ابن عدي: يتكلم.
(e) ابن عدي: عتمة.
_________
(1)
الترمذي: الجامع الكبير 3: 485 (رقم 1936)، سنن النسائي بشرح السيوطي 7: 156 (رقم 4197)، 157 (4199 - 4200)، المسند الجامع 17: 843 (رقم 14555). ورواه الدارمي في سننه 2: 311، من طريق زيد بن أسلم ونافع عن ابن عمر، ومسلم في صحيحه 1: 74 (رقم 95)، من حديث تميم الداري.
(2)
ابن عدي: الكامل 1: 187.
وقال ابنُ عَدِيّ
(1)
: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن مُوسَى الحَضْرَميّ -يُعْرَفُ بأخي أبي عَجِيْبَة (a)- بمِصْر يقول: سَمِعْتُ بعضَ مَشَايخنا يقول: قال أحْمَدُ بن صالح: صَنَّف ابن وَهْب مائة ألفٍ وعشرين ألف حديثٍ، فعند بعض النَّاسِ منها الكُلّ، يعني حَرْمَلَة، وعند بعض النَّاس منها النِّصْفُ، يعني نفسَهُ.
قال ابنُ عَدِيّ
(2)
: وأحمدُ بن صَالح من أَجلَّةِ (b) النَّاس، وذاكَ أنّي رأيتُ جمع أبي (c) مُوسَى الزَّمِن في عَامَّةِ ما جَمِعَ من حديث الزُّهْرِيّ يقول: كَتَبَ إليَّ أحْمَدُ بن صالح: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاق، عن معْمَر، عن الزُّهْرِيّ، ولولا أنّي شَرَطتُ في كتابي هذا أنْ أذكُر فيه كُلّ مَنْ تكلَّم فيه مُتَكَلِّم، لكُنت أُجِلُّ أحْمَد بن صالح أنْ أذْكرَهُ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(3)
، قال: حَدَّثَني أحْمَدُ بن مُحَمَّد العَتِيْقِيّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن عبد الرَّحْمن بن أحْمَد بن يُونُس بن عَبْد الأعْلَى المِصْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبي
(4)
، قال: كان أحْمَد بن صالح يُكْنَى أبا جَعْفَر؛ كان صالح جُنْدِيًّا من أهْل طَبَرِسْتان من العَجَم، وولد أحْمَد بن صالح بمِصْرِ في سَنَة سَبْعين ومائة، وتُوفِّيَ بمِصْر يَوْم الاثْنَين لثلاثٍ خَلَوْنَ من ذي القَعْدَة سَنَة ثمانٍ وأرْبَعين ومَائتَيْن، وكان حَافِظًا للحَدِيْث.
ذكَر أبو عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ أحْمَد بن صالح فرماهُ وأسَاءَ الثَّنَاء عليه، وقال: حَدَّثَنَا مُعاوِيَة بن صالح، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن، يقول: أحْمَد بن صالح كَذَّابٌ يَتَفَلْسَفُ. وقال أبي: ولم يكُن عندنا بحَمْد اللَّهِ كما قال، ولم يَكُن له آفة غير الكِبْر.
أنْبَأنَا مُحَمَّد بن عليّ الحَرَّانىّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن عبد الله بن عليّ،
(a) ابن عدي: عجينة.
(b) ابن عدي: ممَّن أجلَّه.
(c) ابن عدي: جمع إلى.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 185.
(2)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 187.
(3)
تاريخ بغداد 5: 329.
(4)
بعضه في تاريخ ابن يونس الصدفي 1: 13.
قال: أخْبَرَنا الإسْمَاعِيْليّ، قال: أخْبَرَنا حَمْزَة بن يُوسُف، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ الحافِظُ
(1)
، قال: سَمِعْتُ عَبْدَان الأهْوَازِيّ، يقول: سَمِعْتُ (a) أبا دَاوُد السِّجِسْتَانِيّ، يقول: أحْمَد بن صالح ليس هو كما يَتَوهَّم (b) النَّاس، يعني ليس بذاك في الجَلَالَة.
قُلتُ: والظَّاهر أنَّ أبا دَاوُد إنَّما أراد أنَّهُ ليسَ كما يتوهَّمُونَ في سُوءِ الرَّأي فيه، فإنَّ أبا دَاوُد ذَكَرَ عن أحْمَد بن صالح كَلَامًا يُشْعِر بتَعْظيمه وحُسْن الرَّأي فيهِ؛ أخْبَرناهُ شَيْخُنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا القَزَّازُ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عِليّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بنُ أبي جَعْفَر القَطِيْعِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ عَدِيّ بن زَحْر البَصْرِيّ في كتابهِ، قال: حَدَّثَنَا أبو عُبَيْد مُحَمَّد بن عليّ الآجُرِّيّ، قال: سَمِعْتُ أبا دَاوُد يقُول: كَتَبَ أحْمَدُ بن صالح عن سَلامَة بن رَوْح، وكان لا يُحدِّث عنه، وكَتَبَ عن ابن زَبَالَة (c) خَمْسين ألف حَديث، وكان لا يُحدِّثُ عنه، وحَدَّث أحْمَدُ بن صالح ولم يَبْلُغ الأرْبَعِين، وكَتَبَ عبَّاسُ العَنْبَرِيّ عن رَجُل عنه.
أخْبَرَنا الكِنْدِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الحافِظ
(3)
، قال: كَتَبَ إليَّ عَبْد الرَّحمن بن عُثْمان الدِّمَشقيّ يَذْكر أنَّ أبا المَيْمُون البَجَليّ أخبرَهُم. قال أبو بَكْر: ثمّ أخْبَرَنا أبو بَكْر البَرْقَانِيّ قراءةً، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عُثْمان القَاضِي، قال: حَدَّثَنَا أبو المَيْمُون عبد الرَّحْمن بن عبد الله البَجَليّ بدِمَشْق، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة عبد الرَّحْمن بن عَمْرو النَّصْرِيّ
(4)
، قال: سألني أحْمَدُ بن حَنْبَل
(a) مكررة في الأصل.
(b) الأصل: يتوهمون، وفوقه "صـ"، والمثبت من الكامل لابن عدي.
(c) قيده ابن العديم بضم الزاي، ووجدته في المصادر بالفتح، وهو المحدث المدني المشهور. والمثبت موافق لما في تاريخ بغداد، والسمعاني: الأنساب 6: 251.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 184.
(2)
تاريخ بغداد 5: 321.
(3)
تاريخ بغداد 5: 321.
(4)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1: 442 - 443.
قَديْمًا: مَنْ بمِصْر؟ قُلتُ: بها أحْمَد بن صالح، فَسُرَّ بذِكْره ودَعَا لَهُ.
أنْبَأنَا أبو الفَرَجِ بن القُبَّيْطِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عبد اللهِ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسمِ بن مَسْعَدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْزَة السَّهْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(1)
، قال: سَمِعْتُ أحْمَد بن عَاصِم الأقْرَع بمِصْرَ، يقول: سَمِعْتُ أبا زُرْعَة الدِّمَشقيَّ عبدَ الرَّحْمن بن عَمْرو يقول: قَدِمتُ العِرَاق فسَألني أحْمَدُ بن حَنْبَل: مَنْ خَلَّفْتَ بمِصْرَ؟ قُلتُ: أحْمَد بن صالح، فسُرَّ بذِكْره، وذَكَر خَيْرًا، ودَعا الله عز وجل له.
قال ابنُ عَدِيّ
(2)
: حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِك (a) بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن عبد الرَّحْمن بن المُغِيرَة، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن عبد اللهِ بن نُمَيْرٍ يقول: سَمِعْتُ أبا نُعَيْم الفَضْلَ بن دُكَيْن يقولُ: ما قَدِمَ علينا أحدٌ أعْلَم بحديث أهْلِ الحِجَاز من هذا الفَتَى؛ يريدُ أحْمَد بن صالح.
قال أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(3)
: سَمِعْتُ عبد الله بن مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْز يقول: سَمِعْتُ أبا بَكْر زَنْجُوَيْه يقول: قَدِمْتُ مِصْر فأتَيْتُ أحْمَد بن صالح، فسَألني: من أين أنتَ؟ قلتُ: من بَغْدَاد، قال: فأين مَنْزِلُك من مَنْزِل أحْمَد بن حَنْبَل؟ قُلتُ: أنا من أصْحَابه، قال: تكتبُ لي مَوضِعَ مَنْزِلَك؛ فإنِّي أريدُ أُوَافِيَ العِرَاق حتَّى تجمَع بيني وبين أحْمَد بن حَنْبَل، فكتبْتُ (b) له، فَوَافى أحْمَدُ بن صالح سَنة اثْنَتي عَشْرَة إلى عَفَّان، فسَأل عنِّي فلقيَني، فقال: المَوْعِد الّذي بيني وبينك، فذَهبْتُ به إلى أحْمَد بن حَنْبَل، فاسْتأذَنْتُ له، فقُلتُ: أحْمَدُ بن صالح بالبابِ، فقال: ابن الطَّبَريّ؟ قُلتُ: نعم، فأذنَ له، فقام إليه ورحَّبَ به، وقرَّبه وقال له: بلغَني أنَّك جمعْتَ حديث الزُّهرِيّ فتعال حتَّى نَذْكُرَ ما رَوى الزُّهْرِيّ عن أصْحَاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فجعَلَا يتَذاكَران ولا يُغْرِبُ أحدُهُما على الآخر حتَّى فَرَغا،
(a) ابن عدي: عبد الله.
(b) ابن عدي: فكتب.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل 1: 184.
(2)
ابن عدي: الكامل 1: 184.
(3)
ابن عدي: الكامل 1: 185.
وما رَأيتُ أحْسَنَ من مُذاكرتهما، ثمّ قال أحْمَد بنُ حَنْبَل لأحمد بن صالح: تعال حتَّى نَذْكُر ما رَوَى الزُّهْرِيُّ عن أوْلادِ أصْحَاب رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وجَعَلا يتَذَاكَرَان ولا يُغْرِبُ أحَدُهما على الآخر، إلى أنْ قال أحْمَدُ بن حَنْبَل لأحمد بن صالح: عندَك عن الزُّهْرِيّ، عن مُحَمَّد بن جُبَيْر بن مُطْعِم، عن أَبِيهِ، عن عبد الرَّحْمن بن عَوْف، قال: قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
(1)
: ما يَسُرُني أنَّ لي حُمْر النَّعَم وأنَّ لي حِلف المُطَيِّبين، فقال أحْمَدُ بن صالح لأحمد بن حَنْبَل: أنْتَ الأُسْتَاذ، وتَذكُرَ (a) مثل هذا! فجعَل أحْمَدُ يتَبَسَّم ويقُول: رَوَاهُ عن الزُّهْرِيّ رَجُل مَقْبُول أو صَالح؛ عبدُ الرَّحْمن بن إسْحاق، فقال: منْ رَوَاهُ عن عبد الرَّحْمن؟ فقال: حدَّثناهُ رَجُلان ثِقَتان: إسْمَاعِيْل ابن عُلَيَّة، وبِشْر بن المُفَضَّل، فقال أحْمَد بن صالح لأحمد بن حَنْبَل: سَألتك بالله، إلَّا أمليْتَهُ عليَّ، فقال أحمدُ: من الكتاب، فقام فدخَل وأخْرَج الكتابَ وأمْلَاهُ عليه؛ فقال أحْمَد بن صالح: لو لم أسْتَفِد بالعِرَاق إلَّا هذا الحَدِيْث كان كَثيرًا، ثمّ ودَّعَهُ وخَرَجَ
(2)
.
وقال أحْمَد بن عَدِيّ
(3)
: حَدَّثَنَا العبَّاس بن مُحَمَّد بن العبَّاس، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن سَهْل، قال: قَدِمَ أحْمَد بن صالح الرَّمْلَةَ فسَألوهُ أنْ يُحَدِّثَهُم ويجلِسَ للنَّاس، فأبَى وامْتَنعَ عن ذلك، فكلَّموا ابن أبي السَّرِيّ العَسْقَلانِيّ، فكلَّمه فجلسَ للنَّاس، فحدَّثنا حينئذٍ بأُلوفٍ من حِفْظه.
قال مُوسَى. وسَألتُهُ منذ ثلاثين سَنةً عن تَفْسِير حَدِيث أبي الطُّفَيْل (b)،
(a) ابن عدي: وقد كثر.
(b) ابن عدي: حديث أم الطفيل.
_________
(1)
ابن حنبل: المسند 3: 121 (رقم 1655)، الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 8: 172، وفي صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 10: 216 (رقم 4374) من طريق عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة.
(2)
انظر الخبر في تاريخ بغداد 5: 321 - 323، المزي: تهذيب الكمال 1: 351 - 353.
(3)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 185.
فقالَ: نُصَدِّق (a) بهذه الأحَادِيْث على وجُوهها، ولا نَسْأل عن تأويلها، ثمّ سَألتُهُ الآن عن مثْل ذلك، فقال لي: هذه أُخْت تلكَ، وبينهما نحو من ثلاثين سَنهَ أو أكْثَر (b).
وقال ابنُ عَدِيّ
(1)
: سَمِعْتُ عِصْمَة بن بَجْمَاك (c) يقول: سَمِعْتُ صالح جَزَرَة يقول: حَضَرْت مَجْلِسَ أحْمَدَ بن صالح فقال أحمدُ: حَرَجٌ (d) على كُلِّ مُبْتَدِع وماجِن أنْ يَحْضُر مَجْلِسي، فقُلتُ: أمَّا المُبْتَدِع فلَسْتُ، وأمَّا الماجِن فأنا هو، وذلك أنَّهُ قيل له: إنَّ صالح المَاجِنُ قد حَضَر مَجْلسَك.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ الحافِظ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَن بن مُحَمَّد بن عبد الله المُعَبِّرُ بأصْبَهَان، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن سَهْل بن مَخْلَد الغَزَّال (e)، قال: وأحمد بن صالح، أبو جَعْفَر طَبَرىُّ الأصْل، وتُوفِّيَ يَوْم الاثْنَين للَيْلتَيْن بَقِيَتا من ذي القَعْدَة سَنَة ثمانٍ وأرْبَعين ومَائتَيْن؛ كان من حُفَّاظ الحَدِيْثِ، وَاعيًا، رأسًا في عِلْم الحَدِيْث وعِلَلِهِ، وكان يُصَلِّي بالشَّافِعيّ، ولم يكُن في أصْحَاب ابن وَهْب أحَدٌ أعْلَم منه بالآثار.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر
(3)
، قال: أخْبَرَني الطَّنَاجِيريّ، قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بن أحْمَد الوَاعِظ، قال: سَمعتُ يَحْيَى بن مُحَمَّد بن صَاعِد يقول، ح.
(a) ابن عدي: يصدق.
(b) ابن عدي: أو نحو هذا.
(c) في الأصل: عصمة بن كماك، ويذكره فيما بعد صحيحًا (في ترجمة: أحمد بن يزيد بن خالد)، وانظر: تاريخ بغداد 10: 443 (في ترجمة صالح بن محمد جزرة)، وسير أعلام النبلاء 14: 31 (ترجمة صالح جزرة)، وجاء في الكامل لابن عدي: سمعت محمد بن عباد، وورد مصحفًا في نشرة تاريخ دمشق (40: 351 في ترجمة عصمة بن أبي عصمة): يَحْمَاك.
(d) ابن عدي: حرم.
(e) في تاريخ بغداد: إملاءً.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل 1: 187.
(2)
تاريخ بغداد 5: 324.
(3)
تاريخ بغداد 5: 329.
قال أبو بَكْر: وأخْبَرَنا البَرْقَانِيّ، قال: قرأتُ على إسْمَاعِيْل بن هِشَام الصَّرْصَرِيّ: حدَّثَكم مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَمْرو بن عَبْد الخَالِق العَتَكِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن رِشْدِين، قال: مات أحْمَد بن صالح سَنَة ثمانٍ وأرْبَعين ومَائتَيْن، زاد ابن رِشْدِين: لثلاثٍ بَقِينَ من ذي القَعْدَة.
وقد رَوَينا عن ابن يُونسُ
(1)
أنَّهُ تُوفِّي بمِصْر يَوْم الاثْنَين لثلاثٍ خَلَوْنَ من ذي القَعْدَة. فوقع الاتِّفاق على الشَّهْر والسَّنَة ووقَعَ الاخْتلاف في الأيَّام لا غير.
مَنْ اسْمُ أبيْهِ الصَّقْر من الأحْمَدِين
أحمدُ بن الصَّقْر بن أحْمَد بن ثابت، أبو الحَسَن المَنْبِجِيُّ المُقْرِئُ العَابِد
(2)
رَجُلٌ صَالِحٌ، عَارِف بوُجُوه القِرَاءَات وعِلَلِها، ولهُ مُصَنَّفٌ في القِرَاءَات سَمَّاهُ الحُجَّة، ذَكَرَ فيه القِرَاءَات السَّبْعَة، وبيَّنَ وُجُوهها وعِلَلها، وهو كتابٌ حَسنٌ، وقفْتُ عليه وطالعْتُهُ.
قرأ القُرْآن العَظِيْم على أبي القَاسِم هِبَة الله بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الهَيْثَم المُقْرِئ، وأبي طَاهِر عَبْد الوَاحِد بن عُمَر بن مُحَمَّد بن أبي هاشِم، وأبي عِيسَى بَكَّار بن أحْمَد بن بَكَّار بن بُنَان بن بَكَّار بن زِيَادَ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن مِقْسَم النَّحْوِيّ، وأبي الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن البَزَّاز القَلَانِسِيّ؛ وأخَذَ القِرَاءَات عنهم؛ دِرَايَةً ورِوَايَةً.
(1)
تاريخ ابن يونس الصدفي 1: 13.
(2)
توفي سنة 366 هـ، وترجمته في: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم لابن زبر الربعي 303، تاريخ ابن عساكر 71: 192 - 193، معرفة القراء الكبار 2: 643، تاريخ الإسلام 8: 251، طبقات القراء 1: 421 - 442، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 63.
وأجازَ لهُ أبو عَبْد الله الحُسَين بن أحْمَد بن خَالَوَيْه، وشاهدْتُ خَطّه له في الإجَازَة، وسمَّاهُ بأبي الحَسَن أحْمَد بن الصَّقْر العَابِد.
رَوَى عنهُ: أبو مُحَمَّد عَبْدَان بن عُمَر بن الحَسَن المَنْبِجِيّ، وأبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن مَعْيُوف العَيْن ثَرْمانِيّ
(1)
.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد، فيما أَذِنَ لَنا فيه، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: بلغَني أنَّ أبا الحَسَن المَنْبِجِيّ الّذي كان بدِمَشْقَ تُوفِّي قبل السِّتِّين وثَلاثِمائة.
ووقَعَ إليَّ جُزءٌ بخَطِّ بعض الفُضَلَاء من أهل دِمَشْق، كتَبَهُ بها، يَتَضَمَّن وَفَاءات جَمَاعَة من المُحَدِّثِيْن والعُلَمَاء، قال: سَنة ستٍّ وسِتِّين وثَلاثِمائة، تُوفِّي أبو الحَسَن المَنْبِجِيّ، وهو أَحْمَدُ بن الصَّقْر بن ثَابِت صاحب كتاب القِرَاءَاتِ، في رَبِيع الآخر من السَّنَةِ.
أحمَدُ بن الصَّقْر بن ثَوْبَان، أبو سَعيد الطَّرَسُوسِيُّ
(3)
حَدَّثَ عن أبي سَلَمَة يَحْيَى بن خَلَف البَاهِلِيّ، وأبي كَامِل الجَحْدَرِيّ، ومُحَمَّد بن عُبَيْد بن حِسَاب، وبِشْر بن مُعَاذ العَقَدِيّ، ومُحَمَّد بن مُوسَى الحَرَشِيّ، وعُقْبَة بن سِنَان الذَّارِع، وروْح بن قُرَّة المُقْرِئ، ونَصْر بن عليّ الجَهْضَمِيّ، ومُحَمَّد بن عبد الله بن بَزِيع، وأحمد بن إسْحاق البَزّاز، ومُحَمَّد بن عَبْد الأعْلَى الصَّنْعانِيّ، وعَبْد الجَبَّار بن العَلَاء.
(1)
نسبته إلى عَين ثَرْماء، قرية من قرى غوطة دمشق، والنسبة إليها: العين ثرمي. (معجم البلدان 4: 177، تاريخ الإسلام 8: 251)، ونسبه في تاريخ ابن عساكر 43: 214: العين ثرمائي.
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 192.
(3)
توفي سنة 301 هـ، وترجمته في: تاريخ بغداد 5: 336 - 337، الذهبي: تاريخ الإسلام 7: 27، سير أعلام النبلاء 14: 173 - 174، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 63.
رَوَى عنهُ الحَسَن بن أحْمَد بن صالح السَّبِيعْيِّ الحافِظ الحلَبي، وأبو بَكْر مُحَمد بن عبد اللّه بن إبْراهيم الشَّافِعيّ، وأبو الفَتْح مُحَمد بن الحُسَين الأزْدِيّ المَوْصليّ، وأبو بَكْر بن الجِعَابيِّ، وعليّ بن مُحَمد بن لُؤْلُؤ الوَرَّاق، وأبو بَكْر الإسْماعِيْليّ (5).
أخْبَرَنا أبو اليمن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن مُحَمد بن زُرَيْق، قال: أخبرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أحْمَد بن الصَّقْر بن ثَوْبَان، أبو سَعيد البَصْرِيّ، وأصْلُهُ من طَرَسُوس. ذكَرَ لي أبو نُعَيْم الحافظ أنه كان مُسْتَمْلِيّ بنْدَار، سكَنَ بَغْدَاد وحَدَّثَ بها عن: أبي كَامِل الجحدَرِيّ، وبِشْر بن مُعاذ العَقَدِيّ، ومُحَمَّد بن عبد اللّه بن بَزِيغ، ومُحَمَّد بن موسى الحَرَشِيّ (5)، ومُحَمد بن عُبَيْد بن حِسَاب، ومُحَمَّد بن عَبْد الأعْلَى الصَّنْعانِيّ، وعَبْد الجبَار بن العَلَاء، ونَصْر بن عليّ الجهضَمِيّ. رَوَى عنهُ: أبو بَكْر الشَّافِعيّ، وأبو بكر بن الجِعابِي، وأبو مُحَّمد بن السبِيعِي، وعلي بن مُحَمَّد بن لُؤْلُؤْ، وابو الفَتح مُحَمَّد بن الحُسَين الأزْدِيّ وغيرُهم، وكانَ ثِقَةً.
وقال الخَطِيبُ
(2)
: أخْبَرَنا البرقَانِيّ، قال: أخبرَنا أبو بكْر الإسْماعِيْليّ، قال: حَدَّثنا أبو سَعيد أحْمَد بن الصَّقْر بن ثَوْبَان، بَصْريّ، ببَغْدَاد.
حرف الضَّاد في الآباء
فارغ
(a) بعده في الأصل بياض قدر ستة أسطر، نصفه في هذه الصفحة والآخر في التي تليها.
(b) الأصل: الجرشي، وتقدم صحيحاً، والمثبت موافق لما عند الخطيب البغدادي.
_________
(1)
تاريخ بغداد 5: 336.
(2)
تاريخ بغداد 5: 337.
ذِكْرُ حَرْف الطَّاءِ في آبَاءِ الأحْمَدِين
مَنْ اسْمُ أبيهِ طَاهِر
أحمدُ بنُ طَاهِر بن النَّجم، أبو عبدِ اللهِ المَيَانجيُّ
(1)
سَمعَ بحَلَب قاضِيها أَبا إسْحاق إبْراهيم بن جَعْفَرِ بن جَابر، وروى عنهُ وعن أحْمَد بن يحْيَى ثَعْلَب، وأحمد بن عِليّ الأبَّار، ومُحمد بن عُبْدُوْس، وأحمد بن يَحْيَى الحُلوَانِيّ، ومُحَمد بن أيُّوب، ومُحمَّد بن يُوسُف الضَّبّي التُّركْيّ، ومُوسَى بن حَمْدون العُكْبَرِيّ، ومُحَمَّد بن موسَى الحُلوَانِيّ، وعلي بن سَلَم، ومُوسَى بن هارون، وأبي بَكْر ابن بنْت مُعاوِيَة بن عَمْرو، وإبْراهيم بن يُوسُف الرَّازِيّ، وحَفْص بن عُمَر، ومَكْحُول البيرُوتِيّ، وأبي يَعْلَى المَوْصلي، وعبد اللّه بن أحْمَد بن حَنْبَل، وجَعْفَر الفِرْيَابِيّ، وغيرهم.
رَوَى عنهُ أبو الحسُين أحْمَد بن فارس بن زَكَرِيَّاء اللُّغَويّ.
قَرأتُ بخَطِّ أبي مُحَمَّد الحَسَن بن الحُسَين بن أحْمَد الجمْكريّ الأدِيب، وكان من أصْحَاب أبي الحُسَين بن فارس بن زَكَرِيَّاء، فيما قَرأهُ على أبي الحُسَين بن فارسٍ، وعليهِ خَطُّهُ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن طَاهِر، قال: قَرأت على أبي إسْحاق إبْراهيم بن جَابِر القَاضِي بحَلَب، فأقرَّ بهِ، قال: حَدَّثَنَا سَلْمُ بن جُنَادَة، قال: حَدَّثنا أبِو مُعاوِبَة، عن إسْمَاعِيْل بن مُسلم، عن قَتَادَة، عن زرَارَة بن أوْفَى، عن أبي هُريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال
(2)
: الكَمْأةُ من المنِّ وماؤُهَا شِفَاءُ للعَيْن، والعجْوَةُ من الجنة وهي شِفَاءٌ للسقم.
(1)
توفي بعد سنة 350 هـ، وترجمته في: تاريخ الإسلام 8: 159 - 160، سير أعلام النبلاء 16: 171 - 172، تذكرة الحفاظ 3: 931 - 932، شذرات الذهب 4:318.
(2)
ابن أبي شيبة: المصنف 5: 59 (رقم 23685)، ابن حنبل: المسند 15: 159، ابن ماجة: السنن 2: 1142 (رقم 3453)، 1143 (رقم 3455)، الترمذي: الجامع الكبير 3: 584 =
أحمد بن طَاهِر الدِّمَشقيُّ
(1)
حكَي عن عبْد اللّه بن خُبَيْق بن سَابِق الأنْطَاكيِّ، ولقيَهُ بها، رَوَى عنهُ عُمَر بن المُؤَمَّل الطَّرَسُوسيِّ أبو القَاسِم.
أنبأنا تَاجُ الأُمَناء أبو الفَضْل أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن كتابةً، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن بن هِبَة اللّه
(2)
، قال: أنبأنَا أبو طَاهِر بن الحِنَّائِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الأهْوَازِيّ المقرِئ، قال: حَدَّثَنَا أبو أُسامَة مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحمَّد الهَرَويّ المُقرِئ بمَكَّة، قال: حَدَّثنا أبو القَاسِم عُمَرُ بن المُؤَمَّل الطَّرَسُوسيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن طَاهِر الدِّمَشقيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللّه بن خُبَيْق، قال: سألتُ يُوسُفَ بن أسْبَاط: هل مع حُذَيْفَة المَرْعَشِيّ عِلْمٌ؟ فقال: معَهُ العِلْم الأكْبَرُ! خَوْفُ اللّهِ عز وجل.
أحمد في طَاهِر الأسَدِيُّ، المعرُوف بابنِ المَوْصُول الحلَبِيُّ
(3)
وهو جَدُّ جَدِّ الوَزِير أبي الفَضْل هِبَة اللّه بن عَبْدِ القَاهِر بن أحْمَدَ بن عَبدِ الوَهَّاب بن أحْمَدَ بن طَاهِر، وَزِير المَلِك رِضْوَان بن تُتُش.
قَرأتُ بخَطِّ بعض الحلبِيِّيْن في جُزِء يتضَمَّن مَدَائح الوَزِير أبي الفَضْل بن المَوْصول، وأظُنُّه بخَطَّ سَنِي الدَّوْلَة أبي العَلَاء المحَسِّن بن الحسُين كاتب الحَضْرة، وذَكَرَ في نَسب الوَزِير أبي الفَضْل: جدّ جدّه أحْمَد بن طَاهِر الأسَدِيّ المَذْكُور.
= (رقم 2068)، وعند ثلاثتهم (ابن حنبل وابن ماجة والترمذي):"شفاء من السم".
ورواه مسلم في صحيحه 3: 1619 - 1621 من طرق مختلفة، والطبراني: المعجم الكبير 13: 63 (رقم 12481)، من حديث ابن عباس، وابن حجر العسقلاني: فتح الباري 8: 163 (رقم 4478).
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 196 - 197.
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 196.
(3)
توفي سنة 309 هـ، وترجمته في: المقفى الكبير للمقريزي 1: 416.
وذكَر أنَّهُ كان من الشُّهُود المُمَيَّزين بحَلَب، وكان فيه من قوَّة النَّفْسِ، وعِظَم المحلّ أجْمل صفَة، ومن الدِّين والزُّهْدِ ما لم يكن مثْلُهُ في سوَاهُ من أهل زمانهِ، فلهَّا اتَّصَل خَبَرُهُ بالحاكمِ الفَاطِميّ المُسْتَولِي على مصْر، وما هو عليه من الدِّين والأدَب والعِلْم، والسُّؤدد الثَّاقِب والفَهْمِ، حملَهُ الشَّوْق إليهِ إيثَارِ مُشاهَدَتهِ، فأنْفَذَ رَسُولاً قَاصِداً يَستدعيه إليه وِيسُومُه الوِفَادَةَ عليه، وأصحَبَهُ من المالِ والدَّوَابّ ما يَسْتَعينُ به على طَريقِه، رغْبَةً منه في رُؤيتهِ، والتَّبرُك بمُؤانَسَه فلمَّا مَثُل بينَ يَدَيْهِ مَالَ بجملَته إليه، وتَقَدَّم بأنْ يخلعَ عليهِ، فخلُعَ عليه وأمرَ بإنْزَاله، وإجْمَالِ ضيَافَتِه، فلمَّا كان بعد ثلَاث أمرَ بإحْضَاره، فلمَّا حَضَر أكْرَمَ مَثواهُ وقرَّبه وأدْنَاهُ، وأمرَهُ بمُواصَلَةِ حَضْرتهِ، وتقَدَّم إلى الحُجَّاب برفْع حِجْبَتهِ، فأقامَ عندَهُ المُدَّةَ الطَّويلَة، كُلّ يَوْم يمضِي تَتَضاعف حُظْوَتُه، وتَتَزايد من قلبهِ مكانَتُهُ.
وفي بعض الأيَّام، وهو بينَ يديْهِ، أرادَ الحاكمِ من شِدَّة مَحبَّتِه له، وإعجْابه به أنْ يبالغ فِي كَرامَته ونَباهة قَدْره، فقال له: أدْخِل يدَكَ يا أحْمَد حُكَّ ظَهْري، ففَعَل ما رسم له، ودَاخَل يَده من كُمِّه وحَكّ المَوضع الّذي أشار إليه من ظَهْره، فلَّا أخْرَج يدَهُ قال لهُ الحاكمِ: يا أَحْمَدُ، ما أردْتُ بذلك إلَّا إكْرَامَك، حتَّى تقُول: وضَعْتُ يَدِي على ظَهْر أَمِير المُؤمِنِين ابن بنْت رسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وأزيدك كَرامة وتشريفاً، وخلَعَ عليه طَيْلَسَاناً كان عليه، وقلَّدَهُ سَيْفاً فَاخِراً كان يتقلَّد به يَوْم رُكُوبه في الأعْيَادِ، وأعْطاهُ دواةً كانت تحضُر بينَ يَدَيْهِ للتُّوْقيعَاتِ، وذلك كلُّهُ عند وَلدِه يتوارَثُهُ أبٌ عن جَدٍّ، ولم يَزلْ مُقِيْماً عندَ الحاكمَ إلى حين وَفَاته في أَرْفع رُتْبةٍ وألْطَف مَنْزِلةٍ.
فهذا ما نَقَلْتُهُ من الجُزء المُشَار إليهِ في مَدَائح الوَزِير أبي الفَضْل بن المَوْصُول.
وقيل إنَّ أحْمَدَ بن المَوْصُول أقام عند الحاكِم بمِصْر إلى أنْ تُوفِّي في سَنَة تسعين وثَلاثِمائة.
ومن أفرَاد حَرف الطَّاء في آباءِ الأحمدين
أحمَدُ بنُ طُغَان
(1)
قَائِد مَذكُورٌ من قُوَّاد خُمَارَويْه بن أحْمَد بن طُوْلُون، وَلِيَ على طَرَسُوس وعلى جميع الثُّغُور الشَّامِيَّة في سَنَة تِسْعٍ وِسَبْعِين ومَائتَيْن، سيَّرهُ وَاليَاً عليها خُمَاروَيْه بن أحْمَد بن طُوْلُون، وعزلَ عنها مُحمَّد بن مُوسَى الأعْرَج، ودَخَلَها ابنُ طُغَان يَوْم الثّلاثَاء لثلاث عَشرة خَلَتْ من شَعْبان من السَّنَة.
ذكَر ذلك ابنُ أبي الأزْهَر والقُطْرُبُّلِيّ في تَارِيْخهِما الّذي اجْتَمَعا على تأليفه، وقالا في تَارِيْخهِما المَذْكُور، في سَنَة اثنتَيْن وثَمانِيْن وِمَائتَيْن: وفي شَعْبان، كان الفِدَاء بين المُسْلميْن والرُّوم على يد أحْمَد بن طُغَان، ووَرِدَ كتاب فيه: أُعْلْمُكَ أنَّ أحْمَد بن طُغان نادَى في النَّاسِ بحضُور الفِدَاء، وأنَّهُ خرَج إلى اللَّامُش
(2)
مُعَسْكِر بالمُسْلميْن يَوْم الجُمُعَة لخمسٍ خَلَوْنَ من شَعْبان، وأنَّهُ صلَّى في الجَامعِ، ورَكِبَ منه، ومعه رَاغِب ومَوَالِيه، ووُجُوه البَلَد، والقُوَّادِ، والمَوَالِي، والمُطَّوِّعة، بأحْسَن زِيٍّ، وأكْمل عُدَّة، ووقعَ الفِدَاءُ يَوْم الثّلاثَاءَ لتسْعٍ خَلَوْنَ منه، فأقامُوا
(1)
كان حياً سنة 284 هـ، له أخبار مفرقة وذكر عارض ضمن مجريات الأحداث في الثغور الشامية نهاية القرن الثالث الهجري عند: الكندي: ولاة مصر 265، الطبري: تاريخ الرسل 10: 27 - 29، 46، 51، المسعودي: مروج الذهب 5: 121، 181، التنبيه والإشراف 192، ابن الأثير: الكامل 7: 484 وفيه: طوغان وفي نسخة أخرى منه: طغان، ابن شداد: الأعلاق الخطيرة 1/ 2: 66 - 67، ابن خلدون: العبر 6: 139 - 140.
(2)
كذا قيده المؤلف بالشين المنقوطة، وغالبًا ما يرد بالسين، وهو نهر يقع إلى الغرب من قَلْميَة (مرسين الحالية)، وغرب طرسوس على مرحلتين منها. واسمه الآن: كوك صو Cokus Nhri ومعناه النهر الأزرق، لكن المصادر العربية تذكره بكل الاسمين: باسمه التركي "كوك صو" وبمعناه "النهر الأزرق". وذكره ياقوت في موضع آخر من معجمه (1: 55) بلفظ: "نهر آلس"، وذكر أن الفداء بين الروم والمسلمين يقع عنده، واعتمد في إثباته بهذا اللفظ على ما ورد في بيتي شعر لأبي فراس والمتنبي في مدح سيف الدولة ابن حمدان. انظر: الإصطخري: مسالك 69، ابن حوقل: صورة الأرض 201، المسعودي: التنبيه والإشراف 140، 177، 193 ياقوت: معجم البلدان 5: 8.
على ذلك اثنى عَشر يَوْماً، فكان جملَة من فُوْدِي بهِ من المسلمِيْن من رَجُلٍ وامرأهَ وصبي: ألْفينِ وخَمْسِمائَة وأرْبعة أنْفُس
(1)
، وانْصَرفَ الفَريقان، وخرَج أحْمَد بن طُغان، واسْتَخلفَ على طَرَسُوس دِميانَة، ولم يَعُد إلى طَرَسُوس.
قالا: ولمَّا كان في هذا الشهر -يعني في صَفَر سَنَة أربعٍ وثمانين- وافَى يُوسُف بن البغَامَرْدِيّ يخلُف ابن طُغَان، فهَوَى به دِمْيانَة، فوثب برَاغِب، فنُصِر رَاغِب، وقَبَضَ على دِمْيانَة وابن البغَامردِيّ وابن اليَتِيم، فقَيَّدَهُم وبَعَثَ بهم إلى بَغْدَاد، وكَتَبَ أهل طَرَسُوس إلى هارُون بن خُمَارَويْه: لا تُوجِّه إلينا وَاليًا من قِبَلِك، فإنْ أتانا قاتلناهُ، فكفّ عنهم، وبعثُوا إلى المُعْتَضِد ليُوَلي عليهم وَاليَاً.
قُلتُ: وكان أحْمَد بن طُغان حَسَن السِّيْرَة في تَدْبِير الثُّغُور، مُشْكور السِّيَاسَة، وله غَنَاء في الجِهاد. وإليه يُنسب المُدْي الطُّغانِيّ الّذي كان أهل طَرَسُوس يَتَعارفُونَهُ، وقد ذكرْنا مِقْدَاره فيما تقدَّم في ذِكْر مَدِينة طَرَسُوس في مُقدِّمَة كتابنا هذا
(2)
.
أحْمَدُ بن طَلْحَة -وقيل: مُحَمَّد- بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن هَارُونَ بن مُحَمَّد بن عبد
الله بن مُحَمَّد بن علي بن عبد الله بن العبَّاس بن عَبْد المُطلب ابن هاشم، أبو العبَّاس المُعتَضِد بالله ابن أبي أحْمَد المُوَفَّق النَّاصِر ابن أبي الفَضْل المُتَوَكِّل ابن أبي إسحاق المعتَصم ابن الرَّشِيْد ابن المَهدِي ابن المنصُور ابن ذي الثَّفِنَات الهاشِميّ، أمِير المُؤمِنِين
(3)
وإنَّما وقَع الاخْتِلَاف في اسمْ أبيه، أبي أحمد المُوَفَّق، لأنَّ المتُوَكِّل قال:
(1)
قدَّر المسعودي (التنبيه 192) عددهم ب 2495، وقيل: 3000 رجل. وانظر عن هذا الفداء: تاريخ الطبري 10: 46، المسعودي: مروج الذهب 5: 160، 181، ابن الأثير: الكامل 7: 479، ابن العبري: تاريخ مختصر الدول 262.
(2)
انظر الجزء الأول من الكتاب.
(3)
توفي سنة 289 هـ، وقى ترجمته في: ولاة مصر للكندي 258 - 261، 263 - 265، 267،=
مَنْ غلَب كُنْيَتُهُ من ولدِي على اسْمه فاسْمه مُحمَّد، وكان الغالب كُنْيَة أبي أحْمَد المُوَفَّق على اسْمه، والأكْثَرُ على أنَّ اسْمه طَلْحَة.
وأُمُّ المُعتَضِد أُمّ ولدٍ يُقالُ لها: نَخْلَة، ويقال: ضِرَار، وكان اسْمُها قبل أنْ تَصير إلى أبيه خَفِيْر (a) فغيّر اسْمَها، وقيل إنَّ اسْمَها خَزَر.
وكانَ مَوْلدُهُ سَنَة اثْنَتين -وقيِل: ثلاث- وأرْبعين ومَائتينْ، وبُوْيع له بولاية العَهْد بعدَ مَوْت أبيهِ في يَوْم الاثنين لثلاثٍ بَقِينَ من المحرَّم من سَنَة تسعٍ وسَبْعِين ومَائتَيْن، ثمّ وَلِيَ الخِلَافَة بعدَ مَوْت عَمّه المعتَمد على اللّه يَوْم الاثنين لإحْدَى عشرهَ ليلَة بَقِيَتْ من رَجَب سَنَة تسعٍ وسَبْعِين ومَائتَيْن، وهو ابن ستٍّ وثَلاثين، وقيل: سَبعْ وثلاثين، وبُوْيع له سَاعة مَوْت المُعْتَمد، وقعَدَ على السَّريْر، وسُلّم عليه بالخِلَافَة وَقْت طُلُوع الشَّمْس من يَوْم الأَحَد، وكانَتْ ولَايتهُ عَهْد المُسْلميْن يَوْم الاثنين، ولايته الخِلَافَة يَوْم الاثنين، ومَوْته يَوْم الاثنين.
وقَدِمَ حَلَب مَرَّتَين، أحديهما في حياةِ أبيهِ؛ سَيَّرهُ لقِتال خُمَارَويْه بن أحْمَد بن
(a) غير مقروءة في الأصل، وتأتي فيما بعد على النحو المثبت، ومثله في تاريخ الخطيب البغدادي، وفي نهاية الأرب 22: 346: خفيرة.
_________
= تاريخ الطبري 9: 530، 540، 544، 557 - 663، 667، 10: 8 - 9، 30 - 63، 86، 94، 128، 133، ابن زبر الربعي: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 251، 256، الأغاني 9: 255، 10: 34 - 35، الثقات لابن حبان 2: 333، تاريخ بغداد 6: 79 - 83، تاريخ ابن عساكر 71: 197 - 214، ابن الجوزي: المنتظم 13: 7 - 8، ابن الفوطي: مجمع الآداب 5: 320، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 16: 157 - 159، 261 - 275، زبدة الحلب 1: 87 - 93، الذهبي: سير أعلام النبلاء 13: 463 - 479، تاريخ الإسلام 6: 676 - 681، العبر في خبر من غبر 1: 415، ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار 24: 253 - 259، فوات الوفيات 1: 72 - 73، الوافي بالوفيات 6: 428 - 430، تاريخ ابن الوردي 1: 363 - 369، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 66 - 74، 86 - 94، ابن خلدون 6: 66 - 189، 8: 17 - 21، 28 - 30، 38، النويري: نهاية الأرب 22: 344 - 377، النجوم الزاهرة 3: 126 - 128، السيوطي: تاريخ الخلفاء 588 - 599، شذرات الذهب 3: 371، محسن الأمين: أعيان الشيعة 2: 619 - 622.
طُوْلُون في جَيْشٍ، فقَدِمَ حَلَب في وَقْت ارْتِفَاع النَّهَار من يَوْم الاثْنَين لاثْنَتي عَشرة لَيْلَة بَقِيَتْ من شْهر رَبيع الآخر من سَنَة إحْدَى وسَبْعِين ومَائَتَيْن، وقَدِمَ إليها على طَريق بَالِس وعلى بَرِّيَّة خُسَاف حتَّى نَزَلَ النَّاعُورَة، ثمّ دَخَلَ حَلَب، ثمّ خَرَج منِ حَلَب إلى قِنَّسْرِيْن، ثمّ تَوَجَّه إلى شَيْزَر، ثمّ إلى حَمَاة إلى أنْ انتَهى إلى الرَّمْلَة، وجرَى بينَهُ وبينَ ابن طُوْلُون وَقْعَة الطَّوَاحين، وانهَزَمَ ابن طُوْلُون إلى مِصْر، ثمّ عادت النُّصْرة لعَسْكر ابن طُوْلُون على أبي العبَّاس فعاد مَفْلُولًا حتَّى وَصَلَ أنْطَاكِيَة، ثمّ خَرَجَ منها إلى بَغْرَاس، ثمّ نَفَذَ إلى المِصِّيْصَة، ثمّ إلى أذَنَة، ثمّ إلى طَرَسُوس، ثمّ عاد إلى المِصِّيْصَة، ثمّ إلى الكَنِيْسَةِ السَّوْدَاء، ثمّ نفَذَ إلى مَرْعَش، ثمّ إلى كَيْسُوم، ثمّ إلى حِصْن مَنْصُور، ثمّ إلى سُمَيْسَاط، ثمّ خَرَجَ إلى الرُّهَا وتَوَجَّه إلى بَغْدَاد.
ذكَر ذلك سِنَان بن ثَابِت في سِيْرة المُعْتَضِد، ونقَلَهُ من خَطِّ أحْمَد بن الطَّيِّب السَّرْخَسِيَّ، وذكَرَ فيه المَراحل الّتي نَزَلها أبو العبَّاس من يَوْم خَرَجَ من بَغْدَاد إلى أنْ عادَ إليها من وَقْعَة الطَّوَاحِين.
وأمَّا القدَمَة الثَّانيَة؛ فقَدِمَهِا وهو خَلِيفَة خَلْفَ وَصِيْف الخَادِم وفد فارَق مَوْلاه الَأفْشِين من بَرْدَعَة عَاصِيًا، ومضَى إلى الثُّغُور وخَلَعَ الطَّاعَة، فسارَ خَلْفه، وجَدَّ في السَّير، وقَدِمَ حَلَب في طَريقه في سَنَة سَبْعٍ وثمانين، فلَحِقَهُ بعَيْن زُرْبَة، وقَبَض عليه، وأحْرق السُّفُن، ونَزَلَ المِصِّيْصَة، ثمّ عاد إلى أنْطَاكِيَة، ثمّ إلى حَلَب، ثمّ تَوَجَّه إلى بَغْدَاد.
وكان المُعْتَضِد من أَشْجَع الخُلفَاء، وأعْظمهم هِمَّةً، وأحْسَنهم سِيْرة، وأكْملهم رأيًا، وأكْرَمهم نَفْسًا، وأكْثَرهم عَدْلًا.
وحَدَّثَ عن يَزِيد بن سِنَان، وأبيهِ أبي أحْمَد المُوَفَّق، رَوَى عنه إسْمَاعِيْل بن إسْحاق القَاضِي، وابن ابنه مُحَمَّد بن عليّ المُكْتَفِي، وأظُنُّ أنَّ المُعْتَضِد سَمِعَ كتاب السُّنَن من أبي دَاوُد السِّجِسْتَانِيّ.
أخْبَرَنا القَاضِي أبو المَعَالِي مَحْمُود بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل اليَعْقُوبيّ في كتَابِهِ إليْنَا من بُوشَنْج (a)، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن مَنْصُور الأدِيْب، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن أبي عَاصِم الصَّيْدَلانيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْقُوبَ إسْحاق بن إبْراهيم القَرَّاب الحافِظُ، قال: أخْبَرَنا أبو إسْحاق إبْراهيم بن الحُسَين بن عليّ الجوزَقيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر أحْمَد بن مُحَمَّد بن مُوسَى المَلْحَميّ الأصْبَهَانيِّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْدَان الجَوَالِيْقِيُّ، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل القَاضِي، قال: حَدَّثَنَا الإمَام أبو العبَّاس أحْمَد بن طَلْحَة المُعْتَضِد بالله، أَمِيرُ المُؤمِنِين، قال: حَدَّثَنَا يَزِيد بن سِنَان، قال: حَدَّثَنَا يَزِيد بن هارُون، عن حُمَيْدٍ الطَّويل، عن أنَس بن مالِك
(1)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مُؤْمنٍ يدخل قَبْرَهُ إلَّا وعَمله معه، فإنْ كان مُحْسنًا أضاءَ له عمَلهُ، وإنْ كان مُسِيئًا قبح له.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمنِ بن عبد الله بن عُلْوَان الأسَدِيّ الحَلَبيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن مُحمَّد الخَطِيب الكُشْمَيْهَنيّ، ح.
وأخْبَرَنا علي بن عَبْد المُنْعِم بن عليّ بن الحَدَّاد الحَلَبيِّ، قال: أخْبَرَنَا يُوسُف بن آدَم المَرَاغِيّ، قالا: أنْبَأنَا أبو بَكْر مُحَمَّد في أبي المُظَفَّر مَنْصُور بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخ أبو عَبْد الله إسْمَاعِيْل بن عَبْد الغَافِر الفَارِسيُّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد في الحُسَين الحافِظُ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عبد اللّه الحافِظ البَيِّع، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن الفَضْل النَّحْوِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا الطَّيِّب عبد الله بن شَاذَان، قال: سَمِعْتُ يُوسُف بن يَعْقُوب، يقُول: قرأتُ تَوْقيع المُعْتَضِد إلى عُبَيْدِ الله بن سُلَيمان بن وَهْب الوَزِير: واسْتَوص بالشَّيْخَين الخَيِّرين الفَاضِلَيْن: إسْماعِيْل بن إسْحاق الأزْدِيّ ومُوسىَ بن إسْحاق الخَطْمِيّ خَيْرًا، فإنَّهما ممَّن إذا أراد اللهُ بأهل
(a) الأصل: بوسنج، وتقدم التعليق عليه.
_________
(1)
لم أقف على تخريجه.
الأرْض شرًّا دُفِعَ عنُهم بدُعائهما.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْديِّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن يَعْقُوب، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن نُعَيْم الضَّبِّيّ، قال: سَمِعْتُ أبا الوَلِيدِ حَسَّان بن مُحَمَّد الفَقِيه، يقول: سَمِعْتُ أبا العبَّاس بن سُرَيج، يقول: سَمِعْتُ إسْمَاعِيْل بن إسْحاق القَاضِي، يقول: دَخَلتُ على المُعْتَضِد وعلى رأسِه أحْدَاثٌ رُوْمٌ صِبَاحُ الوُجُوه، فنظرتُ إليهم، فرآني المُعْتَضِد وأنا أتأمَّلهُم، فلمَّا أردْتُ القيام أشَارَ إليَّ، فمكُثت سَاعةً، فلَّا خَلا قال لي: أيُّها القَاضِي، واللّهِ ما حَللْتُ سرَاويلي على حَرَامٍ قَطّ.
وَقَعَ إلىَّ كتاب ذكَرَ صاحبهِ في تَرْجَمَتِهِ فيه أخْبار وحكايات، قَرأتُها بخَطِّ أبي نَصْر إبْراهيم بن عليّ بن عِيسَى بن الجَرَّاح، فيه: حَدَّثَني أبو القَاسِم عُبَيْدُ الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الأزْدِيّ النَّحْوِيّ، قال: سَمِعْتُ القَاضِي إسْمَاعِيْل بن إسْحاق، يقُول: دَعاني أَمِير المُؤمِنِين المُعْتَضِد بالله في بعض الأيَّام، فدخلْتُ عليه، وبينَ يَدَيْهِ جَامٌ لطيفٌ في طَبَق لطِيْف فيه خَبِيْصٌ، وبيده ملعقَة وهو يأكُل منه، فسلَّمْتُ عليه، فردَّ عليَّ السَّلام، وسوَّى الخبَيْص في الجام بالملعقَة الّتي في يده حتَّى اسْتَوى وانْبَسَط في الجام كما كان، ثمّ أمرَ برفْعه، ثمّ قال لي: يا إسْمَاعِيْل، قُلتُ: لَبَّيْكَ يا أَمِير المُؤمِنِين، قال: ما على إمام المُسْلِميْن إذا عَفَّ عن أموالهمِ، ما أكل من شيء؟ قُلتُ: لا شيء عليه يا أَمِير المُؤمِنِين ولا حَرَج، بل هي نِعْمة يُدِيْمُها الله، ويُسعِده بها، وكان بينَ يَدَيْهِ خَادِم وَضيء الوَجْه جِدًّا، فجعلتُ أنظر إليه وألْحظه، فرآني المُعْتَضِد، فقال: يا إسْمَاعِيْل، قُلتُ: لَبَّيْكَ يا أَمِير المُؤمِنِين، قال: ما حَلَلْتُ سَرَاويلي على حَرَام قَطّ، ولا يَسْألني الله عنه، قُلتُ: الحَمْدُ لله يا أَمِير المُؤمِنِين، فأُحَدِّثُ بهذا عنكَ؟ قال: نعم، حَدِّث به عِنِّي مَنْ أحببَت.
(1)
تاريخ بغداد 6: 80، ونقله عنه سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 16: 263.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عبد الله بن عُلْوَان الأسَدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبوِ عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن الكُشْمَيْهَنيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الله بن عليّ، ح.
وأخْبَرَنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن مُحَمَّد، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ الحافِظ
(1)
، قال: أخْبَرَنا التَّنُوخِيّ، قال: أخْبَرَني أبي، قال: حَدَّثني أبي، قال: سَمِعْتُ القَاضِي أبا عُمَر مُحَمَّد بن يُوسُف، يقول: قُدّمَ خَادِمٌ من وُجُوه خَدَم المُعْتَضِد (a) إلى أبي في الحُكْم (b)، فجاء فارتَفَع في المَجْلِس، فأمَره الحَاجِبُ بُمَوازاةِ خَصْمه، فلم يقعل إدْلَالًا بعَظِيم (c) مَحلِّهِ من الدَّولةِ، فصَاح أبي عليه وقال: قَفَاهُ، أتُؤْمرُ بمُوازاةِ خَصْمكَ فتَمْتَنعِ! يا غُلَام، عَمْرو بن أبي عَمْرو النَّخَّاس السَّاعَة، لأتَقَدَّم إِليه ببَيْع هذا العَبْد، وحمْل ثَمنهِ إلى أَمير المُؤمِنِين، ثِمّ قال لحاجبهِ: خُذْ بيده وسوِّ بينه وبين خَصْمه، فأُخِذَ كرْهًا وأُجْلِس مع خَصْمه، فلمَّا انْقَضَى الحُكْم، انْصَرفَ الخَادِمُ، فحدَّث المُعْتَضِد بالحَدِيْث، وبكَى بينَ يَدَيْهِ، فصَاحَ عليه المُعْتَضِد وقال: لو باعك لأجَزْتُ بيعَهُ، وما رَدَدْتُكَ إلى مُلْكل أبدًا، وليس خصُوصُكَ بي يُزيلُ مرتَبة الحُكْم؛ فإنَّهُ عَمُود السُّلْطان، وقَوَام الأبْدَان (d).
هذا القَاضِي هو أبو مُحَمَّد يُوسُف بن يَعْقُوب بن إسْمَاعِيْل بن حَمَّاد بن زَيْد البَصْرِيّ.
أنْبَأنَا أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بن طَاهِر المُسْتَمْلِيّ إذْنًا، عن أبي القَاسِم بن أحْمَد البُنْدَار، قال: أنْبَأنَا أبو أحْمَد بن
(a) تاريخ بغداد: المعتضد بالله.
(b) تاريخ بغداد: في حكم.
(c) تاريخ بغداد: بعظم.
(b) كذا في الأصل، وفي تاريخ بغداد: الأديان.
_________
(1)
تاريخ بغداد 16: 457.
مُحَمَّد المُقرِئ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن يَحْيَى الصّوْليِّ إجَازَةً، قال: ومات المُوَفَّق لَيْلَة الخَمِيْس لثمانٍ بَقِينَ من صَفَر - يعني من سَنَة ثمانٍ وسَبْعين - وجَلَسَ أبو العبَّاس يَوْم الخَمِيْس فعَزَّاهُ النَّاس، وخُطِبَ يَوْم الجُمُعَة للمُعْتَمد ثمَّ المُفَوَّض - يعني جَعْفَر بن المُعْتَمد - بالعَهْد، ثمّ لأبي العبَّاس أحْمَد المُعْتَضِد باللهِ وَلي عَهْد المُسْلِمِيْن.
وقال الصُّوْلِيُّ بعد ذلك: أمَرَ المُعْتَمد أنْ يُجْعل أبو العبَّاس أحْمَد بن المُوَفَّق في ولاية العَهْد مكان جَعْفَر المُفَوَّض، وكُتبت الكُتب وقُرئَت عليه، وأُدْخِل القُضَاة إليه حتَّى شَهدُوا بذللث في يَوْم الاثْنَين لثلاثٍ بَقِينَ من المُحَرَّم يعني من سَنَة تِسْعٍ وسَبعِين.
قال: فحَدَّثَني نَصْر الحَاجِب المَعْرُوف بالقُشُورِيّ، قال: أنا سفرْتُ في ذلكَ لمَالٍ أطلقَهُ لي المُعْتَضِد، فأتيْتُ المُعْتَمد، فأخْبَرْتُهُ به بعد أنْ أشَرتُ على المُعْتَضِدْ أنْ يَحْمل إليه مائتى أَلف دِيْنارٍ، وثيابًا وطِيْبًا، ففَعَل ذلك، وطابَتْ نفْسُه، وحَمل إلى المُفَوَّض مثل ذلك، وفارَقْنا المُعْتَمد على أنْ يرضى جَعْفَر بذلك، فلمَّا سألتُ المُعْتَمد ذلك قال لي: أفَيَرْضَى جَعْفَرُ؟ قُلتُ: نعم، قال فليَجئني أحْمَد حتَّى أفْعَلَ ما يُريد، فجاءَ فأجْلَسَهُ على كُرْسِيّ بينَ يَدَيْهِ وهو على سَريره بعد أنْ ضمَّهُ إليه، وقَبَّل المُعْتَضِد يدَهُ، فتحدَّثا ساعةً بغير ما قَصَدَاه، ثمّ ابتَدأهُ المُعْتَمد فقال: أحْضر مَنْ شئتَ فإنِّي أفْعَل ما تُريد، فأحضَر النَّاس وشَهدُوا على خلعِ جَعْفَر من ولاية العَهْد، وتولية المُعْتَضِد، وكُتب بذلك كُتبٌ إلى النَّواحيِ، وأنَّ المُعْتَمد قد جَعَل إليه ما كان ابن المُوَفَّق (a) من الأمْر والنَّهْي، ووقَّع المُعْتَمد في الكتاب: أقَرَّ عبدُ الله أحْمَد الإمَام المُعْتَمد على اللهِ أَمِير المُؤمِنِين بجميع ما في هذا الكتاب، وكَتَبَ بخَطِّه، وأقرَّ جَعْفَر ابن أمِير المُؤمِنِين المُعْتَمد على الله بجميع ما في هذا الكتاب، وكَتَب بخَطِّه.
(a) كذا في الأصل، ولعل الأظهر: لابن الموفق.
أنْبَأنَا أبو اليمن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أحْمَد أَمِير المُؤمِنِين المعتَضِدُ بالله بن أبي أحْمَد المُوَفَّق بالله - واسْمُه مُحَمَّد - ابن جَعْفَر المُتَوَكِّل على الله بن مُحَمَّد المُعْتَصِم بالله بن هارون الرَّشِيْد بن مُحَمَّد المَهْدِيّ بن عبد الله المَنْصُور بن مُحَمَّد بن عليّ بن عبد الله بن العبَّاس بن عَبْد المُطَّلِب، يُكْنَى أبا العبَّاس.
ويقال إنَّ اسمَ أيهِ طَلْحَة، وأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ اسْمُها خَفِيْر، ويقالُ: ضِرَار، تُوفِّيَت قبل خِلَافَته بيَسِيْر. وكانَ مَوْلدهُ فيما أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد بن عُمَر المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد بن أبي قَيْس، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر عبدُ الله بن مُحَمَّد بن أبي الدُّنْيا، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حَمَّاد أنَّ ميلاد أبي العبَّاس سَنَة ثَلاثٍ وأرْبَعين ومَائتَيْن.
وقال أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا: اسْتُخلفَ أبو العبَّاس المُعْتضِد باللهِ أحْمَد بن مُحَمَّد في اليَوْم الّذي ماتَ فيه المُعْتَمد على اللهِ، وله إذ ذاكَ سَبْعٌ وثلاثونَ سَنَةً.
وقال الخَطِيبُ
(2)
: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن رِزْق، قال: أخْبَرَنا عُثْمان بن أحْمَد الدَّقَّاقُ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحْمَد بن البَرَاءِ، قال: ووَلِيَ المُعْتَضِد باللهِ أبو العبَّاس ابن أبي أحْمَد المُوَفَّق بالله لاثْنَتي عَشرة لَيْلَة بَقِيَتْ من رَجَب سَنَة تِسْعٍ وتِسْعِين ومَائَتيْن (a)، وولد بسُرَّ مَنْ رَأى في ذي القَعْدَهَ سَنَة اثْنَتَيْن وأرْبَعين ومَائَتيْن.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرْزَد، عن أبي الفَضْل مُحَمَّد بن نَاصِر السَّلَاميِّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن أحمد إذْنًا، قال: أنْبَأنَا أبو أحْمَد المُقْرِئ، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ، قال: كانت البَيْعَة بالخِلَافَة لأبي العبَّاس أحْمَد ابن المُوَفَّق باللهِ - واسْم المُوَفَّق مُحَمَّد، وقيل: طَلْحَة، وكان
(a) كتب ابن العديم إزاءه في الهامش: "لعله: وسبعين ومائتين".
_________
(1)
تاريخ بغداد 6: 79.
(2)
تاريخ بغداد 6: 80.
المُتَوَكِّل على اللهِ قال: كُلَّ مَنِ غلَبَت عليه كُنْيَتُهُ من وَلدِي فاسْمه مُحَمَّد - يَوْم الاثْنَين لإحْدَى عَشر لَيْلَه بَقِيَتْ من رَجَب سَنَة تسْعٍ وسَبْعِين ومَائتَيْن، وسِنُّهُ يَوْم وَلِيَ الخِلَافَة سَبْعٌ وثلاثون سَنة، مَوْلده في شَهْر رَبيع الأوَّل سَنَة ثَلاثٍ وأرْبَعين ومَائتَيْن، سَمِعْتُ المُكْتَفِي باللهِ يَذْكُر ذلك.
وقال الصُّوْليِّ: حَدَّثَني عبدُ الله بن المُعْتَزّ، قال: كان المُتَوَكِّل على الله يُجْلسُني والمُعْتَضِد آخر أيَّامهِ معَهُ على السَّرير ونحنُ صَغِيران، فيَرْمي إلينا بالشَّيء فنَتحارب عليهِ، فيَضْحَك من فِعْلنا؛ قال: وكان هو أسَنّ منِّي.
قال: وأُمُّ المُعْتَضِد يِقال لها: خَزَر، ويُقال: إنَّ اسْمَهَا غُيِّر، كانَ اسْمُها ضِرَار ثمّ سُمِّيَت بخَفِيْر، وكانت وصِيْفة لخَدِيجَة بنْت مُحَمَّد بن إبرْاهيم بن مُصْعَب فاشْتَراها منها أخُوها أَحْمَد في مُحَمَّد، ثمَّ اشْتَرَاها بعضُ القُوَّاد فأهْدَاها إلى المُتَوَكِّل، فوَهَبَها لإسْحاق أُمّ المُوَفَّق جاريتهِ، فوِهَبَتْهَا للمُوَفَّق. وكان الّذي سمَّاهُ المُعْتَضِد عُبَيْد الله بن عبد الله قبل ولايتهِ العَهْد ببَيْتَيْن قالهما وكَتَبَ إليهما إليه:[من البسيط]
إرثُ الخِلَافَةِ مَعْضُودٌ بمُعْتَضدٍ
…
لا زالَ عنْهُ ومَوْصُولٌ لمَن وَلَدَا
خَلِيفَةٌ مُلْكُهُ أَمْنٌ وعَافِيَةٌ
…
ورُخْصُ سِعْر وخِصْبٌ فليَعشْ أبَدَا
قال: وكان المُعْتَضِدُ من أكْملَ النَّاس عَقْلًا، وأعلَاهم هِمَّةً، وأكثرهم تجربةً، قد حَلَبَ الدَّهْرَ أشْطُرَهُ، وعاقبَ بينَ شدَّتهِ ورخائهِ، وكان أبُوهُ المُوَفَّق يُسَمَّى المَنْصُور الثَّانىِ لانْشعَاب الأُمُور عليه وقيامهِ بها حتَّى تجلَّتْ، وكان المُعْتَضِد يُسَمَّى السَّفَّاح الثَّاني لأنَّهُ جدَّدَ مُلْكَ بني العبَّاس بعد إخْلَاقه، وقَتَل أعداءه، فكأنَّهُ أوَّل لهم كما كان السَّفَّاح أوَّلًا، وقد احْتَذَى هذا المَعْنَى عليُّ في العبَّاس الرُّوميّ فقال يَمْدَحُه لمَّا قام بالخِلَافَة
(1)
: [من الطويل]
(1)
ديوان ابن الرومي 2: 660، ومرآة الزمان 16: 158 (باستثناء البيت الأخير)، ومسالك الأبصار 24: 257، وتاريخ الخلفاء للسيوطي 589.
هنيئاً بني العبَّاس إنَّ إمامَكُم
…
إمَامُ الهُدَى والباس والجُوْدِ أحْمَدُ
كما بأبي العبَّاس أُنْشِئَ مُلْكُكم
…
كذا بأبي العبَّاس أيضاً (a) يُجَدَّدُ
إمَامٌ يظَلّ الأمْسُ يُعْمِلُ نَحْوَه
…
تلَهُّفَ مَلْهُوفٍ ويشتاقُهُ الغَدُ
قرأتُ في كتاب أخْبَار المُعْتَضِد من أخْبَار بَغْدَاد، لعُبيد الله بن أحْمَد بن أبي طَاهِر، الّذي ذَيَّلَ به على تاريخ أبيهِ
(1)
، قال: وكان المُعْتَضِد باللهِ خَلِيفَة لم يقُم من خُلَفاء بني العبَّاس بعْدَ المْنَصُور خَلِيفَة كان أكْمَلَ منه شجاعةً، ورجلةً، وجزَالَةً، ورَأياً، وحذْقاً بكُلِّ صِنَاعَة، وعَدْلاً وانْصافاً، وحُسْن سِيْرَةٍ، مُؤيَّداً بالنَّصْر، مَقْروناً بالظَّفَر.
تولَّى الخِلَافَة وهي عَلَقَة مُتَمَزِّقة مُتَفرِّقة، فجمعَ أطْرافَهَا، وضَمَّ مُنْتَشرها، وشَدَّد أرْكَانها، وقوَّى عِمَادَها، ووَكَّدَ أسْبابَها، وسَنَّ السُّنَن العَادِلَةِ، وأبقَى في رَعيَّته الآثار الفَاضِلةَ، ودوَّخَ البِلادَ، وقَوَّم العِبَادَ، حتَّى ردَّ المَمْلكة إلى حالِ جِدَّتها بعد درُوسها، ودَانَتْ له الأطْرافُ، وخضَعَت له الأشْرَاف، وأمنَت خارجيٌّ إلَّا قَصَمه، ولا مُسْتَصْعَبٌ إلَّا وَقَمَه ولا عَاصٍ إلَّا اصطَلَمَه، وأمنَت السُّبُل بعد أنْ كانت مَخُوفَة، واطْمأنَّتِ النُّفُوسُ بعد أنْ كانت مرعوبة، ودرَّت الأمْوَال بعد أنْ كانتْ مُنْقَطعَة، واسْتَوَت بالعَدْل والإنْصَاف أحْوَالُ الرَّعِيَّة.
قال عُبَيْد الله بن أحْمَد بن أبي طَاهِر: ومن سِيْرة المُعْتَضِد الجَمِيلة، وسُنَنه الحَسَنة، رَفْعُهُ المَوَارِيْث في أوَّل خِلَافَتهِ، وما كان من الظُّلْم فيها، وزيادته في مَسْجِد الجامع بالجانب الغَرْبيّ من قَصْرِ المَنْصُور بمَدِيْنَة السّلام حتَّى اتَّسَع، وتأخيره الخَرَاج، وتَسْهيل العِقَابِ والطُّرُقات، وقَطْعُه الحِجَارَة المانعَة للمُجْتازين
(a) ديوان ابن الرومي: منكم.
_________
(1)
ذيل وضعه على كتاب بغداد من تأليف والده أحمد بن أبي طاهر الشهير بابن طيفور. (ابن الساعي: الدر الثمين 260)، ووصلنا قسم من كتاب ابن طيفور، وضاع الذيل عليه.
بها، ورَفْعُهُ المَكْسَ الّذي كان يُجْتَبَى بمَكّة والمَدِيْنَة، والخِفَارات بطَرلِق المَوْصِل، ورَفْعُهُ البَقَايا الّتي كانت على العُمَّال والرَّعِيَّة في جميع البُلْدان.
قال أبو بَكْر الصُّوْلِيّ في كتَاب الأوْرَاق: وفي تأخير الخَرَاج والنَّوْرُوز يقُول يَحْيَى بن عليّ: [من الخفيف]
إنَّ يَوْم النَّوْرُوز عادَ إلى العَهْـ
…
ــدِ الّذي كان سَنَّهُ أَرْدَشِيْرُ
أنت حَوَّلْتَهُ إلى الحالهِ الأوْ
…
لى وقد كان حَائراً يَسْتَديرُ
وافتتَحت الخَرَاجَ فيه فللأُمَّـ
…
ــة في ذاك مَرْفقٌ مَذْكُورُ
منهم الحَمْدُ والثَّنَاءُ ومنكَ الـ
…
ـــرَّفْدُ فيهم والنَّائلُ المَشْكُور
قال الصُّوْلِيّ: وكان الحُسَين بن عبد الله الجوهَرِىِّ جاءَ بهَدَايا من عند خُمَارَوَيْه بن أحْمَد، وسَعَى في تَزْوِيج ابنهَ خُمَارَوَيْه من عليّ ابن المُعْتَضِد، فقال المُعْتَضِدُ: قد علمت إنَّما أراد خُمَارَوَيْه أنْ يتَشرَّف بنا، فأنا أتزوَّجها، فتزوَّجها بحَضْرَهَ القُضَاةِ، وزوَّجَهُ إيَّاها ابن الجَصَّاص.
قُلتُ: ويقال إنَّهُ لم يِكن عُرْس مثل عُرْس قَطْر النَّدَى والمُعْتَضِد، وبُوْرَان بنْت الحَسَن بن سَهْل وعبد الله المَأْمُون.
وقال الصُّوْلِيِّ: ولمَّا وَلِيَ المُعْتَضِد الخِلَافَة، أمرَ بالِزِّيادَة في المَسْجِد الجامع بالمَدِيْنَة، وأمَرَ بتَسهيل عَقَبة حُلْوان، وقال: هذا طَريق المْلْك، فسُهِّلت إلى المَوضِع المَعْرُوف بدَهْلِيْزَان، وكان النَّاس يلقونَ منه تَعَباً شَديْداً، فبَلَغَت النَّفَقَة عشرين ألف دِيْنار عليهما، وأمرَ بردِّ المَوَارِث على ذَوِىِ الأَرْحَام في آخر سَنة ستٍّ وثمانين بكتاب ابن أبي خَازِم القَاضِي إلى أبي النَّجْمِ بعد أنْ سَأله بَدْر عمَّا عنده فيهِ، وأُنْشْئت الكُتُب بذلك، وما فَعَلهُ في أمر النّوْرُوز وتأخيره لتأخير الخَرَاج، وإنَّما احْتَذَى ما كان المُتَوَكِّل فَعله، وكَتَبَ فيهِ إبْراهيم بن العبَّاس
الصُّوْلِيِّ كِتَاباً بتأخيره إلى سَبْعة عَشرِ يَوْماً من حَزيْرَان، فاحْتذَى المُعْتَضِد ذلك إلَّا أنَّه جَعَلهُ لأحد عشر يَوْماً من حَزِيْرَان.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن المُحَسِّن بن عليّ التَّنُوخِيّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبي، قال: حَدَّثَني أبي، قال: لمَّا خَرَجَ المُعْتَضِد إلى قتالِ وَصِيْف الخَادِم إلى طَرَسوس، وأخَذَهُ، عادَ إلى أنْطَاكِيَة، فنَزلَ خرجَها، وطافَ البَلَد بجَيْشِه، وكُنْتُ صَبِيًّا إذ ذاك في المَكْتَب، قال: فخَرَجْتُ في جُمْلَةِ النَّاس، فرَأيتُهُ وعليه قَبَاءٌ أصْفَر (a)، فسَمعْتُ رَجُلًا يقُول: يا قَوْم، الخَلَيفَةُ بقَبَاءً أصْفَر بلا سَوَاد! قال: فقال أحَدُ الجَيْش: هذا كان عليه وهو جَالسٌ في داره ببَغْدَاد، فجاءَهُ الخَبَرُ بعِصْيان وَصِيْف، فخرَجَ في الحال عن (b) داره إلى باب الشَّمَّاسِيَّةِ، فعَسْكَر به، وحَلَفَ أنْ لا يُغَيِّر هذا القَبَاءَ أوِ يَفْرغ من أمر وَصِيْف، وأِقامَ بباب الشَّمَّاسِيَّة أيَّاماً حتَّى لحقَهُ الجَيْشُ، ثمّ خرج، فهو عليه إلى الآن ما غَيَّرَهُ.
أخْبَرَنا أحْمَد بن أزْهَر بن عَبد الوَهَّاب في كتابهِ، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم عليّ بن أحْمَد البُنْدَار، عن أبي أحْمَد المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن يَحْيَى إجَازةً، قال: وشَخَصَ المُعْتَضِدُ من بَغْدَاد فِيِ النِّصْف من شَوَّال سَنَة سَبْعٍ وثمانين لطَلَب وَصِيْف الخَادِم، وكان خَبَره وردَ عليه وهو عَلِيْل، فكَتمِ علَّتَهُ وأغَذَّ السَّير إلى أنْ ظَفر بهِ لسَبْعٍ بَقِينَ من ذي القَعْدَة، ودَخَل به إلى بَغْداد في أوَّل المُحَرَّم سَنَة ثمانٍ وثَمانِيْن ومَائتَيْن، وأرْكب الخَادِم الفَالِج، وألبس بُرْنُساً طَويلاً.
قال مُحَمَّد بن يَحْيَى: حَدَّثَني أبو أحْمَد يَحْيَى بن عليّ، قال: قال لنا المُعْتَضِد:
(a) زاد في النشوار: بلا سواد.
(b) نشوار المحاضرة: من.
_________
(1)
تاريخ بغداد 6: 80.
(2)
نشوار المحاضرة 2: 248.
والله ما أدْري كيف ظَفِرت بالخَادِم! وما هو إلَّا من أمْر اللهِ الّذي لا يُدْرَى كيف هُوَ.
قال: فقُلتُ: كيف يُحِبّ سَيِّدنا أنْ يَصف هذا الفَتْح، قال: بسُرعةِ سَيْرنا، وسَبْقنا خَبَرنا، حتَّى وافَيْناهُ قبْلَ أنْ يَعْلَم بنا.
قال: فقلتُ: [من الوافر]
ألَمَّ بعَيْنِ زُرْبَةَ والمطايا
…
جُنُوحٌ طيفُ أخْتِ بني عَدِيِّ
فقال فيها:
أَمِيرَ المُؤمِنِين هناكَ فَتْحٌ
…
حَظِيْتَ بهِ منَ اللهِ العَلِيّ
لقد خَسِئ الأعَادِي في النَّواحِىِ
…
بما أَنْزلتَ بالخَاسِي الخَصي
أتَتْكَ بحَائنٍ رِجْلَاهُ منهُ
…
ألَا يا رُبَّ حَتْفٍ في مَجِيِ
خفَفْتَ إليه حين أتاكَ عنهُ
…
بَرِيْدُ الصِّدْق بالخَبَر الجَلِّي
طَوَيْتَ الأرْض طيًّا فُتَّ فيهِ
…
إليهِ تغَلْغُل المَوْت الوَحِيِّ
قال: وهي قَصِيدَةٌ (a).
نَقَلْتُ من خَطِّ أبي الحُسَين عليِّ بن المُهَذَّب التَّنُوخِيّ المَعَرِّيّ، في تَعْلِيقٍ له في التَّاريخ، حَمَلهُ إليَّ بعضُ عَقِبه، قال: سنَة ثَمان وثَمانين - يعني ومَائتَيْن - وفيها: هربَ وَصِيْف الخَادِم من مَدِيْنَة بَرْذَعَة من مَوْلاه الأَفْشِين، وسارَ إلى الثُّغُور الشَّاميَّة، وتَبِعَهُ المُعْتَضِدُ، وظَفرَ به بناحيةِ الكَنِيْسَة السَّوْدَاء وهو يُريد دُخُول بَلَد الرُّوم، فأخذَهُ وانْصَرفِ بهِ إلى بَغْدَاد، فقتلَهُ، واعْتَلَّ المُعْتَضِد لإتْعابهِ نفسَهُ في طَلَبه إيَّاهُ عِلةً كانت فيها وَفاته، وقيلِ إنّه - وهو في طَلبهِ، وقد عاينَهُ - حصَرَهُ بَوْلٌ فاسْتَبْطَأَ نفْسَهُ أَنْ يَنْزل وعظم عليه أنْ يَبُول في ثيابِه وسَرْجِه، فانفَتَقَتْ مَثانَتُه، وكان سببَ مَوْته.
(a) هكذا في الأصل، غير متبوع.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن أَيُّوب الإمَام بَرْو، وعبدُ الله بن يُوسُف الحَرْبِيّ ببَغْدَاد، قالا: حَدَّثَنَا أبو الحُسَنِ مُحَمَّد بن عليّ بن الهاشِميّ لَفْظًا، قال: أنشدنا الأَمِير أبو الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد ابن المُكْتَفِي بالله، قال: أنْشَدَني الصُّوْليِّ للمُعْتَضِد باللهِ
(1)
: [من المنسرح]
يا لَاحِظي بالفُتُورِ والدَّعَجَ
…
وقَاتِلي بالدَّلَالِ والغُنُجِ
أشْكُو إليكَ الّذي لَقِيْتُ من الـ
…
ــوَجْد فهَل لي لديكَ من فَرَج
حَلَلْتُ بالطَّرْفِ والجَمَال من النَّا
…
سِ مَحَلَّ العُيُونِ والمُهَج
أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الحُسَين بن رَوَاحَة الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ الحافِظ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعاً، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن عَبْد الجبَّار، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن عِليّ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو حَاتِم مُحَمَّد بن عَبْد الوَاصِحِ، قال: أنْشَدَني أبو الحَسَن وَصِيْف بن عبد الله الدِّينورِيّ للمُعْتَضِد
(2)
: [من مجزوء الرمل]
غَلَبَ الشَّوْقُ رُقادِي
…
مثْل غَلْبي للأعَادِي
هاهُنا جِسْمي مُقيمٌ
…
وببَغْدَادَ فُؤادِي
أمْلُك الأرْضَ ولكن
…
تَمْلكُ الخُوْدُ قِيَادِي
هكذا كُلُّ مُحِبٍّ
…
باعَ قُرْباً ببَعادِ
قُلتُ: وقد رُويَت هذه الأبْيَات ليَحْيَىِ بن عليّ بن المُنَجِّم، قالها عن لِسَان المُعْتَضِد، أنْبَأنَا بها أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّد، عن أبي القَاسِم زَاهِر بن طَاهِر،
(1)
الأبيات الثلاثة في تاريخ الإسلام 6: 680 وتاريخ الخلفاء للسيوطي 596.
(2)
الأبيات في مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي 16: 270.
قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم بن أحْمَد، عن أبي أحْمَد المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ إجَازَةً، قال: حَدَّثني يَحْيَى بن عليّ، قال: كُنَّا مع المُعْتَضِد في بعض أسْفَاره فدَعاني، فقال لي: قَلْبِي ببَغْدَاد وإنْ كان جِسْمى هاهُنا، فقُل عنِّي شِعْراً في هذا المَعْنَى أكْتُب به إلى مَنْ أُريدُ ببَغْدَادَ، فإنِّي قد رُمت ذلك فلم يتَّسِق لي. فقُلتُ عن لِسَانهِ:[من مجزوء الرمل]
ها هُنا جِسْمىِ مُقيمٌ
…
وببَغْدَادَ فُؤادِي
وكَذَا كُلُّ مُحِبٍّ
…
باعَ قُرْباً بِبَعادِ
أمْلكُ الأرْضَ ولكن
…
تملكُ الخُوْدُ قِيَادِي
غَلَبَ الشَّوْقُ اصْطِبَارِي
…
مثْلَ غَلْبي للأعَادِي
فأنا أحْتَالُ أنْ يخفَى
…
بجُهْدِي وهوَ بَادِ
ليسَ وادٍ لا أرى فيـ
…
ــه حَبِيْبي لي بوَادِ
فاسْتَحْسَنَ الأبْيَاتَ وكتبَ بها.
قال الصُّوْلِيّ: والنَّاسُ يَرْوونها للمُعْتَضد، وقد حَدَّثني بهذا يَحْيَى بن عليَّ، وكان ما عَلِمْتُ صَدُوقًا فيما يَحْكيه، فأمَّا الّذَي للمُعْتَضِد في هذا المَعْنَى ممَّا أنْشدنيهِ له مُحَمَّد بن يَحْيَى بن أبي عَبَّادٍ:[من مجزوء الرمل]
إنَّ جِسْمِي بسُمَيْسمَا
…
طَ وقَلْبي بالعِرَاقِ
غَلَبَ الشَّوْقُ اصطباري
…
من تَبارِيْح الفِرَاقِ
أَمْلكُ الأرْضَ ولا أمْـ
…
ـــلكُ دَفْعاً لاشْتِيَاقي
قال الصُّوْلِيّ: ومن شِعْر المُعْتَضِد
(1)
: [من الكامل المجزوء]
لَمْ يلْقَ من حَرِّ الفِرَاقِ
…
أحَدٌ كما أنا منهُ لاقِ
(1)
الأبيات في تاريخ الخلفاء للسيوطي 597.
يا سَائلي عن طَعْمِهِ
…
ألفَيْتُهُ مُرَّ المَذَاق
جِسْمِي يذوبُ ومُقْلَتي
…
عَبْرَى وقَلْي ذُو احْتراق
مالي أَليفٌ بعدَكُم
…
إلَّا اكْتِئابي واشْتِيَاقي
فاللهُ يحفَظُكم جَمِيْـ
…
ـــعاً في مُقَامي وانْطلاقي
قال الصُّوْلِيّ: وكانت دُرَيْرَة جَارِيَة المُعْتَضِد مَكِيْنَة عندَهُ؛ لها مَوضع من قَلْبه، فتُوفِّيَت، فجَزِعَ عليها جزَعًا شَدِيْداً، ومن شِعْر المُعْتَضِد فيها لمَا ماتتْ، أنْشَدنيهِ مُحَمَّد بن يَحْيَى بن أبي عَبَّادٍ، وكان إبْراهيم بن القَاسِمِ بن زُرْزُر المُغَنِّي يُغَنِّي منه بَيْتَيْن، ويقُول: الشِّعْر واللَّحْن للمُعْتَضِد طرحَهُ عليَّ
(1)
: [من مجزوء الرمل]
يا حَبيباً لم يَكُنْ يَعْـ
…
ـــدِلُهُ عندِي حَبِيْبُ
أنْتَ عن عَيْني بَعِيْدٌ
…
ومن القَلْب قَرِيْبُ
ليسَ لي بَعْدَكَ في شـ
…
ــيء من اللَّهْو نَصِيْبُ
لكَ من قَلْبي على قَلْـ
…
ــبي وإنْ بِنْتَ رَقِيْبُ
وحِيَالي منكَ مُذ غِبْـ
…
ـــتَ خَيَال ما يَغِيْبُ
لو تَرَاني كيفَ لِى بَعْـ
…
ــدَكَ عَوْلٌ، ونَحِيْبُ
وفُؤادي حَشْوُهُ من
…
حُرَقِ الحُزْنِ لَهِيْبُ
لتيَقَّنْتَ بأنِّي
…
فيكَ مَحْزُون كَئِيْبُ
ما أرَى نَفْسِي وإنْ سَلَّيْتُـ
…
ـــها عنكَ تَطِيْبُ
لي دَمْعٌ ليسَ يَعْصِيْنـ
…
ـــي وصَبْرٌ ما يَجِيْبُ
(1)
الأبيات في مرآة الزمان 16: 271 - 272، ونهاية الأرب للنويري 22: 374 - 375، والبداية والنهاية لابن كثير 11: 92، وتاريخ الخلفاء للسيوطي 593 - 594.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
قال الصُّوْلِيّ: ومن شِعْر المُعْتَضِد: [من مجزوء الكامل]
ضَاعَ الفِرَاقُ فلا وَجَدْتُهْ
…
وأتَي الحَبِيْبُ فلا فَقَدْتُهْ
واهْتَاجني لمَّا أتَى
…
شَوْقٌ إليهِ فاعْتَنَقْتُهْ
أنْشَدنيهِ يَحْيَى بنُ عليّ، قال: أنْشَدَنيهِ المعتَضِد لنَفْسِه، وقال: اصدُقْني عنهُ، فحلَفْتُ له أنَّهُ من حَسَنِ الشِّعْر ومَلِيْحه.
قال الصُّوْلِيّ: واعْتَلَّ المُعْتَضِد في سَنَة تِسْعٍ وثمانين، ولم يزَل عليْلًا مُذ وَقْت خُرُوجهِ إلى الخَادِم، وتزايدَت علَّتُهُ.
قال: حَدَّثَني جَابِرُ وسَعْدُ بن غَالِب المُتَطَبِّبان أنَّ عِلَّته كانتْ فسَاد مزَاجِ وجَفَافًا من كَثْرة الجِمَاع، وكان دَواؤُه أنْ يُقِلَّ الغذَاءَ ويُرطب بَدَنَهُ قَليلًا قَليلًا ولا يَتْعَب، فكان يَسَتْعْمل ضدَّ هذا وِيُرِيْهم أنَّهُ يَحْتَمِي، فإذا خَرَجُوا، دَعا بالجُبْن والزَّيتون والسُّمُوك والصَّحَانَي، فلم يَزَل كذلكَ إلى أنْ سَقَطَتْ قوَّتُه، واشْتَدَّتْ علَّتُه، في يَوْم الجُمُعَة لإحْدَى عَشرة ليْلَةٍ بَقِيَتْ من شهر رَبيع الآخر سَنَة تِسْعٍ وثمانين. فوَافَى دار العامَّة مُؤْنسِ الخَادِم، ومُؤْنسِ الخَازِن، ووَصِيْف موشْجِيْر، ودِيْودَاد بن مُحَمَّد بن أبي السَّاج وأخُوه، والفَضْل بن رَاشد، فيِ السِّلاح، في جميِعِ أصْحَابهم، وأحْضَر خَفِيْف السَّمَرْقَنْديّ أصْحَابَهُ، وكذَلك رشِيْق القَاري، وجعْفر بن بغلاقر، وحضَر القَاسِم بن عُبَيْدِ اللّهِ، والنُّوْشجانيّ، ويَانسِ، وثَابِت الرَّصاصِيّ، وبِشْر، وغِلْمَان الحُجَر، فسَأَلُوا القَاسِم أخْذَ البَيْعَة لأبيِ مُحَمَّد عليّ بن المُعْتَضِد، فقال القَاسِم: لستُ أجْسُر أطلب مَالًا لهذا وأخَاف أنْ أنْفِق بلا إذن، فيُفيق أَمِير المُؤمِنِين ويَبُلَّ فأُطالَب بالمَال، فقالوا له بأجْمَعِهم: نحنُ نَضْمَن المال
لك وهو علينا، فقال: رأيكم، فإنَّ أَمِير المُؤمِنِين المُعْتَضِد أمَرَني أنْ أُسَلّم المَمْلكَة إلى ابْنِهِ أبي مُحَمَّد والخِلَافَهَ، فبايعَ الجميع يَوْم الجُمُعَة بعد العَصْر وسُمِّي المُكْتَفِي، وأفاقَ المُعْتَضِد يَوْم السَّبْت فلمِ يُخبر بشيءٍ، ثمّ تُوفِّي ليلَة الاثْنَين لخمسِ ساعَات مَضَتْ من اللَّيْل، فبَعَث غَداة الاثْنَين لثمان ليالٍ بَقِينَ من شهر رَبيع الآخر إلى مُحَمَّد بن يَزِيد المُهَنْدِس فأعلَمه صَاف أنَّ المُعْتَضِد أوْصَى أنْ يُدْفَنَ في دار مُحَمَّد بن عبد اللهِ بن طَاهِر، وينقل إليها أُمَّهاتُ أولادِهِ ووَلدُهُ ليكُونوا بالقُرْبِ من قَبْره، فَمضَىِ مُحَمَّد بن يَزِيد وحَفَر قَبْرًا عَشْرُ أذْرُع في خَمْسٍ، وكُفِّن فِي ثلاثةِ أثْوَاب أُدْرِج فيها، وحضَر القُضَاة والفُقَهَاء، وغَسَّلَهُ أحْمَدُ بن شَيْبَة عند زوال الشَّمْس، وصَلَّى عليه يُوسُفُ القَاضِي، وأُدْخل حُفْرته بعد ثلاث ساعاتٍ من لَيْلَة الثّلاثَاءِ.
وكتَبَ القَاسِم إلي المُكْتَفِي بالخَبَر، وقد كان كاتبَهُ قبل ذلك بحَقِيْقَةِ حال المُعْتَضِد وهو أخذ البَيْعَة، فكانت مُدَّة خِلَافَته تسْع سنين وتسعَةَ أشْهُرٍ وثلاثة أيَّام، ومات وهو ابن خَمْس وأرْبَعينَ سَنةً.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن أبي بَكْر، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن إبْراهيم الشَّافِعيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر عُمَر بن حَفْصٍ السَّدُوسِيّ، قال: المُعْتَضِد، أرْجَفَ النَّاس بمَوْتِه يَوْم الاثْنَين للنّصْف (a) من شَهْر رَبيع الآخر سَنَة تِسْعٍ وثَمانِيْن ومَائتَيْن، وذكر خاصَّتُه وقُوَّادُه أَنَّهُ لم يَمُتْ، وخُطِبَ له يَوْم الجُمعَة لعَشْرٍ بَقِينَ من هذا الشَّهْر، وأُخِذَتِ البَيْعَةُ بولَايَة العَهْد لعليّ بن المعتَضِد بالله ليلَة الثّلاثَاء، ودُفِنَ في دار مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر، وذكَروا أنَّهُ أوْصَى أنْ يُدْفنَ فيها، فكانَتْ ولَايتُهُ تِسْعَ سنين وتسْعَةَ أشْهُر وخَمْسة أيَّام.
(a) تاريخ بغداد: النصف.
_________
(1)
تاريخ بغداد 6: 83.
وأنْبَأنَا الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر
(1)
، قال: أخْبرَني أبوِ القَاسِم الأزْهَرىّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن إيْاهِيم، قال: حَدَّثَنَا إيْراهيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة، قال: تُوفِّي المُعْتَضِد يَوْم الاثْنَين لثمانٍ بقِينَ منِ شَهْر رَبيع الآخر سَنَة تِسْعٍ وثَمانِيْن ومَائتَيْن، ودُفِنَ في حُجْرة الرُّخَام فَي دار مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر، وصَلَّى عليه يُوسُفُ بن يَعْقُوبَ القَاضِي، وتولَّى أمْرهُ، فكانتَ خِلَافَتُه تِسْع سنين وتسْعَهَ أشْهُر وخَمْسة أيَّام.
أنَبَأنَا أبو اليُمْن، قال: أخْبَرَنا القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر
(2)
، قال: أنْبَأنَا إبْراهيم بن مَخْلَد، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْلِ بن عليّ، قال: تُوفِّي أَمِير المُؤمِنِين المُعْتَضِد بالله، وله من السِّنِّ خَمْس وأرْبَعُون سنَة وعَشَرة أشْهُر وأيَّام. وكان رَجُلًا أسْمَر، نَحِيْفَ الجِسْم، مُعْتَدلَ الخلَق، وقد وَخَطَهُ الشَّيْبُ، في مُقَدِّم لحيَتهِ طُولٌ، وفي مُقَدّم رَأسِه [شَامةٌ](a) بيضاءُ، هكذا رَأيتهُ في خِلَافَته إلَّا الشَّامة.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميُّ الحَلَبيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو شُجاعٍ عُمَر بن أبي الحَسَن البِسْطَامِيّ، قال: قرأتُ على أبي القَاسِم بن السَّمَرْقنديّ: أخْبرَكمُ أبو الحُسين بن النَّقُّور، وأبو مَنْصُور بن عَبْد البَاقِي بن مُحَمَّد بن غالب العَطَّار، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن المُخَلِّصُ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد عُبَيْدُ الله بن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن عِيسَى السُّكَّرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو يَعْلَى، قال: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بن يَحْيَى بن خَلَّاد المنْقَريّ، قال: حَدَّثَنَا الأصْمَعِيّ، ح.
قال أبو شُجاع البِسْطَامِيّ: ورأيتُ بخَطِّي أنَّ ابن السَّمَرْقنديّ رَوَاهُ عن عَبْد العَزِيْز بن عليّ ابن بنت الحَرْبِيّ، عن المخُلِّصِ، عن أبي أحْمَد بن المُهْتَدِي بالله، فاللهُ أعْلَمُ، قال: أخْبرَني أبو أحْمَد بن المُهْتَدي بالله قال: وقال المُعْتَضِدُ عند نُزُول المَوْت
(a) إضافة من تاريخ الخطيب البغدادي.
_________
(1)
تاريخ بغداد 6: 83.
(2)
تاريخ بغداد 6: 83.
به: اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَم أنّي أعْلَم أنَّ لك السَّمَوَات والأرْض وما بينهما فأسألُكَ أنْ تَغْفر لي. أخْبَرَنا أبو اليُمْن إذْنًا، قال: أخْبَرَنا القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بنُ عليّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عُمَر بن رَوْحٍ النَّهْرَوَانيّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن (a) أحْمَدُ بن جَعْفَر بن مُوسَى البرمَكيِّ المَعْرُوف بجَحْظَة، قال: قال: لي صافِي الحُرَمِيّ (b): لمَّا ماتَ المُعْتَضِد باللّهِ كَفَّنْتُه واللهِ في ثَوْبين قُوْهِيّ قيمتُهما ستَّة عَشر قِيْرَاطًا.
أحمدُ بن طُوْلُون، أبو العبَّاس
(3)
قيل إنَّهُ وَلِيَ حَلَب في سَنَة ستٍّ وخَمْسِين ومَائتَيْن، والّذي صَحَّ أنَّهُ وَلي
(a) الجريري: الحسين. والصواب هو المثبت كما هو في تاريخ بغداد.
(b) كذا جوده المؤلف، وجاء ضبطه في نشرة الخطيب البغدادي بفتحتين: الحَرَميّ.
_________
(1)
تاريخ بغداد 6: 83.
(2)
الجريري: الجليس الصالح 1: 423.
(3)
توفي سنة 270 هـ، ولابن طولون ذكْرٌ وأخبار مستفيضة في العديد من المصادر الأدبية والتاريخية، وألف فيه البلوي كتابًا عنوانه:"سيرة أحمد بن طولون"، وترجم له أيضًا: الكندي: ولاة مصر 234 - 258، 275، 283، تاريخ الطبري 9: 363، 381، 543 - 667، المسعودي: مروج الذهب 5: 120 - 121، ابن زبر الربعي: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 245، تاريخ ابن عساكر 71: 214 - 219، ابن الجوزي: المنتظم 12: 73، المغرب لابن سعيد 1: 73 - 133 (نفل فيها كتاب ابن الداية الذي ألفه في أحمد بن طولون)، ابن الأثير: الكامل، في مواضع كثيرة أبرزها 7: 187، 257، 305، 316 - 318، 324 - 325، 393 - 397، 408 - 409، زبدة الحلب 1: 83 - 87، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 16: 27 - 28، 58 - 63، 74 - 83، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1: 173 - 174، ابن شداد: الأعلاق الخطيرة 1/ 2: 64 - 65، أبو الفداء: اليواقيت والضرب 63 - 67، تاريخ الإِسلام 6: 267 - 269، سير أعلام النبلاء 13: 94 - 96، العبر في خبر من غبر 1: 388 - 389، الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي 119، الوافي بالوفيات 6: 430 - 433، 30: 114 - 115، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 45 - 47، تاريخ ابن الوردي 1: 348 - 360، ابن خلدون: العبر 6: 37 - 38، 53، 98 - 99، 126 - 129، 152 - 153، 158 - 159، 8: 15 - 32، نهاية الأرب 22: 332 - 338، المقريزي: المقفى الكبير 1: 417 - 452، المواعظ والاعتبار 3: 80 - 100، ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة 3: 1 - 49، حسن المحاضرة 1: 594 - 596، شذرات الذهب 3: 295 - 297، الطباخ: إعلام النبلاء 1: 192 - 201.
الثُّغُور الشَّامِيَّة في سَنَة اثْنَتَيْن وسِتِّين ومَائتَيْن، ثُمَّ وَلي حَلَب وقِنَّسْرِيْن والعَوَاصِم من جهة المُعْتَمد.
