الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ أسَدٌ
أسَدُ بنُ إبْراهيم بن كُلَيْب بن إبْراهيم بن عليّ، أبو الحَسَن القَاضِي الحَرَّانيُّ
(1)
قَدِمَ حلَبَ، وسَمِعَ بها نَظِيْفَ بن عَبْد الله المُقْرِئ مَوْلَى بني كِسْرَى الحَلَبِيّ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بن الحُسَين بن صالح السَّبِيْعِيّ، وسَمِعَ بمَكَّةَ أحْمَد بن مُوسَى الأصْبَهَانِيّ، وحَدَّثَ عنهُم، وعن أحْمَدَ بن إبْراهيم الكِنْدِيِّ، وإبْراهيم بن مُحَمَّد الدَّيْبُلِيِّ.
رَوَى عنهُ أبو إسْحاق إبْراهيم بن سَعيد الحَبَّال، وأبو زَكَرِيَّاء عبدُ الرَّحيم بن أحْمَد بن نَصْر البُخاريّ، وأبو نَصْر عَبْدُ الله بن سَعيد بن حَاتِم الوَائِلِيّ الحافِظ، وأحمد بن الحُسَين (a).
أسَدُ بن (b) جَهْوَر الكَاتِبُ
كان يتولَّى بحَلَب عَمَلًا، ومَدَحَهُ البُحْتُرِيُّ، وله ذِكْرٌ، وكان يُنْسَبُ إلى الغَفْلَة.
قَرَأتُ في كتاب الصَّيْدِ
(2)
لأبي طَالِبٍ مُحَمَّد الخِيَمِيّ البَغْدَاديّ، قال: وخَبَّرني
(a) بعده في الأصل وب بياض قدر سبعة أسطر.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
توفي بعد سنة 402 هـ، وترجمته في مروج الذهب للمسعودي 5: 202 (ولعله غير المترجم له)، الصابئ: الهفوات النادرة 138، 142 - 143، 216، تاريخ الإسلام 9: 164، ميزان الاعتدال 1: 206، الوافي بالوفيات 9: 5 وفيه: "حَدَّث سنة 403 هـ". لسان الميزان 1: 382، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 281.
(2)
كتاب الصيد لأبي طالب، كتاب مفقود لم يصلنا، مؤلفه هو مهذَّب الدين محمد بن علي بن علي بن المفضّل بن القَامغار الحليّ العراقيّ، أبو طالب ابن الخيميّ (ت نحو 642 هـ)، له مصنفات كثيرة عددها الصفدي والسيوطي وإسماعيل باشا البغدادي وليس من بينها الكتاب المذكور، انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8: 79، الوافي بالوفيات 4: 181 - 183، نزهة الأنام لابن دقاق 159 - 160، بغية الوعاة 1: 184 - 185، هدية العارفين 3: 121 - 122.
مَنْ حَضَر أسَدَ بنَ جَهْوَر الكَاتِب يتَصَيَّد، وكان من شِدَّة الغَفْلَة على ما لم يُرَ مثْلُه.
وقال: رأيتُهُ وقد أُطْلقِ بينَ يَدَيْهِ بازٌ على دُرَّاجَةٍ، ودخلَتْهُ الأريحيَّةُ، فرَكض في إثرِه حتَّى إذا (a) كسَرَها اسْتَخْرج سِكِّينًا من خُفِّه وأهْوَى بها نحو البَازِي فأمَرَّهَا على حَلْقهِ ليذبَحَهُ، فصَاح بهِ البَازْيَارُ فكَفَّ عن البَازي وأخَذَ الدُّرَّاجَةَ، وقال: كدْنا نَظْلِمُه الشَّقيَّ!.
قال: وكان معنا فَتَىً يُنادمُهُ، ظريفٌ شَاعِرٌ، وكان (b) لا يزالُ يُبْلَى من غَفْلَته عنه واسْتِخفافِه به على جهة السَّهْوِ (c) بكُلِّ عَظِيمَة، فأنْشَأ يُنْشدُني:[من الطويل]
أتَيْتَ بها مقْبُوحَةَ الذِّكْرِ سُبَّةً
…
تبثُّ على مَرِّ اللَّيالِي وتُربعُ
فإنْ كان عمدًا ما أتَيْتَ فإنَّهُ
…
لعَمْرُك لُؤْمٌ واجبٌ ليسَ يُدْفَعُ
وإنْ كان عن سَهوٍ وإفْراطِ غَفْلَةٍ
…
فأحْضَرُ منك الهَالكُون وأنفَعُ
أنَبَأنَا أبو مُحَمِّدٍ بن يُوسُف النَّحوِيُّ، عن أبي الفَتْحِ بن البَطِّيِّ، قال: أنْبَأنَا أبو عَبْد الله الحُمَيْدِيّ، عن غَرْس النِّعْمَة مُحَمَّد بن هِلِّل بن المُحَسِّن بن الصَّابِئ
(1)
، قال: وحَدَّث أبو الحَسَن أحْمَد بن يُوسُف بن يَعْقُوبَ بن إسْحاق بن البُهْلُول التَّنُوخِيّ، قال: حَدَّثني أبي، قال: حضرتُ أسَد بن جَهْوَر، وكان شَدِيد (d) النِّسْيَان، عند عُبَيْد الله بن سُلَيمان الوَزِير، وهو يُخاطبه في أمرٍ من الأُمُور، فيقول له: السَّمْعُ والطَّاعَةُ لأمرِ القَاضِي [أعَزَّهُ اللهُ، وقد](e) أُنْسِيَ أنَّه الوَزِيرُ، وكان إلى جَنْبِ أبي
(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: السوء.
(d) نشوار المحاضرة: كثير.
(e) ما بين الحاصرتين في هذا الخبر والذي يليه وقع طمسه في الأصل، واستكملناه من ب وكتاب الهفوات النادرة ونشوار المحاضرة.
_________
(1)
الصابئ: الهفوات النادرة 132 - 143، والتنوخي: نشوار المحاضرة 2: 281 وفي عبارات النشوار اختلاف يسير. وأورد له التنوخي حكايات أخرى تدل على نسيانه وبخله وغفلته.
العبَّـ[ـاس بن الفُرَات، فغَمَزهُ أبو العبَّاس]، وقال له: قُل (a) الوَزِيرُ أعَزَّهُ اللهُ، [فقال لابنِ الفُرَاتِ: نَعَم (b) أعزَّ اللهُ القَاضِي]، فضَحك ابن الفُرَات، وقال:[لستُ بالقَاضِي، فارْجع إلى] صَاحبك فقضِّه.
قال
(1)
: [وكنتُ يَوْمًا عند أسَدِ بن] جَهْوَر وهو يَكْتب، [فجَفَّت دَوَاتهُ، فقال: يا غُلَامُ، كُوْزَ] ماءٍ للدَّواة، [فجاءَ الغُلَام بكُوْز ماءٍ، فأخَذَهُ وشَربَه، ومَضَى الغُلَام] بالكُوْز، وأخذ يَكْتبُ [فلَم تَنْكتبْ له، فقال: ويْلك هَات الماءَ للدَّواةِ، فجاءَه] فشَربه ثانية، [ولَم يَطْرحْ في الدَّواة منها، ثمّ كَتَب فلم تنْكَتبْ له، فقال: ويلَك] كم أطْلب للدَّواة [ماءً ولا تُحْضرُه؟ فجاء الغُلَامُ بشَرْبةٍ ثالثةٍ، فأخَذَ بشُرْبها]، فقال له: يا سَيِّدِي، [اطْرحْ منها أوَّلًا في الدَّوَاة، ثمّ تَشْرب البَاقي. فقال: نَعَم نعم! وطَرح في الدَّواة وكَتب].
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن قُبَيْس الغَسَّانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْرٍ الخَطِيبُ
(2)
، قال: أخْبَرَني عليّ بن أبي عليّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عِمْران المَرْزُبانيّ أنَّ مُحَمَّد بن يَحْيَى أخْبَرهُ، قال: كان أبو مُسْلم الكَجِّيّ، وأسَدُ بن جَهْوَر يتقلَّدانِ أعْمَالًا بالشَّام، فقال البُحْتُرِيُّ
(3)
يَمْدحهما: [من البسيط]
هل تُبْدِيَنَّ لي الأيَّامُ عارِفَةً
…
لدى أبي مُسْلِم الكَجِّيِّ أو أَسَدِ
كلاهُما آخِذٌ للمَجْد أُهْبَتَهُ
…
وباعثٌ بعْدَ وَعْدِ (c) اليَوْم نُجْحَ غَدِ
للهِ دَرُّكُمَا (d) من سَيِّدَيْ زَمَنٍ (e)
…
أجْرَيتما من مَعَاليهِ إلى أمَدِ
(a) في الأصل وب: قال.
(b) ساقطة من ب.
(c) الديوان: إثر نجح.
(d) ب: درُّهما.
(e) في تاريخ بغداد (مصدر النقل): ومن، والمثبت موافق لما في الديوان.
_________
(1)
الهفوات النادرة 143، وورد في نشوار المحاضرة 2: 283، باختلاف بيِّن فيه.
(2)
تاريخ بغداد 7: 38.
(3)
ديوان البحتري 1: 515.
وجَدْتُ عندكما الجَدْوَى مُيَسَّرةً
…
أوانَ لا أحَدٌ يُجْدِي على أحَدِ
وقد تَطَلَّبْتُ جَهْدِي ثالثًا لَكُما
…
عندَ اللَّيالِي فلم تفْعَلْ ولم تَكَدِ
لن يُبْعِدَ اللهُ مِنِّي حاجةً أَمَمًا (a)
…
وأنتُما غايَتي فيها ومُعْتَمَدي
إنْ تُقْرضَا فقَضَاءٌ لا يَريْثُ، وإِنْ
…
وهَبْتُما فقَبُولُ الرَّفد والصَّفَدِ (b)
وفي القَوَافي إذا سَوّفْتُها (c) بِدَعٌ
…
يثْقُلنَ في الوَزْن أو يَكْثُرنَ في العَدَدِ
فيها جَزَاءٌ لِمَا يأتي الرَّسُولُ بهِ
…
من عَاجلٍ سَلِسٍ أو آجلٍ نَكِدِ
أسَدُ بنُ الفُرَات القَاضِي
(1)
قاضي إِفْرِيقِيَّةَ، وُلِدَ (d) بحَرَّانَ، وكان أبُوه حَمَلَ أُمَّهُ معه في صُحْبَةِ مُحَمَّد بن الأشْعَث حينَ تَوَجَّهَ إلى إفْرِيقِيَّة وَاليًا، فاجْتازَ به أبوه في صُحْبَتهِ بحَلَبَ.
قَرَأتُ في كتاب قُضاة إفْرِيقِيَّة، تأليفُ أحْمَدَ بن إبْراهيم بن أبي خَالِد
(2)
،
(a) الديوان: أبدًا.
(b) تاريخ بغداد: والصمَّد.
(c) الديوان وتاريخ بغداد: سوَّمتها.
(d) ب: وولد.
_________
(1)
توفي سنة 213 هـ، وترجمته في: الإكمال لابن ماكولا 4: 454 - 455، المالكي: رياض النفرس 1: 254 - 273، ترتيب المدارك للقاضي عياض 3: 291 - 309، ابن الجوزي: المنتظم 10: 252، ابن الأثير: الكامل 6: 236، 333 - 336، 356، ابن الأبار: الحلة السيراء 2: 380 - 381، الدباغ: معالم الإيمان 2: 3 - 14، تاريخ الإسلام 5: 274 - 275، العبر في خبر مَن غبر 1: 286، سير أعلام النبلاء 10: 225 - 228، الوافي بالوفيات 9: 6، ابن فرحون: الديباج المذهب 1: 305 - 306، ابن خلدون: العبر 7: 621 - 625، المقريزي: المقفى الكبير 2: 59 - 62، السيوطي: تاريخ الخلفاء 529، شذرات الذهب 3: 60، الجودي: قضاة القيروان (تونس: بيت الحكمة، 2004 م) 63 - 65.
(2)
لم أقف على ذكر لهذا الكتاب سوى عند ابن العديم، واسم مؤلفه يتفق مع سياقة اسم الطبيب ابن الجزار: أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد القيرواني، أبو جعفر المشهور بابن الجزار (ت بعد سنة 350 هـ)، وأغلب مؤلفات ابن الجزار تتصل بالطب والأدوية ومنافع الأغذية، وله بعض المؤلفات في التاريخ والأدب، ليس من بينها هذا الكتاب. انظر ترجمة ابن الجزار في: مجم الأدباء لياقوت 1: 187 - 188، عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة 481 - 482، تاريخ الإسلام 8: 173 - 174، سير أعلام النبلاء 15: 561 - 562، الوافي بالوفيات 6: 208 - 209، هدية العارفين 1:70.
قال: وذكَر عن أسَد أنَّهُ قال: أوَّلُ مَدِينَةٍ بُنِيَت على الأرْض بعد العِرَاقِ حَرَّانُ.
وكان يُقال لها: العجُوزُ ذاتُ الأصْنَامِ، وبها وُلدْتُ، وإِنَّما كان أبُوه أتَى بأُمّهِ مع مُحَمَّدِ بن الأشْعَث حينَ وَليَ إفْرِيقِيَّةَ في سَنَةِ أرْبَعٍ وأرْبعين ومائة، فلمَّا صاروا بحَرَّانَ وُلِدَ أسَدٌ.
وقال البَجَليّ -يعني مُحَمَّد بن عليّ البَجَليّ-: كان مَوْلده سَنَة خَمْسٍ وأرْبَعينَ ومائةٍ (a).
أسَدُ بنُ القَاسِم بن العبَّاس بن القَاسِم المُقْرِئُ، أبو اللَّيْث العَبْسِيُّ الحَلَبِيُّ
(1)
من أهل حَلَبَ، ونَزَل دِمَشْقَ. رَوَى عنِ خالهِ عَبْد الله بن صالح الحَلَبِيِّ، وأبي القَاسِم الفَضْلِ بن جَعْفَر، وأحمد بن مُحَمَّد بن صالح بن النَّضْر الأنْطَاكِيِّ الفَقِيْر، وأبي بَكْر المَيَانِجِيِّ.
رَوَى عنهُ أبو سَعْد إسْمَاعِيْلُ بن عليّ السَّمَّان الرَّازِيُّ، وأبو مُحَمَّد الكَتَّانِيُّ، وأبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد الحِنَّائِيُّ، وأبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد (b) بن شُجَاع.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَاتِ الحَسَنُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا أبو اللَّيْث أسَدُ بن القَاسِم بن العبَّاس الحَلَبِيُّ قِراءَةً عليهِ، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم
(a) بعده في الأصل بياض قدر ثلاثة أسطر.
(b) قوله: "الحنائي وأبو الحسن علي بن محمد" ساقط من ب.
_________
(1)
توفي سنة 415 هـ، وترجمته في: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم لابن زبر 328 - 329، تاريخ ابن عساكر 8: 322 - 323، تاريخ الإسلام 9: 251، وفيه:"إمام مسجد النَّحَّاسين"، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 2: 466، الطباخ: إعلام النبلاء 4: 73.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 322.
الفَضْل (a) بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الفَضْل (b)، قال: حَدَّثَنَا عُقْبَة بن مُكْرَم، قال: حَدَّثَنا عَبْد الله بن عِيسَى الخَزَّاز (c)، قال: حَدَّثَنَا يُونسُ بن عُبَيْد، عن الحَسَن، عن أنَس بن مالك
(1)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الصَّدَقَة تُطْفِىُء غضَبَ الرَّبَ، وتَدفعُ ميْتَةَ السَّوءِ.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم: كَذَا قال، وهو مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله بن الفُضَيْل، نَسَبَهُ إلى جَدِّه ولَم يُصْغِّرْهُ.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله القَاضِي إذْنًا، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة الله
(2)
، قال: أسَدُ بن القَاسِم بن العبَّاس بن القَاسِم، أبو اللَّيْث المُقْرِئ العَبْسِيّ الحَلَبِيّ، سَكَنَ دِمَشْقَ، وكان إمام مَسْجِد سُوق النَّحَّاسين، وحَدَّثَ عن أبي القَاسِم الفَضْل بن جعْفَر، وأبي بَكْر المَيَانِجِيّ، وأحمد بن مُحَمَّد بن صالح بن النَّضْر (d) الأنْطَاكِيّ الفَقِيْر. رَوَى عنهُ أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن شُجَاعٍ، وعليّ بن مُحَمَّد الحِنَّائِيّ، وأبو سَعْد إسْمَاعِيْلُ بن عليّ السَّمَّان الرَّازِيّ، وعَبْد العَزِيْز بنُ أحْمَد الكَتَّانِيُّ. قال لنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ: تُوفِّي أبو اللَّيْث أسَدُ ابن القَاسِمِ الحَلَبِيّ الّذي كان يُصَلِّي في مَسْجِدِ النَّحَّاسينَ -وقد حَدَّثَ عن الفَضْلِ ابن جَعْفَرٍ وغيرِه- في شَوَّالَ سَنَةَ خَمْسَ عَشرة وأرْبَعِمائةٍ.
(a) ب: أبو القاسم بن الفضل.
(b) فوقه في الأصل "صـ"، ونبه المؤلف بعد انتهاء النقل على وجه الصواب فيه نقلًا عن ابن عساكر.
(c) في الأصل وب: الخرار، ومهملة في أصول ابن عساكر، فأصلحها المحقق بمعجمات، وانظر ترجمته في: الكامل لابن عدي 4: 1564، تهذيب الكمال للمزي 15: 416 - 417 (وفيه عبد الله بن عبيسي!)، الكاشف 2: 117، ميزان الاعتدال 2: 470، تهذيب التهذيب 5: 353 - 354، تقريب التهذيب 1:439.
(d) ب: النطر!.
_________
(1)
الترمذي: الجامع الكبير 2: 44 (رقم 664)، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 8: 103 - 104 (رقم 3309)، الهيثمي: موارد الظمآن 209 (رقم 816).
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 322.
أسَدُ بن مُحَمَّد الحَلَبِيُّ
(1)
حَدَّثَ عن أبي العبَّاس أحْمَد بن مُحَمَّد بن سَعيد بن عُقْدَةَ الكُوْفيّ، رَوَى عنهُ تَمَّام بن مُحَمَّد الرَّازِيّ الحافِظُ.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات الحَسَنُ بن مُحَمَّد الأَمِينُ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد بن هِبَة الله
(2)
، قال: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد عَبْدُ الله بن السَّمَرْقَنْديّ، وهِبَةُ الله بن الأكْفانِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن صَصْرَى، قال: أخْبَرَنا تَمَّامُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبرَني أبو العبَّاس أحْمَد بن مُحَمَّد بن عليّ البَرْذَعِيّ، وأسَدُ بن مُحَمَّد الحَلَبِيّ، قالا: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن سَعيد الكُوْفيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن الحَسَن بن سَعيد، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: حَدَّثَنَا أبو جُنَادَة [عن](a) عَمْرو بن قَيْسٍ، عن بَهْز بن حَكِيم (b) القُشَيْريّ، عن أَبِيهِ، عن جَدِّه
(3)
، قال: قال رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أوَّلُ ما يَشْهَدُ على أحَدِكم فَخِذُهُ.
أسَدُ بنُ مُحَمَّد المِصِّيْصيُّ الخَشَّابُ
حَدَّثَ بالمِصِّيْصَة عن أبي عُثْمان سَعيد بن المُغِيرَة الصَّيَّاد المِصِّيْصيّ، وأبي حَاجِب الحَاجِبيّ.
رَوَى عنهُ حَفِيْده أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْدِ الله بن أسَد، وعبدُ الله بن بِشْر بن عُمَيْرة البَكْرِيّ، وأبو طَالِب أحْمَد بن دَاوُد قاضي أذَنَة، وكان له شِعْرٌ.
(a) إضافة من تاريخ ابن عساكر، وأبو جنادة هو حصين بن مخارق السلولي الكوفي، وشيخه عمرو بن قيس هو المعروف بالملائي.
(b) ب: حليم.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 8: 323، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 2: 466.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 323.
(3)
الطبراني: المعجم الكبير 19: 409 (رقم 975)، وفيه:"ما يبدأ".
أخْبَرَنا أبو رَوْحٍ عَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الهَرَويّ في كتابه منها، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم زَاهِر بن طَاهِر، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد الجَنْزَرُودِيّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الفَقِيه الجَوْزِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليّ (a) بن مُحَمَّد الوَرَّاق، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن بِشْر البَكْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أسَدُ بن مُحَمَّد المِصِّيْصيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حَاجِب الحَاجِبيّ، عن مَالك بن أنَس، عن زَيْد بن أسْلَم، عن أنَس بن مالِك (b)، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
: لا عَقْلَ كالتَّدْبِيرِ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْدُ الله بن عُمَر (c) بن عليّ بن الخَضِر القُرَشِيّ، فيما أَذِنَ لنا فى روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ أبو المَكَارِم المُبارَك [بن مُحمَّد](d) بن المُعَمَّر البَادَرَائِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب البَاقِلَّانِيّ مُحَمَّد بن الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ الزَّاهِدُ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين، قال: وحَدَّثَنَا أبو الفَضْل الشَّكْلِيّ، قال: حَدَّثَني الحُسَين بن أحْمَد الأزْدِيّ قال: قَدِمَ المِصِّيْصَة فَتَىً من المُتَعِّبدين فنزَلَ في مَسْجِدِ أسَدٍ الخَشَّابِ، وكان يَسْمعُ من النَّاسِ الحَدِيْثَ، وكانت عليه أطْمَارٌ، وكان ناحِلَ الجِسْم ذَابِلًا (e)، فأشْرفَ أسَدٌ على بعض اجْتهادِه، فقرَّبَه وأدْنَاهُ وخصَّهُ بالحَدِيْثِ، فلمَّا رأى ذلك من فعله، هَرَب منهُ، فافتقَدَهُ فحزنَ عليه حُزْنًا
(a) ب: أبو الحسن بن علي.
(b) سقط من إسناده في ب قوله: "عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك".
(c) ب: أبو بكر عبد الله بن محمد بن عمر.
(d) استكمال اسمه من معجم البلدان 1: 316 - 317، ونسبته إلى بادرايا من نواحي واسط، النجوم الزاهرة 6: 66، سير أعلام النبلاء 20: 494 (وفيه: الباذرائي)، شذرات الذهب 6:370.
(e) الأصل: ذابل، وفوقها "صـ".
_________
(1)
ويقال فيه: الكنجروذي، وهو محمد بن عبد الرحمن النيسابوري (ت 423 هـ)، ترجم له الثعالبي في تتمة يتيمة الدهر 187 - 188، والسمعاني: الأنساب 11: 155، الذهبي: سير أعلام النبلاء 18: 101، الصفدي: الوافي بالوفيات 3: 231، السيوطي: بغية الوعاة 1: 157 - 158.
(2)
أخرجه الأصبهاني: حلية الأولياء 6: 343.
شَدِيْدًا، وأنْشَأ يقول:[من المجتث]
يا مَنْ رَأى لي غَريبًا
…
ثِيَابُهُ أطْمَارْ
الجِسْمُ منهُ نَحِيلٌ
…
والوَجْهُ فيهِ اصْفرارْ
عليه آثارُ حُزْنٍ
…
بوَجْههِ واغْبرَارْ
يقُومُ في جَوْف لَيْلٍ
…
يُنَاجيَ الجَبَّارْ
يقُول: يا سُوْلَ قَلْبي
…
يا مَاجِدًا غَفَّارُ
فالدَّمْعُ يَجْري بحُزْنٍ
…
فدَمْعُهُ مِدرَارْ
يبغيِ جنانَ نَعِيْم
…
يا حُسْنَ دَارِ القَرَارْ
فيها جَوارٍ حِسَانٌ
…
يا حُسْن تلكَ الجَوَارْ
عرائسٌ في خِيَامٍ
…
من اللآلي الكِبَارْ
كَوَاعبٌ غَنِجاتٌ
…
نَواهِدٌ أبْكَار
لباسُهُنَّ حَرِيْرٌ
…
تُحَيِّرُ الأبْصَار
وفي الذّراعَ سِوَارٌ
…
يا حُسْنَهُ من سِوَار
شَرَابهُنَّ رحيقٌ
…
يُفجِّرُ الآبَار
وسَلْسَبيلٌ وخَمْرٌ
…
تَبارَكَ الجَبَّار
يا مَنْ رَأي لي غَريبًا
…
ثِيَابُهُ أطْمَار
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ إِسْرَائيِلُ
إِسْرَائيِلُ بن سَهْلُونَ، أبو الحَسَنِ الطَّبِيْبُ الحَلَبِيُّ
أظُنُّه من نَصارَى حَلَبَ، ظَفِرْتُ له ببَيْتٍ من الشِّعْر قَرأتُه بخَطِّ بعضِ كُتَّابِ حَلَبَ في مُخْتَارٍ اخْتارَه من شِعْر صَاعِدِ بن عِيسَى بن سُمَّان الكَاتِب النَّصْرانِيِّ
الحَلَبِيِّ، قال: وعَمِلَ صَدِيْقُهُ أبو الحَسَن إِسْرَائيِلُ بن سَهْلُونَ الطَّبِيْبُ بَيْتًا وهو: [من الطوَيل]
أيا طَيْفَ مَنْ أهْوَى تسَرْبَلْتَ عِفَّةً
…
وأشْبَهْتَ في الأحْلَام فعْلَك يَقْظَانا
فأجابه؛ يعني صَاعِد بن عِيسَى بن سُمَّان: [من الطويل]
ولكنَّنا مُتْنا منَ الوَجْدِ قَبْلَ أنْ
…
يُلمَّ وحَيَّا بالسَّلَام فأَحْيَانا
على مثْل هذا الفعل (a) كانت أُمَامَةٌ
…
تُواصِلُنا حينًا وتَهْجُرُ أحْيَانا
إذا كنتُ لا ألْقَاك في الدَّهْر يقظَةً
…
فياليتَ أنِّي عِشْتُ ما عِشْتُ وَسْنَانَا
إِسْرَائيِلُ بن عَبْد الله بن عِيسَى بن يُوُنس بن عمرو بن عَبْد الله الهَمْدانِيّ، أبو أحْمَد السَّبِيْعِيُّ
من وَلد أبي إسْحاقَ السَّبِيْعيِّ، وسَبيع الّذي نُسِبَ إليه هو ابنُ صَعْبِ (b) بن مُعاوِيَةَ بن كَثِيْر بن مَالِك بن جُشَم بن حَاشِد بن جُشَم بن خَيْوان بن نَوْف بن هَمْدَان.
حدَّثَ بحِصْنِ مَنْصُورٍ من الثُّغُور الجَزَرِيَّةِ، وكان عِيسَي جَدّه قد انْتَقَلَ إلى الحَدَث وماتَ بها، وبقي أوْلَادُه بالثَّغْر.
رَوَى عن عليّ بن إِسْرَائيِلَ، رَوَى عنهُ أبو بَكْر مُحَمَّد بن إبراهيم بن المُقْرِئ.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُفُ بنُ خَلِيل بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلم المُؤيَّدُ بنُ عبد الرَّحيم بن الإخْوَةِ وصَاحِبتُهُ عَيْنُ الشَّمْس بنتُ أبي سَعيد بن الحَسَن، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَرَج سَعيدُ (c) بن أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِيّ -قالت: إجَازَةً- قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مَحْمُود الثَّقَفِيُّ، وأبو الفَتْح مَنْصُور بن الحُسَين،
(a) في الأصل: النعل.
(b) ب: مصعب.
(c) ب: أبو الفرج بن سعيد.
قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أبو أحْمَد إِسْرَائِيل بن عَبْد الله بن عِيسَى بن يُونُس بن عَمْرو -هو ابنُ أبي إسْحاق السَّبِيْعِىّ- بحِصْن مَنْصُور، قال: حَدَّثَنى عَمِّي عليّ بن إِسْرَائِيل، قال: حَدَّثَنَا خالي أحْمَد بن عَمْرو، عن أَبِيهِ عَمْرو، عن أَبِيهِ عِيسَى، عن الأَعْمَش، عن شَقِيْق بن سَلَمَة، عن ابن مَسْعُود
(2)
، قال: قال رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصِّدْقِ، فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يَهدي إلى الجنَّة، وإنَّ الرَّجُلَ ليَصْدُق حتَّى يُكْتَبَ عندَ اللهِ صدِّيقًا، وإيَّاكُم والكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدي إلى الفُجُور، والفُجُور يَهْدِىِ إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ ليكذِب حتَّى يُكْتَبَ عندَ الله كَذَّابًا.
إِسْرَائيِلُ بن مِقْدَار بن إِسْرَائيِلَ بن مقْدَار بن نَصْر بن أبي الجَيْش، أبو الأسْبَاطَ
(3)
المَنْبِجِىُّ المَوْلد، الإرْبِلِىّ المَنْشأ.
كان جُنْدِيًّا، وعنده أدَبٌ، وله شِعْرٌ حَسَنٌ، وَقَعَ إليَّ منه:[من البسيط]
لا تَحْسَبُوا مَرَضِي من علَّة عَرَضَت
…
لكنَّهُ حُبُّ مَنْ في طَرْفِهِ حَوَرُ
إنْ ماسَ غُصْنُ أراكٍ أو بدا قَمَرٌ
…
فما الدَّوَاءُ ودَائي الغُصْنُ والقَمَرُ
(1)
معجم ابن المقرئ 220 - 221.
(2)
مالك بن أنس: الموطأ 2: 989 (رقم 16)، ابن حنبل: المسند 5: 3640 (رقم 3638)، البخاري: الأدب المفرد 102 (رقم 386)، صحيح مسلم 4: 3013 (رقم 105)، الترمذي: الجامع الكبير 3: 516 (رقم 1971)، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 1: 509 (رقم 274).
(3)
ترجم له ابن المستوفي: تاريخ إربل 378 (القطعة التي نشرها بشار عواد)، وزاد في نسبه: النُّميريّ، وأورد نماذج من شِعره.
ومن شِعْره
(1)
: [من الكامل]
مَولايَ إنَّ النَّصْرَ أصْبَح طائعًا
…
لك والسَّعَادَةُ حيثُ سِرتَ تَسِيْرُ
انهَضْ (a) إلى الطَّاغي وبدِّد (b) جَمْعَهُ
…
فالأمْرُ سَهْلٌ والعَدوُّ حَقِيرُ
واعلَمْ بأنَّ العَبْدَ ليس لصَحْبِهِ
…
زَادٌ ولا للصَّافِناتِ شَعِيْرُ
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ أَسْعَد
أَسْعَدُ بن إبْراهيم الإرْبِلِيُّ المَعْرُوف بالمَجْد ابن النُّشَّابِيِّ
(2)
شَاعرٌ حَسَنُ الشِّعْر، قَدِمَ إلينا إلى حَلَبَ، واتَّصَل بخدمَةِ الوَزير شَمْس الدِّين مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِى بن أبي يَعْلَى، في أيَّام المَلِك الظَّاهِر غَازِي، ومَدَحَ بها المَلِكَ الظَّاهِرَ، ثمّ خَرَج من حَلَبَ وعاد إلى بلده إرْبِل، وخَدَم بها مُظَفَّر الدِّين كَوْكَبُوري بن عليّ، وكَتَب له الإنشاء.
وكان حَسَنَ الكتابةِ والإنْشَاء، وكان يُطالعُ دِيْوَانَ الخِلَافَة بالمُتَجدِّداتِ (c) له، فاطَّلعَ عليه كَوْكَبُوري فقبضَهُ وسجنَهُ وبقي قي السِّجْن إلى أنْ مات كَوْكَبُوري،
(a) في تاريخ إربل: فانهض.
(b) في تاريخ إربل: وفرِّق.
(c) مهملة في الأصل وب باستثناء الحرف الأخير.
_________
(1)
الأبيات الثلاثة في تاريخ إربل 379.
(2)
توفي سنة 656 هـ، وترجمته في: ابن المستوفي: تاريخ إربل (نشرة بشار عواد) 177 - 185، وفيه نماذج عديدة من أشعاره، ابن الشعار قلائد الجمان 1: 388 - 403، اليونيني: ذيل مرآة الزمان 1: 111 - 123، ابن شاكر: فوات الوفيات 1: 165 - 167، ابن الفوطي: مجمع الآداب 4: 396 - 397، (أرخ وفاته سنة 657 هـ، وتصحف فيه: النشاشيبى)، الذهبي: تاريخ الإسلام 14: 799 - 800، الصفدي: الوافي بالوفيات 9: 35 - 38، الزركشي: عقود الجمان ورقة 67 أ - 67 ب، ابن دقاق: نزهة الأنام 248، ابن تغري بردي: المنهل الصافي 3: 368 - 369، ابن تغري بردي: الدليل الشافي 1: 118، وفيه: النشائي.
واسْتَولَى نُوَّابُ الدِّيْوَانِ المُسْتَنْصِرىِّ على إرْبِل، فكتَبَ الإمام المُسْتَنْصِر باللهِ بإحْضَاره إلى بَغْدَاد فَحَضَر وأنْعَم عليه، وأجْرَى له مَعلوم، وقُلِّد أعْمَالًا بنَوَاحِي بَغْدَاد.
وحَضَرتُ دارَ الوَزِير أبي طَالِب ابن العَلْقَمِيّ في سَنة خَمْسِينَ وسِّتمائة، وكُنْتُ قد توجَّهتُ رسُولًا عن الَمِلكِ النَّاصِرِ صَلاحِ الدِّين يُوسُف بن مُحَمَّد، في أيَّام المُسْتَعْصِم بالله، إلى دار الخِلَافَة، فسَمِعْتُه يُنْشدُ بين يَدَي الوَزِير قَصِيدَةً فىِ مَدْح المُسْتَعْصِم في الحادي عَشر من ذِي الحِجَّة، أوَّلها:[من البسيط]
هل عندَ عطْفكَ عطْفٌ مُمْسكٌ رَمَقي
…
أم هلِ تَرِقُّ لِمَا ألْقَاهُ من أرقى
كأنَّ حُسْنَكَ دُنيانا فنَحْنُ بِهِ
…
ما بين وصْل سَعيدٍ أو صُدُودِ شَقِي
وعندَ شَعْرِكَ تُتْلَى آيةُ الغسَق
…
ومن مُحَيَّاكَ تَبْدُو سُوْرةُ الفَلَقِ
كأنَّ أرْوَاحَ أهْل العِشْق سَائرةَ
…
إلى جَمَالكَ بالتَّقْريبِ والعَنَقِ
تَؤُمُّ كَعْبَةَ حُسْنٍ خالُها حجَرٌ
…
في الخَدِّ أسْوَدُهُ في أَبَيْضٍ يَقَقِ
نادَتْ مُكَبِّرةً لمَّا جُليْتَ لها:
…
سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الإنْسان مِن عَلَقِ
أرائدٌ أنْت يا طرْفي لتُخْبِرَني
…
أيُّ الطَّريقِ إليهِ أسْهَلُ الطرُق
وأنْتِ يا أضْلُعِى شُبِّي الضّرامَ لكي
…
يُهْدَى في بنارِكِ (a) ضَيْفُ الطَّيفِ في الغَسَقِ
فما سَرقتُ بنومي قَطّ طَيْفَهُمُ
…
إلَّا غَدَا النَّوْم مَقْطُوعًا على السّرَقِ
ويا دُمُوعي اسْكُنِي لا تَسْكُبي حَذَرًا
…
عليهِ إنْ زَارَني من مَوْجِكِ الغَرقِ
يا سَاحرًا فيهِ جفْني سَاهِرٌ قلقٌ
…
وبالفِرَاق فِرَاقُ النَّفْس من فَرَقِ
أخَذْتَ قَلْبي بظُلمِ الصَّدّ فاهْدِ لَهُ
…
ظُلْمًا عسى الظُّلْمُ من ظُلم الصُّدُودِ يَقِي
وانْهَضْ إلى رَوْضَةٍ أبْدَتْ أزَاهرَهَا
…
مثْل المجَرَّة من زَاهٍ ومتَّسِق
أُرَيْضُهُ كَحُلَا الطَاوُوس باكَرَها
…
مَرُّ النَّسِيم رَوَى عن نَشْرها العَبِقِ
تَخالُ في كُلِّ قُطرٍ من جَوَانِبها
…
وَجْهًا يُريكَ صِفَاتِ الشَّادِنِ اللَّبِقِ
(a) ساقطة من ب.
فالأقْحُوان ثغُورٌ والشَّقِيْقُ بها
…
مثْلُ الخُدُودِ ومنها نَرْجِسُ الحَدَقِ
والعَنْدَلِيْبُ يُنادِي في جَوَانِبهِا:
…
هُبُّوا فكَمْ سِنَةُ أدَّتْ إلى أَرَقِ
كأنَّ أغْصَانَهُ أضْحتْ مَنَابِرهُ
…
وشَدْوَهُ كخَطِيْبٍ مِسْقَعٍ ذَلِقِ
لو كان يُفْصِحُ عن قَوْلٍ أَبَان لنا
…
مَدْحَ الخَلِيفَة مكتُوبًا على الوَرَقِ
فقال له الوَزِير: أنت العَنْدَلِيْبُ، وقد أَبَنْتَ لنا مَدْحَ الخلَيفَة مَكْتُوبًا على الوَرَق.
وسيَّرتُ إليه أطْلبُ منه القَصِيدَة، فكتَبَها لي وسَيَّرها، وكَتَبَ معها مَقَاطِيعَ من شِعْره، منها قَوْله:[من الرمل]
لي حَبِيْبٌ ذادَني عن وَصْلِهِ
…
أَهْلُه ظُلمًا وأغْرَوهُ بهَجْري
قُلْتُ من وَجْدِي به إذْ أطْنَبُوا
…
اعْمَلُوا ما شِئْتُمُ يا أهْلَ بَدْرِ
أَسْعَد بن الحُسَين بن أَسْعَد بن عبد الرَّحْمن بن الحَسَن بن العَجَمِيُّ
(1)
أبو المَعَالِي بن أبي عَبْد الله بن أبي طَالِب بن أبي عليّ، ويُسَمَّى أيضًا مُحَمَّد، وكان أبوه سمَّاهُ أَسْعَد، فاختار هو لنَفْسِه مُحَمَّد، وَسَنَذكُر تَرْجَمَتهُ في المُحَمَّدين
(2)
إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى، وسَمَاعهُ في الأجْزاءِ مَكْتُوب: أَسْعَد.
أسْعَدُ بنُ الحُسَين بن أبي الرِّضَا بن الخَصِيْب، أبو اليُمْن المَعَرِّيّ العَطَّار الخَصِيْبيُّ
(3)
من أهل مَعَرَّةِ النُّعْمَان مَنْسُوبٌ إلى جَدِّ أبيهِ الخَصِيْب.
(1)
توفي سنة 625 هـ، وترجمته في: تاريخ الإسلام 13: 793، وفيه: أسعد بن حسن.
(2)
في الأجزاء الضائعة من الكتاب.
(3)
توفي سنة 578 هـ.
حَدَّثَ عن أبي الحَسَن عليّ بن المُسَلَّم السُّلمِيّ، رَوَى عنهُ الحافِظُ أبو المَوَاهِب الحَسَن بن صَصْرَى التَّغْلِبيّ الدِّمَشقيّ، وخرَّجَ عنهُ حَدِيثًا في مُعْجَم شُيُوخه.
قَرأتُ بخَطِّ أبي المَوَاهِب في مُعْجَم شُيُوخه، ما أنْبَأنَا بهِ أبو الوَحْش عبد الرَّحْمن بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا أبو المَوَاهِب الحَسَن بن هبة الله بن صَصْرَى، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ أبو اليُمْن الخَصِيْبيّ وجَمَاعَةٌ بقراءتي، قالوا: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليُّ بن المُسلم السُّلمِّيّ الإمَامُ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَدُ بن عَبْد الوَاحِد السُّلمِيِّ، قال: أخْبَرَنا جَدِّي أبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن عُثْمان بن أبي الحَدِيْد، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل أحْمَدُ بنُ عَبْدِ الله بن نَصْر بن هِلال السُّلمِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عبد الرَّحْمن المُؤَمَّل بن إِهَابٍ، قال: حَدَّثَنَا مَالِكُ بن سُعَيْر (a)، عن الأَعْمَش، عن أبي صالح، عن أبي هُريْرَة
(1)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أقالَ أخاهُ، أقَالَهُ اللهُ عثرتَهُ يَوْمَ القِيامَة.
قال أبو المَوَاهِب: تُوفِّي رحمه الله في يَوْم الاثْنَين رابع عَشر شَهْر رَبيع الآخر من سَنَة ثَمانٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة، ودُفِنَ بجَبَّانَة باب الصَّغير وقد قارب السِّتِّين.
(a) ب: شعير، وانظر ترجمته في مشاهير علماء الأمصار لابن حبان 265، وتهذيب الكمال 27: 145 - 147، الكاشف 3: 114، ميزان الاعتدال 3: 436، تهذيب التهذيب 10: 17، تقريب التهذيب 2:225.
_________
(1)
البغوي: شرح السنة 8: 161 (رقم 2117)، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 11: 405 (رقم 5030)، بلفظ:"من أقال مسلمًا".
أسْعَدُ بن الخَطِيْر مُهَذَّب (a) بن زَكَرِيَّاء بن أبي المَلِيْح (b) مَمَّاتِيّ، أبو المَكَارِم المِصْرِيّ، الكاتِب المَعْرُوف بالقَاضِي الأَسْعَد
(1)
من قِبْط مِصْرَ، كان آباؤُه نَصارَى، وجَدّ أبيه أبو المَلِيْح مَمَّاتِيّ أحَدُ أعْيَان الكُّتَّاب، كان كاتبًا لبَدْر الجمَالِيّ يَنُوبُ عنهُ بمِصْر، وأسْلَم القَاضِي الخَطِيْرُ ونشَأ ابْنهُ الأَسْعَدُ في الاشْتِغَال بالأدَب والكتابة، وسَمِعَ بالإسْكَنْدَرِّية الحافِظ أبا طَاهر السِّلَفىِّ، وبالقَاهرَة أبا الفَضْل مُحَمَّد بن يُوسُف الغَزْنَوِيّ وغيرهما (c).
وكان رَجُلًا فَاضِلًا، أَدِيْبًا، لَبِيْبًا، كَيِّسًا، حَسَنَ الإنشاء، مَطْبُوعَ النَّظْم، وله تَصَانيفُ عدَّهَ في فُنُونٍ شَتَّى.
وخَدم في الدِّيَار المِصْرِيَّة، وخَاف من الوَزِير صَفِيّ الدِّين عَبْدِ الله بن شُكْر فانْفَصلَ منها، وقَدِمَ حلَبَ وَافِدًا على المَلِك الظَّاهِر غَازِي بن يُوسُف بن أيُّوبَ وخَدَمهُ، فأقْبَل عليهِ، وقَبِله، ورتَّبَ له مَعْلومًا بحَلَب أجْراهُ عليهِ، وأحْسَن بذلك إليهِ.
(a) ب: الخطير بن مهذب. وفي المقفى للمقريزي 2: 83: "أسعد بن مهذب بن مينا بن أبي المليح زكرياء
…
".
(b) تجاوز ابن العديم عن ضبط كنية جد أبي المترجم له حيثما وردت في هذه الترجمة، وضبطه على هذا النحو في ترجمة إسماعيل بن محمد ابن مكنسة القرشي، وتأتي في هذا الجزء.
(c) في الأصل: وغيرهم.
_________
(1)
توفي سنة 606 هـ، وترجمته في: خريدة القصر (قسم مصر) 14: 100 - 113، (وهي ترجمة اقتبس منها ابن العديم هنا وأثبتها في ترجمته)، المنذري: التكملة 2: 180، ابن أنجب الساعي: تاريخه 292 - 295، معجم الأدباء 2: 635 - 645، ابن الشعار: قلائد الجمان 1: 369 - 372، القفطي: إنباه الرواة 1: 266 - 269، ابن الساعي: الدر الثمين 303 - 304، ابن خلكان: وفيات الأعيان 1: 210 - 213، الذهبي: تاريخ الإِسلام 13: 129 - 130، سير أعلام النبلاء 21: 485 - 486، الوافي بالوفيات 9: 19 - 27، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 53، الزركشي: عقود الجمان ورقة 47 ب - 48 أ، العيني: عقد الجمان 3: 233 - 234، المقريزي: السلوك 1/ 1: 165، المقفى الكبير 3: 83 - 87، المواعظ والاعتبار 3: 531 - 533، السيوطي: حسن المحاضرة 1: 565، ابن العماد: شذرات الذهب 7: 38، الطباخ: إعلام النبلاء 4: 303 - 308، الزركلي: الأعلام 1: 302.
واجْتَمَعْتُ به بحَلَب مِرَارًا، وجَرَى بيني وبينَهُ مُحادَثات، وذَكَر لي أنَّهُ اخْتَصَر اللُّمَعَ في النَّحو لابن جِنِّي في وَرقَةٍ واحدة مُجَدْوَلَة، ولم أرها، ولا سَمِعت منه شَيئًا من نَظْمه.
رَوَى عنهُ العِمَاد أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الكاتب، ونَصْرُ بن أبي الفُنُون النَّحْوِيّ، ورَوَى لنا عنْهُ شَيئًا من شِعْره الأَوْحَد مُحَمَّد بن عَبْد الله الزُّبَيْرِيّ الدِّمَشقيّ، وعليّ بن مُحَمَّد بن التِّلْمِسَانِيّ القَاضِي، ومن شِعْره ما وَجَدْتُه في بعض مَجْمُوعَاتي
(1)
: [من مجزوء الكامل]
يا بَدْرَ تَمّ هيَّجَتْ
…
شَوْقي لرؤْيته المَنَازِل
وغَدَتْ أدِلَّتُهُ على
…
ما قُلْتُ فيه من الدَّلَائل
ظَنَّ الشَّمُولَ بَريْقه
…
تَخْفَى فأسْكَرَ بالشَّمَائِل
رَشَأٌ تَفَقَّهَ في الخِلَافِ
…
فصَار يُلْقِيهِ مَسَائِل
لا تَقْبلنَّ من الوشَاةِ
…
وتُقْبِلَنَّ على العَوَاذِل
فالعَيْنُ قد جُنَّتْ ببُعْد
…
كَ والدُّمُوع لها سَلاسِل
قَرأتُ في كتاب نَصْر بن أبي الفُنُون النَّحْوِيّ، قال: للأَسْعَد أبي المَكَارِم أَسْعَد بن الخَطِيْر بن مَمَّاتِيّ ممَّا أنْشَدَني
(2)
: [من الوافر]
خَلِيجٌ كالحُسَام له صِقَالٌ
…
ولكنْ فيه للرَّائي مَسَرَّه
رأيتُ به المِلَاحَ (a) تُجِيدُ عَوْمًا
…
كأنَّهُمُ نُجُومٌ في مَجَرَّه
(a) المقفى: الصغار، وهي رواية أخرى يثبتها ابن العديم قريبًا.
_________
(1)
أورده ابن العديم قي تذكرته 145، والأبيات أيضًا في قلائد الجمان 1:372.
(2)
البيتان في الخريدة 14: 101، وقلائد الجمان 1: 371، وإنباه الرواة 1: 368، وعقود الجمان للزركشي ورقة 47 ب، والمقفى 2:85.
قال ابنُ أبي الفُنُون: ولابن مَمَّاتِيّ في صَبيّ مَلِيْح نَحْويّ ممَّا أنْشدَني
(1)
: [من السريع]
وأَهْيَفٍ أحْدَثَ لي نَحْوُهُ
…
تَعَجُّبًا يُعْربُ عن ظَرْفِهِ
علامَةُ التَّأنيْثِ في لفظِهِ
…
وأحْرُفُ العِلَّةِ في طَرْفِهِ
قال: وممَّا أَنْشَدني له في خَيَّاطٍ مَلِيْح
(2)
: [من مجزوء الوافر]
وخَيَّاطٍ نظَرتُ إليـ
…
هِ مَفْتُونًا بنظرِتِهِ (a)
أَسِيْلُ الخَدِّ أحْمرُهُ
…
بقَلْبي ما بوَجْنَتِهِ
به أَمْسَيْتُ ذا سَقَمٍ
…
كأنِّي خَيْطُ إبْرَتِهِ
وَأَحْسُدُ فيه خَيْطًا فا
…
زَ بخَمر ريْقَتِهِ
أنْشدَني أَوْحَد الدِّين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عبد الله الزُّبَيْرِي الفَقِيه الحَنَفِيّ بدِمَشْق، قال: أنْشَدَني القَاضِي الأَسْعَد بن مَمَّاتِيّ لنَفْسِه بحَلَب، وقد سَقَط بها ثَلْج عَظيم سَدَّ مَسَالكها وطُرُقَها، قالها في المَلِك الظَّاهِر غَازِي
(3)
: [من البسيط]
[قد قُلْتُ لمَّا رَأيتُ الثَّلْجَ مُنْبَسطًا
…
على الطَّريق إلى أنَّ ضَلَّ] (b) سالكُها
ما بَيَّضَ اللهُ وَجْهَ الأرْض في حَلَبٍ
…
إلَّا لأنَّ غِيَاثَ الدِّين مَالِكُها (c)
_________
(a) ابن الشعار: بنظراته.
(b) ما بين الحاصرتين غاب عن ابن العديم وأثبت منه الكلمة الأخيرة من عجز البيت الأول، واستكلمناه من معجم الأدباء لياقوت، والوافي بالوفيات للصفدي، وفي قلائد الجمان:"على البسيطة حتى ضلّ"، ولم يرد البيتان في ب، وعوضهما الأبيات الثلاثة التي أنشدها التلمساني.
(c) ابن الشعار: سالكها.
_________
(1)
البيتان في إنباه الرواة 1: 268، ووفيات الأعيان 1: 211، والوافي بالوفيات 9: 26، وعقد الجمان 3: 233، وعقود الجمان ورقة 47 ب، والمقفى 2:86.
(2)
الأبيات في الخريدة 14: 101، وقلائد الجمان 1: 371، وإنباه الرواة 1:268.
(3)
البيتان في معجم الأدباء 2: 642، وقلائد الجمان 1: 372، والوافي بالوفيات 9: 26، وأرخ ياقوت والصفدي وقوع الثلج بحلب سنة 605 هـ.
أنْشَدَني القَاضِي عِمَاد الدِّين عليّ بن عَبْدِ الله التِّلِمْسَانِيّ، قال: أنْشَدَني أَسْعَدُ بن مَمَّاتِىِّ لنفسِه: [من الطويل]
مَرضْتُ فهَلَّا كُنْتَ أوَّل عَائدِي
…
وغِبْتَ فهَلَّا كُنْتَ أوَّل عَائِدِ
فيا بَيْنُ قد أغْريْتَ بي كُلَّ كَاشِح
…
ويا بُعْدُ قد أشْمَتَّ بي كُلَّ حَاسِدِ
ولي واحدٌ فرَّقْتَ بيني وبينهُ
…
فهل تَجْمعُ الأيَّامُ شَمْلي بوَاحدِي
كَتَبَ إليَّ ضِيَاء الدِّين أبو عَبْد الله مُحَمَّدُ بن إسْمَاعِيْل بن أبي الحَجَّاج المِصْرِيّ، يَذكر لي أنَّ عِمَاد الدِّين أبا عَبْد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد (a) الأصْبَهَانِيّ أخْبَرَهُ في كتاب خَرِيْدَة القَصْر في شُعَرَاءَ العَصْر
(1)
، قال: الأَسْعَدُ أبو المَكارِم، أَسْعَدُ بن الخَطِيْرِ مُهَذَّبِ بن زَكَرِيَّاء بن مَمَّاتِيّ، أحدُ الكُتَّابِ بالدِّيْوَان الفَاضِليّ، ذو الفَضْل الجَلىِّ، والشِّعْرِ العَليِّ، والنَّظْمِ السَّويِّ، والخَاطِرِ القَوِيّ، والسِّحْرِ المَانوِيّ، والرَّوِيِّ الرَّويِّ، والقَافيَةِ القَافِية أثرَ الحُسْن، والقَرِيحَة المقتَرحةِ صُوَرَ اليُمْن، والفِكْرة المُسْتَقِيمة على جَدَدِ البَرَاعَةِ، والفِطْنَةِ المُسْتَمدَّة من مَدَد الصِّناعَةِ، شَابُّ للأدَب رَابٌّ، وعن الفَضْل ذَابٌّ، وهو ممَّن شَمِلَتْهُ العِنَايَةُ الفَاضِليَّة، حَسُنَتْ منه البَدِيهَةُ والرَّويَّة.
اجْتَمَعْتُ به في القَاهِرَة، وسَايرَني في العَسْكَرِ النَّاصِرِيّ، وأنْشَدَني من نَظْمِه المَعْنَوِيّ، ما ثَنَيْتُ به خِنْصِر الاسْتِحْسَان، وآذَنتُ لجَوادِه في الإجْراءَ في هذا المَيدَان، وأثبَتُّ منه كُلَّ ما حَلي (b) وحَلَا، وأشْرَف في مَنَارِ الإحْسان وعَلَا، ورَاجَ في سُوق القَبُول وغَلَا، فمن ذلك قَوْله يَصِفُ الخلِيْج يوْم فَتْحه بالقَاهِرَة:[من الوافر]
خَلِيْج كالحُسَام له صِقَالٌ
…
ولكن فيه للرَّائي مَسَرَّهْ
(a) ساقط من ب.
(b) كذا في الأصل مؤكدة بالحاء المهملة، ومثلها التي تليها، وفي الخريدة: كل ما جلا وحلا.
_________
(1)
خريدة القصر 14: 100 - 101.
رأيتُ به الصِّغَارَ تُجيْدُ عَوْمًا
…
كأنَّهُم نُجُومٌ في المَجَرَّه
وقَوْله في غُلَام نَحْويَّ: [من السريع]
وأهْيَفٍ أحْدَثَ لي نَحْوهُ
…
تَعجُّبًا يُعْربُ عن ظَرْفهِ
علامَةُ التَّأنِيْث في لفظه
…
وأَحْرفُ العِلَّة في طَرْفِهِ
قُلتُ: وكان لابن مَمَّاتِيّ نُكَتُ مَطْبُوعة، ونَوَادرُ مُسْتَحْسَنَة، ومُهاترات مُسْتَملحَةٌ، فمن ذلك أنَّ السُّلْطان المَلِك الظَّاهِر، رحمه الله، لمَّا حرَّر قَنَاة حَلَب، وأجْرَى المياه في أزقَّتها وشَوَارعها، وقَفَ عليها وَقْفًا، واسْتَخدَمَ السَّدِيْد مُحَمَّدَ بنَ المنذِر اليَابُرِيّ (a) على مَصَالِح القَناة، فسُئِلَ الأَسْعَدُ بنُ ممَّاتِيّ يَوْمًا عن السَّدِيد بن المُنْذِر ما هو؟ فقال مُجِيْبًا في الحالِ للسَّائل: مُسْتَخدمٌ على القَنَاةِ.
أنْبَأنَا عبد العَظِيْم بن عَبْد القَوِيّ
(1)
، قال: وفي سَلْخ جُمَادَى الأُوْلَى -يعني من سَنَة ستٍّ وسِتمّائة- تُوفّي القَاضِي الأجَلّ أبو المَكارِم أسْعَدُ بن مُهذَّب بن زَكَرِيّاء بن أبي ملِيح مَمَّاتِي الكاتب المنعوت بالأسْعَد، بحلب، وهوِ ابنُ اثْنَتَيْن وستِّين سَنَة، سَمعَ بالإسْكَنْدَرِيَّة من الحافِظ أبي طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد الأَصْبَهَانِيّ، وبالقَاهِرَة من الفَقِيه أبِي الفَضْل مُحَمَّد بن يُوسُف الغَزْنويّ وغيرهما، وحدَّثَ، وجَمعِ مَجَامِيعْ، وله شِعْرٌ حسنٌ، وتقلَّبَ في الخدَم الدِّيْوَانيَّةِ مُدَّةً، رأيتُه فلم يتَّفق لي السّماع منه، وأُنْشِدْتُ عنه.
تُوفّي أَسْعَدُ بنُ مَمَّاتيّ بحَلَب في سَلْخ جُمَادَى الأوَّل من سَنَة ستٍّ وسِتّمائة، ودُفِنَ بالقرْبِ من تُرْبَة أَبي الحَسَن عليّ بن أبي بَكْر الهَرَويّ قبليّها (b) بين الطَّريقَين، وِكان ابن الهَرَويّ هو المُتَوَلِّي تَجْهيْزَهُ ودفنَهُ، وكان أوَّل شرُوعه في بناءَ تُرْبته، رحمهما الله.
(a) الضبط من ياقوت: معجم البلدان 5: 424.
(b) ب: قبليهما.
_________
(1)
التكملة لوفيات النقلة 2: 180.
أَسْعَد بن سَهْل بن حُنَيْف بن وَاهِب بن العُكَيْم بن ثَعْلَبَة بن مَجْدَعَة ابن الحاَرِث بن عَمْرو -وهوِ بَحْزَج- ابن حَنَش -ويقال: جُلَاس- ابن عوف بن عَمْرو بن عوْف بن مَالك بن الأَوس بن حَارِثَة ابن عَمْرو بن عامر، أبو أُمَامَة الأَنْصَاريّ الأَوسيِّ
(1)
وأُمُّهُ حَبِيْبَةُ بنتُ أبي أُمَامَة أَسْعَدِ بنِ زُرَارَة بن عُدْس بن ثَعْلَبَةَ بن غَنْم بن مَالِك بن النَّجَّار، وُلد على عَهْدِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وسمَّاهُ باسْم جَدّه لأُمِّهِ أَسْعَد وكَنَّاه بكُنْيَته، وحَدَّثَ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم (a) مُرسلًا، ورَوَى عن عُمَر بن الخَطَّاب، وعُثْمان بن عفَّان، وأبيه سَهْل بن حُنيْف، وعبد الله بن عبَّاس، وأبي سَعيد الخدرِيّ، وزَيْد بن ثَابِت، ومُعاوِيَة بن أبي سُفْيان، وسعيد بن سَعْد بن عُبَادَة.
رَوَى عَنْهُ ابناهُ مُحَمَّد وسَهْل، ومُحَمَّد بن شِهَاب الزُّهْرِىِّ، وعُثْمان بن حَكِيم، وحَكِيم (b) بن حَكِيم، وأبو بَلْج بن عُثْمان بن حُنَيْف، وسَعْد بن إبْراهيم بن عبد الرَّحْمن، وصَدَقَهَ بن يَسَار، وسُليْمان بن عبد الرَّحْمن بن خَبَّابٍ، وأُمَيَّة بن هِنْد،
(a) من قوله "وسماه باسم جده إلى هنا" ساقط من ب.
(b) ب: وحليم.
_________
(1)
توفي سنة 100 هـ، وقيل في التي تليها، وترجمته في: طبقات خليفة 250، تاريخ خليفة 321، طبقات ابن سعد 5: 82 - 83، تاريخ أبي حفص الفلاس 246، 270، 537، تاريخ البخاري الكبير 2: 63، الدولابي: الكنى والأسماء 1: 14، تاريخ الطبري 3: 454، المعرفة والتاريخ 1: 376، الثقات لابن حبان 3: 20، مشاهير علماء الأمصار لابن حبان 53، الجرح والتعديل 2: 344، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 97، الاستيعاب 1: 82 - 83، تاريخ ابن عساكر 8: 325 - 336، المزي: تهذيب الكمال 2: 525 - 527، أسد الغابة 1: 72، ابن الأثير: الكامل 5: 55، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 10: 250 - 251، تاريخ الإِسلام 2: 1191 - 1192، سير أعلام النبلاء 3: 517 - 509، العبر في خبر مَن غبر 1: 89، الكاشف 1: 116، الوافي بالوفيات 9: 27 - 28، ابن كثير: البداية والنهاية 9: 190، الإصابة 1: 99 - 100، تهذيب التهذيب 1: 263 - 265، تقريب التهذيب 1: 64، شذرات الذهب 1: 403، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 7 - 9، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 297.
ويَحْيَى بن سَعيد الأنْصَاريّ، ويَعْقُوب بن عَبْد الله بن الأَشَجّ.
وغزا الرُّومَ مع أهل الشَّام، واجْتازَ بحَلَبَ أو ببَعْض عَمَلها في غَزَاتهِ.
أخْبَرَنا أحْمَد بن عَبْد الله العَطَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الوَقْت السِّجْزِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الدَّاوُودِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو (a) مُحَمَّد الحَمُّويّ، قال: أخْبَرَنا أبو عِمْران السَّمَرْقَنْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الدَّارِمِيِّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن صالحِ، قال: حَدَّثني اللَّيْث، قال: حَدَّثني يُونُس، عن ابن شِهَاب أنَّهُ قال: أخْبرَني أبو أمامَة بن سَهْل بن حُنيف الأنْصَاريّ أنَّ عَبْد الله بن عبَّاس أخْبرَهُ أنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيد الّذي يُقال له: سَيْفُ الله أخْبَره أنَّهُ: دخَلَ مع رسُول الله صلى الله عليه وسلم على مَيْمُونَة زَوج النَّبي صلى الله عليه وسلم -وهي خَالتُه وخَالةُ ابن عبَّاسٍ- فوجَدَ عندها ضبًّا مَحْنُوذًا (b) قَدِمت به أُخْتُها حُفَيْدةُ ابنةُ الحَارِثِ من نَجْدٍ، فقدَّمت الضَّبَّ لرسُول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قلَّ ما يُقدِّمُ يدَهُ لطَعَام حتَّى يُحَدَّثَ به ويُسَمَّى له، فأهْوى رسُول الله صلى الله عليه وسلم إلى الضَّبّ، فقالت امْرأة من نِسْوَة الحُضُور: أخْبِرْنَ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ما قَدَّمْتُنَّ له، قُلن: هذا الضَّبُّ. فرفع رسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، فقال خَالِدُ بن الوَلِيد: أتُحَرِّمُ (c) الضَّبّ يا رسُول الله؟ قال: لا، ولكنَّه لم يكن بأرْضِ قَوْمي
(a) ساقطة من ب.
(b) في الأصل وب بالدال: محنوذًا، والمحنوذ: المشوي. لسان العرب، مادة: حنذ.
(c) من ب، وفي الأصل: المحرم! ولعل ابن العديم نقله كما وجده، لعلامة التصحيف التي وضعها فوقه "صـ"، وفي الموطأ وصحيح مسلم والطبراني في الكبير والبخاري والنسائي والبغوي وابن حبان: أحرام، وفي رواية الدارمي: أتُحرِّم، وهي الرواية التي اعتمدها ابن العديم عند إعادته الحديث في ترجمة خالد بن الوليد. انظر الجزء السابع فيما يلي.
_________
(1)
سنن الدارمي 2: 93، ورواه مالك بن أنس: الموطأ 2: 968 (رقم 10)، سنن الدارمي 2: 93، صحيح مسلم 3: 1543 (رقم 1945)، الطبراني: المعجم الكبير 4: 107 (رقم 3815)، البغوي: شرح السنة 11: 237 (رقم 2799)، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 12: 69 (رقم 5263)، ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 9: 534 (رقم 5391)، السيوطي: سنن النسائي 7: 198 (رقم 4316).
فأجدُني أعافهُ. قال خَالِد: فاجْتَررتُه فأكَلتُ ورسُول الله صلى الله عليه وسلم يَنْظُر فلم يَنْهني.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الله السِّنْجِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو علىِّ نَصْرُ الله بن أحْمَد بن خُشْنَام (a)، قَال (b): أخْبَرَنا أبو بَكْر الحِيْرِىِّ، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس الأصَمُّ، قال: حَدَّثَنَا بَحْر بن نَصْر، قال: حَدَّثَنَا ابن وَهْب، قال: أخْبَرَني حَيْوَة بن شُرَيْح، عن أبي الأسْوَدِ أنّه كان في غَزْوة مع أهْل الشَّام، قال: ومعنا أبو أُمَامَة بن سَهْل بن حُنَيْف الأنْصَارىِّ، فطَلع علينا جَيْش من أهل الشَّام على خَيْلهم، عليهم أقْبيَة السِّيْجَان، فقيل: يا أبا [أُمَا] مَة، ألَا ترى إلى هؤلاءَ وهَيْئهَم؟ فقال أبو أُمَامَة: لا يزالونَ بخَير ما كانوا هكذا، فإذا لبسُوا الأقْبيَةَ المُدلَّكة والأقْمصة المُدَلَّكة فلا خَيْر فيهم.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، عن أبي المُظَفَّر القُشَيْرىِّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَيْهَقِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحَافِظ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن المُؤمَّل، قال: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بن مُحمَّد، قال: حدَّثَنا أحْمد بن حَنْبَل، قال: أبو أُمَامَة بنُ سَهْل، اسْمُه أَسْعَد، وأُمُّه ابنَةُ أَسْعَد بن زُرَارَة، وعُثْمان، وسَعْدٌ، وعبْدُ الله أخوة أبي أمَامَةَ.
قال: وأنْبَأنَا أبو المُظَفَّر بن القُشَيْريّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا عُثْمان بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بن إسْحَاق (c)، قال: حَدَّثَني أبو عَبْد الله، قال: اسم أبي أُمَامَة بنِ سَهْل أَسْعَدُ بن سَهْل، وأُمُّهُ ابنَةُ أَسْعَدَ بن زُرَارَة.
(a) في الأصل وب بالحاء المهملة: حشنام، والإعجام مع الضبط من السمعاني: الأنساب 5: 143 - 144، وفي نشرة تاريخ ابن عساكر 8: 328 بفتح الخاء.
(b) مكررة في الأصل وب.
(c) ب: ابن أحْمَد.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 328.
قال أبو القَاسِم
(1)
: وأنْبَأنَا أبو مَسْعُود الأصْبَهَانِيّ وأبو بَكْر وَجِيْهُ بن طَاهِر الشَّحَّامِيِّ. قال أبو مَسْعُود: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم الحافِظ، قال: حَدَّثَنَا سُليْمان بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرعَة، ح.
وقال أبو بَكْر أخْبَرَنا أبو حَامِد الأزْهَريّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد بن حَمْدُون، قال: أخْبَرَنا أبو حَامِد بن الشَّرْقيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى الذُّهْلِيّ، قالا: حَدَّثَنَا أبو اليَمَان، قال: أخْبَرَنا شُعَيْب، عن الزُّهْرِيّ، قال: أخْبَرنيّ، وفي حَديث الطَّبَرَانِيّ عن أبي أُمَامَة بن سَهْل بن حُنيف، وكان من كُبَرَاء الأنْصَار وعُلمائهم ومن أبناء الذين شَهدوا بَدْرًا مع النَّبي صلى الله عليه وسلم.
أنْبَأنَا أبو نَصْر القَاضِيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر اللَّفْتُوانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عمرو بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن مُحَمَّد بن يُوسُف، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد بن عُمَرَ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَعْد
(3)
، قال: في الطَّبَقَةِ الأُوْلَى من تَابِعيّ أهل المَدِينَة أبو أُمَامَة بن سَهْل بن حُنَيْف الأنْصَاريّ، أحَدُ بني عمرو بن عَوْف. قال الوَاقِدِيّ: ذَكَروا أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم سمَّاهُ أَسْعَد وكنَّاه أبا أُمَامَة باسم جَدّه أبي أُمَامَة (a) أَسْعَد بن زُرَارَة. لم يبلُغنا أنّهُ رَوَى عن عُمَر شيئًا، وقد رَوَى عن عُثْمان.
قال الحافِظُ
(4)
: قَرَأتُ على أبي غَالب بن البَنَّاء، عن أبي مُحَمّد الجوهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أَخْبَرَنا أحْمَد بن معْرُوف، قال: أخْبَرَنا الحُسَين بن الفَهْم، قال: حَدَّثنا مُحَمَّدُ بن سَعْد
(5)
، قال: في الطَّبَقَةِ الأُوْلَى من
(a) طبقات ابن سعد: باسم جده أبي أمه.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 334.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 329.
(3)
طبقات ابن سعد 5: 82، 83.
(4)
تاريخ ابن عساكر 8: 330.
(5)
طبقات ابن سعد 5: 82.
تَابِعيّ أهلِ المَدِينَة ممَّن وُلدَ على عَهْد رسُول الله صلى الله عليه وسلم: أبو أُمَامَةَ بن سَهْل بن حُنيف بن وَاهِب بن العُكَيْمِ بن ثَعْلَبَة بن الحاَرِث بن مَجْدعَة بن عَمْرو -وهو بَحْزَج- ابن حَنَش بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف، من الأَوْس (a). وأُمُّهُ حَبيْبَةُ بنْتُ أبي أمَامَة أَسْعَد بن زُرَارَة بن عُدْس بن ثَعْلَبَة (b) بن غَنْم بن مَالك بن النَّجَّار، وكانت حَبِيْبَةُ من المُبَايعَاتِ، وسُمِّي أبو أُمَامَة أسْعَدَ باسْمِ جَدّه أبَي أُمِّهِ، وكُني بكُنْيَته، وكان جَدُّه أَسْعَدَ بن زُرَارَة نَقِيْبَ بني النَّجَّار. قال مُحَمَّد بن عُمَر: ذُكِرَ لنا أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم هوِ الّذي سمَّاهُ أَسْعَد، وكنَّاه أبا أُمَامَةَ باسْم جَدِّه أبي أُمِّهِ وكُنْيَتهِ. قال: ولم يَبْلُغنا أنَّهُ رَوى عن عُمَر شيئًا، وقد رَوَى عن عُثْمان، وعن زيْد بن ثَابِت، وعن مُعاوِيَة، وعن أبيهِ سَهْلِ بن حُنَيْف، وكانَ ثِقَة كَثِيْر الحَدِيْث.
أخْبَرَنا عُمَر بن طَبَرْزَد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن هِبَة اللهِ، ومُحَمَّد بن عليِّ، قالا: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حدثنا يعْقُوب بن سُفْيان
(1)
، قال: أبو أُمَامَة بن سَهْل بن حُنَيْف بن وَاهِب بن ثَعْلَبَة بن الحَارِث بن عَمْرو بن عَوْف بن مَجْدَعَة بن الحاَرِث بن عَمْرو بن عَوْف بن مَالِك بن الأَوْس (c) بن حَارِثَة.
أخْبَرَنا ابن المُقَيِّر، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، عن أبي الفَضْل مُحَمَّد بن نَاصِر السَّلَامِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، وأبو الفَضْل بن خَيْرُون، وأبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ -واللَّفْظُ له- قالوا: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ -زادَ ابنُ خَيْرُون (d): وأبو الحُسَين الأَصْبَهَانِيّ- قالا: أخْبَرَنا أحْمَد بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَهْلٍ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل، قال: أسْعَدُ أبو أُمَامَة بن
(a) ب: ابن الأوس.
(b) في طبقات ابن سعد: ابن عدس بن عُبَيْد بن ثعلبة.
(c) ب: أوس.
(d) من قوله: وأبو الغنائم
…
إلى هنا ساقط من ب.
_________
(1)
المعرفة والتاريخ 1: 376.
سَهْل بن حُنَيف بنِ وَاهِب الأنْصَاريّ، سمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قاله لي إبْرَاهيمُ بن المُنْذِر، يرْوي عن أَبِيهِ وعُمَرَ. رَوَى عنهُ الزُّهْرِيّ، وابنَاهُ مُحَمَّد وسَهْل، وعُثْمان ابن حَكِيم.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْرٍ الشَّقَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن منْصُور، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد (a) بن حَمْدُون، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن عَبْدَان، قال: سَمِعْتُ مُسْلمِ بن الحَجَّاج
(2)
يقُول: أبو أُمَامَة أسْعَدُ بنُ سَهْل بن حُنيف الأنْصَاريّ عن أَبِيهِ وعُمَر. رَوَى عنهُ الزُّهْرِيّ، ويَحْيَى بن سَعيدٍ.
أنْبَأنَا ابن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل بن نَاصِر، قال: أنْبَأنَا أبو الفَضْل بن الحَكَّاك، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر الوَائِلِيِّ، قال: أخْبَرَنا الخَصِيْبُ بن عَبْدِ اللهِ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن أبي عبد الرَّحْمن، قال: قال أبي: أبو (b) أُمَامَة أسْعَد بن سَهْل بن حُنَيْف.
أنْبَأنَا زَيْد بن الحَسَن، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن طَاهِر المقدِسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد مَسْعُودُ بنُ نَاصِرٍ السِّجْزِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عَبْد المَلِك بن الحَسَن بن سِيَاوُش الكَازَرُونِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْرٍ أحْمَدَ بن مُحَمَّد بن الحُسَيْن الكَلَابَاذِيّ، قال: أَسْعَد بن سَهْل بن حُنَيْف بن وَاهب، أبو أُمَامَة الأنْصَاريّ المَدَنِيّ، سمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَسْعَد وكَنَّاهُ أبا أُمَامَة باسْمِ جَدّه أبي أُمِّهِ أبي أُمَامَة أَسْعَد بن زُرَارَة.
يَرْوي عن أبيهِ، وأبي سَعيد الخُدْرِيّ، ومُعاوِيَة، وابن عبَّاسٍ، وأنسَ بن
(a) ب: أبو سعد.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 331.
(2)
الكنى والأسماء للإمام مسلم 1: 103.
مالِك. رَوَى عنهُ الزُّهْرِيّ، وسَعْد بن إبْراهيم بن عبد الرَّحْمن، وابن عمِّه أبو بَلْج (a) بن عُثْمان بن حُنيْف.
وقال الذُّهْلِيّ: قال يَحْيَى -يعني ابن بُكَيْر-: مات سَنَةَ مائةٍ، أو سِنُّهُ مائةٌ، أو جمعَهُما.
وقال عَمْرو بن عليّ
(1)
، وأبو عِيسَى، وابن نُمير: ماتَ سَنة مائة، وقال الوَاقِدِيّ مثل عَمْرو.
أنْبَأَنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح يُوسف بن عَبْد الوَاحِد، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور شُجَاع بن عليّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بنُ إسْحَاق، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن الحَسَن بن عُتْبَة، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن عِيسَى، قال: حَدَّثَنَا إبْرَاهيم بن المُنْذِر، قال: وأبو أُمَامَة بن سَهْل سمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (b).
وروى أحْمَدُ بنُ صالح، عن عَنْبَسَة، عن يُونُس، عن الزُّهْرِيّ، قال: حَدَّثَنِي أبو أُمَامَة؛ وكان قد أدْرك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وسمَّاهُ وحنَّكَهُ، وقال أبو مَعْشَر: كان قد أدْرَك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وقال ابنُ أبي دَاوُد: صَحِبَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وبايَعَهُ، وسمَّاه، وباركَ عليه، وحَنَّكَه، وقول البُخاريِّ أصَحُّ؛ قال البُخاريُّ
(3)
: أدْرَكَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ولم يَسْمَعْ منهُ.
كَتَبَ إلينا أبو الغَنائِم بن شَهْرَيَار من [أصْبَهان](c)، قال أخْبَرَتْنا أُمُّ البَهَاء
(a) الأصل: بلح، ب: بلخ، والمثبت من تاريخ ابن عساكر.
(b) في تاريخ ابن عساكر: سماه النبي صلى الله عليه وسلم أسعد.
(c) ما بين الحاصرتين بياض في الأصل وب، والتعويض من العديد من الروايات التي أخذ فيها ابن العديم عن أبي الغنائم بن أبي طالب بن شهريار.
_________
(1)
تاريخ أبي حفص الفلّاس 246.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 333.
(3)
لم أقف عليه في تاريخيه الكبير والصغير.
فاطِمَة بنتُ مُحَمَّد بن أحْمَد بن البَغْدَاديّ، قالت: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن محمُود الثَّقَفيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا أبو الطَّيّب مُحَمَّد بن جَعْفَر المَنْبِجِي بها، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْد الله بن سعد بن إبْرَاهيم، قال: حَدَّثَنَا سَعْد بن عَبْد الحَمِيْد بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا أبو مَعْشَر قال: رأيْتُ أبا أُمَامَةَ بنَ سَهْل بنَ حُنَيْفٍ يَخْضبُ بالصُّفْرة، وأبو أُمَامَة قد رَأى رسُول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: أبو الفَضْل -يعني عُبَيْد الله-: بَلَغَني أنَّ أبا أُمَامَة اسْمُه سَعْد (a) بن سَهْل وأُمُّهُ بنتُ سَعْد بن زُرَارَة وبهِ سُمِّي، وأُخْبرتُ أنَّ أبا أُمَامَةَ ماتَ سَنَة مائة.
أَنْبَأنَا أبو المحاسِن سُليْمان بن الفَضْل بن سُلَيمان (b)، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة الله
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن مَحْمُود، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن هَارُون بن حُمَيْد بن المُجَدَّر، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أبي مَعْشَر المَدَنِيّ، قال: سَمِعْتُ أبي يَقُول: رأيتُ أبا أُمَامَة بن سَهْل بن حُنَيْف وقد رَأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَرُ بنُ مُحَمَّد المُؤدِّب، فيما أَذِنَ لنا في رِوَايَتِه عنهُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً أو سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن النَّقُّور، قال: أخْبَرَنا عِيسَى بن عليّ، قال: أَخْبرنا عَبْد الله بن مُحمَّد، قال: حَدَّثني مُحَمَّد بن المقرِئ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان، عن صَدَقَة بن يَسَار، قال: صَحِبْتُ أبا أُمَامَة بن سَهْل (c) فقال: لتَصْحَبَنَّ ابنَ بَدْريٍّ سَائِرَ اليَوْم.
(a) كذا قيَّد المؤلِّف اسمه واسم جده لأمه: سعد، وأشر عليهما بكتب "صـ".
(b) ب: أبو المحاسن سليمان، قال
…
(c) بعده في الأصل: بن حنيف، وشطبه.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 332.
أَنْبَأنَا سُليْمان بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو المَيْمُون بن رَاشِد، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة، قال: حَدَّثنِي الحَكَمَ بن نَافِعٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بن أبي حَمْزَة، عن الزُّهْرِيّ، قال: أخْبَرَنِي أبو أُمَامَة بن سَهْل بن حُنيف، وكان من علْيَاءَ الأنْصَار، ومن أبناءِ الذِّين شَهدوا بَدرًا مع رسُول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو زُرْعَة: قال أحْمَد ابن حَنْبَل: وأبو أُمَامَة بن سَهْل، اسْمُه أَسْعَدُ بنُ سَهْل، وأُمُّهُ بنتُ أَسْعَد بن زُرَارَة، وعُثْمان، وسَعدٌ، وعبْد الله أخوةُ أبي أُمَامَة، ويقال: قد أدْرك أبو أُمَامَة رسُول الله صلى الله عليه وسلم.
أَنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِندِيّ، قال: أخْبَرَنا أَبُو بَكْر بن عَبْد البَاقِيّ، إِجَازَةً إنْ لَم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجوهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بنُ مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا ابنُ الفَهْم، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَعْد
(2)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عُمَر، قال: حَدَّثَنَا مَالِك بن أبي الرِّجال، عن سُليْمان بن عبد الرَّحْمن بن خَبَّاب، قال: أدْرَكتُ رجالًا من المُهاجِرين ورجالًا من الأنْصَار من التَّابِعِين يُفتونَ بالبَلد، فذكَرهم وذَكَر من الأنْصَار أبا أُمَامَة بن سَهْل بن حُنَيْف.
أنْبَأنَا ابن (a) المُقَيِّر، عن ابن نَاصِرِ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، وأبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ وأبو الغَنائِم مُحَمَّد بن عليّ، واللَّفظُ له، قالوا: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ -زاد ابن خَيْرُونَ: وأبو الحُسَين الأَصْبَهانِيّ- قالا: أخْبَرَنا أحْمَد بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بنُ سَهْل، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل، قال: قال الأُوَيْسِيّ: حَدَّثَنَا يُوسف بن المَاجشون، عن عُتْبَة -وهو ابنُ مُسلم- قال: إنَّ آخر
(a) ب: أبو.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 333.
(2)
طبقات ابن سعد 2: 383.
خَرْجَة خَرَجَ عُثْمانُ بن عَفَّان يَوْمَ الجُمُعَة، فلمَّا اسْتَوَى على المِنْبَر حَصَبَهُ النَّاسُ، فحِيْلَ بينَهُ وبينِ الصَّلاةِ، فصَلَّى للنَّاس (a) يَوْمئذٍ أبو أُمَامَة بن سَهْل بن حُنَيْف.
أنْبَأنَا زَيْن الأُمَناء، قال: أخْبرَنَا عَمِّي أبو القَاسِم
(1)
، قال: في نُسْخَةِ ما أخْبَرَنا بهِ أبو عَبْدِ الله الخَلَّال شفَاهًا، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَمَّد، ح.
قال: وأخْبَرَنا ابن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْد (b) بن عَبْد اللهِ إجَازَهً، قالا: أخْبَرَنا ابن أبي حَاتِم
(2)
، قال: قيل له -يعني لأبيهِ-: ثِقَةٌ هو؟ يعني أبا أُمَامَةَ، قال: لا يسألْ عن مِثْلِه، هو أجَلُّ من ذلك.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْديّ، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الطُّيُورِىِّ، قال: أَخْبَرَنا الحُسَين بن جَعْفَر، ومُحَمَّد بن الحَسَن، وأحمد بن مُحَمَّد العَتيْقِيّ، قالوا (c): أخْبَرَنا الوَلِيد بن بَكْر، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنا صالحُ بنُ أحْمَدَ بن عَبْد الله بن صالح العِجليّ، [قال] (d): حَدَّثني أبي أحْمَد
(3)
، قال: أبو أُمَامَة بن سَهْل بن حُنَيْف مَدِيْنِيٌّ تَابعيٌّ ثِقَةٌ.
وقال أبو البَرَكَات الأنْمَاطىّ: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن الحَسَن البَاقِلَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد يُوسُفَ بنَ رَبَاح، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا أبو بِشْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن حَمَّاد، قال: حَدَّثَنَا أبو عُبَيْد الله مُعاوِيَة بن صالح، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى يقول في تَسْمية تَابِعي أهْل المَدِينَة ومُحدِّثيهم: أبو أُمَامَةَ بنُ
(a) كذا في الأصل وب، ومثله في تاريخ ابن عساكر 8:334.
(b) الأصل وب: أحمد، والمثبت من تاريخ ابن عساكر، وهو حمد بن عبد الله الأصبهاني، أبو علي.
(c) ب: قال.
(d) إضافة على مقتضى العادة، لم ترد في الأصل، ب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 335.
(2)
الجرح والتعديل 2: 344.
(3)
العجلي: تاريخ الثقات 491.
سَهْل بن حُنَيْف، ماتَ سَنةَ مائةٍ.
قال أبو البَرَكَات: أخْبَرَنا أبو طَاهِر البَاقِلَّانِيّ، وأبو الفَضْل بن خَيْرُونَ، قالا: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحَسَن الأصْبَهَانِيّ (a)، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد الأهْوَازِيّ (b)، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن أحْمَد الأهْوَازِيّ، قال: حَدَّثَنا خَلِيفَة بن خَيَّاط
(1)
، قال: في الثَّانيَةِ من أهل المَدِينَة: أبو أُمَامَة بن سَهْلِ بن حُنَيْف بن وَاهِب بن العُكَيْم بن ثَعْلَبَة بن حَارِثَة (c) بن مَجْدَعَة بن عَمْرو بن حَنَش بن عَوْف (d) بن عَمْرو بن عَوْف بن مَالِك بن الأَوْس، ماتَ سَنَة مائة.
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، سَمَاعًا أو إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن المُسْلَمِة، وأبو القَاسِم بن فَهْد، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن الحَمَّامِيّ، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن مُحَمَّدُ السُّكَّرِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن عَبْد الله الحَضْرَميّ، قال: حَدَّثَنَا ابن نُمَيْر (e)، قال: مات أبو أُمَامَةَ بنُ سَهْلِ بن حُنَيْف سَنَةَ مائةٍ.
قال ابنُ السَّمَرْقنديّ: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن البُسْرِيّ (f)، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّص (g) إجَازَةً، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْد الله بن عبد الرَّحْمن السُّكَّرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن المُغِيرَة، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حَدَّثَني أبو عُبَيْد، قال: سَنَة مَائة فيها تُوفِّي أبو أُمَامَة بن سَهْل بن حُنَيْف واسْمه أَسْعَد، يُقال: إنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سمَّاهُ باسْمِ جَدِّه أبي أُمِّه أسعَدِ بنِ زُرَارَة.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات ابن عَسَاكِر، قال: أخْبَرَنا الحافِظ عَمِّي
(2)
، قال: حَدَّثنَا أبو
(a) ب: الأهوازي.
(b) ب: الأصبهاني.
(c) مثله في أصول طبقات خليفة، فغيرها المحقق: الحارث.
(d) ساقطة من طبقات خليفة.
(e) ب: أبو نمير.
(f) ب: البشرى!.
(g) ب: ابن المخلص.
_________
(1)
طبقات خليفة 250.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 336.
الحَسَن بن البَقْشَلَان، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الآبِنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا عِيسَى بن عليّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن مُحَمَّد، قال: وحَدَّثَني عَمِّي، عن أبي عُبَيْد، قال: أبو أُمَامَة أَسْعَدُ بن سَهْل بن حُنَيْف. وقال ابنُ نُمَيْر ماتَ أبو أُمَامَةَ بنُ سَهْل سَنةَ مائةٍ. قال البَغَويّ: أبو أُمَامَة أسْعَد بن سَهْل بن حُنَيْف وُلد على عَهْد رسُول الله صلى الله عليه وسلم ولم يَسْمَع منهُ.
أنْبَأنَا أبو عليّ الأَوَقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا المُبارَك [بن عَبْد الجَبَّار](a)، قال: أخْبَرَنا ابو الحَسَن الحَرْبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّدُ الصَّفَّار، [قال: أخْبَرَنا عَبْدُ] البَاقِي بن قَانِع، [قال: سَنَةَ مائة من هِجْرَة رسُول الله صلى الله عليه وسلم أبو أُمَامة بن سَهْل بن حُنَيْف، يعني ماتَ فيها].
أَسْعَد بن عبد الرَّحْمن بن الخَضِر بن هبَة اللهِ بن عَبْد الوَاحِد بن حُبَيْش التَّنُوخِيّ، أبو التَّمَّام وأبو المَعَالِي المَعَرِّيّ المُلَقَّب بالوَجِيْهِ
(1)
أصْلُهُ من مَعَرَّة النُّعْمَان، ووُلد بدِمَشقَ ودَخَلَ حَلَب، حكَى لي ذلك الحَافظ مُحِبّ الدِّين أبو عَبْد الله بن النَّجَّار عنه، وأخَذَ لي الإجَازَةَ منه، ولم يَتَّفق لي منه سَماعٌ، حَدَّثَ عن إسْمَاعِيْل الجَنْزَوِيّ وغيره. رَوَى عنهُ أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن يُوسُف البِرْزَاليّ، وأبوِ المحَامِد (b) القُوصِيّ، وخرَّجَا عنه في مُعْجَميهما، وأخْبَرَني القُوصِيّ أنَّ مَوْلده بدِمشق في شُهُور سَنَة ثَمانٍ وخَمْسِين وخَمْسِمائَة، وذكَر غيرُه في
(a) كتب ابن العديم الرواية في الهامش، فطال الطمس بعض كلماتها، وقد استدركنا النقص المدرج بين الحاصرتين من ب.
(b) في الأصل: أبو حامد، وليست في كناه حسبما يأتي في ترجمته في هذا الجزء: إسماعيل بن حامد القوضي.
_________
(1)
توفي سنة 634 هـ، وترجمته في: التكملة للمنذري 3: 433، ابن الشعار: قلائد الجمان 1: 375 - 378 (أرخ وفاته سنة 635 هـ)، تاريخ الإسلام 14: 132، الوافي بالوفيات 9: 45، ابن تغري بردي: المنهل الصافي 2: 371 - 372، ابن تغري بردي: الدليل الشافي 1: 118.
شَوَّال منها، وكان شَاعِرًا.
أخْبَرَنا أبو التَّمَّام أسْعَدُ بن عبد الرَّحْمن بن حُبَيْش، إجَازَةً كَتَبَ بها إلىِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل إسْمَاعِيْل بن عليّ بن إبْراهيم الجَنْزَوِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة بن الخَضِر، قال: أخْبَرَنا أبو القاسِم الحُسَين بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الحِنَّائِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عَبد الوَهَّاب بن الحَسَن (a) بن الوَلِيد الكِلابيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عُمَيْر بن يُوسُف بن جَوْصَا، قال: حَدَّثنا عِمْران بن بَكَّار، قال: حَدَّثنا أبو التُّقَى عَبْد الحَميْد بن إبْراهيم، عن عَبْد الله بن سَالَم، عن الزُّبَيْدىِّ، عن الزُّهْرِيّ أنَّ أبا سَلَمَة بن عبد الرَّحْمن أخْبره عن أبي سُفْيان بن الأخْنَس بن شَرف (b) أنّهُ دخَل على أُمِّ حَبِيْبَة زَوْجِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم -وهي خَالتُهُ- فسَقَتْهُ سَويقًا، ثمّ قالت
(1)
: يا ابنَ أُختي، تَوضَّأ فإني سَمِعْتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: توضَّأ ممَّا مَسَّته النَّار.
أجازَ لنا الوَجِيْهُ أبو التَّمَّام، وأنْشَد لنَفْسِه ممَّا كَتَبَ به إلى العَفِيف مُحَمَّد بن علىِّ البَالِسِيّ إلى بَالِس
(2)
: [من الخفيف]
خَلِّ لَومي يا لَائمي في البُكَاءِ
…
كُلُّ دَاءٍ رأيتَهُ دون دَائي
نُحْ معيِ سَاعةً على (c) الرَّبْعِ إنَّ الرَّ
…
بْعَ أقْوَى من سَادتي الكُرَمَاءِ
هولُ يوْم الفِرَاق مزَّقَ (d) قَلْبي
…
فرقًا من شَماتة الأعْدَاءِ
لَهْفُ (e) نَفْسِي على الّذين تَولّوا
…
إذ تولّوا بفِطْنَتي وذَكاَئِي
(a) ب: الحسين، وانظر ترجمته في تاريخ ابن عساكر 37: 314 - 317.
(b) في سنن النسائي 1: 17: عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس بن شريق، وفي المصنف لعبد الرزاق 1: 173، والمعجم الكبير للطبراني 22: 237: عن أبي سفيان بن المغيرة بن الأخنس.
(c) ابن الشعار: مع.
(d) ابن الشعار: فرَّق.
(e) ابن الشعار: لهذ.
_________
(1)
المصنف لعبد الرزاق 1: 172 (رقم 665)، سنن النسائي 1: 107 (رقم 181)، المعجم الكبير للطبراني 22: 237 (رقم 462).
(2)
الأبيات في قلائد الجمان 1: 376.
فغَرَامي من بَعْدِهم لي غَريم
…
ليس يَنْفَكُّ والسَّقَامُ ردَائِي
خَيَّمُوا يَوْمَ بَيْنِهم في فُؤادِي
…
وأقامُوا في مَنْزِل البُعَدَاءَ
ليسَ آسَي على الحَيَاة لأنِّي
…
بَعْدَهم في مَرَاتب الشُّهَدَاءَ
أنْشَدَني أبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد بن عبد الرَّحْمن القُوصِيّ، قال: أنْشَدَني الأَمِين وَجِيْهُ الدِّين أبو المَعَالِي أَسْعَد بن عبد الرّحْمن بن الخَضِر بدِمَشْق في شُهُور سَنَة أرْبَعٍ وسِّتمائة لنَفْسِه
(1)
: [من الوافر]
إذا ما دارت الأفْلَاكُ يَوْمًا
…
بسَعْدكَ فهي تأبَى أنْ تُكَادَا
فمهما اسْطَعْتَ من خَيْر فعَجِّل
…
به ما دُمْتَ تأمَنُ أنْ تُعَادَا
فكم من جَمْرة أمْسَتْ سَعيرًا
…
فلمَّا أصبَحَتْ أضْحَتْ رَمَادَا
وأنْشَدَني أبو المَحَامِد، قال: أَنْشَدَني أسْعَدُ لنَفْسِه لُغْزًا في القَلَم: [من الطويل]
وأَصْفَرَ لا مِن عِلَّةِ فنَعُودُهُ
…
وليسَ بهِ ما تَشْتَهيهِ الشَّوَامِتُ
إذا رُمْتَ منهُ نَشْرَ كُلِّ فَضِيْلةِ
…
أتَاكَ بها عن قُدْرَة وَهْوَ صَامِتُ
أخْبرَني أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن يُوَسُف البِرْزَاليّ بحَلَب، قال: في لَيْلَة الجُمُعَة ثالث صَفَر سَنَة أرْبَعٍ وثَلاثين وسِّتمائة تُوفِّي الوَجِيْهُ أبو التَّمَّام أسعَدُ بن عبْدِ الرَّحْمن بن هِبَة الله بن حُبَيْش التَّنُوخِيَّ.
ثمّ إنِّي وقفْتُ بعد ذلك على مُعْجَم أبي عَبْدِ الله البِرْزَاليّ، وذَكَر فيه حَدِيثًا عنه، وقال: وتُوفِّيَ هذا الشَّيْخ في سَنَة خَمْسٍ وثَلاثين وسِّتمائة ببُسْتَانه بقَرْيَة المِزَّة.
أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْم بن عَبْد القَوِيّ المُنْذِريّ، قال في ذِكْر مَنْ ماتَ [سَنَة أرْبَعٍ وثَلاثين](4) وسِّتمائة، في كتاب التَّكْمِلَة لوَفَيَات [النَّقَلَة
(2)
: وفي] لَيْلَة
(a) هذا النقل المأخوذ عن المنذري كتبه ابن العديم في الهامش فطمست بعض كلماته المدرجة بين حاصرتين، واستكماله من ب.
_________
(1)
الأبيات الثلاثة في الوافي 9: 45 والمنهل الصافي 2: 371.
(2)
التكملة لوفيات النقلة 3: 433.
الثَّالث من صَفَر تُوفِّي الشَّيْخ الوَجِيْه أبو التَّمَّام أسْعَدُ بن عبدِ الرَّحْمن بن الخَضِر بن هِبَة الله بن عَبْد الوَاحِد بن حُبَيْش التَّنُوخِيّ، سَمِعَ بدِمَشْق من أبي الفَضْل إسْمَاعِيْل بن علىِّ الجَنْزَوِىِّ، وحَدَّثَ عنهُ، وحدَّث بشىِءٍ من شِعْره، ولنا منه إجَازَةٌ كَتَبَ بها إلينا من دِمَشْق.
أَسْعَدُ بن عبد الرَّحْمن بن عَبْد المَلِك بن عبد الرَّحْمن بن طَاهِر بن يَحْيَى النَّهَاوَنْدِيُّ، ثُمَّ الأسَدَابَاذِيّ، أبو المَعَالِي القَاضِي
(1)
قَدِمَ حلَبَ سَنَهَ تِسعٍ وخَمْسِين وخَمْسِمائَة، وسَمِعَ بها أبا بَكْر مُحَمَّد بن عليّ بن يَاسِر الجَيَّانيّ، والخَطِيبَ أبا طَاهِر هاشِم بن أحْمَد بن هاشِم خَطيْب حَلَب، والفَقِيه الإمَام شَرَف الدِّين أبا سَعْد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن أبي عُصْرُون، وأبا الفَتْح عُمَر بن علي بن مُحَمَّد بن حَمُّوْيَه.
وحَدَّثَني شَيْخُنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بنُ عُبيد السُّلَمِيّ البُرْجِيْنيّ أنَّ أسْعَد النَّهَاوَنْديّ هذا حَدَّثَ عن بعض شُيُوخه وقال لي: سَمِعْتُ منه، وذكَر لي أنَّ له تَصْنِيفًا في أدَبِ الصُّوْفيَّة.
ثُمَّ وقَفْتُ أنا على هذا التَّصْنِيف بعد ذلك، فوجَدْتُه يَشْتَمل على آدَابِ الصُّوْفيَّةِ ومَقَالتِهم في الحَالٍ والمَقَامِ، وما يِلزَمُ المُرِيدَ عندَ مُتابعَةِ الشَّيْخ والإمَام، وما عليهِ من الأوْرَادِ، وبَوَّبَهُ ستِّينَ بابًا، روَى فيه عن أبي الوَقْت عَبْد الأوَّل بن شُعَيْب السِّجْزِيّ، وعن أبي سَعْد بن أبي عُصْرُون، وسمَّاهُ مُنْيَةَ الخَوَاصّ وغُنْيَةَ طَالبي الخَلاصِ
(2)
، وحدَّثَ بهِ بحَلَب بخَانكَاة القَصْر في شَهْر رَجَب من سَنَة سَبْعِين وخَمْسِمائَة، وتُوفِّي بعد ذلك رحمه الله.
(1)
توفي بعد سنة 570 هـ.
(2)
لم أقف له على ذكر.
أسْعَدُ بن علي بن عَبْد القَاهِر بن المُهَنَّا، أبو المَاجِدِ المَعَرِّيّ المَعْرُوف بالبَليغْ
(1)
من مُعَاصِري أبي العَلَاء أحْمَد بن عَبْد الله بن سُلَيمان، وكان شَاعِرًا مُجِيْدًا. رَوَى عنهُ أبو المَكَارِم عَلَوِي بن عَبْدِ القَاهِر بن المُهَنَّا المَعَرِّيّ.
وَقَعَ إليَّ من شِعْره أبياتٌ يَرْثِي بها أبا المَجْد بن سُلَيمان أخَا أبي العَلَاء وهي
(2)
: [من الوافر]
جَلِيْلٌ رُزءُنا فيهِ جَلِيْلُ
…
عليهِ لكُلِّ عائلةٍ عَوِيْلُ
فأَكْثِرْ ما اسْتَطَعْتَ الوَجْدَ فيهِ
…
ولا تُقْلِلْ فُمشْبِهُهُ قليلُ
أَضِيْقُ بحَمْل هذا الخَطْبِ ذرْعًا
…
على أَنِّي لكُلّ أسَىً حَمُولُ
ولو قُصِدَ التَّناصُف كان أوْلى
…
منَ العَبَراتِ أرْوَاحٌ تَسِيلُ
منها:
إذا أَعْطَتْكَ دُنْياكَ الأمَاني
…
فقَدْ أعْطَتْكَ هَمًّا لا يَزُولُ
تقَضَّي العُمْرُ فيه وما تقَضَّي
…
عليه الوَجْدُ والحُزْنُ الطَّويلُ
قَرأتُ في كتاب نُزْهَة النَّاظِر، تأليفُ القَاضِي كَمَال الدِّين عَبْد القَاهِر بن عَلَوِي بن المُهَنَّا، قاضي مَعَرَّة مَصْرِيْن، قال: وأنْشَدَني -يعني أثِيْرَ الدِّين أبا مَنْصُور مُحَمَّد بن عليّ بن عَبْد اللَّطِيْف- للبَليغْ (a)، وكان قد خَرَجَ مع أقْوَامٍ من أهْل حَلَبَ إلى الفُرْجَةِ ببَعَاذِيْن والعَافِيَة، فتَعِب، فعَمِل:[من السريع]
يا فُرْجَةً ما مرَّ بي مثْلُها
…
عَدمْتُ فيها العِيْشَةَ الرَّاضِيَهْ
(a) ب: البليغ.
_________
(1)
ترجمته في: خريدة القصر (قسم الشام) 12: 105.
(2)
الأبيات الستة في الخريدة 12: 105.
زُرْتُ بَعَاذِيْنَ ولكنَّني
…
عَدمْتُ في العَافِيَةِ العَافِيَه
أسْعَدُ بن عَمَّار بن سَعْد بن عَمَّار بن عليّ، ابو المَعَالِي الخِلاطِيّ ثمّ المَوْصِليّ، المُلَقَّب بالرَّبِيْب
(1)
سَمِعَ مُحَمَّدَ بنَ سَعْدِ الله بن نَصْر بن (a) الدَّجَاجيَّ الوَاعِظَ، وأبا الوَقْتِ عَبْد الأوَّل بن شُعَيْبٍ السِّجْزِيّ، وبُرْهَان الدِّين إبْراهيم بن المُظَفَّر بن إبْراهيم المَعْرُوف بابنِ البَرنِيّ.
وشَاهدتُ سَماعَ الرَّبِيْبِ أَسْعَد بن عَمَّار على جُزءٍ من حَديث أبي حَفْص عُمَر بن أحْمَد بن شَاهِين على مُحَّمد بن سَعْد الله بن الدَّجَاجِيّ في سَنَة ثَلاثٍ وثَمانين (b) وخَمْسِمائَة، وقد حدَّثَ بهِ عنهُ مُوَفَّقُ الدِّين أبو العبَّاس أحْمَد بن أبي القَاسمِ بن أحْمَد القَيْسِيّ الإسْكَنْدِريّ في سَنَة أرْبعٍ وعشرين وستِّمائة.
رَوَى لنا عنْهُ أبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد شَيئًا من شِعْر غيره، خرَّجَهُ عنه في مُعْجَم شُيُوخه.
أخْبَرَنا أبو المَحَامِد القُوصِيّ، قال: أنْشَدَني الأَمِير الأجَلّ بَهَاء الدِّين رَبِيْب الدَّوْلَةِ أبو المَعَالِي أَسْعَد بن عَمَّار بن سَعْد بن عَمَّار أبْيَاتًا قيلَتْ في أبي أيُّوب سُليْمان [بن مُحَمَّد المُورِيَانيّ](c) وَزِير أبي جَعْفَر المنَصُور لمَّا نَكبهُ [ثُمَّ قَتَلَهُ، وأشَار هذا] الشَّاعر في أبْياته إلى قَتْل أخيهِ [السَّفَّاح لَوزيره] أبي سَلَمَة حَفْص بن سُلَيمان
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: ثلاث وثلاثين.
(c) ألحق ابن العديم هذا النقل عن القوصي وأدرجه في الهامش، وما بين الحاصرتين كلمات لحقها طمس، واستكملناها من نسخة ب وكتاب الفخري في الآداب السلطانية لابن الطقطقا 176 الذي أورد خبر الوزير المورياني ونكبته. والأبيات المذكورة هي للشاعر ابن حبيبات الكوفي.
_________
(1)
توفي سنة 606 هـ.
الخَلَّال رحمه الله: [من الخفيف]
[قد رَأينا] المُلُوك تحسُد مَن قد
…
قلَّدوه (a) أزمَّةَ التَّدْبِيرِ
[وإنَّما](b) رأوا له الأْمَر والنُّـ
…
ـهَي رموه من غير فهم (c) بنَكير
[شَرِب (d) الكاس بعد حَفْص] سُلَيما
…
نُ ودَارَت عليه [كفّ المُدِير]
[أسْوأ العالمـ]ـين حَالًا لديهم
…
مَنْ تَسَمَّي بين الوَرَى بالوَزِير (e)
قال القُوصِيّ: ومن العَجَائِب والغَرَائِب أنَّني بعد مُفارَقَي له من المَوْصِل، وهو في عزِّه ونَفَاذ حُكْمه [وأمْره ونَهْيه](f)، وارْتسَام رَسْمه، لم أَصِل إلى مَدِينَة حَرَّان حتَّى بَلَغَني أنَّ أتَابِك المَوْصِل نُور الدِّينِ [
…
] (g) أعْداؤه في فَسادِ أحْوَالهِ (h)، وأنَّهُ قَبَضَ عليه ونَكبه، واسْتأصَل جميعَ أمْوَاله، [ولا زَالَ مُعْتَقَلًا بالمَو] صِل (i) إلى أنْ تُوفِّي رحمه الله في اعْتِقَاله. وكان إنْشَادُه في شَعْبان [سَنَة تِسْعٍ وتسْعين](j).
وشَاهَدتُ بخَطِّ الرَّبِيْب أبي المَعَالِي أَسْعَد بن عَمَّار رحْلتَهُ من خِلَاط إلى مَكَّهَ، شَرَّفَها اللهُ، في سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة، ثمّ أتبعَها برَحيلهِ إلى الشَّام مُتقدِّمًا على عَسْكَر المَوْصِل في سَنَة ستٍّ وثَمانين، وذَكَر في أوَّلها فَصْلًا من أحْوَاله، فأحْبَبتُ نَقْله لِمَا فيه من ذِكْر شيء من أُمُوره، وحَقِيْقَة حاله. وصُوْرته:
أمَّا بعد؛ فلمَّا وفَّقَ اللهُ سُبْحَانَهُ وأثْبَتُّ مَنَازِل الحَجّ، وما تأتَّى في تلك السَّفْرَة المَيْمُونة، وكانت حَجَّةَ الإسْلَام، فإنَّني قضَيِتُها في شُهُور سَنَة ثَلاثٍ وستِّين وخَمْسِمائَة، وكنتُ حينئذ في خِدْمَة المَلِكَة (k) شَاهْ بَانُوان ابنَة بيْلدُق بن عليّ بن أبي القَاسِم، وهي يَوْمئذٍ مَلِكَةُ بلادِ الرُّوم، وأرْمانِيَةَ، زوْجَةُ شَاه أرْمَن سُكْمَان بن
(a) ابن الطقطقا: من أعطته طوعًا.
(b) كذا في ب، وفي كتاب الفخري: فإذا ما
(c) ابن الطقطقا: أتوه من بأسهم.
(d) ب: شربنا، والمثبت من الفخري.
(e) ابن الطقطقا: من تسمى بكاتب أو وزير.
(f) كلمتان وقع عليهما الطمس في الأصل، والمثبت من ب.
(g) كلمتان أو أكثر مطموسة في الأصل، وموضعها بياض في ب.
(h) ب: حاله.
(i) ما بين الحاصرتين من ب.
(j) ما بين الحاصرتين من ب.
(k) ب: الملك.
إبْراهيم بن سُكْمَان صاحب خِلَاط وإقْليْمها رحمه الله، وكنتُ مُتقلِّدًا أُمُورَها، فشَغلَني ذلك الأمْر عن تَحْرير طَريق الحجَّ في تلك السَّفْرَة، فأثْبتُّه في السَّفْرَة الثَّانيَة، وكان لي عدَّة سَفْرات يُسْتحسَن ثَبتُ عَجَائِبها، ويُسْتطرفُ ذِكْر غَرَائِبها من الجِهاد في الجزرِ والسَّنَاسنَة حِتَّى قدَّر اللهُ فتْحَها وتَطْهيرَها من/ الكُفْر في يَوْم الأَحَد عَاشر المُحَرَّم من سَنَة سبْعِين وخَمْسِمائَة، وكان صاحبُ جَيْش الإسْلَام في ذلك الأوَان شَاه أرْمَن سُكْمَان بن إبْراهيم بن سُكْمَان، وكان اسْتخلاصُها بعد حِصَارها ثلاث سنين والجِهاد فيها، والحَمدُ لله على ذلك.
ثُمَّ بعد ذلك، انتَقلتُ من خِلَاط إلى المَوْصِل، حَمَاهَا الله؛ إلى خِدْمَة المَوْلى المَلِك العادِل عِزّ الدِّين أبي المُظَفَّر مَسْعُود بن موْدُود بن زَنْكِي بن آقْ سُنْقُر، فأحْسَنَ إليَّ وقرَّبني، ورَدَّ إليَّ أُمُور مُلكه ومَصَالِح دَوْلَته، فلم أرَ شيئًا أُكافئُ ذلك الإنْعامَ به إلَّا بَذْل المَجْهُود في الشَّفقة، وحِفْظ مَصَالِحه في أمْر دينهِ ودُنْياهُ، وتَقصِيِر الأيدي المُتَطَاولَة والأطْماعَ الفاجِرةِ عن ماله ومُلكْه بوُسْع الطَّاقَة، وهو عَارِفٌ لي بذلك، مُوفّرٌ حُرْمَتي، ويَزِيْدُ في مَعِيْشتِي، وكان كُلَما تجدَّد حالٌ أو حدَثَ أمْرٌ من المهَامّ العِظَامِ اسْتَنْدَبني فيهِ، فلمَّا قدَّر اللهُ سبحانه وتعالى فَتْح بَيْت المَقْدِس عَمَّره اللهُ في شُهُور سَنة ثَلاثٍ وثَمانين وخَمْسِمائَة، وطَهَّر اللهُ ذلك البَيْت المُطَهَّر من نَجَسِهم، تَفَرَّقُوا في بلادِ الكُفْر، وجَمَعُوا الجُمُوع من أقْصَى بلادِ الكُفْر، وجاءوا بخَيْلهم ورَجْلِهم، ونزلُوا على عَكَّةَ وحصَرُوها، واسْتَنْجَد المُسْلمُونَ المَوْلَى أتَابِك عِزّ الدِّين فبادر إلى إجابتهم، وتَلبيَة دَعْوتهم، وجَمَعَ الجُمُوع، وجَهَّزَ الجُيُوشَ، وأخْرج الأمْوَال، وجَعَل وَلَدهُ أميرًا عليهم، وهو المَلِكُ السَّعِيْدُ عَلاءُ الدِّين، وجَعلَني مُقدَّمَ جيْشه، ومُربِّي ولدَه، وقلَّدني أُمُورَهُم، وحِفْظ مَصَالِح الدَّوْلَة ومَصَالِحهُم، بحيثُ كان طَريقُ الطَّاعَة والجِهاد في سَبِيْل الله، وزيارةُ بَيْت الله المُقَدَّس عمَّرهُ لله، أحْبَبتُ أنْ أُثْبتَ مَراحلَهُ ومَنَازِلَهُ، وما تجدَّد لنا في تلك السَّفْرَة المُبارَكَة.
ثمّ ذَكَرَ المَراحل، وأنَّ الحَركة من المَوْصِل يَوْم الثّلاثَاء عاشِر رَبيع الأوَّل سَنَة ستٍّ وثَمانين وخَمْسِمائَة. ثُمَّ ذَكَرَ المَنَازِل إلى أنْ قال: الاثْنَين رَابعَ عَشر -يعني رَبيع الآخر من السَّنَة-: المَنْزلُ في قَرَاحِصَار
(1)
، وعَرَضْنَا العَسَاكِر.
الثّلاثَاء (a) خَامِسَ عَشر رَبيع الآخر: المَنْزل في مَدِينَة حَلَب على شَاطئ قُوَيْق.
ثُمَّ ذَكَرَ المَنَازِل من حَلَب إلى أنْ ذَكَر وُصُولهم إلى ظَاهِر عَكَّة، والْتقاءِ المَلِك النَّاصِر لهم.
وذَكَرَ الرَّبِيْب في هذا التَّعْلِيق أنَّهُ خَدَم المُقتَفِي بأمْرِ الله مُدَّةَ سَنَتين وستَّة أشْهُر آخرها غُرَّة رَبيع الأوَّل سَنَة أرْبعٍ وخَمْسِين وخَمْسِمائَة.
أخْبَرَني عُمَر ابن الرَّبِيْب أسْعَد بن عَمَّار أنَّ ولادةَ أبيهِ سَنَة ثلاثين وخَمْسِمائَة، وخَدَم الخَلِيفَة المُقْتَفِي سنَتَين ونصفًا، وكان في خِدْمَته أيَّام حِصَار السُّلْطان مُحَمَّد بن مَحُمُود بَغْدَاد، وسَمِعَ الحَدِيْث على أبي الوَقْت وغيره، ودَخَلَ حَلَب أيَّام نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي، ثمّ في أيَّام صَلاح الدِّين يُوسُف بن أيُّوب ثلاثَ مَرَّاتٍ، كان يأتي مُقدَّمًا على عَسْكَر المَوْصِل إلى خِدْمَته.
قَبَضَ عليه صاحبُهُ نُور الدِّين أَرَسْلَان شَاه بن مَسْعُود بن مَوْدُود في ثاني عَشر رَمَضَان سَنَة ستٍّ وسِتمّائة، فماتَ بالسِّجْن بالمَوْصِل.
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
قراحصار: مرج كبير يقع إلى الشمال من مدينة حلب، وهناك قرية أو موضع آخر يعرف بقراحصار على مسيرة يوم من أنطاكية. انظر: ياقوت: معجم البلدان 4: 315، والأول هو المراد لوقوعه في الطريق بين الموصل وحلب، ولم يذكره المؤلف في تعداده لمواضع ونواحي إقليم حلب فى الجزء الأول من كتابه، وذكره في ترجمة الطغرائي الآتية في الجزء السادس، وذكره بأنه من أرض حلب.
أَسْعَدُ بن المُنَجَّا -وقيل: أبي المُنَجَّا- ابن بَرَكات -وقيل: أبي البَرَكَات- ابن المُؤَمَّل، أبو المَعَالِي التَّنُوخيّ المَعَرِّيّ الأصْل، الدِّمَشقيّ المَوْلد والمنْشَأ، الحَنْبَلِيّ (a) القَاضِي
(1)
وَلي قَضَاءَ حَرَّانَ، وذَكَرَ لي وَلده عُمَر بن أسْعَد، أبو الخَطَّاب، أنَّ اسْمه أسْعَد بن المُنَجَّا بن بَرَكات بن المُؤَمَّل. وذَكَرَ لي أبو الحَجَّاج يُوسف بن خَلِيل (b) أنَّهُ أسْعَد بن أبي المُنَجَّا بن أبي البَرَكَات.
قَرَأ الفِقْهَ بدِمَشْقَ على شَرَفِ الإسْلَام عَبد الوَهَّاب بن عَبْد الوَاحِد الحَنْبَلِىّ، ثمّ سَافَرَ إلى بَغْدَادَ، وتَفَقَّهَ بها عِلى أحْمَد الحَرْبِيّ، وقرأ على الشَّيْخ عَبْد القَادِر بن صالح الجِيْلىّ، وسَمِعَ الحَدِيْثَ بدِمشْق من أبي القَاسِم نَصْر بن أحْمَد بن مُقَاتِل بن مَطَّكُوْد السُّوْسِيّ، وببَغْدَاد منِ أبي مَنْصُور أَنُوشْتِكِيْن الرِّضْوَانِيّ، والشَّريف النَّقِيْب أبي جَعْفَر أحْمَد بن مُحَمَّد المَكِّيّ العبَّاسيّ، وأَبي العبَّاس أحْمَد بن بَخْتِيار المَنْدَائِيّ الوَاسِطِيّ، وأبي الفَضْل مُحَمَّد بن عُمَر الأرْمَوِيّ.
روى لنا عنهُ أبو الحَجَّاجِ يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد الله الدِّمَشقيّ، وأبو
(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
توفي سنة 605 هـ وقيل في التي تليها، ترجمته في: ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 2: 531 - 532، التكملة للمنذري 2: 176 - 177، ابن سعيد الأندلسي: الغصون اليانعة 147 - 149، سير أعلام النبلاء 21: 436 - 437، تاريخ الإسلام 13: 129 (وفاته 606 هـ)، الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي 249 (سنة 606 هـ)، العبر في خبر مَن غبر 3: 141 (أرخ وفاته سنة 606 هـ)، ابن طولون: القلائد الجوهرية 2: 421، الوافي بالوفيات 9: 44، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 163 (أرخ وفاته سنة 641 هـ)، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2: 49 - 51، (وفيه: ويسمى محمد)، العيني: عقد الجمان (القسم الخاص بعصر سلاطين المماليك) 1: 225 - 226 (أرخ وفاته سنة 657 هـ)، 2: 114، النجوم الزاهرة 6: 199 (أرخ وفاته سنة 606 هـ)، النعيمي: الدارس في تاريخ المدارس 2: 89 - 90، شذرات الذهب 7: 36، معجم المؤلفين لكحالة 2:249.
المحَامِد (a) إسْمَاعِيْل بن حَامِد بن عبد الرَّحْمن القُوصِيّ.
ولمَّا عادَ إلى دِمَشْق، بَنَي له تاجرٌ مَدْرَسَةً بدِمَشْقَ ووَقَفها عليه
(1)
، وتولَّى القَضَاءَ والخَطَابَة بحَرَّاَن يَوْم الأرْبَعَاء ثامن وعشرين من شَهْر رَجَب من سَنَة سَبْعٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة.
وأخْبَرَني ولده أبو الخَطَّابِ عُمَرُ بن أسْعَد أنَّهُ دَخَلَ حَلَب، حَرَسَها اللهُ. وكان شَاعِرًا.
أخْبَرَنا أبو الحجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد الله الدِّمَشقيّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ بحَلَب (b)، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو المَعَالِي أسعَدُ بن أبي المُنَجَّا بن أبي البَرَكَات بن المُؤَمَّل المَعَرِّيّ التَّنُوخِيّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ بدِمَشْق، قيل له: أخْبَركم أبو القَاسِم نَصْر بن أحْمَد بن مُقَاتِل بن مَطَّكُوْد السُّوْسِيّ، قِراءَةً عليه وأنت تَسْمَعُ، فأقَرَّ بهِ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَمَّد بن عليّ الفَقِيه، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الَرَّحْمن بن عُثْمان بن القَاسِم، قال: أخْبَرَنا إبْراهِيم بن مُحَمَّد بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن بَكْر، قال: حَدَّثَنَا دَاوُد بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بن فَضَالَة، عن الحَسَن، عن أنسَ بنِ مالِك
(2)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: مثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ كمثَلِ نهرٍ جارٍ على
(a) الأصل: أبو حامد، ولم ترد فيما كني به، انظر ترجمته في هذا الجزء.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
ذكر النعيمي هذه المدرسة وترجم لابن المنجا الذي أُنشئت المدرسة من أجله، واسم التاجر الذي استحدثها هو الحسن بن مسمار الهلالي الحوراني (ت 546 هـ)، وعرفت المدرسة باسم صاحبها:"المدرسة المسماريّة"، وتقع قبلي محلَّة القيمريَّة الكبرى داخل دمشق. الدارس في تاريخ المدارس 2: 89، وورد اسم التاجر في تاريخ ابن عساكر 13: 393: الحسن بن مستماد، وهو تصحيف بيِّن، وسماه الذهبي في تاريخه 13: 129: الشيخ مسمار.
(2)
أخرجه الأصفهاني: حلية الأولياء 2: 344 من طريق قتادة عن أنس، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2: 162 (رقم 7645 - 7654) من طرق مختلفة، ورواه مسلم في صحيحه 1: 463 (رقم 668) وأبو يعلى الموصلي في مسنده 3: 445 - 446 (رقم 1941) من طريق أبي سفيان عن جابر بن عبد الله، والطبراني في الكبير 8: 192 (رقم 7684) عن أبي أمامة.
بابِ الرَّجُل يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فماذا بَقي من دَرَنهِ.
أخْبَرَنا أبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد بن عبد الرَّحْمن القُوصِيّ، بقِرَاءَتى عليه بدِمَشْق، قال: أَخْبَرَنا وَجيْهُ الدِيّن أبو المَعَالِىِ أَسْعَد بن المنُجَّا القَاضِي، قال: أخبَرَنا أبو القَاسِم السُّوْسِيَّ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا إبْراهيم بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن أبي ثَابِت، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن بَكْر، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيّ، عن الزُّهْرِيّ، عن عبد الرَّحْمن بن حَرْب (a) بن مالك، عن أَبِيهِ، قال
(1)
: جاءَ مُلَاعِبُ الأسِنَّةِ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بهَدِيَّةٍ، فعَرَضَ عليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الإسْلَامَ فأبَى أنْ يُسْلِم، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فإنِّي لا أقْبلُ هَدِيّةَ مُشْرِك.
قَرَأتُ في تاريخ أبي المَحَاسن بن سَلامَة بن خلَيفَة بن غُرَيْر (b) - أهْداهُ إلِىَّ الخَطِيبُ أبو مُحَمَّد عَبْد الغَنِيّ بن مَحَمَّد بن تَيْمِيِّة بخَطِّه، وقال لي: نَقَلْتُهُ من خَطِّ مؤلِّفه: أنْشَدَني عُثْمان بن عُمَر بن علىّ الشَّيَّاح، قال: أنْشَدَ (c) القَاضِي الإمَام وَجيْهُ الدِّين أسْعَدُ بن المُنَجَّا لنَفْسِه
(2)
: [من الوافر]
أراشَ نِبَالَ مُقْلَتِه فأَصْمَى
…
غَزَالٌ فاتِن (d) اللَّحظات أَلْمَى
يُعَلِّلنى بسَوْفَ وهَلْ وحتَّى
…
وقَدْ وعَسَى ولَيْتَ وأَوْ (e) ولَمَّا
فأُوْسِعُه على التَّقْبيح (f) حَمدًا
…
ويُوسعُنِي على الإحْسان ذَمَّا
(a) كذا في الأصل، وفي إسناد الحديث في المصادر التالية التي أوردته: كعب.
(b) ب: عزير.
(c) ب: أنشدني.
(d) الغصون اليانعة: فاتر.
(e) الغصون اليانعة: التفسيح.
(f) الغصون اليانعة: ولا.
_________
(1)
البغوي: شرح السنة 6: 107 - 108 (رقم 1612)، والطبراني: المعجم الكبير 19: 70 (رقم 138)، والبيهقي: دلائل النبوة 3: 343.
(2)
الأبيات في الغصون اليانعة 147.
قَرأتُ بخَطِّ شَيْخنا نَاصِحِ الدِّين عبد الرَّحْمن بن نَجْم بن عَبد الوَهَّاب بن الحَنْبَلي في كتاب الاسْتِسْعَادِ بمَن لقيتُ من صَالِحيِ العِبَاد (a) في البِلَادِ؛ من تأليفه: الشَّيْخُ أسْعَد بن المُنَجَّا الفَقِيهُ الحَنْبَلِيّ، يُدْعَى وجِيْهُ الدِّين، كان رحَل إلى بَغْدَاد، وقَرأ على الفَقِيهِ أحْمَد الحَرْبيّ الحَنْبَلِيّ كتابَ الهِدَايَة وكتَب خَطَّهُ له بذلك، وعاد إلى دِمَشْق، وكان رأى الشَّيْخَ شَرَف الإسْلَام جَدِّي وانْتَمى إليه، وطلَبَ الفَقِيهُ حَامِدُ بن حَجَر شَيْخُ حَرَّان قَاضِيًا لحَرَّان (b) من نُور الدِّين -ونُور الدِّين يَوْمئذٍ صاحب دمَشْقَ- فأشَارُوا به، فسُيِّر إلى حَرَّان قَاضِيًا (c)، فأقام مُدَّةً، ثمّ رجع إلى دِمَشْق فأقَام مُدَّةً (d)، ثُمّ رجَع إلى حَرَّان قَاضِيًا. مَرَرْتُ عليه عَوْدي من أصْبَهَان سَنَة إحْدَى وثَمانين، وتأخَّرَ مَوْتُهُ.
قَرَأتُ في تاريخ حَرَّان لأبي المَحَاسِن بن سَلامَة بن غُرَيْر: وكانَ مَوْلِدُهُ -يعني أسْعَدَ بن المُنَجَّا- بدِمَشْق سنَة عِشْرين وخَمْسِمائَة، وماتَ بدِمَشْق سَنَة خَمْسٍ وسِتّمائة، وخَطَبَ على مِنْبَر حَرَّان؛ سَمِعْتُه يخْطُب ويَدْعو للإمام المُسْتَضِيء [بالله](e) رضي الله عنه.
صَنَّفَ كِتَابَ النِّهايَة في شَرْح الهِدَايَة؛ عِشْرِينَ مُجَلَّدًّا، جَمَعَ فيه المَذَاهِبَ وأدِلَّتها، واخْتَصَرَ كتاب الهِدَايَةِ
(1)
، وكان له شِعْر حسَنٌ.
أخْبَرَنا أبو المَحَامِد إسْمَاعِيْلُ بن حَامِد القُوصِيُّ في مُعْجَم شُيُوخه، بعد أنْ ذَكَر أَسْعَدَ بن المُنَجَّا، وذَكَرَ الحَدِيْث الّذي سُقْناهُ عنه، وقال: وشَيْخُنا هذا القَاضِي وَجِيْه
(a) تقدَّم لابن العديم ضبطها بالضم والتشديد على وزن رُمَّان، وجودها هنا بالتخفيف. ولم يجوده ابن رجب في نقله عنه وذكره له. انظر ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2:199.
(b) ب: بحران.
(c) قوله: "فأشاروا به فسير إلى حران قاضيًا" ساقط من ب.
(d) قوله: "ثم رجع إلى دمشق فأقام مدة" ساقط من ب.
(e) إضافة من ب.
_________
(1)
ذكر حاجي خليفة شرحه على الهداية المسمى بالنهاية، ولم يذكر له المختصر. كشف الظنون 2:2031.
الدِّين، رحمه الله، كان إمَامًا فَاضِلًا في مَذْهَب الإمَام أحْمَد بن حَنْبَل، ووَلِيَ القَضَاءَ بمَدِينَة حَرَّان، فحُمِدَت سيْرَتُهُ في الماضي والحالِ والمُسْتَقْبلِ. ومَوْلدهُ في سَنَة عشرين وخَمْسِمائَة، وتُوفِّيَ في شُهُور سَنة ستٍّ وسِتّمائة بدِمَشْق، رحْمَةُ الله عليه.
قَرأتُ بخَطِّ رَفيْقنا أبي عليّ الحَسَن بن مُحَمَّد البَكْرِيّ، وذَكَر أنّهُ نقَلَه من خَطِّ أبي الطَّاهِر إسْمَاعِيْل بن عَبْد المحسِن الأنْمَاطِيّ: ماتَ أبو المَعَالِي بن المُنَجَّا التَّنُوخِيَّ قاضي حَرَّان بدِمَشْق بعد أنْ عَمي مُدَّةً [وانْقَطَع في بَيتْه](a)، في يَوْمِ الخَمِيْسِ ثاني عَشْرِيّ [شَهْر رَبِيع الأوَّل] سَنَة ستٍّ وسِتّمائة.
[أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد] عبد العَظِيْم بن عَبْد القَوِيّ المُنْذِريّ، قال في ذِكْر مَنْ تُوفِّي سَنَة ستٍّ وسِتّمائة في كتاب التَّكْمِلَة لوَفَيَات النَّقَلَة
(1)
: وفي الثَّاني والعشرين من شَهْر رَبيع الأَوَّل تُوفِّي القَاضِي الفَقِيه أبو المَعَالِي أَسْعَدُ بن المُنَجَّا بن بَرَكات بن المُؤَمَّلِ التَّنُوخِيّ، الدِّمَشقيِّ، الحَنْبَلِيّ، بدِمشْق، بعد أنْ كُفَّ بَصَرُه، ومَوْلدُه سَنَةَ تسْعَ عشرة وخَمْسِمائَة. تَفَقَّهَ ببَغْدَاد على مَذْهَب الإمَامِ أحْمَد بن حَنْبَل رضي الله عنه مُدَّة، وحصَّل طرفًا من مَعْرفَة المَذْهَب، وسَمِعَ بها من أبي مَنْصُور أَنُوشْتِكِيْن بن عَبْد الله الرِّضْوَانِيّ، والقَاضِيَيْن أبي الفَضْل مُحَمَّد بن عُمَر الأُرْمَوِيّ، وأبي العبَّاس [أحْمَد] بن بَخْتِيار المَانْدَائِيّ
(2)
، والشَّريف النَّقيْب أبي جَعْفَر أحْمَد بن مُحَمَّد العبَّاسيّ، وسَمِعَ بدِمَشْق من أبي القَاسِمِ نَصْر [بن أَحْمَد] بن مُقَاتِل السُّوْسِيّ، وحَدَّثَ بدِمَشْق، سَمعْتُ منه بها، وكان ولي القَضَاء بحَرَّان، ويقال فيه: ابن أبي المُنَجَّا.
(a) ما بين الحاصرتين هنا وتاليه وقع طمسه في الأصل، والمثبت من ب.
_________
(1)
التكملة لوفيات النقلة 2: 176.
(2)
تقدمت نسبته: المَنْدَائيّ، وهو قول فيه.
أَسْعَدُ بن يَحْيَى بن مُوسَى بن مَنْصُور بن عَبْد العَزِيْز بن وَهْب بن هِبَّان السُّلَمِيُّ، أبو المَعَالِي، المَعْرُوف بالبَهَاءَ السِّنْجَارِيُّ
(1)
فقيهٌ شَاعِرٌ، جَيِّد الشِّعْر؛ رَقِيقهُ، كَيِّس الأخْلَاق، حَسَن المَنْظر، وُلد بسِنْجَار، واشْتَغلَ بالفِقْه ببَغْدَاد على أبي القَاسِم بن فَضْلَان، وأبي القَاسِم المُجير البَغْدَاديَّيْن، وبالمَوْصِل على القَاضِي فَخْر الدِّين أبي الرِّضَا بن الشَّهْرَزُورِيّ، والحُسَين بن نَصْر بن خَمِيْس، وسَمِعَ الحَدِيْثَ من أبي الفَرَج عَبْد القَاهِر بن نَصْر بن أسَد بن عَبْسُونَ بسنْجَار. ثمّ اشْتَهَر بالشِّعْر، وسَلك غير مَسْلك الفُقَهَاءِ، وتزيَّا بغير زيِّهم.
واتَّصَل بِخدْمَة تَقِيّ الدِّين عُمَر (a) بن شَاهَان شَاه بن أيُّوبَ في أيَّام عمّه المَلِك النَّاصِر صَلاح الدِّين يُوسُف بن أَيُّوب ومَدَحَهُما وغيرهما من القُضَاةِ والأكَابِر، ثمّ اتَّصَل بالمَلِك الصَّالِح [مَحمُود بن مُحمَّد بن قرا أرسَلَان](b) صاحب آمِدَ ونادمَهُ ومَدَحَهُ، ثمّ اتَّصَلَ بخِدْمَة المَلِك المَنْصُورِ مُحَمَّد بن عُمَرِ بن شَاهَان شَاه صَاحب حَمَاة، وأقام عندَهُ بها شَاعِرًا ونَدِيْمًا، وسيَّرهُ من حَمَاة رَسُولًا إلى المَلِك الظَّاهِر غَازِي إلى حَلَبَ رَسُولًا.
(a) ب: تقي الدين بن عمر.
(b) ما بين الحاصرتين بياض في الأصل وب قدر ثلاث كلمات، وانظر عن الملك الصالح صاحب آمد (ت 617 هـ): النجوم الزاهرة 6: 250.
_________
(1)
توفي سنة 623 هـ وقيل في التي بعدها، وترجمته في: خريدة القصر (قسم الشام) 12: 401 - 403، والسيل، مخطوط ورقة 86 أ وفيه: أسعد بن يحيى بن موسى السنجاري، ومعجم البلدان (سنجار) ابن اللمش: تاريخ دنيسر 160 - 163، وعقود الجمان لابن الشعار 1: 379 - 388، وفيات الأعيان 1: 214 - 217، وتاريخ الإسلام 13: 700 - 701، سير أعلام النبلاء 22: 302 - 303، الوافي بالوفيات 9: 32 - 34، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 8: 129 - 130، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 122، الأسنوي: طبقات الشافعية 2: 66 - 67، العيني: عقد الجمان 4: 128 - 129، 188 - 189، وشذرات الذهب 7: 182، الزركلي: الأعلام 1: 302.
واجْتَمَعْتُ به بحَمَاة في سَنَة تِسْعٍ وسِتّمائة بحَضْرَة والدي، رحمه الله، وأنْشَدَني عدَّة مَقَاطِيْعَ من شِعْره، وكتَبَها لي في جُزءٍ بخَطِّه، ثم ورَدَ إلينا إلى حَلَبَ في سَنَةِ إحْدى عَشرةَ وسِتّمائة مُنْفَصلًا ومَدَحَ بها المَلِك الظَّاهِر، وأقام بها مُدَّةً، وتَوَجَّه إلى مَارِدين، وتَوَلَّى قَضَاءَ دُنَيْسَر، ئُمَّ توجَّه إلى سِنْجَار فتُوفِّي بها.
وسُئِلَ عن مَوْلدِه فقال: في حَادِي عَشر جُمَادَى الأُوْلى سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثين وخمسِمائَة بسِنْجَار.
أنْشَدَني بَهَاء الدِّين أسْعَد بن يَحْيَى السِّنْجَارِيّ بحَمَاة في شَهْر رَمَضَان من سَنَة تِسْعٍ وسِتّمائة في الغَزَل لنَفْسِه: [من الكامل]
عَلِقُ الفُؤَادِ دُمُوعُهُ عَلَقُ
…
أبدًا على خَدّيهِ تَسْتَبقُ
قَلِقُ الضَّمير تَكَادُ أضْلُعُهُ
…
من لَوْعَةِ التَّفْريق تَفْتَرقُ
وَاهِي (a) القُوَى أَوْهَى تجَلُّدَهُ
…
قمرٌ لسَيْفِ اللَّحظُ مُمْتَشِقُ
حُلْوٌ تَناسَبَ في ملَاحَتِهِ
…
فالنَّاسُ في أوْصَافِهِ نَسَقُ
عَاتَبْتُهُ يَوْمًا وقُلْتُ لهُ:
…
عطْفًا فكَلَّلَ وَجْهَهُ العَرَقُ
فَحَسِبْتُهُ شَمْسًا وقد طلَعَتْ
…
فيها النُّجُومُ أظَلَّها الغَسَقُ
عَجَبًا لنارٍ فَوْقَ وَجْنَتِهِ
…
أبَدًا بماءِ الخَدِّ تَأتَلِقُ
والنَّارُ ضِدُّ الماءِ كيفَ تُرَى
…
جُمِعَا وهذا كيفَ يَتَّفِقُ
عَابُوهُ لمَّا لَاحَ عَارِضُهُ
…
حَسَدًا وقالُوا فيه لا رُزِقُوا
غَفَلُوا عن المَعْنَى (b) أمَا عَلِمُوا
…
أنَّ الغُصُونَ يَزِيْنُها الوَرقُ
لله لَيْلَةُ باتَ مُعْتَنِقِي
…
ويَدَي بفَضْل الصُّدْغ تعْتَلِقُ
(a) ب: داهي.
(b) ب: غلفوا عن المغنى.
أخْشَى منَ الأنْفَاسِ تُحْرِقُهُ
…
فأَكفُّ أنْفَاسِي فأَحْتَرِقُ
ومَتَى هَمَمْتُ بلَثْم وَجْنَتِهِ
…
سَلَّتْ عليَّ سُيُوفَهَا الحَدَقُ
وحَدَّثَني أسْعَدُ بن يَحْيَى، قال
(1)
: كان صاحبُ آمِد يَهْوَى قَيْنَة، فقال لها يومًا وهو سَكْران: قد سَلَوْتُك، فعَلَّقتْ يَدَها في طَوْقه وقالت مُتَمثِّلةً:[من البسيط]
لتَقْرعَنَّ عليَّ السِّنَّ من نَدَمٍ
…
إذا تذَكَّرتَ يَوْمًا بعضَ أخْلَاقي
فوَقَعَ في قَلْبهِ من ذلك شيءٌ عظيم، فدَخَلْتُ عليه، فأخْبَرَني بالقِصَّةِ، فقلتُ ارْتِجَالًا، وضمَّن البَيْتَ المتمثَّل بهِ:[من البسيط]
أدرْ كؤوِسَكَ عنِّي أيُّها السَّاقي
…
وارفُقْ عليَّ فهذا وقْتُ إرْفَاقِ
أمَا تَرَى سَوْرَةَ الصَّهْبَاءَ قد سَلَبَتْ
…
عَقْلي وقد أسْكَرتني خَمْرُ أشْوَاقي
نارُ الغَرَام وَمَاءُ الدَّمْع قد جُمِعَا
…
فاعجَبْ له بينَ إحْراق (a) وإغْرَاقِ
لم يُبْق مني هَوَى ليْلَى سِوَى رَمَقٍ
…
وفي الزُّجَاجةِ باقٍ يَطْلبُ البَاقي
قالت وقَد قلتُ في سُكْرٍ أُمَازِحُها:
…
سلَوْتُ عنكِ فمدّتني بأطْوَاقي (b)
لتَقْرعَنَّ عليَّ السِّنَّ من ندَمِ
…
إذا تذكْرْتَ يَوْمًا بعض أخْلَاقِي
وعُدْتُ مُعْتَذرًا مَمَّا جنَيْتُ وقد
…
قامَتْ وقد قامَتِ الدُّنْيا على سَاق
هكذا أنْشَدَنيْهِ: لم يُبْق منِّي هَوَى لَيْلى، وكنَّى بلَيْلَى عن أَيْشِي وهو اسْمُ القَيْنَة.
وأنْشَدَني البَهَاء السِّنْجَارِيّ لنفسِه من قَصِيدَة: [من الطويل]
أقَامَ وما دُوْنَ العُذَيْب مَقَامُ
…
وَلِيْمَ فما أجْدَى عليهِ مَلَامُ
وظَنَّ النَّوَى يَشْفِي الفُؤَادَ من الجَوَى
…
وهَيْهاتَ أنْ تشْفِي السَّقَام سَقَامُ
(a) ابن الشعار: إعراق.
(b) ابن الشعار: بإطراق.
_________
(1)
نقل ابن الشعار هذه الحكاية من كتاب ابن العديم عند اجتماعه به بمنزله بحلب في العشر الأول من ربيع الآخر سنة 634 هـ، انظر: قلائد الجمان 1: 384.
أيا عَذَباتِ البان مِن أيْمَن الحَمى
…
سَلَامٌ وهل يُغْني السَّليمَ سَلَامُ
أحِنُّ إلى ذَاكَ الأُثَيْل (a) تشَوُّقًا
…
ودُونَ التَّدَانِي بَرْزَخٌ وإكاَمُ
وأقلَقُ إنْ ناحَ الحَمَامُ كأنَّما
…
بقَلْبيَ مِن نوْح الحَمَامِ حِمَامُ
ومنها:
إذا لم أفُزْ منكُم بوَعْد ولم يكُن
…
لِطَيْفِكُمُ وَهْنًا علَيَّ لِمَامُ
فلا هَبَّ خَفَّاق النُّسِيم غُدَيَّةً
…
ولا ضُربَتْ بالأبرقَيْن (b) خِيَامُ
وحَدَّثَني قال: كَتَبَ إليَّ ابن التَّابلَان -وكان بعضَ الكُتَّاب بحَلَب حرَسَهَا اللهُ- كُتُبًا لم أجِبْه عنها، فكَتَب يُعَاتِبُني، فكَتَبْتَ إليهِ:[من الكامل]
وردَتْ مُبَرّزهً على أقْرَانها
…
يدْعُو لسَانَ الشُّكْر عَذْبُ لِسَانِها
فودَدْتُ أنَّ الطِّرْسَ أبْيَضُ مُقْلَتي
…
والنِّقْس (c) حينَ تُخَطّ من إنسَانِها
ونشَرْتُ نَشْرَ الرَّوْض حين نَشَرتُها
…
وأجَلْتُ طِرْفَ الطَّرف في مَيْدَانِها
ودَخَلْتُ جنَّةَ عبْقَرٍ من حُسْنِها
…
يا حبَّذا ما كان من رِضْوَانِها
ورأيتُ أبْكَارَ المَعَانِي حُورَهَا
…
وفَصَاحَةَ البلَغاءَ من وُلْدَانِها
وخمائلًا بالدُّرِّ أثْمَرَ عُوْدُها
…
يبدُو عليها ذاكَ من أفْنَانِها
وبَعُدْتُ عن لَثْمي أكُفَّ مُجيْدها
…
فَمَحَوْتُ بالتَّقْبِيل وَشْي بَنَانِها
فلو اجْتَلَى عَبْدُ الرَّحيمِ جَمَالَها
…
لأقَرَّ أنَّكَ عَنْدَلِيْبُ زَمَانِها
لم يَأْتِنا فُصَحَاءُ مِصْر بمثْلها
…
شَرُفَت بها حَلَبٌ على بيْسَانِها
يريدُ بعَبد الرَّحيم القَاضِي الفَاضِل ابن البَيْسَانِيّ.
(a) ب: العذيب.
(b) ب: بالأقين.
(c) ب: والنفس.
وأنشدَني أسْعدُ بن يَحْيَى السِّنْجَارِيّ لنَفْسِه عُذْرًا عن الخضَاب
(1)
: [من الوافر]
وَلَاح (a) لامَنِي لمَّا رآني
…
أُسَوِّدُ لَوْنَ شَيْبي بالخضَابِ
فقُلتُ لَهُ: جَهلْتَ مكانَ قَصْدِي
…
وذا حُزْنٌ على عَصْر (b) الشَّبَابِ
وأنْشَدَني لنَفْسِه من أبيات
(2)
: [من البسيط]
مَنْ مُنْصِفي من مَلُولٍ لَجَّ في الطَّلَب (c)
…
يَظَلُّ يَلعَبُ والأشْوَاقُ تلْعَبُ بي
مُسْتَعْرب من بني الأتْرَاك ما تركَتْ
…
أيَّامُ جَفْوته في العَيْشِ (d) من أَرَب
مُنَايَ من لذَّة الدُّنْيا بأجْمَعها
…
تَقْبِيلُ دُرَّيِّ ذاكَ المَبْسِم الشِّنِبِ
ومنها:
للهِ لَيْلَتُنَا والكأسُ دَائرةٌ على
…
النَّدَامى ووَجْهُ البَدْر (e) لم يَغِبِ
بِكْرٌ إذا قُرِعَتْ بالماءِ أوْلَدَهَا (f)
…
بِكْرَ السُّرُور فيا فَخْرَا ابنَةِ العِنَبِ
كَادَتْ تَطِيرُ وقد طِرْنا بها فَرَحًا (g)
…
لولا الشِّبَاكُ الّتي صيْغَتْ من الحَبَبِ
تَخالُها بيَدِ (h) السَّاقي وقد مُزِجَتْ
…
مَنْثُورَ دُرٍّ طَفَا في مَائع الذَّهَبِ
قال لي (i) لمَّا أنْشَدَني هذه الأبْيَات عند قَوْله: كادَتْ تَطِير
…
البَيْت: هذا معنىً مُبْتَكر لم أُسْبَق إليهِ.
وقال لي أبو الفَتْح النَّقَّاش الحَلَبِيُّ بعد ذلك: هذا البَيْتُ أخذَهُ بعينهِ من بَعْض المَغارِبَةِ لَفْظًا ومعنىً.
قال لي عليُّ بنُ إِدْرِيس الحِمْصِيُّ الشَّاعر: تُوفِّي البَهَاء السِّنْجَارِيّ في شَهْر رَبِيع
(a) ابن الشعار: وخلّ.
(b) ابن الشعار: فقد.
(c) الخريدة: من ظلوم لج في الغضب، القلائد: في الغضب.
(d) الخريدة: العمر.
(e) الخريدة: وبدر التَّمّ.
(f) ابن الشعار: ولَّدها.
(g) ابن الشعار: طربًا.
(h) ب: في يد.
(i) ساقطة من ب.
_________
(1)
البيتان في قلائد الجمان 1: 386.
(2)
الأبيات في خريدة القصر 12: 401 - 402، وقلائد الجمان 1:383.
الآخر سَنَة ثَلاثٍ وعشرين وسِتّمائة. ثمّ قَرَأتُ في تاريخ عليّ بن أنْجَب البَغْدَاديّ، المَعْرُوف بابنِ السَّاعيّ
(1)
: بَلَغَني أنَّ أَسْعَد بن يَحْيَى السِّنْجَارِيّ هذا تُوفِّي بسِنْجَار في المحرَّم من سَنَة أرْبع وعشرين وسِتّمائة.
أَسْفَنْدِيَار
أَسْفَنْدِيَار بن المُوَفَّق بن أبي عليّ بن مُحَمَّد بن يَحيَى بن عليّ، أبو الفَضْل البُوْشَنْجيُّ الأصْل، الوَاسِطِيُّ مَوْلدًا
(2)
قَدِمَ حلَبَ، وسَمِعَ بها أبا سَعْد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن أبي عُصْرُون، وقَرأ القُرْآن بوجُوه القِرَاءَات، ودَرَس الوَعْظَ (a) على أبِي المَجْد عليّ بن المُبارَك الوَاسِطِيّ سِبْط ابن رشَادَةَ، وصَحِبَ الشَّيْخَ صَدَقَة في وَزِير الوَاسِطِيّ الزَّاهِد، وتكلَّم في الوَعْظ، ووَعظ النَّاسَ، وقَرأ الأدَبَ ببَغْدَادَ على أبي مُحَمَّد عَبْد الله بن أحْمَد ابن أحْمَد بن (b) الخَشَّاب، وبعده على أبِي البَرَكَات عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد الأنْبارِيّ النَّحْوِيّ، وسَمِعَ بها أبا الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي بن (c) البطِّيّ، ومُحَمَّد بن مَحْمُود بن حَمُّود، وقاضِي القُضَاة أبا طَالِب رَوْح بن أحْمَد الحَدِيْثِيّ قاضي بَغْدَاد، وأبا المَعَالِي عُمَرِ بن بُنَيْمان الهَمَذَانيّ المُسْتَعمل. ورَوَى عن أبي طَالِب الحَدِيْثِيّ، وأبي عِمْران مُوسى بن يَحْيَى الحَصْكَفِيّ.
(a) ب: الواعظ.
(b) ساقطة من ب.
(c) ساقطة من ب.
_________
(1)
لم يتضمنه القسم المتبقي من الكتاب (تحقيق محمد القدحات، عمَّان 2009 م).
(2)
توفي سنة 625 هـ، وترجمته في: ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 2: 559 - 561، المنذري: التكملة 3: 219، ابن الفوطي: مجمع الآداب 1: 432، اليونيني: ذيل مرآة الزمان 3: 277 - 279، معرفة القراء الكبار 3: 1214 - 1215، تاريخ الإسلام 13: 793 - 794، طبقات القراء 2: 976 - 977، المختصر المحتاج إليه 1: 253 - 254، الوافي بالوفيات 9: 47 - 48، لسان الميزان 1: 387، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 160.
رَوَى عنهُ أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن سَعيد الدُّبَيْثِيّ (a) الوَاسِطِيّ، وذَكَره في ذَيْله
(1)
الّذي ذَيَّلَ به على المُذيَّل لأبي سَعْد السَّمْعَانيّ.
رَوَى لنا عنْهُ الشَّريفُ أبو عليّ المُظَفَّر بن الفَضْل بن يَحْيَى بن جَعْفَر الحُسَيْنيّ البَغْدَاديّ، وأبو السَّعَادَات المُبارَكُ بن أبي بَكْر بن حَمْدَان المَوْصِلِيّ.
وأخْبَرَني أبو السَّعَادَات أنَّ أَسْفَنْديَار هذا قَدِمَ حلَبَ، وكان صَاحِب فُكَاهاتٍ ومُحَاضَرَاتٍ، وكان غاليًا في التَّشَيُّع، وله شِعْر حَسَنٌ.
قال: وذَكَر لي وَلدهُ أحْمَد بن أَسْفَنْدِيَار أنَّهُ من أوْلادِ عُبَيْد الله بن عُمَر بن الخَطَّاب رضي الله عنه.
قال لي أبو السَّعَادَات: وأخْبَرَني أَسْفَنْديَار أنَّهُ وُلد بوَاسِط سَنَة سَبْعٍ أو ثَمانٍ وثَلاثين وخَمْسِمائَة مُنْتَصَف رَجَب، وقيل إنَّ له ستِّين مُصَنَّفًا.
أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد (b) بن سَعيد الدُّبَيْثِيّ
(2)
في كِتَابِهِ إليْنَا من بَغْدَاد، قال: قَرَأتُ على أبي الفَضْلِ أَسْفَنْدِيَار بن المُوَفَّق، قلتُ له: أخْبَركُم قاضِي القُضَاة أبو طَالِب رَوح بن أحْمَد بن مُحَمَّد قِراءَةً عليهِ وأنتَ تَسْمَع، فأقَرَّ بهِ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي بن مُجَالِد، قال: حَدَّثنَا أبو القَاسِم عُبيدُ الله بن عليّ بن أبي قِرْبة (c) العِجْلِيّ، قال: حَدَّثنَا أبو الطَّيِّب مُحَّمَّدُ بن الحُسَين التّيْمُلِيّ (d)، قال: حَدَّثنَا عَبْد الله بن زَيْدَان البَجَليّ، قال: حَدَّثَنَا حُسَين بن زَيْد، قال: حَدَّثنا عَائِذُ (e) بن حَبِيْب، عن
(a) يذكره تاليًا: ابن الدبيثي.
(b) ب: أبو عبد الله بن محمد.
(c) في الأصل وب: قرسة، مهملًا والمثبت من كتاب ابن الدبيثي، ولم نجد من ساق اسمه على هذه الوجه، وذكره التفرشي (نقد الرجال 3: 183) باسم: عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي، مولى بني عجل.
(d) ب: الثميلي.
(e) في الأصل وب بالدال المهملة عائد، والمثبت من ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي، وانظر ترجمته في تهذيب الكمال للمزي 14: 95 - 98، الكاشف 2: 59، ميزان الاعتدال 2: 363، تهذيب التهذيب 5: 88، تقريب التهذيب 1:390.
_________
(1)
ابن الدبيثي: ذيل تاريخ بغداد 2: 559 - 561.
(2)
ابن الدبيثي: ذيل تاريخ بغداد 2: 560.
صالح، عن مُحَمَّد بن كَعْب القُرَظِيّ، عن ابن عبَّاس
(1)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: أشرفُ المَجَالِس ما اسْتُقْبِلَ بها القِبْلَة (a).
أنْشَدَنا أبو عليّ المُظَفَّر بن الفَضْل بن يَحْيَى بن جَعْفَر الحُسَيْنيّ بحَلَبَ، قال: أنْشَدَنا أَسْفَنْدِيَار بن المُوَفَّق الوَاعِظ ببَغْدَاد، قال: أنْشَدَني أبو عِمْران مُوسَى بن أبي الفَضْل يَحْيَى الحَصْكَفيّ بمَيَّافَارقِين لوالده أبي الفَضْل المذكُور في كُتَّاب آمِد من جُمْلَةِ قَصِيدَة: [من السريع]
قد مَلأوا الدنيا بألقابهِمْ
…
ونَافَسُوا فيها السَّلَاطيْنَا
توَزَّعُوا الدَّوْلَةَ والمُلْكَ وِالـ
…
حَضْرةَ والإسْلَامَ والدِّيْنَا
شَادُوا بأقْلَامِهِمُ دُوْرَهُمْ
…
وأخْرَبُوا فيها الدَّوَاويْنَا
عَفَّوا وما عَفُّوا بأقْدامِهِم (b)
…
مَسَاكِنًا تَحْوي المَسَاكِيْنا
غرَّتْهُم الدُّنْيا بأنْ أظْهَرِتْ
…
عن غلْظةِ تُظْهِرُها لِيْنَا
والدَّهْرُ كم جرَّعَ في مَرِّهِ
…
مُرًّا وحَيْنًا سَاقَهُ حِيْنَا
يا أَنْفُسًا ذلَّتْ بإتيانِهمْ
…
وَيْكِ أتأتِين الأتاتِيْنَا
وكان يُجْدي القَصْد لو أنَّهمْ
…
يدرُونَ شيئًا أو يُدِرُّونا
لا تُغْبني الفَضْلَ باطْراءِ مَنْ
…
تَرينَ فيهِ الهَجْوَ مَغْبُونا
لو رُمْتَ شيئًا دونَ أقْدَارهِم
…
لهَجْوِهِم لم تَجِدِ الدُّوْنَا
أنْشَدَني أبو السَّعَادَات المَوْصِلِيّ، قال: أنْشَدَني أَسْفَنْدِيَار لنَفْسِه
(2)
: [من الطويل]
قد كنتُ مُغْرىً بالزَّمان وأهْلهِ
…
ولم أَدْر أنَّ الدَّهْرَ بالغَدْرِ دَائلُ
_________
(a) ابن الدبيثي: ما استقبل به الصلاة.
(b) ب: بأقلامهم.
_________
(1)
مسند ابن حميد 225 - 226 (رقم 675)، القضاعي: مسند الشهاب 2: 123 - 124 (رقم 1020)، المستدرك للحاكم 4:270.
(2)
الأبيات في ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 2: 560 - 561، وذيل مرآة الزمان لليونيني 3: 277 - 278.
أرَى كُلَّ مَنْ طارحْتُه الوُدَّ صَاحِبًا
…
ولكنَّهُ مَعْ دَوْلَةِ الدَّهْر مَائلُ
ورُبَّ أُنَاسٍ كنْتُ أمحَضُ (a) وُدَّهم
…
وما نالني منهم سِوَى المَذْقِ طَائلُ
تَعَاطَوْا وَلَائي ثمّ حَالُوا سَآمةً
…
وحَالُ بني الأيَّام لا شَكَّ حَائلُ
وأَعْدَمُ شيءٍ سامَهُ المرءُ دَهْرَهُ
…
حَبيبٌ مُصَافٍ أو خَلِيلٌ مُوَاصِلُ
أسَادتَنا قد كنْتُ أحْظَى بأُنْسِكم
…
وأجْني ثَمار العَيْشِ والدَّهْرُ غَافِلُ
وما خِلْتُ أنَّ البَيْنَ يصْدَعُ شَمْلَنا
…
ولا أنَّني عنكُم مَدَى الدَّهْرِ رَاحِلُ
وتاللهِ ما فَارقتُكُم عن مَلَالةٍ
…
ولكِنْ نَبَتْ بي بالمقَامِ المَنَازِلُ
قطَعْتُ الفلَا (b) عنهُنَّ حتَّى أَضَعْنَني
…
فأَقْفَرْنَ عن مثْلِي وهُنَّ أوَاهِلُ
وإنِّي إذا لم يَعْلُ جَدّي ببلْدَةٍ
…
هَدَتْني إلىِ أُخرى السُّرَى والعَوَامِلُ
إذا الحُرُّ لم يَظْمَأْ لوِرْدٍ مُكَدَّرٍ
…
فلابُدَّ يوْمًا أنْ تَرُوقَ المَنَاهِلُ
سَيَعْلَم قَوْمي قَدْرَ ما بانَ عنهُمُ
…
وتَذكرُني إنْ عشْتُ تلك المَعَاقِلُ
قال لي أبو السَّعَادَات: وأنْشَدَني أَسْفَنْدِيَار لنَفْسِه
(1)
: [من الرجز]
الدَّهْرُ بَحرٌ والزَّمانُ سَاحِلُ
…
والنَّاسُ رَكْبٌ راحِلٌ ونَازلُ
كأنَّهُمْ سيَّارةٌ في مَهْمَه
…
مكَارهُ الدَّهْر لهم مَنَاهِلُ
أنْبَانَا أبو عَبْد الله بن الدُّبَيْثِيّ
(2)
، قال: أَسْفَنْديَار بن المُوَفَّق بن أبي عليّ البُوْشَنْجيُّ (c) الأصْل، الوَاسِطِيُّ المَوْلد، البَغْدَاديّ الدَّار، أبو الفَضْل الكَاتِب الوَاعِظ، قرأ القُرْآن المَجِيْد بوَاسِط بالقِرَاءَاتِ الكَثِيْرة على جَمَاعَةٍ منهم أبو الفَتْح المُبارَك (d) بن أحْمَد بن زُرَيْق (c) الحَدَّاد، ثمّ قَدِمَ بَغْدَاد واسْتَوْطَنها، وصَحِبَ الشَّيْخ
(a) الدبيثي: ألحظ.
(b) الدبيثي: القلى.
(c) الأصل وب: البوسنجي.
(d) ب: أبو الفتح بن المبارك.
(e) الأصل: رزين، والمثبت من ابن الدبيثي (مصدر النقل)، ويأتي صحيحًا في آخر الترجمة، وانظر: قلائد الجمان لابن الشعار 3: 176، 4:262.
_________
(1)
البيتان في ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 2: 561، وذيل مرآة الزمان لليونيني 3:278.
(2)
ابن الدبيثي: ذيل تاريخ بغداد 2: 559.
صَدَقَة بن وَزِير، وسَمِعَ معه بها من جَمَاعَةٍ منهم: أبو الفَتْح مُحمَّد بن عَبْد البَاقِي بن سَلْمَان، وأبو المَعَالِي عُمَر بن بُنَيْمان، وأبو الأزْهَر مُحَمَّد بن مَحْمُود بن حَمُّود، وقاضِي القُضَاة أبو طَالِب رَوْح بن أحْمَد الحَدِيْثِيّ وغيرهم، وتكلَّم في الوَعْظ مُدَّةً (a)، وتولَّى كتابةَ دِيْوَان الإنْشَاءَ في مُحَرِّم سَنَة أرْبَعٍ وثَمانين وخَمْسمائة، وصُرف عنه في شَهْر رَمَضَان من السَّنَة المَذْكُورة، وكان وَافر الفَضْل، حَسَن الخَطّ، مَلِيْحَ العِبَارَة، جَيِّد التَّرَسُّلِ، يقُول الشِّعْر الجَيِّد، ويُنْشئ الفُصُول الحَسَنة. سَمِعْنا منه.
قال لي أبو السَّعَادَات بن حَمْدَان: تُوفِّي أَسْفَنْدِيَار ببَغْدَاد في اللَّيْلَة الّتي صَبِيْحَتُها يَوْم الخَمِيْس تاسع رَبيع الأوَّل سَنَة خَمْسٍ وعشرين وسِتّمائة.
وسَألتُ حَفِيْدَهُ عليّ بن عليّ بن أَسْفَنْدِيَار عن وَفَاةِ جَدِّه، فقال: تُوفِّي ببَغْدَادَ بالرِّباطِ العَتِيق المَعْرُوف بالقيسَاريَّة في ذِي الحِجَّة من سَنَة أرْبَعٍ وعشرين وسِتّمائة، ودُفِنَ بمَشْهَد عُبَيْدِ الله.
والصَّحيِحُ هو الأوَّل، وقد أنْبَأنَا الحافِظُ أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْم بن عَبْد القَوِيّ، قال في ذِكْر منْ ماتَ سَنَة خَمْسٍ وعشرين وسِتِمائة في كتاب التَّكْمِلَة لوَفَيَات النَّقَلَة
(1)
: وفي لَيْلَةِ التَّاسِعِ من شَهْر رَبيع الأوَّل تُوفِّي الشَّيْخُ الأجَلُّ الفَاضِلُ أبَو الفَضْل أَسْفَنْديَار بن مُوفَّق بن أبي (b) عليّ البُوْشَنْجيُّ الأصْل، الوَاسِطِيُّ المَوْلد، البَغْدَاديّ الدَّار (c)، المُقْرِئُ، الوَاعِظُ، الكَاتِبُ، ببَغْدَاد، ودُفِنَ من الغَدِ بمَشْهَد عُبَيْدِ الله.
قَرأ القُرْآنَ الكَريمَ بوَاسِطَ على جَمَاعَة منهم: أبو الفَتْح المُبارَك بن أحْمَد بن زُرَيْق الحَدَّاد، وقرأ الوَعْظ على أبي المَجْد عليّ بن المُبارَك، وسَمِعَ ببَغْدَاد من أبي
(a) ابن الدبيثي: مرة.
(b) ساقطة من ب.
(c) لم ترد في نشرة كتاب التكملة.
_________
(1)
التكملة لوفيات النقلة 3: 219.
الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي بن أحمد، وأبي المَعَالِي عُمَر بن بُنَيْمان، وأبي الأزْهَر مُحَمَّد بن مَحْمُود بن حَمُّود، وقاضِي القُضَاة أبي طَالِب روْح بن أحْمَد الحَدِيْثيّ (a)، وغيرهم.
وحدَّثَ وتكلَّم في الوَعْظ مُدَّةً، وكان وَافرَ الفَضْلِ، مَلِيْحَ العِبَارَة (b)، حَسَنَ الخَطّ، وله شِعْرٌ جَيِّدٌ، وتَرسُّلٌ جَيِّد، ومَوْلدُه في رَجب سَنَة ثَمانٍ وثَلاثين وخَمْسِمائَة.
(a) المنذري: الحَدِيني، وعند ابن الدبيثي 2: 599 ما يوافق المثبت.
(b) ب: العبادة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
الإسْكَنْدَرُ المَلِكُ ذو القَرْنَيْن ابن فلغيُوس - وقيل: فليْقُوس - ابن الإسْكَنْدَر المَقَدُونِيّ اليُونَانِيّ
(1)
وقيل
(2)
: الإسْكَنْدَرُ بن فِلِيفُوس المَقَدُونِيّ (a).
وقال بعضُهم إنّهُ رُوميّ، وأنَّهُ ابن دَارَا بن بَهْمَنَ المَلكِ ابنِ أَسْفَنْدباذَ الشَّدِيدِ بن نَشْتَاسب المَلِك.
وقال بعضُهم: هو من الرُّوم واسْمه فيلفُوس بن مصْرَيْم بن هِرْمِس بن هَرْديس (b) بن ميطُون بن رُومي بن ليطي (c) بن يُوْنَان بن يَافِث بن ثوبه (d) بن
(a) في الأصل: المقذوني، بالذال المعجمة.
(b) ب: هردير، مروج الذهب: هَردوش، الطبري وابن عساكر وابن الجوزي: هردس.
(c) في الأصل وب بإهمال المثناة التحتية الأولى. والإعجام من الحميري: خلاصة السير 103، وتاريخ الطبري 1: 577، وعند المسعودي: مروج الذهب: لبط، وعند ابن عبد البر: القصد والأمم 29: لنطي، وابن عساكر: أنطي، وابن الجوزي: يلظي.
(d) في الأصل بإهمال أوله وبالياء عوض الباء، والمثبت من الحميري: خلاصة السير 103، وتاريخ الطبري 1: 577، وفي المروج وكتاب القصد والأمم 29: نوح، وابن عساكر: نونه، ابن الجوزي: توبة.
_________
(1)
ترجمته في: الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري 4، 19، 26 - 34، 39، المعارف لابن قتيبة 54، الطبري 1: 576 - 579 (وانظر فهرس الأعلام 10: 179)، وأخباره كثيرة عند المسعودي: مروج الذهب 1: 72، 114، 116، 275 - 276، 2: 7 - 31 و (انظر فهرس الأعلام 6: 148)، والتنبيه والإشراف 93 - 98، 201 - 221، تاريخ ابن عساكر 17: 330 - 360، ابن الجوزي: المنتظم 1: 424 - 428، ابن الأثير: الكامل 1: 65، 116، 165، 280 - 296 و (انظره في مواضع أخرى من التاريخ يرشد إليها فهرس الأعلام 13: 27)، تاريخ ابن الوردي 1: 62 - 64.
(2)
انظر اختلاف الآراء في اسم ونسب الإسكندر في تاريخ الطبري 1: 577، ومروج الذهب للمسعودي 2: 8 - 9، وتاريخ ابن عساكر 17:330.
سرجُون (a) بن رُومية بن بريط (b) بن تُوفِيْل (c) بن رُومي بن الأصْفَر بن اليفن بن العِيْص بن إسْحاق بن إبْراهيم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وقيل: اسْمُه مَرْزَبَّا بن مرْدَفَه اليُونَانِيّ، من ولد يَوْنَن بن يَافِث بن نُوح عليه السلام.
وقيل: هو ابن مكنُوس بن مطرنُوس (d).
وقيل: اسْمُه هِرْمس - وقيل: هرديس - بن قَيطُون بن رُومي بن ليطي (e) بن كسُلُوخس.
وقيل: اسْمه الصَّعْب بن القَرير (f) ذي يَرْعُوْش (g) بن همُان، واللهُ أعْلَمُ.
تأدَّب بأَرُسْطُوطَالِيْس، وكان مُعلِّمَهُ. وإنَّما سُمِّي ذو القَرْنَيْن لأنَّهُ بلغَ المَشْرِقَ والمَغْربَ، وهو الّذي غَزَا دَارا بن دارا بن بهْمَن بن أسْفَندباد (h) بن نَشْتَاسف، وقيل إنَّهُ اجْتاز بحَلَبَ وفي صُحْبَتِه أَرُسْطَاطَالِسُ الحَكِيمُ، وقد ذَكَرنا ذلك فيما تقدَّم عن أَرُسْطُو في هذا الكتاب
(1)
، وكان اجْتيَازه لقِتَال دَارَا، وقيل إنَّهُ هو الّذي بن مَدِينَة مَلَطْيَة، ويُقال إنَّ قبرَهُ بقَرْيَةٍ من بَلَدِ كَفَرْ طَاب من عَمَل حَلَب يقال لها شَحْشَحَبُو (i)، وهو ظَاهِر عندَهم يَتَداولُ الخَلفُ عن السَّلَف ذلك، ويُقالُ إنَّهُ
(a) في الأصل وب بالحاء المهملة، ومثله في تاريخ الطبري 1: 577 ومروج الذهب وتاريخ ابن عساكر والمنتظم لابن الجوزي، والمثبت من الحميري: خلاصة السير الجامعة 103، ويأتي فيما بعد على الوجه المثبت.
(b) في الأصل بإهمال المثناة التحتية الأولى، والمثبت من ب، وعند الطبري في تاريخه 1: 577: زنط، والحميري: خلاصة السير الجامعة 103: نرنط، والمروج: بربط، وابن عساكر: ثرنط، ابن الجوزي: يرثط.
(c) تاريخ الطبري 1: 577: توقيل، مروج الذهب: نوفيل.
(d) تاريخ الطبري 1: 577: مطريوس.
(e) في الأصل بإهمال المثناة التحتية الأولى، والمثبت من ب، وتقدم التعليق على وجه الإعجام.
(f) في الأصل بإهمال الحروف جميعها، والإعجام من ب.
(g) ب: رغوس، مهملة الأول، وعند الحميري: خلاصة السير 105: ذا رياش.
(h) كذا في الأصل وب، وتقدَّمت بالذال المعجمة.
(i) كذا قيَّدها في الأصل وب، في هذا الموضع بحائين، وقد تقدمت - وتأتي أيضًا - برسم: شحشبو.
_________
(1)
في الجزء الثالث قبله.
تُوفِّي بهذا المكان، وأنَّهُ أُخْرجت أمعَاؤُه وجميع ما في بَطْنه، فدُفِنَ في هذه القَرْيَة، ونُقِلَت جُثَّته في تَابُوِت إلى أُمِّه إلى الإسْكَنْدَرِيَّة (a)، وَسَنَذْكُر هَا هُنا شَيئًا من أمْره، ثمّ نَذْكر في حرْف الذَّال
(1)
، في ذي القَرْنيْن، نُبْذة من حَدِيثه، لأنَّ الله تعالَى سمَّاهُ في كتابهِ العزيز ذا القَرْنَيْن، في قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا}
(2)
إلى آخر الآيات الّتي ضَمَّها الله تعالى ذِكْرَهُ، ونَذْكر هذه القِصَّة في مَوضِعها
(3)
إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُرجَّا بن أبي الحَسَن بن هِبَةِ الله بن غَزَال الوَاسِطِيّ التَّاجِر، قال: أخْبَرَنا أبو طَالب مُحَمَّد بن عليّ بن أحْمَد الكَتَّانِيّ قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عَبْد الله العَجَمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَخْلَد البزَّاز (b)، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن الحَسَن الصِّلْحِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عُثْمان بن سَمْعَان الحافِظ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن أسْلَم بن سَهْل بن أسْلَم الرَّزَّاز، قال: حدَّثنا مُحَمَّد بن وَزِير، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن صالح البِطِّيْخِيّ (c) الوَاسِطِيّ، قال: حَدَّثنا العبَّاسُ بن الفَضْل، عن القَاسِم بن عبد الرَّحْمن، عن مُحَمَّد بن عليّ، قال: كان لذي القَرْنَيْن صَدِيْقُ من المَلائِكَة يقال له زرفيَائِيْل، وكان لا يزالُ يتعَهَّدُهُ بالسَّلام، فقال له ذو القَرْنَيْن: هل تَعْلَوُ شيئًا يَزِيد في طُول العُمر فأزْدَادُ شُكْرًا وعِبادةً؟ فقال: ما لي بذلك من عِلْم، ولكن
(a) ب: ثغر الإسكندرية.
(b) في الأصل وب: البزار، وتقدم ذكره في غير موضع على النحو المثبت.
(c) قيَّده في الأصل بالحاء المهملة، وصوابه الإعجام نسبة إلى البطيخ كما نص عليه السمعاني في الأنساب 2: 360، وانظر ترجمته في تاريخ بغداد 3: 335 - 336.
_________
(1)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
(2)
سورة الكهف، الآيات 83 - 85.
(3)
لم ترد قصة ذي القرنين في غير هذا الموضع، ولعله أدرجها في ترجمته الأخرى التي أحال عليها في حرف الذال: ذو القرنين، وهي في الضائع من أجزاء الكتاب.
سأسْأل عن ذلك في السَّماء، فعَرجَ إلى السَّماءِ فلبثَ مَا شَاء الله أنْ يلبَثَ ثُمَّ هَبَطَ، فقال: إنّي سَألْتُ ممَّا سَألتَني فأُخْبرتُ أنَّ للهِ عَيْنًا في ظُلمْةٍ هي أشَدُّ بياضًا من اللَّبَن وأَحْلَى من الشُّهْد، مَنْ شَرب منها شَرْبةً لم يَمُت حتَّى يكون هو الّذي يَسألُ اللّهَ تعالَى المَوْتَ (a).
أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن أبي الحَسَن التَّاجر، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن مَخْلَد، قال: أخْبَرَنا أبو الحسَن الصِّلْحِيّ، قال: أَخْبَرَنا أبو بَكْر الحافظ، قال: حَدَّثَنَا يُوسُف بن يَعْقُوب، قال: حَدَّثَنَا سَعيد بن مَنْصُور، قال: حَدَّثَنَا هُشَيْم، عن الفَضْل بن عَطِيَّة، عن عَطَاء، عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه أنَّ إبْراهيم صلَّى اللهُ عليه لقي ذَا القَرْنَيْن فصَافحَهُ.
قَراتُ على تَاج الدِّين أبي اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْديّ بداره بدِمَشق، قلت له: أخْبرك الشَّيخ أبو مُحَمَّد عبد الله بن علي بن مُحَمَّد المُقْرِئ، فأقَرَّ بهِ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن الحُسَين بن عَبْد العَزِيْز، قال: أخْبَرَنا أبو الطَّيِّب مُحَمَّد بن أحْمَد بن خَلَف بن خَاقَان، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن دُرَيْد، ح.
قال أبو مَنْصور: وحَدَّثَنَا القَاضِي أبو مُحَمَّد عبد اللهِ بن عليّ بن أيوب، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن الجَرَّاح الخَزَّازُ، واللَّفْظُ له، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن دُرَيْد، قال: وقيل للإسْكَندَر بِمَ نلْتَ هذه المَمْلكة العَظِيمَة على حَدَاثَةِ سنَّك؟ قال: باسْتمالَةِ الأعْدَاء وتَصْييرِهم أصْدِقَاءَ، وبتَعاهُدِ الأصْدِقَاء بالإحْسان إليهم.
وقال ابنُ دُرَيْد: قَصد الإسْكَنْدَرُ مَوضِعًا ليُحاربَ أهلَهُ، فحاربَه النِّسَاءُ،
(a) بقية الصفحة بياض في الأصل، ليس فيها سوى كلمتين، وفي ب بياض قدر نصفها.
فكفَّ عنهُنَّ وعن مُحاربتهنّ، وقال: هذا جَيْشٌ إنْ غَلبْناهُ لم يكُن لنا فيه فَخْر، وإنْ غَلَبننا (a) كانت الفَضِيحةَ آخرَ الدَّهْر.
قال: وقال الإسْكَنْدَرُ: انتفَعْت بأعْدَائي أكثر ممَّا انتَفَعْتُ بِأصْدِقائي؛ لأنَّ أعْدائي كانُوا يُعيِّرونَني بالخَطَأ ويُنبِهونني عليه، وكان أصْدقائى يُزَيِّنُونَ لى الخَطَأ ويُشَجِّعونني عليه.
أخْبَرَنا عَتِيق السَّلَمانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ
(1)
، ح.
وحدَّثنا أبو الحَسَن بن أحْمَد، عن أبي المَعَالِي بن صَابِر، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم النَّسِيب، قال: أخْبَرَنا رَشَاء بن نَظِيف، ح.
وأخْبَرَنا أبو القَاسِم بن سُلَيمان بن بَنِيْن، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ البُوْصِيرِي، وأبو عَبْد الله بن حَمْد (b)، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الفَرَّاء - قال ابنُ حمْد: إجَازَهً - قال: أخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيْز بن الحَسَن، قالا: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مَرْوَان
(2)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُوسَى القَطَّانُ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر الرَّقِّيّ، قال: وَشَى وَاشٍ برَجُل إلى الإسْكَنْدَر، فمَال له: أَتُحبُّ أنْ نَقْبلَ منك فيه ما قلْتَ فيه على أنَّا نقبَلُ منه ما قال فيك؟ فقال: لا، فقال له: فكُفّ عن الشَّرِّ يُكَفُّ الشَّرُّ عنكَ.
قَرَأتُ في كتاب التَّعْرِيْف
(3)
، في ذِكْر اليُونَانِيِّين (c)، وهذا الكتاب تأليف صَاعِد بن أحْمَد بن صَاعِد الأنْدَلُسِيِّ، قال فيه: منهم الإسْكَنْدَرُ بن فيْلفُوس (d)
(a) ب: غلبنا.
(b) ب: أبو عبد الله حمد، وهو أبو عبد الله محمد بن حَمْد بن حامد الأرْتاحيّ.
(c) الأصل: اليونانين، والمثبت من ب.
(d) صاعد: فيلبس.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 17: 343.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 197.
(3)
صاعد: طبقات الأمم 31.
المَقَدُونِيُّ، المَعْرُوفُ بذي القَرْنَيْن الّذي غَزَا دَارا بن دارَا مَلِكَ الفُرْس في عُقْرِ دَاره، فَثَلَّ عَرْشَهُ، ومزَّق مُلْكه، وفرَّق جَمْعَهُ، ثمّ تخَطَّاهُ قَاصِدًا إلى مُلُوك المَشْرِق من الهِنْد، والتُّرْكِ، والصِّيْنِ، فتغلَّبَ على بَعْضِهم، وانْقادَ له جميعُهم، وتلقَّوه بالهَدَايا الفَخْمَة، واسْتَكَفُّوه بالأتَاواتِ الجَزْلَة، ولم يزل مُتَردِّدًا في أقاصِي الهِنْد، وتُخُوم الصِّيْن، وسَائرِ أكْنافِ المَشْرِق (a)، حتَّى أجْمعَ (b) مُلُوكُ الأرْضِ طرًّا على الطَّاعَة (c) لسُلْطَانه، والخضُوع لعزَّتهِ، والإقْرار بأنَّهُ مَلِكُ الأقَاليْم، والاعْتراف بأنّهُ رَئيس الأرْض.
وقَرأتُ بخَطِّ عَبْد السَّلام بن الحُسَين البَصْرِيّ المَعْرُوف بالوَاجْكَا من كتاب في ذِكْر فَضَائِلِ الفُرْس، وأنْسَابِ حُكَمائهم لم يُسَمّ مُؤَلِّفه، ولعلَّه من تأليفه، قال فيهِ: وقيل إنَّ رَجُلَين من أصْحَاب دَارَا من أهْل هَمَذَان طعنا دَارَا من خلْفه في الحرب، ثمّ هَرَبا إلى الإسْكَنْدَر فأخْبَراهُ، فقَتَلَهُما بقَتْلهما دَارَا، وصلَبَهُما لأنْ لا يُجْتَرَأَ على المُلُوك
(1)
.
قال: ثُمّ مَلَك الإسْكَنْدَر الرُّوميِّ، وقد قال بعضُ الفُرْس إنَّهُ ابنُ دَارَا بن بَهْمَن المَلِك بن أَسْفَنْدبَاذ الشَّدِيد بن نَشْتَاسب المَلِك، والفُرْس تُسَمِّيه الإسْكَنْدَر.
قال مؤلِّف الكتاب: ولكنَّ الثَّبتَ عندنا أنَّ ذا القَرْنَيْن الإسْكَنْدَر كان من الرُّوم، وأنَّهُ فيْلفُوس بن مصْريم بن هِرْمس بن هردس (d) بن ميطُون بن رُومِي بن ليطي بن يُوْنَان بن يَافِث بن ثوبه (ح) بن سرجُون بن رومية بن بريط (f) بن تُوفِيْل بن رُوْمِي بن الأصْفَر بن اليفَن بن العِيْص بن إسْحاقَ بن إبْراهيم النَّبِيّ عليه السلام.
(a) صاعد: المشارق.
(b) صاعدا: اجتمع.
(c) قوله: "على الطاعة" ساقط من ب.
(d) كذا في الأصل وب.
(e) في الأصل بإهمال أوله، وبالياء عوض الباء: لويه.
(f) مهملة في الأصل، والمثبت من ب.
_________
(1)
قارن بتاريخ الطبري 1: 474 - 475، 577.
قال: وكان الإسْكَنْدَرُ مُؤْمنًا، فبَلَغنا أنَّه لَم يَزَل يقتُلُ المُلُوكَ وأبناءَهُم والأشْرَافَ حتَّى دخَل بَابِل، فرأىَ أجْسَامَ أهل السَّوَاد وعقُولَهم، فكتَبَ إلى أُمِّه وإلى مُؤَدِّبهِ أرُسْطَاطِيلس (a) يُخْبرهمُا أنّهُ رَأى قَوْمًا لم يُرَ مثلهُم، فكتَبا إليهِ: إنَّ مثل هؤلاء لا يقتَل، ولكن كُفَّ عنهم، ومزِّق مُلْكَهم، فبلغَنا أنَّ الإسْكَنْدَر مَلَّكَ على السَّوَادِ ثَمانين مَلِكًا، وكذلك صنع بسَائر البِلَاد، وجعَل على مُلُوكِ السَّواد جَمِيعًا رجُلًا، وجَعَل على الجِبَال رَجُلًا، وعلى الرُّوم رَجُلًا، وعلى المَشْرِق رَجُلًا.
قال: وبلَغنا أنَّ الإسْكَنْدَر كان جَوَّالًا في البِلاد لا دار له إلَّا أنّه لمَّا قتَلَ دَارَا المَلِكَ تزوَّج روسْتَك (b) ابنَتَهُ، وجلَسَ على سَريه ببَابِلَ، وهَدَم حُصُونَ الفُرْس ومُدنَهم وبيُوتَ النِّيْرَان، وأحْرَقَ دَوَاوين دَارَا، وقَتَل الهرَابِذَة، وأحْرَقَ كُتُب المجوسِيَّة.
قال: وبَني الإسْكَنْدَرُ مَلَطْيَةَ، وماتَ الإسْكَنْدَرُ ببَابِل، فطُلِيَتْ جُثَّتُهُ بعَسَلٍ، وحُمِلَ إلى الإسْكَنْدَرِيَّةِ في تَابُوتِ ذَهَب فدُفِنَ، وإنَّما طُلِي بالعَسَل لأنْ لا يُنْتِن، وكان مُلكه أرْبَعَ عَشْرةَ سَنَةً، ولم يُعْقِب.
قال: وبَني الإسْكَنْدَرُ الرُّوميُّ المَلِكُ مَدِينَةَ سَمَرْقندَ، ومَدِينَةَ هَرَاةَ، ومَدِينَةَ مَرْوٍ، والإسْكَنْدَرِيَّةَ الّتِي بمِصْرَ، وسرنْدِيْب الّتي على سَاحِل البَحْر، ومَدِينَة لروسْتَك امْرأته بناهَا ببَابِل، وبن ببَابِل (c) أيضًا مَدِينَة أخْرى، وبَن جَيّ مَدِينَة أصْبَهَان على تمْثالِ حَيَّةٍ، ومَدِينَة مَلَطْيَة وهي بأرض اليُونَانيِّيْن، وبني مَدِينَتَين بأرْض اليُونَانَيِّيْن، ومَدينَتَيْن في مَوضعٍ، ولا نعْلَم أنَّ أحدًا من مُلُوك الطَّوَائف بني شيئًا.
وقَرَأتُ في كتاب تَوَارِيْخ الأُمَم، تأليف أبي عَبْد اللّهِ حَمْزَة بن الحَسَن
(a) كذا قيَّده في هذا الموضع في الأصل وب.
(b) في الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري 33 وتاريخ الطبري 1: 575، ومروج الذهب للمسعودي 2: 12: روشنك.
(c) ب: بابل.
الأصْبَهَانِيّ
(1)
، وذَكَر دَارَا بن دَارَا، فقال: في زَمان مُلْكِه تحرَّك بأرْض المَغْربِ الإسْكَنْدَر، وكانت لمُلُوكِ الفُرْس أتَاوة على مَنْ بالمَغْرب من القِبْط، والبَرْبَر، ومنْ بالشَّمَال من الرُّوم والسَّقْلب (a)، ومَنْ بِالشَّام وفِلَسْطين من الجَرَامقَة والجَرَاجم (b)، فلمَّا اسْتَوْلَى الإسْكَنْدَر على المُلْك، ووَرَدَ عليه من قِبَل دَارَا مَنْ يتَقَاضَاهُ الأتاوة، قال: قولُوا له: إنَّ الدَّجَاجةَ الّتي كانت إلى الآن تَبِيْضُ قد انقطَعَتْ عن البَيْضِ، فصار ذلك سَبَبًا لالْتِحام الشَّرّ بين دَارا والإسْكَنْدَر حتَّى قُتِلَ فيه دَارَا، وبَني - يعْني دَارَا - فَوْق نَصِيبِيْن مَدِينَة باسْمِه، وسمَّاها دَاران، وقد بقيَتْ إلى الآن وهي تُسمَّى دَارا (c).
وقال
(2)
: لمَّا فرَغ الإسْكَنْدَرُ من قتل دَارَا، واسْتَولَى على بلادِ فارس، أسَاءَ السِّيْرَةَ، وأسْرَف في هراقَة الدِّماء، واجْتَمع في مُعْسَكره (d) من وجُوهِ الفُرْس وأشرَافها سَبْعةُ آلاف أسير مُقَرَّنين في الأصْفَادِ، يدعُو بهم (e) كُلّ يَوْمٍ، وَيقتُل منهم واحدًا وعشْرين أسِيْرًا، حتَّى بلغَ كَاشْغَر فأقامَ بها زُمَيِّنًا (f)، ثمّ قَفَل رَاجِعًا نحو بَابِل، فلمَّا بلغَ قُوْمِسَ مَرِضَ بها، وتَمادَتْ به (g) علَّتُه في طَريقه، فمات قَبْل أنْ يَصِل إلى بَابِل، وقد كان جَعَلَها تَلَّ تُرَاب.
قال
(3)
: وفيما (h) ولَّدَهُ القُصَّاصُ من الأخْبار أنَّهُ فَي بأرْض إِيْرَانشَهْر (i) اثْنَتي عَشْرةَ مَدِينَةً سمَّاها كلّها الإسْكَنْدَرِيَّة، واحدةً بأصْبَهَان، وواحدةً بهَرَاة، وواحدةً بمَرْو، وواحدةً بسَمَرْقند، وواحدةً بالصُّغْد، وواحدةً ببَابِل، وواحدة بَمْيسَان، وأرْبَعًا
(a) كذا في الأصل وب، وفي نشرة كتاب الأصبهاني بالصاد: الصقلب.
(b) الأصبهاني: الجراجمة.
(c) الأصبهاني: داريا.
(d) الأصبهاني: عسكره.
(e) الأصبهاني: يدعونهم.
(f) كذا في الأصل وب مجودًا، وعند الأصبهاني: زمانًا.
(g) ساقطة من كتاب الأصبهاني.
(h) ب: وقيما!.
(i) الأصبهاني: بأرض إيران.
_________
(1)
حمزة الأصبهاني: تاريخ سني ملوك الأرض 39.
(2)
الأصبهاني: تاريخ سني ملوك الأرض 39 - 40.
(3)
الأصبهاني: تاريخ سني ملوك الأرض 40.
بالسَّوَادِ. وليس للحَدِيْث أصْلٌ، لأنَّ الرَّجُل كان (a) مُخَرِّبًا ليس بنَّاءً.
وقال
(1)
: لمَّا فرَغ الإسْكَنْدَرُ من قَتْلِ الأشرَافِ وذوي الأقْدَارِ من الفُرْس، واسْتَولَى على تَخْريبِ المُدن والحُصُون، ووصَلَ إلى ما أراد، كَتَب إلى أَرُسْطَاطَالِيْس: إنِّي وَتَرْتُ جميعَ مَنْ بالمَشْرِق بقَتْلي مُلُوكَهم، وتَخْرِيبي معَاقلَهُم وحُصُونَهُم، وقد خَشِيْتُ أنْ يتَضَافَروا (b) من بَعْدي على قَصْدِ بلادِ المَغْرب، فهَمَمْتُ أنْ أتتَبَّع أوْلَادَ مَنْ قَتلْتُ من المُلُوك فأجْمَعَهُم وأُلْحقَهم بآبائهم، فما الرَّأيُ قِبَلَكَ؟ نَخَبَ إليهِ: إنَّك إنْ قَتَلْتَ أبناءَ المُلُوك أفْضَى (c) المُلْكُ إلى السِّفَلِ والأنذَالِ، والسِّفَلُ إذا مَلكُوا قَدَرُوا، وإذا قَدَرُوا طَغَوا وبَغَوا وظَلَوا واعْتَدَوا، وما يُخْشَى من معرَّتهم أفْظَعُ، والرَّأيُ أنْ تَجْمعَ أبناءَ المُلُوك فتُمَلِّك كُلّ واحدٍ منهم بَلَدًا واحِدًا، وكُورَةً (d) واحدةً من البُلْدان، فإنَّ كُلّ واحدٍ منهم يُشَاحُّ الآخرَ على ما في يَده، فيتوَلَّدُ (e) من أجْلِهِ العَدَاوَةُ والبَغْضَاءُ بينهم، فيقَعُ لهم من الشُّغْلِ بأنْفُسِهم ما لا يتفرَّغُونَ عنهُ إلى مَنْ نَأى عنهم من أهل المَغْرب. فعندها قسم الإسْكَنْدَر بلاد المَشْرِق على مُلُوك الطَّوَائف، ونَقَل عن بُلْدانهم عِلْمَ النُّجُوم والطِّبّ والفَلْسَفَة والحرَاثَة إلى بُلْدان المَغْرب، بعد أنْ حوَّلَها إلى اليُونانيَّةِ والقِبْطيَّةِ.
فلمَّا هَلَك الإسْكَنْدَرُ، وحَصَلَت البِلادُ في أيْدي الطَّوَائف، رَفَعُوا الحَرْبَ والتَّجاذُبَ عمَّا (f) بينهم، فكان الواحدُ منهم (g) إنَّما يَغلبُ الآخر بالمَسَائِلِ العَويصَةِ، ففي أيَّامِهم وُضعَتِ الكُتُبُ الّتي هي في أيْدي النَّاس مثلُ: كتابِ مَرْوَكَ، وكتابِ
(a) الأصبهاني: لأنه كان.
(b) الأصبهاني: "يتظافروا". وهى مما يقال بالوجهين، بالضاد والظاء.
(c) ب: أقضى، الأصبهاني: انتقل.
(d) الأصبهاني: أو كورة.
(e) ب: فسأكد، مهملة النقط.
(f) الأصبهاني: فيما.
(g) ساقطة من ب.
_________
(1)
الأصبهاني: تاريخ سني ملوك الأرض 40 - 42
سِنْدبَاذَ (a)، وكتابِ برسنيفاسَ (b)، وكتابِ شنماسَ (c)، وما أشْبَهَهَا (d) من الكُتُب الَّتي بَلَغَ عَدَدُها قَريبًا من سَبْعِين كتَابًا.
فبَقُوا على هذا المِنْهَاج إلى أنْ مَلك منهم نيّفٌ وعشرون نَفرًا، خرَج في عدادهم مَنْ سَمَتْ به هِمَّتُه إلى الغَزْو، وكان عددُ أولئك الطَّوَائف تسعين مَلكًا، فكانوا كُلّهم يُعَظِّمُونَ مَنْ يمَلكُ العِرَاق، ويَنْزل طَيْسَفُون، وهى المَدَائِن، وكان إذا كاتبهم يبدأُ بنَفْسهِ.
وقال حَمْزَة الأصْبَهَانِيّ
(1)
: قَرَاتُ في كتاب مُصَنَّفٍ في أخْبَارِ اليُونَانيِّيْن، قد نسُبَ نقْلُه إلى حَبِيْبِ بن بهْرِيز (e) مِطْرَان المَوْصِل، أنَّ اليُونَانِيِّيْن كانوا يُؤرِّخُون في القَديم من وَقْتِ (f) خُرُوج يُوْنَان بن تُورس (g) عن أرضِ بَابِل إلى جانب المَغْرب، فبقُوا على هذا التَّأريْخ إلى أنْ ظَهَر الإسْكَنْدَر وغلَب المُلُوكَ، فذهَبَتْ يُوْنَان (h) وصَاروا حُشْوَةً (i) في الرُّوم. وكان سَبَبُ ظهُور الإسْكَنْدَر على المُلُوك أنَّهُ لمَّا مَضَى من مَوْلده ستُّ سِنين، خَرَج من بَلَدِه، ورَكب البَحْرَ، وفَتَح الجَزَائر، إلى أنْ بلغَ أرْضَ إفْرَنْجَة في أقْصَى المَغْرب، ثمّ رجَعَ من وجْهته تلكَ على طَريقِ إفْرِيقِيَّة مُنْحَطًّا على أرْض مِصْر، ومنها على (j) أرْض الشَّام، فقدَّر أنَّهُ لَم
(a) كذا في الأصل بالذال المعجمة في آخره، وفي ب والأصبهاني والنديم (الفهرست 1/ 2: 515): سندباد، وذكر النديم أن مَن اعتنى بنقل هذه الكتب وترجمتها من الفارسية هو أبَان اللاحقيّ (ت نحو 200 هـ)، فترجم كليلة ودمنة، وكتاب بلوهر وبوداسف، وكتاب مزدك، وكتاب الصيام والاعتكاف، وكتاب مَرْوَك. انظر: الفهرست 1/ 2: 369، 515.
(b) مهملة في الأصل، وعند الأصبهاني: برسناس.
(c) الأصبهاني: شيماس.
(d) ب: أشبههما.
(e) مهملة في الأصل وب، وفي كتاب الأصفهاني: بهربز، والإعجام والضبط من كتاب الفهرست للنديم 2/ 1:146.
(f) ب: من تاريخ.
(g) ب: نورس.
(h) ب: اليونان.
(i) الأصل وب: حسوة، وصوابه المثبت، والحُشْوة: الذين يدخلون في قوم وليسوا منهم. الزبيدي: تاج العروس، مادة: دخل.
(j) الأصبهاني: إلى.
_________
(1)
الأصبهاني: تاريخ سني ملوك الأرض 80 - 82.
يَعْمل عَمَلًا، وسَمَت به (a) هِمَّتُه إلى جَانِب المَشْرِق (b)، وطَمعَ في الظَّفَر بمَمْلَكَةِ (c) الفُرْس، فلمَّا (d) قَرُب منها اتَّفَق له قتْل مَلِكها بوثُوب بعض حُمَاةِ ظَهْره عليه، فاسْتَولَى على مَمْلَكَة الفُرْس (e)، ثمّ تَجَرَّأ منها على قَصْدِ ما وراءها من أرْض الهِنْد، وأقاصِي المَشْرِق، فظَفر بالمواضع الّتي صَار إِليها، ثمّ رَجَعَ منها عائدًا إلى مَدِينَة بَابِل (f) العَتِيقة على (g) أنْ يُعيدها إلى العِمَارَة بعدما خرَّبها، وكانت في زَمان عمرانها (h) مَنْزِل مُلُوك الكَلْدَانيِّيْن، فلمَّا قَرُب منها ماتَ بسمّ سقَوْهُ إيَّاهُ وله اثْنَتان وثلاثُونَ سنةً فحَسْب، وقد كان في حياته تقدَّم إلى أهْل زمانهِ أنْ يُؤرِّخُوا بسني مُلْكه ويجعَلُوا ابتداءَهَا من أوَّل سَنَة سَبِع وعشرين من سِنيّ عُمره، ومنه كانوا يُؤرِّخُونَ كُتُبَهم، ثمّ أرَّخُوها بعد وفاته بسَنة ستٍّ من سِنيّ الإسْكَنْدَر وذلك من ابتْداءِ حرَكَته.
وقَرَأتُ في جمُوع عَتِيق بخَطِّ بعضِ الأُدَبَاءِ خَبَرَ وَفَاةِ الإسْكَنْدَر مُخْتصَرًا، قال فيهِ: لمَّا اعْتَلَّ العِلَّة الّتي أَيِسَ فيها من نَفْسِه كتبَ إلى وَالدتهِ: اصْنعَي صَنِيْعًا وادْعِي إليه مَنْ لم تُصِبْهُ مُصِيْبَةٌ، فلمَّا وصَل الكتابُ بذلك إليها قالت: لقد عزَّاني الإسْكَنْدَرُ عن نَفْسهِ.
ولمَّا مَضَى لسَبيله رثَاهُ النَّاسُ؛ فممَّا قالت الفَلَاسِفَةُ: قال أحَدُهُم: حرَّكَنا الإسْكَنْدَرُ بسُكُونه.
وقال أَرُسْطُوطَالِيْس: صدرَ عنَّا الإسْكَنْدَرُ نَاطِقًا، وقَدِمَ علينا صَامتًا.
وقال آخرُ: خَرَجنا إلى الدُّنْيا جَاهِلين، وأقمنا فيها غَافِلين، ونخرُج منها كارهيْنَ.
(a) ساقطة من ب وكتاب الأصبهاني.
(b) ب، الشرق.
(c) الأصبهاني: وطمع بالظفر بملك.
(d) في الأصل: فكما.
(e) من قوله: فلما قرب
…
إلى هنا ساقط من ب.
(f) ساقطة من كتاب الأصبهاني.
(g) الأصبهاني: إلى.
(h) ب: عمارتها.
وقال ميلَاطُوس: أيُّها السَّاعي المُعْتَصِبُ
(1)
، جَمَعْتَ ما خَانكَ عند الاحْتجاج، وتركَكَ عند الاحْتِياج، فلا قَرَابَةَ يزُورُكَ، ولا وَزِيرٌ يُنْقذُكَ.
وقال فِيْلِيْمُونَ (a): هذا يَوْمٌ عظيمٌ أقْبلَ من شَرِّه ما كان مُدْبرًا، وأدْبَر (b) من خَيْره ما كان مُقْبِلًا، فَمن كان باكيًا على زَوَالِ مُلْكه فليَبْكِ.
وحُمِلَ في تَابُوت من ذَهَب، فلمَّا رآهُ بعضُ الفَلَاسِفَةِ، قال: جَمَعْتَهُ حيًّا وجَمَعَكَ مَيْتًا. وقيل: إنَّ الّذي قال هذا أُمُّه.
وقال آخر ما أزْهَدَ النَّاسَ فيك، وأرْغَبهم فيما أنْتَ فيهِ. ودُفِنَ بحِمْص رحمه الله.
قُلتُ: وهذا يُوكِّدُ ما يتعَارفُه أهْلُ بِلَادِنا أنَّهُ مَقْبُور بشَحْشَبُو، قَرْيَةٌ من بَلَد كَفَرْ طَاب، لأنَّ كَفَرْ طَاب وحَلَبَ وناحيتها كانت مُضافَة إلى حِمْص من قديم الزَّمان إلى أنْ عَزَل يَزِيدُ بن مُعاوِيَة قِنَّسْرِيْن وعَمَلها وجَعَلهُ جُنْدًا على حدَة، وأفْرَده عن حِمْص (c). وقيل: إنَّ الّذي فَعَل ذلك مُعاوِيَة أبوه
(2)
، واللهُ أعْلَمُ.
ذِكْر مَن اسْمُهُ أسْلَمُ
أسْلَمُ بِن حَرْبِ بن سُفْيان بن سَهْم بن مَالِك بن عَدِيّ بن الأَسْود بن جُشَم بن سَامَة بن لُؤَي بن غَالِب الجُشَمِيُّ
كان بحَلَبَ، وله ذِكْرٌ.
(a) ب: قيليمون.
(b) ساقطة من ب.
(c) من قوله: "إلى أن عزل
…
إلى هنا" ساقط من ب.
_________
(1)
المعتصب: المُتوَّج. تاج العروس، مادة: عصب.
(2)
تقدم في الجزء الأول من هذا الكتاب الكلام على شحشبو وما ورد عن دفن الإسكندر فيها.
ذَكَرهُ ابن الكَلْبيّ في نَسَب بني جُشَم بن سَامَةَ
(1)
، فقال: منهم أسْلَمُ بن حَرْب بن سُفْيان بن سَهْم بن مَالِك بن عَدِيّ بن الأسْوَد بن جُشَم بن سَامَة بن لُؤَيّ أبو غَالِب، بحَلَبَ.
أسْلَمُ بن كَرْب الشَّامِيُّ
كان بحَلَبَ، وكان رَجُلًا صَالِحًا مُجابَ الدَّعْوَةِ.
قَرأتُ بخَطِّ أبي الحُسَين بن المُهَذَّب بن مُحَمَّد بن هَمَّام المَعَرِّيّ: وحَدَّثَنَا القَاضِي - يعني أبا سَعيد (a) بن بُلْبُل قاضي المَعَرَّة - قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عُبيد الله الأسَديّ، قال: حَدَّثنا الفُضَيْل بن عُبَيْد اللهِ الهاشِميّ، عن جَدّه عُبَيْدِ الله (b)، قال: وحَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الصَّقْر الشَّامِيِّ، عن أَبِيهِ، كلاهمُا عن أبي النَّضْر، قال: خرَجَ عَبْدُ الله بن مُحَمَّد المنصُور فذكَر حِكايَةً نُوردُها فيما يأتي من هذا الكتاب إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى في تَرْجَمَةِ المُسْتَهل بن الكُمَيْت بن زَيْدٍ
(2)
، وأنَّ المنَصُورَ أمَرَه أنْ يتَقَرَّى مَنَابِرَ الشَّامِ فيَذكُرَ مَنَاقِبَ بني هاشِمٍ وما فضَّلهُم اللهُ بهِ، ومَثَالِبَ بني أُمَيَّة وما كانوا عليه، ففَعَل ذلك، وتقرَّى مَنابِرَ الشَّام مَدِينَةً مَدِينَهً إلى حَلَب، فرقَى مِنْبَرها فذَكَرَ فَضَائِلَ بني هاشِم ومَثَالِبَ بني أُمَيَّة رَجُلًا رجُلًا حتَّى انْتَهى إلى عُمَرَ بن عَبْدِ العَزِيْز، فقال: وإنَّما كان مَثَلُه مثلَ بَغي بني إسْرَائِيل الّتي كانت تَزْني بحَبِّ رُمَّانٍ وتتَصَدَّق بهِ على المَرْضَى، فقام إليه أسْلَمُ بن كَرْب الشَّامِيّ فقال: إنْ كُنتَ كاذبًا فأعْمَى اللهُ بَصَرك، فعَمِي في موضعه، وانْحَدر من المِنْبَر يُقادُ، فكان أسْلَم بن كَرْب يَطْرَحُ التُّرابَ إلى فيْهِ ويقُول: تَبًّا له سُمعَ دُعَاؤُهُ، يزري على نَفْسِه.
(a) ب: سعد.
(b) قوله: "عن جده عبيد الله" ساقط من ب.
_________
(1)
لم أقف عليه في كتابيه نسب معد وجمهرة النسب.
(2)
في الأجزاء الضائعة من الكتاب.
أسْلَمُ، أبو عِمْران الكِنْدِيُّ، مَوْلاهُم
(1)
رَوَى عن عُقْبَة بن عَامِر الجُهَنِيّ، وأبي أَيُّوبَ الأنْصَاريّ صاحبَي رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. رَوَى عنهُ يَزِيد بن أبي حَبِيْب، ودخَل بلادَ الرُّوم غَازِيًا في الجَيْش الّذي كان فيه أبو أَيُّوب الأنْصَاريّ.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْدِ الله الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا ناصر بن مُحَمَّد، ح.
وأخْبَرَنا أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّد الهَرَوِيّ في كتابهِ، قالا: أخْبَرَنا سَعيدُ بن أبي الرَّجَاءَ الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن النُّعْمان، وإبْراهيم بن مَنْصُور سِبْط بَحْرُوَيه، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا أبو يَعْلَى المَوْصِلِيّ، قال: حَدَّثنا عَمْرو بن الضَّحَّاكِ بن مَخْلَد، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: حَدَّثنا حَيْوَةُ بن شُرَيْج، قال: سَمِعْتُ يَزِيد بن أبي حَبِيْب يقُول: حَدَّثَني أسْلَمُ أبو عِمْران مَوْلَى لكِنْدَة، قال: كُنَّا بمَدينَةِ الرُّوم فأخْرجوا إلينا صفًّا عَظيْمًا من الرُّوم، وخرَجَ إليهم مثْلُه أو أكثَر، وعلى أَهل مِصْرَ عُقْبَةُ بن عَامِر صاحبُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فحمَل رَجُل من المُسْلمِيْن على صَفّ الرُّوم حتَّى دخَل فيهم، فصَاح بهِ النَّاسُ وقالوا: سُبْحَانَ اللهِ يُلْقي بيده إلى التَّهْلكُة، فقام أبو أَيُّوبَ الأنْصَاريُّ صاحبُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيُّها النَّاسُ، إنَّكم تُؤوّلونَ هذه الآيةَ على هذا التأويْل، وإنَّما نزَلت (a) هذه الآيةُ فينا مَعاشِرَ الأنْصَار، إنَّما لمَّا أعَزَّ اللهُ الإسْلَامَ
(a) قوله: "وإنما نزلت" ساقط من ب.
_________
(1)
هو أسلم بن يزيد، أبو عمران التجيبي المصري، مولى عمير بن تميم، توفي بعد سنة 90 هـ، وترجمته في: تاريخ البخاري الكبير 2: 24، تهذيب الكمال 2: 528 - 529، تاريخ الإسلام 2: 1056، تهذيب التهذيب 1: 265 - 266، تقريب التهذب 1:64.
وكثَّر نَاصِريهِ، قُلْنا بعضُنا (a) لبعضٍ سرًّا من رسُول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أمْوَالنَا قد ضاعَت، وإنَّ الله قد أعَزَّ الإسْلَامَ وكثَّر نَاصِريه، فلو أقَمنا (b) في أمْوَالنا فأصْلَحنا ما ضَاع منها، فأنزَل اللهُ عز وجل على نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم يردُّ علينا ما قُلنا:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
(1)
، فكانت التَّهلكَة: الإقامةُ في أمْوَالنا وإصْلاحُها وترْكُنا الغَزْو.
قال: وما زال أبو أيُّوبَ شَاخِصًا في سَبِيْل الله حتَّى دُفِنَ بأرض الرُّوم.
أسْلَمُ، أبو رَافِع
(2)
وقيل اسْمه إبْراهيم، مَوْلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَسَنَذْكُره في باب الكُنَى لشُهْرته بأبي رَافعٍ
(3)
وللاخْتِلَاف (c) في اسْمه، شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليٍّ رضي الله عنه.
أسْماءُ
أسْماءُ بن الحَكَم الفَزَارِيُّ
(4)
شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليّ رِضْوَان الله عليه، ورَوَى عنهُ، وحَكَى عن وَقْعَة
(a) في الأصل: بعضًا، وفوقها حرف "صـ"، والتصويب من تاريخ ابن عساكر 16:57.
(b) ب: قمنا.
(c) ب: والإختلاف.
_________
(1)
سورة البقرة، الآية 195.
(2)
توفي قبل سنة 36 هـ، وانظر ترجمته في الكنى (الجزء العاشر)، وفيها الإحالة على مصادر ترجمته.
(3)
في الجزء العاشر (الكنى).
(4)
ترجمته في: كتاب وقعة صفين لابن مزاحم 321، طبقات ابن سعد 6: 225، البخاري: التاريخ الكبير 3: 54، العجلي: تاريخ الثقات 63، الجرح والتعديل 2: 325، الثقات لابن حبان 4: 59، الكامل لابن عدي 1: 420 - 421، المزي: تهذيب الكمال 2: 433 - 536، الكاشف 1: 117، تهذيب التهذيب 1: 267 - 269، تقريب التهذيب 1: 64، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 305.
صِفِّيْن، رَوَى عنهُ زَيْد بن أبي رَجَاء، وعليّ بن رَبِيْعَة الأسَدِيّ.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد البَرّ (a) بن أبي العَلَاء الحافِظ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن نَصْرُ بن المُظَفَّر البَرْمَكِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الإسْمَاعِيْليّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم السَّهْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ الحافِظ
(1)
، قال: أخْبَرَنا الفَضْلُ - هو ابن الحُبَاب - قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّد، قال: حَدَّثَنَا أبو عَوَانَة، عن عُثْمان بن المُغِيرَة الثَّقَفِيّ، ح.
قال: وأخْبَرَنا الفَضْلُ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن بَشَّار (b) الرَّمَادِيّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عن مِسْعَر، عن عُثْمان بن المُغِيرَة، عن عليّ بن رَبِيْعَة، عن أسْماءَ بن الحَكَم الفَزَارِيّ، عن عليّ، قال
(2)
: كُنْتُ إذا سَمِعْت من رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا ينفَعُني اللهُ بما شاءَ أنْ يَنْفعني، حتَّى حَدَّثَني أبو بَكْر، وكان إذا حَدَّثَني عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعضُ أصْحَابهِ اسْتَحْلَفْتُهُ، فإذا حَلَفَ صَدَّقْتُه، وإنَّه حَدَّثَني أبو بَكْر، وصَدَقَ أبو بَكْر، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال (c): ما من عَبْدٍ يُذْنبُ ذَنْبًا ثمّ يتوَضَّأُ ويُصَلِّي رَكْعَتَيْن ثمّ يَسْتَغفِر اللهَ لذلك الذَّنْبَ إلَّا غفَر اللهُ له (d).
قال ابنُ عَديٍّ
(3)
: وهذا الحَدِيْثُ مدَارُهُ على عُثْمان بن المُغِيرَة رَوَاهُ عنهُ غيرُ مَنْ ذَكَرتُ: الثَّوْرِيُّ، وشُعْبَة، وزَائِدَةُ، وإِسْرَائِيل وغيرهم. وقد رُوي عن غير
(a) ب: أبو محمد بن عبد البر.
(b) ابن عدي: ابن يسار.
(c) قوله: "إنه قال" ساقط من ب.
(d) ابن عدي: إلا غُفر له.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 420 - 421.
(2)
ابن حنبل: المسند 1: 46 (رقم 47)، سنن أبي داود 2: 180 (رقم 1521)، مسند أبي يعلى الموصلي 11، النسائي: عمل اليوم والليلة 138 - 139 (رقم 417 - 420)، الطبراني: المعجم الأوسط 1: 348 - 349 (رقم 588)، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 2: 390 (رقم 623).
(3)
ابن عدي: الكامل 1: 421.
عُثْمانَ بن المُغِيرَة، عن عليّ بن رَبِيْعَة.
قال
(1)
: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن أبي دَاوُد، قال: أخْبَرَنا أَيُّوب الوَزَّان، قال: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، قال: حَدَّثَنَا مُعاوِيَةُ بن أبي العبَّاسِ القَيْسيِّ، عن عليّ بن رَبِيْعَة الأسَدِيّ، عن أسْماءَ بن الحَكَم الفَزَارِيّ، قال: قال عليُّ بن أبي طَالِب: كان الرَّجُلُ إذا حَدَّثَني عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم بحديثٍ اسْتَحْلفْتهُ، فإذا حلَفَ لي صَدَّقتُه، وحَدَّثَني أبو بَكْر، وصَدَقَ أبو بَكْر، أنَّهُ قال: ما من عَبْدٍ يُذْنبُ ذَنبًا ويُصَلِّي رَكْعَتَين ثمّ يَسْتغفِرُ منهُ إلَّا غُفِرَ له.
قال الشَّيْخُ ابن عَدِيّ
(2)
: وهذا الحَدِيْثُ طَريقُه حَسَنٌ وأرْجُو أنْ يكُونَ صَحيحًا، ولا أعْلَم له حَدِيثًا آخر، وأسْماءُ بن الحَكَم هذا لا يُعْرَفُ إلَّا بهذا الحَدِيْث.
وقال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(3)
، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن أحْمَد بن حَمَّاد يَقُول: قال البُخاريّ
(4)
: وأسْماء بن الحَكَم الفَزَارِيّ سَمِعَ عليًّا، رَوَى عنهُ عليّ بن رَبِيْعَة قال: كُنْتُ إذا حَدَّثَني رَجُلٌ من أصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم استَحْلَفْتُه، فإذا حَلفَ لي صدَّقْتُه.
قال ابنُ عَدِيّ
(5)
: ولم يُروَ هذا (a) عن أسْماءَ غيرُ هذا الحَدِيْثِ الواحد، ويُقَالُ: إنَّهُ قد رَوَى عنه حَدِيثًا آخر لم يُتَابَعْ عليه.
أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن عَبْد الكَريم الجَزَرِيّ، وأبو البَقَاءِ يَعِيْشُ بن عليّ بن يَعِيْش، قراءةً عليهما بحَلَب، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَضْل [عَبْد الله](b) بن أحْمَد بن مُحَمَّد الخَطِيبُ الطُّوْسيّ، ح.
(a) ليست في كتاب ابن عدي، ولعلها زائدة.
(b) مطموسة في الأصل والمثبت من ب.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل 1: 421، وفيه: حدثناه.
(2)
ابن عدي: الكامل 1: 421.
(3)
ابن عدي: الكامل 1: 420.
(4)
التاريخ الكبير 2: 54.
(5)
ابن عدي: الكامل 1: 420.
وأخْبَرَنا أبو عَبْد الله [مُحَمَّد](a) بن إبْراهيم بن سَلْمَان الإرْبِلِيّ: أخْبَرَنا أبو الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي بن البَطِّيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد جَعْفَر بن أحْمَد بن الحُسَين السَّرَّاجُ، قال: أخْبَرَنا عُبَيْدُ الله بن عُمَر، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا القَاضِي مُوسَى بن إسْحاق بن مُوسَى قراءةً، قال: حَدَّثَنَا خَالِد - يعني ابن يَزِيد العُمَريّ - قال: حَدَّثنا الثَّوْرِيّ، قال: أخْبَرَني عُثْمانُ بن المُغِيرَة الثَّقَفِيّ (b)، عن عليّ بن رَبِيْعَة، عن أسْماء بن الحَكَم الفَزَارِيّ، قال: سَمِعْتُ عليّ بن أبي طَالِب رضي الله عنه، قال: كُنْتُ إذا سَمعْتُ من رسُول الله صلى الله عليه وسلم يعني حَديثًا - نفَعني الله بما شَاءَ منه، وكان إذا حَدَّثَني عنه غيري اسْتَحْلفْتُهُ فإذا حَلَفَ صَدَّقْتُه، وحَدَّثَني أبو بَكْر رضي الله عنه، وصَدَقَ أبو بَكْر، قال: سَمِعْتُ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: ما من عَبْدٍ مُسْلِم يُذْنبُ ذَنبًا ثمّ يتوضَّأُ فيُحْسنُ الوُضُوءَ، ثُمّ يُصَلِّي رَكْعَتين، ثمّ يَسْتغفِرُ اللهَ إلَّا غَفر اللهُ له عز وجل.
قال السَّرَّاجُ: مَحْفُوظ من حديث عُثْمان بن المُغِيرَة - وهو عُثمان بن أبي زُرْعَة، وعُثْمان الأعْشَى - عن عليّ بن [رَبِيْعَة](c) الوَالِبِيّ، عن أسْماء بن الحَكَم الفَزَاِرِيّ، عن أَمِير المُؤْمنِيْن عليّ بن أبي طَالِب، وافق سُفْيان الثَّوْرِيّ على روايته مِسْعَر بن كِدَام، وإِسْرَائِيل بن يُونُس، وأبو عَوَانَة، وشُعْبَة، والحَسَن بن عُمَارَة، وقَيْس بن الرَّبِيْع، وشَرِيك بن عَبْد الله، فرووه كُلّهم عن عُثْمان بن المُغِيرَة، إلَّا أنَّ شُعْبَة شَكَّ في أسْماء بن الحَكَم، فقال: عن أسْماء، أو أبي أسْمَاء، أو ابن أسْماء.
ورَوَاهُ عليّ بن عَابِس، عن عُثْمان بن المُغِيرَة، عن أبي صَادِق، عن رَبِيْعَة بن نَاجِذ (d)، عن عليّ بن أبي طَالِب، ووَهم عليّ بن عَابِس في ذلك، واللهُ أعْلَمُ.
نَقَلْتُ من خَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، وأنْبَأنَا به عنه أبو القَاسِم عَبْد
(a) مطموسة في الأصل، والمثبت من ب.
(b) ساقطة من ب.
(c) مطموسة في الأصل، والمثبت من ب.
(d) الأصل: ناجد، وانظر ترجمته في: الضعفاء الكبير للعقيلي 2: 314، الثقات للعجلي 1: 159، الجرح والتعديل 8: 199، الثقات لابن حبان 4: 229، تاريخ بغداد 9:413.
الله بن الحُسَين وغيره، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخ الإمَام أبو القَاسِم يُوسُف بن إبْراهيم بن يُوسُف بن بَكْرَان السَّمَّان النَّشَويّ، قال: أخْبَرَنا إبْراهيم بن حَمْكَان (a) النَّشَويّ، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: سَمِعْتُ مَكِّيّ بن هَارُون الزَّنْجَانِيّ يَقُول: أسْماء بن الحَكَم الفَزَارِيّ لا يُعْرف إلَّا بهذا الحَدِيْث، يعني حَدِيثه عن عليّ عن أبي بَكْر رضي الله عنهما، ويُقالُ إنَّهُ قد رَوَى أيضًا حَدِيثًا لم يُتَابَع عليه، ولا أحْفظُه، وهذا الحَدِيْثُ مَدَارُه على عُثْمانَ بن المُغِيرَة، رَوَاهُ عنهُ الثَّوْرِيُّ، وشُعْبَةُ، ومِسْعَرُ، وزَائِدَةُ، وإِسْرَائِيلُ، وأبو عَوَانَة، وعند الحُفَّاظ أجْمع وأهل المَعْرفَة بهذا الشَّأْن أنَّهُ لم يَرْوه عن عليّ بن رَبِيْعَة غير عُثْمَان لأنَّ عليه المَدَار. وقد تابعهُ مُعَاويَةُ بن أبي العَبَّاس القَيْسيّ وهو طَريق غَرِيْب عَجيب.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
ذِكْرُ مَن اسْمُ أبيْهِ إبْراهيم ممَّن اسْمُه إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بنُ إبْراهيم بن أحْمَد الشَّيْبَانِيُّ، أبو الفَضْل القَاضِي الحَنَفِيّ المَعْرُوف بابنِ المَوْصِلِيّ
(1)
وقد قدَّمنا ذِكْر أبيهِ
(2)
، تولَّى القَضَاءَ نِيَابَةً، يَحكُمُ على مَذْهَب أبي حَنِيْفَة رضي الله عنه بدِمَشْقَ إلى أنْ مات، وكان قد حَكَم بالمَوْصِل قبل ذلك، ثمّ خَرَجَ
(a) ب: حكمان، تصحيف.
_________
(1)
توفي سنة 629 هـ، وقيل في السنة بعدها، وترجمته في: التكملة للمنذري 3: 309، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 22: 316 - 317، ذيل الروضتين لأبي شامة 244، تاريخ الإسلام 13: 878، سير أعلام النبلاء 22: 320 (ذكر عارض وتأريخ لوفاته)، القرشي: الجواهر المضية 1: 389 وفيه: "أبو الفضائل"، البداية والنهاية 13: 136 (أرخ وفاته سنة 630 هـ)، الوافي بالوفيات 9: 70، النجوم الزاهرة 6: 278 - 279، ابن قطلوبغا: تاج التراجم 62 - 63 (أرخ وفاته سنة 630 هـ)، شذرات الذهب 7: 228 - 229.
(2)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
منها وتَوَجَّه إلى دِمَشْقِ، واجْتازَ في طَريقهِ بحَلَب، وأقام بها مُدَّةً يَسِيْرةً، وحَكَم بمِصْر، ثُمَّ انْتَقَلَ إلى دِمَشْق، وكان فَقِيَهًا فَاضِلًا، حَنَفيّ المَذْهَب، مَشْكُور السِّيْرَة، حَدَّثَ عن أبي الفَضْل مُحَمَّد بن يُوسُف بن عليّ الغَزْنَوِيّ، وأبي مُحَمَّد هِبَة الله بن مُحَمَّد بن مَمِّيْل (a) الشِّيْرَازيّ، ورَوَى عن أبي المُظَفَّر أُسامَة بن مُرْشِد بن مُنْقِذ.
رَوَى عنهُ جَمَاعَةٌ من أهل الحَدِيْث منهم: أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن يُوسُف البِرْزَاليّ، وأبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد القُوصِيّ، وخرَّجا عنه في مُعْجَم شُيُوخهما.
وقال القُوصِيّ عند ذِكْره: تولَّى الحُكْمَ نِيَابَةً بدِمَشْقَ فحُمِدَ نَافِذ حُكْمهِ، وشُكِرَت فَتَاويهِ. وكانَ مَوْلدُهُ ببُصْرى في رَابعَ (b) عَشرَ رَبِيع الآخر سَنَة أرْبَعٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة، وتُوفِّيَ رحمه الله بدِمَشْقَ في (c) يَوْم الأرْبَعَاء تاسع جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة تِسْعٍ وعشرين وسِتّمائة، وأخْبَرَني بذلك غَيْرُه.
إسْمَاعِيْل بن إبْراهيم بن شَاكِر بن عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن سُلَيمان، أبو مُحَمَّد بن أبي إسْحاق بن أبي اليُسْر المَعَرِّيّ الأصْل، الدِّمَشقيّ المَوْلد والدَّار
(1)
كاتِبٌ مُجِيْدٌ، وشَاعِرٌ مُحْسِنٌ، من بَيْت العِلْم والفَضْل والأدَب، وقد قدَّمْنا
(a) جوده المؤلف هنا بضم أوله، والمثبت كما ضبطه في موضع آخر من كتابه، في ترجمة ملك النحاة في المجلد الخامس من هذا الكتاب.
(b) ب: أربع.
(c) ساقطة من ب.
_________
(1)
توفي سنة 672 هـ، وترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني 2: 642 - 643، ابن الشعار: قلائد الجمان 1: 424 - 425، اليونيني: ذيل مرآة الزمان 3: 38 - 45 (واقتبس فيها من كلام ابن العديم)، ابن شاكر: فوات الوفيات 1: 170 - 172، تاريخ الإسلام 15: 238، العبر في خبر مَن غبر 3: 325، الإعلام بوفيات الأعلام 280، تذكرة الحفاظ 4: 1490 (ذكر عارض)، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 267، الصفدي: الوافي بالوفيات 9: 71 - 74، الزركشي: عقود الجمان ورقة 68 أ - 69 أ، ابن تغري بردي: المنهل الصافي 2: 383 - 386، ابن تغري بردي: الدليل الشافي 1: 122، النجوم الزاهرة 7: 244، شذرات الذهب 7: 590، بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، القسم الثالث (5 - 6)60.
ذِكْر شَيْخنا والده، ونذْكر إنْ شَاء اللهُ تعالَى جَدَّهُ، وجَدَّ أبيهِ، وجَدَّ جَدّه، وجَدَّ أبَي جَدّه، وجَدَّ جَدّ جَدّه، وجَدَّ أبي جَدّ جَدّ جَدّه
(1)
، وجَمَاعَة من أهْلِ بيْته.
نَشَأ أبو مُحَمَّد بدِمَشْق، واشْتَغل بالعِلْم والأدَب، وسَمِعَ بها شَيْخنا أبا اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، والقَاضِي أبا القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الحَرَسْتَانِيّ، وسَمِعَ أبا حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد طَبَرْزَد، وسَمِعَ أباهُ أبا إسْحاق إبْراهيم بن أبي اليُسْر، وجَمَاعةً غير هؤلاء من شُيُوخ دِمَشْق.
وكتَبَ الإنْشَاءَ للمَلِك النَّاصِر دَاوُد بن عِيسَى بن أبي بَكْر بن أَيُّوبِ مُدَّةً في أيَّامِ ولايتَه، وسيَّرهُ رَسُولًا إلى مِصْر، وقَدِمَ علينا حَلَب في سَنَة أرْبَعٍ وأرْبَعين وسِتّمائة، وزَارَني في داري، وأنْشَدَني شَيئًا من شِعْره، وأخْبَرَني أنَّ مَوْلده بدِمَشْق يَوْم السَّبْت سَابع عَشر مُحَرَّم سَنَة تِسْعٍ وثَمانين وخَمْسِمائَة، ثمّ اجْتَمَعْتُ به بعد ذلك بدِمَشْقَ وعلَّقْتُ عنه فَوَائِد.
أنْشَدَنا أبو مُحَمَّد إِسْمَاعِيْل بن إبْراهيم بن أبي اليُسْر لنَفْسِه بحَلَبَ في جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة أرْبَعٍ وأرْبَعين وسِتّمائة
(2)
: [من الكامل]
لَيْلي كشَعْرِ مُعَذِّبي ما أطْوَلَه
…
أَخْفَى الصَّبَاحَ بفَرْعهِ إذْ أَسْبَلَهْ
وأنارَ ضَوء جَبيْنهِ في شَعْره
…
كالصُّبْح سَلّ على الدَّياجي مُنْصُلَه
(1)
لعل الصواب: وجد جد أبي جده، وهو الجد السادس، أما قوله المثبت فيشير إلى الجد الثامن، وقد ضاعت تراجم هؤلاء جميعًا، فترجمة والده إبراهيم بن شاكر المعري، أبو إسحاق في جزء ضائع قبل هذا، وتراجم البقية في أجزاء ضائعة تشتمل على حرف الشين والعين وأسماء المحمدين، وأصحاب التراجم الضائعة هم: شاكر بن عبد الله بن محمد المعري، أبو اليسر، وعبد الله بن محمد بن عبد الله المعري، ومحمد بن عبد الله بن محمد المعري، وعبد الله بن محمد بن عبد الله المعري، ومحمد بن عبد الله بن سليمان المعري، وعبد الله بن سليمان المعريّ.
(2)
الأبيات عند اليونيني: ذيل مرآة الزمان 3: 40، وابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات 1: 172، والصفدي: الوافي 9: 73، وعقود الجمان 68 ب، والمنهل الصافي 2:385.
قَصَصي بَنْمل عذاره مَكْتُوبَةٌ
…
يا حُسْنَ ما خَطّ الجَمَالُ وأجْمَلَه
واللهِ لا أهْمَلْتُ لامَ عذَاره
…
يا عَاذِلي ما كُلُّ لامٍ مُهْملَه
أقرأ على قَلْبي سبا في حُبهِ
…
والذَّاريَات ومَدْمع قد أَهْمَلَه
آيات تَحْريم الوصَالِ أظُنُّها
…
وطلَاق أسْبَاب الحَيَاةِ مُرَتَّلَه
ما هَامَت الشُّعَراءُ في أوْصَافه
…
إلَّا وفَاطِرُ حُسْنه قد كَلَّمَه
ثَبَتَ الغَرَامُ بحاكمٍ منِ حُسْنِهِ
…
وشَهَادَة الألْحاظ وهي مُعَدَّلَه
كَمْ صَادَ من صادٍ بعَيْنٍ دُونها
…
أسْيافُ لَحْظٍ في الجُفُون مُسَلَّلَه
إنْ أبْعَدَتْهُ يدُ النَّوَى عن نَاظِري
…
فلَهُ بقَلْبي إذ تَرَحَّل مَنْزِلَه
بالعَادِيات قد اغْتَدَى عنَّا (a) ضُحَىً
…
وبدا له في كُلِّ قَلْب زَلْزَلَه
شَمْسُ النُّفُوس لبينِهِ قد كُوِّرَتْ
…
والنَّار في الأحْشَاءِ منه مُشْعَلَه
وأنْشَدَني لنَفْسِه ابتدَاءَ مُكاتَبَةٍ كتبَها إلى القَاضِي بَدْر الدِّين قاضي سِنْجَار
(1)
: [من البسيط]
لوْلَا مَوَاعيدُ آمالٍ أعيْشُ بها
…
لَمُتُّ يا أهْلَ هذا الحَيّ من زَمَنِ
وإنَّما طرْفُ آمالي بهِ مَرَحٌ
…
يَجْري بوَعْدِ الأمَانِي مُطْلَقَ الرَّسَنِ (b)
(a) الأصل: عمَّا، ب: عني.
(b) بعده في الأصل بياض قدر سطرين.
_________
(1)
البيتان عند اليونيني: ذيل مرآة الزمان 3: 40، وابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات 1: 171، والصفدي: الوافي 9: 73، وعقود الجمان 68 ب، والمنهل الصافي 2: 385، ونسبها ابن أبي حجلة (ديوان الصبابة؛ الطبعة الحجرية، 1339 هـ، ص 163) والعباسي (معاهد التنصيص 2: 142) لإسحاق بن خليل العفيف.
إسْمَاعِيْلُ بن إبْراهيم بن صالح بن زياد، أبو يَعْقُوبَ العُقَيْلِيُّ
(1)
حَدَّثَ عن ابن عُيَيْنَة، والإمَام الشَّافِعيّ.
وأخْبَرَنا عَبْد الجَلْيْل بن أبي غَالِب، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن البَرْمَكِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبي أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن إسْحاق بن مَنْدَة، قال: إسْمَاعِيْل بن إبْراهيم بن صالح بن زِيَاد، أبو يَعْقُوب العُقَيْلِيّ ماتَ بطَرَسُوسِ سَنَة أرْبَعيْن ومَائتَيْن، حدَّثَ عن ابن عُيَيْنَة، والشَّافِعيّ، رَوَى عنهُ أحْمَد الدَّوْرقيّ.
إسْمَاعِيْلُ بن إبْراهيم بن عَبْد الكَريم بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عُبْيدِ الله بن عَبْد الله بن طَاهِر بن الحُسَين، أبو الفَضْل المَعْرُوف بالزَّيْن بن قُرْنَاص الحَمَوِيُّ
من مُقدَّمي حَمَاةَ، وكُبَرائها، وأعْيَانها، وتُنَّائها، قَدِمَ صلَبَ مرَارًا مُتَعدِّدة، وكان شَيْخًا حَسَنًا وَقُورًا، يَرْجعُ إلى دِيْن وفَضْل، وهو من بَيْتٍ كبير بحَمَاة.
وكان المَلِكُ النَّاصِرُ [قِلْج أَرَسْلَان](a) ابن المَلِك المنصُورِ مُحَمَّد لمَّا وَلي حَمَاة بعدَ مَوْت أبِيهِ، طَرَح (b) على أهل حَمَاة وأعْيَانها حِنْطَةً ثَمَّنها عليهم بزيادةٍ عن قِيْمتها، وألْزَمَهُم بأخْذِها، فامْتَنعَ أبو الفَضْل من أخْذها، وخَرَجَ عن حَمَاةَ هَارِبًا إلى مِصْر، فأمرَ الملِك النَّاصِر بإخْرَاب دَاره وحَمَّامه، فأُخْربتْ
(2)
، وكان قد
(a) ما بين الحاصرتين بياض في الأصل وب، وانظر ابن واصل: مفرج الكروب 4: 383.
(b) ب: وطرح.
_________
(1)
توفي سنة 240 هـ.
(2)
ذكر ابن ابن نظيف الحموي الخبر دون أن يسمي صاحب الدار، قال:"وفيها [سنة 625 هـ] خرَّب [الملك الناصر] دارًا لأحد بني قرناص، كانت عامرة حسنة". التاريخ المنصوري 158.
غَرم على ذلك جُمْلَة عَظِيمَة، وقَبَض أمْلَاكَه بحَمَاة ظُلمًا منه وبَغْيًا فلم يَلْتَفت إلى فعْلهِ، وسَار (a) إلى مِصْر مُسْتَغيثًا عليهِ إلى خاله المَلِك الكَامِلِ مُحَمَّد ابن المَلِك العادِل أَبي بَكْر بن أيوب، وبِقي عندهُ بالدِّيَار المِصْرِيَّة إلى أنْ نَزَل المَلِك الكَامِل إلى الشَّام، وفَتَح دِمشْق، ونَزَل في صُحْبتِه، وسِيَّر الملكُ الكَامل المَلِكَ المُظَفَّر مَحْمُود ابن المَلِك المَنْصُور مُحَمَّد، ومعه عَسْكَره إلى حَمَاة فافْتَتَحَها، وأبو الفَضْل بن قُرْنَاص في صُحْبته، وأعاد عليهِ أمْلَاكَهُ، فعَمرها وأعادها إلى حالتها الأُوْلَى، وشَفى غَيْظَه من صَاحب حَمَاة المَلِك النَّاصِر. وبعد أنْ ماتَ الملكُ الكَامِل قبضَ الملكُ المُظَفَّر مَحْمُود على أبي الفَضْل بن قُرْنَاص وسَجنَهُ إلى أنْ ماتَ في سِجْنِه.
وكان لأبي الفَضْل إجَازَةٌ من الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ حَدَّثَ بها بدِمَشْق، وسَمِعَ منهُ رَفِيْقُنا أبو عَبْد الله البِرْزَاليّ، وخَرَّجَ عنهُ حَدِيثًا في مُعْجَم شُيُوخه.
وكُنْتُ قد سَمِعتُ منه في دِمَشْق بالمِزَّة أبْيَاتًا من شِعْره نَظَمَها في المَلِك الكَامِل، وكُنَّا جَمِيعًا بِظَاهِر دِمَشْق، والمَلِك الكَامِل يُحاصرها في سَنة ستٍّ وعشرين وستِّمائة.
أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن يُوسُف البِرْزَاليّ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْلُ بن إبْراهيم بن عَبْد الكَريم بن الحُسَين بن قُرْنَاص، أبو الفَضْل الخُزَاعِيِّ، بقِرَاءَتي عليه بدِمَشْق عندَ قُدُومه علينا بمَنْزِله بدَار العَفِيف الحِمْصِيّ يَوْم الاثنين الثَّاني والعشرين من شَعْبان سَنَة ستٍّ وعشرين وستِّمائة، قلتُ له: أخْبرك الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيُّ الأصْبَهَانِيّ إجَازَةً كتَبَ لكم بها من الإسْكَنْدَرِيَّةِ، فأقَرَّ بذلك، وقال: نَعَم، ح.
وأخْبَرَنا به أبو عليّ حَسَنُ بنُ أحْمَدَ بن يُوسُف الأَوَقِيّ بالبيت المُقَدَّس
(a) ب: وصار.
وغيرُه، قالوا: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الخَطَّابِ نَصْرُ بن أحْمَد بن عَبْدِ الله بن البَطِرِ القَارِئ ببَغْدَاد في شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلاثٍ وتِسْعِين وأرْبَعِمائة، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عليّ بن مُحَمَّد بن عَبْدِ الله بن عَبْد المَلِك بن بِشْرَان المُعَدَّل بقراءةِ أبي مُحَمَّد الخَلَّال الحافِظ عليه سَنَة إحْدَى عَشْرة وأرْبَعِمائة، قال: حَدَّثَنَا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَمْرو بن البَخْتَرِيّ الرَّزَّاز في ذي الحِجَّة سَنَة تِسْعٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة، قال: حَدَّثَنَا عبَّاس بن مُحَمَّد بن حَاتِم الدُّوْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا يَعْلَى بن عُبَيْد، قال: حَدَّثَنَا أبو حَيَّان، عن الشَّعْبِيّ، عن ابن عُمَر، قال: خَطَبَنا عُمَرُ على مِنْبَر رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَحمِدَ الله وأثْنَى عليهِ، فوعَظَ وذَكَّرَ، ثُمَّ قال: إنَّ الخَمْر نَزَلَ تَحْريمُها يَوْمَ نزلَ وهي من خَمْسَة: من العِنَبِ، والتَّمْرِ (a)، والحِنْطَة، والشَّعِير، والعَسَل. والخَمْر ما خَامَر العَقْلَ. ثلاثٌ أيُّها النَّاسُ وَدِدْنَا أنَّ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم لن يُفَارِقنَا حتَّى يَعْهَدَ إلينا فيهنَّ عَهْدًا يُنْتهى إليه: الجَدُّ، والكَلَالَةُ، وأبْوَابٌ من أبْوَابِ الرِّبَا.
أنْشَدَنا أبو الفَضْل بن قُرْنَاص بالمِزَّة ظَاهِر دِمَشْق لنَفْسِه من قَصِيدَة في الملَك الكَامِل؛ دَفَعَها إليَّ لأكتُبَها له بخَطِّي: [من الكامل]
قَبِّلْ ثَرَى عَتَبَاتِ سُلْطانِ الوَرَى
…
مَوْلَى المُلُوك أجلَّ مَنْ وَطئ الثَّرَى
وأعزَّهُم جارًا وأسْخَاهُم يَدًا
…
وأَتَمَّهُم برًّا وأطْهَرَ مِئزَرَا
الكَامِلَ المَنْصُورَ أيْمَنَ طَائرًا
…
وأعزَّ أنْصَارًا وأكْرَمَ مَعْشَرَا
النَّاصِرَ الإسْلَامِ حينَ تخاذلَتْ
…
أنْصَارُهُ ومُجيْرُهُ أنْ يَعْثُرَا
النَّاشِرَ الإنْعَامِ حين طَواهُ أقْـ
…
ـوَامٌ فعَمَّ بهِ الوهَادَ إلى الذُّرَى
(a) ب: والثمر.
قال فيها:
والْهَجْ بلَثْمِ تُرَابهِ مُتَشَرِّفًا
…
إنْ عَزَّ لَثْمُ رِكَابهِ وتَعَذَّرَا
واحْرِمْ وَلَبِّ وطُفْ بكَعْبَةِ بابهِ الـ
…
ـعَالي وهَلِّلْ ما اسْتَطَعْتَ وكَبِّرَا
وارْكَعْ وسَبِّح وادْعُ واسْجُدْ واقْتَرِبْ
…
واشْكُرْ عَوارفَهُ الّتي لن تُنْكَرا
واسْألهُ ما تَرْجُو فما أوْلَاهُ أنْ
…
يَحْبُو بأضْعَاف الرَّجَاءَ لمَنْ عَرَا
فُمحَمَّدٌ يحكى النَّبِيَّ سَمِيَّهُ
…
خَبرًا (a) جَمِيْلًا في الأنَام ومَخْبَرَا
وحَدِيث مَدْحٍ فيه مثْلُ قَدِيمهِ
…
فَتَراهُ وَحْيًا لا حَدِيثًا يُفْتَرى
وبفَضْلهِ يُثْنَى عليه لا كما
…
يُثْنَى على باقي المُلُوكِ مُزَوَّرَا
يَهَبُ البِلَادَ لمَنْ ألَمَّ ببابهِ
…
مُسْتَجْدِيًا ويَهَابُ أنْ يَهَبَ القُرَى
ويُحَقِّر البِدَرَ العِظَامَ جَلَالَةً
…
عن أنْ تكُونَ لضَيْفِهِ بعضَ القِرَى
فردٌ يُرى من بأسهِ وكأنَّما
…
مَعَهُ وما مَعَهُ سِوَاهُ عَسْكَرَا
تُوفِّي أبو الفَضْل إسْمَاعِيْل بن قُرْنَاص في السِّجْن بحَمَاة (b).
إسْمَاعِيْلُ بنُ إبْراهيم بن غَازي بن عليّ بن مُحَمَّد أبو أحْمَد النُّمَيْرِيّ المَارِدِيْنِيّ الحَنَفِيُّ، المَعْرُوف بابنِ فَلُّوس
(1)
فَقِيْهٌ، فَاضِلٌ، شَاعِرٌ، وُلِد بمَارِدين، وقَدِمَ إلى دمَشْق، واجْتازَ بحَلَب في طَريقه، وأقامَ بدِمَشْقَ، رَوى لنا عنْهُ أَبو المحامِد القُوصِيَّ شَيئًا من شِعْره، وخَرَّج عنهُ في مُعْجَم شُيُوخه. وله تَصَانيف عدَّة، وكان عَارِفًا بالمَنْطِق.
(a) ب: خيرًا.
(b) ترك ابن العديم بعدها فراغًا قدر سطر وثلث لاستكمال سنة وفاته، ولم نقف عليه.
_________
(1)
توفي سنة 637 هـ، وترجمته في: التكملة للمنذري 3: 525، ابن الشعار: قلائد الجمان 1: 428 - 430، تاريخ الإسلام 14: 235، القرشي: الجواهر المضية 1: 390 - 311، ابن طولون: القلائد الجوهرية 3: 621 - 622، الوافي بالوفيات 9: 66 - 67، المقريزي: المقفى الكبير 3: 71 - 73، وكناه: أبو الطاهر، وأبو مُحَمَّد، السيوطي: حسن المحاضرة 1: 465، النعيمي: الدارس في تاريخ المدارس 1: 416.
أنْشَدَنا شِهَابُ الدِّين أبو المحامِد بن حَامِد، قال: أنْشَدَني الفَقِيهُ الفَاضِل شَمْسُ الدِّين أبو الطَّاهِر إسْمَاعِيْل بن إبْراهيم المَذكُورُ لنَفْسِه
(1)
: [من الخفيف]
بأبي الأهْيَفُ الّذي لَحظُ عَيْـ
…
ـنَيْهِ [فـ]ـذا راشِقٌ وهذا رَشِيْقُ
راحَ في حُسْنهِ غَرِيْبًا وإنْ
…
كان شَقيْقًا لوَجْنَتَيهِ الشَّقيْقُ
وأخْبرَني أبو المحامِد القُوصِيُّ، فيما دَفَعه إليَّ وأجَازَه لي، قال: وسَألتُه أنْ ينشدَني شَيئًا من غَزَلهِ غير ذلك وأرَقّ منه، فأنْشَدَني في الغَزَل رحمه الله أيضًا
(2)
: [من الكامل]
قال العَذُولُ بدا العذَارُ بخَدّه
…
فتَسَلّ عنهُ فالعذَارُ يَشِيْنُ
فأجْبْتُه مَهْلًا رُوَيْدَك إنَمَّا
…
أغْرَاكَ عنهُ بالملَام جُنُونُ
ما ذاكَ شَعْرُ عذَاره لكنَّما
…
أجْفَان عَيْنِكَ في الصِّقَالِ تَبِينُ
قُلتُ: وهذا مأخوذٌ من قَول بَعْضِهم: [من الكامل]
نظرَتْ مَحَاسِنَهُ العَوَاذِلُ نَظْرةً
…
فتَغَيَّرت من حُسْنهِ ألْوَانُها
فلَحَيْنَنِي فيه أتَهْوى نَاحِلًا
…
منهُ المحاسنُ ذَاهبٌ إحْسَانُهَا
فأجَبْتُ في وَجنَاتِهِ مائيَّةٌ
…
أبْدَى نُحُولَكُم بها لمَعَانُها
قال لنا أبو المحامِد القُوصِيّ: ومَوْلدهُ - يعني ابن فَلّوس - بمَارِدِين في شُهُور سَنَة ثَلاثٍ وتِسْعِين وخَمْسِمائَة، وتُوفِّيَ بدِمَشْق.
قال لي القُوصِيُّ: كان هذا الإمَامُ شمسُ الدِّين مَعْدودًا من جُمْلَةِ العُلَمَاء الأفَاضِل، مُبرّزًا في فُنُون الحِكمة وعُلُوم الأوَائِل، ودرَّس بدِمشْق وبالدِّيَار المِصْرِيَّة، وكان طَرِيف المحاضَرَة، لَطِيْف الشَّمَائِل.
(1)
البيتان في الوافي بالوفيات 9: 66، والمقفى 3:73.
(2)
الأبيات في الوافي بالوفيات 9: 67.
أنْبَأنَا الحافظُ أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْم المُنْذِريّ
(1)
، قال في ذِكْر مَنْ تُوفِّي سَنَة سَبْعٍ وثَلاثين وستِّمائة: وفي الحادي عَشر من صَفَر تُوفِّي الشَّيْخُ الفَقِيهُ أبو أحْمَد (a) إسْمَاعِيْلُ بن إبْراهيمَ بن غَازِي بن عليّ (b) بن مُحَمَّد النُّمَيْرِيّ المَاردَانِيّ (c) الحَنَفِيّ، المَعْرُوف بابنِ فَلُّوس بدِمَشْق، ودُفِنَ بمَقَابِر ابن زُوَيْزَان، تَفَقَّهَ على مَذْهَب الإمَام أبي حَنِيْفَة رضي الله عنه، واشْتَغل بالأُصُولين والطِّبّ والمَنْطِق والعَرَبيَّة، وغير ذلك، ودرَّس بمَدْرَسَة الأَمِير فَخْر الدِّين عُثْمان بالقَاهِرَة مُدَّة، ودرَّس بمَدْرَسَة الأَمِير عِزّ الدِّين أَيْبَك الّتي بدِمَشْق على الشَّرف، وصَنَّف، وله شِعْر جَيِّدٌ.
إسْمَاعِيْلُ بن إبْراهيم بن أبي عليّ
(2)
حَدَّثَ بحَلَبَ بجُزءِ إبْراهيم بن هُدْبَة عن مُؤَيَّدِ الدَّوْلَةِ أُسامَة بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ، وتُوفِّيَ في حُدُود السِّتّمائة.
إسْمَاعِيْلُ بن إبْراهيم بن أبي جَعْفَر المِصِّيْصيُّ
حَكَى عنه مُحَمَّد بن حَمَّاد الحِمْصِيُّ، قاضي جَبَلَة.
أنبأنَا أبو نَصْر مُحَمَّدُ بن هبَةِ الله بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(3)
، قال: أَخْبَرَنا أبو نَصْر عبد الرَّحيم بن عَبْد الكَريم في كتابه، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَيْهَقِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحافظُ، قال: أخْبرَني أبو نَصْر مُحَمَّد بن عُمَر، قال: حَدَّثَنَا أبو عبدِ الرَّحْمن - يعني مُحَمَّد بن المُنْذِر - قال:
(a) ساقطة من ب.
(b) وردت مكررة في كتاب المنذري: علي بن علي.
(c) كذا قيَّده المؤلف في الأصل وب كما وجده في كتاب المنذري، وهو وجه من وجوه النسبة إلى ماردين.
_________
(1)
التكملة لوفيات النقلة 3: 525.
(2)
توفي نحو سنة 600 هـ.
(3)
تاريخ ابن عساكر 33: 481.
حَدَّثَني مُحَمَّد بن حَمَّاد الحِمْصِيُّ قاضي جَبَلَة، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ بن إبْراهيم بن أبي جَعْفَر المِصِّيْصيُّ، قال: رأيْتُ الحارِثَ بن عَطِيَّةَ في النَّوْم فقُلتُ: ما فَعَلِ اللهُ بكَ يا أبا عَبْدِ الله؟ قال: غَفَرَ لي، قُلتُ: فابنُ المبُارَك؟ قال: بَخٍ بَخٍ؛ ابن المبُارك في عِلِّيِّيْن ممَّن يلَجُ على اللهِ في كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَين.
إسْمَاعِيْلُ بن إبْراهيم البَالِسِيُّ
(1)
حَدَّثَ عن مُعاوِيَةَ بن هِشَام، رَوَى عَنْهُ ابنُ مَاجَة القَزْوِينيّ، والحُسَينُ بن عَبْد اللهِ القَطّان (a).
أنْبَأنَا أبو رَوْح (b) عَبْدُ المُعِزّ بن مُحَمَّد الهَرَويِّ في كتَابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم تَمِيْم بن أبي سَعيد الجُرْجَانِيّ، قال: أخْبَرَنا الحاكمِ أبو الحَسَن البَحَّاثيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن هَارُون، قال: أخْبَرَنا أبو حَاتِم بن حِبَّان، قال: أخْبَرَنا الحُسين بن عَبْدِ اللهِ القَطَّانُ، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْل بن إبْراهيم البَالِسِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُعاوِيَة بن هِشَام، قال: حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عن أبي حَازِم، عن سَهْل بن سَعْدٍ
(2)
، قال: قال رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: في الجَنَّةِ بابُ يُقال له الرَّيَّانُ أُعِدَّ للصَّائمينَ، فإذا دَخَلَ آخرُهُم أُغْلِقَ.
ماتَ إسْمَاعِيْلُ البَالِسِيّ سَنة ستٍّ وأرْبَعين ومَائتَيْن.
(a) بقية الصفحة بياض في الأصل، قدر نصفها.
(b) ب: أبو الفرج.
_________
(1)
توفي سنة 246 هـ، وترجمته في: الثقات لابن حبان 8: 104، تهذيب الكمال 3: 36، الكاشف 1: 119، تهذيب التهذيب 1: 380، تقرب التهذيب 1:66.
(2)
صحيح مسلم 2: 808 (رقم 1152)، سنن ابن ماجة 1: 525 (رقم 1640)، الجامع الكبير للترمذي 2: 129 (رقم 765)، سنن النسائي 3: 168 (رقم 2236)، البغري: شرح السنة 6: 219 - 220 - 221 (رقم 1708 - 1709)، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 8: 208 (رقم 3420)، ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 4: 111 (رقم 1896)، وانظر: المسند الجامع 7: 273 (رقم 5091).
ذِكرُ مَن اسمُ أبيْهِ أحْمَدُ ممَّن اسمْهُ إسْماعِيْل
إسمَاعِيْلُ بن أحْمَد بن إسمَاعيْل بن سَعيْد بن أبي عِيسَىَ الجِلِّيُّ، أبو الحسَن الحلبيُّ
(1)
حَدَّثَ بحَلَبَ عن أَبيهِ أحْمَد بن إسْماعِيْل، والقَاضِي أبي الحُسَين مُحَمَّد (a) بن جَعْفَر بن أبي الزُّبير المَنبِجِيَّ قاضيها، وأبي غَانِم أحْمَد بن يَحْيَى قاضي حَرَّان، سَمِعهم (b) بحَلَب. رَوَى عَنْهُ ابنُه (c) أبو الفَتْح عَبْدُ اللّه بن إسمَاعِيْل بن الجِلِّيّ.
أخبَرَنا الشَّريفُ أبو حَامِد مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللّه بن عليّ بن زُهْرَة الحسُيْنيُّ الحلبِيُّ بها، قال: أخبرَنا عَمِّي أبو المَكَارِم حَمْزَةُ بن عليّ الحُسَيْنيّ الحلبيُّ بها، قال: أخبَرَنا أبو الحَسَن عليُّ بن عَبْدِ اللّه بن أبي جَرَادَة (d) الحَلبِيُّ بها، قال: أخبرَنا أبو الفَتْح عَبْدُ اللّه بن إسماعيل بن أحْمَد بن (e) الجِلّيّ الحَلَبيُّ بها، قال: حَدَّثني أبي إسمَاعِيْلُ بن أحْمَد في العَشْر الآخر من شهر رَمَضَان سَنَة سَبع وأرْبَعِمائة، قال: أخبَرَنا أبو الحُسين مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَر بن أبي الزُّبير القَاضِي المنَبجيّ بحَلَب، قال: أخبَرَنا أحْمَد بنُ مُحَمَّد، قال: حَدَّثتا مُحَمَّد بن عُبَيْد، قال: أخبَرَنا إبْراهيم بن حَبِيْب بن المُنبِّه، عن عَبْدِ اللّه بن مُسْلِم، عن أَبيهِ، عن جَدِّهِ، عن عليّ بن أبي طَالِب عليه السلام، قال
(2)
: نَزلَتِ النُّبُوَّةُ يَوْمَ الاثنَين، وصَلَّيْتُ مع النَّبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الثّلاثَاء.
(a) ب: أحمد.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: أبيه، تحريف.
(d) ب: جراد.
(e) ساقطة من ب.
_________
(1)
توفي سنة 441 هـ أو في السنة بعدها، وترجمته في: لسان الميزان 1: 393 - 393 (أرخ وفائه سنة 447 هـ)، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 312.
(2)
أخرجه الترمذي في سننه 6: 87 (رقم 3738) من حديث أنس، وقال:"وفي الباب عن علي"، وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده 1: 348 (رقم 446) من طريق سليمان بن قرم، عن مسلم، عن حبَّة، عن علي رضي الله عنه.
تُوفِّي أبو الحَسَن بنُ الجِلّيّ بحَلَب في سَنَةِ إحدَى وأرْبَعين، أو اثْنَتَيْنِ وأرْبَعينَ وأرْبَعِمائة، وجَدْتُ ذلك في مَحْضَرٍ يتضمَّنُ ذِكر أمْلَاكِهِ ووقُوفِه بحَلَب.
إسْمَاعِيْلُ بن أحْمَد بن إسْمَاعيْلَ، أبو إبْراهيم الصُّوْفيّ السُّرَّ مَنْ رائِيّ
(1)
أخُو إبْراهيم الخَوَّاص، دَخَلَ الثُّغُور الشَّامِيَّة غَازِيًا، وكان له مُعَاملات وكَرَامَات.
أنَبأنَا أبو اليُمن زَيدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ الخَطِيبُ
(2)
، قال: إسمَاعِيْل بن أحْمَد بن إسمَاعِيْل، أبو إبْراهيم الصُّوْفيُّ، أخُو إبْراهيم الخَوَّاص، وهو من أَهْلِ سُرَّ مَنْ رَأى، كان مَذْكُورًا بالفَضْل والخَير، وكَثرةِ الغَزْو والحَجّ، وأكْثَر سَفرِه كان على التَّجْريد وحُكم التَّوَكُّل.
وقال الخَطِيبُ
(3)
: أخبَرَني أحْمَد بنُ علي المُحتَسِبُ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن الحُسَين النَّيسَابُوريّ، قال: سَمِعْتُ أبا بَكرِ الرَّازِيّ يَقُول: سَمِعْتُ أبا عُثْمان بنَ الأَدَمِيِّ يقُول: سَمِعْتُ إبْراهيم الخَوَّاصَ يقُول: كان أخي إسْمَاعِيْل يُسَافر مع أبي تُرَاب النَّخْشَبِيّ ويَصْحبَهُ، وكان لهُ آياتُ وكَرَامَاتُ. ماتَ (a) قَديْمًا.
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ بغداد 7: 366 - 267.
(2)
تاريخ بغداد 7: 366
(3)
تاريخ بغداد 7: 267
إسمَاعِيْل بنُ أحْمَد بن أَيُّوب بن الوَلِيد بن هَارُون البَالِسِيُّ، أبو الحَسَن الخَيزُرَانِيُّ
سَمِعَ بحَلَبَ أبا مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عُبيدِ اللّه بن أحْمَد بن عُبَيْدِ الله ابن أخي الإمَام الحَلبِيّ، ومُحَمَّد بن عِيسَى الأُطْرُوش، وأبا إسحاق إبراهيم بن حَفْص بن عُمَر العَسْكَريّ، وأبا الفَضْل العبَّاس بن الفَضْل الدِّيباجِيّ، وأبا العبَّاس الوَلِيد بن عَبْدِ العَزِيْز بن أَبان الأنْطَاكِيّ، وأبا الحَسَن الخَلِيل بن مُحَمَّد بن سَعيد الصَّيْمَرِيّ (a)، وببَالِس أباهُ أحْمَدَ بن أَيُّوب بن الوَلِيد الزَّيَّات، وأبا العبَّاس أحْمَد بن إبراهيم بن مُحَمَّد بن بَكْر البَالِسِيّ، وأبا القَاسِم جَعْفَر بن سَهْل بن الحَسَن القَاضِي، وعبد اللّه بن أحْمَد البَغْدَاديّ الصَّفَّار، وأبا عِمرَان مُوسَى بن عِيسَى بن إسمَاعِيْل الخَابُورِيّ، وأبا الحَسَن أحْمَد (b) بن مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوبَ الرَّشِيْدِيّ، وبالرَّقَّةِ أبا الفَضْل مُحَمَّد بن عليّ بن الحُسَين بن حَرْب قاضي الرَّقَّة، وبأطْرَابُلُسَ خَيْثَمَة بن سُلَيمان الأطْرَابُلُسيِّ.
رَوَى عنهُ أبو الفَرَج عَبْدُ اللّه بن مُحَمَّد بن يُوسُف النَّحْوِيّ المَرَاغِيّ (c)، وأبو بَكر مُحَمَّد بن الحَسَن الشِّيْرَازيّ الصُّوْفيّ.
أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن أبي المَعَالِي بن البَنَّاءِ الصُّوْفيّ بدِمَشْق، وأبو سَعْد ثَابِتُ بنُ مُشَرَّفِ بن أبي سَعْد بن إبراهيم البَنَّاءُ البَغْدَاديّ بحَلَبَ، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بنُ عُبيدِ اللّه بن نصْر بن الزَّاغُونِيّ، قال: حدَّثَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن أحْمَد بن أبي الصَّقْر الأنْبارِيّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَج عَبْد اللّه (d) بن مُحَمَّد بن يُوسُف
(a) ب: الضميري.
(b) ب: وأبا الحسن بن أحمد
(c) ب: الراعي.
(d) مشيخة ابن أبي الصقر: عبيد اللّه.
_________
(1)
مشيخة أبي طاهر بن أبي الصقر 91 - 92 (رقم 25).
النَّحْوِيّ، بقِرَاءَتي عليه في مَنزِله في سَطْح مُوسَى ببَيْت المَقَدِس، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن أيُّوبَ بن الوَلِيدِ بن هَارُونَ البَالِسِيّ الخَيزُرَانِيّ، قال: حَدَّثَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عُبَيْدِ اللّه ابن أخي الإمَام، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن قُدَامَة المِصِّيْصيّ، قال: حَدَّثَنا جَرِير، قال: حَدَّثَنا الأَعمَشُ، عن أبي صالح، عن أبي هُريَرَة
(1)
، قال: قال رسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: ذَروني ما تركتكُم، فإنَّما هلكَ منْ كان قبلَكُم بسُؤَالهم واخْتِلَافهم على أنْبيائهم، فإذا أمرتُكم بأمرٍ، فخذُوا منه ما اسْتَطعتُم، وما نهيتكُم عنه فانْتَهُوا.
إسْمَاعيْلُ بن أحْمَد بن عُمَر بن أبى الأشْعَث، أبَو القَاسِم بن أبي بَكْر السَّمَرقنديُّ
(2)
الدِّمَشقيّ المَوْلد، البَغْدَاديّ الدَّار، كان أبُوه من أهل سَمَرْقَند ونَزَل دِمَشْق، ووُلد له بها أبو القَاسِم، وسَمِعَ بدِمَشْق أبا بَكْر الخَطِيب، وأبا نَصر بن طَلَّاب، وأبا
(1)
رواه بإسناده ابن ماجة في سننه 1: 3 (رقم 2)، ورواه الحميدي: مسنده 2: 477 (رقم 1125)، وابن حبان: صحيحه بترتيب ابن بلبان 1: 198 (رقم 18) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وابن عجلان عن أبي هريرة، ورواه ابن حنبل المسند 19: 32، 66 (رقم 9779، 9888) من طريق حماد عن محمد بن زياد عن أبي هريرة، وشعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة. ورواه مسلم في صحيحه 2: 975 (رقم 413) والطبراني في الأوسط 3: 345 (رقم 2736) والنسائي 5: 110 (رقم 2619)، عن محمد بن زياد عن أبي هريرة، ورواه مسلم أيضًا 4: 1831 (رقم 1337)، والبغوي: شرح السنة 1: 197 (رقم 98) عن همام بن منبه عن أبي هريرة.
(2)
توفي سنة 536 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 8: 357 - 359، ابن الجوزي: المنتظم 18: 20 - 22، ابن الأثير: الكامل 11: 90، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 20:334 - 335، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 191 - 193، التقييد لابن نقطة 1: 519 - 520، تاريخ الإسلام 11: 650 - 652، سير أعلام النبلاء 20: 38 - 31، العبر في خبر مَن غبر 2: 450، الإعلام بوفيات الأعلام 220، الوافي بالوفيات 9: 88، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 7: 46، ابن كثير: البداية والنهاية 12: 218، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 161 (وفيه: ابن الأشعث)، النجوم الزاهرة 5: 270، شذرات الذهب 6: 184، بدران: تهذب تاريخ ابن عساكر 3: 13 - 14.
الحَسَن بن أبي الحَدِيْد، وأبَوَي مُحَمَّد عَبْد اللّه بن إبْراهيم بن كُبَيبَة، وعَبْد العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانيّ، وأبا الحَسَن عَبْد الدَّائم بن الحَسَن الهِلَالِيّ، وأبا العبَّاس أحْمَد بن مَنْصُور بن قُبَيس، وأبا الفتح نصر بن إبراهيم المَقدِسِي، وببَيت المَقدِس أبا بَكر مُحَمَّد بن أحمَد الطُّوْسيّ، وأبا القَاسِم مَكّيّ الرُّمَيْلِيّ، وأبا سَعْد حَمْد بن عليّ بن حُمَيْد الرُّهَاوِيّ.
ثُمَّ سَافر عن دِمَشْقَ إلى بَغْدَادَ واسْتَوْطَنها، وسَمِعَ بها أبا مُحَمَّد عَبْد اللّه بن مُحَمَّد هَزَارْ مَرد، وأبا نَصْر الزَّيْنَبي، وأبا القَاسِم بن البُسْرِيّ، وأبا الحُسَين بن النَّقُّور، وأبا مَنْصُور عَبْد البَاقِي بن مُحَمَّد بن غالب العَطَّار، وأبا القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن عليّ الأنْمَاطِيّ، وأبا القَاسِم عَبْد اللّه بن الحُسَين الخلَّال، وأبا القَاسِمِ إسمَاعِيْل بن مَسْعَدَة الإسْمَاعِيْليّ، وأبا مُحَمَّد رِزْقَ اللّه بن عَبد الوَهَّاب التَّمِيْمِيّ، وجَمَاعةً يَطُولُ ذِكرُهُم.
رَوَى عنهُ أبو شُجَاع عُمَرُ بن أبي الحَسَن البِسْطَامِيِّ، وأبو سَعْد عَبْدُ الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، وأبو القَاسِم عليُّ بن الحَسَن بن هبَة اللّه الحافِظُ الدِّمَشقيّ، والحافِظ أبو مُحَمَّد عَبْد الخَالِق بن أسَد بن ثَابِت الَدِّمَشقيّ، وجَمَاعَة غيرهم.
ورَوى لنا عنهُ أبو حَفْص عُمَرُ بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر بن طَبرزَد البَغدَاديّ، واجْتازَ بحَلَب أو عَملها في طَريقه من دِمَشْق إلى بَغْدَاد.
أخبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبرزَد، قِراءَةً عليهِ بحَلَب، قال: حَدَّثَنا أبو القَاسِم إسمَاعِيْل بن أحْمَد بن عُمَر السَّمَرْقنديّ، قال: حَدَّثني عَبْد اللّه بن مُحَمَّد الصَّرِيفِيْنِيّ، قال: حَدَّثَنا عُمَر بن إبْراهيم الكَتَّانِيّ، وأبو القَاسِم عُبَيْد اللّه بن مُحَمَّد بن إسحاق بن حَبَابَة، تلقينًا كُلّ واحد مُفْردًا، قالا: حَدَّثَنا أبو القَاسم عَبْد اللّه بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز البَغَويّ، ح.
وقال: حَدَّثَنا إسمَاعِيْل بن أحْمَد، قال: أخبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن
النَّقُّور البَزَّاز (a)، قال: أخبَرَنا عُبَيدُ اللّه بن مُحَمَّد بن حَبَابَة، قال: حَدَّثَني عَبْد اللّه بن مُحَمَّد البَغَويِّ، قال: حَدَّثَنا طَالُوتُ بن عَبَّاد، قال: حَدَّثَنَا فَضالُ بن جُبَيْر (b)، قال: سَمِعْتُ أبا أُمَامَة البَاهِليّ يقُول
(1)
: سَمِعْتُ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول: اكْفَلوا لي بستٍّ أكْفُلُ لكم بالجَنَّة: إذا حدَّثَ أحدكُم فلا يَكذب، وإذا ائتُمنَ فلا يَخُن، وإذا وَعَدَ فلا يُخْلِف، غُضُّوا أبْصَارَكُمُ، وكفُّوا أيديَّكم، واحْفظُوا فرُوجكُمُ.
وأخْبَرَنا ابن طَبرَزَد، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا الشَّيْخ أبو مُحَمَّد عَبْد اللّه الصَّرِيفِيْنِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حَفْص عُمَر بن إبْراهيم الكَتَّانيِّ المُقرِئ، قال: حَدَّثَنَا أبو سَعيد الحَسَنُ بن عليّ العَدَوِيّ البَصْرِيِّ، قال: حَدَّثَنا خِرَاش بن عَبْد اللّه، قال: سَمِعْتُ أَنَسَ بن مالِك
(2)
، قال: قال رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: الصَّوْمُ جُنَّةُ.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميِّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور [السَّمْعَانيّ](c)، قال: قَرأتُ على أبي القَاسِم إسمَاعِيل بن أحْمَد بن السَّمَرْقَنْديّ بباب المَرَاتب عن أبي أحْمَد رِزْق الله بن عَبد الوَهَّاب التَّميْمِيّ، قال: أنشَدَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عُمَر العَنْبَرِيّ
(3)
: [من الطويل]
سَل الرَّكبَ عن لَيْل الثَّوِيَّة مَنْ سَرى
…
أمامَهُمُ يَحْدو بهِ وبهِمْ حَادِي
ومَن أذهَلَ الحيَّ الحلُولَ بذي الغضَا
…
وقد مَرَّ مُجْتَازًا على يُمنَةِ الوَادِي
(a) مهملة في الأصل، وقد تقدم ذكره في العديد من الروايات التي اتصل سنده بها.
(b) في المعجم الكبير والأوسط للطبراني ومجمع الزوائد للهيثمي: فضال بن الزبير.
(c) موضع ما بين الحاصرتين بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات، والنص متصل في ب.
_________
(1)
الطبراني: المعجم الكبير 8: 314 (رقم 8018)، والأوسط 3: 258 (رقم 2560)، ومجمع الزوائد للهيثمي. 1: 301، وكنز العمال للمتقي الهندي 15: 893 (رقم 43533).
(2)
أخرجه ابن عساكر بهذا الإسناد في تاريخه 37: 38.
(3)
البيت الأول في معجم البلدان 3: 88، وفيه: يحدو بهم وبهم.
أشمسٌ أضَأن (a) من خلالِ سحابةٍ
…
أم الرَّشَأُ البَادِي من السَّجَفِ البَادِي
وواللّهِ ما أبكي لنَفْسِي وإِنَّما
…
بُكَائي لأرْوَاحٍ رهائنِ أجْسَادِ
غَدَا البَيْنُ في الغادين يسْبي قُلُوبهُمْ
…
وراحَ فما راحُوا مع الرَّائح الغَادِي
أخْبَرَنا أبو هاشِم، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد السَّمْعَانيّ، قال: سَألْتُ أبا القَاسِم بن أبي بَكْر السَّمَرْقنديّ المُقرِئ عنِ مَوْلدِه فقال: وُلدتُ يَوم الجُمُعَة وقْت الصَّلاة، الرَّابِع من شَهر رَمَضَان سَنَة أرْبعٍ وخَمْسِين وأرْبَعِمائة بدِمشق.
قال: وحملَهُ والده إلى بَغْدَاد في سَنَة تِسعٍ وسِتِّين إنْ شَاءَ اللّهُ.
قال أبو سَعْد: سَمِعْتُ أبا القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أبي بَكْر السَّمَرْقنديّ مُذَاكَرَةً يقُول: ما بَقي في الدُّنْيا مَنْ يَرْوي مُعْجَم أبي الحُسين ابن جُمَيع غيري، ولا بدِمَشْق أيضًا، ولا عن أبي الحَسَن عَبْد الدَّائم بن الحَسَن الهِلَالِيّ، ثُمَّ أنشَد:[من الطويل]
وأعجَبُ ما في الأمْر أَنْ عشْتُ بعدَهُم
…
على أنَّهُم ما خلَّفُوا فيَّ من بَطْشِ
ثُمَّ قال: وهذا البيتُ من قِطْعَة أنشَدناها أبو مُحَمَّد رِزْق اللّه بن عَبد الوَهَّاب التَّيْمِيّ للوَزِير (b) أبي القَاسِم المَغْرِبيّ: [من الطويل]
وما ظبْيَةٌ (c) أدمَاءُ تحنُو على طلا
…
ترى الإنسَ وَحْشًا وهي تأنسُ بالوَحْشِ
غدت فارتعَت ثمّ أثنَت لرضَاعِهِ
…
فلم تُلف شَيئًا من قَوائمهِ الحُمشِ (d)
فطافَتْ بذاك القَاعِ وَلْهَى فصَادَفَتْ
…
سبَاع الفَلَا يَنهشنَا أيَّما نهْشِ
بأوْجَعَ منِّي يَوْم ظلَّت أنَامِل
…
تُودّعُني بالدُّرّ من شبَكِ النَّقْشِ
وأجمالهم تُحدى وقد خيَّل الهَوَى
…
كأَنَّ مَطَايَاهم على نَاظِري تَمشِي
وأعجبُ ما في الأمْر إنْ عشتُ بعدَهُم
…
على أنَّهُم ما خلَّفُوا فيَّ من بَطْشِ
وقال أبو سَعْد: سَمِعْتُ أبا القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ يقول مُذَاكَرَةً: رأيتُ النَّبيّ
(a) : أصاب.
(b) ب: الوزير.
(c) ب: طيبة.
(d) ب: الخمس.
صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم كأنَّهُ مَرِيْضٌ، فدَخَلْتُ وكُنْتُ أُقبِل أخْمَصَ رجليْهِ، وأمُرٌ وَجْهي عليهما، فحكيتُ لأبي بَكْر بن الخَاضِبَةِ رحمه الله، فقال لي: أبشر يا أبا القَاسِم بطُولِ البَقَاءِ، وانْتِشَارِ الرِّوَايَةِ عنك لأحَاديْث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ تقبيلَ رِجْلِهِ اتِّباعُ أثَره، وأمَّا مَرَض النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيَحْدثُ وهْنٌ في الإسْلَام، فما أتَى على هذا الحَدِيْث إلَّا قَليلًا حتَّى وصَل الخبرُ أنَّ الإفْرنج اسْتَولَت على بَيْت المَقْدِس.
وقال أبو سَعْدٍ: سَمِعْتُ أبا العَلَاء الحَسَنَ بن أحْمَد العَطَّار المُقْرِئَ بهَمَذَان يقُول: ما أَعْدِلُ بأبي القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ أحدًا من شُيُوخ خُرَاسَان والعِرَاق.
قال أبو سَعْد: وسَمِعْتُ مَنْ أثق به أنَّ شَيْخنا أبا شُجَاعَ عُمَر بن أبي الحَسَن البِسْطَاميِّ كان يَقُول: أبو القَاسِم بن السَّمَرْفَنْديّ أُسْتاذُ خُرَاسَانَ كُلِّه والعِرَاق.
أنْبَأنَا زَيْن الأُمَناءَ أبو البَرَكات الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
، قال: إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن عُمَر بن أبي الأشْعَث، أبو القَاسِم بن أبي بَكْر السَّمَرْقَنْديّ، وُلِدَ بدِمَشْق وسَمِعَ بها أبا بَكْر الخَطِيبَ، وأبا الحَسَن بن أبي الحَدِيْد، وأبا نَصْر بن طَلَّاب، وعَبْد العَزِيْز الكَتَّانيِّ، وعَبْد الدَّائم القَطَّان، وأبا العبَّاس بن قُبيس، وغيرهم.
ثُمَّ خَرَجَ إلى بغدَاد فاسْتَوْطَنها إلى أنْ ماتَ بها، وأدْرك بها إسْنَادًا حَسَنًا، وسَمعَ بها أبا الحُسَين بن النَّقُّور، وأبا مَنْصُور بن غالب العَطَّار، وأبا القَاسِم بن البُسْرِيّ، وجَمَاعَةً سِوَاهُم من أصْحَاب المُخَلِّص فَمن دُونهم، وكان مُكْثرًا ثِقَةً، صاحب نُسَخٍ وأُصول، وكان دَلَّالًا في الكُتُب. وسَمِعْتُه غير مَرَّة يقُول: أنا أبو
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 357.
هُريَة في ابن النَّقُّور - يعني لكَثْرة مُلَازمته له وسَمَاعه منه - فقَلَّ جُزءٌ قُرئ على ابن النَّقُّور إلَّا وقد سَمِعتُه منهُ مِرَارًا.
وبقي إلى أنْ خَلَتْ بَغْدَاد، وصَارَ مُحَدِّثَها كثرةً وإسْنَادًا، حتَّى صَار يطلبُ العِوَضَ على التَّسْميع بعد رَغْبَته - كانت - إلى أصْحَاب الحَدِيْث في السَّمَاع، وحرصه على إسْمَاعِ ما عندَه، وأمْلَى في جَامع المَنْصُور زِيَادَةً على ثَلاثمائةِ مَجْلِسٍ في الجُمُعَاتِ بعد الصَّلاة في البقعَة المنسُوبَة إلى عَبْدِ الله بن أحْمَد بن حَنْبَل.
وكان مَبْخُوتًا في بَيْع الكُتُب، باعَ مرَّة صَحيحَ البُخاريّ، وصَحيح مُسْلِم في مُجَلَّدةٍ لَطِيْفة بخَطِّ أبي عَبْد الله الصُّوْرِيّ الحافِظ (a) بعشرين دِيْنارًا، وقال لي: وَقَعَتْ عليَّ هذه المُجَلَّدة بقِيْرَاطٍ لأنَّني اشْتريها وكتابًا آخر معها بدِيْنارٍ وقِيْرَاط، فبعْتُ ذلك الكتابَ بدِيْنارٍ، وبقيَت هذه المُجَلَّدة بقِيْرَاطٍ.
وكان قد قَدِمَ دِمَشْق سَنَة نيِّف وثَمانين زَائرًا لبَيْت المَقْدِس، فزَارَها وسَمعَ بها من جَمَاعَةٍ، وسَمِعَ بدِمَشْقَ نَصْر بن إبْراهيم المَقْدِسِيِّ، وحَدَّثَ بدِمَشْقَ في دَار أبي الحَسَن بن أبي الحَدِيد، فسَمعَ منه أبو الحسَن (b) بن أبي الحَدِيْد، وأبو مُحَمَّد بن صَابِر، ثمّ رجع إلى بَغْدَاد.
أخْبَرَنا أبو هاشِم بن الفَضْل العبَّاسيّ الصَّالِحِيّ، قِراءَةً عليهِ بحَلب وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبرَنا الإمَامُ أبو سَعْد عَبْدُ الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، قال: إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن عُمَر بن أبي الأشْعَث السَّمَرْقنديّ بن أبي بَكْر المقرِئ، كان يَسْكُن بابَ المَرَاتِب الشَّرِيْفَة بعدَ أنْ سَكَن خَرَابة الزَّيْنَبِيِّيْن، شَيْخٌ كبيرٌ ثِقَةٌ، حافظٌ مُتْقِنٌ، سَمِعَ الكَثِيْرَ بنَفْسه، ونَسَخ بخَطِّه، وجَمعَ الشُّيُوخَ وسَمعَ منهم، وصارَت أُصُول البَغْدَاديِّيْن من أَكثَرها له، نَقَلَ وحَمَل عنه الكَثِيْر، واشْتَهر بالرِّوَايَة والذَّكَاءِ،
(a) ساقطة من ب.
(b) تاريخ ابن عساكر: أبو الحسين.
وجَوْدَة السَّمَاعِ إلى مَنْ يقرأ عليه.
سَمِعَ بدِمَشْق أبا بكر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيب الحافِظ، وأبا الحسَن أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد بن أبي الحَدِيْد السُّلميِّ، وأبا الحسَن عَبْد الدَّائم بن الحَسَن الهِلَالِيّ، وأبا مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانيِّ الحافِظ، وأبا نَصْر الحُسَين بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن طَلَّاب الخَطِيب، وأبا مُحَمَّد عَبْد الله بن إبن إبْراهيم بن كُبيْبَة النَّجَّار، وأبا العبَّاس أحْمَد بن مَنْصُور الغَسَّانِيّ المالكيِّ. وببَيْت المَقْدِس: أبا القَاسِم مَكيِّ بن عَبْد السَّلام المقدِسيِّ الرُّمَيْليِّ الحافظ، وأَبا سَعْد حَمْد بن عليّ بن حُمَيْد (a) بن مُحَمَّد بن صَدَقَة الرُّهَاوِيّ، وأبا بكر مُحَدَ بن أحْمَد الطُّوْسيّ المُقْرِئ. وببَغْدَاد: أبا مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن هَزَارْمَرْد الخَطِيب الصَّرِيفيْنِيّ، وأبا الحُسَين (b) أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن النَّقُور البَزَّاز (c)، وأبا القَاسِم عَبْد الله بن الحَسَن الخَلَّال، وأبا القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن عليّ الأنْمَاطِيّ، وأبا مَنْصُور عَبْد البَاقِي بن مُحَمَّد بن غالب العَطَّار، وأبا القَاسِم عليّ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن البُسْرِيّ، وأبا نَصْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عليّ الزَّيْنَبيِّ، وخَلْقًا يَطُول ذِكْرهُم.
وتفرَّد بالرِّوَايَةِ عن جَمَاعَةٍ من الشَّامِيِّيْن، وقد ذّكَرْتُ جَمَاعَةً كَثِيْرةً في هذا الكتاب من شُيُوخه، سَمِعْتُ منه الكَثِيْر، وقَرأتُ عليهِ الكُتُبَ الكِبَارَ، والأجْزاءَ المَنْثُورة، وعلى الحَقِيْقَة ما فاته من الإسْنَادِ العالي والنَّازلِ شيءٌ ببَغْدَاد إلَّا وسمعَهُ، وأكْثَرَ عن أبي الحُسَين بن النَّقُّور، وكان يُلَازِمُه حتَّى سمعتُه يَقُول: سَمِعْتُ جُزءَ يَحْيَى بن مَعِيْن عن ابن النَقُور اثْنتَي عَشرةَ نَوْبةً، أو ثلاثَ عَشرةَ نَوْبَةً (4)، الشَّكُّ منِّي.
(a) ب: حمد.
(b) الأصل، ب: الحسن، وانظر ترجمة ومصادرها في سير أعلام النبلاء 18: 373 - 373.
(c) الأصل، ب: البزار، وانظر التعليق قبله.
(d) في الأصل: "اثنا عشر نوبة أو ثلاثة عشر نوبة"، و فوقه "صـ".
وقال أبو سَعْد السَّمْعَانيّ: تُوفِّي شَيْخُنا أبو القَاسِم بن أبي بَكْر بن (a) السَّمَرْقنديّ ليلَة الثُّلاثَاء، ودُفِنَ ضَحْوَة يَوْم الأرْبَعَاء الثَّامن والعشرين من ذي القَعْدَة سَنَة ستٍّ وثَلاثين وخَمْسِمائَة، ببَاب حَرْب في مَقَابِر الشُّهَدَاءِ، وصُلِّي عليه بجامِع القَصْر، والمَدْرَسَة النِّظَاميَّةِ، وصَليَّنا نحنُ عليه عند قَنْطَرَة بَاب حَرْب، رحمه الله.
أخْبَرَنا إسْمَاعِيْلُ بن سُلَيمان بن عَبْد الجبَار بن أَيْدَاش بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو مُحَمَّد عَبْد الخَالِق بن أسَد بن ثَابِت
(1)
، قال: تُوفِّي أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد السَّمَرْقنديُّ في ذي القَعْدَة سَنةَ ستٍّ وثَلاثين وخَمْسِمائَة، رحمه الله، ببَغْدَادَ.
إسْمَاعيْل بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز الخَلَّال، أبو سَعيد الجُرْجَانِيّ الوَرَّاق
(2)
جَالَ في الآفاق، وسَمعَ ببلَادِ الجَزيرَة، وبلادِ الشَّام، والعِرَاق، ففي طَريقه ما بين الشَّام والجَزِية دَخَلَ حَلَب، أو بعْضَ عَملها، إنْ لم يكُن سَمِعَ بها شيئًا.
سَمِعَ ببَلده عِمْرانَ بن مُوسَى السِّجِسْتَانِيّ الجرجَانيِّ، وبنَيْسَابُور أبا العبَّاس الثَّقَفِيِّ السَّرَّاِج، وَأبا بكر مُحَمَّد بن إسْحاق بن خُزَيْمَة، ومُحَمَّدَ بن عَبْد الله الزُّبَيْرِيّ. وبدمشْق مُحمَّدَ بن صالح بن أبي عصْمَة، ومُحَمَّدَ بن الفَيْض، وجُمَاهِرَ الزَّمْلَكَانيِّ، وبعَسْقَلان مُحَمَّد بن الحسن بن قُتَيْبَة العسقلانِي، وبِحمْص مُحَمَّد بن جعفَر بن يَحْيى في رَزِيْن الحِمْصِيِّ. وببَغْدَاد حَامِد بن مُحَمَّد بن شُعَيْب، والهَيْثَم بن خَلَف، وجَعْفر بن
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
معجم عبد الخالق 17.
(2)
توفي سنة 364 هـ، ترجمته في: تاريخ جرجان للسهمي 151، تاريخ ابن عساكر 8: 359 - 361، تاريخ الإسلام 8: 226 - 227، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 14 - 15.
مُحَمَّد بن الصَّبَّاح الجَرْجَرَائيِّ، وبالمَوْصِل أبا يَعْلَى المَوْصِليِّ وبالرَّقَّة الحُسين بن عَبْد الله القَطَّان، وبالبَصْرَة زَكَرِيَّاء بن يَحيْىَ السَّاجِيّ، ومُحَمَّد بن الحُسَين بن مُكْرَم، وبالكُوفَة عَبْد الله بن زِيْدان الكُوْفيّ، وبمِصَر عَلَّانَ عليّ (a) بن أحْمَد بن سُلَيمان، ومُوسىَ بن عَبْد الله بن ورْدَان، وأبا جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، وجَمَاعَةً غير هؤلاء.
رَوَى عنهُ الحاكِم أبو عَبْد الله الحافظ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْدِ الله الجوزَقيّ، وأبو سَعْد شُعَيْب بن مُحَمَّد الشُّعَيْبِيِّ، وأَبو الفَضْل مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الجارود، وأبو سَعْد عَبْد المَلِك بن أبي عُثْمان الزَّاهد، وأبو الحُسَين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب الحَجَّاجِيِّ (b).
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَرُ بن مُحَمَّد بن طَبرزَد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَة الجرجَانيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم حَمْزَة (c) بن يُوسُف بن إبْراهيم السَّهْميِّ في تاريخ جُرْجَان
(1)
، قال: إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن مُحَمَّد الجُرْجَانيِّ الخَلَّالِيِّ، نَزِيلُ نَيْسَابُور، رَوَى عن ابنِ قُتَيْبَة العَسْقَلانِيِّ وغيره من أهل الشَّام، وزَكَريَّاء السَّاجِيّ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْدُ الله بن عُمَر، وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر، قالا: أخْبَرَنا أبو الخير القَزْوِيني، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بن طَاهِر، عن أبي عُثْمان الصَّابُونِيِّ، وأبى عُثْمان البَحِيْرِيّ (d)، وأبى بَكْر البيْهَقيِّ، وأبى بَكْر الحِيْرِيِّ، قالوا: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحاكِم
(2)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن أحْمَد بن مُحَمَّد التَّاجر، أبو سَعيد الخَلَّال الجُرْجَانيِّ،
(a) في الأصل، ب: علان بن علي، وعلان لقبٌ له، وقد استدرك ابن العديم هذا السهو فيما بعد فأصلحه.
(b) بعده في الأصل بياض قدر أقل من نصف الصفحة، وفي ب قدر ستة أسطر.
(c) ب: أبو القاسم بن حمزة.
(d) ب: البختري.
_________
(1)
تاريخ جرجان 151.
(2)
انظره ملخصًا في تلخيص تاريخ نيسابور 83.
سَكَنَ نَيْسَابُورَ، وبها وُلدَ لهُ، وبها ماتَ رحمه الله.
وكان أحدَ الجَوَّالين في طلَب الحَدِيْث، والوَرَّاقينَ في بِلَادِ الدُّنْيا، والمُفِيديْن، سَمِعَ في بَلَدِه (a) عَمِرانَ بن مُوسَى السِّجِسْتَانِيّ وأقْرَانَهُ، وبنَيْسَابُور أبا بَكْر مُحَمَّد بن إسْحاق، وأبا العبَّاسِ الثَّقَفِيّ، ومُحَمَّد بن عَبْد الله الزُّبيرِيِّ وأقْرَانهم، وببَغْدَاد حَامِدَ بن مُحَمَّد بن شُعيْب، والهَيْثَم بن خَلَف، وأقْرَانَهُما، وبالبَصْرَة مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُكْرَم، وزَكَرِيَّاء بن يَحْيَى السَّاجِيّ وأقْرَانَهُم، وبالكُوفَة عَبْد الله بن زَيْدان، وأقْرَانَهُ، وبالشَّام مُحَمَّدَ بن يَحْيَى بن رَزِيْن صاحب إبْراهيم بن العَلَاء، وأقْرَانه، وبالجَزِيْرَة أبا يَعْلَى، والحُسَين بن عَبْد الله الرَّقِّيّ وأقْرَانَهُما، وبالشَّام مُحَمَّد بن الحَسَن بن قُتَيْبَة، وأقْرَانَهُ، وبمصْر أبا جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، وعَلَّان عليّ (b) بن أحْمَد بن سُلَيمان وأقْرَانهما (c). وانْتَقَى عليهِ أبو عليِّ الحافِظُ، ثُمَّ عَقَدتُ له المَجْلِسَ بعد وفاتِهِ غَداةَ الأَحَد، فكانَ يُمْلَى من أُصُولهِ، وكان يُحْسن إلى أهْلِ العِلْم، ويقُوم بحَوَائجهم، فإنَّهُ صَار بتجارَتهِ مُوَسَّعًا عليهِ بنَيْسَابُور بعد أحْوَالهِ القَدِيْمَة.
أنْبَأْنَا زَيْن الأُمَناء أبو البَركَات الحَسَن بن مُحَمَّد بن هِبَة الله، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة الله الحافِظُ
(1)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز، أبو سَعيد الجُرْجَانيِّ الخَلَّال الوَرَّاق، نَزيلُ نَيْسَابُور، رَحَل وسَمعَ بدِمَشْق جمَاهِر بن مُحَمَّد الزَّمْلكَانِيِّ (b)، ومُحَمَّد بن الفَيْضِ، ومُحَمَّد بن صالح بن أبي عِصْمَة، وبغيرها أبا العبَّاس بن قُتيَبَة، ومُحَمَّد بن يَحْيَى بن رَزِيْن الحِمْصِيّ العَطَّار، وعِمْران بن مُولى الجُرْجَانِيِّ، وأبا بَكْر بن خُزَيْمَة، وأبا العبَّاس السَّرَّاج، وحَامِد بن مُحَمَّد بن شعيْب، والهَيْثَم بن خَلَف، وعبد الله بن زَيْدان
(a) ب: ببلده.
(b) في الأصل، ب: علان بن علي، وأصلحه في الأصل بشطب كلمة "ابن"، وهو الصواب.
(c) الأصل، ب: وأقرانهم.
(d) ب: ابن الزملكاني.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 359.
الكُوْفيّ، ومُحَمَّد بن الحُسَين بن مُكْرَم، وزَكَرِيَّاء بن يَحْيَى السَّاجِيّ البَصْرِيَّيْن، وأبا يَعْلَى المَوْصِلِيّ، والحُسَين بن عبَد الله الرَّقِّيِّ، وأبا جَعْفَر الطَّحَاوِيِّ، وعليّ بن أحْمَد بن سُلَيمان عَلَّان، ومُحَمَّد بن المُسَيَّب الأَرْغيَانيِّ، وأبا بكر أحْمَد بن عَمْرو بن عَبْد الخالِق، وأبا الفَضْل جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الصَّبًّاح الجَرْجَرَائيِّ، ومُوسَى بن عَبْدِ الله بن وَرْدَان المِصْرِيِّ وغيرهُم. رَوَى عنهُ أبو بَكْر الجوْزَقيِّ، والحاكِمُ أبو عَبْد الله، وأبو الفَضْل مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الجارُود، وأبو سَعْدٍ عَبْدُ المَلك بن أبي عُثْمان الزَّاهِد (a).
كَتَبَ إلينا أبو رَوْح عَبْدُ المُعِزّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل من هَرَاة أنَّ أبا القَاسِم زَاهِرَ بن طَاهِر الشَّحَّاميِّ أخْبَرهم، إجَازَةً أو سَمَاعًا، عن أبي بَكْر البيهَقيِّ، قال: قال لنا أبو عَبْد الله الحافِظ: إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن مُحَمَّد التَّاجر، أبو سَعْد الخَلَّاليِّ، تُوفِّي بنَيْسَابُورَ سَنَة أرْبعٍ وسِتِّين وثَلاثِمائة في يَوْم الخَمِيْسِ السَّابِع عَشرِ من صَفَر، وهو ابنُ سَبْعٍ وثَمانين سنَةً، ودُفِنَ من يَوْمهِ العشَيَّة في مقْبَرَة بابِ مَعْمَر.
(a) في تاريخ ابن عساكر (مصدر النقل) زيادة في أسماء من روى عنه، وهم: أبو سعد شعيب بن محمد الشعبي، وأبو الحسين محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
إسْمَاعِيْلُ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن دُوسْت دَادَا، أبو البَرَكَات بن أبي سَعْد النَّيْسَابُوريّ الصُّوْفيّ، شَيْخ الشُّيُوخ البَغْدَاديّ
(1)
وَالد شَيْخ الشُّيُوخ عبد الرَّحيم، كان والده من أهْل نَيْسَابُور وسَكَنَ بَغْدَاد، ووُلدَ له أبو البَرَكَات بها، ونشَأ على طَريْقَة الصُّوْفيَّة، وتخلَّق بأخْلَاقهم حتَّى صَار من شُيُوخهم المُعْتبَرين، وسَادَتهم المَشْهُورين، وبهِ يُعْرف رِبَاط شَيْخ الشُّيُوخ ببَغْدَاد، وعمَّرهُ أبُوه.
سَمِعَ أبا نَصْر مُحَمَّدًا، وأبا الفَوَارِس ابني مُحَمَّد بن عليّ الزَّيْنَبِيّ، وآباء القَاسِم: عَبْدُ العَزِيْز بن عليّ الأنْمَاطِيّ، وعليُّ بن أحْمَد بن البُسْرِيّ، وعليّ بن مُحَمَّد بن عليّ الكُوْفيّ، وإسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَة الإسْمَاعِيْليِّ، وأبا عَبْد الله مَالِك بن أحْمَد بن عليّ البَانيِاسِيّ، وأبا مَنْصُور عَبْد البَاقِي بن مُحَمَّد بن غالب العَطَّار، وأبا الفَضْل بن خَيْرُون، وأبا بكر أحْمَد بن عليّ بن الحُسَين الطُّرَيْثِيثِيّ، وأبا مُحَمَّد رِزْق الله بن عَبد الوَهَّاب التَّمِيْمِيّ، وأبا الخَطَّاب نَصْر في أحْمَد بن البَطِر القَارِئ، وأبا عليّ إسْمَاعِيْل بن عليَّ الجَاجَرْمِيّ، وأباهُ أحْمَد بن مُحَمَّد بن دُوسْت دَادَا، وبهِ تخرَّج وتأدَّب. وقَدِم حلَبَ مُجْتَازًا إلى زيارة بَيْت المَقْدِس.
(1)
توفي سنة 541 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 8: 361 - 362، ابن الجوزي: المنتظم 18: 50 (وفيه: إسماعيل بن أحمد بن محمود)، ابن الأثير: الكامل 11: 118، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 20: 361 - 362 (وتابع جده ابن الجوزي في تقييد اسم جد المترجَم له: محمود)، الذهبي: تاريخ الإسلام 11: 776 - 777، سير أعلام النبلاء 20: 160 - 161، الإعلام بوفيات الأعلام 222، العبر في خبر مَن غبر 2: 459، الوافي بالوفيات 9: 85، اليافعي: مرآة الجنان 3: 210، النجوم الزاهرة 5: 280، شذرات الذهب 6: 209، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 15.
رَوَى عنهُ الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ، وأبو سَعْدٍ عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْدُ الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَات إسْمَاعِيْل بن أبي سَعْد النَّيْسَابُوريّ، قال: حَدَّثَنَا أبو مَنْصُور عَبْد البَاقِي بن مُحَمَّد بن غالب العَطَّار، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّدُ بن عبد الرَّحْمن بن العبَّاس الذَّهَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد يَحْيَى بن مُحَمَّد بن صَاعِد، قال: حَدَّثَنَا أبو الأشْعَث أحْمَدُ بن المِقْدَامِ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبد الرَّحْمن الطُّفَاوِيّ، قال: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عن مُحَمَّد - هو ابن سِيْرين - عن أبي هُريرَة رضي الله عنه
(1)
، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أُعطيْتُ فَواتِحَ الكَلِم، ونُصِرْتُ بالرُّعْب، وبينا أنا نائمٌ البَارِحَة أُتِيْتُ بمفَاتح (a) خَزَائن الأرْض حتَّى (b) وُضِعَتْ في يَدي. قال أبو هُرَيْرَة: فذَهَب رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنتُم تنتقلونها (c)، ورُبَّمَا قال: تَنْثُلونها (d).
أخْبَرَنا أبو هاشِم، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن أبي بَكْر، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَات إسْمَاعِيْل بن أبي سَعْد النَّيْسَابُوريّ، بقِرَاءَتي عليه، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَة الإسْمَاعيْلِيّ، قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا حَمْزَة بن يُوسُف القُرَشِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد عَبْدُ الله بن عَدِيّ الحافِظ
(2)
، قال: سَمِعْتُ الحَسَن بن سُفْيان يَقُول: سَمِعْتُ حَرْمَلَة يَقُول: كان الشَّافِعيّ رضي الله عنه كَثِيْرًا
(a) في ب وفتح الباري: بمفاتيح.
(b) ساقطة من ب.
(c) القاف مهملة في الأصل، وفي ب، تنسفلوها، والمثبت موافق لما في فتح الباري.
(d) حروفها الثلاثة الأولى مهملة في الأصل، وب.
_________
(1)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري 12: 390 (رقم 6998)، كنز العمال للمتقي الهندي 11: 412 (رقم 31932)، وانظر: المسند الجامع 18: 132 (رقم 14739).
(2)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 2: 865.
يتمثَّل بهذين البَيْتَيْن
(1)
: [من الطويل]
تَمَنَّى رجالٌ أنْ أمُوْتَ وإنْ أَمُتْ
…
فتلكَ سَبِيْلٌ لسْتُ فيها بأَوْحَدِ
فقُل للَّذي يبْقَى خلَاف الّذي مَضَى
…
تَهَيَّأ لأُخْرَى مثْلَها فكأنْ قَدِ
قال أبو سَعْد عَبْد الكَريم: وسَمِعْتُ شَيْخ الشُّيُوخ يقُول: كُنْتُ صَبيًّا صغيرًا فسَمعْتُ بعض الصِّبْيَان يقُول: الدَّرَّاجُ يَقُول: طاب نَبِيْذُ الدَّقَل (a). فحكيتُ لوالدي باللَّيْلِ على ما جَرَت به عادةُ الصِّبْيَان، وقلتُ: يا سَيِّدِي، الدَّرَّاجِ يَقُول: طَابَ نَبيْذُ الدَّقَل، فقال لي: يا بُنَيّ، لا تقُول هذا، بل تقُول: طاب طَرِيقُ الطَّلَب.
أخْبَرَنا أبو هَاشم الهاشِمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد السَّمْعَانيّ، قال: سَألْتُ شَيْخَ الشُّيُوخ إسْمَاعِيْل بن أبي سَعْد عن مَوْلده، فقال: وُلدْتُ في جُمَادَى الآخرة سَنَة خَمْسٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة ببَغْدَاد.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عَمِّي أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هبَةِ الله
(2)
، قال: إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن مُحَمَّد، أبو البَرَكَات بن أبي سَعْدٍ (b) الصُّوْفيّ، المَعْرُوف بشَيْخ الشُّيُوخ، كان أبُوه من أهْل نَيْسَابُور، واسْتَوْطَن بَغْدَاد، ووُلِد لهُ أبو البَرَكَات بها. وسَمِعَ أبو البَرَكَاتِ أبا القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن عليّ بن أحْمَد ابن بنْت السُّكَّرِيّ، وأبا نَصْر، وأبا الفَوَارِس الزَّيْنَبِيَّيْن، وأبا مَنْصُور بن العَطَّار، وأبا مُحَمَّد رِزْق الله بن عَبد الوَهَّاب، ومالكًا البَانِياسِيّ، وأبا القَاسِم عليّ بن مُحَمَّد الكُوْفيّ (c)، وأبا عليّ إسْمَاعِيْل بن عليّ الجَاجَرْمِيّ، وأَبا الخَطَّاب
(a) في ب هنا وتاليه: الأقل، والدقل: النخل، وقيل: الرديء من التمر.
(b) ب: سعيد.
(c) في تاريخ ابن عساكر: محمد الكوفي. ويأتي اسمه فيما بعد على الوجه المثبت في رواية للسمعاني.
_________
(1)
ديوان الشافعي (القاهرة: مكتبة ابن سينا) 51، وفيه البيت الأول، وانظر حلية الأولياء 9:149.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 361 - 362.
نَصْر بن البَطِر، وأبا القَاسِم بن مَسْعَدَة الجُرْجَانِيّ، وأبا الفَضْل بن خَيْرُون، وأبا بَكْر الطُّرَيْثِيثِيّ. كَتَبْتُ عنه شيئًا يسَيْرًا، وكان قَدِمَ دِمَشْقَ لزيارة بيتِ المَقْدِس، ونَزَل في دُوَيْرَة السُّمَيْسَاطِيّ.
أخْبَرَنا أبو هاشِم بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب العبَّاسيّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا الإمَامُ أبو سَعد السَّمْعَانيّ، قال: إسْمَاعِيْلُ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن دُوسْت دَادَا النَّيْسَابُوريّ، أبو البَرَكَاتِ بن أبي سَعْد الصُّوْفيّ، شَيْخُ الشُّيُوخ، كان مُستمرًّا على شَاكلةٍ حَميدَةٍ، وطَريْقَةٍ سَدِيْدةٍ منذ كان حَدَثًا إلى أنْ طَعن في السِّنِّ وكبرَ، ولم يَزَل يَرْقَأُ بهِمَّته إلى جِسَامِ الأُمُور، ومَجْرى الصَّوَاب في مَسَاعيهِ ومقَاصده كُلها إلى أنْ صَارَ أَوْحَدَ عَصْره، وفريدَ دَهْره، وكان وَقُورًا، مَهِيْبًا، أَدِيْبًا، مُخْتَصَرَ الكَلَام مُوْجَزَه، مَعَ البَيَان والإفهامِ، حُلوَ المَنْطِق، حَسَنَ الأخْلَاقِ، مَلِيْحَ المُحَاوَرَة، دائمَ البِشْر، ما عُرِفَ له هفْوةٌ، صَحبْتُه سنين، وقَرَأتُ عليهِ الكَثِيْر، وكنتُ نازلًا عنده في رِباطِهِ.
سَمِعَ أبا القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن عليّ الأنْمَاطِيّ، وأبا مَنْصُور عَبْد البَاقِي بن مُحَمَّد بن غالب العَطَّار، وأبا القَاسِم عليّ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن البُسْرِيّ، وأبا نَصْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عليّ الزَّيْنَبِي، وأخاهُ الكَامِل طَرَّادًا، وأبا مُحَمَّد رِزْق الله بن عَبدِ الوَهَّاب التَّمِيْمِيّ، وأبا القَاسِم عليّ بن مُحَمَّد بن عليّ الكُوْفيّ، وأبا القَاسِم إسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَة الإسْمَاعِيْليّ، وأبا بَكْر أحْمَد بن عليِّ بن الحُسَيْن الطُّرَيْثِيثِيّ، وأبا عَبْدِ الله مَالِك بن أحْمَد بن عليّ البَانِياسِيّ (a)، وجَمَاعةً سِوَاهُم.
(a) ب: ابن البانياسي.
_________
(1)
هو افتخار الدين عبد المطلب بن الفضل الهاشمي.
قال
(1)
: أنْشَدَنا أبو القَاسِم عَبْدُ الله بن القَاسِم بن عليّ الحَرِيْرِيُّ - من لَفْظه، وكتَبَ لي بخَطِّه - قال: أنشدَني وَالدِي لنَفْسِه، وهو ممَّا كات به شَيْخَ الشُّيُوخ أبا البَرَكَات إسْمَاعِيْل بن أبي سَعْد:[من الطويل]
سَلَامٌ كأزْهَار الرَّبْيع نضَارةً
…
وحُسْنًا على شَيْخِ الشُّيُوخ الّذي صَفَا
ولو لم يعُقْنِي الدَّهْرُ عن قَصْدِ رَبْعه
…
سَعَيْتُ كما يَسْعَى المُلَبِّي إلى الصَّفَا
ولكن عَدَاني عنهُ دَهْر مُكَدّرٌ
…
ومَنْ ذا الّذي وَاتَاهُ في دَهْره الصَّفَا
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عمِّي أبو القَاسِم الحافِظ
(2)
، قال: حَدَّثنَا أبو سَعْد بن السَّمْعَانيّ، قال: سَألْتُ شَيْخَ الشُّيُوخ أبا البَرَكَات عن مَوْلدِه، فقال: في جُمَادَى الآخرة سَنَة خَمْسٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة، وماتَ لَيْلَة الثلاثَاء التَّاسِع عَشر من جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة إحْدَى وأرْبَعين وخَمْسِمائَة ببَغْدَادَ.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْدٍ عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور، قال: سَمِعْتُ أبا الرِّضَا سَعيد بن عَبْدِ الله الشَّهْرَزُورِيّ بمَرْو يقول: تُوفِّي شَيْخ الشُّيُوخ إسْمَاعِيْل بن أبي سَعْدٍ النَّيْسَابُوريّ يَوْم الثّلاثَاء العَاشِر من جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة إحْدَى وأرْبَعين وخَمْسمائَة، ودُفِنَ من الغَدِ عند جامع المَنْصُور، ثم كتب إلي أبو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن جَرِير القُرَشِي من بَغْدَاد وأنا بمَرْو أنَّهُ تُوفِّي ليلَة الئّلاثَاء التَّاسِع والعشرين من جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة إحْدَى وأرْبَعين، وكان الخَلْقُ في جنَازتهِ مُتَوفِّر جدًّا.
(1)
نقله عن السمعاني ياقوت: معجم الأدباء 5: 2208، وفيه الأبيات الثلاثة.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 362.
إسْمَاعِيْلُ بن أحْمَد بن أبي عَبْدِ الله بِن أحْمَد بن المُجَبِّر، أبو المُظَفَّر الأنْصَاريّ الدِّمَشقيُّ
(1)
حَدَّثَ بحَلَبَ عن الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيِّ بالأرْبَعِين البُلْدانيَّة. رَوَى عنهُ شَيْخنا يُونُس بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الفَارِقِيّ، وكان سَمِعَها منه بحَلَب في صَفَر سَنَة ستٍّ وسِتِّين وخَمْسِمائَة.
أخْبَرَنا أبو مَنْصُور يُونُس بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الفَارقِيّ (a)، فيما أَذِنَ لنَا أنْ نَرْويَهُ عنْهُ، وسَمِعْتُ منه بدِمَشْقَ في مَنزله (b)، قال: أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن أبي عَبْد الله بن أَحْمَد بن المُجبِّر الأنْصَاريّ الدِّمَشقيّ بحَلَبَ في صَفَر سَنَة ستٍّ وسِتِّين وخَمْسِمائَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن إبْراهيم السِّلَفِيّ الأصْبَهَانِيّ، ح.
وأخْبَرَنا أبو عليّ حَسَن بن أحْمَد الأَوَقِيّ، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن دَاوُد الدَّربَنْدِيّ، وأبو حَفْص عُمَر بن أَيْلمَلِك، وأبو القَاسِم عَبْد الله بن الحُسَين بن رَوَاحَة وغيرهم، قالوا: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيُّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو العبَّاس عَبْد الوَاحِد بن إسْمَاعِيْل بن أحْمَد الرُّويَانِيّ بالرَّيّ، قال: أخْبَرنا أبو غَانِم أحْمَدُ بن عليّ الكُرَاعِيّ بمَرْو، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن الحُسَين البَصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا الحَارِثُ بن أبي أُسامَةَ التَّمِيْمِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن كُنَاسَةَ الأسَدِيّ الكُوفيّ، قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عن شَقِيْق، عن أبي مُوسَى (c)، قال
(2)
: قلتُ: يا رسُولَ الله، المَرْءُ يُحِبُّ القَوْمَ ولمَّا يلْحَقْ بهم؟ فقَالَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم: المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.
(a) في الأصل: الفارسي، ولم نجد من نسبه إلى فارس، وهو دمشقي ونسبته الفارقي إلى مدينة ميَّافارقين.
(b) قوله: "في منزله" سافط من ب.
(c) ب: عن شقيق بن أبي موسى.
_________
(1)
توفي بعد سنة 566 هـ، وترجمته في: تكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 290.
(2)
صحيح مسلم 4: 2034 (رقم 2641)، الجامع الكبير للترمذي 4: 194 (رقم 2386)، البغوي: شرح السنة 13: 61 (رقم 3475)، فتح الباري في شرح البخاري 10: 557 (رقم 6170).
إسْمَاعِيْلُ بن إسْحاق بن إبْراهيم بن تَمِيْم، أبو أحْمد
(1)
غَزَا الرُّوم واجْتازَ بنَاحِيَة حَلَب في طَريْقه إلى الغَزَاة.
رَوَى عنهُ أبو سَعيد بن يُونسُ، وذَكَرَهُ في تاريخ مِصْرِ
(2)
، فقال: إسْمَاعِيْل بن إسْحاق بن إبْراهيم بن تَمِيْم مَوْلَى بَكْرِ بن مُضَر، مَوْلَى آل شُرَحْبِيْل بن حَسَنَة، يُكْنَى أبا أحمد، تُوفِّي في رَجبٍ سَنَةَ سبْع عَشرةَ وثَلاثِمائة بمِصْر، وكان من الغُزَاةِ، وكانت له مَوَاقِفُ للرُّوم مَعْرُوفة، وكتبْتُ عنه حِكَايَات.
حَرْف الباءِ في آباءِ مَن اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بن بُوْرِي بن طُغْتِكِين، أبو الفَتْح المُلَقَّب شَمْس المُلُوك ابن تاج المُلُوك
(3)
صَاحبُ دِمَشْق، وَلِيَها بعد أبيهِ تاجِ المُلُوك بُوْرِي في سَنَة ستٍّ وعشرين وخَمْسِمائَة، واسْتَعاد بَانياس من أيْدي الفِرِنْج بعد أنْ اسْتَولوا عليها، ونازل حَمَاة وشَيْزَر في سَنَة سَبع وعشرين، وكان شُجَاعًا ظالمًا.
قرأتُ بخَطِّ أبي غَالِب عَبْد الوَاحِد بن مَسْعُود بن الحصَيْن في تاريخه: سَنَة سَبْع
(1)
توفي سنة 317 هـ، وترجمته في: المنتظم لابن الجوزي 13: 285، تاريخ الإسلام 7:175.
(2)
لم أقف على ذكر له في تاريخ ابن يونس المصري، في قسميه: المصري والغرباء.
(3)
توفي سنة 529 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 8: 379، ابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق 232 - 333، 241 - 246، 253، ابن الأثير: الكامل 11: 20 - 21، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 20: 270 - 272، تاريخ الإسلام 11: 483 - 484، العبر في خبر مَن غبر 2: 434، سير أعلام النبلاء 19: 575 - 576، الإعلام بوفيات الأعلام 216، تحفة ذوي الألباب للصفدي 2: 64 - 66، الوافي بالوفيات 9: 98 - 100، تاريخ ابن الوردي 2: 60 - 62، ابن خلدون: العبر 9: 482، 680 - 681، اليافعي: مرآة الجنان 3: 195، النجوم الزاهرة 5: 255 - 256، شذرات الذهب 6: 148، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 18.
وعشرين وخَمْسمائة نازَل إسْماعيل بن تاج المُلوك (a) المُلقَّب بشمْس الملُوك حَمَاة وشَيْزَر.
وقرأت بخَطِّه أيضًا فيهِ، قال في حَوَادِث سَنَة تسْعٍ وعشرين: وفيها قُتِلَ شَمْس الملُوك إسْمَاعِيْل بن بُوْرِي، قتلتَهُ أُمُّه زُمُرُّد خَاتُون، وأجْلَسَت أخاهُ شهَاب الدّين مَحمُودًا.
وقرأتُ أيضًا بخَطِّ مُرهَفِ بن أُسامَة بن مُنْقِذ مثل ذلك.
أنبَأنَا أبو البَرَكات الحَسَن بن مُحَّمد زَيْن الأُمَناء، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: إسمَاعِيْل بن بُوْرِي بن طُغْتِكِيْن، أبو الفَتْح المَعْرُوف بشمس المُلُوك، ولِي إمرَةَ دِمَشْقَ بعد قتَلِ أبيهِ بُوْرِي المَعْرُوف بتاج المُلُوك في العشر الأخير من رجَب سَنَة ستٍّ وعِشرين وخَمْسِمائَة، وكان شَهمًا مِقْدَامًا مَهِيْبًا، اسْتَرَدَّ بَانِياس من أيدي الكُفَّار في يَوْميْن، وكات قد سلَّمها إليهم الإسْمَاعِيْليَّة، وأسْعَر بلادَ الكُفَّار بالغَارَات، ثمّ مدَّ يدَهُ إلى أخْذ الأمْوَال، وعزم على مُصَادرة المتُصَرِّفين والعُمَّالِ. ولم ينل أميرًا على دِمَشْق حتَّى كتَبَ إِلى قَسِيمِ الدَّوْلةَ زنْكي بن آقْ سُنْقُر (b) يستَدعيهِ ليُسَلِّم إليه دِمَشْقَ، فخافَتْهُ أُمُّهُ زمرُّدُ فرتّبت له منْ قتلَهُ في قلَعَة دِمَشْق في شَهْر رَبيع الآخر من سَنَة تِسْعٍ وعشرين وخسِمائَة، ونَصَبَتْ أخاهُ مَحمُود بنَ بُوْرِي مكانه.
حَرْف الجيم في آباء مَن اسمُهُ إسْماعِيْل
إسماعيْلُ بن جَعْفَر بن علي بن المُهَذَّب، أبو إبْراهيم المَعَرّي التَّنُوخِيُّ
حدَّثَ بمَعَرَّة النُّعْمَان عن جدِّه عليّ بِن المُهَذَّب، رَوَى عنهُ الحافِظ أبو سَعْد إسمَاعِيْل بن عليّ بن الحُسَين السَّمَّانُ، وخَرَّجَ عنهُ حَدِيثًا في مُعْجَم شُيُوخهِ.
(a) قوله: "ابن تاج الملوك" ساقط من ب.
(b) قوله: "زنكي بن آق سنقر" ساقط من ب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 379.
أخْبَرَتْنا زَيْنَب بنتُ عبد الرَّحْمن الشَّعْرِيّ، عن أبي القَاسِم مَحمُود بن عُمَر بن مُحَمَّد الزَّمَخشَرِيّ، قال: حدَّثني الأُستاذُ أبو الحَسَن عليّ بِن الحُسَيْن بن مَردَك، قال: أخْبَرَنا الحافِط أبو سَعْد إسمَاعِيْل بن علي السَّمَّانُ إجَازَةً، قال: حَدَّثَنَا أبو إبراهيم إسمَاعِيْل بن جَعْفر بن عليّ بن المُهَذَّب بقِرَاءَتي عليهِ بمَعَرَّة النُّعْمَان، قال: حَدَّثَنا جَدِّي عليُّ بن المُهَذَّب، قال: حَدَّثنا مُحَمَّد بن هَمَّام التَّنُوخِيّ، قال: حَدَّثنا مُحَمَّدُ بن سُلَيم القُرشِيّ، قال: حَدَّثنا إبْراهيم بن هُدْبَة، عن أنَسٍ
(1)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ كذبَ عليَّ مُتَعمِّدًا فليَتَبَوَّأ مقعَدَهُ من النَّار.
حَرْفُ الحاءِ في آباءِ مَن اسمُهُ إسمَاعِيْل
إسمَاعيْل بن حَامِد بن عبدِ الرَّحْمن بن المُرَجَّى بن المُؤَمَّل بن مُحَمَّد بن عليّ بَن إبْراهيم بن يَعِيش بن سَعيد بن سَعد بن عُبَادَة بن الصَّامت، أبو الطَّاهر، وأبو الفدَاء، وأبو العَرَب، وأبو المَحَامِد بن أبي الشُّكر بن أبى القَاسمَ بن أبى الآمال بن أبى الرَّجَاء بن أبى المَعَالى بن أبى الحَسَن بن أبي إسحاق الأنصَاريّ الخزرجيّ القُوصِي، نَزِيل دِمشق
(2)
(1)
لم أقف عليه من حديث ابن هدبة، وهو متهم بالكذب، والحديث صحيح من طريق غيره، عن أنس؛ رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد في المسند.
(2)
توفي سنة 653 هـ، وترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني 1: 313 - 313، ابن الشعار: قلائد الجمان 1: 431 - 432، ذيل الروضتين لأبي شامة 391، العبر في خبر مَن غير 3: 370، تاريخ الإسلام 14: 739 - 741، الإعلام بوفيات الأعلام 373، ميزان الاعتدال 1: 225، سير أعلام النبلاء 33: 388 - 389، المشتبه في الرجال 453، اليافعي: مرآة الجنان 4: 100، الوافي بالوفيات 9: 105 - 106، لسان الميزان 1: 397 - 398، ابن كثير البداية والنهاية 13: 186 - 187، العيني: عقد الجمان (القسم الخاص بعصر سلاطين الماليك) 1: 111 - 112، المقريزي: المقفى الكبير 2: 88 - 89، النجوم الزاهرة 7: 34 - 35، ابن قاضي شبهة: طبقات الشافعية 2: 103، الزركشي: عقود الجمان ورقة 70 ب، ابن دقاق: نزهة الأنام 325، حسن المحاضرة 1: 414، النعيمي: الدارس في تاريخ المدارس 1: 333 - 334، شذرات الذهب 7: 449، البغدادي: هدية العارفين 1: 313، الكتاني: فهرس الفهارس والأثبات 2: 971، كحالة: معجم المؤلفين 3: 363، الزركلي: الأعلام 1: 312.
هكذا قرأتُ نسبَهُ بخَطِّه، وكتَبَ عن نَفسه: ذي الكُنَى الأربعَ، وكان يلُقب بالشِّهَاب.
شَيْخٌ فَقِيْهٌ، فَاضِل، أدِيبٌ، حَسَن المُغاضرة (a)، مَلِيْح المُحاضَرَة (ط)، وكان له نَوَادرُ مَطْبُوعة، وكَلَمِاتٌ مَسْجُوعةٌ.
تَفَقَّهَ بالدِّيَار المِصْرِيَّة على شِهَاب الدِّين الطُّوْسيّ، وسَمعَ بدِمَشْق أبا طَاهِره بَرَكات بن إبْراهيم بن طَاهِر الخشُوعيِّ، وعِمَاد الدِّين أبا عَبْد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد الكاتب، وأبا المَجد الحَسَن بن الحَسَن بن عليّ بن النَّحَّاس، والشَّريفَ أبا مُحَمَّد جَعْفَر بن مُحَمَّد بن جَعْفَر العبَّاسيّ، وأبا الفَضْل جَعْفَر بن أبي الحَسَن بن عليّ الهَمْدانِيّ (c)، وشُيُوخنا أبا اليمن زَيْد بن الحَسَن الكنْدِيّ، وأبا القَاسمِ عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الحَرَسْتَانِيّ، وأبا القَاسِم أَحْمَد بن عَبْد الله بن عبد الصَّمَد العَطَّار، وأبا حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر بن طَبرزَد، وأبا الفُتُوح (4) مُحَمَّد بن مُحمَّد بن مُحَمَّد البَكْرِيّ، وأبا صادِق الحَسَن بن يَحْيَى بن صَبَّاح، وأبا القَاسِم الحُسَين بن هِبَة الله بن صَصْرَى، وتَاج الأُمَناء أبا الفَضْل أحمد، وزَيْن الأُمَناء أبا البَرَكَات الحَسَن أبني مُحَمَّد بن الحَسَن بن هبَة الله، وأبا مُحَمَّد عَبْد الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن قدامة، وأبا مُحَمَّد عبد الرَّحمن بن إبْراهيم بن أحْمَد المقدِسيّين وغيرهم، وسَمع بالدِّيَار المِصْريَّة أبا الشُّكْر حَامِد بن أحْمَد بن ثَابِت الغَرْنَاطِيّ، وأبا الفَضْل جَعْفر بن عليّ بن مُحَد بن عُمَر التُّونُسِيّ، وجَعْفَر بن شمس الخِلَافَة مُحَمَّد بن مُختَار، وأبا الفَضْل شَلَعْلع، المِصْرِيَّيْن، وجَمَاعَة آخرون. وسَمعَ بسنْجَار أبا مُحَمَّد الحَسَن بن أحْمَد بن محمود الخُجندِيِّ.
(a) في الأصل: المعاضرة، ولو كتبها بالظاء أو الصاد لكانت أقرب للمناظرة أو المعاصرة. ولعله اشتقاق من الغضارة: النعمة والسعة في العيش. (لسان العرب، مادة: غضر) ووردت في ب: المحاضرة، وهي تأتي بعده.
(b) ب: المعاصرة.
(c) ساقطة من ب.
(d)" أبو الفتوح"، ساقطة من ب.
ووُلد بقُوصٍ، وأقام بدِمَشْقَ، واتَّصَل بالوَزيرِ. صَفيّ الدِّين عَبْد الله بن عليّ بن شُكْر، وزيرِ المَلِك العَادل أبي بَكْر بن أَيُوب، فنفَق عليه، وكان يَتَنادَر عنده على (a) مَنْ يقصدُه ابن شُكْر، فعلَت مَنْزِلته عندَهُ، وسيَّرهُ رَسُولًا عن المَلِك العادِل إلى المَلِك الظَّاهِر غَازِي بن يُوسُف إلى حَلَب، وإلى سِنْجَار، والمَوْصِل، وأخْلَاط، فتَموَّل، وتَولَّى وكالة بيتِ المَالِ، وحَظِي عند مُلُوك زَمنَه.
وجمع مُعْجَمًا لشُيُوخه في مُجَلَّدات أرْبَعة، وَسَمَهُ بكتاب تاج المجامع والمَعاجِم وسِرَاج الأعَارِب والأعَاجِم
(1)
، دَفَعَهُ إليَّ، وشُيُوخهُ فيه يُقَاربُون ألفَ شَيْخٍ، وانتخبتُ منه عدَّة أجْزاء من الفَوَائِد الّتي تتَعَلَّق أغْراضي بها، وقَرأتُها عليه.
وسألتُه عن مَوْلدِه فأخْبَرَني أنَّ مولدَهُ بقُوْص سَنَة أرْبَعٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة في المُحَرَّم.
وسَمِعْتُه يَقُول: سيَّرني المَلِك العادِل إلى المَلِك الظَّاهِر إلى صَلَب رَسُولًا عنه، وأنشدَني المَلِك العادِلُ أبياتًا أمرَني أنْ أُنشْدها المَلِك الظَّاهِر عنهُ، من جُمْلَتها
(2)
: [من الكامل]
لا يُوحشَنَّكَ ما صَنَعْتَ فتنثَني
…
مُتَجنِّبًا وهَوَاكَ لا يُتَجنَّبُ
قال: فلمَّا وصَلتُ إلى حَلَب أنشَدتُها المَلِك الظَّاهِر رحمه الله كما أمَرَني.
أخْبَرَنا شِهَاب الدِّين أبو طَاهِر إسمَاعِيْلُ بن حَامِد القُوصِيّ، قِراءَةً عليه
(a) ب: وكان يتنادره على.
_________
(1)
انفرد ابن العديم بذكر عنوان الكتب كاملًا، وذكره المقري عرضًا (نفح الطيب 2: 298 - 299) بعنوان: "تاج العاجم"، ومثله البغدادي (هدية العارفين 1: 213)، وذكره في ثلاث مجلدات، وسماه حاجي خليفة (كشف الظنون 2: 1735) باسم مؤلفه: "معجم شهاب الدين القوصي"، وقد طبع مؤخرًا مختصر للكتاب (مجمع اللغة العربية بدمشق، 2012 م).
(2)
البيت في مفرج الكروب 3: 113، ومعجم الأدباء 1:117.
بدِمَشْق، أخْبَرَنا عِمَاد الدِّين أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد الكاتب، بقِرَاءَتى عليه بدِمَشْق، قلتُ له: أخْبَرَك أبو الكَرَم المُبارَك بن عليّ بن عَبْد العَزِيْز، المَعْرُوفُ بابنِ السَّمَدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن هَزَار مَرْد الصَّرِيفِيْنيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين ابن أخي مِيْمِي، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن مُحَمَّد البَغَويّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن حَنْبَل
(1)
، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن خَالِد، قال: حَدَّثَنَا رَبَاح، عن مَعْمَر، عن هِشَام بن عروَة، عن أَبِيهِ، عن عائشَة رضي الله عنها، قالت: كان رسُول الله صلى الله عليه وسلم حين قُبِضَ مُسْندًا ظَهرَهُ (a) إليَّ، فدخَل عبدُ الرَّحْمن بن أبي بَكْر عليه وفي يده سِوَاك (b)، فدعا بهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فأخذتُ السّوَاكَ، فطيَّبْتُه، ثمّ دَفَعْتُه إليهِ، فجعَل يستنُّ به، فثقُلَتْ يدُه عليه (c) وهو يَقُول: اللَّهُمَّ في الرَّفيق الأعْلَى (d). قالت: ثمّ قُبِض رسُول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين سحري ونَحْري.
أنشَدَنا أبو المَحَامِد إسمَاعِيْل بن حَامِد، قال: أنشَدَني أبو الفَضْل جَعْفَرُ بنُ عَبْد الله المعرُوف بشَلَعْلَع المِصْرِيّ بفُسْطَاط مِصْر لنفسِه غَزَلًا
(2)
: [من الطويل]
عَضِضْتُ له دِيْنار خَدٍّ مضَرَّج
…
فَلَانَ ليُدرَى أنَّهُ غير بَهرج
وكان صقيْلًا أمْلَسًا فنقَشْتُه
…
فأقبل يَمحُوه بصُدْغٍ مُعوَّج
وما زادَ إلَّا بالمحكِّ (e) إبانةً
…
بأنَّ نُضَار الصُّدْغ غير مُضَرَّج
وأنشَدَني أبو العَرَب إسمَاعِيْل بن حَامِد القُوصِيّ، قال: أنشَدَني الأَمِير
(a) ب: ظهره مُسندًا.
(b) الأصل: مسواك، والمثبت من ب ومسند ابن حنبل ومعجم الطبراني.
(c) مسند ابن حنبل والطبراني: فثقلت يده وثقل عليّ.
(d) جاء قوله صلى الله عليه وسلم مكررًا في مسند ابن حنبل، ولم يكرره الطبراني.
(e) ب: بالمحك نضارة.
_________
(1)
مسند الإمام أحمد 43: 438 (رقم 25640)، وانظر المعجم الكبير للطبراني 23: 33 (رقم 81).
(2)
الأبيات الثلاثة في الوافي بالوفيات للصفدي 11: 109 (في ترجمة شلعلع).
الأجَلُّ الفَاضِلُ الأدِيْبُ مَجْد الملك جَعْفَر بن شمْس الخِلَافَة مُحَمَّد بن مُخْتَار لنَفْسِه في الحِكَم
(1)
: [من الكامل]
هي شدَّةٌ يأتي الرَّخَاءُ عَقِيْبَها
…
وأسىً يُبَشِّرُ بالسُّرُور العَاجِل
وإذا رأيْتَ فإنَّ بؤسًا زائلًا
…
للمرْءَ خَيْر من نعيْمٍ زَائِل
أنشدَني أبو الفِدَاء القُوصِيّ، قال: أنشَدَني الشَّيْخُ الأدِيْبُ المُعتَمد طَاهِر بن مُحَمَّد بن قُرَيْش العَتَّابِيّ البَغْدَاديّ لنفسِه لغزًا في غُلَام اسْمهُ آقُش: [من المجتث]
أَحبَبتُ بَدرًا مُنِيرًا
…
في جُنح لَيلٍ بَهيمِ
سمَّوهُ لي لشَقائي
…
معكُوسَ ضدّ النَّعِيِمِ
أنشدَنا أبو المحامِد القُوصِيّ بدِمَشْق، وهو أوَّل اجْتِمَاعي به، بحَضْرَة نجْم الدِّين البَادَرَائيّ رسُول بَغْدَاد، وكُنْتُ قَدِمتها رسُولًا
(2)
، قال: أنشَدَنا أبو جَعفَر بن حَوَاري المَعَرِّيّ، قال: أنشَدَنا جَدِّي أبو اليقظَان لابن أبي حَصِيْن القَاضِي المَعَرِّيّ: [من الوافر]
وَلِيْتُ الحُكمَ خَمْسًا هنَّ خُمْسٌ
…
لعُمْري والصّبَىْ في العُنْفُوَانِ (a)
فما وضَع الأعَادِي قَدْرَ شَاني
…
ولا قالُوا: فُلَان قد رِشَاني
قُلتُ: وهذان البَيتان لأبي يَعْلَى عَبْد البَاقِي بن أبي حَصين، وكان تَولَّى قَضَاءَ
(a) ب: والصبى والعنفوان.
_________
(1)
البيتان في وفيات الأعيان 1: 362، والوافي بالوفيات 11:144.
(2)
ما يفهم من عبارة المؤلف أن البادرائي تولى حمل الجواب على رسالة الملك الناصر يوسف بن محمد والتي نقلها ابن العديم إلى الخليفة المستعصم بالله في شوال سنة 650 هـ، وانظر: ابن حبيب: درة الأسلاك في دولة الأتراك (مخطوط آيا صوفيا)، ورقة 5 ب.
وأشار ابن العديم إلى سفارته هذه دون أن يبين الغرض منها، انظر: ترجمة أحمد بن أبي الكَرم بن هبَة الله الفَقيه الحنفي (الجزء الثالث)، وترجمة أسعد بن إبراهيم بن النُشَّابيّ الإربليّ (الجزء الرابع)، وانظر أيضًا التمهيد في أول الكتاب.
مَعَرَّة النعْمَان، وعمُره عشرُون سَنَة، وعزلَ عنه وقد كل خَمسةً وعشرين سَنَة من مَوْلده، وَسَنَذكُرها في تَرجَمَتِهِ
(1)
إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
تُوفِّي شِهَاب الدِّين القُوصِيّ بدِمَشْق يَوْم الاثنين سَابع عَشر شَهر (a) رَبيع الأوَّل من سَنَة ثَلاثٍ وخَمْسِين وستمائة، ودُفِنَ في داره بدَرْب زكرى بالقبَاقبِيِّين داخل (b) حِصْن جَيْرُون، ووَقَفها بعده (c) دَارَ حَديِث رحمه الله.
ذِكْرُ مَن اسْمُ أبيْهِ الحَسَن ممَّن اسمُه إسماعِيْل
إسمَاعِيْلُ بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن حَفْصٍ الوَكِيل العَسْقَلانِيّ
سَمعَ بحَلَبَ أبا القَاسِم عُبَيْد الله بن أحْمَد بن عَبْد الأعْلَى الفَقِيه الرَّقِّيّ، وحَدَّثَ عنهُ بعَسْقَلان.
رَوَى عنهُ عَبْدُ الله بن طَلْحَة التِّنِّيْسِيّ، وخَرَّجَ عنهُ حَدِيثًا ذَكَرهُ في مُعْجَم شُيُوخه، سُقْناهُ بإسْنَادِه في تَرجَمة أبي القَاسِم عُبَيْد الله بن أحْمَد الرَّقِّيّ الفَقِيه
(2)
، فيما يأتي إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى في كتابنا هذا.
إسمَاعِيْلُ بن الحَسَن بن أبي بَكْر الشَّعْرِيّ، أبو سَعْدٍ النَّيْسَابوري
دَخَلَ الشَّامَ، وسَمعَ بمَعَرَّة النُّعْمَان أبا العَلَاء أحْمَد بن عَبْد الله بن سُلَيمان، وبطُوْس خالَهُ أبا بَكْر الصَّرَّامِ، وبالبيت المُقَدَّس أبا حَفْص الأَبْهَرِيّ. رَوَى عنهُ الحافِظ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ، وذكَرَهُ في مُعْجَم شُيُوخه.
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: من داخل.
(c) ساقطة من ب.
_________
(1)
ترجمته في الضائع من الكتاب.
(2)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
أخَبَرَنا أبو يَعْقُوبَ يُوسُف بن مَحْمُود بن الحُسَين السَّاوِيّ، قال: أنْبَأنَا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا سَعْد إسْمَاعِيْل بن الحَسَن بن أبي بَكْرٍ الشَّعْرِيّ النَّيْسَابُوريّ ببَغْدَاد يَقُول: سَمِعْتُ خالي أبا بَكْر الصَّرَّام بطُوْس يَقُول: سَمِعْتُ أبا سَعيد فَضْلَ الله بن أبي الخَيْر المِيْهَنِيّ يقُول: رأيتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في المَنَام وقال لي: يا أبا سَعيد، بكَ يُخْتَم التَّصَوفُ كما خُتِمت بي النُّبُوَّةُ.
أخْبَرَنا أبو يَعْقُوب، عن الحافِظ أبي طَاهِر، قال: إسْمَاعِيْل هذا سَافَرَ إلى الشَّام، ورَأى مَشَايخَها، وقال: سمَّاني أبو سَعيد بن أبي الخَيْر وكَنَّاني لمَّا وُلدْتُ، وذَكَرَ أنَّهُ رَأى أبا العَلَاءِ المَعَرِّيّ بالمَعَرَّة، وأبا حَفْص الأبْهَرِيّ بالقُدْس.
إسْمَاعِيْل بن حُمَيْدٍ، أبو طَاهِر
أظُنُّه من أهْل مَعَرَّة النُّعْمَان، أو ممَّن سَكَنَ بها من الغُرَبِاءِ، سَمِعَ القَاضِي أبا المَجْد مُحَمَّد بن عَبْدِ الله بن سُلَيمان أخَا أبي العَلَاء المَعَرِّيّ. روَى عنه القَاضِي أبو الرَّاضِي مُدْرِك بن سَعيد بن مُدْرِك بن سُلَيمان.
أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن النَّسَّابَة الرَّبَعيِّ بدِمَشْق عن أبي الخَطَّاب عُمَر بن مُحَمَّد العُلَيْمِيّ الدِّمَشقيّ، ونَقَلْتُه من خَطِّ العُليَمِيّ، قال: أنشدَني أبو الرَّاضِي مُدْرِك بن سَعيد بن مُدْرِك بن سُلَيمان التَّنُوخِيّ، إمْلاءً من حِفْظهِ، قال: أنْشَدَني أبو طَاهِر إسْمَاعِيْل بن حُمَيْدٍ، قال: أنْشَدَني القَاضِي أبو المجد مُحَمَّد بن عَبْد الله بن سُلَيمان لنفَسِه: [من الوافر]
لئن عَظُمَ اشْتِيَاقٌ منْك نَحْوِي
…
ففي قَلْبي منَ الأشْوَاقِ نَارُ
وعَلَّ اللهُ يَجْمعُ بعْدَ بيْنٍ
…
لنا شَمْلًا ويَقْتَربُ المَزَارُ
وليسَ بضَائرٍ والوُدُّ بَاقٍ
…
إذا نَزَحَتْ بأهْلِيْها الدِّيَارُ
حَرْف الدَّالِ في آباءِ مَن اسْمُهُ إسْماعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بن دَاوُد
(1)
أحَدُ الفُقَهَاءَ المَذْكُورين، أشْخَصَهُ إسْحاقُ بن إبْراهيم المُصْعَبِيّ (a) إلى عَبْدِ الله المَأْمُون وهو بالرَّقَّة في أيَّام المِحْنَة، سَابِع سَبْعة
(2)
ليَمْتَحنهُم بالقَوْل بخَلْقِ القُرآن، فقَدِمُوا الرَّقَّة على المَأْمُون فأجابُوا بالقَوْل بذلك
(3)
، ثمّ رحَل المَأْمُون من الرَّقَّة إلى الشَّام، فاسْتَدعاهم بعد رَحيلهِ إلى الشَّام، فقَدِمُوا عليهِ العَسْكَر بنَوَاحِي حَلَب.
إسْمَاعِيْلُ بن دَايَة
لهُ ذِكْرٌ، وفيه صَلاحٌ، وكان بِشيْحِ الحَدِيْد من عَمَلِ أنْطَاكيَة، ولمَّا مَرض يُوسُف بن أسْبَاط أوْصَى بأنْ يكون إسْمَاعِيْل بن دَايَةَ فيمن يُغَسِّلهُ، وكان موتُ يُوسُف بن أسْبَاط بشِيْح وبها دُفِن، فكان ابن دَايَة بها، وقد ذَكَرنا الحِكايَة مُسْنَدةً في تَرْجَمَةِ خُبَيْق بن سَابِق
(4)
، والد عَبْدِ الله خُبَيْق.
حَرْف الزَّاي في آباء مَن اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بن زَكَرِيَّاء بن صالح بن شَيْخ بن عُمَيْرة
(5)
كان بالثَّغْر الشَّامِيّ وبه تُوفِّي.
(a) ب: المعصبي.
_________
(1)
كان حيًّا سنة 318 هـ، وهي السنة التي امتحن فيه، وورد ذكره في خبر إمتحان المأمون لبعض العلماء في: تاريخ الطبري 8: 634، ابن الأثير: الكامل 6: 433، السيوطي: تاريخ الخلفاء 495.
(2)
انظر أسماء هؤلاء السبعة عند الطبري: تاريخه 8: 634، وابن الأثير: الكامل 6: 423.
(3)
أي أنَّ القرآن مخلوق.
(4)
فيما في الجزء السابع.
(5)
توفي سنة 260 هـ.
أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن رَوَاجِ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَنِن المُبارَك بن عَبْد الجَبَّار الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو إسْحاق إبْراهيم بن عُمَر البَرْمَكِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن العبَّاس بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الفُرات في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن مخْلَد (a) بن حَفْص العَطَّار، قال: سَنَةَ ستِّين ومَائتَيْن وفيها بَلَغَني أنَّ أبا عَبْد الله إسْمَاعِيْل بن زَكَرِيَّاء بن صالح بن شَيْخ بن عُمَيْرة ماتَ بالثَّغْر.
حَرْف السِّيْن في آباءِ مَن اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بنُ سَعْد بن إبْراهيم بن عبدِ الرَّحْمن بن عَوْف بن عَبْد عوف بن الحارِث بن زُهْرَة القُرَشِيّ الزُّهْرِيّ
(1)
اجْتازَ بحَلَبَ غَازِيًا بلادَ الرُّوم فاسْتُشْهد بها.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب، وأبو عَبْد الله ابْنَا البَنَّاء، قالا: حَدَّثَنَا أبو جَعْفَر بن المُسْلِمَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّصُ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن سُلَيمان الطُّوْسِيّ، قال: أخْبَرَنا (b) الزُّبَيْر بن بَكَّار
(3)
، قال: وإسْمَاعِيْل بن سَعْد بن إبْراهيم، لأُمِّ وَلَدٍ، اسْتُشْهِد بالرُّوم.
(a) ب: محمد.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 8: 407.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 407.
(3)
الزبيري: نسب قريش 270.
إسْمَاعِيْلُ بن سَعيد العِجْلِيّ، أبو غَالِب البَغْدَاديُّ
رَوَى بمَعَرَّة النُّعْمَان عن أبي غَالِب إسْمَاعِيْل الإسْكَافِيّ، وعن أبي الحَسَن البُصْرَوِيّ الشّاعر، رَوَى عنهُ أبو المَكارِم الفَيَّاض بن جَعْفَر بن عَبْد الكَريم بن جَعْفَر بن عليّ بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ إنْشَادًا، وأوردَهُ (a) في كتابهِ المَعْرُوف بأُنْس الوَحِيْدِ
(1)
.
نَقَلْتُ من خَطِّ الفَيَّاض بن جَعْفَر بن عَبْد الكَريم المَعَرِّيّ في كابهِ المُسَمَّى أُنْسُ الوَحِيْدِ: أنْشَدَني الشَّيْخُ أبو غَالِب إسْمَاعِيْلُ بنُ سَعيد العِجْلِيّ البَغْدَاديّ في ذِي الحِجَّة من سَنَة اثْنَتَيْن وخَمْسِين وأرْبَعِمائة، قال: أنْشَدَني أَبو غَالِب إسْمَاعِيْلُ الإسْكَافِيُّ، قال: قَرَأتُ على مِهْيَار بن مَرْزَوَيْه
(2)
قَوْلَهُ: [من الرمل]
بَكَرَ العارضُ تَحْدوه النُّعامى
…
فسَقاكِ الرِّيَّ يا دَارَ أُمَامَا
وتَمَشَّتْ فيكِ أرْوَاح الصَّبَا
…
يتأرَّجْنَ بأنْفَاسِ الخُزَامىَ
وإذا مغنىً خلا من زَائر
…
بعدما فارَقَ أو زِيْرَ لِمَامَا
فقَضَى حفْظُ الهَوَى أنْ تُصْبِحي
…
للمُحبِّين مُنَاحًا ومُقَامَا
أجْتَدي المُزْنَ وماذا أَرَبى
…
أنْ تَجُودَ المُزْنُ أطْلَالًا رِمَامَا (b)
وقليلٌ لك (c) أنْ أدعُو لها
…
ما رآني اللهُ أسْتَجْدِي الغَمَامَا
أيْنَ سُكَّانُكِ؟ لا أين هُمُ!
…
أجْمَازًا (d) أَقْبلُوها أم شَآمَا
صُدِّعُوا بعد الْتئامٍ فغَدَت
…
بهم أيدِي المَرَامي (e) تتَرَامىَ
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: اماما.
(c) الديوان: فيك.
(d) الأصل وب: أحجارًا، والمثبت لفظ الديوان.
(e) الديوان: الموامي.
_________
(1)
لم أقف عليه، ولم يذكره العماد الكاتب في ترجمته للفياض بن جعفر المعري في خريدة القصر 12:110.
(2)
قيَّده المؤلف بفتح الزاي، ويرد عند بعضهم بالضم، وانظر القصيدة في ديوان مهيار الديلمي 3: 337 - 329، والقصيدة طويلة عدد أبياتها 81 بيتًا.
وبَجرعَاءَ الحِمَى قَلْبي فعُجْ
…
بالِحَمى واقْرأ على قَلْبي السَّلَامَا
وترحَّل (a) فتحدَّث عَجَبًا
…
أنَّ قَلْبا سَار عن جِسْمٍ أقَامَا
قُل لجِيْرَان الغَضَا (b) آه على طِيْب
…
عَيْشٍ بالغَضَا لو كان دَامَا
حَمِّلُوا ريْحَ الصَّبَا نشرَكمُ
…
قبل أنْ تَحْمِل شَيْحًا وثُمَامَا
وابْعَثُوا أشبَاحَكُم لي في الكَرَى
…
إنْ أَذِنْتُم لجُفُوني أنْ تَنَامَا
وقَفَ الظَّامِي على أبْوَابكمُ
…
أَفيَقْضِي وهو لم يَشْفِ الأُوَامَا
ما يُبَالي من سقَيْتُنَّ اللّمَى
…
مَنَعكُنَّ الماءَ عَذْبًا والمُدَامَا
أشْتَكِيكم، وإلى مَن أشْتَكي؟
…
غلَبَ الدَّاءُ فَمنْ يُبْري (c) السَّقَامَا
أنتُم والدَّهْرُ سَيفٌ وفَمٌ
…
ما تملَّان ضِرابًا وخِصَامَا
وإذا (d) عَاتَبْتُ في حَظِّي دَهْرِي
…
زَادَه العتْبُ لجاجًا وغَرَامَا (e)
وإذا اسْترهَقْتُ خلِّا فكأنِّي
…
منهُ جرَّدْتُ على عُنيَ حَسَامَا
حَفِظَ اللهُ ورَاعَي لرجَالٍ (f)
…
مُذْ رَعوني لم يُضِيْعُوا (g) لي سَوَامَا
كفَّني جودُهُم أنْ أجْتَدِى
…
وأبَى غرُّهُم لي أنْ أُضَامَا
ونَقَلْتُ من خَطِّ الفَيَّاض في هذا الكتاب، قال: وأنْشَدَني - يعني إسْمَاعِيْل بن سَعيد - ما سمعَهُ (h) من أبي الحَسَن البُصْرَوِيّ لنَفْسِه (i) في غُلَام يُعْرَفُ بقُسَيْمَة: [من البسيط]
أَقْسَمْتُ بالنَّفَرِ الغَادين تَحملُهُمْ
…
إلى منىً نَاحِلَاتٌ مَضَّهَا السَّفَرُ
وهُم عليها جُسومٌ لا لُحُومَ (j) لهُمْ
…
منَ السُّرَى غيرُ ما ضَمَّتِ الأُزُرُ
لا يَقْدرُونَ على أهْلٍ ولا ولدٍ
…
أو يُقْبِلونَ بما لَبَّوا وما نَحَرُوا
(a) الديوان: وترجَّل.
(b) ب: النقى.
(c) الديوان: أنتم الداء فمن يشفي.
(d) الديوان: كلما.
(e) كذا في الأصل مجودًا، وفي الديوان: وعُراما.
(f) في الديوان: دفع الله وحامى عن رجال
…
قد.
(g) ب: يضيقوا.
(h) ب: سمعته.
(i) ساقطة من ب.
(j) ب: لحوم لا جسوم.
فبلِّغُوا قَسَمِي هذا بجملَتِهِ
…
إلى قُسَيْمَةَ حتَّى يَصْدُقَ الخبرُ
لا أبْصَرَتْ بعدَهُ عَيْني إلى أحَدٍ
…
منَ الحسَان سِوَى ما يغْلَطُ البَصَرُ
ولا رَقَدْتُ وليْ إلْفٌ يُصَاحبُني
…
على الوسَادةِ إلَّا الهَمُّ والفِكَرُ
حتَّى أرَاهُ وقد ضَاقَ الرّخَام بهِ
…
وأبْدَتِ النَّفْسُ ما تُبْدِى وما تَذَرُ
إسْمَاعِيْل بن سُفْيان - وقيل: سُقَيْر - الرُّعَيْنِي الحَجْريُّ الأعْمَى المِصْرِيّ
(1)
قَدِمَ على عُمَر بن عَبْد العَزِيْز بعد ولايَتِهِ خُنَاصِرَة أو دَابِق، وحَكَي عن عُمَر بن عَبْد العَزِيْز. رَوَى عنهُ ضِمَام بن إسْمَاعِيْل، وعَبْد الرَّحمن بن شُرَيْح.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَاتِ الحَسَنُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عّمِّي
(2)
، قال: كتَبَ إليَّ أبو بَكْرٍ (a) أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن سُلَيم، وأبو مُحَمَّد حَمْزَة بن العبَّاسِ بن عليّ، ثمّ حَدَّثَني أبو بَكْر مُحَمَّد بن شُجَاعٍ عنهما، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَاطرْقَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله بن مَنْدَة، قال أبو بَكْر - يعني ابن شُجَاع -: وأنْبأني أبو عَمْرو بن مَنْدَة، عن أَبِيهِ أبي عَبْدِ الله، قال: حَدَّثَنَا أبو سَعيدٍ عبدُ الرَّحْمن بن أحْمَد بن يُونُسَ
(3)
، قال: حَدَّثَنَا سَلامَةُ بن عُمَر المُرَاديّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حُمَيْد بن هِشَام الرُّعَيْنِيِّ، أبو قُرَّة، قال: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بن عَبْدِ الجبَّار، قال: أخْبَرَنا ضمَامٌ، عن إسْمَاعِيْل الحَجْريّ - حَجْر رُعَيْن - الرُّعينِيّ، قال: كُنْتُ أخْرجُ إلى الوَلِيدِ وسُليْمانَ بنِ عَبْدِ المَلِك فيُعْطِياني، فلمَّا وَليَ عُمَر بن عَبْدِ العَزِيْز خرجْتُ
(a) من قوله: الحسن بن محمد إلى هنا ساقط من ب.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن يونس المصري 1: 42، الإكمال لابن ماكولا 3: 83 - 84، تاريخ ابن عساكر 8: 408 - 409، السمعاني: الأنساب 4: 73، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 24.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 408.
(3)
لم أقف عليه في تاريخ ابن يونس الصدفي المصري.
إليه، وكنتُ على الباب الّذي يَخْرجُ منه، فرفَعْتُ صَوْتي بالقُرْآن، فأرْسَل إليَّ: ممَّن أنْتَ؟ قُلتُ: من أهْل مِصْر قال: ما حَمَلَكَ إلينا؟ قُلتُ: إنِّي كُنْتُ أخرجُ إلى الوَلِيدِ وسُليْمانَ بن عَبْد المَلِك فأُصِيْبُ منهما، قال: أتُرَى (a) أنَّا كُنَّا غَافِلين عنكَ وعن أشْبَاهكَ وأنتَ في بَلَدك ومَنْزِلكَ!؟ فأعْطَاني حَمُولتي إلى مِصْرَ وأمَرَني بالانْصِراف.
قال
(1)
: وقال لنا أبو سَعيد بن يُونسُ
(2)
: إسْمَاعِيْل بن سُفْيان الرُّعَيْنِيّ ثُمّ الجريّ، الأعْمَى، وفَد على الوَلِيدِ وسُليْمانَ ابْنَي عَبْدِ المَلِك، وعُمَرَ بن عَبْد العَزِيْز، حَدَّثَ عنهُ ضِمَام بن إسْمَاعِيْل، وعَبْد الرَّحمن بن شُرَيْح.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد، عن أبي مُحَمَّد السُّلَمِيّ، عن أبي نَصْر ابن مَاكُولا
(3)
، قال: أمَّا الحَجْريّ - بفَتْحِ الحَاءِ وسُكُون الجيمِ - فجَمَاعَةٌ منهم من حَجْر رُعَيْن (b): إسْمَاعِيْل بن سُفْيان الرُّعيْنِيّ ثمّ الحَجْريّ الأعْمَى، وفَد على الوَلِيدِ وسُليْمانَ ابْنَي عَبْدِ المَلِك، وعُمَر بن عَبْد العَزِيْز، حَدَّثَ عنهُ ضِمَام بن إسْمَاعِيْل، وعَبْد الرَّحمن بن شُرَجْ، قالَهُ ابن يُونسُ.
أخْبَرَنا الحَسَنُ بن مُحَمَّد، ومُحَمَّد بن نَصْر (c)، فيما أذِنَا لنا في روَايَته عنْهُما، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم (d) عليُّ بن الحَسَن
(4)
، قال: إسْمَاعِيْل بن سُفْيان الرُّعَيْنِيّ الحَجْرِيّ المِصْرِيّ الأعْمَى، حَدَّثَ عن عُمَر بن عَبْد العَزِيْز قَوْلَه. رَوَى عنهُ ضِمَام بن إسْمَاعِيْل، وأبو شُرَيْح عبد الرَّحْمن بن شُرَجْ الإسْكَنْدِريَّان، ووفَد على الوَلِيدِ وسُليْمانَ، وعلى عُمَر بن عَبْد العَزِيْز.
(a) تاريخ ابن عساكر: ألا ترى.
(b) ب: حجر بن رعين.
(c) ب: الحسن بن محمد بن محمد بن نصر.
(d)" أبو القاسم" ساقط من ب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 409.
(2)
تاريخ ابن يونس المصري 1: 42.
(3)
الإكمال 3: 83 - 84.
(4)
تاريخ ابن عساكر 8: 408.
إسْمَاعيْلُ بن سُلْطان بن عليّ بن مُقَلَّد بن نَصْر بن مُنْقذ، أبو الفَضْل بن أبي العَسَاكر بن أبي الحَسَن بن أبي المُتَوَّج، المُلَقَّب شَرَف الدَّوْلَة الكِتَانيّ الشَّيْزَرِيّ
(1)
وقد سَبَق تَمَامُ نَسَبه في تَرْجَمَة أُسامَة بن مُرْشِد بن عليّ
(2)
.
أميرٌ، شَاعِرٌ، فَاضِلٌ، من أهْل شَيْزَر، وُلد ونَشَأ بها، وكان أبُوه سُلْطانُ أميرَها بعدَ أبيهِ عليّ، ثُمَّ ولها تاجُ الدَّوْلَة أخُوه، وإخوه إسْمَاعِيْل مُقيمٌ بها تحت كنَفه إلى أنْ خرَّبتها (a) الزلزَلَةُ، ومات أخوه وجَمَاعَةٌ من أهْله تحتَ الرَّدْم، وتوَجَّه نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي بن آقْ سُنْقُر إلى شَيْزَر فتسلَّمها، وكان إسْمَاعِيْل غائبًا عنها، فانْتقَل عند ذلك إلى دِمَشْق، واسْتَوْطَنها إلى أنْ مات بها.
رَوَى عنهُ شَيئًا من شِعْره الحافِظُ أبو القَاسِم بن عَسَاكِر، ولم يُفْرد له تَرْجَمَةً في تاريخِ فِي مَشْقِ
(3)
، ورَوَى عنهُ مُرْهَف بن الصِّنْدِيْدِ الشَّيْزَرِيّ، وأبو الفَتْح عُثْمانُ بن عِيسى بن منْصُور البَلَطِيّ النَّحْوِيِّ.
(a) ب: إلى أخربتها.
_________
(1)
توفي سنة 561 هـ وترجمته في: خريدة القصر (قسم الشام) 11: 564 - 566، معجم الأدباء 2: 589 - 591، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 21: 74، فوات الوفيات 1: 178 - 179، تاريخ الإسلام 12: 244، ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار 16: 45 - 46، الوافي بالوفيات 9: 118 - 119، الزركشي: عقود الجمان ورقة 69 أ - 69 ب، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 326 - 327.
(2)
فيما تقدم، الجزء الثالث.
(3)
ذكره ابن عساكر في تاريخه مرَّة واحدة، وأورد له قصيدة طويلة تقع في مئة بيت، موضوعها مدح دمشق، وقدَّم ابن عساكر لها بالقول:"وقد جمع الأمير أبو الفضل إسماعيل ابن الأمير أبي العساكر سلطان بن علي بن مُنقذ الكتانيّ في قصيدة طوَّلها، محاسن دمشق التي ذكرها غيرُه من الشعراء فأجملها، فأتى بها مُسْتقصاة وفصَّلها، فشرَّفها بما قال فيها وجَمَّلها". وأورد القصيدة بتمامها. انظر: تاريخ ابن عساكر 406 - 401:2.
أنشدَني أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أبي الفَوَارِس بن أبي عليّ بن الأمَّان الشَّيْزَرِيّ إمْلاءً من لفظه بالهَوْل من بَلَد سِنْجَار، قال: أنشدَني القَاضِي وَجِيْهُ الدِّين مُرْهَف بن الصِّنْدِيْد (a) الشَّيْزَرِيّ قال: أنْشَدَني شرَف الدَّوْلَة - يعني أبا الفَضْل إسْمَاعِيْل بن أبي العَسَاكِر سُلْطان (b) بن عليّ بن مُقَلَّد - لنفسِه، وكانت الزَّلْزَلَة قد خَرَّبَت شَيْزَر في سَنَة اثنتَيْن وخَمْسِين وخَمْسِمائَة، وسَقَطَت القَلْعَة على أخيهِ وأوْلَادِه وزَوْجَته الخَاتُون أُخت شَمْس المُلُوك - يعني بنت بُوْرِي بن طُغْتِكِين - فسَلِمَت المَرْأة وَحْدها دُونهم، ونُبِشَتْ من الرَّدْم وخلصَتْ، وجاءَ نُور الدِّين مَحْمود إلى شَيْزَر وطلبَ من امْرأته أنْ تُعلمه بالمالِ وهَدَّدَها، فذكَرت له أنَّ الرَّدْم سَقَط عليها وعليهم ونُبِشَتْ هي دُونَهُمٍ ولا تَعْلم بشيء، وإنْ كان لهم شيء فهو تحتَ الرَّدْم، وكان شرَفُ الدَّوْلَةِ غائبًا فحضَر بعد الزَّلْزَلَة، وعاين ما فعَلت بشَيْزَر وأخيهِ، وشَاهد امْرأة أخيْهِ بعد العِزِّ في ذلك الذُّلّ، فعَمل
(1)
: [من الكامل]
ليسَ الصَّبَاحُ من المَسَاءِ بأَمْثَل
…
فأقُولُ للَّيْل الطَّويل ألَا انْجَل
شُلَّتْ يَدُ الأيَّامِ إنَّ قِسِيَّها
…
ما أرْيسَتْ سَهْمًا فأَخْطَأَ مَقْتَلِي
لي كُلّ يَوْم كُرْبةُ من نَكْبَةٍ
…
يَهمِي لها جَفْنِي وقَلْبي يَصْطَلي
يا تاجَ في دَوْلَة هاشِمٍ بل يا أبا الـ
…
ـتّيْجَان بل يا قَصْد كُلِّ مُؤَمِّل
لو عَاينَتْ عَيْنَاكَ قلعَة شَيْزَرٍ
…
والسِّتْرُ دون نسَائها لم يُسْبَل (c)
لرأيتَ حصْنًا هائلَ المَرْأى غَدَا
…
مُتَهلهلًا مثْلَ النَّقَا المُتَهلْهِل
كذا أَنْشَدنيه: المُتَهلْهِل! ويَنْبَغي أنْ يكُون: المُتَهَيِّل.
لا تَهْتَدِي فيه السُّعَاةُ لمسْلَكٍ
…
فكأنَّما يَسْرِي بقَاعٍ مهولِ
(a)" ابن الصنديد" ساقط من ب.
(b) ساقطة من ب.
(c) تذكرة ابن العديم: يسُدل.
_________
(1)
خبر الزلزلة والأبيات في زبدة الحلب 3: 484 - 485، وتذكرة ابن العديم 364 - 365.
قال فيها يَذْكر امْرأة أخيْهِ المَذْكُورَة
(1)
:
نَزَلَتْ على رَغْمِ الزَّمان ولو حَوَتْ
…
يُمْنَاكَ قائمَ سَيْفِها لم تَنْزِلِ (a)
فتَبدَّلتْ عن كِبْرها بتَوِاضُعٍ
…
وتعَوَّضَت عن عِزِّهَا بَتذَلُّل
كَتَبَ إلينا القَاضِي الأشْرفُ حَمْزَةُ بن عليّ بن عُثْمان المَخُزُوميّ من الدِّيَار المِصْرِيَّة، قال: أنْشَدَنا أبو الفَتْحِ عُثْمانُ بن عِيسَى بن مَنْصُور بن هَيْجُون البَلَطِيّ النَّحْوِيّ، وأخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن علي، قال: أجاز لنا البَلَطِيُّ، قال: أنْشَدَني الأَمِيرُ شَرَفُ الدَّوْلَة أبو الفَضْل إسْمَاعِيْل بن أبي العَسَاكِر سُلْطان بن عليِّ بن مُنْقِذ بدِمَشْق لنَفْسِه
(2)
: [من الكامل]
ومُهَفْهَفٌ كتبَ الجَمَالُ بخَدِّه
…
سَطْرًا يُدَلِّهُ (b) ناظِر المُتَأمِلِ
بالَغْتُ في اسْتِخْرَاجِه فوَجَدْتُه
…
لا رَأيَ إلَّا رأي أهْل المَوْصِلِ
قال البَلَطِيِّ: وأنْشَدَني أيضًا لنَفْسِه يَصِفُ النَّحْلَ والزُّنْبُورَ
(3)
: [من الكامل]
ومُغَردَيْن تِرِنَّما في مجلِس
…
فنَفَاهمُا لأذاهمُا الأقْوَامُ
هذا يَجُودُ بما يَجُودُ بعَكْسِه
…
هذا فيُحْمَدُ ذا وذَاك يُذَامُ (c)
أي الّذي يُعْطِي هذا عَسَلُ، والّذي يُعطى هذا لَسْعٌ، وهو عَكْسُهُ.
أنْبَأنَا أبو عَبْد الله مُحَّمدُ بن إسْمَاعِيْلِ بن عَبْد الجَبَّار بن أبي الحَجَّاج المَقْدِسِيُّ، قال: أخْبَرَنا عِمَادُ الدِّيِن أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِدٍ الكَاتِب في كتاب
(a) ب: ينزل.
(b) الجريدة ومعجم الأدباء والوافي: يحير.
(c) الخريدة: يلام.
_________
(1)
البيتان في تاريخ الإسلام 13: 344.
(2)
البيتان في الخريدة 11: 564، ومعجم الأدباء 2: 590، وتاريخ الإسلام 13: 344، ومسالك الأبصار 16: 45، والوفي بالوفيات 9: 118، وعقود الجمان للزركشي 69 ب.
(3)
في الجريدة 11: 565، ومعجم الأدباء 2: 590، ومسالك الأبصار 16: 45 - 46، والوافي بالوفيات 9: 118، وعقود الجمان 69 ب.
خَرِيْدَة القَصْر
(1)
، قال: وتُوفِّيَ - يعنى إسْمَاعِيْلُ بنُ سُلْطان بن مُنْقِذ - سَنَة إحْدَى وسِتِّين وخَمْسِمائَة بدِمَشْق.
إسْمَاعِيْلُ بن سَلَمَةَ أبي غَيْلان الثَّقَفِيُّ
(2)
سَمِعَ بطَرِسُوسَ مُحَمَّد بن مُصْعَب القَرْقِسَانِيّ، وحَدَّثَ عنهُ، وعن حَجَّاج بن مُحَمَّد الأعْور، روَى عَنْهُ ابنُه عُمَر بن إسْمَاعِيْل.
أخْبَرَنا زَيْدُ بن الحَسَن بن زَيْد، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْرٍ الحافِظُ
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن المُظَفَّر السَّرَّاجُ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن عُمَر السُّكَّرِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حَفْصٍ عُمَر بن إسْمَاعِيْل بن أبي غَيْلَان الثَّقَفِيّ، قال: حَدَّثَنا أبي، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مُصْعَب القَرْقِسَانيّ بطَرَسوس، قال: حَدّثَنَا همَام، عن قَتَادَة، عن أَنَس بن مالِك، عن عُبَادَة بن الصَّامِت أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال
(4)
: مَنْ أحَبّ لقاءَ اللهِ، أحَبَّ اللهُ لقاءَهُ، ومَنْ كَرِهَ لقاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لقاءَه. فقالت له عائِشَة، أو بَعْض أزْوَاجِه: يا رسُولَ الله، إنَّا لنَكْرَهُ المَوْتَ! قال: ليس من ذاكِ، ولكنَّ العَبْدَ المؤمِنَ إذا حضَرَ أجَلُه بُشِّر عندَ ذلك برِضْوَان الله وكَرَامتِه، فليسَ شيء أحَبُّ إليه من لقائِهِ، فأحبَّ لقاءَ اللهِ وأحبَّ اللهُ لقاءَهُ، وإنَّ الرَّجُلَ الكَافِرَ إذا حَضَرَ أجَلُهُ بشِّر بعدَ ذلك بسَخَطِ اللّهِ وعِقَابهِ فليسَ شيءٌ أبْغَضَ إليه ممَّا أمامَهُ، فكَرِهَ لقاءَ اللهَ، وكَرِهَ اللهُ لقاءَهُ.
(1)
خريدة القصر 11: 564.
(2)
ترجمته في: تاريخ بغداد 7: 255 والترجمة أعلاه مقتبسة عنه.
(3)
تاريخ بغداد 7: 255.
(4)
صحيح مسلم 4: 2065 (رقم 2683)، الترمذي: الجامع الكبير 3: 366 (رقم 1066)، سنن النسائي 4: 10 (رقم 1836)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 11: 357 (رقم 6507).
إسْمَاعِيْلُ بن سُليَمان بن أَيْدَاش بن عَبْد الجَبَّار الحَنَفِيّ، أبو الطَّاهِر العَسْكَريّ الدِّمشقي، يُعْرَفُ بابن السَّلَّار
(1)
كان شَيْخًا حَسَنًا خَيِّرًا، حَسَنَ الصُّورَة، كَثِيْرَ الوَرَع، مُلَازمًا لمجمَاعات، من أوْلاد الجُنْد، سَمِعَ بدِمَشْقِ الحافظَ عَبْد الخالِق بن أسَد بن ثَابِت الحنفِيّ، والحافِظ أَبا القَاسِم عليّ بن الحَسَن الشَّافِعيِّ، ورَوَى عنهُما.
اجْتَمَعْتُ بهِ بدِمَشْق في داره، في وَليْمَةٍ دَعَاني إليها أخُوه أميرِ الحاجّ عليّ بن سُلَيمان بعد عَوْدي من الحجِّ في سَنَة أرْبَعٍ وعشرين وستّمائة، وسمعتُ منه أحادِيْثَ وأناشِيْدَ وفَوَائدَ انتقَيْتُها من مُعْجَم عَبْد الخالِق بن أسَد بروَايه سَمَاعًا منهُ، وذَكَرَ لي ذلك اليَوْم أنّهُ دَخَلَ حلَبَ.
وسَألتُ أخاهُ أمير الحاجِّ عليّ بن سُلَيمان عن مَوْلد أخيهِ إسْمَاعِيْل، فقال: قالت لى أُمِّي: لمَّا جَاءَ مَلِكُ الأَلْمَان وحَصَر دِمَشْق كان لأخِيْكَ عَشَرةُ أشْهُر، وكان نُزُول مَلِك الأَلْمَانِ على دِمَشْق سَنَهَ ثَلاثِ وأربَعين وخسِمائَة. وسُئِلَ عن موْلدِه فقال: في حادِي عَشر رجَب سَنَة اثْنَتَيْنَ وأرْبَعين وخسِمائَة بدِمَشْق (a).
أخْبَرَنا أبو الطَّاهِر إسْمَاعِيْلُ بن سُلَيمان بن أَيْدَاش العَسْكَريّ في مَنْزِله بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ عَبْد الخالِق بن أسَد بن ثَات الحَنَفيّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَدُ بن أبي غَانِم بن أحْمَد بن مَحْمُّود الثَّقَفِيِّ بقِرَاءَتي عليه بأصْهَان، قال: أخْبَرَنا أبو الرَّجَاء أحْمَد بن عَبْد الله بن المُظَفَّر بن مَاجةَ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
توفي سنة 630 هـ، وانظر ترجمته في: التكملة للمنذري 3: 351، تاريخ الإسلام 13: 915، تذكرة الحفاظ 4: 1456 (ذكر عارض)، العبر في خبر من غبر 3: 306 (وفيه: إسماعيل بن سليمان)، القرشي: الجواهر المضية 1: 408، شذرات الذهب 7:238.
(2)
معجم عبد الخالق 135 - 136.
الحَسَن بن عليّ بن الجُوزْدَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَدُ بنُ عبدِ الرَّحْمن بن يُوسُف الأسَديّ، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس الفَضْلُ بنُ الخَصِيْب بن نَصْر قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أبي بَزَّة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عبد الملِك، قال: حَدَّثَنَا عُثْمانُ بن القَاسِم، عن هِشَام بن عُرْوَة، عن أَبِيهِ، عن عائِشَة
(1)
: أنَّ امْرأةً نَذَرَتْ أنْ تَضْرِبَ بالدُّفِّ على رَأسِ رسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فذَكَرتْ ذلك له، فقال: أَوْفِ بنذْركِ. ففربَتْ بالدُّفِّ على رأسِهِ، فبينما هي تَضْربُ إذ طلَعَ عُمَرُ بنُ الخَطَّاب، فلمَّا رأتْهُ سقَطَ من يَدَيْها (a). فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الشَّيْطان يفرَقُ من حِسِّ عُمَرَ.
أنْشَدَنا شَمْسُ الدِّين أبو الطَّاهِر إسْمَاعِيْلُ بن سُلَيمان بن أَيْداش، قال: أنشدَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الخَالِق بن أسَد بن ثَابِت الحنفِيّ
(2)
، قِراءَةً عليهِ، قال: أنشدَنا أبو مُحَمَّد شُمَيْلةُ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن أبي هاشِم الحَسَنيّ ببَغْدَاد، قال: أنْشَدَنا مُحَمَّدُ بن عَبْد الله الشِّيْرَازيُّ بمَكَّةَ
(3)
: [من الكامل]
ولقد كَتمْتُ هَوَاك أوْثَقَ (b) صاحبٍ
…
عندِي مخَافَة أنْ يَكُونَ عَدُوَّا
حذَرًا عليْكِ وأنْتِ مَوضعُ ظِنَّتي (c)
…
لا زلتُ فيكِ مُسلمًا مَكْلُوَّا
لا نَال قَلْبي من وصالكِ سُؤْلَهُ
…
إنْ كان قَلْبي رامَ عَنْك سُلُوَّا
أنْشَدَنا أبو الطَّاهِر إسْمَاعِيْل بن سُلَيمان بن أَيْدَاش، قال: أَنْشَدَنا عَبْدُ الخَالِق
(4)
، قال: أنشدَني (d) أبو عليّ الفَرَجُ في أحْمَد ابن الإخْوَة البَغْدَاديُّ
(a) ب: يدها.
(b) ب: أوفق، الديوان: أصدق.
(c) كتب ابن العديم في الهامش: "ضِنَّتي بالضاد أجود"، في الديوان: ضنةٍ.
(d) ب: أنشدنا.
_________
(1)
المتقي الهندي: كنز العمال 11: 581 (رقم 32764).
(2)
معجم عبد الخالق 225.
(3)
تنسب الأبيات لكشاجم، انظر ديوانه 312 - 313.
(4)
معجم عبد الخالق 307.
بها لنَفْسِه: [من البسيط]
إنَّ الظَّعَائن (a) من نَعْمَانَ هْجِنَ هَوَىً
…
يا طالَ ما هَيَّح الأَطْرَابَ نَعْمَانُ
لمَّا رَأينَ دَمي أنكَرْنَ سافِكَهُ
…
نفَرْنَ عنهُ وبَعْضُ النُّكْرِ عِرْفَانُ
دَميِ الّذي صَارَ مِسْكًا في نَوَافِجِها
…
فكيفَ تنفِرُ منهُ وَهْىَ غِزْلَانُ
أخْبَرَني أمير الحَاجّ شُجَاعُ الدِّين أبو الحَسَن عليّ بن سُلَيمان بن السَّلَّار، وقد سألتُه بحَلَبَ عن وَفَاة أخيهِ أبي الطَّاهِر إسْمَاعِيْل شَيْخِنا، فقال: تُوفِّي في ذِي القَعْدَة سَنَة ثلاثين وستِمائة؛ يعني: بدِمَشْق، رحمه الله.
ثُمَّ أخْبَرَني زَكيِّ الدِّين مُحَمَّد بن يُوسُفَ البِرْزَاليّ أنَّهُ تُوفِّي يَوْمَ الجُمُعَة رابع ذي القَعْدَة من السَّنَة المَذْكُورَة، ودُفِنَ يَوْمَ السَّبْت بسَفْح جَبَل قَاسِيُون.
إسْمَاعِيْلُ بن سُودكِيْن بن عَبْد الله النُّوْرِيُّ، أبو الطَّاهِر
(1)
كان والدُه من عُتَقَاء نُور الدِّين مَحْمُّود بن زَنْكِي، وكان رَجُلًا خَيِّرًا صَالِحًا، سَكَنَ مِصْر، ووُلد له ابنُه إسْمَاعِيْلُ هذا في سَنَة ثَمان - أو تِسْع - وسَبْعِين وخمْسِمائَة
(a) الأصل وب: الضعائن، وهو: الجمال عليها الهودج.
_________
(1)
توفى سنة 646 هـ، وترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة لحسيني 1: 191، ابن الشعار: قلائد الجمان 1: 417 - 421، أبو شامة: الروضتين 1: 122، العبر للذهبي 2: 354، تاريخ الإسلام 14: 543، القرشي: الجواهر المضية 1: 409، المقريزي: المقفى الكبير 3: 90 - 93، ابن قطلوبغا: تاج التراجم 67 - 68، الغزي: الطبقات السنية 2: 190، شذرات الذهب 7: 404، البغدادي: هدية العارفين 1:212 وزاد في ألقابه: "التونسي الصوفي الحنفي"، الطباخ: إعلام النبلاء 4: 397، الزركلي: الأعلام 1: 314.
ولابن سودكين مؤلفات عديدة لم يذكرها ابن العديم في ترجمته، منها شرح على كتاب التجليات الإلهية لابن عربي، وكُتب أخرى عدَّدها إسماعيل البغدادي في كتابه هدية العارفين (1: 212).
بالدّيَار المِصْريَّة، ونَشَأ بها على الخَيْر والصَّلَاح، واشْتَغَل بالعِلْم، وسَماعَ الحَدِيْثِ، وكَلام الصَّوْفيَّةِ، وانْتَقل مع أبيهِ إلى حَلَب حين انتقل إليها المُبَارِز يُوسُف بن ختلج (a) لقَرَابَةٍ كانت بينهما.
ومَال إسْمَاعِيْل إلى الصُّوْفيَّةِ وخالَطَهم وانتفع بكَلامهم، وسَمِعَ القَاهِرَة أبا الفَضْل مُحَمَّد بن يُوسُف الغَزْنَوِيّ، وبحَلَب إبْرَاهِيم بن عُثْمان بن دِربَاس المَارَانِيَّ، وحَدَّثَنَا بحَلَب عنهما، وسَمعَ بحَلَبَ شُيُوخنا افْتِخار الدِّين أبا هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِمِّيّ، وأبا مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللّه بن عُلْوَان الأسَدِيّ، وعمي أبا غَانِم مُحَمَّد بن هِبَةِ اللّهِ بن أبي جَرَادَة، وغيرهم.
وكان حَسَنَ الأخْلَاق، طَيِّبَ المُعَاشَرَة، رَقيْق الحَاشِيَة، وكان ينظُم شِعْرًا حَسَنًا علَّقتُ عنه (b) شيئًا يَسِيْرًا، وكتَبَ عنهُ شَيْخُه مُحَمَّدُ بن عليّ بن العَرَبيّ شيئًا من شِعْره.
أخْبَرَنا أبو الطَّاهِر إسْمَاعِيْل بن سُودكِيْن النُّوْرِيّ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُحَمَّد بن يُوسُف بن عليّ الغَزْنَوِيّ، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ أبو الفَتْحِ عَبد الوَهَّاب بن مُحَمَّد بن الحُسَين الصَّابُونِيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو الغَنائِم مُحَمَّد بن عليّ بن مَيْمُون النَّرسِيّ الكُوْفيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُشْرِقُ بن عَبْد اللّه الحَنَفِيّ الزَّاهِدُ بحَلَبَ، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم الحُسَين بن علي بن أبي أُسامَة الحَلَبِيِّ، قال: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللّه بن الحُسَين الصَّابُونِيّ، قال: حَدَّثَنَا فَهْد بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا أبو تَوْبَة، قال: حَدَّثَنَا مُعاوِيَةُ - يعني ابن سَلَّام - عن زَيْد بن سَلَّام، أنَّ أبا سَلَّام حَدَّثَهُ (c)، قال: حَدَّثَني الحارِثُ الأشْعَرِيّ أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
(a) كذا ورد في الأصل، وتتباين المصادر في رسم الحرف الثاني بين التاء والطاء، وفي إعجام الحرف الأخير بين الإهمال والجيم والخاء، وهو في ذيل الروضتين 86 وزبدة الحلب 3: 640، 648 والنجوم الزاهرة 6: 192: خطلخ.
(b) ب: منه.
(c) ساقطة من ب.
حَدَّثَهُم
(1)
: أنَّ اللّهَ عز وجل أمر يَحْيَى بن زَكَرِيَّاء خمسٍ كَلِمَاتٍ يَعْملُ بهنَّ، ويأمر بني إِسْرَائيل أنْ يَعملُوا بهنَّ، قال: فكان يُبْطئ بهنَّ، فقال لهُ عِيسَى: إنَّك أُمْرتَ بَخْمسِ كَلِماتٍ تعْملُ بهنَّ وتأمُر إِسْرَائيل [أنْ](a) يَعْملوا بهنّ، فإمَّا أنْ تأمَرهُم بهنّ وإمَّا أنْ أقُوم فآمرهم بهن. فقال يَحْيَى: إنَّك إنْ تَسْبقْني بهنَّ أخَافُ أنْ أعذّبَ، أو يُخْسَف بي، فَجَمَع بَنِي إِسْرَائيل في بَيْتِ المَقْدِس حتَّى امتلأ المَسْجِدُ وحتَّى جلَس النَّاسُ على الشُّرُفاتِ، فوعظَ النَّاسَ، ثمّ قال: إنَّ اللّه أمَرَني بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَعْملُ بهنّ وآمُرُكم أنْ تَعملوا بهنّ: إنَّ أوَّلَهن أنْ لا تُشْركوا باللّه شيئًا، فإنَّ مَنْ أشْركَ باللّه مثَلُهُ كمثَل رَجُل اشْترى (b) عَبْدًا من خالص مالهِ بذَهَب أو وَرِقٍ ثمّ قال له: هذه دَاري وعَمَلي فاعْمل وأدِّ إليَّ عملكَ، فجعَل يَعْمَلُ ويُؤدِّي عملَهُ إلى غير سيِّده، فأيُّكمُ يُحبُّ أنْ يكونَ له عَبْدٌ كذلك، يُؤدِّي عملَهُ لغيرِ سيِّده؟! وإنَّ اللّهَ هو خَلَقَكُم ورَزَقكم فلا تُشْرِكوا بهِ شيئًا.
ثُمَّ قال: إنَّ اللّهَ أمركم بالصَّلاةِ، فإذا نَصَبْتُم وُجُوهكمُ فلا تلْتَفتُوا؛ فإنَّ اللّه عز وجل ينصبُ وجهَهُ لوَجْهِ عبدِهِ حينَ يُصَلِّي له، فلا يصرفُ وَجْهَهُ عنه حتَّى يكونَ العَبْدُ هو يَنْصرف.
وأمَرَكُم بالصِّيام، فإنَّ مثَلَ الصَّائِم كمثلِ رَجُل معَهُ صُرَّةُ مسْكٍ وهو في عِصَابَةٍ ليسَ مع أحدٍ منهم مسْكٌ، فكُلّهُم يَشْتَهِي يجدُ رِيْحَها، فإنَّ فَمَ الصَّائِم أطْيَبُ عند اللّهِ من رِيْح المسْكِ.
(a) إضافة من ب والطَّبرانيّ في الكبير، وأشَّر ابن العديم على الكلمة بعده بكتب "صـ"، فوقها.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
مسند أبي يعلى الموصلي 3: 140 - 142 (رقم 1571)، الطبرانيّ: المعجم الكبير 3: 326 - 327 (رقم 3430)، المستدرك للحاكم 13: 421 - 422، المتقي الهندي: كنز العمال 15: 913 - 915 (رقم 43577).
وأمرَكُم بالصَّدَقَة؛ فإنَّ مثَلها كمثَلِ رَجُلٍ أخذَه العَدُوّ فأسروا يدَهُ (a) إلى عُنُقه، وقدَّمُوه ليضربُوا عُنُقَه فقال: لا تقْتُلوني فإنِّي أفْتَدِي منكم نَفْسِي بكذا وكَذَا من المال، فأرسلُوه فجعَلَ يَجْمَعُ لهم حتَّى فَدَى نفسه، وكذلك الصَّدَقَة.
وأمرَكُم بكَثْرةِ ذِكْر اللّهِ؛ فإنَّ مثلَ ذِكْر اللّه كمثَل رَجُلٍ طلبَهُ العَدُوّ فانْطَلقُوا في طلبهِ حتَّى أتَى حِصْنًا حَصيْنًا وأحْرَزَ نفسَه، كذلك مثَلُ الشَّيْطان لا يُحْرزُ العِبَادُ منه أنفسَهم إلَّا بذِكْر اللّه.
فقال رسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم: وأنا آمرَكُم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أمَرَنِي اللّهُ بهنَّ: بالجَمَاعَةِ، والسَّمْع، والطَّاعَةِ، والهِجْرَةِ، والجِهادِ، فَمَن خَرجَ من الإسْلَام قِيْدَ شِبْرٍ فقد خَلَع رِبْقَة الإسْلَام من رأسه إلَّا أنْ يراجع، ومنْ دَعا دَعْوَة جَاهِلِيَّةً فإنَّهُ من حُثَاءِ جَهَنَّم. فقال رَجُلٌ لرسُول اللّه صَلَّى اللّهُ عليه وسَّم: وإنْ صَام وصَلَّى؟ قال: نَعَم؛ وإنْ صَامَ وصَلَّى، ادعُوا بدَعْوَة اللّه الّتي سمَّاكم بها المُسْلِمُونَ المُؤْمنُونَ عِبَاد اللّه.
أنْشَدَني بعضُ الفُقَرَاءِ ممَّن صَحِبَ إسْمَاعِيل بن سُودكِينْ أبْيَاتًا لإسْمَاعِيْل المذكُور وهي: [من الكامل]
ما هَبَّ من نَسَماتِ نشْرِكَ عَابِقُ
…
إلَّا وسِرُّ الوَجْدِ منِّي نَاشِقُ
أو لاحَ ليْ من بَرْق ثَغْركَ لامعٌ
…
إلَّا وقابلَهُ فُؤَادٌ خَافِقُ
يا أهل ذَيَّاكَ الحِمَى قَلْبي بكُمْ
…
أبدًا وإنَّ عزَّ التَّلَاقي وَامِقُ
قَدُمَتْ عهُودُكُمُ فزادتْ حُرْمةً
…
عندي وحُقَّتْ للذِّمام حَقَائِقُ
وسَلَا أُناسٌ إذ تقادَمَ عَهْدُهُمْ
…
وأنا لكُمْ ذاكَ المُحبُّ الصَّادِقُ
(a) ب: فأسره وأيده.
ومن شِعْر إسْمَاعِيْل بن سُودكِيْن ما وجَدْتُه بخَطِّ شَيْخه مُحَمَّد بن عليّ بن العَرَبيّ الحاتِمي الطَّائيّ: [من مجزوء الكامل]
اعتلّ بعدَكمُ النَّسِيمُ
…
وتَنَكَّرتْ تلكَ الرُّسُومُ
دِمَنٌ سقَتْهَا أدْمُعِي
…
إنْ لم تَسُحَّ بها الغُيُومُ
جَزعَ الغدَاةَ الجِزْعُ للـ
…
ـتِّرحَالِ وانْصَرَمَ الصَّرِيْم
يا راحليْنَ عن الحِمَى
…
وعليهِمُ أَسَفِي مُقِيْمُ
وحَيَاتِكُمْ في كُلِّ قلـ
…
ــبٍ من وَدَاعِكُ كُلُومُ
مَنْ لم يَمُتْ يَوْم الوَدَا
…
عَ صبَابةً فهو الظُّلُومُ
أحْبَابَنَا وحياتِكمُ
…
قَسَمٌ على قَلْبي عَظِيمُ
ما عِشْتُ إلَّا حين كا
…
نَ عليَّ للبَلْوَى رُسُومُ
مَنْ كان بالصَّبْر الجَمِيْىـ
…
ــل إذا قَضَتْ روْحِي يَقُوم
ومَنْ الّذي هُوَ للشُّجُو
…
نِ وللغَرَام بِكُمْ غَريمُ
أحْبَابنَا ما ضَاعَ عنـ
…
ـد حفَاظِيَ العَهْدُ القَدِيم
بَلْ صُنْتُهُ في بَاطِنٍ
…
هو للوَفَا أبدًا حَرِيْمُ
تُوفِّي أبو الطَّاهِر إسْمَاعِيْل بن سُودكِيْن بحَلَب بعد عَوْده من زيارة البَيْتِ المُقَدَّس بأيَّامٍ، يَوْم الأرْبَعَاءِ قبْل طُلُوع الشَّمْس الثَّالث والعشرين من صَفَر سَنَة ستٍّ وأرْبعين وستِّمائة، ودُفِنَ قبل الظُّهْر بتربَةٍ أنْشَأها بالقُرْبِ من مَشْهَد الدُّعَاء خارج باب النَّصْر، وكان عُمْرُهُ يَوْمئذٍ سَبْعةً وسِتِّين سَنَةً.
حَرْفُ الصَّادِ في آباءِ مَن اسمْه إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْل بن صالح بن عليّ بن عَبْدِ الله بن العبَّاس بن عَبْدِ المُطَّلِب بن هاشِم بن عَبْد مَنَاف الهاشِميُّ
(1)
حَدَّثَ عن أَبيهِ صالحَ بن عليّ. رَوَى عنهُ طَاهِر بن إسْمَاعِيْل، وسُليْمان بن سَعيد، والوَلِيد بن مُسلم، وكان شَاعِرًا مُجِيْدًا بَلِيْغًا، مُتَقدِّمًا في ضَرْبِ العُوْد والغِنَاءِ، وغنَّى الرَّشِيْد فَوَلَّاهُ مِصْر سَنَة اثْنَتَيْن وثَمانين ومائة، ثُمَّ عَزَلَهُ وولّاهُ جُنْد قِنَّسْرِيْن والعَوَاصِم. ووُلد ببُطْيَاس؛ قَصْر أبيهِ، خارج مَدِينة حَلَب، وكان أكثَر مقَامهِ بحَلَبَ، وبها ماتَ.
وقال ابنُ عُفَيْر ما رأت أحدًا على هذه الأعْوَادِ أخْطَبَ من إسْمَاعِيْلَ بن صالح بن عليّ.
وقَرأتُ بخَطِّ القَاضِي أبي طَاهِر صالح بن جَعْفَر الهاشِمِيّ الحَلَبِيّ
(2)
: كان إسْمَاعِيْل بن صالح أصْغَر وَلد أبيهِ، أفْضَتَ إليهِ وَصِيَّتُهُ وأوْقَافُهُ، وذلك أَنَّها كانت في ولد صالحِ بن عليّ الأكْبَرُ فالأَكْبَرُ، والبَاقي (a) بعد المَاضِيّ، حتَّى انْتَهَت إليهِ وهو آخرُ مَنْ بقِيَ منهم، فكانت في يَدِه وأيْدي وَلدِه من بَعْده على السِّنّ والقُعْدُد،
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
توفي سنة 190 هـ، وترجمته في: ولاة مصر للكندي 164، تاريخ ابن عساكر 8: 410 - 413، زبدة الحلب 1: 73، أبو الفداء: اليواقيت والضرب 53، الذهبي: تاريخ الإسلام 4: 808، ونوَّه الذهبي بتَرْجَمَة ابن العديم له، فقال:"وقد استوعب أبو القاسم بن العديم أخباره في تاريخ حلب"، سير أعلام النبلاء 8: 318، الصفدي: الوافي بالوفيات 9: 133، ابن خلدون: العبر 8: 9، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 24 - 25.
(2)
النقل عن كتاب أبي طاهر الهاشمي وعوانه: "نسب بني صالح بن عليّ"؛ تقدّم التعريف بالكتاب ومؤلفه في الجزء الثاني.
ووُلد ببُطْياس وماتَ بحَلَب.
وكان جَلِيْلًا، مُتقدِّمًا، جَامِعًا لكل سُؤْدَد، بَارِعًا في العِلْم والأدَب والفَلْسَفَة والنُّجُوم (a)، وكان الرَّشِيْدُ يُقَدِّمُهُ ويفضِّلُهُ ويَسْتَكفيهِ، ولَّاهُ مِصْرِ فأقَامَ عَامِلًا عليها سنين ثمّ عَزلَهُ عنها ووَلَّاهُ جُنْدَ قِنَّسْرِيْن والعَوَاصِم، ثمّ ولَّاهُ دِمشْقَ وأعْمَالها، وأقْطَعَهُ ما كان له في سُوق مَدِينَةِ حَلَبَ، وهي الحَوَانِيْتُ الّتي بنِ باب أنْطَاكِيَة إلى المَعْرُوفة بالدُّلْبَةِ، وقَدْرُها قَدْرٌ جَلِيْل جَسِيمِ.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّدُ بن هِبَة اللّهِ بن مُحَمَّد الشِّيْرَازيّ، فيما أَذِنَ لي في الرِّوَايَة عنهُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقنديّ، وأبو البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن النَّقُّور، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّص، ح.
قال أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد: وأخْبَرَنَا أبو القَاسِم، وأبو البَرَكَاتِ أيضًا، وأبو القَاسِم عُبَيْدُ اللّه بن أحْمَدَ بن مُحَمَّد بن البُخاريّ، وأبو الدّرّ يَاقُوت بن عَبْدِ اللّهِ عَتِيق بن البُخاريّ، قالوا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الصَّرِيفِيْنِيّ، ح.
قال: وأخْبَرَنَا أبو عَبْد اللّهِ الحُسَينُ بن أحْمَد بن عليّ البيهَقِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ مُحَمّد بن إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد العِراقِيّ، قالا: حَدَّثَنَا أبو طَاهِر المُخَلِّص
(2)
إمْلاءً (b)، قال: حَدَّثَنَا أبو أحْمَد عَبْدُ الوَاحِد بن المهتَدي باللّه إمْلاءً، قال: حَدَّثَنَا أبو جَعْفَر أحْمَد بن القَاسِم بن طَاهِر بن إسْمَاعِيْل بن صَالح بن عليّ (c) بن عَبْد اللّه بن العبَّاس، قال: حَدَّثَني أبي القَاسِم، قال: حَدَّثَني أبي طَاهِر، قال: حَدَّثَني أبي إسْمَاعِيْل،
(a) ب: النحو.
(b) ساقطة من تاريخ ابن عساكر.
(c) ساقطة من ب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 410.
(2)
المخلِّصيّات 4: 154.
قال: حَدَّثَني أبي صَالِح، قال: حَدَّثَني أبي عليّ، قال: حَدَّثَني أبي عَبْدُ اللّه - زَادَ ابنُ النَّقُّور: ابن عبَّاسٍ - قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى الدهُ عليه وسلَّم - زَاد ابنُ النَّقُّور: على بَغْلته - وقالا: وأنا ابنُ ثَمان سنين، وهو يُريدُ عمَّتَهُ بنتَ عَبْد المُطَّلِب، قال: فوقَفَ - زادَ (a) ابنُ النَّقُّور: بي - وقالوا: في طَريقِهِ على شَجَرَةٍ قد يَبسَ ورقُها وهو يتسَاقَطُ، فقال: يا عَبْدَ اللّه، قُلتُ: لبَيْكَ يا رسُولَ اللّهِ، قال: ألَا (b) أُنْبئُكَ بما يُسَاقِطُ الذُّنُوبَ عن بَنِي - قال: وقال ابنُ النَّقُّور: عن وَلد - آدَم كتَسَاقُطِ الوَرَق عن هذه الشَّجَرة؟ قال: قُلتُ: بلى يا رسُول اللّهِ بأبي أنتَ وأُمِّيّ، قال: سُبْحَانَ اللّه - وفي حَدِيث الصَّرِيفِيْنِيّ وابن النقُور، قال: قَوْل سُبْحَانَ اللّه - والحمدُ للّهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللّهُ أكْبَر، فإنَّهنَّ الباقياتُ الصَّالِحاتُ المنجياتُ المُعقِّباتُ.
هكذا ذَكَرَ في هذا الإسْنَاد، وقال: حَدَّثَني أبي طَاهِر، قال: حَدَّثَني أبي إسْمَاعِيْل! وليس لإسْمَاعِيْل بن صالح (c) ولد اسْمُه طَاهِر، بل وَلد وَلده طَاهِر بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن صالح، فلعلَّه سقَط من الإسْنَادِ ذِكْر مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل أو تجوَّز بذِكْر جدّه وسماه أبًا، واللّهُ أعْلَمُ.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو شُجَاع عُمَر بن أبي الحَسَن البِسْطَاميِّ، قال: كَتَبَ إلينا أبو تُرَاب عَبْدُ البَاقِي بن يُوسُفَ المَرَاغِيّ الإمَام، ح.
وأخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُفُ بن خَلِيل الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أسْعَد بن بَوْش، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ أحْمَد بن عُبيد اللّه (d) بن كَادِش العُكْبَرِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو عليّ مُحَمَّد (e) بن الحُسَين الجَازِرِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو الفَرَج
(a) ب: زاده.
(b) ساقطة من ب.
(c) ساقطة من ب.
(d) ب: عُبَيْد.
(e) ب: أبو عليّ بن محمد.
المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء
(1)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بنُ مُحَمَّد الطَّالَقَانِيّ، قال: حَدَّثَني فَضْل اليَزِيْدِيّ، عن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن صُبَيْحٍ، قال: قال الرَّشِيْد للفَضْل بن يَحْيَى، وهو بالرَّقَّة: قد قَدِمَ إسْمَاعِيْل بن صالح بن عليّ وهو صَدِيْقُك، وأُرِيْدُ أنْ أراهُ، فقال له: إنّ أخاهُ عَبْد المَلِك في حَبْسكَ، وقد نَهَاهُ أنْ يَجِيئكَ، قال الرَّشِيْدُ: فإنِّي أتعَلَّلُ حتّى يَجِيْئَني عَائدًا، فتَعَلَّلَ، فقال الفَضْل لإسْمَاعِيْل: ألَا تعودُ أَمِيرَ المُؤْمنِيْن؟ قال: بَلى، فجاءَهُ عائدًا، فأجْلَسَهُ ثم دعا بالغَدَاءِ، فأكَل وأكَلَ إسْمَاعِيْلُ بينَ يَدَيْهِ، فقال له الرَّشِيْدُ: كأَنِّي قد نَشطْتُ برُؤْيَتكَ إلى شُرْب قَدَح، فشربَ وسقَاهُ، ثمّ أمَرَ بإخْراج جَوَار يُغَنَّين وضُرِبَتْ سِتَارة، وأمرَ بَسْقْيهِ، فلَّا شربَ أخَذَ الرَّشِيْدُ العُوْدَ من يد جَارِيَةٍ (a) ووضَعَهُ في حَجْر إسْمَاعِيْل، وجَعَل في عُنُقِ العُوْدِ سُبْحَةً فيها عَشْرُ دُرَّاتٍ اشْتَراها بثلاثين ألف دِيْنارٍ، وقال: غَنِّني يا إسْمَاعِيْل، وكَفِّرْ عن يَمِيْنكَ بثَمن هذه السُّبْحَة. فانْدَفَع فغَنَّى بشِعْر الوَلِيدِ بن يَزِيد في غَالِيَة (b) أُخْت عُمَر بن عَبْد العَزِيْز، وكانت تحتَهُ، وهي الّتي يُنْسَبُ إليها سُوقُ غَاليَة بدِمَشْقَ
(2)
: [من الطويل]
فأُقْسِمُ ما أدْنَيْتُ كفِّي لرِيْبَةٍ
…
ولا حَمَلَتْني نحوَ فاحشَةٍ رِجْلِي
ولا قادَني سَمْعِي ولا بَصَري لها
…
ولا دَلَّني رأيٌ عليها ولا عَقْلي
وأعْلَمُ أنِّي لم تُصِبْنِي مُصِيْبَةٌ
…
من الدَّهْرِ إلَّا قد أصَابَتْ فَتَىً قَبْلِي
فسَمعَ الرَّشِيْدُ أحْسَنَ غِنَاءٍ من أحْسنِ صَوْتٍ، وقال: الرُّمْحَ يا غُلَام،
(a) ب: جاريته.
(b) في الأصل وابن عساكر بالعين المهملة: عاليه، ومثله في تاليه، والمثبت بالغين المعجمة من ب والمعافى والإتليدي.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 3:127 - 128، وانظر الحكاية أيضًا عد الإتليدي: إعلام الناس بما وقع للبرامكة 160 - 161.
(2)
انظر الأبيات في ديوان شعر الوليد بن يزيد 106، وتنسب الأبيات لمعن بن أوس، انظر: حلية الأولياء 3: 178، الوافي بالوفيات 19:550.
فجيء بالرُّمْح، فعَقَد له لِوَاءً على إمارة مِصْر.
قال إسْمَاعِيْلُ: فولِّيتُها ستَّ سِنيْن أوْسَعتهم عَدْلًا، وأنصَرَفْتُ بَخْسمائةِ ألف دِيْنارٍ.
قال: وبلغَتْ عَبْدَ المَلِك أخاه ولايَته فقال: غنَّى - واللهِ - الخبَيْثُ لهم، ليسَ هو لصَالحٍ بابنٍ!.
وفي غير هذه الرِّوَايَة قال: وقد كان أخُوهُ عَبْد المَلِك وجَّه إليه: إنّما يُريدونَكَ لأمرٍ، وإنْ فَعَلت فما أنتَ أخي ولا تَرثُ صَالِحًا.
أنْبَأنَا أحْمَدُ بن أزْهَر (a) بن عَبد الوَهّاب السَّبَّاك، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقي الأنْصَاريّ، قال: أنْبَأنَا أبو مَنْصُور العُكْبَرِيّ، عن أبي أحْمَد عُبَيْد الله بن مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن أبي مُسْلِم المُقرِئ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّدُ بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ إجَازَةً، قال: حَدّثَني عليّ بن سِرَاج المِصْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُعاوِيَة بن صالح، قال: كان إسْمَاعِيْل بن صالح يألَفُ قَيْنةً بحَلَبَ، وكانت في نِهايَةِ حُسْن الوَجْهِ والغِنَاء، فاشْتَراها الرَّشِيْدُ، فقال إسْمَاعِيْلُ
(1)
: [من السريع]
يا مَنْ رَمَانِي الدَّهْرُ من فَقْده
…
بفُرْقَةٍ قد شتَّتَتْ شَمْلِي
ذكَرتُ أيَّامَ اجْتِمَاعِ الهَوَى
…
وقُرَّةَ الأعْيُن بالوَصْلِ
ونحنُ في صُحْبَةِ (b) دَهْرٍ لنا
…
نُطَالب الأزْمَان بالذَّحْلِ
فكدْتُ أقْضِي من قَضَاءِ النَّوَى
…
عليَّ بعْدَ العِزِّ بالذُّلِّ
وليسَ ذِكْري لكَ عن خَاطِرٍ
…
بل هو مَوْصُولٌ بلا فَصْلِ
(a) ب: زاهر.
(b) الوافي: غرة.
_________
(1)
في الوافي بالوفيات 9: 122.
قال الصُّوْلِيّ: ومن شِعْره فيها: [من السريع]
فدَيْتُ مَنْ يهجُرني كارهًا
…
بلا اخْتِيَارٍ منهُ للهَجْرِ
ومَنْ دَهَاني الدَّهْرُ في فَقْدِهِ .. مَنْ ذَا الّذي يُعْدِي على الدَّهْرِ
ومَن تَجرَّعتُ لهُ لَوْعَةً
…
أحَرّ في القَلْبِ منَ الجَمْرِ
لا أستَطيع الدَّهْرَ ذِكْرًا لهُ
…
إلَّا بجاري الدَّمْعِ والفِكرِ
أخْبَرَنا أبو الجَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد الله الدِّمَشقيّ، قال: أَخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيَى بن أَسْعَد بن بَوْش، قال: أخْبَرَنا أَبو العِزّ أحْمَدُ بن عُبَيْدِ الله بن كَادش، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الجازِرِيُّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن العبَّاس العَسْكَريّ، قال: حَدَّثَنَا ابن أبي سَعيد (a)، قال: حَدَّثَني عُمَر بن مُحَمَّد بن حَمْزَة الكُوْفيّ، قال: حَدَّثَني سُليْمانُ بن سَعيد (b)، قال: حَدَّثَني إسْمَاعِيْلُ بن صالِح بن عليّ بن عَبْدِ اللهِ، وكان انْقطَاعُه إلى الرَّشيْد، قال: دَخَلْتُ على الرَّشِيد - وقد عَهِدَ إلى مُحَمَّدُ والمَأْمُون - فيمن يُهَنِّئه من ولد صَالح بن عليّ، فأنْشَأت أقُول
(2)
: [من الكامل المرفَّل]
يا أيُّها الملَكُ الّذي
…
لو كان نَجْمًا كان سَعْدَا
اعْقِدْ لقَاسِمَ بَيْعَةً
…
واقْدَحْ لهُ في المُلْك زَنْدَا
اللهُ فَرْدٌ واحدٌ
…
فاجْعَل وُلَاةَ العَهْدِ فَرْدَا
قال: فاسْتَضْحَكَ هارُون، وبَعَثَتْ إليَّ أُمُّ جَعْفَر: كيفَ تُحبُّنا وأنْتَ شَآمٍ؟ وبَعَثَتْ إليَّ أُمُّ المَأْمُون: كيفَ تُحبُّنا وأنتَ أخُو عَبْد المَلك بن صالح؟! وبَعَثَتْ إليَّ أُمُّ القَاسِمِ بعَشَرة آلاف دِرْهَم، فاشْتَريْتُ بها ضَيْعَتي بأَرْتَاح.
(a) الجريري: ابن أبي سعد.
(b) الجريري: ابن سعد.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 3: 13 - 14.
(2)
في الوافي بالوفيات 9: 133، والبداية والنهاية 10:187.
قُلتُ: أَرْتَاح قَرْيَةٌ كَبيرةٌ عَامِرَةٌ من عَمَل حَلَب بالقُرْبِ من حَارِم، وكان لها حِصْنٌ مَذْكُور، وحَولها ضِيَاع تُضَاف إليها، وإليها يُنْسَبُ الأرْتاحِيّ.
أنْبَأنَا أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الهَرَويّ، عن القَاسِم زَاهِر بن طَاهِر، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن أحْمَد البُنْدَار إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الفَرَضِيّ إجَازَةً، عن أبي بَكْر الصُّوْلِيّ، قال: حَدَّثَني عليّ بن سِرَاج، قال: حَدَّثَني مُعاوِيَة بن صالح، قال: غَزَا إسْمْاعِيْل بن صالح، فرأى غُلامًا من أبناءِ المُقِيْمِين بطَرَسوس أمْلَحَ النَّاسِ وآدبَهم، فاسْتَصْحَبهُ، فقال له الغُلَامُ: بَلَغَني أنَّ فيكَ مَلَّةً (a)؟ فقال له إسْمَاعِيلُ: هي فيَّ لها، فضَحكَ الغُلَامُ وقال: الآن طابَتْ صحبتُكَ، فصَحبَهُ، فقال فيهِ إسْماعِيْلُ:[من السريع]
أحسَنُ مِنٍ بَدْرِ الدُّجَى في الدُّجَى
…
ومِن طُلُوع الكَوْكَبِ اللَّابِثِ
ومن فتى يحلفُ أنْ لم يَخُنْ
…
عَهْدًا وما الصَّادِقُ بالحَانِثِ
ظَبيٌ بأرْضِ الثَّغْرِ ما إنْ لَهُ
…
في الحُسْنٍ من ثَانٍ ولا ثَالِثِ
تُرْسِلُ عَيْنَاهُ هَوَاهُ إلى
…
كُلّ سقِيم دَنِفٍ لَاهِثِ
أعْدَمَنِي حُبِّي لَهُ قُوَّتي
…
وكنتُ أقْوَى من أبي الحَارِثِ
قلتُ له إذ زَارَني في الهَوَى
…
قَوْلَةَ مَازِح [بِهِ](b) عَابِثِ
ما خَلَق اللهُ على ظَهْرِها
…
أحْمَلَ منِّي للهَوَى المَاكِثِ
قال الصُّوْلِيّ: ومن شِعْر إسْمَاعِيْلَ في أخيهِ عَبْد المَلِك بن صالح: [من الخفيف]
يا أَخِي أنْتَ عُدَّتي وعَدِيْدِي
…
وافْتِخَاري ورَغْمُ أَنْفِ حَسُودِي
(a) ب: ميلة، ورجل فيه ملَّة: أي ملول، سريع الإعراض عن الشيء، يملُّ إخوانه سريعًا. لسان العرب، مادة: ملل.
(b) إضافة ليستقيم الوزن.
أنتَ صنْوِي وقد خُلِقْتَ جَلِيْدًا
…
وأُرَانِي في الخَلْقِ غيرَ جَلِيْدِ
لا أُطيْقُ الّذي تطيقُ من الأمـ
…
ـــرِ فبَعْضَ العِتَاب والتَّفْنيْدِ
قَرَأتُ بخَطِّ عليّ بن مُوسَى بن إسْحاق الرَّزَّاز في نَوَادِر أبَي بَكْر مُحَمَّد بن خَلَف بن المَرْزُبَان - سَمَاعه منهُ - قال ابنُ المَرْزبَان: وأُنْشدت لإسْمَاعيْل بن صَالِح بن عليّ: [من الخفيف]
زَعَم النَّاسُ أنَّ ليْلَكِ يا بَغْـ
…
دَادُ ليلٌ يَطِيْبُ فيه النَّعِيمُ
ولعَمْري ما ذاكَ إلَّا لأنْ حَا
…
لَفَهُم بالنَّهارِ مِنْكِ السَّمُومُ
وقليلُ الرَّخَاءِ يتَّبعُ الشِّـ
…
ـــدَّةَ عندَ الأنام حَظٌّ عَظِيمُ
كَتَبَ إلينا المُؤيَّد بن مُحَمَّدُ الطُّوْسيّ من نَيْسَابُور، قال: أنْبَأنَا أبو بَكْر مُحَمَّدُ بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، عن أبي مَنْصُور العُكْبَرِيّ، قال: أخْبَرَنا عُبَيْدُ الله بن مُحَمَّد بن أبي (a) مُسلِم إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ إجَازَةً، قال: حَدَّثَنَا الحُسَينُ بن يحْيَى، قال: حَدَّثَنَا إسْحاقُ المَوصِلي قال: كان إسْمَاعِيْل بن صالح أحْسَنَ النَّاسِ غِنَاءً وصَوْتًا، حتَّى أنَّ حُسْن صوْته ليَبيْنُ في كَلامِهِ، وكان صَدِيْقًا للفَضْل بن يَحْيَى بن خَالِدٍ، فلمَّا دَخَلَ الرَّشِيْدُ الرَّقَّةَ ومعه الفَضْلُ بن يَحْيَى، كَتَبَ الفَضْلُ إلى إسْمَاعِيْل بن صالح وهو بحَلَب يَشْتَاقه، فقَدِمَ عليه إسْمَاعيْلُ (b) الرَّقَّة، فصَادَفَ الفَضْل عظيمِ الشُّغْل بأمْر الرَّشِيْد لا يُمْكنُه مُفَارقَتُه، فأَقامَ إسْمَاعِيْلُ أيَّامًا ثمّ غَضِبَ وانْصَرَف إلى حَلَبَ، وكتَبَ إلى الفَضْل:[من الوافر]
قَلَيْتُكَ فاقْلَنِي واطلُبْ خَلِيلًا (c)
…
سِوَاي فإنَّني باغٍ سِوَاكَا
إذا ما سُمْتَنِي الإكْرامَ منِّي
…
وسُمْتَنِيَ الهَوَانَ فدَامَ ذَاكَا
فلو أنِّي عَلِمْتُ العِلْم حَقًّا
…
بأنَّ الغَدْرَ غايَةُ مُنْتَهاكَا
لَسُمْتُكَ بالقَطِيْعَةِ مِن قَريبٍ
…
ولم تعْلَقْ قُوَى حَبْلي قُوَاكَا
_________
(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: خلًا.
أبَعْدِي يَرْتَجيكَ أخٌ لعَهْدٍ
…
ألَا يا طُولَ خَيْبَة مَنْ رَجَاكا
فلمَّا وصَلَتْ هذه الأبْيَاتُ إلى الفَضْل بن يَحْيَى، كتَبَ يَسْتَرضيهِ، ووَصَلَهُ بمائةِ دِيْنار ودِيْنار من ضَرْبهم، وكان كُلّ دِيْنارٍ عَشَرةُ دَرَاهِم.
وقال أبو بَكْرٍ الصُّوْلِيّ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن مُوسَى، قال: حَدَّثَني عَبْدُ الله بن مُحَمَّد (a) الحَلَبِيّ، قال: كان إسْمَاعِيْلُ بن صالح من آدبِ النَّاس وأرَقِّهِم طَبْعًا، وكان شَاعِرًا، حَسَن الغِنَاءَ، مُقدَّمًا في ضَرْب العُوْدِ.
وقَرَأتُ في كتابِ مُعْجَم الشُّعَراءَ للمَرْزُبَانِيّ
(1)
: إسْمَاعِيْل بن صالح بن عليّ بن عَبْد اللهِ بن العبَّاس بن عَبْد المُطَّلِب بن هاشِم، كان سَرِيًّا أَدِيْبًا، حَسَنَ الغِنَاءِ، مُقَدَّمًا في ضَرْب العُوْد، غنَّى الرَّشِيْد فقلَّدَهُ مِصْرَ.
وقَرَأتُ في تاريخ الأَمِير مُخْتَار المُلْك المُسَبِّحيّ
(2)
: سَنَة إحْدَى وثَمانين ومائة، ثُمَّ وَلِيَها - يعني مِصْر - إسْمَاعِيْل بن صالح بن عليّ بن عَبْدِ الله بن العبَّاس من قِبَل الرَّشِيْد على صَلَاتِها يَوْمَ الخَمِيْس لسَبعْ خَلَوْنَ من شَهْر رَمَضَان سَنَة إحْدَى وثَمانين.
قال ابنُ عُفَير ما رأيتُ أحَدًا على (b) هذه الأعْوَادِ أخْطَبَ من إسْمَاعِيْل بن صالح بن عليّ. فوليها إلى أنْ صُرِفَ (c) عنها في جُمَادَى الآخرة سَنَة اثْنَتَيْن وثَمانين ومائة.
أنْبَأنَا أبو حَفْص بن طَبَرْزَد، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب بن بشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين (d) المَرَاعِيشِيّ، وأبو العَلَاءَ الوَاسِطِيّ،
(a) ب: مُحَمَّدُ بن عبد الله.
(b) ب: في.
(c) ب: انصرف.
(d) غلط ابن العديم في كنيته في هذا الموضع، فكناه في الأصل وب: أبا بكر، وقد تكرر ذكره بالكُنْية المثبتة في عشرات المواضع التي اتصل سنده بها في الرواية عن ابن عرفة "نفطويه".
_________
(1)
ضمن الجزء الأول الضائع من معجم الشعراء.
(2)
تقدم التعريف بتاريخ المسبحي في الجزء الثاني، وانظر أخبار مصر للمسبحي 135 (ضمن النصوص الضائعة).
قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله بن عَرَفَة، قال: وكانت وَفَاةُ الرَّشِيْد بطُوْس، ودُفِنَ هناك، وكان على حَجَبَتهِ الفَضْل بن الرَّبِيع، ثُمَّ ذكر وُلَاة البِلَادِ، وقال: وعلى مَنْبج إسْمَاعِيْل بن صَالِح بن عليّ.
أنْبَأنَا زَيْن الأُمَناءِ أبو البَرَكَاتِ الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة الله
(1)
، عَمِّي، قال: إسْمَاعِيْلُ بن صالح بن عليّ بن عَبْدِ الله بن عبَّاس بن عَبْد المُطَّلِب بن هاشِم بن عَبْدِ مَنَاف الهاشِميّ، حَدَّثَ عن أَبِيهِ صالحِ بن عليّ. رَوَى عنهُ ابنُهُ طَاهِر بن إسْمَاعِيْل، والوَلِيد بن مُسلم، وسُليْمانَ بن سعِيد، وهو ممَّن دَخَل دِمَشْقَ.
إسْمَاعِيْلُ بن الطَّيْر المُقْرِئ
(2)
قرأ عليه بحَلَبَ يُوسُف بن عليّ بن جُبَارة
(3)
الهُذَلِيّ البَسْكَرِيّ.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ: قال يُوسُف بن عليّ بن جُبَارة الهُذَلِيّ البَسْكَرِيّ في كتاب الكَامِل في القِرَاءَات
(4)
، قال: وما أخذتُه عن الشُّيُوخ المتفرِّقة، فذَكَرَ جَمَاعَةً، وقال: وعَبْد الله بن مُنِيْرَة بقِنَّسْرِيْن، وأبو المَجْد، وابن المُهَذَّب بالمَعَرَّة، وإسْمَاعِيْل بن الطَّيْر بحَلَب.
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 410.
(2)
من أهل القرن الخامس الهجري، فتلميذه ابن جبارة الهذلي البسكري توفي سنة 465 هـ ولم نجد لابن الطير ذكر في المصادر، سوى ذكر عارض في تاريخ الإسلام للذهبي 10: 134، في تعداد شيوخ ابن جبارة البسكري.
(3)
قيَّده ابن العديم - في هذا الموضع وتاليه - بالحاء المهملة وضمها: حُبارة، وجاء مهملًا في ب، وهو بالجيم في المصادر التي ترجمت له ومنها: الصلة لابن بشكوال 3: 975 وفيه بفتح الجيم، ومعجم الأدباء لياقوت 6: 2849، وتاريخ الإسلام 10: 135، ونكت الهميان للصفدي 314، بغية الوعاة 2: 359، وانظر مقدمة تحقيق كتابه "الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها" وفيه تفصيل اسمه ونسبته.
(4)
لم أقف على ذكر له في نشرة كتاب البسكري (تحقيق جمال الشايب، مؤسسة سما للنشر، 2007 م).
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
حَرْفُ الظَّاءِ في آباءِ مَن اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بن ظَفَر بن أحْمَد بن إبْراهيم بن مُفَرِّجِ (a) بن مَنْصُور بن ثَعْلَب بن عُنَيْبَة، أبو الطَّاهِر المُنْذِريّ النَّابُلُسيّ ثمّ الدِّمَشقيّ الحَنْبَلِيّ الحافِظ
(1)
رَجُلٌ فَاضِلٌ حَافِظٌ، أصْلُهُ من نابُلُسَ، ووُلد بدِمَشْق في سَنَة أرْبَعٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة.
أنْبَأنَا بذلك عبد العَظِيْم بن عَبْد القَوِيّ المُنْذِريّ عنهُ، رَحَلَ في طَلَب الحَدِيْث، وسَمِعَ بمِصْرَ أبا القَاسِم البُوْصِيرِيّ، وأبا عَبْد الله بن حَمْد الأرْتاحِيّ، والحافِظ عَبْد الغَنِيّ المَقْدِسِيّ، وبحَلَب شَيْخنا أبا هاشِم الهاشِميّ، وبحَرَّان الحافِظ عَبْد القَادِر الرُّهَاوِيّ، وانْقَطع إليه مُدَّةً، وبخُرَاسَان (b) مَنْصُور الفَرَاوِيّ، والمُؤيَّد الطُّوْسِيّ، وزَيْنَب الشَّعْرِيَّة، وبأصْبَهَان أبا المَكَارِم اللَّبَّان، وأبا جَعْفَر الصَّيْدَلانِيّ، وأبا عَبْد اللهِ الكَرَّانِيّ، وكَتَبَ بخَطِّه الكَثِيْر، وحَدَّثَ بدِمَشْقَ وحَرَّان.
رَوَى عنهُ الحافِظُ عَبد العَظِيْم المُنْذِريّ، وأبو عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن يُوسُف البِرْزَاليّ، وخَرَّجَ عنهُ في مُعْجَمِ شُيُوخِهِ، وتُوفِّيَ بدِمَشْق في الرَّابِع من شَوَّال سَنَة تِسْعٍ وثَلاثين وستِّمائة، ودُفِنَ بجَبَل قَاسِيُون.
(a) في الأصل، ب:"مفرح"، بالحاء المهملة، والمثبت من مصادر ترجمته التالية.
(b) ب: وبحران.
_________
(1)
توفي سنة 639 هـ، وترجمته في: التكملة لوفيات النقلة للمنذري 3: 586، وذيل الروضتين لأبي شامة 363، والعبر في خبر مَن غبر 3: 334 (وفيه: إسماعيل بن مظفر)، سير أعلام النبلاء 33: 81 - 83، الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي 365، تاريخ الإسلام 14: 389 - 390، ابن رجب: ذيل طبقات الحنابلة 3: 334 - 335، والنجوم الزاهرة: 6: 344، وشذرات الذهب 7:351.
حَرْفُ العَيْن في آباءِ مَن اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
ذِكْرُ مَن اسْمُ أبيْهِ عَبْدُ اللهِ ممَّن اسْمُه إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بنِ عَبْدِ الله بن إسْمَاعِيْل بن حَمْدُون بن إسْمَاعِيْل بن حَمْدُون بن أبي صالِح، أبو الحَسَن المُؤدِّبُ
حدَّثَ بمَعَرَّة النُّعْمَان عن قاضيها أبي عَمْرو عُثْمان بن عَبْد الله الطَّرَسُوسِيّ. رَوَى عنهُ الحافِظُ أبو سَعْد السَّمَّان، وخَرَّجَ عنهُ حَدِيثًا في مُعْجَم شُيُوخهِ.
أخْبَرَتْنا الحُرَّة زَيْنَبُ بنتُ أبي القَاسِم عبد الرَّحْمن بن الحَسَن الشَّعْرِيّ في كتابها إلينا من نَيْسَابُور، قالت: أخْبَرَنا أبو القَاسِم مَحْمُود بن عُمَر بن مُحَمَّد الزَّمَخْشَرِيّ إجَازَةً، قال: حَدَّثَني أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن مُرْدَك، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخ أبو سَعْد إسْمَاعِيْل بنُ عليّ بن الحُسَين الرَّازِيّ السَّمَّانُ إجَازَةً، قال: حَدَّثَني أبو الحَسَن إسْمَاعِيْلُ بن عَبْد الله بن إسْمَاعِيْل بن حَمْدُون بن إسْمَاعِيْل بن حَمْدُون بن أبي صالِح المُؤدِّبُ، بقِرَاءَتي عليه في جامِع مَعَرَّة النُّعْمَان، قال: حَدّثَنَا عُثمان بن عَبد الله بن إبراهِيم القاضي، قال: حدَّثنا مُحَّمَّدُ بن مُحّمد بن دَاوُد، قال: حدّثنا يَزِيدُ بنُ جَهْوَر، قال: حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بن نَافِع، قال: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بن عليّ، عن الأوْزَاعِيّ، عن يَحْيَى بن أبي كَثِيْر، عن جَعْفَر المَدَنِيّ، عن أبي هُرَيْرَة
(1)
، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
الحديث بإسناده أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير 4: 212، والمعجم الأوسط للطبراني 1: 55 (رقم 152)، الفردوس للديلمي 2: 94 (رقم 2502)، الموضوعات لابن الجوزي 3: 208، فيض القدير للمناوي 3: 312 (رقم 3484)، كنز العمال للمتقي الهندي 9: 103 (رقم 25189)، كشف الخفاء للعجلوني 1: 127 (رقم 322)، وعند جميعهم:"صاحب الدُّمَّل" بدل: "الحبن". وإضافة لتفسير ابن العديم أعلاه فإن الحبن: داء يأخذ في البطن فيعظم منه ويرم. لسان العرب، مادة: حبن.
ثلاثةً لا يُعَادوْنَ: صاحبُ الرَّمَد، والحَبَن، والضِّرْس.
قلْتُ: الحَبَنُ: عِظَمُ (a) البَطْن.
إسْمَاعِيْلُ بن عَبْد الله بن خَالِد بن يَزيْد، أبو عَبْد الله القُرَشِيّ العَبْدَرِيَّ الرِّقّيّ المَعْرُوف بالسُّكَّرِيّ القَاضِي
(1)
قاضي دِمَشْق، حَدَّثَ عن مُحَمَّدِ بن الحَسَنِ الشَّيْبَانِيّ، صاحبِ أبي حَنِيْفَة رضي الله عنهما، وعن أبي إسْحاق الفَزَارِيّ، ومُحَمَّد بن سَلَمَة الحَرَّانيّ، وبَقِيَّة بن الوَلِيد الحِمْصِيّ، وعِيسَى بن يُونُس، وأبي المُلَيْح الرَّقِّيّ، ومُحَمَّد بن أبي فُدَيْك، وعُبَيْدِ الله بن عَمْرو الرَّقِّيِّ، ويَعْلَى بن الأشْدَق، وعبد الله بن رَجَاءٍ المَكِّيّ، والوَلِيد بن مُسْلِم، ومُحَمَّد بن حَرْب الأَبْرَش، وعَبْد المَلِك بن مُحَمَّد الصَّنْعانِيّ.
رَوَى عنهُ أبو العبَّاس أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن مَسْرُوق الطُّوْسيّ، وأبو حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الرَّازِيِّ، ومُحَمَّدُ بن سَعْد كاتب الوَاقِدِيّ، وأبو يَعْلَى المَوْصِلِيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد البَاغَنْدِيّ، وأبو العبَّاس بن زَنْجُوَيْه القَطَّان، والعبَّاس بن سَعِيْد، وجُمَاهِر بن مُحَمَّد الزَّمْلَكَانِيّ، ومُحَمَّد بن هِشَام النُّمْيرِيّ، وأبو المَيْمُون بن (b) رَاشِد.
ودخَل حَلَبَ أو عَملها في دخُوله إلى الشَّام، وكان من أهْل الصِّدْقِ والوَرَع والأمَانَةِ. وحَدَّثَ عن مَشَايخَ الثَّغْر.
(a) ب: عظيم.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
توفي بعد سنة 240 هـ، وترجمته في: الجرح والتعديل 2: 181، تاريخ الرقة للحراني 159، تاريخ ابن عساكر 8: 415 - 418، تهذيب الكمال 3: 114 - 119، تاريخ الإسلام 5: 1088 - 1089، سير أعلام النبلاء 12: 138 - 129، الكاشف 1: 124، ميزان الاعتدال 1: 336، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 26.
وكان موضع هذه الترجمة عقب ترجمة ابن زرارة (التي تليها)، فكتب إزاء ترجمة العبدري "يقدَّم"، وإزاء الأخرى:"يؤخر"، فأجريناه على ما أراد مع بقاء ترقيم الأصل على حاله.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبدُ الرَّحيم بن يُوسُف بن الطُّفَيْل، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المُبارَك بن عَبْدِ الجَبَّار الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحُسَين بن جَعْفَر السَّلَمَاسِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الله بن أحْمَد بن القَاسِم الدَّهَّان، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ مُحَمَّد بن سَعيد بن عبد الرَّحْمن الحَرَّانيّ الحافِظ في تاريخ الرَّقَّة
(1)
، قال: إسْمَاعِيْل بن عَبْد الله بن خَالِد، أبو عَبْدِ الله السُّكَّرِيّ، وَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْق.
أنْبَأنَا أبو نَصْر بن هِبَة الله القَاضِي، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ لَفْظًا، قال: أخْبَرَنا تَمَّام بن مُحَمَّد إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله بن مَرْوَان، قال: حَدَّثَنَا ابن فَيْض، قال: لم يَلِ القَضَاءَ بدِمَشْقَ بعد مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حَمْزَة أحدٌ في (a) خِلَافَة المُعْتَصِم وحلَافة الوَاثِق حتَّى كانت خِلافَةُ جَعْفَر المُتَوَكِّل، فولَّى ابنُ أبي دُؤَادٍ إسْمَاعِيْلَ بن عَبْدِ الله السُّكَّرِيّ في أوَّل سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثين ومَائتَيْن، فأقام قَاضِيًا إلى أنْ عُزِلَ أحْمَد بن أبي دُؤَاد ووَلي يَحْيَى بن أكْثَم، فعُزِلَ إسْمَاعِيْل بن عَبْد الله السُّكَّرِيّ عن القَضَاءِ، ووَلي مُحَمَّد بن هاشمِ بن مَيْسَرة مكانَهُ.
قال عليُّ بن أبي مُحَمَّد
(3)
: أنْبَأنا أبو القَاسِم عليُّ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، ونَقَلْتُه من خَطِّهِ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن هَارُون بن الجُنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس جُمَح بن القَاسِم بن عَبدِ الوَهَّاب
(a) ب: من.
_________
(1)
الحراني: تاريخ الرقة 159.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 418.
(3)
تاريخ ابن عساكر 8: 419.
المُؤذِّنُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر عبدُ الرَّحْمن بن القَاسِم بن الرَّوَّاس، قال: قال لي خالي - يعني إبْراهيم بن أَيُّوبَ الحَوْرَانيّ (a) - : قُلْتُ لإسْمَاعِيْل بن عَبْد الله القَاضِي: بَلَغَني أنَّك كُنْتَ صُوفيًّا، مَنْ أكَلَ من جِرَابكَ كسْرةً افْتَخَر بها على أصْحَابه! فقال:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}
(1)
.
أنْبَأنَا أبو المَحَاسِن سُليْمانُ بن الفَضْلِ بن سُلَيمان، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَمَّد، ح.
قال ابنُ مَنْدَة: وأخْبَرَنا حَمْدُ بن عَبْدِ الله (b) إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبِي حَاتِم
(3)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن عَبْدِ الله بن خَالِد السُّكَّرِيّ الرَّقِّيّ، أبو عَبْد الله. رَوَى عن أبي المُلَيْح الرَّقّيّ، وعُبَيْد الله بن عَمْرو، كَتَبَ عنُه أبي بالرَّقَّة؛ سَمِعْتُ أبي يَقُول ذلك. قال أبو مُحَمَّد: رَوَى عن مُحَمَّد بن سَلَمَة، ومُحَمَّد بن حَرْب، وأبي إسْحاق الفَزَارِيّ، وبَقِيَّة، وعبد الله بن رَجَاءٍ المَكِّيّ، وابن أبي فُدَيْك. سُئِلَ أبي عنهُ، فقال: صَدُوق.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عَمِّيّ الحافِظُ أبو القَاسِم
(4)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن عَبْدِ الله بن خَالِد بن يَزِيد، أبو عَبْد الله القُرَشِيّ العَبْدَرِيّ الرَّقِّيّ المَعْرُوف بالسُّكَّرِيّ، قاضي دِمَشْق، رَوَى عن أبي المُلَيْح الحَسَنِ بن عُمَرَ، وعُبَيْد الله بن عَمْرِو الرَّقِّيَّيْن، ومُحَمَّد بن سلَمَة الحَرَّانيّ، ويَعْلَى بن الاشْدَق، ومُحَمَّد بن حَرْب الأَبْرَش، وأبي إسْحاق الفَزَارِيّ، وبَقِيَّة بن الوَلِيد، وعبد الله بن رَجَاءٍ
(a) ب: الحرزاني.
(b) ب: مندة.
_________
(1)
اقتباسٌ من الآية الكريمة 173 في سورة آل عمران.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 417.
(3)
الجرح والتعديل 3: 181.
(4)
تاريخ ابن عساكر 8: 415.
المَكِّي (a)، ومُحَمَّد بن الحَسَنِ صاحب أبي حَنِيْفَة، ومُحَمَّد بن أبي فُدَيْك، والوَلِيد بن مُسْلِم، وعَبْد المَلِك بن مُحَمَّد الصَّنْعانِيّ.
رَوَى عنهُ العبَّاسُ بن سَعِيْد، وأبو المَيْمُون بن رَاشِد، ومُحَمَّد بن هِشَام بن مَلَاسِ النُّمْيرِيّ، وجُمَاهِر بن مُحَمَّد الزَّمْلَكَانِيّ، ومُحَمَّد بن سَعْدٍ كاتب الوَاقِدِيّ، والحَسَن بن أبي جَعْفَر الحَلَبِيّ، وأبو العبَّاس أحْمَد بن مُحَمَّد بن زَنْجُوَيْهَ القَطَّان، وأبو بَكْر البَاغَنْدِيّ، وأبو العبَّاس أحْمَد بن مُحَمَّد بن مَسْرُوق الطُّوْسيّ، وكَتَبَ عنه أبو حَاتِم الرَّازِيّ.
هكذا عَدَّ الحافِظُ أبو القَاسِم الحَسَنَ بن أبى جَعْفَر الحَلَبِيَّ في الرُّوَاة عنه، وهو من الرُّوَاة عن ابن زُرَارَة، وقد أخْبَرَنا عليُّ بن شُجَاع، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد المَوْلَى، قال: أخْبَرَنا أبي، قال: حَدَّثَنَا أبو حَاتِم بن المُدَبِّر، قال: أخْبَرَنا أبو إسْحاق النَّقَّاش، قال: حَدَّثَتَا أبو عَبْد الله الجُرْجَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حَفْص عُمَر بن أحْمَد العَطَّار، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحَسَن بن أبي جَعْفَر البُطْنَانيّ، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن عَبْد الله بن زُرَارَة، فذَكَرَ حَدِيثًا.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبى طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ، وأخْبَرَنا به أبو القَاسِم عبدُ الرَّحيم بن يُوسُف بن الطُّفَيْل إجَازَةً عنه، قال: أنْبَأنَا الشَّيْخ الأَمِين أبو مُحَمَّد هِبَةُ الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، عن أبي الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن أحْمَد التَّغْلِبيّ، قال: أحْبَرَنا أبو القَاسِم تَمَّامُ بن مُحَمَّد بن عَبْد اللهِ الحافِظُ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليّ بن الحَسَن بن عَلَّان الحَرَّانيّ الحافظُ، قال: إسْمَاعِيْلُ بن عَبْدِ الله بن خَالِد الأقْطَعُ القُرَشِيّ السُّكَّرِيّ من أهْلِ الرَّقَّة، ماتَ بعد الأَرْبَعِين، كان يُرْمى بالجَهْم.
(a) في نشرة ابن عساكر: المالكي، تصحيف.
إسْمَاعِيْلُ بن عَبْدِ الله بن زُرَارَة، أبو الحَسَن الرَّقَّيّ السُّكَّرِيُّ
(1)
سَمِعَ الحَجَّاج بن يُوسُف بن أبي مَنيِع الرُّصَافِيّ نَزِبلُ حَلَبَ، بحَلَب أو برُصَافَةِ هِشَامٍ، وروى عنهُ، وعن عَفِيف بن سَالِم، وعَبْد العَزِيْز بن عبد الرَّحْمن القُرَشِيّ البَالسِيّ، ودَاوُد بن الزِّبْرَقَان، وشَرِيك بن عَبْد الله النَّخَعيِّ، وعَبد الوَهَّاب الثَّقَفِيّ، وحَمَّاد بن زَيْد، وإسْحَاق، وعبد الله بن حَرْب اللَّيْثِيّ، ومُحَمَّد بن ربِيْعَة الكِلابِيّ.
رَوَى عنهُ ابنُه إبْراهيم بن إسْمَاعِيْل، وأبو بَكْر عَبْد الله بنِ مُحَمَّد بن أبي الدُّنْيِا القُرَشِيّ، وهِلَال بن العَلَاءِ الرَّقِّيّ، وعبد الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل، والحَسَن بن عليّ بن الوَلِيدِ الفَارِسِيُّ، وإسْحَاق بن سُنَيْن الخُتَّلِيِّ، ومُحَمَّد بن الفَضْل بن جَابِر السَّقَطِيّ، وأبو مُحّمَّد جَعْفَر بن مُحَمَّد بن سَوَّار الحافِظ، وأبو عليّ الحَسَنُ بن أبي جَعْفَر الحَلَبيّ، وأبو عَمْرو عُثْمان (a) بن خُرَّزَاد.
أخْبَرَنا القَاضِي شَمْسُ الدِّين أبو المُظَفَّر حَامِد بن أبي العَمِيْد بن أَمِيْري بن وَرْشي القَزْوِينِي، قِراءَةً عليهِ بحَلَبَ، والفَقِيه بَهَاءُ الدِّين أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن إبْراهيم بن أحْمَد المَقْدِسِيّ، قِراءَةً عليهِ بنابُلُس، والشَّيْخُ أبو مُحَمَّد مَحْفُوظ بن هِلالِ بن مَحْفُوظ الرَّسْعَنِيّ برَأس عَيْن، قالوا: أخْبَرَتْنا الكَتِبةُ شُهْدَهُ بنتُ أحْمَدَ بنِ الفَرَج الإِبَرِيّ - قال مَحْفُوظ: في كتابها - قالت: أخْبَرَنا الشَّريفُ الكَامِلُ أبو
(a) ب: وأبو عمرو بن عثمان.
_________
(1)
توفي سنة 223 هـ، وقيل: 229 هـ، وترجمته في: الثقات لابن حبان 8: 100، الجرح والتعديل 2: 181، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 228 (أرخ وفاته سنة 246 هـ)، تاريخ بغداد 7: 240 - 241، ابن الجوزي: المنتظم 11: 145 (وفاته 229 هـ)، المزي: تهذيب الكمال 3: 119 - 123، الذهبي: تاريخ الإسلام 5: 533 - 534، سير أعلام النبلاء 12: 129، الكاشف 1: 124، تهذيب التهذيب 1: 308 - 309، تقريب التهذيب 1:71. وتقدمت الإشارة في الترجمة السابقة لما أجراه المؤلف من تقديم وتأخير.
الفَوَارِس طَرَّاد بن مُحَمَّد بن عليّ الزَّيْنَبِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عليّ بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحُسَينُ بن صَفْوَان البَرْدَعِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر عَبْدُ الله بن مُحَمَّد بن أبي الدُّنْيا القُرَشِيُّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ بن عَبْدِ الله بن زُرَارَة، قال: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بن أبي مَنيع الرُّصَافِيّ، عن جَدِّهِ، عن الزُّهْرِيّ، عن سَالِم، عن أَبِيِه، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نحوَهُ - يعني نحو حَدِيث ذَكَرَهُ قبْلَهُ - قال
(2)
: بينما ثلاثةُ رَهْطٍ يَتَماشونَ، أخذَهُم المَطَر، فآوَوا إلى غارٍ في جَبَل، فبينا هم فيه انْحَطَّت صَخْرةٌ فأطْبَقَتْ عليهم الغار. فذَكَرَ حَدِيث الرَّقِيْم بطُولهِ.
أخْبَرَنا سَيْفُ الدَّوْلَة أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن غَسَّان بن غَافِل بن نِجَادٍ الأنْصَاريّ بدِمَشْقَ، وأبو المُفَضَّل مُكْرَمُ بن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن مُحَمَّد بن أبي الصَّقْرِ القُرَشِيّ بحَلَب، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن جَعْفَر الحَرَسْتَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحَسَنُ بن أحْمَد بن عَبْد الوَاحد بن أبي الحَدِيْدِ، قال: أخْبَرَنا أبو المُعَمَّر المُسَدَّد بن عليّ الأمْلُوكِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عَبْد الكَريم بن يَعْقُوبَ الحلَبِيّ المُؤدِّبُ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بنُ أحْمَد بن عَبْدِ الله الرَّافِقِيّ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن إسْمَاعِيْل بن عَبْدِ الله بن زُرَارَة السُّكَّرِيّ (a)، قال: حَدَّثَنَا أبي، عن عَفِيف بن سَالِم، عن عَبْدِ الله بن لَهِيْعَةَ، عن سَعْد بن إبْراهيم، عن المِسْوَر بن مَخْرَمَة
(3)
، أنَّهُ سَمعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُول: لا
(a) ب: الشكري.
_________
(1)
رسائل ابن أبي الدنيا (رسالة مجابي الدعوة) 1: 764 - 768.
(2)
رواه ابن حنبل من حديث صالح بن كيسان عن نافع عن عبد الله بن عمر، وانظر حديث الغار (إضافة لابن أبي الدنيا) عند المعافى بن زكرياء: الجليس الصالح 1: 371 - 373، التنوخي: الفرج بعد الشدة 1: 125 - 127، ابن قيّم الجوزية: أخبار النساء 50 - 51، ابن كثير: البداية والنهاية 2: 137 - 138.
(3)
سنن الدارقطني 3: 182 (رقم 297)، حلية الأولياء للأصبهاني 8: 322، لسان الميزان لابن حجر 21:3.
يُغَرَّمُ السَّارقُ إذا أُقيم عليه الحَدُّ.
ذَكَرَ أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ في كتاب الجَرْح والتَّعْدِيل
(1)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن عَبْدِ الله بن زُرَارَة الرَّقِّيّ، رَوَى عن شَرِيك ونُظَرائِه، وأدْرَكْتُهُ ولم أكتُب عنه، سَمِعْتُ أبي يَقُول ذلك.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن بن زَيْد الكِنْدِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن زُرَيْق القَزَّازُ، قال: أخْبَرَنا أَبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيبُ
(2)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن عَبْدِ الله بن زُرَارَة، أبو الحَسَنِ السُّكَّرِيّ الرَّقَّيّ، قَدِمَ بَغْدَاد، وحدَّثَ بها عن حَمَّاد بن زَيْد، وعَبْد العَزِيْز بن عبد الرَّحْمن القُرَشِيِّ، وعَبد الوَهَّاب الثَّقَفِيّ، وشَرِيك بن عَبْد الله النَّخَعِيّ، ودَاوُد بن الزِّبْرقَان. رَوَى عنهُ أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا، وعبد الله بن أحْمَد بن حَنْبَل، ومُحَمَّد بن الفَضْل بن جَابِر السَّقَطِيّ، وإسْحَاق بن سُنَيْن الخُتَّلِيّ، والحَسَن بن عليّ بن الوَلِيدِ الفَارِسِيّ، وغيرُهم.
قال الخَطِيبُ
(3)
: حَدَّثَني الحَسَنُ بن مُحَمَّد الخَلَّال، عن أبي الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، قال: إسْمَاعِيْل بن عَبْدِ الله السّكَّرِيّ ثِقَةُ.
قُلتُ: هكذا أوْرَد الخَطِيبُ عن أبي الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ هذا الكَلَام في تَرْجَمَةِ إسْمَاعِيْل بن عَبْد الله بن زُرَارَة أبي الحَسَن، ويُحْتَمل أنْ يكون قول الدَّارَقُطْنِيّ (a) عن إسْمَاعِيْلَ بن عَبْد الله بن خَالِد بن يزيد بن عَبْد الله السُّكَّرِيّ، المُتَقدِّم (b) ذِكْره،
(a) من قوله: هذا الكلام
…
إلى هنا ساقط من ب.
(b) في الأصل، ب: الآتي. وقد تقدم قبل هذا للإجراء الذي صنعه المؤلف بالتقديم والتأخير.
_________
(1)
الجرح والتعديل 2: 181.
(2)
تاريخ بغداد 7: 240.
(3)
تاريخ بغداد 7: 241.
وهو بهِ أشْبَه لوَصْف أبي حَاتِم الرَّازِيّ له بالصِّدْق، ولم يَذْكُر في ابن زُرَارَة شيئًا (a) غير ما أوْرَدناهُ.
وقد أنْبَأنَا أبو الفَرَج بن القُبَّيْطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الكَرَم بن الشَّهْرَزُورِيّ، عن أبي القَاسم الإسْمَاعِيْليّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو عبد الرَّحْمن (b) بن مُحَمَّد الفَارِسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(1)
، قال في ذِكْر عَبْد العَزِيْز بن عبد الرَّحْمن القُرَشِيّ: وعَبْد العَزِيْز هذا يَرْوي عن خَصِيْف أحَادِيْثَ بَواطيل؛ يَرْويها عنه إسْمَاعِيْلُ بن زُرَارَة، وإسْحَاق بن خَلْدُون البَالِسِيّ، وفيها غيرُ حديثِ خَصِيْف عن أنَس، وسَائر ذلك كُلّه ليس لها أُصُول، ولا يُتَابعُهُ الثِّقَاتُ عليها.
وقد ذَكَرَ الحافِظُ أبو القَاسِم بن عَسَاكِر
(2)
قول الدَّارَقُطْنِيّ بإسْنَاده إلى الخَطِيب في تَرْجَمَةِ أبي عَبْد الله إسْمَاعِيْل بن عَبْد الله القَاضِي [المُتقدِّم](c) ذِكْره.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الطُّفَيْل، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيُّ، قال: أخْبَرَنا المُبارَك بن عَبْد الجَبَّار الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللهِ الحُسَين بن جَعْفَر السَّلَمَاسِيُّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عَبْد الله بن أحْمَد بن القَاسِم الدَّهَّان، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ مُحَمَّد بن سَعيد بن عبد الرَّحْمن الحَرَّانيّ الحافِظُ
(3)
، قال: سَمِعْتُ إبْراهيم بن إسْمَاعِيْل بن عَبْد الله بن زُرَارَة يقُولُ: ماتَ أبي بالبَصْرَة سَنَة تِسْعٍ وعشرين ومَائتَيْن.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفِيِّ، وأخْبَرَنا بهِ أبو القَاسِم بن
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: عبد الله.
(c) في الأصل: الآتي، كتب هذا قبل أن يجري التقديم والتأخير في الترجمتين.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 5: 1927.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 418.
(3)
الحراني: تاريخ الرقة 165.
رَوَاحَة إجَازَةً عنه، قال: أنْبَأنَا الشَّيْخُ الأَمِينُ أبو مُحَمَّد هِبَة الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، عن أبي الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن أحْمَد التَّغْلِبيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم تَمَّام بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الحافِظ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن (a) عليّ بن الحَسَن بن عَلّان الحَرَّانيّ الحافِظ، قال: إسْمَاعِيْل بن عَبْد الله بن زُرَارَة رَقِّيّ، قال لنا مَحْمُود: إنَّهُ ماتَ سَنَة ثَلاثٍ وعشرين ومَائَتْين.
قال (b): هو مَحْمُود بن مُحَمَّد بن الفَضْل.
إسْمَاعِيْلُ بن عَبْد الله بن يَزِيد بن أسَد بن كُرْز بن عَامِر بن عَبْد الله بن عَبْد شَمْس بن غَمْغَمَة (c) بن جَرِير بن شِقِّ الكَاهِن بن صَعْب بن يَشْكُر بن رُهْم بن أَفْرَك بن نَذِير بن قَسْر بن عبْقَر بِن أَنْمَار بن إرَاش بن عمرو بن الغَوْث، وقيل: عمرو بن نَبْت بن زِيْد بن كَهْلَان، وقيل: عَمْرو بن الغَوْث بن نَبْت بن مَالِك بن زَيْد بن كَهْلَان، أبو هاشِم القَسْريّ العَبْقَرِيّ البَجَليّ
(1)
وقال بعضُهم: هو مَنْسُوبٌ إلى قَصْرِ ابن هُبَيْرَة وأبْدَلُوا الصَّاد سِيْنًا. وقال آخرون:
(a) ب: أبو الحسين.
(b) ب: قلت.
(c) في الأصل، ب: عمعمة، بالعين المهملة، ومثله في تاريخ
ابن عساكر 8: 427، والإعجام من طبقات ابن سعد 7: 428، الاشتقاق لابن دريد 518، والأغاني 22: 5، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب 388، وابن خلكان: وفيات الأعيان 2: 226، ويأتي صحيحًا فيما بعد؛ في أثناء سياقة نسب أخيه خالد بن عبد الله (الجزء السابع).
_________
(1)
ترجمته في: الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري 365، تاريخ الطبري 7: 254، 257، 304 - 306، 317، 319، 454، 8: 70، الاشتقاق لابن دريد 518، الأزدي: تاريخ الموصل 67، 178 - 179، 214 - 217، 233، المسعودي: مروج الذهب 4: 91 - 92، ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 2: 180، تاريخ ابن عساكر 8: 427 - 428، ابن الأثير: الكامل 5: 276، 324 - 326، 336، 440، مختصر ابن منظور 4: 357 - 358، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 28.
هو مَنْسُوبٌ إلى قَصْر بَجِيْلَة؛ مَوضعٌ بالكُوفَة، وهو بَجَلِيٌّ، والأوَّلُ هو الصَّحيح.
وأبو هاشِمِ القَسْرِيّ هو أخُو خَالِد القَسْرِيّ
(1)
، رَوَى عن أخيهِ خَالِدٍ، رَوَى عنهُ أيُّوبُ بن سُوَيْد الرَّمْليّ، ومُحَمَّد بن عِمْران.
ووَلِيَ إمْرَةَ المَوْصِل، ففي طَريقِه إليها اجْتازَ بحَلَبَ أو ببَعْضِ عَمَلها.
أنْبَأنَا أبو المَحَاسِن سُليْمان بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الحَسَن بن هبَة الله
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْد الغَفَّار بن مُحَمَّد الشِّيْرُوِيّ
(3)
في كتابهِ، ثُمَّ أخْبرَني أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد الله بن أحْمَد بن حَبِيْب، وأبو مَنْصُور بُزْغُش (a) بن عَبْدِ الله عنهُ، قال: أخْبَرَنا أبَو سَعيد الصَّيْرَفِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس الأصَمّ، ح.
قال أبو القَاسِم: وأخْبَرَنا أبو الفَتْح يُوسُفُ بن عَبْدِ الوَاحِد، قال: أخْبَرَنا شُجَاع بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن يُوسُف، قال: حَدَّثنا مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عَبْد الحَكَم، قال: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بن سُوَيْد، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بنُ عَبْد الله القَسْرِيّ، عن أخيهِ خَالِدِ بن عَبْد اللهِ، عن أَبِيهِ، عن جَدِّه يَزِيدَ بن أسَدٍ أَنَّهُ قَدِمَ على عُمَر بن الخَطَّاب منِ دِمَشْق، فقال له: يا ابنَ أسَدٍ، ما الشُّهَدَاءُ فيكم؟ فقال: الشَّهِيْدُ يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن مَنْ قاتَلَ في سَبِيْل الله حتَّى يُقْتَل، قال: فما تقولونَ فيمَن مات حَتْفَ أنْفه، لا تَعْلمُونَ (b) منه إلَّا خَيْرًا؟ قال: عَبْدُ عملَ خَيْرًا، ولقي ربًّا لا يَظْلمه، يُعَذِّبُ مَنْ عَذَّبَ (c) بعد الحُجَّةِ عليهِ والمَعْذَرةِ (d) فيه، أو يَعْفُو عنهُ، قال عُمَرُ: كلَّا، واللهِ ما هو كما تقُول - وقال
(a) ابن عساكر: برغش.
(b) مهملة الأول في الأصل، والمثبت من ب، وعند ابن عساكر: يعلمون.
(c) ابن عساكر: عذبه.
(d) ابن عساكر: العذرة.
_________
(1)
انظر ترجمة خالد بن عبد الله القسري في الجزء السابع من هذا الكتاب.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 427 - 428.
(3)
منسوبٌ إلى شِيْرُوَيْه جدٌّ لهم. السمعاني: الأنساب 8: 233 - 234.
الشِّيْرُوِيّ: يقولُون - مَنْ ماتَ مُفْسدًا في الأرْض ظالمًا للذِّمَّة، عَاصِيًا للإمام، غَالًّا للمال، ثمّ لقي العَدُوّ فقاتلَ فقُتِلَ شَهِيْدًا، ولكنّ اللهَ عز وجل قد يُعَذِّب عدوَّه، فالبَرُّ (a) والفاجِر، ومنْ ماتَ حَتْفَ نفسهِ لا يعلمُونَ منه إلَّا خيْرًا كما قال الله عز وجل:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ}
(1)
، الآية.
أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَن بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ بالبيت المُقَدَّس، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن أحْمَد الرَّازِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحُسَين بن عَبْدِ الله بن الشُّوَيْخ الأرْمَوِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو القَاسِم عَبْد الوَاحِد بن مُحَمَّد بن سُنْبُك، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحَسَن بن مُحَمَّد الأنْصَاريّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا
(2)
، قال: حَدَّثَني أبو القَاسِم هَارُون بن أبي يَحْيَى (b) السُّلمِيّ، قال: أخْبَرَني مُحَمَّد بن زَبَّان (c)، عن مُحمَّد بن عِمْران، عن إسْمَاعِيْل بن عَبْد الله القَسْرِيّ، قال: قال خَالِدُ بن عَبْد الله القَسْرِيّ لبَنيهِ: إنَّكم قد شَرَفتُم، وقَمِنٌ (d) أنْ تُطْلَبَ إليكُم الحَوائِج، فَمن يضْمَنُ حاجَة امْرِئ مُسْلِمٍ فليطْلُبها بأمَانَةِ الله عز وجل.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد، فيما أَذِنَ لَنا أنْ نَرْويَهُ عنْهُ، عن أبي غَالِب بن البَنَّاءِ، عن أبي مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ - قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر (e) بن حَيَّوْيَه، قال:
(a) ابن عساكر: بالبر.
(b) في الأصل، ب: ابن أبي نمر، والمثبت من رسائل ابن أبي الدنيا في عشرات الأسانيد، ويأتي فيما بعد (في ترجمة خالد في عبد الله القسري) على الوجه المثبت ولم أقف على ترجمته لترجيح الصواب.
(c) ذكره ابن أبي الدنيا في رسالتيه: قضاء الحوائج، ورسالة إصطناع المعروف بالياء: زيان، وترجم له الذهبي (سير أعلام النبلاء 14: 519 - 520) وقيَّده بالباء الموحدة بما يوافق المثبت.
(d) ابن أبي الدنيا: قضاء الحوائج: ومن. وقمن: أي خليق.
(e) ب: أبو عمرو.
_________
(1)
سورة النساء، من الآية 69.
(2)
رسائل ابن أبي الدنيا: كتاب (رسالة قضاء الحوائج) 1: 545، (رسالة إصطناع المعروف) 1:679.
أخْبَرَنا أحْمَد بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا الحُسَينُ بن الفَهْمِ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ في سَعْد
(1)
، قال: ومن بَجِيْلَة؛ وهم بنو أَنْمَار بن إرَاش بن عَمْرو بن الغَوْث بن نَبْت بن مَالِك بن زَيْد بن كَهْلَان بن سَبَأ بن يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطَان: يَزِيد بن أسَد بن كُرْز بن عَامِر بن عَبْدِ الله بن عُبَيد الله بن عَبْد شَمْس بن غَمْغَمَة (a) بن جَرِير بن شِقّ الكَاهِن بن صَعْب بن يَشْكُر بن رُهْم بن أَفْرَك بن نَذِير بن قَسْر بن عَبْقَر بن أَنْمَارٍ، وفَد على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأسْلَم، ولم يكن ممَّن اخْتَطَّ بالكُوفَة ولا نَزَلها، ونَزَلَ الشَّام. من ولده: خَالِدُ بن عَبْد الله بن يَزِيد وأخُوه إسْمَاعِيْلُ بن عَبْد الله وَلي المَوْصِل، وكان في صحابةِ أبي جَعْفَر.
وقال هِشَامُ بن مُحَمَّد بن السَّائِب الكَلْبيّ: ولم يُوْلدْ لعبد الله بن عَبْد شَمْس إلَّا واحدُ إلى يَزِيد بن أسَد وَاحدُ واحدُ يُولد.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَاتِ الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو القَاسِم الحافِظ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدُ الله الحَلَّالُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَمَّد، ح.
قال: وأخْبَرَنا ابن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْد بن عَبْد الله إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم
(3)
، قال: إسْمَاعِيْل بن عَبْدِ الله القَسْرِيّ، وهو أخُو خَالدٍ القَسْريِّ. رَوَى عن أخيهِ خالدِ بنِ عَبد الله القَسْرِيّ. رَوَى عنهُ أَيُّوبُ بن سُوَيْدٍ الرَّمْليّ.
(a) في الأصل، ب: عمعمة، وتقدم في طالع الترجمة ذكر مصدر التصويب.
_________
(1)
طبقات ابن سعد 7: 428، بتصرف.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 428.
(3)
الجرح والتعديل 2: 180.
إسْمَاعِيْلُ بن عَبْد الله بن عَبْد المُحْسِن بن أبي بَكْر بن هِبَة الله بن حَسَن بن عَبْد اللّه، أبو الطَّاهِر بن أبي مُحَمَّد الحافِظ الأنصَاريّ المِصْرِيّ، المعرُوفُ بابنِ الأنْمَاطِيّ
(1)
رَحَلَ في طَلَب الحَدِيْث، وسَمِعَ منه الكَثِيْر بمِصْرَ، وبغدَادَ، ومكَّةَ، وإرْبِلَ، وحَلَب، ودِمَشْقَ.
سَمعَ بمَكَّة أبا عَبْد اللّه مُحَمَّد بن عَبْد اللّه بن الحُسَين الإشْكِيْذَبَانِيّ (a)، وأبا عَبْد اللّه مُحَمَّد بن إبْراهيم الشِّيْرَازيّ، وسَمعَ بمِصْرَ من البُوْصِيرِيِّ، وابن حَمْدِ الأرْتاحيّ، وأبي الحَسَنِ شُجَاع بن مُحَمَّد بن سِيْدهُم المُدْلِجيّ، وأبي عَبْد اللّهِ مُحَمَّد بن عَبْد المَوْلَى بن مُحَمَّد اللُّبْنِيّ (a)، ومُحَمَّد بن يُوسُف الغَزْنَوِيّ، وأبي عَبْد اللّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد الكَاتِب، وأبِي الثَّنَاء حَمَّاد بن هِبَة اللّه، ومُرْتضَى بن حَاتِم بن مُسْلِمِ بن أبي العِزّ الحارِثِيّ، وزِيْن الدِّين عليّ بن نَجَا الوَاعِظ، وصاحَبَتَهُ فاطِمَةُ بنت سَعْدِ الخَيْر الأنْصَاريّةُ زوْجُ ابن نَجَا، وسَمعَ ببَغْدَاد عَبد الوَهَّاب بن عليّ بن عليّ المَعْرُوفُ بابنِ سُكَيْنَة، وأبا مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن الأخْضَر وغيرهما، وبوَاسِط أبا الفَتْح بن المَنْدَائِيّ،
(a) في الأصل بإهمال الياء الأوّلى والباء، وفي ب: الأشكندلانيّ، وعند المقريزي (المقفى 2: 119): الإسكندرانيّ، والإعجام مع ضبطه من تكملة الإكمال لابن نقطة 1: 184، ومعجم البلدان لياقوت 1: 199، ونسبته إلى إشكيذبان؛ قرية بين هراة وبوشنج. ووردت كنيته عند ابن نقطة وياقوت: أبو الفتح.
(b) ب: النسيّ، ولُبْنَة: من قرى المهدية بإفريقية (تونس). معجم البلدان 5: 12.
_________
(1)
توفي سنة 619 هـ، ترجمته في: ذيل الروضتين لأبي شامة 198 - 199، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 22: 259 - 260 الذهبي: تاريخ الإسلام 13: 573 - 573، سير أعلام النبلاء 22: 173 - 174، الإعلام بوفيات الأعلام 255، تذكرة الحفاظ 4: 1403 - 1405، العبر في خبر مَن غبر 3: 179، الوافي بالوفيات 9: 146 - 147، الدلجي: الفلاكة والمفلوكون 71، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 96، العيني: عقد الجمان 4: 71، المقريزي: المقفى 2: 118 - 119، النجوم الزاهرة 6: 254، السيوطي: طبقات الحفاظ 497، حسن المحاضرة 1: 355، شذرات الذهب 7:149.
وبإرْبِل حَنْبَلَ بنَ عَبْد اللّه المكَبِّر، وشَيْخنا أبا حَفْص بن طَبْرزَد، وبالإسْكَنْدَريَّة أبا عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحمن الحَضْرَميّ، وأبا القَاسِم عبد الرَّحْمن بن مَكِّيّ، وبحَلَب شَيْخنا أبا هاشِم الهاشِمِيّ، وبدِمَشْق أبا مُحَمَّد القَاسِم بن عليّ بن الحَسَن بن عَسَاكِر، وأبا طَاهِر الخشُوعِيّ، وشُيُوخَنا: القَاضِي أبا القَاسِم بن (a) الحَرَسْتَانِيّ، وأبا اليُمْن زيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، وزَيْنْ الأُمَناء، وأبا مَنْصُور ابني مُحَمَّد بن الحَسَن، وغيرهم ممَّن يَطُول ذِكْرهُم، ويَكْثُر عَدَدهم.
وكان قد سَيَّرهُ المَلِكُ المُحْسِنُ أحْمَد بن يُوسُف بن أيُّوب إلى إرْبِل لإحْضَارِ حَنْبَل بنِ عَبْد اللّه إلى دِمَشْق لسَماعِ مُسْنَد أحْمَد بن حَنْبَل، فَمَضَى إلى إرْبِل وأحْضَره إلى دِمَشْق واجْتازَ به (b) بحَلَب، فأَقام بها يَوْمًا أو يوْمَيْن بِظَاهِرها، ولم يُسْمع على حَنْبَل بها إلَّا الشَّيء اليَسِيْر.
وكان تَقِيُّ الدِّين أبو الطَّاهِر الأنْمَاطِيّ هذا كَثِيْرَ الإفَادة، حَرِيصًا على تَحْصيل الفَوَائِد، حَسَن الأخْلَاق، سَمْحًا بإعارَة كُتُبه وأُصُوله حتَّى إلى البِلاد النَّائية عنهُ، وكان يَضْبط سَماع الطَّلَبَة، ويُؤَدِّبهُم في مَجَالِس الحَدِيْث، ويكتُب الطِّبَاقَ بخَطِّه.
ونفَق على الوَزِير عَبْد اللّه بن عليّ المَعْرُوف بابن شُكْر، وقرَّر له بدِمَشْق مَعْلُومًا على المَصَالِح، وكان مَالِكيّ المَذْهَب، ثُمَّ انتقَلَ إلى مَذْهَب الشَّافِعيّ.
واجْتَمَعْتُ بهِ بدمشْقَ في سَنَة أرْبَع عَشرة وسِتّمائة، وأفادَنِي عن جَمَاعَة من الشُّيُوخ، وأعارَني أصُوله، وسَمِعْتُ بقراءته وسَمعَ بقراءتيّ، ولم يَتَّفق لي سَماعُ شيءٍ منه إلَّا ما جَرَى في المُذَاكَرَة.
وحَدَّثَ بدِمَشْقَ، وكتَبَ عنه جَمَاعَةُ من المحدِّثِيْن من أقْرَانه وغيرهم،
(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب.
ورَوَى لنا عنْهُ أبو المَحَامِد القُوصِيّ حَدِيثًا خرَّجه عنه في مُعْجَم شُيُوخه، والحافِظ رشِيْد الدِّين أبو الحُسَين يَحْيَى بن عليّ حَكاِيَة ذَكَرها أيضًا في مُعْجَم شُيُوخه.
أخْبَرَنا أبو المحامد إسْمَاعيْل بن حَامِد القُوصِيّ، قِراءَةً عليهِ بدِمَشْق، قال: حَدَّثَنَا المحدِّثُ الأصَلُّ تَقِيُّ الدَّين أبو الطَّاهِر إسْمَاعِيْل بن عَبْد اللّه بن عَبْد المُحْسِن الأنْصَاريّ، المَعْرُوف بابنِ الأنْمَاطِيّ الصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا رَضي الدِّين مُرْتَضَى بن حَاتِم بن مُسْلِم الحارِثِيّ المِصْرِيّ المقدِسِيّ - قال القُوصِيِّ: وأجازَهُ لي الشَّيْخ المَذْكُور - قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور الحَفْرَيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن أحْمَد الرَّازِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الرَّحْمن بن المُظَفَّر بن عبد الرَّحْمن، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن مُحَمَّد المُهَنْدِس، قال: أخْبَرَنا مُحَمّد بن مُحَمّد الباهِليّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمّد بن أبان البَلْخِيّ، قال: حَدَّثَنَا عبد الرَّزَّاق، قال: أخْبَرَنا سُفْيان، عن أبي إسْحَاق، عن أبي حَيَّة بن قيس، عن عليّ بنِ أبِي طَالِبٍ، أنَّهُ توضَّأ ثلاثًا ثلاثًا، ثمّ مَسَح برأسِه، ثمّ شربَ فَضْلَ وضُوئِهِ، ثمَّ قال: منْ سَرَّهُ أنْ ينظُرَ إلى وُضُوءَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فليَنْظُر إلى هذا.
هكذا أخْبَرَنا به أبو المحامِد القُوصِيّ، عن أبي الطَّاهِر، عن مُرْتَضَى، عن أبي عَبْد اللّه بن الحَفْرَيّ، وأبو الطَّاهِر الأنْمَاطِيّ سَمعَ من أبي عَبْد اللّه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمنِ الحَفْرَيّ، وقد أخْبَرَنا أبو الحُسَين يَحْيَى بن عليّ العَطَّار، قال سَمِعْتُ صَاحبَنا ورفيقَنا الشَّيخ الحَافِظ أبا الطَاهِر إسْماعيل بن عَبْد اللّه بن عَبْد المحسِن بن أبي بكْر بن هِبَة اللّه بن حَسَن بن عَبْد اللّه الأنْصَاريّ الصْريّ المَعْروف بابن الأنْمَاطِيّ، رحمه الله، بدِمَشق يقول: سَمِعْتُ شَيْخنا أبا الحَسَن شُجَاع بن سِيْدهُم المُدْلِجيّ المالِكيّ، وكان من خِيَارِ عِبَادِ اللّهِ وصُلَحائهم من بَقِيَّة أهل الخَيْر بمِصْر، يَقُول: كان شَيْخنا أبو العبَّاس بن الحطئةِ رحمه الله سَدِيدًا في دين اللّهِ، فظًّا غَلِيْظًا على أعْدَاءِ اللّه أهْل البِدَع، لقد كان يَحْضرُ مَجْلسَهُ دَاعي الدُّعَاة مع عِظَم سُلْطانه
ونُفُوذِ أمْره، فما يَحْتشمُه ولا يُكْرمُه، ولقد كان يقول بحَضْرته في بعض المَسَائِل الّتي يرُدُّ فيها على الشِّيْعَة والرَّوَافِضِ والإسْمَاعِيْليَّةِ: أحْمَقُ النَّاسِ في هذه المَسْألَة الرَّوَافِض؛ خَالفوا كتابَ اللّه وسُنَّةَ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم، وكَفَروا باللّه كُفْرًا صَريحًا بلا تَأويْل، هذا ومعناه.
قال الحافِظُ أبو الحُسين العَطَّار: الحافِظ أبو الطَّاهِر بن الأنْمَاطِيّ مِصْريٌّ من أعْيَان المحدِّثِيْن وفُضَلائهم المُعْتَبَرين، سَمعَ الكَثِيْر بمِصْر، ثمّ رَحَل إلى العِرَاق، ودَخَلَ بَغْدَادَ بعد التِّسْعِين (a)، وحصَّل من المَسْمُوعَاتِ (b) والفَوَائِد جُمْلَةً كَثِيْرةً، وكتَبَ بخَطِّه الكَثِيْرَ، وقَطَعَ جُلَّ عُمره في طَلَب العِلْم (c)، وكان كَثِيْر الإفَادَة، واسْتَجَاز لخَلْقٍ كَثِيْر من المِصْرِيِّين والشَّامِيِّيْن وغيرهم ابتدَاءً من غير سُؤالٍ من أكْثرهم، ولم يُحدِّث إلَّا باليَسِيْر ممَّا حصَّلَهُ. سَمِعَ بالإسْكَنْدَرِيَّة من أبي عَبْد اللّه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن الحَضْرَميّ في سَنَة سَبْعٍ وثمانين وخَمْسِمائَة، رأيت سَمَاعه عليه لسُدَاسِيَّاتِ (d) الرَّازِيّ في جُمَادَى الأُوْلَى من السَّنَة المَذْكُورَة، وسَمع بها أيضًا من غيره، وسَمعَ معنا على جَمَاعَة من الشُّيُوخ بمِصْرَ والشَّامِ، وكانَ موْلدُهُ بمِصْر، وتُوفِّيَ رحمه الله ليلَة الاثْنَين الثَّالث عَشر من شَهْر رجَب سنَةَ تسعَ عَشرةَ وستِّمائة بدِمَشْق.
أخْبَرَنِي أبو المحامِد القُوصِيّ، قال: تُوفِّي أبو الطَّاهِر بن الأنْمَاطِيّ بدِمَشْق في شُهُور سَنَة تِسْع عَشرة وستِّمائة.
(a) مهملة في الأصل وب، والمثبت أقرب للصواب.
(b) ب: السماعات.
(c) ب: في الطلب.
(d) ب: بسداسيات.
إسْمَاعيْلُ بن عَبْد الجَبَّار بن يُوسُف بن عَبْدِ الجَبَّار بن شِبْل بن عليّ بَن أبي الحَجَّاج الصّوَيْتِيّ المَقْدِسِيّ، ثمّ المِصْرِيّ الجُذَامِيّ
(1)
وصُوَيْتُ بَطْنٌ من جُذَام، ويُلقَّب عَلَم الدِّين.
قرأ الأدَبَ على أبي مُحَمَّد بن برِيّ، وسَمعَ الحَدِيْثَ بالإسْكَنْدَرِيَّة من الحافِظ أبى طَاهِر السِّلَفِيّ وحَدَّثَ عنهُ. سَمعَ منه ولدُه دِيْقُنا ورَفيقُنا ضِيَاء الدِّين مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل، وكان عَارِضَ جَيْش المَلِك النَّاصِر صَلاح الدِّين يُوسُف بن أَيُّوب، رحمه الله، بعدَ مَوْت أبيهِ
(2)
، ثمّ وليه بَعْدُ لابنه المَلِك العَزِيز عُثْمان بن يُوسُف ولمَنْ (a) تجَدَّد بعده من مُلُوك الدِّيَار المِصْرِيَّة إلى زَمن المَلِك العادِل أبي بَكْر بن أيُّوب، فحصَل في نفسِ وَزِيرِه صَفِيّ الدِّين عَبْد اللّه بن عليّ بن شُكْر منه شيءٌ أوْجَب أذَاه وعَزْله، ففارَقَ مِصْر وقَدِمَ حلَبَ في سَنَة ثَلاثٍ وسِتّمائة وَافِدًا على المَلِك الظَّاهِرِ غَازِي بن يُوسُف بن أَيُّوب، فأكْرمه وأحْسَن إليهِ، وأجْرَى له رِزْقًا حَسَنًا، ولم يزل مُقِيْمًا بحَلَبَ في كَنَفِهِ وجاريهِ إلى أنْ مات بها بعد أنْ أصَابه الفَالِجُ مُدَّةً بحَلَب، ولم أسْمَعْ منه شيئًا.
أخْبَرَنا أبو عَبد اللّه مُحَمّد بن إسْماعِيل بن عبد الجبار بن أبي الحَجَّاج إذْنًا، قال: أخْبَرَنا والدي إسْمَاعِيْل، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ الأصْبَهَانِيّ، ح.
وأخْبَرَنَا به سَمَاعًا عَاليًا أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن دَاوُد بن عُثْمان الدَّرنَبْدِيّ،
(a) ب: ولم.
_________
(1)
توفي سنة 610 هـ، وترجمته في: التكملة للمنذري 3: 387 - 388، مجمع الآداب لابن الفوطي 1: 508، تاريخ الإسلام 13: 233، الوافي بالوفيات 9: 141 - 142، تاريخ ابن الفرات 5/ 1: 142 - 143، المقريزي: المقفى الكبير 2: 116 - 117.
