الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
الحَجَّاجُ بن هِشَام
(1)
كان مع مَسْلَمَة بن عَبْد المَلِك غَازِيًا ببلَادِ الرُّوم، وحكَى حِكايَةً جَرت لبعض أُسَرَاءَ الرُّوم مُسْتَملحَة.
وَقَعَ إليَّ ببَغْدَاد كتابٌ صَنَّفه أحْمَد بن مُحَمَّد بن إسْحَاق الزَّيَّات، صاحب كتاب البُلْدان، يشْتَمل على نَوَادر وغرَائب وطُرَف وعَجَائِب، فَنقلتُ منهُ: وقال الحجَاجُ بن هِشَام: كُنَّا مع مَسْلَمَة بن عَبْد اللَك ببلادِ الرُّوَم، فقَفَل منها، ونَزل مَنزِلًا، ثمّ دعا بالأُسَارَى فجَعلَ يَضْرِبُ رقابَهُم، فقُدِّم إليه شَيخٌ منهمِ فأمَرَ بضَرْب عُنُقِهِ. فقال له الشَّيْخُ: وما أَرَبُكَ إلى قَتلي وأنا شَيْخٌ كَبيرٌ؟ فإنْ ترَكْتَني فدَيْتُ نفسِي بأَسيْرين من المُسْلميْن في يَدِي، قال: لو وثقْتُ بك لتَرَكْتُكَ، قال: فأتركني فإنِّي لا أَغْدرُ، قال: ما تَطِيْبُ بذاك نفسِي إلَّا أنْ تَأتِيَني بضَمِيْنٍ، قال: ومَنْ يَضْمَنِّي في عَسْكركَ؟ فدَعْني أجُلْ فيه فأنْظُر. فأرسَلِ معه رَجُلًا يَحْفَظُه، فجعَلَ يَدُوْر ويتصَفَّح وُجُوهَ النَّاسِ، حتَّى مرَّ بفَتًى يَحُسُّ فَرسًا، فقال: هذا يَضْمَنُني، من غير أنْ يُكَلِّمهُ أو يَعْرفَهُ، فأقْبَل الرَّسُول على الفَتَى فقال: أتْضَمَنُهُ؟ قال: نعم، قال: أتَعْرِفهُ؟ قال: لا. قال: فكيف تَضْمَنُهُ؟ قال: رأيتُه يتَصَفَّحُ وُجُوهَ النَّاس فلم يَرْجُ عند أحدٍ منهم فَرَجاً غيري، فما كُنْتُ لأُخَيِّبَهُ، فضَمَّنَهُ إيَّاه (a) وأطْلقَهُ، فما
(a) الأصل: أباه.
_________
(1)
كان حيًا سنة 122 هـ، وقد أورد سبط ابن الجوزي الحكاية الآية أثناء الترجمة ولم يسمِّ راوي الواقعة، ونسبها إلى رجل من أهل الكوفة، انظر: مرآة الزمان 11: 177.
لبثَ أنْ جاءَ بأسِيْرَين من المُسلميْن، فدفعَهُما إلى مَسْلَمَة، ثمّ قال لمسلَمَة: ائذَنْ للفَتَى يخْرُج معي حتَّى أُكافئَهُ، قال: قد أَذِنْتُ له، فأقبل الرُّوميّ على الفَتَى فقال: أنت والله يا فَتَى ابني، قال: وكيف وأنا رَجُل من العَرَب مِن بني كلاب وأنْتَ من الرُّوم؟ قال: والله ما هو إلَّا أنْ رأيك فتحرَّكَت فيَّ رحِمِ علمْتُ أنها بيني وبينك، فَن أُمُّكَ؟ قال: رُومِيَّة، قال: هي والله ابْنَتي سُبِيَتْ صبِيَّةً، ثمّ مَضَى به إلى قَرْيتِه، فنَظَر الفَتَى إلى ابنةٍ للرُّوميّ، وهي خَالَتُهُ فكأنَّما رَأى أُمَّه، ثمّ أخْرج إليه حُليًّا وثيِابًا مُقَطَّعةً كانت لأُمّه، قد صَانُوها وحَفِظُوها فدَفعُوها إلى الفَتَى، ثمّ زوَّدَهُ وأرسَلُوا إلى أُمِّهِ بالسَّلام، وقالوا له: أَخْبرها بسَلَامة أُمِّها وأُخْتها. فأقْبل الفَتَى حتَّى صَار إلى أهْلِهِ، وأخْرَج لهم بعض الحُلِيّ، فنَظَرت إليه فارتاعَتْ وأرْسَلَت عينها بالبُكَاءَ، وقالت: ظَهَرْتُم على قَرْيتنا وأنْهَبْتُموها؟ قال: لا تُرَاعِي. وقَصَّ عليها القِصَّة وأخْبَرها بسَلَامتهم.
الحَجَّاجُ بن يُوسُفَ بن الحَكَم بن أبي عَقِيْلِ بن مَسْعُود بن عَامرِ بن مُعَتِّب بن مَالِك
بن كَعْب بن عَمْرو بن سعْد بن عوْف بن ثقيف، وِهِو قسِىّ بن مُنبِّه بن بَكْر بن هَوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خَصفة بن سَعْد بن قيس بن عَيْلَان بن مُضَر الثَّقَفِيّ، أبو مُحَمَّد
(1)
دَخَلَ الثُّغُور الشَّامِيَّة ووَلِيَ بها.
وقَرَأتُ في بعض مُطَالَعاتي أنَّهُ كان بَنى مَوضِعًا للسِّلَاح بالمِصِّيْصَة وجعل فيه السِّلاح ذَخِيْرَة للمسْلِمين، وكان يليها حينئذ. وكان في صحبة عَبْد المَلِك بن مروَان
(1)
كتب متملِّك النسخة محمد في محمد في السابق الحموي في الهامش إزاء الاسم: "الحجاج بن يوسف الثقفي الظالم المشهور".
وتوفي الحجاج سنة 95 هـ، وأخباره وترجمته مبثوثة في العديد من المصادر التاريخية، ومنها: تاريخ البخاري الكبير 2: 373، المحبر 24 - 25 (وانظر فهرس الأعلام 595)، الجاحظ: البيان والتبيين (في مواضع=
حينَ تَوَجَّه لقِتَال مُصْعَب بن الزُّبَير، ونَزَل معه بُطْنَان حَبِيب من أرض قِنَّسْرِيْن.
رأى عَبْدَ الله بنَ عبَّاس وحَدَّثَ عن أنس بن مالِك، وسَمُرَة بن جُنْدَب، وأبي بُرْدَهَ بن أبي مُوسَى، وعَبْد المَلِك بن مروَان.
رَوَى عنهُ أنس بن مالك، وثَابِت البُنَانِيِّ، ومالك بن دِيْنار، وحُمَيد الطَّويل، وسَعيد بن أبي عَرُوبَة، وقُتَيبَة بن مُسْلِم، وجَرَاد بن مُجَالِد.
أخبَرَنا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله بن مُحَمَّد، فيما أَذِنَ لنا في روَايَتهِ عنْهُ، قال: أخبَرَنا أبو القَاسِم عليِّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخبَرَنا أبو العَلَاء صَاعِد بن أبي الفَضْل بن أبي عُثْمان الشُّعَيبي المَالِيْنِيِّ بهَرَاة، قال: أخبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ الله بن
= كثيرة؛ انظر فهرس الأعلام 4: 285)، الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري 277 - 280، 314 - 328، المعارف لابن قتيبة 91 وما بعدها، 395 - 398، (وانظر فهرس الأعلام 719)، الطبري 6: 174، 202 - 211، 224 - 256، 284 - 300، 317 - 321، 334 - 350، 493 (وانظر فهرس الأعلام 10: 218)، الفتوح لابن أعثم 6: 271 - 284، 7: 1 - 50، الجرح والتعديل 3: 168، المسعودي: مروج الذهب 3: 315 - 318، 329 - 380 (وراجع فهرس الأعلام 5: 264)، التنبيه والإشراف 195 - 198، 282 - 322، الجهشياري: الوزراء والكتاب 39 - 43، 56 - 57، 81، نشوار المحاضرة 1: 136 - 137، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء. ووفياتهم 93، تاريخ ابن عساكر 13: 113 - 202، ابن الجوزي: المنتظم 6: 142 - 143، 149 - 165، 199 - 204، 231 - 234، 246 - 250، 335 - 343، 7: 3 - 10، ابن الأثير: الكامل (في مواضع عديدة من الأجزاء 1، 2، 3، 4، 5، انظر فهرس الأعلام 13: 89)، وأخباره كثيرة في الجزء التاسع من مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي، وخبر وفاته وترجمته في 10: 62 - 99، وفيات الأعيان 2: 39 - 54، تاريخ الإسلام 2: 1071 - 1079، العبر في خبر من غبر 1: 84، الإعلام بوفيات الأعلام 52، سير أعلام النبلاء 4: 343، الوافي بالوفيات 11: 307 - 315، تاريخ ابن الوردي 1: 267 - 271، ابن كثير: البداية والنهاية 9: 2، 17 - 30، 39 - 43، 47 - 51، 117 - 139، ابن خلدون: العبر 5: 137 - 144، 148 - 160، 164 - 166، 189، تهذيب التهذيب 2: 210 - 213، تقريب التهذيب 1: 154، لسان الميزان 2: 180، المقريزي: المقفى الكبير 3: 155 - 258، النجوم الزاهرة 1: 230 - 231، شذرات الذهب 1: 377 - 386، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 51 - 85.
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 114.
أبي بَكْر بن أحْمَد السَّقَطِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الفَضْل مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الجَارُوْد الجَارُودِيّ الحافِظ إمْلاءً بهَرَاة، قال: أخبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحّمد البَغْدَاديّ بجَرْجَرَايَا، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَر بن أحْمَد الدِّهْقَان، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عَبْد الجبَّار، قال: حَدَّثَنَا سيَّار، عن جَعْفَر، عن مَالِك بن دِيْنار، قال: دَخلتُ يَوْمًا على الحَجَّاج فقال لي: يا أبا يَحْيَى، ألَا أُحَدِّثُكَ بحَدِيثٍ حَسَنٍ عن رسُول الله صلى الله عليه وسلم: فقُلتُ: بَلَى، فقال: حَدَّثَني أبو بُرْدَةَ، عن أبي مُوسَى
(1)
، قال: قال رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: مَنْ كانت له إلى الله حَاجَة، فليَدْعُ بها دُبُرَ صَلَاةٍ مَفْرُوضَة (a).
أنبَأنَا أبو نَصْر، قال: أخبَرَنا أبو القَاسِم
(2)
، قال: أنبَأنَا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانيّ، قال: أخبَرَنا الحَسَن بن عليّ اللَّبَّادُ (b)، قال: أخبَرَنا تمَام بن مُحَمَّد، قال: أخبَرَنا أبَي، قال: أخْبرَني أبو الميَمُون أحْمَد بن مُحَمَّد بن بِشْر القُرَشِيّ، قال: أخْبَرَني أبي، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَكَم، قال: حَدَّثني مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِيّ، قال: سَمِعْتُ مَنْ يَذكر أنَّ المُغِيرَة بن شُعْبَة نظَر إلى امرَأته وهي تتخلَّل من أوَّل النَّهَار، فقال: والله لئن كانت باكَرَت الغَدَاءَ إنَّها لرغِيْبة، وإنْ كان شَيء بقيَ في فيها من البَارِحَة إنَّها لقَذرةٌ فطَلَّقَها، فقالت: واللّه ما كان شيء ممَّا ذَكَرْتَ، ولكنِّي باكَرتُ ما تُباكِره الحُرَّة من السِّوَاك فبَقيَتْ شظيَّةٌ في فيَّ، قال: فقال المُغِيرَةُ بن شُعْبَة ليُوسُفَ أبي الحَجَّاج بن يُوسُف: تزوَّجَها فإنَّها لخليقَة أنْ تأتيَ بالرَّجُل يَسُود، فتزوَّجَها، قال
(a) كذا في الأصل ومثله في أصول ابن عساكر، وزاد فيه محقق كتاب تاريخ دمشق "كل"، فصارت:"دبر كل صلاة مفروضة".
(b) في نشرة تاريخ ابن عساكر: علي بن الحسن اللباد بن علي اللباد، وهو اضطراب لا أظنه في أصول ابن عساكر. وانظر: ابن زير: تاريخ مولد العلاء ووفياتهم 368، وابن ماكولا: 7: 194.
_________
(1)
المتقي الهندي: كنز العمال 2: 109 (رقم 3379).
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 115 - 116.
الشَّافِعيُّ: فأُخْبرت أنّ أبا الحَجَّاج لمَّا بَني بها واقَعَها فنام، فقيل له في النَّوْم: ما أسرَعَ ما ألْقَحْت بالمُبِيْر.
أنبَأنَا أبو عَبْد الله الحُسَين بن عُمر بن نَصْر، قال: أخبَرَنا عَبْدُ الحَقّ بن عَبْد الخاَلِق، قال: أخبَرَنا أبو الغَنائِم بن النَّرْسيِّ، قال: أخبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ، قال: أخبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخبَرَنا مُحَمَّد بن سَهْل، قال: أخبَرَنا مُحَمَّد بن إسماعِيْل البُخاريّ
(1)
، قال: حَجَّاجُ بن يُوسُف بن الحَكَم بن أبي عَقِيْل الثَّقَفِيّ، أبو مُحَمَّد.
وقال يَزيد بن عَبْد رَبِّه: حَدَّثَنَا أصحَابُنا، عن أبي مَنْصُور، عن عَمرو بن قيسٍ: أنَّ الحَجَّاج بن يُوسُفَ سَألَهُ عن مَوْلدِه، فقال: سَنَة الجَمَاعَة؛ سَنةَ أرْبعيْن، فقال الحَجَّاج: وهو مَوْلدي.
أنَبأنَا القَاضِي أبو القَاسم بن مُحَمَّد الأنْصَاريّ، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة، عن عَبْد العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخبَرَنا مَكيّ بن مُحَمَّد بن الغَمْر، قال: أخبَرَنا أبو سُليْمان مُحَمَّد بن عَبْد الله بن زَبْر
(2)
، قال: سنة أرْبَعيْن فيها وُلد الحَجَّاج بن يُوسُف.
أخبَرَنا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(3)
، قال: أنبَأنَا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم، وأبو الوَحْش سُبَيع بن المُسَلَّم، عن أبي الحَسَن رَشَاء بن نَظِيف، قال: أخبَرَنا أبو شُعَيْب عبدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد، وأبو مُحَمَّد عَبْدُ اللّه بن عبد الرَّحْمن، قالا: أخبَرَنا الحسنُ بن رَشِيْق، قال: أخبَرَنا أبو بشْر الدُّولَابِيّ، قال: حدَّثنا مُحَمَّد بن حُمَيْد (a)، قال: حدَّثنا عليّ بن مُجَاهِد، قال: حَدَّثني عَبْد الله بن
(a) ابن عساكر: عبيد، وصوابه المثبت، وهو ابن حميد الرازي، انظر ترجمته ومصادرها في تهذيب الكمال للمزي 35: 97 - 108.
_________
(1)
تاريخ البخاري الكبير 2: 373.
(2)
تاريخ مولد العلماء 55.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 115.
مُحَمَّد بن مُرَّةَ، قال: سَمِعْتُ زِيَاد بن عبد الرَّحْمن الكَاتِب يقُول: وُلد الحَجَّاج بن يُوسُفَ سَنَة تِسْعٍ وثلاثين.
أنْبَأنَا أبو نَصْر القَاضِي، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب المَاوَرْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن السِّيْرَافيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن إسْحَاق، قال: أخْبَرَنا أَحمدُ بن عِمْرَان، قال: أخْبرَنا مُوسَى بن زَكَريَّاء، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بن خَيَّاطٍ
(2)
، قال: وفيها -يعني سَنَة إحْدَى وأرْبَعين- وُلد الحَجَّاج بن يُوسُف.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن أبي عَبْد الله بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل مُحَمَّد بن نَاصِر، عن جَعْفَر بن يَحْيَى، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر الوَائِلِيّ، قال: أخْبَرَنا الخَصِيْبُ بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو مُوسَى بن أبي عبد الرَّحْمن، قال: أخْبَرَني أبي، قال: أبو مُحَمَّد حَجَّاجُ بن يُوسُف بن الحَكَم بن أبي عَقِيْل الثَّقَفِيّ ليس بثِقَةٍ ولا مَأْمُون.
أنْبَأنَا أحْمَد بن عَبْد الله الأسَدِيّ، عن أبي القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(3)
، قال: في نُسْخَة ما شَافهني به أبو مُحَمَّد الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبدُ الرَّحْمن بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَمَّد، ح.
قال ابنُ مَنْدَة: وأخْبَرَنا حَمْد بن عَبْد الله إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي صَاتِم
(4)
، قال: حَجَّاج بن يُوسُف بن الحَكَم بن أبي عَقِيْل الثَّقَفِيّ، أبو مُحَمَّد، رَوَى عن أنَسٍ، روى عنه مَالِك بن دِيْنار، وثَابِتٌ، وجَرَاد بن مُجَالِد (a)، سَمِعْتُ أبي يَقُولُ ذلك.
(a) الأصل: مجاهد، تحريف، وانظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد 7: 273، والجرح والتعديل 2:538.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 115.
(2)
تاريخ خليفة 205.
(3)
لم يرد في نشرة تاريخ ابن عساكر.
(4)
الجرح والتعديل 3: 168.
أنْبَأنَا أحْمَد بن أزْهَر بن السَّبَّاك، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي، قال: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد الجوهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُبَيْد الله المَرْزُبانيّ في مُعْجَم الشُّعَراءِ
(1)
، قال: الحَجَّاج بن يُوسُف بن الحَكَم بن أبي عَقِيْل بن مَسْعُود بن عَامِر بن مُعَتِّب بن مَالِك بن كَعْب بن عَمْرو بن سَعْد بن عَوْف بن قَيْس، وهو ثَقِيف بن مُنّبِه بن بَكْر بن هَوَازِن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خَصَفَة بن سَعْد بن قَيْس بن عَيْلَان بن مُضَر، له شُعَيْرٌ قَليلٌ.
أخْبَرَنا أبو نَصْر القَاضِي في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(2)
، قال: الحَجَّاج بن يُوسُف بن الحَكَم بن أبي عَقِيْل بن مَسْعُود بن عَامِر (A) بن مُعَتِّب بن مَالِك بن كَعْب بن عَمْرو بن سَعْد بن عَوْف بن ثَقِيف -واسْمُه قَسِيّ- ابن مُنّبِه بن بَكْر بن هَوَازِن، أبو مُحَمَّد الثَّقَفِيّ، حَمعَ ابن عبَّاسٍ، ورَوَى عن (b) أنَسِ بنِ مالِكٍ، وثَابِت البُنَانِيّ، وحُمَيْد الطَّويل، ومالك بن دِيْنَارٍ، وجَرَاد بن مُجَالِد، وقُتَيْبَة بن مُسْلِم، وسَعِيْد بن أبي عَرُوبَة. وكانت له بدِمَشْق آدُرٌ منها دَارُ الزَّاويَة الّتي بقُرْب قَصْر ابن أبي الحَدِيْد، ووَلَّاهُ عَبْد المَلِك الحِجَاز، فقَتَل ابنَ الزُّبَيْر، ثمّ عَزَله عنها ووَلَّاهُ العِرَاق، وقَدِمَ وَافِدًا على عَبْد المَلِك.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الغَنِيّ بن سُلَيمان بن بَنِيْن بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن حَمْد بن حَامِد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين الفَرَّاءُ في كتابهِ عن أبي إسْحَاق الحبَّال وخَدِيجَة المُرَابطَة -قال الحبَّال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ الجبَّار بن أحْمَد بن عُمَر، قال: أخْبَرَنا أبَو بَكْر الحَسَن بن الحُسَين بن بُنْدَار. وقالت خَدِيجَةُ: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيَى بن أحْمَد بن عليّ بن الحُسَين بن بُنْدَار،
(A) ابن عساكر: جاير، تحريف.
(B) ابن عساكر: عنه، وهو خطأ، وورد في نشرة الكتاب أسماء عدد آخر ممن أخذ عنهم.
_________
(1)
في الجزء الأول الضائع من معجم الشعراء.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 113.
قال: حَدَّثني أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن بُنْدَار- قالا: حَدَّثَنَا مَحْمُود بن مُحَمَّد الأدِيْب، قال: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُسْهِر، عن أبي سَعيد بن عَبْد العَزِيْز، قال: قال عُمَر بن عَبْد العَزِيْز: كانت في الحَجَّاج خلَّتان ودَدْتُ أنَّهما لم تكونا فيه: حبُّهُ للقُرْآن وأهْلِهِ، وقَوْله عند مَوْته: اللَّهُمَّ إنَّهم يَزْعُمُون أنَّك لا تَغْفر لي فاغْفِر لي.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم بن مُحَمَّد القَاضِي
(1)
، عن أبي الحَسَن بن قُبَيْس، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن أبي الحَدِيْد، قال: أخْبَرَنا جَدِّي أبو بَكْر، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن زَبْر، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور، قال: حَدَّثَنَا الاصْمَعِيّ، قال: حَدَّثَني أبي، قال: قال ابنُ عَوْن: كُنْت إذا سَمِعْتُ الحَجَّاج يَقْرأ، عرفتُ أنّهُ طَالَما دَرَسَ القُرْآن.
أنْبَأنَا ابن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المَزْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر بن المُسْلِمَة، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو عُثْمان بن مُحَمَّد بن القَاسِم الأَدَميِّ، قال: حَدَّثنا أبو بَكْر عَبْدُ الله بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا هَارُون بن سُلَيمان، ويَحْيَى بن حَكِيم، قالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمن بن بَكْر السَّهْمِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرو (a) بن مُنَخَّل السَّدُوسِيّ، قال: قال مُطَهَّر بن خَالِد الرَّبَعيِّ، عن أبي مُحَمَّد الحِمَّانيّ، قال: عَملناهُ -يعني تجْزئة القُرْآن- في أرْبَعة أشْهُر، وكان الحَجَّاجُ يَقْرأه في كُلِّ ليلةٍ.
أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَن بن أحْمَد بن يُوسُف الصُّوْفيّ بالمَسْجِد الأقْصَى، قال: أخْبَرَنا/ أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد الرَّحبيِّ بفُسْطَاط مِصْر، قال: أخْبَرَنا أبو
(a) ابن عساكر: عمر، وانظر أنساب السمعاني 13:451.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 116.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 116.
صَادِق مُرْشِد بن يَحْيَى بن القَاسِم المَدِيِنيِّ، قال: أخْبَرَنا أبوِ القَاسِم عليّ بن مُحَمَّد بن عليّ بن أحْمَد الفَارِسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن رشِيْق، قال: حَدَّثَنَا أبو العَلَاء مُحَمَّد بن أحْمَد الوَكِيْعِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر عَبْدُ الله بن مُحَمَّد بن أبي شَيْبَة الكُوْفيّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا قَبِيْصَةُ، عن سُفْيان، عن مَعْمَر، عن ابن طَاوُس، عن أَبِيهِ، قال: عَجَباً لإخْوَاننِا من أهْلِ العِرَاق يُسمُّونَ الحَجَّاجَ مُؤْمِنًا.
وقال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي شَيْبَةَ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا وَكِيع، عن سُفْيان، عن مَنْصُور، عن إبْراهيم أنَّهُ كان إذا ذكر الحَجَّاجَ، قال:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}
(3)
.
وقال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي شَيْبَةَ
(4)
، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن عَيَّاش، عن الأجْلَح، عن الشَّعْبِيّ، قال: أشْهَدُ أنَّهُ مُؤْمِنٌ بالطَّاغُوت، كَافِرٌ بالله، يَعني الحَجَّاج.
وقال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي شَيْبَةَ
(5)
، قال: حَدَّثَنَا وَكِيع، عن سُفْيان، عن مَنْصُور، عن إبْراهيم، قال: كَفَى بمَنْ يَشُكُّ في أمْر الحَجَّاج لَحَاهُ الله.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكنْدِيّ، قِراءَةً عليه وأنا أسْمَعُ بدِمَشْق، قال: اخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن عليّ المُقْرِئ، قال: حَدّثَنَا أبو مَنْصُور مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا أبو الطّيِّب مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن خَلَف بن خَاقَان، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن دُرَيْد، ح.
قال أبو مَنْصُور: وحَدَّثَنَا القَاضِي أبو مُحَمَّد عَبْدُ الله بن عليّ بن أَيُّوبَ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن الجَرَّاح الخَزَّاز (A)، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن دُرَيْد -واللَّفْظُ للقاضِي-
(A) الأصل: الخرار، وانظر: تاريخ بغداد 4: 155 في ترجمة ابن عمه محمد بن علي بن الجراح الخزَّاز.
_________
(1)
مصنف ابن أبي شيبة 6: 163 (رقم 30344).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة 6: 164 (رقم 30348).
(3)
سورة هود، من الآية 18.
(4)
مصنف ابن أبي شيبة 6: 163 (رقم 30345).
(5)
كتاب الإيمان لابن أبي شيبة 39، وفي مصنفه 6: 164 (رقم 30349) باختلاف اللفظ.
قال: أخْبَرَنا الحَسَن -يعني ابنَ الخَضِر- قال: أخْبَرَنا ابنُ عائِشَة، قال: أُتِيَ الوَلِيد بنُ عَبْد المَلِك برَجُلٍ من الخَوَارِج، فقال له: ما تقُول في أبي بَكْر؟، قال: خَيْراً، قال: فعُمَر؟ قال: خَيْراً، قال فعُثْمان؟ قال: خَيْراً، قال: فما تقُول في أَمِير المُؤْمنِيْن عَبْد المَلِك؟ قال: الآن جاءَت المَسْألَةُ: ما أقُول في رَجُلٍ الحَجَّاجُ خَطِيْئَةٌ من خَطاياهُ!
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَتِيْقُ بن أبي الفَضْل السَّلَمَانيّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن بن أبي الحُسَين
(1)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن علىّ، عن أبي المَعَالِي عَبْد الله بن عبد الرَّحْمن بن صَابِر، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم العَلَويّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن رَشَاء بن نَظِيف، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَرْوَان المالِكِيّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ يُونُس، قالا: أخْبَرَنا أبو أحْمَد، عن القَاسِم بن حَبِيْب، عن العَيْزَار بن جَرْوَل، قال: خرجتُ مع زَاذَان إلى الجبَّان يَوْم العِيْد، فصَلَّى وستُور الحَجَّاج تَرْفُعها الرِّيَاحُ، فقال: هذا والله المُفْلِسُ، فقُلتُ لَهُ: تقُول مثْل هذا وله مثْل هذا؟ فقال: هذا المُفْلِسُ من دِيْنهِ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الغَنِيّ بن سُلَيمان بن بَنِيْن بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَة الله بن عليّ بن سعُود البُوْصِيرِيّ، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن حَمْد بن حَامِد الأرْتاحِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن عُمَر المَوْصِليّ. قال الأرْتاحِيُّ: إجَازةً، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن الحَسَن بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّابُ، ح.
وأخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي الفَضْل بن سَلامَة، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(3)
، ح.
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 188.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 265.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 185.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن أبي جَعْفَر بن عليّ، قال: أنْبَأنَا أبو المَعَالِي بن عبد الرَّحْمن، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم العَلَويّ، قال: أخْبَرَنا رَشَاءُ بن نَظِيف، قال (A): أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن إسْمَاعيْل الضَّرَّاب، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن مَرْوَان المالِكيُّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا ابن أَبي الدُّنْيا، وإبْراهيمِ الحَرْبِيّ، عن سُليْمان بن أبي شَيْخ، قال: حَدَّثَنَا صالح بن سُلَيمان، قال: قال عُمَر بن عَبْدِ العَزِيْز: لو تَخَابَثَتِ الأُمَمُ وجئْنا بالحَجَّاج لغَلَبْناهم، وما كان يَصْلح لدُنْيا ولا لآخرة، لقد وليَ العِرَاقَ، وهو أوْفَر ما يكُون للعِمارَة (B)، فأَخَسَّ به حتَّى صيَّرَهُ إلى أرْبَعيْن ألفَ ألفِ دِيْنارٍ، ولقد أُدِّي إليَّ في عامي هذا ثَمانُون ألف ألف، وإنْ بقيتُ إلي قابل رَجوْتُ أنْ يُؤَدِّي إليَّ ما وُدِّي إلى عُمَر بن الخَطَّاب رضي الله عنه، مائة ألف ألفٍ (C) وعَشَرة آلاف ألفٍ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله بن البَنَّاءَ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعاً، قال: أخْبَرَنا أَبو الغَنائِم بن الدَّجَاجِيّ، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْل بن سَعيد بن سُوَيْد، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن القَاسِم الكَوْكَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن أبي خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن زِيَاد بن الأعْرَابِيّ، قال: قال الهَيْثَم بن عَدِيّ: ماتَ الحَجَّاجُ بن يُوسُفَ وفي سِجْنه ثمانُون ألف مَحْبُوس، منهم ثلاثونَ ألف امْرأة، فوُجِد في قِصَّة رَجُل: بَال في الرَّحْبَة، وخَرِيَ في المَسْجِد، فقال أعْرَابيّ:[من الطويل]
إذا نحنُ جَاوزْنا مَدِينَة وَاسِط
…
خَرينا وصَلَّينا بغير حِسَاب
(A) الأصل: قال، ابن عساكر: أنبأنا.
(B) الدينوري: من العمارة، وابن عساكر: العمارة.
(C) في تاريخ ابن عساكر: مائة ألف ألف ألف.
_________
(1)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 310، وانظر رواية أخرى فيه بالإسناد ذاته 586.
أنْبَأنَا عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لِم يَكُن سَمَاعاً، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن النَّقُّور، وأبو مَنْصُور عَبْد البَاقِي بن مُحَمَّد، قالا: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخّلص، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْد الله السُّكَّرِيّ، قال:[أنْبَأنَا]
(1)
زَكَرَيَّاء بن يَحْيَى المِنْقَريَّ، قال: حَدَّثَنَا الأصْمَعيِّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عَاصِم، عن عَبَّاد بن كَثِيْر، عن قَحْذَم، قال: أطْلَق سُليْمان بن عَبْد المَلِك في غَدَاةٍ إحْدى وثمانين ألف أَسِير، وأمَرَهم أنْ يَمْشُوا ويلْحقُوا بأهْلهم (A)، وعُرضَت السُّجُون بعد الحَجَّاج فوجَدُوا فيها ثلاثةً وثَلاثين ألفاً، لم يجب على أحدٍ منهم قَطْعٌ ولا صَلْبٌ، وكان فيمَن حُبِسَ أعْرَابيّ أُخِذَ يُبول في أصْل (B) رَبَض مَدِينة وَاسِط، فكان فيمَن أُطْلق، فأنْشَأَ يَقُول:[من الطويل]
إذا نحنُ جَاوزْنا مَدِينَةَ وَاسِط
…
خَرينا وصَلَّيْنَا بغير حِسَاب
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفتِح الكَرُوخِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَامِر الأزْدِيُّ، وأبو نَصْر التِّرْيَاقِيّ، وأبو بَكْر الغُوْرجِيّ، قالوا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجرَّاحِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس المَحْبُوبيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عِيسَى التِّرْمِذيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو دَاوُد سُليْمان بن سَلْم البَلْخِيّ، قال: أخْبَرَنا النَّضْر بن شُمَيْل، عن هِشَام بن حَسَّان، قال: أحْصَوْا ما قَتَل الحَجَّاجُ صَبْراً فبلغَ مائةَ ألفٍ وعِشْرين ألفاً.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَتِيقُ بن أبي الفَضْل بن سَلامَة السَّلَمَانِيّ بدِمَشْق، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا رَشَاء بن نَظِيْف، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن إسْمَاعِيل، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مَرْوَان
(3)
، قال: حَدَّثَنَا يُوسُف بن عَبْد الله، قال: حَدَّثَنَا أبو زَيْد،
(A) ابن عساكر: أن يبيتوا أو يلحقوا بأهلهم.
(B) ابن عساكر: أهل.
_________
(1)
إضافة من تاريخ ابن عساكر 12: 184.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 183.
(3)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 271.
قال: حَدَّثَنا حَلْبَسٌ، قال: قيل لأعْرَابيّ؛ وأراد الحَجَّاجُ قَتْلَهُ: اشْهد على نَفْسِكَ بالجنُون، قال: لا أكْذِبُ على ربِّي وقد عافَاني وأقُول قد أبْلاني (a).
قال
(1)
: وحَدَّثَنَا أحْمَد
(2)
، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن يُونُس، قال: حَدَّثَنَا الرِّيَاشِيُّ، عن الأصْمَعِيِّ، عن مُبَشِّر بن بِشْرٍ (b) أنَّ رَجُلًا هربَ من الحَجَّاج فمرَّ بسَابَاطٍ فيه كَلْبٌ بين حُبَّيْن
(3)
يَقْطُر عليه ماؤهمُا، فقال: يا ليتَني كُنتُ مثْلَ هذا الكَلْب! فما لبثَ أنْ مرَّ بالكَلْب في عُنُقه حَبْلٌ، فسَألَ عنه، فقالُوا: جاءَ كتابُ الحَجَّاج يأمرُ بقَتْل الكِلَاب!
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا عُمَرُ بن عُبَيْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا عُثْمان بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا حَنْبَل بن إسْحَاق، قال: حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيّ، قال: حَدَّثَنا سُفْيان، قال: كانوا يرمُون بالمِنْجَنِيْق من أبي قُبَيْس وهم يَرْتَجزُون ويقُولُونَ: [من الرجز]
خطارةٌ مثل الفَنْيق المُزْبد
…
أرمي بها عرازَ (c) هذا المَسْجِد
قال: فجاءتْ صَاعِقَة فأحْرَقَتْهم، فامْتَنعَ النَّاسُ من الرَّمي، فخطَبهم الحَجَّاجُ، فقال: ألَم تعلمُوا أنَّ بني إِسْرَائِيل كانوا إذا قرَّبُوا قُرْبانًا فجاءتْ نارُ فأكلَتْها، علمُوا أنَّهُ قد تُقُبِّل منهم، وإِنْ لم تَأَكُلها قالوا: لم تُقْبَل؟! قال: فلم يَزَل يَخْدعُهُم حتَّى عادوا فرمَوا.
أخْبَرَنا عَتِيق بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(4)
، ح.
(a) عند الدينوري: بلاني.
(b) الدينوري: بشير.
(c) في تاريخ ابن عساكر (12: 120): عوَّاذ.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 184.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 361.
(3)
مثّنّى حُبّ؛ وهي الخابية أو الجرَّة الضخمة. لسان العرب، مادة: حبب.
(4)
تاريخ ابن عساكر 12: 121.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن أبي جَعْفَر، قال: أنْبَأنَا عَبْد الله بن عَبْد الرَّحمن السُّلَمِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا رَشَاءُ بن نَظِيف، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن إسْمَاعِيْل الغَسَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مَرْوَان المالِكِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا زَيْد بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا بردٌ (a)، قال: أخْبَرَنا يَمَان (b) بن المُغِيرَة، عن عَطَاء بن أبي ربَاح (c)، قال: كُنْتُ مع ابن الزُّبَيْر في البَيْت، فكان الحَجَّاج إذا رَمَى ابن الزُّبَيْر بحَجَر وقَع الحَجَرُ على البَيْت (d)، فسَمِعتَ للبَيْت أنينًا كأنين الإنْسَان: أوَّه.
أخْبرَنا أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الأنْصَاريّ، قِراءَةً عليهِ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد طَاهِر بن سَهْل بن بِشْر بن أحْمَد الإسْفَرَايِنِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن مَكِّيّ بن عُثْمان بن عَبْد الله المِصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن إسْحَاق بن يَزيد الحَلَبِيّ، قال: حدَّثنا أبو عبْد الله مُحمّد بن الوَليد بن عِرْق الحْمِصيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُعاوِيَة عُثْمان بن خَالِد بن عَمْرو السُّلَفِيّ (e)، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: حَدَّثَنا عِكْرِمَة بن يَزِيد الأَلْهَانِيّ، قال: حَدَّثَني الأبْيَضُ بن الأَغَرّ بن الصَّبَّاح التَّمِيْمِيّ، عن سُفْيان الثَّوْرِيّ، عن سُهَيْل بن أبي صالح، عن أَبِيهِ
(2)
، قال: كُنْتُ عند أسْماء بنت أبي بَكْر إذ دَخَل عليها الحَجَّاجُ، قال: فقالت له: إنَّكَ قاتِلُ عَبْدِ الله بن الزُّبَيْر؟ قال: فقال: نعم، قالت: أمَا إنَّك قد قتلْتَ صَوَّامًا قَوَّامًا؛ إنّي سَمِعتُ خَلِيلي صلى الله عليه وسلم يَقُول: يخرجُ من ثَقِيف ثلاثة: كَذَّابٌ،
(a) عند الدينوري: يزيد، ولعله هو الصحيح لكثرة ما رواه زيد بن إسماعيل عن يزيد بن هارون، وقد تكرر عند الدينوري كثيرًا، ثم إن المزي قد ذكر في ترجمة يمان بن المغيرة من تهذيب الكمال 32: 84 فيمن يروي عنه: يزيد بن هارون.
(b) تاريخ ابن عساكر: تمام.
(c) تاريخ ابن عساكر: ابن أبي زياد.
(d) تاريخ ابن عساكر: "على الزبير على البيت"، وهو تخليط.
(e) الضبط من المؤلف.
_________
(1)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 401.
(2)
أورده الدارقطني في العلل 15: 301 (رقم 4048) من طريق أبي صالح السمَّان، وينظر كلامه عليه فيه.
ومُبِيْرٌ، وذَيَّالٌ، فأمَّا الكَذَّابُ فقد مَضَى وهو مُخْتَارُ، وِأمَّا المُبِيْر فهو أنتَ، فقال: أُبِيرُ المُنَافِقين، فقالت: بل تُيِيْرُ المُؤْمنِيْن، وأمَّا الذَّيَّال فلم نَرَهُ وسوفَ يُرَى.
قال أبو الحَسَن الحَلَبِيّ: غَرِيْبُ من حديث سُفْيان عن سُهَيْل، وهو غَرِيْبُ من حديث الأبْيَض بن الأَغَرّ عن سُفْيان الثَّوْرِيّ، تفرَّد به عِكْرِمَة بن يَزِيد.
أخْبَرَنا أبو سَعْد ثَابِت بن مُشَرَّف البَغْدَاديّ، قال: أخْبَرَنا أبو الوَقْت عَبْدُ الأوَّل بن عِيسَى السِّجْزِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن المُظَفَّر الدَّاوُودِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن أحْمَد بن حَمُّويَه، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيمُ بن خُرَيْم، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ بن حُمَيْد
(1)
، قال: أخْبَرَنا يَزِيد بن هَارُون، قال: أخْبَرَنا العَوَّام بن حَوْشَب، قال: حَدَّثني من سَمِعَ أسْماءَ -يعني بنتَ أبي بَكْر الصِّدِّيْق- تقُول للحَجَّاج حين دخَل عليها يُعَزِّيها بابْنها ابن الزُّبَيْر، فقالت: سَمِعْتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: يخرجُ من ثَقِيف رَجُلان: مُبِيْرٌ وكَذّابٌ، فأمَّا الكَذَّاب فابن أبي عُبَيْد -تَعْني المُخْتَار- وأمَّا المُبِيْرُ فأنتَ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن سُلَيمان المِصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن حَمْد الأرْتاحِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين الفَرَّاءُ في كتابهِ، عن أبي إسْحَاق الحَبَّال، وخَدِيجَة المُرَابِطَة -قال الحَبَّالُ: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الجَبَّار بن أحْمَد بن عُمَر الطَّرَسُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الحَسَن بن الحُسَين بن بُنْدَار. وقالت خَدِيجَةُ: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ يَحْيَى بن أحْمَد بن عليّ بن الحُسَين بن بُنْدَار، قال: حَدَّثنِي جَدِّي عليّ- قالا: حَدَّثَنَا مَحْمُود بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا الحَنَفِيُّ -يعني أحْمَد بن الأَسْوَد- قال: حَدَّثَني ابنُ عائِشَة، عن أَبِيهِ، عن ابن أبي شُمَيْلَة، قال: كان الدِّيْمَاسُ في زَمن
(1)
لم أقف عليه في المطبوع من المنتخب، ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخه 12:112. وأخرجه البخاريُّ في تاريخه الكبير 4: 348 (رقم 3088) من وجهٍ آخر عن أسماء بنت أبي بكر، مختصرًا. وأخرجه أحمد في المسند 44: 528 (رقم 26967) من حديث أسماء أيضًا.
الحَجَّاج حائطًا مُحَاطًا لا سَقْفَ عليه، وكان الأحْرَاسُ يجلسُونَ على الحائطِ، فإذا تَنَحَّى المُسَجَّنُونَ إلى الظِّلِّ رَمَاهم الأحْرَاسُ بالحِجَارَة حتَّى يرجعُوا إلى الشَّمْس، وكان يُطْعِمُهم خُبْزَ الشَّعِير قد خُلِطَ فيه الرَّمَادُ والمِلْح بالزَّيْت، فلا يَلْبَثُ الرَّجُل أنْ يتغيَّر، فجاءت امرأةٌ تسألُ عن ابْنها، فنُودِيَ به فخَرج إليها، فلمَّا رأتْهُ قالت: ليس هذا ابني، ابني أشْقَرُ أحْمَرُ وهذا زَنجيُّ، فقال: بلى يا أُمَّهْ، أنا ابنُكِ، وأُخْتي فُلَانة وأخي فُلَانٌ، ومَنْزِلنا بمَوضِع كَذَا وكذا، فلمَّا عَلِمَتْ أنَّهُ ابنُها شَهقَتْ فوقعَتْ مَيّتَةً، فأُعْلم الحَجَّاجُ بذلك فأمرَ بإطْلَاقِ مَنْ في الدِّيْمَاس، فما منهم أحدٌ حُلَّ قَيْدُهُ إلَّا في مَنْزِله مَخَافَة أنْ يَبْدُوَ له.
أخْبَرَنا عَتِيق بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم
(1)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ، عن أبي المَعَالِي بن صَابِر، قالا: أخْبَرَنا عليّ بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا رَشَاء بن نَظيف، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد المِصْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مَرْوَان الدِّيْنَورِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عليّ، قال: حَدَّثَنَا الهَيْثَم بن جَمِيل، عن يَعْقُوبَ القُمِّيّ، عن جَعْفَر بن أبي المُغِيرَة، قال: كان حُطَيْط صَوَّامًا قَوَّامًا، يَخْتم في كُلِّ يَوْم وليلة خَتْمَةً، ويخرجُ من البَصْرَة مَاشِيًا حَافِيًا إلى مَكَّة في كُلِّ سنةٍ، فوجَّه الحَجَّاج في طَلَبهِ، فأُخِذَ، فأُتي به الحَجَّاجُ، فقال له: إيهًا، قال: قُل؛ فإنِّي قد عاهَدْتُ الله لئن سُئِلْتُ لأصْدقنَّ، ولئن ابتُليْتُ لأصْبرَنَّ، ولئن عُوْفِيْتُ لأشكُرَنَّ ولأحْمدَنَّ الله على ذلك، قال: ما تقُول فيَّ؟ قال: أنتَ عَدُوّ الله تَقْتُل على الظِّنَّة، قال: فما قولُكَ في أَمِير المُؤْمنِيْن؟ قال: أنْتَ شَرَرةٌ من شَرَره، وهو أعْظَمُ جُرْمًا، قال: خُذُوا ففَظِّعُوا (a) عليه العَذَابَ، ففَعَلُوا فلم يقُل حسًّا ولا بسًّا،
(a) الأصل وكتاب المجالسة: فقطعوا، والمثبت من ابن عساكر.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 182.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 531.
فأتوه فأخْبَرُوه، فأمر بالقَصَب فشُقِّق، ثمّ شُدَّ عليه، وصُبَّ عليه الخَلُّ والمْلِحُ، وجَعَل يسْتَلّ (a) قَصَبةً قَصَبَةً، فلم يقُل حسًّا ولا بسًّا، فأتَوه فأخْبَرُوه، فقال: أخرجُوه إلى السُّوق فاضربُوا عُنُقه، قال جَعْفَر: فأنا رأيْتُه حين أُخْرِج، فأتاهُ صَاحِبٌ له فقال: لك حَاجَةٌ؟ قال: شَرْبة من ماءٍ، فأتاهُ بماءٍ فشَربَ ثمّ ضُرِبَت عُنُقُه، وكان ابن ثَماني عَشْرة سَنَة.
أنْبَأنَا الكِنْدِيّ، [قال] (b): أنْبَأنَا أبو عَبْد الله بن البَنَّاء، عن أبي الحُسَين بن الآبِنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عُبَيْد، عن مُحَمَّد بن مُحمّد بن مَخْلَد، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَمَّد بن خَزَفَة، قالا: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا ابن أبي خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن نَجْدَة، قال: حَدَّثَنَا عَتَّاب بن بَشِير، عن سَالِم الأفْطَس، قال: أُتَيِ الحَجَّاجُ بسَعيد بن جُبَيْر وقد وضَع رِجْله في الرِّكَاب، فقال: لا أسْتَوي على دَابَّتي حتَّى تُبَوَّأ مَقْعدك (c) من النَّار، فأمر بهِ فضُرِبَتْ عُنُقُه، قال: فما بَرِحَ حتَّى خُولِطَ، قال: قُيُودنا قُيُودنا (d). فأمرَ برجلَيْهِ فقُطعَتا ثمّ انتُزعَت القُيُود منه. قال عَتَّاب: وقال عليّ بن بَذِيْمَة: خَتَم الدُّنْيا بقَتْلِ سَعيد بن جُبَيْر، وافْتَتَح الآخرة بقَتْل مَاهَان. وأخْبَرَني غير عليّ: أنَّ الحَجَّاجَ كان يفزع بسَعِيدٍ.
قال: وحَدَّثَنَا ابن أبي خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَنَا أبو ظَفَر (e)، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بن سُلَيمان، عن بِسْطَام بن مُسْلِم، عن قَتَادَة، قال: قيل لسَعِيد بن جُبَيْر: خرجْتَ على الحَجَّاج؟ قال: إيْ واللهِ، ما خرجْتُ عليهِ حتَّى كَفَر.
(a) عند الدينوري: يسل.
(b) ساقطة من الأصل.
(c) في الأصل مقعدًا، والمثبت من تاريخ الطبري 6: 490، (وفيه عدد من الروايات المتصلة بخبر مقتل ابن جبير 6: 487 - 491)، وتاريخ ابن عساكر 12:183.
(d) جاء بعده عند الطبري: "فظنوا أنه قال: القيود التي على سعيد بن جبير".
(e) في الأصل: ابن ظفر، وهي كنية عبد السلام بن مطهر. وانظر: تاريخ ابن عساكر 12: 183.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَتِيقُ بن أبي الفَضْل بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ
(1)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن أبي جَعْفَر القُرْطُبِيّ، عن عَبْد الله بن عبد الرَّحْمن، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم العَلَويّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن المُقْرِئ، ح.
وأخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الغَنِيّ بن سُلَيمان بن بَنِيْن بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم البُوْصِيرِيّ وأبو عَبْدِ اللهِ الأرْتاحِيّ، قالا: أخْبَرَنا عليّ بن الحُسَين -قال الأرْتاحِيّ: إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن الحَسَن بن إسْمَاعِيْل الضَّرّاب- قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن إسْمَاعيْل، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الدِّيْنَورِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز، قال: حَدَّثَنَا أبو الخَطَّاب، قال: حَدَّثَنَا أبو دَاوُد، عن عُمَارَة بن زَاذَانَ، قال: حَدَّثَنَا أبو الصَّهْبَاءِ، قال: قال الحَجَّاجُ بن يُوسُف لسَعيد بن جُبَيْر: اخْتَر أيَّ قِتْلَةٍ شِئْتَ؟ فقال له سَعيد بن جُبَيْر: بل أنتَ فاخْتَر لنَفْسكَ؛ فإنَّ القِصَاصَ أمَامَكَ.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوِسُف بن خَلِيل بن عَبْد الله بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيَى بن أَسْعَد بن بَوْش، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ بن كَادِش، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الجَازِرِىِّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء القَاضِي
(3)
، قال: حَدَّثَنَا ابن دُرَيْد، قال: حَدَّثَنَا أبو حَاتِم، عن أبي عُبَيْدَة. وذَكَرَهُ أبو حَاتِم عن العُتْبِيّ أيضًا، قال: كانت امرأةٌ من الخَوَارِج من الأَزْدِ يُقال لها فَرَاشَة، وكانت ذَاتَ نِيَّةٍ (a) في رَأى
(a) كذا في الأصل مجودًا، وفي كتاب الجليس الصالح: نَبَه.
_________
(1)
لم أقف على الخبر في تاريخ ابن عساكر.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 211.
(3)
الجريري: الجليس الصالح 1: 434 - 436، وانظر الخبر في تاريخ ابن عساكر 12: 180 - 181.
الخَوَارِج؛ تُجهِّزُ أصْحَابَ البصَائر منهم، وكان الحَجَّاج يَطْلبُها طَلَبًا شَدِيْدًا، فأعْجَزَتْهُ (a) فلم يَظْفَر بها، وكان يدعُو اللهَ أنْ يُمَكِّنَهُ من فَرَاشَة، أو بعض مَنْ جَهَّزَته، فمَكُث مَا شَاءَ اللهُ، ثمّ جِئ برَجُلٍ، فقيل: هذا ممَّن جَهَّزتهُ فَرَاشَة، فخرَّ سَاجِدًا، ثمّ رفَع رأسَهُ، فقال له: يا عَدُوَّ الله، قال: أنت أوْلَى بها يا حَجَّاج! قال: أين فَرَاشَةُ؟ قال: مرَّتْ تَطِيرُ منذُ ثلاث، قال: أين تَطيرُ؟ قال: تَطِيرُ ما بين السَّماء والأرْض، قال: أعَنْ تلك سألتك عليك لعنَةُ الله؟ قال: عن تلك أخبرتُكَ عليك غَضَبُ اللهِ! قال: سَألتُكَ عن المَرْأةِ الّتي جهَّزتكَ وأصْحَابَك، قال: وما تَصْنعَ بها؟ قال: دُلَّنا عليها، قال: تَصْنعُ (b) بها ماذا؟ قال: أضْربُ عُنُقَها، قال: وَيْلَكَ يا حَجَّاج، ما أجْهَلَكَ! تُريدُ أنْ أدُلَّكَ وأنت عَدُوّ الله على مَنْ هو وَليُّ اللهِ، {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}
(1)
. قال: فما رأيُكَ في أَمِير المُؤْمنِيْن عَبْدِ المَلِكِ؟ قال: على ذاكَ الفَاسِق لعنَةُ الله ولعنَةُ اللَّاعِنين. قال: ولِمَ لا أُمَّ لكَ؟ قال: إنَّهُ أخْطَأَ خَطِيئَةً طبَّقَت ما بين السَّماءِ والأرْض، قال: وما هي؟ قال: اسْتِعمالُه إيَّاكَ على رِقَاب المُسْلمِيْن، فقال الحَجَّاجُ (c): ما رأيُكُم فيه؟ قالوا: نَرَى أنْ نَقْتُلَه قَتْلةً لم يُقْتَل مثْلها أحدٌ، قال: وَيْلَكَ يا حَجَّاجُ، جُلَسَاءُ أخيكَ كانُوا أحْسَن مُجَالسَةً من جُلَسَائكَ، قال: وأيَّ إخْوَتي (d) تُريدُ؟ قال: فِرْعَون حين شَاورَ في مُوسَى، فقالوا: أَرْجِئْهُ وأخَاهُ
(2)
، وأشَار عليكَ هؤلاءِ بقَتْلي. قال: فهل حَفِظْتَ القُرْآن؟ قال: وهل خَشيْتُ فرارَهُ فأحْفَظَهُ! قال: هل جَمَعْتَ القُرْآن؟ قال: ما كان مُتَفرِّقًا فأجْمَعَهُ، قال: أقَرأتَهُ ظَاهِرًا؟ قال: مَعَاذ اللهِ؛ بل قَرأتْهُ وأنا [أنْظر](e) إليه. قال: فكيف تراكَ تَلْقَى الله إنْ قَتلتُكَ؟ قال:
(a) عند الجريري: فأعوزته.
(b) الأصل: نصنع، والمثبت من كتاب الجريري.
(c) زيد في كتاب الجريري: لجلسائه.
(d) عند الجريري: أخويَّ.
(e) ساقطة من الأصل ومن أصول ابن عساكر، والزيادة من الجليس الصالح.
_________
(1)
سورة الأنعام، من الآية 56.
(2)
الآية الكريمة 111 من سورة الأعراف {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} .
ألْقاهُ بعَمَلى وتَلْقاهُ بدَمِي. قال: إذًا أُعجِّلُك إلى النَّار، قال: لو علمتُ أنَّ ذاكَ إليك أحْسَنْتُ عبادتَكَ، واتَّقيْتُ عَذَابَكَ، ولم أبِغِ خِلَافَك ومُنَاقضَتَك قال: إنِّي قاتلُكَ؟ قال: إذًا أُخاصمُكَ لأنَّ الحُكْم يَوْمئذٍ إلى غَيْرك، قال: نقمَعُكَ عن الكَلَام السَّيِّئ، يا حرَسِيّ، اضْرب عُنُقَهُ، وأوْمَأ إلى السَّيَّاف ألَّا يِقْتُلَه، فجَعل يأتيهِ من بينَ يَدَيْهِ ومن خَلْفه، ويُرَوِّعُهُ بالسَّيْف، فلمَّا طال ذلك عليه رَشَحَ جَبِيْنُه، قال: جَزِعتَ من المَوْت يا عَدُوَّ الله؟ قال: لا يا فَاسِقُ، ولكن أبْطأتَ عليَّ بما لي فيه رَاحةٌ. قال: يا حرَسِىّ، أعْظِم جُرحَهُ. فلمَّا أحَسَّ بالسَّيْفِ قال: لا إلَهَ إلَّا الله، والله لقد أتَمَّها ورَأسُهُ في الأرْض.
أخْبَرَنا أبو بَكْر السَّلَمَانِيّ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، ح.
وحَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحْمَد القُرْطُبِيّ، قال: أنْبَأنَا عَبْد الله بن عبد الرَّحْمن، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا رَشَاء بنُ نَظيف، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن إسْماعِيْل، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بنُ مرْوان
(2)
، قال: وحَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مَوسَى، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الحَارِث، عن المَدَائِنِيّ، قال: أُتِيَ الحَجَّاجُ برَجُلٍ من الخَوَارِج وهو في خَضْراءَ وَاسِط، فلمَّا مَثُل بينَ يَدَيْهِ ونَظَرَإلى بُنْيانِهِ (a)، قال:{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ}
(3)
. قال بعضُى جُلَسَائهِ: اقْتلُوه قَتَلَهُ الله، فقال الخَارِجيُّ: جُلَسَاءُ أخيكَ كانُوا خَيْرًا من جُلَسَائك! قال الحَجَّاجُ: أيّ إخْوَتي تَعْني؟ قال: فِرْعَون مُوسَى حين قالوا لمُوسَى: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ}
(4)
، وقالوا (b) هؤلاء لك: اقْتُله، فأمرَ بقَتْله فقُتِلَ.
(a) الدينوري: بنائه.
(b) كذا في الأصل كما عند الدينوري وابن عساكر "وقالوا"، بواو الجمع، على لغة: أكلوني البراغيث.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 179.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 350.
(3)
سورة الشعراء، الآيات 128 - 130.
(4)
سورة الشعراء، من الآية 36.
أنْبَأنَا عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن السَّمَرْقَنْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن النَّقُّور، وأبو مَنْصُور عَبْد البَاقِي بن مُحَمَّد بن غالب، قالا: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخُلِّص، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْد الله بن عبد الرَّحْمن السُّكَّرِيّ، قال: حَدَّثَنَا زَكرِيَّاء بن يَحْيَى المِنْقَريّ: قال: أخْبَرَني الأصْمَعِيّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن سَلْم البَاهِلِيّ، قال: أُتِيَ الحَجَّاجُ بن يُوسُف بامْرأة من الخَوَارِج فجعَل يُكلِّمُها ولا تُكَلِّمه مُعْرضَةً عنه، فقال بعُض الشُّرط: الأَمِير يُكَلِّمك وأنت مُعْرضَة؟ فقالت: إنِّي لأسْتَحي أنْ أنظُرَ إلى مَنْ لا ينظُر الله إليه، فأمَرَ بها فقُتِلَتْ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن أبي جَعْفَر، عن أبي المَعَالِي بن صَابِر، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم النَّسِيبُ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن مَرْوَان
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر ابن أبي الدُّنْيا، قال: حَدَّثَنَا أبو زَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا أبو عَاصِم، قال: حَدَّثني جَليْسٌ لهِشَام بن أبي عَبْد الله، قال: قال عُمَر بن عَبْد العَزِيْز لعَنْبَسَة بن سَعيد، قال: أخْبرني ببعض ما رأيْتَ من عَجَائِب الحَجَّاج، فقال له: يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، كُنَّا جُلُوسًا عنده ذاتَ ليلةٍ، قال: فأُتِيَ برَجُلٍ فقال: ما أخرجَكَ هذه السَّاعَة، وقد قُلْتُ: لا أَجِدُ فيها أحدًا إلَّا فَعَلْت به وفعَلتُ؟ قال: أمَا والله لا أكْذب الأَمِيرَ، أُغْمِيَ على أُميِّ منذ ثلاثٍ فكُنْتُ عندها، فأفاقَتِ السَّاعَةَ فقالت: يا بُنَيَّ، مُذْ كم أنتَ عندي؟ فقُلْتُ لها: منذ ثلاثٍ، قالت: أعْزِمُ عليك إلَّا رَجعت إلى أهْلك فإنَّهم مَغْمُومُون (a) بتَخَلُّفِكَ عنهم، فكُن عندَهُم اللَّيْلةَ وتَعُود إليَّ غَدًا، فخرجْتُ فأخَذَني الطَّائِفُ، فقال: نَنْهاكُم وتَعْصُونا!
(a) الأصل: مغمومين، وفوقها "صـ".
_________
(1)
تاريخ إبن عساكر 12: 178 - 179.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 341.
اضْربُوا عُنُقَهُ. ثُمَّ أُتِيَ بَرجُلٍ آخر، فقال: ما أخْرَجَكَ السَّاعَة؟ فقال: والله لا أكْذِبُكَ، لَزِمَني غَرِيمٌ لي على بابه، فلمَّا كانت السَّاعَةُ أغْلَق بابَهُ دُوني، وتَرَكَني على بابه، فجاءني طَائِفُكَ فأخَذَني. فقال: اضْرِبُوا عُنُقَهُ، فضُرِبت عُنُقه. ثمّ أُتي بآخر، فقال: ما أخْرَجَك هذه السَّاعَة؟ قال: كُنْتُ معِ شَرَبَةِ أشْرَبُ (a)، فلمَّا سَكِرْتُ خَرجْتُ، فأخَذَني الطَّائِفُ، فذَهَبَ عنِّي السُّكْر فزعًا، فَقال: يا عَنْبَسَة، ما أراهُ إلَّا صَادِقًا، خِلِّيا سَبِيْلَهُ. فقال عُمَر في عَبْد العَزِيْز لعَنْبَسَة: فما قُلْتَ له شيئا؟ فقال: لا. فقال عُمَرُ لآذنِهِ (b): لا تأذَننَّ لعَنْبَسَة علينا إلَّا أنْ تكُونَ له حَاجَة.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف في خَلِيل في عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم في بَوْش، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ في كَادِش، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد في الحُسَين الجَازِرِيّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى في زَكَرِيَّاء القَاضِي
(1)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد في القَاسِم الأنْبارِيّ، قال: حَدَّثني أبي، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد في عُبَيْد، قال: حَدَّثَنَا هِشَام في مُحَمَّد في السَّائِب الكَلْبيّ، عن عَوَانَة في الحَكَم الكَلْبيّ، قال: دَخَل أنَس بن مالِك على الحَجَّاج بن يُوسفَ، فلمَّا وقفَ بينَ يديْهِ سَلَّم عليه، فقال: إيْهٍ، إيْه يا أَنَسُ (c)، يَوْمَ لكَ مع عليّ، ويَوْمٌ لك معِ ابن الزُّبَيْر، ويَوْمٌ لك مع ابن الأشْعَث! والله لأسْتَأصلنَّكَ كما تُسْتَأصَل الشَّأْفَةُ، ولأدْمغنَّكَ كما تُدْمَغ (d) الصَّمْغَةُ، قال أنَسٌ: إيَّايَ يعني الأَمِير أصْلَحَهُ الله؟ قال: إيَّاكَ سَكَّ الله سَمْعَكَ، قال أنسٌ: إنَّا لله وإنَّا إليه رَاجعُوِنَ! والله لولا الصِّبْيَةُ الصِّغَارُ ما بَالَيْتُ أيَّ قِتْلَةٍ قُتِلْتُ، ولا أيَّ ميْتَةٍ مُتُّ. ثمَّ خرَجَ من عند الحَجَّاج، فكَتَب إلى عَبْد المَلِك بن مرْوَان يُخْبره بذلك،
(a) تاريخ ابن عساكر: معي شربة فشربت.
(b) الدينوري: لابنه.
(c) الجريري وابن كثير: أُنَيس، بالتصغير.
(d) الجريري: لأقلعنك كما تقلع.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 3: 151 - 153، وتاريخ ابن عساكر 12: 171 - 172، والمنتظم لابن الجوزي 6: 337 - 339، والبداية والنهاية لابن كثير 9: 133 - 134.
فلمَّا قَرأ عَبْدُ المَلِك كتابَ أَنَسٍ، اسْتَشَاط غَضَبًا، وصفَّقِ عَجَبًا، وتَعاظَمه ذلك من الحَجَّاج. وكان كتاب أنسَ بن مالِك إلى عَبْد المَلِك بن مَرْوَان:
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى عَبْد المَلِك بن مَرْوَانَ أَمِير المُؤْمنِيْنَ من أنَسِ بن مالِكٍ
أمَّا بَعْدُ،
فإنَّ الحَجَّاج قال لي هُجْرًا، وأسْمَعَني نُكْرًا، ولم أكُنْ لذلك أهْلًا، فخُذ لي على يَدَيهِ، فإنِّي أمُتُّ بخِدْمَتي رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، وصُحْبَتي إيَّاهُ.
والسَّلام عَليْك ورَحْمَة الله وبَركاته.
فبَعَثَ عَبْد المَلِك إلى إسْمَاعِيْل بن عُبَيْدِ الله (a) بن أبي المُهاجِر، وكان مُصَادِقًا للحجَّاج، فقال له: دُونَك كتابَيَّ هذين، فخُذْهُما وارْكبْ البَرِيدَ إلى العِرَاق، فابْدَأ بأنَسِ بن مالِك، صَاحِبِ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، وادْفَعْ كتابَهُ إليه، وأبلغْهُ منِّي السَّلام، وقُلْ له: يا أبا حَمْزَة، قد كَتَبتُ إلى الحَجَّاج المَلْعُون كتَابًا إذا قَرَأه كان أطْوَعَ لك من أَمَتِكَ.
وكان كتابُ عَبْد المَلِك إلي أنسَ بن مالِك:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عَبْد المَك بن مَرْوَان أَمِير المُؤْمنِيْن إلي أنَس بن مالِك خَادِم رسُول الله صلى الله عليه وسلم.
(a) الجريري: عبد الله، والمثبت هو الصواب، تنظر ترجمته في: الجرح والتعديل 3: 182، وتهذيب الكمال 3:143.
أمَّا بَعْدُ؛
فقد قَرَأتُ كتابكَ، وفَهمْتُ ما ذَكَرتَ من شَكَاتِكَ للحجَّاج، وما سلَّطْتُهُ عليك، ولا أمَرتْهُ بالإسَاءَةِ إليكَ، فإنْ عادَ لمثْلها فاكْتُبْ إليَّ بذلك، أُنْزل بهِ عُقُوبَتي، وتَحْسُنُ لك مَعُونتي، والسَّلام.
فلمَّا قَرَأ أنَسٌ كتابَهُ وأُخْبر برسَالته، قال: جَزَى اللهُ أَمِيرَ المُؤْمنِيْن عنِّي خَيْرًا وعافاهُ وكافأهُ عنِّي بالجنَّة، فهذا كان ظَنِّي به والرَّجَاءَ منه.
فقال إسْمَاعِيْل بن عُبَيْد الله (a) لأنسٍ: يا أبا حَمْزَة، إنَّ الحَجَّاج عَامِلُ أَمِير المُؤْمنِيْن وليس بكَ عنه غنىً ولا بأهْل بيتكَ، ولو جُعِلَ لك في جَامعةِ ثمّ دُفِع إليك لقَدَر أنْ يضرّ ويَنْفَع، فقَارِبْهُ ودَارِهِ. فقال أنَسٌ: أفْعَلُ إنْ شَاءَ اللهُ.
ثمّ خرَجَ إسْمَاعِيْلُ من عنده، فدَخَلَ على الحَجَّاج، فلمَّا رآه الحَجَّاج قال: مَرْحبًا برَجُلٍ أُحبُّهُ وكُنْتُ أُحبُّ لقاءَهُ، فقال له إسْمَاعِيْل: أنا والله قد كُنْتُ أُحبّ لقاءَكَ في غير ما أتيتُكَ به. قال: وما أَتيتَني بهِ؟ قال: فارَقْتُ أَمِير المؤمنِيْن وهو أشَدُّ النَّاسِ عليك غَضَبًا ومنْك بُعْدًا، قال: فاسْتَوَى الحَجَّاجُ جالِسًا مَرْعُوبًا، فرَمَى إليه إسْمَاعِيْل بالطُّوْمَار، فجعَل الحَجَّاجُ يَنْظُر فيه مرَّةً ويعرَقُ وينْظُر إلى إسْمَاعِيْل أُخرى، فلمَّا نقَضَهُ (b) قال: قُمْ بنا إلى أبي حَمْزَة نَعْتَذر إليه ونتوصَّاهُ (c)، فقال له إسْمَاعِيْل: لا تَعْجل، قال: كيف لا أعْجَل وقد أَتَيْتَني بآبِدَةٍ.
(a) الجريري: عبد الله.
(b) الجريري: نفضه، ابن كثير: فضَّه.
(c) الجريري وابن كثير: ونترضَّاه.
وكان في الطُّوْمَار إلى الحَجَّاج بن يُوسُف:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عَبْد المَلِك بن مَرْوَان أَمِير المُؤْمنِيْن إلى الحَجَّاج بن يُوسُف
أمّا بعدُ؛
فإنَّك عَبْدٌ طَمَتْ به الأُمُور فسَمَوتَ فيها، وعَدَوْتَ طَوْرَكَ، وجَاوَزْتَ قَدْرَكَ، ورَكِبْتَ دَاهِيَةً إدًّا، وأردتَ أنْ تَبُورني (a)، فإنْ سوَّغْتُكَها مَضِيْتَ قُدُمًا، وإنْ لَم أُسَوِّغُكَها رجَعْتَ القَهْقَرَى. فلَعنَكَ اللهُ عَبْدًا أخْفَشَ العَيْنَيْن، مَنْقُوضَ (b) الجَاعرَتَيْن، أنَسِيْتَ مكَاسِبَ آبائكَ بالطَّائِف، وحَفْرَهُم الآبَارَ، ونَقَلَهُمِ الصُّخُورَ على ظُهُورهم في المَنَاهِل يا ابنَ المُسْتَفْرمَةِ بعَجَمِ الزَّبِيْب؟! والله لأغْمِزَنَّكَ غَمْزَ اللَّيْثِ الثَّعْلَبَ، والصَّقْر الأرْنَبَ، وَثبتَ على رَجُلٍ من أصْحَاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم بين أظْهُرنا، فلم تَقْبل له إحْسَانَهُ، ولم تجاوِزْ له إسَاءتَهُ، جُرْأَةً منك على الرَّبِّ عَزَّ وعَلَا، واسْحخْفَافًا منكَ بالعَهْد. والله لو أنَّ اليَهُودَ والنَّصارَى رَأتْ رَجُلًا خَدَم عُزَيْزَ عُزْرَة وعِيسَى ابن مَرْيَم لعَظَّمَتْهُ وشرَّفَتْهُ وأكْرَمَتْهُ، فكيفَ وهذا أنسُ بن مالِك! خَادِمُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم؛ خَدَمَهُ ثَمان سِنين، يُطْلعُه على سِرِّه، ويُشَاورُه في أمْره، ثمّ هو مع هذا بَقِيَّةٌ من بقايا أصْحَابهِ.
فإذا قَرَأت كتابي هذا، فكُن أطْوَعَ له من خُفِّهِ ونَعْلِهِ، وإلَّا أتَاكَ منِّي سَهْمٌ مُثْكِلٌ بحَتْفٍ قاضٍ، و {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}
(1)
.
(a) تاريخ ابن عساكر: تبرزني، وفي البداية والنهاية: وأردت أن تبدو لي، وما ها هنا موافق لما عند المعافى بن زكرياء. وبارَهُ بَورًا وابْتَارَهُ: اختبره. لسان العرب، مادة: بور.
(b) الجريري وابن كثير: منقوص.
_________
(1)
سورة الأنعام، الآية 67.
قال القَاضِي
(1)
: قَوْل الحَجَّاج: سَكَّ الله سَمْعَكَ، يُقال: اسْتَكَّت الأُذُنَان، واصْطَكَّتِ الرُّكْبَتان. وقَوْله للحجَّاج: يا ابنَ المُسْتفرِمَة بعَجَم الزَّبِيْب: كانت المَرْأةُ تَسْتَعمل عَجَم الزَّبِيْب لتَضْييق قُبُلِهَا فيما ذَكَر بعضُ أهْلِ العِلْم، وهو حَبُّهُ والنَّوَى كُلُّه يُقالُ له: عَجَم، واحدَتهُ عَجَمَة، قال الأعْشَى
(2)
: [من المتقارب]
مَقادُكَ بالخَيْل أرْضَ العَدُوِّ
…
وجُذْعَانها كلَقيْطِ (a) العَجَمْ
قيل: صارَتْ من صَلَابتها مثْل النَّوَى. وِقال أبو عُبَيْدَة: عَجَم عَجْمًا أيّ لبك (b)، لأنَّهُ نَوَى الفَم، فهو أصْلَب لأنَّهُ ليس بنَوَى خَلٍّ ولا نَبِيذٍ، فهو أَصْلَبُ وأمْلَسُ، وإنَّما أرادَ صَلَابتها وضُمْرَها. ولَقِيْط أراد مَلْقُوط، مثل جَريْح ومَجْرُوح، ويُرْوى: كلمَفِيْظ (c) العَجَم، أيّ مَلْفُوظ مُلْقىً.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن عليّ الجوهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن العبَّاس، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَعْروف، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن فَهْم، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْد
(3)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عُمَر، قال: حَدَّثني ابنُ أبي ذِئْب، عن إسْحَاق بن يَزِيد، قال: رأيْتُ أنَسَ بن مالِك مَخْتُومًا في عُنُقه؛ خَتَمَهُ الحَجَّاجُ، أرادَ أنْ يُذلَّهُ بذلك، قال مُحَمَّد بن عُمَر: وقد فعَل ذلك بغير واحدٍ من أصْحَاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم، يريدُ أنْ يُذلَّهُم بذلك، وقد مَضَتَ العِزَّةُ لهم بصُحْبَةِ رسُول الله صلى الله عليه وسلم.
(a) ديوان الأعشى: كلفيظ، ويرد بعده في تفسير البيت.
(b) كذا في الأصل بالباء الموحدة، وعند الجريري: ليك.
(c) في الأصل: كلقيط
…
ملقوط، وهو تكرارٌ لا وجه له، والمثبت كما في الجليس الصالح.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 3: 154.
(2)
ديوان الأعشى 200 (تحقيق كامل سليمان، بيروت: الكتاب البناني).
(3)
الطبقات الكبرى 5: 340.
أنْبَأنَا أبو نَصْر بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم الدِّمَشقيّ
(1)
، قال: أخْبرنا أبو بَكْر اللَّفْتُوانيُّ، قال: أخبرَنا أبو عَمْرو بن مَنْدَة، قال: أخْبَرنا أبو مُحمّد بن زَبر (a)، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن النَّسَائِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا
(2)
، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا جَرِير (b)، عن سِمَاك بن مُوسَى الضَّبِّيِّ، قال: أمرَ الحَجَّاجُ أنْ توْجَأَ عُنُق أنَس بن مالِك، وقال: أتَدْرُونَ مَنْ هذا؟ هذا خَادِمُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، أتَدْرُونَ لَم فَعَلْتُ به هذا؟ قالوا: الأَمِيرُ أعْمُ، قال: سَبِّئُ البَلَاءَ في الفِتْنَة الأُوْلَى، غَاشُّ الصَّدْر في الفِتْنَة الآخِرة.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الغَنِيّ بن سُلَيمان المِصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَة الله بن عليّ بن سُعُود وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن حَمْد بن حَامِد، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن عُمَر المَوْصِليِّ -قال أبو عَبْد الله إجَازَةً- قال: أخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيْز بن الحَسَن بن إسْمَاعِيْل، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن أحمد بن عليّ من لَفْظه، قال: أنْبأنا أبو المعَالي بن عبْد الرَّحمن السُّلَمِيُّ، ح.
وأخْبرَنا أبو بَكْر بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(3)
، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم الحُسَيْنيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن المُقْرِئ، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الغَسَّانيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الدِّيْنَورِىّ
(4)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عليّ، قال: حَدَّثَنَا الأَصْمَعِيُّ، قال: قال عَبْدُ المَلِك بن مَرْوَان للحجَّاج: إنَّهُ ليسَ
(a) تاريخ ابن عساكر: ابن يَوَة.
(b) تاريخ ابن عساكر: أنبأنا جعفر، قال: أنبأنا جرير.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 171.
(2)
الإشراف على منازل الأشراف 256 - 257.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 167، وفي إسناد الخبر اختلاف واضطراب.
(4)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 112.
من أحدٍ إلَّا وهو يعرفُ عَيْب نفسهِ فَعِبْ (a) نفسَكَ، فقال: اعْفني يا أَمِيرَ المُؤْمنيْن، فأبَى، فقال: أنا لَجُوجٌ حَقُود حَسُودٌ، فقال عَبْدُ المَلِك: ما في الشَّيْطانِ شَرٌ مَمَّا ذَكَرَتَ.
أخْبَرَنا عُمَر بن طَبرزَد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقنديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن هِبَة الله، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قال: حَدَّثَنَا أبو صالحِ عَبْدُ الله بن صالح، قال: حَدَّثَني مُعاوِيَةُ بن صالح، عن شُرَيْح بن عُبَيْدٍ، عن منْ حَدَّثَهُ، قال: جَاء رَجُلٌ إلى عُمَر بن الخَطَّاب، فأخْبَرهُ أنَّ أهْلَ العِرَاق قد حَصَبُوا أميرَهُم، فخرج غَضْبانًا، فصَلَّى لنا صلاةً، فسَهَا فيها حتَّى جَعَل النَّاس يقُولونَ: سُبْحَان الله، سُبْحَان الله، فلمَّا سَلَّم، أقْبَل على النَّاس فقال: مَنْ هَا هُنا من أهْل الشَّام؟ فقام رَجُلٌ، ثمّ قامَ آخرُ، ثمّ قمتُ أنا ثالثًا أو رَابعًا، فقال: يا أهْل الشَّام، اسْتَعدُّوا لأهْلِ العِرَاق، فإنَّ الشَّيْطان قد باضَ فيهم وفَرَّخَ، اللَّهُمَّ إنَّهم قد لبَّسُوا عليَّ فألْبس عليهم، وعَجِّل عليهم بالغُلَام الثَّقَفِيّ، يَحْكُمُ فيهم بحُكْم الجَاهِلِيَّةِ، لا يقبَلُ من مُحْسِنهم، ولا يتجاوَز عن مُسيئهم.
أنْبَأْنَا أبو نَصْر القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الفَرَاوِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البيهَقِيّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحافِظُ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس مُحَمَّد بن أحْمَد المحبُوبِيّ، قال: حَدَّثَنَا سَعيدُ بن مَسْعُود، قال: حَدَّثَنَا يَزِيد بن هَارُون، قال: أخْبَرَنا العَوَّام بن حَوْشَب، قال حَدَّثَني حَبِيْبُ بن أبي ثَابِت، قال: قال عليّ (b) لرَجُل: لا مُتَّ حتَّى تُدرك فَتَى ثَقِيف،
(a) ابن عساكر: فعيب. وهو خطأ.
(b) تاريخ ابن عساكر: قال رجل لرجل. والمثبت هنا هو الموافق لما في دلائل النبوة.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 168 - 169.
(2)
دلائل النبوة 6: 489.
قيل له: يا أَمِير المؤِمنِيْن، ما فَتَى ثَقِيف؟ قال: ليُقَالَنَّ له يَوْمِ القِيامَة: اكْفنا زَاوِيَةً من زوايا جَهَنَّم، رجُل يملِكُ عشْرين أو بضع وعشرين سنَةً، لا يَدَعُ لله تعالَى مَعْصِيَة إلَّا ارْتَكَبها حتَّى لو لم يَبْقَ إلَّا مَعْصِيَة واحدة فكانَ لينَهُ وبينها بابٌ مُغْلَق لكَسَرَهُ حتَّى يرتكبها، يقتُل بمَن أطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ.
قال
(1)
: وأخْبَرَنا أبو صَالِح بن أبي طَاهِر العَنْبَرِيّ، قال: أخْبَرَنا جَدِّي يَحْيَى بن مَنْصُور القَاضِي، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن النَّضْر (a) الجَارُودِيّ، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن إبْراهيم الدَّوْرقيّ، قال: حَدَّثَنَا مُعْتَمِر بن سُلَيمان، عن أَبيِهِ، عن أَيُّوبَ، عن مَالِك بن أَوْس بن الحَدَثَانِ، عن عليّ أنَّهُ قال: الشَّابُّ الذَّيَّال أميْر المِصْرَيْن يلبَسُ فَرْوتها، ويَأكُل خُضْرَتها، وَيقتُل أشْرَافَ أهْلِها، يَشْتَدُّ منه الفَرَقُ، ويَكثُر منه الأَرَق، فيُسلِّطهُ الله على شِيْعَته.
قال
(2)
: وأخْبَرَنا مُحَمَّد بن عَبْد الله الحافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عليّ (b) الصَّنْعانِيّ بمَكَّة، قال: حَدَّثَنا إسْحَاق بن إبْراهيم بن عَبَّاد، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزَّاق، قال: أخْبَرَنا جَعْفَرُ بن سُلَيمان، عن مَالِك بن دِيْنارٍ، عن الحَسَن، قال: قال عليّ لأهل الكُوفَة: اللَّهُمَّ كما ائتَمنْتُهم فخانُوني، ونصَحْت لهم فغَشُّوني، فسَلِّط عليهم فَتَى ثَقِيف الذَّيَّال الميَّال؛ يَأكُل خُضْرَتها، ويلبَسُ فَرْوَتها، ويَحُكُم فيها بحُكْم الجَاهِلِيَّةِ. قال: يقول الحَسَنُ: وما خُلِقَ الحَجَّاج يَوْمئذٍ.
(a) ابن عساكر: نصر. وانظر ترجمته في تهذيب الكمال للمزي 26: 553.
(b) تاريخ ابن عساكر: مُحَمَّد بن
عبد، وهو خطأ، ومحمد بن علي بن عبد الحميد الصنعاني من شيوخ أبي عبد الله الحاكم الذين أكثر الرواية عنهم في مستدركه وغيره، وهو شيخه في هذا الإسناد، وهذا الخبر قد رواه البيهقي في دلائل النبوة 6: 488 عن أبي عبد الله الحاكم، بهذا الإسناد.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 169.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 169.
وقال أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
: أخْبَرَنا أبو عليّ الحدَادُ وجَمَاعَةٌ، قالوا: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن رِيْذَة، قال: حَدَّثَنَا سُليْمان بن أحْمَد
(2)
، قال: حَدَّثَنَا القَاسِم بن زّكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ بن مُوسَى السُّدِّىِّ (a)، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن مُسْهِر، عن الأجْلَح، عن الشَّعْبيِّ، عن أُمّ حَكِيم بنت عَمْرو بن سِنَان الجَدَليَّة، قالت: اسْتَأذَن الأشْعثُ بن قيسٍ على عليّ عليه السلام، فرَدَّهُ [قَنْبَر](b) فأدْمَى أنْفَهُ، فخَرَجَ عليٌّ، فقال: ما لك وله يا أشْعَث؟ أَم واللهِ لو بعَبْدِ ثَقِيف تمرَّسْتَ، أقْشَعَرَّتْ شُعَيْرَاتُ إسْتِكَ، قيل له: يا أَمِير المُؤْمنِيْن، ومَنْ عَبْدُ ثَقِيف؟ قال: غُلَامُ يَلِيْهم لا يبقِي أهْلَ بيتٍ من العَرَب -يعني: إلَّا ألبسَهُم ذُلًّا- قيل: كَم يملكُ؟ قال: عشرين إنْ بلغَ.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُفُ بن خَلِيل، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن بَوْش، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ بن كَادِش، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الجَازِرِيّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زّكَرِيَّاء
(3)
، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن أحْمَد الحَلَبيُّ (c)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن زّكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْد الله (d) بن مُحَمَّد بن عائِشَةَ، قال: حَدَّثَني أبي، قال: أرادَ الحَجَّاجُ الخُرُوج من البَصْرَة إلى مَكَّة، فَحَطَبَ النَّاسَ، فقال: يا أهْل البَصْرَة، إنِّي أُريدُ الخُرُوج إلى مَكَّة، وقد اسْتَخْلفتُ عليكُم مُحَمَّدًا ابني، أَوْصَيتُهُ فيكم بخِلَاف ما أوْصَى به رسُول الله صلى الله عليه وسلم في الأنْصَار، فإنَّهُ أوْصَى في الأنْصَار أنْ يقبَل من مُحْسِنهم، ويُتَجاوز عن مُسيئهم، ألَا وإِنِّي قد أوْصَيْتُهُ فيكُم ألَّا يقْبَل من مُحْسِنِكم، ولا يَتَجَاوَرْ عن مُسِيئكُمُ، ألَا وإنَّكُمُ قائلُون بَعْدي كلمةً، ليسَ يمنَعكُمُ من إظْهارها
(a) في نشرة ابن عساكر: السهمي، وهو خطأ.
(b) ساقطة من الأصل، والتعويض من الطبراني وابن عساكر.
(c) كذا في الأصل مؤكدًا بحرف الحاء أسفله، ومثله في تاريخ ابن عساكر، وجاء في كتاب الجليس الصالح: الكلبي.
(d) الجريري: عبد الله.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 169 - 170.
(2)
الطبراني: المعجم الكبير 1: 237.
(3)
الجريري: الجليس الصالح: 291، وأيضًا في تاريخ ابن عساكر 12:170.
إلَّا الخوف، ألَا إنَّكُم قائلُونَ: لا أحْسَنَ الله له الصِّحَابَة، وإنِّي مُعَجِّلٌ لكم الجَوَاب: لا أحْسَنَ اللهُ عليكم الخِلَافَةَ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَتِيق بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ
(1)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد، عن أبي المَعَالِي بن صَابِر، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن إبْراهيم العَلَويّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَنِ العَدْلُ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّاب، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَرْوَان
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عليّ، قال: حَدَّثَنَا الأصْمَعِيُّ، قال: قيل للحسَن: إنَّكَ كُنْت تقول: الآخِرُ شَرٌّ، وهذا عُمَر بن عَبْد العَزِيْز بعد الحَجَّاج؟! فقال الحَسَنُ: لا بُدَّ للنَّاسِ من مُتَنفَّسَات.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الرَّحيم بن يُوسُف بن الطُّفَيْل، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أحمد الأصْبَهَانِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المبُارَك بن عَبْد الجبَّار الطُّيُورِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحسُين بن جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد مُحَمَّد بن عَبْد الله بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ مُحَمَّد بن سَعيد بن عبد الرَّحْمن القُشَيْريّ
(3)
، قال: حَدَّثَنَا هِلَالُ بن العَلاءِ، قال: حدَّثنا أبي، قال: سَمِعْتُ مُحمّد بن أيُّوبَ الرَّقِّيّ، قال: حدّثنا مَيْمُوِن بن مِهْرَان، قال: بَعَثَ الحَّجَاجُ إلى الحَسَن، وقد هَمَّ به، فلمَّا دخَلَ عليه فقام بين يَدَيْهِ، قال: يا حَجَّاجُ، كم بينكَ وبين آدَم من أبٍ؟ قال: كَثِيْر، قال: فأين هُم؟ قال: ماتُوا، قال: فنكَّسَ الحَجَّاجُ رأسَهُ، وخَرَج الَحَسَنُ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الحَسَن
(4)
، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم العَلَويّ، ح.
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 175.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 331.
(3)
الحراني القشيري: تاريخ الرقة 60 - 61، وانظر: البداية والنهاية 9: 135.
(4)
تاريخ ابن عساكر 12: 192.
وحَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ، عن عَبْد الله بن عبد الرَّحْمن بن سيّدَه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم، قال: أخْبَرَنا رَشَاء بن نَظِيف، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن إسْمَاعِيْل، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مَرْوَان المالِكيِّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أبو سَعيد الأزْدِيُّ - يعني الحَسَن بن الحُسَين السُّكَّرِيّ (a) - قال: حَدَّثَنَا الرِّيَاشِيّ، قال: حَدَّثَنَا عبَّاس (b) الأزْرق، عن السَّرِيّ بن يَحْيَى، قال: مَرَّ الحَجَّاجُ في يَوْم جُمُعَةٍ فسَمعَ اسْتِغاثَةً، فقال: ما هذا؟ فقيل له: أهْل السُّجُون يقُولُونَ: قَتَلَنا الحَرُّ، قال: قُولوا لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}
(2)
، قال: فما عاشَ بعد ذلك إلَّا أقلَّ من جُمُعَة حتَّى ماتَ.