وكان أبو أحْمَد المُوَفَّق مُنْحَرفًا عنه، فلم يكُن له حِيْلةَ في دَفْعه عن ذلك، ولمَّا تمكَّن أبو أحْمَد المُوَفَّق اسْتَوْحَش أحْمَد بن طُوْلُون من جِهَته، وعَقَد مُوسَى بن بُغَا لسِيْما الطَّويل على أنْطَاكِيَة، فوصَل إليها، واسْتَولَى عليها وعلى حَلَب.
وعَصَى أحْمَد بن طُوْلُون على أبي أحْمَد المُوَفَّق، وأظْهَرَ خَلْعَهُ عن ولاية العَهْد، وأخَذَ خَطّ قُضَاهَ بلاده باسْتِحقاقه لذلك، ونَزل أحْمَد بن طُوْلُون إلى حَلَب، فانْحاز سِيْمَا إلى أنْطَاكِيَة، فكاتَبهُ أحْمَد بن طُوْلُون يَدْعُوه إلى الطَّاعَة، فامْتَنع، وكان أَحْمَد إذا لاينه الإنْسَان لم يرَ منه إلَّا خيرًا، ومَنْ خاشَنَهُ قاتَله، فحينئذ حَصَرهُ في أنْطَاكِيَهَ، ونصَب عليه المنجَنِيْقات، وكان سِيْما سَيء السِّيْرَة، فراسَل أهل أنْطَاكِيَة أحْمَد بن طُوْلُون، ودَلُّوه على مَوضع فتح منه الحِصْن، فرَكِبَ سِيْمَا وقاتل حتَّى قُتِلَ وأُتي برأسه إلى أحمد، فقال أحْمَد: أمَا إنِّي كُنتُ أُحِبُّ لك غير هذا فأبيتَ، فأنا بريء من دَمك، وقد كان بينهما قبل ذلك مُرَافَقة ومُصَادقة، وكان ابن طُوْلُون راضيًا منهُ بإقامة الدَّعْوَة له فأبَى، وكان آخر قوله له: لأنْ يَلْعبَ الصِّبْيَانُ برأسي يا أحْمَدُ آثر عندي من أنْ تَلْعَب أنتَ به.
واسْتَولَى أحْمَد بن طُوْلُونَ على الشَّام جَميْعه، وجَبَى أمْواله، ولم يَحْمل شيئًا إلى المُعْتَمد، وقَطَعَ السَّبِيْل عن بَغْدَاد، وحالَ بين التُّجَّار وبين النُّفُوذ من مِصْر والشَّام إلى بَغْدَاد، ووَكَّلَ بالطُّرُق، ومنع مَنْ في ناحيته أنْ يكاتُبِوا أحدًا من أهل الأمْصَار، ومَنعَ حَمْل مال الخَرَاج بمِصْر والشَّام وقِنَّسْرِيْن والعَوَاصِم، ولُعِنَ ابن طُوْلُون على مَنَابرِ بَغْدَاد ومَكَّة.
ووَلَّى أحْمَد بن طُوْلُون حَلَب غُلَامَهُ لؤلُؤ، وكاتَبهُ أبو أحْمَد المُوَفَّق حتَّى
عاثَ على مَوْلاهُ، وجَبَى الخَرَاج لنفسِه، ومَضَى إلى أبي أحْمَد المُوَفَّق على ما نَذْكره في تَرْجَمَةِ لؤلُؤ
(1)
إنْ شَاءَ اللهُ.
وكان أحْمَد بن طُولُون من مَوَالِي بني العبَّاس وقُوَّادهِم، وأُولي النَّجْدَة والبَأْس والشَّجَاعَة، وله معْرُوف كَثِيْر، وبن بمِصْر الجامع المَعْرُوف به، وبَنَي مَصَانِع كَثِيْرة ومَرَافِق للمُسْلمِين.
ونَقَلْتُ من خَطِّ صالح بن إبْراهيمِ بن رِشْدِين المِصْرِيّ في مجمُوعهِ: وُلد أبو العبَّاسِ أحْمَد بن طُوْلُون في سَنَة اثْنَتي عَشرة ومَائتَيْن، ومات في ذي القَعْدَة سَنَة سبْعين ومَائتَيْن.
وقَرَأتُ في كتاب أبي القَاسِم يَحْيَى بن عليّ الحَضْرَميّ
(2)
، الّذي ذَيَّلَ به تاريخ أبي سَعيد بن يُونُس، قال في ذِكْر الغُرَبَاء ممَّن دَخَل مِصْر: أحْمَد بن طُوْلُون، يُكْنَى أبا العبَّاس، قَدمَ وَاليًا على مِصْر، حُكيِ عنه حكايات، قال لي ابنِ رشِيْق: قال لي عَدْنَان بن أَحْمَد بن طُوْلُون: دَخَلَ والدُنا أحْمَد بن طُوْلُون رحمه الله مصِر، ويُكْنَى أبا العبَّاس، في شَهْر رَمَضَان لأرْبَع عَشرِة لَيْلَة خَلَتْ منه، سَنَة أَرْبَعٍ وخَمْسِين ومَائتَيْن، دَخَل مِصْر وله اثْنان وثلاثون سَنةً، وأقام بها ستّ عَشْرة سَنةً، وتُوفِّيَ سَنَةَ سَبْعين ومَائتَيْن، ومَبْلغ سِنِّه ثمان وأرْبَعُون سنةً.
قُلتُ: فُمقْتَضَى قول عَدْنَان يكون مَوْلد أحْمَد أبيه في سَنة اثْنَتَيْن وعشرين ومَائتَيْن، واللهُ أعْلَمُ.
أنْبَأنَا المُؤيَّد بن مُحَمَّد بن عليّ، قال: كَتَبَ إلينا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عليّ العُظَيْميّ
(3)
وذكَر أنَّ أحْمَد بن طُوْلُون مَلَكَ حَلَب في سَنَة ستٍّ وخَمْسِين ومَائتَيْن.
أخْبَرَنا عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبرزَد كتابةً، عن أبي غَالِب بن البنَاء، قال: أخْبَرَنا
(1)
ترجمته في الضائع من أجزاء الكتاب.
(2)
تقدم التعريف بالكتاب فيما مرّ من هذا الجزء.
(3)
العظيمي: تاريخ حلب 262.
أبو غَالِب بن بِشْرَان إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المَرَاعِيشِيّ، وأبو العَلَاءَ الوَاسِطِيِّ، قالا: أخْبَرَنا إبْراهيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة، قال: وفي هذه السَّنَة -يعني سَنَة أرْبَعٍ وخَمْسِين ومَائتَيْن- وُلي أحْمَد بن طُوْلُون مِصْرَ خلَيفَةً لِبَابِيَاكَ (a) مكان مُزَاحِم بن خَاقَان، فأخْبَرَني مَنْ رأى أحْمَد بن إِسْرائيل خارجًا من دار السُّلْطان وهوِ يَقول: إنَّ أَمِير المُؤمِنِين قد أمَرَ بتوليةِ ابن طُوْلُون مِصْر، وعليها وعليه السَّلام، فلم يَزَل عليها هو ووَلده إلى أنْ افْتَتَحها مُحَمَّد بن سُلَيمان.
وقال: ثمّ دَخَلَت سَنَة اثْنَتَيْن وسِتِّين ومَائتَيْن، فذَكَرَ فيها حَوَادث، ثمّ قال: ووُلي أحْمَد بن طُوْلُونَ الثُّغُور الشَّامِيَّة على أنْ يَحْمل في كُلِّ سَنَة أربعمائة ألف دِيْنار.
وقال في سَنَة أرْبَعٍ وسِتِّين ومَائتَيْن: وولي ابن طُوْلُون أجناد الشَّام وقِنَّسْرِيْن والعَوَاصم والثُّغُور.
وقال في سَنَة خَمْسٍ وسِتِّين ومَائتَيْن: وقَتَلَ ابنُ طُوْلُون سيِمْا الطَّويل. وقال فيها: ويُقالُ إنَّهُ ماتَ في مَحَابسِ ابن طُوْلُون ثمانية عَشر ألْفًا.
وقال في سَنَة تِسْعٍ وسِتِّين: لَعَنَ المُعْتَمدُ ابنَ طُوْلُونَ في دار العامِّة، وأمرَ بلَعْنه، وعَقَد لإسْحاق بن كُنْدَاج (b) على أعْمَال ابن طُوْلُون. قال: ولُعِنَ بمَكَّة.
وقال: وفي هذه السَّنَة بَنَي أحْمَدُ بن طُوْلُون أرْبَعَة أرْوقَةٍ على قَبر مُعاوِيَة بن
(a) هكذا كتبه ابن العديم مجوَّدًا، وعند ابن الأثير (الكامل 7: 186 - 232): بابكيال، وهو في أغلب المصادر: بايكباك، كما هو عند الطبري (تاريخ 9: 381) والمسعودي (مروج الذهب 5: 93 - 96) والتوحيدي (البصائر والذخائر 1: 98)، وابن حمدون (التذكرة الحمدونية 1: 433)، والمقريزي (المقفى الكبير 1: 419)، وقيده ابن خلدون في أصول العبر على وجوه مختلفة: باكلباك، بابكياك، بابلياك، انظر العبر 6: 21، 32 - 37، وارتضى محقق هذا الجزء من العبر اعتماد رسم: باكباك.
(b) الضبط من شعر للبحتري يذكره فيه (ديوانه 1: 412، 2: 976)، ويرد فيما بعد على هذا الوجه، أو: كنداجيق، وله ترجمة تأتي في الجزء الثالث من الكتاب.
أبي سُفْيان وأمَرَ أنْ يُسْرج هُنالكَ، وأجْلَسَ أقْوَامًا معهُم المَصَاحِف يَقُرأون القُرْآن.
أنْبَأنَا أبو رَوْح الهَرَويّ، عن زَاهِر بن طَاهِر، عن أبي القَاسِم البُنْدَار، عن أبي أحْمَد المُقرِئ، عن أبي بَكْر الصُّوْلِيّ، قال في سَنَة اثْنتَيْن وسِتِّين ومَائتَيْن: وولي أحْمَد بن طُوْلُونَ الثُّغُور الشَّامِيَّة إلى ما كان يلى من مِصْر، وفُوْرق على أنْ يُوجِّه في كُلِّ سَنَة بأرْبَعمائة ألف دِيْنارٍ.
وقال الصُّوْلِيّ في سَنَة خَمْسٍ وسِتِّين ومَائتَيْن: وجاء أحْمَد بن طُوْلُون إلى أنْطَاكِيَة فافْتَتَحها وقَتَلَ سِيْما الطَّويل، وكان بها.
وقال في سَنَة تِسْعٍ وسِتِّين: ورَكِبَ المُعْتَمدُ يَوْم الجُمُعَة فصَار إلى دار العامَّة، وأحْضَر النَّاس، فلَعَن ابن طُوْلُون، وصَلَّى بالنَّاس المُفَوَّض ولَعَنَهُ، وعَقَد لإسْحاق على أعْمَالهِ.
وقال في سَنَة سَبْعين: ووَرَدَ الخَبَرُ أنَّ ابنَ طُوْلُونَ أمرَ فبُنيَتْ أرْوقَة عند قَبْر مُعاوِيَة، وأجْلَسَ رجالًا يقرأونَ في المَصَاحِف عنده.
قُلتُ: إنَّما فَعَل ابن طُوْلُون هذا مُعَاندةً لبني العبَّاس وأبي أحْمَد المُوَفَّق، حين لُعِنَ على المَنَابِر وبمَكَّة وامْتَنع من حَمْل الخَرَاج.
قَرَأتُ في كتاب أبي القَاسِم يَحْيَى بن عليّ الحَضْرَميّ، الّذي ذَيَّلَ به تاريخ ابن يُونُس: حَدَّثَنَا ابن رَشِيْق، قال: حَدَّثَنَا سَعيدُ بن هاشِم الطَّبَرَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد الطَّبَرَانِيّ، قال: حَدَّثَني أبي، قال: كنتُ جالِسًا عند أحْمَد بن طُوْلُونَ ذات يَوْم فدَعَا برَجُل، فأُدْخل إليهِ فناظرَهُ، ثمّ قال لحَاجِبٍ من حُجَّابِه: خُذْ هذا فاضْرب عُنُقَه وأتِني برأسهِ، فأخذَهُ ومَضَى بهِ، فأقام طَويلًا ثمّ أتى وليسَ معَهُ شيء، فقال له أحْمَد بن طُوْلُون: ما قصَّتُكَ؟ وماذا فعلتَ؟ فقال:
أيُّها الأمِيرُ، الأمان، قال: لك الأمان، قال: مضيْتُ بالرَّجُل لأضْربَ عنُقَه فجُزْتُ ببَيْتٍ خَالٍ، فقال لي: ائذن لي أدخُل هذا البَيْت فأُصَلِّى فيه رَكْعَتين، فاسْتَحْيَيتُ من الله عز وجل أنْ أمْنَعَهُ من ذلك فأذنْتُ له، فدَخَل فأطال، فدخَلْتُ إلى البَيْت فلم أجِد فيهِ أحدًا وليس في البَيْت طاق نافذٌ، فجئْتُ لأُخْبركَ بذلك. قال: فقال له: فهل سمعتهُ يقُول شيئًا؟ قال: نعم، قال: ماذا سَمِعته يقول؟ قال: سمعتُهُ قد رفَع يدَيهِ وهو يُشِيرُ بإصْبَعَيْهِ وهو يَقُول: يا لَطِيْف لِمَا يَشاء، يا فَعَّال لِمَا يُريد، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وآلهِ، والْطُف لىِ في هذه السَّاعَة، وخَلِّصني من يَدِيه، فدخلْتُ البَيْت بعدَ هذا أطلُبُه فلم أجد فيهِ أحدًا، فقال له أحْمَد بن طُوْلُون: صَدَقْتَ هذه دَعْوَةٌ مُسْتَجابة.
وقال الحَضْرَميُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن يَحْيَى يقُولُ: سَمِعْتُ أبا يَعْقُوب بن صَيْغُون؛ الرَّجُل الصَّالح، يقُول: كان لي صَدِيقٌ بالمَعَافِر من خِيَارِ المُسْلمِيْنَ، فَقِيْر كان له أرْبع بناتٍ، فجَمَعْن من غَزْلهنَّ أحد عَشر دِيْنارًا اشْتَرين جَارِيَةً أعْجَميَّة تَسْتَقي لهم من العُيُون والمَصَانِع بالمَعَافِر، وتخبز الخُبْز وتَخْدمهم، فهَرَبت منهنَّ في بعض الأيَّام، فأخذَها أصْحَابُ المصالح في بني وَائِل، فجئتُ فأخْبرنني بذلك، فجئتُ إلى أصْحَاب المصَالح فكلَّمتُهم، فقالوا: لا نَدْفعُها إلَّا بأرْبعة دَنَانِيْر، فخاطبتُ البَنات، فأخْرَجنَ إليَّ أربعة أزْواج حَلَق في كُلِّ زَوْج نصف دِيْنارٍ، فجئتُ إلى أصْحَاب المصَالح، فقالوا: لا نأخُذُ إلَّا أربعة دَنَانِيْر، فانصرفْتُ آخرَ النَّهَار إلى بِرْكَةِ المَعَافِر وقد دَخَلها الماء، فجلسْتُ على حَجَر على الماءَ، وقلعْتُ نَعْلي وجَعَلتُ الحَلَق عليها، فبينا أنا مَهمُومٌ إذ برَجُلٍ على بَغْل قد وقفَ بي، ونَزل فجلَسَ إلى جانبي وقلَبَ العنان وأمْسَكه بيَده وحَادَثني، واستَخْبرنى عن مَسْكني ومَوضِعي واسْتَوْصَف مَنْرِلي، إلى أنْ سَألَني عن سِيْرَة الوالي، فأخْبرتُه أنَّ له مَعْرُوفًا، وقد عَمِل هذه المَصَانِع للماء والمَارَسْتَان، وبَنَى الجامعَ، وحبَّسَ عليها الأحْبَاس، إلى أن سألني عن تلك الحَلَق الّتي رآها على النَّعْل، فأخْبرتُهُ الخَبَرَ،
فقال لي: أنْتَ تَصِفُ الرَّجُل بالعَدْل ويَسْتَعمل من هؤلاء القَوْم مَنْ يَفْعَلُ هذا الفعْلَ؟ فقُلتُ: لا عِلْم له (a) بفعلِهم، وحَضَرت صَلاةُ المَغْرب، فقال لي: تقدَّم وصَلِّ بي، ووقفَ على يَمِيْني فصلَّيْتُ به المَغْرب، ثمّ فَرغ ورَكعَ، ورَكِبَ بَغْلةً وأخَذَ على المَقَابِر على الصَّحْرَاءَ، وانْصَرفت إلى مَنْزلي، فإنِّي لجالِسٌ على إفْطاري إذ سَمِعْنا على الباب جَلَبَةً، فاطَّلَعت إحْدى البنات فقالت لي: يا أبَت، على البابِ قَوْمٌ من أصْحَاب السُّلْطان فنَزَلْتُ فإذا صَاحِبُ الشُّرْطَةِ سَرِيٌّ، فحملَني على بَغْلٍ، وأخَذَ بي على الصَّحْرَاء إلى جَبَل، فإذا جَمِعٌ وإذا بصَاحبي جالسٌ وبينَ يَدَيْهِ شَمْعٌ، فقال لي: عندي يا إمَامي، السَّاعَة صلَّيت المَغْرب، ثمّ قال: يا سَرِيّ ما يقْدِر لي أبو أحْمَد المُوَفَّق على مثل ما كدتني به أنتَ، أبو أحْمَد يَلْقَاني برجالٍ، وألْقاهُ برجالٍ، وبكُرَاع وسلاحٍ وعُدَّة، وألقاهُ بمثلها، أبو أحْمَد لا يَقْدر يوقفُ لي اللَّيْلة مثل هذا الرَّجُل المَسْتُور في اللَّيْلِ وخَلْفه أرْبَعُ بناتٍ مَظْلُومات يَرْفعُونَ أيديَهم إلى الله، هذا يُهلكني.
قال: ثمّ الْتفَتَ إليَّ فقال: أنْشُدك الله إنْ دعوتَ عليَّ، ثمّ قال: يا سوَار، أحضرْ ما قلْتُ لكَ، فأحْضَر أربَعَ صُرَر وأربع رزَم ثياب، وقال لي: يا شَيْخُ، ادْفَع الصُّرَر إلى أصْحَاب الحَلَق، إلى كُلِّ واحدةٍ مائة دِيْنار ورزمَة من الثِّيَابِ يَكْتَسِيْنَها، وهذه ثلاثون دِيْنارًا ابَتعْ بها جَارِبَةً مَشْهُورةً مَخْبُورةً، وبيعُوا هذه الجَارِيَة الّتي باتَتْ بحيث لا يَصْلح (b). أجْرَيتُ عليكَ وعلى بناتِك خمسَةَ دَنَانِيْر في كُلِّ شهرٍ لكُلِّ نَفْسٍ منكم دِيْنار، ومائدة طَعَامٍ يَوْم الاثْنَين، ومائدة يَوْم الخَمِيْس، ولا تَدْعُو عليَّ، وانْصَرَف.
وقال الحَضْرَميُّ: حَدَّثنا مُحَمَّد بن الحَسَن بن عليّ بن مُحَمَّد بن يَحْيَى، قال: حَدَّثَني أبو إسْحاق بن الطَّبِيْب، قال: رَكِبَ أحْمَد بن طُوْلُون إلى الجامع في جَيْشهِ
(a) في الأصل: لي، وصوَّبه المؤلف في الهامش بالمثبت.
(b) كذا في الأصل بالياء في أولها.
ورجَّالته، فاجْتازَ بالمَوْقف، وكان في المَوْقف دُكَّان فُقّاعِيّ، فعَبَثَ السُّوْدان بالفُقّاعِ فبدَّدُوه في مَسِيْرهم، ثمّ جاء أحْمَدُ بن طُوْلُون وقد انْكَشف له الأرْض، فرَأى الفُقّاع مُبَدَّدًا، وكان بينَ يَديْهِ ابْنَاه العبَّاسُ وخُمَارَوَيْه يحجُبَانهِ، فنَرلا، فرأيتُهما يجمَعان الفُقّاع من الأرْض، ويَرُدَّانه إلى دُكَّان الفُقّاعِيّ حتَّى بقيَت واحدة على بُعْد، فأَوْمَى بإصْبَعهِ إليها، فرأيتُهما قد علَّقا سَيْفَي ذَهَبٍ بأيدِيْهما وجَرَيا إليها حتَّى أخذَها أحدُهُما ورَدَّها إلى دُكَّان الفُقّاعِيّ، فحينئذٍ سَارَ الأَمِير أحْمَدُ بن طُوْلُون.
قَرَأتُ في كتاب نُزْهَة عُيُون المُشْتاقِيْن
(1)
، تأليفُ أبي الغَنائِم عبد الله بن الحَسَن النَّسَّابَة، قال: وحَدَّثَني فَخْر الدَّوْلَة نَقِيبُ نُقَبَاء الطَّالِبيّينَ قال: حَدَّثُوني عن أحْمَد بن طَيْلُونَ (a) أنَّهُ أرادَ أنْ يَرْفع المُكُوس الّتي على النَّاس بمِصْر، فقال لوَزِيره: أبْصر كَم مَبْلغ المُكُوس؟ فقال: مبْلَغها مائة ألف دِيْنارٍ في كُلِّ سَنةٍ، فقال له: أُريدُ أنْ أرفَعَها عن النَّاس، فقال له الوَزِيرُ: لا تَفْعَل أيُّها الأَمِيرُ، فإنَّكَ إنْ حَطَطتها ضَاقَ عليك المال، وطالبَك الرِّجَال، فتقْصر يدُكَ عن مالهم ويكُون ذلك فَسَاد، فثَنَى عزمَهُ عن حَطِّها.
قال: فلمَّا كان عَشِيَّة ذلك اليَوْم، رأى أحْمَد بنُ طَيْلُون الأَمِير في النَّوْم كأنَّ قَائلًا يقُول لهُ: يا فُلَان، رجع بدا لك (b) ممَّا هممتَ بهِ من حَطَّ المُكُوس عن النَّاسِ، لو كُنْتَ تركتُهُ لله عز وجل، لكان عَوَّضَكَ خَيْرًا ممَّا تركْتَ، فانتَبَه. فقال: والله لا أخَذتُها لقاءَ اللّه عز وجل، ثمّ أمَرَ فَحُطَّت عن النَّاس بأسْرِهَا.
قال: ثمّ بقي مُدَّةً يَسِيْرةً، ورَكِبَ حتَّى أتَى إلى سَفْح الجَبَل فوقعَتْ رِجْلُ الفَرَس في مثل الخوَار من الأرْض، فنظَروا، فإذا هو كَنْز فيه أَلْفُ ألْفِ
(a) أثبته ابن العديم كما وجده في الأصل، وجوَّده، وكتب فوقه "كذا"، وقال في آخر النقل أن هذا من كلام العوام.
(b) كذا في الأصل.
_________
(1)
تقدم التعريف بالكتاب في هذا الجزء.
دِيْنارٍ، فأخذَها وبَنَي منها مَسْجِد ابن طَيْلُون بمِصْر، ووجَّهَ إلى الثُّغُور بأرْبعمائة أَلف دِيْنار، واسْتَقلَّ ببَقِيَّةِ المالِ، ولم يأخُذ المُكُوس أيَّام حياتهِ.
هكذا قال: ابن طَيْلُون؛ وهى لغَة العَوَام، وقد كان أبو الغَنائِم الزَّيْدِيّ يَقَعُ في ذلك كَثيرًا، وكان لَحَّانًا (a).
نَقَلْتُ من خَطِّ أبي الحُسَين عليّ بن المُهَذَّب بن أبي حَامِدٍ المَعَرِّيّ، في تَعْلِيق له، حَمَلَهُ إليَّ بعضُ عَقِبهِ في التَّاريخ: سَنَة سبعين ومَائتَيْن، وفيها تُوفِّي أحْمَد بن طُوْلُون في ذي القَعْدَة، وقام مكانه ابنه خُمَارَوَيْه.
ونَقَلْتُ من تاريخ مِصْر وذِكْر وُلاتها، تَصْنِيفُ أبي بَكْر عُبَيْد اللّه بن مُحَمَّد بن سَعيد بن أبي مَرْيَم، قال: وفي سَنَة أرْبَعٍ وخَمْسِين ومَائتَيْن ولي أحْمَد بن طُوْلُون مَوْلَى أَمِير المُؤمِنِين.
وقال: في سَنَة تِسْعٍ: ابن طُوْلُون على حاله على الصَّلاة، وابن المُدَبِّر على الخَرَاج، وفيها تُوفِّي المُهْتَدي، وبُوْيِعَ للمُعْتَمد.
قال: وفي سَنَة ستِّين ومَائتَيْن: أحْمَد بن طُوْلُونَ على الصَّلاة إلى سنَة سَبْعين ومَائتَيْن، وفيها تُوفِّي أحْمَد بن طُوْلُون لعَشر ليالٍ خَلَتْ من ذي القَعْدَة.
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبرْزَد، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، عن أبي غَالِب بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المَرَاعِشِيّ وأبو العَلَاء الوَاسِطِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه نِفْطَوَيْه، قال: وشَخَصَ ابنُ طُوْلُون من دِمَشْق، ووَافَى المُعْتَمد مَدِينَة السَّلام، فلَعَنَ بها ابن طُوْلُون، ثمّ وَرَدَ الخَبَرُ بوَفَاة ابن طُوْلُون بعدَ أيَّام.
أنْبَأنَا ابن المُقَيِّر، عن ابن نَاصِر، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم البُنْدَار، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد المُقْرِئ إذْنًا، عن أبي بَكْر الصُّوْلِيّ، قال: سنَة سَبْعين ومَائتَيْن قال: ووَافَى
(a) بعده في الأصل بياض قدر ثلثي الصفحة.
إسْحاق بن كُنْدَاج لليلَتَيْن خَلَتا من جُمَادَى الآخرة فخلع عليه خلعَة فيها سَيْفان مُحلَّيان وعُقِدَ له على المَغْرب، فشَخَصَ إلى سُرَّ مَنْ رَأى من يَوْمه لأنَّهُ اتَّصَل بهِ مَصِير ابن أبي السَّاج إلى عَانَة وأنَّهُ دَعا بالرَّحْبَة لابن طُوْلُون، وأنَّ أحْمَد بن مالك بن طَوْق دعا لابن طُوْلُون بقَرْقِيسِيا، وكذلك ابن صَفْوَان العُقَيْلِيِّ.
قال: وانْصَرفَ ابنُ طُوْلُونَ من دِمَشْق وهو شَدِيد العِلَّة إلى مِصْر، وانْصَرف أصْحَابُه عن الرَّحْبَة وقَرْقِيْسِيَاء، ورَجَع ابن أبي السَّاج إلى قَرْقِيسياء، فخَرَجَ المُعْتَمدُ يُريدُ بَغْدَاد، وأمَرَ بلَعْن ابن طُوْلُون على المَنَابِر، ووَرَدَ الخَبَر يَوْم السَّبْت لستٍّ خَلَوْنَ من ذِي الحِجِّة بمَوْت أحْمَدَ بن طُوْلُون، تُوفِّي بمَدِينة مِصْر.
قال الصُّوْلِيّ: وفيها مات أحْمَد بن طُوْلُون والحُسَين بن زَيْد لعَشْرٍ خَلَوْنَ من ذي القَعْدَة.
قَرَأتُ في سِيْرة أحْمَد بن طُوْلُون من تأليف ابن زُوْلَاق المِصْرِيّ
(1)
، قال في آخرها: ورآه عبدُ اللّه بن القَاسِم، وكانَ من أصْحَاب سِيْما الطَّويل، قال: رأيتُ فيما يرى النَّائم كأنَّ سِيْما الطَّويل مُتَعلِّق بأحْمد بن طُوْلُون على باب مَسْجِد، وهو يَصِيح بأعْلَى صَوْته: يا رسُول اللّهِ، أَعْدِني على أحْمَد بن طُوْلُون فإنَّهُ قَتَلني واصْطَفى ما ملكتُ، وأسْرَع في أهْلي ووَلدِي، فصَاح به صَائحٌ: كذبتَ يا سِيْما، ما قَتَلك أحْمَدُ، بل قَتلك عجيجُ شِمْل التَّاجِر الّذي ظَنَنْتَ أنَّ عندَهُ مَالًا فضَرَبْتَهُ حتَّى أشْرَفَ على الهَلَكَة، ثمّ دخَّنْتَ عليهِ حتَّى ماتَ في التَّدْخين، أنْتَ وأحمَدُ خاطِئَان إلَّا أنَّ أخَفَّكُما وِزْرًا أحْسَنكما سِيْرةً، وأكْثركما مَعْرُوفًا أقْربكُما من المَغْفِرَة.
(1)
لم يرد اسم هذا الكتاب ضمن مؤلفات ابن زولاق: الحسن بن إبراهيم (ت 387 هـ) التي عددها ابن الساي في كتابه الدر الثمين 317 - 318، وسبط ابن الجوزي في مرآة الزمان 18: 94، وذكره السخاوي دون تفصيل: الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ 183. ونقل ابن العديم عن هذا الكتاب في موضع آخر في ترجمة البالسي الضرير (الجزء العاشر).
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّازُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا الحُسَين بن مُحَمَّد بن الحَسَن المُؤدِّبُ، قال: أخْبَرَنا إبْراهيمُ بنُ عبد اللّه المالِكِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّدُ بن عليّ بن سَيْفٍ العَنَزِيّ، قال: سَمِعْتُ أَبا عبد اللَّه الحسُين بن أحْمَدَ المُنَجِّم النَّدِيْم، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن عليّ المَادَرَائيَّ، قال: كنتُ اجْتازُ بتُرْبَةِ أحْمَد بن طُوْلُون، فأرَى شَيْخًا عندَ قَبْره يَقْرأُ مُلَازِمًا للقَبْر، ثمّ إنِّي لم أرَهُ مُدَّةً، ثمّ رأيتُه بعدَ ذلك، فقُلتُ لَهُ: ألسْتَ الّذي كنْتُ أراكَ عند قَبر أحْمَد بن طُوْلُونَ وأنتَ تقرأ عليه؟ فقال: بَلَى، كان قد وَلِينا رئاسةً في هذا البَلَد، وكان له علينا بعضُ العَدْل إنْ لم يَكُن الكُلّ، فأحبَبْتُ أنْ أقرأ عندهُ وأصِلَهُ بالقُرآن، قلت له: لم انقطعْتَ عنه؟ فقال لي: رَأيتُهُ في النَّوْم وهو يَقُول لي: أُحِبُّ أنْ لا تَقْرأ عندي، فكأنِّي أقُول له: لأيّ سَبَبٍ؟ فقال: ما تَمُرّ بي آيةٌ إلَّا قُرِّعْتُ بها، وقيل لي: ما سَمعْتَ هذه؟.
أحْمدُ بن الطَّيِّب بِن مَرْوَان الخُرَاسَانيّ السَّرْخَسِيّ، ويُعْرَفُ بابن الفُرَانِقِيّ
(2)
حَدَّثَ عن أبي عبد اللّهِ أحْمَد بن حَمْدُوِن بن إسْمَاعِيْل النَّدِيْم، وابن حَبِيْب، وعُمَر بن شَبَّة، وأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن مُوسى، ومُحَمَّد بن يَزِيد الثُّمَالِيّ،
(1)
تاريخ بغداد 4: 138 - 139.
(2)
توفي سنة 286 هـ، وترجمته عند: المسعودي: مروج الذهب 1: 241، 2: 40، 5: 161، التنبيه والإشراف 6، 51، 60، 75 وما بعدها، ونقل عنه المسعودي في العديد من المواضع وأثنى عليه، النديم: الفهرست 1/ 2: 459، 2/ 1: 195 - 197، الثعالبي: برد الأكباد 35، 53، ياقوت: معجم الأدباء 1: 287 - 292، القفطي: تاريخ الحكماء 77 - 78، ابن الساعي: الدر الثمين في أسماء المصنفين 263 - 264، ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء 293 - 295، ابن العبري: تاريخ مختصر الدول 266 - 267، تاريخ الإسلام 6: 857 - 859، سير أعلام النبلاء 13: 448 - 449، ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار 9: 30 - 34، والصفدي: الوافي بالوفيات 7: 5 - 8، لسان الميزان 1: 189 - 190.
وعبد اللّه بن هارُون الوَاثق ابن المُعْتَصِم، وأبي الخَطّاب بن محمّد بن الحُسَين بن الحَسَن بن عِمْران الطَّائيّ، وأبي عبد اللّه الحسُين بن عليّ بن طَاهِر ذي اليميْنيَنِ، ويَعْقُوب بن إسْحاق الكِنْدِيّ.
رَوَى عنهُ أبو حَامِد أحْمَد بن جَعْفَر الأشْعَرِيّ، وأحمد بن إسْحاق بن إبْراهيم الملحَميّ، وجَحْظَة البرمَكيِّ، والحَسَن بن عليّ الخفَاف، والحَسَن بن مُحَمَّد الأمَوِيّ عَمّ أبي الفَرَج الأصْبَهَانِيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن أبي الأزْهَر، وأبو عليّ المحسِّن بن عليّ بن مُحَمّد التَّنُوِخيّ.
وقَدِمَ حَلَب صحبَة أبي العبَّاس المُعْتَضِد حينَ قَدِمها في حياة أبيهِ لمحارَبة خُمَارَوَيْه بن أحْمَد بن طُوْلُون في سَنَة إحْدَى وِسِبعِنِ ومَائتيْن، ووَقفتُ على نسخة ذِكْر مَسِير أبي العبَّاس لهذه الوَقْعَة منذ خَرج من بَغْدَاد إلى أنْ عاد إليها، في كتاب سِيْرَة المُعْتَضِد تأليف سِنَان بن ثَابِت، وذكَرَ أنَّهُ نقَلَهُ من خَطِّ أحْمَد بن الطَّيِّب، وذكَرَ فيه دُخُوله حَلَب، وذَكَر صفَة المَدِينة وتَسْميَة أبْوَابها وصفَة قلعتها، وقد ذَكَرنا في صدْرِ كتَابنِا شيئاً ممَّا نَقلَهُ عنه
(1)
، وكان أحْمَد بن الطَّيّب نَدِيْماً للمعْتَضِد وخَصِيْصًا به قبل الخِلَافَة وبعدَها، ثمّ غَضِب عليه لأُمُور نَذَكرُها إنْ شَاءَ اللّهُ، فقَتَله.
أخْبَرَنا أبو الفَضْل ذَاكِر بن إسْحاق بن مُحمَّد الهَمَذَانيّ بالقَاهِرَة المُعزِّية، قال: أخْبَرَنا أبو سَهْل عَبْدُ السَّلام الهَمَذَانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور شَهرَدَار بن شيْرَوُيه بن شهرَدَار الدَّيْلميّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عُمَر البَيّعُ، قال: أخْبَرَنا أبَو غَانِم حُمَيْد بن المأمُون، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عبد الرَّحْمن الشِّيْرَازيّ أبو بَكْر (a)، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاسِ أحْمَدُ بنُ عبد الرَّحْمن الأسَدِيُّ، قال: حَدَّثَنَا
(a) كذا في الأصل تكرار الكنية.
_________
(1)
تقدم النقل عنه في كثير من المواضع في الجزء الأول من الكتاب.
أبو حَامِد أحْمَد بن جَعْفَر الأشْعَرِيّ، قال: حَدَّثنا أحْمَد بن الطَّيِّب بن مروَان السَّرْخَسِيّ، وأدْخلنىِ عليهِ أبو الحَسَن الكُرْدِيّ، قال: حَدَّثني أبو عَبْد اللّهِ مُحَمّد (a) بن حَمْدُون بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثنا أبي، عن المعتَصم، قال: سَمعْتُ المأْمُون يُحَدِّثُ عن الرَّشِيْدِ، عن المَهْدِيّ، عن المنصُور، عنَ محمَّد بن عليَّ بن عبد اللّه، عن عبد اللّهِ بن عبَّاسٍ، عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال
(1)
: لا تَحْتَجموا يَوْم الخَمِيْس، فمَن احْتَجَم يَوْم الخَمِيْس فناله مَكْروهٌ فلا يَلُوم إلَّا نفسَهُ.
قال أحْمَد بن الطَّيِّب: فذكَرتُ هذا الحَدِيْثَ لعبْد اللّه ابن الوَاثق أبي القَاسِم، فقال: سَمِعْتُ أبي الواثِق يُحَدِّثُ به عن المُعْتَصِم بهذا الإسْنَاد.
هكذا جاء في هذه الرِّوَايَة قال: حَدَّثني أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن حَمْدُون، والمعرُوف أبو عَبْد اللّه أحْمَدُ بن حَمْدُون، وقد تَقَدَّمَ ذِكْرهُ
(2)
.
وَقع إليَّ كتاب صَنَّفَهُ أحْمَد بن الطَّيِّب السَّرْخَسِيّ، ووَسَمَهُ بزاد المُسَافِر، ذكَرَ فيه وصيَّة المُسَافِر وخِدْمَة المُلُوك، وهو كتاب كتبَهُ إلى بعض إخْوانه وقد أراد سَفَراً لخِدْمَة بعض المُلُوك، فوَجَدتُه كتاباً حَسَناً، جَامِعًا لوَصَايَا نَافِعة، من كلامِهِ وكلام غيره، فمَّا قَرأتُ فيه من الوَصَايَا البالغة من كلام أحْمَد بن الطَّيِّب قوله: إنَّ أوَّل ما أوْصيكَ به، وأحثّكَ عليه، وأراهُ عزًّا وسَعَةً وغُنْماً وفائدةً وأُنساً وكَثْرةً وحِصْناً وجنَّةً ونبلًا ورئاسةً، اسْتِشْعار تَقَوَى اللّه وخشيَتهِ والحَذَر منهُ في حَالاتك كلّها، فإنَّهُ لا يَخافُ مَنْ خَافه، ولا يأمن مَنْ عَصَاه. يتفرَّق الأعْوانُ، وينسَى الإخْوَان، ويَنْأى الجيِرانُ، ويَجُور السُّلْطانُ، واللهُ
(a) فوقها في الأصل: "ص"، وعلَّق عليه بعد انتهاء النقل.
_________
(1)
أبو شجاع الديلمي: الفردوس 5: 42 (رقم 7403)، المتقي الهندي: كنز العمال 10: 18 (رقم 28158)، ورواه المنذري في كتاب الترغيب والترهيب 4: 316 من حديث معمر، وفيه:"من احتجم يوم الأربعاء أو يوم السبت، فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه".
(2)
فيما مرَّ من هذا الجزء.
مَوجُودٌ بكُلِّ مكان لمَن أيْقَن ألا حَوْل ولا قُوِّة إلِّا بهِ. فاجْعَل الثِّقَة باللّهِ مُعوَّلكَ، والاعْتمادَ عليه ثِقَتَكَ، والتَّوَكّل عليه نصِيركَ، والطَّاعَة له سلاحَكَ وعُدَّتكَ، وإنْ نالكَ خيرٌ فاقْرنه بشُكرٍ، فإنَّ الشُّكْر على الخير زِيَادَةٌ في النّعْمَة، وإنْ يَمَسَّك ضَيْرٌ فاجْعل مَفْزَعك إلى اللّهِ.
وجِمَاعُ القَوْل: ارْضَ باللّه طَبِيباً يبِركَ من دَاءٍ البَطَر عند النّعَم، وذُلِّ الاسْتِكانَة عند حُلُولِ المحنِ، وتَعَوَّذ باللّه من الشَّيْطان كما أمَرَك يَحْرُسك من شَياطين الإنسْ والجِنّ، وتَعوَّذ بالله من شرِّ نَفْسكَ يَقِكَ مَصَارع هَواكَ. ازْجُرْ غَضَبَك بتَذكُّر الحال الّتي أنتَ عليها من عَجْزٍ أو قُدْرة، فإنَّ الغَضَب مع العَجْز يُظْهِرُ الزَّلَةَ والقِلَّة، والغَضَب مع القُدْرة يُظْهِرُ الطَّيْشَ والعَجَلة، وفي الحاجتَيْن جَمِيعاً تُعْدَم الحِلم والأنَاة، وحيثُ تُعْدَمُ الحِلم والأناةُ تُعْدَمُ الفِكْرةُ، وحيثُ تُعْدَمُ الفِكرةُ تُعْدَمُ الحِكمةُ، وحيثُ تُعْدَمُ الحِكمهَ تُعْدَم الخير كلُّه.
واعْلَم أنَّ الشَّهْوَة من أكْبَر أعْوَان الهَوَى، فَن قويت شهوتُه اشْتَدَّ حرصُهُ، ومَن اشْتدَّ حِرْصُه عَمِيَ عن مراشِدِه، ومَن عَمِيَ عن مراشدِه أخطر ببدنِه وديْنِهِ.
ونَقَلْتُ من كتابهِ في خدْمَة المُلُوك، قال: قال لي إنسان مرةً
(1)
: لو صَحِبْتَ الأَمِير، أعزَّهُ اللّهُ، بِمَ كُنْتَ تخدمُهُ؟ فقُلتُ لَهُ: كنتُ أخْدمُهُ بأنْ لا أكْذِبَهُ إذا سَألَ، ولا أصدُقَهُ إذا سَكَت، ولا أخُونَه إذا وَلَّى، ولا أذُمُّه إذا عزلَ، ولا أُسَاعد له عَدُوًّا، ولا أُجالسُ مَنْ كان عندَهُ طَبِيباً، لا أسْألُ ما لم ينلْهُ نُظرائي، ولا أرْتَفعُ فَوْقَ قَدْري، لا أكْتَسِبُ بهِ من غيره، ولا أشْكُر على نِعْمَته سِوَاه، فإنْ حَسُن مَوْقعِي منه شَكَرتُه بالزِّيادَةِ فيما قَرَّبَ منهُ، وإنْ جَرَى المِقْدَارُ بخلَاف ذلك كُنْت غير لَائم لنَفْسي، ولا عاتب على فِعْلي.
(1)
نُسِب هذا القول للكاتب حيدرة بن إسماعيل بن سالم، وأدرجه ابن العديم في ترجمته التالية (الجزء السادس) وفيه اختلاف يسير في بعض الألفاظ.
ووَقَفتُ على كتاب المَسَالك والمَمالِك من تَصْنِيف أحْمَد بن الطَّيِّب، وقد أوْرَدتُ منه فَوَائِد في صَدْرِ كتَابنِا هذا في ذكر البُلْدان المتُعلِّقة بحَلَب
(1)
.
قَرَأتُ في مَجموع وقع إليَّ بَيتينِ لاحمد بن الطَّيِب، وهما:[من الرجز]
نِعْمَ مصَادُ المَرْءَ للشَّهَادَهْ
اللِّحْيَةُ الضَّخْمة والسّجَّادَهْ
قَرأت بخَطِّ الشَّريف مُحَمّد بن الحَسَن بن كَمَال الشَّرَف أبي الحَسَن الأَقْسَاسيِّ: وقَفَ أحْمَد بن الطَّيِّب السَّرْخَسيّ على المُبرَّد (a)، فقَال له المُبرَّد: أنتَ واللّه كما قال البُحْتُرِيّ
(2)
: [من الوافر]
فِعَالُكَ (b) إنْ سئلْتَ لنا مُطِيعٌ
…
وقَوْلُكَ إنْ سَألْت لنا مُطَاعُ
خِصالُ النُّبْل (c) في أهْلِ المَعَالِي
…
مُفَرَّقَة وأنْتَ لها جِمَاعُ
أنْبَأنَا أحْمَد بن أزْهَر بن عَبد الوَهَّاب السَّبَّاكُ، عن أبي بَكْر مُحمَّد بن عَبْدِ البَاقِي الأنْصَاريّ، قال: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن عليّ الجوهَرِيّ، عن أبي بَكْر أحْمَد بن إبرْاهيم بن شَاذَان، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحمَّد بِن أبي الأزْهَر، قال: وحدَّثني أحْمَد بن الطَّيِّب صَاحِب الكِنْدِيِّ، قال: دَخَلتُ يوماً على أَمِير المُؤمِنِين المُعْتَضد باللّهِ، فإذا بينَ يَدَيهِ برْذَعَة المُوَسْوسُ، فقال لي: يا أحْمَد، أدْنُ منِّي، فدَنوتُ منهُ مَوضع السِّرّ، فقال لي: قُل لبرْذَعَة: يا أبا عَبْد اللّه، خُبْز! وكان إذا قيلِ له هذا خَرَج الأمْر عن يَده فلم يَقْرُب من أحد إلَّا أثَّر فيهِ، وكان المُعْتَضِد -بفَرْط شَهوَتَه للصّنْعَة- قد اتَّخَذَ له ولنُظَرائهِ ولجَمَاعَة من النُّدَماءَ بنَ يَدَيْهِ باباً مُسْتَطيلاً ينطبقُ على وَهْدَة إذا وَطِيءَ عليها الإنسان خَرَجَ من بَعْض أقْسَامها
(a) ضبطه ابن العديم -حيثما يرد- بفتح الراء المشددة، وأغلب المصادر على الكسر.
(b) الديوان: ففعلك.
(c) الديوان: خلال النيل.
_________
(1)
نقل عنه في العديد من المواضع في الجزء الأول.
(2)
ديوان البحتري 3: 1246 - 1247.
كَفَّان بلولَب، فاعْتَوَرتا سَاق الإنسان الوَاقِف، وأطْبَقَتا عليها قَيْداً مَقْسُوماً بهلَالين، في طَرَف أحَدِهما عَمُود للقُفْل وفي الآخر فراشَةٌ، فإذا الْتَقَتا فكأنَّ يداً أَقْفَلَتْ قفلاً، فلا يتهيَّأ للرَّجُل -مَجْنُوناً كان أو صحِيْحاً- التَّخَلُّص منه إلَّا بعد أنْ يجيء الخاَدِمُ بمِفْتاحهِ فيفَتَحهُ.
فقال أحْمَد بن الطَّيِّب: فقُلتُ: يا أبا عبد اللّه، خُبْز! فوَثَبَ وَثبةً ليقرُبَ منّي، فأخَذَهُ القَيْدُ، فبقي يُزبِدُ ولا يهيَّأُ له فيَّ حِيْلَة، والمُعْتَضِد يسكّنُه ويَشْغَلُه عَنِّي حتَّى سَكَن، فقال له: ما تَشتهَي يا أبا عَبْد اللّه؟ فقال له: أشْتَهي أنْ يَجْلِسَ ابن الطَّيِّب إلي جانبي، فقال: قُم يا أحْمَدُ فاجْلِسْ إلى جانبهِ، فقلتُ: على شَريطة أنْ يَضَعَ أبو عَبْد اللّهِ يدَيهِ على الأرْض وِيقُوم على أرْبَعَة. وكان إلى جانب ذلك المَوضع بابٌ آخر لَطِيفٌ علِى هذه الصُّورة، قال: نعم، فلما وضَع يديهِ نالَهُما ما نال رِجلَيهِ، فبقي مُوْثقاً، فوثبتُ فَقَرُبْت منهُ، فنَظَر إليَّ من غير أنْ يتمكَّن منِّي لبَطْشِه، فصَاح صِيَاح الشَّاة ووَصل ذلك، فلم يتَمَالك المُعْتَضد ضحكًا، وكان بَعِيداً من الهَزْل، فلمَّا بَصُر بهِ رذَعَة وهو يَضْحَكُ، نَظَرَ إليَّ وهَزَّ رأْسَهُ، ثمّ أقْبَلَ على المُعْتَضِد، وقال:[من مجزوء الكامل]
يا ابنَ المُوَفَّق لا تَضَاحَكْ
…
واحْذَرْ وإلَّا صِرْتَ شَاهْ
هذا خَبِيْثٌ مُخْبثٌ
…
من شَرِّ خُبَّاثِ السُّعَاهْ
فاحْذَرْهُ واكتُبْ ما أقُو
…
لُ بظَهْرِ تَذْكِرَةِ الدَّوَاهْ
لا تَأْنَسنَّ بهِ فإن
…
ـني قد نصحْتُ وَهَا وَهَاهْ
قال: فواللهِ لقد رأيتُ المُعْتَضِدَ وقد تَغَيَّر وَجْهُه، وانْحَطَّ أُنْسُهُ، فلم أزَلْ أتعَرَّفُ ما أثر فيَّ من تَحْريضِهِ، فما زالَتْ تلك الخِبْيَة (a) في نفس المُعْتَضِد حتَّى قَتَل أحْمَد بسَبَب السِّعَايَةِ.
(a) قراءة ظنِّيَّة.
كَتَبَ إلينا أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ بن مُحمَّد بن أبي الفَضْل الهَرَويّ أنَّ زَاهِر بن طَاهِر الشَّحَّاميِّ أنبأهُم عن أبي القَاسِم عليّ بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا عُبيد اللّه بن مُحمَّد بن أحْمَد بن أبي مُسْلِم إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ إجَازَةً، قال: في سَنَة ثَلاثٍ وثمانين غَضِبَ المُعْتَضِدُ على أحْمَد بن الطَّيِّب، ووَجَّه بشَفِيعْ اللُّؤْلُؤيّ ونِحْرير الصَّغير خَادِمِ بَدْر فقبَضُوا على جَمِيع ما في دَاره، وقَرَّرُوا جَوَاريَه على ماله حتَّى أخذُوه، فاجْتمع من ذلك ومن ثَمَن آلاته ممَّا حُمِلَ إلى بيت المَالِ مائة وخَمْسُونَ ألف دِرْهَم.
قال: فحدَّثي مُحمَّد بن يَحْيَى بن أبي عَبَّاد، قال: كان سَبَبُ غَضَب المُعْتَضِد على أحْمَد بن الطَّيِّب، أنَّ أحْمَد كان قَديْماً يمدَحُ عندَه الفَلَاسِفَة ويسْتَعْقلُهُم ويَحْكي مَذاهِبَهُم، فيقُول المُعْتَضِد: أنتَ على دِيْنهم، وكيفَ لا تكُون كذلك وأُسْتاذكَ الكِنْدِيّ، وكان قد تَخمَّر في نفس المُعْتَضِد أنَّهُ فَاسِدُ الدِّين، وكان ابن الطَّيِّب أحْمَق مُعْجَباً يدعي ما لا يُحْسن، وكان مع قِمَر عَقْله في لسانه طُول، فكان كَثيرًا ما يقُول للمُعْتَضد: الأُمُور تخْفَى عليك وتستر دُوْنك، فقال له يوْماً: ما الدَّوَاءُ؟ قال: تُولِّيني الخبرَ على أبي النَّجْمِ وعُبَيْدِ اللّه، قال: قَدْ ولَّيتُكَ، قال: فاكتُب بذلك رُقْعَةً، فكتب رُقْعَةً بخَطِّه بتوْليَتهِ، فجاء بها إلى عُبَيْد اللّهِ يُعْلمه ذلك، ويتقرَّب إليه أنَّهُ لم يَسْتُر ذلك عنه، فأخَذَها عُبَيْدُ اللّهِ ووَثَبَ، وطلبَها ابن الطَّيِّب، فوجَّه إليه: أنا أخرُج بها إليكَ، ووَكَّل به في دارِه، ورَكِبَ إلى بَدْر فأقراهُ إيَّاها، فرَكِبا إلى المُعْتَضد باللّه حتَّى عرَّفاهُ الخَبَر، ورمىَ عُبَيْدُ اللّهِ بنَفْسه بينَ يَدَيْهِ وقال له: أنتَ يا سَيِّدِي نَعَشْتَني وابتدَأْتني بما لم أُؤمّلْهُ، وكُلّ نِعْمة لي فمنكَ وبكَ، فسَكَّن منه، وقال: إنَّهُ يسْعَىَ عليكُما عندي فاقْتُلَاه وخُذَا ما يملِكُه، فأُدْخل المَطَامِيْرَ، وكان آخر العَهْد بهِ.
قال مُحَمَّد بن يَحْيَى الصوْلِيّ: وقد قيل إنَّ سَبَبَ ذلكَ، أنَّ عُبَيْد اللّه لمَّا أرادَ
الخُروج إلى الجَبَل مع بَدْر قال المُعْتَضِد لبَدر: الصَّواب أن يحضر أحمد بن محمَّد جَرَادة ليُعاونَ القَاسِم على خِدْمَتنا، فسَمعَ ابن الطَّيِّب ذلك، فأدَّاه إلى عُبيدِ اللّه، فردَّه عُبيدُ اللّه على المُعْتَضِد، وقال له نحو ما حكى في الخَبَر الأوَّل، فعزَم عليه ليُخْبرنَّهُ مَنْ قال له ذلك، فقال: ابن الطَّيِّب، فكان هذا سبَبَهُ.
وقال أبو بَكْر الصُّوْلِيّ: حَدَّثني مُحمَّد بن أحْمَد أبو الحسَن الأنْصَاريّ، قال: كان ابن الطَّيِّب يَخْتلفُ معنا إلى الكِنْدِيّ، وكان الكِنْدِيُّ يقولُ: هذا أحْمَقُ، وسيُتْلِفُ نفسَهُ بحُمْقِه، فكان كما قال.
قال الصُّوْلِيّ: حَدَّثَنا الحَسَن بن إسمَاعِيْل، قَال: كان القَاسِم يَغْتاظُ من ابن الطَّيّب فيقُول له أبوه: نحنُ نَخْنُقه بوصفِهِ، وكان المُعْتَضِد باللّه رُبّما نفَثَ بشَكواهُ والتَّأذِّي منه بالكَلِمَةِ بعدَ الكَلِمَة، فيُقَرِّظه عُبَيْد اللّه ويحتَجّ عنه، فذَكَرَ عُبَيْدَ اللّهِ يوْماً بشيء قُدَّام المُعْتَضِد، فقال له المعتَضِدُ: كفاكَ، إنَّ عُبيد اللّهِ ما ذُكِرْتَ لي قَطّ إلَّا احْتَجَّ عنكِ ووصَفَك، وأنْتَ ما ذكَرَتَهُ عندي قَطّ إلَّا غَمَزْت منه على جانبٍ، قَبَّحكَ اللّهُ وقَبَّح طبعَكَ السَّوءَ، ثمّ انْكَشفَ أمرُه، فأوْقعَ به في سَنَة ثَلاثٍ وثمانين.
أنْبَأنَا المُؤِيَّد بن مُحَمَّد بن علىِّ الطُّوْسيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ إجَازةً، عن أبي عليّ المحسِّن بن عليّ التَّنُوخِيّ، قال: كان الّذي نقمَهُ المُعْتَضِدُ على أحْمَد بن الطَّيِّب، أنَّ عُبَيْد اللّه بن سُلَيمان دَخَل يَوْماً على المُعْتَضِد، وقد تَغَيَّظ المُعْتَضِدُ عليِه من شيءٍ بلَغَهُ عنه، وخَاطَبَهُ بما يَكْرَهُ، فما خرَج قال: يا أحْمَدُ، ما تَرَى إلى هذا الفَاعِل الصَّانِع، قد أخْرَب الدنْيا واحْتجَزَ (a) الأمْوَالَ، وفي جَنْبهِ ثلاثةُ آلافِ آلافٍ دِيْنار، ما يمنَعُني من أخْذِهَا إلَّا الحِلْم عنه، وفعَلَ اللّهُ بي وصَنَعَ إنْ أنا اسْتَعملتُه أكثرَ من هذا. قال: فخرج أحْمَدُ بن الطَّيِّب فوَجَدَ عُبَيْدَ اللّهِ على الباب ينتظرُه، فحملَهُ إلى داره، ووَاكلهُ وسقاهُ، ووَهَبَ
(a) في الأصل بالزاي، ولعل الأظهر: واحتجن.
له مَالًا عَظيْمًا، وخلَع عليه خلَعًا كَثِيْرة، ورَفق بهِ وسَألَهُ أنْ يُعْلمَه ما عَسَاهُ جَرَى بعد خُرُوجه من ذِكْره، فاسْتَحلفَهُ أحْمَدُ علِىِ كتْمان ذلك فحلَفَ له، فكتَمه (a)، فخبَّره الخَبَر على حَقِيْقته، وودَّعَهُ أحْمَدُ ونَهَضَ، فرَكِبَ عُبَيْدُ اللّهِ من غَد بعد أنْ عَمِلَ ثَبتًا يحتوي على جميع ماله من عَيْنٍ ووَرَقِ وضَيْعَةٍ وخُرْثيٍّ وقُمَاشٍ وعَقَار ودارٍ ودَابَّةٍ وبَغْلٍ ومَرْكبٍ وغُلَام وآلةٍ وسَائر الأَعْرَاضِ، وجاءَ إلى المُعْتَضِد فخاطبَهُ على الأُمُور كما كان يُخاطبهُ، فلمَّا حضَر وقْتُ انْصِرَافِه، قال: أُريدُ خلَوةً من أَمِير المُؤمِنِين لمُهمٍّ عارض أذْكره، فأخْلَى مَجْلِسَهُ له، فَحَلَّ سَيْفه بينَ يَدَيْهِ ومَنْطقَتَهُ، وقبَّلَ الأرْضَ وبَكَى، وقال: يا أَمير المُؤمِنِين، اللّهَ اللّهَ في دَمِي، أَقِلْني واعْفُ عنّيّ، وَهَبْ لي الحَيَاةَ، واغْفِر لي إجْرامي، وما في نَفْسكَ عليَّ، فأمَّا ما لي فَوَاللهِ، وابْتَدَأ يَحْلَفُ بالطَّلَاق والعَتَاق وما تبعَهُ من أَيْمان البَيْعَةِ إنْ كتمتُكَ منهُ شيئًا، وهذا ثَبَتٌ بجميع ما أمْلِكُه فخُذه بطِيْبَةٍ من قَلْبِي، وانْشِرَاحٍ من صَدْريّ، باركَ اللّه لك فيهِ، ودَعْنِي أخْدُمْكَ بدَابَّةٍ واحدةٍ، فقال له المُعْتَضِد: ما بكَ إلى هذا حاجَةٌ، ولا في نَفْسي عليك ما يُوْجب هذا، فقال: الآن قد علمتُ أنَّ رأيَ أَمِير المُؤمِنِين عليَّ. فاسِدٌ إذ ليسَ يَخْرُج إليَّ بما عندَهُ فيَّ، ولا يَقْبَلُ ما بذَلْتُه، ولا يقَعُ منه عقَابٌ، وأخَذَ يلَجُّ في البُكَاءِ والتَّضَرُّع، فرقَّ له المُعْتَضِد وتغيَّظ من مَعْرفته بذلك، فقال: أَتُحِبُّ أنْ أفْعَل هذا؟ قال: نعم، قال: تَصْدُقني عن السَّبَب الّذي حملَك على هذا، فعرَّفَهُ ما جَرَى له مع أحْمَد بن الطَّيِّب، فرَضِي عنه، وحلَفَ له على ما سُرَّ به وخفَّف عن خَاطِره، ووَثَّق له أنَّهُ لا يُسِيءُ إليهِ، وأنْفَذَ في الحال، وقبضَ على أحْمَد بن الطَّيِّب، وحَبَسَهُ.
قال التَّنُوخِيّ: وقيل إنَّ السَّبَب في قَتْلهِ، أنَّ أحْمَدَ بن الطَّيِّب دَعاهُ إلى مَذَاهِب الفَلَاسِفَة والخُرُوج عن الإسْلَام، فاسْتَحلَّ قتلهُ، فلمَّا أجْمعَ على قَتْلِه، أنفَذ إليهِ يقُول له: أنتَ كُنت عرَّفْتَنا عن الحُكَمَاء أنَّهُم قالوا: لا يَجِبُ للملُوك أنْ
(a) لعلّه: فحلف به بكتمه.
يَغْضَبُوا، فإذا غَضِبُوا، فلا يَجب لهم أنْ يَرْضَوْا، ولولا هذا لأطلقْتُك لسَالف ذِمَّتُكَ وخدْمَتك، ولكن اخْتَرْ أيّ قَتْلَةٍ تُحبّ أنْ أقتُلَك، قال: فاخْتار أنْ يُطْعَم اللَّحْم المُكَبَّبَ، ويُسْقَى الشَّرَابَ العَتِيقَ حتَّى يَسْكَر، ثمّ يُفْصَد من يديهِ، ويُتْرك دمهُ يَجْري إلى أنْ يَمُوتَ، فأمرَ المُعْتَضِد بذلك، ففُعِلَ به، وظَنَّ أحْمَد أنَّ دَمَهُ إذا انْقَطَعَ ماتَ في الحال بغير ألَم فانْعكسَ ظَنُّهُ.
قال: وذلك أنَّهُ لمَّا فُصِدَ نَزَف جميعُ دَمِهِ، ثمّ بَقِيتْ معه من الحياةِ بَقِيَّة فلمِ يَمت، وغَلَبَتْ عليه الصَّفْرَاءُ، فصارَ كالمَجْنُون يَنْطحِ برأسه الحيْطان ويَصِيح ويَضِجُّ لفَرْط الآلامِ، ويَعْدُو في مَحْبسِهِ ساعَات كَثِيْرةً إلى أنْ ماتَ، فبَلَغَ المُعْتَضِدُ ذلك، فقال: هذا اخْتِيارهُ لنَفْسِه، وليس في الفَسَادِ بأكْثرَ ممَّا اخْتارَهُ لنَفْسِه من الرَّأي الّذي جَرَّ عليه القَتْلَ.
أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّطيْف بن يُوسُف، عن أبي الفَتْح بن البَطِّيّ، عن أبي عبد اللّه الحُمَيْدِيّ، قال: أَخْبرَنا غَرْسُ النِّعْمَةِ أبو الحَسَن مُحَمَّد بن هِلِّل بن المُحَسِّن بن إبْراهيم الصَّابِئ قال: وحَدَّثَني - يعني أباهُ - قال: حَدَّثَني جَدِّيّ، قال: حَدَّثَني عَمِّي، قال: حَدَّثَني أبو إسْحَاق أبي، قال: جَرَى بيني وبين أبي الحُسَين القَاسِم بن عُبَيْد اللّه في وزَارته للمُكْتَفِي باللّه ذِكْر أحْمَد بن الطَّيِّب السَّرْخَسِيّ الّذي قَتَلَهُ المُعْتَضِد باللّه، فقال: كان المُعْتَضِد باللّه يُعَدِّد بعد قَتْلهِ إيَّاه ذنُوبه إليهِ، والأُمُور الّتي أنْكَرها عليه، ليُعْلَم أنَّهُ كان مُسْتحقًّا ما عَمِله بهِ، فممَّا حَدَّثَني به عنهُ أنَّهُ كان له مَجْلِس يَجْتَمعِ إليهِ أهْل العِلْم فيُفاوضُونه ويُفاوضهم، وكنتُ رُبَّما سألتُه عن هذا المَجْلِس وما يجْري فيه، فيُخْبرني به، وسَألتُه في بعض الأيَّام على عَادتي، فقال: يا أَمِير المُؤمِنِين، مَرَّ بي أمس شيء طَرِيف، قُلتُ: ما هو؟ قال: دخل إليَّ في جُمْلَة النَّاس رَجُل لا أعْرفه، حَسَنُ الرُّوَاءِ والهَيْئَة، فتوهَّمتُ فيه أنَّهُ من أهْلِ الفَضْل والمَعْرفَة، وقعَد لا يَنْطقُ من أوَّل المَجْلِس إلى آخره، فلمَّا
انْصَرف مَنْ كان حَاضِرًا لم يَنْصَرف معهم، فقُلتُ: ألك حاجَةٌ؟ قال: نعم، تُخلي لي نفسَك، فأبْعَدتُ غِلْمَانيّ، فقال لي: أنا رَجُل أرْسَلني اللّه تعالى إلى هذا البَشَر، وقد بدأتُ بك لفَضْلك، وأمَّلْتُ أنْ أجِدَ عندكَ مَعُونة على ما بُعِثْت له، فقُلتُ لهُ: يا هذا، أمَا عَلِمْتَ أنِّي مُسْلِم أعتَقد أنَّهُ لا نبُوَّة بعدَ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: قد عَلِمتُ ذلك وما جئتكَ إلَّا بأمْرٍ وبُرْهَان، فهل لك في الوقُوف على مُعْجزَتيّ، فأردتُ أنْ أعْلَم ما عندَهُ، فقُلتُ لَهُ: هاتها، فقال: يُحْضَر سَطْل فيه ماء، فتقدَّمتُ بإحْضَاره، وأخْرَجَ من كُمِّه حَجَرين أَصَمَّين صلْدين كأشَدِّ ما يكُون من الصَّخْر، وقال لي: خُذْهما، فأخَذْتُهما، فقال: ما هما؟ فقلتُ: حَجَران، قال لي: رم أنْ تَكْسرهما، فلم أسْتَطع لشدَّتهما وصلابتهما، فقُلتُ: ما أسْتَطِيع، فقال: ضَعْهُما في السَّطْل، فوَضَعتُهما، قال: وغَطِّهما، فغطَّيتُهِما بمِنْدِيل، وأقْبل يُحَدِّثُنيّ، فوَجَدتُه مُمْتعًا، كَثِيْرَ الحَدِيْث، سَديد العِبَارَة، حَسَن البَيَان، صَحِيْح العَقْل لا أُنْكر منه شيئًا، فلمَّا طال الأَمْر، قُلتُ له: فأَيّ شيء بعد هذا؟ فقال: أخْرِج إليَّ الحَجَرين، فكَشَفْتُ عنهما وطَلَبتهما في السَّطْل فلم أجدهُما وتَحَيَّرتُ وقُلتُ: ليسَ في السَّطْل شيء، فقال لي: أنتَ تركتَهُما بيَدك ولم أقْرب منهما، ولا لَحَظْتُ السَّطْل بعَيْني فَضْلًا عن غيره، فقلتُ: صَدَقْتَ، فقال لي: أمَا في هذا إعجْاز؟ فقُلتُ: بَقِيَت عليك حال واحدة، قال: ما هي؟ قُلتُ: آتيك بحَجَرٍ من عندي فتَفْعل به مثل هذا، فقال لي: وهكذا قال أصْحَاب مُوسَى له: نُريدُ أنْ تكون العَصَا من عندنا، فتوقَّفْتُ عن جَوَابه لأُفَكِّر فيه، فقام وقال: فَكِّر في أَمْرك إلي أنْ أعودَ إليك، وانْصَرَف، ونَدِمْتُ بعدَ انْصرِافه على إفْرَاجي عنه، وأمَرْتُ الغِلْمَان بطَلَبه ورَدِّهِ، فتفرَّقُوا في كُلِّ طَريق وما وجَدُوه.
قال القَاسِم: وقال لي المُعْتَضِد باللّه: أتَدْري ما أراد أحْمَدُ بن الطَّيِّب، لَعَنَهُ اللّهُ، بهذا الحَدِيْث؟ فقُلتُ: لا يا أَمِير المُؤمِنِين، قال: إنَّما أراد أنَّ سَبِيل مُوسَى
عليه السَّلام في العَصَا كانت كسَبيل هذا الرّجُل في الحَجَرين، وأنَّ الجيع بحيلَةٍ، وكان ذاك من أكْبر ما نقمْتُ عليه (a).
أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر إذْنًا، عن أبي الفَضْل بن نَاصِر، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم بن أحْمَد، عن أبي أحْمَد بن أبي مُسْلِم، عن أبي بَكْر الصُّوْلِيّ، قال: وأنْشَدَني يَحْيَى بن عليّ لنَفْسِه في ابن الطَّيِّب، وكان قد زَعَم أنَّهُ أحْرَقَ كُتُبه كُلَّها إلَّا الحَدِيْث والفِقْه واللُّغَة والشِّعْر، فقال المُعْتَضِد: وما ينفَعُه ذلك مع كُفْره
(1)
: [من المجتث]
يا مَنْ يُصَلِّي رِيَاءً
…
ويُظْهِرُ الصَّوْمَ سُمْعَهْ
وليسَ يَعْبُدُ رَبًّا
…
ولا يَدِيْنُ بشِرْعَهْ
قد كُنْتَ عَطَّلْتَ دَهْرًا
…
فكيفَ أسْلَمْتَ دَفْعَهْ
إنْ كُنْتَ قَدْ تُبْتَ فالشَّـ
…
ـيْخُ لا يُفَارِق طَبْعَهْ
لو ظَلْتَ في كُلِّ يَوْم
…
مُصَلِّيًا ألفَ رَكْعَهْ
وصُمْتَ دَهْرَكَ لا مُفْـ
…
ـطِرًا ولا يَوْم جُمْعَهْ
ما كُنْتَ في الكُفْر إلَّا
…
كالنَّار في رَأسِ قَلْعَهْ
تَتْلُو القُرَانَ ولو تَسْـ
…
ـتَطِيْعُ فرَّقْتَ جَمْعَهْ
وإنْ سَمِعْتَ بحَقِّ
…
حَاوَلتَ بالزُّوْرِ دَفْعَهْ
قُلْ لىِ أَبَعْدَ اتِّبَاعَ الـ
…
ـكِنْدِيّ تَعْمُرُ رَبْعَهْ
وتَسْتَقِي الكُفْرَ منهُ
…
ولا تُحَاذِرُ شُنْعَهْ
أَظْهَرْتَ تَقْوَى ونُسْكًا
…
هَيْهاتَ في الأَمْر صَنْعَهْ
ولو بَدَا لكَ سَلْحٌ
…
منهُ لآثرْتَ لَطْعَهْ
فاذهَبْ إلى مَذْهَبِ الشَّيْـ
…
ـخ رُبَّ صكٍّ برَجْعَهْ
(a) أورد ابن العديم خبر الرجل ومعجزة الحجرين في الهامش وكتب بعده: "صح واتَّصَل".
_________
(1)
ستة أبيات منها في تاريخ الإسلام للذهبي 6: 858.
فما تُقَاكَ مَلِيحًا
…
وليسَ كُفْركَ بِدْعَهْ
فأنْشَدْتُها المُعْتَضِدَ باللّهِ في آخر أيَّام ابن الطَّيِّب، فقال: اكْتُبْهَا وادفَعْها إليهِ، ففَعَلْتُ ذلك.
ذَكَر أبو الحَسَن (a) مُحَمَّد بن أحْمَد القَوَّاس قال: وَلي أحْمَدُ بن الطَّيِّب الحِسْبَةَ يَوْم الاثْنَين، والمَوَارِيْث يَوْم الثّلاثَاءَ، وسُوْق الرَّقِيْق يَوْم الأرْبَعَاء لسَبعٍ خَلَوْنَ من رَجَب سَنَة اثنتَيْن وثَمانِيْنَ ومَائتَيْن.
قال: وفي هذا اليَوْم وهو يَوْم الاثْنَين لخمسٍ خَلَونَ من جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة ثَلاثٍ وثمانينَ غُضِبَ على أحْمَد بن الطَّيِّب.
قال: وفي يَوْم الخَمِيْس للَيْلة بَقِيَتْ من جُمَادَى الأُوْلَى ضُرِبَ أحْمَدُ بن الطَّيِّب مائة سَوْط وحُوِّلَ إلى المُطْبَق. وفي صَفَر سَنة ستٍّ وثَمانِيْن ومَائتَيْن ماتَ أحْمَدُ بن الطَّيِّب السَّرْخَسِيّ.
حَرْف الظَّاءَ في آبَاءِ الأحْمَدِين
فَارغ
ذِكْرُ حَرْف العَيْن في آبَاءِ الأحْمَدِين
مَنْ اسْمُ أبيْهِ عَاصِم من الأحْمَدِين
أحْمدُ بن عَاصِم بن سُلَيمان، أبو عُمَر الجَعْدِيُّ البَالِسِيُّ الخَضِيْبُ
حدَّثَ ببَالِس عن العبَّاس بن إسْمَاعِيْل قُرَّيْق، ومُحَمَّد بن عَمْرو البَاهِلِيّ،
(a) الأصل: أبو الحُسَيْن، وصوابه المثبت ويأتي صحيحًا فيما بعد.
رَوَى عنهُ أبو أحْمَد عبدُ اللّه بن عَدِيّ الحافِظُ.
أخْبَرَنا أبو الفَرَج مُحَمَّد بن عليّ بن حَمْزة القُبَّيْطِيّ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو الكَرَم (a) المبُارَكُ بن الحَسَن بن الشَّهرَزُورِيّ، عن أبي القَاسمِ إسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَة الإسْمَاعِيْليّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو عبدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد الفَارِسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد عبدُ اللّه بن عَدِيّ الحافِظُ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عَاصِمِ البَالِسِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَمْرو البَاهِليّ، عن عَبد الوَهَّاب الثَّقَفِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن مُجَاهِد، عن مُجَاهِد، عن مُعاوِيَة (b)، قال: قال رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم
(2)
: لا تَعْجلنَّ إلى شيءٍ تَظُنّ أنَّك إنْ اسْتَعْجَلتَ إليهِ أنَّكَ مُدْركهُ (c) وإنْ كان اللّهُ عز وجل لم يُقَدِّر ذلك (d)، ولا تَسْتَأخِرنَّ من (e) شيِء تَظُنّ أنَّكَ إنْ اسْتأخَرْت أنَّهُ مَدْفوعٌ (f) عنكَ وإنْ كان اللّهُ عز وجل قد قَدَّرهُ عليكَ.
أحمدُ بن عَاصِمِ الأنْطَاكِيُّ، أبو عَبْد اللّهِ - وقيل: أبو عليّ - الزَّاهِدُ الحَكِيم صَاحِبُ المَوَاعِظ
(3)
من كبار المَشَايخ وزُهَّادِهم، وأُولى الحِكْمَة واللِّسَان، رَوَى عن الهَيْثَم بن
(a) ضبطه المؤلف بسكون الراء.
(b) الأصل: عن مجاهد بن مُعَاوِيَة، والتصويب من الكامل ومجاهد هو ابن جبر صاحب التفسير، ومعاوية هو ابن أبي سفيان.
(c) ابن عدي: تدركه.
(d) ابن عدي: لم يقدره لك.
(e) ابن عدي: عن.
(f) ابن عدي: مرفوع.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 5: 1932.
(2)
المنذري: الترغيب والترهيب 3: 536 (رقم 12)، الهيثمي: مجمع الزوائد ومجمع الفوائد 4: 71.
(3)
توفي نحو سنة 230 هـ، وترجمته في: الرسالة القشيرية 263، الثّقات لابن حبَّان 8: 20، الجرح والتعديل 2: 66، حلية الأولياء 9: 280 - 297، طبقات الصوفية للسلمي 137 - 140، تاريخ ابن عساكر 71: 220 - 225، صفة الصفوة 4: 277 - 279، تاريخ الإسلام 5: 508، سير أعلام النبلاء 10: 487 - 488، ابن كثير: البداية والنهاية 10: 318 (أرخ وفاته سنة 239 هـ)، ابن الملقن: طبقات الأولياء 46 - 47.
جَمِيل الأنْطَاكِيّ، ومَخْلَد بن الحُسَين، وأبي قَتَادَةَ، وسُفْيان بن عُيينَة، ويُوسُف بن أسْبَاط، وأبي مُعاوِيَة مُحَمَّد بن حَازِم الضَّرِيْر، وأبي يَعْقُوب إسْحَاق بن إبْراهيم الحُنَيْنِيّ، وقيل إنَّهُ رَأى الفُضَيْل بن عِيَاض.
رَوَى عنهُ أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، وأبو زُرْعَة عبد الرَّحْمنِ بن عَمْرو الدِّمَشقيُّ، وأبو عَمْرو السَّرَّاج، وأبو حُصَيْن مُحَمَّد بن إسْمْاعيل بن مُحَمَّد بن يَحْيَى التَّمِيْمِيّ، وعَبْد العَزِيزْ بن مُحَمَّد بن المُخْتَار، وأحمد بن صالح، وإسْحَاق بن عَبْد المُؤْمِن الدِّمَشقيّ، وعليّ بن المُوَفَّق البَغْدَاديّ، ومَحْمُود بن خَالِدٍ، وأبو مُحَمَّد عبدُ اللّه بن هِلَال الدُّوْمِيِّ الرَّبَعِيِّ، وعَبْد الوَاحِد بن أحْمَد الدِّمَشقيّ، وأبو الحَسَن مُحَمَّد بن الفَيْض بن مُحَمَّد بن الفَيَّاض الغَسَّانِيّ (a).
أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر عبد الرَّحيم بن عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ في كِتَابِهِ إليْنَا من مَرْو غير مَرَّة، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ أبو سَعْد مُحَمَّد بن مَنْصُور بن عبدِ الرَّحيم الحُرْضِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن يَحْيَى بن إبْراهيم المُزَكِّي إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن الحُسَين السُّلَمِيُّ
(1)
، قال: أحْمَد بن عَاصِم الأنْطَاكِيِّ كُنْيَتُهُ أبو عليّ، ويقال: أو عَبْد اللّهِ، من مُتَقدِّمي مَشَايخ الثُّغُور من أقْرَان بِشْر بن الحَارِث، وسَرِيّ، وحَارِث المُحَاسبِيّ.
سَمِعْتُ أبا القَاسِم النَّصْرَابَاذِيّ يقُول: كان يُقال: أحْمَدُ بن عَاصِم الأنْطَاكِيّ جَاسُوْس القُلُوب. وذكَرَ لي غيره أنَّ أبا سُليْمان الدَّارَانِيّ كان يُسَمِّيهِ كذلك.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَات بن مُحَمَّد بن الحَسَن إذْنًا، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن بن هِبَة اللّه
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّهِ الخَلَّاق، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مَنْدَة،
(a) بعده في الأصل بياض قدر ستة أسطر.
_________
(1)
طبقات الصوفية 137، وفيه اختلاف في الرواية.
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 221.
قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر الحُسَين بن سَلَمَة الهَمَذَانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الفَأْفَاء، ح.
قال ابنُ مَنْدَة: وأخْبَرَنا أحْمد
(1)
بن عبد الله الأصْبَهَانِيّ إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا ابن أبي حَاتِم
(2)
، قال: أحْمَد بن عَاصِم أبو عَبْد الله الأنْطَاكِيّ، سَمِعْتُ أبي وأبا زُرْعَة يقولان ذلك، وسَمِعْتُ أبا زُرْعَة يقول: رأيتُهُ بدِمَشْق يُجَالس مَحْمُود بن خَالِدٍ. وسَمِعْتُ أبي يَقُول: أدْرَكتُه ولم أكْتُب عنهُ، كان صَاحِب مَوَاعِظ وزُهْد.
أخْبرَنا عَمِّي أبو غَانِم مُحَمَّد بن هِبَة الله بن مُحَمَّد بن أبي جَرَادَة، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن عليّ بن مُحَمَّد بن حَمُوَيْه بحَلَب، ح.
وأنْبَأتنا زَيْنَبُ بنتُ عبد الرَّحْمن في كتابها إلينا من نَيْسَابُور، قالا: أخْبَرَنا أبو الفُتُوح عَبد الوَهَّاب بن شَاه بن أحْمَد الشَّاذْيَاخِيُّ، ح.
وأنْبَأنَا أبو النَّجِيْب بن عُثْمان القَارِئ، قال: أخْبَرَنا أبو الأَسْعَد القُشَيْريّ، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ الكَريم بن هَوَازِن القُشَيْريّ
(3)
، قال: ومنهم أبو عليّ أحْمَد بنُ عَاصِم الأنْطَاكِيّ، من أقْرَان بِشْر بن الحَارِث، والسَّرِيّ، والحَارِث المُحَاسبِيّ، كان أبو سُليْمان الدَّارانِيّ يُسَمّيهِ جَاسُوْس القُلُوب لحدَّة فراسَتِهِ.
وقال أحْمَدُ بن عَاصِم: إذا طلبْتَ صَلَاحَ قَلْبِكَ فاسْتَعِنْ عليه بحفْظ لسَانكَ، وقال أحْمَدُ بن عَاصِم: قال اللهُ تعالى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}
(4)
ونحنُ نَسْتَزيْدُ من الفِتْنَة.
أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحيم بن أبي سَعْد المَرْوَزيّ كتابةً، قال: أخْبَرَنا أبو الخَيْر جَامعُ بن عبد الرَّحمن بن إبْراهيم السَّقَّاء الصُّوْفيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز الصَّفَّار، قال: أخْبَرَنا أبو عبد الرَّحمن السُّلَّمِيّ
(5)
، قال: أحْمَدُ بن
(1)
يذكره أحيانا باسم حمد، وأخرى أحمد.
(2)
الجرح والتعديل 3: 66.
(3)
الرسالة القشيرية 263.
(4)
سورة التغابن، من الآية 15.
(5)
طبقات الصوفية 137.
عَاصِم، وهو أحْمَد بن عَاصِم الأنْطَاكِيّ أبو عليّ، ويُقال أبو عَبْد اللهِ؛ وهو الأصَحّ، وهو من أقْرَان بِشْرِ بن الحَارِث، والسَّرِيّ، وحَارِث المُحَاسبِيّ، ويُقال إنَّهُ رأى الفُضَيْل بن عِيَاضٍ.
سَمِعْتُ أبا العبَّاس مُحَمَّد بن الحَسَن الخَشَّاب، يقول: سَمِعْتُ جَعْفَراً الخُلْدِيّ، يقول: سَمِعْتُ الجُنَيْد، وابن مَسْرُوق، والجُرَيْريّ (a)، يقُولونَ: قال أبو عَبْد الله أحْمَد بن عَاصِم الأنْطَاكِيّ: قُرَّةُ العَيْن، وسَعَةُ الصَّدْر، ورَوْحُ القَلْب، وطِيْبُ النَّفْس في أُمُور أرْبعَةٍ: الاسْتِبانَةِ للحُجَّة، والأُنْس بالأحِبَّة، والثِّقَة بالعِدَةِ، والمفايز للمناية (b).
أخْبرَنا عَمّيِ أبو غَانِم، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن عليّ الجُوَينِيّ (c)، ح.
وأنْبَأتنا زَيْنَبُ الشَّعْرِيَّة، قالا: أخْبَرَنا أبو الفُتُوح الشَّاذْيَاخِيّ، ح.
وأنْبَأنَا أبو النَّجِيْب القَارئ، قال: أخْبَرَنا أبو الأَسْعَد القُشَيْريّ، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن هَوَازِن القُشَيْريّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخ أبو عَبْد الرَّحمن السُّلمَيّ، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن أحْمَد بن سَعيد الرَّازِيّ، قال: حَدَّثَنَا عبَّاس بن حَمْزَة، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، قال: قال أبو عَبْد الله الأنْطَاكِيّ: إنَّ أقلّ اليَقِيْن إذا وَصَلَ إلى القَلْب يَمْلأُ القَلْب نُوراً، ويَنْفي عنه كُلّ رَيْب، ويَمْتلئ القَلْب بهِ شُكْرًا، ومن اللهِ خَوْفاً.
وقالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم القُشَيْريّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا مُحمَّد بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر مُحمَّد بن أحْمَد بن سَعيد الرَّازِيّ، قال: حَدَّثنا عبَّاس بن حَمْزَة،
(a) جعلهما في نشرة طبقات الصوفية واحد: ابن مسروق الجريري، وهما اثنان.
(b) هكذا في الأصل، ولم نتبيَّنه، ولعل الأظهر ما ورد في كتاب السلمي وما ذكره عبد القاهر الجرجاني (أسرار البلاغة 147)، الذي أورد هذا القول مستشهداً به دون نسبته للأنطاكي، وفيهما عوض المثبت:"والمعاينة للغاية".
(c) في الأصل: الحويني؛ بالحاء.
_________
(1)
الرسالة القشيرية 112.
(2)
الرسالة القشيرية 207.
قال: سَمِعْتُ أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، قال: سَمِعْتُ أحْمَد بن عَاصِم الأنْطَاكِيّ يقول: مَنْ كانَ باللهِ أعْرف كان له أَخْوَفَ.
أنْبَأنَا عبد الرَّحيم بن أبي سَعْد، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد الحُرْضِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر المُزَكِيّ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الرَّحمن السُّلمِيّ، قال: سَمِعْتُ عبْدَ الله بن مُحَمَّد الرَّازِيّ يَحْكي عن أحْمَد بن عَاصم أنَّهُ قال: وافَقْنا الصَّالِحين في أعَمَال الجَوَارِح وخَالفْنَاهم في الهِمَم.
وقال أبو عبد الرَّحْمن: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن ظاهر الوَزِيْريّ يقول: سَمِعْتُ الحَسَن بن مُحَمَّد بن إسْحاق، يقول: سَمِعْتُ سَعيد بن عُثْمان الحنَاط، يقول: حَدَّثَنَا أحْمَد ابن أبي الحَوَارِيّ يقول: سَمِعْتُ أحْمَد بن عَاصِم أبو عَبْد الله الأنْطَاكِيّ يقول: الصَّبْر هو أوَّل مقام الرِّضَا.
أخْبرَنا عَمِّيِ أبو غَانِم مُحَمَّد بن هِبَةِ الله، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح عُمَر بن عليّ بن مُحَمَّد بن حَمُّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أبو الفُتُوح عَبد الوَهَّاب بن شَاه الشَّاذْيَاخِيّ، ح.
وأخْبَرَنا أبو النَّجِيْب إسْمَاعِيْل بن عُثْمان بن إسْمَاعِيْل القَارِئ، وزَيْنَبُ بنْتُ عبد الرَّحْمن في كتابيهما، قال أَبو النَّجِيْب: أخْبَرَنا أبو الأَسْعَد القُشَيْريّ، وقالت زَيْنَب: أخْبَرَنا الشَّاذْيَاخِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الكَريم بن هَوَازِن القُشَيْريّ
(1)
، قال: وسَمِعْتُه - يعني مُحَمَّد بن الحُسَين السُّلَميِّ - يقول: سَمِعْتُ النَّصْرَابَاذِيّ يقول: سَمِعْتُ ابنَ أبي حَاتِم يقول: سَمِعْتُ عليّ بن شَهْمَردان يقول: قال أحْمَد بن عَاصم الأنْطَاكِيّ، وسُئِلَ ما عَلَامَةُ الرَّجَاءَ في العَبْد؟ قال: أنْ يكون إذا أحاط بهِ الإحْسانُ أُلْهِمَ الشُّكْر رَاجِياً لتمَامِ النّعْمَة من اللهِ عليه في الدُّنْيا، وتَمام عَفْوه في الآخِرة.
(1)
الرسالة القشيرية 79.
أنبَأنَا أبو بَكْر عبد الله بن عُمَر، وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر، قالا: أخْبَرَنا أبو الخَيْر القَزْوِينيّ، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بن طَاهِر أنَّ أبَوَي عُثْمان الصَّابُونِيّ والبَحِيْرِيّ، وأبَوَي بكْر البيهَقِيِّ والحِيْرِيّ كَتَبُوا إليه: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن عبد الله الحافِظ، قال: سَمِعْتُ أبا إسْحاق إبْراهيم بن مُحَمَّد بن يَحْيَى يقول: أنْشَدنا مِسْعَرُ بن عليّ البَرْذَعِيّ (a)، قال: أنشَدنا عبدُ الله بن أحْمَد بن عُقْبَة الأصْبَهَانِىّ، قال: أنْشَدَنا أبو الحَسَن عليّ بن مَتُّوْيَه لأحْمَدَ بن عَاصِم الأنْطَاكِيّ
(1)
: [من الخفيف]
دَاعياتُ الهَوَى تخفُّ عَلَيْنا
…
وخلَافُ الهَوَى علينا ثَقِيْلُ
فُقِدُ الصِّدْقُ في الأماكِنِ حتَّى
…
وصْفُهُ اليَوْم ما عليهِ دَلِيْلُ
لا نَرى خَائفاً فَيُلزِمَنا الخَوْ
…
فَ ولا صَادِقاً كما قَد نَقُولُ
فبَقينا مردَّدِين حَيَارَى
…
نطْلُبُ الصِّدْقَ ما إليهِ سَبِيْلُ
أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد القَاسِم بن عليّ بن الحَسَن الحافِظُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم نَصْرُ بن أحْمَدَ بن مُقَاتِل، قال: أخْبَرَنا جَدّي أبو مُحَمَّد مُقَاتِل بن مَطَّكُوْد السُّوْسِيُّ، قال: أنْشَدَنا أبو عليّ الحَسَنُ بنُ عليّ الأهوَازِيّ، قال: أنْشَدَنا أبو القَاسِم العَطَّارُ، قال: أنْشَدَنا أبو القَاسِم ابن أبي العَقَب، قال: أنْشَدَني أبو زُرْعَة الدِّمَشقيُّ، قال: أنْشَدنا أحْمَدُ بن عَاصِم الأنْطَاكِيُّ
(2)
: [من البسيط]
هوِّنْ عليكَ فكُلُّ الأَمْر مُنْقَطِعُ
…
وخَلّ عنكَ عِنَانَ الهَمِّ يندَفعُ
فكُلُّ هَمٍّ لَهُ من بَعْدِهِ فرجٌ
…
وكُلُّ هَمّ إذا ما ضَاق يَتَّسعُ
إنَّ البلاءَ وإنْ طال الزَّمانُ بِهِ
…
فالمَوْتُ يقطَعُهُ أو سَوْفَ يَنْقَطعُ
(a) في الأصل: البردعي، بالدال المهملة. وانظر ياقوت: معجم البلدان 1: 306.
_________
(1)
الأبيات في البداية والنهاية 10: 318 (باختلاف في الرواية).
(2)
الأبيات في البداية والنهاية 10: 318.
أخْبَرَنا أبو بَكْر مَنْصور بن عَبْد المنعِم بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الفَضْل الفَرَاوِيّ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا جَدُّ أبي أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن الفَضْل الفرَاوِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعاً، قال: أخْبرَنا الإمَامُ أبو سَعيد مُحَمَّد بن علي الخَشَّاب، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين، قال: سَمِعْتُ أبا جَعْفَر الرَّازِيّ، يقول: سَمعتُ العبَّاسَ بن حمْزَة يقول: سَمِعْتُ أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، يقول: سَمِعْتُ أحْمَدَ بن عَاصِم الأنْطَاكِيّ، يقول: يَسِيْرُ اليَقِيْن يُخْرِجُ كُلّ الشَّكّ من القَلْب، ويَسِيْرُ الشَّكّ يُخْرِجُ اليَقِيْن كُلّهُ من القَلْب
(1)
.
ذِكْرُ مَنْ اسْمُ أبيْهِ العبَّاس من الأحْمَدِين
أحمدُ بن العبَّاس بن أحْمَد بن الخَوَاتِمْيِي، بو العبَّاس بن أبي الفَضْل
(2)
كان أبوه قاضي طَرَسُوس، وكان ابنُه من الثِّقَات الأُمَنَاء العُدُول المُؤَهَّليْن للرِّئاسَة.
حَكَى عنهُ القَاضِي أبو عَمْرو عُثْمان بن عبد الله الطَّرَسُوسِيّ.
قَرأتُ بخَطِّ القَاضِي أبي عَمْرو في سِيَر الثُّغُور من تأليفه، قال: وحَدَّثَني أبو العبَّاس أحْمَدُ بن العبَّاسِ بن أحْمَد الخَوَاتْيِمِيّ، وهو ابن القَاضِي، وكان ممَّن يحَتَفَّظ إذا تَكَلَّم، وبُعَدُّ من الصَّادِقين، أنَّهُ أحْصَى على أبي بَكْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن دَاوُد مُدَّة شَهْري كانون الأوَّل والآخر وعشراً من شُبَاط في كُلّ يَوْم كُسْوَة لا تُشْبه الّتي تقدَّمتها.
وقَرأتُ بخَطِّ أبي عَمْرو أيْضاً، قال: تُوفِّي أبو العبَّاس أحْمَدُ بن العبَّاس بن
(1)
الصفحة بعده [138 ب] بياضٌ في الأصل.
(2)
توفي سنة 354 هـ.
الخَوَاتِيمْيّ أوَّل يَوْم من شَهْر صَفَر من سَنَة أرْبَعٍ وخَمْسِين وثَلاثمائة، وكان يُرْجَى ويُؤهَّل للرِّئاسَة لفَضْله ونُبْله وستْره وثِقَته وعَدَالَته، وكان أَبوه القَاضِي عَلِيلاً، فلمَّا عزَّوه بهِ، وانْصَرفَ المُعَزُّون من دَاره أُمْسكَ على لسَانِه فلم يتَكَلَّم ثلاثاً ومات.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي (a)
أحمَدُ بن العبَّاس بن عُثْمان، أبو العبَّاس الكُشَانِيُّ
روَى إنْشَاداً بحَلَب عن الفَقِيهِ عليّ بن عبد الله السَّمَنْقَانِيّ، رَوَى عنهُ جَعْفَر بن الحَسَن بن أحْمَد بن عليّ أبو الفَضْل النَّيْسَابُوريّ.
أخْبَرَنا أبو هاشمِ عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميُّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْدُ الكَريِم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: أنْشَدنا جَعْفَر بن الحَسَن القَارِئُ، بعَيْن أيُّوبَ إمْلاءً، قال: أنْشَدَنا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن العبَّاسِ بن عُثْمان الكُشَانِيّ الُمْقرِئُ بحَلَبَ، قال: أنْشَدَني الفَقِيه عليُّ بن عبد الله السَّمَنْقَانِيّ لنفسِه: [من الكامل]
الدَّمْعُ ينْطقُ واللِّسَانُ كَتُومُ
…
والصَّبْرُ ناءٍ والغَرَامُ مُقِيمُ
والقَلْبُ مِن أَلِم الفِرَاقِ مُرِوَّعٌ
…
فيهِ لهجْرَانِ الحبِيْبِ كُلُومُ
ولنا على خَلَلَ المَنَازلِ وقْفةٌ
…
منَّا البُكاَءُ ومنهُمُ التَّسْلِيْمُ
فنُفَاوضُ الشَّكْوَى بكَسْرِ جُفُونِنا
…
خَوْفَ الرَّقِيبِ وسِرُّنا مَكْتُومُ
أحْمدُ بن العبَّاس بن عليّ بن نُوْبَخْت
كاشبُ أبي بَكْر مُحَمَّد بن رَائِق، كان في صُحْبَة أبي بَكْر بن رَائِق حين وَصَل إلى حَلَب وَاليًا عليها في سَنَة ثمانٍ وعشرين وثَلاثِمائة، ومَدَحَهُ أبو الفَرَج عليّ بن
(a) في الأصل بعده: "من اسم أبيه العباس من الأحمدين"، وكتب فوقه "لا"، كان قد تنبه لتقدمه.
أبي بَكْر بن العَلَاف بحَلَب بأبْياتٍ أوَّلها: [من الخفيف]
غَادِني يا غُلَامُ بالبابليِّ
وكان ابن نُوْبَخْت فَاضِلاً أَدِيباً، وكاتباً أريْباً، وله رَأي ثَاقِب، وتَدْبِير حَسَنٌ صَائبٌ، وقد ذكَرنا دُخُوله حَلَب في تَرجَمَةِ عليّ بن الحَسَن بن العَلَّاف
(1)
.
مَنْ اسْمُ أبيْهِ عبْد الله من الأحْمَدِين
أحْمَدُ بن عَبْد الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحُسَين، أبو نَصْر بن أبي مُحَمَّد بن أبي العبَّاسِ المَاسَرْجِسِيُّ المُطَّوّعيُّ
(2)
كان كَثِيْر الغَزْو والجِهاد، وخَرَج إلى طَرَسُوس مُجَاهِداً، فتُوفِّي بعد دُخُوله إلى الشَّام وهو مُتَوَجِّه إليها بأعْمَال حَلَب.
وذكَرَهُ أبو عَبْد الله الحاكِم في تاريخ نَيْسَابُور
(3)
، بما أخْبَرَنا به أبو بَكْر عبد الله بن عُمَر بن عليّ بن الخَضِر القُرَشِي، وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر الغَزَّال في كتابيهما، قالا: أخْبَرَنا أبو الخَيْر القَزْوِينيّ، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بن طَاهِر الشَّحَّامِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبَوَا بَكْر البَيْهَقِيّ والحِيْرِيّ، وأبَوَا عُثْمان الصَّابُونِيّ والبَحِيْرِيّ، فيما أذنوا لنا فيه، قالوا: أخْبَرَنا الحاكِم أَبو عَبْد الله الحافِظ، قال: أحْمَدُ بنِ عبد الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحُسَين، أبوِ نصْر بن أبي مُحَمَّد بن أبي العبَّاسِ المَاسرْجِسِيِّ، ابن ابنه الحَسَن بن عِيسَى بن مَاسرْجِس، وكان من المُطَّوِّعَةِ الكَثِيْري الجِهادِ.