(2)
أي والد إسماعيل، وكان يتولى الوظيفة قبله.
وأبو عليّ حَسَن بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ الصُّوْفيَّان وآخرون، قالوا: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله القَاسِم بن الفَضْلِ بن أحْمَد بِن محمُود الثَّقَفِيّ - رَئيسُ أصْبَهَان سَنَة ثمَانٍ وثمَانين وأرْبَعِمائة وتُوفِّيَ سنَة تِسْع، وموْلده سَنَة ثمانٍ وتِسْعِين وثَلاثِمائة - قال: أخْبَرَنا أبو طَاهر مُحمَّد بن مُحمد بن مَحْمَش الزِّيَادِيّ الإمام بنَيْسَابُور، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللّه بن يَعْقُوبَ الكَرْمَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بَحْر الكَرْمَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّاد بن زَيْد، عن مُجَالِد، عن الشَّعْبيّ، عن جَابِر بن عَبْدِ الله، قال: قال رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم
(1)
: إنَّكُم اليَوْمَ على دِيْن، وإنِّي مُكَاثرٌ بكُم الأُمَم (a)، فلا تمشوا القَهْقَرَى بَعْدِي.
كتَبَ لي رفيقُنا ضِيَاء الدِّين مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن أبي الحَجَّاج، وذَكَرَ حال وَالدِه، وقال: وقَرأ وَالدِي الأدَب على الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عَبْد اللّه بن برِيّ، وصَحِبَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، ومولدُه بدَرْب الأُسْوَانِيّ بالقَاهِرَة في سَنَة تِسْع وأرْبَعين وخَمْسِمائَة، ومن شعْره ما سَمِعْتُه من لفظه، وقد دَخَل عليه مَمْلُوكٌ صغِيرٌ وقد لحَقَهُ رَمَدٌ تَشَيَّف بأَشْيَاف وَرْد:[من مجزوء الرجز]
أَقُول لما أنْ رَأيـ
…
ــتُ طَرْفَهُ مُشَيَّفَا
سُبْحَانَ مَنْ أعْلَى على النَّـ
…
ــرْجِسِ وَرْدًا مُضْعَفا
قال: ونَقَلْتُ من خَطِّه من شِعْره: [من الطّويل]
يقُول أُنَاسٌ إنَّ في المِلْح حُرْمةً
…
مُؤكَّدَةً حتَّى نُساهِمَ في البَلْوَى
فقُلْتُ لهم: إنْ كان حَقًّا حَدِيثكُم
…
فإذا عَسَاهُ أنْ يَكُون من الحَلْوَى
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
مسند أبي يعلى الموصلي 4: 101 (رقم 2133).
قال: ونَقَلْتُ من خَطِّه، يعني من شِعْره:[من التقارب]
وَرَدُّ الجَوَابِ كَرَدِّ السَّلَام
…
بمثل التَّحِيَّةِ أو أَحْسَنِ
قال: ولمَّا شَاهَدَ الثَّلْج بحَلَبَ عند سُقُوطِهِ قال: [من الوافر]
رَأيْتُ الثَّلْجَ عَمَّ الأرْضَ حتَّى
…
تَسَاوَى الوَهْدُ منهُ بكُلّ سنِّ
كأنَّ الأرْض مُدَّ بها إزَارُ
…
ووَقع الثَّلْجِ من نَدَّاف قُطْنِ
قال: والعَجَبُ أنَّهُ تولَّى دِيْوَان الحيش النَّاصِرِيّ بعدَ مَوْت أَبيهِ، وكانَتْ وَفَاةُ والدهِ في سَنَة ثَلاثٍ وثَمانين وخَمْسِمائَة في البيت المُقَدَّس إلى أنْ صُرِفَ منه في حَادِثَةِ الصَّفِيّ عَبْد اللّه بن عليٍّ المَعْرُوف بابن شُكْرٍ، في ذِي الحجة سَنَة اثْنَتَيْن وسِتمائة، أقامَ فيه تِسْع عَشْرَة سَنَةً، وتولَّاهُ أبُوه في سَنَة أرْبعٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة، وتُوفِّيَ في السَّنَة المَذْكُورَة - يعني سَنَة ثَلاثٍ وثَمانين وخَمْسِمائَة - فأقامَ فيه تِسْع عَشرة سَنَةً، فاتَّفَقَ هو ووالدُه في مُدَّة تولِّيهما الجَيْش، واتَّفَقا أيضًا في العُمْر، لأنَّ والدَهُ وُلد في سَنَة اثْنَتَيْن وعشرين وخَمْسِمائَة، وتُوفِّيَ في السَّنَةِ المَذْكُورَة، فعَاشَا عُمرًا واحدًا، وهو أحدُ وستُّون سَنَة.
قال: وتُوفِّيَ - يعني أباهُ - بَمحرُوسَةِ حَلَب في عَشِيَّةِ الجُمُعَة الثَّامن والعشرين من ذي القَعْدَة سَنَة عَشرٍ وسِتِّمائة.
قُلتُ: وكان العَلَمُ بن أبي الحَجَّاج مَاهِرًا في صِنَاعَة التَّصَرُّف، وبضَاعَتُه في العُلُوم مُزْجَاةٌ، رحمه الله.
إسْمَاعِيلُ بن عبِد الرَّحْمن بن أحْمَد بنِ إسْمَاعِيْل بن إبْراهيم بن عامِر بن عَائِذ (a)، أبو عُثْمان الصَّابُونيِّ النَّيسَابُوريّ، الإمَام الحافِظ المُفَسِّر الوَاعِظ
(1)
قَدِمَ حلَبَ حَاجًّا سَنَة اثْنَتَيْنِ وثلاثينَ وأرْبَعِمائة، وحَدَّثَ بها، وسَمعَ منهُ جَدُّ جَدِّي أبو الفَضْل هِبَةُ الله (b) بن أحْمَد بن يَحْيَى بن زُهَيْر بن أبي جَرَادَة، واجْتازَ بمَعَرَّة النُّعْمَان، وسَمعَ من أبي العَلَاء أحْمَد بن عَبْد الله بن سُليَمان شَيئًا من شِعْره روَاهُ عنه، وحدَّث بمَعَرَّة النُّعْمَان، فسَمعَ منه أبو غَانِم عَبدُ الرَّزَّاق بن أبي حَصِيْن المَعَرِّيّ، وحَدَّثَ بدمَشْقَ ونَيْسَابُور وغيرهما من البِلَادِ عن أبي العبَّاس أحْمَدَ بنِ مُحَمَّد بن إسْحاق البَالوِيّ، وأبي الحُسَين أحْمَد بن مُحَمَّد الخفَّاف، وأبي بَكْر أحْمَد بن الحُسَين بن مِهْرَان المُقْرِئ، وإسْحَاق بن إبْراهيم الهَرَويّ، وأبي عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن الحُسَيِن السُّلميِّ، وأبي عَبد الله مُحّمد بن عبْد الله الحَاكِم، وأبي سَعِيْد مُحّمد
(a) في الأصل، ب: عايد، بالمهملة، ويأتي بالذال المعجمة في ثنايا الترجمة. وورد في أصول ابن عساكر بما يوافق المثبت، وأحاله المحقق:"عابد"، نقلًا عن تبصير المنتبه (3: 877) وليس فيه!، والمثبت أعلاه موافق أيضًا للسمعاني (الأنساب 8: 347)، وأشار محقق طبقات الشافعية (4: 371) إلى اضطراب الأصول في رسمه، واعتمده بالباء كما في معجم الأدباء وسير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام والوافي: عابد.
(b) مكررة في الأصل.
_________
(1)
توفي سنة 449 هـ، وترجمته في: تتمة اليتيمة 316، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 355، السمعاني: الأنساب 8: 247 - 348، تاريخ ابن عساكر 9: 3 - 14، معجم الأدباء 3: 736 - 737، التقييد لابن نقطة 1: 410 - 411، ابن الأثير: الكامل 9: 638، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 19: 54 - 55، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4: 371 - 391، الذهبي: تاريخ الإسلام 9: 734 - 737، الإعلام بوفيات الأعلام 186، سير أعلام النبلاء 18: 40 - 44، العبر في خبر مَن غبر 2: 394، الوافي بالوفيات 9: 143 - 144، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 76، الأسنوي: طبقات الشافعية 2: 137 - 138، اليافعي: مرآة الجنان 3: 54، ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 1: 323 - 334، النجوم الزاهرة 5: 63، السيوطي: طبقات المفسرين 35 - 36، طبقات المفسرين للداوودي 1: 109 - 110، شذرات الذهب 5: 213، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 30 - 36.
بن الحُسيْن بن مُوسَى السِّمْسَار (a)، وأبي مَنْصُور مُحَمَّدِ بنِ عَبْد الله بن حَمْشَد (b) الوَاعِظ، وأبي الحَسَن مُحَمَّد بن الحُسَين بن دَاوُد الحَسَنيّ، وأبي الحَسَن مُحَمَّد بن عليّ بن سَهْل المَاسَرْجِسيِّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد الله الجوزَقيِّ، وأبي طَاهِر بن خزْيمَةَ، وأبي مُحَمَّد الحسن بن احمد المَخْلَدِيِّ، وابي مُحَمَّد بن أبي شُرَيْج، وأبي سعيد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَبد الوَهَّاب الرَّازِيّ، وأبي حَفْص عُمَر بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عُمَر بن حَفْص الرَّازيِّ، وأبي مُعَاذ الشَّاه (c) بن أحْمَد الهَرَويّ، وأبي مُحَمَّد عَبْد الله بن أحْمَد بن الرُّويّ، وأبي الحَسَنٍ عبد الرَّحْمن (4) بن إبْراهيم المُزكيِّ، وأبي نُعَيْم عَبْد المَلِك بن الحَسَن الأزهَريّ، وروى عن أبي الفَتْح البُسْتِيّ شَيئًا من شِعره.
رَوَى عنهُ أبو عليّ إسْمَاعِيْلُ بنُ أحْمَدَ بن الحُسَين، وأبو بَكْر أحْمَد بن الحُسَين الحافِظ البيهَقِيَّان، وآباءُ الحَسَن: عليُّ بن مُحَمَّد بن شُجَاع الرَّبعيِّ، وعِليُّ بن الخَضِر السُّلميِّ الدِّمَشقيَّان، ونَجَا بن أحْمَد العَطَّار، وعليُّ بن الحُسَين بن صَصْرى، وعليّ بن عَبْد الله الوَاعِظ النَّيْسَابُوريّ، وظَرِيْفُ (e) بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز الحِيْرِيّ، وأبَوَا عليّ الحُسَينُ بن أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد الصُّوْرِيّ، ونَصْرُ الله بن أحْمَد بن عُثْمان الخُشْنَاميِّ، وأبو العبَّاس أحْمَد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد الغَسَّانِيّ، وأبو المحاسِن الرُّويَانيِّ، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن الفَضْل الفَرِاوِيّ، وأبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانيِّ، ومُحَمَّد بن عليّ بن أحْمَد بن المُبارك الفَرَّاء، ومُحَمَّد بن سَعَادَة السَّلَمَاسيِّ، وأبو القَاسِم بن أبي العَلَاء، وعبد الله بن عَبد الرَّزَّاق بن فُضَيْل، وغيرُ هؤلاءَ ممَّن يَطُول ذِكْرهُم.
أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن أبي المَعَالِي بن البنَاء البَغْدَاديّ الصُّوْفيّ بدِمَشقَ، وشَيْخُ الشيُوخ أبو الحَسَن بن عُمَر بن أبي الحَسَن بن مُحَمَّد بن حَمُّوْيَه بحَلَب باليَارُوْقِيَّة،
(a) ب: الشمسار.
(b) في تاريخ ابن عساكر 9: 3: جمشاد.
(c) ب: معاذ شاه.
(d) ب: عبد الرحيم.
(e) في الأصل، ب: طريف، وقد تكرر ذكره فيما مرّ على النحو المثبت.
قالا: أخْبَرَنا أبو الفُتُوح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد بن الطَّائيّ، قال: أخْبَرَنا شَيْخُ القُضَاةِ أبو عليّ إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن الحُسَين البيْهَقيِّ، قال: أخْبرَنا الإمَامُ حَقًّا، وشَيْخ الإسْلَام صدْقًا أبو عُثْمان إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحمن الصَّابُونيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو حَفْصٍ عُمَرِ بن أحمَد بن مُحَمَّد بن عُمَر بن حَفْص الرَّازِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن الحُسَين بن أحْمَد بن خِدَاش، قال: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بن نَصر، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان بن عُيينَة، عن الزُّهْرِيّ [أنَّهُ] (a) سِمَعَ أنَس بن مالِك رضي الله عنه يَقُول: قَدِمَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَة وأنا ابنُ عَشْرِ سنين، وماتَ وأنا ابنُ عِشْرين سَنةً، فكُنَّ أُمَّهاتي يَحْثُثنْنِي على خِدْمَتِهِ، فدَخَلَ علينا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دارَنا، فَحَلبْنا له مِن شاةٍ لنا دَاجِن، وَشِيْبَ له من مَاء بئر في الدَّار، وأبو بَكْر عن شمالهِ وأعْرَابيّ عن يَمِيْنهِ، فشَرِبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وعُمَرُ ناحيةً، فقال عُمر: أعْط أبا بَكْر، فناولَ الأعْرَابِيَّ وقال: الأيْمَنُ فالأيْمَن.
حَدِيثٌ صَحيحٌ أخْرجاهُ في صَحِيْحيهما
(1)
.
أنْبَأنا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، عن أبي عَبْد الله مُحَمَّد بن الفَضْل بن أحْمَد الفَرَاويِّ، قال: أخْبرَنا الإمَامُ شَيْخ الإسْلَام أبو عُثْمان إسْمَاعِيْل بنُ عبد الرَّحْمن الصَّابُونيِّ، قال: أنْشَدَني أبو العَلَاء التَّنُوخيِّ الأدِيْبُ بمَعَرَّة النُّعْمَان لنَفْسِهِ
(2)
: [من البسيط]
محْمُودٌ (a) اللهُ والمَسْعُودُ خائفُهُ
…
فعَدِّ عن ذِكْرِ مَحْمُودٍ ومَسْعُودِ
(a) إضافة من مصادر تخريج الحديث.
(b) اللزوميات: محمودنا.
_________
(1)
صحيح مسلم 3: 1603 (رقم 125)، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري 5: 30 (رقم 2352)، وانظر أيضًا موطأ الإمام مالك 2: 926 (رقم 17)، مسند الحميدي 2: 499 (رقم 1182)، المصنف لابن أبي شيبة 5: 107 (رقم 24185)، مسند الإمام أحمد 19: 132 (رقم 12077)، مسند أبي يعلى الموصلي 6: 255 (رقم 3555).
(2)
لزوم ما لا يلزم 1: 504.
مَلْكَان لو أنَّني خُيِّرْتُ مُلْكَهُما
…
وعُوْدَ صَلبٍ أشَارَ (a) العَقْلُ بالعُوْدِ
القَبْرُ لا رَيْب مَنْزُولٌ فما أرَبى
…
إلى ارْتِفَاعٍ (b) رَفيْع السَّمْكِ مَصْعُود
قُوْتي غنَايَ وطمْري سَاتِري وتُقَى
…
موْلاي كنْزِي ووِرْد المَوْت مَوْعُودي
والنَّفْسُ أمَّارَةٌ بالسُّوءَ ما اجْتَرَمَتْ
…
إلَّا وسَيِّئُ طَبْعي قَائِلٌ عُوْدِي
قال أبو عَبْد الله الفَرَاوِيّ: أنْشَدَنا الإمامُ أبو عُثْمان إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن بن أحْمَد الصَّابُونِيِّ لنفسِه
(1)
: [من البسيط]
ما لي أرَى الدَّهْر لا يَسْمُو بذِي كَرَم
…
ولا يَجُود بمعْوَانٍ ومفْضَالِ
ولا أرَى أحَدًا في النَّاس مُشْتَريًا
…
حُسْنَ الثَّنَاءِ بإنْعَام وَأفْضَالِ
ولا أرَى أحَدًا في النَّاسِ مُكْتنِزًا
…
ظهُور أَثنيةٍ أو مَدْحَ مِقْوَالِ
صَارُوا سَوَاسيةً في لُؤْمهم شَرَعًا
…
كأنَّما نسِجُوا فيه بمِنْوَالِ
قال أبو عُثْمان: ورأيتُ في بعض أجْزائي مَكْتُوبًا
(2)
: [من البسيط]
طيبُ الزَّمان لمن خَفَّتْ مَؤُونَتُهُ
…
ولن يَطِيْبَ لذِي الأثْقَالِ والمُؤَنِ
فاسْتَحْسَنْتُه وأضَفْتُ إليه من قِيْلي: [من البسيط]
هذا يُزَجيِّ بيُسْرٍ عُمْرَه طَربًا
…
وذَاكَ يَنْمَاثُ في غَمٍّ وفي حَزَنِ
فاجْهَدْ لتَزْهَدَ في الدُّنْيا وزِيْنَتها
…
إنَّ الحَرِيْصَ على الدُّنْيا لَفِيِ مِحَنِ
قال: وكُنْتُ قلْتُ في باب وَلدِي أبي نَصْر عَبْدِ الله الخَطِيب رحْمَة الله ورِضْوَانه عليه: [من المنسرح]
غَابَ وذِكْراهُ لم تَغِبْ أبدًا
…
وكانَ مثل السَّوَادِ في الحَدَقَهْ
لو رَدَّهُ اللهُ بعدَ غَيْبَتهِ
…
جَعَلْتُ مالي لشُكْرِهِ صَدَقَهْ
(a) ب: لشار.
(b) اللزويات: ارتقاء.
_________
(1)
الأبيات باستثناء الثالث في مرآة الزمان 19: 54 والوافي بالوفيات 9: 143.
(2)
هذا البيت والذين تلوه في تتمة اليتيمة 316.
فلم يُرِد الله سُبْحَانَهُ ردَّهُ إليَّ، وقَبَض رُوحَهُ في بعْض ثُغور أذْرَبِيْجان متوجِّهًا إلى بيت الله الحرام وزيارة قَبْر نبيِهِ مُحَمَّد المصطفى عليهِ أفْضَل الصَّلاةِ والسّلَام، فصَبْرًا لحُكْمِهِ، ورِضًا بقَضَائِه، وتَسْليمًا لأمْره، ألَا له الخلقُ والأمْرُ، تَبارَكَ اللهُ رَبُّ العالَمِين، وإلى الله جل جلاله الرَّغْبَةُ في التَّفَضُّل عليه بالمغفِرَة والرِّضْوَان، والجمع بيننا وبينَهُ في رِيَاض الجِنان بمنّه وفَضْله.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل (a)، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد السَّمْعَانيِّ، قال: حَدَّثنا أبو الفَرَج بن أبي الحُسَيْن بن يُوسُف - من لَفْظه - قال: حَدَّثَني أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أحْمَد (b) بن إسْحاق بن مولى الخزوي بقَرْيَة سَرْك من نواحِي نَيْسَابُور، قال: حَدَّثَني أبو مُحَمَّد الحَسَن بن أحْمَد السَّمَرْقنديّ، قال: لمَّا عَزَم شَيْخ الإسْلَام أبو عُثْمان إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونيِّ على الحَجّ، فابْتَكَر يَوْمًا وقد أُسْرِجَت الدَّوَابّ، وزُمّت الرِّكاب، وهُيِّئَت الأقْتَاب، وهو يَبْكي مُوَدِّعًا أهْله ويُنْشد هذه الأبْيَات:[من البسيط]
ما كُنْتُ أعْلَم ما في البَيْن مِن جَزَعٍ
…
حتَّى تنادَوا بأنْ قد جيءَ بالسُّفُنِ
مالَت تُودِعُني والدّمْعُ يَغْلبُها
…
كما يَمِيْلُ نَسِيمُ الرّيج بالغُصُنِ
وأعْرَضَتْ ثمّ قالت وَهْيَ باكيةٌ:
…
يا ليت مَعْرفتي إيّاكَ لم تكُنِ
أنْبَأنَا أبو المَحَاسِن بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو الحَسَن عَبْد الغَافِر بن إسْمَاعِيْل بن عَبْد الغَافِر، قال: ومن ذلك - يعني شِعْر أبي عُثْمان - قَوْلهُ
(2)
: [من الطويل]
(a) وردت هذه الرواية بهامش الأصل، ولم تنقلها نسخة ب.
(b) عند ياقوت (معجم البلدان 3: 215): مُحَمَّد.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 5.
(2)
البيتان في مرآة الزمان 54:19 وطبقات الشافعية للسبكي 4: 285.
إذا لم أُصِحبْ أمْوَالَكمُ ونَوالكمُ
…
ولم آمُلِ (a) المعرُوفَ منكمُ ولا البِرَّا
وكُنْتُم عَبِيْدًا للَّذي أنا عبْدُه
…
فمن أجلِ ماذا أتْعبُ البَدَنَ الحُرَّا
أخْبَرَنا أبو يَعْقُوبَ بن مَحُود الصُّوْفيّ بالقَاهِرة، عن أبَي طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفيِّ
(1)
، قال: سَمِعْتُ أبا القَاسِم عبد الرَّحْمن بن طَاهِر بن سَعيد بن فَضْل اللهِ بن أبي الخير الميهَنيّ الشَّيْخيِّ بثَغْر جَنْزَة يَقُول: سَمِعْتُ أبي يَقُول: كان جَدِّي الشَّيْخُ أبو سَعيد فَضْل الله بن أبي الخَيْر في آخرِ عُمْرِه يقعُدُ على دكَّةٍ من خَشَب، ولم يَكُ يَصعَدُها من عُلَماء نَيْسَابُور إذا رَأوه سوى ثلاثة أحَدُهم إسْمَاعِيْل الصَّابُونيِّ.
هذا ما ذَكَرهُ عبْدُ الرَّحْمن، وقال لي عليُّ بن عِيسَى الوَاعِظُ النَّيْسَابُوريّ المَعْرُوف بالعَيَّار بمَرَنْد - وكان قد رَأى الصَّابُونيِّ - الحِكايَة، وقال: سوى إسْمَاعِيْل الصَّابُونيِّ، وأبي مُحَمَّد الجُوَيْنيِّ، وأبي القَاسِم القُشَيْريّ.
أخْبَرَنا أبو هَاشيم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشميِّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: قَرأتُ بخَطِّ الإمَام والدي رحمه الله: سَمِعْتُ أبا الحَسَنِ ظَرِيْفَ بن مُحَمَّد الحِيْرِيّ يقُول: دَخَلْتُ مع والدي على شَيْخ الإسْلَام إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونيِّ فقال: كُنَّا ثلاثةً وسِتّين رَجُلًا، من أصْحَابِ الحاكِمِ أبي عَبْدِ الله الحافِظ، وهم المُقَدَّمون من أصْحَابهِ الّذين كانوا يسمعُونَ منه متَى شاؤوا من غير نَوْبة، وغيرهم كان لهم نَوْبَة فلم يبْقَ من أولئك إلَّا ثلاثة، يعني نفسَهُ، والشَّيْخ أبا بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز الحِيْرِيّ، والشَّيْخ أحْمَد بن الحُسَين البيهَقِيّ.
(a) السبكي: أنل.
_________
(1)
السلفي: معجم السفر 173.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن (a) الحَرَسْتَانِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر بن عَبْد الكَريم القُشَيْريّ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن الحُسَين البيْهَقِيِّ الحافِظ، قال: أخْبَرَنا إمامُ المُسْلمِيْن حَقًّا، وشَيْخُ الإسْلَام صِدْقًا أبو عُثْمان إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونيِّ بحِكايَةٍ ذَكَرَها.
أخْبَرَنا أبو يَعْقُوبَ يُوسُف بن أبي الثَّنَاء بن الحُسَنِن السَّاوِيّ الصُّوْفِيّ بالقَاهِرَة، قِراءَةً عليهِ، قال: أنْبَأنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ، قَال: سَمِعْتُ أبا عليّ الحَسَن بن عُبَيْدِ الله بن سَعَادَة الزُّريْقيِّ بسَلَمَاس يَقُول: سَمِعْتُ أبا عُثْمان إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونيِّ النَّيْسَابُورِيِّ، وقْتَ وَدَاعهِ النَّاسَ: يا أهْلَ سَلَمَاس، لي هَا هُنا عندَكُم أشْهُرٌ أعِظُ في كُيِّ يوْم ولَم أشْرَع إلَّا في تفسيرٍ آيةٍ واحدةٍ وما يتَعَلَّقُ بها، ولو بَقِيْتُ عندكم تَمام سَنَةٍ لما تعَرَّضْتُ لغيرها، والحَمْدُ لله تَعالَى.
أنْبَأنا أبو نَصْرٍ مُحَمَّد بن هِبَة الله بن مُحَمَّد الشِّيْرَازيِّ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(1)
، قال: حَدَّثَني أبو بَكْر يَحْيَى بن إبْراهيم بن أحْمَد بن مُحَمَّد السَّلَمَاسيِّ الوَاعِظُ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبي أبو طَاهِر بن أبي بَكْرٍ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن نَصْر بن كَاكَا المَرْندِيِّ الفَقِيه، قال: حَدَّثَني أبو الحُسَيْن البَغْدَاديِّ، قال: كان الشَّيْخُ الإمَامُ أبو الطَّيِّب، رضي الله عنه، إذا حضَر مَحْفلًا من مَحَافِل التَّهْنئَةِ أو التَّعْزِيَةِ، أو سَائر ما لم يكن يُعْقَد إلَّا بحُضُوره، فكان المفتَتَحُ بهِ والمُختَتَمُ، الرَّئِيس بإجْمَاعِ المُوَالِف والمُخَالِف، المُقَدَّم، أمَر بإلقَاءَ مَسْألةٍ، وكانت المُتَفَقِّهَةُ لا يَسْألونَ غيرهُ في مجلِسٍ حَضَرهُ، فإذا تكلمَّ عليهِا، ووَفَّى حَقَّ الكَلَام فيها، وانْتَهى إلى آخرها، أَمَرَ أبا عُثْمان فتَرَقَّل
(2)
الكُرْسِيِّ، وتكلمَّ على (b) النّاسِ على طَرِيقِ (c)
(a) ساقطة من ب.
(b) ليست في تاريخ ابن عساكر.
(c) ب: طريقة.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 6 - 8.
(2)
الترقل: السرعة في المشي. (لسان العرب، مادة: رقل) ولعل المراد: اعتلى كرسي التدريس.
التَّفْسِير والحقائق، ثمّ يَدْعُوا ويقومُ أبو الطَّيِّب فيُفَرِّق (a) النَّاسَ. قال: وهو يَوْمئذٍ في أوَائِل سِنِّه.
قال ابنُ كَاكَا: وحَدَّثَني أبو سَعْد يَحْيَى بن الحَسَن الهَرَويّ الفَقِيهُ نَزِيلُ نَيْسَابُور، عن الإمَام أبي عليّ الحَسَن بن العبَّاسِ، قال: اتَفقَ مَشَايخُنا من أئمَّةِ الفريقَين وسَائر مَنْ ينتَمي إلى عِلْم التَّفْسِير والتَّذْكِيْر أنَّ أبا عُثْمان كَامِلٌ في آلاته (b)، مُسْتحقٌّ للإمَامة بصِفَاتهِ، لم يتَرَقَّل الكُرْسيِّ في زَمَانِه على ظَرْفه وبيانهِ وثِقَتِه وصِدْق (c) لِسَانهِ.
قال ابنُ كَاكَا: وحَدَّثَني أبو طَالِبٍ الحرَّانيّ، وكان قد أمْضَى في خِدْمَة العِلْمِ طَرَفًا صَالِحًا من عُمره بنَيْسَابُور، وقَرأ على أبي مَنْصُور البَغْدَاديّ وأبي مُحَمَّد الجُويْنيّ، قال: توسَّطْتُ (d) مَجَالِسَ أعْيَان الوَقْت أيَّام السُّلْطان أبي القَاسِم، رحمه الله، فصَادَفْتُهم مُجْمعين على أنَّ أبا عُثْمان إذا نَطَقَ بالتَّفْسِيرِ قَرْطَس
(1)
في غَرض الإجَادةِ والإصَابةِ (e)، وإذا أخَذَ في التَّذْكِيْر والرَّقَائِق أجابتْهُ القُلُوبُ القَاسِيَةُ أحْسَنَ الإجابَة، وأنَّهُ في عِلْم الحَدِيْث عَلَمٌ بل عَالَمٌ، وبسَائرِ العُلُوم مُتَحقِّقٌ عالَم.
قال: وحَدّثَني الشَّيْخُ أبو مَنْصُور المُقرِئ (f) الأسَدَابَاذِيّ، وقد جَمع في أَسْفَاره بين بلادِ المَشْرِق والمَغْرب، قال: كانوا يُعدّونَ بخُرَاسَان - وأفْنِيَةُ العِلْم رِحاب (g)، ويَدَا العَدْل تُجاب (h)، والعَيْشُ عَذْبٌ مُسْتَطاب - في عُلُوم التَّفْسِير رجُلين: أبا جَعْفَر فَاخِر السِّجِسْتَانيِّ، والصَّابُونيِّ بخُرَاسَان، لا يَثْلُثُهما فَاضِل، ولا يَدْخلُ في حِسَابهما كَامِل. قال أَبو مَنْصُور فأمَّا اليَوْم فلا مثْل لأبي عُثْمان في المَوضِعين.
(a) ابن عساكر: فيتفرق.
(b) ب: آلائه.
(c) ساقطة من ب.
(d) ب: توسط.
(e) ب: والإجابة.
(f) ب: الهزي، كذا.
(g) ب: درجات.
(h) ابن عساكر: ويد العدل مجاب.
_________
(1)
أي أوجز في لفظه وأصحاب في كلامه. ابن عبد ربه: العقد الفريد 2: 262.
قال: وحَدَّثَني أبو عَبْد اللهِ الخُوارَزْميِّ - شَيْخ تَفَقَّهَ بَغْدَاد، وَقَعَ إلينا - قال: دَخَلْتُ نَيْسَابُور عند اجْتِيَازي إلى العِرَاق لطَلَب العِلْم، فرأْيتُ أبا عُثْمان مَائِسًا في حُلَّةِ الشَّبَاب، ولِمَّتُهُ يَوْمئذٍ كجَنَاح الغُدَاف أو حَنَكِ الغُرَاب، وشُيُوخُ التَّفْسِير (a) إِذ ذاك مُتَوَافرونَ، كأبي سَعْدٍ وأبي القَاسِم، وهو يُعَدُّ - على تقارُب سنِّهِ - صَدْرًا وجِيْهًا، وشَيْخًا نَبِيْهًا، له ما شئتَ من إكْرَام وإعْظام وإجْلَال وإفْضَال.
قال: وحَدَّثَني أبو شَيْبَةَ مَوْلَى الهَرَويِّيْن، قال: وفَدَ أبو عُثْمان عن السُّلْطان المُعَظَّمِ إلى الهِنْدِ، فلمَّا صَدَر منها دخَلَ هَرَاةَ، وعقَد المجلِسَ أيَّامًا، وأبو زَكَرِيَّاء - يعني يَحْيَى بن عَمَّار - في قيدِ الحَيَاةِ؛ قد انْتَهَتْ إليه رئاسَةُ الحَنَابلَةِ في جَميع الإقْلِيْم، فكان إذا فَرغَ من المجلِسِ جاءَهُ مَنْ جَلَسَ عندَهُ وأبو زَكَريَّاء يُظْهِرُ السُّرور بمكانهِ، ويُصَرِّحُ أنّهُ من حَسَنَات قِرَانِه.
قال: وحَدَّثَني أبو الفَضْل مُحَمَّد بن شُعَيْب (b) النَّدِيْم، قال: كان مَشَايخُنا الّذين يُنْظَم بقَوْلهم عَقْدُ الإجْمَاع يُسَلِّمِون لأبي عُثْمان مَقَاليْدَ الإمَامَة في عِلْم التَّفْسِير والحَدِيْثِ وما يتعلَّقُ بهما من الفُنُون أيَّام السُّلْطان المُعَظَّم، والمَرَاتِب مُتَنافَسٌ فيها.
قال: وحَدَّثَني أبو الوَفَاءِ الكَرْمَانيِّ - وكان حَمِيدَ الخلَيْقَة، سَدِيْد الطَّريقة، كَثِيْرَ الإقامةِ بنَيْسَابُور، قد سَمِعَ بها الكَثِيْرَ، وعَاشَر الصُّدُور - قال: لقيْتُ المَسَانّ (c) من الرُّوَاة ومَنْ نبغَ (d) من الفُقَهَاء العَصْريين (e) بعْدَهُم، فذَكَرَ من أُولئكَ: الحِيْرِيَّ، والطِّرَازِيّ، ومن هؤلاء: العُمَريّ والجُوَيْنيِّ وغيرهم من الأئمَّة الّذين هم المُعْتَمدُونَ
(a) ب: الأدب.
(b) تاريخ ابن عساكر: سعيد.
(c) تاريخ ابن عساكر: المئات.
(d) تاريخ ابن عساكر: تبع.
(e) تاريخ ابن عساكر: العصر من.
في أُصُول الفِقْه وفُرُوعه، المُدَرِّسُونَ لمُتَفرَّق الشَّرْع ومَجْمُوعه، فإذا نَطَقُوا خَرسَت الألْسُنُ هَيْبَةً وإجْلَالًا، وإذا أَفْتَوا همَّت الكَوَاعبُ بأنْ تَخرَّ لتقبيل فَتَاويهم سِرَاعًا عجالًا، أو نازلُوا الخَصْم في المُنَاظَرة وقُوَّة الكَلَام صَاعًا بصَاعً سِجَالًا، فأنزلُوا بهِ آجَالًا لا أوْجَالا (a).
قال: ويُجَاوبهم إلى مَنْ يتحقَّق بعِلْم التَّنْزِيل أو التَّأوْيل، ويَطَّلع (b) على خَبايا التَّحْقِيق والتَّحْصِيل، فكانت آراؤهُم مُجْمعَةً على أنَّ أبا عُثْمان منهم عَيْن الإكْلِيْل وأنَّه:[من الكامل]
يَجْلو القُلُوبَ بوَعْظِهِ وكَلَامِهِ
…
كالثَّلجِ بالعَسَل المَشُوبِ لِسَانُهُ
قال: وحَدَّثَني الحُسَين بن إبْراهيم، مُسْتَمْليِّ المالِكيِّ، قال: ما زلتُ أسْمَعُ (c) بالعِرَاق من الشُّيُوخ، ثمّ بدِيَار بَكْر من القَاضِي أبي عَبْد الله المالِكيِّ أنَّ الصَّابُونيِّ في الحِفْظ والتَّفْسِير وغيرِهما ممَّن شَهدَتْ له أعْيَانُ الرِّجالِ بالكَمَالِ.
قال: وحَدَّثَني مُحَمَّدُ بنُ عَبْد اللهِ العَامِريّ الإسْفَرَاي الفَقِيه، قال: أدْرَكْتُ آخر أيَّام الأئمَّةِ الّذين كانوا أئمَّة الأرْض دونَ خُرَاسَان كأبي إسْحاق، وأبي مَنْصُور البَغْدَاديّ، وأبي بَكْر القَفَّال إمام الشَّفْعَويَّةِ في المَشْرِق، وأبي زكَرِيَّاء يَحْيَى بن عَمَّار المُفَسِّر، وكان النَّاسُ يطلقُونَ القَوْلَ في مَجَالِس النَّظَر المَعْقُودَة عندَهُم أنَّ أبا عُثْمان لا يُدافعُ في كَمالهِ، ولا ينازَعُ في شيءٍ من خِصَالِه.
أخْبَرَنا أبو يَعْقُوبَ يُوسُف بن مَحْمُود بن الحُسَين السَّاوِيّ الصُّوْفيّ بالدِّيَار المِصْرِيَّةِ، قال: أنْبَأنَا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفيِّ الحافِظُ
(1)
، قال: سَمِعْتُ أبا
(a) تاريخ ابن عساكر فأنزلوا به آجلًا مالًا أو حالًا.
(c) تاريخ ابن عساكر: ما زلنا نسمع.
_________
(1)
السلفي: معجم السفر 34.
نَصْرٍ أحْمَدَ بن سَعْد بن أبي صَابِر الطُّرَيْثِيثِيّ - وكان من شُيُوخِ الصُّوْفيَّةِ بوَرَاوِي من مُدن أَذْرَبْيْجان (a) - يَقُول: كان أبو إسْمَاعِيْل عَبْدُ الله بن مُحَمَّد الأنْصَاريّ الحافِظ بهَرَاة يقُول: لم أَرَ في أئمَّة العِلْم أقَلَّ حَسَدًا من إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونيِّ بنَيْسَابُور.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفيِّ في تَعْلِيق له (b): سَمِعْتُ المَوهبي أبا الحَسَن مَكِّيّ بن أبي طَالِب البَرُوجِرْديّ بهَمَذَان يقُول: سَمِعْتُ أبا القَاسِم عَبْدَ الله بن عليّ بن إسْحاق الطُّوْسيّ بنَيْسَابُور يَقُول: كُنَّا نقرأ على إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونيِّ جُزءًا، فلمَّا بقي منهُ قَدْرٌ قريبٌ قام وتوضَّأ ورجِعَ وقال: شَكَكْت في الوُضُوء فلم أرَ لي أنْ أكونَ شَاكًّا في وضُوئي ويقرأ عليَّ حَدِيث رسُول الله صلى الله عليه وسلم.
أنْبَأنَا أبو المحاسن سُليْمان بن الفَضْل بن سُليَمان، قال: أخْبَرَنا عليُّ بنُ الحَسَن
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو الحَسَن عَبْد الغَافِر بن إسْمَاعِيْل الفَارِسيِّ، قال: إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن بن أحْمَد بن إسْمَاعِيْل بن إبْراهيم بن عَامِر بن عَائِذ (c) الأسْتَاذ الإمَام، شَيْخ الإسْلَام أبو عُثْمان الصَّابونيِّ، الخَطِيبُ، المُفَسِّرُ، المحدِّثُ، الوَاعِظُ، أَوْحَد وَقْته في طَريقته، وعَظَ المُسْلِمين فِي مَجَالِس التَّذْكيْر سبْعِين سَنَةً، وخَطَبَ وصَلَّى في الجَامع نَحْوًا من عشرين سَنةً، وكان أكْثَرَ أَهْل العَصْر من المَشَايِخ سَمَاعًا وحِفْظًا ونَشْرًا لمَسْمُوعَاته، وتَصْنِيفًا وجَمْعًا، وتَحْريضًا على السَّمَاعِ، وإقامة لمجالِس الحَدِيْث.
سَمِعَ الحَدِيْث بنَيْسَابُور، وذَكَرَ بعضَ شُيُوخه، وبسَرْخَس وبهَرَاة، وسَمعَ
(a) قوله: "من مدن أذربيجان" ساقط من ب.
(b) ورد هذا التعليق بهامش نسخة الأصل، ولم تنقله ب.
(c) ابن عساكر: عابد.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 8 - 9.
بالشَّام والحِجَاز والجِبَال وغيرها من البِلَادِ، وحدَّث بخُرَاسَان إلى غَزْنَة وبِلَادِ الهنْد، وبجُرْجَانَ، وآمُلَ، وطَبَرِسْتانَ، والثُّغُورِ، وبالشَّام، وبَيْتِ المَقْدِس، والحِجَاز. وأَكْثرَ النَّاسُ السَّمَاعَ منهُ.
ورُزِقَ العِزّ والجاهَ في الدِّين والدُّنْيا، وكان جمالًا (a) للبلَدِ، زيْنًا للمَحَافِل والمَجَالِس، مَقْبُولًا عند المُوَافق والمُخَالف، مُجْمَعًا على أنَّه عديمُ النَّظير، وسَيْفُ السُّنَّة، ودَامغ أهْل البِدْعَة.
وكان أبُوه، أبو نَصْر من كِبَارى الوَاعِظيْنَ بنَيْسَابُور، ففُتِكَ بهِ لأجْل التَّعَصُّب والمَذْهَب، وقُتِلَ وهذا الإمَامُ صَبيٌّ (b) بَعْدُ، حَوْل تسع (c) سنيْنَ، وأُقْعِدَ بمَجَلِسِ الوَعْظ مقَام أبيهِ، وحضَر أئمَّةُ الوَقْت مَجَالِسَهُ، وأخَذَ الإمَامُ أبو الطَّيِّب الصُّعْلُوكيِّ في تَرْبيتِه وتَهْيئَةِ أسْبَابِه، وكان يَحْضُر مَجَالِسَهُ ويُثْنِي عليه، وكذلك سَائر الأئمّةِ كالأُسْتَاذ أبي إسْحاق الإسْفَرَاينيِّ، والأُسْتَاذ الإمَام أبي بَكْر بن فُوْرَك، وسائر الأئمَّةِ، ويتعجَّبُونَ من كَمَال ذَكَائهِ وعَقْلِهِ وِحُسْنِ إيرادِه الكَلَام، وحِفْظِه للأحَادِيْث (d) حتَّى كَبُرَ وبلغ مَبْلَغَ الرِّجَال، ولم يَزَل يتَفع شَأنُهُ حتَّى صَارَ إلى ما صَار إليه وهو في جميع أوْقَاتِهِ مُشْتَغل بكَثْرةِ العبَادَاتِ ووظائفِ الطَّاعَات، مُبالغٌ في العَفَاف والسَّدَادِ وصيَانَة النَّفْس، مَعْرُوف بحُسْن الصَّلاة، وطُول القُنُوت، واسْتِشْعَار الهَيْبَة حتَّى كان يُضْرَبُ بهِ المثَلُ.
وكان مُحْترِمًا للحَدِيْث، قَرأتُ من خَطِّ الفَقِيه أبي سَعْد السُّكَّرِيِّ أنَّهُ حَكَى عن بعض مَنْ يوثَقُ بقَوْله من الصَّالِحين أنَّهُ قال: ما رَوَيْتُ خَبَرًا (e) ولا أثرًا في المَجْلِس إلَّا وعندي إسْنَادُهُ، وما دَخَلْتُ بَيْتَ الكُتُب قَطُّ إلَّا على الطَّهَارَة، وما
(a) مهملة في الأصل وب، والإعجام من تاريخ ابن عساكر وسير أعلام النبلاء.
(b) ساقطة من ب.
(c) ابن عساكر سبع.
(d) ب: وحسن حفظه للكلام وإيراده الأحادث.
(e) ب: ما رأيت خيرًا!.
رَوَيْتُ الحَدِيْثَ، ولا عقَدْتُ المَجْلِسَ، ولا قَعَدْتُ للتَّدْريْس قَطّ إلَّا على الطَّهَارَة.
قال السُّكَّرِيّ: ورأيْتُ كتابَ الأُسْتَاذ الإمَام أبي إسْحاق الإسْفَرَاينيِّ إليه، كَتَبَهُ بخَطِّه وخاطَبَهُ بالأُسْتَاذِ الجلَيْل سَيْفِ السُّنّةِ، وفي كتابٍ آخر: غيْظِ أهْل االزَّيْغ.
وحكي الأُسْتَاذُ أبو القَاسِم الصَّيْرَفِيّ المتُكلِّم أنَّ الإمَامَ أبا بَكْر بن فُوْرَك رجَع عن مَجْلسهِ يوْمًا فقال: تعَجَّبْتُ اليَوْمَ من كَلام هذا الشَّاب، تكلَّم بكلامٍ عَذْبٍ بالعَرَبِيَّةِ والفَارِسِيَّةِ.
أخْبَرَنا زَينْ الأُمَناءَ أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد، فيما أذِنَ لنا في رِوَايَته عنهُ، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَةِ الله الحاظُ
(1)
، قال: إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن بن أحْمَد بن إسْمَاعِيْل بن إبْراهيم بن عَامِر بن عَائِذ (a)، أبو عُثْمان الصَّابُونيِّ النَّيْسَابُوريّ الحافِظ الوَاعِظ المُفَسِّر، قدِمَ دِمَشْق حَاجًّا سَنَة اثْنَتَيْن وثَلاثين وأرْبَعِمائة، وحَدَّثَ بها، وعقَدَ (b) مَجْلِسَ التَّذْكِيْر، ورَوَى عن أبي طَاهِر بن خُزَيْمَة، وأبي عليّ زَاهِر بن أحْمَد السَّرْخَسِيّ الفَقِيه، وأبي سَعيدٍ عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَبد الوَهَّاب الرَّازِيّ، وأبي العبَّاس أحمد بن مُحَمَّد بن إسْحاق البالوِي، وأي مُحَمَّد الحسن بن أحْمَد المَخْلدِي، وأبي الحُسَينِ أحْمَد بن مُحَمَّد الخَفَّاف، وأبي سَعيد مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُوسىَ السِّمْسَار، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد الله الجوزَقيّ، وأبي بَكر أحْمَد بن الحُسين بن مِهْرَان المُقْرِئ، وأبي مُعَاذ الشَّاه بن أحْمَد الهَرَويّ، وأبي نُعيْم عَبْد المَلِك بن الحَسَن الأزْهَريّ، وأبي مُحَمَّد عَبْد الله بن أحْمَد بن الرُّويّ، وأبي الحَسَن مُحَمَّد بن عليّ بن سَهْل المَاسْرجِسيِّ، والسَّيِّد (c)
(a) ب: عايد، ابن عساكر: عابد.
(b) ابن عساكر: وقعد.
(c) ساقطة من ب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 3 - 4.
أبي الحَسَن مُحَمَّد بن الحُسَين بن دَاوُد الحَسَنيّ، وأبي الحَسَن عبد الرَّحْمن بن إبْراهيم المُزكي، وأبي مَنْصُور مُحَمَّد بن عَبْد الله بن حَمْشَاد (a) الوَاعِظ، والحاكِم أبي عَبْد الله الحافِظ، وأبي عَبْد الرَّحمن السُّلميِّ، وأبي مُحَمَّد بن أبي شرَيْح، وخَلْقٍ سِوَاهُم.
ورَوَى عنهُ من أهْل دِمَشْقَ أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن شُجَاعٍ الرَّبَعيِّ، وعليِّ بن الخَضِر السُّلميِّ، وعَبْد العَزِيْز الكَتَّانيِّ، وأبو القَاسِم بن أبي العَلَاء، وأبو العبَّاس بن قُبَيْس، ومُحَمَّد بن عليّ بن أحْمَد بن المُبارَك الفَرَّاءُ، وأبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن (b) صَصْرَى، ونَجَا بن أحْمَد العَطَّار، وعبد الله بن عَبد الرَّزَّاق بن فُضَيْل الدِّمَشقيُّونَ. ومن غيرهم: أبو الحَسَن عليّ (c) بن عَبْدِ الله النَّيْسَابُوريّ الوَاعِظ نَزِيلُ أصْبَهَان، وأبو عليّ نَصْرُ الله بن أحْمَد بن عُثْمان الخُشْنَاميِّ النَّيْسَابُوريّ وأبو عليّ الحُسَينُ بن أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد الصُّوْرِيّ، وجَمَاعَةٌ كَثِيْرة من أهْل نَيْسَابُور وغيرهم. وحَدَّثنا عنه أبو عَبْدِ الله الفَرَاوِيّ.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانيِّ بقرَاءتي، قال: حَدَّثَني الحَسَن بن سَعيد العَطّار، قال: سَمِعْتُ من أبي عُثْمانَ الصَّابُونيِّ جميعَ كتاب المُوَطَّأ رِوَايَة أبي مُصْعَب عن مالك، ثمّ ورَدَ كتابُه إلى دمَشْقِ يَذْكُر فيه أنَّ بَعْضَهُ ليسَ بسَماعٍ له مِن شَيْخه، فذَكَرتُ ذلك للشَّيْخ الحافِظ أَبي مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد، فقال: إليَّ وردَ كتابهُ من نَيْسِابُور يَذْكُر فيه أنَّ كتابَ القِرَاض والفَرَائض من المُوَطَّأ غير مَسْمُوِعَين له، ووَعَدني بإخْراج الكتاب، وذَكَر لي بعد ذلك أنَّهُ لا يَعْلَمُ أين تركَهُ، ولم يزل يُرْجيء (d) الأمرَ رحمه الله إلى أنْ تُوفّي.
(a) الأصل: حميشاذ، وفي تاريخ ابن عساكر جمشاد، والمثبت من ب وقد تقدم على الرسم المثبت.
(b) ساقطة من تاريخ ابن عساكر.
(c) ب: أبو الحسن بن علي.
(d) الأصل، ب: يُزَجى، والمثبت عن ابن عساكر.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 10.
قال
(1)
: وحَدَّثَني الشَّيْخُ الفَقِيهُ الثِّقَةُ أبو العبَّاس أحْمَد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد الغَسَّانِيّ، قال: أرَاني أبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن أحمد الكَتَّانِيّ الصُّوْفيّْ في نصف جُمَادَى الأُوْلَى من سَنَة تِسْعٍ وثَلاثين وأرْبَعِمائة كتاب الإمَام (a) أبي عُثْمان الصَّابُونِيّ إليه، يَذكُر فيه أنَّ كتاب القِرَاض والفَرَائِض من المُوَطَّأ رِوَايَة أبي مُصْعَب الزُّهْرِيّ غير مَسْموعَين له ولا لشَيْخه زَاهِر بن أحمد، وبَقيَّة المُوَطَّأ سَمَاعه من زَاهِر، فليُعْلم الجَمَاعَةَ بذلك ليَعْلَمُوه ولا يَرْوُوا عنهُ من المُوَطَّأ هذين الكتابين، فإنَّهُما غير مَسْمُوعَيْن له ولا لشَيْخِه زَاهِر.
قال الحافِظُ أبو القَاسِمِ
(2)
: أنْشَدَنا أبَوَا جَعْفَر مُحَمَّد بن الحُسَين بن أبي القَاسِمٍ بن الحُسَين الجالُوسِيِّ، ومُحَمَّد بن الخلَيل بن أبي بَكْر بن أبي جَعْفَر السَّلَّال الطَّبَريَّان بمَرْو، قالا: أنْشَدَنا أبو عليّ نَصْرُ الله بن أحْمَد بن عُثْمان الخُشنَامِيِّ إمْلاءً، قال: أنْشَدَني والدِي لنَفْسِه من قَصِيدَة أنْشَأها في مَدْح شَيْخ الإسْلَام ويُهنِّئه بالقُدُوم من الحجِّ: [من الكامل]
من أَبْرَشَهرَ الآن إذْ هبَّت بها
…
رِيْحُ السَّعَادَةِ بُكْرةً وأَصِيْلَا
بقُدومٍ مَن أضحَى فَرِيدَ زَمانِهِ
…
أعْني أبا عُثْمانَ إسْمَاعِيْلَا
فَضْلًا وعَقْلًا واشْتهارَ صيَانةٍ
…
وعُلوَّ شَأنٍ في الوَرَى وقَبُولا
مَنْ شَاءَ أنْ يَلْقى الكَمَالَ بأَسْرِهِ
…
خَدَمَ احْتِسَابًا ربْعَهُ المأهُوْلَا (b)
لا زالَ رُكنًا للمَفَاخِرِ والعُلَى
…
ما لاحَ نَجْمٌ للسُّرَاة دَلِيْلَا
وقال الحافِظُ أبو القَاسِمِ
(3)
: أنْبَأنَا أبو نَصْر إبْراهيم بن الفَضْل بن إبْراهيم
(a) ساقطة من ب.
(b) ابن عساكر: ربّه المأمولا، وهي أظهر وأوجه.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 10.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 10.
(3)
تاريخ ابن عساكر 9: 10 - 11.
البَأَّر (a)، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحُسَين بن مُحَمَّد الكُتْبِيّ الحاكمِ بهَرَاة، قال: سَنَة تِسْعٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة وَرَدَ (b) الخبرُ بوَفَاةِ الإمَام شَيْخِ الإسْلَام إسْمَاعِيْل الصَّابُونِيّ بنَيْسَابُور في المُحَرَّم، وكانَ مَوْلدُهُ في سنَة ثَلاثٍ وسبْعِين وثَلاثِمائة (c)، وكان أوَّل مَجْلِسٍ عقَدَهُ بنَيْسَابُور بعد قَتْلِ والده أبي نَصْر في سَنَة اثْنَتَيْن وثَمانين وثَلاثِمائة، وسَمِعْتُه يَقُولُ: هَرَاةُ وسِجِسْتَان مَجْمَعُ الأُسْرة، وبُوشَنْج مقْطَعُ السُّرَّة، ونيسَابُور مَوضعُ النُّصْرَة.
وذكَرَ غيرُ الكُتْبِي أنَّ مَوْلدَهُ ببُوشَنْج لَيْلَة الاثْنَين للنِّصْف من جُمَادَى الآخرة.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
: أنْبَأنَا أبو الحَسَن الفَارِسِيّ، قال: حَكَى الأثْبَاتُ والثِّقَاتُ أنَّهُ كان يَعْقد المَجْلِس، وكان يعظُ النَّاسَ ويُبالغُ فيه، إذْ دُفِعَ إليه كتابٌ ورَدَ من بُخَارَى، يَشْتَملُ (4) على ذِكْرِ وَبَاءٍ عَظِيمٍ وقَع بها، واسْتَدْعَى فيهِ أغْنِيَاء المُسْلمِيْنَ بالدُّعَاءِ على رُؤوس المَلَأ في كَشْف ذلك البَلاء عنهم، ووُصف فيه أنَّ واحدًا تقدَّم إلى خَبَّازٍ يشتَري الخُبْز، فدفَع الدَّرَاهِمَ إلى صَاحب الحانُوْت، فكان يَزنُها والخبَّاز يَخْبزُ والمُشْتَري واقفٌ، فماتَ الثَّلاثةُ في الحالِ، واشْتَدَّ الأمرُ على عامَّةِ النَّاسِ. فلمَّا قرأ الكتابَ هَالهُ ذلك، واسْتَقْرأ من القَارِئ قَوْله تعالى:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ}
(2)
ونَظائرها، وبالَغ في التَّخْويْف والتَّحْذِيْر.
وأَثَّر ذلك فيهِ، وتغيَّرَ في الحال، وغلَبَهُ وجَعُ البَطْن من سَاعتِه، وأُنْزل من
(a) في ب وابن عساكر: الباز، وقد تقدم ذكره بالراء ونسبته إلى عمل الآبار، تكرر فيما مضى ذكره في غير موضع.
(b) الأصل: وورد، والمثبت من تاريخ ابن عساكر.
(c) من قوله: بنيسابور .. إلى هنا ساقط من ب.
(d) ابن عساكر: مشتمل.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 11.
(2)
سورة النحل، الآية 45.
المِنْبَر، وكان يَصِيْحُ من الوجَع، وحُمِلَ إلى الحَمَّام إلى قريبٍ من غُروب الشَّمْس، فكان يتقَلَّب ظَهْرًا لبَطْن، ويَصِيحُ ويئنُّ فلِم يَسْكُن ما به، فحُمِلَ إلى بَيْتِه، وبقيَ فيه سَبْعَة أيَّامٍ لَم ينفَعْهُ (a) عِلَاجٌ، فلمَّا كان يَوْم الخَميْس سَابِع مَرضِه، ظَهَرتْ آثار سَكْرَة المَوْت، فوَدَّع أوْلَادَهُ، وأوْصَاهُم بالخَيْر، ونَهَاهُم عن لَطْمِ الخُدُود، وشَقِّ الجيُوب، والنِّيَاحَة، ورَفْعْ الصَّوْتِ بالبُكَاءِ، ثُمَّ دَعا بالمُقْرِئ أبي عَبْدِ الله خاصَّته حتَّى قرأ سُوْرة يسَ، وتغيَّر حالُهُ، وطابَ وَقْتُه، وكان يُعَالِج سَكَرات المَوْت إلى أنْ قرأ إسْنَادَ ما رُوِيَ أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال
(1)
: مَنْ كان آخر كَلامِهِ لا إله إلَّا اللهُ دَخَلَ الجنَّة.
ثمّ تُوفِّي، رحمه الله، من سَاعتِهِ عَصْرَ يَوْم الخَمِيْس، وحُمِلَتْ جنَازَتهُ منِ الغَدِ عَصْرَ يَوْم الجُمْعَة - إلى مَيْدَان الحُسَين - الرَّاِبِعِ من المُحَرَّم سَنَة تِسْعٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة، واجْتَمع من الخَلَائِق ما اللهُ أعْلَمُ بعَدَدِهم، وصَلَّى عليهِ ابنُه أبو بَكْر، ثمِّ أخُوه أبو يَعْلَى، ثمّ نُقِلَ إلى مَشْهَدِ أبيهِ في سِكَّة حَرْب، وكان مَوْلدهُ سَنَة ثَلاثٍ وسبْعِين وثَلاثِمائة، وكان وقْتَ وفاتهِ طاعنًا في سَبعْ وسَبْعِين.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو عليّ الحَسَنُ بن أبي طَاهِر الخُتَّلِيّ (b)، قال: تُوفِّي الأُسْتَاذُ أَبو عُثْمان إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونِيّ، رحمه الله، في
(a) ب: لا ينفعه.
(b) في الأصل و ب: الحنبلي، تصحيف وهو فقيه شافعي، انظر ترجمة ابن العديم له في موضعها من الجزء التالي (الجزء الخامس).
_________
(1)
من حديث معاذ بن جبل، أخرجه الطبراني: المعجم الكبير 20: 112 (رقم 221)، والحاكم: المستدرك 1: 351، وابن مندة: كتاب الإيمان 1: 248، والمتقي الهندي: كنز العمال 1: 418 (رقم 1780)، وانظر: المسند الجامع 15: 207 - 208 (رقم 11495). ورواه الطبراني أيضًا في الأوسط 1: 343 (رقم 578) من حديث علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 12.
سَنَة خَمْسِين وأرْبَعِمائة. قال عَبْدُ العَزِيْز: وكان شَيْخًا ما رأيتُ في مَعْناه زُهْدًا وعِلْمًا، كان يَحْفَظُ من كُلِّ فنّ لا يقعُدُ بهِ شيءٌ، وكان يَحْفظ القُرآن وتفسِيره من كُتُب كَثِيْرة، وكان من حُفَّاظِ الحَدِيْث، وكان مُقَدَّمًا في الوَعْظ والأدَب وغير ذلك من العُلُوم.
قال ابنُ الأكْفانِيّ: ثمّ حَدَّثَني أبو الفِتْيَان عُمَر بن عَبْدِ الكَرِيم الدِّهِسْتَانِيّ - قَدِمَ علينا - قال: حَضَرْتُ وفَاةَ أبي عُثْمان بنَيْسَابُور لأرْبَع ليالٍ مَضتْ من المُحَرَّم سَنَة تِسْعٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة، وصَلَّى عليه ابنُه أبو بَكْر.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
: وهذا هو الصَّحيِحُ في وَفَاتِه، وقال: سَمِعْتُ أبا أحْمَد مَعْمَر بن عَبْد الوَاحِد بن رَجَاء بن الفَاخِر بجرْبَاذَقَان، قال: سَمِعْتُ أبا مُحَمَّد عبد الرَّشِيْد بن نَاصِر الوَاعِظ، ببَطْحاء مَكَّة، من لفظه، قال: سَمِعْتُ إسْمَاعيْل بن عَبْد الغَافِر (a) الفَارِسِيّ بنَيْسَابُور، قال: سَمعْتُ الإمَامَ أبا المَعَالِي الجُوَيْنِي، قال: كُنْتُ بمَكَّةَ أتردَّدُ في المَذَاهب، فرأيتُ النّبِي صلى الله عليه وسلم في المَنَام فقال: عليك باعْتِقَادِ ابن الصَّابُونِيّ.
وقال الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
: أنْبَأنَا أبو الحَسَنِ (b) عَبْد الغَافِر بن إسْمَاعِيْل، قال: ومن أحْسَن ما قيل فيهِ ما كَتبْتُ (c) بهَرَاةَ للإمَام أبي الحَسَن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد الدّاوُودِيّ البُوْشَنْجيّ
(3)
: [من الكامل]
أوْدَى الإمَامُ الحَبْرُ إِسْمَاعِيْلُ
…
لهْفي عليه فليسَ منهُ بديْلُ
بَكَت السَّمَاءُ والأرْضُ يوْمَ وَفَاتِه
…
وبَكى عليه الوَحْيُ والتَّنْزِيْلُ
(a) ب: عبد الغفار.
(b) قوله: "أنبأنا أبو الحسن" ساقط من ب.
(c) ابن عساكر: كتبته.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 13.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 13.
(3)
انظر الأبيات في طبقات الشافعية 4: 383 - 383، وتاريخ الإسلام للذهبي 9: 737، وسير أعلام النبلاء 44:18.
والشَّمْسُ والقَمَرُ المُنِيرُ تَنَاوَحَا
…
حزنًا عليه وللنُّجُومِ عَوِيْلُ
والأرْضُ خاشعَةٌ تَبْكي شَجْوَهَا
…
وَيْلي تُوَلولُ: أين (a) إسْمَاعِيْلُ
أين الإمَامُ الفَرْد في آدابِهِ
…
ما إنْ له في العَالَمين عَدِيْلُ
لا تَخْدَعَنْكَ مُنى الحَيَاةِ فإنَّها
…
تُلْهِي وتُنْسِي والمُنَى تَضْلِيْلُ
وتَأهَّبْن للمَوْتِ قَبْلَ نُزُولهِ
…
فالمَوْتُ حَتْم والبَقَاءُ قليلُ
قال عَبْدُ الغَافِر: وحَكَى بعضُ الصَّالِحين أنَّه رَأى أبا بكْر بن أبي نَصْرٍ المُفَسِّر المَقْبُريّ الحَنفِيِّ (b) جالِسًا على كُرْسِيٍّ وبيَدِه جُزءٌ يَقرأهُ، فسَأله عمَّا فيه، فقال: إذا احْتاج المَلائِكَة إلى الحَجِّ وزيارة بيتِ اللهَ العَتِيق، جاءُوا إلى زيارة قَبْر إسْمَاعِيْل الصَّابُونِيّ.
قال عَبْدُ الغَافِر: وقرأتُ من خَطِّ الفَقِيهِ أبي سَعْد السُّكَّرِيّ أنَّهُ حَكَى عن السَّيِّدِ أبي (c) إبْراهيِمَ بن أبي الحَسَن بن ظَفَر الحُسَيْنيّ أنَّهُ قال: رأيْتُ في النَّوْم السَّيِّدَ النَّقِيْبَ أبا القَاسِم زيْد بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحُسَين، رحمه الله، وبينَ يَدَيْهِ طَبَقٌ من الجَوَاهِر مَا شَاءَ الله، فسَألته فقال: أُتْحِفْتُ بهذا ممَّا نُثر على روْح إسْمَاعِيْل الصَّابُونِيّ.
قال: وحَكَى المُقْرئُ مُحَمَّدُ بن عَبْد الحَميْد الأَبِيْوَرْدي، الرَّجُلُ الصَّالِح، عن الإمَام فَخْر الإسْلَام أبي المَعَالِي الجُوَيْنِي أنَّهُ رَأى في المَنَام كأنَّهُ قيل له: عُدّ عقائد أهْل الحَقِّ، قال: فكُنْتُ أذْكُرُها إذ سَمعتُ نداءً، كان مَفْهُومي منه أنِّي أسْمَعُه من الحَقِّ تبارك وتعالى يقُول: ألَم تَقُلْ إنَّ ابنَ الصَّابُونِيّ رَجُلٌ مُسْلمٌ؟!.
قال: وقرأتُ أيضًا من خَطِّ السُّكَّرِيِّ حِكايَةَ رُؤيا رآها الشَّيْخُ أبو العبَّاسِ الشَّقَّانِيّ، رَأى الحَق سُبْحَانَهُ، وأنَّهُ قال: وأمَّا ابنُ ذلك المَظْلُوم فإن له عندنا (d) قُرْبى ونُعْمىَ وزُلْفَى في منَامٍ طَوِيْل.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ الله بن الحُسَين بن عَبْد الله بن رَوَاحَة الحَمَوِيّ بحَمَاة،
(a) ب: ابن.
(b) ابن عساكر: الحنيفي.
(c) ساقطة من ب.
(d) ابن عساكر: عندي.
قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ، قال: قال لي الأَمِين أبو مُحَمَّد هِبَة الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ المُعَدَّل بدِمَشْق: هذه نُسْخَةُ وَصِيَّةِ الأُسْتَاذ الإمَام شَيْخ الإسْلَام أبي عُثْمان إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونِيّ رَحْمَةُ الله عليه ورِضْوَانهُ، وَقَعَتْ إليَّ من جهَةٍ أعْتَمد عليها.
قال الحافِظُ أبو طَاهِر: وقد أجازَ إسْمَاعِيْلُ لنَسِيْبي أبي الطَّيِّب الطَّهْرَانيّ، وهو قد أجازَ لي قبلَ رِحْلَتي ودُخُولي إلى دِمَشْقَ واجْتِمَاعي بابن الأكْفانِيّ، وآخرون سوى نَسيبي رحمهم الله، قال
(1)
:
هذا ما أوْصَي بهِ إسْمَاعِيْلُ بن عبد الرَّحْمن بن إسْمَاعِيْل، أبو عُثْمان الصَّابُونِيّ، الوَاعظُ غيرُ المُتَّعظ، المُوْقظُ غيرُ المُسْتَيقِظِ، الآمرُ غيرُ المُؤْتَمِر، الزَّاجِرُ غير المُنْزَجر، المُعَلّمَ، المُعَرِّف (a)، المُنْذِرُ، الخُوِف، المُخَلطُ، المُفَرِّطُ، المُسْرِفُ، المُقْتَرف للسَّيئَاتِ، المُعْتَرفُ (b)، الوَاثِق - مع ذلك - برَحْمة الله سُبْحَانه (c)، الرَّاجِي لمَغْفرته، المُحبُّ لرَسُوله صلى الله عليه وسلم تَسْليمًا وشِيْعَته، الدَّاعِي للنَّاس إلى التَّمَسُّكِ بسُنَّتهِ وشرِيعَتهِ.
أوْصَى وهو يَشْهَدُ أنَّ لا إلَه إلَّا الله، وَحْده لا شرِيك له، إلهًا واحدًا أحدًا، فَرْدًا صَمَدًا، لم يَتَّخِذ صَاحبةً ولا وَلدًا
(2)
، ولم يُشْرك في حُكْمِه أحدًا
(3)
، الأوَّلُ، الآخِرُ، الظَّاهرُ، البَاطِنُ
(4)
، {الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
(5)
، الباقي بعدَ فَنَاءِ خَلْقه، المُطَّلعُ
(a) السبكي: المتعلم المعترف.
(b) السبكي: المغترف.
(c) السبكي: برحمة ربه.
_________
(1)
ضمَّن الصابوني وصيته هذة عقيدته، وقد أوردها السبكي في كتاب طبقات الشافعية 4: 285 - 292، وللصابوني كتاب عقيدة مفرد، فيه غالب القضايا التي تضمنتها الوصية موسَّعًا فيها، ونشرت بعنوان:"عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني". (مكتبة الإمام الوادعي، اليمن، 2007 م).
(2)
من قوله تعالى {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} سورة الجن، من الآية 3.
(3)
قوله تعالى {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} سورة الكهف، من الآية 26.
(4)
من قوله تعالى {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة الحديد، الآية 3.
(5)
سورة البقرة، من الآية 255، وسورة آل عمران، من الآية 2.
على عِبَادِه، العالَم بخفيَّاتِ الغُيُوب، الخبَيرُ بضَمائر القُلُوب، المُبْدئ، المُعِيْدُ
(1)
، {الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}
(2)
، الفَعَّال لِمَا يُريد
(3)
، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
(4)
، {هُوَ مَوْلَانَا}
(5)
{فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}
(6)
، يَشْهَدُ بذلك كُله مع الشَّاهِدين، مُقرًّا بلِسَانهِ عن صِحَّةِ اعْتِقَاد وصِدْقِ يَقِيْن، ويتحمَّلُها عن المنَكِرين الجاحِدِيْنَ، ويُعِدُّها ليَوْم الدِّين، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
(7)
(8)
.
ويشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه ورَسُوله، أرْسَلَهُ {بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}
(9)
.
ويَشْهَدُ أنَّ الجَنَّة وجُمْلَةَ ما أعدَّ الله تبارك وتعالى فيها لأوْليَائه حَقٌّ، ويَسْأل مَوْلاه الكَرِيْمَ جل جلاله، أنْ يَجْعلها مأْوَاهُ ومثْواهُ، فَضْلًا منه وكَرَمًا.
ويَشْهَدُ أنَّ النَّارَ، وما أعدَّهُ (a) الله فيها لأعْدَائهِ حَقٌّ، ويَسْأل مَوْلاهُ الكريمَ أنْ يُجيْرَهُ منها، ويُزَحْزِحَهُ عنها، ويجعَلَهُ من الفائزين الَّذين قال الله عز وجل:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
(10)
.
(a) السبكي: أعد.
_________
(1)
اقتباس من قوله تعالى {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} سورة البروج، الآية 13.
(2)
سورة البروج، الآيتان 14 - 15.
(3)
من قوله تعالى {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} سورة هود، من الآية 107، وسورة البروج، من الآية 16.
(4)
سورة الشورى، الآية 11.
(5)
سورة التوبة، من الآية 51.
(6)
سورة الحج، الآية 78.
(7)
سورة الشعراء، الايتان 88 - 89.
(8)
سورة الدخان، الآيتان 41 - 43.
(9)
سورة التوبة، الآية 33، وسورة الصف، الآية 9.
(10)
سورة آل عمران، الآية 185.
ويَشْهَدُ أنَّ صَلَاتَهُ ونُسُكَهُ ومَحْياهُ ومَمَاتَهُ لله رَبّ العالَمِين
(1)
، لا شَرِيكَ له، وبذلك أُمِر وهو من المُسْلمِيْن، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِين.
وأنّهُ رَضي باللهِ رَبًّا، وبالإسْلَام دِيْنًا، وبمُحَمَّدٍ نَبيًّا، وبالقُرْآن إمَامًا، على ذلك يَحْيا وعليه يَمُوتُ إنْ شَاءَ اللهُ عز وجل.
ويَشْهَدُ أنَّ المَلائِكَة حَقٌّ، والنَّبِيِّينَ حَقٌّ، {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}
(2)
.
ويَشْهَدُ أنَّ الله سبحانه وتعالى قدَّر الخَيْر، وأمَر بهِ، ورَضِيه، وأحبَّهُ، وأرادَ كَونَهُ من فَاعلِهِ، ووعَد حُسْنَ الثَّوَاب على فِعْلِه، وقدَّر الشَّرَّ وزَجَر عنه ولَم يَرْضَهُ، ولَم يُحِبَّهُ وأرادَ كَوْنَهُ من مُرْتكبه غيرَ راضٍ به ولا مُحبٍّ له، تعالَى ربُّنا عمَّا يقُول الظّالِمُون عُلُوًّا كبيرًا، وتقدَّس عن أنْ يأمُرَ بالمَعْصِيَةِ أو يُحبَّها ويرْضَاهَا، وجَلَّ أنْ يَقْدِر العَبْدُ على فعْلِ شيءٍ لَم يُقَدِّرهُ (a) عليه، أو يَحْدُثَ من العَبْد ما لا يُريدُه ولا يَشَاؤُهُ.
ويَشْهَدُ أنَّ القُرْآنَ كتابُ اللهِ وكَلامُهُ، ووَحْيُهُ، وتنزيلُهُ، غيرُ مَخْلُوقٍ، وهو الّذي في المَصَاحِف مَكْتُوبٌ، وبالألْسنَة (b) مَقْروء، وفي الصُّدُور مَحْفُوظ، وبالآذان مَسْمُوع، قال اللهُ تعالَى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}
(3)
، وقال:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}
(4)
، وقال:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ}
(5)
، وقال:{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}
(6)
.
(a) كذا مجودًا في الأصل، وفي طبقات السبكي: يُقْدِرْهُ، ولعله الأصحّ.
(b) الأصل: والألسنة، والمثبت من طبقات السبكي.
_________
(1)
من قوله تعالى {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سورة الأنعام، الآية 162.
(2)
سورة الحج، الآية 7.
(3)
سورة التوبة، من الآية 6.
(4)
سورة العنكبوت، من الآية 49.
(5)
سورة فاطر، من الآية 29.
(6)
سورة يس، من الآية 69.
ويَشْهَدُ أنَّ الإيْمَان تَصْديقٌ بالقَلْب بما أمَرَ الله أنْ يُصَدَّقَ به، وإقْرارٌ باللِّسَان بما أمَرَ اللهُ أنْ يُقَرَّ به، وعَمَلٌ بالجَوَارِح بما أمَر الله أنْ يُعْمل بهِ، وانْزِجَارٌ عمَّا زَجر عنهُ، من كَسْبِ قَلْب، وقَوْل لِسَان، وعَمِل جَوَارِحَ وأرْكَان.
ويَشْهَدُ أنَّ الله سبحانه وتعالى مُسْتَوٍ على عَرْشهِ، اسْتواءَ غَلَبَةٍ (a) كما بيَّنَهُ في كتابهِ في قَوْله تعالَى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}
(1)
{الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}
(2)
، في آيات أُخَر
(3)
. والرَّسُولُ صَلَواتُ الله عليه وسَلَّم تَسْليمًا ذَكَرهُ فيما نُقِلَ عنه من غير أنْ يُكَيِّفَ اسْتِوَاءَهُ عليه، أو يَجْعلَ لفعْلِهِ وفَهْمه أو وَهْمه سَبِيلًا إلى إثْبَات كيفيَّة، إذ الكَيْفيَّة عن صِفَاتِ رَبّنا مَنْفِيَّة. قال إمامُ المُسْلمِيْن في عَصْره أبو عَبْد الله مَالِك بن أنَس رضي الله عنه، في جَوَاب مَنْ سَأله عن (b) كيفيَّة الاسْتِوَاءِ: الاسْتِواءُ مَعْلومٌ، والكَيْفُ مَجْهُول، والإيْمان به وَاجبٌ، والسُّؤَالُ عنه بِدْعَةٌ، وأظُنُّكَ زِنْدِيقًا، أخْرجُوه من المَسْجِد.
ويَشْهَدُ أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى مَوْصُوفٌ بصِفَاته العُلَى الّتي وصَفَ نَفْسَهُ بها في كتابهِ، وعلى لسَان نَبيِّه صلى الله عليه وسلم تَسْليمًا كَثِيْرًا، ولا يَنْفي شَيئًا منها، ولا يَعْتَقد شبَهًا لها (c) بصِفَات خَلْقه بل يَقُول: إنَّ صِفَاتِه لا تُشْبهُ صِفَاتِ المَربُوبين، كما لا تُشْبهُ ذاتهُ ذَوَاتِ المُحْدَثِيْن، تعالَى الله عمَّا يقول المُعَطِّلَةُ والمُشَبِّهةُ عُلُوًّا كَبِيرًا.
(a) السبكي: استوى عليه.
(b) ساقطة من ب.
(c) طبقات السبكي: له.
_________
(1)
سورة الأعراف 54.
(2)
سورة الفرقان، من الآية 59.
(3)
سورة الأعراف، الآية 54، وسورة يونس، الآية 3، وسورة الرعد، الآية 2، وسورة السجدة، الآية 4، وسورة الحديد، الآية 4.
ونَسلُكُ (a) في الآياتِ الّتي ورَدَتْ في ذِكْر صِفَاتِ البَارئ جل جلاله، والأخْبارِ الّتي صحَّت عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم في بابها، كآيات مَجيء الرَّبِّ يَوْم القِيامَة، وإتْيانِ اللهِ في ظُلَلٍ من الغَمامِ، وخَلْقِ آدَمَ بيَده، واسْتِوَائه على عَرْشِهِ، وكأخْبَارِ نُزُوله كُلّ لَيْلَةٍ إلى السَّماء (b) الدُّنْيا، والضَّحِك، والنَّجْوَى، ووَضْع الكَنَفِ (c) على مَنْ يُنُاجيهِ يَوْم القِيامَة وغيرها، مَسْلَك السَّلَف الصَّالِحين، وأئمَّة الدِّين من قَبُولها، وروَايتها على وَجْهها، بعد صحَّة سَنَدها، وإبْرازها على ظَاهِرها، والتَّصْدِيق بها، والتَّسْلِيم لها، واتِّقاءِ اعْتِقَادِ التَّكْييف والتَّشْبيه فيها، واجْتِنَاب ما يُؤدِّي إلى القَوْل بردِّها، وتَرْك قَبُولها أوَ تَحْريفها بتَأْويلٍ مُسْتَنكَرٍ مُسْتَكْرَهٍ (d)، ولَم يُنْزل اللهُ بهِ سُلْطانًا، ولم يُجْرِ بهِ للصَّحَابةِ والتَّابِعِين والسَّلَف الصَّالِحين لسَانًا.
ويَنْهَى في الجُمْلَة عن الخَوْض في الكَلَام والتَّعَمُّق فيه، والاشْتِغَال بما كَرِهَ السَّلَف، رحمهم الله، الاشْتِغَالَ به ونَهَوْا وزَجرُوا عنه؛ فإنَّ الجِدَال فيه، والتَّعَمُّقَ في دَقائقِه، والتَّخبُّط في ظُلماته، كُلّ ذلك يُفْسدُ القَلْبَ، ويُسْقط منه هَيْبَة الرَّبّ جل جلاله، ويُوْقِع الشُّبَهَ الكَثِيْرة (e) فيه، ويَسْلُب البَرَكَة في الحال، ويَهْدِي إلى البَاطِل والمُحَال، والخُصُومَةِ في الدِّين والجِدَالِ، وكَثْرةِ القِيْلِ والقَالِ، في الرَّبِّ ذي الجَلَالِ الكَبيرِ المُتَعَال، سُبْحَانه وتَعالَى عمَّا يقُول الظَّالِمُون عُلُوًّا كبيرًا، والحَمْدُ لله - على ما هَدَانا من دِيْنه وسُنَّة نَبيِّه صَلَواتُ الله عليه - حَمْدًا كَثِيْرًا.
ويَشْهَدُ أنَّ القِيامَة حَقٌّ، وكُلَّ ما ورَد بهِ الكتابُ أو الأخْبارُ الصِّحَاحُ من أشرَاطها وأهْوَالها، ما (f) وعَدَنا وأوْعَدنا به فيها حَقٌّ نُؤمن به. ونُصَدِّقُ اللهَ سُبْحَانَهُ
(a) السبكي: ويسلك.
(b) السبكي: سماء.
(c) في الأصل: الكتف، وحديثُ النَّجوى مشهورٌ، وكَنَف الله: ظلّه وجانبه، وقيل رحمته. انظر: لسان العرب، مادة: كنف، وفيه نصّ حديث النَّجوى عن ابن عمر، وفيه أيضًا جمَاع الأقوال في تفسير اللَّفظة.
(d) السبكي: بتأويل يستنكر.
(e) السبكي: الكبيرة.
(f) السبكي: وما.
ورَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فيما أخْبر عنه (a) كالحَوْض، والمِيْزَان، والصِّرَاط، وقراءة الكُتُب، والحِسَاب، والسُّؤَال، والعَرْض، والوُقُوف، والصَّدَر عن الحَشِر (b) إلى جنَّةٍ أو نارٍ مع الشَّفَاعَة المَوعُودة لأهْل التَّوْحِيد، وغير ذلك ممَّا هو مُبيَّن في الكتاب، ومُدوَّن في الكُتُب الجامِعَة لصِحَاح الأخْبار.
يَشْهَدُ بذلك كُلّه في الشَّاهِدين، ويَسْتَعين باللهِ تبارك وتعالى في الثَّبات على هذه الشَّهَادَات إلى المَمَات، حتَّى يُتَوفَّى عليها في جُمْلَة المُسْلمِيْن المُؤْمنِيْن المُوقِنيْنَ المُوَحِّدِين.
ويَشْهَدُ أنَّ الله تعالَى يَمُنُّ على أوْليائِه بوُجُوهٍ {نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
(1)
، ويَرَونَهُ عيانًا في دَار البَقَاء، لا يُضَارُّون في رُؤيته ولا يُمَارون ولا يُضَامُونَ. ويَسْأل الله تبارك وتعالى أنْ يَجْعَل وَجْهَهُ من تلك الوُجُوه، ويَقِيَهُ كُلّ (c) بَلاءٍ وسُوءٍ ومَكْرُوه، ويُلَقِّيه (4) كُلّ ما يأمُلُه (e) من فَضْله ويَرْجُوهَ بمَنِّه.
ويَشْهَدُ أنَّ خَيْرَ النَّاسِ بعدَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم أبو بَكْر الصِّدِّيْق، ثمّ عُمَرُ الفَارُوقُ، ثمّ عُثْمانُ بن عَفَّان، ثمّ عليُّ بن أبي طَالِب رِضْوَان الله عليهم (f) أجْمَعِين، ويتَرحَّمُ على جميع الصَّحَابَةِ، ويتوالاهُم (g)، ويَسْتغفرُ لَهم، وكذلك ذُرِّيّتِه وأزْوَاجِه أُمَّهاتِ المُؤْمنِيْن، ويَسْأل الله تبارك وتعالى أنْ يَجْعلَه معهم، ويَرْجو أنْ يفْعلهُ به فإنَّهُ قد صَحَّ عنده (h) من طُرُقٍ شَتَّى أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال
(2)
: المَرءُ مع مَنْ أحَبَّ.
(a) السبكي: أخبر به عنه.
(b) السبكي: المحشر.
(c) ب: من كل.
(d) السبكي: ويُبلِّغه.
(e) السبكي: يُؤمِّله.
(f) السبكي: عنهم.
(g) السبكي: ويتولَّاهم.
(h) ب: عنه.
_________
(1)
سورة القيامة، الآيتان 22 - 23.
(2)
انظر: صحيح مسلم 4: 2034، فتح الباري 10: 557 (رقم 6168 - 6171)، الجامع الكبير للترمذي 4: 193 (رقم 2385)، وبهامشه مصادر أخرى في تخريجه، سنن أبي داود 5: 345 (رقم 5127).
ويُوصِي إلى كُلِّ (a) مَنْ يُخَلِّفُه من وَلَدٍ، وأخٍ، وأهْلٍ، وقَريبٍ، وصَدِيْقٍ، وجميعِ مَنْ يقبَل وَصِيَّته من المُسْلمِيْن عامَّةً أنْ يَشْهَدُوا بجميعِ ما شَهِدَ به، وأنْ يتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاته، ولا (b) يَمُوتوا إلَّا وهم مُسْلِمون، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}
(1)
. ويُوصيهم بصَلَاحِ ذَات البَيْن، وصِلَة الأرْحَام، والإحْسان إلى الجِيْرَان والأقارب والإخْوَان، ومعْرفَة حقِّ الأكَابِر، والرَّحْمة على الأصَاغِر، ويَنْهاهُم عن التَّدابُر والتَّباغُضِ والتَّقاطُع والتَّحاسُد، ويأمُرهم أنْ يكُونوا إخوانًا، وعلى الخَيْرات أعْوانًا، وأنْ يَعْتَصمُوا بحَبْل الله جَمِيعًا ولا يتَفَرَّقُوا
(2)
، ويتَّبعُوا الكتابَ والسُّنَّة، وما كان عليه عُلَماءُ الأُمَّةِ وأئمَّةُ المِلَّة، كمَالِك بن أنسٍ، والشَّافِعيّ، وسُفْيانَ الثَّوْرِيّ، وسُفْيان بن عُيَيْنَة، وأحمدَ بن حَنْبَل، وإسْحَاق بن إبْراهيم، ويَحْيَى بن يَحْيَى، وغيرهم من أئمَّة المُسْلمين، وعُلَماء الدِّين، رضي الله عنهم أجْمَعِين، وجَمعَ بيننا وبينهم في ظلِّ طُوْبَى ومُسْتَراح العَابِدِين.
أوْصَى بهذا كُلِّهِ إسْمَاعِيْلُ بنُ عبْد الرَّحْمن الصَّابُونِيّ إلى أوْلَادِهِ وأهْلِهِ وأصْحَابهِ ومُخْتَلفَة مَجَالِسه.
وأوْصَى أنَّهُ إذا نَزَلتْ به المَنِيَّةُ، الّتي لا شَكَّ أنَّها نَازِلةٌ - والله يَسْأل خيرَ ذلك اليَوْم الّذي تَنزلُ المَنِيَّةُ بهِ فيه، وخيرَ تلك اللَّيْلة الّتي تَنْزل بهِ فيها (c)، وخيرَ تلك السَّاعَة، وخَيْر ما قَبْلها، وخَيْر ما بعدها - أنْ يُلْبَسَ لباسًا حَسَنًا طَيِّبًا، طَاهِرًا نَقِيًّا، وتُوضَعَ على رَأسه العِمَامَةُ الّتي كان يَشُدُّها في حال الحَيَاة (4)، وَضْعًا على الهَيْئَة الّتي كان يضَعُها على رَأسِهِ أيَّامَ حَياتِهِ، ويُوضَعَ الرِّدَاءُ على عاتقَيْه (e)،
(a) لم ترد عند السبكي في طبقاته.
(b) السبكي: وألَّا.
(c) السبكي: فيه.
(d) السبكي: حياته.
(e) ب: عاتقه.
_________
(1)
سورة النحل، الآية 128.
(2)
اقتباس من الآية الكريمة {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} سورة آل عمران، من الآية 103.
ويُضْجَعَ مُسْتَلقيًا على قَفاهُ مُوَجَّهًا للقِبْلَة، ويجلسَ أوْلَادُه عند رأسه، ويضَعُوا المَصَاحِف على حجُورِهم، ويَقْرأوا القُرْآنَ جَهْرًا، وحرَّج عليهم أنْ يُمَكِّنوا امْرأةً لا قَرَابَةَ بينَهُ وبينها ولا نَسَب ولا سَبَب من طَريق الزَّوجيَّةِ تقرُب من مَضْجَعِه في تلك السَّاعَة، أو تَدْخُل بَيْتًا يكُون فيه، وكذلك يُحَرِّجُ عليهم أنْ يأذَنُوا لأحدٍ من الرِّجال في الدُّخُول عليهِ في تلك السَّاعَة، بل يأمُرُون الأخَ والأحْبَاب (a) وغيرهم أنْ يَجْلِسُوا في المَدْرَسَة، ولا يَدْخُلُوا الدَّار، ويُسَاعدوا الأصْحَابَ في قراءةِ القُرْآن، وإمدَادِه بالدُّعَاء، فلعَلَّ الله سبحانه وتعالى أنْ يُهَوِّن عليه سَكَرات المَوْت، ويُسَهِّلَ له اقْتحام عقَبَة المَوْت على الإسْلَام والسُّنَّة في سَلامَةٍ وعَافِيَة.
وأوْصَى إذا قَضَى نَحْبَهُ، وأجَابَ رَبَّهُ، وفارقَتْ رُوحُه جَسَدَهُ، أنْ يُشُدَّ ذَقَنُهُ، وتُغَمَّضَ (b) عَيْنُه (c)، وتُمَدَّ أعْضَادُهُ (d)، ويُسَجَّى بثَوْبٍ، ولا يُكْشفَ عن وَجْهِهِ ليُنْظَرَ إليه إلى (e) أنْ يأتيَهُ غَاسِلُهُ فيَحْملَهُ إلى مُغْتَسَلِهِ، جَعَلَ اللهُ ذلك الحْملَ مُباركًا عليه، ونَظَر بعيْن الرَّحْمَة إليهِ، وغَفَر له ما قدَّمه من الأعْمَال السَّيِّئة بينَ يَدَيْهِ.
وأوْصَى أنْ لا يُنَاحَ عليه، وأنْ يمنَعَ أولياؤهُ وأقرباؤُهُ وأحبَّاؤهُ وجميعُ النَّاس من الرِّجال والنِّسَاء أنفُسَهُم عن السَّلْقِ (f) والحَلْق، والتَّخْريق للثِّيَاب والتَّمْزيق، وأنْ لا يَبْكُوا عليه إلَّا بُكَاءَ حُزْن قَلْبٍ ودُمُوعِ عَيْنٍ لا يَقْدِرُونَ على ردِّها ودَفْعها (g)، فأمَّا دُعَاءٌ بوَيْلٍ ورَنُّ شيْطَانٍ
(1)
، وخَمْش وُجُوه ولَطْمُها (h)، وحَلْقُ
(a) الأصل: والأختان، والمثبت من السبكي.
(b) كذا في الأصل مجودًا، وفي طبقات الشافعية: وتُغْمَض.
(c) السبكي: عيناه.
(d) السبكي: أعضاؤه.
(e) السبكي: إلَّا.
(f) في طبقات الشافعية: الشَّقّ، والسَّلْقُ: شدَّة الصوت ورفعه عند وقوع مصيبة أو موت إنسان. لسان العرب، مادة: سلق.
(g) السبكي: ردهما ودفعهما.
(h) لم ترد في نص السبكي.
_________
(1)
الرَّنَّة: الصيحة الحزينة، والرنين: الصياح عند البكاء، وهو يشير إلى الحديث الشريف:"نهيت عن صوين أحمقين: صوت عند نغمة لعب ولهو، ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان". شعب الإيمان للبيهقي 7: 241، نصب الراية للزيلعي 4:84.
شَعرٍ ونَتْفه، وتَخْريق ثَوْبٍ وتَمْزيقُه وفَتْقُه فلا، وهو بريءٌ ممَّن فَعل شيئًا - ذلك كما تُوفِّي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بينهم (a).
وأوْصَى أنْ يُعَجَّلَ تَجْهيزُهُ وغَسْلُه وتَكفينُه وحَمْلُه إلى حُفْرَته، ولا يُحْبَسُ (b) ولا يُبطَأُ به، وإنْ ماتَ ضَحْوَةَ النَّهَار، أو وَقْت الزَّوَال، أو بُكرةً، فإنَّهُ لا يُؤخَّر تَجْهيزهُ إلى الغَد، ولا يُتْركُ مَيِّتًا بين أهْلِهِ باللَّيْل أصْلًا، بل يُعَجّل أمرهُ، فَيُنْقَل إلى حُفْرته نَقلًا بعد أنْ يُغْسَل وِتْرًا، ويُجْعل في آخر غَسْلةٍ من غَسلاته كَافُور، ويُلَفّ (c) في ثلاثة أثْوَاب بيضٍ سَحُوليَّةٍ إنْ وُجِدَتْ، فإنْ لم تُوجَد سَحُوليَّةً كُفِّنَ في ثلاثة أثْوَابٍ بيضٍ ليس فيها قَمِيْصٌ ولا عِمَامَةٌ، ويُجَمَّر كَفَنُه وِتْرًا لا شَفْعًا قبل أنْ يُلَفَّ عليه، ويُسْرعَ بالسَّير بجنازَته، كما أمَرَ بهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، ويُحْمل للصَّلَاة عليهِ إلى مَيْدَان الحُسَين، ويُصَلِّي عليه ولَدُه أبو نَصْر إنْ كان حَاضِرًا، فإنْ عَجزَ عن القيام بالصَّلاة (d) عليهِ فأمرُ الصَّلاة عليه إِلى أخيهِ أبي يَعْلَى، ثُمَّ يُرَدَّ إلى المَدْرَسَة، فيُدْفَن فيها بين يَدَي والده الشَّهِيْد رضي الله عنه، ويُلْحَد له لَحْدًا، ويُنْصَب عليه اللّبِنُ نَصْبًا، ولا يُشَقُّ له شَقًّا، ولا يُتَّخذ له تَابُوت أصْلًا، ولا يُوضَعُ في التَّابُوت للحَمْل إلى المُصَلَّى، وليُوضَع على الجنازَة، مَلفُوفًا في الكَفَن مُسَجًّى بثَوْب أبيض ليس فيه إبْرَيْسَمٌ بحالٍ، ولا يُطَيَّن قَبْره ولا يُجَصَّصُ، ويُرشُّ عليه الماءُ، وتُوضَعُ عليه الحَصَا، ويُمْكَث عند قَبْره مِقْدَار ما يُنْحَر جَزُور ويُقسَم لَحمهُ حتَّى يَعْلَم ما يُرَاجِعُ به رُسُل رَبِّهِ جل جلاله، ويُسْألُ الله تعالَى على رَأسِ قَبْره له التَّثْبيت الموعُودَ لُجْملَة المُؤْمنِيْن في قَوْله تعالَى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}
(1)
، ويُسْتَغْفَر له
(a) كذا في الأصل وب، وعند السبكي: وهو بريءٌ ممن فعل شيئًا من ذلك، كما برئ النبي صلى الله عليه وسلم منهم.
(b) قوله: "ولا يحبس" ساقط من ب.
(c) السبكي: ويكفَّن.
(d) ب: عجز بالقيام عن الصلاة.
_________
(1)
سورة إبراهيم، الآية 27.
ولوالدَيهِ ولجميع المُؤْمنِيْن والمُؤْمناتِ، والمُسْلمِيْن والمُسْلمات، ولا ينسى بل يُذكَر بالدُّعَاءِ، فإنَّ المُؤْمِن إذا قُبِضَ (a) كان كالغَريق المُتَغَوِّث (b) ينتظر دَعْوَةً صالحةً تلحَقُهُ، ولا يمُكن أحد من الجَوَاري والنِّسْوَان أنْ يكْشفْنَ عن رُؤوسهنَّ، وَأنْ يندُبنهُ في ذلك الوَقْت، بل يَشتَغلُ الكل بالدُّعَاء والاسْتِغْفَار، لعلَّ اللّهَ سبحانه وتعالى يهوِّنُ عليه الأمرَ في ذلك الوَقْت، ويُيسِّرُ خُرُوجَ مُنْكرٍ ونَكِير من قبره على الرِّضَا منه، وينصرفان عنه وقد قالا له: نَمْ نَوْمَة العَرُوس فلا رَوْعَة عليكَ، ويفتحان في قبره بابًا من الجنَّة، فَضْلًا من اللّه ومِنَّة، فيفُوز فَوْزًا عَظيْمًا، ويَحُوز ثَوَابًا كَريْمًا، ويلقَى رَوْحًا وَرَيْحَانًا، ورَبًّا كَرِيمًا رَحِيْمًا.
آخر الجُزء الثَّمانيْن، ويتلُوه في أوَّل الجُزءِ الحادِي والثَّمانيْن: إسمَاعِيْل بن عَبْد المجيْد بن إسْمَاعِيْل بن محمد، أبو سَعْد القَيْسِيّ.
الحمدُ للّهِ رَبِّ العالَمِين، وصلَّى اللّه على سَيِّدنا مُحمَّد نَبيِّه المُصْطَفَى، وعلَى آله الطَّاهِرين، وصحبه الأكْرَمين وسلَّم.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
إسمَاعِيْلُ بن عَبْد المجيْد بن إسمَاعِيْل (a) بن مُحَمد، أبو سَعْد القَيسِيُّ
دَرَّس الفِقْهَ بمَدِينَة سِيْوَاس من بَلَد الرُّوم، واجْتازَ بحَلَبَ في دُخُولِه إلى الرُّوم، أو ببَعْض عَمَلِها من الثُّغُور، وكان فَقِيهًا حَسَنًا فَاضِلًا، أخَذَ الفِقْه عن أَبيِهِ عَبْد المجيْد.
إسْماعيْلُ بن عُبيدِ الله بن أَقْرَم أبي المُهاجِر، أبو عَبْد الحَميْد، مَولاهم
(1)
غَزَا الصَّائِفَة غيرَ مرَّة، ومرَّ بحَلَب، واسْتَعْملَهُ عُمَر بن عَبْد العَزِيْز على
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
توفي سنة 107 هـ، وقيل: سنة 131 هـ وقيل: في السنة التي تليها، وترجمته في: طبقات خليفة 315، تاريخ خليفة 323، تاريخ البخاري الكبير 1: 366، التاريخ الصغير 2: 13، تاريخ ابن يونس الصدفي 2: 37 - 38، العجلي: تاريخ الثقات 65، المحبر 476، الثقات لابن حبان 6: 40 - 41، مشاهير علماء الأمصار لابن حبان 284، الجرح والتعديل 2: 182 - 183، حلية الأولياء 6: 85 - 86، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 129 (أرخ وفاته سنة 132 هـ)، تاريخ ابن عساكر 8: 429 - 442، ابن الجوزي: المنتظم 7: 118 (وسماه: إسماعيل بن عبيد)، وترجم له ابن الجوزي أيضًا في وفيات سنة 231 هـ، (المنتظم 11: 170) ولعله وهم في نقل تاريخ المئات بين المائة والمائتين، تهذيب الكمال 3: 143 - 151، تاريخ الإسلام 3: 614 - 615، سير أعلام النبلاء 5: 213 (أرخ وفاته سنة 132 هـ)، الإعلام بوفيات الأعلام 65 (أرخ وفاته سنة 131 هـ)، الكاشف 1: 126، العبر في خبر مَن غبر 1: 133 (أرخ وفاته سنة 131 هـ)، الوافي بالوفيات 9: 154، ابن خلدون: العبر 7: 589، تهذيب التهذيب 1: 317 - 318، تقريب التهذيب 1: 72، المقريزي: المقفى الكبير 2: 125 - 126، (وأرخ وفاته سنة 107 هـ)، شذرات الذهب 2: 134، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 28 - 30.
إفْرِيقِيَّة من بلاد المغرب، وأدْرَك مُعاوية بن أبي سُفْيان (a)، وكان يُؤدِّبُ أوْلَاد عَبْد المَلِك بن مروَان.
وحَدَّثَ عن أنَس بن مالِك، وفَضَالَة بن عُبَيْد، وعبْد اللّه بن عَمْرو بن العَاص، والسَّائب بن يزيد، والحارِث بن الحارِث الغَامدِيّ، وعَبْد الرَّحمن بن غَنْم، وعَطِيَّة في عُروَة السَّعْدِيّ، وقبِيْصَة بن ذُؤيَب، وعليَّ بن عَبْد اللّه بن عبَّاس، وأبي عَبْد اللّه الأشْعَرِيّ، وخَالِد بن عَبْد اللّه بن حُسَين، وعَبْد المَلِك بن مروَان، وقَيْس بن الحارِث الكِنْدِيّ، وعَطَاء بن يَزيد اللَّيْثِيّ، وأُمّ الدَّرْدَاءِ الصُّغْرَى، وكريْمَة بنت الحَسْحَاس، وعَبْد الرَّحمن بن عَبْد اللّه ابن أُمّ الحَكَم، ومَيْسَرة مَوْلَى فَضَالَة.
رَوَى عنهُ أبو عَمْرو عَبْدُ الرَّحمن بن عَمْرو الأوْزَاعِيّ، وعَبْد الرَّحمن يزِيد بن جَابِر، وابنُه عَبْد العَزِيز بن إسْمَاعِيْل بن عُبَيْد اللّه، وسَعِيد بن عَبْد العَزِيز، ورَبيعَة بن يَزيد الدِّمَشقيِّ، والهيثَم بن عِمْران العَبْسِيّ (b)، ومُحمَد بن هاجِر، ومُحمد بن الحجاج القُرَشِيّ، وأبو مُحمد عِيسَى بن مُوسَى القُرَشِي، ومَنْصور بن رَجَاء، وعبد اللّه بن عبد الرَّحْمن بن يزِيد بن جَابِر، وعَمْرو بن وَاقِد، وعَبْدُ رَبِّه بن مَيْمُون الأشْعَرِيّ، وعَبد الرَّزَّاق بن عُمَر الثَّقفِيّ، ومُدْرِك بن أبي سَعْد الفَزَارِيّ، وكلْثُوم بن زِيَاد المحارِبِيّ، وأبو المِقدَام رَجَاءُ (c) بن أبي سَلمة، ومُحَمَّد بن سَعيد المَصْلُوب (d).
أخْبَرَنا أبو عليِّ حَسَن بن أحْمَد بن يُوسُفَ الأَوَقِيّ الصُّوْفيّ بالبيت المُقَدَّس، قال: أخبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمد بن أحْمَد بن إبْراهيم السِّلَفِيِّ، قال: أخبَرَنا أبو الفَتْح أحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللّه بن أحْمَد السُّوذَرْجَانِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيم أحْمَد بن عَبْد اللّه بن أحْمَد، قال: حَدَّثنا أبو القَاسِم الطَّبَرَانِيّ، قال: حدَّثنا الحَسَنُ بن جَرير الصُّورِيّ، قال: حَدَّثنا يَحيىَ بن عَبْد العَزِيْز بن إسْمَاعِيل بن عُبَيدِ اللّه بن
(a) قوله: "وأدرك معاوية بن أبي سفيان" ساقط من ب.
(b) ب: العيسى.
(c) ساقطة من ب.
(d) بعده في الأصل وب: "ومنصور بن رجاء"، وهو تكرار.
أبي المُهاجِر، قال: حَدَّثنا الوَلِيد بن مُسْلِم، قال: حَدَّثنا سَعيد بن عَبْد العَزِيْز، عن إسْمَاعِيْل بن عُبَيْد اللّه، قال: قال لي عَبْدُ المَلِك: يا إسْمَاعِيْلُ، أَدِّبْ وَلَدِي فإنِّي مُعْطيْكَ، قُلتُ: وكيف بذلك يا أَمير المُؤْمنِيْن وقد حدَّثتني أُمّ الدَّرْدَاء، عن أبي الدَّرْدَاء (a): أنَّ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ يأخُذْ على تَعْليمِ القُرآنِ قَوْسًا قلَّده اللّهُ قَوْسًا من نار.
أخْبَرَنا أبو المحاسن بن الفَضْل إذْنًا - واجْتَمَعْتُ به في دَارنا بحَلَب في مَجْلِس وَالدِي - قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحمَّد
(1)
، قال: أخبرنا أبو محمد بن الأكفانِي، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا (b) تمَام بن محمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدُ اللّه [بن مروان، قال: أخْبرنا أبو الحَسَن بن نَصْر بن شَاكِر، قال: أخْبَرَنا أبو مَسْلمَةَ إسْحَاقُ بنُ سَعِيْد بن الأَرْكُون القُرَشيِّ، قال: أخْبَرنا سَعيد بن](c) عَبْد العَزِيْز التَّنُوخِيّ، عن إسْمَاعِيْل بن عُبَيْدِ اللّه - وكان ثبتًا - عمَّن حَدَّثَهُ، عن عُقْبَة بن عَامرِ الجُهَنِيّ، قال: قال رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم
(2)
: مَنْ ستَر فَاحِشة فكأنَّما أحْيا مَوْؤُدَةً.
قال جَابرُ بن عَبْد اللّه: وأنا سَمِعْتُه من رسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
قال تمَّام: أخْبَرَنا جَعْفَر بن محمد بن جَعْفَر بن هِشَام، قال: حَدَّثنا أبو زُرْعَة، قال: إسماعيل بن عُبَيْدِ اللّه بن أبي المهاجِر.
(a) في تاريخ ابن عساكر: ابن أبي سعيد، وحديث أبي الدرداء في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 4: 95، والمتقي الهندي: كنز العمال 1: 620 (رقم 2868).
(b) بعده في الأصل إشارة مخرج يتضمن اسم "أبو محمد بن الأكفاني"، وورد في متن ب وهو تكرار، والمثبت كما هو عند ابن عساكر.
(c) ما بين الحاصرتين انقطاع في السند لم يرد في الأصل ولا في ب، واستكماله من تاريخ ابن عساكر (مصدر النقل).
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 430.
(2)
الطبراني: المعجم الكبير 17: 312 - 313 (رقم 864)، 17: 319 (رقم 883)، والمعجم الأوسط 1: 380 (رقم 659)، المتقي الهندي: كنز العمال 3: 250 (رقم 6379).
أخْبَرَنا أبو الحجاجِ يُوسُف بن خلَيل بن عَبْد اللّه، قال: أخْبَرَنا أبو مُحمَد القَاسِم بن عليّ بن القَاسِم
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم نَصْرُ بن مَطَّكُوْد السُّوْسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه بن أبي الحَدِيْد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الرَّبعَيِّ، قال: أخْبرنا عَبْدُ الوَهَّاب الكِلابِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عُمَيْر، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن بن سُمَيْع يقُول: في الطَّبَقَةِ الرَّابِعة إسْمَاعِيْل بن عُبَيْدِ اللّه بن أبي المُهاجِر المخزُوميّ، ولَّاهُ عُمَر بن عَبْد العَزِيْز إفْرِيقِيَّة. وقال ابنُه: عبدُ الرَّحْمن بن يحيَى بن إسماعيل بن أبي المُهاجِر: هو مَوْلَى الأرْقَم بن الأرْقَم، دِمَشْقيٌّ ولَدُه بها، مَخْزُوميٌّ (a).
أنبأنَا أبو البَرَكَاتِ الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو القَاسِم الحافِظ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكات الأنْمَاطِيّ، وأبو العِزّ ثَابت بن منْصُور بن المبُارَك، قالا: أخْبَرَنا أبو طَاهِرٍ أحْمَد بن الحُسين - زادَ الأنْمَاطِيّ: وأبو الفَضْل بن خَيْرُون - قالا: أخْبَرَنا مُحمد بن الحَسَن بن أحْمَد الأصبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحمَد بن أحْمَد بن إسْحاق، قال: أخْبَرَنا أبو حَفْص الأهْوَازِيّ، قال: حَدَّثنا خلِيفَةُ بن خَيَّاط
(3)
، قال: في الطَّبَقَةِ الثَّالثة من أهْل الشَّاماتِ: إسْمَاعِيْل بن عُبيدِ اللّه بن مهاجِر (b)، مَوْلَىً لقُريْش، دِمَشقيٌّ.
أنبأنا أبو الحَسَن بن أبي عَبْد اللّه البَغْدَاديُّ، عن أبِي الفَضْل مُحَمد بن نَاصِر السَّلَاميِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، والمبُاركُ بن عَبْد الجبَّار، ومُحَمد بن عليِّ بن النَّرْسِيّ أبو الغَنائِم، واللَّفْظُ لهُ، قالوا: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ - زَادَ ابنُ خيْرُون: وأبو الحُسَين الأصبَهَانِيّ - قالا: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحمَّدُ بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا مُحمد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ
(4)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن
(a) في تاريخ ابن عساكر: زاد الكلابي: محزومي.
(b) هكذا في الأصل وب، وفوقه في الأصل "ص"، ومثل المثبت عند خليفة وابن عساكر، وتقدم: ابن أبي مهاجر.
_________
(1)
انظره في تاريخ ابن عساكر 8: 431.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 430.
(3)
طبقات خليفة 315.
(4)
تاريخ البخاري الكبير 1: 366.
عُبَيْدِ اللّه بن أبي المُهاجِر الشاميِّ، مَوْلَى بني مَخْزُوم، سَمعَ السَّائِبَ بن يَزِيد، وأُمَّ الدَّرْدَاءِ. سَمِعَ منهُ سَعيدُ بن عَبْد العَزِيْز. قال ضَمْرَة، عن رجَاء بن أبي سَلمة، عن إسْمَاعِيْل بن عُبيدِ اللّهِ المَخْزُوميّ: قال له رَجَاءُ بن حَيْوَة: يا أبا عَبْد الحمَيْد.
قال ابن نَاصِر أنبأنَا أبو الفَضْل بن الحَكَّاك، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر الوِائليّ، قال: أخْبَرَنا الخَصِيْبُ بن عَبْد اللّه، قال: أخْبَرَني عَبْدُ الكَريم بن أحْمَد بن شُعيْب، قال: قال أبي أبو عبدِ الرَّحْمن النَّسَائِيّ: أبو عَبْد الحَميْد إسْمَاعِيْل بن عُبَيْد اللّهِ.
أنبأنَا أبو المحاسِن بن الفَضْل بن البَانيِاسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الشَّقَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بنُ مَنْصُور بن خلف، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد بن حَمْدُون، قال: أخْبَرَنا مَكّيُّ بن عَبْدَان، قال: سَمِعْتُ مُسْلِم بن الحَجَّاج
(2)
يقُول: أبو عَبْد الحمَيْد إسْمَاعِيْل بن عُبَيْدِ اللّه بن أبي المُهاجِر، سَمع السَّائِبَ بن يَزِيد، وأُمَّ الدَّرْدَاء. رَوَى عنهُ سَعيد بن عَبْد العَزِيْز.
قال: أبو القَاسِم
(3)
: أخْبَرَنا أبو مُحَمد بن الأكْفانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحمَد الكتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحمَد بن أبي نصْر، قال: أخْبَرَنا أبو الميمُون بن رَاشد، قال: حَدَّثنا أبو زُرْعَة
(4)
، قال: حَدَّثني هِشَام، عن الهَيْثَم بن عِمْرِان، عن الأَوْزَاعيِّ، قال: قَدم علينا إسْمَاعِيْل بن عُبَيْد اللّه (a) بيرُوتَ مرابِطًا زمَن مروَان، قال (b): فقال لي: لعلَّكَ منهم؟ - يعني قَدريًّا (c) - قُلتُ: لا، يا أبا عَبْد الحمَيْد.
قال أبو القَاسِم
(5)
: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّهِ الخلَّالُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن
(a) ب: عبد اللّه.
(b) تاريخ أبي زرعة: قال الأوزاعي.
(c) العبارة التوضيحية هذه في تاريخ أبي زرعة وليست في تاريخ ابن عساكر.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 431.
(2)
الكنى والأسماء للإمام مسلم 1: 648.
(3)
تاريخ ابن عساكر 8: 433.
(4)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1: 354.
(5)
تاريخ ابن عساكر 8: 432.
مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَّمَد، ح.
قال: وأخْبَرَنا ابن مَنْدَة (a)، قال: أخْبَرَنا حَمْدُ بن عَبْدِ اللّه إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمد بن أبي حَاتِم
(1)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللّه بن أبي المُهاجِر، مَوْلَى بني مَخْزُوم، رَوَى عن السَّائِبِ بن يزيد، وأُمّ الدَّرْدَاء. رَوَى عنهُ الأوْزَاعِيّ، وسعيد بن عَبْد العَزِيْز، وعَبْد الرَّحمن بن يَزِيد بن جابر. سمِعْتُ أبي وأبا زُرْعَة يقولان ذلك، زادَ أبو زُرْعَة: واسْمِ أبي المُهاجِر أَقْرَم (b)، يُعَدُّ في الدِّمَشقيِّيْنَ. زادَ أبي: وكان مُؤِدِّبًا لعَبْدِ المَلِك (c) بن مروَان، وكان عُمَرُ بن عَبْد العَزِيْز اسْتَعْمَلهُ على إفْرِيقِيَّة، رَوى عن عَبْدِ اللّه بن عَمْرو بن العَاص، وأنَس بن مالِك، والحارِث بن الحَارث الغَامِدِيّ، وعَطِيَّة السَّعْدِيّ، وأدْرَكَ مُعاوِيَة. قال أبو مُحَمد: رَوى عن عليِّ بن عَبْد اللّهِ بن عبَّاس، رَوَى عنهُ رَبيعَة بن يزَيد الدِّمَشقيُّ.
قال أبو مُحمَد
(2)
: حَدَّثنا أبي، قال: حَدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمن بن يَحْيَى بن إسماعيْل، قال: حَدَّثنا أَيُّوب بن تميْم القَارِئ، عن الأوْزَاعِيّ أنَّهُ كان إذا حَدَّثَ عن إسْماعِيْل بن عُبَيْد اللّه، قال: وكان مَأمُونًا على ما حَدَّث.
قال أبو مُحمَد
(3)
: وحَدَّثنا أبي أبو حَاتِم، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن يحْيَى بن إسْمَاعِيْل، قال: حدَّثنا أبو مَسْلَمَة، قال: كان سَعيدُ بن عَبْد العَزِيْز إذا حَدَّثَ عن إسْماعيلَ بنِ عُبيد اللّهِ، قال: وكانَ ثِقَةً صَدُوقًا.
وقال أبو القَاسِم بن أبي مُحمَد
(4)
: قرأنا (d) على أبي عَبْد اللّه يَحْيَى بن الحَسَن بن
(a) من قوله: "قال: أخبرنا أبو طاهر بن سلمة
…
" إلى هنا ساقط من ب.
(b) الجرح والتعديل: أقدم.
(c) كذا في الأصل وب ومثله في نشرة تاريخ ابن عساكر، والذي في كتاب ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل: مؤدبًا لولد عبد الملك، وهو ما يتكرر كثيرًا في ثنايا الترجمة.
(d) عند ابن عساكر: قرأت.
_________
(1)
الجرح والتعديل 2: 182.
(2)
الجرح والتعديل 2: 183.
(3)
الجرح والتعديل 2: 183.
(4)
تاريخ ابن عساكر 8: 433.
البَنَّاءِ، عن أبي تَمَّام عليّ بن مُحَمَّد بن الحَسَن، عن أبي عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أبو الطَّيِّب مُحَمَّد بن القَاسِم بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بن شجاعٍ، قال: حَدَّثَنَا الهَيْثَم بن عِمْران بن عَبْد الله بن جَرْوَل، قال: رأيْتُ إسْمَاعِيْل بن عُبَيْد الله بن أبي المُهاجِر المَخْزُوميّ، وكان من صَالِحي المُسْلمِيْن، [وكان](a) يَخْضبُ رأسَهُ ولحْيَتَهُ.
وقال أبو القَاسِم
(1)
: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله البَلْخِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَرْقَانِيّ، قال: سَمِعْتُ الدَّارَقُطْنِيّ يَقُول: إسْمَاعِيْلُ هذا ثِقَةٌ.
قال أبو القَاسِمِ
(2)
: أنْبَأنَا أبو عليّ الحَدَّاد، عن أبي سَعيدٍ عبد الرَّحْمن بن أحْمَد بن عُمَر بن يَزِيد الصَّفَّار، قال: حَدَّثَنا جَدِّي أبو بَكْر عَبْد الله بن أحْمَد بن القَاسِم، ح.
قال: وأنْبَأنَا أبو مَنْصُور مَحمُود بن إسْمَاعِيْل الصَّيْرَفِيّ، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد الله بن أحْمَد بن شَاذَان الأعْرَج، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْدُ الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد المُقْرِئ، قالا: أخْبَرَنا إبْراهِيمِ بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن مَتُّوْيَه، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَعْقُوبَ بن حَبِيْب، قال: حَدّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمن بن يَحْيَى بن إسْمَاعيْل، قال: حَدَّثَنَا الوَلِيد بن مُسْلِم، قال: حَدَّثَنَا سَعيدُ بن عَبْد العَزِيْز، قال: أشرفَتْ أمّ الدَّرْدَاء على وَادي جَهَنَّم ومعها إسْمَاعِيْلُ بن عُبَيْد الله، فقالت: يا إسْمَاعِيْلُ إقْرأ، فَقَرأ:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}
(3)
، {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}
(4)
، فخرَّت على وَجْهِها، وخَرَّ إسْمَاعِيْل على وَجْهِهِ، فلمَّا رفَعا رؤوسهُما حتَّى ابتلَّ ما تحتَ وُجُوههما من دُمُوعهما.
(a) إضافة من ب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 434.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 434 - 435.
(3)
سورة المؤمنون، الآية 115.
(4)
سورة الذاريات، الآية 23.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، فيما أذِنَ لي أنْ أرْويه عنهُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن عُمَر السَّمَرْقنديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن هِبَة الله، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن سُفْيان
(1)
، قال: حَدَّثنَا سَعيد، قال: حَدّثَنَا ضَمْرَةُ، عن رَجَاء، قال. سَمِعْتُ مَعْنًا التَّنُوخِيّ يَقُول: ما رَأيْتُ في هذه الأُمَّة زَاهِدًا غيرَ اثْنَين: عُمَرَ بن عَبْد العَزِيْز، وإسْمَاعِيلَ بن عُبَيْدِ الله (a) المَخْزُوميّ، وكان خالًا لهِشَام بن عَبْد المَلِك، فقال رَجَاءٌ: كان إسْمَاعِيْلُ بن عُبدِ الله إذا قَفَل (b) من الصَّائِفَة افْتَرَش براذَعَهُ، وكان هو وأُمُّ وَلده ودوَابُّه في بيتٍ واحدٍ؛ دَوابُّه في ناحيةٍ، وهو وأُمُّ ولدِه في نَاحيةٍ، قال: وكان يَقُول: لو أنَّ هذا الجدَار تفَجَّر عن قدير ما أذَعْتُ به، يعني القدرِ: الطَّبيْخ (c).
قال ضَمْرَةُ: وسَمِعْتُ مَنْ يَذْكُرُ عن إسْمَاعِيْل بن عُبَيْدِ الله أنَّهُ قدَّم إلى رَجُلٍ زَبِيْبًا فجعل يَأكُل ويَطْرَحُ حَبَّه، فمَال له: إنْ كُنْتَ شَبعتَ، فاتْركه.
قال عَبْد الله بن جَعْفَر: وحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ
(2)
، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن إِبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا أبو مُسْهِر، قال: حَدَّثَنَا سعيدٌ، قال: كُنَّا نَجْلسُ بالغَدَوات مع يزِيد بن أبي مالك، وسُليْمان بن مُوسَى، وبعد الظُّهْر مع إسْمَاعِيْل بن عُبَيْدِ الله، ورَبِيْعَة بن يَزِيد، وبعدَ العَصْر مع مَكْحُول.
أخْبَرَنا أبو حَفْص إذْنًا، عن أبي القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر
(a) ب: عبد الله.
(b) في تاريخ ابن عساكر: قبل.
(c) ورد النص في كتاب المعرفة والتاريخ: "لو أن هذه الجرار تعجز عن مد يوم أرغب به يعني القربة الطببخ".
_________
(1)
المعرفة والتاريخ 3: 374 - 375.
(2)
المعرفة والتاريخ 2: 335، 410.
مُحَمَّد بن هِبَةِ الله، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن سُفْيان
(1)
، قال: ورَوى الأوْزَاعِيّ عن إسْمَاعِيْل (a) بن عُبَيْد الله بن أبي المُهاجِر، مَخْزُوميٌّ، شَاميٌّ، ثِقَةٌ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد القَاضِي إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الأنْماطيّ كتابةً، قال: أخْبَرَنا ثَابِتُ بن بُنْدَار، قال: أخْبَرَنا أبو العَلَاءَ الوَاسِطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَابسِيْريّ، قال: أخْبَرَنا الأحْوَصُ بن المُفَضَّل بن غَسَّان، قال: قال أبي: كان إسْمَاعِيْل بن عُبَيْد الله (b) بن أبي المُهاجِر من مَوالي بني مَخْزُوم، وهو أدَّبَ سَعِيدًا، ويَزِيْدَ، ومَسْلَمَةَ بني عَبْد المَلِك، والعبَّاسَ بن الوَلِيد، وهو ممَّن يُرْضَى بهِ في الحَدِيْث.
وقال أبو البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، قال: أخْبَرَنا الحُسَينُ بن جَعْفَر، ومُحَمَّد بن الحَسَن، وأحمد بن مُحمّد العَتِيْقِيّ، قالوا: أخْبَرَنا الوَلِيدُ بن بَكْر، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن أحْمَد بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثنا صالح بن أحْمَد العِجْلِيّ، قال: حَدَّثَني أبي
(2)
، قال: إسْمَاعِيْل بن عُبيد الله بن أبي المُهاجِر، شَاميٌّ، تَابِعيٌّ، ثِقَةٌ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم القَاضِي إذْنًا، عن أبي بَكْر وَجِيْهِ بن طَاهِر، قال: أخْبَرَنا أبو صالح أحْمَد بن عَبْد المَلِك بن عليّ بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن السَّقَّاء، قال: حَدَّثنا أبو العبَّاس الأصَمُّ، قال: سَمعْتُ العبَّاسَ بنَ مُحَمَّد الدُّوْرِيّ، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى
(3)
يَقُول: إسْمَاعِيْل بن عُبيد اللهِ بن أبي المُهاجِر كان مُعَلِّمًا.
(a) ساقطة من ب.
(b) في الأصل، ب: عبد الله، والمثبت موافق لما عند ابن عساكر 8:434.
_________
(1)
المعرفة والتاريخ 2: 473.
(2)
العجلي: تاريخ الثقات 65.
(3)
تاريخ يحيى بن معين 2: 36.
وأنْبَأنَا أبو القَاسِم القَاضِي، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو العَلَاءِ الوَاسِطِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَابَسِيْريّ، قال: أخْبَرَنا أبو أُمَيَّة الأحْوَصُ بن المُفَضَّل، قال: أخْبَرَنا أبي، قال: قال يَحْيَى بن مَعِيْن: إسْمَاعِيْلُ بن عُبَيْد الله بن أبي المُهاجِر مَوْلَى بني مَحْزُوم، مُعَلِّمٌ.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم القَاضِي، عن أبي مُحَمَّد طَاهِر بن سَهْل بن بِشْر، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن أبي طَاهِر الدَّقَّاق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر النَّجَّاد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الله بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا سَهْل بن صَالِح الأنْطَاكِيّ، قال: حَدَّثَنَا الهَيْثَم بن خارِجَة، قال: حَدَّثَنَا الهَيْثَم بن عِمْران، قال: سَمِعْتُ إسْمَاعِيل بن عُبَيْد الله يَقُول: يَنْبَغي لنا أنْ نَحْفَظ حديثَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كما نحفَظُ القُرْآن لأنَّ الله يَقُول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}
(2)
.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم
(3)
، عن أبي الحَسَن الفَقِيه، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح نَصْر (a) بن إبْراهيم، وأبو مُحَمَّد بن فُضَيْل، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن عَوْف، قال: أخْبَرَنا أبو عليِّ بن مُنِير، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن خُرَيْم، قال: حَدَّثَنَا هِشَام، قال: حَدَّثَنَا الهَيْثَم بن عِمْران، قال: سَمِعْتُ إسْمَاعِيْل بن عُبيد الله، وسَمِعَ رَبِيْعَةَ بن يَزِيد يُحَدِّثُ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ثمّ ثَنَّى ثم ثَلَّثَ فحدَّثَ إسْمَاعِيْلُ عن كِسْرَى، ثمّ ثنَّى ثُمّ ثَلَّثَ، فقال رَبيْعَةُ: غَفَر اللهُ لك أبا عَبْد الحَميْد، حَدَّثْتُ عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم وتُحَدِّث عن كِسْرَى؟ فقال: ما حدَّثْتُ عنه إلَّا من أجْلكَ، أُنظُر
(a) في نشرة ابن عساكر: ناصر، وصوابه ما عند ابن العديم، وهو الملقب بالنابلسي المقدسي (ت 490 هـ)، انظر ترجمته في تاريخ ابن عساكر 62: 15 - 18.
_________
(1)
الكفاية في علم الرواية 12 (طبعة دائرة المعارف العثمانية).
(2)
سورة الحشر، الآية 7.
(3)
تاريخ ابن عساكر 8: 436.
كيف تُحَدِّث يا رَبِيْعَة، فإنَّكَ تَرَى الإمَامَ على المِنْبَر يَتَكلَّمُ بالكَلَام، فما تَخْرجُونَ من المَسْجِد حتَّى تَخْتَلفُوا عليهِ، واللهِ لأنْ أكذبَ على كِسْرَى أحَبُّ إليَّ من أكذب على رسُول الله صلى الله عليه وسلم.
قال
(1)
: وسَمِعْتُ إسْمَاعِيْلَ بن عُبيدِ الله يُحَدِّث، قال: قال لي عُمَرُ بن عَبْد العَزِيْز: كم أتَتْ عليكَ يا إسْمَاعِيْلُ سَنَةٌ؟ قُلتُ: ستُّونَ سَنةً وشُهُورٌ، قال: يا إسْمَاعِيْلُ، إيَّاك والمُزَاح.
أنبأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثنَا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو المَيْمُون بن رَاشِد، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة
(3)
، قال: حَدَّثَني هشَام ومَحمُود بن خَالِد، قالا: حَدَّثَنَا الهَيْثَم بن عِمْران، قال: سَمِعْتُ إسْمَاعِيْلَ بن عُبَيَد الله، قال: كُنْتُ أُعِلِّم بني عَبْد المَلِك من عَاتِكَة يَزِيد ومَرْوَان ومُعاوِيَة، ومَرْوَانُ أصْغَرهُم، فأخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمن بن يَحْيَى بن إسْمَاعِيْل، قال: سَمِعْتُ الوَلِيدَ بن مُسْلِم يَقُول: أُمّ الدَّرْدَاءِ أشَارت بهِ على عَبْد المَلِك.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(4)
: أخْبَرَنا أبو القَاسِم علِيّ بن إبْراهيم، وأبو الوَحْش سُبَيْع بن المُسَلَّم قراءةً عليهِما، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن رَشَاءُ بن نَظِيف قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلم مُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ البَغْدَاديّ، قال: قُرئ على أبي بَكْر مُحَمَّد بن القَاسِم الأنْبارِيّ (a)، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حَدَّثَنَا عُمَر بن شَبَّة، قال: قال عَبْدُ المَلِك بن مَرْوَان: ما رَأيْتُ مثلَنا ومثْل هذه الأعَاجِم، كان المُلْكُ فيهم دَهْرًا طَوِيْلًا، فواللهِ ما اسْتَعَانُوا منَّا إلَّا برَجُلٍ (b) واحدٍ - يعني النُّعْمان بن المُنْذِر -
(a) في تاريخ ابن عساكر: ابن الأنباري.
(b) في تاريخ ابن عساكر مُصغَّرًا: برُجَيل.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 436.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 437.
(3)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1: 348.
(4)
تاريخ ابن عساكر 8: 438.
ثمّ عادُوا عليه فقتَلوهُ، وأَنَّ المُلْكَ فينا مُذ هذه المُدَّة، فقد اسْتَعنَّا منهم رجالٍ حتَّى في لسَاننا، هذا إسْمَاعِيْلُ بن عُبَيْدِ الله بن أبي المُهاجِر يُعَلِّم وَلدَ أَمِير المُؤْمنِيْن العَرَبِيَّة!.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
: أنْبْأنَا أبو شُجَاعَ نَاصِر بن مُحَمَّد بن أحْمَد النَّوْقَانِيّ بها، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن أحْمَد السَّمَرْقنديّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَهْل عَبْد الكَريم بن عبد الرَّحْمن الكَلَابَاذِيّ بها - وهي مَحَلَّةٌ من محَالِّ بُخَارَى - قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو مُحَمَّدُ بن مُحَمَّد بن صَابِر بن كاتب البُخاريّ، قال: أخْبَرَنا أبو عبدِ الرَّحْمن مُحَمَّد بن المُنْذِر بن سَعيد (a) الحافِظُ الهَرَويّ المَعْرُوف بشَكَّر، قال: حَدَّثنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس الرَّازِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن يَحْيَى بن إسْمَاعِيْل بن عُبَيْدِ اللهِ المَخْزُوميّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الأعْلَى بن مُسْهِر، عن سَعيد بن عَبْد العَزِيْز، قال: سَمِعْتُ إسْمَاعِيْلَ بن عُبَيْدِ الله يقُول لبَنيهِ: يا بني، أكْرمُوا مَنْ أكْرَمَكم وإنْ كان عَبْدًا حَبَشيًّا، وأهيْنُوا من أهَانَكم وإنْ كان رَجُلًا قُرَشِيًّا.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
: أخْبَرَنا أبو غَالِبٍ (b) المَاوَرْدِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن السِّيْرَافيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن إسْحاق، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عِمْران، قال: حَدَّثنَا مُوسَى بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بن خَيَّاط
(3)
في تَسْميةِ عُمَّالِ عُمَر بن عَبْد العَزِيْز على إفْرِيقِيَّة، قال: ثمّ وَلَّى إسْمَاعِيْل بن عُبَيْد الله، مَوْلَى بني مَخْزُوم، فقَدِمَها سنَة مائة، فأسْلَمَ عامَّة البَرْبَر في ولايتهِ، وكان حَسَنَ السِّيْرَة، حتَّى ماتَ عمُر.
وقال الحافِظُ
(4)
: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثنَا عَبْدُ العَزِيْز بن
(a) ب: سعد.
(b) ب: قال الحافظ أبو غالب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 439.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 440.
(3)
تاريخ خليفة 323.
(4)
تاريخ ابن عساكر 8 ت 440.
أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو المَيْمُون بن رَاشِد، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة
(1)
، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بن مُسْلِم، عن ابن جَابِر، قال: عَقَدَ عُمَرُ بن عَبْد العَزِيْز لإسْمَاعِيْل بن عُبَيْدِ الله على جُنْد إفْرِيقِيَّة وبها مَنْ بها من قُرَيْش وغيرهم، وهو مَوْلَى لبني مَخْزُوم.
أنْبَأنَا ابن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا ابن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا محد بن هبَة الله، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب في سُفْيان
(2)
، قال: حَدَّثَنَا سَعيد - يعني ابن أسَد - قال: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عن رَجَاء بن أبي سَلَمَة، عن إسْمَاعِيْلَ بن عُبَيْدِ الله المَخْزُوميّ، قال: كلَّمْتُ رَجَاءَ بن حَيْوَة، وعَدِيّ بن عَديّ في شيءٍ فكأنَّهُما وجدا في أنْفُسهما، فقلتُ لهما: إنَّهُ ليسَ يحسُنُ من رأيكما أَنْ تُنْزلا رَأيكما بمَنْزِلةِ مَنْ لا يَنْبَغي أنْ يرد عليهِ منهُ شيء، فقال رَجَاء بن حَيْوَة: يا أبا عَبْد الحَميْد، من عدَمنا ذلك منهُ فلا نعدمُهُ منك يا أبا عَبْد الحَميْد.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَاتِ الحَسَن بن مُحَمَّد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة الله
(3)
، قال: إسْمَاعِيْل بن عُبَيْدِ الله بن أبي المُهَاجِر - واسْمُ أبي المُهاجِر أَقْرَم - أبو عَبْد الحَميْد، مَوْلَى لبني مَخْزُوم، من أهْل دِمشْقَ، كانت دَارهُ ظَاهِر باب الجابِيَةِ عند طَريق القَنَواتِ، وكان يُؤدِّبُ وَلَد عَبْد المَلِك بن مَرْوَان، واسْتَعْمَلهُ عُمَر بن عَبْد العَزِيْز على إفْرِيقِيَّة.
رَوَى عن فَضَالَة بن عُبيد، وعبد الله بن عَمْرو بن العَاص، وأنَس بن مالِك، والسَّائِب بن يَزِيد، والحَارِث بن الحَارِث الغَامِدِيّ، وعَطِيَّة بن عُرْوَة السَّعْدِيّ،
(1)
تاريخ أبي زرعة 1: 348.
(2)
المعرفة والتاريخ 2: 372.
(3)
تاريخ ابن عساكر 8: 429 - 430.
وعَبْد الرَّحمن بن غَنْم (a)، وقبِيْصَة بن ذُؤَيْب، وعليّ بن عَبْد الله بن عبَّاس، وخَالِد بن عَبْد الله بن حُسَين، وأبيِ عَبْد الله الأشْعَرِيِّ، وقَيْس بن الحارِث الكنْدِيّ (b) المَذْحِجِيّ، وعَبْد المَلِك بن مَرْوَان، وعَطَاء بن يَزِيد اللَيْثِيّ، وأُمّ الدَّرْدَاءِ الصُّغْرَى، وكَرِيْمَة بنت الحَسْحَاس، وميْسَرة موْلَى فَضَالَة، وعَبْد الرَّحمن بن عَبْد الله بن أُمّ الحَكَم. وأدْرَكَ مُعاوِيةَ.
رَوَى عنهُ الأوْزَاعِيُّ، وسعيدُ بن عَبْد العَزِيْز، وعَبْدُ الرَّحمن بن يَزِيد بن جَابِر، ورَبيعَةُ بن يَزِيد الدِّمَشقيّ، وابنُهُ عَبْد العَزِيْز بن إسْمَاعِيْل، والهَيْثَمُ بن عِمْران العَبْسِيّ، وعبد الله بن عبد الرّحْمن بن يَزِيد بن جَابِر، وكُلْثُوم بن زياد المُحَارِبيّ، ومُحَمَّد بن الحَجَّاج القُرَشِيّ الدِّمَشقيّ، وعَمْرو بن وَاقِد، وأبو مُحَمَّد عِيسى بن موسَى القُرَشِيِّ، ورَجَاء بن أبي سَلَمَة أبو المِقْدَام، ومَنْصُور بن [رَجَاء](ع)، وعَبْد رَبِّه بن مَيْمُون الأشْعَرِيِّ، وعَبد الرَّزَّاق بن عُمَر الثَّقَفِيّ، ومُدْرِك بن أبي سَعْد (4) الفَزَارِيّ، ومُحَمَّد بن سَعيد المَصْلُوب، ومُحَمَّد بن مُهاجِر.
قال
(1)
: كَتَبَ إليَّ أبو زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن عَبد الوَهَّاب بن مَنْدَة، وحَدَّثَني أبو مَسْعُود عَبْد الجلِيْل بن مُحَمَّد، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن شُجَاع عنهُ، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو القَاسِم، عن أَبيهِ أبي عَبْدِ الله، قال: قال لنا أبو سَعيدٍ بن يُونُس
(2)
: إسْمَاعِيْل بن عُبَيْد الله بن أبي المُهاجِر، مَوْلَى بني مَخْزُوم، دِمَشْقيٌّ، وَلي أَمْرَ (e) إفْرِيقِيَّة لعُمَر في عَبْد العَزِيْز، تُوفِّي سَنَةَ إحْدَى وثَلاثين ومائة، وكانَ مَوْلدُهُ سَنَهَ إحْدَى وسِتِّين.
(a) ابن عساكر: غانم. وتقدم ذكره في أول الترجمة على النحو المثبت.
(b) بعدها في الأصل: الأشعري، ثم شطبها.
(c) في الأصل، ب: ومنصور بن أبي، والمثبت من تاريخ ابن عساكر.
(d) في تاريخ ابن عساكر: ابن أبي سعيد، وهو قولٌ فيه.
(e) ب: إمرة.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 441 - 442.
(2)
تاريخ ابن يونس الصدفي (تاريخ العزباء) 2: 37، وفيه اختلاف.
وقال الحَافِظُ أبو القَاسِم
(1)
: أخْبرنا أبو الحَسَن عليّ بن مُحّمد الخَطيبُ، قال: أخبَرَنا أبو مَنصُورٍ مُحَمَّد بن الحسَن بن مُحّمد بن يُونُس النَّهاوندِيّ، قال: أخْبَرَنَا أبو العَبَّاس أحْمد بن الحُسين (a) بن زنْبِيل، قال: أخْبرَنا عَبْدُ الله بن مُحّمد بن عبْد الرَّحمن، قال: حدَّثنا مُحمَّد بنُ إسْماعيلَ البُخَاريّ
(2)
، قال: وماتَ إسْماعِيْلُ بن عُبيدِ الله بن أبي المُهاجر في خِلَافة مَرْوان بن مُحّمد؛ أظُنُّه حَكاهُ عن ابن بُكَيْر.
وقال
(3)
: أنْبأنَا أبو القَاسِمِ النَّسِيبُ، وأبو الوَحْش المُقْرِئُ، عن رشَاء بن نَظِيْف المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد، وعبد الله بن عبد الرَّحْمن، قالا: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن رَشِيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بِشْر الدُّولَابِيّ، قال: حَدَّثَني سُليْمانُ بن أشْعَث، عن عَبدِ الوَهَّاب بن نَجْدَة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن شُعَيْب بن شَابُور، قال: تُوفِّي إسْمَاعِيْلُ بن عُبيدِ الله بن أبي المُهاجِر المَخْزُوميّ سَنَة إحْدَى وثَلاثين ومائة.
وقال
(4)
: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفَانيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو المَيْمُون بنُ رَاشِد، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة
(5)
، قال: وحَدَّثَني عبد الرَّحْمن بن يَحْيَى بن إسْمَاعِيْل بن عُبيد الله، قال: حَدَّثَني إبْراهيمُ بن أبي شَيْبَان، قال: ماتَ إسْمَاعِيْلُ بن عُبَيْدِ الله قبل دخُول عَبْد الله بن عليّ دِمشْق بثلاثة أشْهُر، سَنَة اثْنَتَيْن وثَلاثين ومائة.
أنْبَأنَا أبو حَفْصٍ عُمَرُ بن مُحَمَّد المُؤدِّب، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال:
(a) في الأصل: الحسن. والمثبت من ب وتاريخ ابن عساكر، وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 17: 99 - 100.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 441.
(2)
تاريخ البخاري الصغير 2: 13، ولم يؤرخ لوفاته في تاريخه الكبير.
(3)
تاريخ ابن عساكر 8: 441.
(4)
تاريخ ابن عساكر 8: 441.
(5)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 2: 697.
أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد يُوسُف بن رَبَاح، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا أبو بِشْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن حَمّاد الدّولَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُعاوِيَةُ بن صالح، قال: إسْمَاعِيْل بن عُبَيْدِ الله مَوْلَى بني مَخْزُوم ثِقَةٌ. قال أبو مُسْهِر: ماتَ في خِلَافة مَرْوَان بن مُحَمَّد، وقد أدْركَ مُعاوِيَة وهو غُلَامٌ.
أخْبَرَنا أحْمَدُ بن أزْهَرَ بن السَّبَّاك في كتابه، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقي، قال: أجازَ لي أبو القَاسِم التَّنُوخِيّ، قال: أخْبَرَنا أَبو إسْحاقَ إبْراهيمُ بن أحْمَد الطَّبَريّ، قال: حدَّثَتنا أُمُّ الضَّحَّاك عَاتِكَة بنتُ أحمد بن عَمْرو بن أبي عَاصِم النَّبِيْل، قال: قَرَأتُ في كتاب أبي؛ أحْمَد بن عَمْرو بن أبي عَاصِم، وأجاز لي أنْ أروِي عنهُ، قال: سَنَة إحْدَى وثَلاثين ومائة: إسْمَاعِيْل بن عُبَيْد الله بن أبي المُهاجِر، يَعْني ماتَ.
ذِكْرُ مَن اسْمُ أبيْهِ على ممَّن اسْمُه إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بن عليّ بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن زَنْجُوَيْه الرَّازِيّ، أبو سَعْد السَّمَّان، الحافِظُ الزَّاهِدُ
(1)
رَحَل إلى البِلَادِ وجَالَ، وأكثَرَ من الشُّيُوخ في التِّرْحَال، وكان في الحِفْظ
(1)
توفي سنة 445 هـ، وقيل: 447 هـ، وترجمته في: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم لابن زبر (ذيوله)(351، تاريخ ابن عساكر 9: 21 - 24، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 18: 481 - 482 (أرخ وفاته سنة 443 هـ)، تاريخ الإسلام 9: 668 - 669، تذكرة الحفاظ 3: 1121 - 1123، العبر في خبر مَن غبر 2: 287، الإعلام بوفيات الأعلام 184، سير أعلام النبلاء 18: 55 - 60، الوافي بالوفيات 9: 156 - 157، القرشي: الجواهر المضية 1: 424 - 427، ابن كثير: البداية والنهاية 12: 65، لسان الميزان 1: 421 - 433 (وفيه: أبو سعيد)، اليافعي: مرآة الجنان 3: 49، ابن المرتضى: طبقات المعتزلة 119 (وفيه: أبو سعيد)، المقريزي: المقفى 2: 104 - 105، طبقات المفسرين للداوودي 1: 110 - 111، ابن قطلوبغا: تاج التراجم 65 - 66، السيوطي: طبقات الحفاظ 429 - 430، شذرات الذهب 5: 203، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 38 - 39، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 389 - 390، الزركلي: الأعلام 1: 319.
والثِّقَةِ على أجْمَل حال، وأفْسَد حُسْن هذه الأفْعَالِ بانْتحالِه مَذْهَب الاعْتِزَال، وكان شُيُوخه نَحْوًا من أربعة آلاف، وكان إمَامًا في فِقْه أبي حَنِيْفَة رضي الله عنه، ومَعْرفَة الخِلَاف، وله مُعْجَمان: مُعْجَم الشُّيُوخ، ومُعْجَم البُلْدان، ودَخَل في رِحْلَتهِ حَلَب، ومَعَرَّة النُّعْمَان.
سَمِعَ بحَلَبَ أبا مُحَمَّد عَبْد البَاقِي بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن أبي جَرَادَة الشَّاهِد، والقَاضِي أبا يَعْلَى عَبْد المُنْعِم بن عَبْد الكَريم بن أحْمَد بن عَبْد العَزِيْز بن سِنَان الخَفَاجِيّ، المَعْرُوف بالقَاضِي الأسْوَد، وأبا الحَسَن مُحَمَّد بن سَعيد بن يَحْيَى بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن الرَّبيعْ بن سِنَان الخَفَاجِيّ، والخَطيب أبا أُسامَة عَبْد الله بن أحْمَد بن عليّ بن عُبيد الله بن مُحَمَّد بن أبي أُسامَة، وعَمّه أَبا القَاسِمِ الحُسَين بن عليّ بن عُبَيْد الله بن مُحَمَّد بن أبي أُسامَة، وأبا مُسْلِم أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن العَدْلَ، والشَّريفَ أبا عَبْد الله جَعْفَر بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد الحُسَيْنيّ الإسْحَاقِيّ، وأبا الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن حَبيْب الطُّيُورِيّ، وأبا عليّ الحَسَن (a)، وأبا طَاهِر مُحَمَّد ابني عَبد الوَهَّاب بن عليّ بن أَحْمَد الصَّائِغ، وأبا الحَسَن مُحَمَّد بن عليّ بن يُوسُف بن يش (b) بن يَعْقُوب بن يُوسُف التَّمِيْمِي الحَلَبِيِّيْنَ، وأبا الفَتْح أحمَد، وأبا الحُسَين عليّ ابني القَاضِي أبي عُمَرو عُثْمان بن عَبْد الله بن إبْراهيم العِجليّ الطَّرَسُوسِيّ، والمُؤيَّد بن أحْمَد الخَطِيبَ، وأبا بَكْر أحمد بن مُحَمَّد بن يَعْقُوبَ بن أحْمَد بن أبي هِزَّان الأنْطَاكيّ، وأبا العَشَائِر هِبَةَ الله بن أحْمَد ابن البَيِّع اللَّبَّان.
وسَمِعَ بمَعَرَّةِ النُّعْمَان (c) أبا العَلَاء أحْمَد بن عَبْد الله بن سُلَيمان، وأبا العبَّاس أحْمَد بن خَلَف المُمْتع الأدِيْب، وأبا العبَّاس أَحمد، وأبا الفَضْل جَعْفَر
(a) من قوله: الإسحاقي
…
إلى هنا ساقط من ب.
(b) كذا في الأصل وب، مهمل الأول، ولم نقف عليه، ولم يذكره ابن عساكر فيمن أخذ عنه.
(c) في الأصل، ب: بمعرة اللبان، سهو بالذي تقدمه، وكُتب بهامش الأصل بخط مغاير لخط النسخة ولعله خط ابن فهد المكي الهاشمي:"صوابه: النُّعمان".
ابني عُبَيْد الله بن مُحَمَّد بن جِبَاءة، وأبا الحَسَن سَلامَة بن عليّ بن عُبَيْد الله بن مُحَمَّد بن جِبَاءَةَ، وأبا القَاسِم عُبَيْد الله بن مُحمَّد بن سَلَامَة بن المثُنَّى بن جبَاءَة، وأبا بَكْر مُحمد بن عُبيد الله بن مُحمَّد بن سَلامَة، وأبا الفَضْل أحْمَدَ بن مُحَمَّد بن مِسْعَر، وأخَوَيه أبا المحاسِن المُفَضَّل وأبا مُحَمَّد هِبَة الله ابني مُحمَّد بن مِسْعر، وأبا المجد مُحَمَّد بن عَبْد الله بن سُليَمان، والمُهَذَّب بن عليّ بن المُهَذّب، وأبا إبراهيم إسْمَاعِيْل بن جَعْفَر بن عليّ بن المُهَذَّب، وأخوَيه أبا النَّضْر عَبْد الكَريم، وأبا الفَتْح الفَضل ابني جَعْفَر بن عليّ (a)، وأبا القَاسِم شِهَاب بن مُحَمَّد بن عَامِر بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن همَام، وأبا عبد الرَّحْمن مَعْن بن عَمْرو بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن هَمَّام، وأبا حَصِيْن عَبْد الله بن المحسِّن التَّنُوخِيّين المَعَرِّيين، وأبا الفَضْل صالحِ بن الحَسَن بن عليّ بن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن الفَرَج البُوْقِيّ، وأبا الخَيْر الفَرَج بن مُحَمَّد بن عَبْدِ الله بن نَاشِب الأدِيْب، وأبا الحَسَن المُؤَمَّل بن غَدِيْر بن إسْمَاعِيْل، وأبا مُحَمَّدٍ الحَسَنَ بن عليّ بن عَبْد العَزِيْز بن حَبَابَة البَالِسِيّ.
وسَمِعَ بمَكَّةَ، شَرَّفَها اللهُ، أبا حَفْص عُمَرِ بن القَاسِم المِصْرِيّ، وأبا الحَسَن أحْمَد بن إبْراهيم بن فِرَاس (b)، وأبا أُسامَة مُحَمَّد بن أحْمَد الهَرَويّ، وأبا الحَسَن عليّ بن عَبْدِ الله بن جَهْضَم.
وبدمَشْقَ أبا مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عُثْمان التَّمِيْمِيّ، وأبا زَكَرِيَّاء أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحمَد بن سُلَيمان الصُّوْفيّ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمنِ القَطَّان، وأبا القَاسِم عَبْد الدَّائم بن المُحَسِّن بن عُبَيْد الله، وأبا الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد الحِنَّائِيّ.
وبِصُوْرٍ أبا القَاسِم الحَسَن (c) بن أحْمَد بن نَصْر الصُّوْرِيّ.
وبأطْرَابُلُسَ أبا النَّمِر أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن قَابُوس الأطْرَابُلُسِيّ.
(a) من قوله: المهذب وأخويه .... إلى هنا ساقط من ب.
(b) ب: فراش.
(c) ب: الحسين.
وبقَيْسارِيَّة أبا أحْمَد مُحَمَّد بن أحمد بن سَهْل القفْليّ.
وبكَفْر بَطْنا أبا الحَسَن عليّ بن أبي الهَوْل.
وبضُمَيْر أبا الفَتْح مُحَمَّد بن عليّ بن الحُسَين.
وبمَدْيَن شُعَيْب إسْمَاعِيْل بن عَمْرو الحدَّاد.
وببَغْدَادَ أبا عَبْد الله مُحَمَّد بن بَكْرَان بن ممْران، والحَسَنَ بن حَيْدَرة الدَّاوُدِيّ، وأبا طَاهِر المُخَلِّص، وأبا الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد بن مُوسَى، وأبا القاسِم عُبَيْد الله بن أحْمَد المُقْرِئ، وعليّ بن عُمَر التَّمَّار، وكُوهِيّ بن الحَسَن الفَارِسِيّ، وأبا الحُسَين مُحَمَّد بن عَبْد الله بن الحُسَيْن، ومُحَمَّد بن عليّ بن أحْمَد السَّقَطِيّ، ومُحَمَّد بن عُمَر بن مُحَمَّد بن حُمَيْد بن بُهْثَة.
وبتَكْرِيتَ أبا مُحَمَّد الحَسَن بن مُحَمَّد بن مُوسَى.
وبالكوفَةِ أبا عَبْد الله مُحَمَّد بن عبدِ الله الجُعْفِي، وأبا طاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد التَّمِيْمِيِّ، وأبا مُحَمَّد عَبْد الله بن مُجَالِد بن بِشْر.
وبوَاسِطَ عَبْد السَّلام بن عَبْد المَلِك بن حَبِيْب، وأبا الحَسَن عليّ بن الحَسَن الجَازِرِيّ، ومُحَمَّد بن عليِّ السَّقَطِيّ.
وبالأهْوَاز أبا نَصْر أحْمَد بن عليّ بن عُبْدُوْس.
وبعَسْكَر مُكْرَم طَاهِر بن مُحَمَّد بن سَمْعَان الجَوَالِيْقِيّ، والحَسَن بن عَبْد الله بن سَهْل.
وبالرَّيّ عبدَ الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن فَضَالَة، وأبا عليّ عَبْد المَلِك بن مُحَمَّد بن مَهْدِي، وأبا حَاتِم مُحَمَّد بن عبد الواحِد الخُزَاعيِّ.
وبهَمَذَان أبا بَكْر أحْمَد بن عليّ بن لَال، وأحمد بن إبْراهيم بن تُرْكَان، وأبا بَكْر
أحْمَد بن عبد الرَّحْمن الشِّيرازيِّ، وأبا عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْدِ الله الجُعْفِيّ.
وبقَزْوِينَ أبا مُحَمَّد عَبْد الله بن عبد الرَّحْمن الفَرَّاء، وعبد الله بن عُمَر بن زَاذَان.
وبالسُّوْسٍ أبا الحُسَين أحْمَد بن الحُسَين السُّوْسِيّ، وأبا القَاسِم إبْراهيم بن أحْمَد بن مُوسى، وأبا عَبْد الله إسْحَاق بن مُحَمَّد بن يُوسُف، وأبا القَاسِم بَحْر بن الحُسَين الضَّرِيْر.
وبأَرْجِيْش أبا بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد الله بن يَزْدَاد. وجَمَاعَة آخرون يَطُول ذِكْرهُم، ويشقّ حَصْرهُم.
رَوَى عنهُ أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ الخَطِيبُ، وأبو عليّ الحَسَن بن أحْمَد بن الحَسَن الحدَادُ، وأبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانِيّ، وابن أخيهِ أبو بَكْر طَاهِر بن الحُسَين بن عليّ، وأبو الحُسَين (a) بن مَرْدَك، وأبو الحَسَن المُطَهَّر بن عليّ العَلَويّ المَعْرُوف بالمُرْتَضَى، وجَمَاعَة غيرهم.
أخْبَرَتْنا الحرَةُ زَيْنَبُ بنتُ عبد الرَّحْمن الشَّعْرِيّ في كتابها إلينا من نَيْسَابُور، قالت: أخْبرَنا الإمَامُ أبو القَاسِمِ مَحُمود بن عُمَر بن مُحَمَّد الزَّمخشَرِيّ إجَازَةً، قال: حدثني الأسْتَاذُ الأَمِين أبو الحُسين عليّ بن الحُسَين بن مَرْدَك، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ الزَّاهِدُ الحافِظُ أبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن عليّ بن الحُسَين السَّمَّان إجَازَةً، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم الحُسَين بن عليّ بن عُبيَدِ الله بن مُحَمَّد بن أبي أُسامَة عَبْد الله بن مُحَمَّد بن أبي أُسامَة الحَلَبِيِّ بها، لفظًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن سَلَّام الطَّرَسُوسِيّ (b)، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن سَلَّام، قال: حَدَّثَنَا
(a) يكنيه ابن العديم أحيانًا: أبا الحسين، وأخرى: أبا الحسن. وذكره فيما لي - في هذه الترجمة - على الوجهين.
(b) سقط سند الطرسوسي من ب.
إسْحَاق الأزْرَق، عن سُفْيان، عن أبي إسْحَاق، عن عَاصِم بن ضَمْرَة، عن عليٍّ عليه السلام، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ قال
(1)
: على أثِر كُلّ صَلَاةٍ رَكْعتَان إلَّا العَصْر والفَجْر.
قِرأتُ بخَطِّ الحَافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ (a)، وأخْبَرَنَا به إجَازَةً أو سَمَاعًا أبو عليّ حَسن بن أحْمَد الأَوَقيّ، قال: أخْبَرَنا. السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن مَرْدَك الكاتب بالرَّيّ، قال: أَخْبَرَنا إسْمَاعِيْل بن عليّ بن الحُسَين الحافِظ السَّمَّان، قال: أخْبَرَنا أبو المجد مُحَمَّدُ بن عَبْد اللّه بن سُلَيمان التَّنُوخِيّ بمَعَرَّة النُّعْمَان، وأبو الفَتْح المُؤيَّدُ بن أحْمَد بن عليّ الخَطِيبُ بحَلَب، قالا: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن القَاسِم الحَلَبِيّ - وقال المُؤيَّد: المَعْرُوف بالمِصْرِيّ - بحَلَب، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن المعرُوف بابنِ أبي نَضْلَة، الشَّيْخ الصَّالِح، قال: حَدَّثَني أبيّ، قال: حَدَّثَنَا يَعْلَى بن عُبَيْد، عن الأَعْمَش، عن أبي صالح، عن عَبْد اللّه بن عبَّاس، قال: اسْتَعْدَى رَجُلٌ على عليّ بن أبي طَالِب إلى عُمَرَ بن الخَطَّاب، وكان عليٌّ جالِسًا في مَجْلِس عُمَر بن الخَطَّاب، فالْتَفَت عُمَر إلى عليّ فقال: يا أبا الحَسَن - وقال المُؤيَّدُ: قُم يا أبا الحَسَن - فاجْلِس مع خَصْمك، فقام عليٌّ فجلسَ مع خَصْمه فتناظرا، وانْصَرف الرَّجُل، ورجَع عليٌّ إلى مَجْلسه فجلسَ فيه، فتبَنِّ عُمَرُ التَّغَيُّر في وَجْهِهِ، فقال له: يا أبا الحَسَن، ما لي أراك مُتَغيِّرًا، أكَرهتَ ما كان؟ قال: نعم يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، قال: ولَمَ؟ قال: لأنَّك كَنَّيْتَنيّ، بحَضْرَة خَصْمِيّ، فألَّا قُلْتُ لي: قُمْ يا عليّ فاجْلس مع خَصْمكَ، فأخذَ عُمَرُ برأسِ عليِّ فقبَّل بين عَيْنيِه، ثمّ قال: بأبي أنْتمُ، بكم هَدانا اللّه، وبم أخْرجنا من الظُّلماتِ إلى النُّور.
(a) هذه الرواية والتي تليها وردت في هامش الأصل، ولم تنقلها نسخة ب.
_________
(1)
رواه ابن حميد في مسنده، انظر المنتخب من مسند عبد بن حميد 53 (رقم 71).
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاسِ أحْمَدُ بن الحَسَن بن أبي القَاسِم القَصْرَانيّ (a) بأَذُون، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر طَاهِر بن الحُسَين بن عليّ بن الحُسَين السمَّان بالرَّيّ، قال: حَدَّثَنَا عَمِّي أبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن عليّ بن الحُسَين السَّمَّان الحافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن إسْمَاعِيْل النَّيْسَابُوريّ، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن عَبْدَان، قال: حَدَّثَنَا سَعيدُ بن محمُود الطُوْسيِّ، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَر بن عُمر، قال: حَدَّثَنَا الفُرَات بن السَّائبِ، قال: حَدَّثَني ميْمُون بن مِهْرَان، قال: حَدَّثَني ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال
(1)
: إنَّ المَلائِكَةَ لتفرَح بذهَاب الشِّتَاء رَحْمَةً للمَسَاكِيْن.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عَبْد المُحْسِن بن عَبْد اللّه بن أحْمَد الطُّوْسيّ المَوْصِلِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُحَمَّد بن عليّ السُّقْسَيْنِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو المُؤيَّد المُوَفَّق بن أحْمَد المَكِّيّ، قال: أخْبَرَنا الإمَامُ فَخْرُ خُوارَزْم أبو القَاسِم مَحْمُود بن عُمَر الزَّمَحْشَرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحَسَن بن عليّ بن أبي طَالِب بالرَّيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر طَاهِر بن الحُسَين بن عليّ السَّمَّان، قال: حَدَّثَنا عَمِّي الحافِظُ أبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن عليّ، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم الحُسَين بن عليّ بن أبي أُسامَة بحَلَبَ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَعْقُوبُ بن أحْمَد بن يَعْقُوبَ بن ثَوَابَة الحَمْصِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَوْف، قال: حَدَّثَنَا عُثْمان بن سَعيد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُهاجِر، عن الزَّبِيْديّ، عن الزُّهْرِيّ، عن عُرْوَة، عن عائِشَةَ رضي الله عنها،
(a) في الأصل: القصراتي، ونسبه ياقوت إلى قصران، وهما ناحيتان كبيرتان بالري يطلق عليهما: قصران الداخل وقصران الخارج، وذكره فيمن ينتسب إليها باسم: أبو العبَّاس أحْمَد بن الحُسَيْن بن أبي القَاسِم بن عليّ بن بابا القصراني الأذونيّ، وأذون قرية من قراها. مُعْجَمُ البلدان 4:353.
_________
(1)
أخرجه العُقَيْلِيّ في الضعفاء الكبير 2: 104 (رقم 570) من طريق مجاهد عن ابن عباس.
قالت: وَيْحَ لَبِيْد إذ يَقُولُ
(1)
: [من الكامل]
ذَهَبَ الّذين يُعَاشُ في أكنَافِهم
…
وبَقيتُ في خَلْفٍ كجِلْدِ الأجْرَب
فكيفَ لو أدْرَكَ زَمَانَنا هذا؟! فقال عُرْوَةُ: رَحِمَ اللّهُ عائِشَةَ، فكيف لو أدْرَكَتْ زَمانَنا هذا؟! قال الزُّهْرِيّ: رَحِمَ اللّهُ عُرْوَةُ، فكيفَ لو أدْرَكَ زَمَانَنا هذا؟! فقال الزَّبيْدِيّ: يرحَم اللّهُ (a) الزُّهْرِيّ، فكيفَ لو أدْرَكَ زَمَانَنا هذا؟ قال لنا عُثْمان: رَحِمَ اللهُ ابنَ مُهاجِر، كيفَ لو أدْرَكَ زِمَانَنا هذا (b)؟ قال مُحمَّد بن عَوْف: وأنا أقُول: رحِمَ اللّهُ عُثْمان، كيف لَو أدْركَ زماننا هذا؟ قال يَعْقُوب بن ثَوَابَة: رَحِمَ اللّهُ ابن عوْف، كيفَ لو أدْرَكَ زَمَانَنا هذا؟! قال الشَّيْخ أبو سَعْد: قال لنا أبو القَاسِم الحُسَين بن عليّ: وأنا أقُول: رَحِمَ اللّهُ ابنَ ثَوَابَة، كيفَ لو أدْركَ زمَانَنا هذا؟ قال أبو سَعْد: وأنا أقُول: رَحِمَ اللهُ أبا القَاسِم بن أبي أُسامَة، كيفَ لو أدْرَكَ زَمانَنا هذا؟! قال أبو بَكْر طَاهِر بن الحُسَين: وأنا أقول: رَحِمَ اللّهُ عَمِّي أبا سَعْد، كيفَ لو أدْرَكَ زَمَانَنا هذا؟! قال أبو عليّ: وأنا أقول: رَحِمَ اللّهُ طاهرًا، كيفَ لو أدْرَكَ زَمَانَنا هذا؟! قال فَخْرُ خُوارَزْم: رحِمَ اللّهُ شَيْخَنا أبا عليّ، فكيفَ لو أدْرَكَ زَمَانَنا هذا؟! قال أبو المُؤيَّد: رَحِمَ اللّهُ شَيْخَنا فَخْر خُوارَزْم، فكيفَ لو أدرَكَ زمَانَنا هذا (c)؟ قال أبو الفضْل: رَحِم اللّهُ أبا المُؤيَّد، فكيفَ لو أدْركَ زَماننا هذا؟ قال أبو القَاسم: رَحِمَ اللّهُ أبا الفَضْل فكيفَ لو أدْرَكَ زَمَانَنا هذا؟! قُلتُ: رَحِمَ اللّهُ أبا القَاسِم فكيفَ لو أدْرَكَ زَمَانَنا هذا؟!.
نَقَلْتُ من خَطِّ الإمَام الحافِظ أبي الفَضْل مُحَمَّد بن طَاهِر المَقْدِسِيّ، وأخْبَرَنَا
(a) ب: رحم اللّه.
(b) من قوله: "قال لنا عثمان
…
" إلى هنا ساقط من ب.
(c) من قوله: "قال أبو المؤيد
…
" إلى هنا ساقط من ب.
_________
(1)
شرح ديوان لبيد 157، وانظر الرواية مختصرة في تاريخ البخاريّ الصغير 1:81.
بهِ أبو الحَجَّاج يُوسُفُ بن خَليل بن عَبْدِ اللّه الدِّمَشقِيّ، قِراءَةً عليهِ بحَلَب وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ (a) بن إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد الطَّرَسُوسِيِّ، عن أبي الفَضْل مُحَمَّد بن طَاهِر، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن المُطَهَّر بن عليِّ العَلَويّ، المَعْرُوف بالمُرتَضَى بالرَّيّ يَقُول: سَمِعْتُ أبا سَعد السَّمَّان يقُول: مَنْ لَم يَكْتُبِ الحَدِيْثَ لم يتَغرْغَر بحَلَاوَةِ الإسْلَام.
قال أبو الفَصل المَقْدِسِيِّ: المُرْتَضَى، رحمه الله، كان إمامُ الشِّيْعَة في وَقْته، وأبو سَعْد إمام المُعْتَزِلة، وله في الحَدِيْث رِحْلة حَسَنةَ، ومَعْرفَةٌ، واللّه تعالَى وفَّقَهُ للإنْصَاف حتَّى جَرَى على لِسَانه هذا الكَلَام.
أخْبَرَنا زيْنُ الأُمَناء أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحَسَن إذْنًا، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أِبو القَاسِم عليِّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ
(1)
، قال: إسْمَاعِيْل بن عليِّ بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن زَنْجُوَيْه، أبو سَعْد الرَّازِيُّ، المعرُوف بالسَّمَّان الحافِظ، قَدِمَ دِمشْق طَالِبَ عِلْمٍ، وكان من المُكْثرين الجَوَّالين، سَمعَ من نَحْو من (b) أرْبَعة آلاف شَيْخ، وسَمِعَ بدِمشق أبا مُحَمّد بن أبي نَصْر وجَمَاعَةً سِوَاه (c)، وببَغْدَاد أبا طاهِر المُخَلِّص، ومُحَمَّد بن بَكْرَان بن عِمْران، ومُحَمَّد بن عُمَر بن مُحَمَّد بن حُمَيْد بن بُهْثَة (d)، ومُحَمَّد بن عليّ بن أحْمَد السَّقَطِيّ، وبالرَّيّ عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن فَضَالَة، وعليّ بن عُبَيْد اللّه بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن يَحيى الفَقِيه، وبمَكَّةَ أبا مُحَمَّد بن النَّحَّاس، وأحمد بن إبْراهيم بن فِرَاس.
رَوَى عنهُ أبو بَكْر الخَطِيبُ، وعَبْد العَزِيْز الكَتَّانِيّ، وجَمَاعَةٌ من أهل بَلَدِه، منهم ابن أخْتِه (e) أبو بَكْر طَاهِر بن الحُسَين.
(a) في الأصل: أبو جَعْفَر بن مُحمَّد" والمثبت من ب، وانظر تَرْجَمَتِه في تاريخ الإسلام 12: 1041، وسير أعلام النبلاء 21: 245 - 246.
(b) ساقطة من ب.
(c) في الأصل، ب: سواهم، والمثبت هو الأظهر كما في تاريخ ابن عساكر.
(d) تاريخ ابن عساكر: بهتة، بالتاء.
(e) تاريخ ابن عساكر: أخيه.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 21.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
: سَألتُ أبا مَنْصُور عبد الرَّحيم بن المُظَفَّر بن عبد الرَّحيم الحَمْدُونِيّ (a) الرَّازِيّ بالرَّيّ عن وَفَاةِ أبي سَعْد السَّمَّان الرَّازِيّ، فقال: تُوفِّي سَنَةَ ثَلاثٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة، وكان عَدْلِيَّ المَذْهَب، يعني مُعْتَزِليًّا، وكان له ثلاثة آلاف وسِتّمائة شَيْخ، وصَنَّفَ كُتُبًا كَثِيْرةً، ولم يتأهَّل قَطّ.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانِيّ، قال: بلغَتْنِي وَفَاةُ أبي سَعْد إسْمَاعِيْلَ بن عليّ الحافِظ الرَّازِيّ السَّمَّان بالرَّيّ في شَعْبان سَنَة سَبْع وأرْبَعين، قَدِمَ علينا دِمَشْق، وسَمِعَ بها من شُيُوخنا (b) عبد الرَّحْمن بن عُثْمان بن أبي نَصْر وغيره، حَدَّثَ عن أبي طَاهِر مُحَمّد بن عَبْد الرَّحْمَن الخلِص البَغْدَادي وغيره، وكان من الحُفَّاظ الكِبَار، وكان فيه زَهْدٌ ووَرَعٌ، وكان يَذْهَبُ إلى الاعْتِزَال.
شَاهدْتُ بخَطِّ جَارِ اللّه محمُودِ بن عُمر بن مُحَمَّد الزَّمَخْشَرِيّ في أصْل مُعْجَم أبي سَعْد السَّمَّان، والنُّسْخَة
(3)
جميعُها بخَطِّ الزَّمَخْشَرِيّ ما مثاله. وأنْبأتْنا به زَيْنَبُ بنتُ عبد الرَّحْمن الشَّعْرِيّ، قالت: أخْبَرَنا مَحْمُود بن عُمَر الزَّمَخْشَرِيّ إجَازَةً - قُلتُ: وقَراتُهُ بخَطِّهِ - ذَكَر الأُسْتَاذُ أبو عليّ الحُسَين بن مُحَمَّد بن مَرْدَك في تَارِيْخهِ: ماتَ بالرّيّ شَيْخُهم، وعَالِمُهم، وفَقِيهُم، ومُتكلِّمهُم، ومُحَدِّثُهم الشَّيْخُ الزَّاهِدُ أبو سَعْد إسْمَاعِيْلُ بن عليّ بن الحُسَين السَّمَّانُ، رَحْمَةُ اللّه عليهِ، وَقْت العَتْمة من ليلَةِ الأرْبَعَاء الرَّابِع والعشرين من شَعْبان سَنَة خَمْسٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة.
(a) تاريخ ابن عساكر: الحمدوي.
(b) تاريخ ابن عساكر: شيوخه.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 22.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 33.
(3)
اقتبس القرشي عن ابن العديم قوله هذا، وفيه بدل النسخة: المشيخة. انظر: الجواهر المضية 1: 424.
وكان إمَامًا بلا مُدَافَعَةٍ في القِرَاءَات، والحَدِيْثِ، ومَعْرفَةِ الرِّجال،
والأنْسَابِ، والفَرَائِض، والحِسَاب، والشُّرُوط، والمُقَدَّرَاتِ، وكان إمَامًا أيضًا في فقه أبي حَنِيْفَة وأصْحَابه، وفي مَعْرفَة الخِلَاف بين أبي حَنِيْفَة والشَّافِعيّ، وفي فِقْه الزَّيْدِيَّة، وفي الكَلَام.
وكان يَذْهَبُ مَذْهَب الحَسَن (a) البَصْرِيّ رحمه الله، ومَذْهَب الشيْخ أبي هاشِم، وكان قد حَجَّ بَيْتَ اللّه وزَار القَبْر، ودَخَلَ العرِاقَ، وطَاف الشَّامات والحِجَاز وبلادَ المَغْرب، وشَاهَدَ الرِّجال والشُيُوخَ، وقرأ على ثلاثةِ آلاف رَجُلٍ من شُيُوخ زمانهِ، وقَصَد أصْبَهَان لطَلَب الحَدِيْث في آخر عُمْرِه، وكان يُقالُ في مَدْحهِ وتقرِيْظهِ: إنَّهُ ما شَاهد مثْلَ نَفْسهِ.
وكان مع هذه الخِصَال الحَيْدة زَاهِدًا، وَرِعًا، مُجْتَهِدًا، قَوَّامًا، صَوَّامًا، قَانِعًا، رَاضيًا، لم يتحرَّم في مُدَّهِ عُمْره - وقد أتَى عليه أرْبعٌ وسبْعونَ سَنَةً - بطَعَام أحدٍ، ولم يُدْخِل إصْبَعَهُ في قَصْعَة إنْسَان، ولم يكن لأحدٍ عليه مِنَّةٌ ولا يَدٌ في حَضَرِه ولا سَفَره.
ماتَ، رحمه الله، ولم يكن له مَظْلمةٌ ولا تَبعَةٌ من مالٍ ولا لسَان، كانت أوْقَاتُه مَوقوفَةً على قراءة القُرْآن والتَّدْرِيس والرِّوَايَة، والإرْشَادِ والهِدَايَة، والوِرَاقَة، والعِبَادَة، خلَّف ما جمعَهُ في طُول عُمُره من الكُتُب وَقْفًا على المُسْلمِيْن.
كان، رحمه الله، تارِيخ الزَّمان، وشَيْخ الإسْلَام، وبَقِيَّة السَّلَف والخَلَف. ماتَ وما فاتَهُ في مرضه فرِيْضَةٌ ولا واجبٌ من صَلَاةٍ وغيرها، وما سَال منه لُعابٌ، ولا تَلوَّث له ثِيَابٌ، ولا تغَيَّر لونُه.
كان مع ما بهِ من الضَّعْف، وتَسَاقط القُوَّة يُجَدِّدُ التَّوْبَة، ويُكْثر الاسْتِغْفَار،
(a) الجواهر المضية: أبي الحُسَيْن.
ويَقْرأُ القُرْآن. مَضَى لسَبيلهِ وهو يتَبَسَّم كالغائب يَقْدم على أهْلِهِ، وكالمَمْلُوك المُطِيع يرْجع إلى مَالكهِ، ودُفِنَ رَحْمَةُ اللّه عليه غَد لَيْلَته (a) يَومِ الأرْبَعَاء بجَبَل طَبَرْك بقُرب الفَقِيهِ مُحَمَّدِ بن الحَسَن (b) الشَّيْبَانِيّ صَاحب أبي حَنِيْفة، بجَنْبِ قَبْر أبي الفَتْح عَبد الرَّزَّاق بن مَرْدَك، رحمهم الله.
أنْبَأنَا سُليْمانُ بن الفَضْل بن سُلَيمان، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمّد
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمّد عُمَر بن مُحَمَّد الكَلْبيّ، قال: وجدْتُ عليّ ظَهْرِ جُزءٍ: ماتَ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ أبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن عليّ بن الحُسَين السَّمَّان وقْت العَتْمَة من ليلَة الأرْبَعَاءِ الرَّابِع والعشرين من شَعْبان سَنَة خَمْس وأرْبَعين وأرْبَعِمائة، شَيْخُ العَدْليَّةِ
(2)
وعالِمُهم، وفقيهُهُم، ومُتَكلِّمُهم، ومُحَدِّثُهم، وكان إمَامًا بلا مُدَافَعَة في القِرَاءَات، والحَدِيْث، ومَعْرفَة الرِّجال، والأنْسَاب، والفَرَائِض، والحسَاب، والشُّرُوط، والمقدُورات (c)، وذَكَرَ كَلَام ابن مَرْدَك الّذي نَقَلْتُهُ من خَطِّ الزَّمَخْشَرِيّ إلى آخره.
أنْبَأتْنا زَينبُ بنتُ عبد الرَّحْمن بن الحَسَن الشَّعْرِيّ، قالت: أخْبَرَنا أبو القَاسِم محمُود بن عُمَر الزَّمَخْشَرِيّ، وقَراتُهُ بخَطِّ الزَّمَخْشَرِيّ على النُّسْخَة الّتي بخَطِّه من مُعْجَم السَّمَّان، والنُّسْخَة مَوقُوفَةٌ على تُرْبَة الإمَام أبيِ حَنيْفَة رضي الله عنه بَغْدَاد، وصُورة ما شَاهدتُه بخَطِّ الزَّمَخْشَرِيّ: نُسْخَةُ كتاب وصِيًّةٍ نَقَلتُها من خَطِّهِ:
هذا ما أوْصَى إسْمَاعِيْلُ بنُ عليّ بن الحُسين السَّمَّان، المَعْرُوفُ بأبي سَعْد، في صِحَّةٍ من (b) عَقْله وبَدَنه وجَواز أمْره، وذلك في شهر رَبيع الآخر من سَنَة
(a) ب: ليلة.
(b) ب: الحُسَيْن.
(c) كذا في الأصل وب ومثله في تاريخ ابن عساكر، وتقدمت: المقدرات.
(d) ساقطة من ب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 23.
(2)
هم المعتزلة، يسمون أنفسهم بهذا لقولهم لقولهم بالعدل والتوحيد.
ثَلاثٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة، وهو يَشْهَدُ أنَّ لا إلَه إلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ، وله الحَمْدُ، يُحْيي ويُمِيتُ، بيدَه الخَيْرُ، وهو على كُلِّ شَيءٍ قَدِير، ويَشْهَدُ أنَّهُ تعالَى وَاحدٌ لا ثاني له في الأزَلِ، وأنَّهُ قادِرٌ لذاتهِ، عَالِم لذاته، حَيٌّ، سَمِيعٌ، بَصِيْرٌ، غَنيٌّ فيما لم يَزَل ولا يزال، وأنّه لا يُشْبهُ الأجْسَامَ ولا الأعْرَاض، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
(1)
، {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}
(2)
. ويَشْهَدُ أنَّ أفْعَالَهُ كُلَّها حَسَنَةٌ، وأنّهُ مُنَزَّهٌ عن فعْلِ القَبائِح، وأنَّهُ تعالَى لا يُريدُ المَعاصِي، ولا يَشَاؤُها، ولا يَرْضاها، ولا يَخْتارها، ولا يُحبّها، ولا يُكلِّفُ العِبَادَ ما لا يُطِيقُونَهُ، ولا يُعَذِّب أحدًا بذَنبِ غيره، وأنَّهُ مُتَكبِّر عن ظُلْم عَبِيْده، صَادِقٌ في جميع وَعْده ووَعِيْده.
ويَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُ الله ورسُولُه، صَلَواتُ الله عليه، وصَلواتُ مَلَائِكته، ويَشْهَدُ أنَّ المَوْتَ حَقٌّ، والحِسَابَ حَقٌّ، والجَنَّة حَقٌّ، والنَّار حَقٌّ، وأنَّ {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}
(3)
.
وأنَّ صَلَاته ونُسكَهُ، ومَحْياهُ ومَمَاتَهُ، لله رَبّ العالَمِين، لا شَرِيكَ له، وبذلك أُمِرَ، وهو من المُسْلمِيْن، وأنَّهُ قد رَضِي باللهِ ربًّا، وبالإسْلَام دِيْنًا، وبمُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وعلى آلهِ نَبيًّا، وبالقُرْآن إمامًا، وبالمُسْلمِيْن إخْوانًا، على ذلك حَيِيّ، وعليه يَمُوتُ، وعليهِ يُبْعَثُ حيًّا إنْ شَاءَ اللهُ.
وأوْصَى مَنْ خَلَّفَ بَعْدَهُ أنْ يَعْبُدوا الله في العَابِدِينَ، وأنْ يَحْمَدُوه في الحَامِدينَ، وأنْ ينصَحُوا لجَمَاعَة المُسْلمِيْنَ، وأنْ لا يَمُوتُنَّ إلَّا وهم مُسْلِمون.
وأوْصَى أنَّهُ إذا حَدَثَ به حَدَثُ المَوْت - الّذي جَعَلَهُ اللهُ عَدْلًا بين عِبَادِه،
(1)
سورة الشورى، من الآية 11.
(2)
سورة الأنعام، الآية 103.
(3)
سورة الحج، الآية 7.
وحَتْمًا على خَلْقِه - أنْ يُبْدَأَ (a) من تركَتِهِ بكَفَنِهِ وحَنُوطِه، وما لا بُدَّ منهُ في تَجْهِيزه بالسُّنَّة والمَعْرُوف، ثمّ يُقْضَى دَيْنهُ، ويُترَضَّى غُرَماؤه، ثمّ يُخْرَجُ من جميع ما خَلَّفَهُ من العَيْن والدَّيْن والكُتُب جميع مالِهِ ممَّا ماتَ عنه من سَائر أمْلَاكه من دُورٍ وأراضٍ، وغيرِ ذلك، ثُلُث جَمِيعهِ تامًّا وافيًا كَملًا (b) فيُتَصَدَّق به على فُقراء المُسْلمِيْن من أهْلِ العَدْل والتَّوْحِيد؛ المُعْتَزِلة منهم، والزَّيْدِيَّة، والهَارُونِيَّةِ، يُخْرَجُ ذلك عن سَائر حُقُوق اللهِ الواجبَةِ كانت عليه، اللَّازِمَة له؛ من زَكَاةٍ وَاجبة، أو نَذْرٍ، أو كَفَّارَة، أو صَدَقَةٍ وَاجِبةٍ، لَزِمَهُ في حال حَياته صَرْفُها إلى الفُقَرَاءِ، وعن سَائر القُرَب اللَّازِمَةِ كانت له، قَلَّ أو كَثُر، ممَّا سُمِّي أو لم يُسَمّ.
وأسْنَدَ وصيَّتَهُ هذه إلى فُلَان وفُلَان، وأوْصَى إليهما وإلى المُسْلمِيْن عامَّةً بأنْ يَبَرُّوه بما أمْكنهم من وُجُوهِ البِرّ من حَجٍّ، أو عُمْرةٍ، أو زيَارة قَبْر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أو غيره من قُبُور الأنْبِياء والأئمَّة والصَّالِحين، أو صَدَقَةٍ، أو قراءةِ قُرآن، أو غير ذلك ممَّا يَجُوز أنْ يُبَرَّ به المَيِّتُ بعدَ وَفَاتِه على ما يُسوِّغُه الشَّرْعُ، أو يَدْعُوَ له بأدْعِيَةٍ حَسَنَةٍ صَالِحةٍ، ليَغفرَ اللهُ ذنُوبَه من صَغِير أو كَبير بعدما تابَ ونَدم على جميع ما تَرَكَ من الوَاجبات، أو أتَى من المُقَبَّحات لقُبْحها، وعَزَم على أنْ لا يَعُود إليها.
وأوْصَى أنْ يَسْتَحلُّوا له كُلَّ مَن عَرَفُوا، أو ظَنُّوا أنَّ له تَبِعَةً أو حَقًّا عندَهُ. وأنْ يقُومُوا بحقِّ اللهِ، وكُلِّ ما أوْصى به. وأنْ يَحْذَروا تأخيرَ ما يُمْكِن تَعْجيْلُهُ، والتَّهاونَ بما يجب الجِدُّ والانْكِماشُ فيه، فقَبِلَ ذلك كُلّهُ فُلَان وفُلَان بعد أنْ قُرئ عليهما الكتابُ، فعَرفا ما فيه، واعْتَرَفا بصحَّته، وذلك في صِحَّةٍ من عَقْلهما وبَدَنهما، وجَوَاز أمْرهما، طَائعَيْن غير مُكْرَهَين، وذلك في شَهْر رَبِيع الآخر من سَنَة ثَلاثٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة.
(a) ب: يبدأوا.
(b) ب: كاملًا.
هذا ما نَقَلْتُهُ من خَطِ الزَّمَخْشَرِيّ، وأنا اسْتَغفرُ اللهَ من إجْراءِ قَلَمِي بكُلِّ ما هو على خِلَاف السُّنَّة، وعلى مُوَافقة البِدَع.
إسْمَاعِيْلُ بنُ عليّ بن عُبَيْد الله، أبو الفِدَاءِ المَوْصِلِيُّ الوَاعِظُ، ويُعْرَفُ بابن عُبَيْد
(1)
سَافرَ الكَثِيْرَ، وسَمِعَ ببَغْدَاد أبا الوَقْت عَبْد الأوَّل بن عِيسَى (a) السِّجْزِيّ، والكَرُوخِيّ (b)، وبالإسْكَنْدَرِيَّةِ أبا طَاهِر السِّلَفِيّ، وبحَلَب أبا عَبْدِ الله مُحَمَّد بن نَصْر القَيْسَرَانِيّ.
وحدَّث بمِصْرَ، والإسْكَنْدَرِيَّةِ، والمَوْصِل، وغيرِها من البِلَادِ عن الشَّيْخِ العَارِف أبي بَكْر مُحَمَّد بن بَرَكَة بن مُحَمَّد بن كَرَمَا الصِّلْحِيّ، وغيره.
رَوَى لنا عنْهُ شَيْخُنا أبو مُحَمَّد المُعَافَى بن إسْمَاعِيْل بن الحُسَين بن الحَسَن بن الحَدَوْس الشَّافِعيّ المَوْصِلِيّ، وأثْنَى عليه معي، ووصفَهُ بالكِيَاسَة والظَّرْف والعِلْم.
ورَوَى عنهُ أبو الحَسَن عليّ بن المُفَضَّل المَقْدِسِيّ، وكَتَبَ إلينا أبو عَبْد الله بن الدُّبَيْثِيّ الوَاسِطِيّ
(2)
، قال: سُئِلَ ابن عُبَيْد عن مَوْلدِه، فذكَرَ أنَّهُ وُلِد في سَنَة أرْبَعٍ وعشرين وخَمْسِمائَة.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد المُعَافَى بن إسْمَاعِيْل بن الحُسَين بن أبي السِّنَان المَوْصِلِيّ،
(a) ساقطة من ب.
(b) مهملة في الأصل، وهو الإمام عبد الملك بن أبي القاسم عبد الله الهرويّ (ت 548 هـ). انظر ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء 20: 273 - 275.
_________
(1)
توفي بعد سنة 565 هـ، وترجمته في: ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 2: 499 - 500، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 7: 53.
(2)
ابن الدبيثي: ذيل تاريخ بغداد 2: 500.
قال: أخْبَرَنا أبو الفِدَاءِ إسْمَاعِيْل بن عليّ بن عُبَيْدِ الله المَوْصِلِيّ الوَاعِظ بالمَوْصِل، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ العَارِفُ أبو بَكْر مُحَمَّد بن بَرَكَة بن مُحَمَّد بن كَرَمَا الصِّلْحِيّ، قال: حَدَّثنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن الدَّهَّان المُرَتِّب، قال: أخْبَرَنا الشَّريفُ أبو الحَسَن مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد بن المُهْتَدي باللهِ (a)، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بنُ بَكْرَان بن عِمْران الرَّازِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بن مَخْلَد العَطَّار، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن العبَّاس، قال: الحِزَامِيُّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا خالي مُحَمَّد بن إبْراهيم بن المُطَّلِب بن السَّائِب بن أبي وَدَاعَة، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن خارِجَة، عن عَبْدِ الله بن سَعْد بن أبي وَقَّاصٍ، عن أَبِيهِ، قال: كان أبي إذا قَضَى نُسكَهُ ووَدَّع البَيْتَ، ورَكِبَ دَابَّته تَمثَّل بهذين البَيْتَيْن
(2)
: [من الطويل]
فلمَّا قَضَيْنا (b) من مِنَىً كُلّ حاجَةٍ
…
ومَسَّحَ رُكْنَ البَيْتِ مَنْ هو مَاسِحُ
أخَذْنا (c) بأطْرَاف الأحَادِيْث بيننا
…
وسَالَتْ (d) بأعْنَاقِ المطيِّ الأبَاطِحُ
أنْبَأنَا أبو الحَسَن عليّ بن المُفَضَّل المَقْدِسِيّ الإسْكَنْدَرَانِيّ، قال: أنْشَدَني أبو الفِدَاءِ الوَاعِظُ، قال: أنْشَدَني القَيْسَرَانِيُّ الشَّاعرُ
(3)
لنَفْسِه بحَلَب: [من الطويل]
تَنَاهَى إلى ألْحَاظِهِ السّحرُ والظُّبي
…
فراحَ وفي عَيْنَيه بَابِلُ والهِنْدُ
فلا تَتْركُوا ثاري فلي عندَهُ دَمٌ
…
إذا كتَمتْه العَيْنُ نَمَّ به الخَدُّ
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن (e) الحَدَوْس الفَقِيهُ، قال: أنْشَدَني جَمالُ الدِّين أبو الفِدَاء
(a) ب: المهتدي.
(b) ب: مضينا، وصحح في الهامش بالمثبت.
(c) ديوان كعب: نزعنا.
(d) ديوان كعب: ومالت.
(e) ساقطة من ب.
_________
(1)
هو إبراهيم بن المنذر القرشي الأسدي (ت 236 هـ). انظر ترجمته ومصادرها في سير أعلام النبلاء 10: 689 - 691.
(2)
يُنسب البيتان لكعب بن زهير، انظر ديوانه 15، وأسرار البلاغة للجرجاني 21.
(3)
لم ترد في مجموع شعر ابن القيسراني، وانظر البيت الثاني منهما في مسالك الأبصار لابن فضل العمري 15: 670، منسوبًا لابن القيسراني.
إسْمَاعِيْلُ بن عليّ الوَاعِظ، قال: دَخَلْتُ على المَلِكِ النَّاصِر صَلاح الدِّين يُوسُف بن أَيُّوب بعد أنْ فَتَحَ مِصْر، وكان مسَاءً فدُهِشْتُ، فقُلتُ: صبَّحَ اللهُ المَوْلى بالسَّعَادَةِ، فأنْكَر عليَّ الحَاضرُونَ، فلمَّا قعَدْتُ رجَعَتْ إليَّ نَفْسِي وأحْسَستُ بالغَلَط، قال: فحضَرَني أنْ أنْشَدتُه هذين البَيْتَيْن
(1)
: [من الكامل]
وصبَّحْتُه عند المَسَاءِ فقال لي:
…
ماذا الصَّبَاحُ وظَنَّ ذاك مُزَاحَا
فأجَبْتُه: إشْرَاقُ وَجْهكَ غَرَّني
…
حتَّى تَيقَّنْتُ المَسَاءَ صَبَاحَا
ذَكَرَ أبو عَبْد الله مُحَمَّد (a) بن سَاكِن، المُتَصَدِّرُ بجامع مِصْر في تَسْمية شُيُوخه أنَّ أبا الفِدَاء ورَدَ مِصْر سَنَة خَمْسٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة، فقد تُوفِّي بعد ذلك.
إسْمَاعِيْلُ بن عليّ بن مُحَمَّد العُثْمانيُّ الكُورَانِيُّ الكُرْدِيُّ
(2)
شَيْخٌ حَسَنٌ صَالِحٌ، مُتَعَفِّفٌ، مُنقَطعٌ عن أهْل الدُّنْيا، يأمرُ بالمَعْرُوف ويَنْهى عن المُنْكَر، قَدِمَ علينا حَلَب، وأقامَ مُدَّةً طَوِيلَةً في مَسْجِد باب الأرْبَعِين لا يُخالِط أحدًا من أرْبَاب الدُّنْيا، ولم يَقْبلْ من أحدٍ من المُلُوك صِلَةً، وكان يُغْلظُ لهم في الأقْوال، ويَخْشنُ عليهم في المَوْعِظَة، والنَّهْي عن الظُّلْم، والتَّقْريع لهم (b) على ذلك.
سَمِعَ بحَلَب من القَاضِي أبي الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد (c) بن الطَّرَسُوسِيّ، وحَدَّثَ
(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب.
(c) ساقطة من ب.
_________
(1)
البيتان مما يتمثل به، انظرهما في زهر الأكم لليوسي 2: 171، والمستطرف في كل فن مستظرف 2:206.
(2)
توفي سنة 644 هـ، وترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني 1: 167، أبو شامة: ذيل الروضتين 276، تاريخ الإسلام 14: 498، العبر في خبر مَن غبر 3: 251، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 173 (سماه: تاج الدين إسماعيل بن جميل)، اليافعي: مرآة الجنان 4: 87، النجوم الزاهرة 6: 357، شذرات الذهب 7:397.
عنهُ بدِمَشْق، وسَمِعَ بدمَشْق شَيْخنا أبا بَكْر عَبْد الله بن عُمَر القُرَشِيّ، واجْتَمَعْتُ به مِرَارًا مُتَعدِّدةً بحَلَبَ وبدِمَشْقَ، وصَار بيني وبينَهُ ودٌّ ومُؤَانَسَة، ولم يتَّفق لي سَماع شيءٍ منه، ووَهَبني فَرجيَّة صُوف من مَلَابسهِ.
وتُوفِّيَ بدِمَشْق لَيْلَة السَّبْت، ثامن عَشر شَعْبان سَنَة أرْبَعٍ وأرْبَعين وسِتّمائة، ودُفِنَ بِظَاهِرها في مَقَابِر الصُّوْفيَّة، رحمه الله.
إسْمَاعِيْلُ بن عليّ الدِّمَشقيّ، أبو مُحَمَّد الكَاتِبُ، الشَّاعِرُ، المَعْرُوف بابنِ العَيْنَزَرْبِيّ
(1)
أصْلُهُ من عَيْن زُرْبَة، وانْتَقَلَ أبُوه منها حين اسْتَولَى الرُّوم عليها، ووُلد له إسْمَاعِيْلُ بدِمَشْق، رَوَى عنهُ شَيئًا من شِعْره أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحمّد بن سَعيد بن سِنَان الخَفَاجِيّ الحَلَبِيّ، وكان بينه وبين الوَزِير أبي نَصْر بن النَّحَّاس الكَاتِب الحَلَبِيّ مُشَاعَرَة، وأظُنُّه تَعَرَّف بهِ بحَلَب.
وذَكَرهُ العِمَادُ أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ في خَرِيْدَة القَصْر
(2)
، في شُعَرَاءِ حَلَبَ، وكان شَاعِرًا مُجِيْدًا، حَسَن النَّظْم، جَيِّد الكتابةِ.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَاتِ الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن، فيما أَذِنَ لَنا في رِوَايتِه، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو القَاسِم بن الحَسَن
(3)
، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن سَعيد بن سِنَان الحَلَبِيّ، قال: أنْشَدَنا أبو مُحَمَّد إسْمَاعِيْل بن العَيْنَزَرْبِيّ الكَاتبِ
(1)
توفي - بحسب ابن العديم - سنة 467 هـ، وقيل: سنة 468 هـ، وترجمته في: خريدة القصر (قسم الشام) 12: 180 - 181، تاريخ ابن عساكر 9: 26 - 29، ياقوت: معجم البلدان 4: 178، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 19: 313، تاريخ الإسلام 10: 302 (وفاته سنة 467 هـ)، ابن شاكر: فوات الوفيات 1: 182 - 183، الوافي بالوفيات 9: 168 - 170، الزركشي: عقود الجمان ورقة 72 أ، النجوم الزاهرة 5: 102 - 103، الزبيدي: تاج العروس، مادة: زرب، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 39 - 41.
(2)
خريدة القصر 12: 180.
(3)
تاريخ ابن عساكر 9: 28.
بدِمَشْق لنَفْسِهِ
(1)
: [من الخفيف]
تَرَكَ الظَّاعنُونَ قَلْبِي بلا قَلْـ
…
ـبٍ وعَيْني عَيْنًا من الهَمَلَانِ
وإذا لم تَفِضْ دَمًا سُحُبُ أجْفَا
…
ني على بُعْدِهِم فما أَجْفَاني
حَلَّ في مُقْلَتي فلو فتَّشُوها
…
كان ذاك الإنْسَانُ في إنْسَاني
أنَبَأنَا أبو المَحَاسِن سُليْمانُ بن الفَضْل بن سُلَيمان، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد الشَّافِعيّ
(2)
، قال: قَرأتُ بخَطِّ حَمْزَة بن عليّ بن العَيْنَزَرْبِيّ لأَخِيهِ أبي مُحَمَّد إسْمَاعِيْل بن عليّ
(3)
: [من المتقارب]
أيَا رَاقد اللَّيْل حَقٌّ (a) يُقَالُ
…
إذا هجَعَ الجَفْنُ زارَ الخَيَالُ
فما لي وعَهْدِكَ عَهْدٌ بهِ
…
ولا سَرَّ جَفْنِي منه اكْتِحَالُ
أحنُّ إلى سَاكناتِ الحِجَازِ
…
وقد حَجزتني أُمُورٌ ثِقَالُ
وأَحْنُو على ظبَيَات (b) هُناكَ
…
وقد تَشْتَهِي النَّفْسُ ما لا تَنَالُ (c)
زَجَرتُكَ (d) يا قَلْب عن حُبِّهنَّ
…
وقُلتُ: أمَا آنَ منهنَّ آلُ
وما هُنَّ سُمْرٌ طِوَالٌ برزْنَ (e)
…
بلى في الحَشَا هُنَّ سُمرٌ طِوَالُ
بكَيْتُ وفَاضَتْ بُحُور الدُّمُوع
…
وكان (f) لها من جُفُوني انْثِيَالُ
وظَنَّ العَوَاذِلُ أنْ قَدْ (g) سَلَوْتُ
…
لفقْد البُكَاء وجاءُوا فقَالوا
حَقِيقٌ حقيقٌ وجْدْتَ السُّلُوَّ
…
عنها؟ فقُلتُ: مُحَالٌ مُحالُ
دَلِيْلٌ على أنَّني ما سَلَوْتُ ذاكَ
…
التَّثَنِّي وذاك الدَّلَالُ
لهَيْفَاءَ ينْفُث من طَرْفِها إذا
…
ما بَدَتْ لك سِحْرٌ حَلَالُ
(a) ابن عساكر: حتى.
(b) ابن عساكر: طيبات.
(c) ابن عساكر: ما لا يقال.
(d) ابن عساكر: وجدتك.
(e) ب: يزرن.
(f) ابن عساكر: كأنَّ.
(g) ابن عساكر، والصفدي: أني.
_________
(1)
الأبيات في تاريخ الإسلام 10: 302 وعقود الجمان للزركشي 72 أ.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 27، وأربعة أبيات منها في فوات الوفيات والوافي بالوفيات.
(3)
سبعة أبيات منها في عقود الجمان للزركشي 72 أ، وأربعة منها في الوافي بالوفيات 9:169.
وهي أطْوَل من هذا.
قال: وقَرأتُ
(1)
بخَطِّ أخيهِ حَمْزَةَ أيضًا له: [من المديد]
ما على ما قُلْتَ تَعْويلُ
…
كُلُّهُ مَطْلٌ وتَعْلِيلُ
كُلَّما حُمِّلْتَ من سَقَم
…
فعَلى الأجْفَانِ مَحْمُولُ
رُبَّ لَيْلٍ ظَلَّ يَجْمُعنا
…
كُلُّهُ ضَمٌ وتَقْبِيْلُ
أشْرَفَتْ كاسَاتُهُ وعَلَتْ
…
في أعاليها أكَالِيلُ
أَشُمُوسٌ لُحْنَ مُشْرِقةً
…
أم كُؤوسٌ أَمْ قَنَادِيلُ
في يدي (a) بَدْرٍ يَطُوفُ بها
…
من جِنَانِ الخُلْدِ مَنْقُولُ
لم يَشِنْ أعْطَافَهُ قِصَرٌ
…
فيه تَهْجينٌ (b) ولا طُوْلُ
وكأنَّ الحُسْنَ صَاحَ بنا
…
حين وَافَى نَحْوَهُ مِيْلُوا
كَمْ أباطِيلٍ نَعمْتُ بها
…
حَبَّذَا تلكَ الأباطِيْلُ
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد القَاضِي، عن أبي الحَسَن عليّ بن المُسَلَّم السُّلَمِيّ الفَقِيه، قال: أنْشَدَنا (c) خالي أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عُقَيل الشهرَزُورِيّ لإسْمَاعِيْل بن العَيْن زَرْبِيّ
(2)
: [من الطويل]
وحَقِّكُم لا زُرْتُكُم في دُجُنَّةٍ
…
من اللَّيْل تُخْفِيني كأنِّي سَارِقُ
ولا زُرتُ إلَّا والسّيُوف هَوَاتفٌ (d)
…
إليَّ وأطْرَافُ الرِّمَاح لوَاحِقُ
قَرأتُ في شِعْر الوَزِاير أبي نَصْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن النَّحَّاسِ الحَلَبِيّ من
(a) ساقطة من ب.
(b) ابن عساكر: بتمجين.
(c) ب: أنشدني.
(d) المرآة والفوات لابن شاكر والوافي للصفدي وعقود الجمان: شواهر.
_________
(1)
القراءة لابن عساكر، والنقل متتابع عن تاريخه 9: 27 - 28، وفيه زيادة بيت على المثبت هنا.
(2)
البيتان في تاريخ ابن عساكر 9: 27، ومرآة الزمان 19: 313، وفوات الوفيات 1: 182، والوافي بالوفيات 9: 169، وعقود الجمان للزركشي 72 أ، والنجوم الزاهرة 5:102.
قَصِيدَة كَتَبَ بها إلى إسْمَاعِيْل في العَيْن زَرْبِيّ الكَاتبِ: [من البسيط]
نبَذْتُمُ الحِفْظَ نَبْذَ العارِ بينَكُمُ
…
كأنَّكُم كفُّ إسْمَاعِيْلَ في الَأزَم (a)
تَفِرُّ عن يَدِهِ الأمْوَالُ عالمِةً
…
بأنَّها عندَهُ مَخْفُورَةُ الذِّمَمِ
لولا الذَّكَاءُ الّذي يُذْكِيهِ خَاطِرُهُ
…
لأعْشَبَتْ في يَدِيهِ صَفْحَةُ القلمِ
للدَّهْرِ فيكَ مَوَاعيدٌ نَطَقْنَ بها
…
فَضَائِل نسَقَتْ عن أكْرِم الشِّيَمِ
لمَّا اشْتَمَلْتَ المَعَالِي زِدْتَها شَرفًا
…
وأصْبَحَ المَجْدُ يَجْلُو ثَغْر مُبْتَسِمِ
على الكتابةِ مُذْ لابَسْتَها عَبَقٌ
…
تَضَوُّعَ النَّوْرِ غِبَّ الوَابِل الرَّذِمِ
إذا المُلِمُّ (b) غَلَتْ يَوْمًا مَرَاجِلُهُ
…
وأصْبَحَ الخَطْبُ مَوْقُوفًا على قَدمِ
واسْتشْهَدَ القَوْمُ والألْبَابُ عَازِبَةٌ
…
عن الصَّوَابِ وضَاقَتْ خُطَّةُ الكَلِمِ
جَلَوْتَ فَصْلَ خطابٍ تَسْتَقِلُّ بهِ
…
غَرْبُ اللِّسَان وحَدُّ الصَّارِم الحَذِمِ
إنَّ الطُّرُوسَ على خَدَّيكَ مثْنِيَّةٌ
…
ورُبَّ مُثْنٍ وإنْ لم يتَّصِلْ بفَمِ
لو أنَّ كَفَّيْكَ مُدَّت باليَسَارِ على
…
مِقْدَارِ قَدْرِكَ زالَتْ سُنَّةِ العَدَم
لا بُدَّ أنْ يستَقيْلَ الدَّهْرُ غَفْلَتَهُ
…
وتَسْتَنِيْبَ اللَّيالِي فيكَ (c) عن أَمَمِ
إنِّي مَدَحْتُكَ أَبْغي الوُدَّ عنِ ثِقَةٍ
…
بأنَّ عَهْدَكَ مَحْمِيٌّ منَ التُّهَمِ
فاقِرْ اعْتِقَادِيَ إخْلَاصًا يُصَدِّقُهُ
…
فحُرْمَةُ الوُدِّ عفوًا أوْكَدُ (d) الحُرَمِ
أهْلُ الكتَابةِ ما زالَتْ طَرَائقُهُمْ
…
في الشِّعْرِ إلَّاكَ هجنًا رُزّحَ الكَلِمِ
فإنْ أُجِدْ فمقَالِي فيكَ أنْطَقَني
…
وإنْ أُقَصِّرْ فإنِّي لاحقٌ بِهِمِ
أنْبَأنَا أبو البَرَكات بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم (e) عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن عليّ، أبو مُحَمَّد بن العَيْن زَرْبِيّ، شَاعِرٌ مُحْسِنٌ.
(a) ب: اللازم.
(b) ب: إذا ألم.
(c) ب: عنك.
(d) ب: أوفر.
(e) ساقطة من ب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 26.
ذَكَرَ شَيْخُنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ أنَّ إسْمَاعِيْلَ بن العَيْن زَرْبِيّ مولدُه بدِمَشْقَ، وتُوفِّيَ بها في شُهُور سَنَة سَبْعٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة.
إسْمَاعِيْلُ بن عُمَر بن يُوسُف بن قُرْنَاص الحَمَوِيُّ، أبو العَرَب، ويُلَقَّب مُخْلِص الدِّين
(1)
فَقِيْهٌ فَاضِلٌ، أدِيبٌ، شَاعِرٌ، نَاثرٌ، من أهلِ حَمَاةَ، وَلِيَ التَّدْرِيسَ بمَدْرَسة بَني قُرْنَاص، خارج مَدِينَة حَمَاة، واجْتَمع بي جَمَاة وأنْشَدَني شَيئًا من شِعْره، وذَكَرَ لي أنَّ مَوْلدَهُ سَنَة أرْبَعٍ وستِّمائة
(2)
.
أنْشَدَني مُخْلِصُ الدِّين أبو العَرَب إسْمَاعِيْلُ بن عُمَر بن يُوسُف بن قُرْصَان بحَمَاةَ لنَفْسِه، وكتَبَها على قَصِيدَة أبي القَاسِم (a) بن فِيْرُّة الشَّاطِبيِّ الرُّعَيْنِيّ التي (b) نَظَمَها في القِرَاءَات على قَافِية اللَّام ألف
(3)
: [من السريع)
جَلَا الرُّعَيْنِيُّ لنا مُبْدِعًا
…
عَرُوسَهُ البِكْر وَيَا ما جَلَا
لو رَامَهَا مُبْتَكِرةٌ غَيْرُهُ
…
قالَتْ قَوَفِيْهَا له الكُلُّ: لا
(a) ب: أبي محمد.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
توفي سنة 659 هـ، وكتب ابن فهد المكي الهاشمي بخطه في الهامش:"مات إسماعيل بن عمر بن قرناص الحمويّ في سنة تسع وخمسين وستمائة"، وترجمته في: اليونيني: ذيل مرأة الزمان 1: 473، 2: 127 - 128، الذهبي: تاريخ الإسلام 14: 912، ابن حبيب الحلبي: درة الأسلاك (آيا صوفيا) 15 أ، الوافي بالوفيات 9: 182، المقريزي: السلوك 1/ 2: 466، ابن تغري بردي: المنهل الصافي 2: 413 - 414، ابن تغري بردي: الدليل الشافي 1: 127، النجوم الزاهرة 7: 202، بغية الرعاة 1: 452، شذرات الذهب 7:515.
(2)
أرَّخ الذهبي والصفدي وابن تغري بردي والسيوطي مولده في سنة 602 هـ.
(3)
هي المعروفة بحرز الأماني ووجه التهاني، في القراءات السبع، وورد البيتان دون عزو عند الصفدي في كتبه: الوافي بالوفيات 34: 148، ونصرة الثائر على المثل السائر 387، ونكت الهميان 229.
وأنْشَدَني أيضًا لنفسِه
(1)
: [من الوافر]
أمَا واللهِ لو شُقَّتْ قُلُوبٌ
…
ليُعْلَمَ ما بها من فَرْط حُبِّ
لأرْضَاكَ الّذي لَكَ في ضَمِيْري
…
وأرْضَانِي رِضَاكَ بشَقِّ قَلْبي
إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش بن سُلَيم، أبو عُتْبَة الأزْرَقُ العَنْسِيّ الحِمْصِيّ
(2)
سَافَرَ إلى بَغْدَادَ، ثمّ بَعَثَهُ المَنْصُور (a) إلى الشَّام، ودَخَلَ أنْطَاكيَة، وحَكَى أنَّهُ كان جالِسًا إلى عاملها وقد وَرَدَ عليه كتابُ أبي جَعْفَر المَنْصُور يَأمرُه بنَبْش القُبُور، فنبَشوا في جَبَل أنْطَاكِيَة قَبْرَ عُوْذ بن سَامِ بن نُوح وعند رأسهِ مَكْتُوبٌ: لا إلَه إلَّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رسُول الله، أنا عُوْذُ بن سَام بن نُوح، بُعِثْتُ إلى أهْلِ أنْطَاكِيَة فكذَّبُوني وقَتَلوني، وقد ذَكَرنا الحِكايَة في باب ما ورَدَ من الكتابة القَدِيْمة
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
البيتان في ذيل مرآة الزمان لليونيني 1: 473، 2: 138، ودرة الأسلاك لابن حبيب 15 أ، والوافي بالوفيات 9: 182، والنجوم الزاهرة 7: 202، والمنهل الصافي 2:414.
(2)
توفي سنة 181 هـ وقيل في السنة بعدها، وترجمته في: تاريخ يحيى بن معين 2: 36، طبقات خليفة 316، البيان والتبيين 2: 23 - 24، 38، تاريخ البخاري الكبير 1: 369 - 370، التاريخ الصغير 2: 206، تاريخ الطبري 1: 210، 224، 2: 291، المعرفة والتاريخ 2: 433 - 424، الأزدي: تاريخ الموصل 425 (وأرخ وفاته سنة 222 هـ)، الجرح والتعديل 2: 191 - 192، ابن حبان: كتاب المجروحين 1: 124 - 126، الكامل لابن عدي 1: 288 - 296، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 174 - 175، تاريخ بغداد 7: 186 - 196، تاريخ ابن عساكر 9: 35 - 50، واستدرك المحقق ما ضاع من ترجمته عند ابن عساكر بما أورده ابن العديم وغيره، (انظر: تاريخ ابن عساكر 71: 291 - 307)، السمعاني: الأنساب 9: 396، ابن الجوزي: المنتظم 9: 67 - 68، المزي: تهذيب الكمال 3: 163 - 181، الذهبي: تاريخ الإسلام 4: 809، سير أعلام النبلاء 8: 277 - 291، العبر في خبر مَن غبر 1: 215، الإعلام بوفيات الأعلام 82، تذكرة الحفاظ 1: 253 - 255، الكاشف 1: 127، الوافي بالوفيات 9: 184، ابن كثير: البداية والنهاية 10: 179، تهذيب التهذيب 1: 331 - 336، تقريب التهذيب 1: 73، السيوطي: طبقات الحفاظ 114 - 115، شذرات الذهب 2: 359، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 43 - 44.
على الأحْجار بحَلَب وعَمَلها
(1)
، رَوَاها عنه أبو يَحْيَى.
ورَوَى عن مُحَمَّدِ بن زِيَاد الألْهَانِيّ، وشُرَحْبِيل بن مُسْلِم الخَوْلانِيّ، وسُليْمان الأَعْمَش، وأبي عَمْرو الأوْزَاعِيّ، وسُفْيان الثَّوْرِيّ، ومُحَمَّد بن عمرو، وبُجَيْر بن سَعْد، وأبي بَكْر بن عَبْد الله بن أبي مَرْيَم، وضَمْضَم بن زُرْعَة، ويَحْيَى بن سَعيد الأنْصَاريّ، وعَمْرو بن قَيْس السَّكُونِيّ، وثَوْر بن يَزِيد، وعَمْرو ومُحَمَّد ابني مُهاجِر، والحَجَّاج بن أَرْطَأة، وإسْحَاق بن عَبْد اللهِ بن أبي فَرْوَة، وهِشَام بن الغَاز، وهِشَام بن عُرْوَة، وعَطَاء بن عَجْلان، وعبد الله بن عُثْمان بن خُثَيْم، وابن جُرَيْج (a)، وعُبَيْد الله بن عُمَر، وعُمَر بن مُحَمَّد بن زَيْد العُمَريّ، وابن سَمْعَان، ومُولى بن عُقْبَة، وسُهَيْل (b) بن أبي صالح، ومُحَمَّد بن إسْحاق، ويَحْيَى بن عُبَيْد الله، وجَعْفَر بن الحَارِث، وعَبْد الرَّحمن بن زِيَاد بن أَنْعُم.
رَوَى عنهُ سُفْيانُ الثَّوْرِيّ، وهو من شُيُوخه، وعبدُ الله بن وَهْب، وضَمْرَةُ بن رَبيْعَة، ومُعَمَّر بن سُلَيمان، وهِشَام بن عَمَّار، وعَبْد الرَّحمن بن عُبَيْد الله الحَلَبِيّ، وأبَو عُبَيْدَة عُتْبَة بن رَزِيْن الأَلْهَانِيّ، ويَحْيَى بن مَعِيْن، وعبد الله بن المُبارَك، وهارُون بن مَعْرُوف، وبَقِيَّة بن الوَلِيد، وسُليْمان بن عبد الرَّحْمن، وأبو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، والأبْيَضُ بن الأَغَرّ، ومُحَمَّد بن إسْحاق، والفَرَجِ بن فَضَالَة، ويَحْيَى بن حَسَّان، والحَسَن بن عَرَفَة، وعَبد الوَهَّاب بن الضَّحَّاك، ومنْصُور بن أبي مُزَاحِم، ومُحَمَّدُ بن عِيسَى بن (c) الطَّبَّاعِ، ودَاوُد بن رُشَيْد، وعليّ بن عَيّاش، ويَزِيْد بن هارُون (d)، وإبْراهيم بن العَلَاء، ومُحَمَّد بن حِمْيَر، وأبو مُسْهِر عَبْد الأعْلَى بن مُسْهِر، وشَبَابَة بن سَوَّار، وكَثِيْر بن الوَليد، وأبو اليَمَان، وأبو مَعْمَر القَطِيْعِيّ، وأبو الجُمَاهِر،
(a) ب: ابن شريح.
(b) ب: سهل.
(c) ساقطة من ب.
(d) بعده في الأصل، ب:"ومنصور بن أبي مزاحم"، وشطبه في الأصل للتكرار.
_________
(1)
في الجزء الأول من هذا الكتاب.
وزُهَيْر بن عَبَّاد، وأبو عُبَيْد، وأبو أَيُّوب سُليْمان بن أَيَّوب الحِمْصِيّ، والهَيْثَم بن خَارِجَة، وعَبْد الرَّحمنِ بن وَاقِد الوَاقِدِيّ، وأبو قُتَيْبَة مُسلم بن قُتَيْبَة، ومُوسَى بن أَعْيَن، ومَرْوَان بن مُحَمَّد، واللَّيْث بن سَعْد، وحَجَّاج بن مُحَمَّد الأعْوَر، والوَلِيد بن مُسْلم، ومُحَمَّد بن بَكَّار بن الرَّيَّان، وعبد الله بن صالح العِجْلِيّ، وهِشَام بن عَمَّار، ودَاوُد بن عَمْرو (a) الضَّبِّيّ، وأبو إبْراهيم التُّرْجُمانيُّ، ويَحْيَى بن عُثْمان البَصْرِيّ، ويَحْيَى بن يَحْيَى، وعليّ بن حُجْر، وشَيْبَان بن عبد الرَّحْمن.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَرُ بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرْزَد البَغْدَاديّ، بقِرَاءَتي عليه بحَلَب، قال: أخْبَرَنا الرَّئِيسُ أبو القَاسِم هِبَةُ الله بن عَبْد الوَاحِد بن مُحَمَّد بن الحُصَيْن، بقرَاءة أخي عليه وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إبْراهيم بن غَيْلان البَزَّاز (b)، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد الله بن إبْراهيم الشَّافِعيّ
(1)
، قال: حَدَّثني إسْحاقُ بن الحَسَن الحَرْبِيّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عُثْمان البَصْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن عَيَّاشٍ، عن مُحَمَّد بن إسْحاق، عن عَمْرو بن شُعَيْب، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ
(2)
، عن رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذا فَزِعَ أحدُكم فليَقُل: أعوذُ بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ من غَضَبهِ وعَذَابهِ، ومن شَرِّ عبادِهِ، ومن همزَاتِ الشَّيَاطِين، وأنْ يحضُرون، فإنَّها لن تَضُرَّه. قال: فكان عَبْدُ الله يُعَلِّمِهُا مَنْ (c) بلغَ من ولدِه ومَنْ لَم يَبْلغُ منهم؛ كَتَبَها في صَكٍّ وعَلَّقَها في عنُقه.
(a) سقط الاسم من ب، وفيها: والضبي.
(b) الأصل، ب: البزار، ونسبته إلى بيع البز، انظر: توضيح المشتبه لابن ناصر الدين 1: 488.
(c) ب: لمن.
_________
(1)
الغيلانيات (فوائد أبي بكر الشافي)216.
(2)
مصنف ابن أبي شيبة 5: 50 (رقم 23594)، مسند ابن حنبل 9: 169 - 170 (رقم 6696)، سنن أبي داود 4: 218 - 219 (رقم 3893)، كنز العمال 15: 357 (رقم 41358)، وانظر: السند الجامع 11: 228 (رقم 8637).
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ (a)، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر وَجِيْهُ بن طَاهِر الشَّحَّامِيّ ببيابَاد (b)، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن يحيى بن إبْراهيم المُزَكِيّ، ح.
قال أبو سَعْد: وأخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْدُ الله بن أَسْعَد بن حَيَّان النَّسَوِيّ بنَيْسَابُور، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن خَلَف الشِّيْرَازيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن الحُسَين السُّلَمِيّ، قال: سَمِعْتُ عَبْد الوَاحِد بن بَكْر الوَرْثَانِيّ يَقُول: سَمِعْتُ أحْمَدَ بن عَبْد الله بن أبي دُجَانَة يقُول: حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَد بن سَعيد، قال: حَدَّثَنَا سُليْمان بن عَبْد (c) يَقُول: سَمِعْتُ يَحْيَى بن صالح يَقُول: كُنَّا نأتي إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش فيُكْرمُنا ويبرُّنا ويُنْرلُنا أشْرَفَ المَنَازِل، ويُقَدِّم إلينا من الفَواكهِ ما نَتخَيَّر فيه، من ألْوَان التُفَاحاتِ والرُّمَّان والسَّفَرْجَل، ويُبَرِّدُ لنا الماء بالثَّلْج ويقُول لنا: كُلوا يا سَادَتي، فإنَّ الله تعالَى وصَف الجَنَّة بصِفَة الصَّيْف لفَوَاكِهها لا بصفة الشِّتَاء، فقال تعالَى:{فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ}
(1)
.
كَتَبَ إلينا المُؤيَّد بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ من نَيْسَابُور، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو العَلَاء، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَابَسِيْريّ، قال: حَدَّثَنَا الأحْوَصُ بن المُفَضَّل، قال: حَدَّثَنَا أبي، عن يَحْيَى بن مَعِيْن، وقال: وإسْمَاعِيْل بن عَيَّاشٍ مَوْلَى عَنْسٍ.
(a) وردت هذه الرواية بهامش الأصل ولم تنقلها نسخة ب.
(b) هكذا في الأصل، وعند ياقوت: لُوبِيَاباذ: موضعٌ بأصبهان. مجم البلدان 5: 24.
(c) هكذا في الأصل، وفوقه علامة "صـ"، ولعل صوابه: سليمان بن عد الحميد البهراني، فإنه من شيوخ عبد الصمد بن سعيد الكندي. انظر: سير أعلام النبلاء 15:266.
_________
(1)
سورة الواقعة، الآيات 28 - 33.
أنْبَأنَا أبو حَفْص بن طَبَرْزَد، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الآبِنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عُبَيْدُ الله بن عَتَّاب بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أحْمدُ بن عُمَيْر إجَازَةً، ح.
وأنْبَأنَا أبو القَاسِم عبد الرَّحْمن بن عَبْد الله الأسَدِيّ، عن أبي القَاسِم بن السُّوْسِيّ، قال: أحْبَرَنا أبو عَبْد الله بن أبي الحَدِيْد، ح.
وأخْبَرَنا يُوسُفُ (a) بن خَلِيل، قال: أخْبَرَنا القَاسِم بن عليّ، قال: أخْبَرَنا نَصْرُ بن مَطَّكُوْد، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله بن أبي الحَديْد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الرَّبعِيِّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عُمَيْر قِراءةً، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن بن سُمَيْع يقول: في الطَّبَقَةِ السَّادِسة: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، أبو عُتْبَةَ الحِمْصِيّ، عَنْسِيٌّ.
أنْبَأنَا ابنُ طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْلُ بن أحْمَد، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن البَقَّال، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الحَمَّامِيّ، قال: أخْبَرنا أبو إسْحاق إبْراهيم بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن أبي أُمَيَّة، قال: سَمِعْتُ نُوْح بن حَبِيْب يَقُول: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش يُكْنَى أبا عُتْبَة.
أنْبَأنَا ابن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل بن نَاصِر، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، وأبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، وأبو الغَنائِمِ مُحَمَّدُ بن عليّ النَّرْسِيّ، واللَّفْظُ له، قالوا: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ - زَادَ ابنُ خَيْرُون: وأبو الحُسَين الأصْبَهَانِيّ - قالا (b): أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن
(a) ب: أبو يرسف.
(b) من قوله: "أخبرنا أبو أحمد
…
" إلى هنا ساقط من ب.
إسْمَاعِيْل
(1)
، قال: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، أبو عُتْبَة الحِمْصِيّ، أراهُ العَنْسِيّ، سَمِعَ شُرَحْبِيل بن مُسْلِم، ومُحَمَّد بن زِيَاد. رَوَى عَنْهُ ابنُ المُبارَك ما رَوَى عن الشَّامِيِّين فهو أصَحّ.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، وسَمِعْتُ منه بعضَه، قال: أخْبَرَنا عَمِّي أبو القَاسِم
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الشَّقَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد بن حَمْدُون، قال: أخْبَرَنا مَكِّيُّ بن عَبْدَان، قال: سَمِعْتُ مُسْلِم بن الحَجَّاج
(3)
يقُول: أبو عُتْبَة إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش الحِمْصِيّ عن مُحَمَّد بن زِيَاد، ويَحْيَى بن سَعيد الأنْصَاريّ. رَوَى عَنْهُ ابنُ المُبارَك، ويَحْيَى بن يَحْيَى.
قال أبو القَاسِم الحافِظ
(4)
: قرأنا على أبي عَبْد الله بن البَنَّاء، عن أبي تَمَّام الوَاسِطِيّ، عن أبي عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن القَاسِم بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي خَيْثَمَة، قال: وإسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش، يُكْنَى أبا عُتْبَة، حَدَّثَنَا بذاك الوَلِيدُ بن شُجَاعٍ، وسَمِعْتُ أبي يَقُول: كان إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش أحْوَلَ.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(5)
: أخْبَرَنا أبو الفَتْح نَصْر الله بن مُحَمَّد الفَقِيهُ، قال: حَدَّثَنَا أبو الفَتْح نَصْرُ بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح سُلَيم بن أيُّوب، قال: أخْبَرَنا أبو نَصر طاهِر بن مُحَمَّد بن سليمان المَوْصِلِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو القاسِم عليّ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا أبو زَكَرِيَّاء يزِيد بن مُحَمَّد بن إِيَاس
(6)
، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن أحْمَد المُقَدَّميِّ يَقُول: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش الحِمْصِيّ الأزْرَق، أبو عُتْبَةَ.
(1)
تاريخ البخاري الكبير 1: 369 - 370
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 38.
(3)
الكنى والأسماء للإمام مسلم 1: 637.
(4)
تاريخ ابن عساكر 9: 38.
(5)
تاريخ ابن عساكر 9: 38.
(6)
في كتابه طبقات محدثي الوصل، وهو كتاب مفقود.
أخْبَرَنا أبو الفَرَج مُحَمَّد بن عليّ بن حَمْزَة بن القُبَّيْطِيّ في كِتَابِهِ إليْنَا من بَغْدَاد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَد بن عَبْد الله بن عليّ بن الآبِنُوسيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الإسْمَاعِيْليّ، قال: أخْبَرَنا حَمْزَة بن يُوسُف السَّهْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَدَ بن عَديّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا عَبْد الله البَغَويّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن عَبْد العَزِيْز، قال: حَدَّثَنَا سُليْمانُ بن أحْمَد، قال: حَدَّثني أبو مُسْهِر، قال: حَدَّثنَي مُحَمَّد بن مُهاجِر الأنْصَاريّ، قال: كان أخي عَمْرُو (a) بن مُهَاجِر يقول لي: لا (b) تَسْألني كما يَسْألني هذا الأحْمَرُ الحِمْصِيّ، يعني: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش.
الصَّوَابُ: ألَا تَسألني.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم بن الحَرَسْتَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو زَكَرِيَّاء عبد الرَّحيم بن أحْمَد البُخَارِيّ، ح.
قال. شَيْخُنا ابن الحَرَسْتانِيّ: وأنْبَأنَا أبو القَاسِم نَصْر بن مُقَاتِل بن مَطَّكُوْد، قال: أخْبَرَنا إبْراهيم بن يُونُس بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو زَكَرِيَّاء البُخاريّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الغَنِيّ بن سَعيد، قال: وأمَّا العَنْسِيُّ، بعَيْن وسِيْن مُهْمَلتَيْن ونون فعَدَدٌ كَثِيْرٌ؛ منهم: إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش، أبو عُتْبَة العَنْسِيّ الحِمْصِيُّ. وقال عَبْد الغَنِيّ بن سعيد: عَيَّاش باليَاء، مُعْجَمة باثْنَتَيْن والشِّيْن مُعْجَمة.
أنْبَأنا ابنُ الحَرَسْتَانِيّ، عن عَبْد الكَريم بن حَمْزَة، عن أبي نَصْر بن مَاكُولا
(2)
، قال: أمَّا عَيَّاش بياء مُشَدَّدَة مُعْجَمة باثْنَتَيْن من تَحتها وآخره شِيْن مُعْجَمة: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، أبو عُتْبَة.
(a) الأصل: محمد، والتصويب من الكامل لابن عدي.
(b) ب: ألا، ولم يرد فيها التصويب الذي ألحقه المؤلف عقب انتهاء الرواية.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 288.
(2)
الإكمال 6: 64، 73.
قال ابنُ مَاكُولا
(1)
: وأمَّا العَنْسِيُّ بالنُّون فَجَمَاعَةٌ منهم: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، أبو عُتْبَة العَنْسِيِّ (a).
أنْبأنَا سُليْمانُ بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر اللَّفْتُوانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو صَادِق مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن أبي جَعْفَر (b)، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد (ح) بن زَنْجُوَيْه، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الحَسَنُ بن عَبْد الله العَسْكَريّ، قال: وأمَّا عَيَّاش تحت اليَاء نقطَتان والسِّيْن مَنْقُوطَة منهم: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش الحِمْصِيُّ؛ مَشْهُورٌ.
(a) من قوله: "قال ابن ماكولا
…
" إلى هنا ساقط من ب.
(b) في تاريخ ابن عساكر: ابن جعفر، وما عند ابن العديم هو الصواب، فإن اسم جده محمد، ولعله يكنى: أبا جعفر، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 71:401.
(c) ساقطة من ب.
_________
(1)
الإكمال 353:6 - 354.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 38.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أنبْأَنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخَطيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن رزْق، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْل بن عليّ الخُطَبِيُّ، وأبو عليّ بن الصَّوَّاف، قالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن أحْمَد، قال: قال أبي: وُلد ابنُ عَيَّاش - يعني إسْمَاعِيْلَ - سَنَة ستٍ ومائة.
قال الخَطِيبُ
(2)
: وأخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين القَطَّان، قال: أخْبَرَنا دَعْلَج بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عليّ الأبَّار، قال: سَألْتُ عَمْرَو بنَ عُثْمان عن إسْمَاعِيْلَ بن عَيَّاش، قال: قال أبي: قال لي ابنُ عُيَيْنَة: مَوْلد ابن عَيَّاش قَبْلي؛ سنَة ستٍّ. قال: وكيفَ ذَهَبَ عنهُ أصْحَابُنا وأنا مَوْلدِى سَنَة ثَمان؟! قال: قُلتُ: يا أبا مُحَمَّد وأنْتَ بَكَّرْتَ.
قال
(3)
: وأخْبَرَنا الطَّناجِيريُّ، قالْ أخْبَرَنا عُمَر بن أحْمَد الوَاعِظُ، قال: حَدَّثَنَا إسْحاقُ بن مُوسَى الرَّمْليّ، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن عَوْف يَقُول: سَمِعْتُ يَزيِدُ بن عَبْد رَبِّهِ (a) يقُول: كانَ مَوْلدُ إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش سَنَة اثْنَتَيْن ومائة، وماتَ سَنَة إحْدَى وثمانين ومائة.
(a) قوله: "يقول سمعت يزيد بن عبد ربه" ساقط من ب.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 195.
(2)
تاريخ بغداد 7: 195، وفيه زيادة تتصل بالتأريخ لوفاته. والرواية أعلاه مرافقة لنقل ابن عساكر عن الخطيب، فأخْذُ أبن العديم عنه لا عن الخطيب البغدادي.
(3)
تاريخ بغداد 7: 195.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ
(1)
، عَمِّي، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبرنا أبو مُحّمَّد بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو (a) المّيْمُون بن رَاشِد، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة
(2)
، قال: حَدَّثَني يَزيدُ بن عَبْد رَبِّه، قال: وُلد إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش سَنَة ستٍّ ومائة.
أخْبَرَنا أبو الفَرَج مُحَمَّد بن عليّ بن حَمْزَة بن فَارِس في كِتابِهِ إليْنَا من بَغْدَاد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَدُ بن عَبْد الله بن عليّ بن الآبِنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْلُ بن مَسْعَدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْزَة بن يُوسُف أبو القَاسِم السَّهْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ الحافِظُ
(3)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد الله بن فُضَيْل (b)، قال: سَمِعْتُ سَعيد بن عَمْرو يَقُول: سَمعْتُ بَقِيَّة يقول: كانت إذا جاءَتْ مَسْألَةٌ إلى إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش يَقُول: اذْهَبُوا بها إلى ذلك الغُلَام. قال: بَقِيَّةُ: وإنَّما بيني وبينه خَمْس سنين؛ وُلد سَنَة خَمْسٍ ومائة، ووُلدتُ سَنَة عَشر ومائة.
قال: وأخْبَرَنا أبو أحْمَد الحافِظ
(4)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن عَنْبَسَة، قال: حَدَّثَنَا أبو التُّقَى (c)، قال: قال لي بَقِيَّة: قال لي عَبْد الله بن صالح الهاشِميّ: يا أبا يَحْمَد (d)، أيُّكُما أكبَرُ، أنتَ أو إسْمَاعِيْلُ بن عيَّاش؟ قُلتُ: مَوْلد إسْمَاعِيْل سَنَة ثَمانٍ ومائة، وموْلدِي سَنَة اثْنَتي عَشْرةَ ومائة. قال: فقال عَبْدُ الله: إنَّكما لَتِرْبٌ (e).
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(5)
، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو العَلَاء مُحَمَّدُ بن عليّ
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: الفضل.
(c) في الكامل لابن عدي بباء موحدة: أبو البقي.
(d) ابن عدي: يا أبا محمد.
(e) ب: كترب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 40.
(2)
تاريخ أبي زرعة 1: 277.
(3)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 390، وأعاده ابن عدي في ترجمة بقية 2:505.
(4)
ابن عدي: الكامل 1: 290.
(5)
تاريخ بغداد 7: 188.
الوَاسِطِيِّ، قال: أخْبَرَنا عُمَرُ بن أحْمَد الوَاعِظ. قال الخَطِيبُ: وأخْبَرَنا عُبَيْدُ الله بن عُمَر بن أحْمَد الوَاعظُ، قال: حَدَّثَني أبى، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحْمَد بن مَحْمُوَيه بالبَصْرَة، قال: حدَّثَنَا سُلَيمان بن عَبد الحَميد، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن صالح، قال: ما رَأيْتُ رَجُلًا أكْبَر نَفْسًا من إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، كُنَّا إذا أتَيْناهُ إلى مزْرعَته لا يَرْضَى لنا إلَّا بالخَرُوف والخَبِيْص. وسَمِعْتُه يَقُول: وَرثتُ عن أبي أرْبَعةَ آلاف دِيْنار، فأنْفَقْتُها في طَلَب العِلْم.
قال الخَطِيبُ
(1)
: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن سُفْيانَ
(2)
، قال: حَدَّثنا الفَضْل بنُ زِيَاد، قال: قال أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن حَنْبَل: ليسَ أحدٌ أرْوَى لحديث الشَّامِيِّيْن من إسْمَاعِيْلَ بن عَيَّاش، والوَلِيدِ بن مُسْلِم.
قال
(3)
: وحَدَّثَنَا يَعْقُوب
(4)
، قال: كُنْتُ أسْمَعُ أصْحَابَنَا يقُولُون: عِلْمُ الشَّام (a) عند إسْمَاعِيْل بن عَيَّاشٍ، والوَلِيد بن مُسْلِم.
قال
(5)
: وسَمِعْتُ أبا اليَمَان يقُول: كان أصْحَابُنا لهم رَغْبةٌ في العِلْم وطَلَبٌ شَديدٌ بالشَّام والمَدِينَة ومَكَّة، وكانوا يقُولُونَ: نَجْهد (b) في الطَّلَب، ونُتْعِبُ أبْدَاننا، ونَغِيبُ، فإذا جئنا وجَدْنا كُلَّ ما (c) كَتَبنا عند إسْمَاعِيْل.
قال يَعْقُوبُ
(6)
: وتكلَّم قَوْمٌ في إسْمَاعِيْل، وإسْمَاعِيْلُ ثِقة عَدْلٌ، أعْلَمُ النَّاس
(a) ب: الشاميين.
(b) تاريخ بغداد: نجده، ولفظ ابن العديم أظهر.
(c) الأصل، ب: كلما.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 188، وفيه:"أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان"، وما عند ابن العديم صحيح أيضًا؛ ذكره بالكنية وتجوَّز بنسبته إلى الجد.
(2)
المعرفة والتاريخ 2: 165.
(3)
تاريخ بغداد 7: 189 - 190.
(4)
المعرفة والتاريخ 2: 433.
(5)
تاريخ بغداد 7: 190.
(6)
المعرفة والتاريخ 2: 434، والنقل متتابع عن تاريخ الخطيب البغدادي 7:190.
بحَديثِ الشَّام (a)، ولا يَدْفعُه دافعٌ. وأكْثر ما تكلَّمُوا قالوا: يُغْرِبُ عن ثِقَات المَدَنِيِّيْن والمَكِّيِّين.