أنْبَأْنَا أبو العبَّاس أحْمَد بن عَبْد الله المَكّيِّ، عن مَسْعُود بن مُحَمَّد الثَّقَفِيِّ، عن أبي بَكْر الخَطِيب
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البرَقَانيِّ، قال: أخْبَرَنا ابن خَمِيْروْيَه، قال: أخْبَرَنا الحُسَين بن إِدْرِيس، قال: حَدَّثَنَا ابن عَمَّار، قال: حَدَّثَنَا زَيْد بن أبي الزَّرْقَاءِ، عن عُمارة (c) بن زَاذَان، قال: حَدَّثَني أبو الصَّهْبَاء، قال: بينما أنا عند سَعيد بن جبَير، قال له رَجُل: ما تقُول فيما يقول له الحَسَن؟، قال: وما يقُول؟ قال: إنَّ الحَجَّاج كان أخَذ الرَّجُل قال: أكَفَرتَ حيثُ خَرجْتَ عليَّ؟ قال: فإنْ قال: نعم، خَلَّا سَبيلَهُ، وإنْ قال: لا، ضَرَبَ عُنُقَهُ، قال: رَحِمَ اللهُ الحَسَن لا تَقِيَّةَ في الإسْلَام. ثمّ إنَّهُ ابْتُليَ فأُخِذَ من العام المُقْبِل في ذلك الشَّهر في ذلك اليَوْم،
(a) ابن عساكر: اليشكري، تصحيف، وانظر ترجمته في: الدر الثمين لابن الساعي 323 - 326، سير أعلام النبلاء 13: 126 - 127.
(b) ابن عساكر: عياش، والمثبت موافق لما في كتاب المجالسة، وهو عباس بن الفضل البصريّ، أبو عثمان الأزرق. انظر: تهذيب الكمال 14: 243.
(c) الأصل: عمَّار، وتقدم صحيحًا، وهو المعروف بالصيدلاني، أبو سلمة البصري، انظر ترجمته في تهذيب الكمال 21: 243، وهذا الخبر في المجالسة للدينوري 211، وفيه: عمارة.
_________
(1)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 338.
(2)
سورة المؤمنون، من الآية 108.
(3)
لم أقف عليه في مؤلفات الخطيب البغدادي.
فركبتُ في سَبْعة أو تسْعة حتَّى قَدِمنا وَاسِطًا، فأُتِيَ بسَعِيد بن جُبير، فخرج الحَجَّاج فقال: يا ابن جُبير، أكَفَرتَ حين خَرَجْتَ عليَّ؟ قال: ما كَفَرْتُ منذُ أسْلمَتُ. قال: فاخْتَرْ بأيِّ قِتْلَةٍ تَشْتَهي أنْ أقتُلَكَ، قال: اخْتَر أنْتَ لنَفسِكَ، فإنَّ القِصَاصَ أمَامَكَ! قال: فقَتَلَهُ فما قَتَلَ أحدًا بَعْدَهُ.
أخْبَرَنا أبو صَادِق الحَسَنُ بن يَحْيَى بن صَباح بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن رِفَاعَة بن غَدِير، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن الحَسَن الخِلْعِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عُمَر بن مُحَمَّد بن سَعيد البَزَّاز (a)، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمِعُ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن أحْمَد بن بَهْزَاد بن مِهْرَان، قِراءَةً عليهِ يَوْم الاثْنَين سَنة تِسْعٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء الغَلَابيِّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن الضَّحَّاك الهَدَادِيّ (b)، قال: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بن عَدِيِّ، قال: أُتِيَ الحَجَّاجُ بن يُوسُف برَجُلٍ من الخَوَارِج، فأُدْجِل عليه والحَجَّاجُ يَتَغَدَّى، فَجَعَل الخَارِجِيُّ يَنْظُر إلى حِيْطانِهِ وما قد تجسَّد فجَعَل يَقُول: اللَّهُمَّ اهْدِم، اللَّهُمَّ اهْدِم، اللَّهُمَّ اهْدِم! فقال له الحَجَّاجُ: هِيْه، كأنَّكَ لا تَدْري ما يُراد بكَ؟ فقال الخَارِجِيُّ: هيْه؛ نَزَعَ اللهُ مَاضِغَيْكَ، وما عليك لو دَعَوْتَني إلى طَعَامك؟ أمَا إنَّ فيك ثلاث خِلَال ممَّا نَعَتَ الله بهِ عادًا، فقال:{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ}
(1)
، فامتلأ الحَجَّاجُ غَيْظًا عليه، فأمَرَ (c) بقَتْله، فأخرجُوه الحَرَس إلى الرَّحْبَةِ ليقْتلُوه، فقال لهم: دَعُوني أتَمثَّل بثلاثة
(a) الأصل: البزار. انظر: الإكمال لابن ماكولا 7: 286، سير أعلام النبلاء 17:213.
(b) في الأصل بتشديد الدال الأولى، ونسبته إلى هَدَاد، بالتخفيف، بطن من الأزد. انظر الإكمال لابن ماكولا 4: 451، أنساب السمعاني 12:387.
(c) الأصل: فأمره، وفوقها "صـ ".
_________
(1)
سورة الشعراء، الآيات 128 - 130.
أبياتٍ، فقالوا: تَمثَّل بما شِئْتَ، فأنْشَأَ يَقُول
(1)
: [من المنسرح]
ما رَغْبَةُ النَّفْس في الحَيَاةِ وإنْ
…
عاشَتْ طَوِيْلًا فالمَوْتُ لَاحِقُها
أو أيْقَنَتْ أَنَّها لا تَعُودُ (a) كما
…
كان بَرَاها بالأمْسِ خَالِقُها
ألَّا تَمُتْ (b) عَبْطَةً تَمُتْ هَرَمًا
…
للمَوْت كأسٌ (c) والمَرْءُ دائِقُها
ثُمَّ مَدَّ عُنُقَهُ فضُرِبَتْ. فانْصَرف قاتلُوه إلى الحَجَّاج فأخْبَرُوه بقَوْله، فقال: للّه دَرُّهُ ما كان أصْرَمَهُ في حَيَاته وعندَ وَفاته.
أخْبَرَنا عَتِيقُ السَّلَمَانِيّ ومُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ، قِرَاءةً من لَفْظه - قال عَتِيق: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(2)
، وقال مُحَمَّد: أنْبَأنَا عَبْد اللّه في عبد الرَّحْمن - قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ في إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا رَشَاءُ في نَظِيف، قال: أخْبَرَنا الحَسَن في إسْمَاعِيْل الضَّرَّاب، وقال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مَرْوَان
(3)
، قال: وأنْشَد ابنُ قُتَيْبَة
(4)
لرَجُلٍ في الحَجَّاج بن يُوسُف: [من الطّويل]
كأنَّ فُؤادِي بنِ أظْفَار طَائِر
…
من الخَوْف في جَوِّ السَّماءَ مُحَلِّقِ
حِذارَ أمْرئٍ قد كُنْتُ أعْلَم أنَّهُ
…
مَتَى ما يَعِدْ من نَفْسِهِ الشَّرَّ يَصْدُقِ
وقال
(5)
: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مَرْوَان
(6)
، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن حَبِيْب، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَلَّام، عن القَحْذَمِيّ، عن عَمِّه، عن سَلْم بن قُتَيْبَة، قال: عَدَدْتُ
(a) في الديوان: أنها تصير.
(b) الديوان: من لم يمت.
(c) كتب ابن العديم في الهامش: "ح: كأسًا".
_________
(1)
الأبيات الثلاثة لأمية بن أبي الصلت. انظر: ديوانه 170 - 172، وعيون الأخبار لابن قُتَيبة الدينوري 2:375.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 183.
(3)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 323.
(4)
ابن قُتَيبة الدينوري: عيون الأخبار 3: 145.
(5)
تاريخ ابن عساكر 12: 167، وفي أسماء السند أخطاء وتحريف.
(6)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 442 - 443.
أربعةً وثمانين لُقْمَةً من خُبْز الماءِ (a)، في كُلِّ لُقْمَة رَغِيف، ومِلْء كفّه سَمَك طَريّ، يعني على الحَجَّاج.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل، قال: أخْبَرَنا يَحْيَى بن أَسْعَد بن بَوْش، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ بن كَادِش، قال: أخْبَرَنا أبو علىِّ الجَازِرِيّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء
(1)
، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن القَاسِم الكَوْكَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا ابن أبي سَعْد، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن الحَسَنِ، قال: أخْبَرَني إبْراهيم بن مُحَمَّد، عن الهَيْثَم بن الرَّبِيْع، قال: قال الحَجَّاجُ: إنِّي لأرَى النَّاسَ قد قَلُّوا على مَوَائدِيّ، فما بالهم؟ فقال رَجُلٌ من عُرْضِ النَّاس: أصْلَح اللّهُ الأَمِير، إنَّك أكْثَرت خَيْرَ البُيُوت فقَلَّ غِشْيَانُ النَّاس لطَعَامكَ، فقال: الحَمْدُ للّه، وبارَكَ اللّه عليكَ، مَنْ أنْتَ؟ قال: أنا الصَّلْتُ بن قَرَان العَبْدِيّ، فأحْسَنَ إليهِ.
أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن محمُود بن عَبْد اللّه بن المُلَثَّم بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَةُ اللّه بن عليّ بن سُعُود البُوْصِيرِىِّ، وأبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن حَمْد بن حَامِد الأرْتاحِيّ - قال: البُوْصِيرِيّ: أخْبَرَنا، وقال الأرْتَاحِيّ: أنْبَأنَا - أبو الحَسَن عليَّ بن الحُسَين بن عُمَر المَوْصِلِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن الحَسَن بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّاب، ح.
وأخْبَرَنَا أبو بَكْر بن أبي الفَضْل بن سَلامَة، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن الشَّافِعِيّ
(2)
، ح.
وحَدَّثَنا أبو الحَسَن بن أبي جَعْفَر، عن أبي المَعَالِي بن سيّده، قالا: أخْبَرَنا عليّ بن إبْراهيم الحُسَيْنيّ، قال: أخْبَرَنا رشَاء بن نَظِيف، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن
(a) ساقطة من نشرة ابن عساكر.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 2: 259.
(2)
لم يرد في نشرة تاريخ ابن عساكر، وهو في مختصر ابن منظور 6:205.
إسْمَاعِيْل، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن مَرْوَان الدِّيْنَورِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بن مَرْزُوق أبو عَوْف البُزُورِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهَّاب، عن سَعيد بن أبي عَرُوبَة، قال: حَجَّ الحَجَّاجُ فنَزلَ بعضَ المياهِ بين مَكَّة والمَدِينَة، ودَعَا بالغَدَاءِ، فقال لحاجبِه: أبْصِر (a) مَنْ يتغَدَّى معي وأسْأله عن بعض الأمْر، فنَظَر نحو الجَبَل فإذا هو بأعْرَابيّ بين شملَتَيْن من شَعرِ نائم، فضَرَبه برِجْلِه وقال: ائتِ الأَمِير، فأتاهُ فقال له الحَجَّاجُ: اغْسِل يدَكَ (b) وتغدَّى معيّ، فقال: إنَّهُ دَعَاني مَنْ هو خَيْرٌ منك فأجَبْتُهُ! قال: ومَنْ هو؟ قال: اللّه تبارك وتعالى، دَعَاني إلى الصَّوْم فصُمْتُ، قال: في هذا الحَرِّ الشَّدِيد! قال: نعم، صُمْتُ ليوم هو أشَدّ حَرًّا من هذا اليَوْم، قال: فأفْطِر وتَصُوم غَدًا، قال: إنْ ضَمنْتَ لي البَقَاءَ إلى غَدٍ؟ قال: ليس ذاك إليَّ - وقال رَشَاء بن نَظِيف: ذلك إليَّ - قال: فكيفَ تَسْألني عَاجلًا بآجلٍ لا تَقْدِرُ عليه، قال: إنَّهُ طَعَامٌ طَيِّبٌ، قال: لم تُطَيِّبه أنتَ ولا الطَّبَّاخُ، ولكن طَيَّبته العَافِيَةُ.
أخْبَرَنا يُوسُف بن خَلِيل، قال: أخْبَرَنا ابن بَوْش، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ بن كَادِش، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الجَازِرِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء
(2)
، قال: وحَدَّثنا إبْراهيمُ بن مُحَمَّد بن عَرَفَةَ الأزْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عِيسَى الأنْصَاريّ، عن عُبَيْدِ اللّه بن مُحَمّد التَّيْمِيّ (c)، قال: أَتَى الحَجَّاج رَجُلٌ مُتَّهمُ برَأي الخَوَارِج، فقال له الحَجَّاجُ: أَخَارجِيٌّ أنْتَ؟ قال: لا والّذي أنتَ بينَ يديْهِ غَدًا أذَلُّ منِّي بين يَدَيكَ اليَوْم ما أنا بخَارِجيّ، فقال له الحَجَّاجُ: إنِّي يَوْمئذٍ لذَليل، وأطْلَقَهُ.
(a) الدينوري: انظر.
(b) الدينوري: يديك.
(c) ابن عساكر: التَّمِيمِيِّ. خطأ، وهو المَعْرُوف بابن عائشة، انظر تَرْجَمَتِه في: تاريخ بَغْدَاد 12: 17.
_________
(1)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 28.
(2)
الجريري: الجليس الصالح 1: 239، وانظر تاريخ ابن عساكر 12:144.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن إبْراهيمِ المقدِسِيّ بنابُلُس، قال: أخْبَرَتْنا تَجَنِّي الوَهْبَانِيَّة، قالت: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه الحُسين بن أحْمَد النِّعَالِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الحَسَن بن المُنْذِر، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن صَفْوَان، قال: حَدَّثَنَا ابن أبي الدُّنْيا
(1)
، قال: حَدَّثَنَا عُمَرُ بن بُكَيْر، قال: حَدَّثَنَا أبو عبد الرَّحْمن الطَّائيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بُرْدَة بن عَبْد اللّه بن أبي بُرْدَة، قال: كان يُقالُ إنَّ رِبْعِيِّ بن حِرَاش لم يَكْذِبْ كذبة (a) قَطُّ، قال: فأقْبَل ابْنَاه من خُرَاسَان قد أخَلَّا في (b)[مَرْكزهما، فسَعَى بهما] العَرِيْف إلى الحَجَّاج، فقال: أيُّها الأَمِير، إنَّ النَّاس يَزْعُمُون أنَّ رِبْعِيِّ بن حِرَاش لَم يَكْذب كذبةً قَطُّ، وقد قَدِمَ ابْناهُ من خُرَاسَان وهمُا عاصِيَان، فقال الحَجَّاج: عليَّ بهِ، فلمَّا جاءَهُ قال: أيُّها الشَّيْخ! قال: ما تَشَاءُ؟ قال: ما فَعَل ابْنَاكَ؟ قال: المُسْتَعَانُ باللّه خلَّفْتُهُما في البَيت، قال: لا جَرَمَ لا أَسُوؤكَ فيهما، همُا لك.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بنُ هِلالَة، قال: أخْبَرَنا أَسْعَد بن أبي سَعيد الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَتْنا فاطِمَةُ بِنْتُ عَبْد اللّه الجُوزْجَانِيَّة، قالت (c): أخْبَرَنا أبو بَكْر بن رِيْذَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الطَّبَرَانِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أبو خَلِيفَة الفَضْل بن الحُبَاب، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَلَّام الجُمَحِيّ، قال: حَدَّثَني عَبْد القَاهِر بن السَّرِيّ، قال: اخْتَفَى رَجُل عند أبي السَّوَّار العَدَوِيّ زَمَن الحَجَّاج بن يُوسُف، فقيل للحَجَّاج: إنَّهُ عند أبي السَّوَّار العَدَوِيّ، فبَعَثَ إليهِ الحَجَّاجُ فأحْضَرهُ، فقال: الرَّجُل الّذي عندك،
(a) ابن أبي الدنيا: كذبًا.
(b) أشكلت على ابن العديم قراءة الكلمتين، فرسمهما بين علامتي "صـ" هكذا:"صـ فدنا خلافي صـ"، والتصويب مع الزيادة المدرجة بين حاصرتين من التذكرة الحمدونية 3: 50، وفي كتاب ابن أبي الدُّنيا:"قد تأجلا، فجاء العريف".
(c) الأصل: قال. وتقدم التعليق على نسبتها: الجوزجانية والجوزدانيَّة.
_________
(1)
كتاب الصمت وآداب اللسان 229.
(2)
المعجم الكبير 1: 151.
فقال: ليسَ عندي، فقال: وإلَّا أُمّ ابن السَّوَّار (3) طَالِقٌ؟ - يعني: امْرَأة أبي السَّوَّار - فقال: ما خَرَجْتُ من عندها وأنا أنْوي طَلَاقها، فقال: وإلَّا أنْتَ بريء من الإسْلَام؟ فقال: فإلى أين أذهَبُ؟ فخَلَّى سبيلَهُ. أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ، قِراءَهً عليهِ وأنا أسْمعُ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور المَرْوَزيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز العِجْلِىِّ إجَازَهً، قال: أخْبَرَنا الحُسَينُ بن عليّ الحافِظُ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد ابن المُقْتَدِر باللّه الهاشِميّ ببَغْدَاد، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس أحْمَد بن مَنْصُور اليَشْكُرِيّ لفظًا، قال: حَدَّثَنَا ابن الأنْبارِيّ، قال: حَدَّثَني أبي، عن أبي مُحَمَّد، عن أبي سَعيد، عن مُحَمَّد بن عبد اللّه، عن مُحَمَّد بن عُمَر، قال: أمَرَ الحَجَّاجُ بإحْضَار رَجُل من السِّجْن، فلمَّا حَضَر أمرَ بضَرْب عُنُقِهِ، فقال: أيُّها الأَمِير، أخِّرْني إلى غَدٍ، قال: وَيْحَك! وأيّ فَرَج لكَ في تأخير يوْم؟ ثمّ أمَرَ يدِّهِ إلى السِّجْن، فسَمِعَهُ الحَجَّاجُ يقُول، وهو يُذْهَبُ بهِ إلى السِّجْن:[من الطّويل]
عَسَى فَرَجٌ يَأتي بهِ اللّهُ إنَّهُ
…
له كُلّ يَوْم في خَليْقَته أمْرُ
قال الحَجَّاجُ: واللّه ما أخَذَهُ إلَّا من القُرْآن {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}
(1)
، وأمَرَ بإطْلَاقه.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الغَنِيّ بن سُلَيمان بن بَنِيْن، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَة اللّه بن عليّ البُوْصِيرِيّ، وأبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن حَمْد بن حَامِد - قال البُوْصِيرِيّ: أَخْبَرَنا، وقال ابنُ حَمْد: أنْبَأنَا - أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن عُمَر المَوْصِلِيّ، قال: أَخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن الحَسَن بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّاب، ح.
(a) الأصل: وإلَّا ابن أبي السوار، وصوبه المؤلِّف في الهامش، وعند الطبرانيّ: وإلَّا أم السوار طالق.
_________
(1)
سورة الرحمن، من الآية 29.
وأخْبَرَنَا أبو بَكْر عَتِيق بن أبي الفَضْل بن سَلامَة السَّلَمَانِيّ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن بن هِبَة اللّه
(1)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر، عن أبي المَعَالِي عَبْد اللّه بن صَابِر، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم علِيّ بن إبْراهيم بن أبي الجِنّ، قال: أخْبَرَنا رَشَاء بن نَظِيف، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن إسْمَاعِيْل الغَسَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الدِّيْنَورِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا ابن أبي الدُّنْيا، قال: حَدَّثَنَا أَبو زَيْد، عن الأصْمَعِيِّ، قال: أتَى يَزِيدَ بن أبي مُسلم رَجُلٌ بُرقْعَة وسَألَهُ أنْ يَرْفعها إلى الحَجَّاج، فنَظَر فيها يَزِيد، فقال: ليسَت (a) هذه من الحَوَائِج الّتي تُرفَعُ إلى الأَمِير! فقال له الرَّجُل: فإنِّي أسْألُكَ أنْ تَرْفَعَها، فلعلَّها تُوَافق قَدَرًا فيَقْضيِها وهو كَارِهٌ، فأدْخَلها وأخْبَرهُ بمَقَالَة الرَّجُل، فنَظَرَ الحَجَّاجُ في الرُّقْعَة فقال: يا يَزِيدُ، قُلْ له: قد وافقَتْ قَدَرًا وقد قَضَيْناها (b) ونحن كَارِهُون.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاجِ يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد اللّه الأَدَمِيِّ الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيى بن أَسْعَد بن بَوْش، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ أحْمَد بن عُبَيْد اللّه بن كَادِش العُكْبَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ مُحَمَّد بن الحُسَين الجَازِرِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي المُعَافَى بن زَكَريَّاء الجَرِيْرِيُّ
(3)
، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ
(4)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن زَكَريَّاء بن دِيْنار الغَلَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّه (c) بن الضَّحَّاك، قال: حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بن عَدِيّ، عن عَوَانَة، قال: أُتِيَ الحَجَّاجُ بأُسَارَى من أصْحَابِ قَطَرِيّ من الخَوَارِج فقَتَلَهم إلَّا واحدًا كانت له عنده يَدٌ،
(a) الأصل: ليس، والمثبت من كتاب المجالسة.
(b) ابن عساكر: وقد قُضيت.
(c) في كتاب الصولي: عبد اللّه.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 147.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 269 - 270.
(3)
الجريري: الجليس الصالح 1: 240 - 241، وانظر الخبر في تاريخ ابن عساكر 12:154.
(4)
الصولي: أخبار أبي تمام 205 - 206 باختلاف يسير.
وكان قَرِيبًا لقَطَرِيّ، فأحْسَنَ إليهِ وخَلَّى سَبِيلَهُ، فصَارَ إلى قَطَرِيّ، فقال له قَطَرِيّ: عَاوِد قِتَال عَدُوِّ اللّه (a)، فقال: هَيْهات! غَلَّ يَدًا مُطْلِقُها، واسْتَرَقَّ رَقبةً مُعْتِقُها، ثمّ قال
(1)
: [من الكامل]
أأُقاتِلُ الحَجَّاجَ عن سُلْطانه
…
بيَدٍ تُقِرُّ بأنَّها مَوْلَاتُهُ
إنِّي إذًا لأخُو الدَّنَاءَةِ (b) والّذي
…
طمّتْ (ح) على إحْسَانه جَهَلَاتُهُ
ماذا أقُول إذا وقَفْتُ إزاءَهُ
…
في الصَّفِّ واحتجَّت له فَعَلَاتُهُ
أأُقُول جارَ عليَّ؟ لا؛ إنِّي إذًا
…
لأحَقُّ مَنْ جَارَتْ عليه وُلاتُهُ
وتُحدّث الأقْوَامُ أنَّ صَنَائعًا
…
غُرِسَتْ لدَيَّ فحَنْظَلَتْ نَخَلَاتُهُ
هذا وما ظَنِّي بحينٍ (d) إنَّني
…
فيكم لمِطْرَقُ مشْهَدٍ وعَلَاتُهُ
قَرَأتُ في تاريخ سَعيد بن كَثِيْر بن عُفَيْر
(2)
: ثمّ كانت سَنَة إحْدَى وسَبْعِين، وفيها سَار عَبْدُ المَلِك إلى العِرَاق يُريدُ مُصْعَبًا، فبلغَ ذلك مُصْعَبًا فتوَجَّه إليهِ فالْتَقُوا بمَسْكَن.
قال: وفي غَزَاته هذه، اسْتَخرج الحَجَّاج في يُوسُف، وكان سبَب ذلك أنَّهُ كان إذا نزل المَنْزل لم تنزل السَّاقَةُ إلى وقتِ رِحْلَتهِ، فقال لكَعْب بن حَامِد العَبْسِيّ، وهو على شُرْطَته: أبْغِني رَجُلًا يكْفني السَّاقَة، ويُنْزلهم بنُزُوليّ، ويُرحِّلهم برَحِيْليّ، فقال: إنَّ في الشُّرَط لرَجُل من ثَقِيف، كَثِيْف الوَجْهِ، له جُرأةٌ وإقْدَام، يُقالُ له الحَجَّاج بن يُوسُف، فولَّاهُ السَّاقَة، وكان يَنْزل بنُزُول عَبْد المَلِك ويَرْحل برِحْلَته، فأُعْجبَ بهِ عَبْد المَلِك.
(a) زيد بعدها في كتاب أخبار أبي تمام والجليس الصالح: الحَجَّاج.
(b) ابن عساكر: الجهالة.
(c) الصولي والحصري: عَفَّت.
(d) الصولي: وما طَبِّي بجبن.
_________
(1)
تُنْسَب الأبيات لعمران السدوسي. انظر: زهر الآداب للحصري القيرواني 4: 924 - 925، ونسبها المقريزي لعامر بن حطان، المقفى الكبير 3:357.
(2)
تقدّم التعريف بالمؤلف وتاريخه المفقود في الجزء الأوّل من الكتاب.
قال أبو عُثْمان: أخْبَرَنا يَحْيَى بن فُلَيْح: أنَّ عَبْد الملَكِ لمَّا تَوَجَّه إلى مَسْكَن، انْتَشر عليه من حَالِه، ولم يَسْتطِعْهُ من وَلَّاه السَّاقَة، فذَكَرَ ذاك لرَوْح بن زِنْبَاعٍ، فقال: واللّه لقد رأيتُ غُلامًا أخْلِقْ به، فلو ولَّيْتَهُ، فدَعا به فولَّاهُ السَّاقَة، فلمَّا رَحَل النَّاسُ، تخَلَّفَ ثِقَلُ رَوْح بن زِنْبَاعٍ، وأمَرَهُم بالرَّحِيْل فتَلَكَّؤُوا، فأمَرَ بعَقْر دَوَابِّهم، فلمَّا بلغَ ذلك رَوْحًا أَتَى عَبْدَ المَلِك ثمّ قال: ما أصْبْنا من صَاحِبكَ، ثمّ أخْبَرهُ بما صَنَعَ، وضَبَط السَّاقَة فلم يكُن يتخلَّف أحَدٌ.
قال: ومنهم مَنْ قال: كان هذا في سَنَة اثْنَتَيْن وسَبْعِين، قال: وفيها دخَلِ عَبْدُ المَلِك الكُوفَة، فوجَّه منها المجاج بن يُوسُف إلى ابن الزُّبَيْر بعد هَزِيمَة مُصْعَب.
وقال: ثمّ كانت سَنَة اثنتَيْن وسَبْعِين، فكان فيها مُحَاصَرة الحَجَّاج ابن الزُّبَيْر، وقَطْع المَوَادّ عنهُ، وأقام الحجَّ للنَّاس الحجَّاج ولم يَطُف بالبَيْتِ؛ مَنَعَهُ ابنُ الزُّبَيْر من ذلك.
أنْبَأنَا أبو العبَّاس أحْمَد بن عَبْد اللّه الأسَدِيّ، عن الحافِظ أبي القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَتْنا أُمُّ البَهَاء فاطِمَةُ بنتُ مُحَمَّد، قالت: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن مَحمُود الثَّقَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرئ، قال: أخْبَرَنا أبو الطَّيِّب الزَّرَّاد، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللّه بن سَعْد، قال: قال أبيّ، قال: ودَخَل عَبْد المَلِك الكُوفَة، وبعثَ منها (a) الحَجَّاجَ بنَ يُوسُف إلى عَبْد اللّه بن الزُّبَيْر، ورجع عَبْد المَلِك إل دِمَشْق، فحَجَّ الحَجَّاجُ على المَوْسِم سَنَة اثْنَتَيْن وسَبْعِيِن، فلَمِ يَطُف بالبيت، وحَاصرًا بن الزُّبَيْر قَريبًا (b) من سَبْعة أشْهُر، وقَطَعَ عنه المَوَادّ، وحَجَّ بالنَّاس الحَجَّاجُ سَنَة ثَلاثٍ وسَبْعِين
(a) ليست في تاريخ ابن عساكر.
(b) الأصل: قرب، وفوقها "صـ".
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 117، والخبر يقف فيه عند قوله:"سبعة أشهر".
وهو بمَكَّة يَوْمئذٍ وأميرِ المَدِينَة يَوْمئذٍ طَارِق، ثمّ جُمِعَتْ له مَكَّة والمَدِينَة، ثُمَّ حَجَّ بالنَّاسِ الحَجَّاجُ سَنَة أرْبَعٍ وسَبْعِين.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللّه القَاضِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب المَاوَرْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أبوِ عَبْد اللّه أحْمَد بن إسْحَاق، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عِمْران الأُشْنانِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُوسى بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بن خَيَّاطِ
(2)
، قال: سَنَة ثَلاثٍ وسَبْعِين أقامَ الحَجّ الحَجَّاج بن يُوسُف، وقال
(3)
: سَنَة أرْبَعٍ وَسَبْعِين أقام للنَّاس الحَجّ الحَجَّاج بن يُوسُف.
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بنِ السَّمَرْقنديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم نَصْر بن أحْمَد بن نصْر، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَبْد اللّه بالكُوفَة، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن زَيْد بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عُقْبَة، قال: حَدَّثَنَا هَارُون بن حَاتِم، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن عَيَّاش، قال: ثمّ بايع النَّاس عَبْد المَلك بن مَرْوَان، فحجَّ بالنَّاس الحَجَّاج سَنَة ثَلاثٍ وسَبْعِين، وابن الزُّبَيْر مَحْصُور. وحَجَّ بِالنَّاسِ الحَجَّاجُ سَنَة ثْنَتين وسَنَة ثلاث وأرْبَع وسَبْعِين، ثمّ حَجَّ بالنَّاسِ عَبْد المَلِك بن مَرْوَان سَنَة خَمْسٍ وسَبْعِين.
وقال أبو القَاسِم بن السَّمَرْقنَديّ: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن الطَّبَريّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللّه بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب، قال: حَدَّثَني سَلَمَة، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بن عِيسَى، عن أبي مَعْشَرٍ، قال: وكان الحَجَّاج بن يُوسُف حَجَّ وابن الزُّبَيْر مَحْصُور سَنَة اثْنَتَيْن وسَبعِين.
قال ابنُ بُكَير قال اللَّيْثُ: وحَجَّ عامئذٍ بالنَّاس الحَجَّاج بن يُوسُف، فقاتَل هو وابن الزُّبَيْر، وأقام للنَّاس الحَجّ. وفي سنة ثلاثٍ وسبعِين حَجَّ بالنَّاسِ الحَجَّاج بن يُوسُف.
(1)
تاريخ إبن عساكر 12: 117.
(2)
تاريخ خليفة 269.
(3)
تاريخ خليفة 271.
قال يَعْقُوب: ويُقال: حَجَّ بالنَّاسِ سَنَة أرْبَعٍ وسَبْعِين الحَجَّاج بن يُوسُف.
قال يَعْقُوب: وفي سَنَة تسْعين فُتحَ على الحَجَّاج بُخَارى. وفي سَنَة إحْدَى وتِسْعِين فُتحَ على الحَجَّاجِ بن يُوسُف بَلْخِ. وفي سَنة اثْنَتَيْن وتِسْعِين فُتحَ للحجَّاج خفَّان (a). وفي سَنَة أرْبَعٍ وتِسْعِين فُتح للحجَّاج بن يُوسُف السِّنْد وبِيْل
(1)
. وفي سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين فُتح على الحَجَّاج بن يُوسُف الصُّغْد.
قَرَأتُ في تَاريخ أبي مُحَمَّد عَبْد اللّه بن أحْمَد الفَرْغَانيّ
(2)
، ما ذَكَرهُ في حَوادِث سَنَة إحْدَى وخَمْسِين وثَلاثِمائة، قال: وَرَدَ على خزْرُون الإخْشِذِىِّ كتابٌ ممَّن يُكَاتبُهُ أنَّهُ وُجِدَ في هذا الشَّهْر في جَامِع المِصِّيْصَة أَزَجٌ تحت الجامع مبنيٌّ طَبقَيْن، وفيه صَنَادِيق كَثِيْرة فيها خَمْسة آلاف دِرْع، يُغَطِّي الفَارس، كُلّ دِرْع ببُرْنُس مَعْمُول منه وبه، وخَمْسَة آلاف جَوْشَن، وخَمسة آلاف خُوَذة، وخَمْسة آلاف سَاعِد حَدِيْد، وخِفَاف حَديدٍ بسَاقات، وخَمْسَة آلاف رُمْح بأسنَّتها، ونِفْط ودُهْن بَلَسَان، وقِسِيّ كَثِرة للرِّجْل، ونُشَّاب، وخَوَابِي فيها كُبُود قد طُبِخَتْ وجُفِّفَتْ وطُيِّبَتْ للقُوْت في الحِصَار يُقْتَاتُ بها، وأنَّهُ وُجِدَ طابق حَديد بحَلقَة فقُلِعَتْ فوُجِدَ الأَزَجُ، ووُجِدَ على الأَزَج مَكْتُوب: من عَهْدِ عَبْدِ المَلِك بن مَرْوَان، وبعضُه: الحَجَّاج بن يُوسُف، وبعضٌ: هَارُون الرَّشِيْد.
(a) كذا في الأصل ومثله عند ابن عساكر 12: 118، والذي عند ياقوت (مُعْجَمُ البلدان 2: 397) أن خَفَّان موضع قرب الكوفة يسلكه الحاج، وهو مأسدة، وقيل: هو فوق القادسية. ولا يدل موضعه هذا على أنَّه المراد، فإن أغلب الفتوح في مطلع التسعينيات من القرن الأوّل كانت فيما وراء النهر والهند والسند.
_________
(1)
بيل: ناحية بالريّ، وهناك قرية أخرى من قرى سرخس تحمل ذات الاسم (ياقوت: مُعْجَمُ البلدان 1: 533 - 534).
(2)
تقدّم التعريف بالمؤلف وكتابه في الجزء الثاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبِهِ تَوْفِيقِي
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد اللّه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيَى بن أَسْعَد بن بَوْش، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ بن كَادِش، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الجَازِرِيّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء القَاضِي
(1)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القَاسِم الأنْبارِيّ، قال: حَدَّثَني أبيّ، قال: أخْبَرَني أحْمَدُ بن عُبيد، عن أبي عَبْد اللّه مُحَمَّد بن زِيَاد الأعْرَابِيّ، قال: بَلَغَني أنَّهُ كان رجُل من بَني حَنِيْفَةَ يُقالُ له جَحْدَر بن مَالِك، فتَّاكًا شُجَاعًا، قد أغارَ على أهْل حَجْر (a) ونَاحِيَتها، فبلغَ ذلك الحَجَّاجَ بن يُوسُف، فكَتَبَ إلى عَامِلِهِ باليَمَامَة يُوَبِّخُهُ بتَلَاعُب جَحْدَر به، ويَأمرُه بالاجْتهادِ (b) في طَلَبهِ والتَّجرُّدِ في أمْره، فلمَّا وَصَل الكتابُ إليهِ، أرْسَل إلى فتْيَةٍ من بني يَرْبُوع من بني حَنْظَلَة، فجعَل لهم جُعْلًا عَظيْمًا إنْ هم قتلُوا جَحْدَرًا، أوَ أتَوا به أسِيْرًا، فانْطَلق الفتيَةُ، حتَّى إذا كانوا قريبًا منه أرْسَلُوا إليهِ أنَّهم يُريدُونَ الانْقِطَاعَ (c) إليهِ والتَّحَرُّزَ بهِ، فاطْمأنَّ إليهم، ووَثق بهم، فلمَّا أصَابُوا منه غِرَّة، شَدُّوهُ كِتَافًا وقَدِمُوا به على العَامِل، فوَجَّهَ به معهم إلى الحَجَّاج، وكَتَبَ يُثْنِي عليهم خَيْرًا، فلمَّا أدْخِلَ على الحَجَّاج قال له: مَنْ أنتَ؟ قال: أنا جَحْدَرُ بن مالك، قال: ما حَمَلَكَ على ما كان منك؟ قال: جُرْأة الجَنَانِ، وجَفَاءُ السُّلْطان، وكَلَب الزَّمان! فقال له الحَجَّاجُ: وما الّذي بلغَ منك فيَجْتَرئ جَنَانُكَ،
(a) جوَّده المؤلِّف بضم أوله في الشعر الآتي، وورد في كتاب الجريري والأخبار الموفقيات بفتح أوله وسكون ثانيه، وحُجْر - بالضم - قرية باليمن، وحَجْر بالفتح: باليمامة وهي أمّ قُراها وبها منزل الواليّ، ذكرهما ياقوت (مُعْجَمُ البلدان 2: 221، 223) وأورد حكاية جحدر باقتضاب مع بعض شعره في كلامه على حَجْر التي باليمامة.
(b) الجليس الصالح: الإجداد، ابن عساكر: الإجهاد.
(c) ابن عساكر: الاستمتاع.
_________
(1)
الجليس الصالح 3: 87 - 90، وانظر: الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار 151 - 154، تاريخ ابن عساكر 12: 148 - 150، والبداية والنهاية 9: 125 - 126.
ويَجْفُوك سُلْطانُكَ، ويَكْلَب زَمَانُكَ؟ قال: لو بَلَاني الأَمِيرُ، أكْرَمَهُ اللّه، لوَجَدَني من صَالِحي (a) الأعْوَان وبُهْمِ الفُرْسَان، ولوجَدَني من أنْصَح رعيَّتهِ، وذلك أنِّي ما لقيْتُ فَارِسًا قَطُّ إلَّا كنتُ عليه في نَفْسِي مُقْتَدرًا. قال له الحَجَّاجُ: إنَّا قَاذِفُون بك في حَائرٍ فيه أسَدٌ عَاقِرٌ ضَارٍ، فإنْ هو قتلكَ كَفَانا مَؤُونتَكَ، وانْ أنتَ قتلْتَهُ خلَّينا سَبيلَكَ، قال: أصْلَح اللّه الأَمِير، أعْظَمْتَ (b) المنَّة، وأعْطَيتَ المُنْيَةَ، وقرَّبتَ (c) المحْنَة. فقال الحَجَّاجُ: فإنَّا لَسْنَا بتَارِكيْكَ لتُقَاتلَهُ إلَّا وأنتَ مُكَبَّلٌ بالحَدِيدِ! فأمَرَ بهِ الحَجَّاجُ فغُلَّتْ يَمِيْنُه إلى عُنُقِه، وأرْسلَ به إلى السِّجْن، فقال جَحْدَر لبَعْض مَنْ يَخْرُج إلى اليَمَامَةِ: تَحْمَّلْ عنِّي شِعْرًا، وأنْشَأ يقول:[من الوافر]
ألَا قد هَاجَني فازدَدْتُ شَوْقًا
…
بُكَاءُ حَمَامتَيْن تَجَاوَبَانِ
تَجاوَبَتا بلَحْنٍ أعْجَميّ على
…
غُصْنَيْن من غَرَبٍ وبَانِ
فقُلْتُ لصَاحبيَّ وكنتُ أحْزُو
…
ببَعْضِ الطَّيْر ماذا تَحْزُوان
فقالا الدَّار جَامِعَةٌ قريبٌ
…
فقُلتُ: بل أنتما مُتَمَنِّيَان
فكان البَانُ إنْ بانَتْ سُلَيْمَى
…
وفي الغَرَبِ اغْتِرَابٌ غير دَاني
ألَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمعُ أُمَّ عَمْرو
…
وإيَّانا فذَاكَ (d) بنا تَدَاني
بَلَى ونَرَى الهِلَال كما تَرَاهُ (e)
…
ويَعْلُوها النَّهَارُ إذا عَلَاني
إذا جَاوَرْتُما (f) نَخَلَاتِ حَجْر
…
وأوْدِيَةَ اليَمَامَةِ فانْعَيَاني
وقُولَا جَحْدَرٌ أمْسَى رَهِيْنًا
…
يُحَاذرُ وَقْعَ مَصْقُول يَمَانِي
قال: وكَتَبَ الحَجَّاجُ إلى عَامِلِهِ بكَسْكَر أنْ يُوجِّهَ إليهِ بأسَدٍ ضَارٍ عَاتٍ، يُجَرّ على عَجَل، فلَّا وَرَدَ كتابُهُ على العَامِل امْتَثَل أمْرَهُ، فلَّا وَرَدَ الأسَدُ على الحَجَّاج،
(a) الجليس الصالح وتاريخ ابن عساكر: من صالح.
(b) الجليس الصالح: عظَّمت.
(c) الجليس الصالح وتاريخ ابن عساكر: وقويت.
(d) ابن عساكر: فداك.
(e) الجليس الصالح والبداية والنهاية: وترى
…
كما نراه.
(f) الجليس الصالح والبداية والنهاية: جاوزتما.
أمَرَ به فجُعِلَ في حَائِرٍ، وأُجِيْعَ ثلاثةَ أيَّام، فأرْسَل إلى جَحْدَر، فأُتِيَ به من السِّجْن ويَدُه اليُمْنَى مَغْلُولةٌ إلى عُنُقهِ، وأُعْطِيَ سَيْفًا والحَجَّاج وجُلَسَاؤُه في مَنْظَرةٍ لهم، فلمَّا نَظَر جَحْدَر إلى الأسَد أنْشَأ يقُول:[من الرجز]
لَيْثٌ ولَيْثٌ في مَجَالٍ (a) ضَنْكِ
…
كلاهُما ذُو أنَفٍ ومَحْكِ
وشِدَّةٍ في نَفْسِه وفَتْكِ
…
إنْ يَكْشف اللّهُ قِنَاع الشَّكِّ
فهو أحَقّ مَنْزِلٍ بتركِ (b)
فلمَّا نَظَر إليهِ الأسَدُ، زَأَرَ زَأرةً شَدِيدةً، وتَمَطَّى وأقْبلَ نحوِه، فلمَّا صَارَ منه على قَدْر رُمْح، وثَبَ وَثْبَةً شَدِيدةً، فتَلَقَّاهُ جَحْدَرُ بالسَّيْفِ، فضَربَهُ ضرْبةً حتَّى خَالط ذُبَابُ السَّيْف لَهَوَاته، فحَرَّ الأسَدُ كأنَّهُ خَيْمَةٌ قد صَرَعَتْها الرِّيْحُ، وسَقَطَ جَحْدَر على ظَهْره من شِدَّةِ وَثْبةِ (c) الأسَد ومَوضِع الكُبُول، فكَبَّرَ الحَجَّاجُ والنَّاس جَمِيعًا، وأنْشَأ جَحْدَر يقول:[من الكامل]
يا جُمْلُ إنَّك لو رَأيتِ كَرْيهَتي
…
في يَوْم هَولٍ مُسْدِفٍ وعَجَاجِ
وتَقَدُّمي للَّيْثِ أرْسُفُ (d) مُوْثَقًا
…
كيما أُثاوِره على الإحْرَاجِ
شَثْنٌ براثِنُهُ كأنَّ نيُوبَهُ
…
زُرْقُ المَعَاولِ أو شَبَاةُ زجَاجِ
يَسْمُو بنَاظِرَتَيْن تَحْسَبُ فيهما
…
لَهَبًا أحدُّهمُا شُعَاعُ سِرَاج
وكأنَّما خِيْطَتْ عليهِ عَبَاءَةٌ
…
بَرْقَاءُ أو خِرَقٌ من الدِّيْبَاج
لعَلِمْتِ أنّي ذُو حفَاظِ ماجدٌ
…
من نَسْلِ أقْوَام ذوي أبْرَاجِ
ثُمَّ الْتَفَتَ إلى الحَجَّاجَ فقال:
ولئن قَصَدْتَ بي (e) المَنِيَّةَ عَامِدًا
…
إنِّي لخَيْرُك بعد ذاكَ لَرَاجِ (f)
(a) الجليس الصالح: محلّ.
(b) كرر ابن عساكر هذا الشطر في الصدر والعجز، وفي الجليس الصالح صدره: أو ظفر بحاجتي ودركي.
(c) ابن عساكر: رمية.
(d) ابن عساكر: أسفر.
(e) ابن عساكر: لي.
(f) ابن عساكر: لخيرك يا ابن يوسف راج، وهي رواية أخرى أدرجها المعافى بن زكرياء عقب هذا البيت.
عَلِمَ النِّسَاءُ بأنَّني لا أنْثَنِي
…
إذْ لا يَثِقْنَ بغَيْرَة الأزْوَاجِ
وعَلمت أنّي إنْ كَرِهْتُ نِزَالَهُ
…
أنِّي من الحَجَّاج لَسْتُ بنَاجِ
فقال له الحَجَّاجُ: إنْ شِئْتَ أسْنَيْنا عَطِيَّتكَ، وإنْ شئْتَ خلَّينا سَبِيلَكَ، قال: لا بل أخْتَار مُجَاوَرَة الحَجَّاج (a)، أكْرَمَهُ اللّه. ففَرَض له ولأهْل بيتِهِ، وأحسَن جَائزَتَهُ.
قال القَاضِي
(1)
: مُسْدِف: مُظْلمٌ، من السُّدْفَة. والرَّسْفُ: مَشْيُ المُقَيَّد. والبَرَاثِنُ: مَخَالِبُ الأسَد. والشَّبَا والشَّبَاةُ: حَدُّ الأَسِنَّة. قال أبو بَكْرٍ: البَرْقَاءُ: الّتي فيها سَوَادٌ وبَيَاضٌ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي الفَضْل، وأبو الحَسَن بن أبي جَعْفَر، قِرَاءَةً عليْنَا من لفظه - قال أبو بَكْر: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد بن [أبي](b) الحسُين
(2)
، وقال أبو الحَسَن: أخْبَرَنا عَبْد اللّه بن عبد الرَّحْمن إجَازَةً - قالا: أخْبَرَنا عليّ بن إبْراهيم العَلَويّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الغَسَّانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر الدِّيْنَورِيّ
(3)
، قال: وحَدَّثَنَا إبْراهيم بن نَصْر، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللّه بن مُحَمَّد (c)، قال: حَدَّثَنَا حَفْصُ بن النَّضْر السُّلَمِيّ، قال: خَطَبَ الحَجَّاجُ النَّاسَ يَوْمًا فقال. أيُّها النَّاسُ، الصَّبْر عن مَحَارِم اللّه أيْسَرُ من الصَّبْر على عَذَاب اللّه. فقام إليهِ رَجُلٌ فقال: يا حَجَّاجُ، وَيْحَكَ ما أصْفَقَ وَجْهَكَ، وأقَلَّ حَياءَكَ! تَفْعَلُ ما تقعَل ثُمَّ تقُول مثل هذا؟ فأمَرَ بهِ، فأُخِذَ، فلمَّا نزَل عن المِنْبَر دعا به، فقال لهُ: لقد اجْتَرأتَ عليَّ! فقال له: يا حَجَّاج، أنْتَ تَجْتَرئ على اللّه فلا تُنْكرهُ على نَفْسِكَ، وأجْتَرِئُ أنا عليك فتُنْكِرُه عليَّ! فَخَلَّى سَبيلَهُ.
(a) الجليس الصالح: الأمير.
(b) اسم جده: هبة اللّه، ويكنى أبا الحُسَيْن.
(c) ابن عساكر: عبيد اللّه بن أحْمَد بن مُحَمّد، وسلف التعريف به قريبًا.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 3: 90.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 143
(3)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 449.
أخْبَرَنا يُوسُف بن خَلِيل، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن بَوْش، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ العُكْبَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الجَازِرِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَجِ الجَرِيْرِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن المَرْزُبَان النَّحْوِيّ، قال: حَدَّثَني عليّ بن جعْفر بن بَيَان (a) الجَزرِيّ، قال: حدّثني عُمَرُ بن شَبَّة، قال: حدّثنا عليّ بن مُحَمَّد - يعني المَدَائِنِيّ - عن أبي المَضْرَحِيّ، قال: أمَرَ الحَجَّاجُ مُحَمَّد بن المُنْتَشِر ابن أخي مَسْرُوق بن الأَجْدَع أنْ يُعَذِّبَ أزَادمَرْد بن الهَرْبذ (b) فقال له أزَادمَرْد: يا مُحَمَّد، إنَّ لك شَرفًا قَديْمًا، وإنَّ مثْلي لا يُعْطي على الذُّلِّ شيئًا فاسْتأْدِني (c) وارْفُقْ بي، فاسْتأدَاهُ (4) في جُمُعَة ثلاثمائة ألف، فغَضِبَ الحَجَّاج وأمَرَ مَعدًا (e) صَحاحِب العَذَاب أنْ يُعَذِّبَهُ، فدقَّ يَديهِ ورِجْلَيهِ فلم يُعْطِهم شيئًا.
قال مُحَمَّد: فإنِّي لأسيرُ بعد ثلاثة أيَّام إذا أنا بأزَادمَرْد مُعْتَرضًا على بَغْل قد دُقَّتْ يَدَاهُ ورِجْلَاهُ، فقال لي: يا مُحَمَّد، فكَرهْتُ أنْ آتيَهُ فيبلغُ الحَجَّاج، وتَذمَّمْتُ من تَرْكِه إذ دَعاني، فدَنَوتُ منه فقُلتُ: حَاجَتكَ؟ فقال: قد (f) وليْتَ منِّي مثل هذا فأحْسَنْت إليَّ، ولي عند فُلَانٍ مائة ألف دِرْهَم فانْطلِق فخُذْها، قُلتُ: لا والله لا آخذُ منها (g) دِرْهَمًا وأنْتَ على هذه الحال، قال: فإنِّي أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا: سَمِعْتُ (h) من أهْلِ دِيْنكَ يقُولُونَ: إذا أرادَ اللهُ تعالَى بالعِبَادِ خَيْرًا أمْطَرَهُم في أوَانه، واسْتَعْمَل عليهم خِيَارهم، وجَعَل المالَ عند سُمَحائهم، وإذا أرادَ بهم شَرًّا أُمْطِرُوا في غير إبَّانه (i)، واسْتَعْمَل عليهم شِرَارهم، وجَعَل المالَ في أَشِحَّائهم، ومَضَى. فأتيْتُ
(a) الجريري: بنان.
(b) قيَّده الجريريّ حيثما يرد تاليًا: أزْدَاد مرذ بن الهربز.
(c) الجريري: فاستأدِ. ويقال: استأداه بالهمز فآداهُ، أي: أعانه وقَّواه. لسان العرب، مادة: أدأ.
(d) الجريري: فاستأدى.
(e) الجريري: معبدًا.
(f) الجريري: إنك قد.
(g) ليست في كتاب الجريري.
(h) الجريري: سمعته.
(i) كذا في الأصل، وفي الجليس الصالح: أوانه، وهما بمعنى واحد.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 1: 568 - 569.
مَنْزِلي، فما وَضَعْتُ ثِيَابي حتَّى جاءني رَسُول الحَجَّاج، فأتَيْتُهُ وقد اخْتَرَط سَيْفَهُ فهو في حَجْره، فقال: أُدْنُ، فدَنَوْتُ قَليلًا، ثمّ قال: أُدْنُ، فقلت: ليس بي دُنُوٌّ وفي حَجْر الأَمِير ما أرى! فأضْحَكَهُ اللهُ تعالى لي وأغْمَدَ السَّيْفَ، فقال: ما قال لك الخَبِيْث؟ فقُلتُ: والله ما غَشَشْتُكَ منذ اسْتَنْصَحْتَني، ولا كذبتُكَ منذ صَدَّقْتَني، ولا خُنْتُكَ منذُ ائتَمَنْتَنِي، فأخْبرتُه بما قال، فلمَّا أردتُ ذِكْر الرَّجُل الّذي عنده المالَ، صَرَفَ وَجْهَه وقال: لا تُسَمِّه، وقال: لقد سَمِعَ عَدُوَّ الله الأحَادِيْث.
وقال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء الجَرِيْرِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الحَسَن بن دُرَيْد، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عِيسَى، عن العبَّاس بن هِشَام (a)، عن أَبيِهِ، عن عَوَانَة، قال: خَطَبَ الحَجَّاجُ النَّاسَ بالكُوفَة، فَحمدَ الله وأثْنَى عليه، ثُمَّ قال: يا أهْل العِرَاق، تَزْعُمُون أنَّا من بَقِيَّةِ ثَمُود، وتَزْعُمُون أنِّي سَاحِر، وتَزْعُمُون أنَّ الله جَلَّ وعزَّ علَّمَني اسْمًا من أسْمائه أقْهَركُم [به](b)، وأنتُم أوْلياؤُهُ بزَعْمكُم وأنا عَدُوّه، فبيني وبينكم كتابُ الله تعالَى، قال عز وجل:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}
(2)
، فنحنُ بَقِيَّة الصَّالِحين إنْ كُنَّا من ثَمُود. وقال عز وجل:{إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}
(3)
، واللهُ أعْدَل في خَلْقهِ (c) من أنْ يُعَلِّم عَدُوًّا من أعْدائِهِ اسْمًا من أسمَائهِ يَهْزمُ بهِ أوْلِيَاءَهُ. ثمّ حَمِيَ وكَثُر كَلَامُهُ (b)، فتَحَامَل على رُمَّانَةِ المِنْبَر فحطمَها! فجَعَل النَّاسُ يتلاحَظُونَ بينهم وهو يَنْظُر إليهم، فقال: يا أعْدَاءَ اللهِ، ما هذا التَّرَامُزُ؟ أنا حُدَيَّا الظَّبْي السَّانِح، والغُرَاب الأبْقَع، والكَوْكَب ذي الذَّنَب. ثمّ أمَرَ بذلك العُود فأُصْلحَ قَبْل أنْ يَنْزل من المِنْبَر.
(c) ابن عساكر: هاشم، وما هنا موافق لما عند المعافى بن زكرياء.
(b) إضافة من الجليس الصالح.
(c) كذا في الأصل، وفي الجليس الصالح وابن عساكر: حكمه.
(d) الجليس الصالح: من كثرة كلامه
_________
(1)
الجليس الصالح 4: 47، وانظره أيضًا عند ابن عساكر 12: 164 - 165.
(2)
سورة هود، الآية 66.
(3)
سورة طه، الآية 69.
قال المُعَافَى
(1)
: قَوْل الحَجَّاج: أنا حُدَيَّا الظَّبْي، فإنَّهُ أراد: إنَّا لثِقَتِنا بالغَلَبةِ والاسْتِعْلَاء (a) نتحدَّى ارْتِفَاع الظَّبْي سَانِحًا، وهو أحْمَدُ ما يكُون في سُرْعَتِه ومَضَائِه، والغُرَاب الأبْقَع في تَحذُّره (b) وذَكَائهِ ومَكْره وخُبْثه ودَهائهِ، وذا الذَّنَب من الكَوَاكِب فيما يُنْذر به من غَرَائِب مَكْرُوه بلائهِ (c)، والله ذو البَأْس الشَّدِيد، بالمرصَادِ له ولحِزْبه وأوْليائهِ.
أخْبَرَنا عَتِيقُ بن أبي الفَضْل ومُحَمَّد بن أحْمَد القُرْطُبِيّ من لَفْظه - قال عَتِيق: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(2)
، وقال مُحَمَّد: أنبأنَا عَبْد الله بن سيّده - قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم النَّسِيبُ، قال: أخْبَرَنا رَشَاء بن نَظِيف، قال: أخْبرنا الحَسَن بن إسْمَاعيل، قال: أخْبرَنا أبو بَكْر بن مَرْوَان، قال: حَدًّثَنَا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا
(3)
، قال: حَدَّثَنَا هاشِمُ بنُ الوَلِيد، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن عَيَّاشِ، عن الكَلْبيّ، قال: سَمِعْتُ الحَجَّاج يقُول: يَزْعُمُ أهلُ العِرَاق أنِّي بَقِيَّة ثَمُود! ونِعْمَ، والله البَقِيَّة ثَمُود (d)، ما كان مع صَالح إلَّا المُؤْمنونَ.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: أخْبَرَنا إسماعِيْل بن أحْمَد بن عُمَر الحافِظ بقرَاءَتي عليه، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن الحَسَن بن مُحَمَّد الخَلَّال، قِرِاءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحمد بن مُحَمَّد بن عِمْران الجُنْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القَاسِم بن بُنَان، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حَدَّثَني أبو مَنْصُور الصَّاغَانِيّ،
(a) زيد عليه في الجليس الصالح: والإحاطة والاستيلاء.
(b) الأصل: تحدره، والمثبت من كتاب المعافى الحريري، وهو الأوجه.
(c) الجليس الصالح: عواقب مكروهه وبلائه.
(d) ابن أبي الدنيا: البقية بقية ثمود، ولعله الأظهر.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 4: 49.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 164.
(3)
الإشراف على منازل الأشراف 254 - 255.
قال: حَدَّثَنَا أبو عُبَيْد القَاسِم في سَلَّام، قال: حَدَّثَني أبو عَبْد الله الفَرَاوِيّ، عن مَالِك بن دِيْنار، قال: ما رَأيْتُ أحدًا أبْيَن من الحَجَّاج، إنْ كان ليَرْقى المِنْبَر، فيَذكر إحْسَانَهُ إلى أهْلِ العِرَاق، وإسَاءَتهم إليه، وتَعَدِّيهم عليه، حتَّى أقُول في نَفْسِي: إنِّي لأحْسِبُه صَادِقًا، وإنِّي لأظُنُّهم ظَالِمين.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله القَاضِي، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر في مَحْمُود، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا أبو عُبَيْدِ الله أحْمَد في عَمْرو الوَاسِطِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن أبي سَعْد (a)، قال: حَدَّثَني مَسْعُودُ في عَمْرو، قال: حَدَّثَني أبو عَمْرو النَّحْوِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو زَيْد الأنْصَاريّ، عن أبي عَمْرو في العَلَاء، قال: ما رَأيْتُ أحدًا أفْصَح من الحَسَن ومن الحَجَّاج، فقُلتُ: فأيُّهما كان أفْصَحَ؟ قال: الحَسَنُ.
أنْبَأنَا أبو نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم
(2)
، قال: قَرَأتُ على أبي غَالِب بن البَنَّاء، عن أبي الفَتْح بن المَحَامِلِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، قال: ذَكَرَ سُليْمان بن أبي شَيْخ، عن صالح بن سُلَيمان، قال: قال عُتْبَة بن عَمْرو: ما رَأيْتُ عقُولَ النَّاسِ إلَّا قريبًا بعضُها من بعض إلَّا الحَجَّاج وإِيَاس بن مُعاوِيَة، فإنَّ عقُولهما كانت تَرْجحَ على عقُول النَّاسِ.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب في الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْدُ الكَريم بن مُحَمَّد في مَنْصُور المَرْوَزيّ، قال: أخبَرَتْنا فاطِمَةُ بنْتُ أبي حَكِيم المُؤِدِّبُ قالت (b): أخْبَرَنا عليّ في الحَسَن بن الفَضْل الأدِيْبُ، قال: أَخْبَرَنا أحْمَد في مُحَمَّد بن
(a) في الأصل: ابن أبي سعيد، والمثبت من تاريخ ابن عساكر، وهو المشهور بالوراق، أخباري نسابة. انظر: النديم: الفهرست 1/ 2: 334، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 11: 204 - 205.
(b) في الأصل: قال.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 116.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 117.
خَالِد، قال: أخْبَرَنا عليّ بن عَبْد الله بن العبَّاس الجَوْهَرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن سَعيد الدِّمَشقيّ، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن بَكَّار، قال: حَدَّثَني عليّ بن صالح، قال: وخَطَبَ الحَجَّاجُ أهْل العِرَاق بعد دَيْر الجمَاجِم، فقال:
يا أهْلَ العِرَاق، إنَّ الشَّيْطانَ قد اسْتَبْطَنكُم، فخالَط اللَّحْم والدَّم والأسْمَاع والأطْرَاف والأعْضَاءَ والشَّغَاف، ثمّ أفْضَى إلى الأمْخَاخ والأسْمَاخ، ثمّ ارتفَع فعَشَّش، ثمّ باضَ وفرَّخ، فحشَاكُم شِقَاقًا ونِفَاقًا، وأشْعَركُم خِلَافًا، اتَّخَذتُمُوه دَلِيْلًا تَتْبَعُونَهُ، وقَائِدًا تُطِيْعُونَهُ، ومُؤامِرًا تَسْتَشِيرُونَهُ (a)، فكيف تَنْفَعكم تَجْربة، أو تَعظكُم مَوْعِظَة، أو يَحْجزكم إسْلَام، أو يردّكُم تِبْيان؟!
ألَسْتُم أصْحَابي بالأهْوَاز حيثُ رُمْتُم الكُفْر، وسَعَيْتُم بالغَدْر، واسْتَجْمَعْتُم للمَكْر، وظَنَنْتُم أنَّ الله يَخْذُل دِيْنَهُ وخِلَافَتهُ، وأنا أرْمِيكُم بطَرْفي وأنْتُم تسَلَّلُونَ لِوَاذًا، وتَنْهَزمُونَ سِرَاعًا.
ثمّ يَوْم الزَّاويَة، وما يَوْمُ الزَّاويَة بها كان فَشَلُكُم وتَسَارُعكم، وبراءَة اللهِ منكم، ونكُوص وليُّكم عليكم، إذ وَلَّيْتم كالإِبِل الشَّوَارِدِ إلى أعْطَانها، النَّوَافِر إلى أوْطَانِها، لا يَسْأل المَرْءُ عن أخيهِ، ولا يَلْوِي الشَّيْخ على بَنِيْه، حتَّى عضَّكُم السِّلاحُ، وتقَصَّفَت فيكم الرِّمَاح.
ثمّ يَوْمُ الجَمَاجِم، بها كانت المَعَارِكُ والمَلَاحِم
(1)
: [من مشطور الرجز]
ضَرْب يزيلُ الهَامَ عن مَقيْلِهِ
ويُذْهِلُ الخَلِيلَ عن خَلِيلِه
(a) الأصل: يستشيرونه.
_________
(1)
الرجز لعبد الله بن رواحة، ديوانه 145.
يا أهْلَ العِرَاق، الكَفَرات بعد الفَجرات، والغَدرات بعد الخَترات، والنَّزَوات (a) بعد النَّزَوَاتِ، إنْ بَعَثْتُكُم إلى ثُغُوركُم غَلَلْتُم وخُرْتُم وخُنْتم وجَبُنْتُم، وإنْ أَمنْتُم أرْجَفْتُم واخْتَرَصْتُم وطَعَنْتُم، ونَافَقتُم، لا تَذْكُرون حَسَنَةً، ولا تَشْكرُونَ نِعْمَةً، هل اسْتخَفَّكُم ناكثٌ، أو اسْتَغْواكم غَاوٍ، أو اسْتَنْفَرَكُم عَاصٍ، أو اسْتَفَزَّكُم ظَالِمٌ، أو اسْتَعْضَدَكُم خَالِعٌ إلَّا اتَّبَعْتُمُوه وآوَيْتُموه ونَصَرتُموه.
يا أهلَ العِرَاق، هل شَغَبَ شَاغِبٌ، أو نَعَبَ نَاعِبٌ، أو زَفَرَ زَافِرٌ إلَّا كُنْتُم أشْيَاعَهُ وأنْصَارَهُ، ألَم تَنْهَكُم المَوَاعِظُ؟ ألَم تَزْجُركمُ الوَقَائِع؟!
ثُمَّ الْتَفَتَ إلى أهْل الشَّام، فقال؟ أنا كالظَّلِيْم الرَّامحِ عن فرَاخِه، يَنْفِي عنها القَذَر، ويُبَاعِدُ عنها الحَجَر، ويُكِنُّها من المَطَر، ويَحْميها من الضَّبَاب، ويَحْرُسُها من الذِّئَاب (b). يا أهْل الشَّام أنْتُم الجُنَّةُ والرِّدَاءُ، وأنتُم العُدَّةُ والحَذَاءُ.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيَى بن أسْعَد بن بَوْش، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ بن كَادشٍ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الجَازِرِيّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن سَعيد الكَلْبيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء الغَلَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُبَيْد الله بن عبَّاسٍ، عن عَطَاءٍ - يعني ابن مُصْعَب - عن عَاصِمٍ، قال: خَطَبَ الحَجَّاج أهْل العِرَاق بعد دَيْر الجَمَاجِم، فقال:
يا أهْلَ العِرَاق، إنَّ الشَّيْطان قد اسْتَبْطَنَكُم، فخالَط اللَّحْمَ والدَّمَ والعَصَبَ والمَسَامعَ والأطْرَاف، ثمّ أفْضَى إلى الأسْمَاخِ (c) والأمْخَاخِ، ثمّ ارْتَفَع فعَشَّشَ، ثمّ
(a) كذا في الأصل، وترد فيما بعد - في رواية المعافى بن زكرياء -: النزوة بعد النزوات.
(b) في الأصل: الذباب، والتصويب من رواية المعافي بن زكرياء التالية.
(c) الجريري: الأصماخ، والسماخ لغة في الصِّماخ: وهو موضع ولوج الأذن عند الدماغ. لسان العرب، مادة: سمخ.
_________
(1)
الجليس الصالح 3: 300 - 301، وانظر خطبة الحجاج عند ابن عساكر 12:132.
باضَ وفَرَّخَ، ثمّ دَبَّ ودَرَجَ، فَحَشَاكُم نِفَاقًا وشِقَاقًا، وأشْعَركُم خِلَافًا، اتَّخَذْتُموهُ دَليْلًا تَتَّبِعُونَهُ، وقَائِدًا تُطِيْعُونَهُ، ومُؤَامِرًا تُشَاورُونَهُ، فكيفَ تَنْفَعُكم تجربَةٌ أو يَنْفَعُكُم بَيانٌ؟!
ألَسْتُم أصْحَابي بالأهْوَاز حيثُ رُمْتُم المَكْرَ، وأجْمَعْتُم على الكُفْر، وظَنَنْتُم أنَّ الله جَلَّ وعزَّ يَخْذُل دِيْنَه وخِلَافَتَهُ، وأنا أَرْميكُم بطَرْفي وأنتم تَتَسلَّلُونَ لِوَاذًا، وتَنْهَزمُونَ سِرَاعًا يَوْم الزَّاويَة بما كان من فَشَلِكُم وتَنازُعِكُم وتَخَاذُلِمُ، وبَراءةِ الله منكُم (a)، ونكُوصِ وَليِّكم، إذ وَلَّتُم كالإِبِل الشَّاردَة (b) عن أوْطَانِها النَّوَازع، لا يْسَأل المرءُ عن أخيهِ، ولا يَلْوِي الشَّيْخُ علِى بَنيْهِ، حين عَضَّكُمُ السِّلاحُ، ونَخَسَتكُمُ (c) الرِّمَاحُ يَوْمَ دَيْر الجَمَاجِم، وما يَومُ ديْر الجَماجِم! بها كانت المَعَارِكُ والمَلَاحِمُ بـ:[من الرجز]
ضَرْب يُزيلُ الهَامَ عن مَقيْله
…
ويُذْهِلُ الخَلِيلَ عن خَلِيلهْ
يا أهْلَ العِرَاق: الكَفرات بعد الفَجرات، والغَدَرَات (d) بعد الخَترات، والنَّزْوَة بعد النَّزَوَات، إنْ بَعَثْنَاكُم إلى ثُغُوركُم غَلَلْتُم وجَبُنْتُم، وإنْ أمِنْتُم أرْجَفْتُم، وإنْ خِفْتُم نَافَقْتُم، لا تَتَذَكَّرُونَ نِعْمَةً، ولا تَشْكُرونَ (e) مَعْرُوفًا. هل اسْتَخفَّكُم نَاكِثٌ، أو اسْتَغْوَاكُم غَاوٍ، أو اسْتَفَزَّكُم عَاصٍ، أو اسْتَنْصرَكُم ظَالِمٌ، أو اسْتَعْضَدَكُم ضَالعٌ إلَّا لبَّيْتُم دَعْوتَهُ، وأجَبْتُم صَيْحَتَهُ (f)، ونَفَرْتُم إليه خِفَافًا وثِقَالًا، وفُرْسَانًا ورِجَالًا!
يا أهْلَ العِرَاق: هل شَغَبَ شَاغِبٌ، أو نَعَبَ نَاعِبٌ، أو زَفَرَ زَافِرٌ إلَّا كُنْتم أتْبَاعَهُ وأنْصَارَهُ، ألَم تَنْفَعْكمُ المَوَاعِظُ؟ ألَم تَزْجُرْكُم الوَقَائِعُ؟ ألَم يشُدِّدِ اللهُ عليكم وَطْأَتَهُ، ويُذِيْقكُم حرَّ سَيْفه، وأَليْم بَأْسِه ومَثُلَاتِهِ؟!
(a) ابن عساكر: فيكم.
(b) الجليس الصالح: الشاذة. ابن عساكر: الشاردة على أوطانها.
(c) الجليس الصالح: تجشمتكم.
(d) الأصل: العذرات، ابن عساكر: العذلات، والمثبت من كتاب الجليس الصالح.
(e) الأصل: يشكرون
…
يشكرون، والمثبت من الجليس الصالح وابن عساكر.
(f) ابن عساكر: صحبته.
ثُمَّ التَفَتَ إلى أهْلِ الشَّام، فقال: يا أهْلَ الشَّامِ، إنَّما أنا لكم كالظَّلِيْم الرَّامِح عن فراخِهِ، يَنْفي عنها القَذَر (a)، ويُبَاعِدُ عنها الحَجَرَ، ويُكِنُّها من المَطَر، ويَحْمِيها من الضِّبَاب، ويَحْرسُها من الذِّئابِ.
يا أهْلَ الشَّام: أنتُم الجُنَّةُ والرِّدَاءُ، وأنتم المُلَاءَةُ والحَذَاءُ، أنتُم الأوْلِيَاءُ والأنْصَار، والشِّعَارُ دُونَ الدِّثَار، بكُم يُذَبُّ (b) عن البَيْعَة (c) والحَوْزَة، وبكم تُرْمَى كَتَائِبَ الأعْدَاءِ، ويُهْزَم مَنْ عَانَد وتَوَلَّى.
أخْبَرَنا أبو الوَحْش عبد الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور الدِّمَشقيّ إذْنًا ولَقِيتُه بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو الفَرَج غَيْثُ بن عليّ. وحَدَّثَني أبو إسْحَاق إبْراهيمِ بن طَاهِر الخُشُوعِيّ عنه، قال: أخْبَرَنا مُشَرَّف بن عليّ بن الخَضِر بن التَّمَّار إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو خَازِم (d) مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن خَلَف، قال: قَرَأتُ على مُحَمَّد بن أحْمَد بن القَاسِم الضَّبِّيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن كَامِل، قِراءَةً عليهِ، قيل له: حَدَّثكُم أبو العبَّاس مُحَمَّد بن يَزِيد المُبَرَّد
(2)
-قال ابنُ كَامِل: وأنا أشكُّ في سَمَاعهِ- قال: حَدَّثَني التَّوَّزِيّ في إسْنَادٍ ذَكَرهُ وآخرُه عَبْد المَلِك بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ، قال: بينا نحنُ بالمَسْجِد الجامع بالكُوفَة، وأهل الكُوفَة يَوْمئذٍ ذوو حالٍ حَسَنة، يَخْرُج الرَّجُل منهم في العَشَرة والعِشْرين من مَوَالِيهِ، أتانا آتٍ فقال: هذا الحَجَّاجُ قد قَدِمَ أمِيْرًا على العِرَاق، فإذا به قد دَخَل المَسْجِد مُتَعمِّمًا بعِمَامَة قد غَطَّى بها أكْثَر وَجْهِهِ، مُتَقلِّدًا سَيْفًا، مُتَنكِّبًا قَوْسًا، يَؤمّ
(a) ابن عساكر: القذف.
(b) ابن عساكر: نذب.
(c) الجريري: البيضة.
(d) في تاريخ ابن عساكر: أبو حازم، وانظر ترجمته في تاريخ بغداد 3:49.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 129 - 132، وانظر خطبة الحجاج عند الجاحظ: البيان والتبيين 2: 307 - 310، ابن الجوزي: المنتظم 6: 149 وما بعدها، ابن خلكان: وفيات الأعيان 2: 33 - 36، المقريزي: المقفى الكبير 3: 163 - 166.
(2)
الكامل في اللغة والأدب 223 - 226، وانظر الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار 90 وما بعدها.
المِنْبَرَ، فقامَ النَّاس نَحْوهُ حتَّى صَعِدَ المِنْبَر، فَمَكُث سَاعةً لا يَتَكلَّم، فقال النَّاسُ بعضُهم لبعضٍ: قَبَّحَ اللهُ بني أُمَيَّة، حيث تَسْتَعْمِل مثل هذا على العِرَاق، فقال عُمَيْرُ بن ضَابِئٍ البُرْجُمِيُّ: ألَا أحْصِبُه لكم؟ قالوا: أمْهِل حتَّى نَنْظُر، فلمَّا رَأى عُيُون النَّاس إليهِ، حَسَر اللِّثَام عن فيه، ونَهَضَ فقال:[من الوافر]
أنا ابنُ جَلَا وطَلَّاعُ الثَّنَايَا
…
متَى أَضَعِ العِمَامَةَ تَعْرِفُوني
واللهِ يا أهل الكُوفَة، إنِّي لأرَى رُؤوسًا قد أيْنَعَتْ وحان قطَافُها، وإنِّي لصَاحِبُها، كأنِّي أنْظُر إلى الدِّماء بين العَمَائِم واللِّحَى:[من الرجز]
هذا أوَانُ الشَّدّ فاشْتَدِّي زِيَمْ
…
قد لَفَّها اللَّيْل بسَوَّاق حُطَمْ
ليسَ براعي إبل ولا غَنَمْ
…
ولا بجَزَّارٍ على ظَهْرِ وَضَمْ
[وقال أيضًا](a): [من الرجز]
قد لفَّهَا اللَّيْل بعَصْلَبيّ
…
أَرْوَعَ خرَّاج من الدَّوِّيّ
مُهاجِر لَيْسَ بأعْرَابيّ
[وقال](b): [من الرجز]
قَدْ شَمَّرَت عن سَاقها فَشُدُّوا
…
وجَدَّتِ الحَرْبُ بكُم فَجدُّوا
والقَوْس فيها وَتَرٌ عَرَّدُ
…
مثْلُ ذِرَاع البَكْرِ أو أشَدُّ
إنِّي، واللهِ يا أهْلَ العِرَاق، ما يُقَعْقَعُ لي بالشِّنَان، ولا يُغْمَزُ جانبي كغَمْزِ التِّيْن، ولقد فُرِرْتُ عن ذَكَاءٍ، وفُتِّشْتُ عن تَجْربةٍ، وإنَّ أَمِيرَ المُؤْمنِيْن نَثَرَ كِنانَتَهُ فعَجَم عِيْدَانَها، فوَجَدَني أمرَّهَا عُودًا، وأصْلَبَها مَكْسَرًا، فرَمَاكُم بي لأنَّكُم طالَما أوْضَعْتمُ في الفِتْنَةِ، واضْطَجَعْتُم في مَرَاقِد الضَّلَالِ، والله لأحْزمنَّكُم
(a) ما بين الحاصرتين إضافة من ابن عساكر والمصادر المتقدمة التي أوردت الخطبة.
(b) كالإضافة قبله.
حَزْمَ السَّلَمَة، ولأضْربنَّكُم ضَرْبَ غَرَائِب الإِبِل، فإنَّكُم لكأهْلِ {قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}
(1)
، وإنِّي والله ما أقُول إلَّا وفَيْتُ، ولا أهُمّ إلَّا أمْضَيْتُ، ولا أخْلقُ (a) إلَّا فرَيْتُ.
وإنَّ أَمِير المُؤْمنِيْن أمَرَني بإعْطَائكُم، وأنْ أُوَجِّهَكُم لمُحَارَبَةِ عَدُوِّكم مع المُهَلَّب بن أبي صُفْرَة، وإنِّي أُقْسِم باللهِ لا أجدُ رَجُلًا تخلَّفَ بعد أخْذِ عَطَائهِ بثلاثهِ أيَّام إلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ.
يا غُلَام، اقْرأ عليهم كتابَ أَمِير المُؤْمنِيْن، فقَرَأ:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عَبْدِ اللهِ عَبْد المَلِك، أَمِير المُؤْمنِيْنَ، إلى مَنْ بالكُوفَة من المُسْلمِيْن، سَلَامٌ عليكم.
فلَم يَقُل أحَدٌ شيئًا، فقال الحَجَّاجُ: اكْفُفْ يا غُلَام، ثمّ أقْبَل علي النَّاسِ، فقال: أسَلمّ عليكم أَمِيرُ المُؤْمنِيْن فلم تَردُّوا عليه شيئًا؟ هذا أدَبُ ابن نُهَيّة (b)، أمَا والله لأؤدِّبَنَّكُم غير هذا الأدَب، أو لتَسْتَقِيمُنًّ، اقرأ يا غُلَامُ كتابَ أَمِير المُؤْمنِيْن، فقَرأ، فلمَّا بلغَ إلى قَوْله: سَلَامٌ عَليكم، لَم يَبْقَ في المَسْجِد أحَدٌ إلَّا قال: وعلى أَمِير المُؤْمنِيْن السَّلام.
ثمّ نَزَل، فوَضَعَ للنَّاس أُعْطياتهم، فجعلُوا يأخُذُونَ حتَّى أتاهُ شَيْخٌ يَرْعشُ كِبَرًا، فقال: أيُّها الأَمِيرُ، إنِّي من الضَّعْفِ على ما تَرَى، ولي ابنٌ هو أقْوَى على
(a) الأصل: أحلق، والتصويب من ابن عساكر وبقية المصادر التي أوردت الخطبة.
(b) الضبط من ابن ماكولا في الإكمال 1: 377.
_________
(1)
سورة النحل، من الآية 112.
الأَسْفَار منِّي، أَفَتَقْبَله منِّي بَدِيلًا؟ فقال له الحَجَّاجُ: تَفْعَل (a) أيُّها الشَّيْخ.
فلمَّا وَلَّى قال له قائلٌ: أتَدْري مَنْ هذا أيُّها الأَمِيرُ؟ قال: لا، قال: هذا عُمَيْر بن ضَابِئ البُرْجُمِيّ الّذي يقُول أبُوه: [من الطويل]
هَمَمْتُ ولم أفْعَلْ وكِدْتُ ولَيْتَني
…
تركَتُ على عُثْمان تَبْكي حَلَائلُه
ودَخَل هذا الشَّيْخُ على عُثْمان مَقْتُولًا، فوَطئ بطنَهُ فكَسَر ضِلعَيْن من أضْلَاعهِ فقال: رُدُّوهُ، فلمَّا رُدَّ قال له الحَجَّاجُ: أيُّها الشَّيْخ، هَلَّا بَعَثْت إلى أَمِير المُؤْمنِيْن عُثْمان بَدِيلًا يَوْم الدَّار، إنَّ قَتْلَكَ أيُّها الشَّيْخ صَلَاحٌ للمُسْلِمين، يا حَرَسِيَّ اضْرِبَا عُنُقَهُ، فجعَل الرَّجُل يَضِيْقُ عليه بعضُ أمْره فيَرْتحلُ، ويأمر وليَّهُ أنْ يلْحقَهُ بزادِه، وفي ذلك يَقُول ابن عَبْد اللهِ بن الزُّبَيْر الأسَدِيّ:[من الطويل]
تجَهَّز فإمَّا أنْ تَزُور ابنَ ضَابِئ
…
عُمَيْرًا وإمَّا أنْ تَزُورَ المُهَلَّبَا
هما خُطَّتَا خَسْفٍ نَجاؤُكَ منهما
…
رُكُوبُك حَوْليًّا من الثَّلْج أشْهَبَا
فأَضْحَى ولو كانت خُرَاسَان دُوْنَهُ .. رآه مكان السُّوْق (b) أو هو أقْرَبا
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَتِيق بن أبي الفَضْل السَّلَمَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد، عن أبي المَعَالِي بن صَابِر، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي الجِنّ، قال: أخْبَرَنا رَشَاء بن نَظِيف، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَرْوَان
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أبو سَعيد (c) الأزْدِيّ -يعني: الحَسَن بن الحُسَين السُّكَّرِيَّ- قال: سَمِعْتُ الزِّيَادِيَّ أبا إسْحَاقَ يَقول:
(a) المبرد وابن عساكر وابن خلكان: نفعل.
(b) الأصل: الشوق!
(c) ورد في كتاب المجالسة: أبو إسماعيل، والمثبت هو الصحيح.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 193 - 194.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 414 - 415، وانظره في البداية والنهاية 9: 137 - 138.
سَمِعْتُ الأصْمَعِيّ يَقُول: أرْجَفَ النَّاسُ بمَوتِ الحَجَّاج، فخَطَبَ فقال: إنَّ طَائفةً من أهْلِ العِرَاق وأهْل الشِّقَاقِ والنِّفَاق نَزغ الشَّيْطان بينهم، فقالُوا: ماتَ الحَجَّاج! وماتَ الحَجَّاجُ، فَمَهْ؟ وهل يرجُو الحَجَّاجُ الخَيْرَ إلَّا بعد المَوْت!؟ والله ما يَسُرُّني إلَّا أنْ أَمُوت وأنَّ لي الدُّنْيا وما فيها، وما رأيْتُ اللهَ رَضِي التَّخْلِيْدَ إِلَّا لأهْوَن خَلْقه عليه؛ إبْلِيْس، حيث قال:{إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ}
(1)
، فأنْظَرَهُ إلى يَوْم الدِّين، ولقد دَعَا اللهَ العَبْدُ الصَّالِحُ فقال:{هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}
(2)
، فأعْطَاهُ ذلك إلَّا البَقَاء، فما عَسَى أنْ يكون أيُّها الرَّجُل؛ وكُلُّكُم ذلك الرَّجُل، كأنِّي واللهِ بكُلِّ حَيٍّ (a) منكم مَيِّتًا، وبكُلِّ رَطْب يَابِسًا، ثُمَّ نُقِلَ (b) في ثِيَاب أكْفَانهِ إلى ثلاثة أذْرُع طُوْلًا في ذِرَاعٍ عَرْضًا، فأكلَت الأرْضُ لَحْمَهُ، ومَصَّتْ صَدِيْدَهُ، وانْصَرف الحَبِيْبُ من وَلده يَقْسِم الحَبِيْبَ من مَاله، إنَّ الّذين يعقلُونَ يَعْقلون ما أقُول، ثمّ نَزَل.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الغَنِيّ بن سُلَيمان بن بَنِيْن بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن حَمْد بن حَامِد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليِّ بن الحُسَين الفَرَّاء في كتابه، عن أبي إسْحَاق الحَبَّال، وخَدِيجَة المُرَابِطَة -قال الحَبَّال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ الجَبَّار بن أحْمَد بن عُمَرَ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الحَسَن بن الحُسَين بن بُنْدَار، وقالت خَدِيجَة: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيَى بن أحْمَد بن عليّ بن الحُسَين بن بُنْدَار، قال: حَدَّثَنِي جَدِّي أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن بُنْدَار -قالا: حَدَّثَنَا مَحْمُود بن مُحَمَّد الأدِيْبُ، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن بَيَان، قال: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بن سَوَّار، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر الهُذَلِيّ، قال: مرضَ الحَجَّاج، فقال النَّاس: ماتَ. فأفاقَ
(a) الدينوري: جزء.
(b) الدينوري: ينقل.
_________
(1)
سورة الحجر، الآية 37، وسورة ص، الآية 80.
(2)
سورة ص، من الآية 35.
فصَعِدَ المِنْبَرَ، فَحمِدَ الله وأثْنَى عليه، ثمّ قال: يا أهْلَ العِرَاق والشِّقَاق والنِّفَاق والمِرَاق، قُلْتُم: مات الحَجَّاج؛ فَمَهْ؟ فواللهِ ما سَرَّني أنِّي ممَّن لا يَمُوتُ، واللهِ ما رَضِيَ اللهُ البَقَاءَ إلَّا لأهْوَن خَلْقِه عليه: إبْلِيْس، ولقد سَأل اللهَ العَبْدُ الصَّالِحُ سُليْمانُ فقال: رَبّ {هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}
(1)
، فأعْطاهُ اللهُ ذلك كُلَّهُ، ثمّ صَارَ إلى المَوْتِ.
أيُّها الرَّجُل، وكُلُّكُم ذلك الرّجُل، كأنِّي بك وقد انْطُلِقَ بكَ على سَرِيرك إلى ثلاث أذْرُعِ من الأرْض في ذِرَاعين، ثمّ سُنَّ عليك التُّرابُ سُنًّا، فأكَلَتِ الدِّيْدانُ لَحْمَكَ، ومصَّتْ دَمَكَ، ورجَعِ الحَبِيْبان أحَدُهُما يَقْسِم للآخر: حَبِيْبكَ من وَلدكَ يَقْسم حَبِيْبكَ من مَالِكَ، ثمّ يَمُرُّون بحُبْوَةِ قَبْركَ بعد ثالثةٍ فإنَّهم لم يَعْرفُوكَ! أمَا إنَّ الّذين يَعْلمُونَ، يَعْلَمُون ما أقُول.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: أخْبَرَتْنا فاطِمَةُ بِنْتُ أبي حَكِيم الخَبْرِيّ قالت (a): أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن الشَّاعر، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن خَالِد الكَاتِب، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن المُغِيرَة، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن سَعيد الدِّمَشقيُّ، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن بَكَّار، قال: حَدَّثَني عليّ بن صالح، عن عَامِر بن صالح، قال: مرضَ الحَجَّاجُ مَرَضًا شَدِيْدًا، فأرْجَفَ أهْل العِرَاق بمَوْتِه، فخَرَجَ مُنْدَملًا من مَرَضِهِ حتَّى أوْفَى على ذِرْوَةِ المِنْبَر، فقال: ألَا إنَّ أهْلَ العِرَاق، أهْلُ الشِّقَاقِ والنِّفَاق، نَفَخَ الشَّيْطان في مَنَاخرِهم، فقالوا: ماتَ الحَجَّاجُ، وماتَ الحَجَّاجُ! وإنْ مُتُّ فمَهْ؟ والله ما أُحِبُّ ألَّا أمُوت، وهل أرْجُو الخَيْر كُلَّهُ إلَّا بعدَ المَوْت؟
وما رأيتُ الله -عَلَا ذِكْرُهُ وتقدَّسَتْ أسْمَاؤهُ- رَضِي التَّخْلِيْدَ لأحدٍ من خَلْقِه إلَّا لأخَسِّهِم وأهْوَنهم عليه: إبْلِيْس. ولقد سَألَ العَبْدُ الصَّالِحُ رَبَّه فقال: {هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}
(1)
ففَعَل، ثُمَّ اضْمَحَلَّ، فكأَنْ لَم يَكُن.