سَمِعَ جَدَّهُ أبا العبَّاس، وأباهُ، وعَمّه أبا أحمد، وأبا أحْمَد والد الحُسَين، وغيرهم من أهل بَيْتِه، وسَمِعَ أبا بَكْر مُحَمَّد بن إسْحاق، وأبا العبَّاس السَّرَّاج وأقْرَانهما.
(1)
ترجمة ابن العلاف ضمن الضائع من الكتاب.
(2)
توفي سنة 351 هـ.
(3)
انظره ملخصاً في تلخيص تاريخ نيسابور للحاكم 44.
تُوفِّي أبو نَصْر المَاسَرْجِسِيّ في مُتَوَجّهِهِ إلى طَرَسُوس، وخرّجت له الفَوَائِد عند خُرُوجهِ إلى طَرَسُوس سَنَة إحْدَى وخَمْسين وثَلاثِمائة، وفيها تُوفِّي بالشَّام.
أحْمدُ بن عَبْد الله بن أحْمَد المَرْعَشِيُّ، أبو الحَسَن
حَدَّثَ عن أبي القَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز البَغَوىِّ، رَوَى عنهُ القَاضِي أبو بَكْر مُحَمَّد بن يُوسُف بن الفَضْل الجُرْجَانِيّ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر القاسِم بن أبي سَعْد بن أبي حَفْصٍ الصَّفَّار في كِتَابِهِ إليْنَا من نيسَابُور، قال: أخْبَرَنا جَدِّىِ أبو حَفْص عُمَر بن أحْمَد بن مَنْصُور الصَّفَّار، وأُخْتُه عائِشَة، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن عبْد الله بن عُمَيْر بن خَلَف الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو بَكْر مُحَمَّد بن يُوسُف بن الفَضْل الجُرْجَانِيّ - قَدِمَ علينا رَسُولاً - قال: حَدَّثني أبو الحَسَن أحْمَدُ بنُ عبد الله بن أحْمَد المَرْعَشِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم عبدُ الله بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز البَغَويّ، قال: حَدَّثَنَا طَالُوتُ بن عبد الله الجَحْدَرِيّ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّاد بن سَلَمَة، عن عَاصِم، عن أبي الأحْوَصِ، عن عبد اللهِ، قال: أتَى رَجُل إلى رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: أخْبرني عن شَهد الله بماذا شهد رَبُّنا؟ فعَال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: لمَّا خَلَق اللهُ اللَّوْحَ وسمَّاهُ مَحْفُوظاً جَعل دَفَّتَيْه من يَاقُوتَة حَمْرَاء، ثمّ خَلَق اللهُ القَلَمَ من لؤلُؤة رطبةٍ، مَشْقُوق شَفَته، يَسْتَمدُّ من غير أنْ يُسْتَمَدّ، وأقام بإزاءِ عَرْشه، وأراد منهُم الإقْرار، فقال لهم: مَنْ أنَا؟ فقالوا: أنتَ اللهُ، لا إله إلَّا أنْتَ، وحْدَك لا شَرِيك لكَ، فأمَرَ اللهُ القَلَم: اكتُب شَهِدَ، الله أنَّهُ لا إله إلَّا هُوَ، ثمّ خَلَق اللهُ المَلائِكَةَ بعلمِهِ لا يَعْلم عددَهُم إلَّا اللهُ، وأراد منهُم الإقْرار، فقال لهم: مَنْ أنا؟ فقالوا: أنْتَ الله، لا إله إلَّا أنْتَ، وحْدَك لا شَرِيك لكَ، فأمَرَ اللهُ القَلَم: اكتُب والمَلائِكَة، فكتب القَلَم والمَلائِكَة ثمّ وقَفَ، وخَلَق اللهُ آدَم عليه السلام، وسَمَّاهُ أبا
البَشَر، وخَلَق ذُرِّيَتَهُ على مثال الذّر، وأقامهُم بإزاءِ عَرْشهِ، وأرادَ منهم الإقْرار، فقال لهم: مَنْ أنا؟ فقالوا: أنتَ الله، الّذي لا إله إلَّا أنْتَ، وحْدَك لا شَرِيك لكَ، فأمرَ اللهُ القَلَم: اكتُب: وأُولوا العِلْم قائماً بالقِسْط لا إله إلَّا هو العزيز الحَكِيم.
أحمدُ بن عبْد الله بن إسْحاق، أبو الحَسَن - وقيل: أبو الحُسَين - الخَرْقِيُّ
(1)
كانَ له اخْتصَاصٌ بالمُتَّقِيّ لله قبل أنْ يَلي الخِلَافَة فلمَّا وليها خلع عليه، ووَلَّاهُ قضَاءَ مِصْر والشَّامات جميعها والحَرَمَيْن، ومرَّ في الشَّارِع والجَيْش مَعَهُ، وكان المُتَّقِيّ يُشَاركه في الرَّأي ويَقْبلِ مَشُورته، وسيَّرهُ في رَسَائِلِ عِدَّة، منها أنَّهُ كان قَدِمَ مع المُتَّقِىّ إلى الرَّقَّة حين قَدِمَها وقد جَرَى ما جرى مع تُوْزون، فسَيَّره المُتَّقِيّ رَسُولاً إلى حَلَب إلى الإخْشِيْذ أبي بَكْر مُحَمَّد بن طُغْجِ، فقَدِمَ عليه حَلَب يَسْأله أنْ يَسِيْر إليهِ ليجتَمعِ معهُ بالرَّقَّةِ ويُجدِّد العَهْد بهِ، ويَسْتَعين به على نُصْرته ويَقْتبس من رأيهِ، ولمَّا وَصَلَ أبو الحَسَن إلى حَلَب، تَلَقَّاهُ الإخْشيْذ، وأكْرمَهُ، وأظْهرَ السُّرُور والمِقَةَ
(2)
بقُرْب المُتَّقِيّ، وسارَ الإخْشِيْذ إلى المُتَّقِيَّ إلى الرَّقَّة، فأكْرمَهُ وكَنَّاهُ، وخاطبَهُ بأبي بَكْر، وَسَنَذْكُر ذلك في تَرْجَمَةِ الإخْشِيْذ
(3)
إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
أنْبَأنَا أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ الهَرَويّ، عن زَاهِر بن طَاهِر، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم البُنْدَار، عن أبي أحْمَد المُقْرئ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الصُّوْلِيّ
(4)
إجَازَةً،
(1)
توفي سنة 334 هـ، وترجمته في: قضاة مصر للكندي (بذيل كتاب الولاة) 489، الصولي: أخبار الراضي بالله والمتقي لله 200 - 201، 226، 269، 278، 284، المسعودي: مروج الذهب 5: 233 - 234، 244، تاريخ بغداد 5: 381 - 382، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 17: 230، تاريخ الإسلام 7: 675، العبر في خبر من غبر 2: 47، الوافي بالوفيات 7: 118، ابن حجر: رفع الإصر 53 (وفيه الحريري بدل الخرقي)، شذرات الذهب 4:186.
(2)
المِقَةُ: المحبَّة. لسان العرب، مادة: مقه.
(3)
ترجمة محمد بن طغج في الأجزاء الضائعة من الكتاب.
(4)
الصولي: أخبار الراضي بالله والمتقي لله 226.
قال في حَوَادِث سَنَة ثلاثين وثَلاثِمائة: وصُرِفَ القُضَاةُ عن الجانبَبن ببَغْدَاد، وتقَلَّد القَضَاء بهما أبو الحُسَينِ أحْمَد بن إسْحاق الخَرْقِيّ لأرْبعٍ (a) بَقِينَ من شَهْر رَبِيع الآخر، وخُلعَ عليه في يَوْم خَمِيْسٍ، ونَزَلَ في جامِع الرُّصَافَة، وقرأ عَهْدَهُ.
وقال أبو بَكْر الصُّوْلِيّ
(1)
في حَوَادِث سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثين وثَلاثمائة، قال: ووجَّه المتقى لله أحْمَد بن عبد الله في إسْحاق القَاضِي من الرَّقَّة إلى الأَمِير تُوْزُون ليُؤكِّد الأَيْمان عليه ويُجَدِّدَها، ووافَقَهُ على شَرائط اشْتَرَطها عليه المُتَّقِيّ لله، وأشْهد عُدُولَهُ عليه ووُجُوهَ الهاشِميِّيْن أصْحَاب المَرَاتِب الّذين يَصِلونَ إلى السُّلْطان أيَّام المَوْكب، ويقدَّمُونَ القُضَاةَ والعَالمَ في السَّلام، ويَسْمَعُون أيْمانَهُ، وما عملت (b) له منها ممَّا يُطوقون رقَبته، فوصَل القَاضِي إلى بَغْدَاد يَوْم الخَمْيِس لأرْبَعٍ خَلَوْنَ من صَفَر سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة، ففعَل جميع ما تقدَّم بهِ إليه المتَقِيّ للهِ، وكان قد وجَّه معَهُ بخِلَعٍ وطَوْق من ذَهَبٍ ليخلعَهَا على الأَمِيرِ تُوْزُون إذا فَرغ ممَّا بينَهُ وبينَهُ، ففَعَل هذا كُلّهُ إلَّا أمْر الخِلَعَ فإنَّهُ دَافع عنْهُ.
قال
(2)
: وتحدَّث النَّاسُ بمَجيء الخَلِيفَة إلى هِيْت، وخرَج القَاضِي إليه، وعرَّفَهُ جميعَ ما جَرَى، وطيَّب نَفْسَه، وسكن إلى ذلك، ورَجَعَ القَاضِي إلى الأَمِير تُوْزُون فعرَّفه ما صَنَعَ، فدَخَلَ بَغْدَاد للنِّصْف من صَفَر، ثمّ ذكَر قبضَ تُوْزُون على المُتَّقِّي لله، وأنَّهُ كحلَهُ.
قال: وعَبَرَ تُوْزُون مع المُسْتَكْفِي بالله يَوْم الأَحَد لاثْنَتي عَشرة لَيْلَة خَلَتْ من صَفَر، ونزَل بباب الشَّمَّاسِيَّةِ، وقبضَ على أبي الحُسَين عليّ بن مُحَمَّد بن مُقْلَة وَزِير المُتَّقِيّ، وعلى القَاضِي الخَرْقِيّ، وعلى جَمَاعَة معهم.
(a) في كتاب الصولي: لأيام.
(b) كذا في الأصل وفوقها "صـ".
_________
(1)
انظره ملخصاً في كتاب الصولي: أخبار الراضي 278 - 279.
(2)
أخبار الراضي بالله 280.
قال: وحَمَل القَاضِي الخَرْقِيّ إلى دار ابن شَيْرَزاد ليُؤدِّي ما بقي عليهِ من مالِ مُصَادرته الّتي فُورق عليها (a).
أحمَدُ بن عَبْد اللهِ بن الحَسَن القَاضِي، أبو الفَضْل الأنْطَاكِيُّ
من الرُّؤَسَاء، وأُولي الهَيْآتِ، والمُمَدَّحين بأنْطَاكِيَة، ومَدْحُ المُتَنَبِّي فيه يَدُلُّ على فَضْله وسَعَة عِلْمهِ.
أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد عَبْدُ العَزِيْز بن مَحْمُود بن الأخْضَر، قال: أخْبَرَنا الرَّئِيسُ أبو الحَسَن عليّ بن عليّ بن نَصْر بن سَعيد، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَات مُحَمَّد بن عبد الله بن يَحْيَى، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أَيُّوب بن الحُسَين، قال: أنْشَدَنا أبو الطَّيِّب أحْمَد بن الحُسَين المُتَنَبِّي لنَفْسِه، يَمْدحُ القَاضِي أبا الفَضْل أحْمَد بن عبد الله بن الحَسَن الأنْطَاكِيّ
(1)
: [من الكامل]
لكِ يا مَنازلُ في القُلُوب مَنَازلُ
…
أَقفَرْتِ أنْتِ وهُنّ منكِ أَوَاهِلُ
قال فيها:
جَمَحَ الزَّمانُ فلا لَذِيذٌ خالِصٌ
…
ممَّا يَشُوْبُ ولا سُرُورٌ كَامِلُ
حتَّى أبو الفَضْل بنُ عَبْدِ اللهِ رُؤْ
…
يتُهُ المُنَى وهيَ المَقَامُ الهَائِلُ
مَمْطُورَةٌ طُرقي إليهِ ودُوْنَها
…
من جُوْدِهِ في كُلِّ فَجٍّ وَابِلُ
مَحْجُوبةٌ بِسُردَاق من هَيْبَةٍ
…
يثْنِي (b) الأزمةَ والمطِيُّ ذَوَامِلُ
للشَّمْس فيهِ وللرِّياح وللسَّحا
…
بِ وللبِحَار وللأُسُودِ شَمَائِلُ
ولَدَيهِ مِلْعِقْيَان والأدَبِ المُفَا
…
دِ ومِلْحَيَاةِ ومِلْمَمَاتِ مَنَاهِلُ
(a) تمام الصفحة بياض قدر ستة أسطر.
(b) الديوان: نثنى.
_________
(1)
ديوان المتنبي بشرح العكبري 3: 249 - 258.
لو لَم تُهَبْ (a) لجَبُ الوُفُود حَوَالَهُ
…
لسَرَى إليهِ قَطا الفلَاةِ النَّاهِلُ
يَدْري بما بِكَ قَبْلَ تُظهرُهُ له
…
من ذِهْنِهِ ويُجِيبُ قَبْلَ تُسَائِلُ
وتَراهُ مُعْترضاً لها ومُوَالِياً (b)
…
أحْدَاقُنا وتحارُ حين تُقَابِلُ (c)
كَلِمَاتهُ قُضُبُ وهُنَّ فَوَاصِلٌ
…
كُلُّ الضَّرائب تَحْتَهنَّ مَفَاصِلُ
هَزَمَتْ مكَارمُهُ المَكَارِمَ كُلَّها
…
حتَّى كأنَّ المكْرُماتِ قَبائِلُ
وقَتلن دفْراً (4) والدُّهَيْمَ فما تَرَى
…
أُمُّ الدُّهَيْم وأُمُّ دَفر هَائِلُ (e)
عَلَّامَةُ العُلَمَاءَ واللُّجُّ الّذي
…
لا يَنْتهي ولكُلّ لُجّ سَاحِلُ
لو طَابَ مَوْلدُ كُلِّ حَيٍّ مِثْلَهُ
…
وَلَدَ النِّسَاءُ وما لَهُنَّ قَوَابِلُ
لو بانَ بالكَرَم الجنَين بنانَهُ
…
لدَرَت بهِ ذَكَراً أَم أُنثى الحامِلُ
ليزدْ بنو الحَسَن الشِّرَافُ تَواضُعاً
…
هَيْهات تُكْتَم في الظَّلَام مَشَاعِلُ
ستَرُوا النَّدَى سَتْر الغُرَاب سفَادَهُ
…
فبَدَا، وهَل يخفى الرَّبابُ الهَاطِلُ
أحمدُ بنُ عبد اللهِ بن حَمْدُون بن نُصَيْر بن إبْراهيم، أبو الحَسَن الرَّمْليّ المَعْرُوف بالجِبرْيْنيِّ
(1)
أَظُنُّ أنَّ أصْلهُ من بَيْت جِبْرِين، وسكَنَ الرَّمْلَة.
سَمِعَ بحَلَب أبا بَكْر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أبي إِدْرِيس إمَام جَامِعها، وبأنْطَاكِيَة أبا بَكْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن فِيْل، وحَدَّثَ عنُهما، وعن أبي مُحَمَّد عبد الله بن أَبَان بن شَدَّاد العَسْقَلانِيّ، وأبي الفَضْل عبَّاس بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن قُتَيْبَة،
(a) الديوان: يهب.
(b) الديوان: ومولِّيًا.
(c) الديوان: يقابل.
(d) في الأصل - في الموضعين - بالذال المعجمة، وهو المسك، وبالمهملة كما في رواية الديوان: النتن، والداهية وكنية للدنيا.
(e) الديوان: هابل.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 230 - 231.
وأبي هاشِم مُحَمَّد بن عَبْد الأعْلَى بن عُلَيْل الإمَام، وأبِي الحَسَن دَاوُد بن أحْمَد بن مُصَحِّح العَسْقَلانِيّ، وأبي الحَسَن مُحَمَّد بن بَكَّار بن يَزِيد السَّكْسَكِيّ الدِّمَشقيّ.
رَوَى عنهُ عَبدُ الوَهَّاب بن جَعْفَر الميدانيّ، وتَمَّام بن مُحَمَّد الرَّازِيّ (a).
أحْمَدُ بن عبد الله في سَابُور بن مَنْصُور الدَّقَّاقُ، أبو العبَّاس البَغْدَادي السَّابُورِيُّ
(1)
مَنْسُوبٌ إلى جَدِّه سَابُور، قَدِمَ حَلَب وسَمِعَ بها أبا نُعَيْم عُبيد بن هِشَام، وبَرَكَة بن مُحَمَّد الحَلَبِيَّيْن وحَدَّثَ عنهُما، وسَمِعَ بغيرها أبا بَكْر بن أبي شَيْبَة، وعبد الله بن أحْمَد بن شَبُّوَيْهَ، وسُفْيان بن وَكِيع ووَاصِل بن عَبْد الأعْلَى الكُوْفيّ، ونَصْر بن عليّ الجهضَمِيّ، ومُحَمَّد بن أبي نُوح قُرَاد.
رَوَى عنهُ أبو الحُسَين مُحَمَّد بن المُظَفَّر بن مُوسَى الحافِظ، وأبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، وأبَوَا بَكْر الأبْهَرِيُّ وابن المُقْرِئ، وعُمَر بن مُحَمَّد بن سَبَنْك (b)، وأبو مُحَمَّد عَبْدُ العَزِيْز بن الحَسَن بن عليّ بن أبي صَابر.
أخْبَرَنا أبو إسْحاق إبْراهيم بن عُثْمان الكَاشْغَرِيّ في كتابهِ، وقَرَأتُ عليهِ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن صالح بن شَافِع الجِيْلِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو
(a) الصفحة بعده بياض في الأصل.
(b) في الأصل مجوَّداً: سُنْبك، بتقديم النون على الباء، ويتكرر
على هذا الوجه فيما يلى من أجزاء الكتاب، ومثله أيضاً في بعض نسخ تاريخ بغداد (5: 371، 8: 303)، واعْتمد محقِّقُ تاريخ بغداد ما أجمعت عليه بقيَّة النسخ بما يوافق المثبت، ويعضُده ضبط ابن ماكولا في الإكمال (4: 261)، وهو من شيوخه وأحد الذين لقيهم وأخذ عنهم، فهو الأعْرَف به، والذهبي في العبر 2: 147، والنجوم الزاهرة 4: 150 (وجاء في أصوله: سنبك بتقديم النون)،
شذرات الذهب 4: 405.
_________
(1)
توفي سنة 313 هـ، وترجمته في: تاريخ بغداد 5: 371 - 372، تاريخ الإسلام 7: 261، العبر في خبر من غبر 1: 465، سير أعلام البلاء 14: 462 - 463، شذرات الذهب 4:64.
عَبْدِ اللّه مُحَمد بن عبد اللّه بن مُحمد بن البيضَاويّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المبُارَك بن عَبْدِ الجبَّار بن الطُّيُورِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحمَد الحَسَنُ بن عليّ الجوهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمدُ في المُظَفَّر بنِ مُوسىَ الحافِظُ، قال: حَدَّثَنا أحْمَدُ بنُ عبْد اللّهِ بن سَابُور الدَّقَّاق، قال: حَدَّثنا برَكة بن مُحَمد بحَلَب، قال: حدَّثَنَا يُوسُف بن أسْبَاط بن وَاصِل الشَّيْبَانِيّ، عن سُفْيان بن سَعيد، عن خالِد الحذَّاءِ، عن ابن سِيرين، عن أبي هُريرَة
(1)
: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم جَعَل الاسْتِنْشَاق والمَضْمَضَة للجنُب ثلاثاً فَرِيْضَة.
أخْبَرَنا أبو الحجَّاج يُوسُف بن خليل بنْ عبد اللّهِ الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلم المُؤيَّد بن عبد الرَّحيم بن الإخْوَة وصاحِبتُهُ عَيْن الشَّمْس، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَرَج سَعيد بن أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِيّ -قالت: إجَازَةً- قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِرْ أحْمَد بن محُمود الثَّقَفِىّ، وأبو الفَتْح مَنْصُور بن الحُسَين، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر محمد بن إبراهيم بن عليِّ المقرِئ، قال: حَدَّثَنَا أبو العباس أحمَد بن عبد اللّه بن سابُور الدَّقَّاق، قال: حدَّثنا أبو نُعَيْم الحلبيّ، قال: حدَّثنا المُعْتَمِر بن سُلَيمان، عن ليث بن أبي سُلَيم، عنِ مُجَاهِد أنَّ ابن عبَّاس -قال: سمِعْتُه عن عليٍّ- قال: ألَا أُخْبركمِ بخير النَّاسِ بعد رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بَلَى، قال: أبو بَكْر وعمَر رضي الله عنهما.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمد بن طَبَرْزَد، قِراءَةً عليهِ وأنا أسمعُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسم عليّ بن طَرَّاد بن مُحَمَّد الزَّيْنَيّ، ح.
قال ابنُ طَبرزَد: وأخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقنديّ وابن المُجْلِي، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعاً منهما أو من أحَدِهما، قالوا: أخْبَرَنا أبو القَاسم إسمَاعِيْل بن مَسْعَدَة الإسمَاعِيْليّ، قال: قُرئ على حَمْزَة بن يُوسُف السَّهْمِيّ وأنا حاضِرٌ أسمعُ، قال:
(1)
البيهقي: الخلافيات 2: 437 (رقم 783).
سَألتُ أبا الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ عن أبي العبَّاسِ أحْمَد بن عبدِ اللّه بن سَابُور الدَّقَّاق فقال: ثِقَةٌ.
أخبَرَنا أبو اليمْن زَيْد بنْ الحَسَن بن زَيد الكِنْدِيّ، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخبَرَنا أبو مَنْصور عبد الرَّحْمن بن مُحَمد بن زُرَيْق، قال: أخبرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت
(1)
، قال: أحْمَد بن عبد اللّه بن سَابُور بن مَنْصُور، أبو العبَّاس الدَّقَّاق، سَمعَ أبا بَكْر بن أبي شَيْبَة، وِأبا نُعَيْمِ عُبَيْد بن هِشَام، وبركَة بن مُحَمد الحلبِيَّين، وعبد اللّه بن أحْمد بن شَبُّويْهَ المَرْوزيّ، وسُفْيان بن وَكِيع بن الجرَاح، ونَصْر بن عليّ الجهضَمِيّ، ووَاصِل بن عَبْد الأعْلَى الكُوْفيّ. رَوَى عنهُ عمر بن مُحَمَّد بن سَبَنْك (a)، وأبو عمر بن حَيَّوْيَه، وأبو بَكْر الأبهَرِيّ الفَقِيهُ، وغيرُه.
وقال الخَطِيبُ
(2)
: أخبَرَني الأزْهَريّ، قال: قال لنا مُحَمد بن العبَّاس الخزَّازُ: ماتَ أبو العبَّاس أحْمَد بن عبد اللّه بن سَابور الدَّقَّاق يَوْم السَّبْت بالعَشيّ، ودفِنَ يَوْم الأَحد ضَحوَة لعَشرٍ بَقِينَ من المحرَّم سَنَة ثلاث عَشرة وثَلاثِمائة.
أنبَأنَا أبو الحَسَن عليّ بن المُفَضَّل المَقدِسِيّ، قال: أخبَرَنا الحافِظُ أبوِ طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمد بن أحْمَد السِّلَفِيّ الأصْبَهَانِيّ، قال: أخبَرَنا أبو الحُسَين المُباركُ بن عَبْد الجبَّار الصَّيْرَفِيّ -قرأتُ عليه من أصْل ابن الفُرَات- قال: قَرأتُ على أبي إسْحاق إبراهيم بن عمَر البرمَكيِّ: أخْبَركم أبو الحَسَن مُحَمَّد بن العبَّاس بن الفُرَات في كتابهِ، قال: قُرئ على أبي عَبدِ اللّه مُحَمد بن مخلَد ونحن نَسمعُ فأقَرَّ به وقال: نعم، قال: سَنَة ثلاث عَشرة وثَلاثِمائة، فيها ماتَ أبو العبَّاسِ أحْمَد بن عبد اللَّه بن سَابُور الدَّقَّاق في المحرَّم.
وأنبأنَا حَسَن بن أحْمَد الأَوَقيّ، قال: أخبرَنا السِّلَفيّ، قال: أخبرَنا المُبارَك بن
(a) في الأصل: سُنْبك، وتقدَّم التعليق عليه.
_________
(1)
تاريخ بغداد 5: 371.
(2)
تاريخ بغداد 5: 372.
عَبْد الجبَّار، قال أخبَرَنا أبو الحَسَن الحَرْبِيّ، قال: أخبَرَنا أبو مُحمد الصَّفَّار، قال: أخبَرَنا عَبْد البَاقِي بن قَانع، قال: سَنَة ثلاث عَشرة وثَلاثِمائة، أبو العبَّاس بن سَابُور الدَّقَّاق في المحرَّم، يعني ماتَ.
أحمدُ بن عَبْد اللّه بن سُلَيمان بن مُحَمد بن سُلَيمان بن أحْمَد بن سُلَيمان بن دَاوُد بن المُطَهَّر
بن زِيَاد بن رَبيْعَة بن الحَارِث بن رَبيْعَة بن أنْوَر بن أرْقَم بن أسحَم -وقيل: أنوَر بن أسحَمِ- ابن النُّعمان، وهو السَّاطع بن عَدِيّ بن عَبْد غَطَفَان بن عمرو بن بَريح بن جَذِيْمَة بن تَيم اللَّات -وهو مجتَمع تَنُوخ- ابن أسَد بن وبرة بن تَغْلِب بن حلْوَان بن عِمْران بن الْحاَف بن قُضاعَة بن مَالِك بن عمْرو بن مُرَّة بن زَيْد بن مَالِك بن حِمْيَر -وهو العَرَنْجج (a) - بن سَبأ بن يشجُب بن يعرب بن قحطَان بن عَابَر، وهو هود عليه السلام، أبو العَلَاءَ بن أبي مُحَمد التَّنُوخِيّ المَعَرِّيّ
(1)
قرأ النَّحو واللُّغَةَ على أبيهِ أبي مُحَمد عَبْد اللّه بمَعَرَّة النُّعْمَان، ومُحَمد بن عبد اللّه بن سَعْد النَّحْوِيّ بحَلَب.
(a) في الأصل: ابن العرنحج، بحاء ثم جيم، وصوابه المثبت بجيمين، لقبٌ لحمير وليس اسم لأبيه، انظر: سيرة ابن هشام 1: 20، الاشتقاق لابن دريد 362، 523، الخريدة للعماد الأصفهاني 16: 142، أدب الخواص للوزير المغربي 94، وفيات الأعيان لابن خلكان 1:304.
_________
(1)
توقي سنة 449 هـ، وتحفل كتب التراجم ومجامع الأدب بأخبار أبي العلاء المعري وأشعاره، وأُلِّفت فيه كتب مفردة، منها كتاب لابن العديم بعنوان الإنصاف والتحري، يذكره قريباً في ثنايا الترجمة، ومن المؤلفات المتأخره كتاب عبد العزيز الميمني الراجكوتي: أبو العلاء وما إليه (الطبعة السلفية، القاهرة، 1344 هـ).
وحَدَّثَ عن أَبيه أبي مُحَمد عبد اللّه بن سُلَيمان بن مُحَمد [بن سُليمان](a) بن محمد، وجَدّه سليمان بن محمد، وأبي الفتح محمَّد بن الحسن بن روح، ويحيى بن مِسْعَر أبي زكَرِيَّاء وأخوَيْهِ أبي المَجد مُحَّمد وأبي الهَيْثَم عَبْد الوَاحد ابني عَبْد الله، وأبي الفَرَج عبد الصَّمَد بن أحْمَد بن عبد الصَّمَد الفَقيه الضَّرِيْر الحْمِصيّ، وأبي عبد اللّهِ محمد بن يوسف الرَّقِّيّ المعروف بابنِ كَرَاكير، وأبي بكر محمد بن عبد الرَّحْمن بن عمْرو بن عبد الرَّحيم الرَّحبيّ، والقَاضي أبي عمْرو عُثْمان بن عبد اللّه الطَّرَسُوسيِّ قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان، وجَدّته أمّ سَلمة بنت الحَسَن بن إسحاق بن بُلْبُل.
ورَحلِ إِلى بَغْدَاد سَنَة ثمان وتِسعِين وثَلاثمائة، ودَخلها سَنَةَ تسعٍ وتِسعِين وثَلاثِمائة، وسمع بها أبا الحَسَن عليّ بن عِيسَى الرَّبَعيِّ، وأبا أحْمَد عَبْد السَّلام بن الحُسَين البَصْرِيّ المَعْرُوف بالوَاجْكا.
وقرأ عليه ببَغْدَاد أبو القَاسِم التَّنُوخِيّ، وابن فُوْرَجَة، ورَوَى عنهُ أبو زكَرِيَّاء
(a) أفلت في الأصل ذكر سليمان.
_________
= وترجم له: الثعالي: تتمة اليتيمة 16، الباخرزي: دمية القصر ا: 128 - 133، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5: 397 - 398، السمعاني: الأنساب 3: 91 - 94، 12: 346 - 347، خريدة القصر 12: 2 - 6، ابن الأنباري: نزهة الألباء 257 - 259، ابن الجوزي: المنتظم 16: 22 - 28، ياقوت: معجم الأدباء 1: 295 - 356، القفطي: إنباه الرواة 1: 81 - 118، ابن الأثير: الكامل 9: 636، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 19: 23 - 54، ابن الساعي: الدر الثمين 264 - 267، وفيات الأعيان 1: 113 - 116، الذهبي: تاريخ الإسلام 9: 721 - 732،= - سير أعلام النبلاء 18: 23 - 39، العبر في خبر من غبر 2: 293 - 294، الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي 186، ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار 15: 430 - 472، الصفدي: الوافي بالوفيات 7: 94 - 111، ونكت الهميان 101 - 110، تاريخ ابن الوردي 1: 539 - 547، ابن كثير: البداية والنهاية 12: 72 - 76، لسان الميزان 1: 203 - 208، الفيروزابادي: البلغة 57 - 58، اليافعي: مرآة الجنان 3: 52 - 54، النجوم الزاهرة 5: 61 - 62، بغية الوعاة 1: 315 - 317، شذرات الذهب 5: 209 - 212، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 16 - 18، الطباخ: إعلام النبلاء 4: 78 - 172، بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، القسم الثالث (5 - 6) 42 - 52.
يَحْيَى بن عليّ الخَطِيب التبِرْيزيّ، وأقام مُدّة بالمَعَرَّهَ يقرأ عليه، وأبو المكارِم عبد الوارِث بن محمد بن عبد المنعِم الأبْهَرِيّ، وأبو محمد الحسن بن علي بن عُمَرَ المعرُوف بقَحْف العِلْم، وابن أخيهِ القَاضِي أبو مُحَمد عبد اللّه بن مُحَمَّد قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان، وابنُهُ أبو المجد مُحَمد بن عبد اللّهِ بن مُحَمد، والشَّيْخ أبو الحُسَين عليِّ بن مُحَمد بن عَبْد اللَّطِيْف بن زُرَيْق المَعَرِّيّ، وابنُهُ أبو الفَضْل أحْمَد بن عليّ، روَى عنهُ سَبْعة أجْزاءٍ من حديث أبي العَلَاءَ عن شُيُوخه، وأبو الحَسَن يَحْيَى بن عليّ بن عَبْد اللَّطِيْف بن زُرَيق، وجَدُّ جَدِّي أبو الفَضْل هِبَةُ اللّه بن أحْمَد بن يَحْيَى بن أبي جَرَادَة، وأبو مُحَمَّد عبدُ اللّه بن مُحَمد بن سَعيد بن سنَان الخفاجِيّ الحَلَبِيَّان، والقَاضِي أبو الفَتْح ابن أحْمَد بن أبي الرُّوْس السَّرُوجِيَّ، والخلَيل بن عَبْد الجبَّار بن عبد اللّه التمِّيْمِيّ القُرَّائيّ، وعُثْمان بن أبي بَكْر السَّفَاقُسِيّ المغرِبيّ، وأبو التّمَّام غَالِبُ بن عِيسَى بن أبي يُوسُف الأنْصَاريُّ الأنْدَلُسِيُّ، وأبو الخَطَّاب العَلَاءُ بن حَزْم الأندَلُسِيّ، وأبو الحَسَن عليّ ابن أخيهِ أبي المجد بن عبد اللّه بن سُلَيمان، وزَيْد ابن أخيهِ أبي الهَيْثَم عَبْد الوَاحد، وأبو غَالبِ هَمَّام بن الفَضْل بن جَعْفَر بن المُهَذَّب، وأبو صالح مُحَمَّد بن المُهَذَّب بن عليّ بن المُهَذَّب، وأبو اليَقْظَان أحْمَد بن مُحَمد بن أبي الحَوَارِيّ، وأبو العبَّاس أحْمَدُ بن خلَف المُمْتع، وابن أُخْته إبْراهيم بن الحَسَن البَليغْ، ومُحَمد بن الخَضِر المَعْرُوف بالسَّابِق بن أبي مهزُول، وأبو الفَضْل بن صالح المَعَرِّيُّون، والقَاضِي أبو القَاسِم المحسِّن بن عَمْرو التَّنُوخِيّ المَعَرِّيّ، وأبو القَاسِم عُبَيْدُ اللّه بن عليّ بن عبد اللّهِ الرَّقِّيّ الأدِيب، وأبو الحَسَن رَشَاء بن نَظِيف بن مَا شَاءَ اللّهُ، وأبو نَصْر مُحَمد بن مُحَمد بن هُمَيْماه السَّالَار، وأبو الحَسَن الدُّلَفيّ الشَّاعرُ المِصِّيْصيُّ، وأبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن عليّ السَّمَّانُ، وأبو الوَلِيد الدَّربندِيُّ، وأبو طَاهِر مُحمَّدُ بن أحْمَد بن أبي الصَّقْر الأنْبارِيّ، وأبو عَبْد اللّه مُحَمد بن مُحَمد بن عبد اللّهِ الأصبَهَانيّ، وأبو الفَرَج مُحَمدُ بن أحْمَد بن الحَسَن التَبِرْيزيّ، وأبو المُظَفَّر إبْراهيم بن أحْمَد بن اللَّيْث الأذْرِيّ.
وكُتَّابه الّذين كانوا يَكْتُبون مُصنَّفاته وما يُمليه: أبو الحَسَن عليّ بن عُبَيْد اللّه بن أبي هاشِم، وابنه أبو الفَتْح مُحَمد بن عليّ، وجَعْفَر بن أحْمَد بن صالح، وأبو إسحاق إبراهيم بن عليّ بن إبراهيم الخَطِيبُ القَارِئ.
وكان خَشن العَيْش، قَنُوعاً من الدُّنْيا بمِلْكٍ ورثَهُ من أبيهِ، والنَّاس فيه مُخْتلفُونَ على مَذْهَبين؛ منهِم مَنْ يقُول إنَّهُ كان زِنْدِيقاً مُلْحِداً، ويَحْكُون عنه أشياء تَدُلُّ علِى كُفْره، ومنهم منْ يقُول إنَّهُ كان على غايةٍ من الدِّين والزُّهْد، وأنّه كان يأخذ نفسَه بالرِّيَاضَة والخشُونَة وظَلَف العَيْش، وأنَّهُ كان مُقْتَنِعاً بالقليل، غير رَاغِب في الدُّنْيا، وسأُوْرد من قَوْل كُلّ فَريق ما فيهِ كِفَايَة ومَقْنع.
وقد أفْرَدْتُ كتاباً جَامِعًا في ذكْره، وشَرَحْتُ فيه أحْوَاله، وتبيَّنتُ وَجْه الصَّوَاب في أَمره، وَسمْتُه بدَفع الظُّلْم والتَّجَرِّي عن أبي العَلَاء المَعَرِّيّ
(1)
، فَمن أرادَ مَعْرفَة حَقِيْقَة حالِه فليَنْظر في ذلك الكتاب، فإنَّ فيه غُنْيَة في بيان أمره، وتَحْقيق صحَّة اعْتقاده، وعُلو قَدْره إنْ شَاءَ اللّهُ تعالَى.
أخبَرَنا أبو عَبْد اللّهِ مُحَمد بن أبي المَعَالِي بن البنَّاءِ البَغْدَاديّ بدمَشْق، وأبو سَعْد ثَابِتُ بن مُشَرَّف بن أبي سَعْد البنَاءُ البَغْدَاديّ بحَلَب، قالا: أخبَرَنا أبو بَكْر مُحَمدُ بن عُبَيْد اللّه بن نَصْر بن الزَّاغُونِيّ، قال: حدَّثَنَا أبو طَاهِر مُحَمد بن أحْمَد بن أبي الصَّقْر الخطِيبُ الأنْبارِيُّ
(2)
، من لفظه، قال: أخبَرَنا أبو العَلَاء أحْمَد بن عبد اللّهِ بن سُلَيمان التَّنُوخِيّ، بقراءتي عليهِ في دَاره بمَعَرَّة النُّعْمَان، قال: حدَّثني أبو زَكَريَّاء يَحْيَى بن مسْعَر التَّنُوخيّ المَعَرِّيّ، قال: حدَّثنَا أبو عَروبَة بن أبي مَعْشر الحرانيّ، قال: حدَّثَنَا هَوْبَر، قال: حَدَّثَنَا مَخْلَد بن عِيسى الخيَّاط، عن أبي الزَّنَادِ،
(1)
نُشر الكتاب بعنوان: "الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري"، ضمن كتاب "تعريف القدماء بأبي العلاء"، (منشورات لجنة التأليف والنشر والترجمة، القاهرة)، وضمن كتاب إعلام النبلاء للطباخ 4: 79 - 146، ونشر مُستقلاً بتحقيق عبد العزيز حرفوش (دار الجولان 2007 م).
(2)
مشيخة أبي طاهر بن أبي الصقر 95 - 96 (رقم 29)، وفيه تخريج الحديث.
عن أنَس بن مالِك، عن النبَّي صلى الله عليه وسلم أنّهُ كان يقُول: إنَّ الحَسَد ليأكُل الحَسَنات، كما تَأكُل النَّار الحَطَبَ، وإنَّ الصَّدَقَة تُطْفِئ الخطيئَةَ، كما يُطْفِىُء الماءُ النَّار، فالصَّلاةُ نُور المُؤْمِن، والصِّيَامُ جُنَّة من النَّار.
قَرأتُ بخَطِّ أحْمد بن عليّ بن عَبْد اللَّطِيْف المَعَرِّيّ: ووُلد -يعني أبا العَلَاء- يَوْم الجُمُعَة عند غروب الشَّمْس لثلاثة أيَّامٍ مَضَتْ من شهر رَبيع الأوَّل سنَة ثَلاثٍ وسِتِّين وثَلاثِمائة.
وقَرأتُ في تاريخ جَمَعهُ أبو غَالِب هَمَّام بن الفَضْل بن جَعْفَر بن عليّ بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ التَّنُوخيّ
(1)
، قال: سنَة ثَلاث وستِّين وثَلاثِمائة، فيها وُلد الشَّيْخِ أبو العَلَاء أحْمَد بن عبد اللّه بن سُلَيمان المَعَرِّيّ التَّنُوخيّ، يَوْم الجُمعَة لثلاث بَقِين من شهر رَبيع الأول.
وسَيَّرَ إليَّ قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان أبو المَعَالِي أحْمَد بن مُدْرِك بن سُلَيمان جُزْءاً بخَطِّه، يتَضَمَّن أخْبَار بني سُليْمان، نقلَهُ من نسخةٍ عندَهُ، فقال في ذكْر أبي العَلَاء
(2)
: وُلد يَوْم الجُمعَة قبل مَغِيْب الشَّمس لسَبع وعشرين ليلَة خلتْ منِ شهر رَبيع الأوَّل سنَة ثَلاثٍ وسِتِّين وِثَلاثِمائة، واعْتَلَّ علَّة الجُدَرِيّ الًّتي ذَهَبَ بصرُه فيها في جُماَدَى الأُوْلَى من سَنَة سبعٍ وستِّين وثَلاثِمائة.
أنبأنَا أبو اليمنْ الكندِيُّ قال: أخبَرَنا أبو مَنْصور بن زُريْق، قال: أخبَرَنا أبو بكْر الخَطِيبُ
(3)
، قال: حدَّثني أبو الخَطَّاب العَلَاءُ بن حزْم الأنْدَلُسِيّ، قال: ذكَرَ لي أبو العَلَاء المَعَرِّىّ أنَّهُ وُلد في يَوم الجُمعَة لثلاثٍ بَقِين من شهَر رَبيع الأوَّل سَنَة ئَلاثٍ وسِتِّين وثَلاثِمائة.
أخبَرَنا أبو الحَسَن بن أبي جَعْفَر أحْمَد بن عليّ، وأبو المحامِد إسماعِيْل بن
(1)
تقدم التعريف بالكتاب في الجزء الأول.
(2)
انظره في الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 101.
(3)
تاريخ بغداد 5: 398.
حَامِد بن عبد الرَّحْمنِ القُوصِيّ، قالا: أخبَرَنا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن المُؤيَّد بن أبي اليَقظَان أحْمَد بن مُحَمَّد بن حَوَاري التَّنُوخِيّ المَعَرِّيّ -قال أبو الحَسَن: إجَازَةٌ- قال: أخبَرَني جَدِّي أبو اليقظَان، قال: كانَ مَوْلدُ الشَّيْخ أبي العَلَاء بن سُلَيمان المَعَرّيِّ، رحمه الله، بمَعَرَّة النُّعْمَان يَوْم الجُمُعَة مَغِيْب الشَّمْس لثَلاثٍ بَقِينَ من شَهر ربيع الأوَّل سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين وثَلاثِمائة، وجُدِّرَ في أوَّل سَنَة سَبع وسِتِّين وثَلاثِمائهَ فعَمِيَ من الجُدَرِيّ، وغَشِيَ يُمنَى حدقتَيهِ بياضًا، وأذْهَبَ اليُسْرى جُمْلَةً.
ورَحَل إلى بَغْدَاد سَنَة ثمانٍ وتِسعِين، ودخلها سَنَة تِسعٍ وتِسعِين، وأقامِ بها سَنَةً وسَبْعَةَ أشْهُر، ولَزِمَ مَنزِله عند مُنْصَرَفه من بَغْدَاد مُدَّة سَنَة أرْبعمائة، وسَمَّى نفسَهُ رَهِيْنَ المحبَسَيْن للزُومِهِ مَنزِلَهُ ولذَهَابِ عَيْنَيْه.
وتُوفِّيَ بين صَلاتي العشَاءين ليلَة الجُمُعَة الثَّالث من شهر رَبيع الأوَّل سَنَة تِسْعٍ وأرْبعين وأرْبَعِمائة، فكانَ عمرُهُ ستًّا وثمانين سَنَةً إلَّا أربَعةً وعشرين يَوْمًا، ولم يَأكُل اللَّحمِ من عُمره خَمْسًا وأرْبعين سَنةً، وقال الشِّعْر وهو ابنُ إحدَى عَشْرة سنَةً أو اثْنَتي عشْرة سنةً، رَحْمَةُ اللّه عليه.
أخبَرَنا أبو القَاسم الحُسَين بن عبد اللّه بن رَوَاحة الحَمَوِيّ، عن أبي طَاهِر أحْمَد بن مُحَمد السّلَفِيّ
(1)
، قال: سمِعْتُه -يعني أبا مُحَمَّد عبد اللّه بن الوَلِيد في غَرِيب الإيَادِيّ المَعَرِّىّ -يقول: دَخَلتُ على أبي العَلَاءِ وأنا صَبيٌّ معِ عَمِّي أبي طَاهِر نَزورُه، فرأيته قَاعِدًا علِى سجَّادَة لِبْدٍ وهو يُسَبّحُ، فدَعا لي، ومسح على رأسي، وكأنِّي أنْظُر إليه السَّاعةَ، وإلى عَيْنَيه إحداهُما بادرَةٌ والأخرى غَائرةٌ جدًّا، وهو مُجَدَّرُ الوَجْه نَحِيْف الجِسْمِ.
أخبَرَني والِدي، رحمه الله، يَأْثرهُ عن شُيُوخ الحلبِيِّيْن أنَّهُ بَلَغَهُم أنَّ أبا العَلَاء بن سُلَيمان قال: أُحقِّقُ من الألْوَان لونَ الحُمرةِ، وذلكَ أنَّني لمَّا جُدِّرْتُ
(1)
السلفي: معجم السفر 156.
ألبسَتْني أُمّيِ قَمِيْصًا أحْمَر، فأنا أذُكُر ذلك اللَّوْن وأحقِّقُه قبل العَمَى.
وقَرَأتُ فيما سَيَّره القَاضِي أبو المَعَالِي أحْمَد بن مُدْرِك قاضيِ المَعَرَّة من أخْبَار بنيِ سُليْمان، قال: ولمَّا قَدِمَ من بَغْدَاد -يعنى أبا العَلَاء- عزمَ على العُزْلَةِ والانْقِضَاب (a) من العالَم فكَتَبَ إلى أهْلِ مَعَرَّة النّعْمَان
(1)
:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتابٌ إلى السَّكنِ المُقِيمِ بالمَعَرَّة، شَملَهُم اللّهُ بالسَّعَادَهَ، من أحْمَد بن عبد اللهِ بن سُلَيمان، خَصَّ به منْ عَرَفَهُ ودَانَاهُ، سَلَّم اللّهُ الجَمَاعَةَ ولا أَسْلَمَها، وَلَمَّ شعَثَها ولا آلَمَها.
أمَّا الآن؛ فهذه مُنَاجَاتي بعدَ مُنْصَرفي (b) عن العِرَاق، مجُتَمعِ أهْلِ الجَدَل، ومَوْطن (c) بَقيَّة السَّلَف، بعد أنْ قضَيْتُ الحَدَاثَة فانْقَضَتْ، وودَّعْتُ الشَّبِيْبَةْ فَضَمتْ، وحَلبْتُ الدَّهْرَ أشْطُرَهُ، وخَبَرْتُ (d) خَيْرهُ وشَرَّهُ، فوَجَدْتُ أقْوَى (e) ما أَصْنَعُه أيَّام الحَيَاة أنْ اخْتَرتُ (f) عُزْلَةً تَجْعَلُني من النَّاس كَبَارِح الأرْوَى من سَانح النّعَامِ، وما أَلَوْتُ نَصِيْحةً لنَفْسي، ولا قَصَّرْتُ في اجْتذاب المَنْفَعَةِ إلى حَيِّزِىِ، فأجْمَعْتُ على ذلك، واسْتَخَرْتُ اللّه فيهِ بعد جَلائه عن (g) نَفَرٍ يُوثَقُ بخَصَائِلهم، فكُلُّهم رآهُ حَزْمًا، وعَدَّهُ -إذا تمَّ- رُشْدًا، وهو أمْرٌ أُسْرِي عليهِ بلَيْلٍ قَضَى سِنه (h)، وخبَتْ به النَّعامَةُ، ليسَ بنَسْج (i) السَّاعَة، ولا رَبِيْب الشَّهْر
(a) هكذا ترد في الأصل هنا وتاليه، بباء في آخرها. والانقضاب: الانقطاع، من القضب وهو القطع (لسان العرب، مادة: قضب)، ومؤداها بمعنى الانقباض أيضًا.
(b) الرسائل وياقوت: مناجاتي إياهم منصرفي.
(c) الرسائل: ومواطن.
(d) الرسائل وياقوت: وجرَّبت.
(e) الرسائل وياقوت: أوفق.
(f) قوله: "أن اخترت" ساقطة من الرسائل وياقوت.
(g) الرسائل وياقوت: علي.
(h) الرسائل: قُضِيَ برقَّة، ياقوت: قُضِي ببَقَّة.
(i) الرسائل وياقوت: بنتيج.
_________
(1)
انظر نص الرسالة في مجموع رسائله: رسائل أبي العلاء المعري 101 - 103، وأوردها ابن العديم في كتابه الإنصاف والتحري (ضمن كتاب إعلام النبلاء) 4: 124 - 125، وياقوت في معجم الأدباء 1: 319 - 320.
والسَّنَة، ولكنَّهُ غَذِيُّ الحِقَب المُتقادِمَة، وسَلِيْل الفِكْر الطَّويل.
وبادَرْتُ إعْلَامَهُم ذلك، مَخافَة أنْ يتفَضَّل منهم مُتَفَضِّلٌ بالنُّهُوض إلى المَنْزل الجَارِيَة عادَتي بسُكْنَاهُ ليلْقَاني فيه، فيَتَعذَّر ذلك عليه، فأكُونُ قد جَمَعْتُ بين سَمْجين: سُوءَ الأدَبِ، وسُوءِ القَطِيْعَة، ورُبَّ مَلُومٍ لا ذَنْبَ له. والمثَل السَّائرُ: خَلّ أمرأً وما اخْتَار، وما أَسْمَحَت القُرُون الإيَابَ (a) حتَّى وعَدْتُها أشياءَ ثلاثةً: نبْذةً كنَبْذة فَتِيْق النُّجُوم، وانْقِضَابًا من العَالَم كانْقِضَاب القَائِبَة (b) من القُوْبِ، وثَبَاتًا في البَلَدِ أنْ جَالَ (c) أهلُه من خَوْف الرُّوم، فإنْ أبَى مَنْ يُشْفِقُ عليَّ أو يُظْهِرُ الشَّفق إلَّا النَّفْرَة مع السَّوَادِ، كانت نَفْرةَ الأعْضَب (d) والأَدْمَاءَ.
وأَحْلِفُ: ما سَافَرتُ اسْتَكْثرُ من النَّشَبِ، ولا أتكثَّرُ بلقاء الرِّجَال، ولكن آثرْتُ الإقامةَ بدار العِلْم، فشَاهَدْتُ أنْفَسَ ما كان (e) لم يُسْعف الزَّمَن بإقامِتي فيه، والجاهِلُ مُغالبُ القَدَر، فلَهِيْتُ عمَّا اسْتَأثَر به الزَّمانُ، واللّهُ يَجْعَلُهُم أحْلَاسَ الأوْطَان لا أحْلَاسَ الخَيْل والرِّكَاب، ويُسْبِغُ عليهم النِّعْمَة سُبُوْغَ القَمْراءَ الطَّلْقة على الظَّبْي الغَرير، ويُحْسنُ جزاءَ البَغْدَاديّينَ، فلقَدْ وصَفُوني بما لا أسْتَحقّ، وشهدُوا لي بالفَضيْلَة على غير عِلْم، وعَرَضُوا عليَّ أمْوالَهم عَرْضَ الجِدِّ، فصادفُوني غير جَذِلٍ بالصِّفَاتِ، ولا هَشّ إلى مَعْرُوف الأقْوَام. ورَحَلْتُ وهُمْ لرِحْلَتي كارهُونَ، وحَسْبي اللّهُ وعليه فليَتوكَّل المُتَوَكّلِونَ
(1)
.
قال
(2)
: وإنَّما قيل له رَهْن المَحْبسَين للزُومِهِ مَنْزِله، وكفّ بَصره، وأقام
(a) الرسائل وياقوت: وما سمعت القرون بالإياب.
(b) في الأصل: القائية، والصواب ما أثبت كما هو في نشرة الرسائل وياقوت، والقائبة هي البيضة، وهو مثل يُضرب.
(c) الرسائل وياقوت: حال.
(d) الرسائل وياقوت: الأعفر.
(e) الرسائل وياقوت: أنفس مكان.
_________
(1)
اقتباسٌ من الآية الكريمة: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} الآية [الزمر: 38].
(2)
انظره في الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 125 - 127، وفيه من أبيات القصيدة ضعف عدد الذي كتبه هنا.
مُدَّةً طَوِيلَةً في مَنْزِله مُحْتَجبًا لا يَدْخُل عليه أحَدِّ، ثمّ إنَّ النَّاسَ تَسَبَّبُوا إليه حتَّى دخَلُوا عليه، فكتَبَ الشَّيْخُ أبو صالحِ مُحَمَّد بن المُهَذَّب إلى أخيه أبي الهَيْثَم عَبْد الوَاحِد بن عبد اللّه بن سُلَيمان رحِمهما اللّهُ في ذلك:[من الطويل]
بشَمْسِ زَرُودٍ لا ببَدْرِ مَعَانِ
…
أَلمَّا وإنْ كانَ الجَمِيْعُ شَجَاني
يقول فيها:
أبا الهَيْثَمِ اسمَعْ ما أقُوْلُ فإنَّما
…
يُعيْن علىِ ما قُلْتُ خَيْر مُعَانِ
قَرِيْضي هجَاءٌ إنْ حرَمْت مَدِيْحَهُ
…
لأرْوَعَ وضَّاحَ الجَبِيْن هَجَانِ
أطَلَّ على بَغْدَادَ كالغَيْثِ جَاءَهَا
…
بأَسْعدِ نَجْمٍ في أَجَلِّ أوَانِ
نَضَاهَا ثيابَ المَحْل وَهْيَ لِباسُها
…
وبَدَّلَها من شِدَّة بلِيَانِ
فيا طيْبَ بَغْدَاد وقد أَرَجَتْ بهِ
…
على بُعْدِها الأطْرافُ من أرَجَانِ
غَدَا بكُمُ المَجْدُ المُضِيءُ وإنَّهُ
…
ليُقْمَرُ من أضْوَائهِ القَمَرانِ
مُسِرِّ المَعَالِي دُوْنَنا هل يُسِرُّها
…
بُطُونَ وهَاد أو ظُهُورَ رعَانِ
نَأَى ما نأى والمَوْتُ دونَ فِرَاقهِ
…
فما عُذْرُهُ في النَّأي إذ هُوَ دَانِ
فكُن حَاملًا منِّي إليه رِسَالةً
…
تُبَيّنُ ليْنًا في هضَابِ أبَانِ
فإنْ قال: أَخْشَى من فُلَانٍ تَشَبُّهًا
…
فقُل: ما فُلَانٌ عندنا كَفُلَانِ
هُوَ الخِلُّ ما فيه اخْتِلالُ مَوَدَّةٍ
…
فلا تَخْشَ منهُ زلَّةً بضَمَانِ
فإنْ خُنْتُ عَهْدًا أو أسَأْتُ خليْقةً
…
ولم يَكُ شَأني في المَوَدَّةِ شَاني
فلَا أَحْسَنَتْ في الحَرْب إمْسَاكَ مَقْبضي
…
يَميني ولا يُسْراي حفْظَ عنَاني
لعَلَّ حَياتي أنْ تَعُودَ نَضِيرَةً
…
لديهِ كما كانتَ وطيب زَماني
قُلتُ: وكان أبو صالح بن المُهَذَّب (a) قائل هذا الشِّعْر (b) ابنَ عَمَّة أبي العَلَاء.
(a) الأصل: المهلَّب!.
(b) الأصل: الشهر.
وكان أبو العَلَاءَ مُفْرِط الذَّكَاء والحِفْظ، وأخْبَرَني والِدي رحمه الله فيما يَأْثِرهُ عن أسْلَافه أنَّهُ قيل لأبي العَلَاءِ: بِمَ بلغْتَ هذه الرُّتْبَة في العِلْم؟ فقال: ما سَمِعْتُ شيئًا إلَّا حَفِظتُه، وما حَفظْتُ شيئًا فَنَسِيتُه.
وحَكَى لي أيضًا وِالدي فيما يَأْثِرهُ عنِ سَلَفه
(1)
، قال: سارَ أبو العَلَاء من المَعَرَّة إلى بَغْدَاد، فاتَّفَقَ عند وُصُوله إليها مَوْت الشَّريف أبي أحْمَد الحُسَين والد المُرْتَضَى والرَّضِيّ، فدخَلِ إلى عزيَّته، والنَّاس مُجْتَمعُون، فَتَخطَّى النَّاس في المَجْلِس، فقال له بعضُهُم ولم يَعْرفه: إلى أَينَ يا كَلْب؟ فقال: الكَلْب مَنْ لم يَعْرف للكَلْب كَذَا وكَذَا اسْمًا، ثمّ جلسَ في أُخْرَيَات النَّاس إلى أنْ أنشَدَ الشُّعَراء، فقام وأنْشَد قَصْيدَته الفائيَّة الّتي أوَّلها:[من الكامل]
أودَى فليْتَ الحادِثَاتِ كَفَافِ
…
مَالُ المُسيْفِ وعَنْبَرُ المُسْتَافِ
(2)
يَرْثِي بها الشَّريف المُتَوفَّى، فلمَّا سَمِعها الرَّضِيّ والمُرْتَضَى قاما إليه ورفَعا مَجْلسَه إليهما، وقالا له: لعلَّكَ أبو العَلَاء المَعَرِّيّ؟ فقال: نعم، فأكْرَماهُ واحْترَماهُ، وطَلَب أنْ تُعْرضَ عليه الكُتُب الّتي في خَزَائن بَغْدَاد، فأدْخِل إليها وجَعَل لا يُعْرض عليه كتَاب إلَّا وهو على خَاطِره، فعَجبُوا من حِفْظه.
وزَادني غير والدي أنَّه لمَّا أنْشَد: [من الكامل]
أودَى فليْتَ الحادِثَاتِ كَفَافِ
قيل له: كِفَاف، فأعادَها: كَفَاف، فتأمَّلوا ذلك وعرفُوا أنَّ الصَّوَاب ما قال.
أخْبَرَنا الشَّريفُ أبو عليّ المُظَفَّرُ بن الفَضْل بن يَحْيَى العَلَويّ الإسْحَاقِيّ، إجَازَةً كَتَبَها لي ببَغْدَاد وأنا بها، وقد اجْتَمَعْتُ به بحَلَب وعَلَّقتُ عنه
(1)
انظره في الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 122 - 123.
(2)
سقط الزند 31 - 38، والبيت الأول من القصيدة في ضوء السقط 251.
فَوَائِد
(1)
، قال: حَدَّثَني والدي رضي الله عنه وأرْضَاهُ يَرْفعُه إلى ابن مُنْقِذ، قال: كان بأنْطَاكِيَة خِزَانَهَ كُتُب، وكان الخَازِن بها رَجُلًا عَلَويًّا، فجلَسْتُ يَوْمًا إليه، فقال: قد خَبَّأتُ لك غَريبهً طَرِيفَةً لم يُسْمَع بمثْلها في تاريخ ولا كتاب مَنْسُوخ، قُلتُ: وما هي؟ قال: صَبِيُّ دُونَ البُلُوغ ضَرِيْرٌ يتردَّدُ إليَّ، وقد حَفَّظْتُه في أيَّام قَلائل عدَّة كُتُب، وذاكَ أنَّني أقرأ عليه الكُرَّاسَة والكُرَّاسَتَيْن مرَّةً وَاحدَةً فلا يَسْتَعيْد إلَّا ما يَشُكُّ فيه، ثمّ يَتْلُو عليَّ ما قد سَمِعَهُ كأنَّهُ قد كان مَحْفُوظَهُ، قُلتُ: فلعَلَّهُ يكُون يحفَظُ ذلك، قال: سُبْحَان اللّه كُلّ كتاب في الدُّنْيا يكونُ مَحْفُوظًا له! وإنْ كان ذلكَ كذَلكَ فهو أعْظَمُ.
ثمّ حَضَر المُشَار إليه، وهو صَبيٌّ دَمِيْمِ الخِلْقَة، مَجْدُور الوَجْهِ، على عَيْنَيهِ بياضٌ من أثَر الجُدَرِيّ كأنَّهُ ينظرُ بإحْدى عَيْنيه قَليلًا، وهو يتَوَقَّد ذَكَاء، يقُوْدُهُ رَجُلٌ طُوَالٌ من الرِّجَال أحْسِبُهُ يقْربُ من نسَبهِ، فقال له الخَازِنُ: يا ولدي، هذا السَّيِّد رَجُل كبيرُ القَدْر، وقد وَصفْتُكَ عندَهُ، وهو يُحبُّ أنْ تَحْفَظ اليَوْمَ ما يَخْتارهُ لكَ، فقال: سَمْعًا وطاعةً؛ فليَخْتَر ما يُريد.
قال ابن مُنْقِذ: فاخْتَرتُ شيئًا وقرأتُه على الصَّبِيّ، وهو يَمُوْج ويَسْتَزيدُ، فإذا مرَّ بهِ شيءٌ يحتاجُ إلى تَقْريره في خَاطِره يقول: أَعِدْ هذا، فأُرَدِّدُهُ عليه مرَّةً وَاحدَةً حتَّى انْتَهَيْتُ إلى ما يَزِيدُ على كُرَّاسَةٍ، ثمّ قلتُ له: يُقْنِع هذا من قِبَل نَفْسي، قال: أَجَلِ حَرَسكَ اللّهُ، قُلتَ: كذَا وكذَا وتلا عليَّ ما أمليْتُه عليه وأنا أعارضُه بالكتاب حَرْفًا حَرْفًا حتَّى انتهَى إلى حيثُ وقَفْتُ عليه، فكادَ عَقْلي يذهَبُ لِمَا رأيتُ منه، وعَلِمْتُ أنْ ليسَ في العالَم مَنْ يَقدر على ذلك إلَّا أنْ
(1)
نقل ابن العديم عن كتاب المظفر بن الفضل في كتابه الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 130، من خلال نسخة سيرها له بعض الحلبيين، وكان ذلك قبل اجتماعه بمؤلف الكتاب ببغداد كما يذكر.
يَشاءَ اللّه، وسألتُ عنه فقيل لي: هذا أبو العَلَاءِ التَّنُوخِيّ من بَيْت العِلْم والقَضَاءِ والثَّرْوَة والغَنَاء (a).
قُلتُ: ذِكْرهُ لهذه الحِكايَة أنَّها كانتْ بأنْطَاكِيَةَ لا يَصِحُّ، فإنَّ أنْطَاكِيَة اسْتَوْلَى عليها الرُّومُ وانْتَزعُوها من أيْدي المُسْلمِيْن في ذِي الحِجَّة سنَة ثمانٍ وخَمْسِين وثَلاثِمائة، ووُلِدَ أبو العَلَاءِ بعدَ ذلك بأرْبَع سِنِين وثلاثة أشْهُر، وبقيَتْ أنْطَاكِيَةُ في أيْدي الرُّوم إلى أنْ ماتَ أبو العَلَاء بن سُلَيمان في سَنَة تِسْعٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة وبعده إلى أنْ فَتَحها سُليْمانُ بن قُطَلْمش في سَنَة سَبعٍ وسَبْعِين وأرْبَعِمائة، فكيف يُتَصَوَّر أنْ يكونَ بها خِزَانَة كُتُبٍ وخَازِن عَلَويّ وهي في أيْدِي الرُّوم، ويُشْبه أنْ تكون هذه الوَاقِعَةُ بكَفَرْ طَاب أو بغيرها، وقد يتصحَّف كَفَرْ طَاب بأنْطَاكِيَة، وابن مُنْقِذ أبو المُتَوَّج مُقَلَّد بن نَصْر بن مُنْقِذ كان من أقْرَان أبي العَلَاء، وكانت له كَفَرْ طَاب فيُحْتمل أنْ يكون ذلك كان معه، واللّهُ أعْلَمُ.
وقَرَأتُ في كتاب جِنَان الجِنَان، ورباض الأذْهَان، لابن الزُّبَيْر المِصْرِيّ ما يُناسب هذه الحِكايَة، قال ابنُ الزُّبَيْر
(1)
: حَدَّثَني القَاضِي أبو الفَتْح مَحْمُود ابن القَاضِي إسْمَاعِيْل بن حُمَيْد الدِّمْياطِيّ، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حَدَّثَني هِبَةُ اللّه بن مُوسَى المُؤيَّد في الدِّين، وكانتْ بينَهُ وبينَ أبي العَلَاء صَدَاقَةٌ ومُرَاسلَةٌ، قال: كُنْتُ أسْمَعُ من أخْبَار أبي العَلَاء وما أُوتيَهُ من البَسْطة في عِلْم اللِّسَان ما يَكْثُر تَعَجُّبي منهُ، فلمَّا وصَلْتُ المَعَرَّة قَاصِدًا للدِّيَار المِصْرِيّةِ لم أقَدِّم شيئًا على لقائهِ، فحضَرتُ إليه، واتَّفَق حضُور أخي معي، وكُنتُ بصَدَد أشْغَالٍ يحتاجُ إليها المُسَافِر فلم أسْمَح بمُفَارقته والاشْتغال بها، فتحدَّثَ معي أخي حَدِيثًا باللِّسَان الفَارِسِيِّ، فأرشَدْتُه إلى ما يَعْمله فيها، ثمّ عُدْتُ إلى مُذَاكَرَة أبي العَلَاء، فتجارينا الحَدِيْثَ
(a) الأصل: والعناء، ولا يوافق المُراد.
_________
(1)
انظر الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 128 - 129.
إلى أنْ ذَكَرْتُ ما وُصِفَ به من سُرْعَة الحِفْظ، وسَألتُه أنْ يُريَني من ذلك ما أحْكِيه عنه، فقال: خُذ كِتَابًا من هذه الخِزَانَة -لخِزَانَة قريبةٍ منه- واذْكُر أوَّلَهُ، فإنِّي أُوْردُهُ عليك حِفْظًا، فقُلتُ: كتَابُكَ ليس بغَرِيْب إنْ حَفِظْته، قال: قد دار بَيْنَك وبين أخيْك كلام بالفَارِسِيَّةِ إنْ شئتَ أعدتُه، قُلتُ: أَعِدْهُ، فأعادَهُ ما أخَلَّ والله منهُ بحَرْفٍ! ولم يكُن يَعْرفُ اللُّغَةَ الفَارِسِيَّةَ.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفضل إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد السَّمْعَانيّ
(1)
، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال، وذَكَرَ أبا العَلَاء بن سُلَيمان: وحَكى تِلْمِيْذُه أبو زَكَرِيَّاء التَّبْرِيْزِيّ أنَّهُ كان قَاعِدًا في مَسْجِده بمَعَرَّة النُّعْمَان بين يَدَيْهِ يَقْرأُ عليه شَيئًا من تَصَانِيْفه، قال: وكنتُ قد أتْمَمْتُ عندَهُ سَنَتَيْن ولم أرَ أحدًا من بَلَدِي، فدَخَل مُغَافَصَةً (a) المَسْجِدَ بعضُ جِيْرَاننا للصَّلَاة، فرأيتُه وعَرَفْتُه، وتغيَّرتُ من الفَرَح، فقال لي أبو العَلَاء: ما أصابكَ، فحكيتُ له أنِّي رأيتُ جارًا لي بعد أنْ لَم ألْقَ أحدًا من بَلَدِي منذُ سِنِين، فقال لي: قُم وكَلِّمه، فقُلتُ: حتَّى أُتَمِّم السَّبَق، فقال: قُم أنا أنتظرُكَ، فقُمْتُ وكَلَّمْتُهُ بالأذَرْبَيجِيَّةِ (b) شيئًا كَثيرًا، إلى أنْ سألتُ عن كُلِّ ما أردْتُ، فلمَّا عُدْتُ وقَعَدْتُ بينَ يَدَيْهِ، قال لي: أيُّ لِسَان هذا؟ قُلتُ: هذا لسَانُ أهل أَذْرَبِيْجَان. فقال: ما عرفْتُ اللِّسَانَ ولا فهمتُه غير أنِّي حَفِظتُ ما قُلْتُما، ثمّ أعاد لفْظَنا بلفْظِ ما قُلْنا، فجَعَل جاري يتعجَّب غاية العَجَب، ويقول: كيف حَفِظ شيئًا لم يَفْهَمْهُ.
وأخْبَرَني عنه بمثل هذه الحِكايَة والدي، رحمه الله، يَأْثُرهُ عن أسْلَافه، قال
(2)
: كان لأبي العَلَاء جَارٌ أعْجَميّ، فاتَّفَقَ أنّهُ غابَ عن مَعَرَّة النُّعْمَان، فحضَر
(a) مغافصة: أي فجأة، وتحرفت في نشرة أنساب السمعاني: معنا صفة المسجد.
(b) السمعاني: بلسان الأذربية.
_________
(1)
الأنساب 3: 93 - 94، ونقله ابن العديم في كتابه الإنصاف والتحري (ضمن كتاب إعلام النبلاء) 4:128.
(2)
انظر: الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 129.
رَجُلٌ أعْجَميٌّ يطلبُهُ قد قَدِمَ من بلَده فوَجدَهُ غائبًا، ولم يمُكنهُ المقام، فأشَار إليهِ أبو العَلَاء أنْ يَذْكر حاجتَهُ إليه، فجعَل ذلك الرَّجُل يتكلَّم بالفَارِسِيَّة وأبو العَلَاء يُصْغي إليه إلى أنْ فَرغ من كلامهِ، ولم يكُن أبو العَلَاء يَعْرف باللِّسَان الفَارِسِيّ، ومَضَى الرَّجُل، وقَدِمَ جَاره الغائبُ، وحَضَر عند أبي العَلَاء، فذَكَر له حال الرَّجُل، وجَعَلَ يَذْكرُ لهُ بالفَارِسِيَّةِ ما قال، والرَّجُل يَبْكي ويَسْتَغِيث ويَلطم، إلى أنْ فَرِغ من حديثِهِ، وسُئل عن حالهِ، فأخْبرهم أنَّهُ أخْبَر بمَوْتِ أبيهِ وإخْوَته وجَمَاعة من أهله.
قال لي والدي
(1)
: وممَّا بلَغَني من ذكائهِ أنَّ جارًا سَمَّانًا كان له، وبينَهُ وبين رَجُل من أهل المَعَرَّة مُعَاملة، فجاءه ذلك الرَّجُل وحَاسَبه برِقَاع كان يَسْتدعي فيها ما يأخُذ منه عند دعْو حَاجته إليهِ، وكان أبو العَلَاء في غُرْفَة له يسمَعُ مُحاسبَتَهما. قال: فسَمِعَ أبو العَلَاءِ السَّمَّان المَذْكُور بعد مُدَّة يتأوَّهُ ويتمَلْمَلُ، فسَأله عن حَالهِ، فقال: كنتُ حاسَبْتُ فُلَانًا برِقَاعٍ كانت لهُ عندي، وقد عَدمتُها ولا يَحْضرُني حِسَابه، فقال له: ما عليكَ من بأسٍ، تعال إليَّ فأنا أُمْلي عليك حِسَابَهُ، وجَعَل يُمْلِي مُعَاملته جميعها رُقْعَةً رُقْعَةً، والسَّمَّان يكتُبُها إلى أنْ فَرغ وقام، فما مَضَت إلَّا أيَّام يَسِيْرةٌ ووَجَد السَّمَّان الرِّقَاع وقد جَذَبَها الفأرُ إلى زَاوِيَة في الدُّكَّان، فقابَلَ بها ما أمْلاهُ عليه أبو العَلَاء، فلم تخرم حَرْفًا واحدًا.
أخْبَرَني القَاضِي أبو المَعَالِي أحْمَد بن مُدْرِك بن سَعيد بن مُدْرِك بن عليّ بن سُلَيمان قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان
(2)
، قال: أخْبَرَني جَمَاعَةٌ من سَلَفنا أنَّ بعضَ أُمَرَاءِ حَلَب قيل له: إنَّ اللُّغَة الّتي ينقلُها أبو العَلَاء إنَّما هي من الجَمْهَرَة، وعندَهُ نُسْخة من الجَمْهَرَة ليسَ في الدُّنْيا مِثْلُها، وحَسَّنوا له طَلَبها منه قَصْدًا لأذاهُ، فسَيَّر أمير
(1)
الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 129.
(2)
انظر: الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 133.
حَلَب إليه مَنْ يطلبها منهُ، فقال للرَّسُول: سَمْعًا وطاعةً للأمِيْر، تُقِيم عندنا هذه الأيَّام حتَّى نَقْضِي شُغْلك، ثمّ أمرَ مَنْ يَقْرأ عليه كتاب الجَمْهَرَة، فقُرئت عليه حتَّى فرغت، ثمّ دَفَعَها إلى الرَّسُول، وقال: ما قصَدْتُ بذلك إلَّا بأنْ أُمرهَا على خَاطِري خَوْفًا من أنْ يكُون قد شَذَّ منها شيء عن خاطِري، فعادَ الرَّسُول بها وأخْبَر أمير حَلَب بذلك، فقال: مَنْ يكون هذا حاله لا يجوز أنْ يُؤْخَذَ منه هذا الكتاب، وأمَرَ برَدِّهِ إليه.
قُلْتُ: وكان أبو العَلَاء قد سَمِعَ الجَمْهَرَة من أبيهِ أبي مُحَمَّد عبد اللهِ، وسَمِعَها أبوه من أبي عبد الله الحُسَين بن خَالَوَيْه ورَوَاها أبو عَبْد الله عن ابن دُرَيْد الأزْدِيّ.
وسَمِعْتُ أبا المَعَالِي قاضي المَعَرَّة يقول
(1)
: سَمِعْتُ جَمَاعَةً من أهلنا يقُولونَ: كان الشَّيْخ أبو العَلَاء مُتَوَقِّد الخَاطِر على غايةٍ من الذَّكَاء من صِغَره، وتحدَّث النَّاسُ عنه بذلك، وهو إذ ذاكَ صَبيٌّ صغيرٌ، فكان النَّاس يأتُونَ إليه ليُشَاهدوا منه ذلك، فخرَجَ جَمَاعَة من أهل حَلَب إلى نَاحِيَةِ مَعَرَّة النُّعْمَان وقصَدُوا أنْ يُشَاهدُوا أبا العَلَاء، فدخلُوا إلى مَعَرَّة النُّعْمَان وسألُوا عنه، فقيل لهم: هو يلعَبُ مع الصِّبْيَان، فجاءوا إليه وسَلَّمُوا عليه، فرَدَّ عليهم السلام، فقيل له: إنَّ هؤلاء جَمَاعَةٌ من أكَابِر حَلَب جاءُوا ليَنْظرُوك ويَمْتحنُوك، فقال لهم: هل لكم في المُقَافَاة؟ فقالوا: نعم، فجَعَل كُلّ واحدٍ منهم يُنْشد بَيْتًا وهو يُقافيهِ حتَّى فرغ مَحْفُوظهُم بأجْمَعهم وقَهَرَهُم، فقال لهم: أعَجِزْتُم أنْ يَعْمَل كُلّ واحدٍ منكم بَيْتًا يُقَافي به عند الحاجَة؟ فقالوا له: فافْعَل أنتَ ذلك، فجَعَل يُجِيبُ كُلّ واحدٍ منهم من نَظْمه في مُقَابلة ما أنْشَده حتَّى قهَرَهُم، فعجبُوا منه وانْصَرَفُوا.
(1)
هو أحمد بن مدرك، المسند عنه في الرواية قبله، وانظر كلامه في الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4:132.
ومن أعْجَب ما بلغَني من ذَكَائهِ، ما حَدَّثَني به والدي، رحمه الله، قال: بَلَغَني أنَّهُ لمَّا سافَرَ أبو العَلَاء إلى بَغْدَاد، وأقام بها المُدَّةَ الّتي أقامهَا، اجْتازَ في طَريقه وهو مُتَوَجِّهٌ بشَجَرَة، وهو رَاكِبٌ على جَمَلٍ، فقيل له: طَأْطِئ رَأْسَك لئلا تَلْحقك الشَّجَرة، ففَعَلَ ذلك، فلمَّا عاد من بَغْدَاد ووصَلَ إلى ذلك المَوضِع، وكانت الشَّجَرة قد قُطِعَتْ، طَأْطَأ رأسَهُ، فقيل له في ذلك، فقال: ها هنا شَجَرَة، فقال له: ما ها هنا شَجَرَة، فقال: بَلَى، فحَفَرُوا في ذلك المَوضِع، فوجَدُوا أصْلَها، واللهُ أعْلَمُ.
أخْبَرَني بعضُ أهل المَعَرَّة بها، قال
(1)
: كان أبو العَلَاء المَعَرِّيّ يَشْربُ الماء من بئر بالمَعَرَّة يقال له بئر القَرَامِيْد، وكان يَسْتَطيب ماءَهُ، فلمَّا رَحَل إلى بَغْدَاد، سيَّرتْ له والدتُه من مَاءِ بئر القَرَامِيْد شيئًا، فلمَّا وَصَل الماء لم يُعْلِمُوه به، وسَقوه منه، فلمَّا شَرِبه قال: لا إله إلَّا الله! ما أشْبَهَ هذا الماءَ بماءِ بئر القَرَامِيْدِ!.
وأخْبَرَني الوَزِيرُ الفَاضِل مُؤيَّد الدِّين أبو طَالِب مُحَمَّد بن أحْمَد بن العَلْقَمِيّ ببَغْدَاد، قال: سَمِعْتُ شَيْخي في النَّحو ابن أَيُّوب يقولُ: كان ببَغْدَاد رَجُل من أهْل العِلْم يقال له: أبو القَاسِم، وكان أَدِيْبًا، وبينه وبين أبي العَلَاء بن سُلَيمان مُكَاتَبات قد تكرَّرت، ولم يكونا اجْتَمَعا، فاتَّفَقَ أنَّ أبا القَاسِم المَذْكُور قَدِمَ الشَّامَ، ودخَل على أبي العَلَاء، ولم يكن رآهُ قبل ذلك، فسلَّم عليه فقال له: أبو القَاسِم؟ فقال: نعم، فقيل له: كيف عرفتَ أنَّهُ أبو القَاسِم؟ فقال: أخذْتُ اسْمَهُ من كَلَامهِ.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ: سَمِعْتُه - يعني أبا الزَّاكِي حَامِد بن بَخْتِيار خَطِيب الشَّمْسَانيَّة - يقول: سَمِعْتُ عَبْد المُنْعِم - يعني أبا المُهَذَّب بن أحْمَد بن أبي الرُّوْس - يقول: سَمعْتُ أخي - يعني أبا الفَتْح - يقول: دَخَل أبو العَلَاء المَعَرِّيّ يَوْمًا على عَمِّه القَاضِي أَبي مُحَمَّد التَّنُوخِيّ، فلمَّا رآه من بعيدٍ يَقْصدُهُ، قال
(1)
انظر: الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 133.
لجَارِيَةِ لهم: قُومي إلى سَيِّدك وخُذِي بيده، فقامَت وأخَذَت بيَده، فلمَّا قام أشار إليها أيْضًا، فأخَذَت بيده لتوصلَهُ إلى حُجْرته، فلمَّا أخَذَ يدها الْتَفَتَ إلى عَمِّه وقال: دَخَلْتُ وهذه الجَارِيَة بِكْر، والآن فهي ثَيِّب، فقال: ومن أين تَعْلم، أَيُوحُى إليك؟ فقال: حاشَى وكَلَّا، قد انْقَطع الوَحْي بعد المُصْطَفَى مُحَمَّد عليه السلام، ولكنِّي لمَّا دَخَلتُ مَسَسْتُ يدها وعَصَب الزَّند كالأوْتَار المَشْدُودة، فعلمتُ أنَّها بِكْر، والآن فقد ارْتَخت، فعلمتُ أنَّ البكوريَّة زالَتْ، فبحث القَاضِي أبو مُحَمَّد وإذا ابن له قد دَخَلَ بها في تلك السَّاعَة.
وهذا القَاضِي أبو مُحَمَّد هو ابن أخي أبي العَلَاء، وأبو العَلَاء عَمّه، ولعلَّ بعض رُواة هذا الخَبَر نَقَلهُ من حِفْظه، فاشْتَبه عليه أي الرَّجُلين عَمّ صَاحبه، فوَهِمَ، واللهُ أعْلَمُ.
أخْبَرَنا أبو يَعْقُوب يُوسُف (a) بن مَحْمُود بن الحُسَين السَّاوِيّ بالقَاهِرَة، عن الحافِظ أبي طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن عليّ بن بَرَكات بن مَنْصُور التَّاجر الرَّحبِيّ بالذَّنَبَةِ من مُضَافَاتِ دِمَشْق يقول: سَمِعْتُ أبا عِمْرَان المَعَرِّيّ يقول: عُرِضَ على أبي العَلَاء التَّنُوخِيّ الكَفِيْف كَفٌّ من اللُّوْبيَاء، فأخَذَ منها واحدةً ولَمَسَها بيده، ثمّ قال: ما أدْري ما هي إلَّا أنِّي أُشَبِّهُه بالكلُيَةِ، فتَعَجَّبُوا من فِطْنَتِهِ وإصَابَةِ حَدْسِهِ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الله بن الحُسَين بن عبد الله بن رَوَاحَة، عن الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، ح.
وكَتَبَ إلينا أبو القَاسِم عِيسَى بن عَبْد العَزِيْز بن عِيسَى اللَّخْمِيّ، قال: سَمِعْتُ
(a) في الأصل: "أبو يوسف يعقوب"، ومثله في الإنصاف والتحري (ضمن كتاب إعلام النبلاء) 4:135. والصواب ما أثبت. انظر: الذهبي: تاريخ الإسلام 14: 588، سير أعلام النبلاء 23: 233، النجوم الزاهرة 6:363.
أحْمَد بن مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ يقول: سَألتُ أبا زَكَرِيَّاء التَّبْرِيْزِيّ، إمام عَصْره في اللُّغَة ببَغْدَاد، وقُلتُ له: قد رأيتَ أبا العَلَاء بالمَعَرَّة، وعَالِي بن عُثْمان بن جِنِّي المَوْصِلِيّ بِصُوْر، والقَصَبَانِيّ بالبَصْرَة، وابن بَرْهَان ببَغْدَاد، وغيرهم من الأُدَبَاءِ، فَمن المُفَضَّلُ من بينهم؟ فقال: هؤلاء أئمَّة لا يُقال لهم أُدَبَاء، وأفْضَل مَنْ رأيتُه ممَّن قرأتُ عليه أبو العَلَاء.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي عليّ الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد، قال: سَمِعْتُ أبا الطَّيِّب سَعيد بن إبْراهيم بن سَعيد الطَّلَبِيْريَّ الطَّبِيْبَ بالثَّغْرِ، يقول: سَمِعْتُ عبدَ الحَلِيم بن عَبْد الوَاحِد السُّوْسِيّ بسَفَاقُس، يقول: سُئلَ الحَسَن بن رَشِيْق عن أبي العَلَاء المَعَرِّيّ: هل هو أشْعَر أم أنْتَ؟ فقال: قد أَلَّفْتُ أنا كِتَابًا وهو كِتَابًا في مَعْناهُ، فالفَرقُ ما بيننا كالفَرْق ما بين التَّرْجَمتين، سمَّى هو كتابَهُ زَجْرَ النَّابِح
(1)
، وسَمَّيْتُ أنا كتابي سَاجُور الكَلْب؛ يُشِيرُ إلى أنَّ أبا العَلَاء أفْضَل وألْطَف، وأهْدَى إلى المَعَاني وأعْرَف.
أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن أبي عليّ الحَمَوِيّ، عن أبي طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد، وكَتَبَ إليَّ أبو القَاسِم عِيسَى بن عبد الله بن عِيسَى اللَّخْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيِّ
(2)
، قال: سَمِعْتُ أبا عبد الله مُحَمَّد بن الحَسَن بن زُرَارَة (a) اللُّغَويّ، يقُول: كان بالمَشْرِق لُغَويّ، وبالمَغْرب لُغَويّ في عَصْرٍ واحدٍ، لم يكُن لهما ثالثٌ، وهُما ضَرِيْرَان، فالمَشْرِقيّ أبو العَلَاء التَّنُوخِيّ بالمَعَرَّة، والمَغْرِبيّ ابن سِيْدَه الأنْدَلُسِيّ. وابن سِيْدَه أعْلَم من المَعَرِّيّ، أمْلَى من صَدْره كتاب المُحْكَم ثلاثين مُجَلَّدًا، وما في كُتُب اللُّغَة أحْسَن منْهُ.
(a) في معجم السفر: ابن أبي زرارة، وغي البلغة للفيروزابادي 58: محمد بن مرادة اللغوي.
_________
(1)
انظر كلام المؤلف على هذا الكتاب في الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 80.
(2)
السلفي: معجم السفر 348.
قُلتُ: وهذا غير مُسَلّم لابن زُرَارَة؛ فإنّ ابن سِيْدَه إنْ كان أمْلَى المُحْكَم في اللُّغَة، فأبو العَلَاء قد أمْلَى من خَاطِره نَثْرًا: كالأَيْك والغُصُون، والفُصُول والغَايَات، والسَّجْع السُّلْطانيّ، وغير ذلك مما يَتَضَمَّن اللُّغَة وغيرها من الألْفَاظ البَلِيْغة، والكَلِمَات الوَجِيزَة، ونَظْمًا مثل: اسْتَغفِر واسْتَغْفري، ولُزوم ما لا يَلْزم، وجَامِع الأوْزَان، يَزِيدُ على المُحْكَم في المِقْدَار أضْعَافًا مُضَاعفة، وكُتُبه مَحْصُورة ولولا خوْف الإطاله بذِكْرها لذَكَرتُ أسْماءها، وبَيان حَجْم كُلّ مُصَنَّف منها، وقد اسْتَوْعَبْتُ ذلك في كتاب دَفْع الظُّلْم والتَّجَرِّي عن أبي العَلَاء المَعَرِّيّ
(1)
.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(2)
، قال: أحْمَدُ بن عبد الله بن سُليْمان أبو العَلَاءِ التَّنُوخِيُّ الشَّاعر، من أهل مَعَرَّة النُّعْمَان، كان حَسَنَ الشِّعْر، جَزْلَ الكَلَام، فَصِيح اللِّسَان، غَزِيرَ الأدَب، عَالِمًا باللُّغَة، حَافِظًا لها. وذَكَرَ لي القَاضِي أبو القَاسِم التَّنُوخِيّ أنَّهُ ورَدَ بَغْدَاد في سَنَة تِسْعٍ وتِسْعِين وثَلاثِمائة، وأنَّهُ قرأ عليه دِيْوان شِعْره ببَغْدَاد.
قال الخَطِيبُ
(3)
: وكان أبو العَلَاء ضَرِيْرًا، عَمِيَ في صِبَاه، وعَاد من بَغْدَاد إلى بَلَده مَعَرَّة النُّعْمَان، فأقامَ به إلى حين وفاتهِ، وكان يتزهَّدُ ولا يَأكُل اللَّحْمَ، ويَلْبس خَشن الثِّيَاب، وصَنَّفَ كُتُبًا في اللُّغَة، وعارَض سُورًا من القُرْآن، وحُكي عنه حكايات مُخْتَلفَة في اعْتقادِه، حتَّى رَمَاهُ بعضُ النَّاسِ بالإلْحَادِ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي عليّ الرُّمَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد
(1)
سماه كتاب الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري، وانظر فيه مؤلفات المعري (ضمن كتاب إعلام النبلاء) 4: 110 - 121، وانظر الرصد الذي أجراه ياقوت لمؤلفات المعري نقلًا عن أحد كُتَّاب أبي العلاء المعري وأدرجه في كتابه معجم الأدباء 1: 327 - 335، وكذلك فهرست مؤلفات المعري الذي أورده القفطي في كتابه إنباه الرواة 1: 91 - 102 وابن الساعي: الدر الثمين في أسماء المصنفين 265 - 264.
(2)
تاريخ بغداد 5: 397.
(3)
تاريخ بغداد 5: 398.
السِّلَفِيّ، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، وكَتَبَ إلينا أبو القَاسِم عِيسَى بن عَبْد العَزِيْز الأنْدَلُسِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد، قال: يُحْكى عن أبي العَلَاء المَعَرِّيّ في الكتاب الّذي أمْلَاهُ وتَرْجَمهُ بالفُصُول والغَايَات وكأنَّهُ مُعَارضَةٌ منه للسُّوَر والآياتِ، فقيل له: أين هذا من القُرْآن؟ فقال: لم تصْقُله المحاريبُ أرْبعمائة سَنَة.
وسَمِعْتُ والدي يقول: قيل إنَّ أبا العَلَاء عارَضَ القُرْآن العَزِيز، فقيل له: ما هذا إلَّا مَلِيح إلَّا أنَّه ليسَ عليه طلاوة القُرْآن، فقال: حتَّى تَصْقُله الألْسُن أربَعمائة سَنَة وعند ذلك انْظروا كيف يكون.
وقَرأتُ بخَطِّ الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن سَعيد بن سِنَان الخَفَاجِيّ الحَلَبِيّ، في كتابٍ له تتبَّع الكَلَام فيه على الصّرْفَةِ، ونَصَر فيهِ مَذْهَب المُعْتَزِلة في أنَّ القُرْآن ليسَ بمُعْجزٍ في نَفْسه، لكنَّ العَرَب صُرفوا عن مُعَارضَته، فقال فيه: وقد حَمَلَ جَمَاعَةً من الأُدَبَاء قول أرْبَاب الفَصَاحَة أنَّهُ لا يتمكَّن أحدٌ من المُعارضَةِ بعد زَمان التَّحَدِّي على أنْ نظَمُوا على أُسْلُوب القُرْآن، وأظْهَر ذلك قَوْمٌ وأخْفاهُ آخرُون. وممَّا ظَهَر منه قَوْل أبي العَلَاء في بعض كَلامِهِ
(1)
: أُقْسِمُ بخَالق الخَيْل، والرِّيح الهابَّةِ بلَيْل، بين الشَّرَطِ ومطَالِعِ سُهَيْل، إنَّ الكَافِر لطَويلُ الوَيْل، وإنَّ العُمُرَ لمَكْفُوفُ الذَّيل، اتَّق (a) مَدَارِجَ السَّيْل، وطالِع (b) التَّوْبَةَ من قُبَيْل تَنْجُ وما أخالُكَ بنَاجٍ.
وقَوْله
(2)
: أذلَّت العائدَةُ (c) أباهَا، وأضَاءَت الوَهْدَةُ ورُبَاها (d)، واللهُ بكَرَمهِ احْتَبَاها (e)، أوْلَاهَا الشَّرَفَ بما حَبَاهَا، أرْسَل الشَّمَالَ وصَبَاهَا، ولا يَخافُ عُقْباهَا.
وهذا الكَلَام الّذي أوْرَدهُ ابن سِنَان هو في كتاب الفُصُول والغَايَات في
(a) الفصول: وإيَّاك.
(b) الفصول: وعليك.
(c) ياقوت: العائذة.
(d) ياقوت: رباها.
(e) ياقوت: اجتباها.
_________
(1)
انظر قول المعري في كتابه الفصول والغايات 253 - 254، وفيه بعض زيادة. ونقله ياقوت (معجم الأدباء 1: 325) عن كتاب الخفاجي.
(2)
لم أجده في كتاب الفصول والغايات، وأثبته ياقوت في معجم الأدباء 1:325.
تَمْجِيد الله تعالى والعِظَات، وهو كتاب إذا تأمَّلَهُ العَاقِل المُنْصِف عَلِم أنَّهُ بعيدٌ عن المُعَارَضَة، وهو بمَعْزِل عن التَّشَبُّه بنَظْم القُرْآن العَزيز والمُنَاقَضَة، فإنَّهُ كتابٌ وَضَعَهُ على حُرُوف المُعْجَم، ففي كُلِّ حَرْفٍ فُصُول وغَايَات، فالغاية مثل قَوْله: بنَاج، والفَصْل ما يُقَدِّم الغاية، فيَذْكر فَصْلًا يَتَضَمَّن التَّمْجِيد أو المَوْعِظَة ويَخْتمه بالغايةِ على الحَرْف من حُرُوف المُعْجَم، مثل تاج، ورَاج، وحَاج، كالمُخمَّسات والمُوشَّحات في الشِّعْر.
ولهُ كتابٌ آخر كبير نحو ستِّين مُجَلَّدًا على هذا الوَضْع أيضًا، سمَّاهُ: الأيْكَ والغُصُون، وسمَّاهُ: الهَمْزَة والرّدْف، يَتَضَمَّن أيضًا تَمْجيد الله تعالَى والثَّنَاء عليه والمَوَاعِظ، ولم ينسبُوه فيه إلى مُعارضَة القُرْآن العزيز، وإنَّما نَسَبُوه في الفُصُول والغَايَات لا غير.
وقد كان له جَمَاعَة يَحْسدونه على فَضْله ومكانَته من أبناء زَمانه، تصدُّوا لأذَاهُ، وتتبَّعُوا كَلامهُ، وحَملوه على غير المقصَد الّذي قصَدَهُ، كما هو عَادَة أبْناء كُلّ زَمان في افْتِرَاء الكَذِب واخْتلَاق البُهْتَان، ووَقَفْتُ على كتاب وضعَهُ في الرَّدِّ على مَنْ نَسَبَهُ إلى مُعَارَضَة القُرْآن، والجَوَاب عن أبيات اسْتَخرجُوها من نَظْمه، رَمُوه بسَبَبها بالكُفْر والطُّغْيَان، سَمَّى الكتاب بزَجْر النَّابح، وردَّ فيه على الطَّاعن في دِيْنه والقَادِح.
قَرأتُ بخَطِّ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ في رِسَالَةٍ كَتَبَها أبو المُظَفَّر إبْراهيم بن أحْمَد بن اللَّيْث الأذرِيّ إلى الكِيَا أبي الفَتْح الأصْبَهَانِيّ قال: ومنها - يعني من قِنَّسْرِيْن - أدْلَجتُ مُتَوجِّهًا إلى مَعَرَّة النُّعْمَان، والسَّوْق إلى أبي العَلَاء أحْمَد بن عَبْد الله بن سُليمان التَّنُوخِيّ، أَسْعَده الله، يَحْدُو رِكَابي، والحَنِيْن إلى لقائهِ يَحُثُّ أصْحَابي، وبلغْتُ المَعَرَّة ضُحيَّة فلَم أُطِق صَبْرًا حتَّى دَخَلتُ إلى الشَّيْخ أبي العَلَاء أَسْعَدَهُ الله، فشَاهَدْتُ منه بَحْرًا لا يُدْرك غَوره، وقَلِيبَ ماءٍ لا يُدْركُ قَعْره، فأمَّا اللُّغَةُ
ضِمْن قَلْبهِ، والنَّحو حَشْو ثَوْبهِ، والتَّصْرِيْف نشر بيْتهِ، والعَرُوض مِلْك يَده، والشِّعْر طَوْع طَبْعِهِ، والتَّرَسُّل بين أمْره ونَهْيهِ، ورأيتُ أسْبَابَهُ كُلّها أسْبَابَ مَنْ عَلِمَ أَنَّ العَيْشَ تَعْليل، وأنَّ المقام فيها قليل.
قال فيها: ورأيتُ من كُتُبه كتاب الفُصُول والغَايَات، وكتاب لُزُوم ما لا يَلْزَم، وكتاب زَجْر النَّابِح؛ وسبَبَ تَصْنِيفه هذا الكتاب أنَّ قَوْمًا من حُسَّادِهِ فَكُّوا من مَقَاطيْع له في كتاب لُزُوم ما لا يَلْزَم أبْيَاتًا كفَّروه فيها، وشَهِدُوا عليه باسْتحالة مَعَانيها، ومقاصد الشَّيْخ أبي العَلَاء فيها غير مقاصدِهم، ومَغَايصُهُ في مَعَانيها غير مَغَايصهم، فمن ذلك قولهُ
(1)
: [من الخفيف]
إنَّما هذه المَذَاهِبُ أسْبَا
…
بٌ لجَذْبِ الدُّنْيا إلى الرُّؤَسَاءِ
غَرَضُ القَوْم [مُتْعةٌ](a) لا يَرِقُّو
…
نَ لدَمْعِ الشَّمَّاءِ والخَنْسَاءِ
كالّذي قامَ يجمَعُ الزَّنْجَ بالبَصْـ
…
ـرَة والقِرْمِطِيَّ بالأَحْسَاءِ
وأوَّلُ الأبْيَات:
يا مُلُوكَ البِلَادِ فُزْتُم بنَسْءِ الـ
…
ـعُمْر والجَوْرُ شَأنَكُمُ في النِّسَاءِ
ما لكم لا تَرَونَ طرقَ المَعَالِي
…
قَدْ يَزُورُ الهَيْجَاءَ زيُّ (b) النِّسَاءِ
يَرْتَجي النَّاسُ أنْ يَقُومِ إمامٌ
…
نَاطِقٌ في الكَتِيْبَة الخَرْسَاءِ
كَذَبَ الظَّنُّ لا إمَام سِوَى الـ
…
ـعَقْل مُشِيْرًا في صُبْحِهِ والمَسَاء
فإذا ما أطَعْتَهُ جَلَبَ الـ
…
ـرَّحْمَة عندَ المَسِير والإرْسَاءِ
ثُمَّ يقُول: إنَّما هذه المَذَاهِبُ الأبْيَات الثَّلاثة، فأيُّ بأسٍ بهذا الشِّعْر، وهَلْ أتي القَوْمُ إلَّا من ضَعْفِ النَّحِيْزَ [ة]
(2)
وسُوءِ الفِكْر.