وقال الخَطِيبُ
(1)
: أخْبَرَني الحُسَينُ بن عليّ الطَّناجِيريّ، قال: حَدَّثَنَا عُمَر بن أحْمَد (b) الوَاعِظ، قال: حَدَّثَنَا ابنُ صَدَقَة، قال: قال ابنُ أبي خَيْثَمَة: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن يقُولُ: إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش ثِقَةٌ، والعِرَاقِيُّون يَكْرهُونَ حديثَهُ.
أخْبَرَنا أبو الفَرَج بن القُبَّيْطِيّ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن الآبنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الإسْمَاعِيْليّ، قال: أخْبَرَنا حَمْزَة بن يُوسُف، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز، قال: حَدَّثَني أحْمَد بن زُهَيْر، قال: سُئِلَ يَحْيَى بن مَعِيْن عن إسْمَاعِيْل بن عَيَّاشٍ؟ فقال: ليس به بَأسٌ، من أهْل الشَّام، والعِرَاقِيُّونَ يَكْرهونَ حديثَهُ.
قيل ليَحْيَى: أيُّما أثْبَت، بَقِيَّةُ أو إسْمَاعِيْل بن عيَّاش؟ فقال: كلاهما صَالِحان.
وقال ابنُ عَديّ الحافِظ
(3)
: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عليّ بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا عُثْمان بن سَعيد الدَّارِمِيّ
(4)
، قال: قُلْتُ ليَحْيَى بن مَعِيْن: فإسْمَاعِيْل بن عَيَّاش؛ كيفَ هو عندكَ؟ قال: أرْجُو أن لا يكُونَ به بَأسٌ.
قال ابنُ عَدِيّ
(5)
: حَدَّثَنا عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز، عن عبَّاس (c)، عن يَحْيَى
(6)
، قال: كان إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش أحبَّ إلى أهْل الشَّام من بَقِيَّة، وقد سَمِعَ ابن عَيَّاش من شُرَحْبِيل. وابنُ عَيَّاش ثِقَةٌ، وهو أحَبُّ إليَّ من فَرَج بن فَضَالَة.
(a) ب: الشاميين.
(b) ب: أحمد بن عمر.
(c) ابن عدي: عاش.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 192.
(2)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 289.
(3)
ابن عدي: الكامل 1: 289.
(4)
تاريخ الدارمي 69.
(5)
ابن عدي: الكامل 1: 289.
(6)
تاريخ يحيى بن معين 2: 36.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل بن نَاصِر، عن أبي الفَضْل المَكِّيّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر الوَائِلِيّ، قال: أخْبَرَنا الخَصِيْبُ بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو مُوسَى بن أبي عبد الرَّحْمن، قال: أخْبَرَني أبي، قال: سُليْمانُ بن أشْعَث، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن
(1)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش ثِقَةٌ.
أنْبَأنَا أبو البَرَكاتِ الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخَبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبي الحَسَن إجَازَةً، وأخْبَرَنا عنهُ عَمِّي أبو القَاسِم الحافِظ
(2)
، قال: أخْبَرَنا سَهْل بن بِشْر، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر خَلِيل (a) بن هِبَة الله بن الخَلِيل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب الكِلابِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الجَهْم أحْمَد بن الحُسَين بن طَلَّابٍ، قال: حَدَّثَنَا العبَّاسُ بن الوَلِيد بن صُبْحِ الخَلَّال، قال: حَدَّثَنَا مَرْوَان، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ مُهاجِر، قال: قال لي أخي عَمْرو بن مُهاجِر: ليسَ تُحْسنُ تَسْأل! ألَا تَسْألني (b) مَسْألَهَ هذا الأُزَيْرقِ! ما سَألني أحَدُ أحْسَنَ مَسْألَةً منهُ، يعني: إسْمَاعِيْلَ بن عَيَّاش. قال مُحَمَّد: فقُلتُ لَهُ: كيف أُرِيْدُ (c) أنْ أكونَ أنا مثل هذا، وهذا فَقِيْهٌ.
قال أبو البَرَكات: وأخْبَرَنا عَمّي الحافِظُ
(3)
، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم، وحَدَّثَني أبو البَرَكَات بن أبي طَاهِر الفَقِيه عنه، قال: أخْبَرَنا رَشَاءُ بن نَظِيف إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن جَعْفَر بن عليّ، ونَقَلْتُه من خَطِّه، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن سُلَيمان بن يُوسُف الرَّبَعِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَد بن سَعيد بن عَبْد الله بن يَعْقُوبَ الحْمِصِيّ، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن عَوْف يقول: سَمِعْتُ أبا اليَمَان يقُول: كان مَنْزِل إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش إلى جانب مَنْزِلي، فكان يُحْيي اللَّيْل،
(a) في تاريخ ابن عساكر: "أبو بكر الخطيب: أخبرنا خليل بن
…
"، ولعله غلط من الناسخ.
(b) تاريخ ابن عساكر: لم لا تسألني.
(c) تاريخ ابن عساكر: كيف هذا.
_________
(1)
تاريخ يحيى بن معين 3: 36.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 40.
(3)
تاريخ ابن عساكر 9: 41 - 43.
فكان رُبَّما قرأ، ثمّ قَطَع، ثُمّ رجَع فقرأ من المَوضع الّذي قطعَ (a) منه. فلَقِيتُه يَوْمًا فقُلتُ: يا عمّ، قد رأيتُ منك شيئًا وقد أحْبَبْتُ أنْ أَسْألكَ عنهُ، إنَّكَ تُصَلِّي من اللَّيْل، ثمّ تَقْطعُ ثمّ تعُودُ إلى المَوضع الّذي قطَعْت فتَبْتدِئ منهُ؟ فقال: يا بُنَي، وما سُؤَالك عن ذلك؟ قُلتُ: أُرِيْدُ أنْ أعْلَمَ، قال: يا بنُي، إنِّي أُصَلِّي فأقْرأُ فأذْكُرُ الحَديْثَ في البابِ من الأبْوَابِ الّذي أخْرَجتها فأقْطَعُ الصَّلَاةَ فأكْتبُه فيهِ، ثمّ أرْجعُ إلى صَلَاتي فأبتدئ من المَوضع الّذي قطعتُ منهُ.
وقال
(1)
: أنْبَأنَا أبو القَاسِم (b) عليّ بن إبْراهيم، عن رَشَاء بن نَظِيف، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَدَ عُبَيْدُ الله بن مُحَمَّد بن أحْمَد الفَرَضِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن يَحْيَى بن عَبْد الله الصُّوْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبد الله بن أحمد بن مُوسَى عَبْدَان، قال: حدّثنا جَعْفرُ بن مُحمّد الرَّسْعَنيّ، قال: حدَّثَنا عُثْمان بن صالح، قال: كان أهْلُ مِصْر يَنْتَقصُونَ عُثْمانَ حتَّى نَشَأ فيهم اللَّيْثُ بن سَعْد، فحدَّثهم (c) بفَضَائِل عُثْمان فَكَفُّوا عن ذلك. وكان أهْلُ حِمْصَ يَنْتَقِصُونَ عليّ بن أبي طَالِب حتَّى نَشَأ فيهم إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش فحدَّثَهُم بفَضَائِلهِ فكَفُّوا عن ذلك.
وقال
(2)
: أنْبَأنَا أبو نَصْر الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا المُبارَك بن عَبْد الجَبَّار بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ البَاقِي بن عَبْد الكَريم بن عُمَر الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عبد الرَّحْمن بن عُمَر بن أحْمَد بن حَمَّة، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن يَعْقُوبَ بن شَيْبَة، قال: حّدَّثَني جَدّي يَعْقُوبُ، قال: حَدَّثَني أحْمَدُ بن دَاوُد الحَرَّانيّ، قال: سَمِعْتُ عِيسَى بن يُونُس، وذكر إسْمَاعِيْل بن عَيَّاشٍ
(a) ب: قرأ.
(b) ب: أبو الحسن.
(c) تاريخ ابن عساكر: يحدّثهم.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 43.
(2)
في الضائع من تاريخ ابن عساكر، إذ ينتهي الجزء في منتصف ترجمة ابن عياش العنسي، وقد استدرك المحقق هذا الخبر - نقلًا عن ابن العديم - في الجزء 71:394.
فقال: أبو عُتْبَة، هو أرْشَدني (a) إلى الشَّامِيِّيْن.
وقال أبو القَاسِم
(1)
: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن مُحَمَّد، ح.
قال ابنُ مَنْدَة: وأخْبَرَنا حَمْدُ بن عَبْدِ الله إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: سَمِعْتُ سُليْمان بن أحْمَد الوَاسِطِيّ (b) يَقُول: سَمِعْتُ يَزِيدَ بن هَارُون يقول: ما رَأيْتُ شَامِيًّا ولا عِرَاقيًّا أحْفَظَ من إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش.
أخْبرَنا أبو حَفْص عُمر بن طَبَرْزَد، فيما أذِنَ لنا في رِوَايتِهِ، قال: أخبرنا أبو القَاسِم إسْماعِيل بن أحْمَد، إجازةً إنْ لم يكُن سَماعًا، وأخْبَرَنا أبو الفَرَج بن القُبَّيْطِيّ في كتابهِ، قال: أخْبرَنا أبو الحَسَن بن الآبِنُوسِيّ، قالا: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْزَة بن يُوسُفَ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(3)
، قال: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بن الحَجَّاجِ، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة الدِّمَشقيّ
(4)
، قال: سَمِعْتُ الهَيْثَم بن خارِجَة يقُول: سَمِعْتُ يَزِيدَ بن هَارُون يَقُول: ما رَأيْتُ أحْفَظ من إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، ما أدْري ما سُفْيانَ الثَّوْرِيّ!.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ إذنًا، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(5)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بنُ أحْمَد بن رِزْق، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْلُ بن عليّ الخُطَبيّ، قال: قال أبو عبد الرَّحْمن عَبْدُ الله بن أحْمَد بن حَنْبَل: قال أبي لدَاوُد بن عَمْرو الضّبَّيّ، وأنا أسْمَعُ: يا أبا سُليْمان، كان يُحَدِّثكم إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش هذه
(a) أو: أرشدنا، فإن المؤلف أصلحها في الأصل فاحتملت الى الوجهين، والمثبت كما نقلته نسخة ب.
(b) الجرح والتعديل: الدمشقي.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 44.
(2)
الجرح والتعديل 3: 191.
(3)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 391.
(4)
لم أقف عليه في تاريخه.
(5)
تاريخ بغداد 7: 190 - 191
الأحَادِيْث بحِفْظه؟ قال: نعم، ما رَأيْتُ معه كِتَابًا قَطّ. فقال له: قد كان حَافِظًا! كم كان يَحْفَظُ؟ قال: شَيئًا كَثِيْرًا، قال له: كان يَحْفَظُ عَشرةَ آلافٍ؟ قال: عَشْرةَ آلاف وعَشرةَ آلاف وعشرةَ آلاف، قال أبي: هذا كان مثلَ وَكِيع.
قال الخَطِيبُ
(1)
: أخْبَرَنا أحْمَد بن أبي جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن أحْمَد الصَّيْدَلانِيّ (a)، قال: حَدَّثنا مُحَمَّد (b) بن عَمْرو العُقَيْلِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بن يَحْيَى الحُلْوَانِيّ أبو أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن سَعد (c) بن أبي مَرْيَم، قال: سَمِعْتُ عليّ بن عَبْد الله بن جَعْفَر يَقُول: رَجُلان همُا صَاحِبَا حديث بَلَدِهما: إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاشٍ، وعبدُ الله بنُ لَهِيْعَة.
وقال الخَطِيبُ
(3)
: أخْبَرَني مُحَمَّد بن الحَسَن (d) بن أحْمَد الأهْوَازِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحُسَين بن مُحَمَّد الشَّافِيّ بالأهْوَاز، قال: حَدَّثَنَا أبو عُبَيْد مُحَمَّد بن عليّ الآجُرِّيّ، قال سَمِعتُهُ - يعني أبا دَاوُد السِّجِسْتَانِيّ - يَقُول: قال يَزِيدُ بن هارُون: ما رَأيْتُ عَربيًّا أحْفَظَ من إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش. قال أبو دَاوُد: قَدِمَ إسْمَاعِيْلُ قَدْمَتيْن، قَدِمَ هو وحَرِيْزُ (e) بن عُثْمان الكُوفَةَ في مَسَاحة أرْض حِمْص، وقَدْمَة قَدِمَها إلى بَغْدَاد، سَمعَ منه البَغْدَاديُّونَ، وسَمعَ يَزِيد بن هَارُون من إسْمَاعِيْل بن عَيَّاشٍ ببَغْدَاد في القَدْمةِ الأُوْلَى.
قال الخَطِيبُ
(4)
: وأخْبَرَنا الحُسَينُ (f) بن عليّ الصَّيْمَرِيّ، قال: أخْبَرَنا
(a) مهملة في الأصل، وفي ب: الصندلاني، والمثبت من تاريخ الخطيب.
(b) ب: أحمد.
(c) في الأصل، ب: سعيد، والمثبت من ضعفاء العقيلي وتاريخ بغداد، وتاريخ ابن عساكر 9: 43، وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 13:311.
(d) ب: الحسين.
(e) مهملة في الأصل وب، والإعجام من تاريخ بغداد، مصدر النقل.
(f) ب: أبو الحسين.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 188.
(2)
الضعفاء الكبير 1: 89.
(3)
تاريخ بغداد 7: 187.
(4)
تاريخ بغداد 7: 187.
عليّ بن الحَسَن الرَّازِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الحُسَين الزَّعْفَرَانيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن زُهَيْر، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن يقُول: مَضَيتُ إلى إسْمَاعِيْل بن عَيَّاشٍ فرأيتُه قاعدًا عند دارِ الجَوْهَرِيّ على غُرْفَة وما معه إلَّا رَجُلان (a) ينْظُران في كتابه، فرجَعْتُ ولم أسْمعَ شيئًا، وكان يُحدِّثهم بنحو من خَمْسِمائة في اليَوْم؛ أكْثرَ أو أقَلَّ، وهم أسْفَلَ وهو فَوْقَ، فيأخذُونَ كتابَهُ فيَنسخُونَه من غُدوَة إلى اللَّيْل.
وزادَ غيرُه عن يَحْيَى: فرجعتُ ولم أسْمَع شيئًا.
أخْبَرَنا بهِ أبو الفَرَج بن القُبَّيْطِيّ كتابةً، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن الآبِنُوسِيّ، قال: أخْبرنا الإسْمَاعيليّ، قال: أخْبرَنا السَّهْميّ، قال: أخبَرَنا أبو أحْمد بن عَدِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا البَغَويّ، قال: حَدَّثَنَا عبَّاسٌ، عن يَحْيَى، قال: مَضَيتُ إلى إسْمَاعِيْلَ بن عَيَّاشٍ فرأيتُه عند دَار الجَوْهَرِيّ قاعِدًا على غُرْفَة ومعهُ رَجُلان ينظُران في كتابهِ، فيُحدِّثهم خمسمائةٍ في اليَوْم؛ أقَلَّ أو أكْثَر، وهم أسْفَلَ وهو فَوْق، فيأخذُونَ كتابه فيَنْسخُونَهُ من غُدوَةٍ إلى اللَّيْل، قال يَحْيَى: فرَجَعْتُ ولم أسْمَع شَيئًا.
وقال ابنُ عَدِيّ
(2)
: وذَكَر عبدُ الرَّحْمن بن أبي بَكْر بن عَيَّاش (b)، عن يَحْيَى
(3)
، وذكر عندَهُ ابن عَيَّاش فقال: كان يَقْعد ومعه ثلاثهٌ أو أربعةٌ، فيَقرأ (c) كِتَابًا والنَّاس مُجْتَمعُون، ثمّ يُلْقيه إليهم فيكتُبونَهُ (d) جَمِيعًا، ولَم يَنْظر في الكتاب إلَّا أُولئك الثَّلاثة أو الأرْبَعة. وشهدْتُ ابن عَيَّاش وهو يُحدِّث هكذا، فلم أكُن آخذُ منه شيئًا (e)، ولكنِّي شَهدته يُمْلي إمْلاءً، فكَتَبْتُ عنه.
قال ابنُ عَدِيّ
(4)
: حَدَّثَنَا يُوسُف بن الحَجَّاج، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة
(a) الأصل، ب: رجلين.
(b) ابن عدي: عبد الرحمن بن أبي بكر، عن عباس.
(c) ب: فنقرأ.
(d) تاريخ ابن معين: فيكتبون.
(e) ابن عدي: منه حديثًا.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 289.
(2)
ابن عدي: الكامل 1: 389.
(3)
تاريخ يحيى بن معين 2: 36.
(4)
ابن عدي: الكامل 1: 291.
الدِّمَشقيّ، قال: لم يكُن بالشَّام بعد الأوْزَاعِيّ وسَعِيد بن عَبْدِ العَزِيْر مثل إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش.
أنْبَأنا الكِنْديُّ، قال: أخْبَرنا القَزَّاز، قال: أخبَرنا الخَطيبُ
(1)
، قال: وأخْبَرَني الحسَنُ بن مُحمّد الخلَّالُ، قال: حدَّثَنا يُوسُف بن عُمَر القَوَّاس، قال: سَمعْتُ أبا طَالب أحْمَد بن نَصْر بن طَالب الحَافِظ يقُول: سَمِعتُ العبَّاسَ بن مُحمَّد الدُّوْرِيّ يقولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِين يقول: قَدِمَ علينا إسْماعيلُ بن عَيَّاش فنَزلَ شَارِع عَمْرو الرُّوميّ فقَعَدَ على رَوْشَنٍ وقرأَ على النَّاسِ صَحيفَةً، ورَمَى بها إليهم، فلَم آخُذ منها شَيئًا لأنِّي لم أَكُن أنْظُر فيها.
أخْبَرنا أبو الفَضْل جَعْفَر بن أبي البَرَكات في كتابهِ، قال: أخْبَرنا أبو طَاهِر الحَافِظ، قال: أخْبرنا أبو مُحمّد بن الأكْفَانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحمَّد الكتَّابيّ، قال: أخْبرنا عَبْدُ الوَهَّاب المَيْدَانيّ، قال: حدَّثنا أبو هَاشمِ السُّلَمِيّ، قال: حدَّثنا القَاسِم بن عيسى العَصَّار، قال: حدَّثنا أبو إسْحاق إبْراهيم بن يَعْقُوب الجُوْزجَانِيّ، قال: سَألتُ أبا مُسْهِر عن إسْمَاعِيلَ بن عيَّاش وبَقِيَّة، فقال: كُلٌّ كان يأخُذ عن غير ثِقَة، فإذا أخَذْت حَديثَهُ عن الثِّقَات فهو ثِقَة. أمَّا إسمَاعِيل بن عيَّاشٍ فقُلتُ لأبي اليَمَان: ما أشْبَه حَدِيثَه بثياب سَابُور (a)؛ يَرْقمُ على الثَّوب المائة ولعلَّ شِرَاءهُ دُونَ عَشرة. قال: كان من أرْوَى (b) النَّاس عن الكَذَّابين وهو في حَدِث الثِّقَات من الشَّاميِّيْن أحْمد منه في حَدِث غيرهم.
أنْبَأنا ابنُ القُبَّيْطِيّ، قال: أخْبَرنا ابنُ الأبنُوسِيّ، قال: أخبرنا الإسْمَاعيْليّ، قال: أخبرنا السَّهْميّ، قال: أخْبرَنا ابن عَدِيّ
(2)
، قال: سَمِعْتُ ابن حَمَّاد يقُول: قال
(a) ب: نيسابور.
(b) في الأصل: أردى، وغير مقروءة في ب، والمثبت من الكامل لابن عدي وتهذيب الكامل 3:178.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 187.
(2)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 290.
السَّعْدِيّ: سَألتُ أبا مُسْهِر عن إسمَاعِيل بن عيَّاش وبَقِيَّة، فقال: كُلُّ كان يأخُذُ عن (a) غير ثِقَة، فإذا أخَذْت حَدِيثَهُم عن الثِّقَاتِ فهو ثِقَةٌ. قال: وقال النَّسَائيّ: إسمَاعِيل بن عيَّاش (b) ضَعِيفٌ.
وقال ابنُ عَدِيٍّ
(1)
: سَمِعْتُ ابن حمَّاد يقول: إسْمَاعيل بن عَيَّاش ما رَوَى عن الشَّامِيِّيْن فهو أصَحُّ.
وقال ابنُ عَدِيّ
(2)
: حَدَّثنَا عَبْدُ الوَهَّاب بن أبي عِصْمَة، قال: حَدَّثنَا أبو طَالِب أحْمَد بن حُمَيْد، قال: سَمِعْتُ أحْمَدَ بن حَنْبَل (c) يَقُول: إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش ما رَوَى عن الشَّامِيِّينَ صحيحٌ، وما رَوَى عن أهل الحجاز فليس بصَحيحٍ.
وقال ابنُ أبي عِصْمَة: حَدَّثنَا أحْمَدُ بن أبي يَحْيَى، قال: سَمِعْتُ أحْمَد بن حَنْبَل يَقول: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش ما رَوَى عن الشَّامِيّين فهو صَحيح، وما رَوَى عن أهْل المَدِينَة وأهل العِرَاق ففيه ضَعْفٌ يغْلَطُ.
وقال ابنُ عَدِيّ
(3)
: حَدَّثَنَا ابن حَمَّاد، قال: حَدَّثَني عَبْدُ الله بن أحْمَد، قال: سَألْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن عن إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، فقال: إذا حَدَّثَ عن الشُّيُوخَ الثِّقَاتِ مثل مُحَمَّدِ بن زِيَاد، وشُرَحْبِيلَ بن مُسلم، قلتُ ليَحْيَى: كتبْتَ عن إسْمَاعِيْلِ بن عياش؟ قال: نعم؛ سَمِعتُ منه شيئًا قال عَبْدُ الله: وقد حَدَّثنا عنه يَحْيَى بن معِيْن وهارُون بن مَعْرُوف، قالا: حَدَّثنَا إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، عن شُرَحْبِيل بن مُسْلِم، عن
(a) ابن عدي: من.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: حميد.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل 1: 290.
(2)
ابن عدي: الكامل 1: 288.
(3)
ابن عدي: الكامل 1: 289.
(4)
سنن ابن ماجة 2: 804 (رقم 2405)، القضاعي: مسند الشهاب 1: 64 (رقم:50)، البغوي: شرح السنة 8: 226، المتقي الهندي: كنز العمال 15: 178 (40490) وتحرف في المطبوعة أمامة إلى إسامة.
أبي أُمَامَةَ
(1)
، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: الزَّعيم غَارِم.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن رَوَاج إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ (a)، قال: سَمعْتُ المُبارَك بن عَبْد الجَبَّار الصَّيْرَفِيّ يقُول: سَمِعْتُ أبا مُسْلِم اللَّيْثِيّ يقُول: سَمِعْتُ علَيِّ بن أبي بَكْر الجُرْجَانِيّ يَقُول: سَمِعْتُ مسْعُود بن عليّ السِّجْزِيّ يَقُول: وسَمِعْتُه - يعني الحاكِم أبا عَبْد الله - يَقُول: إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش معَ جلَالتَه إذا انْفَرد بحديثٍ لم يُقْبل منه لسُوءَ حِفْظه.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُريْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(2)
، قال: وأخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن رِزْق، قال: أخْبَرَنا هِبَةُ الله بن مُحَمَّد بن حَبَش (b) الفَرَّاء، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن عُثْمان بن أبي شَيْبَة، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن - وذُكِرَ عندَهُ إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش - فقال: كانَ ثِقَةً فيما رَوَى عن أصْحَابِه أهْل الشَّام، فما (c) رَوَى عن غيرهم فَخَلَّطَ فيها.
قال
(3)
: وأخْبَرَنا أبو الفَرَج مُحَمَّدُ بن عُبَيْد الله (d) بن شهرَيَار الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَنا سُليْمان بن أحْمَد الطَّبَرَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُثْمان بن أبي شَيْبَة، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن يقُول: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش ثِقَةٌ فيما رَوَى عن الشَّامِيِّيْن، وما رَوَى منهُ عن أهْل الحِجِاز (e) فإنَّ كتابَهُ ضَاعَ فَخَلَّطَ في حِفْظه عنهم.
وقال الخَطيبُ
(4)
: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَرْقَانِيّ، قال: أخْبَرَنا الحُسَين بن عليّ التَّمِيْمِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عَوَانَة يَعْقُوبُ بن إسْحاق الإسْفَرَاينِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو
(a) ب: السلمي.
(b) في الأصل: حيش، وفي تاريخ ابن عساكر 9: 49: جيش، وورد اسمه في ب: محمد بن هبة الله بن حيش، وانظر ترجمته في تاريخ بغداد 16:107.
(c) تاريخ بغداد: وما روى.
(d) في تاريخ بغداد، عبد الله. والمثبت موافق لتاريخ ابن عساكر 9:49.
(e) تاريخ بغداد: وأما روايته عن أهل الحجاز.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 192.
(2)
تاريخ بغداد 7: 192.
(3)
تاريخ بغداد 7: 191.
(4)
تاريخ بغداد 7: 191.
بَكْر المَرُّوذِيّ، قال: سألتُه - يعني أحْمَدَ بن حَنْبَل - عن إسْمَاعِيْلَ بن عَيَّاش، فحَسَّنَ روايتَهُ عن الشَّامِيِّيْن، وقال: وهو فيهم أحْسَنُ حالًا ممّا رَوَى عن المَدَنِيِّيْن وغيرهم.
قال
(1)
: وأخْبَرَنا البَرْقَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن حَسْنُوَيْه الغُوْزَميِّ (a)، قال: أخْبَرَنا الحُسَينُ بن إِدْرِيس الأنْصَاريّ، قال: حَدَّثَنَا أبو دَاوُد سُليْمان بن الأشْعَث، قال: وسألتُ أحْمَد عن إسْمَاعيْلَ بن عَيَّاش، فقال: ما حَدَّثَ عن مَشَايخِهم. قُلتُ: الشَّامِيِّيْن؟ قال: نعم، فأمًّا حَديثُ غيرهم فعندَهُ (b) مَنَاكيْرُ.
وقال الخَطِيبُ
(2)
: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم الحافِظ، قال: حَدَّثنَا مُوسَى بن إبْراهيم بن النَّضْر العَطَّار، قال: حَدَّثنَا مُحَمَّد بن عُثْمان بن أبي شَيْبَةَ، قال: سَألْتُ عليًّا - يعني ابن المَديْنِيّ - عن إسْمَاعِيْلَ بن عَيَّاش؟ فقال: كان يُوَثَّقُ فيما رَوَى عن أصْحَابهِ أهل الشَّام، فأمَّا ما رَوَى عن غير أهل الشَّام ففيه ضَعْفٌ.
قال الخَطِيبُ
(3)
: وأخْبَرَنا أبو القَاسِمِ الأزْهَريّ، قال: حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحْمن بن عُمَر الخَلَّال، قال: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن يعْقُوب بن شَيْبَة، قال: حَدَّثنَا جَدِّي، قال: وإسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاشٍ ثِقَةٌ عند يَحْيَى بن مَعِيْن وأصْحَانبا فيما رَوَى عن الشَّامِيِّيْن خَاصَّةً، وفي رِوَايته عن أهْلِ العِرَاق وأهل المَدِينَةِ اضْطِرَابٌ كَثِيْرٌ، وكان عَالِمًا بناحيَتِهِ.
قال
(4)
: وأخْبَرَنا ابنُ الفَضْل القَطَّان، قال: أخْبَرَنا عُثْمان بن أحْمَد الدَّقَّاق، قال: حَدَّثنَا سَهْل بن أحْمَد الوَاسِطِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حَفْص عَمْرو بنُ عليّ، قال:
(a) الأصل، ب: العرزمي، والمثبت من تاريخ بغداد والكفاية في علم الرواية للخطيب أيضًا 50، 128، 151، ومثله عند ياقوت فيمَن ينتسب إلى غُوزَم، قرية من قرى هراة. معجم البلدان 4:218.
(b) تاريخ بغداد: عنده.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 194.
(2)
تاريخ بغداد 7: 194.
(3)
تاريخ بغداد 7: 194.
وإسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش إذا حَدَّثَ عن أهل بلادِه فصَحيْحٌ، فإذا (a) حَدَّثَ عن أهل المَدِينَة مثل هِشَام بن عُرْوَة، ويَحْيَى بن سعيد، وسَهْلِ بن أبي صالح، فليسَ بشيءٍ.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ الله بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الفَأْفَاء، ح.
قال: وأخْبَرَنا ابن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْدُ بن عَبْد الله إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم
(2)
، قال: سَألْتُ أبي عن إسْمَاعِيْلَ بن عَيَّاش؟ فقال: هو ليِّن يُكْتَب حديثُه، لا أعْلَم أحدًا كفّ عنه إلَّا أبو إسْحاق الفَزَارِيّ.
قال: وسَمِعْتُ أبي يَقُول: وسُئِلَ إبْراهيم بن مُوسَى عن إسْمَاعِيْل بن عَيَّاشٍ كيفَ هو في الحَدِيْث؟ قال: كان حَسَنَ الخِضَاب!.
وسُئِلَ أبو زُرْعَة عن إسْمَاعِيْلَ بن عَيَّاش؟ فقال: صَدُوقٌ إلَّا أنَّهُ غَلط في حديث الحِجَازِيِّيْن والعِرَاقِيِّيْن.
وقال ابنُ أبي حَاتِم
(3)
: حَدَّثنا أبي، قال: حَدَّثنا أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، قال: سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُول: قَدِمَ علينا إسْمَاعيْلُ بن عَيَّاش فأخذ منِّي أطْرَافًا لإسْمَاعِيْلِ بن أبي خَالِد، فرأيتُه يخلِّط في أخْذه. قال أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ: قال لي وكِيع: يَرْوون (b) عندكم عنه؟ فقُلتُ: أمَّا الوَلِيدُ ومَرْوَانُ فَيْروون عنه، وأمَّا الهَيْثَمُ بن خارِجَةَ ومُحَمَّدُ بن إِيَاس فكأنَّهُم، قال: وأيُّ شيء الهَيْثَم وابن
(a) تاريخ بغداد: وإذا.
(b) الجرح والتعديل: يروى.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 297.
(2)
الجرح والتعديل 2: 191.
(3)
الجرح والتعديل 3: 193.
إِيَاسٍ؟ إنَّما أصْحَابُ البَلَدِ الوَلِيد ومَرْوَان.
كَتَبَ إلينا المُؤيَّد بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ من نَيْسَابُور غير مَرَّة، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحمّد بن الفَضْل الفَرَاوِيّ، ح.
وأخْبَرَنا أبو المَحَاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عليّ بن يَاسِر الجَيَّانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الفَرَاوِيّ (a)، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عَبْد الغَافِر بن مُحَمَّد بن أحْمَد الفَارِسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَمْرُويَه الجُلُودِيّ، قال: أخْبَرَنا إبْراهيم بن مُحَمَّد بن سُفْيان، قال: سَمِعْتُ أبا الحُسَين مُسْلم بن الحَجَّاج يقُول: حَدَّثَنا عَبْد الله بن عبد الرَّحْمن الدَّارِمِيّ، قال: أخْبَرَنا زَكَرِيَّاءُ بن عَدِيّ، قال: قال لي أبو إسْحاق الفَزَارِيّ: اكْتُب عن بَقِيَّةَ ما رَوَى عن المعْرُوفين ولا تكْتُب عنه ما رَوَى عن غير المَعْرُوفين، ولا تكْتُب عن إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش ما رَوَى عن المَعْرُوفين ولا عن غيرهم.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح الكَرُوخِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَامِر مَحْمُود بن القاسِم، وأبو نَصْر الغُوْرَجِيّ، وأبو بَكْر التَّاجر، قالوا (b): أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَرَّاحِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس المحبُوبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عِيسَى التِّرْمِذيّ، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل يَقُول: إنَّ إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش يَرْوي عن أهل الحِجَاز وأهل العِرَاق أحَادِيْثَ مَنَاكيْر، كأنَّهُ ضعَّفَ روَايتَهُ عنهم فيما يَنْفرد به، وقال: إنَّما حديثُ إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش عن أهل الشَّام. وقال أحمدُ: إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش أصْلَح من بَقِيَّة، ولبَقِيَّةَ أحَادِيْثُ مَنَاكيْرُ عن الثِّقَاتِ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر
(a) سقط سنده من ب.
(b) ب: قال.
الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن عَبْد الله السَّرَّاج بنَيْسَابُور، قال: سَمِعْتُ أبا سَعيد بن رُمَيْح يَقُول: سَمِعْتُ عُمَر بن بُجَيْر (a) يَقُول: سألتُ مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ عن إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش؟ فقال
(2)
: إذا حَدَّثَ عن أهل بَلَدهِ فصحيحٌ، وإذا حَدَّثَ عن غير أهل بلدِه ففيه نَظَرٌ.
قال الخَطِيبُ
(3)
: أخْبَرَنا أحْمَد بن أبي جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن أحْمَد بن يُوسُف، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر العُقَيْليِّ
(4)
، قال: حَدَّثنَا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن عليّ، قال: حَدَّثنَا أبو صالح الفَرَّاء، قال: قُلْتُ لأبي إسْحاقَ الفَزَارِيّ: إنِّي أُريْدُ مَكَّةَ، وأُريدُ أنْ أمرَّ بِحمْصَ، وثَمَّ رَجُلٌ يُقَالُ لهُ إسْمَاعيْل بن عَيَّاش فأسْمَع منه؟ قال: لا (b)، ذاكَ رَجُلٌ لا يَدْري ما يَخْرجُ من رَأسِه.
وقال الخَطيبُ
(5)
: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن سُفْيان
(6)
، قال: قال عليّ بنِ المَدِيْنِي: ضَرَب عبدُ الرَّحْمن على حديث إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، وعلى حَديثِ المُباركِ بن فَضَالَةَ.
وقال الخَطيبُ
(7)
: أخْبَرَنا عليُّ بن طَلْحَة المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن إبْرَاهيم الطَّرَسُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن دَاوُد الكَرجِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن يُوسُفَ بن خِرَاش، قال: إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش ضَعِيْفُ الحَدِيْث.
(a) كتبها في الأصل سهوًا: رميح ثم شطبها وكتب عقبها بجير.
(b) ليست في نشرة كتاب الضعفاء ولا تاريخ بغداد.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 191.
(2)
قارن بتاريخه الكبير 1: 370.
(3)
تاريخ بغداد 7: 194.
(4)
الضعفاء الكبير 1: 89.
(5)
تاريخ بغداد 7: 191.
(6)
المعرفة والتاريخ 3: 46.
(7)
تاريخ بغداد 7: 195.
أنْبَأنَا أبو الفَرَج مُحَمَّد بن عليّ بن حَمْزَة الحَرَانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَد بن عَبْد الله بن الآبنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم حَمْزَة (a) بن يُوسُف السَّهْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(1)
، قال: كتبَ إليَّ مُحَمَّد بن الحَسَن بن عليّ بن بَحْر: حَدَّثنا عَمْرو بن عليّ، قال: كان عبد الرَّحْمن لا يُحَدِّثُ عن إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، فقال له رجُلٌ مرَّةً: حَدَّثَنَا أبو دَاوُد عن أبي عُتْبَة، فقال له عبد الرَّحْمن: هذا إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، فقال له الرَجُل: لو كان إسْمَاعيْل لَمَا كتَب عنه شيئًا (b)، فسَألتُ عنه أبا دَاوُد (c) فقال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش أبو عُتْبَة.
قال أبو أحْمَد بن عَديّ
(2)
: إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش أبو عُتْبَة الحِمْصِيّ، وذَكَرَ له أحَادِيْث لَم يرْوها غيرُه، ثمَّ قال: وهذه الأحَادِيْث من أحَادِيْث الحِجَاز ليَحْيَى بن سَعِيْد، ومُحَمَّد بن عَمْرو، وهِشَامِ بن عُرْوَة، وابن جُرَيْج، وعُمَر بن مُحَمَّد، وعُبَيْد الله الوَصَّافِيّ، وغيرُ ما ذكرتُ من حديثهم ومن حديث العِرَاقِيِّيْن، إذا رَوَاهُ ابنُ عَيَّاش عنهم فلا يَخْلُو من غَلط يَغْلطُ فيه، أمَّا أنْ لِكُون حَدِيثًا برأسهِ أو مُرْسلًا يُوْصلُه أو موقُوفًا يَرْفعُه، وحَدِيثُهُ عن الشَّامِيِّيْن إذا رَوَى عنهُ ثِقَةٌ فهو مُسْتَقِيْم، وفي الجُمْلَة إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش ممَّن يُكْتَبُ حديثُه ويُحتجّ به خَاصَّة من حَديث الشّامِيِّيْن.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مُحَمَّد القَاضِي إجَازَةً، عن زَاهِر بن طَاهِر، عن أبي بَكْر البَيْهَقِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحافظ، قال: أخْبرَني أبو بَكْر مُحَمَّد بن جعْفَر فيما قرأتُه عليه، قال: قُرئ على أبي بَكْر مُحَمَّد بن إسْحاق وأنا أسْمَعُ، قال: لا أحْتَجُّ بإسْمَاعِيْل بن عَيَّاش.
(a) ب: إسماعيل.
(b) ابن عدي: لم أكتبه شيئًا.
(c) مكررة في الأصل.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل 1: 288.
(2)
ابن عدي: الكامل 1: 296.
وأنْبَأنَا أبو القَاسِم القَاضِي، عن أبي الحَسَن عليّ بن المُسَلَّم الفَقِيه، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَجِ سَهْلُ بن بِشْر، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُنِير، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن رَشِيْق، قال: حدَّثنا أبو عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ، قال: إسْمَاعِيْل بن عَيّاش ضَعِيْفٌ.
أنْبأنَا زَيْد بن الحَسَن البَغْدَاديّ، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الشَّامِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن العَتِيْقيِّ، قال: حَدَّثنا يُوسُف بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو جعفر، قال: حدَّثنا زَكَرِيَّاء بن يَحْيَى، ومُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء البَلْخِيّ، قال: حَدَّثنا مُحَمَّد بن المُثَنَّى، قال: ما سَمعتُ عبد الرَّحْمن يُحَدِّثُ عن إسْمَاعِيْل بن عَيَّاشٍ شَيئًا قَطّ.
أنْبأنَا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر، عن مُحَمَّد بن نَاصِر، عن أبي الفَضْل التِّيْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر الوَائِليّ، قال: أخْبَرَنا الخَصِيْب بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن أبي عبد الرَّحْمن، قال: أخْبَرَني أبي، قال: أبو عُتْبَة إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش الحِمْصِيّ ليس ممَّن يُعْتَمد عليه.
أنْبأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش بن سُلَيم، أبو عُتْبَة العَنْسِيُّ، من أهل حِمْص، سَمعَ مُحَمَّدَ بن زِيَاد الأَلْهَانِيّ، وشُرَحْبِيلَ بن مُسْلِم، وبَحِير بن سَعْد، وأبا بَكْر بن عَبْد الله بن أبي مَرْيَم، ويَحْيَى بن سَعيد الأنْصَاريّ، وسُهَيْل بن أبي صالِح، وعبد الله بن عُثْمان بن خُثَيْم.
رَوَى عنهُ سُليْمانُ الأَعْمَش، وفَرَجُ بن فَضَالَة، وعبد الله بن المبُارَك، ويزِيْد بن هارُون، وأبو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وعبد الله بن صالح العِجْليّ، ومُحَمَّد بن بَكَّار بن الرَّيَّان،
(1)
تاريخ بغداد 7: 186.
وأبو إبْراهيم التُّرْجُمانيّ، ودَاوُد بن عَمْرو الضَّبِّيّ، والحَسَن بن عَرَفَة العَبْدِيّ.
وكان إسْمَاعِيْلُ قد قَدِمَ بَغْدَادَ على أبي جَعْفَر المنصُور، ووَلَّاهُ خِزَانَة الكسْوَة، وحدَّثَ ببَغْدَاد حَدِيثًا كَثِيْرًا.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِمِ علِيِّ بن الحَسَنِ
(1)
، قال: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش بن سُلَيم (a)، أبو عُتْبَة العَنْسِيّ الحِمْصِيّ، روى عن شُرَحْبِيل بن مُسلِم الخَولانِيّ، ومُحَمَّد بن زِيَاد الأَلْهَانِيّ، وبَحِير بن سَعْد، وثَوْر بن يَزِيد، وأبي بَكْر بن أبي مَرْيَم، وعَمْرو بن قَيْس السَّكُونِيّ، وعَمْرو ومُحَمَّد ابني مُهاجِر، وعُمَر بن زُرْعَة، والأوْزَاعِيّ، وهِشَام بن الغَاز الشَّامِيّين، وعَطَاء بن عَجْلان، وعُمَر بن مُحَمَّد بن زَيْد العُمَرِيّ، وسُهَيْل بن أبي صالح، وعبد الله بن عُثْمان بن خُثَيْم المَكِّيّ، وابن سَمْعَان (b)، وابن جُرَيْج، ويَحْيَى بن سَعيد الأنْصَاريّ، ومُوسى بن عُقْبَة، وعُبَيْد الله بن عُمَر، ومُحَمَّد بن عَمْرو، وهِشَام بن عُرْوَة، وإسْحَاق بن عبد الله (c) بن أبي فَرْوَة الحِجازِيّين، والحَجَّاج بن أَرْطَأة، وسُفْيان الثَّوْرِيّ. ورَوَى عن الأَعْمَش.
ورَوَى عنهُ سُفْيانُ الثَّوْرِيّ، واللَّيْث بن سَعْد، ومُحَمَّد بن إسْحاق، وعبدُ الله بن المُبارَك، وعبد الله بن وَهْب، وضَمْرَة بن رَبِيْعَة، وحَجَّاج بن مُحَمَّد الأعْوَر، ومُعْتَمِر بن سُلَيمان، ومَرْوَان بن مُحَمَّد الأسَديّ، والوَلِيد بن مُسلم، ومُوسَى بن أَعْيَن، وهِشَام بن عَمَّار، وسُليْمان بن عبد الرَّحْمن، وبَقِيَّةُ بن الوَلِيد، وأبو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وأبو قُتيبَة سَلْمُ بن قُتيبَة، والفَرَج بن فَضَالَة، ويَزيْد بن هارُون، ويَحْيَى بن
(a) ساقطة من ب.
(b) ابن عساكر: وابن السمعاني.
(c) الأصل، ب: عبيد الله، وقد تقدمت في الجزء قبله ترجمة إسحاق بن محمد الله هذا.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 35 - 36.
حَسَّان، ويَحْيَى بن مَعِيْن، وعَبْد الرَّحمن بن وَاقِد الوَاقِدِيّ، وهارُون بن مَعْرُوف، والهَيْثَم بن خارجَة، والحَسَن بن عَرَفَة، ومَنْصُور بن أبي مُزَاحِم، وكَثِيْر بن الوَلِيدِ، والأبيض بن الأغرّ، وأبو أيُّوب سُلَيْمَان بن أيُّوبَ الحِمْصِي، وأبو عُبَيْدَةَ عُبَيْد بن رَزِيْن الأَلْهَانِيّ، وعَبد الوَهَّاب بن الضَّحَّاكِ، وإبْراهيم بن العَلَاءِ، ومُحَمَّد بن حِمْيَر (a)، وأبو اليَمَان، وعَبْد الرَّحمن بن عُبَيْدِ الله الحَلَبِيّ، وأبو مُسْهِر، وأبو مَعْمَر القَطيْعيّ، ودَاوُد بن رُشَيْد، وعليّ بن عَيَّاش، وأبو الجُمَاهِر، وزُهَيْر بن عَبَّادٍ، وشَبَابَة بن سَوَّار، وأبو عُبَيْد، ومُحَمَّد بن عِيسَى بن (b) الطَّبَّاعِ، وغيرهم.
وكان حَجَّاجًا، وكانت طَريقُه على دِمَشْقَ، حَجَّ بضعَ عَشرةَ حِجَّةً، وبَعَثَهُ أبو جَعْفَر المنصُور إلى دِمَشْقَ، فعدَّل أرْضَهَا الخَرَاجيَّة.
وقال: أخْبَرَنا عمِّي الحافِظُ
(1)
: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز الكتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو الميمُون بن رَاشِد، قال: حَدَّثنا أبو زُرْعَة
(2)
، قال: حَدَّثي يَزِيد بن عَبْد رَبِّه، قال: وُلد إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش سَنَة ستٍّ ومائة، ومات سَنَة إحْدَى وثَمانين.
أنْبأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(3)
، قال: قَرأتُ على الحَسَن بن أبي بَكْر، عن أحْمَد بن كَامِل القَاضِي، قال: ماتَ أبو عُتْبَة إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش الحِمصِيّ الأزرق (c) في سَنَة إحْدَى وثَمانين ومائة، وكان ينزل بَغْدَاد (d)، ووَلَّاهُ المنصُور خِزَانَة الكسْوَة.
(a) الأصل: حُمَيْد، وأصلحه بالمثبت.
(b) ساقطة من ب.
(c) بعده في تاريخ الخطيب: عنسيٌّ.
(d) تاريخ بغداد: وكان قد نزل بغداد.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 40، ولم يرد في هذه الرواية تاريخ للوفاة، فخلط بينها وبين رواية أخرى تقدمتها بسند آخر يتصل بابن عبد ربه.
(2)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 2: 704 - 705.
(3)
تاريخ بغداد 7: 196.
قال الخَطِيبُ
(1)
: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن الحُسَين المتُّوْثِيّ، قال: أخْبَرَنا دَعْلَج بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ الأبَّار، قال: حَدَّثنا الحسنُ بن عليّ، قال: سَمِعْتُ حَيْوَة بن شُرَيْح (a) يَقُول: ماتَ إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش سَنَة إحْدَى وثَمانين.
وقال الخَطِيبُ
(2)
: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثنا يَعْقُوبُ
(3)
، قال: سَمِعْتُ الحَجَّاج بن مُحَمَّد الخولانِيّ، قال: ماتَ إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش سَنَة إحْدَى وثَمانين ومائة، يَوْم الثّلاثَاءَ لستٍّ مَضَيْنَ من جُمَادَى.
أنبأنَا عُمَر بن مُحَمَّد الدَّارْقَزِّيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد السَّمَرْقنديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن هِبَة الله، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله (b) بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنا يَعْقُوب، قال: قال أبو عَبْد الله: وابن عَيَّاش فيها مات؛ يعني سَنَة إحْدَى وثمَانين ومائة.
أنْبَأنَا ابن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل بن نَاصِر، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، وأبو الحُسَيْن بن الطُّيُورِيّ، وأبو الغَنائِم مُحَمَّد بن عليّ، واللَّفْظ له، قالوا: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ - زَادَ ابنُ خَيْرُون: وأبو الحُسَين الأصْبَهَانِيّ - قالا: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن إسْماعِيْل، قال: قال لنا حَيْوَة: مات - يعني إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش - سَنَة إحْدَى وثَمانين ومائة.
أنْبَأنَا أبو حَفْص المُؤدِّبُ، عن أبي غَالِب بن البنَّاءِ، عن عُبَيْد الله بن أحْمَد الكُوْفيّ. قال أبو حَفْص المُؤدِّبُ: وأخْبَرَنا أبو البَرَكات (c) عَبدُ الوَهَّاب بن
(a) ب: عبيد.
(b) ب: محمد.
(c) سقطت كنيته من ب.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 195.
(2)
تاريخ بغداد 7: 195.
(3)
المعرفة والتاريخ 1: 173.
المُبارَك الأنْمَاطِيّ، إذْنًا إنْ لم يَكُن سمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ بن عُبَيْد الله بن سَوَّار، قال: أخْبَرَنا عُبيدُ الله بن أحْمَد (a) الكُوْفيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عِمْران، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن أبي دَاوُد، قال: حَدَّثنا ابن مُصَفَّى (b)، قال: وإسْمَاعِيْل بن عَيَّاش تُوفِّي يَوْم الثّلاثَاء لثمانٍ خَلَوْنَ من شَهْر رَبيع الأوَّل سنَة إحْدَى وثَمانين ومائة.
قال أبو البرَكات الأنْمَاطِيّ: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَدُ بن الحَسَن، وأبو الفَضْل بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَلى بن إسْحاق، قال: أخْبَرَنا أبو حَفْص الأهْوَازِيّ، قال: حَدَّثنا خَليفَة بن خَيَّاطٍ
(1)
، قال: في خَامسةِ أهْل الشَّامَاتِ: إسْمَاعِيْل بن عَيَّاشٍ، ويُكْنَى أبا عُتْبَة، حِمْصيٌّ، مات سَنَة اثْنَتَيْن وثَمانين ومائة.
أنْبَأنَا أبو حَفْصٍ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد السَّمَرْقنديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الصَّريفِيْنِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن حَبَابَة، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله، قال: حَدَّثي عبَّاسٌ، قال: حَدَّثنا أبو مُسْلم، قال: ماتَ إسْماعِيْل بن عَيَّاشٍ سَنَة ثنْتَيْن وثَمانين.
وقال ابنُ السَّمَرْقَنْديّ: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن البُسْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّص إجَازَةً، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد عُبَيْد الله بن عبد الرَّحْمن السُّكّرِيّ، قال: أخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن المُغِيرَة، قال: أخْبَرَني أبي، قال: حَدَّثي أبو عُبَيْد القَاسِم بن سَلَّام، قال: سَنَة اثنتَيْن وثمانين ومائة، فيها مات إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاشٍ بحِمْصَ.
(a) ب: أحمد بن عبيد الله.
(b) ب: ابن مصيفي.
_________
(1)
طبقات خليفة 316.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّدُ بن هِبَة الله القَاضِي، فيما أَذِنَ لنَا أنْ نَرْويَهُ عنْهُ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر اللَّفْتُوانيّ، قال: أخْبرَنا أبو عَمْرو بن مَنْدَة، قال: أخْبَرنا الحَسَنُ بن مُحمَّدُ بن يُوسفَ، قال: أخْبَرَنا أحمد بن مُحَمَّد بن عُمَر، قال: حَدَّثَنا أبو بكر بن أبي الدُّنيا، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن سعد، قال: في الطَّبَقَةِ الخامِسَة من أهْل الشَّام: إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش، ويُكْنَى أبا عُتْبَة، حِمْصيٌّ، تُوفِّي سَنَة اثنتَيْن وثَمانين ومائة.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت
(2)
، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن أبي بَكْر، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن إبْراهيم بن عِمْرَان (a) الجُوْرِيّ في كِتَابِهِ إليْنَا من شيْرَاز، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن حَمْدَان بن الخَضِر، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن يُونُس الضَّبِّيّ، قال: حَدَّثَني أبو حَسَّان الزِّيَادِيّ، قال: سَنَة اثْنَتَيْن وثَمانين ومَائة، فيها ماتَ إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش الحِمْصِيّ، يُكْنَى أبا عُتْبَة.
قال الخَطِيبُ
(3)
: وأخْبَرَنا أبو سَجد بن حَسْنُوَيْه، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن أحْمَد بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بن أحْمَد الأهْوَازِيّ، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَة بن خَيَّاط
(4)
، قال: مات إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش سَنَة اثْنَتَيْن وثَمانين ومائة.
قال الخَطِيبُ
(5)
: وأخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن الحُسَين القَطَّان، قال: أخْبَرَنا دَعْلَجُ بن
(a) الأصل، ب: عبدان، والتصويب من تاريخ بغداد (مصدر النقل) وياقوت الحوي فيمن يُنْسب إلى مدينة جُور ببلاد فارس. معجم البلدان 3: 181، وانظر ترجمته أيضًا في: معجم الأدباء 5: 2295 (وفيه: الجوزي، تصحيف)، بغية الوعاة للسيوطي 1:12.
_________
(1)
ليست في المتبقي من تاريخ ابن عساكر، واستدركه المحقق في النصوص الضائعة من الكتاب 71:307.
(2)
تاريخ بغداد 7: 196.
(3)
تاريخ بغداد 7: 196.
(4)
طبقات ابن خياط 316.
(5)
تاريخ بغداد 7: 195.
أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عليّ الأبَّار، قال: سَألْتُ عَمْرَو بنَ عُثْمان عن إسْماعِيْلَ بن عَيَّاش: مَتَى مات؟ قال: سنَة إحْدى أو اثنتَيْن وثَمانين.
حَرْفُ الغَين في آباءِ مَن آباءِ اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بن غَازِي بن عَبْدِ الله النَّقِيْبُ، أبو مُحَمَّد الحَرَّانيّ
حَكَى عن زَاكي المجنُون الحرَّانيّ، وكان يرجعُ إلى فَضْلٍ وخَيْر، رَوَى عَنْهُ ابنُه إبْراهيم الّذي قدَّمنا ذِكْره
(1)
، ذَكَرَ لي ذلك رَفِيقُنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن شُحَانَة الحرَّانيّ، وحَكَى لنا عنه، وذكرَ لي أنَّهُ دَخَلَ حَلَب غير مَرَّة.
أخْبرَني أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عُمَر بن شُحَانَة الحرَّانيّ بها، قال: أخْبَرَني إبراهيم بن إسْماعِيْل النَّقِيْب، قال: قال لي أبي: خرجْتُ من حَرَّانَ إلى المَوْصِل في زمن الشِّتَاء والوَحْل والأمْطَار، وكانت جِمَال النَّاس تقَع كَثيرًا، وقاسَى النَّاسُ شِدَّةً عَظِيمَةً، وكنتُ أخْشَى على نفسِي لِمَا أعْلَم من ضَعْفي، فنِمْتُ فسَمِعْتُ قَائلًا يقول: ألَا أُعلِّمُكَ شيئًا إذا قلتَهُ لَم يقَع جَمَلُكَ وتأمَنُ بهِ؟ فقُلتُ لَهُ: بلى والله ولك (a) الأجْرُ، فقال لي: قُل {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا}
(2)
الآية، فقُلْتُها، فما وقعَ جَمَلي حتَّى دخَلْنا المَوْصِل، وهَلك للنَّاس شيء كَثِيْر من سُقُوط جِمَالِهم، وسَلِمَ ما معي.
أنْشَدَني أبو مُحَمَّد بن شُحَانَة، قال: أنْشَدَني أبو إسْحاق الحرَّانيّ، قال: أنْشَدَني أبي (b) إسْمَاعِيْل، قال: سَمِعت زاكي المجْنُون الحَرَّاني يُنْشد: [من المسرح]
قد تُحْرِقُ النَّارُ مَنْ لَهُ كَبِدٌ
…
فَمَنْ هُوَ النَّارُ كيفَ يَحْتَرِقُ
(a) ب: بلى ولك.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
في الضائع من أجزاء الكتاب الأولى.
(2)
سورة فاطر، من الآية 41.
قالوا: بِهِ جِنَّةٌ ولو عَلمُوا
…
أنَّ جُنُوني به لمَا نَطَقُوا
تُوفِّي أبو مُحَمَّد النَّقِيْبُ بإرْبِل.
حَرْفُ الفاءِ في إداءِ مَن اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ في فَضَائِل بن سَعيْد، أبو مُحَمَّد البَدْلِيْسِيّ الصُّوْفيّ
(1)
من أهْل بَدْلِيْس، إحْدى بلاد أخْلَاط، قَدِمَ الشَّامَ منها واجْتازَ بحَلَب أو ببَعْضِ عَمَلها في طَريقِه.
ذَكَرَهُ الحافِظُ أبو القَاسِم الدِّمَشقيّ في تَارِيْخهِ
(2)
، بما أنْبَأنَا بهِ أبو البَرَكَاتِ الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عمِّي أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة الله، قال: إسْمَاعِيْلُ بن فَضَائِل بن سَعِيد، أبو مُحَمَّد البَدْلِيْسِيّ، من أهل بَدْلِيْس من بلادِ أَرْمِينِيَة، قَدِمَ دِمَشْقَ، ونزَلَ دُوَيْرَة الصُّوْفيَّة مُدَّةً، ثمّ جُعِلَ إمَامًا في الجَامِع، وسَكَنَ دارَ الخَيْل، وكان مُتَصَوِّنًا (a)، قليلَ التَّبَذُّلِ، حَافِظًا للقُرْآن برواياتٍ، مُلَازمًا لبَيْتهِ، فأقام إمَامًا في الجَامِع نيفًا وثَلاثين سَنَةً إلى أنْ ظَهَرَ عليه شيءٌ في اعْتِقَادِهِ من مَيْلِه إلى التَّشْبِيْه، فعُزِلَ عن الإمَامَةِ في شَهْر رَمَضَان سَنَة ثَمانٍ وعشرين وخَمْسِمائَة، ونُصِبَ أبو مُحَمَّد بن طَاوُس مكانه، وجَرَت في ذلك تَعَصُّباتٌ ومُرَافعاتٌ إلى الوَالي، فاسْتَقرَّ الأمْرُ على أنَّهُ لا يتقدَّمُ في الجَامِع غيرُ إمامِ الشَّافِعيَّةِ
(a) كذا في الأصل، من صيانة النفس، والذي في نشرة ابن عساكر، مما استدرك عليه نقلًا عن ابن العديم: متصوفًا.
_________
(1)
توفي سنة 535 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 71: 308 - 309، ابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق 274، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 20: 328، طبقات القراء 2:759.
(2)
ترجمته في الضائع من تاريخ ابن عساكر، وقد استدركها المحقق ضمن النصوص الملحقة آخر الكتاب مما وجده في المصادر، وأدرج هذه الترجمة نقلًا عن ابن العديم. انظر تاريخ ابن عساكر 71: 308 - 309.
وإمام الحنَفِيَّة لا غير، وبقي الأمرُ كذلك مُدَّةً، وكان البَدْلِيْسِيُّ في ابْتداءَ أمْرِه صُوفيًّا مُجرِّدًا، حُكِي عنه أنَّهُ كان في الدُّوَيْرَة، فإذا أصَحابَهُ احْتلامٌ اغْتَسَل بالماء الباردِ، فقال له بعضُ النَّاسِ: لو جَعَلْتَ تحت سجَّادتكَ صحيحًا تدخُل به الحَمَّام، فقال: أنا أُظْهرُ التَّصَوُّف فكيف أدَّخِرُ شيئًا.
ثمّ أَثْرى بعد ذلك من التِّجَارة فيما كان يأخُدُه من الأجْر على الصَّلاة، ومن قَبُول الصِّلَاتِ، واشْترَى بستَانًا.
وماتَ وخَلَّفَ قِطْعَةً من المال، وكانت وفاتُهُ في الثَّالث من ذِي الحِجَّة سَنَة خَمْسٍ وثَلاثين وخَمْسِمائَة، ودُفِنَ ببُسْتَانهِ من أرض كَفْر يَامُقْرَى.
إسْمَاعِيْلُ بن الفَضْل
حدَّثَ بطَرَسُوسَ عن أبي أُمَيَّة مُحَمَّد بن إبْراهيم الطَّرَسُوسِيّ، رَوَى عنهُ أحْمَد بن مُحَمَّد بن هَارُون الخَلَّال، وسَمِعَ منه بطَرَسُوس.
حَرْفُ القَاف في آباءِ مَن اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بن القَاسِم بن إسْمَاعِيْل الإمَامُ، أبو القَاسِم الحَلَبِي الخَيَّاطُ المُؤدِّب
(1)
وبعضُهُم يَنْسبُه المِصْرِيّ، كان حَلَبيًّا، وأظُنُّه سَكَنَ مِصْر فَنُسِبَ إليها، ثمّ سَكَنَ دِمَشْقَ، وحَدَّثَ بحَلَبَ، وحِمْصَ، وحَمَاةَ، ودِمَشْقَ.
سَمِعَ بحَلَب أبا العبَّاس يَحْيَى بن عليّ بن هاشِم (a) الكِنْدِيّ، ومُحَمَّد بن
(a) ب: هشام.
_________
(1)
توفي بعد سنة 370 هـ، وترجمته في: تاريخ الإسلام 8: 319.
أحْمَد بن عَبْد الله الرَّافِقِيّ، وعليّ بن عَبْد الحَميْد الغَضَائِريّ، وأبا الفَضْل العبَّاس بن الفَضْل بن حَبِيْب الدَّبَّاج (a) السَّامريّ الحافظ، وبأنْطَاكِيَة إسْحاق بن أبي عبد الرَّحْمن الأُطْرُوش، وأبا الطَّاهِر الحُسَينَ بن أحمَد بن إبْراهيم بن فيْل، وأبا العبَّاس الوَلِيد بن عَبْد العَزِيْز بن أبَان، وأبا الحَسَن يَعْقُوب بن إسْحاق بن أبي عبد الرَّحْمن العَطَّار الأنْطَاكِيّين، وبطَرَسُوس أبا عَبْد الله مُحَمَّد بن أحْمَد السَّوَانِيْطِيّ، وأبا عَبْد الله مُحَمَّد بن يَزِيد الدَّرَقِيّ (b)، وبأَذَنَة أبا عُمَيْر عَدِيّ بن أحْمَد بن عَبْد البَاقِي الأَذَنِيّ، ورَوَى عنهُم وعن أبي أحْمَد العبَّاس بن الفَضْل بن جَعْفَر المَكِّيّ، ومَكْحُول البَيْرُوتيّ، وأبي الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحُسَين، المَعْرُوف بابنِ أبي نَضْلَة، وأبي الحَسَن يَعْقُوب بن إسْحاق بن إبْراهيم بن يَزِيد العَسْقَلانِيّ، وابن أبي خيْرَة الرَّقِّيِّ.
رَوَى عنهُ أبو المُعَمَّر المُسَدَّدُ بن عليّ بن عَبْدِ الله الأمْلُوكِيّ الحِمْصِيّ، وأبو القَاسِم تَمَّامُ بن مُحَمَّد بن عَبْدِ الله الرَّازِيّ، والقَاضِي أبو عَمْرو عُثْمانُ بن عَبْدِ الله بن إبْراهيم الطَّرَسُوسِيّ، وأبو الحُسَيْن (c) عليّ بن مُحَمَّد بن الطُّيُورِيّ الحَلَبِيِّ الفَقِيه، وأبو الفَتْح المُؤيَّدُ بن أحْمَد بن عليّ الخَطِيبُ، وأبو نَصْر عَبدُ الوَهَّاب بن عَبْد الله بن (d) الجَبَّان، وعبد الوَهَّاب المَيْدانيّ، وابو عبدِ الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن طَلْحَة الصَّيْدَاوِيّ، وأبو الحُسَين عليّ بن عَبْد القَاهِر الأزْدِيّ الصّائِغ، وأبو العبَّاس أحْمَد بن مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء النَّسَوِيّ الصُّوْفيّ، وأبَو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن شَوَّاش، وشُعَيْب بن عبد الرَّحْمن بن عُمَر بن نَصْر، وأبو الحَسَن عُبَيْدِ الله بن الحَسَن بن أحْمَد بن (e) الوَرَّاق، ومَكِّيّ بن مُحَمَّد بن الغَمْر، وأبو المَجْد مُحَمَّد بن عَبْد الله بن سُلَيمان المَعَرِّيّ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحُسَينُ بن هِبَةِ الله بن صَصْرَى الدِّمَشقيُّ بها، قال: أخْبَرَنا
(a) ساقطة من ب.
(b) في الأصل بالذال المعجمة المضمومة، ويأتي فيما بعد بالمهملة، والمثبت مع ضبطه من توضيح المشتبه لابن ناصر الدين 4:293.
(c) الأصل، ب: أبو الحسن، وصوابه المثبت كما تقدم.
(d) ساقطة من ب.
(e) ساقطة من ب.
أبو الحَسَن عليُّ بن عَسَاكِر بن سُرُور المَقْدِسِيّ بقراءة أبي عليه، قال: أخْبَرَنا القَاضِي الخَطِيبُ أبو عَبْد الله الحَسَنُ بن أحْمَدَ بن عَبْد الوَاحِد بن أبي الحَدِيْد السُّلَمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو المُعَمَّر المُسَدَّد بنُ عليّ بن عَبْدِ الله الأَمْلُوكِيّ، قال: حَدَّثنَا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بنُ القَاسِم بن إِسْمَاعِيْل الحَلَبِيّ بِحمْصَ يَوْم الجُمُعَة لسَبْعٍ وعشرين لَيْلَةً خَلَتْ من ذي القَعْدَة سنة سبْعِين وثَلاثِمائة، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليُّ بن عَبْدِ الحَميْد الغَضَاِئِريّ، قال: حَدَّثنَا عَبْدُ الله بن مُعاوِيَة الجُمَحِيّ، قال: حَدَّثنَا ثَابِتُ بن يَزِيد، عن هِلال بن خَبَّاب، عن عِكْرِمَة، عن ابن عبَّاسٍ، قال
(1)
: دَخَل عُمَرُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وهو على حَصِيرٍ قد أثَّرَ (a) في جَنْبه، فقال: يا رسُولَ الله، لو انَّخذتَ فِراشًا أَوْثَرَ من هذا؟ فقال: ما لي وللدُّنْيا (b)، وما للدُّنيا وما لى، والّذى نَفْسِي بيدِهِ ما مثَلي ومثَلُ الدُّنْيا إلَّا كَرَاكبٍ سارَ في يَوْمٍ صَائفٍ فاسْتَظلَّ تحتَ شَجَرَة ساعةً من نَهارٍ ثمّ رَاح وتَرَكَها.
أنْبَأنَا زَيْنُ الأُمَناء أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو القاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(2)
، قال: إسْمَاعِيْل بن القَاسِم بن إسْمَاعِيْل، أبو القَاسِم المِصْرِيّ الخَيَّاط المُؤِدِّب، كان يَسْكُن بابَ كَيْسَان، روَى عن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَبْد الله الرَّافِقِيّ نَزِيلُ حَلَب، وأبي عُمَيْر عَدِيّ بن أحْمَد بن عَبْد البَاقِي الأَذَنيّ، وأبى الطَّاهِر الحَسَن بن أحْمَد بن إبْراهيم بن فِيْل، وعليّ بن عَبْد الحَميْد الغَضَائِريّ، وأبي عبد الله مُحَمَّد بن يَزِيد الدَّرَقِيّ نَزِيلُ طَرَسُوس، ومَكْحُول البَيْرُوتِيّ،
(a) ب: حصير فأثر.
(b) ب: وما للدنيا.
_________
(1)
مسند ابن حنبل 3: 362 (رقم 2744)، الطبراني: المعجم الكبير 11: 327 (رقم 11898)، الحاكم: المستدرك 4: 309 - 310، الأصبهاني: حلية الأولياء 3: 342، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 14: 265 (رقم 6352)، المتقي الهندي: كنز العمال 3: 205 (رقم 6177).
(2)
في الضائع من تاريخ ابن عساكر، وهو في المستدرك على تاريخ ابن عساكر نقلًا عن ترجمة ابن العديم هذه 71: 310 - 313.
وأبي العبَّاس الوَلِيد بن أبَان الأنْطَاكِيّ، وأبي الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن (a)، المَعْرُوفُ بابنِ [أبي] نَضْلَة (b)، وأبي العبَّاس يَحْيَى بن علِيّ بن هاشِم الكِنْديّ الحِمْصِيّ، وأبي الحَسَن يَعْقُوب بن إسْحاق بن إبْراهيم بن يَزِيد العَسْقَلانِيّ، وَأبي يَعْقُوب إسْحاق (c) بن أبي عبد الرَّحْمن الأنْطَاكِيّ العَطَّار، وأبي الفَضْل العبَّاس بن الفَضْل الدَّبَّاج البَغْدَاديّ نَزِيلُ حَلَب.
روى عنه تمَّام بن مُحَمَّد، وعبد الوَهَّاب المَيْدانيّ، وأبو نَصْر بن الجَبَّان، ومَكِّيّ بن مُحَمَّد بن الغَمْر، وأبو الحُسَين عليّ بن عَبْد القَاهِر الأزْدِيّ الصَّائِغ، وأبو المُعَمَّر المُسَدَّدُ بن عليّ الِحِمْصِيّ، وأبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن طَلْحَة الصَّيْدَاوِيّ، وأبو عليّ الحَسَن بن عِليّ بن شَوَّاش، وأبو الحَسَن عَبْد الله بن الحَسَن بن أحْمَد بن (d) الوَرَّاق، وشُعيْب بن عبد الرَّحْمن بن عُمَر بن نَصْر، وأبو العبَّاس أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن زَكِريَّاء النَّسَوِيّ الصُّوْفيّ (e).
كذا قال الحافِظُ أبو القَاسِم في ذِكْر شُيُوخ أبي القَاسِم هذا: يَحْيَى بن عليّ بن هاشِم الكِنْدِيّ الحِمْصِيّ، وليس بحِمْصيّ، بل هو يَحْيَى بن عليّ بن مُحَمَّد بن هاشِم الخَفَّاف الكِنْدِيّ الحَلَبِيّ مَوْلدًا ودَارًا، وسَتأتي تَرْجَمتُه
(1)
في مَوضِعها من كتابنا هذا إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
وذَكَرَ في جُمْلَة شُيُوخِهِ أيضًا: أبا الفَضْل العبَّاس بن الفَضْل الدَّبَّاج البَغْدَاديّ نَزِيلُ حَلَب، فذكَرْناهُ نحن أيضًا اعْتِمَادًا على قول الحافِظ، وتَقْليدًا له، وفي النَّفْسِ منه شيءٌ، فإنَّني أخْشَى (f) أنْ يكُون أبا أحْمَد العبَّاس بن الفَضْل بن جَعْفَر المَكِّيّ،
(a) تقدم اسمه: الحسين.
(b) في الأصل: ابن نَصَلة، مهملة، وبفتح النون والصاد، وفوقها حرف:"صـ"، وفي ب: بصلة، وتقدم إعجامه في طالع الترجمة.
(c) ب: وأبي إسحاق يعقوب.
(d) ساقطة من ب.
(e) ساقطة من ب.
(f) ب، فأخشى.
_________
(1)
في الضائِع من أجزاء الكتاب.
فإنَّهُ من شُيُوخ إِسْمَاعِيْل الحَلَبِيّ، ووقَعَ لنا جُزْءٌ من حديثه روَاهُ لنا شَيْخُنا أبو القَاسِم بن صَصْرَى، وقد أوْرَدنا حَدِيثًا منه في أوَّل التَّرْجَمَة، وروَى في ذلك الجُزءِ عن العبَّاس بن الفَضْل بن جَعْفَر المَكِّيّ، فلعلّ روايتَهُ عن العبَّاس بن الفَضْل المَكِّيّ وقَعَت إلى الحافِظ أبي القَاسِم فظَنَّهُ العبَّاس بن الفَضْل الدَّبَّاج، فعدَّهُ من جُمْلَةِ شُيُوخهِ، وليس منهم، ولَم يقَع إليَّ ما يَدُلُّ على أنَّهُ رَوَى عن الدَّبَّاج غير ما ذَكَره الحافظ، والدَّبَّاج هو من أقْرَان أبي القَاسِم الحَلَبِيّ، فنَبَّهْتُ على ذلك إلى أنْ يتَّضِح الأَمر فيهِ إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
ماتَ أبو القَاسِم إسْمَاعِيْلُ (a) بن القَاسِم الحَلَبِيّ بعد ذي القَعْدَة من سَنَة سَبْعِين وثَلاثِمائة، فإنَّهُ حدَّث بِحمْصَ في هذا التَّاريخ كما أوْرَدناهُ في الحَدِيْث الّذي أسْنَدْناهُ.
إسْمَاعِيْلُ بن القَاسِمِ بن سُوَيْد بن كَيْسَان، أبو العتَاهِيَة
(1)
وقيل: اسْمُه القَاسِمُ بن إسْمَاعِيْل. وقيل: اسْمُه إبْراهيمُ، وكُنْيَتُهُ أبو إسْحاق،
(a) ب: أبو القاسم بن إسماعيل.
_________
(1)
توفي سنة 210 هـ وقيل قبله وبعده، وسيرد في تضاعيف الترجمة جماع الأقوال في سنة وفاته، وترجمته في: الشعر والشعراء لابن قتيبة 409 - 412، ابن المعتز: طبقات الشعراء 208 - 214، الموشح للمرزباني 294 - 303، الصابئ: الهفوات النادرة 60، 70، المسعودي: مروج الذهب 4: 172 - 178، 218 - 322، 333 - 336، النديم: الفهرست 1/ 2: 503 - 504، الأغاني 4: 5 - 89، 15: 187 - 191، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 201، تاريخ بغداد 7: 226 - 238، ابن الجوزي: المنتظم 10: 236 - 243، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 14: 108 - 115، وفيات الأعيان 1: 219 - 226، الذهبي: تاريخ الإسلام 5: 486، سير أعلام النبلاء 10: 195 - 198، الإعلام بوفيات الأعلام 95، العبر في خبر مَن غبر 1: 282، لسان الميزان 1: 426 - 429، ابن كثير: البداية والنهاية 10: 265 - 266، الوافي بالوفيات 9: 185 - 190، شذرات الذهب 3: 52 - 55، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 393 - 400.
وأبو العَتَاهِيَة لقَبٌ له، ويُكْنَى كَيْسَان أبا سُوَيْد، وقيل: كَيْسَان لقَب جَدّ أبيهِ، وأبو سُوَيْدٍ اسْمُه، ولقِبَ كَيْسَانَ في صِغَره لذكائهِ وكَيْسهِ، وهو مَوْلَى لعَنَزة، قيل: هو مَوْلَى عَبَّادِ بن رِفَاعَة العَنَزِيّ، وقيل: هو مَوْلَى لعَطَاء بن مِحْجَن، وقيل: إنَّهُ كان بائعَ جِرَار.
وكان شَاعِرًا سَهْل الألْفَاظ حلوَهَا، قَادِرًا على النَّظْم، غَزَا مع هَارُون الرَّشِيْدِ غَزَاتَهُ الّتي فتَح فيها هِرَقْلَة، ومَدَحَهُ عند فَتْحها بأبياتٍ سَنذْكُرُها إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
لقي أبو العَتَاهِيَة بَقِيَّةَ بن الوَلِيد، وأظُنُّه كتَبَ عنهُ، ورَوَى عن سُليْمان بن مِهْرَان الأَعْمَش.
رَوَى عنهُ ضُرَام - وقيل: صُدَام (a)، وقيل: صدران - بن رَيْحَان بن جَمِيل، ويَحْيَى بن مَعِيْن، والرِّيَاشِيّ، وأشْجَعَ السُّلمِيّ، وأبو سَلَمَة الغَنَويّ، وأبو أيُّوبَ سُليْمان بن أبي شَيْخ، وإبْراهيم بن أبي شَيْخ، وأحمد بن الحَسَن الصُّوْفيّ، ويَعْقُوب السَّوَّاق، وعبد الله بن الضَّحَّاك، وإسْحَاقُ بن إبْراهيم المَوْصِلِيِّ، وإسْحَاق بن أحْمَد (b) بن نَهِيْك، وأبو الشَّمَقْمَق (c)، ومُسَاوِر (d) السَّيَّاف، وابنُهُ مُحَمَّد بن أبي العَتَاهِيَة، وأبو رِيَاح، وسَلْمُ بن وَارع الخَوَّاص (e)، وعليّ بن عُبَيْدة الرَّيْحَانِيّ، ومَنْصُور بن عَمَّار الزَّاهِد، وأبو الحَوَاجب مُحَمَّد بن يَحْيَى الأنْصَاريّ، وأبو تَوْبَة صالح بن مُحمَّد بن عَبْدِ الله بن زِيَاد بن درَّاج، وأحمد بن عليّ بن مَرْزُوق، ومُشَرَّف بن سَعِيْد، وأبو سَعيد
(a) ب: صرام وقيل: ضدام.
(b) ب: إبراهيم.
(c) ب: أبو الشقمق.
(d) ب: وأبو المساور.
(e) ب: والخواص.
_________
= ولأهمية ترجمة ابن العديم هذه، واعتمادها على مصادر ضاعت ولم تصلنا، فقد أفردها إحسان عباس بالدراسة والبحث، وفصَّل مصادره التي اعتمد عليها. انظر: إحسان عباس: ترجمة أبي العتاهية من بغية الطلب لابن العديم، مجلة دراسات، الجامعة الأردنية (مج 15، ع 7، 1988 م، ص 40 - 91).
مُحَمَّد بن النُّعْمان، وحَسَنُ بن سقرة، وأبو شُعَيْب الحَجَّام، ومخَارِق المُغَنِّي، ومُحَمَّد بن صالح العَدَوِيّ، ومُحَمَّد بن عِيسَى الحَرْبِيّ، وأبو دِعَامَة إسْمَاعِيْل بن عليّ، ومُحَمَّد بن عَمْرو الطَّرَسُوسيّ الشَّاعر، ودَاوُد بن يَحْيَى بن عِيسَى بن النَّجَّار.
أخْبَرَنا لُؤْلُؤ بن عَبْد الله الحارِمِيّ الفُنُونِيّ بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم البُوْصِيرِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن بَرَكات السَّعِيْدِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله القُضاعيّ
(1)
، قال: حَدَّثنا أبو حَازِم مُحَمَّدُ بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن خَلَف بن الفَرَّاء البَغْدَاديّ، إمْلاءً من كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن غالب الفَقِيه قِراءَةً عليهِ، قال: حَدَّثَنَا أبو صَخْر مالكُ بن الحَسَن بن مَالِك بن الحَكَم بن سِنَان بن عِصَام بن حشيتة (a) بن أَسْوَد بن مَرْثَد بن عَوْف بن كَعْب بن سَعْد بن زَيْد مَنَاة (b) بن تَمِيْم، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن (c) صَعْصَعَة بن الحُسَين الرَّقِّيّ الأنْصاريّ - حافطٌ ثِقَةٌ - بمَرْو، قال: حَدَّثَتَا مُحَمَّدُ بن ضُرَام بن رَيْحَان بن جَمِيل، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: حَدَّثَنَا أبو العَتَاهِيَة القَاسِم بن إسْمَاعِيْل الشَّاعر، خ.
وأخْبَرَنا به عَاليًا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، فيما أذِنَ لنا فيه، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن ثَابِت
(2)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن طَلْحَة، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحَسَن بن عليّ بن عَبْدِ الله بن مُحَمَّد بن سَهْل الفَارِسِيّ - قَدِمَ علينا من مرو حَاجًّا - قال: حَدَّثَنَا [مُحَمَّد بن](b) مَالِك بن الحَسَن بن مَالِك بن الحَكَم بن سِنَان السَّعْدِيّ المَرْوَزيّ من لَفْظه بمَرْو، قال: حَدَّثَنَا
(a) في مسند الشهاب: جشينة.
(b) ب: زيد بن مناة، خطأ.
(c) في مسند الشهاب ولسان الميزان 5: 331: أبو الحسين لسان.
(d) إضافة من تاريخ بغداد، وكنيته: أبو صخر.
_________
(1)
مسند الشهاب للقضاعي 1: 258.
(2)
تاريخ بغداد 8: 393 - 393 (في ترجمة الحسن بن علي بن عبد الله الفارسي).
صَعْصَعَةُ بن الحُسَين الرَّقِّيّ بمَرْو، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ صُدَام بن رَيْحَان بن جَمِيل، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: حَدَّثَنَا أبو العَتَاهِيَة الشَّاعِر إسْمَاعِيْلُ بن القَاسِم، قال: حَدَّثَنَا سُليْمانُ بن مِهْرَان الأعْمَشُ، عن أبي سُفْيان طَلْحَة بن نَافِع، عن جَابِر بن عَبْد اللهِ
(1)
، قال: قال رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَثُرَ - وقال أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن غالب: مَنْ كَثُرت - صَلَاتُه باللَّيْل حَسُنَ وَجْهُه بالنَّهَارِ.
ونَقَلْتُ هذا الحَدِيْث من خَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، وذَكَرَ أنَّهُ انْتَخَبه من أُصُول سَمَاعَات القَاضِي أبي الطَّيِّب الجَنْزِيّ (a)، وقرأه عليه، وأنْبَأنَا به أبو القَاسِم عَبْدُ الله بن الحُسَين بن رَوَاحَة، قال: أنْبَأنَا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو الطَّيِّب طَاهِر بن المُسَدَّد بن المُظَفَّر الجَنِزِيّ بثَغْر جَنْزَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن عبد الرَّحْمن بن الحَسَن النَّيْسَابُوريّ بثَغْر تَفْلِيْس، قال: أخْبَرَنا حَمْزَةُ بنِ عَبْد العَزِيْز بن مُحَمَّد المُهَلَّبيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن عَلُّويَة الأبْهرِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بن الحُسَين الرَّقِّيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن صدران بن رَيْحَان بن جَمِيل، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حَدَّثَنَا أبو العَتَاهِيَة، واسْمُه القَاسِم بن إسْمَاعِيْل الشَّاعِر، قال: حَدَّثَنَا الَأعْمَش، عن أبي سُفْيان، عن جَابِر، قال: قال رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَثُرَت صَلَاتُه باللَّيْل حَسُن وَجْهُه بالنَّهَار.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيبُ
(2)
، قال: إسْمَاعِيْل بنُ
(a) ب: الحيري.
_________
(1)
أخرجه ابن ماجة في سننه 1: 422 (رقم 1333)، والعقيلي: الضعفاء الكبير 1: 176 (رقم 221)، وابن حبان: المجروحين 1: 207، والقضاعي: مسند الشهاب 1: 253 - 254 (رقم 408 - 412)، المتقي الهندي: كنز العمال 7: 783 (رقم 21394)، وانظر: المسند الجامع 3: 511 (رقم 2335).
(2)
تاريخ بغداد 7: 226.
القَاسِم بن سُوَيْد بن كَيْسَان، أبو إسْحاق العَنَزِيُّ، المَعْرُوف بأبي العَتَاهِيَة الشَّاعِر. أصْلُهُ من عَيْنِ التَّمْر، ومَنْشؤه الكُوفَة، ثمّ سَكَنَ بَغْدَاد. وأبو العَتَاهِيَة لَقَبٌ لُقِّبَ به لاضْطِرَابٍ كان فيه. وقيل: بل كان يُحبُّ المُجُونَ والخَلاعَة، فكُنِّيَ لعتُوِّهِ: أَبا العَتَاهِيَة.
وهو أحَدُ مَنْ سَارَ قَولُهُ، وانْتَشرَ شِعْرُهُ، وشَاعَ ذِكْرُهُ، ويُقال: إنَّ أحدًا لم يُجْمع (a) له دِيْوَانَهُ بكَمَالِه، لعِظَمِه، وكان يقُول في الغَزَل والمَدِيْح والهِجَاء قَديْمًا، ثمّ نَسَكَ وعَدَل عن ذلك إلى الشِّعْر في الزُّهْد، وطَريْقَةِ الوَعْظ، فأحْسَنَ القَوْل فيهِ وجَوَّدَ، وأرْبَى على كُلِّ مَنْ ذَهَبَ ذلك المَذْهَب، وأكْثَرُ شِعْره حكَمٌ وأمْثَالٌ. وكان سَهْل القَوْل، قريبَ المأخَذِ، بَعِيدًا من التَّكَلُّف، مُقدَّمًا في الطَّبْع.
نَقَلْتُ من أخْبَار أبي العَتَاهِيَة للآمِدِيّ - وذَكَرَ كاتبُها أنَّهُ نَقَلها من خَطِّ الآمِدِيّ - قال: وكانَ مَوْلدُ أبي العَتَاهِيَة سَنَة اثنتَيْن وثَلاثين ومائة، ويُقال: بل وُلد في سَنَة ثلاثين ومائة.
قال: وكان في صِبَاهُ غُلَامًا مَلِيْحًا قَصِّيْفًا (b)، له وَفْرةٌ جَعْدَةٌ سَوْداءُ.
قال: وقال المُبَّرَدُ: بل كان قَبِيْح الوَجْهِ، مَليح الحَرَكاتِ والشَّمَائل، حُلوَ الإنْشَادِ، وكان مَنْشأه الكُوْفَة، وبها تأدَّب، وكان اعْتِزاؤُه إلى بني نَصْرٍ؛ بَطْنٌ من عَنَزةَ بن أسَد في رَبيعَة، وكانت أُمُّ أبي العَتَاهِيَة تُدْعَي أُمّ زَيْد بنْت زِيَاد، وكان زِيَاد من عُظَماء أهل بُخَارَى، وكان انْقِطَاعُ أبي العَتَاهِيَة لمَّا
(a) تاريخ بغداد: يجتمع.
(b) كذا في الأصل بالصاد المشدَّدة، ويأتي فيما بعد أيضًا على هذا الوجه، فيما نقله ابن العديم عن معجم الشُّعراء للمرزبانيّ، وفي الأغاني (4: 9): قَضِيفًا. والقَصيف من الرجال: الضعيف الذي فيه خوار، والتقصُّف: اللّهو واللّعب، أما القَضِيف: فهو الدقيق العظم القليل المحم، وظاهر النَّصّ يشُير إلى وَصْف هَيئته وجسمه لا إلى التقصُّف بمعنى اللّهو. انظر: لسان العرب، مادي: قصف وقضف.
أثَرَ الاتِّصَالَ بالسُّلْطان إلى أبي عِصْمَة حمَّاد بن سَالَم الشِّيْعيّ، من أهْلِ كَرْمَان، وسَالِم هذا مَوْلَى أبي الهِنْديّ الشَّاعِر، فأثْبَتَ أبو عِصْمَة اسْم أبي العَتَاهِيَة في ديوانه في خلَافة المَنْصُور، وجَعَلهُ أحَدَ أصْحَابه إلى أنْ صُرِفَ أبو عِصْمَة فأسْقِط من الدِّيْوَان.
قال: وكان لأبي العَتَاهِيَةِ ابنٌ يُقالُ له مُحّمَّدٌ، ويُكْنى أبا عَبْدِ الله، وابْنَتَان يُقال لأحدهما: باللهِ، والأُخرى: للهِ، وأُمّهم يقال لها هَاشِميَّةُ بنت عَمْرو اليَمامِيّ مَوْلَى مَعْن بن زَائدَة، كان اشْتَراها واسْتَولَدها.
وقال (a): وكان مَعْنٌ أعْتَق عَمْرًا وولده، فلمَّا تُوفِّي مَعْن بيْعَ وَلَدُ عَمْرو
(1)
، وهم: ابْنَانِ وأرْبعُ بنَاتٍ، فاشْترى أبو العَتَاهِيَة هَاشِميَّة وأخَوَيها (b).
قال: وقيل كَيْسَانُ جَدُّ أبيهِ لَقَب، وأبو سُوَيْد اسْمُه، ولُقِّبَ كَيْسَانَ في صِغَره لذكائه وكَيْسه، وكان من أهْل عَيْن التَّمْر من النَّيف والسَّبعين صَبِيًّا الّذين سَبَاهُم خَالِد في خِلَافة أبي بَكْر، ولم يكُن فيهم من أوْلَاد الأعَاجِم غير سِيْريْن أبي مُحمَّد بن سِيِرين، فأمَرَ بهم أبو بَكْرٍ، رضي الله عنه، ففُرِّقُوا في عَشَائرهم، فدُفِعَ أبو سُوَيْد الى عَبَّاد بن رِفَاعَة العَنَزِيّ؛ أحَدُ بني نَصْر، لأنَّهُ ذَكَرَ أنَّهُ من عَنَزة فتَبَنَّاهُ، وكان معَهُ بالكُوْفَة في عَسْكَر سَعْد بن أبي وَقَّاصٍ أيَّام القَادِسيَّة، فلمَّا أدْرَك كَيْسَانُ نَزَل له عَبَّادٌ عن سُرِّيَّةٍ كانت له وكان له منها وَلدٌ يُقالُ لهُ زَيْد، فولدَت لكَيْسَان ابْنًا سَمَّاهُ سُوَيْدًا، وكان زَيْد بن عَبَّاد وسُوَيْد بن كَيْسَان أخَوَين لأُمّ،
(a) في الأصل: وقال المبرد، فضرب عليه وشطبه.
(b) ويمكن أن تكون: وإخوتها، فإن موضع المثناة التحتية مهمل في الأصل.
_________
(1)
نبَّه إحسان عباس في دراسته لهذه الترجمة على وقوع اضطراب في الرواية، فكيف يتم بيعهم بعد أن أعتقهم معنٌ، إلا أن يكون خبر الإعتاق مقصررًا على المبرد، وما يليه من كلام غيره. انظر: عباس: ترجمة أبي العتاهية 46.
ثُمَّ إنَّ عَبَّادًا وكَيْسَان تُوفِّيا وأعْقَب زَيْد بنين، ثُمَّ تُوفِّي فكان سُوَيْد الكَافِل لَهم، والقَائِم بأمْرهم، ووُلد لسُوَيْد القَاسِم أبو أبي العَتَاهِيَة، ومُحَّمد، وإسْمَاعيْل، وعَبْد الرَّحمن، وحَسَّان. فهؤلاء الأرْبَعة عُمومَةُ أبي العَتَاهِيَةِ.
ونُقَلْتُ من كتاب المُسْتَنير في أخْبَار الشُّعَراء
(1)
تأليف أبي عُبَيْدِ الله مُحَّمد بن عِمْرَان المَرزُبانِيّ، قال: حَدَّثني مُحّمدُ بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا أحمدُ بن أبي خَيْثَمَة، قال: حدّثنا مُحمَّدُ بن أبي العَتَاهِيَة المُلَقَّب بعَتَاهِيَة، قال: اسْمُ أبي إسْمَاعيْل بن القَاسِم بن سُوَيْد بن كَيْسَان، وكُنْيتُه أبو إسْحاق، وهو مَوْلَىً لعَبَّاد بن رِفَاعَة العَنَزِيّ، وكان كَيْسَانُ جدُّه من أهْل عَنْ التَّمْر.
قال المَرزُبانِيّ: وحَدَّثني عليُّ بن هَارُون، قال: أخْبَرَني أبي، قال: أبو العَتَاهِيَة اسْمُه إسْمَاعيْلُ بن القاسم بن سُوَيْد بن كَيْسَان مَوْلَى عَنَزة، يُقال مَوْلَى لعَطاء بن مِحْجَن العَنَزِيّ، أحدُ بني نَصْر بن سَعْد بن حِبَّان، ويقالُ اسْمُه إبْرَاهيْم بن إسْحاق ويُكْنى أبا إسْحاق.
قال: وذَكَر عَافِيَة بن شَبِيْب، عن عليّ بن يُرَيْد أنَّ أبا العَتَاهِيَة اسْمَاعيْل بن إبْرَاهيْم، وكان جَرَّارًا من أهْل الكُوْفَة يَبيعُ الخَزَف.
وقال المَرْزُبانِيّ: حَدَّثني مُحمَّدُ بن إبْرَاهيْم، قال: أخبرنا أحْمَد بن أبي خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَنَا مُحمَّد بن أبي العَتَاهِيَةِ، قال: كان سَبَبُ اسْم أبي حتَّى سُمِّي (ش) إسْمَاعيْل أنَّ أحَدَ عُمُومَته كان اسْمه إسْمَاعيْل، وعُمومته أرْبَعةٌ: مُحَّمد، وإسْمَاعيْل، وعَبْد
(a) ب: أسمي.
_________
(1)
كتاب المستنير للمرزباني (ت 384 هـ) من الكتب الضائعة التي لم تصلنا. ذكر النديم وابن الساعي أن "فيه أخبار الشعراء المشهورين والمكثرين من الشعراء المحدثين ومختار أشعارهم على أسنانهم وأزمانهم
…
عدد ورقه ستة آلاف ورقة (ستين مجلدًا) بخطه"، وتحرف عنوانه في كتاب ابن الساعي: كتاب السير، وينقل عنه ابن العديم في العديد من التراجم التالية. انظر: الفهرست 1/ 2: 409، الدر الثمين 124.
الرَّحمن، وحسَّان، بنو سُوَيْد بن كَيْسَان، وكان يُقَال إنَّهُ من عَنَزة، وكان كَيْسَانُ في وَقْت دُخول خَالِد بن الوَليْد الكُوْفَة صَبيًّا صَغيرًا يَتيمًا من أبويهِ جَميعًا، فكَفِلهُ قَرابةٌ له، ولم يكن مُحَمَّدٌ ابنُه يَخْبُرُ من أمْره أكْثَرَ من هذه الجُمْلة. قال: فدخَل خالد النَّاحِية، وكَيْسَان صَغِير يَتِيم، فوقَع في يدِ خَالدِ مع عدَّةٍ منِ الصِّبْيان، فوجَّه بهم إلى أبي بَكْر الصِّدِّيق، وكان عَبَّادُ بن رِفَاعَةَ العَنَزِيّ، أحدُ بني نَصْر بن سَعْد، وهم بَطْنٌ من بني يُقْدُم بن عَنَزة بن أسَد بن رَبِيْعَة بن نِزَار حاضرًا لأبي بَكْرِ وَقْت مُوافاتهِ بالصِّبْيَةِ، فلمَّا سَائلَهُم أبو بَكْر عن أنْسَابهم خبَّره كُلّ واحد منهم بمَبْلغ معْرفَته بنَسَبهِ، ووقَع في أُذنِ عَبَّادِ بن رِفَاعَة من كَيْسَان ذِكْر عَنَزَة، فسَألَ أبا بَكْر هبتَهُ له، فأجابه إلى ذلك بعد أنْ كان كَيْسَانُ قد حصَل لأبي بَكْرٍ خالصًا لنَفْسه، وكَيْسَان لَقَبٌ غَلَب عليه في وَطَنه (a)، لكَيْسه وتَوَقُّده في حال صغَره وذكائهِ، فكان كَيْسَان في يدِ عَبَّادٍ، وتَبَنَّاهُ حتَّى شَبَّ، وأدْخلَهُ معه الكُوفَة في مُعَسْكَر سَعْد بن أبي وَقَّاص يَوْم القَادِسيَّة، وكان لعَبَّاد ابنٌ من سرِّيَّةٍ له اسْمه زيْد، فلمَّا بلغ كَيْسَان مَبْلغَ الرِّجال أعْتَقِ عَبَّادٌ أُمَّ وَلَدهِ، وزوَّجَهُ بها، فوَلَدَتْ له ابْنًا فسمَّاهُ عَبَّاد بن رِفَاعَة: سُوَيْدًا، فكان زيْد بن عَبَّاد وسُوَيْد بن كَيْسَان أخِوين لأُمّ، وتُوفِّيَ عَبَّاد، وبَعْدَه كَيْسَان، وبلغَ سُوَيْد مَبْلِغ الرِّجَال، وقد أعْقبَ زيْد أخوه لأُمِّهِ عدَّة بنيْن، وتُوفِّيَ زَيْد أيضًا، فكان سُويْد بن كَيْسَان هو القَائِم بأُمُور ولد أخيهِ زَيد، ورُزِق سُوبد الوَلد، فكان من ذُكُور ولده: القَاسِمُ، ومُحَمَّدٌ، وإسْمَاعِيْلُ، وعَبْد الرَّحمن، وحَسَّان.
ثُمّ إنَّ البعْثَ ضُرِبَ على وَلد زَيْد بن عَبَّاد مع قُتَيْبَة بن مُسْلِم إلى خُرَاسَان، فخرجُوا جَمِيعًا، وأقام سُويْدُ بن كَيْسَان عمّهم وولده في ديارهم بالكُوفَة، وأعْقَب القَاسِمُ بن سُوَيْد ابنَيْن وبنتًا، فأحَدُ الابنين إسْمَاعِيْلُ أبو العَتَاهِيَةِ، وهو أصغَرُ
(a) ب: فطنه.
ولدِه، والآخر زَيْد وهو بِكْرُه، وإنَّما سمَّاهُ القَاسِمُ زَيدًا باسْم عَمِّهِ زَيْد بن عَبَّاد بن رِفَاعَة، وكانت أُمُّ زيْد وإسْمَاعِيْلَ بنْتَ رَجُل من عُظَمَاء أهْل بُخَارَى يُقال له زِيَادَ، ومن وَلدِه يَحْيَى بن جَرِير، كان بالكُوفَة نَسْلٌ، ويَحْيَى هو ابن خالِ أبي العَتَاهِيَة لَحًّا، وكان زِيَادٌ جَدَّ أبي عَتَاهِيَة من قِبَل أُمِّهِ مَوْلَى مُحَمَّد بن هاشِم بن عَمْرو بن عُتْبَة الزُّهْرِيّ، زُهْرَة قُرَيْش، أخْوَال رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وعَمْرو بن مَالِك بن عُتْبَة هو الّذي كان على النَّاس يوْم جَلُولَاء الوقيْعَة، والمِرْقَال من بني عَمِّه.
قال: ولمَّا لَم يَصِحّ لأبي العَتَاهِيَة من نَسَبِه أكْثر من هذه الجُمْلَة، اقْتَصَر على الظَّاهر دون الخَفيّ، وانْتَمى إلى ولاءِ عَبَّاد بن رِفَاعَة العَنَزِيِّ من قِبَل أعْمَامه، وإلى وَلاءِ مُحَمَّد بن هاشِم القُرَشِيّ من قِبَل أخْوَالهِ، وكان لا يَرَى التَّفَاضُل بالأنْسَاب والمَناكِح واجِبًا، وممَّا قال في ذلك
(1)
: [من الكامل]
وإذ تَنَاسَبَتِ الرِّجالُ فما أرَى
…
نَسَبًا يُقاسُ بصَالِحِ الأعْمَالِ
وله أيضًا يُومئ إلى ذلك،
(2)
: [من السرج]
ما بالُ مَنْ أوَّلُهُ نُطْفَةٌ
…
وجِيْفَةٌ آخِرُهُ يفخَرُ
قال: ولَم يكُن يُصَاهرُ إلَّا المَوَالي، ولا يضَع نفسَهُ إلَّا في جُمْلَتهم وعدَادهم.
وقال المَرْزُبانيُّ: حَدَّثني مُحَمَّدُ بن أحْمَد الكَاتِب، ومُحَمَّدُ بن يَحْيَى، قالا: حَدَّثَنَا أبو أحْمَد البَرْبَرِيّ، قال: حَدَّثني ابن مَهْرُوَيْه، قال: حَدَّثني الحَسَنُ بن عليّ، قال: حَدَّثَني أحْمَدُ بن الحَجَّاج العَنَزِيّ، قال: حَدَّثني صَعْبُ بن دَوْبَل أبو دَوبَل الحُدَّانِيّ، قال: كُنْتُ عند مَنْدَلَ وحِبَّانَ ابني عليٍّ بن الحَارِث بن قيس العَنَزِيّ، وهُما من وَلد عَمْرو بن عَامِر بن سَعْد بن حِبَّان بن حَبِيْب بن أَوْس بن
(1)
ديوان أبي العتاهية 335.
(2)
ديوان أبي العتاهية 178.
طَرِيف بن النَّمِر بن يَقدُم بن عَنَزَة، فأتاهمُا أبو العَتَاهِيَة مَشْجُوجًا قد ضُرِبَ، فقال لهما: مَنْ أنا؟ فقال حِبَّان ومَنْدَل: أنْتَ إسْمَاعِيْلُ بن القَاسِم، أخُونا وابنُ عمّنا ومَوْلَانا، قال: فإنَّ فُلَانًا الجَرَّار ضَرَبني وقال لي: يا نبطِيُّ، فغَضِبا له، وقاما معه حتَّى أخذَا له بحَقِّه.
وقال: حَدَّثَني أبو عَبْد اللّه الحَكِيْمِيّ، وأبو بَكْر الصُّوْلِيِّ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن مُوسَى، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد في القَاسِمِ بن مَهرُوَيْهِ، قال: حَدَّثَني الحَسَن بن عليّ البَصْرِيّ، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُعاوِيَة الأسَديّ، عن جُبَارَة بن المُغَلِّس، قال: أبو العَتَاهِيَة مَوْلَى لعَطَاءِ بن مِحجَن العَنَزيّ، أَحدُ بَني نَصْر بن سَعْد بن حِبَّان بن حَبِيْب، ابن عِمّ مَنْدَل بن عليّ. قال: وكان عَطَاء بن مِحجَن من سَادَة أهْلِ الكُوفَة، فخَاصَمَ يُسير بن عبد الرَّحْمن العِجليّ، وكان على شُرْطَة الكُوفَة، فذَهب ليُقَنِّعَهُ فبدَرَ عَطَاءُ بن مِحجَن فقَنَّعَهُ حتَّى فَرَّ منهُ.
وقال المَرْزُبانيّ: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن أبي خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أبِي العَتَاهِيَةِ، قال: كُنْيَةُ أبي: أبو إسحاق، وأبو عَتاهِيَة لَقَبٌ، وكان المَهْدِيُّ قال له يَوْما: أنتَ إنسَانُ مُتَعَتِّهٌ مُتَحَذْلِقُ بجُهْدل (a)، فاسْتَوَت له من ذلك اليَوْم كُنْيَة غَلَبَتْ عليه، وسَارَت له دُونَ اسمهِ وكُنْيَتهِ.
وقال الآمدِيّ فيما نَقَلْتُهُ من كتابه: وقيل إنَّما لقِبَ بهذا اللَّقَب لاضْطِرَاب كان في خَلقِه كأَنَّهُ مَعْتُوه.
قال: ويقال: بل كان ابنُه مُحَمَّدُ يُلقَّبُ عَتاهِيَة فكُنِيَ بهِ.
قُلتُ: وقد رَوَى بعضُ أصحَاب الجَاحِظ عنه أنَّهُ قال: كان أبو العَتَاهِيَة غُلامًا بالكُوفَة مُحَنَّثًا، وكان أبُوه جرَّارًا، وكان مَوْلَىً لعَنَزَة، وكان يُلَقَّب ثبَاتَة،
(a) هكذا في الأصل مجوَّدًا، ومثله في ب دون ضبط ولم أقف على معناه.
فخَرَجَ من الكُوفَة على ذلك، فصار إلى بَغْدَاد ففتح له من الشِّعْر فقالَهُ، وكسبَ المالَ، وصارَ إلى ما صَار إليهِ.
وقال أبو العبَّاس أحْمَدُ بن عُبَيْد اللّه بن عَمَّار في أخْبَار أبي العَتَاهِيَة
(1)
: ولم يَصنع الجاحِظُ في قَوْله: كان مُخَنَّثًا، شيئًا، لكن حالتُه في أوَّل أمره كانت خسِيْسة، وكان أبُوه من السُّوْقَة بالكُوفَة، ففي كلامه لِيْنُ وترصيعُ بطَبعٍ رَقِيق وقَرِيْحَة صَحِيحة، فكان كلامُه نقيًّا مُخْتَصَرًا، ومَعَانيه (a) قريبة المأخَذ، وكان يُحبّ أنْ يحكى كَلام كُلّ صنْفٍ من النَّاس.
قَرَأتُ في كتاب الوَرَقَة، تأليفُ مُحَمَّدِ بن دَاوُد بن الجَرَّاح
(2)
، قال: أبو العَتَاهِيَة إسْمَاعِيْل بن القَاسِم بن كَيسَان، كُوفيٌّ، مَوْلَى لعَنَزَة، وكان يتكسَّبُ بالعشْق (b)، ويتَوصَّلُ إلى مَدْح الخُلفَاء، وله من الشِّعْر الجَيِّدِ في الرَّقِيْق والمَدِيح والزُّهْد ما ليس لأحدٍ، وعلى ذلك كَثُر غُثاؤُه وسقَطُه، وكان سَلِم
(3)
يَقُول: هو أشْعَر الإنْس والجِنّ.
وقَرَأَت في مُعجَم الشُّعَراء تأليف أبي عُبَيد اللّه مُحمَّد بن عِمران المَرزُبانيّ
(4)
- وأنبَأنَا به ابن طَبَرْزَد، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، عن أبي مُحَمَّد الجوهَرِيّ، عن أبي عُبَيْدِ اللّه - قال: أبو العَتَاهِيَةِ إسْمَاعِيْل بن القَاسِم بن سُوَيْد بن كَيْسَان مَوْلَى عَبَّاد بن رِفَاعَة العَنَزِيّ الكُوْفيّ، وكان كَيْسَان جدّه من أهْل عَيْن النَّمر، وأبو
(a) ب: وكانت معانيه.
(b) مهملة في الأصل، وإعجابها من ب، ولعل الأظهر: الشعر.
_________
(1)
كتاب أخبار أبي العتاهية لابن عمار الثقفي (ث 314 هـ أو 319 هـ)، ذكره النديم وابن الساعي في تعداد كتبه. الفهرست 1/ 2: 459، الدر الثمين في أسماء المصنفين 269.
(2)
لم ترد له ترجمة في المطبوع من كتاب الورقة لابن الجراح.
(3)
هو سلم الخاسر. وانظر الخبر في الأغاني 4: 11.
(4)
ضمن القسم الأول الضائع من كتاب معجم الشعراء.
العَتَاهِيَة لَقَبٌ وكُنْيَتُهُ أبو إسحاق، ولُقِّبَ لاضْطِرَابٍ كان فيه، ويقال: وهو مَوْلَى لعَطَاء بن مِحجَن العَنَزِيّ أحَدُ بَني نَصْر بن سَعْد بن حِبَّان. ويُقال: اسم أبي العَتَاهِيَة إبْراهيم بن إسحاقَ، والأوَّل أصَحُّ، وكان جَرَّارًا يبيع الخَزَفَ بالكُوفَة، وأُمُّهُ أُمُّ زَيْد بنت زِيَاد البُخاريّ (a)، مَوْلَى بَني زُهْرَة، ووُلد في سَنَة ثلاثين ومائة.
وماتَ ببَغْدَاد في سَنَة عَشرٍ ومَائتَيْن، وقيل: في سَنَة إحدَى عَشرة، وقيل: قبلَ ذلك وبعده، والأوَّل أَصَحُّ، وقَبرُه في الجانب الغَرْبيّ من مَدِينَة السَّلام قُبالة قنطَرَة الزَّيَّاتين، وكان أبيضَ اللَّون، أسْوَدَ الشَّعَر، قَصِّيْفًا، طَرِيفًا (b)، له وَفْرَةُ جَعْدَة، وهَيْئَة حَسَنة، وخَضَبَ في آخر عُمْرِه بالحِنَّاء.
وأخْبَاره مع المَهدِيّ، والهادي، والرَّشِيْد، والأَمِين، والمَأمُون مَشهُورةٌ، وكان ذا مَنْزِلةٍ عند الخُلفَاء والوُزَرَاء وعِلْيَةِ أهْل الدَّولةِ، ومَذْهَبُه في سهُولة الطَّبْع وقُرْب المأخَذ، والبُعد من التَّكَلُّف مُتَعالَم غير مُدَافع، حتَّى أنَّ قَائلًا لو قال: إنَّهُ أطْبعُ النَّاسِ أجْمَعِين لَما خُولفَ في قَوْله، وهو مفْتَنٌ في سَائر أجْنَاسِ الشِّعْرِ، وأنْفَدَ قَولَهُ في آخر عُمْرِه فيما لم يشركه فيه أحدُ ممَّن تقدَّمه من الشُّعَراءِ ولا منْ تأخَّر عنه من القَوْل في الزُّهْدِ، والمَوَاعِظ، والعِبَر، والأمْثَال.
وقَرأتُ في كتاب المُسْتَنِيْر لأبي عُبَيْدِ الله المَرْزُبانيّ
(1)
، قال: حدَّثَني عليُّ بن أبي عَبْدِ اللّه الفَارِسِيّ، قال: أخبَرَني أبي، عن أبي دِعَامَة عليّ بن بُرَيْد (c)، قال: كان أبو العَتَاهِيَة كُوفيًّا مَوْلَى لعَنَزة، وكان جرَّارًا، وكان أبُوه يُكنَى أبا إسْمَاعِيْل، وكان في الدِّيْوَان دَهْرًا، فلمَّا نسَكَ أبو العَتَاهِيَة، وترك الدِّيْوَان، وقال في الزُّهْد، تَعَلَّم الحِجَامَةَ ليُذلّ نَفسه بذلك وتتواضَع بهِ، فأُخبر يَحْيَى بن خَالِد،
(a) في الأغاني 4: 5: المحاربي، وقد تقدم ذكر زياد وأنه من عظماء بخارى.
(b) ب: ظريفًا.
(c) ب: يزيد.
_________
(1)
كتاب المستنير من كتب المرزباني الضائعة، تقدم التعليق عليه.
فقال: ما دعاهُ إلى هذا؟ قيل: أراد أنْ يُذلَّ نَفسَهُ، قال: أمَا كانت صِنَاعَهُ قبل هذا؟ قيل: بلى، كان يبيعُ الجِرَار، فقال: لقد كان له في بَيع الجِرَار من الذُّلّ ما يُغْنيه عن الحِجَامَةِ.
أخْبَرَنا أبو الحسَن بن أبي عَبْد اللّه بن أبي الحَسَن البَغْدَاديّ بالقَاهِرَة، قال: أنبَأنَا أبو الفَضْل مُحَمَّد بن نَاصِر بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أَيُّوب البَزَّاز (a)، وأبو الفَضْل أحْمَدُ بن الحَسَن بن خَيْرُون، قالا: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَن بن أحْمَد بن شَاذَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الطُّوْمَارِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاسِ أحْمَد بن يَحْيَى ثَعْلَب، قال: حَدَّثَنا أبو العبَّاس المُبَّرَدُ، عن الرِّيَاشِيّ، قال: أقْبَل أبو العَتَاهِيَة ومعه سَلَّةُ مُحَاجِمِ، فجلَس إلينا وقال: لستُ أبرَحُ أو تأتُوني بمَن أجْجمُه، فجئناهُ ببعض عَبِيْدِنا فَحجَمَهُ، ثمّ أنْشَأ يقُول
(1)
: [من الطويل]
ألا إنَّما التَّقْوَى هي العِزُّ والكَرَم
…
وحُبُّكَ للدُّنْيا هو الذُّلُّ والعَدَمْ
وليسَ على عَبْد تَقيّ نَقِيْصَةُ
…
إذا صَحَّحَ التَّقْوَى وإنْ حَاكَ أو حجَم
قَرَأتُ في كتاب المُستَنِير للمَرزُبَانيّ
(2)
، وأنبَأنا بهِ أحمدُ بن أَزهَر، عن مُحمَّدِ بن عَبْد البَاقي (b)، عن أبي مُحَمَّد الجَوهَرِيّ، عنهُ، قال: وأخبَرَني الحُسَين بن مُحَمَّد العَرَمرَم، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن يَزِيد النَّحْوِيّ، قال: كان أبو العَتَاهِيَة يَبِيع الجِرَار بالكُوفَة، وكانت له ابْنَتَان سَمَّى أحدَهمُا: باللّه، والأُخرى: للّهِ، فخَطَب أحدَيْهما مَنْصُورُ بن المَهْدِيّ، فلم يزوِّجه أبو العَتَاهِيَة، وقيل: إنَّما مالَتْ نفسُه إليها لأنَّها بنْتُ أبي العَتَاهِيَة وأنَّ اسمها للّه، وكأنِّي به في غدٍ قد مَلَّها وضَامَهَا، فلم يكُن إلى الانْتصافِ منهُ سَبيل، وما كنتُ لأزَوِّجَها (c) إلَّا بائعَ جِرَارٍ لا يطُول عليها، ولكنِّي أخْتَاره مُوْسِرًا.
(a) في الأصل، ب: البزار، بالراء.
(b) ب: زاهر بن عبد الباقي.
(c) ب: أزوجها.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 394، والأغاني 4: 7 ورواية عجز الأول: هو الفقر والعدم.
(2)
انظر الخبر في الأغاني 4: 69.
وقال: حَدَّثَني عليّ بن أبي عَبْد اللّه الفَارِسِيّ، قال: أخبَرَنِي أبي، قال: حَدَّثني علي بن مَهدِي، قال: حَدَّثني عَبْدُ اللَّه بن عَطِيَّة، قال: رأيتُ أبا العَتَاهِيَة أيّام مُحَمَّدٍ على قَنْطَرَة الصَّرَاةِ شَيْخًا مَخضُوبًا عليه رِدَاءُ ونَعْلُ، يَوْمَ الجُمُعَة والنَّاسُ يمَرُّونَ إلى الصَّلاةِ وهو يَمشِي وخَلفه غُلَامُ له على حِمَارٍ، فسَألتُ غُلَامَهُ لَمَ لا يرْكَبُ؟ قال: لا يمضى إلى صَلاةِ الجُمُعَة إلَّا رَاجِلًا، فإذا انْصَرَفَ رَكِبَ.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
وقال أبو عُبَيْد اللّه المَرْزُبانيّ: حَدَّثَني أبو عَبْد الله الحَكِيْمِيّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن مُوسَى البَربَرِي، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن الحَسَن، قال: حَدَّثَني يَحْيَى بن الحَسَن، قال: أخْبَرَني مُحَمَّد بن سَعيد بن مَنْصور خال المَهْدِيّ، قال: كان أبو العَتَاهِيَةِ من أهْلِ الكُوفَة، وكانوا ستّة أخْوَة يتصرَّفُونَ في تجارَاتهم، وكان أبو العَتَاهِيَة أوْضَعهم حالًا، فقالت له أُمُّه: كم تَصْبِرُ على هذا الضُّرّ وتنتَظرُ ما يكون من إخْوتِكَ، فلو صرْتَ إلى بَغْدَاد. فأطَاعَ أمرَها، وصارَ إلى بَغْدَاد واتَّخَذَ تَخْتًا يبيعُ فَوْقه الفُلُوسَ، قال أبو العَتَاهِيَة: فحَضَرتني أبياتُ قُلتُها في سَعيدِ بن مَنْصُور، فقال لي: لو قلتَ شيئًا في أَمِير المُؤْمنِيْن المَهْدِيّ أوْصَلْتُه إليه، فقلتُ أبيَاتًا على الدَّالِ، منها
(1)
: [من الكامل]
شهدَتْ قُرَيشٌ والقَبَائِلُ كُلُّها
…
بفَضْل أَمِير المُؤْمنِيْن مُحَمَّدِ
فأمَرَ لي بعَشرة آلافِ دِرْهَم، فأخَذْتُها، وانْفَتح لي الشِّعْرِ فقلتُ فيه، فأمرَ لي بمثْلِها حتَّى وَصَلَ إليَّ منه مائةُ ألف دِرْهَم، وكان سَعيدُ بن منْصُور السَّبَبَ في ذلك. ثمّ انْفَتَحت لي الأُمُور.
وقال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن أبي خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن أبي العَتَاهِيَة، قال: كان أبي في صِغَره أحدَ أهْل الفَتْك والمَزْح، ولم يكن له تشَاغُل عن الأدَب بشيءٍ، وكان مكْفيًّا قد وَرثَ أباهُ عَقَارًا يُقِيْمُهُ، وكان يأتي الحِيْرَة ونَوَاحِيها كَثِيْرًا للنُّزهةِ والشُّرب هناك.
(1)
لم يرد بيت الشعر في ديوانه، وصدره على الكامل وعجزه على الطويل.
وقال
(1)
: كان أبي يَسلُكُ في الأدَب مَسْلَكَ عَبْدِ اللّه بن المُقَفَّع، ولم يكُن يقدِّم على عُلُوم الأوَائِل من الهِنْدِ والرُّوم وأهل فارس عِلمًا، ولا يَزِيد على حِكمَتهم شيئًا، وكان يقُول بالتَّوْحِيدِ، غير أنَّهُ كان يَزعُمُ أنَّ (a) الله عز وجل أحدَثَ جَوْهَرَين مُتَضَادَّين لا من شيءٍ، ثمّ أنَّهُ بَنَي العالَم هذه البِنْيَة منهما، وكان يَقُول: إنَّ العالَمِ حديثُ العَيْن والصَّنْعَة لا مُحْدِثَ لهُ ولجميع ما فيهِ إلَّا اللّه تعالَى وحدَه، وكان يَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز وجل سيُعِيْد كُلَّ شيء ممَّا خَلَقَ على هذه الصَّنْعَة إلى الجوهَرَين المُتَضَادَّين، أو قال: الأصلين الحَديثين لا من شيء قبل أنْ تفنَى الأعْيَان جَمِيعًا، وكان يذهَبُ إلى أنَّ المَعَارف وَاقِعَةُ بقَدْر الفِكْر والبَحْث والاسْتدلال طِبَاعًا. وكان يَقُول: إنَّ اللّه عز وجل لم يَزَل (b) مَوْصُوفًا بالحيِّ، {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}
(2)
، وكان يَذْهبُ إلى أنَّ الحَوَادِثَ كُلّها - خَيْرَها وشَرَّها مُذْ برأ اللّهُ العالَم وإلى أنْ يُبِيْدَهُ - فَلكَيَّة على مَذْهَب المُنَجِّمين ما خلا الإرادَة فقط، وكان يقُولُ بالوَعيْد، وبتَحريم المكَاسِب على مَذْهَب الزَّيديَّةِ، وكان يَتَشَيعُّ لآل رسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم، غيرَ أنَّهُ لم يكن يَتَنقَّصُ أحدًا من أصحَاب رسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم، ولا من أُمَّهات المُؤْمنِيْن رحمهُنَّ اللّه، ولم يَكُن يَرَى الخُرُوجَ على السُّلْطان، ولا يَرَى الجَدَل والمِرَاءَ في (c) الدِّين، وكان يَذْهبُ إلى خَلِعْ الدُّنْيا والزُّهْد فيها والتَّصَوُّف والقَنَاعَة، وكان يَقُول: الاسْتِطَاعَةُ مع الفعْل، وأنَّ اللّه عز وجل قضَى السَّيِّئات والحَسَنات.
وقال
(3)
: كانت لأبي جارَهُ تُشرف على سَطْحه، فرَأتهُ ليلَةً يَقنُتُ، فَرَوَتْ عنه أنَّهُ يُكلِّم القَمَر، واتَّصَل الخَبَرُ بحَمدَوَيهِ صَاحب الزَّنادِقَة، فصَار إلى منْزِلها
(a) ساقطة من ب.
(b) قوله: "لم يزل" ساقط من ب.
(c) ساقطة من ب.
_________
(1)
قارن بالأغاني 4: 8 من رواية الصولي.
(2)
سورة الأنعام، من الآية 103.
(3)
نقله الأصفهاني عن الصولي في الأغاني 4: 29.
وباتَ وأشْرَفَ على أبي العَتَاهِيَة فرآهُ يُصَلِّي، فلم يزل يَرْقُبُه حتَّى قَنَت وصَار إلى مَضْجعه (a)، فانْصَرف حَمْدَوَيْه خَاسِئًا (b).
قال المَرْزبانيّ: أخْبَرَني مُحَمَّدُ بن يَحْيَى، قال: حَدَّثَنَا أبو ذكوان، قال: حَدَّثَنَا العبَّاسُ بن رُسْتُم، قال: كان حَمْدَوَيْه صاحب الزَّنَادقة أراد أنْ يأخُذَ أبا العَتَاهِيَةِ ففَزع من ذلك فجلَس حَجَّامًا.
قال المَرْزُبانيّ: وأخْبَرَني الصُّوْلِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَني عَوْنُ بن مُحَمَّد، قال: سَمِعْتُ العبَّاسَ بن رُسْتُم يقول: كان أبو العَتَاهِيَة مُذَبْذَبًا في مَذْهَبهِ يَعْتقدُ شيئًا، فإذا سَمِعَ طاعِنًا عليه تَرَكَ اعْتِقَادَهُ وأخَذَ غيرَهُ، قال: وشِعْره يدلُّكَ على ذلك.
وقال: أخْبَرَني مُحَمَّدُ بن يَحْيَى
(2)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن موسى، قال: حَدَّثَني شَيْخٌ من مَشَايخِنا، قال: حَدَّثَني أبو شُعَيْب الحَجَّام صاحبُ ابنِ أبي دُؤَاد (ح)، قال: قلتُ لأبي العَتَاهِيَة: القُرْآنُ مَخْلُوقُ أو غيرُ مَخْلُوق؟ فقال: سألتَ عن اللهِ أو عن غيرِ اللهِ؟ قُلتُ: عن غير الله، فأمْسَكَ، حتَّى أعدْتُ عليه هذا مَرَّات، يقُول لي مثل قَوْله، فقُلتُ: ما لك لا تُجِيْبني؟ قال: قد أجبْتُكَ، ولكنَّكَ حِمَارٌ!.
قال
(3)
: وأخْبَرَني مُحَمَّدُ بن العبَّاس، قال: حَدَّثَني أبو أحْمَد يَحْيَى بن عليّ، قال: حَدَّثَني ابن مَهْرُوَيْه، قال: حَدَّثَنا العبَّاس بن مَيْمُون طَابِع، عن رَجَاءِ بن سَلَمَة، قال: سَمِعْتُ أبا العَتَاهِيَة يقُول: قرأتُ البَارِحَة {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}
(4)
ثمّ قُلْتُ قَصِيدَةً خَيْرًا منها (d).
(a) قوله: "وصار إلى مضجعه" ساقط من ب.
(b) ب: حاشيًا.
(c) ب: ابن أبي داوود.
(d) الأغاني: أحسن منها.
_________
(1)
نقله عن الصولي في الأغاني 4: 8.
(2)
في الأغاني 4: 9 نقلًا عن الصولي.
(3)
نقله عن الصولي في الأغاني 4: 29.
(4)
سورة النبأ، الآية 1.
وقال: أخْبَرَني الحسُينُ بن عليّ، قال: حَدَّثَني الحَسَنُ بن عُلَيْلِ العَنَزِيّ، قال: حَدَّثَني أحْمَدُ بن سُلَيمان الحَنَفِيّ، قال: حَدَّثَني أبي، قال: شَهِدَ رجُلٌ على أبي العَتَاهِيَةِ بالزَّنْدَقَة، ونحنُ بطُوْس مع الرَّشِيْد، فَحبَسَهُ الرَّشِيْدُ منذ غُدْوَة إلى العَصْر، وطَلبُوا شَاهدًا آخر فلم يَجدُوا فأطلَقَهُ، ثمَّ حبَسَهُ ثانيةً، فدَخَلْنا عليه الحَبْسَ فأنْشَدَنا
(1)
: [من مجزوء الوافر]
هِيَ الأيَّامُ والعِبَرُ
…
وأمْرُ اللهِ يُنْتَظَرُ
أتَيْأَسُ أنْ تَرَى فَرَجًا
…
فأَيْنَ اللهُ والقَدَرُ
فأطْلَقَهُ الرَّشِيْدُ.
أخْبَرَنا (a) أبو اليُمْن زَيْدُ بن الحَسَن الكِنْدِيّ، فيما أذن لنا أنْ نَرْوِيه، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن ثَابِت
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَرْقَانِيُّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن العبَّاس بن مُحَمَّد (b) الخَزَّازُ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن المَرْزبَان، قال: أخْبَرَني عَبْدُ الله بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَني الحُسَينُ بن عبد الرَّحْمن، قال: قال الرَّشِيْدُ لأبي العَتَاهِيَة: النَّاسُ يَزْعُمُون أنَّكَ زِنْدِيق؟! فقال: يا سَيِّدِي، كيفَ أكونُ زِنْدِيقًا وأنا القائلُ
(3)
: [من المتقارب]
أيا عَجَبي، كيفَ يُعْصَى الإلَـ
…
ــهُ (c) أم كيفَ يَجْحَدُهُ جَاحِدُ
وفي كُلِّ شيءٍ لهُ آيةٌ
…
تَدُلُّ على أنَّهُ وَاحِدُ (d)
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد الغَسَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عليّ البَغْدَاديّ
(4)
، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن
(a) ب: أنبأنا.
(b) ساقطة من ب.
(c) تاريخ بغداد: إلَّا له.
(d) ديوانه: الواحد.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 219، الأغاني 4:64.
(2)
تاريخ بغداد 7: 229، وفيه زيادة بيت على الشعر المدرج.
(3)
ديوان أبي العتاهية 122.
(4)
تاريخ بغداد 7: 229.
عليّ الجوهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عِمْران بن مُوسَى الكَاتِبُ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِد بن مُحَمَّد الخَصِيْبِيّ (a)، قال: حَدَّثَني أبو الفَضْل مَيْمُون بن هَارُون، قال: حَدَّثَني العَبَر (b)، قال: جلسَ مَنْصُورُ بن عَمَّار بعضَ مَجَالِسِه، فحَمِدَ الله وأثْنَى عليهِ، وقال: إنِّي أُشْهدُكم أنَّ أبا العَتَاهِيَة زنْدِيقٌ، فبلَغَ ذلك أبا العَتَاهِيَة، فكتَبَ إليهِ
(1)
: [من الخفيف]
إنَّ يَوْمَ الحِسَابِ يَوْمٌ عَسِيْرُ
…
ليسَ للظَّالمين فيه نَصِيْرُ
فاتَّخِذ عُدَّةً لمُطَّلعَ القَبْـ
…
ـــر وهَوْلِ الصِّرَاطِ يا مَنْصُورُ
ووَجَّه بها أبو العَتَاهِيَة إلى مَنْصُور، فنَدِمَ على قَوْله، وحَمِدَ الله وأثْنَى عليه، وقال: أُشْهدُكُم أنَّ أبا العَتَاهِيَة قد اعْتَرفَ بالمَوْتِ والبَعْث، ومَنْ اعْتَرف بذلك فقد بَرئ ممَّا قُرِفَ (c) بهِ.
قَرَأتُ في كتاب المُسْتَنِيْر للمَرْزُبَانِيّ، قال: حَدَّثَني عليُّ بن أبي عَبْدِ الله، قال: أخْبَرَني أبي، قال: حَدَّثَني عليّ بن مَهْدِي الكِسْرَوِيّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن يَزِيد العَمِّيّ، عن عَمْرو بن مالكٍ المَذَارِيّ (d)، قال: كان أبو العَتَاهِيَةِ من عندنا، وكان أبُوه بيّاع الجِرَار، وكان ضيِّقَ المعَاش، وكان أبو العَتَاهِيَة كَثِيْرًا ما (e) يُجَالِسُ مَنْ يَجتاز بنا من النُّسَّاك، وكان قليلَ العِلْم، فخرَج مع بعض النُّسَّاكِ فأقام بعَبَّادَان حينًا، فرجَع وقد تَفَقَّهَ وحَسُنَ أدَبُه، وقال الشِّعْرَ في الزُّهْدِ، ثمّ شَخَصَ إلى الكُوفَة فتَأدَّب هناك، ثمّ قَدِمَ بَغْدَاد ورَأى نَفْسَهُ مُتَخلِّفة عن أُولئك الشَّيَاطِين، وأراد
(a) ب: الحصيني.
(b) كتب ابن العديم في الأصل فوقه "صـ"، والمثبت كما في تاريخ بغداد.
(c) تاريخ بغداد: قذف، وقُرِف الرجل: اتهم بسوء ورمي به. انظر: تاج العروس، مادة: قرف.
(d) في الأصل وب بإهمال الدال: المداري، ولعل نسبته إلى مذار؛ قرية بأسفل البصرة. انظر: السمعاني: الأنساب 159:13.
(e) ب: مما.
_________
(1)
لم يرد البيتان في ديوانه، وهما عند شكري فيصل في كتابه: أبو العتاهية أشعاره وأخباره 537.
أنْ يكون له سَبَبٌ إلى المُلُوك يتعيَّش به، فأشَار عليه الهَيْثَمُ بنُ عَدِيّ أنْ يُشَبِبَ بالخَيْزُرَان، فَجَبُن عن ذلك، فأغْرهُ بعُتْبَة جَارِيَة رَيْطَة بنت أبي العبَّاسِ، فلبس مِدْرَعَة صُوْف، وطَلَبَ عُتْبَة، وسَألَ عنها فدُلَّ عليها وتُسَائِلُ بعضَ عجَائز القَصْر أرَقَّ مَسْألَةٍ، فتعرَّضَ لها أبو العَتَاهِيَة فقال
(1)
: [من الطويل]
فَدَيتُكِ تَجْمِيْشِ العَجُوزِ بليَّةٌ
…
ولا سِيَّمِا من بَرَّةٍ مُتَبَتِّلَهْ
فأمَرَتْ فوُجِئَ
(2)
في عُنُقه، ورَأتْهُ في زيّ مَجْنُونٍ فخَلَّتْ سَبِيلَهُ، فرَجَعَ إلى الهَيْثَمِ بن عَدِيّ فشَكَا إليه، فقال: إنَّما أشَرْتُ عليك أنْ تُشَبِبَ بها وتَدَّعِي عِشْقَها، لم أُشِرْ عليكْ أنْ تأمرَها بالمَعْرُوفِ وتَنْهاها عن المُنْكَر، وقد وقعَ الجنُونُ بحيثُ أردْت، فالْزَم هذا فعَسى أنْ تَنال خَيْرًا، ففَعَلَ، فكان يتْبَعُ عُتْبةَ في الطُّرُقاتِ ويُنْشِدُها أشْعَارَهُ، وإذا دَخَلَتْ إلى بَيْتِها جلسَ لها حتَّى تخرجُ، فاسْتَطرفِ (a) النَّاسُ ذلك منه، وكَنَوْهُ بأبي العَتَاهِيَة، وضُرِبَ وحُبِسَ فلم يزدهُ ذلك إلَّا بصِيْرةً في أَمْره، وكان ذلك سَبَبًا له إلى بُلُوغ ما أَمَّلَ.
أخْبَرَنا عَبْدُ الصَّمَد بن الحَرَسْتَانِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن أحْمَد الغَسَّانِيّ، قال: أخْبرنا أحمدُ بنُ عليّ البَغْدَاديّ
(3)
، قال: أخبَرَني عليُّ بن أيُّوبَ القُمِّيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ عِمْران المَرْزُبانيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن يَحْيَى، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن موسى البَرْبَرِيّ، قال: أخْبرَني أبو عَبْد الله مُحَمَّدُ بن عليّ الهاشِميُّ، عن أبي شُعَيْب أحْمَد بن يَزِيد صاحب ابن أبي دُؤَاد (b)، قال: قلتُ لأبي العَتَاهِيَة: يا أبا إسْحاق، حَدِّثني بقِصَّتكَ مع عُتْبَةَ؟ فقال لي: أُحَدِّثُكَ، قَدِمْنَا من الكُوفَة ثلاثةُ فتْيان شَبَابًا (ح) أُدَبَاء، وليسَ لنا ببَغْدَاد مَنْ نَقْصِدُه، فنزلنا غُرْفَةً بالقُرْبِ من
(a) ب: فاستظرف.
(b) ب: ابن أبي داوود.
(c) ب: شبانًا.
_________
(1)
لم يرد في ديوانه، وهو عند شكري فيصل في المستدرك 614.
(2)
أي ضُرِب. لسان العرب، مادة: وجا.
(3)
تاريخ بغداد 7: 330 - 333.
الجِسْر، فكُنَّا نُبَكِّرُ فنَجْلسُ في المَسْجِد الّذي ببابِ الجِسْر في كُلِّ غَدَاةٍ، فمرَّت بنا يَوْمًا امرأةٌ رَاكبةٌ معها خَدَمٌ سُودَانٌ، فقُلنا: مَنْ هذه؟ قالوا: خَالِصَةُ، فقال أحَدُنا: قد عَشِقْتُ خَالِصَة، وعَمِلَ فيها شِعْرًا، فأَعَنَّاهُ عليه. ثمّ لَم نَلْبَثْ أنْ مرَّت أُخرى راكبةً معها خَدَمٌ بِيْضَان، فقُلْنا: منْ هذه؟ فقالوا: عُتْبَةُ، فقُلتُ: قد عَشِقْتُ عُتْبَةَ، فلم نَزل كذلك في كُلِّ يَوْم إلى أنْ التَأَمَتْ لنا أشْعَارٌ كَثِيْرةٌ، فدَفع صَاحبي شعْرَهُ إلى خَالِصَة، ودَفَعْتُ أنا شِعْري إلى عُتْبَةَ، وألْحَحْنا إلْحاحًا شَدِيْدًا، فمرَّةً تُقْبل أشعَارُنا، ومرَّةً نُطْرَد، إلى أنْ جَدُّوا في طَرْدنا، فجلَسَتْ عُتْبَةُ يَوْمًا في أصْحَاب الجَوْهَر، ومَضَيْتُ فلَبِسْتُ ثِيَابَ رَاهِبٍ، ودفَعْتُ ثِيَابي إلى إنْسَان كان معي، وسَألتُ عن رَجُلٍ كبيرٍ من أهْل السُّوق، فدُلِلْتُ على شَيْخ صَانِع (a)، فجئتُ إليه، فقُلتُ: إنِّي قد رغبْتُ في الإسْلَام على يَدَي هذه المَرْأةِ، فقام معي وجَمَع جَمَاعَةً من أهْل السُّوق، وجاءها فقال: إنَّ الله قد سَاقَ إليكِ أجْرًا، هذا رَاهِب قد رَغبَ في الإسْلَام على يَدَيْك، قالت: هَاتُوه، فدَنوْتُ منها، فقُلتُ: أشْهَدُ أنَّ لا إلَه إلَّا الله، وأنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسُولهُ، وقَطَعْتُ الزُّنَّارَ، ودَنَوْتُ فقبَّلْتُ يدَهَا (b)، فلمَّا فعَلْت ذلك رَفَعْتُ البُرْنُسَ فعَرَفَتْني، فقالت: نَحُّوهُ لعَنَهُ الله! فقالوا: لا تَلْعَنيه فقد أسْلَم، فقالت: إنَّما فعَلْتُ (c) ذلك لقَذَرِه، فعَرَضُوا عليَّ كُسْوَةً، فقلت: ليسَتْ بى حَاجَة إلى هذه، وإنَّما أرَدْتُ أنْ أَشْرُفَ بولَائها، فالحَمْدُ لله الّذي مَنَّ عليَّ بحُضُوركم، وجَلَسْتُ فجعَلُوا يُعلِّمونَني الحَمْدَ، وصَلَّيْتُ معهم العَصْر، وأنا في ذاك بينَ يَدَيْهِا (4) أنْظُر إليها لا تَقْدرُ لي على حِيْلَةٍ، فلمَّا انصرَفَتْ لقِيَتْ خَالِصَةَ فشَكَتْ إليها، فقالت: ليسَ يَخْلُو هذان من أنْ يكُونًا عَاشِقَيْن أو مُسْتَأكِلَيْن، فصَحَّ عَزْمُهما على امْتِحاننِا بمالٍ على أنْ نَدَع التَّعرُّضَ لهما، فإنْ قَبِلْنا المالَ فنحنُ مُسْتَأكِلَان، وإنْ لَم نَقْبَلْهُ فنحنُ عَاشِقَانِ.
(a) تاريخ بغداد: صائغ.
(b) ب: يديها.
(c) ب: فعل.
(d) قوله: "بين يديها" ساقط من ب.
فلمَّا كان الغَدُ، مرَّت خَالِصَةُ، فعَرَض لها صَاحِبُها، فقال لهُ الخَدَمُ: اتَّبِعْنا، فاتَّبَعَهُم (a)، ثُمَّ لَم نَلبَثْ أنْ مرَّت عُتْبَة، فقال لي الخَدَمُ: اتَّبِعْنا، فاتَّبَعْتُهم، فَمضَتْ بي إلى مَنْزِل خَلِيطٍ لها بَزَّازٍ، فلمَّا جَلَسَتْ دَعَتْ بي، فقالت لي: يا هذا، إنَّك شَابُّ وأرَى لك أدَبًا، وأنا حُرْمَةُ خَلِيفَةٍ، وقد تَأَنَّيْتُكَ، فإنْ أنْتَ كَفَفْتَ وإلَّا أَنْهَيْتُ ذلك إلى أَمِير المُؤْمنِيْن، ثُمّ لم آمَن عليك. قُلتُ: فافْعَلِي بأبي أنْتِ وأُمِّي، فإنَّكِ إنْ سَفَكْتِ دَمي أَرَحتني، فأسْألكِ باللهِ إلَّا فَعَلْتِ ذلك، إذ لم يكُن لي فيك نَصِيبٌ، فأمَّا الحَبْسُ والحيَاةُ ولا أراك فأنت في حَرَجٍ من ذاك، فقالت: لا تَفْعَل يا هذا وأبْقِ علِى نَفْسِك، وخُذ هذه الخَمْسَمائة الدِيْنار واخْرُج عن هذا البَلَدِ، فلمَّا سَمِعْتُ ذِكْرَ المال ولَّيْتُ هَارِبًا، فقالت: رُدُّوه، فلم تَزَلْ تَرُدُّنِي، فقُلتُ: جُعِلْتُ فداءَكِ، ما أصْنعُ بعَرَضٍ من الدُّنْيا وأنا لا أرَاك؟ وإنَّك لتُبْطئيْنَ يوْمًا واحدًا عن الرُّكُوب فتَضِيْقُ بي الأرْضُ بما رَحُبَت، وهي تأبَى إلَّا ذِكْر المال حتَّى جَعَلَتْ لي ألفَ دِيْنارٍ، فأبَيْتُ وجَاذبتُها مجُاذبةً شَدِيدةً، وقُلتُ: لو أعْطَيْتنِي جميع ما يَحْوِيه الخلَيفَة ما كانت لي فيه حاجَة وأنا لا أراك بعد أنْ أجدَ السَّبِيْل إلى رُؤيتِكِ. وخرجْتُ فجئْتُ الغُرْفَة الّتي كُنَّا نْنْزلها، فإذا صاحبي مُوَرَّمُ الأُذُنَيْن، وقد امْتُحِنَ بمثْل مِحْنَتي، فلمَّا مدَّ يدَهُ إلى المالِ صَفَعُوهُ، وحَلَفَتْ خَالِصَةُ لئن رَأَتهُ بعد ذلك لتُودِعنَّه الحَبْسَ (b)، فاسْتَشَارني في المقام، فقُلتُ: اخرُج وإيَّاكَ أنْ يُقْدَرَ عليك، ثمّ الْتَقَتَا فأخْبَرَتْ كُلُّ واحدةٍ صَاحبتَها الخَبَرَ، وأحْمَدَتْنِي عُتْبةُ وصَحَّ عندها أنِّي مُحِبٌّ مُحقٌّ.
فلمَّا كان بعد أيَّامٍ، دَعَتْني عُتْبَةُ، فقالت: بحياتي عليك، إنْ كُنْتَ تُعِزُّها، إلَّا أخَذْتَ ما يُعطيْك الخادِمُ فأصْلحتَ به (c) من شَأنك، فقد غَمَّني سُوء حَالِكَ، فامتَنَعْتُ، فقالت: ليس هذا ممَّا تَظُنُّ، ولكنِّي لا أُحبُّ أنْ أراك في هذا الزِّيّ، فقُلتُ: لو أمْكَنني أنْ تَريني في زِيّ المَهْدِيّ لفعلتُ ذلك، فأقْسَمَتْ عليَّ، فأخَذْتُ
(a) ب: فتبعهم.
(b) ب: السجن.
(c) ساقطة من ب.
الصُّرَّةَ فإذا فيها ثلاثمائة دِيْنارٍ، فاكْتَسَيْتُ كُسْوَةً حَسَنةً، واشْتَرَيْتُ حِمَارًا.
أنْبَأنَا زَيْدُ بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرّحْمن بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو حَنِيْفَة عَبد الوَهَّاب بن عليّ بن الحَسَن المُؤدِّب، قال: حَدَّثَنَا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء الجَرِيْرِيُّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن إبْراهيم الحَكِيْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن أبي خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَنَا عَتاهِيَةُ بن أبي عَتاهِيَة، قال: أقْبَل أبي يَمْدَحُ المَهْدِيّ ويَجْتَهدُ في الوُصُول إليه، فلمَّا تَطَاولَتْ أيَّامُهُ أحَبَّ أنْ يُشْهِرَ نَفْسَهُ بأمرٍ يَصِلِ [به](a) إليه، فلمَّا بَصُرَ بعُتْبَة راكبةً في جَمْعٍ من الخَدَم تَتَصرَّفُ في حَوَائج الخِلَافَة تعرَّضَ لها، وأَمَّلَ أنْ يكون تولُّعُه بها هو السَّبَبُ المُوْصِل إلى مَحبَّته (b)، وانْهَمكَ في التَّشْبيْبِ والتَّعرُّض في كُلِّ مكانٍ لها، والتَّفرُّد بذِكْرها وإظْهارِ شِدَّة عِشْقها، وكان أوَّل شِعْرٍ قالَهُ فيها
(3)
: [من الخفيف]
رَاعَنِي يا يَزِيدُ صَوْتُ الغُرَاب
…
لحَذارِي للبَيْنِ من أحْبَابي
يا بَلَائي ويا تَقلْقُلَ أحْشَا
…
ئي ونَفْسِي لطَائِرٍ نعَّابِ
أفصَح البَيْنَ بالنَّعِيْب وما
…
أفصَح لي في نَعِيْبهِ بالإيابِ
فاسْتَهلَّت مَدَامِعي جَزَعًا منـ
…
ــه بدَمْعٍ ينهلُّ بالتِّسْكَابِ
ومُنِعْتُ الرُّقَادَ حتَّى كأنِّي
…
أرْمَدُ العَيْن أو كُحلْتُ بصَابِ (c)
قلتُ للقَلْبِ إذ طَوَى وَصْلَ
…
سُعْدَى لهواه البَعِيدِ بالأنْسَاب
أنْتَ مثْلُ الّذي يَفِرُّ من القَطْـ
…
ــر حَذَارَ النَّدَى إلى الميْزَاب
وهي طَويْلَةٌ (d).
(a) زيادة من تاريخ بغداد.
(b) تاريخ بغداد: حاجته.
(c) ب: بضاب.
(d) في تاريخ بغداد: وهي قصيدة طويلة.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 333 - 333.
(2)
لم أقف عل الحكاية في كتابه الجليس الصالح.
(3)
لم نقف على القصيدة ولا الأبيات المذكورة في ديوان أبي العتاهية.
قال: وقال في عُتْبَةَ
(1)
: [من مجزوء الكامل]
ولقد طَربْتُ (a) إليك حَـ
…
ــتَّى صِرْتُ من ألَم (b) التَّصَابي
يَجِدُ الجلِيْسُ إذا دَنَا
…
رِيْحَ الصَّبَابَةِ (c) في ثِيَابي
وقال فيها أيضًا
(2)
: [من الطويل]
وإنِّي لمَعْذُورٌ على طُول حُبِّها
…
لأنَّ لها وَجْهًا يَدُلُّ على عُذْري
إذا ما بَدَتْ والبَدْر لَيْلَة تَمِّهِ
…
رأيتَ لها فَضْلًا مُبِيْنًا على البَدْر
وتَهْتَزُّ من تحت الثِّيَابِ كأنَّها
…
قَضِيْبٌ من الرَّيْحان في وَرَقٍ خُضْرِ
أبَى اللهُ إلَّا أنْ أموْتَ صَبَابةً
…
بسَاحرَةِ العَيْنَين طَيِّبَة النَّشْرِ
وتَبْسِم عن ثَغْر نقِيّ كأنَّهُ من
…
اللُّؤْلُؤ المَكْنُون في صَدَفِ البَحْرِ
يُخَبِرُني عنهُ السِّوَاكُ بطِيْبِه
…
ولسْتُ به لولا السِّوَاكُ بذِي خُبْرِ
أخْبَرَنا أبو جَعْفَر يحيى بن جَعْفَر بن عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عليّ بن الدَّامَغَانِيّ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبي أبو مَنْصُور جَعْفَر ببَغْدَاد، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَدُ بن سَوَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن رِزْمَةَ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد السِّيْرَافيّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بنُ مَنْصُور، قال: حَدَّثنا الزُّبَيْرُ - يعني ابن بَكَّار - قال: حَدَّثَني جَعْفَرُ بن الحُسَين اللَّهَبِيُّ، قال
(3)
: أرْسَل أَمِيرِ المُؤْمنِن المَهْدِيُّ يَوْمًا إلى أبي العَتَاهِيَة فدعاهُ، فقال: أنت الّذي تقُول في عُتْبَة
(4)
: [من المنسرح]
اللهُ بَيْني وبينَ مَوْلَاتي
…
أبْدَتْ لي الصَّدَّ والمَلَالَات
(a) ديوانه: حَبَوت.
(b) ديوانه: حتى صار من فرط.
(c) ديوانه: التصابي.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 69.
(2)
لم ترد الأبيات في ديوانه، والأربعة الأولى منها في معاهد التنصيص 2:46.
(3)
انظر الرواية والشعر عند المسعودي: مَرْوج الذهب 4: 172، ويشير إحسان عباس في دراسته لترجمة ابن العديم لأبي العتاهية أن مصدر المصنف في نقل هذه الرواية هو المسعودي دون أن يصرح بذلك.
(4)
لم يرد في ديوان أبي العتاهية، وهي في الأغاني 4: 47 ضمن أبيات أخرى.
متَى وَصَلتكَ حتَّى تُنْكر صَدَّها عنك (a)؟ قال: يا أَمِير المُؤمنِيْن، أنا الّذي أقُول
(1)
: [من المنسرح]
يا نَاقُ سِيْري (b) بنا ولا تَعدِي
…
نفْسَكِ ممَّا تَرَيْنَ رَاحَاتِ
حتَّى تُنيخي (c) بنا إلى مَلِكٍ
…
توَّجَهُ اللهُ بالمَهَابَاتِ
يَقُولُ للرِّيح كُلّمَا صَفَقَتْ (d):
…
هل لك يا رِيْحُ في (e) مُبَارَاتي
قال: فأطْرَق مليًّا وجَعَل ينكتُ (d) بقَضِيبٍ كان في يَدِه، ثمّ رَفعَ رَأسَهُ فقال: أنْتَ الّذي تَقُول
(2)
: [من المتقارب]
ألَا ما لسَيِّدَتِي ما لها
…
لقد (g) سَكَن الحُبُّ سِرْبَالَها
ما يُدْريكَ ما في سِرْبالِها؟ فقال: يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، وأنا الّذي أقُولُ
(3)
: [من المتقارب]
أَتَتْهُ الخِلَافَةُ مُنْقَادةً
…
إليهِ تُجَرِّرُ أَذْيَالَهَا
فلم تَكُ تَصْلُح إلَّا له
…
ولا كانَ يَصْلحُ إلَّا لها
ولو رَامَها أحَدٌ غَيْرُهُ
…
لَزُلْزلَت الأرْضُ زِلْزَالَهَا
قال: فنَكَّسَ رأسَهُ ونكَتَ بقَضِيْبِه، ثمّ رَفَع رأسَهُ فسَألَهُ عن شيءٍ، فعَيِيَ بجَوَابِه، فأمرَ به فجُلِدَ، ثمّ أُخْرِج مَجْلُودًا، فلَقِي عُتْبة على الباب، فقال
(4)
: [من السريع]
بَخٍ بَخٍ يا عُتْبَ من مثْلُكُم
…
قد قَتَلَ المَهْدِيُّ فيكُم قَتِيْل
(a) ساقطة من ب.
(b) ديوانه والأغاني: خبِّي، المسعودي: جدّي بنا ولا تهني.
(c) ديوانه والأغاني: تناخي، المسعودي: تجيئي.
(d) ديوانه والأغاني والمروج: عصفت.
(e) ب: من.
(f) ب: ينكث.
(g) ب: قد.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 103، الأغاني 4:47.
(2)
ديوان أبي العتاهية 375، وعجزه في الديوان: أدَلَّت فأجمل إدلالها.
(3)
ديوان أبي العتاهية 375، الأغاني 4:28.
(4)
لم يرد بيت الشعر في ديوانه، وانظره في طبقات الشعراء لابن المعتز 210، ومروج الذهب للمسعودي 4:174.
قال: فدَخَلُوا فأخْبَرُوا المَهْدِيَّ بما قال، فضَحكَ، ثمّ أمر له بعشرين ألف دِرْهَمٍ فأخَذَها، فلمَّا خَرَج كان على الباب المُرَابطَةُ فقسَمها فيهم، فأُخْبِرَ المَهْدِيُّ بذلك، فدَعاهُ فقال له: ما الّذي حملَكَ على أنْ أكْرَمتُكَ بكَرَامةٍ فقَسَمْتَها؟ فقال: يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، ما كنتُ لآكُلَ ثمن مَنْ أَحْبَبْت، فأطلَقَها له، وتقدَّمَ إليه ألَّا يُبَذِّرَها.
أنْبَأنَا القَاضِي أبو القَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد الغَسَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عليّ الحافِظ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو حَنِيْفَة المُؤدِّبُ، قال: حَدَّثَنَا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء
(2)
، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن القَاسِم الكَوْكَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَسَلُ (a) بنُ ذَكْوَان، قال: أخْبَرَنا دِمَاذٌ، عن حَمَّاد (b) بن شَقِيق، قال: قال أبو سَلَمَة الغَنَويّ: قلتُ لأبي العَتَاهِيَة: ما الَّذي صَرفكَ عن قَوْل الغَزَل إلى قول الزُّهْدِ؟ قال: إذًا والله أُخْبِرُكَ، إنِّي لمَّا قُلْتُ
(3)
: [من المنسرح]
اللهُ بينى وبينَ مَوْلَاتى
…
أهْدَتْ لي الصَّدَّ والمَلَالَاتِ
مَنَحْتُها مُهْجَتي وخَالِصَتي
…
فكان هِجْرَانُها مُكَافَاتي
هَيَّمني (c) حُبُّها وصَيَّرَنِي
…
أُحْدُوثَةً في جَميع جَارَاتي
رأيتُ في المَنَام في تِلك اللَّيْلةِ كأنَّ آتيًا أتَاني، فقال: ما أَصَبْتَ أحدًا تُدْخِلُه بينكَ وبين عُتْبَة يَحْكُم لك عليها بالمَعْصِيَةِ إلَّا الله تعالَى؟! فانْتَبَهْتُ مَذْعُورًا، وتُبْتُ إلى اللهِ من سَاعتي من قَوْل الغَزَل.
وذَكَرَ أبو الحَسَن المَسْعُودِيّ في كتاب مُرُوج الذَّهَب
(4)
: قال أبو العبَّاس
(a) جوَّده ابن العديم في الأصل بفتح أوَّله وثانيه، وعند الخطيب البغدادي بالكسر والسكون.
(b) ب: دماذ بن حماد.
(c) الأغاني: أقلقني.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 235.
(2)
لم أقف عليه في كتابه الجليس الصالح.
(3)
الأبيات ليست في ديوانه، وانظرها في كتاب الأغاني 4:47.
(4)
مروج الذهب 4: 218 - 219.
يَحْيَى ثَعْلَبُ: كان أبو العَتَاهِيَة قد أكْثَرَ مَسْألَة الرَّشِيْد في عُتْبَة، فوعَدَهُ بتَزْوِيجها إنْ أجابَت، وتَجْهيزها. ثمّ إنَّ الرَّشِيْد سَنَح له شُغْل فحُجِبَ عنه أبو العَتَاهِيَة فدَفع إلى مَسْرُور الكَبِير ثلاثَ مَرَاوحَ، فدَخَل بها مُبْتسِمًا فقرأ الرَّشِيْدُ على أحديهنَّ
(1)
:
[من الكامل]
ولقد تنسَّمْتُ الرِّيَاح لحاجَتي
…
فإذا لها من راحتَيْكَ نَسِيمُ (a)
قال: أحْسَنَ الخَبِيْثُ. وإذا على الأُخْرى:
أعْلَمتُ (b) نَفْسِي من رجائِكَ ما لَهُ
…
عَنَقٌ يَخُبُّ إليكَ بي ورَسِيْمُ (c)
فقال: وقد أجَادَ. وإذا على الأُخرى:
ولرُبَّما اسْتَيْأَسْتُ ثمّ أَقُولُ: لا،
…
إنَّ الّذي ضمِنَ النَّجَاحَ كَريمُ
فقال: قاتلَهُ الله، ثمّ دَعَا به فقال: ضَمنْتُ لك يا أبا العَتَاهِيَة وإنِّي قاعدٌ لقَضَاءِ حاجتِكَ.
وبَعَثَ إلى عُتْبَة: انْتَظريني اللَّيْلة في مَنْزِلك، فلي إليك حاجَةٌ، فصارَتْ هي إليه، فحلَف ألَّا يَذْكُر حَاجَتَهُ إلَّا عندَها، فلمَّا كان اللّيْلُ صارَ إليها في خَواصّ خَدَمِهِ، فقال: لستُ أذْكُر حاجتى أو تَضْمَنينَ لي قَضاءَهَا، قالت: أنا أَمَتُكَ وأمْرُكَ فيَّ نافِذٌ إلَّا أبا العَتَاهيَة؛ فإنِّي حلَفْتُ لأبيكَ رضي الله عنه بأيْمانٍ لا تُحدّ كفَّارتها بالمضيّ (d) إلى مَكَّة حافيةً، كُلّما قَضَيْتُ حَجَّةً وجَبَتْ حِجَّةٌ أُخرى، وكُلّما أفَدْتُ شيئًا تَصَدَّقْتُ به، وبَكَتْ بينَ يَدَيْهِ، فرَحمها ورَقَّ لها، وانْصَرَف عنها.
وغَدَا عليه أبو العَتَاهِيَة لا يَشُكُّ في الظَّفَر، فقال له: ما قصَّرتُ في أمْرك،
(a) المروج: شميم.
(b) المروج: أعلقت، الديوان: أشربت.
(c) في الأصل، ب: ويسيم، والتصويب من المروج والديوان، والرسيم ضرب من المشي فيوافق ما قبله.
(d) المروج: بالمشي.
_________
(1)
الأبيات الثلاثة في ديوان أبي العتاهية 407.
ومَسْرُورٌ وحُسَينٌ ورَشِيْدٌ وغيرهم شُهُود لي، وشَرَح له الخَبَر.
قال أبو العَتَاهيَة: لمَّا خبَّرني بذلك لَم أدرِ أين أنا، ثمّ قُلتُ: الآن يئسْتُ منها إذْ ردَّتْكَ، وعلمتُ أنَّها لا تُجِيْبُ أحدًا بعدك، فلبسَ الصُّوفَ، وقال
(1)
: [من الكامل]
قطَّعْتُ مِنْكِ حَبَائلِ الآمالِ
…
وحَطَطْتُ عن ظَهْر المطِيّ رِحالي
ووَجَدْتُ بَرْدَ اليأسِ بين جَوَانِحي
…
فغنيْتُ عن حَلٍّ وعن تَرْحالِ (a)
وذَكَرَ أبو عُبَيْد الله المَرْزبانيّ في كتاب المُسْتَنِيْر، وقرأتُه فيهِ في أخْبَار أبي العَتَاهِيَة، وأخْبَرَنا به إجَازَةً أحْمَد بن الأزْهَر بن السَّبَّاك، قال: أنْبَأنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي، عن أبي مُحَمَّد الجوهَرِيّ عنه، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بِن أحْمَد الكَاتِب، ومُحَمَّد بن يَحيَى
(2)
، قالا: حدَّثنا مُحَمَّدُ بن مُوسَى، قال: حَدّثنا الزُّبَير بن بكَّار، قال: حَدَّثَني ثَابِتُ بن الزُّبَيْر بن خُبَيْب (b)، قال: أخْبَرَني ابنُ أُخْتِ أبي خَالِد الحَرْبيّ (c)، قال: قال لي هَارُون الرَّشِيْد: احْبِسْ أبا العَتَاهِيَة حتَّى يقُول شِعْرًا رقيقًا، وأمرني بالتَّضْييق عليهِ، قال: فأخذْتُه فحبسْتُه في بيت خَمْسة أشْبَارٍ في خَمْسةِ أشْبارٍ، فصَاحَ: المَوْت، أَخْرجُوني، أنا أقُولُ لكم ما شئتُم! قال: فقلتُ له: فقُلْ، فقال: أخْرجني حتَّى أَتَنَفَّس، فأخرجْتُه وأعْطيتُه قِرْطاسًا ودَوَاةً فكَتَبَ فيهِ
(3)
: [من الخفيف]
مَنْ لعَبْدٍ أذَلَّهُ مَوْلاهُ
…
ما لَهُ شَافِعٌ إليهِ سِوَاهُ
يَشْتَكِي ما بهِ إليه ويَخْشَاهُ
…
ويَرْجُوه مثلما يَخْشَاهُ
(a) رواية الديوان والأصفهاني: وأرحت من حلي ومن ترحالي.
(b) ب: حبيب.
(c) في الأصل، ب: الحراني، والتصويب من الأغاني والورقة لابن الجراح 67.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 325، والأغاني 4:14.
(2)
نقله في الأغاني 4: 52 عن الصولي من حديث عمه.
(3)
ديوان أبي العتاهية 30.
قال: فجئتُ بها مَسْرُورًا، فأدْخَلَها إلى أَمِير المُؤْمنِيْن، فتقَدَّم الرَّشِيْد إلى إبْراهيم المَوْصِلِيّ فغنَّى بها، ودَعَا بهِ، فقال: أنْشدني
(1)
: [من الكامل]
يا عُتْبَ سيِّدَتِي أمَا لك دِيْنُ؟
فأنْشَدَهُ إيَّاها، فوعَدَهُ أَنْ يُزوِّجَهُ بها، فلمَّا خَرَج قال له النِّسَاءُ: إنَّهُ شبَّبَ بها وشهَرها في النَّاسِ، وإنْ زَوَّجْتَهُ إيَّاها حقَّقْتَ عليها ما قال (a) فيها، فأمَر له عِوَضًا من ذلك بخَمسِين (b) ألفِ دِرْهَم.
وقال المَرزُبانيّ: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بنُ أبي خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أبي العَتَاهِيَة، قال: غُنِّي الرَّشِيْدُ يَوْمًا في شِعْر أبي وهو في الحَبْس
(2)
: [من الطويل]
خَلِيلَيَّ ما لي لا تَزَالُ مَضَرَّتي
…
تكونُ على الأقْدَارِ حَتْمًا منَ الحَتْمِ
كفَاكَ بحقِّ اللهِ ما قد ظَلَمْتَني
…
فهذا مقَامُ المُسْتجيرِ من الظُّلْمِ
ألَا في سَبِيْلِ اللهِ جِسْمي وقُوَّتي
…
أما (c) مُسْعِدٌ حتَّى أنُوح على جِسْمي
فأمر الرَّشِيْدُ بإحْضَاره فقال له: أيَجُوز لكَ هذا؟ بالأمْسِ يَنْهاكَ أَمِير المُؤْمنِيْن المَهْدِيُّ عن القَوْل في عُتْبَة فتأبَى إلَّا لَجَاجًا ومحْكًا، واليوم آمرُكَ بالقَوْل فيها فتَأْبى ذلك؟! قال: يا أَمِير المُؤْمنِيْن، {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
(3)
، كُنْتُ أقُول في الغَزَل وَلي شَبَابٌ وحِدَّةٌ، وبي حَرَاكٌ وقُوَّة، واليَوْم فأنا شَيْخ ضَعِيْفٌ لا يَحْسُنُ بمثلي لَهْوٌ ولا تَصَابٍ، فقال: والله لا رَضِيْتُ منكَ إلَّا بالّذي كُنت عليهِ. ثمّ قال له: أنْشدني بعضَ ما قُلتَ فيها، فسَكَت، فقال: واللهِ لتُنْشدَني شَيئًا
(a) ب: قاله.
(b) ب: خمسين.
(c) ديوانه والأغاني: ألا.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 458، وعجزه: حتى متى قلبي لديك رهينُ.
(2)
ديوان أبي العتاهية 409، الأغاني 4:35.
(3)
سورة هود، من الآية 114.
من ذلك، فأنْشَدَهُ
(1)
: [من البسيط]
نَفْسِي بشيءٍ من الدُّنْيا مُعَلَّقَةٌ
…
اللهُ والقَائِمُ المَهْدِيُّ يَكْفِيْها
إنِّي لآيَسُ (a) منها ثمّ يُطْمِعُني
…
فيها احْتِقَارُكَ للدُّنيا وما فيها
فقال له الرَّشِيْدُ: هل لك في التَّزْويْج بها؟ قال: لا والله، قال: إنَّك إنْ قبلْتَ ذلك خَلَّيْتُ سَبِيْلكَ وزدْتُ في مَنْزِلتَك، قال: عليَّ عَهْدُ الله عز وجل ألَّا أتزوَّج على أُمّ ولدى حتَّى ألْقى الله، فاعْفنى من ذلك يا أَمِير المؤمنِيْن عفا اللهُ عنك، فأمرَ الرَّشِيْدُ بردِّهِ إلى الحَبْس.
وقال المَرْزُبانيّ
(2)
: حَدَّثَني عليّ بن [أبي عَبْد الله](b) الفَارِسِيّ، قال: أخْبَرَني أبي، قال: حَدَّثَني عليُّ بن مَهْدِى، عن أحْمَد بن حَمْدُون، قال: أخْبَرَني مُخارِقٌ، قال: لمَّا تَقَرَّأ (c) أبو العَتَاهِيَة ولبِسَ الصُّوْفَ، أمرَهُ الرَّشِيْدُ أنْ يقُول شِعْرًا في الغَزَل، فامْتَنَعَ؛ فضَرَبَهُ ستِّينِ عَصًا، وحَلَفَ ألَّا (d) يخرُجَ من حَبْسِهِ حتَّى يقُولَ شِعْرًا في الغَزَل، فامْتَنَعَ؛ رُفِعَت المقارِعُ عنه قال للرَّشيْدِ: كُلّ ممْلُوكٍ له حُرٌّ، ومَرَتْهُ طَالِقٌ إنْ تكلَّم سَنَةً إلَّا بلا إله إلَّا الله مُحَمَّدٌ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (e)، فكأنَّ الرَّشِيْد تحَوَّبَ (f) ممَّا فَعَل بهِ، فأمَرَ بأنْ يُحْبَسَ في دارٍ ويُوسَّعَ عليه، ولا يُمْنَعَ من الدُّخُول إليهِ.
قال مُخَارِقٌ: وكانت الحالُ بينِي وبين إبْراهيم المَوْصِلِيّ لَطِيْفة، فكان لا يزَالُ يبعَثُ بي إليه في الأيَّام أتعرَّف خَبَرَهُ، فإذا دَخَلْتُ إليه إلى حَبْسِهِ وَجَدْتُ بينَ يَدَيْهِ ظُهُورًا (g) ودَوَاةً يكتبُ إليَّ بجميع (h) ما يُرِيدُ، وأُكَلِّمُهُ أنا، فمكث كَذَا سَنَةً،
(a) ديوانه ووفيات الأعيان: لأيأسُ.
(b) إضافة واستكمال لاسمه.
(c) الأغاني: تنسك، والمعنى واحد.
(d) ب: لا.
(e) الأغاني: إلا بالقرآن أو بلا إله إلا الله مُحَمَّد رسول الله.
(f) الأغاني: تحزَّن.
(g) الأغاني: ظهرًا، وفي بعض نسخه ما يوافق المثبت.
(h) ب: جميع.
_________
(1)
البيت الثاني فقط في ديوان أبي العتاهية 490، وانظرهما في مروج الذهب 4: 174، ووفيات الأعيان 1:220.
(2)
انظر الخبر في الأغاني 4: 25 - 26.
واتَّفَقَ أنَّ إبْراهيم صنَعَ صَوْتَهُ: [من الكامل]
أَعرَفْتَ أنَّ (a) الحَيّ بالحْجِرِ
…
فَسَرَورَيان فقُبَّة العُمْر (b)
وهجرتَنا وأَلِفْتَ رَسْمًا باليًا
…
والرَّسْم كانَ أحقَّ بالعُمْر (c)
فقال لي إبْراهيمُ: اذْهَبْ إلى أبي العَتَاهِيَة حتى تُغَنِّيهُ هذا الصَّوْتَ، فأتيْتُه في اليَوْم الّذي تَنْقَضي فيه يَمِيْنُه، فكَتَبَ إليَّ بعد أنْ غنَّيْتُه: هذا اليَوْمُ الّذي تَنْقَضي فيه يَمِيْني، فأُحِبُّ أنْ تُقيم عندي إلى اللَّيْل، فأقْمتُ عندَهُ نَهاري كُلَّهُ، حتَّى إذا أذَّن النَّاسُ المَغْربَ كَلَّمَني، فقال:[يا](d) مُخَارِق، قُلتُ: لَبَّيْكَ، قال: قُل لصَاحِبكَ: يا ابن الزَّانيِة، أمَا والله لقد أبقيْتَ للنَّاس فِتْنَةً إلى يَوْم القِيامَة، فانظُر أين أنْتَ من اللهِ غَدًا. قال مُخَارِق: فقُلتُ لَهُ: دَعْني من هذا، قُلْتَ (c) شيئًا تتخَلَّصُ بهِ من هذا المَوضِع؟ قال: قد قُلْتُ في امْرأتي شِعْرًا، قُلتُ: فأنْشِدنيهِ، فأنْشَدَني
(1)
: [من الخفيف]
مَنْ لقَلْبٍ مُتَيَّم مُشْتَاقِ
…
شَفَّهُ شَوْقُهُ وطُوْلُ الفِرَاقِ
طالَ شَوْقي إلى قعِيْدَةِ بَيْتي
…
لَيْتَ شِعْري فهل لنا من تَلَاقِ
فهي حَظِّي قد اقْتَصَرتُ عليها
…
من ذَوَاتِ العُقُودِ والأطْوَاقِ
جَمَعَ اللهُ عاجلًا بكِ شَمْلي
…
عنِ قريبٍ وفكَّني من وَثَاقي
قال: فكتبتُها وصرْتُ بها إلى إبْراهيم، فصنَع فيها لَحنًا، ثمّ دخَل على الرَّشِيْدِ، فكان أوَّلَ ما غنَّاهُ في ذلك المَجْلِس، فأعْجبَهُ، وقال: لمَن هَذا الغِنَاءُ والشِّعْر؟ قال إِبْراهيم: أمَّا الغِنَاء فلي، وأمَّا الشِّعْرُ فلأسِيْركَ أبي العَتَاهِيَة، قال: أوَ فَعَل؟ قال: نعَم، قد كان ذاك، فدعا بهِ، ثمّ قال لمَسْرُور الخَادِم: كم كُنَّا ضَرَبْنا أبا العَتَاهِيَة؟
(a) الأغاني: دار.
(b) عجزه في الأغاني: فشدوريان فقُنَّة الغمر.
(c) الأغاني: بالهجر.
(d) زيادة من الأغاني.
(e) الأغاني: هل قلت.
_________
(1)
لم ترد الأبيات في ديوان أبي العتاهية، وهي في الأغاني 4:26.
قال: ستِّين عَصًا، فأمَرَ له بستِّين ألفًا (a)، وخلَعَ عليه وأطْلَقَهُ.
وقال المَرْزُبانيّ: حَدَّثَني! مُحَمَّد بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ (b) بن أبي خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن أبي العَتَاهِيَة، ح.
قال: وحَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن مُوسَى، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بنُ أبي سَعْدٍ، قال: قال لي مُحَمَّدُ بن أبي العَتَاهِيَة: لم يزل أبي يقُول الشِّعْر في عُتْبَة إلى أنْ خَرَج الرَّشِيْد في خِلَافَته إِلى الرَّقَّة، وكان أبو العَتَاهِيَةِ يُنَادِمُ الرَّشيْدَ، ولا يُفارِقُه في سَفَر ولا حَضَر إلَّا في وقْتِ الحَجِّ إِذا كان بالعِرَاق، وكان الرَّشِيْدُ يُجْري عليه في كُلِّ سنة خَمْسِينَ ألفَ دِرْهَم سِوى المَعَاون والجَوَائِز، فلمَّا قَدِمَ الرَّشِيْدُ الرَّقَّة أظْهَرَ أبو العَتَاهِيَة التَّزَهُّد، وتصَوَّف (c) وتركَ حُضُورَ المُنادَمَة والقَوْلَ في الغَزَلِ، فأمرَ الرَّشيْد بحَبْسِه فحُبِسَ، فلمَّا طالَتْ أيَّامُهُ في الحَبْسِ كتَبَ إلى الرَّشِيْد قَصِيدَةً لِقُول فيها
(1)
: [من الطويل]
تَذَكَّرْ أمينَ اللهِ حقِّي وحُرْمَتي
…
وما كُنْتَ تُوْلينى لعلَّك تَذْكُرُ
لياليَ تُدْنِي مِنْكَ بالقُرْبِ مَجْلِسي
…
ووَجْهُكَ من ماءِ البَشَاشَةِ يَقْطُرُ
فَمنْ لي بالعَيْنِ الّتي كُنْتَ قبْلها (d)
…
إليَّ بها نَفْسِي فداؤُكَ (ح) تَنْظُر
فبَعَثَ إليه الرَّشِيْدُ لمَّا قرَأها: لا بأس عليك. فكتَبَ إليهِ
(2)
: [من الوافر]
أَرِقْتُ وطارَ عن عَيْني النُّعَاسُ
…
ونَامَ السَّامرُونَ ولَم يُؤَاسُوا
أمين اللهِ ظِلُّكَ ظِلٍّ (f) أمْنٍ
…
عليكَ من التُّقَى فيهِ لبَاسُ
وجودُكَ يَسْتَهل ندى ويَحْيا
…
من كُلِّ نَاحيةٍ أُنَاسُ
(a) الأغاني: ستين ألف درهم.
(b) ب: إبراهيم.
(c) ب: والتصوف.
(d) ديوانه والأغاني: مرة.
(e) ديوانه والأغاني: إليَّ بها في سالف الدهر.
(f) ديوانه والأغاني: أمنك خير.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 214 - 215، والأغاني 4: 51 وفيهما زيادة بيت.
(2)
ديوان أبي العتاهة 233، والأغاني 4: 51 - 52، وفيهما عوض البيت الثالث بيت آخر.
تُسَاسُ من السَّماءَ بكُلِّ سَعْدٍ (a)
…
وأنتَ به تَسُوسُ كما تُسَاسُ
كأنَّ الخَلْقَ في تركيب رَوْح (b)
…
له جَسَدٌ وأنْتَ عليهِ رَاسُ
قال: وحَدَّثَني أبو عَبْدِ الله الحَكِيْميّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن مُوسَى، عن الزُّبَيْر، ح
قال: وأخْبَرَني الحُسَينُ بن علِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن سَعيد، قال: حَدَّثَني الزُّبَيْرُ بن بَكَّار، قال: حَدَّثَنَا أبو غَزِيَّة، قال: حَدَّثَني أبو يَحْيَى العَبَّادَانيّ، عن إسْحاقَ بن إبراهيم، قال: لمَّا حَبَسَ الرَّشِيْدُ أبا العَتَاهِيَة كَتَبَ إليَّ يَسْألُني أنْ أتكلَّم فيهِ، قال: فكتبتُ إليه: قد قال أَمِير المُؤْمنيْن: ليسَ عليكَ بأسٌ، وأنا أتَكلَّم في أمْركَ وأعْمل في خلاصكَ. قال: فكَتَبَ إلَيَّ
(1)
: [من الوافر]
أَرقْتُ وطَارَ عن عَيْني النُّعَاسُ
…
ونَامَ السَّامرُونَ ولم يُؤَاسُوا
فَدَيتُكَ أنْ غَمَّ السِّجْنَ (c) باسٌ
…
وقد أَرْسَلْتَ (d): ليسَ عَليْكَ باسُ
قال: فعَملتُ فيه لحنًا ثُمَّ غَنَّيْتُه الرَّشِيْد، فقال: لمَن هَذا الشِّعْرْ؟ قُلتُ: لأبي العَتَاهِيَة، فأمَرَ بإطْلَاقه.
وقال المَرْزُبانيّ: أخْبَرَني إبْراهيمُ بن مُحَمَّد النَّحْوِيّ، عن مُحَمَّد بن يَزِيد النَّحْوِيّ
(2)
، قال: كان على الرُّوم امْرَأةٌ، وكانت تكتُب إلى المَهْدِيّ، والهَادِي، والرَّشِيْد - في أوَّل خِلَافَته - بالتَّعْظِيم والتَّبْجِيل، وتُدِرُّ عليهم الهَدَايا حتَّى بلَغَ ابنٌ لها، فصَارَ المَلِكَ دُوْنَها، وإنَّما تُملِّكُ الرُّومُ المَرْأةَ من أهْل بَيْت المملَكَةِ إذا لم تَجد
(a) ديوانه والأغاني: بكل برٍّ.
(b) ديوان والأغاني: كأن الخلق ركب فيه روح.
(c) ديوانه: أمينَ الله إن الحبس.
(d) ديوانه: وقد وقَّعتَ.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 233.
(2)
انظر الخبر في الأغاني 18: 174 - 177، وقارن بالكامل لابن الأثير 6: 184 - 186، وتاريخ ابن الوردي 1: 313، والبداية والنهاية 10: 193 - 194.
منهم رَجُلًا، وكذلك فَارِسُ تفعَل، فلمَّا بلَغَ ابنها عَاثَ وأفْسَد، وخَاشَن الرَّشِيْدَ، فخافَتْ على مُلْكِ الرُّوم أنْ يذهَبَ، وعلى بلادِهم أنْ تعْطَبَ، لعِلْمها بالرَّشِيْد، وخَوْفها من سَطْوَته، فاحْتَالتْ على ابنها فسَمَلَتْ عَيْنه، فبَطَل من المُلْكِ، فعادَ إليها، فاسْتَنْكَر ذلك أهْلُ المَمْلَكَةِ، وأبْغَضُوها من أجْلِهِ، فخرَجَ عليها نَقَفُور (a)، وكان كاتِبَها، فأعانُوه وعضَدُوه، فقام بأمْرِ المُلْكِ، وضَبَطَ أمْرَ الرُّوم، فلمَّا قوي على أمْره، وتمكَّنَ من مُلْكه، كَتَبَ إلى الرَّشِيْدِ: من نَقَفُور مَلِكِ الرُّوم إلى هَارُون مَلِكِ العَرَبِ، أمَّا بَعْدُ؛ فإنَّ هذه المَرَأةَ كانت قد وَضَعَتْكَ وأباكَ وأخَاكَ مَوضِعَ الشَّاهِ، ووضَعَتْ نَفْسَها مَوضعَ الرُّخّ، وأنا الشَّاهُ وأنْتَ الرُّخُّ، وقد عزَمْتُ على تَطَرُّقِ (b) بلادِكَ والهُجُوم على أمْصَاركَ، أو تُؤَدِّي إليَّ ما كانت المَرْأةُ تُؤدِّيهِ إليكَ، وكَلَامًا شَبِيهًا بهذا.
فلمَّا وَرَدَ على الرَّشِيْدِ كَتَبَ إليه: بِسْم الله الرَّحْمن الرَّحِيْم. من عَبْدِ الله هارُونَ، أَمِيرِ المؤمنِيْن، إلى نَقَفُور كَلْبِ الرَّوم، أمَّا بَعْدُ؛ فقد فهمْتُ كتابكَ، وجَوَابكَ عندي ما تَرَاهُ فَضْلًا أنْ تَسْمَعَهُ.
ثُمَّ شخَصَ من شَهْره يَؤُمُّ بلادَ الرُّوم في جَمْعٍ لم يُسْمَعِ بمثلِهِ، وقُوَّادٍ لا يُجَارَوْنَ رَأيًا ونَجْدةً، فلمَّا بلَغَ ذلك نَقَفُور ضَاقَتْ عليه الأرْضُ بما رحُبَتْ، وشَاور في أمْره، وجاءَ الرَّشِيْدُ حتَّى توَغَّل بلادَ الرُّوم يَقْتُل ويَسْبي ويَغْنَم، ويُخَرِّب الحُصُونَ، ويُعَفِّي الآثارَ حتَّى صَار إلى طَريقٍ مُتَضَايقَةٍ دُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فلمَّا بلَغَها ألْفَاها وقد أمَرَ نَقَفُور بالشَّجَر فقُطِعَ، ورُمِي به في تلكَ الطُّرُق، وأُشْعِلَتْ فيه النِّيْرَان، فكان ذلك ممَّا تَحَصَّنَ بهِ عند نَفْسه، فقال الرَّشِيْد: ما تَرَونَ في هذه النِّيْرَان؟ فكان أوَّل مَنْ تلَبَّس
(a) هكذا جرَّده المؤلف في عديد المواضع التي يرد ذكره فيها، وقيَّده الطبري (تاريخ 8: 308 وما بعده) وأبو العتاهية (ديوانه 489): بكسر النون وسكون القاف وفاء مضمومة، وفي الأغاني: نَقْفور، بفتح ثم سكون.
(b) في الأصل، ب: تطرف، والمثبت من الأغاني.
ثِيَاب النَّفَّاطِيْن وخَاضَها مُحَمَّدُ بن يَزِيدَ بن مَزْيَد الشَّيْبَانِيّ، ثمَّ اتَّبَعَهُ النَّاسُ، فبَعَثَ إليه نَقَفُور بالهَدَايا، وخضَعَ له أكْثَر الخُضُوع، وأدَّى إليه الجِزْية عن رأسِهِ فَضْلًا عن أصْحَابه، ففي ذلك يقُولُ أبو العَتَاهِيَة
(1)
: [من الطويل]
إمَامَ الهُدَى أصْبَحْتَ بالدِّين مَعْنِيًّا
…
وأصْبَحْتَ تَسْقِي كُلّ مُسْتَمطرٍ رِيَّا
لكَ اسْمانِ شُقَّا من رَشَادٍ ومن هُدَىً
…
وأنْتَ الّذي تُدْعَى رشيْدًا ومَهْدِيَّا
إذا ما سَخِطْتَ الشَّيءَ كان مُسَخَّطًا
…
وإنْ تَرْضَ شيئًا كان في النَّاسِ مَرْضِيَّا
بَسَطْتَ لنا شَرْقًا وغَرْبًا يدَ العُلَى
…
فأَوْسَعْتَ شَرْقيًّا وأوْسَعْتَ غَرْبيَّا
ووَشَّيْتَ وجْهَ الدِّين (a) بالجُوْدِ والنَّدَى
…
فأصْبَحَ وَجْهُ الأرْضِ بالرَّوْض (b) مَوْشيا
وأنْتَ أَمِيرَ المؤمنِيْن فَتَى التُّقَى
…
نشَرْتَ من الإحْسان ما كان مَطْوِيَّا
قضَى اللهُ أنْ صَفَّى (c) لهَارُون مُلْكَهُ
…
وكان قَضَاءُ اللهِ في الخَلْقِ مَقْضيًّا
تحَلَّبَتِ (d) الدُّنْيا لهَارُونَ بالرِّضَا
…
وأصْبَحَ نَقَفُورٌ لهَارُونَ ذِمِّيَا
فرجَع الرَّشِيْدُ عندما أعطَاهُ نَقَفُور إلى الرّقَّة، فلمَّا سقَطَ الثَّلْجُ، وأمِنَ نَقَفُورُ أنْ يُغْزَى، وتمكَّن بالمُهْلَةِ من التَّدْبِير نقَضَ ما كان بينه وبين الرَّشِيْدِ، ورجَع إلى حَالته الأُوْلَى، فلم يَجْتَرِ يَحْيَى بن خَالِدٍ، فَضْلًا عن غيره، على إخْبَارِ الرَّشِيْدِ بذلك، فبذَلَ هو وبنُوه للشُّعَراءِ الأمْوَالَ على أنْ يقُولُوا أشْعَارًا في إعْلَامِ الرَّشِيْدِ بغَدْر نَقَفُور، فكُلّهم كَاعَ وأشْفَق إلَّا شَاعِرًا من أَهْل جُدَّةَ (e) يُكْنَى أبا مُحَمَّد عَبْدُ الله بن يُوسُف، كان مُجِيْدًا جَيِّدَ النَّفَسِ، قَوِيَّ الشِّعْر، فاخْتَصَّهُ ذُو اليَمِيْنَين في أيَّام
(a) الديوان والطبري والإصفهاني وابن الجوزي: الأرض.
(b) الديوان والطبري والأصفهاني: بالجود.
(c) الديوان والأصفهاني: يبقى، الطبري: يصفو.
(d) الديوان والأصفهاني: تجللت .. ذي الرضا، المنتظم: تحليت
…
بالرضا.
(e) الطبري 8: 308: خُرَّة، وفي نسخة أخرى: جندة.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 489، وهي في تاريخ الطبري 8: 309، والأغاني، والمنتظم لابن الجوزي 9:184.
المَأْمُون، ورفَع قَدْرَهُ جدًّا، فإنَّهُ أخَذَ مائة ألفٍ، وأُدْخِل إلى الرَّشِيْدِ فأنْشَدَهُ
(1)
: [من الكامل]
نقَضَ الّذي أعطيتَهُ نَقَفُور
…
فعليهِ دَائِرَةُ البَوارِ تَدُورُ
أبْشِرْ أَمِيرَ المُؤْمنِيْن فإنَّهُ
…
فَتْحٌ (a) أتَاكَ بهِ الإلَهُ كَبِيرُ
فَتْحٌ يَزِيدُ على الفُتُوح تَأَمُّنًا
…
بالنَّصْر فيهِ لوَاؤُكَ المَنْصُور
فلَقَدْ تَباشَرَتِ الرَّعِيَّةُ أنْ أتَى
…
بالنَّقْضِ عنهُ وَافِدٌ وبَشِيرُ
ورَجَتْ بيُمْنكَ (b) أنْ تُعَجَّلَ غَزْوَةً
…
تَشْفي النُّفُوسَ نَكَالُها (c) مَذْكُور
أعْطَاكَ جِزْيَتَهُ وطَأْطَأ خَدَّهُ
…
حَذَرَ الصَّوَارِم والرَّدَى مَحْذُور
فأجَرْتَهُ من وَقْعها وكأنَّها
…
من حَرِّهَا (4) شُعَلُ الضّرامِ تَطِيرُ
وصرَفْت بالطَّوْل العَسَاكِر قافِلًا
…
عنه وجارُكَ آمِنٌ مسْرُورُ
نَقَفُورُ إنَّكَ حين تَغْدِرُ إنْ نأَى
…
عنكَ الإمَامُ لجَاهِل مَغْرُورُ
أَظَنَنْتَ حينَ غَدَرْتَ أنَّكَ مُفْلِتٌ
…
هبلَتْكَ أُمُّكَ ما ظَنَنْتَ مَغْرُورُ
ألْقَاكَ حَيْنُكَ في زَوَاخر (e) بَحْرهِ
…
فَطَمَتْ عليكَ من الإمَام بُحُورُ
إنَّ الإمَامَ على اقْتِسَارك قَادِرٌ
…
قَرُبَتْ دِيَاركَ أو نَأتْ بكَ دُوْرُ
ليسَ الإمَامُ وإنْ غَفَلْنا غَافِلًا
…
عمَّا يَسُورُ (f) لحَزْمِهِ ويُدِيرُ
مَلِكٌ تجَرَّدَ للجِهَادِ بنَفْسِهِ
…
فعَدُوُّهُ أبَدًا بهِ مَقْهُورُ
يا مَنْ يُريدُ رِضَى الإلَهِ بسَعْيهِ
…
واللهُ لا يَخْفَى عليهِ كَيْرُ
لا نُصْحَ يَنْفَعُ مَن يَغُشُّ إمَامَهُ
…
والنُّصْحُ من نُصَحائهِ مَشْكُور
(a) الطبري وابن شداد: غُنْمٌ، ب: بأن فتح.
(b) الطبري وابن شداد: يمينك.
(c) الطبري وابن شداد: مكانها.
(d) الطبري والأصفهاني وابن شداد: بأكفنا.
(e) الطبري: زواجر، وسقط البيت كله من ب.
(f) الطبري والأصفهاني: يسوس.
_________
(1)
الأبيات باستثناء البيت الثالث في تاريخ الطبري 8: 308 - 309، والأغاني 18: 176 - 177، وبعضها في الأعلاق الخطيرة لابن شداد 1/ 3:59.
نُصْحُ الإمَام على الأنَام فَرِيْضَةٌ
…
ولأهْلهِ (a) كَفَّارَةٌ وطَهُورُ
فلمَّا أنْشَدَهُ قال الرَّشِيْد: أوقَدْ فَعَل؟ وعَلمَ أنَّ الوُزَرَاء احْتَالُوا في ذلك، فغَزَاهُ في بَقِيَّةِ الثَّلْج، فافْتَتَح هِرَقْلَة في ذلك الوَقْتِ، فقال أبو العَتَاهِيَةِ
(1)
: [من الوافر]
ألَا نَادَتْ هِرَقْلَة بالخَرَابِ
…
من المَلِكِ المُوَفَّق للصَّوَابِ
غَدَا هَارُون يُرْعِدُ بالمَنَايا
…
وببرِقُ بالمُذكَّرَة القِضَابِ (b)
وغَايَاتٍ (c) يَحُلّ النَّصْرُ فيها
…
تَمُرُّ كأنَّها مَرُّ (d) السَّحَابِ
أَمِيرَ المُؤْمنِيْن ظَفِرْتَ فاسْلَمْ
…
وأَبشرْ بالغَنِيْمَة والإيَابِ
قال: أراد قول امْرِئ القَيْس
(2)
: [من الوافر]
وقَدْ طوَّفتُ في الآفاق حتَّى
…
رَضيْتُ من الغَنِيْمَة بالإيابِ
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن قُبَيْس، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن عليّ
(3)
، قال: حَدَّثَني عُبَيْدُ الله بنُ أبي الفَتْح، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن إبْراهيم بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بن عبدِ الرَّحْمن السُّكَّرِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن أبي سَعْد الوَرَّاقُ، قال: حَدَّثَني عليُّ بنُ الحَسَن بن عُبَيْد الشَّيْبَانِيّ، قال: حَدَّثَني هَارُون بن سَعْدَان، قال: كُنْتُ جالِسًا مع أبي نُوَاسٍ في بَعْضِ طُرُق بَغْدَادَ، وجَعَلَ النَّاسُ يَمُرُّونَ به وهو مَمْدُودُ الرِّجل بين بني هاشِم وفِتْيانِهم، والقُوَّادِ وأبْنائهم، ووُجُوهِ أهْل بَغْدَاد، فكُلّ يُسَلِّم عليه، فلا يَقُومُ إلى أحدٍ منهم، ولا يَقْبِضُ رِجْلَهُ إليه، إذ أَقْبلَ شَيْخٌ رَاكبًا على حِمَارٍ مَرِيْسيّ، وعليه ثَوْبَان دَبِيْقِيَّان؛ قَيْض ورِدَاءٌ قد تَقَنَّعَ بهِ، وردَّهُ على أُذُنَيْه، فوَثَبَ إليه أبو نُوَاسٍ،
(a) الطبري وابن شداد: ولأهلها.
(b) الأصل: القصاب، والمثبت من ب والديوان والأصفهاني، وهي السيوف وقيل السهام. لسان العرب، مادة: قضب.
(c) الديوان والأغاني: ورايات.
(d) الديوان: قطع.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 65، والأغاني 18:177.
(2)
ديوان امرئ القيس 79.
(3)
تاريخ بغداد 7: 237، وانظر الخبر أيضًا في الأغاني 4:57.
وأمْسَكَ الشَّيْخُ عليه حمَارَهُ، واعْتَنَقَا، وجَعَل أبو نُوَاس يُحَادِثُهُ وهو قائمٌ على رِجْليهِ، فمكُثا بذلك مَليًّا حتَّى رأيتُ أبا نُوَاس يَرْفَعُ إحْدَى رِجْليهِ ويَضَعُها على الأخرى مُسْتَريحًا من الإعْياء، ثمّ انْصَرَفَ الشَّيْخُ، وأقْبَل أبو نُوَاس فجلسَ في مَكانهِ، فقال له بعضُ (a) مَنْ بالحَضْرة: مَنْ هذا الشَّيْخُ الّذي رأيتُكَ تُعَظِّمُه هذا الإعْظَام، وتُجلُّهُ هذا الإجْلَال؟ فقال: هذا إسْمَاعِيْلُ بن القَاسِم أبو العَتَاهِيَةِ. فقال له السَّائِلُ: لِمَ أجْلَلْتَهُ هذا الإجْلال، وسَاعةٌ منكَ عند النَّاسِ أكثَرُ منه؟! قال: وَيْحَك، لا تفعَلْ، فواللهِ ما رأَيْتُهُ قَطُّ إلَّا توهَّمتُ أنَّهُ سَمَاوِيٌّ وأنا أرْضِيٌّ!.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عِيسَى بن عَبْد العَزِيْز بن عِيسَى اللَّخْمِيّ، في كِتَابِه إليْنَا من الإسْكَنْدَرِبَّة، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أَبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحمّد بن أحْمَد السِّلَفِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد جَعْفَر بنُ أحْمَد بن الحُسَين السَّرَّاجُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم المحسِّنُ بن حَمْزَة بن عَبْدِ الله الوَرَّاق، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن جَعْفَر الدَّيْبُلِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن مُحَمَّد بن عُبْدُوْس الكُوْفيّ، قال: حَدَّثَني أبو عليّ مُحَمَّد بن هَمَّام، عن يعْقُوب بن إسْحاق الرُّخَاميِّ، عن أَبِيهِ، قال: كُنْتُ جالِسًا مع أبي نُوَاس على بابِ دَاره بالبَصْرَة، فبَيْنا نحن كذلك إذا أقْبَل شَيْخٌ على حِمَارِهِ، فلمَّا بَصُرَ به أبو نُوَاس قام فتلقَّاهُ، ومَشَى معه يُحَادِثُهُ، وشَيَّعَهُ، ثمّ رجع، فقُلتُ لَهُ: بالله ما رَأب كاليَوْم قَطّ، قال: وما ذاك؟ قُلتُ: أنا جَالِسٌ معَكَ منذُ الغَداة يَمُرُّ بنا طَبَقَاتُ النَّاس من بني هاشِم وغيرهم، ما رأيتُكَ حَفِلْتَ بأحِدٍ منهم، حتَّى أقْبلَ هذا الشَّيْخُ ففَعَلْت به ما رأيْتُ، فقال: أوَما تَعْرفُ هذا؟ هذا أبو العَتَاهِيَة الّذي يَقُولُ
(1)
: [من الطويل]
إذا قَلَّ مَالُ المَرْء قَلَّ صَدِيْقُهُ
…
وضَاق (b) به عمَّا يُريْدُ طَرِيْقُهُ
(a) ساقطة من ب.
(b) ديوانه: وضاقت.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 294.
وقَصَّرَ طَرْفُ العَيْنِ منهُ كَلَالَةً
…
وأَسْرَع فيما لا يُحبُّ شَقِيْقُهُ (a)
وذَمَّ إليهِ خِدْنُهُ طَعْمَ عُوْدِهِ
…
وقد كان يَسْتَحْلِيهِ حينَ يَذُوقُهُ
أنْبَأْنَا أبو اليُمْن زَيْد بنُ الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم الحافِظُ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عليّ بن حبيش، قال: حَدثَنَا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن سْحاق الوَرَّاق، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عبدِ الله الكُوْفيّ، قال: حَدَّثَنَا ابن أبي شَيْخ، قال: بكَّرْتُ إلى سِكَّةِ ابن نيبُخْت في حَاجة، فرأيْتُ أبا نُوَاس في السِّكَّه، فجلَسْتُ إليهِ، فَمرَّ بنا أبو العَتَاهِيَةِ على حِمَارٍ، فسَلَّم، ثمّ أَوْمَأ برأسِهِ إلى أبي نُوَاس وأنْشأ يقُول
(2)
: [من الكامل]
لا تَرْقُدَنَّ لعَيْنِكَ السَّهَرُ
…
وانْظُر إلى ما تَصْنعُ العِبَرُ
انْظُر إلى عِبَر (b) مُصَرَّفةٍ
…
إنْ كان ينفعُ عَيْنَكَ النَّظَرُ
وإذا سَألْتَ فلم تَجدْ أحَدًا
…
فسَلِ الزَّمان فعندَهُ الخَبرُ
أنْتَ الّذي لا شيءَ تَملِكُه
…
وأحَقُّ منْكَ بمالكَ القَدَرُ
قال: فنَظَر إليَّ (c) أبو نُوَاس، ثمّ قال:{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ}
(3)
.
أخْبَرَنا عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الغَسَّانيِّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عليّ
(4)
، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْلَى أحْمَد بنُ عَبْد الوَاحِد الوَكيلُ، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْلُ بن سَعيد المُعَدَّلُ، قال: حَدَّثَنَا الحُسَينُ بن القَاسِم الكَوْكَبيِّ، قال: قال لي أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن القَاسِم: أخْبَرَني العُتْبيِّ، قال: رُؤي مَرْوَان بن أبي حَفْصَة واقفًا بباب الجِسْر، كئيبًا اسِفًا، ينكثُ بسَوْطه في مَعْرفَة دَابَّتِهِ، فقيل
(a) ب: صديقه.
(b) تاريخ بغداد: غِير.
(c) في الأصل: إلى، وعند الخطيب البغدادي: لي.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 236.
(2)
لم ترد الأبيات في ديوانه، وهي عند شكري فيصل: أبو العتاهية 536 - 537.
(3)
سورة الطور، الآية 15.
(4)
تاريخ بغداد 7: 234 - 235.
له: يا أبا السِّمْط، ما الّذي نراهُ (a) بكَ؟ قال: أخبركُم بِالعَجَب، مَدَحْتُ أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، فوصَفْتُ له نَاقَتي من خِطَامها إلى خُفَّيْها، ووصفْتُ الفَيَافي من اليَمَامَة إلى بابهِ أرْضًا أرضًا، ورَمْلَةً رَمْلَةً، حتَّى إذا أشْفَيْتُ منه على غِنَى الدَّهْر، جَاء ابنُ بيَّاعَة الفَخَاخِيْر - يعني أبا العَتَاهِيَة - فأنْشَدَهُ بَيْتَيْن، فضَعْضَعَ بهما شِعْري، وسَوَّاهُ في الجَاِئزَة بي! فقيل له: وما البَيْتان؟ فأنْشَدَ
(1)
: [من الكامل]
إنَّ المَطَايَا تَشْكيْكَ لأنَّها
…
تَطْوِي إِليكَ سَبَاسبًا ورِمَالًا
فإذا رَحَلْن بنا رحَلْنَ مُخِفَّةً
…
وإذا رَجعْنَ بنا رجَعْنَ ثقَالا
قُلتُ: أخَذَ هذا المَعْنَى من قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(2)
: لو اتَّكَلتُم على الله حَقَّ التَّوَكُّل لرَزَقَكُم كما يرزقُ الطَّيْر، تَغْدو خِمَاصًا وتعُودُ بِطَانًا.
نَقَلْتُ من خَطِّ أبي بَكْر مُحَمَّد بن هاشم الخالِديّ، وحدَّثنا الصُّدَائيّ، عن المُبَرَّد، عن علِيّ بن عُمْرُوس الشَّاعِر، عن أشْجَعَ السُّلَمِيِّ، قال: أذنَ المهَدِيّ للشُّعَراءِ، فدَخَلْتُ مع منْ دَخَل، فاتَّفَقَ أنْ جَلَسْتُ إلى جانب بَشَّارٍ، فإنَّا لسكوتٌ إذ سَمِعْنا حِسًّا، فقال لي بَشَّار: مَنْ هذا يا أَشْجَعُ؟ قلتُ: أبو العَتَاهِيَة، فقال: أتُرَى تَحملُه قَحِتُهُ
(3)
وجَهْلُهُ على أنْ يُنشِدَ في مثل هذا المَحْفِل شِعْرًا؟! قلتُ: لا عِلْم لي، إذ
(a) ب: تراه.
_________
(1)
لم يرد البيتان في ديوانه.
(2)
حديث التوكل عن أبي تميم الجيشاني عن عمر بن الخطاب رواه: ابن حنبل في المسند 1: 343 (رقم 305)، وابن حميد في مسنده (المنتخب) 33 (رقم 10)، وابن ماجة: السنن 3: 1394 (رقم 4164)، والترمذي: الجامع الكبير 4: 166 (رقم 3344)، ومسند أبي يعلى الموصلي 1: 312 (رقم 347)، والقضاعي: مسند الشهاب 3: 319 (رقم 1444)، وصحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 3: 509 (رقم 730)، وابن شيرويه الديلمي: الفردوس 3: 369 (رقم 5131)، والمتقي الهندي: كنز العمال 3: 105 (رقم 5694)، وانظر: المسند الجامع 14: 68 - 69) رقم 10668).
(3)
القِحَة: الوقاحة. لسان العرب، مادة: وقح.
اسْتأذنَ في النَّشِيْدِ فأُذِنَ له، فأنْشَدَ
(1)
: [من المتقارب]
ألَا ما لسَيِّدَتِي ما لها
…
أَدَلَّتْ فأحْمِلُ (a) إدْلَالَهَا
قال: فنَخَسَنِي بَشَّار ثمّ قال: أمَّا ترى ما أَجْبَس
(2)
هذا الجَاهِل، يُنْشِد هذا الشِّعْر الرَّكِيْكَ في مثل هذا المَحْفِل العَظيم، فلمَّا بَلغَ إلى قَوْلِهِ
(3)
: [من المتقارب]
أتَتْهُ الخِلَافَةُ مُنْقَادَةً
…
إليهِ تُجَرِّرُ أذْيَالَهَا
فلم تكُ تَصْلُح إلّا ولَهُ
…
ولم يَكُ يَصْلُحُ إلَّا لها
ولو رَامها أحَدٌ غَيْرُهُ
…
لَزلزِلَت الأرض زِلْزَالها
ولو لم تُطِعْهُ بَنَاتُ النُّفُوسِ (b)
…
لَمَا قَبِلَ اللهُ أعْمَالَهَا
فقال لي بَشَّارٌ: وَيْحَك يا أَشْجعُ، انْظُر هل طارَ أَمِيرُ المُؤْمنِيْن عن سرِيره سرُورًا؟! قال: فلا والله ما أخذَ أحدٌ من الشُّعَراء في اليَوْم جَائِزَة أسْنَى من جَائِزَتهِ.
أنْبَأنَا القَاضِي أبو القَاسِم بن الحَرَسْتَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد الغَسَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عليّ الحافِظ
(4)
، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحُسَين صاحبُ العبَّاسيّ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن الرَّازِيّ، قال: أخْبَرَنا الحُسَينُ بن القَاسِم الكَوْكَبيِّ، قال: حَدَّثَنَا ابنُ أبي سَعْد، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن عبد الرَّحْمن بن مُعاوِيَة المُهَلَّبيّ، قال: حَدَّثَني أبو تَمَّام، قال: يُكْتَبُ من شِعْر أبي
(a) الديوان: فأجمل.
(b) ديونه والأغاني: بنات القلوب.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 375، وشكري فيصل 609، والأغاني 4: 38، وفيات الأعيان 1: 231، وتقدم بيت الشعر بعجز آخر، والمثبت هاهنا موافق لرواية الديوان.
(2)
أورد الخطيب البغدادي الحكاية (تاريخ بغداد 7: 333)، وأدرجها ابن العديم في ترجمة أشجع التالية، وفيها: ما أجسر. والجِبْسُ: الجبان والضعيف واللئيم. لسان العرب، مادة: جبس.
(3)
ديوان أبي العتاهية 375، والأغاني 4: 38، وفيهما زيادة بيت خامس عليها.
(4)
تاريخ بغداد 7: 337 - 338، وانظره في الأغاني 4: 77 - 78.
العَتَاهِيَة خَمْسةُ أبيات، فإنَّ أحدًا لم يشركهُ فيها، ولا تهيَّأ لأحدٍ مثْلَهَا، قَوْله
(1)
: [من مجزوء الكامل]
النَّاسُ في غَفَلَاتِهمْ
…
ورَحى المَنِيَّةِ تَطْحَنُ
والّذي قال في أحْمَدَ بن يوسُفَ
(2)
: [من الطويل]
ألَم تَرَ أنَّ الفَقْر يُرْجَى لهُ الغِنَى
…
وأنَّ الغِنَى يُخْشَى عليهِ من الفَقْرِ
وقوله في مُوسَى أَمِير المؤمنِيْن
(3)
: [من المتقارب]
ولمَّا اسْتَقَلُّوا بأثْقَالِهم
…
وقد أزْمَعُوا بالّذي أزمَعُوا
قَرَنْتُ الْتِفَاتي بآثَارِهمْ
…
وأَتْبَعْتُهُم مُقْلَةً تَدْمَعُ
وقَوْله
(4)
: [من الوافر]
هَب الدُّنْيا تُسَاقُ إليكَ عَفْوًا
…
أليسَ مَصيرُ ذاكَ إلى زَوَال
وقال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ
(5)
، قال: أخْبَرَني عليّ بن أيُّوبَ القُمِّيِّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن عِمْران المَرْزُبانيّ، قال: أخْبَرَنا إبْراهيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة، عن مُحَمَّد بن يَزِيد النَّحْوِيّ، قال: لا أعْلَمُ شَيئًا منِ (a) غَزَل أبي العَتَاهِيَة ومَدِيْحه يَخْلُو من صَنْعَةٍ، ورُبَّما كانت من القَصِيدَة في مَوضِعَيْن، فمن شِعْره الّذي كان يُسْتَطْرَفُ قَوْلهُ
(6)
: [من مجزوء الرمل]
آه من غَمِّي وكَرْبي
…
آه من شِدَّة حُبِّي
(a) قوله: "شيئًا من" ساقط من ب.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهة 429، الأغاني 4: 42، 78
(2)
ديوان أبي العتاهية 172، الأغاني 4: 62، 78
(3)
لم يرىد البيتان في ديوانه، وهما في الأغاني 4: 78
(4)
ديوان أبي العتاهة 338، والأغاني 4: 78 وفيه: هب الدنيا تصير.
(5)
تاريخ بغداد 7: 228 - 339
(6)
لم ترد الأبيات في ديوانه.
ما أشَدَّ الحُبّ يا سُبْـ
…
ـحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبِّي
ولقد قلتُ وجَمْرُ الـ
…
ـحُبّ قد أقْرَحَ قَلْبي
يا بَلَائي من غَزَالٍ
…
قد سَبَا قَلْبي ولُبِّي
لم أنَل منهُ نَوَالًا
…
غيرَ أَنْ كدَّر شِرْبي
أنْتَ ممَّن خَلَقَ الرَّحْـ
…
ـمَن من ذا الخَلْقِ حَسْبي
قال: ومن مَلِيْح أشْعَاره قَوْلهُ
(1)
: [من الكامل]
مَنْ لم يَذُق لصَبَابةٍ طَعْمًا
…
فلقد أحَطْتُ بطَعْمها عِلْمَا
إنِّي منَحْتُ موَدَّتي سكَنًا
…
فرأيتُهُ قد عَدَّهَا جُرْمَا
يا عُتْب ما أنا عن صَنِيْعِكِ بي
…
أعْمَى ولكنَّ الهَوَى أعْمَى
واللَّهِ ما أَبْقَيْتِ من جَسَدِي
…
لَحْمًا ولا أَبْقَيْتِ لي عَظْمَا
إنَّ الّذي لم يدر ما كَلَفِي
…
لَيَرَى على وَجْهى بهِ وَسْمَا
قال: ومن شِعْره المُخْتَار قَولُه
(2)
: [من الكامل]
يا عُتْب هَجْرُكِ مُوْرث الأدْوَاءِ
…
والهَجْرُ ليسَ لوُدِّنَا بجَزَاءِ
يا صَاحِي لقد لقيْتُ من الهَوَى
…
جهْدًا وكُلّ مَذَلَّة وعَنَاءِ
عَلِقِ الفُؤَادُ بُحبِّها من شِقْوتي
…
والحُبُّ دَاعِيَةٌ لكُلِّ بَلَاءِ
إنِّي لأرْجُوها (a) وأحْذَرُها فقَد
…
أصبَحْتُ بينَ مَخَافةٍ ورَجَاءِ
بَخِلَتْ عليَّ بوُدِّهَا وصَفَائِها
…
ومَنَحْتُها وُدِّي ومَحْضَ صَفَائِي
فتخالَفَ الأهْوَاءُ فيما بَيْنَنا
…
والمَوْتُ عند تخالفِ الأهْوَاءِ
نَقَلْتُ من أخْبار أبي العَتَاهِيَة في كتاب المُسْتَنِيْر للمَرْزُبَانِيّ: أخْبَرَني مُحَمَّدُ بن
(a) ب: لأرجوا.
_________
(1)
لم ترد الأبيات في ديوانه.
(2)
لم ترد الأبيات في ديوانه.
يَحْيَى
(1)
، قال: حَدَّثَنَا عَوْن بن مُحَمَّد الكِنْدِيّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن النَّضْر كاتبُ غَسَّان بن عَبَّاد
(2)
، قال: أُخْرِجْتُ رَسُولًا إلى عَبْد اللَّه بن طَاهِرٍ، وهو يُريد مِصْرَ، فنَزَلتُ على العَتَّابِيّ، وكان لي صَدِيْقًا، فقال: أنْشدْني لشَاعِر العِرَاق، يعني أبا نُوَاس، وكان قد ماتَ، فأَنْشدْتُه ما أحْفَظُ من مُلَحِه، وقُلتُ له: ظَنَنْتُكَ تَقُولُ: أنْشدني لأبي العَتَاهِيَةِ؟ فقال: لو أرَدتُ هذا لقُلتُ: أنْشدني لأشْعَر النَّاس، ولم أَقْتَصر على العِرَاق.
وقال: أخْبَرَني مُحَمَّدُ بن يَحْيَى، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بنُ مُوسَى، قال: حَدَّثَني أحْمَدُ بن بِشْرٍ الحَلَبيِّ أبو طَاهِر، قال: حَدَّثَني إبْراهيمُ بن مُحَمَّد بُرَيْه (a) الهاشِميّ، قال: حَدَّثَني السِّدْرِيّ، قال: سَمِعْتُ الأصْمَعِيِّ يَقول: شِعْرُ أبي العَتَاهِيَة مثل كُسَاحَةِ المُلُوك يقَعُ فيه الجَوْهَرُ والذَّهَبُ.
أخْبَرَنا أبو هَاشِمِ عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهَاشِميِّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد التَّمِيْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن إبْراهيم الطَّرَازِيّ بأصْبَهَان، قال: أنْبَأنَا أحْمَدُ بن مَهْدِي السَّلَامِيِّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن أبي القَاسِم الأزْرَقُ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحَسَن بن زِيَاد النَّقَّاش أنَّ أحْمَد بن يَحْيَى بن زَيْد أخْبَرَهم، قال: أتَى أبا العَتَاهِيَة بعضُ إخْوانِه فقال له: أَعِرْنِي دَفْتَر كَذَا وكذا، فقال: إنِّي أكْرَهُ ذاكَ، فقال له: أمَا عَلِمْتَ أنَّ المَكَارِم مَوْصُولةٌ بالمَكَارِه، فدَفع إليهِ الدَّفْتَر.
أخْبَرَنا أبو العبَّاسِ أحْمَدُ بن رُسْتُم بن كَيْلَان شَاه الدَّيْلَمِيّ بالبيت المُقَدَّس،
(a) ب: ابن برية.
_________
(1)
نقله الأصفهاني عن الصولي في الأغاني 4: 32.
(2)
في الأغاني: غسان بن عبد اللَّه، خطأ، وهو ابن عمّ الفضل بن سهل كان يتولى السند للمأمون، وتنقطع أخباره بعد سنة 216 هـ وهي السنة التي عاد فيها من السند. انظر تاريخ الطبري 8:626.
قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن هِبَةِ اللَّه بن يَحْيَى، المَعْرُوفُ بابنِ البُوْقِيّ الوَاسِطِيّ، قال: حَدَّثَنَا وَالدِي أبو جَعْفَر هِبَةُ اللَّه، قال: قُرئ على أبي طَاهِر بَرَكَة بن حَسَّان الحَوْزِيّ (a)، وأنا حاضِرُ أسْمَعُ، فأقَرَّ بهِ؛ قيل له: أخْبَركُم أبو مَنْصُور زَيْد بن طَاهِر اللَّالكيّ
(1)
، قَدِمَ عليكُم، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليُّ بن عُمَر بن بِلَال بن عَبْدَان، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم عُمَرُ بن مُحَمَّد بن سَيْف، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القَاسِم، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن النُّوبيّ (b)، قال: حَدَّثَني أبو العبَّاسِ الّذي يُكَثِّر
(2)
لهَارُون الرَّشِيْدِ، قال: بَعَثَ الرَّشِيْدُ إلى أبي العَتَاهِيَة، وهو بالرَّقَّة، فأحضَرَهُ، قال: مَنْ أمَرَكَ بقَطِع القَوْل في الزُّهْدِ؟ عُدْ إلى القَوْل فيما كُنْتَ تقُول. فقال: يا أَمِير المُؤْمنِيْن، قد قلْتَ وما سَمِعْتَ منِّي، فإنْ اسْتَحْسَنْتهُ وأمَرْتَني بالقَوْل في مثْله فعَلْتُ، وإلَّا رجَعْتُ إلى ما كُنْت أَقُول، فقال: قُلْ، فقال: وأنا خَلْف القُبَّةِ (c): [من الخفيف]
قُلْ لأهْلِ القُبُور: كيفَ وجَدْتُم
…
طَعْمَ مُرّ البِلَى وثقْلَ التُّرابِ
في بُيُوتٍ سقُوفُها اللَّبِنُ فيها
…
أسْكنُ المَوْتُ جَوْفَها أحْبَابي
وأتَاهَا البِلَى فمرَّ عليها
…
فأبَتْ أنْ تُسِيْغ رَدّ الجَوَابِ
أَكَل الدُّودُ من وُجُوهٍ حسَانٍ
…
لم تَزَلْ في غضَارة وشَبَابِ
بَدَّد المَوْتُ شَمْلَهُم فتَنَادوا
…
بنَزَالٍ إلى بُيُوتٍ خَرَابِ
فلَهُ الحَمْدُ إذ قضَاهُ علينا
…
مُنْزلُ القَطْر من مُتُون السَّحَابِ
(a) ب: الجوري.
(b) في الأصل بإهمال الباء، والإعجام على التقريب.
(c) ب: وأنا من خلف القبة، ولَم ترد الأبيات في ديوان أبي العتاهية.
_________
(1)
هو زيد بن طاهر بن زيد البصري. تاريخ ابن عساكر 44: 193.
(2)
لم أقف على تعريفٍ لوظيفة المُكَثر في بلاط الخليفة، ومما يفهم من الحكاية هذه أنهم جماعة يكونون خلف قبة الخليفة وقت إنشاد الشعراء له، فيحفظون القصائد ويعيدون إنشادها للخليفة عندما يرغب بذلك، ويرد في آخر الحكاية على لسان راويها "المُكَثِّر" أن رؤساء المكثرين كانوا ثلاثة.
فلمَّا بلَغَ أبو العَتَاهِيَة إلى قَوْله:
أَكَل الدُّودُ من وُجُوهٍ حسَانٍ
بَكَى هَارُون الرَّشِيْد، وقال له لمَّا فَرَغ منها: قُل في هذا المَعْنَى.
قال: وكُنَّا رُؤسَاءَ المُكَثِّرين ثلاثةً، فأمَرَ لنا بعَشَرة آلاف دِرْهَم، فلم نَزَل نُكَثِّر بهذه الأبْيَاتِ حَوْلَ قُبَّتِه طُول لَيْلَتهِ.
وذكَرَ أبو عُبَيد اللَّه (a) المَرْزُبانيّ فيما قرأتُه في كتاب المُسْتَنِيْر، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْدِ اللَّهِ الحَكِيمِيّ، ومُحَمَّد بن يَحْيَى، قالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُوسَى البَرْبَرِيُّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن صالح العَدَوِيّ، قال: أخْبرَني أبو العَتَاهيَة، قال: كان الرَّشِيْدُ يُعْجبُه غِنَاءُ المَلَّاحِيْن في الزَّلَّالَات إذا رَكِبها، وكان يَتَأذَّى بفَسَاد كَلَامِهم، وكَثْرة لَحْنهم، واسْتِحالَة مَعَاني ألْفَاظِهم، فقال يَوْمًا لعِيسَى بن جَعْفَر وجَمَاعَة من نُدَمائهِ: قُولوا لمَن معنا يَعْمَلُ شِعْرًا لهؤلاء الملَّاحِيْن حتَّى يَحْفظُوه، ويترنَّموا به ويُريحوني من هذا الّذي أَسْمَعُه منهمِ، فقيل له: ليس أحَدُ أحْذَق بهذا ولا أقْدَر عليه، وعلى ما أشْبَهَهُ من أبي العَتَاهِية، وكان الرَّشِيْدُ قد حَبَسَنِي وقال: لا أُطْلقُكَ أو تَقُول شِعْرًا في الغَزَل، وتُعاودُ ما كُنْتَ عليه، فبَعَثَ إليَّ وأنا في الحَبْس يأمرني أنْ أقول شِعْرًا للملَّاحِيْنَ، ولم يأمُر بإطْلاقِي، فغَاظَني ذلك، وقُلتُ: واللَّه لأقُولنَّ شِعْرًا يَحْزَن به ولا يَسُرُّه، فعَمِلتُ شِعرًا ودفَعتُه إلى مَنْ حَفَّظَهُ الملَّاحِيْن، فلمَّا رَكِبَ الحَرَّاقَة انْدفعَ الملَّاحُون يُغَنُّون
(1)
: [من مجزوء الرمل]
خَانَكَ الطَّرْفُ الطَّمُوحُ
…
أيُّها القَلْبُ الجَمُوحُ
لدَوَاعِيِ الخَيْر والشَّـ ....
رِّ دنُوُّ ونُزُوحُ
_________
(a) ب: أبو عبد اللَّه.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 117، الأغاني 4: 81 - 82.
هل لمَطْلُوبٍ بذَنْبٍ
…
تَوْبة منهُ نَصُوحُ
كيفَ إصْلَاحُ قُلُوبٍ
…
إنَّما هُنَّ قرُوحُ
أَحْسَنَ اللَّهُ بنا
…
أَنَّ الخَطَايا لا تَفُوحُ
فإذا المَسْتُورُ منَّا
…
بين ثَوْبَيْهِ فُضُوحُ
كم رأينا من عَزِيْزٍ
…
طُوِيَتْ عنه الكُشُوحُ
صَاحَ منهُ برَحيلٍ
…
صَائِحُ الدَّهْر الصَّيُوحُ (a)
مَوْتُ بعضِ النَّاسِ في
…
الأرْض على قَوْم (b) فُتُوحُ
سيَصِيْرُ المَرْءُ يَوْمًا
…
جَسَدًا ما فيه رُوْحُ
بَيْنَ عَيْني كُلّ حَيٍّ
…
عَلَمُ الدَّهْرِ (c) يَلُوحُ
كُلُّنا في غَفْلَةٍ والـ
…
ــمَوْتُ يَغْدُو ويَرُوحُ
لبني الدُّنْيا من الدُّنْـ
…
يا غَبُوقٌ وصَبُوحُ
رُحْنَ في الوَشْي وأصْبَحْـ
…
_________
نَ عليهنَّ المُسُوحُ
كُلُّ نَطَّاحٍ منَ الدَّهْـ
…
_________
ر له يَوْمُ نَطُوحُ
نُحْ على نَفْسكَ يا
…
مِسْكِينُ إنْ كُنْتَ تَنُوحُ
لتمُوتنَّ (d) ولو عمِّـ
…
_________
رْتَ ما عُمِّرَ نُوْحُ
فلمَّا اندفَع الملَّاحُون يُغَنُّون جَعَل الرَّشِيْد يَبْكي ويَنْتَحِبُ، كُلّما زادُوا بيتًا زادَ في بُكائه ونَحِيْبه، وكان الرَّشِيْدُ من أغْزَر النَّاسِ دُمُوعًا في وَقْتِ المَوْعِظَة، وأشَدِّهم عَسَفًا في وَقْتِ الغَضَب والغِلْظَة، فلمَّا رأى الفَضْلُ بن الرَّبِيْع كَثْرةَ بُكَائه وما قد تداخَلَهُ أوْمَأ إلى المَلَّاحين أنْ أَمْسِكُوا.
أخْبَرَنا أبو هاشِم بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعد السَّمْعَانيّ عَبْدُ
_________
(a) ديوانه والأغاني: الصدح.
(b) ديوانه: على البعض.
(c) الأغاني: الموت.
(d) ديوانه: لست بالباقي.
الكَريم بن مُحَمَّد، قال: سْمِعْتُ عَبْد اللَّه بن عُمَر -يعني الإصطَخْرِيّ- يَقُول: سَمِعْتُ أبا طَاهِر الرَّازِيّ يَقُول: سَمِعْتُ عَبْدَ الكَريم بن عَبْدِ الوَاحِد بن مُحَمَّد، أبا طَاهِر الصُّوْفيّ، يَقُول: سَمِعْتُ أبا الفَتْح مُحَمَّدَ بن أحْمَدَ بن مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد بن النُّعْمان النَّحْوِيّ الأنْبارِيّ، قال: سَمِعْتُ أبي أبا بَكْر أحْمَد، قال: سَمِعْتُ أبي أبا جَعْفَر مُحَمَّد يَقُول: سَمعْتُ أبي أبا الحَسَن عليّ يَقُول: سَمِعْتُ أبي أبا سَعيد مُحَمَّدَ بن النُّعْمان يَقُول: أنْشَدَني أَبو العَتَاهِيَة لنَفْسِه
(1)
: [من البسيط]
الخَيْرُ والشَّرُّ مُزْدَادٌ ومُنْتَقصٌ
…
فالخَيْرُ مُنْتقصٌ والشَّرُّ مُزْدَادُ
فما أُسَائِل عن قَوْم صَحبْتُهم
…
ذَوي مَحَاسِنَ إلَّا قيل: قد بَادُوا
ولا أُسَائِل عن قَوْم عرفْتُهم
…
ذوي مَسَاوِيَ إلَّا قيل: قد زَادُوا (a)
فالخَيْرُ ليسَ بمَوْلُود له وَلَدٌ
…
لكن له من بَنَاتِ الشَّرِّ أوْلَادُ
أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بن إبْرَاهيم بن مُسَلَّم بن سَلمان الإرْبِلِيّ بحَلَب، قال: أخْبَرَتْنا الكَاتِبةُ شُهْدَةُ بنتُ أحْمَد بن الفَرَج بن الإِبَرِيّ، قالت (b): أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه الحُسَينُ بن أحْمَد بن طَلْحَة النِّعَالِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن عُبيدِ اللَّه بن مُحَمَّد بن يُوسُف الحِنَّائِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو عُثْمانُ بن أحْمَد بن السَّمَّاكِ، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم إسْحاق بن إبْراهيم بن سُنَيْن الخُتَّلِيّ، قال: حدَّثني سُليْمانُ بن أبي شَيْخ أبو أيُّوبَ، قال: أنْشَدَني أبو العَتَاهِيَة
(2)
: [من الطويل]
نُنافسُ في الدُّنْيا ونحنُ نَعِيْبُها
…
لقد حذرَتْناها لعَمْرِي خُطُوبُها
وما نَحْسِبُ السَّاعَاتِ تُقْطَعُ مُدَّةً
…
على أنَّها فينا سَرِيعُ دَبِيْبُها
(a) ب: قد بادوا.
(b) الأصل، ب: قال.
_________
(1)
لم ترد الأبيات في ديوان أبي العتاهية، والبيتان الأولان في العقد الفريد لابن عبد ربه 3: 213 دون عزو.
(2)
ديوان أبي العتاهية 60، باختلاف في ترتيب بعض الأبيات.
كأنِّي برَهْطِي يَحْمِلُونَ جِنَازَتي
…
إلى حُفْرةٍ يُحْثَى عليَّ كَثِيْبُها
فكم ثَمَّ منِ مُسْترجعٍ مُتَوَجِّعٍ
…
وباكيةٍ يَعْلُو عليَّ نَحِيْبُها
ودَاعيَةٍ حَرَّى تُنَادى وإنَّني
…
لفي غَفْلَةٍ عن صَوْتها لا (a) أُجِيْبُها
وإنِّي لمَمَّن (b) يَكْرَهُ المَوْتَ والبِلَي
…
ويُعْجِبُه ريْحُ (c) الحَيَاةِ وطِيْبُها
أيا هَادِمَ اللَّذَّاتِ ما منْك مَهْرَبٌ
…
تُحاذِرُ منك النَّفْسُ (d) ما سيُصِيْبُها
رأَيْتُ المَنَايا قُسِّمَتْ بين أنْفُسٍ
…
ونَفْسي (e) سيأتي بعْدَهنّ نَصِيْبُها
قال أبو القَاسِم بن سُنَيْن: وأنْشَدَني -يعني مُحمَّد بن مَزْيَد- لأبي العَتَاهِيَة
(1)
: [من السريع]
قد نغَّصَ المَوْتُ عليَّ الحَيَاه
…
إذ لا أرَى منه لحيّ نَجَاهْ
مَنْ جَاوَر المَوْتى فقد أبْعَد الدَّار
…
وقد جاوَرَ قَوْمًا جُفَاه
ما أبْيَنَ الأمرَ ولكنَّني
…
أرَى جميعَ النَّاسِ عنهُ عُمَاه
لو عَلمِ الأحياء ما عاينَ المَـ
…
وْتَى إذًا لم يَسْتَلذُّوا الحَيَاه
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ اللَّه بن الحُسَين بن رَوَاحَة قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِرِ أحْمَدُ بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن عَبْد الجَبَّار الصَّيْرَفِيّ، بانْتخَابي عليه منِ أُصُولِ كُتُبهِ، قال: حَدَّثَنَا مُحمَّد بن عليّ الصُّوْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحمَّد بن أحْمَد بن جُمَيع الغَسَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن مَحْلَد الدُّورِيّ، قال: سَمِعْتُ مُشَرَّفَ بن سَعيدٍ يقُول: سَمِعْتُ أبا العَتَاهِيَة يَقُولُ
(2)
: [من الطويل]
أرَى عِلَلَ الدُّنْيا عليَّ كَثِيْرةً
…
وصَاحِبُها حتَّى المَمَات عَلِيْلُ
_________
(a) ديوانه: ما.
(b) ديوانه: ممن.
(c) كتب ابن العديم في الهامش: "أظنه: روح"، والمثبت موافق لما في الديوان.
(d) ديوانه: نفسي منك.
(e) الأصل وب: ونفس، والمثبت من الديوان.
_________
(1)
لم ترد في ديوانه، وانظرها في الأمالي الخميسية للشجري 1:90.
(2)
ديوان أبي العتاهية 356.
ومَنْ ذَا الّذي يَنْجو من النَّاسِ سَالمًا
…
وللنَّاسِ قالٌ بالظُّنُونِ وقِيْلُ
وقال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن عَبْد الجَبَّار، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْلَى أحْمَدُ بن عَبْد الوَاحِد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَجِ المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء الجَرِيْرِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنا الصُّوْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا الغَلَابِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه بن الضَّحَّاكِ، قال: رأيْتُ النَّاسَ في النَّفْرِ وقد اجْتَمَعُوا علىٍ رَجُلٍ وهو يُنْشد، فدَنَوْتُ، فقُلتُ: مَنْ هذا؟ فقيل: أبو العَتَاهِيَة، وهو يُنْشِد
(2)
: [من الهزج]
أجَابَ اللَّهُ دَاعيْكِ
…
وعَادَى مَنْ يُعَادِيكِ
كأنَّ الشَّمْسَ والبَدْرَ
…
جَمِيعًا (a) في تراقيْكِ
وفي فيك جَنيّ النَّحْـ
…
ل ما أَحْلَاهُ من فيْكِ
وقد شَاعَ بأَنَّ الخَـ
…
_________
ز يُؤْذيكِ ويُدْمِيْكِ
وما تَدْرينَ (b) من ذلـ
…
_________
ك أسْمَاءَ جَوَارِيْكِ
ولا فَاخِتَةَ النَّخْل
…
منِ الطَّاوُوسِ والدِّيْكِ
تَعَالَى اللَّهُ ما أحْسـ
…
_________
ن ما بَرَّاكِ بَارِيْكِ
فقال له رَجُل: يا شَيْخُ، أَفىِ مثل هذا المَوضِعِ؟! قال: وما على مَنْ قَضَى حِجَّهُ أنْ يَشْكُوَ بثَّهُ، ويصفَ منْ هَدَاه (c).
أخْبَرَنا الشَّيْخان الزَّاهِدان: أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن، وأبو العبَّاس أحْمَد ابْنَا عَبْد اللَّه بن عُلْوَان، والخَطِيْبان: أبو البَرَكَات سَعِيْد، وأبو الفَضْل عَبْد الوَاحِد ابْنا هاشِم بن أحْمَد بن هاشِم الأسَدِيُّون الحَلَبِيُّون، وأبو الحَجَّاج يُوسُف بن عُبَيْد بن سَوَّار السُّلَمِيّ البُرْجِيْنيّ، قراءةً عليم مُتَفرَّقين بحَلَب، قالوا: أخْبَرَنا أبو طَالِب عبد
_________
(a) ب: قد جمعا.
(b) الجريري: يدريك.
(c) الجريري: هَوِيَه.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 3: 61 - 62.
(2)
ليست في ديوانه، وهي عند: شكري فيصل: أبو العتاهية أشعاره وأخباره 594.
الرَّحْمن بن الحَسَن بن عبد الرَّحْمن بن العَجَمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بنُ بَيَان الرَّزَّازُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن عليّ بن الصَّقْر، قال: حَدّثَنَا أبو الحَسَن شَاكِر بن عَبْدِ اللَّه المِصِّيْصيُّ القَارِئُ، قال: حَدَّثَنَا عِمْرانُ بن مُوسَى، قال: سَمِعْتُ أحْمَد بن الحَسَن العَوْفِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا العَتَاهِيَة يُنْشِدُ هذه الأبْيَات
(1)
: [من الكامل]
إنْ كان يُعْجِبُكَ السُّكُوتُ فإنَّهُ
…
قد كان يُعْجبُ قبْلك الأخْيَارا
ولئن نَدمتَ على سكُوتكَ (a) مرَّةً
…
فلقد نَدِمْتَ على الكَلَام مِرَارَا
إنَّ السُّكُوتَ سَلامَةُ ولرُبَّما
…
زَرَعَ الكَلَامُ عَدَاوَةً وضِرَارَا
وإذا تقرَّب خَاسِرٌ من خَاسِرٍ (b)
…
زادا بذاكَ خَسَارة وَتَبَارَا
أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن قُمَيْرَة التَّاجرُ البَغْدَاديّ قِراءَةً عليهِ بحَلَب، قال: أخْبَرَتْنا الكَاتبِة شُهْدَةُ بنت ابن (c) الإِبَرِيّ قالت: أخْبَرَنا طَرَّادُ الزَّيْنَبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بنُ صَفْوَان، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بن أبي الدُّنْيا
(2)
، قال: حَدَّثَني الحُسَين بن عبدِ الرَّحْمن، قال: كَتَبَ بَكْرُ بن المُعتَمِر إلى أبي العَتَاهِيَة من السِّجْن يَشْكُو إليه طُول السِّجْن (d) وشِدَّةَ الغَمّ، فكتَبَ إليه
(3)
: [من مجزوء الوافر]
هي الأيَّامُ والعِبَرُ (e)
…
وأَمْرُ اللَّه يُنْتَظَرُ
أتَيأَسُ (f) أنْ تَرَى فَرجًا
…
وأينَ اللَّهُ والقَدَرُ
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبد اللَّه بن عُلْوَان الأسَدِيّ، وعَبْدُ السَّلام بن
(a) كتب المصنف في الهامش: "ح: سكوتٍ"، أي أحذق، إن لم يكن مقصوده في نسخة أخرى.
(b) كتب في الهامش: "ح: حاسد من حاسدٍ".
(c) ساقطة من ب.
(d) رسائل ابن أبي الدنيا: الحبس.
(e) رسائل ابن أبي الدنيا: والغير.
(f) في الأصل، ب: أتَأيسُ.
_________
(1)
ليست في ديوانه، وهي عند: شكري فيصل: أبو العتاهية أشعاره وأخباره 542.
(2)
رسائل ابن أبي الدنيا (رسالة الفرج بعد الشدة) 2: 305.
(3)
ديوانه 219، والأغاني 4: 64، وفيصل: أبو العتاهية 538.
المُطَهَّر بن أبي سَعْد بن أبي عُصْرُون، وأبو الحَجَّاج يُوسُفُ بن عُبَيْد (a) بن سَوَّار المِصْرِيّ، وأبو إسْحاق إبْراهيمُ بن عُثْمان بن عليّ الحَنَفِيّ قالوا: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن هِبَةِ اللَّه بن أبي عُصْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن القَاسِم بن المُظَفَّر الشَّهْرَزُورِىّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حَامِدٍ أحْمَدُ بن مُحَمَّد الشُّجَاعِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن اللَّيْثُ بن الحَسَن بن اللَّيْثِ بسَرْخَس، قال: أخْبَرَني عليُّ بن الفَضْل بن مُحَمَّد ببَغْدَاد أنَّ أبا العَتَاهِيَة كَتَبَ إلى بَعْضِ إخْوَانهِ
(1)
: [من الطويل]
صَدِيْقِي مَنْ يُقَاسِمُنِي هُمُوي
…
ويَرْمِي بالعَدَاوَةِ مَنْ رَمَانِي
ويَحْفَظُني إذا ما غِبْتُ عنهُ
…
وأَرْجُوه لنَائِبَةِ الزَّمانِ
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْدُ اللَّه بن عُمَر بن عليّ بن الخَضِر القُرَشِيّ، قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو السَّعَادَات بن عبد الرَّحْمن القَزَّاز، والكَاتِبةُ شُهْدَةُ بنتُ أحْمَد بن الفَرَج، ح.