يا أيُّها الرَّجُل، وكُلُّكُم ذلك الرَّجُل، والله لكأنِّي بي فيكم قد صَار كُلّ حَيّ منَّا مَيِّتًا، وكُلّ رَطب يَابِسًا، ونُقِلَ امْرؤٌ في ثِيَابِ طُهْره إلى أرْبَع أذْرُعِ طُولًا في ذِرَاعَيْن عَرْضًا، وأكَلَتِ الأرْض شَعْره وبَشَرَهُ، ومَصَّتْ صَدِيْدَهُ ودَمَهُ، ورجَعِ الحَبِيْبتان (a): أهْلهُ ووَلدُه، يَقْتَسمان حَبِيْبهُ من مَالِه، ألَا إنَّ الّذَين يَعْلَمُون، يَعْلمُونَ ما أَقُول حَقًّا، ثمّ نَزَل.
أخْبَرَنا عَبْد الغَنِيّ بن سُلَيمان بن بَنِيْن، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن حَمْد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن الفَرَّاءِ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيْز بن الحَسَن بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّاب، ح.
وأخْبَرَنا عَتِيقٌ السَّلَمَانِيّ، وأبو الحَسَن بن أحْمَد من لَفْظه -قال عَتِيق: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(2)
، وقال أبو الحَسَن: أنْبَأنَا عَبْدُ الله بن صَابِر - قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم العَلَويّ، قال: أخْبَرَنا رشَاء بن نَظِيف، قالا: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّاب، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَرْوَان
(3)
، قال: حَدَّثَنَا يُوسُف بن عَبْد الله الحُلْوَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُسْلِم بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ الجُفْرِيّ (b)، قال:
(a) كذا في الأصل وفوقه "صـ"، إشارة إلى أن صوابه: الحبيبان.
(b) في الأصل بالحاء المهملة، وصوابه الإعجام كما في كتاب المجالسة، وهو الحسن بن أبي جعفر الجفري الأزدي العدوي البصري (ت 167 هـ)، منسوب إلى جفرة خالد بناحية البصرة، ابن ماكولا: الإكمال 2: 243، السمعاني: الأنساب 3: 296 - 297، وانظر ترجمته في طبقات ابن سعد 7: 284 (وفيه: الحسين، وأرخ وفاته سنة 160 هـ)، ابن حبان: كتاب المجروحين 1: 236 - 237، الجرح والتعديل 3: 29، صفة الصفوة 3: 363، تهذيب الكمال 6: 73 - 78.
_________
(1)
سورة ص، من الآية 35.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 141.
(3)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 168.
سَمِعْتُ مَالِك بن دِيْنار يقُول: سَمِعْتُ الحَجَّاج على هذه الأعْوَاد وهو يَقُول: امْروٌ وزَنَ (a) عَمَلَهُ، امْروً حاسَبَ نَفْسَهُ، امْرؤٌ فَكَّر فيما يَقْرَأهُ في صَحِيفَتهِ ويَراه في مِيْزَانِهِ، وكان عند قَلْبهِ زاجراً، وعند هَمِّه آمِرًا، امْرؤٌ أخذَ بعنان عَمَله كما يأخُذُ بخِطَام جَمَلِهِ، فإنْ قادَهُ إلى طَاعةِ الله تبعَهُ، وإنْ قادَهُ إلى مَعصِيَةِ الله كفَّهُ (b).
أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن بَنِيْن، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله الأَرْتاحيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الفَرَّاء في كتابه، عن أبي إسْحَاق الحَبَّال، وخَدِيجَة المُرَابِطَة - قال الحَبَّال: أخْبَرَنا عَبْدُ الجَبَّار بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن الحُسَين بن بُنْدَار، وقالت خَدِيجَةُ: أخْبَرَنا يَحْيَى بن أحْمَد بن عليّ بن الحُسَين بن بُنْدَار، قال: حَدَّثني جَدِّي عليَّ بن الحُسَين بن بُنْدَار- قالا: حَدَّثَنَا مَحْمُود بن مُحَمَّد الأدِيْبُ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن ابن أُخْت هَانئ، قال: أخْبَرَني الحَسَن بن عَرَقَة، عن زِيَاد بن السَّكَن، عن الشَّعْبيِّ، قال: سَمِعْتُ الحَجَّاجَ على المِنْبَر يقُول: أمّا بَعْدُ؛ فإنَّ الله كتَبَ على الدُّنْيا الفَنَاءَ، وعلى الآخرة البَقَاءَ، فلا فَنَاءَ لِمَا كَتَب عليهِ البَقَاء، ولا بَقَاءَ لِمَا كَتب عليه الفَنَاءَ، فلا يغُرنَّكُم شَاهِدُ الدُّنْيا عن غَائِب الآخرة، واقهَرُوا طُولَ الأمَلِ بقِصَر الأجَل.
وقال: حَدَّثَنَا مَحُمْود بن مُحّمد الأدِيْب، قال: حَدَّثَنا الحَنَفِيّ - يعني: أحْمَدَ بن الأَسْوَد - قال: حَدَّثَنَا رُفَيْعُ بن سَلَمَة العَبْدِيّ، عن أبي عُبَيْدَةَ، قال: خَطَبَ الحَجَّاجُ، فقال: والله ما يَسُرُّني ما مَضَى لي من الدُّنْيا بعِمَامَتي هذه، ولَمَا بَقِيَ منها أَشْبَه بما مَضَى من الماءِ بالماءِ.
أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن إبْرَاهيمِ بن مُسَلَّم الإرْيِلِيّ بحَلَب، قال: أخْبَرَتْنا شُهْدَة بنت أحْمَد بن الفَرَج، قالت: أخْبَرنا طَرَّاد بن مُحَمَّد الزَّيْنَبيّ، قال: أخْبَرَنا
(a) الدينوري: زوَّر!.
(b) الدينوري: كفّ.
أبو الحَسَين عليّ بن مُحَمَّد بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن صَفْوَان، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا
(1)
، قال: حَدَّثني مُحَمَّد بن عُمَر بن عليّ الثَّقَفِيّ، قال: حَدَّثني عُبَيْدُ بن حُسَيْن بن ذَكْوَان المُعَلَّم، عن سَلاَّم بن مِسْكِين، قال: خَطَبَ الحَجَّاجُ - أو قال: خَطَبنا - فقال: أيُّها الرَّجُل، وكُلُّكُم ذلك الرَّجُل، زمُّوا أنْفُسَكُمُ، واخْطِمُوها بأزمَّتها إلى طَاعةِ الله، وكفُّوها بخُطَمها عن مَعْصِيَة الله.
وقال حَدَّثَنَا ابن أبي الدُّنْيا
(2)
، قال: حَدَّثَني أبو مُحَمَّد التَّيْمِيّ، قال: حَدَّثَنَا هِشَام بن عَمَّار، قال: حَدَّثَنَا شِهَاب بن خِرَاش، قال: حَدَّثَنَا سيَّار أبو الحَكَم، قال: سَمِعْتُ الحَجَّاجَ بن يُوسُف على المِنْبَر يقُول: يا أيُّها الرَّجُل، وكُلُّكُم ذلك الرَّجُل، رَجُل خَطم نفسَهُ وزمهَّا، فقادَها بخِطَامها إلى طَاعةِ الله، وعَنَجها بزِمَامها عن مَعَاصِي الله.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَاتِ عَبدُ الوَهَّاب بن المُبارَك الأنْمَاطِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعاً، قال: أخْبَرَنا ثَابِتُ بن بُنْدَار بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا أبو تَغْلِب عَبدُ الوَهَّاب بن عليّ بن الحَسَن المُلْحَمِيّ، قال: حَدَّثَنَا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء الجَرِيْرِيّ
(3)
إمْلاءً، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القَاسِم الأنْبارِيُّ، قال: أخْبَرَنا أحمدُ بن يَحْيَى، قال: حَدَّثَنَا عُمَر بن شَبَّة، عن أشْيَاخِهِ، قال: لمَّا وَلَّى عَبْدُ المَلِك بن مَرْوَان الحَجَّاجَ بن يُوسُف العِرَاق، اتَّصَل به سَرفُهُ في القَتْل، وأنَّهُ أعْطَى أصْحَابه الأمْوَال، فكَتَب إليه عَبْدُ المَلِك:
(1)
رسائل ابن أبي الدنيا (رسالة محاسبة النفس) 2: 1114.
(2)
رسائل ابن أبي الدنيا 2: 1114.
(3)
لم أقف عليه في المطبوع من كتاب الجليس الصالح، والخبر بإسناده المذكور أعلاه في تاريخ ابن عساكر 12: 155 - 156، وانظر كتاب عبد الملك إلى الحجاج في: الفتوح لابن أعثم 7: 164 - 165، التذكرة الحمدونية 1: 454 - 455، وفيات الأعيان 2: 35 - 36، مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي 9: 73 - 74، والبداية والنهاية 9: 127 - 128.
أمَّا بَعْدُ؛
فقد بلَغَني سَرَفُكَ في الدِّماءِ، وتَبْذِيرُكَ الأمْوَال، وهذا لا أحْتَمله لأحدٍ من النَّاسِ، وقد حَكَمتُ عليك (a) في القَتْل في العَمْد بالقَوَدِ، وفي الخَطَأ بالدِّيَةِ، وأنْ تَرُدَّ الأمْوَال إلى مَوَاضِعَها (b) ؛ فإنَّما المالَ مَالُ الله عز وجل، ونحنُ خُزَّانَهُ، وسَيَّان مَنْعُ حَقٍّ وإعْطَاءُ بَاطِلٍ، فلا يُؤمننَّكَ إلَّا بالطَّاعَة، ولا يُخيْفنَّك (c) إلَّا المَعْصِيَة.
وكَتَب في أسْفَل الكتاب: [من الطويل]
إذا أنْتَ لم تَتْرُكْ أُمُوراً كرهْتَها
…
وتَطْلُبْ رِضَاي في الّذي أنْتَ طَالِبُه
وتَخْشَى الّذي يَخْشَاهُ مثلُكَ هَارِبًا
…
إلى الله منه ضيَّع الدُّرّ جَالِبُه
فإنْ تَرَ منِّي غَفْلَةً قُرَشِيَّةً فيا
…
رُبَّما قد غصَّ بالماءَ شَارِبُه
وإنْ تَرَ منِّي وَثْبَةً أَمَويًّةً فهذا
…
وهذا كُلّه أنا صَاحِبُه
فلا تَعْدُ ما يأتيكَ منِّي فإنْ تَعُد
…
تَقُم فاعْلَمَنْ يَوْماً عليكَ نَوَادِبُه
فلمَّا وَرَدَ الكتابُ على الحَجَّاج وقرأهُ، كَتَب جَوَابَهُ:
أمَّا بَعْدُ؛
فقد جَاءَني كتابُ أَمِير المُؤْمنِيْن، يَذْكُر فيهِ سَرَفي في الدِّماءِ، وتَبْذيري الأمْوَال، فوالله ما بالغْتُ في عقُوبَةِ أهْلِ المَعْصِيَةِ، ولا قضَيْتُ حَقّ أهْلِ الطَّاعَة، فإنْ يَكُن قَتْلِي العُصَاةَ سَرَفاً، وإعْطَائي أهْل الطَّاعَة تَبْذِيراً، فليُمْضِ لي أَمِير المُؤْمنِيْن ما سَلَفَ، وليُحَدِّد لي أَمِير المُؤْمنِيْن فيما يَحْدُث حَدًّا أَنْتَهي إليه ولا أتَجَاوزُه.
وكَتَبَ في أسْفَل الكتَاب: [من الطويل]
إذا أنا لم أطْلُبْ رِضَاَك وأتَّقي
…
أذَاكَ فيَوْمِي لا تَوَارَتْ كَوَاكِبُهْ
(a) في الأصل: فيك، والتصويب من المصادر المتقدمة باتّفاقها جميعاً.
(b) ابن عساكر: موضعها.
(c) ابن عساكر: تؤمنك
…
تخيفك.
إذا قَارَفَ الحَجَّاجُ فيك خَطِيْئَةً
…
فقَامَتْ عليه في الصَّبَاحِ نَوَادِبُهْ
أُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتَ من ذي هَوَادَةٍ
…
ومَنْ لَم تُسَالِمْهُ فإنِّي مُحَارِبُهْ
إذا أنا لَم أُدْنِ الشَّفِيْقَ لنُصْحِهِ
…
وأُقْصِ الّذي تَسْرِي إليَّ عَقَارِبُهْ
فَمنْ يتَّقي يَوْمي ويَرْجُو إذاً غَدِي
…
على ما أرَى والدَّهْر جَمًّا عَجَائِبُهْ
أنْبَأنَا أحْمَد بن أزْهَر بن السَّبَّاك، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، عن أبي مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، عن أبي عُبَيْد الله المَرْزُبانيّ، قال في مُعْجَم الشُّعَراء
(1)
: كَتَب إليه - يعني الحَجَّاجَ - عَبْدُ المَلِك بن مَرْوَان بأبياتٍ يُنْكِرُ عليه فيها إسْرَافَهُ في الدِّماء والأمْوَال، فأجابَهُ الحَجَّاجُ:[من الطويل]
إذا أنا لَم أطْلُبْ رِضَاكَ وأتَّقي
…
أذَاكَ فيَوْميِ لا تَوَارَى كَوَاكِبُهْ
وما لامْرئ يَعْصي الخَلِيفَة جُنَّةً
…
تَقِيه من الأمْر الّذي هو رَاهِبُهْ
أُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتَ من ذي قَرَابَةٍ
…
وإنْ لَم تُسَالِمْهُ فإنِّي مُحَارِبُهْ
إذا قَارَفَ الحَجَّاجُ فيك خَطِيْئَةً
…
فقامَتْ عليه في الصَّبَاح نَوَادِبُهْ
إذا أنا لَم أُدْنِ الشَّفِيْق لنُصْحِهِ
…
وأُقْصِ الّذي تَسْري إليك عَقَارِبُهْ
وأُعْطِيِ المُوَاِسِي في البَلَاءِ عَطِيَّةً
…
تَرُدُّ الّذي ضَاقَتْ عليه مَذَاهِبُهْ
فَمنْ يتقِي يَوْمِي ويَرْعَى مَوَدَّتي
…
ويَخْشى غَدِي والدَّهْرُ جَمّ عَجَائِبُهْ
والأمْرُ إليكَ اليَوْمَ ما قُلْتَ قُلْتُه
…
وما لَم تَقُلْهُ لمِ أقُلْ ما يُقَارِبُهْ
فقِفْ بي على حَدِّ الرِّضَا لا أجوزُه (a)
…
يَدَ الدَّهْر حتّى يَرْجعَ الدُّرَّ حَالِبُهْ
وإلَّا فَذَرْنِي والأُمُورَ فإنَّني
…
رَفِيْقٌ شَفِيقٌ أحْكَمَتْهُ تَجارِبُهْ
قال المَرْزُبانيُّ: وله أيْضاً جَوَابٌ لعَبْد المَلِك أوَّلُه: [من الطويل]
لعَمْري لقد جَاءَ الرَّسُولُ بكُتْبِكُمْ
…
قَرَاطِيْسَ تُمْلَى ثمّ تُطْوَى فتُطْبَعُ
(a) الأصل: أحوزه، والمراد: لا أتجاوزه.
_________
(1)
في القسم الأول الضائع من معجم الشعراء للمرزباني.
كتابٌ أتَاني فيهِ لِيْنٌ وغِلْظَةٌ
…
وذكَّرت والذِّكَرَى لذي اللُّبِّ تَنْفَعُ
قال: وهي أبْياتٌ.
وأخْبَرَنا بها أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَليِل بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيَى بن بَوْش، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ أحْمَدُ بن عُبَيْد الله بن كَادِشٍ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ مُحَمَّد بن الحُسَين الجَازِرِيّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء القَاضِي
(1)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الحَسَن بن دُرَيْد، قال: أخْبَرَنا أبو حَاتِم، قال: أخْبَرَنا أبو عُبَيْدَةَ (a)، قال: لمَّا قَتَلَ الحَجَّاجُ ابنَ الأشْعَث، وصَفَتْ لهُ العِرَاقُ، قَدَّم قَيْساً، واتَّسَعَ في إنْفاق الأمْوَال، فكَتَب إليه عَبْد المَلِك:
أمَّا بعدُ؛
فقد بلَغَ أَمِير المُؤْمنِيْن أنَّكَ تُنْفقُ في اليَوْم ما لا يُنْفقُه (a) أَمِيرُ المُؤْمنِيْن في أسْبُوع، وتُنْفق في الأسْبُوع ما لا يُنْفقُه أَمِيرُ المُؤْمنِيْن في الشَّهر:[من الطويل]
عليكَ بتَقْوَى الله في الأمْر كُلَّهِ
…
وكُن لوَعِيْدِ الله تَخْشَى وتَضْرَعُ
ووَفِّرْ خَرَاجَ المُسْلِميْنَ وفَيْئَهُم
…
وكُن لهم حِصْناً تُجِيْرُ وتَمْنَعُ
فكَتَبَ إليه الحَجَّاجُ: [من الطويل]
لعَمْري لقد جَاءَ الرَّسُولُ بكُتْبِكُمْ
…
قَرَاطِيْسَ تُمْلَى ثمّ تُطْوَى فتُطْبَعُ
كِتَابٌ أتَاني فيهِ لِيْنٌ وغِلْظَةٌ
…
وذكَّرت والذِّكْرَى لذي اللُّبِّ تَنْفعُ
وكاتَ أُمُورٌ تَعْتَرينِي كَثِيْرةٌ
…
فأرضَخُ أو أعْتَلُّ حيناً فأمْنَعُ
إذا كنتُ سَوطاً من عَذَابٍ عليهِمُ
…
ولَم يكُ عِنْدي في المَنَافِع مَطْمَعُ
(a) تحرف في نشرة كتاب الجريري إلى: أبو عبية، وأبو عبيدة هو: معمر بن المثنى كما في البداية والنهاية 9: 126.
(b) الجريري: ينفق.
_________
(1)
الجريري: الجليس الصالح 1: 461، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير 9: 126 - 127.
أيَرْضَى بذاكَ النَّاسُ أم يَسْخَطُونَهُ
…
أمُ أحْمَدُ فيهم أم أُلَامُ فأُقْذَعُ
وكانَتْ بِلادٌ جئتُها حيثُ جِئْتُها
…
بها كُلُّ نِيْرَانِ العَدَاوَةِ تَلْمَعُ
فقَاسَيْتُ منها (a) ما علمْتُ ولَم أَزَلْ
…
أُصَارعُ حتَّى كدْتُ بالمَوْتِ أُصْرَعُ (b)
فكم أرْجَفُوا من رَجْفَةٍ قد سَمعْتُها
…
ولو كانَ غيري طَارَ ممَّا يُرَوَّعُ
وكنتُ إذا هَمُّوا بإحْدَى هَنَاتِهم
…
حَسَرْتُ لهم رَأسِي ولا أتَقَنَّعُّ
فلَوْ لَم تَذُدْ (c) عِنيّ صَنَادِيْدُ منهُمُ
…
تَقَسَّمَ أعْضَائي ذِئَابٌ وأَضْبُعُ
فكتب إليه عَبْدُ المَلِك: اعْمَل برَأيكَ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي الفَضْل السَّلَمَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الدِّمَشقيِّ
(1)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن أبي جَعْفَر، عن أبي المَعَالِي بن صَابِر، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم العَلَويّ، قال: أخْبَرَنا رَشَاءُ بن نَظِيف، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَرْوَان
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عِيسَى المُؤدِّبُ، قال: حَدَّثَنَا ابن عائِشَةَ، عن أَبيِهِ، قال: خَطَبَ الحَجَّاجُ يَوْماً، ثُمَّ أنْشَد قَوْل سُوَيْد بن أبي كَاهِلٍ
(3)
: [من الرمل]
كيفَ تَرْجُونَ (d) سِقاطِي بَعْدَما
…
جَلَّلَ الرَّأسَ بياضٌ وصَلَعْ
رُبَّ مَن أنضَحْتُ (e) غَيْظاً صَدْرَهُ
…
لو تَمنَّى لي مَوْتاً لم يُطَعْ
ويَرَاني كالشَّجَا في صَدْره
…
عَسِراً مَخْرجُهُ لا يُنْتَزَع
جُرذٌ (f) يَخْطِرُ ما لم يَرَني
…
فإذا أُسْمِعُه (g) صَوْتي انْقَمَع
(a) الجريري: فيها.
(b) في الأصل: أضارع
…
أضرع، والتصويب من الجليس الصالح والبداية والنهاية.
(c) الجريري وابن كثير: يذد.
(d) المجالسة وعيون الأخبار: يرجون.
(e) المجالسة وعيون الأخبار: أنضجت.
(f) المجالسة وعيون الأخبار: مزبد.
(g) المجالسة وعيون الأخبار: أسمعته.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 162 - 163.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 375.
(3)
انظر الأبيات عند ابن قتيبة: عيون الأخبار 2: 10.
لم يَضِرْنِي (a) غَيْر أن يَحْسُدَني
…
فهو يَزْقُو مثل ما يَزْقُو الضُّوَعِ (b)
ويُحَيِيَّني إذا لاقيتُهُ
…
وإذا يخْلُو له لَحِمْي رَتَع
قد كَفَاني اللهُ ما في نَفْسه
…
وإذا ما يَكْفِ شَيئاً لم (c) يُضَعْ
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج بن خَلِيل الأَدَمِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مَسْعُود بن أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن الحَسَن الجَمَّال، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور مَحْمُود بن إسْمَاعِيْل الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن الحُسَين بن فَاذشَاه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسمِ سُليْمان بن أحْمَد بن أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن يَحْيَى ثَعْلَب، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن بَكَّار، قال: حَدَّثَني عَبْدُ الله بن إبْراهيم الجُمَحِيّ، قال: حَدَّثَني سَعيد بن سَلَم، قال: كان الحَجَّاجُ بن يُوسُف يُنْشدُ قَوْل مَالِك بن أسْماء بن خارِجَة: [من المنسرح]
يا مُنْزِلَ الغَيْثِ بَعْدَما قَنَطُوا
…
ويا وَلِيَّ النّعْمَاء والمِنَنِ
يكُون ما شِئْتَ أنْ يَكُونَ وما
…
قدَّرْتَ أنْ لا يكُونَ لم يَكُنِ
يا جَارَةَ الحيَّ كُنْتِ لي سَكَنًا
…
ولَيْسَ بعضُ الجِيْرَان بالسَّكَنِ
أذْكُر من جارَتي ومَجْلِسِها
…
طَرَائفاً من كَلَامها الحَسَنِ
ومن حَدِيثٍ يزيدُني مِقَةً
…
ما لحديث المَوْمُوْق من ثَمَنِ
أخْبَرَنا أبَو القَاسِم عَبْد الغَنِيَّ بن سُلَيمان، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّدُ بن حَمْد بن حَامِد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليِّ بن الحُسَين الفَرَّاءُ في كتابهِ، عن أبي إسْحَاق الحَبَّال وخَدِيجَة المُرَابِطَة - قال الحَبَّال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ الجَبَّار بن أحمد، قال: أخْبَرَنا أَبو بَكْر الحسَن بن الحُسَين بن بُنْدَار، وقالت خَدِيجَة: أخْبْرَنا أبو القَاسِم يَحْيَى بن أحْمَد بن عليّ بن الحُسَين بن بُنْدَار، قال: حَدَّثَنِي جَدِّي عليّ بن
(a) المجالسة: يصيرني.
(b) في الأصل وكذا أصول ابن عساكر: الضرع، وصوابه المثبت من كتاب المجالسة للدينوري وعيون الأخبار، والضوع: طائر أسود من طيور الليل كالغراب، وقيل: ذكر البوم. لسان العرب، مادة: ضوع.
(c) المجالسة: لا.
الحُسَين - قالا: حَدَّثَنَا مَحْمُود بن مُحَمَّد الأدِيْبُ، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْد الله بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَلَّام، قال: حَدَّثَنَا أبو كَثِيْر عَبْدُ القَاهِر بن السَّرِيّ، قال: كتَبَ الجَجَّاجُ إلى قُتَيْبَة بن مُسْلِم:
أمَّا بَعْدُ؛
فإنِّي نَظَرتُ في سِنيّكَ فوجَدْتُها مثل سِنيَّ، وكَتَب
(1)
: [من الطويل]
وإنَّ امْرأً قد سَارَ خَمْسِين حِجَّةً
…
إلى مَنْهَلٍ من وِرْدِهِ لقَرِيْبُ
إذا ما مَضَى القَرْنُ الّذي كُنْتَ فيهم
…
وخُلِّفْتَ في قَرْنٍ فأنْتَ غَرِيْبُ
وما الدُّنْيا إلَّا كما قال الشَّاعِرُ
(2)
: [من الطويل]
أرَاهَا وإنْ كانت تُحَبُّ فإنَّها
…
سَحَابَةُ صَيْفٍ عن قَلِيلٍ تَقَشَّعُ
أخْبَرَنا عَتِيق السَّلَمَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(3)
، ح.
وحَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحْمَد، قال: أنْبَأنَا عَبْدُ الله بن عبد الرَّحْمن، قالا: أخْبَرَنا عليّ بن إبْراهمِ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن العَدْل، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد [الحَسَن](a) بن إسْمَاعِيْل، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الدِّيْنَورِيّ
(4)
، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا هَارُون بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا ضمْرَهَ، عن ابن شَوْذَب، قال: رُبَّما دَخَلَ الحَجَّاج على دَابَّته حتَّى يقفَ على حَلْقَة الحَسَن، فيسمَعُ إلى (b) كَلَامه، فإذا أرَادَ أنْ يَنْصَرف يَقُول: يا حَسَن، لا تُمِلّ النَّاسَ، قال: فيقُول الحَسَن: أصْلَح اللهُ الأَمِير، إنَّهُ لَم يَبْقَ إلَّا مَنْ لا حَاجَة له.
(a) إضافة من ابن عساكر.
(b) ليست عند ابن عساكر، وفي كتاب المجالسة: فيستمع إلى.
_________
(1)
ينسب الشعر لأبي العتاهية، انظر: ديوانه 34.
(2)
يُنسب بيت الشعر للكميت الأسدي، انظر: ديوانه 239.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 164.
(4)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 513.
وقال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الدِّيْنَورِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم الحَرْبِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو سَلَمَة، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سَلَمَة، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن زَيْد، قال: قيل لسَعِيد بن المُسَيّب: ما بالُ الحَجَّاج لا يَهِيْجُكَ كما يَهِيْج النَّاس؟ قال: لأنَّهُ دَخَل المَسْجِد مع أبِيهِ (a) فصَلَّى فأسَاءَ صَلَاتَهُ، فَحَصَبْتُهُ، فقال الحَجَّاجُ: لا أزَالُ أُحْسن صَلَاتي ما حَصَبَني سَعِيدٌ.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ بدِمَشْق، وأبو حَفْصٍ عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريُّ، قال: أخْبَرَنا أبو إسْحَاق البَرْمَكِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن مَاسِي، قال: حَدَّثَنَا أبو مُسْلم الكَجِّيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد الله الأنْصَاريّ - قال ابنُ عَوْن: حَدَّثَنيهِ - قال: دَخَلْتُ أنا ومُسْلِم البَطِيْن على أبي وَائِل، فقُلْنا لجَارِيَةِ له يُقالُ لها بُرَيْرَةَ (b): قُولي لأبي وَائِل يُحَدِّثُنَا ما سَمِعَ من عَبْد الله بن مَسْعُود، فَقالت: يا أبا وَائِل، حَدِّث القَوْمَ ما سَمِعْتَ من ابن مَسْعُود، قال: سَمِعْتُ ابنَ مَسْعُود يَقُول: أيُّها النَّاسُ، إنَّكم مَجْمُوعُونَ في صَعِيدٍ واحدٍ يَسْمَعُكُم الدَّاعي ويَنْفُذُكُم البَصَر (c)، ألَا وإنَّ الشَّقِي مَنْ شَقي في بَطْن أُمَّه، والسَّعِيْد مَنْ وُعِظَ بغيره، فقُلْنا لها: قُولي له: بما تَشْهَدُ على الحَجَّاج؟ قالت: يا أبا وَائِل، بما تَشْهَدُ على الحَجَّاج، تَشْهَدُ أنَّهُ في النَّار؟ فقال: سُبْحَان الله! أحْكُمُ على الله عز وجل.
أخْبَرَنا عَتِيق بن أبي الفَضْل، ومُحَمَّد بن أحْمَد، قِراءةً من لَفْظه - قال عَتِيق: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، وقال مُحَمَّد: أنْبَأنَا أبو المَعَالِي بن صَابِر - قالا:
(a) الدينوري: ابنيه.
(b) مهملة في الأصل، والإعجام من تاريخ ابن عساكر 12: 189، وفي المعجم الكبير للطبراني 9: 100: بريدة، وفي الإبانة الكبرى لابن بطة 4: 37: يزيدة، بالياء والزاي.
(c) ابن عساكر: البصير.
_________
(1)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 434.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 157.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا رَشَاءُ بن نَظيف، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن إسْمَاعِيْل، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مَرْوَان
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن مُحْرِز، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْز بن مُنِيْب، عن عَبْد الله بن عُثْمان بن عَطَاء الخُرَاسَانيّ، قال: حَدَّثَني شِهَابُ بن خِرَاش، قال: حَدَّثَني عَمِّي يَزِيد بن حَوْشَب، قال: بَعَثَ إليَّ المَنْصُور أبو جَعْفَر فقال: حَدِّثني بوَصِيَّةِ الحَجَّاج بن يُوسُف، فقُلتُ: اعْفِني يا أَمِير المُؤْمنِيْن، قال: حَدِّثني بها، فقُلتُ:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أوْصَى بهِ الحَجَّاجُ بن يُوسُف: أوْصَى (a) أنَّهُ يَشْهَدُ أنَّ لا إلَه إلَّا الله، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه ورَسُوله، وأنَّهُ لا يَعْرف إلَّا طَاعَةَ الوَلِيد بن عَبْد المَلِك، عليها يَحْيَا، وعليها يَمُوت، وعليها يُبْعَث. وأوْصَى بتِسْعمَائة دِرْع حَدِيد: سِّتِمائة منها لمُنَافِقي أهْلِ العِرَاق يغْزُونَ بها، وثَلاثِمائة للتّرْك.
قال: فرفَع أبو جَعْفَر رأسَهُ إلى أبي العبَّاس الطُّوْسيّ، وكان قائمًا على رَأسِه، فقال: هذه والله الشِّيْعَة لا شِيْعَتكُم.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الغَنِيّ بن سُلَيمان بن بَنِيْن المِصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن حَمْد بن حَامِد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن علىّ بن الحُسَين الفَرَّاءُ في كتابهِ، عن أبي إسْحَاق الحَبَّال، وخَدِيجَة المُرَابِطَة - قال الحَبَّال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الجَبَّار بن أحْمَد بن عُمَر، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الحَسَن بن الحُسَين بن بُنْدَار، وقالت خَدِيجَةُ: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيَى بن أحْمَد بن عليّ بن الحُسَين بن بُنْدَار، قال: حَدَّثَنِي جَدِّي أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن بُنْدَار - قالا: حَدَّثَنَا مَحْمُود بن
(a) ابن عساكر: أوصى به.
_________
(1)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 344.
مُحَمَّد الأدِيْبُ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن عُمَر النُّفَيْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُسْهِر، قال: حَدَّثَنَا سَعيد بن عَبْد العَزِيْز، قال: قال عُمَر بن عَبْد العَزِيْز (a): ما حَسَدْتُ أحدًا على شيءٍ قَطُّ إلَّا الحَجَّاج؛ حَسَدْتُهُ على اثْنَتَين: حُبِّه للقُرْآن وإعْطَائه [أهْله](b)، وقَوْله عند مَوْته: اللَّهُمَّ إنَّ النَّاس يَزْعُمُون أنَّكَ لا تَغْفر لي، فاغْفِر لي.
وقالا: حَدَّثَنَا مَحْمُود الأدِيْب، قال: حَدَّثَنَا حَنَشُ بن مُوسَى، قال: أخْبَرَنا المَدَائِنيُّ، عن جُوَيْرِيَة أنَّ الحَجَّاج قال عند المَوْت: اللَّهُمَّ اغْفِر لي، فإنَّ هؤلاء يَزْعُمُون أنَّكَ لا تَغْفر لي. فبلَغَت الحَسَن كَلمَتُه قال: أوَقَالَها؟ قالوا: نَعم، قال: عَسَى.
وقالا: حَدَّثَنَا مَحْمُود، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْد الله بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن الجَعْد، قال: أخْبَرَنا المَاجُشُون، عن الزُّهْرِيّ، قال: قال لي عُمَر بن عَبْد العَزِيْز: ما آسَى إلَّا على كلمة بَلَغَني أنَّ الحَجَّاج قالَها عند مَوْته: اللَّهُمَّ اغْفِر لي، فإنَّ النَّاس يَزْعُمُون أنّكَ لا تَغْفر لي.
وقالا: حَدَّثَنَا مَحْمُود، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن الهَيْثَم، قال: أخْبَرَنا الوَلِيدُ بن هِشَام، قال: لمَّا احْتُضر الحَجَّاج بن يُوسُف جَعَل يَقُول: لئن كُنْتُ على ضَلَالة لبئس حين المنْزَع، ولئن كنْتُ على هُدَىً لبئس حين المجْزَع.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم بن الحَرَسْتَانِيّ، عن أبي الحَسَن عليّ بن المُسَلَّم الفَقِيه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي العَلَاء، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو سُليْمان بن زَبْر، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مَلَّاس، قال: حَدَّثَنَا رَبيعَةُ بن الحَارِث الحِمْصِيّ، قال: حَدَّثَنَا سُليْمان بن سَلَمَة، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن حِمْيَر، قال:
(a) كتب مُحَمَّد بن فهد المكىّ الهاشمي في الهامش، وهو ممن طالع نسخة الكتاب:"هذا الحديث تقدم في الجزء الذي قبل هذا"، وقد تقدمت الرواية بذات السند في أول ترجمة الحجاج غير أن المتن فيه اختلاف، ونصه: "قال عمر بن عبد العزيز: كانت في الحجاج خلَّتان وددت أنهما لم تكونا فيه: حبه للقرآن
…
".
(b) ما بين الحاصرتين كتبه ابن العديم في الهامش، قال:"كذا في الأصل: والصحيح: وإعطائه أهله".
حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِك، قال: حَدَّثَنَا الأحْوَصُ بن حَكِيم العَنْسِيّ (a)، عن أَبِيهِ، عن جَدِّه، قال: حَضَرْتُ نَزيع الحَجَّاج بن يُوسُفَ، فلمَّا حضَرَهُ المَوْت جَعَل يَقُول: ما لي ولكَ يا سَعيد بن جُبَيْر.
أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر يُوسُف بن زُغلِي (b) بن عَبْد الله سِبْط [ابن](c) الجَوْزِيّ
(1)
بحَلَب، قال: أخْبَرَنا جَدِّي أبو الفَرَج عبدُ الرَّحْمن بن عليَّ بن مُحَمَّد
(2)
، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْل بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن أحْمَد بن أبي الصَّقْر، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْد الله مُحَمَّدُ بن الفَضْل بن نَظِيْف، قال: حَدَّثَنَا أحمدُ بن الحَسَن الرَّازِيّ، قال: حَدَّثَنَا هَارُون بن عِيْسى، قال: حَدَّثَنَا أبو عبْد الرَّحْمن المقرِئ، قال: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بن عِمْران، قال: حَدَّثَنَا ابن ذَكْوَان: أنَّ الحَجَّاج بَعَثَ إلى سَعيد بن جُبَيْر، فأصَابَهُ الرَّسُول بمَكَّة، فلمَّا سَارَ بهِ الرَّسول ثلاثة أيَّامٍ، رآهُ يَصُوم نَهارَهُ، ويَقُوم
(a) مهملة في الأصل، وانظر تهذيب الكمال للمزي 2: 289، وأيضًا 7: 200 (في ترجمة والده حكيم بن عمير العنسي)، وعند ابن عساكر 12: 194: الفارسي.
(b) في الأصل: زعلي، ويتكرر على هذا النحو فيما بعد، وصوابه بالغين المعجمة، ويرد في أغلب المصادر: قُزغلي كما في وفيات الأعيان 3: 142 (ترجمة عارضة)، واليونيني: ذيل مرآة الزمان 1: 39 (قزأوغلي)، والذهي: تاريخ الإسلام 14: 767، والوافي بالوفيات 39: 276 وعقود الجمان للزركشي ورقة 359 ب، والسلوك للمقريزي 1/ 2: 401، وتاج التراجم لابن قطلوبغا 287 (وفيه: قِزْأغلي)، والبداية والنهاية لابن كثير 13: 194 (قزأوغلي)، العيني: عقد الجمان (القسم الخاص بعصر سلاطين الممالك) 1: 132، ابن دقماق: نزهة الأنام 229 (قُزْأُغلي) وغيرها من المصادر التي ترجمت له. ومثله أيضًا ما وُجد مجوَّدًا على غلاف نسخة خزائنية مخطوطة من الجزء الحادي والعشرين من كتابه مرآة الزمان المحفوظة في المكتبة العامة بالرباط برقم 6790. والمثبت موافق لما ذكره الذهبي في تاريخه (14: 768)، قال: "ويقال في أبيه زُغْلي، بحذف القاف".
(c) يذكره حيثما يرد: سبط الجوزي، والمشهور في جده أنه: ابن الجوزي.
_________
(1)
أثبت في كتابه مرآة الزمان 10: 14 - 15 رواية أبي نعيم بإسناده إلى الحسن، وهى رواية فيها بعض اختلاف. وهذه الرواية المتَّصلة بمقتل سعيد بن جبير أوردها ابن العديم في آخر الكراسة من هذا الجزء". وكتب عندها:"يقدَّم"، وكتب في هذا الموضع الذي أعدناه له:"يتلوه مقتل سعيد بن جبير في آخر الجزء".
(2)
صفة الصفوة 3: 80 - 85.
ليْلَهُ، فقال له الرَّسُولُ: والله إنِّي لأعْلَم أنِّي أذْهَبُ بكَ إلى مَنْ يقتُلك، فاذْهَب أىَّ الطَّريق شِئْتَ، فقال له سَعيد: إنَّهُ سيبْلغُ الحَجَّاج أنَّك أخَذْتَني، وإنْ خلَّيت عنِّي خفْتُ أنْ يَقْتُلَكَ. قال: اذهَبْ بي إليه، فذَهَبَ به، فلمَّا دَخَلَ قال له الحَجَّاجُ: ما اسْمُكَ؟ قال: سَعيد بنُ جُبَيْر، فقال: شَقِيُّ بن كُسَيْر، فمَال: أُمِّى سَمَّتْني، قال: شَقِيْتَ، قال: الغَيْبُ يَعْلمه غيرُكَ، قال الحَجَّاجُ: أمَا والله لأُبَدِّلنكَ من دُنْياك نارًا تَلَظَّى، قال: لو عَلمْتُ أنَّ ذلك إليكَ ما اتَّخَذْتُ إلهًا غيرك. فسَألَهُ عن رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابهِ إلى أنْ قال: ما تقُول فيَّ؟ قال: أنْتَ بنَفْسكَ أعْلَم، قال: بُثَّ فيَّ عِلْمكَ، قال: إذًا أَسُوؤكَ ولا أسُرُّكَ، قال: بُثَّ. قال: نعم، ظَهَرَ منك جَوْرٌ في حَدِّ الله، وجُرْأةٌ على مَعَاصِيهِ بقَتْلك أوْلِيَاء الله عز وجل، قال: والله لأُقَطِّعنَّكَ قطَعًا، قال: إذًا تُفْسد علىَّ دُنْيايَ وأُفْسِدُ عليك آخِرَتكَ، والقِصَاصُ أمَامَكَ، قال: الوَيْلُ لك (a)، قال: الوَيْلُ لمَنْ زُحْزِحَ عن الجَنَّة وأُدْخِل النَّار، قال: اذْهَبُوا به فاضْربُوا عُنُقه. قال سَعِيد: فإنِّي أشْهَدُ أنْ لا إلَه إلَّا الله، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُه، فلمَّا ذَهَبُوا به ليُقْتَل تَبَسَّم، فقال الحَجَّاجُ: مِمَّ ضَحِكْتَ؟ قال: من جُرْأتِكَ على اللهِ عز وجل، قال: أضْجِعُوه للذَّبْح، فأُضْجِعَ، فقال:{وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}
(1)
. فقال: أقْلبُوا ظَهْره إلى القِبْلَة، فقَرَأ سَعِيدٌ:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
(2)
، فقال: كُبُّوهُ على وَجْهِهِ، فقرأ سَعِيدٌ:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}
(3)
، فذُبِحَ. فبلَغ ذلك الحَسَن، فقال: اللَّهُمَّ يا قاصِمَ الجَبَابِرَهَ اقْصِمِ الحَجَّاجَ. فما بقيَ إلَّا ثلاثًا؛ وقَعَ في جَوْفه الدُّوْدُ فمات.
(a) مرآة الزمان: الويل لك من الله.
_________
(1)
سورة الأنعام، من الآية 79.
(2)
سورة البقرة، من الآية 115.
(3)
سورة طه، الآية 55.
وقال ابن المُسَلَّم: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد جَعْفَر بن أحْمَد بن الحُسَين السَّرَّاج، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ العَزِيْز بن بُنْدَار الشِّيْرَازيّ بمَكَّة، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن قال الهَمَذانيّ، قال: حَدَّثَنَا أَوْس بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ إسْحَاق السَّرَّاجِ، قال: حَدَّثَنَا ابنُ أبي الدُّنْيا، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عَبْدِ الله التَّمِيْمِيّ، قال: لمَّا مَاتَ الحَجَّاج بن يُوسُف، لم يُعْلَم بمَوْتِهِ حتَّى أشْرَفَتْ جَارِيةٌ فبَكَتْ فقالت: ألَا إنَّ مُطْعِم الطَّعَام، ومُفَلِّقَ الهَام، وسَيِّدَ أهْلِ الشَّام قد ماتَ، ثمّ أنْشَأت تقُول:[من البسيط]
اليَوْمَ يَرْحَمُنا مَنْ كان يَغْبِطُنا
…
واليَوْمَ يأمَنُنَا مَنْ كان يَخْشَانا
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو المَيْمُون بن رَاشِد، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة
(2)
، قال: حَدَّثَني مَحْمُود بن خَالِد وغيره، قالا: حَدَّثَنَا يَزِيد بن عَبْد رَبِّهِ، قال: حَدَّثَنَا عُمَيْر بن المُغَلِّس، قال: حَدَّثَني أيُوب بن مَنْصُور (a)، قال: سَمِعْتُ عَمْرو بن قَيْسٍ يقُول: قال لي الحَجَّاج: مَتَى كان مَوْلدُكَ يا أبا ثَوْر؟ قُلتُ: عامَ الجَمَاعَة، سَنَةَ أرْبَعيْن، قال: وهي مَوْلدِي. قال: فتُوفِّي الحَجَّاجُ سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين، وتُوفِّيَ عَمْرو بن قَيْسٍ سَنة أرْبَعيْن، كذلك أخْبَرَني مَحْمُود. الصَّوَابُ: أبو مَنْصُور.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(3)
: أخْبَرَتْنا أُمُّ البَهَاءَ فاطِمَةُ بنتُ مُحَمَّد، قالت: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن مَحْمُود، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا أبو الطَّيِّب مُحَمَّد بن جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا عُبَيْد الله بن سَعْد الزُّهْرِيّ، قال: قال أبي: ثُمَّ تُوفِّي الحَجَّاج لأرْبَع وعشرين من رَمَضَان، يعني: سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين.
(a) في تاريخ أبي زرعة: أيوب أبو منصور، وصوبه ابن العديم بعد انتهاء النقل.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 197، 46:318.
(2)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 2: 700.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 197.
قال
(1)
: وحَدَّثَنَا عُبَيْد الله بنُ سَعْد، قال: حَدَّثَنَا هَارُون بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا ضَمْرَة، عن ابن شَوْذَب، قال: وَلِيَ الحَجَّاج العِرَاق وهو ابن ثلاثٍ (a) وثلاثين، وماتَ وهو ابنُ ثلاثٍ (b) وخَمْسِين سَنَةً.
أنْبَأنَا القَاضِي أبو القَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، عن عَبْد العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو سُليْمان بن زَبْر
(2)
، قال: حَدَّثَنَا الهَرَويّ، قال: قَرَأتُ على الرَّشِيْدِيّ أنَّ مُوسَى بن هَارُون البُرْدِيّ (c) حدَّثَهُم، قال: سَمِعْتُ ابنَ عُيَيْنَة يَقُول: ماتَ الحَجَّاجُ سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين في شَوَّال، وهو يَوْمئذٍ ابن أربع وخَمْسِين.
قال
(3)
: وأخْبَرَنا أبي أبو مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل -هو ابن إسْحَاق- قال: قال ابنُ المَدِيْنِيّ: ماتَ الحَجَّاجُ سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين.
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن عُبَيْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا عُثْمان بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بن إسْحَاق، قال: حَدَّثَني أبو عَبْد الله
(4)
، قال: حَدَّثَنا يَحْيى -يعني ابن سَعيد- قال: ماتَ الحَجَّاجُ بن يُوسُف سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين.
(a) الأصل: ثلاثة.
(b) الأصل: ثلاثة.
(c) تحرَّف في تاريخ ابن زبر إلى: البردعي، وفي تاريخ ابن عساكر (12: 198): البزدي، وصوابه المثبت. انظر: توضيح المشتبه لابن ناصر الدين 1: 445، وترجمته في تهذيب الكمال للمزي 29:162.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 197 - 198.
(2)
تاريخ مولد العلماء 93.
(3)
تاريخ مولد العلماء لابن زبر 93، والنقل متتابع عن تاريخ ابن عساكر 12:198.
(4)
التاريخ الأوسط للبخاري 1: 211.
وقال: حَدَّثَنَا حَنْبَل، قال: وحَدَّثَنَا هَارُون بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا ضَمْرَة، قال: قال ابنُ شَوْذَب: وَلِيَ الحَجَّاج العِرَاقَ وهو ابن ثلاثٍ وثلاثين، ومات وهو ابن ثلاث وخَمْسِين.
قال: وحَدَّثَنَا أبو نُعَيْم، قال: والحَجَّاج بن يُوسُفَ في سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين، ماتَ في رَمَضَان لَيْلَة سَبْع وعشرين، ووَليَ سَنَة خَمْسٍ وسَبْعِين.
قال: وقال أبو نُعَيْم: قَدِمَ الحَجَّاجُ الكُوفَة وهو ابن ثلاثٍ وثلاثين، ووَلينا عشرين سَنَةً، وماتَ وهو ابن ثلاثٍ وخَمْسِين.
وقال ابنُ السَّمَرْقَنْديّ: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن النَّقُّور، وأبو مَنْصُور بن العَطَّارِ، قالا: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّصُ، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْد الله بن عبد الرَّحْمن، قال: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاء بن يَحْيَى، قال: حَدَّثَنَا الأصْمَعِيّ، قال: تُوفِّي الحَجَّاج وهو ابن ثلاثٍ وخَمْسِين سَنَة، ووَليَ العِرَاق عشرين سَنَةً.
قال: وحَدَّثَنَا الأصْمَعِيّ، قال: حَدَّثَنَا سَهْل بن أبي الصَّلْت، قال: ماتَ الحَجَّاجُ في رَمَضَان سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين.
وقال ابنُ السَّمَرْقَنْديّ: أخْبَرَنا أبو الفَضْل عُمَر بن عُبَيْد الله، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَاحِد بن مُحَمَّد بن عُمَر، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن إسْحَاق، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن إسْحَاق، قال: سَمِعْتُ عليّ بن المَدِيْنِيّ يقُول: مات الحَجَّاج سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين، وفيها مات إبْراهيم، وفيها قُتِلَ سَعيد بن جُبَيْر.
وقال ابنُ السَّمَرْقَنْديّ: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن اللَّالكَائِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قال: قال ابنُ بُكَيْر: هَلَكَ الحَجَّاجُ في سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين، وهَلَك الوَلِيدُ سَنَة ستٍّ وتِسْعِين.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحمّد بن هِبَة الله، فيما أَذِنَ لَنا أنْ نَرْويَهُ عنه، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن بن أبي الحُسَين
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب المَاوَرْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن السِّيْرَافيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن إسْحَاق، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عِمْران، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَة العُصْفُرِيّ
(2)
، قال: وفيها -يعني سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين- مات الحَجَّاج في شَهْر رَمَضَان وهو ابن ثلاث وخَمْسِين.
أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَن بن أحْمَد الأَوَقِيّ، فيما أذِنَ لنا في رِوَايَته عنهُ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا المُبارَكُ بن عَبْد الجَبَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن قَشِيْش الحَرْبيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن عُثْمان الصَّفَّار قال: أخْبَرَنا عَبْد البَاقِي بن قَانِع قال: سَنَة خَمْسٍ وتِسْعين، وفيها مات الحَجَّاج بن يُوسُفَ بعد سَعِيدٍ بأيَّامٍ، وهو الصَّحِيْحُ. ثم قال ابن قَانِع بعدَ ذلك: سَنَة ستٍ وتسعين وقيل فيها ماتَ الحَجَّاجُ بن يُوسُفَ.
أنْبَأنَا عبد الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن الحُسَين، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل
(4)
، قال: قال يَحْيَى بن سَعِيد: ماتَ الحَجَّاج سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الأنْمَاطِيّ
(5)
، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن الصَّوَّاف، قال: حَدَّثَنَا أبو جَعْفَر مُحَمَّدُ بن عُثْمان بن أبي
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 199.
(2)
تاريخ خليفة 307، ولم يذكر الشهر الذي مات فيه.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 199.
(4)
التاريخ الأوسط للبخاري 1: 211.
(5)
من طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخه 12: 199، وقال بإثره:"وهذا وهمٌ والصواب ما أخبرناه عبد الله بن البناء"؛ ثم ساقه بإسناده عن ابن أبي خيثمة، عن سليمان بن إبراهيم، عن أبي سفيان الحميري، فذكر الخبر الآتي عند المصنِّف بعده مباشرة.
شَيْبَة، قال: وَلي الحَجَّاج العِرَاق سَنَة سَبْعِين فأقام بالكُوفَة خَمْسَ سنين، وأقامَ بوَاسِط عشرين سَنَةً، وماتَ في سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين.
أنْبَأنَا الكِنْدِيّ، عنِ أبي عَبْد الله بن البَنَّاء
(1)
، عن أبي تَمَّامِ، عن أبي عُمَر الخَزَّاز (a)، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن القَاسِم، قال: حَدَّثَنَا ابن أبي خَيْثَمة، قال: أخْبَرَنا سُليْمان بن أبي شَيْخ، قال: وقال أبو سُفْيان الحِمْيَرِيّ: وَلي الحَجَّاج العِرَاق عشرين سَنَةً، قَدِمَها سَنَة خمْسٍ وسَبْعِين، وماتَ سَنَة خَمْسٍ وتِسْعِين في شَهْر رمَضَان لَيْلَة سَبْع وعشرين، وَلي في خِلَافَة عَبْد المَلِك بن مَرْوَان إحْدَى عَشرة سنةً، وتسع سنين في خِلَافة الوَلِيدِ، وكان الحَجَّاجُ وَلِيَ الحِجَاز ثلاث سنين، وله ثَلاثُون سَنَة، ثمّ وَلي العِرَاق فماتَ وله ثلاثٌ وخَمْسُون سَنَةً، ودُفِنَ بوَاسِط.
قَرَأتُ في تاريخ سَعيد بن كَثِيْر بن عُفَيْر
(2)
: ثمّ كانت سَنَة أرْبَعٍ وسَبْعِين، ففيها قَدِمَ الحَجَّاج الكُوفَة، ومنهم مَنْ قال: قَدِمَها في رَجَب سَنَة خَمْسٍ وسَبْعِين. وقال: ثمّ كانت خمس وتِسْعِين، وفيها مات الحَجَّاج بن يُوسُف بوَاسِط، وكان يُكْنَى أبا مُحَمَّد، مات لأرْبَعٍ بَقِينَ من شَهْر رَمَضَان، ومنهم مَن قال: لثَلاثٍ خَلَوْنَ من شَهْر رَمَضَان، وقد بلَغ من السِّنِّ ثلاث وخَمْسِين سَنة.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَتِيق بن أبي الفَضْل بن سَلامَة، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد بن هِبَة الله
(3)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن أحمد، عن عَبْد الله بن عبد الرَّحْمن، قالا: أخْبَرَنا عليّ بن إبْراهيم الحُسَيْنيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن المُقْرِئ، قال: أخْبرَنا الحَسَنُ بن إسْمَاعيل،
(a) الأصل: الجزَّار، وهو تصحيف والمثبت على الصواب من تاريخ ابن عساكر 12: 199، وهو محمد بن العباس بن محمد بن زكرياء بن حيويه، له ترجمة في سير أعلام النبلاء 16:409.
_________
(1)
من طريقه أخرجه ابن عساكر، وانظر التعليق قبله.
(2)
تقدم التعريف بالمؤلف وكتابه في الجزء الأول من الكتاب.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 196.
قال: أخْبَرنا أحمد بن مَرْوان
(1)
، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم الحَرْبِيّ، قال: حَدَّثَنَا هَارُون بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، عن ابن شَوْذَب، قال: لمَّا ماتَ الحَجَّاجُ قال الحَسَن البَصْرِيّ: اللَّهُمَّ قد أمتَّهُ فأَمتْ عنَّا سُنَّتَهُ، ثمّ قال: إنَّ الله عز وجل قال لمُوسَى عليه السلام: ذكِّر بَني إِسْرَائِيل أيَّامَ الله، وقد كانت عليكم أيَّامٌ كأيَّام القَوْم.
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ
(2)
، إجَازَةً إنْ لَم يكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن عُبَيْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبرنا عُثمان بن أحمَد، قال: حدَّثنا حَنْبل بن إسْحاق، قال: حدّثنا عبد الله بن عُمَر، قال: حدَّثنا عُثمان بن عَمْرو المَخْزوميّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن زَيْد، قال: كُنْتُ عند الحَسَن فجاءَهُ رَجُلٌ، فقال: ماتَ الحَجَّاجُ، فسَجَد الحَسَنُ.
وقال أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ
(3)
: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن الطَّبَريّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: وحَدَّثَنَا يَعْقُوب، قال: حَدَّثَني ابن نُمَيْر، قال: حَدَّثَنَا ابن إِدْرِيس، عن إسْمَاعِيْل بن حَمَّاد، عن أَبِيهِ، قال: بَشَّرْتُ إبْراهيم بموت الحَجَّاج فبَكَى، وقال: ما كُنْت أرَى أحدًا يَبْكي من الفَرَح.
أنْبَأنَا المُؤيَّد بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ، عن أبي عَبْد الله الفَرَاوِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَيْهَقِيّ
(4)
، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر الفَقِيه، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر القَطَّان قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن يُوسُف السُّلَمِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، قال: أخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عن ابن طَاوُس، قال: دَخَلَ رَجُلٌ على أبي فقال: ماتَ الحَجَّاجُ بن يُوسُف يا أبا عبد
(1)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 353.
(2)
من طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخه 12: 195، وفيه تحريف في بعض رواته: عثمان بن عمر بدل: عثمان بن عمرو، وعمر بن زيد بدل: علي بن زيد.
(3)
من طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخه 12: 197.
(4)
دلائل النبوة 6: 489.
الرَّحْمن، قال: فقال له أبي: أربعُوا على أنْفُسكم، حبَسَ رَجُل عليه لِسَانَهُ، وعَلِمَ ما يقُول، فقال له الرَّجُل: يا أبا عبد الرَّحْمن، بَرحَ الخَفَاءُ، هذه نسَاءُ وَافِد بن سَلَمَة قد نَشَرْن أشْعَارهُنَّ وخرَّقْن ثِيَابَهُنَّ يَنُحْنَ عليه، قال: أَفَعَلُوا؟ قال: نعم قال: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(1)
.
أخْبَرَنا المُؤْتَمَن أبو القَاسِم بن قُمَيْرَة التَّاجر البَغْدَاديّ، قِراءَةً عليهِ بمَنْزِلي بحَلَب، قال: أخْبَرَتْنا الكَاتِبةُ شُهْدةُ بنت أحْمَد بن الفَرَج البَغْدَاديّة، قالت: أخْبَرَنا النَّقِيْب أبو الفَوَارِس طَرَّاد بن مُحَمَّد الزَّيْنَبِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين (a) بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن صَفْوَان، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر عَبْدُ الله بن مُحَمَّد بن أبي الدُّنْيا القُرَشِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَني عبدُ الرَّحْمن ابن أخي الأصْمَعِيّ، قال: حَدَّثَني عَمِّي، قال: حَدَّثَني أبو عَمْرو بن العَلَاء، قال: هَرَبْتُ من الحَجَّاج، وكُنْتُ باليَمَن على سَطْح يَوْمًا، فسَمِعْتُ قَائلًا يقُول:[من الخفيف]
رُبَّما تَكرهُ (b) النُّفُوس من الأمْـ
…
ـر لهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَالِ
قال: فخرجْتُ فإذا رَجُل يقُول: ماتَ الحَجَّاجُ، فما أدْرِي بأيّهما كُنْتُ أَشَدَّ فَرَحًا، بفَرْجَةٍ أو بمَوْتِ الحَجَّاج. قال عَمِّي: والفَرْجةُ من الفَرَج، والفُرْجَةُ: فُرْجَةُ الحَائِطِ.
أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبي الحَسَن الكَتَّانِيّ
(3)
، قال: أخْبَرَنا سَهْل بن بِشْر الإسْفَرَايِنِيّ،
(a) الأصل: الحُصَين، ولم يُذكر في شيوخ الزينبي سوى أبي الحسين بن بشران. انظر: السمعاني: الأنساب 6: 372.
(b) كتب ابن العديم فوقها حرف "صـ" لوقوع تصحيف فيها، والمثبت كما في رسالة ابن أبي الدنيا، والمشهور في رواية البيت:"ربما تجزع النفوس"، وهو بيت شعر ينسب لأمية بن أبي الصلت (ديوانه 189) ولعبيد بن الأبرص (ديوانه 128).
_________
(1)
سورة الأنعام، الآية 45.
(2)
رسائل ابن أبي الدنيا (رسالة الفرج بعد الشدة) 2: 298.
(3)
من طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخه 12: 196.
قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن الحُسَين النَّيْسَابُوريّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن أحْمَد الذُّهْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو شُعَيْب الحَرَّانيّ، قال: حَدَّثَنَا عَفَّان، قال: حَدَّثَنَا سُلَيم بن أخْضَر، عن ابن عَوْن، قال: لمَّا بلَغ الحَسَن مَوْت الحَجَّاج قال: اللَّهُمَّ إنْ أَمَتَّهُ فأذْهِبْ عنَّا سُنَّتَهُ. قال ابنُ عَوْن: فقال لي مُحَمَّد حين مات الحَجَّاج: إنْ لقيْتَ خَالِدًا (a) الرَّبَعِيّ فاسْأله: هل يعُود علينا مثْل الحَجَّاج؟ قال ابنُ عَوْن: فلقيْتُ خَالِدًا الرَّبَعِيّ فسَألتُهُ، فقُلتُ: هل تَجِدْهُ يعُود علينا مثْل الحَجَّاج؟ قال: لا ولكنَّها تلوُّن خَاصٌّ.
أخْبَرَنا أبو حَفْص المُؤدِّب إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو السُّعُود أحْمَد بن عليّ بن المُجْلِي
(1)
، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الله بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن الخَلَّال، قال: حَدَّثَنَا أبو حَفْص عُمَر بن إبْراهيم الكَتَّانِيّ إملاءً، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحُسَين بن صَفْوَان البَرْذَعِيّ (b)، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْد الله الأبْزَارِيّ، قال: حَدَّثَنَا دَاوُد بن رُشَيْد، قال: سَمِعْتُ أبا يُوسُف القَاضِي يَقُول: كُنْتُ عند الرَّشِيْد، فدَخَلَ عليه رَجُلٌ فقال: رأيْتُ يا أَمِير المُؤْمنِيْن الحَجَّاج البَارِحَةَ في النَّوْم، قال: في أيّ زيٍّ رأيتَهُ؟ قال: قُلْتُ: في زيّ قَبِيْح، فقُلْتُ له: ما فَعَل اللهُ بكَ؟ قال: ما أنتَ وذاك يا مَاصّ بَظْرِ أُمِّه! قال هارُون: صَدَقْتَ والله، أنْتَ رأيتَ الحَجَّاج حَقًّا، ما كان أبو مُحَمَّد ليَدَع صرامتَهُ حيًّا ومَيِّتًا.
أنْبَأنَا عبد الرَّحمن بن أبي مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أخْبرَنا أبو طَالِب بن أبي عَقِيْل، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الخِلْعِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن النًّحَّاس، قال: أَخْبَرَنا أبو سَعيد بن الأعْرَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله
(a) الأصل، ومثله عند ابن عساكر: خالد، وفوقها "صـ".
(b) في الأصل بأهمال الدال: البردعي، وتقدم التعليق عليها.
_________
(1)
من طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخه 12: 201.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 201.
العَتَكِيّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن الحُسَين الدِّرْهَمِيّ، قال: حَدَّثَنَا الأصْمَعِيِّ، عن أَبِيهِ، قال: رأيْتُ الحَجَّاج في المَنَام فقُلتُ: ما فَعَلَ الله بكَ؟ قال: قَتَلني بكُلِّ قَتْلةٍ قتلْتُ بها إنْسَانًا، ثُمَّ رأيتُهُ بعد الحَوْل فقُلتُ: يا أبا مُحَمَّد، ما صَنَعَ الله بكَ؟ فقال: يا مَاصَّ بَظْرِ أُمِّه، أمَا سألتَ عن هذا عامَ أوَّل.
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ بن السَّمَرْقَنْديّ
(1)
، إذْنًا إنْ لَم أَكُن سَمِعتُهُ منه، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن عُبَيْد الله بن عُمَر، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا عُثْمان بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بن إسْحَاق، قال: حَدَّثَنَا هَارُون بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ، قال: حَدَّثَنَا ابن شَوْذَب، عن أشْعَث الحُدَّانِيّ، قال: رأيْتُ الحَجَّاجَ في مَنامي بحالٍ سَيِّئةٍ، قُلْتُ: يا أبا مُحَمَّد، ما صَنَعَ بكَ ربُّكَ؟ قال: ما قتَلْتُ أحدًا قَتْلَةً إلَّا قَتَلني بها، قُلتُ: ثُمَّ مَهْ؟ قال: ثمّ أمَرَ بي إلى النَّار، قُلتُ: ثُمَّ مَهْ؟ قال: ثُمّ أرْجُو ما يرجُو أهْل لا إلَه إلَّا الله. قال: فكان ابن سِيْرِيْن يقُول: إنِّي لأرْجُو له، قال: فبلغَ ذلك الحَسَن، قال: فقال الحَسَن: أمَا والله لَيُخْلِفَنَّ الله عز وجل رَجَاءه فيه، يعني ابن سِيْرِيْن.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(2)
، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم عَبْدُ المُنْعِم بن عليّ بن أحمد، وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن عليّ بن مَهْدِي عنه، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر بن الجَبَّان، قال: حَدَّثَنَا الفَضْل بن جَعْفَر (a) المُؤذِّن، قال: حَدَّثَنَا مُحَمّد بن العبَّاس بن الدِّرَفْس، قال: وحَدَّثَنَا أحْمَدُ بن أبي الحَوَارِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا سُليْمان الدَّارَانِيّ
(a) في تاريخ ابن عساكر: جعفر بن الفضل، وانظر ترجمته في تاريخ ابن عساكر 48: 309، سير أعلام النبلاء 16:338.
_________
(1)
من طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخه 12: 201.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 201 - 202.
يقُول: كان الحَسَنُ البَصْرِيّ لا يَجْلِسُ مَجْلِسًا إلَّا ذَكَرَ الحَجَّاجَ فدَعا عليه، قال: فرآهُ في مَنَامِهِ، قال: فقال: أنْتَ الحَجَّاجُ؟ قال: أنا الحَجَّاج، قال: ما فَعَلَ الله بكَ؟ قال: قُتِلت بكُلِّ قَتْلةٍ قَتْلة، ثمّ عُزِلتُ مع المُوَحِّدِين. قال: فأمْسَك الحَسَن بعد ذلك عن شَمْتِهِ.
أنْبَأنَا أبو نَصْر القَاضِي، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا تَمَّام بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَني أبي، قال: أخْبرَني أبو بَكْر مُحَمَّد بن عليّ بن دِعَامَة القُوْمسِيّ (a)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن عَبد الوَهَّاب الخُوارَزْميِّ، قال: حَدَّثَني الحَسَن بن عبد الرَّحْمن الفَزَارِيّ، قال: حَدَّثَنَا حَجَّاج بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا أبو مَعْشَر، قال: ماتَ رَجُلٌ عندَنا بالمَدِينَة، فلمَّا وُضِعَ على مُغْتَسَله ليُغَسَّل اسْتَوى قَاعِدًا، ثمّ أهْوَى بيدِه على عَيْنَيهِ، فقال: بَصر عَيْني، بَصر عَينيّ، بصر عَيْني (b) إلى عَبْد المَلِك بن مَرْوَان وإلى الحَجَّاج بن يُوسُف يَسْحَبان أمْعَاءهما في (c) النَّار، ثمّ عادَ مُضْطَجعًا كما كان.
أنْبَأنَا أبو نَصْر، قال: أخْبَرَنا عليّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الشَّحَّامِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَيْهَقِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن يُوسُف، قال: حَدَّثَنا أبو بَكْر أحْمَد بن سَعيد بن فَرْضَخ (d)، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان بن زِيَاد المَخْزُوميّ، قال: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيم بن عُيَيْنَة أخو سُفْيان بن عُيَيْنَة، عن سِمَاك بن
(a) ابن عساكر: القرشي.
(b) كررها ثلاث مرات، وعند ابن عساكر: أربع مرات.
(c) ابن عساكر: علي.
(d) مهملة في الأصل بفاء أو قاف في أوله، ويأتي فيما بعد (الجزء الثامن):"موضح"، ووقع الاختلاف في تقييده في المصادر، ففي الكامل لابن عدي (5: 1856): "فرصح"، وعند ابن ابن عساكر (12: 200): "فرضخ"، وفي مواضع أخرى من تاريخه:"موضح"، انظر مثلًا 5: 456، والمثبت من شعب الإيمان للبيهقي 10: 361، 384، ودلائل النبوة 2: 102، والبداية والنهاية 2: 236، ولسان الميزان 1: 178 - 179.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 200.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 200.
حَرْب، قال: قيل لي في النَّوْم: إيَّاكَ والغِيْبَة، إيَّاك والنَّمِيْمَة، إيَّاكَ وأكْل أمْوَال اليَتَامَى (a)، إيَّاك والصَّلاة خَلْف الحَجَّاج، فإنِّي أقسَمْتُ أنْ أقْصِمَهُ (b) كما قَصَمَ عِبَادي.
قال
(1)
: وأخْبَرَنَا أبو عَبْد الله الحافِظ، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس -هو الأصَمّ- قال: حَدَّثَنَا العبَّاسُ بن مُحَمَّد الدُّوْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيانَ بن زِيَاد المَخْزُوميّ، فذَكَرهُ غير أنَّهُ قال: إيَّاكَ والكَذِب، إيَّاك والنَّيْمَةَ، إيَّاكَ وأكْل لُحُوم النَّاسِ، إيَّاك والصَّلاة خَلْف الحَجَّاج، فإنَّي أقْسَمْتُ لأقْصِمنَّهُ كما كان يَقْصِم عِبَادِي.
(a) ابن عساكر: إياك وأكل لحوم الناس.
(b) ابن عساكر: أقسمت لأقصمنه.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 200.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبِهُ تَوْفِيْقِي
الحَجَّاج بن يُوسُف بن عُبَيْدِ الله بن أبي زِيَاد الرُّصَافِيُّ
(1)
أبو مُحَمَّد بن أبي مَنِيع، وقيل: أبو مَنِيع كُنْيَة جَدِّه عُبَيْد الله بن أبي زِيَاد.
من أهْلِ رُصَافَة هِشَام بن عَبْد المَلِك، وهو مَوْلَى لآلِ هِشَام، وقيل: مَوْلَى آل أبي سُفْيان، وقيل: كان جَدُّه عُبَيْد الله بن أبي زِيَاد كاتبًا لبعض بني مَرْوَان، وقيل: إنَّهُ جَدّه لأُمّه، والصَّحيحُ أنَّهُ جَدّه لأبيهِ كما ذَكَرَناه، وَسَنَذْكُر تَرْجَمَتهُ
(2)
في مَوضِعها إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى.
سَكَنَ الحَجَّاجُ حَلَب إلى أنْ ماتَ بها، وحَدَّثَ بها عن جَدِّه عُبَيْد الله.
رَوَى عنهُ أبو يُوسُف يَعْقُوب بن سُفْيان الفَسَوِيّ، وأبو أُسامَة عَبْد الله بن مُحَمَّد بن أبي أُسامَة، وعبد الصَّمَد بن إبْراهيم بن أبي سُكَيْنَة الحَلَبِيَّان، وهِلَال بن العَلَاء، ومُحَمَّد بن عليّ بن مَيْمُون، وإسْمَاعِيْلِ بن عَبْدِ الله بن زُرَارَة الرَّقِّيُّون، والحُسَين بن الحَسَن المَرْوَزيّ، وأيُّوْب بن مُحَمَّد الوَزَّان، وعَمْرو بن مُحمّد بن بُكَيْر النَّاقِد، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أسَد الخُشِّيّ (a) الإسْفَرَايِنيّ، وأبو جَعْفَر مُحَمَّد بن
(a) مهملة في الأصل، ونسبته إلى خُش من قرى إسفرايين، ويقال فيه أيضًا: الخوشي، انظر: الإكمال لابن ماكولا 3: 98، الأنساب للسمعاني 5: 147، تاريخ بغداد 2: 428، وابن عساكر 12: 202، تاريخ الإسلام 5: 665، سير أعلام النبلاء 10:655.
_________
(1)
توفي سنة 221 هـ، وترجمته في: طبقات ابن سعد 7: 474، تاريخ البخاري الكبير 2: 380، ابن حبان: الثقات 8: 202، تاريخ ابن عساكر 12: 202 - 205، تهذيب الكمال 459 - 461، تاريخ الإسلام 5: 293 - 294، تهذيب التهذيب 1: 207 - 208، تقريب التهذيب 1: 154، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 85 - 87.
(2)
ترجمة عبيد الله بن أبي زياد في الضائع من أجزاء الكتاب.
مَهْدِي بن رُسْتُم الأصْبَهَانِيّ، ومُحَمَّد بن إبْراهيم بن المُفَضَّل الحَرَّانيّ، وأبو بَكْر أحْمَد بن هاشِم الأنْطَاكِيِّ المَعْرُوف بالأَشَلّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن الأشْعَث البَجَليّ الكُزْبَرَانِيّ، ومُحَمَّد بن جَبَلَة.
أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَن بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ الصُّوْفيّ بالبَيْت المُقَدَّس، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن الحُسَين بن زَكَرِيَّاء الطُّرَيْثِيثِيّ، وأبو سَعْد مُحَمَّد بن عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن خُشَيْش، ح.
وأخْبَرَنَا أبو إسْحَاق إبْراهيم بن عُثْمان بن يُوسُف الزَّرْكَشِيّ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد البَاقي بن سَلْمَان، وأبو المُظَفَّر أحْمَد بن مُحَمَّد بن عليّ الكَاغَدِيّ -قال أبو الفَتْح: أخْبَرَنا أبو الفَضْل أحْمَدُ بن الحَسَن بن هارُون. وقال أبو المُظَفَّر: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ الطُّرَيْثِيثيّ- قالا: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَن (a) بن أحْمَد بن إبْراهيم بن شَاذَان البَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ الله بن جَعْفَر بن دَرَسْتَوَيْه النَّحْوِيّ الفَارِسِيّ في رَجَب سَنَة أرْبَعٍ وأرْبعين وثَلاثِمائة، قال: حَدَّثَنَا أبو يُوسُف يَعْقُوب بن سُفْيان الفَسَوِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بن أبي مَنِيع بن عُبَيْدِ الله بن أبي زِيَاد بحَلَبَ، قال: حَدَّثَنا جَدِّي، عن الزُّهْرِيّ، قال: تَزَوَّج رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم العَاليَةَ بنتَ ظَبْيَان بن عَمْرو، من بَنِي أبي بَكْر بن كِلَاب، فدَخَل بها فطَلَّقها.
(a) في الأصل: الحسين، ويأتي صحيحًا فيما بعد. انظر ترجمته في تاريخ بغداد 8: 223 - 224، سير أعلام النبلاء 17: 415 - 418.
_________
(1)
لم أقف عليه في كتابه المعرفة والتاريخ، وأخرجه البيهقي من طريقه في السنن الكبرى 7: 70 (رقم 13805) مطولًا.
فقال حَجَّاجٌ
(1)
: حَدَّثَنا جَدِّي، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُسْلِمِ أنَّ عُرْوَة بن الزُّبَيْر أخْبَرَهُ أنَّ عائِشَة زَوْج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالت: فدَلَّ الضَّحَّاكُ بن سُفْيان من بني أبي بَكْر بن كِلَاب عليها رسُول الله صلى الله عليه وسلم فقال له -وبيني وبينهما الحِجَابُ-: يا رسُولَ الله، هل لكَ في أُخْت أُمّ شَبِيْب، وأُمُّ شَبِيْب امْرأة الضَّحَّاك.
أخْبَرَنا زَيْن الأُمَناء أبو البَرَكاَتِ الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن الدِّمَشقيّ بها، قال: أخْبَرَنا الحَافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
عَمِّي، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الفَرَاوِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَيْهَقِيّ
(3)
، ح.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم: وأخْبَرَنَا أبو المُظَفَّر القُشَيْريّ، قال: أخْبَرَنا أبي الأُسْتَاذ أبو القَاسِم، قالا: أخْبَرَنا أبو عَوَانَة الحافِظ
(4)
، قال: حَدَّثَني أحْمَد بن هاشِم الأنْطَاكِيّ، أبو بَكْر الأَشَلّ، قال: حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ بن أبي مَنِيع -وهو الحَجَّاجِ بن يُوسُف، ويُكْنَى يُوسُف بأبي مَنِيع - سَنَة عشرين ومَائَتيْن، قال: حَدَّثَنِي جدِّي عُبَيْد الله بن أبي زِيَاد، قال: هذا كتاب ما ذكرنا (a) مُحَمَّد بن مُسْلِم الزُّهْرِيّ ممَّا سَألناهُ عنه من أوَّل مَخْرجِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فذَكَر صَدْرًا من الحَدِيْث، وقال: فكان أوَّل مَشْهَد شَهِدَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم بَدْر، ورَئيس المُشْرِكين يَوْمئذٍ عُتْبَة بن رَبِيْعَة بن عَبْد شَمْس، فذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيْلًا ذَكَر فيه غَزَواته صلى الله عليه وسلم.
(a) عند أبي عوانة: "ما ذكر لنا".
_________
(1)
انظر دلائل النبوة للبيهقي 7: 686، وفيه:"قال يعقوب بن سفيان، قال حجاج .. "، فذكره بهذا الإسناد.
(2)
لم أقف عليه عند ابن عساكر.
(3)
دلائل النبوة 3: 127 بغير هذا الإسناد.
(4)
مستخرج أبي عوانة 4: 358 (رقم 6964).
أنْبَأنَا أبو القَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَهَ السُّلمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا تَمَّام بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن سُلَيمان بن حَذْلَم، قال: أخْبَرَنا أبو أُسامَة عَبْد الله بن مُحَمَّد بن أبي أُسامَة الحَلَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا الحَجَّاج بن أبي مَنِيع يُوسُف بن عُبَيْد، فذَكَرَ حَدِيثًا.
أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله الحُسَين بن عُمَر بن نَصْر في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الحَقّ بن عَبْد الخَالِق، قال: أخْبَرَنا أبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحمد الغُنْدَجَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ
(1)
، قال: حَجَّاجُ بن أبي مَنِيع الشَّامِيّ، سَمِعَ جَدَّهُ عُبَيْد الله بن أبي زِيَاد، عن الزُّهْرِيّ.
أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عُمَر بن أبي بَكْر المَقْدِسِيِّ نَزِيلُ سَرُوْج في كِتَابِهِ إليْنَا منها، قال: أخْبَرَنا أبو السَّعَادَات نَصْرُ الله بن عبد الرَّحْمن القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المُبارَك بن عَبْد الجَبَّار الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عُمَر بن مُحَمَّد الحَرْبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد الله الأبْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَرُوبَة الحَرَّانيّ، قال: في الطَّبَقَةِ الخَامِسَة منِ أهْلِ الجَزِيْرَة الحَجَّاجُ بن يُوسُف بن أبي مَنِيع الرُّصَافِيّ، سَمِعْتُ هِلَالًا يَقُول: أبو مَنِيع عُبَيْد الله بن أبي زِيَاد، وهو مَوْلَى لآلِ هِشَام بن عَبْد المَلِكِ، قال وكُنْيَة الحَجَّاج أبو مُحَمَّد، وكان لَزِمَ حَلَبَ في آخر عُمرِه.
أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ عبد الرَّحيم بن يُوسُفَ بن الطُّفَيْل بدَار الوِزَارَة بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو طَاهِر أحْمد بن مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحُسَين بن جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد مُحَمَّد بن عَبْد الله بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ مُحَمَّد بن سَعيد الحَرَّانيّ، في تاريخ
(1)
تاريخ البخاري الكبير 2: 380.
الرَّقَّة
(1)
، قال: الحَجَّاج بن يُوسُف بن أبي مَنِيع الرُّصَافِيّ، أبو مَنِيع اسْمُه عُبَيْد الله بن زِيَاد، يُكْنَى أبا مُحَمَّد مَوْلَى لآل هِشَام بن عَبْد المَلِك.
أخْبَرَنا أبو نَصْر بن الشِّيْرَازيّ إذْنًا، قال: أخبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن أبي عليّ الهَمَذَانيّ (a) إجَازَةً، ح.
وأنْبَأنَا عُمَر بن مُحَمَّد بن قُشَام، عن أبي العَلَاء الهَمَذَانيّ الحافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الصَّفَّار، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن مَنْجُوَيْه، قال: أخبَرَنا أبو أحْمَد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الحاكِم
(3)
، قال: أبو مُحَمَّد الحَجَّاج بن يُوسُف بن أبي مَنِيع بن (b) عُبَيْدِ الله بن أبي زِيَاد الشَّامِيّ، سَكَنَ الرُّصَافَة بالجَزِيْرَة، سَمِعَ جَدَّهُ عُبَيْد الله بن أبي زِيَاد الشَّامِيّ، رَوَى عنهُ أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أسَد الخُشِّيّ (c)، وأبو عُثْمان عَمْرو بن مُحَمَّد بن بُكَيْر النَّاقِد البَغْدَاديّ، كَنَّاه لنا أبو عَرُوبَة السُّلمِيّ، سَمِعَ هِلَالًا -يعني ابن العَلَاء- يَقُوله.
وقال الحاكمِ أبو أحْمَد في تَرْجَمَةِ أبي مَنِيع: أبو مَنِيع عُبَيْد الله بن أبي زِيَاد الشَّامِيِّ، مَوْلَى لآلِ هِشَام بن عَبْد المَلِك، ويقال: اسْمه يُوسُف بن عُبَيْد الله بن أبي زِيَاد مَوْلَى لآلِ أبي سُفْيان، يُعْرَفُ بالرُّصَافِيّ، سَكَنَ رُصَافَة الرَّقَّة، رَوَى عنهُ حَجَّاج بن أبي مَنِيع الرُّصَافِيّ.
(a) ابن عساكر: أبو جعفر محمد بن علي بن علي الهمذاني، وصوابه المثبت، وهو محمد بن أبي علي الحسن بن محمد بن عبد الله الهمذاني. انظر: سير أعلام النبلاء 20: 101.
(b) هكذا نقله ابن العديم كما وجده، وأشَّر على الوهم فيه بكتب رمز "صـ" فوقه، ونبه عليه -وعلى غيره مما وقع في الرواية- عقب انتهاء نقله عن الحاكم.
(c) مهملة الأول في الأصل، وتقدم -في طالع الترجمة- التعليق عليه.
_________
(1)
الحراني: تاريخ الرقة 162.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 204 - 205.
(3)
لم يتضمن المطبوع من كتاب الأسامي والكنى للحاكم هذه الترجمة، ولا ترجمة أبي منيع في النقل الذي يليه.
وقال: قال حُسَيْن بن حَسَن المَرْوَزيّ: الحَجَّاج بن أبي مَنِيع الرُّصَافِيّ، رُصَافَة الرَّقَّة، واسْم أبي مَنِيعِ يُوسُف بن عُبَيْد الله بن أبي زِيَاد مَوْلَى لآل أبي سُفْيان. قال حُسَين: حَدَّثني رَجُلٌ منهم بهذا الكَلَام.
قُلتُ: هكذا نَسَبَهُ الحاكِم: الحَجَّاج بن يُوسُف بن أبي مَنِيع بن عُبَيْد الله بن أبي زِيَاد، وهو وَهْمٌ؛ والصَّحيحُ: الحَجَّاج بن يُوسُف بن عُبَيْد الله، أبو مَنِيع هو يُوسُف أو عُبَيْد الله على ما ذَكَرَهُ في تَرجَمَةِ أبي مَنِيع.
وقَوْله: سَكَنَ الرُّصَافَة بالجَزِيْرَة، وَهْمٌ أيْضًا؛ فإنَّ الرُّصَافَة من أعْمَال قِنَّسْرِيْن من الشَّام، وليست من الجَزِيْرَة، وجَدّه عُبَيْد الله منها، لكنَّه رَأى أبا عَرُوبَة ذَكَره من أهْلِ الجَزِيْرَة فظَنَّ الرُّصَافَة من الجَزِيْرَة.
وقَوْله أيْضًا: رُصَافَة الرَّقَّة؛ عرَّفها بالرَّقَّة لقُرْبها منها، لا أنَّها من أعْمَالها، وهي شَامِيَّةٌ، وبعَمَل حَلَب قَرْيَة أُخْرى تُعْرف بالرُّصَافَة، بالقُرْبِ من قِنَّسْرِيْن، وببَغْدَاد الرُّصَافَة، فعرَّفها برُصَافَة الرَّقَّة لتتَمَيَّز عنهما، والله أعْلَمُ.
أخْبَرَنا أبو الوَحْش بن أبي مَنْصُور بن نَسِيم في كتابه، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ في تاريخ دِمَشْق
(1)
، قال: الحَجَّاجُ بن يُوسُف بن أبي مَنِيع عُبَيْد الله بن أبي زِيَادٍ، أبو مُحمَّد الرُّصَافِيّ، سَمِعَ جَدَّهُ عُبَيْدَ الله بن أبي زِيَاد، أبا مَنِيع الرُّصَافِيّ، رَوى عنهُ عَمْرو بن مُحَمَّد بن بُكَيْر النَّاقِد، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أسَد الخُشِّيّ الإسْفَرَاينيّ، وأبو يُوسُف يَعْقُوب بن سُفْيان الفَسَوِيّ، وأبو جَعْفَر أحْمَد بن مَهْدِي بن رُسْتُم الأصْبَهَانِيّ.
قُلتُ: أوْرَدَ الحافِظُ أبو القَاسِم ذِكْره في تاريخ دِمَشْق كما ذَكَرناهُ عنه، ولم يَذْكر في تَرْجَمَتِهِ دَلِيْلًا على أنَّهُ دَخَل دِمَشْق، ولا أنَّهُ سَكَنَها، ولا أنَّه اجْتازَ بها،
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 202.
وليس من شَرْطه كُلّ مَنْ كان بالشَّام، وكَوْنه من مَوَالِي آل هِشَام لا يَدُلّ على شيءٍ من ذلك، والمَعْرُوف بالوَلَاءِ لآل هِشَام هو جَدّه عُبَيْد الله بن أبي زِيَادٍ، وهو رُصَافِيُّ أيضًا.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد بن أبي الحُسَين
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن البَنَّاءِ، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي بن الدُّوْرِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن العبَّاس بن حَيَّوْيَه، قال: حَدَّثَنَا الحُسَينُ بن مُحَمَّد -يعني: ابن عَبْد الله بن عُبَادَةَ الوَاسِطِيّ- قال: سَمِعْتُ هِلال بن العَلَاءِ يقُول: كان حَجَّاج بن أبي مَنِيع من أعْلَم النَّاسِ بالأرْض وما أنْبَتَت، وأعْلَم النَّاسِ بالفَرَس من ناصِيَتهِ إلى حَافِرهِ، وأعْلَم النّاسِ بالبَعِير من سَنَامهِ إلى خُفِّهِ. وكان مع بني هِشَام في الكُتَّاب، وهو شَيْخٌ ثِقَةٌ.