(a) ساقطة من الأصل، والتعويض من اللزوميات، وشرحها.
(b) اللزوميات وشرحها: زير.
_________
(1)
لزوم ما لا يلزم 1: 66، وشرح اللزوميات 1: 79 - 80.
(2)
النحيزة: الطبيعة. لسان العرب، مادة: نحز.
قَرأتُ بخَطِّ الإمَام أبي طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ: سَمِعْتُ الشَّيْخ أبا الطَّيِّب سَعيدَ بن إبْراهيم بن سَعيد الأنْدَلُسِيّ يَقُول: سَمِعْتُ عبد الحَلِيم بن عَبْد الوَاحِد بسَفَاقُس يقول: قَدِمَ بعضُ أهْلِ الأدَب من المَشْرِق إلى إفْرِيقِيَّة، فسَألهُ الحَسَنُ بن رَشِيْق عن أبي العَلَاء المَعَرِّيّ، وقال: أنْشِدني شَيئًا من شِعْره، فأنْشَدَهُ القَصِيدَةَ الّتي أوَّلُها
(1)
: [من البسيط]
منْكَ الصُّدُودُ ومنِّي بالصُّدُودِ رِضَى
…
مَنْ ذا عليَّ بهذا في هَوَاكِ قَضَى
فلَمْ يَرتَضِ هذا المَذْهَب من الشِّعْر، واسْتَلَانَهُ، وعَزَم على هجائِه، فهَجَاهُ، ثُمَّ أنْشَدهُ بعْدُ بعضُ أحد الأُدَبَاء ممَّن جاء من المَشْرِق أيضًا
(2)
: [من البسيط]
هَاتِ الحَدِيْثَ عن الزَّوْرَاء أو هِيْتَا
…
ومُوْقدِ النَّارِ لا تَكْرَى بتَكْرِيْتَا
فقَطَّع ما عَمِلَ فيه من الهَجْو، وقال: لو أخْرج أبو العَلَاء يَدَهُ من المَعَرَّة وصَكَّ ابن رَشِيْقٍ صَكَّةً لردَّهُ إلى الزَّابِ من حيثُ جاءَ، وكان رَشِيْق أبوهُ مَمْلُوكًا رَبِيَ بالزَّابِ.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الله بن عَبْد الجَبَّار بن عبدِ الله العُثْمانيّ في كتابهِ، قال: سَمِعْتُ الشَّيْخ الإمَام الحافِظ السِّلَفِيّ، رحمه الله، إمْلاءً من لَفْظه ومن كتابهِ، قال: سَمِعْتُ أبا المَكَارِم عَبْد الوَارِث بن مُحَمَّد بن عَبْد المُنْعِم الأسَدِيّ رئيس أَبْهَر بأَبْهَر، وكان من أفْراد الزَّمان، يقُول: سَمِعْتُ رَشَاء بن نَظِيف بن مَا شَاءَ اللهُ المُقْرِئ الفَاضِل الكَبير بدِمَشْق يقُول: ما حَمَلَت الأرْضُ مثْل أبي العَلَاءِ المَعَرِّيّ في فَنِّه؛ وكان يَتَغالَى فيه، وكان قَدْ رَآهُ وقرأ عليهِ.
(1)
سقط الزند 208، وتاريخ الإسلام 9:727.
(2)
سقط الزند 171.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبِهِ تَوْفِيْقِي
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الله بن الحُسَين بن عبد الله، وعِيسَى بن عَبْد العَزِيْز الأنْدَلُسِيّ، قراءةً على الأوَّل، وكتابةً من الثَّاني، قالا: أخْبَرَنا الحافِظ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ - قال عَبْدُ الله: إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا - قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن حَمْزَة بن أحْمَد التَّنُوخِيّ يقُول: سَمِعْتُ عَبْد البَاقِي بن عليّ المَعَرَّيّ يقول: كان أبو نَصْر المَنَازِيّ أحَدُ وُزَرَاءِ نَصْر الدَّولَة ابن مَرْوَان بديَار بَكْر، فأرْسَلَهُ إلى مصْر رَسُولًا، فوصَل إلى المَعَرَّة، ودخَل إلى أبي العَلَاء مُسَلِّمًا، فتَناشَدُوا وانْبسَط أَحدُهما إلى الآخر، فذَكَرَ أبو العَلَاء ما يُقاسِي من النَّاسِ وكَلَامهم فيه، فقال له أبو نَصْر: ماذا يُريدُون منك وقد تَرَكْتَ لهم الدُّنْيا والآخرة. فقال: والآخرة أيضًا، والآخرة أيضًا! وأطْرَقَ ولم يُكلِّمه إلى أنْ قام.
وهذا عَبْد البَاقِي هو أبو المَنَاقِب عَبْد البَاقِي بن عليّ من أهل مَعَرَّة النُّعْمَان، وكان قد أقام بمِصْر وتلقَّب خَرِيطَة النَّايات، وشِعْره شِعْر بَارِدٌ مُتهلهل النَّسْج، والّذي شكَره عن المَنَازِيّ وجدَهُ في تاريخ غَرْس النِّعْمَة أبي الحَسَن مُحَمَّد بن هِلِّل بن المُحَسِّن بن إبْراهيم بن هِلِّل الصَّابِئ
(1)
- وقَرأتُه فيه - قال: وحَدَّثَني الوَزِير فَخْر الدَّوْلَة أبو نَصر بن جَهِيْر، قال: حَدَّثَني المَنَازِيّ الشَّاعر، قال: اجْتَمَعْتُ بأبي العَلَاء المَعَرِّيّ بمَعَرَّة النُّعْمَان وقُلتُ له: ما هذا الّذي يُرْوَى عنك ويُحْكى؟
(1)
تاريخ غرس النعمة (ت 480 هـ) هو ذيل على تاريخ أبيه، وأبوه ذيَّله على تاريخ ثابت بن سنان، وثابت ذيله على تاريخ الطبري، فكان انتهاء تاريخ الطبري إلى سنة 302 هـ أو 303 هـ، وتاريخ ثابت انتهى إلى سنة 360 هـ، وتاريخ هلّل انتهى إلى سنة 448 هـ وتاريخ غرس النعمة هذا انتهى إلى سنة 479 هـ. انظر: وفيات الأعيان 6: 101، النجوم الزاهرة 5:126.
فقال: حَسَدني قَوْمٌ فكذَبُوا عليَّ وأسَاءُوا إليَّ، فقُلتُ لَهُ: على ماذا حَسَدُوك وقد تَرَكْتَ لهم الدُّنْيا والآخرة؟! فقال: والآخَرةُ أيُّها الشَّيْخ؟ قُلتُ: أيّ واللهِ، ثمّ قُلتُ له: لِمَ تَمْتَنِع من أكل اللَّحْم وتلُوْم مَنْ يَأكُله؟ فقال: رَحْمَة منِّي للحَيَوَان، قُلتُ: لا بل تقول إنَّهُ من شَرِّ النَّاس، فلَعَمْري إنَّهم يجدونَ ما يَأكُلون ويتجزَّونَ به عن اللُّحْمان ويتعَوَّضُون، فما تَقُول في السِّبَاعِ والجَوَارِح الّتي خُلِقتْ لا غِذَاءَ لها غير لُحُوم النَّاس والبَهَائِم والطُّيُور ودِمَائها وعظامها، ولا طَعَام تَعْتاض به عنه ولا تَتَجزَّى به منها، حتَّى لم تخلص من ذلكَ حَشَرات الأرْض، فإنْ كان الخَالِق لها الّذي بقوله نحنُ، فما أنْتَ بأَرْأَفَ منه بخَلْقِه، ولا أحْكَم منه في تَدْبِيره، وإنْ كانت الطَّبَائِع المُحْدِثة لذاكَ على مَذْهَبِكَ، فما أنْتَ بأحْذَق منها، ولا أتْقَن صَنْعَةً، ولا أحْكَمَ عَمَلًا حتَّى تُعَطِّلها ويكون رأيُكَ وعَقْلُكَ أوْفَى منها وأرْجَح، وأنت من إنْجادِهَا غير مَحْسُوس عندها، فأَمْسَكَ.
قُلتُ: وهذا يَبْعُد وقُوعه من أبي نَصْر المَنَازِيّ؛ فإنَّهُ كان قَدمَ على أبي العَلَاء وحَكَى ما أخْبَرَنا به أبو القَاسِم بن روَاحَة عن أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن المُرَجَّى بن نَصْر الكَاتِب يقول: سَمِعْتُ خالي الوَزِير أبا نَصْر أحْمَد بن يُوسُف المَنَازِيّ يقول: بَعَثني نَصْرُ الدَّولَةِ أبو نَصْر أحْمَد بن مَرْوَان سَنَةً من مَيَّافَارقِين إلى مِصْرَ رَسُولًا، فدَخَلتُ مَعَرَّةَ النُّعْمَان، واجْتَمَعْتُ بأبي العَلَاءِ التَّنُوخِيّ، وجَرَتْ بيننا فَوَائِدُ، فقال أصْحَابُهُ فينا قَصَائد، ومن جُمْلتها هذه الأبْيَاتُ
(1)
: [من البسيط]
تَجَمَّعَ العِلْمُ في شَخْصَيْن فاقْتَسَما
…
علي البَرِّيَّةِ شَطْرَيه وما عَدَلا
جَاءَا أَخْيَري زَمانٍ ما به لهما
…
مُماثِلٌ وَصَلَ الجِدَّ (a) الَّذي وَصَلا
(a) أعاد المؤلف ذكر الرواية والأبيات في ترجمة المنازي الآية، وفيها: الحَدَّ.
_________
(1)
الأبيات في المقفى الكبير للمقريزي 1: 755.
أبو العَلَاء وأبو نَصْر همُا جَمَعَا
…
عِلْم الوَرَى وهُما للفَضْلِ قد كمَلَا
هذا كما قد تَرَاهُ رَامحٌ عَلَمٌ
…
وذاكَ أعْزَلُ للدُّنْيا قد اعْتَزَلَا
هُما هُما قُدْوَةُ الآدَابِ دَانيِةً
…
طورًا وقَاصِيَةً إنْ مُثِّلَا مَثَلَا
لولاهُما لتَفرَّى العِلْمُ عن حَلَم
…
أو لافْترى صَاحبُ التَّمْويه إنْ سُئِلَا
يا طَالِبَ الأدَبِ اسْأَلْ عَنْهُما وَأَهِنْ
…
إذا رَأَيْتَهما أنْ لا تَرَى الأُوَلَا
خُذْ ما تَراهُ ودَعْ شيئًا سَمِعْتَ بهِ
…
فطَلْعَةُ البَدْر تُغْنِي أنْ تَرَى زُحَلَا
فلو كان المَنَازِيّ واجَه أبا العَلَاء بهذا الكَلَام القَبِيْحِ المسْتَفْظع، لَمَا مَدَح أصْحَابُه أبا نَصْر بما ذَكَرهُ، وكذلك الّذي احْتجّ به في تَرْك اللَّحْم لا يَلِيق أنْ يَصدُر مثْله من أبي نَصْر المَنَازِيّ، وقد كان عَارِفًا بالفِقْه، وشَهِدَ له سُلَيم الرَّازِيّ بأنَّ لَهُ يدًا في الفِقْه واللُّغَة على ما نَذْكره في تَرْجَمَتِهِ
(1)
، ومثْل ما نَقله النّاقِل عنه جَوَابًا عن قَوْله في تَرْك أكْل اللَّحْم أنَّهُ رَحْمَة منه للحَيَوَان لا يحسُن الجَوَاب عنه بما ذكر، والرَّحْمَة للحَيَوَان من الخِصَال المَنْدُوب إليها كما قال صلى الله عليه وسلم
(2)
: والشَّاة إنْ رحمْتَها رَحِمكَ [الله](a). وقد تَرَكَ جَمَاعَةٌ من الزُّهَّاد والعُبَّاد أكْل الشَّهَواتِ والطَّيِّبات تَقَرُّبًا إلى الله تعالَى، وعُدَّ ذلك في مَنَاقِبهم ومَحَاسِنهم، ولم يُنْكَر عليهم، فكيف يُجْعَل الامْتناع من أكْلِ اللَّحْم تَرْكًا للآخرة، وقد اسْتَقصَيْنا الكَلَام على هذا في كتاب دَفْع الظُّلْم والتَّجَرِّي
(3)
.
وقد قال أبو نَصْر المَنَازِيّ في أبي العَلَاء أبْيَاتًا خاطَبَهُ بها في مَدْحهِ
(4)
: [البسيط]
(a) إضافة من مصادر رواية الحديث المتقدمة.
_________
(1)
ترجمة الوزير أحمد بن يوسف المنازي في الجزء الثالث.
(2)
الطبراني: المعجم الكبير 19: 23 (رقم 44 - 45).
(3)
لم تتضمنه القطعة المنشورة منه ضمن كتاب إعلام النبلاء للطباخ.
(4)
تُنسب الأبيات الثلاثة لمحمد بن أحمد الحرون. انظر: يتيمة الدهر للثعالبي 3: 124، التذكرة الحمدونية 5: 401، وفيات الأعيان 2: 355، الى الوافي بالوفيات 15:74.
للّه لُؤْلُؤُ ألْفَاظٍ تُسَاقطُها
…
لو كُن للغِيْدِ ما اسْتَأنَسْنَ بالعَطَلِ
ومن عُيُون مَعَانٍ لو كُحِلْنَ بها
…
نُجْلُ العُيُون لأغْنَاهَا عن الكَحَلِ
سِحْرٌ من اللَّفْظِ (a) لو دَارَتْ سُلَافتُه
…
على الزَّمانِ تَمَشَّي مَشْيَةَ الثَّمِلِ
فمَنْ هذا خطابُهُ لهُ، وذِكْرهُ لِمَا قيل فيهما، كيف يَصِحّ عنه أنَّهُ يُواجهه بهذا الكَلَام الفَاحِش الخارج عن حُسْن الآدَاب، المُجانِب لصِحَّة القَوْل والصَّوَاب؟!.
أخْبَرَنا عَبْدُ اللّه بن أبي عليّ الأنْصَاريّ، عن أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد الحافِظ، قال: ذَكَرَ - يعني أبا الفَضْل هِبَة اللّه بن المُثَنَّى بن إبْراهيم الهِيْتِيَّ - أنَّهُ دَخَلَ المَعَرَّة، وكان أبو العَلَاء يَعِيشُ فيها، فنَهَاه أبو صالح بن شِهَاب عن الدُّخُول عليه.
قُلتُ: وهذا أبو صالح هو أبو صالح مُحَمَّد بن المُهَذَّب بن عليّ بن المُهَذَّب بن أبى حَامِد بن هَمَّام بن أبي شِهَابٍ، وكان ابن عَمَّة أبي العَلَاء، وهو الّذي كَتَبَ الأبْيَات النُّونيَّة إلى أبي الهَيْثَم أخي أبي العَلَاء حين احْتَجَب أبو العَلَاء ومَنَعَ النَّاس من الدُّخُول عليه، وأوَّلُها
(1)
: [من الطويل]
بشَمْس زَرُودٍ لا ببَدْرِ مَعَانِ
وقد ذَكَرْناها، وفيها من المَدْح والتَّقْرِيْظ لأبي العَلَاء، والتَّحيُّل في الدُّخُول عليه، ما هو وَاضحٌ، فكيفَ يمنَعُ النَّاس من الدُّخُول عليه ويَنْهاهُم عنه؟ اللَّهُمَّ إلَّا إنْ كان ذلك وقَعَ في الوَقْت الّذي قَدِمَ أبو العَلَاء من بَغْدَاد، وعَزمَ على العُزْلَة عن النَّاس، وكَتَبَ إلى أهل المَعَرَّة ما كَتَب، وأرادَ أبو الفَضْل الهِيْتِيُّ الدُّخُول عليه، فنَهاهُ أبو صالح عن ذلك مَخَافة أنْ يَمْضي فيَتَعذَّر عليه فيكون كما قال في
(a) يتيمة الدهر والتذكرة الحمدونية: الفكر.
_________
(1)
تقدم ذكر البيت وعجزه.
رسالته: فأكون قد جَمَعْتُ بن سَمْجَيْن: سُوء الأدَب، وسُوء القَطِيْعَة.
ذَكَرَ ابنُ السِّيْد البَطَلْيَوْسِيّ في شَرْحَ سَقْط الزَّنْد لأبي العَلَاء
(1)
، قال: وكان المَعَرِّيّ مُتَدَيِّنًا، كَثِيْر الصِّيَام والصَّدَقَة، يُسْمَعُ له باللَّيْل هَيْنَمَةٌ لا تُفْهَم، وكان لا يَقْرع أحدٌ عليه البابَ حتَّى تطْلعُ الشَّمْس، فإذا سَمِعَ قَرْعَ البابِ عَلِم أنَّ الشَّمْس قد طَلَعَتْ، فقَطَعَ تلك الهَيْنَمَةَ وأذِنَ في الدُّخُول عليه، وكان لا يَرى أكْل اللَّحْم، ولا شُرْبَ المُسْكِر، ولا النِّكَاحَ، وكان ذا عِفَّةٍ ونَزَاهةِ نَفْسٍ، إلَّا أنَّهُ كان مُخالِفًا لِمَا عليه أهْل السُّنَّة.
وقَوْل ابن السِّيْد أنَّهُ كان مُخالِفًا لِمَا عليه أهل السُّنَّة! لا أعْلَم بأيّ طَريق وَقَعَت المُخَالَفة، وقد وَصَفه بهذه الصِّفَات المَحْمُودَة، وقد كان شَافِعيّ المَذْهب من أهل السُّنَّة والجَمَاعَة.
وقَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ في تَعْلِيقٍ له: سَمِعْتُهُ يقُول - يعني حَامِد بن بَخْتِيار بن جَرْوَان الشَّمْسَانِيّ - سَمِعْتُ عَبْد المُنْعِم يقول: يعنى عَبْد المُنْعِم بن أحْمَد بن أبي الرُّوْس السَّرُوجِيّ - سَمِعْتُ أخي - يعني أبا الفَتْح - يقول: دَخَلَ رَجُلٌ من أهْلِ السَّاحِل على الشَّيْخ أبي العَلَاء التَّنُوخِيّ بالمَعَرَّهَ ونحنُ عنده، وكان يَعْرفهُ، فقال له: أُريد أنْ يُملي سَيِّدنا عليَّ شَيئًا من غَرِيْب القُرآن، فقال يا هذا، من أين وصَل إليَّ غَريْب القُرْآن وأنا ها هُنا في زَاوِيَة البَيْت؟! فلمَّا خَرَجَ، قال لنا: مَضَى فُلَان؟ فقُلنا: نَعم، فقَال: ضَعُوا ما في أيْديكُم من الكَرَارِيْس وخذُوا سِوَاها ففَعَلْنا، فقال: اكتُبوا غَرِيْب القُرآن، فأمْلَى علينا غَرِيْب القُرآن والكَلَام عليه ثلاثة أسابيع من صَدْره، فقُلنا له بعد ذلك: العِلْم لا يَحلّ مَنْعُه وقد مَنَعْت ذلك الرَّجُل السَّاحِلِيّ، فقال: ما كُنت لأُضِيْع الحِكْمَة مع رَجُل يَسُبّ أصْحَابَ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ويتنقَّصُهم.
(1)
لم أقف عليه في شرح البطليوسي لسقط الزند المنشور مع شرحي التبريزي والخوارزمي.
وأخْبَرَنا أبو القَاسِم بن رَوَاحة، عن أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: قال لي الرَّئِيسُ أبو المَكَارِم - يعني عَبْد الوَارِث بن مُحَمَّد بن عَبْد المُنْعِم الأبْهَرِيّ، وكان من أفْرادِ الزَّمان ثِقَةً، مَالِكيّ المَذْهَب -: لمَّا تُوفِّي أبو العَلَاء اجتَمع على قَبْره ثمانون شَاعِرًا، وخُتِمَ في أسْبُوع واحدٍ عند القَبْر مائتا خَتْمَة، وهذا ما لَمْ يُشَارَك فيهِ. وكانت الفَتَاوَى في بَيْتهم على مَذْهَبِ الشَّافِعيّ من أكثَر من مائتي سَنَةٍ بالمَعَرَّةَ.
قُلتُ: ولم يُنْقل أنَّ أبا العَلَاء كان مُبْتَدِعًا، لكن نَسَبُوه إلى ما هو أعْظَم من ذلك.
وقَرأتُ في تاريخ غَرْس النِّعْمَة ابن الصَّابِئ
(1)
: أبو العَلَاء أحْمَد بهب عبد اللّه بن سُلَيمان التَّنُوخِيّ المَعَرِّيّ الشَّاعر، الأدِيب الضَّرِير، وكان له شِعْرٌ كَثِيْرُ، وفيه أدَبٌ غَزِيرٌ، ويُرمَى بالإلْحَادِ، وأشْعَارُه دَالَّةٌ على ما يُزَن بهِ من ذاكَ. ولم يكُ يَأكُل لُحُومَ الحَيَوَان ولا البَيْض، ولا اللَّبَن، ويَقْتَصر على ما تُنْبتُه الأرْضُ، ويُحَرِّم ايْلَام الحَيَوَان، ويُظْهرُ الصَّوْم زَمانه جميعَهُ، ونحنُ نَذْكُر طَرفًا ممَّا بَلَغنا من شِعْره ليُعْلَم صِحَّة ما يُحْكى عنه من إلْحَادِهِ، ولهُ كتابٌ سمَّاهُ الفُصُول والغَايَات، عارَض به السُّور والآيات، لم يقَع إلينا منهُ شيء فنُورده.
وذكَر أشْعَارًا نسبَها إليه، فمنها ما هو من شِعْره في لُزُوم ما لا يَلْزَم وفي اسْتَغْفر واسْتَغْفري، قد أجابَ عنها في كتابه المَعْرُوف بزَجْر النَّابِح والكتاب المَعْرُوف بنَجْر الزَّجْرِ، وإذا تأمَّلها المُنْصِفُ حقَّ التَّأمُّل، لم يَجِد فيها ما يُوْجِب القَدْح في دِيْنهِ، ومنها ما وُضع على لسَانه، وتَعَمَّلَ تَلَامذتُه المُنْحَرِفُونَ وغيرهم من الحَسَدَة نَظْمَها على لِسَانهِ وضَمَّنُوها أقاويل الزَّنَادقة، وفيها من رَكَاكةِ اللَّفْظ والعُدُول عن الفَصَاحَة الّتي هي ظَاهِرة في شِعْره ما يُوجِب نَفْيها عنه وبُعْدها
(1)
تقدم التعريف بتاريخ غرس النعمة فيما تقدم من هذا الجزء.
منه، فممَّا أوْرده وهو مَوْضُوعٌ عليه
(1)
: [من الطويل]
إذا كان لا يحْظَى برِزْقك عَاقِلٌ
…
وتَرزقُ مَجْنُونًا وترزقُ أحْمَقَا
فلا ذنْبَ يا ربّ السَّماءِ على إمرئٍ
…
رَأى منْكَ ما لا يَشْتَهِي فتزنْدَقا
وهذا شِعْرٌ في غاية السُّقُوط والنُّزُول والهُبُوط، يقضي (a) على ناظمه بالجَهْل والعَمَه، والكُفْر والسَّفَه.
وممَّا أَوْرَد
(2)
من الأشْعَار المَوْضُوعة على لِسَانه، البَعِيْدَة عن فَصَاحَته وبَيَانه
(3)
: [من الكامل]
صَرْفُ الزَّمان مُفَرِّقُ الإلفَيْن
…
فاحْكُم إلَهِي بين ذاكَ وبَيْني
أَنهيْتَ عن قَتْلِ النُّفُوسِ تَعمُّدًا
…
وبعثْتَ أنتَ لقَبضْها (b) مَلَكَين
وزَعَمْتَ أنَّ لها معَادًا ثانيًا
…
ما كان أَغْنَاهَا عن الحالَيْن
ولم يَعْزُ غَرْس النِّعْمَة شَيئًا من هذه الأشْعَار المَكْذُوبَة إلى كتاب يُعْتَمد عليه، ولا نَسَب رِوَايتها إلى نَاقِل أسْندها إليه، بل اقْتَصر في ذِكْرها كما ذَكَرَ على البَلَاغ، ولم يتأمَّل أنَّ مثلها ممَّا يُخْتَلق عليهِ زُورًا ويُصَاغ.
وقد نَسَجَ أبو يَعْلَى بن الهَبَّارِبَّة على مِنْوَال غَرْس النِّعْمَة من غير فِكْر ولا رَوِيَّة، فقال في كتابه المَوْسُوم بفَلك المَعَاني
(4)
، المَشْحُون بقول الزُّور فيما ينْقُله
(a) مهملة الأول والثاني في الأصل.
(b) ياقوت: لقتلها، الصفدي (الوافي): وبعثت تقبضها مع الملكين، وفي نكت الهميان: وبعثت تأخذها.
_________
(1)
البيتان في المنتظم لابن الجوزي 16: 34، ومعجم الأدباء 1:338.
(2)
أي غرس النعمة في تاريخه.
(3)
الأبيات عند ابن الجوزي: المنتظم 16: 27، ياقوت: معجم الأدباء 1: 338، تاريخ الإسلام 9: 723، الصفدي: الوافي بالوفيات 7: 110، ونكت الهميان 106.
(4)
فلك المعاني (رسالة ماجستير، تحقيق جهاد قضيب البان، جامعة دمشق) 354 - 355، ونقله ياقوت: معجم الأدباء 1: 339.
ويُعاني: وقد قال أبو العَلَاء أحْمَد بن سُلَيمان (a) مع تَحَذْلُقه ودَعْواه الطَّويلة العَريضَة، وشُهرته نفسَهُ (b) بالحِكْمة ومُظَاهرته (c):[من الكامل]
ونهيْتَ عن قَتْل النُّفُوس تعمُّدًا
…
وبعَثْتَ تَقْبضُهُا مع المَلَكَين
وزَعمْتَ أنّكَ في المعَادِ تُعِيْدُها
…
ما كان أغْنَاهَا عن الحالَيْن (d)
قال ابنُ الهَبَّارِيَّة: وهذا كلام مَجْنُون مَعْتُوه يَعْتَقدُ أنَّ القَتْلَ كالمَوْتِ، والمَوْتَ كالقَتْل، فلَيت هذا الجَاهِل الّذي حُرم الشّرعَ وبردَهُ، والحَقّ وحَلَاوتَهُ، والهُدَى ونُورَهُ، واليَقِيْنَ وراحتَهُ، لم يدَّعِ (e) ما هو بريءٌ منه، بعيدٌ عنه، ولم يَقُلْ:[من الطويل]
غَدَوْتَ مَرِيْض العَقْل والرَّأي فأْتني
…
لتُخْبرَ أنباء الأُمُور الصَّحائح
حتَّى سَلَّط اللّهُ عليهِ أبا نَصْر بن أبى عِمْران دَاعي الدُّعَاة بمِصْر، فقال: أنا ذلك المَرِيْض رأيًا وعَقْلًا، وقد أتيتُك (f) مُسْتَشْفيًا فاشْفني، وجَرَت بينهما مُكَاتَباتٌ كَثِيْرةٌ، وأمَرَ (g) بإحْضَاره حَلَبَ، ووَعَدَهُ على الإسْلَام خَيْرًا من بَيْت المَال، فلمَّا عَلِم أبو العَلَاء أنَّهُ يُحْمَل للقَتْل أو الإسْلَام سمّ نفسَهُ فماتَ.
وابن الهَبَّارِيَّة لا يُعْتَمد على ما ينقُله، وأبو نَصْر بن أبي عِمْران هو هِبَة اللّه بن مُوسَى المُؤيَّد في الدِّين، وكان اجْتمع بأبي العَلَاء بمَعَرَّة النُّعْمَان، وذَكَرنا فيما نَقَلَهُ ابنُ الزُّبَيْر بإسْنَاده أنَّهُ كانتْ بينَهُ وبين أبي العَلَاء صَدَاقَة ومُرَاسلَة، وذَكَرَ حكايته معَهُ.
وأمَّا الرَّسَائِل الّتي جَرَت بينَه وبين أبي العَلَاء؛ فإنَّني وَقَفتُ عليها،
(a) هكذا ورد في كتاب ابن الهبارية مسقطًا اسم أبيه عبد الله، فنقله ابن العديم كما وجده.
(b) ابن الهبارية: وما شهر به نفسه.
(c) ابن الهبارية: ومظاهرته بدعوى الحق.
(d) تجاوز ابن الهبارية عن إثبات البيت الثاني، وقال:"والبيت الثاني معروف".
(e) الأصل: يذع، والمثبت من كتاب ابن الهبارية وموافق لما نقله ياقوت: معجم الأدباء 1: 339.
(f) ابن الهبارية: جئتك.
(g) ابن الهبارية: وأمر في آخرها.
ومَلكتُ بها نُسْخة، والمُؤيَّد في الدِّين ابْتدأه وقال: بلغَني عن سَيِّدنا الشَّيْخ بَيْتًا، وذَكَرَ البَيْت المَذْكُور، وقال: أنا ذلك المَرِيْض عَقْلًا ورأيًا، وقد أتَيتُك مُسْتَشْفِيًا، لِمَ امْتَنعت عن أكل اللَّحْم؟ فأجابه أبو العَلَاء أنَّ ذلك لرِقَّةٍ تأخُذه على الحَيَوَان، وأنَّ الّذي يَحْصل له من مِلْكه لا يَقُوم بسَعَة النَّفَقَة.
فأجابه بجَواب حَسَن، وقال بإنَّهُ قد تقدَّم إلى الوَالي بحَلَب أنْ يَحْمل إليهِ ما يقُوم بكِفَايَته، لا كما ذَكَرَ ابن الهَبَّارِيَّة بأنْ يُحْمل إلى حَلَب، وأنَّهُ وعدَ على الإسْلَام خَيْرًا من بَيْت المَال، فامْتَنع أبو العَلَاء عن قَبُول ما بَذَلَهُ له، وأجابَهُ عن كتابهِ بجَوابٍ حَسَن، فوَرَدَ جَواب المُؤيَّد في الدِّين يتضَمَّن الاعْتِذَار إليه عن تَكْليفه المُكَاتَبة في المَعْنَى المَذْكُور، وشَغل خاطِره، لا كما ذَكَرَ ابن الهَبَّارِيَّة.
وكذلك قَوْل ابن الهَبَّارِيَّة أنَّ أبا العَلَاء سمّ نفسَهُ فمات
(1)
، خطأٌ فَاحِشٌ من القَوْل؛ فإنَّ أبا العَلَاء ماتَ حَتْفَ أنفْه بمرضٍ أصَابَهُ، وَسَنَذْكُر ذلك إنْ شَاءَ اللّهُ في ذِكْر وَفاتِهِ.
قَرأتُ بخَطِّ أبي اليُسْر شَاكِر بن عبد اللّهِ بِن مُحَمَّد بن سُلَيمان، أو بخَطِّ أبيهِ أبي مُحَمَّد عبد اللّه، فإنَّ خَطَّيهما مُتَشابهان، في وَرقَة وَقَعَتْ إليَّ، ذكَرَ فيها شَيئًا من أحْوَال أبي العَلَاء، وقال فيها: إنَّ المُسْتَنْصِر باللّهِ صَاحب مِصْر بَذَل لهُ ما لبَيْت المَالِ بمَعَرَّة النُّعْمَان من الحَلَال، فلم يَقْبَل منه شيئًا، وقال
(2)
: [من السريع]
كأنَّما غانَةُ لي من غنىً
…
فعَدِّ عن مَعْدِنِ أُسْوَانِ
سِرْتُ برَغْمِي عن زَمانِ الصِّبي
…
يعْجلُني وقْتي وأكْوَاني
ضدّ (a) أبي الطَّيِّب لمَّا غدا
…
مُنْصَرفًا عن شعْب بَوَّانِ
(a) ياقوت والصفدي: صد.
_________
(1)
ابن الهبارية: فلك المعاني 355.
(2)
أورده ابن العديم في الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 146، وعند ياقوت: معجم الأدباء 1: 336، والصفدي: الوافي بالوفيات 7: 99 نقلًا عن ابن العديم كما صرحا بذلك إلى آخر النقل المدرج.
وقال
(1)
: [من مجزوء الكامل]
لا أطْلُبُ الأرْزَاقَ والـ
…
مَوْلَى يُفيْضُ عَليَّ رِزْقي
إنْ أُعْطَ بَعْضَ القُوْتِ أعْـ
…
ــلَمْ أنَّ ذلكَ ضِعْفُ حقِّي
قال: وكان رضي الله عنه يُرْمَى من أهْل الحَسَدِ له بالتَّعْطِيْل، وتَعَمَّل تَلَامِذَتُه وغيرُهم على لِسَانه الأشْعَار يُضمِّنُونها أقاويل المُلْحِدَة قَصْدًا لهلَاكِه، وإيثارًا لتلاف نَفْسِه، فقال رضي الله عنه
(2)
: [من السريع]
حَاوَلَ إهْوَانِيَ قَوْمٌ
…
فما واجَهْتُهُم إلَّا بإهْوَانِ
تخوَّنوني (a) بسعَاياتِهِم
…
فغيَّروا نِيَّةَ إخْوَاني
لو اسْتَطَاعُوا لوَشَوْا بي
…
إلى المِرِّيخ في الشَّهْبِ وكَيْوانِ
وقال
(3)
: [من مجزوء الكامل]
غريَتْ بذَمِّي أُمَّةٌ
…
وبحَمْدِ خَالِقَها غَرِيْتُ
وعَبَدْتُ رَبِّي ما اسْتَطَعْـ
…
ـــتُ ومن برَّيتِهِ برِيْتُ
وَفَرْتنيَ الجُهَّال حَا
…
شدَةً عليَّ وما فَرِيْتُ (b)
سَعَرُوا عليَّ فلم أُحـ
…
ـــسُ وعندَهُم أنِّي هُرِيْتُ
وجميعُ ما فَاهُوا به
…
كَذِبٌ لعَمْرُكَ حَنْبَرِيْتُ (c)
وقال أيضًا في ذلك: [من مجزوء الكامل]
_________
(a) ياقوت والصفدي (الوافي والنكت): يحرشوني، وفي بعض نسخ نكت الهميان: يحربوي.
(b) في هامش الأصل: أي فرقت.
(c) في الهامش: أي خالص.
_________
(1)
ياقوت: معجم الأدباء 1: 326، الصفدي: الوافي بالوفيات 7: 99، ونكت الهميان 105.
(2)
ياقوت: معجم الأدباء 1: 327، الصفدي: الوافي بالوفيات 7: 100، ونكت الهميان 105.
(3)
ياقوت: معجم الأدباء 1: 327 باستثناء اليت الأخير، والصفدي: الوافي بالوفيات 7: 100، ونكت الهميان 105.
واللّهُ سَلَّم بعْدَما
…
حَشَدَ العُدَاةُ ونَفَّرُوا
وَسَعَوْا إلى الأُمَرَاءَ عَـ
…
ـليَ في المَجَالِ أُفَرْفَرُ (a)
وتَرَاسَلُوا وتَألَّبُوا
…
وسَكتُّ لمَّا اسْحَنْفَرُوا
خَالُوْنِيَ الصَّيْدَ الأخِيْـ
…
ـذَ سَطَا عليه غَضَنْفَرُ
واللّهُ يَعْلَمُ أيُّنا
…
أطْغَى وأيٌّ أكْفَرُ
قال: وكان يدفَعُ اللهُ سُبْحَانَهُ عنه مَكَائِدَ الأعْدَاءِ، ويقوم له مِنَ المُقَدَّميْنَ مَنْ ينتَخِي له، ويَذُبُّ عنه، فقال في ذلك رضي الله عنه:[من السريع]
ضَعُفْتُ عن كيدِهِمُ غيرَ أنَّ (م)
…
اللّهَ بالحِكْمَة قَوَّاني
أعَانني مِن عِزِّ سُلْطَانِهِ
…
فلَمْ أبَلْ قِلَّةَ أعْوَاني
وزَيَّنُوا هُلْكِي بعُدْوانِهِم
…
لكُلِّ ذي جوْرٍ وعُدْوَانِ
ومُدَّ في القَصْرِ حَدِيْثي وكم
…
ذُممْتُ في قَصْرٍ (b) وإِيْوَانِ
كفانيَ الصِّدْقَ ورَبٌّ رأى
…
تعْظيمَهُ مُعْظَمَ دِيْوَاني
فما رَمَوا سَهْمًا لهم بالَغُوا
…
في سَمِّهِ إلَّا وأَشْوَاني
يا دَائبًا في عَنَتِي جَاهِدًا
…
إبليْسُ في وُدِّكَ أغْوَاني
خَالٍ من الضِّغْنِ وخَالٍ حجًى
…
إنِّي وإيَّاكَ لخِلْوَانِ
كأنَّ طرْحِي في لَظَى مالكٍ
…
يُدْخِلُه جَنَّةَ رِضْوَانِ
قال
(1)
: ولم يَكُن من شأنهِ أنْ يَلتَمِسَ من أحَدٍ من خَلْق اللهِ شيئًا، وكان كَثِيْرَ الأمْرَاض فقال:[من السريع]
لا أطْلُبُ السَّيْبَ من النَّاسِ بَلْ
…
أَطْلُبُهُ من خَالِقِ السَّيْبِ
(a) في الهامش: أي أنْفَضُّ.
(b) في الهامش: يعني القصر بمصر.
_________
(1)
الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 146.
ويَشْهَدُ الأوَّلُ أنِّي أمرُؤٌ
…
لي جَسَدٌ يَغْرَقُ في عَيْبي
تضْربُ أضْرَاسِي وَطبيّ بها الـ
…
ـتَعْطِيُس بالكُنْدُسِ في جَيْبي
وَيْليَ ممَّا أنا فيهِ وجَلَّ (م)
…
الأمْرُ عن وَيْحٍ وعن وَيْبِ
لو أنَّ أعْمَاليَ مَحْمُودةٌ
…
لقُلْتُ: حُوْطِيْ بيَ وَاعْنَى بي
قال: وأبانَ عن تَعْظيم اللهِ سُبْحَانَهُ، واعْتِقَاده الصَّحيح فيه، فقال:[من السريع]
تَرْتاحُ في الصَّيْفِ إلى أشْهُر الـ
…
ـقُرِّ وفي مَشْتاكَ للصَّيْفِ
فخفْت إلهًا عزّ سُلْطَانهُ
…
وجَلَّ عن أيْنٍ وعن كَيْفِ
وعَلَّم النَّاس مَحَاسِن الأخْلَاق، فقال:
والرِّزْق مَقْسُومٌ فياسِرْ ولا
…
تَطْلُبْهُ بالرُّمْح وبالسَّيْفِ
وكُن لِمَا تَمْلُكُهُ باذلًا
…
ولا تَهَاوَنْ بقِرَى الضَّيْفِ
فَاز امرُؤٌ أنْصَفَ في دَهْرِهِ
…
وخَابَ مَنْ مَالَ إلى الحَيْفِ
سَمِعْتُ العِمَاد سَاطِع بن عَبد الرَّزَّاق بن المُحَسِّن بن أبي حَصِيْن المَعَرِّيّ يقول: بَلَغَني أنَّ النَّاسَ لمَّا أكْثَرُوا القَوْل في الشَّيْخ أبي العَلَاء بن سُلَيمان، ورمَوْه بما رمَوه به من الإلْحَاد، سَيَّر صَاحِب حَلَب قَصْدًا لأذَاهُ، فلمَّا جاءه الرَّسُول، باتَ على عَزْم أنْ يأخُذَهُ بُكْرة اليَوْم الآتي، فباتَ الشَّيْخ أبو العَلَاء تلك اللَّيْلة في مِحْرَابه يدعُو الله ويَذْكره، ويَسْأله أنْ يكفيَهُ شَرَّهُ، وقال لبعض أصْحَابهِ: أرْقُب النَّجْم الفُلَانيّ، فما زَال يَرْقبُه إلى أنْ أخبرَهُ بأنَّهُ غَابَ، والشَّيْخُ يَدْعُو مُسْتَقبلًا (a) القِبْلَةِ. فلمَّا أصْبَح جاءَهُ الرَّسُولُ، فقال له أبو العَلَاء: امْض فقد قُضِيَ الأمْرُ، فقال: وما ذاكَ؟ قال: إنَّ صاحبَكَ مات، قال: تَرَكتُهُ وهو في عَافِيَةٍ! قال: إنَّهُ قدْ
(a) الأصل: مستقبل.
ماتَ اللَّيْلة، فعادَ فوجَدَ الأمْرَ كما ذَكَر، وذاكَ أنَّه سَقَطَ بيت كان به، وتقصَّفَت الأخْشَاب فمات، هذا معنى ما ذكَرَهُ لي أو قَريبٌ منه.
وقَرأتُ بخَطِّ الشَّريف إِدْرِيس بن الحَسَن بن عليّ بن عِيسَى بن عليّ الإِدْرِيسِيّ الحَسَنيّ، قال: أخْبَرَني الشَّريفُ النَّقِيْبُ نِظَام الدِّين أبو العبَّاس بنُ أبي الجِنّ الحُسَيْنيّ، قال: حَدَّثَني ابنُ أُخْت أمِيْن الدَّولَة الشَّريفُ القَاضِي الأفْطَسِيُّ، قال: كان الشَّريفُ أبو إبْراهيم مُحَمَّد يحضُر مَجْلِسَ مُعِزّ الدَّولَة ثِمَال بن صالح بن مِرْدَاس الكِلابِيّ صَاحب حَلَب، ويَحْضُره المِحْبَرَة العبَّاسيُّ من وَلد إسْمَاعِيْل بن صالح، وكُلّ واحدٍ منهما فَقِيْه نَبِيْل في المَذْهَب الّذي عُرِفَ به، وكان المِحْبَرَةُ يدُقُّ على أبي العَلَاء بن سُلَيمان، ويُكفِّرهُ، ويَحُضُّ مُعِزّ الدَّولَةِ على قَتْله، فكان مُعِزّ الدَّولَةِ يَسْتَطلِع رأيَ الشَّريف أبي إبْراهيم فيه، فيقول فيه بخِلَاف ما يَقُول المِحْبَرَة، ويُقَرِّظُه عندَ مُعِزّ الدَّولَةِ، ويُرغِّبُه في إبقائهِ، ويُنْشدُهُ من أشْعَارِه الّتي لا يُلمّ فيها بأمر مُنْكَرٍ.
فجَمَع المِحْبَرَةُ جَمَاعَةً من الفُقَهَاءِ وغيرهم من أهل السُّنَّة، وصَعدَ إلى مُعِزّ الدَّولَة، وألْجَأَهُ إلى أنْ يَبْعَث إليه فيُحْضره إلى حَلَب، ويُعْقَدُ له مَجْلِسٌ يُخاطَبُ فيه على ما شَاع له من الشِّعْر والتَّصَانِيْف الّتي صَنَّفها، فندبَ لإحْضَاره رَسُولًا من خاصَّتِهِ، فيُقال: إنَّ أبا العَلَاء بن سُلَيمان صَعِدَ في اللَّيْلة الّتي ورَدَ فيها الرَّسُول لإحْضَارِهِ، وبَسَطَ مِنْدِيلًا عليه رَمادٌ، فوَضَعَ عليه خَدَّهُ، ودعَا اللهَ عز وجل بدُعَاءِ الفَرَج طُول لَيْلَتهِ، فلم يَنْزل إلَّا ورَسُولٌ ثان من مُعِزّ الدَّولَة يقول للأوَّل: لا تُزْعِج الرَّجُلَ واتْرُكْهُ، فعادَ، فاتَّفَق في تلك اللَّيْلة أنْ سقَط المِحْبَرَة من سُطُوح دَاره فمات.
وغَبَر على ذلك مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ، وأبو إبْراهيم مُحَمَّد يَنْتَظر الثَّوَابَ من أبي العَلَاء على ما كانَ منه إليه، وكان أبو العَلَاء لا يمدَحُ أحدًا تَرَفُّعًا، وضنًّا بنَفْسِهِ
وشِعْره، إلَّا ما كان من مَدْحهِ لنَفْسهِ أو أحد من أهل بَيْتهِ كالقَاضِي التَّنُوخِيّ، والفُصَيْصِيّ، وما اضْطُرَّ إليه، فابتَدأهُ الشَّريفُ أبو إبْراهيم بالقَصِيدَة النُّونيَّة الّتي أوَّلُها:[من الخفيف]
غيرُ مُسْتَحْسَنٍ وصَالُ الغَوَاني
…
بعدَ ستِّينَ حِجَّةً وثَمَانِ
فأجابَهُ عنها بالقَصِيدَة المَكْتُوبَة في سَقْط الزَّنْد
(1)
: [من الخفيف]
عَلِّلَاني فإنَّ بيْضَ الأمَانِي
…
فَنِيَتْ والظَّلَام (a) ليسَ بفَانِ
قُلتُ: والشَّريفُ المِحْبَرَة هو أبو عليّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن هارُون الهاشِميُّ الحَلَبِيُّ، وكان قد تَصَدَّى للسَّعْي بأبي العَلَاء، والتَّألْيب عليه، وكان من أكَابِر الحَلَبِيّينَ وفُقَهائهم، ولم يَسْقُط من سَطْح داره، لكنَّ مُعِزّ الدَّولَة ثِمَال بن صالح اعْتقله بقَلْعَة حَلَب سَنَة أرْبَعين وأرْبَعِمائة مع جَمَاعَةٍ من أكَابِر حَلَب، عندما طَرَق ناصِرُ الدَّوْلَة ابن حَمْدَان الشَّام، ثمّ قَتَلَهُ دونَهُم بسعَايةِ عليّ بن أحْمَد بن الأَيْسَر في سَنَة إحْدى أو اثْنَتَيْن وأرْبَعين، ولم يكُن الشَّريف أبو إبْراهيم مُحَمَّد بن أحْمَد ناظِم النُّونيَّة موْجُودًا، ولا أدْركَ زَمان ثِمَال فإنَّهُ تُوفِّي قبل الأرْبعمائة
(2)
، ويُحْتَمل أنَّ أبا إبْراهيم المَذْكُور الّذي كان يُقَرِّظ أبا العَلَاء عند مُعِزّ الدَّولَة هو أبو إبْراهيم مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي إبْراهيم، فإنَّهُ كان جَلِيْل القَدْر، محُتَرمًا عند صالح بن مِرْدَاس وثِمَال بن صالح، لكن الشِّعْر الّذي ذَكَرهُ لجدِّه أبي إبْراهيم الأكْبَر، واللهُ أعْلَمُ.
أنْبَأنَا الشَّريفُ أبو عليّ المُظَفَّر بن الفَضْل بن يَحْيَى العَلَويّ، قال: قَرأتُ بخَطِّ ابن سِنَان الخَفَاجِيّ في ذِكْر أبي العَلَاء بن سُلَيمان أنَّهُ تركَ أكل اللَّحْم
(a) ضوء السقط: والزمان.
_________
(1)
لم أجده في سقط الزند، وهو في ضوء السقط 113.
(2)
يقصد بالذي توفي قبل الأربعمائة: الشريف المذكور، أما الأمير ثمال بن صالح فكانت وفاته سنة 454 هـ. المقريزي: المقفى الكبير 2: 624.
تَزَهُّدًا، وكان مع ذلك يَصُوم أكْثَر زَمانه، ويُفْطِر على الخَلِّ والبَقْل، ويقُول: إنَّ في هذا لخيرًا كَثيرًا.
أخْبَرَنا عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد إجَازَةً، عن أبي الفَضْل بن نَاصِر، قال: حَدَّثَنَا أبو زَكَرِيَّاء التَّبْرِيْزِيُّ، قال: كان المَعَرِّيّ يُجْري رِزْقًا على جَمَاعَةٍ ممَّنَ كان يَقْرأ عليه، ويَتردَّد لأجْل الأدَب إليه، ولم يَقْبل لأحد هَدِيَّةً ولا صِلَةً، وكان له أربعَةُ رجالٍ من الكُتَّاب المُجَوِّدِين في خِزانَته وجَارِيهِ (a) يَكْتُبون عنه ما يَرْتَجله ويُمْليهِ.
أنْبَأنَا زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أنْبَأنَا هِبَةُ الله بن عليّ العَلَويّ الشَّجَرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو زَكَرِيَّاء التَّبْرِيْزِيّ، قال: ما أعْرفُ أنَّ العَرَب نَطقت بكلمة ولم يَعْرفها المَعَرِّيّ، ولقد اتَّفَق قَوْمٌ ممَّن كان يَقْرأ عليه، ووضَعوا حُرُوفًا وألَّفُوها كَلِمَات، وأضَافوا إليها من غَرِيْب اللُّغَة ووَحْشِيِّها كَلِمَات أُخْرى، وسَألُوه عن الجميع على سَبيل الامْتِحان، فكان كُلّما وصَلُوا إلى كلمة ممَّا ألَّفُوهُ يَنْزعجُ لها، ويُنْكرها، ويَسْتَعيدُها مِرَارًا، ثمّ يقُول: دعُوا هذه، والألْفَاظ اللُّغَويّة يَشْرحُها ويَسْتَشهدُ عليها حتَّى انْتَهت الكَلِمَاتُ، ثمّ أطْرَقَ ساعةً مُفَكِّرًا، ورَفَع رأسَهُ، وقال: كأنِّي بكم وقد وضَعْتُم هذه الكَلِمَات لتَمْتَحنُوا بها مَعْرفتي وثِقَتي في روايتي، والله لئن لم تَكْشفُوا لي الحال وتَدَعُوا المُحَال، وإلَّا هذا فِرَاق ما بيني وبينكم، فقالوا له: واللهِ الأمْر كما قُلْتَ، وما عدوتَ ما قَصَدْناهُ، فقال: سُبْحَان اللهِ، والله ما أقُول إلَّا ما قالَتْهُ العَرَبُ، وما أظُنُّ أنَّها نَطَقَتْ بشيءٍ لم أعْرِفهُ.
قَرَأتُ في كتاب تَتِمَّة اليَتِيْمة لأبي مَنْصُور الثَّعالبِيّ
(1)
، وذكَرَ فيها أبا العَلَاء المَعَرِّيّ فقال: وكان حَدَّثَني أَبو الحَسَن الدُّلَفيّ المِصِّيْصيّ الشَّاعر، وهو ممَّن لقيْتُهُ قَديْمًا وحَدِيثًا في مُدَّة ثلاثين سَنَةً، قال: لقيتُ بمَعَرَّة النُّعْمَان عَجبًا من العَجَب؛
(a) كذا في الأصل، ولعل مراده: يُنفق ويجري عليهم رزقًا من ماله.
_________
(1)
الثعالبي: تتمة اليتيمة 16، وأورده المؤلف في الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4:132.
رأيتُ أعْمَى شَاعِرًا طَرِيفًا (a) يلْعب بالشِّطْرَنْج والنَّرْد، ويَدْخُل في كُلِّ فَنٍّ من الجدِّ والهَزْل، يُكْنَى أبا العَلَاء. وسَمِعْتُه يقول: أنا أحْمَد الله على العَمَى كما يَحْمدُه غيري على البَصَر، فقد صنعَ لي وأحسَن بي إذ كفاني رُؤيةَ الثُّقَلَاء والبُغَضَاء.
قال: وحَضَرتُه يَوْمًا وهو يُمْلي في جَواب كتابٍ ورَدَ من بعض الرُّؤَسَاءِ إليه
(1)
: [من الكامل]
وافَى الكتابُ فأوْجَبَ الشُّكْرا
…
فضمَمْتُه ولثَمْتُهُ عَشْرا
وفَضِضْتُهُ وقَرأتُهُ فإذا
…
أحْلَى (b) كتابٍ في الوَرَى يُقْرَا
فمَحَاهُ دَمْعِي من تحدُّرِه
…
شَوْقًا إليكَ فلَم يَدَعْ سَطْرَا
فتحفَّظْتُها واسْتَعْملتُها في مُكَاتَبات الإخْوَان.
قُلتُ: وهذا الّذي حَكاهُ الدُّلَفيّ لم أسمَعْهُ في كتاب غير تَتِمَّة اليَتِيْمَة، ولم يَنْقل أحدٌ من المَعَرِّيّين وغيرهم عن أبي العَلَاء اشْتِغَالا بشِطْرَنْج أو نَرْد، أو دُخُولًا في فَنٍّ من فُنُون الهَزْل، ولم تَزَل أوْقَاته منذ نَشأ مَصْروفة إلى الاشْتِغَال بالعِلْم، كيف وهو أنَّ مَنْصِبَ أبيهِ ومَنْصِبَ أخيه لا يقتَضي تَمْكينه من شيء من ذلك، فقد كانا من العُلَمَاء الفُضَلَاء، وكان أبو العَلَاء يَزِيدُ عليهما.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عبد الله، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل الطَّرَسُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبَو الفَضْل مُحَمَّد بنُ طَاهِر المَقْدِسِيّ إجَازَةً - قُلتُ: ونَقَلْتُه أنا من خَطِّ المَقْدِسِيّ - قال: سَمِعْتُ الرَّئِيس أبا نَصْر أحْمَد بن أحْمَد بن عُبْدُوْس الوَفْرَاوَنْدِيّ بها، يقُول: سألتُ شَيْخ الإسْلَام أبا الحَسَنِ عليّ بن أحْمَد بن يُوسُف الهَكَّارِيّ عن أبي العَلَاء المَعَرِّيّ - وكان قد رَآهُ - فقال: رجُلٌ من المُسْلمِيْن.
(a) تتمة اليتيمة والإنصاف والتحري: ظريفًا.
(b) ياقوت: أجلى.
_________
(1)
انظر الأبيات أيضًا عند ياقوت: معجم الأدباء 1: 307.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الله بن الحُسَين بن عبد الله بن رَوَاحَة قراءةً عليه، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، ح.
وكَتَبَ إلينا أبو القَاسِم عِيسَىَ بن عَبْد العَزِيْز اللَّخْمِيّ من الإسْكَنْدَرِيَّة، قال: سَمِعْتُ أبا طَاهِر السِّلَفِيّ، يقول: سَمِعْتُ أبا الزَّاكِي حَامِد بن بَخْتِيار بن جَرْوَان النُّمَيْرِيّ الخَطِيب بالشَّمْسَانيَّة - مَدِيْنَة بالخَابُور - يقول: سَمِعْتُ القَاضِيَ أبا المُهَذَّب عَبْدَ المُنْعِم بن أحْمَد بن أبي الرُّوْس السَّرُوجِيّ، يقول: سَمِعْتُ أخي القَاضِي أبا الفَتْح، يقول: دَخَلْتُ على الشَّيْخ أبي العَلَاء التَّنُوخِيّ بالمَعَرَّة ذات يَوْم في وَقْتِ خَلْوة بغَير عِلْم منهُ، وكُنْتُ أتردَّدُ إليهِ وأقرأ عليه، فسَمِعْتُه وهو يُنْشد من قِيْلِهِ
(1)
: [مخلع البسيط]
كم غُوْدرَتْ (a) غَادةٌ كَعَابٌ
…
وعُمِّرَتْ أمُّها العَجُوْزُ
أحْرَزَهَا الوالدَان خَوْفًا
…
والقَبْرُ حرْزٌ لها حَرِيْزُ
يَجُوزُ أنْ تُبْطِئَ المَنَايا
…
والخُلْدُ في الدَّهْر لا يَجُوْزُ
ثُمَّ تأوَّه مَرَّاتٍ، وتلا قولَهُ تعالَى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}
(2)
، ثمّ صَاح وبَكى بُكَاءً شَدِيْدًا، وطَرَحَ وجْهَهُ على الأرْض زَمانًا، ثمّ رفَع رأسَهُ، ومسَحَ وجْهَهُ، وقال: سُبْحَان مَنْ تكَلَّم بهذا في القِدَم، سُبْحَان مَنْ هذا كلَامُه! وسَكَت وسَكَن.
فصَبَرْتُ ساعةً، ثمّ سلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ عليَّ وقال: يا أبا الفَتْح، متى أتَيْتَ؟ فقُلتُ: السَّاعَةَ، فأمَرَني بالجُلُوس، فجَلَسْتُ، وقُلتُ: يا سَيِّدَنا، أرَى في وَجْهكَ
(a) في الأصل: عودرت. معاهد التنصيص: بودرت.
_________
(1)
الأبيات الثلاثة، والخبر بنصه، في معجم الأدباء لياقوت 1: 304 - 305، وتاريخ الإسلام للذهبي 9: 728، وسير أعلام النبلاء 18: 32، ومعاهد التنصيص للعباسي 1:140.
(2)
سورة هود، الآيات 103 - 105.
أثَر غَيْظٍ، فقال: لا يا أبا الفَتْح، بل أنشَدْتُ شَيئًا من كَلَا م المَخْلُوق، وتَلَوْتُ شَيئًا من كَلام الخاَلِق، فلَحقَني ما تَرى، فتحقَّقْتُ صِحَّةَ دينِهِ، وقوَّة يَقِيْنه.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم الأنْصَاريّ، عن الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، وأنْبَأنَا أبو القَاسِم اللَّخَمِيّ، قال: وسَمِعْتُ أبا طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد يقول: وقد كان شَيْخَانا أبو زَكَرِيَّاء التَّبرْيِزيّ ببَغْدَاد، وأبو المَكَارِم الأبْهَرِيّ بأَبْهَر، وهما همُا، ولا يَخْفَى من العِلْم مَحلُّهُما، يُبَالغانِ في الثَّنَاء عليه، ويَصِفانه بالزُّهْدِ والدِّين القَوِيّ، والعَقِيْدَة الصَّحيحة القَوِيَّة، والخَوْف من اللّهِ تعالَى، وأَنًّ كُلّ ما يُذْكَرُ من شِعْره إنَّما كان يَذْكرهُ على ما جَرَتْ به عادَةُ أهلِ الأدَب، كما فعَلَهُ أبو الحُسَين بن فارس في فُتْيَا فَقِيْه العَرَب، وقَبْله أبو بَكْر بن دُرَيْد في المَلَاحنِ، وعُدَّ ذلك منهما في جُمْلَةِ المَنَاقِبِ والمَحَاسِن، وهذان الإمَامانِ فمن أجلَّاءَ مَنْ رأيتُهُ من أهل الأدَب، والمتُبَحِّرين في عُلُوم العَرَب، وإلى أبي العَلَاء انْتماؤُهما، وفي العَرَبِيِةِ اعْتِزَاؤُهما، وقد أقاما عندَهُ بُرْهَةً من الدَّهْر للقِرَاءة والأخْذ عنهُ والاسْتِفَادَة.
أخْبَرَنا القَاضِي أبو المَعَالِي أحْمَدُ بن مُدْرِك بن سَعيد بن سُلَيمان قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان، قال: بلَغَني من شُيُوخِ المَعَرَّة أنَّ جَمَاعَةً من أهل حَلَب خرجُوا إلى نَاحِيَةِ المَعَرَّة، فقالُوا: نُريد أنْ نجتَمع بالشَّيْخ أبي العَلَاء، فقال واحدُ منهم يُقال لهُ ابن الطَّرَسُوسِيِّ: أيّ حاجةٍ بنا أنْ نمْضِيَ إلى ذلك الأعْمَى الأصْطِيْل؟ فقالوا: لا بُدَّ لنا من المُضِي إليه، فَمضَوا حتَّى وصلُوا إلى بابهِ، ودَقُّوا الباب، واسْتَأذَنُوا عليه، فقال: يُؤْذَن للجَمَاعَةِ كُلّهم ما خَلا فُلَان؛ فلا حاجَهً له إلى أنْ يَجْتَمعَ بالأعْمَى الأصْطِيل، فدَخَلُوا وسَألُوه الإذنَ له، فأذِنَ له، وعجَبُوا من ذلك.
قَرأتُ بخَطِّ أبي الفَرَج مُحَمَّد بن أحْمَد بن الحَسَن الكَاتِب الوَزِير في رُوزِنَامج أنْشَأهُ لولده الحَسَن يَذْكر فيه رِحْلَتَهُ إلى الحَجِّ من أَذْرَبِيْجَان، وعُبُوره بحَلَب ومَعَرَّة النُّعْمَان في سَنَة ثمانٍ وعشرين وأرْبَعِمائة، وكان رَجُلًا جَلِيْلًا فَاضِلًا، وَسَنَذْكُر
تَرْجَمَتهُ في مَوضِعها إنْ شاءَ اللهُ
(1)
، ذِكْر مَعَرَّة النُّعْمَان، ثمّ قال: وحَسَنَتُها وغُرَّتُها ودِيْبَاجَتُها وعَالِمُها ورَاويتُها وعَلَّامتُها ونَسَّابَتُها الشَّيْخُ الجلَيْل العالَم أبو العَلَاء أحْمَد بن عبد الله بن سُلَيمان المَعْرُوف برَهْن المَحْبَسَين، وهو العَالَمِ المَقْصُودُ، والبَحْر من الأدَب المَوْرُود، والإمَام المَوْجود، والأدِيْبُ الّذي يشْهَدُ بفَضْله الحَسُودُ، والزَّاهِدُ الّذي لو أَحَلَّ الدِّينُ السُّجُودَ لوجبَ له السُّجُود، والفَاضِل الّذي تُنْضَى إليه الرَّكاَئب، وتُرْكب إلى الاقْتِباسِ منْهُ الطَّريق المُوَعَّرُ واللَّاحب، ويُهْجَرُ لمُوَاصَلَتِهِ المُنَاسبُ والمُصَاحِبُ، وتُطوَى إليه البِلاد، ويُخالَفُ للاكْتحال به الرُّقاد ويُحَالف السُّهَاد، ليُؤْخَذَ منهُ العِلْمُ المَحْضُ والسَّدَاد، ويُسْتَفاد من مُجَالسَته العِلْمُ المَطْلُوب والرَّشَادُ، يفقَدُ لديهِ الزَّيْغُ والإلْحَاد، والفُضُول في الدِّين والعِنَاد.
الفَهْمُ مِلْءُ إهَابِه، والفَضْلُ حَشْوُ ثيابِه، شَخْصُ الأدَبِ مَاثِلًا، ولِسَان البَلَاغَةِ قَائلًا، جَمَال الأيَّام، وزِيْنَةُ خَوَاصِّ الأنامِ، وفارس الكَلَام، والمُقَدَّم في النِّثَارِ والنِّظَام.
قد لَزِمَ بيتَهُ فما يُرَى مُتَبَرزًا، وألفَ دارَهُ وأصْبَحَ فيها مُعْتَمدًا مُتَعزِّزًا، لا يُؤْنسهُ عن الوَحْشَة إلَّا الدَّفَاتِر، ولا يصْحَبُه في الوَحْدَة إلَّا المَحَابِر، قد اقْتَصَر من دُنْياهُ على الزَّاويَة، وأَنِسَ بالاعْتِزَال والعَافِيَة، وقَصَرَ هِمَّتَهُ على أدَبِ يُفِيْدُهُ، وتَصْنِيف يُجِيْدُهُ، وقَرِيْض يَنْظمُه، ونَثْر يَنْثرُه فيُحْكمه، ومُتَعَلِّم يَفضلُ عليه، ومُسْتَرْفد صُعْلُوك يُحْسِنُ إليه، فهو عَذْبُ المَشْرَبِ، عَفُّ المطْلَب، نقِيَّ السَّاحَةِ من المآثم، بَرِيء الذّمَّة من الجَرَائمِ، يَرْجعُ إلى نفسٍ أمَّارة بالخيرِ، بعيدَة من الشَّرِّ، قد كُفَّ عنِ زُخْرِف الدُّنْيا ونضْرتها، وغُضَّ طَرْفُه عن مَتَاعها وزَهْرَتها، ونقى جَيْبَهُ، فَأمن النَّاسُ عَيْبَه، قد اسْتَوَى في النَّزَاهَة نَهَارُهُ وليلُه، فلم يتدَنَّسْ بفَاحِشَةٍ قَطَّ ذَيْلُه،
(1)
ترجمته في تراجم المحمدين، في الكتاب من الكتاب، وتقدم التعريف برحلة أبي الفرج الكاتب في الجزء الأول، وانظر بعض النقول عنها في الإنصاف والتحري لابن العديم (ضمن إعلام النبلاء) 4:144.
وعاد لإصْلَاح المَعادِ بإعْدَادِ الزَّادِ، واعْتَزَلَ هذه الغَدَّارة، وأفرجَ عن المُرَاد.
ولهُ دارٌ حَسَنَةٌ يأويْها، ومَعَاشٌ يَكفيهِ ويَمُونهُ، وأولاد أخٍ باقٍ يَخْدمُونَهُ، ويقرَأونَ بينَ يَدَيْهِ، ويَدْرسُونَ عليه، وبَكْتُبُونَ له، وورَّاق برَسْمِهِ مُسْتَأجَر، ثُمَّ يُنْفِقُ على نفسِه من دَخْل مَعَاشِه نففةً طَفِيْفَة، وما يَفْضُلُ عنهُ يُفَرِّقُهُ على أخيهِ وأوْلادِهِ واللائذِيْنَ به والفُقَرَاءَ والقَاصدين له من الغُرَبَاء، ولا يقبلُ لأحدٍ دَقيقًا ولا جلِيْلًا، فقد اسْتَعْمَل قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
أنَّ رَجُلًا أتاهُ فقال: يا رسُول اللهِ، أيّ النَّاس أفْضَل؟ قال: رَجُل يُجَاهِد في سَبيْل الله بماله ونَفْسه. قال ثمّ مَنْ؟ قال: مُؤْمِن في شِعْب من الشِّعَاب يَعْبُدُ اللهَ، ويَدَع النَّاسَ من شَرِّه. وما رُوي أنَّ عُقْبَة بن عَامِر قال
(2)
: يا رسُول الله، ما النَّجَاةُ؟ قال: أمْلِكْ عليكَ لسَانَكَ، وليَسَعكَ بيتُكَ، وابْكِ على خطيئَتكَ، فقد اتَّخذ الله تعالَى ذِكْرهُ صَاحِبًا. وترَكَ النَّاسَ جَانِبًا.
فَمَضَيْتُ إليه مُسَلِّمًا، وللاسْتِسْعَادِ به مُغْتَنِمًا، فرأيتُ شَيْخًا حَكَمْتُ بأنَّهُ مَولُودٌ في طَالع الكَمَالِ، وأنَّهُ جُمْلَة الجالِ (a) ، شَمْسُ عَصْرِه، وزِيْنَة مِصْره، وعَلَم الفَضْل المَطْلُوب، ووَاسطَةُ عقْد الأدَب المَحْبُوب، يَزِيدُ على العُلَمَاء زِيَادَةَ النُّور على الظَّلَام، والكِرَام على اللِّئَام، ويَنيْفُ عليهم إنافَة صَفْحَة الشَّمْس على كُرَة الأرْض، ويَشَأُهم كما يَشْأَى السَّابِق يَوْمَ الامْتِحان والعَرْض.
وذكَرَ قصائد سَمِعَها منهُ من شِعْره، وقال في آخِرها: يا وَلدِي، أبْقَاكَ
(a) الأصل: الحمال.
_________
(1)
صحيح مسلم 3: 1503 (رقم 1888).
(2)
الترمذي: الجامع الكبير 4: 308 (رقم 3406)، الحاكم: المستدرك 4: 535، من حديث عبد الله بن عمرو وفيه اختلاف في اللفظ، البغوي: شرح السنة 14: 317، المسند الجامع 13: 64 (رقم 9896).
الله، هذا ما عَلَّقْتُه عن هذا الشَّيْخ المَذْكُور، في زَوْرَةٍ كانتْ أقْصَرَ من إبْهَام الضَّبِّ، وعتَاب الصَّبِّ، وحُسْوَة الطَّائرِ، وهجْعَة السَّائرِ، وسَالفَة الذُّبَاب، ودَوْلة الخضَاب، ثمّ عَرَضْتُ عليه ما أَسْأَرتْهُ النَّوَائِبُ من حالي، وتخَطَّتْهُ الحَوَادِثُ من نفَقَتي ومالي، فأبَى عن القَبُول وامْتَنع، وتَلَكَّأ عليَّ ودَفَع، فلمَّا عَرَفْتُ مَذْهَبَهُ، وظَلَفَ نَفْسهِ، جئْتُه من البابِ الّذي اقْتَرَنَ بمُرَادِهِ وأُنْسهِ.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، في رِسَالَةٍ كَتَبَها الكِيَا أبو الفَتْح الحَسَن بن عبد الله بن صالح الأصْبَهَانِيّ إلى أبي المُظَفَّر اللَّيْثِيّ الأذْرِيّ، وقد سَأله عن حاله في سَفْرَةٍ سَافرَها إلى الشَّام وغيرها، قال فيها: وهل أدرك أبا العَلَاء المَعَرِّيّ المَحْجُوب، حَجَبَ اللهُ عنه السُّوءَ، وهو أديْبُهم الرَّاجِحِ، وعَالِمُهم الفَاضِل، وشَاعِرُهم البارعُ، وعَهْدي به راجعًا من بَغْدَاد، ولم يصحّ بجانبي ليله النَّهَار، ولم يقَع على شَبابهِ لوقائع الدَّهْر غُبَار، وهو يقول ما شاهدْت بالعِرَاق مَنْ احْتَجتُ إلى عِلْمهِ، ووجبت (a) عليّ رحلَة للاقْتباسِ من أجْله، فرأيتُ العَوْدَ إلى وَطَني أرْبَحَ، والمقام بين أهْلي وعَشائري أرْوَح، ولقد رأيتُهُ مِعَنًّا مِفَنًّا، يَتَنفَّس في كُل جَوّ، ويَقْتَبس من كُل ضَوّ، فتَذَكَّرتُ قَوْل عبد الله بن العَبَّاس
(1)
: [من البسيط]
إنْ يَسْلُب اللهُ مِنْ عَيْنيَّ نورَهمُا
…
ففي لِسَانِي وقَلْبي منهما نُورُ
قلبي ذَكيٌّ ورَأيِي حَازم يَقُط
…
وفي فمي صَارِمٌ كالسَّيْفِ مأثُورُ
وقَرأتُ بخَطِّ السِّلَفيّ، في رسالةٍ كتَبَها إلى الدِّهْخُذا أبي الفَرَج مُحَمَّد بن
(a) مهملة الأول والثاني في الأصل، والإعجام على التقريب.
_________
(1)
ينسب الشعر أيضًا لأبي العيناء (ديوانه 108) ولحسان بن ثابت (ديوانه 1: 479)، وذكره الصفدي مرة لأبي العيناء (الوافي بالوفيات 4: 343) ومرة أخرى لعبد الله بن العباس (الوافي 17: 334)، وروايه محمد جميعهم: إن يأخذ الله
…
أحْمَد، قال فيها: والشَّيْخ أبو العَلَاء المَعَرِّيّ فإنِّي وجَدتُهُ كما قال أبو الطَّيِّب
(1)
: [من الكامل]
عَلَّامَة العُلَمَاء واللُّجُّ الّذي
…
لا يَنْتَهي ولكُلّ لُجّ سَاحِلُ
ولم يَكُن الْتقائي به في دَفْعَتين إلَّا قَدْر قبْسَة العَجْلَان، وخَفْقة النَّعْسَان.
أخْبَرَنا أبو إسْحاق إبْراهيم بن أبي اليُسْر شَاكِر بن عبد اللهِ بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سُلَيمان
(2)
، قال: أخْبَرَني أبي أبو اليُسْر، قال: أخْبَرَني جَدِّي أبو المَجْدِ مُحَمَّد بن عبد الله، قال: كان ظَهَر بمَعَرَّة النُّعْمَان مُنْكَرٌ في زَمن صالح بن مِرْدَاسٍ، فعَمَدَ شُيُوخُ البَلَدِ إلى إنْكَار ذلك المُنْكَر، فأفْضَى إلى أنْ قتَلُوا الضَّامن بها، وأهْرقُوا الخَمْرَ، وخافُوا، فَجَمَعَهُم إلى حَلَب واعْتَقلهُم بها، وكان فيهم بعضُ بني سُليْمان، فجاء الجَمَاعَةُ إلى الشَّيْخ أبي العَلَاء، وقالوا له: إنَّ الأمرَ قد عَظُمَ وليس له غيرُكَ. فسار إلى حَلَبَ ليشْفَع فيهم، فدَخَل إلى بين يَدي صالح، ولم يَعْرِفْهُ صالح، ثمّ قال له: السَّلام عَليْكَ أيُّها الأَمِيرُ. الأَمِيرُ أبْقَاهُ اللهُ كالسَّيْف القَاطع، لأن وسَطُهُ، وخَشُنَ جَانِباه، وكالنَّهَار الماتِعِ، قاظَ وَسَطُهُ، وطَابَ جَانباهُ، {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
(3)
، فقال له: أنتَ أبو العَلَاء؟ فقال: أنا ذاكَ. فرفعَهُ إلى جانبهِ، وقضَى شُغْلَهُ، وأطْلَقَ له مَنْ كان من المُحَبَّسيْنَ من أهْل المَعَرَّة، فعَمِل فيه، قال لي: قال لي أبي: قال لي جَدِّي: وأنْشَدَنيها لنفسِهِ
(4)
: [من المتقارب]
ولمَّا مَضَى العُمْرُ إلَّا الأقَلَّ
…
وحَانَ (a) لرُوْحِي فِرَاق الجَسَدْ
(a) في اللزوميات وشرحها وزبدة الحلب: وحم، وهي رواية يوردها ابن العديم فيما بعد.
_________
(1)
ديوان المتنبي بشرح العكبري 3: 357.
(2)
انظر: الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 138، وزبدة الحلب 1:303.
(3)
سورة الأعراف، الآية 199.
(4)
لزوم ما لا يلزم 1: 404، وشرح اللزميات 2: 30 - 31.
بُعِثْتُ رَسُولًا (a) إلى صالح
…
وذاكَ من القَوْم رَأْيُ فَسَدْ
فيَسْمَعُ منِّي هَدِيْلَ (b) الحَمَام
…
وأسْمَعُ منهُ زَئيْرَ الأسَدْ
فلا يُعْجبنِّي هذا النِّفَاقُ
…
فكَمْ مِحْنَةٍ نَفَّقَتْ ما كَسَدْ
وقرأتُ هذه الحِكايَة في تاريخ أبي غَالِب هَمَّام بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ
(1)
، وذَكَرَ أنَّ اجْتِمَاع أبي العَلَاء بصالح كان بِظَاهِر مَعَرَّة النُّعْمَان، قال: سنَة سَبعْ عَشْرة وأرْبَعمائة فيها: صَاحَت امرأةُ في الجَامع يَوْم الجُمُعَة، وذكرَتْ أنَّ صاحبَ المَاخُور أرادَ أَنْ يَغْصِبَهَا نفسَها، فنَفَرِ كُلُّ مَنْ في الجَامع إلَّا القَاضِي والمَشَايخ، وهَدَمُوا المَاخُور، وأخَذُوا خشَبَهُ ونهبُوهُ، وكان أسَدُ الدَّوْلةَ صالح في نَوَاحِي صَيْدَا.
ثم قال: سنَة ثماني عَشْرة وأرْبَعِمائة فيها: وصَل الأميرُ أسَدُ الدَّولَة صالِح بن مِرْدَاسٍ إلى حَلَبَ، وأمَرَ بِاعْتِقَال مَشَايخ المَعَرَّة وأمَاثِلها، فاعْتُقِلَ سبْعُونَ رجُلًا في مَجْلِسِ الحِصْن سَبْعِين يوْمًا، وذلك بعد عيْدِ الفِطْر بأيَّام، وكان أسَدُ الدَّوْلَة غير مُؤثر لذلك، وإنَّما غَلَبَ تَاذَرُس
(2)
على رأيهِ، وكان يُوهمُهُ أنَّهُ يُقيم عليهم الهَيْبَة، ولقد بلغَنا أنّهُ خاطَبَهُ في ذلك فقال له: أَقْتُلُ المُهَذَّب أو أبا المَجْد بسبَب مَاخُور؟ ما أفْعَل. وقد بَلَغَني أنَّهُ دُعِي لهم في آمِد ومَيَّافَارقِين، وقِطَعَ عليهم ألف دِيْنارٍ، واسْتَدْعي الشَّيْخ أبا العَلَاء بن عبدِ الله بن سُلَيمان، رحمه الله، بِظَاهِر مَعَرَّة النُّعْمَان، فلمَّا حصَل عندَه في المَجْلِسِ، قال له الشَّيْخُ أبو العَلَاء: مَوْلَانا السَّيِّد الأجَلّ، أسَدُ الدَّوْلَة ومُقَدَّمُها ونَاصِحها، كالنَّهَارِ المَاتِع، اشْتَدَّ هجيرُهُ وطابَ أبْرَدَاهُ، وكالسَّيْف القاطع، لانَ صفْحُه وخَشُنَ حَدَّاهُ، {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ
(a) في اللزوميات وشرحها وزبدة الحلب: شفيعًا.
(b) في اللزوميات وشرحها وزبدة الحلب: سجع.
_________
(1)
تقدم التعريف بالكتاب في الجزء الأول، ونقله في كتابه الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4: 138 - 139.
(2)
عرَّف به المؤلف عقب انتهاء الرواية في كتابه الإنصاف والتحري، قال: هو تاذرس بن الحسن النصراني، وزير صالح بن مرداس وصاحب السيف والقلم.
بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
(1)
، فقال صالح: قد وَهَبتهم لك أيُّها الشَّيْخُ. ولم يَعْلَم الشَّيْخُ أبو العَلَاء أنَّ المال قد قُطع عليهم وإلَّا كان قد سَأل فيهِ، ثمّ قال الشَّيْخُ أبو العَلَاء بعد ذلك شِعْرًا
(2)
: [من المتقارب]
تغيَّبْتُ في مَنْزِلي بُرْهَةً
…
سَتِيرَ العُيُون (a) فقيْدَ الحَسَدْ
فلمَّا مَضَى العُمْرُ إلَّا الأقَلَّ
…
وحُمَّ لرُوْحِي فِرَاقُ الجَسَدْ
بُعِثْتُ شَفِيْعًا إلى صالحٍ
…
وذاكَ من القَوْمِ رأيُ فَسَدْ
فيَسْمَعُ منِّي سَجع الحَمَام
…
وأسْمَعُ منهُ زئيْرَ الأسَدْ
فلا يُعجِبَنِّيَ هذا النِّفَاقُ
…
فكم نفَّقتْ مِحْنَةُ ما كَسَدْ
قُلتُ: وبلَغَني في غير هذه الرِّوَايَة أنَّهُ قال بَيْتَيْن حين أطْلَقَ صالح أهْلَ المَعَرَّة
(3)
: [من الكامل]
نجَّى المَعَرَّةَ (b) من بَرَاثن صالحٍ
…
رَبّ يُدَاوِي كُلَّ داءٍ (c) مُعْضِلِ
ما كانَ لي فيها جَناحُ بَعُوضَةٍ
…
اللهُ ألْحَفَهُم (d) جَناحَ تَفَضُّلِ
نَقَلْتُ من خَطِّ أبي الحَسَن عليّ بن مُرْشِد بن عليّ بن مُقَلَّد بن نَصْر بن مُنْقِذ في تَارِيْخهِ، قال: وحَدَّثني أبي، قال: حَدَّثني أبو المُعَافَى بن المُهَذَّبِ، قال: عَمِلَ الشَّيْخُ أبو العَلَاء في بَغْدَاد
(4)
:
(a) لزم ما لا يلزم، وشرحها: العيوب.
(b) اللزوميات وكذا الشرح: العاشر.
(c) اللزوميات، وشرحها: يُفرج كل أمر.
(d) اللزوميات، وشرحها: ألبسهم.
_________
(1)
سورة الأعراف، الآية 199.
(2)
لزم ما لا يلزم 1: 404، وشرح اللزوميات 2: 30 - 31، وبيتان منها عند الصفدي: الوافي بالوفيات 7: 102، وتاريخ ابن الوردي 1:511.
(3)
لزوم ما لا يلزم 3: 351، وشرح اللزوميات 3: 34، ياقوت: معجم الأدباء 1: 355.
(4)
سقط الزند 208، وقد تقدم البيت وعجزه فيما مرَّ الترجمة، وانظر: تاريخ الإِسلام للذهبي 9: 727.
منْكَ الصُّدُود ومنِّي بالصُّدُود رِضَى
وهي قَصِيدَةٌ مَلِيْحَةٌ، فلمَّا ظَهَرَتْ غُنِّي بها. فهو ليلَةً قاعدٌ في بَيْتهِ، إذ سَمِعَ في جُوَاره غِنَاءً من القَصِيدَة
(1)
: [من البسيط]
بي مِنْكَ ما لو بَدَا (a) بالشَّمْس ما طَلَعَتْ
…
والغُصْن ما مَاسَ أو بالبَرْق (b) ما وَمَضَا
قال: فلَطَمَ وبَكَى، واسْتَغْفَر اللهَ من ذلك، وقال: واللهِ لو عَلَمْتُ أنَّهُ يُغَنَّى بشِعْري لَمَا نَطَقْت بهِ.
أنشَدنا ضِيَاء الدِّين الحَسَن بن عَمْرو بن دُهْن الحَصَا، بقراءتي عليه بحَلَب، قال: أنْشَدَنا أبو الفَضْل خَطِيبُ المَوْصِل، قال: أنْشَدَنا أبو زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن عليّ التَّبْرْيزِيّ، ح.
وأنْشَدَنا الخَطِيبُ أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد بن حَرْب خَطِيبُ قَلْعَة حَلَب، والشَّريف أبو المَحَاسِن عبدُ الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الهاشمِيّ الحَلَبِيَّان بها، والقَاضِي شِهَاب الدِّين أبو العبَّاس أحْمَد بن مُدْرِك بن سَعيد بن سُلَيمان المَعَرِّيّ بها، وشِهَابُ الدِّين أبو المحامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد القُوصِيّ بدِمَشْقَ، قالوا: أنْشَدَنا القَاضِي المُؤيَّد أبو جَعفَر مُحَمَّد بن مُؤيَّد بهن أحْمَد بن حَوَاري، قال: أنْشَدَنِي جَدِّي أبو اليَقْظَان أحْمَد بن مُحَمَّد بن حَوَاري، قالا: أنْشَدَنا أبو العَلَاء أحْمَدُ بن عبد اللهِ بن سُلَيمان المَعَرِّيّ لنفسِه، وهي أبي الرِّضَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد اللهِ الفُصَيْصِيّ الكَاتِب
(2)
: [من البسيط]
يا سَاهِرَ البَرْق أَيْقِظ راقدَ السَّمُرِ
…
لَعَلَّ بالجزْع أعْوانًا على السَّفَر (c)
(a) سقط الزند: غدا.
(b) سقط الزند: من الكآبة أو البرق.
(c) شروح السقط: السهر.
_________
(1)
سقط الزند 208.
(2)
الأبيات في شروح السقط 1: 114 - 121، الباخرزي: دمية القصر 1: 131 - 132.
وإنْ بَخِلَتْ عن الأحْيَاءِ كُلِّهِم
…
فاسْقِ المَواطِر حَيًّا من بني مَطَر
ويا أَسِيْرة حِجْلَها أرَى سَفَهًا
…
حَمْلُ الحُلّي بمَن أعْيَا عن النَّظَر
ما سِرْتُ إِلَّا وطَيْفٌ منك يَصْحَبُني
…
سُرىً أمامي وتأويْيًا على أثَري
لو حَطّ رحْلي فَوْق النَّجم رَافعُهُ
…
ألْفَيْتُ ثَمَّ خيالًا منكِ مُنْتظِري
يَودُّ أنَّ ظَلَامَ اللَّيْل دامَ له
…
وزِيْد فيه سَوَادُ القَلْبِ والبَصَر
لو اخْتصَرتُم من الإحْسان زُرْتكُمُ
…
والعَذْبُ يُهْجَرُ للإفْرَاطِ في الخَصَر
أبَعْدَ حَوْلٍ تُنَاجِي الشَّوْقَ نَاجِيَةٌ
…
هلَّا ونحنُ على عَشْرٍ من العُشَر
قال فيها في المَدْح:
يا رَوَّعَ اللهُ سَوْطي كم أرُوْعُ بهِ
…
فُؤَادَ وجْنَاء مِثْل الطَّائِر الحَذِر
باهتْ بمَهْرَة عَدْنَانًا فقلتُ لها:
…
لولا الفُصَيْمِيِّ كانَ المجدُ في مُضَر
وقَدْ تبيَّنَ قَدْرِي أنَّ مَعْرفتي
…
مَنْ تَعْلَمِين ستُرضِيْني عن القَدَر
القَاتِلُ المَحْل إذ تَبْدُو السَّماءُ
…
لنا كأنَّها من نَجيع الجَدْب في أُزُر
وقَاسِم الجُوْد في عالٍ ومُنْخَفضٍ
…
كقِسْمَة الغَيْث بين النَّبْت والشَّجَر
قد أخَذَ قَوْمٌ على أبي العَلَاء قولَهُ:
لولا الفُصَيْصِيُّ كان المَجْدُ في مُضَر
وجعلُوا هذا القَوْل دَليْلًا على سُوءَ اعْتِقَاده، لأنَّهُ يُشْعِر بتفْضِيْل الفُصَيْصِيّ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، لأنَّ المَجْد في مُضَر كان بهِ صلى الله عليه وسلم، فلمَّا جاء الفُصَيْصِيُّ صار المَجْدُ في قَحْطَان. قالوا: وهذا تَفْضيلٌ للفُصَيْصِيّ، نَعوذُ بالله من ذلك.
وكُنْتُ أبدًا أسْتَعْظُم معنَى هذا البَيْت، وأُفكِّر له في وَجْهٍ يُحْمَل عليهِ، وتأويلٍ يَصْرفُهُ عن هذا المَعْنَى القَبِيْح الّذي طَعَن به الطَّاعنُ على ناظِمه، فلم
يَخْطُر لي في تأويلهِ شيءٌ أرْتَضيهِ، ومَضَى لي على ذلك سنونَ، فرأيتُ في مَنامي ليلَةً من ليالي سَنَة اثْنَتَيْن وثَلاثين وسِتّمائة، كأنَّني أُذاكِر رَجُلًا بهذا البَيْتِ، وأقول لهُ: إنَّ هذا كُفْرٌ! فقال لي ذلك الرَّجُل: لم يُرد أبو العَلَاء ما ذهَبْتَ إليه من التَّفْضيل، وإنَّما أرادَ أنَّ المَجْدَ كَلَّهُ كان في مُضَر دون غيرها منِ القَبَائِل، فلمَّا جاءَ الفُصَيْصِيُّ صَار لقَحْطَانَ به مَجْدٌ ونَصيْبٌ منهُ. وهذا تأويل حسَنٌ، وتكون الألف واللَّام لاسْتغراقِ الجنْسِ، واللهُ أَعْلَمُ.
أنْشَدَنا أبو إسْحاق إبْراهيمُ بن عُثْمان بن يُوسُف بن أَيُّوبَ الكاشْغَرِيّ، قال: أنْشَدنا هِبَةُ الله بن يَحْيَى بن الحَسَن بن البُوْقِيّ الفَقِيه الشَّافِعيّ، قال: أنْشَدَنا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن عليّ بن عُمَر قَحْفُ العِلْم، قال: أنْشَدَنا أبو العَلَاء أحْمَد بنُ عبدِ الله بن سُلَيمان المَعَرِّيُّ لنَفْسِه: [من السريع]
أَمَا يُفِيْقُ المرءُ من سُكره
…
مُجْتَهدًا في سَيْره والسُّرَى
نِمْتَ عن الأُخْرى فلم تَنْتَبِهْ
…
وفي سِوَى الدِّين هجرْتَ الكَرَى
كم قَائِل رَاحَ إلى معْشَر
…
أبْطَلَ فيما قالَهُ وافْتَرَى
على القَرَا يَحْملُ أثْقَالَهُ
…
وإنَّما يأمُلُ نَزْرَ القِرَى
يَفْتقِرُ الحيُّ ويُثْرى وما
…
يَصِيْرُ إلَّا حُثْوَةً في الثَّرَى
اسمَعُ فهذا هَاتفٌ صَادقٌ
…
أراكَ عُقْبَاكَ فهَلَّا تَرَى
أخْبَرَنا أبو هاشِمٍ بن أبي المَعَالِي الحَلَبِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد بن أبي بَكْر الإمَام، قال: أنْشَدَتنا أُمُّ سَلَمَة سِتِّيْك بنْت عبد الغَافِر بن إسْمَاعيْل الفَارِسِيّ بنَيْسَابُور، وأبو حَفْصٍ عُمَرُ بن أحْمَد بن مَنْصُور الإمَام بمَرْو، قالا: أَنْشَدَنا أبو نَصْر الرَّامِشِيُّ النَّحْوِيّ الإمَامُ، قال: أنْشَدَني أبو العَلَاء أحْمَد بنُ عبد اللهِ بن سُلَيمان المَعَرِّيّ لنَفْسِه
(1)
: [من الطويل]
(1)
الأبيات سوى الرابع في تاريخ الإسلام 9: 727.
رَغبْتُ إلى الدّنْيا زَمانًا فلم تَجُدْ
…
بغَير عناءٍ والحَيَاةُ بلاغُ
وألْقَى ابنَهُ اليَأسُ المُرِيحُ وبنْتَهُ
…
لَديَّ فعندِي رَاحَةٌ وفَرَاغُ
وزَادَ بلاءَ النَّاس في كُلِّ بلْدَةٍ
…
أحاديْثُ ممَّا تُفْتَرى وتُصَاغُ
تَأمّلتُها عَصْرَ الشَّبَابِ فلم تَسُغْ
…
وليسَ لها بَعْدَ المَشِيْب مَسَاغُ
ومن شَرِّ ما أسرجْتُ في الصُّبْح والدُّجَى
…
كُمَيْتٌ لها بالرَّاكبين مَرَاغُ
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن بن زَيْد الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيبُ
(1)
، قال: وبلَغَنا أنَّهُ - يعني أبا العَلَاء - ماتَ في يَوْم الجُمُعَة الثَّالث عَشر من شَهْر رَبِيع الأوَّل سَنَة تِسْعٍ وأرْبعين وأرْبَعِمائة.
وقَرأتُ بخَطِّ أبي الفَضْل هِبَةِ الله بن بُطْرُس الحَلَبِيّ النَّصْرانِيّ المَعْرُوف بابنِ شَرَارَة: لَزِمَ أبو العَلَاء مَنْزِلَهُ من سَنَة أرْبَعمائة إلى أنْ تُوفِّي يَوْم الجُمُعَة للَيْلَتَيْن خَلَتا من شَهْر ربيع الأوَّل من سَنَة تِسْعٍ وأرْبَعين بمَعَرَّة النُّعْمَان.
وقَرأتُ في الجُزء الّذي سَيَّرهُ لي قاضي المَعَرَّة أبو المَعَالِي بن سُلَيمان، في أخْبَاري سُليْمان، أنّهُ تُوفِّي رحمه الله وَقْت صَلَاة العَصْر من يَوْم الجُمُعَة الثَّاني من شَهْر رَبيع الأوَّل من سَنَة تَسْعٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة، ودُفِنَ في مَقَابِر أهْلِهِ بمَعَرَّة النُّعْمَان، وصَلَّى عليه ابنُ أخيْهِ أبو مُحَمَّد عبدُ الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سُلَيمان رحمه الله.
وكذلك قرأتُ وفاتَهُ بخَطِّ مُؤيَّد الدَّوْلَة أبي المُظَفَّر أُسامَةَ بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ الكِنَانِيّ.
أخْبَرَنا أبو العَرَب بن أبي الشُّكْر بن أبي القَاسِمِ الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنَا
(1)
تاريخ بغداد 5: 398.
مُحَمَّد بن المُؤيَّد التَّنُوخِيّ، قال: أخْبَرَنِي جَدِّي أحْمَدُ بن مُحَمَّد المَعَرِّيّ التَّنُوخِيّ أبو اليَقْظَان، قال: وتُوفِّيَ - يعني أبا العَلَاء - بين صَلَاتي العشَائين لَيْلَة الجُمُعَة الثَّالث من شهر رَبيع الأوَّل سَنَة تِسْعٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة.
وقَرَأتُ في تاريخِ غَرْس النِّعْمَة أبي الحَسَن مُحَمَّد بن هِلِّل الصَّابِئ
(1)
، في حَوَادِث سَنَة تِسْعٍ وأرْبعين وأرْبَعِمائة، قال: وفي الجُمُعَة الثَّالث عشر من شهر رَبيع الأوَّل تُوفِّي بمَعَرَّة النُّعْمَان من الشَّام أبو العَلَاء أحْمَد بن عبد الله بن سُلَيمان.
قال: وأَذْكُر عند ورُود الخَبَر بمَوْتِه، وقد تذاكَرْنا أمْرَهُ، وإظْهاره الإلْحَادَ وكُفْره، ومعَنا غُلَامٌ يُعْرفُ بأبي غَالِب بن نَبْهان، من أهْل الخَيْر والسَّلامَة والعِفَّة والدِّيانَة، فلمَّا كان من غَد يومنا حَكَى لنا وقد مَضى ذلك الحَدِيْثُ بسَمْعه عَرضًا، فقال: أريتُ البَارِحَة في مَنامي رَجُلًا ضَرِيرًا، وعلى عاتِقه أفْعَيان مُتَدلِّيان إلى فَخذيه، وكُلّ منهما يَرْفع فَمه إلى وَجْهِهِ، فيقطعُ منه لَحمًا يزدَردهُ، وهو يَصِيْحُ ويَسْتَغيث، فقلتُ: منْ هذا؟ وقد أفْزعَني ما رأيتُه منهُ، ورَوَّعَني ما شاهدْتُه عليه، فقيل لي: هذا المَعَرِّيّ المُلْحِدُ، فعَجِبْنا من ذلك، واسْتَطْرفناهُ بعقب ما تَفَاوَضْناهُ من أمْره وتجارَيْناه.
قُلتُ: خَفِي على غَرْس النِّعْمَة تأويل المَنَام وهو أنَّ الأفْعَيين: هو والّذي كان يُذَاكِرهُ بإلْحَادِ المَعَرِّيّ وكُفْره، فرأى هذا الغُلَام في النَّوْم ما عاينَهُ منهما في اليَقَظَة، قال الله سبحانه وتعالى:{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}
(2)
، وأمَّا صياحُهُ واسْتغَاثَتُهُ فإلى الله تعالَى عليهما.
ذَكَرَ الوَزِيرُ القَاضِي الأكْرَم أبو الحَسَن عليّ بن يُوسُف الشَّيْبَانِيّ في كتابِ إنْبَاءِ الأَنْبَاه في أَنْباء النُّحَاه
(3)
قال: قَرأتُ بخَطِّ المُفَضَّل بن مَوَاهِب بن أسَد
(1)
تقدم التعريف بتاريخ غرس النعمة في هذا الجزء.
(2)
سورة الحجرات، من الآية 13.
(3)
عنوان الكتاب في نشرته المطبوعة: إنباه الرواة على أنباه النحاة، وانظر كلام القفطي فيه 1:117.
الفَارزِيّ (a) الحَلَبِيّ، قال: حَدّثَني الشَّيْخُ أبو عَبْد اللهِ الأصْبَهَانِيّ، قال: لمَّا حَضَرت الشَّيْخَ أبا العَلَاء أحْمَدَ بنَ عبد الله بن سُلَيمان التَّنُوخِيَّ الوَفَاةُ، أتاهُ القَاضِي الأجَلّ أبو مُحَمَّد عبد الله التَّنُوخِيّ (b) بقَدَح شَرَاب، فامْتَنعَ من شُرْبه، فَخَلف القَاضِي أيمانًا مُؤكَّدَةً لا بُدَّ من أنْ يَشْربَ ذلك القدَح، وكان سِكَنْجِبَيْن، فقال أبو العَلَاء مُجيْبًا له عن يَمِيْنهِ:[من الوافر]
أَعَبْدَ اللهِ خيرٌ من حَيَاتي
…
وطُول ذَمَائِها مَوْتٌ صَرِيحُ (c)
تُعَلِّلُنِي لتَشْفيَني (d) فذَرْنِي
…
لعَلِّي أسْتَريح وتَسْتَريحُ
وكان مرضُهُ ثلاثة أيَّام، وماتَ في اليَوْم الرَّابِع، ولم يكُن عندَهُ غيرُ بني عَمِّه، فقال لهم في اليَوْم الثالث: اكتُبُوا، فتَناولوا الدُّوِيَّ والأقْلَام، فأمْلَى عليهم غيرَ الصَّوَاب. فقال القَاضِي أبو مُحَمَّد: أحْسَن اللهُ عزاءَكُم في الشَّيْخ؛ فإنَّهُ مَيِّتٌ، فماتَ في غَدَاةِ غَدٍ.