وأخْبَرَنا أبو البَقَاء يَعِيْشُ بنُ عليّ بن يَعِيْش، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل عَبْدُ اللَّه بن أحْمَد بن مُحَمَّد الطُّوْسيُّ، قالوا: أَخْبْرَنَا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن عليّ بن العَلَّاف، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ المَلِك بن مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّه بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَد بن إبْراهمِ بن عليّ (b) الكِنْدِيّ، قال: أنْشَدَنا (c) أبو بَكْر مُحَمَّدُ بن جَعْفَر بن سَهْل الخَرَائِطِيّ
(2)
، قال: أنْشَدَني أَبو عَبْدِ اللَّه المَارَسْتَانِيّ لأبي العَتَاهِيَةِ
(3)
: [من الكامل]
النَّاسُ يَخْدَعُ بعضُهُم بَعْضًا
…
مَحَضُوا التَّخَادُعَ بينهم مَحْضَا
فلَقَلَّ ما تلْقَى بها أحَدًا
…
مُتَنَزِّهًا يَحْمي له عِرْضَا
(a) ساقط من ب.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: أخبرنا.
_________
(1)
ليست في ديوانه، ولا في مستدرك شكري فيصل.
(2)
الخرائطي: اعتلال القلوب 186.
(3)
ليست في ديوانه، وهي عند: شكري فيصل: أبو العتاهية أشعاره وأخباره 573.
إلْبَسْ جميعَ النَّاس مُحْتَملًا
…
للعَالَمينَ وكُنْ لهم أَرْضَا
فلئن غَضِبْتَ لكُلِّ حَادِثَةٍ
…
تُرْمي بها فلقَلَّ ما تَرْضَى
أخْبَرَنا أبو الطَّاهِر إسْمَاعِيْلُ بن عَبْدِ القَوِيّ بن أبي العِزّ بن عَزُّون بالقَاهِرَة، وأبو مُحَمَّد يُونُس بن خَلِيل بن عَبْدِ اللَّه بحَلَب، قالا: أخْبَرَنا أبو الطَّاهِر إسْمَاعِيْل بن صالح بن يَاسِيْن، قال (a): أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه الرَّازِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عُبَيْد اللَّه بن مُحَمَّد (b) الهَمَذَانيّ بمِصْر، قال: حَدَّثَنَا أبو الفَتْح مُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ النَّحْوِيّ بالرَّمْلَةِ، قال: حَدَّثَني أبي، قال: أنْشَدَني إبْراهيمُ بن السَّرِيّ الزَّجَّاجُ لأبي العَتَاهِيَة
(1)
: [من مجزوء الكامل]
اصْبر لدَهْرٍ نالَ منْكَ
…
فهكذا مَضَتِ الدُّهُورُ
فَرَحٌ وحُزْنٌ مرَّةً
…
لا الحُزْن دَامَ ولا السُّرُورُ
أخْبَرَنا عَتِيقُ بن أبي الفَضْل بن سَلامَة السَّلَمَانِيّ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(2)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن عليّ القُرْطُبِيّ، قال: أنْبَأنَا أبو المَعَالِي عَبْدُ اللَّه بن عبدِ الرَّحْمن، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليُّ بن إبْراهيم النَّسِيبُ، قال: أخْبرَنا أبو الحَسَن رَشَاء بن نَظِيف بن ما شَاءَ اللَّه، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّابُ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْرٍ أحْمَدُ بن مَرْوَان المالِكِيّ
(3)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مُوسَى بن حَمَّادٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مَنْصُور البَغْدَاديّ، قال: لمَّا حَبَسَ أَمِيرُ المُؤْمنِيْن الرَّشِيْدُ أبا العَتَاهِيَةِ، جَعَل عليه عَيْنًا له يأتيهِ بما يقُول، فوجَدهُ يَوْمًا
(a) ب: قالا.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
ليست في ديوانه، وهي عند: شكري: أبو العتاهية 537.
(2)
تاريخ ابن عساكر 24: 459.
(3)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 381.
وقد كتَبَ على الحَائط
(1)
: [من الوافر]
أمَا واللَّهِ إِنَّ الظُّلْمَ لُوْمُ
…
وما زَالَ المُسِيئَ هو الظَّلُومُ
إلى دَيَّان يَوْمِ الدِّين نمضِي
…
وعندَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ الخُصُومُ
قال: فأُخْبِرَ بذلك الرَّشِيْد فبَكَى، ودَعَا به، فاسْتَحَلَّهُ ووَهَبَ له ألفَ دِيْنار.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ كتابةً، عن أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز العُكْبَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُبَيْد اللَّه مُحمّد بن عِمْران بن مُوسَى المَرْزُبانيّ -إجَازَةً كَتَبَها لي سَنَة أرْبَعِ وثَمانين وثَلاثمائة- قال: أخْبَرَني عَبْدُ اللَّه بن يَحْيَى، قال: حدَّثنا مُحمّد بن خَلَف، قال: حَدَّثَنَا هَارُون بن الحَسَن، قال: أَتينا بَقِيَّةَ بن الوَلِيد ومَعَنا أبو العَتَاهِيَة، فانْقَبض بَقِيَّةُ ولم يُحَدِّث، فقال له أبو العَتَاهِيَة: بلَغَني رحمكَ اللَّهُ أنَّ لكُلِّ شَيءٍ دَسمًا، ودَسَمُ العُلَمَاء البَشَاشَة والطَّلَاقَة، فانْبَسَط، وسَألناهُ أنْ يُحَدِّثَ فأبَى، فقال أبو العَتَاهِيَة: إنَّ لكُلِّ شيءٍ زَكَاةً وزَكَاةُ العُلَمَاء الفَوَائِد، قال: فحدَّث.
(1)
ديوان أبي العتاهية 398، والأغاني 4: 42، 55، والكامل لابن الأثير 6: 220، وشكري فيصل: أبو العتاهية 354.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبِهِ تَوفِيقِي
أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن إبْرَاهيم بن مُسَلَّم، قال: أخْبَرَتْنا الكَاتِبةُ شُهْدَةُ بنتُ أحْمَدَ بن الفَرَج، قالت (a): أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه الحُسَين بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد ابن عُبَيْد اللَّه بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبوِ عَمْرو بن السَّمَّاك، قال: حَدَّثَنَا إسْحاق بن إبْراهيم بن سُنَيْن، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مَزْيَد، قال: حَدَّثَنَا سَعيدُ (b) بن أبي سُكَيْنَة، قال: أتَى أبو العَتَاهِيَة بابَ أحْمَد بن يُوسُف، فأخْبَره الحَاجِبُ أنَّهُ نائم، فمكُث ساعةً ثمّ دَعَا بدَوَاةٍ وقِرْطاسٍ، فكتَبَ هذا البَيْت، ثمّ قال للحَاجِب: إذا انْتَبه فادْفَع إليه هذه الرُّقْعَة
(1)
: [من الطويل]
ألَم تَرَ أنَّ الفَقْر يُرْجَى له الغِنَى
…
وأنَّ الغِنَى يُخْشَى عليه من الفَقْرِ
قال ابن سُنَيْن: أنْشَدَني مُحَمَّد بن مَزْيَد لأبي العَتَاهِيَةِ
(2)
: [من الكامل]
للَّه ما وَارَى التُّرابُ من الأُلَى
…
كانُوا الكِرَام هُمُ إذا نُسِبَ (c) الكِرَامْ
أفْنَاهُمُ مَن لم يَزل يُفْنِي القُرونَ
…
وللفَنَاءِ وللبِلَى خُلِقَ الأنَامْ
يا صَاحِبَيَّ نسِيْتُ دَارَ إقَامَتِي
…
وعَمَرْتُ دَارًا ليسَ لي فيها مُقَامْ
دَار يُرِيْدُ الدَّهْر نُقْلَةَ أهْلِها
…
وكأنَّهُم عمَّا يُرِيدُ بهم نِيَامْ
أخْبَرَنا أبو جَعْفَر يَحْيَى بنُ جَعْفَر بن عَبْدِ اللَّه بن مُحَمَّد بن عليّ بن (d) الدَّامَغَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبي أبو مَنْصُور جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَدُ بن سَوَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن رِزْمَة، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد السِّيْرَافيّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ
(a) الأصل، ب: قال.
(b) ب: سعد.
(c) ديوانه: ذكر.
(d) ساقطة من ب.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 172، الأغاني 4:62.
(2)
في ديوان أبي العتاهية 388 باستثناء البيت الثاني.
ابن مَنْصُور، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ -يعني ابن بَكَّار- قال: حَدَّثَني جَعْفَرُ بن الحَسَن اللَّهَبِيّ، قال: دخَل أبو العَتَاهِيَة إلى بعض الهاشِميِّيْن، فبَيْنا هو عندَهُ إذْ أتاهُ خَبَرٌ عن وَكِيْل له يُخْبره باخْتِلَال (a) في ضَيْعَتهِ، فغَمَّهُ ذلك حتَّى تبيَّن الغَمُّ في وَجْهِهِ، فقال أبو العَتَاهِيَةِ
(1)
: [من الكامل]
ليَدِ المَنِيَّةِ في تلَمُّسها (b) عن
…
ذُخْرِ كُلّ شقيقةٍ (c) فَحْصُ
وكأنَّ مَنْ وَافَى منيَّتَهُ (d) لم
…
يَبْقَ (e) منه لنَاظِرٍ شَخْصُ
نَبْغي من الدُّنْيا زيادَتَها
…
وزيادَةُ الدُّنْيا (f) هي النَّقْصُ
قال: فأَسْفَر لَوْنُه، وسَكَن مَا بهِ.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه بن عُلْوَان الأسَدِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو عبد الرَّحْمن مُحَمَّدُ بن مُحَمَّدِ بن عبد الرَّحْمن الخَطِيب، قال: أنْبَأنَا أبو بَكْر مُحَمَّدُ (g) ابن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، ح.
وأخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد المُنْعِم بن عليّ بن بَرَكات، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن آدَم المَرَاغِيّ، قال: أنْبَأنَا أبو بَكْر السَّمْعَانيّ، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ أبو سَعْد مُحَمَّدُ بن عَبْد المَلِك الأسَديّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَن بن عُبَيْد اللَّهِ الصَّفّار، قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بن مُحَمَّد بن سَيْفٍ، قال: أنْشَدَني أبو جَعْفَر أحْمَدُ بن مُحَمَّد الطَّبَريّ المَعْرُوف بابنِ رُسْتُم النَّحْوِيّ، قال: أنْشَدَني ابنُ أبي العَتَاهِيَة لأبيهِ
(2)
: [من البسيط]
مَا مِن صَدِيْق وإنْ تَمَّتْ مَودَّتُهُ
…
يَوْمًا بأبْلَغَ في الحَاجَاتِ من طَبَقِ
(a) ب: بإخلال.
(b) ديوانه والأغاني: تلطفها.
(c) ديوانه والأغاني: شفيقة.
(d) ديوانه والأغاني: وكأن من واروه في جدث.
(e) ديوانه والأغاني: يبدُ.
(f) ديوانه: وزيادتي فيها. والمثبت موافق لرواية الأصفهاني.
(g) ساقطة من ب.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 236 - 237، والأغاني 4: 25 باختلاف في ترتيب الأبيات وروايتها.
(2)
لم ترد الأبيات في ديوان أبي العتاهية، وهي عند شكري فيصل فيما استدركه على شعره 589 - 590.
إذا تعمَّمَ بالمِنْدِيل مُنْطَلِقًا
…
لم يَخْشَ نَبْوَةَ بوَّابٍ ولا غَلَقِ
لا تُكْذَبَنَّ فإنَّ النَّاسَ مُذ خُلِقُوا
…
عن رَغْبَةٍ يُعْظِمُون النَّاسَ أو فَرَقِ
أمَّا الفعَالُ ففَوْق النَّجْم مَطْلِعُهُ
…
والقَوْلُ يُوْجَدُ مَطْروحًا على الطُّرُقِ
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَرُ بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرْزَد المُؤدِّب البَغْدَاديّ، قال: أخْبَرَنا الشَّريفُ أبو الحَسَن مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد بن عبد الصَّمَد ابن المُهْتَدي باللَّهِ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُحَمَّد بنُ الحَسَن بن الفَضْل، قال: أنْشَدَنا أبو بَكْر مُحَمَّدُ بن القَاسِم الأنْبارِيّ، قال: أنْشَدَنا مُحَمَّد بن المَرْزُبَان، قال: أنْشَدَني الحَسَنُ بن صالح الأسَدِيّ لأبي العَتَاهِيَة
(1)
: [من مجزوء الكامل]
سُبْحانَ جَبَّارِ السَّمَاءِ
…
إنَّ المُحِبَّ لفي عَنَاءِ
مَنْ لم يَذُق حُرَقَ الهَوَى
…
لم يَدْر ما جَهْدُ البَلَاءِ
لو كُنْتُ أحْسُبُ عَبْرَتي
…
لوَجَدْتُها أنْهَارَ مَاءِ
كم من صَدِيْقٍ لي أسَا
…
رقُهُ البُكَاءِ من الحَيَاءِ
فإذا تَفَطَّنَ لامَني
…
فأقُول ما بي من بُكَاءِ
لكن ذهَبْتُ لارْتَدِي
…
فأصَبْتُ عَيْني بالرِّدَاءِ
حتَّى أُشَكِّكَهُ فيَسْـ
…
ـكُتَ عن مَلامِي والمِرَاءِ
يا عُتْبَ مَنْ لَم يَبْكِ لي
…
ممَّا لَقِيْتُ من الشَّقَاءِ
بَكَتِ الوُحُوشُ لرَحْمَتي
…
والطَّيْرُ في جَوِّ السَّماءِ
والجِنُّ عُمَّارُ البُيوتِ
…
بَكَوا وسُكَّانُ الفَضَاءِ
والنَّاسُ فَضْلًا عنهُمُ
…
لَمْ تَبْكِ إلَّا بالدِّمَاءِ
يا عُتْبُ إنَّكِ لو شَهِدْ
…
تِ عليَّ وَلْوَلَةَ النِّسَاءِ
(1)
لم ترد القصيدة في ديوانه، وثلاثة أبيات منها في وفيات الأعيان 1: 224، وانظرها عند شكري فيصل: أبو العتاهية أشعاره وأخباره 474 - 476.
ومُوَجّهًا مُسْتَبسلًا (a)
…
بين الأحِبَّةِ للقَضَاءِ
لجَزَيْتَنِي غَيْرَ الّذي
…
قد كان مِنْكِ من الجَزَاءِ
أَفما شَبِعْتِ ولا رَوِيـ
…
ـتِ من القَطِيْعَةِ والجَفَاءِ
لِمَ تَبْخلِيْنَ على فَتًى
…
مَحْضِ المَوَدَّةِ والصَّفَاءِ
يا عُتْبُ سيِّدَتي أَعِيْني
…
حُسْنَ وجَهْكِ بالسَّخَاءِ
مَهْلًا عليكِ وإنْ بَخِلْتِ
…
عليَّ بالحَسَنِ العَزَاءِ
وأكثرَ أكْثَر مَنْ تَرى
…
وأقلُّهُم أهْلُ الوَفَاءِ
واليأسُ مَقْطَعَةُ المُنَى
…
والصَّبْرُ مِفْتاحُ الرَّجَاءِ
أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن أبي عَبْدِ اللَّه بن أبي الحَسَن بن المُقَيِّر بمِصْر بالجامع العَتِيق، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو أحْمَد مَعْمَر بن عَبْد الوَاحِد بن الفَاخِر، قال: أنْشَدَنا الإمَامُ أبو المَحَاسِن -يعنىِ عَبْدَ الوَاحِد بن إسْمَاعِيْل بن أحْمَد الرُّويَانِيّ- قال: أنْشَدَنا الإمَامُ إسْمَاعِيْلُ بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونِيّ إمْلاءً، قال: أنْشَدَنا زَاهِرُ بن أحْمَد، قال: أنْشَدَنا أَبو الحَسَن أحْمَد بن جَعْفَر بن المُنَادِيّ (b)، قال: أنْشَدَني أبو بَكْر يُونُس بن يَعْقُوبُ المُقْرِئ الوَاسِطِيّ لأبي العَتَاهِيَة
(1)
: [من الخفيف]
كم يكُونُ الشِّتَاءُ ثُمَّ المَصِيْفُ
…
ورَبِيعٌ يَمْضِىِ ويَأتِي (c) الخَرِيْفُ
وانْتقالٌ من الحَرُور إلى الظِّلِّ
…
وسَهْمُ الرَّدَى عليكَ مُنِيْفُ
يا قَلِيْلَ (d) البَقَاءِ في هذه الدُّنْـ
…
ـيا إلى كَمْ يَغُرُّكَ التَّسْويْفُ
عَجَبًا لامْرِئٍ يَذِلُّ لمخلُو
…
ق ويَكْفيه كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفُ
أخْبَرَنا أبو الفَضْل إسْمَاعِيْلُ بن سُلَيمان بن أَيْدَاش الحَنَفِيّ الدِّمَشقيّ بها،
(a) شكري فيصل: مسترسلًا.
(b) ب: ابن النادي.
(c) ب: ثم يأتي.
(d) شكري: عليل.
_________
(1)
لم ترد الأبيات في ديوان أبي العتاهية، وهي عند شكري فيصل 580.
قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الخَالِق بن أسَدِ بن ثَابِت الحافِظُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا عليُّ بنُ أحْمَد، قال: أخْبَرَنا رَجَاءُ بنُ عَبْد الوَاحِد، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْد اللَّه -يعني مُحَمَّدَ بن إبْراهيم اليَزْدِيّ- قال أنْشَدَنا أبو الحُسَين مُحَمَّدُ بن مُحَمَّد، قال: أنْشَدَنا مُحَمَّدُ بن القَاسِم بن بَشَّار، قال: أنْشَدَني مُحَمَّدُ بنُ المَرْزُبَان لأبي العَتَاهِيَة
(2)
: [من مجزوء الكامل]
يا صَاحِبَ (a) الدَّار الّتي
…
ليسَتْ له بمُواتيَهْ
أحْبَبْتَ دَارًا لم تَزَلْ
…
عن نَفْسِها لَكَ نَاهِيَه
أَأُخيَّ فَارْمِ مَحَاسِنَ الـ
…
دُّنْيا بعَيْنٍ قَالِيَه
أَتُرى شَبَابَكَ عَائدًا
…
من بَعْدِ شَيْبكَ ثَانِيَه
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم ابن مُحَمَّد التَّمِيْمِيّ، إجَازَةً إنْ لم يكُن سَمَاعًا، قال: أنْشَدَني كيخُسره بن يَحْيَى الشِّيْرَازيّ، إمْلاءً من حِفْظه، [قال] (b): أنْشَدَني أبو مُحَمَّد رِزْقُ اللَّه بن عَبدِ الوَهَّاب التَّمِيْمِيّ بباب المَرَاتِب، قال: أنْشَدَني بعضُ أشْيَاخي عن عَتاهِيَة بن أبي العَتَاهِيَة لأبيهِ
(3)
: [من السريع]
يا أيُّها المُخْتالُ في مَشْيهِ
…
هَلْ لَكَ أنْ تَنْظُر في القَبْرِ
حتَّى تَرَى القَبْرَ ومَنْ حَلَّهُ
…
ثُمَّ تَرَى رأيَكَ في الكِبْرِ
أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن إبْرَاهيم بن مُسَلَّم الإرْبليّ، قال: أخْبَرَتْنا شُهْدَةُ بنتُ أحْمَدَ بن الفَرَج، قالت (c): أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه الحُسَين بن أحْمَد بن طَلْحَة، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن مُحَمَّدُ بن عُبَيْد اللَّه بن [مُحمّد بن](d) يُوسُف، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو بن
_________
(a) ديوانه: عاشق.
(b) إضافة على مقتضى السياق.
(c) الأصل، ب: قال.
(d) ساقط من الأصل، ب، والإضافة مما تقدم في عدة مواضع، وهو الملقب بالحنائي، وانظر: السمعاني: الأنساب 4: 277.
_________
(1)
معجم عبد الخالق 297 - 298.
(2)
ديوان أبي العتاهية 486 من قصيدة طويلة.
(3)
البيتان مما لم يرد في ديوان أبي العتاهية، وهما عند شكري فيصل في المستدرك 553.
الِسَّمَّاك، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم بن إبْراهيم بن سُنَيْن، قال: أنْشَدَني مُحَمَّدُ بن أبي رجَاءٍ لأبي العَتَاهِيَة
(1)
: [من الطويل]
ألَا أيُّها القَلْبُ الكَثِيْرُ عَلَائقُهْ
…
ألَم تَرَ أنَّ (a) الدَّهْرَ تَجْري بَوَائقُهْ
تُسَابِقُ ريْبَ الدَّهْر في طَلَب المُنَى (b)
…
بأيّ جَنَاحٍ خِلْتَ أنَّك سَابِقُهْ
وتُرْخي على السُّوءِ السُّتُور
…
وإنِمَّا تقلب في عِلْم الإله خَلَائِقُهْ
ألَا أيُّها الباكي على المَيْتِ (c) بعدَهُ
…
رُوَيْدَكَ لا تَعْجل فإنَّك لَاحقُه
رُوَيْدَكَ لا تَنْسَ المَقَابِرَ والبِلَى
…
وطَعْم حُسَا المَوْت الّذي أنتَ ذَائقُه
فما المَوْتُ إلَّا سَاعةٌ غير أنَّهُ (d)
…
نَهارٌ ولَيْلٌ بالمَنَايا تُسَاوِقُه
إذا حَلّ من قد كُنْتَ تُدنيْهِ قَبْرَه
…
فما هو إلَّا الدَّفْن ثُمَّ تُفَارِقُه
وما تخْطبُ السَّاعَات إلَّا على الفَتَى
…
تُغَافصُه طورًا وطورًا تُسَارِقُه
فأيَّ هَوًى أو أيَّ لَهْو أصبْتَهُ
…
على لذَّة (e) إلَّا وأنْتَ مُفَارِقُه
إذا اعْتَصَم المَخْلُوقُ من فِتَن
…
الهَوَى بخَالقهِ نَجَّاهُ منهُنَّ خالقُه
ومَنْ هانَتِ الدُّنْيا عليه فإنَّنِي
…
ضَمِنْتُ لهُ (f) أنْ لا تُذَمَّ خَلَائِقُه
ومَن ذَا الّذي يَخْشى من النَّاَسِ فَاقَةً
…
ورَزَّاق هذا الخَلْق ما عَاشَ رازقُه
أيا نَفْسِ فارضَي بالإلهِ فإنَّهُ
…
مَغارِبُه لي عَرْضُهُ ومَشَارقُه
أرَى صَاحِبَ الدُّنْيا مُقيْمًا بجَهْلهِ
…
على ثِقَةٍ من صَاحبٍ لا يُوَافِقُه
هي الدَّارُ دارٌ تَسْتَذِلُّ عَزِيزَها
…
وإِن كان مغْشِيًّا عَظيْمًا سُرَادِقُه
إذا نَطَق النّطاقُ فيها برغْبةٍ
…
تعَرَّفتَ فيها الذُّل حين تُنَاطقُه
(a) ديوانه: هذا.
(b) ديوانه: الغنى.
(c) ب: الموت.
(d) ديوانه: أنها.
(e) ديوانه: على ثقة.
(f) ديوانه: له ضامن.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 292 - 293 وسقط منه الأبيات (3، 4، 7، 8، 11، 12، 14 - 17)، وفيه زيادة بيتين على الذي هنا. وانظر: شكري فيصل 254.
إذا كُنْتَ في دِيْن تمُتُّ بغَيره
…
وتزعمُهُ دِيْنًا فأنْتَ مُنَافِقُه
تَفَاضَل أهْلُ الدِّين فيهِ غَدًا
…
كما تَفَاضَل في يَوْمِ الرِّهَانِ سَوَابقُه
أخْبَرَنا أبو إسْحاق إبْراهيمُ بن عُثْمان الكَاشْغَرِيّ، وأبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّطيْف بن يُوسُف بن مُحَمَّد البَغْداديَّان بحَلَبَ، وأبو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بن ابي القَاسِم بن مُحَمَّد بن تَيْمِيَّة الحَرَّانيُّ بها، قالوا: أخْبَرَنا أبو الفَتْح مُحَمَّدُ بن عَبْد الباقِي بن البَطِّيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْرٍ أحْمَدُ بن عُمَر بن أبي الأشْعَث، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه الحُسَينُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد الحَلَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْدِ اللَّهِ أحْمَدُ بنُ عَطَاء الرُّوْذَبَارِيّ، قال: أنْشَدَنا أبو صالح عَبْدُ اللَّه بن صالح، أظُنُّهُ لأبي العَتَاهِيَةِ
(1)
: [من مجزوء الكامل]
المَرْءُ دُنْيا نَفْسِهِ فإذا
…
انْقَضَى فقَدِ انْقَضَتْ
تَغْتالهُ في غَيِّهِ وتَعُـ
…
ود فيمَنْ خَلَّفَتْ
ما خَيْرُ مُرْضِعةٍ بكأسِ
…
المَوْت تَفْطِمُ مَنْ غَذَتْ
بَيَنا تَريْن (a) صَلَاحَهُ
…
إذْ أَفْسَدَتْ ما أصْلَحَتْ
أخْبَرَنا افْتِخارُ الدِّين عَبْدُ المُطَّلِب بن أبي المَعَالِي العبَّاسيُّ، قال: سَمِعْتُ أبا سَعْد عَبْدَ الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ يقول: أنْشَدَنا أبو النَّجِيْب الرَّازِيُّ بها، قال: أنْشَدَنا مُحَمَّدُ بنُ أبِي حَاتِم القَزْوِينيّ، قال: أنْشَدَنا أبو سَعْد الخَطِيبُ ببَلْخ، قال: أنْشَدَنا عَبْد المَلِك بن مَرْوَان، قال: أنْشَدَنا مَكْحُولُ بن الفَضْل، قال: قال أبو العَتَاهِيَةِ
(2)
: [من المتقارب]
نَعَى لكَ ظلَّ الشَّبَاب المَشِيْبُ
…
ونَادَتْك باسْمِ سِوَاكَ الخُطُوبُ
_________
(a) شكري: تزين.
_________
(1)
لم ترد في ديوان أبي العتاهية، وهي عند شكري فيصل 512.
(2)
لم يرد منها في ديوان أبي العتاهية 39 إلا البيت الأول، ولم ترد فيما جمعه شكري فيصل، وهي عند ابن عبد ربه: العقد الفريد 3: 190 (باستئناء البيت الثالث)، وبهحة المجالس لابن عبد البر القرطبي 1: 388 (البيتان الأول والرابع).
فكُن مُسْتَعِدًّا لرَيْب المَنُونِ
…
فكُلُّ الّذي هُوَ آتٍ قَرِيْبُ
أَلَسْنَا نَرى (a) شَهَوَاتِ النُّفُو
…
سِ تَفْنَى وتَبْقَى علينا الذُّنُوبُ
يخَافُ على نَفْسِهِ مَنْ يَتُوبُ
…
فكيفَ تُرَى حالُ مَنْ لا يَتُوبُ
أخْبَرَنا أبو جَعْفَر بن جَعْفَر البَغْدَاديّ، قال: أخْبَرَنا أبي، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن سَوَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن رِزْمَة، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد السِّيْرَافيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مَنْصُور، قال: أنْشَدَني الزُّبَيْر لأبي العَتَاهِيَة في النَّاسِ (b): [من الطوبل]
يا رَبّ إنَّ النَّاسَ لا يُنْصِفُونَني
…
فكيفَ وإنْ أنْصَفْتُهُم (c) ظَلَمُوني
وإنْ كانَ لي شيءٌ تصَدُّوا لأخْذِهِ
…
وإنْ جئْتُ أبْغي شَيْئَهُم مَنَعُوني
وإنْ نالَهُم بذْلي (b) فلا شُكْر عندَهُم
…
وإنْ أَنا لَم أبْذُل لهم شَتَمُوني
وإنْ طَرَقتني نَكْبةٌ فَكِهُوا لها (e)
…
وإنْ صَحِبَتْني نِعْمَةٌ حَسَدُوني
سَأمْنعُ قَلْبي أنْ يَحِنَّ إليهم
…
وأَحْجُبُ عنهم نَاظِري وجُفُونِي
أخْبَرَنا ابن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد المَرْوَزيّ، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحيم بن عليّ الشَّاهِد، بقِرَاءَتي عليه بأصْبَهَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن أحْمَد بن الحَسَن الحَدَّادُ، قال: حَدَّثَنَا أبو نُعَيْم أحْمَدُ بن عَبْدِ اللَّه الحافِظ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن إسْحاق، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن مُحَمَّد الجَمَّال، قال: سَمِعْتُ الحَجَّاجَ البَارِدَ يَقُول: سَمِعْتُ الكِسَائِيَّ يُنْشد لأبي العَتَاهِيَة
(1)
: [من البسيط]
حتَّى متَى أنا في حَلٍّ وتَرْحالِ
…
وطُوْلِ سَعْيٍ بإدْبار وإقْبَالِ
(a) ب: ترى.
(b) قوله: "في الناس" ساقطة من ب، وانظر الأبيات في ديوان أبي العتاهية 415، وشكري فيصل: أبو العتاهية 364 - 365.
(c) ديوانه: وأنا إن لم أُنصفهم، شكري: وكيف لو أنصفتهم.
(d) ديوانه وشكري: رفدي.
(e) ديوانه وشكري: بها.
_________
(1)
ليست في ديوان أبي العتاهية، وهي عند شكري فيصل في المستدرك 628.
أُنَازعُ الدَّهْر ما أنْفَكُّ مُغْتربًا
…
عن الأحِبَّة لا يَدْرُونَ ما حَالي
في مَشْرقِ الأرض طَوْرًا ثمّ مَغْرِبها
…
لا يَخْطُرُ المَوْتُ من حِرْصي على بَالي
ولو قَنِعْتُ أتاني الرِّزْقُ في مَهَلٍ
…
إنَّ القَنُوع الغِنَى لا كَثْرةُ المَالِ
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد طَاهِر بن سَهْل بن بِشْر الإسْفَرَاينِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن مَكِّيّ بن عُثْمان الأزْديّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن العبَّاسِ الإِخْمِيْمِيّ، قال: أنْشَدَنا مُحَمَّدُ بن يَزِيد لأبي العَتَاهِيَة
(1)
: [من الوافر]
عِيَالُ اللَّه أكْرمُهُمْ عليهِ
…
أبَثُّهُمُ المَكَارمَ في عِيَالهِ
قال مُحَمَّدُ بن يزيد: أخَذَ أبو العَتَاهِيَةِ هذا القَوْل من الحَدِيْث الّذي رُوِي
(2)
: إنَّ الخَلْق عِيَالُ اللَّه، فأحبُّهُم إليه أنْفَعُهُم لعِيَالهِ.
أخْبَرَنا أبو هاشِم الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو شُجَاع عُمَر بن أبي الحَسَن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه البِسْطَامِيّ، قال: قَرَأتُ على أبي مَنْصُور بن خَيْرُون: أخْبركُم الخَطِيبُ أبو بَكْر
(3)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن رِزْق، قال: أخْبَرَنا عُثْمانُ بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا مُحمّدُ بن أحْمد بن البَرَاءَ، قال: حَدَثَنَا أحْمَدُ بن عليّ بن مَرْزُوق، قال: دَخَلْتُ على أبي العَتَاهِيَةِ في مَرَضه الّذي ماتَ [فيه](a)، وكان له صَدِيْقًا، وكان أبو العَتَاهِيَة قد أغْمَضَ عَيْنيه، قال: فقالوا لي: كَلِّمْهُ، فقُلتُ: يا أبا إسْحاق، فلمَّا سَمِعَ صَوْتي فَتَحَ عَيْنيهِ، فقُلتُ لَهُ: أَعْزِزْ على العُلَمَاء بمصْرعك.
(a) إضافة من ب، وتاريخ بغداد.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 366.
(2)
مسند أبي يعلى الموصلي 6: 106 (رقم 3370)، المعجم الكبير للطبراني 10: 105 (رقم 10033)، والمعجم الأوسط 5: 356 (رقم 5541)، الكامل لابن عدي 5: 1810، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 7:347.
(3)
تاريخ بغداد 7: 236 - 237.
قال: فقال لي أبو العَتَاهِيَة
(1)
: [من الطويل]
سَتَمْضي مع الأيَّام كُلُّ مُصِيْبةٍ
…
وتُحْدِثُ أحْدَاثًا تُنَسِّي المَصَائِبَا (a)
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد الغَسَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عليّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن رِزْق، قال: أخْبَرَنا عُثْمان بنِ أحْمَد، قال: حَدَّثنَا مُحَمَّد بنُ أحْمَد بن البَرَاء، قال: أنْشَدَني -يعني أحْمَد بن عليّ بن مَرْزُوق- لأبي العَتَاهِيَة، وهو يَكيدُ بنَفْسه
(3)
: [من مجزوء الكامل]
يا نَفْسُ قد مَثَّلْتُ حا
…
لي هَذِهِ لك مُنْذُ حِيْنِ
وشَكَكْتِ أنِّي نَاصِحٌ
…
لكِ فاسْتَمَلْتِ إلى الظُّنُونِ
فتأَمَّلِي ضعْفَ الحرَا
…
كِ وكَلِّهِ بعدَ السُّكُون
وتيَقَّنِىِ أنَّ الّذي
…
بكِ منِ عَلَامَاتِ المَنُونِ
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الغَنِيّ بن سُلَيمان بن بَنِيْن بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّدُ بن حَمْد بن حَامِد، قال: أخْبَرنا أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين الفَرَّاءُ في كتابهِ، عنِ أبىِ إسْحاق الحَبَّال، وخَدِيجَة المُرَابطَة، قال الحَبَّال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ الجَبَّار بن أحْمَد بن عُمَر المُقْرِئ، قال: أَخْبَرَنا أبو بَكْر الحَسَن بن الحُسَين بن بُنْدَار، وقالت خَديجَةُ: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيَى بنُ أحْمَد بن عليّ بن الحُسَين بن بُنْدار، قال: حَدَّثَنَا جَدِّي، قالا: حَدَّثَنَا مَحْمُود بن مُحَمَّد بن الفَضْل، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن سَعيد التِّرْمِذيّ، قال: قيل لأبي العَتَاهِيَة وهو يَمُوتُ: ما تَشْتَهي؟ قال: أشْتَهي أنْ يكون زَلْزَلُ عن
(a) تكملة الرواية في تاريخ بغداد: "ثم أغمض عينية وخَفَت".
_________
(1)
لم أقف على بيت الشعر في ديوان أبي العتاهية، وهو في مستدرك شكري فيصل 485.
(2)
تاريخ بغداد 7: 237.
(3)
ليست في ديوانه، وهي عند شكري فيصل 657 - 658.
يَميْني ومُخَارِقُ عن يَسَاري في حجر كُلّ واحدٍ منهما عُوْدٌ يدخلَان في وَتَرٍ واحدٍ ويُغَنِّياني بهذا البَيْتِ
(1)
: [من الطويل]
سَيُعْرَضُ عنِ ذِكْري وتُنْسَى موَدَّتي
…
ويَحْدُثُ بَعْدِي للخَلِيل خَلِيلُ
أخْبَرَنا مُحَمَّد بن إبْرَاهيم بن مُسَلَّم، قال: أخْبَرَتْنا شُهْدَةُ بنتُ ابن (a) الإِبَرِيّ، قالت (b): أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه بنُ أحْمَد النِّعَالِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن الحِنَّائِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو بن السَّمَّاكِ، قال: أَخْبَرَنا أبو القَاسِم بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن أبي رَجَاء، قال: حَدَّثَني يَعْقُوبُ السَّوَّاقُ، قال: قال لي أبو العَتَاهِيَة، وقد حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، وسمعَ كَلَامًا ببابهِ، فقال: ما هذا الكَلَام؟ فاعْتلَلْتُ عليه بشيءٍ، فقال: لا، هؤلاء قَوْمٌ بَلَغَهُم أنِّي مَيِّتٌ فجاءُوا، فتَمثَّل بهذا البَيْت
(2)
: [من الوافر]
وما زلْتَ تُنْعَي برجْم الظُّنُون (c)
…
وقد جَاءَتِ النَّعْيَةُ الصَّادِقَهْ
أنْبَأنَا أبو القَاسِم بن مُحَمَّد القَاضِي (d)، قال: أخْبَرَنا أَبو الحَسَنِ الغَسَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْرٍ أحْمَد بن عليّ
(3)
، قال: أخْبَرَنا إبْراهيمُ بن مَخْلَد إجَازَةً، قال: أخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه بن إسْحاق بن إبْراهيم البَغَويّ، قال: أخْبَرَنا الحَارِثُ بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْد، قال: سَنَة إحْدَى عَشْرة ومَائتَيْن، فيها ماتَ أبو العَتَاهِيَةِ الشَّاعر يَوْم الاثْنَين لثَمانِ ليالٍ خَلَوْنَ من جُمَادَى الآخرة.
وقال أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ
(4)
: قَرَأتُ على الحَسَن بن أبي بَكْر، عن أحْمَدَ بن كَامِل القَاضِي، قال: ماتَ أبو العَتَاهِيَةِ إسْمَاعِيْلُ بن القَاسِم بن سوَيْد (e) بن كَيْسَان
(a) ساقطة من ب.
(b) في الأصل، ب: قال.
(c) ساقطة من ب.
(d) ب: أبو القاسم محمد بن القاضي.
(e) ساقطة من ب.
_________
(1)
ديوان أبي العتاهية 356، الأغاني 4:86.
(2)
لم يرد البيت في ديوان أبي العتاهية، وهو في مستدرك شكري فيصل 586.
(3)
تاريخ بغداد 7: 237.
(4)
تاريخ بغداد 7: 337.
الجرَار، مَوْلَى عَنَزَة، فيما ذُكرَ، سَنَهَ ثلاث عَشرهَ ومَائتْين ببَغْدَاد.
وقَالَ أبو بَكْر
(1)
: ذَكَرَ مُحمَّدُ بن أبيِ العَتَاهِيَةِ أنَّ أبا العَتَاهِةِ وُلدَ في سَنَة ثلاثين ومائة، وأنَّهُ مات ببَغْدَاد، وقبرُه على نهْر عِيسَى قُبالُه قنَطَرَهَ الزَّيَّاتِين.
نَقَلْتُ منِ خَطِّ صالح بن إبْراهمٍ بن رِشْدِينِ (a) المِصْرِيّ ما صُوْرتُه: يُقال إنَّ أبا العَتَاهِيَة ماتَ في خِلَافَة المأمُون سَنة ثلاث عَشرة ومَائتَيْن، مات أبو العَتَاهِيَة، وإبْراهيمُ المَوْصِلِىِّ، وأبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيّ بمَدِينَة السَّلام في يَوْم واحدٍ.
ونَقَلْتُ من أخْبَار أبي العَتَاهِيَة للآمِدِيّ، ونقَله كاتبهُ من خَطِّهِ: قال أبو سُوَيد عَبْدُ القَوِيّ بن مُحمَّد بن أبي العَتَاهِيَة: ماتَ أبو العَتَاهِيَةِ سَنَةَ عَشرٍ ومَائتَيْن.
وقال أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن مُسلِم بن قُتَيْبَة
(2)
: مات أبو العَتَاهِيَة سَنَة خَمْسٍ ومَائتَيْن.
ورَوَى غيرهما أنَّهُ مات سَنَة ثَمان عَشرة ومَائتَيْن في آخر خِلَافة المَأْمُون.
ورُوي عن مُخَارِق المُغَنِّي، وكان من خُلْصَان أبىِ العَتَاهِيَة، أنَّهُ تُوفِّي في خِلَافَة المَأْمُون (a) سَنةَ ثَلاثَ عشرةَ ومَائتَيْن. ويُقَالُ: إِنَّهُ ماتَ هو، وإبْراهيم أبو إسْحاقَ المَوْصِليّ، وأبو عَمْرو الشَّيبَانِيّ بمَدِينَة السَّلام في يَوْم واحدٍ، وفي هذه السَّنَة ماتَ أبو عُبَيْدَة وقَد بَلغَ سنًّا نحوَ المائةِ، وقبرُه ببَغْدَاد قُباله قَنْطَرَة الزَّيَّاتين.
وقد ذكرنا في أثْناء التَّرجَمَة عن أبي عُبيَدِ اللَّه (c) المَرْزُبانيّ أنَّهُ ماتَ ببَغْدَاد في سَنَة عَشرٍ ومَائتَيْن، وقيلِ: في سَنَة إحْدَى عَشرة، وقيل قَبْل ذلك وبعده، قال: والأوَّل أصَحُّ يعني سَنَة عَشر.
(a) ب: رشد.
(b) من قوله: "وروى عن مخارق. . . " إلى هنا ساقط من ب.
(c) ب: أبي عبد اللَّه.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 237.
(2)
الشعر والشعراء لابن قتيبة 411.
أنْبَأنَا زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: حَدَّثني عَبْدُ العَزيز بن عليّ الوَرَّاق، قال: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّه بن أحْمَد بن عليّ المُقْرِئ يقُول: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بن مَخْلَد العَطَّار يَقُول: سَمِعْتُ إسْحاق بن إبْراهيم البَغَويّ يقُول: قَرَأتُ على قَبْر أبي العَتَاهِيَة
(2)
: [من مجزوء الخفيف]
أُذْنَ حَيٍّ تَسَمَّعِي
…
إسْمَعِي ثُمَّ عِي، وَعِي
أنا رَهْنٌ بمَضْجَعي
…
فاحْذَرِي مثْلَ مَصْرَعِي
عِشْتُ تِسْعِينَ حجَّةً
…
ثُمَّ فارقْتُ مَجْمَعِي (a)
ليسَ زادٌ سِوَى التُّقَى
…
فَخُذِي منه أوْ دَعِي
قُلتُ: وهذه الأبْيَاتُ ليسَتْ لأبي العَتَاهِيَة، لأنَّهُ على الاخْتِلَاف في مَوْلده ووَفَاته لم يَعِشْ تسعين حِجَّةً، والأبياتُ قَدِيْمَة العَصْر، رَوَاها مُحَمَّدُ بن أبي العَتَاهِيَة عن هِشَام الكَلْبيّ، أخْبَرَنا بها أبو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بن إِبْرَاهيم بن مُسَلَّم بن سَلْمان الإرْبِلِيّ، قال: أخْبَرَتْنا الكاتبِةُ شهدَةُ بنتُ ابن (a) الإِبَرِيّ قالت: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه بن أحْمَد (c) النِّعَالِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن الحِنَّائِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو بن السَّمَّاك، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْحاق بن إبْراهيم بن سُنَيْن، قال: حَدَّثني مُحَمَّدُ بن أبي رَجَاء، قال: حَدَّثني مُحَمَّدُ بن أبي العَتَاهِيَة، قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ الكَلبْيّ، عن أَبيِهِ، عن أبي صالح، عن ابن عبَّاسٍ، قال: أُصِيْبَ في الجَاهِلِيَّةِ جُمْجُمة (d) عليها مكتُوب: [من مجزوء الخفيف]
أُذْنَ حَيٍّ تسمَّعِي
…
إسْمَعي ثُمّ عِي، وعِي
أنا رَهْنٌ بمَصْرَعي
…
فاحْذَرِي مثْلَ مَصْرَعِي
(a) رواية الديوان: في ديار التَّزعزُع، وفي الأغاني: أسلمتني لمضجعي.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: محمد.
(d) مهملة النقط في الأصل، والإعجام من ب.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 237 - 338.
(2)
ديوان أبي العتاهية 368، الأغاني 4:88.
قال: فأتيتُ أبي فأخْبرتُه فاسْتَحْسَنَه، وزَادَني فيه بعضُ أصْحَابنا:
ليسَ شيءٌ سِوَى التُّقَى
…
فَخُذِي منه أو دَعِي
إسْمَاعِيْلُ بن قِيْرَاط العُذْرِيّ، أبو عليّ
سَمعَ بمَعَرَّةِ النُّعْمَان مَالِك بن يَحْيَى التَّنُوخِيّ.
وهو إسْمَاعِيْلُ بن مُحَمَّد بن عُبَيْدِ اللَّه بن قِيْرَاط، أبو عليّ العُذْرِيّ، رَوَى عنهُ أبو أحْمَدَ عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن شُجَاع المُفَسِّرُ حَدِيثًا أوْرَدناهُ فيما يأتي إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى في تَرْجَمة مَالِك بن يَحْيَى
(1)
، ونَسَبَهُ إلى جَدّ أبيهِ قِيْرَاط، وستأتي تَرْجَمَتُه إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى فيمَنْ اسْمُ أبيْهِ مُحَمَّد
(2)
.
حَرْف المِيْم في آباءِ مَن اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بن المُبارَك بن كَامِل بن مُقَلَّد بن عليّ بن المُقَلَّد بن نَصْر بن مُنْقِذ، أبو الطَّاهِر بن أبي الميمُون الكِنَانِيّ
(3)
الشَّيْزَريُّ الأصلُ، المِصْرِيُّ المَوْلدُ والمَنْشأ، وقد اسْتَقْصَينا نَسَبَه في ترجَمَةِ ابن عَمّ جَدّه أُسامَة بن مُرْشِد بن عليّ
(4)
.
وإسْمَاعِيْلُ هذا أميرٌ فَاضِلٌ، شَاعِرٌ، خَدَم الملَك العادِل أبا بَكْر بن أيُّوب، وولَدهُ الملَكَ الكامِل مُحَمَّد بن أبي بَكْر، وسَيَّرهُ الملَك الكامِل رَسُولًا إلى حَلَب وغيرها من البِلاد، ووَاليًا على حَرَّان، فقَدِمَ علينا حَلَب، وأقام بها أيَّامًا، ولم يَتَّفق لي اجْتِمَاع به.
(1)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
(2)
تأتي قريبًا في هذا الجزء.
(3)
توفي سنة 626 هـ، وقيل في السنة بعدها، وترجمته في: التاريخ المنصوري لابن نظيف الحموي 148، المنذري: التكملة 3: 350، تاريخ الإسلام 13: 809، الوافي بالوفيات 9: 195، المقريزي: المقفى الكبير 2: 110 - 111.
(4)
الجزء الثالث فيما تقدم.
ورَوَى شَيِئًا من الحَدِيْث عن الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، وشَيئًا من شِعْر أبي الحَسَن عليّ بن يَحْيَى بن الذَّرَوِيّ.
رَوَى لنا عنْهُ أبو المحامِد إسْمَاعِيلُ بن حَامِد القُوصِيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن عبد العَظِيْم المنُذِريّ، ومُحَمَّد بن عليّ بن (a) الصّابُونِيّ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عبدِ العَظِيْم بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا الأَمِيرُ الأجَلَّ أبو الطَّاهِر إسمَاعِيْل بن المُبارَك بن كَامِل بن مُنْقِذ، قال: أخْبرَنا الإمَامُ الحافِظُ أبو طَاهر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحمد السِّلَفِيّ، ح.
وأخْبَرَنا به أبو عليّ حَسَنُ بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ، وأبو القَاسِم عَبْدُ اللَّه بن الحُسَين بن عَبْد اللَّه الأنْصَاريّ، قالا: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الخَطَّاب نَصْرُ بنُ أحْمَد بن عَبْدِ اللَّه بن البَطِرِ القَارِئ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بنُ عُبيد اللَّه بن يَحْيَى بن زَكَرِيَّاء، المَعْرُوف بابنِ البَيِّع، قال: حَدَّثَنَا القَاضِي أبو عَبْدِ اللَّه الحُسَينُ بن إسْماعِيل المحامِليّ، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقيّ، قال: حَدَّثَنَا الطُّفَاوِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَوْف، عن (b) زُرَارَة بن أوْفَى، عن عَبْد اللَّه بن سَلَامٍ، قال
(1)
: لمَّا قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَة قال النَّاسُ: قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فخَرَجْتُ إليه، فلمَّا نَظَرتُ إليه عرفْتُ أنَّ وَجْهَهُ ليسَ بوَجْهِ رَجُلٍ كَذَّابٍ، فكان أوَّل ما سَمِعْتُ من كلَامِهِ قال: أيُّها النَّاسُ أفْشُوا السَّلام،
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: ابن.
_________
(1)
مصنف ابن أبي شيبة 5: 318 (رقم 35380)، 7: 357 (رقم 35836)، وسنن الدارمي: 340 - 341، وسنن ابن ماجة 1: 433 (رقم 1334)، 3: 1083 (رقم 3251)، ومسند الشهاب للقضاعي 1: 418 (رقم 473)، الجامع الكبير للترمذي 4: 364 (رقم 3485)، المستدرك للحاكم 4: 159 - 160، دلائل النبوة للبيهقي 3: 531 - 532، شرح السنة للبغوي: 4: 39 - 40 (رقم 926).
وصِلُوا الأرْحَام، وأطْعِمُوا الطَّعَام، وصَلُّوا باللَّيْل والنَّاسُ نيَام تَدْخُلُوا الجَنَّة بسَلَام.
أنْشَدَنا أبو المحَامِد (a) إسْمَاعيْل بن حَامِد القُوصِيّ، قال: أنْشَدَنا الأَمِيرُ الكبيرُ أبو الطَّاهِر إسْمَاِعيْل بن سَيْف الدَّوْلَة المُبارَك بن مُنْقِذ، قال: أنشَدَني القَاضِي وَجيْهُ الدِّين أبو الحَسَن عليّ بن يَحْيَى بن الذَّرَوِيّ مَدِيْحًا في وَالدِي الأَمِير سَيْف الدَّولَة قَصيْدَتَهُ الذَّاليَّةَ ومَطْلعُها: [من الطويل]
لَكَ اللَّهُ عرِّجْ على رَبْعِهِمْ فَذي
…
رسُومٌ يفُوح المسْكُ من عَرْفها الشَّذِي
وذا يا كَلِيم الشَّوْق وادٍ مُقَدَّسٌ
…
لدَى الحُبّ فاخلَعْ ليسَ تَمْشِيهِ مُحْتَذِي
وَقَفْنا فسَلَّمنا على كُلِّ مَنْزِلٍ
…
نُلَذِّذُ فيه العَين كُلّ تَلَذُّذِ
ولم يُبْكِني إلّا ادّكارٌ مُجَدَّدٌ
…
لأشْجَان قَلْبٍ بالغَرَامِ مُجَذَّذِ
فيا حُرَقي ذا آخِرُ الدَّمْع فاشْرَبي
…
ويا سَقَمِي ذي فَضْلَةُ القَلْب فاغْتَذِي
وبي ظَبْيُ أنْسٍ كمَّلَ اللَّهُ حُسْنَهُ
…
وقال لأفْواهِ الخَلَائِق عَوِّذِي
جَلَا تحت يَاقُوتِ اللّمى ثَغْرَ جَوْهَرٍ
…
رَطيبٍ (b) وأَبْدَى شَارِبًا من زُمُرُّدِ
وبي عُذّلٌ أُبْدِي التَّشَاغُلَ عنهُمُ
…
إذا أخَذُوا فيِ عَذْلِهم كُلَّ مَأْخَذِ
يَقُولونَ لي مَنْ ذَا الّذي مُتَّ في الهَوَى
…
بهِ أسَفًا يا رَبّ لا عَلِمُوا الَّذِي
ورُبَّ أدِيْبٍ لم يَجِدْ في ارْتَحِالهِ
…
جَوَادًا إذا ما قال هَاتِ يَقُلْ خُذِ
أقولُ له إذ قام (c) يرحَلُ مُسْغَبًا (d)
…
وسَلّمَهُ طولُ السّقَامِ وقدْ خَذِي
مَبَاركُ عيسِ (e) الوَفْد بَابُ مُبَاركٍ
…
وهَلْ مُنْقذُ القُصَّاد إلَّا ابنُ مُنْقِذِ
أنشَدَني جَمالُ الدِّين مُحَمَّد بن عليّ بن الصَّابُونِيّ، قال: أنشَدَنا جمال الدِّين إسْماعِيل بن المُبارَك بن مُنْقِذ لنَفْسِه: [من الخفيف]
صارَ دَاءُ الهَوَى لقَلْبي عَادَهْ
…
فلهذا جَفَاهُ مَنْ كانَ عَادَهْ
(a) في الأصل: أبو حامد، وليست من كُناه التي عددها ابن العديم في ترجمته له، المتقدمة في هذا الجزء.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: قال.
(d) كتب ابن العديم في الهامش: "متعبًا".
(e) ب: عيش.
لو أتَاهُ هجودُهُ وشِفَاهُ
…
كان يَشْتَاقُ سُقْمَهُ وسُهَادَهْ
أَلِفَ الهَمَّ والكَآبةَ حتَّى
…
لو أتَاهُ سُرُورُهُ ما أَرَادَهْ
ليسَ ذا قَسْوَةً ولكنْ مُرادِي
…
أنْ ينال الحبَيْبُ منِّي مُرادَهْ (a)
إنْ حُرمْتُ الوِصالَ منهُ حَيَاةً
…
فلعلِّي فيهِ أنَالُ الشَّهَادَهْ
يا رَشِيْقَ القَوَام أخْجَلْتَ بالبَا
…
ب نَثنّي غُصُونهِ المَيَّادَهْ
قد سلَبْتَ الفُؤَادَ والطَّرْفَ جَمعًا
…
ذا سُوَيدَاءَهُ وذاكَ سَوَادَهْ
هل تُرَى فيهما تكوَّن صُدْغَا
…
كَ فخطَّا على العِذَارِ مِدَادَهْ
قُلْ لنبل القِسِيّ ما أنْتَ إلَّا
…
عندَ لَحْظ الحَبِيْب شَوْكُ القَتَادَهْ
ولقُرْبِ السُّيُوف أنتِ جُفُونٌ
…
لعُيُونٍ قُدُودَنَا قَدّادَهْ
ولسُمْرِ الرِّمَاح ما نِلْتِ شِبْهًا
…
بقَويْمِ القَوَام يا مَيَّادَهْ (b)
ولغَيْثِ السَّحَاب سُحْقًا فباقي
…
كأسِنا قد أَبَانَ فيكَ الزَّهَادَهْ
أنْتَ تسقِي وتَحْجُب البَدْر عنَّا
…
وَهْوَ يَسْقِي وبَدْرُهُ في زيادَهْ
منْطَقَتْهُ العُيُون حُسْنًا ولولا
…
خَشْيَةٌ من سَنَاهُ كُنّ قَلَادَهْ
ونَقَلتُ هذه الأبياتَ الدَّالِيَّةِ من خَطِّ الأَمِير حُسام الدِّين أبي بَكر مُحَمَّد بن مُرْهَف بن مُرْهَف بن أُسامَة بن مُنْقذ للأمِيْر جَمال الدِّين إسْمَاعِيْل ابن الأَمير سَيْف الدَّوْلَة مُبَارَك بن مُنقِذ، وذَكَرَ أنَّهُ سَمعَ منه هذه الأبيات، ونَقَلْتُ من خَطِّه من شِعْر ابن عَمّه إسْمَاعِيْل المَذْكُور:[من الرجز]
ظُبَى اللّحاظ وَهْيَ في أجْفَانِها
…
قد قُتِل الإنْسانُ من إنْسَانِها
مَشهُورةٌ قَتلَتُها مَشْهُورةٌ
…
فكيفَ تُردِي وَهي في أجْفَانِهَا
أسْدُ الحَمى وإنْ غَدَتْ فاتكةً
…
تَفِرُّ بعْدَ البأسِ من غزْلَانها
لو لم تكُن رِمَاحُها قُدُودَهَا
…
ما كانتِ الألْحاظُ من خرصَانِها
(a) ب: ما أراده.
(b) سقط هذا البيت من ب.
بكَيْت وَجْدًا بِهِمُ حتَّى بكَت
…
حَمَائمُ الأَيْكِ على أغْصَانِها
فإنْ تكُنْ صَادِقةً في نَوْحِها
…
مثْلي وَدَاعي النَّوْح (a) من أشْجَانِهَا
لَمْ تَلبَسُ الأطْوَاقَ في أعْنَاقِهَا
…
وتخْضِبُ الحِنَّاءَ في بَنَانِها
قال لي أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد العَظِيم. إسْماعِيْل بن المبُارَك أحَدُ أُمَراءِ الدَّولَتَيْن العَادِليَّة والكَامِليَّة، سَمعَ بالإِسْكَنْدَرِيَّة الحافِظَ أبا طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ الأصْبَهَانيّ، وبمِصْر من وَالدِه، وحَدَّث. وسُئِلَ عن مَوْلدِه، فقال: في العشرين من رجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة بالقَاهِرَة، وتُوفِّيَ في شَهْرِ رَمَضَان سَنَة ستٍّ وعشرين وسِتمائة بمدِينَة حَرَّان.
أخْبَرَنا شِهَابُ الدِّين أبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد القُوصِيّ، قال: وهذا الأَمِيرُ جَمالُ الدِّين إسْماعِيْل بن مُنْقِذٍ، رحمه الله، كان أميرًا كَامِلًا، وكَبِيرًا فَاضِلًا، ونَدَبَهُ السُّلْطانُ المَلِكُ الكَامِل، رحمه الله، رَسُولًا إلى الغَرْبِ، فأبَان عن نَهْضَةٍ وكِفَايَةٍ، وحُسْن سِفَارة، لِمَا كان جَامِعًا له من حُسْنِ صُوْرة وسِيْرَة، وعُذُوبَة لَفْظٍ، وسَدَاد عِبَارَة، ووَلَّاهُ وِلَايَة مَدِينَة حَرَّان، وجَمعَ له بين الوِلَايَة والإمَارَة، وتُوفِّيَ بها في شُهُور سَنَة سَبْعٍ وعشرين.
قال: ومَوْلدُه بمِصْرَ في شُهُور سَنَة تِسْعٍ وسِتِّين وخسِمائَة في العشرين من ذي القَعْدَة.
قرأتُ في تَعْلِيقٍ وَقَعَ إليَّ بخَطِّ مُرهَفِ بن مُرْهَف بن أُسامَةَ بن مُرْشِد بن مُنْقِذ، ذَيَّلَ بهِ على تَعْلِيقٍ في التَّاريخ بخَطِّ أبيِهِ مُرْهَف بن أُسامَة بن مُنْقِذ في ما حَدَثَ (b) في سَنَة سبْعِين وخَمْسِمائَة: وُلد إسْمَاعِيْل بن مُبَارَك بن كَامِل بن مُنْقِذ.
أنْبَأنَا الحافِظُ (c) أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْم بن عَبْد القَوِيّ المُنْذِريّ، قال في ذِكْرِ
(a) ب: الشوق.
(b)" في ما حدث" ساقط من ب.
(c) ساقطة من ب.
مَنْ تُوفِّي سَنَةَ ستٍّ وعشرين وسِتّمائة، في كتاب التَّكْمِلَة لوَفَيَات النَّقَلَة
(1)
: وفي شَهْر رَمَضَان تُوفِّي الأَمِيرُ الأجَلُّ أبو الطَّاهِر إسْمَاعِيْلُ ابن الأَمِيرِ الأجَلّ سَيْف الدَّوْلَة أبي المَيْمُون المُبارَك بن كَامِل بن مُقَلَّد بن عليّ بن نَصْر بن مُنْقِذ الكِنَانِيّ، الشَّيْزَرِيّ الأصْل، المِصْرِيّ المَوْلد والدَّار (a)، المَنْعُوت بالجَمَال، بحَرَّان ودُفِنَ بِظَاهِرها.
سَمِعَ بالإسْكَنْدَرِيَّة من الحافِظ أبي طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ، وبمِصْر من والده سَيْف الدَّوْلَة أبي المَيْمُون المُبارَك. وحدَّث، وتولَّى حَرَّان وغير ذلك.
سَمِعْتُ منه، وسَألتُه عن مَوْلدِه فقال: في العشرين من رَجَب سَنَة تِسْعٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة بالقَاهِرَة، وكانَ له شِعْرٌ وأدَبٌ، كَثِيْرُ تلَاوةِ القُرْآن الكريم، وتَرَسَّلَ عَنْ السُّلْطان المَلِك الكَامِل إلى الفِرنْج، خَذَلَهُم اللَّهُ تعالَى، وهم إذ ذاك بثَغْرِ دِمْيَاطَ المَحْرُوس، فبَلَغَنا أنَّهُ كان يَخْتِم بها في كُلِّ يَوْم خَتْمَة.
ذِكْرُ مَن اسْمُ أبيْهِ مُحَمَّد ممَّن اسْمُه إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بن مُحَمَّد بن أَيُّوب بن شَاذِي، أبو الفِدَاءِ، المَلِك الصَّالِح عِمَاد الدِّين ابن المَلِك العادِل
(2)
دفَعَ إليه أبوه المَلِكُ العادِلُ أبو بَكْر بن أَيُّوب مَدِينَة بُصْرَى وعَمَلها، فأقامَ
(a) لم ترد في نشرة كتاب التكملة.
_________
(1)
المنذري: التكملة 3: 250.
(2)
توفي سنة 648 هـ، وترجمته في: تاريخ الإسلام 14: 593 - 595، العبر في خبر مَن غبر 3: 260، سير أعلام النبلاء 22: 134 - 137، (وكتاه: أبا الخيش)، ابن حبيب: درة الأسلاك في دولة الأتراك (مخطوط آيا صوفيا)، ورقة 2 ب، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 179 - 180، تحفة ذوي الألباب للصفدي 2: 129 - 136، الوافي بالوفيات 9: 215 - 216 وكناه الصفدي في كتابيه: أبا الخِيَش، المقريزي: السلوك 1/ 2: 380، شذرات الذهب 7: 521، مرتضى الزبيدي: ترويج القلوب في ذكر الملوك بني أيوب 54.
بها بعدَ مَوْت أبيهِ إلى أنْ وَلِيَ أخوه المَلِكُ الأشْرَف مُوسَى دِمَشْق في سَنَهَ ستٍّ وعشرين وسِتّمائة، فانْضَمَّ إليه، فاسْتَنابَهُ بها.
ومرضَ المَلِك الأشْرَف، فأوْصَى له بدِمَشْق وبَعْلَبَك، ثمّ توهَّم منه أنَّهُ يُؤْثر مَوْتَهُ، فأرادَ أنْ يَرْجع عمَّا عَهِدَ به له، فلم يتيسَّر له ذلك، فلمَّا ماتَ المَلِك الأشْرَفُ اسْتَولَى عِمَاد الدِّين المَذْكُور (a) على ما كان بيده من البِلاد، فنَزَل إليه أخُوه المَلِكُ الكَامِلُ من الدِّيَار المِصْرِيَّةِ طَالِبًا أخْذَ دِمَشْق، فسَيَّرَ إليه نَجْدَة من حَلَب، فحصَرَه المَلِكُ الكَامِل إلى أنْ اسْتَولَى على دِمَشْق، وأبْقَى عليه بَعْلَبَك وبُصْرَى.
وماتَ المَلِكُ الكَامِل بدِمَشْقَ، وبها ابن أخيهِ المَلِك الجَوَاد يُونُس، فتَرَاسَل المَلِك الجَوَاد والمَلِك الصَّالِح أَيُّوب ابن المَلِك الكَامِل، وكان مَلك الدِّيَار الجَزَرِيَّة، واتَّفَقا على أنْ يُسَلِّم المَلِكُ الصَّالِحُ إليه الرَّقَّة وسِنْجَار وعَانَة، ويُسَلِّم إليه المَلِكُ الجَوَاد دِمَشْق، وتمَّت المُقَايضَة بينهما، وتَسَلَّم المَلِكُ الصَّالِحُ أَيُّوبُ دِمَشْقَ، وجَعَل فيها ولَدَهُ عُمَرَ المُلَقَّب بالمَلِك المُغِيْث، وصَعِدَ طَالِبًا للدِّيَار المِصْرِيَّة فنَزل نابُلُس، وهي في يد ابن عَمّه المَلِك النَّاصِر دَاوُد بن عِيسَى بن أبي بَكْر بن أَيُّوب، فحالَف إسْمَاعِيْلُ ابنَ أخيهِ، ووعدَهُ بالصُّعُودِ إليه إلى نابُلُس، ومُوافقتِه على قَصْدِ الدِّيَار المِصرِيَّة، فاتَّفَقَ إسْمَاعِيْلُ والمَلِك المُجَاهِد شِيرْكُوه صَاحب حِمْص على مُكَاتَبة جَمَاعَة من أهْل دِمَشْق، وعلى أنْ يكون للمَلِك المُجَاهِد نَصِيْبٌ فيها، والبَلَدُ لإسْمَاعِيْل، ووَاعَدا أهْلَ دِمَشْقَ في يَوْمٍ مُعَيَّن، وسَار إسْمَاعِيْل من بَعْلَبَك وشِيرْكُوه منِ حِمص، وهَجَمَاهَا، واسْتَعْصَت القَلْعَة أيَّامًا قَلَائِل، وبها عُمَر بن أَيُّوب، وعَجز مَنْ بها عن حِفْظها، فسَلَّمُوها إليه على أنْ يُطْلق المَلِكَ المُغِيْثَ عُمَرَ، فلمَّا تمَسَلّم القَلْعَة غَدَر بعُمَرَ المَذْكُور وقبَضَ عليه.
(a) ب: الملك المذكور.
وعندما انْتَهى الخَبَرُ إلى المَلِكِ النَّاصِر دَاوُد، سيَّر عَسْكَرًا إلى المَلِك الصَّالِح أَيُّوب وقبضَ عليه وسَجَنَهُ عندَهُ في قلْعَةِ الكَرَك
(1)
، ودَامَ إسْمَاعِيْلُ بدِمَشْق، وعَسَف رعيَّتها وظَلَمهُم، وأعانَهُ على ذلك وَزِيُره أمِيْن الدَّولَة الّذي كان سَامرِيًّا وأسْلَم، وقاضيها المَعْرُوفُ بالرَّفيْع الجِيْليّ، إلى أنْ أخرج المَلِك النَّاصِر دَاوُد المَلِك الصَّالِح أَيُّوب من السِّجْن، ووافقَه على أخْذ الدِّيَار المِصْرِيَّة من يد المَلِك العادِل ابن المَلِك الكَامِل أخيهِ، وتوجَّها جَمِيعًا إلى مِصْر، وكاتبا جَمَاعَةً من الخَدَم ومَنْ كان بها من الأشْرَفيَّة.
وخَرَجَ العَادِلُ إلى بُلْبَيْس في عَسْكَرٍ كَثيف، وكُنْتُ إذ ذاك عندَهُ رَسُولًا بالقَاهِرَة، فقَبَضَ العَسْكَر على العادل
(2)
، وتَسَلَّم الصَّالِح أَيُّوب الدِّيَار المِصْرِيَّة، وابنُه عُمَر في حَبْسٍ عمِّه الصَّالِح إسْمَاعِيْل، وهو لا يُفرج عنه، فاتَّفَقَ أنْ مات عُمَر في حَبْسِه بقَلْعَة دِمَشْق، وخافَ إسْمَاعِيْل فاتَّفَقَ مع الفِرِنْج.
وسيَّر المَلِك المَنْصُور إبْرهيم بن شِيرْكُوه صاحب حِمْص مُقدَّمًا على عَسْكَره إلى غَزَّة ومعه الفِرِنْج، وبها عَسْكَرُ مِصْر، فالْتَقَى الجَيْشان، فانْهَزَم المَلِك المَنْصُور والفِرِنْج، وتقدَّم العَسْكَر المِصْرِيّ بعد ذلك إلى بَيْسَان، وتحالف المَلِك الصَّالِح أَيُّوب، والسُّلْطان المَلِك النَّاصِر يُوسُف ابن المَلِك العَزِيز صاحب حَلَب، ونَزَل العَسْكَر المِصْرِيّ ومُقَدَّمُه الوَزِيرُ مُعِيْن الدِّين ابن الشَّيْخ ابن حَمُّوْيَه مُحَاصِرًا دِمَشْق، ووصَلَت إليه نَجْدَةُ حَلَب، وكنتُ أنا الرَّسُول إلى مِصْر في المُحَالفة، ففَتَح العَسْكَر المِصْري دِمَشْق، وسلَّمها الصَّالِح إسْمَاعِيْل إلى ابن الشَّيْخ ومَضَى إلى بَعْلَبَلك، وأنْكَر أَيُّوب على عَسْكَره تَرْك بَعْلَبَك، فخرج عنها الصَّالِح، والْتَجَأ إلى الخُوارَزْمِيَّةِ، ونَزَلُوا على طَرف البُحَيْرة من بَلَد حِمْص، فَخَرَجَ عَسْكَر حَلَب والمَلِك
(1)
تقدم التعريف بالقلعة والمدينة في الجزء الثالث قبله.
(2)
قُبض على الملك العادل في ليلة الجمعة 8 ذي القعدة 637 هـ. انظر: زبدة الحلب 3: 693.
المَنْصُور إبرْاهيم صاحب حِمْص، وكَسَروا الخُوارَزْمِيَّة، وقُتِلَ مُقَدَّمهم بَرَكَة خَان، وانْفَكَّ جُمُوعهم، وفُتِحَت بَعْلَبَك.
وهَرَبَ المَلِكُ الصَّالِح إسْمَاعِيْل، وقَدِمَ إلى حَلَبَ مُسْتَجيْرًا بالسُّلْطان المَلِك النَّاصِر ابن المَلِك العَزِيز، ومُلْقيًا نفسهِ إليه، فأنْزَله بدَار جَمَال الدَّوْلَة، وجَعَل عليه تَوْكِيْلًا طَلبًا لرضا المَلِك الصَّالِح أيُّوب، وسَيَّرَني رَسُولًا إلى مِصْر أشْفَع إلى أَيُّوب في إسْمَاعِيْل، فلم يُجب إلى ذلك، وفَسَد ما بين السُّلْطان المَلِك النَّاصِر وبينه بسَبَب ذلك.
ومات المَلكُ المَنْصُورُ إبْراهيمُ صَاحِبَ حِمْص بدِمَشْق، وتسلَّم نُوَّاب أَيُّوبَ بُصْرَى، وعَزَم م أَيُّوبُ على تَجْهيز عَسْكَر إلى الشَّرْق، فمَنَعَهُ المَلِك النَّاصِر، وأزَال التَّوكِيْل عن الصَّالِح إسْمَاعِيْل وسيَّرني إليه، واسْتَحْلَفْتُهُ (a) يَوْم الاثْنَين ثامن عَشر ذي القَعْدَة، وخَلَع عليهِ، وأقْطَعهُ إقْطاعًا حَسَنًا، وقدَّمه على عَسْكَره، والأَمِيرُ شَمْس الدِّين لُؤلُؤ الأَمِيْنيّ يتولَّى تَدْبِير العَسْكَر، وتوجَّه العَسْكَر إلى حِمْص ففتَحَها من يَد المَلِك الأشْرَف مُوسَى بن إبْراهيم، وكان قد مال إلى جانب الصَّالِح أَيُّوب، فنَزَل أَيُّوب إلى دِمَشْق، وسَيَّر العَسْكَر إلى حِمْص وحَصَرها، فَخَرج السُّلْطان المَلِك النَّاصِر والعَسْكَر معَهُ والصَّالِح إسْمَاعِيْل، ووَرَدَ نَجْم الدِّين البَادَرَائِيّ رسُولُ الخَلِيفَة، ورَحَل العَسْكَر عنِ حِمْص، وخَرَجَ الفِرِنْج إلى دِمْيَاط واسْتَولوا عليها، وتُوفِّيَ الصَّالِح أَيُّوب، ووَصَل وَلدُه المُعَظَّمُ تُوْرَانشَاه، وأسَرَ مَلِكَ الفِرِنْج، وقتلَهُ عَسْكَره، وتوجَّه السُّلْطان المَلِك النَّاصِر يُوسُف وافْتَتح دِمَشْق، وصَعِدَ إلى الدِّيَار المِصْرِيَّة، والصَّالِح إسْمَاعِيْل في صُحْبَته وانْفَلَّ وعَاد، وأسِرَ الصَّالِحُ إسْمَاعِيْل، ودُخِل بهِ إلى القَاهِرة، وسُجن في قَلْعَة الجَبَل، ثمّ أُخْرج وخُنِق، وذلك في سَنَة ثَمانٍ وأرْبَعين وستمائة.
(a) ب: فاستحلفته.
وكان حَسَنَ السِّيْرَة في أوَّل مَمْلَكته، مُؤْثرًا للعَدْل إلى أنْ ابْتُلي بقُرَناءَ السَّوْءِ، فحسَّنُوا له الظُّلْم، وحبَّبُوه إليهِ، فأفْرَط فيهِ، وكان سَبَبًا لزَوَالِ مُلْكه مع أنَّهُ كان حَسَن العَقيْدَة، مُحْسِنًا ظنَّه في أهْل الدِّين، يَشْتَغل بتلاوة القُرْآن في كَثِيْر من أوْقَاته، واللَّهُ يَتَجاوَز عنه.
إسْمَاعِيْلُ بن مُحَمَّد بن سِنَان بن سَرْج، أبو الحَسَن الشَّيْزَرِيّ، القَاضِي
حدَّث بشَيْزَر عن مُحَمَّد بن حَمَّاد بن المُبارَك المِصِّيْصيّ، وأبي عُتْبَة أحْمَد بن الفَرَج الحِمْصِيّ.
رَوَى عنهُ أبو القَاسِم الطَّبَرَانيّ، والحُسَينُ بن أحْمَد الثَّقَفِيّ، وأبو بَكْر أحْمَد بن مُحَمَّد بن عليّ بن الحَكَم، وأبو العبَّاسِ مُحَمَّد بن مُوسَى بن السِّمْسَار (a)، والحافِظ أبو الحُسَين مُحَمَّد بن المُظَفَّر.
حدَّثنا أبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن هِلالَة الأنْدَلُسِيّ، قال: أخْبَرَنا أَسْعَدُ بن أبي سَعيد الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَتْنا فاطِمَةُ بِنْتُ عَبْد اللَّه الجُوزْدَانِيِّة، قالت (b): أخْبَرَنا أبو بَكْر بن رِيْذَة الضَّبِّيُّ، قال: أخْبرَنا الإمَامُ أبو القَاسِم سُليْمان بن أحْمَد بن أَيُّوب الطَّبَرَانِيّ
(1)
، قال: حَدَّثّنَا إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد بن سِنَان الشَّيْزَرِيُّ بشَيْزَر، قال: حَدَّثَنَا أبو عُتْبَة أحْمَدُ بن الفَرَج الحِمْصِيُّ، قال: حدَّثنا بَقِيَّةُ بن الوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيُّ، وسَعِيدُ (c) بن عَبْد العَزِيْز، عن سُليْمان بن مُوسَى، عن مَكْحُول، عن
(a) ب: الشمسار.
(b) في الأصل، ب: قال.
(c) ب: وسعد.
_________
(1)
الطبراني: المعجم الصغير 118، وانظر: المعجم الكبير 4: 18 - 20 (رقم 3518 - 3533)، السنن الكبرى للبيهقي 6:313.
زِيَادِ بن جَارِيَةَ، عن حَبِيْبِ بن سَلَمَة: أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ من البَدَاءة (a) الرُّبَع، ومن الرَّجْعَة الثُّلُثَ.
قال الطَّبَرَانِيّ
(1)
: لَم يَرْوِهِ عن الأوْزَاعِيّ إلَّا بَقِيَّة.
إسْمَاعِيْلُ بن مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه بن قِيْرَاط، أبو عليّ العُذْرِيّ الدِّمَشقيّ
(2)
سَمِعَ بمَعَرِّةِ النُّعْمَان مَالِك بن يَحْيَى التَّنُوخِيّ، وبالمِصِّيْصَة أحْمَد بن لَقِيْط المِصِّيْصيّ، ورَوَى عنهُما وعنِ هِشَام بن عَمَّار، وعبد اللَّهَ بن أحْمَد بن بَشِير بن ذَكْوَان، وحَرْمَلَة بن يَحْيَى، ويَزِيْد بن مُحَمَّد الرُّهَاوِيّ، وسُليْمان بن عبد الرَّحْمن، وأبي الأخْيَل خَالِد بن عَمْرو الحْمِصِيّ، وأحمد بن صالِح، وإبْراهيم بن العَلَاء، ومُحَمَّد بن إسْماعِيْل بن أبي شَيْبَة، وهارُون بن سَعيد الأيْلِيّ، وعَبد الوَهَّاب بن الضَّحَّاك، ومُحَمَّد بن مُصَفَّى الحْمِصِيّ، وكَثِيْر بن عُبَيْد الحَذَّاءُ الحِمْصِيُّ، وعبد اللَّه بن عَبْد الجَبَّار الخَبَائِرِيّ، وعَبْد الرَّحمن بن إبْراهيم، وصَفْوَان بن صالح، وسُليْمان بن سَلَمَة الخَبَائِرِيّ، والحَسَن بن شَاكِر، وأبي عَامِر مُوسَى بن عامر، وعِمْران بن خَالِد بن أبي جَمِيل، وإبْراهيم بن المُنْذِر الحِزَامِيِّ.
رَوَى عنهُ آبَاءُ القَاسِم: سُليْمانُ بن أحْمَد بن أَيُّوب الطَّبَرَانِيُّ، والمُظَفَّرُ بن حَاجِب بن أَرْكِيْن الفَرْغَانيّ، وعليّ بن يَعْقُوب بن إبْراهيم بن أبي العَقَب،
(a) في الأصل، ب: البراة، والمثبت من مصادر تخرج الحديث.
_________
(1)
الطبراني: المعجم الصغير 118.
(2)
تقدمت له ترجمة مقتضبة فيما مرّ من هذا الجزء منسوبًا إلى جد أبيه: "إسماعيل بن قيراط"، وتوفي سنة 297 هـ، ترجمته في: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم لابن زبر 260، تاريخ الإسلام 6: 920 (وفيه: إسماعيل بن محمد بن قيراط)، سير أعلام النبلاء 14: 23، 186.
وأبَوَا بَكْر: مُحَمَّد بن إبْراهيم بن سَهْل بن حَيَّة، ومُحَمَّد بن الحُسَين بن عُمَر بن حَفْص بن مَزَارِيْب القُرَشِيّ، وأبو عَوَانَة الإسْفَرَاينِيّ، وخَيْثَمَة بن سُلَيمان بن حَيْدَرة الأطْرَابُلُسِيّ، وأبو الحَسَن أحْمَدُ بن عُمَيْر بن جَوْصَا، وهارُون بن مُحَمَّد بن هارُون، ومُحَمَّدُ بن هَارُون بن شُعَيْب، والفَقِيه أبو أحْمَد عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه ابن النَّاصِح المُفَسِّر، وعُبَيْد اللَّه بن عبد الصَّمَد بن المُهْتَدي باللَّهِ، وأبو عُمَر بن فَضَالَة، وإبْراهيمِ بن مُحَمَّد بن صالح بن سِنَان، وعَبْد الرَّحمن بن جَيْش الفَرْغَانيّ، وَسَنَذكُر في تَرْجَمَةِ مَالِك بن يَحْيَى
(1)
الحَدِيْث الّذىِ سَمِعَهُ منه بمَعَرَّة النُّعْمَان إنْ شَاءَ اللَّهُ.
حدَّثنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ العَزِيْز بن الحُسَين الأنْدَلْسِيّ، قال: أخْبَرَنا أَسْعَدُ بن أبي سَعيد الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَتْنا فاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّه الجُوزْدَانيِّة، قالت: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن رِيْذَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الطَّبَرَانِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا (a) إسْمَاعِيلُ بن قِيْرَاط الدِّمَشقيّ، قال: حَدَّثَنَا سُليْمان بن عبد الرَّحْمن ابن ابنة شُرَحْبِيل، قال: حَدَّثَنا (b) الوَلِيد بن مُسْلِم، عن سَعيد بن بَشِير، عن قَتَادَةَ، عن الحَسَن، عن أنَسِ بن مالِك، عن عُمَرَ بن الخَطَّاب، قال: نَهَى رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن حَلْقِ القَفَا إلَّا للحِجَامَة.
قال الطَّبَرَانِيّ
(3)
: لم يَرْوِهِ عن قَتَادَة إلَّا سعيد، تفرَّد به الوَلِيد بن مُسْلِم.
أخْبَرَنا زَيْن الأُمَناء أبو البَرَكَات بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو العَشَائِر مُحَمَّد
(a) سقط سند الطبراني في الرواية من ب.
(b) الأصل: حدثني، والمثبت من ب ومعجم الطبراني الصغير.
_________
(1)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
(2)
المعجم الصغير للطبراني 115 (رقم 353)، وانظر أيضًا الكامل لابن عدي 3: 1310، ومجمع الزوائد 5:169.
(3)
المعجم الصغير 115.
بن الخلَيِل، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسمِ عليّ بن مُحَمَّد السُّلَمِيّ (a)، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه الدُّوْرِىّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عُمَر مُحَمَّدُ بن مُوسَى بن فَضَالَة، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد بن قِيْرَاط، أبو عليّ العُذْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بنُ صاِلح المِصْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا ابن وَهْب، قال: أخْبَرَنا ابن لَهِيْعَة، وسَعِيْد بن أبي أَيُّوبَ، واللَّيْث بن سَعْد، عن عُقَيْلٍ، عن ابن شِهَابٍ، عن عُرْوَة، عن عائِشَةَ أنَّها قالت
(1)
: كان رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أرادَ النَّوْم، جَمَع يدَيهِ (b) فنَفَثْ فيهما بـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}
(2)
، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}
(3)
، ثمّ يَمْسح بهما رأسَه وجَسَدَه. قال عُقَيْل: ورأيتُ ابن شِهَابٍ يَصْنَعُ ذلك.
أنْبَأنَا زَيْنُ الأُمَناء أبو البَرَكَات بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو القَاسمِ عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(4)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن مُحَمَّد بن عُبَيْدِ اللَّه بن قِيْرَاط، أبو عليّ العُذْرِيّ. حَدَّثَ عن سُليْمان بن عبد الرَّحْمن، وأحمد بن صالح، وهارُون بن سَعيد الأيْلِيّ، وحَرْمَلَه بن يَحْيَى، وهِشَام بن عَمَّار، وإبْراهيم بن العَلَاء، وعَبد الوَهَّاب بن الضَّحَّاك، وعبد اللَّه بن عَبْد الجَبَّار الخَبَائِرِيّ (c)، ومُحَمَّد بن مُصَفَّى، وصَفْوَان بن صالح، وعِمْران بن خَالِد بن أبي جَمِيل، وسُليْمان بن سَلَمَة الخَبَائِرِىّ، وأبي عَامِر مُوسَى بن عَامر، وإبْراهيم بن المُنْذِر الحِزَامِيّ، والحَسَن بن شَاكِر، وكَثِيْر بن عُبَيْد الحَذَّاء، ومُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن أبي شَيْبَة، وأبي الأخْيَل خَالِد بن عَمْرو الحْمِصِيّ،
(a) سقط سند السلمي من ب.
(b) ب: بدنه.
(c) ساقطة من ب.
_________
(1)
مسند عبد بن حميد (المنتخب) 431 - 433 (رقم 1484)، سنن أبي داود 5: 303، الجامع الكبير للترمذى 5: 407 - 408 (رقم 3402)، صحيح ابن حبان 12: 352 - 353 (رقم 5543)، وانظر: المسند الجامع 20: 215 (رقم 17057).
(2)
سورة الفلق، الآية 1.
(3)
سورة الناس، الآية 1.
(4)
سقطت ترجمة ابن قيراط من نشرة تاريخ ابن عساكر، وأدرجها المحقق في المستدرك نقلا عن ابن العديم 71: 313 - 316.
ويَزِيْد بن مُحَمَّد الرُّهَاوِيّ، وعبد اللَّه بن أحْمَد بن بَشِير بن ذَكْوَان.
رَوَى عنهُ أبو الحَسَن بن جَوْصَا، وخَيْثَمَة بن سُلَيمان، وأبو القَاسِم بن أبي العَقَب، وهارُون بن مُحَمَّد بن هارُون، وأبو عُمَر بن فَضَالَة، ومُحَمَّد بن هَارُون بن شُعَيْب، وإبْراهيم بن مُحَمَّد صالح سِنَان، وسُليْمان الطَّبَرَانِيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن الحُسَين بن عُمَر بن حَفْص بن مَزَارِيْب القُرَشِيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن إبْراهيم بن سَهْل بن حَيَّةَ، وعبد اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن النَّاصِح الفَقِيه، وعَبْد الرَّحمن بن جَيْش الفَرْغَانيّ، وعُبَيْد اللَّه بن عبد الصَّمَد بن المُهْتَدي باللَّه، وأبو عَوَانَة الإسْفَرَاينِيّ.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد القَاضِي، قال: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد عَبْدُ الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، عن عَبْد العَزِيْز التَّمِيْمِيّ، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن مُحَمَّد بن الغَمْر، قال: أخْبَرَنا أبو سُليْمان بن زَبْر
(1)
، قال: سَنَةَ سَبْعٍ وتِسْعِين ومَائتَيْن، فيها مات إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد بن قِيْرَاط العُذْرِيُّ.
إسْمَاعِيْلُ بن مُحَمَّد بن عليّ بن حُمَيْد بن مِكْنسَة القُرَشِيّ، أبو الطَّاهِر الإسْكَنْدَرَانِيّ الشَّاعر، ويُعْرَفُ بالقَائِد
(2)
شَاعِرٌ مُجِيْدٌ مَشْهُورٌ، وفَاضِلٌ بَليْغٌ مَذْكُورٌ، رَوَى عنهُ شَيئًا من شِعْره عليّ بن مُنْجِب بن سُلَيمان المَعْرُوف بابنِ الصَّيْرَفِيّ، وعَطَايَا بن الحَسَن القُرَشِيّ، ودَخَلَ حَلَب، وسَمِعَ بها إنْشَاد أبي الحَسَن عليّ بن مُقَلَّد بن مُنْقِذ.
(1)
تاريخ مولد العلماء 260.
(2)
توفي في حدود سنة 500 هـ، ترجمته في: خريدة القصر (قسم مصر) 15: 203 - 215، أبو الصلت: الرسالة المصرية (ضمن نوادر الخطوطات) 1: 43 - 52، معجم الأدباء 2: 636 (في ترجمة ابن مماتي)، فوات الوفيات 1: 194 - 195، الوافي بالوفيات 9: 213 - 215، الزركشي: عقود الجمان ورقة 74 أ - 74 ب.
قَرَأتُ في رِسَالَةِ أبي الصَّلْت أُمَيَّة بن عَبْد العَزِيْز في صِفَة مِصْر ومَنْ بها من الفُضَلَاء
(1)
، قال: ومن شُعَرائها المَشْهُورين أبو الطَّاهِر إسْمَاعيْل (a) بن مُحَمَّد المَعْرُوف بابنِ مِكْنسَة، وهو شَاعِرٌ كَثِيْرُ التَّصَرُّف، قليلُ التَّكَلُّف، مُفْتَنٌ في نَوْعَي (b) جدّ القَرِيْض وهَزْلهِ، وضَاربٌ بسَهْم دَقِيْقه (c) وجَزْلهِ، وكان في رَيْعَان شَبِيْبته، وعُنْفُوَان حَدَاثَتهِ، يتعَشَّق (d) غُلامًا من أبْناءَ العَسْكَريَّةِ المِصْرِيِّيْن يُدْعى عِزّ الدَّوْلَةِ بن فَائِق (e)، وهو الآن بمِصْر من رجال دَوْلَتها المَعْدُودين، وأكَابِرها المُقَدَّمِين، ولم يزلْ مُقِيْمًا على عِشْقِه له، وغَرَامِه بهِ إلى أنْ مَحَا مَحَاسِنَهُ الشَّعرُ، وغيَّرَ مَعَالِمَهُ الدَّهْرُ، ولم يَزَل عِزُّ الدَّوْلَة هذا مُتَعَهِّدًا له، مُحْسِنًا إليه، مُشْتَملًا عليه، إلى أنْ فرَّق المَوْت (f) بينهما.
وكان في أيَّام أمير الجُيُوش بَدْر الجَمَالِيّ مُنْقَطِعًا إلى عاملٍ من النَّصارَى يُعْرَفُ بأبي مَلِيْح بن مَمَّاتِيّ، وأكْثرُ أشْعَاره فيه، فلمَّا انْتَقل الأمرُ إلى الأفْضَل تعرَّض لامْتداحهِ واسْتماحهِ، فلَم يَقْبَلْهُ ولم يُقْبِل عليه، وكان سَبَبُ حرمانه ما سَبَق من مَدَائِحه لأَبي مَلِيْح ومَرَاثِيه (g)، ولا سِيَّما قَوْلهُ
(2)
: [من مجزوء الكامل]
طُوِيَتْ سَمَاءُ المَكْرُما
…
تِ وكُوِّرَتْ شَمْسُ المَدِيْح
وتَنَاثرتْ شُهْبُ العُلَا
…
لمَّا ثَوَيْتَ أبا مَلِيْحِ
من أبياتٍ منها:
ماذا أُرَجِّي في حَيَاتِـ
…
ــي بعدَ مَوْت أبي المَلِيْحِ
(a) الرسالة المصرية: أبو الطاهر بن إسماعيل.
(b) الرسالة المصرية: وشي، وفي أصوله: وعي.
(c) الرسالة المصرية: بسهم في رقيقه.
(d) الرسالة المصرية: يعشق.
(e) الرسالة المصرية: عزّ الدولة فائق، وسماه في تاليه: معز الدولة.
(f) الرسالة المصرية: الدهر.
(g) الرسالة المصرية: ومراثيه ميتًا.
_________
(1)
الرسالة المصرية (ضمن نوادر المخطوطات) 1: 43 - 44.
(2)
الذي ورد في الرسالة المصرية البيت الأول والأخير وبيت ثالث غيرهما، والأبيات -سوى الثاني- في الخريدة 15: 203، 205، وسوى الثالث في المواعظ والاعتبار للمقريزي 3:531.
كَفَرَ النَّصارَى بعدَمَا
…
غَدَرُوا (a) به دِيْنَ المَسِيْح
فكَفَاهُ (b) عِزُّ الدَّولَةِ بن فَائِق، وقَام بحالهِ إلى أنْ مات.
قَرأتُ بخَطِّ صَدِيْقنا عُمَر ابن الرَّبِيْب أبي المَعَالِي أَسْعَد بن عَمَّار المَوْصِلِيّ في مَجْمُوع وذَكَرَ أنَّهُ نقَلَ هذا الخَبَر من مَجْمُوع بالدِّيَار المِصْرِيَّة: لمَّا تُوفِّي ابن مَمَّاتِيّ عَامِل دِيْوَان النَّظَر الخاصّ يَوْمئذٍ فرَثَاهُ ابن مِكْنسَة، شَاعِر الدَّوْلَة المِصْرِيَّة، والوِزَارَة الأفْضَلِيَّة بقَصِيدَةٍ من جُمْلَتها:[من مجزوء الكامل]
طُوِيَتْ سَمَاءُ المكرُما
…
تِ وكُوِّرت شَمْسُ المَدِيْح
يا نَفْس ماذا تَصْنَعِيـ
…
ــنَ وقد فقَدْت أبا مَلِيْح
وكان مُتَواتر الصِّلَةِ إليه، فاتَّصَل ذِكْرُ هذه الأبْيَات بالأفْضَل ابن (a) أمير الجُيُوش، وَزِير الآمر، فعَظُم عليه، وقال: تَقُول كَذَا وكذا، وكَرَّر القَوْل مِرَارًا، وقال: إذا كان قَوْلك هذا في نَصْرَانيّ خِنْزِيْر فما الّذي أبْقَيْتَ لنا؟ تقُول:
طُوِيَتْ سَمَاءُ المكرُماتِ
وما بقي بعدَهُ كَرِيمِ، ثمّ أمرَ بإبْعادِهِ من مِصْر وقطَع جَارِيَهُ وجرايَتُه ورَسْمَهُ، وقال: إنْ سَمِعْتُ بخَبَره ضَربْتُ رقَبَتُه، فلمَّا طال الأمْرُ عليه، وحُرمَ رِزْقهُ وعجَز عن قيام أودَهِ، عدَّى في مَرْكبٍ حتَّى أرْسَى تحت الرَّوْضَةِ، فلمَّا رآهُ الأفْضَلُ انْتَهَره وقال: ما سَمِعْتُ أنِّي متَى رأيتُكَ في الدُّنْيا ضَربْتُ عُنُقكَ؟ أحْضروا السَّيَّاف، فقال: وحقّ نِعْمتك ما أنا في الدُّنْيا، ولا أنا إلَّا في الآخرة في النَّعيم المُقِيْم، وهذه رَوْضَة الجنَّةِ، ثُمَّ أنْشَده قَصِيدَةً من جُمْلَتها:[من المنسرح]
أين مَحَلُّ النُّجُوم من هِمَمِكْ
…
وأين فَيْضُ السَّحَاب من كَرَمِكْ
(a) الخريدة: عقدوا.
(b) الرسالة المصرية: وكفله.
(c) من ب، ومقحمة في الأصل، وهو الأمير الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي.
وبالمَعَالِي الّتي شَرُفتَ بها
…
حتَّى كأنَّ النُّجُومَ من خَدَمِكْ
احتَكَمتْ فيهِ كُلّ نَائِبَةٍ
…
حُكْم المدَادِ الّذي على قَلَمِكْ
فعَفَا عنه، وأجْرَى عليه راتبَهُ، وأجرى على الإنْشَاد بالحَفْرة الأفْضَليَّة، وقيل إنَّهُ أنْشَدَهُ القَصِيدَة الّتي فيها
(1)
: [من الكامل]
لا تغرُرنكَ (a) وَجْنَةٌ مُحمرَّةٌ
…
رَقَّتْ ففي اليَاقُوت طَبْعُ الجَلْمَدِ
وقيل إنَّهُ كَتَب إليه: [من البسيط]
هل أنْتَ مُنْقِذ شلوِي من يدي زمَن
…
أضْحَى يَقُدّ قَمِيْصي قدّ مُنْتَهسِ
دعوتُك الدَّعْوَةَ الأُوْلَى وبي رمقٌ
…
وهذه دَعْوتِي والدَّهْر مُفْترسي
فأحْضَرهُ وعَفا عنه، وسألَهُ عن قيام أودَهِ في هذه المُدَّة، فأخْبَره أنَّهُ باع حتَّى الثَّوب الّذي عليه، إلى أنْ سَبَّب اللَّه له باجْتِمَاعه بإنْسَان فأعْلَمه بعِلَّته، فاشْتَراهُ، فاسْتَعْلَمَها (b) الشَّيْخ الأجَلّ منه، فقال له الأفْضَل: ما سَألتَه عن حاله في أيَّام عُسْرته، دتَسْأله عن شيءٍ أغْناهُ اللَّه بهِ عنَّا! واسْتَكْتَمه، وقال له: أمْسِك، ثمّ قال: أنْشدنا ممَّا رَقَّقْتَ وزَيَّنْت لفظَهُ ولفَّقْتَ، فقال ارْتِجَالًا:[من المتقارب]
لمَّا رأيتُكَ فَوْق السَّريْر
…
ولاحَ لي السِّترُ والمَسْنَدُ
فقال: ما أتيْت بشيءٍ، فما انقَطع، وقال (c):
رأيتُ سُليْمانَ في مُلكِهِ
…
يُخَاطبُنِي وأنا الهُدْهُدُ
قُلتُ: والبَيْتان اللَّذان على قافية السِّيْن هُما لبعض الشُّعَراء المُتَقدِّمين، وليسَا له، بل تمثَّل بهما.
(a) الخريدة فوات الوفيات والوافي: تخدعنك.
(b) ب: فاستعملها.
(c) لم ترد هذه العبارة المعترضة بين الشعر في ب.
_________
(1)
في الخريدة 15: 204 وفوات الوفيات 1: 194 والوافي بالوفيات 9: 214 وعقود الجمان للزركشي 74 ب.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن عليُّ بن المُفَضَّل بن عليّ المَقْدِسِيّ، قال: حَكَى لي الشَّيْخُ الفَقِيهُ أبو عليّ مَنْصُور بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد الأنْصَاريّ، قال: حَدَّثَني الشَّيْخُ الفَقِيهُ أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن قَيْصَر الأزْدِيّ، قال: حَضَر ابنُ مِكْنسَة الشَّاعِر وولد ابن مُنْقِذ الشَّاعر بين يَدَي الأفْضَل شَاهَنْشَاه بن بَدْر أمير الجُيُوش، وقد رأيتُ أنا (a) ابن مِكْنسَة هذا، فقال له الأفْضَل: يا أبا الطَّاهِر، والدُ هذا يَزْعُمُ أنَّك كَذَّابٌ، فقال: يا مَوْلَانا، ما الّذي أطَّلَعَ من كَذبي؟ قال: قَوْلُكَ
(1)
: [من الطويل]
أقُول ومَجْرى النّيْل بيني وبينَكُمْ
…
ونَار الأسىَ مَسْعُورةٌ (b) بضُلوعِي
تُرَاكُم عَلِمْتُم أنَّني لو بَكَيتكُمْ
…
على النِّيل لاسْتَغرقْتُهُ (c) بدُمُوعي
فقال له: أنا أعْرف لوالد هذا أشَدّ من هذا، وقد خَرَجنا من حَلَب نَقْصدُ إلى شَيْزَر، فأنْشَدَني لنَفْسِه:[من البسيط]
أحْبَابَنَا لو لَقِيتُم في إقامَتِكُمْ
…
منَ الصَّبَابَةِ ما لاقَيْتُ في ظَعني
لأصْبَح البَحْرُ من أنْفَاسِكم يَبَسًا
…
والبرُّ من أَدْمعُيِ ينشَقُّ بالسُّفُنِ
فالتفتَ الأفْضَل إلى ولد ابن مُنْقِذ فقال: ما تقول؟ فقال: هُما أهل صِنَاعَة واحدة، فلا أدْخُل بينهما.
قُلتُ: وهذان البَيْتان لأبي الحَسَن عليّ بن مُقَلَّد بن مُنْقِذ.
أنْشَدَنا رَشيْد الدِّين أبو الحُسَين يَحْيَى بن عليّ بن عَبْدِ اللَّه القُرَشِيّ من لَفْظه بالقَاهِرَة، قال: أَنْشَدَنا الحافِظُ أبو الحَسَن عليّ بن المُفَضَّل المَقْدِسيِّ، وقد أجازَ لنا أبو الحَسَن في كتابهِ، قال: أنْشَدَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن عبْدِ الرَّحْمن العُثْمانيّ، قال: أنْشَدَنا عَطَايَا بن الحَسَن القُرَشِيّ (d)، قال: أنْشَدَنا أبو الطَّاهِر إسْمَاعِيْل بن
(a) كتب ابن العديم في الهامش: "القائل: وقد رأت ابن مكنسة، هو أبو الحسن بن قيصر".
(b) الخريدة: مشبوبة.
(c) ب: لاستغرفته.
(d) ب: عطاء بن الحسن الفرشي!.
_________
(1)
الخريدة 15: 308.
مِكْنسَة لنَفْسِه: [من البسيط]
لئن تأخَّرْتُ عن مَفْرُوضِ خِدْمَتِهِ
…
تَحَشُّمًا فضَمِيْري غيرُ متَّهَمِ
سَعَى إليه ابْتهالي بالدُّعَاءِ لَهُ
…
والسَّعْيُ بالقَلْب فَوْقَ السَّعي بالقَدَمِ
نَقَلْتُ من خَطِّ عليّ بن مُنْجِب بن سُلَيمان المَعْرُوف بابنِ الصَّيْرَفِيّ، قال: أنْشَدني ابنُ مِكْنسَة في الخَمْر من أبْياتٍ: [من البسيط]
أيَّامَ عُودُكَ مطلُولٌ بوابِلِها
…
والدَّهْرُ في غَفْلَةٍ من مَسّهَا خَبلُ
تَنْزُو إذا قَرَعَتْها كَفُّ مَازِجِها
…
كأنَّما نارُها بالماءِ تَشْتَعِلُ
وقَوْله في وَصْف كأسٍ: [من مجزوء الكامل]
وخَضِيْبَةٍ بالرَّاح يَجْـ
…
ــلُوها عليكَ خَضِيْبُ رَاحِ
ما زَالَ يَقْدَحُ نَارَها
…
في الكأسِ بالماء القراحِ
ونَقَلْتُ من خَطِّه: وحَدَّثَني ابن مِكْنسَة، قال: حَضَرتُ جنَازَة ابن الطَّائيّ المُقْرِئ فرأيتُ من إعْظَامِ النَّاسِ له وهو مَحْمُول على نَعْشِه ما لم يكُن له منهم في حَيَاته، فقُلْتُ بَدِيْهًا:[من الطويل]
أرَى وَلَدَ الطَّائِيّ أصْبَحَ يَوْمَهُ
…
تُعَظِّمُهُ الأقْوَامُ أكْثَر من أَمْسِ
وقد كَرَّوه في المَمَاتِ تُرَاهُمُ
…
يَظُنُّونَ أنَّ الجِسْم أزْكَى من النَّفْسِ
وممَّا وَقَعَ إليَّ من مُسْتَحْسَن شِعْر ابن مِكْنسَة، وأُنْشدتُهُ له، قَوْلهُ، واخْتارها أبو الصَّلْت
(1)
: [من الكامل]
رَقَّتْ (a) مَعَاقِدُ خصْره فكأنَّها
…
مُشْتَمَّةٌ من عَهْده (b) وتجَلُّدِي
(a) الرسالة المصرية: دقت.
(b) الخريدة: تيهه، الوافي: عقده.
_________
(1)
الرسالة المصرية 1: 46 - 47، وانظر الأبيات في خريدة القصر 15: 204، فوات الوفيات 1: 194 - 195 والوافي بالوفيات 9: 214، وعقود الجمان للزركشي 74 ب.
وتجعَّدَتْ أصْدَاغُه فكأنَّها
…
مَسْرُوقَهٌ من خُلْقِه المُتَجَعِّدِ
ما بَالُهُ يَجْفُو وقد زَعَمَ الوَرَى
…
أنَّ النَّدَى يَخْتَصُّ بالوَجْهِ النَّدِي
لا تَخْدعنَّكَ وَجْنَةٌ مُحْمَّرةُ
…
رَقَّتْ ففي اليَاقُوت طَبْعُ الجَلْمَدِ
إسْمَاعِيْلُ بن مُحَمَّد في قَبِيْصَة النَّيْسَابُوريّ
(1)
حدَّثَ بطَرَسُوسَ عن حَامِد بن مَحْمُود النَّيْسَابُوريّ. رَوَى عنهُ أبو الفَرَج أحْمَد بن القَاسِم البَغْدَاديُّ.
إسماعيل بن مُحَمَّد بن مُرْشِد بن سَالِم بن عَبْدِ الجَبَّار بن مُحَمَّد ابن المُهَذَّب، أبو الفَتْح المَعَرِّيّ
رَجُلٌ حَسَنٌ، خَيِّرٌ، من أرْبَاب البُيُوت بمَعَرَّةِ النُّعْمَان، حَدَّثَنا بجُزءَ إبْراهيم بن هُدْبَة عن عَمِّهِ أبي المُعَافَى سَالِم بن مُرْشِد بن سَالِم بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ.
أخْبَرَنا أبو الفَتْح إسْمَاعِيْلُ بن مُحَمَّد بن مُرْشِد بن سَالِم قِرِاءَةً عليهِ بمَعَرَّة النُّعْمَان، قال: أخْبرَنا عَمِّي سَالَم بن مُرْشِد بن سَالَم بن عَبْد الجَبَّار بن مُحَمَّد بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ بها، قال: حَدَّثَنَا أبو المجد عَبْد الوَاحِد بن المُهَذَّب بن المُفَضَّل بن مُحَمَّد بن المُهَذَّب، قال: حَدَّثَنَا والدي الشَّيْخ أبو الحَسَن المُهَذَّب بن المُفَضَّل، قال: حَدَّثَنا جَدِّي الشَّيْخ أبو صالح مُحَمَّد بن المُهَذَّب بن عليّ، ح.
وأخْبَرَنا بهِ عاليًا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ بن أبي بَكْر القُرْطُبِيّ، وأبو إسْحاق إبْراهيمُ بن شَاكِر بن عَبْدِ اللَّه بن سُليْمان المَعَرِّيّ التَّنُوخِيّ الدِّمَشقيَّان، قالا: أخْبَرَنا أبو اليُسْر شَاكِر بن عَبْد اللَّه بن سُلَيمان، وأبو المُظَفَّر أُسامَةُ بن
(1)
من أهل القرن الثالث الهجري، ذكره المزي فيمن أخذ عن قطن بن إبراهيم القشيري (ت 361 هـ)، وكناه: أبا محمد. انظر تهذيب الكمل 23: 611.
مُرْشِد بن عليّ بن مُقَلَّد بن مُنْقِذ، ح.
وأخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الكَافِي بن عليّ بن مُوسَى الرَّبَعيِّ، وأبو القَاسِم هِبَة اللَّه بن صَدَقَة الكَوْلَمِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر أسامَة، ح.
وأخْبَرَنا أبو العبَّاسِ أحْمَدُ بن المُفَرِّج بن عليّ بن مَسْلَمَة الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو اليُسْر، قال: أخْبَرَنا جَدِّي القَاضِي أبو المَجْد مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن سُلَيمان، ح.
وقال أُسامَة: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليّ بن سَالِم السِّنْبِسِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو صالح مُحَمَّد بن المُهَذَّب، قال: حَدَّثَنا جَدِّي أبو الحَسَن عليّ بن المُهَذَّب، قال: حَدَّثَنا جَدِّي أبو حامِد مُحَمَّد بن هَمَّام، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن سُلَيم القُرَشِيّ، قال: حَدَّثَنا إبْراهيمُ بن هُدْبَة، عن أنَسِ بن مالِك
(1)
، قال: قال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذا مَرَرْتُ بأقْوَامٍ قد (a) نَزغ الشَّيْطانُ بينهم فأمُر بإصْلَاح، يُصْلحُ اللَّه لك دِيْنك، ويَكتبُ أثَرَكَ في الصَّالِحين.
إسْمَاعِيْلُ بن مُحَمَّد بن يُوسُف المَغْرِبيّ، المَعْرُوف بالبُرْهَان
(2)
سَمِعَ شَيْخنا عُمَر بن طَبَرْزَد وحَدَّثَ عنهُ، وسَمِعَ معنا بالبَيْت المُقَدَّس على شَيْخنا حسن بن أحْمَد الأَوَقِيّ، وبالمَدِينَة على سَاكنها السَّلام على الجَمَال عَبْد
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
لم أقف على تخريجه، وإبراهيم بن هدبة الفارسي متهم بالكذب، ويروي أحادث بواطيل، انظر: الكنى للدولابي 3: 1135.
(2)
توفي سنة 656 هـ، وترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة لحسيني 1: 368، اليونيني: ذيل مرآة الزمان 1: 123، تاريخ الإسلام 14: 800، وزاد في ألقابه: الأُبَّذيّ، نسبة إلى بلدة بالأندلس، الصفدي: الوافي بالوفيات 9: 211 - 212 وفيه أيضًا الأبذي، المقري: نفح الطيب 2: 15 - 16.
المُنْعِم [. . .](a) الوَاسِطِيّ، وحَجَّ معنا في سَنَة ثَلاثٍ وعشرين وسِتمائة، وسَمِعَ معنا من جَمَاعَة من الشُّيُوخ، وقَدِمَ علينا حَلَب مِرَارًا مُتَعدِّدةً، وكان لي بهِ اخْتلاطٌ وصُحْبَةٌ، وعنده دِيْن وافرٌ وحُسن صُحْبَة، وكَرَم أخْلَاق، وحُسْن قَنَاعَةٍ.
ورُتِّب بالبَيْت المُقَدَّس إمَامًا بِالصَّخْرَة [الشَّريْفَة](b)، إلى أنْ سُلِّم البَيْت المُقَدَّس إلى الفِرِنْج سَنَة اثْنَتَيْن وأرْبعين وسِّتمائة، فلمَّا اسْتَعاد المُسْلمون البَيْت المُقَدَّس رُتِّب في إمامة الصَّخْرَة غيره، فلم يُثَابر على ذلك، وأقام بالبَيْت المُقَدّس مُجَاوِرًا لم يَخْرج منه. واجْتَمَعْتُ به فيه في سَنَة اثْنَتَيْن وأرْبَعين في ذِي الحَّجِة، فأنْشَدَني لنَفْسِه بَيْتَيْن قالَهما، وذَكَرَ لي أنَّهُ كتَبَهُما على حائط كَنِيْسَة صَهْيُون بالقُدْس بعدما خَربَت:[من البسيط]
هى الدِّيَار فقِفْ في ربْعِها الخَالي
…
لا يُوحِشَنَّكَ فَهْوَ العَاطِلُ الحَالي
واسْتَسْقِهِ القَطْرَ والْثُمْ تُرْبةً سحَبَتْ
…
أذْيالُها في ثَراها ربَّةُ الخَالِ
قال: فلَقيني نَجْمُ الدِّين بن إِسْرَائيِل وقال لي: وجَدْتُ بيتَيْكَ اللّذين (c) كَتَبتهما وقد زدت عليهما بَيْتًا ثالثًا وهو: [من البسيط]
عَفَا ولم تعفُ من قَلْبي صَبَابَتُهُ
…
لقاطِنيها الأُلَى هُمْ أصْلُ بَلْبَالي
أخْبَرَني إسْمَاعيْل بن مُحَمَّد بالبيَت المُقَدَّس، قال: أخْبَرَني فَقِيْرُ صالحُ كان ببَيْت المَقْدِس، قال: أَخْبَرَني بعضُ الصَّالِحين المُجَاوِرين ببَيْت المقَدِس أنَّهُ لمَّا خَرب البَيْت المُقَدَّس سَمعَ هَاتِفًا يَهْتف بهذين البَيْتَيْن
(1)
: [من الخفيف]
إنْ لم يَكُن في الشَّام قَلّ نَصِيْري
…
ثُمّ خُرِّبْتُ واسْتمرَّ هُلُوكِي
(a) بياض في الأصل قدر كلمة تركه المصنف لاستكمال اسمه، والنص متصل في ب، ولم أهتد لمعرفة جمال الدين الواسطي هذا.
(b) إضافة من ب.
(c) ب: بيتاك اللذان!.
_________
(1)
البيتان في ذيل مرآة الزمان 1: 123 والوافي بالوفيات 9: 313، ونفح الطيب 3:16.
فلقد أصْبَح (a) الغَدَاةَ خَرابي
…
سِمَة (b) العَار في جِبَاهِ المُلُوك
تُوفِّي إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد بالبَيْت المُقَدَّس لَيْلَة الخَمِيْس الثَّالث والعشرين من مُحَرَّم سَنَة ستٍّ وخَمْسِين وسِتمائة.
إسمْاعِيْلُ بن مُحَمَّد الحَلَبِيّ
رَوَى عن مُحَمَّد بن يَزِيد الدَّرَقِيّ (c) أبي عَبْد اللَّه، نَزيلُ طَرَسُوس، رَوَى عنهُ [. . .](d).
إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد المِصِّيْصيّ، أبو اليَسَع بن أبي الجَعْد
حَدَّثَ بمَكَّةَ عن يوسُفَ بن سَعيد بن مُسَلَّم المِصِّيْصيّ، وعبَّاس البَيْرُوتِيّ.
رَوَى عنهُ أحْمَدُ بن إبْراهيم بن أحْمَد المَكِّيُّ، وأبو يَعْقُوب يُوسُف بن أحْمَد الصَّيْدَنَانِيّ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ اللَّه بن الحُسَين بن رَوَاحَة الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المُبارَكُ بن عَبْدِ الجَبَّار الصَّيْرَفِيّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن العَتِيْقِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن
(a) الوافي ونفح الطيب: أثبت.
(b) الوافي ونفح الطيب: سمر.
(c) في الأصل بالذال: الذرقي، والمثبت من ب، وتقدم التعليق عليه.
(d) بياض في الأصل وب قدر سبع كلمات، ولم نقف على من رَوَى عنه.
_________
(1)
الطيوريات 1: 54 - 55، وانظر: مسند أبي يعلى الموصلي 3: 15 (رقم 1434)، تاريخ ابن عساكر 73: 150، كشف الأستار عن زوائد البزاز للهيثمي 1: 481 (رقم 1031)، مجمع الزوائد 3: 171 - 172.
إبْراهيم بن أحْمَد المَكِّيّ في المَسْجِد الحَرَام، قال: حَدَّثَنَا أبو اليَسَع إسْمَاعِيْلُ بن مُحَمَّد المِصِّيْصيُّ بمَكَّة، قال: حَدَّثَنَا يوسُفُ بن سَعيد بن مُسَلَّمِ، قال: حَدَّثَنَا دَاوُد ابن أُخْت مَخْلَد، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَارِث بن سَعيد، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن زَيْد بن جُدْعان، عن أنَسِ بن مالِكٍ، قال: مطرَتِ السَّماءُ بَرَدًا، فقال لي أبو طَلْحَةَ: ناولني من ذلكَ البَرَدِ، فناولتُه، فجعَلَ يَأكُلُ منه وهو صَائمٌ في رَمَضَانَ. قال: فقُلتُ لَهُ: ألسْتَ صَائمًا (a)؟ قال: بلى، إنَّ هذا ليس بطَعَامٍ ولا شَرَابٍ، وإنَّه بَرَد من السَّماء يُطَهَّر (b) به قُلُوبنا. قال أنَس: فرأيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكَرْتُ ذلك له، فقال: خُذْ عن عَمِّك.
أخْبَرَنا عَبْد اللَّه بن الحُسَين، فال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا المُبارَك بن عَبْد الجَبَّار
(1)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد العَتِيْقيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو يَعْقُوب يُوسُف بن أحْمَد الصَّيْدَنَانِيّ (c) بمَكَّة، قال: حدَّثنا أبو اليَسَع إسْماعيل بن أبى الجَعْد المِصِّيْصيّ، قال: حَدَّثَنَا يوسُف بن سَعيد بن مُسَلَّم، قال: سَمِعْتُ عليّ بن بَكَّار يقُول: سَمِعْتُ إبْراهيم بن أدْهَم يقُول: [من مجزوء الخفيف]
اتَّخِذ اللَّه صَاحبًا
…
وذَرِ النَّاسَ جانبَا
(a) في الأصل وأصل كتاب الصيرفي: صائم، وفوقها في الأصل "صـ".
(b) الطيوريات ومسند أبي يعلى وابن عساكر: نطهر، الهيثمي في مجمع الزوائد: تطهر.
(c) الطيوريات: الصيدلاني، وفي أصوله ما يوافق المثبت.
_________
(1)
الطيوريات 2: 625 - 626.
إسْمَاعِيْلُ بن مَحْمُود بن زَنْكيِ بن آقْ سُنْقُر، أبو الفَتْح المَلِك الصَّالِح نُور الدِّين ابن المَلِك العادِل نُور الدِّين ابن قَسيْم الدَّوْلَة الشَّهِيْد ابن قَسِيم الدَّولَة التُّرْكِيّ
(1)
مَلَكَ حَلَبَ بعدَ مَوْت أبيه في سَنَة تِسْع وسِتِّين وخَمْسِمائَة، وهو إذ ذاك صَبيٌّ لم يبْلغِ الحُلُم، وكان بدِمَشْق مع والده، فختَنه في هذه السَّنَة، وسُرَّ بختانه، وأخْرَج صَدَقَاتٍ كَثِيْرةً وكُسُوَاتٍ للأيْتَام، وخَتَن منهم جَمَاعَةً، وزيَّن البَلَدَ، وأظْهر سُرورًا كَثِيْرًا، وتُوفِّيَ بعد ختانِهِ بأيَّام في يَوْم الأرْبَعَاء حَادِي عَشَر شَوَّال، فحلفَ أهْلُ دِمَشْقَ لولدِه المَلِك الصَّالحِ.
ووَصَل كتابٌ على جَنَاح طائر إلى حَلَب إلى شَاذْبَخْت الخَادِم، وَالي قَلْعَة حَلَب، بوفَاة نُور الدِّين مَحمُود، فأمر في الحال بضَرْب الكُوسَات والدَّبَادِب والبُوْقَاتِ، وكَتَم مَوْتَهُ، وأحْضر المُقَدَّمِين والأعْيَان والفُقَهَاء والأُمَرَاء، وقال: هذا كتابُ الطَّائِر قد وَصَل يَذْكُر فيهِ أنَّ مَوْلَانا المَلِك العادِل قد خَتَن ولده، ووَلَّاهُ العَهْد بَعْدَه، ومَشَى بينَ يَدَيْهِ، فسرُّوا بذلك، وحَمدُوا اللَّه سُبْحَانه عليه، ثمّ قال لهم: تحلفُونَ لوَلده المَلِك الصَّالحِ كما أمر بأنَّ حَلَب له، وأنَّ طاعتَكم له وخِدْمتَكَمُ كما كانت لأبيهِ، فاسْتَحلَفَ النَّاسَ على ذلك على اخْتِلَاف طَبَقَاتهم ومَنَازِلهم في
(1)
توفي سنة 577 هـ، وترجمته في: سنا البرق الشامي للبنداري 185 - 187، الأيوبي: مضمار الحقائق 59 - 61، ابن الأثير: التاريخ الباهر 162 - 163، 181 - 183، الكامل 11: 472 - 474، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 21: 278 - 280، زبدة الحلب 2: 510 - 538، ابن شدَّاد: النوادر السلطانية 99، ابن واصل: مفرج الكروب 2: 1 - 4، 106 - 107، تاريخ الإسلام 12: 596 - 598، العبر في خبر مَن غبر 3: 73، النويري: نهاية الأرب 27: 168 - 172، تاريخ ابن الوردي 2: 134، 138، ابن كثير: البداية والنهاية 12: 308 - 309، الوافي بالوفيات 9: 221 - 223، العيني: عقد الجمان 1: 174 - 178، اليافعي: مرآة الجنان 3: 309، المقريزي: السلوك 1/ 1: 55، 58 - 59، النجوم الزاهرة 6: 89 - 90، شذرات الذهب 6: 425، الطباخ: إعلام النبلاء 2: 75 - 100.
ذلك اليَوْم، ولم يترُك أحدًا منهم يَزُولُ من مكانهِ، ثمّ قام شَاذْبَخْت إلى مَجْلِسٍ آخر، ولبسِ الحدَادَ، وخرَج إليهم وقال: يُحْسِنُ اللَّه عزاءَكُم في المَلِكِ العادِلِ، فإنَّ اللَّه سُبْحَانهُ نقلَهُ إلى جنَّاتِ النَّعِيم، فأظْهروا الحُزْنَ والكآبة والأسَف والبُكَاء، واسْتَقرَّ المُلْكُ للمَلِك الصَّالحِ.
وتوجَّه المُؤيَّدُ بن العَمِيْد، وعُثْمان زَرْدَك (a)، وهُمَام الدِّين إلى حَلَب يَوْم الثّلاثَاء الرَّابِع والعشرين من شَوَّال لإثْبَاتِ ما في خَزَائن حَلَب وخَتْمها بخَاتم (b) المَلِك الصَّالحِ رحمه الله.
وكان شَمْسُ الدِّين عليّ بن مُحَمَّد ابن دَايَة نُور الدَّين بقَلْعَة حَلَب مع شَاذْبَخْت، وكان قد حدَّث نَفْسَهُ بأُمُور، واخْتَلفَت كلمةُ الأمَرَاء، وتجهَّز المَلِكُ النَّاصِر صَلاح الدِّين من مِصْر للخُرُوج إلى الشَّام، وطلبَ أنْ يكُون هو الّذي يتولَّى أمْر المَلِك الصَّالحِ وتَدْبِير مُلْكه وتَرْتيبه، ووقَعَت الفِتْنَة بين السُّنَّة والشِّيْعَة بحَلَب، ونَهَب الشِّيْعَة دار قُطْب الدِّين ابن العَجَمِيّ، ودار بَهَاء الدِّينِ أباِ يَعْلَى ابن أمِيْن الدَّولَة، ونَزَلَ أجْنَادُ القَلْعَة من القَلعَة، وأمَرَهم ابن الدَّايَة أنْ يَزْحَفوا إلى دار أبي (c) الفَضْل بن الخَشَّاب، فزحفوا إليها ونهَبُوها، فاخْتَفى ابن الخَشَّاب.
واقْتَضى الحال أنَّ الاتِّفَاقَ وقعَ على وُصُول المَلِك الصَّالحِ من دِمَشْق إلى حَلَب، فسَار فوصَل ظاهر حَلَب في اليَوْم الثَّاني من المُحَرَّم سَنَة سبْعِين وخَمْسِمائَة ومعه سَابِقُ الدَّين عُثْمان ابن الدَّايَة، فخرج بَدْر الدِّين حَسَن للقائهِ، فقبضَ على سابِق الدِّين، وصَعدَ المَلِك الصَّالح إلى القَلْعَة، وظَهَرَ القَاضِي أبو الفَضْل بن الخشَّاب، ورَكب في جَمعٍ عَظِيمِ إلى القَلْعَة، وصَعدَ إليها والحَلَبِيُّون من أتْباعه تحت القَلْعَة (d)، فقُتِل في القَلْعَة وتفرَّق مَنْ كان تحت القَلْعَة منهم،
(a) ب: عثمان بن زردك. والمثبت موافق لما في زبدة الحلب 3: 511 والتاريخ المنصوري لابن نظيف الحموي 250.
(b) ب: بختم.
(c) ساقطة من ب.
(d) ب: قلعة حلب.
وقُبض على شَمْس الدِّين عليّ، وبَدْر الدِّين حَسَن ابْنَي الدَّايَة، وأُوْدعا السِّجْن مع أخيهم سَابِق الدِّين.
ووصَل المَلِكُ النَّاصِر من مِصْر إلى دِمَشْق، فدخَلها سَلْخَ شهرِ رَبِيع الآخر، وسار إلى حِمْص وفَتَحها في جُمَادَى الأُوْلَى، وسار إلى حَلَب ونازلها يَوْم الجُمُعَة سَلْخ جُمَادَى الأُوْلَى، فنَزل المَلِك الصَّالح إلى المَدِينَة وقال لأهْلها: أنا وَلَدكم، وذكَّرهِمِ بحُقُوق والدِه واسْتَعان بهم على دَفْع المَلِك النَّاصر، فبَكَى الحَلَبِيُّون ودعَوا له، ووعدُوه من أنْفسُهم بكُلّ ما يُؤثره.
وبلغَ سَيْفَ الدِّين غَازِي بن مَوْدُود بن زَنْكِي صاحبَ المَوْصِل ما جَرَى، فسيَّر أخاه عِزّ الدِّين مَسْعُودًا إلى لقاءَ المَلِك النَّاصِر، فرَحَلَ عن حَلَب في مُسْتَهَلِّ شَهْر رَجَب وعاد إلى حَمَاة، ووصَل عِزّ الدِّين إلى حَلَب، وأخَذَ مَنْ كان بها من العَسْكَر، وخَرَج إِلى لقاء المَلِك النَّاصِر، وتَصَاف العَسْكَران عند قُرون حَمَاة في تاسِع عَشر شهر رمَضَان، فكسر عِزّ الدِّين، وسار المَلِكُ النَّاصر عَقِيب الكَسْرة ونَزَلَ على حَلَب، فصُولِح على أنْ أَخَذ المَعَرَّةَ وكَفَرْ طَاب، وأخَذَ بَارِين
(1)
.
وكان سَيْف الدِّين غَازِي مُحَاصِرًا لأَخِيهِ عِمَاد الدِّين زَنْكِي، فصَالحَه وسار حتَّى عَبَر الفُرَات، ورَاسَل المَلِك الصَّالِح، وسَعْد الدِّين كُمُشْتُكِيْن، وخرج كُمُشْتُكِيْن إليه واسْتقرَّ اجْتِمَاع المَلِك الصَّالِح بهِ، فوصَل حَلَب، وخَرَج المَلِكُ الصَّالِح إلى لقائه فالْتَقاه قريبَ القَلْعَة واعتنقَهُ وضمَّه إِليه وبَكَى، ثمّ أمره بالعَوْد إلى القَلْعَة، فعَاد، وسار سَيْفُ الدِّين ونَزَل بعَيْن المُباركَة، وعَسْكر حَلَب يَخْرُج إلى خِدْمته في كُلِّ يَوْم، وصَعدَ سَيْفُ الدِّين إلى قَلْعَة حَلَب جَرِيْدَة، ثمّ رحَل
(1)
بارين: وتسمى اليوم بَعْرين، قرية في جبل الحلو بمنطقة مصياف بمحافظة حماة، تقع بين حلب وحماة من جهة الغرب، وتشرف من ناحية الشمال على وادي المخينيق، وتبعد عن بلدة عوج نحو 9 كم، ياقوت: معجم اللدان 1: 320 - 321، المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري 1:336.
إلى تَلِّ السُّلْطان ومعه عَسْكَرُ كَثيف، وطَلَب المَلِك النَّاصِر عَسْكَر مِصْر، وسار نحوهم والْتَقَى العَسْكَران في بُكْرة الخَمِيْس العاشِر من شَوَّال سَنَة إحْدَى وسَبْعِين وخَمْسِمائَة، فانْكَسرَ سَيْف الدِّين غَازِي، وعاد إلى حَلَب فأخذ منها خزانتَهُ وسَار إلى بلاده، وسَار المَلِك النَّاصِر فتسلَّمِ مَنْبجَ، ونَزَلَ على قلْعَة عَزَاز ففَتَحها، وسَار إلى حَلَبَ فنَرَل عليها في السَّادِس عشر من ذي القَعْدَة فأقام عليها مُدَّة، وبَذَل الحَلَبِيُّون جهدَهُم في القِتَال والمُحَامَاة عن المَلِك الصَّالح.
وحَكَى لي والدي أنَّهم كانوا يُقاتلونَ عَسْكَر المَلِك النَّاصِر حتَّى يَصلوا إلى المُخَيَّم، وأنَّهم قبضُوا على جَمَاعَة، فكانوا يُشَرِّحُون أسَافل أقْدَامهم ليمنَعهم ذلك عن المَشْي، فلا يردُّهم ذلك عن القِتَال، فلمَّا لم يَنَل من حَلَب ما أرادَ صَالحَهم، وسَار عنها فأخرجوا إليه إبْنَةَ نُور الدِّين أُختَ المَلِك الصَّالح، وهي صَغِيرَة، فقال لها: ما تَشْتهين؟ فقالت: أُرِيْدُ أنْ تُعِيْد إلينا عَزَاز فوَهَبها إيَّاها، وكان التَّدْبِير بحَلَب إلى والدته، وإلى شَاذْبَخْت الخَادِم، وأمير لالا، وخَالِد بن القَيْسَرَانِيّ.
ثُمَّ إنَّ المَلِك الصَّالِح، رحمه الله، مَرض بالقُوْلَنْج في تَاسع شَهْر رَجَب من سَنَة سَبْعٍ وسَبْعِين، فأخْبَرَني قاضِي القُضَاة أبو المَحَاسِن يُوسُف بنِ رَافِع بن تَمِيْم
(1)
، قال: في ثالث وعشرين من رَجَب أُغْلِق باب القَلْعَة لشِدَّة مَرضه، واستُدْعي الأُمَرَاءُ، وأُخذ واحدٌ واحد واسْتُحلفُوا لعِزّ الدِّين مَسْعُود صَاحب المَوْصِل.
قال
(2)
: وفي خامس وعشرين منه تُوفِّي رحمه الله، وكان لمَوْته وَقْعُ عَظيم في قُلُوب النَّاس.
وكان المَلِكُ الصَّالِح، رحمه الله، قد رُبِّيَ أحْسَن تَرْبيَة، وكان دَيِّنًا، عَفِيْفًا، وَرِعًا، كَريْمًا، مَحْبُوبًا إلى قُلُوب الرَّعِيَّةِ لعَدْله وحُسْن طَريقَته ولِيْن جانبهِ لهم.
(1)
بهاء الدين ابن شداد: النوادر السلطانية 99.
(2)
النوادر السلطانية 99.
قال لي والدي رحمه الله: إنَّ اليَوْم الّذي ماتَ فيه انْقَلَبَتِ المَدِينَةُ بالبُكَاء والضَّجِيْج، ولم يُرَ إلَّا باكٍ عليه، مُصَابٍ بهِ.
قال لي: ودُفِنَ بقَلْعَة حَلَب، ولم يَزَل قَبْره بها إلى أنْ مَلَك المَلِكُ النَّاصِر حَلَب وتسَلَّم قَلْعتَها، فحوَّل قَبْره إلى الخَانكَاه الّتي أنْشَأتها والدتُه تحت القَلْعَة.
قال لي (a): ولمَّا حُوِّل، ظَهَر من النَّاسِ من البُكَاءِ والتَّأسُّف كيَوْم ماتَ. قال: ووُجِد من قَبْره عند نَبْشه شبيهٌ برَائِحَة المسْكِ، رحمه الله. وحَكَي لي ذلك أيضًا غير وَالدِي.
وكان رحمه الله على صغَر سنَّه كَثِيْرَ الاتِّباعَ للسُّنَّة، والنَّظَر في العَوَاقِب، وأخْبَرَني والِدي، قال: حَكَى العَفِيف بن سكَّرة اليَهُودِيّ الطَّبِيْب
(1)
، وكان يتولِّى مُعَالجَة المَلِك الصَّالِح في مَرضه الّذي مات فيه، وكان به قُوْلَنْجِ، قال: قلتُ له يوْمًا يا مَوْلَانا، واللَّه شفاؤُكَ في قَدَحٍ من خَمْر، وأنا أحْملُه إليك سِرًّا ولا تَعْلَمِ به والدتُكَ، ولا اللَّالَا، ولا شَاذْبَخْت، فقال لي: يا حَكِيم، كنتُ أظنُّكَ عَاقِلًا، نبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم يقول
(2)
: إنَّ (b) اللَّه لم يَجْعَل شفاءَ أُمَّتِي فيما حُرِّم عليها. وتقُول لي أنتَ هذا! وما يؤْمنُني أنْ أشرَبَهُ وأَمُوت وألْقَى اللَّه تعالَى وهو في جَوْفي، واللَّه لو جَاءني جِبْرِبل وقال لي: شفَاؤُك فيهِ لَمَا شربْتُه. وتُوفِّيَ وله نحو ثَمانية عَشر سَنَة.
سَمِعْتُ شَيْخنا مُوَفَّق الدِّين يَعِيْش بن عليّ بن يَعِيْش، قال: أخْبَرَني الأَمِيرُ
(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
في زبدة الحلب 3: 537، ونقله الذهبي في تاريخه 12: 598، وانظر ترجمة ابن سكرة اليهودي في عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة 637 - 638.
(2)
لعله يريد حديث عبد اللَّه بن مسعود: أن اللَّه تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. انظر: كتاب الآثار للإمام أبي يوسف الأنصاري 337 (رقم 1006)، المصنف لابن أبي شيبة 5: 37 (رقم 33483)، المصنف لعبد الرزاق 9: 350 (رقم 17097)، المستدرك للحاكم 4: 318، السنن الكبرى للبيهقي 10: 5، مجمع الزوائد 5:86.
حُسَام الدِّين مَحْمُود بن الخُتْلُو شِحْنَة حَلَب، قال: لمَّا عُزل مُحْيِي الدِّين ابن (a) الشَّهْرَزُورِيّ عن (b) قَضاءِ حَلَب وتَوَجَّه إلى المَوْصِل جاءَ إليَّ الفَقِيه عَالي الغَزْنَوِيّ، وكان يُدَرِّس بمَدْرَسَة الحَدَّادِين؛ إلى دَاري، وكانت تحت القَلْعَة، فقال لي: قد توجَّه مُحْيِي الدِّين ابن الشَّهْرَزُورِيّ إلى المَوْصِل وتَحْتاجُونَ (c) قَاضِيًا، فتأخُذ لي قَضَاء حَلَب، قال: فصَعدتُ إلى المَلِك الصَّالِح وقلتُ له: هذا عَالِي الغَزْنَوِيّ فَقِيْهٌ جَيِّدٌ، والمَصْلَحةُ أنْ يُوليَهُ المَوْلَى قَضَاء حَلَب، فالتَفَتَ إليَّ وقال: باللَّهِ وبحيَاتي هو سألَكَ في هذا؟ فقُلتُ لَهُ: إي واللَّهِ هو جَاءَ وسَألني في ذلك، فقال: واللَّهِ ما وَقَع في خاطِري أنْ أُوَّلي قَضَاءَ حَلَب أحدًا غيره، ولكن حيثُ سَألَ هو الوِلَايَةَ واللَّهِ لا وَلَّيتُه إيَّاهُ!.
قَرأتُ بخَطِّ أبي غَالِب عَبْد الوَاحِد بن الحُصَيْن في تَارِيْخهِ: في هذه السَّنَة -يعني سَنَة سَبعٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة- ماتَ المَلِكُ الصَّالِح إسْمَاعِيْلُ ابن نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي صاحب حَلَب، وبَلَغَني أنَّ وفاتَهُ كانت فى شَهْر رجَب عن تِسْع عَشرة سَنَة، وكاتَ وفاته بقَلْعَة حَلَب.
وقَرأتُ بخَطِّ عَبد الرَّزَّاق بن أحْمَد الأطْرَابُلُسِيّ الشَّاعر، أنَّ وَفَاة المَلِك الصَّالِح كانت في العَشْر الآخر من رَجَب من سَنَة سَبْعٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة.
إسْمَاعِيْلُ بن مَسْعَدَة التَّنُوخِيّ
(1)
خَتَنُ أبي تَوْبَة، أصْلُهُ من حَلَب، وسَكَنَ طَرَسُوس، حدَّث عن [أبي تَوْبة](d).
رَوَى عنهُ أبو دَاوُد سُليْمان بن الأشْعَث السِّجِسْتَانِيّ.
(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب.
(c) مهملة الأول في الأصل، والمثبت من ب.
(d) موضع ما بين الحاصرتين بياض في الأصل قدر سبع كلمات، ومثله في ب، وكتب ناسخها:"كذا في نسخة الأصل"، ولم نجد -في مصادر ترجمته- من أسماء مَن رَوَى عنهم سوى أبي توبة.
_________
(1)
ترجمته في: تهذيب الكمال 3: 193 - 194، تهذيب التهذيب 1: 330، تقريب التهذيب 1:73.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
إسْمَاعِيْلُ بن مَعْمَر البَصْرِيّ
حدَّثَ بطَرَسُوسَ عن مُحَمَّد بن القَاسِمِ الحَبَطِيّ. رَوَى عنهُ مُحَمَّدُ بن عَبْد اللَّه السُّلِميّ.
أنْبَأنَا الفَقِيهُ أبو الحَسَن عليّ بن المُفَضَّل بن عَبْدِ اللَّه المَقْدِسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن عبد الرَّحْمن العُثْمانيّ، قال: أخْبَرَنا أبوِ بَكْر مُحَمَّد (a) بن عُثْمان بن عَطَاء بن أبي بَكْر بن خدَادَاد النَّشَويّ (b) الصُّوْفيّ إجَازةً، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد هِبَةُ اللَّه بن أحْمَد بن عَبْد اللَّه بن عليِّ البَغْدَاديُّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي الفَقِيهُ أبو المُظَفَّر عَبْد الجَلِيْل بن عَبْد الجَبَّار المَرْوَزيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه الحُسَينُ بن إبْراهيمِ بن مَنْد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا عُمَر بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا حَفْص بن عُمَر، قال: حَدَّثَنَا سَعيد بن عَمْرو، قال: حدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّه السُّلمِيّ، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن مَعْمَر البَصْرِىّ بطَرَسُوس، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن القَاسِمِ الحَبَطِيُّ، قال: حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَمْرو، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُرَيْرَة
(1)
، قال: قال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ اكتَحَلَ بكُحلٍ فيهِ مسْكُ يَوم عَاشُوْراءَ لَم تَرْمَدْ عَيْنُه سَائر سَنَته.
هذا حَدِيثٌ مَوْضوعٌ، وفي إسْنَادِهِ غيرُ وَاحدٍ من المَجْهُولين.
(a) ب: أبو بكر بن محمد.
(b) هكذا نسبه في الأصل، وفي ب: حداد النشوي، وعند ياقوت: النُّشُوريّ، نشبةً إلى نُشُور، من قرى الدينور. معجم البلدان 5:286.
_________
(1)
لم أقف عليه بهذا الإسناد، وأخرجه ابن شيرويه الديلمي في الفردوس 3: 605 (رقم 5897) من حديث: الحسن بن علي.
إسْمَاعِيْلُ بن مَفْرُوح (a) بن عَبْد المَلِك بن إبْراهيم، أبو العَرَب، ويُعْرَفُ بابن مَعِيْشَة الكِنَانِيّ السَّبْتِيّ
(1)
من أهْل سَبْتَة، بَلْدَة بالمَغْرب، وهو من المُلَثَّمَة البَادِيسيِّيْن، أدِيبٌ فَاضِلٌ مُتكلِّمٌ، شَاعِرٌ مُجِيْدٌ، كاتبٌ بَليْغٌ، قَدِمَ حلَبَ وأقام بها مُدَّةً، ومَدَحَ بها المَلِك الظَّاهِر (b) غَازِي بن يُوسُف.
رَوَى عنهُ أبو عَبْد اللَّه بن الدُّبَيْثِيّ الوَاسِطِيّ، والفَقِيهُ عليّ بن ظَافِر بن أبي المَنْصُور الإِسْكَنْدَرَانِيّ.
ورَوَى لنا عنْهُ شَيئًا من شِعْره الخَطِيبُ تَاجُ الدِّين أبو عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن هاشِم خَطِيْبُ حَلَب، وأثْنَى عليه، وقال لي: كان من نَوَادر الزَّمان، وكان على غايةٍ من الفَضْل والعِلْم.
قال لي: وخَرَج هَارِبًا من المغْرب ورَكِبَ البَحْر، فرَماهُ الهَوَاءُ إلى اللَّاذقِيَّة، فسَأل عن أقْرَب البِلَادِ إليه، فدُلَّ على حَلَب، فسَار إليها ودخَلَها، ومَدَحَ بها المَلِكَ الظَّاهِر (c) غَازِي.
قال لي: وكان على غَايةٍ من الكَرَم والجُوْد، وحَضَرْتُ يَوْمًا معَهُ وهو في حَمَّام النَّطَّاعِين بحَلَب، ورَجُل يُخَاصم نَاطور الحَمَّام على شَاش عَلَم ضَاعَ له في الحَمَّام، وكان على رَأسه بقيَار مُثمن خلعَهُ عليه المَلِك الظَّاهِر (d)، فالْتَفَتَ إليه وقال
(a) قيَّده المؤلِّف بالجيم المعجمة: "مفروج" حيثما يرد في الأصل وب، والمثبت من مصادر ترجمته التالية باتفاقها جميعًا، وكتبه الصفدي حروفًا بالحاء المهملة:"بالميم والفاء وبعد الراء واو وحاء مهملة".
(b) الأصل، ب: الطاهر.
(c) الأصل، ب: الطاهر.
(d) الأصل: الطاهر.
_________
(1)
توفي سنة 587 هـ، وترجمته في: ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 3: 515 - 516، تاريخ الإسلام للذهبي 12: 797 - 798، الصفدي: الوافي بالوفيات 9: 337، تاج العروس، مادة: عيش.
لهُ: اسْكت فأنا أُقاسمُكَ على البقْيَار الّذي على رَأسِي، فظَنَّ أنَّهُ يَسْخَرُ منه، فقال له: واللَّهِ ما أقُولُ لكَ إلَّا حَقًّا، واسْتَدْعى منه سِكِّينًا وقطَع البقْيَار بينَهُ وبينَه.
قَرَأتُ في كتاب بَدَائع البَدَائة تأليف الفَقِيه أبي الحَسَن عليّ بن ظَافِر بن (a) أبي المَنْصُور
(1)
، قال: وأخبَرَني الفَقِيه أبو العَرَب بن مَعِيْشَة (b) الكِنَانِيّ السَّبْتِيّ، قال: أخْبَرَني شَيْخُ من أهْل إشْبِيليَة كان قد أدْرَك دَوْلةَ آل عَبَّاد، وكان عليه من آثار كبَر السِّنِّ، ودَلائل التَّعْمير ما يَشْهَدُ له بالصِّدْق، ويَنْطق بأنْ قَوْله الحَقّ، قال: كُنْتُ في صبَاي حَسَن الصُّورَة، بَدِيْع الخلْقة، لا تلْمحُني عَيْن أحدٍ إلَّا مَلكتُ قَلْبه، وخلَسْت خِلْبهُ، وسَلبتُ لبَّهُ، وأطَلْتُ كَرْبه، فبينا أنا واقفٌ على باب دَارنا، إذا بالوَزِبر (c) أبي بَكْر بن عَمَّار قد أقْبَل في مَوْكب زَجل (d) على فَرَسٍ كالصَّخْرَة الصَّمَّاء قُدَّت من قُنَّة الجَبَل، فحين حَاذاني ورآني، اشْرَأبَّ إليَّ يَنْظُرني، وبُهِتَ يتأمَّلُني، ثمّ دَفع بِمخْصَرةٍ كانت بيده في صَدْري، وأنْشَد:[من مجزوء الرمل]
كُفَّ هذا النَّهْدَ عنِّي
…
فبِقَلْبي منهُ جُرْحُ
هُوَ في صَدْرِكَ نَهْدٌ
…
وَهْوَ في صَدْريَ رُمْحُ
أنْشَدَني الخَطِيبُ مُحَمَّد بن هاشِم، قال: أنْشَدَني إسْمَاعِيْل بن مَعِيْشَة أبو العَرَب المَغْرِبيّ لنَفْسِه بحَلَب في المَلِك الظَّاهِر
(2)
: [من الرمل]
جَنِّب السِّرْبَ وخَفْ من أنْ تُصَدْ
…
أيُّها الآمِلُ جُهْدًا أنْ يَصِدْ
واجْتَنب رشْقَة ظبْي إنْ رَنَا
…
أثْبَتَ الأسْهُم (e) في خِلْب الكَبِدْ
ثُعَليّ الطَّرْف طَائِيّ الحَشَا
…
مَازِنيّ الفَتْك صَخْريّ الجَلَدْ
(a) ساقطة من ب.
(b) في بدائع البدائة: ابن معوشة.
(c) بدائع البدائة: الوزير.
(d) ب: رجل.
(e) ب: السهم.
_________
(1)
بدائع البدائة 252.
(2)
انظر بعض الأبيات في تاريخ الإسلام 12: 797 - 798.
أهْيَفٌ لاعَبَهُ من شَعره
…
أرْقَم مَاسَ على خُوْطه (a) قَدْ
جَادَهَا الحُسْنُ بحقْفَي ردفِهِ
…
يرذَاذِ الوَرْدِ من تغيْيم نَدْ (b)
فانْثَنَتْ غُصْنًا ومن أزْهَارِهِ
…
بَدْرُ تمّ حَلَّ في بُرْج الفَنَدْ
مَنَعَتْهُ عَقْرَبَا أصْدَاغِهِ من
…
جَنَا لَثْم (c) ومن تَخْمِيْش يَدْ
وحُسَامٍ من لحاظٍ خِلْتُه
…
صَارِمَ الظَّاهر (d) يَوْم المُطَّرَدْ
مَلِكٌ قامت له هَيْبَتُه
…
عوَضَ الجَيْشِ وتكَثِيْر العَدَد
خَطَبَ الحَرْبَ فوَلَّى عَقْدَهَا
…
مُرْهَفَ الهِنْد فأمْضَى وعَقَدْ
جَعَلَ المَهْرَ لها خَوْضَ الوَغَا
…
وطُلًا تقْطَفُ (e) أو كَفًّا تُقَدْ
فأَتَتْ عَذْرَاءَ تُجْلَى وأَتَى
…
يَسْحَبُ اللَّامَةَ ليْثًا ذَا لِبَدْ
لبسَ الدِّرْعَ فقُلْنا غُصْنٌ
…
غَاص في جَدْولِ ماءٍ فجمَدْ
أو هِلَالٌ قد ترَدَّى حِنْدِسًا
…
فبَدَت غُرَّتِه دُوْنَ الجَسَدْ
وثَنى الرُّمْحَ فقُلْنا أَرقمًا
…
طلَبَتْ نُصْرتهُ كَفُّ الأَسَدْ
وامْتَطى من طَرْفِهِ ذا حَسَبٍ
…
مَائِعَ الجلدة سَبَّاحِ العَضُدْ
سَابَقَ الأفْلَاك في سُرْعتها
…
برِهَانٍ فحَوَى سَبْقَ الأمَدْ
فأتَى في حلَّةٍ من شفقٍ
…
طفَت الشُّهْبُ عليها كالزَّنَدْ
عَلَّق الفَرْقَد في جَبْهَتِه
…
والثُّرَيَّا في عذَارٍ فَوْق خَدْ
وأرَانا سَرْجُهُ شَمْسَ الضُّحَى
…
فَحسِبْنَا أنَّهُ بُرْجُ الأسَدْ
كَتَبَ إلينا الحافِظُ أبو عَبْدِ اللَّه (f) الدُّبَيْثِيَّ الوَاسِطِيّ
(1)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن مَفْرُوح (a) بن عَبْدِ المَلِك بن إبْراهيم الكِنَانِيُّ، أبو العَرَب البَادِيْسِيّ المَغْرِبيّ، مَنْسُوبٌ
(a) ب: خطوة.
(b) ب: وند.
(c) ب: خبالهم.
(d) ب: للظاهر.
(e) ب: تقطب.
(f) بعده إشارة مخرج ناحية اليسار ولا يتصل بنص، ولعله ألحق في الهامش كلمة:"ابن".
_________
(1)
ابن الدبيثي: ذيل تاريخ بغداد 3: 515 - 516.
إلى بلدَةٍ بالمَغْرب تُسَمَّى بادِيْس، شَابٌّ فَاضِلٌ كاتبٌ، لهُ مَعْرفَةٌ حَسَنةٌ بعِلْم الكَلَام والأدَب، وله شِعْرٌ جَيِّدٌ، قَدِمَ بَغْدَادَ، وأقامَ بها، وتَكلَّم مع جَمَاعَةٍ من أهْلها في عِلْم الكَلَام، وجَالَسَ العُلَمَاءَ، وناظَرَ، وانْحَدَر منها إلى وَاسِط، ولَقِيتُه بها، وسَمِعْتُ منه قَصَائِدَ من شِعْره وأنَاشِيْد لغَيْره، وصار منها إلى البَصْرَة، وتُسْتَر، وعاد إلى بَغْدَاد ثمّ تَوَجَّه إلى بلَدِه فأدْركَهُ أجَلُهُ قبل وُصُولهِ إليه، ويُقالُ: قُتِلَ في طَريقِه، واللَّهُ أعْلَمُ.
كذا قال ابنُ الدُّبَيْثِيّ: مَنْسُوبٌ إلى بَلْدَة بالمَغْرب تُسَمَّى بَادِيسْ! وهو وَهْمٌ فَاحِشٌ، وبَادِيسْ اسْم رَجُل يَنْتسب إليه جَمَاعَةٌ من المُلَثَّمة، وفيهم مُلُوكٌ منهم: تميْم بن بَادِيسْ، وهذا سَبْتِيٌّ وبَادِيسْ الّتي هي المَدِينَة ليس هذا منها، واللَّهُ أعْلَمُ.
قال لي الخَطِيبُ أبو عبد الرَّحْمن بن هاشِم: سار أبو العَرَب بن مَعِيْشَة إلى بَلَد الرُّوم، ثمّ عاد منه، وصَعدَ إلى مِصْرَ في سَنَة خَمْسٍ وثَمانين وخَمْسِمائَة، فوجَد فيها الحَكِيمَ أبا مُوسَى اليَهُودِيّ، وكان قد أهْدِر دَمُهُ في بلادِ المَغْرب لفسَادٍ ظَهَرَ منه، فاصْطَنَعهُ أبو العَرَب وهَرَّبَهُ منها، فنَمى خَبَرُه إلى مَلِك المَغْرب، فطَلَبَ أبا العَرَب، فهَرَبَ وحصَل في نَفْس أبي مُوسَى منه شيء، فرَشَى إنْسَانًا بمالٍ جَزِيْل، فترك أبا العَرَب على شَاطِئ النِّيْل وأتَاهُ من خَلْفه فضَرَبَهُ بخَشَبَةٍ عَظِيمَة، فسَقَطَ في النِّيْل فمات.
قال لي (b): وقيل: إنَّما فَعَل به أبو مُوسَى اليَهُودِيّ هذا لأنَّ أبا العَرَب كان عرفَ من حَالِه أنَّهُ أسْلَم في بلادِ الغَرْب، وحَفِظ القُرْآنَ، فشَهد عليه بذلك، وأرادَ إقامَةَ البَيِّنَةِ (c) عليه، ففَعَل به ذلك.
(a) الأصل وب: مفروج، وتقدم التعليق عليه في طالع الترجمة.
(b) قوله: "قال لي" ساقط من ب.
(c) ب: وأقام البينة.
إِسْمَاعِيْلُ بن مُوسَى الفَزَارِيّ، أبو مُحَمَّد -وقيل: أبو إسْحاق- الكُوْفيّ
(1)
ابن بنْتِ السُّدِّيّ، والسُّدِّيّ اسْمُه إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن، وقيل: هو نسَيْب السُّدِّيّ وليس بابن ابنَته.
سَمِعَ بالمِصِّيْصَة عُمَرَ بن شَاكِر البَصْرِيّ، وبدِمَشْق الوَليِدَ بن مُسْلِم، وحَدَّثَ عنهُما وعن مَالِك بن أنَس، وشَرِيك بن عَبْد اللَّه النَّخَعِيِّ، وإبْراِهيم بن سَعْد الزُّهْرِيّ، وعَبْد السَّلام بن حَرْب المُلَائِيّ، وعَبْد الرَّحمن بن أبي الزَّنَادِ، وعليّ بن عَابِس الكُوْفيّ، وعَدِيّ بن ثَابِت، وعَبَّاد بن أبي يَزِيد، وعبدِ اللَّهِ البَجَليّ.
رَوَى عنهُ أبو دَاوُد سُليْمانُ بن الأشْعَث السِّجسْتَانِيّ، وأبو عِيسَى مُحَمَّدُ بن عِيسَى التِّرْمِذيّ، وأبو عَبْد اللَّه بن مَاجَة القَزْوِينيّ، وَأبو يَعْلَى المَوْصِلِيّ، وأبو عَرُوبَة الحُسَين بن أبي مَعْشَر الحَرَّانيّ، وأبو بَكْر بن خُزَيْمَةَ، وإسْمَاعِيْل بن هَارُون الكُوْفيّ، وزَكَرِيَّاء بن يَحْيَى السَّاجِيّ، والحَسَن بن الطَّيِّب، وقاسم بن زَكَرِيَّاء المُطَرِّز، والحَسَن بن صالح، والوَليِد بن أبي ثَوْر الهَمْدانِيّ، ودَلِيْل بن عَبْد المَلِك الحَلَبِيّ، وأبو
(1)
توفي سنة 245 هـ، وترجمته في: طبقات ابن سعد 6: 412، الكامل لابن عدي 1: 318 - 319، البخاري: التاريخ الكبير 1: 373، التاريخ الصغير 2: 352، تاريخ الطبري 4: 456، 5: 156، الثقات لابن حبان 8: 104 - 105، الجرح والتعديل 2: 196، أبو نعيم: تاريخ أصبهان 1: 252، الكامل لابن عدي 1: 318 - 319، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 227 (وفيه: إسماعيل بن موسى ابن بنت السدي)، تهذيب الكمال 3: 210 - 213، تاريخ الإسلام 5: 1089 - 1090، سير أعلام النبلاء 11: 176 - 177 (وسماه: إبراهيم بن موسى!)، ميزان الاعتدال 1: 251 - 252، العبر في خبر مَن غبر 1: 349، الإعلام بوفيات الأعلام 110، تذكرة الحفاظ 2: 541 (أرخ لرفاته ولم يفرده بالترجمة)، الكاشف 1: 129، تهذيب التهذيب 1: 335 - 336، تقريب التهذيب 1: 75، ابن كثير: البداية والنهاية 10: 346، شذرات الذهب 3: 206، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 437.
وترجم له ابن عساكر في تاريخه، فضاعت الترجمة بضياع أقسام من الكتاب، وقد استدركه المحقق نقلًا عن ابن العديم 71: 316 - 321.
الحُسَين عليُّ بن الحُسَين بن بَشِير الدِّهْقَان، وأبو لبَيْد مُحَمَّدُ بن إِدْرِيس السَّرْخَسِيِّ، وأبو جَعْفَر مُحَمَّد بن الحَسَن الخَثْعَمِيِّ، وعليّ بن جَعْفَر بن الرُّمَّانِيّ، وأبو الأَصْبَغ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن القَرْقِسَانِيّ، وأبو مُحَمَّد عُبيَد اللَّه (a) بن مُحَمَّد بن مُحمّد بن مُعاوِيَة، وزَائِدَة بن قُدَامَة، وإسْمَاعِيْل بن هَارُون الكُوْفيّ.
أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّدُ بن سَعيد بن سَعْد بن مُحَمَّد المِيْهِنِيُّ الحَلَبِيُّ، عن أبي المَحَاسِن عُمَرَ بن عليّ بن الخَضِر القُرَشِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عَبْدِ اللَّه بن أبي جَرَادَة، ح.
وأنْبَأنَا المُؤيَّدُ بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ، عن أبي الحَسَن بن أبي جَرَادَة، قال: أخْبَرَنِي أُسْتَاذِي أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن شَافِع بن مَرْزُوق العَابِد بحَلَب، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ الزَّاهِدُ مُشْرِقُ بن عَبْدِ اللَّه الفَقِيه الحَنَفِيّ، الفَقِيهُ بحَلَب، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَد بن زُهَيْر بن أبي جَرَادَةَ، قال: حَدَّثَنَا أبو الفَوَارِس نمَا بن عَبْد العَزِيْز الصَّبِيْحِيّ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن الطَّيِّب، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن مُوسَى (b) الفَزَارِيّ السُّدِّيّ، قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بن شَاكِر بالمِصِّيْصَة، قال: حَدَّثَنِي أنَسُ بن مالِك، قال: قال: قال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ح.
وأخْبَرناهُ عَاليًا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه بن عُلْوَان قِراءَهً عليهِ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا علي بن الحَسَن (c) بن هِبَة اللَّه
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن الحِنَّائِيّ، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخان أبو عليّ أحْمَد وأبو الحُسَين مُحَمَّد ابْنَا (d) عبد الرَّحْمن بن أبي نَصْر، قالا: أخْبَرَنا القَاضِي أبو بَكْر يُوسُف بن القَاسِم المَيَانِجِيّ، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ بن
(a) ب: عبيد.
(b) ب: موسى بن إسماعيل.
(c) ب: الحسين.
(d) مكررة في الأصل، وقرأها في ب: أنبأنا ابنا.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 71: 317.
هَارُون الكُوْفيّ بالكُوفَة، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن مُوسَى الفَزَارِيّ، عن عُمَر بن شَاكِر، عن أنسَ بن مَالكٍ
(1)
، قال: قال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يأتي على النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ منهم على دِيْنهِ كالقَابِض على الجَمْر.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْدِ المُطَّلِب الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو حَفْصٍ عُمَر بن عليّ بن أبي الحُسَين الكَرَابِيْسِيّ، وأبو عليّ الحَسَنُ بن بِشَير بن عَبْدِ اللَّه النَّقَاش البَلْخِيّ، قراءةً عليهما وأنا أسْمَعُ ببَلْخ، وأبو شُجَاع عُمَر بن مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّه البِسْطَامِيّ ببَلْخ، وأبو الفَتْح عبدُ الرَّشِيْد بن النُّعْمان بن عَبد الرَّزَّاق الوَلْوَالِجِيّ بسَمَرْقَنْد، قالوا: أخْبَرَنا الدِّهْقَان أبو القَاسِم أحمَد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد البَلْخِيّ، قال: أخْبَرَنا الشَّريفُ أبو القَاسِم عليّ بن أحْمَد الخُزَاعِيّ، قال: أخْبَرَنا الأدِيْبُ أبو سَعيد الهَيْثَم بن كُلَيْب الشَّاشِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عِيسَى مُحَمَّد بن عِيسَى التِّرْمِذيَّ، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ بن مُوسَى الفَزَارِيّ، قال: أخْبَرَنا إبْراهيمُ بن سَعْد، عن أَبِيهِ، عن عَبْدِ اللَّه بن جَعْفَر
(2)
، قال: كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأكُلُ القِثَّاءَ بالرُّطَب.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاجِ يُوسُفُ بن خَلِيل بن عَبْد اللَّهِ الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد بن بَوْش الأَزَجِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ أحْمَد بن عُبَيْد اللَّه بن كَادِش، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ مُحَمَّد بن الحُسَين الجَازِرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَج المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء
(3)
، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن مُحَمَّد بن كَاس (a) النَّخَعِيّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن جَعْفَر بن الرُّمَّانِيّ، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل ابن ابنَة السُّدِّيّ (b)، قال: كُنْتُ في مَجْلِس
(a) الجريري: كامل، تصحيف، وانظر ترجمة ابن كاس في تاريخ ابن عساكر 43:159.
(b) الجريري: إسماعيل السدي.
_________
(1)
الترمذي: الجامع الكبير 4: 110 (رقم 2260)، المتقي الهندي: كنز العمال 14: 221 (رقم 38477)، وانظر: المسند الجامع 3: 26 (رقم 1598).
(2)
تقدم تخريجه في الجزء الثاني.
(3)
الجريري: الجليس الصالح 2: 277 - 278.
مالكٍ أكْتب عنه، فسُئِلَ عن فَرِيْضَةٍ فيها اخْتِلَاف بين (a) أصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فأجابَ فيها بجَوَابِ زَيْد بن ثَابِت، فقُلتُ: فما قال فيها عليُّ بن أبي طَالِب، وعَبد اللَّه بن مَسْعُود؟ فأوْمَأ إلى الحَجَبَةِ، فلمَّا هَمُّوا بي حاصَرْتُهُم وحَاصَرُوني (b) فأعْجَزتُهم، وبقيَتْ مَحْبرتي وكُتُبي بين يَدَيْ مالك، فلمَّا أراد أنْ يَنْصرف، قال له الحَجَبَةُ: ما نَعْملُ بكُتُب الرَّجُل ومَحْبرته؟ قال: اطلبوه ولا تَهِيْجُوه بسُوءٍ حتَّى تُأْتُوني به، فجاءُوا إليَّ ورفَقُوا بي حتَّى جئتُ معهم، فقال لي: من أين أنْتَ؟ فقلتُ: من أهْل الكُوفَة، فقال لي: إنَّ أهل الكُوفة قَوْمٌ معهم مَعْرفَة بأقْدَار العُلَمَاءِ، فأين خلَّفْتَ الأدَب؟ قال: قُلتُ: إنَّما ذَاكرتُكَ لأسْتَفِيْدَ، فقال: إنَّ عليًّا وعبد اللَّهِ لا يُنْكَرُ فَضْلُهُما، وأهْلُ بلدِنا على قَوْل زَيْدٍ، وإذا كُنْتَ بين ظَهرانَيْ قَوْمٍ فلا تَبْدؤْهُم بما لا يَعْرفون فيَبْدَأَك منهم ما تَكْره.
قال: ثمّ حَجَجْتُ في سَنَتي، وقَدِمْتُ الشَّام، فدَخَلْتُ دِمَشْقَ، فجلَسْتُ في حَلْقَة الوَلِيد بن مُسْلِم، فلم أَصْبِر أنْ سَألتُه عن مَسْألَةٍ، فأصَاب، فقُلْتُ له: أخْطَأتَ يا أبي (c) العبَّاس! فقال: تُخَطِّئُني في الصَّوَاب وتَلْحنُ في الإعْرَاب؟! فقُلتُ لَهُ: خَفَضْتُكَ كما خَفَضَك ربُّكَ، وداخَلْتُه بالاحْتجَاج (d) فمال النَّاسُ إليَّ وتَرَكُوه، وقالوا: أهْلُ الكُوفَة أهْلُ الفِقْه والعِلْم، فخفْتُ أنْ يَنْدأني منه ما نَدَأني (e) من مَالِك بن أنَسٍ، فاذا رَجُلٌ له حلْمٌ ودِيْنٌ، وَزَعَةٌ عن الإقْدَام.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن المُقيِّر، قال: أنْبَأنَا أبو الفَضْل مُحَمَّدُ بن ناصِر، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، وأبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، وأبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، واللَّفْظُ
(a) الجريري: عن.
(b) الأصل، ب: حاضرتهم وحاضروني، والمثبت من كتاب الجريري.
(c) الأصل، ب: أبا، وهو صحيح، غير أن مدار الحكاية الخطأ في الإعراب، وهو المثبت في كتاب الجريري.
(d) الجريري: الاحتحاج.
(c) الأصل، ب: يبدأني ما بدأني، والمثبت من كتاب الجليس الصالح وتاريخ ابن عساكر 71:318. وفي لسان العرب، مادة: ندا: ندَأتُه أندَؤهُ نَدْءًا: إذا ذعرته.
له، قالوا: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ -زَادَ ابنُ خَيْرُون: وأبو الحُسَين الأصْبَهَانِيّ- قالا: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل
(1)
، قال: إسْمَاعِيْل بن مُوسَى ابن بنْت السُّدِّيّ الكُوْفيّ الفَزَارِيّ، أبو إسْحاق، سَمِعَ شَرِيكَ، تُوفِّي سَنَة خَمْسٍ وأرْبَعين ومَائتَيْن.
قَرأتُ بخَطِّ ابي بَكْر مُحَمَّد بن عليّ بن ياسِر الجَيَّانِي الحافِظ في كتاب بَيَان (a) ما أخْطَأ فيهِ مُحَمَّدُ بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ في كتابهِ المُؤلَّف في تاريخ حَمَلَة (b) الآثارِ عن أبي زُرْعَة عُبَيْدِ اللَّه بن عَبْد الكَريم الرَّازِيّ وبَيان ما وافقه أبو حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الرَّازِيّ وخَالَفَهُ، قال: إسْمَاعِيْلُ بنُ مُوسَى الفَزَارِيّ ابن ابْنة السّدِّيّ، أبو إسْحاق، قال أبو زُرْعَة: وإنَّما هو أبو مُحَمَّد.
قال أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ
(2)
: وسَمِعْتُ أبي يَقُول: ليسَ هو ابنَ ابْنةِ السُّدِّيّ، أنا سَألتُه فذَكَر نِسْبَةً طَوِيلَةً.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَاتِ الحَسَنُ بن مُحَمَّد، فيما أَذِنَ لَنا فيه، قال: أخْبَرَنا عَمِّي أبو القَاسِم الحافِظ
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَمَّد الفَأفَاء، ح.
قال: وأخْبرنا ابن مَنْدة، قال: أخْبَرَنا حَمْدُ بن عَبْدِ اللَّه بن مُحَمَّد إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم
(4)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن مُوسَى الفَزَارِيّ، أبو مُحَمَّد، نَسِيب السُّدِّيّ، رَوَى عن مالك، وشَرِيك، وابن أبي الزَّنَاد، سَمِعْتُ أبي وأبا زُرْعَة يقولان ذلك، وقالا: يُعَدُّ في الكُوْفيِّيْن، وسَمِعْتُ أبي يَقُول: سألتُ إسْمَاعِيْل بن
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: جملة، وأكده في الأصل بحرف حاء أسفله.
_________
(1)
تاريخ البخاري الكبير 1: 373.
(2)
قارن بالجرح والتعديل 2: 196.
(3)
تاريخ ابن عساكر 71: 319.
(4)
الجرح والتعديل 2: 196.
مُوسَى عن قَرَابتهِ من السُّدِّيّ، فأنْكَر أنْ لِكون ابن ابْنَته، وإذا قَرَابَته منهُ بَعِيدة، وسألتُ أبي عنه فقال: صَدُوقٌ.
قُلتُ: تَخْطئة أبي زُرْعَة مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ في تَكْنيته: أبا إسْحاق، وقَوْله: إنَّما هو أبو مُحَمَّد، غير مُسَلَّم إليه بل يُحْتَمل أنَّهُ يُكْنَى أبا إسْحاق ويُكْنَى (a) أبا مُحَمَّد أيضًا فإنَّ هذا من الأُمُور الوَاقِعَة، فإنَّ الشَّخْصَ الواحد تكون له كُنْيَتان وثلاثةٌ، وأكْثر من ذلك فلا وَجْه لذلك.
وقد كَنَّاهُ مُسْلمُ بن الحَجَّاج، وأبو عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ: أبا إسْحاق، وَسَنَذْكُر ذلك إنْ شَاءَ اللَّهُ، وأمَّا تَخْطئة البُخاريّ في قَوْله: ابنُ ابْنةِ السُّدِّيّ، فلم ينْفَرد بهذا القَوْل؛ فإنَّ عليّ بن جَعْفر بن الرُّمَّانِيّ قال في الحِكايَة الّتي أسْنَدْناها عن المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء، عن عليّ بن مُحَمَّد بن كَاس عنه: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ ابنُ ابْنةِ السّدِّيّ، وذَكَر الحِكايَة. وتاجَ البُخاريّ مُسْلمُ بن الحَجَّاج، وأبو عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ، ومُحَمَّدُ بن سَعْدٍ كاتب الوَاقِدِيّ على ذلك.
أمَّا مُسْلم بن الحَجَّاج، فأخْبَرَنا زَيْن الأُمَناءَ أبو البَرَكَات إذْنًا، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الشَّقّانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر المَغْرِبيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد بن حَمْدُون، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن عَبْدَان، قال: سَمِعْتُ مُسلمَ بن الحَجَّاج
(2)
يقُول: أبو إسْحاق إسْمَاعِيْل بن مُوسَى ابن بنْت (b) السُّدِّيّ الكُوْفيّ، حمع مَالِكَ بن أنَسٍ، وشَرِيكَ بن عَبْد اللَّه.
وأمَّا النَّسَائِيّ؛ فأخْبَرَنا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر إجَازَةً، عن ابن نَاصِر، عن القَاضِي أبي الفَضْل جَعْفَر بن يَحْيَى بن إبْراهيم المَكِّيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر عُبَيد
(a) قوله: "أبا إسحاق ويكنى" ساقط من ب.
(b) الأصل: ابنت!
_________
(1)
تاربخ ابن عساكر 71: 330.
(2)
الكنى والأسماء للإمام مسلم 1: 48.
اللَّه بن سَعيد بن حَاتِم بن أحْمَد الوَائِلِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الخَصِيْبُ بن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن الخَصِيْب، قال: أخْبَرَني عَبْدُ الكَريم بن أحْمَد بن شُعَيْب، قال: أخْبَرَنِي أبي أبو عبد الرَّحْمن، قال: أبو إسْحاق إسْمَاعِيْلُ بن مُوسَى ابن بِنْت السُّدِّيّ، كُوْفيٌّ ليس به بَأسٌ.
وأمَّا مُحَمَّد بن سعد، فأنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو غالِب بن البَنَّاء، إجَازَةً إن لم يَكُن سَمَاعًا، عن أبي مُحَمَّد الجَوْهَرِي، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّويَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنا الحُسَين بن الفَهْم، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْد
(1)
، قال: في الطَّبَقَةِ التَّاسِعة من أهْل الكُوفَة إسْمَاعِيْلُ بن مُوسَى ابنُ بنْت إسْماعِيْل بن عبد الرَّحْمن السُّدِّيّ ويُكْنَى أبا مُحَمَّد، رَوَى عن شَرِيك بن عَبْدِ اللَّه وغيره.
فبَان أنَّ مُحَمَّدَ بن إسْماعِيْل لم يَنْفرد (a) بهذا القَوْل، وبَانَ أنَّ إسْمَاعيْل بن مُوسَى كان يُعْرَفُ بابن بنْتِ السُّدِّيّ، وقَول أبي حَاتِم الرَّازِيّ لا يُشَكُّ فيه، وقد كان بين السُّدِّيّ وبين إسْمَاعِيْل بن مُوسى نَسَبٌ، فيُحْتَمل أنَّ بنْتَ السُّدِّيَّ أرْضعَته فَنُسِبَ إليها، وأنَّها رَبَّتْهُ لِمَا كان بينهما من القَرَابَة، فعُرف بكَوْنه ابنها وليسَ بابنها حَقِيْقَة، وهذا أمرٌ واقعٌ؛ فإنَّ كَثِيْرًا من النَّاسِ يُنْسَبُون إلى غير آبائهم بسبَب التَّربيِةِ، وقِصَّةُ أُسامَة بن زيْدٍ مَعرُوفة، وإذا كان مَعْرُوفًا بابن بنت السُّدِّي فلا وَجْه إلى تَخْطئة البُخاريّ والتَّصْريح بأنَّهُ أخْطَأ ولم يُخْطِئ.
أخْبَرَنا أبو الفَرَج بن القُبَّيْطِيّ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن الآبنُوسِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْلُ بن مَسْعَدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْزَةُ بن يُوسُف السَّهْمِيّ،
(a) ب: يتفرَّد.
_________
(1)
الجزء السادس المتمم لطبقات ابن سعد 6: 231.
قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(1)
، قال: إسْمَاعِيْل بن مُولىَ الفَزَارِيّ الكُوْفيّ (a) ابن بنت السُّدِّيّ، سَمعتُ عَبْدَان الأهْوَازِيّ يَقُول: سَمِعْتُ أبا بَكْر بن أبي شَيْبَة أنَّ (b) هَنَّاد بن السَّرِيّ أنْكَر علينا ذهَابَنا إلى إسْمَاعِيْل هذا، وقال: أيْش عَمِلْتُم (c) عند ذا (d) الفَاسِق الّذي يَشْتِم السَّلَفَ.
قال ابنُ عَدِيّ
(2)
: وإسْمَاعِيْلُ هذا يُحَدِّثُ عن مالكٍ، وشَرِيك، وشُيُوخِ الكُوفَة، وفد أوْصَل عن مالكٍ حَدِيثَيْن، وقد تَفَرَّد عن شَرِيك بأحَادِيْث، وإنَّما أنْكَرُوا عليه الغُلوَّ في التَّشَيُّع، وأمَّا في الرِّوَايَةِ (e) فقد احْتَمله النَّاس ورَووا عنهُ.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَرُ بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَة إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن المُسْلِعَة وأبو القَاسِم عَبْد الوَاحِد بن مُحَمَّد بن فَهْد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الحَمَّامِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّه بن سُليَمان الحَضْرَميّ، قال: مات أبو مُحَمَّد إسْمَاعِيْل بن مُولىَ الفَزَارِيّ سَنَة خَمْسٍ وأرْبَعين ومَائتَيْن، وكان صَدُوقًا لا يَخْضِبُ.
أنبأنَا أبو القَاسِم بن مُحَمَّد القَاضِي، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، عن أبيِ مُحَمَّد التَّمِيْمِيّ، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن مُحَمَّد بن الغَمْر، قال: أخْبَرَنا أبو سُليْمان بن زَبْر
(3)
، قال: قال الحَسَنُ بن عليّ: فيها -يعني سَنَةَ خَمْسٍ وأرْبَعين ومَائتَيْن- ماتَ إسْمَاعِيْلُ بن مُوسَى ابن بنْتِ السُّدِّيّ.
أخْبَرَنا حَسَن بن أحْمَد الأَوَقِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو طَاهِر السِّلَفِيّ،
(a) لم ترد في نشرة الكامل لابن عدي.
(b) ابن عدي: أو!.
(c) ابن عدي: عُلِّمتم.
(d) ابن عدي: ذاك.
(e) ابن عدي: الروايات.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 318.
(2)
ابن عدي: الكامل 1: 319.
(3)
تاريخ مولد العلماء 227 وفيه: إسماعيل بن موسى.
قال: أخْبَرَنا المُبارَكُ بن عَبْد الجَبَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الحَرْبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الصَّفَّارُ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ البَاقِي بن قَانِع، قال: سَنَةَ ثَلاثٍ وأرْبَعين ومَائتَيْن يعني ماتَ فيها. ثمّ قال بعد ذلك: سَنَة خمْسٍ وأرْبَعين ومَائتَيْن، وقيل: ابن بنْت السُّدِّيّ فيها.
حَرْفُ الهَاءَ في آباءِ مَن اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْل بن هِبَةِ اللَّه بن سعيد بن هِبة اللَّه بن مُحَمَّد بن هِبة اللَّه بن مُحَمَّد ابن بَاطِيْش، أبو مُحَمَّد بن أبي البَرَكَاتِ بن أبي الرِّضَا المَوْصِليّ، الفَقِيه الشَّافِعيّ
(1)
قرأ الفِقْهَ في بلَدِهِ المَوْصِل، وسَافَرَ إلى بَغْدَاد، وتَفَقَّهَ بها مُدَّةً في المَدْرَسَةِ النِّظَاميَّةِ حتَّى بَرَعِ في المَذْهَب والخِلَاف والجَدَل والأُصُولَيْن، واشْتَغَل بالأدَبِ (a) والحَدِيْث، وسَمِعَ من أصْحَاب أبي القَاسِم بن الحُصَيْن (b)، وأبي بَكْر بن عَبْد البَاقِي، وأبي غَالِب بن البَنَّاء، وأبي العِزّ ابن كَادِش وطَبَقَتهم، وعاد إلى بلدِه ورُتِّب مُعِيْدًا في المَدْرَسَة البَدْرِيَّة.
وقَدِمَ حلَبَ في سَنَة اثْنَتَيْن وستّمائة، وسَمِعَ بها شَيْخنا أبا هاشِم الهاشِميّ، ثمّ قَدِمَ علينا حَلَب في سَنَة عشرين وسِتَّمائة في ذي القَعْدَة، وكَتَبْتُ عنه شَيئًا من
(a) الأصل: بالأديب.
(b) ب: أصحاب أبي الحصيرة.
_________
(1)
توفي سنة 655 هـ، وترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني 1: 352 - 353، ابن الشعار: قلائد الجمان 1: 433 - 435، ابن الفوطي: مجمع الآداب 2: 35 - 36، اليونيني: ذيل مرآة الزمان 1: 54، الذهبي: تاريخ الإِسلام 14: 772، سير أعلام النبلاء 23: 319، العبر في خبر من غبر 3: 275، الصفدي: الوافي بالوفيات 9: 234 - 235، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 8: 131 - 132، الأسنوي: طبقات الشافعية 1: 275 - 276، ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 3: 104، شذرات الذهب 7: 462، كحالة: معجم المؤلفين 2: 298 - 299، الزركلي: الأعلام 1: 328.
شِعْره، وكان قد وَرَدَها حينئذٍ في شُغْلٍ يتَعَلَّق بكَمَال الدِّين بن مُهاجِر، وكان وَرَد في صُحْبَته منِ المَوْصِل إلى الرَّقَّة، وقد وردَها إلى المَلِك الأشْرَف مُوسَى ابن المَلِك العادِل، ففارَقهُ من الرَّقَّة، وقَدِمَ علينا حَلَبَ، فسَمعَ بها شَيْخَيْنا قاضِي القُضَاةِ أبا المحاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم، وأبا مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْدِ اللَّه بن عُلْوَان الأسَدِيّ، وسُئِلِ عن مَولدِه وأنا أسْمَعُ، فقال: في يَوْم الأَحَد السَّادِس عَشر من المُحَرَّم من سَنَة خْمسٍ وسبْعِين وخسِمائَة بالمَوْصِل.
ثُمَّ إنَّهُ تَوَجَّه إلى بلدِه فأقامَ به مُدَّةً إلى أنْ أرسَل إليهِ بلدَيُّه الأَمِير شَمْس الدِّين لؤلُؤ الأمِيْنِيّ، وكان بينهما صُحْبَةٌ في المَوْصِل، وكان يَعْتقد عليه، وسَمِعْتُه مِرارًا يُثْني على صُحْبته، فاسْتَدْعاهُ إلى حَلَب، فخَرَج إلى المَوْصِل مُتَوَجِّهًا إلى حَلَب، فخرَج العَرَبُ على القافِلَة الّتي كان فيها فأخَذُوها فيما بين حَرَّانَ ورَأسِ عَيْن، وأخَذُوا كُتُبه ومتَاعَهُ، وسَلِم بنَفْسه ووَصَل إلينا إلى حَلَب في سَنَة اثْنَتَيْن وعشرين وستمائة، فأنْزَله شَمْس الدِّين لُؤْلُؤ في دَاره، ومال إليه بجُمْلَته (a) واعْتَمد عليهِ في أُمُوره، ودَام على ذلك مُدَّة، وفوَّض إليه قَاضِي القُضَاة أبو (b) المَحَاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم التَّدْرِيس بالمَدْرَسَةِ النُّورِيَّةِ المَعْرُوفة بالنِّفَّرِيّ فأقام بها ولازَم الإشْغَال والاشْتغَال، واسْتَقَلَّ بحَلَب بالفَتْوَى على مَذْهَب الإمَام الشَّافِعيّ رضي الله عنه.
وصَنَّفَ كُتُبًا عَدِيدةً حَسَنةً، منها كتابٌ في طَبَقَات أصْحَاب الشَّافِعيّ، وكتابٌ في مُشْتَبهِ النِّسْبَة
(1)
، وكتابٌ شَرَحَ فيهِ ألْفَاظ التَّنْبِيْه لأَبي إسْحاق الفِيْرُوزآباذِيّ (c) والأسَامِي المُوْدَعة فيهِ.
(a) الأصل: بحملته.
(b) ب: أبي.
(c) الأصل، ب: الفيروزباذي، بإسقاط الألف في وسطها. انظر: معجم البلدان لياقوت 4: 283.
_________
(1)
سماه ابن الشعار: كتاب مزيل الارتياب عن مشتبه الانتساب، وذكر له كتابًا آخر عنوانه: النخبة في مشتبه النسبة. انظر: قلائد الجمان 1: 433.
وكان رَجُلًا مُتَدَيِّنًا، كَيِّسًا، فَاضِلًا، حَسَنَ الطَّريقةِ، مُشْتَغلًا بما يَعْنِيه، ولهُ نَظْمٌ حَسَنٌ. كَتَبتُ عنهُ فَوَائِدَ.
أنْشَدَنا عِمَادُ الدِّين أبو مُحَمَّد إسْمَاعِيْلُ بن هِبَةِ اللَّه بن بَاطِيْش لنَفْسِه، وذَكَرَ أنَّهُ كَتَبها في كتابٍ إلى بعض أصْدِقائه ببَغْدَاد يُدَاعِبُهُ
(1)
: [من الطويل]
بأيّ لسَانٍ بَعْدَ بُعْدكَ أنطِقُ
…
لأُبْدِي شكاياتٍ (a) جَنَاهَا التَّفَرُّقُ
سُهَادٌ بجَفْن العَيْن منِّي مُوكَّلٌ
…
وقَلْب لتَذْكارِ الأحِبَّةِ يَخْفِقُ
وشَوْقٌ إلى الزَّوْرَاءِ يَزْدَاد كُلّما
…
ترنَّم قُمْرِيٌّ وناحَ مُطَوَّقُ
وما شَاقَني جِسْرٌ ولا رَقَّةٌ ولا
…
صَرَاةٌ بها الماءُ الفُرَاتُ مُرَقْرَقُ
ولا نَهْر عِيسَي والحَرِيْمُ ودِجْلَةٌ
…
ولا سُفنُها أَمْسَت تَخِبُّ وتُعْنِقُ (b)
ولكن لُيَيْلَاتٌ تقَضَّتْ بسَادةٍ
…
برؤيَتهم شَمْلُ الهُمُومُ يُفَرَّقُ
فلا غَرْو أنْ تُذْرَى الدُّمُوع ببُعْدِهم
…
ومنهم حَليْفُ المكرُماتِ المُوَفَّقُ
سَلَامٌ عليه كُلّما ذرَّ شَارقٌ
…
وإنْ كان يُلهِيْهِ الغَزَالُ المقرْطَقُ
تُوفِّي إسْمَاعِيْلُ بن بَاطِيْش بحَلَب في العَشْر الأُوَلِ من جُمَادَى الآخرة من سَنَةِ خَمْسٍ وخَمْسِين وسِّتمائة، وبلغَتني وفاتُهُ وأنا بدِمَشْق في هذا الشَّهْر المَذْكُور.
حَرْفُ اليَاء في آباء مَن اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
إسْمَاعِيْلُ بن يَحْيَى الحَرَّانيّ
سَمِعَ بأنْطَاكِيَة أحْمَدَ بن أبي يَحْيَى الفَقِيه، وحَدَّث عنهُ بمِصْرَ. رَوَى عنهُ أبو أحْمَد عَبْدُ اللَّه بن عَدِيّ الحافِظ.
(a) الوافي: جنايات.
(b) ابن الشعار: وتعتق. والإعناق: ضرب من السير.
_________
(1)
الأبيات في قلائد الجمان 1: 435، وباستثناء البيت الأخير في الوافي بالوفيات 9:335.
وقد سُقْنا عنه حَدِيثًا سَمِعَهُ بأنْطَاكِيَة من أحْمَد الفَقيه، ذَكَرناهُ في تَرْجَمَة أحمد
(1)
.
ذِكْرُ الكُنَى في آباءِ مَن اسْمُهُ إسْمَاعِيْل
إسْماعِيْلُ بن أبي البَرَكَات في مَنْصُور المَوْصِليُّ الرَّبَعِيُّ، إمام الرَّبْوَة بدِمَشْق
(2)
ذكَرَ لي أنَّهُ دَخَلَ حَلَبَ، وسَمِعَ بها أبا الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الطَّرَسُوِسيّ الحَلَبيّ، وسَمِعَ بالمَوْصِل أبا مَنْصُور سعيد بن مَكَارِم المُؤدِّب. وهو شَيْخٌ حَسَنٌ، كَيِّسٌ، فَاضِلٌ، مُتَدَيِّنٌ.
لَقِيتُه بالرَّبْوَة من ظَاهِر دِمَشْق في الرِّحْلَةِ الثَّالثَة، وِكَتبتُ عنه شَيئًا من الحَدِيث والفَوَائِد، ثمّ اجْتَمَعْتُ به في الرِّحْلةِ الرَّابِعة، حين مرَرتُ بدِمَشْق مُجْتَازًا إلى الحجَّ في سَنَة ثَلاثٍ وعشرين وسِتّمائة، وسَألتُه عن مَوْلدِه، فقال: إمَّا في سَنَةِ ثلاثٍ أو في سَنَة أرْبَعٍ وخَمْسِين وخَمْسِمائَة.
أخْبَرَنا الشَّيْخُ الزَّاهِد إسْمَاعِيْل بن أبي البَرَكَات بن مَنْصُور المَوْصِليّ الرَّبَعيّ، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ أبو منْصُور سَعيدُ بن مَكَارِم المُؤدِّبُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم نَصْر بن مُحَمَّد بن صَفْوَان، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ أبو البَرَكَات سَعْدُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَج مُحَمَّد بن إِدْرِيس، قال: قَرأتُ على أبي مَنْصُور المُظَفَّر بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ، قال: أخْبَرَنا أبو زَكَرِيَّاء يَزِيد بن مُحَمَّد بن إِيَاس الأزْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا
(1)
في الجزء الثالث فيما تقدَّم.
(2)
توفي سنة 634 هـ أو في السنة بعدها، وأورد له ابن العديم في تذكرته 257 - 258 بيتين من الشعر أنشدهما إياه لبعضهم، مما أدرجه في ترجمته هذه.
إسْحاقُ بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا أبو حُذَيْفَة مُوسَى بن مَسْعُود، قال: حَدَّثَنَا عُمَارَة بن زَاذَان (a)، عن ثَابِت، عن أنسٍ
(1)
، قال: قال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: السُّبَّاقُ أرْبَعة: أنا سَابِقُ العَرَب، وصُهَيْبُ سَابِقُ الرُّوم، وسَلْمانُ سَابِق فَارس، وبِلَال سَابِقُ الحَبَش.
أنْشَدَني إسْمَاعِيْل بن أبي البَرَكَات بالرّبْوَة إمْلاءً من لفظه لبَعْضهم
(2)
: [من الكامل]
لا تَحْسَبي مَزْحَ الرِّجال طَرافةً
…
إنَّ المُزَاحَ هو السُّبَابُ الأصْغَرُ
قد يُحْقَرُ المَلِكُ المُطَاع مُمازحًا
…
ويُهَابُ سُوْقِيّ الرِّجالِ الأوْقَرُ
تُوفِّي إمَام الرَّبْوَة إسْمَاعِيْل بن أبي البَرَكَات في سَنَة أرْبَعٍ أو خمْسٍ وعشرين وسِّتمائة بدِمَشْق (b).
إسْمَاعِيْلُ بن أبي بَكْر
(3)
كان بِدَابِقَ حين وَلي عُمَرِ بن عَبْد العَزِيْز، وحَكَى عنه. رَوَى عن عَبْدَة بن أبي لُبَابَة، رَوَى عنهُ ضَمْرَةُ بن رَبِيْعَة.
أخْبَرَنا أبو جَعْفَر يَحْيَى بن جَعْفَر بن عَبْدِ اللَّه بن الدَّامَغَانِيّ، إجَازَةً أو سَمَاعًا،
(a) في الأصحل، ب بالدال: زادان، ويأتي صحيحًا في عديد المواضع فيما بعد.
(b) ساقطة من ب، ونسبه ابن فضل اللَّه العمري للحيص بيص، انظر: مسالك الأبصار 15: 696.
_________
(1)
الطبراني: المعجم الكبير 8: 34 (رقم 7388)، الحاكم: المستدرك 3: 285، الهيثمي: مجمع الزوائد 9: 305، المتقي الهندي: كنز العمال 11: 408 (رقم 31909).
(2)
تذكرة ابن العديم 257 - 258.
(3)
ترجمته في: الجرح والتعديل 2: 161، تاريخ ابن عساكر 8: 378 - 379، وزاد في اسمه: الرملي، تهذيب الكمال 3: 52، وفيه الرملي؛ تهذيب التهذيب 1: 285، تقريب التهذيب 1: 67، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 18.
قال: أخْبَرَنا أبي أبو مَنْصُور جَعْفَرُ، قال: أخبَرَنا أبو العِزّ بن المُخْتَار بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن المُذْهِب، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر أحْمَد بن جَعْفَر بن حَمْدَان، قال: حَدَّثَنَا أبو عبدِ الرَّحْمن عَبْدُ اللَّه بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل، قال: حَدَّثَنَا هَارُون بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عن إسْمَاعِيْلِ بن أبي بَكْر، قال: كُنْتُ بِدَابِق حين ماتَ سُليْمان ووَلِيَ عُمَرُ بن عَبْد العَزِيْز، رحمه الله، قال: قلتُ لأُهجِّرنَّ حتَّى أدْنُوَ فأسْمَعَ (a) خُطْبَةَ أَمِير المُؤمنِيْن، قال: فهجَّرتُ فلمَّا انْتَهَيْتُ إلى المَسْجِد إذا بالنَّاس مُنْصرفين قد صلّى بهم.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّطِيْف بن يُوسُف البَغْدَاديّ، فيما أَذِنَ لنا أنْ نَرُويَهُ عنْهُ، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الخُرَاسَانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ بن المُخْتَار، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن المُذْهِب، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر القَطِيْعِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بن أحْمَد، قال: حدَّثني الحَسَنُ بن عَبْد العَزِيْز، قال: كَتَبَ إلينا ضَمْرَة، عن إسْمَاعِيْلَ بن أبي بَكْر، قال: رأيْت عُمَرَ بن عَبْد العَزِيْز، رحمه الله، حينَ اسْتُخْلِفَ وعليه قَمِيْصُ مَلاحِف ورِدَاء مَلاحِف.
ذَكَرَ أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبي حَاتِم في كتاب الجَرْح والتَّعْدِيل
(1)
، وأنْبَأنَا به أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه، عن أبى القَاسِم الحافِظ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْد بن عَبْد اللَّه إجَازَةً، قال ابنُ مَنْدَة: وأخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن مُحَمَّد، قالا: أخْبَرَنا ابن أبي حَاتِم، قال: إسْمَاعِيْلُ بن أبي بَكْر، رَوَى عن عَبْدَة بن أبي لُبَابَة، رَوَى عنهُ ضَمْرَةُ بن رَبِيْعَة، يُعَدُّ في الشَّامِيِّيْن، سَمِعْتُ أبي وأبا زُرْعَة يقولان ذلك، وسَمِعْتُ أبي يَقُول: هو مَجْهُول.
(a) ب: أسمع.
_________
(1)
الجرح والتعديل 2: 161.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 379.
إسْمَاعِيْلُ بن أبي حَكِيم القُرَشِيّ، مَوْلاهُم المَدَنِيّ
(1)
قيل: إنَّهُ مَوْلَى عُثْمانَ بن عَفَّان، وقيل: مَوْلَى الزُّبَيْر بن العَوَّام، وكانَ يَصْحَبُ عُمَرَ بن عَبْد العَزِيْز، وكان معه بخُنَاصِرَة، وما زال في صُحْبته بالشَّام وبدَابِق، وسيَّره في الفِدَاء إِلِى القُسْطَنْطِينِيَّة، وقيل إنَّهُ [كان](a) كاتبًا له، واسْتَعْمله على بعض الأعْمَال، روى عن عُمَر بن عَبْد العَزِيْز، وسَعِيد بن المُسَيَّب، وعُرْوَة بن، الزُّبَيْر، والقَاسِمِ بن مُحَمَّد بن أبي بَكْر، وعَبِيْدَة (b) بن سُفْيان الحَضْرَميّ، وسَعيد بن مَرْجَانَة.
روَى عنهُ مَالِكُ بن أنَس، ومُحَمَّد بن إسْحاق، ويَحْيَى بن سَعيد الأنْصَاريّ، وزُهَيْر بن مُحَمَّد، وأبو الأسْوَد مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن، وعَبْدُ السَّلام بن حَفْصٍ، وجُوَيْرَيَة بن أسْماء، وإسْمَاعِيْل بن جَعْفَر، وعبد اللَّه بن سَعيد بن أبي هِنْد، والضَّحَّاك بن عُثْمان، ومُوسَى بن سَرْجِس، والحَارِث بن مُحَمَّد الفِهْريّ.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَرُ بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرْزَد البَغْدَاديّ (C)، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَةُ اللَّه بن مُحَمَّد بن الحُصَيْن، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إبْراهيم بن غَيْلان البَزَّاز، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه الشَّافِعيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا القَاضِي إسْماعِيْل بن إسْحاق، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أبي بَكْر، قال: حَدَّثَنَا أبو الأسْوَد حُمَيْد بن الأسْوَد، قال: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بن عُثْمان، عن إسْمَاعِيْلَ بن
(a) إضافة لازمة.
(b) ضبط المصنف.
(C) ساقطة من ب.
_________
(1)
توفي سنة 130 هـ، وترجمته في: طبقات خليفة 260، تاريخ خليفة 395، تاريخ البخاري الكبير 1: 350، تاريخ الطبري 2: 302، 4: 219، 6: 181، مشاهير علماء الأمصار لابن حبان 211، الجرح والتعديل 2: 164، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 126، تاريخ ابن عساكر 8: 383 - 390، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 11: 400، تهذيب الكمال 3: 63 - 66، تاريخ الإسلام 3: 370، الكاشف 1: 122، تهذيب التهذيب 1: 289، تقريب التهذيب 1: 68، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 19 - 20.
(2)
الغيلانيات (فوائد أبي بكر الشافعي)260.
أبي حَكِيمِ، عن القَاسِم بن مُحَمَّد، عن عائِشَةَ
(1)
: أنَّ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ما تضَوَّرْتُ من هذه اللَّيْلة إلَّا سَمِعْتُ في المَسْجِد صَوْتًا. فقُلتُ: يا رسُول اللَّهِ، تلك الحَوْلَاءُ بنْتُ تُوَيْتٍ لا تَنام إذا نام النَّاس، فذَكَرَ كَلَامًا حتَّى رأيتُ ذلك في وَجْهِهِ، وقال: إنَّ اللَّه لا يَمَلُّ حتَّى تَملّوا.
أنْبَأنَا أبو الحَجَّاج يُوسُفُ بن خَلِيل بن عَبْد اللَّهِ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعِيدٍ الرَّارَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَن بن أحْمَد الحَدَّادُ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أَخْبَرَنا أبو نُعَيْم الحافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الطَّبَرَانِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بن بُنْدَار، قال: حَدَّثَنَا سُليْمان بن دَاوُد المِنْقَريّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُمَر الوَاقِدِىّ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن إبْراهيم بن الحَارِث التَّيْمِيّ، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ بن أبي حَكِيم، قال: كُنَّا مع عُمَرَ بن عَبْدِ العَزِيْز بخُنَاصِرَة في يَوْم الفِطْر فأخرَج إلينا تَمْرًا، فقال: كُلُوا قبل أنْ تُعَيِّدُوا، فقُلنا له: عندك في هذا شيءٌ؟ فقال: نعم، حَدَّثَنى إبْراهيم بن عَبْد اللَّه بن قَارِظ (a)، عن أبي سَعيد الخُدْرِيّ، رضي الله عنه، أنَّ رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يَطْعَمُ يَوْم الفِطْر قَبْل أنْ يُعَيِّد (b)، ويأمُرُ النَّاسَ بذلك.
لا يُرْوَى هذا الحَدِيْث عن عُمَر بن عَبْد العَزِيْز إلَّا بهذا الإسْنَاد؛ تفرَّد به (c) الوَاقِدِيُّ.
(a) ب: قارط.
(b) الطبراني: قبل أن يغدو.
(c) ساقطة من ب.
_________
(1)
رواه مالك في الموطأ 1: 118 (رقم 4) عن إسماعيل بن أبي حكيم، ورواه مسلم 1: 542 (رقم 785)، والطبراني في الكبير 24: 222، وابن حبان 3: 74 (رقم 359)، 6: 322 (رقم 2586)، والأصبهاني: حلية الأولياء 2: 65، كلهم من طريق عروة عن عائشة. وانظر: المسند الجامع 19: 482 (16309).
(2)
المعجم الأوسط 4: 384 (رقم 4502).
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، عن أبي البَرَكَات عَبد الوَهَّاب بن المُبارَك الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن الحَسَن بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن رَبَاح بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحْمَد بن حَمَّاد، قال: حَدَّثَنَا مُعاوِيَةُ بن صالح، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن يقول في تَسْمِيَةِ تَابِعي أهْل المَدِينَة ومُحَدِّثيهم: إسْمَاعِيْل بن أبي حَكِيم، وأخُوه إسْحاق بن أبي حَكِيم لم يَعْرفه يَحْيَى.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل بن نَاصر، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، وأبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، وأبو الغَنائِم مُحَمَّد بن عليّ، واللَّفْظ له، قالوا: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ -زَادَ ابنُ خَيْرُون: ومُحَمَّد بن الحَسَن الأصْبَهَانِيّ- قالا: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن سَهْلٍ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ
(1)
، قال: إسْمَاعِيْل بن أبي حَكِيم مَوْلَى عُثْمان بن عَفَّان، مَدَنِيُّ قُرَشِيُّ، عن سَعيد بن المُسَيَّب، وعَبِيْدَة بن سُفْيان، رَوَى عنهُ مالك، ومُحَمَّد بنِ إسْحاق. وقال مُحَمَّدُ بن سَلَمَة: إسْمَاعِيْلُ بن حَكِيم، وهو وهْمٌ، وقال لنا المَكّيّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بن سَعيد عن إسْمَاعِيْلَ بن أبي حَكِيم مَوْلَى الزُّبَيْر، وسَمعَ عُمَرَ بن عَبْد العَزِيْز.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح نَصْرُ اللَّه بن مُحَمَّد، إجَازَة إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: حَدَّثَنَا أبو الفَتْح نَصْرُ بن إبْراهيم المَقْدِسِيّ، قال: أخْبَرَنا سُلَيمِ بن أيُّوب الرَّازِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر طَاهِر بن مُحَمَّد بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا عليُّ بن إبْراهيم بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا يَزِيد بن مُحَمَّد بن إِيَاس
(2)
، قال: سَمِعتُ مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن أبي بكر المُقَدَّمِيّ يَقُول: إسْمَاعِيْل بن أبي حَكِيم، رَوَى عنهُ مَالِكُ بن أنَسٍ وأهل المَدِينَة، كان كاتب
(1)
تاريخ البخاري الكبير 1: 350.
(2)
في كتابه طبقات محدثي الموصل، وهو كتاب مفقود، ولم يذكره في كتابه تاريخ الموصل.
عُمَر بن عَبْد العَزِيْز حين كان عُمَرُ أمير المَدِينَةِ.
أخْبَرَنا أبو حفص عُمَرُ بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد إذْنًا، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، عن أبي الحَسَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَخْلَد، قال: أخْبَرَنا علي بن مُحَمَّد بن خَزَفَة، قال: أَخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانيّ قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي خَيْثَمَة
(1)
، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن يقُول: إسْمَاعِيْل بن أبي حَكِيم، يقال له: مَوْلَى الزُّبَيْر (a)، وهو مَولَى أُمّ خَالِد بنت خَالِد بن سَعيد بن العَاص، تزوَّجَها الزُّبَيْر، وكان معهم فقيلَ موْلَى الزُّبَيْر.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الحَسَن (b) بن مُحَمَّد بن الحَسَن، فيما أَذِنَ لنَا في روَايتهِ، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(2)
، قال: أخْبَرَتْنا أُمُّ البَهَاء فاطِمَةُ بنتُ مُحَمَّد بن أحْمَد بن البَغدَاديّ، قالت (c): أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن مَحْمُود، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر الزَّرَّاد، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بن سَعْد، قال: حَدَّثَنا عَمِّي، عن أَبِيهِ، عن ابن إسْحاق، قال: إسْمَاعِيْل بن حَكِيم مَوْلَى آلِ الزُّبَيْر.
وقال الحافِظُ أبو القَاسِم
(3)
: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه الخَلَّالُ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْد بن عَبدِ اللَّه إجَازَةً، ح.
قال: وأخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن مُحَمَّد الفَأْفَاء، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم
(4)
، قال: إسْمَاعِيْلُ بن أبي حَكِيم، مَوْلَى عُثْمان بن عَفَّان، مَدَنِيُّ، رَوَى عن القَاسِم بن مُحَمَّد، وعُمَر بن عَبْد العَزِيْز، وعَبِيْدَة بن سُفْيان
(a) تاريخ ابن أبي خيثمة: مولى آل الزبير.
(b) ب: الحسين.
(c) في الأصل، ب: قال.
_________
(1)
تاريخ ابن أبي خيثمة 2: 335.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 387.
(3)
تاريخ ابن عساكر 8: 388.
(4)
الجرح والتعديل 3: 164.
الحَضْرَميّ، وسَعِيد بن المُسَيَّب، وسَعِيْد بن مَرْجَانَة.
رَوَى عنهُ مالك، ويَحْيَى بن سَعيد الأنْصَاريّ، ومُحَمَّد بن إسْحاق، وعبد اللَّه بن سَعيد بن أبي هِنْد، سَمِعْتُ أبي وأبا زُرْعَة يقولان ذلك. قال أبو مُحَمَّد: رَوَى عنهُ زُهَيْر بن مُحَمَّد. ذَكَره أبي، عن إسْحاق بن مَنْصُور، عن يَحْيَى بن مَعِيْن، قال: إسْمَاعِيْلُ (a) بن أبي حَكِيم، صالِحٌ. قال: وسُئِلَ أبي عن إسْمَاعِيْل بن أبي حَكِيم، فقال: يُكْتَب حَدِيْثُه، كان عَامِلًا لعُمر بن عَبْد العَزِيْز.
وقال الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الوَاسِطِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الأُشْنانِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن أحْمَدَ بن مُحَمَّد بن عُبْدُوْس، قال: سَمِعْتُ عُثْمانَ بن سَعيد الدَّارمِيِّ
(3)
يَقُول: سَألْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن، قُلتُ: فإسْمَاعِيْل بن أبي حَكِيم؟ فقال: ثِقَةُ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْنِ الكِنْدِيّ، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا سُليْمانُ بن إسْحاق بن إبْراهيم الجلَّاب، قال: حدَّثَنَا الحَارِثُ بن أبي أُسامَة، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَعْدٍ، قال: في الطَّبَقَةِ الرَّابِعة من أهْل المَدِينَة إسْمَاعِيْل بن أبي حَكِيم، مَوْلَى لبني عَدِيٍّ بن نَوْفَل بن أسَد بن عَبْد العُزَّى بن قُصَيّ، مَنْ لا يَعْرِف ولاءَهُم نَسَبَهم إلى وَلاءِ آلِ الزُّبَيْر بن العَوَّام، وكان كاتبًا لعُمَرَ بن عَبْد العَزِيْز، وتُوفِّيَ سَنَة ثلاثين ومائة، وكان قليل الحَدِيْث.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَرُ بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسمِ بن
(a) ب: إسحاق.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 388.
(2)
لم أقف عليه في كتب الخطيب البغدادي، ونقله عنه ابن عساكر في تاريخه 8:388.
(3)
تاريخ الدارمي 72.
الحُصَيْن، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب بن غَيْلان، قال: أخبَرَنا أبو بَكْرٍ الشَّافِعيّ
(1)
، قال: ومن حديث إسْمَاعِيْل بن أبي حَكِيم عن القَاسِم بن مُحَمَّد قال الوَاقِدِيّ: هو مَوْلَى لآلِ الزُّبَيْر بن العَوَّامِ، وكان كاتبًا لعُمَرَ بن عَبْد العَزِيْز، وتُوفِّيَ في سَنَة ثلاثين ومائة، وكان قليل الحَدِيْث.
أنْبَأنَا عُمَرُ بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقنديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن البُسْرِيّ، عن أبي طَاهِر المُخَلِّص، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد عُبَيْدُ اللَّه بن عبدِ الرَّحْمن السُّكَّرِيّ، قال: أخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن المُغِيرَة، قال: أخْبَرَني أبي مُحَمَّد بن المُغِيرَة، قال: حَدَّثَني أبو عُبَيْد القَاسِم بن سَلَّام، قال: سَنَةَ ثلاثين ومائة، فيها مات إسْمَاعِيْلُ بن أبي حَكِيم، وهو مَوْلَى آل الزُّبَيْر بن العَوَّام، وكان كاتبَ عُمَرَ بن عَبْد العَزِيْز.
أخْبَرَنا عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد القَاضِي إذْنًا، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، عن عَبْد العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن أحْمَد المَقَابِرِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن إسْحاق الأنْصَاريّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّه بن نُمَيْر، قال: ماتَ يَزِيد بن روْمَان وإسْمَاعِيْل بن أبي حَكِيم سَنة ثَلاثين ومائة.
أنْبَانَا عبدُ الصَّمَد، عن أبي مُحَمَّد، عن عَبْد العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن مُحَمَّد بن الغَمْر، قال: أخْبَرَنا أبو سُليْمان بن زَبْر
(2)
، قال: قال الوَاقدِيّ: وفيها -يعني سَنَة ثلاثين ومائة- ماتَ إسْمَاعِيْل بن أبي حَكِيم، وذَكَرَ أنَّ أباهُ أَخْبَرَهُ عن الحاَرِث عن مُحَمَّد بن سَعْد عن الوَاقِدِيّ بذلك.
(1)
الغيلانيات (فوائد أبي بكر الشافعي)260.
(2)
تاريخ مولد العلماء 126.
أنْبَأنَا أبو البَرَكاَت بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر اللَّفْتُوانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عُمَر، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا، قال: حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سَعْد، قال: في الطَّبَقَةِ الرَّابعة من أهل المَدِينَة إسْمَاعِيْلِ بن أبي حَكِيم، مَوْلَى لآلِ الزُّبَيْر بن العَوَّام، وكان كاتبًا لعُمَر بن عَبْد العَزِيْز، تُوفِّي سنَة ثلاثين ومائة.
قال عليّ بن الحَسَن
(2)
: أخْبَرَنا أبو غَالِب المَاوَرْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن (a) السِّيْرَافيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن إسْحاق النَّهَاوَنْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عِمْران بن مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَة بن خَيَّاط
(3)
، قال: وفي سَنَةِ ثلاثين مات إسْمَاعِيْلُ بن أبي حَكِيم بالمَدِينَة.
قال علِيّ بن الحَسَن
(4)
: أخْبَرَنا أبو الأعَزّ قَرَاتكيْن بن الأَسْعَد، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن لُؤْلُؤ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن الحُسَين بن شَهرَيَار، قال: حَدَّثَنَا أبو حَفْصٍ الفَلَّاس
(5)
، قال: ومات إسْمَاعِيْلُ بن أبي حَكِيم، ويَزِيْد بن رُوْمَان في سَنة ثلاثين ومائة.
أنْبَانَا أبو عليّ الأَوَقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا المُبارَكُ بن عَبْد الجَبَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الحَرْبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الصَّفَّار، قال: أخْبَرَنا أبوِ الحُسَين عَبْد البَاقِي بن قَانِع، قال: سَنَةَ ثلاثين ومائة إسْمَاعِيْل بن أبي حَكِيم، موْلَى آل الزُّبَيْر بن العَوَّام، نَزَل المَدِينَة، يعني مات.
(a) ب: أبو الحسين.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 8: 389.
(2)
تاريخ ابن عساكر 8: 390.
(3)
تاريخ خليفة 395، وطبقاته 260 وفيهما: سنة ثلاثين ومئة.
(4)
تاريخ ابن عساكر 8: 390.
(5)
تاريخ أبي حفص الفلّاس 252.
إسْمَاعِيْلُ بن أبي خُرَاسَان
غَزَا بلادَ الرُّوم واجْتازَ بحَلَب أو بعَمَلها، رَوَى عنهُ جَعْفَر بن مُحَمَّد الفَسَوِيّ.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن مُحَمَّد بن المبُارَك بن الأخْضَر، في كِتَابِهِ إليْنَا من بَغْدَاد، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح عَبْدُ المَلِك بن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد الكَرُوخِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو إسْمَاعِيْلَ عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْقُوب، قال: أخْبَرَنا جَدِّي، قال: أخْبَرَنا يعقُوبُ بن إِسْحاق، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عَبْدِ اللَّه بن مَاهَان، قال: حدَّثَنَا جَعْفَرُ -هو ابن مُحَمَّد الفَسَوِيّ- قال: سَمِعْتُ إسْماعِيْلَ بن أبي خُرَاسَان يَقُول: كُنَّا إذا تَوَسَّطْنا أرْضَ الرُّوم اجْتَمَعْنا فقُلنا: لا إلَه إلَّا اللَّه، على الكَرَابِيْسِيّ لَعْنَةُ اللَّه.
إسْمَاعِيْلُ بن أبي الخَيْر بن الفَضْل بن خَلَف بن عَبْد اللَّه بن يَعْقُوب الكَفْرطَابِيّ الأصْل، الحَمَوِيّ المَوْلدِ والمَنْشأ، أبو الفَضْل الحَكِيم، المَعْرُوف بالمُهَذَّب
(1)
كان عَارِفًا بالطِّبّ والمُعَالَجة، ويَرْجعُ إلى دِيْن وأدَبٍ، وكان عَبْد اللَّه بن خَلَف بن عَبْد اللَّه النَّحْوِيّ المَعْرُوف بسَطِيْح -وَسَنَذْكُر تَرْجَمَتهُ
(2)
فيما يأتي من كتابنا هذا- جَدَّهُ لأُمِّه وعَمَّ أبيهِ.
قَدِمَ إلينا إلى حَلَبَ مِرَارًا، ثمّ أقام بالقَاهِرَة يَطِبُّ النَّاسَ، واجْتَمَعْتُ به مِرَارًا مُتَعدِّدةً، وكتبتُ عنه شَيئًا من أحْوَال جَدّه، ورَوَى شيئًا يَسِيْرًا بالقَاهِرَة،
(1)
توفي سنة 651 هـ، وترجمته في: صلة التكملة للحسيني 1: 376، وسماه:"إسماعيل بن أبي الخير الفضل بن أبي الفضل بن خلف"، الذهبي: تاريخ الإسلام 14: 705، وسماه:"إسماعيل بن الفضل بن أبي الفضل بن خلف"، الوافي بالوفيات 9: 185، وفيه:"إسماعيل بن الفضل بن أبي الفضل بن خلف".
(2)
ترجمة سطيح النحوي في الضائع من كتاب.
وكُتِب عنه. وكان كَيِّسًا، حَسَنَ الأخْلَاق.
تُوفِّي يَوْم السَّبْت ثَامن عَشر صفَر من سَنَة إحْدَى وخَمْسِين وستمائة بالقَاهِرَة.
إسْمَاعِيْل بن أبي الفَتْح السِّنْجَارِيّ
(1)
شَاعِرٌ، حَسَنُ المُحاضَرَة، اجْتَمَعْتُ بهِ بِسِنْجَار، ورَوَى لنا عن المُعْتَمد طَاهِر بن مُحَمَّد العَتَّابِيّ شَيئًا من شعْره، وأنْشَدَنا من شِعْره أيضًا نفسِه (a)، وذَكَرَ لي أنَّهُ دَخَلَ حَلَب صُحْبَة نُور الدِّين ابن عِمَاد الدِّين صاحب قَرْقِيسِيا بَعْدَ سَنَة ثلاث عَشْرة وستمائة، حين كان المَلِك الأشْرَفُ مُوسَىَ بن أبي بَكْر بن أَيُّوب بحَلَبَ.
أنْشَدَني مَجْد الدِّين إسْمَاعِيْل بن أبي الفَتْح السِّنْجَارِيّ بها، قال: أنْشَدَني طَاهِرُ العَتَّابِيّ لنَفْسِه، وكان له رَسْمٌ في شَهْر رَجَب على بني مُهاجِر بالمَوْصِل، فجاءَ رَجَب في بعض السِّنِيْن، فأعْرَضُوا عنه ولم يُعْطُوه شيئًا، فقال فيهم، وأنْشَدنيهِ لنَفْسِه:[من المنسرح]
يا عُصْبَةً عن مودَّتي هَرَبُوا
…
عُودُوا إلينا فقَد مَضَى رَجَبُ
عُودُوا إلينا فالمالُ في دَعَةٍ
…
لا فِضَّةٌ بينَنا ولا ذَهَبُ
أنْشَدَني إسْمَاعِيْلُ بن أبي الفَتْح السِّنْجَارِيُّ بها لنَفْسِه: [من الطويل]
أمَانِيُّ نفسٍ ليسَ تُقْضَى عُهُودُها
…
وآمال دَهْرٍ لسِ يَدْنُو بَعِيْدُها
ودِيْمَةُ أضْغَانٍ تَسُح بسَاحَتي
…
بَوارقُها مَشْبُوبَةٌ ورعُودُها
تَحُوكُ رياضَ الضَّيْم لي فأعَافُها
…
وتُخْلِي (b) مَرَاعي الهَمَّ لي فأرُودُها
(a) ب: لنفسه.
(b) ب: وتجلي.
_________
(1)
توفي نحو سنة 650 هـ.
كأنَّ اللَّيالِي أقْسَمَتْ لا تُحِلُّنِي
…
بدَارٍ ولم يَذْعَر سَوَامِيَ سِيْدُها
سَئْمتُ المَقامَ في عِرَاصِ أُهَيْلها (a)
…
صُدُورهُم تَغْلِي عليَّ حقُودُها
أُنَاسِيْهِم بَغْضَاءَهُم لي مُغَالطًا
…
وأسْألهم في حَاجةٍ لا أرِيدُها
وأصْرِفُ طَرْفي أنْ يَشِيْم برُوقَهُم
…
وأمْنَعُ نَفْسِي رفدَهم وأذُودُها
وفي حَشَرات الأرْض واللَّيْثُ سَاغبٌ
…
مطَاعم لو أنَّ الفربر يَصِيْدُها
عَذيري من دُنيا أحاولُ وَصْلَهَا
…
وقد شَفّني هجرانُها وصُدُودُها
تُحَمِّلُني مَكْرُوهَها مُتَتابعًا
…
كأنِّي ممَّا ساءَنِي أَسْتَزِيْدُها
تَرُوحُ على أهْلِ الصَّلَاحِ نُحُوسُها
…
وتَغْدُو إلى أهْلِ الفَسَاد سُعُودُها
فبُعْدًا لأثْوَاب السَّلامة ملْبَسًا
…
إذا فُوِّفَتْ للخَالعين بُرُودُهَا
وسحْقًا لأرْضٍ تُنْبِتُ الذُّلَّ تُرْبها
…
وتَعْلُو على الأحْرَار فيها عَبْيدُها
يَظَلُّ بها الفَدْمُ الغَبيُّ يَسُوسُهَا
…
ويُمْسِي بها النِّكْس الدَّنِيّ يَسُودُها
ولا حُرْمَةُ الرَّاجينَ تُقْضَى حُقُوقُها
…
ولا ذِمَّةُ اللَّاجئين تُرْعَى عُهُودُها
ألَا لَيْتَ شِعْري هَلْ تُحلّ عُرَى النَّوَى
…
وتبيَضَّ من أَيَّامها النُّكد سُودُها
وتَحْيَى حُشَاشَات المَطَالِب بعدَما
…
تَطَاول في طَيّ الإيَاسِ هُمُودُها
وأَعْدُو العَوَادِي وهي خُزرٌ عُيُونها
…
وأخْطُو الأعَادِي وهي صُعْرٌ حُدُودُها
تُوفِّي إسماعِيْلُ بسِنْجَار في حُدُود الخَمْسِين والسِّتّمائة.
إسْمَاعِيْلُ بن أبي مَسْعُود
(1)
أحَدُ العُلَمَاءِ المَذْكُورين، قَدِمَ نَوَاحِي حَلَب إلى عَسْكَر المَأْمُون وهو طَالِبٌ
(a) ب: أهليها.
_________
(1)
كان حيًا سنة 218 هـ وهي السنة التي أُرْسل للامتحان فيها، أورد ذكره ضمن الممتحنين الطبري في تاريخه 8: 634، وابن الأثير: الكامل 6: 423.
الغَزَاة إلى بَلَدِ الرُّوم؛ أشْخَصَهُ إليه إسْحاقُ بن إبْراهيم بن مُصْعَب، سَابِعَ سَبْعَةٍ ليَمْتَحنَهُم بالقَوْل بخَلقِ القُرآن.
إسْمَاعِيْلُ بن أبي مُوسَى
غَزَا الصَّائِفَةَ مع سُليْمان بن هِشَام بن عَبْد المَلِك، واجْتازَ معه في غَزَاته بناحية حَلَب، وأخْبَر عن تلك الغَزَاة. حَكَى عنه الوَليِد بن مُسْلِم.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَاتِ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو تُرَاب حَيْدَرةُ بن أحمد، وأبو مُحَمَّد هِبَةُ اللَّه بن أحْمَد الأنْصَاريَّان، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الصُّوْفيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي العَقَبِ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن إبْراهيم القُرَشِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَائِذ، قال: قال الوَليِدُ: وأخْبَرَني إسْمَاعِيْلُ بن أبي مُوسَى أنَّهُ كان فيمَن غَزَا مع سُليْمان بن هِشَام صَائِفَةً من تلك الصَّوائِف، فقَصَدَ إلى عَمُّورِيَّة، فلمَّا دنَوا منها نادَى مُنَادِيهِ: أيُّها النَّاسُ، أظهرُوا سِلَاحَكم فإنَّكُمُ سَتُفَضُونَ غَدًا على عَمُّورِيَّة، قال: فأصْبَحْنَا على ظَهْر قد أظْهَرنا السِّلاحَ (a)، فبينا سُليْمانُ في مَوْكِبهِ، وخُيُول الأجْنَادِ على رَاياتِهم مَيْمَنَةً ومَيْسَرةً، لم يرعْنا إلَّا بخُيُولِ عَمَّورِيَّةَ، نَحْو من عَشْرةِ آلاف، فشَدُّوا على مَنْ بَيْن يَدىِ سُليْمان حتَّى صيَّروهُم إلى سُليْمان، فوقفَ سُليْمانُ وثارَت الأبْطَالُ، فشَدُّوا عليهم حتَّى هَزَمَهُم اللَّه، وتبعْنَاهُم نَقْتلُهُم حتَّى أدْخَلْنَاهم مَدِينَة عَمُّورِيَّة.
(a) ب: سلاحنا.
_________
(1)
ترجمته في الضائع من تاريخ ابن عساكر، واستدركه المحقق نقلًا عن ابن العديم 71:322.
ذِكْرُ مَنْ لم يَنْتَه إلينا اسْمُ أبيهِ ممَّن اسْمُه إسْمَاعِيْل
إِسْمَاعِيْل الجَعْفَرِيّ الكُوْفيّ
(1)
قَدِمَ المِصِّيْصَةَ، ولَقي بها أبا إسْحاق الفَزَارِيّ سَنَةَ إحْدَى وثَمانين ومائة، حَكَى عنه سَعِيدُ بن رَحْمَة بن نُعَيْم المِصِّيْصيُّ.
أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَنُ بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحمدُ بن مُحَمَّدُ السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أحْمَد الرَّازِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّدُ بن سَلامَة بن جَعْفَر القُضاعيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن يَحْيَى بن الحاَرِث السَّعْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبي مُحَمَّد، قال: حَدَّثَني أبي عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد (a) بمَنَاقِب أبي حَنِيْفَة رضي الله عنه، وقال فيه: حدَّثَني مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن حَمَّاد، قال: سَمِعْتُ سَعِيد بن رَحْمَة بن نُعَيْم المِصِّيْصيّ يَقُول: خَرَجَ عَبْدُ اللَّه بن المُبارَك من المِصِّيْصَة في شَعْبان سَنَة إحْدَى وثَمانين فشَيَّعَهُ أبو إسْحَاق الفَزَارِيّ، ومَخْلَدُ بن الحُسَين، وعليّ بن بَكَّار مُشَاةً إلى باب الشَّام يَبْكُونَ، ثمّ قَدِمَ علينا إسْمَاعِيْلُ الجَعْفَريّ الكُوْفيّ فقال لأبي إسْحاق: يا أبا إسْحاق، شهدْتُ عَبْدَ اللَّه بن المبُارَك بهِيْت وِقد خَرَجَ عَلِيْلًا من السَّفِيْنَةِ فماتَ بها لَيْلَةَ الثّلاثَاء لصَبِيْحَة الأرْبَعَاء لثلاث عَشْرة مضَتْ من رَمَضَان، فبَكَى أبو إسْحاق بُكَاءً شَدِيْدًا، وجَزع، وعَزَّاهُ النَّاسُ.
إسْمَاعِيْلُ الدَّيْلَمِيُّ
(2)
كان بطَرَسُوسَ، وحَكَى مَنامًا رَآهُ لجَعْفَر المُتُوَكِّل، رَوَاهُ عنه سَعيدُ بن عُثْمان الحنَّاط.
(a) من قوله: "ابن أحمد بن يحيى. . . " إلى هنا ساقط من ب.
_________
(1)
توفي بعد سنة 181 هـ.
(2)
لعله إسماعيل بن يوسف أبو علي الديلمي الى الزاهد العابد (ت 255 هـ)، انظر ترجمته عند: ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة 1: 107 - 108، ابن الجوزي: المنتظم 12: 90 - 91، صفة الصفوة 2: 412 - 414، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 15: 350، تاريخ الإسلام 5: 1091، الوافي بالوفيات 9:245.
أخْبَرَنا أبو إسْحاقَ إبْراهيمُ بن بَرَكات بن إبْراهيم بن طَاهِر، وأبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن أبِي مَنْصُور بن نَسِيم الشَّافِعيّ، إجازَةً من كُلِّ واحدٍ منهما، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبدُ الرَّزَّاق بن نصْر بن المُسَلَّم بن نَمْر النَّجَّار، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن أحْمَد بن عليّ بن صَابِر السُّلمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عبد الرَّحْمن بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن إبْراهيمِ الحِنَّائِيّ، قال: أخْبَرَنا أبي، قال: أخْبَرَنا عليّ بن عَبْد القَادِر الطَّرَسُوسِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْدِ اللَّه عليّ بن المُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا أبو الفَضْل مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن سَهْل النَّيْسَابُوريّ، قال: حَدَّثَنَا سَعيدُ بن عُثْمان الحنَّاط، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ الدَّيْلَمِيّ، قال: رأيْتُ جَعْفَرَ المُتَوَكِّل على اللَّه بطَرَسُوسَ في النَّوْم، وهو في نُورٍ جَالِسٌ، فقُلتُ: المُتَوَكِّلُ؟ قال: المُتَوَكِّلُ، قُلْتُ: ما فَعَل اللَّهُ بك؟ قال: غَفَرَ لي. قُلتُ: بماذا؟ قال: بقليلٍ من السُّنَّة أحْيَيْتُها.
أسْمَيْفَع بن بَاكُورَا
(1)
هو ذُو الكَلَاع الحِمْيَرِيُّ، شَهِدَ صِفِّيْنَ، وَسَنَذكُرهُ في حَرْف الذَّالِ
(2)
إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى.
(1)
قيَّده ابن عساكر: تاكورذا، تاريخ ابن عساكر 9: 62، وذكره باسمه أسميفع، وأحال على ترجمته في حرف الذال 17: 482 - 397، وقيده هناك: باكورا. وترجمته في: كتاب وقعة صفين لابن مزاحم 60 وما بعدها (وانظر فهرس الأعلام 569)، طبقات ابن سعد 7: 440 (وفيه: سُميفع بن حوشب)، المحبر 75، 232 - 233 وفيه: سميفع بن ناكور، المعارف 421، (وفيه: سميفع بن ناكور)، الفتوح لابن أعثم 2: 397، 426، الاستيعاب 2: 471 (وفيه: أيفع بن ناكور)، أسد الغابة 2: 143 - 144 وفيه: أسميفع بن ناكور، الوافي بالوفيات 14: 46 - 47، الإصحابة 2: 183 وقيَّد اسمه بالحروف مجودًا على نحو ما كتبه ابن العديم، محسن الأمين: أعيان الشيعة 1: 490 - 491.
(2)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ أَسْوَدُ
الأَسْوَدُ بن حَبِيْب بن حمَايَة بن قَيْس بن زُهَيْر الغَطَفَانِيُّ العَبْسِيُّ
(1)
شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليّ رضي الله عنه، وكان من رُؤَسَاءَ قَوْمهِ، وأُولي الذِّكْرِ والنَّبَاهَة، وقد ذَكَرْناهُ في تَرْجَمَةِ عَيَّاش بن شَرِيك
(2)
، فيما يَأتي في كتابنا هذا إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى.
الأَسْوَدُ بن رَبِيْعَة
(3)
أحَدُ بني رَبِيْعَة بن مَالِك بن حَنْظَلَة، صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وقُتِلَ مع عليّ بن أبي طَالِب رضي الله عنه (a)، بصِفَّيْن، قالَهُ سَيْفُ بن عُمَر فيما حَكَاهُ عن ورْقَاء بن عبد الرَّحْمن الحَنْظَلِيّ، أوْرَده أَبو (b) حَفْص بن شَاهِين.
أنْبَأنَا أبو حَفْصٍ المُؤدِّبُ، قال: أخْبَرَنا أبوالقَاسِم ابن السَّمَرْقَنْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحسُين بن النَّقُّور البَزَّازُ (c)، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن المُخَلِّص، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عَبْد اللَّه بن سَيْف، قال: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بن يَحْيَى، قال: حَدَّثَنَا شُعَيْب بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا سَيْف بن عُمَر، عن وَرْقَاء بن عبدِ الرَّحْمن الحَنْظَلِيّ، قال
(4)
: قَدِمَ على رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم الأَسْوَدُ بن
(a) ب: مع علي رضي الله عنه.
(b) ساقطة من ب.
(c) الأصل: البزاز.
_________
(1)
ورد ذكره في كتاب وقعة صفين 260: ابن جمانة، وفي بعض نسخه: حمامة.
(2)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
(3)
توفي سنة 37 هـ، وترجمته في: تاريخ الطبري 4: 86، 91 - 92، 126 - 127، ابن الأثير: الكامل 2: 548 - 551، وأسد الغابة 1: 85 واسمه عندهما (الطبري وابن الأثير) ت الأسود بن ربيعة المقترب، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 441 - 443.
(4)
ابن الأثير: أسد الغابة 1: 85.
رَبِيْعَة، أحَدُ بني رَبِيْعَة (a) بن مَالِك بن حَنْظَلَة، فقال: ما أقْدمَكَ؟ قال: أتقَرَّبُ بصُحْبَتكَ، فتُركَ الأسْوَدُ، وسُمِّي المُتَقَرِّبُ، فصَحِبَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وشَهِدَ مع عليٍّ صِفِّيْنَ.
الأَسْوَدُ بن قَيْس
(1)
ذَكَرَ المَدَائِنِيُّ أنَّهُ شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليٍّ رضي الله عنه، رَوَى عن جُنْدَب بن سُفْيان (b) البَجَليّ، ونُبَيْح العَنَزِيّ، وثَعْلَبَة، روَى عنهُ عَبِيْدَةُ (c) بن حُمَيْد، وسُفْيان، وشُعْبَة.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد طَاهِرُ بن سَهْل بن بِشْر الإسْفَرَاينِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّدُ بن مَكِّيّ، قال: أخْبَرَنا جَدِّي أبو الحَسَن أحْمَد بن عَبْد اللَّه بن زُريق، قال: حَدَّثَنَا القَاضِي الحُسَين بن إسْمَاعِيْل الضَّبِّيّ ببَغْدَاد، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن سَوَادَة، قال: حَدَّثَنَا عَبِيْدَة -يعني ابن حُمَيْد- عن الأَسْوَد بن قَيْسٍ، عن جُنْدَب بن سُفْيان البَجَليّ، ثمّ العَلَقِيّ (d)،
(a) قوله: "أحد بني ربيعة" ساقط من ب.
(b) في تاريخ الثقات للعجلي والجرح والتعديل وتهذيب الكمال وتاريخ الإسلام: جندب بن عبد اللَّه، وهو ما يرد في آخر الترجمة.
(c) هكذا ضبطه المؤلف بفتح العين وكسر الباء، ومثله في تهذيب الكمال وتاريخ الإسلام؛ وهو الصحيح.
(d) ب: القلي، والصواب المثبت، منسوب إلى عَلَقة بن عبقر بن أنمار، بطن من بجيلة. انظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم 378.
_________
(1)
توفي بعد سنة 130 هـ، وترجمته في: كتاب وقعة صفين لابن مزاحم 456 - 457، تاريخ يحيى بن معين 3: 38، 3: 349، تاريخ الثقات للعجلي 67، الجرح والتعديل 3: 292، تهذيب الكمال 3: 229 - 330، وزاد في نسبه: العبدي، وقيل: البجلي، أبو قيس الكوفي، تاريخ الإسلام 3: 617 (الأسود بن قيس الكوفي)، الكاشف 1: 131، تهذيب التهذيب 1: 341 - 343، تقريب التهذيب 1:76.
أنَّهُ صَلَّى مع رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَوْم أضْحَى، قال
(1)
: فانْصَرف رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فإذا هو باللَّحْم وذَبَائح الأضْحَى. قال: فعَرِفَ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنَّها ذُبِحَت قبل أنْ يُصَلِّي، قال: فقال رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: مَنْ كان ذَبَح قبل أنْ يُصَلّى فليَذْبَح مكانها أُخْرى، ومَنْ لم يكن ذَبَح حتَّى صَلَّيْنا فليَذْبح باسْم اللَّهِ.
أنْبَأنَا عليُّ بن المُفَضَّل (a)، عن الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا ثَابِتُ بن بُنْدَار، قال: أخْبَرَنا الحُسَينُ بن جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا الوَلِيدُ بن بَكْرٍ قال: حدَّثَنَا عليُّ بن أحْمَد الأطْرَابُلُسِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُسْلم -يعني صالح بن أحْمَد بن عَبْد اللَّه العِجْليّ- قال: حَدَّثني أبي
(2)
، قال: الأَسْوَد بن قَيْس، تَابِعيٌّ ثِقَةٌ، سَمِعَ من جُنْدَب بن عَبْد اللَّه.
وقال: حَدَّثني أبي، قال: الأَسْوَد بن قيس، حَسَنُ الحَدِيث، ثِقَة، رَوَى عن جُنْدَب بن عَبْد اللَّه، من أصْحَابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وهو في عدادِ الشُّيُوخ من كِبَار أصْحَاب سُفْيان.
(a) وردت هذه الرواية بهامش الأصل ولم تنقلها نسخة ب.
_________
(1)
صحيح مسلم 3: 1552 - 1552 (رقم 1960)، والتبريزي: مشكاة المصابيح 1: 463 (رقم 1472)، والزيلعي: نصب الراية 4: 212 (رقم 7154).
(2)
العجلي: تاريخ الثقات 67.
الأَسْوَدُ بن يَزيد بن قَيْس بن عَبْد اللَّهِ بن مَالِك بن عَلْقَمَة (a) بن سَلَامَان بن كُهَيْل بن بَكْر، أبو عَمْرو -وقيل: أبو عبد الرَّحْمن- النَّخَعِيُّ
(1)
أحَدُ التَّابِعِين، وقيل إنَّهُ أدرك النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يَرَهُ.
رَوَى عن أبي بَكْر، وعُمَرَ، وابنِ مَسْعُود، وبِلَالٍ، وعائِشَةَ.
رَوَى عنهُ ابنُه عبدُ الرَّحْمن، وعَبْد الرَّحمن بن يَزِيد بن جَابِر، وإبْراهيم النَّخَعِيّ، وأبو إسْحاق، وأشْعَث بن أبي الشَّعْثَاء، وكان من فُقَهاء الكُوفَة، وأعْيَانهم، وعُبَّادهم.