ذَكَرَ أبو حَاتِم بن حِبَّان البُسْتِيُّ في كتاب تاريخ الثِّقَاتِ
(2)
، في الطَّبَقَة الرَّابعة، قال: حَجَّاج بن يُوِسُف بن أبي مَنِيع الرُّصَافِيّ، من أهْل الشَّام، كُنْيَتُهُ أَبو مُحَمَّد، سَكَنَ حَلَبَ، يَرَوى عِن جَدِّه عُبَيْد الله بن أبي زِيَاد، عن الزُّهْرِيّ. رَوَى عنهُ الحُسَين بن الحَسَن المَرْوَزيّ، وأيُّوْب بن مُحَمَّد الوَزَّان.
ماتَ بحَلَب سَنَة إحْدَى وعشرين ومَائتَيْن.
الحَجَّاجُ القُضاعيُّ الشَّاعِرُ
كان من جُمْلَةِ الشُّعَراءَ الوَافِديْن على عُمَر بن عَبْد العَزِيْز حين وَلي الخِلَافَة، وَفَدَ عليه بِدَابِق أو بخُنَاصِرَةَ مع جَرِيرٍ والفَرَزْدَقِ وكُثَيِّر وغيرهم (a).
(a) الأصل: وغيرهما.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 204.
(2)
الثقات لابن حبان 8: 202.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ حُجْر
حُجْر بن عَديَ الأدْبَر بن جَبَلَة بن عَدِيِّ بن رَبِيْعَة بن مُعاوِيَة الأكْرَمِينْ ابن الحَارِث بن مُعاوِية بن الحارث بن مُعَاويَة بن ثَوْر بن مُرَتِّع بن ثَوْر -وهو كِنْدَة- ابن عُفَيْر بن عَدِيّ بن الحَارِث بن مُرَّة بن أُدَد بن زَيْد بن يَشْجُب بن عَرِيْب بن زَيْد بن كَهْلَان بن سَبَأ بن يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطَان، أبو عبد الرَّحْمن الكِنْدِيّ
(1)
وقيل في نَسَبهِ: حُجْر بن عَدِيّ بن الأدْبَر بن عَدِيّ بن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن ثَوْر بن مُرَتِّع بن كِنْدِيّ بن عُفَيْر.
(1)
توفي سنة 53 هـ، وترجمته في: نسب معد واليمن الكبير للكلبي 142، كتاب وقعة صفين لابن مزاحم 103 - 104، 117، 195، 205، 243، 381، 507، طبقات ابن سعد 6: 217 - 220، وفي الجزء المتمم لطبقاته 6: 239، الجاحظ: البيان والتبيين 1: 286، طبقات خليفة 146، تاريخ خليفة 194، 197، 213، تاريخ البخاري الكبير 3: 72 - 73، ولاة مصر للكندي 51، الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري 128، 145 - 146، 156، 175، 196، 210، 213، 220، 223، البلاذري: أنساب الأشراف 1/ 4: 242 - 271، تاريخ الطبري 5: 253 - 285 (وانظر فهرس الأعلام 10: 219)، الفتوح لابن أعثم 2: 448 - 449، المحبر 292، المعارف 291، 334، مشاهير علماء الأمصار لابن حبان 144، الجرح والتعديل 3: 266، المسعودي: مروج الذهب 3: 188 - 189، الأغاني 17: 99 - 114، الاستيعاب 1: 329 - 332، تاريخ ابن عساكر 12: 207 - 234، ابن الجوزي: المنتظم 5: 241 - 243، (وأرخ وفاته سنة 51 هـ)، ابن الأثير: الكامل 3: 231 وما بعدها، 4: 63، 227، 244، أسد الغابة 1: 385 - 386، تاريخ الإسلام 2: 482 - 483، سير أعلام النبلاء 3: 462 - 467، العبر في خبر مَن غبر 1: 40 (أرخ وفاته سنة 51 هـ)، الإعلام بوفيات الأعلام 36 (سنة 51 هـ)، اليافعي: مرآة الجنان 1: 101 (وفيات سنة 51 هـ)، الوافي بالوفيات 11: 321 - 323، ابن كثير: البداية والنهاية 8: 49 - 55، ابن خلدون العبر 4: 53، 5: 22 - 29، الإصابة 1: 329 - 330، النجوم الزاهرة 1: 141، شذرات الذهب 1: 247، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 87 - 90، محسن الأمين: أعيان الشيعة 4: 569 - 573، الزركلي: الأعلام 2: 169.
وقيل: هو حُجْر بن عَدِيّ بن مُعاوِيَة بن جَبَلَة بن الأدْبَر.
وكان يقال له: حُجْر الخَيْر، وسُمِّي أبُوه الأدْبَر لأنَّهُ طُعِنَ مُوَلِّيًا في دُبُره فسُمِّيَ الأدْبَر. وقيل: ضُرِبَ بالسَّيْف على أَلْيَتهِ، وقيل: إنَّ الأدْبرَ جَدّه جَبَلَة. وقيل: الأدْبَر عَدِيّ جَدّ أبيهِ. وقال بعضُهم: حُجْر هو الأدْبَر.
وكان من أهْلِ الكُوفَة، وَفَدَ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وحَدَّثَ عن عليّ بن أبي طَالِب، وعَمَّار بن يَاسِر، وشَرَاحِيْل -وقيل: شُرَحْبيل- بن مُرَّة، رَوَى عنهُ أبو لَيْلَى الكِنْدِيّ المَدَنِيّ مَوْلاهُ، وعَبْد الرَّحمن بن عَابِس، وأبو البَخْتَرِيّ الطَّائيّ، وشَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليٍّ عليه السلام أمِيْرًا على كِنْدَة وقُضاعَة وحَضْرَمَوْتَ ومَهْرَةَ. وكان أحَدَ الشُّهُود على كتاب التَّحْكِيْم.
وقال ابنُ سَعْد في كتاب الطَّبَقَاتِ
(1)
: كانَ ثِقَةً مَعْرُوفًا.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح يُوسُف بن عَبْد الوَاحِد، قال: أخْبَرَنا شُجَاع بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الله العُمَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حَصِيْن الوَادِعِيّ، قال: حَدَّثَنَا عُبَادَة بن زِيَاد الأسَدِيّ، قال: حَدَّثَنَا قَيْسُ بن الرَّبِيْع، عن أبي إسْحَاق السَّبِيْعِيِّ، عن أبي البَخْتَرِيّ، عن حُجْر بن عَدِيٍّ، قال: سَمِعْتُ شَرَاحِيْل بن مُرَّة، قال: سَمِعْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُول
(3)
: أبْشر يا عليّ؛ حَياتك ومَوْتكَ معي.
(1)
طبقات ابن سعد 6: 220.
(2)
تاريخ ابن عساكر 42: 366 - 376، وهذه الرواية موضعها في الأصل عقب التي تليها، وجرى تقديمها بإشارة المؤلف في الهامش.
(3)
الطبراني: المعجم الكبير 7: 369 (رقم 7217)، ابن عدي: الكامل 4: 1654، الهيثمي: مجمع الزوائد 9: 112، كنز العمال 11: 615 (رقم 32984).
قال ابنُ مَنْدَة: وأخْبَرَنا خَيْثَمَة بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن حَازِم بن أبي غَرَزَة، قال: حَدَّثَنَا مُخَوَّل (a) بن إبْراهيم، عن عَمْرو بن شَمِر، عن أبي طَوْق، عن جَابِر الجُعْفِيّ، وذكر عن مُحَمَّد بن بِشْرِ، قال: قام حُجْر بن عَدِيّ يَخْطب على شَاطِئِ الفُرَات؛ حَمِدَ الله وأثْنَى عليهِ، ثُمَّ قال: أشْهَدُ أنِّي سَمِعتُ شَرَاحِيْلَ بن مُرَّة يَزْعُمُ أنَّهُ سَمِعَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: أبْشر يا عليّ، حَياتك ومَوْتك معي.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن عليّ الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحُسَين بن مُحَمَّد بن عُبَيْد الدَّقَّاق المَعْرُوف بالعَسْكَريّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى بن سُلَيمان المَرْوَزيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عُبَيْد القَاسِم بن سَلَّام، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمن بن مَهْدِي، عن سُفْيان، عن أبي إسْحَاق، عن أبي لَيْلَى الكِنْدِيّ، عن حُجْر بن عَدِيّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ: أنَّ الطَّهُور نِصْف الإيْمان.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن رَبَاح بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا أبو بِشْر الدُّولَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُعاوِيَة بن صالح، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن يقُول: في أهْل الكُوفَة حُجْر بن الأدْبَر الكِنْدِيّ، سَمِعَ من عليّ.
(a) قيَّده في الأصل مهملًا، وهو بالخاء المعجمة: مُخَوَّل بن إبراهيم النهدي، انظر: الجرح والتعديل 8: 399، والثقات لابن حبان 9: 203، وميزان الاعتدال 4: 85، وتاريخ الإسلام للذهبي 5: 457، وغيرها من المصادر.
_________
(1)
من طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخه 12: 210.
أنْبَأنَا عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، عن أبي مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن الفَهم، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْد
(1)
قال في الطَّبَقَةِ الرَّابعة من الصَّحَابَة: حُجْر الخَيْر بن عَدِيّ الأدْبَر-وإنَّما طُعِنَ مُوَلِّيًّا فسُمِّيَ الأدْبَر- ابن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة بن مُعاوِيَة الأكْرَميْن ابن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن الحارِث بن مُعاوِيَة بن ثَوْر بن مُرَتِّع بن كِنْدِيّ، جَاهِليٌّ إسْلاميٌّ.
وَفَدَ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وشَهِدَ القَادِسيَّة وهو الّذي افْتَتح مَرْج عَذْرَاء، وشَهِدَ الجَمَل وصِفِّيْن مع عليّ بن أبي طَالِب، وكان في ألْفين وخَمْسِمائَة من العَطَاء، وقَتَلهُ مُعاوِيَةُ بن أبي سُفْيان وأصْحَابَهُ بمَرْج عَذْرَاء، وابْنَاه عُبَيْدُ الله وعَبْد الرَّحمن قتلَهُما مُصْعَبُ بن الزُّبَيْر صَبْرًا، وكانا يَتَشَيَّعَان. وكان حُجْر ثِقَة مَعْرُوفًا، ولم يَرْو عن غير عليّ شيئًا.
قُلتُ: قد رَوَى حُجْرٌ عن شَرَاحِيْل بن مُرَّة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الحَدِيْث الّذي قدَّمنا ذِكْره في فَضْل عليّ عليه السلام، ورَوَى عن عَمَّار بن يَاسِرٍ رضي الله عنه قَوْلَهُ.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن أبي مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن بن أبي الحُسَين
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر اللَّفْتُوانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن يُوسُف، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عُمَر، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْد
(3)
، قال: في الطَّبَقَةِ الأُوْلَى من تَابِعي أهْل الكُوفَة حُجْر بن أدْبَر الكِنْدِيّ، والأدْبَر بن عَدِيّ بن عَدِيّ (a) بن جَبَلَة، قَتَلهُ مُعاوِيَة.
(a) ساقطة من تاريخ ابن عساكر، وانظر ما بعده.
_________
(1)
في الجزء المتمم لطبقاته 6: 239.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 210.
(3)
بعضه في طبقات ابن سعد 6: 217.
قال عليّ بن الحَسَن: كَذَا فيه، وعَدِيّ الثَّاني مَزْيَد.
قُلْتُ: والّذي يَغْلِبُ على ظَنِّي أنَّهُ: والأدْبَر هو عَدِيّ، وعَدِيّ بن جَبَلَة، ليقَع مُوافقًا لِمَا رَوَاهُ ابن الفَهْم عن مُحَمَّد بن سَعْد، وقد تصحَّف على النَّاسخ، واللهُ أعْلَمُ.
وقد نَسَبَهُ ابنُ الكَلْبيّ في كتاب جَمْهَرَة النَّسَب
(1)
، فقال: حُجْر بن عَدِيّ بن الأدْبَر بن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن ثَوْر بن مُرَتِّع بن مُعاوِيَة بن كِنْدَة بن عُفَيْر بن عَدِيّ بن الحَارِث بن مُرَّة بن أُدَد بن زَيْد بن يَشْجُب بن عَرِيْب بن زَيْد بن كَهْلَان بن سَبَأ بن يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطَان.
قال ابنُ الكَلْبيّ: وكان قد طُعِنَ في دُبُره فسُمِّيَ حُجْر الأدْبَر لذلك، جَاهِليٌّ إسْلَاميٌّ، وَفَدَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هو وأخُوه هَانئ، وكان في ألْفين وخَمْسِمائَة من العَطَاء، وشَهِدَ القَادِسيَّة، وشهِدَ الجَمَل وصِفِّيْن مع عليّ بن أبي طَالِب عليه السلام. قَتَلَهُ مُعاوِيَةُ وأصْحَابَه بمَرْج عَذْرَاء، وكان الّذي تولَّى قَتْلَهُ أبو الأعْوَر السُّلَمِيّ.
كَتَبَ إلينا أبو عَبْد الله بن عُمَر بن نَصْر، أنَّ عَبْد الحَقّ بن عَبْد الخَالِق أخْبَرَهُ قال: أخْبَرَنا أبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدَجَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله البُخاريّ
(2)
، قال: حُجْر بن عَدِيّ الكِنْدِيّ، قُتِلَ في عَهْد عائِشَة؛ قالَهُ عَمْرو بن عَاصِم، عن حَمَّاد بن سَلَمَة، عن عليّ بن زَيْد، عن سَعيد بن المُسَيَّب، عن مَرْوَان،
(1)
لم أقف على سياقة نسبه في جمهرة النسب لابن الكلبي، وذكره فيه عرضًا في موضعين 232، 450، وانظر نسبه في كنده في كتاب ابن الكلبي: نسب معد واليمن 136 - 143.
(2)
تاريخ البخاري الكبير 3: 72.
وسَمِعَ عليًّا وعَمَّارًا بصِفِّيْن قولهما، يُعَدّ في الكُوْفيِّيْن، رَوَى عنهُ أبو لَيْلَى الكِنْدِيّ، وعَبْد الرَّحمن بن عَابِس. وهو ابن الأدْبَر، والأدْبَر عَدِيّ.
أنْبَأنَا أبو حَفْص الدَّارْقَزِّيّ، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الآبِنُوسِيّ، عن أبي الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، ح.
قال ابنُ البَنَّاء: وأنْبَأنَا أبو الفَتْح بن المَحَامِلِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، قال: حُجْر بن عَدِيّ بن الأدْبَر الكِنْدِيّ، وقيل: الأدْبَر هو عَدِيّ، رَوَى عن عليّ بن أبي طَالِب، رَوَى عنهُ أبو لَيْلَى الكِنْدِيّ، قيل: إنَّهُ يُكْنَى أبا عبد الرَّحْمن. قُتِلَ سَنَة إحْدَى وخَمْسِين.
أنْبَأنَا أبو نَصْر بن هِبَة اللهِ القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر اللَّفْتُوانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو صَادِق مُحَمَّدُ بن أحْمَد الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَدُ بن أبي بَكْر الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد العَسْكَريّ، قال: فأمَّا حُجْر -بالحَاءِ مَضْمُومَة والجِيْم سَاكنة، ويَجُوز ضَمُّها في اللُّغَة- فمنهم: حُجْر بن عَدِيّ بن الأدبَر، جَاهِليٌّ إسْلاميٌّ، يَذْكر بَعْضُهُم أنَّهُ وَفَد إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، هو وأخُوهُ، وأكثَرُ أصْحَاب الحَدِيْث لا يُصَحِّحُون له رِوَايَةً، شَهِدَ القَادِسيَّةَ، وافْتَتَحَ مَرْج عَذْرَاء، وشَهِدَ الجَمَل وصِفِّيْن مع عليّ، ثُمَّ قَتَلَهُ مُعاوِيَةُ بعد ذلك. وكان مع عليّ بصِفِّيْن: حُجْر الخَيْر، وحُجْر الشَّرِّ؛ فأمَّا حُجْر الخَيْر فهذا، وأمّا حُجْر الشَّرّ فهو حُجْرُ بن يَزِيَد يد بن سَلَمَة بن مُرَّةَ.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الأنْصَاريّ، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، عن أبي نَصْر بن مَاكُولا
(2)
، قال: وأمَّا أدْبَر،
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 211.
(2)
الإكمال 1: 52 - 53.
عِوَض الزَّاي دَال مُهْملَة (a)، فهو حُجْر بن عَدِيّ بن الأدْبَر الكِنْدِيّ، واسْم الأدْبَر جَبَلَة، وقيل: إنَّ الأدْبَر هو عَدِيّ، وقال المَرْزُبانيُّ: قد رُوي أنَّ حُجْر بن عَدِيّ وَفَدَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مع أخيهِ هَانئ بن عَدِيّ، وقد رَوَى حُجْرٌ عن عليّ بن أبي طَالِب، رَوَى عنهُ أبو لَيْلَى الكِنْدِيّ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ عن أبي البَرَكَات الأنْماطِيّ، قال: أخْبَرَنا ثَابِت بن بُنْدَار، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عليّ الوَاسِطيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد البَابَسِيْريّ، قال: أخْبَرَنا الأحْوَص بِن المُفَضَّل بن غَسَّان، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: وحُجْر بن عَدِيّ هو الأدْبَر، والأدْبَر عَدِيّ بن جَبَلَة.
أنْبَأنَا [أبو الحَسَن بن المُفَضَّل](b) عن أبي القَاسِم بن عَبْد المَلِك، قال: أخْبرَني أبو مُحَمَّد بن عَتَّاب، وأبو عِمْران بن أبي تَلِيْد إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا أبو عُمَر النَّمَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن القَاسِم، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ سَعيد بن عُثْمان بن السَّكَن، قال: وحُجْر الخَيْر بن عَدِيّ بن الأدْبَر بن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيْعة بن مُعاوِيَة الأكْرَمين، وفَدَ إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم فأسْلَم، ويقال إنَّمَا سُمِّي جَدّه الأدْبَر لأنَّهُ طُعِنَ مُوَلِّيًا، فسُمِّيَ الأدْبَر، وشَهِدَ حُجْرٌ القَادِسيَّة، وافْتَتَح مَرْج عَذْرَاء، وشَهِدَ صِفِّيْنَ والجَمَل مع عليّ، لَم أجِد له عن رسُول الله رِوَايَةً إلَّا أنَّ كَلامَهُ مرْويٌّ من وُجُوهٍ كَثِيْرة.
أخْبَرَنا أبو الفُتُوحِ نَصْر بن أبي الفَرَج الحُصَريّ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عليّ الأَشِيْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الوَلِيد يُوسُفُ بن عَبْد العَزِيْز بن الدَّبَّاغِ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد العَزِيْز، قال: أخْبَرَنا أبو
(a) ابن ماكولا: مبهمة.
(b) ما بين الحاصرتين بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات، وروايات ابن العديم إنما تتصل عن أبي القاسم خلف بن عبد الملك ابن بشكوال من طريق أبي الحسن علي بن المفضل المقدسي.
عُمَر يُوسُف بن عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عَبْد البَرّ النَّمَرِيّ
(1)
، قال: حُجْر بن عَدِيّ بن الأدْبَر الكِنْدِيّ، يُكْنَى أبا عبد الرَّحْمن، كُوْفيٌّ، وهو حُجْرُ بن عَدِيّ بن مُعاوِيَة بن جَبَلَةَ بن الأدْبَر، وإنَّما سْمِّي الأدْبَر لأنَّهُ ضُرِبَ بالسَّيْف على أَلْيَتهِ، فسُمِّي بهذا: الأدْبَر.
كان حُجْر من فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، وصَغُر سنُّهُ عن كبَارهم، وكان على كِنْدة يَوْم صِفِّيْن، وعلى المَيْسَرة يَوْم النَّهْرَوَان، ولمَّا وَلَّى مُعاوِيَةُ زيادًا العِرَاق وما وراءها، وأظْهَر من الغِلْظَة وسُوءِ السِّيْرَة ما أظْهَر، خَلَعَهُ حُجْر، ولم يَخْلعَ مُعاوِيَة، وتابَعَهُ جَمَاعَةٌ من أصْحَاب عليّ وشِيْعَته، وحَصَبَهُ يَوْمًا في تأخير الصَّلاة هو وأصْحَابهِ، فكَتَبَ فيه زِيَاد إلى مُعاوِيَةَ، فأمَرَهُ أنْ يَبْعَثَ به إليه فبَعَثَ بهِ إليهِ مع وَائِل بن حُجْر الحَضْرَميّ في اثْنَى عَشر رَجُلًا كُلّهم في الحَدِيدِ، فقَتَلَ مُعاوِيَةُ منهم ستَّةً، واسْتَحْيَا ستَّةً
(2)
.
وكان حُجْر ممَّن قُتِلَ، فبَلَغ ما صَنَعَ بهم زِيَاد إلى عائِشَة أُمّ المُؤْمِنِيْن، فبَعَثَتْ إلى مُعاوِيَة عبدَ الرَّحْمن بن الحَارِث بن هِشَام: الله اللهَ في حُجْر وأصْحَابهِ! فوَجَدَهُ عبد الرَّحْمن قد قُتِلَ هو وخَمْسة من أصْحَابهِ، فقال لمُعاوِيَةَ: أين عَزبَ عنك حِلْمُ أبي سُفْيانَ في حُجْرٍ وأصْحَابهِ، ألَا حَبَسْتَهُم في السُّجُون وعرَّضْتهم للطَّاعُون؟! قال: حين غَابَ عنِّي مثْلُكَ من قَوْمي! قال: والله لا تَعُدّ لكَ العَرَبُ حِلْمًا بعْدَها أبدًا ولا رَأيًا، قَتَلْتَ قَوْمًا بُعِثَ بهم إليك أُسَارَى من المُسْلمِيْن، قال: فما أصْنَعُ؟ كَتَبَ إليَّ فيهم زِيَادٌ يشُدُّ (a) أمْرَهُم، ويَذْكُر أنَّهم سَيَفْتقُون عليَّ فَتقًا لا يُرْقَع.
(a) الاستيعاب: يشدد.
_________
(1)
الاستيعاب لابن عبد البر 1: 229 - 330.
(2)
انظر أسماء الذين بعث بهم إلى معاوية من أصحاب حجر عند الطبري في تاريخه 5: 271، والأغاني 17: 109، وابن خلدون: العبر 5: 26.
ثُمَّ قَدِمَ مُعاوِيَة المَدِينَة، فدَخَلَ على عائِشَةَ، فكان أوَّل ما بَدأتهُ بهِ قَتْلَ حُجْر؛ في كلامٍ طَويلٍ جَرَى بينهما، ثُمّ قال: فدَعِيْني وحُجْرًا حتَّى نَلْتَقي عند رَبّنا.
والمَوضِعُ الّذي قُتِلَ فيه حُجْر بن عَدِيّ ومَنْ قُتِلَ معه من أصْحَابهِ يُعْرَفُ بمَرْج عَذْرَاء.
قال أبو عُمَر بن عَبْد البَرّ
(1)
: حدَّثَنَا خَلَف -يعني: ابن قَاسِمِ- قال: حَدَّثنَا عَبْدُ الله بن عُمَر، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَجَّاج، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا ابن المُبارَك، قال: أخْبَرَنا هِشَامُ بن حَسَّان، عن مُحَمَّد بن سِيْرِيْن: أنَّهُ كان إذا سُئِلَ عن الرَّكْعَتَين عند القَتْل، قال: صَلَّاهمُا خُبَيْبٌ وحُجْرٌ، وهما فَاضِلان.
قال أحمد: وحَدَّثَنَا إبْراهيم بن مَرْزُوق، قال: حَدَّثَنا يُوسُف بن يَعْقُوب الوَاسِطِيّ، وأثْنَى عليه خَيْرًا، قال: حَدَّثَنَا عُثْمان بن الهَيْثَم، قال: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بن فَضَالَة، قال: سَمِعْتُ الحَسَن يقول؛ وقد ذَكَر مُعاوِيَة وقَتْلهُ حُجْرًا وأصْحَابه: وَيْلٌ لمَنْ قتَلَ حُجْرًا وأصْحَابَ حُجْر. قال أحمدُ: قلتُ ليَحْيَى بن سُلَيمان: أَبَلَغكَ أنَّ حُجْرًا كان مُسْتَجابَ الدَّعْوَة؟ قال: نعم، وكان من أفَاضِل أصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش عبد الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ
(2)
، قال: حُجْر بن عَدِيّ الأدْبَر بن جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة بن مُعاوِيَة الأكْرَمِيْن ابن الحَارِث (a) بن مُعاوِيَة بن ثَوْر بن مُرَتِّع (b) بن ثَوْر، وهو كِنْدَة بن عُفَيْر بن عَدِيّ بن الحَارِث بن مُرَّة بن أُدَد بن
(a) سقط من سياقة ابن عساكر لاسمه: ابن معاوية الأكرمين بن معاوية.
(b) جاء مجوَّدًا في نشرة تاريخ ابن عساكر بضم الميم وسكون الراء. وكسر التاء مخففًا.
_________
(1)
الاستيعاب لابن عبد البر 1: 331.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 207 - 208.
زَيْد بن يَشْجُب بن عَرِيْب (a) بن زَيْد بن كَهْلَان بن سَبَأ، وسُمِّي أبُوه الأدْبَر لأنَّهُ طُعِنَ مُوَلِّيًا فسُمِّيَ الأدْبَر، أبو عبد الرَّحْمن الكِنْدِيّ، من أهْلِ الكُوفَة، وَفَدَ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وسَمِعَ عليًّا، وعَمَّار بن يَاسِر، وشَرَاحِيْل بن مُرَّة، ويُقال: شُرَحْبِيل. رَوَى عنهُ أبو لَيْلَى الكِنْدِيّ مَوْلاهُ، وعَبْدُ الرَّحمن بن عَابِس، وأبو البَخْتَرِيّ الطَّائيّ. وغَزَا الشَّام في الجَيْش الّذين افْتَتَحُوا عَذْرَاء، وشَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليّ أميْرًا، وقُتِلَ بعَذْرَاء من قُرَى دِمَشْق، ومَسْجِدُ قَبْرِه بها مَعْرُوف.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحُسَين بن مُحَمَّد البَلْخِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَاحِد بن عليّ العَلَّافُ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد الحَمَّامِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاسِم بن سَالِم بن عَبْد الله، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن أحْمَد بن حَنْبَل، قال: حَدَّثَني أحْمَد بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا حَجَّاج بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا أبو مَعْشَر، قال: كان حُجْر بن عَدِيّ رَجُلًا من كِنْدَة وكان عَابِدًا، قال: ولم يُحَدِّثْ قَطُّ إلَّا تَوَضَّأ، ولم يُهريق ماءً إلَّا توَضَّأ، وما تَوَضَّأ إلَّا صَلَّى.
قال القَاسِمِ
(2)
: وحَدَّثَنا عَبْدُ الله
(3)
، قال: حَدَّثَني أبو هَمَّام الوَلِيد بن شْجَاعٍ السَّكُونِيّ، قال: حَدَّثَني إبْراهيم بن أَعْيَن، عن السَّرِيّ بن يَحْيَى، عن عَبْد الكَريم بن رُشَيْد: أنَّ حُجْر بن عَدِيّ بن الأدْبَر كان يَلْمسُ فِرَاشَ أُمِّهِ بيَدِه، فيتَّهم غِلَظَ (b) يَدِه، فيَنْقَلب على ظَهْره (c)، فإذا أَمِنَ أنْ يكونَ عليه شيءٌ أضْجَعَها.
(a) ابن عساكر: غريب؛ تصحيف.
(b) ابن عساكر: غليظ.
(c) في مكارم الأخلاق: فيتقلَّب عليه على ظهره.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 212.
(2)
هو القاسم بن سالم بن عبد الله راوي الخبر الذي تقدمه، وهو في تاريخ ابن عساكر 12:212.
(3)
هو ابن أبي الدنيا، وهذا الخبر عنده في رسائلة (رسالة مكارم الأخلاق) 1:339.
أنْبَأنَا عُمَر بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن الطَّبَريّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن سُفْيان
(1)
، قال في تَسْمِيَةِ أُمَرَاءِ يَوْم صِفِّيْن من أصْحَاب عليّ: حُجْر بن عَدِيّ هو أدْبَر الكِنْدِيّ.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله القَاضِي إذْنًا، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن السِّيْرَافيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله النَّهَاوَنْديّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عِمْران، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن زَكَرِيَّاء التُّسْتَرِيّ، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَة العُصْفُرِيّ
(3)
، قال في تَسْمِيَةِ الأُمَرَاءِ من أصْحَاب عليّ يَوْم صِفِّيْن: قال أبو عُبَيْدَة: وعلى كِنْدَة حُجْر بن عَدِيّ الكِنْدِيّ.
أنْبَأنَا أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد الأَمِين، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الله بن أحْمَد بن أحْمَد بن الخَشَّاب، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَرَّاءِ، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب البَاقِلَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن شَاذَان، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن نِيْخَاب، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن دِيْزِيْل، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا عُمَر بن سَعْد بإسْنَادِه الأوَّل -يعني فيما اقْتَصَّهُ من خَبَر صِفِّيْن- قال: وبيَّتَهُم الشِّتَاءُ حتَّى إذا كان ذو الحِجَّةِ جَعَلِ عليٌّ يأمرُ الرَّجُل الشَّريفَ من أصْحَابهِ فيَخْرج معه الجَمَاعَة فيُقاتِل، ويَخْرج إليهِ رَجُلٌ من أصْحَاب مُعاوِيَة في جَمَاعَة فيُقاتِل ثمّ يَنْصرفان، فكان عليٌّ مرَّةً يُخْرج الأشْتَر في خَيْله، ومرَّةً حُجْرَ بن عَدِيّ الكِنْدِيّ، ومرَّةً شَبَث بن رِبْعِيّ، وذَكَرَ غير هؤلاءِ.
(1)
لم أقف عليه في كتابه المعرفة والتاريخ.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 212.
(3)
تاريخ خليفة 194.
أنْبَأنَا أبو نَصْر القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله البَلْخِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَاحِد بن عليّ، قال: أخْبَرَنا عليُّ بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا القَاسِم بن سَالِم، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن إسْحَاق بحبان (a)، قال: حَدَّثَنَا أبو ظَفَر، عن جَعْفَر بن سُلَيمان الضُّبَعِيّ، قال: حدَّثني صَاحِبٌ لنا عن يُونُس بن عُبَيْدٍ، قال: كَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى المُغِيرَة بن شُعْبَة: إنِّي قد احْتَجْتُ إلى مالٍ فأمِدَّني بمال، فجهَّز المُغِيرَة إليه عِيْرًا تَحْمل المَال، فلمَّا فَصَلَت العِيْر، بلَغ حُجْرًا وأصْحَابه، فجاء حتَّى أخذ بالقِطَار، فحَبَس العِيْرَ، قال: لا والله حتَّى تُوفي كُلّ ذي حَقٍّ حَقَّه، فبلغَ المُغِيرَةَ ذلك أنَّهُ قد رَدّ العِيْرَ معه، فقال شَبابُ ثَقِيف: ائذَن لنا أصْلَحك الله فيه فنَأتيكَ برأسِهِ السَّاعَة، قال: لا والله ما كُنْتُ لأرْكَب هذا من حُجْر أبدًا، فبلَغ مُعاوِيَة، فاسْتَعمل زيادًا، وعَزَل المُغِيرَة.
وقال
(2)
: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: حدَّثنا إسْمَاعِيْل بن إبْراهيم، عن هِشَام بن حَسَّان، عن مُحَمَّد، قال: أطالَ زِيَاد الخُطْبَة، فقال له حُجْر: الصَّلاة، فَمضَى زِيَاد في خُطْبته، فضَرَب حُجْر بيَدِه إلى الحَصَا، وقال: الصَّلاة! وضَرَب النَّاسُ بأيديهم إلى الحَصَا، فنزل زِيَاد وصَلَّى، وكتَبَ فيه زِيَاد إلى مُعاوِيَة، فكتَبَ مُعاوِيَة أنْ سَرِّح به إليَّ، فسرَّح به إليه، فلمَّا قَدِمَ عليه قال:
(a) مهملة في الأصل، والإعجام من تاريخ ابن عساكر، ولا أظنه صحيحًا، ولم أقف على اسم مكان بهذا الرسم وهذا الإعجام ولا أظنها جيان التي هي من بلاد الأندلس، فهو بغدادي انتقل إلى البصرة فتوفي بها، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الضبي البيهسي المؤدب (ت 290 هـ)، يروي عن أبي ظفر عبد السلام بن مطهر (ت 224 هـ)، تاريخ بغداد 10: 358، 16: 424 - 425، واللباب في تهذيب الأنساب 1:201. وترجمة أبي ظفر في تهذيب الكمال 18: 91 - 93.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 213.
(2)
القائل هو القاسم بن سالم كما في تاريخ ابن عساكر 12: 227 - 228، وانظر الرواية في تاريخ الطبري 5: 256 - 257.
السَّلامُ عَليْك يا أَمِير المُؤْمنِيْن، قال: أوَأَمِير المُؤْمنِيْن أنا؟ قال: نعم، لا أقيْلُكَ ولا أسْتَقيلُكَ، قال: فأمَرَ بقَتْله، فلمَّا انْطُلِقَ به قال لهم: دَعُوني فلأُصلِّ رَكْعَتَين، قالوا: نعم. قال: فصَلَّى رَكْعَتين، ثُمَّ قال لهم: لولا أنْ ترَوا أنَّ بي غير الّذي بي لأَحْبَبْتُ أنْ تكُونا أطْوَل ممَّا كانتا، ثمّ قال: لا تطلقُوا عنِّي حَديدًا ولا تَغْسلُوا عنِّي دَمًا، وادْفُنوني في ثِيَابي، فإنِّي لاقٍ مُعاوِيَةَ بالجادَّة، وإنِّي مُخاصِم. قال هِشَام: فكان مُحَمَّد
(1)
إذا سُئِلَ عن الشَّهِيْد يُغَسَّل؟ ذَكَرَ حَدِيث حُجْر.
أخْبَرَنا أبو إسْحَاق إبْراهيم بن عُثْمان بن يُوسُف الكَاشْغَرِيّ ثمّ البَغْدَاديّ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي بن أحْمَد بن سَلْمَان، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الخَطِيب، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر عَبْد الوَاحِد بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن مَهْدِي، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَمْرو بن البَخْتَرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الفَضْل أحْمَد بن مُلاعِب، قال: حَدَّثَنَا جَنْدَل بن وَالِق، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْد الله عَمْرو الرَّقِّيّ، عن مَعْمَر، عن هِشَام، [عن] ابن سِيْرِيْن (a)، قال: أتَى حُجْر بن عَدِيّ حيث دعا بهِ مُعاوِيَة فقال: إنِّي لأُرَى هذا قاتلِي، فإنْ هو قَتَلني فلا تطْلقُوا عنِّي حَدِيدًا، وادْفنُوني في ثِيَابي ودَمِي فإنِّي مُلَاقٍ مُعاوِيَة على الجادَّة.
أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن أبي عَبْد الله بن المُقَيِّر البَغْدَاديّ، فيما أذِنَ لي في رِوَايتِه عنْهُ، قال: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد عَبْدُ الله بن أحْمَد بن أحْمَد بن الخَشَّاب الأدِيْب، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الفَرَّاء: أخْبَرَنا أبو طَاهِر البَاقلَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ ابن شَاذَان، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن نِيْخَاب الطِّيبِيّ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن الحُسَين بن دِيْزِيْل، قال: أخْبَرَنا يَحْيَى بن سُلَيمان الجُعْفِيّ، قال:
(a) الأصل: عن هشام بن سيرين، وصوابه المثبت؛ فهشامٌ هو ابن حسان، معروف بالرواية عن محمد بن سيرين، وينظر الخبر في مستدرك الحاكم 3:470.
_________
(1)
يعني: ابن سيرين شيخ هشام ابن حسان في هذا الإسناد، وكما هو موضَّحٌ في إسناد الخبر الآتي بعده.
حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن عَيَّاش، وابنُ الأجْلَحِ حَدَّثَني ببَعْضِه وأحمدُ بنُ بَشِير وغيرُهم من أشْيَاخنا، ومن إسْمَاعِيْلَ بَعْضَه، وبعْضُهم يَزِيد على بعضٍ: أنَّ مُعاوِيَة بَعَثَ زِيَاد بن أبي سُفْيان على الكُوفَة والبَصْرَة، فقَدِمَ زِيَاد الكُوفَة، فبَعَثَ إلى حُجْر بن الأدْبَر الكِنْدِيّ -وكانا جَلِيْسَيْن مُتَوَاخِيَيْن، وكانا يَريان رَأيَ عليّ، وعلى حُبِّهِ، ومن شِيْعَتهِ- فقال له زياد: قد عَلمِتَ الّذي كنتُ أنا وأنتَ عليه من الرَّأي، وإنِّي رَأيْتُ عليًّا ومُعاوِيَة اقْتَرَعا فقَرعَهُ مُعاوِيَة، فسَلَّمنا لأمْره، فهَلُمَّ فأبلغُ بكَ وأشَرِّفكَ في قَوْمك وأَقْض لك حَوَائِجك، وأقْضي دَيْنك، وأُخْرج لك رِزْق أهْلك، فاخْرُج معي إلى البَصْرَة، فقال حُجْر: لا واللهِ إنِّي لمَرِيْضٌ. فقال زياد: صَدَقْتَ، إنَّكَ لمَرِيْضُ القَلْب والهَوَى والرَّأي، وأخَافُ أنْ أُخلِّفكَ فتُوْغِل على النَّاسِ (a) وتُوْغِرهم.
ثُمَّ سَار زِيَادٌ إلى البَصْرَة وخَلَّفَهُ، واسْتَعْمَل عَمْرو بن حُرَيْثٍ المَخْزُوميّ على الكُوفَة وأنْزَله القَصْر، وأوْصَى عَمْرًا به فقال: كُنْ عَيْنًا على حُجْر، فانْظُر مَنْ جُلَسَاؤهُ في المَسْجِد، ومَنْ غَاشِيَتُهُ في أهْلِهِ، وأعْلِمْني ما يكُون من أمْرهم. ثمّ سَار زِيَاد إلى البَصْرَة فقَدِمَها، فكتَبَ عَمْرو بن حُرَيْث من الكُوفَة إلى زِيَادٍ وهو بالبَصْرَة: أُخْبرُكَ أنَّ حُجْرًا قد عَظُمَتْ حَلْقَتُهُ في المَسْجِد، وكَثُرتْ غَاشِيَتُهُ في أهْلهِ، فإنْ كانت لك في الكُوفَة حَاجَةٌ فأَقْبِل! فما هو إلَّا أنْ قَرأ كتابَهُ قال زِيَاد لأصْحَابه: تَجَهَّزُوا، فتجهَّزوا.
ثُمّ خَرَج فنَزل الجَلْحَاءَ
(1)
، فإذا رَاكِبٌ من بَني أَسَدٍ يَرْكضُ على فَرَس؛ رسُولٌ لعَمْرو بن حُرَيْث فقال: أين الأَمِيرُ، أين الأَمِير؟ فقالوا: هو ذَا، فأتاهُ فقال له
(a) كذا في الأصل، ولعله: فتوغل عليَّ الناسَ.
_________
(1)
الجلحاء: موضع على ستة أميال من الغوير المعروف بالزبيدية بين العقبة والقاع، وهي تبعد عن البصرة نحر فرسخين. ابن خرداذبه: المسالك 126، ياقوت: معجم البلدان 2: 150.
زيادٌ: ما وراءَكَ، قال: أُخْبرُكَ أنَّ حُجْرًا قد أعْلَن أمْرَهُ وقد أظْهَر السِّلاح، واجْتُمِعَ إليه في المَسْجِد، [قال](a) أوَخَلَعَ أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، فقال: لا، ولكنَّكَ خُلِعْتَ أنت! قال: فما فَعَل أَمِيْري؟ -يعني: عَمْرو بن حُرَيْث- قال: في الدَّار، فقال لأصْحَابه: سِيْروا حتَّى نَزَل بقَرْيَة الحَزْمَاءِ
(1)
فإذا رَاكِبٌ على فَرَس فقال: أين الأَمِير؟ فقالوا: هذا الأَمِير، فما وراءَكَ؟ قال: ظَهَر حُجْرٌ وأعْلَن أمْرَهُ واجْتُمِعَ إليه، قال: فما فَعَلَ أَمِيْري؟ قال: هو في الدَّار، قال: سِيْرُوا فسَارُوا حتَّي نَزَلُوا قَرْيَة الرُّمَّان، فإذا رَاكبٌ يَرْكضُ، فقال مثْل ما قال صَاحِبَاهُ، وقد كان حُجْرٌ حين عَلم أنَّ زيادًا قد أقْبل يُريدُ الكُوفَة قال لأصْحَابه: إنَّ هذا الطَّاغِيَة قد أقْبل فضَعُوا سِلَاحكُم وقُومُوا، فإنْ هو أعْطَانا الّذي نُحِبّ، وإلَّا أعْلَمناكُم فرأيتم رَأْيكَم، فقَدِمَ زِيَاد الكُوفَة، فجاءَهُ وُجُوهُ أهْلها وأشْرَافُهم فجلَسُوا إليه وسلَّمُوا عليه، وأقْبل مُحَمَّد بن الأشْعَث إليه، فدَخَل فقال: السَّلامُ عَليْك أيُّها الأَمِير ورَحْمَةُ الله وبَرَكاتُهُ، فقال: مَنْ هذا؟ قال: مُحَمَّد بن الأشْعَث، فقال: لا مَرْحَبًا ولا أهْلًا! ما فَعَل الرَّجُلُ؟ والله لتأتينِّي به أو لأَسْلُكَنَّ من السَّيْف في بَطْنكَ شِبْرًا، فقال: أصْلَح اللهُ الأَمِير، قد عَلِمَ النَّاسُ عَدَاوتَهُ لي، والّذي بيني وبينَهُ، والله لا يأمنُني على شيءٍ من أمْره، فقال زِيَاد: والله لتأتينِّي بهِ أو لأَسْلُكَنَّ من السَّيْف في بَطْنك شِبْرًا.
قال: فخَرَج مُحَمَّدٌ كَئِيْبًا مَحْزُونًا، فلَقِي جَرِيرَ بن عَبْد الله، فقال جَرِيْر: ما لكَ؟ فقال: قد علمتَ الّذي بيني وبين حُجْر ومُجَانبتَهُ لي، وقد غَضِبَ الأَمِيرُ عليَّ منه، ووعَدَني القَتْلَ إنْ لِمَ آتِهِ به، قال: فما تُريْد؟ قال: أُرِيْدُ أنْ يَرْضَى عنِّي ويُعْفيَني من أمْره. فأقْبَل جَرِيرٌ حتَّي دخَلَ على زِيَاد فرحَّب به زِيَاد، فقال له جَرِيْر:
(a) ساقطة من الأصل الذي نقل عه ابن العديم، وفيه:"وخلع"، فكتبه على الصورة التي وجدها به، وعلَّم فوقها بعلامة "صـ"، وكتب في الهامش:"صوابه: قال: أوَخلع". فصصحناه.
_________
(1)
لم أقف على ذكر اسم هذه القرية فيما بين يدي من مصادر.
أصْلَحكَ الله، كلَّفْتَ مُحَمَّدًا أنْ يأتيَكَ بحُجْر، وقد عرفْتَ عَدَاوَة حُجْر له ومُجَانبَته إيَّاهُ، فإنَّا نُحبُّ أنْ تَرْضَى عنه، وأنا آتيك بحُجْر، قال: وتَفْعَل؟ قال: نعم، قال: فإنَّا قد رَضِيْنا عنه فأْتِنا به، فانْطَلقَ جَرِيرٌ حتَّى أتى حُجْرًا، فدَخَلَ عليه في بَيْته وهو في اثْنَي عَشر رَجُلًا من أصْحَابهِ، فكَلَّمَهُ جَرِير وقال له: أَجِبْ أَمِيْركَ، فقال حُجْرٌ: والله لا أفْعَل إلَّا أنْ يُعْطيَني مَوْثقًا وأَيْمانًا، لا يَهجنا حتَّى يَبْعث بنا إلى مُعاوِيَة فنُكَلِّمَهُ ويَرَى فينا رأيَهُ، فإنِّي قد عرفتُ أنَّهُ لن يدَعَنا، فرجَع جَرِير إلى زِيَادٍ فقال له: أجئْتَ به؟ قال: نَعَم أصْلَحَكَ اللهُ، وقد سَأل شيئًا، قال: ما هو؟ قال: كَذَا وكذا، قال: فذلك له، فأعْطَاهُ الأمَان على ذلك، فأقْبل حُجْرٌ مع جَرِير حتَّى دخَل على زِيَادٍ، فلمَّا رآهُ زِيَاد قال: مَرْحَبًا بك أبا عبد الرَّحْمن، فوالله إنَّكَ كما علمتُ حَرْبٌ في السِّلْم، سِلْمٌ في الحَرْب، وقد ركبتَ صُدُورًا قد أهْلكَ الله مَنْ رَكِب أعْجَازها، ما كنتُ قُلْتُ لك إنَّك سَتُوغرُ النَّاس وتَفْعَل (a) وتُوغرُ عليَّ، تجهَّزْ أنتَ وأصْحَابُكَ، فتجَهَّزُوا، وكتَبَ معهم زِيَاد كِتَابًا إلى مُعاوِيَة شَدِيْدًا يُخْبره بأمُرهم وأنَّ تَرْكَهُم فَسَادٌ للنَّاس.
فسَارُوا حتَّى نزلوا بمَرْج عَذْرَاء، فُحبِسُوا فيها، وكان فيما كَتَبَ زِيَاد إلى مُعاوِيَة: أنَّ لهم الأمان حتَّى يُكَلِّمُوكَ وتُكَلِّمهم. فسَارَ إليهم مُعاوِيَةُ حتَّى أتاهم بمَرْج عَذْرَاء ومعهُ النَّاس، فكلَّمَهُم وكلَّمُوه، ثمّ انْصَرَف عنهم، فاسْتَشَار وُجُوهَ أهْلِ الشَّام فيهم، فأشَاروا عليه بقَتْل القَوْم كُلِّهم إلَّا يَزِيد بن أسَد البَجَليّ وهو جَدُّ خَالِد بن عَبْد الله القَسْرِيّ فإنَّهُ قال: يا أَمِير المُؤْمنِيْن، أنتُم الأئمَّة ونحنُ المُؤْتَمُّون، وأنتُم العَمَدُ ونحن المُعْمَدُونَ، فإنْ تَعْفُ نَقُل: قد أَحْسَنْتَ وأجْمَلْتَ، وإنْ تَقْتُل فرأيُكَ أثْبَت، فبَعَثَ إليهم مُعاوِيَة رَجُلًا أعْوَرَ فأمَرَهُ فقال: انْطَلق إليهم فاقْتُل شُيُوخَهُم واتْرك شُبَّانَهُم. فأقْبَل الرَّسُول فلمَّا رأوهُ قال رَجُل من القَوْم: هذا
(a) وضع ابن العديم فوقها "صـ".
رَجُل مُقْبِل قد بُعِثَ إليكم، إحْدَى عَيْنيهِ مَيِّتة والأُخْرى حَيَّة، وهو خَلِيقٌ أنْ يُمِيْتَ نِصْفَكم، فأتَاهم فأخَذَ شُيُوخَهُم فضَرَبَ أعْنَاقَهُم وهم ستَّة؛ حُجْرٌ أحَدُهُم، واسْتَحْيَى ستًّةً.
فما هو إلَّا أنْ قَتَلَهُم؛ نَدِمَ مُعاوِيَة وسقَطَ في يَدِه. ودَخَل عليه عبدُ الرَّحْمن بن الحَارِث بن هِشَام فقال: يا أَمِير المُؤْمنيْن، ماذا صَنَعت؟! لا تَعُدُّ لك العَرَب حِلْمًا أبدًا ولا رَأيًا، قَتَلْتَ قَوْمًا بُعِثَ بهم أسْرَى في يَدِكَ! قال: فما أصْنَعُ؟ كتَبَ إليَّ زِيَادٌ يُشُدِّد أمَرهُم، وذَكَر أنَّهم سَيَفْتُقُونَ عليَّ فَتْقًا ليس له أوَّلٌ ولا آخرٌ، فكان فَسَاد هؤلاءِ في صَلَاح أُمَّة مُحَمَّد، خَيْرٌ منِ فَسَادِ أُمَّة مُحَمَّد في صَلاح هَؤلاءِ، وغبْتَ أنتَ عنِّي وأصْحَابك، فقال له: ألَا فَرَّقْتَهُم في كُوَر الشَّام، وأطْعَمْتَهم من الكَعْكِ والزَّيْت حتَّى تَكْفيكَهُم طَوَاعِيْن الشَّام؟!
وقال: حَدَّثَنَا يَحْيَى -يعني: الجُعْفِيَّ- قال: حَدَّثَنَا ابن دَاوُد، قال: حَدَّثَنا اين لَهِيْعَة، عن الحَارِث بن يَزِيد الحَضْرَميّ، وعبد الله بن هُبَيْرَة، عن عَبْد الله بن رَزِيْن الغَافِقِيّ، عن عليّ أنَّهُ قال: يُقْتَل منكُم يا أهْلِ الكُوفَة سَبْعَة، مَثَلُهُم مثَلُ أصْحَاب الأُخْدُود، قال: فبَعَثَ مُعاوِيَةُ إلى بضْعَة عَشَر رَجُلًا من أهْلِ الكُوفَة فاخْتَار منهم سَبْعةً فقَتَلَهُم، منهم حُجْر بن الأدْبَر.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحُسَين بن مُحَمَّد بن خُسْرُو البَلْخِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الوَاحِد بن عليّ بن مُحَمَّد بن فَهْد العَلَّاف، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد بن عُمَر الحَمَّامِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاسِم بن سَالِم، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن أحْمَد بن حَنْبَل، قال: حَدَّثني أحْمَدُ بن إبْراهيم الدَّوْرَقيّ، قال: حَدَّثَنَا حَجَّاج بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا أبو
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 214 - 215.
مَعْشَر، قال: فاعْتَرَف به مُعاوِيَة وأمَّرَهُ على العِرَاقَيْن -يعني زِيَادًا- قال: فلمَّا قَدِمَ الكُوفَة دَعَا حُجْر بن الأدْبَر فقال: يا أبا عبد الرَّحْمن، كيف تَعْلَم حُبِّي لعليّ؟ قال: شَدِيْدًا، قال: فإنَّ ذاك قد انْسَلخ أجْمَع فصَار بُغْضًا، فلا تُكَلِّمني بشيءٍ أكْرَهُهُ (a)، فإنِّي أُحَذِّرُكَ، فكان إذا جاء إبَّانُ العَطَاءِ قال حُجْرٌ لزِيَادٍ: أخْرج العَطَاءَ فقد جاء إبَّاَنهُ (b)، فكان يُخْرجهُ، وكان لا يُنْكِر حُجْر شَيئًا منِ زِيَادٍ إلَّا ردَّهُ عليه، فخَرَج زِيَاد إلى البَصْرَة، واسْتَعْمَل على الكُوفَة عَمْرو بن حُرَيْث، فصَنَعَ عَمْرو شيئًا كَرهَهُ حُجْرٌ، فنَادَاهُ وهو على المِنْبَر، فردَّ عليه ما صنَعَهُ (c) وحَصَبَهُ هو وأصْحَابه، قال: فأبْرَدَ عَمْرو مكانَهُ بَريْدًا إلى زِيَاد، وكتَبَ إليه بما صَنعَ حُجْر، فلمَّا قَدِمَ البَرِيد على زِيَادٍ، نَدِمَ عَمْرو بن حُرَيْثٍ وخَشِيَ أنْ يكُون من سَطَواته ما يَكْره، وخرَج زِيَاد من البَصْرَة إلى الكُوفَة، فتلقَّاهُ عَمْرو بن حُريْث في بعض الطَّريق، فقال: إنَّهُ لَم يكُ شيء تَكْرههُ وجَعَل يُسَكِّنُهُ، فقال زياد: كَلَّا، والّذي نَفْسِي بيَدِه حتَّى آتيَ الكُوفَة فأنْظُر ماذا أصْنَعُ، فلمَّا قَدِمَ الكُوفَة سَألَ عَمْرًا عنِ البَيِّنَة، وسَألَ أهْل الكُوفَة، فشَهِدَ شُرَيْح في رجالٍ معه على أنَّهُ حَصَبَ عَمْرًا ورَدَّ عليه، فاجْتَمع حُجْرٌ وثلاثة آلاف من أهْلِ الكُوفَة، فلبسُوا السِّلاح وجَلَسُوا في المَسْجِد، فخَطَب زِيَادٌ النَّاسَ، وقال: يا أهْل الكُوفَة، ليَقُم كُلّ رَجُل منكم إلى سَفِيْهِهِ فليَأخُذْهُ، فجَعَل الرَّجُل يأتي ابنَ أخيهِ وابنَ عَمِّه وقَرِيْبَهُ فيقُول: قُمْ يا فُلَان، قُم يا فُلَان، حتَّى بقي حُجْرٌ في ثلاثين رَجُلًا، فدَعاهُ زِيَاد فقال: أبا عبد الرَّحْمن، قد نَهَيْتُكَ أنْ تُكَلِّمِني، وأنَّ لك عَهْدَ الله آَلَّا تُرَابَ بشيءٍ حتَّى تأتيَ أَمِير المُؤْمنِيْن وتُكَلِّمه، فرَضيَ بذلك حُجْرٌ، وخَرَجَ إلى مُعاوِيَةَ ومعه عشرون رَجُلًا من أصْحَابه، ومعه رُسل زِيَاد حتَّى نَزَلُوا مَرْج العَذْرَاء، فقال حُجْرٌ ما اسْم هذا المكان؟ قالوا: هذا مَرْجُ العَذْرَاء (d)، قال: أمَا واللهِ إنِّي لأوَّل خَلْقِ الله كَبَّرَ فيهِ.
(a) في عساكر: نكرهه.
(b) بعده عند ابن عساكر: "فقال: جاء إبانه".
(c) ابن عساكر: صنع.
(b) من قوله: "فقال حجر ما اسم
…
" إلى هنا ساقط من نشرة ابن عساكر.
قال
(1)
: وحَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ، قال: أُخْبرتُ عن جَعْفَر بن سُلَيمان، عن هِشَام، قال: قال ابنُ سِيْرِيْن: لم يكُن لزيَاد هَمٌّ لمَّا قَدِمَ الكُوفَة إلَّا حُجْرًا وأصْحَابه، فتَكَلَّم يَوْمًا زِيَادٌ وهو على المِنْبَر فقال: إنَّ من حَقِّ أَمِير المُؤْمنِيْن، من حَقِّ أَمِير المُؤْمنِيْن مِرَارًا، فقال: كَذَبْتَ ليس كذلك، فسَكَت زِيَاد، ونَظَر إليه، ثمّ عاد في كَلَامِهِ فقال: إنَّ من حَقِّ أَمِير المُؤْمنِيْن، إنَّ من حَقِّ أَمِرِ المُؤْمنِيْن مِرَارًا، قال حُجْر: كَذَبْتَ ليس كذلك! فسَكَت زِيَاد ونَظَرَ إليه، ثمّ عاد في كَلَامِه فقال: إنَّ من حَقِّ أَمِير المُؤْمنِيْن، إنَّ من حَقّ أَمِيرِ المُؤْمنِيْن مِرَارًا نَحْوًا من كَلامِهِ (a)، فأخَذَ حُجْر كَفًّا من حَصَا فَحَصَبَهُ، وقال: كَذَبْتَ (b) عليك لَعْنَة الله، قال: فانْحَدَر زِيَاد من المِنْبَر، فصَلَّى، ثمّ دَخَلَ الدَّارَ، وانْصَرف حُجْرٌ، فبَعَثَ إليه زِيَادٌ الخيْلَ والرِّجَالَ: أَجِبْ، قال حُجْرٌ: إنِّي والله ما أنا بالَّذي يَخَافُ، ولا آتيَه؛ أخَاف على نَفْسِي. قال هِشَام: قال ابنُ سِيْريْن: لو مَالَ لمالَ أهْلُ الكُوفَهَ معه، ولكن كان رَجُلًا وَرِعًا، فأبَى زِيَاد أنْ يُقْلِعَ عنه الخَيْل والرِّجَال حتَّى اصْطَلَحا أنْ يُقيِّدَهُ بسِلْسِلةٍ ويُرْسلَهُ في ثلاثين من أصْحَابهِ إلى مُعاوِيَة، فلمَّا خرَج أتْبَعَهُ زِيَادٌ بُرُدًا بالكُتُب، بالرَّكْض إلى مُعاوِيةَ: إنْ كان لك في سُلْطانكَ حَاجَةٌ، أو في الكُوفَة حاجَةٌ فاكْفِني حُجْرًا. وجَعَل يَرْفَعُ الكُتُب إِلى مُعاوِيَة حتَّى ألْهَفَهُ عليه، فقَدِمَ فدَخَلَ عليه فقال: السَّلامُ عَليْك يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، قال مُعاوِيَة: أوَأَمِير المُؤْمنِيْن أنا؟ قال: نَعَم؛ ثلاثًا، فأمَرَ بحُجْر وبَخْمسَةَ عَشَرَ رَجُلًا من أصْحَابهِ، قد كتَبَ زِيَادٌ فيهم وسمَّاهُم، وأخْرَج حُجْرًا وأصْحَابَهُ الخَمْسَة عَشَر، وقد أمَرَ بضَرْب أعْنَاقِهِم، فقال حُجْرٌ للَّذي أُمِرَ بقَتْله: دَعْنِي فلأُصَلِّي رَكْعَتَين، قال: صَلِّهِ، قال: فصَلَّى رَكْعَتَينِ خَفِيْفتَيْن، فلمَّا سَلَّم أقْبَل على النَّاسِ فقال: لولا أنْ تَقُولُوا جَزع من القَتْلِ لأحْبَبْتُ أنْ تكُون رَكْعَتان أنْفَسَ ممَّا
(a) تكرار الواقعة في المرة الثالثة لم يرد عند ابن عساكر.
(b) عند ابن عساكر مكررة ثلاث مرات.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 215.
كانتا، وأيْم الله، لئن لَم تكُن صَلَاتي فيما مَضَى تَنْفَعُني ما هَان (a) بنَافعَتَي شيئًا، ثمّ أخذَ بُردَهُ فتَحَرَّم به، ثمّ قال لمَنْ يليه من قَوْمِهِ ومَنْ يتحرَّم بهِ: لا تحلُّوا قُيُودي ولا تَغْسلُوا عنِّي الدَّمَ، فإنِّي أجْتَمعُ أنا ومُعاوِيَةَ غَدًا على المحجَّة.
قال
(1)
: وحَدَّثَنا عَبْدُ الله، قال: حَدَّثَني أبو مُحَمَّد بن أبي الحَسَن الجَوْهَرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَنَا وَهْبُ بن جَرِير، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الزُّبَيْر الحَنْظَلِيّ، عن فِيْل مَوْلَى زِيَاد، قال: لمَّا قَدِمَ زِيَاد الكُوفَة أميرًا، أكْرَمَ حُجْرُ بن الأدْبَر، وأدْنَاهُ، فلمَّا أراد الانْحِدَار إلى البَصْرَة دَعاهُ فقال: يا حُجْرُ، إنَّك قد رأيْتَ ما صنَعْتُ بك وإنِّي أُرِيدُ البَصْرَةَ، فأُحِبُّ أنْ تَشْخَص معي، فإنِّي أكْرَهُ أنْ تُخَلَّف بعدي فعَسَى أنْ أُبَلَّغَ عنكَ شيئًا فيقَعَ في نَفْسِي، فإذا كُنْتَ معي لم يقَعْ في نَفْسِي من ذلك شيء، فقد علمتُ رأيَكَ في عليّ بن أبي طَالِب، وقد كان رأيي فيه قَبلك على مثْل رَأيك، فلمَّا رَأيتُ الله صَرَفَ ذلك الأمرَ عنهُ إلى مُعاوِيَة، لم أَتَّهِم الله، ورَضِيْتُ به، وقد رأيتَ إلى (b) ما صار أمرُ عليّ وأصْحَابُهُ، وإنِّي أُحَذِّرُكَ أنْ تَرْكَب أعْجَازَ أُمُور هَلَكَ مَنْ رَكِبَ صُدُورَها (c)، فقال له حُجْرٌ: إنِّي مَرِيْضٌ ولا أسْتَطِيْعُ الشُّخُوصَ معَكَ، قال: صَدَقْتَ والله! إنَّكَ لمَرِيْضٌ؛ مَرِيْضُ الدِّين، مَرِيْضُ القَلْب، مَريْضُ العَقْل، وأيْم الله لئن بَلَغَني عنكَ شيءُ أكْرَههُ لأحْرصَنَّ على قَتْلكَ، فانْظُر لنَفْسكَ أو دَعْ.
فخَرَجَ زِيَاد فلَحِقَ بالبَصْرَة. واجْتَمعِ إلى حُجْرُ قُرَّاء أهْل الكُوفَة، فجَعَل عَامِلُ زِيَادٍ لا يَنْفُذُ له أمرٌ، ولا يُريدُ شيئًا إلَّا مَنَعُوهُ إيَّاهُ، فكَتَب إلى زيادٍ: إنِّي والله ما أنا في شيءٍ، وقد مَنَعَني حُجْرٌ وأصْحَابه كُلّ شيء فأنْتَ أعْلَم.
(a) كذا لفظ الأصل، وفي تاريخ ابن عساكر: هاتان.
(b) ساقطة من نشرة ابن عساكر.
(c) ابن عساكر: صدرها.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 215 - 217.
فرَكِبَ زِيَادٌ بعُمَّالِهِ حتَّى اقْتَحَم الكُوفَة، فلمَّا قَدِمَها تَغَيَّبَ حُجْر، فجعَل يَطْلبُهُ فلا يَقْدر عليه، فبينا هو جَالِسٌ يَوْمًا وأصْحَاب الكَرَاسِي حَوْلَهُ، فيهم الأشْعَث بن قَيْس، إذا أتَي الأشْعَثَ ابنُه مُحَمَّد، فنَاجَاهُ وأخْبَره أنَّ حُجْرًا قد لجأ إلى مَنْزِله، فقال له زيادٌ: ما قال لك ابنُكَ؟ قال: لا شيء، قال: والله لتُخْبرني ما قال لك حتَّى أعْلَم أنَّك قد صدَقْتَ أو لا تَبْرحِ مَجْلِسَك حتَّي أقْتلَكَ، فلمَّا عَرِفَ الأشْعَث أخْبَره، فقال لرَجُل من أهْلِ الكُوفَة من أشْرَافهم: قُمْ فأتِني بهِ، قال: اعْفِني أصْلَحَكَ اللهُ من ذلك؛ إبْعَثْ غيري. قال: لَعْنَة الله عليك خَبِيْثًا مُخَبَّثًا، والله لتأتينِّي بهِ أو لأقْتُلنَّكَ، فخرج الرَّجُل حتَّى دَخَل عليهِ، فأخَذَه وأخْبَر حُجْرَ الخَبَر، فقال له: ابْعَث إلى جَرِير بن عَبْد الله فليُكَلِّمه فيك، فإنِّي أخاف أنْ يَعْجَل عليك، فدَخَل جَرِير على زِيَادٍ فكَلَّمه فقال: هو آمَنُ من أنْ أقْتُلَهُ ولكن أُخْرجهُ فأبْعَثُ به إلي مُعاوِيَة، فجاءَ به على ذلك، فأخرجَهُ من الكُوفَة ورَهْطًا معه، وكَتَبَ إلى مُعاوِيَة: أنْ أغْنِ عنِّي حُجْرًا إنْ كان لك فيما قِبَلي حاجة، فبَعَثَ مُعاوِيَة فتُلَقِّيَ بالعَذْرَاء، فقُتِلَ هو وأصْحَابه، ومَلَكَ زِيَاد العِرَاق خَمْس سنين، ثُمَّ ماتَ سَنَة ثَلاثٍ وخَمْسِين.
قُلتُ: هكذا جاء في هذه الرِّوَايَة: فيهم الأشْعَث بن قَيْس، وهو وَهْمٌ فَاحِشٌ، فإنَّ هذه القِصَّة كانت في سَنَة إحْدَى وخَمْسِين أو في سَنَة خَمْسِين، والأشْعث مات في سَنَة أرْبَعيْن قَبْل هذه الوَاقِعَة بإحْدَى عَشْرة سَنَةً، وقد ذَكَرنا فيما نَقَلْنَاهُ عن ابن دِيْزِيْل أنَّ الّذي طَلَبَ منه مُعاوِيَة إحْضَار حُجْرٍ إليه هو مُحَمَّد بن الأشْعَث.
والعَجَب أنَّ الحافِظ أبا القَاسِم ذَكَرَ هذه القِصَّة بهذا الإسْنَاد ولم يُنَبِّه على هذا الوَهْم.
أنْبَأنَا أبو حَفْص المُؤدِّبُ، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، عن أبي مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن الفَهْم، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْد
(1)
، قال: وذَكَرَ بَعْضُ أهْل العِلْم أنَّهُ -يعني حُجْرًا- وَفَدَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مع أخيه هَانئ بن عَدِيّ، وكان من أصْحَابِ عليّ، فلمَّا قَدِمَ زِيَاد بن أبي سُفْيان وَاليًا على الكُوفَة، دَعَا حُجْرُ بن عَدِيّ، فقال: تَعْلم أنِّي أعْرفك، وقد كُنْتُ أنا وإيَّاكَ على ما قد عَلِمْتَ، يعني من حُبّ عليّ بن أبي طَالِب وأنَّهُ قد جاءَ غير ذلك، وإنِّي أَنْشُدُكَ اللهَ أنْ تُقْطر لي من دَمِكَ قَطْرَةً فاسْتَفْرغه كُلَّهُ، امْلِكْ عليكَ لسَانَكَ، وليَسَعْكَ مَنْزِلُكَ، وهذا سَرِيري فهو مَجْلِسُكَ، وحَوَائِجُكَ مَقْضِيَّةٌ لَدَيَّ، فاكْفِني نَفْسَكَ، فإنِّي أعْرفُ عَجَلَتكَ، فأَنْشُدُكَ اللهَ يا أبا عَبْد الرَّحْمن في نَفْسِكَ، وإيَّاكَ وهذه السَّفِلة، وهؤلاء السُّفَهاء أنْ يَسْتَزِلُّوكَ عن رَأيك، فإنَّك لو هُنْتَ عليَّ أو اسْتَخْففتُ بحَقِّكَ لم أخُصُّكَ بهذا من نَفْسِي، فقال حُجْرُ: قد فَهِمْتُ. ثمّ انْصَرَفَ إلى مَنْزِله، فأتاهُ إخوَانُه من الشِّيْعَة، فقالُوا: ما قال لك الأَمِير؟ قال: قال لي كَذَا وكذا، قالُوا: ما نَصَحَ لك، فأقامَ وفيه بَعْضُ الإعْراض (a)، وكانت الشِّيْعَةُ يَخْتَلفُونَ إليه ويقُولونَ: إنَّك شَيْخُنا وأحَقّ النّاس بإنْكَار هذا الأمر، وكان إذا جاءَ إلى المَسْجِد مَشَوْا معه، فأرْسَل إليه عَمْرو بن حُرَيْث -وهو يَوْمئذٍ خَلِيفَةُ زِيَادٍ علىِ الكُوفَة، وزِيَادٌ بالبَصْرَة-: أبا عَبْد الرّحْمن، ما هذه الجَمَاعَةُ؟ وقد أعْطَيْتَ الأَمِيرَ من نَفْسكَ ما قد علمْتَ! فقال للرَّسُول: تُنْكِرُونَ ما أنتم فيه، إليك ورَاءَك أوْسَعُ لكَ!
(a) ابن سعد وتاريخ ابن عساكر: الاعتراض.
_________
(1)
طبقات ابن سعد 6: 217 - 220، والخبر في: أنساب الأشراف 1/ 4: 244 - 246، وتاريخ ابن عساكر 217:12 - 219.
فكَتَب عَمْرو بن حُرَيْثٍ بذلك إلى زِيَاد، وكَتَبَ إليه: إنْ كانت لك حَاجَةٌ بالكُوفَةِ فالعَجَل، فأغَذَّ زِيَاد السَّير حتَّى قَدِمَ الكُوفَة، فأرْسَل إلى عَدِيّ بن حَاتِم، وجَريْر بن عَبْدِ الله البَجَليّ، وخَالِد بن عُرْفُطَة العُذْرِيّ حَلِيْف بَني زُهْرَة، وإلى عِدَّة من أشْرَاف أهْل الكُوفَة، فأرْسَلهُم إلى حُجْرُ بن عَدِيّ ليُعْذِر إليه ويَنْهاهُ عن هذه الجَمَاعَة، وأنْ يكُفّ لِسَانَهُ عن ما يَتَكَلَّم به، فأتَوهُ، فلَم يُجِبْهم إلى شيءٍ، ولم يكَلِّم أحدًا منهم وجَعَل يَقُول: يا غُلَامُ، اعْلِف البَكْرَ! قال: وبَكْر في ناحيةِ الدَّار، فقال له عَدِيّ بن حَاتِم: أمَجْنُون أنتَ، أُكَلِّمُكَ بما أُكَلِّمُكَ به، وأنْتَ تقُول يا غُلَام اعْلِف البَكْرَ! فقال عَدِيّ لأصْحَابه: ما كُنْتُ أظُنّ هذا البائسَ بلَغَ به الضَّعْفُ كُلَّ ما أرَى، فنَهَضَ القَوْمُ عنه، وأتَوا زيادًا فأخْبَرُوه ببعضٍ، وخَزَنُوا بعضًا، وحَسَّنُوا أمْرَهُ، وسَألُوا زيَادًا الرِّفْقَ به، فقال: لسْتُ إذًا لأبي سُفْيان! فأرْسَلَ إليه الشُّرَطَ والبُخاريَّة، فقَاتلَهُم بمَنْ معه، ثمّ انْفَضُّوا عنه، وأُتِيَ به زِيَادٌ وبأصْحَابهِ (a)، فقال له: وَيْلكَ ما لكَ؟ قال: إنِّي على بَيْعَتي لمُعاوِيَة لا أقيْلُهَا ولا أسْتَقِيْلُها، فجمعَ زِيَادٌ سَبْعِين من وُجُوه أهْل الكُوفَة، فقال: اكتُبُوا شَهادتكمُ
(1)
على حُجْر وأصْحَابهِ، ففعَلُوا، ثمّ وَفَدَهم على مُعاوِيَةَ، وبَعَثَ بحُجْر وأصْحَابهِ إليه.
وبلَغَ عائِشَةَ الخَبَرُ، فبَعَثَتْ عبد الرَّحْمن بن الحَارِث بن هِشَامٍ المَخْزُوميّ إلى مُعاوِيَةَ يَسْأله أنْ يُخَلِّي سَبِيْلَهُم، فقال عبد الرَّحْمن بن عُثْمان الثَّقَفِيّ: جُذَاذها جُذَاذها (b)، لا يغن (c) بعد العام أثرًا، فقال مُعاوِيَة: لا أُحِبُّ أنْ أرَاهُم، ولكن
(a) كذا في الأصل كما عند ابن سعد وابن عساكر، ولا يخلو من اضطراب، ولعل صوابه ما وقع في سير أعلام النبلاء 3: 464: "وأتي به إلى زيادٍ وأصحابه".
(b) كذا في الأصل بالذال المعجمة، ومثله عند الطبري 5: 273، وعند ابن سعد وابن عساكر بالمهملة: جدادها، ومكررة عند ابن سعد.
(c) ابن عساكر: تَعنَّ، ابن سعد والطبري: لا تَعَنَّ أبْرًا.
_________
(1)
انظر نصّ الشهادة عند البلاذري: أنساب الأشراف 1/ 4: 254 والطبري في تاريخه 5: 269.
اعرضُوا عليَّ كتابَ زِيَادٍ، فقُرئ عليه الكتاب (a)، وجاءَ الشُّهُودُ فشَهِدُوا، فقال مُعاوِيَةُ بن أبي سُفْيان: أخرجُوهم إلى عَذْرَاء فاقْتُلوهُم هنالك، قال: فحُمِلُوا إليها، فِقال حُجْرُ: ما هذه القَرْيَة؟ قالوا: عَذْرَاء، قال: الحَمْدُ للهِ، أمَا والله إنِّي لأوَّلُ مُسْلِم نَبَّحَ كِلَابَها في سَبِيْل الله، ثُمَّ أُتِيَ بي اليَوْم إليها مَصْفُودًا!.
ودُفِعَ كُلّ رَجُل منهم إلى رَجُلٍ من الشَّام ليَقْتُله، قال: ودُفِعَ حُجْرٌ إلى رَجُل من حِمْيَر فقدَّمه ليَقْتُلَه، فقال: يا هُؤلاءَ، دَعُوني أُصَلِّي رَكْعَتَيْن، فتَركُوه فتَوَضَّأ وصَلَّى رَكْعَتين فطَوَّل فيهما، فقيل لهُ: طَوَّلْتَ، أَجَزِعْتَ؟ فانْصَرَفَ فقال: ما تَوَضَّأتُ قَطُّ إلَّا صَلَّيْتُ، وما صَلَّيْتُ صَلَاةً قَطُّ أخَفّ من هذه، ولئن جَزعْتُ لقد رأيْتُ سَيْفًا مَشْهورًا، وكَفَنًا مَنْشُورًا، وقَبْرًا مَحْفُورًا
(1)
.
وكانت عَشَاِئِرُهُم جَاؤُوهم بالأكْفَان وحَفَروا لهم القُبُور. ويقال: بل مُعاوِيَة الّذي حَفَر لهم القُبُور وبَعَثَ إليهم بالأكْفَان.
وقال حُجْرُ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعْديكَ على أُمَّتنا، فإنَّ أهْلَ العِرَاق شَهِدُوا علينا، وإنَّ أهْل الشَّامِ قَتَلُونا. قال: فقيل لحُجْر: مُدَّ عُنُقكَ، فقال: إنَّ ذاكَ لَدَمُ ما كُنْتُ لأعِيْنَ عليه، فقُدِّمَ فضُرِبَتْ عُنُقهُ.
وكان مُعاوِيَة قد بَعَثَ رَجُلًا من بني سَلَامَان بن سَعْدٍ يقال له هُدْبَةُ بن فَيَّاض (b) - قال الصُّوْرِيّ: وفيِ نُسْخَةٍ قَبَّاص مَضْبُوط مُجَوَّد- فقَتَلهُم، وكان أعْوَر، فنَظَر إليه رَجُل منهم من خَثْعَم، فقال: إنْ صَدَقَتِ الطَّيْرُ قُتِلَ نِصْفُنا ونَجَا نِصْفُنا،
(a) الأصل: كتاب، والمثبت من ابن سعد والطبري وابن عساكر.
(b) في تاريخ الطبري 5: 274، والعبر لابن خلدون 5: 27: أرسل معاوية: هدبة بن فياض القضاعي، والحصين بن عبد الله الكلابي وأبا شريف البدِّيّ.
_________
(1)
قارن بتاريخ الطبري 5: 275.
قال: فلمَّا قُتِل سَبْعةٌ أرْدَف مُعاوِيَة برسُول بعَافيَتهمِ جَمِيعًا، فقُتِلَ سَبْعة ونَجَا ستَّةٌ، أو قُتِلَ ستّةٌ ونَجَا سَبْعَة، قال: وكانوا ثلاثة عَشر رَجُلًا.
وقَدِمَ عبد الرَّحْمن بن الحَارِث بن هِشَامٍ على مُعاوِيَة برسَالة عائِشَةَ، وقد قُتِلُوا، فقال: يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، أينَ عَزَبَ عنك حِلْم أبي سُفْيان؟ فقال: غَيْبَةُ مثْلكَ عنِّي من قَوْمي، وقد كانت هِنْد ابنَةُ زَيْد بن مجْرية (a) - قال الصُّوْرِيّ: وفي نُسْخَة مُخَرَّبة- الأنْصَاريَّة وكانت شِيْعِيَّة قالت حين سُيِّر حُجْرٌ إلى مُعاوِيَة: [من الوافر]
تَرَفَّعْ أيُّها القَمَرُ المُنِيْرُ
…
تَرَفَّعْ (b) هَلْ تَرَى حُجْرًا يَسِيْرُ
يَسِيْرُ إلى مُعاوِيَةَ بن حَرْبٍ
…
ليقْتُلَهُ كما زَعَم الخَبِيْرُ (c)
تَجَبَّرَتِ الجَبَابِرُ بعد حُجْرٍ
…
وطَابَ لنا الخَوَرْنَقُ والسَّدِيْرُ
وأصبحَتِ البِلادُ له مُحُولًا
…
كأنْ لَم يُحْيها يَوْمٌ (d) مَطِيْرُ
ألَا يا حُجْرُ حُجْرَ بني عَدِيّ
…
تلقتْكَ السَّلامَةُ والسُّرُورُ
أخَافُ عليكَ ما أردَى عَدِيًّا
…
وشَيْخًا في دِمَشْقَ لهُ زَئِيْرُ
فإنْ تَهْلِكْ فكُلّ عَتِيْدِ (e) قَوْمٍ
…
إلى هُلْكٍ من الدُّنْيا يَصِيْرُ
وتُرْوَى هذه الأبْيَات لهِنْد (f) أُخت حُجْر بن عَدِيٍّ، ويُرْوى فيها بيتٌ قبل البَيْت الأخير، وبعد السَّادِس:
يَرَى قَتْلَ الخِيَارِ عليه حَقًّا
…
له من شَرِّ أمَّتِهِ وَزِيرُ
(a) ابن سعد: مخرَّبة، وفي أنساب البلاذري 1/ 4: 268، وتاريخ الطبري 5: 280، والوافي بالوفيات 11: 322، والبداية والنهاية: مخرمة، والأبيات عندهم وعند الأصفهاني: الأغاني 17: 113، وفي رواية الطبري زيادة بيتين.
(b) الطبري، والصفدي، وابن كثير: تبصر، وفي الأغاني: لعلك أن ترى.
(c) الطبري والأصفهاني وابن كثير: الأمير.
(d) الطبري والأصفهاني وابن كثير: مزن، الصفدي: زمن.
(e) الطبري والأصفهاني وابن كثير: زعيم، وعند ابن سعد وابن عساكر والصفدي: عميد.
(f) ابن عساكر: لهندة.
ويُروى فيها بيتٌ آخر وهو:
ألَا يا ليتَ حُجْرًا ماتَ مَوْتًا
…
ولَم يُنْحَر كما نُحِرَ البَعِيرُ
وفي بعض الرِّوَايَات:
أخافُ عليك ما أَرْدَى عَلِيًّا
وهو أَشْبَهُ.
أنْبَأنَا أبو نَصْر القَاضِي، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللهِ البَلْخِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَاحِد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا القَاسِم بن سَالِم، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا نُوح بن حَبِيْب القُوْمسِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا بَكْر بن عَيَّاش، وذُكِرَ عنده حُجْر، فقال: لمَّا انْطُلِقَ بحُجْر إلى مُعاوِيَة قالت أُخْتُه: [من الوافر]
ألَا يا أيُّها القَمَرُ المُنِيْرُ
…
تَبَصَّرْ هَلْ تَرَى حُجْرًا يَسِيْرُ
يَسِيْرُ إلى مُعاوِيَةَ بنِ حَرْب
…
فيَقْتله (a) كما زَعَم الأَمِيرُ
ألَا يا حُجْر حُجْر بني عَدِيٍّ
…
تلقَّتْكَ السَّلامَةُ والسُّرُورُ
قال نُوحٌ: قال أبو بَكْر بن عَيَّاش: قاتلَها اللهُ ما كان أشْعَرَها!
وقال
(2)
: حَدَّثنا عَبْدُ الله بن أحْمَد، قال: حَدَّثَني عِمْران بن بَكَّار بن رَاشِد البَرَّاد المُؤذِّن الحِمْصِيّ، قال: حَدَّثَنَا هاشِم بن عَمْرو أبو عَبْد الله شُقْرَان، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، عن شُرَحْبِيل بن مُسْلِم الخَوْلانِيّ، قال: لمَّا أُتِيَ مُعاوِيَة بن أبي
(a) عند ابن سعد 6: 220، وتاريخ الطبري 5: 280، والأغاني 17: 158، ونهاية الأرب 20: 340: ليقتله.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 221، وفيه زيادة بيتين على الأبيات الثلاثة المدرجة أعلاه.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 220.
سُفْيان بحُجْر بن عَدِيّ الأدْبَر وأصْحَابه، اسْتَشَار النَّاسَ في قَتْلهم، فمنهم المُشِيْرُ، ومنهم السَّاكِتُ، ثمَّ دَخَل مَنْزِلَهُ، فلمَّا صَلَّى الظُّهْر قام في النَّاسِ، فَحمِدَ الله وأثْنَى عليه، ثمّ قال: أينَ عَمْرو بن الأَسْوَد؟ فقام عَمْرو بن الأَسْوَد، فَحمِدَ اللَّه وأثْنَى عليه وقال: ألَا إنَّا بحِصْن من الله حَصِيْن لم نَملّهُ، ولم نُؤمرْ بتَرْكه؛ فذَكَر الحَدِيْثَ.
قال ابنُ عَيَّاشٍ: فقُلْتُ لشُرَحْبيل بن مُسْلِم: كيفَ صَنَعَ بهم؟ قال: قَتَل بَعْضًا، وخَلَّى سَبِيْلَ بعض، فقُلْتُ لشُرَحْبيلَ بن مُسْلِم: ما كان شَأنهم؟ قال: وجَدُوا كِتَابًا لهم إلى أبي بِلَالٍ، وأنَّ مُحَمَّدًا وأصْحَابَهُ قاتَلُوا على التَّنْزِيْل، فقاتِلُوا أنتُم على التَّأويْل.
أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو الغَنائِم مُحَمَّد بن عليّ بن مَيْمُون، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عليّ بن الحَسَن (a) أبو عَبْد الله الحُسَيْنيّ المَعْرُوفُ بابنِ عبد الرَّحْمن، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم عليّ بن مُحَمَّد بن الفَضْل الدِّهْقَان، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عليّ بن السَّمِين، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن زَيْد الرَّطَّاب، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن مُحَمَّد الثَّقَفِيّ، قال: أخْبَرَني المَسْعُودِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُعاوِيَةُ بن هِشَامٍ، عن عَطَاء بن مُسْلِم، عن عَمْرو بن قَيْس، قال: والله لحَدَّثنِيهِ بعضُ أصْحَابنا أنَّ حُجْرِ بن عَدِيٍّ كان عند زِيَادٍ وهو يَوْمئذٍ على الكُوفَة، إذ جاءَه قَوْمٌ قد قُتِلَ منهم رَجُل، فجاءَ أوْلِيَاءُ القَتِيْل وأوْلِيَاءُ المَقْتُول، فقالُوا: هذا قَتَلَ صَاحِبَنا، فقال أوْلِيَاءُ القَاتِل: صَدَقُوا، ولكن هذا نَبَطِيٌّ وصَاحِبُنا عَربيٌّ، ولا يُقْتَلُ عَرَبيٌّ بنَبَطِيّ، فقال زيادٌ: صَدَقْتمُ ولكن أعْطُوهُم الدِّيَة، فقالوا: لا حَاجَةَ لنا في الدِّيَة، إنَّما كُنَّا نَرَى أنَّ النَّاس فيهِ سَوَاءٌ، فقام حُجْر بن
(a) ابن عساكر: الحسين.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 220 - 221.
عَدِيّ، فقال: تَعْطِيل كتاب الله وخِلَاف سُنَّة نَبيّه صلى الله عليه وسلم وأنا حَيٌّ! لتَقْتُلنَّهُ أو لأضْربنَّ بسَيْفي حتَّى أَمُوت والإسْلَام عَزِيز. قال: فواللهِ ما بَرح حتَّى وضَع السِّكِّين على حَلْقه. وكان يُقَال: أوَّل ذُلٍّ دَخَل على الكُوفَة قَتْلُ حُجْر بن عَدِىِّ. قال: اسْم المَسْعُودِيّ هذا يُوسُف بن كُلَيْب.
أنْبَأنَا أبو نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله البَلْخِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن العَلَّاف، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الحَمَّامِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو صالح الأَخْبَارِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنا أحْمَد بنُ إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا حَجَّاج، قال: حَدَّثَنَا أبو مَعْشَر، قال: فرَكِبَ إليهم مُعاوِيَة حتَّى أتاهم بمَرْج العَذْرَاء، فلمَّا أتاهم سَلَّم عليهم وسَألهم: مَنْ أنْتَ، مَنْ أنتَ (a)؟ حتَّى انْتَهى إلى حُجْر فقال: مَنْ أنتَ؟ قال: حُجْر بن عَدِيّ، قال: كم مَرَّ بكَ من السِّنِيْن؟ قال: كَذَا وكذا، قال: كيف أنْتَ والنِّسَاء اليَوْم؟ فأخْبَرهُ، قال: كيف أنت والطَّعَام اليَوم؟ فأخْبَره (b)، ثمّ انْصَرف وأرْسَل إليهم رَجُلًا أعْوَر معه عشرُون كَفَنًا، فلمَّا رآه حُجْرٌ تَفاءَل، وقال: يَقْتُل نِصْفكمِ ويَتْركُ نِصْفكم، قال: فجَعَل الرَّسُول يَعْرِضُ عليهم التَّوْبَة والبَرَاءة من عليّ، فأبَى عَشرةٌ وتَبَرَّأ عَشرة، فقَتَلَ الّذين أَبَوْا وتَرك الّذين تَبَرَّؤُوا، وحَفَر لهم قُبُورًا (c)، فجعَل يقتُلهُم ويَدْفنهم، فلمَّا انْتَهى إلى حُجْر، جَعَل حُجْر يرعَدُ، فقال له الّذي أرادَ قَتْلَهُ: ما لكَ ترعَدُ؟ قال: قَبْرٌ مَحْفُور، وكَفَنٌ مَنْشُور، وسَيْفٌ مَشْهُور، قال: تَبَرَّأ من عليّ؟ قال: لا أتَبرَّأ منه، فضَرَبَ عُنُقَهُ ودَفَنَهُ.