وإنَّما أخَذ القَاضِي هذه المَعْرفَة من ابن بُطْلَان، لأنَّ ابن بُطْلَانَ كان يدخُل على أبي العَلَاء، ويَعْرفُ ذَكَاءَهُ وفَضْلَهُ، فقيل له قَبْل مَوْته بأيَّام قَلَائِل: إنَّهُ أمْلَى شيئًا فغلطَ فيه، فقالَ ابنُ بُطْلَان: ماتَ أبو العَلَاء، فقيل: وكيفَ عرفتَ ذلك؟ فقال: هذا رَجُلٌ فَطِنٌ ذَكِيّ ولم تَجْر عادتُهُ بأنْ يَسْتَمِرَّ عليه سَهْوٌ ولا غلَطٌ، فلمَّا أخْبَرتمُوني بأنَّهُ غَلِطَ عَلِمْتُ أنَّ عَقْله قد نَقَصَ، وفِكْرَهُ قد انْفَسَدَ (e)، وآلاته قد اضْطَربتْ، فَحَكَمْتُ عليه عندَ ذلك بالمَوْت، واللهُ أعْلَمُ.
قَرأتُ بخَطِّ بعض البَغْدَاديّين: قيل: لمَّا ماتَ أبو العَلَاء المَعَرِّيّ، سَامَحَهُ اللهُ، وقفَ على قَبْره سَبْعون شَاعِرًا من أهْل المَعَرَّة، فأنْشَدَ كُلّ منهم قَصِيدَةً
(a) في كتاب القفطي: الفازري.
(b) كتب إزاءه في الهامش: يعني ابن أخيه قاضي المعرة.
(c) القفطي: مريح.
(d) القفطي: لتسقيني.
(e) كتب ابن العديم في الهامش: "صوابه: فَسَدَ؛ وإنما حكى رحمه الله لفظ ابن بطلان على صورته".
يَرْثِيه بها، فقال بعضُهُم
(1)
: [من الكامل]
إنْ كنْتَ لم تُرِقِ الدِّماءَ زَهَادَةً
…
فلقَدْ أَرَقْتَ اليَوْمَ من عَيْني (a) دَمَا
سيَّرتَ ذكَرَكَ في البلادِ كأنَّهُ
…
مِسْكٌ فسَامعَةً تضَمِّخ (b) أو فَمَا
وأرَى (c) الحجيْجَ إذا أَرادُوا لَيْلَةً
…
ذكراكَ أوجَبَ فِدْيةً مَنْ أحْرَمَا
قُلتُ: وهذه الأبْيَاتُ لعليّ بن مُحَمَّد بن هَمَّام التَّنُوخِيّ، وَسَنَذكُرها في تَرْجَمَتِهِ
(2)
إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
قَرَأتُ في مَجْمُوعٍ بخَطِّ بعض الفُضَلَاء لابن أخي المَعَرِّيّ يَرْثِي عَمّه أبا العَلَاء: [من الكامل]
لو كان يَنْفَعُ بَعْدَ مَصْرَعَ مَالكٍ
…
تَطْوِيليَ الأشْعَارَ والأشْعَارَا
لوقفْتُ في سُبُل القَوَافي خَاطِري
…
ولبسْتُ من شَعري عليكَ شعَارَا
قُلتُ: وإيَّاهُ عَنَى أبو مُحَمَّد الخَفَاجِيّ الشَّاعر في قَصِيدته الرَّائِيَّة بقَوْلِه
(3)
: [من الخفيف]
ومُقِيْمًا على المَعَرَّة تَطْويـ
…
هِ اللَّيالِي وذِكْرُهُ مَنْشُورُ
ووقَعَ إليَّ جُزءٌ بخَطِّ بعض المَعَرِّيِّين فيه بَعْض ما رُثي به أبو العَلَاء من الشِّعْر، فقَرَأتُ فيه لأبي مُسْلِم وَادِع بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سُلَيمان من جُمْلَةِ قَصِيدَة:[من الطويل]
ألَا يا شَبِيهَ البَحْر أُقْسِمُ لو دَرَى
…
بمَوْتِك ما جَاشَتْ بليَلٍ غَوَارِبُهْ
_________
(a) ياقوت والذهبي: جفني.
(b) ياقوت: مسامعها يضمخ.
(c) ياقوت: وترى.
_________
(1)
ياقوت: معجم الأدباء 1: 304، تاريخ الإسلام 9: 732، الصفدي: الوافي بالوفيات 7: 101، ونكت الهميان 109 - 110، تاريخ ابن الوردي 1:541.
(2)
ترجمته في الأجزاء الضائعة من الكتاب.
(3)
ديوان ابن سنان الخفاجي 518.
وَيا مَنْ بَكَي طَرْفُ المَكَارِم وَحْشَةً
…
لهُ ولسَانُ الفَضْل والحِلْمِ نَادِبُه
ولو نَطَقَتْ كُتبُ العُلُوم إذًا بَكَي
…
على فَقدِه من كُلِّ عِلْمٍ غَرَائبُه
ولو أنَّ هذا اللَّيْل يَعْلَمُ أنَّهُ
…
قَضَى لقضَى أَلَّا تَزُولَ غيَاهِبُه
ولو عَلِمَتْ شُهْبُ الظَّلَام بفَقْدِهِ
…
إذًا نَدَبتْهُ في الظَّلَام كَوَاكبُه
سَقَى قَبْرَهُ السّحْبُ الغزارُ وخصَّهُ
…
من اللهِ عَفْوٌ لا يزالُ يُصَاحبُه
فما زال كُلُّ النَّاسِ ينْهَبُ عِلْمَهُ
…
إلى أنْ غَدَا صَرْفُ الرَّدَى وهو نَاهِبُه
وقد عمَّ أهلَ الأرْض جَمْعًا مُصَابُهُ
…
كما عمَّهم إحْسَانه ومَوَاهِبُه
رَعَى الله قَبْرًا أنتَ يا عَمِّ مُلْحَدٌ
…
بهِ وسَقَاهُ من حَيا المُزْنِ صَائبُه
ولرلا تَوخِّيْك الطَّهَارةَ شِيْمةً
…
لقُلتُ: سَقَاهُ من دَمِ الدَّمْعِ سَاكبُه
وقَرَأتُ فيه لأبي يَعْلَى عَبْد البَاقِي بن أبي حَصِيْن من قَصِيدَة: [من الوافر]
نِصَالُ الدَّهْر أقْصَدُ من سِوَاها
…
وإنْ أَدْمَتْ ولم تُدْمِ النِّصَالُ
ألَم تَرَ كيفَ لم يأمَنْ مَنْ شَباهَا
…
أميْنُ الأرْض والوَرِع البجَالُ
وسَار سَريِره فَوْق الهوَادِي
…
لقد خَفَّتْ مُذِ اليَوْم الجِبَالُ
وأُقْبِر في المَعَرَّةَ وهو أَوْلى
…
بقَبْرٍ في المَجَرَّةِ لا يُطَالُ
وَقَرأتُ فيه لأبي الفَتْح الحَسَن بن عبد الله بن أبي حَصِيْنَة
(1)
: [من 15 الكامل]
العِلْمُ بعد أبي العَلَاء مُضَيَّعُّ
…
والأرْضُ خاليَةُ الجَوَانِبِ بَلْقَعُ
لا عَالِمٌ فيها يُبَيّنُ مُشْكلًا
…
للسَّائلينَ ولا سمَاعٌ يَنْفَعُ
وَعظ الأنامَ بما اسْتَطاعَ من الهُدَى
…
لو كان يعْقلُ جَاهِلٌ أو يَسْمَعُ
(1)
لم ترد مرثيته هذه في صديقه أبي العلاء في ديوان شعره، ذلك أن الديوان من جمع أبي العلاء نفسه، وهي - باستثناء بعض الأيات وزيادة أخرى - في المستدرك على الديوان 1: 373 - 374 نقلًا عن ياقوت (معجم الأدباء 3: 1124 - 1125)، وابن الوردي: تاريخه 1: 542.
ومَضَى (a) وَقَدْ مَلأَ البِلادَ غَرائبًا
…
تَسْري كما تَسْري النُّجُومُ الطُّلَّعُ
ما كنتُ أعْلَمُ وهو يُودَعُ في الثَّرَى
…
أنَّ الثَّرَى فيه الكَوَاكِبُ تُودَعُ
جَبَلٌ ظَنَنْتُ وقد تَزَعْزعَ رُكْنُهُ
…
أنَّ الجِبَالَ الرَّاسياتِ تَزَعْزعُ
وعَجِبتُ أنْ تسَعَ المَعَرَّةُ قَبْرَهُ
…
ويَضِيْقَ عرْضُ (b) الأرْضِ عنه الأوْسَعُ
أسَفي عليه وقد مشَيْتُ وراءَهُ
…
ومُتالعٌ فَوْق المناكِب تُرْفَعُ
والشَّمْسُ كاسفَةُ الضِّيَاءَ كئيبةٌ
…
والجَوُّ مُسْوَّدُ الجَوَانِب أسْفَعُ
والأرْضُ عادمَةُ النَّسيمِ كأنَّما
…
سَدَّت منافسَهَا الرِّيَاحُ الأرْبعُ
لو فَاضَتِ المُهَجَاتُ يَوْم وَفَاتهِ
…
ما اسْتُكْثِرت فيه فكيفَ الأدْمعُ
إنِّي لمُحْتَشِم وقد دَخَل الثَّرَى
…
ويكُون لي كَبِذٌ ولا تتَقطَّعُ
أخْبَرَنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ في كتابِه، قال: أجاز لنا أبو عَبُد الله مُحَمَّد نَصْر القَيْسَرَانِيّ، وقال: وكَتَبَها عند قَبْر أبي العَلَاء بَمعَرَّة النُّعْمَان
(1)
: [من الوافر]
نَزلتُ فزُرْتُ قَبُرَ أبي العَلَاءِ
…
فلم أرَ من قِرَىً غير البُكَاءِ
ألَا يا قَبْرَ أَحْمَدَ كم جَلَالٍ
…
تَضَمَّنَهُ ثَرَاكَ وكم ذَكَاءِ
وزُرْتُ قَبْر أبي العَلَاء في التُّربَةِ الّتي فيها مَقَابِر أهْله داخِل مَعَرَّة النُّعْمَان، بالقُرْبِ من آدر بني سُليْمان، رحمه الله.
أحمدُ بن عبد الله بن صالح عبْدِ الله بن صالح بن عليّ بن عَبْد الله بن العبَّاس، أبو جَعْفَر الهاشِميُّ الصَّالِحِيُّ
من أهل حَلَبَ، وَجَدْتُ ذِكُرَهُ في جُزءٍ وَقَعَ إليَّ بخَطِّ القَاضِي أبي طَاهِر
(a) المستدرك على الديوان وياقوت: أودى.
(b) المستدرك على الديوان وياقوت: بطن.
_________
(1)
ديوان ابن القيسراني 62.
صالح بن جَعْفَر الهاشِميّ، يَتَضَمَّن نَسَب بني صَالح بن عليّ
(1)
، قال: وكان - يعني أحْمَد بن عبد اللهِ بن صالح - سَيِّد وَلد عبد الله بن صالح في أيَّامهِ، وجَلِيْلهم الّذي يَقُتَدُون برأيهِ، ويَرْجعُون إلى أَمْره.
أحْمَدُ بن عَبْد الله بن صَالح بن مُسْلِم، أبو الحَسَن العِجُليُّ الكُوْفيُّ الحافِظُ
(2)
كان حَافِظًا كبيرًا، كَثِيْر الحَدِيْث، تَفَقَّهَ في الحَدِيْث ومَهَرَ فيه، وخَرَج عن الكُوفَة وقَدِمَ الشَّامَ، ودَخَلَ أنْطَاكِيَة، وتوجَّه منها إلى السَّاحِل، ودخَلَ مِصْر، وتَوَجَّه إلى أطْرَابُلُس المَغْرب، وأقام بها إلى أنْ مات.
سَمعَ بأنْطَاكِيَة نزبلَهَا يَعْقُوب بن كَعْب الحَلَبِيّ، وبالمِصِّيْصَة نَزِيْلها مُوسَى بن أَيُّوب النَّصِيْبِيّ، ورَوَى عنهُما وعن أبِيهِ عبد الله بن صالح، وعن الإمَام أبي عبد الله أحْمَد بن حَنْبَل، وعُبَيْد الله بن مُوسَى، والحُسَين بن عليّ الجُعْفِيّ، وأبي أحْمَد الأسَدِيّ، ومُحَمَّد بن جَعْفَر غُنْدَر، ويَحْيَى بن مَعِيْن، وأبي
(1)
لم أقف على ذكر لهذا المصدر الذي ينقل عنه ابن العديم في عدة مواضع تالية، أما مؤلفه فهو: صالح بن جعفر بن عبد الوهاب بن أحمد الصالحي الهاشمي (ت 397 هـ)، تولى القضاء بحلب، وله من المؤلفات: كتاب الحنين إلى الأوطان، وكتاب الصبر والعزاء. انظر: تاريخ ابن عساكر 33: 334 - 335، زبدة الحلب 1: 175، ابن الساعي: الدر الثمين 396، الوافي بالوفيات 16: 353 (أرخ وفاته الصفدي في سنة 395 هـ).
(2)
كتب بعده: الشافعي، وضبَّب عليه. والعجلي هو صاحب كتاب الثقات، المتوفى سنة 261 هـ، انظر ترجمته في: تاريخ ابن يونس الصدفي 3: 35، تاريخ بغداد 5: 349 - 352، الذهبي: تاريخ الإسلام 6: 269 - 270، الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي 116، سير أعلام النبلاء 12: 505 - 507، تذكرة الحفاظ 1: 560 - 561، العبر في خبر من غبر 1: 374، الوافي بالوفيات 7: 79 - 80، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 33، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 73، المقفى الكبير للمقريزي 1: 514 - 515، السيوطي: طبقات الحفاظ 246، شذرات الذهب 3:266. وانظر مقدمة كتابه تاريخ الثقات 30 - 42 ففيها الترجمة له ولكتابه، وترجم العجلي لنفسه في كتابه المذكور 48.
دَاوُد الحَفَرِيّ، ومُحَمَّد بن يُوسُف الفِيريَابِيّ (a)، وأبي سُفْيان الحِمْيَرِيّ، وأبي نُعَيْم الفَضْل بن دُكَيْن، وعُثْمان بن مُحَمَّد العَبْسِيّ (b)، ومُحَمَّد ويَعْلَى ابنَي عُبَيْد
(1)
، وقَاسِم العُرْفُطِيّ، وأبي زَيْد سَعيد بن الرَّبيْع الهَرَويّ، وأسَد بن مُوسى، وقَبِيْصَة بن عُقْبَة، وعَفَّان بن مُسْلِم، وحَجَّاج بن مِنْهَال، وعبد الله بن نَافِع الزُّبَيْرِيّ، وشَبَابَة، وسُليْمان بن حَرْب، ويَزيْد بن هارُون، وإسْمَاعِيْل بن عَبْد الكَريم، وابن أبي مَرْيَم، وإسْمَاعِيْل بن خَلِيل، ونُعَيْم بن حَمَّاد، وعُمَربن حَفْص بن غِيَاثٍ، وجَعْفَر بن عَوْن، ويَعْقُوب بن إسْحاق، ويَحْيَى بن آدم، ونَصْر بن علىّ، وعَمْرو بن عَوْن، والعَلَاء بن عَبْد الجَبَّار.
رَوَى عَنْهُ ابنُه أبو مُسْلم صالح بن أحمد، وكان زَاهدًا، وَرِعًا، وهو من بَيْت العِلْم والحَدِيْث، وجَدّهُ صالح من شُيُوخ الكُوفَة من أَقْرَان سَعيد الثَّوْرِيّ والد سُفْيان، وأَبوهُ كان قَاضِيًا بشِيْرَاز من أصْحَاب شُعْبَة وإِسْرائيِل. وقد أخْرجه البُخاريّ في صَحِيْحه. وابنُه صالح بن أحْمَد كان من أهْل العِلْم والرِّوَايَة، وله سُؤَالاتٌ سأل عنها أباهُ.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن عليّ بن المُفَضَّل بن عليّ المَقْدِسِي، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو المَعَالِي ثَابِت بن بُنْدَار بن إبْراهيم البَقَّال، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله الحُسَين بن جَعْفَر بن مُحَمَّد السَّلَمَاسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس الوَلِيد بن بَكْر بن مَخْلَد بن أبي زِيَاد
(a) كذا قيده في الأصل بزيادة ياء بعد الفاء، والمشهور بإسقاطها؛ نسبة إلى فِرياب: بلدة من نواحي بلخ (معجم البلدان 4: 259)، ويذكره ابن العديم فيما بعد على الوجهين.
(b) الأصل: العنسي، وهو عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان، أبو الحسن العبسيّ الكوفي المعروف بابن أبي شيبة (ت 239 هـ). انظر ترجمته في: تاريخ البخاري الكبير 6: 250، والتاريخ الصغير 2: 339، تاريخ بغداد 13: 162 - 167، تهذيب الكمال للمزي 19: 478، سير أعلام البلاء 11: 151 - 154.
_________
(1)
هو عبيد الطنافسي. تاريخ بغداد 5: 350.
الغَمْرِيّ الأنْدَلُسِيّ
(1)
، قال: سَمِعْتُ عليّ بن أحمد - يعني ابن زَكَرِيَّاء بن الخَصِيْب الهاشِيّ - قال: سَمِعْتُ صالح بن أحْمَد، يقول: سَمِعْتُ أبي أحْمَد يقول: طَلَبْتُ الحَدِيْثَ سَنَة سَبعٍ وتِسْعِين ومائة، وكان مَوْلدي بالكُوفَة سَنة ثنْتَين وثمانين ومائة.
أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَنُ بن أحْمَد بن يُوسُف، فيما أَذِنَ لَنا أنْ نَرْويَهُ عنْهُ، عن أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا ثَابِت بن بُنْدَار، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحُسَين بن جَعْفَر السَّلَمَاسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس الوَلِيد بن بَكْر بن مَخْلَد الغَمْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثنا أبو مُسْلم صالح بن أحْمَد بن عبد الله بن صالح العِجْليّ، قال: حَدَّثَني أبي
(2)
، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن كَعْب، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن اليَمَان العِجْلِيّ، عن أشْعَث بن إسْحاق، عن جَعْفَر بن أبي المُغِيرَة، عن سَعيد بن جُبَيْر، قال:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}
(3)
، قال: هذا في العِلْم.
وقال: حَدَّثَنَا أبو مُسْلم، قال: حَدَّثَني أبي
(4)
، قال: أخْرَج إليَّ أحْمَد بن نُوح نَفقةً (a) دَنَانِيْر كَثِيْرة، فقال: خُذْ منها حاجتك، أراك رَثَّ الهَيْئَة، فأخْرَجتُ إليه مِنْطَقَةً لي فيها دَنَانِيْر بعْتُ بها بَزًّا بأنْطَاكِيَة، فقُلتُ: لو كُنْتُ أحْوج الخَلْق، أجئ إلى أسير آخُدُ منه!.
قُلتُ: وكان أحْمَد بن نُوح مَحْبُوسًا في المِحْنَة مع أحْمَد بن حَنْبَل.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبد الله بن الحُسَين الأنْصَاريّ، عن الحافِظ أبي طَاهِر، قال: أخْبَرَنا أبو المَعَالِي البَقَّال، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله بن جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا أبو
(a) كذا في الأصل، وفي كتاب الثقات: بقفَّةٍ.
_________
(1)
انظر هذا الخبر والأخبار التي تليه، المنقولة عن الولىد بن بكر الأندلسي، عند الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5: 350 - 351.
(2)
العجلي: تاريخ الثقات 182.
(3)
سورة النساء، من الآية 37.
(4)
العجلي: تاريخ الثقات 49.
العبَّاس الوَلِيد بن بَكْر بن مَخْلَد، قال: وكان أبو الحَسَن أحْمَد بن عبد الله بن صالح الكُوفِيّ من أئمَّة أصْحَاب الحَديث الحُفَّاظ المُتْقِنين، ومن ذوي الوَرَع والزُّهْد. كما سَمِعْتُ زِيَاد بن عبد الرَّحْمن أبا الحَسَن اللّوَليّ (a) بالقَيْرَوان، يقول: سَمِعْتُ مَشَايخنا بهذا المَغْرب يقُولون: لم يكن لأبي الحَسَن أحْمَد بن عبد الله بن صالح الكُوْفيّ ببلادنا شبَهٌ ولا نَظِيْر في زمانهِ ومَعْرفته (b) بالحَدِيْث، وإتْقَانه له، وزُهْده ووَرَعهِ.
وقال: أخْبَرَنا الوَلِيد، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن زَكَرِيَّاء بن الخَصِيْب بأطْرَابُلُس المَغْرب، قال: حَدَّثنا أبو العَرَب مُحَمَّد بن أحْمَد بن تمِيْم الحافِظ بالقَيْرَوان، قال: سألتُ مَالِك بن عِيسَى القَفْصِيّ - وكان من عُلُماء أصْحَاب الحَديْث بالمَغْرب - فقُلتُ لَهُ: مَنْ أعْلَم مَنْ رأيت بالحَدِيْث؟ فقال لي: أمَّا من الشُّيُوخ فأبو الحَسَن أحْمَد بن عبد الله بن صالح الكُوْفيّ السَّاكن بأطْرَابُلُس المَغْرب.
وقال: أخْبَرَنا الوَلِيد، قال: وحَدَّثَنَا عليّ بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا أبو العَرَب، قال: حَدَّثَنَا مَالِك بن عِيسَى، قال: حَدَّثَنَا عبَّاس بنُ يَحْيَى الدُّوْرِيّ، عن عبد الله بن صالح العِجْلِيّ، قال مَالِك بن عِيسَى: فقلتُ لعبَّاس الدُّوْرِيّ: إنَّ له ابْنًا عندنا بالمَغْرب، فقال: أحمد؟ فقُلت: نعم، قال عبَّاس: إنَّما كُنَّا نعدّه مثل أحْمَد بن حَنْبَل، ويَحْيَى بن مَعِيْن، قال: قال لي عليّ بن أحمد: وقد ذَكَرَ أحْمَد بن عبد الله بن صالح أنَّ ابن حَنْبَل وابن مَعِيْن قد كانا يأخُذَان عنه.
وقال: أخْبَرَنا الوَلِيد، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحْمَد بن غَانِم الحافِظ، قال: سَمِعْتُ أحْمَد بن مُعَتِّب (c) - مَغْرِبيٌّ ثِقَةٌ - يقول: سُئِلَ يَحْيَى بن مَعِيْن عن أبي الحَسَن أحْمَد بن عبد الله بن صالح بن مُسْلِم، فقال: ثِقَة ابن ثِقَة ابن ثِقَة.
(a) هكذا قيده المؤلف ولم أجد من ذكره بهذه النسبة، وعند الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5: 350: اللؤلؤيّ.
(b) تاريخ بغداد 5: 350: في معرفته.
(c) تاريخ بغداد 5: 351: ابن مغيث، ولم أتبيَّن وجه الصواب فيه.
قال الوَلِيد: وإنَّما قال فيه يَحْيَى بن مَعِيْن بهذه التَّزْكيَة لأنَّهُ عَرفَهُ بالعِرَاق قبل خُرُوج أحْمَد بن عبد اللهِ إلى المَغْرب، وكان نَظِيرَهُ في الحِفْظ إلَّا أنَّهُ دُونَه في السِّنِّ، وكان خُرُوجه إلى المَغْرب أيَّام مِحْنَة أحْمَد بن حَنْبَل، لأنَّهُ يقول في هذه السُّؤَالات: دَخلَتُ على أحُمَد بن حَنْبَل وهو مَحْبُوس بِصُوْر (a)، وذلك أنَّ المَأْمُون احْتَمل ابن حَنْبَل إليهِ من بَغْدَاد للمِحْنَة في القُرْآن.
وأحمد بن عبد اللهِ هذا أقْدَم في طَلَب العِلْم (b)، وأعْلى إسْنَادًا، وأجَلّ عند أهْلِ المَغْرب، في القديم والحَدِيْث، وَرِعًا وزهْدًا من مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ؛ لانَّهُ سَمِعَ من الحُسَين بن عليّ الجُعْفِيّ، ومن مُحَمَّد بن جَعْفَر غُنْدَر، ومن أبي دَاوُد الحَفَرِيّ، وأبي سُفْيان الحِمْيَرِيّ، وأبي عَامِرٍ العَقَدِيّ، ومُحَمَّد ويَعْلَى ابْني عُبَيْد، ومن أسَد بن مُوسَى بمِصْر، وسَمِعَ الأكَابِر من أصْحَاب سُفْيان وشُعْبَة، وغيرهما، وهو كَثِيْر الحَدِيْث، خَرَجَ عن الكُوفَة والعِرَاق بعد أنْ تَفَقَّهَ في الحَدِيْث، ثمّ نَزَلَ أطْرَابُلُس المَغْرب.
قال: أخْبَرَنا الوَلِيد، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا أبو مُسْلم، عن أَبِيهِ، قال: آخر سَفْرَة سافرتُها إلى البَصْرَة كَتَبتُ بها سَبْعين ألْف حَدِيث مُنْتَقَى إلَّا حَديث حَمَّاد بن سَلَمَة والقَعْنَبي، واسْتَعرت حَدِيث حَفْص بن عُمَر النُّمَيْرِيّ، وكانت عشرين ألف حَدِيث فما تنقَّيتُ منها إلَّا مائتي حَدِيْث فسَمِعْتُها.
قال: أخْبَرَنا الوَلِيد، قال: قلتُ لزِيَاد بن عبد الرَّحْمن: أيّ شيء أراد أحْمُد بن عَبْد الله بن صالح بخُرُوجه إلى المُغْرب؟ فقال: أرادَ التَّفرُّد للعِبَادَة. يُحْكَي ذلك عن مَشَايخ المَغْرب، قال: وسَمِعْتُ عليّ بن أحْمَد يقول نحو ذلك.
قال الوَلِيد: وحُدِيثُ أحْمَد، وتَصَانِيْفهُ، وأخْبَارهُ بالمَغْرب، وحَدِيثُه عَزيِزٌ
(a) كتب ابن العديم في الهامش: "أظنُّه: بطرسوس، وقد تصحف".
(b) تاريخ بغداد: في طلب الحديث.
بمِصْر والشَّام والعِرَاق لبُعْد المَسَافَة. وتُوفِّيَ بأطْرَابُلُس، وقَبْره هُناك على السَّاحِل، وقَبْر ابْنه صالح إلى جَنْبه رَحمهما اللّهُ.
أنْبَأنَا أبو عليّ الأَوَقِيّ، عن أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا ثَابِت بن بُنْدَار، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه الحُسَين بن جَعْفَر السَّلَمَاسِيّ، قال: أخْبَرَنا الوَلِيد بن بَكْر الأنْدَلُسِيّ، قال: حَدَّثنا عليّ بن أحْمَد، قال: سَمِعْتُ صالح بن أحْمَد، قال: وماتَ أبي بعد السِّتِّين والمائتين.
أحْمدُ بن عبد اللّه بن طَاهِر بن الحُسَين بن مُصْعَب بن رُزَيْق في أَسْعَد بن زَاذَان الخُزَاعِيِّ، الأَمِير أبو الفَضْل ابن الأَمِير أبي العبَّاس ابن الأَمِير أبي طَلْحَة ذي اليَمِيْنين
أميرٌ فَاضِلٌ من الأُمَرَاء الكُبَرَاء، والأجْوَادِ الكُرَمَاءِ، قَدِمَ الشَّامَ، ونَزَل جَبَل السُّمَّاق، فاسْتَطَاب ماءَهُ، واسْتَلذَّ هواءهُ، وأُعْجبَ به إعْجابًا كَثيرًا، ورَحَل منه عن هَوَىً له، فقال أبْيَاتًا ذَكَرها السَّرِيّ المَوْصِلِيّ في كتابه الّذي سمَّاهُ المُحبّ والمَحْبُوب والمَشْمُوم والمَشْرُوب
(1)
، فقال: أنْشَد المُبَرَّد، قال: أنْشَدَني أحْمَدُ بنُ عبدِ اللّه بن طَاهِر لنفسِه: [من السريع]
يا جَبَلَ السُّمَّاقِ سَقْيًا لَكَا
…
ما فَعلَ الظّبْيُ الّذي حَلَّكا
فارَقْتُ أطْلالَكَ لا أنَّهُ
…
قلَاكَ قَلْبي لا وَلا مَلَّكَا
فأيَّ لذَّاتِكَ أبْكي دَمًا؟
…
مَاءَكَ أمْ ظَبْيَكَ أمْ ظِلَّكَا
أم نَفَحاتٍ منكَ تُبْدِي (a) إذا
…
دَمْعُ النَّدَى إثْرَ الدُّجَى بَلَّكَا
(a) المحب والمحبوب: تأتي، وتقدم: تندى.
_________
(1)
السري الرفاء: المحب والمحبوب 2: 194، المرزوقي: الأزمنة والأمكنة 3: 354، ونسبها الرزوقي لمحمد بن عبد اللّه بن طاهر. وتقدم ذكر الأبيات الأربعة في الجزء الأوّل، وأثبتنا فروق الرواية هناك، فانظره في موضعه.
أحْمَدُ بن عَبد اللّهِ الصَّمَد بن عَبد الرَّزَّاق السُّلَمِيُّ، أبو القَاسِم العَطَّار بن أبي مُحَمَّد البَغْدَاديُّ
(1)
سَمِعَ أباهُ أبا مُحَمَّد عبد اللّه، وأبا الوَقْت عَبْد الأوَّل بن شُعَيْب السِّجْزِيّ، وأبا الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي بن البَطِّيّ وغيرهم بإفَادة والده أبي مُحَمَّد، وكان وَالده من شُيُوخ الحَدِيْث ببَغْدَاد.
وقال القَاضِي أبو المَحَاسِن عُمَر بن عليّ القُرَشِيّ فيما نَقَلْتُهُ من خَطِّه: كان يَذْكُر - يعني أبا مُحَمَّد عبد اللّه - أنَّهُ من وَلدِ أبي عَبْد الرَّحمن السُّلَمِيّ. وكان أبو القَاسِم وَلده شَيْخًا صَالِحًا وَرِعًا ثِقَة أمِيْنًا صَمُوتًا، حَسَن السَّمْت.
اجْتَمَعْتُ بهِ بدِمَشْق في سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّمائة، وكان عَطَّارًا بها، وسَمِعْتُ منه جُزء بَيْبَي الهَرْثَمِيَّة، ثمّ قَدِمَ علينا حَلَب في سنَةِ اثْنتي عَشرة وسِّتمائة، وَأنْزَله المَلِك المُحسِن أحْمَد ابن المَلِك النَّاصِر يُوسُف بن أَيُّوب في جِوَاره، وكان يَصْحبهُ بدِمَشْق، فسَمِعْتُ منه بحَلَب صَحيْح البُخاريّ ومُسْنَد الدَّارِمِيِّ بروايته لهما عن أبي الوَقْت، وغيرهما من الأجْزاء، وكان رحمه الله تُعْجبُهُ قراءتي الحَدِيث، وكان به لَمَّا قَدِمَ علينا حَلَب رِيَاح الشَّوْكَة؛ وسَأَلتُهُ عن مَوْلدِه فقال: يَوْم الجُمُعَة ثامن عَشر شَهر رَبيع الآخر من سنَة ستٍّ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة؛ يعني ببَغْدَاد.
أخْبَرَنا الشَّيْخ الثِّقَة شَمْس الدِّين أبو القَاسِم أحْمَد بن عبد اللّه بن عبد الصَّمَد السُّلَمِيّ قِراءَةً عليهِ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو الوَقْت عَبْد الأوَّل بن عِيسَى بن شُعَيْب السِّجْزِيّ، قال: أخْبَرَتْنا الحُرَّة أُمُّ عِزّي بَيْبَي بنت عبدِ الصَّمَد بن عليّ بن
(1)
توفي سنة 615 هـ، وترجمته في: ذيل تاريخ بَغْدَاد لابن الدبيثي 2: 270 - 271، المنذري: التكملة 2: 439 - 440، تاريخ الإسلام 13: 430 - 431، العبر في خبر من غير 3: 165، الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي 253، سير أعلام النبلاء 22: 84 - 85، المختصر المحتاج إليه للذهبي 1: 188، النجوم الزاهرة 6: 226، شذرات الذَّهب 7:113.
مُحَمَّد الهَرْثَمِيَّة، قالت: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بن احمد بن مُحَمَّد الأنصاريّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللّه بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز البَغَويّ، قال: حَدَّثَنَا مُصْعَب بن عبد اللّه بن مُصْعَب، قال: حَدَّثَني مَالك بن أنس، عن سُهَيْل بن أبي صالح، عن أَبيهِ، عن أبي هُرَيْرَة، أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال
(1)
: مَنْ حَلَفَ على يَمِين فرَأى غيرها خَيْرًا منها فليُكِّفر عن يَمِينه، وليَفْعل الّذي هو خَير.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد قِراءَةً عليه بحَلَب، حَرَسَها اللّهُ، قال: أخْبَرَنا أبو الوَقْت عَبْد الأوَّل بن عِيسَى، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن المُظَفَّر الدَّاوُوديّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد اللّه بن أحْمَد بن حَمُّوْيَه السَّرْخَسِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو عِمْران عِيسَى بن عُمَر بن العبَّاس السَّمَرْقَنْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ اللّه بن عبد الرَّحْمن الدَّارِمِيِّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيمُ بن مُوسَى، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحَسَن الصَّنْعانِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُنْذِر، عن وهْب بن مُنبِه، قال: مَجْلِسٌ يُتَنَازع فيهِ العِلْم أحبّ إليَّ من قَدْره صَلَاةً، لعلَّ أحدهُم يَسْمع الكَلِمَة فينتَفع بها سنَة أو ما بَقي من عُمُره.
رَجع شَيْخنا أبو القَاسِم من حَلَب إلى دِمَشْق فتُوفِّي بها في يَوْم الخَميس سابِع عَشر شَعْبان من سنة خَمْس عَشرة وسِتّمائة، ودُفِنَ من يَوْمهِ بجَبَل قَاسِيُون.
وأخْبَرَني الحَافِظ أبو الحُسَين يَحْيَى بن عليّ بن عبد اللّه القُرَشِيّ، قال. أبو القَاسِم هذا بَغْدَاديٌّ سَكَن دِمَشْقَ، من أهل الصّلَاح والعَفَاف والخَيْر، ويُعْرَف بالشَّمْس العَطَّار، مُحَدِّث ابن مُحَدِّث، وكان والدهُ يَذكر أنَّهُ من وَلد أبي عَبْد الرَّحمن السُّلَمِيّ.
(1)
صحيح ابن حبَّان بترتيب ابن بلبان 10: 190 (رقم 4349). وانظره في صحيح مسلم 3: 1369 (رقم 1649)، والتِّرمذيّ: الجامع الكبير 3: 189 (رقم 1539) من طرق مختلفة.
(2)
سنن الدارمي 1: 95.
وذكَرَ الحافِظ أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْم بن عَبْد القَوِيّ المُنْذِريّ في كتاب التَّكْمِلَة لوَفَيَات النَّقَلَة
(1)
، فيمَن ماتَ سنَة خَمْس عَشْرة وسِتّمائة، قال: وفي ليلَة السَّابِع عَشر من شَعْبان تُوفِّي الشَّيْخ الأجَلّ أبو القَاسِم أحْمَدُ ابن الشَّيْخ الأجَلّ أبي مُحَمَّد عبْدِ اللّه بن عبد الصَّمَد بن عَبد الرَّزَّاق السُّلَمِيّ البَغْدَاديّ العَطَّار الصَّيْدَلانِيُّ، نَزِيلُ دِمَشْقَ (a)، بدِمَشْق، وصُلِّي عليه من الغَدِ بالمَدْرَسَةِ المُجَاهِديَّة ظَاهِر باب الفَرَادِيس، ودُفِنَ بجَبَل قَاسِيُون.
سَمِعَ بإفَادة والدِه. وذَكَرَ بعضُهُم أنَّ أبا القَاسِم هذا تُوفِّي في جُمَادَى الآخرة من السَّنَة، والأوَّل أكْثَر.
(a) بعده في كتاب المنذري: المنعوت بالشمس.
_________
(1)
التكملة لوفيات النقلة 2: 439.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أحمدُ بنُ عَبْد الله بن عليّ، أبو العبَّاس الفَرَائِضِيُّ الرَّازِيُّ
(1)
سَمِعَ بحَلَب نَزيلَهَا سُليْمانَ بن المُعَافَى بن سُلَيمان، ومُحَمَّد بن مُعَاذ الحَلَبِيِّ المَعْرُوف بِدُرَّان، وبالمِصِّيْصَة الحَسَن بن مَنْصُور المِصِّيْصيّ. ورَوَى عنهُم وعن: الحُسَين بن أحْمَد بن الفَضْل البَاهِلِيّ، والحَسَن بن عليّ بن زَكَرِيَّاء العَدَوِيّ، ومُطَيَّن الحَضْرَيّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن قَارِن، وأبي بَكْر أحْمَد بن سَعيد السُّوْسيِّ، وعُثْمان بن الأَصْبَغ الرَّقِّيّ، والحسُين بن مُحَمَّد بن أبي الأحْوَص، وجَعْفَر بن مُحَمَّد الفِرْيَابيّ، وأحمد بن جَعْفَر القَطَّان، وعبد اللّه بن أحْمَد القَوَارِبرِيّ، وأبي شعَيْب الحرَّانيّ، وابن أبي حَسَّان؛ وعن مُوسى بن عِمْران الوَرَّاق، سَمِعَ منهُ بطَرَسُوسَ، ويُوسُف بن يَعْقُوب القَاضِيّ، ومَكِّيّ بن أحْمَد بن مَاهَان.
رَوَى عنهُ: أبو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، وأبو حَفْص عُمر بن أحْمَد بن شَاهِين، ويُوسُف القَوَّاس، وأحمد بن الفَرَج بن الحَجَّاج، وعبد اللّه بن عُثْمان الصَّفَّار، وأبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن إسْحَاق بن مُحَمَّد بن يَزِيد الحَلَبيُّ.
أنْبَأنَا أحْمَد بن عبد اللّه بن عُلْوَان، عن أبي البَرَكَات الخَضِر بن شِبْل الحَارِثِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن رَشَاء بن نَظِيف المُقرِئ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد الحَلَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس أحْمَد بن عبد اللّه الفَرَائِضِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن عران الوَرَّاق بطَرَسُوس، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عبد اللّه بن
(1)
ترجمته في تاريخ بَغْدَاد 5: 380 - 381.
عَمَّار المَوْصِليّ، قال: حَدّثَنَا يَحْيَى بن اليَمَان، قال: سَمِعْتُ سُليْمان الأَعْمَش، يقول: إنِّي لأرَى الشَّيْخ يَخْضبُ بالحِنَّاء، ليسَ عندَهُ شيء من الحَدِث، فأشْتَهي أنْ ألْطِم قَفَاهُ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيب
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البرقَانِيّ، قال: أخْبَرنا أبو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، قال: أحْمَد بن عبد اللّه بن عليّ الفَرَائِضِيّ رَازِيٌّ ثِقَةٌ.
أحمدُ بن عبد الله بن عُلْوَان، أبو العبَّاس الأسَدِيُّ الحَلَبِيُّ
(2)
أخو شَيْخنا أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمن ابن الأُسْتَاذ، شَيْخُ حَسَن صَالِحٌ، زَاهِدٌ، وَرعٌ، حَسَنُ الأخْلَاق، كَثِيْر العِبَادَة والدُّعَاءَ.
سَمِعَ بحَلَب الحافِظ أبا بَكْر مُحَمَّد بن عليّ بن يَاسِر الجَيَّانيّ (a)، وأبا طَالِب عبد الرَّحْمن بن الحَسَن بن العَجَمِيّ الحَلَبِيّ، ومُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن مَسْعُود المَسْعُودِيّ الفَنْجَدِيْهِيِّ وغيرهم، وسَمِعَ بَمَكَّة أبا مُحَمَّد عَبْد الدَّائمِ بن عُمَر بن حُسَين الكِنَانِيّ (b) وغيره، وبالمَوْصِل أبا الفَضْل عبد اللّه بن أحْمَد بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ.
وكان سَار من حَلَب صُحْبَةَ والدته، وكانت امْرأةً صالِحةً، وصُحْبَة أخيهِ الشَّيْخ عُلْوَان إلى الحجِّ، فجَاوَرَ بَمكَّة مع أخيه ووَالدته يَخْدمُهما إلى أنْ مات أخوهُ عُلْوَان، فأقام بَمكَّة يَخْدم والدتَهُ إلى أنْ مات، فكانت إقامَتُه بَمكَّة عشرين سَنَةً مُتَوَاليَة يَخْدم والدته، ثمّ عَاد إلى حَلَب المَحْرُوسَة من مَكَّة بأُختٍ له كانت مع والدته، وكان بعد ذلك يَتَردَّد من حَلَب حَاجًّا إلى مَكَّة في بعض السِّنِيْن،
(a) قيدة بالحاء المهمله الحيانيّ، وصوابه بالمعجمة نسبة لبلده جيَّان بالأندلس.
(b) مهملة في الأصل، وتأتي فيما يلي على الوجه المثبت، وفي تاريخ ابن عساكر 34: 107: الكتاني.
_________
(1)
تاريخ بَغْدَاد 5: 381.
(2)
توفي سنة 617 هـ.
وكان يُجَاور في بعضها، وآخر حِجَّة حِجَّها في سَنَة ثمان وسِتّمائة، سَيَّرهُ المَلِك الظَّاهِر غَازِي بن يُوسُف بن أَيُّوب ليَلْحق عمَّته رَبِيْعَة خَاتُون بنت أَيُّوب، وكانت حَجَّت في هذه السَّنَة، ليُعَلِّمها مَنَاسِك الحَجّ، وكانت حَجَّتْ من إرْبِل، وعادَت على الشَّام، فقَدِمَ معها، وكُنْتُ بالبيت المُقَدَّس، فقَدِمَ علينا معها في أوَائِل سَنَة تِسْعٍ وسِتّائة، وأقام بعدَها بحَلَب إلى أنْ ماتَ.
وقال لي ابنُ أخيه القَاضِي الإمَام زَيْن الدِّين أبو مُحَمَّد عبد اللّه بن عبْد الرَّحْمن: إنَّهُ تكَمَّل للشَّيْخ أحْمد - عمّه - إلى أنْ ماتَ ثلاثُون حِجَّة إلى مَكَّة حَرَسَها اللّهُ بسِنيّ المُجَاوَرَة.
وسَمِعْتُ القَاضِي زَيْن الدِّيِن المَذْكُور يقول: كان الشَّيْخ رَبِيع بن مَحْمُود المَارِدِيْنِيّ - وكان أحَد الأوْلِيَاء - يقول: لو صَعِدَ أحدُ إلى السَّماء بخِدْمَة والدته لصَعِدَ الشَّيْخ أحْمَد، فإنَّهُ لم يَخْدم أحدٌ والدَته مثل خِدْمته.
قال: وبَلَغَني أنَّهُ طافَ لَيْلَةً بأُمِّهِ من العِشَاءَ إلى الصَّبَاح، ويدهَا على كَتفه لضَعْفها، والشَّيْخ رَبِيْع من خَلْفِهما ومعه إبْرِيْق فيه ماء، وهو يَطُوف والماءُ معَهُ مُعَدٌّ لأُمِّهِ إنْ عرضَتْ لها حاجَة إليهِ.
قال: وكان الشَّيْخ عَبْد الحَقِّ الفَاسِيّ، وكان أيضًا أحد الأوْلِيَاء قد سكَنَ الفيْن، قَرْيَة في وَادِي بُطْنَان، وأقام بمَسْجِدها، وذلك بعدَ مَوْت الشَّيْخ أبي زَكَرِيَّاء المَدْفُون بدير النَّقِيْرَة، وعزم عَبْدُ الحَقّ على أنْ لا يَخْرج من الفيْن إلى أنْ يَمُوت، فلمَّا قَدِمَ الشَّيْخ أحْمَد من مَكَّة بعد المُجَاوَرَة الطَّويلة، دَخَلَ عَبْد الحَقّ من الفيْن قَصْدًا لرُؤيته، وأقَامَ بحَلَب أيَّامًا قَلَائِل حتَّى قَضَى حقّ زيارته، ثمّ عاد إلى الفيْن.
وسَألتُ القَاضِي أبا مُحَمَّد المَذْكُور عن مَوْلد عمّه أبي العبَّاس، فقال: لا أعْلَم، إلَّا أنَّهُ كان بينَهُ وبين والدي في العُمْر مِقْدَار سَبعْ سنين، ومَولد والدي في
سَنَة أرْبَعٍ وثَلاثين وخَمْسِمائَة في رَبيع، فيكون تَقْدير مَوْلد عّمِّي في سَنَة إحْدى - أو اثْنَتَيْن - وأرْبَعين وخَمْسِمائَة.
ثُمَّ وجَدْتُ في تَعْلِيقٍ بخَطِّ رَفِيقنا رِزْق الله الدُّنَيْسَرِىّ: أنَّ شَيْخنا أحْمَد مَوْلده سَنَة أرْبَعٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة، فلا أدْري من أين وقَعَ له ذلك.
سَمِعْتُ من الشَّيْخ أحْمَد رحمه الله كاتب الصِّحَاح للجَوْهَريّ في اللُّغَة، بحقّ سَمَاعه لها من أبي مُحَمَّد عَبْد الدَّائمِ الكِنَانِيّ عن أبي البَرَكَات بن العِرْقِيّ، وبإجازَته من ابن العِرْقِيّ، وكان له إجَازَة حَسَنة من شُيُوخِ مِصْر ودِمَشْق وأصْبَهان، وغير ذلك من البِلاد، أخَذَها له ولَأخِيهِ شَيْخنا أبي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن الفَنْجَدِيْهِيّ، وسَمِعْتُ منهُ عِدَّة أجْزاء من حَدثيه، وعلَّقتُ عنه فَوَائِد وإنْشَادات عن شُيُوخه.
أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَد بن عبد الله بن عُلْوَان الأسَدِيُّ الحَلَبَيُّ بها، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب عبد الرَّحْمن بن الحَسَن بن عبد الرَّحْمن بن العَجَمِيّ الحَلَبِيّ بها، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن بَيَان الرَّزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم طَلْحَةُ بن عليّ بن الصَّقْر بن عَبْد المُجِيْب بن عَبْد الحَميْد، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللهِ مُحَمَّد في أحْمَد بن إبْراهيم، قال. حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ، قال: حدَّثنا يُونُس بن عَبْد الأعْلَى المِصْريّ، قال: حَدَّثنَا ابن وَهْب، قال: أخْبَرَنا عَمْرو بن الحَارِث، عن كَعْب بن عَلْقَمَة التَّنُوخِيّ، عن عبْد الرَّحْمن بن شُمَاسَة المَهْرِيّ، عن أبي الخَيْر، عن عُقْبَة بن عَامِرٍ، عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كَفَّارَة النّذْر كَفَّارَةُ اليَمِيْن. هذا حَدِيْث صَحيح أخْرَجهُ مُسلِم
(1)
.
(1)
صحيح مسلم 3: 1265 (رقم 1645)، ورواه أيضًا أبي أبي شيبة: المصنف 3: 73 (رقم 12181)، سنن أبي داود 3: 615 (رقم 3333)؛ الترمذي: الجامع الكبير 3: 188 (رقم 1538)، الطبراني: المعجم الكبير 17: 373 (رقم 747)، البغوي: شرخ السنة 10: 34 - 35، سنن النسائي بشرح السيوطي 7: 26 (رقم 3833)، المسند الجامع 13: 33 - 34 (رقم 9849 - 9850).
أخْبَرَنا أحْمَد بن عبد الله بن عُلْوَان، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن أبي الحَسَن المَسْعُودِي، قال: أخْبَرَنا أبو الخَيْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عُمَر المُقَدِّر، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخ أبو عَمْرو عَبد الوَهَّاب بن أبي عبد الله بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا وَالدِي أبو عَبْد الله مُحَمدُ بن إسْحاق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحُسَين بن الحَسَن القَطَّان، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن أحْمَد بن يُوسُف السُّلَمِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاق بن هَمَّام بن نَافِع الحِمْيَرِيّ، عن مَعْمَر، عن هَمَّام بن مُنَبِّه، قال: هذا ما حَدَّثَنَا أبو هُرَيْرَة عن مُحَمَّد رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال
(1)
: يَضْحَكُ اللهُ لرَجُلَيْن يَقْتُلُ أحدُهُما الآخرَ، كلاهُما يدخُلُ الجَنَّة! قالوا: وكيف يا رسُول اللهِ؟ قال: يقتل هذا فيَلِجُ الجَنَّةَ، ثمّ يَتُوبُ اللهُ على الآخر فيَهْديهِ إلى الإسْلَام، ثمّ يُجَاهِدُ في سَبِيْل الله فيُسْتشْهَدُ.
أنْشَدَنا أبو العبَّاس أحْمَد بن عبد الله بن عُلْوَان من لَفْظه، قال: أنْشَدَني الخَطِيبُ أبو الفَضْل عبد الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ، بالمَوْصِل؛ بمَسْجِده عند مَنْزِلهِ، في سَنَة ثمانٍ وسِتِّيِن وخَمْسِمائَة، قال: أنْشَدَني وَالدِي لنَفْسِه
(2)
: [من البسيط]
إنِّي وإنْ بَعُدَتْ دَارِي لمُقْتَرِبُ (a)
…
منكُمْ بمَحْضِ مُوَالَاةٍ وإخْلَاصِ
ورُبَّ دانٍ وإنْ دامَتْ مَودَّتُهُ
…
أدْنَى إلى القَلْب منهُ النَّازِحُ القَاصِي
وأنْشَدَنا أبو العبَّاس، قال: أنشَدنا الخَطِيبُ أيْضًا لوَالدِه: [من الكامل]
إنَّا وإنْ بَعُدَ اللِّقَاءُ فَوُدُّنا
…
باقٍ ونحنُ على النَّأيْ أحْبَابُ
كَم نازح بالوُدِّ وَهْوَ مُقاربٌ
…
ومُقاربٍ بودَادِنَا مُرْتابُ
(a) في الأصل: لمغترب، والمثبت من الصفدي وهو الأظهر.
_________
(1)
صحيح مسلم 3: 1505 (رقم 1890)، المسند الجامع 18: 44 (رقم 14631).
(2)
انظر بيتي الطوسي في ترجمته عند الصفدي: الوافي بالوفيات 8: 56.
أنْشْدَنا أحْمَد بن عبد الله الأسَدِيّ، قال: أنْشَدَني شَيْخٌ بالحِجَاز لبعَضْهم: [من الخفيف]
قَدْ تفاءلْتُ بالأراكِ فلمَّا
…
أنْ رَأيتُ الأراكَ قُلتُ: أرَاكَا
وتخَوّفْتُ أنْ يكونَ سِوَاكًا
…
فيكُونُ الّذي أرَاهُ سِوَاكَا
تُوفِّي شَيْخنا أبو العبّاس أحْمَد بن عبد اللهِ بحَلَبَ في سنَة سَبْع عَشْرة وستِّمائة، ودُفِنَ بالجُبَيْل في التُّرْبَة المَدْفُون بها والدهُ رَحمَهُما الله.
أحمدُ بن عَبْد الله بن عُمَر بن جَعْفَر، أبو عليّ المالِكِيُّ البَغْدَاديُّ
(1)
نَزِيلُ حَلَبَ، وقيل: إنَّ اسْم جَدّ أبيهِ حَفْص بدَل جَعْفَر
(2)
. حَدَّثَ عن أبي جَعْفَر الحَسَن بن عليّ بن الوَلِيد الفَسَوِيّ، وأبي شُعَيْب عَبدِ اللهِ بن الحَسَن بن أحْمَد بن أبي شُعَيب الحَرَّانيّ، وجَعْفَر بن مُحَمَّد بن المُسْتَفَاض الفِرْيَابِيّ، وخَلَف (a) بن عَمْرو العُكْبَرِيّ، والحَسَن بن عليّ بن الوَلِيد الفَارِسِيّ.
رَوَى عنهُ مُحمَّدُ بن يُونُس بن هاشِم الإسْكَاف، وتَمَّام بن مُحَمَّد بن عبد الله الرَّازِىّ.
أخْبَرَنا يُوسُف بن خَلِيل بن عبد اللهِ الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بَرَكات بن إبْراهيم بن طَاهِر، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة بن الخَضِر السُّلَمِيّ، ح.
(a) الأصل: خلد، وصوابه المثبت، انظر: تاريخ بغداد 9: 284، ابن الجوزي: المنتظم 13: 84، العبر في خبر من غبر للذهبي 1: 432، سير أعلام النبلاء 13: 577، البداية والنهاية 11: 108، شذرات الذهب 3:410.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ بغداد 5: 383، تاريخ ابن عساكر 71: 336 - 237.
(2)
وهذا الاسم الذي اعتمده الخطيب البغدادي في سياقة اسمه.
وأخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الحَرَسْتَانِيّ، إجَازَهً عاليًا، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد بن مُحَمَّد الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ تَمَّام بن مُحَمَّد بن عبْد اللهِ الرَّازِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو علَيّ أحْمَد بن عبد الله بِن عُمَر بن حَفْصٍ البَغْدَاديّ - ومَسْكنهُ حَلَب، قَدِمَ دِمشق - قال: حَدَّثَنَا أبو شُعيْب عبْدُ الله بن الحَسَن بن أحْمَد بن أبي شُعَيْب الحَرَّانِيّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عبد الله البَابْلُتِيّ، قال: حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيّ، عن حَسَّان بن عَطِيَّةَ، عن مُحَمَّد، عن أبي سَلَمَة، عن أبَي هُرَيْرَةَ، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
: إذا فَرَغَ أحدُكُم من التَّشَهُد فليتَعَوَّذ باللهِ من عَذَاب القَبْر وعَذَاب جَهَنَّم، ومن فِتْنَة المَحْيَا والمَمَات، وشَرِّ المَسِيْح الدَّجَّال.
هكذا في كتابه، والصَّوَاب: حَسَّان بن عَطِيَّة، عن مُحَمَّد بن أبي عائِشَة، عن أبي هُرَيْرَة، واللهُ أعْلَمُ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُريق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(2)
، قال: أحْمَد بن عبد الله بن عُمَر بن جَعْفَر، أبو عليّ، سَكَنَ حَلَبَ، وحَدَّثَ بدِمَشْقَ عن أبي شُعَيْب الحَرَّانيّ، وجَعْفَر الفِرْيَابِيُّ، والحَسَن بن عليّ بن الوَلِيدِ الفَارِسِيّ. رَوَى عنهُ تَمَّام الرَّازِيّ.
أحمدُ بن عَبْد الله بن مُحَمَّد بن إسْماعِيْل بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد في عليّ في الحُسَيْن بن عليّ في أبي طَالِب، أبو العبَّاس، صاحِب الخَال
(3)
نَسَبَ نفسَهُ هكذا. وقيل: أحْمَد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر. وقيل:
(1)
ابن حنبل: المسند 11: 236 - 237 (رقم 7336)، سنن الدارمي 1: 310، صحيح مسلم 1: 412 (رقم 588)، ابن ماجة: السنن 1: 294 (رقم 909)، سنن أبي داود 1: 601 (رقم 983 - 984)، ابن بلبان: صحيح ابن حبان 5: 298 (رقم 1967)، وإسناده عند الجميع - كما صححه ابن العديم بعده - من طريق حسان بن عطية، عن مُحَمَّد بن أبي عائشة، عن أبي هريرة!.
(2)
تاريخ بغداد 5: 383.
(3)
توفي نحو سنة 390 هـ، وقيل: سنة 300 هـ، وترجمته في: تاريخ الطبري 10: 94 - 107، تاريخ =
مُحَمَّد بن عبد الله بن جَعْفَر، وقيل: عبْد الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل. وقيل: إنَّ اسْمَهُ الحُسَين بن زَكْرُوَيْه بن مَهْرُوَيْه. وقيل: ابن مَهْرِيّ الصُّوَّانيّ، من أهل صُوَّان، من سَوَاد الكُوفَة، وهو المعرُوف بصَاحِب الخَال، أخو عليّ بن عَبْد الله القِرْمِطِيّ، نسَبَ نفسَهُ إلى مُحَمَّد بن إسْمَاعِيل بن جَعْفَر، وتَسَمَّى بالمَهْدِيّ.
وبايعته القَرَامِطَة بعد قَتْل أخيهِ بنَوَاحِي دِمَشْق وصَار إلى السُّخْنَة، والأركة والزَّيتونةَ وخُنَاصِرَة من الأحَصِّ من أعْمَال حَلَب، ودخَل هذه المَوَاضع عَنْوَةً، ونَهَبَ ما فيها من الأمْوَال والسِّلاح، وأفْسَدَ بالشَّام، وعاثَ في بلادها، وغَلَبَ على أطْرَاف حِمْص، وخُطِبَ له على مَنَابِرها، وفَتَحوا له بابها، وسَار إلى حَمَاة، ومَعَرَّة النُّعْمَان وغيرهما من البِلادِ، فقتَل أهْلَها، والنِّسَاء والأطْفَال، ثمّ جاء إلى سَلمْيَة، فمنَعوهُ، ثمّ أعْطاهُم الأمَان ففَتَحوا له بابَها، فدَخَل وقَتَل الهاشِميِّيْن أجْمَعين بها، ثمّ قتَل الرِّجَال، ثمّ البَهَائِم ثمّ الصِّبْيَان، ثمّ خَرَجَ منها وليس بها عَيْن تَطْرِفُ.
وجَهَّز جَيْشًا كَثِيْفًا بخَيْل ورجَّاله مع بعض دُعَاته ويُعْرَفُ بعَمَيْطَر المُطَوَّق، إلى نَاحِيَةِ حَلَب، فأوْقَعُوا بأبي الأَغَرّ خَلِيفَة بن المُبَارَك
(1)
بوَادِي بُطْنَان، وقَتَلُوا خَلْقًا عَظيْمًا، وانْتَهبوا عَسْكَره، وأفْلَت أبو الأَغَرّ في ألف رَجُل لا غير، فدَخَل إلى حَلَب، ووصلوا خَلْفه إلى حَلَب، فأقاموا عليها على سَبيل المُحَاصرة، وتسرَّع أهلِ حَلَب في يَوْم الجُمُعَة سَلْخ شَهْر رَمَضَان من سَنَة تسْعين ومَائتَيْن، وطَلَبُوا الخُرُوجَ لقِتَالهم فمنعُوا من ذلك، فكسَروا قُفْل باب المَدِيْنَة، وخَرَجُوا إلى القَرَامِطَة
= ابن عساكر 71: 340 - 242، ابن الجوزي: المنتظم 13: 44 - 45، ابن الأثير: الكامل 7: 523 - 532، 541 - 544، تاريخ الإسلام 6: 882 - 883، العبر في خبر من غبر 1: 417 - 419، ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار 24: 151 - 153، الوافي بالوفيات 7: 119 - 120، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 96 - 97، 100 - 102، ابن خلدون: العبر 6: 178 - 181، 7: 353 - 368، وانظر: 692 - 687 Pp III Vol ، Karmati، E 12 ، ، Madelung. w
(1)
له ترجمة مفردة في الجزء السابع من هذا الكتاب وفيها أخباره في الولاية وفي محاربة القرمطي.
فتحاربوا، ونَصَر الله الرَّعيَّةَ منِ أهل حَلَب عليهم، وقُتِلَ من القَرَامِطَة جَمَاعَة كثيرة، وخَرَجُوا يَوْم السَّبْت يَوْم عيد الفِطْر مع أبي الأَغَرّ إلى مُصَلَّى العِيْد، وعيَّد المُسْلمُون وخَطب الخَطِيبُ على العَادَة، ودَخَل الرَّعِيَّة إلى مَدِيْنَة حَلَب في أمن وسَلامَة، وأشْرَف أبو الأغَرّ على عَسْكَر القَرَامِطَة فلم يَخْرج إليه أحدٌ منهم، فلمَّا يَئسُوا من فُرْصَة يَنْتَهزُونها من حَلَب ساروا ومَضَوا إلى صَاحِب الخَال.
ولمَّا انتَهى إلى المُكْتَفِي بالله هذه الأُمُور، خَرَجَ نحوه، وجَهَّز إليه عَسْكَرًا قَوِيًّا في المُحَرَّم سَنَة إحْدَى وتِسْعِين ومَائتَيْن، فقُتِلَ من أصْحَاب القِرْمِطِيّ خَلْق كَثِيْر، وانْهَزم نحو الكُوفَة، فقُبِضَ بالدَّالِيَةِ من سَقي الفُرَات، وحُمِلَ إلى الرَّقَّة إلى المُكْتَفِي بالله. فُحمِل إلى بَغْدَاد، وشُهِّر وطِيْفَ بهِ على جَمَل - وقيل: على فِيْل - ثمّ بُنِيَت له دَكَّة فقُتِلَ عليها هو وأصْحَابه في شَهْر رَبِيع الأوَّل من سَنَة إحْدَى وتِسْعِين ومَائَتيْن.
وكان لَعَنهُ اللهُ أدِيْبًا شَاعِرًا، وكَثِيْر ممَّا يقع الاخْتِلَاف في اسْمهِ ونَسَبهِ، واسْم أخيه الّذي قُتِلَ قَبْلهُ عليّ بن عبد الله، وبعضُهم يُسَمِّي أخاه مُحَمَّد بن عبد الله بن يَحْيَى، والصَّحيح أنَّ الّذي ثبت عليه في اسْمه ونَسَبه: أبو العبَّاس أحْمَد بن عبد اللهِ، وهو دَعِيٌّ.
وإنَّما سُمُّوا القَرَامِطَة - زَعَمُوا - أنَّهم يُدعونَ إلى مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عليّ، ونُسِبُوا إلى قِرْمِط، وهو حَمْدَان بن الأشْعَث؛ كان بسَوَادِ الكُوفَة، وإنَّما سُمِّي قِرْمِطًا لَأنَّهُ كان رَجُلًا قَصِيْرًا، وكان رِجْلاهُ قَصِيرتَيْن، وكان خطْوهُ مُتَقارِبًا، فسُمِّي بهذا السَّبَب قِرْمِطًا، وكان قِرْمِط قد أظْهَر الزُّهْد والوَرَع وتسوَّق به على النَّاس مَكِيْدةً وخُبْثًا.
وكان أوَّل سنَة ظهَر فيها أمْر القَرَامِطَة سَنَة أرْبَعٍ وسِتِّين ومَائَتيْن، وذكَرَ بعضُ العُلَمَاء أنَّ لَفْظَة قَرَامِطَة إنَّما هو نِسْبَةٌ إلى مَذْهبٍ يقال له القَرْمَطة؛
خارج عن مَذَاهِب الإسْلَام، فيكون على هذه المَقَالَة عزَوْه إلى مَذْهَبٍ باطلٍ، لا إلى رَجُلٍ.
وإنَّما قيل لهذا القِرْمِطِيّ صَاحب الخَال، لأنَّهُ كان على خَدّه الأيْمَن خَال، ويُعْرَف بابن المَهْزُول زَكْوُوَيْه بن مَهْرِي الصُّوَّانيّ، من أهْل صُوَّان، من سَوَاد الكُوفَة. وقيل: هو وأخوهُ من قَيْس من بني عُبَادَةَ بن عُقَيْل من بني عَامر، ثمَّ من بني قِرْمِطيّ بن جَعْفر بن عَمْرو بن المُهَيَّا بن يُزَيِّد (a) بن عبد الله بن يَزِيد بن قَيْس بن جُوْثَةَ بن طِهْفَة بن حَزْن بن عُبَادَةَ بن عُقَيْل بن كَعْب بن رَبيعَة بن عَامِر بن صَعْصَعَة بن مُعاوِيَة بن بَكْر بنِ هَوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خَصَفَة بن قَيْس بن عَيْلَان، فادَّعَي أنَّهُ من وَلد مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن جَعْفَر، فعَلَى هذا يكون مَنْسُوبًا إلى جَدِّهم قِرْمِطيّ، ولا يَبْعُد أنْ يكون الأمْرَان جَمِيعًا، واللهُ أعْلَمُ.
وقَرَأتُ في رِسَالَةِ أبي عَبْد الله مُحَمَّد بن يُوسُفَ الأنْبارِيّ الكَاتِب إلى أخيهِ أبي عليّ في ذِكْر أخْبَار هذا القِرْمِطِيّ: أنَّهُ ادَّعَى أنَّهُ أحْمَد بن عبْد الله بن جَعْفَر بن مُحَمَّد، وأنَّهُ المَهْديّ، وأنَّه نَظَرَ مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل في النَّسَب، فلمَّا وقفَ على بُعْد هذا النَّسَب، ادَّعَى - بَعْد وَقْعَة السَّطْح من الكُسْوَة - أنَّهُ مُحَمَّد بن عبد اللهِ بن جَعْفَر، وكَتَبَ بذلك كتَابًا بخَطِّه إلى المَعْرُوف بابن حُوَيّ السَّكْسَكِيّ ممَّن يَسْكن بَيْت لِهْيَا، فصَار ابن حُوَيّ بالكتاب إلى أبي نَصْر حَمد بن مُحَمَّد، كاتب طُغْجِ، ثمّ نَزَعَ عن هذا النَّسَب إلى عبد الله بن إِدْرِيس الحَسَنيّ القَادِم من الحِجَاز إلى مَدِيْنَة أَذْرِعات من جِهَة دِمشْق، وقيل إنَّ القِرْمِطِيّ من يَهُود نَجْرَان، وأنَّهُ دَعِيّ.
وذكَرَ أبو مُحَمَّد عبد الله بن الحُسَين الكَاتِب القُطْرُبُّلِيّ ومُحَمَّد بن أبي الأزْهَر في التَّاريخ الّذي اجْتَمَعا على تأليفه، في حَوَادِث سَنَة تِسْعٍ وثَمانِيْن ومَائتَيْن،
(a) هكذا مجودًا في الأصل، وذكره ابن خلكان (وفيات الأعيان 5: 260؛ في ترجمة المقلد بن المسيب العقيلي) بالباء والراء: بُرَيْد، بالتصغير. ويأتي فيما بعد (الجزء التاسع) في سياقة نسب سالم بن مالك بن بدران: زيد.
قالا: وفي آخر هذه السَّنَة ظَهَرَ رَجُلٌ يُقال له مُحَمَّد بن عبد الله بن يَحْيَى، من وَلد إسْمَاعِيْل بن جَعْفَر العَلَويّ بنَوَاحِي دِمَشْق، يَدْعُو إلى نَفْسِه، واجْتمع إليه خَلْقٌ كَثيْرٌ من الأعْرَاب وأتْباعِ الفِتَن، فسَار بهم إلى دِمَشْق، وكان بها طُغْج بن جُفَّ مَوْلَى أَمِير المُؤمِنِنِ من قِبَل هَارُون بن خُمَارَويْه عَامِل أمِيْر المُؤمِنِين على مِصْر والشَّام، فلهَّا بلَغَهُ خَبَرهُ اسْتَعَدَّ لحَرْبِه، وتَحَصَّن طُغْج بدِمَشْق، فحصَرَهُ هذا العَلَويّ بها، وكاتَ بينهما وَقْعات، وانقَضَتْ.
قالا: وفي هذه السَّنَة - يعني سَنهَ تسْعين ومَائَتيْن - جَرَت بين طُغْج بن جُفّ وبينِ القِرْمِطِيّ حُروبٌ كثِيْرةٌ كُلّها على طُغْج، فكَتَبَ إلى هَارُونَ يَسْتَنجدهُ، فوجَّه إليهِ من مِصْر جَيْشًا بعد جَيْشٍ، كُلّ ذلك يَهْزمهم القِرْمِطِيّ.
ثُمَّ وجَّه هارُون بن خُمَارَوَيْه ببَدْر الحَمَاميّ، وكَتَبَ إلى طُغْج في مُعاضَدَته، وضمّ إليه وُجُوه القُوَّاد بمِصْر والشَّام، فخرَج إلى القِرْمِطِيّ، فكانت بينهم حُروب كثِيْرة أتَتْ على أصْحَاب بَدْر الحَمَاميّ، وكان هذا القِرْمِطِيّ قد جَعَلَ علامتَهُ رُكُوب جَمَل من جِمَالهِ، وتَرَكَ رُكوبَ الدَّوَابّ، ولَبس شابًا وَاسعَةً، وتعَمَّمَّ عِمَّةً أعْرَابيّةً، وأمَرَ أصْحَابَهُ أنْ لا يُحاربُوا أحدًا وإنْ أُتي علجهم حتَّى يَنْبعِث الجَمَل من قِبَل نَفْسهِ من غير أنْ يُثيره أحدٌ، فكانُوِا إذا فَعَلُوا ذلك لم يُهْزمُوا، وكان إذا أشَار بيَده إلى نَاحِيَةٍ من النَّواحِي انْهزمَ منْ يُحاربهُ، واسْتَغوى بذلك الأعْرَابَ.
فخرَجَ إليهِ بَدْرٌ يَوْمًا لمُحارَبتهِ، فقَصَد القِرْمِطِيّ رَجُل من أصْحَاب بَدْر يقال له زُهَيْر بزَانَةٍ، فرَماهُ بها فقَتَلَه، ولم يَظْهَر على ذلك أصْحَاب بَدْرٍ إلَّا بعد مُدَّة، فطُلِبَ في القَتْلَى فلم يُوْجَد، وكان يُكْنَى أبا القَاسِم.
قال ابنُ أبي الأزْهَر وحَدَّثني كاتبُهُ المَعْرُوف بإسْمَاعِيْل بن النُّعْمان، ويُكْنَى بأبي المُحَمَّدِيْن - وسَبَب هذه الكُنْيَة أنَّهُ وَافَى مع جَمَاعَةٍ من القَرَامِطَة بعد الصُّلْح وقَبُولهم الأمان من القَاسِم بن سِيْما، وكان على طَريق الفُرَات، ومن
عبد الله بن الحُسَين بن سَعْدٍ وكان على القَابُون، فكان القَاسِم بن سِيْما يُكْنَى أبا يُكْنَى، وعَبْد الله بن الحسُين يُكْنَى أبا مُحَمَّد، وصَاحب البَرِيد المَعْرُوف بابن المُهَلَّبيّ يُكْنَى أبا مُحَمَّد، وصَاحِب الخَرائِط قَرَابة أبي مَرْوَان يُكْنَى أبا مُحَمَّد، فكُنِيَ إسْمَاعِيْل هذا أبا المُحَمَّدين، فبقي مَعْروفًا بذلك - فحَدَّثَني إسْمَاعِيْل عن هذه الوَقْعَة، قال: فصرتُ إليه غير مَرَّة وهو راكبٌ على نَجِيْبهِ، وعليه دُرَّاعَةُ ملْحَم، فقُلتُ لَهُ: قد اشْتَدَّ الأمرُ على أصْحَابنِا، وقد قَربُوا منكَ، فتَنَحَّ عن هذا المَوضع إلى غيره، فلم يَرُدّ عليَّ جَوَابًا، ولم يُثِرْ نَجِيبَهُ، فعَدَلْتُ إليه ثانيةً، فقُلتُ لَهُ: قُم، فانْتَهَرَني ولم يَرِم إلى أنْ وافَتْه زَانَةٌ - أو قال: حَرْبَةٌ - فسَقَط عن البَعِير، وكاثَرنا مَنْ يُريد أخْذَهُ، فمنَعْنَا منه، وقُتِلَ زُهَاءُ مائةِ إنْسَان في ذلك المَوْضع، ثمّ أخذْنَاهُ وتنحَّينا بأجْمَعنا.
فقُلتُ: فهذا الّذي أقَمْتُموه مقَامَهُ أهُوَ أخوه؟ فقال: لا والله ما نَعْلَمُ ذاكَ غير أنَّهُ وافَانا قَبْل هذه الحَادِثَة يوْمَيْن، فسَألْناهُ: مَنْ أنْتَ من الإمَام؟ فقال: أنا أَخُوهُ، ولم نَسْمَع من الشَّيْخ شيئًا في أمْرهِ، يعني المُكْتَنِي أبا القَاسِم.
وكان هذا المُدَّعي أخاهُ يُكْنَى أبا العبَّاس، واسْمُه أحْمَد بن عبد اللهِ، فعقَد لنَفْسِه البَيْعَةَ على القَرَامِطَة، ودَعَاهُم إلى مثل ما كان أخوه يَدْعُوهُم إليهِ، فاشْتَدَّت شَوْكته، ورَغِبَت البَوَادي في النَّهْب، وانْثَالَت عليه انْثِيالًا، وذلك في آخر شهر رَبيع الآخر من هذه السَّنَة.
ثُمَّ صارَ إلى دِمَشْق، فصالحَهُ أهلُها على خَرَاج دَفَعُوه إليه، فانْصَرفَ عنهم، ثمّ سار إلى أطْرَاف دِمَشْقَ وحِمْص فتغلَّبَ عليها، وخُطِب له على مَنَابِرها، وتَسَمَّى بالمَهْدِيّ.
ثمّ صَار إلى مَدِيْنَةِ حِمْص، فأطاعَهُ أهْلُها، وفَتَحُوا له بابَها فدخَلها. ثمّ صار إلى حَمَاة، وسَلَمْيَة، وبَعْلَبَك فاسْتَباح أهلَها، وقتَل الذَّرَارِيّ، ولم يُبْق شَرِيفًا لشَرفه، ولا صَغِيرًا لصِغَره، ولا امرأةً لمحرمها؛ وقَتَل أهْل الذِّمَّةِ، وفَجَروُا بالنِّسَاء.
حَدَّثَني مَنْ كان مَعَهُم، قال: رأيتُ عِصَامًا، سَيَّافَهُ، وقد أخَذَ من بَعْلَبَك امْرأةً جَمِيلةً جدًّا ومعها طِفْل لها رَضِيعٌ، فرأيُتُهُ والله وقد فَجر بها، ثمّ أخَذَ الطِّفْل بعد ذلكَ فرَمَى به نحو السَّماءَ ثمّ تلقَّاهُ بسَيْفه فرَمى به قِطْعَتين، ثمّ عدَل إلى أمِّهِ بذلك السَّيْف بعَيْنِهِ، فضربَها به فبَتَرها.
فلمَّا اتَّصَل عظيمُ خَبَرِهِم، وإقْدَامُهُم على انْتِهَاك المَحَارِمِ، ودَامَ، خَرَج أَمِير المُؤمِنِين المُكْتَفِي بالله مُتَوَجِّهًا نحوه، يَوْم الثّلاثَاءَ لتسْعٍ خَلَوْنَ من شَهْر رَمَضَان، في قُوَّادِه، ومَوَالِيهِ، وغِلْمَانه، وجُيُوشهِ، وأخَذَ على طَرِيق المَوْصِل، ثمّ صار إلى الرَّقَّةِ وأقامَ بها، وأنْفَذَ الجُيُوش نحو القَرَامِطَة، وقلَّد القَاسِم بن عُبَيْد الله بن سُلَيمان تَدْبِير أمْر هذه الجُيُوش، فوجَّه القَاسِمُ مُحَمَّد بن سُلَيمان الكَاتِبَ صَاحِبَ الجَيْش خَلِيفَةً له على جميع القُوَّادِ، وأمرَهُم بالسَّمْع والطَّاعَة، فنفَذ عن الرَّقَّةِ في جَيْشٍ ضَخمٍ، وآلةٍ جَمِيلةٍ، وسلاحٍ شَاكٍ؛ وكَتَبَ إلى جميع القُوَّادِ والأُمرَاءِ في النَّواحِي بالسَّمْع له والطَّاعَة لأمْره، وضَمَّ مُحَمَّد بن سُلَيمان القُوَّادَ بعضَهُم إلى بعضٍ، وصَمَدَ نحوِ القِرْمِطِيّ، فلم يزل يُعْمِل التَّدْبِيرَ، ويُذْكِي العُيُونَ، ويُشُاور ذَوي الرَّأي، ويَتَعرَّفُ الطُّرُقات إلى أنْ دخلَتْ سَنَةُ إحْدَى وتِسْعِين. قال: وفي أوَّل هذه السَّنَة، كَتَبَ أَمِيرُ المُؤمِنِين إلى مُحَمَّد بن سُلَيمان، وإلى سائر القُوَّادٍ في مُنَاهَضَةِ القِرْمِطِيّ، فسَاروا إليه، فالْتَقَوا على اثْنَى عَشر مِيْلًا من حَمَاة في موضِعٍ بينَهُ وبين سَلَمْيَة، فاشْتَدَّت الحربُ بينهم، وصَدَقُوهم القِتَال، فتجمَّع القَرَامِطَةُ وحَمَلُوا على المَيْمَنَة حَمْلَة رَجُلٍ واحدٍ، فثبَت الأوْلِيَاءُ، فمرُّوا صَادِفيْن عنها وجعَلُوها هَزِيمَةً، ومنَح اللهُ أكْتَافِهم، وقُتِلَ منهم وأُسِرَ أكْثر من عَشَرة آلاف رَجُل، وشُرِّد الباقونَ في البَوَادِي، واسْتَمرَّت بهم الهَزِيمَةُ، وطلَبَهُم الأوْلِيَاءُ إلى وَقْت صَلَاةِ عِشَاءَ الآخرة من ليلَةِ الأرْبَعَاء لسَبعٍ خَلَوْنَ من المُحَرَّم.
ولمَّا رأى القِرْمِطِيّ ذلك، ورأى مَنْ بقي من القَرَامِطَة قد كَاعُوا
(1)
عنْهُ، حَمَّلَ أخًا لهُ يُكْنَى أبا الفَضْل مَالًا، وتقدَّم إليهِ أنْ يلحقَ بالبَوَادِي إلى أنْ يظهَرَ في موضِع آخر، فَيَصير إليهِ، وتجمَّع رُؤَساَءُ القَرَامِطَة، وهم الّذين كانوا صَارُوا إلى رحْبةِ مَالِك بن طَوْق، فطَلَبُوا الأمَان، وهم: أبو المُحَمَّدين، والنُّعْمان بن أحمد، وأحمد بن النُّعْمان أخو أبي المُحَمَّدين، ووِشَاح، وعطير، وشديد بن رِبْعِيّ، وكُلَيَب من رَهْط النَّحَّاس، وعِصْمَة
(2)
السَّيَّاف، وسجيفة (a) رَفِيْقهُ، ومَسْرُور، وغشَّام، فقالوا للقِرْمِطِيّ، وهو صَاحِبُ الخَال: قد وجَبَ حقُّكَ علَيْنا، وقد رأيْتَ ما كان من جِدِّنا واجْتِهادِنا، ومن حَقّكَ علينا أنْ نَدَعَكَ ورأيكَ، وإنَّما يَطْلُبنا السُّلْطانُ بسَبَبكَ، فانْجُ بنفسكَ، فأخَذَ أَلْفَ دِيْنارٍ فشَدَّها في وَسَطه في هِمْيَانٍ، وأخَذ معهُ غُلامًا له رُوْمِيًّا يقال له: لُؤْلُؤ، كان يَهْواهُ ويَحلُ منه مَحَلّ بَدْر من المُعْتَضِد باللهِ، ورَكِبَ معَهُ المُدَّثِّر، وكان يَزْعُمُ أنَّهُ ابن عمّه، والمُطَوَّق غُلَامه، ومع كُلّ واحدٍ منهم هِمْيَان في وَسَطه.
فأمَّا المُطَوَّق - وهو [الّذي](b) اتُّخِذَ له سِخَاب
(3)
وَقْت دُخُوله إلى مَدِينَة السَّلام - فإنِّي سألتُ عنهُ أبا المُحَمَّدين فذكَر أنَّهُ رَجُل منِ أهْلِ المَوْصِل، وأنَّهُ صَار إلى الإمَام - بزَعْمهِ - فجعَل يُورِّقُ له ويُسَامرُه، ولم يُعْرف قبل ذلكَ الوَقْت.
وأخَذُوا دَلِيْلًا، وسَار يُريد الكُوفَة عَرْضًا في البِرِّيَّة، فغَلط بهم الدَّلِيْلُ الطَّريق، وأخرجَهُم بمَوضعٍ بين الدَّالِيَةِ والرَّحْبَةِ يُقال له: بَنُو مُحْرِز، فلمَّا صَاروا إلى بني مُحْرِز نزلُوا خارج القَرْيَةِ في بيَدْر عَامر، فأخْرَجُوِا دَقِيقًا كان معهم في مِزْوَد، واقْتدَحُوا نارًا، واحْتَطبُوا ليَخْبزُوا هناك، وكان وقْت مَغِيْب الشَّمْس،
(a) مهملة في الأصل، والإعجام على التقريب.
(b) إضافة ليستقيم النصّ.
_________
(1)
كاعوا: أصابهم الجُبن. لسان العرب، مادة: كعع.
(2)
تقدم ذكره باسم: عصام.
(3)
السِّخابُ: قلادة يلبسها الصبيان والجواري. لسان العرب، مادة: سخب.
فعَلَا الدُّخَانُ، وارْتاب المُوَكَّلون ببني مُحْرِز من أصْحَاب المَسَالِح بما رأَوه، فأَمُّوا المَوضعَ، فلَقُوا الدَّلِيْلَ فعَرِفَهُ بعضُهُم، فقال: ما وراءَكَ؟ قال: هذا القِرْمِطِيّ وراء الدَّالِيَةِ، فشَدُّوا عليهم فأخَذُوهم، وكَتَبُوا إلى أبي خُبْزَة وهو في الدَّالِيَةِ يُعْلمونَهُ بهذا، فأتاهُم ليلًا، فأخَذَهم وصَار بهم إلى الدَّالِيَةِ، وأخَذَ من وَسط غُلَام له هِمْيَانًا فيه ألْفا دِيْنارٍ، ومن وَسَط المُدَّثِّر مثْل ذلك، وأخَذَ الهِمْيَانَ الّذي كان مع القِرْمِطِيّ، ووَكَّل بهم في دارٍ بالدَّالِيَة، وكتَبَ إلى أحْمَد بن مُحَمَّد بن كشْمَرْد - وهو بالرَّحْبَةِ - يُخْبرهُ، فأسْرَع فِي السَّير إليهم، فلمَّا وَافَى احْتَبس القِرْمِطِيّ في بيتٍ لَطيفٍ في مُجَنَّب الحيْرِى، فحَدَّثَني بعضُ أهْل الدَّالِيَةِ قال: لمَّا وَافَى ابن كشْمَرْد سَأل القِرْمِطِيّ: ما أُخِذَ منك؟ قال: ما أُخِذَ منِّي شيء، فقال له المُطَوَّق: أتْبْغي من الإمَام ما لا يَحْسُنُ منهُ الإقْرارُ بهِ، ودَعا بالبَزَّاز فأخَذَ ثيابًا، ثُمَّ دعا بالخَيَّاط ليقطَع للقِرْمِطِيّ تلك الثِّيَاب، فقال الخَيَّاط للقِرْمِطِيّ: قُم حتَّى أُقَدِّر الثَّوب عليكَ، فقال المُطَوَّقُ للخَيَّاط: أتَقُول يا ابن اللَّخْنَاء للإمام قُمْ! اقطَعْ - ثكلتْكَ أُمّك - على سَبْعَة أشْبَار. وصار ابن كشْمَرْد وأبو خُبْزَة بالقِرْمِطِيّ إلى الرَّقَّة، ورجعَتْ جُيُوش أَمِير المُؤمِنِين بعد أنْ تلقَّطُوا كُلّ مَنْ قَدَرُوا عليه من أصْحَاب القِرْمطِيّ في أعْمَال حِمْص ونَواحيها، ووَرَدَ كتاب القَاسِم بن عُبَيْد الله بأنَّ القِرْمِطِيَّ أدخلَ الرَّقَّة ظاهرًا للنَّاس على جَمَلٍ فَالِج، وعليه بُرْنُس حَريْر ودُرَّاعَة دِيْبَاج، وبينَ يَدَيْهِ المُدَّثّر والمُطَوَّق على جَمَلَيْن في يَوْم الاثْنَين لأرْبَع ليالٍ بَقِينَ من المُحَرَّم سَنَة إحْدَى وتِسْعِين ومَائتَيْن حتَّى صِيْرَ بهم إلى دار أَمِير المُؤمِنِين بالرَّقَّةِ، فأُوْقِفُوا بينَ يَدَيْهِ، ثمّ أمرَ بهم فحُبِسُوا، واسْتَبْشرَ النّاسُ والأوْلِيَاءُ بما هنَّأهُ اللهُ في أمر هذا القِرْمِطِيّ. وقرَّظَ أَمِيرُ المُؤمِنِين القَاسِم بن عُبَيْد الله في هذا الوَقْت وأحمدَهُ فيما كان مِن تَدْبِيره في أمْر هذا الفَتْحِ، وخلَعَ عليه خلَعًا شرَّفَهُ بها، وقلَّده سَيْفًا، ولقَّبَهُ بوليّ الدَّولَة، وانْصَرَفَ إلى منْزِله بالرَّقَّةِ.
وخلَّف أَمِير المُؤمِنِين عَسَاكِرَهُ مع مُحَمَّد بن سُلَيمان، وشخصَ من الرَّقَّة في غِلْمَانهِ ووُجُوه أصْحَابه، وحُرمه، وشَخَصَ معه أبو الحُسَين القَاسِم بن عُبَيْدِ الله إلى بَغْدَاد، وحمَلَ معه القِرْمِطِيّ والمُدَّثِّر والمُطَوَّق وجَمَاعَة ممَّن أُسِر في الوَقْعَة مُسْتَهَلّ صَفَر، وقعَد في الحَرَّاقَات في الفُرَات، ولم يَزَل مُتَلوِّمًا في الطَّرِيق حتَّى وصَل إلى البُسْتَان المَعْرُوف بالبِشْرى لَيْلَة السَّبْت لليلَتَيْن بَقِيَتا من صَفَر، فأقام به، ثمّ عَبَر من هُناك إلى الجانب الشَّرْقيّ، فعَبَّأ الجُيُوش بباب الشَّمَّاسِيَّةِ، وكان أَمِير المُؤمِنِين قد عَزم على أنْ يُدْخل القِرْمِطِيّ بَغْدَاد مَصْلُوبًا على دَقَلٍ، والدَّقَل على ظَهْر فِيْلٍ، وأمَرَ بهَدْم الطَّاقات الّتي يَجْتَاز بها الفِيْل إذ كانت أقصَر من الدَّقَل، ثمّ اسْتَسْمَجَ ذلك، فعَمِل له دِمْيانَةُ غُلَام يَازْمَار كُرْسِيًّا ارْتِفَاعُه ذِرَاعان ونصفٌ، وأجْلَسَهُ عليه، وركب الكُرْسِيّ عِلى ظَهْر الفِيْل، فدَخَل أَمِير المُؤمِنِين مَدِينَة السَّلام صَبِيْحَة يَوْم الاثْنَين مُسْتَهَلّ رَبِيع الأوَّل في زيٍّ حسَنٍ، وتَعْبئةٍ، وجَيْشٍ كَثِيفٍ، وآلةٍ تامَّةٍ، وسِلَاحِ شَاكٍ، وقُدِّم الأسْرى على جِمَالٍ مُقَيَّدين، عليهم دَرَارِيع حَرِيْر وبَرَانِس حَري، ثمَّ قُدِّمَ المُدَّثِّر بين يَدي القِرْمِطِيّ على جَمَلٍ فَالِج، وعليه دُرَّاعَةُ حَرِيْر وِبُرْنُس، ثمّ القِرْمِطِيّ على الكُرْسِيّ علِى ظَهْر الفِيْل وعليه دُرَّاعَةُ دُرَّاعَهُ وبَرَانِس حَرير، ثمّ دَخَلَ أَمِرِ المُؤمِنِين خلْفَه حتَّى اشْتَقَّ مَدِيْنَة السَّلام إلى قَصْره المَعْرُوف بالحَسَنيّ، والقَاسِم بن عُبَيْد الله خَلْفَهُ، وأمَرَ بالقِرْمِطِيّ والمُدَّثِّر فأُدْخِلَا الحَبْسَ بالحَسَنيّ، ووجَّه بالأسْرَى إلى الحَبْسِ الجديدِ (a) بالجانب الغَرْبيّ، ومَضَى المُكْتَفِي من سَاعته من الحَسَنيّ إلى الثُّرَيَّا بعد أنْ خَلَعَ على أبي الحُسَين القَاسِم بن عُبَيْدِ الله، وانْصَرَفَ إلى مَنْزِله.
ووَافَى مُحَمَّد بن سُلَيمان بعد إصْلَاحه الأُمُور، وتَلَقُّطه جَمَاعَةً من قُوَّادِ القِرْمِطِيّ وقُضَاتِه وأصْحَاب شُرَطهِ، فأخذَهُم وقيَّدهم، وانْحَدَر والقُوَّاد الّذين
(a) في الأصل بالحاء المهملة: "الحديد"، وصوابه بالمعجمة. انظر تاريخ الطبري 10: 34، وتاريخ بغداد 1:400.
تخلَّفُوا معهُ إلى مَدِينَة السَّلام، فوَافَى بَغْدَاد إلى الباب المَعْرُوف بباب الأنْبَار لَيْلَة الخَمِيْس لإحْدَى عَشرة لَيْلَة خَلَتْ من شَهْر رَبِيع الأوَّل، وكان أمَرَ القُوَّاد جَمِيعًا بتَلَقِّي مُحَمَّد بن سُلَيمان والدُّخُول معهُ إلى بَغْدَاد، ففعَلُوا ذلك، ودَخَلَ مُحَمَّد بن سُلَيمان صَبِيْحَة يَوْم الخَمْيِس، وبينَ يَدَيْهِ نيف وسَبْعُون أسِيْرًا غير مَنْ أسْمَيْنا، والقُوَّاد معهُ، حتَّى صَارُوا إلى دار أَمِير المُؤمِنِين بالثُّرَيَّا، فدَخَلُوا عليه، وأمَرَ أنْ يُخْلعَ على مُحَمَّد بن سُلَيمان، ويُطَوَّق بطَوْق ذَهَب، ويُسَوَّر بسِوَارَين، وخُلِع على جميعِ القُوَّاد القادمين معهُ، وطُوِّقُوا وسُوِّرُوا وانْصَرَفُوا إلى منازلهم، وأَدْخِل الأسْرى إلى الحَبْس الجديد (4) بمَدِيْنَة السَّلام في الجانب الغَرْبيّ منها.
فلمَّا كان في يَوْم السَّبْت لعَشْرٍ بَقِينَ من شهر رَبِيع الأوَّل بُنِيَتْ دَكَّة في المُصَلَّى العَتِيق من الجانب الشَّرْقيّ الّذي تخرج إليه الثَّلاثُ الأبْوَاب ومن باب خُرَاسَان، تَكْسير ذَرْعها عشرون ذِرَاعًا في عشرين ذِرَاعًا، وجُعِلَ لها أرْبَع دَرَج يُصْعَدُ منها إليها، وأمَرَ القُوَّاد جَمِيعًا بحضُور هذه الدَّكَّة، ونُودِي بذلك في النَّاس أنْ يَحْضُروا عَذَاب القَرَامِطَةِ، ففَعَلُوا، وكَثُرَ النَّاسُ في هذا المَوضِع، وحضَر القُوَّاد والوَاثِقيّ المُتَقَلِّدَ للشُّرْطَة بمَدِينَة السَّلام، وحضَر مُحَمَّد بن سُلَيمان، فقعَدُوا جَمِيعًا عليها، وأحْضَروها ثلاثمائة ونيفًا وعشرين إنْسَانًا ممَّن كان أُسِرَ قَديْمًا، ومَنْ جاءَ بهِ مُحَمَّد بن سُلَيمان، وأُحْضِر القِرْمِطِيّ والمُدَّثِّر فأُقْعِدا، وقُدِّم نيفٌ وثَلاثُونَ إنْسَانًا من هؤلاء الأُسَارَى من وُجُوههم، فقُطِعَتْ أيْدِيهم وأرْجُلهم، وضُربت أعْنَاقهُم، ثمّ قُدِّم القِرْمِطِيّ فضُرب مائتي سَوْط، ورُشَّ على الضَّرْب الزَّيْت المُغْلَى، وكُوِي بالجَمْر، ثمّ قُطِعَتْ يَداه ورِجْلَاهُ، وضُربَتْ عُنقُه. فلمَّا قُتِلَ، انْصَرفَ القُوَّاد وأكْثَر النَّاسِ ممَّن حضَر للنَّظَر إلى عَذَاب القِرْمِطِيّ، وأقام الوَاثِقيُّ إلى وَقْت العِشَاءَ الآخرة في جَمَاعَةٍ من أصْحَابهِ حتَّى ضرب أعْنَاق باقي الأُسَارَى، ثمّ انصَرَف.
(a) في الأصل: الحديد.
فلمَّا كان يَوْم الأرْبَعَاء لستٍّ بَقِينَ من هذا الشَّهْر، صِيْرَ ببدَن القِرْمِطِيّ إلى باب الجِسْر الأَعْلَى من الجانب الشَّرْقيّ فصُلِبَ هناكَ، وحُفِر لأجْسَادِ القَتْلَى آبارٌ إلى (a) جانب الدَّكَّة فطُرِحُوا فيها، وطُمَّت. فلمَّا كان بَعْدُ، أمَرَ بهَدْم الدَّكَّة، وتعْفيَة أثرهَا، ففُعِلَ ذلك.
قال ابنُ أبي الأزْهَر في هذا التَّاريخ، في حَوَادِث سَنَة ثَلاثِ وتِسْعِين ومَائتَيْن: وفيها ورَدَ الخَبَرُ بأن أخا الحُسَين بن زَكْرُوَبْه المَعْرُوف بصاحِب الشَّامَة ظَهَرَ بالدَّالِيَةِ من طَريق الفُرَاتِ في نَفَرٍ، واجْتمع إليهِ جَمَاعَة من الأَعْرَاب، وسَار بهم إِلى نحو دِمَشْق، فعَاثَ في نَوَاحِيها، فنُدبَ لخُرُوج إليهِ حُسَين بن حَمْدَان فخرَج في جَمَاعَةٍ، ووَرَدَ الخَبَرُ برجُوْعه إلى الدَّالِيَة.
فحدَّث مُحَمَّد بن دَاوُد بن الجرَاح أنَّ زَكْرُوَيْه بعد قَتْل صَاحب الشَّامَة أنفَذ رَجُلًا كان مُعَلِمًا للصِّبْيان يُقالُ له عبْد اللّه بن سَعيد، فتَسَمَّى نَصْرًا ليُخْفِي أَمْرَهُ، فدار في أحْيَاء كَلْب يَدْعُوهم إلى رأيهِ، فاسْتَجاب له جَمَاعَة من صَعَاليْكهم وسُقَّاطِهم وسُقَّاط العُلَّيْمِيِّين (b)، فسَار فيهم إلى بُصْرَى وأَذْرِعات من كُوْرَتَي حَوْرَان والبَثَنِيَّةِ فقتَل وسَبَى، وأخَذَ الأمْوَال.
قال: وأنفَذ زَكْرُوَيْه رَجُلًا يُقالُ له القَاسِم بن أحْمَد دَاعِيَةً، فصار إلى نحو رُسْتَاق نَهْر ملخانا (ح).
قال: فالْتفَتْ بهِ طائفة، فسَاروا إلى الكُوفَة حتَّى صبَّحُوها غَدَاة يَوْم النَّحْر وهم غَارُّون
(1)
، فَوَافَوا باب الكُوفَة عند انْصراف النَّاس من المُصَلَّى، فأوْقَعُوا بمَن قَدرُوا عليه، وسلَبُوا وقتلُوا نَحْوًا من عشرين رَجُلًا، وكان رئيسهم هذا قد
(a) مكررة في الأصل.
(b) الضبط من المؤلِّف في هذا الموضع والذي يليه.
(c) عند النويري: نهاية الأرب 35: 346: نهر ملحانا، ولم أهتد للتعريف به.
_________
(1)
أي: غافلون.