رَوَى الأَعْمَشُ عن عُمَارَة (b)، وسُئِلِ عن الأسْوَدِ، قال: كُنْتَ إذا نَظَرتَ إليه كأنَّهُ رَاهِبُ من الرُّهبَان، وشَهِدَ صفِّيْن مع عليّ عليه السلام.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ، قال:
(a) ب: علقمة بن مالك.
(b) ب: روى عن الأعمش بن عمارة.
_________
(1)
توفي سنة 75 هـ وقيل في السنة التي تليها والتي تليها، وترجمته في: طبقات ابن سعد 6: 70 - 75، تاريخ يحيى بن معين 3: 390، تاريخ الطبري 3: 390، 418 - 419، 3: 197، 511، 576، 4: 226، 309، 333، 352، العجلي: تاريخ الثقات 67 - 68، المعارف لابن قتيبة 433، الجرح والتعديل 3: 291 - 292، الثقات لابن حبان 4: 31، مشاهير علماء الأمصار لابن حبان 161، حلية الأولياء 2: 102 - 105، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 80، الاستيعاب 1: 92، ابن الجوزي: المنتظم 6: 167 - 168، صفة الصفوة 3: 23 - 24، تهذيب الكمال 3: 333 - 235، ابن الأثير: الكامل 1: 410، 439، 483، 563، 617، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 9: 160، تاريخ الإسلام 3: 789 - 790، سير أعلام النبلاء 4: 50 - 53، الكاشف 1: 133، تذكرة الحفاظ 1: 50 - 51، طبقات القراء 1: 27 - 28، الإعلام بوفيات الأعلام 46، معرفة القراء الكبار 1: 137 - 139، العبر في خبر مَن غبر 1: 63، الوافي بالوفيات 9: 256 - 257 (أرخ وفاته بين الثمانين والتسعين للهجرة)، ابن كثير: البدابة والنهاية 9: 12، الإصابة 1: 108 - 109، تهذيب التهذيب 1: 342 - 343، تقريب التهذيب 1: 77، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 171، السيوطي: طبقات الحفاظ 22، شذرات الذهب 1: 313، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 443 - 444.
أخْبَرَنا أبو شُجَاعَ عُمَرُ بن أبي الحَسَن البِسْطَامِيّ، وأبو حَفْص عُمَر بن عليّ الكَرَابِيْسِيّ، وأبو عليّ الحَسَن (a) بن بَشِير بن عَبْد اللَّهَ النَّقَّاشُ، قراءةً عليهم وأنا أسْمَعُ ببَلْخ، وأبو الفَتْح عبد الرَّشِيْد بن النُّعْمان بن عَبد الرَّزَّاق الوَلْوَالِجِيّ بسَمَرْقَنْد، قالوا: أخْبَرَنا الدِّهْقَان أبو القَاسِم أحْمَد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد البَلْخِيّ، قال: أخْبَرَنا الشَّريفُ أبو القَاسِم عليّ بن أحْمَد المَرَاغيّ (b)، قال: أخْبَرَنا الأدِيْبُ أبو سَعيد الهَيْثمَ بنُ كُلَيْب الشَّاشِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عِيسَى مُحَمَّدُ بن عِيَسى التِّرْمِذيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن المُثَنَّى، ومُحَمَّد بن بَشَّار، قالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جعْفَر، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عن أبي إسْحاق، قال: سَمِعْتُ عبدَ الرَّحْمن بن يَزِيد يُحَدِّثُ عن الأسْوَد بن يَزِيد، عن عائِشَةَ رضي الله عنها أنَّها قالت
(1)
: ما شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ من خُبْزِ الشَّعِير يَوْمَيْن مُتَتابعَيْن، حتَّى قُبِضَ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْد اللَّه بن عبد الصَّمَد، قال: أخْبَرَنا أبو الوَقْت عَبْد الأوَّل بن عِيسَى السِّجْزِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد الدَّاوُدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَمَّوِيّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو عِمْران عِيسَى بن عُمَر بن العبَّاس السَّمَرْقَنْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن عبد الرَّحْمن الدَّارِمِيّ
(3)
، قال: حَدَّثَنَا سَعيدُ بن الرَّبِيْع، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عن (c) أبي إسْحاق، قال: سَمِعْتُ
الأَسْوَد بن يَزِيد، ومَسْرُوقًا (d) يَشْهَدان على عائِشَة أنَّها شهدَتْ على رسُول اللَّه صَلَّى
(a) ساقطة من ب.
(b) في الأصل، ب: المُراعي، وصوابه بالغين المعجمة كما في أنساب السمعاني 12: 173، وفي تاريخ ابن عساكر 30: 17: الخزاعي، وكلاهما في نسبته.
(c) في الأصل: ابن، والمثبت من ب وسنن الدارمي.
(d) ب: مرزوقًا.
_________
(1)
صحيح مسلم 4: 2282 (رقم 22)، الجامع الكبير للترمذي 4: 174 (رقم 2357) وبهامشه مصادر كثيرة في تخريجه، كنز العمال للمتقي الهندي 7: 187 (رقم 18606)، وانظر: المسند الجامع 20: 414 - 416 (رقم 17324)، وفيه: تخريج الحديث من طرقه المختلفة.
(2)
نسبة إلى جده حَمُّويه لا إلى مدينة حماة.
(3)
سنن الدارمي 1: 334.
اللَّهُ عليه وسلَّم أنَّهُ لم يكُن عندها يَوْمًا إلَّا صَلَّى هاتين الرّكْعتَين، قال أبو مُحَمَّد: يَعْني (a) بعد العَصْر.
قال الدَّارِمِيّ
(1)
: أخْبَرَنا يَعْلَى، قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عن إبْراهيم، عن الأسْوَد، عن عائِشَةَ قالت: حَاضَتْ صَفِيَّةُ، فلمَّا كانت لَيْلَةَ النَّفْر قالت: آي حَلْقَى، آي عَقْرَى (b) بلُغَة لهم، فقال رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ألسْتِ قد طُفْت يَوْمَ النَّحْر؟ قالت: بلى، قال: فاركَبي.
أخْبَرَنا أبو الفُتُوح نَصْرُ بن أبي الفَرَج [الحُصْرِيّ](c) في كِتَابِهِ إليْنَا من مَكَّة، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّه الأَشِيْرِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو الوَلِيد بن الدَّبَّاغ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن عَبْد العَزِيْز بن ثَابِت، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن عبد البَرّ النَّمَرِيّ
(2)
، قال: حَدثَنَا خَلَفَ بن قاسم، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بن جَعْفَر بن الوَرْد، قال: حدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد البَشِيْريّ (d)، قال: حَدَّثَنَا عليُّ بن خَشْرَم، قال: قُلتُ لوَكِيع: مَنْ سَلمَ من الفِتْنَة؟ قال: أمَّا المَعْرُوفُونَ من أصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأرْبعةُ: سَعْدُ بن مَالكٍ، وعَبْدُ اللَّه بن عُمَر، ومُحَمَّدُ بن مَسْلَمَة، وأُسامَةُ بن زَيْد، وِاخْتَلط سائرهم، قال: ولم يَشْهَدْ أمرَهُم من التَّابِعِين إلَّا أرْبَعةُ: الرَّبيع بن خُثَيْم، ومَسْرُوقُ بن الأَجْدَع، والأَسْوَدُ بن يَزِيد، وأبو عَبْد الرَّحمن السُّلَمِيّ.
(a) سنن الدارمي: تعني.
(b) الدارمي: آي عقر.
(c) مطموسة في الأصل، وساقطة من ب.
(d) في الأصل: القشيري، والمثبت من الاستيعاب، والإكمال لابن ماكولا 1: 435، واللباب في التهذيب الأنساب 1: 158، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين 1: 509، وهو: أحمد بن محمد بن عبد اللَّه البشيري، أبو محمد.
_________
(1)
سنن الدارمي 2: 68، ورواه مسلم في صحيحه 2: 877 (رقم 128)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 3: 421 (رقم 1561)، واللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 1: 40 - 41 (رقم 759).
(2)
الاستيعاب 1: 77.
أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد (a) بن أبي المَعَالِي بن البَنَّاءِ، وأبو الحَسَن بن عُمَر بن حَمُّوْيَه، قالا: أخْبَرَنا أبو الفُتُوحِ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عليّ الطَّائيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْدُ اللَّه بن الحُسَين التُّوَيّيّ رحمه الله، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور مُحَمَّد بن عِيسَى، قال: أخْبَرَنا مَحْبُوبُ بن مُحَمَّد البَرْدَعِيِّ، قال: حَدَّثَنَا يحيى بن مُحَمَّد بن صَاعِد، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه بن المُبارك، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن طَلْحَة، وعَبْد الرَّحمن (b) بن مَرْوَان، أنَّ الأَسْوَدَ بن يَزِيد كان يَجْتهد في العِبَادة، ويَصُوم في الحَرِّ حتَّى يَخْضَرّ جَسَدهُ ويَصْفَرّ لونهُ، فقال له عَلقَمَة بن قيس: لَمَ تُعذِّب هذا الجَسَد؟ فيقول الأسْوَد: كَرَامَته أُريدُ، إنَّ الأمر جدٌّ، فجِدُّوا.
أخْبَرَنا عَتِيق السَّلَمَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ، ح.
وحَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحْمَد، عن أبي المَعَالِي بن صَابِر، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم النَّسِيب، قال: أخْبَرَنا رَشَاء بن نَظِيف، ح.
وأخْبَرَنا أبو القَاسِم بن بَنِيْن، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم البُوْصِيرِيّ، وأبو عَبْد اللَّه بن حَمْد (c)، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن الفَرَّاء -قال ابنُ حَمْد (d): إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيْز بن الحَسَن- قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّابُ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مَرْوَان
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عليّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مَعيْن
(2)
، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن اليَمَان، قال: حَدَّثَنَا حَنَشُ (e) بن الحَارِث، قال: رأيْت الأسْوَدَ بن يَزِيد قد سَالت (f) عَيْناهُ على خَدّيهِ من ظَمَأ الهَوَاجِر.
(a) ب: أبو عبد اللَّه بن محمد.
(b) ب: وعبد اللَّه.
(c) ب: حميد. وهو أبو عبد اللَّه مُحَمَّد بن حَمْد بن حامد الأرْتاحِيّ.
(d) ب: أحمد.
(e) ب: حبش.
(f) الأصل وب: سالتا، والمثبت عن كتاب المجالسة، وعند ابن معين: سالت عينه.
_________
(1)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 204.
(2)
تاريخ يحيى بن معين 2: 38، 3:390.
أنْبَأنا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر، عن الفَضْل بن سَهْلِ الحَلَبِيَ، قال: أنْبَأنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبرَنا البَرْقانيّ، قال: أخبرنا ابن خَمِيْروَيه، قال: أخْبَرَنا ابن إدْرِيس قال: قال ابن عَمَّار -يَعْني مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه المَوْصِليّ-: عَلْقَمَةُ والأسَوْد كانا صَالِحَين. قال ابن عَمَّار: حدَّثنا عُمَرُ بن أيُّوِب، عن مُحمّد بن عَبْد الرَّحمن بن ثَرْوَان قال: كان الأسْوَدُ يَجتهَدُ في العِبَادَة ويَصُوم في شِدَّة الحَرِّ حتى اخضَرَّ جَسَدُهُ واصْفرّ. فقال له عَلْقمةُ: وَيْحك! لِمَ تُعَذِّب هذا الجَسَدَ؟ فيقُول: الأمرُ جِدٌّ.
أنْبَأنَا نَصْرُ بن أبي الفَرَج، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد الحافِظ، قال: أخْبَرَنا القَاضِى أبو الوَلِيد بن الدَّبَّاغ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْدِ العَزِيْز بن ثَابِت، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن عَبْد البَرّ
(2)
، قال: الأَسْوَدُ بن يَزِيد بن قَيْس النَّخَعِيُّ، أدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُسْلِمًا ولَم يَرَهُ.
قال: رَوَى شُعْبَةُ، عن الأَعْمَش، عن إبْراهيم، عنِ الأَسْوَد، قال: قضَى فينا مُعَاذُ بن جَبَل باليَمَن ورسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حَيٌّ، في رَجُل تركَ ابنَتَهُ وأخْتَهُ، فأعْطَى الابْنَة النِّصْف وأعْطَى الأُخت النِّصْف.
ورَوى شُعْبَةُ أيضًا عن أشْعَثَ بن (a) أبي الشَّعْثَاء، عن الأَسْوَد بن يَزِيد مثْلَهُ، ولم يَقُل: ورسُولُ اللَّه حَيٌّ.
قال ابنُ عَبْدِ البَرّ
(3)
: والأَسْوَدُ بن يَزِيد هذا هو صاحبُ ابن مَسْعُود أدْرك الجَاهِلِيَّةَ، وهو مَعْدُودُ في كبار التَّابِعِين من الكُوْفيِّيْن، رَوَى عن أبي بَكْر، وعُمَرَ، وكان فَاضِلًا عَابِدًا، سَكَنَ الكُوفَة.
(a) ب: عن.
_________
(1)
لم أجده في كتب الخطيب البغدادي.
(2)
الاستيعاب 1: 92.
(3)
الاستيعاب 1: 92.
أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر عبد الرَّحيم بن عَبْد الكَريم في كتابهِ إلينا من مَرْوٍ، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الفَرَاوِيّ، ح.
وأخْبَرَنا القَاسِم بن عَبْد اللَّه في كتابهِ، قال: أخْبَرَتْنا عَمَّةُ أبي عائِشَةُ بنت أحْمَد، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن خَلَف، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه الحافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمّدُ بن عَبْدِ اللَّه الصَّفَّار، قال: حَدَّثَنَا أبو إسْمَاعِيْل السُّلَمِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا نُعَيْم الفَضْلَ بن دُكَيْن يقُول: والأَسْوَدُ بن يَزِيد سَنَة خَمْسٍ وسَبْعِين، يعني مات.
قَرَأتُ في تاريخ مُحَمَّد بن أحْمَد بن مهْدِي، في سَنَة خَمْسٍ وسَبْعين، قال: وفيها ماتَ أبو عبد الرَّحْمن الأَسْوَد بن يَزِيد بن قَيْسٍ النَّخَعِيّ، وهو ابن أَخي عَلْقَمَة بن قَيْس، وخَال إبْراهيم بن يزِيد النَّخَعِيّ. قال: والأسْوَدُ من أكَابِر أصْحَاب عَبْدِ اللَّه بن مَسْعُود رحمه الله، ويُقالُ إنَّهُ حَجّ واعْتَمَر ثَمانين حِجَّة وعُمْرة.
قَرَأتُ في كتاب الجَرْح والتَّعْدِيل لأبي مُحَمَّد بن أبي حَاتِم
(1)
، وأنْبَأنَا بهِ أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه بن عُلْوَان، عن أبي القَاسِم الحافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّهِ الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْد بن عَبْد اللَّه إجَازَةً، ح.
قال ابنُ مَنْدَة: وأخْبَرَنا أبو طَاهِرِ بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن مُحَمَّد، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم، قال: الأَسْوَدُ بن يَزِيد النَّخَعِيّ (a)، أبو عَمَرو، رَوَى عن أبي بَكْر الصِّدِّيْق، وعُمَرَ بن الخَطَّاب، روَى عَنْهُ ابنُه عبد الرَّحْمن بن الأَسْوَد بن يَزِيد، وإبْراهيم النَّخَعِيّ، يُعَدُّ في الكُوْفيِّيْن، سَمِعْتُ أبي يَقُول ذلك.
(a) زيد في نشرة الجرح والتعديل: الكوفي.
_________
(1)
الجرح والتعديل 2: 291.
حدثنا أبو (a) سَعيد الأَشَجّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن زَكَرِيَّاء بن إبْراهيم بن سُوَيْد النَّخَعِيّ، قال: حَدَّثَنَا أَبَانُ بن عِمْران النَّخَعِيّ، عن عبد الرَّحْمن بن الأَسْوَدِ، قال: حَدَّثَني أبي -وكانَ ثِقَةً- أنَّهُ صَلَّى خَلْفَ عُمَر بن الخَطَّاب.
وقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن حَمُّوْيَه بن الحَسَن، قال: سَمِعْتُ أبا طَالِب، قال: قُلتُ لأحْمَد بن حَنْبَل: الأسْوَد -يعني ابن يَزِيد-؟ قال: ثِقَةٌ من أهْل الخَيْر.
ذَكَره أبي عن يَحْيَى بن مَعِيْن أنَّهُ قال: الأسْوَدُ -يعني ابن يَزَيد- ثِقَةٌ.
أنْبَأنَا عليُّ بن المُفَضَّل، عن الحافِظ أبي طَاهِر، قال: أخْبَرَنا ثَابِت بن بُنْدَار، قال: أخْبَرَنا الحسُين بن جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا الوَلِيد بن بَكْر، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن أحْمَد الهاشِميّ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُسْلم صالح بن أحْمَد بن عَبْد اللَّه، قال: حَدَّثَني أبي
(1)
، قال: والأَسْوَدُ بن يَزِيد بن قَيْس النَّخَعِيّ، كُوفِيٌّ، تَابِعيٌّ، جَاهِليٌّ، وكان رَجُلًا صَالِحًا مُتَعَبِّدًا، فَقِيهًا.
وقالت عائِشَةُ: ما بالعِرَاق أحَدٌ أعْجْبُ إليَّ من الأسْوَد، وكانت عائِشَةُ تُكْرمهُ، وصَام حتَّى ذهَبَت إحْدَى عَيْنيهِ، فقال له عَلْقَمَة: ما تُعذِّب هذه النَّفْس؟ فقال: إنَّما أريدُ رَاحتها، وكان يَحجّ كُلّ سَنَة، فإذا حَضَرت الصَّلاةُ أنَاخ ولو على حَجَر، وهو ابن أخي عَلْقَمَة بن قَيْسٍ، وعَلْقَمَة أصْغَر منه، وهو زفَّ أُمّ عَلْقمَة إلى جَدِّه، وكان أحد أصْحاب عَبْد اللَّه الّذين يَقرؤُون، ويفتُون.
وقال: حَدَّثَنَا أبو مُسْلم، قال: حَدَّثني أبي أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا قَبِيْصَةُ بن عُقْبَة، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان، عن مَنْصُور بن إبْراهيم، قال: كان أصْحَابُ عَبْد اللَّه
(a) ب: ساقطة من ب.
_________
(1)
العجلي: تاريخ الثقات 67 - 68.
الّذين يَقْرؤِون ويفتُون ستّة: عَلْقَمَة، والأسْوَد، وعُبَيْدَة، وأبو مَيْسَرة، والحَارِث بن قَيْس، ومَسْرُوق بن الأَجْدَع.
أخْبَرَنا أبو عليّ الأوَقِيّ إجَازَةً، قال: أخْبَرنا الحافظُ السِّلَفِيِّ، قال: أخبرَنا المُبَارك بن عبْد الجبَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَنِ الحَرْبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الصَّفَّار، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ البَاقِي بن قَانِع أنَّ الأَسْود بن يَزِيد بن قَيْس النَّخَعِيّ ابن أخي عَلْقَمَة مات سَنَة ستٍّ وسَبْعِين.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ أَسِيْد وأُسَيْد
أَسِيْدُ بن عبد الرَّحْمن الخَثْعَمِيّ الفِلَسْطِيْنيّ
(1)
ورَوَاهُ بَعْضُهم بالشَّكّ: أَسِيْدًا وأُسَيْد.
قَدِمَ دَابِقَ، ولَقي بها رَجَاءَ بن حَيْوَة، ومَكْحُولًا، وحكَى عنهما وعن صالح بن جُبَيْر الفِلَسْطِيْنيّ، والعَلَاءَ بن زِيَاد، ومُقْبِلَ بن عَبْد اللَّه الفِلَسْطِيْنيّ، وفَرْوَة بنِ مُجَاهِد، وابن مُحَيْرِيْز، وخَالِد بن دُرَيْك، وأبي وَاقِد صالح بن مُحَمَّد اللَّيْثِيّ، وقيل لم يَرْو عن ابن مُحَيْرِيْز، وإنَّما رَوَى عن خَالِد عنه.
رَوَى عنهُ الأوْزَاعِيُّ، والمُغِيرَةُ بن المُغِيرَة الرَّمْليّ، وإسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش، وعبد اللَّه بن حَسَّان، وكانَ ثِقَةً قليل الحَدِيْث.
(1)
توفي سنة 144 هـ، وترجمته في: تاريخ البخاري الكبير 3: 14 - 15، المعرفة والتاريخ 3: 473، الثقات لابن حبان 6: 72 (وفيه: الخشعمي؛ تصحيف)، مشاهير علماء الأمصار لابن حبان 297، الجرح والتعديل 2: 317، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 140، الخطيب البغدادي: المتفق والمفترق 1: 488 - 490، تاريخ ابن عساكر 9: 99 - 104، تهذيب الكمال 3: 241، تاريخ الإسلام 3: 818، الكاشف 1: 132، تهذيب التهذيب 1: 346، تقريب التهذيب 1: 77، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 61 - 62.
أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْد اللَّهِ بن عبد الصَّمَد بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو الوَقْت عَبْد الأوَّل بن عيسَى بن شُعَيْب السِّجْزِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عبدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن المُظَفَّر الدَّاوُودِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن أحْمَد بن حَمُّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أبو عِمْران عِيسَى بن عُمَر، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّه بن عبد الرَّحْمن الدَّارِمِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أبو المُغِيرَة، قال: حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيّ، قال: حَدَّثَنَا أَسِيْدُ بن عبدِ الرَّحْمن، عن خَالِد بن دُرَيْك، عن ابن مُحَيْرِيْز، قال: قلتُ لأبي جُمْعَةَ -رَجُلٌ من الصَّحَابَة-: حَدِّثْنا حَدِيثًا سمِعْتَهُ من رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: نعم، أُحدِّثُك حَدِيثًا جَيِّدًا، تغَدَّينا معَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (a) ومعنا أبو عُبَيْدَة فقال: يا رسُول اللَّه، أحَدٌ خيرٌ منَّا، أَسْلَمنا وجَاهَدنا معك؟ قال: نعم، قَوْمٌ يكُونون بعدَكُم يُؤمنون بي ولَم يَروني.
أنْبَأنَا زَيْنُ الأُمَناء أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبرَنا عَمِّي الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزيز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبَو المَيْمُون بن رَاشِد، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة
(3)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن ابي أسامَة، قال: حَدَّثَنَا ضَمْرة، قال: حَدَّثَني عَبْدُ اللَّه بن حَسَّان، عن أَسِيْد بن عبد الرَّحْمن، قال: رأيْتُ مَكْحُولًا يُسَلِّم على رَجَاء بن حَيْوَة بدَابِق رَاجِلٌ ورَجَاء راكب، وهو يَقُول: يا أبا المِقْدَام عليك السَّلامُ، فما يردّ عليه.
(a) من قوله: "قال نعم. . . " إلى هنا ساقط من ب.
_________
(1)
سنن الدارمي 2: 308، وانظر: مسند أبي يعلى الموصلي 3: 128 (رقم 1559)، المستدرك للحاكم 4: 85، المعجم الكبير للطبراني 4: 22 (رقم 3537)، حلية الأولياء للأصبهاني 5: 148 - 149، مجمع الزوائد للهيثمي 10: 66، وانظر أيضًا: المسند الجامع 5: 61 (رقم 3248).
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 102.
(3)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1: 330.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد اللَّه الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد القَاسِم بن عليّ بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مَطَّكُود السُّوْسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه بن أبي الحَدِيْد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الرَّبَعِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عُمَيْر قراءةً، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن مَحْمُود (a) بن إبْراهيم بن سُمَيْع يقُول: في الطَّبَقَةِ الخاَمِسَة أَسِيْدُ بن عبد الرَّحْمن الخَثْعَمِيّ.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل مُحَمَّد بن نَاصِر، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، وأبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، وأبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، واللَّفْظُ له، قالوا: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الوَاسِطِيّ -زَادَ ابنُ خَيْرُون: وأبو الحُسَين الأصْبَهَانِيّ- قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن سَهْل، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّدُ بن إسْمَاعِيْل البُخارِيّ
(1)
، قال: أَسِيْدُ بن عبد الرَّحْمن الفِلَسْطِيْنيّ عن فَرْوَة بن مُجَاهِد، وابن مُحَيْرِيْز، روَى عنهُ الأوْزَاعِيُّ.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَرُ بن طَبَرْزَد، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، عن عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن أحْمَد المَحَامِلِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، ح.
قال ابنُ البَنَّاء: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الآبِنُوسِيّ، عن أبي الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ في باب أَسِيْد، بفَتْح الألف: أَسِيْد بن عبد الرَّحْمن الخَثْعَمِيّ، عن فَرْوة بن مُجَاهِد، وابن مُحَيْرِيْز، رَوَى عنهُ الأوْزَاعِيُّ.
أنْبَأنَا أبو القاسم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد القاضي، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، عن أبي زَكَرِيَّاء عبد الرَّحيم بن أحْمَد بن نَصْر البُخاريّ، قال: أخْبَرَنا
(a) ب: محمد.
_________
(1)
تاريخ البخاري الكبير 3: 14 - 15.
عَبْدُ الغَنِيّ بن سَعيد
(1)
، قال: أَسِيْدُ بن عبد الرَّحْمن الخَثْعَمِيّ، عن فَرْوَة بن مُجَاهِدٍ، وابن مُحَيْرِيْز.
أخْبَرَنا ابن المُقَيِّر، فيما أَذِنَ لَنا أنْ نرويَهُ، عن الفَضْل بن سَهْل، عن أبي بَكْر الخَطِيب
(2)
، قال: قال أبو الحَسَن، وأبو مُحَمَّد -يعنِي الدَّارَقُطْنِيّ وعَبْد الغَنِيّ بن سَعيد- جَمِيعًا: أَسِيْد بن عبد الرَّحْمن الخَثْعَمِيّ عن فَرْوة بن مُجَاهِد، وابن مُحَيْرِيْز، رَوَى عنهُ الأوْزَاعِيُّ.
قال الخَطِيبُ
(3)
: وهذا الكَلَامُ ذكَرهُ البُخاريّ في تَارِيْخهِ
(4)
ومنهُ نقلَاهُ إلى كتابيهما وهو خَطَأ؛ وذلك أنَّ أَسِيْدًا لا يَرْوي عن ابن مُحَيْرِيْز، وإنَّما يَرْوي عن خَالِد بن دُرْيكٍ، عنه، رَوَى عن الأوْزَاعِيّ عنه حديثَهُ كذلك غيرُ واحَد.
قُلْتُ: وهذا القَوْل من أبي بَكْر الخَطِيب تَحَكُّم على البُخاريّ مع كونهِ إمامَ أهْلِ الحديث، وأكثرَهُم تَنْقيبًا على رجاله وكَشْفًا لأحْوَالهم، ومَوَاقِع الصَّوَاب والخَطَأ منهم، وكذلك على هذين الحافِظَين: أبي الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، وأبي مُحَمَّد عَبْد الغَنِيّ بن سَعيد، وهمُا هما في هذا الفَنّ، وإطْلاقه الخَطأ عليهم في أنَّ أَسِيْدًا لا يَرْوي عن ابن مُحَيْرِيْز، وإنَّما يَرْوي عن خَالِد بن دُرَيْك عنه الحَدِيْث الّذي أوْرَدناه، غير مُسَلَّم له، فإنَّ رِوَايَةَ أَسِيْد عن خَالِد عن ابن مُحَيْرِيْز هذا الحَدِيْث لا يَنْفي روايتَهُ عن ابن مُحَيْرِيْز وغيره، فإنَّ من عادة الرُّوَاة إذا رأوا عند غيرهم من الشُّيُوخ حَدِيثًا قد سَمِعَهُ ذلك الشَّيْخُ من شَيْخه، ولم يَسْمعه منه أنْ يَكْتُبه عنه عن شَيْخه، ولا يَنْفي ذلك روايتَهُ عن ذلك الشَّيْخِ حَدِيثًا غيره، وكذلك الصَّحَابَةُ
(1)
الأزدي: المؤتلف والمختلف 1: 51.
(2)
لم أجده في مؤلفات الخطيب، وبعض كلامه في المتفق والمفترق 1: 489، وهو في تاريخ ابن عساكر 9:103.
(3)
لم أجده في مؤلفات الخطيب، وهو في تاريخ ابن عساكر 9:103.
(4)
تاريخ البخاري الكبير 2: 14.
رِضْوَان اللَّه عليهم رَووا عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أحَادِيْث، ورَوَى بعضُهم عن بَعْض عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم غيرها، لأنَّهُ لم يَسْمَع ذلك الحَدِيْث من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فرَوَاهُ عن صَحَابيٍّ آخر عنهُ، وذلك كَثِيْر، فكذلك هذا يجوز أنْ يكون أَسِيْدًا سَمِعَ من ابن مُحَيْرِيْز غير هذا الحَدِيْث ورَوَى هذا الحديث عن خَالِد بن دُرَيْك عنْهُ، اللَّهُمَّ إلَّا إنْ أثبتَ (a) بالنَّقْل أنَّ أَسِيْدًا لم يُدْرك ابن مُحَيْرِيْز، فحينئذٍ يسُوغ له تَخْطئةُ هؤلاء الأئمَّة فيما ذَكَروهُ.
وقد تابعَ الإمَام أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ في قَوْله إنَّ أَسِيْدًا رَوَى عن ابنِ مُحَيْرِيْز غير الدَّارَقُطْنِيّ وعَبْد الغَنِيّ، وهو إمام أهل العِلْم والحَدِيْث، ورَئيسهم المُتْقِن المُصَنِّف أبو أحْمَد الحَسَن بن عَبْد اللَّه بن سَعيد العَسْكَريُّ، فإنَّ زَيْنَ الأُمَناءِ الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحَسَن أنْبَأنَا قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم علِيّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن شُجَاع، قال: أخْبَرَنا أبو صَادِق مُحَمَّد بن أحْمَد الفَقِيه، قال: أخْبَرَنا أحمدُ بنُ أبي بَكْر العَدْلُ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد العَسْكَريّ، قال: فَأمَّا أَسِيْد -السِّيْن مَكْسُورَة واليَاء سَاكنة- فمنهم: أَسِيْد بن عبد الرَّحْمن الخَثْعَمِيّ الفِلَسْطِيْنيّ، رَوَى عن ابنُ مُحَيْرِيْز، وفَرْوَة بن مُجَاهِد. رَوَى عنهُ الأوْزَاعِيُّ، وإسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش.
وكذلك تابعَهُ أبو حَاتِم الرَّازِيّ، وابنُه أبو مُحَمَّد فيما ذَكَرهُ في كتاب الجَرْح والتَّعْدِيل
(2)
، فإنَّهُ قال: أَسِيْدُ بن عبد الرَّحْمن الخَثْعَمِيّ الفِلَسْطِيْنيّ، رَوَى عن ابن مُحَيْرِيْز، وفَرْوَة بن مُجَاهِد، رَوَى عنهُ الأوْزَاعِيُّ، وإسْمَاعِيْل بن عَيَّاشٍ، والمُغِيرَة بن المُغِيرَة الرَّمْليّ، سَمِعْتُ أبي يَقُول ذلك.
(a) ب: أتيت.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 102.
(2)
الجرح والتعديل 2: 317.
أنْبَأنَا بذلك أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه بن عُلْوَان وغيره عن أبي القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم ابن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْد بن عَبْد اللَّه إجَازَةً، ح.
قال ابنُ مَنْدَة: وأخْبَرَنا أبو طَاهِرٍ بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن مُحَمَّد، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم.
(1)
لم أجده عند ابن عساكر.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، عن أبي نَصْر بن مَاكُولا، ح.
وأنْبَأنَا أبو البَرَكَات بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم
(1)
عَمِّي، قال: قَرَأتُ على أبي مُحَمَّد السُّلَمِيّ، عن أبي نَصْر بن مَاكُولا
(2)
، قال: وأَسِيْدُ بن عبد الرَّحْمن الخَثْعَمِيّ، رَوَى عن فَرْوة بن مُجَاهِد، وخَالِد بن دُرَيْك، عن ابن مُحَيْرِيْز، عن أبي جُمْعَة حَدِيثًا يُخْتلف فيهِ، ورَوَى عن أبي وَاقِد اللَّيْثِيّ (a) صالح بن مُحَمَّد، وعن العَلَاء بن زِيَاد. رَوَى عنهُ الأوْزَاعِيُّ، وهو قليلُ الحَدِيْث.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(3)
: قَوْلُ ابن مَاكُولا إنَّه رَوَى عن أبي وَاقِد اللَّيْثِيّ وَهْمٌ أخَذَهُ عن الخَطِيب، وإنَّما رَوَى (b) عن صَالِح بن حُسَين الفِلَسْطينيّ، وإنَّما قيل في نَسَبِه: ابن مُحَمَّد، خَطأٌ؛ أخْطأَ فيه الأوْزَاعِيّ، واللَّهُ أعْلَمُ.
قلتُ: وتَخْطئةُ الحافِظ أبي القَاسِم الأوْزَاعِيَّ (c)، والخَطِيب، تَحَكّمٌ أيضًا، والأوْزَاعِيُّ أقْدَمُ زمانًا، وَأعْرَفُ بنَسَبِ شَيْخِ شَيْخِهِ، وأدْرَى بهِ.
أنْبَأنَا أبو حَفْصٍ المُؤدِّب، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن (d) الطَّبَريّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين،
(a) في نشرة تاريخ ابن عساكر، في هذا الموضع وتاليه: القيسي، والمثبت موافق لما عند ابن ماكولا.
(b) تاريخ ابن عساكر: يروي.
(c) ساقطة من ب.
(d) ساقطة من ب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 103 - 104.
(2)
الإكمال 1: 55.
(3)
تاريخ ابن عساكر 9: 104.
قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّه بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب
(1)
، قال: ورَوَى -يعني الأوْزَاعِيّ- عن شَيْخ يُقال له أَسِيْدُ بن عبد الرَّحْمن، شَاميٌّ، ثِقَةٌ.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَاتِ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ
(2)
؛ عَمِّي، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم تَمَّام ابن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه جَعْفَرُ بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة، قال في تَسْمِيَةِ نَفَرٍ مُتَقَاربين في السِّنِّ عَمَّرُوا: أَسِيْد بن عبد الرَّحْمن.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بنُ أبي نَصْرٍ، قال: أخْبَرَنا أبو المَيْمُون بن رَاشِد، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة
(4)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أبي أُسامَة، قال: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، قال: تُوفِّي أَسِيْد بن عبد الرَّحْمن بالرَّمْلَة سَنَة أرْبَعٍ وأرْبَعين ومائة، قال: ورأيتُه يُصَفِّرُ لحيْتُه. وقال في مَوضِعٍ آخر
(5)
: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، قال: رأيْتُ أَسِيْدَ، قال: وتُوفِّيَ أَسِيْد بن عبد الرَّحْمن -من أهْل الرَّمْلَة- سَنَة أرْبَعٍ وأرْبَعين ومائة.
أُسَيْدُ بن ثَعْلَبَةَ الأنْصَاريُّ
(6)
صَحِبَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وشَهِدَ معه بَدْرًا، وشَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليٍّ رضي الله عنه.
أخْبَرَنا أبو الفُتُوح نَصْرُ بن أبي الفَرَج الحُصْرِيّ في كِتَابِهِ إليْنَا من مَكَّةَ، شَرَّفَها
(1)
المعرفة والتاريخ 2: 473.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 104.
(3)
تاريخ ابن عساكر 9: 104.
(4)
تاريخ أبي زرعة 2: 700.
(5)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1: 258.
(6)
توفي سنة 20 هـ، وقيل: 21 هـ، وترجمته في: الاستيعاب 1: 94، الوافي بالوفيات 9: 258 - 259، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 444.
اللَّهُ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبدِ اللَّه الأَشِيْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الوَلِيدِ يُوسُفُ بن عَبْدِ العَزِيْز بن الدَّبَّاغ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْدِ العَزِيْز بن ثَابِت، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَرَ بن عَبْد البَرّ النَّمَرِيّ
(1)
، قال: أُسَيْدُ بن ثَعْلَبَة الأنْصَاريّ، شَهِدَ بَدْرًا، وشَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه.
أُسَيْدُ بن مالك، أبو عَمْرَة الأنْصَاريّ
(2)
وقيل: أُسَيْدُ بن عَمْرو بن مِحْصَن بن عَمْرو الأنْصَاريّ، وقيل: أُسَيْرُ، وقيل: يُسَيْرُ بن عَمْرو بن مِحْصَن، وقيل: ثَعْلبَة بن عَمْرو بن مِحْصَن، وقيل: بِشْر (a)، وقيل: بَشِيْر، وقيل: عَمْرو بن مِحْصَن، من بَني مَازِن بن النَّجَّار، وهو مَعْرُوفٌ بأبي عَمْرَة الأنْصَاريّ، ووَقَع الاخْتِلَافُ في اسْمهِ، شَهِدَ مع عليٍّ رضي الله عنه صِفِّيْنَ، وقُتِلَ بها.
وذَكَرَ الحافِظُ أبو مُوسَى مُحَمَّد بن أبي بَكْر الحَازِمِيّ، قال: أُسَيْدُ بن عَمْرو بن مِحْصَن بن عَمْرو، أبو عَمْرَة الأنْصَاريّ رضي الله عنه، من بَني عَمْرو بن مَبْذُول (b) ثمّ من بني النَّجَّار، شَهِدَ بَدْرًا من أهْل المَدِينَة، اخْتُلف في اسْمه، فقيل: بِشْر، وقيل: بَشِيْر، وقيل: ثَعْلَبَة، ذَكَروه (c) في غير باب الألف، إلَّا أنَّ مَنْ طَلبه في كُتُبهم في باب الألف لم يَجده، وعَسَى أن لا يعرف أنَّهُ مُخْتلف في اسْمه.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُفُ بن خَلِيل بن عَبْد اللَّه، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أبي زَيْد، قال: أخْبَرَنا مَحْمُودٌ الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا ابن فَاذْشَاه، قال: أخْبَرَنا الطَّبَرَانِيّ، قال: أُسَيْر بن مالك، أبو عَمْرَةَ الأنْصَاريّ ويُقال: يُسَيْرُ بن عَمْرو بن مِحْصَن، ويقال:
(a) من قوله: "وقيل أسير. . . " إلى هنا ساقط من ب.
(b) ب: مندول.
(c) ب: وذكروه.
_________
(1)
الاستيعاب 1: 94.
(2)
توفي سنة 87 هـ.
ثَعْلَبَةُ بن عَمْرو بن مِحْصَن، ويقال: عَمْرُو بن مِحْصَن، من بني مَازِن بن النَّجَّار، ويُقال إنَّ أبا عَمْرَة أعْطَى عليًّا رضي الله عنه يَوْمَ صِفِّيْن مائة ألف دِرْهَم أعانَهُ بها يَوْم الجَمَل، وقُتِلَ بصِفِّيْن، وقال الطَّبَرَانِيّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عليّ بن المَدِيْنِيّ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن سَعِيْد الجَوْهَرِيّ، عن الوَاقِدِيّ، قال: وفيها تُوفِّي أبو عَمْرَةَ المَازِنِيُّ سَنَة سَبْعٍ وثَمانين.
أَشْجَع
أَشْجَعُ بن عَمْرو، أبو عَمْرو -وقيل: أبو الوَلِيد- السُّلَمِيّ اليَمَانِيّ -وقيل: الرَّقِّيّ- ثمّ البَصْرِيّ الشَّاعر
(1)
شَاعِرٌ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ، من وَلدِ الشَّرِيْدِ بن مَطْرُود، قيل إنَّهُ وُلد باليَمَامَة، ونَشَأ بالبَصْرَة، وقيل هو من أهْلِ الرَّقَّة، وقَدِمَ البَصْرَة، مَدَح الرَّشِيْدَ بالرَّقَّة، وغَزَا معهُ بلاد الرُّوم، ومَدَح البَرَامِكَةَ واخْتَصّ بجَعْفَر بن يَحْيَى، وخَرَج معه إلى دِمشْق حين نَدَبَهُ الرَّشِيْدُ للإصْلَاح بين أهْلها، فقد اجْتازَ بحَلَب مع الرَّشِيْد وجَعْفَر.
(1)
توفي بعد سنة 180 هـ، وترجمته في: البيان والتبيين للجاحظ 3: 325، الشعر والشعراء لابن قتيبة 461 - 463، ابن المعتز طبقات الشعراء 229 - 232، تاريخ الطبري 8: 73، الأزدي: تاريخ الموصل 289، 295، 317، المسعودي: مروج الذهب 4: 253 - 256 (من شعره في رثاء البرامكة)، الموشح للمرزباني 334 - 335، الجهشياري: الوزراء والكتاب 192، 215، 267، الثعالبي: خاص الخاص 161 - 162، عيون الأخبار 1: 12، 31، 90 (أبيات له)، الصولي: أخبار الشعراء المحدثين 74 - 137، الأغاني 18: 153 - 185، تاريخ بغداد 7: 511 - 512، تاريخ ابن عساكر 9: 105 - 113، فوات الوفيات 1: 196 - 197، تاريخ الإسلام 4: 1074، الوافي بالوفيات 9: 265 - 267 (أرخ وفاته في حدود 200 هـ)، خزانة الأدب للبغدادي 1: 296 - 299، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 62 - 66، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 447 - 459.
وانظر دراسة خليل بنيان الحسون: أشجع السلمي؛ حياته وشعره (بيروت: دار المسرة، 1981 م)، وقد أشرنا له اختصارًا فيما يلي باسم: ديوان أشجع.
حَكَى عنِ أَمِير المُؤْمنِيْن مُحَمَّدِ بن عَبْد اللَّه المَهْدِيّ، وأبي العَتَاهِيَة، وبَشَّار بن بُرْد، وسِنَان بن يَرْحُم. رَوى عنهُ عليّ بن عُثْمان، وسَعِيد بن سَلْمِ البَاهِلِيَّ، وأحمد بن سَيَّار الجُرْجَانِيّ الشَّاعِر، وأسَد بن جَدِيْلَهَ السُّلَمِيّ، وأبو دِعَامةَ، وكان مُجِيْدًا في جميع أصْنَاف الشِّعْر.
قَرأتُ بخَطِّ المحسِّن بن عَبْد اللَّه بن مَهْبَرُّوْذ (a): أَشْجَعُ بن عَمْرو السُّلَمِيّ، يُكْنَى أبا الوَلِيد، وأخُوهُ أحْمَد بن عَمْرو، وهُما شَاعِران مُجِيْدان، مَدَحَ الرَّشِيْدَ والبَرَامِكَة، ولأَشْجعَ في كُلِّ صِنْف من أصْنَاف الشِّعْر قَوْلٌ كَثِيْرٌ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّازُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت
(1)
، قال: أَشْجَعُ بن عَمْرو، أبو الوَلِيدِ، وقيل: أبو عَمْرو السُّلَمِيُّ الشَّاعِر، من أهْل الرَّقَّة، قَدِمَ البَصْرَة، فتَأدَّبَ بها، ثمّ وَرَدَ بَغْدَاد فنزلَها، واتَّصَل بالبَرَامِكَة، وغَلَب -من بينهم- على جَعْفَر بن يَحْيَى، فحَبَاهُ، واصْطَفَاهُ، وأبرَّهُ (b)، وأدْنَاهُ.
وكان أَشْجَعُ حُلْوًا ظَرِيفًا (c)، سَاِئِر الشِّعْر، وله كلامٌ جَزْلٌ، ومَدَحٌ رَصِيْنٌ، فَمَدَحَ جَعْفَرًا بقَصَائِد كَثيْرة، ووصَلَهُ بهَارُون الرَّشِيْد، فَمَدَحَهُ وهو بالرَّقَّة بقَصِيدَة تَمكَّنت بها حالُهُ عند الرَّشِيْدِ، وأوَّلُها
(2)
: [من الكامل]
قَصْرٌ عليهِ تَحيَّةٌ وسَلَامُ
…
نَشَرتُ (d) عليه جَمَالَها الأيَّامُ
ويُقالُ إنَّهُ لمَّا أنْشَدَهُ هذه القَصِيدَة أعْطَاهُ هَارُونُ مائة ألف دِرْهَم.
(a) كذا قيَّده في الأصل، وفي ب: مهيرورا، وتقدم لابن العديم ذكره في الجزء الثالث (ترجمة أحمد بن يوسف) وضبطه على الوجه المثبت، وسماه: أبو علي المحسن بن مهبروذ، نقل عنه من مجموع بخطه.
(b) تاريخ بغداد: وآثره.
(c) في الأصل، وب: طريفًا، والمثبت لفظ الخطيب البغدادي.
(d) الديوان: نثرت.
_________
(1)
تاريخ بغداد 7: 511 - 512.
(2)
ديوان أشجع 252، وأخبار الشعراء المحدثين للصولي 112، وفوات الوفيات 1: 196 والوافي بالوفيات 9: 266.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(1)
، قال: أَشْجَعُ بن عَمْرو، أبو الوَلِيد، وقيل: أبو عَمْرو السُّلَمِيُّ، شَاعِرٌ من ولدِ الشَّرِيْد بن مَطْرُود، مَشْهُورٌ، وُلِد باليَمَامَة، ونَشَأَ بالبَصْرَة، وتَأدَّبَ بها، وقال الشِّعْرَ. ثمّ قَصَدَ الرَّشِيْدَ بالرَّقَّة وامْتَدَحَهُ، ومَدَحَ البَرَامِكَةَ، واخْتَصَّ بجَعْفَرِ بن يَحْيَى، وخَرَج معه إلى دِمَشْق حين نَدَبَه الرَّشيْدُ للإصْلَاح بين أهْلها، حَكَى (a) عن المَهْدِيّ، وسِنَان بن يَرْحُم، رَوَى عنهُ أَسَدُ بن جَدِيْلَة السُّلَمِيّ، وأحمد بن سَيَّار الجُرْجَانِيّ الشَّاعر، وسعيدُ بن سَلْم البَاهِلِيّ، وعليّ بن عُثْمان، وأبو دِعَامَةَ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكنْدِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بنُ عليّ
(2)
، قال: أخْبَرَني القَاضِي أبو الطَّيِّب طَاهِر بن عَبْد اللَّهِ الطَّبَريُّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء
(3)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن إبْراهيم الطَّبَريّ، قال: حَدَّثَني عليّ بن مُحَمَّد بن أبي عَمْرو البَكْرِيّ -من بَكْر بن وَائِل- قال: حَدَّثَني عليّ بن عُثْمان، قال: حَدَّثَني أَشْجَعُ السُّلَمِيَّ، قال: أذِنَ لنا المَهْدِيُّ وللشُّعَراءَ في الدُّخُول عليهِ، فدخَلْنا، فأمرنا بالجُلُوس، فاتَّفَقَ أنْ جلَسَ إلى جَنْبي (b) بَشَّار، وسَكَتَ المَهْدِيُّ، وسَكَتَ النَّاسُ، فسَمعَ بَشَّارُ حِسًّا، فقال لي: يا أَشْجَعُ، مَن هذا؟ فقُلتُ: أبو العَتَاهِيَة، قال: فقال لي: أتُراهُ يُنْشد في هذا المَحْفِل؟!، فقلتُ: أحْسَبُ سيَفْعَلُ، قال: فأمرَهُ المَهْدِيُّ أنْ يُنْشدَ، فأنْشَدَ:[من المتقارب]
ألَا ما لسَيِّدَتي ما لها
قال: فنَخَسَني بمِرْفَقه فقال: وَيْحَكَ، رأيْتَ أجْسَر من هذا، يُنْشِدُ مثْلَ هذا
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: جانبي.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 105.
(2)
تاريخ بغداد 7: 233 - 334، وتقدمت الحكاية في ترجمة أبي العتاهة في هذا الجزء من الكتاب.
(3)
لم ترد في كتابه الجليس الصالح.
الشِّعْر في هذا المَوضع؟! [حتَّى بَلَغَ إلى هذا المَوْضِع](a):
أتَتْهُ الخِلَافَةُ مُنْقَادَةً
…
إليهِ تُجَرِّرُ أذْيَالَهَا
فلم تكُ تَصْلُح إلّا لَهُ
…
ولم يَكُ يَصْلُحُ إلَّا لها
ولو رَامَها أحَدٌ غَيرَهُ
…
لَزُلْزِلَت الأرْضُ زِلْزَالها
ولو لَمْ تُطِعْهُ بَنَاتُ النُّفُوسِ
…
لَمَا قَبِلَ اللَّهُ أعْمَالَهَا
قال: فقال بَشَّار: انظُر وَيْحَك يا أَشْجَعُ (b)، هلِ طَارَ الخَلَيفَة عن فُرُشِهِ؟! قال: لا، واللَّه ما انْصَرَفَ أحَدٌ من ذلك المَجْلِس بجَاِئِزَةٍ غير أبي العَتَاهِيَةِ.
قَرَأتُ في بعض ما علَّقْتُه من الفَوَائِدِ
(1)
: قال أَشْجَعُ بن عَمْرو السُّلَمِيّ: شخَصْتُ من البَصْرَة إلى الرَّقَّةِ فوجَدْتُ الرَّشِيْد غَازِيًا، ونالَتْني خَلَّةٌ، فخرجْتُ حتَّى لَقِيتُه مُنْصرفًا من الغَزْو، وكُنْتُ قد اتَّصَلتُ ببعضِ أهْل دَاره، فصَاِح صَائِحٌ ببابهِ: مَنْ كان هَا هُنا من الشُّعَراءِ فليَحْضُر يَوْم الخَمِيْس، فحَضَر سَبْعَةٌ وأنا ثامِنُهُم، فأُمْرنا بالبُكُور في يَوْم الجُمُعَة، فبكَّرْنا فأُدْخِلْنا، وقُدِّمَ واحدٌ واحدٌ منَّا يُنْشِدُ (c) على الأسْنَانِ، وكُنْتُ أحْدَثَ القَوْم سنًّا، وأرَثَّهم حالًا، فما بلغَ إليَّ حتَّى كادتِ الصَّلَاةُ أنْ تَجبَ، فقُدِّمتُ والرَّشِيْدُ جالسٌ على كُرْسِيّ، وأصْحَابُ الأعْمدة بينَ يَدَيْهِ سمَاطَان، فقال لي: أَنْشد، فخِفْتُ أنْ أبْتدِئ من أوَّل قَصِيْدَتي بالتَّشْبِيْب فتَجب الصَّلاة، ويَفُوتني ما أردْتُ، فتركتُ التَّشْبِيْب، وأَنْشَدتُه من مَوضع المَدِيْح في قَصِيْدَتي الّتي أوَّلُها
(2)
: [من الطويل]
تذكَّر عَهْدَ البِيْض وهو لها تِرْبُ
…
وأيَّامَ تُصْبي الغانياتِ ولا تَصْبُو (d)
(a) ما بين الحاصرتين إضافة من تاريخ بغداد، وانظر ديوان أبي العتاهية 375.
(b) قوله: "يا أشجع" ساقط من ب.
(c) مهملة الأول في الأصل، والمثبت من ب والأغاني.
(d) الديوان: يصبو.
_________
(1)
انظر أخبار الشعراء المحدثين للصولي 75، والأغاني 18: 153 - 154.
(2)
ديوان أشجع 187 - 188.
فابتَدأتُ قَوْلي في المَدِيْح:
إلى مَلِكٍ يَسْتَغْرقُ المالَ جُوْدُهُ
…
مَكَارِمُهُ نَثْرٌ ومَعْرُوفُه سَكْبُ
وما زَال هَارُون الرِّضَا ابنُ مُحَمَّد
…
من ميَاهِ النَّصْر مَشْرَبُها العَذْبُ
مَتَى تَبْلغُ العِيْسُ المرَاسيْلُ بابَهُ
…
بنا فهُناكَ الشَّمْلُ (a) والمَنْزلُ الرَّحْبُ
لقد جُمِعت فيكَ الظُّنُونُ ولَم يكُنْ
…
بغيركَ ظَنٌّ يَسْتَرِيْحُ لهُ قَلْبُ
جَمَعْتَ ذَوي الأهْوَاءِ حتَّى كأنَّهُم
…
على مَنْهج بعد افْتراقِهم رَكْبُ
بثَثْتَ على الأعْدَاء أبناءَ دُرْبةٍ
…
فلم يَقِهْم منهم حُصُونٌ ولا درْبُ
وما زلتَ تَرميهم بهم مُتَفَرِّدًا
…
أنِيْسَاكَ حَزْمُ الرَّأي والصَّارِمُ العَضْبُ
جَهدتُ ولم أبْلُغْ عُلَاكَ بمِدْحَةٍ
…
وليسَ على مَنْ كان مُجْتَهدًا عَتْبُ
فضَحكَ الرَّشِيْدُ، وقال: خفْت أنْ يفُوت وقْتُ الصَّلاةِ فيَنْقَطع المَدِيْحُ عليكَ، فابتدأتَ بهِ وترَكْتَ التَّشْبِيْبَ. وأمَرَني أنْ أُنْشِده التَّشْبِيْب، فأنشَدْتُه إيَّاهُ، فأمر لكُلِّ واحدٍ من الشُّعَراءِ بعَشرة آلاف دِرْهَم، وأمَرَ لي بضِعْفها.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُفُ بن خَليل بن عَبْد اللَّه إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَج بن كُلَيْب، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ مُحَمَّد بن سَعيد بن نَبْهان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ ابن شَاذَان، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّدُ (b) بن الحَسَن بن مِقْسَمِ المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس أحْمَدُ بنُ يَحْيَى ثَعْلَب
(1)
، قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بن شبَّة، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ ابنُ سَيَّار الجُرْجَانِيّ، وكان شَاعِرًا، رَاوِيَةً، مَدَّاحًا ليزيد بن مَزْيَد، قال: دَخَلْتُ أنا وأبو مُحَمَّد التَّيْمِيّ، وأَشْجَعُ بن عَمْرو، وابنُ رَزِيْن الخُزَاعِيُّ (c) على الرَّشدِ بالقَصْر
(a) الديوان وأخبار الشعراء والأغاني: الرحب.
(b) ب: أبو بكر بن محمد.
(c) في مجالس ثعلب: الحراني.
_________
(1)
مجالس ثعلب 3: 379 - 380. والأغاني 18: 154 - 155، وانظر الأبيات في ديوان أشجع 252 - 253، وأخبار الشعراء المحدثين 113، وطبقات الشعراء لابن المعتز 230، وفوات الوفيات 1: 196 والوافي بالوفيات 9: 366 - 267.
الأبيض بالرَّقَّة، وكان قد ضَرَبَ أعْنَاقَ قَوْم في تلك السَّاعَة، فتخَلَّلْنا الدَّمَ حتَّى وَصَلْنا إليهِ، فتقدَّم التَّيْمِيُّ فأنْشَدَهُ أُرْجُوزَةً يَذْكُر فيها نَقَفُور، ووَقْعَة الرَّشِيْد بالرُّوم، فنَثَر عليه الدُّرَّ من جَوْدَهِ شِعْره، وأنْشدَهُ أَشْجَع:[من الكامل]
قَصْرٌ عليه تحيَّةٌ وسَلَامُ
…
ألْقَتْ (a) عليه جَمَالَهَا الأيَّامُ
قَصْرٌ (b) سقُوفُ المُزْن دونَ سُقُوفهِ
…
فيه لأعْلَام الهُدَى أعْلَامُ
يُثْني على أيَّامكَ الإسْلَامُ (c)
…
والشَّاهِدَان: الحِلُّ والإحْرَامُ
وعلى عَدُوِّكَ يا ابن عَمّ مُحَمَّد
…
رصَدَانِ: ضَوءُ الصُّبْحِ والإظْلَامُ
فإذا تنبَّهَ رُعْتَهُ وإذا هَدَا (d)
…
سَلَّتْ عليهِ سُيُوفَكَ الأحْلَامُ
القَصِيدَة.
قال: وأنْشَدتُه
(1)
: [من الكامل]
زَمنٌ بأعْلَى الرَّقَّتَيْنِ (e) قَصِيْرُ
يقول فيها:
لا تَبْعَدِ الأيَّامُ إذ وَرَقُ الصّبَا
…
خَضِلٌ وإذا غُصْنُ (f) الشَّبَاب نَضِيْرُ
قال: فأُعْجِبَ بها، وبعَثَ إلَيَّ الفَضْلَ بن الرَّبِيْع ليلًا، فقال: إنِّي أشْتَهي أنْ أُنْشِد قَصِيْدتَكَ الجَوَاريَ فابعَثْ بها إليَّ، فبعَثْتُ (g) بها إليه.
قال أبو العبَّاس
(2)
: ورَكِبَ الرَّشِيْدُ يَوْمًا في قُبَّةٍ، وسَعِيدُ بنُ سَلْم (h) عَدِيلُهُ،
(a) ابن المعتز: نشرت، الديوان والفوات والوافي: نثرت.
(b) الأغاني: قصرت.
(c) الديوان والأغاني والفوات والوافي: الأيام.
(d) الديوان والأغاني والفوات والوافي: غفا.
(e) الأغاني: الرقمتين.
(f) الأغاني: غضُّ.
(g) ب: فبعث.
(h) في مجالس ثعلب هنا وفي تاليه: سالم.
_________
(1)
لم ترد في ديوانه، وانظرها في الأغاني 18:155.
(2)
مجالس ثعلب 3: 380، وانظر طبقات الشعراء لابن المعتز 339 - 230 والأغاني 18: 155، والبيتان في ديوانه 353.
فدَعا مُحَمَّدًا الرَّاوِيَة -يعرَفُ بالبَيْذَق لقِصَرِهِ، وكان إنْشَادُه (4) أشَدَّ طَرَبًا من الغِنَاء- فقال له: أنْشِدْني قَصِيْدةَ الجُرْجانيِّ التي مَدَحَني بها، فأنْشدَه، فقال الرَّشِيْدُ: الشِّعْرُ في رَبِيْعَة سَائرَ اليَوْم! فقال له سَعيدُ بنُ سَلْمِ: يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، اسْتَنْشِدْهُ قَصِيدَةَ أَشْجَعَ الّتي مَدَحك بها، فقال: الشِّعْر في رَبيعةَ سَائرَ اليَوْم، فلم يَزل بهِ سَعيدٌ حتَّى اسْتَنْشَده فأنْشَدَهُ (b)، فلمَّا بلغَ قولَهُ:[من الكامل]
وعلى عَدُوِّكَ يا ابن عَمّ مُحَمَّدٍ
…
رَصَدَان: ضوءُ الصُّبْحِ والإظْلَامُ
فإذا تنبَّهَ رُعْتَهُ وإذا هَدَا
…
سَلَّتْ عليه سُيُوفَكَ الأحْلَامُ
فقال له سَعِيد: واللَّه لو خَرِس يا أَمِير المُؤْمنِنْ بعد هذين البَيْتَيْن كان أشْعَرَ النَّاسِ.
ذَكَرَ أبو الفَرَج عليّ بن الحُسَين الأصْبَهَانِيّ الكَاتِت في كتاب الأغَانِي
(1)
، قال: أخْبَرَني عليُّ بن صالِح، قال: حَدَّثَني أحْمَدُ بن أبي فَنَن، قال: حَدَّثَني دَاوُد بن مُهَلْهِل، قال: لمَّا خَرَج جعفَرُ بن يَحْيَى ليُصْلح أمرَ الشَّام، فنزل في مَضْربهِ، وأمر بإطْعَام النَّاس، فقام أَشْجَعُ فأنْشَدَهُ
(2)
: [من الكامل]
فِئَتان طَاغيةٌ وباغيَةٌ
…
جلَّتْ أُمُورُهُما عن الخَطْب
قد جاءكم بالخَيْل شَازِبَةً (c)
…
ينقلنَ نحوَكُمُ رَحَى الحَرْب
لم يبْقَ إِلَّا أنْ تَدُورَ بكم
…
قد قام هَادِيْها على القُطْب
أخْبَرَنا زَيْن الأُمَناء أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد من كتابهِ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(3)
، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم، وأبو
(a) الأصل: أستاذه، ب: إسناده.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: شازية، الديوان والصولي: شارية، والشازبة: الضامر من الخيل.
_________
(1)
الأصفهاني: الأغاني 18: 158 - 159، وانظر أيضًا أخبار الشعراء المحدثين للصولي 78 - 79.
(2)
ديوان أشجع 188.
(3)
تاريخ ابن عساكر 9: 108 - 109.
الوَحْش سُبَيْعُ بن المُسَلَّم، عن أبي الحَسَن رَشَاء بن نَظِيف -ونَقَلْتُه (4) من خَطِّ رَشَاء- قال: حَدَّثَنَا أبو أحْمَد عُبَيْد اللَّه بن مُحَمَّدُ بن أحْمَد الفَرَضِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ، قال: من أجْمَعِ ما في هذا المَعْنَى وأحْسَنِه ما قالهُ أشْجَع السُّلَمِيّ لعُثْمان بن نَهِيْك، حَدَّثَني بهِ يَحْيَى بن البُحْتُرِيّ عن أبيه، في خَبر لأبيهِ مع الفَتْح
(1)
: [من الخفيف]
كم تغَضَّبتَ بالجَهالة منِّي
…
بعد ملك الرِّضَى على عُثْمانِ
مَلِكٌ ناعم الخليقَة يُطريـ
…
ـه بكُلّ المَدِيْح كُلّ لسَانِ
وإذا جئْتَهُ يبينُ لك الإكْـ
…
ــرَامُ منه في أَوْجُهِ الغِلْمَانِ
فامتَحنتُ الأنامَ جُهْديَ حتَّى
…
رَدَّني صَاغِرًا إليه امْتِحَاني
وأرَاني زَماني الغضّ من جَدْ
…
واهُ أرعَى (b) السُّرُور خَيْر زَمَانِ
فتلَقَّى بالفَضْلِ سيِّيء فِعْلي
…
وذُنُوبي بالعَفْو والإحْسَانِ
قال رشَاء: وحَدَّثَنَا أَبو الفَتْح إبْراهيم بن عليّ بن سِيْبَخْت البَغْدَاديّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن الحارِث، قال: حَدَّثَنَا مُسَاوِر بن لاحِق -وكان أحَدَ الكُتَّاب الحُذَّاق- قال: اعْتَلَّ يَحْيَى بن خَالِدٍ، فدَخَلَ عليهِ أَشْجَعُ السُّلَمِيّ فأنْشَدَه:[من الوافر]
لقد قَرعَتْ شَكَاةُ أبي عليِّ
…
صَفَاةَ (c) مَعَاشر كانُوا صحاصَا
فإنْ (d) يَدْفَع لنا الرَّحمن عنه
…
صُرُوف الدَّهْر والأجَلَ المُتَاحا
(a) تاريخ ابن عساكر: ونقله.
(b) تاريخ ابن عساكر: ادعاء.
(c) الديوان والشعر والشعراء لابن قتيبة وأخبار الشعراء للصولي والأغاني: قلوب.
(d) ب: لم.
_________
(1)
البيت الأول فقد في ديوان أشجع 375.
(2)
الصولي: أخبار الشعراء المحدثين 80 بإسناد مختلف، وانظر الأبيات في ديوان أشجع 201، والشعر والشعراء لابن قتيبة 461، والأغاني 18:183.
فقد أَمْسَى صَلَاحُ أبي عليٍّ
…
لأهْلِ الأرْض كُلِّهم (a) صَلَاحَا
إذا ما المَوْتُ أخْطَأهُ فلَسْنا
…
نُبَالي المَوْتَ حيثُ غَدَا ورَاحَا
قال: وحَدَّثَنَا الصُّوْلِيُّ
(1)
، أظنُّهُ قال: حَدَّثَني حُسَين بن فَهْم، عن أَبِيهِ، قال: كَتَبَ أَشْجَعُ بن عَمْرو السُّلَمِيّ إلى الرَّشِيْد في يَوْم عِيْدٍ
(2)
: [من البسيط]
لا زلْتَ تَنْشُر أعْيَادًا وتَطْويها
…
تمضي بها لكَ أيَّامٌ وتَبْنِيها (b)
مُستقبلًا جِدَّة (c) الدُّنْيا وبَهْجَتها
…
أيَّامُها لكَ نَظْمٌ في لَيالِيها
والعِيْدُ والعِيْدُ والأيَّامُ بينهما
…
مَوْصُولَةٌ لكَ لا تَفْنَى وتُفْنِيْهَا
ولا تَقضَّتْ بكَ الدُّنْيا ولا بَرحَتْ
…
تَطوي لكَ الدَّهْرَ أيَّامٌ وتَطْويها
وقال رَشَاء: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن عبد الرَّحْمن بن أحْمَد بن مُعَاذ، قال: حَدَّثَني أبو عَبْد اللَّه مَحْمُود بن عليّ القزوِينيّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن الحُسَين، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عَبْد اللَّه لأَشْجَع بن عَمْرو السُّلَمِيّ
(3)
: [من الهزج]
هي الشَّمْس الّتي تَطْلُـ
…
ـعُ بينَ الثَّغْرِ والعِقْدِ (d)
كأنَّ الشَّمْس لمَّا طَـ
…
لَعَتْ (e) في ثَوْبِها الوَرْدِي
بَيَاض الغُرَّة (f) البَيْضَا
…
ء تَحْتَ الشَّعَرِ الجَعْدِ
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرْزَد البَغْدَاديّ المُؤدِّب، فيما أجازَهُ لنا، قال: أخْبَرَنا أبو السُّعُود أحْمَد بن عليّ بن مُحَمَّد بن المُجْلِي، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: حَدَّثَنَا أبو الحُسَين بن المُهْتَدي، قال: أخْبَرَنا الشَّريفُ أبو
_________
(a) الصولي: لأهل الدين كلهم، الأغاني: لأهل الدين والدنيا.
(b) ابن قتية وابن المعتز والصولي والأصفهاني وابن عساكر: ونثنيها.
(c) الديوان والصولي: بهجة.
(d) الديوان: بين الشعر والقد.
(e) الديوان: كاسفت.
(f) الديوان: بباب العروة.
_________
(1)
الصولي: أخبار الشعراء المحدثين 80 - 81.
(2)
ديوان أشجع 268 - 269، والشعر والشعراء لابن قتيبة 463، وطبقات الشعراء لابن المعتز 331، والأغاني 18:180.
(3)
ديوان أشجع 207.
الفَضْل مُحَمَّد بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن الفَضْل بن المَأْمُون، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن القَاسِمِ بن بشَّار الأنْبارِيّ، قال: قَرَأتُ على أبي لأَشْجَعَ بن عَمْرو السُّلَمِيّ يَمْدَحُ جَعْفَر ابن يحْيَى بن خَالِدٍ البَرْمَكِيّ
(1)
: [من المتقارب]
أتَصْبِر يا قَلْبُ أم تَجْزَعَ
…
فإنَّ الدِّيَارَ غَدًا بَلْقَعُ
غَدًا يتَفرَّقُ أهْلُ الهَوَى
…
ويَكْثُر باكٍ ومُسْتَرجعُ
وتَخْتلفُ الدَّار بالظَّاعِنين
…
فُنُونًا تشتُ ولا تجمَعُ (a)
وتَفْنَى الطُّلُولُ ويَبْقَى الهَوَى
…
ويصنَعُ ذو الشَّوْقِ ما يصنَعُ
فها أنْتَ تبكي وهُمْ جيرَةٌ (b)
…
فكيفَ تكون إذا ودَّعُوا
وراحَت بهم أو غَدَتْ أينُقٌ
…
تَخُبّ على الأَيْنِ أو تُوْضِعُ
أيَطْمَعُ في العَيْش بعد الفِرَاق
…
مُحبٌّ لعمرُكَ ما يَطْمَعُ
هُنالك يُقْطَعُ مَنْ يَشْتَهي الـ
…
وِصَالَ ويُوْصَل مَنْ يُقْطَعُ
لعَمْري لقد قلتَ يَوْم الفِرَاق
…
فأسْمعت صَوْتكَ مَنْ يَسْمَعُ
فما عرَّجُوا حين نادَيْتهم
…
وقد قَتَلُوك وما وَدَّعُوا (c)
فإنْ تُصْبح الدَّار عريانَةً
…
تَهُبُّ بها الشَّمَأَلُ الزَّعْزَعُ
فقد كان سَاكنُها ناعمًا
…
له مَحْضَرٌ وله مَرْبَعُ
ومُغْتَرِبٍ ينْقَضِي لَيْلُه
…
فُنُونًا ومُقْلَتُهُ تَهْمَعُ
يُؤَرِّقُهُ ما بهِ في الفُؤَادِ
…
فما يَسْتَقِرُّ به مَضْجَعُ
ألَا إنَّ بالغَوْر لي حَاجةً
…
تُؤَرِّقُ عَيْني فما أهْجَعُ
إذا اللَّيْلُ ألْبَسَني ثَوْبَهُ
…
تقَلَّبَ فيهِ فَتًى مُوْجَعُ
_________
(a) كتب هذا البيت في هامش الأصل، وسقط من ب.
(b) ب: خيرة.
(c) كتب ابن العديم في الهامش: "ينبغي أن يكون: وما شيَّعُوا".
_________
(1)
بعض الأبيات في ديوان أشجع 225 - 229 باختلاف يسير في روايتها، وأيضًا في أخبار الشعراء المحدثين للصولي 82 - 83، 102، والأغاني 18:163.
يُجَاذِبُه بالحِجَاز الهَوَى
…
إذا اشْتَمَلَتْ فَوْقَهُ الأَضْلُعُ
ولا يَسْتَطِيْعُ الفَتَى سُتْرَةً
…
إذا جَعَلَتْ عيْنُه تَدْمَعُ
لقد زَادَنِي طَرَبًا بالعِرَاق
…
بَوَارقُ غَوْرِيةٌ تَلْمَعُ
إذا قُلْتُ قد هَدَأَتْ عَارَضَتْ
…
بأبْيَضَ ذي رَوْنقٍ يَسْطَعُ
ودَوِّيَّةٍ بين أقْطَارها
…
مَفَاوزُ أَرْضِين لا تُقْطَعُ
يَضَلّ القَطَا بين أرْجَائها
…
إذا ما سَرَى الفَتَى المصْقعُ
تخَطّيْتُها فَوْقَ عَيْرَانةٍ
…
من الرِّيْح في مَرِّها أسْرَعُ
إلى جَعْفَرٍ نَزَعَتْ هِمَّتي
…
فأيّ فَتًى نحوَهُ تَنْزِعُ
إذا وضعَتْ رجْلَها عندَهُ
…
تضمَّنَها (a) البَلَدُ المُمْرِعُ
وما لامْرئ دُونَهُ مَطْلَبٌ
…
ولا لامْرئ دونَهُ مَقْنَعُ
رَأيتُ المُلُوكَ تَغُضّ الجُفُونَ
…
إذا ما بَدَى المَلِكُ الأتْلَعُ
يَفُوت الرِّجالَ بحُسْنِ القَوَام
…
ويقْصُرُ عن شَأْوِه المُسْرِعُ
إذا رَفعَتْ كَفّهُ معْشَرًا
…
أَبَى الفَضْلُ والعِزُّ أنْ يُوْضَعُوا
فما يرفعَ النّاسُ مَنْ حَطَّهُ
…
ولا يضَعُ النَّاسُ مَنْ يَرْفَعُ
يُريدُ المُلُوكُ مَدَى جَعْفَر
…
وهم يَجْمَعُون ولا يَجْمَعُ
وكَيْفَ ينالُونَ غَايَاتهِ
…
وما يَصْنَعُون كما يَصْنَعُ
وليسَ بأوْسَعِهم في الـ
…
غِنَى ولكنَّ مَعْرُوفَهُ أوْسَعُ
هو المَلِكُ المُرْتَجى للَّتي
…
تَضِيْقُ بأمْثَالِهَا الأذْرُعُ
يَلُوذُ المُلُوكُ بأرْكَانهِ
…
إذا نَابَها الحَدَثُ المُفْظِعُ
بَدِيْهَتُهُ مثْلُ تفكِيْره
…
إذا رُمْتَهُ فهو مُسْتَجْمِعُ
إذا هَمَّ بالأمْرِ لم يَثْنِهِ
…
هُجُوعٌ ولا شَادِنٌ أَفْرَعُ
_________
(a) مهملة الأول في الأصل، وفي ب: يضمنها، والمثبت من الديوان.
فللجُود فِى كَفِّهِ مَطْلَبٌ
…
وللسِّرّ في صَدْره مَوضِعُ
شَديد العِقَاب على عَفْوهِ
…
إذا السَّيْفُ ضُمِّنَهُ الأَخْدَعُ
وكم قائل إذ رَأى همَّتي
…
وما في فُضُول الغِنَى أَصْنعُ
غَدًا في ظِلَال (a) ندى جَعْفر
…
يَجُرُّ ثِيَابَ الغِنَى أَشْجَعُ
كأنَّ أبا الفَضْل بَدْرُ الدُّجَى
…
لعَشْرٍ خَلَتْ بعدَهَا أرْبَعُ
لفُرْقَته أكْتَأَبَتْ بَابِلٌ
…
وأشْرَق إذْ أَمَّهُ المَطْلِعُ
فقُلْ لخُرَاسَان تُغْشَى الطَّريقُ
…
فقد جَاءَها الحكَم المُقْنِعُ
ولا يَرْكَبُ المَيْل منها (b) امرُؤٌ
…
فيُصْرف عن غبّ ما يَصْنَعُ
فقد حُبّبَت بابن يَحْيَى البِلَادُ
…
وكُلّ إلى مُلْكه أَنْزَعْ
الأشْتَرُ بن الحَارِث
(1)
واسْمُه مَالِك بن الحَارِث بن عَبْد يَغُوث بن مَسْلَمَة بن رَبِيْعَة بن الحَارِث بن
(a) الأصل، ب: ضلال، والمثبت من الديوان.
(b) كتب ابن العديم في هامش الأصل: "ح: عنها".
_________
(1)
توفي سنة 38 هـ، وترجمته في: كتاب وقعة صفين لابن مزاحم 62، 154، 175، 250، 258، 289، 364، 440، 467، طبقات ابن سعد 6: 313، الجاحظ: البيان والتبيين 2: 78، 296، 3: 141، 257، ابن حبيب: أسماء المغتالين من الأشراف (ضمن نوادر المخطوطات) 2: 159 - 160، الكندي: ولاة مصر 45 - 49، تاريخ الطبري 7: 525، 8: 33، 36، الفتوح لابن أعثم 2: 171 - 177، 190 - 193، 254، 355 - 346، 350 - 351، 487 - 493، 3: 8 - 22، 64 - 67، الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري 120، 143، 147، 149 - 150، 156، 161، 164، 167، 172، 177، 182، 190، 195، المسعودي: التنبيه والإشراف 224، الإشتقاق لابن دريد 145، 297، 404، معجم الشعراء للمرزباني 310 - 311، ابن الأثير: الكامل 3: 108 وما بعدها (في مواضع كثيرة منه، انظر فهرس الأعلام 13: 304 - 305)، ابن سعيد الأندلسي: المغرب في حلى المغرب 1: 68 - 69، تاريخ الإسلام 2: 336 - 337، العبر 1: 32 - 33، الإعلام بوفيات الأعلام 33، سير أعلام النبلاء 4: 34 - 35، الوافي بالوفيات 25: 35 - 37، تاريخ ابن الوردي 1: 143، شذرات الذهب 1:218.
جَذِيْمَة النَّخَعِيّ، والأشْتَر لَقَبٌ غَلَبَ على اسْمهِ.
شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليٍّ رضي الله عنه، وكان شَهِدَ فَتْحَ حَلَبَ وقِنَّسْرِيْن مع أبي عُبَيْدَة بن الجَرَّاح، ودخَل الدَّرْب غَازِيًا إذا ذاك، وقيل إنَّهُ أوَّلُ مَن دَخَلَهُ، وَسَنَذْكُر تَرْجَمَتهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى في حَرْف المِيْم فيمَن اسْمُه مَالِكٌ
(1)
.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبدُ الصّمَد بن مُحَمَّد القاضِي، عن أبي مُحَمَّد عبدِ الكريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، عن أبي نَصْرِ بن مَاكُولا
(2)
، قال: الأشْتَرُ مَالِك (a) بن الحَارِث بن عَبْد يَغُوث بن مَسْلَمَة بن رَبِيْعَة بن الحَارِث بن جَذِيْمَة النَّخَعِيّ، فَارِسٌ، شَاعِرٌ، صَحِبَ عليًّا رضي الله عنه، ورَوَى عنهُ وعن خَالِد بن الوَلِيد، رَوَى عنهُ عبد الرَّحْمن بن يَزِيد بن جَابِر، وأبو حَسَّان الأعْرَجُ.
الأشْرَفُ بن الأعَزّ بن هاشِم بن القَاسِم بن مُحَمَّد بن سَعْد اللَّه بن أحْمَد الأزْرَق بن مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه بن مُحَمَّد الأدْرَع ابن الأَمِير عُبَيْد اللَّه بن عَبْد اللَّه بن الحَسَن بن جَعْفَر بن الحَسَن بن الحَسَن بن علِيِّ بن أبي طَالِب، أبو هاشم -وقيل: أبو الأعَزّ، وقيل: أبو العِزّ- الحَسَنيّ الرَّمْليّ النَّسَّابَة، المَعْرُوف بتَاج العُلَى، وابن النَّاقِلَة
(3)
وقيل في نَسَبِه: أبو الأعَزّ الأشْرَف بن الأعَزّ بن هاشِم بن القَاسِم بن أبي الفَضْل أحْمَد بن أبي البَرَكَات سَعْد اللَّه بن أبي طَالِب الأزرق بن أبي جَعْفَر
(a) الأصل وب: الأشتر بن مالك.
_________
(1)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
(2)
الإكمال 1: 80.
(3)
قيَّده المصنف في الأصل وب، في هذا الموضع، بالفاء: النافلة، ويرد فيما بعد بالقاف، وتوفي صاحب الترجمة سنة 610 هـ، وترجمته في: ذيل الروضتين لأبي شامة 132، الوافي بالوفيات 9: 268، نكت الهميان 119 - 120، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 69 - 70، العيني: عقد الجمان 3: 376، لسان الميزان 1: 449 - 445، (وفيه: الأشرف بن الأغر)، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 460 - 461.
الأدْرَع ابن الأَمِير عُبَيْدِ اللَّه بن عَبْد اللَّه بن الحَسَن بن جَعْفَر بن الحَسَن بن الحَسَن بن عليّ بن أبي طَالِب. ذَكَر العِمَاد أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الأصْبَهَانِيّ
(1)
أنَّهُ ذكر له نَسَبه هكذا.
حدَّث عن أبي القَاسِم بن فَضْلَان الطَّرَسُوسيّ، وسَمِعَ أُسامَة بن مُرْشِد المُنْقِذِيّ، وكان يدَّعي أنَّهُ سَمِعَ مُسْنَد التِّرْمِذيّ من الكَرُوخِيّ، وسَمِعْتُه يقول إنَّهُ سَمِعَ من أبي مُحَمَّد الحَرِيرِيّ المَقَامَة الكَرْجِيَّة من إنْشَائهِ.
رَوَى عنهُ أبو عَبْد اللَّه الحُسَينُ بن أبي المَكَارِم أحْمَد بن الحُسَين بن بَهْرَام القزْوِينيّ، والد شَيْخنا أبي المَجْد مُحَمَّد، والعِماد أبو عبد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد الكَاتِبُ.
وسَمِعْتُه يَعظ في مَجْلس المَلِك الظَّاهِر غَازِي بن يُوسُف بن أَيُّوب بحَلَب، وسَمِعْتُ شَيئًا من شِعْره من لَفْظه غير مَرَّة، وكان شَيْخًا مُسِنًّا، فَاضِلًا، فَصِيحًا، عَارِفًا بالتَّوَاريخ وأيَّامَ العَرَب، حَسَنَ المُذَاكَرَة، جَيِّدَ الشِّعْر، عَالِمًا بالأنْسَاب،
قَدِمَ حلَبَ في جُمَادَى الآخرة سَنَة ستمائة، فأكْرمه المَلِك الظَّاهِر، ونَفَق عليهِ (a)، وأجْرَى له مَعْلُومًا يَكْفيه، واسْتَكْتَب ولَدَه الأكْبَر المَعْرُوف بشَرَف العُلَى فِى دِيْوَان الإنْشَاء، وكان أصْلُهُ من الكُوفَة، وانْتَقل بعضُ سَلَفه إلى الرَّمْلَةِ.
وكان يَذكُر أنَّ مَوْلدَهُ في شَهْر رِبيع الثَّاني سَنَة سَبْعٍ وتِسْعِين وأرْبَعمائة، وأظُنُّني سَمِعتُه يَذكُر ذلك. وأخْبَرَني ولدُه شَرَف العُلَى هاشِم بن الأشْرَف أنَّ مَوْلد أبيهِ في هذا التَّاريخ، وكان كَثِيْر من النَّاس يكَذِّبُونه فِى زَعْمه ذلك، فإنَّهُ كان يدَّعي أنْ عُمُره مائة وثلاثة عَشر سَنَة، وكان غير مَأْمُون على ما يَنْقُلُه، كَثِيْر الكَذِب فيما يُخْبر بهِ.
وشَاهدْتُ نُسْختَهُ من مُسْنَد التِّرْمِذيّ وقد بيعَت بعدَ مَوْته، وهي بخَطِّ
(a) بعده في ب: وأكرمه، وهو تكرار.
_________
(1)
السيل والذيل على خريدة القصر (مخطوط المكتبة الملكية الدنماركية) الورقة 81 ب.
بعض المَغارِبَة وفي آخرها تَسْميع يَتَضَمَّن سَمَاعَهُ للكتاب على الكَرُوخِيّ، ذَكَرَ كاتبهُ أنَّهُ بخَطِّ الكَرُوخِيّ، وهو مُزَوَّر بغير شَكٍّ، فإنَّهُ ذَكَرَ تاريخ التَّسْمِيع، وتصفَّحْتُ الأجْزاء من النُّسْخَة، فرأيتُ تاريخ كتابة النُّسْخَة قد كُشِطَ في مَوَاضِع عدَّة وأُصْلح، وظَهَرَ لي في النُّسْخَة أنَّها كُتِبَت بعد تاريخ طَبَقَة السَّمَاع -الّتي شَاهدتُها، وعَزَاها أنَّها بخَطِّ الكَرُوخِيّ- بمُدَّة وغَطَّى فَضَائِله الّتي جَمَعَها بما كان يَسْتَعملُه من الكَذِب.
أخْبَرَنا الشَّيْخُ أبو المجد مُحَمَّد بن الحُسَين بن أحْمَد القَزْوِينيّ إذْنًا -وناوَلني الجُزء بخَطِّه، ونَقَلْتُ هذا الحَدِيْث منهُ، وسَمِعْتُ منه بعضَهُ- قال: أخْبَرَنا والدي وسَيِّدِي الإمَامُ أبو عَبْد اللَّه الحُسَينُ ابن القَاضِي الإمَام زيْن الدِّين أبي المَكَارِم أحْمَد بن الحُسَين بن بَهْرَام القَزْوِينيّ في شَوَّال سَنَة إحْدَى وثَمانين وخَمْسِمائَة، قال حَدَّثَني الأَمِيرُ السَّيِّدُ تَاجُ العُلَى الأشْرَفُ بن الأعَزّ بن هاشِم الطَّالِبيّ النَّسَّابَة بمَيَّافَارقِين في رَبيع الأوَّل سنَة سَبْعٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة، قال: حَدَّثَنَا الإمَام الصَّدُوق أبو القَاسِم بن فَضْلَان الطَّرَسُوسِيّ الكِنَانِيّ (a) بمَكَّةَ، حَرَسَها اللَّهُ، سَنَة ثَلاثٍ وخَمْسِين وخَمْسِمائَة، قال: أخْبَرَنا نَقِيْبُ النُّقَبَاءِ أبو القَاسِم عليّ بن طَرَّاد الزَّيْنَبِيّ، رَحْمَةُ اللَّه عليهِ، قال: حَدَّثَنَا والدي السَّيّد الأجَلّ الكَامِل طَرَّاد بن مُحَمَّد بن عليّ الزَّيْنَبِيّ، إمْلاءً من لَفْظه، قال: أخْبَرَنا أَبو نَصْر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن حَسْنُون النَّرْسِيِّ الشَّيْخ الصَّالِحِ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن البَخْتَرِيّ الرَّزَّازُ إمْلاءً، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا هاشِم بن القَاسِم أبو النَّضْر، قال: حَدَّثَنَا سُليْمان بن المُغِيرَة، عن ثَابِتٍ البُنَانِيّ، عن أنَس بن مالِك
(1)
، قال: قال رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
(a) مهملة في الأصل وب.
_________
(1)
ابن منده: كتاب الإيمان 3: 817 (رقم 867)، البيهقي: دلائل النبوة 5: 480، ابن شيرويه الديلمي: الفردوس 1: 433 (رقم 1718)، المتقي الهندي: كنز العمال 11: 405 (رقم 31890)، الحوت: أسنى المطالب 21.
عليه وسلَّم: آتي يَوْمَ القِيامَة بابَ (a) الجَنَّة فأسْتَفْتح، فيقُولُ لي الخَازِن: مَنْ أنْتَ؟ فأقُول: مُحَمَّدٌ، فيقُول: بكَ أُمرتُ أنْ لا أفْتح لأحَدٍ قَبْلك.
ظَفِرْتُ بكتاب كَتَبه مُؤَيَّدُ الدَّوْلةَ أُسامَة بنُ مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ الكِنَانِيّ إلى أخيهِ أبي المُغِيْث مُنْقِذ بن مُرْشِد على يد تَاج العُلَى إلى آمِد، دَفَعه إليَّ القَاضِي بَهَاء الدِّين أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن إبْراهيم بن الخَشَّاب، يَتَضَمَّن التَّنْبِيْهَ على فَضْل تَاج العُلَى وذِكْر مَنَاقِبه، فنَقَلْتُ من خَطِّ أُسامَة في أثْناءِ الكتاب: يُنْهي عَبْدُكَ (b) أنَّهُ اجْتَمع بالأَمِير السَّيِّدِ الأجَلّ الأَوْحَد، العَالِم عَلاء الدِّين أبي العِزّ الأشْرَف بن الأعَزّ الحَسَنيّ، أدَام اللَّهُ عُلوَّهُ، فرَأى آذِيّ بَحْر لجميعِ العُلُوم زَاخِر، مُضَاف إلى النَّسَب الشَّريف الفَاخِر، جليسُه منهُ بين رَوْضَةٍ وغَدِير، وأدَبٍ بَارِع وفَضْلٍ غَزِير، قد احْتَوى على فُنُون الأدَبِ، وأحْكم مَعْرفَةَ السِّيَر والنَّسَب، وما أصفُ لك يا مَوْلاي فَضْلَه غير أنَّني واللَّهِ ما رَأيْتُ مثْلَه، وما أنتَ يا مَوْلاي -جُعلْتُ فدَاءَكَ- ممَّن يُنَبَّهُ على فَضِيْلةٍ، ولا يُحثُّ على مَكْرمةٍ، فاصْرف همَّتَكَ إلى ما تَلْقَاهُ به من الإكْرَام والتَّبْجِيل لفَضْل عِلْمِه الغَزِير، وشَرَفهِ الأصِيْل.
نَقَلْتُ من خَطِّ العِمَاد أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الأصْبَهَانِيّ في كتاب السَّيْلِ والذَّيلِ
(1)
الّذي ذَيَّلَ به على خَرِيْدَة القَصْر، وأجازَ لنا ذلك عنه جَمَاعَةٌ منهم أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر القُرْطُبِيّ، قال: الشَّريفُ شَرَفُ الدِّين، الأشْرَف ابن الأعَزّ بن هاشِم الحَسَنيّ الرَّمْليّ، المَعْرُوف بالنَّاقِلَةِ، النَّسَّابَة، المُقِيْم بحِصْن كِيْفَا، مَولُده بحُمْرَان بين مَكَّة والمَدِينَة (c)، وقد سَافَرَ إلى بلَادِ المَغْرب والمَشْرِق، والأنْدَلُسِ، وصِقِلِّيَّة، ومِصْر، وأَذْرَبِيْجَان، وغيرها. حَضَر عندي بالخَيْمَة على آمِد في
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: عبد يُنْهي.
(c) في مخطوطة السيل: بحران، ولم يرد فيها قوله: بين مكة والمدينة.
_________
(1)
السيل والذيل ورقة 81 ب - 82 أ.
خامس المُحَرَّم سَنَة تِسْعٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة، ورأيتُه مُفَوَّهًا مَنْطِيقًا، ورأيتُهُ بسِيْمَاءِ الشَّبَاب (a)، فسَألتُ عن سنِّهِ، فقال: أرْبيتُ على الخَمْسِين.
فهذا يَدُلُّ على أنَّ مَوْلده كان في حُدُود الثَّلاثين قبْلها، وقد كان العِمَاد يَظُنَّ أنَّ سنّه أصْغَر ممَّا ادَّعَاهُ، وتدرَّجَ بعد ذلك إلى أنْ ادَّعَى أنَّ مَوْلدَهُ سَنَة سَبْعٍ وتِسْعِين وأرْبَعِمائة، وآفة الكَذِب النِّسْيَان!.
حدَّثني شَيْخُنا عِزُّ الدِّين عليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الأَثِيْر
(1)
، قال: حَدَّثَني أخي مَجْدُ الدِّين أبو السَّعَادَات المُبارَك بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ، قال: كُنْتُ يَوْمًا جالِسًا بالمَوْصِل مع حَمْزَةَ بن مُضَر العَلَويّ وقد مرَّ علينا تَاجُ العُلَى وهو شَابٌّ، وابن مُضَر شَيْخٌ أنْقَى، فقال: انظُر إلى هذا الفَاعِل الصَّانِع، واللَّهِ الّذي لا إلَه إلَّا اللَّه هو، أعْرِفه وأنا صَبِيٌّ لم يُنْبت وَجْهِي، وصُوْرته (b) كما تراهُ، وها هو على تلكَ الحالةِ وأنا أنْقَى.
وسَمِعْتُ شَيْخَنا ابنَ الأَثِيْر المَذْكُور يقُول لي: كان تَاجُ العُلَى عندنا بالمَوْصِل فاتَّفَقَ أنْ حَضَر عند أخي مَجْد الدِّين وعندَهُ ذو النَّسَبَيْن المَعْرُوف بابنِ دِحْيَة، فالْتَفَت أخي إلى تَاج العُلَى فقال له: هذا السَّيِّدُ ذو النَّسَبَين ابن دِحْيَة والحُسَين، فقال: أَسْمِعْني فإنِّي قليلُ السَّمْع، فقال له: هو يَنْتَسبُ إلى دِحْيَةَ، فقال: حَاشَى هذا السَّيِّدُ أَنْ يَنْتَسِبَ إلى دِحْيَةَ الكَلْبيّ ودِحْيَةُ لم يُعْقِبْ، فإنَّ النَّسَّابِين كُلَّهُم قالوا إنَّ دِحْيَة كان له عَقِبٌ، وأمْتَدَّ عَقِبُه إلى ما بعد الثَّلاثمائة، ثمّ انْقَطع فلم يبقَ منهم أحدٌ على وجهِ الأرْض، فقال له ابنُ دِحْيَة: تَكْذبُ يا شَيْخَ السَّوْءِ، فقال له من غير اكْترَاث ولا انْزعاج، على تُؤَدةٍ من القَوْل، من غير غَضب: لا تسْفَهْ، أنا لا أقُول
(a) قوله: "منطيقًا، ورأيته بسماء الشاب" لم يرد في مخطوطة السيل.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
لم أقف على كلام ابن الأثير -هنا وتاليه- في كتابيه الكامل والتاريخ الباهر.
هذا من تلقاءِ نَفْسِي، وإِنَّما أنْقلُه عن النَّاسِ، فإنَّ فُلَانًا قد ذَكَرَ ذلك، وذَكَرهُ فُلَانٌ وفُلَانٌ، فاحتَدَّ ابنُ دِحْيَة، وسبَّهُ، وهو لا يردُّ عليه، ويُكلِّمه كَلامَ عَاقِلٍ ثَابِتٍ من غير اكْتِرَاثٍ بقَوْلهِ، ثمّ قال له في أثناءِ كَلَامهِ: وأيُّ فَخْرٍ لك في الانْتماءِ إلى هذا النَّسَب، فإنَّ دِحْيَةَ لَم يَتميَّز على الصَّحَابَة إلَّا بالجَمَال، فهلا انْتَسَبْتَ إلى أبي بَكْر، أو عُمَر، أو عُثْمان، أو عليّ، أو غيرهم من كِبَار الصَّحَابَة.
ثمّ أورد تَاجُ العُلَى حِكايَةً، فقال ابنُ دِحْيَة: أنا واللَّهِ أحفظُها خَيْرًا منك، فقال: أنا ما أوْرَدتُ الحِكايَة وادَّعيتُ أنَّ أحدًا لا يحفَظُها، فهل لَحَنْتُ فيها؟ قال: لا، قال: فهل زدتُ فيها؟ قال: لا، قال: فهل نقصْتُ منها؟ قال: لا، قال: فأيّ حِفْظٍ هو خَيْرٌ من هذا؟!
وسَمِعْتُ شَيْخَنا عِزّ الدِّين يقول لي، فيما يَحْكيه عن تَاج العُلَى: لمَّا قَدِمَ تَاجُ العُلَى إلى المَوْصِل لم يُوَفِّه أوْلَادُ النَّقِيْب بنُو عُبَيْد اللَّهِ حقَّهُ من الكَرَامَةِ، وجرى له معهم أمرٌ أوْجَبَ أنْ لبسَ ثَوْبًا أزْرَقَ، وعِمَامَةً صَغِيرَة وكحلَ عَيْنَيْهِ، وقصَّ شَارِبَهُ، وانْتَمَى إلى مَذْهَب الحَنَابِلَةِ، وجَعَل يجلسُ في مَجَالِسِ الوَعْظ، ويَذْكُرُ مَنَاقِبَ بني أُمَيَّة، ويَغُضُّ من الطَّالِبيِّيْن، فشقّ ذلك على أوْلَادِ النَّقِيْب، ولم يقدرُوا على مُقَابَلَته، وعظُمَ أمْرُه، وانْتَمَى إليه خَلْقٌ من أهْل السُّنَّةِ، ثمّ رَحَلَ من المَوْصِل، وفي قُلُوبهم منه شيءٌ عظيم، ثمّ عاد إليها، ودَخَل على أخي مَجْد الدِّين، وأقام أيَّامًا، وعزَمَ على الرَّحِيْل، فقال له أخي: إنَّ أتَابِك صَاحب المَوْصِل على شرف المَوْت، وستحضُر عِزيَّته، فاصْبر حتَّى تَعظ في عزيَّته، فقال: مُبَاركٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ! فقال له: هل لك أنْ أُصْلِح بينَك وبين أوْلَادِ النَّقِيْب، ويرضَخُوا لك بشيءٍ، فأعْجبَهُ ذلك وأجابَ إليهِ، قال: فاجْتَمع أخي بأوْلَادِ النَّقِيْب وقال لهم: إنَّ تَاج العُلَى قد قَدِمَ، فهل لكم في مُصَالحتِه؟ فقالوا: نعم، فقال: ولا بُدَّ أنْ يَصلَ إليهِ منكم شيءٌ، فقالوا: أيُّ شيء رَسَمتَهُ فعَلْناهُ، قال: فأصْلَح بينهم، وجَلَس مَجْلِسًا
ذَكَر فيه مَنَاقِبَهُمِ وفَضَائِلهم، فلمَّا انفصَل المَجْلِسُ أرْسَل كُلٌّ منهم إليه بشيءٍ من الثِّيَاب، والذَّهَب، وغير ذلك. قال: وماتَ أتَابِكُ صَاحِب المَوْصِل، فجلَس في عزيَّتهِ وتكلَّم، وحَصَل له شيءٌ، وسَافر عن المَوْصِل، وحصَل في آمِد، وجَرَى بينَهُ وبين ضِيَاءِ الدِّين ابن شَيْخ السَّلَّامِيَّة -وَزِير صاحبها، وكان مَكِينًا عنده- خُمَاشَةٌ، فنال من ضِيَاء الدِّين، وتسمَّح في عرضه، فأخذَهُ ضِيَاء الدِّين وأرْكبَهُ حِمَارًا وضَرَبه في أسْوَاق آمِد مَشْهُورًا، فكان كُلّما جاء إلى مكان من الأسْوَاق قال لمَنْ حَوْله: اصْبروا بارك اللَّه فيكم، ثمّ يَقُول: يا أهل آمِد، أتَدْرُونَ لِمَ فَعَلَ بي ابنُ شَيْخ السَّلَّامِيَّةِ (a) هذا؟ إنَّما فَعَل ذلك لأنَّني نَهَيْتُه عن الانْتِماءِ إلى نَسَبهِ المَلْعُون، فإنَّهُ من أوْلادِ الشِّمْر قاتل الحُسَين عليه السلام، ولَعَن اللَّهُ قاتلَهُ، الْعَنُوا الشِّمْر وأوْلَادَهُ، قال: فيَضِجّ (b) أهْل البَلَد باللَّعْنَة على الشِّمْر وعلى مَنْ أَوْلَد، ففَعَل ذلك في كُلِّ مَحَلَّةٍ وسُوق يَمُرُّون به فيه، قال: فحصَل لابن شَيْخ السَّلَّامِيَّة من التَّأذِّي والشُّهْرة أكْثَر ممَّا حصَل له، ثمّ حَبَسَهُ فلم يَزل في الحَبْسِ حتَّى سيَّر المَلِكُ الظَّاهِرُ غَازِي رحمه الله من حَلَبَ رَسُولًا إلى صَاحب آمِد وشَفع فيه، واسْتَخرجَهُ من السِّجْن، وأحْضَرَه إلى حَلَبَ المَحْرُوسَة.
أخْبَرَني القَاضِي عِزُّ الدِّين أبو عليّ الحَسَن بن مُحَمَّد القِيْلَويُّ، قال: لمَّا حُبِس تَاجُ العُلَى بآمِد كَلَّم الوَزِير نِظَام الدِّين مُحَمَّد في الحُسَين المَلِك الظَّاهِر في أمْره، وأشَار عليه أنْ يُرْسِل رَسُولًا إلى صاحب آمِد بشَفَاعة مَنْ عنده في تَاج العُلَى، فأجابَهُ المَلِك الظَّاهِر إلى ذلك، وسيَّر الشَّريفَ أبا مُحَمَّد العَلَويّ الحَلَبِيّ إلى صاحب آمِد رَسُولًا، فشَفع فيه، وأخْرجَهُ من السِّجْن.
قال لي القِيْلَويّ: فَحَكَى لي الشَّريفُ أبو مُحَمَّد، قال: لمَّا سِرْتُ من حَلَب، ووَصَلْتُ آمِد، تَنَكَّرْتُ، ولبسْتُ غير زِيِيّ، ودَخَلْتُ آمِدَ، وسَألتُ عن السِّجْن
(a) ب: السلامة.
(b) ب: فيصيح.
الّذي فيه تَاجُ العُلَى، وكان في بُرْج من أبْرِجَةِ (a) آمِد، فدُللتُ عليه، فجئتُ إليه واجْتَمَعْتُ بهِ، ثُمّ عُدْتُ إلى مكاني الّذي نَزَلْت فيه خارجَ البَلَدِ، ولبسْت ثِيَابي، وأخَذْتُ غِلْمَاني، ودَخَلْتُ آمِد، فاسْتَحْضَرَني صاحبُها، فأدَّيْتُ إليه رِسَالة المَلِك الظَّاهِر وما قالَهُ من الشَّفَاعَةِ فيه، فقال لي صَاحِبُ آمِد: ما لي به عِلْمٌ منْذُ سَجَنَهُ ضِيَاء الدِّين ابن شَيْخ السَّلَّامِيَّة، فقُلتُ لَهُ: السَّاعَةَ كُنْتُ عنده، وهو مَحْبُوسٌ بالمكانِ الفُلَانيّ، وما زلْتُ به حتَّى أخْرجَهُ من السِّجْن وسلَّمَهُ إليَّ، فأخَذْتُه وجئتُ بهِ إلى حَلَب.
حَضَرْتُ مَجْلِسَ المَلِك الظَّاهِر رحمه الله مِرَارًا، وأنْشَده تَاجُ العُلَى لنَفْسِهِ قَصَائِد من شِعْره يَمْدَحَهُ فيها، وسَمِعْتُها من لَفْظه في تلك المَجَالِس، وكان يُنْشدُ عنه في الأحيانِ وَلَدهُ زَيْد لأنَّهُ أضرَّ في آخر عُمْرِه، فممَّا سَمعتُه من لَفْظه يُنْشدُ السُّلْطانَ المَلِكَ الظَّاهِر رحمه الله قَصِيدَة رَثى بها أخاهُ المَلِك الأشْرف مُحَمَّد ابن المَلِك النَّاصِر يُوسُف بن أَيُّوب رحمهم الله، وكان قد اقْتُرِح عليه هذا الرَّوِي، وما أوْدعَ القَصِيدَةَ من ذِكْر الكَوَائن، والقَصِيدَةُ:[من الكامل]
دَاءُ المَنِيَّة ما لَهُ من آسِ
…
عقَدَ اليَقِيْنُ حُبَاهُمُ باليَاسِ
راجِعْ نُهَاك فأنْتَ أهْدَى والتَفِتْ
…
نظَرًا إلى الآثارِ والأرْمَاسِ
تاللَّهِ ما الدُّنْيا بدَار إقامةٍ
…
لمُسَوِّفٍ أو ذَاكِرٍ أو نَاسِ
هيَ ما رأَيْتَ وما سمعْتَ وَهَلْ تَرَى
…
إلَّا مَعَالِمَ أرْبُعٍ أدْرَاسِ
ومَعَاهدًا كانت حِمًى فتنكَّرَتْ
…
بعد الأنيسِ وبُهْجةِ الإيْنَاسِ
شربُوا على العلَّاتِ كأسًا فرَّقَتْ
…
جَمْعَ الفريق فَيا لَها مِن كَاسِ
أوَما هي الدُّنْيا وحَاصلُها المُنَى
…
والمُسْتَفادُ مصَائدُ الأنْفَاسِ
يا بُؤْسَ ما صنَعَتْ بسَادَةِ مَعْشَرٍ
…
غُرِّ الأسِرَّةِ قادةٍ أَشْوَاسِ
(a) ب: أبراج.
بُسُط الأكُفّ على انْقِبَاضِ زَمَانِهم
…
وُضُحِ المَكَارِم غيرِ ما أَجْبَاسِ
عَرضَتْ لهم خَتْلًا بهَيْئَةِ مُوْمِسٍ
…
لَبِسَت مَلَابسَها على ألْبَاسِ
حتَّى إذا لانَتْ لهم وتلَوَّنَتْ
…
وأَرَتْ تفَحُّجَ غيرِ ذاتِ شِمَاسِ
وَسَقَتْ لهم وهيَ النَّوَارُ بمَرْيها
…
فمَرَوا حَواسِكَها على اسْتِيْنَاسِ
زَبَنَتْهُم فهَوَوا وكَمْ زَبَنَتْ وما
…
أَلْوَتْ على مَسْحٍ ولا إبْسَاسِ
عَطَفَتْ على الجَعْدِيّ عَطْفَةَ ثائرٍ
…
فَفَرَتْهُ بالأنْيَابِ والأَضْرَاسِ
لَمْ يُنْجِهِ منها النّجاءُ وما اجْتَبى
…
لفِرَارِهِ من سُبَّقِ الأَفْرَاسِ
قد كان يَفْتَرِسُ الأُسُودَ فمَزَّعَتْ
…
أَشْلَاءَهُ بالمخلَبِ الفَرَّاسِ
سَلْ بالفَوَارِس من ذُؤَابَةِ هاشِمٍ
…
حَلَبَ العُلَى والقَصْرَ من بُطْيَاسِ
يُريدُ قصْر بُطْيَاس الّذي ابتناهُ صَالحِ بن عليّ بن عَبْد اللَّه بن العبَّاس، وسَكَنهُ هو وبنوه بظَاهِر حَلَب (a).
وسَلِ اللَّيالِيَ عن مَدَى العَرَب الأُلَى
…
حطَمُوا الصَّلِيبَ بجَانَبِي بَغْرَاسِ
عقَدُوا بأمْرَاسِ الأمَانِي سَعْيَهُم
…
ومُنَاهُم حَلَّتْ عُرَى الأَمْرَاسِ
ضَرَبَتْ لكَ المثَلَ القَرِيبَ وإنَّما
…
ضَربَ الأُلَى الأمْثَالَ للأكْيَاسِ
وأَرَتْكَ أمْسِ قُصُورَ مِصْرَ ومُلْكُها
…
مُتَوالِيَ الأعْيَادِ والأعْرَاسِ
تَتْلُو مَواكبُهُ مَواكبَ سَادِرٍ
…
في اللَّهْو بين المَقْسِ والمِقْيَاسِ
حتَّى إذا بلغَ المَدَى وتَتابَعَتْ
…
إحَنُ الخِلَاف على هَوَى السُّوَّاسِ
طلَعَتْ عليه بوَاصِبٍ مُسْتَأصلٍ
…
أصْلَ الجميعِ وحَاصِبٍ رَجَّاسِ
فهَوَتْ مَرَاتبُهُ وشُتّتَ شَمْلُهُ
…
وخَلَتْ مَجَالِسُه من الجُلَّاسِ
ما شئْتَ من غِيَرٍ وحَسْبُكَ ما تَرى
…
بعد المَشِيْب بغُصْنِكَ المَيَّاسِ
مَنْ يَعْرَ عن ثَوْبِ الشَّبَابِ ومَنْ يَعِشْ
…
كَلًّا ومَنْ يُحْجَبْ عن الأُنَّاسِ
(a) كتب ابن العديم هذا الشرح بهامش الأصل، ولم تنقله نسخة ب.
تَقْصُرْ خُطَاهُ فما يَجْيءُ بطَائِلٍ
…
أيْن المَنَاسِمُ من سُمُوّ الرَّاسِ
مَنْ جاوزَ السِّتِّين أغْلَقَ رهْنُهُ
…
وأتَتْ عليه هَوَاجِسُ الوَسْوَاسِ
مَنْ صَاحَبَ الأيَّامَ مصَّتْ (a) عُوْدَهُ
…
وحَسَا حُشَاشَتَهُ الرَّغِيْبُ الحَاسِي
أَعَسَوْتَ بعد هُنَيْدَةٍ وإلى متَى
…
آنَ انْتِقَالُكَ أيُّهَذَا العَاسِي
ماذا طَوَتْ منْكَ اللَّيالِي من أخي
…
ثِقَةٍ عَدِيمِ الرَّوْعِ والإيْجَاسِ
رَيَّانَ من مَاءِ المُروَّة عَازفٍ
…
بالطَّبْعِ عن مستَحْقِبِ الأدْنَاسِ
ذِي مِرَّةٍ وذَكَاءِ مُجْتَمِعِ القُوَى
…
أرْبَى وزادَ على ذَكَاءِ إِيَاسِ
يا دَهْرُ أين غَضَارتي ونَضَارتي
…
ومُعَاشِري ومَعَاشِري وأُنَاسِي
لا تُكَذبنَّ هُبُوبُ عَاصِفَة الرَّدَى
…
تَأتي على المِشْكَاةِ والنِّبْرَاسِ
يَشْفِي البُكَاءُ عَلِيْلَ قَلْبِكَ فابْكِهِمْ
…
ما في البُكَاءِ عليهِمُ من بَاسِ
هي فُرْقةُ الأبَدِ الّتي أخْلَى بها
…
من أُلْفَة الآرَامِ كُلّ كِنَاسِ
أَمُحَمَّدٌ إنْ مُتّ مَاتَ مُحَمَّدٌ
…
خَيْرُ الوَرَى وأبُوكَ خَيْرُ النَّاسِ
ولكَافِلِ الأيْتَامِ أطْوَلُ مُدَّة
…
تُعْطِيهِ نافِلَةَ النَّدَى والبَاسِ
غَازِي وقُل ما شِئْتَ في المَلِك الَّذي
…
هو صِبْغَةً جَبَلُ الإلهِ الرَّاسِي
بالظَّاهر المَلِكِ الغياث زَماننُا
…
خَضِرٌ يَرُوقُ نَضَارةً كالآسِ
بالطَّيِّب المُحْيي الرَّجَاء لأنَّهُ
…
من طَيِّب الأعْرَاق والأجْنَاسِ
عَارٍ عن العَارِ الّذي وُصِمُوا بهِ
…
ومن المَحَامِد والمَكَارِم كَاسِ
غَرْسٌ زَكَا ونَمَا فنَوْرُ غُصُونهِ
…
وثِمَارهِ من أَكْرمِ الأغْرَاسِ
يا كَافِلَ الأيْتَامِ في زَمَنٍ بهِ
…
قَلْبُ العُقُوق على القَرَابَةِ قَاسِ
أنْتَ المُرَادُ لها ورافِعُ طَرْفِها
…
عند انْتِكَاسِ مَكَايدِ الأنْكَاسِ
بأَبيكَ أَرْسَى الدِّينُ في مِصْرٍ على
…
تلكَ الحَوَادِثِ ثَابِتَ الآسَاسِ
(a) ب: مضت.
أَوَمَا أَبُوكَ أغَاثَ دِيْنَ مُحَمَدٍ
…
وأعَادَ مِصْرَ إلى بَني العبَّاسِ
واسْتَنْقَذَ البَيْتَ المُقَدَّس رَافعًا
…
عَلَىَ النُّبُوَّةِ من يَدِ الأنْجَاسِ
وأَذَلَّ في حِطِّيْنَ عِزَّ صَلِيْبهم
…
بالمَشْرفيَّةِ والقَنا الدَّعَّاسِ
وإليكَ تَالِدُهَا يحِنّ وإنَّما
…
تَمْحُو الطَّريِفَ عَوَاقِبُ الإبْلَاسِ
يا مُنْتَهَىَ الآمَالِ أنْتَ كَفِلْتَني
…
فسَرَوتُ ثَوْبَ معَرَّةِ الإفْلَاسِ
ولبسْتُ في حَلَبٍ من العُمْر الَّذي
…
جَدَّدْتَ لي بالبرِّ خَيْرَ لِبَاسِ
وغَفَرْتُ ما جَنَت النَّوَى وحَلَلْتُ عن
…
ظَهْر المطِيِّ مَعَاقِدَ الأحْلَاسِ
فلأُبقينَّ لك الثَّنَاءَ وإنَّما
…
تتْلُو الثَّنَاءَ صَحائِفُ الأحْرَاسِ
أنْشَدَني نَجِيْبُ الدِّين دَاوُد بن أحْمَد الطِّيْبيُّ التَّاجر، وكَتَبه لي بخَطِّه، قال: أنْشَدَنا تَاجُ العُلَى الأشْرَفُ ابن الأعَزّ العَلَويّ الرَّمْليّ لنَفْسِه: [من الطويل]
أتَعْرفُ رَسْمَ الدّار من أُمّ سَالِم
…
برامَةَ أقْوَتْ بعْدَ بيضٍ نَوَاعمِ
عَهدنا بها الشُّمَّ الأنُوفَ فبُدِّلَتْ
…
عِرَاصُ رُبَاهَا بالمَهَا والنَّعَائِمِ
ونحنُ نُدِيرُ الكأسَ صرْفًا ونجْتَني
…
جنَى ثَمَرَاتِ الوَصْلِ من آل فَاطِمِ
كأنَّ لَيَالينا بجَرْعَاءِ مَالكٍ
…
وطَرْفُ الصّبى يَقْظَان أضْغَاث حَالِمِ
ولمَّا رَأينا الدَّارَ قفْرًا تبادرَتْ
…
دراكًا مَدُوْلاتُ الدُّمُوع السَّوَاجِمِ
على مَعْشرٍ شطَّتْ بهم غرْبَةُ النَّوَى
…
نَعِمْنا بهم والشَّمْلُ عَذْبُ المَنَاسِمِ
فواكَبدِي من لَاعِجِ الشَّوْق والهَوَى
…
إلى الرَّمْلَةِ الغَنَّاءِ ذاتِ الرَّوَاسِمِ
لقد حكم البَيْنُ المُشتُّ بصَرْفهِ
…
عليَّ وصَرْفُ البَيْن أجْوَرُ حَاكِمِ
وقَائِلَةٍ يا ابنَ الأعَزّ اصْطَبر فقد
…
رمَتْكَ العِدَا بالمُوْبقاتِ القَوَاصِمِ
أجدَّك ما أصْبَحْتُ إلَّا أكْيلَةً
…
تَرُوحُ وتَغْدُو بين لَاح ولَائِمِ
أنْشَدَني القَاضِي زَيْن الدِّين أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه بن عُلْوَان الأسَدِيّ قاضي حَلَبَ، قال: أنْشَدَنا تَاجُ العُلَى لنَفْسِه، ولا يَبْعُد أنَّني
سَمِعتُهما من تَاج العُلَى فيما سَمِعتُه من شِعْره وشَذَّ عن خَاطِري: [من البسيط]
بنو زَمَانِكَ هذا فاخْشَ نقلَهُمُ
…
فإنَّهُم كشَرارٍ بَثَّهُ لَهَبُ
إنْ يَسْمَعُوا الخَيْرَ يُخْفُوه وإنْ سَمِعُوا
…
شَرًّا أذَاعُوا وإن لم يَسْمَعُوا كَذبُوا
قَرأتُ بخَطِّ أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّدِ بن مُحَمَّد بن حَامِد الكَاتِب الأصْبَهَانِيّ
(1)
، قال: وأنْشَدَني -يعني الأشْرفَ ابن الأعَزّ- لنَفْسِه وَصِيَّةً لوَلَده: [من البسيط]
بُنَيَّ باركَ فيكَ اللَّهُ من وَلدٍ
…
نَمَاهُ للخَيْر جَدُّ صَالِحٌ وأَبُ
تَعَلَّم العِلْمَ وابْغِ الخَيْرَ مُجْتَهدًا
…
فالعِلْمُ يَنْفَعُ (a) ما لا يَنْفَعُ النَّسَبُ
تُوفِّي تَاج العُلَى النَّسَّابَة بحَلَب في يَوْم الأحَد سَلْخ صَفَر من سَنَة عَشْرٍ وسِتّمائة.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ أَشْعَثُ
أشْعَثُ بن شُعْبَة، أبو أحْمَد المِصِّيْصيّ البَزَّار
(2)
كُوفيُّ الأصْل، وسَكَنَ المِصِّيْصَة، وقيل: إنَّهُ خُرَاسَانيٌّ نَزَل البَصْرَة، ثمّ خرَج إلى المِصِّيْصَة فسَكَنَها.
وقال ابنُ الفَرَضِيّ: إنَّهُ يُخَالفُ في بَعْض حَدِيثِهِ.
حَدَّثَ بالمِصِّيْصَةِ ومِصْرَ عن الرَّبيعْ بن صَبِيْح، وحَنَش بن الحَارِث النَّخَعيِّ،
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
السيل والذبل على خريدة القصر، ورقة 82 أ.
(2)
توفي بعد سنة 190 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن يونس الصدفي 2: 39 - 40، الجرح والتعديل 2: 272 - 273، ابن حبان: الثقات 8: 139، تهذيب الكمال 3: 270 - 271، تاريخ الإسلام 4: 1074 - 1075، الكاشف 1: 134، تهذيب التهذيب 1: 354، تقريب التهذيب 1:79.
وإبْراهيم بن أدْهَم، وإسْمَاعيل بن إبْرَاهيم، وأَرْطَأة بن المُنْذِر، ومَنْصُور بن دِينْارٍ التَّيْمِيّ، وإبْراهيم بن مُحَمَّد الفَزَارِيّ، وأبي مُطِيع مُعاوِيَة بن يَحْيَى، والسَّرِيّ بن يَحْيَى، وعبد اللَّه بن ضِرَار المَلَطِيّ، ووَرْقَاء [بن عُمَر اليَشْكُريّ](a).
رَوَى عنهُ يَعْقُوبُ بن كَعْب الحَلَبِيُّ، وإبْراهيم بن الحُسَين الأنْطَاكِيّ، وأبو صالح الفَرَّاء، وسُفْيانُ بن مُحَمَّد بن سُفْيان المِصِّيْصيُّ، ويَمَانُ بن سَعيد المِصِّيْصيّ، والمُسَيَّبُ بن وَاضِح التَّلْمَنَّسيِّ، وعُبَيْدُ بن القَاسِم الرَّقِّيّ، والقَاسِم بن عبد الرَّحْمن، ومُحَمَّدُ بن عِيسىَ الطَّبَّاع، والخَلِيل بن بُكَيْر، ومُحَمَّدُ بن سَعِيد، وعليّ بن مَعْبَد، وأبو جَعْفَر مُحَمَّدُ بن زَكَرِيَّاء، وسَلَمَةُ بن عَقَّار (b)، والحَسَنُ بن الرَّبْيع، وأحمد بن عَمْرو بن السَّرْح (c)، وهِشَام بن الفَضْل.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْدُ الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ
(1)
، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد أحمدُ بن مُحَمَّد البَغْدادِيّ بقراءتي عليه بأصْبَهان في مَنْزلِه، قال: أخْبَرنا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن مُحَمَّد بنِ إبْراهيم الوَرْدَانِيّ (d) قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن موسَى بن مَرْدَوَيْه الحافِظُ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عليّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحُسَين بن يَزِيد الهَمَذانِيّ (e) بمَكَّة، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن
(a) موضع ما بين الحاصرتين بياض في الأصل، والنص متصل في ب، واستكمال الاسم من مشاهير علماء الأمصار لابن حبان 277، وتهذيب الكمال للمزي 3:270.
(b) في الأصل، ب: عفان، وما أثبتناه من الجرح والتعديل 2: 273، وتاريخ بغداد 10: 193، وتهذيب الكمال للمزي 3: 270، وتاريخ الإسلام 4: 1118، 5:84.
(c) ب: السراج.
(d) كذا في الأصل ومجودًا، وفي كتاب أدب الإملاء للسمعاني: الوَزْوَانيّ، وفي حاشية أصله "من قرى أصبهان"، وذكر ياقوت وَزْوان ولم ينسب إليها أحدًا، وقال:"أحسبها من قرى أصبهان". انظر: معجم البلدان 5: 375.
(e) الأصل: الهمداني، بالمهملة، والمثبت من كتاب السمعاني: أدب الإملاء 173.
_________
(1)
السمعاني: أدب الإملاء والاستملاء 172 - 173، وانظر الخبر فى تاريخ بغداد 11: 393، بسند يتصل بأشعث المصيصي باختلاف يسير.
القَاسِم الرَّقّيّ، قال: حَدَّثَنا أشْعَثُ بن شُعْبَة بالمِصِّيْصَةِ، قال: لمَّا قَدِمَ هَارُون الرَّقَّةَ، أشْرَفَتْ أُمُّ وَلدٍ لهَارُون من قَصْرٍ من خَشَبٍ، فرأتِ الغَبَرَةَ قد ارْتفَعَت، والمقالَ (a) قد تقَطَّعَت، واِنْجَفَلَ النَّاسُ، فقالت: ما هذا؟ قالوا: عَالِمٌ، من خُرَاسَان، يُقال له: عَبْد اللَّه بن المُبارك، فقالت: هذا واللَّهِ المَلِكُ (b)، لا مُلْك هَارُونَ الّذي لا يَحْمَدُه النَّاسُ إلَّا بالسَّوْط والخَشَب.
قَرأتُ بخَطِّ أبي مُحَمَّد عَبْد الغَنِيّ بن سَعيد الحافِظ في تاريخ أبي سَعيد بن أحْمَد بن يُونُس بن عَبْد الأعْلَى الصَّدَفِيّ، قال في تاريخ الغُرَبَاء القادِمين على مِصْر
(1)
: أشْعَثُ بن شُعْبَة، كُوْفيّ، يُكْنَى أبا أحمد، ويُعْرَفُ بالمِّصِيْصيّ لسُكناهُ المِصِّيْصَة.
وقال في مَوضِع آخر
(2)
: يُقالُ إنَّهُ من أهْلِ خُرَاسَان، نزَلَ البَصْرَة، وخَرَجَ إلى الثَّغْر فأقام بهِ، ثُمَّ قَدِمَ إلى مِصْرَ سَنَةَ إحْدَى وتِسْعِين ومائة، وحَدَّثَ بها.
أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَد بن عَبْد اللَّه بن عُلْوَان، فيما أَذِنَ لنا في رِوَايته عنه، قال: أنْبَأَنَا مَسْعُود بن الحَسَن الثَّقَفِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو بن مَنْدَة، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا حَمْدُ بن عَبْد اللَّه، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم في كتاب الجَرْحِ والتَّعْدِيل
(3)
، قال: أشْعَث بن شُعْبَة المِصِّيْصيّ رَوَى عن أَرْطَأة بن المُنْذِر، وحَنَش بن الحَارِث، رَوَى عنهُ مُحَمَّد بن عِيسَى بن الطَّبَّاع، وأحمد بن عَمْرو بن السَّرْح (c)، سَمِعْتُ أبي وأبا زُرْعَة يقولان ذلك، زاد أبي: ورَوَى عنهُ
(a) كتب ابن العديم في هامش الأصل: "والمذال"، وفي ب: والقال، والمثبت موافق لما عند السمعاني في أدب الإملاء والاستملاء 173، وفي تاريخ بغداد: النعال.
(b) ب: هو المَلِك، تاريخ بغداد: هذا واللَّه المُلْك.
(c) ب: السراج.
_________
(1)
تاريخ ابن يونس الصدفي 2: 39.
(2)
الكلام متصل بها قبله في نشرة تاريخ ابن يونس 2: 39.
(3)
الجرح والتعديل 2: 272.
المُسَيَّبُ بن وَاضِح، روى هو عنه عن إبْراهيم بن أدْهَم، رَوَى عنهُ سَلَمَةُ بن عَقَّار (a)، والحَسَنُ بن الرَّبْيع، وهِشَام بن الفَضْل (b) صاحب أحْمَد الدَّوْرَقيّ، وزادَ أبِي: أصْلهُ خُرَاسَانيٌّ سَكَنَ الثَّغْر. سُئِلَ أبو زُرْعَة عن أشْعَثَ بن شُعْبَة الّذي روَى (c) عن مَنْصُور بن دِيْنارٍ، فقال: لَيِّنٌ.
أَشْعثُ بن عَمْرو -ويقال: ابنُ عُمَرَ، ويقال: ابنُ عُثْمانَ- التَّمِيْمِيّ الحَنْظَلِيِّ البَصْرِيّ
(1)
قَدِمَ دَابِقِ وَافِدًا علىِ عُمَر بنِ عَبْد العَزِيْز رضي الله عنه حينَ اسْتُخْلِف، وحَكَى عنه، رَوَى عنهُ عَنْبَس بن بَيْهَس.
أنْبَأنَا زَيْنُ الأُمَناءِ الحَسَنُ يبن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الفَقِيه، ح.
وأنْبَأنَا أبو القَاسِم القَاضِي، عن أبي الحَسَن الفَقِيه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن مُحَمَّد بن أبي العَلَاء قراءةً، وأبو الفَتْح نَصْرُ بن إبْراهيم الزَّاهِدُ لَفْظًا، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن عَوْف، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن مُوسَى بن الحَسَن (d)، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن خُرَيْم، قال: حَدَّثَنا حُمَيْدُ بن زَنْجُوَيْه
(3)
، قال: حَدَّثَنا يَحْيَى بنُ يَحْيَى، قال: حَدَّثَنَا عَنْبَسُ (e) بن بَيْهَس، عن رَجُلٍ من بني تَمِيْم يُقالُ له الأشْعث بن عَمْرو أنَّهُ أتَى عُمَر بن عَبْد العَزِيْز بالشَّام حينَ اسْتُخْلِفَ، قال: فكَلَّمتُه، قُلتُ: اسْقِني سَقَاكَ
(a) في الأصل، ب: عفَّان، والمثبت من كتاب الجرح والتعديل، وتقدم الكلام على تصويبه.
(b) الجرح والتعديل: المفضل، وفي نسخة منه ما يوافق المثبت.
(c) الجرح والتعديل: يروي.
(d) في تاريخ ابن عساكر: الحسين.
(e) كتاب الأموال: عبيس.
_________
(1)
ترجمته في: الجرح والتعديل 2: 276 وفيه: الحبطي بدل الحنظلي، تاريخ ابن عساكر 9: 114 - 116، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 67.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 114.
(3)
كتاب الأموال 2: 656 - 657.
اللَّه. قال: أين؟ قُلتُ: بالخِرْنِق، قال: وما الخِرْنِقُ؟ قُلتُ: غائطٌ بالشّحر (a) لا يَطَأهُ طَريقٌ! قال له: الوَيْلُ، ما تصنعُ بغائطٍ لا يَطَأهُ طَريقٌ؟ قُلتُ: أنا رَجُلٌ صَاحبُ سَائِمةٍ أُريْدُ الفَلَاةَ، قال: أَثَّرَ (b) بالغائطِ أحَدٌ قَبْلَك أثرًا؟ قُلتُ: نعم، حَفَر عَبْدُ اللَّه ابن عَامِرٍ بها ركيَّةً، قال: كَمَ صَوْبُها (c)؟ قلْتُ: خَمْسُون ذِرَاعًا (d) أو خَمْسُونَ قامةً، قال: كَمِ هي من البَصْرَة؟ قُلتُ: مَسِيرة ثلاث ليالٍ، فكَتَب إلى عَدِيّ بن أَرْطَأة: أتَاني رجُلٌ من بني تَمِيْم فاسْتَحْفَرني بالخِرْنق، وزَعَم أَنَّها منك مَسيرة ثلاث ليالٍ، فإذا أتاك فأحْفِرْهُ، وأحْفِرْ مَنْ جاءكَ من أسْوَدٍ وأبيَضٍ، واشْتَرِط -أظُنُّه قال، الشَّكُّ من يَحْيَى-: ابن السَّبِيْل أوَّلُ ريَّانٍ، وإنَّ حَرِيمَها طُوْلُ رِشَائها.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل بن نَاصِر، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل ابنُ خَيْرُون، وأبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، وأبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، واللَّفْظُ لهُ، قالوا: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ -زَادَ ابنُ خَيْرُون: وأبو الحُسَين الأصْبَهَانِيّ- قالا: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن سَهْلٍ، قال: أخْبَرَنا البُخاريُّ
(1)
، قال: أشْعَثُ بن عُمَر التَّمِيْمِيّ الحَبَطِيّ (e) البَصْرِيّ، سَمِعَ عُمَرَ بن عَبْد العَزِيْز، كَتَب إلى عَديّ: أنْ احْفر، وابنُ السَّبيْل أوَّلُ رَيَّان، وأنَّ حَرِيْمَها طُولُ رِشَائها، قاله لنا قُتَيْبَة عن عَنْبَس بن بَيْهَس، وقال لنا مُوسَى بن إسْمَاعِيْل: حَدَّثَنَا عَنْبَسُ (f) سَمِعَ أشْعَثَ بن عَمْرو.
رَوَاهُ أحْمَدُ بن إبْراهيم الدَّوْرَقيّ، عن عبد الصَّمَد بن عَبْد الوَارِث، قال:
(a) كذا في الأصل، وفي ب: الشجر، وفي تاريخ ابن عساكر: الشجيّ، وفي كتاب الأموال: بالسحرا. وحدد ياقوت موضع الخرنق بين البصرة ومكة، ولم يذكر فيه الشحر أو الشجي. انظر معجم البلدان 2:362.
(b) في تاريخ ابن عساكر: أبنى.
(c) ب: صبوها.
(d) كتاب الأموال: باعًا.
(e) هكذا كتبه ابن العديم كما وجده، ووضع فوقه في الأصل علامة التصحيف "صـ"، ومثله في تاريخ البخاري الكبير 1: 432 وتاريخ ابن عساكر 9: 115، وصوابه الحنظلي.
(f) تاريخ البخاري: عبيس.
_________
(1)
تاريخ البخاري الكبير 1: 432.
حَدَّثَنا إِيَاسُ بن بَيْهَس، عن أشْعَث بن عَمُرو مُخْتصرًا وخالفَهُما في اسْم عَنْبَس ووَهِمَ في ذلك.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَاتِ الحَسَنُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
، قال: قَرأتُ بخَطِّ عَبد الوَهَّاب المَيْدانيّ في سَمَاعِه من أبي سُليْمان بن زَبْرٍ، عن أبيهِ: أخْبَرَنا حَمْدَانُ (a) بن عليّ، قال: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بن أسَدٍ، قال: حَدَّثَنا عَنْبَسُ بن بيْهَس، قال: زَعَم الأشْعَثُ بن عَمْرو -رَجُلٌ من بني تَمِيْم، أحَدُ بَني حَنْظَلَة- سَمعتُه يُحدِّثُ أنَّهُ أتَى عُمَرَ بن عَبْد العَزِيْز حينَ اسْتُخْلِف، فكلَّمه، فذَكَر نَحْوَها.
قال أبو القَاسِم الحافِظ
(2)
: في نُسْخَة ما شَافَهني به أبو عَبْدِ اللَّه الخَلَّالُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن مُحَمَّد، ح.
قال: وأخْبَرَنا ابن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْدُ بن عَبْدِ اللَّه إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِمِ
(3)
، قال: أشْعَثُ بن عُثْمان التَّمِيْمِيّ، ويقال: أشْعَثُ بن عَمْرو الحَبَطِيّ (b)، سَمِعَ عُمَرِ بن عَبْد العَزِيْز [ما](c) كتَبَ إلى عَدِيّ بن أَرْطَأة، رَوَى عنهُ عَنْبَس (d) بن بَيْهَس، سَمِعْتُ أبي وأبا زُرْعَة يقولان ذلك، وزادَ أبو زُرْعَة: يُعَدُّ في البَصْرِيِّيْن. قال: وأخْبَرَنا ابن أبي خَيْثَمَة -فيما كَتَبَ إليَّ- قال: سُئِلَ أبي ويَحْيَى بن مَعِيْن عن أشْعَث بن عَمْرو التَّمِيْمِيّ فقالا: لا نَعْرفُهُ.
(a) ب: حمد.
(b) كتبه كما وجده في أصل تاريخ ابن عساكر، ومثله في كتاب الجرح والتعديل، ونبه ابن العديم على وقوع التصحيف فيه بكتابة حرف "صـ" فوقه، وفي ب: الحنطي، وصوابه الحنظلي. وفي تاريخ ابن عساكر:"أشعث بن عمر الحبطي سمع. . . "، وفيه أيضًا: الحبطي والحنطي.
(c) إضافة من تاريخ ابن عساكر عن الجرح والتعديل.
(d) الجرح والتعديل: عبيس.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 115.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 115 - 116.
(3)
الجرح والتعديل 2: 276.
قال أبو القَاسِم الحافِظ: وكَذَا قالا: الحَبَطِيّ، فاللَّهُ أعْلَمُ.
وقال أبو القَاسِم الحافِظ
(1)
: أشْعَثُ بن عَمْرو، ويقال: ابنُ عُمَرِ، ويقال: ابنُ عُثْمان، التَّمِيْمِيِّ الحَنْظَليَّ البَصْرِيّ، وفَدَ على عُمَرَ بن عَبْد العَزِيْز، ورَوى عنهُ قوله، رَوَى عنهُ عَنْبَسُ بن بَيْهَس.
أشْعَثُ بن قَيْس بن مَعْدِي كَرْب بن مُعاوِبَة بن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة بن مُعاويَة بنِ الحَارِث الأصْغَر، بنِ الحَارِث الأكْبَرَ بنِ مُعاوِيَة -وقيل: مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بِن الحَارِث ابن مُعاوِيَة- ابن ثَوْر بن مُرَتَّع (a) بنِ ثَوْر -وهو كِنْدِيَّ بن عُفَيْر، وقيل: مُرَتّعِ بن مُعاوِيَة بن ثَوْرِ- بن عُفَيْرِ بن عَدِيّ بن مُرَّة بن أُدَد بن زَيْد بن يَشْجُبَ بن عَرِيْب بن زَيْد بن كَهْلَان بن سَبَأ بن يَشْجُبَ بن يَعْرُب بن قَحْطَان، أبو مُحَمَّد الكِنْدِيُّ
(2)
قَدِمَ على النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في وَفْد كِنْدَة، وأسْلَم، وصَحِبَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، ورَوَى عنهُ أحَادِيْث يَسِيْرةً.
(a) هكذا ضبطه المؤلف في الأصل بتشديد المثناة الفوقية وكسرها، ومثله عند ابن خلكان: وفيات الأعيان 3: 460 (في ترجمته القاضي شريح)، ويأتي في ثنايا الترجمة الكلام على وجوه أخرى في ضبط الاسم.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 114.
(2)
توفي سنة 40 هـ، ترجمته في: كتاب وقعة صفين لابن مزاحم 20 - 24، 137 - 140، 165 - 174، 180 - 182، 192 - 193، (وانظر فهرس الأعلام 564)، طبقات ابن سعد 6: 22 - 23، وأيضًا في الجزء السادس المتمم لطبقات ابن سعد (نشرة علي محمد عمر) 6: 230 - 237، تاريخ خليفة 116، 148، 172، 193 - 194، 199، طبقات خليفة 71، 133، الجاحظ: البيان والتبيين 2: 270، 3: 141، ولاة مصر للكندي 6، الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري 52، 120 - 122، 134، 156، 169 - 174، 188، 190، 195 - 196، 211، 224، المحبر لابن حبيب 64، 95، 244 - 261، 291، 302، تاريخ البخاري الكبير 1: 434، البلاذري: فتوح البلدان 139 - 145 =
رَوَى عنهُ عَامِرٌ الشَّعْبِيّ، وأبو وَائِل شَقِيْق بن سَلَمَة، وأبو حَازِم، ومُسْلِم بن هَيْصَم، وعَبْد الرَّحمن بن عَدِيّ، وقَيْس بن أبي حَازِم، وإبْراهيم النَّخَعِيِّ. وقيل: كان (a) اسْمُه مَعْدِي كَرْب، وكان أبدًا أشْعَثَ الرَّأسِ، فسُمِّي الأشْعَثَ. وأبوه قَيْس هو: الأَشَجُّ بن مَعْدِي كَرْب.
وأُمُّ الأشْعَث كَبْشَةُ بنتُ يَزِيد بن شْرَحْبِيل بن يَزِيد بن امْرئ القَيْس بن عَمْرو المَقْصُور بن حُجْر آكل المُرَار بن عَمْرو بن مُعاوِيَة بن الحَارِث الأكْبَر بن مُعاوِيَة بن ثَوْر. وقيل: إنَّ أُمَّهُ هِنْد بنتْ الحَارِث بن عَمْرو، من بَني آكِل المُرَار.
وكان سَيِّدًا في كِنْدَة في الجَاهِلِيَّة والإِسْلَام، وارْتِدَّ عن الإسْلَام بعدَ مَوْت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، ثمّ أسْلَم في خِلَافَة أبي بَكْر رضي الله عنه. وزوَّجَهُ أبو بَكْر بأُخْتِهِ أم فَرْوَة بنت أبي قُحَافَة، وهي أُمُّ ابْنه مُحَمَّدُ بن الأشْعَث.
وانتجَع الأشْعَثُ خَالِدَ بن الوَلِيد بقِنَّسْرِيْن في سَبْعْ عَشرة، بعد أنْ غَزَاها
(a) ساقطة من ب.
_________
= (خبر ردّته)، المعارف لابن قتيبة 168، 189، 333 - 334، تاريخ الطبري 3: 138 - 139، 4: 143 (وانظر فهرس الأعلام 10: 183)، الفتوح لابن أعثم 1: 55 - 78، 2: 367 - 371، 3: 7 - 10، الجرح والتعديل 2: 276 - 277، المسعودي: مروج الذهب 3: 43، 67، 117 - 122، 138 - 142، (وانظر فهرس الأعلام 5: 156)، الثقات لابن حبان 3: 13 - 14، مشاهير علماء الأمصار 78، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 54، الاستيعاب 1: 133 - 135 (واقتبس ابن العديم ترجمته بكمالها)، تاريخ بغداد 1: 556 - 558، والمتفق والمفترق 1: 495 - 496، تاريخ ابن عساكر 9: 116 - 145، ابن الجوزي: المنتظم 3: 382، 5: 167 - 168، ابن الأثير: الكامل 2: 298 - ، 3: 10 (في مواضع كثيرة من الجزئين، انظر فهرس الأعلام 13: 32)، أسد الغابة 1: 97 - 99، تهذيب الكمال 3: 286 - 295، تاريخ الإسلام 2: 344، سير أعلام النبلاء 2: 37 - 43، العبر في خبر من غبر 1: 34، الإعلام بوفيات الأعلام 34، الكاشف 1: 135، الوافي بالوفيات 9: 274 - 275، ابن كثير: البداية والنهاية 5: 72 - 73، ابن خلدون: العبر 4: 353، تهذيب التهذيب 1: 359، تقريب التهذيب 1: 80، الإصابة 1: 50 - 51، شذرات الذهب 1: 221، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 67 - 78، محسن الأمين: أعيان الشيعة 1: 503 وما بعدها، 3: 463 - 464.
خَالِد غَزْوتَهُ الّتي أصَابَ فيها ما أصَاب، فأجازَهُ خَالِدٌ بعشرة آلاف دِرْهَم، وكانت سَبَب عَزْل عُمَر بن الخَطَّاب رضي الله عنه خَالِدًا عن قِنَّسْرِيْن.
وقيل: أوَّلُ مَنْ قَطَع الدَّرْبَ من المُسْلمِيْن بعد فَتْح أنْطَاكِيَة الأشْعَثُ بن قَيْس، أنْفَذهُ أبو عُبَيْدَة بن الجَرَّاح، فقطع اللُّكَام، وفتَحَ عدَّهَ حُصُون، وعاد إليه.
وشَهِدَ فَتْحَ العِرَاق معِ سَعْد رضي الله عنه، وشَهِدَ اليَرْمُوك، وأُصِيْبَت عَيْنُه يَوْمئذٍ، وسَكَنَ الكُوفَة، وشَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليٍّ رضي الله عنه، وجَعَلَهُ على المَيْمَنَة، وعلى راية كِنْدَة، وشَهِدَ معه النَّهْرَوَان.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْدُ بن الحَسَن بن زَيْد الكِنْدِيِّ، قراءةً منِّي عليه بمَنْزِله بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن إبْراهيم بن عِيسَىِ البَاقِلَّانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن مالك القَطِيْيِّ إمْلاءً، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن مَنْصُور الحاَسِب، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن صالح، قال: حَدَّثَنَا أبو مُعاوِيَة، عن الأَعْمَش، عن شَقِيْق، عن عَبْد اللَّه
(1)
، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ حَلَف على يمَينٍ ليَقْتَطع بها مالَ امْرئٍ مُسْلِم لقي اللَّهَ وهو عليه غَضْبانُ. فقال الأشْعَثُ بن قَيْس: ففيَّ كان ذلك؛ كان بيني وبين رَجُلٍ من اليَهُود أرْضٌ فجحَدَني، فقَدَّمتُه إلى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال لي: ألكَ بَيِّنة؟ قُلتُ: لا، فقال لليَهُودِيّ: أتَحْلفُ؟ فَقَلتُ: يا رسُولَ اللَّه، إذًا واللَّهِ يَذْهَبُ بمالي، فأنْزَل اللَّه عز وجل:{الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}
(2)
.
(1)
مصنف ابن أبي شيبة 4: 465 (رقم 22135)، مسند ابن حنبل 5: 210 (رقم 3597)، سنن ابن ماجة 2: 778 (رقم 2322)، الجامع الكبير للترمذي 2: 547 (رقم 1269)، 5: 101 (رقم 2996) المعجم الكبير للطبراني 1: 234 (رقم 642)، سنن أبي داود 3: 565 (رقم 3243)، ابن منده: كتاب الإيمان 2: 601 (رقم 563)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 5: 284 (رقم 2673)، كنز العمال 16: 695 (رقم 46376).
(2)
سورة آل عمران، من الآية 77.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحُسَينُ بن هِبَةِ اللَّه بن صَصْرَى، قراءَةً عليهِ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحُسَينُ بن الحَسَن بن مُحَمَّد الأسَدِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن مُحَمَّد بن أبي العَلَاء، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن عُثْمان بن القَاسِم بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن خَيْثَمَة بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا هِلالُ بن العَلَاءِ، قال: حَدَّثَنَا أبي وعَبْدُ اللَّه، قالا: حَدَّثَنا عُبَيد اللَّه، عن زَيْد، عن الأَعْمَش، عن شَقِيْقَ بن سَلَمَة، عن عَبْد اللَّه، قال: قال رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم
(1)
: مَنْ حَلَف على يَمينٍ صَبْرًا ليقْتَطعَ بها مالَ امْرئٍ في مُسْلِم لقي اللَّه وهو عليه (a) غَضْبانُ، وقد نَزَل تَصْدِيقُ ذلك في كتاب اللَّه عز وجل. قَال: فقرأ هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}
(2)
، قال: فمَرَّ الأشْعَثُ بن قَيْسٍ فقال: ما حدَّثكم افي مَسْعُود؟ قالوا: حَدَّثَنَا كَذَا وكذا، قال: صَدَق واللَّهِ؛ نَزَلَتْ (b) هذه الآية فيَّ وفي صَاحبٍ لي كان بيني وبينه شيءٌ في أرْضي، فأتَيْنا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فاخْتَصَمنا إليه، فقال رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: فهل لك بَيِّنة؟ فقُلتُ: لا، فقال لصَاحبي: احْلِف، فعند ذلك قال هذا.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أحْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَعْرُوف، قال: أخْبَرَنا الحَارِث بن أبي أُسامَة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْد
(3)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عُمَر، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن (c)، عن الزُّهْرِيّ، قال: قَدِمَ الأشْعَثُ في قَيْس على رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: ونزلت.
(c) في طبقات ابن سعد: محمد بن عبد اللَّه.
_________
(1)
تقدم تخريجه في الرواية قبله.
(2)
سورة آل عمران، من الآية 77.
(3)
طبقات ابن سعد 1: 328، وأيضًا في الجزء السادس المتمم لطبقات ابن سعد 6: 231، وانظر دلائل النبوة للبيهقي 5: 370، وتاريخ ابن عساكر 9: 122 - 123.
في بضْعَة عَشَرَ رَاكِبًا من كِنْدَة، فدَخَلُوا على النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسْجِدَه قد رجَّلُوا جُمَمَهُم واكْتَحلُوا، وعليهم جِبَابُ (a) الحبَرَة قد كَفُّوها بالحَرِيْر، وعليهم الدِّيْبَاج ظَاهِرُ مُخَوَّصٌ بالذَّهَب، فقال لهم رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ألَم تُسْلمُوا؟ قالوا: بلى، قال: فما بالُ هذا عليكم؟ فأَلْقَوْهُ، فلمَّا أرادُوا الرُّجُوع إلى بلادِهِم أجازَهُم بعَشرة أوَاقٍ، عَشرة أوَاق، وأعْطَى الأشْعَث بن قَيْسٍ اثْنتي عَشرةَ أُوْقِيَّة.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن الحَسَن وأبو الفَضْل بن خَيْرُون، قالا: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحَسَن بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن أحْمَد بن إسْحاق، قال: أخْبَرَنا أبو حَفْص الأهْوَازِيّ، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بن خَيَّاطٍ
(1)
، قال: ومن عُفَيْر (b) بن عَدِيّ بن الحَارِث بن مُرَّة بن أُدَد، ثمّ من كِنْدَة، وهم ولد ثَوْر بن عُفَيْر: الأشْعَث بن قَيْس بن مَعْدِي كَرْب بن مُعاوِيَة بن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيعَة بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن ثَوْر بن مُرَتِّع بن ثَوْر (c)، وهو كِنْديّ بن عُفَيْر، أُمُّهُ كَبْشَةُ بنتُ يَزِيد، من وَلَد الحَارِث بن عَمْرو بن مُعاوِيَة، يُكْنَى أبا مُحَمَّد، مات في آخر سَنَة أرْبَعين، بعد قَتْل عليّ عليه السلام قَليلًا.
أنَبْأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد المُؤدِّب، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، عن أبي مُحمّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن الفَهْم، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْد
(2)
، قال: في الطَّبَقَةِ الرَّابعة من كِنْدَة، وهو كِنْدِيّ، واسْمُه ثَوْر بن عُفَيْر بن عَدِيّ بن الحَارِث بن مُرَّة بن
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: غفير.
(c) طبقات خليفة: ابن مرتع بن معاوية بن ثور بن عفير.
_________
(1)
طبقات خليفة 71.
(2)
الجزء السادس المتمم لطبقات ابن سعد 6: 230، 231.
أُدَد بن زَيْد بن يَشْجُب بن عَرِيْب (a) بن كَهْلَان بن سَبَأ بن يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطَان: الأشْعَث بن قَيْسٍ، وهو الأَشَجّ بن مَعْدِي كَرْب بن مُعاوِيَة بن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة بن مُعاوِيَة الأكْرَمين بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن ثَوْرِ بن مُرَتَّعِ (b) بن كِنْدَة، وهو ثَوْر بن عُفَيْر، وأُمُّه كَبْشَةُ بنتُ يَزِيد بن شُرَحْبِيل بن يَزِيد بن امْرِئ القَيْس بن عَمْرو المَقْصُور بن حُجْر آكِل المُرَار بن عَمْرو بن مُعاوِيَة بن الحَارِث الأكْبَر بن مُعاوِيَة بن ثَوْر بن مُرَتَّعِ بن مُعاوِيَة بن كِنْدَة، وإنَّما سُميُّ كِنْدَةَ لأنَّهُ كَندَ أباهُ النّعْمَة -كَفَره- وكان اسْمُ الأشْعَث مَعْدِي كَرْب، وكان أبدًا أَشْعَث الرَّأس، فسُمِّي الأشْعَث.
ووفَدَ الأشْعَثُ بن قَيْس على النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في سَبْعين رَجُلًا من كِنْدَة، وكُلّ اسْم في كِنْدَة وَفَد بوفادته إلى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مع الأشْعَث بن قَيْسٍ، وقد كَتَبنا كُلّ مَنْ قَدرنا عليه منهم، هذا كُلّه في رِوَايَة هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الكَلْبيّ.
أنْبَأنَا الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر اللَّفْتُوانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن مُحَمَّد بن يُوسُف، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عُمَر بن أَبَان، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سَعْد
(2)
، قال فيمَن نزل الكُوفَة: الأشْعَثُ بن قَيْس الكِنْدِيّ أحدُ بني الحَارِث بن مُعاوِيَة، ويُكْنَى أبا (c) مُحَمَّد، ابْتَنى بها دارًا، وماتَ بها، والحَسَن بن عليّ بن أبي طَالِب يَوْمئذٍ بالكُوفَة حين صالح مُعَاويَة، وهو صَلَّى عليه.
(a) في الأصل: غريب، ب: غريب.
(b) ضبطه حيثما يرد في نشرة ابن سعد بالتخفيف: مُرْتِع.
(c) ساقطة من ب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 118.
(2)
طبقات ابن سعد 6: 22.
وقال عليّ بن الحَسَن
(1)
: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن عليّ في كتابهِ، وأخْبرَني أبو الفَضْل بن نَاصِر عنهُ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين ابن المُظَفَّر، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ أحْمَد بن عليّ بن الحَسَن بن شُعَيْب، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدِ اللَّه بن عبد الرَّحيم بن البَرْقِيّ، قال: ومن كِنْدَة، واسْمُ كِنْدَة ثَوْر بن مُرَتَّعِ بن عُفَيْر بن عَمْرو بن عَدِيّ بن الحَارِث بن مُرَّة بن أُدَد بن زَيْد بن الهُمَيْسَع ابن عَمْرو بن عَرِيْب (a) بن زَيْد بن كَهْلَان بن سَبَأ: الأشْعَث بن قَيْس بن مَعْدِي كَرْب بن مُعاوِيَة بن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِيَة ابن ثَوْرِ بن مُرَتَعّ، يُكْنَى أبا مُحَمَّد، وكان أعْوَر؛ أُصِيْبَتَ عَيْنُه يَوْمَ اليَرْمُوك، وتُوفِّيَ سَنَة أرْبَعيْن قَبْل قَتْل عليّ بيَسِيْر، له أحَادِيْثُ يَسِيْرةً.
كذا قال: قَبْل قَتْل عليّ! والصَّوَاب: بَعْد قَتل عليّ [رضي الله عنه](b)، واللَّهُ أعْلَمُ.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَات إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم
(2)
، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: قَرَأْنا (c) على أبي عَبْد اللَّه يَحْيَى بن البَنَّاء، عن أبي الحَسَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَخْلَد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن خَزَفَة، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن الحُسَين بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي خَيْثَمَة، قال: سَمِعْتُ أبي يَقُول: الأشْعَثُ بن قَيْس الكِنْدِيُّ أبو مُحَمَّد. قال أبو بَكْرٍ: وهو الأشْعَثُ بن قَيْس بن مَعْدِي كَرْب بن مُعاوِيَة بن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيعَة بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعَاويَة بن ثَوْر بن مُرَتَّعِ.
أخْبَرَنا أبو الفُتُوح نَصْرُ بن أبي الفَرَج بن عليّ الحُصْرِيّ في كِتَابِهِ إليْنَا من
(a) ب: غريب.
(b) إضافة من ب.
(c) تاريخ ابن عساكر: قرأت.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 119.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 119.
مَكَّة، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه الأَشِيْريِّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو الوَلِيد بن الدَّبَّاغ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد العَزِيْز بن ثَابِت، قال: أخْبَرنَا أبو عُمَر بن عَبْد البَّر النَّمَريّ
(1)
، قال: الأشْعَثُ بن قيس بن مَعْدِيِ كَرْب بن مُعاوِيَة بن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة بن مُعاوِيَة بن الحَارِث الأصْغر بن الحَارِث الأكْبَر بن مُعاوِيَة بن ثَوْر بن مُرَتِّع بن مُعاوِيَة بن ثَوْر بن عُفَيْر بن عَديِّ بن مُرَّة بن أُدَد بن زَيْد الكِنْدِيِّ، وكِنْدَةُ هم ولد ثَوْر بن عُفَيْر، يُكْنَى أبا مُحَمَّد، وأُمُّهُ كَبْشَةُ بنْتُ يَزِيد منِ وَلد الحَارِث بن عَمْرو، قَدِمَ على رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم سَنَة عَشر في وَفْد كِنْدَة، وكان رَئيسَهم.
قال ابنُ إسْحاق، عن ابن شِهَاب: قَدِمَ الأشْعَثُ بن قَيْسٍ في سِتِّين رَاكِبًا من كِنْدَة، وذَكَرَ خَبَرًا طَوِيْلًا فيه ذِكْرُ إسْلامِه وإسْلَامِهم، وقَوْل رسُول اللَّه [صلى الله عليه وسلم] (a): نحنُ بنو النَّضْر
(2)
بن كِنَانَة، لا نَقْفُو أُمَّنا، ولا نَنْتَفي من أبينا. كان في الجَاهِلِيَّةِ رَئيسًا مُطَاعًا في قَوْمه، وكان في الإسْلَام وَجِيْهًا في قَوْمه، إلَّا أنَّهُ ممَّن ارتدَّ عن الإسْلَام بعد النَّبيِّ عليه السلام، ثمّ راجعَ الإسْلَام في خِلَافَة أبي بَكْر الصِّدِّيْق، وأُتِيَ به أبو بَكرٍ أسَيْرًا.
قال أسْلَمُ مَوْلَى عُمَر بن الخَطَّاب: كأنِّي أنظُرُ إلى الأشْعَث بن قَيْس وهو في الحَدِيْد يُكَلِّمُ أبا بَكْر، وهو يَقُول: فعَلْت وفعَلْت حتَّى كان آخر ذلك، سَمعتُ الأشْعَث يَقُول: اسْتَبْقني لحَرْبك، وزوِّجْني أُخْتكَ، ففَعَل أبو بَكْر.
(a) إضافة من ب.
_________
(1)
الاستيعاب 1: 133 - 135.
(2)
الأصل: النمر، والمثبت من الاستيعاب (والنقل متتابع عنه). وانظر الحديث النبوي في سنن ابن ماجة 3: 871 (رقم 2612)، المعجم الكبير للطبراني 1: 234 - 235 (رقم 645)، البيهقي: دلائل النبوة 1: 173، المتقي الهندي: كنز العمال 11: 431، 438، (رقم 31976، 32013)، 12: 442 (رقم 35513)، وانظر: المسند الجامع 1: 170 (رقم 193)
قال أبو عُمَرَ رضي الله عنه: أُخْت أبي بَكْر الصّدِّيْق الّتي زوَّجَها من الأشْعَث بن قيسِ هي أُمُّ فَرْوَة بنتُ أبي قُحافَة، وهي أُمَّ مُحَمَّد بن الأشْعَث، فلمَّا اسْتُخلف عُمَرُ، خَرَج الأشْعَث مع سَعْدٍ إلى العِرَاق، فشَهِدَ القَادِسيَّة والمَدَائِن وجَلُولَاء ونَهَاونْدًا، واخْتَطَّ بالكُوفَة دارًا في كِنْدَة ونَزَلها، وشَهِدَ تَحْكيم الحَكَمَيْن، وكان آخر شُهُود الكتاب. ماتَ سَنَة اثْنَتَيْن وأرْبَعين، وقيل: سَنَة أرْبَعين بالكُوفَة، وصَلَّى عليه الحَسَنُ بن عليّ.
ورُوي أنَّ الأشْعَثَ قَدِمَ على رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثلاثين رَاكبًا من كِنْدَة، فقالوا له: يا رسُولَ اللَّه، نحنُ بنُو آكِل المُرَار وأنْتَ ابنُ آكِل المُرَار، فتبسَّم رسُولِ اللَّه [صلى الله عليه وسلم](a)، وقال: نحنُ بنو النَّضْرِ بن كِنَانَة، لا نقفُوا أُمَّنا ولا نَنْتَفِي من أبينا.
ورَوَى الأشْعَثُ أحَادِيث عن النَّبيِّ عليه السلام. رَوَى عنهُ قَيْسُ بن أبي حَازِم، وأبو وَائِل الشَّعْبِّي، وإبْراهيم النَّخَعيِّ، وعَبْد الرَّحمن بن عَدِيّ الكِنْدِيِّ.
رَوَى سُفْيانُ بن عُيَيْنَة، عن إِسْمَاعِيْلَ بن أبي خَالِد، قال: شَهدْتُ جنازةً فيها جَرِيرٌ والأشْعَث، فقَدَّم الأشْعَثُ جَرِيرًا، وقال: إنِّي ارتدَدْتُ ولم تَرْتدّ.
وقال الحَسَنُ بن عُثْمان: ماتَ الأشْعَثُ الكِنْدِيُّ، ويكْنَى أبا مُحَمَّدٍ سَنَة أرْبَعيْن بعد مَقْتَل عليّ بأرْبَعيْن يَوْمًا فيما أخْبَرَني ولَدُه. وقال الهَيْثَمُ بن عَدِيِّ: صَلَّى عليه الحَسَنُ بنُ عليّ.
أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَنُ بن أحْمَدْ بن يُوسُف، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المُبارَكُ بن عَبْد الجَبَّار الصَّيْرَفِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ العَزِيْز بن عليّ
(a) إضافة من ب والاستيعاب.
الأَزَجِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بن بَكْرَان بن عِمْران الرَّازِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بن مَخْلَد بن حَفْص العَطَّار في الأسَامِي والكُنَى، قال: الأشْعَث بن قيسٍ أبو مُحَمَّد، حَدَّثَنَا بذلك العباس بن مُحَمَّد الدورِي، قال: حَدَّثَنَا يعلى -يعني ابن عُبَيْدٍ- قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ بن عُمَارَة، عن عبد الرَّحْمن بن يَزِيد، قال: دَخَل الأشْعَثُ على عَبْد اللَّه -يعني ابن مَسْعُودٍ- وهو يَتَغدَّى يَوْم عَاشُوْراء، فقال: يا أبا مُحَمَّد ادْن الغَدَاءَ.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
قَرَأتُ في كتاب القَرعْ
(1)
والشَّجْر لأبي الحسَين مُحَمَّد بن القَاسِم النَّسَّابَة التَّمِيْمِيّ، قال: وكان الأشْعَثُ بن قيس بن مَعْد يكَرِب الكِنْدِيُّ رُبَّما عَصَتْ عليه العَرَب، فنَفَتْهُ عن كِنْدَة، وألْحقَتْهُ بسينبخت، وهذا من البَاطِلِ الّذي لا يقبل، وسينْبخت هو ملكُ كِنْدَة وحَضْرَمَوْت، وهو أخُو سِنْدَاد أبنا مهربوذ بن جَانْدَان في خُسْرُو بن أدرهُرْمزِ (a) من نَسْل سُهْرَاب بن مَذْغَنْز بن تُوْسَفَان بن كُنَازِبْك (b) بن نَرْسِي بن شَاه بن سَاسَان.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(2)
، قال: الأشْعَثُ بنُ قيس بن مَعْدِي كَرْب بن مُعاوِيَة بن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن الحَارِث (c) بن
(a) ب: أدرهر.
(b) ب: كتاريك.
(c) سقط من تاريخ بغداد أحد الحارثين، وهما الأصغر والأكبر.
_________
(1)
حتى لا ينصرف الذهن إلى وقوع تصحيف في رسمه فقد قيَّده المؤلف في المواضع الثلاثة التي ذكره فيها، هكذا بالقاف المنقوطة باثنتين، وأيضًا بإسكان الجيم في الكلمة بعدها، وهو يشير إلى نقله من نسخة بين يديه، وجاء بالفاء: الفرع عند ابن الساعي: الدر الثمين 139، والصفدي: الوافي بالوفيات 4: 346.
ومؤلفه هو محمد بن القاسم التميمي البصري، أبو الحسين النسابة (ت 400 هـ)، انفرد الصفدي بتلقيبه بـ: ابن مَمّولة، عالم بالأنساب وأخبار العرب، له من الكتب: كتاب أخبار الفرس وأنسابها، كتاب الأنساب والأخبار، كتاب سائر الإمم، كتاب المنافرات، أما كتاب القرع والشجر في النسب فقد ذكره ابن الساعي والصفدي، وقيَّداه بالفاء، وعنوانه عند الصفدي: الفرع والشجر في أنساب العرب والعجم، وذكرا أنه كتاب جليل في أنساب العرب والعجم يقع في نحو عشرين مجلدة. انظر: النديم: الفهرست 1/ 2: 353، ابن الساعي: الدر الثمين في أسماء المصنفين 129، الصفدي: الوافي بالوفيات 4: 346.
(2)
تاريخ بغداد 1: 556.
مُعاوِيَة بن ثَوْر بن مُرْتِعِ (a) بن مُعاوِيَة بن ثَوْر -وهو كِنْدَة- ابن عُفَيْر بن عَدِيّ بن الحَارِث بن مُرَّة بن أدد بن زَيْد بن يَشْجُب بن عَرِيْب بن كَهْلَان بن سَبأ بن يَشْجُب بن يَعْرب في قَحْطَان. وأُمُّهُ كَبْشَةُ بنت يَزِيد من وَلد الحَارِث بن عَمْرو، وكُنْيَةُ الأشْعَث أبو مُحَمَّد. قَدِمَ على رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم في وَفْد كِنْدَة، وبُعَدُّ فيمَن نَزَل الكُوفَة منِ الصَّحَابَةِ، وله عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رِوَايَة، وقد شَهِدَ مع سَعْدِ بن أبي وقَّاصٍ قِتَالَ الفُرْسِ بالعِرَاق. وكان على راية كِنْدَةَ يَوْمَ صِفِّيْن مع عليّ بن أبي طَالِب، وحَضَر قِتَال الخَوَارِج بالنَّهْرَوَان، وورَدَ المَدَائِن، ثُمّ عاد إلى الكُوفَة، فأقام بها حتَّى مات في الوَقْتِ الّذي صالحَ فيه الحَسَنُ بن عليّ مُعاوِيَةَ بن أبي سُفْيان، وصَلَّى عليه الحَسَنُ.
أنْبَأْنَا أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد القَاضِي، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلميِّ، عن أبي نَصْر بن مَاكُولا
(1)
، قال: وأمَّا مُرْتِعُ -بضَمِّ المِيْم وسُكُون الرَّاءَ وكَسْر التَّاء المُعْجَمة باثْنَتَيْن من فَوْقها وتَخْفِيفها- فهو مُرْتِعُ بن معاوِيَة بن ثَوْر الأكْبَر -وهو كِنْدَة- ابن عُفَيْر بن عَدِيّ بن الحَارِث بن مُرَّة بن أُدَد، وسُمِّي مُرْتِعًا لأنَّهُ كان يُقال له: أرْتِعْنا في أرْضك، فيقول: قد ارتعْت مكان كَذَا وكَذا.
وقال ابنُ الكَلْبيِّ
(2)
: إنَّما سُمِّي عَمْرُو بن مُعاوِبَة بن ثَوْر مُرْتِعًا. وقيل فيه: مُرْتِّع، بفَتْح الرَّاء وتَشْديد التَّاء وكَسْرها.
أنْبَأنَا أبو نصر مُحَمَّد بن هِبةِ اللَّه بن مُحَمَّد الشِّيْرَازِيّ، قال: أخْبَرنَا عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح يُوسُف بن عَبْد الوَاحِد بن مُحَمَّد، قال:
(a) هكذا ضبطه عل وجه مخالف للضبط المتقدم، وهو موافق لضبط الخطيب البغدادي.
_________
(1)
الإكمال 7: 235.
(2)
الكلبي: نسب معد واليمن الكبير 136.
(3)
ابن عساكر 9: 124.
أخْبَرَنا شُجَاعُ بن عليّ بن شُجَاع، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه (a) بن مَنْدَة، قال: أشْعَثُ بن قَيْس بن مَعْدِىِ كَرْب بن مُعاوِيَهَ بن جَبَلَةَ بن عَدِيّ بن رَبيعَة ابن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن ثَوْر الكِنْدِيّ، يُكْنَى أبا مُحَمَّد، وكان قد ارتدَّ ثمّ راجع الإسْلَام (b) في خِلَافَة أبي بَكْر، وزوَّجَهُ أُخْتَه أُمّ فَرْوَهَ، شَهِدَ القَادِسيَّةَ، ومَدَائِن (c)، وجَلُولَاء، ونَهَاوَنْد، والحَكَمَيْن على عَهْد عليِّ، وفِيه نَزَلت:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}
(1)
الآية. تُوفِّي بالكُوفَة سَنَة اثنين وأرْبَعين، وصَلَّى عليه الحَسَنُ (d) بن عليّ.
أنْبَأنَا ابن المُقَيِّر، عن ابن نَاصِر، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، وأبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، وأبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، واللَّفْظُ له -زَادَ ابنُ خَيْرُون: ومُحَمَّد بن أحْمَد الأصْبَهَانيِّ- قالا: أخْبَرَنا أحْمَد بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن إسْمَاعِيْل
(2)
، قال: أشْعَثُ بن قيسٍ الكِنْدِيّ سَكَنَ الكُوفَة، وله صُحْبَةٌ.
أنْبَأنَا الحَسَن (e) بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن الحَسَن الحافِظ
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الشَّقَّانيِّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَنْصُور بن خَلَف، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد بن حَمْدُون، قال: أخْبَرَنا مَكِّيِّ بن عَبْدَان، قال: سَمِعْتُ مُسْلم بن الحَجَّاج
(4)
يقول: أبو مُحَمَّد الأشْعَث بن قيسٍ الكِنْديّ له صُحْبَة.
(a) في نشرة ابن عساكر أخبرنا عبد اللَّه، والصواب ما عند ابن العديم وهي كنيته واسمه محمد بن إسحاق.
(b) ابن عساكر للإسلام.
(c) هكذا قيَّدها ابن العديم بدون تعريف كما وجدها في أصول ابن عساكر، وكتب فوقها "صـ".
(d) ابن عساكر: الحسين، ووردت عنده -في غير هذه الرواية- بما يوافق المثبت.
(e) ب: أبو الحسن.
_________
(1)
سورة آل عمران، من الآية 77.
(2)
تاريخ البخاري الكبير 1: 434.
(3)
تاريخ ابن عساكر 9: 131.
(4)
الكنى والأسماء للإمام مسلم 2: 718 وتحرف اسمه في المطبوعة: الأسقف بن قيس.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُفُ بن خَلِيل الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن بَوْش الأزَجِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ أحْمَدُ بن عُبيد اللَّه بن كَادِش، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الجَازِرِيّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زِكَرِيَّاء النَّهْرَوَانيّ
(1)
، قال: حَدّثَنَا يزْدَادُ بن عبد الرَّحْمن، قال: حَدَّثَنَا أبو مُوسَى -يعني تِيْنَة- قال: حَدَّثَنَا القَحْذَمِيّ، قال: تزوَّج قَيْسِ بن مَعْدِي كَرْب بنْتَ الحَارِث بن عَمْرو من بني آكِل المُرَار، فوَلدتْ له الأشْعثَ بن قيس، فقال: أبو هَانئ الكِنْدِيّ: [من الوافر]
بنَات الحَارِثِ الملك بن عَمْرو
…
تَخَيَّرُهَا فتنكح في ذراها
لها الوَيْلاتُ إذا أنكحتمُوهَا
…
ألا طَعَنت بمُدْيَتها حَشَاهَا
وقد نبئْتُها ولدَتْ غُلامًا
…
فَلا عاش الغُلَام ولا هَنَاهَا
فأجَابَهُ أبو قَسَّاس الكِنْدِيّ: [من الوافر]
ألَا أبْلغ لدَيْكَ أبا هُنَيٍّ
…
ألَا تَنْهى لسَانَكَ عن رَدَاهَا
فقد طَالَبْتَ هِنْدًا قَبْل قَيْسٍ
…
لتَنْكحَها فلم تكُ من هَوَاهَا
فطافَتْ في المَنَاهِل تبتَغِيها
…
فلاقَتْ مَنْهلًا عَذْبًا شَفَاهَا
شَدِيد السَّاعدين أخَا حُرُوب
…
إذا ما سِيْلَ منْقِصَةً أباها
وما حُثَّتْ مطيَّتُهُ إليها
…
ولا من فَوْق ذَرْوتها أتَاهَا
قال عِيسَى: قال القَحْذَمِيِّ: وآلُ الأشْعَث يُنْشدُونَ هذا الشِّعْر ولا يُنْكرونه. قال: والأشْرَاف لا يُبالُونَ أنْ يكون أخْوَالهم أشْرَف من أعْمَامِهِم (a).
قال القَاضِي الجَرِيْريِّ
(2)
: قَوْله في الشِّعْر:
ألَا تَنْهى لسَانَكَ عن رَدَاهَا
(a) من قوله: "قال عيسى. . . " إلى هنا ساقط من ب.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 3: 361.
(2)
الجريري: الجليس الصالح 3: 361 - 362.
أنَّثَ اللِّسَان، وذَكَر أهْل العِلْم بالعَرَبِيَّة أنَّ العَرَب تُذَكِّر اللِّسَانَ وتُؤنِّثُه، وقيل: إنَّ مَنْ أنَّثَهُ أرادَ بهِ اللُّغَة والرِّسَالَة كقول الشَّاعِر
(1)
: [من البسيط]
إنِّي أتتْني لسَانٌ لا أُسَرُّ بها
…
من عَلْوَ لا صَخَبٌ فيها ولا سَخَرُ
أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن عُمَر بن أبي نَصْر بن عَبْد الدَّائم الغَزَّال في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عليّ بن هِبَةِ اللَّه بن المَأْمُون -ونَقَلْتُه أنا من خَطِّه (a)- قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه يَحْيَى بن الحَسَن بن أحْمَد بن البَنَّاء، قال: أنْبَأنَا أَبو غَالِب مُحَمَّد بن أحْمَد بن سَهْل النَّحْوِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو (b) الحُسَين عليّ بن مُحَمَّد بن دِيْنارٍ الكَاتِب، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحَسَن بن بِشْر الآمِدِيّ، قال: الأشْعَثُ بن قَيْس بن مَعْدِي كَرْب بن مُعاوِيَة بن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة بن مُعاوِيَة الأكْرَمين الكِنْدِيّ كان شَاعِرًا وسَيِّدًا كَرِيْمًا، وهو القائلُ يَوْم صِفِّيْن
(2)
: [من الرجز]
ميْعَادُنَا اليَوْمَ بيَاضُ الصُّبْح
…
دِبُّوا إلى القَوْم بطَعْنِ سَمْح
حَسْبي من الإقْدَام قيْد رُمْح
قال الآمِدِيُّ
(3)
: ووهَبَ جَارِيَةً نَفِيْسَةً لرَجُلٍ من جُهَيْنَة ضَافَهُ، فلَامَهُ أهْلُهُ، وقالوا: يا شَيْخ، قد ذَهَب عَقْلُكَ (c)! فقال:[من الوافر]
تملَّكَهَا وكانَ لِذاكَ أهْلًا
…
أشَمُّ الأنْفِ أصيَدُ كالفَنيقِ
نَماهُ من جُهَيْنَةَ خَيْرُ نَامٍ
…
إلى العَلْيَاءِ والحَسَب العَتِيْقِ
(a) قوله: "ونقلته أنا من خطه" ساقط من ب.
(b) من قوله: "ابن أحمد بن البناء. . . " إلى هنا ساقط من ب.
(c) في المؤتلف: قالوا: شيخ قد ذهب عقله.
_________
(1)
البيت لأعشى باهلة، انظر: الامتاع والمؤانسة للتوحيدي 2: 199، وفيه: من علو لا عجب.
(2)
الرجز في الفتوح لابن أعثم 3: 8، وكتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم 166 - 167، والمؤتلف للآمدي 54.
(3)
المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء للآمدي 54.
فظلَّ بها يُلاعِبُها عَرُوسًا
…
على لَبَّاتِهَا عَبَقُ الخَلُوقِ
فلا تَذْهَبْ نفُوسُكُمُ علَيها
…
ولا تَسْمُوا إلى الخَطر الدَّقِيْقِ
أنْبَأنَا أحْمَدُ بن الأزْهَر بن السَّبَّاك في كِتَابِهِ إليْنَا من بَغْدَاد أنَّ القَاضِي أبا بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ أخْبَرَهُم من كتابهِ، عن أبي مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، عن أبي عُبَيْد اللَّه المَرْزُبانيّ قال في مُعْجَم الشُّعَراء
(1)
: الأشْعَث بن قَيْس الكِنْدِيّ، مُخَضْرَم، نَزَل الكُوفَة، له شَرَفٌ في قَوْمِهِ، وله مع عليّ بن أبي طَالِب أخْبَار، وهو القائلُ في يَوْم صِفِّيْن، وشَهدَهُ مع عليّ صَلَواتُ اللَّه عليه:[من الرجز]
ميْعَادُنا اليَوْمَ بيَاضُ الصُّبْح
…
لا يَصْلُح الزَّادُ بغير مِلْح
لَا لَا ولا الأمرُ بغير نُصْح
…
دِبُّوا إلى القَوْم بطَعْن سَمْح
لا صُلْحَ للقَوم وأين الصُّلْح
…
حَسْبى من الإقْدَام قابُ رُمْح
وتهَدَّدَهُ عليّ عليه السلام لشيء بلَغَهُ عنه، فعَيَّرته امْرأتُه بذلك، فقال
(2)
: [من الكامل]
ولقد دَخَلْتُ على عليٍّ مرَّةً
…
فخرَجْتُ منها ما أُقِلُّ عِطَافَا
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقنَديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد بن النَّقُّور، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّصُ، قال: حَدَّثَنَا رِضْوَانُ بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا يُونُس بن بُكَيْر، عن ابن إسْحاق، قال: وكان من حديث كِنْدَة حين أرتَدَّت أنَّ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان بَعَثَ إليهم رَجُلًا من الأنْصَار يُقالُ له زِيَاد بن لَبِيْد -وكان عَقَبِيًّا، بَدْرِيًّا- أميرًا على حَضْرَمَوْت فكان فيهم حَيَاةَ رسُول
(1)
ضمن القسم الأول الضائع من معجم الشعراء، وانظر الرجز في الفتوح لابن أعثم 3: 8، ووقعة صفين 166 - 167.
(2)
انظر البيت في أساس البلاغة للزمخشري، مادة: عطف.
اللَّه صلى الله عليه وسلم، يُطيعُونَه ويُؤدُّونَ إليه صَدَقَاتهم لا يُنازعونَهُ، فلمَّا تُوفِّي رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وبلَغَهُم انتقاضُ مَنْ انْتَقض من العَرَب، ارتدُّوا وانْتَقَضُوا بزياد بن لَبِيْد.
وكان سَبَبُ انْتقاضِهم به أنَّ زيادًا أخَذَ فيما يأخُذُ من الصَّدَقَة قَلُوصًا لغُلَامٍ من كِنْدَة، وكانت كَوْمَاءَ من خِيَار إبلِهِ، فلمَّا أخَذَها زِيَادٌ فعَقَلَها في إبل الصَّدقَة ووَسَمَها، جَزِعَ الغُلَام من ذلك، فخرَجَ يَصِيْحُ إلى حَارِثَةَ بن سُرَاقَة بن مَعْدِي كَرْب، فقال: أُخِذَتِ الفُلَانيَّةُ في إبل الصَّدَقَة، فأُنْشدُكَ اللَّهَ والرَّحِم، فإنَّها أكْرَمُ إبلي عَليَّ بَعِيْرًا وأعزَّهُ، فخَرَج معه حَارِثَةُ حتَّى أتى زيادًا فطَلَبَ إليه أنْ يَرُدُّها عليه ويأخُذَ مكانها بَعِيْرًا، فأبَى عليه زِيَاد، وكان رَجُلًا صُلْبًا مُسْلِمًا، وخَشِي أنْ يَرَوا ذلك منه ضَعْفًا وخَورًا للحَدِيْث الّذي كان، فقال: ما كُنت لأرُدُّها وقد وَسَمْتُها في إبل الصَّدَقَة، ووقَع عليها حَقُّ اللَّه عز وجل، فراجَعَهُ حَارِثَةُ فأبَى، فلمَّا رأى ذلك حَارِثَةُ قام إلى القَلُوص فحلَّ عقَالَها ثمّ ضَرَبَ وَجْهَها فقال: دُوْنَك وقَلُوْصَكَ، لصاحبها، وهو يَرْتَجِزُ ويقول:[من الرجز]
يَمْنَعُها شَيْخ بخَدَّيهِ الشَّيْبُ
…
قد لَمَّع الوَجْهَ كتَلْمِيع الثَّوب
اليَوْم لا أخْلطُ بالعِلْم الرَّيْب
…
وليس في مَنْعِي حَريمي من عَيْب
وقال حَارِثَةُ بن سُرَاقَة الكِنْدِيّ: [من الطويل]
أطَعْنَا رسُول اللَّهِ ما دامَ وسْطَنا
…
فيا لعِبَادِ اللَّه ما لأبي بَكْرِ
أيأخُذُها قَسْرًا ولا عَهْدَ عندَهُ
…
يُمَلّكُه فينا وفيكم عُرَى الأمْرِ
فَمن يَكُ يُهْدِيها بلا هُدًى
…
وقد مات مَوْلاها النَّبِيّ ولا غَدْرِ
فنحنُ بأن نخْتَارَهَا وفِصَالَها
…
أحقُّ وأوْلَى بالإمارة في الدَّهْرِ
إذا لم يكُن من ربّنا أو نَبيِّنا
…
فَذُو الوَفْر أوْلى بالقَضيَّةِ في الوَفْرِ
أَيُجْري على أمْوَالنا النَّاس حُكْمَهُم
…
بغير رضًا إلَّا التَّسَنم بالقَسْرِ
بغير رضا منَّا ونحنُ جَمَاعَةٌ شُهُودًا
…
كأنَّا غَائبين عن الأمْرِ
فتلكَ إذا كانت من اللَّه زلفَةٌ
…
ومن غيره إحْدَى القَوَاصِم للظَّهْرِ
فأجابَهُ زِيَادُ بن لَبِيْد: [من الطويل]
سَيْعَلَمُ أقْوَامٌ أطَاعُوا نبيَّهُمٍ
…
بأنَّ غَوِيَّ القَوْم ليسَ بذِي قَدْرِ
أذاعَتْ عنِ القَوْم الأصَاغِرِ لعنةً
…
قُلُوبُ رجَالٍ في الحُلُوقِ منَ الصَّدْرِ
وذُمُّوا لعُقْبَاهُ إذا هيَ ضَرَّمَتْ
…
هوَادِيَهُ الأُوْلَى على حين لا عُذْرِ
فإنَّ عَصَا الإسْلَام قد رَضِيَتْ به
…
جماعتُهُ الأُوْلَى برَأيِ أبي بَكْرِ
فإنْ كُنْتُمُ منهم فطَوْعًا لأمْرِهِ
…
وإلَّا فأنتُم من مُخَافِتَةٍ صُغْرِ
فنحنُ لكم حتى نُقيمَ صعُورَكُم
…
بأسْيَافنا الأُوْلَى وبالذُّبَّل السُّمْرِ
رُوَيْدَكُم إنَّ السُّيُوف الَّتي بها
…
ضَرَبْناكُمُ بَدْءًا بأيْماننا تَبْري
أبَعْدَ الّتي بالأمْسِ كُنْتُم غَرِيْتُمُ
…
لها تَبْتَغُون الغَيِّ من فَرَطِ الصُّغْرِ
وكانَ لهم في غَيّ أسْوَدَ عِبرةٌ
…
وناهِيَةٌ عن مثْلها آخِرَ الدَّهْرِ
تلَفَّتَ فيكُم بالنِّسَاءِ ابنُ غيّةٍ
…
وبالقَوْمِ حتَّى نالهُنَّ بلا مَهْرِ
فإنْ تُسْلِمُوا فالسِّلْمُ خيرُ بَقِيَّةٍ
…
وإِنْ تَكْفُروا تسْتَوبِلُوا غِبَّةَ الكُفْرِ
وتفرَّق النَّاسُ عند ذلك طائفتين: فصارَت طائفةٌ مع حَارِثَة بن سُرَاقَة، قد ارتَدُّوا عن الإسْلَام، وطائفةٌ مع زِيَادِ بن لَبِيْد، فلمَّا رَأى ذلك زِيَادٌ قال لهم: نَقَضْتُم العَهْدَ وكَفَرْتُم، فأحْلَلْتُم بأنفُسِكم واغْتَنَمْتُم أُوْلَاها بعد عُقْباها. فقال حَارِثَةُ: أمَّا عَهْدٌ بيننا وبين صاحبك هذا الأحْدَثِ، فقد نَقَضْناها وإن أَبيْتَ إلَّا الأُخرى أصَبْتَنا على رَجُل فاقْضِ ما أنت قَاضٍ (a)، فتنحَّى زِيَادٌ فيمَن اتَّبَعَهُ (b) من كِنْدَة وغيرهم قريبًا، وكَتَب إلى المُهاجِر أنْ يُمِدّه، وأخْبَره خَبَر القَوْم، فخرَج المُهاجِر إليه،
(a) الأصل: قاضيًا، وفوقها "صـ".
(b) ب: تبعه.
وسَمِعَ الأشْعَثُ بن قَيْسٍ صَارخًا من أعْلَى حِصْنِهِم في شَعْراء من اللَّيْل: [من الرجز]
عَشِيرة تملك بالعَشيْرَه
…
في حَائطٍ يَجْمَعُها كالصِّيْرَه
والمُسْلمُون كاللُّيُوث الزِّيْره
…
قَبَائِلٌ أقلُّها كَثِيْره
فيها أميرٌ من بني المُغِيرَه
فلمَّا سَمِعَ الأشْعَثُ الصَّارخ (a) إلى ما قد رأى من اخْتِلَاف أصْحَابه بادَرَهُم فخرَج من تحت لَيْلَته حتَّى أتى المُهاجِر وزيادًا، فسألهما أنْ يُؤْمناهُ على دَمِهِ ومالهِ حتَّى يُبْلِغاهُ أبا بَكْرٍ فيَرَى فيه رأيَهُ، ويفْتَح لهم باب الحِصْن ففَعَلا، وفتح (b) لهم بابَ الحِصْن، فدَخَل المُسْلمُون على أهْل الحِصْن فاسْتَنْزَلُوهم (c) فضربُوا أعْنَاقهم، واسْتَاقُوا أمْوَالهم، واسْتَبَوا نسَاءهم، وكَتَبُوا إلى أبي بَكْر بذلك، واسْتَوْثَقُوا من الأشْعَث حتَّى بَعثُوا به إلى أبي بَكْر في الحَدِيْد مُوثقًا، فقال له أبو بَكْر: كيف تَرَى صَنِيْع اللَّه بمَن نقضَ عَهْدَه؟ فقال الأشْعَثُ: أرَى أنَّهُ قد أخْطأ حَظَّهُ، وتَعِس جَدُّه، فقال له أبو بَكْر: فما تأمرني فيك؟ قال: آمُرُكَ أنْ تَمُنَّ عليَّ فتفكَّني من الحَدِيْد وتَزوِّجني أُخْتَك أُمّ فَرْوَة ابنة أبي قُحَافَة، ففَعَل أبو بَكْر، فقال الأشْعَثُ حين زوَّجه أبو بَكْر
(1)
: [من الطويل]
لعَمْرِي وما عَمْرِي عليَّ بهَيِّنٍ
…
لقد كُنتُ بالإخْوَان (d) جِدّ ضَنِينِ
أُحاذر أنْ تضْرَب هناك رُؤوسُهم
…
وما الدَّهْرُ عندي بعدها بأَمِيْن
فلَيْتَ جُنُوبَ النَّاسِ تحتَ جنُوبهم
…
ولم تَرم أُنْثى بعْدَهُم بجَنِيْن
(a) ب: الصارخة.
(b) في الأصل: ويفتح، وصوبه ابن العديم في الهامش بالمثبت، وورد في ب صحيحًا.
(c) في الأصل مجودًا: فاستَزلُّوهم، ومثله في ب دون ضبط.
(d) ب: بالأخول.
_________
(1)
انظر الأبيات في فتوح البلدان للبلاذري 145، ونسبها الطبري للأشعث بن مئناس السكوني يبكي أهل النجير، باختلاف في بعض الألفاظ. انظر تاريخه 3:341.
وكنتُ كذاتِ البَوِّ أَنْحَتْ
…
وأقبلَتْ عليه بقَلْبٍ وَالهٍ وحَنِيْن
فأجابَهُ مُسْلِم بن صُبَيْح السَّكُونِيّ: [من الطويل]
جَزَى الأشْعَث الكِنْدِيّ بالغَدْر رَبَّهُ
…
جزاء مُلِيْم في الأُمُور ظَنين
أَخَا فجْرَة لا تُسْتَقال (a) وغَدْره
…
لها أخَوَاتٌ مثْلُها ستكُونُ
فلا تَأْمنُوه بعد غَدْرتهِ بكم
…
على مثْلِها فالمَرْءُ غيرُ أمِيْن
وليسَ امرؤٌ باع الحَيَاةَ بقَوْمِه
…
أخا ثِقَةٍ أنْ يُرْتَجى ويَكُونُ
هَدَمت الّذي قد كان قَيْس يَشيدُه
…
وتَرْضَى مَن الأفْعَالِ ما هو دُوْنُ
وأُلْبسْتَ أثْوَاب المَسَبَّةِ بعدَها
…
فلا زلتَ مَحْبُوسًا بمَنْزِل هُوْن
أرَى الأشْعَث الكِنْدِيَّ أصْبَحَ
…
بعدها هَجِيْنًا بها من دُون كُلّ هَجِيْن
سيَهلكُ مَذْمُومًا ويورث سبّةً
…
يبيْتُ بها في النَّاسِ ذَات قُرُون
أخْبَرَنا ابنُ طَبَرْزَد إذْنًا، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، عن أبي مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مَعْرُوف بن بِشْر، قال: حَدَّثَنَا الحُسَينُ بن فَهْم، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْد
(1)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن عُمَر، قال: حَدَّثَني خَالِدُ بن القَاسِم، عن زُرْعَة بن عَبْدِ اللَّه بن زِيَاد بن لَبِيْد، قال: كان رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد اسْتَعْمَل زِيَاد بن لِبِيْد على حَضْرَمَوْت وقال له: سِرْ مع هؤلاء القَوْم -يعني وَفْد كِنْدَة- فقد اسْتَعْمَلتُكَ عليهم، فسَار زِيَادٌ معهم عَامِلًا لرسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم على حَضْرَمَوْت على صَدَقَاتها: الثِّمَار والخُفّ والمَاشِيَةِ والكُرَاعِ والعشُور (b)، وكَتَب له كِتَابًا، فكان لا يعْدُوه إلى غيره ولا يقصر دونَهُ.
(a) مهملة الأول في الأصل، وفي ب: يستقال.
(b) ب: الشعور.
_________
(1)
الجزء السادس المتمم لطبقات ابن سعد 6: 232 - 234.
فلمَّا قُبِضَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، واسْتُخلفَ أبو بَكْر، كتَبَ إلى زِيَادٍ يُقرُّه على عَمَلهِ، ويأمره أنْ يُبَايعَ مَنْ قِبَلَهُ، ومَنْ أبَى وطئَهُ بالسَّيْف، ويَسْتعِينُ بمَنْ أقْبَل على مَنْ أدْبَر، وبَعَثَ بكتابه إليه مع أبي هِنْد البَيَاضِيّ.
فلمَّا أصْبَح زِيَادٌ غَدا فنَعى رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى النَّاس، وأخَذَهم بالبَيْعَة لأبي بَكْر وبالصَّدَقَةِ، فامْتَنع قَوْم من أنْ يعطُوا الصَّدَقَة، وقال الأشْعَث بن قَيْسٍ: إذا اجْتَمع النَّاسُ فما أنا إلَّا كأحَدهم (a)، ونَكصَ عن التَّقَدُّم إلى البَيْعَة، فقال له امْرؤ القَيْس بن عَابِس الكِنْدِيّ: أُنشدُكَ اللَّهَ يا أشْعَثُ ووفَادتَك على رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإسْلَامك أنْ تَنْقُضَه اليَوْم، واللَّهِ ليقُومنَّ بهذا الأمْرِ من بعده مَنْ يقُتلُ مَنْ خالفَهُ، فإيَّاكَ إيَّاك، وابْقِ على نَفْسك؛ فإنَّك إنْ تقَدَّمْتَ تقدَّمَ النَّاسُ معك، وإنْ تأخَّرْتَ افْتَرقُوا واخْتَلَفُوا، فأبَى الأشْعَثُ وقال: قد رَجَعتِ العَرَبُ إلى ما كانت الآباءُ تَعْبُد، ونحنُ أقْصَى العَرَب دارًا من أبي بَكْر، أيَبْعَث أبو بَكْر إلينا الجُيُوش؟ فقال امْرؤُ القَيْسِ: إي واللَّه، وأُخرى: لا يَدَعْكَ عامِلُ رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم تَرجعُ إلى الكُفْر، فقال الأشْعَثُ: مَنْ؟ قال: زِيَادُ بن لَبِيْد، فتضَاحكَ الأشْعَثُ، وقال: أمَا يرضى زِيَادٌ أنْ أُجِيره؟ فقال امرؤُ القَيْسِ: سَتَرى.
ثمّ قام الأشْعَثُ فخَرَجَ من المَسْجِد إلى مَنْزِله، وقد أظْهَرَ ما أظْهَرَ من الكَلَام القَبِيْح من غير أنْ يَنْطِق بالرِّدَّة، ووقَفَ يتربَّصُ، وقال: نَقِفُ (b) أمْوَالنا بأيدينا ولا ندْفَعُها، ونكون من آخر النَّاس؟ قال: وبايَعَ زِيَادٌ لأبي بَكْر بعد الظُّهْر إلى أنْ قامت صَلاةُ العَصْر، فصَلَّى بالنَّاسِ العَصْرَ، ثمّ انْصَرَفَ إلى بَيْتهِ، ثمّ غَدَا على الصَّدَقَة من الغَدِ كما كان يَفْعَلُ فبل ذلك، وهو أقْوى ما كان نَفْسًا، وأشدُّهُ
(a) طبقات ابن سعد: كائدهم.
(b) طبقات ابن سعد: تقف.
لسَانًا، فمنَعَه حَارِثَةُ بن سُرَاقَة بن مَعْدِي كَرب العَبْدِيّ (a) أنْ يصدَّقَ (b) غُلامًا منهم، وقام فَحَلَّ عقال البَكْرَة الّتي أُخِذَت في الصَّدَقَة، وجَعَل يقُول:[من الرجز]
يمنَعُها شَيْخٌ بخَدَّيْهِ الشَّيَبْ
…
مُلَمَّعٌ كما يُلَمَّعُ الثَّوَبْ
ماضٍ على الرَّيْب إذا كان الرَّيْب
فنَهَض زِيَاد بن لبَيْد وصَاح بأصْحَابهِ المُسْلميْن، ودَعَاهم إلى النُّصْرة للَّهِ ولكتابهِ، فانحازت طائفةٌ من المُسْلِميْن إلى زِيَاد، وجعل مَنْ ارتدَّ يَنْحازُ إلى حَارِثَة، فإن زِيَادٌ يُقَاتلُهُم النَّهَار إلى اللَّيْل، فقاتلَهُم أيَّامًا كَثِيْرةً.
وضَوَى إلى الأشْعَث بن قيس بَشَرٌ كَثِيْرٌ، فتحصَّن بمَن معه، ممَّن هو على مثْل رَأيهِ في النُّجَيْر (c)، فحاصَرَهُم زِيَادُ بنُ لَبِيْد، وقَذَف اللَّهُ الرُّعْبَ في أفْئدتهم، وجَهِدَهُم الحِصَار، فقال الأشْعثُ بن قَيْسٍ: إلى مَتَى نُقيم في هذا الحِصْن؟ قد غَرِثْنا (d) فيه، وغَرِثَ عيَالُنا، وهذه البُعُوث تَقْدِم عليم ما لا قِبَلَ لنا به، واللَّهِ للمَوْتُ بالسَّيْف أحْسَنُ من المَوْت بالجُوْع، ويُؤْخَذُ برقَبةِ الرَّجُل كما (e) يُصْنعُ بالذُّرِّيَّة، وقالوا: وهل لنا قُوَّة بالقَوْم؟ ارْتأي لنا فأنت سَيِّدُنا، قال: أنْزل فآخذ لكم أمانًا تأمنُونَ به قبل أنْ تدخُل عليم هذه الأمْدَاد ما لا قِبَل لنا به ولا يَدَان (f).
قال: فجَعل أهلُ الحِصْن يقُولونَ للأشْعَث: افْعَل، فخُذ لنا الأمَان؛ فإنَّهُ ليس أحدٌ أحْرَى أنْ يَقْدر على ما قِبلَ زِيَاد منك، فأرْسَل الأشْعَث إلى زياد:
(a) ابن سعد: الكندي.
(b) قوله: "أن يصدق" ساقط من ب.
(c) كذا مجودًا في الأصل، وب، ومثله عند ابن سعد (مصدر الرواية) والطبري (تاريخه 3: 33 وما بعدها) وياقوت الحموي (معجم البلدان 5: 272)، وضبطه ابن العديم في بعض المواضع التالية بفتح النون. والنُّجَيْر: تصغير النجر، حصن منيع باليمن قرب حضرموت، وفي رسمها ذكر ياقوت خبر الأشعث بن قيس وخبر ارتداده وإرساله مقيَّدًا إلى أبي بكر الصديق. انظر: معجم البلدان 5: 272 - 274.
(d) الغَرَثُ: الجوع. لسان العرب، مادة: غرث.
(e) طبقات ابن سعد: فما.
(f) ب: ولا بد أن.
أنْزِلُ فأُكلِّمك وأنا آمنٌ؟ قال زيادٌ: نعم، فنزَل الأشْعَث من النُّجَيْر فخَلا بزياد فقال: يا ابنَ عَمّ، قد كان هذا الأمرُ ولم يُبارك لنا فيه، ولي قَرَابَةٌ ورَحمٌ، وإنْ وَكَّلتني إلى صَاحِبكَ قتَلَني -يعني المُهاجر بن أبي أُمَيَّة- إنَّ أبا بَكْر يَكْرهُ قَتْل مثْلي، وقَد جاءك كتابُ أبي بَكْر يَنْهاك عن قَتل المُلُوك من كِنْدَة، فأنا أحَدُهُم، وأنا أطلُبُ منكَ الأمَان على أهْلي ومالي (a)، فقَال زِيَادُ بن لَبِيْد: لا أُؤمّنُكَ أبدًا على دَمِكَ وأنت كُنْت رأس الرِّدَّة، والّذي نقضَ علينا كِنْدَةَ، فقَال: أيُّها الرَّجُل، دع عنك ما مَضىَ، واسْتَقْبِل الأُمُورَ إذا أقبلَتْ عليك، فتُؤمِني على دَمِي وأهْلي ومالي حتَّى أقدمَ على أبي بَكْرٍ، فيَرَى فيَّ رأيَهُ؟ فقال زيادٌ: وماذا؟ قال: وأفْتَح لك النُّجَيْر، فأَمَّنَهُ زِيادٌ على أهْلِهِ ودَمِهِ ومَالِه، وعلى أنْ يَقْدَمَ به على أبي بَكْر، فيَرى فيه رأيه ويفتْحَ له النُّجَيْر.
قال مُحَمَّد بن عُمَر
(1)
: وهذا أثبَتُ عند أصْحَابنا من غيره. وقد حَدَّثني صَدَقَةُ بن عُتْبَهَ، عن عَطَاء بن أبي مَرْوَان، عن أَبيهِ، عن جَدّه أبي مُغِيْث (b)، قال: كُنْتُ فيمَن حَضَر أهْلَ النُّجَيْر فصالحَ الأشْعثُ زيادًا على أنْ يُؤمنَ من أهْل النُّجَيْر سَبْعِين رجُلًا، ففَعَل، فنَزَل سبعُون ونزل معهم الأشْعَث، فكانوا أحدًا وسَبْعِين فقال له زياد: أقتُلكَ، لَم يكن لك أمانٌ، فقال الأشْعَثُ: تُؤمنُني على أنْ أقْدَمَ على أبي بَكْر فيَرَى فيَّ رأيَهُ، فآمنَهُ على ذلك.
وقيل: إنَّ السَّبْعين نزلُوا واحدًا واحدًا، فلمَّا بقي هو قام إليه رَجُلٌ واحدٌ، فقال: أنا معك، قال: إنَّ الشَّرْط سبعُون، ولكن كن فيهم وأنا أتخَلَّف فآثره بالحياة، وتَخلّفَ هو فيمَن تَخَلَّفَ أسِيْرًا، فاللَّهُ أعْلَمُ.
(a) في طبقات ابن سعد: الأمان عليَّ.
(b) طبقات ابن سعد: أبي معتب.
_________
(1)
النقل متتابع عن ابن سعد في الجزء السادس المتمم لطبقاته 6: 234.
قال: وأخْبَرَنا مُحَمَّد بن عُمَر، قال: حَدَّثني الزُّبَيْر بن مُوسَى بن عَبْد اللَّه بن أبي أُمَيَّة، عن عمِّه مُصْعَبِ بن عبْدِ اللَّه بن أبي أُمَيَّة، قال: أمَّنَ زِيَاد بن لَبِيْد الأشْعَثَ بن قَيْسٍ على أن يبْعَث بهِ وبأهلِهِ ومالِه إلى أبي بَكْر فيَحْكُمُ فيه بما يَرى، وفتَح له النُّجَيْرَ، فأخرجُوا المُقاتِلَةَ وهم كَثِيْر، فعَمد زِيَادٌ إلى أشْرَافِهِم سَبْعمائة رَجُل فضَربَ أعْنَاقهم على دَمٍ واحدٍ، ولَام القَوْمُ الأشْعَثَ، فقالوا لزيَادٍ: غَدَر بنا الأشْعَثُ وأخَذَ الأمان لنَفْسه ومَالِه وأهْلِهِ، ولم يأخُذْهُ لنا جَميعًا، فنَزَلنا ونحن آمنون، فقُتلنا، فقال زياد: ما أَمَّنْتُكم، قالوا: صَدَقْت، خَدَعَنا الأَشْعَثُ.
قال: وأخْبَرَنا مُحَمَّد بن عُمَر، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن إسْمَاعِيْل بن أبي حَبِيبَة، عن دَاوُد بن الحُصَيْن، قال: بَعَثَ زِيَادُ بنُ لَبِيْد بالسَّبْي مع نَهِيْك بن أَوْس بن حرَمة (a) الأَشْهَلِيّ إلى أبي بَكْر، وبَعَثَ معه بثمانين من بني قُتَيْرَة، وبعَثَ بالأشْعَث معهم في وَثَاق.
قال: وحَدَّثَني خَالِد بنُ القَاسِم، عن أَبيِهِ، عن عبد الرَّحْمن بن الحُوَيْرِث بن نُقَيْد، قال: رأيْتُ الأشْعَث بن قَيْسٍ يَوْم قدم به المَدِينَة في حَدِيدٍ، مَجْمُوعة يَدَاهُ إلى عُنُقه، بَعَثَ به زِيَاد بن لَبِيْد والمُهاجِر بن أُمَيَّة (b) إلى أبي بَكْر (c)، وكَتَبا إليه: إنَّا لم نُؤمنهُ إلَّا على حُكْمكَ، وقد بَعَثْنا به في وثاقٍ، وبأهْلِه ومَالِه الّذي خَفَّ حَمْلُهُ معه، فَتَرى في ذلك رأيَكَ.
قال: ونَزَلَ نَهِيْكُ بن أَوْس بالسَّبْي في دار رَمْلَة بنت الحَارِث، ومعهم الأشْعَثُ بن قَيْسٍ، فجعل يَقُول: يا خَلِيفَةَ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ما كَفَرْتُ بعد إسْلَامي، ولكنّي شحْحتُ على مالي، فقال أبو بَكْرٍ: ألسْتَ الّذي تقول:
(a) عند ابن عساكر 9: 130: حزمة.
(b) هكذا قيَّد اسمه هنا، وتقدم: ابن أبي أمية، ويأتي في المصادر على الوجهين. انظر: السيرة لابن هشام 3: 600، 607، تاريخ الطبري 3: 330، الاشتقاق لابن دريد 99.
(c) قوله: "إلى أبي بكر" ساقط من ب.
قد رَجَعَت العَرَبُ إلى ما كانت الآباءُ تَعْبُد، وأبو بَكْر يبْعَث إلينا الجُيُوشَ، ونحنُ أقْصَى العَرَب دَارًا، فرَدَّ عليك مَنْ هو خَيْر منك فقال لك: لا يَدعُك عاملهُ ترجعِ إلى الكُفْر، فقُلت: منْ؟ فقال: زِيَادُ بن لبِيْد، فتضاحَكت، فكيف وجدْت زيادًا، أذْكَرَت به أُمّه؟ فقال الأشْعَث: نعم؛ كُلَّ الإذكَار، ثمّ قال الأشْعَث: أيُّها الرَّجُل، أطلق أسَاري واسْتَبقني لحَرْبكَ وزَوِّجني أُخْتُك أم فَرْوَة بنتَ أبي قُحَافَة، فإنِّي قد تُبْتُ ممَّا صَنَعْتُ، ورجَعْتُ إلى ما خرجتُ منه من مَنْعِي الصَّدَقَة، فزوَّجَهُ أبو بَكْر أُمَّ فَرْوَة بنتَ أبي قُحَافَة، فكان بالمَدِينَة مُقِيْمًا حتَّى كانت وِلَايَةُ عُمَر بن الخَطَّاب، ونَدبَ النَّاس إلى فَتْح العِرَاق، فخرَج الأشْعَثُ بن قَيْسٍ مع سَعْد بن أبي وَقَّاص، فشَهِدَ القَادِسيَّة والمَدَائِن وجَلُولَاء ونَهَاوَنْد، واخْتَطَّ بالكُوفَة حين اخْتَطّ المُسْلمُونَ، وبنى بها دَارًا في بني كِنْدَة، ونَزلها (a) إلى أنْ ماتَ بها، ووَلَدُه بها إلى اليَوْم.
قال شَيْخُنا ابنُ طَبَرْزَد: أخْبَرَنا أبو القَاسمِ إسْمَاعِيْل بن أحْمَد السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن النَّقُّور، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّصُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن سَيْف، قال: أخْبَرَنا شُعَيْبُ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا سَيْفُ بن عُمَر التِّيْمِيّ، عن سَهْل بن يُوسُف، عن أَبِيهِ، عن كَثِيْر بن الصَّلْت، قال
(1)
: ولمَّا رَأى أهلُ النُّجَيْر الموادّ لا تَنْقَطِع عن المُسْلمِيْن، وأيْقَنُوا أنَّهم غير مُنْصرفين عنهم، خَشَعَت أنْفسُهُم، وخافوا القَتْل، وخَافُوا على أنْفُسهم، ولو صبرُوِا حتَّى يجئَ المُغِيرَة لكانت لهم في الثَّالثَة الصُّلْحِ على الجَلَاء نَجاةً، فعجَّل الأشْعث، فخرج إلى عِكْرِمَة بأمان، وكان لا يأمنُ غيره، وذلك أنّهُ كانت تحتَهُ أسْماءُ بنت النُّعْمان بن الجَوْن، خطبها (b) وهو يَوْمئذٍ بالجَنَد ينتَظر المُهاجِر، فأهْدَاها
(a) ب: ونزل بها.
(b) الأصل، ب: يخطبها، والمثبت من الطبري.
_________
(1)
قارن بتاريخ الطبري 3: 337.
إليه أبوها قبل أنْ تبادَوا، وكان تزوَّجَها على خبيْصَةٍ (a)، فابْتَنى بها ثمّ غَزَا بها، فأبلغَهُ عِكْرمَةُ المُهاجِرَ، واسْتَأمنَهُ له لنَفْسِه ونَفَر معهُ تسعَةٌ، على أنْ يُؤمِّنهم وأهْلِيهم على أنْ يفتَحُوا لهم الباب، فأجابَهُ إلى ذلك، وقال: انْطَلقْ واسْتَوثق لنَفْسك، ثم هَلُمّ كتابكَ أَخْتِمه.
قال: وحَدَّثَنَا سَيْف
(1)
، عن أبي إسْحاق الشَّيْبَانِيّ، عن سَعيد بن أبي بُرْدَةَ، عن عَامِرٍ، أنَّهُ دخَل عليه فاسْتأمنَهُ على أهْلِهِ ومالِه، وتِسْعَة ممَّن أحَبَّ، وعلى أنْ يَفْتحَ لهم البابَ فيدخُلُون على قَوْمه، فقال له المُهاجِر: اكتُب ما شِئَتَ، واعْجِل، فكَتَب أمَانَهُ وأمانَهُم، وفيهمِ أخوه وبنو عمّه وأهْلُوهم، ونَسِيَ نَفْسَهُ؛ عَجِلَ ودُهِشَ! ثمّ جاءَ بالكتاب فخَتَمَهُ ورجعَ، فسَرَّب الّذين في الكتاب.
وقال الأجْلَحُ والمُجَالِد: لمَّا لَم يبقَ إلَّا أنْ يكتُب نفسَهُ، وَثَبَ عليه جَحْدَمُ بشَفْرَةٍ، وقال: نَفْسَك أو تَكْتُبَني! فكَتَبهُ وتَرَك نَفْسَهُ.
قال أبو إِسْحاق (b): فلمَّا فتح البابَ، أقْتَحمه المُسْلمون، فلم يَدَعُوا فيه مُقَاتلًا إلَّا قَتَلُوه، وضربُوا أعْنَاقهم صَبْرًا، وأحْصى ألف امْرأةٍ ممَّن في النُّجَيْر (c) والخَنْدَق من بين سَليبٍ ومُتّبع (ي)، ووضَع على السَّبْي والفيوء الأحْرَاسَ، وشاركَهُم كَثِيْر.
وقال كَثِيْرُ بن الصَّلْت
(2)
: لمَّا فُتح البابُ وفُرغ ممَّن في النُّجَيْر وأُحْصِيَ (e) ما أفاءَ اللَّهُ عليهم، دَعَا الأشْعَثَ بأولئك النَّفَر، ودعا بكتابهِ فعرَضَهُم، فأجاز منْ في الكتاب، فإذا الأشْعَثُ ليس فيه، وإذا هو قد نَسِي نَفْسه، فقال المُهاجِرُ: الحَمْدُ
(a) تاريخ ابن عساكر 9: 131: خميصة، وقوله:"وكان تزوجها على خبيصة، فابتنى بها ثم غزا بها" لم يرد محمد الطبري.
(b) في الأصل، وب: ابن إسحاق، والتصويب من تاريخ الطبري 3: 338 وهو أبو إسحاق الشيبانيّ الذي روى عنه سيف الخبر.
(c) ضبطه في هذا الموضع وتاليه بفتح النون خلاف المتقدم.
(d) ب: أو متبع.
(e) الأصل: وأحْصَا.
_________
(1)
تاريخ الطبري 3: 337 - 338.
(2)
تاريخ الطبري 3: 338.
للَّه الّذي خَطَّأك نَوْءَك يا أشْعَثُ، يا عَدُوّ اللَّه! قد كُنْتُ اشْتَهِي أنْ يُخْزِيَكَ اللَّهُ، فشَدَّهُ وثاقًا، وهَمَّ بقَتْلِه، فقالوا له: أخِّرْهُ، وابْلِغْهُ أبا بَكْرٍ، فهو أعْلَمُ بالحُكم في هذا، وإنْ (a) كان رَجُلًا نَسِي اسْمَهُ أنْ يَكْتُبه، وهو وَليّ المخُاطَبة. أفذاك يُبْطِل (b) ذاك؟ فقال المُهاجِرُ: إنَّ أمْرَهُ لبَيِّنٌ، ولكنِّىِ أتَّبعُ المَشُورة وأُوثرُها وأُجِيرُه (c)، وبَعَث به إلى أبي بَكْر مع السَّبْي، وكان معهبم يلعَنُه المُسْلمُونَ، وتلعَنُه سَبَايا قَوْمِه، وسمَّاهُ نساءُ (d) قوْمِه عُرْفَ البَاز (e) - كلامٌ يَمَانيٌّ يُسمُّون به الغَادِر- وقد كان المُغِيرَةُ تخيَّر ليلَةً (f) للَّذىِ أراد اللَّهُ عز وجل، فجاءَ والقَوْمُ في دِمَائهم والسَّبْي على ظَهْر، وسَارَت السَّبَايَا والأسْرَى، فقَدم القَوْم على أبي بَكْرٍ بالفَتْح والسَّبَايَا والأسْرَى. فدَعا بالأشْعَث، وقال: اسْتَزَّلك بنو وَلِيْعَةَ، ولم تكُن لتَسْتَزلّهُم ولا ليرَوْكَ (g) لذلك أهْلًا، وهلكُوا وأهْلَكُوكَ (h) ! إنَّا نَخْشَى (i) أنْ تكُونَ دَعْوَةُ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد وصَلَ إليكَ منها طَرَفٌ، ما تراني صانعًا بكَ؟ قال: إنِّي لا عِلْم لي برأيك، وأنْتَ أعْلَمُ برأيكَ، قال: فإنِّي أرَى قَتْلَكَ، قال: فإنِّي أنا الّذي رَاوَضْتُ القوْم في عَشَرة، فما يَحلُّ دَمِي، قال: أفوَّضُوا القَوْم (j) إليكَ؟ قال: نعم، قال: ثمّ أتيْتَهُم بما فوَّضُوه إليك فختموه لك؟ قال: نعم، قال: فإنَّما وجَب الصُّلْحُ بعد خَتْم الصَّحِيْفَة على مَنْ في الصَّحِيفَة، وإنَّما كُنت قبل ذلك مُرَاوِضًا. فلمَّا خَشِي أنْ يُوقَع به قال: أوَتَحْتَسِبُ فيَّ خَيْرًا فتُطْلِقَ أسَارِي، وتُقيلني عَثْرتي، وتَقْبلُ إسْلامي، وتَفْعَلُ بي مثلها فَعَلْتَ بأمْثَالي، وتردّ عليَّ زَوْجَتي -وكان قد خَطَبَ أُمّ فَرْوَهَ بنت أبي قُحَافَة إلى أبي قُحَافَة (k) مَقْدَمَهُ على رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فزوَّجَهُ
(a) الطبري: وإنه.
(b) مهملة الأول في الأصل، وفي ب: تُبطل.
(c) الطبري: وأخَّرَه.
(d) ساقطة من ب.
(e) الطبري: عُرف النار.
(f) الطبري: تحيّر ليله.
(g) الطبري: لم تكن لتستزلَّ لهم ولا يرونك.
(h) ب: وهلكوك.
(i) الطبري: أما تخشى.
(j) ساقطة من الطبري.
(k) قوله: "إلى أبي قحافة"، ساقط من ب، ولَم يرد عند الطبري.
وأخَّرها إلى أنْ يقدمَ الثَّانيَة، فتُوفِّي رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم (a)، وفَعَل الأشْعَثُ ما فَعَل، فخَشي أنْ لا تُردَّ عليه (b) - تَجِدني خيْرَ أهْل بلادي لدين اللَّهِ، فتَجَافَى له عن دَمِهِ، وقَبِل منه، وردَّ عليه أهْلَهُ، وقال: انْطَلق فلْيبلغني عنك [خيرٌ](c)، وخَلَّى النَّفَر فذهَبُوا، وقسَّم أبو بَكْر (d) السَّبْي، فباعَهُ في النَّاسِ، وترك الخُمْس، فاقْتُسم الخُمْس (e) أرْبَعة أخْمَاس.
وقال: حَدَّثَنَا سَيْف بن عُمَر، عن مُوسَى بن عُقْبَة، عن أبيهِ، وسعيد بن عَبْد اللَّه الجُمَحِيّ، عنِ عَبْد اللَّه بن أبي مُلَيْكَة، والوَلِيد بن عَبْد اللَّه، عن أبي الطُّفَيْل، قالوا: تزوَّج الأشْعثُ مَقْدَمَهُ على رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أبي قُحَافَة أم فَرْوَة، وهو ثالث أزْوَاجها، والأوْسَط منهم تَمِيْم، وأزْمَع بالهِجْرَة والمقام، فلمَّا قَدِمَ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأخْبَره الّذي أراد أيَسَهُ من الهِجْرَة إلى المَدِينَة بعد الفَتْح، فرجَع وأراد الانْطلاقَ بأُمّ فَرْوَة، فأبَى عليه أبو قُحافَة، وقال: إنَّا لا نَغْتَرب إلَّا في مُغْتَرب إلينا، فرجع إلى اليَمَن، وفَعَل الّذي فعَل، فلمَّا أتي به أبو بَكْر تجافَى له عن دَمِهِ، وردَّ عليه أهْلَهُ بالنِّكاح الأوَّل كما فعَل بغيره.
قلتُ: فبان بما نَقَله سَيْفٌ أنَّ الأشْعَثَ كان تَزَوّج أُمّ فَرْوَة من أبي قُحَافَة، ولم يدخُل بها، فلمَّا ارتدَّ بانَت منه فأعادها أبو بَكْر إليه بنِكَاح جديدٍ، ولهذا قال لأبي بَكْر: زوِّجني أُخْتَك، فزوَّجَه، يعني: بنِكَاحٍ جديد. وقَوْلُه في رِوَايَة سَيْف: ورَدَّ عليه أهْلَهُ بالنِّكاح الأوَّل، يُريدُ بالمَهْر الّذي كان أوَّلًا.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ اللَّه بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن
(a) من قوله: "فزوجه. . . " إلى هنا ساقط من ب.
(b) كتب ابن العديم في الهامش ما يزيل اللبس عن إدخال الكلام المعترض، ونصه:"تمام كلام الأشعث بعد قوله: عليَّ زوجتي تجدني، والكلام قد اعترض عليه: وكان قد خطب أم فروة".
(c) زيادة من الطبري.
(d) ساقط من ب.
(e) الطبري 3: 339 وابن عساكر 9: 133: الجيش.
الحَسَن الحافِظ
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو سَعْد المُطَرِّز وأبو عليّ الحدَادُ، قالا: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم، ح.
قال: وأخْبَرَنا أبو عليّ الحَدَّادُ وجَمَاعَة، قالوا: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن رِيْذَة، قالا: أخْبَرَنا سُليْمان بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن سَلْمٍ (a)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ المُؤْمِن بن عليّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلام بن حَرْب، عن إسْمَاعِيْل بن أبي خَالِد، عن قَيْس بن أبي حَازِم، قال: لمَّا قُدِمَ بالأشْعَث بن قَيْسٍ أَسِيْرًا على أبي بَكْر الصِّدِّيْق، أطلقَ وثاقه، وزوَّجَهُ أُختَهُ، واخْتَرط سَيْفَه، ودخَل سوقَ الإِبِل فجعل لا يَرَى جَمَلًا ولا ناقةً إلَّا عَرْقَبَه، وصَاح النَّاسُ: كَفَر الأشْعَث، فلمَّا فرغ، طَرَح سَيْفه، وقال: إنِّي واللَّه ما كَفَرتُ، ولكن (b) زوَّجَني هذا الرَّجُلُ أُخْتَه، ولو كُنَّا في بلادنا لكانت وَلِيْمَةٌ غير هذه، يا أهْل المَدِينَة انْحَرُوا وكُلُوا، ويا أصْحَابَ الإِبِل تعالوا: خُذُوا (c) شَرْوَاها.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن البَقْشَلَان، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الآبِنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا عِيسَى بن عليّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن المُقْرِئ (d)، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان، عن إسْمَاعِيْل، عن قَيْس، قال: شَهِدْتُ الأشْعَثَ وجَريْر ابن عَبْد اللَّه في جنَازة فقَدَّمه -يعني الأشْعَث قَدَّم جَرِبرًا- ثمّ التفَت فقال: إنِّي ارْتَدَدْتُ، وهذا لم يَرْتدّ.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا
(a) ابن عساكر: مسلم، وهو الملقب بالرازي.
(b) الأصل، ب: ولكني، والمثبت من ابن عساكر.
(c) ساقطة من ب.
(d) في نشرة ابن عساكر: حدثنا عد اللَّه بن محمد بن المقرئ.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 134.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 135.
أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَني أبو القَاسِم الأزْهَريّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن إبْراهيم بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا أبو أحمد مُحَمَّدُ بن أحْمَد الحَرِيرِيّ (a)، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن الحَارِث الخَرَّازُ (b)، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن المَدَائِنِيُّ عن شُيُوخه الّذين رَوَى عنهُم خَبَر النَّهْرَوَان، قال: وأمرَ عليٌّ بالرَّحِيْل -يعني (c) بعد فَرَاغه من قتَال الحَرُورِيَّة- وقال لأصْحَابه: قد أعزّكم اللَّه، وأذْهَبَ ما كنتم تخافُونَ، فامضُوا من وَجْهَكم هذا إلى الشَّام، فقال الأشْعَثُ: يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، نفدَتْ نبالُنا، وكلَّتْ سُيُوفنا، ونصلت أسنَّةُ رمَاحنا، فلو أتينا مِصْرَنا حتَّى نَسْتَعِدّ، ثمّ نسَيرُ إلى عَدُوِّنا، فركَنَ النَّاسُ إلى ذلك، فسار عليٌّ يريدُ الكُوفَة، فأخَذ على النَّاسِ (d) حتَّى انْتَهى إلى النُّخَيْلَة فنَزَلها. وساقَ تَتمَّة (e) الحَدِيْث.
أنْبَأنَا أبو حَفْص المُؤدِّبُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْرٍ بن الطَّبَريّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّه بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن سُفْيانَ
(2)
في أسَامِي مَنْ غَزَا مع عليّ بن أبي طَالِب يَوْمَ صِفِّيْن: الأشْعَثُ بن قَيْسٍ الكِنْدِيّ.
أنْبَأنَا أبو الحَسَنِ بن أبي عَبْد اللَّه النَّجَّار، عن أبي الفَضْل بن نَاصِر، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، والمُبارَك بن عَبْد الجَبَّار بن (f) الطُّيُورِيّ، وأبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، واللَّفْظ له، قالوا: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ -زَادَ ابنُ خَيْرُون: وأبو الحُسَين الأصْبَهَانِيّ- قالا: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن سَهْلٍ، قال: أخْبَرَنا
(a) كذا في الأصل مؤكدًا بحرف الحاء أسفله، وفي ب وتاريخ بغداد: الجريري.
(b) في الأصل: الحزاز، بحاء وزايين، والمثبت من تاريخ بغداد وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين 2:345.
(c) ساقطة من ب.
(d) كذا في الأصل وب، وفي تاريخ بغداد: على المدائن.
(e) تاريخ بغداد: بقية.
(f) ساقطة من ب.
_________
(1)
تاريخ بغداد 1: 557، وهو أيضًا في تاريخ ابن عساكر 9: 135 نقلًا عن الخطيب البغدادي.
(2)
لم أقف عليه في كتابه المعرفة والتاريخ.
مُحَمَّدُ بن إسْمَاعِيْل
(1)
، قَال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه بن عُمَر، قال: حَدَّثَنَا حَفْصُ بن غِيَاث، عن الأَعْمَش، عن حَيَّان أبي سَعيد التَّيْميّ (a)، قال: حذَّر الأشْعَثُ بن قَيْس الفِتنَ فقيل له: أخَرَجْتَ مع عليّ؟ قال: ومَنْ له (b) إمامٌ مثْلُ عليّ!.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه القَاضِي، فيما أَذِنَ لَنا فيه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب المَاوَرْدِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن السّيْرَافيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه النَّهَاوَنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عِمْران (c)، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَهُ بن خَيَّاط
(3)
، قال: وقال أبو عُبَيْدَهَ: كان على المَيْمَنَة -يعني من أصْحَاب عليّ- يَوْم صِفِّيْن: الأشْعَث بن قَيْسٍ الكِنْدِيّ.
قال: وحَدَّثَنَا خَلِيفَة، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن مُحَمَّد، عن مَسْلَمَة (d) بن مُحارِب، عن حَرْب بن خَالِد بن يَزِيد بن مُعاوِيَة، قال: فصَل مُعاوِيَةُ في تسعين (e) ألفًا، ثمّ سَبَق مُعاوِيَةُ فنَزَل الفُرَات، وجاء عليٌّ وأصْحَابُهُ فمنعَهُم مُعاوِيَةُ الماءَ، فبَعَث عليٌّ الأشْعَثَ بن قَيْس في ألْفَين، وعلى الماءَ لمُعاوِيَة أبو الأعْوَر السُّلمِيّ في خَمْسة آلاف، فاقتتلُوا قِتَالًا شَدِيْدًا، وغَلَب الأشْعَثُ على الماءِ.
قال الحافِظُ أبو القاسِم
(4)
: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحُسَينُ بن الحَسَن بن مُحَمَّد الأسَدِيّ المَعْرُوف بابنِ البُنّ، بقِرَاءَتي عليه غير مَرَّة، قال: أخْبَرَنا أبو القاسِم علِيّ بن مُحَمَّد بن أبي العَلَاء، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عَبدُ الوَهَّاب بن جَعْفَر بن عليّ بن جعْفَر
(a) في تاريخ ابن عساكر 9: 138: التميمي، وما عند ابن العديم موافق للبخاري، وهو الصواب.
(b) ابن عساكر: ومن لك.
(c) ب: عبدان.
(d) في ب وتاريخ ابن عساكر: سلمة، والمثبت موافق لما عند خليفة.
(e) في تاريخ خليفة: سبعين، والمثبت كما عند ابن عساكر.
_________
(1)
تاريخ البخاري الكبير 3: 59، وفيه: ومن لك مثل علي.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 136.
(3)
تاريخ خليفة 193.
(4)
تاريخ ابن عساكر 9: 136 - 137.
المَيْدانيّ (a)، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن عَبْد الغَفَّار بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن إسْحاق -قَدِمَ علينا- قال: أخْبَرَنا أبو عليّ مُحَمَّدُ بن سُلَيمان بن حَيْدَرة، قال: حَدَّثَنَا العبَّاسُ بن الوَلِيد بن مَزْيَد، قال: سَبَقَ أصْحَابُ مُعاوِيَة إلى الماءَ بصِفِّيْن قَبلَ أصْحَاب عليّ، وعلى أصْحَابِ مُعاوِيَةَ رَجُلان أحدهُما أبو الأعْوَر السُّلَمِيّ، والآخر بُسْرُ (b) بن أبي أَرْطَأة، فلمَّا قَدِمَ أصْحَاب عليّ مَنَعُوهُم الماءَ واحْتَازُوه دونَهُم، فأرْسَل عليٌّ إلى مُعاوِيَة أنْ يَطْلِق الماءَ لعَسْكَره: فلو كان أصْحَابي سَبَقُوا إليه ما مَنَعُوك.
قال: فاسْتَشار عَمْرَو بن العَاص، وعبد اللَّه بن أبي سَرْح، وكان أخا عُثْمان لأُمِّهِ، فقال عَمْرو: أرى أنْ تُطْلقِ لهم الماءَ، وقال ابنُ أبي سَرْح: لا تُطْلق لهم الماء حتَّى يَموتُوا عَطَشًا كما قتلُوا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن عَطَشًا -يعني بذلك عُثْمان- فمال مُعاوِيَةُ إلى قَوْله، وتركَ قول عَمْرو، فلمَّا ضَرّ (c) بأصْحَاب عليّ ذلك، أصْبَح على باب جُجْرَة عليّ إثنا عَشر ألفًا من أصْحَاب البَرَانِس، وقالوا: يا أَميرَ المُؤْمنِيْن، أَنَهْلك ونحن نَنْظُر إلى الماءِ؟ قال: فَمن له؟ قال الأشْعثُ بن قَيْس: أنَا، قال: فشَأنُك، قال: فتقدَّم بهم، قال: فجَعَلَ يُلْقي رُمْحه ويَمشي (d) بطُوله وهو راجل، وهو يَقُول
(1)
: [من الرجز]
ميعَادُنا اليَوْم بَيَاضُ الصُّبْح
…
هل يصْلح الأمر بغير نُصْح
لَا لَا ولا الزَّاد بغَيْر مِلْح
…
ادنُوا إلى القَوْم بطَعْنٍ كَدْح
حَسْبي من الإقْدَام قيْد رُمْح
قال: فحملُوا عليهم فأزالُوهم عن الماء، وقعَدُوا عليه، فقال عَمْرو لمُعاوِيَة:
(a) في تاريخ ابن عساكر: المدائني، وورد صحيحًا عنده في غير هذا الموضع.
(b) ب: بشر.
(c) ابن عساكر: أضرّ.
(d) ابن عساكر: ويسمي!.
_________
(1)
أبيات الرجز في الفتوح لابن أعثم 3: 8، وقعة صفين 166 - 167.
شَمِتُّ بكَ، أتُرَاكَ تُضَاربُ على الماء كما ضَرَبُوكَ بالأمسِ؟ قال مُعاوِيَة: هم خَيْرٌ من ذلك، وأرْسَل عليٌّ إلى الأشْعَث أنْ خَلِّ بينه وبين الماء.
أنْبَأنَا عُمَر بن مُحَمَّد الدَّارْقَزِّيّ، قال: أخْبَرَنا أبِو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، عن أبي القَاسِم يُوسُف بن مُحَمَّد بن المِهْرَوَانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن الحَمَّامِيّ المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا أبو صالح القَاسِم بن سَالَم الأَخْبَارِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عبد الرَّحْمن عَبْدُ اللَّه بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل، قال: حَدَّثَني أبي -أمْلَأَ عليَّ إمْلاءً- قال: حَدَّثَنَا أبو المُغيرَة، قال: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، قال: حَدَّثَني أبو الصَّلْت سُلَيْمُ الحَضْرَميّ، قال: شَهِدْنا صِفِّيْن، فإنَّا لعلى صفُوفنا وقد حُلْنَا بين أهْلِ العِرَاق وبين الماءَ، فأتانا فارسٌ على بِرْذَوْن مُقَنَّعًا بالحديد، فقال: السَّلامُ عَليْكم، فقُلنا: وعليك. قال: فأين مُعاوِيَة؟ قلنا: هو ذا، فأقبل حتَّى وَقَف، ثمّ حَسرَ عن رَأسِهِ فإذا هو أشْعَث بن قَيْس الكِنْدِيّ، رَجُلٌ أصْلعُ ليس في رأسهِ إلَّا شَعَرات، فقال: اللَّهَ اللَّهَ يا مُعاوِيَة في أمَّةِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، هَبُوا أنَّكم قتَلْتم أهْلَ العِرَاق، فَمن للبُعُوث والذَّرَارِيّ (a)، أم هَبُوا أنَّا قَتَلْنا أهْل الشَّام، فَمن للبُعُوث والذَّرَارِيّ (b)، اللَّه اللَّه فإنَّ اللَّه يَقُول:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}
(1)
، فقال له مُعاوِيَة: فما الّذي تُريد؟ قال: نُريد أنْ تُخَلُّوا بيننا وبين الماءِ، فواللَّه لتُخَلُّنَّ بيننا وبين الماءِ، أو لنَضَعَنَّ أسْيَافَنا على عَواتقنا، ثمّ نَمْضي حتَّى نَرد الماء أو نَمُوت دُونه. فقال مُعاوِيَة لأبي الأعْوَر عَمْرو بن سُفْيان: يا أبا عَبْدِ اللَّه، خَلّ بين أخواننا وبين الماءِ، فقال أبو الأعْوَر لمُعاوِيَة: كَلَّا واللَّهِ يا أُمَّ عَبْدِ اللَّه (a)، لا نُخَلِّي بينهم وبين
(a) ب: وللذراري.
(b) ب: وللذراري.
_________
(1)
سورة الحجرات، الآية 9.
الماء، فلم يلْبَثُوا بعد ذلك إلّا قَليلًا حتَّى كان الصُّلْح بينهم، ثُمَّ انْصَرف مُعاوِيَة إلى الشَّام بأهْل الشَّام، وعليّ إلى العِرَاق بأهْل العِرَاق.
قال
(1)
: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن عُمَر بن (b) النَّحَّاسِ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد بن الأعْرَابِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو رِفَاعَة عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن عُمَر بن حَبِيْب العَدَوِيّ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيمُ بن بَشَّار، عن سُفْيان، عن إسْمَاعِيْل، عن قَيْس، قال: دَخَل الأشْعَثُ بن قَيْس على عليّ في شيءٍ، فتَهَدَدَّهُ بالمَوْت، فقال عليٌّ: بالمَوْت تُهَدِّدني! ما أُبالي سقَط عليَّ أو سَقَطتُ عليه، هَاتُوا له جامعةً وقيْدًا. قال: ثمّ أوْمَأ إلى أصْحَابه فطلبوا إليه فيه، قال: فتركه. قال سُفْيان: فحَدَّثَني ابن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عن أَبِيهِ، قال: فسمعُوا لصَوْت (c) رجْلَيه حَفِيْفًا، قال عليّ: فرَّقْناهُ ففَرق.
أنْبَأنَا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه بن مُحَمَّد بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: قرأنا على أبي عَبْد اللَّه يَحْيَى بن الحَسَن بن البَنَّاءِ، عن أبي الحَسَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَخْلَد (d)، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن مُحَمَّد بن خَزَفَة، ح.
قال: وقَرأْنا على أبي عَبْد اللَّه، عن أبي الحَسَن بن الآبِنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عُبَيْد بن الفَضْل بن بِيْري، قالا: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُحَمَّد، قال: حَدّثَنَا ابن أبي خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَزِيد (e)، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بن مُوسَى، عن شَيْخ قد سَمَّاهُ، عن أبي إسْحاق، قال: صلَّيْتُ الفَجْرَ في مَسْجِد
(a) هكذا في الأصل ومثله في تاريخ ابن عساكر 9: 138.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: الصوت.
(d) في تاريخ ابن عساكر: خالد، وتكرر اسمه صحيحًا عند ابن عساكر وابن العديم.
(e) ابن عساكر: ابن أبي يزيد.
_________
(1)
في تاريخ ابن عساكر 9: 139 - 140.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 140 - 141.
الأشْعَث أطْلُبُ غَريْمًا لي، فلمَّا صَلَّى الإِمَامُ وضَعَ رَجُلٌ بين يديَّ حُلَّةً ونَعْلًا، فقُلْتُ: إنِّي لسْتُ من أهْل هذا المَسْجِد، فقال: إنَّ الأشعَث -يعني ابن قَيْس- قَدِمَ البَارِحَة من مَكَّةَ، فأمَرَ لكُلِّ مَنْ صَلَّى في المَسْجِد بحُلَّةٍ ونَعْلٍ.
وقال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّدُ بن شُجَاعٍ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن مُحَمَّدٍ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن يَوَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عُمَر، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن عُبَيْد، قال: حَدَّثَنَا هَارُون بن سُفْيان، قال: حَدَّثَنَا أبو نُعَيْم، قال: حَدَّثَنَا أبو إِسْرَائِيلِ المُلَائِيّ، عن أبي إسْحاق، قال: كان لرَجُلٍ على رَجُل منِ آل الأشْعَث بن قَيْسٍ حَقٌّ، فأتاهُ يتقاضَاهُ، فقال له: صَلِّ معي الغَدَاة، قال: فذَهب فصَلَّى معه، فقال الأشْعَثُ بن قَيْس (a): لا يَخْرُج أحدٌ من المَسْجِد، قال: فبَعَث (b) إلى كُلِّ رَجُل بحُلَّةٍ ونَعْلَين، قال: فأخَذَ حُلَّةً ونَعْلَيْن وأخَذَ (c) حقَّهُ.