فلمَّا كان بعد ذلكَ، دَخَل عليهِ عبدُ الرَّحْمن بن الحَارِث بن هِشَام فقال: أقَتَلْتَ حُجْر بن الأدْبَر؟ قال: أَقْتُل حُجْر بن الأدْبَر أَحَبُّ إليَّ من أنْ أقتُلَ معه مائة
(a) في تاريخ ابن عساكر مكررة ثلاث مرات.
(b) قوله: "كيف أنت والطعام اليوم، فأخبره" لم يرد في نشرة تاريخ ابن عساكر.
(c) ابن عساكر: قبورهم.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 222.
ألف. قال: أفلا سَجَنْتَهُ فتَكْفِيْكَهُ طَوَاعِيْن الشَّام؟ قال: غاب عنِّي مثْلُك من (a) قَوْمي يُشِيْرُ عليَّ مثْلَ هذه المَشُورَة.
فلمَّا حَجَّ مُعاوِيَةُ دَخَلَ على عائِشَةَ، فقالت له: يا مُعاوِيَة، قَتَلْتَ حُجْر بن أدْبَر؟ قال: أقْتُل حُجْرًا أحَبُّ إليَّ من أنْ أَقْتُلَ معه مائة ألف.
قال
(1)
: وحَدَّثَنا عَبْد الله، قال: حَدَّثَنَا أبي، [قال: حدَّثنا مُسْلم] (b)، قال: حَدَّثَنَا أبو المُغِيرَة الخَوْلانِيّ عبد القُدُّوس بن الحَجَّاج، عن ابن عَيَّاشٍ -يعني إسْمَاعِيْل- قال: حَدَّثَني شُرَحْبِيل بن مُسْلِم، قال: حَدَّثَني أبو شُرَحْبِيلَ؛ شَيْخٌ ثِقَةٌ من ثِقَاتِ أهْلِ الشَّام، قال: لمَّا بُعِثَ بحُجْر بن عَدِيّ بن الأدْبَرِ وأصْحَابه من العِرَاق إلى مُعاوِيَةَ بن أبي سُفْيان، اسْتَشَارَ النَّاس في قَتْلِهِم، فمنهُمُ المُشِيْرُ ومنهُم السَّاكِتُ، فدَخَل مُعاوِيَةُ إلى مَنْزِلهِ، فلمَّا صَلَّى الظُّهْرَ، قامَ في النَّاسِ، فَحمِدَ الله وأثْنَى عليه، ثمّ جَلَسَ على المِنْبَر، فقام المُنَادِي فنَادَى: أينَ عَمْرُو بن الأَسْوَد العَنْسِيّ؟ فقام فَحمِدَ الله وأثْنَى عليه، ثمّ قال: إنَّا بحِصْنٍ من الله حَصِيْن لم نُؤمَر بتَرْكهِ، قَوْلك يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن في أهْلِ العِرَاق، ألَا وأنْتَ الرَّاعِي ونحنُ الرَّعِيَّة، ألَا وأنتَ أعْلَمُنا بدَائهم (c) وأقْدَرُنا على دَوَائهم، وإنَّما علينا أنْ نقُول:{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}
(2)
. قال مُعاوِيَةُ: أمَّا عَمْرو بن الأَسْوَد فقد تبرَّأ إلينا من دِمَائهم، ورَمَى بها ما بين عَيْنَي مُعاوِيَة.
ثمّ قامَ المنُادِي فنَادَى: أينَ أبو مُسْلم الخَوْلانِيّ؟ فقام فَحمِدَ الله وأثْنَى عليه، ثمّ قال: أمَّا بَعْدُ؛ فلا والله ما أبْغَضْنَاكَ منذ أحْبَبْناك، ولا عصيْنَاكَ منذُ أطَعْناكَ، ولا فارَقْناك منذُ جَامَعْنَاكَ، ولا نَكَثْنَا بَيْعَتَكَ منذُ بايَعْناكَ، سُيُوفنا على عَوَاتقِنا،
(a) تاريخ ابن عساكر: في.
(b) إضافة من ابن عساكر.
(c) ابن عساكر: برأيهم.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 223 - 224.
(2)
سورة البقرة، من الآية 285.
إنْ أَمَرْتَنا أطَعْنَاك، وإنْ دَعَوتَنا أجَبْناكَ، وإنْ سَبَقْتنا أدْرَكْناكَ، وإنْ سَبَقْناك نَطَرنَاكَ (a)، ثُمَّ جَلَسَ.
ثمّ قامَ المُنَادِي، فقال: أين عَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّد الشَّرْعَبِيّ؟ فقام فَحمِدَ الله، ثمّ قال: وقَوْلك يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن في هذه العِصَابَةِ من أهْلِ العِرَاق إنْ تُعَاقبْهُم فقد أصَبْتَ، وإنْ تَعْفُ (b) فقد أحْسَنْتَ، ثمّ جَلَسَ.
ثمّ قامَ المُنَادِي فنَادَى: أين عَبْدُ اللهِ بن أسَد القَسْرِيّ (c)؟ فقامَ فحَمِدَ الله وأثْنَى عليه، ثمّ قال: يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، رَعيّتك وولَايتكَ وأهْل طَاعَتِكَ إنْ تُعاقبْهُم، فقد جَنَوا على أنْفُسِهِم العُقُوبَة، وإنْ تَعْفُو فإنَّ العَفْو أقْرَبُ للتَّقْوَى. يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، لا تُطِعْ فينا مَنْ كان غَشُومًا لنَفْسِه، ظَلُومًا باللَّيْل، نَؤُومًا عن عَمَل الآخرة سَؤُومًا. يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، إنَّ الدُّنْيا قد انْخَسَفَتْ أوْتادُها، ومَالَتْ بها عِمَادُها، وأحَبَّها أصْحَابُها، واقْتَرب منها مِيْعادُها، ثمّ جلَسَ.
فقُلْتُ لشُرَحْبِيل: فكيف صَنَعَ؟ قال: قَتَلَ بَعْضًا واسْتَحْيَى بعضًا، وكان فيمَن قُتِلَ حُجْر بن عَدِيّ بن الأدْبَر.
قال: فلمَّا قُدِّمَ لتُضْرَب عُنُقه قال: لا تُطْلقُوا عنِّي حَدِيدًا وادْفنُوني وما أصابَ الثَّرَى من دَمي، فإنِّي ألْتَقي أنا ومُعاوِيَة غَدًا بالجادَّة.
قال أبي: قال أبو المُغِيرَة، قال: فكان ابن عيَّاش (d) لا يكادُ يُحَدِّثُ بهذا الحَدِيْث إلَّا بَكَى بُكَاءً شَدِيْدًا.
(a) كذا في الأصل، بالطاء، أي انتظرناك، ومنه الناطور. وعند ابن عساكر: نظرناك.
(b) الأصل: تعفو.
(c) ابن عساكر: القشيري، وهو تحريف.
(d) تحرف في الأصل إلى: ابن عباس، وهو إسماعيل بن عياش، كما تقدم في أول الإسناد.
وقال
(1)
: حَدَّثَنا عَبْدُ الله، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حَدَّثَني إسْمَاعيل بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا ابنُ عَوْن، عن نَافِعٍ، قال: كان ابنُ عُمَر في السُّوق، فنُعِيَ له حُجْر، فأطْلَق حُبْوَته وقام، وغَلَبَهُ النَّحِيْبُ.
قال
(2)
: وحَدَّثَنا عَبْدُ الله، قال: حَدَّثَنَا أبو مَعْمَر، قال: حَدَّثَنَا ابنُ عُلَيَّة، عن ابن عَوْن، عن نَافِع، أو عن مَنْ حَدَّثَهُ، قال: لمَّا بَلَغَ ابن عُمَر قَتْل حُجْر وهو في السُّوق حَلَّ حُبْوَتَه ثمّ انْتَحَب.
قال
(3)
: وحَدَّثَنا عَبْد الله، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا حَجَّاج، قال: قال مُحَمَّد بن طَلْحَة (a): وحَدَّثَنَا أبو عُبَيْد (b) الأزْدِيّ أنَّ الحَسَن بن عليّ (c) أتاهُ ناسٌ من أهْلِ الكُوفَة من الشِّيْعَة، فشَكوا إليه ما صَنَعَ زِيَاد بحُجْر وأصْحَابهِ، وجَعَلُوا يَبْكُونَ عنده وقالوا: نَسْأل الله أنْ يَجْعَلَ قَتْله بأيدِيْنا، فقال: مَهْ، إنَّ في القَتْل كفَّارات، ولكن نَسْألُ الله أنْ يُمِيْتَهُ على فِرَاشِه. كَذَا قال: أبو عُبَيْد؛ وهو: أبو عُبَيْدَة.
(a) ابن عساكر: قال طلحة.
(b) وضع ابن العديم فوقها حرف "صـ"، ورواية ابن عساكر تذكر وجه الصواب فيه عقب انتهاء الرواية، وأبو عبيدة هذا اسمه مجاعة بن الزبير البصري، ترجم له البخاري في تاريخه الكبير 8: 44، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 1: 154، وسير أعلام النبلاء 7:196.
(c) ابن عساكر: علي بن الحسين، وسيأتي عنده على الصواب في موضع آخر من تاريخه 19:202.
_________
(1)
أخرجه ابن عساكر في تاريخه 12: 228، وإسناده فيه:"أخبرنا أبو عبد الله البلخي، قال: أنبأنا عبد الواحد بن عدي، قال: أنبأنا أبو الحسن الحمَّامي، قال: حدَّثنا القاسم بن سالم، قال: حدثني سالم، قال: أنبأنا إبراهيم في إسماعيل [كذا]، قال: أنبأنا ابن عون .... "، وهو خطأ؛ صوابه ما وقع عند المصنف هنا، فإن الراوي عن عبد الله بن عون هو إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن عُلية، فهذا هو المحفوظ في هذا الإسناد. ينظر: تهذيب الكمال 3: 23 - 24، 15: 395 - 396.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 228.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 228.
قال
(1)
: وحَدَّثَنا عَبْدُ الله، قال: أُخْبِرتُ عن مُحَمَّد بن حُمَيْد، قال: حَدَّثَنَا جَرِير، عن سُفْيان الثَّوْرِيّ، قال: قال مُعاوِيَةُ: ما قَتَلْتُ أحدًا إلَّا وأنا أعْرفُ فيم قتلْتُه وما أرَدْتُ بهِ، ما خَلَا حُجْر بن عَدِيّ، فإنِّي لا أعْرفُ فيما قَتَلتهُ.
قال
(2)
: وحَدَّثَنا عَبْد الله (a)، قال: حَدَّثَنَا يُوسُف بن مُوسَى القَطَّان، قال: سَمِعْتُ جَرِيْرًا الرَّازِيّ يَقُول: قال مُعاوِيَة: ما قَتَلْتُ أحدًا إلَّا وأنا أعلم فيمَ قَتَلتُه إلَّا حُجْر بن عَدِيّ.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن عليّ بن المُفَضَّل، عن أبي القَاسِم بن عَبْد المَلِك، قال: أخْبَرَني ابن عَتَّاب وابن أبي تَلِيْد إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن عَبْد البَرّ، قال: أخْبَرَنا خَلَفُ بن القَاسِم، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن السَّكَن، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن أحْمَد بن بِسْطَام، قال: حَدَّثَنَا أبو كُرَيْب، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن آدَم، عن أبي بَكْر بن عَيَّاش، عن الأَعْمَشِ، عن زِيَاد بن عِلَاقَة، قال: رأيْتُ حُجْر بن الأدْبَر حَمَلهُ زِيَاد إلى مُعاوِيَة على بَعِيْر، ورِجْلَاه من جَانبٍ.
(a) وقع في رواية ابن عساكر زيادة بعده: "قال: أنبأنا سفيان"، والإسناد بدونها صحيح، فإن عبد الله هنا هو ابن أبي الدنيا، وهو ممن أكثر من الرواية عن يوسف بن موسى القطان، ولا يعرف لسفيان -وهو هنا الثوري- رواية عن القطان.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 231.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 231.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبهِ تَوْفِيْقِي
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن عُمَر بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن هِبَةِ الله، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر
(1)
، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ
(2)
، قال: حَدَّثَني حَرْمَلَةُ، قال: أخْبَرَنا ابن وَهْب، قال: أخْبَرَني ابنُ لَهِيْعَة، عن أبي الأسْوَد، قال: دَخَل مُعاوِيَةُ على عائِشَةَ فقالت: ما حَمَلَك على قَتْلِ أَهْلِ عَذْرَاء، حُجْر وأصْحَابهِ؟ فقال: يا أُمّ المُؤْمنِيْن، إنِّي رأيتُ قَتْلَهُم صَلَاحًا للأُمَّة، وأنَّ بَقَاءهم فَسَادٌ للأُمَّةِ، فقالت: سَمِعْتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: سيُقْتَل بعَذْرَاء ناسٌ يَغْضَبُ اللهُ لهم وأهْل السَّماءِ.
وقال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب
(3)
، قال: حَدَّثَنَا عَمْرو بن عَاصِمِ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّاد بن سَلَمَة، عن عليّ بن زَيْد، عن سَعيد بن المُسَيَّب، عن مَرْوَان بن الحَكَم، قال: دَخَلْتُ مع مُعاوِيَةَ على أُمّ المُؤْمِنِيْن عائِشَةَ، فقالت: يا مُعاوِيَة، قَتَلْتَ حُجْرًا وأصْحَابَهُ، وفَعَلْتَ الّذي فَعَلْتَ، أمَّا خَشِيْت أنْ أَخْبَأَ لك رَجُلًا فيَقْتُلك؟ فقال: لا، إنِّي في بيت أمَانٍ، سَمِعْتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: الإيْمانُ قيَّد الفَتْكَ. لا يَفْتِكُ مُؤمن يا أُمّ المُؤْمِنِيْن، كيف أنا فيما سِوَى ذلك من حَاجَاتِكِ وأُمُورِكِ؟ قالت: صَالِحٌ. قال: فدَعيْني وحُجْرًا حتَّى نَلْتَقي عند رَبّنا عز وجل.
(1)
من طريقه أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 6: 457، وينظر: السيوطي: الخصائص الكبرى 2: 141، كنز العمال 13: 587 (رقم 37509).
(2)
المعرفة والتاريخ 3: 320.
(3)
المعرفة والتاريخ 3: 321، ومن طريقه أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 6: 457، وانظر: المعجم الكبير للطبراني 19: 319 - 320 (رقم 723).
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، إجَازَةً إنْ لَم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَدُ بن الحُسَين، وأبو الفَضْل بن خَيْرُون، قالا: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحَسَن بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّدُ بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن أحْمَد بن إسْحَاق، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَة بن خَيَّاط
(1)
في التَّابِعِين من أهْلِ الكُوفَة، قال: حُجْر بن عَدِيّ قُتِلَ سَنَة إحْدَى وخمْسِين، يُكْنَى أبا عبد الرَّحْمن.
قال أبو البَرَكاَت الأنْمَاطِيّ: أخْبَرَنا ثَابِتُ بن بُنْدَار، قال: أخْبَرَنا أبو العَلَاء الوَاسِطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَابَسِيْريّ، قال: أخْبَرَنا الأحْوَصُ بن المُفَضَّل، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: وفي سَنَة إحْدَى وخَمْسِين قُتِلَ حُجْر بن عَدِيٍّ وأصْحَابه.
أنْبَأنَا حَسَن بن أحْمَد الأَوَقِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا المُبارَك بن عَبْد الجَبَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الحَرْبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الصَّفَّار، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ البَاقِي بن قَانِع، قال: سَنَة إحْدَى وخَمْسِين، حُجْر بن عَدِيّ، أبو عبد الرَّحْمن، قُتِلَ.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أَبو غَالِب المَاوَرْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن (a) السِّيْرَافيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن إسْحَاق النَّهَاوَنْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عِمْران، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بن خَيَّاط
(3)
، قال: سَنَة
(a) في مطبوعة تاريخ ابن عساكر: أبو الحسين، ووقع عنده في مواضع أخرى على الصواب مرارًا، وانظر ترجمة السيرافي في سير أعلام النبلاء 15:518.
_________
(1)
طبقات خليفة 146.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 231.
(3)
تاريخ خليفة 213، ولم يرد فيه تفسير معنى تسميته بالأدبر.
إحْدَى وخَمْسِين، فيها قُتِلَ حُجْر بن عَدِيّ بن الأدْبَر، سُمِّي بذلك لأنَّهُ ضُرِبَ بالسَّيْف على أَلْيَتهِ.
وقال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم
(1)
، قال: أخْبَرَتْنا أُمُّ البَهَاء فاطِمَةُ بنتُ مُحَمَّد قالت: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مَحْمُود، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر المَنْبِجِيّ، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بن سَعْد الزُّهْرِيّ، قال: قَرأتُ بخَطِّ عَمِّي يَعقُوب بن إبْراهيم: ماتَ زِيَادُ بن أبي سُفْيان سَنَة ثَلاثٍ وخَمْسِين، وفيها قُتِلَ حُجْر بن الأدْبَر الكِنْدِيّ.
أنْبَأنَا أبوِ اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن، عن أبي الحُسَين مُحَمَّد بن كَامِل بن دَيْسَم، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن المُسْلِمَة أبوِ جَعْفَر، فيما كَتَبَ إليَّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُبَيْد الله مُحَمَّدُ بن عِمْران بن مُوسَى إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن القَاسِم بن نَصْرٍ النَّيْسَابُوريّ، قال: حَدَّثَنَا أبو أَيُّوب سُلْيمان بن أبي شَيْخ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الحَكَم، قال: حَدَّثَنَا أبو مِخْنَف لُوط بن يَحْيَى
(2)
، قال: قال عَبْدُ الله بن خَلِيفَة الطَّائيّ يَرْثِي حُجْر بن عَدِيّ من قَصِيدَة طَوِيلَة: [من الطويل]
أَقُول ولا واللهِ أنْسَى فَعَالَهم (a)
…
سَجِيْسَ اللَّيالِي أو أمُوتَ فأُقْبَرَا
على أَهْل عَذْرَاءَ السَّلامُ مُضَاعَف
…
من الله يَسْقيها السَّحَاب (b) الكَنْهُورا
ولَاقَى بها حُجْرٌ من اللهِ رَحْمَةً
…
فقد كان أرْضَى اللهَ حُجْرٌ وأعْذَرَا
ولا زَالَ تَهْطَالٌ مُلِثٌّ ودِيْمَةٌ
…
على قَبْر حُجْرٍ أو يُنَادَى فيُحْشَرَا
فيا حُجْرُ مَنْ للخَيْل تَدْمَى نُحُورُها
…
أو المَلِكَ العَادِي (c) إذا ما تَغَشْمَرَا
(a) الطبري 5: 282: ادِّكارهم.
(b) الطبري: وليسق الغمام. وعند ابن عساكر: السحاب الكهورا.
(c) الطبري: وللملك المُغْزِي.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 232.
(2)
تاريخ الطبري 5: 281 - 285 وفيه الخبر والقصيدة بتمامها، وأيضًا تاريخ ابن عساكر 12: 232 - 233.
ومَنْ صَادِعٌ بالحَقِّ بَعْدَكَ نَاطِقٌ
…
بتَقْوَى ومَنْ إنْ قيلَ بالجَوْر غَبَّرَا (a)
فنِعْم أخُو الإسْلَامِ كُنْت وإنَّني
…
لأطْمَعُ أنْ تُعْطَى (b) الخُلُودَ وتُحْبَرَا
وقد كُنْتَ تُعْطي السَّيْفَ في الحَرْب حَقَّهُ
…
وتَعْرف مَعْرُوفًا وتُنْكِرُ مُنْكَرا
قال: وقال قَيْس بن فَهْدَان الكِنْدِيّ يَرْثِيهِ
(1)
: [من الكامل]
يا حُجْرُ يا ذا الخَيْرِ والحُجْرِ
…
يا ذَا الفَعَالِ ونَابِهَ الذِّكْرِ
كُنْتَ المُدَافِعَ عن ظُلَامَتِنا
…
عندَ الطُّلُوعِ ومَانِعَ الثَّغْرِ
أمَّا قفَلْتَ فأنتَ خَيْرُهُمُ
…
في العُسْرِ ذي العَيْصَاءِ واليُسْرِ
يا عَيْنُ بَكِّي خَيْرَ ذِي يَمَنٍ
…
وزَعِيْمَها في العُرْفِ والنُّكْرِ
فلأبْكِيَنَّ عليهِ (c) مُكْتَئبًا
…
فلَنِعْمَ ذُو القُرْبَى وذُو الصِّهْرِ
يا حُجْرُ مَن للمُعْتَفِينَ إذا
…
لَزِمَ الشِّتَاءُ وقَلَّ مَنْ يَقْرِي
مَنْ لليَتَامَى والأرَامِلِ إنْ
…
حَقِبَ الرَّبِيْعُ وضَنَّ بالوَفْرِ
أَمْ مَنْ لنا في الحَرْب إنْ بعثَتْ
…
مُسْتَبْسِلًا يَفْري كما يَفْري
فَسَعدْتَ مُلْتمسَ التُّقَى وسَقَى
…
جَدَثًا أجنَّكَ مُسْبَلُ القَطْرِ
كانت حَيَاتُكَ إذْ حَيِيْتَ لنا
…
عِزًّا ومَوْتُكَ قَاصِمَ الظَّهْرِ
وتَريشُنَا (d) في كُلِّ نَازِلةٍ
…
نَزَلتْ بسَاحَتِنا ولا تَبْري
يا طُوْلَ مُكْتَأَبي لقَتْلِهِمُ
…
حُجْرًا وطُوْلَ حَرَارَةِ الصَّدْرِ
قد كُنْتُ أُصْعَقُ جَهْرَةً أسَفًا (e)
…
وأَمُوْتُ من جَزَعٍ على حُجْرِ
فلقد جُدِلْتَ وقد قُتِلْتَ ومَنْ
…
لَم تَسْتَعِبْهُ حَوَادِثُ الدَّهْرِ
فلذَاكَ قَلْبي مُشْعَرٌ كَمدًا
…
ولذَاكَ دَمْعيِ ليسَ بالنَّزْرِ
(a) الطبري: غَيَّرا.
(b) الطبري: تؤتى.
(c) ابن عساكر: عليك.
(d) ابن عساكر: وتريثنا.
(e) ابن عساكر: قد كدت أصعق جزعًا أسفًا.
_________
(1)
القصيدة في تاريخ ابن عساكر 12: 233 - 234.
ولذَاكَ نِسْوَتُنا حَوَاسِرُ يَسْـ
…
تَبْكينَ بالإشْرَاق والظُّهْرِ
ولذاكَ رَهْطي كُلُّهُم أَسِفٌ
…
جَمُّ التَّأَوُّهِ دَمْعُهُ يَجْرِي
حُجْرُ بن عَنْبَس الكُوْفيّ، أبو العَنْبَس، وقيل: أبو السَّكَن
(1)
أدْرَك زَمن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وآمنَ بهِ ولم يَرَهُ، ويُقال له: كَدَّام الدَّم، لأنَّهُ شَرِبَ الدَّمَ في الجَاهِلِيَّةِ.
رَوَى عن عليّ رضي الله عنه، ووَائِل بن حُجْر.
رَوَى عنهُ مُوسَى بن قَيْس الحَضْرَميّ، والمُغِيرَة بن أبي الحُرِّ الكِنْدِيّ، وسَلَمَة بن كُهَيْل. وشَهِدَ مع عليٍّ عليه السلام صِفِّيْن والنَّهْرَوَان، وقيل: إنَّهُ قُتِلَ بصِفِّيْن وقَبْره بالرَّقَّة.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْدِ الله، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن أبي زَيْد الكَرَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا مَحْمُود بن إسْمَاعِيْل الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن فَاذْشَاه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الطَّبَرَانِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْز، قال: حَدَّثَنَا أبو نُعَيْم، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن قَيْسٍ الحَضْرَميّ، قال: سَمِعْتُ حُجْر بن عَنْبَس، وكان قد أكَلَ الدَّم في الجَاهِلِيَّةِ، وشَهِدَ مع عليٍّ رضِيَ
(1)
توفي نحو سنة 90 هـ، وترجمته في: تاريخ خليفة 193، تاريخ البخاري الكبير 3: 73، الجرح والتعديل 3: 266 - 267، الاستيعاب 1: 332 - 333، تاريخ بغداد 9: 196 - 197، المزي: تهذيب الكمال 5: 473 - 474، أسد الغابة 1: 386، الذهبي: تاريخ الإسلام 2: 927 - 928، الكاشف 1: 209، الوافي بالوفيات 11: 320 - 321، الإصابة 2: 59، تهذيب التهذيب 2: 214 - 215، تقريب التهذيب 1:155.
(2)
المعجم الكبير 4: 34، وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي 9: 204، كنز العمال للمتقي الهندي 13: 681 (رقم 37746)، الفوائد المجموعة للشوكاني 372 (رقم 69).
اللهُ عنهُ صِفِّيْن، فقال: خَطَبَ أبو بَكْر وعُمَرُ فاطِمَةَ رضي الله عنها، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هي لكَ يا عليُّ.
أنْبَأنَا أبو الفُتُوح بن أبي الفَرَج الحُصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ الله بن الأَشِيْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الوَلِيد بن الدَّبَّاغ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن عَبْد البَرّ
(1)
، قال: حُجْر بن عَنْبَس الكُوْفيّ، أبو العَنْبَس، وقيل: يُكْنَى أبا السَّكَن، أدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ، وشَرِبَ فيها الدَّمَ، ولم يَرَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكنَّه آمَنَ به في حَيَاتِهِ. رِوَايته عن عليّ بن أبي طَالِب، ووَائِل بن حُجْر، وهو مَعْدُودٌ في كِبَارِ التَّابِعِين.
ذَكَرَ البُخاريّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم، عن مُوسَى بن قَيْس الحَضْرَميّ، قال: سَمِعْتُ حُجْرًا وكان شَرِبَ الدَّمَ في الجَاهِلِيَّةِ
(3)
. قال أبو عُمَر: شُعْبَةُ كَنّى حُجْرًا هذا أبا العَنْبَس في حَديثِ وَائِل بن جُحْر عن النَّبيِّ عليه السلام في التَّأمين
(4)
. وغير شُعْبَة يَقُول: حُجْر أبو السَّكَن.
أخْبَرَنا (a) أبو عَبْد الله الحُسَين بن عُمَر، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الحَقّ بن عَبْد الخَالِق، قال: أخْبَرَنا أبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد عَبد الوَهَّاب بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ
(5)
، قال: حُجْر بن
(a) كتب ابن العديم قبله: "يقدم"، ولم يُعين موضعًا لإدراجه.
_________
(1)
الاستيعاب 1: 332.
(2)
التاريخ الكبير 3: 73، والنقل عن الاستيعاب لابن عبد البر.
(3)
تتمة الكلام في تاريخ البخاري: المكاء الصفير.
(4)
يشير إلى حديث الجهر بالتأمين مما أورده البخاري من طريق حجر أبي العنبس، عن علقمة بن وائل، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا قال: آمين، خفض بها صوته.
(5)
تاريخ البخاري الكبير 3: 73، مع تقديم وتأخير في بعض عباراته.
عَنْبَس أبو السَّكَن الكُوْفيّ، كَنَّاهُ مُحَمَّد، عن هَارُون [بن](a) المُغِيرَة، عن عَنْبَسَة، عن سَلَمَة بن كُهَيْل.
وقال شُعْبَة: أبو العَنْبَس سَمِعَ عليًّا، ووَائِل.
قال أبو نُعَيْم، عن مُوسَى بن قَيْسٍ، قال: سَمِعْتُ حُجْرًا وكان شَرِبَ الدَّمَ في الجاهِلِيَّةِ، قال: المُكَاءُ: الصَّفِيْر
(1)
.
وقال شُعْبَة، عن سَلَمَة، عن حُجْر أبي العَنْبَسِ، عن عَلْقَمَةَ بن وَائِل، عن أَبِيهِ
(2)
: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا قال: آمينَ خَفَضَ بها صَوْتَهُ.
قال أبو عَبْد الله: وخُولفَ فيه في ثلاثة أشْيَاء، قيل: حُجْر أبو السَّكَن الكُوْفيّ، كَنَّاهُ مُحَمَّد، عن هَارُون بن المُغِيرَة، عن عَنْبَسَة، عن سَلَمَة بن كُهَيْل، وقال شُعْبَةُ: أبو العَنْبَس سَمِعَ عليًّا ووَائِلًا، قال أبو نُعَيْم: عن مُوسَى قال: سَمِعْت حُجْرًا، وقال: هو ابن (b) عَنْبس، وزادَ فيه عَلْقَمَة، وليس فيه وقال: خَفَضَ وإنَّما هو جَهَرَ بها.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد المُكْتِب كتابةً، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيب
(3)
، قال: حُجْر بن عَنْبَس، أبو العَنْبَس، ويقال أبو السَّكَنِ الحَضْرَميّ، أدْرَكَ الجاهِلِيَّةَ، غير أنَّهُ لم يَلْقَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، ورَوَى عن عليّ بن أبي طَالِب،
(a) ساقطة من الأصل، واستُدركت من تاريخ البخاري، وفيه:"كناه محمد بن هارون بن المغيرة"، ويرد فيا بعد على النحو المثبت.
(b) عند البخاري: أبو العنبس.
_________
(1)
يعني في تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} سورة الأنفال، من الآية 35.
(2)
الجامع الكبير للترمذي 1: 289 (رقم 2548).
(3)
تاريخ بغداد 9: 196.
ووَائِل بن حُجْر. حَدَّثَ عنهُ سَلَمَةُ بن كُهَيْل، ومُوسَى بن قَيْس، والمُغِيرَة بن أبي الحُرِّ، وكان ممَّن سَكَنَ الكُوفَة، وصَحِبَ عليًّا، وسارَ معه إلى النَّهْرَوَان لقِتَال الخَوَارِج، ووَرَدَ المَدَائِن في صُحْبَتهِ، وكانَ ثِقَةً.
حُجْر بن قَحْطَان الوَادِعِيّ
يُرْوى له شِعْرٌ، وشَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليّ بن أبي طَالِب رضي الله عنه.
ذَكَرَ نَصْر بن مُزَاحِم في أخْبَارِ صِفِّيْن، قال
(1)
: ولمَّا عَبَّأ مُعاوِيَةُ حُمَاةَ الخَيْل لهَمْدَان، فَرُدَّتْ خَيْلُهُ، أَسِفَ فخرج بسَيْفه فحملَتْ عليه هَمْدَانُ (a) ففَاتَها ركْضًا، وانكسَر أهْل الشَّام (b)، ورجَعت هَمْدَانُ إلى مكانها. وقال حُجْر بن قَحْطَان الوَادِعِيّ:[من الطويل]
ألَا يا ابنَ قيسٍ قَرَّتِ العَيْنُ إذْ رَأَتْ
…
فَوَارسَ هَمْدَانَ بنِ زَيْدِ بن مالكِ
علِى عَارِفاتٍ لِلِّقَاء عَوابِسٍ
…
طِوالِ الهوَادِي مُشْرِفاتِ الحَوَاركِ
مُوقَّرَةٍ بالطَّعْن في ثُغُرَاتِها
…
يَنُلْنَ ويُلْحِقْن القَنَا (c) بالسَّنَابِكِ
عَبَاهَا عليٌّ لابنِ هِنْدٍ وخَيلِهِ
…
فلو لم يَفُتْها كان أوَّلَ هالِكِ
وكانت لهُ في يَوْمِهِ عِندَ ظنِّهِ
…
وفي كُلِّ يوْمٍ كاسِفِ الشَّمْسِ حالِكِ
وكانت بحْمدِ اللهِ في كُلِّ كُرْبةٍ
…
حُصُونًا وعِزًّا للرِّجالِ الصَّعَالِكِ
فقُلْ لأَمِيرِ المُؤْمنِيْن أَن ادْعُنا
…
إذا شِئْتَ إنَّا عُرْضَة للمَهَالكِ
ونحنُ حَطَمْنَا السُّمْرَ من (4) حيِّ حِمْيَرٍ
…
وكِنْدَةَ والحيِّ الخفافِ السَّكاسِكِ
وعَكُّ ولَخْمٌ شَائِلين سِيَاطَهُم
…
حِذَارَ العَوالِي كالإمَاءِ العَوارِكِ
(a) وقعة صفين: فوارس همدان.
(b) وقعة صفين: حماة أهل الشام.
(c) وقعة صفين: يجُلْنَ ويحطمن الحصى، وفي نُسْخَة منه ما يوافق المثبت.
(d) وقعة صفين: في.
_________
(1)
وقعة صفين 438، وانظر الفتوح لابن أعثم 3:163.
وقد رَوَى أبن أعْثَم في كتاب الفُتُوح
(1)
هذا الشِّعْر لزياد بن كَعْب الهَمْدانِيّ، واللهُ أعْلَمُ.
حُجْر بن يَزيد بنُ سَلَمَة بن مُرَّة بن حُجْر بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة بن مُعاوِيَة الأكْرَمِيْن بن الحَارِث بن مُعاوِيَة بن الحَارِث بن مُعاوِية بن ثَوْر بن مُرْتِعِ (a) بن ثَوْر - وهو كِنْدَة - ابنِ عُفَيْر بن عَدِيّ بن الحارث بن مرَّة بن أُدَد بن يَشْجُب بن عَرِيْب بن كَهْلَان بن سَبَأ بن يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطَان الكِنْدِيّ
(2)
ويُعْرَفُ بحُجْر الشَّرّ، وعُرِفَ بذلكَ ليَفْصلُوا بينه وبين حُجْر بن عَدِيّ، وكان حُجْر بن عَدِيّ يُعْرَفُ بحُجْر الخَيْر، وكلاهما من كِنْدَة، وكان شِرِّيْرًا أيضًا فعُرِفَ بذلكَ للفَصْلِ بينهما، وكان جَدّ حُجْر بن عَدِيّ جَبَلَة بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة، وجَدّ جَدِّ حُجْر بن يَزِيد حُجْر بن عَديّ بن رَبْيِعَة، فكانا أخَوَيْن، ووَفَد حُجْر بن يَزِيد هذا على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأسْلَم، وعَادَ إلى اليَمَنَ، ثمّ نَزَل بعد ذلك الكُوفَة، وشَهِدَ، صِفِّيْنَ مِع عليّ رضي الله عنه، وجَعَلَهُ على كِنْدَةَ، وهو أحَدُ مَنْ شَهِدَ، من أصْحَاب عليّ رضي الله عنه بينه وبين مُعاوِيَة على كتاب تَحْكِيم الحَكَمَيْن، وشَهِدَ، أيضًا الجَمَل مع عليّ، وجَعَلَهُ على خَيْل كِنْدَة.
(a) ضبطه في هذا الوضع على هذا النحو، وتقدم ضبطه: مُرَتِّع.
_________
(1)
ابن أعثم: كتاب الفتوح 3: 163 - 163.
(2)
كان حيًا سنة 51 هـ، وترجمته في: نسب معد واليمن الكبير للكلبي 144، كتاب وقعة صفين لابن مزاحم 243 - 244، 507، 511، طبقات ابن سعد: الجزء المتمم لطبقاته 6: 240، الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري 175، الطبري 5: 263 - 264، المحبر 252، تاريخ ابن عساكر 12: 234 - 235، ابن الأثير: الكامل 3: 476، أسد الغابة 1: 387، تاريخ الإسلام 2: 397، سير أعلام النبلاء 3: 467، الوافي بالوفيات 11: 320، الإصابة 1: 330، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 90، محسن الأمين: أعيان الشيعة 4: 573 - 586.
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقنديِّ، إجَازَهً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن الطَّبَريّ، قالا: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَضْل، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثنا يَعْقُوبُ، قال في تَسْمِيَةِ أُمَرَاء يَوْم الجَمَل من أصْحَاب عليّ، قال: وجَعَلَ على خَيْل كِنْدَة حُجْر بن يَزِيد.
أنْبَأنَا عبد الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر اللَّفْتُوانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو صَادِق مُحَمَّد بن أحْمَد الفَقِيه، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَد بن أبي بَكْر العَدْل، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد العَسْكَرِيّ، قال: وكان مع عليّ بصِفِّيْن حُجْر الخَيْر وحُجْر الشَّرّ، فأمَّا حُجْر الشَّرّ فهو حُجْر بن يَزِيد بن سَلَمَة بن مُرَّة، وكان شَرِيْفًا، وَلَّاهُ مُعاوِيَة بعد ذلك أَرْمِينِيَة، وأرادُوا أنْ يفصلُوا بينَه وبين حُجْر بن عَدِيّ، فقالوا لهذا حُجْرُ الشَّرّ.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله بن مُحَمَّد القَاضِي، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليِّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ
(2)
، قال: حُجْر بن يَزِيد بن سَلَمَة بن مُرَّة بن حُجْر بن عَدِيّ بن ربيعَة بن مُعاوِيَة الأكْرَمِيْن ابن الحارِث بن مُعاوِيَة (a) بن الحارِث بن مُعاوِيَة بنِ ثَوْر بن مُرتعِ (b) بن كِنْدَة (ح) بن عُفَيْر بن عَديّ بن الحارِث بن مُرَّة بن أُدَد بن زيْد بن يَشْجُب بن عَرِيْب بن كَهْلَان بن سَبَأ بن يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطَان الكِنْدِيّ، المَعْرُوف بحُجْر الشَّرّ، وَفَدَ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأسْلَم وعاد إلى اليَمَن، ثمّ نَزل الكُوفَة، وشَهِدَ الحَكَمَيْن بدُوْمَة، له ذِكْرٌ.
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبَرْزَد، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي، وأبي غَالِب بن البَنَّاء، عن أبي مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا
(a) في تاريخ ابن عساكر: من بني معاوية.
(b) تجاوز ابن العديم عن ضبطه في هذا الموضع، ولم يجوِّده في نشرة ابن عساكر.
(c) تاريخ ابن عساكر: ابن كبير.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 335.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 234.
أحْمَد بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنا الحُسَين بن الفَهْم، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن سَعْد
(1)
، قال في الطَّبَقَةِ الرَّابعة: حُجْر الشَّرّ بن يَزِيد بن سَلَمَة بن مُرَّة بن حُجْر بن عَدِيّ بن رَبِيْعَة بن مُعاوِيَة الأكْرَمِيْن، كان شَرِيْفًا، وقد وَفَدَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأسْلَم، وإنَّما سُمِّيَ حُجْرَ الشَّرّ لأنَّ حُجْر بن الأدْبَر كان يُسَمَّى حُجْر الخَيْر، فأرادُوا أنْ يَفْصلُوا بينهما، وكان أيضًا شِرِّيْرًا، وكان أحَدَ شُهُود يَوْم الحَكَمَيْن مع عليّ، ووَلَّاهُ مُعاوِيَة بن أبي سُفْيان بعد ذلك أَرْمِينِيَة.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ
(2)
، قال: بَلَغَني أنَّ حُجْر بن يَزِيد بَقيَ إلى حين أخذ زِيَادٌ حُجْرَ بنَ الأدْبَر وأنْفَذهُ إلى مُعاوِيَة، وكان ذلك في سَنَة إحْدَى وخَمْسِين.
حَجْوَةُ بن مُدْرِك الغَسَّانِيّ الكُوْفيّ ثمّ المَنْبِجِيّ
(3)
أصْلُهُ من الكُوفَة ونَزَل مَنْبج، ثُمَّ انتقَلَ إلى دِمَشْق فسَكَنَها. وله أشْعَارٌ.
رَوَى عن هِشَام بن عُرْوَة، وسُفْيان الثَّوْرِيّ، وسُليْمان الأَعْمَش، وإسْمَاعِيْل بن أبي خَالِد، وفُضَيْل بن غَزْوَان، ويُونُس بن أبي إسْحَاق، وعَبْد المَلِك بن أبي سُليْمان، ومُوسَى بن عُبَيْدة الرَّبَذِيّ، وسَعِيْد بن عبد الرَّحْمن أخي أبي حُرَّة.
(1)
ابن سعد: في الجزء المتمم لطبقاته 6: 240.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 235.
(3)
توفي بعد سنة 180 هـ، وترجمته في: الجرح والتعديل 3: 319، الإكمال لابن ماكولا 2: 394، تاريخ ابن عساكر 12: 235 - 238، تاريخ الإسلام 3: 830 - 831، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 90 - 91.
رَوَى عنهُ هِشَام بن عَمَّار، وسَعِيْدُ بن إسْمَاعِيْل بن مُسَاحِق، وعُثْمان بن عبد الرَّحْمنِ الطَّرَائِفِيّ الحَرَّانيّ، وعِيسَى بن مُوسَى غُنْجَار (a)، وأبو الجُمَاهِر مُحَمَّدُ بن عُثْمان الدِّمشقيّ، والحَكَم بن مُوسَى.
أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن الحَسَن الدِّمَشقيّ بها، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن أبي الحَسَن الدَّارَانِيّ، قال: أخْبَرَنا سَهْل بن بشْرٍ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين بن الطَّفَّال، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَبْد الله الذُّهْلِيّ، قال: حَدَّثَنا مُوسَى بن سَهْل، قال: حَدَّثَنا هِشَام بن عَمَّار، قال: حَدَّثَنا حَجْوَة بن مُدْرِك، عن عَبْد المَلك بن أبي سُليْمان، عن عَطَاءَ بن أبي رَبَاحٍ، عن جَابِر بن عَبْد الله
(1)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: الجَارُ أحَقُّ بشُفْعَةِ جَاره يَنْتَظر بهِ، وإنْ كان غائبًا، إذا كان طَريقُهُما واحدًا.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد القَاسِم بن عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ بن السُّوْليِّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله بن أبي الحَدِيْد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الرَّبعِيِّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّابِ الكِلابِيّ، قال: أخْبَرَنا أَحْمَدُ بن عُمَيْر بن جَوْصَا قراءةً، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن بن سُمَيْع يقُول في الطَّبَقَةِ السَّادِسة: حُجْوَةُ بن مُدْرِك الغَسَّانِيّ.
(a) وقع في الأصل حيثما ورد بالعين المهملة، وصوابه بالمعجمة، انظر: تاريخ الإسلام 4: 938، وسير أعلام النبلاء 8:487.
_________
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 4: 520 (رقم 22713)، وأبو داود في السنن 3: 787 - 788 (رقم 3518)، وابن ماجة في السنن 3: 833 (رقم 2494)، ثلاثتهم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، به، وينظر: الفردوس لابن شيرويه الديلمي 2: 120 (رقم 3626)، شرح السنة للبغوي 8: 242، نصب الراية للزيلعي 4: 173، كنز العمال 7: 7 (رقم 17701)، وانظر أيضًا: المسند الجامع 4: 153 (رقم 2589).
(2)
انظر الخبر في تاريخ ابن عساكر 12: 236.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد القَاضِي، عن عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، عن أبي نَصْر بن مَاكُولا
(1)
، قال: وأمَّا حُجْوَة، فَحَجْوَةُ بن مُدْرِك، رَوَى عن هِشَام بن عُرْوَة حَدِيثَ قَبْض العِلْم. رَوَى عنهُ عِيسَىَ بن مُوسَى التَّيْمِيّ.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: في نُسْخَة ما شَافهني به أبو عَبْد الله الخَلَّال، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا حَمْدُ (a) بن عَبْد الله إجَازَةً، ح.
قال: وأخْبَرَنا أبو طَاهِر بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَمَّد، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم
(3)
، قال: حُجْوَةُ بن مُدْرِك، كُوْفيٌّ سَكَنَ دِمَشْقَ، سَألْتُ أبي عنهُ فقال: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ.
وذَكَرَ أبو عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن إبْراهيم الكَتَّانِيّ الأصْبَهَانِيّ، قال: قُلْتُ لأبي حَاتِم الرَّازِى: ما تقُول في حُجْوَة بن مُدْرِك يَرْوِي عنهُ الحَكَم بن مُوسَى؟ فقال: الغَسَّانِيّ صَدُوقٌ.
أخْبَرَنا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله بن مُحَمَّد، فيما أَذِنَ لنَا في رِوَايتهِ، وسَمِعتُه بدِمَشْق، قالْ أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم الدِّمَشقيّ
(4)
، قال: حُجْوَةُ بن مُدْرِك الغَسَّانِيّ، أصْلُهُ من الكُوفَة، سَكَنَ دِمَشْقَ وكان يكُون بمَنْبج، وله أشْعَارٌ في فِتْنَة أبي الهَيْذَام. رَوَى عنِ إسْمَاعِيْل بن أبي خَالِد، ويُونُس بن [أبي](b) إسْحَاق، وفُضَيْل بن غَزْوَان، ومُوسَى بن عُبَيْدة، وسُفْيان الثَّوْرِيّ، وهِشَام بن عُرْوَة، والأَعْمَش، وسَعِيْد بن عبد الرَّحْمن أخي أبي حُرَّة، وعَبْد المَلِك بن أبي سُليْمان.
(a) في تاريخ ابن عساكر: أحمد.
(b) ساقطة من الأصل، والتعويض من ابن عساكر، وتقدم ذكره في شيوخه أول الترجمة.
_________
(1)
الإكمال 2: 394.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 236 - 237.
(3)
الجرح والتعديل 3: 319.
(4)
تاريخ ابن عساكر 12: 235 - 236.
رَوَى عنهُ هِشَام بن حَمَّار، وعُثْمان بن عبد الرَّحْمن الطَّرَائِفِيّ، وأبو الجُمَاهِر (a) مُحَمَّد بن عُثْمان، وعِيسَى بن مُوسَى غُنْجَار، والحَكَم بن مُوسَى، وسَعِيْدُ بن إسْمَاعِيْل بن مُسَاحِق.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
: قَرَأتُ في كتاب أبي الحُسَين الرَّازِيّ، فيما ذَكَرهُ عن شُيُوخِهِ، قال: وكان ممَّا قيلَ في تلك العَصَبِيَّةِ من الأشْعَار ما أفَادَنِيْهِ بعضُ أهل دِمَشْقَ، عن أبيه، عن جَدِّه وأهْل بَيْتهِ من المَرْثيِّيْن (b)، قال: قال حُجْوَةُ (c) بن مُدْرِك الغَسَّانِيّ يَرْثِي أَسْعَد الغَسَّانِيّ: [من الطويل]
ألَا هبلَتْ أُمّ الفَتَى أَسْعَدَ النَّدَى
…
لقد ثكَلَتْ لَيْثًا شَدِيْدَ الشَّكَائِمِ
أغَرَّ نمَتْهُ عُصْبَةٌ يَمنِيَّةٌ
…
طِوَالُ الرِّمَاح مَاضِيَاتُ الصَّوَارِم
أتَتْ بفَتَىً رِخْوِ الحَمَائلِ صَارِمٍ
…
إذا حَامَ بَازُ (d) المَوْتِ فَوْق الجَمَاجِمِ
سَأَبْكي فَتَى غَسَّان أَسْعَدَ ما دعَتْ
…
على فَنَنِ الأشْجَار وُرْقُ الحَمَائِم
وأبْكيهِ إمَّا عِشْتُ بالبِيْض والقَنَا
…
وفِتْيانِ صِدْقٍ كاللُّيُوثِ الضَّرَاغِمِ
يَخُوضُونَ نحو المَوْت خَوْضًا كأنَّهُم
…
مصَاعِبُ تحتَ الدَّامِيَاتِ المَنَاسِمِ
بأَسْيَافهِم زارَ الحتُوْفَ ابنُ كَامِلٍ
…
ومن بَعْدِه مَثْوَاهُ زِرُّ بن حَاتِم
وقال حُجْوَةُ: [من الطويل]
قَتَلْنا أُناسًا فاسْتَقلنا بقَتْلِهم
…
هَنَاتٍ أضَعْنَاها لنا أوَّل الأَمْرِ
فلا تُخْدَعِي (c) يا قَيْسَ عَيْلَانَ واصْبِري
…
رُوَيْدَكِ إنَّا سَوْفَ نُعْقِبُ (f) بالصَّبْرِ
ستَأْتيكُمُ مِثْلَ الأُسُودِ مُغِيرَةً
…
على كُلِّ طيَّارٍ يَزِيدُ على الزَّجْرِ
(a) تاريخ ابن عساكر: أبو الجاهير.
(b) مهملة في الأصل وتشكك ابن العديم فيها فوضع فوقها "صـ"، والمثبت من ابن عساكر.
(c) في الأصل: حجر.
(d) ابن عساكر: بان.
(e) ابن عساكر: تجزعي.
(f) عند ابن عساكر: نتعب، ولا وجه له.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 237.
فإنْ يَكُ فِتْيَاني نَبَوْا عن قِتَالِهم
…
بجانب حَرْلانٍ وخَامُوا عن النَّصْرِ
[فرُّبَّ حُسَامٍ قد نَبَا وهو قَاطعُ
…
ويثكل أحْيانًا لدَى مخِلَب الصَّقر] (a)
حُدَيْر السُّلمِيّ، ويقال الأَسْلَميّ، أبو قُرَّة
(1)
وقيل: أبو فَرْوَة، وقيل: أبو فَوْزَة.
قيل: إنَّ له صُحْبَة، رَوَى عن أبي الدَّرْدَاءِ، ولَقيَ كَعْب الأحْبَار، وسَمعَ منه.
رَوَى عنهُ يُونُس بن مَيسَرة بن حَلْبَس، والعَلَاء بن الحارِث، وبَشِير مَوْلَى مُعاوِيَة.
وشَهِدَ صِفِّينَ مع عليٍّ - رَضِىَ اللّهُ عنهُ -، وذَهَبَتْ عَيْنُهُ يَوْمئذٍ، وشَهِدَ غَزو الصَّائِفَة في زَمَن عُثْمان.
نَقَلْتُ من كِتاب صِفِّين تأليف أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن خَالِد الهاشمِيّ، يُعْرَفُ بابن أُمِّهِ، قال: حَدَّثني الوَلِيدُ بن مُسلم، قال: حَدَّثَنا سَعيدُ بن عَبْد العَزِيْز، قال: لَقي أبو قُرَّة حُدَيْرُ السُّلَمِيِّ كَعْبًا (b) في فَج مَعْلُولَا
(2)
، فقال: حَدِّثني حَدِيثًا يَنفَعُني اللّه بهِ، قال: كيف أنتم إذا قاتلكم أهْل الرِّدَّةِ؟ قال: قُلتُ: أمِنَ المُسْلمِينَ أم من المُشْرِكين؟ قال: بل من المُسْلمِيْن، قال: قُلتُ: أمِنَ العَرَب أم من العَجَم؟ قال:
(a) ما بين الحاصرتين إضافة من تاريخ ابن عساكر، أدرجته لتعلُّقه بجواب الشّرط.
(b) الأصل: كعب، وكتب فوقها "صـ". وقد تقدم الخبر في الجزء الأول في كلامه على صفين.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ البخاري الكبير 3: 97 - 98، الجرح والتعديل 3: 295 (أبو فوزة، وفي أصوله: فورة)، تاريخ ابن عساكر 12:239 - 242، أسد الغابة 1: 388، الإصابة 1: 331، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 92 - 93.
(2)
تقدم التعريف به في الجزء الأول من الكتاب.
لا بل من العَرَب، قال: قُلتُ: ولا يكُون ذلك أبدًا؟ قال: بلى، ثمّ قال: كيفَ بكم إذا قاتَلتُم أهْلَ العَاقُول؟ قال: قلتُ: أمِنَ المُسْلمِيْن أم من المُشْرِكين؟ قال: لا بل من المُسْلمِيْن، قُلتُ: أمن العَرَب أم من العَجَم؟ قال: من العَرَب، قُلتُ: لا يكون ذلك أبدًا، قال: بلى، ثمّ عَسَى ألَّا ينْفَكَّ حتِّى تَعْوَرَّ فيها عَيْنُكَ ويهْدَمَ فيها فُوْكَ! فلمَّا كان بصِفِّيْن أُصِيْبَت عَيْنُهُ وهُدِمَ فُوه؛ حَضرَ ورُميَ بجُلمُودَةٍ فذهَبَ فُوْه.
أنبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللّه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ بقِرَاءَتي عليه، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: أخَبرَنا أبو القَاسم بن أبي العَقَب، قال: أخبَرَنا أحْمَد بن إبْراهيم القُرَشِيّ، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عَائِذ (a)، قال: أخْبَرَنِي الوَلِيد، عن صَخر بن جَنْدَلَة (b) أنَّهُ حَدَّثه عن يُونسُ بن مَيْسَرَة بن حَلْبَس، عن أبي فَوْزَة (c) حُدَيْر السُّلمِيّ، قال: خرَجَ بَعْثُ الصَّائِفَة، فاكْتُتِب فيه كَعْبُ، فلمَّا أنفر (d) البَعْث، خرِجَ كَعْبُ وهو مَريضُ، وقال: لأَنْ أَمُوت بحَرَسْتَا أحَبّ إليَّ من أنْ أموتَ بدِمشق، ولأنْ أمُوتَ بدُوْمَة أحبّ إليَّ من أنْ أمُوتَ بحَرَسْتَا، هكذا قدمًا في سَبِيْل اللّه.
قال: فَمضَى، فلمَّا كان بفَجّ مَعْلُولَا قُلتُ: أخْبرني، قال: شَغَلَتني نَفسِي، قُلتُ: أخْبرني، قال: سيُقْتَل رَجُل يضيءُ دَمهُ لأهْل السَّماء، ومَضَينا حتَّى إذا كُنَّا بحِمْصَ تُوفِّيَ بها، فدَفَناهُ هُنالك بين زَيتُونات بأرْض حِمْص، ومَضى البَعْث فلم يَقفُل حتَّى قُتِلَ عُثْمان.
(b) في الأصل: عايد.
(b) في الأصل - حيثما ورد - بالحاء المهملة جندلة.
(c) في الأصل: فورة، والمثبت هو الصواب، انظر: الإصابة 2: 43.
(d) كذا في الأصل، ولعل الصواب: أُنفِذَ.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 341 - 342.
أنبَأنَا أبو القَاسِم عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد، عن إسْمَاعِيْل بن أحْمَد السَّمَرْقنديّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن أحْمَد بن أبي الصَّقْر، قال: أخْبَرَنا هبَةُ اللّه بن إبْراهيم بن عُمَر، قال: حَدَّثَنَا أحمَد بن مُحَمَّد بن إسمَاعِيل، قال: حَدَّثَنَا أبو بِشر مُحَمَّد بن أحمَد، قال: ذَكَرَ عبدُ الرَّحْمن بن إبْراهيم، قال: حَدَّثنا الوَلِيدُ بن مُسلم، قال: حَدَّثَني صَخر بن جَنْدَلَة، أنَّهُ سَمِعَ يُونُس بن مَيْسرة بن حَلْبَس يُحَدِّثُ عن أبي فَرْوَة حُدَيْر السُّلمِيّ، قال: حَضَرْتُ بَعْثَ الصَّائِفَة في آخر خِلَافَة عُثْمان بن عَفَّان، وقد كان كَعبُ أوْقَع اسمه في البَعْثِ، فأمرَ بإخْراجهِ وهو مَريض، فقيل له: إنَّك مَرِيض، فقال: أخرجُوني في البَعْث، فوالله لَأنْ أمُوتَ بحَرَسْتَا أحبّ إليَّ من أنْ أمُوتَ بدمَشْق، ولَأنْ أمُوْتَ بدُوْمَة أحبَ إليِّ من أنْ أمُوتَ بحَرَسْتَا. هكذا قدمًا في سَبِيْل الله. قال أبو فَرْوَهَ: فأخْرَجناهُ فماتَ حين انْتهَيَنا إلى حِمْص.
أنبَأنَا عبد الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح يُوسُف بن عَبْد الوَاحِد، قال: أخْبَرَنا شُجَاع بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه بن مَنْدَة
(2)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عَبْد اللّه بن صَفْوَان البَصْرِيّ، قال: حَدَّثنا إبْراهيم بن دُحَيْم، قال: حَدَّثنا هِشَام، عن صَدَقَة بن خَالِد، عن عُثْمان بن أبي العَاتِكَة، قال: حَدَّثَني أخٌ لي يقال له زِيَاد: أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رَأى الهِلَال قال (a): اللَّهُمَّ بارك لنا في شَهرنا هذا الدَّاخل. فذَكر الحَدِيث، وقال: توالى على هذا الدُّعَاءَ ستّةٌ من أصحَاب النَّبي صلى الله عليه وسلم سَمِعُوه منه والسَّابِع صَاحب الفَرَس الخزْبُور (b) والرُّمْح الثَّقِيْل حُدَيْر أبو فَرْوَة (c) السُّلمِيّ.
(a) الأصل: نطعن، وقارن بابن عساكر 12:241.
(b) عند ابن منده: الفرس الجرور، ومثله عند ابن الأثير في أسد الغابة 1:388.
(c) عند ابن منده: أبو فوزة.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 339.
(2)
معرفة الصحابة 437.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد، فيما أجَازَهُ لنا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقنديّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن اللَّالِكائِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن صَفْوَان، قال: حَدَّثَنا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا
(1)
، قال: حَدَّثَني أبي، قال: أخْبَرَنا مُوسَى بن دَاوُد، عن ابن لَهِيْعَة، عن بَكْر بن سَوَادَة، قال: دَخَل حُدَيْر الأَسْلميّ على أبي الدَّرْدَاء يَعُودُه، وعليه جُبَّة من صُوف، وقد عَرق فيها وهو نائم على حَصِيْر، فقال: يا أبا الدَّرْدَاء، ما يمنَعُكَ أنْ تلبسَ من الثِّيَاب الّتي يَكْسُوك معاوِيَةُ، وتتَّخذَ فراشًا؟ قال: إنّ لنا دَارًا لها نَعْملُ وإليها نَظْعَنُ، والمُخِفُّ فيها خَيْرٌ من المُثقِل.
أنبَأنَا القَاضِي أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد، عن أبي الحَسَن عليّ بن المُسَلَّم الفَقِيه، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن أبي الحَديْد، قال: أخْبَرَنا جَدِّي أبو بَكْر، قال: أخبَرَنا أبو بَكْر الخَرَائِطِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا العبَّاس بن عَبْد اللّه التَّرْقُفِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو يَزِيد، عن الفُضَيْل، قال: كان أبو هُريرَة إذا أخَذَ عَطَاءَهُ صَرَّ صُرَرًا، فبَعَثَ بصُرَّة إلى حُدَيْر وقال للرَّسُول: انْظُر ما يقُول، فلمَّا أتاهُ بها، قال: اللَّهُمَّ إنَّك تَذكُر حُدَيْرًا فاجْعَل حُدَيْرًا لا يَنساك، فسَألَ أبو هُريرَة الرَّسُول، فأخبَره، فقال: وضَعَ الشُّكْرَ عندَ مَنْ صَنَعَهُ.
كَتَبَ إلينا أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم زَاهِر بن طَاهِر الشَّحَّاميِّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البيهَقِيّ
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الرَّحمن السُّلمِيِّ، قال: حَدَّثَنا أبو الحَسَن الكارِزِيّ، قال: أخْبَرَنا
(1)
رسائل ابن أبي الدنيا (رسالة المحتضرين) 3: 836.
(2)
لم أقف عليه في كتب الخرائطي الثلاثة: اعتلال القلوب، ومكارم الأخلاق، ومساوئ الأخلاق. ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخه 13:242.
(3)
شعب الإيمان 4: 103 (رقم 4426).
عليّ بن عَبْد العَزِيْز، عن أبي عُبَيْد، قال: سَمعْتُ ابن عُليَّة يُحَدِّثُ عن الجُرَيريِّ، قال: حُدّثتُ أنَّ أبا الدَّرْدَاءِ تركَ الغَزْو عامًا فأَعْطَى رجُلًا صُرَّةً فيها دَرَاهِم، فقال: انْطَلِق فإذا رأيت رَجُلًا يسَيْرُ بين القَوْم حُجزَةً في هَيْئَته بَذَاذَة فادْفَعها إليه، قال: ففَعَل، فرَفَع رأسَهُ إلى السَّماءِ فقال: اللَّهُمَّ لم تَنسَ حُدَيرًا فاجْعَل حُدَيرًا لا ينسَاك، قال: فرَجَع إلى أبي الدَّرْدَاء فأخبَرهُ، فقال: ولَّى النِّعمَة ربَّها.
أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن الحَسَن الفَقِيه إجَازَةً، عن أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبي الحُسَين الدَّارَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَج الإسْفَرَاينِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخلَيل بن هبَة اللّه بن الخَلِيل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب الكِلابيِّ، قال: حَدثَنَا أبو الجَهمِ أحمَد بن الحُسَين بن طَلَّاب، قال: حَدَّثَنَا هِشام بن خَالِدٍ، قال: حَدَّثَنا أبو مُسْهِر، قال: حَدَّثَنَا يَحيىَ بن حَمْزَة، عن العَلَاء بن الحارِث أنَّ أبا فَوْزَة سار مِيلًا فلم يَذكر اللّه، فرجَع ثمّ قال: اللَّهُمَّ إنَّك لم تنسَ أبا فَوْزَةَ، فاجْعَل أبا فَوْزَة لا ينسَاكَ.
أنبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عبد العزِيز الكَتَّانِيّ، قال: أخبَرَنا تَمَّام بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا جَعْفَر بن مُحَمَّد بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنا أبو زُرْعَة، قال: في الطَّبَقَة التي تلي أصحَابَ رسُولِ اللّه صلى الله عليه وسلم وهي العُلْيا أبو فَوْزَة حُدَير السُّلَمِيِّ.
أنبَأنَا أبو عَبْد اللّه بن بَاز، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الحَقّ بن عَبْد الخَالِق، قال: أخْبَرَنا أبو الغَنائِم بن النَّرْسِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن إسمَاعِيْل البُخاريِّ
(2)
، قال: حُدَيْر السُّلمِيّ، وقال يَحْيَى بن حَسَّان: حَدَّثَنا يَحْيَى بن حَمْزَة، قال: حَدَّثَنَا
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 239 - 240.
(2)
تاريخ البخاري الكبير 3: 97 - 98.
العَلَاء بن الحارِث، سَمِعَ أبا فَوْزَة
(1)
. حُدَيْر مَوْلَى بني سُلَيم قولًا: حَدَّثني عَبْدُ اللّه، قال: حَدَّثَنا دُحَيْم، قال: حَدَّثَنا الوَلِيد، قال: حَدَّثَني صَخر بن جَنْدَلَة سَمِعَ يُونُسَ بن مَيْسَرة، عن أبي فَوْزَة حُدَيْر السُّلمِيّ، حَضَرَ (a) آخر خِلَافَة عُثْمان. وقال كَعْبُ: أخرجُوني في البَعْث وهو مَرِيض، فأخْرَجناهُ فماتَ حين انتهى إلى حِمْص.
أنبأنَا عبد الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن العبَّاس، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن منْصُور، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد مُحَمَّد بن عَبْد اللّه بن حَمْدُون، قال: أخْبَرَنا مَكّيّ بن عَبْدَان، قال: سَمِعْتُ مُسْلم بن الحَجَّاج
(3)
يقُول: أبو فَوْزَة حُدَيْر مَوْلَى بني سُلَيم، رَوَى عنهُ العَلَاءُ بن الحارِث.
أنبَأنَا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل مُحَمَّد بن نَاصِر السَّلَامِيِّ، عن أبي الفَضْل بن الحَكَّاكِ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْرٍ الوَائلِيّ، قال: أخْبَرَنا الخَصِيْب بنٌ عَبْد اللّهِ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن عبد الرَّحْمن، قال: أخبَرَني أبي، قال: أبو فَوْزَة حُدَيْر السُّلمِيّ.
أخْبَرَنا القَاضِي أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، عن أبي نَصْر بن مَاكُولا
(4)
، قال: أمَّا الأوَّل أبو فَرْوَة بتَقْدِيم الرَّاء فَجَمَاعَةُ، وأمَّا الثَّاني بتَقْدِيم الوَاو فهو أبو فَوْرة حُدَيْر السُّلمِيّ، يَرْوي عنهُ يُونُس بن مَيْسَرة، ذَكَرَهُ أبو بِشْر الدُّولَابِيّ في الأسماء والكُنَى
(5)
، كَذَا قاله بالرَّاءِ.
(a) في تاريخ البخاري: حضرت.
_________
(1)
إلى هنا ينتهي كلام البخاري في ترجمته لحدير السلمي، وما بعده قاله في ترجمة حدير مولى بني سليم (التاريخ الكبير 3: 98).
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 340.
(3)
مسلم: كتاب الكنى والأسماء 3: 685.
(4)
الإكمال 7: 61.
(5)
الكنى والأسماء 2:81، وفيه: أبو فروة، بتقديم الراء لا ما ذُكر أعلاه.
أنبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللّه بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة اللّه الدِّمَشقيّ
(1)
، قال: حُدَيْر أبو فَوْزَة، ويقال: أبو فرْوة (a) الأَسْلَميّ ويقال: السُّلمِيّ مَوْلاهُم، يقال: إنَّ له صُحْبَةً، سَكَنَ حِمْصَ. رَوَى عن أبي الدَّرْدَاء، وكَعْب الأحْبَار. رَوَى عنهُ العَلَاءُ بن الحارِث، وبشير مَولَى مُعاوِيَة، ويُونُس بن مَيْسَرة بن حَلْبَس. وخَرَجَ مع كَعْب من دِمَشْق إلى حِمْص.
ذكر مَن اسمُهُ حُذَيْفَة
حُذَيْفَة بن الحَسَن المِصِّيْصيّ
حَدَّثَ عن أبي أُمَيَّة مُحَمَّد بن إبْراهيم بن مُسْلِم الطَّرَسُوسِيّ، ومُحَمَّد بن إبْراهيم الدِّمَشقيّ، رَوَى عنهُ الحافِظُ أبو أحْمَد عَبْد اللّه بن عَدِيّ.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحمّد بن طَبرزَد إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن عُمَر السَّمَرقنديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن مَسْعَدَة الإسمَاعِيليِّ، قال: أخْبَرَنا حَمْزَةُ بن يُوسُفَ السَّهْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا حُذَيْفَة بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إبْراهيم الدِّمَشقِيّ، قال: حَدَّثَنَا يُونُس بن عَطَاء، عن مَعْرُوف مَوْلَى وَاثِلَةَ، قال: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ يَقُول: رأَيتُ على رسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم عِمَامَةً سَوْداءَ.
(a) تاريخ ابن عساكر: أبو قروة.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 239.
(2)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 6: 2328.
حُذَيْفَةُ بن قَتَادَةَ المَرْعَشيِّ
(1)
من أهْلِ مَرْعَش، كان أحد العُبّاد المَذْكُورين، صَحِبَ سُفْيان الثَّوْرِيّ وروى عنه.
رَوَى عنهُ يُوسُف بن أسْبَاط، وابن أبي الدَّرْدَاء، ونبهَان بن المُغَلِّس، والفَيْض بن إسْحَاق، ومُحَمَّدُ بن أبي الوَرْد، واشْتَغَل بالعِبَادَة عن الرِّوَايَةِ.
أخْبرَنا عَمِّي أبو غَانِم مُحمّد بن هِبَة الله بن أبي جَرَادَة، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح عُمَر بن علي بن مُحَمَّد بن حَمُويه، ح.
وأنْبَأتْنا زَيْنَب بنت الشَّعْرِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو الفُتُوح عَبد الوَهَّاب بن شَاه الشَّاذْيَاخيِّ، ح.
وأنبأنَا أبو النَّجِيْب إسْمَاعِيْل بن عُثْمان القَارئ، قال: أخْبَرَنا أبو الأَسْعَد هِبَة الرَّحمن بن عَبْد الوَاحِد بن عَبْد الكَريم، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ الكَريم بن هَوَازن القُشَيْريّ
(2)
، قال: سَمِعْتُ الشَّيخ أبا عبد الرَّحْمن رحمه الله يقُول: سَمِعْتُ أبا العبَّاس البَغْدَاديّ يَقُول: سَمِعْتُ جَعْفر بن مُحَمَّد يَقُول: سَمِعْتُ الجُنَيْد يقُول: سَمِعْتُ السَّرِيّ يقُول: كان أهْل الوَرَع في أوْقَاتهم أربعة: حُذَيْفَة المَرْعَشيِّ، ويُوسُف بن أسْبَاط، وإبْراهيم بن أدْهَم، وسُليْمان الخَوَّاص، فنَظَرُوا في الوَرَع، فلمَّا ضَاقَتْ عليهم الأُمُور فزعُوا إلى التَّقَلُّلُّ.
(1)
توفي سنة 207 هـ، وترجمته في: الثقات لابن حبان 8: 215 - 216، حلية الأولياء 8: 267 - 271، ابن الجوزي: المنتظم 10: 162، صفة الصفوة 4: 268 - 270، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 14: 5 - 6، تاريخ الإسلام 5: 47، سير أعلام النبلاء 9: 283 - 284.
(2)
الرسالة القشيرية 63.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَتِيق بن أبي الفَضْل بن سَلامَة السَّلَمَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(1)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ، قال: أنْبَأنَا أبو المَعَالِي بن صَابِر، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم الحُسَيْنيّ، قال: أخْبَرَنا رَشَاء بن نَظِيف بن مَا شَاء الله، ح.
وأخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن مَحْمُّود بن المُلَثَّم بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم البُوْصِيرِيّ، وأبو عَبْد الله بن حَمْد الأرْتاحِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن الفَرَّاءَ، قال ابنُ حَمْد: إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ العَزِيْز بن الحَسَن بن إسْمَاعِيْل الضَّرَّاب، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد الضَّرَّاب، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن مَرْوَان
(2)
، قال: حَدَّثَنَا عُمَيْر بن مِرْدَاس، قال: حَدَّثَنَا خَلَفُ بن تَمِيْم، قال: سَمِعْتُ يُوسُف بن أسْبَاط يقُول: حَجَّ حُذَيْفَة بن قَتَادَة المَرْعَمشيِّ من مَرْعِش بعَشَرة دَرَاهِم، قال: وسَمِعْتُه يَقُول: ما حَالَ (a) في نَفْسِي شيء منذ أرْبعيْن سنةً إلَّا تَرَكْتُهُ.
أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَنُ بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقيِّ الصُّوْفيّ بالبَيْت المُقَدَّس، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ الحافِظ، عن أبي مُحَمَّد رِزْق الله بن عَبد الوَهَّاب التَّمِيْميِّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله أحْمَد بن مُحَمَّد في يُوسُف، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ بن صفْوَان، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا
(3)
،
(a) كذا في الأصل موكدًا بالحاء المهملة أسفله، وفي كتاب الدينوري: جال، بالجيم.
_________
(1)
لم أقف على ذكر له في تاريخ ابن عساكر.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 43.
(3)
رسائل ابن أبي الدنيا (رسالة العزلة والانفراد) 3: 1314.
قال: حَدَّثنا الحَسَن بن مَحْبُوب، قال: حَدّثَنَا الفَيْضُ بن إسْحَاق، قال: ذُكِرَ عند حُذَيْفَة المَرْعَشيِّ الوَحْدَة وما يُكْرَه منها، قال: إنَّما يُكره ذلك للجاهِل، فأمَّا عَالَم يَعْرف ما يأتي، أي فَلَا.
وقال
(1)
: حَدَّثَنَا الفَيْضُ، قال: قال حُذَيْفَة: ما أعْلم شَيئًا من أعمال البرِّ أفْضَل من لُزُومكَ بيتِكَ، ولو كانت لك حِيْلَة لهذه الفَرَائِض كان يَنْبَني لك أنْ تَحْتَال لها.
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميِّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْدُ الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيِّ، قال: أخْبَرَنا ذُو النُّون بن أبي الفَرج الصُّوْفيّ، بقِرَاءَتي عليه مَرَّةً بعد أُخْرى، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عليّ بن الحُسَين المقرِئ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن عُمَر الحَمَّاميّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحُسين الآجرِّيّ، قال: حَدَّثَنَا جعفر بن مُحَمَّد الصَّنْدَليّ، قال: سَمِعْتُ أبا الحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الوَرْد يَقُول: كتَبَ حُذَيْفَةُ المَرْعَشيِّ إلى يُوسُف بن أسْبَاط: بَلَغَني أنَّك بعتَ دِينكَ بحبَّتَين، وَقفتَ على صَاحب لَبن فقُلت: بكم هذا؟ فقال: هو لك بسُدُسٍ، فقُلتُ: لا بثُمُنٍ؟ فقال: هو لك، وكان يَعْرفكَ، اكْشف عن رأسك قِنَاع الغَافِلين، وانتَبه من رَقْدة المَوْتى، واعْلَم أنَّ مَنْ قَرأ القُرآن، ثمّ آثر الدُّنْيا، لم آمَنْ أنْ يكونَ بآيات الله من المُسْتهزئين.
بَلَغَني أنَّ حُذَيْفَة المَرْعَشيِّ تُوفِّي سَنَة سَبع ومَائِتَيْن.
(1)
رسائل ابن أبي الدنيا 3: 1314.
حُذَيْفَة بن اليَمَان بن حُسَيْل بن جَابِر بن أُسَيْد بن عَمْرو بن مَازِن
(1)
وقيل: حُذَيْفَة بن اليَمَان بن جَابِر بن عَمْرو بن رَبِيْعَة بن جُرْوَة بن الحَارِث بن مَازِن. وقيل: حُذَيْفَة بن حُسَيْل واليَمَان لَقَب حُسَيْل. وقيل: حِسْل بن جَابِر بن أُسَيْد بن عَمْرو بن مَازِن. وقيل: اليَمَان بن جَابِر بن عَمْروِ بن ربِيْعَة. وقيل: جُرْوَة هو اليَمَان الّذي ينسَبُ إليه حُذَيْفَة، وقيل: ابن جَابِر بن ربِيْعَة بن عَمْرو بن جُرْوَة بن الحَارِث بن مَازِن بن قُطَيْعَة بن عَبْس، وقيلِ: الحَارِث بن قُطَيْعَة بن عَبْس، وقيل: الحَارِث بن مَازِن بن رَبِيْعَة بن قُطَيْعَة بن عبْس بن بَغِيض بن رَيث بن غَطَفَان،
(1)
توفي سنة 36 هـ، وترجمته في: كتاب وقعة صفين لابن مزاحم 343، طبقات ابن سعد 5: 527، 6: 15، 7: 317، تاريخ ابن معين 2: 104، الجاحظ: البيان والتبيين 2: 140، 3: 148، طبقات خليفة 48، 130، تاريخ خليفة 69، 148 - 151، 157، 160، 166، 182، تاريخ أبي حفص الفلاس 228، 327، 444، 500، تاريخ البخاري الكبير 3: 95 - 96، العجلي: تاريخ الثقات 111، الأخبار الطوال لأبي خيفة الدينوري 134 - 136، تاريخ الطبري 1: 74، 298 (وانظر فهرس الأعلام 10: 219)، الفتوح لابن أعثم 3: 116، الجرح والتعديل 3: 356، المحبر 73، 417، المعارف 363، الجهشياري: الوزراء والكتاب 13، المسعودي: مروج الذهب 3: 131، التنبيه والإشراف 211، 310، 321، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 52، الثقات لابن حبان 3: 333 - 324، 3: 80 - 81، مشاهير علماء الأمصار لابن حبان 74 - 75، الاستيعاب لابن عبد البر 1: 334 - 336 (ونقل ابن العديم ترجمته بتمامها)، حلية الأولياء 1: 370 - 383، 354، تاريخ بغداد 1: 505 - 508، تاريخ ابن عساكر 12: 259 - 302، ابن الجوزي: المنتظم 5: 104 - 107، صفة الصفوة 1: 610 - 616، تهذيب الكمال 5: 495 - 510، ابن الأثير: الكامل 3: 163، 179، 184، 3: 9 وما بعدها (وانظر فهرس الأعلام 13: 90)، أسد الغابة 1: 390 - 393، تاريخ الإسلام 3: 377 - 378، سير أعلام النبلاء 3: 361 - 369، العبر في خبر مَن غبر 1: 27، الكاشف 1: 310، الوافي بالوفيات 11: 337 - 338، اليافعي: مرآة الجنان 1: 83، الإصابة 1: 332 - 333، تهذيب التهذيب 2: 219 - 220، تقريب التهذيب 1: 156، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 303، شذرات الذهب 1: 309، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 96 - 106، محسن الأمين: أعيان الشيعة 4: 591 - 606، الزركلي: الأعلام 3: 171.
أبو عَبْد الله العَبْسِيّ القُطَعيِّ، صَاحب رسُول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضُهم: هو حُذَيْفَة بن الحُسيْل بن اليَمَان. وقال بعهُم: حُذَيْفَة بن حُسَيْل بن جَابِر بن اليَمَان بن جَابر.
شَهدَ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أُحُدًا وما بَعْدَها، وقُتِلَ أبُوه يَوْمئذٍ، قَتَلَهُ بعضُ المُسْلِميْن وهو يظنُّه مُشْرِكًا، وأُمُّه الرَّبَاب من بني عَبْد الأَشْهَل، وكان صاحب سِرّ رسُول الله صَلَّى اللهُ عليه وسمَّ، رَوَى عنهُ صلى الله عليه وسلم.
رَوَى عنهُ عَمَّار بن يَاسِر، وجُنْدَب البَجَليِّ، وأبو أُمَامَة البَاهِليِّ، [و] أبو الطُّفَيْل، وابنُهُ أبو عُبَيْدَة بن حُذَيْفَة، وأبو حُذَيْفَة سَلَمَةُ بن حُمَيْبَة، ورِبْعيِّ بن حِرَاش، وأبو إِدْرِدس الخَوْلانِيّ، وطَارِق بن شِهَاب، ويَزِيْد بن شَرِيك التَّمِيْمِيّ، وزَيْد بن وَهْب، ومُسْلِم بن نُذَيْر، وعَلْقَمَة، وعبْد الله بن الصَّامِت، والوَلِيد بن المُغِيرَة، وهَمَّام بن الحارِث، وأبو البَخْتَرِيّ، وأبو وَائِل شَقِيْق بن سَلَمَة، وصِلَة بن زُفَر العَبْسِيّ، وطَلْحَة بن يَزِد، وعَمْرو بن حَنْظَلَة، وخَالِد بن الرَّبيْع العَبْسيِّ الكُوْفيّ، وأبو مِجْلَز، وعبد الله بن عُكَيْم، وعَبْد الرَّحمن بن أبي ليلَى، وثَعْلَبَة بن زَهْدَم الحنظَلِيّ، وحَبَّة بن جُوَيْن العُرَنِيّ، وعَمْرو بن ضِرَار (a)، وزِرّ بن حُبَيْشٍ، وأبو المُغِيرَة عُبيد (4).
وسيَّرَهُ عُمَر بن الخَطَّاب رضي الله عنه رَسُولًا إلى مَلِك الرُّوم إلى قُسْطَنْطِينِيَّة، فاجْتَمع بها بجَبَلَة بن الأيْهَم، وغَزَا بلاد الرُّوم في زمَن عُثْمان بن
(a) الأصل: صرار، وانظر تاريخ ابن عساكر 12:259.
(b) وقع في الأصل: أبو عبيد المغيرة، ومثله في تاريخ ابن عساكر 13: 359، غير أن ابن عساكر كناه: أبا عبيدة، وهو خطأ ولعله تسرب للمصنف من نقله عن ابن عساكر (ويأتي نص هذا النقل فيما بعد)، وأبو المغيرة هذا هو: عبيد بن المغيرة الخارفي الكوفي. ينظر: الكنى والأسماء للدولابي 3: 1052، حلية الأولياء 1: 376، تهذيب الكمال للمزي 34:314.
عَفَّان رَضِيَ اللهُ [عنهُ](a) في جَيْشٍ أميرُه الوَلِيدُ بن عُقْبَة بن أبي مُعَيْط، فاجْتازَ بحَلَب أو بعَمَلها فيهما.
أخْبَرَنا عُمَر بن طَبرزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الحُصَيْن، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب بن عَيْلَان، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر الشّافعيِّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا إسْحَاق الحَرْبيِّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حُذَيْفَة، قال: حَدَّثنا سُفْيان، عن الأَعْمَش، عن أبي وَائِل، عن حُذَيْفَة، قال: كان رسُول الله صلى الله عليه وسلم إذا قامَ من اللَّيْل يشُوصُ (b) فَاه بالسِّوَاك.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل القَاضِي، قراءةً منِّي عليه بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد طَاهِر بن سَهْل بن بِشْر، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّدُ بن مَكِّيِّ بن عُثْمان، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَد بن عَبْد الله بن رُزَيق، قال: حَدّثَنَا القَاضِي الحُسَين بن إسْمَاعِيْل الضَّبيِّ ببَغْدَاد أبو عَبْد الله، قال: حَدَّثَنَا عليّ - يعني ابنَ شُعيْب - قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن إبْراهيم الزّهْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبي، عن صالح - يعنى ابن كَيْسَان - عن الزُّهْرِيِّ، قال: قال أبو إِدْرِيس عَائِذ (c) الله بن عَبْد الله الخَوْلانِيّ: سَمِعْتُ حُذَيْفَة بن اليَمَان يقُول
(2)
: والله إِنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بكُلِّ فِتْنَةٍ هي كائنةٌ، فيما بيني وبين السَّاعَة، وما ذاكَ أنْ يكون رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حَدَّثَني من ذلك شيئًا أسَرَّهُ إليَّ إنْ لَم يَكُن حدَّث به غيرِي، ولكنْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يُحدِّثُ مَجْلِسًا أنا فيه عن الفِتَن، يَعُدُّ الفِتَنَ: منهنَّ ثلاثٌ - أو قال: فيهن ثلاثٌ - لا يَذَرْنَ شيئًا، منهنَّ كريَاحِ الصَّيْفِ منها صِغارٌ، ومنها كِبارٌ. قال حُذَيْفَةُ: فذَهَبَ ذلك الرَهْط كُلّهُم غيري.
(a) ساقطة من الأصل.
(b) الغيلانيات: تشوص.
(c) الأصل: عايد.
_________
(1)
الغيلانيات (فوائد أبي بكر الشافعي)287.
(2)
صحيح مسلم 4: 3316 (رقم 3891).
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن بن زَيْد الكنْدِيّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحُسَين بن عليّ بن أحمَد المقرِئ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَبْد الله بن النَّقُّور، قال: حَدَّثَنَا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن عَبْد الله ابن أخي مِيْمِي، قال: حَدَّثَنَا أبو عُثْمان سَعيد بن مُحَمَّد بن أحْمَد، إمْلاءً سَنَة ثَمان عَشرة وثَلاثِمائة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَزِيد أخو كَرْخَوَيْه، قال: حَدَّثَنَا الوَلِيد بن مُسْلِم، قال: حَدَّثَنَا ابن صَابِر، قال: حَدَّثَني بشر بن عَبْد الله (a) الحَضْرَميّ، قال: حَدَّثَني أبو إِدْرِيس أنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَة بن اليَمَان، قال
(1)
: كان النَّاسُ يَسْألونَ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكُنْتُ أسْألُهُ عن الشَّرِّ مَخَافَةَ أنْ يُدْركَني، فقُلْتُ: يا رسُولَ اللهِ، إنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ فجاءَنا هذا الخير، فهل بعدَ هذا الخَيْرِ من شَرٍّ؟ قال: نعم، قال: فهل بعد هذا الشَّرِّ من خَيْر؟ قال: نعم وهُدْنَةٌ على دَخَنٍ، قلتُ: وما دَخَنُهُ؟ قال: قَوْمٌ تَعْرِفُ منهُم وتُنْكِر، قُلتُ: فهل بعد ذلك الخيْرِ من شَرٍّ؟ قال: نعم، دُعاةٌ على باب جَهَنَّمَ، مَنْ أجابَهُم إليها قَذفُوه فيها، قُلتُ: يا رسُولَ اللهِ، فإنْ أدْرَكني ذلك، قال: تلزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلمِيْنَ وإمَامَهُمْ.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلب بن الفَضْل الهاشميِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح أحْمَد بن الحَسَن الشَّاشِيّ، قال: أَنْبأنَا أبو المَعَالِي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن زَيْد الحُسَيْنيِّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ المَلِك بن مُحَمَّد بن عَبْد الله العَدْل، قال: أخْبَرَنا حَمْزَة بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الكَريم بن الهَيْثَم، قال: حَدَّثُنَا عَبْدُ الكبير بن المُعَافَى بن عِمْران، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: حَدَّثنا سُفْيانُ، عن عَطَاء بن السَّائِب، عن أبي البَخْتَرِيّ، عن حُذَيْفَة، قال: كان أصْحَاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم يتَعَلَّمُون الخير وكُنْتُ أتَعَلَّم الشَّرّ. قيل: لِمَ؟ قال: إنَّهُ مَنْ اعْتَزَل الشَّرَّ وَقَعَ في الخير.
(a) في صحيح مسلم 3: 1475: بُسر بن عبيد الله.
_________
(1)
صحيح مسلم 3: 1475 (رقم 1847).
أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن سِيْدهُم الأنْصَاريّ، قِراءَةً عليهِ في مَنْزِله بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح نَصْرُ الله بن مُحَمَّد بن عَبْد القَوِيّ المِصِّيْصيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم الحافِظُ
(2)
، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر بن أحْمَد بن فَارِس، قال: حَدَّثَنَا يونُس بن حَبِيْب، قال: حَدَّثَنَا أبو دَاوُد، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عن أبي إسْحَاق، عن الوَلِيد بن المُغِيرَة، عن حُذَيْفَة، قال
(3)
: قلتُ: يا رسُول اللهِ، إنِّي ذَرِبُ اللِّسَان، وعَامَّةُ ذلكَ على أهْلي، قال: فأين أنتَ من الاسْتِغْفَار؟ إنِّي لأَسْتَغْفر رَبِّي في اليَوْم مائة مرَّة.
أخْبَرَنا أبو الحَسَن المُبارَك بن أبي بَكْر بن مَزْيَد الخَوَّاص، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن نَصْر بن أبي الفَرَج الحُصْرِيّ، قراءةً عليهما وأنا أسْمَعُ ببَغْدَاد، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الغَنِيّ بن الحَسَن بن أحْمَد - قال الحُصْرِيّ: وأنا حَاضِرٌ - قال: أخْبَرَنا سَعيد بن أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس بن النُّعْمان، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا إسْحَاق بن أحْمَد بن نَافِع الخُزَاعِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى بن أبي عُمَر العَدَنِيّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان، عن إِسْرَائِيل بن يُونُس، عن أبي إسْحَاق، عن مُسْلِم بن نُذَيْر، عن حُذَيْفَة، قال: شَكَوتُ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذَرَبًا في لسَاني، فقال: أينَ أنْتَ من الاسْتِغْفَار، فإنِّي لأسْتَغْفِر الله في اليَوْم واللَّيْلة مائة مرَّة.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد الله بن عُلْوَان، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب عبْدُ الرَّحْمن بن الحَسَن بن عبد الرَّحْمن بن العَجَمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الغَنائِم مُحَمَّد بن
(1)
أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد 14: 504 بإسناد ولفظ مختلف.
(2)
حلية الأولياء 1: 376.
(3)
ابن أبي شيبة: الكتاب المصنف 6: 57 (رقم 39433)، 7: 181 - 182 (رقم 35068)، ابن ماجة: السنن 2: 1254 (رقم 3817)، النسائي: عمل اليوم والليلة 146 (رقم 454)، المتقي الهندي: كنز العمال 2: 260 (رقم 3968)، وانظر: المسند الجامع 5: 123 (رقم 3332).
عليّ النَّرْسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّدُ بن عليّ بن الحَسَن العَلَويّ، قال: أخْبَرَنا أبي، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن عليّ المُرْهِبِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد الله الحَضْرَميّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن العَلَاءِ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرو بن بَزِيع، قال: حَدَّثَنَا الحَارِثُ بن حَجَّاج، عن أبي مَعْمَر التَّيْمِيّ، عن سَاعِدةَ بن سَعْد بن حُذَيْفَة بن اليَمَان أنَّ حُذَيْفَة كان يَقُول
(1)
: ما من يَوْم أقَرّ لعَيْني، ولا أحَبّ لنَفْسِي من يَوْم آتي أهْلي فلا أجِدُ عندَهُم طَعَامًا، ثمّ يقُولونَ: ما نَقْدر على قليلٍ ولا كَثِيْر. وقال: سَمِعْتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: إنَّ اللهَ أشَدُّ حمْيَةً للمُؤْمِن من الدُّنْيا من المَرِيْض أهْلَه من الطَّعَام والشَّرَاب، والله أشَدُّ تَعَاهُدًا للمُؤْمِن بالبَلَاءِ من الوَالدِ لولدِه بالخَيْر.
أخْبَرَنا المُبارَكُ بن أبي بَكْر بن مَزْيَد الخَوَّاصُ، وأبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بن نَصْر بن أبي الفَرَج الحُصْريّ، قِراءةً عليهما وأنا أسْمَعُ ببَغْداد، قالا: أخْبرنا أبو مُحمّد عَبْدُ الغَنِيّ بن الحَسَن بن أحْمَد - قال الحُصْرِيُّ: وأنا حَاضِرٌ - قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَج سَعيد بن أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاسِ بن النُّعْمان، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بن أحْمَد بن نَافِع الخُزَاعِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى بن أبي عُمَر العَدَنِيّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عن أبي فَرْوَةَ الجُهَنِيّ، قال: سَمِعْتُ عَبْد اللهِ بن عُكَيْم، قال
(2)
: كُنَّا عند حُذَيْفَة بالمَدَائِن، فاسْتَسْقَى دِهْقَانًا، فأتَاهُ بإناءٍ فيه فِضَّةُ، فحذَفَهُ بهِ حُذَيْفَةُ، وكانَ رَجُلًا فيه حِدَّةٌ، فكَرهُوا أنْ يُكَلِّمُوه، ثمّ الْتَفَتَ إلى القَوْم فقال: اعْتَذرُ إليكُم من هذا إنِّي قد كُنْتُ تقَدَّمْتُ إليه ألَّا يَسْقيني في
(1)
الطبراني: المعجم الكبير 3: 179 - 180 (رقم 3003)، الأصبهاني: حلية الأولياء 1: 377، الهيثمي: جمع الزوائد 10: 285، المتقي الهندي: كنز العمال 3: 202 (رقم 6164).
(2)
أخرجه الحميدي في مسنده 1: 209 (رقم 440)، ومن طرقه الخطيب البغدادي في تاريخه 11: 169 - 170، كلاهما عن سفيان بن عيينه، به.
هذا، ثُمَّ قال: إنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال: لا تَشْرَبُوا في آنيةِ الفِضَّة والذَّهَبِ، ولا تَلْبَسُوا الدِّيْبَاجَ والحَرِيْر، فإنَّهُ لهم في الدُّنْيا، ولكم في الآخرة.
وقال: حَدَّثنَا ابن أبي عُمَر، قال: حَدَّثنَا سُفْيان، عن ابن أبي نَجِيْح، عن مُجَاهِد، عن عبد الرَّحْمن، عن حُذَيْفَة، مثْله.
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقنديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن عُبَيْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا عُثْمان بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا حَنْبَل بن إسْحَاق، قال: حَدَّثنَا مُسْلِم بن إبْراهيم، قال: حَدَّثنَا حَمَّادُ بن سَلَمَة، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن زَيْد، عن سَعيد بن المُسَيَّب، عن حُذَيْفَة، قال: خيَّرني رسُول الله صلى الله عليه وسلم بين الهِجْرَة والنُّصْرة، فاخْتَرتُ النُّصْرة. قال: وكان يُكْنَى أبا عَبْدِ الله، وسَلْمَان الفَارِسِيّ يُكْنَى أبا عَبْدِ الله.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللّه القَاضِي، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر بن رِضْوَان، وأبو غَالِب بن البَنَّاء، وعبد الله بن مُحَمَّد بن نَجَا، ح.
وأخْبَرَنا به عُمَر بن طَبَرْزَد إجَازَةً، عن أبي غَالِب بن البَنَّاءِ، قالُوا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن مالك، قال: حَدَّثَنَا العبَّاسُ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثنا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل - يعني الأحْمَسِيّ - قال: حَدَّثَنَا عَمْرٌو العَنْقَزِيّ (a)، قال: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيل، عن ميْسَرة بن حَبِيْب، عن المِنْهَال بن عَمْرو، عن زِرّ بن
(a) في تاريخ ابن عساكر، وفضائل الصحابة لابن حنبل: العنقري، وهو منسوب إلى بيع أو زراعة العنقز (المرزنجوش) انظر: الإكمال لابن ماكولا 6: 97، وأنساب السمعاني 9: 397 - 399.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 269.
حُبَيْش، عن حُذَيْفَة، قال
(1)
: قال لي أُمِّي: مَتَى عَهْدُك بالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ فذَكَرَ الحَدِيْث، وقال في آخره: سَآتي رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يسْتَغفر لي ولك، فأتيتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فصَلَّيْتُ معه المَغْرب، فصَلَّى ما بينهما ما بينَ المَغْرب والعِشَاءِ ثمّ انْصَرَف فاتَّبَعْتُهُ، قال: فبينا هو يَمْشِي إذ عَرَضَ له عارِضٌ فنَاجَاهُ، ثمّ مَضَى واتَّبَعْتُهُ، فقال: مَنْ هذا؟ قُلتُ: حُذَيْفَة، قال: ما جاء بكَ يا حُذَيْفَة؟ فأخْبَرتُه بالَّذي قالَتْ لي أُمِيّ، فقال: غَفر اللهُ لك يا حُذَيْفَة ولأُمِّك، أمَا رأيْتَ العَارِض الّذي عرَضَ لي؟ قُلتُ: بلى بأبي أنْتَ وأُمِّي، قال: فإنَّهُ مَلَكٌ من المَلائِكَة لَم يَهْبط إلى الأرْض قَبْل لَيْلَته هذه، اسْتَأذن ربَّهُ في أنْ يُسَلِّم عليَّ فبَشَّرَني (a) - أو قال: فأخْبَرَني - أنَّ الحَسَنَ والحُسَين سَيِّدا شَبَاب أهْل الجَنَّة، وأنَّ فاطِمَة سَيِّدةُ نِسَاءِ أهْل الجَنَّة.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلمِيّ، قال: حَدَّثنا أبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا تَمَّام بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ أحْوَل بن مُحَمَّد بن فَضَالَة الحِمْصِيّ قِراءَةً عليهِ، قال: حَدَّثَنَا بَحْر بن نَصْر بن سَابِق الخَوْلانِيّ، قال: حَدَّثَنَا خَالِد بن عبد الرَّحْمن الخُرَاسَانيّ، قال: حَدَّثَنَا فِطْر بنُ خَلِيفَة، عن كَثِيْر أبي إسْمَاعِيْل، عن عَبْد الله بن مُلَيْل، قال: سَمِعْتُ عليًّا يقُول: قال رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم
(2)
: إنَّهُ لَم يكُن نَبيّ قَبْلي إلَّا أُعْطِيَ سَبْعة نُجَبَاءَ: وُزَرَاء ورُفَقاء، وإنِّي أُعْطِيْتُ أرْبعة عَشَر: حَمْزَة، وجَعْفَر، وأبو بَكْر، وعُمَر، وعليّ، والحَسَنِ، والحُسَين، سَبْعَة من قُرَيْش، وابن مَسْعُود، وسَلْمَان، وعَمَّار، وحُذَيْفَة، وأبو ذَر، والمِقْدَاد، وبِلَالٌ.
(a) مهملة في الأصل والإعجام من ابن عساكر.
_________
(1)
أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة 2: 788 (رقم 1406).
(2)
المحب الطبري: الرياض النضرة 1: 45، ابن عبد البر: الاستيعاب 4: 1481.
أنْبَأنَا ابنُ طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْلُ بن أحْمَد، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا يُوسُفُ بن الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَر بن أحْمَد بن فَارِس، قال: حَدَّثَنَا يُونُس بن حَبِيْب، قال: حَدَّثَنَا أبو دَاوُد سُليْمان بن دَاوُد الطَّيَالِسِيّ
(1)
، قال: حَدَّثنا شرِيكٌ، قال: حَدَّثَنَا عُثْمان بن عُمَيْر، قال: حَدَّثَنَا زَاذَان، عن حُذَيْفَة، قال: قُلْنا: يا رسُول اللهِ، لو اسْتَخْلَفْتَ؟ فقال: لو اسْتَخْلَفْتُ فعَصَيْتُم نزَل العَذَابُ (a)، ولكن ما أقْرَأَكُم ابن مَسْعُود فاقْرَؤُوه، وما حدَّثكُم حُذَيْفَة فاقْبلُوا، أو قال: فاسْمَعُوا.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن عليّ بن الحُسَين بن الحَسَن بن مُحَمَّد الأسَدِيّ المعرُوف بابنِ البُنّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا جَدِّي الحُسَين بن الحَسَنِ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي العَلَاء المِصِّيْصيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نصْر، وأبو نَصْر بن الجَنَدِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي العَقَب، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْد المَلِك، قال: حَدَّثَنَا ابن عَائِذ، قال: أخْبَرَني مُحَمَّد بن شُعَيْب، عن عُثْمان بن عَطَاءٍ، عن أَبِيهِ، عن عِكْرِمَة، عن ابن عبَّاسٍ في حَدِيثٍ ذَكَرهُ، قال
(2)
: فأرادَ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يعَث رَجُلًا فيَخْرج من الخَنْدَق فيَعْلَم ما يُريدُونَ، فأتَى رَجُلًا وقد قَبَضَهُ القُرّ، قال: ائْتِ مَطْلع القَوْم، فَاعْتَلَّ فَتَركَهُ، ثمّ أتى آخر فَاعْتَلَّ فتركَهُ، وحُذَيْفَة يَسْمَعُ ما يقُول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهو سَاكِتٌ ممَّا بهِ من البَلَاءَ والضُّرِّ، حتَّى أتاهُ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو لا يَدْري مَنْ هو، فقال: مَنْ هذا؟ قال: أنا حُذَيْفَةُ. قال: إيَّاكَ أُريدُ، سَمِعْتُ حَديثي اللَّيْلةَ ومُسَاءلتي الرِّجَالَ لأبْعَثَهُم ليَخْبُرُوا لنا خَبَر القَوْم فيأتُون؟ قال: أيّ والَّذي
(a) في مسند الطيالسي: "لو استخلفت لعصيتم وإن عصيتم نزل بكم العذاب".
_________
(1)
مسند أبي داود الطيالسي 2: 59 (رقم 441).
(2)
انظر تاريخ ابن عساكر 12: 280، وفي دلائل النبوة من طرق مختلفة 3: 449 - 455.
أرْسْلَكَ بالحَقِّ إنِّي أسْمَعُ، قال: فما منَعَكَ أنْ تَقُوم؟ قال: القُرّ، قد عَلِمَ الله الّذي بي من البَلَاء، فلمَّا سَمِعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذِكْر القُرّ، ضَحِكَ حتّى اسْتَغْربَ ضَحِكًا وقال: قُمْ حَفِظَكَ اللهُ من فَوْقكَ ومن تَحْتِكَ، وعن يَمِينك وعن شمالكَ حَتَّى تَرْجعَ إليَّ، فقام حُذَيْفَةُ مَسْرُورًا بدُعَاء رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فأتَى القَوْمَ لا يَحُسّ شيئًا ممَّا كان يَجِدُ، حتَّى خَالَط عَسْكَرهم وجَالَسَهُم، ثمّ أقْبَل فأخْبَرَ رسُول الله صلَّى اللهُ علمِه وسلَّم الخَبَرَ.
قال: وأخْبَرَني الوَلِيد بن مُسْلِم، قال: أخْبَرَنِي عَبْدُ الله بن زَيْد بن أسْلَم، عن أَبِيهِ زَيْد بن أسْلَم، أنَّهُ أخْبَرَهُ، قال
(1)
: قال رجُلٌ لحُذَيْفَة: أشْكُو إلى الله صُحْبَتَكُمُ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإنَّكُمُ أدْرَكْتُمُوه ولَم نُدْركْهُ، ورَأيْتُموه ولم نَرَهُ، قال حُذَيْفَة: ونحنُ نَشْكُو إلى اللهِ إيْمانَكُمُ به ولم تَرَوه، واللهِ ما تَدْري لو أدْرَكْتَهُ كيفَ كنتَ تكُون؟ لقد رأيتُنا مع رسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَة الخَنْدَق لَيْلَة بارِدَةً مَطِيْرَةً، إذ قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: هل من رجُل يَذْهب فيَعْلَم لنا عِلْم القَوْم أدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ؟ قال: فواللهِ ما قامَ منَّا أحَدٌ، قال: هل من رَجُل يَذْهب فيَعْلَم لنا عِلْم القَوْم جَعَلَهُ اللهُ رَفِيق إبْراهيم يَوْم القِيامَة؟ فما قامَ منَّا أحَدٌ، ثُمَّ قال: هل من رجُل يَذْهب فيَعْلَم لنا عِلْم القَوْم جَعَلَهُ اللهُ رَفِيقي في الجَنَّة؟ فما قام منَّا أحدٌ. فقال أبو بَكْر: يا رسُول اللهِ، إبْعَثْ حُذَيْفَة، قال: حُذَيْفَة، فقُلتُ: دونك فواللهِ ما قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: يا حُذَيْفَة حتَّى قُلتُ: يا رسُول الله بأبي وأُمِّي أنْتَ، والله ما بي أنْ أُقْتَل، ولكنِّي أخْشَى أنْ أُؤْسَر، فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّك لن تُؤْسَرَ، فقُلتُ: يا رسُول اللهِ، مُرْنِي بما شِئْتَ، فقال: اذهَبْ حتَّى تَدْخُل في القَوْم فتأتي قُرَيْشًا فتقُول: يا
(1)
أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 3: 454، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 7: 400، المتقي الهندي: كنز العمال 10: 445 - 447.
مَعْشَرَ قُرَيْش، إنَّما يريدُ النَّاسُ أنْ يقُولُوا غَدًا: أينَ قُرَيش، أين قَادَةُ النَّاسِ، أين رؤُوس النَّاسِ؟ تقَدَّمُوا، فتقدمُوا فتَصْلَوا بالقِتَال، فيكون القَتْل بكُم، ثمّ ائْتِ كِنَانَة فقُلْ: يا مَعْشَرَ كِنَانَة، إنَّما يُريدُ النَّاسُ غَدًا أنْ يقُولوا: أينَ كِنَانَة، أين رُمَاة الحَدَق، تقدَّمُوا، فتقدمُوا فتَصْلَوا بالقِتَال، فيكون القَتْل بكم، ثمّ ائْتِ قَيْسًا فقُل: يا مَعْشَرَ قَيْسٍ، إنَّما يُريدُ النَّاسُ غَدًا أنْ يقُولُوا: أين قَيْس، أين أحْلَاس الخَيْل، أين فُرْسَان النَّاس؟ تقدَّمُوا، فتقدمُوا فتَصْلَوا بالقِتَال، ويكون القَتْل بكم، ثمّ قال لي: ولا تُحْدِثْ في سِلَاحكَ شيئًا.
قال حُذَيْفَةُ: فذَهَبْتُ فكُنْتُ بين ظَهْرَاني القَوْم أصطَلي معهم على نِيْرانهم، وأذْكُر لهم القَول الّذي قال لي رسُول الله صلى الله عليه وسلم: أين قُرَيْش، أين كِنَانَةُ، أين قَيْسٌ؟ حتَّى إذا كان وَجْهُ السَّحر قامَ أبو سُفْيان يدعُو باللَّات والعُزَّى ويُشْرِكُ، ثمّ قال: نَظَر رَجُل مَنْ جَليسه، قال: ومعي رَجُل يَصْطَلي، قال: فوَثَبْتُ عليه مَخَافَة أنْ يأخُذَني فقُلتُ: مَنْ أنتَ؟ قال: أنا فُلَانٌ، قُلتُ: أوْلَى، فلّمَّا رَأى أبو سُفْيانَ الصُّبْح، قال أبو سُفْيان: نادُوا: أين قُرَيْشٌ، أين رُؤُوس النَّاس، أين قادَة النَّاس؟ تقَدَّمُوا، قالوا: هذه المَقَالَة الّتي أتينا بها البَارِحَة، ثمّ قال: أين كِنَانَةُ، أين رُمَاة الحَدَق؟ تقدَّمُوا، فقالُوا: هذه المَقَالَة الّتي أتينا بها البَارِحَة، ثمّ قال: أين قَيْسٌ، أينَ فُرْسَان النَّاسِ، أين أحْلَاسُ الخَيْل؟ تقدَّمُوا، فقالُوا: هذه المَقَالَة الّتي أتينا بها البَارِحَة، قال: فخافُوا فتَخَاذَلُوا، وبَعَثَ اللهُ عليهم الرِّيح فما تركَت لهم بناءً إلَّا هَدَمَتْهُ، ولا إناءً إلَّا أكفَتْهُ، وتَنَادَوا بالرَّحِيْل.
قال حُذَيْفَة: حتَّى رَأيْتُ أبا سُفْيان وَثَب على جَمَلٍ له مَعْقُول، فجَعَل يَسْتحثُّهُ للقيام، ولا يَسْتَطِيع القيامَ لعِقَالهِ. قال حُذَيْفةُ: فواللهِ لولا ما قال لي رسُول الله صلى الله عليه وسلم: ولا تُحْدِث في سِلَاحكَ شَيئًا، لرَمَيْتُه من
قريبٍ. قال: وسَار القَوْم، وجئتُ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرْته، فضَحِكَ حتَّى رأَيْتُ أنْيابَه.
أنْبَأنَا عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد القَاضِي، عن أبي المُظَفَّر بن القُشَيْريّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل جَعْفَر بن الحُسَين بن مُحَمَّد المقرِئ المَاوَرْدِيّ، وأبو سَعيد عبد الرَّحْمن بن مَنْصُور بن رَامِش، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن يُوسُف بن أحْمَد بن بَامُوْيَه، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد أحْمَد بن مُحَمَّد بن زِيَاد بن الأعْرَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا عبَّاس بن مُحَمَّد الدُّوْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو نُعَيْم، قال: حَدَّثَنَا زُهَيْر بن مُعاوِيَة، عن جَابِر، عن سَعْد بن عُبَيْدة، عن صِلَة بن زُفَر، عن حُذَيْفَة بن اليَمَان
(1)
، قال: صَلَّيْتُ لَيْلَةً جمع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في رَمَضَان، فقامَ يَغْتَسل وسَتَرتهُ، ففضَلَتْ منه فَضْلَةٌ في الإناءَ فقال: إنْ شِئْتَ فأَرِقْهُ وإنْ شِئْتَ فصُبَّ عليه، قال: قُلتُ: يا رسُول الله، هذه الفَضْلَةُ أحَبُّ إليَّ ممَّا أَصبُّ عليه، فاغتسَلْتُ به وسَتَرني، قال: قُلتُ: لا تَسْتُرني، قال: بلى لأسْتُرَنَّكَ كما سَتْرَتَني.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاجِ يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلِمِ المُؤيَّد بن عبد الرَّحيم بن الإخْوة وصَاحِبتهُ عَيْنْ الشَّمْس بنتُ أبي سَعيد بن الحسنِ، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَرَج سَعيد بنُ أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِيّ - قالت عَيْنُ الشَّمْس: إجَازةً - قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح مَنْصُور بن الحُسَين بن عليّ الكَاتِب، وأبو طَاهِر أحْمَد بن مَحْمُود الثَّقفيّ - قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بن إبْراهيم أبو عليّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الكَريم بن الهَيْثَم، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن عَبْد الأوَّل، قال: حَدَّثَنَا أبو خَالِد، قال: حَدَّثَنَا أبو سَعْدٍ البَقَّال، عن إِبْراهيمِ التَّيْمِيّ، عن أَبِيهِ، عن حُذَيْفَة، قال: بَعَثَني رسُول الله صلى الله عليه وسلم سرِيَّةً وحْدِي.
(1)
أخرجه ابن عساكر في تاريخه 12: 277، وانظر المطالب العالية لابن حجر 2: 441 (رقم 161).
(2)
معجم ابن المقرئ 215.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا ابنُ بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا الحُسَين بن صَفْوَان، قال: حَدَّثَنَا ابنُ أبي الدُّنْيا، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سَعْد
(1)
، قال: حُذَيْفَةُ بن اليَمَان بن حِسْلٍ - ويُقال: حُسَيْل - ابن صَابِر العَبْسِيِّ، حَلِيف بني عَبْد الأَشْهَل، وابن أختهم الرَّبَاب بنت كعْب بن عَدِيّ بن كَعْب بن عَبْد الأَشْهَل، يُكْنَى أبا عَبْد اللهِ، شَهِدَ أُحُدًا، وقُتِلَ أبُوه يَوْمئذٍ، وجاءه نَعِيُّ عُثْمان بن عَفَّان وهو بالمَدَائِن، ومات بها سَنَة ستٍّ وثلاثين، اجْتَمع على ذلك مُحَمَّد بن عُمَر - يعني الوَاقِدِيّ - والهَيْثَم بن عَدِيّ.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبِي مُحَمَّد بن أبي الحُسَين
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب بن يُوسُفَ (a)، وأبو نَصْر بن البناء، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجوهَرِيّ، عن أبي عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مَعْرُوف، قال: حدَّثنا الحُسَين بن الفَهْم، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْد
(3)
، قال في الطَّبَقَةِ الثَّانيَةِ: حُذَيْفَة بن اليَمَان وهو ابن حُسَيْل (b) بن جَابِر بن رَبِيْعَة بن عَمْرو بن جُرْوَة، وهو اليَمَان بن الحارِث بن قُطَيْعَة بن عبْس بن بَغِيض بنِ رَيْث بن غَطَفَان بن سَعْد بن قيَس بن عَيْلَان بن مُضَر، وجُرْوَة هو اليَمَان من ولده حُذَيْفَة، وإنَّما قيل: اليَمَان؛ لأنَّ جُرْوَة أصابَ دَمًا في قَوْمِهِ فهَرَبَ إلى المَدِينَة، فحالَفَ بني عَبْد الأَشْهَل
(a) ابن عساكر: أبو طالب يوسف، وجاء في مواضع أخرى من تاريخه صحيحًا على النحو المثبت.
(b) عند ابن عساكر: حسل.
_________
(1)
الطبقات الكبرى 6: 15 بنحو هذا السياق، ودون ذكر: "ابن أختهم الرباب
…
"، ومن طريق ابن سعد أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 1: 705 بالسياق المذكور هنا.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 262.
(3)
بعضه في طبقات ابن سعد 7: 15، وفيه: وهو حسيل، وورد في موضع آخر من الطبقات 7: 317 بما يوافق المثبت.
فسَمَّاهُ قَوْمُهُ اليَمَان؛ لأنَّهُ حَالَفَ اليَمَانيَّة، وأُمّ حُذَيْفَة الرَّبَاب بنت كَعْب بن عَدِيّ بن كَعْب بن عَبْد الأَشْهَل.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن نَاصِر، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الآبِنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن المُظَفَّر، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ المَدَائِنِيُّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْد الله بن البَرْقِيّ، قال: ومن حُلَفَاء بني عَبْد الأَشْهَل من العَرَب من غير أهْل بَدْر: حُذَيْفَة بن اليَمَان، حَلِيْف بَني عَبْد الأشْهَل، وأُمُّه الرَّبَاب من بني عَبْد الأَشْهَلِ، وهو حُذَيْفَة بن اليَمَان بن حُسَيْل بن جَابِر بن أُسَيْد بن عَمْرو بن مَازِن بن رَبِيْعَة بن قُطَيْعَة بن عَبْس بن بَغِيض بن رَيْث بن غَطَفَان، لم يَشْهَد بَدْرًا، وشَهِدَ أُحُدًا مع أبيهِ، وقُتِلَ أبُوه يَوْم أُحُد؛ قَتَلَهُ المُسْلمُونَ ولا يَعْرفُونَهُ، فتَصَدَّق حُذَيْفَة بدِيَتهِ على المُسْلمِيْن، حَدَّثَنَا بذلك كُلّه ابن هِشَام، عن زِيَادٍ، عن ابن إسْحَاق.
وتُوفِّيَ حُذَيْفَة بن اليَمَان سنة ستٍّ وثَلاثين في أوَّلها، له رِوَايَةٌ كَثِيْرةٌ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُحَمَّدُ بن طَاهِر، قال: أخْبَرَنا مَسْعُود بن نَاصِر، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ المَلِك بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحُسَين الكَلَابَاذيّ، قال: حُذَيْفَة بن اليَمَان، واليَمَان يقال له: حُسَيْل بن جَابِر، وقال عَمْرو بن عليّ
(1)
: حُذَيْفَة بن الحُسَيْل بن اليَمَان، وقال الوَاقِدِيّ: حُذَيْفَة بن اليَمَان بن حُسَيْل بن جَابِر العَبْسِيّ حَلِيْف بَني عَبْد الأَشْهَل وابن أُخْتهم، أبو عَبْدِ الله العَبْسِيّ الكُوْفيّ، سَمِعَ النَّبيّ صَلَّى اللهُ
(1)
تاريخ أبي حفص الفلّاس 327، وفيه: ابن حسل.
عليه وسلَّم، ورَوَى عنهُ قَيْس بن أبي حَازِم، وأبو وَائِل، وزَيْد بن وَهْب، وأبو إِدْرِيس الخَوْلانِيّ، ورِبْعِيِّ بن حِرَاش في الوُضُوءِ وغير موضِع.
قال البُخاريّ
(1)
: ماتَ بعد عُثْمان بن عَفَّان بأرْبَعيْنَ يَوْمًا. قال أبو نَصْر الكَلَابَاذِيّ الحافِظ: وذلك أوَّل سَنة ستٍّ وثلاثين، وقال الذُّهْلِيُّ: قال يَحْيَى بن بُكَيْر: مَاتَ سَنَة ستٍّ وثلاثين، وقال الوَاقِدِيُّ مثل يَحْيَى، وقال ابنُ قُتيبَة مثْل يَحْيَى، وقال عَمْرو بن عليّ
(2)
- يعني: تُوفِّي - بالمَدَائِن بعد عُثْمان بأرْبَعيْنَ لَيْلة، وقال أبو بَكْر بن أبي شَيْبَة: مات حين قُتِلَ عُثْمان.
وقال أبو البَرَكَات الأنْمَاطِيّ: أخْبَرَنا ثَابِت بن بُنْدَار، قال: أخْبَرَنا أبو العَلَاء مُحَمَّد بنُ عليّ بن يَعْقوب، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد البَابَسِيْريّ، قال: أخْبَرَنا الأحْوَصُ بن المُفَضَّل بن غَسَّان، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: حُذَيْفَة أبو عَبْد اللهِ، وقال في مَوضعٍ آخر: حُذَيْفَةُ بن حُسَيْل بن جَابِر، وهو حُذَيْفَةُ بن اليَمَان، وأبُوه حُسَيْل بن جَابِر كان ممَّن خُلِّفَ بالمَدِينَة يَوْم أُحُد، وهو شَيْخٌ كبيرٌ، فلمَّا نَشِبَت الحَرْب خَرَجَ فقُتِلَ بأُحُد.
وقال أبو البَرَكَات الأنْمَاطِيّ: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن الحَسَن، وأبو الفَضْل بن خَيْرُون، قالا: أخْبَرَنا أبو الحُسين مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن إسْحَاق، قال: أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن أحْمَد بن إسْحَاق، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَة بن خَيَّاط
(3)
، قال: ومن بني عَبْس بن بَغِيض بن رَيْث بن غَطَفَان: حُذَيْفَة بن اليَمَان - اليَمَان لَقَبٌ؛ اسْمُه حُسَيْل - ابن جَابِر بن عَمْرو بن رَبِيْعَة بن جُرْوَة بن الحارِث (a) بن مَازِن بن قُطَيْعَة بن عَبْسٍ، أُمُّهُ امْرَأةٌ من الأنْصَار من
(a) طبقات خليفة: عبد الحارث.
_________
(1)
تاريخ البخاري الكبير 3: 95.
(2)
تاريخ أبي حفص الفلّاس 228.
(3)
طبقات خليفة 48 - 49.
الأَوْس، يُكْنَى أبا عَبْد الله، ماتَ بالكُوفَة في أوَّل سَنة ستٍّ وثَلاثين؛ نَسَبَهُ لي رَجُلٌ من ولده.
أنْبَأنَا زَيْد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن علي
(1)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن رِزْق، قال: أخْبَرَنا مُكْرَم بن أحْمَد القَاضِي، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الحَسَن صَاحِب النَّرْسِيّ، قال: سَمِعْتُ عليَّ بن المَدِيْنِيّ يقُول: حُذَيْفَة بن اليَمَان، هو حُذَيْفَة بن حِسْلٍ، وحِسْل كان يُقال لهُ: اليَمَان، وهو رَجُلٌ من عَبْسٍ حَلِيْف الأنْصَار.
أخْبَرَنا أبو حَفْص المُؤدّبُ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن البقَّال، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن الحَمَّامِيِّ، قال: أخْبَرَنا إبْراهيم بن أحْوَل القِرْمِيْسِينِيّ، قال: أخْبَرَنا إبْراهيمُ بن أبي أُمَيَّة، قال: سَمِعْتُ نُوْح بن حَبِيْب يَقُولُ: حُذَيْفَة بن اليَمَان بن جَابِر.
كَتَبَ إلينا أبو الفُتُوح نَصْرُ بن أبي الفَرَج الحُصْرِيّ من مَكَّة حَرَسَها اللهُ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو مُحَمَّد عَبْدُ الله بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الأَشِيْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الوَلِيد يُوسُف بن عَبْد العَزِيْز بن الدَّبَّاغ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد العَزِيْز بن ثَابِت، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن عَبْد البَرّ النَّمَرِيّ
(2)
، قال: حُذَيْفَة بن اليَمَان، يُكْنَى أبا عَبْد الله، واسْم اليَمَان حُسَيْل بن جَابِر، واليَمَان لَقَبٌ، وهو حُذَيْفَةُ بن حِسْل - ويقال: حُسَيْل - ابن جَابِر بن عَمْرو بن ربيعَة بن جُرْوَة بن الحارِث بن مَازِن بن قُطَيْعَة بن عَبْس العَبْسِيّ القُطَعيِّ (a) من بني عَبْس بن
(a) في الاستيعاب: القطيعي، وفي بعض أصوله ما يوافق المثبت، وقد قيَّده في ترجمة أبيه (الاستيعاب 1: 351): القطعي.
_________
(1)
تاريخ بغداد 1: 506.
(2)
الاستيعاب 1: 334.
بَغِيض بن رَيْث بن غَطَفَان، حَلِيْف لبني عَبْد الأَشْهَل من الأنْصَار. وأُمُّهُ امْرَأةٌ من الأنْصَار من الأَوْس من بني عَبْد الأَشْهَل، اسْمُها الرَّبَابُ بنتُ كَعْب بن عَدِيِّ بن عَبْدِ الأَشْهَل (a)، وإنَّما قيل لأبيهِ حُسَيْل: اليَمَان، لأنَّهُ من وَلد اليَمَان جُرْوَة بن الحارِث بن قُطَيْعَة بن عَبْس، وكان جُرْوة بن الحَارِث أيضًا يقال له اليَمَان لأنَّهُ أصابَ في قَوْمه دَمًا فهَرَبَ إلى المَدِينَة، لحالَفَ بني عَبْد الأَشْهَل فسمَّاهُ قَوْمُهُ اليَمَان، لأنَّهُ حَالَفَ اليَمَانِيَّة.
شَهِدَ حُذَيْفَةُ وأبُوه حُسَيْل وأخُوه صَفْوَان أُحُدًا، وقَتَلَ أباهُ يَوْمئذٍ بعضُ المُسْلمِيْن وهو يَحْسَبُهُ من المُشْرِكين.
كان حُذَيْفَة من كِبَار أصْحَاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الّذي بَعَثَهُ رسُول الله يَوْم الخَنْدَق يَنْظُر إلى قُرَيْش فجاء بخَبَر رَحِيْلهم، وكان عُمَر بن الخَطَّاب يَسْألهُ عن المُنَافِقين، وهو مَعْرُوف في الصَّحَابَة بصَاحِب سِرّ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكان عُمَر يَنْظُر إليه عند مَوْت مَنْ ماتَ منهم؛ فإنْ لَم يَشْهَد جنازَته حُذَيْفَة، لم يَشْهَدها عُمَر.
وكان حُذَيْفَةُ يَقُول: خيَّرَني رسُول الله صلى الله عليه وسلم بين الهِجْرَة والنصْرَة، فاخْتَرتُ النُّصْرَةَ، وهو حَلِيْف للأنْصَار لبني عَبْد الأَشْهَل، وشَهِدَ حُذَيْفَةُ نَهَاوَنْد، فلمَّا قُتِلَ النُّعْمان بن مُقَرِّن أخَذَ الرَّايَة، وكان فتح هَمَذَان والرَّيّ والدِّيْنَوَر على يد حُذَيْفَة، وكانت فُتُوحُه كُلُّها سَنَة اثْنَتَيْن وعشرين.
ماتَ حُذَيْفَة سَنَة ستٍّ وثلاثين، بعد قَتْل عُثْمان، في أوَّل خِلَافَة عليّ. وقيل: تُوفِّي سَنَة خَمْسٍ وثلاثين، والأوَّل أصَحّ. وكان مَوْتهُ بعد أنْ أَتَى نَعِيُّ عُثْمان
(a) كرَّر في الأصل قوله: "اسمها إلى باب بنت
…
الأشهل".
إلى الكُوفَة، ولم يُدْرك الجَمَل، وقُتِلَ صَفْوَان وسَعِيْد
(1)
ابْنَا حُذَيْفَة بصِفِّيْن، وكانا قد بايَعَا عليًّا بوصِيَّةِ أبيهما بذلك إيَّاهمُا. سُئِلَ حُذَيْفَةُ: أيّ الفِتَن أشَدّ؟ قال: أنْ يُعْرضَ عليك الخَيْر والشَّرّ فلا تَدْري أيَّهُما تَرْكَب. وقال حُذَيْفَة: لا تَقُوم السَّاعَة حتَّى يَسُودَ كُلّ قَبِيلَةٍ مُنَافِقوها.
قال الحافِظُ أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد الأَشِيْرِيّ، ونَقَلْتُه من خَطِّهِ: زِيَادَةُ مَازِن ها هُنا في نَسَب حُذَيْفَة خَطأٌ، واللهُ أعْلَمُ؛ فإنَّ مَازِنًا إنَّما هو ابن الحارِث بن قُطَيْعَة. قال أبو عُبَيْد: ومنهم - يعني: من بني عَبْس - بنُوِ رَوَاحَة بن رَبِيْعَة بن مَازِن بن الحارِث بن قُطَيْعَة، فَمازِنُ على هذا هو أخُو جُرْوة بن الحارِث الّذي يقال له اليَمَان، واللهُ أعْلَمُ.
وقال ابنُ السَّكَن في نَسَبه: حُذَيْفَةُ بن حُسَيْل بن جَابر بن أُسَيْد بن عَمْرو بن مَازِن بن رَبِيْعَة بن قُطَيْعَة بن عَبْس، وهذا الاخْتِلَاف كُلّه يَحْصُل منه أنَّهُ من عَبْسٍ فقط، واللهُ أعْلَمُ بصَوَاب ذلك من خَطَئه. وقيل في: حُسَيْل بن جَابِر بن رَبِيْعَة بن عَمْرو بن اليَمَان، كَذَا جاء في النَّسَب لأبي عُبَيْد بتَقْدِيم رَبِيْعَة على عَمْرو. قال: واليَمَان اسْمُه جُرْوَة - كَذَا ذَكَره بضَمِّ الجِيْم - ابن الحَارِث بن قُطَيْعَة بن عَبْسٍ. هذه آخر حَاشِيَة الأَشِيْرِيّ على تَرْجَمة حُذَيْفَة.
قال أبو عُمَر بن عَبْد البَرّ في تَرْجَمَةِ أبيهِ
(2)
: حُسَيْلُ بن جَابِر العَبْسِيّ القُطَعيِّ، ويقال: حَسِيْل (a)، وهو المَعْرُوف باليَمَان، والد حُذَيْفَة بن اليَمَان، وإنَّما قيل له اليَمَان لأنَّهُ نُسبَ إلى جَدِّه اليَمَان بن الحارِث بن قُطَيْعَة بن عَبْس بن بَغِيض، واسْمُ اليَمَان جُرْوَة بن الحَارِث بن قُطَيْعَة بن عَبْس، وإنَّما قيل لجُرْوَة اليَمَان لأنَّهُ أصابَ
(a) كذا في الأصل مضبوطًا مجرّدًا، وفي الاستيعاب بإسقاط الياء: حِسْل.
_________
(1)
انظر ترجمة سعيد بن حذيفة في موضعها من هذا الكتاب (الجزء التاسع).
(2)
الاستيعاب 1: 351.
في قَوْمه دَمًا، فهَرَبَ إلى المَدِينَةِ، فحَالَفَ بني عَبْد الأَشْهَل، فسمَّاهُ قَوْمُه اليَمَان لمُحَالَفَته اليَمّانِيَّة، شَهِدَ هو وابْناهُ حُذَيْفَةُ وصَفْوَان مع رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أُحُدًا، فأصَابَ حُسَيْلًا المُسْلمُون في المَعْرَكَةِ فقَتَلُوه يَظنُّونَهُ من المُشْرِكين ولا يَدْرُونَ، وحُذَيْفَةُ يَصيْح: أبي أبي، ولم يُسْمَع، فتَصَدَّق ابنُهُ حُذَيْفَة بدِيَتِهِ على منْ أصَابَهُ. وقيل: إنَّ الّذي قَتَلَ حُسَيْلًا عُتْبَة بن مَسْعُود.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن المُفَضَّل، عن أبي القَاسِم بن عَبْد المَلِك، قال: أخْبرَني أبو مُحَمَّد بن عَتَّاب، وأبو عِمْران بن أبي تَلِيْد إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا أبو عُمَر النَّمَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن القَاسِم، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ سَعيدُ بن عُثْمان بن السَّكَن، قال في كتاب الحُرُوف ومَعْرفَة الصَّحَابَةِ: وحُذَيْفَة بن اليَمَان أبو عَبْد الله العَبْسِيّ، يقال هو حُسَيْل بن جَابِر، يعني اليَمَان، هَاجَرَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، هو من عَبْسِ بن بَغِيض بن رَيْث بن غَطَفَان بن سَعْد بن قَيْس بن عَيْلَان بن مُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ، شَهِدَ حُذَيْفَة مع أبيهِ حُسَيْل وأخيهِ صَفْوَان مُشَاهده بعد بَدْرٍ.
ومات في أوَّل خلَافَة عليّ سَنَة ستٍّ وثَلاثين، وقال بعضُهم: ماتَ بعد عُثمان بأرْبَعين يَوْمًا سَنَة خمسٍ وثَلاثين بالمَدَائِن، وهو خطأٌ لأنَّ عُثْمان قُتِلَ في ذِي الحِجَّة سَنَة خَمْسٍ وثلاثين، لا خِلَافَ بين أهْلِ السِّيْرَة في ذلك.
هو مَعْدُودٌ في الكُوْفيِّيْن، وهو حَليْفُ بَني عَبْد الأَشْهَل. قال: خيَّرَني رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بين الهِجْرَة والنُّصْرَة، فاخْتَرتُ النُّصْرَة، وكان ممَّن هاجَرَ هو وأبوه رَحمهُما الله، وهو مَعْدُودٌ في الأنْصَار.
واختُلِفَ في وَقْتِ وَفاته، والصَّحيح أنَّهُ مات أوَّل سَنَة ستٍّ وثلاثين، ورَوَى عنهُ عَمَّار بن يَاسِر، وكان عُمَر يَسْأله عن المُنَافِقين لأنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أعْلَمَهُ بهم، وروَى عنهُ أيضًا من الصَّحَابَة جُنْدَب البَجَليّ، وأبو أُمَامَة، وأبو الطُّفَيْل، وغيرُهُم.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أَحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيبُ
(1)
، قال: حُذَيْفَةُ بن اليَمَان العَبْسِيّ، حَلِيْفُ بَني عَبْد الأَشْهَل، واليَمَان لَقَبٌ، واسْمُه حِسْلٌ، ويقالُ: حُسَيْلٌ بن جَابِر بن أُسَيْد بن عَمْرو بن مَازِن، وقيل: اليَمَان بن جَابِر بن عَمْرو بن رَبِيْعَة بن جُرْوَة (a) بن الحَارِث بن مَازِن بن رَبِيْعَة بن قُطَيْعَة بن عَبْس بن بَغِيْض بن رَيْث بن غَطَفَان. يُكْنَى حُذَيْفَةُ أبا عَبْد اللَّهِ. وأُمُّهُ من بني عَبْدِ الأَشْهَلِ تُسَمَّى الرَّبَاب.
لم يَشْهَد حُذَيْفَةُ بَدْرًا وشَهِدَ أُحُدًا، وقُتِلَ أبُوه يَوْمئذٍ مع رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وحَضَرَ ما بعد أُحُد من الوَقَائِع، وكان صَاحِب سِرِّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، لقُرْبهِ منه، وثِقَتهِ به، وعُلُوِّ مَنْزِلتِه عنده. ووَلَّاهُ أَمِير المُؤْمنِيْنَ عُمَر بن الخَطَّاب المَدَائِنَ، فأقامَ بها إلى حين وَفاته.
أخْبَرَنا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله بن مُحَمَّد، فيما أَذِنَ لنا في روَايَتهِ عنْهُ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَةِ الله الشَّافِعيّ
(2)
، قال: حُذَيْفَة بن اليَمَان، وهو حُذَيْفَة بن حُسَيْل - ويقال: حِسْلِ (b) - ابن جَابِر بن أُسَيْد بن عَمْرو بن مَالِك، ويقال: اليَمَان بن جَابِر بن عَمْرو بن رَبِيْعَة بن جُرْوَة بن
(a) ضبطه في تاريخ بغداد بكسر الجيم، والمثبت ضبط ابن العديم.
(b) عند ابن عساكر: حذيفة بن حسل، ويقال: حسيل.
_________
(1)
تاريخ بغداد 1: 505.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 259.
الحَارِث بن مَازِن بن رَبِيْعَة بن قُطَيْعَةَ بن عَبْس بن بَغِيض بن رَيْث، أبو عَبْد اللهِ العَبْسِيّ، حَلِيْفُ بَني عَبْد الأَشْهَل، صَاحِبُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، وصَاحِبُ سِرِّه من المُهاجِرينَ.
رَوَى عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، رَوَى عَنْهُ ابنُهُ أبو عُبَيْدَةَ بن حُذَيْفَة، وزَيْد بن وهْب، وأبو حُذَيْفَة سَلَمَة بن صُهَيْبَة، وأبو الطُّفَيْل، ورِبْعِيّ بن حِرَاش، وطَارِق بن شِهَاب، وهَمَّام بن الحَارِث، وأبو إِدْرِيس الخَوْلانِيّ، وصِلَة بن زُفَر العَبْسِيّ، وعَمْرو بن ضِرَارٍ، وطَلْحَة بن يَزيْد، وأبو وَائِل شَقِيْق بن سَلَمَة، وعَمْرو بن حَنْظَلَة، وزِرّ بن حُبَيْش، وعبد الله بن الصَّامِت، وأبو المُغِيرَة عُبَيْد (a)، ومُسْلِم بن نُذَيْر، ويَزِيْد بن شَرِيك التَّيْمِيّ، وشَهِدَ اليَرْمُوك وكان البَرِيد إلى عُمَر بالفَتْح.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكات الأنْمَاطِيّ، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، وثَابِت بن بُنْدَار، قالا: أخْبَرَنا الحُسَينُ بن جَعْفَر - زَادَ ابنُ الطُّيُورِيّ: وابن عَمّه أبو نَصْر مُحَمَّد بن الحَسَن - قالا: أخْبَرَنا الوَلِيد بن بَكْر، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد بن زَكَرِيَّاء، قال: أخْبَرَنا صالح بنُ أحْمَد العِجْلِيّ، قال: حَدَّثَني أحْمَد
(1)
، قال: حُذَيْفَة بن اليَمَان أبو عَبْدِ الله العَبْسِيّ، من أصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وكان أمِيْرًا على المَدَائِن؛ اسْتَعْمَلهُ عُمَرُ، وماتَ بعد قَتْلِ عُثْمان بأرْبَعيْن يَوْمًا. سَكَنَ الكُوفَة، وكان صَاحِبَ سِرِّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن الصَّوَّاف، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُثْمان بن أبي شَيْبَة، قال: قال عَمِّي أبو بَكْر: حُذَيْفَة بن اليَمَان أبو عَبْد الله.
(a) الأصل: أبو عبيد المغيرة، وعند ابن عساكر: أبو عبيدة المغيرة، وهو إبدال خاطئ للاسم بالكنية، وقد سلف التعليق عليه في طالع الترجمة مشفوعًا ببعض المصادر.
_________
(1)
العجلي: تاريخ الثقات 111.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر يَحْيَى بن إبْراهيم السَّلَمَاسِيّ، قال: أخْبَرَنا نِعْمَة الله بن مُحَمَّد المَرَنْدِيّ (a)، قال: حَدَّثَنا أحْمَد بن مُحَمَّد بن عبد الله، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أحْمَد بن سُلَيمان، قال: أخْبَرَنا سُفْيان بن مُحَمَّد بن سُفْيان، قال: حَدَّثَني عَمِّي الحَسَن بن سُفْيان، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عليّ ابن عَمِّ رَوَّاد بن الجَرَّاح، عن مُحَمَّد بن إسْحَاق، قال: سَمِعْتُ أبا عُمَر الضَّرِيْر يقُول: حُذَيْفَة بن اليَمَان أبو عَبْدِ الله.
أنْبَأنَا أبو عَبْد الله الحُسَين بن عُمَر بن نَصْر بن بَاز، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الحَقّ بن عَبْد الخَالِق، قال: أخْبَرَنا أبو الغَنائِم مُحَمَّد بن عليّ بن النَّرْسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ
(2)
، قال: حُذَيْفَة بن اليَمَانِ العَبْسِيّ، أبو عَبْد الله، هَاجَرَ إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم، ماتَ بعد عُثْمان بأرْبَعيْن يَوْمًا، قالَهُ عُبَيْد الله بن مُوسَى، عن سَعْد بن أَوْس، عن بِلَال، عن حُذَيْفَة، قال: سَمِعْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُول: أبو اليَقْظَانِ على الفِطْرة؛ ثلاثًا، ولن يَدَعَها حتَّى يَمُوتَ أو يُنْسِيَهُ القَوْم (b). وقال أبو أحْمَد الزُّبَيْرِيّ، عن سَعْد (c) بن أَوْس، عن بِلَالٍ: بلَغَني عن حُذَيْفَة بن اليَمَان عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَصحّ.
(a) تاريخ ابن عساكر: الجوهري، وذكره بنسبته الصحيحة في مواضع أخرى من الكتاب 7: 32، 347.
(b) تاريخ البخاري: الهرم، وتأتي فيما بعد بما يوافق لفظ البخاري.
(c) في الأصل: سعيد، والمثبت من تاريخ البخاري، وتقدم في ذات الرواية صحيحًا، ولعله خلط بينه وبين سعيد بن أوس بن ثابت الخزرجي الأنصاري البصري، وهو لغوي متأخر على عصر النبوة، توفي سنة 215 هـ. انظر ترجمة سعد بن أوس في: وفيات الأعيان 2: 378 - 380.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 262.
(2)
تاريخ البخاري الكبير 3: 95 - 96.
أنْبَأنَا أبو نَصْر بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن العبَّاس، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد بن حَمْدُون، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن عَبْدَان، قال: سَمِعْتُ مُسْلم بن الحَجَّاج
(2)
يقُول: أبو عَبْد الله حُذَيْفَةُ بن اليَمَان العَبْسِيّ له صُحْبَةٌ.
وقال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح نَصْر الله بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا نَصْرُ بن إبْراهيم، قال: أخْبَرَنا سُلَيم بن أَيُّوبَ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا أبو زَكَرِيَّاء يَزِيد بن مُحَمَّد بن إِيَاس
(4)
، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن أحْمَد المُقَدَّمِيّ يَقُول: حُذَيْفَة بن اليَمَان يُكْنَى أبا عَبْد الله.
وقال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ
(5)
، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْحِ يُوسُف بن عَبْد الوَاحِد، قال: أخْبَرَنا شُجَاع بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله بن مَنْدَة، قال: حُذَيْفَة بن اليَمَانِ وهو ابنُ حُسَيْل بن جَابِر العَبْسِيّ، أبو عَبْد الله، حَلِيْف بَني عَبْد الأَشْهَل، صَاحِب سِرِّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، تُوفِّي قَبْل عُثْمان بأرْبَعيْنَ يَوْمًا، هَاجَرَ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أيَّامَ بَدْر، وكان نَزَلَ نَصِيبِيْنَ، وتَزَوَّج بها، شَهِدَ أُحُدًا وقُتِلَ أبُوه يَوْمئذٍ؛ قَتَلَهُ المُسْلمُونَ ولم يَشْعرُوا بهِ. رَوَى عنهُ عُمَر بنُ الخَطَّاب، وعليّ بن أبي طَالِب، وغيرهما من الصَّحَابَةِ.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل بن نَاصِر، عن أبي الفَضْل التَّمِيْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر الوَائِلِيّ، قال: أخْبَرَنا الخَصِيْبُ بن عَبْد اللهِ، قال: أخْبرَني أبو مُوسَى بن أبي عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ، قال: أخْبَرَني أبي، قال: أبو عَبْد الله حُذَيْفَة بن اليَمَان يقال له حُسَيْل.
(1)
لم أقف عليه في تاريخ ابن عساكر.
(2)
الكنى والأسماء للإمام مسلم 1: 466.
(3)
لم أقف عليه في تاريخ ابن عساكر.
(4)
في كتابه طبقات محدثي الموصل، وهو كتاب مفقود، ولم يذكره في كتابه تاريخ الموصل.
(5)
لم أقف عليه في تاريخ ابن عساكر.
أنْبَأنَا زَيْد بن الحَسَن، عن أبي البَرَكَات عَبد الوَهَّاب بن المُبارَك، قال: أخْبَرَنا أبو المَعَالِي ثَابِت بن بُنْدَار البَقَّال، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو العَلَاء مُحَمَّد بن عليّ بن يَعْقُوب، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد البَابَسِيْريّ، قال: أخْبَرَنا أبو أُمَيَّة الأحْوَصُ بن المُفَضَّل بن غَسَّان الغَلَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبي أبو عبد الرَّحْمن، قال: حَدَّثَنا عُثْمان بن عُمَر، قال: أخْبَرَنا يُونُس بن يَزِيد، عن الزُّهْرِيّ، عن عُرْوَة: أنَّ حُذَيْفَة بن اليَمَان أحَد بَني عَبْس، وكان حَلِيْفًا في الأنْصَار، قُتِلَ أبُوه مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَوْم أُحُد؛ أخْطَأ بهِ المُسْلمُونَ، فجعَل حُذَيْفَة يقول لهم: أبي أبي، فلم يَفْهمُوا حتَّى قَتَلُوه، فقال حُذَيْفَة: يَغْفر الله لكم وهو أرْحَم الرَّاحِميْن، فزادَتْ حُذَيْفَةَ عند رسُول الله صلى الله عليه وسلم خَيْرًا، وأمَرَ به فأُوْريَ أو قال: فأُوْدِي.
أنْبَأنَا عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد الأنْصَاريّ، عن أبي المُظَفَّر بن القُشَيْريّ، قال: أخْبَرَنا أبي أبو القَاسِم، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم عَبْد المَلِك بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو عَوَانَة يَعْقُوبُ بن إسْحَاق، قال: أخْبَرَنا أبو دَاوُد الحَرَّانيّ، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَر بن عَوْن، قال: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بن جُمَيْع، قال: حَدَّثَني أبو الطُّفَيْل، عن حُذَيْفَة، قال: ما مَنَعنا أنْ نَشْهَد بَدْرًا إِلَّا أنَّا أقْبَلْنا أنا وأبي - يعني اليَمَان - نُريدُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم ببَدرٍ، فعارَضَنا كُفَّار قُرَيْش، فأخَذُونا فقالوا: إنَّكُم تُريدون مُحَمَّدًا، قال: قُلْنا: ما نُريدُهُ، قال: فأعْطُونا عَهْدَ الله وميثَاقَهُ لتَنْصَرِفُنَّ إلى المَدِينَة، قال: فلمَّا أتَيْنا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرناهُ بذلك، قال: فاسْتَعِنِ (a) اللهَ عليهم وتَفِي لهم بعَهْدهم، ارْجِعَا إلى المَدِينَة، قال: فذلك الّذى مَنَعَنا.
(a) الأصل: فاستعين.
أنْبَأنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر بن أحْمَد بن فَارِس، قال: حَدَّثَنَا يُونُس بن حَبِيْب، قال: حَدَّثَنَا أبو دَاوُد، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عن المُغِيرَة، عن إبْراهيم، سَمِعَ عَلْقَمَة، قال: قَدِمْتُ الشَّامَ، قُلتُ: اللَّهُمَّ وَفِّق لي جَلِيْسًا صَالِحًا. قال: فجلَسْتُ إلى رَجُل فإذا هو أبو الدَّرْدَاء، فقال لي: ممَّن أنتَ؟ فقلتُ: من أهْلِ الكُوفَة، فقال: أليْسَ فيكُم صَاحِبُ الوِسَاد والسِّوَاك؟ يعني: ابنَ مَسْعُود، ثمّ قال: أليْسَ فيكُم صَاحبُ السِّرِّ الّذي لَم يكُن يَعْلَمُه غيره؟ يعني: حُذَيْفَةَ، وذَكَرَ الحَدِيْثَ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله بن البَنَّاء، إجَازَةً إنْ لم يَكُن
سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الآبِنُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عُبَيْد بن الفَضْل
إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين الزَّعْفَرَانيّ، قال: حَدَّثَنَا ابنُ أبي خَيْثَمَة، قال:
حَدَّثنا عُبَيْدُ الله بن مُحَمَّد العَيْشِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَاحِد بن زِيَاد، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِك بن جُرَيْج (a)، قال: حَدَّثَني رَجُلٌ عن زَاذَانَ أبي عُمَر، قال: كُنَّا عند عليّ يَوْمًا، فقُلْنا له: حَدِّثْنا عن أصْحَابكَ، فقال: عن أيّ أصْحَابي؟ قُلْنا: حُذَيْفَة بن اليَمَان، قال: عَلِمَ أسْماءَ المُنَافِقينَ، وسَأل عن المُعْضِلَاتِ حين غُفِلَ عنها، فإنْ تَسْألُوه تَجدُوه بها عَالِمًا.
أخْبَرَنا أبو الوَحْش بن نَسِيِم إذْنًا، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أنْبَأنَا أبو طَالِب بن يُوسُف وأبو نَصْر بن البَنَّاء، قالا: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه إجَازَةً، قال: أخْبرنا أحْمَدُ بن مَعْرُوف، قال: حَدَّثَنَا
(a) في الأصل: جريح، بالحاء في آخره، والصواب ما أثبت، وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي (ت 150 هـ). انظر: وفيات الأعيان 3: 163 - 164، سير أعلام النبلاء 6: 325 - 336، الوافي بالوفيات 19: 177 - 178. وانظر الأثر بتمامه عند الطبراني في المعجم الكبير 6: 213 من طريق ابن جريج، به.
_________
(1)
تاريخ بغداد 1: 506.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 276 - 277.
الحُسَين بن الفَهْم، قال: حَدَّثَنَا محمد بن سَعْد
(1)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عُمَر، قال: حَدَّثَني أبو بَكْر بن عَبْد الله بن أبي سَبْرَة، عن سُليْمان بن سُحَيْم، عن نَافِع بن جُبَيْر بن مُطْعِم، قال: لم يُخْبِر رسُول الله صلى الله عليه وسلم بأسْماء المُنَافِقين الّذين بخسُوا (a) به لَيْلَة العَقَبَة بتَبُوك غير حُذَيْفَة، وهُم اثنا عَشر رجُلًا ليس فيهم قُرَشيٍّ، وكُلّهم من الأنْصَارِ أو من حُلَفَائِهم.
أنْبَأنَا عليّ بن المُفَضَّل، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن بشْكُوَال في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن عَتَّاب، وأبو عِمْران بن أبي تَلِيْد إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر النَّمَرِيّ، قال: أخْبَرَنا خَلَف بن القَاسِم، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ في عُثْمان، قال: أخْبَرَنا جَعْفَر بن مُحَمَّد البزَاز، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن مُكْرَم، قال: حَدَّثَنَا أبو أُسامَة، قال: حَدَّثَنَا مُجَالِد، عن عَامِر، عن صِلَة بن زُفَر، قال
(2)
: قلنا لحُذَيْفَة: كيفَ عَرَفتَ المُنَافِقين، ولم يَعْرفهم أصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم: أبو بَكْر ولا عُمَر؟ قال: إنِّي كُنْتُ أسير خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلهٍ، فنَام على رَاحلتِهِ، فسَمِعْتُ ناسًا منهم يَقُولونَ: لو طَرَحناهُ عن رَاحِلته، فانْدَقَّت عُنُقَه، واسْتَرَحنا منه، فسِرْت بينهم وبينه، وجَعَلْتُ أقرأ وأرْفَع صَوْتى، فانْتَبه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: مَنْ هذا؟ فقُلتُ: حُذَيْفَة، فقال: مَنْ هؤلاء خَلْفك؟ قُلتُ: فُلَان وفُلَان وفُلَان حتَّى عَدَدتهم، قال: وسَمِعْتَ ما قالوا؟ قُلتُ: نعم، ولذلك سِرْتُ بينك وبينهم، قال: فإنَّ هؤلاء فُلَانًا وفُلَانًا مُنَافِقونَ (b) فلا تُخْبرن أحدًا.
(a) عند ابن سعد: نخسوا.
(b) الأصل: فلان وفلان منافقين، وكتب المؤلف فوقها "صـ" علامة على أن الوجه فيه الرفع كما هو مثبت.
_________
(1)
الطبقات الكبير (الخانجي) 4: 253.
(2)
أخرجه البزار في مسنده 7: 334 (رقم 2922)، والطبراني في المعجم الكبير 3: 182 - 183) رقم 3014)، وأبو نعيم في دلائل النبوة 1: 528 (رقم 456)، ثلاثتهم من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، به. وسياق البزار مختصر، وانظر: تهذيب الكمال 5: 501 - 502، ومجمع الزوائد 1:109.
أنْبَأنَا أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ بن أبي الفَضْل، عن أبي القَاسِم زَاهِر بن طَاهِر الشَّحَّاميِّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر عبد الرَّحْمن بن عليّ بن مُحَمَّد بن الحُسَين بن مُوسَى، قال: أخْبَرَنا أبو زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن إسْمَاعيْل بن يَحْيَى بن زَكَرِيَّاء بن حَرْب، قال: أخْبَرنَا أبو مُحَمَّد عَبْدُ الله بن مُحَمَّد بن الحسن بن الشَّرْقيِّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عبد الرحمن عَبْدُ الله بن هاشِم بن حَيَّان العَبْدِيّ الطُّوْسيّ، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قال: حَدَّثَنَا ابنُ أبي خَالِد، قال: سَمعْتُ زَيْد بن وَهْب الجُهَنِيّ يُحَدِّثُ عن حُذيْفَة، قال: مرَّ بي عُمَرُ بن الخَطَّاب وأَنا جَالِسٌ في المَسْجِد، فقال لي: يا حُذَيْفَة، إنَّ فُلَانًا قد مات فاشْهَدْهُ، قال: ثمّ مَضَى حتَّى كاد أنْ يَخْرج من المَسْجِد، الْتفَتَ فرآني وأنا جَالِسٌ، فعرفَ فرجع إليَّ فقال: يا حُذَيْفَة، أَنْشُدُكَ اللهَ، أَمِنَ القَوْم أنا؟ قال: قُلتُ: اللَّهُمَّ لا ولن أُبَرِّئ أحدًا بَعْدَكَ، قال: فرأيتُ عَيْنَي عُمَرَ جَاءَتَا (a).
أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبي الحَسَن الدَّارَانِيّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا سَهْل بن بشر الإسْفَرَاينيِّ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُنِير، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ أحْمَد الذُّهْليِّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُبْدُوْس، قال: حَدَّثَنَا محُودُ بن غَيْلان، قال: حَدَّثَنَا الفَضْل بن مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا يزِيد بن عُقْبَةَ الأزْدِيّ، عن ابن بُرَيْدَة، عن أبيهِ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَل حُذَيْفَة بن اليَمَان على بعض الصَّدَقَة، فلمَّا قَدِمَ، قال: يا حُذَيْفَة، هل رُزِئَ من الصَّدَقَة شيء؟ قال: لا يا رسُول الله، أنْفَقْنا بقَدْرٍ إلَّا أنَّ ابنةً لي أخَذَتْ حُذْيًا من الصَّدَقَةَ، قال: كيف بكَ يا حُذَيْفَة إذا أُلْقِيَ في النَّار وقيل لك: ائْتِنا بها؟ قال: فبَكَى حُذَيْفَة ثمّ بَعَثَ إليها فجيءَ بها فألْقَاها في الصَّدَقَة.
(a) كذا في الأصل ولعل الأظهر: جادتا.
_________
(1)
من طريقه أخرجه ابن عساكر في تاريخه 13: 384 - 385.
أنْبَأْنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيب
(1)
، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَمَّد بن عَبْد الله المُعَدَّل، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد الصَّفَّار، قال: حَدَّثنا أحْمَدُ بن مَنْصُور الرَّمَادِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاق
(2)
، قال: أخْبَرَنا مَعْمَر، عن أيُوب، عن ابن سِيريْن، قال: كان عُمَر بن الخَطَّاب إذا بَعَثَ أميرًا كَتَبَ إليهم: إنِّي قد بَعَثْتُ إليكم فُلَانًا وأمَرتُهُ بكذا وكذا، فاسْمَعُوا له وأطيْعُوا، فلمَّا بَعَثَ حُذَيْفَة إلي المَدَائِن كَتَبَ إليهم: إنِّي قد بَعَثْتُ إليكم فُلَانًا فأطِيْعُوه، فقابوا: هذا رَجُلٌ له شأنٌ، فرَكِبوا ليلَقَوه (a)، فلَقُوهُ على بَغْل تحته إكَافٌ، وهو مُعْتَرضٌ عليه رِجْلاهُ من جانبٍ واحدٍ، فلم يَعْرفُوه فأجَازُوه، فلَقِيَهُم النَّاسُ، فقالوا: أين الأَمِير؟ قالوا: هذا الّذي لَقِيتُم، قال: فركضوا في أثَره فأدْرَكوه، وفي يده رَغِيفٌ، وفي الأُخرى عَرْق، وهو يَأكُلُ، فسَلَّمُوا عليه، فنَظَر إلى عَظِيم منهم، فناوله العَرْقَ والرَّغِيفَ، قال: فلمَّا غَفَل ألْقَاهُ، أو قال: أعْطَاه خَادِمَهُ.
أخْبَرَنا أبو نَصْر القَاضِي إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد الخَطِيب، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحَسَن النَّهَاوَنْدِيُّ، قال: حَدَّثنا أحْمَد بن الحُسَين النَّهَاوَنْديّ (b)، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّد القَاضِي، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيل، قال: حَدَّثَنَا عبد الله بن يَزِيد المقرِئ، عن حَيْوَة (c)، عن أبي صَخْرة (d)، عن زَيْد بن أسْلَم، عن أبيهِ: أنَّ عُمَر بن الخَطَّاب قال لأصْحَابه: تَمنَّوا، فقال أحدهُم: أتَمَنَّى أنْ يكُونَ ملء هذا البَيْت دَرَاهِم، فأُنْفقهُ
(a) في مصنف عبد الرزاق وتاريخ بغداد: ليلقوه.
(b) سقط هذه السند من رواية ابن عساكر.
(c) عند ابن عساكر حيوية، وصوابه المثبت وهو: حيوة بن شريح.
(d) في الأصل أبي صخر، والمثبت عن تاريخ ابن عساكر، وأبو صخرة هو جامع بن شداد المحاربي. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 5: 205 - 206
_________
(1)
تاريخ بغداد 1: 506 - 507.
(2)
المصنف لعبد الرزاق. 1: 429 (رقم 19601).
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 285.
في سَبِيْل الله عز وجل، فقال عُمَر: تَمَنَّوا، فقال أحدُهم: أتَمَنَّى أنْ يكُونَ ملء هذا البَيْت ذَهَبًا فأُنْفقهُ في سَبِيْل الله، فقال: تَمنَّوا، فقال آخر: أتَمَنَّى أنْ يكُونَ ملء هذا البَيْت جَوَاهِر ونَحْوه فأُنْفقهُ في سَبِيْل الله، فقال عُمَر: تَمَنَّوا، فقالوا: ما نَتَمَنَّى بعد هذا؟ فقال عُمَر: لكنِّي أتَمَنَّى أنْ يكُونَ ملء هذا البيت رجالًا مثْل أبي عُبَيْدَة بن الجَرَّاح، ومُعَاذ بن جَبَل، وحُذَيْفَة بن اليَمَان؟ فأسْتَعْملهم في طَاعَة الله.
قال: ثمّ بَعَثَ بمالٍ إلى أبي عُبيْدَة وقال: انْظُر ما يَصْنعُ، فلمَّا أتاهُ قَسَمَهُ. قال: ثمّ بعثَ بمالٍ إلى حُذَيْفَة، قال: انظُر ما يصْنعُ، فلمَّا أتاهُ قَسَمَهُ. قال عُمَرُ: قد قُلتُ لكم أو كما قال.
وقال الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
: أخْبَرَنا أبو غَالِب مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عليّ السِّيْرَافيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن إسْحَاق، قال: حَدَّثنا أحْمَد بن عِمْران، قال: حَدَّثنا مُوسَى بن زكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَة
(2)
، قال: قال أبو عُبيدَة: ومَضَى حُذَيْفَة بن اليَمَان - يعني سَنة اثنتَيْن وعشرين - بعد نَهَاوَنْد إلى مَدِينَة نَهَاوَنْد، فصَالحَه دِيْنار على ثَمانمائة ألف دِرْهَم في كُلِّ سَنَةٍ، وغَزَا حُذَيْفَة مَدِينَهَ الدِّيْنَوَر فافْتَتَحَها عَنْوَةً، وقد كانت فُتِحَتْ لسَعْد ثمّ انتقضَت، ثمّ غَزَا حُذَيْفَة مَاسَبَذَان فافْتَتَحَها عَنْوَةً، وقد كانت فُتِحَتْ لسَعْد فانْتَقضَت (a).
قال خَلِيفَة: وقد قيل في مَاه غير هذا، يقال: أبو مُوسَى فَتَح مَاه دِيْنار، ويقال: السَّائِب بن الأقْرَع، وقال أبو عُبيدَة: ثمّ غَزَا حُذَيْفَة هَمَذَان فافْتَتَحَها عَنْوَةً، ولم تكُن فُتِحَتْ قبْل ذلك، ثمّ غَزَا الرَّيّ فافْتَتَحَها عَنْوَةً، ولَم تكُن فُتحَت قبل ذلك، وإليها انْتَهت فُتُوح حُذَيْفَة. قال أبو عُبَيْدهَ: فُتُوح حُذَيْفَة هذه كُلّها في
(a) في الأصل: ثم فانتقضت.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 287.
(2)
تاريخ خليفة 150 - 151.
سَنة اثْنَتَيْنِ وعشرين، ويقال: هَمَذَان افْتَتَحَها المُغِيرَة بن شُعْبَة سَنَة أرْبَعٍ وعشرين، ويقال: جَرِيْر بن عَبْد الله افْتَتَحَها بأمْر المُغِيرَة.
قَراتُ في تاريخ سَعيد بن كَثِيْر بن عُفَيْر
(1)
، قال: ثمّ كانت سَنَة إحْدَى وعشرين، فيها وَقْعَةُ نَهَاوَنْد، قالوا: وكانت أهْل فارس والرُّوم وأصْبَهَان وهَمَذَان وقَوْس (a) المَاهَيْن - قال ابنُ عُفَيْر: المَاهين: مَاه زند ومَاه فلْق - قالوا: إنَّ صَاحب العَرَب الّذي جاءَهُم بكتابهم، وشَرَع لهم دِيْنَهم، قد مات، ومَلَّكُوا عليهم بعده هذا الّذي أَسْرَع في هُلْكِمُ ونَقَلكُم عن بِلَادِكُم، ولا نَظُنُّه مُنْتَهيًا حتَّى ينْتَزع جميع ما في أيْدِيْكم، فتَعَاهَدُوا وتَعَاقَدُوا أنْ يَسِيْرُوا إلى المُسْلمِيْن حتَّى يَنْفُوهم إلى بلادهم. فبلَغَ ذلك عَمَّار بن يَاسِر، فكَتَبَ فيه إلى عُمَر، فجَمَعَ عُمَر المُسْلمِيْن واسْتَشَارهم، فكثُرَتِ الأقَاوِيْل، فعَزِم على أنْ يكتُب إلى أهْل البَصْرَة فيُفَرَّقُوا ثلاث فرق: فِرْقَة تُقيم في الذَّرَاري حرسًا لهم، وفِرْقَة تُقيم في أهْل عَهْدهم لئلَّا يَنْتقضُوا، وفِرْقَة تَسير إلى إخْوانهم بالكُوفَة مَدَدًا لهم. واسْتَعْمَل على النَّاسِ النُّعْمان بن مُقَرِّن المُزَنِيّ، فإنْ أُصِيْبَ فحُذَيْفَة بن اليَمَان، فإنْ أُصِيْبَ فَجَرِيْر بن عَبْد الله، فإنْ أُصِيْبَ فالمُغِيرَة بن شُعْبَة، فإنْ أُصِيْبَ فالأشْعَث بن قيس، واسْتَعْمَل السَّائِب بن الأقْرَع على المَقَاسِم، فَخرَج حُذَيْفَة، فعَسْكَر بأهْل الكُوِفَة حِتَّى قَدِمَ عليه النُّعْمان، وكان بكَسْكَرَ عَامِلًا عليها، وقَدِمَ أبو مُوسَى على منْ خَرج من أهْل البَصْرَة، وخَرَج جَريْر بن عَبْد الله عاملًا على حُلْوان، فالْتَقَى النَّاس بنَهَاوَنْد، فاسْتُشْهدَ النُّعْمان، ووَلِيَ أمرَ النَّاس بعدَهُ حُذَيْفَة، فهَزَمَ اللهُ المُشْرِكين، وغَنِمَ المُسْلُون غَنِيْمَةً عَظِيمَةً.
(a) كذا في الأصل، ولعل الصوب: قومس.
_________
(1)
تقدم التحريف بالمؤلف وتاريخه المفقود في الجزء الأول من الكتاب.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن عَبْد الله بن عُلْوَان الأسَدِيّ الحَلَبيِّ، قِراءَة عليه بها، قال: أخْبَرَنا الشَّريفُ أبو العبَّاس أحْمَد بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز العبَّاسِيّ المَكِّيِّ ببَغْدَاد، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن عبد الرَّحْمن بن الحَسَن بن مُحَمَّد المَكّيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَدُ بن إبْراهيم بن أحْمَد المَكّيِّ، قال: حَدَّثَنَا أبو جَعْفَر مُحَمَّدُ بن إبراهيم بن عبدِ الله الديبلِي، قال: حَدَّثَنَا أبو صالح مُحَمَّد بن أبي الأزهر، قال: حَدَّثَنَا عِيسَى بن يُونُس، قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَش، عن إبْراهيم، عن عَلْقَمَة، قال: كُنَّا في جَيْشٍ بالرُّوم ومعنا حُذَيْفَة وعلينا الوَلِيدُ، فشَرِبَ الوَلِيدُ الخَمْرَ، فأرَدنا أنْ نَحُدَّهُ، فقال حُذَيْفَة: أتحدُّون أميْرَكُم وقد دَنَوتُم من عَدُوِّكم فيَطْمعُوا فيكم، فبلَغَهُ، فقال: لأشْرَبنَّ وإنْ كانت مُحَرَّمةً، ولأشْربنَّ على رَغْم أَنْف منْ رَغِمَ.
أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَن بن أحْمَد الأَوَقِيّ بالبيَت المُقَدَّس، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن دَاوُد الدَّربندِيّ بحِبْرَى بمَسْجِد الخليل عليه السلام، وأبو القَاسِم عَبْدُ الله بن الحُسَين بن رَوَاحَة الحَمَوِيّ، قالوا: أخْبَرَنا الحافِظ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الخَطَّاب نَصْر بن أحْمَد بن البَطِر، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن عُبَيْد الله بن يَحْيَى البَيِّع، قال: أخْبَرَنا الحُسين بن إسْمَاعيْل المحامِليِّ، قال: حَدَّثَنَا ابن أبي مَذْعُور، قال: حَدَّثَنَا هُشَيْم، عن مُجَالِد، عن الشَّعْبيِّ، عن صِلَة بن زُفَر، عن حُذَيْفَة، قال: تعوَّدُوا الصَّبْر، فيُوْشِك أنْ ينزل بكُم البَلَاءُ، مع أنَّهُ لا يُصيْبكم أشَدُّ ممَّا أصَابَنا ونحنُ مع رسُول الله صلى الله عليه وسلم.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرزَد، قَال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الحُصَيْن، قال: أخْبَرَنا أبو طَالب بن غَيْلان، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الشَّافعيِّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن سعِيد الجَمَّال، قال: حَدَّثَنَا قبِيصة بن عقبة، قال: حَدَّثَنَا سفيان
(1)
الغيلانيات (فوائد أبي بكر الشافعي)166.
الثَّوْرِيّ، عن حَبيب بن أبي ثَابت، عن أبي الطُّفَيْل، قال: قيل لحُذَيْفَة: ما مَيِّت الأحْيَاء؟ قال: الَّذي لا يُنْكِر المُنْكَرَ بيده، ولا بلِسَانِهِ، ولا بقَلْبهِ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَتِيق بن أبي الفَضْل بن سَلامَة السَّلَمَانِيّ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم بن الحَسَن
(1)
، ح.
وحَدَّثَنَا أبو الحسن مُحَمَّد بن أحْمَدُ بن علي من لفظه بدِمشق، قال: أنْبَأنَا أبو المَعَالِي عَبْدُ الله بن عبد الرَّحْمن بن صَابِر، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم العَلَويّ، قال: أخْبَرَنا رَشَاء بن نَظيف بن مَا شَاء الله، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن إسْمَاعِيْل (a)، قال: أخْبَرَنا أَحْمَد بن مَرْوَان المالِكيِّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي خَيْثَمَة، قال: حَدَّثَني أبي، عن وَكِيع، عن مُحَمَّد بن قيس، عن عَمْرو بن مُرَّة، قال: قال حُذَيْفَةُ بن اليَمَان: خِيَارُكُم الّذين يأخُذُونَ من دُنْياهم لآخرتهم، ومن آخرتهم لدُنْياهُم.
قال أحْمَد بن مَرْوَان
(3)
: وحَدَّثَنَا أبو بَكْر أخُو خَطّاب، قال: حَدّثَنَا خَالِد بنُ خِدَاشٍ، قال: سَمِعْتُ سُفْيان بن عُيينَة يقُول: بَلَغني عن حُذَيْفَة بن اليَمَان أنَّهُ قال لرَجُل: أيسُركَ أنْ تَغْلِب شَرّ النَّاس؟ قال (b): إنَّكَ إنْ تَغْلِبْهُ تكُن شَرًّا منهُ.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلم المُؤيَّد بن عبد الرَّحيم بن الإخْوَة، وصَاحِبتهُ عَيْن الشَّمْس بنت أبي سَعيد، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَرَج بن أبي الرَّجَاء - قالت: إجَازَة - قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر بن مَحْمُّود وأبو الفَتْح بن
(a) ابن عساكر: الحسن بن الحسين بن إسماعيل. والزيادة التي فيه مقحمة، فهو الحسن بن إسماعيل بن محمد الضراب، وقد سلف على الوجه الصحيح عنده مرارًا، وانظر ترجمته في سير أعلام البلاء 15:541.
(b) في كتاب المجالسة: قال نعم، قال: إنك ....
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 293.
(2)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 139.
(3)
الدينوري المالكي: المجالسة وجواهر العلم 337.
الحُسَين، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّه بن مُحَمَّد بن بَكَّار، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد - يعني ابن يُونُس - قال: حَدَّثَنَا الأحْوَص - يعني ابن جَوَّاب - قال: حَدَّثَنَا قَيْس، عن حَبِيْب بن أبي ثَابِت، عن خَالِد بن سَعْد، قال: لمَّا نقل (a) حُذَيْفَة بالمَدَائِن، رَكِبَ إليهِ عُقْبَة بن عَمْرو وأبو مسْعُود من (b) الكُوفَة، فقال له: أوْصني، فقال له: أوْصيكَ أنَّ الضَّلَال كُلَّ الضّلَال، إنْكَار ما كُنْت تَعْرف، وعرْفَان ما كُنْت تنكِر، وإيَّاكَ والتَّلوُّنَ في أمْر اللّه عز وجل؛ فإنَّ أمْرَ اللّه واحدٌ.
أنْبَأنَا ابن طَبرزَد، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْل بن أحْمَد، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن الطَّبَريّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن صَفْوَان، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا
(2)
، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن الحُسَين، قال: حَدَّثَنَا عُمَر بن شَبِيْب المُسْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا لَيْثُ بن أبي سُلَيم، قال: لمَّا نَزَل بحُذَيْفَةَ المَوْتُ جَزعَ جَزَعًا شَدِدًا، وبَكَى بُكاءً شَدِيْدًا، فقيل لهُ: ما يبكِيْكَ؟ قال: ما أبْكي أسَفًا على الدُّنْيا؛ بلِ المَوْتُ أحَبُّ إليَّ، ولكن لا أدْرِي على ما أُقْدِم على رضًا أم على سَخَطٍ.
قال ابن أبي الدنْيا
(3)
: وحَدَّثَنَا دَاوُد بن رُشَيْد، قال: حَدَّثَنَا عَبَّاد بن العَوَّام، قال: حَدَّثَنَا أبو مَالِك الأشْجَعِيِّ، عن رِبْعيِّ بن حِرَاش أنَّهُ حدَّثَهُم أنَّ أُخْتَهُ - وهي امْرأةُ حُذَيْفَة - قالت: لمَّا كان ليلَة تُوفِّي حُذَيْفَة جَعَلَ يَسْألُنا: أيّ اللَّيْل هو؟ فنُخْبرهُ، حتَّى كان السَّحر، قالت: فقال: أجْلِسُونيّ، فأجْلَسْنَاهُ، قال: وَجِّهونيّ، فوَجَّهناهُ، قال: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ من صَبَاح النَّار ومن مَسَائها.
(a) مهملة الأوّل في الأصل، والإعجام من مُعْجَمُ ابن المقرئ.
(b) مُعْجَمُ ابن المقرئ: في.
_________
(1)
مُعْجَمُ ابن المقرئ 315.
(2)
رسائل ابن أبي الدُّنيا (رسالة المحتضرين) 3: 824.
(3)
رسائل ابن أبي الدُّنيا (رسالة المحتضرين) 3: 864.
قال ابنُ أبي الدُّنْيا
(1)
: حَدَّثَنَا الرَّبيع بن ثَعْلَب، قال: حَدَّثَنَا فَرَج بن فَضَالَة، عن أسَد بن وَدَاعَة، قال: لمَّا مَرضَ حُذيْفَة مَرَضَهُ الّذي ماتَ فيه، قيل له: ما تَشْتَهي؟ قال: أشْتَهِي الجَنَّة، قالوا: فما تَشَتَكِي؟ قال: الذُّنُوب، قالوا: أفلا نَدْعُو لك الطَّبِيْبَ؟ قال: الطَّبِيْب أمْرَضَنيّ، لعَد عشْتُ فيكم على خِلَال ثلاث: لَلْفَقْر فيكم أحَبُّ إليَّ من الغِنَى، والضِّعَةُ فيم أحَبُّ إليَّ من الشَّرَف، وأنَّ مَنْ حَمدَني منكم ولا مَني في الحَقِّ سواء. ثمّ قال: أصْبَحْنا، أصْبَحنا؟ قالوا: نعم، قال اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ من صَبَاح النَّار، حَبِيْبٌ جاءَ على فَاقةٍ، ولا أفْلَح مَنْ نَدِم.
قال
(2)
: وحَدَّثني مُحَمَّد بن أَبَان البَلْخِيّ، قَال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيم الطَّائِفِيِّ، عن إسْمَاعيل بن كَثِيْر، عن زِيَاد مَوْلَى ابن عَيِّاشٍ (a)، عن بعض أصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قال: دَخلتُ على حُذَيْفَة في مَرَضِهِ الّذي ماتَ فيهِ، فقال: اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَم لولا أنِّي أرَى أنَّ هذا اليَوْم أوَّل يَوْم من أيَّام الآخرهَ، وآخر يَوْم من أيَّام الدُّنْيا، لم أتَكَلَّم بما أتَكَلَّم به! اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَم أنِّي كُنْتُ أخْتَارُ الفَقْرَ على الغِنَى، وأخْتَارُ الذِّلِّةَ على العِزِّ، وأخْتارُ المَوْتَ على الحياهَ، حَبِيْبٌ جاءَ على فَاقةٍ؛ لا أفْلَح مَنْ نَدِمَ. ثمّ مَاتَ.
أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر يُوسُف بن زُغلي سِبْط [ابن] الجوزِيّ (b)، قال: أخْبَرَنا جَدِّي أبو الفَرَج بن الجوزِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أبي القَاسِم، قال: أخْبَرَنا حَمْدُ بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا ابنُ عَبْد اللّه الأصْبَهَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمن بن
(a) رسائل ابن أبي الدُّنيا: مولى ابن عباس، وهو خطأ؛ وزيادٌ هذا هو: زياد بن أبي زياد، مولى عبد اللّه بن عَيَّاش بن أبي ربيعة الخزوي. تنظر تَرْجَمَتِه في التاريخ الكبير للبخاريّ 3: 354، وتهذيب الكمال 9:456.
(b) في الأصل: ابن زعلي سبط الجوزيّ، وتقدم التعليق عليه. وأثبت في كتابه مرآة الزمان 6: 214 رواية أبي نعيم غير مسندة.
_________
(1)
رسائل ابن أبي الدُّنيا (رسالة المحتضرين) 3: 816.
(2)
رسائل ابن أبي الدُّنيا (رسالة المحتضرين) 3: 874.