حَملُوه في قُبَّةٍ يقُولونَ: هذا ابنُ رسُول اللّه، وهو القَاسِم بن أحْمَد دَاعِيَة زَكْرُوَيْه، ويُنادونَ: يا ثارات الحسُنِ. يَعْنُون بالحسُين صَاحب الشَّامَة، وشِعَارهم: يا مُحَمَّد يا أحْمَد، يَعْنُونَ ابْنَي زَكْرُوَيه، ويُمَوِّهُونَ بهَذا القَوْل على أهْلِ الكُوفَة، ونَذِرَ بهم النَّاس فرمَوْهم بالحِجَارَة من المَنَازِل.
وإنَّما ذَكَرتُ هذا الفَصْل من قَوْل ابن أبِي الأزْهَر لأنَّ فيه ما يَدُلُّ على أنَّ صَاحِب الخَال كان يُسَمَّى الحُسَين بن زَكْرُوِيْه، وأنَّهُ يُسَمَّى أيضًا أحْمد بن زَكْرُويْه، وعَاشَ زَكْرُوَيه بعد ولدَيْه القِرْمِطِيّيِن في زَعمه.
أَنْبَأَنَا تاجُ الأُمَناء أبو الفَضْلِ أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن هِبَةِ اللّهِ الدِّمَشْقِيِّ، قال: أَخْبَرَنا عَمِّي أبو القاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب بن البَنَّاءِ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسين بن الآبنُوسِيِّ، قَال: أخْبَرَنا عُبَيْدُ اللّه بن عُثْمان بن يَحْيَى الدَّقَّاقُ (a)، قال: أَخْبَرَنا أبو مُحَمَّد إسْمَاعِيْل بن عليّ بن إسْمَاعِيْل الخُطَبِيّ (b)، قال: قام مقامَهُ - يعني مقام صَاحِب الجَمَل - أخٌ له في وجْهِهِ خَالٌ يُعْرَفُ بهِ؛ يُقالُ له: صَاحِب الخَالِ، فأسْرَف في سُوء الفِعْل، وقُبْح السِّيْرَة، وكثْرة القَتْل، حتَّى تَجاوز ما فَعَلَهُ أخُوهُ، وتضَاعف قُبْح فِعْله على فِعْلهِ، وقَتَل الأطْفَالَ، ونابذَ الإسْلَام وأهْلَهُ، ولم يتعلَّق منهُ بشيء، فَخَرَج المُكْتَفى باللّه إلى الرَّقَّة، وسَيَّرَ إليهِ الجُيُوش، فكنتْ له وقائع، وزادَتْ أيَّامُهُ على أيَّام أخيهِ في المُدَّة والبَلاءَ حتَّى هُزِمَ وهَرَبَ، فظُفِرَ به في مَوضعٍ يُقالُ له الدَّالِيَةُ بناحيةِ الرَّحْبَةِ، فأُخِذَ أَسِيْرًا،
(a) سقط إسناده عن الدقاق من نشرة تاريخ ابن عساكر.
(b) في الأصل: الحطميّ، وصوابه المثبت. كما ورد عند ابن عساكر، وهو مؤرِّخٌ له كتاب كبير في التاريخ مرتَّب على السنين. انظر ترجمته عند: الخطيب البَغْدَادي: تاريخ بَغْدَاد 7: 304 - 306، السمعاني: الأنساب 5: 161، ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة 2: 118 - 119، ابن الجوزي: المنتظم 14: 134، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 17: 331 - 333، الذهبي: تاريخ الإسلام 7: 888، سير أعلام النبلاء 15: 533 - 533.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 43: 63 - 65.
وأُخِذَ معَهُ ابنُ عَمٍّ له يُقال له المُدَّثِّر؛ كان قد رشَّحَهُ للأمْر بعدَهُ، وذلك في المُحرَّم سَنَة إحْدَى وتِسْعِين. وانْصَرف المُكْتَفِي باللّه إلى بَغْدَاد وهو معه، فرَكب المُكْتَفِي رُكُوبًا ظاهِرًا في الجَيْش والتَّعْبِئَة، وهو بينَ يَدَيْهِ على الفِيْل، وجَمَاعَة من أَصْحَابه على الجِمَال مُشَهَّرين بالبَرَانِس، وذلك يَوْم الاثنين غُرَّة رَبيع الأوَّل من سَنَة إحْدَى وتِسْعِين، ثمّ بُنِيَتْ له دَكَّةُ في المُصَلَّى، وحُمِلَ إليها هو وجَمَاعَةُ أصحَابهِ، فقتلُوا عليها جَمِيعًا في رَبيع الآخر بعدَ أنْ ضُرِبَ بالسِّيَاطِ، وكُوي جَميعه (a) بالنَّار، وقُطِعَت منه أرْبَعَتُه (b)، ثمّ قُتِلَ ونُوديَ في النَّاسِ فَرجُوا مَخْرجًا عَظيْمًا للنَّظَرِ إليهِ، وصُلِبَ بعد ذلك في رَحْبَةِ الجِسْر.
وقيل: إنَّهُ وأخُوه من قَرْيَةٍ من قُرَى الكُوفَة يُقالُ لها الصُّوَّان، وهُما - فيما ذُكِر - ابْنَا زَكْرُوَيْه بن مهرُوَيْه القِرْمِطِيّ الّذي خَرَج في طَريق مَكَّة في آخر سَنَة ثَلاث وتِسْعِين ومَائَتَيْن، وتلقَّى الحاجّ في المحرَّم من سَنَة أرْبَعٍ وتِسْعِين، فقَتَلَهُم قتلًا ذَرِيعًا لم يسمَعْ قَطّ (c) بمثْلِهِ، واسْتَباح القَوَافِلٍ، وأخَذَ شَمْسَة البَيْت الحَرَام، وقَبْل (d) ذلك ما دَخَل الكُوفَة يَوْم الأضْحَى بغتَةً وأُخْرج منها، ثمّ لقيه جَيْشُ السُّلْطان بِظَاهِر الكُوفَة بعدَ دُخُوله إيَّاها، وخُرُوجهِ عنها، فهزمَهُم وأخَذَ ما كان معهُم من السِّلاح والعُدَّة، فتَقَوَّى (e) بها، وعَظُمَ أمْرُهُ في النُّفُوس وهالَ (f) السُّلْطان، وأجْلَبَت معَه كَلْبٌ وأسَدٌ، وكان يُدْعَى السَّيِّد، ثمّ سَيَّرَ إليهِ السُّلْطانُ جَيْشًا عَظيْمًا، فلَقُوه بذِي قَارٍ بين البَصْرَة والكُوفَة في الفِرَاض، فهُزِمَ وأُسِرَ جَريْحًا، ثمّ مات. وكان أخْذُهُ أَسِيرًا يَوْم الأَحَدِ لِثَمانٍ بَقِينَ من رَبيع الأوَّل سَنَة أرْبَعٍ وتِسْعِين بعد أنْ أُسِر، فقدِمَ به إلى بَغْدَاد مَشْهُورًا في رَبيع الأوَّل (g)، وشُهرت الشَّمْسَة بنَ يَدَيْهِ ليَعْلَم النَّاسُ أنَّها قد اسْتُرْجِعَتْ، فطِيْفَ بهِ ببَغْدَاد.
(a) ابن عساكر: جبيته.
(b) ابن عساكر: أربعة.
(c) ابن عساكر: قبله.
(d) ابن عساكر: وقيل.
(e) ابن عساكر: فقوي.
(f) ابن عساكر: وهلك!.
(g) زيد بعده في تاريخ ابن عساكر: ميتًا.
وقيل: إنَّهُ خَرَجَ يطلُبُ ثأر ابنِهِ المَقْتُول على الدَّكَّةِ.
وذكَر ابنُ أبي الأزْهَر في تَارِيْخهِ أنَّهُ لمَّا خَرَجَ على قَافِلَة الحاجّ أنَّ أصْحَابَهُ أكَبُّوا على الحاجّ، فقتلُوهم كيفَ شاؤوا، واحْتَوَوا على جميع ما كان في القَافِلَة، وسَبَوا النِّسَاءَ الحَرَائرِ، وجَمعَ القِرْمِطِيّ، لَعَنَهُ اللّهُ، أجْسَاد القَتْلَى، فعَمِلَ منها دَكَّةً تشبِيها بالدَّكَّة الّتي قُتِلَ عليها أصْحَابهُ.
وسَيَّرَ إليَّ بعضُ الشِّرَاف الهاشِمِيِّين بحَلَب تاريخًا جَمَعَهُ أبو غَالِب هَمَّام بن الفَضْل بن جَعْفَر بن عليّ بن المُهَذَّب، ذَكَرَ أنَّهُ تَذكِرةِ كتَبَها ممَّا وجدَهُ في التَّوَاريخ المُتَقدِّمة، وممَّا وجَدَهُ بخَطِّ جَدّ أبيهِ الشَّيْخ أبي الحُسَين عليّ بن المُهَذَّب بن أبي حَامِد مُحَمَّد بن هَمَّام بن أبي شِهَابٍ وغيره
(1)
، قال فيه: سَنَة تسْعين ومَائتَيْن فيها نَجَم بالشَّام قِرْمِطِيّ بأرْض دِمَشْق، انْتَسَبَ إلى العَلَوِيَّة.
قال: وذكَرَ الشَّيْخ أبو الحُسَين عليّ بن المُهَذَّب أنَّ أباه المُهَذَّب أخْبَرهُ أنَّ هذا القِرْمِطِيّ أوَّل مَنْ وَقَعَ عليه هذا اللَّقَب، وكان خَرَجَ في بَطْن من بَنِي عَدِيّ من كَلْب يُقالُ لهم بنُو العُلَّيْص، فَخَرَجَ إليهِ طُغْج بن جُفّ والي دِمَشْق من قِبَل الطُّولُونيَّة مُحْتَقرًا له في غير عِدَّة ولا عُدَّة، وكان هذا القِرْمِطِيّ في بَادِيَة كَلْب، فأوْقَع بطُغْج، ودخَل إلى دِمَشْقَ مَهْزُومًا، ثمّ رَجَعَ فجمَعَ عَسْكَرهُ، وحَشَد، وخَرَجَ إليهِ، فكان الظَّفَرُ للقِرْمِطِيِّ أيضًا، وقَتَل خلقًا كَثِيْرًا من أصْحَاب طُغْج، ونهبُوا عَسْكَره، وعاد طُغْج إلى دِمشْق، فقَوِيَ القِرْمِطِيُّ.
وكَتَبَ طُغْج إلى مِصْر، فَوُجِّه إليهِ جَمَاعَة من الفُرْسَانِ والرَّجَّالَة، وأمدَّهُم مَنْ في الشَّام، فصَار جَيْشًا عَظيْمًا، فخرَجَ وهو غير شَاكٍّ في الظَّفَر بهِ، فأوْقَع القِرْمِطِيّ به، وكانت الوَقْعَةُ في مَوضع يُعْرف بالكُسْوَة.
(1)
تقدّم التعريف بالكتاب في الجزء الأوّل.
وسَار القِرْمِطِيّ إلى بَعْلَبَكّ ففَتَحها، وقَتَل أهْلَها، ونَهب وأحْرَق، وسار منها إلى حِمْص، فدعا لنَفْسِه بها، وبَثَّ وُلَاتَهُ في أعْمَالِها، وضَرَب الدَّنَانِيْر والدَّرَاهِم، وكتَبَ عليها: المَهْدِيّ المنصُور أَمِير المُؤمنين، وكذلك كان يُدْعَى له على المَنَابِر، وأنْفَذَ سَرِيَّةً إلى حَلَب، فأوْقَع بأبي الأغرّ خليفة بن المُبارَك السُّلمِيّ، وعادَت السَّرِيَّةُ، وجَبَى الخَرَاج، وحُمِلَ إليهِ مال جُنْد حِمْصَ، فأنفَذَ الأَمِير أبو الحَجَر المُؤَمَّل بن مُصَبِّح - أمير بَرْزَوَيْه والبَارَة والرُّوْق (a) وأفَامِيَة وأعْمَال ذلك، وبقي والِيَ هذه المَواضع مِن قِبَل الخلفَاء بغْدَاد أرْبَعين سنةً فيها - رَجلَين من أهلِ مَعَرَّة النُّعْمَان اسْم أحَدهما أحْمَد بن مُحَمَّد بن تَمَّام، والآخر ابن عَاص القَسْرِيّ، وجَاءَا إلى القِرْمِطِيّ يَرْفعان على أهل مَعَرَّة النُّعْمَان، فمَضَيا إليهِ، وقالا له: إنَّ أهل مَعَرَّة النُّعْمَان قد شَقُّوا العَصَا، وبَطّلُوا الدَّعْوَة، وغيَّرُوا الأذَان، ومنَعُوا الخَرَاج، وكان أهل مَعَرَّة النُّعْمَان قد أرسَلُوا معهما الخَرَاج فأُخِذَ منهما في الطَّريق، فلمَّا قالا له ذلك، الْتَفَتَ إلى كاتبه وقال له: اكتُبْ: وشَهِدَ شَاهدَان من أهْلها. فسَار إليها وقال لأصْحَابهِ: أنْ اغْلِقُوا الباب فاجعَلُوها غارة على الدَّارين (b)، فخَرَج أهل مَعَرَّة النُّعْمَان ولا عِلْم لهم بما قد جَرَى، وأصْحَاب القِرْمِطِيّ يقُولون: الْقُوا مَوْلَانا السَّيِّد، فبَلغَ كَثِيرٌ من النَّاسِ إلى قُرْب حُنَاك، وأخَذ الأبْوَاب أصْحَاب القِرْمِطِى على النَّاس، فقُتِلَ خَلْق كَثِيْرٌ، ودخَلها يَوْم الأرْبَعَاء النِّصف من ذِي الحِجَّة، فأقام يقتُل المَشَايخ والنِّسَاء والرِّجَال والأطْفَال، ويُحْرق ويَنْهب خمْسَةَ عَشر يَوْمًا، فذُكِرَ أنَّ القَتْلَى كانُوا بضعَة عَشر ألفًا.
وخَرَجَ المُكْتَفِي إلى الرَّقَّة، وأنْفَذَ عَسَاكِره مع مُحَمَّد بن سُلَيمان الكَاتِب الأنْبارِيّ، وكان شَهْمًا شُجَاعًا مُدَبِّرًا، فحصَلَ في حَلَبَ في جَيْشٍ فيه ثَلاثُونَ أَلْفًا مُرْتَزقة، فيما ذَكَر غير واحدٍ، وكان جَهِيْرُ بن مُحَمد يقول له: تَخْرُج إلهِم فقد
(a) كتب ابن العديم في الهامش: "الروق هو الَّذي يُقالُ له الروج، كورة معروفة".
(b) كتب ابن العديم في الهامش: "لعلّه: الذراري".
أهْلكُوا عَشِيْرتيّ، فيقُول له ابن الأنْبارِيّ الكاتِب: لو أخَذُوا بلحيَتي ما خَرَجْتُ إليهم حتَّى يَهِلَّ هِلالُ المحرَّم، يُريدُ سَنَة إحْدَى وتِسْعِين.
قال أبو غَالِب بن المُهَذَّب: سَنَة إحْدَى وتِسْعِين، فيها سار مُحَمُّدُ بن سُلَيمان الكَاتِب الأنْبارِيّ إلى القَرَامِطَة، فأوْقع بهم في قَرْيَةٍ تُعرف بالحُسَيْنيَّةِ، فقتَلهم، وبدَّدَ شمْلَهُم، ولمَّا تَصَوَّر القِرْمِطِيّ ورأى أنَّهُ لا طَاقَة له بعَسَاكِر الخِلَافَة، هَربَ قَبْل الوَقْعَة بأصْحَابهِ، فحصَل في قَرْيَةٍ شَرْقيّ الرَّحْبَة تُعرفُ بالدَّاليَة، في نَفَرٍ يَسيْر من خَواصّ أصْحَابه، فتَسَتَّروا بها، وبَعَثَ بعض أصْحَابه مُتَنَكِّرًا ليتمارَ لهم ما يَحتاجُونَ إليهِ، فأخِذَ وأَنْكر، وأُتِي به إلى رَجُلٍ كان يتوَلَّى مَعُونَةَ الدَّالِيَةِ يُعرفُ بأبي خُبْزَةَ لأحْمَد بن مُحَمَّد بن كشْمَرْد، وكان ابن كشْمَرْد والي الرَّقَّة، وكان أبو خُبْزَة صغِير الشَّأن حَقِيْرًا في الجُنْد، فسَألَهُ أبو خُبزَة عن خَبَره وقِصَّته، فتبيَّن منه قَوْلًا مُختلفًا، فألَحَّ عليه أبو خُبْزَة، فأقرَّ ذلك الرَّجُل بأنَّهُ من رجال القِرْمِطِيّ، ودَلَّ عليهم في أيّ مَوضع هم، لخرَجَ أبو خُبْزَةَ فيمَن جَمَعَهُ من الأجْنَادِ الرِّجَال إلى المَوضع الّذي فيه القِرْمِطِيّ وأصْحَابه، فظَفِرَ بهم وبالقِرْمِطِيّ، وكان معهم حمْلان من المالِ، فأخَذهُم والمال مَعَهُم، وحَملهُم إلى ابن كشْمَرْد والي الرَّقَّة، فأخَذهُم، وكَتَبَ بخَبَرهم إلى المُكْتَفِى، فبَعَثَ إليهِ منْ تسلَّمهُم منه وأوْرَدَهم الرَّقَّة، وانْحَدَر المُكْتَفِي إلى مَدِينَة السَّلام بَغْدَاد وهم معه، فبَنى لهم دَكَّةً عَظِيمَةً بِظَاهِرِ القَصْر المُعْتَضِدِيّ، وعُذِّبُوا عليها بأنْواع العَذَاب.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَات بن مُحَمَّد بن الحَسَنِ كتابةً، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمُّد الدِّمَشقيّ، قال: قرأتُ على أبي مَنْصُور بن خَيْرُون، عن أبي مُحَمَّد الجوهَرِيّ، وأبي جَعْفَر بن المُسْلِمَة، عن أبي عُبَيد اللّه (a) مُحَمَّد بن عِمْران بن مُوسَى المَرْزبانيّ
(1)
،
(a) الأصل: عبد اللّه، وهو مشهور معروف.
_________
(1)
في الجزء الأوّل الضائع من مُعْجَمُ الشعراء للمرزباني.
قال: أحْمَدُ بن عبد اللّهِ الخارج بالشَّام في أيّام المُكْتَفِي باللهِ، وكان يَنْتمي إلى الطَّالِبيِّيْن، وهو المَعْرُوف بصَاحِب الخاَل، وقُتِلَ بالدَّكَّة في سَنَة إحْدَى وتِسْعِين ومَائتَيْن. يُرْوَى له ولأَخِيهِ عليّ بن عبد اللّهِ شِعْر يُشَكَّ في صِحَّته، فممَّا يُرْوى لأحمد:[من السريع]
متَى أَرَى الدُّنْيا بلا كَاذبِ
…
ولا حَرُورِيّ ولا نَاصي
مَتَى أرَىَ السَّيْفَ على كُلّ مَنْ
…
عادَى عليّ بنَ أبي طَالِبِ
مَتى يقُولُ الحقَّ أهْلُ النُّهَىَ
…
ويُنْصَفُ المَغْلُوب من غَالبِ
هَل لبُغَاةِ الخير من نَاصِرٍ
…
هل لكُؤوسِ العَدْل من شَاربِ
قال: ويُرْوَى له
(1)
: [من الوافر]
نُفيْتُ منَ الحُسَينِ ومن عَليٍّ
…
وجَعْفرٍ الغَطَارفِ من جُدُوْدي
وخُيِّبَ سَائلي وجَفَوْتُ (a) ضَيْفي
…
وبِتُّ فَقِيْدَ مَكْرُمَةٍ وجُوْدِ
وأُعْطيْتُ القيادَ الدَّهْر منِّي
…
يمِينَ فتىً وَفيٍّ بالعُهُوْدِ
لئن لم أُعْطِ مَا ملَكَتْ يَمِيني
…
لحَرْبٍ من طَريفٍ أوتَلِيْدِ
وأفْتَتحَنَّها حَربًا عَوانًا
…
تَقَحَّمُ بالبُنُوْدِ على البُنُوْدِ
فإمَّا أَنْ أبُوحَ بروحٍ عز
…
وجدٍّ آخذٍ ثأرَ الجُدُودِ
وإمَّا أنْ يُقالَ: فتىً أبيّ
…
تُخرِّمَ في ذَرَى مَجْدٍ مَشيدِ
وهي أكْثَر من هذا، فيُقال إنَّ عبد اللّه بن المُعْتز أجابَهُ عنها بقَصِيدَة منها
(2)
: [من الوافر]
تهدِّدُنا زَعتَ شبُوبَ حَرْبٍ
…
تقَحَّمُ بالبُنُودِ على البُنُودِ
(a) الأصل. وحفوت، والتصويب من الصفدي.
_________
(1)
الأبيات في الوافي بالوفيات 7: 120.
(2)
البيتان في الوافي بالوفيات 7: 120.
فكان السَّيْفُ أدْنى عندَ وردٍ
…
إلى وَدَجَيْكَ من حَبْلِ الوَرِيْدِ
قَرأتُ بخَطِّ أبي بَكْر مُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ، وأخْبَرَنا به أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، فيما أَذِنَ لَنا أنْ نَرْويَهُ عنْهُ، قال: كَتَبَ إلينا أبو القَاسِم زَاهِر بن طَاهِر الشَّحَّامِيِّ أنَّ أبا القَاسِم البُنْدَار أنْبَاهُم عن أبي أحْمَد بن أبي مُسْلِم، عن أبي بَكْر الصُّوْلِيّ، قال: وأجْلَس القَرَامِطَة مكان عليّ بن عبد اللهِ أخًا له يُقالُ له: أحْمَد بن عبد الله، زَعمُوا أنَّهُ عَهِدَ إليه، وصار أحْمَد بن عبد الله إلى حِمْص، ودُعِيَ له بها وبكُوَرها، وأمرَهُم أنْ يُصَلُّوا الجُمُعَة أرْبَع رَكَعات، وأنْ يَخطبُوا بعد الظُّهْر، ويكون أذَانهُم: أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رسُول الله، أشْهَدُ أنَّ عليًّا وَليَّ المُؤْمنِيْن، حَيّ على خَيْر العَمَل. وضَرَب الدَّرَاهِمَ والدَّنَانِيْر وكتَبَ عليها: الهَادِي المَهْدِيِّ، لا إله إلَّا الله مُحَمَّد رسُول الله، جاءَ الحَقُّ وزَهق البَاطِل إنَّ البَاطِل كان زهُوقًا، وعلى الجانِب الآخر {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}
(1)
.
ووجَّه أحْمَدُ بن عبد اللهِ هذا برَجُلٍ يُعْرَفُ بالمُطَوَّق - أمْرَد فرَأيتُه بعد ذلك - فكبسَ أبا الأَغَرّ وهو غَافِل، فقَتَل أكْثَر أصْحَابهِ، وأفْلَتَ أبو الأَغَرّ، ثمّ خرَجَ المُكْتَفِي بِاللهِ إليهِ، وأقام بالرَّقَّة، وأنفذَ الجُيُوشَ إليهِ مع مُحَمَّد بن سُلَيمان، وأنْفَذَ غُلَامَه سوْسَنًا معه في جَيْشٍ عَظيم، فوردَ الخَبَرُ بأنَّهُ قُتِلَ، ذكَر ذلك الصُّوْلِيّ في سَنَة إحْدَى وتِسْعِين ومَائتَيْن.
قال: ثمّ أتَى الخَبَر للنِّصْف من المُحَرَّم من الدَّالِيَةِ بأنَّ فارسَين من الكَلْبِيِّيْنَ أحدهما من بني الأَصْبَغ والآخر من بني لَيْلَى نَزَلا بالسّقافيَّة فأُخِذَا، فأقَرَّا أنَّهُما من القَرَامِطَة، وأنَّ القِرْمِطِيّ بالقُرب، فرَكِبَ مُحَمَّد بن عليّ أبو خُبْزَة، وأحمد بن مُحَمَّد بن كشْمَرْد من الرَّحْبَة، فظَفِرَا بالقِرْمطِيّ، وأُخِذَ معه رَجُل يقال له المُدَّثِّر، وكاتبه، وغُلَام أمْرَدٌ حَدَثٌ يُقالُ له: المُطَوَّق، وحُمِلَ إلى الرَّقَّة، وقد ذَكَرْنا خبرَهُ.
(1)
سورة الشورى، من الآية 23.
قال الصُّوْلِيّ: وممّا يُرْوى من شِعْر أحْمَد بن عبد الله: [من السريع]
مَتَى أرَى الدُّنْيا بلا كَاذِب
وذَكَرَ الأبْيَات الأرْبَعة، وقال: ومنه: [من الطويل]
ثَأَرْتُ بجَدِّي خيْر من وَطِئَ الحَصَا
…
وأنْصَارِهِ بالطّفِّ قَتْلَى بني هِنْدِ
فأَفْنيتُ مَنْ بالشَّامِ منهُم لأنَّهُمْ
…
بقَصْدِهِمُ جَارُوا عن المَنْهَج القَصْدِ
على أنَّهُم جاشُوا لنا وتجمَّعُوا
…
وكادُوا وكان اللهُ أعْلَمُ بالقَصْدِ
فجاهدْتُهُمْ باللهِ مُنْتَصِرًا بهِ
…
فأفْنَيْتُهُمْ بالبِيْض والسُّمْر والجُرْدِ
قال الصُّوْلِيّ: ولعليّ بن عبد اللهِ وأخيه أحْمَد بن عَبْد الله شِعْرُ أظُنُّ بعضَ مَنْ يَمِيل إليهم ويَكْرَهُ السُّلْطانَ عَمِلَهُ أو أكثَرَهُ، وحمله عليهما.
أنْبَأنَا أبو الفَضْل أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة الله
(1)
، قال: أحْمَد بن عبْد الله، ويقال: عبد الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد بن عليّ بن الحُسَين بن عليّ بن أبي طَالِب، كما زعم، وهوصَاحِبُ الخَال، أخو عليّ بن عبد الله القِرْمِطِيّ، بايَعَتْهُ القَرَامِطَة بعْد قَتْل أخيهِ بنَوَاحِي دِمَشْق، وتَسَمَّى بالمَهْدِيّ، وأفْسَد بالشَّام، فبَعَثَ إليهِ المُكْتَفِي عَسْكَرًا في المُحَرَّم سَنَة إحْدَى وتِسْعِين ومَائتَيْن، فقُتِل من أصْحَابهِ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، ومَضَى هو في نَفَرٍ من أصْحَابه يُريد الكُوفَة، فأُخِذَ بقَرْيَة تُعْرفُ بالدَّالِيَةِ من سَقي الفُرَات، وحُمِلَ إلى بَغْدَاد، وأُشْهِرَ وطِيْفَ به على بَعِيْر، ثمّ بُنِيَتْ له دَكَّةُ، فقُتِلَ عليها هو وأصْحَابهُ الّذين أُخِذُوا معَهُ يَوْم الاثْنَين لسَبعٍ بَقِينَ من شَهْر رَبيع الأوَّل من سَنَة إحْدَى وتِسْعِين ومَائتَيْن، وكان شَاعِرًا، وله في الفَخَار أشْعَار من
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 240.
جُمْلَتَها: [من مجزوء الكامل]
سَبَقَتْ يَدِي يَدَهُ لضَرْ
…
بةِ هَاشِميِّ المَحْتِدِ
وأنا ابنُ أحْمَدَ لم أقُلْ
…
كَذِبًا ولَم أتَزَيَّدِ
من خوْفِ بَأسِي قال بَدْ
…
رُ: لَيْتَني لم أُوْلَدِ
يعني بَدْر الحَمَاميّ الطُّولُونيّ أميرَ دِمَشْقَ.
هكذا قال الحافِظُ أبو القَاسِم، ولا أعْلَمُ أحدًا قال في صَاحِب الخالِ عبد الله بن أحْمَد غيره، والمَعْرُوف بهذا الاسْم ابن عمّه المَعْرُوف بالمُدَّثِّر، وكان سار إلى الشَّام فلقيَهُ شِبْل الدَّيْلَمِيّ موْلَى المُعْتَضِد بالرُّصَافَة في سَنَة أرْبَعٍ وثَمانِيْن ومَائتَيْن، فقتَله القَرَامِطَة، وقتَلُوا أصْحَابه، ودَخَلُوا الرُّصَافَة فأحْرَقُوها، وجاءُوا مَسْجِدها ونهَبُوها، وسَاروا نحو الشَّام، فالظَّاهر أنَّهُ اشْتَبه عليه بصَاحِب الخَالِ، وأكَّد عنده ذلكَ هذه الأبْيَات الثَّلاثة الّتي عَزَاها إليه، وقوله فيها:[من مجزوء الكامل]
وأنا ابنُ أحْمَدَ لم أقُلْ
…
كَذِبًا ولم أتَزَيَّدِ
على أنَّ هذه الأبْيَات ليسَ مُراد صَاحِبِ الخَالِ منها أنَّ أحْمَد أبوه، بل أراد بقولهِ: وأنا ابن أحْمَد أنَّهُ من نَسْل أحْمَد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
أحمَدُ بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عليّ بن أبي المَضَاءِ المِصِّيْصيُّ القَاضِي
(1)
قاضي المِصِّيْصَة، حدَّث عن [ ..... ](a).
(a) لم يقف المؤلف على شيوخه فجعل موضعه بياضًا قدر سبع كلمات، مثلما يقف على ذكرهم مَن ترجم لابن أبي المضاء المصيصي، كالإمام ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب 1: 48، وتقريبه 18:1.
_________
(1)
توفي سنة 348 هـ، وترجمته في: تهذيب الكمال للمزي 1: 366، وتهذيب التهذيب 1: 48، وتقريب التهذيب 1: 18، وأسقط المزي والذهبي وابن حجر اسم جده محمد.
رَوَى عنهُ أبو عبد الرَّحْمن أحْمَدُ بن شُعَيْب بن عليّ بن سِنَان النَّسَائِيّ الإمَامُ، وقال فيه: ثِقَةُ.
أحمد بن عبد الله بن مَرْزُوق، أبو العبَّاس الأصْبَهَانِيُّ الدَّستَجِرْدِيُّ الحافِظُ
(1)
سَمعَ آباءَ القَاسِمِ إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد بن الفَضْل، وغَانِم بن أبي نَصْر مُحَمَّد بن عُبَيْد الله البُرجِيّ، وهِبة الله بن مُحَمَّد بن الحُصَيْن البَغْدَاديّ، وأبَوَي سَعْد أحْمَد بن عَبْد الجبَار الصَّيْرَفِيّ، ومُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد اللهِ المُطَرِّز، وأبا مَنْصُور عبد الرَّحيم بن مُحَمَّد بن أحْمَد الشَّرَابِيّ، والقَاضِي أبا بَكْر أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحُسَين الأرَّجَانِيّ، وأبا طَالِب عَبْد القَادِر بن يُوسُف البَغْدَاديّ، وأبَوَي عليّ الحَسَن بن أحْمَد الحدَاد الأصْبَهَانِيّ، ومُحَمَّد بن مُحَمَّد بن المَهْدِيّ، وأبا مُحَمَّد طَاهِر بن مُحَمَّد بن عبد الله الفَزَارِيّ.
رَوَى عنهُ الحافِظ أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، وذكَرَهُ في مُعْجَم شُيُوخه
(2)
.
وقَدِمَ حَلَب سَنةَ ثَمانٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة، وحَدَّثَ بها، وسَمِعَ منه بها أبو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن سَعْد الله البَجَليّ الحَنَفِيّ الفَقيه، وحَدَّثَ عنهُ بمِصْر، والحافِظ أبو المَحَاسِن عُمَر بن عليّ بن الخَضِرِ القُرَشِيّ، وخَرَّجَ عنهُ حَدِيثًا في مُعْجَم شُيُوخهِ، والحافِظ أبو المَوَاهِب بن صَصْرى، وشَيْخُنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، وسَمِعَ منه بدِمَشْق.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ، قِراءَةً
(1)
كان حيًا سنة 540 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 243 - 244، تاريخ الإسلام 11: 1001، الوافي بالوفيات 7: 117 - 118.
(2)
لم يرد له ذكر في المنتخب من شيوخ السمعاني.
عليهِ وأنا أسْمَعُ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْدُ الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عبد الله بن مَرْزُوق الأصْبَهَانِيّ ببَغْدَاد، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبدُ الرَّحيمِ بن أحْمَد بن يَحْيَىَ الشَّرَابِيّ بشِيْرَاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن أبي اللَّيْث الشَّاهِد، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُحَمَّد بن عبد اللهِ بن مُحَمَّد بن خَمِيْروْيَه الكَرَابِيْسِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن عِيسَى الخُزَاعِيّ الجَكَّانِيّ (a)، قال: حَدَّثَنَا أبو اليَمَان الحَكَم بن نَافِعٍ، قال: أخْبَرَني شُعَيْبُ بن أبي حَمْزَة، عن الزُّهْرِيّ، قال: حَدَّثَني عُرْوَة بن الزُّبَيْر أنَّ عائِشَة زَوْج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ورَضِيَ عنها، قالت: كان عُتْبَةُ بن أبي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلى أخيهِ سَعْد بن أبي وَقَّاص أنْ يَقْبض إلِيهِ ابنَ ولِيْدَة زَمَعَة، وقال: إِنَّه ابْني، فلمَّا قَدِمَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم زمن الفَتْح، أخَذَ ابنِ ولِيْدَة زمَعَة، فأقْبَل بهِ إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم، وأقْبَل معه عَبْد بن زَمَعَة، فقال سَعْد: يا رسُول الله، هذا ابنُ أخي عَهِدَ اليَّ أنَّهُ ابنُهُ، وقال عَبْد بن زَمَعَة: يا رسُول اللهِ، هذا أخي ابن زَمَعَة ووُلد على فراشِهِ، فنَظَرَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن ولِيْدَة زَمَعَة فإذا هو أشْبَهُ النَّاسِ بعُتْبَة بن أبي وَقَّاص، فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: هو لك يا عَبْدُ بن زَمَعَة من أجل أنَّهُ وُلد على فِراشِ أبيهِ، وقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: احْتَجي منه يا سَوْدَةُ بنتُ زمَعَة، ممَّا رأى من شَبَههِ بعُتْبَةَ بن أبي وَقَّاصٍ، وسَوْدَة بنتُ زمَعَة زوْجُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
أنْبَأنَا أبو البَيَان نَبَأ بن أبي المَكَارِم بن هَجَّام الحَنَفِيّ، وسَمِعْتُ منهُ بالقَاهِرَة، قال: أخْبرَنا الإمَامُ العالِم أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن سَعْد الله البَجَليّ الحَنَفِيّ،
(a) في الأصل: الحكاني، بالحاء المهملة، وصوابه بالمعجمة، نسبة إلى جكان، محلة على باب هراة. انظر: ابن حبان: الثقات 8: 477، معجم البلدان 3: 148، الذهبي: تاريخ الإسلام 6: 988، ووردت في سير أعلام البلاء للذهبي مرة بالحاء المهملة (13: 454)، وأخرى بالجيم (14: 16).
قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، سَنَة سَبْعٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَد بن عبد الله بن مرْزُوق الأصْبَهَانِيَّ قِراءَةً عليهِ في تاسع عَشر جُمَادَى الآخرة سَنَة ثمانٍ وأرْبَعين وخَمْسمائَة بمَدِيْنَة حَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد بن الفَضْل، قال: أخْبرَنا الإمَامُ أبو المُظَفَّر مَنْصُور بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، قال: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أبو حَفْص هِبَةُ الله بن مُحَمَّد بن عُمَر بن زَاذَان، قال: حَدَّثَنا عَمِّي أبو مُحَمَّد عبدُ اللهِ بن عُمَر بن زَاذَان، قال: حَدَّثَنَا أبو الحُسَين عليّ بن خَفِيْف بن عبد الله الدَّقَّاق، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن مُحَمَّد بن سَعيد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن دَاوُد القَنْطَريّ، قال: حَدَّثَنَا خَيْرُون بن وَاقِد الإفْرِيْقِيّ، قال: حَدَّثَنَا مَخْلَد بن حُسين، عن هِشَام بن حَسَّان، عن مُحمَّد بن سِيْرِيْن، عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، قال: أقْبَل أبو بَكْر وعُمَر رضي الله عنهما، فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
(1)
: هَذَان السَّمْعُ والبَصَرُ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زِيْد بن الحَسَن الكِنْديّ، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخ أبو العبَّاس أحْمَد بن عبد الله بن مَرْزُوق الأصْبَهَانِيّ الدَّسْتَجِرْدِيّ، بقرِاءتي عليه سَنَة سَبْعٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو مُحمَّد طَاهِر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الحُسَين الفَزَارِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفُتُوح حَمْزَة بن مُحَمَّد بن عبد الله السَّرْخَسِيّ الصُّوْفيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد مُحَمَّد بن مُوسَى بن الفَضْل الصَّيْرَفِيّ بنَيْسَابُور، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب الأصَمّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن هِشَام بن مَلَاس النُّميْرِيّ - من أهل دِمَشْق - قال: حَدَّثَنَا مَرْوَان، قال: حَدَّثَنَا حُمَيْد، قال: قال أنَسٌ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
: انْصُر أخاكَ
(1)
الترمذي: الجامع الكبير 6: 49 (رقم 3671)، والحاكم: المستدرك 3: 69، والمتقي الهندي: كنز العمال 13: 13 (رقم 36114)، كلهم من حديث عبد الله بن حنطب.
(2)
الترمذي: الجامع الكبير 4: 106 (رقم 3355)، القضاعي: مسند الشهاب 1: 375 (رقم 646)، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 11: 571 - 572 (رقم 5167 - 5168)، ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 12: 323 (رقم 6952).
ظَالمًا أو مَظْلُومًا، قيل: يا رسُول الله، أنْصُره مَظلُومًا فكيفَ أنصُرهُ ظالِمًا؟ قال: تمنَعُهُ من الظُّلْم فذلكَ نَصُرك إيَّاه.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِمِيّ، عن أبي سَعْد السَّمْعَانيّ، قال: أنْشَدنا أحْمَد بن عبْدِ الله بن مَرْزُوق الأصْبَهَانِيّ ببَغْدَاد لَفْظًا، قال: أنْشَدَنا القَاضِي الإمَام أبو بَكْر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن الحُسَين الأرَّجَانِيّ لنفسِه بتُسْتَر: [من الكامل]
فلقَدْ دُفِعْتُ إلى الهُمُوم ينُو بُني
…
منها ثَلَاثُ شَدَائدٍ جُمِّعْنَ لي
أسَفٌ على مَاضِي الزَّمان وحيرَةُ
…
في الحالِ منهُ وخَشْيَةُ المُسْتَقْبلِ
ما إنْ وَصلْتُ إلى زَمَانٍ آخِرٍ
…
إلَّا بكَيْتُ على الزَّمانِ الأوَّلِ
أخْبَرَنا أبو هاشِم، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد السَّمْعَانيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أحْمَد بنُ عبدِ الله بن مَرْزُوق الأصْبَهَانِيّ أبو العبَّاس، فَقِيْةُ مُتَوَدِّدُ إلى النَّاسِ، وهو من أصْحَاب شَيْخِنا إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد بن الفَضْل الحافِظ من أهل أصْبَهَان، دَخَلَ بَغْدَاد سَنَة خَمْس عَشرة وخَمْسِمائَة، وتَفَقَّهَ على الحَسَن بن سَلْمَان ثمّ رجَع إلى أصْبَهَان، وسَافَرَ إلى بلاد خُوزسْتان، ثمّ وَرَدَ بَغْدَاد وأنا بها في سَنَة ستٍّ وثَلاثين وخَمْسِمائَة.
سَمِعَ بأصْبَهَان أبا سَعْد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبداللهِ المُطَرِّز، وأبا عليّ الحَسَن بن أحْمَد الحَدَّاد، وأبا القَاسِم غَانِم (a) بن مُحَمَّد بن عُبَيْد الله البُرْجِيّ، وببَغْدَاد أبا سَعْد أحْمَد بن عَبْد الجَبَّار بن أحْمَد الصَّيْرَفِيّ، وأبا عليّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن المَهْدِيّ، وأبا طَالِب عَبْد القَادِر بن يُوسُف، وأبا القَاسِم هِبَة الله بن مُحَمَّد بن الحُصَيْن الشَّيْبَانِيّ، وبشِيْرَاز أبا مَنْصُور عبد الرَّحيم بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن يَحْيَى الشَّرَابِيّ، وغيرهم. كتَبْتُ عنه شيئًا يَسِيْرًا، وسألتُه عن مَوْلدِه فقال: قالتْ لي
(a) في الأصل: غنائم، وقد تقدم صحيحًا في تعداد رواته أول الترجمة، ويأتي ذكره فيما بعد في عديد التراجم. وانظر: ابن عساكر: تاريخ دمشق 30: 394.
وَالدتي: وُلدْت بَعْدَ مَوْت مَلِكْشَاه بسَنَة.
قُلتُ: وكانت وَفَاة السُّلْطان مَلِكْشَاه في سَنَة خَمْسٍ وثمانين وأرْبَعِمائة، فيكُون مَوْلدُهُ سَنَة ستٍّ وثَمانين.
أحمد بن عبد الله أبي الحَوَارِيّ بن مَيْمُون في عَيَّاش بن الحارِث الغَطَفَانيُّ، أبو الحَسَن التَّغْلِبِيُّ
(1)
الزَّاهِد المَشْهُور، وقيل: بأنَّ اسْم أبي الحَوَارِيّ مَيْمُون.
أصْلُهُ من الكُوفَة، وسَكَنَ دِمَشْقَ، وقَدِمَ الثُّغُوِر الشَّامِيَّة والعَوَاصِم، وسَمِعَ بها أبا بَكْر مُحَمَّد بن تَوْبَة الطَّرَسُوسِيّ، وأبا جَعْفَر مُحَمَّد بن حَاتِم المِصِّيْصيّ، وأبا مُعاوِيَة الأسْوَد الزَّاهِد، والمُسَيَّب بن وَاضِحِ بن سِرْحَان التَّلْمَنَّسيّ.
وأنْبَأنَا زَيْن الأُمَناء أبو البَرَكات الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أحْمَدُ بن عبد الله أبي الحَوَارِيّ بن مَيْمُون بن عَيَّاش بن الحارِث، أبو الحَسَن التَّغْلِبيِّ الغَطَفَاني الزَّاهِد، أحَدُ الثِّقَات، وذكَرَ أبو عَبْدِ الله بن مَنْدَة أنَّ أصْلَهُ من الكُوفَة، وسَكَنَ دِمَشْقَ.
رَوَى عن سُفْيان بن عُيَيْنَة، وأبي مُعاوِيَة، وحَفْص بن غِيَاث، ووَكِيع بن
(1)
توفي سنة 246 هـ، وترجمته في: المعرفة والتاريخ 1: 655، الثقات لابن حبان 8: 24، الجرح والتعديل 3: 47، الرسالة القشيرية 373، 274، وفيه: ابن أبي الخواري، حلية الأولياء 10: 5 - 33، ابن زبر الربعي: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 338، طبقات الصوفية 98 - 103، ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة 1: 78، تاريخ ابن عساكر 71: 344 - 253، ابن الجوزي: المنتظم 11: 154 (أرخ وفاته سنة 330 هـ)، صفة الصفوة 4: 237 - 338، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 15: 167 - 176، الكاشف 1: 63، تاريخ الإسلام 5: 1005 - 1007، العبر في خبر من غبر 1: 351، ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار 8: 61 - 63، ابن كثير: البداية والنهاية 10: 348 - 349، سير أعلام النبلاء 12: 85 - 94،، ابن الملقن: طبقات الأولياء 31 - 36، شذرات الذهب 3:211.
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 244.
الجَرَّاح، ومَرْوَان بن مُحَمَّد، وعن شَيْخه وأُسْتاذه أبي سُليْمان الدَّارَانِيّ، وأبي سَعْد عبد الله بن إِدْرِيس، وأبي أُسامَة حَمَّاد بن أُسامَة، والوَلِيد بن مُسلِم، وعبد الله بن وَهْب، وعَبْد الرَّحمن بن يَحْيَى بن إسْمَاعِيْل، وعَمْرو بن أبي سَلَمَة، ورَوَّاد بن الجَرَّاح، وزَكَرِيَّاء بن إبْراهيم الخَصَّاف، وإسْحَاق الحَنَّاط، وسُليْمان بن أبي سُليْمان الدَّارَانِيّ، ومُحَمَّد بن يُوسُف الفِرْيَابِيّ، وعبد الله بن نُمَيْر، وإسْمَاعِيْل افي عُلَيَّة، وجَعْفَر بن مُحَمَّد، وإسْحَاق بن خَلَف، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن تَوْبَة الطَّرَسُوسِيّ، ومَضَاء بن عِيسَى، وأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن حَاتِم، وعبد الله بن أحْمَد بن بَشِير بن ذَكْوَان، وعَبْد الوَاحِد بن جَرِير العَطَّار الدِّمَشقيّ، وأبي مُسْهِر الدِّمَشقيّ، وسَلام بن سُلَيمان المَدَائِنيّ، وعِيسَى بن خَالِد اليَمَامِيِّ، وزُهَيْر بن عَبَّاد، وأحمد بن حَنْبَل، ويَحْيَى بن مَعِيْن، وأحمد بن ثَعْلَبَة، وعَبْد العَزِيْز بن عُميْر الدِّمَشقيّ، وأحمد بن مُعاوِيَة بن وُدَيْع، وعليّ بن حَمْزَة الكِسَائِيّ، وإبْراهيم بن أَيُّوب.
رَوَى عنهُ أبو دَاوُد، وابن مَاجَة، وأبو زُرْعَة، وأبو حَاتِم الرَّازِيَّان، ومَحْمُود بن إبْراهيم بن سُمَيْع، وأبو زُرْعَة عبد الرَّحْمن بن عَمْرو، وأبو عَبْد المَلِك التُّسْتَرِيّ، وسُليْمان بن أيُّوب بن حَذْلَم، ومُحَمَّد بن يَعْقُوب، وأبو عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن العبَّاس بن الوَلِيد بن الدِّرَفْس، وأبو الحَسَن مُحَمَّد بن إسْحاق بن الحَرِيْص، وجَعْفَر بن أحْمَد بن عَاصِم، وأبو العبَّاس أحْمَد بن مَسْلَمَة العُذْرِيّ، وأحمد بن عَامِر بن المُعَمَّر الأزْدِيّ، ومُحَمَّد في الفَيْض الغَسَّانِيّ، وعبد الله بن عَتَّاب بن الزِّفْتِيّ، ومُحَمَّد بن يَزِيد بن عبد الصَّمَد، ومُحَمَّد بن خُرَيْم، ومُحَمَّد بن عَوْن بن الحَسَن الوَحِيْدِيّ، وعبد الصَّمَد بن عبْدِ الله بن عبد الصَّمَد، وسَيَّار بن نَصْر، وأحْمد بن سُلَيمان بن زَبَّان، والحَسَن بن مُحَمَّد بن بَكَّار بن بِلَال، وأبو مُحمَّد عبد الرَّحْمن في إسْحاق بن إبْراهيم بن الضَّامِدِيّ الدِّمَشقيُّون، وعليّ بن الحُسَين بن
ثَابِت الزُّرَّائِيّ (a)، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن المُعَافَى الصَّيْدَاوِيّ، وعبد الله بن هِلال الدُّوْمِيِّ، وسَعْد بن مُحَمَّد البَيْرُوتِيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن يَحْيَى السُّمَّاقيّ، وسَعِيد بن عَبْد العَزِيْز الحَلِبيّ، وأبو الجَهْم أحْمَد بن الحُسَين بن طَلَّاب المَشْغَرَائيّ (b)، وأبو عِصْمَة نُوح بن هِشَام الجُوزْجَانِيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد البَاغَنْدِيّ.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن بن زَيْد الكِنْدِيّ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَة الله بن أحْمَد بن عُمَر الحَرِيرِيّ المَعْرُوف بابنِ الطَّبَر، قال: أخْبَرَنا أبو طَالب مُحَمَّد بن عليّ بن الفَتْح، قال: حَدَّثَنَا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن أحْمَد بن سَمْعُون، قال: حَدَّثَنا أحْمَد بن سُلَيمان الكِنْدِيّ، المَعْرُوف بابنِ أبي هُرَيْرَة بدِمَشْق، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، قال: حَدَّثَنَا وَكِيع، قال: حَدَّثَنَا هِشَام الدُّسْتُوَائِيّ، عن يَحْيَى بن أبي كَثِيْر، عن عَبْد الله بن أبي قَتَادَة، عن أَبِيهِ، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
: إذا دَخَل أحَدُكم الخلَاءَ فلا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بيِمَيْنهِ ولا يَمْسَحُ بِيمَيْنه.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحُسَين بن هِبَة الله بن مَحْفُوظ بن صَصْرَى، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْلَى حَمْزَة بن أحْمَد بن فارِس السُّلَمِيّ، قال: حَدَّثَنَا الفَقِيه الزَّاهِد أبو الفَتْح نَصْر بن إبْراهيم بن نَصْر المَقْدِسِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو المُعَمَّر المُسَدَّد بن عليّ بن عبد الله بن عبد الله الحْمِصِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حَفْص عُمَر بن عليّ العَتَكيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس الفَضْل بن مُحَمَّد الأَحْدَب بأنْطَاكِيَةَ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، قال: حَدَّثَنَا حَفْصُ بن غِيَاث، عن مِسْعَر، عن
(a) الضبط من ياقوت في معجم البلدان 3: 135، نسبةً إلى قرية زُرَّا بنواحي حوران، وذكر أنها أصبحت تسمى في زمنه زرع. وانظر: تاريخ ابن عساكر 41: 352.
(b) حروفه - باستثناء الشين - مهملة، والنسبة إلى مشغرى؛ قرية من قرى دمشق ناحية البقاع، وذكر ياقوت ابن طلاب هذا فيمن ينتسب إليها، ويقال فيه أيضًا المشغراني. ياقوت: معجم البلدان 5: 134.
_________
(1)
صحيح مسلم 1: 225 (رقم 64)، سنن النسائي بشرح السيوطي 1: 25 (رقم 25)، المسند الجامع 16: 325 (رقم 12508).
العَوَّام بن حَوْشَب، عن إِبْراهيم السَّكْسَكِيّ، عن أبي بُرْدَةَ بن أبي مُوسَى، عن أبي مُوسَى، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
: إذا مَرض العَبْدُ أو سَافَر، قال اللهُ تبارك وتعالى لملائكته: اكتُبوا لعَبْدِي من الأَجْر مثل ما كان يَعْمل وهو صَحيح مُقِيم (a).
(a) بقية الصفحة، وهو نصفها، بياض في الأصل، وكذا الصفحة التي تليها بأكملها.
_________
(1)
المتقي الهندي: كنز العمال 3: 305 (رقم 6663)، المسند الجامع 11: 457 (رقم 8942).
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرْزَد، قال: سَمِعْتُ إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن عُمَر السَّمَرْقَنْديّ، يقول: سَمِعْتُ عَبْد الدَّائم بن الحَسَن الهِلَالِيّ بدِمشْق في سنَة ستِّين وأرْبَعِمائة، يقول: سَمِعْتُ عَبد الوَهَّاب بن الحَسَن الكِلابِيّ، لِقِول: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن خُرَيْم العُقَيْلِيّ، يقول: سَمِعْتُ أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، يقول: تَمَنَّيْتُ أنْ أرَى أبا سُليْمان الدَّارَانِيّ في المَنَام، فرأيتُه بعد سَنَة، فقُلتُ لَهُ: يا مُعَلِّم، ما فَعَلَ اللهُ بكَ؟ قال: يا أحْمَد، جئْتُ من باب الصَّغير فلَقيْتَ وَسْق شَيْحٍ، فأخَذْتُ منه عُوْدًا، ما أدْري تخلَّلْتُ به أو رَمَيْتُ بهِ، فأنا في حِسَابه من سَنَة إلى هذه الغَايَةِ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عبد الله بن عُمَر بن عليّ بن الخَضِر البَغْدَاديّ التَّاجر بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو السَّعَادَاتِ المُبارَك بن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد القَزَّازُ، وشُهْدَةُ بنْتُ أحْمَد بن الإِبَرِيّ ببَغْدَاد، ح.
وأخْبَرَنا أبو البَقَاء يَعِيْشُ بن عليّ بن يَعِيْش النَّحْوِيّ، قال: أخْبَرَنا الخَطِيبُ أبو الفَضْلِ عَبْد الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ، قالوا: أخْبَرَنا الحاجِبُ أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن عليّ بن العَلَّاف، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد المَلِك بن مُحَمَّد بن عبد الله بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَد بن إبْراهيم بن عليّ الكِنْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبَو بَكْر مُحَمَّد بنُ جَعْفَر بن سَهْل الخَرَائِطِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن عبْد الله بن الجُنَيْد، قال: حَدَّثَنَا عَوْن (a) بن إبْراهيم بن الصَّلْت، قال: حَدَّثَني
(a) في نشرة كتاب الخرائطي: عوف، محرف.
_________
(1)
الخرائطي: اعتلال القلوب 18.
أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، قال: حَدَّثني أحْمَدُ بن وُدَيْع، عن الوَلِيد بن مُسْلِم، قال: كانت امْرأةً من التَّابِعِين تقُول: اللَّهُمَّ أقْبِل بما أدْبَر من قَلْبي، وافْتَح ما أُقْفِل عنهُ حتَّى تجعَلَهُ هَنيئًا مَريئًا (a) بالذِّكْر لك.
وقال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَرَائِطِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أبو حَفْصٍ النَّسَائِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو سَلَمَة الطّائيّ، عن أبِي عبد الله النِّبَاجِيّ (b)، قال: سَمِعْتُ هَاتِفًا يهتفُ: عَجَبًا لمن وَجَد حاجَتَهُ عندَ مَوْلَاهُ فأنْزلها بالعَبِيْد.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الرَّحيم بن يُوسُف بن الطُّفَيْل بالقَاهِرَةِ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح إسْمَاعِيْل بن عَبْد الجَبَّار المَاكِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا يَعْلَى الحافِظ، يقول: سَمِعْتُ عليّ بن عُمَرَ الفَقِيهَ، يقُول: سَمِعْتُ عبد الرَّحْمن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ، يقُول: سَمِعْتُ عَبْد الله بن هِلَالٍ الإسْكَنْدَرَانِيّ، يقول: سَمِعْتُ أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، يقول: كنتُ مع أبي سُليْمان الدَّارَانِيِّ في المَحلّ، فتلهَّفْتُ يَوْمًا، فنَظَر إليَّ وقال: ما هذا؟ قُلتُ: قد ظَهَر بي منذُ أيَّام، فقال: احْذَر هذا، لو كان فيه خَيْرٌ لَمَا أظْهَرَه اللهُ فيك.
أخْبرَنا عَمِّي أبو غَانِم مُحَمَّد بن هِبَةِ الله بن مُحَمَّد بن أبي جَرَادَة، والشَّيْخُ أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عبد الله بن عُلْوَان الأسَدِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَتْح بن أبي الحَسَن الصُّوْفيّ، ح.
وأخْبَرَتْنا الحُرَّة زَيْنَبُ بنتُ عبْد الرَّحْمن بن الحَسَن الشَّعْرِيّ في كتابها، قالا: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن شَاه بن أحْمَد الشَّاذْيَاخِيّ، ح.
(a) في الأصل: مرئًا، وفي صفة الصفوة 4: 435: "حتى تجعله هشًا مُرتاحًا لذكرك".
(b) الخرائطي: النياحي، محرف.
_________
(1)
الخرائطي: اعتلال القلوب 399.
وأنْبَأنَا أبو النَّجِيْب إسْمَاعِيْل بن عُثْمان القَارِئ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو الأَسْعَد عبد الرَّحْمن بن عَبْد الوَاحِد القُشَيْريّ، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الكَريم بن هَوَازن القُشَيْريّ
(1)
، قال: سَمِعْتُ الشَّيْخ أبا عَبْد الرَّحمن السُّلمِيّ
(2)
، يقول: سَمِعْتُ أبا أحْمَد الحافِظ، يقول: سَمِعْتُ سعيدَ بن عَبْد العَزِيْز الحَلَبِيّ، يقُول: سَمِعْتُ أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، يقول: مَنْ نَظَر إلى الدُّنْيا نَظَر إرادةٍ وحُبٍّ (a)، أخرَجَ الله نُور اليَقِيْن والزُّهْد من قَلْبهِ.
وقال
(3)
: سَمِعْتُ أبا عبد الرَّحْمن
(4)
، يقول: سَمِعْتُ أبا أحْمَد الحافِظ، يقول: سَمِعْتُ سَعيد بن عَبْد العَزِيْز، يقول: سَمِعْتُ أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، يقول: مَنْ عَمِل بلا اتّبِاع سُنَّة، فباطلٌ عَمَلهُ.
وقال
(5)
: قال أحمد: أفْضَل البُكَاء بُكَاءُ العَبْدِ على ما فاتَهُ من أوْقَاته على غير الموافَقَة.
قال
(6)
: وقال أحْمَد: ما ابْتَلَى اللهُ عَبْدًا بشيء أشَدّ من الغَفْلةِ والقَسْوَة.
أنْبَأنَا أبو المُفَضَّل أحْمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الفَأْفَاء، ح.
قال: وأخْبَرَنا ابن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْدُ (b) بن عبْد الله الأصْبَهَانِيّ إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن أبي حَاتِم
(7)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى بن مَنْدَة الأصْبَهَانِيّ، قال: حَدَّثَني هارُونُ بن سَعيد، قال: قال يَحْيَى بنُ سَعيد: قال
(a) الرسالة القشيرية: نظرة حب وإرادة لها.
(b) تقدم ذكره في بعض المواضع باسم أحمد.
_________
(1)
الرسالة القشيرية 273.
(2)
طبقات الصوفية 100.
(3)
الرسالة القشيرية 273.
(4)
طبقات الصوفية 101.
(5)
الرسالة القشيرية 274.
(6)
الرسالة القشيرية 274.
(7)
الجرح والتعديل 2: 47.
يَحْيَى بن مَعِيْن، وذكَرَ أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، فقال: أهل الشَّام به يُمْطَرُون.
أخْبَرَنا عَمِّي أبو غَانِم، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح عُمَر بن عليّ بن مُحَمَّد بن حَمُّوْيَه، ح.
وأنْبَأتنَا زَيْنَبُ بنتُ عبْد الرَّحْمن الشَّعْرِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو الفُتُوح الشَّاذْيَاخِيّ، ح.
وأخْبَرَنا أبو النَّجِيْب القَارِئ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو الأَسْعَد هِبَة الرَّحمن بن عَبْد الوَاحِد، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ الكَريم بن هَوَازِن القُشَيْريّ
(1)
، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن الحُسَين، يقول: كان بين أبي سُليْمان وأحمد بن أبي الحَوَارِيّ عَقْدٌ لا يُخالفهُ في شيء يأمرهُ به، فجاءه يَوْمًا وهو يتكلَّمُ في مَجْلِسهِ، وقال: إنَّ التَّنُّور قد سُجِرَ (a)، فما تأمُر؟ فلم يُجِبْه، فقال مَرَّتَين أو ثلاثة، فقال أبو سُليْمان: اذْهَب فاقْعُد فيهِ - كأنَّهُ ضَاق به قلبُه - وتَغَافَل أبو سُليْمان ساعةً ثمّ ذَكَر، فقال: اطْلُبُوا أحْمَد فإنَّهُ في التَّنُّور لأنَّهُ على عَقْد أنْ لا يُخالفني، فنَظَرُوا فإذا هو في التَّنُّور لم تَحْتَرق منهُ شَعرة.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الرَّحيم بن يُوسُف بن الطُّفَيْل بالقَاهِرَة المُعِزِّيَّة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد الأصْبَهَانِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا الفَتْح إسْمَاعِيْل بن عَبْد الجَبَّار بن مُحَمَّد المَاكِيَّ، قال: سَمِعْتُ أبا يَعْلَى الخَلِيل بن عَبْد الله بن أحْمَد الخلِيْليّ
(2)
، قال: أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ الزَّاهِد ثِقَةٌ، كبيرٌ في العِبادَة والمَحَلّ. رَوى عنهُ مثل أبي حَاتِم الرَّازِيّ في الزُّهْد والعِبَادَة (b)، ومَرْوَان بن مُحَمَّد. وعُمِّرَ حتَّى أدركَهُ المُتأخِّرُونَ، آخر مَنْ رَوَى (ح) عنهُ بالرَّيّ
(a) الأصل: شجر، والمثبت من الرسالة القشيرية، وهي لفظة يتداولها العامة في العراق.
(b) في كتاب الإرشاد: "مثل أبي حاتم الرازي والعباس بن حمزة النيسابوري، وهو من تلامذة أبي سليمان الداراني في الزهد والعبادة".
(c) كتاب الإرشاد: يروي.
_________
(1)
الرسالة القشيرية 129.
(2)
كتاب الإرشاد للخليلي 2: 481 - 483.
إبْراهيم بن يُوسُفَ الهِسِنْجَانِيّ، وبخُرَاسَان الحُسَينُ بن عبد الله بن شَاكِر السَّمَرْقنديّ، وبالشَّام ابن خُرَيْم، ومُحَمَّد بن الفَيْض.
أنْبَأنَا الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد الحافِظ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الفَأْفَاء، ح.
قال: وأخْبَرَنا ابن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عبد الله الأصْبَهَانِيّ إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن أبي حَاتِم
(2)
، قال: أحْمَد بن عَبْد الله بن أبي الحَوَارِيّ أبو الحَسَن الدِّمَشقِيّ، روَى عن حفْص بن غِيَاثٍ، ووَكِيع، والوَلِيد بن مُسْلِم، وعبْد الله بن وَهْب، يُعَدُّ في الدّمَشقيِّين، سَمِعْتُ أبي وأبا زُرْعَة يقولان ذلك، وكَتَبا عنه، سَمِعْتُ أبي يُحْسِنُ الثَّنَاءَ عليه، ويُطْنِبُ فيه.
كَتَبَ إلينا أبو الحَسَن المُؤيَّد بن مُحَمَّد بن عليّ الطُّوْسيّ أنَّ أبا الأَسْعَد هِبَةَ الرَّحمن بن عَبْد الوَاحِد بن عَبْد الكَريم القُشَيْريّ أخْبَرهُم، قال: أخْبَرَنا أبو صالح أحْمَد بن عَبْد المَلِك المُؤذِّن الحافِظ، قال: ومنهم - يعني من مَشَايخ الصُّوْفيّة - أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، واسْمُه مَيْمُون، من أهل دِمَشْق، وكُنْيَتُهُ أبو الحَسَن، صَحِبَ أبا سُليْمان، وبِشْر بن السَّرِيّ، والنِّبَاجِيّ، ومَضَاء بن عِيسَى، وغيرهم من المَشَايخ، ومات سَنَة ثلاثين ومَائتَيْن، وكان هو وأخوه مُحَمَّد، وأبوه أبو الحَوَارِيّ، وابنه عَبْدُ الله كُلّهُم من الوَرِعين العَارِفين، وبيتُهم بيتُ العِلْم والوَرَع والزُّهْدِ.
أخْبَرنا عَمِّي أبو غَانِم مُحَمَّد بن هِبَةِ الله بن أبي جَرَادَة، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن علي بن مُحَمَّد بن حَمُّويه، ح.
وأخْبَرَتْنا زَيْنَبُ الشَّعْرِيَّة في كتابها، قالا: أخْبَرَنا أبو الفُتُوح عَبد الوَهَّاب بن شَاه الشَّاذْيَاخِيّ، ح.
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 251.
(2)
الجرح والتعديل 2: 47.
وأنْبَأنَا أبو النَّجِيْب القَارِئ، قال: أخْبَرَنا أبو الأَسْعَد القُشَيْريّ، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ الكَريم بن هَوَازِن القُشَيْريّ
(1)
، قال: ومنهم أبو الحَسَن (a) أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، من أهل دِمشْق، صَحِبَ أبا سُليْمان الدَّارَانِيّ وغيره، ماتَ سَنَة ثلاثين ومَائتَيْن.
وكان الجُنَيْد يقول: أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ رَيْحانَة الشَّام.
أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر عبدُ الرَّحيم بن أبي سَعْد بن مُحَمَّد المَرْوَزيّ في كتابهِ منها، قال: أخْبَرَنا أبو الخَيْر جَامِع بن عبد الرَّحْمن بن إبْراهيم السَّقَّاء الصُّوْفيّ، قِراءَةً عليهِ بنَيْسَابُور، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز الصَّفَّار الصُّوْفيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الرَّحمن السُّلَمِيِّ
(2)
، قال: ومنهم أحْمَدُ بن أبي الحَوَارِيّ، كُنْيَتُهُ أبو الحَسَن، وأبو الحَوَارِيّ اسْمُهُ ميمُون، من أهل دِمَشْق. صَحِبَ أبا سُليْمان الدَّارَانِيَّ، وسُفْيان بن عُيَيْنَة، ومَرْوَان بن مُعاوِيَة الفَزَارِيّ، ومَضَاء بن عِيسَى، وبِشْر بن السَّرِيّ، وأبا عبد الله النِّبَاجِيّ، وله أخٌ يُقالُ له: مُحَمَّد بن أبي الحَوَارِيّ، يَجْري مَجْراهُ في الزُّهْدِ والوَرَع، وانجُه عَبْد الله بن أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ من الزُّهَّادِ، وأبُوهُ أبو الحَوَارِيّ، كان بَيْتُهم بيتُ الزُّهْدِ والوَرَع، ماتَ سَنَة ثلاثين ومَائتَيْن.
أنْبَأنَا عبد الرَّحيم بن عَبْد الكَريم، قال: أخْبَرَنا أبو سَعد (b) الحُرْضِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر المُزَكِّي إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الرَّحمن السُّلَمِيّ
(3)
، قال: أخْبَرَني أحْمَد بن مُحَمَّد بن الفَضْلِ، قال: مات أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ في سَنة ثلاثين ومَائتَيْن.
(a) الرسالة القشيرية: الحسين.
(b) كناه في الأصل: أبو سعيد، ويأتي على النحو المثبت في عشرات المواضع التي اتصل سنده بها، وعند الذهبي: سير أعلام البلاء 20: 258، والنجوم الزاهرة 5: 303: أبو نصر.
_________
(1)
الرسالة القشيرية 273.
(2)
طبقات الصوفية 98 - 99.
(3)
طبقات الصوفية 99.
أحْمَدُ بن عبْد الله بن نَصْر بن بُجَيْر بن عبد الله بن صالح بن أُسامَة، أبو العبَّاس الذُّهْلِيُّ القَاضِي
(1)
والد القَاضِي أبي الطَّاهِر الذُّهْلِيّ.
وَلِيَ القَضَاءَ بالبَصْرَة ووَاسِط وغيرها من البِلاد، وسَمِعَ بحَلَب صالح بن علِيّ النَّوْفَلِيّ الحَلَبِيّ، وأبا أُسامة عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي أُسامَة الحَلَبِيّ، وبمنْبِج حَاجِب بن سُلَيمان، ومُحَمَّد بن سَلَّام المَنْبِجِيَّين، وبغيرهما من البِلاد: عليّ بن عُثْمان بن نُفَيْل الحَرَّانيّ، وأبا أُمَيَّة مُحَمَّد بن إبْراهيم الطَّرَسُوسِيّ، وأبا الدَّرْدَاءِ هاشِم بن مُحَمَّد الأنْصَاريّ مُؤذِّن بيت المَقْدِس، والعبَّاس بن الوَلِيد البَيْرُوتِيّ، ومُحَمَّد بن عَوْف، ومُحَمَّد بن عَبْد النُّور الخَزَّاز (a)، وأحْمَد بن مُحَمَّد بن يَزِيد بن أبي الخَنَاجِر الأطْرَابُلُسِيِّ، ورَبيْعَة بن الحَارِث الحَيْلانِيّ الحمِصِيّ، والخلَيل بن عَبْد القَهَّارِ الصَّيْدَاوِيّ، وأبا عُتْبَة أَحْمَد بن الفَرَج الحِمْصِيّ، وإسْحَاق بن سَيَّار النَّصِيْبِيّ، وأحْمَد بن عَبْد الحَميْد الكُوْفيّ، وسَعِيْد بن مُحَمَّد بن رُزيق (b) الرَّسْعَنِيّ، وإبْراهيم بن هَانئ النَّيْسَابُوريّ، وعليّ بن مُوفَّق الأنْبارِيّ، ويَعْقُوب بن إبْراهيم الدَّوْرَقيّ، ومُحَمَّد بن عبدِ الله المُخَرِّمِيِّ، وعِمْران بن بَكَّار، ومُحَمَّد بن خَالِد بن خَلِيّ الحِمْصِيّ، ومُحَمَّد بن حَمَّاد الطَّهْرَانيّ، ومَحْمُود بن خِدَاش، ومُحَمَّد بن صَالِح بن البَطَّاح.
رَوَى عنهُ: ابنُه أبو الطَّاهِر مُحَمَّد بن أحمد، وأبو الطَّاهِر المُخَلِّصُ، وأبو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، وأبو بَكْر المُقْرِئ، والمُعَافَى بن زَكَرِيَّاء الجَرِيْرِيّ، ومُحَمَّد بن أحْمَد الهاشِميّ المِصِّيْصيّ، وأبو حَفْص عُمَر بن أحْمَد بن شَاهِين، وعَبْدُ البَاقِي بن قَانِع بن مَرْزُوق (c).
(a) مهملة في الأصل، وانظر ترجمته في تاريخ بغداد 3: 683 - 684، وتاريخ الإسلام 6:613.
(b) مهملة في الأصل، والمثبت من أنساب السمعاني 6:122. (ح) بعده بياض قدر سبعة أسطر.
_________
(1)
توفي سنة 322 هـ، وترجمته في: تاريخ بغداد 5: 378 - 379، تاريخ ابن عساكر 71: 253 - 254، تاريخ الإسلام للذهبي 7:455.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عبد الله الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلم بن الإخْوَة وصَاحِبتُهُ عَيْن الشَّمْس، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَرَج سَعيد بن أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِيّ - قالت: إجَازَةً - قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مَحْمُود الثَّقَفِيّ، وأبو الفَتْح مَنْصُور بن الحُسَين، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عبد الله بن نَصْر بن بُجَيْر القَاضِي، قاضي وَاسِط، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن المُوَفَّق الأنْبارِيّ، عن أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، عن أبَي سُليْمان، قال: لقيتُ عَابدَةً بمَكَّة، فقالت لي: من أين أنْتَ؟ فقُلتُ: من أهْل الشَّامِ، قالت: إقْرأ على كُلَّ مَحْزُون منِّي السَّلام.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: قال لنا أبو بَكْر الخطيبُ
(2)
: أحْمَد بن عبد الله بن نَصْر بن بُجَيْر بن عبد الله بن صالح بن أُسامَةَ، أبو العبّاس الذُّهْلِيُّ. كان من شُيُوخ القُضَاةِ ومُقَدَّمِيْهم (a)، وَلِيَ قَضاءَ البَصْرَة ووَاسِط وغيرهُما من البُلْدان، وحَدَّثَ عن يَعْقُوبَ بن إبْراهيم الدَّوْرَقيّ، ومُحَمَّد بن عبد الله المُخَرِّمِيِّ، ومَحْمُود بن خِدَاش، ومُحَمَّد بن حَمَّاد الطَّهْرَانيّ، وعمران بن بَكَّار، ومُحَمَّد بن خَالِد بن خَلِيّ الحِمْصِيَّين، ونحوهُم.
رَوَى عنهُ أبو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، والمُعَافَى بن زَكَرِيَّاء الجَرِيْرِيّ، وأبو طَاهِر المُخَلِّص، وكانَ ثِقَةً.
أنْبَأنَا الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(3)
، قال: حَدَّثَني الحَسَن بن مُحَمَّد الخَلَّال، قال: وجدْتُ في كتاب أبي الفَتْح القَوَّاس: ماتَ ابنُ بُجَيْر القَاضِي سَنَة اثْنَتَيْن وعشرين وثَلاثِمائة.
(a) تاريخ بغداد: ومُتقدِّميهم.
_________
(1)
معجم ابن المقرئ 169.
(2)
تاريخ بغداد 5: 378.
(3)
تاريخ بغداد 5: 379.
قال: وكذلك حَدَّثَني عُبَيْدُ الله بن كَر بن أحْمَد الوَاعِظ، عن أَبيِهِ، قال: وقال: ماتَ يَوْم الثّلاثَاء سَلْخ شَهْر رَبيع الآخر.
أحمدُ بن عبد الله بن نَصْر بن هِلال السُّلَمِيُّ، أبو الفَضْل
(1)
دَخَلَ الثُّغُور الشَّامِيَّة، وسَمِعَ بها أبا بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَدَ بن رِزْقَان المِصِّيْصيّ، وعبْد الله بن الحُسَين بن جَابِر المِصِّيْصيّ، وأبا أُمَيَّة مُحمّد بن إيْراهيم الطَّرَسُوسِيّ، وحَدَّثَ عنهُم وعن غَيرهم.
وذَكَرَهُ أبو القَاسِم الدِّمَشقيّ الحافِظ في تَاريخ دِمَشْق
(2)
، بما أخْبَرَنا به ابنُ أخيهِ تَاج الأُمَناءَ أبو الفَضْل أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن الدِّمَشقيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ، عَمِّي، قال: أحْمَدُ بن عبد الله بن نَصْر بن هلال، أبو الفَضْل السُّلَمِيُّ، حَدَّثَ عن أَبيِهِ عبد الله بن نَصْر، وأبي عَامِر مُوسَى بن عَامِر المُرِّيّ، ومُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن الأشْعَث، وإبْراهيم بن عَتِيق، وأحْمد بن عليّ بن يُوسُفَ الخَرَّاز، وعُمَر بن مُضَر العَبْسِيّ، ويَزِيْد بن مُحَمَّد بن عبد الصَّمَد، وأبي حَارِثَة أحْمَد بن إبْراهيم بن هِشَام الدِّمَشقيّين، والمُؤَمَّل بن إِهَاب الرَّبَعِيِّ، ووُرَيْزَة بن مُحَمَّد الغَسَّانِيّ الحِمْصِيّ، وأبي أُمَيَّة الطَّرَسُوسِيّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن رِزْقَان المِصِّيْصيّ، وأحمد بن مُحَمَّد بن أبي الخناجِر الأطْرِابُلُسِيّ، وعبد الله بن الحُسَين بن جَابِر المِصِّيْصيّ، وأبي سَعْد إسْمَاعِيْل بن حَمْدُوَيْه البِيْكَنْدِيُّ، ومُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل ابن عُلَيَّة البَصْرِيّ قاضي دِمَشْقَ، ومُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن عليّ الجُعْفِيّ الكُوْفيّ نَزِيلُ دِمَشْقَ، وإبْراهيم بن
(1)
توفي سنة 334 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 254 - 256، تاريخ الإسلام 7: 675 - 676، العبر في خبر من غبر 2: 47 - 48، سير أعلام النبلاء 15: 310 - 31، شذرات الذهب 4:185.
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 254.
يَعْقُوبَ الجُوزْجَانِيّ، وأبي الخَيْر فَهْد بن مُوسَى الإسْكَنْدَرَانِيّ، والوَلِيد بن مَرْوَان الأزْدِيّ الحِمْصِيّ، وجَعْفَر بن مُحَمَّد بن حَمَّاد القَلَانِسِيّ.
رَوَى عنهُ أبو الحُسَين الرَّازِيّ، وعَبد الوَهَّاب الكِلابِيّ، وأبو عليّ الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن دَرَسْتَويْه، وأبو القَاسِمِ الحَسَنُ بن سَعيد بن حَلِيم القُرَشِيِّ، وأبو العبَّاس أحْمَدُ بن عُتْبَة بن مَكِين السَّلَامِيِّ الحَوْثَرِيّ، وعِمْران بن الحَسَن الخَفَّاف (a) الدِّمَشقيُّونَ، وأبو الفَتْح المُظَفَّر بن أحْمَد بن إبْراهيم بن بَرْهان المقرِئ، وأبو بَكْر بن أبي الحَدِيْد، وأبو العبَّاس أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عليّ بن هارُون البَرْدَعِيّ الصُّوْفيّ، وأبو عليّ مُحَمَّد بن عليّ الحافِظ الإسْفَرَاينِيّ، وأبو حَفْص بن شَاهِين (b).
أخْبَرَنا تَاجُ الأُمَناء أبو الفَضْل أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَةِ الله الشَّافِعيّ
(1)
، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي الحُسَين نَجَا العَطَّار فيما ذَكَرَ أنَّهُ نَقَلَهُ من خَطِّ أبي الحُسَين الرَّازِيّ في تَسْمِيَةِ منْ كتَب عنهُ بدِمَشْقَ: أبو الفَضْلِ أحْمَد بن عبْدِ الله بن نَصر بن هِلال السُّلَمِيِّ، ماتَ في جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة أرْبَعٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة.
أحمدُ بن عَبْدِ اللهِ، أبو بَكْر الطَّرَسُوسِيُّ
رَوَى عن حَامِد بن يَحْيَى السُّلمِيّ، رَوَى عنهُ أبو القَاسِم الطَّبَرَانِيُّ.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرْزَد البَغْدَاديّ المُؤدِّب، فيما أَذِنَ لَنا فيه مِرَارًا، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن
(a) في الأصل: الحفَاف، بالمهملة وتخفيف الفاء، والمثبت من تاريخ ابن عساكر 43: 484، وياقوت: معجم البلدان 2: 346؛ ذكره في المنسوبين إلى الختل.
(b) بقية الصفحة وطالع التي تليها بياض في الأصل.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 256.
عَبْدِ الله بن شهرَيَار الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ سُليْمان بن أحْمَد بن أيُوب الطَّبَرَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أَبو بَكْر أحْمَد بن عبد الله الطّرَسُوسيِّ، قال: سَمِعْتُ حَامِدَ بن يَحْيَى البلخِيّ، يقول: سَمِعْتُ سُفْيان بن عُيينَة، يقول: رأيتُ كأنَّ أسْنَاني كُلمَّها سَقَطَتْ، فذَكَرْتُ ذلك للزُّهْرِيّ، فقال: يَمُوت أسْنانُكَ وتبقَى أنتَ، فماتَ أسْنَاني وبَقِيْتُ، فَجَعَلَ اللهُ كُلَّ عَدُوٍّ لي مُحَدِّثًا.
أحمدُ بن عَبْدِ الله الرصَافِيُّ
من رُصَافَة هِشَام بن عَبْد المَلِك من عَمَل قِنَّسْرِيْن.
حَكَى عن عُثْمان بن عبد اللهِ العَابِد، رَوَى عنهُ مُحَمَّد بن عِيسَى القُرَشِيّ.
كَتَبَ إلينا أبو إسْحاق إبْراهيم بن عُثْمان بن يُوسُف الكَاشْغَرِيّ المعرُوف والدُهُ بأُزُرْتُق أنَّ أبا المَعَالِي أحْمَدَ بن عَبْد الغَنِيّ بن حَنِيْفَة أخبرَهُم، قال: أخْبَرَنا جَعْفَرُ بن أحْمَد السَّرَّاج، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيْز بن عليّ بن أحْمَد الأَزَجِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عبدِ الله بن الحَسَن بن جَهْضَم، قال: حَدَّثَنَا المُفِيدُ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عِيسَى القُرَشِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الأشْهب السَّائِحُ، وأحمد بنُ عَبْد الله الرُّصَافِيّ، عن عُثْمان بن عبد الله، رَجُلٌ من العُبَّادِ، قال: خَرجْتُ من بيت المقدِس أُرِيدُ بعضَ قُرَاها في حَاجَةٍ، فإذا أنا بعَجُوز عليها مدْرَعَةٌ من صُوْف، وخِمَار من صُوفٍ، تعتَمدُ على عُكَّاز لها، فقُلتُ في نفسي: رَاهِبَةٌ تُريدُ دَيْرًا، فحانَ منها الْتِفَاتَةٌ، فقالت لي: يا عبد الله، عَلَى دين الحنَيفيَّة؟ فقُلتُ: وما أعْرفُ دِيْنًا غيره، فقالت: ما اسْمُكَ؟ فقُلتُ: عُثْمان، فقالت: يا عُثْمان، من أين خَرَجت، وأين تُريد؟ فقُلتُ: من بيت المقدِس إلى بعض قُراها في حاجةٍ، فقالت: كم بينك وبينَ أهْلكَ ومَنْزِلك؟ فقُلتُ: ثمانية عَشَر مِيْلًا، فقالت: إنَّ هذه لحاجة مُهمَّةٌ؟ قُلتُ: نعم، فقالت: ألَّا سَألْتَ صاحب القَرْيَةِ يُوَجِّه إليكَ
بحاجَتِكَ ولا يُعَنِّيْكَ، قال عُثْمان: فلم أَدْر ما تُريد، فقُلتُ: يا عَجُوز، ليسَ بيني وبينه مَعْرفَة، فقالت: يا حَبيْبي، وما الّذي قطَعَ بينَكَ وبين مَعْرفتهِ، وحَال (a) بينكَ وبين الاتِّصَال بهِ؟
قال عُثْمان: ففهمْتُ ما قالت، فبَكَيْتُ، فقالت: ممَّ بكاؤُكَ؛ من شيء كُنت تعلَمُه فتركْتَهُ وذكرته؟ قُلتُ: نعم، فقالت: احْمَد الله عز وجل الّذي لم يتركك حَيْرتكَ.
فقُلتُ: يا عَجُوز، لو دَعَوْت اللهَ عز وجل بدَعْوَةٍ، فقالت: بماذا؟ قُلتُ: يُنْقذني من حُبِّ الدُّنْيا، فقالت: امْضِ لشَأْنك، فقد عِلم المحبُوبُ ما ناداه الضّمير من أجْلِكَ.
ثمّ قالت: يا عُثْمان، تُحبّ الله عز وجل؟ قُلتُ: أجَل، فقالت: اصْدُقْني ولا تكُن كَذَّابًا، فقُلتُ: واللهِ إنِّي أُحِبّ الله عز وجل. قالت: يا عُثْمان، فما الّذي أفادكَ من طَرائف حِكْمته إذ أوصَلكَ بها إلى مَحبَّتِهِ؟ قال: فأمْسَكتُ لا أُجِيْبها، فقالت: يا هذا، عَسَاكَ ممّن يُحبُّ كتمان المحبَّة؟ قال: فأمْسَكتُ لا أدْري ما أقُول لها، فسمعْتُها تقُول: يأبَى الله عز وجل أنْ يُدْنِس طَرائفَ حِكْمته، وخَفِيِّ مَكْنُون محَبَّتِه قُلُوب البَطَّالين، ثمّ قالت: يا عُثْمان، أمَا والله لو سَألْتَني عن محَبةِ رَبِّي لكشفْت القناعَ الّذي على قَلْبي وأخْبرتُكَ بمَحَبَّة سَيِّدِي ورَبِّي عز وجل.
ثمّ اسْتقبَلَتْ بوَجْهها إلى القِبْلَةِ وهى تقُول: من أين لعَقْلي الرُّجُوع إلهي، ومن أين لوَجْهي الحيَاءُ منكَ سَيِّدِي، إنْ لم تكُن لي هَلَكتُ، وإنْ لم تكن معي في وحْدَتي عطبْتُ، ثمّ اسْتَقبلتني بوَجْهها توبِّخُني وهي تقُول: يا عُثْمان، فقُلتُ:
(a) الأصل: في حال.
لبَيْكَ، فقالت
(1)
: [من الكامل]
تَعْصِي الإلَهَ وأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ
…
هذا ورَبِّي في الفَعَالِ بَدِيعُ
لو كان حُبَّكَ صَادِقًا لأَطَعْتَهُ
…
إنَّ المُحِبَّ لمَن يُحِبُّ مُطِيعُ
قال عُثْمان: فما ذكَرْتُ واللهِ كلامها إلَّا هَيَّجَتْ عليَّ أحْزَاني.
أحمدُ بن عبد الله، أبو العبَّاس الحَلَبِيُّ المعرُوف بابنِ كاتِب البكْتَمُرِيّ
(2)
وقيل إنَّ اسْم أبيهِ كاتِب، وقيل: اسْمُهُ عبْد الله، وأنَّهُ كان يَكْتُب لوَصِيْف البكْتَمُرِيّ.
وهو شَاعِر مَشْهُور، وذَكَرْناهُ فيمَنْ اسْمُ أبيْهِ على حَرْف الكاف
(3)
للاخْتِلَاف في اسْمه، ولكونه إنَّما يُعْرَفُ بابن كَاتِب البكْتَمُرِيّ.
أحمدُ بن عَبْد الدَّائم بن أحْمَد بن نِعْمَة المقدِسِيُّ، أبو العبَّاس الدِّمَشقيُّ الحنبَلي
(4)
شَيْخٌ حَسَنٌ، فَاضِل، من أهل الحَدِيْث المُقِيْمين بجَبَل الصَّالِحين بدِمَشْق في سَفْح قَاسِيُون، رَحَل إلى بَغْدَاد، واجْتازَ في طَريقه بحَلَب، وسَمعَ بَغْدَاد أبا
(1)
يُنسب الشعر لعدد من الشعراء منهم: محمود بن حسن الوراق والإمام الشافعي وذي الرمة وأبي العتاهية (أبو العتاهية أشعاره وأخباره لشكري فيصل في ما استدركه على أشعاره 575) وغيرهم.
(2)
توفي بعد سنة 365 هـ، وترجمته في: المقفى الكبير للقريني 1: 517.
(3)
أي في اسم: أحمد بن كاتب البكتمري، وهو في الجزء الضائع من الكتاب، موضعه من الرتيب بعد هذا الجزء.
(4)
توفي سنة 668 هـ، وترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني 2: 586، اليونيني: ذيل مرآة الزمان 2: 436 - 437، فوات الوفيات 1: 81 - 82، تاريخ الإسلام 15: 151 - 153، (وفيه: أحمد بن عبد الدائم بن نعمة بن أحمد
…
، وزاد في ألقابه: الفندقي)، العبر في خبر من غبر 3: 317 =
الفَتْحِ مُحَمَّد بن أحْمَد بن المَنْدَائِيّ، وأبا الفَرَج بن كُلَيْب، وأبا الفَرَج بن الجوزِيّ، وسَمِعَ بدِمَشْق أبا اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، ويَحْيَى الثَّقَفِيّ، وأبا القَاسِم بن الحَرَسْتَانِيّ، وعُمَر بن طَبرزَد، وحَنْبَلًا المُكَبِّر، وجَمَاعَة يَطُول ذِكْرهُم.
واجْتَمَعْتُ به بدِمَشْق، وسَمِعْتُ بقراءته على جَمَاعَة من الشُّيُوخ بدِمَشْق. ثمّ قَدِمَ علينا حَلَب، وسَمعَ بها من جَمَاعَة من شُيُوخنا مثل: قاضِي القُضَاة أبي المحاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تميْم، وأبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عبد الله بن عُلْوَان الأسَدِيّ وغيرهما. ثمّ اجْتَمَعْتُ به بدِمَشْق بعد ذلك، وسَمِعْتُ منه جُزْء الحَسَن بن عَرَفَة بسَمَاعِه من أبي الفَرَج بن كُلَيْب، وغير ذلك من حَدِيثه.
وكان يُوَرِّق بالأُجْرَة، ويَكْتُب سَريعًا، وكَتَبَ شَيئًا كَثِيْرًا، ولم يكن بخَطِّه بأْس، وكتَبَ لي بخَطِّه تاريخ دِمَشْق للحافِظ أبي القَاسِم الدِّمَشقيّ، وكتَاب المُذَيَّل
(1)
لأبي سَعْد السَّمْعَانيّ.
وكان حَسَن الخُلق، سَألْتُه عن مَوْلدِه فأخْبَرَني أنَّ مولدَهُ سَنَة خَمْسٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة بدِمَشْق، وأنَّ أباهُ كان من أهل قَرْيَة تُعْرف بالفُنْدُق (a) من جَبَل نابُلُس، وأنَّهُ هاجَرَ بهِ - وهو حَمْلٌ - منها في أيَّام صَلاح الدِّين يُوسُف بن أيُّوب، فوُلد بدِمَشْق، وسَكَنوا بجَبَل الصَّالِحين.
وذكَرَ لي أنَّهُ نَسَخَ بخَطِّه ألْفَي مُجَلَّد، وقال لي: أنا أنْسَخ إلى الآن وأُطَالع، وعُمري
(a) عند الذهبي (تاريخه 15: 151): فندق الشيوخ من جبل نابلس.
_________
= الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي 379، الوافي بالوفيات 7: 34 - 36، نكت الهميان 99 - 101، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 357، الزركشي: عقود الجمان ورقة 39 ب، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2: 378 - 380، النجوم الزاهرة 7: 330، شذرات الذهب 7: 567، القنوجي: التاج المكلل 349 - 350.
(1)
مُذيَّل على تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.
إحْدَى وثَمانون سَنة، وكَتبتُ أمْس اثْنَتي عَشرة وَرَقَة، وأنا أشْكُر الله تعالَى على ذلك.
حدَّثنا أبو العبَّاس أحْمَد بن عَبْد الدَّائم بن أحْمَد بن نِعْمَة القدِسِيّ، من لفظه بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَج بن كُلَيْب الحَرَّانيّ قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن بَيَان الرَّزَّاز قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُخْلَدَ البَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ إسْماعيْل بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل الصَّفَّار، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن عَرَفَة العَبْدِيّ أبو عليّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن صالح الوَاسِطِيّ، عن سُليْمان بن مُحَمَّد، عن عُمَر بن نَافِع، عن أَبيِهِ، قال: قال عَبْدُ الله بن عُمَر
(1)
: رأيتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا على هذا المِنْبَر - يعني مِنْبَرَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَحْكِي عن رَبِّه، قال: إنَّ الله عز وجل إذا كان يَوْم القِيامَة جَمَعَ السَّمَوَات السَّبع والأرْضَين السَّبعْ في قبضَته، ثمّ قال: هكذا، وشَدَّ قبضَتَهُ ثمّ بَسَطَها، ثمّ يقول عز وجل: أنا اللهُ، أنا الرَّحمنُ، أنا المَلِكُ القُدُّوس، أنا السَّلامُ، أنا المُؤْمنُ، أنا المُهَيْمنُ، أنا العَزِيز، أنا الجبَّار، أنا المُتَكَبِّرُ، أنا الّذي الّذي بَدَأْتُ الدُّنْيا ولم تَكُ شيئًا، أنا الّذي أعَدْتُها، أين المُلُوك أين الجبابرَةُ؟.
[تُوفِّي أحْمَدُ بن عَبْد الدَّائم بن أحْمَد بن نِعْمَة المَذْكُور في يَوْم الاثْنَين تاسعِ رَجَب سَنة ثمانٍ وسِتِّين وستمائة، بمنزِله في سَفْحِ جَبَل قَاسِيُون، ودُفِنَ هُناك عند مَشَايخهم، وكان قد كفّ بصَرهُ، وذلك بعد وَفَاة والدي مُؤلِّف هذا التَّاريخ رحمه الله (a).
(a) هذا النص المدرج بين حاصرتين ألحقه ابن المؤلف بخط دقيق، في موضع بياض قدره سطرين، وعلق بهامشه:"هذا المكان أخلاهُ والدي رحمه الله لكتابة وفاة المذكور، وتوفي بعد والدي فألحقته هنا، وكتب محمد بن عمر بن أحمد بن أبي جرادة"، وفي الحاشية المقابلة كتب:"وكتب هذين السطرين الدقيقين محمد بن عمر بن أحمد بن أبي جرادة".
_________
(1)
صحيح مسلم 4: 3148 (رقم 3788)، سنن ابن ماجة 1: 71 - 73 (رقم 198)، 2: 1429 (رقم 4375)، سنن أبي داود 5: 100 (رقم 4733)، مسند أبي يعلى الموصلي 410 - 411، فتح الباري 11: 371 - 373، 13: 393، كنز العمال 14:360.
أحْمَدُ بن عَبْد ذِي العَرْش الرَّبِعِيُّ المِصِّيْصيُّ
رَوَى عن أبي جَعْفَر أحْمَد بن مُحَمَّد بن سَلامَة الطَّحَاوِيّ، كتَبَ عنه بعضُ أهْل العِلْم.
مَنْ اسْمُ أبيْهِ عبد الرَّحْمن من الأحْمَدِين
أحْمَدُ بن عَبْد الرَّحْمن بن أحمَد بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن طَلْحَة بن مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن عليّ بن موسى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عليّ بن الحُسَين بن عليّ بن أبي طَالِب، أبو بَكْر العَلَويّ المَرْوَزي الوَاعِظُ البَكْرِيُّ
(1)
مَنْسُوبٌ إلى تَلْمَذة أبي بَكْر مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ. حَدَّثَ عن أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن عليِّ بن مَحْمُود الكُرَاعِيّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد السَّمْعَانِيّ، وأبي إبْراهيم إسْمَاعِيْل بن عَبد الوَهَّاب النَّاقِدِيّ، وأبي القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن عليّ البُخاريّ الهَرَويّ.
رَوَى عنهُ الحافِظان أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة الله الشَّافِعيّ، وأبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، وكان قد أقام بدِمَشْق مُدَّةً، وأُخْرجَ منها فَمَضَى إلى بَلَدِ الرُّوم، واجْتازَ في طَرِيقه بحَلَب، وكان له قَبُول في الوَعْظ.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِمِيّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمعُ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد بن أبي مَنْصُور المَرْوَزيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عبد الرَّحْمن البَكْرِيّ بالرَّيّ، قال: أخْبَرَنا أبو إبْراهيم إسْمَاعِيْل بن
(1)
توفي بعد سنة 547 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 260 - 261، لسان الميزان 1:212.
عَبد الوَهَّاب النّاقِدِيّ بمَرْو، قال: أخْبَرَنا أبو عُثْمان سَعيدُ بن أبي سَعيد العَيَّار، ح.
قال أبو سَعْد: وأخْبَرناهُ عَاليًا أبو عَبْد الله الحُسَين بن عَبْد المَلِك الخَلَّال بأصْبَهَان، قال: أخْبَرَنا أبو عُثْمان سَعيدُ بن أحْمَد العَيَّارُ الصُّوْفيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن يَحْيَى الأنْصَاريّ، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد البَغَويّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن الجعد، عن شُعْبَة، عن الأَعْمَش، عن مُجَاهِد، عن عائِشَة رضي الله عنها، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: لا تَسُبُّوا الأمْوَات، فإنَّهُم قد أفْضَوا إلى ما قَدَّمُوا. رَوَاهُ البُخاريّ في صَحِيْحه
(1)
عن عليّ في الجعد.
أخْبَرَنا تَاج الأُمَناء أبو الفَضْل (a) أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن إذْنًا، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الشَّافِعيّ
(2)
، قال: أحْمَدُ بنُ عبد الرَّحْمن بن أحمد، أبو بَكْر العَلَويّ الزَّيْدِيّ المَرْوَزيّ الشَّافِعيّ الوَاعِظ، قَدِمَ دِمَشْق، وأمْلَى بها الحَدِث، وعقَد بها مَجَالِس الوَعْظ. وَرَوَى عن أبِي مَنْصُور مُحَمَّد بن عليّ بن محْمُود ناقلة (b) الكُرَاعيِّ، وأبي القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن عليّ البُخاريّ الهَرَويّ، وِأبي إبْراهيم إسْمَاعِيْل بن عَبد الوَهَّاب النَّاقِدِيّ الخَرَاجيّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن منْصُور بن مُحمَّد السَّمْعَانيّ المَرَاوِزة، وارْتبتُ ببعض سَماعهِ، فكتَبْتُ إلى أبي سَعْد بن السَّمْعَانيّ فكَتَبَ إليَّ أنَّهُ وجَدَ سماعَهُ على أُصُول الكُرَايِّ والنَّاقِدِيّ.
(a) الأصل: المفضل، وتقدم التعليق عليه.
(b) في الأصل: نافلة، وصوابه بالمثناة، والكراعي هو جد محمد بن علي بن محمود المروزي، واسمه: أحمد بن علي بن الحسين الكراعي، أبو غانم. انظر: معجم شيوخ ابن عساكر 1: 428، لسان الميزان 1:212.