قال
(2)
: وحَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه
(3)
، قال: كَتَبَ إليَّ أبو سَعيدٍ -يعني الأشَجّ-: حَدَّثَني الهُذَيْل بنُ عُمَر، عن يَحْيَى بن زَكَرِيَّاء، عن مُجَالِد (d)، عن عَامِر، قال: أرْسَل مُعاوِيَة بن حُدَيْج (e) السَّكُونِيّ إلى الأشْعَث بن قَيْسٍ بخَمْسمائة فَرَس مُعَلَّمة مُحذَّقَة، فقسَمَها الأشْعَثُ في قَوْمه، وكتبَ إليه: أعَهِدْتني نَخَّاسًا!.
قال أبو سعيدٍ: فحدَّثْتُ به شَيْخًا من وَلد الأشْعَث، فقال: قد كان بَعَث إليَّ (f) بثَمَنها.
(a) ساقطة من ب.
(b) ابن عساكر: فبعثنا.
(c) ابن عساكر: وأخَّر!
(d) ابن عساكر: خالد، تحريف.
(e) في الأصل وب بالخاء: خديج، وصوابه بالحاء المهملة.
(f) الإشراف لابن أبي الدنيا: إليه، ولعله الأظهر.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 141.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 141.
(3)
هو ابن أبي الدنيا، وانظر الخبر في كتابه الإشراف في منازل الأشراف 224 - 225.
أخْبَرَنا أبو حَفْص المُؤدِّب إذْنًا، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، عن أبي مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن الفَهْم، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْد
(1)
، قال: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بن دُكَيْن، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن رَجَاء الزُّبيدِيّ، قال: سَمِعْتُ الشَّيْبَانِيّ يذْكر عن قيس بن مُحَمَّد بن الأشْعَث أنّ الأشْعَثَ كان عاملًا على أذْرَيبْجَان؛ اسْتَعْمَلهُ عُثْمان، وأنَّهُ أتاهُ رَجُلٌ من قَوْمه فأعطاهُ ألْفين، فشَكاه، فلمَّا قَدِمَ الأشْعَث أرْسَل إليه فقال: إنَّما اسْتَودعتُك المال، قال: إنَّما أعْطَيتَنيه صِلَةً، فحَمِي الأشْعَثُ فحلفَ، فكَفَّر عن يَمِينه بِخَمْسة عَشر ألفًا.
قال شَيْخُنا أبو حَفْص: أنْبَأنَا أبو العِزّ بن كَادش، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحسين بن المُظَفَّر، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد البَاغَنْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا عليُّ بن المَدِيْنِيّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن زَكَرِيَّاء بن أبي زَائِدَة، قال: حَدَّثَني إسْمَاعِيْلُ بن أبي خَالِد، عن عَامِر، قال: كان الأشْعَث بن قَيْس حَلَف على يمين فأخَذَ بها مالًا، قال: فصَلَّى الغَدَاة وقد وضَع المال في ناحية المَسْجِد، فقال: قَبَّحكَ اللَّهُ من مالٍ، أمَا واللَّهِ ما حَلفْتُ إلَّا على حَقّ، ولكنَّه ردٌّ على صاحبه، وهو ثلاثون ألفًا، صَدَقَة مقامي الّذي قُمْتُه.
أخْبَرَنا ابن طَبَرْزَد إذْنًا، قال: أنْبَأنَا أبو العِزّ بن كَادِش، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْلَى مُحَمَّد بن الحُسَين بن الفَرَّاء، قال: أخْبَرَنَا إسْمَاعِيْلُ بن سَعيد بن إسْمَاعِيْل بن سُويْد، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن القَاسِمِ الكَوْكَبِيّ، قال: حَدَّثَني أبو عليّ الحَسَنُ بن عُلَيْل، قال: حَدَّثَنَا العُمَريّ، عن الهَيْثم بن عَدِيَّ، عن ابن عبَّاسٍ (a)، قال: خَطَب
(a) في تاريخ ابن عساكر 9: 138: عن أبي عياش.
_________
(1)
الجزء السادس المتمم لطبقات ابن سعد 6: 336 - 337.
أَمِيرُ المؤمنِيْن عليُّ بن أبي طَالِب عليه السلام على الحَسَن ابنَةَ أُمّ عِمْران بنت سعيد (a) بن قَيْسٍ الهَمْدانِيّ، فقال: فَوْقي أميرٌ أوَامرُهُ -يعني أُمَّها- فقال: قُم فوامِرها، لخَرَجَ من عنده، فلَقِيَهُ الأشْعَث بن قَيْس بالباب، فأخْبرَهُ الخَبَر، فقال: ما تُريد إلى الحَسَن يَفْخَر عليها ولا يُنْصفُها، ويُسِيء إليها، فيقُول: ابنُ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وابنُ أَمِير المؤمنِيْن، ولكن هل لكَ في ابن عمّها فهي له وهو لها؟ قال: ومنْ ذاك؟ قال: مُحَمَّد بن الأشْعَث، قال: قد زوَّجته، ودخَل الأشْعَثُ على أَمِير المؤمنِيْن عليٍّ عليه السلام، فقال: يا أَمِير المُؤْمنِيْن، خَطَبْت على الحَسَن (b) ابنَة سعيد؟ قال: نعم، قال: فهل لك في أشْرَف منها بيتًا، وأكْرَم منها حَسَبًا، وأتَمّ جمَالًا، وأكثر مَالًا؟ قال: ومَنْ هي؟ قال: جَعْدَةُ بنت الأشْعَث بن قَيْسٍ، قال: قد قاولنا رَجُلًا، قال: ليس إلى ذلك الّذي قاولته سَبيل، قال: إنَّهُ فارقني ليُوَامِرَ أُمَّها، قال: قد زوَّجَها من مُحَمَّد بن الأشْعَث، قال: متَى؟ قال: السَّاعَة بالباب. قال: فزوَّجَ الحَسَن جَعْدَة، فلمَّا لَقي سَعيدٌ الأشْعَثَ قال: يا أعْوَرُ خَدَعتَني؟ قال: أنت يا أعْوَر، جئتَ تَسْتَشيرني في ابن رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم ألستَ أحْمَق! ثمّ جاءَ الأشْعَثُ إلى الحَسَن فقال: يا أبا مُحَمَّد، ألَا تَزُور أهْلك؟ فلمَّا أراد ذلك قال: لا تَمْشي واللَّهِ إلَّا على أَرْدِيةِ قَوْمي، فقامَتْ له كِنْدَةُ سمَاطَين، وجَعَلت له أرْدِيَتَها بسْطًا من بابه إلى باب الأشْعَث.
أخْبَرَنا ابن طَبَرْزَد إذْنًا، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، عنِ أبي مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن معْرُوف، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن الفَهْم، قال: حَدَّثَنَا ابن سَعْد
(1)
، قال: أخْبَرَنا كَثِيْرُ بن هِشَام، قال: حَدَّثَنَا فُرَات بن سَلْمَان، قال: حَدَّثَنَا مَيْمُون بن مِهْرَان، ح.
(a) ب: سعد.
(b) ابن عساكر: خطب الحسن.
_________
(1)
الجزء السادس المتمم لطبقات ابن سعد 6: 337.
قال ابن سَعْد: وأخْبَرَنا عَبْدُ اللَّه بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا أبو المُلَيْح، عن مَيْمُون بن مهْرَان، قال: أوَّلُ مَنْ مَشَتْ معه الرِّجال وهو رَاكِبٌ: الأشْعثُ بن قَيْس، وكان المُهاجِرون إذا رأوا الدِّهْقَان رَاكبًا، والرِّجال يَمْشُونَ (a) قالوا: قاتلَهُ اللَّه جَبَّارًا.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن قُبيس، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن أبيِ الحَدِيْد، قال: أخْبَرَنا جَدِّي أبو بَكْر، قال: أخْبَرَنا أبو مُحمّد عَبْد اللَّه بن أحْمَد بن زَبْر، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن مَهْدِي بن عبد الرَّحْمن الأيْليِّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حَاتِم سَهْل بن مُحَمَّد السِّجِسْتَانِيّ، قال: سَمِعْتُ الأصْمَعيِّ يَقُول: أوَّلُ مَنْ دُفِنَ في جَوْف مَنْزِله وصَلَّى عليه الحَسَنُ بن عليّ، وكانت ابنةُ الأشْعَث تحتَهُ. قال: وأوَّل مَنْ مُشِي بينَ يَدَيْهِ وخَلْفَه بالأعمدة الأشْعَثُ بن قَيْس.
أنْبَأنَا ابن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ بن السَّمَرْقَنْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الصَّرِيفِيْنِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن حَبَابة، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم البَغَويّ، قال: حَدَّثَنَا عليُّ بن الجعد، قال: أخْبَرَنا شَرِيكٌ، عن إسْمَاعِيْل بن أبي خَالِد، عن حَكِيم بن جَابِر، قال: لمَّا تُوفِّي الأشْعَثُ بن قَيْس قال الحَسَنُ بن عليّ: لا تعجلُوا، فلمَّا فُرِغَ من غَسْله وَضَّأه بحَنُوطِه وُضُوءًا.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ الخَطيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد بن حَسْنُويْه، قال: أخْبَرَنا عَبد اللَّه بن مُحَمَّد بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بن أحْمَد بن إسْحاق
(a) قوله: "والرجال يمشون" لم يرد في طبقات ابن سعد.
_________
(1)
تاريخ بغداد 1: 557.
الأهْوَازِيّ، قال: حَدَّثَنَا خَلِيْفةُ بن خَيَّاط
(1)
، قال: الأشْعَثُ بن قيَسٍ، يُكْنَى أبا مُحَمَّد، ماتَ في آخر سَنَة أرْبَعيْن بعد [قَتْل](a) عليّ قَليلًا.
قال الخَطِيبُ
(2)
: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد (b) بن رِزْق، قال: حَدَّثَنَا (c) إبْراهيم بن مُحَمَّد بن يَحْيَى المُزَكيِّ النَّيْسَابُوريّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن إسْحاق الثَّقَفِيِّ السَّرَّاج، قال: رأيْتُ كتاب أبي حَسَّان الزِّيَادِيّ: الأشْعَث بن قَيْس، يُكْنَى (d) أبا مُحَمَّد، مات بعد قَتْل ابن أبي طَالِب (e) بأرْبَعيْن لَيْلَةً فيما أخبر (f) عن ولده، وتُوفِّيَ وهو ابن ثلاثٍ وسِتِّين.
أنْبَأنَا أبو القاسِم بن الحَرَسْتَانِيّ، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، وأبي القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ -قال أبو مُحَمَّد: حَدَّثَنَا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(3)
، وقال ابنُ السَّمَرْقَنْديّ: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن الطَّبَريّ- قالا: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّه بن جَعْفَر، قال: حدَّثنا يَعْقُوب، قال: سَمِعْتُ مُوسَى بن عبد الرَّحْمن بن مَسْرُوق الكِنْدِيّ، قال: ماتَ الأشْعَثُ بن قَيْس في زَمَن مُعاوِيَة وفي آخر إمرة، وكان يُكْنَى أبَا مُحَمَّد، وكانت ابنَتُه تحت الحَسَن بن عليّ. قال أبو يُوسُف: زَعَمُوا أنَّها هي الّتي سمَّتْهُ.
هكذا وقَع في النُّسْخَة: وفي آخر إمرة، وأظُنُّه سقَط من الكتاب: الحَسَن. والصَّحيح: وفي آخر إمْرَةِ الحَسَن، وقد سَبَق القَوْل بأنَّهُ ماتَ في الوَقْت الّذي صَالَح فيه الحَسَن بن عليّ مُعاوِيَة.
(a) إضافة من طبقات خليفة وتاريخ بغداد.
(b) ب: أحمد بن محمد.
(c) ب: أضبرنا.
(d) تاريخ بغداد: كان يكنى.
(e) تاريخ بغداد: علي بن أبي طالب.
(f) تاريخ بغداد: أخبرت، وفي نسخة منه ما يوافق المثبت.
_________
(1)
طبقات خليفة 71.
(2)
تاريخ بغداد 1: 558.
(3)
لم أقف عليه في مؤلفات الخطيب البغدادي.
قال أبو مُحَمَّد السُّلَميِّ: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد التَّمْيمِيّ، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن مُحَمَّد بِن الغَمْر، قال: أخْبَرَنا أبو سُليْمان بن زَبْر
(1)
، قال: قال الهَيْثَمُ بن عَدِيّ، وأبو مُوسَى مُحَمَّد بن المُثَنَّى والمَدَائنِيِّ: وفي سَنَة أرْبَعيْن مات أبو رَافِع، وحَسَّان بن ثَابِت، والأشْعَث بن قَيْسٍ، وذَكَر غيرَهُم.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عميِّ الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب المَاوَرْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن السِّيْرَافيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه النَّهَاوَنْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عِمْران، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بن خَيَّاط
(3)
، قال: وفيها -يعني سَنَة أرْبَعيْن- مات الأشْعَثُ بن قَيْس.
قال الحافِظُ
(4)
: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن البَقْشَلَان، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن ابن الآبنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا عِيسَى بن علِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّه بن جَعْفَر، قال: سَمِعْتُ هَارُون بن عَبْد اللَّه يقُول: الأشْعثُ بن قَيْس الكنْدِيّ، كُنْيَتُهُ أبو مُحَمَّد، تُوَفِّي بالكُوفَة حيثُ صَالَح الحَسَنُ بن عليّ مُعاوِيَة، وصَلَّى عليه الحَسَنُ بن عليّ. قال عَبْدُ اللَّه: بلغَني عن بعضِ وَلد الأشْعَث أنَّ الأشْعَثَ تُوفِّي بعد مَقْتَل عليّ عليه السلام بأرْبَعيْن ليلَة ودُفِنَ في داره.
أنْبَأنَا ابن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُنِ سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم في البُسْريّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخلِّص إجَازةً، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عُبَيْد اللَّه بن عبد الرَّحْمن السُّكَّرِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن المُغِيرَة، قال: أخْبَرَني أبي، قال: حَدَّثَني أبو عُبَيْدٍ القَاسِم بن سَلَّام، قال: سَنَة أرْبَعيْن، فيها مات الأشْعَثُ بن قَيْس الكِنْدِيُّ.
(1)
تاريخ مولد العلماء 54.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 144.
(3)
تاريخ خليفة 199.
(4)
تاريخ ابن عساكر 9: 144.
وقال أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ: أخْبَرَنا عُمَرُ بن عُبيدِ اللَّه بن عُمَر، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا عُثْمان بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا حَنْبَل بن إسْحاق، قال: وبَلَغَني أنَّهُ ماتَ الأشْعَثُ بن قَيْس في سَنَة أرْبَعيْن بعد مَقْتَلِ عليّ بن أبي طَالِب، وكُنْيَتُهُ أبو مُحَمَّد، وكان الحَسَنُ بن عليّ تزوَّجَ ابْنَتَهُ.
أشْنَاسُ التُّرْكِيّ
(1)
قَائِدٌ مَذْكُورٌ مَشْهُورٌ، قَدِمَ حَلَبَ صُحْبَة المَأْمُون حينَ قَدِمَا للغَزْو، ووَجَّهَهُ المَأْمُونُ إلى حِصْنِ سُنْدُسَ غَازِيًا، فأتاه برئيْسِهِ، وكان أيضًا على مُقدِّمَة المُعْتَصِم حين فَتْح عَمُّورِيَّة، واجْتازَ بحَلَب، ووَلَّاهُ الوَاثِق الجَزِيرَة والشَّام جميعَهُ، ومِصْر والمَغْرب، فكانت حَلَب وعَمَلُهِا في ولايته، وتَوَجَّه إلى ولايَته في شَهْر رَمَضَان سَنَة ثَمانٍ وعشرين ومَائتَيْن، وتَوَّجَهُ الوَاثِقُ وألْبَسَهُ وِشَاحين بالجَوْهَر، ذَكَرَ ذلك ابنُ
(1)
توفي سنة 230 هـ، وقيل في سنة 252 هـ (ويذكره المسعودي: مروج الذهب 5: 170 في أحداث سنة 288 هـ)، وله ذكر في: كتاب ولاة مصر للكندي 216 - 221، وتاريخ اليعقوبي 3: 337 - 338، وأخباره مبثوثة في كتاب الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري 405، تاريخ الطبري 8: 558 - ، و 9: 58 وما بعدها، (وانظر فهرس الأعلام 10: 183 وفيه الإحالة على المواضع التي ورد ذكره فيها)، الأزدي: تاريخ الموصل 352، 426، وكناه أبا جعفر، والمسعودي: مروج الذهب 4: 170، 352، 358، 5: 170، التنبيه والإشراف 256 - 266، مجهول: العيون والحدائق 3: 390 - 395، وترجم له ابن عساكر في تاريخه 9: 163 (ترجمة مقتضبة)، ابن الجوزي: المنتظم 11: 79 - 83، 98، 139، 155، ابن الأثير: الكامل 6: 342، 417، 481 - 486، 512 - 521، 7: 9، 18، 179، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 14: 378، ابن العديم: زبدة الحلب 1: 78، ابن شداد: الأعلاق الخطيرة 3/ 1: 26، أبو الفداء: اليواقيت والضرب 57 - 58، الذهبي: تاريخ الإسلام 6: 54 - 55 (أرخ وفاته سنة 252 هـ)، سير أعلام النبلاء 12: 123 (ذكر عارض أرخ فيه وفاته سنة 252 هـ)، الوافي بالوفيات 9: 378 (أرخ وفاته سنة 252 هـ)، ابن خلدون العبر 5: 643 - 645، 8: 12، المقريزي: المواعظ والاعتبار 2: 76، 81، الطباخ: إعلام النبلاء 1: 184.
أبي الأزْهَر في تَارِيْخهِ، وقال: ونُظِر في صِلَاتِ المُعْتَصم لأَشْنَاس فوُجِد مَبْلغها أرْبَعيْن ألف ألف دِرْهَم.
وقَرَأتُ في الأخْبار الطِّوَال، تأليفُ أبي حَنِيْفَة أحْمَد بن دَاوُد الدِّيْنَورِيّ
(1)
، قال: إنَّ أحْمَد بن أبي دُؤَاد (a) وجَدَ على الأَفْشِين لكلام بلغَهُ عنه؛ فأشَار على المُعْتَصِم باللَّه أنْ يَجْعَل الجَيْش نصفين؛ نصفًا مع الأَفْشِين ونصفًا مع أَشْنَاس، ففَعَل المُعْتَصِم ذلك فوَجَدَ الأَفْشِين منه، وطَال حُزْنُه، واشْتَدَّ حقْدُهُ.
وقَراتُ في تاريخ ابن أبي الأزْهَر، قال: وذَكَر الفَضْلُ بن مَرْوَان أنَّ أَشْنَاسَ كان إذا سَكِر عَرْبَدَ، وكانت امْرأتُه غالبةً عليه، وكان يَخافُها خَوْفًا شَدِيْدًا، فإذا بَلَغها عربدَتُه شدَّت عليها ثيِابها وأخذَتْ قَوْمَها وسِهَامها، ووقفَتْ بإزائهِ تَشْتمُه وتُهَدِّدهُ فيَنام، فشَقّ ذلك على المُعْتَصِم، فبَعَثني إليها أُنْكرُ عليها فِعْلها، وأُعرِّفها مَحَلَّ أَشْنَاس وجَلَالَتَهُ، وأنَّ هذا يغضّ منه، فقالت: ما أُجيبُكَ إلَّا بحَضْرته، فلمَّا حضَر قالت له: أتْكَرهُ ما أفْعَلُه أم تُحبّه؟ قال: بل أُحبّه وأُسَرُّ به، فقالت: ما عندي لك جَوَابٌ غير هذا، قال: فرجعْتُ إلى المُعْتَصِم، فأخبرتُه فأمسَكَ عنها.
قال ابنُ أبي الأزْهَر: ومات أَشْنَاس سَنَة ثلاثين ومَائتَيْن في شَهر رَبيع الأوَّل.
كَتَبَ إلينا أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل من هَرَاة أنَّ زَاهِر (b) بن طَاهِر الشَّحَّاميِّ أخْبَرهم إذْنًا، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم عليّ بن أحْمَد البُنْدَار، عن أبي أحمد عبَيدِ اللَّه بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن أبي مسلِم المُقْرئ: قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ إجَازَةً، قال: سَنَة اثْنَتَيْن وخمسِين ومَائتَيْن ماتَ أَشْنَاس، وخَلَّف خَمْسمائة ألف دِيْنارٍ (c) فأخذَها المُعْتَزّ.
(a) ب: ابن أبي داوود.
(b) ب: أزهر.
(c) في تاريخ الإسلام 6: 55: خلَّف مئة ألف دينار.
_________
(1)
الأخبار الطوال 405.
أشْهَب النَّخَعِيُّ
(1)
شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليّ رضي الله عنه، وقال شِعْرًا يَوْمئذٍ ذَكَرَهُ أبو مِخْنَف لُوْط في كتابهِ، وقال: وحَدَّثَني الحَارِث بن حُصَيْرة، عن عبد الرَّحْمن بن عُبَيْد أبي الكَنُود أَنَّ عليًّا سار من النُّخَيْلَةِ في أكثر من تسْعين ألفًا فكَثُر فيهم الكَلَامُ، وجعلُوا يَسْألونَهُ عمَّا لا يَنْبَغي أنْ يَسْألوه عنه، وظَهَر الاخْتِلَاف، فكانُوا لا يرْتحلونَ (a) من مَنْزِل إلَّا نقَصُوا، وكان جُلّ القَوْم على ما يُحِبّ عليّ، فقال النَّجَاشِيّ:[من المتقارب]
أرانا نُخَالفُ أمْرَ الإمَامِ
…
وفي كُلِّ مَنْزِلةٍ نَنْقُصُ
وذَكَرَ أبْيَاتًا، وقال: فلمَّا سَمِعَ عليّ قَوْل النَّجَاشِيّ شَقّ عليه، ولم يكُن مع عليّ حَيٌّ أجْمعَ على ما يُريد من النَّخَع، فلمَّا رأت النَّخَعُ ثقْلَ ما قاله النَّجَاشِيّ على عليّ، وكانوا جَمَاعَة كَثِيْرة غدا الأشْهَبُ النَّخَعيِّ على عليّ والنَّاس مُجْتَمعُونَ، فقال: يا أَمِير المُؤْمنِبْن، إنِّي لا أقول قَوْل صاحبي ولكنِّي أقُول:[من المتقارب]
إذا (b) جُعِلَ النَّاسَ أهْلُ العِرَاق
…
فإنَّ رجالَ العِرَاقِ النَّخَعْ
هم هَامَةُ (c) الحيَّ من مَذْحِجٍ
…
وحَامُو الظَّعائنِ عندَ الفَزَعْ
يضُرُّونَ يَوْمًا كما يَنْفعُون
…
ومَنْ ضَرَّ في حالِ ضَرٍّ نَفعْ
دعانا عليٌّ فلم نأتهِ
…
غَدَاهً دعَانا لحُبِّ الطَّمَعْ
ولكنْ أجَبْنا إلى دَعْوَةٍ
…
بها نَفَعِ اللَّهُ أهْلَ البِدَعْ
أَطَعْنا فلم نَعْصهِ جَمَّةً
…
وكانَ متَى لَدْعُ فينا يُطَع
فكم فِئةٍ قد فَقا عَيْنَها
…
وعزٍّ أذَلَّ وعَاتٍ قَمَعْ
(a) ب: يرحلون.
(b) ب: إن.
(c) ب: همامة.
_________
(1)
كان حيًا سنة 37 هـ.
وخُطَّة حَقٍّ دعا مُنْهضًا
…
إليها وخُطَّةِ ضَيْمٍ مَنَعْ
وغَايَةِ حَقٍّ جَرَى سَابِقًا
…
إليها فلمَّا أتاها نَزَعْ
وأمْرٍ يُشَادُ بنا دُوْنَهُ
…
حَوَاهُ وأَنْفٍ أَشَمَّ جَدَعْ
فلَوْلَا ولا ليْت في أمرِهِ
…
لدِينٍ ودُنْيا وكُلًّا جَمَعْ
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ أصْبَغُ
أصْبَغُ بن الأشْعَث بن قَيْس بن مَعْدِي كَرْب الكِنْدِيّ
(1)
وقد سَبَق تَمام نَسَبه في تَرْجَمَةِ أبيه
(2)
.
قيل إنَّهُ قَدِمَ دَابِق أميرًا على كِنْدَةَ وغَسَّانَ في جَيْش مَسْلَمَة بن عَبْد المَلِك الّذي جهَّزه عَبْد المَلِك بن مَرْوَان مع ابنه (a) مَسْلَمَة إلى القُسْطَنْطِينِيَّة، وتوجَّه بهم مَسْلَمَة من دَابِق إلى المِصِّيْصَة، ثُمّ دَخَل إلى بلاد الرُّوم. رُوِيَ ذلك عن عَبْد اللَّه بن سَعيد بن قَيْس الهَمْدانِيّ.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّدُ بن هِبَة اللَّه بن مُحَمَّد القَاضِي، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(3)
، قال: أنْبَأنَا أبَوَا مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن أحْمَد السَّمَرْقَنْديّ، وهِبَةُ اللَّه بن أحْمَد الأكْفانِيّ (b)، قالا: أخْبَرَنا أبو الحُسَين طَاهِرُ بن أحْمَد القَاينِيّ، زادَ الأكْفانِيّ: وأبو بَكْر الخَطِيبُ، ح.
قال أبو القَاسِم: وحَدَّثَنَا أبو القَاسِم وَهْب بن سَلْمَان السُّلَمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين طاهر القَاينِيّ وأبو بَكْر الخَطِيبُ، قالا:
(a) ب: أبيه.
(b) ب: ابن الأكفاني.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 9: 167 - 169، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 85 - 86.
(2)
مرت قريبًا في هذا الجزء.
(3)
تاريخ ابن عساكر 9: 167.
أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن رِزْقُوَيْه، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو عُثْمان بن أحْمَد الدَّقَّاق، قال: حَدَّثَنَا أبو علي الحسن بن سَلَّام السَّوَّاقُ، قال: حَدَّثَنَا الصَّبَّاحُ بن بَيَان البَغْدَادِيّ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيد بن أَوْس الحْمِصِيّ، عن عَامِر بن شُرَحْبِيل، عن عَبْد اللَّه بن سَعيد ابن قَيْس الهَمْدانيّ -في حَديثٍ طَويلٍ في جُزءٍ أخْبَرنا بإسْنَادِه أبو النَّجْم بَدْر بن عَبْد اللَّه، قال: أخْبَرَنا- وأبو الحَسَن بن سَعيد، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر الخَطِيب
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن رِزْقُوَيْه فذَكَره بإسْنَاده ولم يَسُقِ الحَدِث بتمَامِهِ.
قال: لمَّا قَدِمَ النَّاسُ من جميع الآفاق، قام -يعني عَبْد المَلِك- فيهم خَطِيبًا، لحمدَ اللَّه وأثْنَى عليه، ثمّ قال: أيُّها النَّاسُ، إنَّ العَدُوّ قد كَلب عليكم، وقد طَمع فيكم، وهُنْتم عليه لتَرْككمُ الغَزْو لهم واسْتِخفافكُم بحقِّ اللَّه، وتشَغلكم عن الجِهادِ في سَبِيْل اللَّه، وقد عَلمِتُم ما وَعَد ربُّكم في الجِهَاد لعَدُوّه، وقد أَرَدْت أنْ أُغْزِيكَمُ غَزَاةً كَريْمَةً شَريفةً إلى صَاحب الرُّوم ألْيُوْن، واللَّهُ مُهْلِكُهم ومُبَدِّدُ شَمْلَهم، ولا قُوَّةَ إلَّا باللَّه العظيمِ، وقد جَمَعْتُكم يا مَعْشَرَ المُسْلمِيْن وأنتم ذَوو البَأْس والنَّجْدَة والشَّجَاعَة، وإنَّ من حقِّ اللَّه تعالى أنْ تقومُوا للَّه سُبْحَانَهُ بحَقِّهِ ولنبيِّهِ صلى الله عليه وسلم بنُصْرته، وقد أَمَّرْت عليكم مَسْلَمَةَ بن عَبْد المَلِك، فاسْمَعُوا له وأطِيْعُوا أمْرَهُ، تَرْشدُوا، وتُوَفَّقوا، فإنْ اسْتُشْهدَ فالأَميرُ من بعده مُحَمَّدُ بن خَالِد بن الوَلِيد المَخْزُوميّ، فإنْ اسْتُشْهِدَ فالأَمِير من بعده مُحَمَّدُ بن عَبْدِ العَزِيْز، وقد ولَّيْتُ الغَنائِم رَجَاءَ بن حَيْوَة وصَيَّرته أمِيْنًا على مَسْلَمَة وعليكم، وقد وَلَّيْتُ على تَمِيْمِ مُحَمَّدَ بن الأحْنَف، وعلى هَمْدَان عَبْدَ اللَّه بن قَيْس، فقُلتُ: يا أَمِير المُؤْمنِيْن، ولِّ غيري فإنِّي قد آلَيْتُ أنْ لا أكون أميرًا أبدًا، فوَلَّى هَمْدَان صَدَقَة بن اليَمَان الهَمْدانِيّ، وعلى رَبِيْعَة عبد الرَّحْمن بن صَعْصَعَة، وعلى طَيِّء ولَخْم وجُذَام عَبْدَ اللَّه بن عَدِيّ بن حَاتِم الطَّائيّ، ووَلَّى على قَيْس الضَّحَّاكَ بن مُزَاحِم الأسَدِيّ، ووَلَّى
(1)
لم أجده في مؤلفات الخطيب البغدادي.
على بني أُمَيَّة وجَمَاعَة قُرَيشْ مُحَمَّد بن مَرْوَان في الحَكَم، ووَلَّى على كِنْدَة وغَسَّان الأَصْبَغَ بن الأشْعَث الكِنْديّ، ووَلَّى على رؤَسَاءَ أهْل الحِجَاز عُبَيْدَ اللَّه بن عَبْد اللَّه بن عُمَر بن الخَطَّاب، ووَلَّى على رُؤَسَاءِ أهْل الجَزِيْرَة والشَّام البَطَّال، ووَلَّى على رُؤَسَاء أهْل مِصْرِ يَزِيدَ بن مُرَّة القِبْطِيّ، ووَلَّى على رُؤَسَاء أهل الكُوِفَة الهَيْثَمِ بنَ الأَسْوَد النَّخَعِيِّ، وولَّى على أهل البَصْرَة سُليْمانَ بن أبي مُوسَى الأشْعَرِيّ، وولَّى على رُؤَسَاء أهل اليَمَن جَابِر بن قَيْسٍ المَذْحِجِيّ، ووَلَّى على رُؤَسَاءَ أهل الجِبَال عَبْدَ اللَّه بن جَرِير بن عَبْدِ اللَّه البَجَليّ.
ثُمَّ أقْبل على مَسْلَمَةَ بن عَبْد المَلِك، فقال: يا بُنَيّ، إنِّي قد وَلَيتُكَ على هذا الجَيْش فسِرْ بهم، وأقْدم على عَدُوّ اللَّه ألْيُوْن كَلْبِ الرُّوم، وكُن للمُسْلمِيْنَ أبًا رَحِيْمًا، ارفُق بهم وتعاهَدْهُم، وإيَّاكَ أنْ تكونَ جبَّارًا عَنِيْدًا مُخْتالًا فَخُورًا.
ثمّ عَرَض النَّاسَ فانْتَخب منهم ثلاثين ألفًا من أهْلِ البَأْس والنَّجْدَة، واتَّخذ من الخَيْل والفُرْسَان ثلاثين ألفًا، وقال: يا بُنَيّ، صَيِّر على مُقَدِّمتك مُحَمَّدَ بن الأحْنَف بن قَيْس، وعلى مَيْمَنتك مُحَمَّدَ بن مَرْوَان، وصَيِّر على مَيْسَرتكَ عبدَ الرَّحْمن بن صَعْصَعَة، وصَيِّر على سَاقتكَ مُحَمَّدَ بن عَبْد العَزِيْز، وكُن أنت في القَلْب، وصَيِّر على طَلائعِكَ البَطَّالَ، وأمُره فليَعُسَّ باللَّيْل العَسْكَر فإنَّهُ أمينٌ ثِقَةٌ مِقْدَامٌ شُجَاعٌ.
وذكَرَ بَاقي وَصِيَّتهِ، قال: فخَرَج مَسْلَمَةُ يَوْم الجُمُعَة بعد صَلَاةِ الظُّهْر، وذلك أوَّل يَوْمِ من رَجَب، وخَرَجنا معه، وخَرَج عَبْدُ المَلِك معنا يُشَيّعُنا حتَّى بَلَغ إلى باب دِمشْق، ثُمَّ خَرَج معنا مَسْلَمَةُ وعَسْكَرْنا على رأس أرْبَع فَرَاسِخ من دِمشْقَ، وذَكَرَ القِصَّة بطُولها.
أصْبَغُ بن ذُؤَالةَ الكَلْبيّ، أبو ذُؤَالةَ
(1)
كان في صُحْبَة مَرْوَان بن الحَكَم بعدما بُوْيِعَ له بالخِلَافَة حين قَدِمَ الرُّصَافَة مُتَوَجِّهًا إلى الرَّقَّة، وكان الأَصْبَغُ بتدْمُر مُنَابذًا لمَرْوَان مع أهْل تَدْمُر، فسَار إليهم الأَبْرَشُ بن الوَلِيدِ الكَلْبيّ، حتَّى تَوجَّه مَرْوَان إليهم، فأجابَهُ منهم جَمَاعَة فيهم (a) الأصْبَغُ بن ذُؤَالَة، وابنه حَمْزَةُ
(2)
، وِهَرَبَ الباقُونَ إلى بَرِّيَّة كَلْب، فانْصَرف الأَبْرَشُ بمَن تابعَهُ إلى مَرْوَان وفيهم الأَصْبَغُ، فسَاروِا في صُحْبَتهِ إلى الرُّصَافَةِ حين تَوَجَّه إلى الرَّقَّة لتَوْجيهِ ابن هُبَيْرَةَ إلى العِرَاق، ولمُحَارَبة الضَّحَّاك بن قَيْس.
أنْبَأنَا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّدُ بن هِبَة اللَّه بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن الحَسَن الحافِظ
(3)
، قال: أصْبغُ بن ذُؤَالَةَ، أبو ذُؤَالَة الكَلْبيّ، له ذِكْرٌ في أهْلِ دِمَشْق.
قَرَأتُ على أبي الوَفَاء حِفَاظ بن الحَسَن، عن عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهّاب المَيْدانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سُليْمان بن زَبْر، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن أحْمَد بن جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن جَرِير
(4)
، قال: حَدَّثَني أحْمَدُ بن زُهَيْر، قال: حَدَّثَنَا عليُّ بن مُحَمَّد، عن يَزِيد بن مَصَادٍ الكَلْبيِّ، عن عَمْرو بن شَرَاحِيْلِ، قال: أجْمعَ على قتلٍ الوَلِيد -يعني ابن يَزِيد- قَوْمٌ من قُضاعَة واليَمَانِيِّة من أهْل دِمشْق خَاصَّة، فأَتَى حُرَيْث، وشَبِيْب بن أبي مالكٍ الغَسّانِيّ، ومَنْصُور بن جُمْهُور، ويَعْقُوبُ بن عبدِ الرّحْمن، وحِبَال بن عَمْرو؛ ابن عَمّ مَنْصُور، وحُمَيْدُ بن
(a) قوله: "جماعة فيهم" ساقط من ب.
_________
(1)
كان حيًا سنة 138 هـ، وترجمته في: المحبر لابن حبيب 484، الأزدي: تاريخ الموصل 55 (شعر له في مقتل الوليد بن يزيد سنة 136 هـ)، المسعودي: التنبيه والإشراف 334، تاريخ ابن عساكر 9: 169، الكامل 5: 381، 336 (ذكره في أحداث سنة 138 هـ).
(2)
أفرده ابن العديم بترجمة تأتي في الجزء السادس.
(3)
تاريخ ابن عساكر 9: 169.
(4)
تاريخ الطبري 7: 333 - 333.
نَصْر اللَّخْمِيّ، والأصْبَغ بن ذُؤَالَة، وطُفَيْل بن حَارِثَة، والسَّرِيّ بن زِيَاد بن عِلَاقَة، خَالِدَ بن عَبْد اللَّه، فدعَوْهُ إلى أمْرهِم، فلَم يُجِبْهم، فسَألوه أنْ يَكْتُم عليهم، قال: لا أُسَمِيّ أحدًا منكم. وأرادَ الوَلِيدُ الحَجَّ، فخاف خَالِدٌ أنْ يَفْتِكُوا به في الطَّريق، فأتاهُ، فقال: يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، أخِّر الحَجَّ العامَ، قال: ولِمَ؟ فلم يُخْبِرْهُ، فأمرَ بحَبْسه، وأنْ يَسْتَأدِي ما عليهِ من أمْوَال (a) العِرَاق.
أصْبغَ بن ضِرَار
(1)
شَهِدَ صِفِّيْنَ معِ مُعاوِيَةَ بن أبي سُفْيان، وأسرَهُ الأشْتَر بن الحَارِث النَّخَعِيِّ ثمّ أطْلقَهُ بإذن عليّ رضي الله عنه، وكان شَاعِرًا.
قَرَأتُ في كتاب الفُتُوح لأبي مُحَمَّد بن أعْثَمَ
(2)
في خَبَر صِفِّيْن، قال: وجاءَ اللَّيْلُ فَحَجزَ بين الفَرِيْقَين، وكان رَجُلٌ من أهْلِ الشَّام يقال له الأصْبَغُ (b) بن ضِرَار يَخْرجُ من اللَّيْل من عَسْكَر مُعاوِيَةَ فيكون حَارسًا وطليعَةً لمُعاوِيَة، قال: فبَدر (c) له عليٌّ رِضْوَانُ اللَّه عليه الأشْتَر، وقال: إنْ قَدِرْتَ عليه فخذهُ ولا تقتُلْهُ وجئني بهِ، قال: فاحْتال عليه الأشْتَرُ، فأخذَه أسِيْرًا من غير أنْ يُقَاتِل، ثمّ جاءَ به إلى رحلِهِ ليلًا فشَدّ وثَاقَهُ ينتَظر به الصَّبَّاح، قال: وأيْقَن الرَّجُلُ بالقَتْل، وكان مُفَوَّهًا شَاعِرًا، فأنْشَأَ (d) يَقُول:[من الطويل]
ألَا لَيْتَ هذا اللَّيْلَ أطْبَقَ سرمَدًا
…
على النَّاس لا يَأتيهِمُ بنَهَارِ (e)
(a) ساقطة من ب.
(b) عند ابن أعثم: الأصبع، بالعين المهملة.
(c) ابن أعثم: فندب.
(d) ساقطة من ب.
(c) ابن أعثم: بنهار.
_________
(1)
كان حيًّا سنة 37 هـ، ترجمته في: الفتوح لابن أعثم 3: 189 - 191.
(2)
الفتوح 3: 189 - 191.
يكونُ كَذَا حتَّى القِيامَة إننِّي
…
أُحَاذُرِ في الإصْبَاح ضِرمَةَ نَارِ
فيا لَيْل طُلْ لي إنَّ لي فيكَ رَاحةً (a)
…
وفي الصُّبْح قَتْلٌ (b) أو فِكاكُ أسَارِي
ولو كنتتُ تحتَ الأرْضِ تِسْعينَ وَادِيًا (c)
…
لَمَا ردّ عنِّي ما أخَافُ حِذَاري
فيا نفسُ مَهْلًا إنَّ للمَوْت غايةً
…
فصَبْرًا على ما فاتَ يا ابنَ ضِرَارِ
أأخْشَى ولي في القَوْم رَحْمٌ قَرِيبةٌ
…
مِنَ الأمْرِ ما أخْشَى والاشْتَرُ جَارِي
ولو أنَّهُ كان الأسيرَ ببَلْدَةٍ
…
أُطَاِعُ بها شَمّرتُ ذَيْل إزَارِي
ولو كُنْتُ جارَ الأشْعَثِ الخَيْرِ فكَّني
…
وفرَّ من الأمْرِ المَخُوفِ فِرَارِي
وجارَ المُرَادِيِّ العَظِيْمِ وهَانئٍ
…
وزَحْرِ بنِ قَيْسٍ ما كرهتُ نَهارِي
ولو أنَّني كُنْت الأَسِيْرَ لبَعْضِهِمْ
…
دَعَوْت عَمِيْدَ القَوْم عِندَ عِثَارِي (d)
فإلَّا يُغِثْني (e) في الصَّبَاحِ بنِعْمةٍ
…
يفُكُّ بها عنِّي فقَبْريَ دَارِي
قال: فلَّا سَمِعَ الأشْتَرُ هذه الأبْيَات كأنَّها حَرَّكَتْهُ، ثمّ غَدَا به الأشْتَر على (f) عليّ بن أبي طَالِب، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ (g)، فقال: يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، هذا رَجُلٌ أخَذْتُه البَارِحَةَ أسِيْرًا بلا قِتَالٍ، واللَّهِ لو عَلِمْتُ أنَّ قتْلَهُ الحَقُّ (h) لقتَلْتُه، وقد باتَ عندي البَارِحَة، وحَرَّكَنِي بأبياتٍ قالها، فإنْ أحبَبْتَ قَتْلَهُ فاقْتُله، وانْ كُنتَ فيهِ بالخيار فهَبْهُ لي، فقال عليّ بن أبي طَالِب رضي الله عنه (i): هو لك يا مَالِك، فإذا أصبْتَ أسِيْرًا فلا تقْتُلْهُ، فإنَّ أسيرَ أهْل القِبْلَهَ لا يقتَلُ ولا يُقَادُ (j)، قال: فردَّه الأشْتَر إلى رَحْلِهِ، فأحْسَنَ إليه وردَّ عليه ما كان أخَذَ منه وأطْلَقَهُ.
(a) ابن أعثم: فيا ليل طبِّق إن فيك راحة.
(b) ابن أعثم: قتلى.
(c) ب: قامة.
(d) لم يرد هذا البيت في نشرة الفتوح.
(e) ابن أعثم: فإلا بعثني.
(f) ابن أعثم: إلى.
(g) ب: رضي الله عنه.
(h) ابن أعثم: أن قتله أحب إليك.
(i) قوله: "رضي الله عنه" ساقط من ب.
(j) ابن أعثم: لا يفادى.
أصْبَغُ بن عُمَرِ بِن عَبْد العَزِيْز بن مَرْوَان بن الحَكَم بنِ أبي العَاص بن أميّة بن عَبْد شَمْس بن عبْد مَنَاف الأُمَويِّ
كان بخُنَاصِرَة مع أبيهِ، وشَهِدَ وفاته بدَيْر سِمْعَان، وقد ذَكَرنا في (a) تَرْجَمَةِ أخيه إبْراهيم بن عُمَر
(1)
أنَّهُ لمَّا احتُضر عُمَر دعَا بَنيهِ وهم بضْعَة عَشر ذَكَرًا، فنَظَر إليهم فذَرَفتْ عَيْناهُ، ثمّ قال: بنَفْسِي الفتْيَةُ الّذين تَركْتُهم عَيْلًا، لا شيء لهم بل بحَمْدِ اللَّه قد تَركْتُهم بخَيْر، إلى آخر القِصَّة، وكان أصْبَغُ أحدَهُم.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات الحَسَنُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
، قال: أصْبغُ بن عُمَر بن عَبْد العَزِيْز بن مَرْوَان بن الحَكَم الأمَوِيّ، له ذِكْر، وأعقَبَ عَقِبًا.
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 171.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أصْبغُ بن نُبَاتَةَ، أبو القَاسِم التِّمِيْميِّ المجاشِعيِّ الحَنْظَليِّ الدَّارِمِيِّ الكُوْفيّ
(1)
شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليِّ بن أبي طَالِب رضي الله عنه، ورَوَى عنهُ، وعن الحَسَن بن عليّ رضي الله عنه، وأبي أيُّوب الأنْصَاريِّ.
رَوَى عنهُ سَعْدُ بن طَرِيف الإسْكَاف (a)، وعليُّ بن حَزَوَّر، وثَابِت بن أبي صَفِيَّة الثُّمالِيِّ، ويَحْيَى بن أبي الهَيْثَم الكُوْفيِّ، وفِطْر، والأجْلَح.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَرُ بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَهُ اللَّه بن الحُصَيْن، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن غَيْلان، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحمّد (b) بن إبْراهيم الشَّافعيِّ، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن عُمَر الثَّقَفيِّ الكُوْفِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن العَلَاء، قال: حَدَّثَنَا عَمْرو بن بَزِيع، قال: حَدَّثَنَا عليُّ بن حَزَوّر، عن الأصْبغَ بن نُبَاتَة، عن عليّ في حَدِيثٍ ذَكَرَهُ، قال: إنَّ أفْضَل الشُّهَدَاء حَمْزَةُ بن عَبْد المُطَّلِب مع المَلائِكَة، لم يَنْخْل ذلك أحَدٌ ممَّن مَضَى
(a) ب: الإشكاف.
(b) ب: أبو بكر بن محمد.
_________
(1)
كان حيًا سنة 38 هـ، وترجمته في: كتاب وقعة صفين لابن مزاحم 126، 146، 158، 231، 322، 406، تاريخ يحيى بن معين 2: 42، تاريخ خليفة 200، طبقات ابن سعد 6: 225، البخاري: التاريخ الكبير 2: 35، تاريخ الطبري 4: 59، 558، الفتوح لابن أعثم 3: 159، العجلي: تاريخ الثقات 71، ابن حبان: كتاب المجروحين 1: 173 - 174، الجرح والتعديل 2: 319 - 320، الكامل لابن عدي 1: 398، رجال النجاشيّ 8، تهذيب الكمال 3: 308 - 311، ابن الأثير: الكامل 3: 354، 362، تاريخ الإسلام 3: 16 - 17، الكاشف 1: 136، الإصابة 1: 111 - 112، تهذيب التهذيب 1: 362 - 363، تقريب التهذيب 1: 81، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 464 - 466.
من الأُمَم غيره شيءٌ أكْرَم اللَّهُ بهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم.
أخْبَرَنا حَسَنُ بن أحْمَد بن يُوسُف إذْنًا، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو طَاهِر السِّلَفيِّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا ثَابِتُ بن بُنْدَار، قال: أخْبَرَنا أخْبَرَنا الحُسَين (a) بن جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا الوَلِيد بن بَكْر، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن أحْمَد بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا أبو مُسْلم صالح بن أحْمَد بن عَبْد اللَّه العِجْلِيِّ، قال: حَدَّثَني أبي أحْمَد
(1)
إمْلاءً من حِفْظهِ، قال: أصْبغَ بن نُبَاتَة، كُوْفيٌّ، تَابِعيٌّ، ثِقَةٌ.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ البَرّ ابن الحافظ أبن العَلَاء الحَسَن بن أحْمَد العَطَّار الهَمَذَانيّ في كِتَابِهِ إليْنَا منها، قال: أخْبَرَنا أبَو المَحَاسِن نَصْر بن المُظَفَّر البَرْمَكِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الإسْمَاعِيْليّ، قال: أخْبَرَنا حَمْزَةُ السَّهْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد عَبْد اللَّه بن عَدِيّ الحافِظ
(2)
، قال: أصْبغُ بن نُبَاتَة صَاحِبُ عليّ بن أبي طَالِب رضي الله عنه، يَرْوي عنه أحَادِيْثَ غيرَ مَحْفُوظة.
قال: أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(3)
: حَدَّثَنَا مُحَمَّد (b) بن عليّ المَرْوَزيّ، قال: حَدَّثَنَا عُثْمان بن سَعيد، قال: قُلْتُ ليَحْيَى بن مَعِيْن: الأصْبغَ بن نُبَاتَة؟ قال: ليسَ بشيءٍ.
قال أبو أحمد
(4)
: حَدَّثَنَا ابنُ حَمَّاد، قال: حَدَّثَنَا عبَّاسٌ، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى
(5)
يَقُول: أصْبغُ بن نُبَاتَة ليسَ بثِقَةٍ.
وقال
(6)
: حَدَّثَنَا ابنُ حَمَّاد، قال: حَدَّثَنَا مُعاوِيَة، عن يَحْيَى، قال: أصْبغُ (c) بن نُبَاتَة ليسَ بشيءٍ.
(a) ب: الحسن.
(b) ب: أبو محمد.
(c) ب: الأصبغ.
_________
(1)
العجلي: تاريخ الثقات 71.
(2)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 398.
(3)
ابن عدي: الكامل 1: 398.
(4)
ابن عدي: الكامل 1: 398.
(5)
تاريخ يحيى بن معين 2: 43.
(6)
ابن عدي: الكامل 1: 398.
وقال
(1)
: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عليّ المُظَفَّري (a)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بن أحْمَد الدَّوْرَقيِّ، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن يقُول: الأصْبغُ بن نُبَاتَة ليسَ (b) حديثُهُ بشيءٍ.
وقال
(2)
: كَتَبَ إليَّ مُحَمَّد بن الحَسَن البَصْرِيّ (c): حَدَّثَنَا عَمْرُو بن عليّ، قال: ما (d) سَمعتُ يَحْيَى ولا عبد الرَّحْمن حَدَّثا عن الأصْبغَ بن نُبَاتَة بشيءٍ قَطّ.
وقال
(3)
: كَتَبَ إليَّ مُحَمَّد بن أيُّوب: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مَعِيْن، قال: قال جَرِيرٌ: كان المُغِيرَة لا يَعْبأُ بحَدِيث الأصْبَغ بن نُبَاتَةَ.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبد الوَهَّاب (e) بن ظَافِر الإسْكَنْدَرَانِيّ، بمَنْظَرةِ سَيْفِ الإِسْلَام بين مِصْر والقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو صَادِق مُرْشِد بن يَحْيَى المَدِيْنِيِّ، قال: أنْبَأنَا أبو الحَسَن عليّ بن مُنِير بن أحْمد بن الحَسَن بن عليّ بن مُنِيْر الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن رَشِيْق العَسْكَريّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عبد الرَّحْمن أحْمَد بن شُعَيْب بن عليّ بن سِنَان، قال: الأصْبغَ بن نُبَاتَة مَترُوكُ الحَدِيْث.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن أبي عَبْد اللَّه النَّجَّار، عن الفَضْل بن سَهل الحَلَبيِّ، قال: أنْبَأنَا أبو بَكر الخَطِيبُ
(4)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَرْقَانِيِّ، قال: أخْبَرَنا ابن خَمِيْروْيَه (f)، قال، أخْبَرَنا الحُسَينُ بن إِدْرِيس، قال: سَمِعْتُ ابنَ عَمَّار يقُول: وأصْبغُ بن نُبَاتَة ضَعِيْفٌ.
(a) ابن عدي: المطيري.
(b) من قوله: "ليس بشيء. . " إلى هنا ساقط من ب.
(c) ابن عدي: البريّ!.
(d) ساقطة من ب.
(e) ب: أبو محمد في عبد الوهاب.
(f) ب: ابن خيرون.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل 1: 398.
(2)
ابن عدي: الكامل 1: 398.
(3)
ابن عدي: الكامل 1: 398.
(4)
لم أجده في كتب الخطيب البغدادي.
أخْبَرَنا أبو الفَضْل جَعْفَر بن أبي البَرَكَات الهَمْدانيّ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن (a) الأكْفانِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب المَيْدانيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو هَاشِم السُّلَمِيّ، قال: حَدَّثَنَا القَاسِم بن عِيسَى العَصَّار، قال: حَدَّثَنَا أبو إسْحاق إبْراهيم بن يَعْقُوب الجُوزْجَانِيّ، قال: كان أصْبَغُ بن نُبَاتَةَ زَائغًا.
ذَكَرَ أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم في كتاب الجَرْح والتَّعْدِيل
(1)
، قال: أصَبْغُ بن نُبَاتَة أبو القَاسِم الحَنْظَلِيّ التَّمِيْمِيّ (b)، روَى عن عليّ، روى عنهُ فِطْر، والأجْلَح، وسَعْد بن طَرِيف، سَمِعْتُ أبي يَقُول ذلك. قُرئ على العبَّاس بن مُحَمَّد الدُّوْرِيّ عن يَحْيَى بن مَعِيْن أنَّهُ قال: الأصْبغُ بن نُبَاتة ليسَ بشيءٍ، قال: سَألتُ أبي عن أصْبَغَ بن نُباتَة فقال: لَيِّنُ الحَدِيْث، قُلتُ: وعقيْصًا؟ قال: ما منهم غير أنَّ أصْبَغَ أشْبَه.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي العَلَاء في كتابهِ، قال: أخْبرَنا أبو المحاسِن البَرْمكيِّ، قال: أخْبَرنا أبو القَاسِم الإسْمَاعيْليّ، قال: أخْبَرَنا (c) حَمْزَة السَّهْميِّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(2)
، قال: أخْبرَنا أحمد بن عليّ بن الحُسَين بن زيَاد الكُوفِيّ (d)، قال: حدَّثَني يَحْيى بن زّكَرِيَّاء اللُّؤْلُؤيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سِنَان، عن أبي الجَارُوْد، قال: قُلتُ للأصْبغَ (e) بن نُبَاتَة: ما كان مَنْزِلةُ هذا الرَّجُل فيكم؛ يعني: عليًّا رضي الله عنه؟ قال: ما أدري ما يقُولون إلَّا أنَّ سُيُوفَنا كانت على عَواتقنا فَمن أوْمَأ إليه ضَرَبْناهُ.
قال ابنُ عَدِيٍّ
(3)
: وأصَبْغُ بن نُبَاتَة لم أُخرج له هَا هُنا شَيئًا لأنَّ عامَّة ما
(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب.
(c) ساقطة من ب.
(d) ابن عدي: الكوخي.
(e) ب: الأصبغ.
_________
(1)
الجرح والتعديل 3: 319.
(2)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 1: 398.
(3)
ابن عدي: الكامل 1: 398.
يَرْويه عن عليّ لا يُتابعُه أحدٌ (a) عليه، وهو بَيِّنُ الضَّعْف، وله عن عليّ أخْبَار ورِوَايات، وإذا حَدَّثَ عن الأصْبَغَ ثِقَةٌ فهو إلْبَاسٌ بروايتِهِ (b)، وإنَّما أتى من الإنْكار من جهة مَنْ رَوَى عنهُ لأنَّ الرَّاوِي عنه لعلَّهُ يكُون ضَعِيْفًا.
أصْبَغُ، صَاحِبُ أبي مُسْهِر الدِّمَشقيّ
(1)
حَكَى عن أبي مُسْهِر، وكان خَرَج في صُحْبَتهِ منِ دِمَشْقَ إلى الرَّقَّة حينَ امْتَحنَهُ المَأْمون، واجْتازَ في طَريقه معه بحَلَب أو ببعْضِ عَمَلها إنْ لم يَكُن دخَلَها. حَكَى عنه أبو مُحَمَّد التِّمِيْميّ.
الأُصَيْلحُ المُعَلّم الكَفْرطَابِيّ
(2)
كان مُعَلِّمًا بكَفَرْ طَاب، وله شِعْرٌ.
أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد القُرْطُبيِّ (c)، عن مُؤَيَّد الدَّوْلَة أبي المُظَفَّر أُسامَة بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ، قال: كان الأُصَيْلحُ مُعَلِّمًا في كَفَرْ طَاب، وكان يُوسُفُ بن المُنَيِّرة (d)، أبو أُسْتَاذِي، حَائِكًا ثمّ تَأدَّب، وصارَ مُعَلِّمًا فقال فيه الأُصَيْلح:[من الخفيف]
أيُّ عَقْلٍ لحاَئِكٍ في الأنَام
…
لا ولو قِيْدَ نَحْوَهُ بزمَامِ
نصْفُه نازلٌ مع الجِنّ في البِئْـ
…
ـر (e) وباقيْهِ قَاعِدٌ في قيَامِ
(a) ب: علي!.
(b) كذا في الأصل، وعند ابن عدي:"فهو عندي لا بأس بروايته"، ولعله الأظهر حسب الذي يليه.
(c) ب: القطربي.
(d) ب: المغيرة، تصحيف.
(e) ب: في البئر مع الجن.
_________
(1)
كان حيًا سنة 318 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 9: 174.
(2)
ذكره ابن العديم في تذكرته 97 - 98، وأعاد إثبات الترجمة ذاتها في الكنى والألقاب (الجزء العاشر) باسم:"ابن الأصيلح".
مَن اسْمُهُ الأعَزُّ
الأعَزُّ بن فَضَائِل بن العُلِّيق، أبو نَصْر
(1)
حَدَّثَ عن شهدَةَ بنت الإِبَرِيّ، ولَاحِقِ بن كَارِه، وأبي الحُسَين بن يُوسُف.
أخْبَرَني بعضُ أهْل الحَدِيث أنَّهُ سَأله عن دُخُوله حَلَب، فأخْبَره أنّهُ دخَلها.
الأعَزُّ بن كَرَم بن مُحَمَّد بن عليِّ، أبو مُحَمَّد الحَرْبِيُّ التَّاجِرُ المَعْرُوف بابنِ الإسْكَاف، ويُعْرف أيضًا بابن كَدَايَاه
(2)
من أهْل الحَرْبِيِّةِ، سَمِعَ الحَدِيْث من أبي المَعَالِي عُمَر بن بُنَيْمان المُسْتَعمل، وأبي القَاسِم يَحْيَى بن ثَابِت (a) بن بندَار البَقَّال، وأبي العِزّ عَبْد المُغِيْث بن زُهَيْر بن زُهَيْر الحافِظ الحَرْبِيّ وغيرهم. وأجَازَت له الكَاتِبةُ شُهدَةُ بنتُ الإِبَرِيّ وغيرها، وحَدَّثَ بالكَثِيْر.
ورَوَى لي عنه صَاحِبُنا أبو حَفْص عُمَر بن عليّ بن دَهْجَان البَصْرِيّ حَدِيثًا،
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
توفي سنة 649 هـ، ترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني 1: 245 - 246 (أبو نصر الأعز بن فضائل بن أبي نصر بن أبي العز بن عَبَاسوه البغدادي البابَّصري)، تاريخ الإسلام 14: 616، الإعلام بوفيات الأعلام الذهبي 271، سير أعلام النبلاء 23: 238 - 239 (أبو نصر أعزّ بن فضائل بن أبي نصر بن عبَّاسوه ابن العليق البغدادي البابصري، ويرف أيضًا بابن بندقة)، العبر في خبر مَن غبر 3: 262، تاريخ الإسلام 14: 616 (وفيه: الأعز بن فضائل بن أبي نصر بن عباسوه بن العليق البابصريّ ويعرف أيضًا بابن بندقة)، الوافي بالوفيات 9: 290 (وسياقة اسمه عنده: الأعز بن فضائل بن أبي نصر بن غبَّاسوه بن العليق، أبو نصر البغدادي)، شذرات الذهب 7:423.
(2)
توفي سنة 641 هـ، وترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني 1: 57 - 58، تاريِخ الإسلام 14: 378، سير أعلام النبلاء 23: 89، 121 (ذكر عارض في الموضعين)، العبر في خبر من غبر 3: 240 (وفيه: الأعز بن كريم الحربي الإسكافي البزاز)، النجوم الزاهرة 6: 349، شذرات الذهب 7:364.
وذَكَر لي أنّهُ دَخَلَ حَلَب، وسَافر في التِّجَارَة إلى كَثِيْر من البِلاد شرْقًا وغَرْبًا. قال لي: وكان شَيْخًا صَالِحًا (a)، مَهِيْبًا، سَهْلًا، حَسَنَ الوَجْه، مَلِيْحَ الشَيْبَةِ، سَخِيًّا كَريْمًا، ذا مُرُوَّة (b)، وَقَفَ الوُقُوفَ، وسَبَّل السَّوَابلَ، وكان كَثِيْر الصَّدَقَة والمَعْرُوف، كان يطُوف باللَّيْلِ عِلى المَسَاكِيْن والأرَامِلِ بنَفْسهِ، فيُعْطيهم سِرًّا ولا يَعْلمُون مَنْ هو. قال لي: وكانَ مَوْلدُهُ في سَنَة خَمْسٍ وخَمْسِين وخَمْسمائة.
حَدَّثَنَا عِزّ الدِّيِن أبو حَفْص عُمَر بن عليِّ بن دَهْجَان البَصْرِيُّ بالجانب الغَرْبِيِّ من بَغْدَاد، وكَتَبَهُ لي بخَطِّه، قال: أخْبَرَنا الأعزُّ بن كَرَم، بقراءتي عليه وهو يَسْمَعُ بالحَرْبِيَّةِ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيَى بنُ ثَابِت بن بُنْدَار، قِراءَةً عليهِ في شَعْبان سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة، قال: أخْبَرَنا أبي أبو المَعَالِي ثَابِت، قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عُمَر بن بُكَيْر البَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن جَعْفَر بن سَلْمِ الخُتَّلِيّ، قال: حدثنا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن عليّ بن مُسْلِم الأبَّار، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أبي بَكْر المُقَدَّمِيّ، قال: حَدَّثَنَا ابنُ مَهْدِي، قال: حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عن أبي الزَّنَادِ، عن الأعْرَج، عن أبي هُرَيْرَة
(1)
، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قال: لا يَقُولنَّ أحَدُكم اللَّهُمَّ اغْفِر لي إنْ شئتَ، فإنَّهُ لا مُكْرهَ له، ولكن ليعْزمِ المَسْألَةَ.
أخْبَرَني ابن دَهْجَان البَصْرِيّ أنَّ الأعَزَّ بن كَرَم تُوفِّي في يَوْم الثّلاثَاء التَّاسع والعشرين من صَفَر سَنَة إحْدَى وأرْبَعين وستمائة، ودُفِنَ يَوْم الأرْبَعَاءِ ببَاب حَرْبٍ، رحمه الله.
(a) ساقطة من ب.
(b) كذا مجردًا في الأصل، ومثله في ب دون ضبط، ولعل المراد: مروءة.
_________
(1)
سنن ابن ماجه 2: 1367 (رقم 3854)، مسند ابن حنبل 19: 91 (رقم 9969)، معجم الطبرانيّ الأوسط 3: 25 (رقم 2038)، والمعجم الصغير 88 (رقم 163)، تاريخ أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني 2: 157، فتح الباري 11: 139 (رقم 6339)، كنز العمال 2: 94 (رقم 3298).
الأعْسَرُ بن مُهَارِش الكِلابِيّ
فارسٌ، شَاعِرٌ، أعْرَابيّ من بني كِلَاب، قَدِمَ حلَبَ على سَيْف الدَّوْلَة أبي الحَسَن بن حَمْدَان، وحَكَى له حِكايَةَ عِشْقه الصَّيْقَلَ (a) بنت طَرَّاد بن خَشْرَم الأسَدِيّ، فاسْتَحْسنَ سَيْفُ الدَّوْلَة خَبَرَهُ وزوَّجَهُ إيَّاها، وأحْسَنَ إليهما.
قرأتُ الحِكايَة في مَجْمُوعٍ عَتِيق مَكْتُوب في أيَّام سَيْفِ الدَّوْلَةِ، أو قَريب من عَصْره، وشَاهدتُها في المَجْمُوع على الصُّورَة الّتي أذْكرُها بخَطِّ بعض الأَخْبَارِيِّيْن في جُزءٍ وَقَفْتُ عليهِ في وَقْف الإمَام النَّاصِر أبي العبَّاس أحْمَد بالخَلاطِيَّة في الجانب الغَرْبيّ ببَغْدَاد.
قال: وبَلَغَني أنَّ سَيْف الدَّوْلَةِ، رحمه الله، وفَد عليه الأعْسَرُ بن مُهَارِش الكِلابِيّ في ثلاثين رَجُلًا من بني كَلَاب، بعدما صالَح سَيْف الدَّوْلَة بني كِلَاب، فدَخَلُوا عليه فخطَبُوا خُطَبًا حَسَنَةً، فأجازَهُم، وأعْطاهُم، وكانوا أتُوا في رَسَائِل، فأقامُوا يَنْتَظرُونَ الجَوَاب لرَسَائِلهم.
وكان الأعْسَرُ يحضُر مَجْلِس الأَمِير سَيْف الدَّوْلَة في كُلِّ يوم، فإنَّهُ ذات يَوْم في مَجْلِسهِ، إذ أخَذُوا في حديث العِشْق والتَّتَيَمُّ، فقال أبو فِرَاسٍ الحَارِث بن حَمْدَان: أيُّها الأَمِير، بَلَغَني أنَّ مع الأعْسَر طَرْفًا من ذلك فاسْألهُ يُخبرك، فقال سَيْفُ الدَّوْلَة: حَدِّثنا حيَّاكَ اللَّهُ فإنَّا نُحِبُّ حديثَكَ، فقال: أيُّها الأَمِيرُ، أمَّا إذ سَألْتَني قبل إعْلامي لك فإنِّي سأُحدِّثُكَ: إعْلَمِ أيُّها الأَمِير، أطالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ، أنَّا كُنَّا نَسْكن بِسِنْجَار، وخيامُنا هناك، وكان على فرْسَخين منِ حِلَّتنَا حِلَّهُ بَني أَسَدٍ، وكان لي فيها وَدُّ كان لوالدي وصَدِيْق يُقال لهُ طَرَّاد بن خَشْرَم، وكُنت كَثِيْرًا أطْرقُه وأسَلِّم عليه وعلى جَمَاعَةٍ أوَدُّهُم من الحِلَّةِ.
(a) ب: بالصيقل.
وإنِّي طَرَقْتُه -أيُّها الأَمِير- في بعضِ الأوْقَاتِ، فلَّا قَربتُ من الحِلَّةِ، وإذا أنا بعَطْعَطَةٍ وزعْقَاتٍ، فأجرَيْتُ فَرَسي فإذا أنا بأهْلِ الحِلَّة في حَرْبٍ عظيمٍ وأمْرٍ مَهُولٍ، فتقدَّمْتُ إلى أوَّلِ بيْتٍ لقِيَنِيّ، فقُلتُ: يا أهل البَيْت، أنعَمُوا صَباحًا، فخرجَت وُليدَةٌ سَوْداءُ فقالت: وأنت نعِم لك الصَّبَاح. قُلتُ: ما أوْقَع الحَرْبَ بين هذين الفَيْلَقَين؟ فقالت: إعْلَم أنَّ طَرَّادَ بن خَشْرَم له ابنَةٌ يُقال لها صَيْقَل من أحْسَنِ النّسْوَان، لم يَرَ أحَدٌ مثلها، وأنَّ خُفَاف بن نُدْبَة كان وَدًّا لوالدِها وصَدِيْقًا، وكان يَطْرقُهُ كَثِيْرًا ويُقِيم عندَهُ، فرأتْهُ ابنَتُهُ ورآها فتحابَبَا وتعاشَقَا، وزادَ ذلك حتَّى فَشَا في الحَيّ، فلمَّا كان قَرِيبًا وَجَّهَ يهًدّدُه، ويقُول له: واللَّهِ لئن لم تُزَوِّجني لأكْبِسَنَّ الحِلَّةَ ولأدُوْسَنَّها ببَني قُشَيْر، فقال له: ما أنت إلَّا أهْل لذلك، ولكن قد فَشَا الحَدِيْثُ بين أهْلِ الحَيّ، وأنا أكْرَهُ القَالَة القَبِيْحَةَ، فعَاودَهُ فسَبَّهُ، وخَرَج خُفَاف مُغْضبًا يَزْأَرُ، ولم نَشْعُر بهِ حتَّى طَرَقَنا البَارِحَةَ بُسْحرة (a)، في بَني أبيهِ من بَني قُشَيْر وأحْلَافِهِم من عَجْلان وطَيِّءٍ، وقد طَحَنُوا الحِلَّةَ طَحْنًا، فلمَّا سمعْتُ ذلك تَهَلَّزْتُ
(1)
للحرْب، وأرَدْتُ أُرِي أهْلَ الحِلَّة شَجَاعتي وفُروسِيَّتي، وتنَكَرْتُ، واخْتلَطْتُ ببَني أَسَدٍ، ثمّ خرجتُ بين الصَّفَّيْن والقَوْمُ زَرْدقًا
(2)
زَرْدقًا، فضَرَبْتُ مَيْمَنَةً ومَيْسَرةً وقَلْبًا وارْتَجَزْتُ وقلت:[من الرجز]
مَنْ منْكُم يَنْشَطُ للنُّزُول
…
إلى شُجَاعٍ بَطلٍ بُهْلُول
يُفَرِّق الجَمْعَ ولا يَزُول
…
يُرْدِيكُم من فَوْق ذي الخُيُول
حتَّى يُغَادِي جَيْشَكُم مَفْلول
(a) ب: لسحرة.
_________
(1)
تَهَلَّز الرجلُ للأمر: تشمَّر له، وكذلك تحَلَّز. لسان العَرَب، مادة: حلز.
(2)
الزَّرْدَقُ: الصَفُّ القيامُ من الناس. لسان العرب، مادة: زردق.
فانتَدَبَ لي شَابٌّ من بني عَجْلان يُقال له حَنْظَلَةُ بن دَارِم، فخرَج وجَالَ بين الصَّفَّيْن وقال:[من الرجز]
أنا الشُّجَاع البَطَل البُهْلُول
…
لتَعْلمنَّ غبَّ ما تقُول
سوفَ أُعَمِّمِكَ على الفُلُول
…
بصَارِم ليسَ يُرَى مَفْلُول
وتَدَانَى إليَّ وتَدانَيْتُ إليهِ، وكفَّ العَسْكَران، وأحْجَمُوا ينظُرونَ إلينا، فطَالَ بيننا الضَّرْبُ إلى أنْ ضَرَبْتُه ضَرْبةً على حَبْل (a) عَاتقِه حَلَّت كَتِفَهُ وأرْديتُه عن فَرَسِه، وجرّيتُهُ إلى أصْحَابيّ، وجُلْتُ دين الصَّفَّيْن وأنْشَأت وأنا (b) أقول:[من الرجز]
من شِيْمَتِي الكَرُّ على القَبَائِل
…
والخَوْض في دَمِ الفَتَى المُقَاتِل
إنِّي أَنا الفَارِسُ والحُلَاحل
…
قَبيْلَتي تَسْمُو على القَبَائِل
مَعْرُوفة بالكَرِّ في الجَحَافِل
فبرَزَ لي رَجُلٌ من طَيِّء يُعْرَفُ بهَمْدَان بن عِكْرِمَة، فجالَ بين الصَّفَّيْن وارْتَجز وهو يَقُول:[من الرجز]
الحَرْبُ تارات (c) أبا مُقَاتِل
…
لا تَحْسِبَني مثل ذَاك الفَاشِل
لتَعْلَمنَّ أيّنا حُلَاحِل
…
وأيّنا يُفَلِّلُ الحَجَافِل
ويَقْتُل السَّادَات في القَبَائِل
ودَنا منِّي ودَنَوتُ منه، وجَرَى بيننا أمرٌ عظيم، وبَدَرني بضَرْبةٍ في قِمَّتي
(1)
كَشَطَتْ من رَأسي قِطْعَةً، وضَرَبْتُهُ ضَرْبةً في هَامَتِه قَطَعتها، وحَمَل أصْحَابهُ عليه فأخَذُوه.
(a) الأصل: جَبَل، والمثبت من ب.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: ثارات.
_________
(1)
القِمَّة: أعلى الرأس، ووسطه. لسان العرب، مادة: قمم.
واشَتمْلْتُ، وجَعَلْت أجُول بين الصَّفَّيْن، فتغيَّظ مِنِّي أمير الجَيْش وهو خُفَاف بن نُدْبَة، فقال: مَنْ هذا الّذي قد فلَّلَ جُمُوعَمُ وقَتَل أبْطَالكُم؟ قالوا: ما نَعْلمِ غير أنَّهُ بَطَلٌ، فقال: دونَكم فَرسِي الغَضْبَان، فأُتي بفَرَسِه، فركبَهُ وتَدَرَّعَ وخرَج وهو غَائِصٌ في الحَدِيْدِ، وبارَزني فتجاوَلنا، ومَضَتْ بيننا عَرْكات، ورأيتُهُ ثَبْتًا جريَّ الجنان، قَوِيَّ القَلْب لا رَعْدِيد ولا فَشل، فلمَّا لم يكُن لي معه شيءٌ خاتَلْتُه وأخَذْتُ من طَريق الخَدِيعَة، وقُلتُ: أخَذتُكَ ورَبّ الكَعْبَة، وأريْتُه أنّي أَضْرب رجلَيْهِ فاشْتَغَل بها، فضَرَبْتُ يدَهُ [فـ]ــأطرْتُها، ونَفَرت بهِ فَرَسُهُ فأرْدَتهُ، وحَمَل أصْحَابي (a) فأخَذُوه وهو حَيُّ إلَّا أنَّ يدَهُ قد ذَهَبَتْ ونصْف سَاعِده، فلمَّا علمُوا أنَّ رئيسَهُم قد مَضَى وقَع الصُّرَاخُ والبُكَاء وانْطَفَأ الحَرْبُ، وكَفَّ النَّاس وعلمُوا المَوَاتِيم.
وأتيْتُ طَرَّاِدًا، فقُلتُ لَهُ: ما هذه الحُرُوبُ؟ فأخَذَ يُحَدِّثُني، وقال لي: لولا أنَّ اللَّهَ مَنَّ علينا برجُلٍ لا أعْلَمُ مَنْ هو، غير أنِّي رأيتُ دَابَّتَهُ حَنْفَاءَ -وكانت فَرَسِي حَنْفَاء غير أنَّهُ لم لَكُن مثلها في السِّبَاق والرَّكْض- فقُلتُ لَهُ: إنْ رأيْتَ الفَارس (b) حَاسِرًا تَعْرفه، قال: نعم فحدَرْتُ لثَامِي، فقال: اللَّهُ أكْبَر، الأعْسَرُ ورَبِّ الكَعْبَة! مَرْحَبًا، وقام فقبَّل رَأسِي ورَأسَ بَني عَمِّي، وكان صَحبَني (c) من الحِلَّة خَمْسٌ من بَني عَمِّي كانُوا معي في الحَرْب.
وبقي خُفَافٌ تلك اللَّيْلة إلى الصَّبَاح يَنْزف دَمُهُ، ولم تأتِ الظَّهِيْرَةُ حتَّى قَضَى نَحْبَهُ، ووعً في الحَيِّ البُكَاءُ والنَّحِيْبُ، وفرغُوا من أمْره، وأَخْذِ أُهْبَتِهِ ودُفِنَ، وكثُر البُكَاءُ والنَّحِيْب في بني قُشَيْر.
(a) كذا في الأصل، وب، ولعل مَن أخذه أصحاب خفاف بن ندبة.
(b) في الأصل: الفرس، وفي ب: الفرس سارحًا، وكتب ابن العديم في هامش الأصل:"صوابه: الفارس"، فاعتمدناه.
(c) ب: صحبتي.
وأَقمْتُ عند طَرَّاد ثلاثًا، ثمّ ودَّعْتُهُ في اليَوْم الرَّابِع وقُلتُ: المُضيّ، قال: واللَّهِ لا أقمتَ عندي إلَّا عَشْرًا لأُكْرِمَكَ وأُقْضِي بعضَ واجب حَقِّكَ، فسَألَهُ بنُو عَمِّي الانْصراف فأذِنَ لهم بعد شِدَّة. فأقمتُ أنا (a) عنده يَوْمَيْن بعد ذلك، وكُنْتُ لا أصْبر عن الشَّرَاب؛ إنَّما هو قَوَام حَيَاتي، فقُلتُ لطَرَّاد: إنِّي أُرِيدُ الشُّرْبَ، قال: وكَرَامَة، وأَنْفَذَ فأتاني من بَعْض الحَانَاتِ بشَرَابٍ، فسَمَّطتُ طَعَامًا وشَرَابًا على فَرَسي وخَرَجْتُ ومعي عَشرةٌ من شَبَاب بَني أَسَد نَتَنزَّهُ ونشربُ، وأمْعَنَّا في السَّير إلى أنْ وَقَعْنا على مَوضع خَضِر نَضِرٍ فيه شَجَرٌ قد عَرَّشَ، وزَهْر قد انْفَرش، وماء جارٍ، ومَوضع طَيِّب، فشَرِبْنَا على الغَدِير إلى قُرْب العَصْر (b)، ثمّ فَني شَرَابُنا، فكَرَرْنا راجعين، فقال لي بَنُو عَمِّي: ترغَبُ في السِّبَاق إلى الحَيِّ؟ قُلتُ: نعم، وطَمعُوا فيَّ لأنَّهم رأوا دَابَّتي حَنْفَاءَ، فأطْلقنا أعنَّةَ خُيُولِنا ومَرَرنا سبَاقًا إلى الحِلَّة، فسبَقْتُهم أنا بأجْمَعِهم بنحو الميْل، ووَقَفْتُ على كَثيْب أحْمَرَ على ظَهْر الحِلَّة على نَشَزٍ منها أنتظِرُ أصْحَابيّ، فأنا واقفٌ إذ سَمِعْتُ بُكَاءً وشجًى وحَنِيْنًا وعَوِيْلًا، فالتفَتُ فإذا أنا (c) بجَارِيَةِ جَالسةٍ على قَبر مُبَيِّضٍ جديدٍ، وهي تَبْكي بُكَاءً شجيٍّ حَرِقٍ وتَنْدبُه وهي تقُول:[من السريع]
يا وَاحِدًا لسْتُ بنَاسيهِ
…
نَعَى إليَّ العَيْشَ نَاعيْهِ
واللَّه ما كُنْتُ أُرَى أنَّني
…
أقومُ في الباكيْنَ أبْكِيهِ
واللَّه لو لَم يُقْتَبَل فدْيَةٌ
…
لكُنْتُ بالمُهْجَة أفْدِيْهِ
بيَّضْتُ منك القَبْر يا سَيِّدِي
…
لأنَّني لَسْتُ بناسِيْهِ
عَاذلَتي في جَزَي أَقْصري
…
قد غَلَقَ الرَّهْن بما فيهِ
فبهتُّ أنظُر إليها، وإلى حُسْن وَجْهها، ورأيْتُ ما لم أَرَ مثلَهُ قَطّ، فخَاذَيْتُها،
(a) ب: ساقطة من ب.
(b) ب: إلى أن قربنا من العصر.
(c) في الأصل: فأنا.
وأنشَأت أَقُول: [من الطويل]
جَرَى الدَّمْعُ من عَيْنَيكِ كالسّلْكِ إذ (a) وَهَى
…
منَ العقْدِ أو كالطَّلِّ في وَرَقِ الوَرْدِ
فخلتُ البُكَا من رِقَّةِ الخَدِّ أنَّهُ
…
يُوثِّرُ من حَرٍّ على صَفْحَةِ الخَدِّ
فلو أنْتِ أقْصَرْتِ البُكَا ودَعيتِهِ
…
لنَادَاكِ بالحُسْنَى وقامَ من اللَّحْدِ
فلمَّا عَلِمَتْ بي ردَّتِ البُرْقُع على وَجْهها، فكأنَّ الشَّمْسَ كانت تحْجبُها بالغَيْم، وقالت: إعْدِل عنِّي يا عَبْدَ اللَّه، فما أنا لك بصَاحِبَةٍ فلا تكُن طَامِعًا، أمَّا تَسْتَحيي من ربِّكَ أنْ تنْظُر ما ليسَ لكَ بمُحرم؟! ولحقَني أصْحابي وأنا في النَّار، فقالوا: سَبَقْتَ واللَّهِ بالحنفَاءِ أُعيْذُك باللَّهِ، فقُلتُ: يا قَوْم، دَعُوني فإنِّي في حالةٍ، قالُوا: من أيْشٍ؟ قُلتُ: رأيْتُ هذه الجَارِيَةَ فوقَعَتْ واللَّهِ في نَفْسِي، وقد شَغَلَتْنِي عن سَائر أهْلي، فقالوا: تَدْرِي هذه مَن؟ قُلتُ: لا، قالوا: هذه ابنَةُ الأَمِير طَرَّاد، وهي الّتي وَقَع الحَرْبُ من جهَتها، وهذا قبرُ خُفَاف، قُلتُ: هذه صَيْقَلُ؟ قالوا: نعم، وكان طَرَّاد سَيِّدًا في قَوْمِه يركَبُ وحْدَه ويَرْجع في خَمْسمائةِ عنانٍ.
وسِرْنا حتَّى دخلنا الحِلَّةَ، وأنا كالمَرِيْض من جِهتها، فأقَمْتُ عندهُ عَشرةَ أيَّامٍ، فلمَّا كان اليَوْم الحَادِي عَشر قُلتُ: قد فَعَلْت ما أَمْرت، وقد أحبَبْتُ أنْ تُضِيفَ إلى أياديك المَخْلُوفَة، وأفَاعيْلِكَ المألُوفَة أنْ تُشُرفَني (b)، قال: بماذا؟ قُلتُ: تُوصِل حَبْلي بحَبْلكَ وتُزوِّجَني من الصَّيْقَل ابْنَتِكَ، قال: حبَّذا واللَّه أنْتَ، ولكن ليس تُجِيْبُ أحدًا بعد الماضي، وإنَّما الحَرْبُ جَرَى من جهتها وفي سَبَبها، ولكنِّي أُخاطبُها وتكُون (c) بمحضَرٍ منكَ.
ثُمَّ أخَذَ بيدي -أيُّها الأَمِيرُ- وأتَى بي مَضْرَبها، فأجْلَسَني بَرّا منهُ حيثُ
(a) ساقطة من ب.
(b) قوله: "أن تشرفني" ساقط من ب.
(c) مهملة الأول في الأصل، والمثبت من ب.
أسْمَعُ ما يَدُور بينهما، ودَخَل إليها فقال لها (a): يا بُنَيَّة، الأعْسَرُ ممَّن تَعْلمين فَضْلَهُ وكَرَمَهُ وسُؤدَدَهُ، وقد أتانا خَاطِبًا لك فلا تَلَجِّين وأَنْعِمي، فبَكَت وقالت: واللَّهِ لئن لم تَتْرُكني لأقتلنَّ نَفْسِي. فعاوَدَها دَفعاتٍ وهي تأبَى، فخرَجَ وهو يَشْتُمها ويلْعَنُها، وخَبَّرني فجزيتُه خَيْرًا، وودَّعْتُه.
وسِرْتُ وأنا قَلْبي عند الصَّيْقَل حتَّى أتيْتُ أهْلي، ففَرحُوا بي وتَباشَرُوا، واجْتَمع أهْلي وبنو عَمِّي، فقلتُ لهم:[من مجزوء البسيط]
مَضَيْتُ من عندكُم بقَلْبي
…
وعُدْتُ مُضْنًى بغَيرِ قَلْبِ
وكُنْتُ حَيًّا فصِرْتُ مَيْتًا
…
من حَسْرَة بي تَشُدُّ كَرْبي
كِدْتُ وحَقِّ الإلهِ حَقًّا
…
والبَيْتِ والقاصدينَ سُغْبِ (b)
أقْضِيَ مِن حُرْقةٍ ووجْدٍ
…
ولَوْعَةٍ في الفُؤَادِ نَحْبي
حَسْبيَ يا صَيْقَلٌ بهذا
…
لا تُكْثِري في الجَفَا فحَسْبي
فبُهِتَ أهْلِي وأصْحَابي، وقالوا: ما الّذي دَهَاك؟ قُلْتُ: لا تَنْطق (c)، واسْرِع فاحْمِل إلى طَرَّاد جميعَ ما يطلبُه، واطْرَح عليه جميع مَنْ قَدِرْتَ عليه حتَّى يُزَوِّجني من ابْنَتِه، وحَدَّثْتهُ الحَدِيْثَ فاغْتَمَّ وبَكَى، وأنْفَذ إلى طَرَّاد يُرَغِّبهُ، وأكْثَر له، وهي تأبَى أنْ تتَزَوَّج بأحَدٍ.
فأقَمتُ مُدَّةً بأسْوَأ حالٍ. ثمّ إنِّي اشْتَقْتُ إليها ذاتَ يَوْمٍ وطَرَقَني خيالُها ليلًا، فغَدَوتُ أُرِيدُها، فسِرْتُ على فَرَسي حتَّى أتيْتُ الحِلَّة، فشَمَمْتُ على قَدْر ميل نَتْن رَوائح وجِيْفَة، فلمَّا وصلتُ إلى الحِلَّةِ إذا بقَتْلَى كَثِيْرة بعضهم فَوْق بعضٍ، وأهْل الحَيِّ زَرْدَق زَرْدَق، ومَحْفِل مَحْفِل في المَوَاتِيم والبُكَاء والنَّحِيْب، فتقدَّمتُ
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: شعب، وكتب ابن العديم في هامش الأصل:"لعله: ربِّي". وورد في موازاة ذلك بخط آخر: "هذا جائزٌ".
(c) وضع ابن العديم فوقها في الأصل: "صـ، كذا"، وكتب في الهامش:"سقط شيء"، وفي ب: ينطق.
إلى بَيِتٍ لقيَني فناديتُ: يا أهْلَ البَيْت، أنْعَمُوا صَباحًا، فخرجت جَارِيَةٌ كالمهَاةِ، وقالت (a): وأنتَ نَعِمَ لك الصَّبَاحُ، ما تُرِيْغُ (b)؟ قُلتُ: ما طَرَق الحَيّ من بَني أَسَد؟ قالت وهي تَعْصِرُ عَيْنَيها من البُكَاءِ: طَرَقهُم أسَدٌ أخو خُفَاف بن نُدْبَة (c) فسَبَى حَرِيمَهُم وقَتَلَهُم وشَرَّدَهُم، وفَعَل بهم ما تَرَى. قُلتُ: فما فَعَل طَرَّاد وابْنَتُهُ صَيْقَل؟ قالت: أسَرَهمُا جَمِيعًا أسَدٌ وهُما عنده، فبَكَيْتُ لذلك، وأتَيْتُ أصْدِقائي في الحَيّ، فعزَّيتُهم وهم يَبْكُون، فهمَّت نَفْسِي أنْ أصِيْرَ إلى حَيّ بَني أَسَد لِمَا أصَابني من الحُبِّ والوَجْدِ، وأنْ أتَحَيَّلَ في تَخْليْصِها، فقُلتُ لهم: وعلى كَم فَرْسَخ نحنُ (d) من حَيّ بَني قُشَيْر؟ قالوا: ثلاثة فَرَاسِخ، فودَّعتُهم وكان مَغِيْبُ الشَّمْس وسِرْتُ على العَيُّوق والنَّسْرَين أطلبُ قاع الرِّيح، وكانُوا بها نَازِلين، فلم يَمْض الثُّلُثُ من اللَّيْل حتَّى أشرفْتُ على الحَيّ، وإذا الخيامُ والقِبَاب والأحْمَال (e) كالكَوَاكِب، ولم أَصِل إلى الحَيّ حتَّى أُطْفِئت المَصَابِيْحُ، وهَدَأ النَّبِيْحُ، وكانت لَيْلَةً مُقْمِرَةً، فنظَرْتُ والحيّ هَادٍ، والأخْبِيَة مُطَنَّبَة إلى جَوَانِب الجُدْرَاناتِ، فحملتُ في وادٍ كَثِيْر العَوْسَجِ والمَدَر فاخْتفَيْتُ فيه، ثمّ إنِّي فَكَّرتُ وخَشِيْتُ من الأسد، فارْتَقَيْتُ في أعْلَى شَجَرَةِ دَوْمٍ أنتظر رَاعِيَ غَنَم، رَاعِي إبِل، بعض عَجَائز الحيّ ممَّن يخرجُ يلتَقط الحَنْظَل، فإنِّي لكذلكَ، وإذا بجُوَيْرِيَةٍ سَمْرَاءَ قد أقبلَت ومعها عَبَاءٌ فبَسَطَتْها وأقْبل معها شَابٌّ فبَرَكا جَمِيعًا يتحادَثان ويتَشَاكيان أطْيَب من قَضْم السُّكَّر، أو من الشُّهْد المُصَفَّى، فأقاما على ذلك سَاعةً من اللَّيْل، ثمّ قال لها: يا بُصَيْرَة، ارْقُدِي حتَّى نَرْقُدَ ساعةً، قالت: واللَّهِ يا مَحْبُوبُ ما إلى ذلك من سَبيل لأنِّي مع النِّسْوَان الّذين قد (f) وُكِّلُوا بحِفْظ الصَّيْقَل، فأصْغَيْت حينئذٍ إليها، فقال لها: واللَّهِ ما بُدَّ لي
(a) ساقطة من ب.
(b) مهملة النقط في الأصل وب، والإعجام من ابن منظور والزبيدي، وأراغ: طلب، وما تُريغ: ما تريد وتطلب. لسان العرب وتاج العروس، مادة: روغ.
(c) تحرفت في ب: "بين يديه".
(d) ساقطة من ب.
(e) ب: والأجمال.
(f) ساقطة من ب.
من ذلك، ثمّ أكْرَهَها، ورَقَدا جَمِيعًا، فمكثا هَوِيًّا من اللَّيْل، ثمّ قامَا، وعاد الرَّجُل إلى نَوْمِه، وقامَت الجَارِيَة فنزلَتْ فاعْتَرَضْتُها في سَنِم الوَادِي، فقلتُ لها: ممَّن أنت؟ قالت: من هذا الحَيّ، قلت: اجْلِسِي، أتَعْرفيني؟ قالت: لا، قُلتُ: أنا الأعْسَرُ، وقد رأيتُكِ وما صَنَعْت مع مَحْبُوبٍ، فاكْتُمِي عليَّ أكْتُم عليكِ، قالت: قُلْ يا إنْسَان، فواللَّه لا تقُول شيئًا بعدما رَأيتنا إلَّا ويكُون عندي كقول الشَّاعِر:[من الطويل]
جَعَلْتُ فُؤادِي مقْبَرًا لسِرَارِه
…
فما أنْ له طُوْلَ الزَّمان ظُهُور
كذا المَيْتُ لا يرجُوا الخُرُوجَ ولا
…
اللِّقَا ولا النَّشْر إلَّا أنْ يكُون نُشُور
قُلتُ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، إعْلَمي أنَّ هذه الصَّيْقَل حبَّتي، وقد أتيْتُ اللَّيْلةَ أُريدُ أَخْنِسُهَا
(1)
، فأُرِيْدُ أنْ تتوَصَّلي إليها وتقُولين لها: إنَّ الأعْسَرَ بوَادِي الأَرَاك ومعهُ دَابَّتُه الحَنْفَاء، ومَوْعدُك الشَّجَرات فاخُرجي، قالت: وكَرَامَة، ومَضَتْ، وأتَيْتُ أنا الوَادِي فعَقَلْتُ فَرَسي وأتَّفَقْتُ بالرَّجُل، فقال: ممَّن أنْتَ؟ فأعلَمْتُه أنِّي قد رأَيْتُهما وقُلتُ: حَدِّثني حديثَكَ، قال: إعْلَم أنَّ هذه ابنَة عَمِّي، وأنَّ أسد -لَعَنَهُ اللَّهُ- أغارَ علينا، ونحنُ من بني كِنَانَة، فأخَذَ نِسْوَان جَمَاعَةٍ اسْتَعْبَدَهُم منهُنَّ ابنَةُ عَمِّي، وكُنْتُ أجدُ بها وجْدًا عَظيْمًا، فلمَّا فقَدْتُها ضَاقَتْ عليَّ الأرْض بما رَحُبت، ولم أزل أتَوَصَّلُ حتَّى خَدمْتُ أخَاهُ خُفَافًا في غَنَمِه، فكُنَّا نَجْتَمع في كُلِّ ليلةٍ، فلمَّا قُتِلَ خُفَاف صِرْتُ معه، وقد رَضيْتُ منها بهذا، ولا أقدرُ أَخْنِسُهَا لئلَّا يتبَعُنا ويأخُذنا؛ وله عُيُون ومَرَاصدُ، فقد قنعْتُ بهذا، وبَكَى فرحَمْتُه.
وأنا أُحَدِّثُه إذ زعقَ زَعْقةً أفْزَعني، فنظرتُ فإذا أفْعَى عَظيمٌ أسْوَدُ سَالِخٌ قد لدَغَهُ، فاضْطَرب سَاعةً وخَمَد، فأصَابني واللَّه أمرٌ عظيم، ووقفتُ نصْفَ الطَّريق أنْتَظر النُّصَيْرَة، وإذا بها قد أقْبلَتْ، فقالت: قد عَرَّفْتُها فقالت: سَوْف أخْرُج، وهي اللَّهِ فَرْحَانةٌ بذلك، فعَرَّفْتُها أمرَ حَبِيْبها المِسْكِين، فبَكَت بُكَاءً
(1)
الخَنَسُ: الأخذ، وخَنس من ماله: أخذ. لسان العرب، مادة: خنس.
عَظيْمًا، وغُشِي عليها دَفْعات، وأفَاقَتْ فتركَتْني ومَضَتْ إلى الحيَّ، ثمّ رَكِبتُ فَرَسي وقد مضَتِ الكَوَاكِبُ، وبَدَتْ كَوَاكِبُ السَّحر تَتَحَدَّرُ، وإذا بصَوْتِ الحَدِيْدِ وخَشْخَشَتهِ، وإذا بها قد أقبلَتْ في نِسْوان جَمَاعَةٍ، فلمَّا وَقَفَت بي، عَلِمَتْ مَوضِعي، فقالت: باللَّهِ يا أخَوَاتُ قفنَ غير صَاغرات حتَّى أقضي حَاجةً، قُلْنَ: واللَّه لئن جاءَ وعَلِم بإخراجك ليقْتُلْنَّا، قالت لهُنَّ: وأين خَرَج؟ قُلن: خَرَج إلى ابنِ عَمٍّ له، لهُ عليه مالٌ يُريدُ قَبْضَهُ ولعلَّه يَغِيب يوْمَهُ أو يَوْمًا وليلةً، فقالت لهنَّ: فلَسْتُ أتأخَّر، قُلن: فَامْضِي، فدخلتْ إليَّ فقالت: فُكَّ قَيْدِي، فتَمَطَّيْتُ في قيُودها فقطَعْتُها، وأرْكَبْتُها الحَنْفَاءَ وأنا أسيرُ خَلْفَها عُرْيانَ إلَّا سَرَاوِيلَ عليَّ شَاهرًا سَيْفي، وأبْطَتْ (a) عن النّسْوَان فنَذَرُوا بنا فتَزَاعقُوا وتصَارخُوا، وقام أهْلُ الحَيّ، فركبُوا خُيُولهم، فبين مُسْرِجٍ ومُلْجمٍ ومُزْعجٍ ومُرْهج، فامتَدَّ خَلْفَنا ثلاثمائة عنانٍ بين أيديهم العَبِيْد بالحِجَارَة يرْمُونا، وأنا أعْدُو (b) فكُلمَّا علمتُ أنَّهم قد قاربُوني أتقدَّم إليهم فأقْتُل واحدًا واثْنَين (c)، وأُعْطِي رِجْليَّ الرِّيحِ، فقَطَعْتُهم على ذاكَ فَرْسَخين، ثمّ صحْتُ بها: خُذِى عَرْضًا فإنَّك على غَلَط، فأخَذَت عَرْضًا، وسِرْنا وهم خَلْفَنا فصِرْنا قَرِيبًا من الحِلَّةِ، وإذا صَوْت حَوَافر، فلم نَشْعُر إلَّا وقد طَلعَ علينا أسَدٌ في مائتي رَجُل من قَوْمه شَاكِّينَ في السِّلاح، عليهم السَّكِيْنَةُ والوَقَار، فلمَّا سَمعُوا الزَّعْقَات أمْسَكُوا أعنَّتَهم وحبَسُوها (d)، وأحْجَمُوا ساعةً حتَّى عرفُوا أصْحَابهُم، وفَطنْتُ أنا بذلك فصحْتُ بها: إلْحَقِي بأهْلِكِ فأنت قريبةٌ منهم، فأطلَقَتْ للفَرَسِ عنانَهُ فمَرَّ كالرِّيح الهَبُوبِ، أو كالماء السَّكُوبِ حتَّى دَخَلت الحِلَّةَ، واجْتَمع عليَّ الفَيْلَقان ودَارُوا بي كالإكْلِيْل.
ولمَّا دَخَلَت الصَّيْقَلُ الحيَّ، أنْذَرَتْ أهْلَها، فركبُوا على كُلّ صَعْب (e) وذَلُول، واسْتَنْجَدُوا ببَني تَمِيْم وهُم أحْلَافَهُم، وسَارُوا نَحْوي فلَحقُوا بي، فقَاتلُوا
(a) ب: وأبطنت.
(b) ب: أغدوا.
(c) ب: أو اثنين.
(d) ب: وحبسوا.
(e) ب: مصعب.
عنِّي حتَّى خَلَّصُوني وفيَّ ضَرْبةٌ مُثْخنةٌ في كَتِفي، وأنا أُقاتِل، فسَاعَدَني القَوْمُ، فقَتَلنا منهم مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وأسَرْنا أسَدًا وانْهَزَم الباقُونَ، وأخَذْتُه أقُودُهُ إلى الحيّ، فلمَّا أُدْخِل وقعَت البشَارةُ وفرحُوا فَرَحًا تامًّا، فأقامَ مَحْبُوسًا ثلاثة أيَّامٍ، ونَفَّذَ بنُو قُشَيْر يَسْألوني أنْ أُخلِّصَ أسَدًا، فقُلتُ: لا أفْعَل أو يَدْفَعُونَ إليَّ طَرَّادًا ومائةَ ناقة حمْرًا بجلالها، قالوا: لا؛ ولكن نَدْفَع إليكَ (a) طَرَّادًا، قُلتُ: لا إلَّا ومائة ناقةٍ، فلمَّا رأوا منِّي التَّصَعُّب أنفَذُوا إليَّ طَرَّادًا ومائةَ ناقةٍ فسرَّحْتُ أسَدًا، ووقعَ الفَرَحُ في الحَيّ، وتَشَكَّرَ لي سَائرُ أهْل الحيّ، وأَقَمْتُ عَشرةَ أيَّام، وأنْفذتُ إلى طَرَّادٍ أسألهُ التَّزْويْجَ فكلَّمَهَا، فأبَتْ، فعاوَدَها دَفْعَاتٍ فأبَتْ، فكتَبْتُ إليها بشِعْر هذا وأَوْمأ إلى أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي (b):[من المتقارب]
أرَى ذلكَ القُرْبَ صَارَ إزْوِرَارًا
…
وصَارَ طَويْلُ السَّلَام اخْتِصَارَا
تَرَكْتني اليَوْمَ في حَيْرَة (c)
…
أَمُوْتُ مِرَارًا وأحْيَا مِرَارًا
أُسَارِقُكِ اللَّحْظَ في خُفْيَةٍ (d)
…
وأَزْجُرُ في الخَيْلِ مُهْري سِرَارَا
فلمَّا قرأت ذلكَ، ووَقَفَتْ عليه، لَم تُجِبْني عليه، وأبَتْ.
وقد رَحَلْتُ بها وبأبيها إليكَ أيُّها الأَمِيرُ -أطالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ، وأدَامَ نعماءَكَ، وكثَّر في العُلوِّ ارتقاءَكَ- وأنا وأبُوها نَسْألُك أنْ تُنْفذَ إليها فتَسْألها (e) أنْ تُجِيبَ أو تحْتِمَ عليها، فاسْتَحْسَن حديثَهُ سَيْفُ الدَّوْلَة ورحمَهُ وكُلّ مَنْ حَضَر، وأنْفَذَ إلى الصَّيْقَل فأمَرَها بالطَّاعَةِ والتَّزْويْج فقَبِلَتْ، فزُفَّتْ في دَار سَيْف الدَّوْلَةِ إلى الأعْسَرِ، وأقاما في كَنَفِ سَيْف الدَّوْلَةِ في رَفاهِيَةٍ من العَيْش حتَّى أتاهُما اليَقِيْنُ.
(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب، وانظر الأبيات في ديوان المتنبي بشرح العكبري 2:94.
(c) الديوان: حجلة.
(d) الديوان: مستحييًا.
(e) ب: تسألها.
أَعْيَنُ بن ضُبَيْعَة المُجَاشِعِيّ
(1)
شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليٍّ رضي الله عنه، وجَعلَهُ أميرًا على بني عَمْرو وحَنْظَلَة البَصْرَة، وقيل على رجَّالةِ البَصْرَة.
أنْبَأنا أبو الفُتُوح بن الحُصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الأَشِيْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الوَلِيد بن الدَّبَّاغ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن عَبْد البَرّ
(2)
، قال: وكان مُعاوِيَةُ بعَثَ الحَضْرَميَّ -يعني عَبْد اللَّه بن الحَضْرَميّ- ليأخُذ البَصْرَة، وبها زِيَادٌ خَلِيفَة لابن عبَّاسٍ، فنَزل عَبْد اللَّه بن (a) الحَضْرَميّ في بني تَمِيْم، وتحوَّل زِيَاد إلى الأَزْد، وكتب إلى عليّ، فوجَّه إليه أَعْيَن بن المُجَاشِعِيّ فقُتِل.
قُلتُ: وأظُنُّ قَتْل أَعْينَ كان سَنَة تِسْعٍ وثلاثين.
الأَغَرُّ بن أحْمَد بن عَبْد المُنْعِمِ بن سِنَان، أبو الفَضْل القَاضِي الحَلَبِيّ
(3)
شَاعِرٌ (b) حَسَنُ الشِّعْر، كان بعد الأرْبَعمائة.
وكان أحد قُوَّادِ ناصِر الدَّوْلَة الحُسَين بن الحَسَن بن حَمْدَان، وكان معه بمِصْر، ويَغْلِبُ على ظَنِّي أنَّهُ من بني القَاضِي الأسْوَد عَبْد المُنْعِم بن عَبْد الكَريم بن أحْمَد بن سِنَان الخَفَاجِيّ.
(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
توفي سنة 39 هـ ظنًّا، وترجمته في: كتاب وقعة صفين لابن مزاحم 24، 205، تاريخ الطبري 4: 532 - 533، 5: 110 - 111، الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري 151، 172، الاستيعاب 1: 141، الوافي بالوفيات 9: 292، محسن الأمين: أعيان الشيعة 3: 468 - 469.
(2)
لم يرد في الاستيعاب.
(3)
كان حيًا سنة 400 هـ.
أنْشَدَني أبو السَّعَادَات المُبارَك بن حَمْدَان المَوْصِلِيّ، قال: قَرَأتُ في مَجْمُوعٍ عَتِيق هذه الأبْيَات للأغَرّ بن سِنَان الحَلَبِيّ، وهي (a):[من الطويل]
سَهِرتُ وأجْفَاني صحَاحٌ ولَم أنَمْ
…
ونامَتْ ولم تَسْهَرْ وأجْفَانُهَا مَرْضى
ومِن أجلِ ذاكَ السُّقَمِ في جَفْنِ عَيْنِها
…
سَهِرْتُ فلم أعْرفْ رُقادًا ولا غُمْضا
فيا ليْتَ هذا العُرْفَ لَم يكُ بَيْنَنا
…
فأُصْبِحَ لا حُبًّا عَرفْتُ ولا بُغْضا
قرأت بخَطِّ أبي البَيَان مُحَمَّد بن عَبد الرَّزَّاق بن أبي حَصِيْن المَعَرِّيّ قاضي حِمْص في أشْعَار وَالدِه أبي غَانِم عَبد الرَّزَّاق بن عَبْد اللَّه أبي حَصِيْن في القَاضِي الأَغَرّ (b) أبي الفَضْل بن سِنَان الحَلَبِيّ، قال: وكان جَرَى منه كلام في حَقِّه عند ناصِر الدَّوْلَة -يعني ابن حَمْدَان- أوْجَبَ ذلك، وكان يُنْسَبُ إلى الأُبْنَةِ
(1)
، وأخْبَرَنا بذلك أبو اليُمْن الكِنْدِيّ وغيره إجَازَةً، عن أبي البَيَان القَاضِي عنه:[من الطويل]
إذا كان سِرٌّ في فُؤادِي كَتَمْته
…
وإنْ أُبْدِهِ يَوْمًا فأنِّيَ كَانِ
قلَبْتُم لنا ظَهْرَ المِجَنِّ ولم نكُنْ
…
لنَبْدَأكُم بالغَدْرِ آلَ سِنَانِ
فثالثَةُ العشْرينَ من سُوْرة النِّسَا
…
فراشٌ لِمَا في النَّحْلِ بَعْدَ ثَمانِ
يُريدُ بثالثة العشرين ما ذُكِرَ في الآية {أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ}
(2)
وسَائر من ذُكِر في الآية. ويُريد بقَوْله: ما في النَّحْل بعد ثَمان: ما ذُكِرَ في الآية {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ}
(3)
.
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: الأعز.
_________
(1)
الأُبنةُ: العيب في الكلام، أَبَنْتُ الرجل إذا رميته بقبيح وقذفته بسوء. لسان العرب، مادة: ابن.
(2)
سورة النساء، من الآية 23.
(3)
سورة النحل، من الآية 8.
الأُغَيْبِرُ، مَوْلَى هِشَام بن عَبْد المَلِك بن مَرْوَان
(1)
كان معه برُصَافَة هِشَام، وحَكَى عن ابن شِهَاب الزُّهْرِيّ، رَوَى عنهُ رِشْدِين بن سَعْدٍ.
أنْبَأنا زَيْنُ الأُمَناءِ الحَسَنُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أنْبَأنَا أبَوَا مُحَمَّد هِبَةُ اللَّه بن الأكْفانِيّ وعبدُ اللَّه بن السَّمَرْقَنْديّ، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا العَلَاءُ بن أبي المُغِيرَة، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن بَقَاء الوَرَّاقُ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ الغَنِيّ بن سَعيد، قال: حَدَّثَني الحُسَين بن عَبْدِ اللَّه أبو القَاسِم، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد البَاهِلِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الوَزِير، قال: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، قال: حَدَّثَني رِشْدِين (a) بن سَعْد، قال: حَدَّثَني أُغَيْبِرُ مَوْلَى هِشَام بن عَبْد المَلِك، قال: سَمِعْتُ ابنَ شِهَاب الزُّهْرِيّ يقُول: ثلاثةٌ ليس من أُمَّةِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم: الجَعْدِيُّ والمَنَانِيُّ والقَدَرِيُّ. قال بعضُ أصْحَابنا: هم أصْحَاب مَانِي الزِّنْدِيق؛ كَذَا قَيَّدَهُ عَبْدُ العَزِيْز.
قُلتُ: قولهُ: هم أصْحَاب مَاني، يعني المَنَانِيَّة.
(a) ب: رشد.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 9: 176، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 87.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 176.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ أفْلَح
أفْلَحُ أبو كَثِيْر، -وقيل: أبو عبد الرَّحْمن- مَوْلَى أبي أَيُّوب الأنْصَاريّ
(1)
وكان يُكْنَى بولديه: كَثِيْرٍ وعَبْدِ الرَّحمن.
كان مع مَوْلاهُ بصِفِّيْن وفي غَزَاة الرُّوم، وكان لا يُفَارقه، وأدْرَك زَمان عُمَر بن الخَطَّاب، وقيل: سَمِعَ منه، ورأى عُثْمان بن عَفَّان، وعبد اللَّه بن سَلَامٍ.
ورَوَى عن (a) مَوْلاه أبي أَيُّوبَ، وحَكَى عن مُعَاذ بن عَفْرَاءَ، رَوَى عنهُ مُحَمَّد بن سِيْرِيْن، وأبو الوَلِيد عَبْد اللَّه بن الحَارِث، وأبو الوَرْد بن أبي بُرْدَةَ، وأبو بَكْر بن (b) مُحَمَّد بن عَمْرو بن حَزْم، وأبو سُفْيان مَوْلَى ابن أبي أحمد، ووَاقِد (c) بن عَمْرو بن سَعْد بن مُعَاذ.
[. . .](d)، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الحُصَيْن، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن
(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب.
(c) في الأصل وب بالفاء: وافد، والتصويب من تاريخ ابن عساكر 9: 177، وانظر ترجمة واقد في تهذيب الكمال للمزي 30: 412 - 413، الكاشف 3: 233، ميزان الاعتدال 4:330.
(d) موضع ما بين الحاصرتين بياض في الأصل قدره سطر ونصف، أبقاهُ ليستدرك سنده في أخذ رواية ابن عساكر، ولعل الرواية من طريق زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن الدمشقي، ابن أخ المؤرخ ابن عساكر، والذي أخذ ابن العديم من طريقه إذنًا الكثير من روايات ابن عساكر. وانظر الرواية في: تاريخ ابن عساكر 9: 177 - 178.
_________
(1)
توفي سنة 63 هـ، وترجمته في: طبقات ابن سعد 5: 86 - 87، تاريخ البخاري الكبير 2: 52، الدولابي: الكنى والأسماء 2: 90، تاريخ الطبري 3: 415، العجلي: تاريخ الثقات 71 - 72، الثقات لابن حبان 4: 58، المعجم الكبير للطبراني 4: 152 - 154، مشاهير علماء الأمصار لابن حبان 121، الجرح والتعديل 2: 323، تاريخ ابن عساكر 9: 177 - 183، (وكناه أبا كبير)، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 8: 222، تهذيب الكمال 3: 325 - 326، تاريخ الإسلام 2: 620 - 621، الكاشف 1: 138، العبر في خبر مَن غبر 1: 50، تهذيب التهذيب 1: 368 - 369، تقريب التهذيب 1: 83، شذرات الذهب 1: 284، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 87 - 88.
المُذْهِب، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن جَعْفَر القَطِيْعِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه بن أحْمَد، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حَدَّثَنَا أبو سَعيد مَوْلَى بني هاشِم، قال: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ -يعني ابنَ يَزيد- قال: حَدَّثَنَا عَاصِم، عن عَبْد اللَّهِ بن الحَارِث، عن أفْلَحَ مَوْلَى أبي أَيُّوب، عن أبي أَيُّوب
(1)
: أنَّ رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَزَل عليهِ، فنَزل رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أسْفَل، وأبو أَيُّوبَ في العُلوِّ، [فانْتَبَه أبو أيُّوبَ ذات لَيْلة، فقال: نَمْشي فَوْقَ رَأسِ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! فتَنَحَّوْا، فبَاتُوا في جَانبٍ، فلمَّا أصْبَح ذَكَر ذلك للنَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أسْفَلُ أَرْفَقُ بي. فقال أبو أيُّوب: لا أعْلُو سَقِيْفةً أنتَ تحتها، فتَحوَّل أبو أيُّوب في السُّفْلَى والنَّبيّ صلى الله عليه وسلم في العُلوّ](a). فكان يَصْنَعُ (b) طَعَامَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فيبعَثُ إليه، فإذا رُدَّ إليهِ سَأل عن مَوضِع أصْابع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فيَتَّبعُ أثرَ أصَابِع (c) النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فيَأكُلُ من حيثُ أثرُ أصابعِهِ، فصَنَعَ ذَات يَوْمٍ طَعَامًا فيه ثُوْمٌ، فأرْسَل به إليه، فسَأل عن مَوضِع أثَرِ أصَابِع النَّبِيّ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقيل: لَم يَأكُل، فصَعِدَ إليه فقال: أحَرَامٌ؟ فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ علييه وسلَّم: أكْرَهُه، قال: فإنِّي أكْرَه ما تَكْرَهُ، أو قال: ما كرهْتَهُ. وكان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى
(2)
.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم بن الحَرَسْتَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، وأبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إذْنًا منهما، -قال أبو مُحَمَّد: حَدَّثَنَا أبو
(a) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل، وب؛ سببه انتقال النظر بكلمة "العلو"، واستكماله عن ابن عساكر، ومن مصادر تخريج الحديث المذكورة.
(b) ابن عساكر: يضع.
(c) ابن عساكر: فتبع أصابع.
_________
(1)
صحيح مسلم 3: 1623 - 1624 (رقم 2053)، المعجم الكبير للطبراني 4: 153 (رقم 3984)، دلائل النبوة للبيهقي 2: 509، وانظر مصادر إضافية في تخريجه في المسند الجامع 5: 270 (رقم 3536).
(2)
أي يأتيه جبريل عليه السلام والملائكة.
بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، وقال أبو القَاسِم: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن هِبَةِ اللَّه الطَّبَريّ- قالا: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن الحُسَين، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قال: حَدَّثَنَا عَمَّار بن الحَسَن، عن سَلَمَة بن الفَضْل، عن ابن إسْحاق، قال: ثمّ سار خَالِدٌ حتَّى نَزَلَ على عَيْن التَّمْر، وأغارَ على أهْلها، فأصَاب منهم، ورابط حِصْنًا بها فيه مُقَاتلةٌ كان كِسْرَى وضعَهُم فيه، وسَبَى من عَيْن التَّمْر فكان من تلك السَّبَايَا أفْلَح مَوْلَى أبي أَيُّوب الأنْصَاريّ، ثمّ أحد بني مَالِك بن النَّجَّار.
أنْبَأنَا أبو حَفص عُمَر بن مُحَمَّد، عن أبي غَالِب بن البَنَّاءِ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين ابن الآبِنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن بِيْري إجَازَةً، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْدِ اللَّه الزَّعْفَرَانيّ، قال: حَدَّثَنَا ابن أبي خَيْثَمَة
(2)
، قال: أخْبَرَنا مُصْعَبُ بن عَبْدِ اللَّه، قال: أفْلَحُ مَوْلَى أبي أَيُّوب الأنْصَاريّ، يُكْنَى أبا كَثِيْر، وهو من سَبْي عَيْن التَّمْر، وابْنُه كَثِيْر بن أفْلَح وأخوه عَبْد الرَّحمن بن أفْلَح، وأخُوه مُحَمَّد بن أفْلَح، رُوِيَ عنهم.
قال أبو حَفْص: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن نَاصِر، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، وأبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، وأبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، واللَّفْظُ له، قالوا: أخْبرَنا أبو أحمد الوَاسِطيُّ -زادَ ابنُ خَيْرونَ: وأبو الحُسَين الأصْبَهانيّ- قالا: أخْبَرَنا أحْمَد بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل
(3)
، قال: أفْلَحُ أبو كَثِيْر مَوْلَى أبي أَيُّوب الأنْصَاريّ يُعَدُّ في أهل المَدِينَة. رَأى عُثْمان، وعبد اللَّه بن سَلام، وأبا أَيُّوب. سَمِعَ منه مُحَمَّد بن سِيْرِيْن، وأبو بَكْر بن عَمْرو بن حَزْم، وعبدُ اللَّه بن الحَارِث أبو الوَلِيد. وقال مُوسَى، عن جَرِير: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا: أخْبَرَني أفْلَحُ مَوْلَى أبي أَيُّوبَ، قال لي مُعَاذ بن عَفْرَاءَ في زَمَن عُمَر: بِعْ هذه الحُلَّةَ. كَنَّاهُ يَزِيد بن هارون.
(1)
لم أجده في مؤلفات الخطيب البغدادي، وهو في تاريخ ابن عساكر نقلًا عن الخطيب 9:179.
(2)
تاريخ ابن أبي خيثمة 2: 99.
(3)
تاريخ البخاري الكبير 2: 52.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا ثَابِتُ بن بُنْدَار، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عليّ الوَاسِطِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد البَابَسِيْريّ، قال: أخْبَرَنا الأحْوَصُ بن المُفَضَّل الغَلَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: قال أَبو زَكَرِيَّاءَ: أفْلَح مَوْلَى أبي أَيُّوب كان يُكْنَى أبا كَثِيْر.
وقال أبو البَرَكاَت الأنْمَاطِيّ: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَدُ بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن رَبَاح بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا أبو بِشْر مُحَمَّد بنُ أحْمَد بن حَمَّاد، قال: حَدَّثَنَا مُعاوِيَةُ بن صالح، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى يقول في تَسْمِيَةِ تَابِعي أهل المَدِينَة ومُحَدِّثيهم: أفْلَحُ مَوْلَى أبي أَيُّوب الأنْصَاريّ.
أنْبَأنَا ابن طَبَرْزَد، عن أبي غَالِب بن البَنَّاءِ، قال: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن الفَهْم، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَعْد
(1)
قال في الطَّبَقَةِ الأُوْلَى من تَابِعي أهل المَدِينَة: أفْلَحُ مَوْلَى أبي أَيُّوبَ الأنْصَاريّ، ويُكْنَى أبا كَثِيْر، قال مُحَمَّد بن عُمَر: وكان أفْلَحُ من سَبْي عَيْن التَّمْر الّذي سَبَى خَالِد بن الوَلِيد في خِلَافَة أبي بَكْر الصِّدِّيْق وبَعَثَ بهم إلى المَدِينَة، وقد سَمعْتُ مَنْ يذْكر أنَّ أفْلَحَ كان يُكْنَى أبا عبد الرَّحمن، وسَمِعَ من عُمَر، وله دارٌ بالمَدِينَة، وقُتِلَ يَوْم الحَرَّة في ذِي الحِجَّة سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين في خِلَافَة يَزِيد بن مُعاوِيَة، وكانَ ثِقَةً قليلَ الحَدِيْث.
أنْبَأنَا الكِنْدِيُّ، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمدُ بن الحَسَن الكَرْخِيّ، وأحمدُ بن الحَسَن بن خَيْرُون، قالا: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن الحَسَن الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد الأهْوَازِيّ، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن أحْمَد الأهْوَازِيّ، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بن خَيَّاط
(2)
قال في الطَّبَقَةِ الثَّانيَة من أهْل المَدِينَة: أفْلَح مَوْلَى أبي أَيُّوب
(1)
طبقات ابن سعد 5: 86، 87.
(2)
طبقات خليفة 238.
خَالِد بن زَيْد بن كُلَيْب، يُكْنَى أبا عبد الرَّحْمن، قُتِلَ يَوْم الحَرَّة سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين.
أخْبَرَنا أبو نَصْرِ مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه القَاضِي، فيما أَذِنَ لَنا في رِوَايته، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّدُ بن شُجاع، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن يُوسُفَ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عُمَر، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَعْد
(2)
قال في الطَّبَقَةِ الأُوْلَى من تَابِعي أهل المَدِينَةِ: أفْلَح مَوْلَى أبي أَيُّوب الأنْصَاريّ، ويُكْنَى أبا عبد الرَّحْمن، وهو من سَبْي عَيْن التَّمْر، الّذين سَبَى خَالِد بن الوَلِيدِ، وله دارٌ بالمَدِينَة، وقُتِلَ يَوْم الحَرَّة سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين.
أنْبَأنَا الكِنْدِيُّ، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن العَتِيْقِيّ، قال: أخْبَرَنا الوَلِيد بن بَكْر، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا صالح بن أَحْمَد، قال: حَدَّثَني أبي
(3)
، قال: أفْلَحُ مَوْلَى أبي أَيُّوب مَدَنِيٌّ، تَابِعيٌّ، ثِقَةٌ، من كِبَار التَّابِعِين.
أنْبَأنَا عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه الأسَدِيّ، عن مَسْعُود الثَّقَفِيّ، قال: أنْبَأنَا أحْمَدُ بن عليّ
(4)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا عُثْمانُ بن أحْمَد الدَّقَّاق، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحْمَد بن النَّضْر (a)، قال: حَدَّثَنَا مُعاوِيَةُ بن عَمْرو، عن أبي إسْحاق الفَزَارِيّ، عن ابن عَوْن، عن مُحَمَّد بن سِيْرِيْن، قال: حَلَفَ مَسْلَمَةُ بن مَخْلَد لا يركَبُ معهُ في البَحْر أعْجَميٌّ، فقال له رجُلٌ: ما أراكَ إلَّا قد حَرَمْتَ خَيْر
(a) في نشرة تاريخ ابن عساكر: "حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا النصر"، وهو وهم صوابه المثبت، وأحمد بن محمد بن النضر يروي عن جده لأمه معاوية بن عمرو.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 180.
(2)
طبقات ابن سعد 5: 86، 87.
(3)
العجلي: تاريخ الثقات 71.
(4)
لم أقف عليه في كتب الخطيب البغدادي، وانظر تاريخ ابن عساكر 9:178.
الجُنْد، قال: مَنْ هُو؟ قال: أبو أَيُّوبَ، قال: لا أرْكبُ مَرْكبًا ليس معي فيهِ أفْلَحُ، قال: ما كُنْتُ أرَى يَميني بلَغَتْ أفْلَحَ وذوي أفْلَح (a) فلقي أبا أَيُّوب فقال: إنّي كنتُ حلفْتُ ألَّا يركب معي في البَحْر أعْجَميٌّ، فهذه مراكب الجُنْد فاخْتَر أيُّها شئتَ فاحْمل (b) فيه أفْلَحَ، وارْكب أنت معي، فقال: لا حَسَدَ عليك ولا على سَفِيْنَتكَ، ما كنتُ لأركبَ مَرْكبًا ليس معي فيه أفْلَحُ! فلمَّا رأى ذلك أعْتَقَ رَقَبةً، وقال لأفْلَح: اركب مَعَنا.
كَتَبَ إلينا أحْمَدُ بن أزْهَر من بَغْدَاد أنَّ أبا بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي أنْبَأهُم عن أبي مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن الفَهْم الفَقِيهُ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَعْد
(1)
، قال: أخْبَرَنا يَزِيدُ بن هَارُون، قال: أخْبَرَنا هِشَامُ بن حَسَّان، عن مُحَمَّد بن سِيْرِيْن أنَّ أبا أَيُّوبَ كاتَب أفْلَح على أرْبَعيْن ألفًا، فجعَل النَّاسُ يُهَنِّئُونَه ويقُولونَ: ليهْنكَ العِتْق أبا كَثِيْر. فلمَّا رجَع أبو أَيُّوبَ إلى أهْلِه نَدم على مُكاتَبتهِ، فأرْسل إليه فقال: إنِّي أُحبُّ أنْ تردَّ الكتابَ إليَّ، وأنْ تَرْجع كما كُنْتَ، فقال له ولدُه وأهْلُه: لِمَ ترجع رقيقًا وقد أعْتقكَ اللَّهُ؟ فقال أفْلَح: واللَّه لا يَسْألني شيئًا إلَّا أعطَيْتُه إيَّاهُ، فجاءَه بمُكَاتَبته فكَسَرها، ثمّ مَكثت (c) مَا شَاء اللَّه، ثمّ أرسلَ إليه أبو أَيُّوب فقال: أنتَ حُرٌّ وما كان لك من مالٍ فهو لك.
أخْبَرَنا أبو حَفْص الدَّارْقَزِّيّ، فيما أذِنَ لنا أنْ نَرْويَهُ عنْهُ، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَيْن بن الآبِنُوسِيّ، عن أحْمَد بن عُبَيْد بن بِيْري، قال:
(a) تاريخ ابن عساكر: أرى بعيني أفلح ودوني أفلح! تحريف.
(b) تاريخ ابن عساكر: فاجعل.
(c) طبقات ابن سعد: مكث.
_________
(1)
طبقات ابن سعد 5: 86.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ الحُسَين، قال: حَدَّثَنَا ابن أبي خَيْثَمَة
(1)
، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بن عُمَر، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْد، عن أَيُّوبَ وهِشَام، عن مُحَمَّد أنَّ أبا أَيُّوب أعْتَقَ أفْلَحَ وقال: مَالُك لك.
قال
(2)
: وحَدَّثَنَا مُوسَى بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بن أبي مُطِيع، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز بن قُرَيْر أنَّ مُحَمَّد بن سيْرِيْن حدَّثه، قال: كان لأفْلَح مَوْلَى أبي أَيُّوب بِرْذَوْن فباعَهُ، فقال له أبو أيُّوب: يا أَفْلَحُ، ما جَعَلَ فُلَانًا أحقّ (a) بحمالةٍ منك؟.
أخْبَرَنا أبو نَصْر القَاضِي إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(3)
، قال: أفْلَح، أبو كَثِيْر (b)، ويُقال (c): أبو عبد الرَّحْمن، مَوْلَى أبي أَيُّوبَ الأنْصَاريّ، أدْرَك زمَان عُمَر، ورَأى عُثْمان وعَبْد اللَّه بن سَلام، وحَدَّثَ عن مَوْلاه أبي أيُّوب، رَوَى عنهُ مُحَمَّد بن سِيْرِيْن، وأبو بَكْر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حَزْم، وابو الوَلِيدُ عَبْدُ اللَّه بن الحَارِث، نَسِيْبُ ابن سِيْرِين، ووَاقِد (d) بنُ عَمْرو بن سَعد بن مُعَاذ، وأبو الوَرْد بن أبي بُرْدَة، وأبو سُفْيان مَوْلَى ابن أبي أحمد، وكان مع مَوْلاهُ أبي أيُّوبَ في مغَازِيه.
أنْبَانَا عُمَرُ بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه بن الحَسَن، وعليّ بن أحْمَد بن حُمَيْد، قالا: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا عُثْمانُ بن أحْمَد بن السَّمَّاك، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن البَرَاء، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن المَدِيْنِيّ، قال: وماتَ أفْلَحُ مَوْلَى أبي أَيُّوبَ سنة ثلاثٍ وسِتِين قبل يوم الحَرَّة.
(a) تاريخ ابن أبي خيثمة: يا أفلح، فلان أحق.
(b) ابن عساكر: أبو كبير، بباء موحدة، ومهملة في ب.
(c) ب: ويقال له.
(d) في الأصل، ب: وافد، وتقدم الكلام على تصويبه.
_________
(1)
تاريخ ابن أبي خيثمة 2: 99.
(2)
تاريخ ابن أبي خيثمة 2: 99.
(3)
تاريخ ابن عساكر 9: 177.
قُلتُ: وقد ذَكَرنا فيما نقلنَاهُ أنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ الحَرَّة؛ وهو أصَحُّ.
أخْبَرَنا ابن طَبَرْزَد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن نَاصِر، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، وأبو الحُسَين بن الطُّيُورِيِّ، وأبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، واللَّفْظُ لهُ، قالوا: أخْبَرَنا أبو (a) أحْمَد الغُنْدجَانيّ -زادَ ابنُ خَيْرونَ: وأبو الحُسَين الأصْبَهانيّ- قالا: أخْبرَنا أحمد بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن إسْمَاعِيل البُخاريّ
(1)
، قال: قال لي إبْراهيم بن مُوسَى، عن هِشَام بن يُوسُفَ، عن مَعْمَر، قال ابن سِيْرِيْن: قُتِلَ كَثِيْرُ بنُ أفْلَح وأبُوه، وكانا مَوْلَيَيْن لأبي أيُّوبَ الأنْصَاريِّ يَوْمَ الحَرَّهَ، فلَقِيتُه في المَنَام فقُلتُ: أَشُهَداءُ أنتُم؟ قال: لا.
أنْبَأنَا الحَسَنُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو القاسم
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن طَاوُوس، قال: أخْبَرَنا أبو الغَنائِم بن أبي عُثْمان، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا الحُسَنِنُ بن صَفْوَان، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا
(3)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الحُسَينُ، قال: حَدَّثَنَا سَعيدُ بن عَامِر، قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بن حَسَّان، قال: قال مُحَمَّد بن سِيْرِيْن: بينا أنا ذاتَ لَيْلَة نائم إذا رأيتُ أفْلَحَ -أَو كَثيْر ابن أفْلَح، شَكَّ أبو مُحَمَّد، يعني سَعِيْدًا- وكان قُتِلَ يَوْمَ الحَرَّةِ، فعرفْتُ أنَّهُ مَيِّتٌ، وأنِّي نائمٌ، وإنَّما رُؤْيا رأيتُها، فقُلتُ: ألَسْتَ قد قُتِلتَ؟ قال: بَلي، قُلتُ: فما صَنَعْتَ؟ قال: خَيْرًا، قلتُ: أشُهَداءُ أنْتُم؟ قال: لا، إنَّ المُسْلِميْن إذا اقْتَتلُوا فقُتِلَ بينهم قَتْلَى فليسُوا بشُهَدَاء. قال سَعيدٌ: قال هِشَام: كلمةً خَفِيَتْ عليَّ، فقُلتُ لبعض جُلَسائه: ماذا قال؟ قال: ولكنَّا نُدَباء (b).
(a) ساقطة من ب.
(b) مهملة في الأصل وبهذا الرسم، وفي ب: بإعجام النون في أولها وإهمال الباقي، والإعجام المثبت من طبقات ابن سعد 5: 299، وابن أبي الدنيا 3: 511، وتاريخ ابن عساكر 9:183.
_________
(1)
تاريخ البخاري الكبير 2: 52.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 182 - 183.
(3)
رسائل ابن أبي الدنيا (رمالة المنامات) 3: 511.
أفْلَح العُتَقِيّ الأنْدَلُسِيّ
(1)
مولى العُتَقِيِّيْنَ، قَدِمَ حلَبَ في سَنَةِ سَبْعٍ وعشرين، أو ثَمانٍ وعشرين وثَلاثِمائة، وسَمعِ بها من أبي بَكْر مُحَمَّد بن شَهْمَرد (a) الفَارِسيِّ، وسُليْمان بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن رُوَيْط الحَلَبِيّ، وسَمعَ بقِنَّسْرِيْن من أبي البَهِيّ مُحَمَّد بن عبد الصَّمَد القُرَشِيّ، وببَالِس من أبي بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن بَكْر المَعْرُوف بابنِ حَمْدُون.
ذَكَرهُ القَاضِي أبو الوَليدِ عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن يُوسُفَ بن الفَرَضِيُّ الأنْدَلُسِيُّ في كتاب تاريخ الأنْدَلُسِيِّيْن
(2)
فقال: أفْلَحُ مَوْلَى مُحَمَّد بن هَارُون العُتَقِيّ، رَأت له كُتبًا من أُسْمِعتهُ (b) بالمَشْرِق سَنَة سَبْعٍ وعشرين، وثَمان وعشرين وثَلاثِمائة ببَغْدَاد من المَحَامِلِيّ، ومن أبي الحَسَن عليّ بن الحَسَن بن العَبْد، وبالرَّقَّة من أبي عليّ مُحَمَّد بن سَعيد بن عبد الرَّحْمن الحَرَّانيّ، وبحَلَب من أبي بَكْر بن شَهْمَرد الفَارِسِيّ، وابن رُوَيْط العَدْلِ (c)، وبدِمَشْقَ من أبي الطَّيِّب أحْمَد بن إبْراهيم بن عَبدِ الوَهَّاب -يُعْرَفُ بابن عَبَادِل- وأبي يَحْيَى زَكَرِيَّاء بن يَحْيَى بن مُوسىَ القَاضِي البلخِيّ، وأبي عليّ الحَسَن بن حَبِيْب بن عَبْد المَلِك، وبالرَّمْلَة من أبي بَكْر [أحمد بن عَمْرو بن جَابِر، وبقِنَّسْرِيْن من أبي البَهِيّ مُحَمَّد بن عبد الصَّمَد القُرَشِيّ، وببَالِس من أبي بَكْر](d) مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن بَكْر المَعْرُوف بابنِ حَمْدُون. ولَم أقف لأفْلَحَ هذا على خَبَر إلَّا ما حكيتُه عن كُتُبه (e).
(a) في تاريخ ابن عساكر: شمرد.
(b) في الأصل، وب: من أسْمَعَهُ، والمثبت من كاب ابن الفرضي وأصول تاريخ ابن عساكر.
(c) ابن الفرضي: العدلي.
(d) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل وب، والتعويض من تاريخ الفرضي ومن نقول ابن عساكر عنه.
(e) ابن الفرضي: من دروكه عن كتبه.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ علاء الأندلس لابن الفرضي 1: 158 - 159، تاريخ ابن عساكر 9: 183 - 184.
(2)
ابن الفرضي: تاريخ علماء الأندلس 1: 158.
أفُوْلَا
خَتَن طريانُوس (a) المَلِك، مَرَّ معه بأنْطَاكِيَةَ حتَّى انْتَهى إلى بَيْت المَقْدِس وهو خَرَابٌ، فأمرَهُ المَلِكُ طريانُوس بعِمارَة البَلْدَة، ووَلَّاهُ إيَّاها، وأمَرَهُ أنْ يُسَمِّيها إِيلِيَاء
(1)
، ومكَّنَهُ من الأمْوَال.
وكان أفُوْلَا حَكِيمًا عَالمًا بالنُّجُوم، فلمَّا رَأى أفُوْلَا الآيات والعَجَائِب الّتي كان تَلَامِيْذُ الحَوَرايِّيْن يَعْملُونها رغبَ في النَّصْرانيَّةِ واعْتَمد وتَنَصَّر، ولم يكن مع ذلك يترُك عَمَل النُّجُوم والسِّحْر الّذي كان قَديْمًا يَعْمل به، فلمَّا رَأى ذلك تَلَاميْذُ الحَوَارِيِّيْن نَهَوْهُ عنه نَهْيًا شَدِيْدًا، فلم ينْتَهِ فحَرَّمُوه وأقْصَوه، فَحَمَلهُ الغَضَبُ والأنَفَةُ والحَيَّةُ إلى أنْ بَعَثَ (b) المَصَاحِفَ الّتي انْتَسَخَها بَطْلَمْيُوس فانْتَسَخَ جَمِيْعَها، ثمّ نزَعَ إلى اليَهُودِيَّةِ فتهوَّد ونَسَخَ (c) مَصَاحِفَ بالعِبْرَانِيَّةِ والسُّرْيَانيَّة من الكَلَام الرُّوميّ من تلْقاءِ نَفْسهِ، والحُجَجِ الباطنَة ما قدَّر أنْ يُبْطِلِ به أمرَ المَسِيْح ومجَيئَهُ وظُهُورَه، فتلك الكُتُب الّتي كَتَبها (d) في أيْدِي اليَهُود إلى يوْمهم هذا، وتَفْسِير الاثْنَين وسَبْعِين مُصْحَفًا الّتي فُسِّرَتْ لبَطْلَمْيُوس في أيْدِي اليُونَانِّيْن إلى هذه الغاية.
ذَكَرَ هذا سَعيدُ بن بِطْرِيْق في تَارِيْخهِ
(2)
، ونَقَلْتُه من خَطِّ يَحْيَى بن عليّ بن عَبْد اللَّطِيْف المُؤرِّخ المَعَرِّيّ.
(a) في تاريخ ابن بطريق (التاريخ المجموع 1: 100 وما بعدها): طرابيانوس.
(b) ب: أبعث.
(c) ساقطة من ب.
(d) ب: كتبتها.
_________
(1)
انظر: ابن بطريق: التاريخ المجموع 1: 102.
(2)
لم أقف على ذكر لأفولا عند ابن بطريق في كتابه التاريخ المجموع، والذي يرد في عهد الملك طرابيانوس أنه وجّه بقائد من قوّاده إلى بيت المقدس لمحاربة اليهود وقتلهم. ابن بطريق: التاريخ المجموع 1: 101 - 102.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ إقْبَال
إقْبَالُ بن مَنْصُور بن أبي الخَيْر بن بَالغ، أبو العِزّ التَّاجر
كَتَبَ عنه بَمْنبج عُمَر بن مُحَمَّد العُلَيْمِيّ المَعْرُوف بابنِ حَوَائج كَشْ (a).
أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّدُ بنُ أحْمَد بن مُحَمّد بن الحَسَن الدِّمَشقيّ النَّسَّابَة بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو الخَطَّاب عُمَرُ بن مُحَمَّد العُليمِيّ -إجَازَةً، ونَقَلْتُه أنا من خَطِّ العُلَيمِيّ- قال: أنْشَدَني أبو العِزّ إقْبَالُ بن مَنْصُور بن أبي الخيَر بن بَالِغ بمَنْبج لمُحَمَّد بن نَصْر بن بَسَّام
(1)
: [من الخفيف]
يا ثَقِيلًا على القُلُوب إذا
…
عَنَّ لها أيْقَنَتْ بطُوْل البعَادِ
يا قَذًى في العُيُون يا غُلَّةً (b)
…
بين التَّراقي حَرَارةً (c) في الفُؤَادِ
يا طُلُوع العَذُولِ (d) ما بين إلْفٍ
…
يا غَرِيْمًا أتَى على ميْعَادَ
يا ركُودًا في يَوْم غَيْم وصَيْفٍ
…
يا وجُوهَ التِّجار يَوْم الكَسَادِ
خَلّ عَنَّا فإنَّما أنت فينا
…
واو عَمْرو وكالحَدِيْث المُعَادِ
وامْض في غير صُحْبَةِ اللَّه
…
ما عشْتَ ملَقًّى من كُلّ فَجّ ووَادِ
يتَخَطَّى بك المَهَامَة والبيْدَ
…
دَلِيْلٌ أعْمَىِ كَثِيْرُ الرُّقَادِ
خَلْفَكَ الثَّائرُ المُصَمِّمُ بالسَّيْف
…
ورجْلَاك فوْق شَوْك القَتَادِ
إقْبَالُ بن عَبْد اللَّه الخَادِم
كان خَادِمًا لسَالِم بن مَالِك العُقَيْلِيّ، حَسَنَ الصُّورَة، له في الفُرُوسِيَّة اليدَ
(a) في ترجمته عند المقريزي (المقفى 8: 710): ابن حوائج كاش.
(b) ب: ناغلة.
(c) ديوان البحتري: حزازة.
(d) ديوان ابن بسام: الرقيب، ديوان البحتري: العدو.
_________
(1)
الأبيات 3 - 5 في ديوان ابن بسام 34، وأربعة مها في الطيوريات للصيرفي 3: 1340، وتنسب الأبيات أيضًا للبحتري، انظر ديوانه 2: 798 - 799.
الطُّولَى، ويَكْتُب الخَطّ البَدِيْع على طَريْقَة عليّ بن هِلال المَعْرُوف بابنِ البَوَّاب، وكان ذَكيًّا فَطِنًا.
كان مع مَوْلاه سَالِم بحَلَب، فأهْدَاه إلى نِظَام المُلك حين توسَّط له مع مَلِك شَاه بقَلْعَة جَعْبَر، وقد ذَكَرنا قِصَّته في تَرْجَمة سَالِم بن مَالِك
(1)
في حرْف السِّيْن من هذا الكتاب.
إقْبَالُ بن عَبْدِ اللَّه الحَبَشِيُّ الخَادِمُ، المُلَقَّبُ جَمَالُ الدَّوْلةَ
(2)
عَتِيقُ ضَيْفَةَ خَاتُون بنت المَلِك العادِل أبي بَكْر بن أَيُّوب، كان أحد خَدَمها المُخْتَصِّين بها، فسخطَ عليه المَلِكُ الظَّاهِر غَازِي بن يُوسُف بن أَيُّوب وقيَّدهُ وحَبَسه في قَلْعَة عَزَاز، فأخْرَجَهُ الأتَابِك طُغْرِل بن عَبْد اللَّه الظَّاهِريّ في ولايَته بعدَ مَوْت (a) المَلِك الظَّاهِر، ولم يمُكنه من الصُّعُود إلى قَلْعَة حَلَب فمَضَى إلى دِمَشْق، واسْتَقلَّ المَلِك العَزِيز مُحَمَّد ابن المَلِك الظَّاهِر بمَمْلَكَة حَلَب، فأعادَتْهُ سيِّدَتهُ والدة المَلِك العَزِيز ضَيْفَة خَاتُون إلى خِدْمتها بقَلْعَة حَلَب.
ولمَّا ماتَ ولدُها المَلِك العَزِيزُ، وصارَ تَدْبِيرُ مَمْلَكَة ولده المَلِك النَّاصِر إلى جَدّتهِ المَذْكُورَة، قدَّمت إقْبَالَ المَذْكُور، وتمكَّن في الدَّولَة، وحَكَم على الأُمَرَاء والرَّعِيَّةِ، وتولَّى أُمُورَ المَمْلَكَة، وحَكَم في حَلَب حُكْم المُلُوك، وكان عنده إقْدامٌ وجُرْأةٌ، وظُلْمٌ وسَمَاحَةٌ، وحُمْقٌ وجَهْلٌ، فدام أمْره كذلك إلى أنْ تُوفيِّت مولَاتُه، فازْدَاد تَمكُّنُه، واسْتَقلَّ بالتَّصَرُّف في المُلْكِ، وأهَان أكَابِرَ الأُمَرَاءِ، وانْقادُوا له إلى أنْ قَدِمَ التَّتَار
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
انظر ترجمته في الجزء التاسع من هذا الكتاب، وفيها الحكاية المشار إليها.
(2)
توفي سنة 641 هـ، وترجمته في: زبدة الحلب 3: 677، 690، 707 - 708، سبط ابن العجمي: كنوز الذهب 1: 366 - 367 (نفلًا عن ابن العديم)، الطباخ: إعلام النبلاء 4: 380 - 381.
إلى ظَاهِر حَلَب في سَنَة إحْدَى وأرْبَعين وسِتّمائة، فمرض لشِدَّة خَوْفه في صَفَر من السَّنَة المَذْكُورَة، وتُوفِّيَ في الشَّهْر المَذْكُور، ودُفِنَ في التُّرْبَة الّتي أنْشَأها لنَفْسِه ظَاهِر مَدِينَة حَلَب، ووَقَفها مَدْرسَةً على أصْحَاب الإمَام أبي حَنِيْفَة رضي الله عنه
(1)
.
وممَّا بلَغَ من جُنُونهِ وجَهْله أنَّهُ قال يَوْمًا من الأيَّام، وقد أطْغَاهُ ما هو فيه: أنا خَيْرٌ من رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان في خِدْمته فرَّاش أعْرفُه، فقال له: تَكْذب يا عَبْدَ السّوءِ، ومَنْ أنْتَ؟ فأمَرَ به فضُرِبَ ضَرْبًا مُبَرِّحًا وهو يشتِمُه إلى أنْ تَرَكَهُ. نعُوذ باللَّه من اللخِذْلان.
وذَكَر لي يَوْمًا أنَّ أباهُ كان مَلِكَ الحَبَشَة، واللَّهُ أعْلَمُ بحاله.
الأقْرَعُ بن فَارع الطَّائيّ
قيل إنَّهُ شَهِدَ فَتْحَ حَلَب مع أبي عُبَيْدَة بن الجَرَّاح، رضي الله عنه، ولهُ ذِكْرٌ في الفُتُوح.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ آقْ سُنْقُر
آقْ سُنْقُر بن عَبْد اللَّه، المَعْرُوف بقَسِيم الدَّوْلَة
(2)
مَمْلُوك السُّلْطان أبي الفَتْح مَلِك شَاه، وقيل إنَّهُ لَصِيقٌ له، وقيل اسْمُ أبيهِ
(1)
هي المدرسة الجمالية، قبلي حلب خارج باب المقام. انظر: سبط ابن العجمي: كنوز الذهب 1: 366.
(2)
توفي سنة 487 هـ، وترجمته في: قطع تاريخية من عنوان السير للهمذاني 49، العظيمي: تاريخ حلب 355 - 357 (أخبار متفرقة)، ابن الأثير: التاريخ الباهر 4 - 16، والكامل في التاريخ 10: 232 - 233، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 19: 458، زبدة الحلب 1: 324 - 334، وفيات الأعيان 1: 241، ابن واصل: مفرج الكروب 1: 19 - 27، العبر في خبر مَن غبر 2: 353 - 354، الوافي بالوفيات 9: 309 - 310، النويري: نهاية الأرب 27: 115 - 116، ابن كثير: البداية والنهاية 12: 147، ابن خلدون: العبر 9: 103 - 107، 652 - 655، اليافعي: مرآة الجنان 3: 109، النجوم الزاهرة 5: 141، شذرات الذهب 5: 372، الطباخ: إعلام النبلاء 1: 327 - 333.
إل تُرْغَان
(1)
، من قَبِيلَة سَاب يُو. نَقَلتُ ذلك من خَطِّ أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عليّ العُظَيميّ
(2)
، وأنْبَأنَا به أبو اليُمْن الكِنْدِيّ وغيره عنهُ.
وتزوَّج آقْ سُنْقُر دَايَةَ السُّلْطان إِدْرِيس بن طُغان شَاه، وحَظِي عند السُّلْطانِ مَلِك شَاه، وقَدِمَ معَهُ حَلَب في سَنَة تِسْعٍ وسَبْعِين وأرْبَعمائة حين قَصَد تاج الدَّوْلَة تُتُش أخاه، فانْهَزَم عن حَلَب، وكان قَصَدها ومَلكهَا السُّلْطان مَلِك شَاه في شَهْر رَمَضَان من سَنَة تْسِعٍ وسَبْعِين، وخرج عنها إلى أنْطَاكِيَة وملكها، وخيَّم على ساحل البَحْر أيَّامًا، وعاد إلى حَلَب، وعيَّدَ بها عِيْد الفِطْر، ورَحَلَ عنها، وقرَّر وِلَايَة حَلَبَ لقَسِيم الدَّولَةِ آقْ سُنْقُر في أوَّل سَنَة ثَمانين وأرْبَعِمائة، فأحْسَن فيها السِّيَاسَةَ والسِّيْرَةَ، وأقام الهَيْبَةَ، وجَمعَ الدُّعَّارَ، وأفْنَى قُطَّاعَ الطَّريق، ومُخِيْفي السُّبُل (a)، وتتبَّع اللُّصُوص والحَراميَّة في كُلِّ مَوضعٍ، فاسْتَأصَل شَأْفَتَهُم، وكتَبَ إلى الأطْرَاف أنْ يفعلُوا مثْل فِعْله لتأمن الطُّرُق وتُسْلك السُّبُل، فشُكِرَ بذلك الفِعْل وأمنَت الطُّرُق والمَسَالك، وسارَ النَّاس في كُلِّ وَجْهٍ (b) بعد امْتِناعهم لخَوْفهم من القُطَّاع والأشْرَار، وعَمِرت حَلَبُ في أيَّامِهِ بسَبَب ذلك بورُودِ التّجَّار إليها والجَلَّابين من جميع الجِهَاتِ، ورغبَ النَّاسُ في المقام بها للعَدْل الّذي أظْهَره فيهم، رحمه الله.
وفي أيَّامه جَدَّد عِمارَة مَنَارَة حَلَب بالجامع في سَنَة اثنتَيْن وثَمانين وأرْبَعِمائة، واسْمُه مَنْقُوشٌ عليها إلى اليَوْم
(3)
. وهو الّذي أمرَ ببناء مَشْهَد قَرَنْبِيَّا، ووَقَف عليه
(a) ب: السبيل.
(b) ب: جهة.
_________
(1)
في العبر للذهبي 2: 354: ترعان، وانظر زبدة الحلب 1:325.
(2)
لم أجده في كتابه المختصر "تاريخ حلب"، فيكون النقل عن تاريخه الكبير "كتاب المُؤصّل على الأصل الموصَّل".
(3)
بناها القاضي أبو الحسن محمد بن الخشاب، وفرغ منها في السنة التالية 483 هـ. انظر: ابن واصل: مفرج الكروب 1: 19 - 20، تاريخ ابن الوردي 2: 10، الطباخ: إعلام النبلاء 1: 325 - 326 وفيه: أنه قرأ في أسفل جدار المنارة بالخط الكوفي: "صنعه حسن بن مقري السرميني سنة 483 هـ".
الوَقْف وأمر بتَجْدِيد مَشْهَد الدَّكَّة.
أخْبَرَني عِزّ الدِّين أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن الأَثِيْر الجَزَرِيّ، قال
(1)
: كان قَسِيمُ الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر أحْسَنَ الأُمَرَاءَ سِيَاسَةً لرعيَّتهِ، وحِفْظًا لهم، وكانت بلادُه بين عَدْلٍ عامٍّ، ورُخْصٍ شَاملٍ (a)، وأمنٍ وَاسعٍ، وكان قد شَرَط على أهْل كُلّ قَرْيَة في (b) بلادِهِ متى أُخذ عند أحدِهم (c) قَفْل، أو أحَدٌ من النَّاس، غرَّمَ أهلها جميع ما يُؤخَذُ من الأمْوَالِ من قليل وكَثِيْر، فكانت السَّيَّارة، إذا بلَغُوا قَرْيَةً من بلادهِ، ألْقَوا رحَالَهُم ونَامُوا، وقام أهْلِ القَرْيَة يَحْرسُونَهُم إلى أنْ يَرْحَلُوا (d)، فأمِنَت الطُّرُق، وتحدَّث الرُّكبَانُ بحُسْن سِيْرتهِ.
سَمِعْتُ وَالدِي القَاضِي أبا الحَسَن، رحمه الله، يقُول لي فيما يَأْثِرهُ عن أسْلَافه: إنَّ قَسِيمَ الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر كان قد نادَى في بَلَد حَلَب بأنْ لا يَرْفعَ أحدٌ مَتاعه ولا يحفظُه في طَريق، لِمَا حَصَل من الأمن في بلادِهِ.
قال
(2)
: فخرَجَ يَوْمًا يصيَّدُ، فَمرَّ على قَرْيَةٍ من قُرَى حَلَب، فوجَد بعض الفَلَّاحِين قد فَرغ من عَمَل الفَدَّان وطَرح عن البَقَر النِّيْرِ ورَفعَهُ على دَابَّةٍ ليحْملَهُ إلى القَرْيَة، فقال له: ألَم تَسْمَع مُناداة قَسِيم الدَّوْلَة بأنْ لا يرْفع أحدٌ مَتاعًا ولا شَيئًا من مَوِضِعه؟ فقال له: حَفِظَ اللَّهُ قَسِيمَ الدَّوْلَة؛ قد أمِنَّا في أيَّامِهِ، وما نَرْفع هذه الآلَة خَوْفًا عليها أنْ تُسْرق، لكن هنا دَابَّةٌ يقال لها ابنُ آوَى تأَتي إلى هذا النِّيْر فتأكُل الجِلْدَ الّذي عليه، فنحنُ نَحْفَظه منها، ونَرْفعُه لذلك.
قال: فعاد قَسِيمُ الدَّوْلَة من الصَّيْد، وأمر الصَّيَّادين (a) فتَتَّبَعُوا بناتِ آوَى في
(a) ابن الأثير: بين رخص عام وعدل شامل.
(b) ابن الأثير: من.
(c) ابن الأثير: عندهم، وفي بعض نسخه ما يوافق المثبت.
(d) ب: رحلوا.
(e) قوله: "وأمر الصيادين" ساقط من ب.
_________
(1)
الكامل 10: 233.
(2)
قارن بزبدة الحلب 1: 326.
بَلَد حَلَب فصَادُوها حتَّى أفنوها من بَلَد حَلَب.
قُلتُ: وهي إلى الآن لا يُوجَد في بَلَد حَلَب منها شيء إلَّا في النَّادر دون غيرها من البِلَادِ.
قَرَأتُ في كتاب عُنْوَان السّيَر، تأليف مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك الهَمَذَانيّ
(1)
، قال: وأقْطَع السُّلْطانُ حَلَبَ وقَلْعَتَها مَمْلُوكه آقْ سُنْقُر، ولقَّبَهُ قَسِيم الدَّوْلَة، وذلك في سَنَة تِسْعٍ وسَبْعِين وأرْبَعِمائة، فأحْسَن السِّيْرَة، وظَهَرَ منه عَدْل لم يُعْرَف بمثله، واسْتَغَلَّها في كُلِّ يَوْم ألف وخَمْسِمائَة دِيْنار، ولم يزل بها حتَّى قتلَهُ تاجُ الدَّوْلَةِ تُتُش بن ألْب أَرَسْلَان (a) في سَنَهَ سَبْعٍ وثَمانين وأرْبَعِمائة.
قُلتُ: وكان تاج الدَّوْلَة تُتُش قتلَهُ صَبْرًا بينَ يَدَيْهِ بسَبْعِين؛ قَرْيَةٌ من قُرَى حَلَب من نُقْرَة بَني أَسَدٍ على نَهْر الذَّهَب، وقيل: بكَارِس إلى جَنْبها (b) ؛ وذلك أنَّ تُتُش كان قد حَصَل في نَفْسه شيءٌ من قَسِيم الدَّوْلَة، وكان قَسِيمُ الدَّوْلَة يَسْتَصْغرُ (c) أمرَ تُتُش، حتَّى أنَّني قَرأتُ بخَطِّ أبي الحَسَن عليِّ بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ في تَارِيْخهِ: سَنَة أرْبَعٍ وثَمانين وأرْبَعِمائة، وفيها نَزَل تاجُ الدَّوْلَة إلى السُّلْطان، يعني نَزَل تُتُش إلى مَلِكشاه، فلمَّا رآه تَرَجَّل له، وكان في الصَّيْدِ، خِيْفَة أنْ يتَخيَّل منه، وحَضَر هو وقَسِيمُ الدَّوْلَة في حَضْرته، فقال تاجُ الدَّوْلَة تُتُش: كان من الأمْر كَذَا وكذا، فقال له قَسِيم الدَّوْلَة: تَكْذب، فقال له السُّلْطان: تَقُول لأخي كَذَا! قال: نعم، يُطْلِعُ اللَّهُ في عَيْنَيهِ ما يُريدُه لكَ، ويُطْلِعُ في عَيْنيَّ ما أُرِيْدُه لك.
قُلتُ: وعاد تُتُش من خِدْمَةِ أخيهِ (d) إلى دِمَشْق، فلمَّا تُوفِّي السُّلْطان
(a) ب: ابن ألب رسلان.
(b) قوله: "إلى جنبها" ساقط من ب.
(c) ب: استصغر.
(d) قوله: "من خدمة أخيه" ساقط من ب.
_________
(1)
قطع تاريخية من كتاب عنوان السير 49.
مَلِكْشاه برز تاج الدَّوْلَة تُتُش في شَهْر رَبيع الأوَّل من سَنَة سَبْعٍ وثَمانين، وخَرَج معهُ خَلْقٌ من العَرَب، ولَقِيَهُ عَسْكَرُ أنْطَاكِيَة بالقُرْبِ من حَمَاة مع يَغِي سغَان (a)، وسار تاجُ الدَّولَة، وقَطَع العَاصِي في شَهْر رَبيع الآخر من السَّنَة (b)، ورَعى عَسْكَره الزِّرَاعَات، ونَهَب المَوَاشِي وغيرها.
واتَّصَل الخَبَرُ بآقْ سُنْقُر وهو بحَلَب، وكاتَبهُ السُّلْطانُ بَرْكْيَارُق وخَطَبَ له بحَلَبَ، فجَمَع وحَشَد، واسْتَنْجَدَ بمَن يُجَاوره، فوصَل إليه كَرْبُوقَا صَاحِب المَوْصِل، وبُزَان صَاحب الرُّهَا، ويُوسُف بن أَبَق (c) صاحب الرَّحْبَة في أَلفي فَارِس وخَمْسِمائَة فارس، مُنْجِدين قَسِيمِ الدَّوْلَة على تُتُش، وحصَل الجميع بحَلَب، ووَصَل تاج الدَّوْلَة تُتُش إلى الحَانُوتَة، ورَحَلَ منهِا إلى النَّاعُورة
(1)
، وأغارت خَيْلُه على المَوَاشِي بالنُّقْرَة، وأحْرَقُوا بعض زَرْعها، ورَحَلَ من النَّاعُورَة قَاصِدًا نَحْر (d) الوَادِي؛ وَادِي بُزَاعَا، فتهيَّأ آقْ سُنْقُر للقائه، والخُرُوج إليه، واسْتَدعى مُنَجِّمًا ليأخُذ له الطَّالع فحضَر عندَهُ واخْتَار له وَقْتًا، وقال: تَخْرُج السَّاعَة، فرَكب ومعه النَّجْدَةُ الّتي وَصَلته، وجَمَاعَةٌ كَثِيْرة من بني كِلَاب مع شِبْل بن جَامِع ومُبَارَك بن شِبْل، وكان أطْلَقهما من الاعْتِقَال، ومُحَمَّد بن زَائِدَة، وجَمَاعَة من أحْدَاث حَلَب، والدَّيْلَم والخُرَاسَانيَّة، في أحْسَن زيّ، وأكْمَل عُدَّة. وقيل: إنَّهُ قُدّر عَسْكَره بعشرين ألف فارس، وقيل: كان يَزِيدُ عن ستّة آلاف، وقصدَ تاج الدَّولِة يَوْم السَّبْت (e) التَّاسع من جُمَادَى الأُوْلَى من السَّنَة، وقَطَع آقْ سُنْقُر سَوَاقي نَهَر سَبْعِين قَاصِدًا عَسْكَر تُتُش، فأقامُوا على حالهم، وكان أوَّلَ من بَرَز للحرْب آقْ سُنْقُر، فالْتَقَى الفَرِيْقان.
(a) ب: يغي شغان.
(b) ب: السنة المذكورة.
(c) أشتبه رحمها على ناسخ ب، فكتبها بالنون وتحتها نقطتان: أنق.
(d) ب: نحو.
(e) قوله: "يوم السبت" ساقط من ب.
_________
(1)
تقدم التعريف بالحانوتة والناعورة في الجزء الأول من الكتاب.
ولم يثق آقْ سُنْقُر بمَن كان معه من العَرَب، فنَقَلهم من المَيْمَنَة إلى المَيْسَرة في وَقْت المَصَافّ، ثمّ نَقَلهُم إلى القَلْب، فلم يغْنُوا شيئًا، وحمل عَسْكَر تُتُش على عَسْكَر آقْ سُنْقُر، فلم يثْبت، وانْهَزَمت العَرَبُ وعَسْكر كَرْبُوقَا وبُزَان -وكَرْبُوقَا وبُزَان معهم- إلى حَلَب، ووَقَع فيهم القَتْل، وثَبَت قَسِيم الدَّوْلَة، فأُسِر وأكْثَرُ (a) أصْحَابه، وحُمِلَ إلى تاج الدَّوْلَة تُتُش، فلمَّا مثَل بينَ يَدَيْهِ أمَرَ بضَرْب عُنقه وأعْنَاق بعض خَواصِّه ودخَل تُتُش إلى حَلَب ومَلَكها على ما نَذْكُره في تَرْجَمَتِهِ
(1)
إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وبَلَغَني أنَّ تاج الدَّوْلَة تُتُش قال لقَسِيم الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر لمَّا أُحْضر بينَ يَدَيْه: لو ظفرتَ بي ما كُنْتَ صَنَعْت؟ قال: كُنْتُ أقتُلك، فقال له تُتُش: فأنا أحْكم عليك بما كُنْتَ تَحْكُم عليَّ، فقتلَهُ صَبْرًا.
وقَرأتُ بخَطِّ بعض الحَلَبِيِّيْن أنَّ السُّلْطانَ مَلِك شَاه ابن العَادِل وصَل -يعني إلى حَلَب- في شَعْبان سَنَة تِسْعٍ وسَبْعِين، فتسَلَّم البَلَد والقَلْعَة، وسَلَّمهما إلى قَسِيم الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر، فأقَامَ بحَلَب ثَمان سنين فقُتِل بكَارِس من أرْض النُّقْرَة؛ نُقْرَة بَني أَسَد في صَفَر سَنَة سَبْعٍ وثَمانين وأرْبَعِمائة، قتَلَهُ تاج الدَّوْلَة تُتُش ابن العَادِل.
وقَرأتُ بخَطِّ أبي غَالِب عَبْد الوَاحِد بن مَسْعُود بن الحُصَيْن الشَّيْبَانِيّ في تَارِيْخهِ
(2)
: في جُمَادَى الأُوْلَى -يعني سَنَة سَبْعٍ وثمانين- كان المَصَافُّ بين تاج الدَّولَة تُتُش وبين الأَمِيرَين (b) آقْ سنْقُر وبُوْزَان ومَنْ أمَدَّهمُا بهِ بَرْكْيَارُوق قَريبًا من حَلَب، فلمَّا الْتَقَى الصَّفَّان اسْتأمن ابن أبَق إلى تُتُش وانْهَزَم الباقُون، وأسِرَ آقْ سُنْقُر، فجيء به إلى تُتُش، ففال له تُتُش: لو ظفرت بي ما كُنتَ صَانِعًا فيَّ؟
(a) ب: فأسروا أكثر.
(b) ب: الأمير.
_________
(1)
ترجمة تاج الدولة تتش في الضائع من أجزاء الكتاب.
(2)
تقدم التعريف بالكتاب ومؤلفه في الجزء الثالث.
قال: أقتلُكَ، قال: فإنِّي أحْكُم عليك بحُكْمك فيَّ، وقتلَهُ.
قال: وكان آقْ سُنْقُر من أحْسَنِ النَّاسِ سياسَةً، وآمنِهم رعيَّةً وسَابِلةً (a).
وقَرأتُ بخَطِّ أبي مَنْصُور هِبَة اللَّه بن سَعْد اللَّه بن (b) الجِبْرَانِيّ الحَلَبِيّ: الصَّحيحُ أنَّ قَسِيم الدَّوْلَة قُتِلَ يَوْم السَّبْت عَاشِر جُمَادَى الآخرة سَنَة سَبْعٍ وثمان وأرْبَعِمائة.
ونَقَلْتُ من خَطِّ أبي الحَسَن عليّ بنِ مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ في تَارِيْخهِ: سَنَة سَبْعٍ وثَمانين وأرْبَعِمائة، فيها كانت وَقْعَةُ قَسِيم الدَّوْلَة [آقْ](c) سُنْقُر وتاج الدَّوْلَة يَوْم السَّبْت تاسع جُمَادَى الأُوْلَى. وذلك أنَّ تاج الدَّوْلَة لمَّا أراد العُبُورَ مُحْتَفيًا ليَمْضي إلى خُرَاسَان، فبلغَ خَبَرُه قَسِيمَ الدَّوْلَة، فخَرَجَ إليه، فقال لأصْحَابه: الْحَقُوني بحِبَال لِكتَاف الأسْرَى اسْتِصْغَارًا لهم، فقال سُكْمَان بن أُرْتُق: حركش هُم -أي أَرَانب هم (d) -؟ ولَم يَتَمهَّل إلى حين تَصِلهُ خَيْلهُ، فَمضَى واسْتَعْجل، فكَسَره تاجُ الدَّوْلَة بأرْض تُبَّل (e)، وأسَرَه ورَحَلَ من مَوضِع الكَسْرة إلى حَلَب فَملَكَها، واسْتَولَى على المواضع الّتي كانت لقَسِيم الدَّولَة،
(a) ب: رغبة وسائلة.
(b) ساقطة من ب.
(c) ليست في الأصل، ونبه ابن العديم على نقص الاسم بكَتب حرف "صـ"، فوق اسم سنقر، واكتفى ناسخ ب بتقييد لقبه فقط: قسيم الدولة.
(d) ب: حركشهم أي أرأيت هم!.
(e) كتب ابن العديم الاسم مهملًا في الأصل وب، وفوته في الأصل حرف "صـ"، دلالة على عدم معرفته، ويتكرر رسم الاسم على هذا النحو مهملًا من النقط في كل المواضع التي ترد فيما بعد، واللافت أنَّ ابن العديم يخالف ابن منقذ -بعد أن أثبت كلامه- في تحديد الموضع الذي قُتل فيه آق سنقر، ويشير إلى أن أرض هذه البلدة (التي قدَّرنا أنها تُبَّل) بعيدة عن النطاق الذي قتل فيه، بما يدل على معرفة ابن العديم لها!. وأقرب ما وجدناه من أسماء المواضع القريبة من حلب موافقة للرسم أعلاه هو قرية تُبَّل، وهي قرية من قرى حلب في ناحية عزاز (ياقوت: معجم البلدان 2: 14). وإضافة للمواضع المذكورة أعلاه لتحديد مكان قتله، فيذكر ياقوت أن مقتله كان بقرية روُيان من قرى حلب بقرب سبعين (معجم البلدان 3: 105) ونقله عنه ابن خلكان: وفيات الأعيان 1: 241، وعند ابن الأثير (التاريخ الباهر 15) أن المعركة وقت في موضع رويان، ولم يذكر المكان في كتابه الكامل.
وجلسَ في قَلْعَة حَلَب، وشَرِب فيها.
وأحْضَر قَسِيم الدَّوْلَة، حَدَّثَنَا رُوْمِي بن وَهْب، قال: حَضَرْتُه وقد أحْضَر قَسِيمَ الدَّوْلَة، فدَخل وفي رَقَبته بَنْدُ قبائهِ يُسْحَبُ، فلا واللَّه إنْ أنْكَرتُ من عِزَّة نَفْسه شيئًا ممَّا كُنْت أعْرفه، فما زال يَمْشي حتَّى وقعَتْ عَيْنُه على تاج الدَّولَة، فجلسَ وأدَارَ ظَهْرَهُ إليه، فسَحَبُوه وكلَّمُوه، فما رَدَّ جَوَابًا ولا تحرَّكَ. فقام إليهِ تاجُ الدَّوْلةَ فكلَّمه، فلم يردّ له جَوَابًا مَرَّتَين أو ثلاثةً، فضربَ رَقَبَتهُ بيده، وقَطَع رأسَهُ فطِيْفَ به البِلَاد وحُمِلَت جُثَّتُه فدُفِنَت عند مَشْهَد قَرَنْبِيَّا (a)، وبَقي لَيْلتَين.
وسار تاجُ الدَّوْلَة إلى خُرَاسَان، وبقي قَسِيم الدَّوْلَةِ في قَبْره، وقد طُوِّف برأسِه إقْلِيْمِ الأرْض من الشَّام، من سَنَة خَمْسٍ وثَمانين إلى سَنَة ستٍّ وعشرين، إلى حين وَلّى السُّلْطانُ والخَلِيفَة المُسْتَرْشِد باللَّه ولدَهُ زَنْكِي بن آقْ سُنْقُر وهو عمَاد الدِّين، عُدَّة (b) مَلِك الأُمَرَاء بَهْلَوَان جَهَان، عمَّر له مَدْرَسَةً تولَّى أمْرَهَا الشَّيْخُ الأجَلُّ الفَقِيهُ الإمَامُ أبو طَالِب ابن العَجَميِّ، ووَقَف عليها ضَيْعَتين يُسَاوي مُغِلّهما ألف دِيْنار كُلّ سَنَة، وعمر بها عِمارَةً مُعْجِزَةً، ونقَل رمَّتَهُ إليها؛ رأيتُها في سَنَة سَبْعٍ وعشرين ولم تكُن كملَت، وهي تزيد عن الوَصْف، وجَعَلَ قَبْرَهُ قُبَالَة البَيْت المَسْجِد من الشَّمال، وأجْرى إليها قناةَ ماءٍ، وغَرس وسطها، وجَعَل القَبْرَ مثْلَ قَبْر أبي حَنِيْفَة رضي الله عنه.
هكذا نَقَلْتُ من خَطِّ ابن مُنْقِذ، وفيه أَوْهَام! من جُمْلتها أنَّهُ قال: فكَسَره تاج الدَّوْلَة بأرض تُبَّل. وليس كذلك، بل بأرض سَبْعِين أو كَارِس من نُقْرَة بَني أَسَد. وتُبَّل ليست من هذه الكُورَة، وبينهما مَسَافَة يوم.
ومن جُمْلَةِ أَوْهَامه أنَّهُ قال: جلَس في قَلْعَة حَلَب، وضَرَب رقَبَةَ آقْ سُنْقُر
(a) في الأصل مجودًا: قَرَبِيَّا، بإسقاط النون.
(b) ساقطة من ب.
فيها. وليس الأمْر كذلك، بل ضَرَب رَقَبته عَقِيب الكَسْرة بسَبْعِين، أو كَارِس، ورُوْمِي بن وَهْب حَكَى له صُوْرة قَتْله، لا أنَّهُ كان بحَلَب، والّذي قَتَله تاج الدَّوْلَة صَبْرًا بحَلَب هو بُزَان صَاحِب الرُّهَا، وكان انْهزَم في هذه الوَقْعَة إلى حَلَب. فلمَّا دَخَلَها تاجِ الدَّوْلَة أحْضَره وقَتله، وقيل: بل أسَرَهُ وحَمَله إلى حَلَب فقتَلَهُ على ما نَذْكرهُ في تَرْجَمَتِهِ
(1)
إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى.
وقال: بقي قَسِيم الدَّوْلَة في قَبْره من سَنَة (a) خَمْسٍ وثَمانين إلى سَنَة ستٍّ وعشرين. وهذا طُغْيَان من القَلَم، فإنَّ قَسِيم الدَّوْلَة قُتِلَ سَنَة سَبْعٍ وثمانين، وقد ذَكَرهُ كذلك.
وقال: عمَّر -يعني ولده زَنْكِي- لهُ مَدْرَسَةً، ووَقَفَ عليها ضَيْعَتين. والمَدْرَسَة لم يُعمِّرِها زَنْكِي، بل عمَّرها سُليْمان بن عَبْد الجَبَّار بن أُرْتُق، وابْتدأ في عمارتها في سَنة سَبْع عَشرة، واسْمُه وتاريخ عِمَارتها (b) على جِدَارها، لكنَّ قسِيمَ الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر لمَّا قُتِلَ دُفِنَ إلى جانب مَشْهَد قَرَنْبِيَّا بالقُبَّة الصَّغيرة المَبْنِيَّة بالحَجِارَة من غَرْبيّ المَشْهَد، وكان قَسِيمُ الدَّوْلَة بني مَشْهَدَ قَرَنْبِيَّا لمنامٍ رَآهُ بعض أهْل زَمانهِ، ووَقَف عليه وَقْفًا، فدُفِنَ إلى جَنْبه، وعَمر على قَبْره تلك القُبَّة. فلمَّا مَلَك زَنْكِي حَلَب آثَرَ أنْ يَبْني لأبيهِ مكانًا ينقُله إليه، وكانت المَدْرَسَةُ بالزَّجَّاجِين لم تتمّ، وكان شَرَفُ الدِّين أبو طَالِب بن العَجَمِيّ هو الّذي يتولَّى عِمارَة هذه المَدْرسَة، فأشار على زَنْكِي أنْ يَنقُل أَباه إليها فنَقَله، وتَمَّم عِمارَة المَدْرَسَة، ووَقَف على مَنْ يَقْرأ على قَبْره القَرْيَة المَعْرُوفة بشَامَر
(2)
، وهي جَارِيَة إلى الآن، وأمَّا كَارِس الّتي هي وقْفٌ
(a) ساقطة من ب.
(b) من قوله: "في سنة سبع عشرة. . . " إلى هنا ساقط من ب.
_________
(1)
ترجمة بُزَان أو بوزان صاحب الرها في جزء ضائع من هذا الكتاب.
(2)
شَامَر: والضبط من المؤلف، ووردت في نسخة ب: بضم الميم، وهي قرية من قرى محافظة حلب، تتبع إلى منطقة جبل سمعان، والقرية في أرض سهلية تنحدر نحو الجنوب الشرقي، تبعد عن بلدة حريتان نحو 36 كم. زبدة الحلب 1: 333، طلاس: المعجم الجغرافي 4: 4.
على المَدْرَسَة، فأظُنُّها وَقْف سُليْمان بن عَبْد الجَبَّار.
وأخْبرَني أبو حَامِد عَبْد اللَّه بن عبد الرَّحْمن بن العَجَمِيِّ، قال: أراد أتَابِكُ زَنْكِي أنْ يَنْقُل أباهُ إلى مَوضِع يُحدِّدُه عليه، ويَلِيْق به، فقال له أبي: أنا قد عَمرت هذه المَدْرَسَة بالزَّجَّاجِين، وسأله أنْ يَنْقل أباهُ إليها ففَعل، واتَّخذ الجانب الشَّمالي تُرْبَة لأبيهِ، ولمَنْ يَمُوتُ من ولده وغيرهم.
وحَكَى لي والدي رحمه الله: أنَّ أتَابِكَ زَنْكِي لمَّا نَقَل أباه من قَرَنْبِيَّا، وأدْخَله إلى مَدْرَسَة الزَّجَّاجِين (a) لَم يُدْخَل به من باب من أبْوَاب مَدِينَة حَلَب، وأَنَّهم رَفعُوه من بعض الأسْوَار ودلُّوه إلى المَدِينَة، لأنَّهم يَتَطَّيرُونَ بدُخُول المَيَّت إلى البَلْدَة.
قال لي أبي: ووَقَف زَنْكِي القَرْيَة المَعْرُوفة بشَامَر على تُرْبَةِ أبيهِ آقْ سُنْقُر رحمه الله.
قَرأتُ بخَطِّ أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد (B) بن عليّ بن مُحَمَّد العُظَيْميّ
(1)
، وأنْبَأنَا به عنهُ (C) المُؤيَّد بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ وغيره، قال: سَنَة ثَمانين وأرْبَعِمائة دَوْلة قَسِيم الدَّوْلَة وَزِيره أبو العِزّ بن صَدَقَة، فيها استقرَّت الرُّتْبَةُ بحَلَبَ للأمير قَسِيمِ الدَّوْلَةِ آقْ سُنْقُر من قِبَل السُّلْطانِ العَادلِ أبي الفَتْح، وتوطَّدَتْ له الأُمُور بها، وأقام الهَيْبَة العَظِيمَة الّتي لا يقْدر عليها أحدٌ من السَّلَاطين، وأظْهَرَ فيها من العَدْل والإنْصَاف مع تلك الهَيْبَة ما يطُول شَرْحُه. ورَخُصَتِ الأسْعارُ في أيَّامِهِ الرُّخْصَ الزَّائد عن الحَدّ، وقَرَّب الحَلَبِيِّيْن وأحبَّهم الحُبَّ المُفْرِط، وأحَبُّوه أضْعَاف ذلك، وأقام
(a) ب: المدرسة بالزجاجين.
(b) ب: أبي عبد اللَّه محمد بن أبي عبد اللَّه محمد.
(c) ب: عبد.
_________
(1)
نقول ابن العديم المتتالية هي من كتاب العظيمي الضائع: "المُؤصَّل على الأصْل المُوصَّل"، وانظر إشارة عابرة لولاية قسيم الدولة بحلب في كتاب العظيمي المختصر: تاريخ حلب 354.
الحُدُودَ، وأحْيا أحْكَام الإسْلَام، وعمَّر الأطْرَافَ، وآمَنَ السُّبُل، وقَتَل قُطَّاع الطُّرُقات، وطَلَبَهُم في كُلَّ فَجٍّ، وشَنَق منهم خَلْقًا، وكُلَّما سَمِعَ بقَاطِع طَريق في مَوضِع قد قَصَدَه، وأخَذَهُ، وصَلَبهُ على أبْوَاب المَدِينَة. وكَثُرت في أيَّامِهِ الأمْطَار، وتفَجَّرت العُيُون والأنْهَار، وعَامَل أهلَ حَلَب من الجَمِيل بما (a) أحْوَجَهُم أنْ يتَوارثُوا الرَّحْمَة عليه إلى آخر الدَّهْر.
قال
(1)
: وفيها -يعني سَنَة إحْدَى وثَمانين وأرْبَعِمائة- خرَجَ الأَمِيرُ قَسِيم الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر، رحمه الله، يُوَدَّع تَابُوت زَوْجَته خَاتُون دَايَةَ السُّلْطان أبي الفَتْح (b) ؛ ماتَتْ بحَلَب، وقيل: إنَّهُ جلَسَ وفي يَده سِكِّين، فأوْمأ بها إليها، فوقعَت في مَقْتَل وهوِ غير مُتَعمِّد لها، فماتَتْ في الحال، فوضعها في تَابُوت، وحُمِلَت إلى الشَّرْق، وخرَجَ لوَدَاعها يَوْم الاثْنَين مُسْتَهَلّ جُمَادَى الآخرة.
وقال
(2)
: سَنَة أرْبَعٍ وثَمانين وأرْبَعِمائة، فيها تسلَّم الأَمِير قَسِيم الدَّوْلَة قَلْعَة أفَامِيَة من يد ابن مُلاعِب يَوْم الخَمِيْس ثالث رَجَب. وشَحَنَ بها بعض بني مُنْقِذ.
وقال
(3)
: سَنَة ستٍّ وثَمانين وأرْبَعِمائة، فيها فتَحَ الأَمِيرُ قَسِيم الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر ومعه تاجُ الدَّوْلَة مَدِينَة نَصِيبِيْن يَوْم الاثْنَين ثامن (c) رَبيِع الأوَّل، وقيل: في صَفَر. حَدَّثني بهذا وَالدِي الرَّئِيسُ أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد العُظَيْميّ، قال: كُنْتُ مع الأَمِيرِ قَسِيم الدَّوْلَة في هذا الفَتْح.
(a) ب: ما.
(b) ب: أبو الفتح.
(c) ب: ثامن من.
_________
(1)
انظر التعليق قبله، وذكر العظيمي وفاة زوجة قسيم الدولة باقتضاب في تاريخ حلب 354، وانظر: زبدة الحلب 1: 327.
(2)
مثله، وانظر تاريخ حلب 355، دون الإشارة لبني منقذ.
(3)
مثله، ولم يذكر في مختصره (تاريخ حلب 356) في أحداث السنة المذكورة سوى قوله: وطئ قسيم الدولة بساط السلطان بركياروق وعاد إلى حلب.
قال: وفيها شَرَّقَ قَسِيمُ الدَّوْلَة، رحمه الله (a)، إلى بَغْدَاد إلى عند السُّلْطان بَرْكْيَارُق (b) بن أبي الفَتْح. وعاد إلى حَلَب في شَوَّال سَنَة ستٍّ وثَمانين.
قال
(1)
: سَنَة سَبْعٍ وثَمانين وأرْبَعِمائة، وكان قَسِيمُ الدَّوْلَة عاد إلى حَلَب والْتَقَى هو وتاج الدولة، فكَسَر تاجُ الدَّوْلَة قَسِيمَ الدَّوْلَة وقَتَله على نَهْر سَبْعِين شَرْقيّ حَلَب سَابِع جُمَادَى الأُوْلَى. وقيل: يَوْم السَّبْت تاسع جُمَادَى الأُولَى، وأصْبح تاجُ الدَّوْلَة يَوْم الأَحَد على حَلَب ومعه رأسُ الأَمِير قَسِيم الدَّوْلَة، رحمه الله، فتسلَّم تاج الدَّوْلَة مَدِينَة حَلَب العَصْر من (c) يَوْم الأَحَد عاشر جُمَادَى الأُوْلَى، وتسلَّم القَلْعَة يَوْم الاثْنَين، وقُتِلَ مع قَسِيم الدَّوْلَة، رحمه الله، أرْبَعة عَشر مُقَدَّمًا منهم تختكِيْن (d) شِحْنَة بَغْدَاد، وقْجْقر شِحْنَة حَلَب، وطُغان، وإِسْرَائِيل، وقُتِلَ بحَلَب غُلَامه طُغْريل (e)، وله حِكايَة مَعْرُوفة، وعليّ بن السُّلَيْمَانِيّ، وأخُوه، ومُحَمَّد البُخاريّ الّذي قفَز على أنْطَاكِيَة، وأخواجه أبو القَاسِمِ، والطُّنْدكِيْنيّ مع سُليْمان، والطّرنطاس خاص مَلِك شَاه. وانْهَزَم إلى حَلَب بُزَان وكَرْبُوقَا، ويُوسُف بن أَبَق. فأمَّا بُزَان فإنَّهُ قُتِلَ.
(a) قوله: "رحمه الله" ساقط من ب.
(b) الأصل، وب: بكيارق.
(c) ساقطة من ب.
(d) مهمل الأول في الأصل، وفي ب: محتكين، وعند ابن الأثير في حوادث سنة 487 هـ أن شحنة بغداد هو أيتكين. الكامل 10:340.
(e) ب: طغرل.
_________
(1)
مثله، وانظر بعض أخبار قسيم الدولة في أحداث السنة المذكورة في كتاب العظيمي المختصر "تاريخ حلب"357.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
آقْ سُنْقُر بن عَبْد اللَّه البُرْسُقِيّ
(1)
وقيل: اسْمُه سُنْقُر، وكان مَمْلُوكَ الأَمِير بُرْسُق مَمْلُوك السُّلْطان [مُحَمَّد بن مَلِكشَاه](a)، فترَقَّت بهِ الحالُ إلى أنْ وَلَّاهُ السُّلْطان مَحْمُود بن مُحَمَّد (b) المَوْصِلَ ووَلَّاهُ شِحْنَكِيَّة بَغْدَاد، وتَقْدمة عَسْكَرها في أيَّام المُسْتَرْشِد، ثمّ عُزل عن شِحْنَكِيَّة بَغْدَاد في سَنَة ثَماني عَشرةَ وخَمْسِمائَة فوصَل إلى المَوْصِل، واسْتَدعَاهُ الحَلَبِيُّونَ إلى حَلَب -وقد حصَرَهم الفِرِنْج وضاق بهم الأمْر- فوصَل إليهم في سَنة ثَماني عَشرةَ وخَمْسِمائَة، ورَحل الفِرِنْج عنها، ومَلَك حَلَب، وأحْسَن إلى أهْلها، وعَدَل فيهم، وأزال المُكُوس والمَظَالِم، ووَقَعَ إليَّ فُسْخَة التَّوْقِيع الّذي كتَبَهُ لأهْل حَلَب بإزالة المُكُوس والضَّرَائِب، وتَعْفيَة آثار الظُّلْم والجوْر.
وكان (c) رحمه الله، على ما يُحْكَى، حَسَنَ الأحْوَال، كَثِيْرَ الخَبْر، جَمِيلَ
(a) ما بين الحاصرتين بياض في الأصل وب قدر كلمتين، والاستكمال من ابن الأثير: الكامل 10: 501 - 504، 604، 622 - 623.
(b) ب: محمد في محمود.
(c) ساقطة من ب، والنص فيها متصل بما قبله.
_________
(1)
توفي سنة 520 هـ، وترجمته وأخباره مبثوثة في الكامل لابن الأثير 10: 533 - 635، في عهدي السلطان محمد في ملكشاه وعهد ابنه السلطان محمود في أحداث سنة 510 هـ حتى مقتله سنة 520 هـ، والتاريخ الباهر 24 - 32، ابن الجوزي: المنتظم 17: 320 (أرخ وفاته سنة 219 هـ)، زبدة الحلب 1: 383 - 430، وفيات الأعيان 1: 242 - 243، العبر في خبر مَن غبر 2: 413، المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء 2: 238، الوافي بالوفيات 9: 310، تاريخ ابن الوردي 2: 50، 53، ابن كثير: البداية والنهاية 12: 195 (أرخ مقتله سنة 519 هـ)، ابن خلدون: العبر 6: 516، 9: 201، 205 - 206، 210، 584، 593، 656 - 659، النجوم الزاهرة 5: 330، شذرات الذهب 6: 100، الطباخ: إعلام النبلاء 1: 369 - 411.
النِّيَّة، كَثِيْرَ الصَّلاة والتَّهَجُّدِ والعِبَادَة والصَّوْم، وكان لا يَسْتَعين في وُضُوءه بأحدٍ، وقُتِلَ رحمه الله شَهِيْدًا وهو صَائمٌ.
وكان من حديثه في مُلْك حَلَب واسْتيلائهِ عليها: أنَّ بَلَك بن بَهْرَام بن أُرْتُق لمَّا قُتِلَ بمَنْبِج مَلَك ابن عمّه تَمُرْتاش بن إيلْغَازِي بن أُرْتُق نَفْسه، فباع تَمُرْتاش بَغْدوين مَلِك الفِرِنْج وكان أسِيْرًا في يد بَلَك، فباعَهُ نَفْسه، وهَادَنَهُ وأطْلقَه، ومات شَمْسُ الدَّولَة ابن إيلْغَازِي صاحبُ مَارِدِين، فتوجَّه تَمُرْتاش إليها واشْتَغَل بمُلك مَارِدِين وبلَادِ أخيهِ (a)، فلمَّا عَلِم بَغْدوين بذلك غَدَر بالهُدْنَة، واتَّفق هو ودُبَيْسُ بن صَدَقَة، وإبْراهيمُ ابن المَلِك رِضْوَان بن تُتُش على أنْ نازلُوا حَلَب، واتَّفَقُوا على أنْ تكون البِلاد للمُسْلِمينِ وأنَّ حَلَب لإبْراهيِمَ ابن المَلِك رِضْوَان لأنَّها كانتَ لأبيهِ، وأنْ تكُون الأمْوَال للفِرِنْج، وطال حصَار حَلَب وأشْرَفَتْ على الاسْتِيْلَاءَ عَليها، وبلغَ بهم الضُّرّ إلى حالهَ عَظِيِمَة حَتَّى أكلوا المَيْتَات والجِيَف، ووقَع فيهم المَرَضُ، فحَكَى لي وَالدِي أَنَّهم كانُوا في وقت الحِصَار مُطَرَّحِين من المَرَض في أزقَّة البلد، فإذا زحفَ الفِرِنْج، وضُرِبَ بُوق الفَزع قامُوا كأنَّما أُنْشِطُوا من عِقَال، وقاتَلُوا حتَّى يردُّوا الفِرِنْج، ثمّ يعُود كُلّ واحدٍ من المَرْضى إلى فرَاشِهِ، وما زالوا في هذه الشِّدَّةِ إلى أنْ أعانهُم اللَّه بقَسِمِ الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر البُرْسُقِيَّ، فأخْلَص النِّيَّةَ للَّه في نُصْرتهم، ووصَل إلى حَلَب في ذِي الحَجَّة من سَنَة ثَماني عَشرةَ وخَمْسِمائَة، وأغاثَ أهْلها، ورحَّل العَدُوّ عنها، وكانت رَغبات المُلُوك فيها إذ ذاك قليلة، لمُجَاوَرَة الفِرِنْج لها وخَرَابِ بلَدها وقلَّةِ رَيْعِهِ، واحْتَياجِ مَنْ يكُون مُسْتوليًا عليها إلى الخَزَائن والأمْوَال والنَّفَقَة في الجُنْد.
فأخْبَرَني والِدي أبو الحَسَن أحْمَدُ وعَمِّي أبو غَانِم مُحَمَّد، وحَدِيثُ أحدهما رُبَّما يَزِيد
(a) قوله: "وبلاد أخيه" ساقط من ب
على الآخر، قالا
(1)
: سَمِعْنا جَدّك -يَعْنيان أباهما أبا الفَضْل هِبَة اللَّه- يقُول: لمَّا اشْتَدَّ الحِصَارُ على حَلَب، وقلَّتِ الأقْوَاتُ بها، وضاق الأمْرُ بهم، اتَّفَق رأيُهم على أنْ يُسَيِّرُوا: أَبِي؛ القَاضِي (a) أبا غَانِم قاضي حَلَب، والشَّريف زُهْرة، وابن الجِلِّيّ، إلى حُسام الدِّين تَمُرْتاش إلى مَارِدِين وكان هو المُستَولي [على](b) حَلَب، وهي في أيْدي نوَّابهِ، وقد تَركها ومَضَى إلى مَارِدِين، واشْتَغَل بمُلْك تلك البِلاد عن حَلَب.
قال: فاتَّفَقُوا على ذلك، وأخْرَجُوا أبي والشَّريف وابن الجِلِّيّ ليلًا من البَلَد، فلمَّا أصْبَح الصَّبَاحُ، صَاح الفِرِنْج إلى أهْل البلَدِ: أين قاضِيكم وأينَ شَرِيفُكُم؟ قال: فانْقَطَعت ظُهُورُنا وتشوَّشَت قُلُوبُنا، وأيقنَّا بأنَّهم ظَفرِوا بهم، فوصَلَنا منهم كتابٌ يُخْبر أنَّهم قد وصَلُوا إلى مكانٍ أُمِنَ عليهم بالوُصُول، فطابت قُلُوب أهل حَلَب لذلك.
قال عَمَّي ووَالدي: فسَمِعْنا والدنا يَقُول: سَمِعْتُ أبِي أبا غَانِم يَقُول (c): لمَّا وصَلنا إلى مَارِدِين، ودخَلنا على حُسام الدِّين تَمُرْتاش، وذَكَرنا له ما حَلَّ بأهْلِ حَلَب وما هُم فيه من ضِيْقِ الحِصَار والصَّبْر، وَعَدَنا بالنَّصْرِ، وأنَّهُ يتوجَّه إليها ويُرَحِّل الفِرِنْجَ عنها، وأنْزَلنا في مكانٍ بمَارِدِين، وجعلْنا نُطالبُه بما وَعَد وهو يُدَافعُنا من يَوْمٍ إلى يَوْم، وكان آخرُ كلامه أنْ قال (b): خَلُّوهم إذا أخَذُوا حَلَب عُدْتُ وأخَذْتُها، فقُلْنا في أنفُسنا: ما هذا إلَّا فُرْصَة، وقُلْنا له: لا تَفْعل ولا تُسْلِم المُسْلمِيْن إلى عَدُوّ الدِّين! فقال: وكيف أقْدرُ على لقائهم في هذا الوَقْت؟ فقال له القَاضِي أبو غانم: وأيْشٍ هُم حتَّى لا تَقْدر عليهم؟ ونحنُ أهْلُ البَلَدِ إذا وصَلْتَ إلينا نَكْفيكَ أمْرَهُم.
قال القَاضِي أبو الفَضْل: فكتبتُ كتَابًا من حَلَب إلى والدي أبي غَانِم أُخبرُه فيه بما حَلَّ بأهل حَلَب من الضُّرّ، وأنَّهُ قد آل الأمرُ بهم إلى أكل القِطَاط
(a) قوله: "أبي القاضي" ساقط من ب.
(b) زيادة مُقتضاة.
(c) قوله: "سمعت أبي أبا غانم يقول" ساقط من ب.
(d) قوله: "أن قال" ساقط من ب.
_________
(1)
انظر زبدة الحلب 1: 431 - 435.
والكِلَاب والمَيْتة، فوقَع الكتابُ في يد تَمُرْتاش، وشَقّ عليه، وغَضِب، وقال: انظُروا إلى جَلَدِ هؤلاءِ الفَعَلَة الصَّنَعَة، قد بلغَ بهم الأمْر إلى هذه الحالة، وهم يَكْتُمون ذلك ويتجَلَّدُون ويُغرونني ويقُولونَ: إذا وصلْتَ إلينا نَكْفك أمْرهم!.
قال القَاضِي أبو غَانِم: فأمرَ تَمُرْتاش بأنْ يُوكَّلَ علينا، فوُكِّل بنا مَنْ يَحْفظنا خَوْفًا أنْ نَنْفَصل عنه إلى غيره، فأعْمَلْنا الحِيْلَة في الهَرَب إِلى المَوْصِل، وأنْ نَمْضي إلى البُرْسُقِيّ ونَسْتَصْرخُ به ونَسْتَنْجدُه، فتحَدَّثنا مع مَن يُهَرِّبُنا، وكان للمَنْزِل الّذي كنَّا فيه بابٌ يَصرُّ صَرِيرًا عَظيْمًا إذا فُتحَ أو أُغْلق، فأمَرنا بعض أصْحَابنا أنْ يَطْرح في صَائر الباب زيْتًا ويُعالجه لنَفْتَحه عند الحاجَة ولا يَعْلمُ الجَمَاعَةُ المُوَكَّلُون بنا إذا فَتَحناهُ بما نحن فيهِ، ووَاعَدْنا الغِلْمَانَ إذا جَنَّ اللَّيْل أنْ يَسْرجُوا الدَّوَابّ ويأتُونا بها، ونَخْرُجُ خفْيَةً في جَوْف اللَّيْل ونَرْكَب ونَمضِي.
قال: وكان الزَّمانُ شتاءً، والثَّلْجُ كَثِيْرٌ على الأرْض. قال القَاضِي أبو غَانِم: فلمَّا نام المُوَكَّلُون بنا، جاءَ الغِلمَانُ بأسْرهم إلَّا غُلَامي يَاقُوت، وأخْبَر غِلْمَانَ رفاقي أنْ قَيد الدَّابَّةِ تعَسَّر عليه فَتْحه وامْتَنع كَسْره، فضَاقت صُدُورنا لذلك، وقلتُ لأصْحَابي: قُومُوا أنتُم وانْتَهزوا الفُرْصَة ولا تَنْتَظروني، فقامُوا وركِبُوا والدَّلِيْل معهم يدُلّهم على الطَّريق، ولَم يعْلَم المُوكَّلُون بنا بشيءٍ ممَّا نحنُ فيه، وبَقيْتُ وَحْدِي من بينهم مُفَكِّرًا لا يأخُذني نوْمٌ حتَّى كان وقتُ السَّحَرِ فجاءني يَاقُوتُ غُلَامِي (a) بالدَّابَّةِ، وقال: السَّاعَةَ انْكَسَر القَيْد، قال: فقُمْتُ وركبتُ لا أعْرفُ الطَّريقَ، ومَشيْتُ في الثَّلْج أطلبُ (b) الجِهَة الّتي أقْصدها.
قال: فما طَلع الصُّبْح إلَّا وأنا وأصْحَابي الّذين سَبَقُوني في مكانٍ واحدٍ وقد سَارُوا من أوَّل اللَّيْل وسِرْتُ من آخره، وكانُوا قد ضَلُّوا عن الطَّريق، فنَزلنا
(a) ب: غلامي ياقوت.
(b) ب: أقصد.
جَمِيعًا، وصَلَّينا الصُّبْحَ، وركبْنَا، وحَثَثْنَا دَوَابَّنا، وأعمَلْنا السَّير حتَّى وصَلْنا المَوْصِل، فوجَدْنا البُرْسُقيِّ مَرِيْضًا قد أشْفَى (a)، وهو يُسْقَى أمْرَاقَ الفَراريْج المَدْقُوقة، فأُعْلِم بمَجِيْئنا، فأَذِنَ لنا، فدَخَلْنا عليه، ووجَدْناهُ مَرِيْضًا مُدْنِفًا، فشَكَونا إليه وطَلَبْنا منه أنْ يُغِيْث المُسْلمِيْن، وذَكَرنا له ما حَلَّ بهم من الحِصَار والضِّيْق وقِلَّة الأقْوَات، وما آلَ إليه أمْرُهُم، فقال: كيف لي (b) بالوُصُول إلى ذلك، وأنا على ما تَرَون؟ فقُلْنا له: يَجْعَل المَوْلى في نِيَّته وعَزْمه إنْ خلَّصَهُ اللَّه من هذا المَرَض أنْ ينْصُر المُسْلمِيْن، فقال: إيْ واللَّه، ثمَّ رفَع رأسَهُ إلى السَّماءِ وقال: اللَّهُمَّ إنِّي أُشْهدُكَ على أنَّني إِنْ عُوْفيتُ من مَرَضي هذا لأنصُرَنَّهُم، قال: فما اسْتَتمَّ ثلاثة أيَّام حتَّى فارَقَتهُ الحُمَّى واغْتَذى (c)، ونادَى في عَسْكَره للغَزَاة (d)، وبرَّز خَيْمَتَهُ، وخرَجَتْ عَسَاكِرُه وعَملوا أشْغْالَهم، وتوجَّه بهم حتَّى أتى حَلَب، فلمَّا قارَبها، وأشْرَفتْ عَسَاكِرُه من المرتّب رَحَل الفِرِنْجُ، ونزلوا على جَبَل جَوْشَن وتأخَّروا عن المَدِينَة، وسَاق إلى أنْ قارب المَدِينَة وخَرَجِ أهْلها إلى لقائهِ، فقَصَد نحو الفِرِنْج وأهلُ البَلَد مع عَسْكَره، فانْهَزَم الفِرِنْجُ بين يَديه، وهو يَسِيْرُ وراءهم على مَهْل حتَّى أبْعَدُوا عن البَلَد، فأرْسَل الشَّاليْشِيَّة وأمرَهُم بردِّ العَسْكَر.
قال: فجعَل القَاضِي أبو الفَضْل بن الخَشَّاب يقول له: يا مَوْلَانا، لو ساقَ المَوْلَى خلفَهُم أخَذْناهُم بأسْرهم فإنَّهم مُنْهَزمُونَ، قال: فقال له: يا قاضي، كُن عَاقِلًا، أتَعْلم أنَّ في بلدكم ما يقُوم بكم وبعَسْكَري لو قُدِّرَ -والعِيَاذُ باللَّه- علينا كَسْرةٌ من العَدُوّ؟ فقال: لا، فقال: فما يُؤْمننا أنْ يكْسِرُونا ونَدْخل البَلَد ويَقْوَوا علينا فلا نَنْفَع أنْفُسَنا!؟ واللَّهُ تعالَى قد دَفعَ شرَّهُم فنَرجعُ (e) إلى البَلَد ونُقَوّيه، ونُرتِّب أحْوَاله وبعد ذلك نَسْتَعدَّ لهم ويكون ما يُقدِّره اللَّه تعالى ونَرْجو إنْ شَاء اللَّهُ أَنَّنا
(a) قوله: "قد أشفى" ساقط من ب.
(b) ساقطة من ب.
(c) الأصل: واعتذى، ب: واعتدى.
(d) ب: الغزاة.
(e) ب: فرجع.
نَلْقاهم ونَكْسِرهم، قال: ورجَع ودَخَل البَلَد ورَتَّب الأحْوَال وجلبَ إليهِ الغلَالَ وأمن النَّاس واسْتَقَرُّوا.
قال: وكان ذلك في آذَار، فجعَل النَّاس يأخُذُون الحِنْطَة والشَّعِير ويَبُلُّونها بالماءِ ويَزْرَعُونها، فاسْتَغَلَّ النَّاسُ في تلك السَّنَة مُغلًا صَالِحًا. هذا مَعْنى ما حَدَّثَني به وَالدِي وعَمِّي.
ونَقَلْتُ من خَطِّ عَبْد المُنْعِم بن الحَسَن بن اللُّعَيْبَة الحَلَبِيّ: دَخَلت سَنَة تِسْعَ عَشْرةَ وخَمْسِمائَة، ووَصَلَت العَسَاكِر من الشَّرْق، ومُقدَّمها آقْ سُنْقُر البُرْسُقِيّ، وكان الإفْرَنْج نزلوا على حَلَب في شَهْر رَمَضَان سَنَة ثَماني عَشرةَ وخَمْسِمائَة، وحَاصَرُوها، وضَيَّقُوا على أهلها، ومَضَى القَاضِي ابنُ العَدِيْم والأشْرَاف، وقَوْمٌ من مُقَدَّمِي أهْلها مُسْتَصْرِخينَ لأنَّهُ ما كان بقي من أخْذها شيء، فوصَل البُرْسُقِيُّ معهم في مُحَرَّم سَنَة تِسْعِ عَشْرة وخَمْسِمائَة، ونَزَل بَالِس. وكانت رُسُلهُ مُذْ وصَل الرَّحْبَةَ مُتَوَاترةٌ إلى حِمْص ودِمَشْق يَسْتَدعي مالكها، وسَار الأَميرُ صَمْصَامُ الدِّين عن حِمْص في أوَّل رَبيع الأوَّل، فلقي الأَمِير قَسِيم الدَّوْلةَ البُرْسُقِيّ بتَلِّ السُّلْطان (a) بعد انفصالِهِ عن حَلَب، وانْهزام الإفْرَنْجُ عنها، وكان سَرَى إليهم من بَالِس، ووَصَل إلى حَلَب، وخَرَج أهْلُ حَلَب ونَهَبُوا من خِيَامِ الإفْرَنْج مِقْدَار المائة خَيْمَة من على جَبَل جَوْشَن، وما بقي من هَلَاكهم شيء، لكنَّ اللَّه أَمْسَكَ أيْدِي التُّرْك عنهم بمَشِيئته.
قَرأتُ بخَطِّ أبي غَالِب عَبْد الوَاحِد بن الحُصَيْن في تَارِيْخهِ في حَوَادِث سَنَة ثَماني عَشرة وخَمْسمائة (b): وفي ثاني عَشْرِيّ ذي حجَّتها دَخَل البُرْسُقِيّ إلى حَلَب، وفي غَده رحَل الفِرنْجُ عن حَلَب.
(a) ب: بتل سلطان.
(b) الأصل، ب: وستمائة، وهو سهو بَيِّنٌ، ووفاة البرسقي كانت في سنة 520 هـ.
قُلتُ: وبعد أنْ أقام البُرْسُقِيّ بحَلَب، ورَتَّب أحْوَالها، تَرَك ولدَهُ بها، وعادَ إلى المَوْصِل فقَتَلهُ الإسْمَاعِيْليَّةُ بها على ما نَذْكُره.
قال لي شَيْخُنا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن عَبْد الكَريم الجَزَرِيّ
(1)
: كان آقْ سُنْقُر البُرْسُقِيّ خَيِّرًا، عَادِلًا، لَيِّنَ الأخْلَاق، حَسَنَ العِشْرة مع أصْحَابهِ.
قال لي
(2)
: أخْبَرَني أبي مُحَمَّد بن عَبْد الكَريم، قال: حَكَى بعض الغِلْمَان الّذين كانوا يَخْدمُون البُرْسقِيّ، قال: كان يُصَلِّي البُرْسُقِيّ كُلَّ لَيْلَةٍ صلاةً كَثِيْرةً، وكان يتوضَّأ هو بنَفْسه ولا يَسْتَعِين بأحدٍ. قال: فرأيتُهُ في بعض ليالي الشِّتَاءَ بالمَوْصِل وقد قام من فراشه، وعليه فَرجيَّة وَبَرٍ صَغيرةٌ، وبيدِه إبْرِيْق نُحاسٍ، وقد قَصَدَ دِجْلَةَ ليأخُذَ ماءً يتوضَّأ بهِ، قال: فلمَّا رأيتُهُ قُمْتُ إليه لآخُذَ الإبْرِيْق من يده، فمنعَني، وقال: يا مِسْكِين، ارْجع إلى مكانك فإنَّهُ بَرْدٌ، فاجْتَهَدْتُ به لأخْذِ الإبْرِيْق من يده، فلم يَفْعل، ولَم يزل حتَّى ردَّني إلى مكاني ثمّ توضَّأ ووَقَفَ يُصَلِّي.
قال: وذَكَر لي من أحْوَاله الحَسَنةِ أشْيَاءَ يَطُول ذِكْرُها.
سَمِعْتُ شَيْخَنا الصَّاحِبَ قاضِى القُضَاة بَهَاءَ الدِّين أبا المَحَاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم، يقُول: كان البُرْسُقِيّ دَيِّنًا عَادِلًا. قال: وممَّا يُؤْثَر عنهُ أنَّهُ قال يَوْمًا لقاضي المَوْصِل -أظُنُّه المُرْتَضَى بن الشَّهْرَزُورِيّ-: أُرِيْدُ أنْ تسُاوِي بين الرَّفِيعْ والوَضِيعْ في مَجْلِس الحُكْم، وأنْ لا يَخْتَصّ أُولُو الهَيْئات والمَرَاتِب بزيادةِ احْترام في مَجْلِس الحُكْم، فقال له القَاضِي: وكيفَ لي بذلك؟ فقال: ما لهذا طَرِيقٌ إلَّا أنْ تَرْتادَ خَصْمًا يُخَاصمُني في قَضِيَّةٍ ويَدْعُوني إلى مَجْلِس الحُكْم، وأحْضُر إليك وتَلْتَزم معي ما تَلْتزمُه مع خَصْمِي، وسَوْف أُرْسِل إليك خَصْمًا لا تَشُكّ في أنَّهُ خَصْمٌ لي، ويدَّعي عليَّ
(1)
ابن الأثير: التاريخ الباهر 31.
(2)
ابن الأثير: التاريخ الباهر 31، وأدرج الخبر في كتابه الكامل في التاريخ 10: 634 باختلاف يسير.
بدَعْوَى، فادْعُني حينئذٍ إلى مَجْلِس الحُكْم لأحْضُر إليكَ. وجاءَ إلى زَوْجَتِه الخَاتُون ابْنَة السُّلْطان مَحْمُود -فيما أظُنّ- وقال لها: وَكِّلِي وَكِيْلًا يُطالبُني بصَدَاقك، فوَّكَلَتْ وَكِيلًا، ومَضَى الوَكِيل إلى مَجْلِس الحُكْم، وقال: لي خُصُومَةٌ مع قَسِيم الدَّوْلَة البُرْسُقِيّ وأطْلبُ حُضُورَهُ إلى مَجْلِس الحُكْم، فسَيَّر القَاضِي إليهِ ودَعَاهُ، فأجابَ، وحَضَر مَجْلِسَ الحُكْم، فلم يَقُم له القَاضِي، وسَاوَى بينَهُ وبين خَصْمِه في تَرْك القيام والاحْترَام، وادَّعَى عليه الوَكِيلُ وأثْبَتَ الوَكَالة، واعْتَرَفَ البُرْسُقِيّ بالصَّدَاق، فأمَرَهُ القَاضِي بدَفْعه إليه فأخَذَهُ، وقام إلى خِزَانته ودفَع إليه الصَّدَاقَ.
ثمّ إنَّهُ أمَرَ القَاضِي أنْ يتَّخذ مِسْمَارًا على باب دَاره يُخْتم عليه بشَمْعَة، وعلى المِسْمَار مَنْقُوش: أجِبْ دَاعِيَ اللَّه، وأنَّه من كان له خَصْم حَضَر، وخَتَم بشَمْعَة على ذلك المِسْمَار ويَمْضي بالشَّمْعَة المَخْتُومة إلى خَصْمه كائنًا مَنْ كان، ولا يَجْسُر أحَدٌ على التَّخَلُّف عن مَجْلِس الحُكْمِ.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ: وسُنْقُر البُرْسُقِيّ وَلي العِرَاق سنين، وبَلَغ مَبْلَغًا عَظيْمًا، ثمّ وَلي ديار مُضَر ودَارُ مُلكْهِ المَوْصِل، ثمّ حَلَب، وكَثِيْرًا من مُدن الشَّام، وجَاهَد الإفْرَنْج، ثمّ قَتَلَهُ بعض المَلَاحِدَة، لَعَنَهُم اللَّهُ، وكان سَيْفًا عليهم، قلَّما يُرى في جَيْشه مثْله، رحمه الله ورَضِي عنه. رَأيتُه بالعِرَاق في حال ولَايته وبالشَّام قبل أنْ وليها.
قال لي عِزّ الدِّين أبو الحَسَن بن الأَثِيْر
(1)
: في سَنَة عشرين وخَمْسِمائَة قُتِل آقْ سُنْقُر البُرْسُقِيُّ بالجامع العَتِيق (a) بالمَوْصِل بعد الصَّلاةِ يَوْمَ الجُمُعَة؛ قَتَلَهُ بَاطِنِيَّةٌ، وكان رَأى تلك اللَّيْلة في مَنامِهِ أنَّ عدَّةً من الكِلَاب ثَارُوا به، فقَتَل بَعْضَها، ونالَ
(a) لم يرد قوله "الجامع العتيق" عند ابن الأثير في كتابيه، وزاد في كتابه الكامل: البرسقي صاحب الموصل.
_________
(1)
ابن الأثير: التاريخ الباهر 31، الكامل في التاريخ 10: 633 - 634، وفي نص الكامل بعض اختلاف.
منهُ الباقُونَ أذًى شَدِيْدًا، فقَصَّ رُؤياه على أصْحَابه، فأشَاروا عليه بتَرك الخُرُوج من دَاره عدَّة أيَّامٍ، فقال: لا أترك الجُمُعَةَ لشيءٍ أبدًا، وكان يَشْهَدُها في الجَامِع مع العَامَّةِ، فحضَر الجَامعَ على عَادَتِه، فثَار به من البَاطِنِيَّة ما يَزِيدُ على عَشَرةِ أنْفُسٍ، فقَتَل بيدِه منهم ثلاثةً، وقُتِلَ رحمه الله.
قَرأتُ بخَطِّ أبي الفَوَارِس حَمْدَانَ بن عبد الرَّحيم في تَارِيْخهِ الّذي جَمَعَهُ
(1)
، ووَقَعَ إليَّ منه أوْرَاق نَقَلْتُ منها في حَوَادِث سَنَة عشْرين وخَمْسِمائَة: أنَّ البُرْسُقِيّ سَلَّم حَلَبَ وتَدْبِيرها إلى وَلدِه الأَمِير عِزّ الدِّين مَسْعُود فدَخَلَ حَلَب، وأجْمَل السِّيْرَة وتحلَّى (a) بفعل الخَيْر، وسار أبوه إلى المَوْصِل والجَزِيرَتَيْن، وما هو جَارٍ في مَمْلكته حتَّى دخَل شَهْرُ ذي القَعْدَة من السَّنَة، فلمَّا كان يَوْم الجُمُعَة تَاسِع الشَّهْر قصَد الجامِعَ بالمَوْصِل ليُصَلِّي جَمَاعَةً، ويَسْمَع الخاطب كما جَرَت عادتُهُ في أكْثر الجُمَع، فدَخَل الجامعِ وقصَد المِنْبَر، فلمَّا قَرُبَ منه، وَثَبَ عليه ثَمانيةُ نَفَرٍ في زيّ الزُّهَّادِ فاخْتَرَطُوا خَنَاجِرَ وقَصَدُوه، وسَبَقوا (b) الحَفَظَةَ الّذين حولَهُ فضَرَبُوه حتَّى أثْخَنُوه، وجَرَحُوا قَوْمًا من حَفَظَته، وقَتَل الحَفَظَةُ منهم قَوْمًا، وقَبَضُوا قَوْمًا، وحُمِلَ البُرْسُقِيّ بآخر رَمَقِهِ إلى بَيْتِهِ، وهَرَب كُلُّ مَنْ في الجَامِع، وبطَلَتْ صَلَاةُ الجُمُعَةِ، ومات الرَّجُلُ من يَوْمهِ، وقَتَل أصْحَابُهُ مَن بَقي في أيْديهم من البَاطِنِيَّة، ولم يُفْلِت منهم سوى شَابٌّ كان من كَفَر نَاصِح
(2)
؛ ضَيْعَة من عَمَل عَزَاز من شَمالي حَلَب.
(a) ب: وتجلى.
(b) ب: وسيقوا.
_________
(1)
عنوانه: المفوف، تقدم التعريف بالكتاب في الجزء الأول، وانظر ترجمة الأثاربي في موضعها من الجزء السادس.
(2)
كفر ناصح: قرية في هضبة حلب الغربية بمنطقة جبل سمعان، تبعد عن حلب مسافة 33 كم، وهي غرب بلدة الأتارب على بعد 3 كم، وذكرها الغزي من ناحية معرة مصرين. انظر: زبدة الحلب 1: 429، ونهر الذهب للغزي 1: 518، طلاس: المعجم الجغرافي 5: 64، وهناك قرية أخرى تحمل الاسم نفسه، تتبع ناحية تل رفعت بمنطقة أعزاز، تقع إلى الجنوب الشرقي من بلدة تل رفعت على بعد نحو 5 كم. نهر الذهب 1: 263، المعجم الجغرافي 5:65.
قال حَمْدَان، فيما نَقَلْتُهُ من خَطِّه: وحَدَّثَني رَجُلٌ منها أنَّهُ كان له والدةٌ عَجُوزُ لمَّا سَمِعَتْ بفَتْكَةِ البُرْسُقِيّ، وكانت تَعْرف أنَّ وَلدَهَا من جُمْلَة مَنْ نُدِبَ لقَتْلِهِ، فرحتْ واكْتَحَلَتْ، وجَلَسَتْ مَسْرُورةً كأنَّهُ عندها يَوْمُ عِيْدٍ، وبعد أيَّام وصَلَها سَالِمًا، فأحْزَنَها ذلك، وقامَتْ جزَّتْ شَعْرَها وسَوَّدَتْ وَجْهَها.
الأَكْوَع بن عَبَّادٍ المُزَنِيّ
(1)
قيل إنَّهُ شَهِدَ فَتْحَ حَلَبَ مع أبي عُبَيْدَة بن الجَرَّاح، رضي الله عنه، ولهُ ذِكْرٌ في الفُتُوح.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ ألْب أرَسْلَان
ألْب أَرَسْلَان بن جَغْرِي بك بن سَلْجُوق بن تُقَاق
(2)
بن سَلْجُوق، وقيل: سُلْجُق
(3)
وله ولكُلِّ واحدٍ من آبائه اسْم آخر بالعَرَبِيَّة، واسْمُه بالعَرَبِيَّةِ: مُحَمَّد بن دَاوُد بن
(1)
ذكره الواقدي في فتوح الشام 1: 275، وفي: المازني.
(2)
يرد اسمه في المصادر على صور مختلفة: يُقاق، تقاق، توقاق، دقاق، انظر: قطع تاريخية من كتاب عنوان السير للهمذاني 148، الكامل لابن الأثير 9: 473، زبدة التواريخ للحسيني 23، وفيات الأعيان لابن خلكان 3: 224، العبر لابن خلدون 9: 7 وما بعدها.
(3)
قوله: "وقيل سلجق" ساقط من ب، وتوفي سنة 465 هـ، وترجمته في: قطع تاريخية من كتاب عنوان السير للهمذاني 259 - 261، ابن الجوزي: المنتظم 16: 147، ابن الأثير: الكامل 10: 73 - 76، ابن الفوطي: مجمع الآداب 1: 405 - 406، زبدة الحلب 1: 260 وما بعدها، ابن شداد: الأعلاق الخطيرة 3/ 1: 374 - 375، 378، الذهبي: تاريخ الإسلام 10: 212 - 214، سير أعلام النبلاء 18: 414 - 418 (محمد بن جغريبك)، العبر في خبر مَن غبر 2: 317 - 318، الوافي بالوفيات 2: 308 - 309، تاريخ ابن الوردي 1: 565 - 566، ابن كثير: البداية والنهاية 12: 83 - 84، 90 - 91، 106 - 107، ابن خلدون: العبر 9: 52 - 70، شذرات الذهب 5: 273 - 275 وسماه: محمد في جغريبك.
مِيْكائِيل بن سُلَيمان، أبو شُجَاع بن أبي سُليْمان المُلَقَّب بالعَادِل النُّوْرِيّ، أصْلهم من قَرْيَة يقال لها النُّور.
وتُقَاق أوَّل مَنْ دَخَل منهم في الإسْلَام، وتُقَاق بالتُّرْكيَّةِ: القَوْس من الحَدِيد، وقيل في نَسَب سُلْجُق الأعْلَى: هو سُلْجُق بن دَاوُد بن أَيُّوَب بن دُقَاق بن إلْيَاس بن بَهْرَام بن يُوسُف بن عَزِيْز
(1)
.
مَلَك ألْب أَرَسْلَان خُرَاسَان بعد أبيه جَغْرِي بك، وفَتَح العِرَاقَ من يد ابن عَمِّ أبيهِ قُطَلْمش بن إِسْرَائِيل سَنَة ستٍّ وخَمْسِين وأرْبَعِمائة، واسْتَقرَّ في السَّلْطَنَة حين تُوفِّي عَمُّه السُّلْطان طُغْرِلبِك في الثَّامن من شهر رَمَضَانَ سَنَة خَمْسٍ وخَمْسِين وأرْبَعِمائة، وكان ولي عَهْد عمّه، لأنَّ عمَه لَم يكُن له نَسْل، فملَّكَ ألْب أَرسْلَان بعده، وهو أوَّلُ مَنْ ذُكِرَ على مَنَابِرِ بَغْدَاد بالسُّلْطان.
وقَدِمَ حلَبَ مُحَاصِرًا لها، وفيها مَحْمُود بن نَصْر بن صاِلح بن مِرْدَاس، سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة، فدام على حِصَارها إلى أنْ خَرج إليه مَحْمُود مع والدته السَّيّدة، فأنْعَم عليهِ بحَلَب، وسار إلى اللك ديُوجَانسِ (a) وقد خَرَج من القُسْطَنْطِينيَّة، فالْتَقاه وأَسَره، ثمّ مَنَّ عليه وأطْلَقَهُ
(2)
، وغَزَا الخَزَر والأَبْخَاز، وبلغَ ما لم يبْلغُ أحد من المُلُوك. وكان مَلِكًا عَادِلًا مَهِيْبًا مُطَاعًا.
حدَّثني والدِي، رحمه الله، يَأْثِرهُ عن سَلَفِهِ، قال: قَدِمَ السُّلْطانُ -يعني ألْب أَرَسْلَان- وحَاصَر حَلَبَ، وكان نازلًا بمَيْدَان باب قِنَّسْرِيْن، ونصَبَ على
(a) ب: دبوحالس.
_________
(1)
أورد ابن خلدون مختلف الأقوال في نسبهم وأولية أمرهم في طالع الباب الذي أفرده "للدولة السلجوقية من الترك المسولين على ممالك الإسلام. . .،" العبر 9: 3 - 18، وانظر مشجر أنسابهم بخطه في العبر 9:305.
(2)
أخباره مع ديوجانس مفصلة في زبدة الحلب 1: 264 - 268، وأيضًا فيما يلي من هذه الترجمة.
بُرْج الغَنَم مِنْجَنِيْقًا، وتَواترَ ضَرْبُ المِنْجَنِيْق عليه، فأخَذَ عَوامُّ حَلَب شُقَّة أطْلَس وربطُوها على ذلك البُرْج اسْتزاءًا به، يَعْنُون أنَّ البُرْج قد صدَّعه رَأسُه من ضَرْب المِنْجَنِيْق، فسَأل السُّلْطان عِن ذلك، فقالوا: إنَّهمِ قد عَصَّبُوا البُرْج، يَعْنُونَ أنَّ البُرْج قد صَدَّعَهُ رأسُه من ضَرْب المِنْجَنِيْق، وقد عصَّبُوه على رأسه ليَسْتريح من الصُّدَاع الّذي يلحَقُه من ضَرْب المِنْجَنِيْق.
قال: فاسْتَشَاط السُّلْطانُ غَضَبًا، وفرَّق تلك اللَّيْلةَ في عَسْكَره كَذَا كَذَا ألف
(1)
فرْدَة نُشَّاب من الخَلَنْج غير ما كان من غيرها، وباكَرَ البَلَد بالزَّحْف حتَّى أشْرَفَ (a) على الأخْذِ، فخرَجَت إليه السَّيِّدة
(2)
أُمّ مَحْمُود ومعها ابنها مَحْمُود، وحَمَلا مَفاتِيْح البَلَدِ والقَلْعَة ودَخَلا تحت طَاعته، ووطئا بسَاطة، والنَّاسُ في خِدْمته بالمَيْدَان صفَّان (b)، فدخَلَتْ وأبْنُها بين الصَّفَّيْن، وجَعَلا يُقَبِّلان الأرْض خِدْمَة له حتَّى انْتَهيا إليهِ، فأكْرَمهما وقال للسَّيِّدة: أنْت السَّيِّدةُ؟ فقالت: سَيِّدةُ قَوْمي، فاسْتَحْسَن ذلك منها، وردَّ البَلَد على ابنها وأكْرَمَهُ، وعاد إلى المَدِينَة مُكَرَّمًا مَسْرُورًا.
قال: وقَصَد بتَطْويل الحِصَار تَعْظيمَ البَلْدة لكونها مجُاورةً للرُّوم، فيَقَع عندهم أنَّ هذا السُّلْطان -مع عِظَم قَدْره، وكَثْرة عَسَاكِره- نَزَل عليها هذه المُدَّة، ولم يَنَل منها ما أراد، فلا يَطْمَعُ فيها العَدُوّ.
وقيل إنَّ السَّيِّدة أقامَتْ في البَلَد، وخَرَج مَحْمُودُ إليه، وأنَّ دُخُولَها عليه كان بالرُّها، توجَّهت إليهِ وهو مُتَوَجِّهٌ إلى حَلَب، فسَألها: أنْتِ السَّيِّدة؟ فأجابته بما ذَكَرَناهُ.
(a) ب: أشر.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
في زبدة الحلب 1: 263: ثمانين ألف فردة.
(2)
اسمها علولة وتعرف بالسيدة. زبدة الحلب 1: 264.
وقَرأتُ بخَطِّ أبي الفَوَارِس حَمْدَان بن عبد الرَّحيم
(1)
: أنَّ مَحْمُودًا ووالدتَهُ خَرَجا إليه، فعَفَا لهما عن حَلَب بعد أحدٍ وثَلاثين يَوْمًا من مَقامهِ. وسَمِعَ أنَّ مَلِك الرُّوم ديُوجَانِس قد خَرَجَ من القُسْطَنْطِينِيَّة على طَريق الثُّغُور والدُّرُوب، فرَحَلَ عن حَلَب بعد خُرُوج مَحْمُود إليه بخَمْسة أيَّام، وقصدَهُ حتَّى لحقَهُ على مَنَازْكِرْد، فحاربه حتَّى هَزَمَهُ، وأسَر مَلِكَ الرُّوم، وغَنِم مُعَسْكَره، وكانت عدَّة التُّرْك ستمائة ألف رَجُل.
وقَرأتُ في بعض التَّوَاريخ الّتي لم يُسَمّ جَامِعُها: أنَّ ألْب أَرَسْلَان العَادِل نَزَلَ على حَلَب مُحَاصِرًا لها في سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة، وبها مَحْمُود بن نصْر بن صالح، ثمّ مَلَكَها بالأمَانِ، [و] خرَج إليه مَحْمُود بنِ نَصْر في يَوْم الثّلاثَاء سَابع عَشر جُمَادَى الآخرة من السَّنَة، فأنْعَم عليه وآمنَهُ، وولَّاهُ حَلَب من قِبَله.
ثُمَّ رَحَلَ عنها في الثَّالث والعشرين من جُمَادَى الآخرة قَاصِدًا بَلَد الرُّوم في طَلَب مَلِكهم وقد تَوَجَّه إلى مَنَازْجِرْد، فلحقَهُ في عَسَاكِره وأوْقعَ به، فهزمَهُ، وقيل إنَّ مَلِكَ الرُّوم كان في ستّمِائة ألف، وألْب أَرَسْلَان في أرْبَعمائة ألف من الأتْراك، وحَصَل مَلِكُ الرُّوم أسِيْرًا في أيْدي المُسْلمِيْن، وصَار إلى ألْب أَرَسْلَان، فِلم تَزَل المُرَاسَلات بينه وبينه إلى أنْ تقرَّر إطْلاقه على مُهَادَنَة منها: أن لا يَعْرضَ لبلَادِ المُسْلمِيْن، ثمّ سيَّره إلى بلاده، فيقال إنَّ أهْل مَمْلكَته قتلُوه لأُمُور نَقَمُوها عليه.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي الخَطَّاب عُمَرَ بن مُحَمَّد العُلَيْمِيّ، وأنْبَأنَا بهِ أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد النَّسَّابَة عنهُ، قال: وَجَدْتُ بخَطِّ أبي الحَسَن يَحْيَى بن عليّ بن مُحَمَّد بن زُرَيْق: ذِكْرَ أخْبَارِ السُّلْطانِ الشَّهِيْدِ المُعَظَّم ألْب أَرَسْلَان، أبي
(1)
الإشارة إلى تاريخ الأثاربي وعنوانه: "أخبار الفرنج" أو: "كتاب المفوف"، تقدم التعريف به في الجزء الأول، وانظر ترجمة الأثاربي في موضعها من الجزء السادس.
شُجَاع مُحَمَّد بن دَاوُد، بُرْهان أَمِير المُؤْمنِيْن، نَضَّر اللَّهُ وَجْهَهُ، والسَّبَبَ في وُصُوله إلى الشَّام: كان هذا السُّلْطانُ، رحمه الله، ولِيَ الأمْر بعد وفاهَ عَمّه السُّلْطان الأعْظَم أبي طَالِب طُغْرِلبك بن مِيْكائِيل في سَنَة سَبْعٍ وخَمْسِين وأرْبَعِمائة، وعُمْرُ السُّلْطان طُغْرِلبِك على ما ذُكِرَ قد أناف على ثَمانين سَنَةً، ونَازَعَ السُّلْطانَ المَذْكُورَ في المَمْلَكَة قُتَلْمش ابن عَمّه، ولم يَثْبُت لمُقَاومته، وذَكَر أنَّهُ لقيَه في تِسْعين ألفًا، ومع السُّلْطان يَوْمئذٍ اثنا عَشر ألفًا، فكَسَرهُ، وانْهَزَم قُتَلْمش على وَجْهه، وسقَطَ عن دَابَّتِه في هَزِيْمته، فوُجِدَ مَيِّتًا، وحُمِلَ ودُفِنَ بالرَّيّ. وكانت الدَّامِغَانُ دَارَ مَمْلكته، وقيل إنَّ اللِّقَاءَ بقُرْب ضَيْعَةٍ تُعْرف بِدِهْ نَمَك
(1)
، وكان أخُو السُّلْطان قَاورْت (a) مُتَمَلِّك كَرْمَان، وكان بينهما مُنَازَعات، وآلت الحال بينهما إلى الصُّلْح والاتِّفَاق.
وفي أيَّامِه أُغْمدَت سُيُوف الفِتْنَة بخُرَاسَان، وبَطُل ما كان عليه التُّرْكُ من الفَسَادِ والعَيْثِ قَبْل اسْتِقْرار المَمْلَكَةِ، وفَتْح البِلَادِ، وعَظُمَتْ هَيْبَتُه، واسْتَقامَتْ مَمْلكَتُه، وانْتَشر عَدْلُه ودَعْوَتُهُ.
وكان سَبَبُ ظُهُوره إلى الشَّام، ما حَدَّثَنِي به الفَقِيهُ أبو جَعْفَر مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن البُخَاريّ (b) رسُولُ ناصِر الدَّوْلَةِ ابن حَمْدَان، المُتَغَلِّب على مِصْر إليه، يَسْتَدعي عَسَاكِرَهُ لتُسَلِّم (c) ديار مِصْر، ويُغَيِّر الدَّعْوَة، وذلك لمَا كان بينه وبين جَمَاعَة من الأُمَرَاء بمِصْر، منهم يَلْدكُوز العَجَمِيّ وغيره بمِصْر، وَأمير الجُيُوش بَدْر
(a) هكذا في الأصل وب، وتقدم ذكره في الجزء الأول عند الكلام على أنطاكية وورد هناك: قاؤر، وهو عند الحسيني: أخبار الدولة السلجوقية 56 وما بعدها: قاورد، وابن الجوزي: المنتظم 16: 147: قاورت بك، وابن خلدون: العبر 9: 52: قاورد بك وفي مشجر أنسابهم (العبر 9: 305): قارتْبك.
(b) أهمل في الأصل نقط الباء وضبطها بالضم، وأعجم حرف الخاء، وفي المنتقى من أخبار مصر لابن ميسر 43: النحاري، وفي نسخة منه: البخاري.
(c) مهملة في الأصل، والمثبت من ب.
_________
(1)
ذكرها ياقوت، وأنها قرية تسمى قصر الملح، على فراسخ يسيرة من خُوار الري والعجم تسميها: دِه نَمَك، أي قرية الملح، معجم البلدان 5: 191، ترد فيما بعد برسم: بديه نمك.
الجَمَالِيّ بالشَّام، وكانت المُرَاسَلَةُ في سَنَة اثْنَتَيْن وسِتِّين على يدِ الفَقِيهِ المَذْكُور، فحين وَرَد عليه إلى خُرَاسَان، جَهَّز العَسَاكِر الّتي تملأُ الفَضَاءَ، وتَضِيْق بها (a) الدّهْنَاء، عِدَّةً وعُدَّةً، ووصَل من بِلَادهِ على طَريقِ دِيَار بَكْر، ونَزَل الرُّهَا في أوَّل سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين، وأقام عليها نيفًا وثَلاثين يوْمًا، وسيَّر الفَقِيهَ المَذْكُور رَسُولًا إلى مَحْمُود بن نَصْر بن صَالِح صاحب حَلَب يَسْتدعيه إلى وَطْء بسَاطه وخِدْمَته أُسْوَة مَنْ وَفَد عليهِ من المُلُوك، مثْل شَرَف الدَّوْلَة مُسْلِمِ بن قُرَيْشٍ، وابن مَرْوَان، وابن وَثَّاب، وابن مَزْيَد، وأُمَرَاء التُّرْك والدَّيْلَم، فلم يَفْعَل، وخَاف منهُ.
فسَار عن الرُّهَا إلى الشَّام قَاصدًا له، وقَطَعَ الفُرَاتَ في النِّصْف من شَهْر رَبيع الآخر من السَّنَة، وهو اليَوْم التَّاسع عَشر من كانُون الثَّاني، وكان قد رَاسَلَهُ السُّلْطانُ في سَنَة اثْنَتَيْن وسِتِّين يأمرُه بإقامة الدَّعْوَة العبَّاسيَّة، والمُسَارَعة إلى الخِدْمَة، وأنْفَذ له خلعًا وتشريفًا، فامْتَثل ما أمَرَه من إقامة الدَّعْوَة للإمام القَائِم بأمْرِ اللَّه أَمِير المُؤْمنِيْن، والسُّلْطان المُعَظَّم بعده، ولبس الخَطِيبُ السَّوَاد، وبطلَت الدَّعْوَةُ المِصْرِيَّةُ من الشَّام في شَوَّال من سَنَة اثْنَتَين وسِتِّين.
ولمَّا قَطَع السُّلْطانُ المُعَظَّم الفُرَاتَ من نَهْرِ الجَوْز، نزَل بعض المُرُوج على الفُرَاتِ، فرآه حَسَنًا، فأُعْجِب به، فقال له الفَقِيه أبو جَعْفَر
(1)
: يا مَوْلَانا، أحْمَد اللَّه تعالَى على ما أنْعَم به عليك، فقال: وما هذه النّعْمَةُ؟ فقال: هذا النَّهْرُ لم يَقْطَعْهُ قَطُّ تُرْكِيٌّ إلَّا مَمْلُوك، وأنتُم اليَوْم قد قَطَعْتُموه مُلُوكًا (b)، قال: فلعَهْدي به وقد أحْضَر جَمَاعَةً منِ الأُمَرَاءَ والمُلُوك، وأمَرَني بإعادةِ الحَدِيْث، فأعدْتُه، فَحمدَ اللَّه هو وجَمَاعَة مَنْ حَضَر عندَهُ حَمْدًا كَثِيْرًا.
(a) ب: وتملأ.
(b) الأصل: ملوك، وفوقها "صـ".
_________
(1)
هو الفقيه أبو جعفر محمد بن أحمد البخاري، قاضي حلب. زبدة الحلب 1: 260 - 261.