العبَّاس، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن إسْحَاق الحَرْبِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن زَيْد الأَدَمِيِّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيم، عن إسْمَاعِيْل بن كَثِيْر، عن زِيَاد مَوْلَى ابن عَيَّاش، قال: حَدَّثَني مَنْ دَخَلَ على حُذَيْفَة في مَرَضِه الّذيِ ماتَ فيه فقال: لولا أنِّي أرَى أنَّ هذا اليَوْم آخر يَوْم من أيَّام الدُّنْيا، وَأوَّل يوْم من الآخرة لم أتكلم بهذا الكَلَام، اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَم أنِّي كُنْتُ أُحبُّ الفَقْر على الغِنَى، وأُحبُّ الذِّلَّة (a) على العِزِّ، وأُحبُّ المَوْتَ على الحياة، حَبِيْبٌ جاءَ على فَاقَةٍ، لا أفْلَح مَنْ نَدِم.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الغَنِيّ بن سُلَيمان بن بَنِيْن، قِراءَةً عليهِ بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن حَمْد بن حَامِد الأرْتاحِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين الفَرَّاء في كتابهِ، عن أبي إسْحَاق الحبَال، وخَديجَة المُرَابطَة - فقال الحبَّالُ: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الجبَار بن أحْمَد الطَّرَسُوسِيَّ، قال: أَخْبَرَنا أبو بَكْر الحَسَن بن الحُسَين بن بُنْدَار، وقالت خَدِيْجةُ: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيى بنُ أحْمَد بن عليّ بن الحُسَين بن بُنْدار، قال: حَدَّثَني جَدِّي أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين - قالا: حَدَّثَنَا عُود بن مُحَمَّد الأدِيْب، قال: حَدَّثَنَا مَحْمُود (b)، قال: أخْبَرَنا حَبَشُ بن مُوسَى، قال: أخْبَرَنا المَدَائنِيّ، عن عَامر بن حَفْصٍ، عن جُوَيْرِيَة بن أسْماءَ، ويُونُس، عن الحَسَن، قال: قال حُذَيْفَةُ وهو في المَوْت: حَبِيْبٌ جاء على فاقة، لا أفْلَح منْ نَدِم، الحَمْدُ للّهِ الّذي سبقَ بي الفِتَن، أليْسَ بعدي ما أعْلَم!
أنْبَأنَا عبدُ الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكر اللَّفْتُوانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن مُحَمَّد بن يُوسُف، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن اللُّنْبَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا،
(a) مرآة الزمان: الذل.
(b) كذا في الأصل وفوقه "صـ"، ولعله تكرار في السند.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 297.
قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن الحُسَين، قال: حَدَّثَنَا دَاوُد بن المُحَبَّر، عن سَعيد بن رَاشد، عن صالح بن حَسَّان أنَّ حُذَيْفَة لمَّا نَزَلَ بهِ المَوْتُ قال: هذه آخر سَاعةٍ من الدُّنيا، اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلم أنِّي أُحبُّكَ، فبَارك لي في لقَائكَ، ثمّ مَاتَ.
أخْبَرَنا أبو الفَضائِل عَبد الرَّزَّاق بن عَبد الوَهَّاب بن عليّ بن عليّ بن سُكَيْنَة، وأبو إسْحَاق إبْراهيم بن عُثْمان بن يُوسُف بن أيُوب الكَاشْغَرِيّ البَغْدَاديّان - قَدِمَا علينا حَلَب - قالا: أخْبَرَنا أبو الفَتْح مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِى بن أحْمَد بن سَلْمَان، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد رِزْق اللّه بن عَبد الوَهَّاب بن عَبْد العَزِيْز التَّمِيْمِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عليّ بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن بِشْرَان المُعَدَّل، قال: حَدَّثَنَا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن عرو بن البَخْتَرِيّ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن سَلَّام السَّوَّاق، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللّه بن مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا سَعْدُ بن أَوْسٍ، عن بِلَال قال: لمَّا حَضَرَ حُذَيْفَةَ المَوْتُ، وإنَّما عاش بعد قَتْل عُثْمان رضي الله عنه أرْبَعيْن ليلةً، فقيل له: يا أبا عَبْدِ اللّه، إنَّ هذا الرَّجُل قد قُتِلَ فما تَرَى؟ قال: أمَّا إذا أبَيْتُم إلَّا ما أتَيْتُم، فأجْلِسُونيّ، فأسْنَدَهُ إلى صَدْره رَجُلٌ، فقال: سَمِعْتُ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول: أبو اليَقْظَانِ على الفِطْرة ثلاثًا، لن يَدَعَها حتَّى يَمُوتَ أو يُنْسِيَهُ الهَرَمُ.
أنْبَأنَا زَد بن الحَسَن البَغْدَاديّ، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن العَتِيْقِيّ، قال: أخْبَرَنا الوَلِيد بن بَكْر، قال: حَدَّثَنا عليّ بن أحْمَد بن زَكَرِيَّاء، قال: أخْبَرَنا صالح بن أحْمَد، قال: حَدَّثَني أبي أحْمَدُ
(1)
، قال: حُذَيْفَة بن اليَمَان، عَبْسِيٌّ، ماتَ بالمَدَائِن قبل الجَمَل، وهو حَلِيْفُ بَني عَبْد الأَشْهَل.
(1)
العجلي: تاريخ الثّقات 111.
قال أبو البَرَكَات الأنْمَاطِيّ: أخْبَرَنا أحْمَد بن الحَسَن بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن الصَّوَّاف، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن عُثْمان بن أبي شَيْبَة، قال: قَال عَمِّي أبو بَكْر مات حُذَيْفَة حين جاء قَتْل (a) عُثْمان.
أنْبَأنَا أبو حَفْص المُؤدِّبُ، عن أبي القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن هِبَة اللّه بن الطَّبَريّ، قال: أخْبَرَنا ابن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا ابنُ دَرَسْتَوَيْه، قال: حَدَّثَنَا يعقُوب
(1)
، قال: حدَّثَنَا عُبيدُ اللّه بن مُوسَى، قال: أخْبَرَنا سَعْدُ بن أَوْس، عن بِلَال بن يَحْيَى، قال: عاش حُذَيْفَة بعد قتل عُثْمان أرْبَعيْن ليلةً.
أخْبَرَنا مُحَمَّد بن هِبَهَ اللّه القَاضِي إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد الخَطِيبُ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن الحُسين، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللّه بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريِّ
(3)
، عن عُبدِ اللّه بن مُوسَيّ، عِن سَعْد بن أَوْس، عن بِلَال بن يحْيَى، عن حُذَيْفَة أنَّهُ ما بعد عُثْمان بأرْبعيْن يوْمًا.
وقال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(4)
، قال: أخْبَرَنا أبو الأعَزّ (b) قَرَاتكيْن بن الأَسْعَد، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجوهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن الحُسَين بن شَهْرَيَار، قال: حَدَّثَنَا أبو حَفْصٍ الفَلَّاسُ
(5)
، قال: ومات حُذَيْفَةُ بن اليَمَانِ، ويُكْنَى أبا عَبْدِ اللّهِ، بالمَدَائِن سَنَة
(a) كذا في الأصل، ومثله في تاريخ ابن عساكر 12: 300، ولعل الصواب: حين جاء خبر - أو نبأ - قتل.
(b) تاريخ ابن عساكر: أبو العز، وورد صحيحًا عنده في مواضع أخرى من تاريخه.
_________
(1)
المعرفة والتاريخ 3: 311، ومن طريقه الخطيب البَغْدَادي في تاريخه 1:507.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 302.
(3)
تاريخ البخاري الكبير 3: 95، والتاريخ الأوسط 1:80.
(4)
تاريخ ابن عساكر 12: 301 - 302.
(5)
تاريخ أبي حفص الفلّاس 228، 327.
خَمْسٍ وثلاثين، بعد قتل عُثْمان بأرْبَعيْن ليلة، وحُذَيْفَة بن اليَمَان هو: حُذَيْفَة بن حِسْل، وقال بعض أهْل العِلْم: عَسَل، والصَّوَاب: حِسْل.
أنْبَأنَا أبو عليّ حَسَنُ بن أحْمَد الأَوَقِيِّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو طَاهِر السّلَفِيُّ، قال: أخْبَرَنا المُبارَك بن عَبْد الجَبَّار، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَمَّد الحَرْبِيّ، قال: أَخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللّه بن عُثْمان الصَّفَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عَبْد البَاقِي بن قَانِعٍ، قال: سَنَة خَمْسٍ وثلاثين: حُذَيْفَة بن اليَمَان، أبو عَبْد اللّه العَبْسِيّ، حَلِيْفُ الأنْصَار، بالمَدَائن بعد عُثْمان بأرْبَعيْن ليلة، ويُقال قبله.
قُلتُ: وقتل عُثْمان كان لليلَتَيْن بَقِيَتا من ذِي الحِجَّة. وقيل: لاثْنَتي عَشرة ليلَة بَقِيَتْ منه من سَنَة خَمْسٍ وثلاثين، وإذا كانت وَفَاة حُذَيْفَة بعدَهُ بأرْبَعيْن يَوْمًا، فتكُون وفاته في مُحَرَّم سَنَة ستٍّ وثلاثين.
وقَرأتُ في تاريِخ سَعيد بن كَثِيْر بن عُفَيْر
(1)
: ثمّ كات سَنَة ستٍّ وثلاثين، فكان فيها مَوْتُ حُذَيْفة في اليَمَان العَبْسِيّ في أوَّلها بعدما بَلَغَهُ مَقْتَل عُثْمان، وكان يُكْنَى أبا عَبْدِ اللّه.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّازُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(2)
، قال: أخْبَرنا عليّ بن أحْمَد الرَّزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن الصَّوَّاف، قال: حَدَّثَنَا بِشْر بن مُوسى، قال: حَدَّثَنَا عَمْرو بن عليّ
(3)
، ح.
قال: وأخْبَرَنَا الأزْهَريّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن العبَّاس، قال: أخْبَرَنا إبْراهيم بن مُحَمَّد الكِنْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُوسَى مُحَمَّدُ بن المُثَنَّى، قالا: وماتَ حُذَيْفَة بن اليَمَان
(1)
تقدّم التعريف بالمؤلف وكتابه في الجزء الأوّل.
(2)
تاريخ بَغْدَاد 1: 508.
(3)
تاريخ أبي حفص الفلّاس 228، والذي فيه أنَّه توفي سنة 35 هـ، بعد مقتل عثمان وليس قبله كما في الرواية.
ويُكْنَى بأبي عَبْد اللّه بالمَدَائن سَنَة ستٍّ وثلاثين، قبل قتل عُثْمان بأرْبَعيْن ليلة، قال الخَطِيبُ: لفظُهما سَواءٌ. وقولُهما قَبْل قَتْل عُثْمان خَطَأٌ؛ لأنَّ عُثْمان قُتِلَ في آخر سَنَة خَمْسٍ وثلاثين.
أخْبَرَنا أبو الوَحْشِ بن نَسِيم في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو غَالب المَاورْدِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ عليّ السِّيْرَافيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن إسْحَاق النَّهَاوَنْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عِمْران، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَة بنُ خَيَّاطٍ
(2)
، قال: وفيها مات حُذَيْفَةُ بن اليَمَان، في أوَّل سَنة ستٍّ وثلاثين.
قال عليّ بن الحَسَن
(3)
: أنبأ أبو سَعْد المُطَرِّز، وأبو عليّ الحدَاد، قالا: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم، قال: حَدَّثَنَا سُليْمان بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا أبو الزِّنْبَاع، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْر، قال: تُوفِّي حُذَيْفَة سَنَة ستٍّ وثلاثين.
قال
(4)
: وحَدَّثنا مُحَمَّد بن عليّ بن حُبيش، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُبْدُوْس بن كَامِلٍ، قال: حَدّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللّه بن نُميرٍ، قال: ماتَ حُذَيْفَةُ سَنَة ستٍّ وثلاثين.
أنبأنَا أبو القَاسِمِ عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الأنْصَاريّ، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حمْزَة، عن أبي مُحَمَّد التَّمِيْمِيِّ، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن مُحَمَّد بن الغَمْر، قال: أخْبَرَنا أبو سُليْمان بن زَبْر
(5)
، قال: سَنة ستٍّ وثَلاثين فيها مات أبو عَبْد اللّه حُذَيْفَة بن اليَمَان بعد عُثْمان بأرْبَعيْن ليلة. وقال الوَاقِدِيّ: مات حُذَيْفَةُ بن اليَمَان بن حُسَيْل بن جَابِر العَبْسِيّ، ويُكْنَى أبا عَبْد اللّه بالمَدَائِن سَنَة
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 300.
(2)
تاريخ خليفة 182.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 301.
(4)
تاريخ ابن عساكر 12: 301.
(5)
تاريخ مولد العلماء 52، وفيه اختلاف في ألفاظه.
ستٍّ وثلاثين، وذكَرَ ابنُ زَبْر أنَّ أباهُ أخْبَرهُ عن إبْراهيم بن عَبْدِ الله البَغْدَاديّ، عن مُحَمَّد بن سَعْد، عن الوَاقِدِيّ.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا ثَابتُ بن بُنْدَار، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عليّ الوَاسِطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن أَحْمَد بن مُحَمَّد البَابَسِيْريّ، قال: أخْبَرَنا أبو أُمَيَّة الأحْوَص بن المُفَضَّل، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: وفي سَنَة ستٍّ وثلاثين: حُذَيْفَة بن اليَمَان، يعني: مات.
أنْبَأنَا عُمَر بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّصُ إجَازةً، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بن عبدِ الرَّحْمن، قال: أخْبَرَني عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن المُغِيرَة، قال: أخْبَرَني أبي، قال: حَدَّثَني أبو عُبَيْد، قال: سَنَة ستٍّ وثَلاثين تُوفِّيَ فيها حُذَيْفَة بن اليَمَان بالمَدَائِن.
قُلْتُ: اتَّفَق أكْثر العُلمَاء على أنَّ حُذَيْفة تُوفّي بالمَدَائن، وقد ذَكَرنا فيما تَقَدَّم مَنْ ذَكَرَ نَسَبه عن خَلِيفَة بن خَيَّاط أنَّهُ مات بالكُوفَة، ولم يُتَابعْهُ على ذلك أحَدٌ، واللهُ أعْلَمُ.
أخْبَرَنا أبو الوَحْش بن نَسِيم في كتابه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن طَاوُس، قال: أخْبَرَنا أبو الغَنائِم بن أبي عُثْمان، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو علِيّ بن صَفْوَان، قال: حَدَّثَنَا ابن أبي الدُّنْيا
(2)
، قال: حَدَّثنَا الحُسَين بن عَمْرو بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاء بن عَدِيّ، قال: سَمِعْتُ حَفْصَ بن غِيَاثٍ يقُول: رأيتُ أبا حَنِيْفَة في المَنَام، فقُلتُ لَهُ:
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 302.
(2)
رسائل ابن أبي الدنيا (رسالة المنام) 3: 574.
أيّ الآرَاءِ وَجَدْتَّ أفْضَل وأحْسَن؟ قال: نِعْم الرَّأيُ رأىُ عَبْدِ الله، ووَجَدْتُ حُذَيْفَة بن اليَمَان شَحِيْحًا على دِيْنهِ.
حُذَيْفَة المِصِّيْصيّ
(1)
غير مَنْسُوب، حدَّثَ مُرْسَلًا عن عُمَر رضي الله عنه. رَوَى عنهُ مُحَمَّد بن يُوسُف.
أخْبَرَنا أبو عَبْد الله الحُسَين بن عُمَر بن نَصْر بن بَاز، في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عَبْد الحَقّ بن عَبْد الخَالِق بن أحْمَد بن عَبْد القَادِر بن مُحَمَّد بن يُوسُف، قال: أخْبَرَنا أبو الغَنائِم مُحَمَّد بن عليّ بن مَيْمُون النَّرْسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد عَبد الوَهَّاب بن مُحَمَّد بن مُوسَى، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عَبْدَان بن مُحَمَّد بن الفَرَج، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن سَهْل بن كُرْدي، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ
(2)
، قال: حُذَيْفَة المِصِّيْصِيّ، قال عُمَر؛ مُرْسَل، سَمِعَ منه مُحَمَّد بن يُوسُف.
الحِرَاقُ بن الحُصَينْ بن عِمْران بن مَاثِل بن جَبَلَة بن ثُوَيْل بن عَدِيّ بن جَنَاب الكَلْبيّ
(3)
شَهِدَ صِفِّيْنَ مع مُعاوِيَةَ، وكانت رَاية كَلْب معه يَوْمئذٍ بعد مُحْرِز بن حُرَيْث، وقُتِلَ مُحْرِز، فأخَذَها الحِرَاق وقُتِلَ.
(1)
ترجمته في: تاريخ البخاري الكبير 3: 97، الجرح والتعديل 3:257.
(2)
تاريخ البخاري الكبير 3: 97.
(3)
ذكر الكلبي اسم الحراق بن الحصين التويلي [كذا؛ بالتاء]، من بني ضمضم بن عدي بن جناب، وأنه استنقذ مروان بن الحكم في يوم مرج راهط (64 هـ)، (نسب معد واليمن الكبير 2: 562) فإن كان هو المترجم له فهذا يخالف قول ابن العديم من أنه قتل يوم صفين.
أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن عليّ بن سُكَيْنَة في كتابهِ، قال: أخْبَرَتْنا فاطِمَةُ بِنْتُ أبي حَكِيم، قالت: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عَبْد الله الكَاتِب، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجوهَرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن سَعيد، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن أبي بَكْر، قال: حَدَّثَني عليّ بن المُغِيرَة، قال: حَدَّثَني أبو المُنْذِر، قال: قال عَوَانَة: كانت راية كَلْب يَوْم صِفِّيْن مع ثُوَيْل بن بِشْر، فقُتِلَ، فأخَذَ الرَّايَةَ يَزِيد بن قَيْس بن يَزِيد بن سَبْرَة بن قَيْس بن كَعْب بن عُلَيْم، فقُتِلَ، فأخَذَها مَالِكُ بن يَزِيد بن مَالِك بن كَعْب بن عُلَيْم، فقُتِلَ، فأخذها مُحْرِز بن حُرَيْثٍ بن عَدِيّ بن زُهَيْر بن عَدِيّ بن جَنَاب، فارْتُثَّ
(2)
، فأخَذَها الحِرَاق بن الحُصَيْن بن عِمْران بن مَاثِل بن جَبَلَة بن ثُوَيْل بن عَدِيّ بن جَنَاب، فارْتُثَّ، ثمّ كان الفَتْح، وكانُوا هؤلاء مع مُعاوِيَةَ.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ حَرْب
حَرْب بن بَيَان - وقيل: بَنَّان - ابن رُفَيْع بن عَوْذَة بن وَاصِل بن رِيَاش الأسَدِيّ، أبو ذَكْوَان القَيْسَرَانِيّ
حَدَّثَ بحَلَب عن حَاجِب بن سُلَيمان المَنْبِجِيّ. ورَوَى عن زُهَيْر بن عَبَّاد، ومُؤَمَّل بن إِهَاب، وأحمد بن عَمْرو.
ورَوَى عنهُ أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحُسَين السَّبِيْعِيّ الحافِظ الحَلَبِيّ، وأبو يَعْقُوب المِنْجَنِيْقِيّ، ومُحَمَّد بن سَهْل العَطَّار، وأبو هُرَيْرَة بن أبي العِصَام.
(1)
لم أقف عليه في تاريخ ابن عساكر، ولم يفرده بالترجمة.
(2)
أي حُمِلَ من المعركة جريحًا به رمق. لسان العرب، مادة: رثث.
أخْبَرَنا عَمِّي أبو غَانِم مُحَمَّدُ بن هِبَة الله بن مُحَمَّد بن أبي جَرَادَة، وأبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد الله بن عُلْوَان الأسَدِيّ، وولدهُ أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن ومُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الطَّرَسُوسِيّ الحَلَبِيُّون بها، قالوا: أخْبَرَنا أبو سَالَم أحْمَد بن عَبْد القَاهِر بن المَوْصُول الحَلَبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد الله بن أبي جَرَادَة الحَلَبِيّ، قال: حَدَّثَني أَبو الفَتْح عَبْدُ الله بن إسْمَاعِيْل بن الجِلِّيِّ الحَلَبِيّ، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ أبو عُبَيْد الله (a) بن أبي نُمَيْر العَابِد الأسَدِيّ الحَلَبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحُسَين السَّبِيْعِيّ الحَلَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو ذَكْوَان حَرْب بن بَيَان بن رُفَيْع بن عَوْذَة بن وَاصِل بن رِيَاش الأسَدِيّ القَيْسَرَانِيّ بحَلَب، قال: حَدَّثَنَا حَاجِب بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا أنسُ بن عِيَاض، عن يَزِيد بن عيَاض، عن الأعْرَج، عن أبي هُرَيْرَة
(1)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم، أوَّلُ عَظْم يَتَكلَّم من ابن آدَم من بعد أنْ يُخْتَم على فيْهِ عَظْمُ فَخِذه من جَانبِه الأَيْسَر.
كذا وَقَعَ في أصْل السَّمَاع: حَرْب بن بَيَان، والمَشْهُور حَرْب بن بَنَّان؛ بالنُّون.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمنِ بن عَبْد الله بن عُلْوَان قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ
(2)
، قال: وحَرْب بن بَنَّان حَدَّثَ عنهُ أبو هُرَيْرَة بن أبي العِصَام، وأبو يَعْقُوب المِنْجَنِيْقِيّ، ذَكَرَ ذلك في كتاب المُخْتَلف والمُؤْتَلف.
وأنْبَأنَا أبو الحَسَن بن أبي عَبْد الله بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل مُحَمَّد بن نَاصِر السَّلَامِيّ، عن أبي نَصْر بن مَاكُولا
(3)
، قال: وحَرْب بن بنَان أبو ذَكْوَان، مِصْريٌّ،
(a) في الأصل: أبو عبد الله، وصوابه المثبت كما تقدم في غير موضع، وهو: عبد الرزاق بن عبد السلام بن عبد الواحد بن أبي نمير الأسدي العابد، أبو عبيد الله.
_________
(1)
أخرجه أبو طاهر المخلِّص في المخلّصيات 2: 37 (رقم 88) من طريق حاجب بن سليمان، به.
(2)
هو الحافظ عبد الغني الأزدي، انظره في المؤتلف والمختلف 1:108.
(3)
الإكمال 1: 365 - 366.
حَدَّثَ عن زُهَيْر بن عَبَّاد، ومُؤَمَّل بن إِهَاب. رَوَى عنهُ أبو يَعْقُوب المِنْجَنِيْقِيّ، وأبو هُرَيْرَة بن أبي العِصَام.
حَرْبُ بن سَعيد بن حَمْدَان بن حَمْدُون، أبو الهَيْحَاءِ التَّغْلِبيّ
(1)
وتَمَامُ نَسَبه قد سَبَقَ في تَرْجَمَةِ أخيه أبي فِرَاس الحَارِث بن سَعِيد
(2)
.
قَدِمَ حلَبَ في عَسْكَر ابن عَمّه الأَمِير ناصِر الدَّوْلَة أبي مُحَمَّد الحَسَن بن عَبْد الله بن حَمْدَان، أمير المَوْصِل حين وَفَدَ على أخيهِ الأَمِير سَيْف الدَّوْلَة أبي الحَسَن عليّ بن عَبْد الله، وكان أميرًا شُجَاعًا جَوَادًا مُمَدَّحًا.
قَرَأتُ في كتاب المَأْثُور في مُلَح الخُدُور، تأليف الوَزِير أبي القَاسِم الحُسَين بن عليّ بن الحُسَين بن المَغْرِبيّ، بعد أنْ ذَكَرَ الحُسَين بن سَعيد بن حَمْدَان، قال: وأخُوه أبو الهَيْجَاء حَرْب بن سعيد، كان بالعِرَاق وتلك الدِّيَار. وكان جَلِيْلًا مُمَدَّحًا، وفيه يقُول سَرِيّ بن أحْمَد بن السَّرِيّ الكِنْدِيّ
(3)
: [من الطويل]
ولو لَم أكُنْ جَارَ الأَمِير لكانَ لي
…
أديْمٌ بظُفْر النَّائباتِ مُمَزَّقُ
بجُود أبي الهَيْجَاء أُلْبِسْتُ نِعْمَةً
…
مُجدَّدةً تَضْفُو عليَّ وتُشْرقُ
وفيها يقول:
إذا ما اعْتَنَقْنا خِلْتُ أنَّ قُلُوبَنَا
…
تُنَاجَى بأفْعَالِ النَّوَى وهي تَخفِقُ
(1)
توفي سنة 382 هـ، وترجمته في: المناقب المزيدية للحلي 1: 235، أعيان الشيعة لمحسن الأمين 4: 608 - 611، الأعلام للزركلي 2:173.
(2)
في الجزء الضائع قبل هذا.
(3)
ديوان السري الرفاء 331.
قال ابنُ المَغْرِبيّ: وله فيه
(1)
: [من الخفيف]
أنْتَ سَعْدُ الكُفَاةِ (a) يا ابن سَعيد
…
وكفاهُم بأَنْ تَرَى أوَّلَ (b) سَعْدَا
أنا حُرٌّ إذا انْتَسَبْتُ ولكنْ
…
جَعَلَتْني لكَ الصَّنَائِعُ عَبْدَا
حَرْبُ بن عَدِيّ
شَهِدَ فَتْحَ قِنّسْرِين مع أبي عُبَيْدَة بن الجَرَّاح، وسيَّرَهُ مُقَدَّمًا على ثلاثة آلاف فارس أمَدَّ بها يَزِيد بن أبي سُفْيان إلى قَيْسارِيَّة، من أهْل قِنَّسْرِيْن والحَاضِر.
ذَكَرَ ذلك مُحَمَّد بن عُمَر الوَاقِدِيّ
(2)
.
حَرْبُ بن قَيْس بن حَرْب الشَّيْزَرِيّ
(3)
من أهْل شَيْزَر. حَدَّثَ عن أحْمَد بن عَبْد الله، رَوَى عنهُ أبو النَّضْر كَعْبُ بن عَمْرو بن جَعْفَر البَلْخِيّ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الله بن الحُسَين بن عَبْد الله الأنْصَاريّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد الأصْبَهَانِيّ، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن عَبْد الجَبَّار الصَّيْرَفِيّ
(4)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد العَتِيْقِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو النَّضْرِ كَعْبُ بن عَمْرو بن جَعْفَر بن مُحَمَّد البَلْخِيّ، قال: حَدَّثَنَا حَرْبُ بن قَيْس بن حرْب الشَّيْزَرِيّ في سَنَة سَبْعٍ وثَلاثين وثَلاثمِائة إمْلاءً، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عبد الله (c)، قال: حَدَّثَنَا يَزِيد بن عُبَيْد، قال: أخْبَرَنا سَعيدُ بن
(a) الديوان: العفاة.
(b) في الأصل: أوك، الديوان: بأن تطاول.
(c) الطيوريات: عبيد الله.
_________
(1)
ديوان السري الرفاء 142 - 143.
(2)
فتوح الشام 1: 245.
(3)
كان حيًا سنة 337 هـ، وجاءت نسبته في كتاب الصيرفي، الذي أورد الحديث المذكور: السيزري، انظر: الطيوريات 2: 550.
(4)
الطيوريات 2: 550 - 551.
عَبْد العَزِيْز، عن سُليْمان بن مُوسَى، عن عائِشَة رضي الله عنها أنَّها رَأتْ على يَدَي امْرأةٍ أثَرَ المِغْزَل، فقالت لها: أبْشِري بما لَكِ عند الله عز وجل، لو رأيتُم بعض ما أعَدَّ اللهُ لكم مَعَاشِرَ النِّسَاءِ لَمَا أقْرَرتُم ليلًا ولا نَهارًا، ما من امْرَأة غَزَلَتْ لزَوْجها ولنَفْسِها ولصِبْيَانها إلَّا أعْطَاها اللهُ عز وجل بكُلّ طاقةٍ نُورًا حتَّى مَلأتْ مِغْزَلها، فإذا مَلَأتْ مِغْزلَها أعْطَاها اللهُ عز وجل بَيْتًا في الجَنَّة، أوْسَع من المَشْرِق إلى المَغْرب، ولها بكُلِّ ثَوْبٍ مائةُ ألفٍ وعشرين ألفَ مَدِينَة، وذَكَرَ تَمَام الحَدِيْث.
حَرْبُ بن مُحَمَّد بن حَرْب بنِ عَامِر، أبو الفَوَارِس السُّلَمِيّ الحَرَّانيّ
(1)
قَدِمَ دِمَشْق، وحَدَّثَ بها، واجْتازَ في طَريقه إليها بحَلَب أو ببَعْضِ عَمَلها.
رَوَى عن أبي القَاسِم الخَضِر بن أحْمَد الحَرَّانيّ.
رَوَى عنهُ أبو الحَسَن الخَصِيْبُ بن عَبْد الله بن مُحَمَّد بن الخَصِيْب المِصْرِيّ القَاضِي.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله إذْنًا، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد بن صَابِر، قال: أخْبَرَنا سَهْل بن بِشْرٍ، قِراءَةً عليهِ، عن أبي نَصْر عُبَيْد الله بن سَعيد بن حَاتِم الوَائِليّ السِّجِسْتَانِيّ، قال: أخْبَرَنا الخَصِيْبُ بن عَبْد الله بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو الفَوَارس حَربُ بن مُحمَّد بن حَرْب بن عَامر السُّلَمِيّ الحَرَّانيّ بدمَشْقَ، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم الخَضر بن أحْمَد الحَرَّانيّ من بني قَنْدهُور، قال: حَدَّثَنَا أبو كُرَيْب (a)، قال: حَدَّثَنَا أبو أُسامَة، عن الأعْمَش، قال: حَدَّثَنَا سَعيد بنُ
(a) قوله: "من بني قندهور
…
كريب" لم يرد عند ابن عساكر.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 12: 316 - 317، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 110.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 316.
جُبَيْر، عن أبي عَبْد الرَّحمن السُّلَمِيّ، قال: قال عَبْد اللّه بن قَيْسٍ
(1)
: قال رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: ما أحَدٌ أصْبَر على أذىً يَسْمَعُهُ (a) من اللّه عز وجل، يَجْعلُونَ له ندًّا، ويَجْعلُون له ولدًا، وهو مع ذلك يَرْزُقُهم ويُعْطيهم!.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشِقيّ
(2)
، قال: حَرْبُ بن مُحَمَّد بن حَرْب بن عَامِر، أبو الفَوَارِس السُّلَمِيِّ الحَرَّانيّ، حَدَّثَ بدِمَشْقَ عن أبي القَاسِم الخَضِر بن أحْمَد الحَرَّانيّ. رَوَى عنهُ أبو الحَسَن الخَصِيْبُ بن عَبْد اللّه بن مُحَمَّد بن الخَصِيْب القَاضِي المِصْرِيّ.
حَرْب بن مُحَمَّد بن عليّ بن حَيَّان بن مَازِن بن الغَضُوْبَة الطَّائيُّ الخِطَامِيُّ
(3)
وخِطَام فَخذٌ من طَيِّئ، وجدُّ جَدِّه مَازِن صَاحِب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وحَرْب هو وَالد عليّ بن حَرْب، وأحْمَد بن حرْب.
اسْتقدَمَهُ عَبْدُ اللّه المأْمُونُ من المَوْصِل إلى دِمَشْق لتَعْدِيل أرْض الشَّام ومَسَاحتها، واجْتازَ في طَريقه بحَلَب أو ببَعْضِ عَمَلها.
حَدَّثَ عن المُعَافَى بن عِمْران، ومُحَمَّد بن الحَسَنِ (b)، وعَفِيف بن سَالِم، وهُشَيْم بن بَشِير. وسَمِعَ مَالِك بن أنَس، والفُضَيْل بن عِيَاض، وسُفْيان بن عُيَيْنَة، وأبا الأحْوَص، ومُسلم بن خَالِد، وشَرِيكًا، وغيرهم.
(a) الأصل: يسعه، والمثبت من صحيح مسلم وابن حبَّان وابن عساكر.
(b) بعده في الأصل: والمعافى بن عمران، وهو تكرارٌ.
_________
(1)
صحيح مسلم 4: 2160 (رقم 50)، صحيح ابن حبَّان بترتيب ابن بلبان 2: 407 - 408 (رقم 642).
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 316.
(3)
توفي سنة 226 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 12: 317 - 319، تاريخ الإسلام 5: 551 - 552، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 110 - 111.
رَوَى عَنْهُ ابنُهُ عليّ بن حَرْب، وأبو مَنْصُور جَعْفَر بن أحْمَد بن الجَرَّاح النَّصِيْبِيِّ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن قُبَيْس، إجَازَةً إن لم أكُن سَمِعْتُهُ منهُ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن أبي الحَدِيْد، قال: أخْبَرَنا جَدِّي، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن جَعْفَر الخَرَائِطِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن حَرْب، قال: حَدَّثَني أبيّ، قال: حَدَّثَنَا المُعَافَى بن عِمْران، عن المُفَضَّل بن صَدَقَة، عن سِمَاك بن حَرْب، عن النُّعْمان بن بَشِير، قال: كُنَّا إذا صَلَّينا خَلْفَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال: سَمِعَ اللّهُ لمَنْ حَمدَهُ، لَم يَحْنِ أحَدٌ منَّا ظَهْرَهُ حتَّى نَرَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد سَجَد.
أنْبَأنَا أبو نَصْر بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(2)
، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسمِ عليّ بن إبْراهيم، وحَدَّثَني أبو البَرَكَات بن أبي طَاهِر عنه، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر الخَطِيب، قال: كَتَبَ إليَّ أبو الفَرَج مُحَمَّد بن إِدْرِيس المَوصِلِيّ يَذكر أنَّ المُظَفَّر بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ حدَّثَهم، قال: حَدَّثَنَا أبو زَكَرِيَّاء يزيد بن مُحَمَّد بن إِيَاس الأزْدِيّ
(3)
، قال: أبو مُحَمَّد حرْب بن مُحَمَّد بن عليّ بن حَيَّان بن مَازِن، الوَافِد على رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم، كان رَجُلًا نَبِيْلًا ذا هِمَّة، رَحَلَ في طَلَب العِلْم فكَتَبَ عن مَالِك بن أنسَ ونُظَرَائهِ من أهْل المَدِينَة، وعن الفُضَيْل بن عِيَاض، ومُسْلِم بن خَالِد، وسُفْيان بن عُيينَة، ونُظَرَائهِم من المَكِّيِّيْنَ، وعن شَرِيكٍ، وأبي الأحْوَص، وهُشَيْم، والمُعَافَى بن عِمْران، وغيرهم.
رَوَى عَنْهُ ابنُهُ عليّ بن حَرْب، وماتَ سَنَة ستٍّ وعشرين ومَائتَيْن.
(1)
لم أقف عليه في كتب الخرائطي الثلاثة: اعتلال القلوب، ومكارم الأخلاق، ومساوئ الأخلاق. وهو في تاريخ ابن عساكر 12: 317 بالسند المَذْكُور عن الخرائطيّ، والحديث أخرجه البزّار في مسنده 8: 186 (رقم 3219)، والطَّبرانيّ في الكبير 21: 117 (رقم 139) من طريق سماك بن حرب، به. وانظره: في كشف الأستار للحافظ الهيثميّ 1: 231 - 232 (رقم 471).
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 318.
(3)
في كتابه طبقات محدثي الموصل، وهو كتاب مفقود.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم بن الحَرَسْتَانِيّ، عن أبي مُحَمَّد بن حَمْزَهَ السُّلَمِيّ، عن أبي زَكَرِيَّاء البُخاريّ، قال: حَدَّثنا عَبْدُ الغَنِيّ بن سَعيد
(1)
، قال في بَاب حرْب بالباءِ: حَرْب بن مُحَمَّد المَوْصِلِيِّ، وَالد عليّ وأحمد ومُعاوِيَة.
أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور الدِّمَشقيّ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(2)
، قال: حَرْب بن مُحَمَّد بن عليّ بن حَيَّان بن مَازِن بن الغَضُوْبَة الطَّائيِّ المَوْصِلِيّ والد عليِّ بن حَرْب. حَدَّثَ عن عَفِيف بن سَالَم المَوْصِلِيِّ ومُحَمَّد بن الحَسَن، والمُعَافَى بن عِمْران، وهُشَيْم بن بَشِير.
رَوَى عَنْهُ ابنُه عليّ بن حَرْب، وأبو مَنْصُور جَعْفَر بن أحْمَد بن الجَرَّاح النَّصِيْبي (a)، واسْتَقْدَمَهُ المَأْمُون إلى دِمَشْق لأجْل المَسَاحَةِ.
قال الحافِظُ
(3)
: قَرأتُ بخَطِّ أبي الحُسَين الرَّازِيّ: حَدَّثَني أبو عليّ بَكْر بن عَبْد اللّهِ بن حَبِيْب الأهْوَازِيِّ، قال: قال عليّ بن حَرْب المَوْصِلِيّ وفي سَنَة أرْبَع عَشرة ومَائتَيْن قَدِمَ عَبْد اللّه المَأْمُون دِمَشْق، ففرَّق المُعَدِّلِيْنَ - يعني: المُسَّاحَ - في أجْنَادِ الشَّام في تَعْديلها، - يعني: مسَاحَتها - ووَجَّهَ في ذلك إلى رُؤَسَاء أهْل الجَزِيْرَة والمَوْصِل والرَّقَّة، فقَدِمَ عليه جَمَاعَةٌ مخهم: حَرْبُ بن عَبْدِ الله الطَّائيّ، وسُفْيان بن عَبْد المَلِك الخَوْلانِيّ، فاسْتَعْفَوْهُ من التَّعدِيل، فأعْفَاهُم وصَرَفَهُم، واجْتَلَبَ لتَعْدِيل الشَّام المُسَّاحَ من العِرَاق والأهْوَاز والرَّيّ، وأقام بدِمَشْقَ تلك الشَّتْوَة على التَّعْدِيل.
(a) في الأصل: الحمصيّ، والمثبت من تاريخ ابن عساكر (مصدر النقل)، وتقدم صحيحًا في أول الترجمة.
_________
(1)
الأزدي: المؤتلف والمختلف 1: 250.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 317.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 318.
ذِكُر مَن اسْمُهُ حَرْمَلَةُ
حَرْمَلَةُ بن حُكَيْم (a) بن عُفَيْر - وقيل: عُمَيْر - ابن طَارِق بن قَيْس بن مُرَّةَ بن هَمَّام - وقيل: هَمَّام بن مُرَّة - ابن ذهْل بن شَيْبَان المُرِّيّ الشَّيْبَانِيّ
(1)
ويُعْرَفُ بحَرْمَلَة بن عَسَلَةَ، وأُمُّه عَسَلَهُ بنتُ عَامِر بن شِرَاكَة، ويُقالُ: شُرَاك قَاتِل الجُوْع الغَسَّانِيّ، شَاعِرٌ جَاهِليٌّ كان مع الحَارِث بن جَبَلَة الغَسَّانِيِّ بقِنَّسْرِيْن.
قَرأتُ بخَطِّ عليّ بن الحَسَن بن عَبْد اللّه الغُنْدجَانِيّ فيما أخذَهُ عن أبي مُحَمَّد الغُنْدجَانِيِّ الأسْوَد، المعَرُوف بالأعْرَابيِّ، وقرأَهُ عليه، وشَاهَدْتُ خَطّ أبي مُحَمَّد الأعْرَابِيّ له بقراءته عليهِ، قال أبو مُحَمَّد الأسْوَد: إنَّ المُنْذِر بن مَاءِ السَّماءِ، وهو ذُو القَرْنَيْن دعا ذات يَوْم النَّاس فقال: من يَهْجُو الحَارِث بن جَبَلَة الغَسَّانِيّ؟ فقالوا له: حَرْمَلَةُ بن عَسَلَة المُرِّيّ، فقال: يا حرْمَلَةُ، أهْجُهُ ولك مائةٌ من الإِبِل، فقال: أبيتَ اللَّعْنَ إنَّهم أخْوَاليّ، وأنَّهُ لا يَنْبَغي لي أنْ أهْجُوَهُم، فتوَعَّدَهُ، فقال حَرْمَلَةُ بن حُكَيْم بن عُفيْر بن طَارِق بن قَيْس بن مُرَّة بن هَمَّامٍ، وأُمُّه عَسَلَةُ بنتُ عَامِر بن شِرَاكَة قَاتِل الجُوع الغَسَّانِيّ
(2)
: [من المتقارب]
ألَم تَرَ أنِّي بلَغْتُ المَشِيْبا
…
وفي دَار قَوْميَ عَفًّا كَسُوبا
وأنَّ الإلهَ تَنَصَّفْتُهُ (b)
…
بأنْ لا أَعُقَّ وأنْ لا أَحُوبا
وأنْ لا أُكافِرَ ذا نِعْمَةٍ
…
وأنْ لا أُخَيِّبَهُ مُسْتَثِيْبا
(a) كذا جوَّده في الأصل.
(b) كتب ابن العديم في الهامش: "تنصفته: عاهدته".
_________
(1)
تَرْجَمَتِه في المؤتلف والمختلف للآمدي (نشرة كرنكو) 157 - 158، خزانة الأدب 10: 91 - 93.
(2)
الأبييات في جمهرة الأمثال لأبي هِلَال العسكري 1: 119 - 120 (باستثناء البيت الأخير)، وخزانة الأدب للبَغْدَادي 10:92.
وغَسَّانُ قَوْمٌ هُمُ وَالدِي
…
فهل يُنْسِينَّهم أنْ أغِيْبَا
فآثِرْ بها (a) بعضَ من يَعْتَريكَ
…
فإنَّ لها من مَعَدٍّ كَلِيْبَا (b)
وإنَّ لخالِكَ مَنْدُوحَةً
…
وإنَّ عليه بغَيْبٍ رَقِيْبَا
أُمُّ المنذِر كانت نَمرِيَّة وكُلّهم من رَبِيْعَة.
فانْبَرَى شِهَاب بن العَيِّفِ أخُو بَنِي سُليمَة من عَبْد القَيْس فقال
(1)
: [من الرجز]
اللَّهُمَّ إنَّ الحارِث بن جَبَلَهْ
…
زنَّا أبَاهُ ظالمًا فقَتَلَهْ
وركَّب الشَّادخَةَ المُحَجَّلَه
…
وكان في جاراته لا عَهْدَ لهْ
وأيّ فعْلٍ سَيِّئٍ لا فَعَلَهْ
فأخَذَهُما الحَارِثُ بن جَبَلَة جَمِيعًا، فقال: يا حَرْمَلَةُ، اخْتَر ما شِئْتَ من مُلْكِي، فسَألَهُ جَاريتَين ضرَّابَتَين له، فأعْطَاهمُا إيَّاهُ، فانْطَلق بهما، فنَزَل في النَّمِر، فقَعَدَ يشرب هو ورَجُل من النَّمِر يُقالُ له كَعْبٌ، فلمَّا أخَذَ الشَّرِابُ في النَّمَرِيّ، قال: يا حَرْمَلَةُ، مَنْ هذه المَرْأةُ الحَمْرَاءُ، مُرْها لتسْقيَني فغَضِبَ حرْمَلَةُ، ثمّ أعادَهَا فضَرَبَه حَرْمَلَةُ بالسَّيْف، وقال حَرْمَلَةُ في ذلك
(2)
: [من أحذّ الكامل]
يا كَعْبُ إنَّكَ لو قَصَرْتَ على
…
حُسْنِ النِّدَام وقِلَّةِ الغُرْم (c)
وسَمَاعِ دَاجنَةٍ (d) تُعَلِّلُنا
…
حتَّى نَؤُوبَ تَمَايُلَ (e) العُجْم
(a) كتب ابن العديم في الهامش: "يعني بالخصلة".
(b) كتب في الهامش: الكلاب.
(c) المرزوقي والمفضل الضبي: الجُرم.
(d) في الهامش: "المُغنيَّة من الدجن". وعند المرزوقي والضبي: مدجنة، الآمدي: وغناء مسمعة.
(e) كتب ابن العديم في الهامش: "خ: تناؤم"، وهي الرواية التي ذَكَرَها المرزوقي والمفضل الضبي والآمدي.
_________
(1)
جمهرة الأمثال للسكري 1: 120 وخزانة الأدب للبَغْدَادي 10: 89 باختلاف في الرواية.
(2)
الأبيات عند المرزوقي: الأزمنة 2: 305 - 306 (الأبيات 1 - 3)، المفضل الضبي: المفضيات 379، والمؤتلف للآمدي 157.
ألفيْتَ فينا ما تُحاوِل
…
من صَافِي الشَّرَابِ ولَذَّة الطَّعْمِ
وصَحَوْتُ والنَّمَرِيُّ تَحْسِبُهُ (a)
…
عمَّ السِّمَاكِ وخَالَةَ النَّجْمِ
هَلْهِلْ بكَعْبٍ بَعْدَما وَقَعَتْ
…
فَوْقَ الجَبِينِ بسَاعِدٍ فَعْمِ
انتظر أي: انتظرته أنْ يَعُودَ، يَتَهكَّمُ به.
جَسَدٌ بهِ نَضْخُ الدِّماءِ كما
…
قَنَأَتْ أنَامِلُ من قَاطِفِ الكَرْمِ
والخَمْرُ ليسَتْ من أخيْكَ ولـ
…
كنْ قَدْ تَخُونُ بآمِنِ الحِلْمِ
وتُزَيّنُ الرَّأي السَّفِيْهَ إذا
…
جَعَلَتْ رِيَاحُ شَمُولها تُرْمِي
وأنا امْرُؤٌ من صُلْب مُرَّةَ إنْ
…
أَكْلِمْكُمُ لا تُرْقِئُوا كَلْمِيِّ
في أُسْرَةٍ لي إنْ لَقيْتَهُم
…
حَامِي الحَقِيْقَة دَافِعي الظُّلْم
وأخَذَ ابنَ العَيِّف فقال له: اخْتَر منِّي ثلاثَ خِلَالٍ: إمَّا أنْ أطْرَحَكَ على أسَدَيْن ضَارِبَيْن في بئر، وإمَّا أنْ أُلْقِيَكَ من طَمَار
(1)
سُوْر دِمَشْق، وإمَّا أنْ يَقُوم الدُّلَامِصُ - سَيَّافٌ كان له - فيَضْربكَ بعَصَاهُ هذه ضَرْبَةً؟ فاخْتَار ضَرْبةَ الدُّلَامِص، فضَرَبَهُ - زَعَمُوا - على رَأسِهِ فانْكَسَرتْ فَخِذُهُ، فاحْتَمَلَهُ رَاهِبٌ فدَاوَاهُ حتَّى بَرأ، وهو يَخْمَعُ منها، وكان هذا والحَارِث بن جَبَلَة بقِنَّسْرِيْن.
حَرْمَلَةُ بن زَيْد الجُهَنِيّ (b)
شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليّ رَضِيَ اللّهُ [عنهُ](c)، وكان على رَاية جُهَيْنَة، فيما ذَكَرَهُ أبو البَخْتَرِيّ وَهْب بن وَهَّب في خَبَر صِفِّيْن، لهُ ذِكْرٌ.
(a) المرزوقي والضبي: يحسبها.
(b) تَرْجَمَتِه في الأصل بعد تَرْجَمة حرملة بن المنذر، وكتب المؤلِّف بموازاتها:"يقدم"، وكُتِب في موضع إدراجها هنا بخط مغاير:"يكتب هنا من آخر الجزء حرملة بن زيد".
(c) ساقطة من الأصل.
_________
(1)
الطَّمَار: المكان المرتفع. لسان العَرَب، مادة: طمر.
حَرْمَلَة بن المُنْذِر بن مَعْدِي كَرِب بن حَنْظَلَة بن النُّعْمان بن حَيَّة بن سَعْنَة (a) - وقيل: ابنِ سَعْد - ابن الغَوث بن الحَارِث - وقيل: ابن الحُوَيْرِث - ابن رَبِيْعَة بن ماِلك بن صَقْر بن هُنَيِّ بن عَمْرو بن الغَوْث بن الحَارِث بن أُدَد بن زيْد بن يَشْجُب بن عَرِيْب بن زيد بن كَهْلَان بن يَشْجُب بن يَعْرب بن قَحْطَان
(1)
وقيل: اسْمُهُ المُنْذِر بن حَرْمَلَة، أبو زُبَيْد الطَّائيّ.
شَاعِرٌ مَشْهُورٌ من المُخَضْرَمين، أدْرَكَ الجاهِلِيَّةَ والإسْلَام، وكان يَفِدُ على عُثْمان رضي الله عنه، ويَسْتَنْشده شِعْره، وكان نَصْرَانِيًّا في الرَّقَّة، ووَفَدَ على الحَارِث بن جَبَلَة الغَسَّانِيّ، وكان الحَارِث بن جَبَلَة يَنْزلُ الجابِيَةَ من نَوَاحِي دِمَشْق ويقدَم قِنَّسْرِيْن أحيانًا، فإمَّا أنْ يكُون وَفَد إليهِ إلى قِنَّسْرِيْن، أو اجْتازَ بها، أو ببَعْضِ عَمَلها في وفَادتهِ إليهِ من الرَّقَّة.
(a) قيَّده في الأصل مجودًا: شُعْبة، ورسمه كل هذا النحو حيثما يرد تاليًا، وهو تحريف صوابه المثبت من مصادر تَرْجَمَتِه التالية باستثناء تاريخ ابن عساكر، ولعله هو مصدر الوهم فيه، وبقية المصادر متفقة على تقييده برسم: سعنة، خاصّة الاشتقاق 386، وقد فصَّل ابن دريد اشتقاق الاسم من قولهم: ما له سَعنةٌ ولا مَعْنةٌ، والسّعن: سقاء صغير ينتبذ فيه أو يستقى، والأغاني 12: 86، ومعجم الأدباء 3:1167.
_________
(1)
توفي قبل سنة 30 هـ، وترجمته في: طبقات فحول الشعراء لابن سلّام الجمحي 2: 593 - 615، المعَمْرون والوصايا للسجستاني 108، الأغاني 12: 86 - 95، ابن قُتَيبة: الشعر والشعراء 137 - 138، الاشتقاق 386، تاريخ ابن عساكر 12: 320 - 327، ياقوت: مُعْجَمُ الأدباء 3: 1167 - 1177، تاريخ الإسلام 2: 195، الوافي بالوفيات 11: 335 - 340، الإصابة 2: 60، خزانة الأدب للبَغْدَادي 4: 192 - 195، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 111 - 114، مُعْجَمُ المؤلفين 10: 191، الزركلي: الأعلام 3: 174 (أرخ وفاته نحو سنة 62 هـ).
وجَمَع شعره وحققه نوري حمودي القيسي (بَغْدَاد: مطبعة المعارف، 1967 م)، وقدَّر أن وفاته كانت قبل سنة 40 هـ.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد الدَّارْقَزِّيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن عُمر السَّمَرْقنديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا عَبْد الوَهَّاب بن عليّ بن عَبد الوَهَّاب إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا عليّ بن عَبْد العَزِيْز، قال: قُرئ على أبي بَكْر أحْمَد بن جَعْفَر بن مُسْلِم، قال: حَدَّثَنَا أبو خَليفَة الفَضْلِ بن الحُبَاب، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَلَّام الجُمَحِيّ، قال
(1)
: أبو زُبيد الطَّائي واسْمُه حرْمَلَةُ بن المُنْذِر بن مَعْدِي كَرِب بن حَنْظَلَة بن النعْمان بن حَيَّة بن سَعْنَة (a).
قال مُحَمَّد بن سَلَّام
(2)
: وحَدَّثَني أبو الغَرَّاف، قال: كان أبو زُبيد الطَّائيُّ من وُزَرَاءِ - وصوابُهُ: زُوَّار (b) - المُلُوك، ولِمُلُوكِ العَجَم خَاصَّةً، وكان عَالمًا بسِيَرهم، وكان عُثْمان بن عَفَّان يُقَرِّبُه على ذلك ويُدْني (c) مَجْلسَهُ، وكان نَصْرَانيِّا، فحضَر ذات يَوْم عُثْمانَ، وعندَهُ المُهاجِرُون والأنْصَارِ، فتَذَاكَرُوا مآثِرَ العَرَب وأشْعَارَها، فالتفَتَ عُثْمان إلى أبي زُبيد، فقال: يا أخَا بيع (4) المَسِيْح، أسْمِعْنَا بعضَ قَوْلِكَ؛ فقد أُنْبِئتُ أنَّك تُجيْد، فأنشدَهُ قَصِيْدتَهُ الّتي يقُول فيها
(3)
: [من البسيط]
مَنْ مُبْلِغٌ قَوْمَكَ (ح) النَّائينَ إذ شَحَطُوا
…
أنَّ الفُؤَادَ إليهم شَيِّقٌ وَلعُ
ووصف فيها الأسَدَ.
(a) الأصل: شعبة، وتقدم التعليق عليه في طالع التَرْجَمَة.
(b) وهو المثبت في كتاب الجمحيّ، وفي نسخة منه: وزراء.
(c) الجمحي: يدنيه ويدني.
(d) الجمحي والأصفهاني وياقوت: تبَّع، والمثبت موافق لما عند ابن عساكر.
(e) الجمحي وابن حَمْدُون والصفدي: قويّ، وفي مجموع شعره والأصفهاني وابن عساكر وياقوت: قومنا.
_________
(1)
طبقات فحول الشعراء 3: 593، واقتصر في تسميته على قوله: أبو زبيد الطائيّ، واسمه حرملة بن المنذر.
(2)
الجمحي: طبقات فحول الشعراء 2: 593 - 599، وانظر الخبر بطوله عند الجاحظ: المحاسن والأضداد 65 - 66، ابن حَمْدُون: التذكرة الحمدونية 5: 267 - 269، الأصفهاني: الأغاني 12: 86 - 89، وابن عساكر 12: 331 - 334، ياقوت: مُعْجَمُ الأدباء 3: 1168، والصفدي: الوافي بالوفيات 11: 335 - 340.
(3)
شعر أبي زبيد الطائي 108.
فقال عُثْمان: تاللّه تَفْتأُ تَذْكُرُ الأسَدَ ما حَييْتَ! واللّه إنِّي لأحْسِبُكَ جَبَانًا هِدَانًا. قال: كلَّا يا أَمِير المُؤْمنِيْن، ولكني رأيتُ منْه مَنْظرًا، وشَهِدْتُ منه مَشْهدًا لا يَبْرحُ ذِكْرهُ يَتَجدَّدُ في قلبي، ومَعْذُورٌ أنا بذلك يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن غيرُ مَلُوم. فقال له عُثْمان: وأَنَّى كان ذلك؟ قال: خَرَجْتُ في صُيَّابَة (a) أشْرَافٍ من أفْنَاءِ قَبَائِل العَرَب، ذَوي هَيْئَةٍ وشَارَةٍ حَسَنةٍ، تَرْمي (b) بنا المَهَارَى بأكْسَائِها القَيْرَوانيَّات على فُتُوِّ (c) البِغَالِ، تَسُوقُها العِبِدَّانُ (d)، ونحنُ نُريدُ الحارِثَ بن أبي شَمِرٍ الغَسَّانِيّ مَلِك الشَّام، فاخْرَوَّطَ - وفي نُسْخَة: فاخْرَوْرَط - بنا السَّيرُ في حَمَارَّة القَيْظ، حتَّى إذا عَصَبَت (e) الأَفْوَاهُ، وذَبُلَتِ الشِّفَاهُ، وشَالَتِ الميِاهُ، وأذْكَتِ الحوزَاءُ المِعْزَى، وذَابَ الصَّيْهَدُ - وصَوَابُهُ: الصَّيْخَدُ (f) - وصَرَّ الجُنْدُبُ، وضَافَ العُصْفُور الضَّبَّ في حُجْره - أو قال: في وَجَاره - قال (g) قائلُنا: أيها الرَّكْبُ، غَوِّرُوا بنا في ضَوْجِ هذا الوَادِيّ، وإذا واد قُدَيْد يمتَنا (h) - وفي نُسْخَة: قد بَدَا لنا - كَثِيْرُ الدَّغَل، دَائم الغَلَل (i)، شَجْرَاؤُه مُغِنَّة، وأطْيَارُه مُرِنَّة، فَحَطَطْنا رِحَالَنا (j) بأُصُول دَوْحَاتٍ كَنَهْبُلَاتٍ، فأصَبْنَا من فُضَالَاتِ (k) المَزَاودِ، وأتجعْناها الماءَ البَاردَ.
فإنَّا لنَصِفُ حَرَّ يَوْمِنا ذلك ومُمَاطَلَتَهُ، إذ صَرَّ أقْصَى الخيل أُذُنَيهِ، وفَحَصَ الأرْضَ بيَديهِ، فوالله ما لَبِثَ أنْ جَالَ، ثمّ حَمْحَم (l) فبَال، ثمّ فَعَل فَعْلَهُ الّذي يليْه، واحدٌ فواحِدٌ (m)، فتَضَعْضَعَتِ الخَيْلُ، وتَكَعْكَعَتِ الإِبِلُ، وتَقَهْقَرت البِغَال،
(a) الأصل: صيافة، والمثبت عن الجمحي والجاحظ والأصفهاني وابن عساكر وياقوت والصفديّ، وصُيَّاب القوم: خيارهم وسادتهم.
(b) الجمحي والجاحظ والأصفهاني وابن عساكر وياقوت: ترتمي.
(c) ابن عساكر وياقوت: قنو.
(d) قوله: "القيروانيات
…
العبدان"، لم يرد عند الجمحي ولا الأصفهاني.
(e) ابن عساكر: عضَّت.
(f) المثبت عند الجمحي والأصفهاني وياقوت: الصيهد.
(g) في الأصل: وقال. وهو جواب الشرط "حتَّى إذا".
(h) مهملة الأوّل في الأصل، والمثبت من الجمحيّ، وعند الأصفهاني: قد بدا لما، وعند ابن عساكر: قد بدا يمينًا، وعند ياقوت: قد بدا لنا.
(i) الأصل: العلل، والمثبت من الجمحي والأصفهاني والصفدي.
(j) الجمحي: رواحلنا في أصول.
(k) الجمحي والأصفهاني والصفدي: فضلات.
(l) الأصفهاني: جمجم.
(m) مثله في أصول الجمحيّ، وصحّحه المحقق: واحدًا فواحدًا.
فبَين نَافِر - وصَوَابُهُ: نَادٍّ - بشِكَالِهِ، ونَاهِضٍ بعِقَالِهِ، فعَلِمْتُ (a) أنْ قد أُتِيْنَا، وأنَّهُ السَّبعُ! ففَزِعَ كلُّ امْرئٍ منَّا إلى سَيْفه فاسْتَلَّهُ من جُرُبَّانِهِ (d)، ثمّ وقَفْنا زَرْدَقًا، فأقْبَل يَتَظَالَعُ (c) من بَغْيه (d) كأنَّهُ مَجْنُوبٌ (e)، أو في هَجَارٍ مَسْحُوب (f)، لصَدْرِه نَحِيْط، ولبَلَاعِيْمِه غَطِيْطٌ، ولطَرْفهِ ومِيْض، ولأَرْسَاغِهِ نَقِيض؛ كأنَّما يَخْبِط هَشِيْمًا، أو (g) يَطَأُ صَرِيْمًا، وإذا هَامَةٌ كالمجنِّ، وخَدّ كالمِسَنّ، وعَيْنانِ سَجْراوان (h)، كأنَّهُما سِرَاجَان يَقِدَان، وقَصرَة رَبِلَة، ولِهْزِمَة رَهِلَة، وكَتِدٌ مُغْبَطٌ، وزَوْرٌ مُفْرِطٌ، وسَاعِدٌ مَجْدُولٌ، وعَضُدٌ مَفْتُول، وكَفٌّ شَثْنَة البَرَاثِن، إلى مَخَالبَ كالمَحَاجن، فضَرَبَ بيَدِيْهِ فأَرْهَج، وكَشَرَ فأفْرَجَ عن أنيابٍ كالمَعَاوِلِ، مَصْقُولَةٍ غير مَقْلُولَة، وفَمٍ أشْدَقَ، كالغَار الأحْوَق (i)، ثُمّ تَمَطَّي فأشْرَعَ بيَدِيْهِ، وحَفَزَ وَرِكَيْهِ برجلَيهِ، حتَّى صَارَ ظِلُّه مِثْلَيْه، ثمّ أَقْعَى فاقْشَعرَّ، ثمّ مَثَلَ (j) فاكْفَهَرَّ، ثمّ جَهَمَ (k) فازْبَأَرَّ، فلَا والّذي بيتُهُ في السَّماء ما اتَّقيْنَاه (l) بأوَّل من (m) أخ لنا من فَزَارَة (n)، كان ضَخْمَ الجُزَارَة، فوَقَصَهُ ثمّ نَفَضَهُ نفضَةً فقَضْقَضَ مَتْنَيْهِ، وجَعَل يَلغُ في دَمِهِ، فذَمَرْتُ أصْحَابيّ، فبَعْد لأْيٍ ما اسْتقدَمُوا، فهَجْهَجْنا بهِ، فَكَرَّ مُقْشَعِرًّا بزُبْرَته (o) كأنَّ به شَيْهَمًا حَوْليًّا، فاختَلَجَ رَجُلًا أعْجَزَ (p) ذا حَوَايا،
(a) الجمحي والأصفهاني والصفدي: فعلمنا.
(b) ياقوت: فسلَّه من قِرابه.
(c) ابن عساكر: يتطالع.
(d) الأصفهاني: في مشيته من نعته، ياقوت: في مشيته.
(e) في الأصل: محنوب، والفرس المجنوب الَّذي يقاد إلى جنبه. لسان العَرَب، مادة: جنب.
(f) ساقطة من نشرة الجمحيّ، وعند الأصفهاني وياقوت والصفدي: معصوب.
(g) الجمحي: وإنما.
(h) في الأصل وابن عساكر: شجراوان. والعين السَّجْراءُ: التي خالط بياضها حمرة، أو خالطت حمرتها الزرقة، وقيل هو البياض الخفيف في سواد العين. لسان العَرَب، مادة: سجر.
(i) الجمحي، وياقوت، والصفدي: الأخرق، الأصفهاني: الأجوف، ابن عساكر: الأخوق.
(j) الجمحي: تميَّل، ياقوت: أقبل.
(k) الجمحي والأصفهاني والصفدي: تجهَّم.
(i) الأصل: اتقينا.
(m) هكذا في الأصل ومثله عند الجاحظ وابن عساكر، والذي عند الجمحي والأصفهاني وياقوت والصفدي: ما اتقنياه إِلَّا بأول أخ.
(n) الجمحي: بَنِي فزارة.
(o) الجمحي والصفدي: بزبرة.
(p) الأصفهاني وياقوت: أعجر.
فنَفَضَهُ نَفْضَةً تزَايَلَتْ مَفَاصِلُهُ، ثمّ نَهِمَ فقَرْقَر (a)، ثمّ زَفَر فبَرْبَر، ثُمَّ زأرَ فجَرْجَر، ثمّ لَحَظَ، فواللهِ لخِلْتُ البَرْقَ يَتَطايَرُ من تحت جُفُونهِ، من عن شمالِهِ ويَمِيْنهِ، فأُرْعِشَت الأيْدِيّ، واصْطَكَّتِ الأَرْجُل، وأَطَّتِ الأضْلَاع، وارْتَجَّت الأسْمَاعُ، وجَمَحَت (b) العُيُون، ولحقَت البُطُون - وفي نُسْخَة: ولحقَت الظُّهُور بالبُطُون - وانْخَزَلَت المتُون، وسَاءَت الظُّنُون.
فقال عُثْمان: اسكُتْ، قَطَعَ اللّهُ لسَانَكَ، فقد رُعْتَ (c) قُلُوبَ المُؤْمنِيْن!
وقال يَصف الأسَدَ
(1)
: [من الوافر]
فبَاتُوا يُدْلِجُونَ وباتَ يَسْري
…
بَصِيْرٌ بالدُّجَى هادٍ هَمُوْسُ
إلى أنْ عرَّسُوا وأغَبَّ عنهُم
…
قَريبًا ما يُحَسُّ له حَسِيْسُ
خَلَا أنَّ العِتَاقَ من المَطَايَا
…
حَسَسْنَ (d) بهِ فهُنَّ إليهِ شُوْسُ
فلمَّا أنْ رآهُم قد تَدَانَوا
…
أتَاهُمْ وَسْطَ أرْحُلِهمْ (e) يَمِيْسُ
فَثَارَ الزَّاجرُونَ فزَادَ مِنْهُم
…
تِقِرَّابًا وواجَهَهُ ضَبِيْسُ
بنَصْل السَّيْفِ ليسَ له مِجَنٌّ
…
فصَدَّ ولم يُصَادِفْهُ حَبِيْسُ (f)
فيَضْرِبُ بالشِّمَالِ إلى حَشَاهُ
…
وقد نَادَى فأخْلَفَهُ الأنيسُ
(a) الجمحي والأصفهاني وياقوت: ففرفر.
(b) هكذا في الأصل، ومثله في أصول الجمحيّ، وأصلحها المحقق: وحجمت، وعند الأصفهاني وياقوت والصفدي: وشخصت.
(c) الجمحي وابن عساكر: رعبت، الأصفهاني: أرعبت.
(d) الجمحي: حَسِيْنَ.
(e) شعره: رحلهم.
(f) ذا في الأصل مؤكَّدًا بالحاء أسفل الأوّل، وفي مجموع شعره والجمحي: جَبيس، وفسَّره المحقق بأنه الجبان الضعيف. وعند ابن عساكر: جسيس.
_________
(1)
شعر أبي زبيد 94 - 99، الجمحي: طبقات فحول الشعراء 2: 599 - 603، مُعْجَمُ الأدباء 3: 1171 - 1172.
بشِمْر (a) كالمَحَالق في قُنُوبٍ (b)
…
تَقِيه (c) قِضَّةَ الأرْضِ الدَّخِيْسُ (d)
فَخَرَّ السَّيْفُ واخْتَلَفَتْ يَدَاهُ
…
وكانَ بنَفْسِهِ وُقِيَتْ نُفُوسُ
فطَار القَوْم شَتَّى والمَطَايَا
…
وغُوْدِرَ في مَكَرِّهِمُ الرَّسيْسُ (e)
وجَالَ (f) كأنَّهُ فَرَسٌ صَنِيْعٌ
…
يجُرُّ جِلَالَهُ ذيل (g) شَمُوسُ
كأنَّ بنَحْرهِ وبسَاعِدَيهِ (h)
…
عَبيرًا باتَ تَعْنَؤه (i) عَرُوسُ
فذلكَ أنْ تلَاقُوه (j) تَفَادَوا
…
ويحدُث بينكم (k) أمرٌ شَكِيْسُ
أنْبَأنَا عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللّه بن عُلْوَان، عن مَسْعُود الثَّقَفِيّ، قال: أنْبَأنَا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْلَى أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد الوَكِيل، قال: أخْبَرَنا إسْمَاعِيْل بن سَعيد العَدْل، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن القَاسِم الكَوْكَبِيِّ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بنُ عُلَيْل العَنَزِيّ، قال: حَدَّثَنا دِمَاذ، عن الأصْمَعِيِّ، عن هِزَّان الأقْرَع، عن خَالِد بن الحُرَث الطَّائيّ، قال: كان أبو زبيد جَاهِليًّا إسْلاميًّا، وأقام في الإسْلَام على النَّصْرانِيَّةِ
(2)
، وعاشَ مائةً وخَمْسِين سَنَة، فكان يُحْمَل في كُلِّ يَوْم أحد إلى البِيْعَة مع النَّصارَى فيَظلّ يَوْمَهُ يَشْربُ، فبَينا هو في بعض تلك الآحادِ يشرَبُ وحَوْلَهُ النَّصارَى وفي يَدهِ الكأسُ، إذ رَفَع بَصَره إلى السَّماء فنَظَر نظرًا
(a) في مجموع شعره والجمحي: بسمر. ابن عساكر: يشمّر.
(b) شعره: فتوخ.
(c) شعره والجمحي: يقيها، ابن عساكر: يقيه.
(d) في الأصل: الدحيس، والمثبت من مجموع شعره وكتاب الجمحي. وعند ابن عساكر: الرجيس. والدخيس: اللحم الصلب المكتنز، وأيضًا باطن الكف. لسان العَرَب، دخس.
(e) الجمحي: الرئيس.
(f) الأصل: وحال.
(g) الجمحي: ذبل.
(h) شعره: بمنكبيه.
(i) شعره والجمحي: تعبؤه.
(j) الجمحي: تفادوه.
(k) الجمحي: ويصرف عنكم. وفي مجموع شعره وابن عساكر: ويحدث عنكم.
_________
(1)
لم يورده الخطيب البَغْدَادي في تاريخه، والخبر عند ابن قُتَيبة: الشعر والشعراء 137 وتاريخ ابن عساكر 12: 326.
(2)
في تاريخ الطبريّ 4: 373 أنَّه أسلم؟!
شَدِيْدًا طَوِيْلًا، ثمّ رَمَى بالكأس من يَده، وقال
(1)
: [من الطّويل]
إذا جُعِلَ المَرْءُ الّذي كان حَازِمًا
…
تُحَلُّ به حَلَّ الحُوَار وتَرْحَلُ (a)
فليسَ له في العَيْش خَيْر يُريْدُهُ
…
وتَكفينُهُ مَيْتًا أعَفُّ وأجْمَلُ
أنْبَأنَا أبو نَصْر بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الحَسَن
(2)
، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم وأبو الوَحْش سُبَيع بن المُسَلَّمِ، عن أبي الحَسَن رَشَاء بن نَظِيف، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو الحَسَن عُبَيْد اللّه بن القَاسِم المَرَاغِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ أحْمَد بن بشْر البَغْدَاديّ بصُوْر، قال: حَدَّثَنَا أبو خَلِيفَة الفَضْل بن الحُبَاب، قال: سَمِعْتُ أبا مُحَمَّد التَّوَّزيّ، قال: قُلْتُ لابن مُنَاذِر: أيّهما أشْعَر قَصِيدَة زِيَاد الأعْجَم: [من الكامل]
إنَّ السَّمَاحَة والمروَّة ضُمِنَّا
(3)
أو قَصِيدَة أبي زُبَيْدٍ
(4)
: [من الخفيف]
إنَّ طُولَ الحَيَاة غيرُ سُعُود
…
وضلَالًا (b) تأمِيْلُ نَيْل الخُلُود
فقال: قَصِيدَةُ أبي زُبيد، قال: فقُلتُ: لأنَّك اقْتَفَيْتَها.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن أبي مَنْصُوِر بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم بن عَسَاكِر الدِّمَشقيّ
(5)
، قال: حرْمَلَةُ بن المُنْذِر بن مَعْدِي كَرِب بن حَنْظَلَة بن النُّعْمان بن حَيَّة بن سَعْنَة (c) - وبقال: ابن سَعْد - ابن الغَوْث بن
(a) شعره: ويحمل.
(b) في جموع شعره: وضلالٌ.
(c) الأصل: شعبة، ومثله في تاريخ ابن عساكر، وانظر التعليق عليه في أول التَرْجَمَة.
_________
(1)
شعر أبي زبيد الطائي 132.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 325 - 326.
(3)
وعجزه: قبرًا بمرو على الطَّرِيق الواضح.
وانظر بعض أبيات القصيدة في تَرْجَمَة زياد الأعجم في الجزء التاسع من هذا الكتاب.
(4)
شعر أبي زبيد الطائي 42.
(5)
تاريخ ابن عساكر 12: 320 - 321.
الحَارِث - ويُقالُ: ابنُ الحُوَيْرِث - ابن رَبِيْعَة بن مَالِك بن صَقْر بن هُنَيّ بن عَمْرو بن الغَوْث بن الحَارِث (a) بن أُدَد بن زَيْد بن يَشْجُب بن عَرِيْب بن زَيْد بن كَهْلَان بن يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطَان. ويُقالُ: حَيَّة بن سَعْنَة (b)، ويُقالُ: سَعْنَة (c) بَدَل سَعْد بن الغَوْث، ويُقال: اسْمُه المُنْذِر بن حَرْمَلَة، أبو زُبَيْد الطَّائيُّ، شَاعِرٌ مَشْهُور مُخَضْرَم، أدْرَكَ الجَاهِلِيَّة والإسْلَام، ولم يُسْلم، وكان نَصْرَانِيًّا، وَفَدَ على الحَارِث بن أبي شَمِر الغَسَّانِيّ وكان يَنْزل بنَوَاحِي دِمَشْق.
وقال الحافظُ
(1)
: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الفَرَّاء، وأبو غَالِب أحْمَد، وأبو عبد اللّه يَحْيَى ابْنَا الحَسَن
(2)
، قالوا: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن بَكَّار
(3)
، قال: وفيه - يعني الوَلِيد بن عُقْبَة بن أبي مُعَيْط - يقول أبو زُبَيْدٍ الطَّائيّ، وكان مُنْقَطِعًا إلى الوَلِيد، وكان الوَلِيد يُكْنَى بوَهْب، فقال أبو زُبَيْد
(4)
: [من الخفيف]
مَنْ يَرَى العِيْسَ (d) لابْنِ أَرْوَى على ظَهـ
…
ـر المَرَوْرَى (e) حُدَاتُهُنَّ عِجَالُ
مُصْعِداتٍ والبيَتُ بيتُ أبي وَهْبٍ (f)
…
خَلاءٌ تَحِنُّ فيه الشَّمَالُ
يَعْرِفُ الجاهِلُ المُضَلَّلُ أنَّ الدَّهْرَ
…
فيه النَّكْرَاءُ والزَّلْزَالُ
(a) ابن عساكر: طيئ بدل الحَارِث.
(b) الأصل: شعبة، ابن عساكر: ابن سَعِيد، ولعل المراد: سعد، لتوافق مع الَّذي يليه.
(c) الأصل شعبة.
(d) مجموع شعره والزُّبيري والجمحي وياقوت: العير، وهي رواية أخرى يوردها ابن العديم بعده.
(e) الزُّبيري: المُنَقَّى.
(f) الزُّبيري: قد أراهم
…
بيت أبي عَمْرو.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 324 - 325، وبعض أبيات القصيدة عند الجمحي: طبقات فحول الشعراء 2: 605 - 606.
(2)
هو الحَسَن بن البناء.
(3)
نسب قريش للزبيري 139، باختلاف في روايتها، ولم ترد فيه بعض الأبيات.
(4)
شعر أبي زبيد الطائي 127 - 131، وفي مُعْجَم الأدباء 3: 1175 - 1176.
بَعْدَما تَعْلمِيْنَ يا أُمَّ وَهْبٍ (a)
…
كان فيهم عَيْشٌ (b) لنا وجَمَالُ
ووُجُوهٌ تَودُّنَا (c) مُشْرقَاتٌ
…
ونَوَالٌ إذا يُرَادُ (d) النَّوَالُ
فلعَمْرُو الإلهِ لو كان للسَّيْفِ
…
نصَال (e) أو للِّسَان مَقَالُ
ما تَنَاسَيْتُكَ الصَّفَاءَ ولا الوُ
…
دَّ ولا حالَ دُوْنَكَ الأشْغَالُ
ولحميْتُ لَحْمكَ المتَعَصِّي (f)
…
ضَلَّهٍ من ضَلَالِهم ما اعْتَالُوا (g)
أصْبَحَ المَيْتُ (h) قد تبدَّلَ بالحيِّ
…
وُجُوهًا كأنَّها الأقْتالُ (i)
غَيْر ما طَالبينَ ذَحْلًا ولكنْ
…
مَالَ دَهْرٌ على أُنَاسٍ فَمَالُوا
قَوْلهم تَشْرَبُ (j) الحَرَام وقد كا
…
ن شَرَابٌ سِوى الحَرَام حَلَالُ
وأبى طَالِبُ (k) العَدَاوَة إلَّا
…
طُغْيانًا (i) وقَوْلَ ما لا يُقَالُ
مَنْ يَخُنْكَ الصَّفَاءَ أو يتبَدَّل
…
أو يَزُلْ مثْل ما تَزُول الظِّلَالُ
فاعلَمَنْ أنَّني أخُوكَ أخُو الوُدّ
…
حَيَاتي حتَّى تَزُولَ الجِبَالُ
قال الزُّبَيْرُ: أنْشَدنيها مُحَمَّد بن فَضَالةَ هكذا، وكان أبي وعَمِّى مصْعَب بن عَبْد اللهِ يُنْشدان البيت الأوَّل على غير ما يُنْشُدُه عليهِ مُحَمَّد بن فضالَة؛ كانا يقولان:
مَنْ يرى العِيْرَ لابن أرْوَى
…
على ظَهْر المُنَقَّى حُدَاتُهُنَّ عِجَالُ
أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن المُقيِّر إذْنًا، قال: أنْبَأنَا أبو المَعَالِي الفَضْل بن سَهْل، عن أبي بَكْر الخَطِيب
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور مُحَمَّد بن عليّ بن إسْحَاق
(a) مجموع شعره والجمحي وياقوت: أم زيد.
(b) في مجموع شعره والجمحي وياقوت: عزٌّ، وعند ابن عساكر: عيس.
(c) شعره والزبيري: بودنا.
(d) في جموع شعره: أريد.
(e) شعره والزبيري: مصال.
(f) في مجموع شعره: ولحرمت
…
المتعضي، وعند ابن عساكر وياقوت: المتعضي.
(g) مجموع شعره: ضلة ضل صلهم ما اكتالوا، الزبيري: اكتالوا.
(h) الزبيري: ولحرَّت لحمك المتعضي، وفي جموع شعره والجمحي وابن عساكر وياقوت: البيت.
(i) الجمحي: أقتال.
(j) مجموع شعره والزبيري: شربك.
(k) ابن عساكر: وأبا طاهر، وفي مجموع شعره وياقوت: وأبي الظاهر.
(l) شعره: شنانًا.
_________
(1)
لم أقف عليه عند الخطيب البغدادي، وهو في تاريخ ابن عساكر 12: 326 - 327.
الكَاتِب، قِراِءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن بِشْر بن سَعيد الحُرَقيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو روْق أحْمَد بن مُحَمَّد بن بَكْر الهِزَّانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حَاتم سَهْل بن مُحَمَّد السِّجِسْتَانِيّ
(1)
، قال: سمعْتُ مَشْيَخَتَنا قالُوا: وعاشَ أبو زُبيد الطَّائيِّ، وهو المُنْذِر بن حَرْمَلَة من بني حَيَّة، خَمْسِين ومائة سَنَة، وكان نَصْرَانيًّا بالرَّقَّة، فيما زَعَم ابن الكَلْبيّ (a) عن أبي مُحَمَّد المُرْهِبيّ، وكان يُجْعَلُ له في كُلّ أحدٍ طَعَامٌ كَثِيرٌ، ويُهَيَّأ له شَرَابٌ كَثِيْرٌ، ويَذْهَب أصْحَابُه فيتفرَّقونَ في البِيعَة، ويَحْملْنَهُ النِّسَاءُ فيَضَعْنَهُ في المجلِس، فجُعِلَ له الطَّعَام في أحدٍ من تلك الآحادِ، وقُدِّمَتْ أبَاريقُهُ، وحَملَنَهُ النِّسَاءُ، فجاءَهُ المَوْتُ، فقال
(2)
: [من الطويل]
إذا جُعِلَ المَرْءُ الّذي كانَ حَازِمًا
…
يُحَلُّ بهِ حَلَّ الحُوَار ويُحْمَلُ
فليسَ له في العَيْش خَيْرٌ يُريدهُ
…
وتَكْفِينُه مَيْتًا أَعَفُّ وأجمَلُ
أتَاني رَسُولُ المَوْتِ يا مَرْحَبًا بهِ
…
لآتِيَهُ وسَوْفَ واللهِ أفْعَلُ (b)
ثمَّ ماتَ، فجاءَهُ أصْحَابُه، فوَجَدُوه مَيِّتًا.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَاتِ بن مُحَمَّد إذْنًا، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو القاسِم، إجَازَةً أو سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحدَّاد في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد الله بن رِيْذَة الضَّبّيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن يُوسُف بن شَمَّة الأصْبَهَانيَّان، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الطَّبَرَانيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن يَحْيَى ثَعْلَبُ النَّحْوِيّ، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن سلَّام الجُمَحِيّ
(3)
، قال: كان أبو زُبَيْدٍ الطَّائيّ خِلًّا للوليد بن
(a) السجستاني: فيما حدث به الكلبي.
(b) رواية العجز في مجموع شعره: ويا حبذا هو مرسلًا حين يرسل.
_________
(1)
السجستاني: المعمرون والوصايا 108.
(2)
شعر أبي زبيد الطائي 133، وانظرها في الشعر والشعراء لابن قتيبة 137 ومعجم الأدباء 3:1176.
(3)
لم يرد في نشرة طبقات فحول الشعراء.
عُقْبَة، فغَاب غَيْبةً عن الكُوفَة، فقَدِمَ الوَلِيد وقد هَلك، فأتَى قَبْرَهُ فسَلّم عليه، وأَنْشَأ يَقُول
(1)
: [من الكامل]
يا هَاجري إذ جِئْتُ زَائرَهُ
…
ما كان من عَاداتِكَ الهَجْرُ
يا صَاحِبَ القَبْر السَّلَامُ على
…
مَنْ حَال دُونَ لقَائهِ القَبْرُ
(1)
شعر أبي زبيد الطائي 70.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبِهِ تَوْفِيْقِي
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ حُرَيْث
حُرَيْث بن بَحْدَل بن أُنَيْف بن دَلَجَة بن قُنَافَة بنِ عَدِيّ بن زُهَيْر بن جَنَاب بن هُبَلِ بن عَبْد الله بن كَنَانة بن بَكْر بن عَوْف بن عُذْرَة بن زيْد اللَّات بن رُفَيْدَة بن ثَوْر بن كَلْب بن وَبْرَة الكَلْبيّ
(1)
أخُو مَيْسُون بنت بَحْدَل، زَوْج مُعاوِيَة، وخَال ابنه يَزِيد بن مُعاوِيَة، غَزَا القُسْطَنْطِينِيَّة مع ابن أُخْته يَزِيد، واجْتازَ في طَريقهِ بحَلَب أو ببَعْض عَمَلها.
أنْبَأنَا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ
(2)
، قال: حُرَيْثُ بن بَحْدَل بن أُنَيْف، وسَاقَ نَسَبَهُ كما ذَكَرناهُ، وقال: الكَلْبيّ، خَال يَزِيد بن مُعاوِيَة، أحد وُجُوه كَلْب، وهو ممَّن عَمِلَ في البَيْعَة ليَزيد، وكان غزا معه القُسْطَنْطِينِيَّة سَنَة خَمْسِين فيما ذكَرَ الوَاقِدِيُّ في كتاب الصَّوائِف، لهُ ذِكْرٌ.
(1)
كان حيًا سنة 71 هـ، وترجمته في: الفتوح لابن أعثم 3: 214 (وفيه: حريث بن خالد) وذكره في موضع آخر 3: 317 - 318: حريث بن جابر البكري، تاريخ ابن عساكر 12: 327، ابن الأثير: الكامل 4: 337 - 339.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 327.
حُرَيْث بن جَابِر الحَنَفِيّ، وقيل: الخَثْعَمِيّ
(1)
شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليٍّ رضي الله عنه، وكان أمِيْرًا على لَهَازم البَصْرَة، وله رَجَزٌ وشِعْرٌ قالَهُ يَوْم صِفِّيْن. وهو قَاتِلُ عُبيد الله بن عُمَر بن الخَطَّاب، وقيل: إنَّهُ قَتَل ذا الكَلَاع الحِمْيَرِيّ، وقيل: بل قَتَلَهُ الأشْتَرُ النَّخَعِيِّ.
أنْبَأنَا زَيْن الأُمَناءِ أبو البَرَكَات الحَسَنُ بن مُحَمَّد، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الله بن أحمد بن الخَشَّاب، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَرَّاءِ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر البَاقِلَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن شَاذَان، قال: حَدَّثنا أبو إسْحَاق بن نِيْخَاب، قال: حَدَّثنا إبْراهيم بن دِيْزِيل، قال: حَدَّثَنا يَحْيَى بن سُلَيمان، قال: حَدَّثنا نَصْر بن مُزَاحِم، قال
(2)
: حَدَّثنا مُحَمَّد بن عُبَيْد الله أنَّ عُبَيْدَ الله بن عُمَر بن الخَطَّاب شَدَّ يَوْمئذٍ وهو يَرْتَجِزُ ويقُول: [من الرجز]
أنا عُبَيْد الله ينْميْني عُمَر
وقد ذَكَرْناهُ في تَرْجَمَةِ عُبَيْد الله
(3)
، فيما يأتي من هذا الكتاب إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
قال
(4)
: فَحَمَل عليه حُرَيْثٌ، وهو حُرَيْثُ بن جَابِر الخثْعَمِيِّ، وهو يَقُول:[من الرجز]
قد شَاهدت (a) في نَصْرها رَبِيْعَهْ
…
في الحقِّ والحقُّ لها (b) شَرِيْعَهْ
(a) وقعة صفين وابن أعثم: سارعتْ.
(b) وقعة صفين: لهم.
_________
(1)
ترجمته في: الفتوح لابن أعثم 3: 213، وقعة صفين لنصر بن مزاحم 299، تاريخ خليفة 195، لأخبار الطوال للدينوري 178، أعيان الشيعة لمحسنِ الأمين 4: 615 - 617.
(2)
وقعة صفين: 299، وعجز البيت: خيرُ قريشٍ مَنْ مضى ومن غَبر.
(3)
ترجمة عبيد الله بن عمر بن الخطاب في الضائع من أجزاء الكتاب.
(4)
وقعة صفين: 399، والنقل متتابع عنه، مع زيادة رجز واحد على ما هو مثبت هنا، وانظر أيضًا الفتوح لابن أعثم 3:213.