_________
(1)
فتح الباري 3: 258 (رقم 1393)، ورواه الدارمي في سننه 2: 239، الحاكم: المستدرك 1: 385، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 7: 291 (رقم 3021)، سنن النسائي بشرح السيوطي 4: 53 (رقم 1936).
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 260.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَربم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، قال: أحْمَد بن عبد الرَّحْمن الأشْرَف البَكْرِيّ، أبو بَكْر، ولد بنَوَاحِي أَبِيْوَرْد، وتَفَقَّهَ بمَرْو، وخالطَ الفُقَهَاء، وكتَبَ الحَدِيث الكَثِير، وقرَأهُ، وكان يَنْتَسبُ في التَّتَلْمُذ إلى والدي رحمه الله، وخَرَج إلى مَا وَرَاءَ النَّهْر، ودَخَلَ فَرْغَانَة، وأقام بأُوْش مُدَّةً مَدِيْدة، ونَفَق سُوْقُهُ عندَهْم في الوَعْظ والتَّذْكِير، ثم رجَعَ إلى مَرْو، وخَرَجَ منها إلى البِلاد، ولَقِيَ القَبُولَ التَّامّ فيها من العَوَامِّ، وكان يَكْذبُ في كلَام المُحاورَة كَذبًا فَاحِشًا، ثمّ وُلد له ولَدٌ علَّمَهُ التَّذْكِيْر وحِفْظ المَجَالِس، وخَرَج إِلى مازَنْدران، ومنها إلى العِرَاق ووَرَدَ بَغْدَاد، وسَمِعْتُ أَنَّهُ خرَجَ إلى الشَّامِ، ووعَظ هو وابنْهُ بدِمَشْق، وحصَل لهما مَبْلَغٌ من المالِ، وانْصَرَفَ إلى بَغْدَاد.
وكان سَمِعَ بمَرْو والدي الإمام رحمه الله، وأبا إبْراهيم إسْمَاعِيْل بن عَبد الوَهَّاب النَّاقِديّ، وأبا مَنْصُور مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد الكُرَاعِيّ وغيرهم. لقيتُهُ بمَرْو، وظَنِّي أَنِّي سَمِعْتُ بقراءتهِ على أبي طَاهِر السَّبْخِيّ شيئًا، ثُمَّ لَقيْتُهُ بالرَّيّ مُنْصَرفي من العِرَاق وهو مُتَوَجِّهٌ إليه، وكَتَبتُ عنه حَدِيثًا واحِدًا لا غيرَهُ.
قال السَّمْعَانيُّ: ورأيتُ في كتاب القَنْد في مَعْرفَة عُلَماء سَمَرْقَنْد لأبي حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن أحْمَد النَّسَفِيّ نَسَبَ أخي أبي بَكْر هذا، ولا أَشُكُّ أنَّ النَّسَفِيّ كَتَبه من قَول أخيهِ، ولا يُعْتَمد على قَوْله، وذَكَرْتُ النَّسَب ها هُنا، وما ذَكَرَه عُمَر في حقِّهما.
قال: "ذكَرَ السَّيِّد العَالِم مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمِن بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن طَلْحَة بن مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد بن عليّ بن مُوسَى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عليّ بن الحُسَين بن عليّ بن أبي طَالِب المَرْوَزيّ، قال: دَخَلَ سَمَرْقَنْد مع أخيه السَّيِّد العالِم أحْمَد بن عبد الرَّحْمن، وجَلَسَ أخوه للعَامَّة مَجَالِسَ، وذلك سَنَة تِسْع عَشرة
وخَمْسِمائَة، ورَوى حَدِيثًا عن مُحَمَّد بن عبد الرّحْمن، أخي صَاحِب التَّرجَمَة، عن أبي نَصْر هِبَة الله بن عَبْدِ الجبار السِّجْزِيّ.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَاتِ بن مُحَمَّد بن الحسن، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحسن الحافِظ
(1)
، قال: أُخْرج أبو بَكْر العَلَويّ من دِمَشْق في ذِي الحِجَّة سَنَة سَبعٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة، وسار إلى نَاحِيَة دِيَار المَلِك مَسْعُود بن سُلَيمان، وانْقَطَعَ خبرَهُ عنَّا بعد ذلكَ، وكان غير مَرْضِيّ الطَّريقَةِ.
أحْمدُ بن عَبد الرَّحْمن بن عبْد الله، أبو العبَّاس المقدِسِيُّ الصُّوْفيُّ
(2)
قَيِّم المَسْجِد الأقْصَى، كان رَجُلًا صَالِحًا وَرِعًا فَاضِحلًا، حَسَن السَّمْت، من أهْلِ الحَدِيْث والتَّصَوُّف، سَمِعَ الحَدِيْث الكَثِيْر بدِمَشْق من شُيُوخنا أبي اليُمْن الكِنْدِيّ، وأبي القَاسِم بن الحَرَسْتَانِيّ وغيرهما، وبحَمَاة من أبي البَرَكَات بن قُرْنَاص، وببَيْت المَقْدِس من أبي مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد. وكان يُلَازِم السَّمَاع بقراءتي في المَسْجِد الأقْصَى من الشَّيْخ أبي عليّ الأَوَقِيّ.
وأقام بالبيت المُقَدَّس قيِّمًا بالمَسْجِد الأقْصَى إلى أنْ خُرِّبت أسْوَار البَيْت المُقَدَّس، وشُعِّثَتْ دُورُه، خَوْفًا من اسْتِيْلَاء الفِرِنْج عليهِ، فانْتَقَلَ إلى حَلَب وسَكَنها، ونَزَل بخَانكَاه سُنْقُرجَا بالقُرْبِ من القَلْعَة.
كَتَبَ عنهُ بعضُ طَلَبةِ الحَدِيْثِ شَيئًا منه. وتُوفِّيَ بحَلَب يَوْم الجُمُعَة سَلْخ جُمَادَى الأُوْلَى من سَنَة تِسْعٍ وثَلاثين وستِّمائة، وصُلِّيَ عليه بالمَسْجِد الجامع، ودُفِنَ بمَقَابِر مَقَام إبْراهم عليه السلام خارج باب العِرَاق، تجاه المَشْهَد المَعْرُوف بالمقَام من غَرْبيِّه وشماليّهِ، وحضَرتُ دَفْنهُ والصَّلاة عليه، رحمه الله.
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 261.
(2)
توفي سنة 639 هـ.
أحمد بن عبد الرَّحْمن بن عليّ بن عَبْد المَلِك بن بَدْر بن الهَيْثَم بن خَلَف بن خَالِد بن رَاشد بن الضَّحَّاك بن النُّعْمان بن مُحَرِّق بن النُّعْمان بن المُنْذِرِ اللَّخْمِيُّ القَاضِي، أبو عِصْمَة ابن الوَزِير أبي الهَيْثَم بن القاضي أبي حصِيْن، وقيل: بدْر بن الهَيْثَم بن خَلِيفَة بن راشِد بن خَالِد بن الضَّحَّاك بن قَابُوس بن أبي قَابُوس النُّعْمان بن المُنْذِر
(1)
أصْلُهُ من الكُوفَة، ثمّ سكَنَ سَلَفُهُ الرَّقَّة، وإليها يُنْسَب جدّهُ القَاضِي أبو حَصِين؛ قاضي حَلَب لسَيْف الدَّوْلَة أبي الحَسَن بن حَمْدَان، ووَزَرَ والدُهُ أبو الهَيْثَم عبد الرَّحْمن لسَعْد الدَّولَة أبي المَعَالي شَرِيْف بن سَيْف الدَّوْلَة، وانْتَقلَ أبو عِصْمَة هذا إلى طَرابُلُس، وأظُنُّه ولى بها القَضاء، وهم من بَيْت القَضَاءَ والعِلْم، وبَدْر وَلي قَضاء الكُوفَة، ولأبي عِصْمَة عَمٌّ يُقالُ له عَبْد الحَميْد بن عليّ وَلي قَضَاء جُبَيْل، وسَيأتي ذِكْره
(2)
، وذِكْر أبي الهَيْثَم
(3)
، وذكْر أبي حَصِيْن
(4)
في مَواضِعهم من كتابنا هذا إنْ شَاءَ اللّهُ تعالَى.
وأظُنُّ أبا عِصْمَة وُلِدَ بحَلَب، واللّهُ أعْلَمُ، حَكَى بطَرابُلُس إنْشَادًا عن قاضِي القُضَاةِ أبي مُحَمَّد بن مَعْرُوف، رَوَاهُ عنه الحافِظ أبو عَبْد اللّهِ الصُّوْرِيّ.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْد المُطَّلب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّدُ السَّمْعَانيّ، قال: أنْشَدَنا أبو الفَضْل مُوسَى بن عليّ المُؤذِّن ببَغْدَاد، قال: أنشَدنا مُحَمَّدُ بن عَبْد السَّلام بن أحْمَد الأنْصَاريّ، قال:
(1)
توفي سنة 413 هـ، وترجمته في: تاريخ بغداد 12: 95، تاريخ ابن عساكر 71: 265 - 266، وورد في سياقة اسمه: بدد، بدل: بدر، القرشي: الجواهر المضية 1: 187، المقريزي: المقفى الكبير 1: 481، وفيه ابن أبي عصمة.
(2)
ترجمة عبد الحيمد بن أبي حصين في الضائع من أجزاء الكتاب.
(3)
ترجمة أبي الهيثم بن أبي حصين علي في الجزء العاشر.
(4)
اسم أبي حصين: عليّ، وضاعت ترجمته في الأسماء، وله ترجمة في الكنى: أبو حصين القاضي الرقي (الجزء العاشر).
أنْشَدَنا مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد الحافِظ الصَّوْرِيّ، ح.
وأنْبَأنَا أبو اليُمن زَيْد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيب
(1)
، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن عليّ الصُّوْرِيّ، قال: أنْشَدَني القَاضِي أبو عِصْمَة أحْمَدُ بن عبد الرَّحْمن بن عليّ بن عَبْد المَلِك بن بَدْر بن الهَيْثَم اللَّخْمِيّ بطَرابُلُس، قال: أنْشَدَنا قاضِي القُضَاةِ أبو مُحَمَّد عُبَيدُ الله (a) بن أحْمَد بن مَعْرُوف لنَفْسِه ببَغْدَاد مُضَمِّنًا للبَيْت الآخر [من البسيط]
أشْتَاقكُم اشْتِيَاق الأرْض وَابِلَهَا
…
والأُمِّ وَاحدَهَا والغَائِبِ الوَطَنَا
أَبيْتُ أطْلبُ أسْبَابَ السُّلوِّ فما
…
ظَفِرْتُ إلَّا ببَيْتٍ شَفَّنِي وَعَنَا
أَسْتَوْعُ الله قَوْمًا ما ذَكَرتهُم
…
إلَّا تحدَّر مِن عَيْنَيَّ ما خُزِنَا
قال أبو بَكْر الخطيبُ
(2)
: وأنْشَدَني الصُّوْرِيّ الأبْيَاتَ الّتي ضمَّن ابن مَعْرُوف منها شِعْرَهُ البَيْتَ الآخِرَ، قال:[من البسيط]
يا صَاحِبَيّ سَلَا الأطْلَالَ والدِّمَنَا
…
متَى يعُودُ إلى عُسْفَان مَنْ ظَعَنَا
إنَّ اللَّيالِي الّتي كُنَّا نُسَرُّ بها
…
أبْدَى تَذَكُّرها في مُهجَتي حَزَنَا
أسْتَودِعُ الله قَوْمًا ما ذَكَرتهُم
…
إلَّا تحدَّر من عَيْنَيَّ ما خُزِنَا
كان الزَّمانُ بنا غِرًّا فما بَرحَتْ
…
أيدِي الحَوَادِث حتَّى فَطَّنَتْهُ بِنَا
أحمدُ بن عبد الرَّحْمن بن قَابُوس بن مُحَمَّد بن خَلَف بن قَابُوس، أبو النَّمر الأطْرَابُلُسِيّ
(3)
الأدِيْبُ اللَّغَويّ، وقيل في جَدِّ أبيهِ: مُحَمَّد بن قَابُوس بن خَلَف.
(a) الأصل: عبد الله، والمثبت من تاريخ بغداد (مصدر النقل)، وسير أعلام النبلاء 16:426.
_________
(1)
تاريخ بغداد 12: 95.
(2)
تاريخ بغداد 12: 95.
(3)
كان حيًا سنة 413 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 266 - 268، القفطي: إنباه =
كان بحَلَب في سَنَة سَبْعين وثَلاثِمائة، وقرأ بها على أبي عبد الله الحُسَين بن أحْمَد بن خَالَوَيْه النَّحْوِيّ كتاب الجَمَهَرَة لأبي بَكْر بن دُريْد، وغيرها، وشاهدْتُ على أصْل أبي عَبْد الله بن خَالَوَيْه قراءتَهُ عليهِ بخَطِّه.
ورَوَى عنهُ، وعن أبي الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن عِمْران النَّاقِد البَغْدَاديّ، والقَاضِي يُوسُف بن القَاسِم المَيَانِجِيّ، وأبي بَكْر أحْمَد بن صالح بن عُمَر المُقْرِئ البَغْدَاديّ، وأبي مُحَمَّد الحَسَن بن أحْمَد بن إبْراهيم الفَقِيه الحَلَبِيّ البَحْريّ، وأبي العَلَاء أحْمَد بن عُبَيْدِ الله بن شُقَيْر النَّحْوِيّ اللُّغَويّ، وأبي نَصْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَمْرو النَّيْسَابُوريّ المَعْرُوف بالبِنْص.
رَوَى عنهُ الحافِظان أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عليّ الصُّوْرِيّ، وأبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن عليّ السَّمَّان، والحافِظ أبو زَكَرِيَّا عبد الرَّحيم بن أحْمَد بن نَصْر البُخاريُّ، وأبو عليّ الحَسَن بن عليَّ الأهْوَازِيّ المُقْرِئ.
أخْبَرَنا أبو البَرَكات الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحَسَن، فيما أَذِنَ لَنا في روَايته، وقَرَأتُ عليهِ إسْنَاده، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم نَصْرُ بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا جَدِّي أبو مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن عليّ الأهْوَازِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو النَّمِر الأدِيْب، قال: حَدَّثَنَا القَاضِي يُوسُف بن القَاسِم المَيَانِجِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن جَرِير الطَّبَريّ، قال: حَدَّثَنَا أبو كُرَيْب مُحَمَّد بن العَلَاء الهَمَذَانيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن عَيَّاش، عن الأَعْمَش، عن سَعيد بن عبد الرَّحْمن، عن أبي بَرْزَة الأَسْلَميّ، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
: يا مَعْشَرَ مَنْ آمن بلِسَانهِ ولم يَدْخُل الإيمانُ قَلْبَهُ،
= الرواة 1: 121، وفيه: أبو اليمن، وبغية الوعاة 1: 322 واقتصر السيوطي في الترجمة له على ما أورده ابن العديم ملخصًا، وقال: كان حيًا سنة 413 هـ.
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 267.
(2)
سنن أبي داود 5: 194 (رقم 4880)، ورواه البيهقي: دلائل النبوة 6: 256 من حديث البراء بن =
لا تَغْتابُوا المُسْلمِيْن، ولا تَتَّبِعُوا عَوْراتهم؛ فإنَّهُ مَنْ اتّبع عَوراتهم تَتَبَّع اللّهُ عَوْرته، ومَنْ تَتَبَّع الله عَوْرتَهُ يَفْضَحْهُ في بَيْتِهِ.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَرِيم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور المَرْوَزيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُوسَى بن عليّ الخياط، بقراءتي عليه، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُحَمَّد بن عَبْد السَّلام الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّهِ مُحَمَّد بن عليّ السَّاحِلِيّ الحافِظ، قال: قرأتُ على أبي النَّمِر أحْمَد بن عبد الرَّحْمن قَابُوس بن مُحَمَّد بن قَابُوس بن خَلَف الأدِيْب بطَرابُلُس، قُلتُ: أخْبَركُم أبو عَبْد اللّهِ الحُسَين بن خَالَوَيْه، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن دُرَيْد، عن الرِّيَاشِيّ، عن الأصْمَعِيّ، عن مُنْتَجع بن نَبْهان الصَّيْدَاوِيّ، قال: أخْبَرَني رَجُلٌ من بني الصَّيْدَاءِ من أهل الصَّرِيْم، قال: كنتُ أهْوَى جَارِيَةً من بَاهِلَة، وكان أهلُها قد أخَافُوني، وأخَذُوا عليَّ المَسَالك، فخرجْتُ ذاتَ يَوْمٍ، فإذا حَمَاماتٌ يَسْجَعْنَ على أفْنان أَيْكاتٍ مُتَناوحَاتٍ في سَرَارَة وادٍ، فاسْتَفَزَّني الشَّوْق، فرَكِبتُ وأنا أقُول:[من الطويل]
دَعَتْ فَوْقَ أغْصَانٍ منَ الأيْكِ مَوْهِنًا
…
مُطَوَّقَةٌ وَرْقَاءُ في إثْر آلفِ
فَهَاجَتْ عَقَابِيْلَ الهَوَى إذ ترنَّمت
…
وشِيْبَ ضِرامُ الشَّوْق بين الشَّرَاسِفِ
بكَتْ بجُفُونٍ دَمْعُها غيرُ ذَارفٍ
…
وأغرَتْ جُفُوني بالدُّمُوعِ الذَّوَارفِ
لكنِّي سِرْتُ فآواني اللَّيْل إلى حَيٍّ، فخفْتُ أنْ يكونَ من قَوْمها، فَبِتُّ القَفْرَ، فلمَّا هَدَأتِ الرِّجْلُ، ورَنَّقَتْ في عَيْني سِنَةٌ، وإذا قائلٌ يقول:[من الوافر]
تَمَتَّعْ من شَمِيْم عَرَارِ نَجْدٍ
…
فما بَعْدَ العَشيَّةِ من عَرَارِ
فتفاءَلْتُ بها والله. ثمّ غَلَبتْني عَيْنَاني فإذا آخرُ يقُول: [من الكامل]
= عازب، والبغوي: شرح السنة 13: 104 (رقم 3526)، عن ابن عمر وفيه:"فيفضحه ولو في جوف رحله".
لَنْ يَلْبَثَ القُرَناءُ أنْ يَتَفَرَّقُوا
…
لَيْلٌ يكُرُّ عليهِمُ ونَهَارُ
فقُمْتُ وعَبَرتُ، ورَكِبتُ مُتَنَكِّبًا عن الطَّريق، فإذا راعٍ مع الشُّرُوق وقد سَرَّح غَنَمًا له وهو يَتَمثَّلُ:[من الطويل]
كَفَى باللَّيالِي المُخْلِقاتِ لجِدَّةٍ
…
وبالمَوْتِ قَطَّاعًا حِبَالَ القَرَائنِ
فأظلمَتْ والله عليَّ الأرْضُ، فتأمَّلْتُهُ فعَرفْتُهُ، قُلتُ: فُلَان؟ قال: فُلَان، قُلتُ: ما وراءكَ؟ قال: ماتَتْ والله رَمْلَةُ. فما تَمالكتُ أنْ سقَطْتُ عن بَعِيْري، فما أيْقَظَني إلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فقُمْتُ وقد عَقَلَ الغُلَامُ نَاقَتِي ومَضَى، فرَكِبتُ إلى أهْلي بأَخْيب ما آبَ بهِ رَاكب، وقلْتُ:[من البسيط]
يا رَاعيَ الضَّأْنِ قد أَبْقَيْتَ لي كَمَدًا
…
يَبْقَى ويُتْلِفُني يا رَاعِيَ الضَّان
نعَيْتَ نَفْسِي إلى جِسْمي فكيفَ إذًا
…
أبْقَى ونَفْسِيَ في أثْناءِ أكْفَان
لو كُنتَ تَعْلَم ما أسأرْتَ في كَبدِي
…
بَكَيْتَ ممَّا تَرَاه اليَوْم أبْكَانِي
أخْبَرَنا أبو هاشِم الحَلَبِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن أبي بَكْر بن أبي المُظَفَّر، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح نَصْرُ بن مَهْدِي بن نَصْر بن مَهْدِي الحسُيْنيّ بالرَّيّ، قال: أخْبَرَنا طَاهِر بن الحُسَين السَّمَّان، قال: حَدَّثنا إسْمَاعِيْلُ بن عليّ الحافِظ، قال: قرأتُ على أبي النَّمِر الأدِيْب الأطْرَابُلُسِيّ، قلتُ لهُ: أنْشَدكم ابن خَالَوَيْه، قال: أنْشَدَني أبو الحَسَن الوَرَّاق الشَّاعر لسَعِيد بن المُسَيَّب: [من مجزوء الكامل]
انْظُرْ لنفْسِكَ حينَ تَرْضَى
…
وانْظُرْ لنَفْسِكَ حينَ تَغْضَبْ
فالمُشْكلَات كَثِيْرةٌ
…
والوَقْفُ عندَ الشَّكِّ أصْوَبْ
أنْبَأنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن تَاج الأُمَناء، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أحْمَدُ بن عبد الرَّحْمن بن قَابُوس بن مُحَمَّد بن
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 366.
خَلَف بن قَابُوس، أبو النَّمِر الأطْرَابُلُسِيَّ الأدِيْبُ، حدَّث بِصُوْر سنَة ثلاث عَشرة وأرْبَعِمائة، وبأطْرَابُلُس عن أبي الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن عِمْران النَّاقد البَغْدَاديّ، وأبي بَكْر أحْمَد بن صالح بن عُمَر المُقْرِئ البَغْدَاديّ، وأبي عبد الله بن خَالَوَيْه، وأبي نَصْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَمْرو النَّيْسَابُوريّ، وأبي مُحَمَّد الحَسَن بن أحْمَد بن إبْراهيم البَحْريّ، ويُوسُف بن القَاسِم المَيَانِجِيّ. رَوَى عنهُ أبو عَبْد الله الصُّوْرِيّ، وأبو عليّ الأهْوَازِيّ.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: وَجَدْتُ بخَطِّ أبي الفَرَج غَيْثُ بن عليّ الصُّوْرِيّ: قَرأتُ بخَطِّ أبي طَاهِر الصُّوْرِيّ في ذِكْر مَنْ أدْرَكهُ بطَرابُلُس من الشُّيُوخ: أبو النَّمِر أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن قَابُوس، عَاصَر ابن خَالَوَيْه، وكان يُدَرِّسُ العَرَبِيَّةَ واللُّغَةَ، وتُوفِّيَ بها وخَلَّفَ ولدًا شَخَصَ إلى العِرَاق، وتقَدَّمَ هُناكَ.
أحمدُ بن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن الجارُوْد بن هَارُون، أبو بَكْر الحافِظ الرَّقِّيُّ
(2)
دخَلَ أنْطَاكِيَة، وسَمِعَ بها الحافِظ أبا عَمْرو عُثْمان بن عَبد الله بن خُرَّزَاد، وأبا مُحَمَّد عبد الله بن نَصْر الأصَمّ الأنْطَاكِيَّين، واجْتازَ بحَلَب في طَريقهِ إليها.
وذكَرَهُ الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن في تَارِيْخهِ
(3)
، بما أنْبَأنَا به تَاج الأُمَناء أحْمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عمي الحافِظُ أبو القَاسِم، قال: أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن الجَارُود بن هارُون، أبو بَكْر الرَّقِّيّ الحافِظ نَزِيلُ عَسْكَر
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 268.
(2)
توفي سنة 356 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 268 - 270، تاريخ الإسلام 8: 95، ميزان الاعتدال 1: 142، لسان الميزان 1:213.
(3)
تاريخ ابن عساكر 71: 268.
مُكْرَم. ذكر أنَّهُ سَمِعَ بدِمَشْق هِشَام بن عَمَّار، وأبا زُرْعَة النَّصْرِيّ، ومُحَمَّد بن عَوْف بِحمْص، وحَدَّث عنهُم وعن أَبيِهِ عبد الرَّحْمن بن الجَارُود، وعليّ بن حَرْب، وَأحمد بن حَرْب، وهِلال بن العَلَاء، وأحمد بن شَيْبَان الرَّمْليّ، وعُثْمان بن خرَّزَاد، وعَبْد الله بن نَصْر الأنْطَاكِيَّين، ويُونُس بن عَبْد الأعْلَى، والمُزَنِيّ، والرَّبيْع بن سُلَيمان، ويَزِيْد بن سنَان البَصْرِيّ، والحَسَن بن عَرَفَة، والحَسَن بن مُحَمَّد بن الصَّبَّاح، وشُعَيْب بن أَيُّوب الصَّرِيفِيْنِيّ، وعِيسَى بن أحْمَد البَلْخِيّ، ومُحَمَّد بن عُبَيْد بن عُتْبَة الكُوْفيّ، وأحمد بن مَنْصُور الرَّمَادِيّ، ومُحَمَّد بن عَبْد المَلِك الدَّقِيْقِيّ، وأبي زُرْعَة، وأبي حَاتِم الرَّازِيّين.
رَوَى عنهُ القَاضِي أبو عُمَر مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُحَمَّد البِسْطَامِيِّ نَزِيلُ نَيْسَابُور، وأبو الحَسَن عليّ بن الحَسَن بن بُنْدَار بن المُثَنَّى الأسْتَرَابَاذِيّ، وأبو إسْحاق إبْراهيم بن أحْمَد بن مُحَمَّد الطَّبَرَانِيّ المُقْرِئ الشَّاهد، وأبو نُعَيْم أحْمَد بن عبد الله بن أحْمَد الحافِظ، وأبو عليّ منْصُور بن عبْد الله بن خالد بن أحْمَد بن خَالِد الذُّهْلِيّ الخالِديّ، وأبو عليّ الحَسَن بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن اللَّيْث الحافِظ، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَبْد الأعْلَى الأنْدَلُسِيّ الوَرْشِيّ (a).
أخْبَرَنا أبو البَرَكَات بن مُحَمَّد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عبْد الله بن أَسْعَد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن حَيَّان النَّسَوِيُّ الطَّبيْبُ، وأبو بَكْر عَبْد الجبَار بن مُحَمَّد بن أبي صالح النَّيْسَابُوريّ الصُّوْفيَّان، قالا: أَخْبَرَنا أبو الفَضْل مُحَمَّد بن عُبَيْد الله بن مُحَمَّد الصَّرَّام، قال: أخْبَرَنا القَاضِي الإمام أبو عُمَر مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُحَمَّد البسْطَامِيِّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن الجارُود بن هارُون الرَّقِّيّ، قال: أَخْبَرَنا مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك الدَّقِيْقِيّ، وعُثْمان بن
(a) في الأصل بالسين المهملة، وصوابه الإعجام، لاشتهاره بقراءة الإمام ورش. المقفى للمقريزي 5: 201، المقري: نفح الطيب 2: 214.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 270، دون إسناد.
خُرَّزَاد الأنْطَاكِيّ، وعبَّاسُ الدّوْرِيّ، قالوا: حَدَّثَنَا عَفَّان بن مُسْلِم، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَة، عن أبي التَّيَّاح، عن أنَس بن مَالِك
(1)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: يقُول الله عز وجل: يا بن آدَم، أنا بُدّك اللَّازِمُ فاعْمل لبُدِّك، كُلّ النَّاس لهم بُدُّ وليس لك منِّي بُدّ.
قال عليّ بن أبي مُحَمَّد: رَوَاهُ أبو بَكْر الخَطِيب
(2)
، عن الحَسَن بن مُحَمَّد الخَلَّال، عن القَاضِي أبي عُمَر البِسْطَامِيّ، فأخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم، وأبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن مَنْصُور، وأبو مَنْصُور بن خَيْرُون، قالوا: قال لنا أبو بَكْر الخَطِيب: هذا الحَدِيْثُ مَوْضُوع المَتْن مُرَكَّب على هذا الإسْنَاد، وكُلّ رِجَالِه مَشْهُورون مَعْرُوفُونَ بالصِّدْق إلَّا ابن الجارُود فإنَّهُ كَذَّابُ، ولم نَكْتُبه إلَّا من حَدِيثِه.
وقال أبو بَكْر
(3)
في مَوضِع آخر بهذا الإسْنَاد: وقد رَوَاهُ - يعني حديثَ بَقِيَّة، عن مالك، عن الزُّهْرِيِّ، عن أنَسٍ، انْتظار الفَرج
(4)
- شَيْخٌ كَذَّابٌ كان بعَسْكَر مُكْرَمِ، عن عِيسَى بن أحْمَد العَسْقَلانِيّ، عن بَقِيَّة، وأفْحَش في الجُرْأَةِ على ذلك لأنَّهُ معْرُوفُ أَنَّ الجَبَائِرِي تفرَّدَ بهِ، واللهُ أعْلَمُ.
ذَكَرَ الحافِظُ أبو الفَضْل مُحَمَّد بن طَاهِر المَقْدِسِيّ في كتاب تَكْملَة الكَامِل في مَعْرفَة الضُّعَفَاء: أحْمَدُ بن عَبْد الرَّحْمن بن الجارُوْد الرَّقِّيّ، يَضَعُ الحَدِيْثَ ويُرَكِّبهُ على الأسَانِيْد المَعْرُوفَةِ.
أحْمَدُ بن عبد الرَّحْمن في مُحَمَّد بن مَاكَا، أبو بَكْر المُقْرِئُ
(5)
مُقْرِئٌ مَذكُورٌ، قَدِمَ أنْطَاكِيَة سنَة أرْبَعين وثَلاثِمائة، وأقْرأ بها القُرْآنَ العَزيز.
(1)
الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي 5: 230 (رقم 8040)، الموضوعات لابن الجوزي 3:136.
(2)
تاريخ بغداد 3: 42.
(3)
تاريخ بغداد 3: 538.
(4)
أي حديث: انتظار الفرج عبادة.
(5)
كان حيًا سنة 340 هـ، ومصدر ترجمته من رواية أوردها ابن عساكر (7: 41) في ترجمة إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي.
أنْبَأنَا أبو المُفَضَّل أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد بن هِبَة الله
(1)
، قال: قَرأتُ بخَطِّ [أبو](a) الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الحِنَّائِيّ، قال: أخْبَرَني أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن إسْحاق بن إبْراهيم الأنْطَاكِيّ المَعْرُوف بابنِ العَرِيْف (b)، قال: قَدِمَ علينا أنْطَاكِيَةَ سنَة أربَعين وثَلاثِمائة أبو بَكْر أحْمَد بن عبد الرّحْمن بن مُحَمَّد بن مَاكَا، فقيل له: إنَّ إِبْراهيم بن عَبد الرَّزَّاق يَذْكُر أنَّهُ قَرأ على قُنْبُل، فلم يَحْفِل بهذا القَوْل، إلى أنْ ورَدَ في بعض الأيّام رَجُلٌ من أهل خُرَاسَان؛ شَيْخٌ كبيرٌ عليه ثِياب صُوْف، فجلسَ بين يدي الشَّيْخ ابن مَاكَا، وقال: أُرِيدُ أقْرأ، فقَرَأ عليه عشرين آية، وقال: حَسْبي آجرك الله، فقال له: أيشٍ في كُمِّك؟ قال: قِرَاءَات، قال له: وعلى مَنْ قَرأتَ؟ قال: قرأتُ على قُنْبُل أنا ورجُل من أهل أنْطَاكِيَة يقال له إبْراهيم بن عَبد الرَّزَّاق الخَيَّاط، فقال الشَّيْخُ ابن مَاكَا: قُوموا بنا إلى الشَّيْخِ، فجاءَ إلى ابن عَبد الرَّزَّاق، فقال: يا شَيْخ، اجْعَلني في حلِّ، فَجَعَلُه، وعَرف ابن عَبد الرَّزَّاق الرَّجُل، فقال له: أيشٍ لي مَعَكَ، فأخْرَج خَطّ قُنْبُل بقراءةِ ابن عَبد الرَّزَّاق عليه.
أحمدُ بِن عبد الرَّحْمن بن المُبارَك - وقيل: ابن عبد الرَّحْمن بن علّي بن المُبارك - ابن الحَسَن بن نُفَاذَة (c)، أبو الفَضْل السُلمِيُّ الدِّمَشقيُّ
(2)
شَاعِرٌ مُجِيْدٌ، فَاضِلٌ أدِيبٌ، يُلقَّب نَشْءَ الدَّوْلَة (d)، وبَدْر الدِّين، وكان
(a) ساقطة من الأصل.
(b) في تاريخ دمشق لابن عساكر 7: 41 و 52: 19: المعروف بأخي العريف.
(c) قيده في هذا الموضع بالدال المهملة، وقيده بالمعجمة في بعض المواضع التالية، وهو بالذال أيضًا في الخريدة للأصفهاني (11: 329)، وجاء في بعض أصوله: نفاثة، وقلائد الجمان لابن الشعار 1: 247، وتاريخ الإسلام (13: 30) قيده الذهبي بخطه، وورد بالدال المهملة في الغصون اليانعة لابن سعيد 26، والصفدي (الوافي 7: 39) وابن شاكر الكتبي (فوات الوفيات 1: 84) والزركشي: عقود الجمان ورقة، والمقريزي (المقفى 1: 508).
(d) في خريدة القصر 11: 329 وقلائد الجمان 1: 247: نشو الدولة.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 7: 41 - 42.
(2)
توفي سنة 601 هـ، وترجمته في: خريدة القصر (قسم الشام) 11: 329 - 334، ابن الشعار: قلائد=
يَكْتُب للمَلِك النَّاصر صَلاح الدِّين يُوسُف بن أيُّوب، ويَصْحَبُه حَضَرًا وسَفَرًا، وقَدِمَ معَهُ حَلَب حين افْتَتَحَها.
أنْشَدَنا عنه شَيئًا من شِعْره أبو مُحَمَّد مَكِّيّ بن المُسَلَّم بن عَلَّان الدِّمَشقيّ، وأبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد بن عبد الرَّحْمن القُوصِيّ، قال لي أبو المَحَامِد: كان لا يُبَارَى في فَضْله، ولا يُجارَى في مَعْرفتِه ونُبْلْهِ، وجَمْعِهِ بين رئاسةِ نَفْسه وطِيْب أصْلِهِ، ووَرَّث عنه حُسَن الكتَابةِ وحليَةَ الفَضْل لذُرِّيَّتِه ونَسْله.
قال: ومَوْلدُه بدِمَشْق في شُهور سَنَة إحْدَى وأرْبَعين وخَمْسِمائَة.
وقال لي السَّدِيْد أبو مُحَمَّد مَكِّيّ بن المُسَلِّم: إنَّ أبا الفَضْل بن نُفَاذَة دَخَلَ حَلَب مِرَارًا، ومَدَحَ بها المَلِك الظَّاهِر غَازِي رحمه الله.
أنْشَدَنا سَدِيد الدِّين أبو مُحَمَّد مَكِّيّ بن المُسَلَّم، قال: أنْشَدَنا الأَمِير نَشءُ الدَّوْلَة أبو الفَضْل أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن المُبارَك بن الحَسَن بن نُفَاذَة السُّلمِيِّ الدِّمَشقيّ لنَفْسِه
(1)
: [من الخفيف]
سَفَرت عن جَبِيْنها الوَضَّاح
…
فأَرَتْنَا في اللَّيْل ضَوءَ الصَّبَاحَ
قُلْتُ لمَّا زَارَتْ على غَيْر وَعْدٍ
…
تتَهادَى كالغُصْن تَحْت الرِّيَاحَ
مَرْحَبًا بالّتي أبادَتْ هُمُومِي
…
وغمُومي وأبْدَأت أفْرَاحي
أيُّها اللَّائِمي على حُبِّها
…
أقْصِر فما أنْتَ فيه من نُصَّاحِي
مُقْلَة الظَّبْي سَالف الرِّيم قَدّ الـ
…
غُصْن خَدّ الشَّقِيْق ثَغْر الأقَاحِي
أنْشَدَني شِهَاب الدِّين أبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد القُوصِيّ، قال: أنْشَدَني
_________
= الجمان 1: 247 - 248، ابن سعيد الأندلسي: الغصون اليانعة 26 - 28، فوات الوفيات 1: 84 - 86، تاريخ الإسلام 13: 30، الوافي بالوفيات 7: 39 - 44، وأورد له الصفدي مقطوعات كثيرة من شعره، الزركشي: عقود الجمان ورقة 30 أ - 30 ب، المقريزي: المقفى الكبير 1: 508.
(1)
ثلاثة أبيات منها في المقفى 1: 508.
الشَّيْخ الرَّئِيسُ الأدِيْبُ الفَاضِلُ البَارِع نشَءُ الدَّوْلَة بَدْر الدِّين أبو الفَضْل أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن عليّ بن المبُارَك بن الحَسَن بن نُفَاذَة السُّليَّ مُتَغزِّلًا على حَرْف الهَمْزة: [من الكامل]
يا سَاكنًا في مُهْجَتي تتَبَوَّأ
…
لِمَ لا ترِقُّ لأدْمُعٍ لا تَرْقَأُ
لي منْكَ جَفْنٌ لا يَجِفُّ وثقْلُ هَـ .... ـــمٍّ لا يَخِفُّ ومَضْجِعٌ لا يَهْدَأُ
هل ما تمزَّقَ من فُؤادِي بالجَفَا .... يا هَاجِري بيَدَي وصَالِكَ يُرْفَأُ
ومُدَلَّلٍ أنا في هَوَاهُ مُذَلَّلٌ
…
منهُ ومنِّي مالكٌ ومُوَطَّأُ
ثَمِلُ المَعَاطِفِ قَدُّهُ مُتَأوِّدٌ
…
بالغُصْنِ يُزْرِي إذ يُهَزُّ ويَهْزَأُ
بلِحَاظِهِ قَلْبي جَريحُ مُثْخَنُ
…
فالوَصْلُ يَأسُو (a) والتَّجَنِّي يَنْكَأُ
سُبْحَان خَالِقهِ ومُبْدع حُسْنِهِ
…
واللهُ يَخْلُقُ ما يشَاءُ ويَذْرَأُ
كاللَّيْلِ شَعْرًا غَاسِقًا والصُّبْح وَجْـ .... ــهًا شَارقًا أنْوَارُهُ تتَلَأَلأُ
في ثَغْرِهِ حانِيَّة عَانِيَّةُ
…
تُسْبَى العُقُولُ بها ولَيْسَتْ تُسْبَأُ
سَفَكَ الدِّماءَ وطَرْفُه سَيَّافُهُ
…
وَبِهِ على إجْرائها يَتَجَرَّأُ
مُتَمَرِّضُ الأجْفَانِ قلْبي مُذْجَفَا
…
مُتَمرِّضُ وكلاهُما لا يَبْرَأُ
صَبْرِي لدائرةَ الصَّبَابَةِ نقْطَةُ
…
تُسْمي وليسَ تُرَى ولا تَتَجَزَّاُ
يَحْظَى به غَيْري وأُحْرَمُ وُدَّهُ
…
وسِوَايَ يَرْوى بالوصَالِ وأَظْمَأُ
قال لنا أبو المحامِد القُوصِيّ: وأنْشَدَني لنَفْسِه مُتَغَزِّلًا على حَرْف الذَّالِ المُعْجَمة: [من الكامل]
رُسُلُ اللِّحاظِ إلى الخَوَاطِرِ تُنْفَذُ
…
وسهَامُها في كُلِّ قَلْبٍ تَنْفُذُ
ومن العَجَائِب وَهْيَ تُصْمِي مُهْجَتي
…
أنّي بوَقْع سِهَامها أتَلَذَّذُ
إنَّ السِّهَام لتُخْطئُ المرىَ سِوَى
…
سهْمٍ بأهْدَاب الجُفُون مُقَذَّذُ
(a) الأصل: يا سوا.
وبمُهْجَتي صَاحٍ يُعَربِدُ لحظُهُ
…
تِيْهًا عليَّ فطَرْفُهُ مُتَنَبِّذُ
رَشَأُ يَصِيْدُ بحُسْنِه مُهَجَ الوَرَى
…
وعلى العُقُولِ بِسحْرِهِ يَسْتَحْوذُ
تَحْوي القُلُوبَ بخفَّةٍ وصِنَاعَةٍ
…
أجْفَانُهُ فاللحَّظُ منه مُشَعْبِذُ
سِحْرٌ بهِ فَتَنَ الأنَامَ فحقُّ ها
…
رُوْتَ الإمَامِ لجَفْنِهِ يَتَتَلمَذُ
مَقْبُولُ شخصٍ بالعُيونِ مُقَبّلٍ
…
ميهوبُ حُسْنٍ بالأمَاني يُجْبَذُ
ميعَادُهُ مثلُ السَّرابِ ووَصْلُهُ
…
بالقَوْل لا بالفعْل فَهْوَ مُطَرْمِذُ
مِن طَبْعِ أهْلِ الشَّامِ قاسٍ قَلْبُهُ
…
لكنَّهُ في دَلِّهِ يتبَغْدَذُ
يا نَظرةً قد أعْقَبَتْني حَسْرةً
…
طَرْفي جَنَا فعَلَام قَلْبي يُؤْخَذُ
وَجْدِي بِهِ طُولَ الزَّمانِ مُجَدَّدُ
…
والقَلْبُ منْهُ بالصُّدُودِ مُجَذَّذُ
والحُزْن مُرْدٍ في هَوَاهُ مُرَدَّدُ
…
والخَدُّ من مَطَرِ الدُّمُوعَ مُرَذَّدُ
وأنْشَدَنا أبو المَحَامِد القُوصِيّ، قال: وأنْشَدَني رحمه الله لنفْسِه مُتَغَزِّلًا على حَرْف الزَّاي: [من الطويل]
أعَانُوا على القَلْبِ الجَرِيْح وأجْهَزُوا
…
وسَفْكَ دَمِي ظُلْمًا أباحُوا وجَوَّزُوا
هُمُ رَحَّلُوا صَبْري غَدَاة رَحِيْلِهم
…
وَسِرِّيْ بوَجْدِي أبَرزُوا يَوْمَ بَرَّزُوا
وكنتُ كنَزْتُ الدَّمْعَ ذُخْرًا لبَيْنِهِمْ
…
فأنفَقْتُ يَوْمَ البَيْن ما كنتُ أكْنِزُ
يَعزُّ وقد بانُوا عليَّ فِرَاقُهُم
…
ويعْزُبُ صَبْري والتَّجَلُّدُ يُعْوزُ
وكانُوا حَيَاتي فارقُوني ففَارقتْ
…
فها أنا حَيٌّ في ثِيَابي مُجَنَّزُ
وبي حُبُّ مَنْ لا الوُدُّ يُطْلَبُ عندَهُ
…
ولا الوَصْلُ مرجُوٌّ ولا الوَعْدُ مُنْجَزُ
لدَائرة الأبْصَارِ من حَوْلِ وجهِهِ
…
إذا ما بَدَا من نُقْطة الخالِ مَرْكَزُ
لهُ غُصنُ قَدًّا بالمَلَاحَةِ مُزْهرُ
…
ودِيْبَاجُ خَدّ بالعذَارِ مُطَرِّزُ
هُوَ الرُّمْحُ قدًّا واعْتِدَالًا ولحْظُهُ
…
سنَانُ بِهِ ما زَالَ قَلْبي يُوْخَزُ
حكَى ألِفَ الخَطِّ اعْتِدَالُ قوامِهِ
…
ولكنَّهُ من عَطْفِه الصُّدْغ يُهْمَزُ
لقد صَاد قَلْبي حُبُّه بِيَدِ الهَوَى
…
ولم يُجْدِ فيه أَنَّني مُتَحرِّزُ
أخْبرَني أبو المَحَامِد القُوصِيّ أنَّ أبا الفَضْل بن نُفَاذَة تُوفِّي بدِمَشْق في شُهور سَنَة إحْدَى وسِّتمائة تاسع المُحَرَّم منها.
أحمد بن عبد الرَّحيم بن عليّ بن الحَسَن بن الحَسَن بن أحْمَد اللَّخْمِيّ، أبو العبَّاس بن أبي عليّ بن أبي المَجْد البَيْسَانِيّ المِصْرِيّ المَعْرُوف بالقَاضِي الأشْرَف ابن القَاضِي الفَاضِل
(1)
أصْلُ سَلَفه من بَيْسَان، وانْتقلُوا إلى عَسْقَلان، ووَلِيَ جدّه قضاءها، ووُلد أبُوه بها، ثُمَّ انْتَقَلَ عنها إلى مِصْر حين غَلَب عليها الفِرِنْج، فنَشَأ بمِصْر على ما نذكُره في تَرْجَمَتِهِ
(2)
إنْ شَاءَ اللهُ، ووُلد له هذا الوَلَد أبو العبَّاس بمِصْر في المُحَرَّم سَنَة ثَلاثٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة، أخْبَرَني بمَوْلده جَمال الدِّين مُحَمَّد بن عليّ الصَّابُونِيّ، وكان رَجُلًا حَسَنًا فَاضِلًا، شَرِيْف النَّفْس، وَقُورًا مُشْتَغلًا بما يعنيه.
سَمِعَ الحَدِيث الكَثِيْر في كبره بدمَشْق وبَغْدَاد وحَلَب، وغيرها من البِلاد، وكان سَمِعَ الحافِظ أبا مُحَمَّد القَاسِم بن أبَي القَاسِمِ الحافِظ الدِّمَشقيّ، وفاطِمَة بنت سَعْد الخَيْر وغيرهما، وقَدِمَ علينا حَلَب رَسُولًا إلى بَغْدَاد، فسَمعَ بها من جَمَاعَة منهم: أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عبد الله وغيره، وكان قد سَمِعَ إنْشَاد السَّعِيْد ابن سَنَاء المُلْك، وأحَازَت لهُ تَجَنِّي (a) الوَهْبَانيَّة وطَبَقتها، وكان يَنْظم
(a) في الأصل: بحنى، وصوابه المثبت. انظر: العبر للذهبي 3: 67، سير أعلام النبلاء 20: 550 - 551، المختصر المحتاج إليه 3: 359، الوافي بالوفيات 10: 379، تبصير المنتبه لابن حجر =
_________
(1)
توفي سنة 643 هـ، وترجمته في: قلائد الجمان لابن الشعار 1: 173 - 173، الحسيني: صلة التكلمة لوفيات النقلة 1: 137، تاريخ الإسلام 14: 433، سير أعلام النبلاء 33: 311، العبر في خبر من غبر 3: 345، الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي 368، الوافي الوافيات 7: 57 - 58، اليافعي: مرآة الجنان 4: 84، ابن دقماق: نزهة الأنام 164، المقريزي: المقفى 1: 496 - 498، شذرات الذهب 7:378.
(2)
ترجمة أبيه عبد الرحيم بن علي في أحد الأجزاء الضائعة من الكتاب.
الشِّعْر، ولم يَزَل يَطْلب ويَسْمع الحَدِيْث حتَّى عَلَت سِنَّهُ.
ووَقَف على أهْلِ الحَدِيْث كُتُبًا حَسَنة بالمَقْصُورتَيْن المَعْرُوفَتَيْن به وبوالده بالكَلَّاسَة من جامع دِمشْق.
وكان أخْبَرَني عنه جَمَاعَة من المُحَدِّثِيْن أنَّهُ يمتَنعُ من الرِّوَايَة والتَّحْدِيث، ثمّ إنَّني اشْتَريتُ أجْزاء من مَسْمُوعَاته، فوجدْتُه قد حدَّث بمَدْرَسَة أبيهِ بالقَاهِرَة في سَنَة ثمانٍ وعشرين وستِّمائة بشيء من حَدِيثه، وسَمِعَ منه جَمَاعَة من طَلَبة الحَدِيْث منهم صَاحِبُنا بالدِّيَار المِصْرِيّة أبو الحَسَن عليّ بن عَبد الوَهَّاب بن وَرْدَان.
ورَوَى لنا عنهُ شَيئًا من شِعْره أبو الفَضْل عبَّاس بن بَزْوَان الإرْبِليَ، وأبو عَبْد الله بن الصَّابُونِيّ، وكُنْتُ اجْتَمَعْتُ به في سنة ستٍّ وعشرين وستِّمائة بدِمشْق، وفي سَنة [سَبعْ](a) وثَلاثين بمِصْر، ولم يتَّفق لي سَمَاع شيء منهُ.
أنْشَدَني أبو الفَضْل عبَّاس بن بَزْوَان، قال: أنْشَدَني القَاضِي الأشْرَف أحْمَد بن عبد الرَّحيم بن عليّ بن البَيْسَانِيّ لنَفْسِه، وقال: أنْشَدتُها الوَزِير ببَغْدَاد ارْتِجَالًا حين أُرْسلْتُ إلى بَغْدَاد
(1)
:
يا أيُّها المولَى الوَزِيرُ ومَنْ لهُ
…
نِعَمٌ حَلَلْنَ من الزَّمان وثَاقي
مَنْ شاكَرٌ عنِّي بذاكَ (b) فإنَّني
…
من عُظْم ما أولَيْتَ ضَاقَ نطَاقي
= العسقلاني 1: 194 وضبطه بالحرف، شذرات الذهب 6: 414، وضبط الزبيدي الاسم بضم التاء وسكون النون. تاج العروس، مادة: سفر.
(a) ترك المؤلف موضع السنة بياضًا، وكان ابن العديم قد زار مصر مرات عديدة، وتتبعنا سيرته وأسفاره خلال عشر الثلاثين، فلم يكن له خروج إلى مصر إلا في سنة 637 هـ، رسولًا إلى الملك العادل للتهنئة بما حققه جيشه من انتصار على الإفرنج في غزة، وقد تقدم له ذكر سفرته لمصر هذه في ترجمته المتقدمة لأحمد بن الخليل الخُويّيّ. وانظر: زبدة الحلب 2: 693.
(b) ابن الشعار وابن دقماق: نداك.
_________
(1)
انظر الأبيات في وفيات الأعيان 3: 163، ونزهة الأنام لابن دقماق 164، والبيتان الثاني والثالث في قلائد الجمان 1:173.
مِنَنٌ تَحِفُّ على يدَيْك وإنَّما (a)
…
ثَقُلَتْ مؤونَتُها على الأعْنَاق
أنْشَدَنا جَمال الدِّين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عليّ بن الصَّابُونِيّ، قال: أنْشَدَني القَاضِي الأشْرَف ابن القَاضِي الفَاضِل لنَفْسِه بالقَاهِرَة:
الحَمْدُ للهِ وشُكْرًا لهُ
…
كم نِعْمَةٍ ألْبَسَني فَاخِرَهْ
أعْطَانيَ الدُّنْيا بأفْضَالهِ
…
وانْظُرْ لِمَا خَوَّلَ في الآخرَهْ
أنْشَدَني جَمال الدِّين بن الصَّابُونِيّ، قال: أنْشَدَني القَاضِي الأشْرَف ابن الفَاضِل، قال: أنْشَدَني هِبَة الله بن جَعْفَر بن سَنَاء المُلْك لنَفْسِه
(1)
: [من الخفيف]
لعُلِوُّيَ جَرِبْتُ لا لانْحِطَاطِي (b)
…
جَرَبي رِفْعَةً وما هو (c) دَاءُ
جَرِبتْ قَبْلي (d) السَّماءُ ونَاهيْـ
…
ــك علوًّا أنْ أَشْبَهَتْني السَّماءُ
ولقد أجْمَع الرُّوَاةُ وما في
…
ذَاكَ خُلْفٌ (e) أنَّ اسْمَهَا الجَرْبَاءُ
سَمِعْتُ أبا الفَضْل عبَّاس بن بَزْوَان، رفيقُنا رحمه الله، يقُول: ماتَ القَاضِي الأشْرَف أبو العبَّاس أحْمَد ابن القَاضِي الفَاضِل بالقَاهِرَة في لَيْلَة الاثْنَين سابع جُمَادَى الآخرة من سَنَة ثَلاثٍ وأرْبَعيِن وسِتّمائة، ودُفِنَ في يَوْم الاثْنَين بعد صَلَاة العَصْر بسَارِيَة إلى جَنْب والده، رَحَمهُما اللهُ.
أحْمَدُ بن عَبد الرَّزَّاق بن عَبد الوَهَّاب، أبو الفَوَارِس البَالِسِيُّ
القَاضِي ببَالِس، حَدَّثَ بها [ .... ](f) . رَوَى عنهُ القَاضِي أبو البَرَكَات مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الأنْصَاريّ قاضي سُيُوط (g).
(a) ابن الشعار: وربما.
(b) الديوان: لانخفاضي.
(c) الديوان: وإن كان.
(d) الديوان: مثلي.
(e) الديوان: ولذا أجمع الرواة وما خولف فيها.
(f) ترك ابن العديم بعده بياضًا قدر ثمان كلمات ليستدرك فيه اسم مشايخه، ولم نجد له ترجمة عند غيره.
(g) بعده بياض قدر خمسة أسطر.
_________
(1)
ديوان ابن سناء الملك 2: 557.
أحمد بن عَبد السَّيِّد بن شَعْبان بن مُحَمَّد بن بَزْوَان بن جَابِر بن قْحَطَان، أبو العبَّاس الهَذَبَانِيّ الكُرْدِيّ المَعْرُوف بصَلاح الدِّين الإرْبِليِّ
(1)
كان صَائغًا بإرْبِل، واشْتَغلَ بالأدَب، واتَّصَل بخِدْمَة المك المُغِيْث ابن المَلِك العادِل أبي بَكْر بن أَيُّوب حين كان بإرْبِل، وكان يُغَنِّي له، وخَدَمَهُ وصَار حَاجبًا له، ووَصَل معَهُ إلى مِصْر، فلمَّا تُوفِّي، اتَّصَلَ بالمَلِك الكَامِل، فنَفَق عليه وتقدَّم عندَهُ، وصار عنده أميرًا كبيرًا، وحبَسَهُ مُدَّةً، ثمّ أطْلقَهُ
(2)
، وعَظُم عنده.
وكان أميرًا فَاضِلًا شَاعِرًا، حَسَن الأخْلَاق، قَدِمَ حَلَب في اجْتيَازه إلى مِصْر، ثمّ قَدِمَ مَنْبج صُحْبَة الملك الكَامِل أبي المَعَالِي مُحَمَّد بن أبي بَكْر بن أيُّوب، حين وَردها قَاصِدًا بَلَد الرُّوم بعَسَاكِره.
رَوَى لنا عنهُ شَيئًا من شِعْره القَاضِي مُحْيي الدِّين مُحَمَّد بن جَعْفَر ابن قاضي إرْبِل، والفَقِيه شِهَاب الدِّين أبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد القُوصِيّ، وأبو الرَّبيع سُليْمان بن بُنَيْمان (a) الإرْبِلِيّ.
وأخْبرَني أبو المَحَامِد القُوصِيّ أنَّ مَوْلد الأَمِير صَلاح الدِّين بإرْبِل في شُهُور سَنَة أرْبَعٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة على ما ذكر.
(a) مهملة في الأصل، وتقدم التعليق عليه في الجزء الأول من هذا الكتاب.
_________
(1)
توفي سنة 631 هـ، وترجمته في: تاريخ إربل لابن المستوفي 313 - 316 (في القطعة التي نشرها بشار عواد)، وفيه نماذج عديدة من شعره، وابن الشعار: قلائد الجمان 1: 170 - 173، والمنذري: التكملة 3: 376، وابن خلكان: وفيات الأعيان 1: 184 - 187، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 22: 334، ابن واصل: مفرج الكروب 5: 164 - 166، الذهبي: تاريخ الإسلام 14: 34، سير أعلام النبلاء 22: 367، أبو الفداء: المختصر في أخبار البشر 3: 156، الصفدي: الوافي بالوفيات 7: 62 - 64، الزركشي: عقود الجمان (في طيارتين مفردتين موضعهما بعد الورقة 33)، المقريزي: المقفى 1: 499 - 501، النجوم الزاهرة 6: 386، ابن العماد: شذرات الذهب 7: 251.
(2)
ينظر في ظروف اعتقاله وتخلصه من الحبس باستعطاف الملك الكامل: ابن واصل: مفرج الكروب 165:5.
أنْشَدَنا القَاضِي مُحْيي الدِّين مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن مَحْمُود الإِرْبِلِيّ، قال: أنْشَدَني صَلاح الدِّين أحْمَد بن عَبد السَّيِّد بن شَعْبان الإرْبِلِيّ لنَفْسِه بالجُسُور ظاهر مَدِيْنَة دِمَشْق
(1)
:
تعَدَّى إلى الخَيْل الغرامُ كأنَّما
…
بطِيْب زَمانِ الوَصْلِ يخبرُها عَنَّا
نُجاذبُهَا رِفْقًا بها وتمُدُّنا
…
إليكُم من الشَّوْق الّذي اكتَسَبَتْ منَّا
أنْشَدَني شِهَابُ الدِّين أبو المَحَامِد القُوصِيّ، قال: أنْشَدَني الأَميرِ الأجَلّ الفَاضِل صَلاح الدِّين أبو العبَّاس أحْمَد بن عَبد السَّيِّد بن شَعْبان الهَذَبَانِيّ رحمه الله بدِمَشْق سَنَة ستٍّ وعشرين وستَّمائة لنَفْسِه في الفِرَاق:
والله لولا أماني القَلْب تُخْبرني
…
بأنَّ مَنْ بَان يدْنُو مُسْرعًا عَجِلا
قتَلْتُ نَفْسِيَ يَوْمَ البَيْن مِن أسَفٍ
…
وكان حَقًّا بأنْ أسْتَعْجلَ الأجَلَا
وأنْشَدَنا قال: وأنْشَدَني أيضًا لنَفْسِه وكتَب بها إلى صَدِيْق له: [من الكامل]
لم تَرْحَلُوا عنِّي لأنَّ مَحَلَكُم
…
قَلْبٌ بكم ما إنْ يَزَالُ مُتَيَّما
والبَيْنُ إنْ نقَضَ الخيامَ من الثَّرَى
…
فالوَجْدُ أودَعَها الفُؤَاد وخَيَّمَا
قال: وأنشَدَني لنَفْسِه في المَعْنَى، وكَتَبَ بها إلى صَدِيْق لهُ:[من الطويل]
على بُقْعَة عنها ترحَّلْتَ وَحْشَةً
…
كأُنْسِ مَكانٍ أنتَ فيهِ مُخَيِّمُ
وحَسْبي عَذَابًا أنَّني عنكَ نَازِحٌ
…
وغَيْري قَريبٌ بالوصَال مُنَعَّمُ
أنْشَدَني أبو الرَّبيْع سُليْمان في بُنَيْمان الإرْبِليِّ، قال: أنْشَدَني صَلاح الدِّين الإرْبِليّ أحْمَد بن عَبد السَّيِّد لنَفْسِه: [من البسيط]
في حَالةِ البُعْد رُوْحي كُنْتُ أُرْسلها
…
تُقَبِّلُ الأرْض عنِّي فَهْيَ نَائبَتي
(1)
البيتان في الوافي بالوفيات 7: 64.
وهذه نَوْبَةُ الأشْبَاحِ قد حَضَرَتْ
…
فامْدُدْ يَمِيْنكَ كي تَحْظى بها شَفَتي
وأنْشَدَني سُليْمان بن بُنَيْمان، قال: أنْشَدَني صَلاح الدِّين لنَفْسِه: [من الرمل]
ما إلى تَرْكِ هَوَاكُمْ لي سَبِيْلُ
…
كيفَ شئْتُمْ فاعْدِلُوا عنِّي وَمِيْلُوا
آهِ ما قَوْليْ لكُمْ آهًا على
…
زَمَنٍ يَفْنَى وأوْقَاتٍ تَحُوْلُ
إنَّما أبْكي على يُتْمِ الهَوَى
…
بعدَ مَوْتي مَنْ لَهُ حَيٌّ حَمُولُ
أنْشَدَنا أبو المَحَامِد القُوصِيّ، قال: أنْشَدَني صَلاح الدِّين الإرْبِليّ لنَفْسِه، وذَكَرَ أنَّهُ أوْصَى بأنْ يُكْتب البَيْتان على قَبْره رحمه الله
(1)
: [من الكامل]
يا رَبّ عَبْدُكَ جاء رَهْن ذنُوبه
…
مُتَرجِّيًا من عَفْوكم للجُوْدِ
فشِمالُهُ في شَعْر شَيْبَة وَجْهِهِ
…
ويَمِيْنُه في عُرْوَة التَّوْحِيدِ
قال القُوصِيّ: وهذا الأَمِير صَلاح الدِّين الإرْبليّ، رحمه الله، كان فَاضِلًا، مُجِيْدًا لشِعْره ودُوْبَيتاتِه، مُفِيْدًا في مُحَاضَرَاته ومُذَاكَرَاته، وصَحِبَ المَلِك المُغِيْث مُدًّةً طَوِيلَةً، وكانت صُحْبَتُه له بإرْبِل ودِمَشْق صُحْبَة جَمِيلة. ثمّ خَدم الدَّوْلَة المَلكِيَّة الكَامِليَّة، فحصَل له فيها المال الوَافرُ، والجاه الحَسَن، وكَفر دَهْرُه في آخر وَقْته بحَسَنات المِنَح ما جناهُ عليه من سيئَات المحَن، وتُوفِّيَ في الشَّرْق في العَسْكَر الكَامِليّ في شُهُور سَنَة إحْدَى وثَلاثين وستِّمائة، ودُفِنَ بالرُّهَا، ثمّ نُقِلَ إلى قَرَافَة مِصْر.
وقال لي ابن بُنَيْمان (a): إنَّهُ تُوفِّي بالرُّهَا في سَنَة اثْنَتَيْن وثَلاثين وستِّمائة، وكان قد مَرض بالسُّوَيْدَاء فنُقِلَ في مِحَفَّة، فماتَ بالرُّهَا ودُفِنَ بها
(2)
.
أنْبَأنَا الحافِظُ أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْم بن عَبْدِ القَوِيّ المُنْذِريّ، قال في ذِكْر
(a) مهملة في الأصل، وتقدم التعليق عليه في الجزء الأول من هذا الكتاب.
_________
(1)
البيتان في المقفى الكبير 1: 501، وعنده: أوصى أن يكتب على أكفانه بالزعفران.
(2)
في تاريخ إربل (316): توفي في 15 ذي الحجة 631 هـ، ودفن بظاهر الرها.
مَنْ ماتَ في سَنَة إحْدَى وثَلاثين وستِّمائة من كتاب التَّكْملِة لوَفَيَاتِ النَّقَلَة
(1)
: وفي العشرين من ذِي الحِجَّةِ، تُوفِّي الأَمِيرُ الأجَلُّ أبو العبَّاس أحْمَد بن عَبدِ السَّيِّد بن شَعْبان بن مُحَمَّد [بن بَزْوَان](a) بن جَابِر بن قَحْطَان الإرْبِلِيِّ المَوْلد والمَنْشأ، المِصْرِيّ الدَّار، المَنْعُوت بالصَّلاح، بمَدِيْنَة الرُّهَا، ودُفِنَ من يَومِهِ بالمَقْبَرَة المَعْروفَة بمَقْبَرَة باب حَرَّانَ، وكنْتُ إذ ذاكَ بها، ثمّ نُقِلَ من هُناكَ إلى مِصْرَ.
حدَّثَ بشَيءٍ من شِعْرِه، سَمِعْتُ منهُ شَيئًا منه ببعض بلاد حِمْص، ومَوْلدُه في شَهْر رَبيع الآخر سَنَة اثْنَتَيْن وسَبْعِين وخَمْسِمائَة بإرْبِل؛ ذكَرَ أنَّهُ رآهُ بخَطِّ والدِه عَبد السَّيِّدِ بن شَعْبان.
وكان اتَّصَلَ بخِدْمَة مُظَفَّر الدِّين بن زَيْن الدِّين صَاحِب إرْبِل مُدَّةً، ثمّ تَوَجَّه إلى الشَّامِ، ثمّ اتَّصَلَ بخِدْمَة الملك الكَامِل، وتقَدَّم وترسَّلَ عَنْه.
(a) إضافة من التكملة للمنذري.
_________
(1)
التكملة لوفيات النقلة 3: 376.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبهِ تَوفِيقِي
ذِكْرُ مَنْ اسْمُ أبيهِ عَبْدُ العَزِيْز من الأحْمَدِين أحْمَدُ بن عَبْد العَزِيْز بن أيُّوبَ بن زَيْدٍ، أبو عَبْدِ اللهِ العِرْقِيُّ
(1)
من أهل عِرْقَة، ووُلد بالمَوصِل، ففي نُقْلَته من المَوْصِل إلى عِرْقَة اجْتازَ بحَلَب أو ببعضِ عَمَلها.
أخْبَرَنا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ الله بن مُحَمَّد بن الشِّيْرَازيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة الله الشَّافِعيّ
(2)
، قال: أحْمَدُ بن عَبْد العَزِيْز بن أيُّوب بن زَيْد أبو عَبْد الله العِرْقِيّ الأُطْرُوش المَعْرُوف بالعُجَيْل، وُلد بالمَوْصِل، وحدَّثَ بعِرْقَة عن يَحْيَى بن عُثْمان الحِمْصِيّ.
رَوَى عنهُ أبو بَكْر مُحَمَّد بن إبْراهيم بن زُوْزَانَ الأنْطَاكِيّ.
أحمدُ بن عَبْد العَزِيْز بن دَاوُد بن مِهْرَان الرَّاذَانِيُّ الحرَانيُّ
(3)
رحَلَ إلى مِصْرَ وسَمِعَ بها الحَدِيْث، ثمّ عَادَ إلى بَلدِه حَرَّان، ففي طَرِيقِه اجْتازَ بحَلَب أو ببَعْضِ عَمَلها.
ذكَره أبو سَعيد عبد الرَّحْمن بن أحْمَد بن يُونُس الصَّدَفِيّ في كتابه في تاريخ الغُرَبَاءِ
(4)
ممَّن قَدِمَ مِصْرَ، وقَرأتُهُ بخَطِّ عَبْد الغَنِيّ بن سَعيد الحافِظ، قال:
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 272 - 273.
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 272.
(3)
توفي بعد سنة 270 هـ.
(4)
لم أقف على ذكر له في تاريخ ابن يونس الصدفي، وتكرر عنده ذكر عمّ المترجم له: عبد الغفار بن داود الحراني.
أحْمَد بن عَبْد العَزِيْز بن دَاوُد بن مِهْرَان الرَّاذَانِيّ، من أهل حَرَّان، هو ابن أخي أبي صالح عَبْد الغَفَّار بن دَاوُد الحَرَّانيّ، قَدِمَ مِصْر سَنَة تِسْعٍ وِسِتِّين، وكان قد رحَلَ وكتَبَ الحَدِيْث، وكان يحفَظُ كُتبًا عن ثَابِت بن مُوسَى وطَبَقته نحو النَّيف وعشرين ومَائتَيْن، ورجَع إلى حَرَّان سَنَة سَبْعين ومَائتَيْن، وماتَ في رجُوعهِ، وكُتِبَ عنهُ.
أحمدُ بن عَبْد العَزِيْز بن مُحَمَّد بن حَبِيْب السُّلَمِيُّ المَقْدِسِيُّ الوَاعِظ، إمَام جَامع الرَّافِقَة، أبو الطَّيِّب
(1)
قَدِمَ حَلَب مُجْتَازًا، وسَمِعَ بشَيْزَر أبا السَّمْح إبْراهيم بن عبد الرَّحْمن بن جَعْفَر المَعَرِّيّ التَّنُّوخِيّ، مُعَلِّم بني مُنْقِذ، وبالبَيْت المُقَدَّس الفَقِيه نَصْر بن إبْراهيم المَقْدِسِيّ، وبمَكَّة أبا عبد الله الحُسَين بن عليّ الطَّبَريّ.
رَوَى عنهُ الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الشَّافِعيّ في مُصَنَّفاته، وكان شَاعِرًا حَسَن الشِّعْر.
أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبدِ الوَهَّاب الأنْصَاريّ الدِّمَشقيّ المَعْرُوفُ بابنِ الشِّيْرَجِيّ بحَلَب، وأبو إسْحاق إبْراهيم بن بَرَكات بن إبْراهيم المَعْرُوف بالخُشُوعِيّ، بقراءتي عليه بالرَّبْوَة من ظاهر دِمَشْق، قالا: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَةِ الله الشَّافِعيّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو الطَّيِّب أحْمَد بن عَبْد العَزِيْز بن مُحَمَّد بن حَبِيْب السُّلَمِيّ المَقْدِسِيّ الوَاعِظ، إمَام جَامعِ الرَّافِقَة، بقراءتي عليه في المُحَرَّم سَنَة تِسْعٍ وعِشْرين وخَمْسِمائَة، قال: أخْبَرَنا الشّيْخُ الإمامُ إمَامُ الحَرَمَيْن أبو
(1)
توفي سنة 531 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 373 - 376، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 30: 397 - 398، تاريخ الإسلام 11: 482 (أرخ وفاته سنة 529 هـ)، الوافي بالوفيات 7: 72، الزركشي: عقود الجمان ورقة 43 أ، المقريزي: المقفى الكبير 1: 484 - 485.
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 373 - 374.
عَبْد اللّهِ الحُسَينُ بن عليّ الطَّبَريّ الفَقِيه بمَكَّة، حَرَسَها اللّهُ، في المَسْجِد الحَرَام سَنَة سَبعٍ وثمانين وأرْبَعِمائة، ح.
قال الحافِظُ أبو القَاسم: وأخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن الفَضْل الفَرَاوِيّ، وأبو مُحَمَّد إسْمَاعِيْل بن أبي بَكْر القَارِئ بنَيْسَابُور، قالوا: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عَبْد الغَافِر بن مُحَمَّد الفَارِسِيّ بنَيْسَابُور، قال: أخْبَرَنا أبو سَهْل بِشْرُ بن أحْمَد الفَارِسِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو سُليْمان دَاوُد بن الحُسَين بن عَقِيل البَيْهَقِيّ بخُسْرُوجِرْد، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن يَحْيَى بن عبد الرَّحْمن التَّمِيْمِيّ، قال: أخْبَرَنا هُشَيْم، عن أبي هارُون العَبْدِيّ، عن أبي سَعيد الخُدْرِيّ، قال: سَمِعْتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم غير مَرَّة ولا مَرَّتَين يقُول في آخر صَلَاته أو حين يَنْصرف
(1)
(2)
.
أنْبَأنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أنْشَدَنا عَمَّي الحافِظ أبو القَاسم
(3)
، قال: أنْشَدَني أبو الطَّيِّب لنَفْسِه: [من المديد]
مَنْ لصَبٍّ نَازِح الدَّار
…
نَهْبِ أشْوَاقٍ وأفْكَارِ
مُسْتَهامِ القَلْبِ مُحْتَرقٍ
…
بهَوىً أذْكَى منَ النَّارِ
فَنِيَتْ بالبُعْدِ أَدْمُعُهُ
…
فَهْوَ يَبْكي بالدَّمِ الجَارِي
قائلًا: جَارَ الزَّمانُ على
…
مُهْجَتي في فُرْقةِ الجَارِ
فإلى مَنْ أشْتَكِي زَمنًا
…
غالَني في حُكْمهِ الجَارِي
بيدٍ قَذَّافةٍ سَلَبَتْ
…
كُلَّ أغْرَاضِي وأَوْقَارِي (a)
(a) يشبه رسمها في الأصل: "أوطاري"، والمثبت من ابن عساكر.
_________
(1)
ابن أبي شيبة: المصنف 1: 269 - 270 (رقم 3097)، الترمذي: الجامع الكبير 1: 331 (رقم 399).
(2)
سورة الصافات، الآيات 180 - 182.
(3)
تاريخ ابن عساكر 71: 274، وانظر بعض الأبيات في تاريخ الإسلام 11:482.
صِرْتُ أرْضَى بعد رُؤْيَتِكُم
…
بِخَيالٍ أو بأخْبَارِ
كَتَبَ إلينا الحَسَن بن مُحَمَّد الدِّمَشقيّ أنَّ عليّ بن الحَسَن الشَّافِعيّ أنْشَدَهم، قال: وأنْشَدَني - يعني أبا الطَّيِّب المَقْدِسِيّ - لنَفْسِه مُعَاتَبةً
(1)
: [من الكامل]
يا وَاقفًا بين الفُرَات ودِجْلَة
…
عَطشانَ يَطْلبُ شَرْبةً من مَاءِ
إنَّ البِلادَ كَثِيْرةٌ أنْهارُها
…
وسحابُها فغَزِيرةُ الأنْوَاءِ
ما اخْتَلَّت الدُّنْيا ولا عُدم النَّدَى
…
فيها ولا ضاقَتْ على العُلَمَاء
أرضٌ بأَرْضٍ والّذي خَلَقَ الوَرَى
…
قَدْ قَسَّمَ الأرْزَاقَ في الأحْيَاءِ
قال الحافِظُ
(2)
: وأنْشَدَني أيضًا لنَفْسِه: [من البسيط]
يا نَاظِري نَاظِري وَقْفٌ على السَّهَر
…
ويا فُؤادِي فُؤادِي مَسْكنُ الضَّررِ
ويا حَيَاتي حَيَاتي غير طَيِّبةٍ
…
وهل تَطِيْبُ بفَقْدِ السَّمْع والبَصَرِ
ويا سُرُورِي سُرُورِي قد ذهَبْتَ به
…
وإنْ تَبَقَّى قليل فهو في الأثرِ
فالعَيْن بَعْدَك يا عَيْني مَدامِعُها
…
تَسْقِي مَغَانيك وما يُغْني عن المَطَرِ
والقَلْبُ بعْدَك يا قَلْبي تُقلبُهُ
…
في النَّارِ أَيْدِي الأُسَى من شِدَّة الفِكْرِ
لَم يَبْكِ قَلْبي على ما نابَهُ أحَدٌ
…
في النَّاسِ كُلّهم إلَّا أَبو البَشَرِ
لو أنَّ أيُّوب لاقَى بَعْضَ ما لَقِيَتْ
…
نَفْسِي لبادَرَ يَشْكُو غيرَ مُصْطَبر
وما مُصيبَةُ إِسْرَائِيل فادحَة
…
لأنَّهُ كان يرجُو فَرْحَة الظَّفَرِ
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، إجَازَةً إنْ لم
(1)
الأبيات في مرآة الزمان 20: 297، والوافي بالوفيات 7: 73، وعقود الجمان 43 أ، وثلاثة منها في تاريخ الإسلام 11:482.
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 374 - 275، وانظر الأبيات في عقود الجمان للزركشي 43 أ، المقفى الكبير 1: 484 - 485، وأربعة أبيات منها في تاريخ الإسلام 11:482.
يَكُن سَمَاعًا، قال: أحْمَدُ بن عَبْد العَزِيْز بن مُحَمَّد بن حَبِيْب السّلَمِيّ، أبو الطَّيِّب المَقْدِسِيّ، إمَام جَامِع الرَّافِقَة - وهي بَلْدَةٌ على شَطِّ الفُرَات تُعْرفُ بالرَّقَّة السَّاعَة، والرَّقَّة كانت بجَنْبها فَخرِبَتْ - كان وَاعِظًا وَرَدَ بَغْدَاد حَاجًّا، وسَمِعَ بمَكَّة أبا عَبْد الله الحُسَين بن عليّ الطَّبَريّ، سَمِعَ منهُ رَفِيْقُنا أبو القَاسِم الدِّمَشقيُّ وغيرُه.
أنْبَأنَا القَاضِي أبو عَبْد الله مُحَمَّدُ بن هِبَةِ الله بن مُحَمَّد بن مَمِّيْلِ (a) الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليِّ بن الحَسَن بن هِبَة الله الدِّمَشقيّ
(1)
، قال: أحْمَدُ بن عَبْد العَزِيْز بن مُحَمَّد بن حَبيْب، أبو الطّيِّب المَقْدِسِيُّ، الفَقِيهُ الوَاعِظُ، إمَام جَامع الرَّافِقَة، سَمِعَ أبا عبد اللَّه الحُسَينَ بن عليّ الطَّبَريّ بمَكَّة، وذَكَرَ لي أنَّهُ سَمِعَ الفَقِيه نَصْرَ بن إبْراهم المَقْدِسِيّ، ودَخَلَ المَغْرب مع أبيهِ، وسَمِعَ من جَمَاعَةٍ من الشُّيُوخ، ولم يكُن عندَهُ عنهم شئ.
وكان له دِيْوان شِعْرٍ حَسَن، سَمِعْتُ منه بعْضَهُ بالرَّافِقَة، وكان قد قَدِمَ دِمَشْق غير مَرَّة، ورأيتُه في إحْدى القَدْمَاتِ وأنا صَغِيرٌ ولم أسْمَعْ منهُ بدِمَشْق شيئًا، وكَتبتُ عنهُ بالرَّافِقَة شيئًا يَسِيْرًا، وكان شَيْخًا مَسْتُورًا مُعِيْلًا مُقِلًّا.
وقال الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
: فارقتُ أبا الطَّيِّب حَيًّا في سَنَة تِسْعٍ وعشرين وخَمْسِمائَة، وماتَ بعد ذلك.
ذِكْرُ مَنْ اسْمُ أبيْهِ عَبْدُ الغَنِيّ من الأحْمَدِين أحمدُ بن عَبْد الغَنيّ بن أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن خَلَف بن المُسَلَّم اللَّخْمِيُّ القُطْرُسِيُّ، أبو العبّاس بن أبي القَاسِم المَغْرِبيّ المِصْرِيّ، المُلَقَّب بالنَّفِيْس
(3)
شَاعِرٌ مُجِيْدٌ، أصْلُهُ من المَغْرب وهو مِصْريٌّ. ورَدَ حَلَب، وامْتَدَح بها
(a) الضبط من المصنف في موضع آخر من كتابه (الجزء الخامس: في ترجمة ملك النحاة)، وكناه بأبي عبد الله.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 373.
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 375.
(3)
توفي سنة 603 هـ، =
المَلِك الظَّاهِرِيّ غَازِي بن يُوسُف رحمه الله، وكان فَقِيهًا أَدِيْبًا، له عناية بعُلُوم الأوَائِل، وتَرَك الفِقْه، وتَصَرَّف وخَدَم في الدِّيْوَان بقُوْص.
رَوَى لنا عنْهُ شيئًا من شِعْره أبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد بن عبد الرَّحْمن القُوصِيّ، وقال لي: كان هذا الأجَلّ نَفِيْس الدِّيْن، فَاضِلًا أَدِيْبًا فَيْلَسُوفًا، ولم يَزَل برَقِيق الشِّعْر مَوْصُوفًا، وبدَقِيق فَنّ الحِكْمَة معْرُوفًا.
وذكَرهُ العِمَاد أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الأصْبَهَانِيّ في كتاب خَرِيْدَة القَصْر
(1)
، بما أنْبَأنَا به صَدِيْقُنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن عَبْد الجبَّار بن أبي الحَجَّاج المَقْدِسِيّ المِصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا العِمَاد الكَاتِبُ، قال: النَّفِيْس بن القُطْرُسِيّ شَابٌّ مِصْريٌّ فَقِيهٌ في المَدْرَسَة المالِكِيَّة بمِصْرَ، له خَاطِرٌ حَسَنٌ، ودِرَايَةٌ ولَسَن، ويَدٌ في عُلُوم الأوَائِل قَوِيَّة، ورَوِيَّةٌ من مَنَابع الأدَب ومَشَارِعِه رَوِيَّةٌ، أُنْشدتُّ له
(2)
: [من البسيط]
يُسَرُّ بالعِيْدِ أقْوَامٌ لهم سَعَةٌ
…
من الثَّرَاءِ وأمَّا المُقْتِرُونَ فَلَا
هل سَرَّني وثِيَابيْ فيه قَوْمُ سَبَأ
…
أورَاقَني وعلى رَأسِي به ابن جُلَا
عيدٌ عَدَاني (a) الغنَي فيه إلى سفَل
…
لا تَعْرِفُ العُرْفَ أيديهم ولا القُبلَا
(a) المقفى: عزاني.
_________
= وترجمته في: تذكرة ابن العديم 363 - 370، المنذري: التكملة 2: 102 - 103، العماد الأصفهاني: السيل والذيل، الورقة 46 أ، ابن الشعار: قلائد الجمان 1: 155 - 158، وفيات الأعيان 1: 164 - 167، ابن الفوطي: مجمع الآداب 2: 20، الدلجي: الفلاكة والمفلكون 112، تاريخ الإسلام 13: 71، سير أعلام النبلاء 21: 479 - 480، الوافي بالوفيات 7: 72 - 74، الزركشي: عقود الجمان (في طيارتين مفردتين موضعهما بعد الورقة 33)، تاريخ ابن الفرات 5/ 1: 53 - 56، المقريزي: المقفى الكبير 1: 486 - 487.
(1)
لم أقف على ذكر له في الخريدة، وانظر بعض كلام العماد في كتابه السيل والذيل (ورقة 46 أ).
(2)
الأبيات (باستثناء آخر بيتين) في قلائد الجمان 1: 155 - 156، المقفى 1: 487، البيتان الأول والثاني في وفيات الأعيان 1: 165 والوافي بالوفيات 7: 73 - 74.
ظَللْتُ أَنْحَرُ فيهم مُهْجَتي أسَفًا
…
وهم به يَنْحَرُونَ الشَّاءَ والإِبِلَا
تَبًّا لها قِسْمَةً لو أنَّها عَدَلَتْ
…
لكان أرْفَعُ حَظَّيْنا الّذي سَفُلَا
أنْشَدَنا شِهَاب الدِّين أبو المَحَامِد القُوصِيّ، قال: أنْشَدَنا الفَقِيهُ الأجَلُّ الأدِيْبُ نَفِيْسُ الدِّيْن أبو العبَّاس أحْمَدُ بن عَبْد الغَنِيّ بن القُطْرُسِيّ المِصْرِيُّ لنَفْسِه
(1)
: [الكامل]
هَلَّا عَطَفْتَ على المُحبِّ المُدْنفِ
…
فشَفَيْتَ غُلَّةَ قَلْبِه المُتَلَهِّف
يا مُحْرقًا قَلْبِي بنَارِ صُدُودِه
…
لو شئت كان ببردِ ريقكَ يُنطَفي
أَتْلَفْتَني بهَواكَ ثُمَّ تَرَكْتني
…
حَيْران يَدْأَب في تلَافي (a) مُتْلفي
أوَ مَا علمْتَ بأنَّني رهْنُ الضَّنَى
…
مُتَوَقِّفٌ (b) لعذاركَ المُتَوقِّف
لا شَيءَ أحْسَنُ من مُحِبٍّ مُغْرَم
…
وجَدَ السَّبِيْل إلى حَبِيْبٍ مُنْصِف
مَنْ لي وقَد سَمَحَ الزَّمانُ بخُلسَةٍ
…
لولا تَذكُّرُ طِيْبها لم تُعْرف
إذ بِتُّ مُعْتَنِقَ القَضِيْب على النَّقَا
…
وظللْت مُغتبقَ السّلَاف القَرْقَف
أجْنِي جنيَّ الوَرْد ثُمّ يُعِيْدُه
…
خَجَلٌ بحُوريّ المَلَاحَةِ مُتْرَف
فعَجبتُ من وَرْدٍ يعُود بقَطْفِه
…
غَضَّ النَّباتِ كأنَّهُ لم يُقْطَف
أنْشَدَنا أبو المَحَامِد قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: أنْشَدَني أبو العبَّاس لنَفْسِه
(2)
: [من الكامل]
يا مَنْ تُعَوِّذُه مَحَاسِنُه
…
من عَيْن عاشقِهِ إذا يَشْكو (c)
فبوَجْهِه يَاسِيْنُ طُرَّته
…
وعلى لُمَاهُ خِتَامُهُ مِسْكُ
وأنْشَدَنا القُوصِيُّ إجَازَةً، قال أنْشَدَنا ابن القُطْرُسِيّ يَرْثِي صَدِيْقًا لهُ
(3)
:
(a) ابن الشعار: اسكب دمعتي يا.
(b) كتب ابن العديم في الهامش: "في نسخة أخرى من غير هذه الرواية: وَقْفُ الهوى، وهو أحسن"، والذي استحسنه ابن العديم هو رواية الديوان.
(c) ابن الشعار: إذا شكُّوا.
_________
(1)
الأبيات في قلائد الجمان 1: 158.
(2)
البيتان في قلائد الجمان 1: 158، والمقفى 1:487.
(3)
البيتان في تذكرة ابن العديم 365 - 366 وقلائد الجمان 1: 158، ووفيات الأعيان 1: 651 =
[من البسيط]
يا رَاحلًا وجَمِيلُ الصَّبْر يَتْبَعُهُ
…
هل من سَبِيْلٍ إلى لُقْيَاكَ يتَّفقُ
ما أنْصَفَتْكَ جُفُوني وهي داميَةُ
…
ولا وَفَى لكَ قَلْبي وهو يَحْترِقُ
وأنْشَدَنا القُوصِيُّ من كتابه، قال: أنْشَدَنا أبو العبَّاس لنَفْسِه في شَجَرَة
ياسَمِين
(1)
: [من الطويل]
ولمَّا حلَلْناها سَمَاءَ زَبَرْجَدٍ
…
لها أنْجُمُ زُهْرُ من الزَّهَر (a) الغَضِّ
تناولَها الجانِي من الأرْضِ قَاعدًا
…
ولَمْ أَرَ مَنْ يَجْني النُّجُومَ من الأرْضِ
وأنْشَدَنا القُوصِيُّ قراءهً، قال: وأنْشَدَني ابن القُطْرُسِيّ لنَفْسِه، وأبْدَعَ فيهما
(2)
: [من التقارب]
أُحبُّ المَعَالِي وأسْعىَ لها
…
وأُتْعِبُ نَفْسِي لها والجَسَد
لأَرْفَعَ بالعِزِّ أهْلَ الوَلَاءِ
…
وأخْفضَ بالذُّلِ أهْلَ الحَسَد
قال: وأنْشَدَني لنَفْسِه: [من الكامل]
يا صَاحِبَيِّ خُذَا لقَلْبيَ عِصْمَةً
…
فلقَدْ هَفَا بهَوَى الغَزَالِ الأَهْيَفِ
وتَرَقَّبا شُغْلَ الرَّقيبِ لتُخْبرا
…
سُعْدَى بشِقْوَة عَاشقٍ مُتَلَهِّفِ
صَنَمٌ فُتِنْتُ به وتلكَ بَلِيَّةٌ
…
شَنْعَاءُ من مُتَكلِّمٍ مُتَفَلْسِفِ
أنْشَدَني رَشِيْد الدِّين أبو بَكْر مُحَمَّد بن عبد العَظِيْم المُنْذِريّ
(3)
بالقَاهِرَة،
(a) المقفى: الذهب.
_________
= والوافي بالوفيات 7: 74، تاريخ ابن الفرات 5/ 1: 54، والمقفى 1:487.
(1)
البيتان في تذكرة ابن العديم 365 والمقفى 1: 487.
(2)
البيتان في تذكرة ابن العديم 366 والمقفى 1: 487.
(3)
دفعًا للالتباس هو: ابن الحافظ المنذري صاحب التكملة، نعته ابن العديم في مواضع تالية بأنه رفيقه وصديقه.
وكتَبَهُ لي بخَطِّه، قال: أنْشَدَنا الشّيْخ الأجَلَّ أبو الحُسَين أحْمَد بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل الخَزرجيّ التِّلمِيسَانِيّ، رحمه الله، قال: أنْشَدَنا الأدِيْبُ البَارعُ أبو العبَّاس أحْمَدُ بن عَبْد الغَنِيّ القُطْرُسيِّ لنَفْسِه يَمْدَحُ المَلِك النَّاصِر ويُهَنيه بفُتُوح الشَّام، وأُنْشْدَتْ بِظَاهِر بيت المَقْدِس في شَعْبان سَنَة ثَلاثٍ وثمانين:[من الخفيف]
فيكَ نَتْلُو عليكَ إنَّا فَتَحْنَا
…
فتَهَنَّأْ بما ملَكْتَ تَهِنَّا
ما رَأى النَّاسُ قَبْل دَوْلتك الغَـ
…
ـرَّاءِ مَنْ نَالَ كُلَّ ما يَتَمَنَّى
أيَّدَ اللّهُ دِيْنَهُ بكَ حتَّى
…
كُنْتَ دِرْعًا لهُ وسَيْفًا وحِصْنَا
وأعَزَّ الهُدَى بعزِّكَ حتَّى
…
بدَّلَ الشَّامُ خَوْفَهُ بكَ أمْنَا
فرَأينا الثُّغُور مُبْتَسِماتٍ
…
لتَلَقِّيكَ قائلاتٍ أمنَّا
وسَمِعْنَا السُّيُوفَ ينشَدُ عنها
…
ما تُقَضَّى لُبَانَةٌ عند لُبْنَى
تَتَهادى إليكَ مثْلَ الغَوَاني
…
حَالِيَاتٍ وهُنَّ بالحُسْن أَغْنَى
كُلَّما رُمْتَ مَعْقلًا مَلَكَتْهُ
…
لكَ يُمْنى لا تَعْدَمُ الدَّهْرَ يُمْنَا
راقَهُ منْكَ خاطبُ نَقَدَ الهِنْـ
…
ـدِيَّ ضَرْبًا والسَّمْهريَّةَ طَعْنَا
ونِثَارٌ منَ السِّهَامِ علَيها
…
نَظَمَ الشَّمْلَ بالوصَالِ وَهَنَّا
ومَجَانِيْقُ راعَت الجَوَّ حتَّى
…
دَرَّعَتْهُ أنَامِلُ الرّيح مُزْنَا
فسَنَا البَرْقِ لوْعَةُ فيهِ والرَّعـ
…
ـدُ أنينٌ كذاكَ منْ خَافَ أَنَّا
فَهْيَ كالشُّهْبِ في البُرُوج وإنْ كا
…
نَتْ سماوَاتُها منَ الأرْض تُبْنى
حَائِراتُ بسَطْوةِ المَلِكِ النَّا
…
صِر جَوْرًا بِهِ على العَدْلِ يُثْنَى
مَلِكٌ عندَهُ تُنالُ الأمَانِي
…
إنْ دعَوْنا صَوْبَ الغَمام فضَنَّا
أصْبَحَ الدَّهْرُ منهُ أفْصَحَ (a) لفْظ
…
مُعْرب وَهْوَ منهُ أبْلغُ مَعْنى
مَلَكَ النَّاسَ والزَّمان فقَدْ رَدَّ
…
تْ سطَاهُ حَوادِثَ الدَّهرِ زَمْنى
(a) الأصل: أصح، وبها ينكسر الوزن، وعليها أثر تصحيح.
أنْبَأنَا الحافِظ أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْمِ بن عَبْد القَوِيّ النذِريّ، قال في كتاب التّكْمِلَة
(1)
: وفي الرَّابِع والعشرين من شهر ربيع الأوَّل - يعني من سَنَة ثَلاثٍ وستّمائة - تُوفِّي الشَّيْخُ الفَقِيهُ الأدِيْبُ أبو العبَّاس أحْمَد ابن الشَّيْخ أبي القَاسِم عَبْد الغَنِيِّ بن أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن خَلَف بن المُسَلَّم اللَّخْمِيّ المالِكيّ المَعْرُوف بالقُطْرُسيِّ المنَعُوت بالنَّفِيْس، بمَدِيْنَة قُوْص من صعِيد مِصْر الأعْلَى وقد نَاهَز السَّبْعين.
تَفَقَّهَ على مَذْهَب الإمَام مَالِك بن أنس رضي الله عنه على الفَقِيه أبي المنَصُور ظَافِر بن الحُسَين اليزدِيّ (4)، واشْتَغل بالأُصُولَيْن والمنَطِق وغير ذلك، وقَرَأ الأدَب على الشَّيخ المُوَفَّق أبي الحَجَّاج يُوسُف بن مُحَمَّد المَعْرُوف بابنِ الخَلَّال كاتب الدَّسْت، وصَحِبَهُ مُدَّةً، وسَمعَ من الشَّريف أبي المَفَاخِر سَعيد بن الحُسَين المَأْمُونيّ وغيره. وتَصَدَّرَ للإقْرَاءِ.
وله دِيْوان شِعْر مَشْهُور، ومَدَح جَمَاعَةً من المُلُوك والوُزَرَاء وغيرهم، وتقلَّبَ في الخِدَم الدِّيْوَانيَّة، وحَدَّث، أنْشَدَنا عنه جَمَاعَةٌ من أصْحَابنا.
أنْشَدَني الشَّيْخ الحافِظ رَشِيْدُ الدِّين أبو الحُسَيْن يَحْيَى بنُ عليّ بن عَبْد اللّه القُرَشِيّ للنَّفِيس أحْمَد بن عَبْد الغَنِيّ القُطْرُسِيّ من قَصِيدَة، قال: وكان فَقِيهًا فَاضِلًا مُتَكَلِّمًا أُصُوليًّا [من مجزوء الرجز]
بينَ الكَثِيْبِ والنَّقَا
…
ما أرَبٌ لولا التُّقَى
وفي اللّثام قَمَرٌ
…
أضَلَّني وأشْرَقَا
ومنها في ذِكْر الصَّعِيْد:
ليس صَعِيْدًا طَيِّبًا
…
لكل صَعِيدًا زلَقَا
(a) المنذري: الأزدي.
_________
(1)
التكملة لوفيات النقلة 2: 102.
أخْبَرَنا أبو المحامِد القُوصِيّ أنَّ مَوْلد النَّفِيْس ابن القُطْرُسِيّ بمِصْر، وتُوفِّيَ بها في شُهُور سَنَة ثَلاثٍ وستِّمائة.
أحمدُ بن عَبْد الغَنِيّ القُشَيْريُّ الحَمَوِيُّ
(1)
المُلقَّب بالتَّاج، ابن بنْت الشَّيْخ أبي سَعْد النَّحْوِيّ الحَمَوِيّ الضَّرِيْر، شَيْخِنا، وكان أبُوه عَبْد الغَنِيّ من أهل المَغْرب، وكان ولده هذا أحْمَد شَاعِرًا مُجِيْدًا فَاضِلًا، وكان مُقِيْمًا بَحَمَاة عند جَدِّه لأُمِّه أبي سَعْد النَّحْوِيّ، وقَدِمَ إلى حَلَب في مُحَاكَمَة شَرْعيَّة.
رَوَى لنا عنهُ شَيئًا من شِعْره عَفِيْف الدِّين عبد الرَّحْمن بن عَوَض المَعَرِّيّ، ووصَفَهُ لي بالذَّكَاء، وحدَّة الخاطِر، وجَوْدَة الشِّعْر.
قال: وكان نَاظِمًا، نَاثِرًا، فَاضِلًا، عَرُوضيًّا، نَحويًّا، حَسَنَ المحاضَرَة، رقيقَ الحاشيَةِ، لطيفَ المُعَاشَر، وصَنَّفَ كِتابًا في العَرُوض، وماتَ ولم يَبْلغُ ثلاثين سَنَةً.
أنْشَدَني عَفِيْف الدِّين عبْد الرَّحْمن بن عَوَض، قال: أنْشَدَني تَاج الدِّين أحْمَدُ بن عَبْد الغَنِيّ حَفِيْدُ الشَّيْخِ أبي سَعْد النَّحْوِيّ لنفسِه، يَرْثِي شَمْس الدِّين مُحَمَّد بن عليّ بن المُهَذَّب، وكان غَرِقَ بحَمَاة في العَاصِي عند مَسْجِد ابن نَظِيْف، وكان صَدِيْقًا لهُ، فأَسف عليه، وقال فيهِ يَرْثيِهِ:[من الطويل]
لتَبْكِ العُيُونُ الجامدَاتُ مُحَمَّدًا
…
فقَد أَبْلَتِ الأيَّامُ حُسْنَ شَبَابِهِ
غَرِيْبٌ غَريقٌ أدْرَكَتْهُ شَهَادَةٌ
…
تُخَفِّفُ عن أهْليْهِ عُظْمَ مُصَابِهِ
كَريمٌ أسَأل البَحْرَ من سَيْبِ كَفِّهِ
…
فلذَّ لهُ أنْ ماتَ تَحْت عُبَابِهِ
وأنْشَدَني عبدُ الرَّحْمن بن عَوَض المَعَرِّيّ، قال: كَت إليَّ أحْمَد بنُ
(1)
توفي سنة 622 هـ.