ونَزَلَ السُّلْطانُ المُعَظَّمُ بنُقْرَة بَني أَسَدٍ إلى أرض قِنَّسْريْن إلى الفُنَيْدق
(1)
، والرُّسُلُ مُتَرَدِّدَةٌ إلى مَحْمُود ليَخْرُج إلى الخِدْمَة، وهو خائفٌ منه مُمْتَنِعٌ عليه، وتَمادَى الأمرُ نحو شَهْرين، وحصَّن مَحْمُود حَلَب، وجَفَل النَّاسُ من سَائر الشَّام إليها، ودَخَل الرُّعْبُ في قُلُوب النَّاسِ لعِظَم (a) هَيْبَته وبَأْسه ونَجْدَتهِ وما اجْتمع إليه من العَسَاكِر الجَمَّة والجُيُوش الكَثِيْفَة الضَّخْمَة (b)، وكان الأمرُ بخلاف ما ظَنّ النَّاس من ذلك الخَوْف (c)، وأنَّهُ، رحمه الله، لمَّا يَئِسَ من خُرُوج مَحْمُود إليه عاد مُنْكَفئًا من مَنْزِل يُعْرَفُ بالفُنَيْدق، ونَزَلَ حَلَبَ في آخر جُمَادَى الآخرة من السَّنَة، وكانت الخيامُ والعَسَاكِرُ من حَلَب، إلى نُقْرَهَ بَني أَسَد، إلى عَزَاز، إلى الأثَارِب، مُتَقاربَةٌ بعضُها من بعضٍ، وبعضُ العَسَاكِر ببلَد الرُّوم وسَائر مُرُوج الشَّام. وسَار بعضُ عَسَاكِره مع ابن جَابِر في سِقْلَاب المَوْصِلِيّ، أحد الكُتَّاب، إلى طَرابُلُس لتَقْرير أمْرها.
وأقام مُحَاصِرًا لحَلَب شَهْرًا واحدًا وبَوْمَيْن، ولم يقاتلها غير يَوْم واحدٍ، فحَدَثَني مَنْ كان مع الأمير مَحْمُود صَاحِب حلَب وهو يَطُوف داخل السُّور لتَحْريض النَّاس على القِتَالِ في وَقْت (d) الزَّحْف، وأنَّهُ لم يَعْبر مَحَلَّةً من مَحَالِّ حَلَب إلَّا وأهْلُها قد أشْرَفُوا على الهَجْم عليهم، ونُقِبَ البُرْج المَعْرُوف ببُرْج الغَنَم، وهو أحْصَنُ بُرْجٍ بها، وعُلِّق فظَفِر أهْلُ حَلَبَ بمَن دَخَل (e) ذلك النَّقْبَ، فأخَذُوا بعضَهُم ووِقع الرَّدْمُ على البَاقنِن، وحَمَل السُّلْطانُ في ذلك اليَوْم (f)، فوقَعَتْ يَدُ فَرَسه في خَسْف كان هُناك، وأصَابَ في الحالِ رأسَ فَرَسِه حَجَر المَنْجَنِيْق فرَكِبَ غيرها وعاد وصَرَف النَّاس عن الحَرْب بعد أنْ أشْرفَ البَلَدُ على الأخْذ.
(a) ساقطة من ب، وفيها: لهيبته.
(b) قوله: "وما اجتمع إليه. . . " إلى هنا ساقط من ب.
(c) ساقطة من ب.
(d) ب: في يوم.
(e) ساقطة من ب.
(f) قوله: "في ذلك اليوم" ساقط من ب.
_________
(1)
تسمى تل السلطان، وتقدم التعريف بها في الجزء الأول من الكتاب.
وذُكِرَ عن هذا السُّلْطان أنَّهُ قال: أخْشَى أنْ أفْتحَ هذا الثَّغْر بالسَّيْفِ فيَصيرَ إلى الرُّوم، وراسَل السُّلْطانُ أُمَرَاءَ بني كِلَاب وأحْضَرهم من البَرِّيَّة، فوصَلُوا إليه، وعزَمَ على تقليدِ بعضهم وتَرْكه في مُقاتَلة (a) مَحْمُود، وعَوْده لأجْل ما بلغه من ظُهُور مُتَمَلّك الرُّوم ووُصُوله في الخَلْقِ العَظِيْمِ إلى بلادِ أَرْمِينيَة طَالِبًا لبِلَادِ خُرَاسَان، فشَعَر مَحْمُودٌ بوُصُول أُمَرَاءِ العَرَب، وأنَّهُ إنْ تمَّ ذلك خَرَج الشَّام من يده، فراسَل السُّلَيْمَانِيّ المُتَرَدِّد إليه كان في المُرَاسَلَة، يُعْلمه أنَّهُ قد عَزَم على وَطْء بسَاطِه وخِدْمته خَوْفًا ممَّا أشْرَف عليه، وخرَجَ إلى السُّلْطان (b) على غَفْلَةٍ منه في أوَّل شَعْبان من السَّنَة، فرأى منه من الإكْرَامِ والتَّشْرِيْف والخِلعَ (c) ما زادَ على أُمْنِيَّته، وفي الحال ردَّه إلى حَلَب، وقال: ارْجعِ إلى وَالدتكَ، وكانت والدتُه المَعْرُوفة بالسَّيِّدة علويَّة بنتُ وَثَّاب قد خَرَجَت إليه برسَالةِ ابْنها عند كَوْنه بالرُّهَا، وتردَّد خُرُوج مَحْمُود دفْعَةً بعد أُخْرى، وقرَّر معه السُّلْطانُ أنْ يَخْرُجَ بعَسْكَره ويُضِيفَ إليه السُّلَيْمَانِيّ، وأنْ يَتَوجَّها إلى بلاد دِمَشْق والأعْمَال المِصْرِيَّة ليفْتَحها، ففعَل ما أمر به (d).
وحَكَى الأَمِيرُ أبو الحَسَن عليُّ بن مُنْقِذ أنَّ خُوَاجَا بُنُ بُزُرْك الوَزِير سَألَهُ عندَ حُضُوره عنده وَقْت (e) خُرُوج مَحْمُود إليه عمَّن قُتِلَ بحَلَب في (f) يَوْم الحَرْب، فقال: إنَّهم نَفَرٌ يَسِيْر، فتعجَّب من ذلك، وقال: في ذلك اليَوْم رمي من الخِزَانَة بثمانين ألف فردَة نُشَّاب، سوى ما رَمَاهُ بَقِيَّة العَسْكَر، ودَفعَ اللَّهُ عن أهْل الشَّام، ولم يقاتل فيه مَدِينَةٌ ولا حِصْنٌ ولا سُبِيَتْ حُرْمَةٌ، ولا اعْتَرض لأحَدٍ (g) من المُسْلمِيْن وذلك من حُسْنِ سِيْرة (h) هذا السُّلْطان، وعِظَم هَيْبَته تَغَمَّدهُ اللَّهُ بالغُفْرَان.
وعاد السُّلْطانُ مُنْكَفئًا إلى بلادهِ على طَريق العِرَاق، مُعَرِّجًا منه نحو بلادِ
(a) في الأصل بإهمال التاء المثناة، والمثبت من ب، ولعله أيضًا: في مقابلة.
(b) قوله: "إلى السلطان" ساقط من ب.
(c) ساقط من ب.
(d) ب: أمره به.
(e) ب: عند.
(f) ساقطة من ب.
(g) ب: أحد.
(h) ب: سير.
أَرْمِينيَة قَاصِدًا لمتُمَلِّك الرُّوم، وأسْرَعَ في سَيْره بمَنْ خَفّ معَهُ، ووصَل فالْتَقَى مُتَمَلِّكَ الرُّوم بالقُرْبِ (a) من خِلَاط وتلك البِلاد، فاعْتَبر مَنْ وَصَلِ معه من عَسْكَره، فكانت عِدَّتُهم ثلاثةَ عَشر ألفًا، وتَصَافَّ العَسْكَران في يَوْم جُمُعَة، ووَقَف السُّلْطانُ عن قِتَالهِ (b) انْتِظَارًا لوَقْت الصَّلاة والدُّعَاءِ على مَنَابِر الإسْلَام، وتَرقُّبًا للإجَابَة في نُصْرة المُسْلِيْن، فلمَّا صَلَّى الظُّهْر ناجَزَهم الحَرْبَ فأظْفره اللَّهُ تعالَى بعَسْكَر الرُّوم، وأجْراهُ على جَمِيل العَادَة في الظَّفَر، ومَكَّنه ممَّن بَغَى وكَفَر، ونَهَبَ العَسْكَرَ بأَسْره، وأسَرَ مُتَمَلِّك الرُّوم، وأقامَهُ بينَ يَدَيْهِ ومعه باز وكَلْب صَيْدٍ، ثمّ أنْعَمَ عليه، وخَلَعَ وأكْرَمَهُ، واصْطَنَعَهُ وسيَّرَهُ مع قِطْعَةٍ من عَسْكَره ليُعيْدَهُ إلى بلادِهِ ومَمْلَكَته، فاخْتَلَّت الأُمُور عليه، ولم يتمّ له ما أراد، وذكر أنَّهُ كُحِّل ومات بعد مُدَّة.
ولَم يَجْرِ (c) في الإسْلَام منذ ظَهَر مثْلُ هذا الظَّفَرِ، ولا أُسِرَ للرُّوم مُتَمَلِّكٌ قبلِ هذا في الإسْلَام، وكان السُّلْطان سَأل مُتَمَلِّك الرُّوم عند حُضُوره بينَ يَدَيْهِ ما سبَبُ خُرُوجه وتَعْريضه نفسه وعَسْكَره لهذا الأمر، فذَكَرَ أنَّهُ لم يُرد إلَّا حَلَب، إذ كان كُلّ ما جَرَى على الرُّوم كان مَحْمُود هو السَّبَب فيه، والبَاعِث عليه لمَنْ قَصَدَها من التُّرْك.
وغَنِمَ من هذا العَسْكَر ما يَفُوت الإحْصَاء والعَدَّ، وتُجاوز الأمَدَ والحَدَّ، وبِيْعَ من غَنائمهِ ما يسُاوي مائة دِيْنار (d) بدِيْنارٍ واحدٍ، فللَّه الحَمْدُ على ذلك كَثِيْرًا.
قُلتُ: ومن ذلك اليَوْم عُرِفَ تَلُّ السُّلْطان بتَلِّ السُّلْطان (e) لنُزُول ألْب أَرَسْلَان على التَّلّ، وكان يُعْرف المكان أوَّلًا بالفُنَيْدق، وكان فيه فُنْدُق صَغِير
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: قباله.
(c) الأصل وب: تجر.
(d) ب: مائة ألف دينار، والمراد سقوط فيمة المتاع الَّذي غنم حتَّى بيع ما ثمه مائة دينار بدينار واحد، انظر زبدة الحلب 1:267.
(e) قوله: "بتل السلطان" ساقط من ب.
يأوي إليهِ النّاس، شَاهدْتُه قبل أنْ يُجدِّد الأَمِير سَيْف الدِّين عليّ بن سُلَيمان بن جَنْدَر هذا الخانَ الّذي هو الآن موجُود.
قَرأتُ بخَطِّ أبي الحَسَن عليّ بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ في تَارِيْخهِ في سَنَة ثَلاثٍ وسِتّين وأَرْبَعِمائة، في ذِكْر العَادِل ألْب أَرَسْلَان وحِصَاره حَلَب، قال: حدَّثَ الأَمِيرُ أتَابَك طُغْتِكِين صَاحِب دِمَشْق أبيّ، قال: كُنْتُ حَامِلًا (a) وراءَ السُّلْطان السِّلَاح حين ضَرَبَهُ حَجَر المِنْجَنِيْق، ولو سَلِم ساعةً لأخَذَها، وكان قد وَصَل الشَّام يُرد الطُّلُوع إلى مِصْر ليَفْتَحَها، ولو طلَعَ لأخَذَ البِلادَ جَمِيْعَها، وأخَذَ مِصْر.
قال: وحَدَّثَني مَوْلاي أبيّ، قال: كانت خِيَامُهُ من شَماليّ مَسْجِد مَرْج دَابِق إلى قَنَاطِر قِنَّسْرِيْن، أيّ مَوضِعٍ عَبَرْتَ فيه ورأيت السُّرَادِقَ والخِيَام قُلْتَ في هذه السُّلْطان.
وقال هَمَّامُ بن الفَضْل
(1)
: كانت خِيَامُ السُّلطان على المَعْشَرِيَّةِ
(2)
، وهي مُتَّصِلةٌ إلى الفُرات بعضُها ببعضٍ.
وقال: قال أبي: وحَدَّثَني وَزِيرُ تاج الدَّوْلَة أبو النَّجْم (b)، قال: شَرِبَ السُّلْطان على حَلَب وسَكِرَ، وضَلَّ رُشْدُه بالسُّكْر، فقال: هاتُوا الأَمِير البَدَوِيّ، يعني مَحْمُود،
(a) الأصل: حامل، وفوقها "صـ".
(b) كتب ابن العديم في الهامش: "هو أبو النجم بن بديع"، ونقله ناسخ ب في هامشها أيضًا.
_________
(1)
من تاريخه الذي جمعَهُ، وهو أبو غالب هَمَّام بن الفَضل بن جعفَر بن عليّ بن المُهذَّب، ذِكْر أنَّ كتابه هو عبارة عن تَذْكِرة كتبها ممَّا وجدَهُ في التَّواريخ المُتقدِّمة، وممَّا وجدهُ بخطِّ جدّ أبيه الشَّيخ أبي الحُسين عليّ بن المُهَذَّب بن أبي حامد محمّد بن هَمَّام بن أبي شهاب وغيره. انظر التّعريف بالكتاب ومؤلِّفه في الجزء الأوّل من الكتاب.
(2)
المعشرية: -والضبط أعلاه من المؤلِّف- موضع فيما بين حَلَب وحماة ذِكْر الأيوبي في خبر مسير السلطان صلاح الدين من حَلَب إلى دِمَشْقَ "أن النَّاس رحلوا متفرقين، فمنهم من سار على طريق المعشرية، ومنهم على طريق يمنع. . . ثمّ كان وصولهم إلى حماة". انظر: الأيوبي: مضمار الحقائق 151.
لأضْرب رَقَبتَهُ، فجاءَ الغِلْمَانُ إلى خُوَاجَا بُزُرْك وقالوا: قد قال السُّلْطان كَذَا وكذا، فمَضَى إليهِ خُوَاجَا بُزُرْك، وقال له: يا سُلْطان العَالَم، يَظْهَر عنك مثْل هذا، وكان السُّلْطان قد بلغَ منه السُّكْر، فضَرَبَهُ بالمَغْسَل الّذي في دَسْت الشَّرَاب، وقال: أُريدُه، ففَتَح أثرًا في وَجْهِهِ فمَضَى خُوَاجَا إلى جانب السُّرَادِق إلى خَاتُون، فقال: بَادِريْنا (a) يا خَاتُون وإلَّا السَّاعَة يتلف العَسْكَر ويَنْهب بعضُهُ بعضًا، كان كَذَا وكذا، فقامَت تَمْشِي إليهِ. فقال لها: خَاتُون ما جاءَ بك؟ فقالت: نَم أنْتَ سَكْران. وتفَرَّقُوا، فلمَّا أصْبَحت قالت له: ما تَحْتَشم؟ تَفْتَح عليك بابَ غَدْر! قال: لا إنْ شَاءَ اللّهُ! قالت: بَلى؛ البَارِحَةَ أردْتَ تُحْضر الأَمِير البَدَوِيّ وتَضْرب رَقَبتهُ، وأنْتَ قد أعْطَيْتَهُ أمانَكَ، هذا (b) وأنت تُريد تَفْتَح مِصْر وما دُوْنَها، وفعَلْتَ كَذَا وكَذَا بخُوَاجَا بُزُرْك! قال: واللّهِ ما معي عِلْم من هذا جَميْعه، ولمَّا حضر عنده خُوَاجَا قال له: يا حَسَنُ، ما هذا الأثَرُ في وَجْهكَ؟ فقال (c): يا سُلْطانَ العَالَم، هذا أثَر (d)، وقَعْتُ البَارِحَة وأنا خارج من خَيْمَتي ضَرَبني عَمُودُ الخَيْمَة، ولم يُعْلِمهُ بذلك، فاسْتَحْسَن النَّاسُ منه ذلك.
ثمّ رحَل السُّلْطان من حَلَب يُريدُ مِصْر، فرَحَل مَرْحَلَةً واحدةً فجاءهُ الخَبَرُ بأنَّ مَلِكَ الرُّوم ذيُوجانِس (e) قد خَرَج لمَّا رَأى البِلاد خَاليةً من العَسَاكِر، فرَحَل على أدْرَاجهِ يُرِيد مَلِكَ الرُّوم.
قَرأتُ بخَطِّ أبي غَالِب عَبْد الوَاحِدِ بن مَسْعُود بن الحُصَيْن
(1)
: سَارَ السُّلْطان ألْب أَرَسْلَان - يعني في سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة - إلى دِيَار بَكْر، فخرج إليهِ
(a) في الأصل، ب هكذا: يادرْنَا، والمثبت أقرب لأن يكون المُراد.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: قال.
(d) كذا في الأصل وب والنص فيهما متصل بلا انقطاع.
(e) قيَّده في الأصل في هذا الموضع بالذال المعجمة، وفي ب: بالدال.
_________
(1)
انظر التعريف بالكتاب ومؤلفه في الجزء الثالث.
نَصْر [الدَّولَة](a) ابن مَرْوَان وخَدَمَهُ بمائةِ ألف دِيْنار، وقَصَد حَلَب وحَاصَرَها، فخرج إليهِ مَحْمُود بن نَصْر ليلًا، ومعه والدتُه، فدَخَلا على السُّلْطان، فقالت له: هذا وَلَدِي فافْعَل به ما تُحبّ، ففَعل معه الجَمِيلَ، وخَلَعَ عليه.
وغَزَا السُّلْطانُ ألْب أَرَسْلَان بلادَ الرُّوم، وخَرَجَ أمرُ الخلَيفَة القَائِم إلى الخُطَبَاءِ على المَنَابِر بالدُّعَاءِ له بما صِيْغَتُه
(1)
: اللَّهُمَّ أَعْلِ رَايةَ الإسْلَام ونَاصِرِهِ، وادْحَض الشِّرْكَ بجَبِّ غَاربهِ، وقَطْع أوَاصِره، وامْدُد المُجَاهِدينَ في سَبِيلكَ، الّذين في طَاعَتك بنفُوسِهم سَمحُوا، وعلى مُتَابعَتك بمهُجَهم (b) فازُوا ورَبحُوا، بالعَوْن الّذي تُطِيل (c) بهِ باعَهُم، وتَمْلأُ بالأمْن والظَّفَر رباعَهُم، واحْبُ (d) شَاهَنْشَاه الأعْظَم بُرْهانَ أَمير المُؤْمنيْن بالنَّصْر الّذي تُنْشَرُ (e) بهِ أعْلَامُه، ويَسْتَبْشر (f) بمَكَانِه من اخْتِلَاف الظِّلَالِ (g) أَيَّامُهُ، وأَوْلِهِ من التَّأييدِ الضَّاحِكَة مَباسِمُه، القَائِمة أسْوَاقُهُ ومَوَاسِمُه، ما تَقْوَى (h) به في إعْزَاز دِيْنك يَدهُ، ويَقْضي (i) بأنْ يَشْفَع يَوْمَه (j) في الكُفَّار غَدُه، واجْعَل جُنُودَهُ بمَلائكتِكَ مَعْضُودَة، وعَزَائمهُ على اليُمْن والتَّوْفِيق مَعْقُودَة، فإنَّهُ قد هَجَر في كَريم مَرْضَاتكَ الدَّعَةَ، وتَاجركَ من بَذْلِ (k) المالِ والنَّفْس ما انتَهج فيه مَسَالكَ أوَامركَ المُمْتَثلة المُتَّبَعَة، فإنَّكَ تقُولُ، وقَوْلُكَ الحَقُّ:
(a) في الأصل: نَصْر بن مَرْوَان، وكتب ابن العديم في هامش الأصل:"الصواب: نَصْر الدَّوْلَة"، ونقله ناسخ ب أيضًا في الهامش.
(b) ابن الموصلايا والحسيني: وبمبايعتك مهجهم.
(c) ومثله في أصول كتاب الحسيني فأحالها المحقق إلى: يطول، وفي ب: تطبل.
(d) ابن الموصلايا: وأجب، الحسيني: وأجب السلطان. وما عند ابن العديم أظهر وأوْجه، وهي التي في أصل الحسيني فأثبتها المحقق بالجيم.
(e) ابن الموصلايا والحسيني: تستنير.
(f) مهملة في الأصل بهذا الرسم، والإعجام من ب وعند ابن الموصلايا: وتستنير، الحسيني: ويستيسر.
(g) ابن الموصلايا: من أخلاف الضلال. والعبارة عند الحسيني: ويستيسر مرامه.
(h) ابن الموصلايا: يُقَوِّي، الحسيني: يقوِّي إعزاز.
(i) الحسيني: ويقضي له.
(j) ابن الموصلايا: بيومه، الحسيني: بيومه من.
(k) الحسيني: وتاجر في بذل.
_________
(1)
الدعاء من إنشاء العلاء بن الحَسَن المَعْرُوف بابن الموصلايا، ونسخته ضمن رسائل ابن الموصلايا 232 - 233، وعند الحسيني: أخبار الدَّوْلَة السلجوقية 47 - 49.
(1)
.
اللَّهُمَّ فكما أجَابَ نداءَكَ (a) ولبَّاهُ، واجْتَنَبَ التَّثاقُّلَ عن السَّعْي في حِيَاطَة (b) الشَّريْعَةِ وأبَاهُ (c)، ولَاقَى أعْدَاءَك بنَفْسِه، ووَاصَل في الانْتِصَار لدِيْنك يَوْمه بأَمْسه، فأنت (d) اخْصُصْهُ بالظَّفَر، وأعِنْهُ في مقَاصِده بحُسْن مَجاري القَضَاءِ والقَدَر، وحُطْهُ (e) بحِرْزٍ يَدْرَأُ عنهُ من الأعْدَاءِ (f) كُلّ كَيْد، ويَشْمَله من جَمِيْل صُنْعكَ (g) بأقْوَى أَيْد، ويَسِّرْ له كُلَّ مَرَام يُحَاولُه، ومطْلَب يَرُومُه (h) ويُزَاولُهُ، حتَّى تكُون نَهْضَتهُ (i) المَيْمُونَة عن النَّصْر مُسْفرة، ومُقْلَة أحْزَاب الشِّرْك (j) مع إصْرَارهم على الضَّلَالِ غير مُبْصرة، فابْتَهِلُوا مَعَاشِرَ المُسْلمِيْن إلى اللّه تعالى في الدُّعَاءِ (k) له بنِّيَّةٍ صَافيَة (l)، وعَزِيْمَةٍ صَادِقة، وقُلُوب خَاشِعَة، وعَقَائد في ريَاض الإخْلَاص (m) رَاتِعة، ووَاصِلُوا الرَّغْبَة إلى اللّه (n) في إعْزَاز جانبهِ، وفَلِّ غَرْب مُجَانبهِ، وإعْلَاءِ رَايَتِه، وإنالتَه من الظَّفَر أقْصَى حَدِّه وغَايَتهِ (o).
وأنفَذ السُّلْطانُ في مُقدِّمته أحَدَ الحُجَّاب، فصَادَفَ عند خِلَاط صَلِيبًا تحتَهُ مُقَدَّمُ (p) الرُّوْسيَّة في عَشْرة آلاف من الرُّوم، فحاربُوهم، وأعْطَى الله المُسْلمِيْن النَّصْرَ عليهم، فأُخِذَ الصَّلِيب، وأُسِرَ المُقَدَّم، وتقاربَ السُّلْطانُ وعَظيمُ الرُّوم في
(a) ابن الموصلايا والحسيني: نداك.
(b) ابن الموصلايا: حياطته.
(c) الحسيني: وأتاه.
(d) الأصل، ب: أنت، والمثبت من ابن الموصلايا والحسيني.
(e) ب: وخطه، ولم ترد عند الحسيني.
(f) ابن الموصلايا: عنه للأعداء.
(g) الحسيني: صفاتك.
(h) ابن الموصلايا والحسيني: يؤمه.
(i) ب: مضرته.
(j) الحسيني: أرباب الشرك لسبل إرشاد، وبعده عند ابن الموصلايا: لسبل النجاة.
(k) الحسيني: بالدعاء.
(l) ب: صادقة.
(m) ابن الموصلايا: الخلوص، الحسيني: الخلوص رائعة، ورد بعده عندهما:"فإن اللّه سبحانه يقول {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} ".
(n) ابن الموصلايا والحسيني. اللّه تعالى.
(a) بعده عند ابن الموصلايا والحسيني: وتيسير المصاعب لديه وإذلال الشرك بين يديه.
(o) الأصل: مقدم.
_________
(1)
سورة الصف، الآية 10 - 11.
مكان يُعْرَفُ بالزّهْرَة (a) بين خِلَاط ومَنَازِكْرْد في يَوْم الأرْبَعَاء خامس (b) ذي القَعْدَة، وكان السُّلْطانُ في خَمْسةَ عَشرَ ألفًا، وصاحبُ الرُّوم في مَائِيْنَ أُلُوف.
ورَاسَل السُّلْطانُ مَلِكَ الرُّوم
(1)
في الهُدْنَةِ، فقال مَلِك الرُّوْم: لا هُدْنَة (c) إلَّا بالرَّيّ، فعَزَم اللّه على السُّلْطان على الرّشْد، ولَقِيَهُ يَوْم الجُمُعَة وقْت الزَّوَال، وهو سَابعُ ذي القَعْدَة، وأعْطَى اللّه المُسْلِمِيْن النَّصْر فقَتلُوا منهم قَتْلًا ذَريعًا، وأُسِرَ مَلِك الرُّوم، وضَرَبَهُ ألْب أَرَسْلَان ثلاث مَقَارِع، وقطعَ عليهٍ ألْفَ ألف وخَمْسِمائَة ألف دِيْنار، وأيّ وَقْتٍ طَلَبَ السُّلْطانُ عَسَاكِرَ الرُّوم نَفَّذَها مَلِكُهم إليهِ، وأنْ يسُلِّم كُل أسِيْر من المُسْلمِيْن عنده (d).
ذَكَرَ صَاحِبُ كتَاب مَلِك نَامَه
(2)
الّذي صنَّفهُ لألْب أَرَسْلَان مُحَمَّد بن دَاوُد أنَّهُ اسْتَفَادَ أَنْسَابَهُم وأحْسَابَهُم من الأَمِير إِينْانج بك، إذْ كان أسَنَّ القَوْم وأعْرفهُم بأنْسَابهم وأحْسَابهم، قال: كان الأَمِيرُ سَلْجُوق بن دُقَاق من أعْيَان تُرْك خَزَر، وكان دُقَاقُ يُلَقَّبُ بتَمر بَالغ أي: شَدِيد القَوْس.
قال إِيْنَانج بك (e): لمَّا مَرَّ زَمان على الأَمِير دُقَاق، وُلد له مَوْلُود مُبَارَك
(a) في زبدة الحلب 1: 366: الرهوة.
(b) الحسيني: أخبار الدَّوْلَة السلجوقية 49: خامس عشر ذي القعدة، والمثبت موافق لمجريات الأحداث اليومية التي نتبعها المؤلِّف في كتابه زبدة الحلب 1:266.
(c) قوله: "فقال ملك الرُّوم لا هدنة" ساقط من ب.
(d) ساقطة من ب، والصفحة بعده في الأصل بياض بأكملها.
(e) ب: اينارنج بك.
_________
(1)
هو رومانوس ديوجين (ت 464 هـ). دونالد نيكول: مُعْجَمُ التراجم الكتاب البيزنطية 122 - 123. وانظر الخبر عند ابن الأثير: الكامل 10: 65 - 66، المنتظم 16: 124، الحسيني: أخبار الدَّوْلَة السلجوقية (زبدة التواريخ) 49، تاريخ الإسلام 10: 213، ابن خلدون 9: 66.
(2)
كتابٌ مفقود، تقف أخباره عند معركة داندقان، وفيه معلومات دقيقة وتفصيلية عن حياة كل من جغري بك وألب أرسلان. انظر: كلود كاهن: أعمال التأريخ للعصر السلجوقيّ، (مقال منشور ضمن كتاب مؤرخ العَرَب والإسلام، هولت، تَرْجَمَة زُهَيْر زكار، دِمَشْقَ: دار التكوين، 2008 م)، ص 114.
سمَّاه سَلْجُوقًا، وكان يُلَقِّبه بسُبَاشِي
(1)
، يعني: مُقَدَّم الجَيْش، وكان لسَلْجُوق أرْبعة أوْلَاد: مِيْكائِيل، ومُوسَى، وأَرَسْلَان المُلَقَّب بيَبْغُو أكلان، وآخر تُوفِّي في زَمان شَبَابهِ.
وكان للأمير مِيْكائِيل بن سَلْجُوق ولدان: طُغْرِلبِك، ودَاوُد جَغْرِي بك، فعَلَى هذا يكُون ألْب (a) أَرَسْلَان مُحَمَّد بن جَغْرِي دَاوُد بن مِيْكائِيل بن سَلْجُوق بن دُقَاق.
وقَراتُ في بعض التَّوَاريخ
(2)
: أنَّ أباه جَغْرِي بك عَهِدَ إليهِ في سَنَة إحْدَى وخَمْسِين وأرْبَعِمائة حين مَرض باليَرَقَان، وضَعُف مَزَاجُه، وجَهَّز إليهِ السُّلْطان مَوْدُود جَيْشًا إلى خُرَاسَان، ففوَّض وِلَايَة عَهْده إلى ابْنِه ألْب أَرَسْلَان، فأقام ألْب أَرَسْلَان ببَلْخ مُدَّةً حتَّى انْكَشَفثْ عنهُ وَعْثاءُ السَّفَر.
ولمَّا سَمِعَ مَوْدُود بذلك جَمعَ الجُنُود ولَزمُوا مكانَهُمِ، فحَمَل عليهم السُّلْطانُ ألْب أَرَسْلَان حَمْلَةً ساق التَّقْدير منها إلى جُيُوش غَزْنة قَتْلًا ذَرِيعًا، وانْهزامًا سَرِيعًا، وأَسَر ألْب أَرَسْلَان ألفَ رَجُل من القُوَّادِ، وغَنِم من الخَيْلِ والسِّلاح ما لا يَدْخُل في الحِسَاب، فلمَّا دَخَلَ على أبيهِ جَغْرِي بك سُرَّ بذلك وزَالَ مَرَضُهُ، ثمّ سَار بعد ذلك جَغْرِي بك وألْب أَرَسْلَان إلى تِرْمِذ ووالي القَلْعَة بها الكَاتِب البَيْهَقِيّ، فخَرَجَ منها، وتَوَجَّه إلى غَزْنَة، وسَلَّها إلى جَغْرِي بك، ففوَّض جَغْرِي بك وِلَايَة بَلْخ وطَخَيْرستَان وتِرْمِذ ووَخْش ووَلْوَالِج (b) إلى ألْب أَرَسْلَان، وشَدَّ أزْرَهُ بوِزَارَة أبي (c) عليّ بن شَاذَان، فعمر بلادَهُ بحُسْن كفَايَتهِ، ولمَّا قَرُبَ مَوْتُه
(a) ساقطة من ب.
(b) ب: ووالج.
(c) ساقطة من ب.
_________
(1)
الضبط من تاريخ ابن خلدون 9: 8، ومعناه عنده: قائد الجيش.
(2)
قارن بالحسيني: أخبار الدَّوْلَة السلجوقية 27، ولعل النقل عنه بتصرف.
سَأل ألْب أَرَسْلَان أنْ يُفَوِّض الوِزَارَة بعده إلى نِظَام المُلْك.
ثُمَّ وَرَدَ خَاقَانُ التُّرْك تِرْمِذ وخرَّبها ونَهَبَهَا، فطَرَدَهُ ألْب أَرَسْلَان عنها، فمَضَى الخَاقَان وخيَّم على جَيْحُون من جَانب بُخَارَى، وطَلَبَ المُصَالَحَة؛ مُصَالَحَة جَغْرِي بك، واجْتَمع به، ثمّ افْتَرَقا، وأثَّر المَرَضُ في جَغْرِي بك، وزادَ ضَعْفُه (a)، وكان عُمْرُهُ سَبْعِين سَنَةً، فقَضَى نَحْبَهُ في صَفَر سَنَة اثْنَتَيْن وخَمْسِين وأرْبَعِمائة في سَرْخَس، وقامَ مقامَهُ في المُلْك السُّلْطان ألْب (b) أَرَسْلَان، وكان مَلِكْشاه حينئذ ابن سِتّ سِنيْن، وعاشَ طُغْرِلبِك السُّلْطان بعد (c) جَغْرِي بك ثلاث سنين.
قَرَأتُ في كتابِ الرَّبيع، تأليفُ غَرْس النِّعْمَة أبي الحَسَن مُحَمَّد بن هِلِّل بن المحسِّن بن إبْراهيم بن هِلِّل الصَّابِئ، وأخْبَرَنَا به أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّطِيْف بن يُوسُف بن عليّ البَغْدَاديّ وغيره إجَازَةً، عن أبي الفَتْحِ مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي بن البَطِّيّ، قال: أنْبَأنَا أبو عَبْد اللّه الحُمَيْدِيّ، قال: أخْبَرَنا غَرْسُ النِّعْمَةِ أبو الحَسَن، قال: حَدَّثني بعضُ الخُرَاسَانيَّةِ، قال: خَرَج ألْب أَرَسْلَان بن دَاوُد، المُلَقَّبُ عَضُد الدَّوْلَة، وهو صَبيٌّ إلى الصَّيْد فرأي شَيْخًا ضَعِيْفًا على رَأسِه شَوْكٌ قد قَطَعَهُ وتعبَ به، وهو ذا يُقَاسِي من حَمْلِهِ شِدَّةً وصُعُوبَةً، فقال له: يا شَيْخُ، قال: لَبَّيْكَ، قال: أتُحبُّ أنْ أُريْحَكَ ممَّا أنتَ فيه من هذا الكَدِّ والتَّعَبِ (d) والنَّصَب مع الشَّيْخُوخَة وكِبَر السِّنّ؟ فظَّنَ الشَّوْكِيُّ أنَّهُ يُعْطِيْه ما يُكْفهِ به عن ذاك ويُعِيْنُهُ (e)، فقال: إيْ واللّهِ يا مَوْلايّ، فرَماهُ بنُشَّابَةٍ قتلَتْهُ مكانَهُ!.
وهذا صَدَرَ من ألْب أَرَسْلَان في حال الصُّبُوَّة والجَهْل، وحملَهُ عليه سُكْر الشَّبَاب، أمَّا في حالة اكْتِهَاله واسْتِقرَاره في المُلْك، فكان من أعْدَلِ المُلُوك وأحْسَنهم سِيْرة، وأرْغَبِهم في الجِهَادِ ونُصْرة الدِّين.
(a) ب: مرضه.
(b) ساقطة من ب، وفيها: السلطان الملك أرسلان.
(c) ساقطة من ب.
(d) ساقطة من ب.
(e) ب: أنَّه يعطيه ما يغنيه به.
قَرَأتُ في مُنْتَخَبٍ من كتاب زُبْدَة التَّوَاريخ للأميْر أبي الحَسَن عليّ بن الشَّهِيْد أبى الفَوَارِس نَاصِر بن عليّ الحُسَيْنيّ
(1)
، قال: لمَّا اسْتَبَدَّ السُّلْطان ألْب أرسْلَان بالأمْر، واسْتَوَى على سَرير المُلْك، بَسَطَ على الرَّعَايا جَنَاحَ العَدْلِ، ومَدَّ عليهم ظلَّ الرَّأفَة والبَذْلِ، وقَنعِ من الرَّعَايا بالخَرَاج الأصْليّ في نَوْبَتَين من كُلِّ سَنَة، وكان يَتَصَدَّق في كُلِّ سَنَةٍ في شَهْر رَمَضَان بأربعة آلاف دِيْنارٍ ببَلْخ، وألف بمَرْو، وألف بهَرَاة، وألف بنَيْسَابُور، ويَتَصَدَّق بعَشرة آلاف دينارٍ في حَضْرته.
وكَتَبَ السُّعَاةُ إليهِ سِعَايةً بنِظَام المُلْك (a)، وتَعَرُّفًا بمكَاسِبهِ، ووضَعُوه على طَرَف مُصَلَّاهُ، فدَعا السُّلْطانُ نِظَامَ المُلْك وقال له: خُذْ هذا الكتابَ، فإنْ صَدَقُوا فيما كَتَبُوه فهَذِّب أخْلاقكَ، وأَصْلِح أحْوَالكَ، وإنْ كَذَبُوا فاغْفِر للجَارِم (b)، واشْغل السَّاعِي بمُهِمٍّ من مُهمَّات الدِّيْوَان حتَّى يُعْرِض عن الكَذِب والبُهْتَان.
قَرأتُ بخَطِّ أبي غَالِب بن الحُصَيْن: في شَهْر رَمَضَان - يعني من سَنَة ستّ وخَمْسِين وأرْبَعمائة - وصَل رِكَابيٌّ من تِبْرِبن بكتابٍ من (c) نِظَام المُلْك يُخْبر أنَّ السُّلْطان ألْب أَرَسْلَان أوْغَل في الغَزَاة ببلادِ الخَزَر، وبَلَغَ حيثُ لَم يبلغُ أحدٌ من المُلُوِك، وافْتَتَح بَلَدًا عَظيْمًا يُسَمَّى أسبيذ شَهْر (d)، وقَتَل نحو ثلاثين ألف رَجُل، وسَبَى ما يُوْفي على خَمْسِين ألف مَمْلُوك، وهَادَن مَلِكَ الأَبْخَاز، وعاد من ذلك الثَّغْر، ونَزَلَ على مَدِينَة آنِي من بلاد الرُّوم (e)، ففَتَحَها عَنْوَةً، وهي مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ تَشْتَمِل على سَبْعمائة ألف دارٍ، وأَسَرَ منه خَمْسمائة ألف إنْسَان.
(a) الحسيني: نظام الملك الوزير.
(b) الحسيني: المجازم!.
(c) ساقطة من ب.
(d) في الأصل: أسد شهر، والإعجام من كتاب أخبار الدَّوْلَة السلجوقية لحسيني 36 والعبر لابن خلدون 9: 63: وفيهما: سبيذ شهر.
(e) عند ياقوت: آني من بلاد أرمينبة؛ بين خلاط وكنجة. مُعْجَمُ البلدان 1: 59، وانظر وصف البلدة وحصانة سورها عند الحسيني: أخبار الدَّوْلَة السلجوقية 39، وابن خلدون: العبر 9: 63 - 64.
_________
(1)
الحسيني: أخبار الدَّوْلَة السلجوقية (زبدة التواريخ) 29 - 30.
قال: وهو أوَّلُ مَنْ ذُكِرَ على مَنَابِر مَدِينَة السَّلام بالسُّلْطان عَضُدِ الدِّين ألْب أَرَسْلَان.
وقَرأتُ بخَطِّ أبي غَالِب أيضًا: سَنَة خَمْسٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة، في أوَّلها غَزَا السُّلْطان ألْب أَرَسْلَان جَيْحُون، وكان معه زِيَادَة على مائتي ألف فارس، وعَبَرَ عَسْكَرُه إليهم في نَيف وعِشْرين يَوْمًا من صَفَر، وكان قد قَصَدَهُ شَمْسُ المُلُوك تِكِيْن بن طُمْغَاج
(1)
، وأتاهُ وأصْحَابه بمُسْتَحْفِظ قَلْعَة يُعْرَفُ بيُوسُف الخُوارَزْمِيِّ، وحُمِلَ إلى قُرْب سَرِيْره، وهو مع غُلَامَيْن، فتقدَّم بأنْ يُضْرب له أرْبَعة أوْتاد، وتُشَدّ أطْرَافُه إليها، فقال: يا مُخَنَّث، مثْلي يُقْتَل هذه القَتْلة! فاحْتَدَّ السُّلْطان ألْب أَرَسْلَان، وأخَذَ القَوْسَ والنُّشَّابَة، وحَرِصَ (a) على قَتْله، وقال للغُلَامَيْن: خَلِّياهُ، فخَلَّيَاهُ ورَمَاهُ، فأخْطَأهُ، ولم تُخْطئ له قَطُّ نُشَّابَة غير هذه، فعَدَا يُوسُف إليهِ، وكان السُّلْطانُ جالِسًا على سُدَّة، فنَهَض ونَزَل فعَثَر ووَقعَ على وَجْهِهِ، وقد وصَلَهُ يُوسُف فبَرَك عليه وضَرَبَهُ بسِكِّين كانت معه في خَاصِرتِه، ودَخَل السُّلْطان إلى خَيْمته وهو مُثْقَل، ولَحِقَ بعضُ الفَرَّاشين يُوسُفَ فقَتَلَهُ بمَرْوَةٍ (b) كانت في يده، وقَضَى ألْب أَرَسْلَان نَحْبَهُ، وجُلِسَ للعَزَاء به ببَغْدَاد في ثامن جُمَادَى الآخرة، ومولدُه سَنَة أرْبَعٍ وعشرين وأرْبَعِمائة، وبَلَغ من العُمر أرْبعيْن سنةً وشَهْرين. ودُفِنَ السُّلْطان ألْب أَرَسْلَان عند قَبر أبيه بمَرْو.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بنُ الفَضْل بن عَبْدِ المُطَّلِب الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، قال: مَلَكَ البِلاد ألْب أَرَسْلَان
(a) ب: وعرض.
(b) الحسيني: أخبار الدَّوْلَة السلجوقية 54: بمرزبة، تاريخ ابن خلدون 9: 70: بخنجر.
_________
(1)
هو أبو العالي الحَسَن بن عليّ بن عبد المؤمن، ويُعرف بحسن طمغاج. الحسيني: أخبار الدَّوْلَة السلجوقية 53 (والخبر فيه)، وسماه ابن خلدون (العبر 9: 69 - 70): شمس الملك ألتكين.
وهو مُحَمَّدُ بن دَاوُد، كَسَر قُتَلْمش بدِيه نَمَك (a) في ذِي الحِجَّة سَنَة خَمْسٍ وخَمْسِين، واسْتَخْلَصَ المُلْك، وغَزَا الرُّوم في شَعْبان سَنَة ثَلاثٍ وسِتَّين، وكَسَرَ الرُّوم، وأَسَر مَلِكهُم، ونُودي عليه في السُّوق، ثمّ مَنَّ عليه وخَلَّاه، ورَدَّهُ إلى مُلْكه، وقُتِل ببُلَيْدَة يُقالُ لها: نَرَزْم (b)؛ على طَرَف جَيْحُون، سَلْخ صَفَر، أو غُرَّة شهر رَبيع الأوَّل سَنَة خَمْسٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة، وحُمِلَ إلى مَرْو، ودُفِنَ بجَنْب أبيهِ.
أنْبَأنَا عُمَرُ بن طَبَرْزَد، عن أبي القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، عن مُحَمَّد بن هِلِّل، قال: حَدَّثني أبو الحَسَن البُصْرَوِيّ الشَّاعر، قال: رأيْتُ أبا طَاهِر بن أبي قِيْرَاط العَلَويّ في المَنَام وأنا أقُول له: ما فَعَلَ اللّهُ تعالى بك؟ وكُنْتُ أعْلَم فَسَادَ اعْتِقَاده، فلم يُجبْنيّ، فلمَّا كَرَّرت عليه القَوْل وهو على حَالهِ في تَرْك الإجَابَة قال لي: دَعْ عنك هذا فقد ضَرَبَ اللّهُ نَيْسَابُور اثْنَين وسَبْعِين عَصَا، وانْتَبَهْتُ، ففَسَّرته على بعض مَنْ يَدْخُل إليَّ ممَّن له بذاك مَعْرفَة، فقال: عُدَّ يا سَيِّدَنا اثنَيْن وسَبْعِين يوْمًا وانْظُر ما يتجدَّد بنَيْسَابُور. فكان قَتْل عَضُد الدَّوْلَةِ ألْب أَرَسْلَان بن دَاوُد سُلْطانها على جَيْحُون في الجانب الشَّرْقيّ، وقد عَبَرَ لقِتَالِ شَمْس المُلْك بن بُوْرِيجان (c) صاحب سَمَرْقَنْد وبُخَارَى وتلك الأعْمَال في اليَوْم الثَّالث والسَّبْعين من المَنَام، وكان ذلك عَجيْبًا، ويُقالُ إنَّ أهل بُخَارَى وسَمَرْقَنْد وما يُتَاخِمُها من الأعْمَال اجتمعُوا بسَمَرْقَنْد لمَّا أظلَّتهُم من عَسَاكِر ألْب أَرَسْلَان، وكانت عَظِيمَة، والأكْثَر يَقُول: إنَّها قاربت مائتي ألف فارس، وأنَّهُ (d) لم يَكُن لسُلْطَانهم ولهم به قُوَّة، وبدأ الاجْتياحُ والنَّهْب
(a) تقدّم تقييدها: دِه نَمَك، وهي المعروفة بقصر الملح قرب خوار الري. ياقوت: مُعْجَمُ البلدان 5: 191.
(b) ب: برزم، وقد ذَكَرَها ناصر الدين المطرزي بالنون: نرزم، من معابر جيحون من ناحية بخارى، وضبطها بفتحتين وسكون الزاي. انظر: المغرب في ترتيب المعرب 2: 39.
(c) مهملة في الأصل، وتأتي فيما بعد بإعجام الجيم فقط، والمثبت من ب، وسماه الحسيني في أخبار الدَّوْلَة السلجوقية 56 وما بعدها:"شمس الملوك صاحب طمغاج"، وعند ابن الأثير (الكامل 10: 73، 77):"شمس الملك تكين"؛ والذّهبيّ (تاريخ الإسلام 10: 213): "شمس الملك تكين بن طمغاج"، وعند ابن خلدون (العبر 9: 69 - 70): "شمس الملك ألتكين".
(d) الأصل، ب: وأن.
في الأعْمَال، وباتَ صُلَحَاءُ النَّاس بسَمَرْقَنْد في الجَامِع مُدَّة أسْبُوع يَصُومُون ويُفْطِرون على الرَّمَادِ والمِلْح، ويَدْعُون اللّه كفايتَهم ما قد أظلَّهم، وأمْرُ مَنْ قد قَصَدَهُم، فلم تَنْسلخ أيَّام الأسْبُوع حتَّى وَرَدَ إليهم خَبَر قَتْله، وأنَّ يُوسُفَ - أحد أصْحَاب شَمْس المُلْك - لمَّا أُخِذَ منِ قَلْعَة هناك أُحْضر بينَ يَدَيْهِ، فتهدَّدَهُ وتوعَّده، ثمّ ضَرَب إليهِ نُشَّابةً، وقال لغُلَاميْن [تُرْكيَّيْن] (a) كانا يمسكانه: خَلِّياه ورَمَاه فلم يُصِبْهُ، وعَدَا إليهِ يُوسُف فبَرَك عليه وجَرَحه بسِكِّين كانت في خُفِّه جراحةً عاش منها ثلاثة أيَّام ومات.
ألْب أَرَسْلَان - ويُسَمَّى مُحَمَّدًا أيضًا - ابن رِضْوَان بنُ تُتُش بن ألْب أَرَسْلَان بن جَغْرِي بك بن سُلْجُوق بِن تُقَاق، أبو شُجَاعَ، المُلَقَّب تاج الدَّولَة الأخْرَس
(1)
وألْب أَرَسْلَان الّذي قَدَّمْنا ذِكْره
(2)
جَدُّ أبيهِ.
مَلَكَ حَلَبَ حين مات أبُوه رِضْوَانُ وهو صَبيٌّ، وتولَّى تَدْبِيرَ أمْره خَادِمٌ أبيضُ كان من خَدَم أبيه اسْمُه لُؤْلُؤ ويُعْرَفُ باليَايَا، فلم تتمّ له سَنَة حتَّى قَتَلهُ غِلْمَانه بالمَرْكز من قَلْعَة حَلَب، ووافقهُم على ذلك لُؤْلُؤ اليَايَا.
وكان أَلْثغَ لا يُحْسنُ الكَلَام؛ فدُعِيَ بالأخْرَس لذلك. وكان مُهَوَّرًا قليل العَقْل، سَفَّاكًا للدَّم، مُنْهَمِكًا في المَعَاصِي.
(a) الأصل، ب: أتراكًا، وفوقه في الأصل "صـ".
_________
(1)
توفي سنة 508 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 9: 204 - 205، ابن الأثير: الكامل 10: 499، 508، 531 زبدة الحلب 1: 373 - 377، تاريخ الإسلام 11: 111 (وفيه: ألب رسلان)، العبر في خبر مَن غبر 3: 392، الوافي بالوفيات 9: 350، تاريخ ابن الوردي 2: 38، ابن كثير، البداية والنهاية 12: 178، شذرات الذَّهب 6: 37، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 97 - 98.
(2)
هو المترجم له قبله.
سَمِعْتُ وَالدِيّ، يرَحِمَهُ اللّهُ، يقُول: جَمعَ تاجُ الدَّوْلَة الأخْرَسُ ابن رِضْوَان جَمَاعَة من الأُمَراء والأجْنَادِ وأدْخَلهُم إلى مَوضِع بالقَلْعَة شبيهٍ بالسِّرْداب أو المَصْنعَ لينظرُوه، فلمَّا حصَلُوا كلّهُم فيه قال لهم: أيْشٍ تقُولونَ فيمَن يَضْربُ رقابَكُم كُلَّكم هَا هُنا، فتضَرَّعوا إليهِ، وأيْقَنُوا بالقَتْل، وقالوا: يا مَوْلَانا، نحن مَمَالِيْكُك وبحُكْمك، وخَضَعُوا له حتَّى أخْرَجَهم، ثمّ إنَّهم خَافُوا على أنْفُسهم منه فاجْمَعُوا على قَتْله فقَتلُوه.
وقال لي الأَمِيرُ بَدْرَانُ ابن جَنَاح الدَّوْلةَ حُسَيْن بن مَالِك بن سَالَم: كان جَدِّي مَالكٌ من جُمْلَةِ الأُمَرَاءِ الذّين فَعَل بهم (a) ذلك، فلمَّا نَزَل من القَلْعَة سَار عن حَلَب إلى قلعَة جَعْبَر، وتَرَك المقام بحَلَبَ خَوْفًا على نَفْسهِ.
قال: ومَضَى أكْثر الأُمَرَاء من حَلَب من خِدْمته إلى أنْ قُتِلَ؛ عَمِلَ عليه لُؤْلُوٌ الخَادِمُ مَمْلُوكُ أبيهِ مع جَمَاعَةٍ من الأُمَرَاءَ، فقَتلُوه.
قال: ثُمّ إنَّ لُؤْلُؤ خَافَ فأخَذَ الأمْوَال منِ قَلْعَة حَلَب، وسَار طَالِبًا بلاد الشَّرْق، فلمَّا وصَل إلى دَيْر حَافر قال سُنْقُر الجَكَرْمشيّ: تَتْركونَهُ يقْتُلُ تاجَ الدَّولَة، ويأخُذُ الأمْوَال، ويَمْضِي! فصَاح بالتُّرْكِيّة - يعني: الأرْنَب الأرْنب، فضَرَبُوه بالسِّهَام فقَتَلُوه.
قال: ولمَّا هَرَب لُؤْلُؤ أقامت القَلْعَةُ في يَدِ آمِنَة خَاتُون بنت رِضْوَان يَوْمَيْن، فلمَّا قُتِلَ لؤلُؤ، مَلَّكوا سُلْطان شَاه بن رِضْوَان. هكذا قال لي.
ولُؤْلُؤ هو الّذي نَصَب سُلْطان شاه بعد قَتْل أخيه، وبقي سَنَة وثَمانية أشْهُر يُدَبِّر دَوْلَته.
(a) ب: فيهم.
وقَرَأتُ في كتابِ عُنْوَان السِّيَر، تأليفُ مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك الهَمَذَانيّ
(1)
، قال: وولي بعدَهُ - يعني رِضْوَان - أبَو شُجَاع مُحَمَّد بن رِضْوَان، وكان لا يُحْسنُ أنْ يَتَكلَّم، واسْتَولَى على حَلَب وله من العُمْر تِسْع عَشرةَ سَنَةً، وقَتَلَ خَلْقًا من أصْحَاب أبيهِ، فاغْتَالَهُ خَادِمٌ كان خَصِيْصًا به اسْمُه لُؤْلُؤ، في رَجَب سَنَة ثَمانٍ وخَمْسِمائَة، وكان مُلْكُه بحَلَب سَنَةً واحدةً.
قال لي بَدْارِن بن حُسَيْن بن مَاِلك: بَلَغَني أنَّ تاج الدَّوْلَة الأخْرَس خَرَجَ يَوْمًا إلى عَيْن المُبارَكَة، ونَصَب بها خَيْمَةً، وأخَذَ معه أرْبَعيْن جَارِيَةً، ووطئَهُنَّ كُلّهُنَّ في ذلك اليَوْم.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّدُ بن هِبَةِ اللّه بن مُحَمَّد القَاضِيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيُّ
(2)
، قال: ألْب أَرَسْلَان (a) بن رِضْوَان بن تُتُش بن ألْب أَرَسْلَان التُّرْكِيِّ، وَلِيَ إِمْرَة حَلَب بعدَ مَوْت أبيهِ رِضْوَان في جُمَادَى الآخرة سَنَة سَبْعٍ وخَمْسِمائَة وهو صَبيٌّ عُمْرُه سِتّ عَشْرةَ سَنَةً، وتَولَّى تَدْبِير أمْره خَادِمٌ لأبيهِ اسْمُه لُؤْلُؤ (b)، ورفَع عن أهْل حَلَبَ بعضَ ما كان جُدِّد عليهم من الكُلَف، وقَتَل أخوَيهِ مَلِك شَاه وميريجا (c)، وقَتَلَ جَمَاعَةً من البَاطِنِيَّة، وكانت دَعْوتُهم قد ظَهَرت في حَلَب في أيَّامِ أبيهِ، ثمّ كاتَب طُغْتُكِيْن أميرَ دِمَشْق، ورغبَ في اسْتِعْطافه، فأجابَهُ طُغْتُكيْن إلى ذلك، ودعا له (d) على مِنْبَر دِمَشْق في شَهْر رَمَضَان من هذه السَّنَة، ثمّ قَدِمَ ألْب أَرَسْلَان في هذا الشَّهْر دِمشْق، وتلقَّاهُ طُغْتكِيْن
(a) ابن عساكر والذّهبيّ في تاريخ حيثما يرد تاليًا: ألب رسلان.
(b) ابن عساكر: لُؤْلُؤ البابا، تاريخ الذّهبيّ: البابا لُؤْلُؤ.
(c) في الأصل وب بهذا الرسم مهملًا، ويذكره في الأصل فيما بعد بإعجام الجيم فقط، وعند ابن عساكر: ميركاد، وعند ابن القلانسي: ذيل تاريخ دِمَشْق 189: شقيقه ملكشاه وأخوه مبارك من أسه وجارية، وزبدة الحلب 1: 373: ملك شاه ومبارك، وفي العبر لابن خلدون 9: 475: "ولأول ملكه قتل أخويه، وكان ملكشاه منهما شقيقه".
(d) تاريخ ابن عساكر: ودُعي له.
_________
(1)
قطع تاريخية من كتاب عنوان السير 262.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 204.
وأهْلُ دِمَشْق في أحْسَن زيّ وأنْزلَهُ في قلعَةِ دِمَشْق، وبالغ في إكْرَامِه، فأقامَ بها أيَّامًا، ثمّ عاد إلى حَلَب في أوَّل شَوَّال، وصَحِبَهُ طُغْتُكِين، فلمَّا وَصَل حَلَب لم يَر (a) طُغْتكِيْن ما يُحبُّ ففَارَقَهُ وعاد إلى دِمَشْق.
وسَاءَتْ سِيْرةُ ألْب أَرَسْلَان بحَلَبَ، وانْهَمَكَ في المَعَاصِي واغْتِصَاب الحُرَمِ، وخَافَهُ لؤلُؤ اليَايَا (b)، فقتَلَهُ بقَلْعَة حَلَب في الثَّاني من شَهر ربيع الآخرة من سَنَة ثَمانٍ وخَمْسِمائَة، ونَصَبَ أخًا له طِفْلًا عُمْرهُ سِتُّ سنين، وبقي لؤلُؤ بحَلَب إلى أنْ قُتِلَ في آخر سَنَة عَشْر وخمْسِمائَة (c).
قَراتُ في مُدْرَجٍ وَقَعَ إليَّ بخَطِّ العَضُد مُرْهَف بن أُسامَة بن مُنْقِذ فيه تَعَاليْقِ من الحَوَادِث في السِّنِيْن، قال: وفيها - يعني سَنَة ثَمانٍ وخَمْسِمائَة - قُتِلَ الأخرسُ ابن المَلِك رِضْوَان في يَوْم الاثْنَين خامِس شَهْر رَبيع الآخر.
قُلتُ: ومن العَجَب العَجِيب، الّذي فيه عِبْرَة لكُلِّ أَريب، أنَّ رِضوَان لمَّا مَلَك حَلَبَ قَتَل أخَوين كانا له
(1)
، فقُوبِلَ في عَقبهِ، فلمَّا ولي ألْب أَرَسْلَان قتَلَ أخَوَيه ابني رِضْوَان.
نَقَلْتُ من خَطِّ أبي عبد الله مُحَمَّد بن علي العظيميّ
(2)
، وأنْبَأنَا بهِ أبو اليُمْن الكِنْدِيّ عنه، قال: سَنَة سَبع وخَمْسِمائَة، فيها ماتَ المَلِكُ رِضْوَان (d) بحَلَب، وجَلَسَ مَوضِعَهُ ولدُه تاجُ المُلُوك ألْب أَرَسْلَان، وصار أتَابِكه لُؤْلُؤ الخادِم، وقَتَلوا
(a) تاريخ ابن عساكر: لم ير منه.
(b) تاريخ ابن عساكر: البابا.
(c) تاريخ ابن عساكر: ببالس.
(d) ب: رضوان رحمه الله.
_________
(1)
هما: أبو طالب وبهرام، يأتي ذكر ذلك في ترجمة رضوان بن نتش (الجزء الثامن)، وانظر: سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 30: 66، والعبر لابن خلدون 9:475.
(2)
النقل عن كتاب العظييي الضائع: المُؤصّل على الأصل الموصَّل، وانظر بعض كلامه في كتابه الآخر: تاريخ حلب 366.
من الخَدَم والخَوَاصّ جَمْعًا حتَّى اسْتَقام أمْرهم، وقَبَضَ على إخْوته.
وفيها قَتَلَ تاجُ الدَّوْلَة ابن المَلِك رِضْوَان أخَوَيهِ: مَلِك شَاه وإبْرهيم؛ صَبِيَين أحْسَن النَّاس صُوَرًا، وقَتَلَ خَادِم أبيه التُّونْتَاش المجني (a)، وقتل الْفَتكِيْن الحاجِب، وخافَهُ النَّاس، فألَّبَ عليه خَادِمُه أتَابِكُه لُؤلُؤٌ مَنْ قَتَلَهُ.
ثُمَّ قال
(1)
: سَنَة ثَمانٍ وخَمْسِمائَة، فيها قُتِلَ تاج الدَّوْلَة ألْب رَسْلَان (b) بن رِضْوَان صاحب حَلَب بدَارِه في قلعَة حَلَب بتَدْبير أتَابِكه لُؤْلُؤ الخَادِم، وأجْلَسُوا موضِعه أخَاهُ المَلِك سُلْطان شَاه بن رِضْوَان.
كذا قال العُظَيْميّ: مَلِك شَاه وإبْراهيم! وهو وَهْمٌ وإنَّما هو وميريجا، وأمَّا إبْراهيم فإنَّهُ آخر مَنْ بقي من وَلد رِضْوَان، ولم يبقَ من ذُرِّيَّة رِضْوَان إلَّا عَقبه إلى يَومنا هذا.
ألْب أَرَسْلَان بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مَلكْشاه بن ألْب أَرَسْلَان بن جَغرِي بك التُّرْكيِّ
(2)
كان هو وأخُوه فَرُّخْشَاه المَعْرُوفُ بالخفَاجي في كَفَالَة زَنْكيِّ بن آقْ سُنْقُر، وكان فَرُّخْشَاه بالمَوْصِل، وكان أبوهمُا السُّلْطان مَحْمُّود قد كَتَبَ لزَنْكيِّ تَوْقِيعًا
(a) ب: المحبي، ولم أقف على نسبته هذه.
(b) هكذا قيَّده المصنف في هذا الوضع، في الأصل وب، بإسقاط الألف في أرسلان.
_________
(1)
انظر التعليق قبله، وانظر بعض كلامه في تاريخه المختصر: تاريخ حلب 366.
(2)
وردت هذه الترجمة مكتوبة في طيارتين في الجزء السابع من هذا الكتاب، بعد ترجمة خالد في هشام بن إسماعيل المخزوي، وكُتِبَ بموازاتها بخط مغاير لخط النسخة، ولعله خط ابن فهد المكي الهاشمي:"تقدم هذه الترجمة في أواخر حرف الألف"، فأعدناها إلى موضعها هذا من الرتيب عل حروف المعجم في حرف الألف فيمن اسمه ألب أرسلان.
وتوفي صاحب الترجمة سنة 541 هـ، وترجمته في: الروضتين لأبي شامة: 1: 191 - 192.
بالشَّام، فاتَّفقَ أنَّ فَرُّخْشَاه بَلَغَ وأدْرَك وتأسَّد، وكانت زَوْجة زَنْكيِّ السُّكْمانيَّة تُرَبِّيه ففَهَّدتهُ، وحدَّثَته نفسُه بالمُلْك، وكان نَصِيْرُ الدِّين جَقَر (a) نائبَ زنْكِي بالمَوْصِل، وكان ظَالِمًا، فرَكِبَ في بعضِ الأيَّام، ودَخَل إلى دَار المَلِك للتَّسْليم عليه فقُتِلَ في الدِّهْلِيْز، وأرْكبوا المَلِك، ودَخَلَ القَلْعَة فقُتِلَ بها.
وكان أخُوه ألْب أَرَسْلَان معْتَقَلًا بسِنْجَار، فسَارَ زَنْكِي إلى المَوْصِل، وأخْرَج ألْب أَرَسْلَان من مُعْتقَله بسِنْجَار، وعَطَفَ عليه، وأوْهمَه أنَّهُ كان في حَبْس أخيهِ فَرُّخْشَاه، وعاد زَنْكِي إلى حَلَب واسْتَصْحَب معه ألْب أَرَسْلَان، ثمّ جاء إلى حصَار قَلْعَة جَعْبَر وألْب أَرَسْلَان معه، وحَصَرَها إلى أنْ قُتِلَ بها على ما هو مَشْروحٌ في تَرْجَمَتِهِ
(1)
، وافْتَرَقت عَسَاكره، فَمضَى نُورُ الدِّين مَحْمُّود بن زنْكِي إلى حَلَب، واسْتَمال جَمالَ الدِّين مُحَمَّد بن عليّ بن أبي منْصُور المَلِك ألْب أَرَسْلَان، وأطْمَعَهُ في المَمْلكَة، وكاتَب زَيْنَ الدِّين عليّ كَوجَك على أنْ يَسْتَدعي سَيْفَ الدِّين غَازِي بن زَنْكِي، وكان في خِدْمَة السُّلْطان مسْعُود بأمْر وَالده زَنْكِي ليأمن غَائلَة السُّلْطان ومَكَائِده، فاتَّفَقَ وُصُول الخَبَر إليه وهو بشهرَزُور، فدَخَل المَوْصِل، ثمَّ دَخَل جَمال الدِّينِ والعَسْكَر، وبَقِي المَلِك ألْب أَرَسْلَان مُنْفَردًا فاسْتَوْحشَ، وطَلَب صَوْبَ الجَزِيْرة، فسَيَّرُوا في طَلَبه مَنْ دَاهنَهُ وأظْهَر له الطَّاعَة والعبُوديَّة عن غَازِي، وأنَّهُ إذا فارَقه زَالت عنه سِمَةُ الأتَابِكيَّة، فلا تُشمتْ به أعْدَاءَهُ، وَأنَّهُ سَيأخُذ البِلاد باسْمِكَ، فأجابَهُم ودَخَل المَوْصِلَ في أُبَّهةٍ جَمِيلةٍ واسْتِقْبالِ ونثَارٍ حتَّى دَخَل الدَّار فَخَنقُوه، واتَّفَقَ غَازِي مع نُوَّابِ أبيهِ: زَيْنِ الدِّين وجَمالِ الدِّين والدُّبَيْسيّ، وكان ذلك في سَنَة إحْدَى وأرْبعين وخَمْسِمائَة.
(a) مهملة النقط بهذا الرسم، وانظر ترجمته في مرآة الزمان 20: 350 - 351، ووفيات الأعيان 1: 364 - 366 (وضبطه ابن خلكان بالحرف: بفتح الجيم وبعدهما راء)، وابن واصل: مفرج الكروب 1: 95 - 96، والنويري: نهاية الأرب 37: 145 - 146، والوافي بالوافيات 11: 173 - 173.
_________
(1)
انظر ترجمة زنكي بن آق سنقر في الجزء الثامن.
ذِكْرُ مَن اسْمُه إلْيَاس
إلْيَاسُ بن مُحَمَّد بن إلْيَاس بن إبْراهيم التَّمِيْمِيُّ البَالِسِيُّ
حَدَّثَ عن أَبِيهِ مُحَمَّدِ بن إلْيَاس بن إبْراهيم البَالِسِيّ. رَوَى عَنْهُ انبُه أبو الأسَد مُحَمَّد بن إلْيَاس الخَطِيب اليَالِسِيّ.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّطِيْف بن يُوسُف بن عليّ البَغْدَاديّ، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن عليّ بن الخَضر القُرَشِيّ، إجَازَة إنْ لم يكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن عُلْوَان الحَلَبيِّ، قال: أخْبَرَنا الفَقيهُ مَعْدَانُ بن كَثيْر بن الحَسَن بن المُعَمَّر (a) البَالسِيّ بحَلَب، قال: حَدَّثنا القَاضِي الأَجَلُّ أبو التَّمَّام عَبْد العَزِيْز بن مُحَمَّد بن إلياس، قال: حَدَّثَنَا والدي مُحَمَّد بن إلياس (b)، قال: حَدَّثَنَا والدي إلْيَاسُ بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا والدِي مُحَمَّد بن إلْيَاس، قال: حَدَّثَنَا أبو يُوسُف مُحَمَّدُ بن سُفْيان بن مُوسَى الصَّفَّار بالمِصِّيْصَة، قال: حَدَّثنا مُحَمَّدُ بن قُدَامَة، قال: حَدَّثَنا جَرِيرُ، عن أَبيِهِ، عن جَدِّهِ
(1)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ.
إلْيَاسُ بن عَبْد الله، أبو الخَيْر
(2)
عَتِيق أبي مَنْصُور المُظَفَّرِ بن عَبْدِ القَاهِر بن الحَسَن الشْهرَزُورِيّ، قاضي المَوْصِل.
سَمِعَ بالمَوْصِل خَطِيْبَها أبا الفَضْل عَبْد الله بن أحْمَد الطوْسيّ، ورَوَى لنا
(a) ب: معمر.
(b) قوله: "قال حدثنا والدي مُحَمَّد بن إلياس" ساقط من ب.
_________
(1)
الهيثمي: مجمع الزوائد 8: 181.
(2)
توفي سنة 653 هـ.
بالمَوْصل، وذَكَرَ لي أنَّهُ قَدِمَ حلَبَ مع مَوْلاه حين اجْتازَ بها رَسُولًا، قال لي: وقَدِمْتُها مِرَارًا كَثِيْرة في بَحارهَ، وكان شَيْخًا حَسَنًا صحيح السَّمَاعَ أمِيْنًا.
أخْبَرَنا إِلْيَاسُ بن عَبْد الله مَوْلَى ابن المثَّهْرَزُورِيّ بالمَوْصِل (a)، قال: أخْبَرَنا الخَطِيبُ أبو الفَضْل عَبْد اللهَ بن أحْمَد بن الطُّوْسيّ الخَطِيب بالمَوْصِل، قال: أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر ميْمُون بن مَحمُود بن أحْمَد في دَاره المَعْمُورة بترمِذ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيمُ بن إسْحاق المَرْغِيْنَانيِّ، قال: أخْبَرَنا الشَّيخُ أبو القاسِم الحَكِيم الأشباريانيّ (b)، قال: أخْبَرَنا نَسْطُور (c) الرّوميّ بقَرْيَةٍ من قُرى بَارَات (d) يُقال لها تكركان (e)، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
: مَنْ لذَّذَ أخاهُ بما يَشْتَهِي، كَتَبَ اللهُ له ألف حَسَنة، ومَحا عنه ألف سَيِّئة، ورَفَع له في الجنَة ألفَ دَرَجَة، ويُطْعمه الله تعالَى من ثلاث جِنَان: من العَدَن، والفِرْدَوْس، والخُلْد.
تُوفِّي أبو الخَيْر إلْياس (f) بالمَوْصِل سَنَة ثلاث وخَمْسين وسّتمائة.
إلْيَاس بن [
…
] (g) الفَقِيه المُلَقَّب بنَاصِح الدِّين
(2)
فَقِيهٌ كان بسِيْوَاس يُدرِّسُ الفِقْهَ على مَذْهَب أبي حَنِيْفَة رضي الله عنه،
(a) مكررة في ب.
(b) كذا قيَّده المؤلف في الأصل وب، ومثله في ميزان الاعتدال 4: 349، وفي فهرسة ابن خير 1: 309: الأشبارياني، الأشنارياني، وورد في لسان الميزان 6: 150: الأشناني.
(c) ب: نشطور.
(d) كذا وردت في الأصلين، وفي ميزان الاعتدال 4: 249: باراب، ولم أقف على تلك التي آخرها تاء، وذكر ياقوت باراب: ناحية كبيرة وواسعة وراء نهر جيحون، وهي التي تسمى فاراب، وذكر أيضًا باران: بالنون في آخرها، من قرى مرو. معجم البلدان 1: 318 - 319.
(e) كذا في الأصل، ومهملة في ب، ولم نقف عليها، ولعلها: تُركان، قرية من قرى مرو. ياقوت: معجم البلدان 3: 33.
(f) في الأصل، وب: إياس.
(g) بياض في الأصل وبقدر كلمتين، ولم أقف على اسم أبيه.
_________
(1)
ابن حجر العسقلاني: لسان الميزان 5: 407 الشوكاني: الفوائد المجموعة 75. ولفظه فيهما: "كتب له ألف ألف حسنة".
(2)
من أهل القرن السادس الهجري لمعاصرته لعلاء الدين الغزنوي والكردري وابن أبي عصرون.
فأرْسَله صاحبُ سِيْوَاس الملك يَاغي بَسَنْ (a) ابن الدَّانِشْمَنْد إلى حَلَب ليأخُذ الفَتَاوَى من أئمّتها على المَلك فَخْر الدِّين بِسبَب يَمِيْن جَرَت بين ابن (b) الدَّانشمَنْد وبين فَخْر الدِّين، فادَّعَى أَنَّهُ قد نَقَض العَهْد وخالَف اليَميْن حين نَزَل يُحاصر آمِد، والغالب عليها يَوْمئذٍ المَلَاحِدَة، وكانوا يَوْمئذٍ مُعَاهدِين لمَنْ خالف المَلِك ابن الدَّانشْمَنْد، فدَخَل بلادَ المَلِكِ فَخْر الدِّين ونَهَبَها، ونفذ الفَقِيه إلْيَاس لأخْذ خُطُوط الأئمَّة بها، وكانا قد تحالفا على أنْ يكُون كُلُّ واحدٍ منهما صدِيْقَ صَديقِ الآخر، وعَدُوَّ عَدُوِّه كائنًا مَنْ كان.
وكان بحَلَب يَوْمئذٍ عَلاء الدِّين عبد الرَّحْمن الغَزنَويّ، وتَاج الدِّين عَبْد الغَفُور الكَرْدَرِيّ
(1)
الحَنَفيَّان، وشَرَف الدِّين عَبْد الله بن أبي عُصْرون، رحمهم الله أجْمَعِين.
أَلْيُوْن المَرْعَشيِّ
(2)
كان رُوميًّا من أهْل مَرْعَش، وكان قد مَضَى مع مَسْلَمَة بن عَبْد المَلِك في أيَّام أخيه سُليْمانَ بن عَبْد المَلِك، فَملَّكَهُ الرُّومُ عليهم بالقُسْطَنْطِينِيَّة.
قال البلخِيُّ في تَارِيخْهِ
(3)
: وجَهَّز سُليْمانُ مَسْلَمَة [فسارَ](c) حتَّى بَلَغَ
(a) عند ابن الأثير (الكامل 11: 317)، وابن خلدون (العبر 9: 505 - 506): ياغي أرسلان بن محمد.
(b) ساقطة من ب.
(c) إضافة من كتاب البدء والتاريخ.
_________
(1)
نسبةً إلى كَرْدَر، ناحية من نواحي خوارزم. ياقوت: معجم اللدان 4: 450، وانظر ترجمته فيه، وابن قطلوبغا: تاج التراجم 134 - 135، وترجم له ابن العديم ترجمة ضاعت بضياع جزء حرف العين، وحفظ لنا ابن فضل الله العمري بعضًا من هذه الترجمة، انظر الملتقط من الضائع (الجزء الحادي عشر).
(2)
كان حيًا سنة 100 هـ، وذكر المسعودي خبر تملكه الروم في كتابه التنبيه والإشراف 165 - 166 وسماه: أليون بن قسطنطين المرعشي.
(3)
هو كتاب البدء والتاريخ المنسوب خطأً للمطهر بن طاهر المقدسي، وتقدم التعليق عليه في الجزء الأول، وانظر هذا النص فيه 6: 43 - 44.
القُسْطَنْطِينِيَّة في مائهَ ألف وعشرين ألفًا، وكان اسْتَصْحَبَ ألْيُونَ المَرْعَشيِّ ليدُلّهُ على الطَّريق والعَورَات، وأخَذ عُهُودَهُ ومَوَاثيقَهُ على الوَفَاء والمُنَاصَحة، فعبَروا الخلَيْج وحاصَرُوا القُسْطَنْطِينِيَّة، فلمَّا بَّرح بهم الحِصَارُ، عَرَضوا الفِدْيَة على مَسْلَمَةَ فأبَى أنْ يفتحها إلَّا عَنْوَةً، قالوا: فابْعَثْ إلينا أَلْيُوْنَ فإنَّهُ رَجُلٌ منَّا، ويَفْهَم كَلامَنا مُشَافهةً (a)، فبَعَثَه إليهم، فسَألُوه عن وَجْهِ الحيْلَة فقد ضَاقَ بهم (b) الأمر، فقال: يا أهْلَ قُسْطَنْطِينِيَّة، إنْ مَلَّكْتُموني عليمك لَم أَفْتَتحها (c) لمَسْلَمَة، فبَايَعُوه على الملك والأَمْرَة، فخرج أَلْيُوْن وقال لمَسْلَمَة: قد أجَابُوني أنَّهُم يفتَحُونها (d)، غير أنَّهم لا يفتَحُون ما لَم تَنَحَّ عنهم، قال مَسْلَمَةُ: أَخْشَى والله أنَّ هذا منك غَدرٌ، فحَلَفَ له أَلْيُوْنُ أنْ يدْفَع إليه كُلّ ما في قُسْطَنْطِينِيَّة (e) من ذَهَب وفِضّة ودِيباج وسَبْي، ورَحَل مَسْلَمَةُ، وتَنَحَّى إلى بعض الرَّسَاتِيْق، ودخَل أَلْيُوْن، فلبس التَّاج، وقَعَد على سَرِير المُلْك، وأمَرَ بنَقْل الطَّعَام والعُلوفَات من خارج فملأُوا الأَهْرِاء وشَحَنُوا المَطَاميْر، وبلغَ الخَبَرُ مَسْلَمَة (f) فعَلم أنَّه كان غَدَرًا، فأقْبل رَاجِعًا فأدْرك شَيئًا من الطَّعَام، وغلقُوا (g) الأبْوَابَ دونهُ، وبَعَثَ إلى أَلْيُوْن يُنَاشِدُه (h) الوَفَاء إلى العَهْدِ (i)، فأرْسَل إليهِ أَلْيُوْن: مَلِكُ الرُّوم لا يُبَاج بالوَفَاءَ! وؤل بفنائهم مَسْلَمَة ثلاثين شَهْرًا، حتَّى أكَلَ أهْلُ عَسْكره المَيْتَةَ والعَظْم، وقُتِلَ منهم خَلْق عَظيم، ثمّ رَحَل وانْصَرَف.
أمْجَدُ بن عَبْد المَلِك، أبو المَجْد الوَرْكَانِيّ القَاضِي
قاضي بلاد الرُّوم، ووَرْكَان قَرْيَةُ من قُرَى قَاشَان (j)، وكان فَاضِلًا، أَدِيبًا،
(a) ساقطة من كتاب البدء والتاريخ.
(b) البدء والتاريخ: عليهم.
(c) البدء والتاريخ: أفتحها.
(d) قوله: "أنهم يفتحونها" ساقطة من كتاب البدء والتاريخ.
(e) ب: القسطنطينية.
(f) البدء والتاريخ: لمسلمة.
(g) البدء والتاريخ: وأغلقوا.
(h) ب: فأنشده.
(i) البدء والتاريخ: الوفاء بالعهد.
(j) ب: قاسان، وانظر: ياقوت: مجم البلدان 5: 373.
شَاعِرًا، وَاعِظًا، مُتَفَنِّنا في عُلُوم شَتَّى، ودَخلَ حَلَب أو عَمَلها في طَريقه إلى بلادِ الرُّوم، ووَقَعَ إليَّ من شِعْره قوله:[من الطّويل]
يُؤرِّقني ذِكْري عُهُودي ومَشْهَدي (a)
…
متَى لَاح لي بَرْقٌ ببُرْقَةِ ثَهْمَدِ
وتُذْرِي غُروبي كُلَّما هبَّتِ الصَّبَا
…
دُموعًا كمُرْفَضِّ الجُمانِ المُبَدَّدِ
إذا نَشَرت أيْدي الظَّلَام فُرُوعَهُ
…
طُوِيتُ على جَمْرِ الغَضَا المُتَوَقِّدِ
ذِكْرُ مَن اسْمه امْرُؤ القَيْس
امْرُؤ القَيْس بن حُجْر المَلِك ابن الحارِث الَملِك ابن عَمْرو المقصُور المَلِك ابن حُجْر المُرَار المَلِك ابن عَمْرو المَلِك ابن مُعاوَيَة المَلِك ابن الحارِث المَلِك ابن يَعْرُب - وقيل: مُعاوِيَة المَلِك ابنِ ثور المَلِك - ابن مُرَتِّع (a) - وهو عَمْرو أوَّلُ مُلُوك كِنْدَة - ابن مُعاويَة بن ثَ
وْر، وهو كِنْدَة، أبو وهب، وقيل: أبو عَمْرو، وقيل: أبو يَزِيد، وقيل: أبو الحارِث، وقيل: أبو كَبْشَة الكِنْدِيّ
(1)
أحدُ مُلُوك كِنْدَة وابن مُلُوكهم.
(a) ساقطة من ب.
(b) ضبطه ابن العديم في الأصل بالحركات على الوجهين: مُرَتِّع، مُرْتِع.
_________
(1)
توفي نحو سنة 80 ق. هـ/ 544 م، وترجمته عبد ابن سلّام الجمحي: طبقات فحول الشعراء 1: 41، 51، الجاحظ: البيان والتبيين 1: 156، 189، 232 (وانظر فهرس الأعلام 4: 276)، ابن قُتَيبة: الشعر والشعراء 36 - 50، تاريخ اليعقوبي 1: 186 - 189، تاريخ الطبريّ 1: 383، النديم: الفهرست 1/ 2: 486، الأغاني 9: 59 - 77، المرزباني: الموشح 37 - 51، الثعالبي: برد الأكباد 49، تاريخ ابن عساكر 9: 222 - 245، ابن الأثير: الكامل 1: 390، 435، 511 - 519، 539، 541، 548، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 3: 485 - 487، ابن سَعِيد الأندلسي: نشوة الطرب 1: 348 - 264، ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار 14: 11 - 17، ابن كثير: البداية والنهاية 318 - 220، خزانة الأدب للبغدادي 1: 339 - 335، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 107 - 114، الزركلي: الأعلام 2: 11 - 12.
وقال الوَزِيرُ أبو القَاسِم بن (a) المَغْرِبيّ في كتاب النَّسَب الّذي جَمَعَهُ ووَسَمَهُ بالإينَاس
(1)
: امْرُؤ القَيْس بن حُنْدُج.
وقال في كتاب فَائِت كتاب المُكَاثَرة عند المُذَاكَرَة
(2)
: وأمَّا امْرُؤ القَيْسِ بن حُجْر فاسْتُغني باشْتِهَاره عن ذِكْر شيء من أخْبَاره أو أشْعَاره فأحْببتُ أن أُثْبتَ اسْمَهُ فهو ما صَحَّ لي: حُنْدُجُ. والحُنْدُجُ: الرَّمْلَةُ العَظِيمَة، والجَمَل العَظيم، والقَيْسُ: الشِّدَّةُ.
وامْرُؤ القَيْس من شُعَرَاءِ الجَاهِلِيَّة، وهو أوَّلُ مَنْ فَتَح بابَ الشِّعر، وذَكَرَ بعضُ الرُّوَاهَ أنَّ امْرُؤَ القَيْس كان مَلِيْحَ الوَجْه، حَسَنَ الأخْلَاق، غير أنَّه كان مُبَغَّضًا إلى النِّسَاءِ.
وقَرأتُ بخَطِّ أبى عَبْدِ اللّه بن خَالَوَيْه: كان امْرُؤ القَيْس مُفَرَّكًا؛ أي تبْغِضُهُ (b) النِّسَاءُ.
وقَرأتُ بخَطِّ غيره: ويقال إنَّ بعض مَن كان يلوذُ به من النِّسَاء فَرِكَتْهُ، وقالث: أشَمُّ منْكَ رَائحَةَ كَلْب، فيُقالُ إنَّهُ أرْضِعَ من لَبَن كَلْبَةٍ.
وأُمُّهُ فاطِمَةُ بنتُ رَبِيْعَة أُخْتُ كُلَيْبٍ (c) ومُهَلْهِل ابني رَبيعَة التَّغْلِبِيّين،
(a) ساقطة من ب.
(b) مهملة الأوّل في الأصل، وفي ب: يبغضه.
(c) الأصل، ب: كَلْب، ويذكره كذلك حيثما ورد فيما بعد، وصوابه بالتصغير. انظر: تاريخ اليعقوبي 1: 186، الشعر والشعراء لابن قُتَيبة 36، الاشتقاق لابن دريد 338، الأغاني للأصفهاني 9: 59، جمهرة أنساب العَرَب لابن حزم 305، الإيناس للوزير المغربي 239، اللباب في تهذب الأنساب لابن الأثير 1: 43، نشوة الطرب لابن سَعِيد 1:253.
_________
(1)
لم أقف على ذكره في مطبوعة كتاب الإيناس للوزير المغربي.
(2)
لم أقف على ذِكْر لهذا الكتاب في المتاح من المصادر، ولم يرد ضمن الَّذي الَّذي أجراه الشّيخ حمد الجاسر لمؤلفات للوزير المغربي في مقدمة تحقيقة لكتاب أدب الخواص، ورصد منها ستة وعشرين كتابًا بين موجود وضائع (انظر: أدب الخواص 39 - 37، ويُفهم من عنوانه أنَّه اسْتدراك على كتاب المكاثرة عند المذاكرة لجعفر بن مُحَمّد بن جَعْفَر الطيالسي (من أهل القرن الراج الهجري)، وهو كتاب في الأدب والشعر، نشره مُحَمّد بن تاويت الطنجي (أنقرة: جامعة اسطنبول، 1956 م).
وكانت بَنو أَسَد قَتَلوا أباهُ حُجْرًا، وامْرُؤ القَيْس غائبٌ، فانْتدب لطَلَب ثأر أبيهِ، فلمَّا عَلم أنَّهُ لا طَاقَة له بذلك سار إلى قَيْصَر مَلِك الرُّوم، مُسْتَنجدًا به على الأخْذ بثَأر أبيهِ، واجْتازَ في طَريقه بِظَاهِرة مَدِينَة حَلَب وبجَمَاة وشَيْزَر، وقد ذَكَرَ مَوَاضع من قُرَى حَلَب وأعمالها في قَصِيْدته الرَّائِيَّة الّتي يَذْكُر فيها مَسِيْره إلى بَلَد الرَّوم، وقَصْده قَيْصَر، وأوَّلُها
(1)
: [من الطّويل]
سَمَا لك (a) شَوْق بعدَما كان أقْصَرا
…
وحلَّتْ سُلَيْمَى قَرْنَ ظَبي (b) فعَرْعَرا
كنانيَّةٌ بانَتْ وفي الصَّدْر وُدُّهَا
…
مُجَاوِرة نَعْمَان (c) والحَيَّ يَعْمَرَا
بعَيْنَيْكَ (d) ظُعْنُ الحَيّ لما تحمَّلُوا
…
على (e) جانب الأفْلَاج من جنْبِ تَيْمَرَا
قال فيها:
ولمَّا بَدَتْ حَوْرَان والآل دُوْنَها
…
نَظَرْتَ فلم تنظُر بعَيْنَك مَنْظَرَا
تقَطَّعَ أسْبَابُ اللُّبانة والهَوَى
…
عشيَّة جاوَزْنا حَمَاةَ وشَيْزَرَا
عشيَّة جاوَزْنا (f) حَمَاةَ وشَيْزَر (g)
…
ما أخُو الجهْد لا يَلْوِي على من تَعَذَّرَا
بَكَى صَحابِي لمَّا رَأى الدَّرْب دُوْنَهُ
…
وأيْقَن أنا لاحقَان يقَيْصَرَا
فقُلْتُ لَهُ: لا تبكِ عَيْنُك إنَّما
…
نُحاوِل مُلْكًا أو نَمُوتُ فَنُعْذَرَا
قال فيها:
ألَا رُبَّ يَوْم صَالِح قد شَهِدْتُهُ
…
بتَاذِفَ ذَاتِ التَّلّ من فَوْق طَرْطَرَا
تَاذِف: قَرْيَةٌ في وَادِي بُزَاعا إلى جانب باب بُزَاعا من إقْلِيْم وَادِي بُطْنَان.
(a) ب: شمالي.
(b) ديوانه: بَطْن فوّ.
(c) ديوانه: غسان.
(d) ديوانه: بعيني.
(e) ديوانه: لدى.
(f) ساقطة من ب.
(g) كذا كرر عجز البيت قبله في الأصل وب، والذي في الديوان: بسير يضُجّ العود منه يمنه.
_________
(1)
ديوان امرئ القيس 93 - 98.
وطَرْطَر (a): باطَلْطَل الآن تُعْرف بذلك، وقيل طَرْطَرُ اسْمُ نَهرِها
(1)
.
وقَرأتُ بخَطِّ تُوْزُون الطَّبَريّ فيما رَوَاهُ عن أبي عُمَر الزَّاهِد، قال: وقال أبو عرو بخَطِّ الطُّوْسيّ: وأمَّا طَرْطَرُ؛ فأخْبَرَني الوَلِيدُ بن عُبَيْدٍ البُحْتُرِيّ الشَّاعِر، قال: هي قَرْيَةٌ عندنا بنَاحِية مَنْبج يُقالُ لها: باطَرْطَل؛ باللَّام.
وقَرأتُ في شِعْر امْرِئ القَيْس، عن أبي نَصْرٍ، عن أبي سَعيد الأصْمَعِيِّ رِوَايَة أبي الهَيْذَام كلَّا بن بن حَمْزَة العُقَيْلِيّ في تَفْسِير هذا البَيْت: تَاذِفُ قَرْيَةٌ بالشَّام لبني كِلَابٍ فيها حِصْنٌ، وطَرْطَرُ أيضًا قَرْيَةٌ هناك وإنَّما هي بَاطَرْطَر، ثمّ قال فيها:[من الطّويل]
ولا مثْل يَوْم قَذَارَانَ ظلْتُهُ
…
كأنِّي وأصْحَابي على قَرْن أعْفَرا
يقول: لم نكُن على طُمَأنينَة كأنَّا كُنَّا على قَرْن ظَبْي أعْفَر، وقَذَارَان: قَرْيَةٌ في وَادِي بُطْنَان أيضًا من شَمَالي باب بُزَاعَا مَعْرُوفة، وقد جاءَ في بعض الرِّوَايَات:
ولا مثْل يَوْم في قَذَارٍ ظلتُهُ
وهي قَرْيَةٌ أيضًا من قرَى حَلَبَ من نَاحِيَتها القِبْلِيَّة من أعْمَال السُّهُول والنَّهْريَّات القِبْليَّة، وأكثر هذه القَرْيَة جارٍ في مُلْكِيّ، والآن تُسَميَّ أقْذَار، وتُسَمَّى الّتي (b) في وَادِي بُطْنَان أقذَارَان.
ويروى في هذه القَصِيدَة
(2)
: [من الطّويل]
لقد أنْكَرَتْنِي بَعْلَبَك وأهْلُها
…
ولابْنُ جُرَيْج
(3)
كان في حِمْص أنْكَرا
يُذَكِّرها أوْطَانها تَلُّ مَاسِحٍ
…
مَسَاكنها من بَرْبَعيصَ ومَيْسَرا
(a) ب، وطرطرا.
(b) ساقطة من ب.
_________
(1)
تقدّم في الجزء الأوّل من هذا الكتاب الكلام على تاذف وطرطر أو: باطلطل.
(2)
ديوان امرئ القيس 97.
(3)
الأصل، وب: جريج، والمثبت من الديوان.
وقال ابنُ الكَلْبيّ
(1)
: بَرْبَعيص بحِمْص، وتَلُّ مَاسِحٍ
(2)
بقِنَّسْرِيْن.
قَرَأتُ في كتاب أدَب الخَوَاصِّ، تأليف الوَزير أبي القَاسِم الحُسَين بن عليّ بن (a) المغرِبيّ
(3)
، قال: أوَّل ما سَمعَ حُجْرٌ من شِعْر ابْنِهِ امْرِئ القَيْس قوله
(4)
: [من الرمل]
اسْقِيَا (b) حَجْرًا على عِلَّاتهِ
…
من كُمَيْتٍ لونُها لونُ العَلَقْ
قال الوَزِيرُ: وإنِّي لأسْتَقْبح أنْ يقُول قائلٌ لأبيهِ: على علّاته! وأظُنّ ذلك هو الّذي غَاضَ حُجْرِا، فلمَّا سَمِعَهُ أمَرَ السَّاقِي وَجْهِهِ وإخْرَاجِهِ، ونَهاهُ عن قَوْل الشِّعْر، ثمّ سَمِعَهُ يوْمًا وهو يَشْربُ من فَضْلَةِ أبيهِ، وهو يَقُولُ
(5)
: [من التقارب]
وَهِرٌّ تَصِيْدُ قُلُوبَ الرِّجال
…
وأفْلَتَ منها ابنُ عَمْرو حُجْر
يعني هِرَّ بنت سَلامَة بن عَبْد اللهِ بن عُلَيْم من كَلْب، وابنها الحَارِث وهو المُلقَّبُ بالخَرْسَاء. وقيل: إنَّ هِرَا جَارِيةٌ كانت لأبيهِ، والأوَّل أصَحَّ، فوَثَبَ إليهِ أبُوه فضَرَبَهُ، وأمر مَوْلَى له أنْ يقتُلُه فلم يقتُله وأظْهَرَ قَتْلَه، ثمّ نَدِمَ على ذلك.
وقال غيرُ الوَزِير أبي القَاسِمِ: إنَّهُ لمَّا نَهَاهُ أبُوه عن قَوْل الشِّعْر ولَم ينتهِ، أمر حُجْر حاجبَهُ رِبِيْعَة بقَتْله، وأخْبَر أنَّهُ قَتَلَهُ، فتَبَيَّن نَدَمه، فقال: لَم أقْتُلْهُ وإنَّما تَرَكتُه على جَبَل، فأمَرَهُ بإحْضَاره، ثمّ طردَهُ عنه، فلم يَزَل يَسِيْرُ في العَرَب ومعه قِيَانُه وهَجَائنه يَصَيَّدُ ويَشْرب الخَمْر، فبينما هو في شُرْبه إذ نُعِيَ إليهِ أبوه، وأنَّ بَني
(a) ساقطة من ب، وتحرف ما بعده: المَعَرِّيّ.
(b) مهملة في الأصل، وفي ب: اسقنا.
_________
(1)
لم يرد في كتابه نسب معد وجمهرة النسب.
(2)
تل ماسح: قرية في سهول حَلَب الجنوبية، تتبع ناحية تل الضَّمَان بمنطفة جَبَل سمعان من محافظة حَلَب، وتقع إلى الغرب من تل الضمان على بعد 9 كم. طلاس: العجم الجغرافي 2: 558.
(3)
لم يرد هذا النقل وتاليه في الجزء الأوّل الَّذي وصلنا من كتاب أدب الخواص.
(4)
لم يرد البيت في ديوان امرئ القيس، وانظره في صبح الأعشى 1:60.
(5)
ديوان امرئ القيس 105.
أَسَدٍ قَتَلَته، وكان مَلِكَهُم؛ قَتَلُوه لعَسْفه وظُلْمه، انتخى (a) له علْبَاءُ بن الحارِث بن حَارِثَة بن هِلال، أحَدُي بَنِي كَاهِل بن أسَد، فضَرَبَهُ بعُكَّازٍ فَأصَابَ نَسَاهُ فماتَ، وانْتَهَبُوا أمْوَاله، وكان حُجْر قَتَل أباهُ.
ولمّا بلَغُه قَتْلُه (b) قال: ضَيَّعَني صَغِيرًا، وحمَّلني ثقْلَ الثَّأر كَبيرًا، اليَوْم خَمْرٌ وغَدًا أمْرٌ! وقال أبْيَاتًا، ثمّ نَهَضَ واسْتَنْهَض بَكْرَ بن وَائِل فأجَابوه، فهَجَم على بَنِي كِنَانَة، فقَتَل فيهم ظَنًّا منه أنَّهم بَنو أَسَد، حتَّى أخْبرته عَجُوز بهم، ثمّ وَاقَع بَني أَسَد، ولم يُدْرِك منهم ثأرَهُ، وبعد ذلك أبَت بَكْرُ وتَغْلِبُ أنْ تتَّبعَهُ لقَتْله كِنَانة ظُلْمًا، وآل أمْره حتَّى دَخَل الرُّوم واسْتَنْجَد بمَلِكِهم واسْمُه أسْطَاس.
قال الوَزِير أبو القَاسِم
(1)
: وقيل إنَّهُ لمَّا قُتِلَ حُجْر، تَنَازع امْرُؤ القَيْس، ابْنُه (c)، وثَعْلَبَة بن مَالِك أحدُ بَنِي عَمْرو بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن كِنْدَة في المُلْكِ بعدَهُ، فأجْمَعَا للحَرْب، فأكْمَنَ امْرُؤُ القَيْس أصْحَابه، وبَرَز إلى ثَعْلبَةَ وَحْدَهُ، وطَعَن فيهم، فحملُوا عليه فولَّى هَارِبًا، وهُم في طَلَبه، فخرَج عليهم أصْحَابُ امْرِئ القَيْس فكَسَرُوهم وأُسِرَ ثَعْلَبَة وقَتَلَهُ صَبْرًا، وقال
(2)
: [من المتقارب]
لا وأبيك ابنَة العَامرِيّ
…
لا يدَّعي (d) القَوْمُ أنِّي أفِر
قُلتُ: قد ذَكَرَ الوَزِير أنَّهُ لمَّا قال
(3)
: [من المتقارب]
وهِرٌّ تَصِيْدُ (ح) قُلُوبَ الرِّجَال
…
وأفْلَت منها ابن عَمْرو حُجْر
(a) كذا في الأصل، ب، ولعل الأصح: انتحى، بمعنى أكمن في ناحية.
(b) ب: قل أباه.
(c) ب: تنارع ابنه امرؤ القيس ابنه!.
(d) قوله "لا يدي" ساقط من ب.
(e) مهملة في الأصل، وفي ب: يصيد.
_________
(1)
لم يرد هذا النقل ولا النقول التي تليه في القسم الَّذي وصلنا من كتاب أدب الخواص، ولا في كتابه الإيناس.
(2)
ديوان امرئ القيس 105.
(3)
ديوان امرئ القيس 105.
وَثَبَ إليهِ أبُوه وضَرَبَهُ، وأمَرَ مَوْلاهُ بقَتْله، ثمّ قال: إنَّهُ لمَّا قُتِلَ حُجْر تَنَازَع امرؤ القَيْس وثَعْلَبَة، وأنَّهُ أَسَرَ ثَعْلَبَة، وقَتَلَه صبْرًا، وقال:
لا وأبيك ابنة العَامريّ
البَيْت.
والبيتان جَمِيعًا في قَصِيدَةٍ واحدةٍ، وفي ذلك من التَّنَاقُضِ ما لا يَخْفَى.
قال الوَزِيرُ: بعضُ النَّاس يَظُنُّ أنَّ وِفَادَة امرئ القَيْس إِلى الرُّوم كانت للاسْتِجَاشَة على بَني أَسَدِ، وليس كذلك، وإنَّما سَبَبها أنَّ المُنْذِر بن ماءِ السَّماء اللَّخْمِيَّ لمَّا عاد إلى المُلْكِ أيَّام أنوشَرْوان، أنْفَذ في طَلَب بَنِي آكِل المُرَار جَيْشًا من بَكْر وتَغْلِب، فأَسَرِ منهم ستَّةَ عَشر رَجُلًا، وقيل: اثْنَى عَشر، فضرَبَ أعْنَاقهُم بالحِيْرَة، في دُور بَني مَرِيْنَا، وهي تُسَمَّى لذلك تَلّ الأمْلَاك (a)، ولذلك قال عَمْرو بن كُلْثُوم
(1)
: [من الوافر]
فآبُوا بالنِّهاب وبالسَّبَايَا
…
وأُبنا بالمُلُوكِ مُصَفَّدِيْنَا
ونَجَا امرؤ القَيْس بالهَرَب، ولَجأ إلى هَانئ بن مَسْعُود بن عَامِر بن عَمْرو بن أبي رَبِيْعَة بن ذُهْل بن شَيْبَان، فاسْتَجَارَه فلم يُجره، فأتَى سَعْد بن الضِّبَاب الإيَادِيّ، وكان سَيِّدَ قَوْمه في وَقْته، فأجارَهُ زمَنًا فمَدَحَهُ وهَجَا هَانئ. وقيل: إنَّ أُمَّ سَعْد كانت تحت حُجْر، فطلَّقها وهي حَامِل، فتزوَّجها الضِّبَاب، فولدت عنده سَعْدًا فنُسِبَ إليهِ.
ثُمّ تنقَّل في الأحياء في طَيِّءٍ، وذكَرَ الوَزِيرُ كَثِيْرًا ممَّن نَزَل عليه، ثمّ قال: إنَّهُ
(a) الأصل، ب: الأملال، وعند الأصفهاني (الأغاني 9: 61): حفر الأملاك.
_________
(1)
في معلقة عَمْرو بن كلثوم، ديوانه 83، والأغاني 9: 61، ونسبها ابن الوردي في تاريخه 1: 101 لامرئ القيس.
نَزَلَ على المُعَلَّى بن تَيْم بن ثَعْلَبَة بن جُدْعان بن مَقْصُور واسْمُه لَوْذان بن ذُهْل بن رُوْمَان بن جُنْدَب بن خارِجَة بن سَعْد بن فُطْرَة بن طَيِّء، فلمَّا تغَيَّب المُعَلَّى عن بيَتْه اغْتَنَمها المُنْذِر، وقصَدَ بَيْته وفَتَّشَهُ، فأدْخَل ابنُه امْرُؤ القَيْس إلى نِسَائهِ، فلم يَجدْهُ عندهم وعاد، فَمدَحَهُم امْرُؤُ القَيْس
(1)
: [من الوافر]
كأنِّي إذ نَزَلتُ على المُعَلَّى
…
نَزَلْتُ على البَوَاذِخ من شَمَامِ
فما مَلِكُ العِرَاق على المُعَلَّى
…
بمُقْتدر ولا الملكُ (a) الشَّامِ
أصَدَّ نشَاصَ ذي القَرْنَيْن
…
حتَّى تَولَّى عَارِضُ المَلِكِ الهُمَامِ
أقرَّ حَشَا امرئ القَيْس بن حُجْرٍ
…
بنو تَيْم مَصَابِيْحُ الظَّلَامِ
فسُمُّوا مَصَابِيْح الظَّلَام لهذا القَوْل، ثمّ خَرَج امْرُؤ القَيْس من فَوْره يريدُ قَيْصَر.
قُلتُ: وقال امْرُؤ القَيس في المُلُوك الّذين قتلهم المُنْذِر بن ماء السَّماء من بني آكِل المُرَار بالحِيْرَة
(2)
: [من الوافر]
ألَا يا عَيْن بَكِّي لي شَنيْنا (b)
…
وبَكِّي لي المُلُوك الذَّاهبِيْنَا
مُلُوكًا من بني حُجْر بن عَمْرو
…
يُسَاقُونَ العَشِيَّة يُقْتَلُونا
فلو في يَوْم مَعْركةٍ أُصِيْبُوا
…
ولكن في ديار بني مَرِيْنَا
فلم تغْسَل جَمَاجمهم بغُسْلٍ
…
ولكن بالدِّماءِ مُرَمَّلِيْنَا (c)
بنو مَرِيْنَا: قَوْمٌ من أهْل الحِيْرَة.
وذَكَرَ أبو عَمْرو عُثْمانُ بن بَحْر الجاحِظ في تَقْدير ما بين رسُولِ الله
(a) ديوانه والأغاني: ملك.
(b) الأصل وب: سنينا، والمثبت من الديوان، والشنين قطر الماء.
(c) الأصل: مزملينا، والمثبت من ب والديوان والأغاني.
_________
(1)
ديوان امرئ القيس 153 - 154، والأغاني 9: 71 (باستثناء البيت الثالث).
(2)
ديوانه 162، وبعضها في الأغاني 9:61.
صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبين امْرئ القَيْس أنَّهُ (a) نحو مائتي سَنَة، أو مائة وخَمْسِين سنة، وأوْرَدَهُ في الحَيَوَان
(1)
.
وقال الوَزِيرُ ابن المَغْرِبيّ: والصَّحيحُ الّذي يُوْجبه التَّقْريب في التَّقْدِير أنَّ بين مَوْلد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وبين مَوْت امْرِئ القَيْس خَمْسًا وخَمْسِين سَنَةً، وبين مَوْلد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وبين هِجْرَته ثلاثًا وخَمْسِين سَنَة.
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
الجاحظ: كتاب الحيوان 1: 74.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبهِ توفيقِي
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَرُ بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليُّ بن طَرَّاد الزَّيْنَبِيّ، قِراءَةً عليهِ، وأبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو السُّعُود [بن] المُجْلِيّ (a) وغيرهمُا، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا منهم أو من أحدِهم، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم حَمْزَةُ بن يُوسُف (b) السَّهْمِيُّ، قال: سَمِعْتُ أبا مُحَمَّد الحَسَن بن عليّ البَصْرِيّ يَقُول: حَدَّثَنَا بَكْر بن عليّ بن مُحَمَّد الصَّيْدَلانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو هَفَّان الشَّاعر، قال: حَدَّثَنَا الأصمَعِيُّ، عن مُحَمَّد بن سِيْرِيْن، عن أبي هُرَيْرَة
(1)
، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: امْرُؤ القَيْس قَائِدُ الشُّعَراءِ إلى النَّار.
هكذا وقَع! وقد سَقَطَ بين الأصْمَعِيِّ وابن سِيْرِيْن: ابن عَوْن، واللهُ أعْلَمُ.
أخْبَرَنا به على الصَّوَاب أبو عليّ المُبارَك بن أبي الحَسَن بن الحُسَين بن المُطَرِّز في كتابه، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح بن البَطِّيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليُّ بن مُحَمَّد الأنْبارِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر عَبْد الوَاحِد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن مَخْلَدَ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر جُنَيْد بن حَكِيم الأزْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو هَفَّان الشَّاعرُ، قال: حَدَّثَنَا الأصْمَعِيُّ، عن ابن عَوْن، عن مُحَمَّد، عن أبي هُرَيْرَة،
(a) في الأصل، ب: ابن مسعرد المجلي، والصواب ما أثبت، واسمه: أحمد بن علي بن المجلي، أبو السعود، روى عنه كثيرًا ابن طبرزد فيما تقدم، ويأتى صحيحًا أيضًا فيما بعد.
(b) ب: يوسف بن حمزة.
_________
(1)
المتقي الهندي: كنز العمال 3: 573 (رقم 7955)، المناوي: فيض القدير 2: 186 (رقم 1624)، الحوت: أسنى المطالب 74 (رقم 285)، وأورد ابن العديم تاليًا رواية الحديث من وجوه أخرى وبطرق مختلفة.
عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: امْرُؤُ القَيْس بن حُجْر قَائِدُ لِوَاءِ الشُّعَراء يَوْمَ القِيامَة إلى النَّار.
أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن أبي الحَسَن بن هِبَةِ الله التَّاجر، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب العَدْلُ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن أَحْمَد العَجَمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن مُحَمَّد البَزَّازُ، قال: أخْبرَنا أبو الحَسَن الصِّلْحِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن عُثْمان الوَاسِطِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن بَحْشَل
(1)
، قال: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ (a) بن الرَّبِيْع، قال: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ، قال: أخْبَرَنا أبو الجَهْم، عن الزُّهْرِيّ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُرَيْرَة، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: امْرُؤُ القَيْس صَاحِبُ لِوَاءِ الشُّعَراء وقَائِدُهُم إلى النَّار.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّنْجِيّ ببَلْخ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن حَمْدٍ الدُّوْنِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر أحْمَدُ بن الحُسَين الكَسَّارُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن السُّنِّيّ، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْلَى - يعني المَوْصِلِيّ - قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مَعِيْن، قال: حَدَّثَنَا هُشَيْم، عن أبي الجَهْم الوَاسِطِيّ، عن الزُّهْرِيّ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُرَيْرَة، قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: امْرُؤُ القَيْسِ صاحِبُ لِوَاءِ الشُّعَراءِ إلى النَّار.
أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَن بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ بالمَسْجِد الأقْصَى، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن الحُسَين بن زَكَرِيَّاء، وأبو سَعْد مُحَمَّد بن عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن خُشَيْش، ح.
(a) ب: حسين، والمثبت من كتاب بحشل ويأتي فيما يلي على الوجه المثبت.
_________
(1)
تاريخ واسط 122.
وأخْبَرَنا أبو إِسْحاق إبْراهيم بن عُثْمان بن يُوسُف الكَاشْغَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عليّ بن صالح الكَاغَدِيّ، وأبو الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي بن سَلْمَان - قال أبو الفَضْل: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن علِيّ بن الحُسَين الطُّرَيْثِيثِيّ، وقال أبو الفَتْح: أخْبَرَنا أبو الفَضْل أحْمَدُ بن الحَسَن بن خَيْرُون - قالوا (a): أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن أحْمَد بن إبْراهيم بن شَاذَان البَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ الله بن جَعْفَر بن دَرَسْتَوَيْه النَّحْوِيّ الفَارِسِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بن سُفْيان الفَسَوِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنا حُمَيْدُ بن الرَّبيْع، قال: حَدَّثَنَا هُشَيْم، قال: أخْبَرَنا أبو الجَهْم، عن الزُّهْرِيّ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُرَيْرَة، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: امْرُؤُ القَيْس صَاحِبُ لِوَاءِ الشُّعَراءِ إلى النَّار.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الرَّحيم بن يُوسُف بن الطُّفَيْل، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر الحافِظ، قال: سَمِعْتُ إسْمَاعِيْل بن عَبْد الجَبَّار المَاكِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا يَعْلَى الخَلِيْليّ
(2)
يقُول: حَدَّثَنا جَدِّي والقَاسِم بنُ عَلْقَمَة، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ، قال: حَدَّثَنَا حُمَيْد بن الرَّبيْع، قال: حَدَّثَنَا هُشَيْم، قال: أخْبَرَنا أبو الجَهْم، عن الزُّهْرِيّ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُرَيْرَة، قال: قال رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: امْرُؤُ القَيْس قَائِدُ لِوَاءِ الشُّعَراء (b) إلى النَّار.
أخْبَرَنا مُرَجَّا بن أبي الحَسَن الوَاسِطِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عليّ بن أحْمَد بن الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَخْلَد، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عُثْمان بن سَمْعَان الحافِظ، قال: حَدَّثَنَا عُثْمانُ بن نَصْر الطَّائيّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن أكْثَم، قال: حَدَّثَنَا المَأمونُ أَمِير المُؤمنِيْن، عن هُشَيْم، عن أبي الجَهْم، عن الزُّهْرِيّ، عن أبي سَلَمَة، عن
(a) ب: قال.
(b) الإرشاد: لواء الشعر.
_________
(1)
لم أقف عليه في كتابه المعرفة والتاريخ.
(2)
الإرشاد في معرفة علماء الحديث 2: 582.
أبى هُرَيْرَة، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: امْرُؤُ القَيْس قَائِدُ الشُّعَراء بأزمَتهِم إلى النَّار.
أخْبَرَنا فِرَاسُ بن عليّ العَسْقَلانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر الخشُوعِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الأكْفانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحِنَّائيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَبْد الله، قال: حَدَّثَنَا أبو يُوسُف يعْقُوب بن أحْمَد الجصَّاص، قال: حَدَّثّنَا حُمَيْدٌ، قال: حَدَّثَنَا هُشَيْم، عن أبي الجَهْم، عن الزُّهْرِيّ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُرَيْرَة، قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: امْرُؤُ القَيْس صَاحِبُ لِوَاء الشُّعَراءِ في النَّار.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن حَمَد بن عَبْد الله الكِبْرِيْتيّ (a)، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلم مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد بن الحُسَين بن مَهْرَابزد
(2)
النَّحْوِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنا أبو عَرُوبَة الحُسَين بن مُحَمَّد بن مَوْدُود الحَرَّانيّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن يَحْيَى بن كَثِيْر، قال: حَدَّثَنَا الخَضِرُ بن مُحَمَّد بن شُجَاعٍ، قال: أخْبَرَنا هُشَيْم، عن أبي الجَهْم، عن الزُّهْرِيّ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُرَيْرَة، قال: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: امْرُؤُ القَيْسِ قَائِدُ الشُّعَراءِ في النَّار لأنَّهُ أوَّلُ مَنْ أحْكَم قَوَافيَها.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُفُ بن خَلِيل بن عَبْد الله الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو
(a) في نشرة ابن عساكر: الكرماني، ولعله تحريف، وهو ممَّن أخذ عنه ابن عساكر كثيرًا ونقل عنه في أصبهان، ويرد في مواضع عديدة. بنسبته إلى الكبريت، منها اتصال سنده برواية أخرى في هذه الترجمة 9:237.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 235.
(2)
لم ترد عند ابن عساكر لوقوع بياض في أصوله، واستدركها المحقق عن ابن العديم. وعند الصفدي: الوافي 4: 130 - 131 وبغية الوعاة 1: 188: مهرايزد، وفي طبقات المفسرين للسيوطي 85: مهربزد.
القَاسِم يَحْيَى بن أَسْعَد بن يَحْيَى بن مُحَمَّد بن بَوْش الأَزَجِيّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ أحْمَد في عُبَيْدِ الله بن مُحَمَّد بن كَادِش العُكْبَرِيّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُحَمَّد الجَازِرِيّ قراءةً، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو الفَرَجِ المُعَافَى بني زَكَرِيَّاء بن يَحْيَى النَّهْرَوَانيّ الجَرِيْرِيّ
(1)
، قِراءَةً عليه وأنا أسْمَعُ، قال: حَدَّثَتَا أحْمَد بن عَبْد الله بن نَصْر بن بُجَيْر القَاضِي، قال: حَدَّثَنَا سُليْمان بن سَيْف، قال: حَدَّثَنا حَبَّان (a) أبو عَبْد الله جَارُ أبى عَاصِم، قال: حَدَّثَنَا هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب، قال: حَدَّثَني فَرْوَة بن سَعيد بن عُفَيْف بن مَعْدِي كَرْب، عن أَبِيهِ، عن جدِّه
(2)
، قال: بينا نحنُ عند رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذ أقْبَل وَفْدٌ من اليَمَن، فقالُوا: يا رسُولَ الله، لقد أحْيَانا الله ببَيْتَيْن من شِعْر امْرِئ القَيْس، قال: وكيف ذاك؟ قالوا: أقْبَلْنا نُرِيدُكَ حتَّى إذا كُنَّا ببعضِ الطَّريق أخْطَأنا الطَّريقَ، فمَكثنا ثلاثًا لا نَقْدِرُ عليه، فتفَرَّقْنا إلى أُصُول طَلْحٍ وسَمُرٍ ليَمُوتَ كُلُّ رَجُلٍ منَّا في ظِلِّ شَجَرَة، فبينا نحنُ بآخر رَمَق، إذا رَاكِبٌ يُوْضِعُ على بَعِيْر، مُعْتَمٌ، فلمَّا رآهُ بعضُنا قال والرَّاكِبُ يَسْمَعُ
(3)
: [من الطويل]
لمَّا رَأتْ أنَّ الشَّريْعَةَ هَمُّها
…
وأنَّ البَيَاضَ من فَرَائِصِهَا دَامِي
تَيَمَّمَتِ العَيْنَ الّتي عندَ ضَارِجٍ
…
يَفِيءُ عليها الظِّلُّ عَرْمَضُهَا طَامِي
فقال الرَّاكِب: مَنْ يقُولُ هذا الشِّعْر؟ وقد رَأى ما بنا من الجَهْدِ، قال: قُلْنا: امْرُؤُ القَيْس بن حُجْر، قال: ما كَذَب، وإنَّ هذا لضَارِجٌ، أو: ضَارِجٌ عندَكُم، فنظَرْنا فإذا بَيْنَنا وبين الماءِ نحوٌ من خَمْسِين ذِرَاعًا، فَحَبَوْنا إليه على الرّكَبِ، فإذا
(a) الجريري: حيَّان.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 1: 348 - 349.
(2)
المعجم الكبير للطبراني 18: 99 - 100 (رقم 179 - 180)، تاريخ بغداد للخطيب 3: 649 - 651، تاريخ ابن عساكر 9: 229 - 230، السيرة النبوية لابن كثير 1:61.
(3)
ديران امرئ القيس 155.
هو كما قال امْرُؤُ القَيْس: عليه العَرْمَضُ يَفئُ عليه الظِّلُّ. فقال رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ذاكَ رَجُلٌ مَذْكُورٌ في الدُّنْيا، منْسِيٌّ في الآخِرة، شَرِيْفُ في الدُّنْيا، خَامِلٌ في الآخِرة، بيَدِه لِوَاءُ الشُّعَراءِ يَقُودُهم إلى النَّار.
قال: وأخْبَرَنا أبو الفَرَج المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء
(1)
، قال: وحدَّثناهُ أحْمَدُ بن عِيسَى بن السُّكَيْن البَلَدِيُّ، قال: حَدَّثَني أبو (a) دَاوُد سُليْمان بن سَيْفٍ الحَرَّانيّ، قال: حَدَّثَنَا حَبَّانُ (b) بن هِلَالٍ أبو عَبْدِ الله البَصْرِيّ جَار أبي عَاصِم، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْد الله بن السَّائِب، قال: حَدَّثَنَا فَرْوَة بن عُفَيف - أو قال: عَفِيْف - ابن مَعْد يكَرِب، عن أَبيِهِ، عن جَدِّه، قال: كُنْتُ عند النَّي صلى الله عليه وسلم فأتاهُ قَوْمٌ من الأعْرَاب؛ حُفَاةً عُرَاةً، فقالوا: يا رسُولَ اللهِ، لقد أنْجَانا اللهُ ببَيْتَيْن من شِعْر امْرِئ القَيْس بن حُجْر. فقال: كيف ذاك؟ قالُوا (c): يا رسُولَ اللهِ، أقْبلنَا نُريدكَ، حتَّى إذا كُنَّا ببَعْضِ الطَّريق أضْلَلْنَاهُ ثلاثًا، لا نَقْدِرُ عليه، فبَيْنا نحنُ كذلك، عَمد كُلُّ (d) رَجُلٍ منَّا إلى ظِلِّ شَجَرَةٍ أو سَمُرة لَيمُوتَ تَحتها، فإذا رَاكِبٌ على بَعِيْر له يُوْضِعُ، فلمَّا رآهُ بعضُنا قال - والرَّاكِبُ يَسْمَعُ -
(2)
: [من الطويل]
لمَّا رَأتْ أنَّ الشَّريْعَةَ هَمُّها
…
وأنَّ البَيَاضَ من فَرَائِصَها دَامِ
تَيَمَّمَتِ العَيْنَ الّتي عندَ ضَارِج
…
يَفِيءُ عليها الظِّلُّ عَرْضُها طَامِ
قال: فقال الرَّاكِبُ: يا عَبْدَ اللهِ، مَنْ يقُول هذا الشِّعْرَ؟ قال: امْرُؤُ القَيْسِ بن حُجْر. قال: واللهِ ما كذَبَ، وإنَّ عنده الآن لضَارِجًا عليه العَرْمَض يَفِيءُ عليه الظِّلُّ، قال: فنَظَرْنا فإذا ليس بَيْنَنا وبينه إلَّا قَدْر عِشْرين ذِرَاعًا. فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ذاك رَجُلٌ مَذْكُورُ في الدُّنْيا، مَنْسِيَّ في الآخرة، بيدِهِ لِوَاءُ الشُّعَراءَ يَقُودُهم إلى النَّارِ.
(a) ساقطة من ب.
(b) الجريري: حيَّان.
(c) ب: فقال.
(d) ساقطة من ب.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 1: 349 - 350.
(2)
ديوان امرئ القيس 155.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَتِيق بن أبي الفَضْل بن سَلامَة السَّلَمَانِيُّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحسَن بن هِبَةِ اللهِ الشَّافِعيّ
(1)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن مُحَمَّدُ بنُ أحْمَد بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أبو المَعَالِي بن عبد الرَّحْمن بن صَابِر إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا الشَّريفُ أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم النَّسِيبُ، قال: أخْبَرَنا رَشَاء بن نَظِيف بن مَا شَاءَ اللهُ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّاب (a)، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مَرْوَان المالِكِيّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن مُوسَى بن حَمَّاد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سَهْل الأزدِيُّ، عن هِشَام بن مُحَمَّد، عن أَبِيهِ، قال: أقْبَل قَوْمٌ من اليَمَنَ يُرِيدونَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأضَلُّوا الطَّريقَ، وفَقَدُوا الماء، فمَكَثُوا ثلاثًا لا يقدرُون على الماءِ، فجعَل الرَّجُل منهم يَسْتَذْري بفَيءِ السَّمُرَةِ أو الطَّلْح آيسًا من الحَيَاةِ حتَّى خَفَتَ كَلَامُهُم من العَطَش، فبينا هم كذلك أقْبَلَ رَاكِبٌ وهو يُنْشِدُ بَيْتَيْن لامْرِئ القَيْس
(3)
: [من الطويل]
لمَّا رَأتْ أنَّ الشَّريْعَةَ هَمُّها
…
وأنَّ البَيَاضَ من فَرَائِصِهَا دَامِي
تَيَمَّمَتِ العَيْنَ الّتي عندَ ضَارِجٍ
…
يَفِيءُ عليها الظِّلُّ عَرْمَضُهَا طَامِي
فقال الرَّاكِبُ: مَنْ يقُولُ هذا؟ قالوا: امْرُؤُ القَيْس، فقالوا: فأين ضَارِجُ؟ قال: هو ذا خَلْفكُم، فانْحَرفُوا إليه، فإذا ماءٌ غَدَقٌ، وإذا عليه العَرْمَضُ والظِّلُّ يَفِيءُ عليه، فشَرِبُوا منه وحَمَلُوا حتَّى بلغُوا الماءَ، فأتَوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرُوه وقالوا: أحْيَانا [الله](b) ببَيْتَيْن من شِعْر امْرِئ القَيْسِ، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ذاكَ رَجُلٌ مَذْكُورٌ في الدُّنْيا، شَرِيْف فيها، مَنْسِيٌّ في الآخرة، خَامِلٌ فيها، يَجِيءُ يَوْم القِيامَة مَعَهُ لِوَاءُ الشُّعَراءِ إلى النَّار.
(a) ب: ابن الضراب.
(b) إضافة من ب، وفي كتاب المجالسة: أحيانا بيتان.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 339.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 176.
(3)
ديوان امرئ القيس 155.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله بن مُحَمَّد القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو عليّ مُحَمَّد بن سَعيد بن نبهان (a)، وأبو القَاسِمِ غَانِم بن مُحَمَّد بن عُبَيْدِ الله البرجِيّ، عن أبي عليّ بن شَاذَان، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر أحْمَد بن يَعْقُوبَ بن يُوسُف الأصْبَهَانِيّ بَرْوزَوَيْه (b)، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن الحَسَن الأعْرَج، عن البَرْقِيّ، عن ابن الكَلْبِيّ: أنَّ قَوْمًا أتوا رسُول الله صلى الله عليه وسلم فسَألوه عن أشْعَرِ النَّاس، فقال: أئتُوا ابن الفُرَيْعَة - يعني حَسَّان - فأتَوهُ، فقال: ذُو القُرُوحِ - يعنِي امْرأ القَيْس - فرجَعُوا فأخْبَرُوا رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صَدقَ، رفِيْعٌ في الدُّنْيا، خَامِلٌ في الآخرة، شَرِيْف في الدُّنْيا، وَضِيْعٌ في الآخرة، وهو قَائِدُ الشُّعَراءِ إلى النَّار. أو كما قال.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن المُسَلَّم الفَقِيهُ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن مَنْصُور اِلمالِكِيّ، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أبي نُعَيْم النَّسَوِيّ الصُّوْفيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن عُثْمان بن القَاسِم بن أبي نَصْر، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو عليّ مُحَمَّد بن القَاسِم بن مَعْرُوف، قال: فحَدَّثَني عليُّ بن بَكْر، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن الخلَيل، قال: أخْبَرَنا أبو زيْد بن عَبِيْدة (c)، قال: حَدَّثَني عليُّ بنُ الصَّبَّاح، قال: حَدَّثَنَا هِشَامِ بن مُحَمَّد، عن فَرْوَة بن سَعيد بن عُفَيْف بن مَعْدي كَرْب، عن أبيهِ، عن جدِهِ، قال: قَدمَ قَوْمٌ من اليَمَن على رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا مُحَمَّدُ، أحْيانا اللهُ ببَيْتَيْن من شعْر امْرِئ القَيْسِ بن حُجْر، قال: وكيف ذاك؟ قال: قالوا؟ أقْبَلْنا نُريدُك فضَلَلْنَا، فبَقيْنا ثلاثًا بغير ماءٍ، فاسْتَظْلَلْنا بالطَّلْح والسَّمُر، فأقْبَل رَاكِبٌ
(a) الأصل: تهان، مهمل الثاني، ويرد فيما بعد بالنون على الوجه المثبت.
(b) ابن عساكر: بردويه، وانظر ياقوت: مجم الأدباء 3: 1400.
(c) كذا مجوَّدًا في الأصل.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 223 - 224.
مُتَلثِّمٌ بعِمَامَةٍ، وتَمثَّل رَجُلٌ منَّا ببَيْتَيْن
(1)
: [من الطويل]
لمَّا رَأتْ أنَّ الشَّريْعَةَ هَمُّها
…
وأنَّ البَيَاضَ من فَرَائِصِهَا دَامِي
تَيَمَّمَتِ العَيْنَ الّتي عندَ ضَارِجٍ
…
يَفِيءُ عليها الطَّلْح عَرْمَضُهَا طَامِي
فقال الرَّاكِبُ: مَنْ يقولُ هذا الشِّعْر؟ قال: امْرُؤ القَيْس بن حُجْرٍ، قال: فلا واللهِ ما كَذَب! هذا ضَارِجٌ عندَكُم، فحَبَوْنَا على الرُّكَبِ إلى ماءٍ كما ذَكَر: عليه العَرْمَضُ يَفيءُ عليه الطِّلْح، فشَرِبْنا رِيَّنَا، وحَمَلنا ما بَلَّغَنا الطَّريقَ. فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ذاك رَجُلٌ مَذْكُورُ في الدُّنْيا، شَرِيْفٌ فيها، مَنْسِيٌّ في الآخِرة، خَامِلٌ فيها، يجيءُ يَوْمَ القِيامَة معه لِوَاءُ الشُّعَراء إلى النَّار.
ويقال إنَّ لبَيْدًا قَدِمَ المَدِينَة قَبْل إسْلَامه، فقال نَفَرٌ من قُرَيْش لرَجُل منهم: انهَضْ إلى لَبِيْدٍ فاسْأله أنْ يَسأل رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أشْعَرُ النَّاسِ؟ فنَهَضَ إليه فسألَهُ، قال: إنْ (a) شِئْت أخْبَرتُكَ مَنْ أعْلَمُهُم؟ قال: بل أشْعَرُهم. قال: يا حَسَّان أعْلمْهُ، فقال حَسَّان: الّذي يقُول
(2)
: [من الطويل]
كأنَّ قُلُوبَ الطَّيْر رَطْبًا ويَابِسًا
…
لدَى وَكْرِهَا العُنَّابُ والحَشَفُ البَالي
قال: هذا امْرُؤ القَيْس، فَمن الثَّاني؟ قال: يا حَسَّانُ، اعْلِمْهُ، قال: الّذي يقُول
(3)
: [من المتقارب]
كأنَّ تَشَوُّفَهُ بالضُّحَى
…
تَشَوُّفَ أزْرَق ذِي مَخْلَبِ
إذا سُلَّ عنهُ جلَالٌ له
…
يُقالُ سَلِيْبٌ ولم يُسلَبِ
قال لَبِيْد: وهذا له أَيضًا، فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: لو أدْرَكْتُه لنفَعْتُه، ثمّ قال: معه لِوَاءُ الشُّعَراءِ يرم القِيامَة حتَّى يَتَدهْدَأ بهم في النَّار. فقال
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
ديوان امرئ القيس 155.
(2)
ديوان امرئ القيس 139.
(3)
أيرد البيتان في ديوان امرئ القيس.
لَبِيْد: ليتَ هذه المَقَالَةُ قيلَتْ لي وإنَّني أُدَهْدَأُ في النَّارِ! ثمّ أسْلَم بعدُ لحسُن إسْلَامُهُ.
أخْبَرَنا عُمَرُ بن طَبرزَد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقنديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد عَبد الوَهَّاب بن عليّ بن عَبد الوَهَّاب بن السُّكَّرِيّ البَزَّاز (a) إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد العَزِيْز الطَّاهِريّ (b) قِراءَةً عليه، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن سَلْم بن رَاشِد الخُتَّلِيّ، قال: أخْبَرَنا أَبو خَليفَة الفَضْلُ بن الحبُاب الجُمَحِيّ، قال: حدَّثنا أبو عَبْد الله مُحمّد بن سَلَّام بن عُبَيْد اللهَ بن زيَاد الجُمَحيّ في كتاب طَبَقاتِ الشُّعَراءَ الجَاهليِّيْن (c): في الطَّبَقَةِ الأوْلَى امْرُؤُ القَيْس بن حُجْر بن الحَارِث بن عَمْرو بن حُجْرٍ آكِل المُرَار بن عَمْرو بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن يَعْرُب بن ثَوْر بن مُرْتِع (d) بن مُعاوِيَة بن كِنْدَة.
قال ابنُ طَبَرْزَد: وأنْبَأنَا أبو غَالِب بن البَنَّاء، عن أبي الفَتْح بن (e) المَحَامِليّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الدَّارَقُطْنيّ، قال: قال ابنُ الكَلْبيّ: إنَّما سُمِّي حُجْرُ بن عَمْرو بن مُعاوِيَة الأكْرَمين آكِلَ المُرَارِ لأَنَّ امْرأتَهُ هِنْد بنت ظَالَم بن وَهْب بن الحَارِث بن مُعاوِيَة الأكْرَمِيْن لمَّا أغارَ عليه ابن الهَبُوْلَة (2) السَّلِيْحِيُّ، فأخَذَها فقال لها: كيفَ تَرَين الآن حُجْرًا فقالت (g): أراهُ واللهِ خَبِيْثَ الطَّلَب، شَدِيدَ الكَلَب، كأنَّهُ بَعِيْرٌ أكَلَ مُرَارًا. والمُرَارُ: نَبْتٌ حارٌّ يَأكُله البَعِيْر فيتَقَلَّصُ منه مِشْفَرُه، وكان حُجْرُ أفْوَهَ خَارِج الأسْنَان، فشبَّهَتْهُ به فسُمِّي آكِلَ المُرَار بذلك.
(a) الأصل، ب: البزار، وانظر: تاريخ ابن عساكر 9: 163، 333، تاريخ الإسلام للذهبي 10:410.
(b) ب: الظاهري، وصوابه المثبت نسبة إلى طاهر بن الحسين القائد المعروف، انظر أنساب السمعاني 9:15.
(c) طبقات فحول الشعراء 51.
(d) كذا ضبطه في الأصل في هذا الموضع، وفي طبقات ابن سلام: مُرَتِّع، وفي سياقة آخر الأسماء عند ابن سلام خلاف، وهو:"ابن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن يعرب بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة".
(e) ساقطة من ب.
(f) في الأصلا، ب: ابن الهيولة، وصوابه بالباء الموحدة. انظر: المعمرون والوصايا للسجستاني 74، 146، نسب معد واليمن الكبير للكلبي 31، السيرة لابن هشام 4: 586، التذكرة الحمدونية لابن حمدون 7: 384، الأنساب للسمعاني 171:12.
(g) ب: فقال.
أنْبَأنَا أحْمَدُ بن أزْهَر بن عَبدِ الوَهَّاب بن السَّبَّاك، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، قال: أنْبَأنا أبو مُحَمَّد الجوهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُبَيْد الله المَرْزُبانيّ إجَازَةً، قال في مُعْجَم الشُّعَراءِ
(1)
: امْرُؤ القَيْس بن حُجْر بن الحَارِث بن عَمْرو المَقْصُور بن حُجْر آكِل المُرَار الكِنْدِيّ، وامْرُؤ القَيْس أحَدُ مُلُوك كِنْدَة، وابن مُلُوكهِم، وسُمِّي عَمْرو المَقْصُور لاقْتِصَاره على مُلْك كِنْدَة دونَ غيرهم، وسُمِّي حُجْرٌ آكِل المُرَار، لأنَّ امْرأتَهُ قالت: هو شَدِيْدُ الكَلَب، سَرِيعُ الطَّلَب، مُزْبدٌ شِدْقاهُ، كأنَّهُ جَمَلٌ آكِلُ مُرَارٍ، فسُمِّي بذلك. والمُرَارُ: نَبْتٌ حَارٌّ يتقَلَّصُ منه مِشْفَرُ البَعِيْر.
وقد اخْتُلفَ في نَسَب آكِل المُرَار، فقال أبو عُبَيْدَةَ: هو آكِلُ المُرَار بن عَمْرو بن مُعاوِيَة بن عَمْرو بن مُعاوِيَة في ثَور، وثَوْر هو كِنْدَةُ.
وقال عُمَرُ بن شَبَّة ومَنْ قال بقَوْله: هو آكِل المُرَار بن عَمْرو بن حُجْر - وهو أوَّلُ مُلُوك كِنْدَة - ابن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن ثَور بن كِنْدَهَ بن مُرَتَّع (a) بن عُفَيْر.
وقال مُحَمَّدُ بن سَلَّام
(2)
: هو آكِلُ المُرَار بن عَمْرو بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن ثَوْر بن مُرَتِّع بن مُعاوِيَة بن كِنْدَة.
وقال هِشَامُ بن مُحَمَّد الكَلْبيّ
(3)
: كِنْدَةُ اسْمُه ثَوْر (b) بن عُفَيْر بن عَدِيّ بن الِحَارِثِ بن مُرَّة بنِ أُدَد بن زَيْدِ بن يَشْجُبَ بن عَرِيْب بن زَيْد بن كَهْلَان بن سَبَأ بن يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطَان.
(a) ضبطه في هذا الموضع في الأصل بفتح المثناة وتشديدها.
(b) الأصل: تور، بالتاء.
_________
(1)
ضمن الجزء الأول الضائع من كتاب معجم الشعراء.
(2)
طبقات فحول الشعراء 51، وفيه:"ابن عمرو بن معاوية بن يعرب بن ثور .. ".
(3)
نسب معد واليمن الكبير 136، وانظر: البلاذري: أنساب الأشراف (حميد الله) 1: 9.
وقد خُوْلِفَ ابن شَبَّة وابن سَلَّام وابن الكَلْبيّ في هذا النَّسَب، والخِلَافُ فيه مَشْرُوحٌ في الكتاب المُوْنِق
(1)
.
قال: وقيل كُنْيَةُ امْرِئ القَيْسِ أبو عَمْرو، وقيل: أبو الحَارِث، وقيل: أبو كَبْشَة. ويُلَقَّبُ: ذَا القُرُوح، ويقال: ذُو القَرْحِ، ونُسِبَ إلى ذلك للُبْسه الحلَّة المَسْمُومة الّتي أهْدَاها إليه قَيْصَرُ فقرَّحَتْ جَسدَهُ. وهو المَلِكُ الضِّلِّيْلُ، وسُمِّي بذلك لأنَّ مُلْكَ كِنْدَةَ ضَلَّ على يدِه لمَّا تَنَقَّلَ في أحْياءِ العَرب طَالِبًا بثَأر أبيهِ، ثمّ ارْتَحل إلى قيصَرَ يستَنْجدهُ، فمات بأرْضِه، وبَطل مُلْكُهُم، وأُمُّهُ فاطِمَةُ بنت رَبِيْعَة أُخْت كُلَيْبٍ (a) ومُهَلْهِل ابْني رَبِيْعَة التَّغْلِبِيَّيْن.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الحَرَسْتَانِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليِّ بن أحْمَد الغَسَّانِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، وال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن أبي الحَدِيْدِ، قال: أخْبَرَنا جَدِّي، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن زَبْر، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن عُلَيْلٍ العَنَزِيّ، قال: حَدَّثَنَا مَسْعُودُ بن بِشْرٍ، قال: سَمِعْتُ الأصْمَعِيِّ يَقُول: امْرُؤ القَيْس بن حُجْرٍ، يُكْنَى أبا يَزِيد، وأبا وَهْب.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْد الله بن عُمَر بن عليّ بن الخَضِرِ القُرَشِيّ التَّاجر - قَدِمَ علينا حَلَبَ - قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو السَّعَادَاتِ المُباركُ نَصْر الله (b) بن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد القَزَّازُ، وشُهْدَةُ بنتُ أحْمَد بن الفَرَج الإِبَرِيّ، ح.
وأخْبَرَنا أبو البَقَاء يعيْشُ بن عليّ بن يَعِيْش الحَلَبِيِّ النَّحْوِيّ، قال: أخْبَرَنا الخَطِيبُ أبو الفَضْل عَبْدُ الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ، قالوا: أخْبَرَنا الحَاجِبُ أبو
(a) الأصل، ب: كلب، وتقدم التعليق عليه.
(b) ب: نصر.
_________
(1)
كتاب المُونِق في أخبار الشعراء المشهورين من الجاهليين والمخضرمين، للمرزبانيّ، ذكره النديم في مؤلفاته وأنه بدأ فيه بامرئ القيس، وعدد ورقه أكثر من خمسة آلاف ورقة. انظر: الفهرست 1/ 2: 408، القفطي: إنباه الرواة 3: 183، ابن الساعي: الدر الثمين 134.
الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن العَلَّاف، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ المَلِك بن مُحَمَّد بن عَبْدِ اللّه بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن إبْراهيم بن عِليّ الكِنْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّدُ بن جَعْفَر بن سَهْل الخَرَائِطِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا عليَّ بن الأعْرَابِيّ، قال: حَدَّثَنا عليُّ بن عُمْرُوس، عن هِشَام بن السَّائِب الكَلْبِيّ، عن أَبيِهِ، عن أبي صالِح، قال: كان يَدْخُل مَكَّة رجالٌ مُتَعَمّمُونَ من جَمَالهم مَخَافة أنْ يُفَتَنَ بهم، منهم: عَمْرو الطُّهَوِيُّ (a)، وأُعَيْفرُ (b) اليَرْبُوعيَّ، وسُبَيْعٌ الطُّهَوِيّ، وحَنْظَلَة بن مَرْثَد (c) من بني قَيْس بن ثَعْلَبَة، وكان يُقال له: بَرْجَد من حُسْنِه، والزِّبْرَقَان بن بَدْر، وعَمْرو بن حُمَمَة الدَّوْسِّيّ (d)، وأبو خَيْثَمَة (e) بن رَافِع، وزَيْد الخَيْل بن مُهَلْهِل الطَّائيّ، وقَيْس بن سَلَمَة، وشَرَاحِيْل الجُعْفِيّ (f)، وذو الكَلَاع الحْمَيرِيّ، وامْرُؤ القَيْسِ بن حُجْر الكِنْدِيّ، وجَرِير بن عَبْدِ اللّه البَجَليّ.
قَرَأتُ في رِسَالَة أبي عليّ الحَاتِمي في الشِّعْر والشُّعَراءِ
(2)
، قال: ولا خِلَافَ بين الرُّوَاةِ أنَّ امرأ القَيْسِ كان رَاوِيَةَ أبي دُؤَادٍ (g)، وأنَّهُ لم يزل يَقْتَضبُ شِعْرَهُ ويَنْتَزعُ مَعَانِيَهُ؛ فمن ذلك قول أبي دُؤَاد:[من الطويل]
إذا ما جَرَى شَأْوَيْن وابْتَلّ عَطْفُهُ
…
أنافَ بجذْع مثْل جِذْع السَّحُوق
فقال امْرُؤُ القَيْس
(3)
: [من الطويل]
إذا ما جَرَى شَأْوَيْن وابتَلَّ عَطْفُهُ
…
تقُول هَزِيزُ (h) الرّيْح مَرَّت بأَثْأَبِ (i)
(a) الخرائطي: الظهري.
(b) الخرائطي: اعيضر.
(c) الخرائطي: مرثل.
(d) الخرائطي: الأوس.
(e) الخرائطي: أبو حممة.
(f) الخرائطي: وقيس بن سلمة بن شراحيل الجعفري.
(g) في ب حيثما يرد تاليًا: أبو داوود.
(h) الأصل: هزير، والمثبت من ب والديوان.
(i) كتب ابن العديم في الهامش تفسير الأثأب: "شجر".
_________
(1)
الخرائطي: اعتلال القلوب 145
(2)
لعلها الرسالة المعروفة باسم الرسالة الناجية، وهي في حكم الضائع، وله أيضًا: الرسالة الحاتمية، رد فيها على أبي الطيب المتنبي، وتقدمت الإشارة إليها في ترجمة المتنبي في الجزء الثاني، والمؤلف هو: محمد بن الحسن بن المظفر الحاتمي (ت 388 هـ).
(3)
ديوان امرئ القيس 76.
وقال أبو دُؤَادٍ: [من الطويل]
وقد أغْتَدِي والطَّيْرُ في وُكُنَاتها
…
بمُنْجَردٍ ضَافي (a) السَّبيْب عَتِيْق
فقال امْرُؤُ القَيْس
(1)
: [من الطويل]
وقد أغْتَدى والطَّيْرُ في وُكُنَاتِها
…
بمُنْجَردٍ قَيْد الأَوَابِدِ هَيْكَل
أنْبَأنَا أَبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ إجَازَةً، قال: أجاز لي أبو عُبَيْد اللّه مُحَمَّد بن عِمْران المَرْزُبانيّ.
قُلتُ: ونَقَلْتُهُ من نُسْخَةٍ عليها خَطّ المَرْزُبانيّ وسَمَاعِ عَبْد السَّلام البَصْرِيّ فيها، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر أحْمَد بن مُحَمَّد بن عَبْد اللّه الجَوْهَرِيّ، إمْلاءً من كتَابهِ، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحَسَن بن عُلَيْل العَنَزِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد عبد اللّه بن مُحَمَّد التَّوَّزِيّ، قال: قَرَأتُ على أبي عُبَيْدَة مَعْمَر بن المُثَنَّى، ح.
قال العَنَزِيّ (a): وحَدَّثَنَا إبراهيم بن سَعْدَان، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن الأَثْرَم، قال: قرأتُ على أبي عُبَيْدَة
(2)
، قال: اتَّفَقت العَرَبُ العُكَاظِيُّونَ أنْ لا يعدُّوا من الشَّيء إلَّا ثلاثةً، ثمّ يكفُّوا ولا يزيدُوا عليها شيئًا، فإنْ لَحِقَ بعد ذلك شيءٌ لم يَعُدُّوه، فاتَّفَقُوا على أنَّ أشْعَرَ الشُّعَراءِ في الجاهِلِيَّة ثلاثةٌ: امْرُؤُ القَيْس بن حُجْرٍ الكِنْدِيّ، ونَابِغَة بني ذُبْيَان، وزُهَيْرُ بن أبي سُلْمَى. ثمّ اخْتَلَفُوا، فقال بعضُهم: امْرُؤ القَيْس أوَّلُهم؛ فَتَح لهم الشِّعْرَ فاسْتَوقَفَ، وبَكَى في (c) الدِّمَن وذَكَر ووَصَفَ ما فيها ثمّ قال: دَعْ ذَا؛ رَغْبةً [منه](d) عن المَنْسِبَةِ.
(a) ب: صافي.
(b) من قوله: "قال حدثنا أبو محمد
…
" إلى هنا ساقط من ب.
(c) ساقطة من ب.
(d) زيادة من الديباج لأبي عبيدة.
_________
(1)
ديوان امرئ القيس 53.
(2)
أبو عبيدة: الديباج 3 - 5.
وكتب فَوْقه التَّشْبِيْه وعلَّم عليه "ص"، فتبَعُوا أثَرَهُ (a).
وهو أوَّلُ مَنْ شبَّهَ الخَيْل بالعَصَا واللِّقْوَةِ والسِّبَاع والظِّبَاء (b) والطَّيْر، قال: واللِّقْوَة: العُقَابُ، فشَبَّهُوها بهذه الأوْصَاف، وكان ما شبّه بالعَصَا قوله
(1)
: [من الطويل]
كُيَمْتٌ كأنَّها هَرَاوَة مِنْوَالِ
وما شبَّهَ باللِّقْوَة - وهي العُقَاب - قَوْله
(2)
: [من الطويل]
كأنِّي بفَتْخَاءِ الجِنِاحَين لِقْوَةٍ
…
صَيُوْدٍ من العُقْبان طأطَاتٍ شمْلَال
وما شبَّهَ بالسِّبَاع [قوله](c): [من الطويل]
له (d) أيْطَلا ظَبْي وسَاقَا نعامَةٍ
…
وإرْخَاءُ سِرْحَانٍ وتَقْريبُ تَتْفُلِ
وقال مَنْ فَضَّل النَّابِغَة: هوَ أوْضَحُهم كَلَامًا، وأقَلَّهُم سَقَطًا (e) وحَشْوًا، وأجْوَدَهُم مَقَاطِعَ، وأحْسَنهم مَطَالِعَ. ولشِعْره دِيْبَاجةٌ إنْ شِئْتَ قُلتَ: ليس بشِعْرٍ مُؤلَّفٍ من تَأَتّيْهِ ولِيْنِه، وإنْ شئتَ قُلتَ: صَخْرٌ لو رَديْتَ به الجِبَال لأزَلْتها.
وقال الّذين فضَّلُوا زُهَيْرًا: هو أمْدَحُ القَوْم، وأشَدُّهُم أَسْرَ شِعْرٍ.
قُلْتُ: هذا من قولهم: أَسَرَ قَتَبَهُ أسْرًا، أي: شَدَّهُ بالقدِّ.
أنْبَأَنَا أبو حَفْص عُمَرُ بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، عن أبي القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، عن أبي مُحَمَّد عَبد الوَهَّاب بن عليّ بن عَبد الوَهَّاب السُّكَّرِيّ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن عَبْد العَزِيْز الطَّاهِريّ قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا
(a) قوله: "وكتب فوق
…
ص"، لم يرد عند أبي عبيدة.
(b) لم ترد في كتاب أبي عبيدة.
(c) إضافة من ب، والبيت من معلقته، انظر ديوان امْرئ القيس 58.
(d) ساقطة من ب.
(e) الديباج: منطقًا، وهو تحريف بيِّن.
_________
(1)
ديوان امرئ القيس 139، وعجز البيت: بعجلزة قد أتزر الجري لحمها.
(2)
ديوان امرئ القيس 139.
الفَضْلُ بن الحُبَاب، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن سَلَّام الجُمَحِيُّ
(1)
، قال: أخْبَرَني يُونُسُ بن حَبيْب أنَّ عُلمَاءَ البَصْرَة كانُوا يُقَدِّمُونَ امْرأَ القَيْس بن حُجْر، وأنَّ أهْل الكُوفَة كانوا يُقَدَّمُونَ الأعْشَى، وأنَّ أهْلَ الحِجَاز والبَادِيَة يُقَدِّمُونَ زُهَيْرًا والنَّابِغَة.
قال ابن سَلَّامِ
(2)
: وأخْبَرَني أَبَانُ بن عُثْمان البَجَليّ، قال: مَرَّ لبَيْدٌ بالكُوفَة في بني نَهْدٍ فأتْبَعُوه رسُولًا سَؤُولًا، فَسَألَهُ: مَنْ أشْعَرُ النَّاس؟ قال المَلِكُ الضِّلِيْلُ، فأعادُوه إليه، قال: ثمَّ مَنْ؟ قال: الغُلَامُ القَتِيْل - وقال غيرُ أبَان: ابن العِشْرين؛ يعني طَرَفَة - قال: ثمّ منْ؟ قال: الشَّيْخُ أبو عَقِيْل، يَعْني نَفْسَهُ.
قال مُحَمَّد بن سَلَّام
(3)
: أخْبَرَني شُعَيْب بن صَخْر، عن هَارُون بن إبْراهيم، قال: سَمِعْتُ قَائلًا يقول للفَرَزْدَق: مَنْ أشْعَرُ النَّاس يا أبا فِرَاس؟ قال: ذو القُرُوح؛ يعنى امْرأ القَيْس، قال: حين يقُول ماذا؟ قال (a): حين يقول
(4)
: [من الوافر]
وَقَاهُم جَدُّهُم ببني أبيهمْ
…
وبالأشْقَيْنَ ما كانَ العقَابُ
قال ابنُ سَلَّام
(5)
: واحْتَجَّ لامْرِئ القَيْس مَنْ يُقَدِّمُه وليس أنَّهُ قال ما لم يقُولُوا، ولكنَّهُ سَبَقَ العَرَبَ إلى أشْيَاءَ ابْتَدعَها، اسْتَحْسَنَتْها العَرَبُ، واتَّبَعَتْهُ فيها الشُّعَراءُ؛ منه: اسْتِيْقَافُ صَحْبه، والبُكَاءُ في الدِّيَار، ورِقَّةُ النَّسِيب، وقُرْب المأْخَذ (b)، وتَشْبِيهُ النِّسَاءِ بالظِّبَاءِ والبَيْض، وتَشْبيهُ الخَيْل بالعِقْبان والعِصيِّ، وقَيْد الأوَابد. وأجادَ في التَّشْبِيْه، وفَصَل بين النَّسِيب (c) وبين المَعْنَى. وكان أحْسَنَ [أهْل](d) طَبَقته تَشْبِيهًا، وأَحْسَنُ الإسْلَاميِّين تَشْبيهًا ذُو الرُّمَّة.
(a) ب: قوله: "قال حين يقول ماذا، قال" ساقط من ب.
(b) قوله: "وقرب المأخذ" ساقط من ب.
(c) من قوله: "والعصي
…
"إلى هنا ساقط من ب.
(d) إضافة من كتاب ابن سلام الجمحي.
_________
(1)
ابن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء 1: 52.
(2)
طبقات فحول الشعراء 1: 54.
(3)
طبقات فحول الشعراء 1: 52 - 53.
(4)
ديوان امرئ القيس 83، والأغاني 9:68.
(5)
طبقات فحول الشعراء. 1: 55.
قُلتُ: وإلى ذلك أشَار عُمَرُ بن الخَطَّاب رضي الله عنه بقَوْله، وذكر امرأَ القَيْس فقال: خَسَفَ لهم عَيْنَ الشِّعْر، وافْتَقَرَ عن مَعَانٍ عُوْر أصَحَّ بَصَرٍ.
وقد تكلَّم أبو سُليْمان الخَطَّابيّ على مَعْنى قَوْل عُمَر رضي الله عنه، بما أخْبَرَنا به المُؤيَّد بن مُحَمَّد في كتابهِ، عن أبي عَبْدِ اللّه الفَرَاوِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عَبْدُ الغَافِر بن مُحَمَّد الفَارِسِيّ، قال: قال أبو سُليْمان الخَطَّابيّ في حَدِيث عُمَر: أنَّهُ ذكر امْرأَ القَيْس فقال: خَسَفَ لهم عَيْنَ الشِّعْر وافْتَقَر عن مَعَانٍ عُوْر أصَحّ بَصَرٍ، فَسَّرَهُ ابن قُتَيْبَة في كتابِه فقال: خَسَفَ: من الخَسِيْف وهو البئر تُحْفَر (a) في حِجَارة فيُسْتَخرج منها ماءٌ كَثِيْرٌ. وافْتَقَر: فَتَحَ، وهو من الفَقِيْر، والفَقِيرُ: فَم القَنَاة، وقَوْله: عن مَعانٍ عُوْر، يُريدُ أَنَّ امْرأ القَيْس من اليَمَن وليسَتْ لهم فَصَاحَةٌ.
قال أبو سُليْمان: هذا لا وَجْهَ له ولا مَوضِع لاسْتِعْماله فيمن لا فَصَاحَةَ له، إنَّما أُرِيْدَ بالعَوَر هَاهُنا غمُوض المَعَاني ودِقَّتَها، من قَوْلك عَوَّرت الرَّكيَّةَ، إذا دَفَنْتَتها (b)، ورَكيَّة عَوْرَاءُ، قال الشَّاعِرُ
(1)
: [من الرجز]
ومَنْهَل أعْوَر إحْدَى العَيْنَين
…
بَصِيْرة الأُخرى أصَمّ الأُذنَيْن
جَعَل العَيْن الّتي تَنْبع بالماء بَصِيْرةً، وجَعَل المُنْدَفنَة عَوْرَاءَ؛ فالمَعَاني العُوْرُ على هذا هي البَاطِنَةُ الخَفِيَّة، كقَوْلك: هذا كَلَام مُعَمَّىً أي غَامِضٌ غيرِ وَاضِح، أرادَ عُمَرُ أنَّهُ قد غاصَ على مَعَانٍ خَفِيَّةٍ على النَّاسِ، فكَشَفَها لهم، وضَرَبَ العَوَرَ مثَلًا لغمُوضِها وخَفَائها، وصِحَّة البَصَر مثَلًا في ظُهُورها وبَيَانها، وذلك كما أجْمَعَتْ عليه الرُّوَاةُ من سَبْقه إلى مَعَانٍ كَثِيْرة لم يَحْتَذ فيها على مثال مُتَقَدِّم؛ كابْتِدائهِ في القَصِيدَة بالتَّشْبِيْب والبُكَاءَ في الأطْلَال، والتَّشْبِيْهَاتِ المُصِيْبَة، والمَعَاني المُقْتَضَبة
(a) ب: تحفره.
(b) ب: دققتها.
_________
(1)
انظر الشعر في كتاب الحيوان للجاحظ 4: 387.
الّتي تفرَّد بها فتبعَهُ الشُّعَراءُ عليها وامْتَثلُوا رَسْمَهُ فيها.
أنْبَأنا ابنُ طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْل بن أحْمَد، إجَازَةً إِنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَيْن بن النَّقُّور، وأبو مَنْصُور عَبْد البَاقي بن مُحَمَّد بن غالب بن (a) العَطَّار، قالا: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّص، قال: حَدَّثَنَا أَبو مُحَمَّد عَبْدُ اللّه بن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن عِيسَى، قال: حَدَّثَنَا أبو يَعْلَى زَكَرِيَّاء بن يَحْيَى المِنْقَريّ، قال: حَدَّثَنَا الأصْمَعِيُّ، قال: سَألْتُ بَشَّارَ الأعْمَى: مَنْ أشْعَرُ النَّاس؟ فقال: اخْتَلف النَّاسُ في ذلك، فأجْمعَ أهْلُ البَصْرَة على امْرِئ القَيْس وطَرَفَة بن العَبْد.
وأنْبَأنَا ابن طَبَرْزَد، عن أبي العِزّ بن كَادِش، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْلَى بن الفَرَّاءِ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن سَعيد بن إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد بن سُوَيْد، قال: حَدَّثَنا أبو عليّ الحُسَين بن القَاسِم بن جَعْفَر الكَوْكَبِيّ، قال: حَدَّثَنا العَنَزِيّ، قال: أخْبَرَنا دِمَاذٌ، قال: قال أبو عُبَيْدَة: ذَهَبَ اليَمَنُ بجِدِّ الشِّعْر وهَزْلهِ، فجِدُّه امْرُؤ القَيْس، وهَزْلُه أبو نُوَاس.
أنْبَأنَا الحَسَنُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي الحَسَن رَشَاء بن نَظِيف، وأنْبَأني أبو القَاسِم العَلَويُّ، وأبو الوَحْش المُقْرِئ عنه، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد عُبَيْدُ اللّه بن مُحَمَّد بن أبي مُسْلِم الفَرَضِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو طَاهِر عَبْدُ الوَاحِد بن عُمَر بن أبي هاشِم المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن يُونُس، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الجَهْم، قال: سُئِلَ الفَرَّاءُ يَحْيَى بن زِيَاد القَيْسيّ عن أشْعَرِ العَرَب فأبَى أنْ يقولَ، فقيل له: إنَّك لهذا مَوْضع، فقُلْ، فقال: كان زُهَيْرُ بن أبي سُلْمَى واضحَ الكَلَام، مُكْتَفِيةٌ بُيُوتُه، البَيْتُ منها بنَفْسه كافٍ، وكان
(a) ساقطة من ب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 228.
جَيِّد المَقَاطع. وكان النَّابِغَة جَزْلَ (a) الكَلَام، حَسَن الابْتِدَاءِ والمَقْطَع، تَعْرف في شعْره قُدرته على الشِّعْر، لَم يُخالِطْهُ ضعْفُ الحَدَاثَة. وكان امْرُؤ القَيْس شاعرَهُم الَّذي عَلَّم النَّاسَ الشِّعْرَ والمَدِيْحَ والهِجَاءَ بسَبْقِه إيَّاهُم، وإنَّهُ إنْ كان خارجًا من جَيِّدِ الشُّعَراءِ يَفُوقُهُم (b). وكان لطَرَفَةَ شيءٌ ليس بالكَثِيْر، وليس كما يَذْهَبُ إليه بعضُ النَّاسِ لحَدَاثَتِه، وكان لو مُتِّع بسِنٍّ حتَّى يَكْبُر (c) معه شِعْرُه كان خَلِيْقًا أنْ يَبلغُ المبالغ. وكان الأعْشَى يضَعُ لِسَانَهُ من الشِّعْر حيثُ شاءَ. وكان الحُطَيْئَةُ نَقِيَ الشِّعْر، قليلَ السَّقَط، حَسَنَ الكَلَام، مُشْرَبَهُ (d). وكان لَبيْدٌ وابن مُقْبِل يَجْريان مَجْرىً واحدًا في خُشُونَةِ الكَلَامِ وصُعُوبَتِه، وليس ذلك بمَحْمُود عند أهْل الشِّعْر، وأهْلُ العَرَبِيَّة يَشْتَهُونَهُ لكَثْرة غَرِيبْهِ، وليسَ يَجُودُ الشِّعْرُ عندَ أهْله حتَّى يكُونَ صاحبهُ يَقْدر على تَسْهيلِهِ وإيْضَاحِهِ (e). فإذا نَزَلْتَ عن هؤلاءِ بجَرِيْر (f) والفَرَزْدَق فهُما اللَّذانِ فَتَقَا الشِّعْرَ، وعَلمَّا النَّاسَ، وكادَا يكُونان خَاتِمي الشِّعْر. وكان ذُو الرُّمَّة شَيْخَ (g) الشِّعْر، يُشَبِّهُ فيُجِيْد ويُحْسِن، ولَمْ يكن هَجَّاءً ولا مَدَّاحًا، وليسَ الشَّاعر إلَّا مَنْ هَجَا فوَضَعَ، أو مَدَحَ فرَفَع كالحُطَيْئَة والأعْشَى فإنَّهُما كانا يَرْفعان ويَضَعَان، ثمّ قال الفَرَّاءُ: واللّهُ الرّافِعُ الوَاضِعُ.
وأنْبَأنَا الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عليّ
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو عليّ مُحَمَّد بن سَعيد بن نَبْهان، وأبو القَاسِم غَاِنِم بن مُحَمَّدْ بن عُبَيْدِ اللّه البُرْجِيّ، عن أبى عليّ بن شَاذَان، قال: أخْبَرنا أبو جَعفَر أحْمَد بن يَعْقُوبَ بن يُوسُف الأصْبهانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن سَعيد الدِّمَشقيُّ، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن بَكَّار، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن الحَسَن المَخْزُوميُّ،
(a) ب: حرك.
(b) تاريخ ابن عساكر: من حد الشعر يعرفهم.
(c) ابن عساكر: يكثر.
(d) ابن عساكر: مستويه.
(e) ب: وأيضًا، والنص متصل بما بعده.
(f) ابن عساكر: فجرير.
(g) ابن عساكر: مليح.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 224.
قال: قيل لحَسَّان بن ثَابِت: مَنْ أشْعَرُ النَّاسِ؟ قال: أبو أُمَامَة، يعني: النَّابِغَة الذُّبيانيِّ، قيل: ثمّ مَنْ؟ قال: حَسْبُكَ بي (a) مُنَاضِلًا أو مُنَافِحًا، قيل: فأين أنْتَ عن امْرئ القَيْس؟ قال: إنَّما كُنْتُ في ذِكْر الإنْس!.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْدُ الله بن عُمَر بن عليّ بن الخَضر البَغْدَاديّ، قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو السَّعَادَاتِ المُبارَكُ نَصْرُ الله بن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد، وشهدَةُ بنتُ أحْمَد بن الفَرَج، ح.
وأخْبَرَنا أبو البَقَاء يَعِيْشُ بن عليّ بن يَعيْش، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل عَبْدُ الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد، قالوا: أخْبَرَنا الحَاجِبُ أبَو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن العَلَّاف، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ المَلِك بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن إبْراهيم بن عليّ الكِنْديِّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن جَعْفَر بن سهل الخَرَائطيِّ
(1)
، قال: حَدَّثنا أبو يُوسُف يَعْقُوبُ بن عِيسَى الزُّهْرِيّ، قال: حَدَّثَنا الزُّبير بن بَكَّار، قال: أخْبَرَني سَعيدُ بن يَحْيَى بن سَعيد الأُموِيّ، قال: حَدَّثَني أبي أنَّ امْرأةً لَقِيَت كُثيِّر عزَّة وكان قَليلًا دَمِيْمًا، فقالت: مَنْ أنْتَ؟ قال: كُثيِّر عزَّة، قالت: تَسْمَعَ بالمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ من أنْ تَرَاه! قال: مَهْ رَحمَكِ اللهُ، فإنِّي أنا الّذي أقُول
(2)
: [من الطويل]
فإنْ أَكُ مَعْرُوق العِظَام فإنَّني
…
إذا ما وزَنْتُ القَوْمَ (b) بالقَوْم وَازنُ
قالت: وكيفَ تكُون بالقَوْم وَازنًا، وأنْتَ لا تُعْرَف إلَّا بعَزَّة! قال: والله لئن قلت ذَاك، لقد رَفعَ اللهُ عز وجل بها قَدْرِي، وزيَّنّ بها شِعْري، وإنَّها لكما
(a) ساقطة من ب.
(b) الديوان: إذا وُزِنَ الأقوامُ.
_________
(1)
الخرائطي: اعتلال القلوب 80 - 81.
(2)
ديوان كثير عزة 380.
قُلت
(1)
: [من الطويل]
فما رَوْضَةٌ بالحُزْن طَاهِرَة (a) الثَّرَى
…
يَمُجُّ النَّدَى جَثْجَاثُها وعَرَارُها
بأَطْيَبَ من أرْدَانِ عَزَّةَ مَوْهِنًا
…
وقد وُقِدَتْ (b) بالمنَدَلِ الرَّطْبِ نَارهَا
من الخَفَرات البِيْض لم تَلْقَ (c) شِقْوةً
…
وبالحَسَب المكنُون صَافٍ (d) نِجَارُها (e)
فإنْ برزَتْ (f) كانت لعَيْنِك قُرَّة
…
وإنْ غبْتَ عنها لم يُعَمِّمك (g) عَارُها
قالت: أرأيْت حين تَذْكرُ طِيْبها إذا اسْتَجْمَرَت بالمنَدَلِ الرَّطْب، فلو أنَّ زِنْجِيَّةً اسْتَجمَرت بالمنَدَلِ الرَّطْب لطَاب رِيْحُها، ألَا قلْت كما قال امْرُؤُ القَيْس
(2)
: [من الطويل]
خَلِيليَّ مُرَّا بي على أُمّ جُنْدُب
…
نُقَضِّي لبُاناتِ الفُؤاد المُعَذَّب
ألَم تَرَياني كُلَّما جئْتُ طَارِقًا
…
وجَدْتُ بها طِيْبًا وإنْ لم تَطَيَّب
قَال: الحقّ والله ضَيْر ما قيل، هو واللهِ أنْعَتُ لصَاحِبَته منِّي (h).
قلتُ: الّذي يقَعُ لي أنَّ كُثَيِّر عزَّة أرَادَ الرَّوْضَة بقَوْله:
وقد وُقِدَتْ بالمنَدَل الرَّطْب نَارُهَا
وفي الكَلَام تقدمُ وتَأخيرٌ.
وقَوْله: وهو أنْعَتُ لصَاحِبَتهِ منِّي، إنّ صَحَّ الخَبَرُ، ففيه اعْتِرَافٌ بتَفْضِل بَيْتيَ امْرِئ القَيْس على شِعْره، والأمْرُ كذلك لعذُوبة ألْفَاظها، ووَصفها بأنَّهُ إذا طَرَقَها وجَد بها طِيْبًا وإنْ لم تَطَيَّب، وليس في أبيات كُثيِّر مثلُ ذلك لأنَّهُ وَصف
(a) ب: ظاهرة، الديوان والأغاني: طيبة.
(b) الديوان: أوقدت.
(c) الديوان: لم تّر.
(d) الديوان: وفي الحسب المحض الرفغ.
(e) الخرائطي: اعلال القلوب: فحارها.
(f) الديوان: خفيت.
(g) الديوان: وإن تجدُ يومًا لم يعُمّك.
(h) من قوله: "قال الحق
…
" إلى هنا ساقط من ب.
_________
(1)
ديوان كثير عزة 439 - 430، والأغاني 15:191.
(2)
ديوان امرئ القيس 74.
أرْدَانها بأنَّ الرَّوْضَة المَوْصُوفَة ليسَت بأطْيَب منها. ويُحْتَمل أنَّ أردَانها كانت مُطَيَّبة، وكذلك يُحْتَمَل صَرْف قَوله:
وقد وُقِدَتْ بالمندَل الرَّطْب نَارُهَا
إلى عَزَّة كما وقَع للمَرْأة الّتي لَقِيَته، وإنْ لَم يكُن أرَادَهُ، وبيتا امْرئ القَيْس مُخَلَّصَان من ذلك، فاعْتَرَف بفَضْلهما على شِعْره، لا أنَّهُ اعْتَرف بأنّه ردّ الضَّمير في قَوْله: نارها، إلى عَزَّة، واللهُ أعْلَمُ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي الفَضْل السَّلَمَانيِّ وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن أبي جَعْفَر قال أبو بَكْر أخْبَرَنا الحافظ أبو القَاسِم بن عليّ
(1)
، وقال أبو الحَسَن: أنْبَأْنَا عَبْد الله بن عبد الرَّحْمن، قالا: أَخْبَرَنا أبو القَاسِم النَّسِيبُ، قال: أخْبَرَنا رشَاءُ بن نَظِيف، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَرْوَان
(2)
، قال: وأُنْشد لامْرِئ القَيْس
(3)
: [من الطويل]
فلو أنَّ ما أسْعَى لأدْنَى مَعِيْشَةٍ
…
كَفَاني ولم أطلُبْ قليلٌ من المَال
ولكنما أسْعَى لمَجْدٍ مُؤثَّلٍ
…
وقد يُدْركُ المجدَ المُؤثَّلَ أمْثَالي
أنْبَأْنَا ابن طَبرزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازِةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن عليّ بن عَبد الوَهَّاب إجَازةً، قال: أخْبَرَنا علي بن عَبْد العَزِيْز قراءةً، قال أخْبَرَنا أحْمَدُ بن جَعْفَرِ بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا أبو خَلِيفَة الفَضْل بن الحُبَاب، قال: حَدَّثنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن سَلَّام
(4)
، قال: واسْتَحْسَن النَّاسُ من تَشْبِيه امْرئ القَيْس
(5)
: [من الطويل]
كأنَّ قُلُوبَ الطَّيْر رَطْبًا ويَابِسًا
…
لدى وَكرها العُنَّابُ والحشَفُ البَالي
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 243.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 276.
(3)
ديوان امرئ القيس 139، والموشح للمرزباني 37.
(4)
ابن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء 1: 81.
(5)
ديوان امرئ القيس 139.
وقَوْله
(1)
: [من الطويل]
نظَرْتُ إِليها والنُّجُوم كأنَّها
…
قَنَادِيْلُ رُهْبَانٍ تُشَبُّ لقُفَّالِ
وقَولُه يصِفُ فَرَسًا
(2)
: [من الطويل]
عظيمٌ طَويْلٌ مُطْمَئنٌّ كأنَّهُ
…
بأسْفَلِ ذي مَاوَانَ سَرْحَةُ مَرْقب
لهُ أَيْطَلَا ظَبي وسَاقَا نَعامةٍ
…
وصَهْوةُ عَيْر قائم فَوْقَ مَرْحب
له جُؤْجُؤٌ رحْبٌ كأنَّ لجَامَهُ
…
يُعَالى بهِ فِى رَأسِ جذْعٍ مُشَذَّب
وعَيْنان كالماويَّتين ومَحْجرٌ
…
إلى سنَد مثْل الرِّتَاج المُضَبَّب
إذا ما جَرَى شَأوَيْن وابْتلَّ عَطْفُهُ
…
يَقُول هَزيزُ الرّيْح: مرَّت بأَثْأَب
كأنَّ دِمَاءَ الهَاديات (a) بنَحْره
…
عُصَارةُ حِنَّاءٍ بشَيْب مُخَضَّب
قَرَأتُ في نُسْخَة عَتِيقة من شِعْر امْرُئ القَيْسِ، عن أبي نَصْرٍ، عن أبي سَعيد الأصْمَعيِّ: قال الفَرَزْدَق
(3)
: أصَابنا مَطَرٌ بالبَصْرَة جَوْدٌ، فلمَّا أصبَحْتُ رَكِبتُ بَغْلَتي وخرجتُ نحو المِرْبَد، فإذا أنا بآثارِ دَوابَّ قد خرجنَ إلى نَاحِيَةِ البَادِيَةِ، فظَنَنْتُ أنَّ قَوْمًا قد خَرَجُوا يَتنَزَّهُونَ وهم خَلَقَاءُ أنْ تكون معهم (b) سُفْرَةَ وشَرَابٌ، فاتَّبَعْتُ آثارَهُم حتَّى انْتَهَيْتُ إلى بِغَالٍ عليها رحَائِلُ موْقُوفةٌ على غَدِير من ماء، فأسرعتُ المَشْي إلى الغَدِير، فأشْرفْتُ، فإذا فيهِ نِسْوَةٌ مُسْتَنْقعاتٌ في الماء إلى حُلُوقهنَّ (c)، فقُلتُ: لم أرَ كاليَوْم قَطُّ، ولا يَوْمَ دَارة جُلْجُلِ، ثمّ انْصَرَفتُ فنادَيْنَني: يا صَاحِبَ البَغْلة، ارْجع نَسألْكَ عن شيءٍ، فانْصَرفُ إليهنَّ. فقَعَدْنَ في الماءِ، ثمّ قلنَ: باللهِ إلَّا
(a) الأصل: الهاذيات.
(b) ب: خلفاء ومعهم.
(c) الأصل: حلوفهن، ب: حلوهم، والمثبت من الأغاني.
_________
(1)
ديوان امرئ القيس 137.
(2)
الأبيات مفرقة في قصيدته البائية التي في ديوانه 75 - 78، وفيها اختلاف في الرواية.
(3)
قارن بكتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة 44 - 45، والأغاني 21: 239 - 240، وفيه اختلاف يسير، ومرآة الزمان لسبط ابن الجرزي 10: 505 - 506.
حدَّثتنا حَدِيث يَوْم دَارة جُلْجُل. قال: فأخْبَرَهُنَّ بما كان.
قال عَبْد الله بن رَألان (4) رَجُلٌ من بني تَمِيْمِ، كان رَاوبَةً للفَرَزْدَقِ: قُلتُ للفَرَزْدَق: حَدِّثنا أيضًا به، قال: حَدَّثَني جَدِّي وأنا يوْمئذٍ غُلَامٌ حَافِظٌ لِمَا أسْمَعُ أنَّ امْرَأَ القَيْس كان عَاشقًا لابْنَة عَمٍّ له يقال لها عُنيزَة، وأنَّهُ طَلَبها زمانًا فلَم يَصِل إليها، وكان يطْلُب الغَرَّةَ من أهْلِهِ (b) ليَزُورَها، فلم يَتَّفِق له حتَّى كان يَوْمُ الغَدير، وهو يَوْمُ دَارةِ جُلْجُل، وذلك أنَّ الحَيّ احْتَمَلُوا فتقدَّم الرِّجَال، وخَلَّفُوا النِّسَاءَ والعَبِيْدَ والعُتَقَاء، فلمَّا رأى امْرُؤُ القَيْس ذلك تخلَّف بعد قَوْمه غَلْوَةً، فكان (c) في غَيْبٍ (d) من الأرْض حتَّى مرَّ بهِ النِّسَاءُ، فإذا فتَيَاتٌ ومعَهُنَّ عُنيزَة، فلمَّا وَازَيْن (e) الغَدِيَر قُلْنَ: لو نَزلْنا واغْتسَلْنَا في هذا الغَدِير ليَذْهَبَ عنَّا بعضُ الكَلَال، فقالت إحْدَيْهُنَّ: افعَلْنَ. فنَزَلْنَ، ونَحَّيْنَ العَبِيْدَ عنهُنَّ، ثمّ تجرَّدْنَ ودخَلْنَ الغَدِيَر، فأتاهُنَّ امْرُؤُ القَيْس مُخْاتلًا وهُنَّ غَوَافِلُ، فأخَذَ ثيِابَهُنَّ وهُنَّ بالغَدِير، وقعَد وقال: واللهِ لا أُعْطِي جَارِيَةً منْكُنَّ ثَوْبَها ولو ظلَّتْ في الغَدِير إلى اللَّيْل حتَّى تَخْرج مُتَجرِّدةً (f) وتكُون هي الّتي تأخُذُ ثَوْبَهَا، فأبَيْنَ ذلك عليه، حتَّى تَعالَى النَّهَارُ وخَشِيْنَ أنْ يقصُرْن دونَ المَنْزل الّذي يُردْنَهُ، فخرجَتْ إحْدَاهُنَّ فوضَعَ لها ثَوْبَها ناحِيَةً، فَمشَتْ إليه فأخَذَتْهُ فلَبِسَتْهُ، ثمّ نَتابَعْن على ذلك حتَّى بَقِيتْ عُنيزةُ وَحْدَها، فناشَدَتْهُ الله أنْ يضَعَ لها ثَوْبها، فقال لها: والله لا تَمسِّيْنَهُ دونَ أنْ تَخْرُجي عُرْيانَةً كما خَرجْنَ، فنَظَر إليها مُقْبِلةً ومُدْبرَةً، فوَضَع لها ثَوْبَها فلَبِسَتْهُ.
فأقْبَل النّسْوَةُ عليه فقُلْن له: حَبَسْتَنا وعذَّبْتَنا وجَوَّعْتَنَا! قال: فإنْ نَحَرْتُ لكُنَّ نَاقَتي، تَأَكُلْنَ منها؟ قلنَ: نعم، فاخْتَرَط سَيْفَهُ فعَقَرَها، ثمّ كَشَطَها، وجَمعَ
(a) كذا في الأصل ومثله في خزانة الأدب للبغدادي 3: 456، وجاء في كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة 44 والأغاني: ابن زالان.
(b) الأغاني: من أهلها، وهو الأظهر.
(c) الأغاني: فكمن.
(d) ب: رغيب، الأغاني: غيابة.
(e) الأغاني: وردن.
(f) الأغاني: مجرَّدة.
حَطَبًا، وأجَّجَ نارًا عَظِيمَةً؛ فَجَعَل يُقَطّع لهُنَّ من كَبِدها وسَنَامها وأطَايبها فَيْرميْنَه على الجَمْر ويَأكُلْنَهُ، ويشرَبن منِ فَضْلةٍ (a) كانت معه، ويُغَنِّيُهُنَّ، ويَنْبذُ إلى العَبِيْدِ (b) من الكتاب حتَّى شَبِعْنَ وطَربن.
فلمَّا أَرَدْن الرَّحِيْلَ قالت إِحداهُنَّ: أنا أحْمِلُ طِنْفَسَتَهُ. وقالت الأُخرى: أنا أحْمِلُ حَشِيَّتَهُ وأَنْسَاعَهُ، فتقَسَّمْن رَحْلَهُ، وبَقِيَتْ عُنَيْزَهَ لم تَحْمِل شيئًا، فقال لها امْرُؤُ القَيْسِ: يا بنْتَ الكِرَام، ليس لك بُدٌّ من أنْ تَحْمليني مَعَك، فإنِّي لا أُطِيقُ المَشْىَ، ولَم أتَعَوَّدهُ! فَحمَلتْهُ على غَارِب بَعِيْرها، فكان يَجْتَنحُ إليهِا، ويُدْخِل رَأسَهُ في خِدْرها إذا شَاءَ أنْ يُقَبِّلهَا، فإذا امْتَنَعَتْ عليه مال حِدْجُها فتَقُول: يا امْرَأَ القَيْسِ، قد عَقَرْتَ بَعيْري فسِرْ بنا، فسَارَ كذلك حتَّى إذا كان قَريبًا من الحيَّ نزَل فأقام حتَّى إذا جَنَّهُ اللَّيْلُ أتَى أهْلَهُ.
وقال امْرُؤُ القَيْس في ذلك، وكَلْبٌ يَزْعُمُون أنَّ خَمْسةَ أبياتٍ من أوَّلها لامْرِئ القَيْس بن حُمَام الكَلْبىِّ، ولا يزيدونَ على الخَمْسة شيئًا
(1)
: [من الطويل]
قِفا نَبْكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ ومَنَزِلِ
…
بسِقْطِ اللِّوى بَينَ الدَّخُولِ فَحَومَلِ
فتُوضِحَ فَالمِقْراةِ لَم يَعْفُ رسْمُها
…
لمِا نَسَجَتْها مِن جَنُوبٍ وشَمأَلِ
وُقوفًا بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُم
…
يَقُولونَ لا تَهِك أَسًى وتَجَمَّلِ
وإِنَّ شِفائي عَبرَةٌ مُهَراقَة
…
وهَلِ عِندَ رَسمٍ دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ
كَدَأبِكَ مِن أُمّ الحُوَيِرثِ قَبلَها
…
وَجارتِها أُمِّ الرَّبابِ بِمَأسَلِ
إذا قَامَتا تَضَوَّع المسْكُ منهما
…
نَسِيْمَ الصّبَا جَاءَت برَيَّا القَرنفُلِ
فَفاضَت دُمُوعُ العَينِ مِنّي صَبابَةً
…
عِلى النَّحْرِ حَتّى بَلَّ دَمعِيَ مِحمَلي
أَلا رُبَّ يَومٍ لَكَ مِنهُنَّ صالحٍ
…
ولا سِيَّما يَومٍ (c) بِدارَةِ جُلجُلِ
(a) الأغاني: ركوة.
(b) ب: للعبيد.
(c) قيَّدها في الأصل بتنوين الكسر والضم، وكتب فوقها:"معًا".
_________
(1)
ديوان امرئ القيس 21 - 34.
ويَومَ عَقَرْتُ للعَذَارَى مَطِيَّتي
…
فَيا عَجَبًا مِن رَحْلها (a) المُتَحَمَّلِ
فَظَلَّ العَذارَى يَرتَمينَ بِلَحمِها
…
وشَحمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقسِ المُفَتَّلِ
ويَومَ دَخَلتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيزَةٍ
…
فَقالَت لَكَ الوَيلاتُ إِنَّكَ مُرْجِلي
تَقولُ وَقَد مالَ الغَبيْطُ بنِا مَعًا
…
عَقَرْتَ بَعيري يا امرَأَ القَيسِ فَانزُلِ
فَقُلتُ لَها سِيْري وَأَرخي زِمامَهُ
…
ولا تُبْعِديني من جَناكِ المُعَلَّلِ
فَمِثلُكِ حُبْلَى قَد طَرَقتُ ومُرْضعٍ
…
فَأَلهَيْتُها عن ذي تَمائِمَ مُحوِلِ
إِذ اما بَكي مِن خَلفِها انْصَرَفَت له
…
بِشِقٍ وتَحتي شِقُّها لَم يُحَوَّلِ (b)
ويَومًا عَلى ظَهْرِ الكَثيبِ تَعَذَّرَتْ
…
عَلَيَّ وآلت حَلْفَةً لَم تُحلَّلِ
أَفاطِمَ مَهْلًا بَعضَ هذا التَّدَلُّلِ
…
وإِن كُنتِ قَد أَزمَعتِ هَجْرِي (c) فَأَجمِلي
وإنْ تَكُ قَد سَاءَتكِ مِنّي خليقَةٌ
…
فَسُلّي ثيِابي من ثيِابِكِ تَنسُلِ
أَغَرَّكِ مِنّي أَنَّ حُبَّكِ قاتِلي
…
وأنَّكِ مَهما تَأمَري القَلْبَ يَفعَلِ
وما ذَرَفَت عَيناكِ إِلّا لِتَضرِبي
…
بِسَهمَيكِ في أَعْشَارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ
وذَكَرَ تَمام القَصِيدَة.
نَقَلْتُ من خَطِّ أبي الحَسَن يَحْيَى بن عِليّ بن عَبْدِ اللَّطِيْف، وكان عَالمًا بالتَّاريخ قال
(1)
: لمَّا افْتَرَقَ أهْلُ اليَمَنَ، ومَلَكَ كُلَّ قَوْم رئيْسُهم من قَبَائِل اليَمَن، وصَارت كِنْدَةُ إلى أرْض مَعْدٍ فجاوَرتهم، ثمّ مُلِّكُوا رَجُلًا منهم كان أوَّل مُلُوكهم يقال له: مُرَتِّع بن مُعاوِيَة بن ثَوْر فَمَلَك عشرين سَنَةً، ثمّ مَلَك ابنُه ثَوْر بن مُرَتِّع، فلم يُقِم إلَّا يَسِيْرًا حتَّى ماتَ، فَمَلَكَ بعدهُ مُعاوِيَةُ بن ثَوْر، ثمّ مَلَك الحَارِث بن مُعاوِيَة أرْبَعيْن سَنَةً، ثِمّ مَلَك وَهْبُ بن الحَارِث عشرين سَنةً، ثمّ مَلَكَ مُعاوِيَة بن الحَارِث أحد وأرْبَعين سنةً، ثم مَلَكَ عَمْرُو بن مُعاوِيَة اثنتَيْن وعشرين سَنَة، ثمّ ملكَ حُجْر بن عَمْرو آكِل المُرَار ثلاثةً
(a) ديوانه: كُورها.
(b) سقط هذا البيت من ب.
(c) ديوانه: صرمي.
_________
(1)
قارن بتاريخ اليعقوبي 1: 185 - 189، وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري 2: 431 - 432.
وعشْرين سَنةً، وهو الّذي حَالفَ بين كِنْدَةَ ورَبِيْعَةَ بالرَّبَائِث (a)، وهو مَوضِع، ثمّ مَلَك عَمْرو بن حُجْرٍ أرْبَعيْن سَنَةً، وغَزَا الشَّام ومعه رَبِيْعَةُ فلَقِيَهُ الحَارِثُ بن شِمْر فقتلَهُ، فمَلَك بعدَهُ الحَارِثُ بن عَمْرو؛ وأُمُّه ابْنَةُ عَوْف الشَّيْبَانِيّ، ونَزَل الحِيْرَة ففرَّقَ مُلْكَه على وَلَده وهُم: حُجْر وشُرَحْبِيل وسَلَمَةُ والعَلْفَاء، فملَّك حُجْرُ بني أَسَد وكِنَانَة، وملَّك شُرَحْبِيلُ على غَنْم وطَيِّء والرِّبَاب، وملَّك سَلَمَة والعَلْفَاء على قَيْس عَيْلَانَ، فقُتِلَ الحَارِثُ وقام وَلده بما كان في أيْديهم، وصَبَرُوا على قِتَال المُنْذِر حتَّى كافَؤُوهم، فلمَّا رَأى المُنْذِر ذلك نَفِسَهُم فغَلَبَهُم على أرْض العَرَب، وأوقَع الشُّرور بينَهُم، فاخْتَلَفُوا، وتنكَّرت بَنو أَسَد لحُجْر بن الحَارِث، وساءَت سِيْرَته فيهم، وكانت عندَهُ أُخْتُ كُلَيْب (b) بن رَبِيْعَة ومُهَلْهِل بن رَبِيْعَة، فلمَّا خافَ على نَفْسه حَمَلَها، فاجْتَمَعت بَنو أَسَدٍ على قَتْلِهِ وقَتَلُوه، وكان القَائِم بأَمْر بَني أَسَدٍ عِلْبَاء بن الحَارِث التَّغْلِبِيّ.
وكان امْرُؤُ القَيْس غائبًا، فلمَّا بلَغَهُ مَقْتَلُ أبيهِ، جَمَعَ جَمْعًا قصَدَ به أسَد، ونَزل بالقُرْبِ منهم في اللَّيْل، فذُعِرَ القَطَا فطَارَ عن مَجَاثمهِ، فمرَّ ببَني أَسَد، فقالت بنْتُ عِلْبَاء: ما رَأيْتُ كاللَّيْلة قَطًا أكْثَر! فقال عِلْبَاء: ولو تُرِكَ القَطَا لغَفَا ونَام (c)، فأرْسَلَها مثَلًا، وعَرِفَ أنَّ جَيْشًا قد قَرُبَ منه فارْتَحل، وأصْبَح امْرُؤ القَيْسِ أوقَع بكِنَانَة، فأصَابَ فيهم، وجَعَل يقُول: يا ثَارَات حُجْر، فقالوا: والله ما نحنُ بثَأرك، نحنُ من كِنَانَة، فقال
(1)
: [من الوافر]
[ألَا](4) يا لهفَ نَفْسِي على (c) قَوْم
…
هم كانُوا الشِّفَاءَ فلم يُصَابُوا
وقَاهُم جَدُّهم ببني أبيهم
…
وبالأشْقَيْنَ ما كان العَذَابُ (f)
(a) في تاريخ اليعقوبي 1: 186: الذنائب، وذكر ياقوت مواضع عديدة بهذا الاسم، ولم يذكر فيها خبر المحالفة المذكورة. انظر: معجم البلدان 3: 7.
(b) الأصل، ب: كلب، وتقدم التعليق عليه.
(c) الأصل، ب: وناما. وانظر: جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري 3: 432.
(d) إضافة من الديوان وتاريخ اليعقوبي وجمهرة الأمثال والأغاني.
(e) ديوانه والأغاني: هند إثر.
(f) ديوانه وجمهرة الأمثال والأغاني: العقاب.
_________
(1)
ديوان امرئ القيس 83، وتاريخ ليعقوبي 1: 187، وجمهرة الأمثال للعسكري 2: 431، والأغاني 9:68.
وفَلَّتَهُنَّ عِلْبَاءٌ جَرِيْصًا (a)
…
ولو أدْرَكتُه صَفِر الوِطابُ
ومَضَى امْرُؤُ القَيْس إلى اليَمَن، لمَّا (b) لَم يكُن له قُوَّةٌ على بَني أَسَدٍ ومنْ معهم من قَبَائِل قَيْسٍ، فأقامَ زَمانًا يَشْربُ مع نَدَامى الشَّرب، إلى أنْ سَمِعَ مَنْ يُعَيِّرهُ بقَتْل أبيه، فخرَجَ إلى قَوْمهِ فأمدُّوه بخَمْسمائة مُدَجَّج، فخرَج بهم فأوْقَع بقَبَائِل معه، وقَتَلَ الأشْعَر بن عَمْرو، وشَرِبَ في قِحْفِ رَأسِه خَمْرًا، وتفرَّق منْ كان معه إلى اليَمَن، وطلبَتْ (c) قَبَائِل مَعَدّ امْرِئ القَيْس، فلمَّا عَلِمَ أنَّهُ لا قُوَّة له على طَلَب المُنْذِر واجْتِمَاع القَبَائِل من مَعدّ، ولَم يتمكَّن يَرْجع (4)، فصَار إلى سَعْد بن الضِّبَاب الإيَادِيّ، وكان عَامِلًا لكِسْرَى في بعض العِرَاق، فاسْتَتَرَ عندَهُ حينًا حتَّى ماتَ سَعْدٌ، فخرَجَ امْرُؤ القَيْس إلى طَيِّء وجَدِيْلَة ونَبْهان، فتَنقَّل بينهم مُدَّةً، وصَار (ح) إلى تَيْمَاءَ إلى السَّمَوْأَل ليُجيرَهُ، فقال: أنا لا أُجِيْرُ على المُلُوك، فأوْدَعَهُ أدْراعًا، وسار عنه إلى مَلِك الرُّوم، فمَدَحَهُ واسْتَنصَرَهُ، فأمدَّهُ بتسْعمائةٍ من البَطَارِقَةِ، فصارَ الطَّمَّاح الأسَدِيّ إلى قَيْصَرَ فقال له: إنَّ امْرأ القَيْسِ يَشْتمكَ في شِعْره، وزَعَمَ أنَّكَ عِلْجٌ أغْلَف، فوَجَّه قَيْصَرُ إلى امْرِئ القَيْس بحُلَّةٍ مَسْمُومةٍ، فلَبِسَها فتقَطَّعَ جِلْدُه، وماتَ بأَنْقِرَة (f) من أرْض الرُّوم.
وقد قيل في إنْفاذِ قَيْصَر الحُلَّة المَسْمُومَة لامْرِئ القَيْس قولٌ آخرُ، وهو: أنَّ امْرأ القَيْسِ هَويَتْهُ ابنَةُ قَيْصَر، ورَاسَلَتْهُ، وصارَ بينَهُ وبينها أمرٌ بلغَ قَيْصَرَ، فأوْجَب أنْ فعَل به ذلك.
وقيل بأنَّ (g) الطَّمَّاح بن قَيْس بن طَرِيف الأسَدِيّ وَشَى به إلى مَلِك الرُّوم بسَبَب ابنَتِهِ، وكان حُجْرُ -والد امْرِئ القَيْس- قَتَل أباهُ، فقال له مَلِك الرُّوم: أئتنا بأمَارةٍ، فَأتَاهُ بقَارُورَة من طِيْب المَلِك، فبَعَث جها الطَّمَّاح إلى قَيْصَر، وأخْبَره
(a) الأصل وب: حريصًا، تاريخ اليعقوبي وجمهرة الأمثال: جريضًا.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: وطليب.
(d) كذا في الأصل، وب، وكتب ابن العديم فوقه في الأصل "صـ"، لوقوع سقط أو تحريف.
(e) ب: فصار.
(f) ضبط المؤلف، وهو موافق لما عند ياقوت، وهي المدينة المسماة أيضًا بأنكورية. معجم البلدان 1:271.
(g) ب: إن.
بالحَدِيْث فعرفَهُ وعَلِمَ صحَّتَهُ، وأنْفَذَ إليه الحُلَّة المَسْمُومَةَ.
ذَكَرَ ذلك الوَزِير أبو القَاسِم الحُسَين بن عليّ المَغْرِبيّ في أدَب الخَوَاصّ
(1)
.
قال ابنُ المَغْرِبيّ: وقيل بإنَّ امْرأ القَيْس لمَّا حصَل عند المَلِك مُسْتَغيثًا به على مَنْ (a) قتَلَ أباهُ من العَرَب زوَّجَهُ المَلِكُ بابْنته، وأعْطاهُ الرِّجَال، وخَرَجَ من عند المَلِك فتحَلَّفه الطَّمَّاحُ قَبِيْحًا، وأوْغَرَ عليه قَلْبَ المَلِك، وقَلْبَ ابْنَتِه، فأعطاهُ خلعَةً مَسْمُومَةً، وقال: الْحَقْ امْرأ القَيْسِ، وادْفَعْ إليه هذه الخلعَة، وقُلْ له: إنَّ المَلِك أكْرَمكَ بهذه الخلعَة من جَسَده، ففَعَل وأعْطَاهُ الحُلَّة فلَبِسَهَا وعَلِمَ أنَّها مَسْمُومَة فقال
(2)
: [من الطويل]
وقد طَمِحَ الطَّمَّاحُ بي من بِلَادِه (b)
…
فلَبَّسَني من دَائِهِ ما تَلَبَّسَا
وبُدِّلتُ قَرحًا دَامِيًا بعد نِعْمَةٍ (c)
…
فيا لَكِ من نُعْمى يُبدلن (d) أبْؤُسَا
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَتِيقُ بن أبي الفَضْل بن سَلامَة السَّلَمَانِيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(3)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن عليّ، عن أبي المَعَالِي عَبْد الله بن عبد الرَّحْمن بن صَابِر، قالا: أخْبَرَنا الشَّريفُ أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم النَّسِيبُ، قال: أخْبَرَنا رَشَاءُ بن نَظِيف بن مَا شَاءَ الله، ح.
وأخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ الغَنِيّ (e) بن سُلَيمان بن بَنِيْن الشَّافِعيّ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَة الله بن عليّ بن سُعُود البُوْصِيرِيّ، وأبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن
(a) ساقطة من ب.
(b) ديوانه واليعقوبي والأغاني: من بُعد أرضه.
(c) ديوانه: صحة.
(d) ديوانه: تحولن.
(e) ب: أبو القاسم علي.
_________
(1)
لم يرد هذا النقل ولا الذي يليه في القسم الذي وصلنا من كتاب أدب الخواص.
(2)
ديوان امرئ القيس 112، وتاريخ اليعقوبي 1: 189، والأغاني 9:74.
(3)
تاريخ ابن عساكر 9: 245.
حَمْد بن حَامِدٍ الأرْتاحِيّ -قال: البُوْصِيرِيّ: أخْبَرَنا. وقال الأرْتاحِيّ: أنْبَأنَا- أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن عُمَر الفَرَّاء المَوْصِلِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ العَزِيْز بن الحَسَن بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّاب، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد الضَّرَّاب، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَرْوَان المالِكِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن صالِح، قال: حَدَّثَنَا الزِّيَادِيُّ، قال: لمَّا (a) احْتُضر امْرُؤُ القَيْس بأَنْقِرَة نَظَر إلى قَبْرٍ، فسَأل عنه، فقالوا: قَبْرُ امْرأةٍ غَرِيْبَة، فقال
(2)
: [من الطويل]
أجَارَتنا إنَّ المَزَار قَرِيْبُ (b)
…
وإنِّي مُقِيْمٌ ما أقام عَسِيْبُ
أجَارَتنا إنَّا غَرِيْبانِ هَا هُنا
…
وكُلّ غَرِيْبٍ للغَرِيْب نَسِيْبُ
قال: وعَسِيْبُ جَبَلٌ كان القَبْر في سَنَدِه.
قُلتُ: عَسِيْبُ جَبَلٌ عظيمٌ عال بقَيْصَريَّة من الرُّوم، وأَنْقِرَة هي أنْكُورية، والبَلَدَان مُتَباعِدَان بينهما مَسِيرة [ستّة أيَّام](c)، وشَاهَدْتُ أنا عَسِيْب، وقيل لي: إنَّ في أعْلاهُ قَبْرَيْن أحدهُما قيل قَبْرُ امْرئ القَيْس، والصَّحيح أَنَّ امْرأ القَيْس ماتَ بأَنْقِرَة، ولمَّا أحَسَّ بالمَوْت قال
(3)
: [من منهوك الكامل]
كَم طَعْنةٍ مُثْعَنْجرَهْ
…
[وخطبةٍ مُسْحَنْفِرَهْ](d)
(a) ساقطة من ب.
(b) ديوانه: إن الخطوب تنوب.
(c) ما بين الحاصرتين بياض في الأصل قدر كلمتين، أبقاه المؤلف لاستكمال تقدير المسافة بين المدينتين، والنص متصل في ب، ولم نجد عند الجغرافيين تقديرًا للمسافة بين أنقرة وقيصرية، وهي البالغة بمقاييس العصر نحو 260 كم، لكننا نجد تقديرًا للمسافة بين أنقرة وقونية، قدَّرها الجغرافيون بمسيرة خمسة أيام، وهي مسافة تقدر الآن بـ 230 كم، وتشكل المدن الثلاث مثلثًا متساوي الأضلاع، وعلى هذا جرى التقريب. انظر: أبو الفداء: تقويم البلدان 380 - 381، ابن سباهي زاده: أوضح المسالك 177.
(d) ما بين الحاصرتين بياض في الأصل، أبقاه المؤلف صدرًا للأبيات، وقد وجدناه في بعض المصادرعجزًا للشطر قبله. انظر الروض العطار للحميري 31 - 32، معاهد التنصيص 1:13.
_________
(1)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 316.
(2)
ديوان امرئ القيس 83، والأغاني 9: 74 - 75، وابن كثير: البداية والنهاية 2: 219.
(3)
لم يرد في ديوان امرئ القيس، وانظره في الأغاني 9: 74 (باختلاف في الرواية)، ومعاهد التنصيص للعباسي 1: 13، وخزانة الأدب للبغدادي 1:333.
وجَفْنَةٍ مُبَعْثَره
…
مَدْفُونةٍ بأَنْقِرَهْ
وإنَّما ذَكَر عَسِيْبَ، لأنَّهُ جَبَل عظيم ببلادِ الرُّوم، أرادَ: إنِّي مُقِيم بها ما أقامَ عَسِيْب، واللهُ أعْلَمُ.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم نَصْرُ بن أحْمَدَ بن مُقَاتِل إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا جَدِّي أبو مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الأهْوَازِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن مَكِّيّ بن مُحَمَّد بن الغَمْر التَّمِيْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن هَارُون البَرْذَعِيّ (a)، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن أحْمَد بن وُدَيْع القَاضِي بطَبَرِيَّة، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيمُ بن مُحَمَّد الأهْوَازِيّ، قال: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن بَكْر بن زَكَرِيَّاء، عن شَيْخٍ من بني هاشِم، يُكْنَى أبا جَعْفَر، قال: وُجدَ على قَبْر امْرِئ القَيْس مَكْتُوبًا
(1)
: [من الطويل]
أجَارَتنا إنَّ الخُطُوبَ تَنُوبُ
…
وإنِّي مُقِيمٌ ما أقامَ عَسِيْبُ
أجَارتَنا إنَّا غَرِيْبان هَا هُنا
…
وكُلّ غَرِيْبٍ للغَرِيْب نَسِيْبُ
امْرُؤُ القَيْس بن الحُمَام بن مَالِك بن عُبَيْدة بن ذُهْل الكَلْبيّ السَّكُونِيّ الشَّاعِر
(2)
شَاعِرٌ جَاهِليٌّ، صَحِبَ امْرأ القَيْس بن حُجْرٍ لمَّا مَرَّ بأحْياء كَلْب قَاصِدًا قَيْصَر، واجْتازَ معه بالأماكن الّتي مَرَّ بها امْرُؤ القَيْس من أعْمَال حَلَب، وقد
(a) في الأصل وب بالدال المهملة: البردعي.
_________
(1)
ديوان امرئ القيس 83.
(2)
ترجمته في: نسب معد واليمن الكبير للكلبي 598 - 599، الشعر والشعراء لابن قتيبة 46 (في ثنايا ترجمة امرئ القيس، وفيها: امرؤ القيس بن حارثة بن الحمام بن معاوية)، المؤتلف والمختلف للآمدي 10 - 11، 92.
ذَكَرنا في تَرْجَمَةِ امْرِئ القَيْس أنَّ كَلْبًا يَزْعُمُون أنَّ خَمْسةَ أبيات من أوَّل قَصِيدَة ابن حُجْر الّتي أوَّلها
(1)
: [من الطويل]
قفا نَبْك من ذِكْرى حَبِيْبٍ ومَنْزِل
لامْرِئ القَيْس بن حُمَام الكَلْبيّ، ولا يَزيدُونَ على الخَمْسة شيئًا.
وقال أبو جَعْفَر الجُرْجَانِيّ: وامْرُؤ القَيْس بن الحُمَام السَّكُونِيّ ذَكَر الأصْمَعِيّ أنَّهم كانوا في الجَاهِلِيَّةِ يُسَمُّونَهُ الذَّائِدَ لقَوْلهِ
(2)
: [من المتقارب]
أذُودُ القَوَافِيَ عنِّي ذِيادًا
…
[ذيَادَ](a) غُلَام غَوىّ جرادَا
فأَعْزلُ مُرْجَانَهَا جَانبًا
…
وآخُذُ من دُرِّها المُسْتَجَادَا
قال: وهو جَاهِليٌّ قَديمٌ، وقد ذَكَر بعضُ النَّاسِ نَسَبَهُ، فقال: هو امْرُؤُ القَيْس بن الحُمَامِ بن مَالِك بن عُبَيْدة بن ذُهْل بن هُبَل (b) بن عَبْدِ الله بن كِنَانَة بن بَكْر بن عَوْف بن عُذْرَة بن رُفَيْدَة (c) بن كَلْب بن وَبْرَة بن تَغْلِبَ بن حُلْوَان بن عِمْرَان بن الْحَاف بن قُضاعَة.
وقَرَأتُ في كتاب أدَب الخَوَاصّ، تأليفُ أبي القَاسِم بن المَغْرِبيّ
(3)
: أنَّ امْرَأ القَيْس بن حُمَام الكَلْبيّ تَبعِ امْرأ القَيْس بن حُجْر حين قَصَد مَلِكَ الرُّوم حين خَرَجَ من عند المُعَلَّى (d) يُريد قَيْصَر، ومرَّ بكَلْبٍ فتَبعَهُ منهم امْرُؤ القَيْس بن حُمَامٍ الشَّاعِر، وكان من المُعَمَّرين، وعاش مائتي سَنةٍ فيما قالوا.
(a) ساقطة من الأصل وب، وفيهما: وغلام، وفوقها في الأصل "صـ"، والمثبت من ديوان امرئ القيس، والعمدة لابن رشيق 1: 200، وفيه: جريء بدل غوي.
(b) ب: هيل.
(c) ب: رفيد.
(d) كتب ابن العديم في هامش الأصل أسفله: "المُعَلَّى أخو تَيْم بن عتْبان من بني تَغْلِب، كان جار امرأ القَيْس بن حُجْر، وكان المُنْذر بن ماءِ السَّماء يطلبُهُ".
_________
(1)
ديوان امرئ القيس 21.
(2)
ديوان امرئ القيس 91.
(3)
لم يرد في الجزء الأول مما وصلنا من الكتاب.
وقَرَأتُ في رسَالة أبي عليّ مُحمَّد بن الحَسَن الحَاتِميّ في الشِّعْر والشُّعَرَاء
(1)
، قال: وحَكَى ابنُ الكَلْبيّ وأبو عُبَيْدَة أنَّ امْرأَ القَيْس بن حُمَام الكَلْبيّ كانَ يَصْحَبُ امْرأ القَيْس بن حُجْر، وأنَّهُ أوَّلُ من وصَفَ الدِّيَار، وبَكَى الآثار (a)، وإيَّاه أرادَ امْرُؤُ القَيْس بقوله
(2)
: [من الكامل]
يا صَاحِبيَّ قِفَا النَّواعِجَ ساعةً
…
نَبكي الدِّيَار كما بَكَى ابنُ حُمَامِ
قال (b): وابنُ حُمَامٍ القائل
(3)
: [من البسيط]
لآلِ هِنْدٍ بجَنْبَي نَفْنَفٍ دَارُ
…
لم يَمْحُ جِدَّتَها رِيْحٌ وأمْطَارُ
أمَا تَرَيْني بجَنْبِ البَيْتِ مُضْطَجعًا
…
لا يَطَّبيني لَدَى الحيَّين أبْكَارُ (c)
فرُبَّ نَهْبٍ (d) تُصِمُّ الحيَّ رَجَّتُهُ
…
أَفَأْتُهُ (e) إنَّ بعضَ القَوْمِ عُوَّارُ
قال: وهي أبْياتٌ في (f) شِعْر كَلْب.
قال ابنُ الكَلْبيّ: وإذا سُئِلَ عُلَماءُ كَلْبٍ عمَّا وصفَ به ابنُ حُمَام الدِّيَارَ أنْشَدُوا أبْيَاتًا من
(4)
: [من الطويل]
قِفَا نَبْك من ذِكْرى حَبِيْبٍ ومَنْزِل
وذكَرُوا أنَّ امْرأ القَيْس انْتحلَهَا وخَمَلَ ابنُ حُمَامٍ.
(a) قوله: "وبكى الآثار" ساقط من ب.
(b) ساقطة من ب.
(c) ب: ادكار.
(d) المؤتلف للآمدي: بيت.
(e) ب: فإنه.
(f) ب: من.
_________
(1)
تقدمت الإشارة إلى رسالته، وهي مفقودة، وانظر نسب معد للكلبي 598 - 599.
(2)
لم يرد في ديوان امرئ القيس، وفيه بيت شعر يوافق عجز البيت والاسم فيه: ابن خذام، انظر الديوان 151.
(3)
الأبيات في المؤتلف للآمدي 11.
(4)
طالع معلقة امرئ القيس، انظر ديوانه 21.
امْرُؤُ القَيْسِ بن السِّمْط فيِ امْرِئ القَيْس بن عَمْرو بن مُعاوِيَة في الحَارِث -وهو الوَلَّادَةُ، سُمِّي بذلك لكَثْرة ولده- ابن مُعاوِيَة بن ثَوْر بن مُرَتَّعِ الكِنْدِيّ
وفيه يقُول امْرُؤ القَيْس بن حُجْر
(1)
: [من الطويل]
ألَا هَلْ أتاهَا والحَوَادِثُ جَمَّةٌ
…
بأنَّ امْرأ القَيْس بن تَمْلِكَ يَبْقَرَا
وذلك أنّهُ كان قد صحبَهُ حين خَرَجَ من عند المُعَلَّى يريدُ قَيْصَر، فلَم يَزل معه إلى أنْ فارقَهُ بأرْض الرُّوم، فلذلك قال: يَبْقَر، أي: سَافَر، وقيل: أرادَ أتَى أرْضَ العِرَاق، وتَمْلِكُ وَالدَةُ السِّمْط. وقال آخرونَ من أهْل النَّسَب ثِقَات: الّذي عَنَاهُ امْرُؤُ القَيْس هو: امْرؤ القَيسِ بن المُنْذِر بن امْرِئ القيْس بن السِّمْط، واللهُ أعْلَمُ.
ذَكَرَ هذا كُلّه أبو القَاسِم بن المَغْرِبيّ في كتاب أدَب الخَوَاصّ
(2)
؛ فقد اجْتازَ امْرُؤ القَيْس هذا بالنَّواحِي الّتي ذَكَرناها في تَرْجَمَةِ امْرِئ القَيْس بن جُحْر.
وِذَكَر ابنُ الكَلْبيّ نَحْوًا من ذلك، وقال
(3)
: تَمْلِك بنتُ عَمْرو بن زُيَيْد (a) بن مَذْحِج رهْط عَمْرو بن مَعْدِي كَرْب.
امْرُؤ القَيْس بن المُنْذِر في امْرِئ القَيْس بن السِّمْط
قيل: هو الّذي كان في صُحْبَةِ امْرِئ القَيْس بن جُحْر، وخَرَجَ معه من عند المُعَلَّى إلى قَيْصَر، وفارَقَهُ بأرْض الرُّوم.
(a) ساقطة من ب. وسياقة نسبها عند الكلبي: تملك بنت عمرو بن ربيعة بن زبيد من مذحج.
(1)
لم يرد البيت في ديوان امرئ القيس، وانظره في نسب معد للكلبي 177، والأغاني 9: 59، والحماسة البصرية 1:154.
(2)
لم يرد في الجزء المطبوع من أدب الخواص.
(3)
ابن الكلبي: نسب معد واليمن الكبير 176.
وقيل: بل هو الّذىِ قَدَّمْنا (a) ذِكْرَهُ كما ذَكَر الوَزِير أبو القَاسِم
(1)
، وأيّهما كان فقد اجْتاز مع امْرِئ القَيْس بن جُحْر بالأماكن الّتي ذَكَرْناها.
أمِيرُ أميْرَان بن زَنْكِي بن آقْ سُنْقُر، المُلَقَّب نُصْرَة الدِّين
(2)
[أخُو](b) المَلِك العادِل نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي بن آقْ سُنْقُر، واسْمُه مُحَمَّدٌ.
دَخَلَ حَلَب، ومَلَك المَدِينَة دون القَلْعَة، وكان أخُوه نُور الدِّين مَرِيْضًا بالقَلْعَة، وأرْجَف بمَوْتِه، ومالَ إليه جَمَاعَة من الشِّيْعَة وأعادُوا الأذان إلى ما كان الحَلَبِيُّونَ عليه قَديْمًا، بزيادة: حَيَّ على خَيْر العَمَل، فلمَّا عُوفي نُور الدِّين خَرَجَ من حَلَب، وَسَنَذْكُر قِصَّته في المُحَمَّدين
(3)
إنْ شاءَ اللهُ تعالَى، تُوفِّي سَنَة ستِّين وخمْسِمائَة.
أميرك بن أبي المَعْرُوف بن نَاصِر بن عليّ، أبُو المَحَاسِن - ويقال: أبو اليُمْن -الجَرْبُوقَانِيّ الإسْفَرَاينِيِّ الفَارِسِيّ
(4)
وجَرْبُوقان من خِطَّة إسْفَرَاين.
قَدِمَ حلَبَ، وسَمِعَ بها من خَطِيبها أبي طَاهِر هاشِم بن أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد الحَلَبِيّ سَنَة إحْدَى وسبْعِين وخَمْسِمائَة، وسَمِعَ بِتبْريزَ أبا مَنْصُور مُحَمَّد بن أَسْعَد بن
(a) ب: قدمت.
(b) ساقطة من الأصل وعوضها: "أو"، وفي ب: ابن، ويأتي في ثنايا الترجمة ما يوافق المثبت.
_________
(1)
ضمن الضائع من كتاب أدب الخواص.
(2)
ب: نضرة الدين، وتوفي سنة 560 هـ، وترجمته في: التاريخ الباهر لابن الأثير 76، 130، الكامل 11: 251 - 252، 304، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 20: 368، 21: 6، 45، 52 - 53، ابن واصل: مفرج الكروب 1: 130 - 131، تاريخ الإسلام 12: 168، العبر في خبر مَن غبر 3: 32، النجوم الزاهرة 5: 367، شذرات الذهب 6:314.
(3)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
(4)
لعله المترجم له في تاريخ الإسلام 13: 91 باسم: أميري بن ناصر أبو الحسن العلوي الفارسي الصوفي الزاهد، حدث بدمشق عن السلفي (ت 604 هـ).
مُحَمَّد حَفَدَة (a) العَطَّارِيّ، وأبا (b) عبد الله مُحَمَّد بن عبد العزِيْز بن مُحَمَّد الشَّحَّاذِيّ، وبمِصْر أبا بَكْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يَبْقَى الخَزْرَجيّ. وحَدَّثَ بالقَاهِرَة عن بعض شُيُوخه وعن الرُّشْنَائِيّ (c) بن بُنْدَار بن الرُّشْنَائِيّ الزَّنْجَانِيّ.
سَمِعَ منه عَبْدُ العَزِيْز بن عِيسَى اللَّخْمِيّ، ووَلده عِيسَى، وأبو المَيْمُون عَبد الوَهَّاب بن عَتِيق بن ورَدان في سَنَة تِسْعٍ وثَمانين وخَمْسِمائَة.
أنْبَأنَا أبو المَيْمُون عَبدُ الوَهَّاب بن عَتِيق بن وَرْدَان، قال: أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن أميرك بن أبي المَعْرُوف بن نَاصِر الجَرْبُوقانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور مُحَمَّدُ بن أَسْعَد بن حَفَدَة العَطَّارِيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن الحَسَن الطَّبَسِيّ، وأبو الفَتْح عَبد الرَّزَّاق بن حَسَّان المَنِعِيّ، والقَاضِي أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحُسَين، وشَيْخي أبو مُحَمَّد الحُسَين بن مَسْعُود، قالوا: أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَّان بن سَعيد المَنِيْعِيّ، قال: أخْبَرَنا الأُسْتَاذ أبو طَاهِر مُحَمَّدُ بن مُحَمَّد بن مَحْمَش، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحُسَين القَطَّان، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَدُ بن يُوسُف السُّلَمِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزَّاق بن هَمَّام، قال: أخْبَرَنا مَعْمَر، عن هَمَّام بن مُنَبِّه، قال: هذا ما حَدَّثَنَا أبو هُرَيْرَة عن رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال
(1)
: أقيْمُوا الصَّفَ في الصَّلاة فإنَّ إقامةَ الصَّفّ من حُسْنِ الصَّلاة.
(a) كذا في الأصل، وفي ب: ابن حفدة، ويأتي في سند الرواية المدرجة بعده: ابن حفدة أيضًا، وهو لقب له كما ذكر السبكي، وضبطه بالحرف، انظر: طبقات الشافعية الكبرى 6: 92 - 93.
(b) ب: وأبي، وكان كذلك في الأصل فأصلحه.
(c) ب: الرستاني، وكتب الذي يليه: الرشتاني.
_________
(1)
مسند ابن حنبل 15: 55 (رقم 8142)، صحيح مسلم 1: 324 (رقم 126)، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 5: 551 (رقم 2177)، كنز العمال للمتقي الهندي 7: 623 (رقم 20571).
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ أُمَيَّة
أُمَيَّةُ بن عَبْد الله بن عَمْرَو بن عُثْمان بن عَفَّان بن أبي العَاص بن أُمَيَّة القُرَشِيّ، أبو عُثْمان الأُمَوِيّ
(1)
حَدَّثَ عن أَبِيهِ، وعِكْرِمَة مَوْلَى ابن عبَّاس، وغَزَا الصَّائِفَة ووَفَدَ على عُمَر بن عَبْد العَزِيْز، وحَكَى عنه.
رَوَى عنهُ مُحَمَّدُ بن مَرْوَان بن أَبَان بن عُثْمان، ومُحَمَّد بن إسْحاق، ويَحْيَى بن سُلَيم الطَّائِفِيّ، واجْتازَ بحَلَب أو ببَعْضِ عَمَلها في غَزَاته، وكانت من دَابِق.
أنْبَأنَا أبو نَصْر القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن الفَضْل الفَرَاوِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن الحُسَين البَيْهَقِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله الحافِظ، وأحمَد بن الحَسَن، قالا: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن إسحاق الصَّغَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أبو عَمْرو المُقْعَد -وهو ابن سَابِق- قال: قَرَأتُ على مُحَمَّد بن إسْحاق: حَدَّثَني أُمَيَّةُ بن عَبْدِ الله بن عَمْرو بن عُثْمان، عن أَبِيهِ، قال: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بن عَمْرو بن العَاص يُحدِّث مَرْوَان بن الحَكَم -وهو أميرُ المَدِينَة- قال: خَلَق اللهُ عز وجل المَلائِكَة لعبادتِه أصْنَافًا، وإنَّ منهم لمَلائِكَةً قيامًا صَافِّيْنَ من يَوْمِ خلقهم إلى يَوْم القِيامَة، [ومَلائِكةً رُكُوعًا فخُشُوعًا من يَوْم خَلقهم إلى يَوْم القِيامة، وملائِكَةً سُجُودًا منذ خلقهم إلى يَوْم القِيامَة](a)، فإذا كان
(a) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل، وب، بانتقال النظر بكلمة "القيامة"، والتعويض من ابن عساكر، مصدر النقل.
_________
(1)
توفي سنة 130 هـ، وترجمته في: تاريخ خليفة 392 - 393، تاريخ البخاري الكبير 2: 8 - 9، تاريخ الطبري 3: 72، الأزدي: تاريخ الموصل 109، 174، الجرح والتعديل 2: 301 - 302، تاريخ ابن عساكر 9: 295 - 299، أسد الغابة 1: 119، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 11: 400 - 401، تاريخ الإسلام 3: 373، الإصابة 1: 135، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 3: 133 - 134.
(2)
تاريخ ابن عساكر 9: 296.
يَوْم القِيامَة تجلَّى لهم تبارك وتعالى، ونظرُوا إلى وَجْهه الكَريم قالوا: سُبْحانكَ ما عَبْدنَاكَ حَقَّ عِبَادتكَ.
أنْبَأنَا زيْنُ الأُمَناءَ الحَسَنُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح نَاصِر بن عبد الرَّحْمن النّجَّار، قال: حَدَّثنَا نَصْرُ بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا أبو مُحمَّد عَبْدُ الله بن الوَلِيدِ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أحْمَد فيما كَتَبَ إليَّ، قال: أخْبَرَني جَدِّي عَبْدُ الله بن مُحَمَّد بن عليّ اللَّخْمِيّ البَاجِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن يُونُس، قال: أخْبَرَنا بَقِيُّ بن مَخْلَد، قال: حَدَّثنَا أحْمَد بن إبْراهيم الدَّوْرَقيّ، قال: حَدَّثَنَا مَنْصُور بن بَشِير (a)، قال: حَدَّثنَا شُعَيْب أبو يَحْيَى (b) - وهو ابن صَفْوَان- عن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن أَبَان، عن أُمَيَّة بن عَبْد الله بن (ح) عَمْرو بن عُثْمان بن عَفَّان، قال: قَدِمْتُ الصَّائِفَة غَازِيًا، فدَخَلْتُ على عُمَرَ بن عَبْدِ العَزِيْز فرحَّبَ بي، وقال: أين يا أبا عُثْمان؟ قُلتُ: غَازِيًا إنْ شَاءَ اللهُ، قال: صَنَعْتَ الّذي يُشْبهُكَ (d)، وما كان عليه أوَّلُوكَ، وخِيَارُ سَلَفك، إنَّ هَا هُنا شيئًا قد أَمَرْنا بهِ لمثل منْ كان في وجْهكَ، قال: فقَبلتُ ذلك، وكان خَمْسِين دِيْنارًا، فلمَّا رَجعْتُ مَرَرْتُ عليه، فقال لي مثلَ مَقَالَته الأُوْلَى، فقُلتُ: يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، ما يقَعُ منِّي هذا مَوْقعًا، قال: ما يَزِيدُ على هذا أحدٌ، ولو وَجَدتُ سَبيلًا إلى أنْ أعطيك غيره من بَيْتِ مال المُسْلمِيْن لفَعَلْتُ، فقُلتُ: إنَّ لي لولَدًا (e)، قال: هذا حَقٌّ، نَكْتبُ لك إلى عَامِلكَ: مَنْ كان منهم يُطِيْقُ مُعَاملة المُسْلمِيْن في مغَازِيهم فرضَ له في عيال المُسْلمِيْن، قلتُ: فإنَّ عليَّ دَيْنًا فاقْضِه عنِّي، قال: هذا حَقٌّ، نَكْتبُ لك إلى عاملك
(a) ابن عساكر: ابن بشر، ويرد الاسم صحيحًا في مواضع أخرى من كتابه انظر مثلًا 68:185.
(b) ابن عساكر: شعيب بن يحيى، وانظر ترجمته ومصادرها في تهذيب الكمال للمزي 12: 528 - 531.
(c) سقط من الاسم في ب: "أمية بن عبد الله بن".
(d) ابن عساكر: يشهد!.
(e) ابن عساكر: ولدًا.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 296 - 297.
فيَبِيْعُ ما لكَ فيَقْضِىِ دَنْيك، فما فَضَل عليكَ قَضَاهُ من بَيْتِ مال المُسْلمِيْن، فقُلتُ لَهُ: واللهِ ما جئتُكَ لتُفَلِّسَني وَتِبِيعَ ما لي، قال: واللهِ ما هو غيرُه.
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن نَاصِر، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، وأبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، وأبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، واللَّفْظُ له، قالوا: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الوَاسِطِيّ -زَادَ ابنُ خَيْرُون: وأبو الحُسَين الأصْبَهَانِيّ- قالا (a): أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ
(1)
، قال أُمَيَّةُ بن عَبْد اللهِ بن عَمْرو، عن عِكْرِمَة، قال لي أحْمَدُ بن عَاصِم: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن هَارُون، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حَدَّثَني ابن إسْحاق، قال: حَدَّثَني أُمَيَّة بن عَبْد الله بن عَمْرو بن عُثْمان، عن أَبِيهِ عَبْد الله بن عَمْرو (b)، قال: سَمِعْت عَبْدَ الله بن عَمْرو بن العَاص يُحدِّث مَرْوَانَ -وهو أمير المَدِينَة- قال: خَلَقَ الله المَلائِكَة لعِبَادتهِ.
وقال لي حُسَيْن بن حُرَيْث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيم، سَمِعَ أُمَيَّة بن عَبْد الله بن عَمْرو بن عُثْمان، سَمِعَ عُمَر ببن عَبْد العَزِيْز قَوْله حديث آخر، وهو أخو مُحَمَّد بن عَبْد الله القُرَشِيّ الأُمَوِيّ، حِجَازِيٌّ.
قال ابنُ طَبَرْزَد: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ بن أبي عُثْمان، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن الحَسَن بن عليّ بن المُنْذِر، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن صَفْوَان، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا
(2)
، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن عَبَّاد بن مُوسَى العُكْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيم، عن أُمَيَّة بن عَبْد الله بن عَمْرو بن عُثْمان، قال: كُنَّا عند عُمَر بن عَبْد العَزِيْز، فقال رَجُلٌ لرَجُلٍ: تحت إبْطِكَ، فقال عُمَرُ: وما على أحَدِكُم أنْ يَتَكلَّم
(a) ب: قال.
(b) في الأصل: "عن أبيه عن عبد الله في عمرو"، والتصويب من تاريخ البخاري.
_________
(1)
تاريخ البخاري الكبير 2: 8.
(2)
كتاب الصمت وآداب اللسان 219.
بأجْمَل ما يَقْدِرُ عليه، قالوا: وما ذاك؟ قال: لو قال: تحت يَدِكَ؛ كان أجْمَلَ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا سُليْمان بن إسْحاق بن إبْراهيم بن الخَلِيل الجلَّاب، قال: حَدَّثَنَا الحَارِثُ بن أبي أُسامَةَ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعد، قال: في الطَّبَقَةِ الرَّابعة من أهل المَدِينَة أُمَيَّة بن عَبْد الله بن عَمْرو بن عُثْمان بن عَفَّان، وأُمُّهُ أمُّ عَبْد العَزِيْز بنتُ عَبْدِ الله بن خَالِد بن أَسِيْد بن أبي العِيْص بن أُمَيَّة، وقد رُوِيَ عنه، وأُمَيَّةُ بن عَبْدِ اللهِ هو الّذي لقيَتْهُ طَيِّءٌ يَوْم المُنْتَهَب فهَزَمُوه.
أنْبَأنَا أبو حَفْص المُؤدِّب، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب بنُ البَنَّاءِ، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر بن المَسْلَمَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّص، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن سُلَيمان الطُّوْسيّ، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن بَكَّار، قال في تَسْمِيَةِ ولد (a) عَبْد الله بن عَمْرو بن عُثْمان: أُمَيَّة، وعَبْدُ العَزِيْز، وأُمُّ عَبْد اللهِ، وخُلَيْدَة، وعُثَيْمَة (b) بَني عَبْدِ الله لأُمّ عَبْدِ العَزِيْز بنْت عَبْد الله بن خَالِد بن أَسِيْد بن أبي العِيْص بن أُمَيَّة.
وأُمَيَّةُ الّذي كان غَزَا طَيِّئًا يَوْم المُنْتَهَب فهزمَتْهُ أيَّامِ مَرْوَان بن مُحَمَّد، وكان عَبْد الوَاحِد بن سُلَيمان اسْتَعْمَلهُ على أسَد وطَيِّء، فجاءَهُ سبْعون رَجُلًا من فَزَارَة، فسَألوه أنْ يَخْرُج بهم معه ليَغيرُوا (c) على طَيِّءٍ لثَأر لهم (d)، فخَرَجَ بهم وتجمَّع إليه ناسٌ من أهْلِ المَعَادِن طَلبًا للغَنائِم، فلَقِيَهُ مَعْدَان بن رأس الطَّائيّ بالمُنْتَهَب في جَمَاعَةٍ من طَيِّء فهزَمُوهُ، وفي ذلك يقول مَعْدَانُ بن رَأس يَعْتَذر إلى عَبْدِ الوَاحِد بن سُلَيمان، وإلى أهل المَدِينَة، ويَذْكُرُ عَرضَهُم على أُمَيَّة أنْ يَرُدَّ فَزَارَة ويأتي فيمَن أحبَّ، فيأخُذ صَدَقَة أمْوَالهم، فقال مَعْدَان بن رَأس
(1)
: [من الطويل]
(a) ساقطة من ب.
(b) في تاريخ ابن عساكر 9: 298: عُثيمية.
(c) ب: ليغزوا.
(d) ب: لثأرهم.
_________
(1)
انظر الأبيات والخبر في تاريخ ابن عساكر 9: 298، ونسبها ابن المبارك (منتهى الطلب 7: 72 - 77) إلى أنيف بن حكيم الطائي النبهاني.
ألَا هَلْ أتيَ أهْلَ المَدِينَة عَرضُنا
…
خصَالًا من المَعْرُوف يُعْرَفُ حَالُها
على عامِلِينا والسُّيُوفُ مُصَانَةٌ
…
بأَغمَادِها ما زايَلتهَا (a) نِصَالُها
أتَينا إلى فِرْتَاجَ (b) سمعًا وطاعَةً
…
نُؤدِّي زَكَاةً حينَ حَانَ عِقَالُها (c)
ومن قبل ما جئنا وجاءَتْ وُفُودُنا
…
إلى فَيْدَ حتَّى ما تُغَذّ رِحَالُها (d)
فقالوا أغِر (e) بالنَّاسِ تُعْطيكَ طَيِّءٌ
…
إذا وَطئَتها الخيلُ واجْتِيحَ مَالُها
ودُون الّذي بيَّنوا (f) أَمَيَّة عيبة
…
من الضَّرْب لا يجلى بخيلٍ طلالُها
دَعَوْا بنِزَار (g) فاعْتَزينا (h) لطَيّءٍ
…
أسود الغَضَا (i) إقْدَامُها ونِزَالُها (j)
دَعَوا بتِرَاز فاعْتزينا (k) لطَيِّءٍ
…
هنالك زلَّتْ من نزَارٍ نِعَالُها
وقد انْقَرض ولدُ أُمَيَّة.
أنبَأنا الحَسَنُ بن مُحَمَّد، قال: أخْبرَنا عَمّي أبو القَاسِم
(1)
، قال: في نُسخَة ما أخْبَرَنا بهِ أبو عَبْد الله الخلَّالُ شفَاهًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مَنْدَة، قال: أخبَرَنا حَمْدُ بن عَبْدِ الله إجَازَةً، قال: وأخْبَرَنا ابن مَنْدَة، قال: أخبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخبَرَنا عليُّ بن مُحَمَّد، قالا: أخبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم
(2)
، قال: سُئِلَ أبي عنه -يعني عن أُمَيَّةَ بن عَبْد الله- فقال: ما بحَدِيثهِ بأسٌ.
قُلتُ: وذَكَرَهُ أبو مُحَمَّد في كتاب الجَرْحَ والتَّعْدِيل
(3)
، بما أخبَرَنا به أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن عَبْد الله بن عُلْوَان، فيما أجَازهُ لي، قال: كَتَبَ إلينا أبو الفَرَج
(a) ب: زاملتها.
(b) الأصل: نرياح، ب: برياح، ابن عساكر: برتاح، والمثبت من منتهى الطلب، وفيه: وجئنا فرتاج، وفرتاج موضع ببلاد طيئ. انظر: ياقوت: معجم البلدان 4: 246.
(c) الأصل، ب: عفالها.
(d) ابن عساكر: تعذر حالها، منتهى الطلب: ما تعد رجالها.
(e) ابن عساكر: أعن.
(f) في ب وابن عساكر: منوا.
(g) ب: لنزار.
(h) ابن عساكر: فاعترينا، منتهى الطلب: وانتمينا.
(i) ابن عساكر: الفضاء.
(j) ابن عساكر: وقزالها.
(k) ب: فاعترينا، ابن عساكر: فاعترتنا.
_________
(1)
ابن عساكر 9: 298.
(2)
الجرح والتعديل 2: 302.
(3)
الجرح والتعديل 2: 301.
مَسْعُود بن الحَسَن الثَّقَفِيّ، قال: أخبَرَنا أبو عَمْرو عَبد الوَهَّاب بن مُحَمَّد بن إسْحاق بن مَنْدَة، إجَازَةً إنْ لم يكن سَمَاعًا، قال: أخبَرَنا حَمْدُ بن عَبْد الله، قال: أخبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن أبي حَاتِم، قال: أُمَيَّةُ بن عَبْدِ الله بن عَمْرو بن عُثْمان، رَوَى عن عِكْرِمَة، وأبيه، وعُمَر بن عَبْد العَزِيْز، رَوَى عنهُ ابن إسْحاق، ويحيَى بن سُلَيم الطَّائِفِيّ، سَمِعْتُ أَبي يَقُول ذلك، وسُئِلَ عنه فقال: ما بحَدِيثهِ بَأسٌ.
أخبَرَنا أبو نصْر مُحَمَّدُ بن هِبَةِ الله بن مُحَمَّد، فيما أَذِنَ لنا في روَايته عنْهُ، قال: أخبَرَنا أبو القَاسِم عليُّ بن الحَسَن بن هِبَة الله
(1)
، قال: أُمَيَّةُ بن عَبْد الله بن عَمْرو بن عُثمان بن عَفَّان بن أبي العَاص بن أُمَيَّة، أبو عُثْمان القُرَشِيّ الأُمَويِّ. رَوَى عن أبيهِ، وعِكْرِمَة مَوْلَى ابن عبَّاسٍ، وعُمَر بن عَبْد العَزِيْز، ووَفَدَ عليه. روى عنهُ مُحَمَّد بن إسْحاق، ويَحْيَى بن سُلَيم الطَّائِفِيّ، ومُحَمَّد بن مروَان بن أَبان بن عُثْمان.
أخبَرَنا الفَقِيهُ أبو مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن الحَسَن، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخبَرَنا عليِّ بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: أخبَرَنا أبو غَالب المَاوَرْدِىِّ، قال: أخبَرَنا أبو الحَسَن [السِّيْرَافيّ، قال: أخبَرَنا أحْمد بن إسْحاق النَّهَاونْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عمران، قال: حَدَّثنا مُوسَى بن زَكريَّاء، قال: حَدَّثنا خلَيْفَهَ بن خيَّاط
(3)
، قال: حدَّثني إسْماعِيْل بن إبْراهيمِ، قال: حدّثنَي غَسَّان بن عبد الحَميْد، قَال: خَرَجَ أُميَّةُ بن عَبْد الله بن عَمْرو بن عُثمان مُقَنَّعًا يَوْم قُدَيْد، لا يلتَفِتُ إلى أحَد ولا يُكلّمُ أحدًا، مُقْبلًا علَى بثِّه حتَّى قُتِلَ. قال خَليْفة
(4)
: وقُتِلَ يومئذٍ -يعني يَوْمَ قدَيد- سَنَة ثلاثين ومائة، أُمَيَّةُ بن عَبْد الله بن عرو بن عُثمان] (a).
(a) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل بانتهاء الجزء، وعنده تقف نسخة الأصل، واستكمال الرواية من ب وتاريخ ابن عساكر.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 9: 295.
(2)
ابن عساكر 9: 299.
(3)
تاريخ خليفة 393.
(4)
تاريخ خليفة 392.