عَبْد الغَنِيّ لنفسِه، ثمّ أنْشَدَنِيْها بعدَ ذلك:[من الكامل]
ما بَيْنَ خَيْفِ منَى إلى الجَمَرَاتِ
…
فمَوَاقِفِ الحُجَّاجِ مِن عَرَفَاتِ
ظَبَيَاتُ إنْسٍ يقتَنصنَ الأُسْدَ بالـ
…
ـألْحَاظِ أَفْدِيْهن مِن ظَبَيَاتِ
عَارضْنَنَا بالمآزميْنِ سَوَافرًا
…
عن أُوْجُهٍ بالوَرْدِ مُنْتَقبَاتِ
ونَحَرْنَنَا عِوَضَ الأضَاحي فاغْتَدَتْ
…
أبْدانُنا تُجْزي عن البَدَنَاتِ
منها:
أَمَعَرَّةَ النُّعْمَان بُعْدَكِ مَلَّ مِن
…
جِسْمي الضَّنَا وسَئمتُ طِيْبَ حَيَاتي
أَتُرَى يُسَاعدُني الزَّمانُ فأرْتَوي
…
من عَذبكِ السَّلْسَالِ قبلَ مَمَاتِي
ما بين ثُغْرتها
(1)
وبابِ كُفَيْرَها
…
رَامٍ يُصِيْبُ مَواقعَ الثُّغراتِ
يا صَاحِبيَّ خُذَا بثَأرِي واعْلمَا
…
أَنِّي قَتِيْلُ جُفُونِهِ الغَنِجَاتِ
قال لي عبد الرَّحْمن بن عَوَض: تُوفِّي أحْمَد بن عَبْد الغَنِيّ سَنَة اثْنتَيْن وعشرين وستِّمائة بحَمَاة.
أحمد بنُ عَبْد القَاهِر بن أحْمَد بن عَبْد القَاهِر بن أحْمَد بن عَبد الوَهَّاب بن أحْمَد بن طَاهِر بن المَوْصُول، أبو سَالَم الحَلَبِي الَمْعرُوف بأمِيْن الدَّولَة
(2)
كان من عُدُول حَلَب وأُمَنائها وأعْيَانها وكُبَرَائها وعُلَمَائها وفُضَلائها ورُوَاتها وأُدَبَائها. حَدَّثَ بها عن أبي الحَسَن عليّ بن عَبْد اللّه بن أبي جَرَادَة الحَلَبِيّ، وسَمِعَ منه بحَلَب القَاضِي أبو الحَسَن أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عبد الصَّمَد بن الطَّرَسُوسِيّ، والحافِظ أبو مُحَمَّد عَبْدُ القَادِر بن عَبْدِ اللّهِ الرُّهَاوِيّ، ورَوَى لنا عنْهُ
(1)
كتب في الهامش: "موضع في ظاهر معرة النعمان".
(2)
توفي سنة 570 هـ، وقيل: 573 هـ.
عَمِّي أبو غَانِم مُحمَّد بن هبَةِ اللّه بن أبي جَرَادَة، والشّيْخ أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عبد اللّه بن عُلْوَان الأسَدِيّ، ووَلده القَاضِي جَمال الدِّين أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الطَّرَسُوسيّ الحَلَبِيّ.
وذكَرَ لي بعض الحَلَبِيِّين أنَّهُ كان يَنُوبُ في كتابة الإنْشَاء في زمَن نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي في سَنَة أرْبَعين وخَمْسِمائَة إلى أنْ تُوفِّي نُور الدِّين.
وسَمِعْتُ أبا الفَضْل هِبَة اللّه بن عَبْد القَاهِر بن المَوْصُول يقول: كان أبو سَالِم بن المَوْصُول مِقْدَامًا في الأُمُور، جَسُورًا على ما يَفْعَلُه، وكان سُنِّي المَذْهَب.
أخْبرَنا عَمِّي أبو غَانِم مُحَمَّدُ بن هِبَةِ اللّه بن مُحَمَّد بن أبي جَرَادَة، قِراءَةً عليه بحَلَب، وأبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عبد الصَّمَد بن الطَّرَسُوسيّ الحَلَبِيّ بها، قالا: أخْبَرَنا أمِيْن الدَّولَة أبو سَالِم أحْمَدُ بنُ عَبْد القَاهِر بن أحْمَد بنْ المَوْصُول، بقراءة الحافظ عَبْد القَادِر الرُّهَاوِيّ عليه ونحنُ نَسْمعُ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عبد اللَّهِ بن مُحَمَّد بن أبي جَرَادَة قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح عبد اللّه بن إسْمَاعِيْل بن أحْمَد (6) بن الجِلِّيّ الحَلَبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُبَيْد اللّه بن عَبْد السَّلام بن عَبْد الوَاحِد القُطْبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر السَّبِيْعيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن مُسْتَفَاض الفِيْريَابِيّ (b) القَاضِي ببَغْدَاد، قال: حَدَّثَنَا أبو جَعْفَر العُقَيْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا كَثِيْر بن مرْوَان المَقْدِسِيّ، عن إبْراهيم بن أبي عَبْلَة، عن عُقْبَة بن وِشَاح، عن عمران بن حُصَيْن، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
(1)
: كَفَى بالمَرْء إثْمًا أنْ يُشَار إليه بالأصَابع. قالوا: يا رسُول اللّهِ، وإنْ كان
(a) كتبها: محمد، ثم صوَّبها بالمثبت.
(b) هكذا في الأصل، بإضافة مثناة تحتية بعد الفاء، وتقدمت الإشارة إلى ورودها على الوجهين.
_________
(1)
الطبراني: المعجم الكبير 18: 228 (رقم 567)، وفيه:"فهو شرا له إلا من رحم الله"، الأصبهاني: حلية الأولياء 5: 347.
خَيْرًا؟ قال: وإنْ كان خَيرًا فهي مَزلَّةٌ إلَّا مَنْ رَحم اللّهُ، وإنْ كان شَرًّا فهو شَرٌّ.
أخْبَرَنا الشَّيْخ أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عبد اللّه بن عُلْوَان الأسَدِيُّ وولدُه أبو عَبْد اللّه مُحمَّد القَاضِي، بقرَاءتي عليهما بحَلَب مُنْفَردَين، قالا: أخْبَرَنا أمِيْنُ الدَّولَة أبو سَالَم أحْمَدُ بن عَبْدِ القَاهِر بن أحْمَد بن المَوْصول، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عبد اللّه بن أبي جَرَادَة، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح عبد اللّه بن إسْمَاعِيْل بن أحْمَد الحَلَبيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزَّاق بن أبي نُمير العَابِد الأسَدِيُّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ الحُسَين بن صالح، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه جَعْفَر بن أحْمَد بن يُوسُف الأوْدِيّ الصَّيْرَفِيّ الكُوْفيّ ابن كَارَد بالكُوفَة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حَفْص بن رَاشِد أبو جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا الحَارِثُ بن عِمْران، عن مُحَمَّد بن سُوْقَة، عن سَعيد بن جُبير، عن ابن عبَّاسٍ
(1)
، قال: رَأى النَّبي صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَطُوف بالبيت وهو يَقُول: اللَّهُمُّ اغْفِر لي ولأخي فلَانٍ، فقال رسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ما قلتَ؟ قال: يا رسُول اللّه، إنَّ أخًا لي اسْتَودَعَني أنْ أدعُوَ له في هذا المكان، فقال له رسُول اللّه: قد غُفِرَ لكَ ولأخيْكَ.
قَرأتُ بخَطِّ بعض الحلبِيّين لأمِيْن الدَّولَة أبي سَالَم بن المَوْصُول، قال: وكَتَبَ بهذه الأبْيَاتِ إلى قاضِي الحُكْم بحَلَب يَتَضَوَّرُ من عَمِّه، وكان اغْتَصَبَ أكثرَ أمْلَاكِهِ:[من البسيط]
يا حَاكِمَ الشَّرْع إنِّي أسْتَغِيْثُ إلى
…
حُكْمِ الشَّريْعَةِ تَحْكِيمًا عليَّ وِلِيْ
وإنَّني واثقٌ مِن حُسْنِ رَأيِكَ ليْ
…
أنْ لا يُسَوِّغَ ظُلميْ مَنْ عليَّ ولِيْ
سَيَّرَ إليَّ الشَّريفُ جَمال الدِّين أبو المَحَاسِن عبد اللّه بن مُحَمَّد بن عبد اللّه الهاشمِيّ بَيْتَيْن من شِعْر أبي سَالِم أحْمَد بن عَبْد القَاهِر بن المَوْصُول، وذكَرَ أنَّهُ
(1)
المعجم الكبير للطبراني 12: 5 (رقم 12299)، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني 5: 12، معجم شيوخ الصيداوي 214.
نقلهُما من خَطِّ والده أبي حَامِد مُحَمَّد بن عبد اللّهِ: [من المجتث]
أشْكُو إليْكَ زَمَانًا
…
قد ضَاعَ فيهِ الصَّوَابُ
يَضُمُّني فيهِ قَوْمٌ
…
حَاشَى الكِلَابَ كِلَابُ
أنْشَدَني الأَمير بَدْرَان ابن جَنَاح الدَّوْلَة حُسَين بن مَالِك بن سَالَم العُقَيْلِيُّ الحَلَبيِّ لجَدِّه لأُمِّه أَمِيْن الدَّولَة أبي سَالَم بن المَوْصُول، يَهْجُو رَجُلًا من أهل حَلَب يُلَقَّب بالعَفِيف:[من الخفيف]
أعْلَنَ الدِّينُ مُسْتَغيْثًا يُنَادِي
…
خَلِّصُوني وَقَعْتُ وَسْطَ الكَنِيفِ
لَعَنَ اللّهُ دَوْلَةً أَصْبَح الجا
…
مُوْسُ فيها مُلَقَّبًا بالعَفِيْفِ
قال لي بَدْرَان بن حُسَين بن مَالِك: تُوفِّي جَدِّي لأُمِّي أبو سَالَم بن المَوْصُول سَنَة ثَلاث وسَبْعِين وخسِمائَة، وذكَرَ غيرُه أنَّ وَفاته كانتْ سنَة سبْعين وخَمْسِمائَة، واللّهُ أعْلَمُ.
مَنْ اسْمُ أبيْهِ عَبْدُ الكَريم من الأحْمَدِين
أحمدُ بن عَبْد الكَريم بن يَعْقُوبَ الأنْطَاكِيُّ الحَلَبِيُّ، أبو بَكْر المُؤدِّبُ
(1)
مُعَلِّم أبي عَدْنَان، سَمِعَ بحَلَب أبا الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَبْد اللّه الرَّافِقِيّ، وأبا عُمَيْر عَدِيّ بِن أحْمَد بن عَبْد البَاقِي الأَذَنِيّ، وأبا حَفْص عُمَر بن سُلَيمان الشَّرَابِيّ في سَنَة سبعٍ وعشرين وثَلاثمائة، وحَدَّثَ عنهم، وعن المِنْقَريّ. رَوَى عنهُ أبو المُعَمَّر المُسَدَّدُ بن عليّ الأمْلُوكِيُّ الحِمْصِيُّ.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللّه بن عُمَر بن عبد اللّه، قاضي اليَمَن، ومُكْرَم بن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن أبي الصَّقْر القُرَشِيّ، أبو الفَضْل، بحَلَب، وأبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن
(1)
توفي سنة 370 هـ، وترجمته في: تاريخ الإسلام 8: 315.
غَسَّان بن غَافِل الأنْصَاريّ بدِمَشْقَ، قالوا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن جَعْفَر الحَرَسْتَانِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه الحَسَنُ بن أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد بن أبي الحَدِيْد، قال: أخْبَرَنا أبو المُعَمَّر المُسَدَّد بن عليّ الأمْلُوكِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عَبْد الكَريم الحَلَبِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عُدُ بن أحْمَد الرَّافِقِيّ، قال: أخْبَرَنا الفَضْلُ بن العبَّاس بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بنُ عبد اللّه بن يُونُسَ، قال: حَدَّثنا أبو مُعاوِيَة، عن إسْمَاعِيْل بن مُسلم، عن حُمَيْد بن هِلالٍ، عن أبي قَتَادَة العَدَوِيّ، قال
(1)
: أذَّن بِلَال بلَيْلٍ فأمرَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَصْعَد فيُنادِي: إنَّ العَبْدَ نامَ. قال: فصَعِدَ بِلَال وهو يَقُول: لَيْتَ بِلَالًا لم تَلدْهُ أُمُّهُ، وابْتَلّ من نَضْحِ دَمٍ جَبِيْنُه، فصَعِدَ فنادَى: إنَّ العَبْدَ نامَ، فلمَّا طلع الفَجْر أعَادَ الأذانَ.
حدَّث أبو بَكْر أحْمَدُ بن عَبْد الكَريم بِحمْصَ في مُحَرَّم سَنَهَ ثمانٍ وسِتِّين وثَلاثِمائة، فقد تُوفِّي بعد ذلك.
أحْمدُ بن عَبْد الكَريم الأنْطَاكِيُّ
رَوَى عن ابنِ قُتيبَة. رَوَى عنهُ أبو عَبْد اللّهِ الحُسَين بن أحْمَد بن خَالَوَيْه الهَمَذَانيّ.
أحْمَد بن عَبْد اللَّطِيْف المَعَرِّيُّ
(2)
شَاعِرٌ كان بمَعَرَّة النُّعْمَان، ظَفِرْتُ له بقِطْعَة يَرْثى بها أبا صالح مُحَمَّد بن
(1)
رواه ابن أبي شيبة: المصنف 1: 201 (2307)، من حديث الحَسَن، ورواه الدَّارقطنيّ في سننه 1: 345 (رقم 55)، من حديث أنس بن مَالِك وفيه:"ليت بلالًا ثكلته أمه".
(2)
كان حيًا سنة 465 هـ.
المُهَذَّب، وأخْشَى أنْ يكون هو أحْمَد بن عليّ بن مُحَمَّد بن عَبْد اللّطِيْف بن زُريق الآتي ذِكْره، وقد أسْقَط ذِكْر أبيه وجَدِّه، ونَسَبَه إلى جَدِّه الأعْلَى، فإنَّ بني زُرَيْق يُعْرفُونَ ببني عَبْد اللَّطِيْف، فإنْ كان هو وإلَّا فهذا غيره، والأبْيَات مَذْكُورَة في مَرَاثِي بني المُهَذَّب، ووَفَاة أبي صالح كانت في سَنَة خَمْسٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة، وهي:[من الكامل]
أي المُهَذَّب وَجْدُكم وَجْدِي به
…
ومُصَابكُم هذا الجلَيْل مُصَابي
بِي ما بكُمْ منِ لَوْعَةٍ لِفرَاقه
…
بي ولو اسْتَزدْتُ لكُنْتُ غير مُحَابِ
يا وَحْشَةَ الدُّنْيا ووَحْشَةَ أهْلها
…
لفِرَاقِ هذا الصَّالِحَ الأوَّابِ
ماذا أُعدِّدُ من جَمِيل خِلالِهِ
…
ويَسِيْرُها يُرْبي على إطْنَابي
أنا إنْ غَدَو مُقَصِّرًا أو مُقْصِرًا
…
فلِمَا بقَلْبي منهُ من أوْصَابِ
أَبَني عليّ بن المُهَذَّب أصْبَحَتْ
…
مَوْصُولةً بحِبَالكُم أسْبَابي
فبما تأَكَّدَ من صَفَاءِ ودادِنا
…
ووَشَائجِ الأسْبَابِ والأنْسَابِ
كُونُوا لعُذْري باسِطين فإنَّهُ
…
قَصَرَ الغَرَامُ إطالَةَ الإسْهابِ
أحْمدُ بن عَبْد المجيْد بن إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد القَيْسِيُّ الحَنَفِيُّ
(1)
قاضي مَلَطْيَة (a)، فَقِيْهٌ مَذْكُورٌ، أخَذَ الفِقْه عن والده أبي سَعْد عَبْد المَجِيْد الحَنَفِيّ، قاضي بلاد الرُّوم، وَسَنَذْكُر أباهُ
(2)
إنْ شَاءَ اللّهُ تعالَى في بابِهِ.
(a) جوَّدها في هذا الموضع بتشديد المثناة التحتية، وانظر كلام المصنف على أوجه ضبطها عند الكلام عليها في المجلد الأوّل.
_________
(1)
ترجمته في: الجواهر المضية للقرشي 1: 193، الغزي: الطبقات السنية 1: 447.
(2)
ترجمة والده عبد المجيد بن إسماعيل القيسي في الضائع من أجزاء الكتاب، وبقيت ترجمة أخي المترجم أعلاه وهو إسماعيل بن عبد المجيد بن إسماعيل في الجزء الرابع من هذا الكتاب.
ذِكْرُ مَنْ اسْمُ أبيْهِ عَبْد المَلِك من الأحْمَدِين
أحْمدُ بن عَبْد المَلِك بن صالح بن عليّ بن عَبْد اللهِ بن عبَّاس، أبو العبَّاس بن أبي عبد الرَّحْمن الهاشِميُّ
كان بمنْبِج مع أبيهِ، ولهُ ذِكْرٌ في بَني صَالِح.
قَرَأتُ في كِتَاب نَسَب بَني صالِح بن عليّ بخَطِّ القَاضِي أبي طَاهِر الحَلَبيِّ الهاشِميّ
(1)
، قال: وكان أحْمَد بن عَبْد المَلِك عَالِمًا بالطِّبِّ والفَلْسَفَة، قد قَرَأ الكُتُب وطلبَها، ولَقِيَ أهْل المعرفَة بهذا الفَنِّ وأخَذَ عنهم، فكان يُعِدُّ العلاجَات والأدْوِيَة والأشْرِبَة الّتي لا تُوجَدُ عند أحدٍ إلَّا عندَهُ ويُعْطِيها في السَّبِيْل.
أحمدُ بن عَبْد الملَك بن عليّ بن أحْمَد بِن عبد الصَّمَد بن بَكْر المُؤذِّن الحافِظُ، أبو صالح النَّيسَابُوريّ
(2)
سَمِعَ بمَنْبج أبا عليّ الحَسَن بن الأشْعَث المنبِجِيّ، وبدِمَشْق أبا القَاسِم عبد الرَّحْمن بن عَبْد العَزِيْز، وأبا عبد اللّه الحُسَين بن مُحَمَّد بن أحْمَد الحَلَبِيَّيْن، ومُسَدَّد بن عليّ الأمْلُوكِيّ، ورَشَاء بن نَظِيف بن مَا شَاء اللّه، وبالمَوْصِل أبا الفَرَج
(1)
تقدم التعريف بالكتاب ومؤلفه لأول وروده في هذا الجزء.
(2)
توفي سنة 470 هـ، وترجمته في: تاريخ بَغْدَاد 5: 442، تاريخ ابن عساكر 71: 277 - 281، ابن الجوزي: المنتظم 16: 193، التقييد لابن نقطة 1: 333 - 333، مجم الأدباء لياقوت 1: 359 - 360، ابن الأثير: الكامل 8: 108، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 19: 336، ابن الساعي: الدر الثمين 267 - 264، تاريخ الإسلام 10: 286 - 288، تذكرة الحفاظ 3: 1163 - 1165، العبر في خبر مَن غبر 2: 337، الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي 194، سير أعلام النبلاء 18: 419 - 423، الوافي بالوفيات 7: 156 - 157، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 118، الأسنوي: طبقات الشافعية 3: 408 - 409، اليافعي: مرآة الجنان 3: 76، النجوم الزاهرة 5: 106، السيوطيّ: طبقات الحفاظ 437 - 438، شذرات الذَّهب 5: 301، محسن الأمين: أعيان الشيعة 2: 18.
مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن مُحَمَّد، وأخاهُ هِبَةَ اللّه بن إِدْرِيسَ، وبجُرْجَان أبا القَاسِم حَمْزَة بن يُوسُف السَّهْمِيّ، وبأصْبَهَان أبا نُعَيْم أحْمَد بن عبد اللّه الحافِظ، وعبد اللّه بن يُوسُف بن بَامُوْيَه (a) الأصْبَهَانيِّين، وأبا بَكْر بن أبي عليّ، وبهَمَذَان أبا طَالِب عليّ بن الحسُين الحَسَنيّ، وببَغْدَاد أبا القَاسِم عَبْد المَلك بن مُحَمَّد بن بشرَان، وأبا بكر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيب، وسَمعَ أبا عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن عبد اللّه الحافِظ، وأبا نُعَيْم عَبْد المَلِك بن الحَسَنِ الأزْهَريّ، وأبا الحُسَين مُحَمَّد بن الحُسَين الحُسَيْنيّ العَلَويّ، وأبا طَاهِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمَش الزِّيَادِيّ، وأبا زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن إبْراهيم المُزَكِّي، وأبا بَكْر مُحَمَّد بن زُهَيْر بن أَخْطَل النَّسَوِيّ، وأبا سَعيد مُحَمَّد بن مُولىَ الصَّيْرَفِيّ، وأبا سَعْد عَبد الرَّحْمن بن حَمْدَان بن مُحَمَّد الشَّاهِد، وأبا عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن الحسُين السُّلَمِيّ، وأبا الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن السَّقَّاء، وأبا القَاسِم عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد السَّرَّاج، وأبا بكْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن فُوْرَك، وجَمَاعَة غيرهم.
رَوَى عَنْهُ ابنُهُ أبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن أحْمَد، وأبو بَكْر الخَطِيب البَغْدَاديّ، وأبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن الفَضْل الفَرَاوِيّ، وأبو القَاسِم زَاهِر، وأبو بَكْر وَجِيْه، ابْنَا طَاهِر بن مُحَمَّد الشَّحَّامِيَّان، وأبو المُظَفَّر عَبْد المنعِم بن عَبْد الكَريم بن هَوَازِن، وابن أخيهِ أبو الأَسْعَد هِبَة الرَّحمن بن أبي سَعيد القُشَيْريّان، وأبو سَعيد إسْمَاعِيْل بن أبي القَاسم الفُوْشَنْجِيّ (a)، وأبو عليّ الحَسَن بن عُمَر بن أبي بَكْر الطُّوْسيّ البَيَّاع، وأبو القَاسِم عَبْدُ الكَريم بن الحُسَين بن أحْمَد الصَّفَّار البِسْطَامِيِّ، وأبو الحَسَن ظَرِيف بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز الحِيْرِيُّ، وعَبْد الغَافِر بن إسْمَاعِيْل بن عَبْد الغَافِر
(a) في تاريخ بَغْدَاد 5: 443: بابويه.
(b) في الأصل: الفوسنجيّ، بالسين المهملة، وصوابه الإعجام، نسبة إلى بوشنج أو فُوشَنج، والعجم يقولون: فوشنك بالكاف؛ بليدة بينها وبين هراة عشرة فراسخ، خَرَجَ مها جَمَاعَة من أهل العلم. انظر: ياقوت: مُعْجَمُ البلدان 4: 380، السمعاني: الأنساب 2: 359، 10: 361، ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 1: 187، وسماه الذهبي (تاريخ الإسلام 11: 633): أبو سَعِيد الخرجرديّ، نسبة إلى بلدة من أعمال بوسنج.
الفَارِسِيّ، وأبو الوَفَاء عليّ بن زَيْد بن شَهْرَيَار، ومرَّ بحَلَب مُجْتَازًا.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عبد اللّه بن عُلْوَان الأسَدِيّ، وهذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْنَاهُ منه في مَشْيَخَته، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ الوَاحِد بن عَبْد المَاجِد بن عَبْد الوَاحِد بن عَبْد الكَريم بن هَوَازِن القُشَيْريّ، وهذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْنَاهُ منه بجامع حَلَب في يَوْم الثّلاثَاء الثَّاني والعشرين من شَهْر اللّه الأَصَمّ رَجَب من سَنةِ ستٍّ وخَمْسين وخَمْسِمائَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم زَاهِر بن طَاهِر بن مُحَمَّد الشَّحَّامِي، وهذا أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه منه بقراءتي عليه، وأوَّلُ حَدِيثٍ كتَبْتُه عنهُ، ح.
وحَدَّثَنَا عُمَر بن بَدْر بن سَعيد المَوْصِلِيّ من لفظه وحِفْظه، وهو أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه منه، قال: حَدَّثَنَا أبو الغَنائِم شِيْرَوُيه بن شَهرَدَاربن شِيْرَوُيه الكِيَا الدَّيْلَمِيِّ، وهو أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه من لَفْظه وحِفْظه بهَمَذَان، قال: حَدَّثَنَا أبَو القَاسِم زَاهِر بن طَاهِر بن مُحَمَّد الشَّحَّاميِّ، وهو أوَّلُ حديثٍ سَمِعْتُه من لفظه وحِفْظه، قَدِمَ علينا هَمَذَانَ، ح.
وأخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن عُمَر بن عَبْد الغَالب العُثْمانيّ الأمَوِيّ من لفظه وحِفْظه، وهو أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْنَاهُ منهُ، قال: أَخْبَرَنا أبو مُسْلم هِشَام بن عبد الرَّحيم بن الإخْوَة البَغْدَاديِّ، وهو أوَّلُ حَديِث سَمِعْتُه منهُ، قال: حَدَّثنا أبو القَاسِم زَاهِر بن طَاهِر الشَّحَّامِيّ، وهو أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه منه بأصْبَهَان، ح.
وحَدَّثَنَا إبْراهِيم بن مُحَمَّد بن الأزهَر الصَّرِيفِيْنِيّ، وهذا أوَّلُ حَديثٍ سَمعْتُهُ من لفْظه، قال: حَدَّثَنَا أبو الفُتُوح مُحَمَّد بن مُحمَّد بن الجُنَيْد الأصْبَهَانِيَّ من لَفْظه بأصْبَهَان، وهذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه منهُ، ح.
وأنْبَأنَا به أبو الفُتُوح الأصْبَهَانِيّ، وهذا أوَّلُ حَدِيثٍ كَتَبْناهُ عن كتابهِ، قال: حَدَّثَنَا زَاهِر بن طَاهِر بن مُحَمَّد، وهذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه منه من حِفْظهِ
من لَفْظه، قال: حَدَّثَنَا الشّيْخُ أبو صالِح أحْمَدُ بنُ عَبْد المَلِك بن عليّ المُؤذِّنُ، وهذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه منهُ، قال: حَدَّثَنَا الإمَامُ أبو طَاهِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن محْمَش الزِّيَادِيّ، وهذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ منه في شهر رَبِيع الأوَّل من سَنَة سَبْعٍ وأرْبَعِمائة، قال: أخْبَرَنا أبو حَامِد أحْمَد بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن بِلَال البَزَّازُ، وهذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه منه، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمن بن بِشْر بن الحَكَمَ العَبْدِيُّ، وهو أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه منه، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان بنُ عُيَيْنَة، وهو أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه منه، عن عَمْرو بن دِيْنار، عن أبي قَابُوس مَوْلَى عبْد اللّه بن عمرو، عن عبد اللّه بن عَمْرو أنَّ رسُول اللّه صَلَّى اللّهُ عليه وسمَّ قال
(1)
: الرَّاحِمُونَ يَرْحمهُم الرَّحْمنُ، ارْحَمُوُا مَن في الأرْض يَرْحَمكم مَنْ في السَّماءِ.
وأخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أبي الفَضائِل هِبَة اللّه بن سَلامَة بن المُسَلَّمِ بن أحْمَد بن عليّ اللَّخْمِيّ المِصْرِيّ الخَطِيب الفَقِيه المَعْرُوفُ بابنِ الجُمَّيْزِيّ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن ظَرِيْفُ بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز النَّيْسَابُوريّ ببَغْدَاد، وأبو الوَفَاء عليّ بن زَيْد بن شهرَيَار الزَّعْفَرَانيّ بأصْبَهَان، قالا: أخْبَرَنا أبو صالِح أحْمَد بن عَبْد المَلِك بن عليّ المُؤذِّنُ بنَيْسَابُور، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمَش الزِّيَادِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو حَامِد أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن بِلَال البَزَّاز، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن بِشْر بن الحَكَمِ العَبْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان بن عيينَة، عن عَمْرو بن دِيْنار، عن أبي قَابُوس موْلَى عبد اللّه بن عَمْرو، عن عبْد اللّه بن عَمْرو أنَّ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قال
(2)
: الرَّاحِمُونَ يَرْحمهُم الرَّحمنُ، ارْحَمُوا مَنْ في الأرض يَرْحَمكم مَن في السَّماءِ.
قال عَبْدُ الرَّحْمن: هذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه من سُفْيان، قال أبو حَامِد: هذا
(1)
الحميدي: المسند 2: 269 (رقم 591)، سنن أبي داود 5: 231 (رقم 4941)، الترمذي: الجامع الكبير 3: 483 (رقم 1934).
(2)
تقدّم تخريجه في الرواية قبله.
أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه من عبْد الرَّحْمن، قال أبو طَاهِر هذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه من أبي حَامِدٍ، قال أبو صالح: هذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه من أبي طَاهِر، قال ظَرِيف وعليّ: هذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْنَاهُ من أبي صالح، قال الحافِظُ أبو طَاهِر: وهذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُه من ظَرِيفٍ ببَغْدَاد، ومن عَليّ قَبْلَهُ بأصْبَهَان، قال شَيْخُنا أبو الحَسَن: وهذا أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْنَاهُ من الحافِظ السِّلَفِيِّ، قُلتُ: وهذا أوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْنَاهُ من أبي الحَسَن بن الجُميزِيّ.
أخْبَرَنا الشَّريفُ أبو الفُتُوِح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَمْرُوك البَكْرِيّ الصُّوْفيّ، قِراءَةً عليهِ بدِمَشْق غيرِ مَرَّة، قال: أخْبَرَنا أبو الأَسْعَد هبَةُ الرَّحمن بن عَبْد الوَاحِد بن عَبْد الكَريم بن هَوَازِن القُشَيْريّ، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخ أبو صالح أحْمَدُ بن عَبْد المَلِك المُؤذِّن سَنَهَ تِسْعٍ وسِتِّين وأرْبَعمائة، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخ أبو عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن الحُسَين السُّلَمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن أحْمَد بن سَعيد الرَّازِيّ سَنَة ثَلاثٍ وأرْبَعين وثَلاثِمائة، قال: أخْبَرَنا أبو عليِّ الحُسَين بن دَاوُد البَلْخِيّ إمْلاءً، قال: حَدَّثنا يَزيدُ بن هَارُون، قال: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عن أنَس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
: مَنْ دخَلَ سُوْقًا من أسْوَاق المُسْلمِيْن فقال: لا إله إلَّا الله وَحْدَهُ لا شَريكَ له، لهُ المُلكُ، ولهُ الحَمدُ، يُحيي ويمُيْتُ، وهو حيٌّ لا يَمُوتُ، بيَده الخَير، وهو على كُلِّ شيء قَدير، كتب اللهُ له أَلفَ ألفِ حَسَنة، ومَحَى عنهُ ألفَ ألفِ سَيِّئةٍ، وبني لهُ قَصْرًا في الجنَّة.
أخْبَرَنا المُؤيَّد بن مُحَمَّد بن عليّ الطُّوْسيّ في كِتَابِه إليْنَا من نَيْسَابُور، قال: أخْبَرَنا أبو الأَسْعَد هِبَةُ الرَّحمن بن عبد الرَّحْمن القُشَيْريّ، قال: أخْبَرَنا أبو صالح
(1)
المنتخب من مسند ابن حميد 40 (رقم 28)، وفيه:"ورفع له ألف ألف درجة"، ابن ماجة: السنن 752 (رقم 2335)، وفيه:"بيتا في الجنة"، الترمذي: الجامع الكبير 5: 437 (رقم 3428)، وفيه:"ورفع له ألف ألف درجة"، المسند الجامع 13: 612 (رقم 10590)، وفيه:"بيتا في الجنة"، وجميعهم عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، فذكره.
أحْمَد بنُ عَبْد المَلِك المُؤذِّن، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن الأشْعَث المَنْبِجِيُّ بها، قال: حَدَّثَنَا أبو علَيّ الحَسَن بن عبد الله الحِمصِيُّ، قال: حَدَّثَنَا سَعيدُ بن عَبْد العزَيْز بن مَرْوَان الحلَبيُّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا سُليْمان يقول: إذا قال لكَ الرَّجُل: لم أذْكُر حاجتكَ فاعْلَم أنَّهُ لم يُعْنى بها.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن أبي بَكْر، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أنْشَدَنا خُره شِيْر بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزَيْز السُّهْرَوَرْدِيّ، قال: أنْشَدَنا عَبْد الغَافِر بن إسْمَاعِيْل الفَارِسِيّ إمْلاءً بنَيْسَابُور، قال: أنْشَدَنا أبو صَالح أحْمَدُ بن عَبْد المَلِك الحافِظُ، قال: أنْشَدَنا الشَّريفُ أبو الحَسَن عِمْران بن مُوسَى المَغْرِبيّ لنفسِهِ: [من الطويل]
جَزَيْتَ وَفَائي منكَ غَدْرًا وخُنْتني
…
كَذاكَ بدُورُ التمِّ شيْمَتُها الغَدْرُ
وحاوَلتُ عندَ البَدْرِ والشَّمْسٍ سَلْوةً
…
فلم يُسْلِني يا بَدْرُ شَمْسٌ ولا بَدْرُ
وفي الصَّدْرِ منِّي لوعَةٌ لو تَصوَّرَتْ
…
بصُورَةِ شَخْصٍ ضَاقَ عن حَمْلها الصَّدْرُ
أَمِنْتُ اقْتِدارَ البَيْنِ من بعد بينِكُم
…
فما لفِرَاقِ بعْدَ فُرقَتِكُمْ قَدْر
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن صِرْمَا، عن أبي بَكْر الخَطِيب البَغْدَاديّ
(1)
، قال: أحْمَدُ بن عَبْد المَلِك بن عليّ بن أحْمَد بن عبد الصَّمَد بن بَكْر، أبو صالح المُؤذِّن النَّيْسَابُوريُّ، قَدِمَ علينا حَاجًّا وهو شابٌّ في حَيَاة أبي القَاسِم بن بِشْرَان، ثمّ عاد إلى نَيْسَابُور، وقَدِمَ علينا مرَّةً ثانيَةً في سَنَة أرْبَعٍ وثَلاثين وأرْبَعِمائة، فكتَبَ عنِّي في ذلك الوَقْت وكَتبتُ عنه في القَدْمَتَين جَمِيعًا. وكان يَرْوي عن أبي نُعَيْم عَبْد المَلِك بن الحَسَن الإسْفَرَاينِيّ، ومُحَمَّد بن الحسُين العَلَويّ الحَسَنيّ، وأبي طَاهر الزّيَادِيّ،
(1)
تاريخ بغداد 5: 443.
وعبد الله بن يُوسُفَ بن بَامُوْيَه (a) الأصْبَهَانِيّ، وأبي عَبْد الرَّحمن السُّلمِيّ، ومَنْ بَعْدهم. وقال لي: أوَّلُ سَماعي في سَنَة تِسْعٍ وتِسْعِين وثَلاثِمائة، وكنتُ إذ ذاكَ قد حَفظْتُ القُرْآنَ ولي نحو من تسْع سنين. وكانَ ثِقَةً.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قِراءَةً عليه وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَربم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أحْمَد بن عَبْد المَلِك بن عليّ بن أحْمَد بن عبد الصَّمَد بن بَكْر المُؤذِّنُ، أبو صَالِح، من أهل نَيْسَابُور، الأَمِينُ، المُتْقِنُ، الثِّقَةُ، المُحَدِّثُ، الصُّوْفيُّ، نَسِيْج وَحْده في طَرِيقَته وجَمْعه وإفَادَته، وكان عليهِ الاعْتِمَادُ في الوَدَائِع من كُتُب الحَدِيْث المجمُوعَة في الخَزَائن المَوْرُوثَة عن المَشَايخ، والمَوقُوفَة على أصْحَاب الحَدِيْث، وكان يَصُونُها ويتَعَهَّدُ حِفْظَها، ويتَولَّى أوْقَافَ المُحَدِّثِين من الخُبْز والكَاغَد، وغير ذلك، ويقُوم بتَفْرقتها عليهم، وإيصَالها إليهم، وكان يُؤذِّن على مَنَارَة المَدْرَسَة البيهَقِيَّة سِنِين احْتِسَابًا، ووَعَظ المُسْلمِيْنَ، وذكَّرَهُم الأذْكَار في اللَّيالِي، وكان في أكْثَر الأوْقَاتِ قبل الصُّبْح إذا صَعِدَ المَنَارَة يُكرِّر هذه الآية ويقُول:{أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}
(1)
. وكانَ يأخُذ صَدَقَات الرُّؤَسَاءِ والتُّجَّار ويُوْصِلها إلى المُسْتَحقِّين والمَسْتُورين من ذَوي الحَاجَات والأرَامِل واليَتَامَى، ويُقيم مَجَالِسَ الحَدِيْث، وتُقْرأ عليهِ، وكان إذا فَرغ يجمَعُ ويُصنِّفُ ويُقَيِّد، وكان حَافظًا ثِقَةً، دَيِّنًا خَيِّرًا، كَثِيْر السَّمَاع، وَاسِع الرِّوَايَة، جَمعَ بين الحِفْظ والإفَادَة والرَّحْلَة، وكَتَبَ الكَثِيْر بخَطِّه.
سَمِعَ أبا نُعَيْم عَبْدَ المَلِك بن الحَسَن الأزْهَريَّ، وأبا الحُسَين مُحَمَّد بن الحُسَين الحَسَنيّ العَلَويّ، وأبا مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف بن بَامُوْيَه الأصْبَهَانِيّ، وأبا طَاهِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد مَحَمَش الزِّيَادِيّ، وأبا بكر أحْمَدَ بن الحَسَن الحِيْرِيّ، وأبا سَعيد
(a) تاريخ بغداد: بابويه.
_________
(1)
سورة هود، من الآية 81.
مُحَمَّد بن مُوسَى الصَّيْرَفِيّ، وأبا عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن الحُسَين السّلَمِيّ، وأبا زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن إبْراهيم المُزَكِّي، وأبا بكر مُحَمَّد بن الحَسَن بن فُوْرَك، وأبا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الحافِظ البَيِّع، وأبا القَاسِم عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد السَّرَّاج (a)، وبجُرْجَان أبا القَاسِم حَمْزَة بن يُوسُف السَّهْمِيّ، وبأصْبَهَان أبا نُعَيْم أحْمَد بن عبد الله الحافِظ، وأبا القَاسِمِ عَبْد المَلِك بن مُحَمَّد بن بشْرَان الوَاعِظ، وجَمَاعَة كَثِيْرة من مَشَايِخ جُرْجَان، والرَّيّ، والعِرَاق، والحِجَاز، والشَّام، كما تَنْطق بهِ تَصَانِيْفه، وما تفرَّغ إلى عَقْد الإمْلاءَ لكَثْرة ما هو بصَدَده من الاشْتِغَال والقرَاءة عليهِ.
رَوَى لنا عنْهُ: أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن الفَضْل بن أحْمَد الصَّاعِدِيّ، وأبو المُظَفَّر عَبْد المُنْعِم بن عَبْد الكَريم بن هَوَازِن القُشَيْريّ، وابن أخيهِ أبو الأسْعَد هِبَةُ الرَّحمن بن أبي سَعِيْد القُشَيريّ، وأبو سَعيد إسْمَاعِيْل بن أبي القَاسِمِ الفُوْشَنْجِيّ (b)، وأبو القَاسِمِ زَاهِر بن طَاهِر بن مُحَمَّد الشَّحَّاميِّ، وأبو عليّ الحَسَن بن عُمَر بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ، وجَمَاعَة سِوَاهُم.
صَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، وجمَعَ الفَوَائِد، وعَمِلَ التَّوَاريخ، منها التَّاريخُ لبَلَدِنا مَرْو، ومُسَوَّدَتُه عندنا بخَطِّهِ، وصَحِبَ جَمَاعَةً من المَشَايخ الكبَار مثل: أحْمَد بن نَصْر الطَّالَقَانِيّ، وأبي الحَسَن الجُرْجَانِيّ، وأبي عليّ الدَّقَّاق، وأبي سَعيد بن أبي الحَسَن، وأبي القَاسِم القُشَيْريّ، وغيرهم من مَشَايِخ العِرَاق والشَّام. وكان حَسَن السِّيْرَة، مَلِيْح المُعَاشَرةَ، حَسَن النَّقْل والضَّبْط.
وقال: كانَ مَوْلدُ أبي صالح المُؤذِّن في سَنَة ثمانٍ وثمانين وثَلاثِمائة.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله بن مُحَمَّد القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ
(a) كتبه في هذا الموضع وتاليه بالحاء المهملة، وتقدم - في هذه الترجمة - صحيحًا.
(b) في الأصل: الفوسنجي، بالسين المهملة، وتقدم التعليق عليه.
عليّ بن الحَسَن الحافِظ الدِّمَشقيُّ
(1)
، قال: أحْمَدُ بن عَبْد المَلِك بن عليّ بن أحْمَد بن عبد الصَّمَد بن بَكْر، أبو صالح المُؤذِّن الحافِظ، سَمِعَ بدِمَشْق أبا القَاسِم بن الطُّبَيْز، وأبا عبد الله الحُسَين بن مُحَمَّد بن أحْمَد الحَلَبِيّ، ومُسدَّد بن عليّ الأمْلُوكِيّ، ورَشَاء بن نَظِيف، وبخُرَاسَان أبا نُعَيْم عَبْد المَلِك بن الحَسَن الأزْهَريّ، وأبا مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف بن بَامُوْيَه، وأبا طَاهِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن محَمَش، وأبا زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن إبْراهيم المُزَكِّي، وأبا بَكْر مُحَمَّد بن زُهَيْر بن أَخْطَل النَّسَوِيّ، وأبا عَبْد الرَّحمن السُّلَمِيِّ، وأبا سَعيد الصَّيْرَفِيّ، وأبا الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن السَّقَّاء، وأبا القَاسِمِ عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد السَّرَّاج، وأبا القَاسِمِ بن بِشْرَان ببَغْدَاد، وغيرهم.
رَوَى عنهُ أبو بَكْر الخَطِيبُ، وحَدَّثَنَا عنه ابنُه أبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن أبي صالح، وأبو القَاسِمِ زَاهِر، وأبو بَكْر وَجِيْه ابْنَا طَاهِر بن مُحَمَّد الشَّحَّامِيَّان، وأبو عليّ الحَسَن بن عُمَر بن أبي بَكْر الطُّوْسِيّ البَيَّاعُ، وأبو القَاسِمِ عَبْد الكَريم بن الحَسَن بن أحْمَد الصَّفَّار البِسْطَامِيِّ، وكانَ ثِقَةً خِيَارًا.
أنْبَأنَا زَيْن الأُمَناء أبو البَرَكَات بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عَمِّ الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
، قال: وفيما كَتَبَ إليَّ أبو الحَسَن عَبْد الغَافِر بن إسْمَاعِيْل بن عَبْد الغَافِر يُخْبرني، قال: أحْمَد بن عَبْد المَلِك بن عليّ بن أحْمَد بن عبد الصَّمَد، الشَّيْخُ الحافِظُ أبو صَالِح المُؤذِّنُ الأَمِين المتقِنُ المُحدِّثُ الصُّوْفيُّ، نَسيْج وَحْده في طَرِيقَته وجَمْعه وإفَادتِه، وما رأيْنا مثْلَهُ. حَفِظَ القُرآنَ، وجمعَ الأحَادِيْثَ، وسَمِعَ الكَثِيْر، وصَنَّف الأَبْوَاب والمَشَايخ، وسَعَىَ في الخيرات، وصَحِبَ مَشَايخ الصُّوْفيّة، وأذَّن سنين حِسْبَةً، ولو ذهَبْتُ إلى شَرْح ما رأَيتُه منهُ من هذه الأخْبَار لسوَّدتُ أوْرَاقًا جَمَّة. ولد سَنَة ثمانٍ وثمانين وثَلاثِمائة، وتُوفِّيَ يَوْم الاثْنَين التَّاسع من شَهْر رَمَضَان سنة سَبْعين وأرْبَعِمائة.
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 277.
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 279.
وذكَرَهُ أبو زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن أبِي عَمْرو بن مَنْدَة في تاريخ أصْبَهَان، وقال: أبو صالح المُؤذِّن، قَدِمَ أصْبَهَان، وسَمِعَ من أبي نُعَيْم، وأبي بَكْر بن أبي عليّ ومَنْ في وَقْتهما، حَافِطٌ للحَدِيْث، رَحَلَ وكتب الكَثِيْر وسَمع.
أخْبَرَنا أبو هاشِم بن الفَضْل، عن أبي سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، قال: سَمِعْتُ أبا القَاسِم زَاهِر في طَاهِر الشَّحَّاميِّ بنيْسَابُور، يقُول: خرَّج أبو صَالح المُؤذِّن أَلْفَ حَديثٍ من ألفِ شَيْخ لهُ.
وأخْبَرَنا أبو هاشِم، عن أبي سَعْد السَّمْعَانيّ، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن أبي عليّ الحافِظِ بهَمَذَان: سَمِعْتُ الشّيْخ الزَّكِّي أبا بَكْر بن أبي إسْحاق المُزَكِّي، يقول: ما يَقْدر أحَد يكذِبُ في الحَدِيْث في هذه البَلْدَة - يعني نَيْسَابُور - وأبو صالِح المُؤذِّنُ حَيٌّ، لأنَّهُ كان يَذُبُّ الكَذِب عن حَدِيث رسُول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وقَرأتُ بخَطِّ أبي جَعْفَر أيضًا سَمِعْتُ الشَّيْخ الإمَامَ أبا المُظَفَّر مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَبْد الجبَّار السَّمْعَانيّ المَرْوَزيّ، يقول: إذا دَخَلْتُم على أبي صَالح المُؤذِّن، فادخُلُوا بالحرْمَة، يُغْفَر لم بغير مُهْلَةٍ، فإنَّهُ نجم الزَّمان، وشَيْخ وَقْته في هذا الأوَان.
قال: وقرأت بخَطِّه أيضًا: سَمعْتُ الشَّيْخ الصَّالِح أبا [القاسِم](a) الحَسَن بن أحْمَد الكَوَّاز البِسْطَامِيِّ، يقول: سَأَلتُ الله أنْ أرَى أبا صالح المؤذِّن في المَنَام، فرأيتُه ليلَةً على هَيْئَة صالِحة، فقُلتُ لَهُ: أبا صالح، أخْبرني عن ما عِنْدَكم؟ فقال: يا حَسَنُ، كنتُ من الهَالِكين لولا كَثْرَة صَلاتي على رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أين أنتم عن الرُّؤْبة واللِّقَاء؟ فقال: هَيْهات قد رَضينا منه بدون ذلك، فانتبهتُ ووقَع عليَّ البُكَاءُ.
(a) في الأصل: أبا الحسن، وهو مخالف لما بعده، وهو قوله:"يا حسن"، والزيادة من ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 4: 77 (في ترجمة علي بن محمد بن نصر اللبان).
أخْبَرَنا أبو هاشِم، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: قَرأتُ بخَطِّ والدي رحمه الله: سَمِعْتُ أَسْعَدَ بن حَيَّان النَّسَوِيّ يَحْكي عن أبي صالح المؤذَّن أنَّهُ دَخَلَ على أحْمَد بن نَصْر الشَّبَوِيّ مع شَاهْفُور، فقال الشَّيْخُ لفَقِير: خُذْ سلاحَكَ، فأمر لشَاهْفُور بسُؤَالهِ عن السِّلاح، فقال: هو الوُضُوءُ، ثم سَأَلهُ عن الحَدِيْث، وأراد أنْ يَقْرَأ عليه كتاب البُخاريّ عن الشَّبَوِيّ، فقال: ذَكَرَ في أوَّله الأعْمَال بالنِّيَّةِ، وأنا ما سَمِعْتُ هذا الكتاب لأُحَدِّثَ، سَمِعْتُهُ لأعْمَلَ بهِ.
أخْبَرَنا زَيْن الأُمَناء الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن إذْنًا، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: سَألتُ أبا سَعْد بن أبي صالح عن وِفَاةِ والدِه، فقال: في سنَةِ سَبْعين وأرْبَعِمائة، قيل: في أيّ شَهْرٍ؟ فقال: في شَهر رمَضَان، وذلك أنَّهُ كانَ قد سَألَ الله بمَكَّة أنْ لا يقبِضَهُ إلَّا في شهر رَمَضَان، فإن إذا دخَل شَهْرُ رَجَب تفَرَّغ للعِبَادَة إلى أنْ يخرج شَهْرُ رَمَضَان.
وقال الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
: كَتَبَ إليَّ أبو نَصْر إبْراهيم بن الفَضْل بن إبراهيم البَأَّر (a)، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللهِ الحُسَين بن مُحَمَّد الكُتْبِيّ، قال: سَنَة سَبْعِين وأرْبَعِمائة ورَدَ الخَبَرُ بوَفَاةِ أبي صالح المُؤذِّن الحافِظ في رمَضَان، وكانَ مَوْلدهُ سَنَةَ ثمانٍ وثمانين وثَلاثِمائة.
أخْبَرَنا أبو هاشِم الحَلبَيُّ، عن أبي سَعْد السَّمْعَانِيّ، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن أبي عليّ الحافِظ بهَمَذَان: تُوفِّي الإمَامُ الحافِظُ أبو صالح أحْمَدُ بن عَبْد المَلِك المُؤذِّنُ يَوْم الاثْنَين بالباكر لتِسْعٍ خَلَوْنَ من شَهْر رَمَضَان سنَة سَبْعين وأرْبَعِمائة، وقد بَلغَ خَمسًا وثَمانين سَنَةً من عُمُره. رآهُ بعضُ الصَّالِحين في تلكَ
(a) ضبطه السمعاني والصفدي بهمزتين الأولى مشددة مهموزة: البَأَّآر؛ نسبة إلى عمل الآبار. الأنساب 2: 23 - 24، الوافي بالوفيات 6:90.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 281.
(2)
تاريخ ابن عساكر 71: 281.
اللَّيْلة في النَّوْم كأنَّ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قد أخَذَ بيَده، وقال له: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، فنِعْمَ ما أقَمْتَ بحَقِّي، ونِعْمَ ما أدَّيْتَ من قَوْلي، ونَشَرْتَ من سُنَّتِي.
مَنْ اسْمُ أبيْهِ عَبْد الوَاحِد من الأحْمَدِين
أحمدُ بن عَبْد الوَاحِد بن أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن إسْمَاعِيْل بن مَنْصُور، أبو العبَّاس المَقْدِسِيُّ، ويُعْرَفُ بالبُخاريّ الحَنْبَلِيُّ
(1)
فَقيْهٌ فَاضِلٌ، رَحَلَ رِحْلَةً وَاسِعَةً إلى العِرَاق وخُرَاسَان ومَا وَرَاء النَّهْر، ولحَق الَرَّضِيّ النَّيْسَابُوريّ، وعلَّق عليه الخِلَاف ومَهَرَ فيه، وبرَّز على أقْرَانه، وعُرِفَ بالبُخاريّ لطُول مُقَامه ببُخَارَى، وسَمعَ الحَدِيْث الكَثِيْر بدِمَشْق، وبالبِلَادِ الّتي رحَلَ إليها.
رَوَى لنا عنْهُ أبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد القُوصِيّ، وأبو الحسُين يَحْيَى بن عليّ بن عبد الله المَعْرُوف بالرَّشِيْد العَطَّار، واجْتازَ في طَرِيقه بحَلَب.
دكَرَ لي ذلك شَيْخُنا عبد الرَّحْمن بن إبْراهيم المَقْدِسيِّ، وقال: إنَّ أصْحَابنا المَقَادِسَةَ الّذين رَحَلُوا دخَلُوا كُلُّهُم حَلَب، وكان قد تَصَدَّرَ بِحمْصَ لإفَادَة عِلْم الحَدِيْث والفِقْه، ورتَّبَ لهُ المَلِك المُجَاهِد شِيرْكُوه، صاحبها، بها مَعْلومًا، وحَدَّثَ بها وبغيرها من البِلاد، ورَوَى عنهُ أخُوه الحافِظ ضِيَاء الدّين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد بن أحْمد، وذَكَرَ له تَرْجَمَةً في جُزءٍ جَمَعَ فيه أخْبَار المَقَادِسَة ودُخُولَهم إلى دِمَشْق
(2)
؛ وَقَعَ إليَّ بخَطِّه، فنَقَلْتُ ما ذكَرهُ على قَصِّهِ نَقْلًا من
(1)
توفي سنة 623 هـ، وترجمته في: التكملة للمنذري 3: 177، تاريخ الإسلام 13: 731 - 732، سير أعلام النبلاء 22: 255 - 256، العبر في خبر مَن غبر 3: 190، الوافي بالوفيات 7: 159، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2: 168 - 170، النجوم الزاهرة 6: 266، شذرات الذهب 7:187.
(2)
عنوانه كتاب الضياء: سير المقادسة، ويسمى أيضًا: سبب هجرة المقادسة إلى دمشق، ومؤلفه هو: =
خَطِّه، وقد أجاز لي رِوَايَة ذلك مع غيره.
أنبأنَا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بنُ عَبْد الوَاحِد، وقال - ونَقَلْتُه من خَطِّه -: أحْمَدُ بن عَبْد الوَاحِد بن أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن إسْمَاعِيْل بن مَنْصُور، أبو العبَّاس أخي، يُعْرَف بالبُخاريّ، وهو ممَّن يشتَغل بالعِلْم من صِغَره إلى كِبَره، وبرَّز على أقْرَانهِ، ودَخَل خُرَاسَان وغَزْنَة ومَا وَرَاء النَّهْر، وأقامَ مُدَّةً ببُخَارَى، ولَحِقَ الرَّضِيّ النَّيْسَابُوريّ، وعلَّق عليه الخِلَافَ، وكان قَبْل ذلكَ قد اشْتَغَل ببَغْدَاد علي أبي الفَتْح بن المَنِّيّ، رحمه الله.
وسَمِعَ الحَدِيْث الكَثِيْر بدِمَشْق، وبَغْدَاد، ووَاسِط، وهَمَذَان، ونيسَابُور، وهَرَاة، وبُخَارَى؛ فسَمعَ بدِمَشْقَ: أبا المَعَالِي عبد الله بن عبد الرَّحْمن بن صَابِر، وأبا الفَهْم عبدَ الرَّحْمن بن عَبْد العَزِيْز الأزْدِيّ المَعْرُوفُ بابنِ أبي العَجَائِز، وأبا المَجْد الفَضْل بن الحُسَين بن البَانياسِيِّ، وأبا طَالِب الخَضِر بن هِبَة الله بن طَاوُس، وعَبد الرَّزَّاق النَّجَّار، ومُحَمَّد بن عليّ البَحْرَانِيّ، وغيرهم. وببَغْدَاد، سَمِعَ: أبا الفَتْح عُبَيْد الله بن عَبْد الله بن شَاتِيْل، وعَبْد المُغِيْث بن زُهَيْر، وأبا السَّعَادَات نَصْر الله بن عبد الرَّحْمن القَزَّاز، وغيرهم. وبنَيْسَابُور: أبا البَرَكَات عَبْد المُنْعِم الفَرَاوِيّ، وخَلْقًا كَثِيرًا يَطُول ذِكْرهُم.
وأقام في سَفَرهِ نَحْوًا من أرْبعَ عَشرة سَنَة، ورَجَع إلى وَطَنهِ، ووجَد أصْحَابُنا به راحَةً عَظِيمَةً من قَضَاءِ حَوائجهم عند السَّلَاطين والحُكَّام والوُلَاة، مع عِفَّةٍ ودِيْنٍ وأمَانَةٍ، وقَلَّ منْ رآهُ وعَرِفَهُ إلَّا أحبَّهُ من قَريِبٍ أو بعيدٍ، حتَّى أنِّي سَمِعْتُ من بعضِ مَن يُخالِفُنا أنَّهُ قال لشَخْصٍ: لِمَ لا تكُون مثل البُخاريّ الّذي
= محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت 643 هـ)، محدث حافظ وعالم بالرجال، له مؤلفات عديدة، ونقل اليونيني أيضًا من كتابه سير المقادسة في ذيل مرآة الزمان 2: 065 انظر ترجمته في فوات الوفيات 3: 427، الزركلي: الأعلام 6: 255.
يدخُل حُبُّهُ على القَلْب بغير اسْتِئْذَان. ومَوْلدُه في سَنَة أرْبعٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة في شَوَّال في العشر الآخر منهُ، ذكَرَهُ لي وَالدي.
أخْبَرَنا أبو المَحَامِد إسْمَاعيْل بن حَامِد بن عبد الرَّحْمن القُوصِيّ، قال: أخْبَرَنا الفَقيهُ الإمَامُ شَمْسُ الدِّين أَبو العبَّاس أَحْمَدُ بنُ عَبْد الوَاحِد بن أحْمَد المَقْدِسِيّ الحَنْبَلِيّ، قِراءَةً عليهِ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخ أبو المَعَالِي عَبْد المُنْعِم بن عبد الله الفَرَاوِيّ؛ قال القُوصِيّ: وأجازَهُ لي عَبْد المُنْعِم، ح.
وأَخْبرنَاهُ عَاليًا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ القُرْطُبِيّ الدِّمَشقيّ بالمَسْجِد الحَرَام تُجَاه الكَعْبَة شرَّفَها اللهُ، والإمَامُ عَبْدُ المُحْسِنِ بن أبي العَمِيْد بن خَالِد، أبو طَالِب الأبْهَرِيّ الخَفِيْفِيُّ بمَسْجِد الخَيْف من مِنَى، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عُمَر بن يُوسُف القُرْطُبِيّ بمَسْجِد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالمَدِيْنَة، وأبو البَرَكات مُحَمَّد بن الحُسَين بن عبد الله الأنْصَاريّ بحَمَاة وبحَلَبَ، قالوا: أخْبَرَنا أبو المَعَالِي عَبْدُ المُنعِم بن عَبْد الله الفَرَاوِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن ظَرِيفُ بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز الحِيْرِيّ، وأبو نصْر عبد الرَّحيم بن عَبْد الكَريم، وأبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد الحيزبارَانيّ (a)، قالوا: أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن أحْمَد بن مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو إسْمَاعِيْل بن نُجَيْد بن أحْمَد السُّلَمِيّ، قال: أخْبَرَنا إبْراهيم بن عبْد الله البَصْرِيّ، قال (b): حَدَّثَنَا أبو عَاصِم، عن أيْمَن بن نَابِل، عن قُدَامَة بن عبْد الله
(1)
، قال: رَمَى رسُول الله صلى الله عليه وسلم جَمْرة العَقَبَة، لا ضَرْبَ ولا طَرْدَ ولا إليكَ إليك. وكانُوا يَمْشُون أمَام رسُول الله صلى الله عليه وسلم.
(a) لم يجوِّدهُ المؤلف في الأصل، ولم أجد من ذكره غيره.
(b) مكررة في الأصل.
_________
(1)
المصنف لابن أبي شيبة 3: 224 (رقم 13743)، المنتخب من مسند عبد بن حميد 140 (رقم 357)، سنن ابن ماجة 3: 1009 (رقم 3035)، سنن النسائي 5: 270 (رقم 3061)، الضعفاء الكبير للعقيلي 3: 415، المعجم الكبير للطبراني 19: 38 (رقم 77)، حلية الأولياء لأبي نعيم 7: 118، 9: 17، السنن الكبرى للبيهقي 5: 101، المسند الجامع 14: 504) رقم 11183).
أخْبَرَنا أبو الحُسَين يَحْيَى بن عليّ الحافِظُ بمِصْر، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد بن أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن إسْمَاعِيْل بن مَنْصُور المَقْدِسِيّ ثمّ الدِّمَشقيّ الفَقِيه، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح عُبَيْدُ الله بن عَبد اللهِ (a) بن شَاتِيْل الدَّبَّاس، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن المُظَفَّر بن سَوْسَن التَّمَّار، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَن بن أحْمَد بن إبرْاهيم بن شَاذَان، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن العبَّاس بن نَجِيْح البَزَّاز من لَفْظه، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الفَرَج الأزْرَق، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بن مُوسَى، قال: أخْبَرَنا حَنْظَلَة، عن سَالِم، عن ابن عُمَر، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
: لأنْ يَمْتلئ جَوْف أحَدكم قَيْحًا خَيْرٌ له من أنْ يَمُتلئَ شِعْرًا.
أنُبَأنَا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد، ونَقَلْتُه من خَطِّه، قال: سَمِعْتُ والدَتي تقُول: لمَّا حملتُ بأخيْك أحْمَد، رأيْتُ كأنَّ لنا كَبْشًا له قُرون، فأرْسَلتُ فأوَّلتُه، فقيل: يُوْلَد لهم وَلدٌ يكُون يدفع عَنْهم الخُصُوم، ولعَمْري إنَّهُ لكذلك، فإنَّهُ كان يَمْضِي إلى المُخَالفين ويُناظرهم ويظهَر كَلَامه على كَلامهم، ويدخُل على القُضَاةِ، وإنْ كان لأحَدٍ حاجَةٌ أو حُكُومَةٌ هو يتَولَّى ذلك حتَّى أنَّهُ أثبتَ كُتُبًا عند الحاكِم لم يكن غيرُه يَقْدر على إثْبَاتها.
قال أبو عَبْد الله، ونَقَلْتُه من خَطِّه: سَمِعْتُ والدَتي تَقُول: رَأى أبوكَ قبل أنْ يُوْلَد أخُوكَ أنَّهُ يَبُول في المَسْجِد، قالت: فسَألْتُ عن تأويلْهِ، فقيل: يُولَد لك مَوْلُودٌ يكُون عَالِمًا، أو ما هذا مَعْناه.
(a) في الأصل: عبيد الله بن عبيد الله، وصوابه المثبت. انظر في ترجمته في: سير أعلام النبلاء 21: 117 - 118، العبر في خبر مَن غبر 3: 82، الوافي بالوفيات 19:378.
_________
(1)
سنن الدارمي 2: 297، ورواه ابن حنبل: المسند 3: 68 (رقم 1535)، من حديث سعد بن وقاص، وفيهما:"قيحًا ودمًا".
وقال، ونَقَلْتُه من خَطِّه: سَمِعْت والدتي تقول: قال العِزَّ يعني أبا الفَتْح مُحَمَّد بن الحافِظ عَبْد الغَنِيّ -: كُلُّ مَنْ جَاء منَّا تركَ الاشْتِغَال بالعِلْم غير فُلَان - يعني أخي - فإنَّهُ بعد مَجِيِّهِ (a) لم يَتْرُك الاشْتِغَال بالعِلْم.
قال: وسَمِعْتُ أخي أبا العبَّاس يقول، وقد جاءَ من الغَزَاةِ، وكان غَزَا يافا، فوقَعَتُ في فَخذِه نُشَّابَة جَرخ
(1)
، قال: لمَّا وَقَعَتُ فيَّ كنتُ أشْتَهي لو وقعَت في هذا المَوضع حتَّى تَحْصُل لي الشَّهَادَةُ؛ أي تقَع في مَقْتلٍ.
وقال: سَمِعْتُ بعضَ أهْلي يَحُكي أنَّ جَمَاعَةً من أصْحَابنا مَضَوا إلى زيَارَة امْرأة صَالِحة مُتَعَبِّدَة، وكان فيهم أخي، فقالت: في هذه الجَمَاعَة ثلاثةٌ من الأبُدَال، فسمَّت أخي أحْمَد أحدهم.
قال: وسَمِعْتُ أبا العبَّاس أحْمَد بن سَعيد يقُول: سَمِعْتُ في النَّوْم قَائلًا يقول: ثلاثهٌ من أهْل الجنَّة، فسَمَّى - يعني أخي - أحَد الثَّلاثة.
وسَمِعْتُ أحْمَد يقُول: لمَّا وُضعَت جَنازَتُه - يعني أخي - غَفَوتُ والإمَامُ يَخْطبُ، وكأنَّ قَائلًا يقول: لو كانُوا وضَعُوا على جنازَتهِ إزارًا، ثمّ وَضَعُوا الإزَارَ على النَّاس ليَحْصُل لهم من بَرَكته، أو ما هذا مَعْنَاهُ.
قال: وتُوفِّيَ، رحمه الله عليهِ، لِيْلَهَ الجُمُعَة خَامس عَشر جُمَادَى الآخرة سَنَة ثَلاثٍ وعشرين وسِتِّمائة بالجَبَل، ودُفِنَ بجَنْب قَبْرِ خالهِ الإمَام مُوَفَّق الدِّين رحمه الله.
وسَمِعْتُ أُخْتَيّ قالتا: هَلَّلَ الله قبَلْ مَوْتهِ، وأضَاء وَجْهُه، وأسْفَر جدًّا،
(a) هكذا في الأصل، أي: مجيئه.
_________
(1)
الجرخ: من أنواع السهام التي تقذفها المنجنيقات حسبما يفهم من كلام أسامة بن منقذ، ويسمى القائمون على رميها وقذفها: الجرخيَّة، وربما كانت التسمية لنوع المنجنيق الذي يقذف السهام. انظر: ابن منقذ: الاعتبار 184 - 185، أبو شامة: الروضتين 1: 304، 2:71.
قالت أم مُحَمَّدٍ: وكان يُهَلِّل تهليلًا فَصِيحًا.
وقال: سَمِعْتُ الحافِظ أبا مُولىَ عبد الله بن الحافِظ عَبْد الغَنِيّ يقول: لمَّا ماتَ كَافُور الخَادِم المُنْتمَى إلى ستِّ الشَّام، رأيْتُه تلكَ اللَّيْلة في المَنَام وهو في هَيئَةٍ حَسَنَةٍ، وعليه لباسٌ حَسَنٌ، فوقَفْتُ معه سَاعةً يُحدِّثُني، ثمّ عَرفْتُ أنَّهُ ماتَ. فقُلتُ: ما فَعَلَ الله بكَ؟ قال: خَيْرًا، وشَرَع يَصفُ لي ما أنْعَم اللهُ به عليه، فقلتُ: هل لقيْت أصْحَابَنا؟ فقال: نعم، فقُلتُ: فَمن فيهِم أفْضَل، فقال: ما أُعْطِي أحَدٌ مثل ما أُعْطِي الشَّمْس البُخاريّ، أو قال: ليس أحَد مثل مَنْزِلةِ الشَّمْس البُخَاريّ.
أخْبَرَنا الحافِظ رَشِيْد الدِّين يَحْيَى بن عليّ في مُعْجَمه، قال: الشَّيْخ أبو العبَّاس هذا - يعني البُخاريّ - من أهل دِمَشْق، فَقِيْه فَاضِل من فُقَهَاء الحَنَابِلَة، ويُعْرَفُ بالشَّمْس البُخاريّ، وأصْلُهم من البيت المُقَدَّس أو من أعْمَالهِ.
حَدَّثَ عن جَمَاعَة من شُيُوخ الشَّام والعِرَاقَ، وكانَ مَوْلدهُ في العشر الآخر من شوَّال سَنَة أرْبَعٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة، وتُوفِّيَ لَيْلَة الجُمُعَة الخامس عَشر من جُمَادَى الآخرة سَنَة ثَلاثٍ وعشرين وستِمائة. كَتَبَ إليَّ مَولده ووَفَاته أخُوه الحافِظ أبو عَبْد الله.
وذَكَرَ الحافِظُ أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْم بن عَبْد القَوِيّ المُنْذِريّ في كتاب التَّكْمِلَة
(1)
: أنَّهُ ولي القَضَاء بحِمْص! وليس كذلك، وإنَّما وَلِيَ التَّحْدِيث بحِمْصَ في أيَّام الملك المجاهِد شِيرْكُوه بن مُحَمَّد، أحْضَرهُ إليها للتَّحْديث، فظَنَّ النَّاقِل أنَّهُ وَلي القَضَاء، وكان قاضي حِمْص صالح بن أبي الشِّبْلِ، قبل وُصُول البُخاريّ إلى حِمْص، واسْتمرَّ في قَضَائها إلى بعد وَفَاة البُخاريّ ووفَاة شِيرْكُوه.
(1)
التكملة لوفيات النقلة 3: 177.
أحمدُ بن عَبْد الوَاحِد بن هاشِم بن عليّ، أبو الحسُين المُعَدَّلُ الأسَدِيُّ الحَلَبِي
والد الخَطِيب أبي طَاهِر هاشِم بن أحمد، سَمِعَ أبا مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن سَعيد بن يَحيْىَ بن سِنَان الخَفَاجِيّ الحَلَبِيّ، وأخاه سعيد بن عَبْد الوَاحِد بن هاشِم، وأبا يَعْلَى عَبْد البَاقِي، وأبا سَعْد عَبْد الغَالِب ابْنَي عَبْدِ الله أبي حَصِيْن بن المُحَسِّن التَّنُوخيَّيْن، وأبا الحَسَن عليّ بن مُقَلَّد بن مُنْقِذ سَدِيد المُلْك، وكان أمِيْنًا فَاضِلًا، وتصَرَّف في الدِّيْوَان في الغَرْبيّات من عَمَل حَلَب؛ رَوَى عَنْهُ ابنُه الخَطِيب أبو طَاهِر هاشمُ بن أحْمَدَ خَطِيبُ حَلَب.
أنْشَدَنا الخَطِيبُ أبو عبْد الرَّحْمن مُحَمَّد بن هاشِم بن أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد بن هاشِم، قال: أنْشَدَنا أبي الخَطِيب أبو طَاهِر هاشِم بن أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد، قال: أنشَدَني أبي أبو الحُسَين أحْمَدُ بن عَبْد الوَاحِدِ بن هاشِم، قال: أنْشَدَنا أبو مُحَمَّد عبدُ اللهِ بن مُحَمَّد بن سَعيد الخَفَاجِيّ الحَلَبِيّ لنَفْسِه
(1)
: [من الكامل]
أرأَيْتَ من دَاءِ الصَّبَابَةِ عائدًا
…
ووجَدْتَ في شَكْوى الغَرَام مُسَاعِدَا
أمْ كُنْتَ تَذْكُرُ بالوَفَاءِ عِصَابَةً
…
حتَّى بَلَوْتَهُمُ فَلَمْ تَرَ وَاحِدَا
تَركُوكَ واللَّيْلَ الطَّويلَ وعندَهُم
…
سِحَرٌ يَرُدُّ لك الرُّقَادَ الشَّارِدَا
وكأنَّما كانَتْ عُهُودُكَ فيهمُ
…
دِمَنًا حُبِسْنَ على البِلَى ومَعَاهِدَا
يا صَاحِبي ومَتَى نَشَدْتُ مُحَافِظًا
…
في الوُدِّ لم أزَل المُعَنَّى النَّاشِدَا
أَعْدَدْتُ بعْدَكَ للمَلامَةِ وَقْرَةً
…
وذَخَرْتُ عندكَ بالصَّبَابَةِ (a) شَاهِدَا
ورجَوْتُ فيكَ على النَّوَائِب شِدَّةً
…
فلَقيْتُ منكَ نَوائِبًا وشَدَائِدَا
(a) الديوان: للصبابة.
_________
(1)
ديوان ابن سنان الخفاجيّ 159 - 163.
أمَّا الخيَالُ فما نَكِرْتُ صُدُودَهُ
…
عنِّي وهَل يَصِلُ الخيَالُ السَّاهِدَا
سارٍ تَيَمَّم (a) جَوْشَنًا من حاجِرٍ
…
مَرْمَىً كما حَكَمَ النَّوَى مُتَباعِدَا
كيفَ اهْتَدَيْتَ له ودُوْنَ مَنَاله
…
خَرْقٌ تَجُور (b) بهِ الرِّيَاحُ قَواصِدَا
مَا قصَّرَتْ بكَ في الزِّيارَة نيَّةٌ
…
لو كُنْتَ تَطْرُقُ فيهِ جَفْنًا رَاقِدَا
عَجِبَتْ لإخْفَاقِ الرَّجَاءَ وما دَرَتْ
…
أنِّي ضَرَبْتُ به حَدِيدًا بَارِدَا
ما كانَ يُمْطِرُهُ الجَهَامُ سَحائبًا
…
تُرْوِي ولا يَجِدُ الَسَّرَابَ مَوَارِدَا
وإذا بَعَثْتَ إلى السِّبَاخ برَائدٍ
…
يَبْغي الرِّياضَ فقد ظَلَمْتَ الرَّائِدَا
كَتَبَ إلينا عَبد الوَهَّاب بن عليّ الأَمِين أنَّ الخَطِيب أبا طَاهِر هاشِمِ بن أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد أنْشَدهُم، قال: أنْشَدَنا وَالدي، قال: أنْشَدَني أبو الحَسَن عليّ بن مُقَلَّد بن مُنْقِذ لنَفْسِه
(1)
: [من البسيط]
أحْبَابنا لو لَقِيتُم في مَقامكمُ
…
من الصَّبَابَة ما لاقَيْتُ في ظَعَني
لأصْبَح البَحْرُ من أنْفَاسِكم يَبَسًا
…
كالبَرِّ من أدْمُعِي ينشَقُّ بالسُّفُنِ
أنْبَأنَا المُؤيَّدُ بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أنْشَدَنا أبو طَاهِر هاشِم بن أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد الأسَدِيّ، إمْلاءً من حِفْظه بحَلَبَ، وأنْبَانَا صَقْر بن يَحْيَى بن صَقْر، عن الخَطِيب هاشِم، قال: أنْشَدَني وَالدِي من لَفْظهِ، قال: أنْشَدَني القَاضِي أبو يَعْلَى ابن أبي حَصِيْن لنَفْسِهِ: [من الكامل]
بَانُوا فجَفْنُ المُسْتَهَامِ قَريْحُ
…
يُخْفِي الصَّبَابَةَ تَارَةً ويَبُوْحُ
(a) الديوان: يؤمِّم.
(b) الديوان: تحور.
_________
(1)
البيتان في معجم الأدباء لياقوت 2: 586، ذيل مرآة الزمان لليونيني 4: 153 (نسبها لابن خلكان)، الوافي بالوفيات 22: 326، ونسبها الصفدي في موضع آخر من كتابه (الوافي 7: 314) لشمس الدين بن خلكان.
مِن طَرْفِهِ وَصَلَتْ جِراحَةُ قلْبِهِ
…
وإليهِ فَاضَ نجيْعُهُ المَسْفُوحُ
لم يَبْقَ بَعْدَهُمُ لهُ مِن جِسْمِهِ
…
شَيءُ فَوَاعَجَبَاهُ أينَ الرُّوْحُ
أحمدُ بن عَبْد الوَاحِدِ المُدَرْوِز العَجَمِيُّ
(1)
شَيْخٌ كبيرٌ صَالِحٌ، وَرَدَ حَلَبَ وأقام بها بمَسْجِد السَّيِّدة عَلوِيَّة بنت وَثَّاب بن جَعْبَر النُّمَيْرِيَّة والدة مَحْمُود بن نَصْر بن صالح بن مِرْدَاس، بالقُرْبِ من تَحْت القَلْعَة، وانْضَمَّ إليه في المَسْجِد جَمَاعَةٌ من الفُقَرَاءَ الصَّالِحيْن، وكان يخدُمُهم بنَفْسه ويُدَرْوِز
(2)
لهم في زِبِّيْل
(3)
كَبير كان مَعَهُ، ويُمُد لهم من ذلك سُفْرةً في كُلِّ يَوْمٍ، ولمَّا شَاخ واحْدَوْدَبَ وضعُفَ عن حَمْل الزِّبِّيْل، كان يأخُذُ معه فَقِيْرًا من الفُقَرَاء يَحمل الزِّبِّيْل معهُ، وكان يُعْرَف بأحْمَد الزِّنْبِيل لذلك.
وكان حَسَن الأخْلَاق، مَعْرُوفًا بالخَيْر والصَّلَاح، صَحِبَ رُوْزبَهَار وقَضِيْب البَان بالمَوْصِل، وشاهدْتُهُ وأنا صَبيٌّ وقد انْحَنَى واحْدَوْدَبَ، وقد حَضَر سمَاعًا مع الفُقَرَاء، وطاب فانْتَصَبَ قائمًا تامّ القَامَة، وكانت هذه عَادتُه إذا طاب في السَّمَاع، وكان يَحْكى عن قَضِيْب البَان كَرَامَات.
(1)
توفي سنة 617 هـ، وترجمته في: المقفى الكبير للمقريزي 1: 504 - 505.
(2)
الدَّروزة: أفعال يقوم بها بعض من يوصفون بالكرامات والولاية لكسب الرزق والكدية من الناس في الأسواق وبين المارَّة، وذكر المقري (نفح الطيب 1: 220) أن "الدروزة تُكسِّل عن الكد وتحوج الوجوه للطلب في الأسواق" وأنها تقتصر على أهل الشرف أما في الأندلس فمستقبحة عندهم، ويأتي في ترجمة روزبهان الديلمي (الجزء الثامن) واشتغاله بالدروزة ما يفيد أنهم يقومون بأفعال كالرقص والصياح والعزف بالشبابة والضرب بالدف، ونص كلام ابن العديم: "كان لا يَأكُل إلَّا من الدَّرْوَزة، هو وأصْحَابه، ومعه القوالون والشبَّابات، وفي أصْحَابه حاجب، ومُدَرْوِز، وخَادم فإذا أراد المُدَرْوِز الخُرُوج سأل الحَاجِب أن يستأذن له، فكان الحاجِب يقف بين يده أكثر النَّهار أَو أكثر اللَّيْل قيامًا واحدًا
…
وقال ابن المستوفي: كان رُوْزبَهَان يُصَفِّق ويَدْخُل في السَّمَاعَ من غير دفٍّ ولا شَبَّابَة، ويَرْقصُ هو وأصْحَابُه"، وانظر أيضًا: كتاب الحوادث لمجهول 144 - 145.
(3)
الزِّبِّيْل: القُفَّة، ويقال: الزِّنْبِيل أيضًا كما يذكره ابن العديم بعده. انظر: لسان العرب، مادة: زيل.
وأخْبَرَني تَاج الدِّين أحْمَد بن هِبَة الله بن أمِيْن الدَّولَة، قال: سَمِعْتُ الشَّيْخ أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد المُدَرْوِز، يقُول: إنَّ سَبَبَ اشْتِغَالي بالدَّرْوَزَةِ أَنَّنى كنتُ قد حَجَحْتُ وزُرْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فبقيتُ بالمَدِيْنَة ثلاثة أيَّام لا أطْعَمُ طَعَامًا، فجئتُ إلى قَبْر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وجَلَسْتُ عندَهُ، وقُلتُ: يا رسُول الله، أكُونُ ضَيْفَك ولي ثلاثة أيَّامٍ لم أُطْعَم طَعَامًا؟! قال: فهَوَّمْتُ وانْتَبَهتُ وفي يدِي دِرْهَمُ كبيرُ، فخرجْتُ واشْتَريْتُ به شيئًا أكَلْتُهُ، وشيئًا للُبْسِي، ثمّ اشْتَغَلْتُ بعد ذلك بالدَّرْوَزَة.
قُلتُ: وكان المَلِك الظَّاهِر رحمه الله وأُمَرَاؤُه يَحتْرَمُونَهُ ويُكْرمونَهُ.
وتُوفِّيَ رحمه الله بحَلَب بمَسْجِد السَّيِّدة في ثامن شَوَّال من سَنة سَبْعِ عَشْرة وستِّمائة، وكان قد ناهَز مائةَ سَنَة، وصُلِّي عليه بالمَسْجِد الجامع، ودُفِن بمقام إبْراهيم، ومَرُّوا بجَنَازَتهِ على باب دارِي، وصَعدْتُ إلى غُرْفَة في الدَّار مُشْرفِة على الطَّريق، فوجَدْتُ زَوْجَتي فيها نائمةً، فنَبَّهتُها، وقُلتُ: اجْلِسِي وانْظري جَنَازة الشَّيْخ أحْمَد المُدَرْوِز، فانْتَبَهت وقالت لي: السَّاعَهَ رأيتُ في منامي جنَازةً تَمُرّ بين السَّماءَ والأرْض، والمَيِّت مُغَطَّى بإزَارٍ أبْيَض والهَوَاءُ يُهَبِّبُه، وقد جَاءوا بالجنازَة إلى مَشْهَد المَلِك رِضْوَان خارج حَلَب، فأدْخلُوا الجنَازة إلى البُسْتَان إلى جانبهِ، وهو البُسْتَان المَعْرُوف بالجُنَيْنَة.
قُلتُ: وتَبع جَنَازَته جَمْعٌ عظيمٌ، رَحْمَةُ الله عليهِ.
أحمدُ بن عَبْد الوَاحِد بن مِرَى، أبو العبَّاسِ الحَوْرَانيّ القَاضِي، المُلَقَّبُ بالتَّقيّ الشَّافِعيّ
(1)
فَقِيْهٌ فَاضِلٌ، أدِيبٌ زَاهِدٌ، شَاعِرٌ.
(1)
توفي بعد وفاة ابن العديم سنة 667 هـ، وترجم له الحسيني: صلة التكملة لوفيات النقلة 2: 577 - 578، =
قَدِمَ حَلَب، وأقام بها مُدَّةً، وتَفَقَّهَ بها على شَيْخنا قاضِي القُضَاة أبي المَحَاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم، وسَمِعَ منه الحَدِيْث ومن شَيْخنا الشَّريف أبي هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْلِ الهاشِميّ وغيرهما، وبرَّز في عِلْم الفِقْه والأدَب، ثمّ توجَّه من حَلَبَ إلى سِنْجَار ووَلي بها القَضَاءَ، ثُمَّ انْتَقَلَ عنها إلى بَغْدَاد، وذكَرَ بها مَسْألَةً، فوَلي الإعَادَة بالمَدْرسَةِ المُسْتَنْصِريَّة من جهة الشَّافِعيَّة، وسَمِعَ بها الحَدِيْث من [مُحمَّد بن سَعِيد](a) بن الخازِن وغيره، ثمّ تَزَهَّدَ وانْقَطَع عن الدُّنْيا، وجَاوَرَ بمَكَّة وبالمَدِيْنَة.
وحدَّثَ بمَكَّة وبسِنْجَار عن أبي هاشِم عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ بشَمَائِل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لأبي عِيسَى التِّرْمِذيّ، وبمُسْنَد الإمَام الشَّافِعيّ رضي الله عنه عن ابن الخازِن النَّيْسَابُوريّ وعن غيرهما.
وكان لي به اجْتِمَاع بحَلَب، وكان يَسْمعُ معنا الحَدِيْث، ثمّ قَدِمَ الدِّيَار المِصْرِيّة من المَدِينَة، على ساكنها الصَّلاةُ والسَّلام، في ذِي القَعْدَة من سَنة ثمانٍ وخَمْسين وستِّمائة رَسُولًا من صاحبها إلى قُطُز المُعِزِّيّ - بعد أنْ اسْتَولَى على مِصْر، وامْتَدَّت يدهُ في الظُّلْم، وقبضَ أوْقَاف المَدِيْنَة بالدِّيَار المِصْرِيّة - فوجَدَهُ قد قُتِلَ، وتولَّى قَاتلُه المَلِك الظَّاهِر رُكْن الدِّين بِيْبَرْس، فاجْتَمع به، وقَضَى شُغْلَهُ وأطلَق الوَقْفَ وكنتُ إذ ذاك بمِصْر، فحضَرَ إليَّ وعلَّقتُ عنه فَوَائِد وشَيئًا من شِعْره،
وسألْتُه عن مَوْلدِه، فقال: عُمُري الآن سَبْعةُ وسَبْعُون سَنة، وكان سُؤالي إيَّاه في رابع وعشرين من ذي القَعْدَة من سَنَة ثمانٍ وخَمْسِين وستِّمائة.
(a) موضعه بياض في الأصل قدر كلمتين، وابن الخازن من الحفاظ المسندين المشهورين، توفي سنة 643 هـ. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي 14: 469 - 470، وفي العبر للذهبي 3: 248: محمد بن سعد.
_________
= اليونيني: ذيل مرآة الزمان 3: 412 - 413، تاريخ الإسلام 15:139، تذكرة الحفاظ 4: 1476 (ذكر عارض)، لسان الميزان 1: 215 - 217، الوافي بالوفيات 7: 160، المقريزي: المقفى الكبير 1: 503 - 504، المنهل الصافي 1: 376 - 377، ابن تغري بردي: الدليل الشافي 1: 58.
وأخْبَرَني في ذلك اليَوْم، قال: أخْبَرَني هارُون ابن الشَّيْخ عُمَر، عن بعض الصُّلَحَاءَ المُجَاوِريْن بمَكَّة، شَرَّفَها اللهُ، من أهل اليَمَن، أنَّهُ رأى فيما يرى النَّائم كأنَّهُ قد نَزَل إلى البَيْت المُعَظَّم ليَطُوف بهِ على جَارِي العَادَة، فلم يجدهُ، فقال: ذَهَبَ الإسْلَام، رَاح الدِّين، فقيل لهُ: مَهْ! كيفَ تقُول هذا؟! قال: أينَ البَيْتُ الّذي كان يَطُوف بهِ المُسْلمُون؟ فقيل لهُ: السَّاعَة يَجيءُ، قال: مَنْ يَجيء بهِ؟ قيل: أهل مِصْر، أو أصْحَاب مِصْر، قال: متَى يَجيءُ؟ قال: لا تَعْجل؛ السَّاعَة يَجيء. فبينَا هو كذلك إذ جاءَ البَيْتُ، وعَادَ في مكانه كهَيْئَته الأُوْلَى لكنَّه لا كُسْوَة عليه، فقال: أين كُسْوَتهُ؟ فقيل: السَّاعَة تَجىِء. فبينا هو كذلك إذ أُفْرغ على البَيْت المُعَظَّم الكَرِيم كُسْوَة بَيْضاءَ، وانْتَبَه.
قُلتُ: فقدَّر اللهُ تعالَى أنَّ التَّتَار اسْتَولوا على الشَّامِ في سَنَة ثمانٍ وخَمْسِين، وخَرَجَ عَسْكَر مِصْر ومَنْ الْتَجَأ إليهم من عَسْكَر الشَّام مع قُطُز، والْتَقُوا بعَسْكر التَّتَار على عَيْن جَالُوت فكَسَروا التَّتَار ومَضوا إلى الشَّام جميعه فاسْتَولَوا عليهِ، ونَرْجو من ألْطاف الله أنَّ الكُسْوَة البَيْضَاء تكون عِمارَة الشَّام، وعَوْد ما تشَعَّثَ من مُدُنهِ وحُصُونه إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
وأخْبرَني أبو العبَّاس الحَوْرَانيّ أنَّ بعض الصَّالِحين أخْبَرَهُ مَنْ فيه أنَّه رَأى أنَّهُ فُتحَ في السَّماء بابان، وزل من أحدهما مَلائِكَة خَيَّالة على خَيْل، وسمِعَ قَائلًا يقُول: هؤلاء مَلائِكَة قد نزلوا من السَّماء لنُصْرة الإسْلَام، وقيل للباب الآخر هذا الباب الآخر باب رَحْمَة له سِنين لم يُفْتَح، وقد فُتح الآن لتَنْزل منه الرَّحْمَةُ على النَّاس.
أخْبرَني أبو العبَّاس بن عَبْد الوَاحِد، قال: أخْبَرَني شَخْصُ من كبار الصَّالِحين يُعْرَفُ بعُمَرِ بن الزِّغْبِ أنَّهُ كان مُجاوِرًا بالمَديْنَة المُقَدَّسَة، وأنّهُ خَرَجَ في بعضِ السِّنِيْن في يوْم عَاشُوْراء الّذي تَجْتمع الإمامِيَّة فيه لقِرَاءة المَصْرع إلى قُبَّةِ العبَّاسِ، فسَأل شيئًا في مَحَبَّة أبي بَكْر الصِّدِّيْق رضي الله عنه كما جَرَت عَادَةُ
السُّؤَّال، فقال له رَجُلٌ شَيْخٌ من الحاضِريْن: اجلِس حتِّى نفرُغَ، فلمَّا فَرغُوا أخذَهُ إلى داره، وسَلَّطَ عَبْدين لهُ عليهِ، فكَتَّفاهُ وأوْجَعَاهُ ضرْبًا، ثمّ قَطع لِسَانَهُ، وقال: أخْرُج إلى الّذي طلبْتَ لأجلِهِ ليردّ عليك لسَانك، فجاء وهو مَقْطُوع اللِّسَان تُجاه الحُجْرة المُقَدَّسَة يَسْتَغِيث ويقُول: يا رسُول اللهِ، تَعلم ما قد جَرَى عليَّ في مَحَبَّة صاحبِكَ، فإنْ كان صاحبُكَ على حَقٍّ أُحبُّ أنْ يرجع إليَّ لِسَاني، فإنْ لم يَرْجع إليَّ لسَاني وإلَّا شَكَكْتُ في إيْمَاني، قال: فبينما هو في أثناء اللَّيْل، إذ اسْتَيْقَظ فوجَد لِسَانَهُ في فِيْهِ كا كان قبل قَطْعِه.
ثمّ عادَ في مثل ذلك اليَوْم في العام المُقْبل إلى القُبَّة المَذْكُورَة، وقام وقال: أُريدُ في مَحَبَّة أبي بَكْر الصِّدِّيْق دِيْنارًا مِصْريًّا، فقال لهُ حَدَثٌ من الحاضِريْن: اقْعُد حتَّى نَفْرُغ، فلمَّا فَرغُوا أتى بهِ ذلك الحَدَثُ إلى تلك الدَّار الّتي قُطع فيها لِسَانهُ، فأدْخَلهُ إليها، وأجْلَسَهُ في مكانٍ مَفْرُوشٍ، وأحْضَر له طبقَ طَعَام، ووَاكَلَهُ واسْتَزادَهُ في الأكل حتَّى اكْتَفى، ثمّ رفَع الطَّعَام وفَتح بيتًا، وجَعَل الفَتَى يَبْكي، فقام عُمَر المَذْكُور ليَنْظُر سبَب بُكائِه، فرَأى قِرْدًا مَرْبُوطًا عندَهُ وهو يَنظُر إليه ويَبْكي، فسَألَهُ عن ذلك، فازْدَادَ بُكاؤهُ وارْتَفَع نَحِيْبُه، ثمّ سَكَّنهُ حتَّى سَكَن، وسَألَهُ عن ذلك القِرْد ما هو؟ فقال لي: إنْ حلفْتَ لي أنَّك لا تَحْكِي هذه الحِكايَة فِي المَدِيْنَة المُقَدَّسَة أخبرتُكَ. فحلفَ له بما اسْتَحْلَفَهُ أنَّهُ لا يُخْبر بها أحدًا في المَدِيْنَة النَّبَويَّة، فقال لهُ: اعْلم أنَّهُ أتانا شَخْصُ في العام الماضي وطَلَبَ شيئًا في قبَةِ العبَّاسِ الَّتي أتيْتَ إلينا العامَ فيها، وسَألَ شيئًا في مَحَبَّةِ أبي بَكْر الصِّدِّيْق، وكان والدِي من فُقَهَاء الإمامِيَّةِ وعُلَماء الشِّيْعَة ممَّن يُرْجَع إلى فُتْياهُ وقَوْله في مَذْهَبهِ، فسلَّطَ عليه عَبْدَين له، فكَتَّفَاهُ وأوْجَعَاهُ ضَرْبًا، ثمّ قَطَع لِسَانَهُ وأخرَجَهُ وقال: اذْهَبْ إلى الّذي طلبتَ لأجْلِه ليرُدَّ عليكَ لسَانك، فلمَّا كان في أثْناءِ اللَّيْل صَرخ أبي صَرْخةً عَظِيمَةً فاسْتَيْقَظنا لها، فوَجَدْناهُ قد مُسِخَ قِرْدًا، وهو
هذا، فجدَّدنا إسْلَامنا نحنُ، وتَبَرَّأنا من ذلك المَذْهَب، وخَطَر لنا إظْهار مَوْتهِ، فأظْهَرْنَا مَوْتَهُ، وأخَذنا خَشَبَة نَخْلٍ بالية تُشْبه الآدَمِيّ، ولَفَفْنا عليه خِرَقًا ودفنَّاهُ، وكنتُ أظْهَرتُ أنِّي حلفْتُ أنَّهُ لا يتَولَّى غَسْلَهُ إلَّا أنا ووالدتي لئلَّا يَطَّلع أحدُ على شيء من ذلك.
قال: فقال له الشَّيْخُ عُمَر: فأنا أزيدُكَ في الحِكايَةِ زيَادَةً، وهو أنِّي أنا الشَّخْصُ الّذي قَطَع لِسَاني، وقد عاد كما كان. فأكَبَّ عليه يُقَبِّل رأسَهُ ويديهِ ويَتبرَّك به، وأعْطَاهُ دِيْنارًا وكَساهُ ثَوْبًا، وكان يَتَفقَّدَهُ مُدَّة مقامهِ في المَدِيْنَة النَّبَويَّةِ على سَاكنها السَّلام.
قال: وحَكَى لي هذه الحِكايَة بمِنَى أيَّام المَوْسِم، وذَكَر أنَّ اسْم المَمْسُوخ كان أحْمَد.
أنْشَدَنا مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد بن الصَّفَّار السِّنْجَارِيِّ بها، قال: أنْشَدَني تَقِيّ الدِّين أبو العبَّاس أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد الحَوْرَانيّ المُدَرِّس الشَّافِيّ - ثُمّ اجْتَمَعْتُ بأبي العبَّاس أحْمَد فأنْشَدَني - قال: أنْشَدَني الشَّيْخُ مُوَفَّق الدِّين أبو الثَّنَاء مَحْمُود بن أحْمَد الخُجَنْدِيُّ الفَقِيهُ الشَّافِعيّ، لنَفْسِهِ، بسِنْجَار:[من المنسرح]
وجَالَس للدُّرُوسِ يَعْمَهُ في
…
مَسْلَكِ تيهٍ للأُسْدِ فَرَّاسِ
في جُدُرٍ أُلِّفَتْ مَسَاكِنُها
…
من غَصْب وَالٍ ومَكْسِ مَكَّاسِ
يَنْهَى عن الظُّلْم في دِرَاسَتهِ
…
وأُكْلُهُ مِنْ مَظَالِمِ النَّاسِ
فَقِفْ علَيهِ وَسَلْ مُلَاءَمَةً
…
بينَ نَقِيْضَي ذَا الذَّاكِرِ النَّاسِي
تَقْطَعْهُ في مَعْرَكِ الجِدَالِ وَمَا
…
في طَلَلٍ بالوُقُوفِ مِنْ بَاسِ
أنْشَدَني تَقِيّ الدِّين أبو العبَّاس الحَوْرَانيّ بمِصْر لنَفْسِه وقال لي: هذه الأبْيَات أنْشَدتُها ببَغْدَاد حين اسْتَدْلَلتُ في المَسألَة، ومَدحتُ بها المُسْتَنْصِر [من الوافر]
لَهُ شَرفُ الخِلَافَة مِن قُرَيش
…
ومَجدِّ من مَسَاعِيها العِظَام
لهُ سرُّ النُّبُوَّة مِن مَعدٍّ
…
فهذا السِّرُّ في هذا الإمَامِ
فرَأيٌ بينَ مَنٍّ وافْتدَاءٍ
…
وعَزْمٌ بين سِرٍّ وانْتِقَامِ
أنشَدَنا أبو العبَّاس أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد بن مِرَى، لنفسِه، قِراءَةً عليهِ وأنا أسمَعُ
(1)
: [من الكمال]
دَعْهَا (a) تسيرُ من العِرَاق سَرِيْعًا
…
فلعلَّها ترد الحَجاز رَبِيعا
أضَحتْ تَحِنُّ إلى العَقِيْق صَبابةً
…
وتَمدُ أعْنَاقًا لهُنَّ خُضوعَا
وردَتْ على ماءَ العُذَيْب فَسَرَّها
…
ذاك الوُرود فنقَّطته دُمُوعَا
واللهِ لولا حبُّ مَنْ سَكَن الِحَمى
…
ما كان قَلبْي للغَرَام مُطِيْعَا
أحمدُ بن عَبْد الوَارِث بن خَليفَة القَلْعِيُّ
(2)
سَمعَ بحَلَب الفَقِيه أبا عليِّ عَالِي (b) بن إبْراهيم بن إسْمَاعِيْل الغَزْنَوِيّ الحَنَفِيّ، وحَدَّثَ عنهُ بدِمَشْق في شَهر ربيع الآخر سَنَة ستٍّ وسِتِّين وخَمْسِمائَة، فقد تُوفِّي بعد ذلك.
(a) المقفى: ريم.
(b) كذا في الأصل بالعين المهملة، ومثله في أنساب السمعاني 2: 317، والدر الثمين لابن الساعي 404، والوافي بالوفيات 16: 573، وترجم له ابن قطلوبغا (تاج التراجم 173 - 174) في حرف الغين:"غالي بن إبراهيم".
_________
(1)
الأبيات في القفى الكبير 1: 503.
(2)
توفي بعد سنة 566 هـ.