في العُصْبَةِ السَّامعةِ المُطِيْعَهْ
…
حتَّى تَذُوق كأْسَها الفَظِيْعَه
ثُمَّ طَعَن عُبَيْد اللهَ بن عُمَر، فصَرَعَهُ فقَتَلَهُ، فقال في ذلك الصَّلْتانُ العَبْدِيّ، وذَكَر أبياتًا فيها:[من الطويل]
حَبَاكَ أخُو الهيْجا حُرَيْث بن جَابرٍ
…
بِجيَّاشَةٍ تحكى الهِزَبْر المُزَبَّدَا (a)
وذَكرَ أبو البَخْتَرِيّ وَهْب بن وَهْب في خَبَر صِفّيْن، قال فيما حَكاهُ عن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عن أَبِيهِ، قال: فلمَّا رأى ذلك عَبْد الله بن بُدَيْل، انْصَرف يُريد مَوْقفه فاسْتَقبَلهُ عُبَيْد الله بن عُمَر فشَدّ عليه، فقتَلَهُ وقَتَل أصْحَاب عَبْد الله بن بُدَيْل عُبَيْد الله بن عُمَر، ويُقال الّذي قَتَلَهُ - أو أسْرَع في قَتْله - كَرْب بن وَائِل العُكْلِيّ، وقال بَعْضُهم: ما قَتَلَهُ إلَّا حُرَيْث بن جَابِر الحنَفِيّ، وذلك حين شَدّ عليهم عُبَيْد الله في الشَّدَّهَ الأُوْلَى وهو يَرْتَجِزُ فلمَّا قال:[من الرجز]
قد أبطأت عن نَصْر عُثْمان مُضَر
…
والرَّبَعِيُّون فلا أُسقُوا المَطَر
سَمِعَها حُريْث بن جَابِر فقال: [من الرجز]
قد سَارعَتْ في نَصْرهَا رَبِيْعَه
…
في الحَقِّ والحقّ لها شَرِيْعَه
أتَتْ وليْسَ تَترك الوَقِيْعَه
…
رَبِيْعَة السَّامِعَةُ المُطِيْعَه
قال: وقال حُرَيْث بن جَابِر في التَّدَاعي إلى الحُكُومَة
(1)
: [من الوافر]
لعَمْرو أبيك والأنْباءُ تَنْمِي
…
وقد يشقي من الخَبَر الخبَيْرُ
لقد نَادَى مُعاوِيَة بن حَرْب
…
لأمْر لا تَضِيْق له الصُّدُورُ
دعانا للَّتي كُنَّا إليها
…
دَعَوْناهُ وذاكَ لها سُرُورُ
فحكَّمنا القُرْآن بغير شَكٍّ
…
وكان اللهُ عدلًا لا يَجُورُ
(a) وقعة صفين: الهدير المندَّدا.
_________
(1)
البيت الأول منها في كتاب وقعة صفين 488 باختلاف في الرواية.
ولا تَعْجل مُعاوِيَة بن حَرْب
…
فإنَّ سُرُور ما تَهوى غُرورُ
فإنَّك والخِلَافَة يا ابن حَرْبٍ
…
لكالحادي وليْسَ له بعِيْرُ
حُرَيْث بن شَهْرَيَار بن دَادارِ بن بَه كَرْد بن بَهْمُومي بن بُسْ شَاه بن يَزْدفنَّه بن مهرْدَال
(1)
مَوْلَى مُعاوِيَة بن أبي سُفْيان، هكذا قَرأتُ نَسَبَهُ في كتاب القَرْع والشَّجْر في النَّسَب تأليف أبي مُحَمَّد النَّسَّابَة
(2)
.
قال أبو مُحَمَّد: وهو من بني سَاسَان بن أَرْدَشِيْر الملك الجامع.
شَهِدَ حُرَيْث صِفِّيْن مع مَوْلاهُ مُعاوِيَة بن أبي سُفْيان، وكان بَطَلًا شُجَاعًا، وكان مُعاوِيَةُ يَعتَمد عليه في أُمُوره في حَرْبهِ، وقَتَلَهُ عليّ رضي الله عنه بصِفِّيْن.
وذَكرَ أبو مُحَمَّد النَّسَّابَة في كتاب القَرْع والشَّجْر، قال: وقيل بأنَّهُ بارَزَ عليّ بن أبي طَالِب عليه السلام يَوْم صِفِّيْن، فثَقف رأسهُ بالرُّمْح، وقال: لولَا أنَّ الحَظَّ فيكَ لغَيْري لقَتلَتُكَ.
أنْبَأنَا عبدُ الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن بن هِبَةِ الله
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللهِ الحُسَين بن مُحَمَّد بن خُسْرُو، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحَسَن بن أحْمَد البَاقِلَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن شَاذَان، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَدُ بن إسْحَاق بن نِيْخَاب الطِّيبِيِّ، قال: حَدَّثَنَا أبو إسْحَاق إبْراهيمُ بن الحُسَين بن عليّ الكِسَائِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو سَعيد يَحْيَى بن سُلَيمان الجُعْفِيّ، قال: حَدَّثَنَا نَصْرٌ
(1)
توفي سنة 37 هـ، وترجمته في: الفتوح لابن أعثم 3: 39 - 42، تاريخ ابن عساكر 12: 335 - 336، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 115 - 116، محسن الأمين: أعيان الشيعة 1: 489.
(2)
تقدم التعريف بالكتاب ومؤلفه في الجزء الرابع، وسلف التنبيه هناك إلى أن ابن العديم قيَّده بالقاف حيثما يرد، وبإسكان الجيم في كلمة "الشجْر"، بخلاف المصادر التي اتفقت على إيراده فيها بالفاء: الفرع.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 335.
- يعني ابن مُزَاحِم - قال
(1)
: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عُبَيْد اللهِ، عن شَيْخ له (a)، قال: كان فارسُ مُعاوِيَة الّذي يُعِدّه للمُبَارَزَة مَوْلَىً له يقال له حُرَيْثٌ، وكان يلْبَسُ سِلاحَ مُعاوِيَة مُتَشَبِّهًا به، فإذا قاتل قال النَّاس: ذاك مُعاوِيَة. وإنَّ مُعاوِيَةَ قال له: يا حُرَيْث، اتَّق عليًّا، ثمّ ضَعْ رُمْحك حيثُ شِئْتَ! فقال له عَمْرُو بن العاص: إنَّك واللهِ يا حُرَيْث لو كُنْتَ قُرَشِيًّا لأَحَبَّ مُعاوِيَةُ أنْ تَقْتُل عليًّا، ولكن كَرِهَ أنْ يكُون لكَ حَظُّها، فإنْ رأيْتَ منه فُرْصَةً فاقْتَحم (b) عليه. فلمَّا خرَجَ النَّاسُ إلى القِتَال وتَصَافُّوا، خرَج عليٌّ أمامَ أصْحَابهِ (c).
قال يَحْيَى
(2)
: فحَدَّثَني عَمْرو بن عَبْد المَلِك بن سَلعْ الهَمْدانِيّ قال: حَدَّثَني أبي، قال: خَرَجَ حُرَيْث مَوْلَى مُعاوِيَة يَوْم صِفِّيْن، فدعا عليًّا إلى المُبَارَزَة، فقال: هَلمّ يا أبا الحَسَن إلى المُبَارَزَة، فخَرَجَ إليه عليّ وهو يَقُول:[من الرجز]
أنا عليٌّ وابنُ عَبْد المُطَّلِبْ
…
أنا وبَيْت الله (d) أَوْلَى بالكتُبْ
أهلُ اللِّواءِ والمَقَامِ والحُجُبْ
…
نحنُ نَصَرْنَاهُ على جُلِّ العَرَبْ
ثُمَّ حَمَلَ عليه عليّ فطَعَنَهُ فدقَّ ظَهْرَهُ.
قال
(3)
: وحَدَّثَنَا نَصْر، قال
(4)
: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُبَيْد الله، أنَّ مُعاوِيَةَ جَزِعَ على حُرَيْثٍ جَزَعًا شَدِيْدًا وعَاتَبَ عَمْرًا فيما أشارَ عليه من لقاءِ عليّ، فأنْشَأَ يَقُول:[من الطويل]
حُرَيْثُ أَلَم تَعْلَمْ وعِلْمُك (e) ضَائِرٌ
…
بأنَّ عليًّا للفَوَارسِ قَاهِرُ
(a) سماه نصر: الجرجاني.
(b) وقعة صفين: فاقْحُم.
(c) عقبه في كتاب وقعة صفين لنصر: وحمل عليه حُريث.
(d) وقعة صفين: نحن لعمر الله.
(e) وقعة صفين: وجهلك.
_________
(1)
وقعة صفين 272.
(2)
انظر الرواية وأبيات الرجز في كتاب نصر: وقعة صفين 272، بزيادة بيت عليها.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 336.
(4)
وقعة صفين 273، وانظره في الفتوح لابن أعثم 3: 42 - 43.
وأنَّ عليًّا لم يُبارزْهُ فَارِسٌ
…
من النَّاسِ إلَّا قصَّدَتْهُ (a) الأظَافِرُ
أمَرْتُكَ أمْرًا حَازِمًا فعَصَيْتَني
…
فجَدُّكَ إذ لَم تَقْبل النُّصح عَاثِرُ
أنبأنَا أبو العَلاء أحْمَد بن شَاكِر بن سُلَيمان، عن أبي مُحَمَّد بن الخشَّاب، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَرَّاء، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر البَاقِلَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن شَاذَان، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن نِيْخَاب، قال: حَدَّثَنَا ابن دِيْزِيْل، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قال: حَدَّثَني نَصْرٌ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا عَمْرو بن شَمِر، عن جَابِر، عن تَمِيْم بن حِذْيَم، قال: خَرَجَ حُرَيْث مَوْلَى مُعاوِيَة يَوْمئذٍ، وكان شَدِيْدًا ذا بأسٍ، فقال: أهَا هُنا عليّ؟ هل لك يا عليّ في المُبَارَزَةِ؟ أقْدم إذا شِئْت أبا حَسَن، فأقْبَل عليٌّ نحوَهُ وهو يَقُول:[من الرجز]
أنا عليٌّ وابن عَبْد المُطَّلِبْ
فذَكَر نَحْوه، يعني، نحو ما ذَكَرناهُ أوَّلًا.
وقد ذَكَرَ أبو البَخْتَرِيّ فيما نَقَلهُ عن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عن أَبِيهِ، في خَبَر صِفِّيْن زِيَادَة بَيْتَيْن في شِعْر مُعاوِيَة، وهُما بعد الأبْيَات الثَّلاثة الّتي ذكَرْناها
(2)
: [من الطويل]
أَدَلَّاكَ (a) عَمْرٌو والحَوَادِثُ جَمَّةٌ
…
غُرورًا فما (b) جَرَّت عليك الجَرَائرُ (c)
وظنَّ حُرَيْثٌ أنَّ عَمْرًا نَصِيحُهُ
…
وقد يُهْلِكُ الإنْسانَ مَن لا يُحَاذِرُ
قُلْتُ: وفي ذلك يقول سَعيدُ بن قَيْس الهَمْدانِيّ من أبياتٍ: [من الوافر]
أَيرْجُو أنْ يَنَال حُرَيْثُ شَرًّا
…
أبا حَسَنٍ وذا ما لا يَكُونُ
(a) وقعة صفين وابن أعثم: أقصدَتْهُ.
(b) وقعة صفين: ودلَّاك.
(c) وقعة صفين: وما.
(d) وقعة صفين: المقادرُ.
_________
(1)
وقعة صفين 272.
(2)
البيتان في كتاب نصر: وقعة صفين 273، وفيه زيادة بيت أيضًا.
أنْبَأنَا أبو نَصْر بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(1)
، قال: حُرَيْث مَوْلَى مُعاوِيَة بن أبي سُفْيان، كان فَارِسًا بَطَلًا، وكان مُعاوِيَة يَعْتَمد عليه في حَرْبهِ، وشَهِدَ معه صِفِّيْن، وقُتِلَ يَوْمئذٍ.
حَرِيْز بن عُثْمان بن جَبْر بن أحمد - وقيل: أحْمَر - ابن أَسْعَد، أبو عُثْمان - وقيل: أبو عَوْن - الرَّحَبِيّ الشَّامِيّ
(2)
من رَحْبَةِ الشَّام، وسَكَنَ حِمْص، واجْتازَ فيما بينهما بنَوَاحِي حَلَب.
ووَفَدَ على عُمَر بن عَبْد العَزِيْز، وأظنُّه بخُنَاصِرَة.
حَدَّثَ عن عَبْد الله بن بُسْر صَاحب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وعَبْد الرَّحمن بن مَيْسَرة، ورَاشِد بن سَعْد المُقْرَائِيّ، وعَبْد الوَاحِد بن عَبْد اللهِ النَّصْرِيّ، وسُلَيم بن عامر، وحَبِيْب بن عُبَيْد، وعَبْد الرَّحمن بن أبي عَوْف الجُرَشِيّ، وخَالِد بن مَعْدَان، وحِبَّان بن زَيْد الشَّرْعَبِيّ، وعَبْد الرَّحمن بن جُبَيْر بن نُفَيْر،
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 335.
(2)
توفي سنة 163 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن معين 2: 106، طبقات خليفة 315، تاريخ البخاري الكبير 3: 103 - 104، وتاريخه الصغير 2: 143، العجلي: تاريخ الثقات 112، المعارف 397 (ذكر عارض)، المعرفة والتاريخ 2: 388 (ذكر عارض)، ابن حبان: كتاب المجروحين 1: 268 - 269، الجرح والتعديل 3: 289، الكامل لابن عدي 2: 856 - 859، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 160، تاريخ بغداد 9: 182 - 189، ابن ماكولا: الإكمال 2: 85 - 86، السمعاني: الأنساب 6: 95، تاريخ ابن عساكر 12: 336 - 354، ابن الجوزي: المنتظم 8: 266 - 267 (وتصحف اسمه فيه: جرير بدل حريز، خبير بدل جبر)، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 12: 338 - 339، المزي: تهذيب الكمال 5: 568 - 581 وفيه: "من رَحَبة بالفتح: في حمير"، تاريخ الإسلام 4: 328 - 331، تذكرة الحفاظ 1: 176 - 177، سير أعلام النبلاء 7: 79 - 81، العبر في خبر مَن غبر 1: 185، الكاشف 1: 214، ميزان الاعتدال 1: 475 - 476، الوافي بالوفيات 11: 347، تهذيب التهذيب 2: 237 - 241، تقريب التهذيب 1: 159، السيوطي: طبقات الحفاظ 84 - 85، شذرات الذهب 2: 285، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 116 - 118، الزركلي: الأعلام 2: 174.
وسَلْمَان بن شُمَيْر، وعبد الله بن غَابِر الأَلْهَانِيّ، والقَاسِم بن مُحَمَّد الثَّقَفِيّ، وسَعِيْد بن مَرْثَد، وشُرَحْبِيل بن شُفْعَة الرَّحبِيّ، وشَبِيْب بن أبي رَوْح، وعِمْران بن مُحَمَّد، ويَزِيْد بن صُلَيْح، وعُمَر بن عَبْد العَزِيْز.
رَوَى عنهُ مُبَشِّر بن إسْمَاعِيْل الحَلَبِيّ، وبَقِيَّة بن الوَلِيد، وإسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، ويَحْيَى بن سَعيد القَطَّان الحِمْصِيُّون، ومُعاوِيَة بن عبد الرَّحْمن أبَو عبد الرَّحْمن الرَّحبِيّ، وعِيسَى بن يُونُس، ومُحمّد بن حِمْيَر، ويَزِيْد بن هارون، والوَلِيد بن مُسْلِم، ومُحَمَّد بن مُصْعَب القَرْقِسَانِيّ، وعِصَام بن خَالِد، ويَحْيَى الوُحَاظِيّ، ومُعَاذ بن مُعَاذ، وسُفْيان بن حَبِيْب، وإسْحَاق بن سُلَيمان الرَّازِيّ، وعُثْمان بن سَعيد بن كَثِيْر بن دِيْنار، وشَبَابَة بن سَوَّار، والحَسَن بن مُوسَى الأشْيَب، وعليّ بن عَيَّاش، وأبو النَّضْر الحَارِث بن النُّعْمان، وأبو المُغِيرَة الخَوْلانِيّ، ومَسْلَمَة بن عليّ الخُشَنِيّ، وعليّ بن الجَعْد، وأبو اليَمَان، وجُنَادَة بن مَرْوَان، والوَلِيد بن هِشَام، وآدَم بن أبي إِيَاس، وأبو الزَّرْقَاء عَبْدُ المَلِك بن مُحَمَّد الصَّنْعانِيّ، والحَكَم بن نَافِع، وعَمْرو بن عليّ.
أخْبَرَنا أبو هاشِم الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّنْجِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الدُّونِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر الكَسَّار، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن السُّنِّيّ (a)، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن هَارُون الحَضْرَميّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن مُسْلِم، قال: حَدَّثَنَا يَزِيد بن هَارُون، قال: أخْبَرَنا حَرِيْز بن عُثْمان، قال: حَدَّثَنَا سُلَيْم (b) بن عَامِر، عن أبي أُمَامَة، قال
(1)
: جاء شَابٌّ إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسُول الله،
(a) مهملة في الأصل، وهو الحافظ أحمد بن محمد بن إسحاق، يروي عنه ابن الكسار؛ شيخه في هذا الإسناد، انظر تاريخ الإسلام للذهبي 4:224.
(b) في الأصل: سليمان، وهو خطأ، صوابه المثبت كما تقدم في جريدة شيوخ صاحب الترجمة، وكما هو عند أحمد في مسنده 36: 545 والطبراني في المعجم الكبير 8: 190.
_________
(1)
أخرجه أحمد في مسنده 36: 545 (رقم 22211)، والطبراني: المعجم الكبير 8: 190 - 191 (رقم 7679)، كلاهما من طريق حريز بن عثمان الرحبي، به. وانظر: مجمع الزوائد 1: 129، والمسند الجامع 7: 465 - 466 (رقم 5348).
ائذن لي في الزِّنَا، قال: فأقْبَل القَوْم عليه فزَجَرُوهُ، فقال: مَهْ!؟ فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: أتُحبُّه لأُمِّك؟ قال: لا والله، جَعَلني الله فِدَاك، قال: كذلك النَّاس لا يُحِبُّونَهُ لأُمَّهاتهم، أفتُحبُّه لابْنتك؟ قال: لا والله، جَعَلني الله فدَاك، قال: كذلك النَّاس لا يُحبُّونه لبَناتهم، قال: أفَتُحبُّه لأُخْتك. قال: لا، وذَكَرَ الحَدِيْث بطُوله وذَكَر الخَالَة والعَمَّة.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قِراءَةً عليهِ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَة الله بن أحْمَد بن عُمَر الحَرِيرِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب مُحَمَّدُ بن عليّ بن الفَتْح العُشَارِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحُسَين بن سَمْعُون، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن نُصيْر، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ، قال: حَدَّثَني هَارُون بن عُمَر الدِّمَشقيّ، قال: حَدَّثَنَا مُبَشِّر بن إسْمَاعِيْلِ، قال: حَدَّثَني حَرِيْزُ بن عُثْمان، عن عبد الرَّحْمن بن أبي عَوْف، قال: لا تُعادِيَنَّ رَجُلًا حتَّى تَعْرف الّذي بينَهُ وبين الله عز وجل، فإنْ كان مُحْسِنًا فيما بينه وبين الله، لم يُسْلمهُ الله لعَدَواتِكَ، وإنْ كان مُسِيئًا فيما بينه وبين اللهِ، كَفَاكَ عَمَلُهُ.
أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن أبي الحَسَن بن إبْراهيم الدَّارَانِيّ، قال: أخْبَرَنا سَهْل بن بِشْر الإسْفَرَايِنِيّ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُنِير، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَبْد الله الذُّهْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُبْدُوْس، قال: حَدَّثنا دَاوُد بن رُشَيْد، قال: حَدَّثَنَا أبو الزَّرْقَاءِ، عن حَرِيْز بن عُثْمان، قال: صلَّيْتُ خَلْفَ عُمَر بن عَبْدِ العَزِيْز فسَلَّم تَسْلِيْمَةً.
أنْبَأنَا أبو عَبْد الله الحُسَين بن عُمَر بن بَاز، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الحَقّ بن عَبْد الخَالِق، قال: أخْبَرَنا أبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن سَهْل، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل
البُخاريّ
(1)
، قال: حَرِيْز بن عُثْمان الحِمْصِيُّ الرَّحبِيُّ، عن رَاشِد بن سَعْدٍ، سَمِعَ منه الحَكَمُ بن نَافِع، وقال يَزِيد بن عَبْد رَبِّهِ: ماتَ حَرِيْز سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين ومائة، ومَوْلدُهُ سَنة ثَمانين.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن مُعَمَّر بن طَبَرْزَد من كتابه، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك البَغْدَاديّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عليّ الحافِظ
(2)
، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي عليّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن المُظَفَّر، ح.
قال: وأخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد العَتِيْقِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين بن عُمَر اليَمَنِيّ بمِصْر، قالا: حَدَّثَنَا بَكْرُ بن أحْمَد بن حَفْص الشَّعْرِانيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عِيسَى البَغْدَاديّ بِحْمص، قال: وأبو عُثْمان حَرِيْز بن عُثْمان بن جَبْر بن أحْمَرَ بن أَسْعَد الرَّحبِيّ المَشْرِقِيّ، لم يكُن له كتابٌ، إنَّما كان يَحْفَظُ. مَوْلدُهُ سَنَة ثَمانين، ومات سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين، لا يُخْتَلَفُ فيه، ثَبْتٌ في الحَدِيْثِ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن طَاهِر، قال: أخْبَرَنا مَسْعُودُ بن نَاصِرٍ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ المَلِك بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد الكَلَابَاذِيّ، قال: حَرِيْزُ بن عُثْمان، أبو عُثْمان الرَّحبِيّ الحْمِصِيّ، حَدَّثَ عن عَبْد اللهِ بن بُسْرٍ، وعَبْد الوَاحِد النَّصْرِيّ. رَوَى عنهُ عليّ بن عَيَّاش، وعِصَام بن خَالِدٍ في صِفَة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وذِكْر بني إِسْرَائِيل. وُلد سَنَة ثَمانين، ومات سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين ومائة، وهو ابن ثلاثٍ وثَمانين سَنَة، قال: وقال أبو عِيسَى: مات سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين.
أخْبَرَنا أبو نَصْر القَاضِي من كتَابهِ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(3)
، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم، وأبو الوَحْش سُبَيْع بن المُسَلَّم، عن أبي الحَسَن رَشَاء بن
(1)
تاريخ البخاري الكبير 3: 103 - 104، ونقل المصنف عنه مختصر.
(2)
تاريخ بغداد 9: 189.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 341.
نَظِيف، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بن مُحَمَّد، وعبد الله بن عبد الرَّحْمن، قالا: أخْبَرَنا الحَسَن بن رَشِيْق، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن حَمَّاد الدُّولَابِيّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن عَوْف، قال: سَمِعْتُ يَزِيد بن عَبْد رَبِّهِ يقُول: مَوْلد حَرِيْز بن عُثْمان سَنة ثَمانين.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الأنْمَاطِيِّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر البَاقِلَّانِيّ، وأبو الفَضْل بن خَيْرُون، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن أحْمَد الأهْوَازِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن أحْمَد الأهْوَازِيّ، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بن خَيَّاطٍ
(1)
، قال: في الطَّبَقَةِ الرَّابعة من أهْلِ الشَّام حَرِيْز بن عُثْمان رَحَبِيٌّ حِمْصيٌّ.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل الأَدَمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد القَاسِم بن عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السُّوْسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله بن أبي الحَدِيْد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الرَّبَعِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب الكِلابِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عُمَيْر بن جَوْصَا، قال: سَمعْتُ أبا الحَسَن بن سُمَيعْ يقُول: في الطَّبَقَة الخَامِسَة حَرِيْز بن عُثْمان الرَّحبِيّ حِمْصيٌّ.
أنْبَأنَا أبو نَصْر القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الحَسَن
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن العبَّاس، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر المَغْرِبيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد بن حَمْدُون، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن عَبْدَان، قال: سَمِعْتُ مُسْلم بن الحَجَّاج
(4)
يقُول: أبو عُثْمان حَرِيْز بن عُثْمان، عن رَاشِد بن سَعْد، رَوَى عنهُ أبو اليَمَان، وأبو المُغِيرَة، وعليّ بن عَيَّاشٍ.
(1)
طبقات خليفة 315 وتصحف اسمه فيه إلى: جرير.
(2)
أورده ابن عساكر في تاريخه 12: 339، وسقط من روايته ذِكْرُ بعض رجال إسناده.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 339 - 340.
(4)
الإمام مسلم: الكنى والأسماء 1: 545.
أنْبَأنَا أبو حَفْص بن مُحَمَّد، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الآبِنُوسِيّ عن أبي الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، ح.
قال: وأنْبَأنا أبو الفَتحِ المَحَامِلِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، قال: حَرِيْز بن عُثْمان الحْمِصِيّ، روى عن عَبْد الله بن بُسْر، يُرْمَى بالانْحِرَاف عن عليّ بن أبي طَالب وعنه في ذلك اخْتِلَاف، هو: حَرِيْز بن عُثْمان بن جَبْر بن أحْمَد الرَّحبِيّ المَشْرِقِيّ، أبو عُثْمان، توفى سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين ومائة، فيما أخْبَرَني الحَسَن بن أحْمَد المَادَرَائيّ، عن بَكْر بن أحْمَد، عن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عِيسَى البَغْدَاديّ في تاريخ الحْمِصِيِّيْن.
أنْبَأنَا زَيْد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: حَرِيْز بن عُثْمان بن جَبْر بن أحْمَر بن أَسْعَد أبو عُثْمان، وقيل: أبو عَوْن، الرَّحبِيُّ الحِمْصِيُّ، سَمِعَ عَبْد الله بن بُسْرٍ صَاحِب رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، ورَاشِد بن سَعْد، وعَبْد الرَّحمن بن مَيْسرة، وعَبْد الوَاحِد بن عَبْدِ الله النَّصْرِيّ، وعَبْد الرَّحمن بن أبي عَوْف الجُرَشِيّ، وحِبَّان بن زَيْد الشَّرْعَبِيّ.
رَوَى عنهُ إسْمَاعِيْل بنُ عَيَّاش، وبَقِيَّة بن الوَلِيد، وعِيسَى بن يُونُس، وإِسْحَاق بن سُلَيمان الرَّازِيّ، ومُعَاذ بن مُعَاذ العَنْبَرِيّ، وعُثْمان بن كَثِيْر بن دِيْنار، ويَزِيْد بن هارون، وشَبَابَة بن سَوَّار، وأبو النَّضْر الحارِث بن النُّعْمان البَزَّاز (a)، وعليّ بن الجَعْد، والحَسَن بن مُوسَى الأشْيَب، وآدَم بن أبي إِيَاس، وأبو اليَمَان، وعليّ بن عَيَّاش. وكان قد قَدِمَ بَغْدَاد، فسَمعَ بها منه العِرَاقِيُّونَ. قال شَبَابَة: لقيْتُ حَرِيْز عُثْمان ببَغْدَاد.
(a) في الأصل: البزار، بالراء المهملة، وهو تصحيف، والمثبت هو الصواب الموافق لما في تاريخ بغداد، وانظر ترجمته في تهذيب الكمال للمزي 5: 292، تاريخ الإسلام 5: 46، تهذيب التهذيب 2:160.
_________
(1)
تاريخ بغداد 9: 182.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، عن أبي زَكَرِيَّاء البُخاريّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الغَنِيّ بن سَعيد
(1)
، قال في باب حَريْز بالحَاء: حَرِيْر بن عُثْمان الشَّامِيّ.
قال أبو مُحَمَّد السُّلَمِيّ: أنْبَأنَا أبو نَصْر عليّ بن هِبَة الله بن جَعْفَر بن مَاكُولا
(2)
، قال: وأمَّا حَرِيْز، أوَّله حَاءُ مُهْمَلة (a) وراءُ مَكْسُورَة وآخره زايُ، وذَكَر جَمَاعَة. وقال: وحَرِيْز بن عُثْمان بن جَبْر بن أحْمَد الرَّحبِيّ المَشْرِقِيّ، أبو عُثْمان، رَوَى عن عَبْد الله بن بُسْر وغيره، كان يُرْمَى بالانْحِرَاف عن عليّ رضي الله عنه، [وعنه](b) في ذلك اخْتلَافُ. وقال في باب جَبْر في الآباء
(3)
: وحَرِيْز بن عُثْمان بن جَبْر بن أَسْعَد المَشْرِقِيّ مَشْهُورٌ.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ
(4)
، قال: حَرِيْزُ بن عُثْمان بن جَبْر (c) بن أحْمَد بن أَسْعَد أبو عُثْمان، ويقال: أبو عَوْن الرَّحبِيّ الحْمِصِيّ، حَدَّثَ عن عَبْدِ الله بن بُسْر، ورَاشِد بن سَعْد المُقْرَائِيّ، وعَبْد الرَّحمن بن مَيْسَرة، وعَبْد الوَاحِد بن عَبْد الله النَّصْرِيّ، وعَبْد الرَّحمن بن أبي عَوْف الجُرَشِيّ، وحِبَّان بن زَيْد الشَّرْعَبِيّ، وخَالِد بن مَعْدَان، وحَبِيْب بن عُبَيْد الرَّحبِيّ، وسَلْمَان بن شُمَيْر، والقَاسِم بن مُحَمَّد الثَّقَفِيّ، وسُلَيمِ بن عامر، وعبد الله بن غَابِر الأَلْهَانِيّ، وشُرَحْبِيل بن شُفْعَة الرَّحبِيّ، ويَزِيْد بن صُلَيْح، وعِمَران بن مُحَمَّد، وشَبِيْب بن أبي رَوْح، وسَعِيْد بن مَرْثَد، وعَبْد الرَّحمن بن جُبَيْر بن نُفَيْر.
(a) الأصل: معجمة، وهو خطأُ بيِّن.
(b) إضافة من كتاب ابن ماكولا.
(c) ابن عساكر: خير.
_________
(1)
الأزدي: المؤتلف والمختلف 1: 168.
(2)
الإكمال 2: 85 - 86.
(3)
الإكمال 2: 17.
(4)
تاريخ ابن عساكر 13: 336.
رَوَى عنهُ عِيسَى بن يُونُس، وإسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، وبَقِيَّة، ومُعَاذ بن مُعَاذ، وإسْحَاق بن سُلَيمان الرَّازِيّ، ويَزِيْد بن هارون، وعُثْمان بن سَعيد بن كَثِيْر بِن دِيْنار، وشَبَابَة بن سَوَّار، وأبو النَّضْر الحَارِث بن النُّعْمان، والحَسَن بن مُوسَى الأشْيَبُ، وعليّ بن الجَعْد، وآدَمُ بن أبي إِيَاسٍ، وأبو اليَمَان، وعليّ بن عَيَّاشٍ، وأبو الزَّرْقَاء عَبْدُ المَلِك بن مُحَمَّد الصَّنْعانِيّ، والوَلِيد بن هِشَام المُخَرِّمِيّ (a)، وجُنَادَةُ بن مَرْوان (b)، ومَسْلَمَة بن عليّ الخُشَنِيّ، ومُحمّد بن حِمْيَر، وأبو المُغِيرَهَ الخَوْلانِيّ، ويَحْيَى بن سَعيد العَطَّار الحْمِصِيّ، والوَلِيد بن مُسْلِم. ووَفَدَ على عُمَر بن عَبْد العَزِيْز.
كَتَبَ إلينا الشَّيْخِ الفَقِيه أبو الحَسَن عليّ بن المُفَضَّلِ بن عليّ المَقْدسِيّ أنَّ الشَّريفَ القَاضِي أبا مُحَمَّد عَبْد الله بن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد العُثْمانيّ أخْبَرَهم، قال: أخْبَرَني الفَقِيه أبو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن علي البَاهِلِيّ، إجَازَةً، وقَرَأتُ على وَلدِه أبي مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد، قالا: حَدَّثَنَا الفَقِيه الحافِظ أبو عليّ الحُسَينُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد الغَسَّانِيّ في كتاب تَقْيِيد المُهْمَل وتَمْييز المُشْكِل من الأسْماء والكُنَى والأنْسَاب لمَن ذُكِر في الكتابَين الصَّحيحيْن من الصَّحَابَة والتَّابِعِين ومَنْ بَعْدَهم
(1)
، قال في باب الرَّحبِيّ والأَرْحَبِيّ: فالرَّحَبِيّ - بفَتْح الحَاء الُمهْملَة، بعده باءُ مَنْقُوطَة بواحدة - مَنْسُوبُ إلى بني رَحَبَة - بفَتْح الرَّاء والحَاء - بَطنُ من حِمْيَر، وهو رَحَبَة بن زُرْعَة أخو سُدَدٍ - بسين مُهْملَة على وَزْن جُمَل (c) - ابن زُرْعَة بن سَبَأ الأصْغَر، منهم: أبو أسْماء الرَّحَبِيّ الشَّامِيّ، فذَكَر جَمَاعَة، وذكَرَ فيهم حَريْز بن عُثْمان
(a) كذا في الأصل مجودًا، وعند ابن عساكر: القحذمي.
(b) في الأصل: جنادة بن موسى، وهو سهوٌ إذ ليس في الرواة مَن يُعرف بهذا الاسم، والمثبت من تاريخ ابن عساكر، وكما تقدم في جريدة مَن روى عن صاحب الترجمة، وانظر ترجمته في: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2: 516، وتاريخ الإسلام للذهبي 5:289.
(c) كذا في الأصل، وفي نشرة كتاب الغساني: سَدَد .. على وزن جَبَل.
_________
(1)
الغساني: تقييد المهمل 1: 270 - 271 (تحقيق علي العمران ومحمد عزيز شمس، مكة المكرمة، دار عالم الفوائد 2000 م).
الرَّحَبِيّ أبو عُثْمان الحْمِصِيُّ عن عَبْد الله بن بُسْرٍ، قال: وقد تَقَدَّمَ ذِكْرهُ في حَرْف الحَاء، وإنَّما قَدَّمَ ذِكْره في حَرْف الجِيْم في باب جَرِيْر وجُرَيْر وحَرِيْز، فقال
(1)
: حَرِيْز، بحاءٍ مُهْملَة وزَاي مُعْجَمة في آخر الاسْم، هو حَرِيْزُ بن عُثْمان الرَّحَبِيُّ أبو عُثْمان الحْمِصِيُّ، ورَحَبَةُ - بفَتْح الحَاء المُهْملَة والباء المَنْقُوطَة بواحدةٍ - في حِمْيَر، يرَوَى عن عَبْد الله بن بُسْر، بسين مُهْملَة، وعَبْد الوَاحِد النَّصْرِيّ بالنُّون، روَى له البُخاريّ ومُسْلِم.
قُلتُ: كَذَا قال الحافِظُ أبو عليّ الغَسَّانِيّ أنَّهُ مَنْسُوبُ إلى بَطْن من حِمْيَر، وهو رَحَبَة في المَوضِعَين، وهذا وَهْمُ منه، وإنَّما هو مَنْسُوبُ إلى رَحْبَةِ الشَّام، وهي رَحْبَة مَالِك بن طَوْق، وكان من أهلها، ثمّ سَكَنَ حِمْص، ورَوَى عن غير واحدٍ من أهْلها، ويقال فيه الرَّحَبِيّ بالفَتْح، والرَّحْبِيّ بالإسْكَان لأنَّ حَرْف الحَلْق إذا توسَّط الكَلِمَة فُتحَ وأُسْكِن.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد المُكْتِب، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن علِيّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا حَمْزَةُ بن مُحَمَّد بن طَاهِر، ومُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد الأكْبَر - قال حَمْزَة: حدَّثَنَا، وقال أحْمدُ: أخْبَرَنا - الوَلِيدُ بن بَكْر الانْدَلُسِيّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن أحْمَد بن زَكَرِيَّاء الهاشِمِيّ، قال: حَدَّثَنَا: أبو مُسْلم صالح بن أجْمَد بن عَبْدِ الله العِجْلِيّ، قال: حَدَّثَني أبي
(3)
، قال: حَرِيْزُ بن عُثْمان الرَّحَبِيّ شَامِيُّ ثِقَةُ، وكان يَحْمِلُ على عليٍّ.
أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد عَبْد البَرّ بن الحَسَن بن أحْمَد الهَمَذَانيّ، قال: أخْبَرَنا أبو المحاسِن نَصْر بن المُظَفَّر البَرْمَكِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الإسْمَاعِيْليّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ السَّهْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(4)
، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِك بن
(1)
الغساني: تقييد المهمل 166.
(2)
تاريخ بغداد 9: 184.
(3)
العجلي: تاريخ الثقات 112.
(4)
ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال 2: 857.
مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنا عبَّاس بن مُحَمَّد، قال: سَمِعْتُ أبا مُسْلِم المُسْتَمْلِيّ يقُول: حَرِيْز بن عُثْمان، يُكْنَى أبا عُثْمان، يَنْتقِصُ
(1)
عليًّا، ويَنَال منه، وكان حَافِظًا لحَدِيْثهِ، وسَمِعْتُ مُعَاذًا يُحَدِّث عنه ويَزِيْدُ بن هارون، وعَمْرو بن عليّ، وشُيُوخَنا.
وقال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا ابن أبي عِصْمَةَ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن أبي يَحْيَى، قال: سَمِعْتُ أحْمَد بن حَنْبَل يَقُول: حَدِيثُ حَرِيْز نحو من ثلاثمائة، وهو صحيحُ الحَدِيْث إلَّا أنَّهُ يَحْمْل على عليٍّ رضي الله عنه.
قال: وأخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(3)
، قال: وحَرِيْز بن عُثْمان من الأثْبَات في الشَّامِيِّين، يُحَدِّثُ عنهُ الثِّقَاتُ من أهْلِ الشَّام، مثل الوَلِيد بن مُسْلِم، ومُحَمَّد بن مُصْعَب (a)، وإسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، ومُبَشِّر بن إسْمَاعِيْل، وبَقِيَّة، وعِصَام بن خَالِد، ويَحْيَى الوُحَاظِيّ، وحَدَّثَ عنهُ من ثِقَات أهل العِرَاق يَحْيَى القَطَّان، ونَاهِيْكَ بهِ، ومُعَاذ بن مُعَاذ، ويَزِيْد بن هارون، وسُفْيان بن حَبِيْب، وغيرهم. وحَرِيْز يُحَدِّثُ عن أهْلِ الشَّام عن الثِّقَات منهم، وقد وثَّقهُ يَحْيَى القَطَّان، ومُعَاذ بن مُعَاذ، وأحمد بن حَنْبَل، ويَحْيَى بن مَعِيْن، ودُحَيْم، وإنَّما وُضِعَ منه ببُغْضه لعليّ. وقال يَحْيَى بن صالح الوُحَاظِيّ: أمْلَى عليَّ حَرِيْز بن عُثْمان، عن عبد الرَّحْمن بن مَيْسَرة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَديثًا في بُغْض (b) عليّ؛ حَدِيثُ مُنْكرُ مُنْكَرُ (c) جدًّا لا يَرْوِي مُسْلِم ولا يَصْلح أنْ يُذْكرَ في الكتاب، قال الوُحاظِيّ: فلمَّا حَدَّثَني بذلك قُمْتُ عنه وتَركت الكتابَ عنه.
(a) عند ابن عدي: ابن شعيب، وقد سلف قريبًا فيمن يروي عن حريز: مُحَمَّد بن مصعب القرقساني.
(b) ابن عدي: في تنقّص.
(c) ابن عدي: معضل منكر.
_________
(1)
ابن عدي: الكامل 2: 857.
(2)
ابن عدي: الكامل 2: 857.
(3)
ابن عدي: الكامل 2: 859.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد، قال (a): أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي أحْمَد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْدُ الله بن عليّ بن حَمُّوْيَه بن أَبْرَك الهَمَذَانيّ (b)، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عبد الرَّحْمن الشِّيْرَازيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو حَفْص عُمَرُ بن أحْمَد بن يُونُس بن نُعَيْم البَغْدَاديّ بها، قال: حَدَّثَني أبو عليّ الحُسَين بن أحْمَد بن عليّ المالِكِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن الضَّحَّاك، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْل بن عَيَّاش، قال: سَمِعْت حَرِيْز بن عُثْمان، قال: هذا الّذي يَرْويه النَّاسُ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال لعليّ: أنْتَ منِّي بمَنْزِلة هَارُون من مُوسى، حَقٌّ، ولكنْ أخْطَأ السَّامِع، قُلتُ: فما هو؟ فقال: إنَّما هو: أنْتَ منِّي بمكان (c) قَارُون من مُوسَى! قُلتُ: عمَّن تَرْويهِ؟ قال: سَمِعْتُ الوَلِيد بن عَبْد المَلِك يَقُولهُ وهو على المِنْبَر.
قال الخَطِيبُ
(2)
: عَبد الوَهَّاب بن الضَّحَّاك كان مَعْرُوفًا بالكَذِب في الرِّوَايَة، فلا يَصِحُّ الاحْتِجَاج بقَوْله.
أخْبَرَنا أبو نَصْر بن هِبَة الله إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(3)
، قال: كَتَبَ إليَّ أبو سَعْد مُحَمَّدُ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد، وأبو عليّ الحَسَنُ بن أحمد، وأبو القَاسِم غَانِم بن مُحَمَّد بن عُبَيْدِ الله البُرْجِيّ، ثمّ أخْبرَني أبو المَعَالِي عَبْدُ الله بن أحْمَد بن مُحَمَّد الحُلْوَانِيُّ بمَرْو، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَدَّادُ، قالوا: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم الحافِظُ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيمُ بن عَبْدِ الله، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسْحَاق - يعني السَّرَّاجِ - قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن سَعيد الدَّارِمِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ بن عَيَّاش، قال: عادَلْتُ حَرِيْزَ بن عُثْمان من مِصْر إلى مَكَّة، فَجَعَلَ يَسُبُّ عليًّا ويَلْعَنُهُ.
(a) مكررة في الأصل.
(b) تاريخ بغداد: الهمذاني بها.
(c) تاريخ بغداد: مكان.
_________
(1)
تاريخ بغداد 9: 186.
(2)
تاريخ بغداد 9: 186.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 348.
كَذَا وقَعَ في نُسْخَة السَّمَاع، وأظُنُّه: من حِمْص، واللهُ أعْلَمُ.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن، فيما أذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين القَطَّان، قال: أخْبَرَنا عُثْمان بن أحْمَد الدَّقَّاق، قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بن أبي سَهْل، قال: حَدَّثَنَا أبو حَفْصٍ عَمْرُو بن عليّ، قال: وحَرِيْزُ بن عُثْمان، كان يَتَنقَّصُ (a) عليًّا ويَنَال منهُ، وكان حَافِظًا لحَدِيثهِ. قال أبو حَفْص: سَمِعْتُ يَحْيَى يُحَدِّثُ عن ثَوْر عنه. وقال أبو حَفْصٍ في مَوضع آخر: حَرِيْز بن عُثْمان ثَبْتُ شَدِيدُ التَّحَامُلِ على عليّ.
قال الخَطِيبُ
(2)
: وأخْبَرَنا البَرْقَانِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عَبْد الله بن خَمِيْروْيَه الهَرَويّ، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن إِدْرِيس، قال: حَدَّثَنَا ابن عَمَّار، قال: حَرِيْز بن عُثْمان يَتَّهمُونَهُ أنَّهُ كان يتَنَقَّصُ عليًّا، ويَرْوُون عنه ويَحْتَجُّون بحَدِيثه وما يَتْركونَهُ.
أنْبَأنَا أبو حَفْص المُكْتِبُ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ
(3)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن أبي جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يوسُف بن أحْمَد الصَّيْدَلانِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَمْرو العُقَيْلِيّ
(4)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أيُوب بن يَحْيَى بن الضُّرَيْس، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن المُغِيرَة، قال: ذكر جَرير أنَّ حَرِيْزًا (b) كان يَشْتِمُ عليًّا على المَنَابِر.
أنْبَأنَا أبو نَصْر القَاضِي، قال: أخْبَرَنا الحافظ أبو القَاسِم
(5)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليُّ بن أحْمَد بن الحَسَن المُوَحِّدُ، قال: أَخْبَرَنا أبو المُظَفَّر هَنَّادُ بن إبْراهيم بن مُحَمَّد النَّسَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن سُلَيمان الحافِظُ،
(a) في تاريخ بغداد: ينتقص.
(b) في تاريخ بغداد: ذكر أن حريزًا.
_________
(1)
تاريخ بغداد 9: 184.
(2)
تاريخ بغداد 9: 184.
(3)
تاريخ بغداد 9: 184 - 185.
(4)
الضعفاء الكبير 1: 321.
(5)
تاريخ ابن عساكر 12: 349.
قال: حَدَّثَنَا أبو علي مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود المُعَدَّل، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن المُنْذِر بن سَعيد الهَرَويّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الله بن حَمَّاد الآمُلِيّ، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن صالح الوُحاظِيّ، وقيل: لِمَ لَمْ تَكْتُبْ عن حَرِيْز بن عُثْمان؟ قال: كيف أكْتُب عن رَجُل صلَّيْتُ معه الفَجْر سَبْع سنين، فكان لا يَخْرُج من المَسْجِد حتَّى يَلْعَن عليًّا سَبْعِين لعنَةً كُلّ يَوم.
أنْبَأنَا زَيْد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بنُ أبي جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يُوسُف بن أحْمَد الصَّيْدَلانِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَمْرو العُقَيْلِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن على الحُلْوَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا عِمْران بنُ أَبَان، قال: سَمِعْتُ حَرِيْزَ بن عُثْمان يقُول: لا أُحبُّهُ قَتَل آبائي (a) ؛ يعني عليًّا.
قال
(3)
: وحَدَّثَنَا العُقَيْلِيّ
(4)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن عليّ، قال: قُلْتُ ليَزِيْد بن هَارُون: هل سَمِعْتَ من حَرِيْز عُثْمانَ شيئًا تُنْكره عليه من هذا الباب؟ قال: إنِّي سَألتُهُ أنْ لا يَذْكُر لي شَيئًا من هذا، مَخَافَةَ أنْ أسْمَعَ منه شيئًا يُضَيِّقُ عليَّ الرِّوَايَةَ عنهُ. قال: فأشَدُّ شيءٍ سَمِعْتُهُ يَقُول: لنا أميْر ولكم أمير، يعني: لنا مُعاوِيَة، ولكم عليّ، فقُلتُ ليَزِيْد: فقد آثرنا على نَفْسه؟ قال: نعم.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد البَرّ ابن الحافِظ أبي العَلَاءِ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو المحاسِن البَرْمَكِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الإسْمَاعِيْليّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم السَّهْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(5)
، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن عليّ بن عَاصِم،
(a) قوله، "قتل آبائي" كررها مرتين في ضعفاء العقيلي وتاريخ بغداد.
_________
(1)
تاريخ بغداد 9: 184.
(2)
الضعفاء الكبير 1: 321.
(3)
تاريخ بغداد 9: 185.
(4)
الضعفاء الكبير 1: 321 - 322.
(5)
ابن عدي: الكامل 3: 857.
قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن عليّ بن رَاشِد، قال: جَلَسْنَا نتَذَاكَرُ (a) الحَدِيْث، فقال بعضُ أصْحَابنا: رأيْتُ يَزِيد بن هَارُون في النَّوْم فقُلتُ: ما فَعَلَ اللهُ بكَ؟ قال: غَفَر لي وشَفَّعَني (b) وعاتَبَني، فقُلتُ: غَفَر لك وشفَّعكَ؛ ففيما (c) عَاتَبَكَ؟ قال: كَتَبتُ عن حَرِيْز بن عُثْمان، فقُلتُ: ما أعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، قال: إنَّهُ كان يُبْغض (d) أبا الحَسَن عليَّ بن أبي طَالِب.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ الخَطِيب
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَج الحُسَين بن عَبْد الله بن أحْمَد بن أبي عَلَّانَة المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر أحْمَد بن إبْراهيم بن شَاذَان، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد السُّكَّرِيّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن إسْحَاق بن إبْراهيم بن سَافرَّى (e)، قال: حدَّثني أبو نَافِع ابن بنت يَزيد بن هَارُون، قال: كُنْتُ عند أحْمَد بن حَنْبَل وعنده رَجُلان - وأحْسَبُهُ قال: شَيْخان - قال: فقال أحدُهما: يا أبا عَبْد الله، رأيْتُ يَزِيد بن هَارُون في المَنَام، فقُلتُ لَهُ: يا أبا خَالِد، ما فَعَلَ اللهُ بكَ؟ قال: غَفَرَ لي وشَفَّعني وعاتَبَني، قال: قُلْتُ: غَفَرَ لك وشَفَّعَك قد عَرفْتُ، ففيْم عَاتَبَكَ؟ قال: قال لي: يا يَزِيد، أتُحَدِّثُ عن حَرِيْز (f) بن عُثْمان؟ قال: قُلتُ: يا رَبّ ما عَلمْتُ إلَّا خَيْرًا؟! قال: يا يَزِيد، إنَّهُ كان يُبْغضُ أبا الحَسَن عليّ بن أبي طَالِب. قال: وقال الآخر وأنا رأيتُ يَزِيد بن هَارُون في المَنَام، فقُلتُ لَهُ: هل أتَاكَ مُنْكَر ونَكِيْر؟ قال: إيْ والله؛ وسَألَاني: مَنْ رَبُّكَ، وما دِيْنك، ومَنْ نَبيُّكَ؟ قال: فقُلتُ: ألِمِثْلي
(a) ابن عدي: نتذكر.
(b) ابن عدي: ورحمني.
(c) ابن عدي: فبمَ، بحذف الألف على الجادّة.
(d) ابن عدي: يتنقَّص.
(e) كذا مجوَّدًا في الأصل، وفي تاريخ بغداد: سافري. وقد وقع لأخيه أيوب بن إسحاق ذكر في أنساب السمعاني 7: 21، وقال قبله:"بفتح السين المهملة، وكسر الفاء بينهما الألف، وفي آخرها الراء، هذه النسبة إلى سَافِرِيّ وهو اسمٌ وليس بنسبة"، وكذا قيَّده ابن الأثير في اللباب 2: 92، 93 ثم قال:"هذا اسمٌ يُشبه النسبة".
(f) تاريخ بغداد: جرير، تصحيف.
_________
(1)
تاريخ بغداد 16: 504، في ترجمة يزيد بن هارون.
يُقال هذا! وأنا كُنْتُ أعْلَمَ النَّاس بهذا في دار الدُّنْيا؟ فقالا لي: صَدَقْتَ؛ فنَم نَوْمَة العَرُوس لا بُؤْسَ عليك.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد طَاهِر بن سَهْل بن بِشْر، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَني مُحَمَّدُ بن المُظَفَّر بن عليّ الدِّيْنَورِيّ المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن مُحَمَّد المُزكِّي ببَغْدَاد، قال: سَمِعْتُ أحْمَد بن مُحَمَّد الحِيْرِيّ المُزكِّي، قال: حَدَّثَني عَبْدُ الله بن الحارِث الصَّنْعانِيّ، قال: سَمِعْتُ حَوْثَرَة بن مُحَمَّد المِنْقَريّ البَصْرِيّ يَقُول: رأيتُ يَزِيد بن هَارُون الوَاسِطِيّ في المَنَام بعدَ مَوْته بأربع ليالٍ، فقُلتُ: ما فَعَلَ اللهُ بكَ؟ قال: تقبَّل منِّي الحَسَنات، وتَجَاوَز عنِّي السَّيِّئَات، ووَهَبَ لي التَّبِعات. قُلتُ: وما فَعَل بكَ بعد ذلكَ؟ قال: وهل يَكُون من الكَرِيْم إلَّا الكَرَم؟! غَفَر لي ذُنُوبي، وأدْخَلَني الجَنَّة. قُلتُ: بما نِلْتَ الّذي نِلْتَ؟ قال: بمَجَالِس الذِّكْر، وقَوْلي الحَقّ، وصِدْقي في الحَدِيْث، وطُوْل قيامي في الصَّلاةِ، وصَبْري على الفَقْر. قُلتُ: مُنْكَر ونَكِيْر حَقٌّ؟ قال: إيْ والله الّذي لا إلَه إلَّا الله إلَّا هو، لقد أقْعَدَاني وسَألَاني؛ فقالَا لي: مَنْ رَبُّكَ، وما دِيْنُكَ، ومَنْ نَبيُّكَ؟ فجَعَلْتُ انْفُضُ لحيَتي البَيْضَاءَ من التُّراب، فقُلتُ: مثْلي يُسْأل؟! أنا يَزِيد بن هَارُون الوَاسِطِيّ، وكُنتُ في دار الدُّنْيا ستِّين سَنَةً أُعِلِّمُ النَّاس! قال أحدُهما: صَدَقَ؛ هو يَزِيد بن هَارُون، نَمْ نَوْمَةَ العَرُوس، فلا رَوْعَةَ عليكَ بعد اليَوْم. قال أحدُهما: أكَتَبْتَ عن حَرِيْز بن عُثْمان؟ قُلتُ: نعم؛ وكانَ ثِقَةً في الحَدِيْث، قال: ثِقَةٌ ولكنَّه كان يُبْغِضُ عليًّا أبْغَضَهُ الله.
(1)
شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي 107 - 108، وأيضًا في تاريخ ابن عساكر 13: 351 - 353.
أخْبَرَنا أبو الوَحْشِ بن نَسِيم في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن أبي بَكْر (a) بن عَبْد الله السِّنْجِيّ المُؤذِّن، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن مُحَمَّد المَدِيْنِيّ المُؤذِّن بنَيْسَابُور، قال: حَدَّثَنَا أبو زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن إبْراهيم بن مُحَمَّد بن يَحْيَى المُزكِّي إمْلاءً، قال: أخْبرَني أبو بَكْر مُحَمَّد بن دَاوُد بن سُلَيمان الزَّاهد أنَّ مُحَمَّد بن الحَسَين بن حُمَيْد بن الرَّبيْع حدَّثَهُم، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن بَشَّار البَغْدَاديّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد الوَرَّاق، قال: سَمِعْتُ عُبَيْدَ الله القَوَارِيرِيّ، قال: رأيْتُ يَزِيد بن هَارُون بعدَما مات في النَّوْم، فقُلتُ لهُ: ما فَعَلَ اللهُ بكَ؟ قال: غَفَرَ لي ورَحمَني، وعَاتَبَني في رِوَايتي عن حَرِيْز بن عُثْمان.
وقد رُوِىَ أنَّ هذا المَنَام رآهُ يَزِيد بن هَارُون نَفْسُهُ وهو في الحَيَاة، أخْبَرَنا بذلك أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ الخَطِيبُ
(2)
، قال: أخْبَرَنا مُحمَّد بن عَبْد الله الهِيْتِيّ، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن عَبْد الله بن رَوْح الجَوَالِيْقِيّ، قال: حَدَّثَني هَارُون بن رَضِيّ مَوْلَى مُحَمَّد بن عبدِ الرَّحْمن بن إسْحَاق القَاضِي، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن سِنَان، قال: سَمِعْتُ يَزِيد بن هَارُون يَقُول: رأيتُ رَبَّ العِزَّة تبارك وتعالى فقال لي: يا يَزِيد، تَكْتُبُ من حَرِيْز بن عُثْمان؟ فقُلتُ: يا رَبّ، ما عَلِمْتُ منه إلَّا خيْرًا، فقال لي: يا يَزِيد، لا تَكْتُب منه شيئًا؛ فإنَّهُ يَسُبُّ عليًّا.
وقال الخَطيبُ
(3)
: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين القَطَّان، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن سُفْيان
(4)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد الله، قال:
(a) ابن عساكر: ابن أبي بكر مُحَمَّد.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 350.
(2)
تاريخ بغداد 9: 185.
(3)
تاريخ بغداد 9: 185.
(4)
المعرفة والتاريخ 3: 387 - 388.
سَمِعْتُ بعض أصْحَابنا يَذْكُر عن يَزِيد بن هارُون، قال: قال حَرِيْز بن عُثْمان: لا أُحبُّ مَنْ قَتَل لي جَدَّين.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا ثَابِث بن بُنْدَار، قال: أخْبَرَنا أبو العَلَاء الوَاسِطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَابَسِيْريّ، قال: أخْبَرَنا الأحْوَصُ بن المُفَضَّل بن غَسَّان، قال: حَدَّثَني أبي، قال: ويُقال في حَرِيْز عُثْمان مع ثَبْتِهِ أنَّهُ كان سُفْيانيًّا. وقال في مَوضعٍ آخر: حَرِيْز عُثْمان ثَبْتُ.
وقد رُوِيَ أنَّهُ رجَع عن مَذْهَبهِ، ورُوي أنَّهُ كان يُنْكر هذا المَذْهَب.
أخْبَرَنا الحُسَين بن عُمَر بن نَصْر في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الحَقّ بن عَبْد الخَالِق، قال: أخْبَرَنا أبو الغَنائِم بن النَّرْسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عِمْران عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن سَهْلٍ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله البُخاريّ
(1)
، قال: وقال أبو اليَمَان: كان حَرِيْزُ يتَناول من رَجُل - يعني عليًّا - ثُمَّ تَرَك (a).
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل بن نَاصِر، عن جَعْفَر بن يَحْيَى التَّمِيْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر الوَائِلِيّ، قال: أخْبَرَنا الخَصِيْب بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَني عَبْدُ الكَريم بن أحْمَد، قال: أخْبَرَني أبي أبو عبد الرَّحْمن - يعني النَّسَائِيّ - قال: أخْبَرنا عَبْدُ الله بن أحْمَد، قال: أخْبرَني أبي أحمد، قال: حَدَّثَنَا أبو اليَمَان، قال: كان حَرِيْزُ يتَناول من رَجُل ثمّ تَرك.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ أبو بَكْر الخَطِيبُ
(2)
، قال: ولَم يكُن لحَرِيْز كتابٌ،
(a) تاريخ البخاري: ترك ذلك.
_________
(1)
تاريخ البخاري الكبير 3: 104.
(2)
تاريخ بغداد 9: 184.
وكان يَحْفَظُ حَدِيْثَهُ، وكانَ ثِقَةً ثَبْتًا، ويُحْكَى عنهُ من سُوءِ المَذْهَب، وفَسَادِ الاعْتِقَادِ ما لَم يَثْبُت عليه.
قال الخَطِيبُ
(1)
: أخْبَرَنا ابن الفَضْل القَطَّان، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن سُفْيان
(2)
، قال: وبَلَغَني عن عليّ بن عَيَّاش، قال: حَدَّثَني حَرِيْزُ بن عُثْمانَ وسَمِعْتُه يقُولُ؛ يعني لرَجُلٍ: وَيْحَكَ، تَزْعُمُ أنِّي أشْتِمُ عليّ بن أبي طَالِب، والله ما شَتَمْتُ عليًّا قَطُّ.
أنْبَأنَا عَبْد البَرّ بن أبي العَلَاء، قال: أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن البَرْمَكِّي، قال: أخْبَرَنا الإسْمَاعِيْليّ، قال: أخْبَرَنا السَّهْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(3)
، قال: حَدَّثَنَا ابنُ أبي عِصْمَة، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بنُ أبي يَحْيَى، قال: حَدَّثَني سَلَمَةُ بن شَبِيْب، قال: سَمِعْتُ عليّ بن عَيَّاشٍ يَقُول: سَمِعْتُ حَرِيْز بن عُثْمان يقول لرَجُلٍ: وَيْحَك؛ تَزْعُمُ أنِّي أشْتِمُ عليّ بن أبي طَالِب! واللهِ ما شَتَمْتُ عليًّا قَطُّ.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطيبُ
(4)
، قال: أخْبَرَني السُّكَّرِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن عَبْد اللهِ الشَّافِعيّ، قال: حَدَّثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الأزْهَر، قال: حَدَّثَنَا ابنُ الغَلَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن مَعِيْن
(5)
، قال: سَمِعْتُ عليّ بن عَيَّاش، قال: سَمِعْتُ حَرِيْزَ بنَ عُثْمان يقُول لرَجُلٍ: وَيْحَك؛ أمَا خفْتَ الله، حَكَيْت عنِّي أنِّي أَسُبُّ عليًّا! واللهِ ما أسُبُّه ولا سَبَبْتُهُ قَطُّ.
وقال: أخْبَرَنا الخَطِيبُ
(6)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن أبي جَعْفَر، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَمْرو العُقَيْلِيّ
(7)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن
(1)
تاريخ بغداد 9: 187.
(2)
المعرفة والتاريخ 2: 388.
(3)
ابن عدي: الكامل 1: 857.
(4)
تاريخ بغداد 9: 187.
(5)
تاريخ يحيى بن معين 2: 106، وفي لفظه اختلاف يسير.
(6)
تاريخ بغداد 9: 187.
(7)
الضعفاء الكبير 1: 322.
إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنا الحَسَن بن عليّ الحُلْوَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قال: سَمِعْتُ حَرِيْز بن عُثْمان قال له رَجُل: يا أبا عَمْرو (a)، بَلَغَني أنَّك لا تتَرَحَّمُ (b) على عليّ؟ قال: فقال له: أسْكُت ما أنْتَ وهذا؟! ثمّ الْتَفَتَ إليَّ فقال: رحمه الله مائة مرَّة.
أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ هِبَة اللّه بن مُحَمَّد، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن بن هِبَة الله الحافِظُ
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا تَمَّام بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَني أبي أبو الحُسَين، قال: أخْبرَني أبو عبد الرَّحْمن مَكْحُول بن عَبْدِ الله بن عَبْد السَّلام البَيْرُوتِيّ، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بن أبَان، قال: سَمِعْتُ عليّ بن عَيَّاشَ، وسَأله رَجُل من أهْل خُرَاسَان عن حَرِيْز: هل كان يتَناوَلُ عليًّا؟ فقال عليّ بن عَيَّاش: أنا سَمِعْتُهُ يَقُول: إنَّ أقْوَامًا يَزْعُمُون أنِّي أتناولُ عليًّا، مَعَاذ الله أنْ أفْعَلَ ذلك! حَسِيْبُهم (c) الله.
قال الحافِظُ
(2)
: قَرَأتُ على أبي القَاسِم زَاهِر بن طَاهِر، عن أبي بَكْر البَيْهَقِيّ، قال: أخْبَرَنا أبوَ عَبْد الله الحافِظ، قال: أخْبرَني أبو بَكْر مُحَمَّد بن جَعْفَر، فيما قرأتُه عليه، قال: قُرئ على أبي بَكْر مُحَمَّد بن إسْحَاق - يعني ابن خُزَيْمَة - وأنا أسْمَعُ، قيل له: لسْتَ تَحْتَجُّ بحَرِيْز بن عُثْمان لسُوءِ، مَذْهَبِهِ؟ قد (d) احْتَجَّ بحَدِيث حَرِيْز البُخاريّ، وأبو دَاوُد، والتِّرْمِذيّ، وغيرهم من الأئمَّةِ.
أخْبَرَنا عُمَر بن مُحَمَّد الدَّارْقَزِّيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(3)
، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن رَبَاح بن عليّ، قال:
(a) هكذا في الأصل ومثله في تاريخ بغداد، وعند العقيلى: يا أبا عمر؛ وحريز يكنى أبا عثمان، وقيل: أبا عرن، ولعلها تحرفت من إحدى الكنيتين.
(b) الأصل: ترحم، والمثبت من ضعفاء العقيلي وتاريخ بغداد.
(c) ابن عساكر: حسبهم.
(d) ابن عساكر: قال، وهو تحريف.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 352.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 353.
(3)
تاريخ بغداد 9: 183.
أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل المُهَنْدِس، قال: حَدَّثَنَا أبو بِشْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن حَمَّاد، قال: أخْبَرَنا أبو عُبيد الله مُعاوِيَةُ بن صَالِح، قال: حَرِيْزُ بن عُثْمان الرَّحَبِيّ، قال يَحْيَى بن مَعِيْن
(1)
: ثِقَةٌ. وقال لي أحْمَدُ - يعني ابن حَنْبَل -: هو من المَعْدُودِيْن مع عبد الرَّحْمن بن يَزِيد وأصْحَابه، قال أبو عَبْد الله: أدْرَكَ المَهْدِيّ وقَدِمَ عليهِ.
قال الخَطِيبُ
(2)
: أخْبَرَنا القَاضِي أبو عُمَر القَاسِم بن جَعْفَر الهاشِميّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ أَحْمَد اللُّؤْلُؤيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو دَاوُد سُليْمان بن الأشْعَث، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عَبْدَةَ الضَّبِّيّ، قال: أخْبَرَنا مُعَاذ بن مُعَاذ، قال: أخْبرَنى أبو عُثْمان الشَّامِيّ، ولا أخالُني رأيتُ شَامِيًّا أفْضَلَ منه، يعني: حَرِيْز بن عُثْمان.
قال الخَطِيبُ
(3)
: أخْبَرَنا أبو الفَضْل القَطَّان، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن سُفْيان
(4)
، قال: حَدَّثَني أبو بِشْر بَكْر بن خَلَف، قال: حَدَّثَنَا مُعَاذ بن مُعَاذ، قال: حَدَّثَنَا حَرِيْز بن عُثْمان الرَّحَبِيّ الشَّامِيّ، قال مُعَاذ: ولا أعْلَمني رأيْت شَامِيًّا أفْضَلَ منهُ.
أنْبَأنَا عَبْد البَرّ بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن البَرْمَكِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الإسْمَاعِيْليّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم السَّهْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(5)
، قال: حَدَّثَنَا الجُنَيْدِيّ، قال: حَدَّثَنَا البُخاريّ
(6)
، قال: حَرِيْز بن عُثْمان أبو عُثْمان الحْمِصِيّ الرَّحَبِيّ، قال مُعَاذ بن مُعَاذ: حَدَّثَنَا حَرِيْزُ بن عُثْمان أبو عُثْمان، ولا أعْلَم أنِّى رأيْتُ أحدًا من أهْلِ الشَّام أُفَضِّلُهُ عليهِ.
(1)
تاريخ يحيى بن معين 2: 106.
(2)
تاريخ بغداد 9: 186.
(3)
تاريخ بغداد 9: 186 - 187.
(4)
المعرفة والتاريخ 2: 388.
(5)
ابن عدي: الكامل 2: 856 - 857.
(6)
تاريخ البخاري الكبير 3: 104.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل بن نَاصِر، عن أبي الفَضْل التَّمِيْمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر الوَائِلِيّ، قال: أخْبَرَنا الخَصيْبُ بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَني عَبْدُ الكَريم بن أبي عبد الرَّحْمن، قال: أخْبَرَني أبِي، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عليّ، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُول: وحَرِيْز بن عُثْمان لا بَأْسَ بهِ. وقال النَّسَائِيّ: أبو عُثْمان حَرِيْز بن عُثْمان شَامِيٌّ حِمْصيٌّ، لا بَأْسَ بهِ في الحَدِيْثِ.
أنْبَأنَا عَبْد البَرّ، قال، أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد بن عَدِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عليّ، قال: حَدَّثَنَا عُثْمان بن سَعيد، قال: قلتُ ليَحْيَى بن مَعِيْن: فَحرِيْز بن عُثْمان؟ قال: ثِقَة.
وقال ابنُ عَدِيّ
(3)
: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن نُوح الجُنْدَيْسَابُورِيّ ببَغْدَاد وبمِصْرَ يَقُول: سَمِعْتُ أبا دَاوُد سُليْمان بن الأشْعَث (a) يَقُول: سَمِعْتُ أحْمَد بن حَنْبَل يَقُول: حَرِيْز بن عُثْمان ثِقَةٌ.
قال ابن عَدِيّ
(4)
: حَدَّثَنَا يُوسُف بن الحَجَّاجِ، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة الدِّمَشقيّ
(5)
، قال: قُلْتُ لعبد الرَّحْمن بن إبْراهيم دُحيْم: من الثَّبْت بحِمْص؟ قال: صَفْوَان، وبَحيْر (b)، وحَرِيْز، وثَوْر، وأَرْطَأة.
أنْبَأنَا ابن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا ابن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا الخَطِيبُ
(6)
، قال: أخْبَرَني مُحَمَّد بن أبي عليّ الأصبَهَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو علي الحُسَين بن مُحَمَّد الشَّافِعيّ
(a) في نشرة كتاب الكامل لابن عدي: أبا داود وسليمان بن الأشعث!، بإقحام الواو بين الاسم والكنية، وهو تخليط، فكنية سليمان أبو داود.
(b) أكده في الأصل بحاء أسفله، ومثله في تاريخ أبي زرعة والكامل لابن عدي، فعندهما أيضًا بالحاء المهملة.
_________
(1)
أبو القاسم الأول هو: الإسماعيلى، والثاني هو: السهميّ.
(2)
ابن عدي: الكامل 2: 857.
(3)
ابن عدي: الكامل 2: 857.
(4)
ابن عدي: الكامل 2: 857.
(5)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1: 398.
(6)
تاريخ بغداد 9: 187.
بالأهْوَاز، قال: حَدَّثَنَا أبو عُبَيْد مُحَمَّد بن عليّ الآجُرِّيّ، قال: سَمِعْتُ - يعني أبا دَاوُد - يَقُول: سَألْتُ أحْمَد بن حَنْبَل عن حَرِيْز، فقال: ثِقَةٌ، ثِقَةٌ، ثِقةٌ (a).
قال الخَطِيبُ
(1)
: وأخْبَرَنا البَرْقَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد بن حَسْنُوَيْه، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن إِدْرِيس الأنْصَاريّ، قال: حَدَّثَنَا أبو دَاوُد سُليْمان بن الأشْعَث، قال: سَمِعْتُ أحْمَد قال: ليْسَ بالشَّام أثْبَت من حَرِيْز إلَّا أنْ يكُون بَحِيْر. قيل لأحْمَد: فصَفْوَان؟ قال: حَرِيْز ثِقَةٌ. وقال أبو دَاوُد: سَمِعْتُ أحْمَد - وذُكِرَ له حَرِيْز وأبو بَكْر بن أبي مَرْيَم وصَفْوَان - فقال: ليس فيهم مثْل حَرِيْز؛ ليسَ أثْبَتَ منهُ، ولم يكُن يَرَى القَدَرَ. وقال: سَمِعْتُ أحْمَد مرَّة أُخْرى يقُول: حَرِيْز ثِقَةٌ ثِقَةٌ.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أبو المَيْمُون بن رَاشِد، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَة الدِّمَشقيّ
(3)
، قال: قُلْتُ لعبد الرَّحْمن بن إبْراهيم. مَنْ الثَّبْت بحِمْص؟ قال: صَفْوَان، وبَحِيْر، وحَرِيْز، وثَوْر، وأَرْطَأة، قُلتُ: فابن أبي مَرْيَم؟ قال: دُوْنهم.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(4)
: أخْبَرَنا أبو بَكْر وَجِيْه بن طَاهِر، قال: أخْبَرَنا أبو صالح أحْمَد بن عَبْد المَلِك، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن السَّقَّاء، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس الأصَمّ، قال: سَمِعْتُ العبَّاسَ بن مُحَمَّد يقُول: سَمِعْتُ يَحْيَى
(5)
يَقُول: حَرِيْز بن عُثْمان الرَّحَبِيّ ثِقَةٌ.
(a) في تاريخ بغداد كررها مرتين، وفي بعض نسخه ما يوافق المثبت.
_________
(1)
تاريخ بغداد 9: 187 - 188.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 343.
(3)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1: 398.
(4)
تاريخ ابن عساكر 12: 345.
(5)
تاريخ يحيى بن معين 2: 106.
قال الحافِظُ
(1)
: قَرَأتُ على أبي الفَتْح نَصْرُ الله بن مُحَمَّد الفَقِيه، عن أبي الحُسَين المُبَارَك بن عَبْد الجَبَّار، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيُّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن القَاسِم الكَوْكَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن الجُنَيْد، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْن يقُول: عبد الرَّحْمن بن يَزِيد بن جَابِر، وأبو بَكْر بن أبي مَرْيَم، وحَرِيْز بن عُثْمان الرَّحَبِيّ؛ هَؤلاءِ ثِقَاتٌ.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُريْق، قال: أخْبَرَنا الخَطِيبُ أبو بَكْر
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم الحافِظ، قال: سَمِعْتُ مُوسَى بن إبْراهيم بن النَّضْر العَطَّار يَقُول: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُثمان بن أبي شَيْبَة، قال: وسُئِلَ عليّ بن المَدِيْنِيّ عن حَرِيْز بن عُثْمان، فقال: لم يَزَل مَنْ أدْرَكْناهُ من أصْحَابنا يُوَثِّقُونَهُ.
وقال الخَطِيبُ
(3)
: أخْبَرَني عَبْد الله بن يَحْيَى السُّكَّرِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عَبْد الله بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنا جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الأزْهَر، قال: حَدَّثَنَا ابن الغَلَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن عَيَّاش الحْمِصِيّ، قال: جَمَعْنا حَدِيثَ حَرِيْز بن عُثْمان في دَفْتَر، قال: نَحْوًا من مائتي حَدِيْث، فأتَيناهُ به فجَعَل يتَعَجَّب من كَثْرته ويقُول: هذا كُلُّه عنِّي؟ مَرَّتَين.
أنْبَأنَا أبو نَصْر القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(4)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: أخْبَرَنا أَبو المَيْمُون بن رَاشِد، قال: حَدَّثَنَا أبو زُرعَة
(5)
، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن صالح الوُحَاظِيّ يَقُول: ماتَ شُعَيْبُ بن أبي حَمْزَة، وحَريْز بن عُثْمان، وأبو مَهْدِي سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين ومائة.
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 345.
(2)
تاريخ بغداد 9: 188.
(3)
تاريخ بغداد 9: 183.
(4)
تاريخ ابن عساكر 12: 354.
(5)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1: 272.
أنْبأنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد المُكْتِب، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا الخَطِيبُ أبو بَكْر
(1)
، قال: أخْبَرَنا ابن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بن سُفْيان
(2)
، قال: حَدَّثَني عبد الرَّحْمن بن عَمْرو الدِّمَشقيّ
(3)
، قال: حَدَّثَني سُليْمان البَهْرَانِيّ، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن صالِح، قال: ماتَ شُعَيْبُ، وحَريْزُ، وأبو مَهْدِي سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين ومائة.
قال الخَطِيبُ
(4)
: أخْبَرَنا عُبَيْدُ الله (a) بن عُمَر الوَاعِظ، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حَدَّثَنَا عُثْمان بنُ جَعْفَر الكُوْفيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن سَعْد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُصَفَّى، قال: ماتَ حَرِيْزُ بن عُثْمان سَنَة ثِنْتَيْن وسِتِّين.
قال الخَطِيبُ
(5)
: وأخْبَرَنا عُبَيْد الله، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حَدَّثَنَا إسْحَاق بن مُوسَى، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَوْف، قال: سَمِعْتُ يَزِيد بن عَبْد رَبِّه يقُول: مات حَرِيْزُ سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين.
وقال الخَطِيبُ
(6)
: أخْبَرَنا عليّ بن أبي عليّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن المُظَفَّر، ح.
قال: وأخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد العَتِيْقِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن الحُسَين بن عُمَر اليَمَنِيّ، قالا: حَدَّثَنَا بَكْر بن أحْمَد بن حَفْص الشَّعْرَانيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن عِيسَى البَغْدَاديّ، قال: وأبو عُثْمان حَرِيْز بن عُثْمان بن جَبْر بن أحْمَر بن أَسْعَد الرَّحَبِيّ المَشْرِقِيّ، مَوْلده سَنَة ثَمانين، وماتَ سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين.
(a) الأصل: عبد الله، والمثبت من تاريخ بغداد، ويرد في الرواية بعده صحيحًا.
_________
(1)
تاريخ بغداد 9: 189.
(2)
المعرفة والتاريخ 1: 151.
(3)
تاريخ أبي زرعة الدمشقي 2: 703.
(4)
تاريخ بغداد 9: 188.
(5)
تاريخ بغداد 9: 188 - 189.
(6)
تاريخ بغداد 9: 189.
وقال الخَطِيبُ
(1)
: أخْبَرَنا ابن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن سُفْيان
(2)
، قال: سَمِعْتُ سُليْمان بن سَلَمَة الحْمِصِيُّ الخَبَاِئِرِيُّ، قال: ماتَ حَرِيْزُ سَنَة ثَمانٍ وسِتِّين ومائة.
قال الخَطِيبُ
(3)
: وهذا عندى خَطَأٌ، وما قَبْله أصَحُّ، واللهُ أعْلَمُ.
أخْبَرَنا أبو عليّ الأَوَقِيّ، فيما أجازَهُ لي، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد الحافِظُ، قال: أخْبَرَنا المُبارَك بن عَبْد الجَبَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن الحَرْبيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الصَّفَّار، قال: أخْبَرَبا عَبْدُ البَاقِي بن قَانع، قال: سَنَة اثنَتَيْن وسِتِّين ومائة: حَرِيْز بن عُثْمان، وله مَذْهَبُ رَديء، ويُقال سَنَة ثلاثٍ، يعني مات.
أنْبَأنَا أبو حَفْص المُكْتِب، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن الطَّبَريّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ
(4)
، قال: سَمِعْتُ سُليْمان بن سَلَمَة الحِمْصِيّ الخَبَائِرِيّ، قال: ماتَ حَرِيْزُ بن عُثْمان سَنَة ثمانٍ وسِتِّين ومائة، وفيها مات سَعيد بنُ عَبْد العَزِيْز.
حَرِيْشٌ السَّكُونِيّ
(5)
شَاعِرٌ شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليٍّ رضي الله عنه، وقال يَوْمئذٍ شِعْرًا يُخاطِب به مُعاوِيَة.
(1)
تاريخ بغداد 9: 189.
(2)
المعرفة والتاريخ 1: 157.
(3)
تاريخ بغداد 9: 189.
(4)
المعرفة والتاريخ 1: 157.
(5)
كان حيًا سنة 37 هـ، وترجمته في: كتاب وقعة صفين 401 - 402، وذكر ابن أعثم خبره في أحداث صفين ولم يسمِّه، وأورد شعره المذكور أعلاه مسبوقًا بقوله:"فأنشأ رجل من الأنصار"، انظر: الفتوح لابن أعثم 3: 202 - 203.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن عليّ بن مَحْمُود بن أحْمَد الصَّابُونِيّ، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الله بن أحْمَد بن أحْمَد بن الخَشَّاب، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَرَّاء، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر البَاقلَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن شَاذَان، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن نِيْخَاب، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن الحُسَين، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَني نَصْر بن مُزَاحِم، عن عَمْرو بن شَمِر، وعُمَر بن سَعْد في إسْنَادِهِما، قال
(1)
: وفَرِحَ أهْلُ الشَّام بقَتْل هاشِم بن عُتْبَة بن أبي وَقَّاص، وعَمَّار بن يَاسِر، فقال: رَجُلٌ من السَّكُون يقال له حَرِيْشٌ (a)، وكان مع عليّ عليه السلام:[من الطويل]
مُعَاويَ ما أَفْلَتَّ إلَّا بجُرْعةٍ
…
من المَوْت رُعْبًا (b) تحْسب الشَّمْسَ كَوْكَبا
تخُبُّ (c) وقد أدْمَيْتَ بالسَّوطِ بَطْنَهُ (d)
…
دَؤومًا (e) على فأْسِ اللِّجِام مُشَذَّبا
فلا تكفُرَنْهُ واعْلَمَنْ أنها (f) مِثْلَها
…
إلى جَنْبها عالَى بكَ (g) الجَرْيَ أوْ كَبَا
فإنْ تَفْخَرُوا بابْنَي بُدَيْلٍ وهاشِمٍ
…
فنحنُ قَتَلنا ذا الكَلَاع وحَوْشَبا
فإنهُمُ (h) ممَّن قَتَلْتُم على الهُدَى
…
أصيْبُوا (i) فكفُّوا القَوْلَ نسفي (j) التَّحوُّبا
صَبَرْنا لكُم والأمرُ (k) قد جَدَّ جِدُّهُ
…
وقد كان يَوْمًا (l) يترُك الطِّفْلَ أَشْيَبا
صبَرْنا لكم (m) تحتَ العجاجِ نُفُوسَنَا (n)
…
وكان خِلَال (o) الصَّبْرِ جَدْعًا (p) ومُوعبا (q)
فلم نُلْفَ فيها خاشِعينَ أذِلَّةً
…
ولم يكُ فيها حبلُنا (r) مُتَذَبْذِبَا
(a) وقعة صفين: جَرِيش.
(b) ابن أعثم: حتى.
(c) وقعة صفين والفتوح لابن أعثم: نجوت.
(d) ابن أعثم: حية.
(e) وقعة صفين وابن أعثم: أزومًا.
(f) وقعة صفين وابن أعثم: أنَّ.
(g) وقعة صفين: إلى جنبها ما دارَكَ، ابن أعثم: إلى مثلها عالى بك الجري.
(h) وقعة صفين: وإنَّهما.
(i) وقعة صفين: ثواءً.
(j) مهملة في الأصل بهذا الرسم، وفي وقعة صفين: نَنْسَى.
(k) وقعة صفين: فلا رأينا الأمر، وعند ابن أعثم: ولما رأيت الأمر.
(l) وقعة صفين: مما.
(m) وقعة صفين: لهم.
(n) وقعة صفين: سُيوفَنا.
(o) وقعة صفين وابن أعثم: خلافُ.
(p) وقعة صفين: جَدْعًا.
(q) وقعة صفين وابن أعثم بدون الواو.
(r) ابن أعثم: ولم تك نا في الوغاء.
_________
(1)
وقعة صفين 401 - 402، وفي أبيات السَّكُونِيّ عدا البيتين الأخيرين.
كسَرنا القَنَا حتَّى إذا ذَهَبَ القَنَا
…
ضَرَبْنا فغالبنا (a) الصَّفِيْحَ المُجَرَّبا
فلَم تَرَ (b) في الجَمْعَين صَارِفَ وَجْهه (c)
…
ولا صَارِفًا من خَشْية (d) المَوْت مَنْكِبا
ولم تَرَ (e) إلَّا قْحِفَ رأْسٍ وهَامَةً (f)
…
وسَاقًا طَنُوْنًا (g) أو ذِرَاعًا مُخَضَّبَا
كأنَّا وأهْل الشَّام أُسْدٌ مُشِيْحَةُ
…
بخفَّان لا يُبْقين (h) نابًا ومخْلَبَا
إذا الخَيْل جَالَت بينها قَصْد القَنَا
…
نَثَرْنَ عَجَاجًا سَاقِطًا مُتَنقِّبا (i)
ذِكْرُ من اسمُهُ الحُرّ
الحُرُّ بن سَهْم بن طَرِيف الرَّبَعِيّ التَّمِيْمِيّ
(1)
من رَبِيْعَة تَمِيْم، شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليٍّ رضي الله عنه، وقال رَجَزًا بين يَدَي عليّ.
أخْبَرَنا أبو الحَسَن علي بن مَحْمُود الصَّابُونِيّ كتابةً، قال: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن أحْمَد بن الخَشَّاب، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو الحُسَين مُحَمَّد بن مُحَّمَّد بن الفَرَّاء، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن الحَسَن بن أحْمَد البَاقلَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن أحْمَد بن شَاذَان، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَدُ بن إسْحَاق بنِ نيْخَاب الطِّيبِيّ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن الحُسَين بن دِيْزِيْل، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيمان الجُعْفِيّ، قال: حَدَّثَنَا نَصْرُ بن مُزَاحِم، قال
(2)
: حَدَّثَنَا عَمْرو بن شَمِر الجُعْفِيّ، عن جَابِر، ح.
قال ابنُ دِيْزِيْل: وحَدَّثَنَا عُمَر بن سَعْد الأسَدِيّ، قال: حَدَّثَني رَجُلٌ من الأنْصَار، عن الحَارِث بن كَعْب الوَالِيّ، عن أبي الكَنُود، وأحَدهُما يَزِيد على
(a) وقعة صفين: صبرنا وفلَّلنا.
(b) وقعة صفين: نر، ابن أعثم: يسر.
(c) وقعة صفين: صادِفَ خَذِّهِ.
(d) وقعة صفين وابن أعثم: ولا ثانيًا من رهبةِ.
(e) وقعة صفين: نر.
(f) ابن أعثم: وساعد.
(g) ابن أعثم: ظنينا.
(h) ابن أعثم: ينبين.
(i) لم يرد البيت في نشرة الفتوح لابن أعثم.
_________
(1)
ترجمته في: كتاب وقعة صفين 131 - 133، محسن الأمين: أعيان الشيعة 4: 611.
(2)
وقعة صفين 131 - 133، وانظر الأرجوزة في الأغاني 13:12.
الآخر أنَّ عليًّا لمَّا أراد الشُّخُوص إلى الشَّام عَسْكَر بالنُّخَيْلَة، وذَكَر خُطْبَةً خَطَبَها، وأنَّهُ نَزَل، فدَعا بدابَّته، فأُتيَ بها فرَكبها، ثمّ مَضَى ومَضَى أمامَهُ الحُرُّ بن سَهْم بن طَرِيف الرَّبَعِيِّ وهو يَقُول:[من الرجز]
يا فَرَسِي سِيْري وأُمِّي الشَّامَا
…
وقَطِّعِي الأحْزَان (a) والأعْلَامَا
ونَابِذِي (b) مَنْ خَالَفَ الإمَامَا
…
إنِّي لأرْجُو إنْ لَقِيْت (c) العَامَا
جَمعَ بني أُمَيَّةَ الطَّغَامَى
…
أنْ نقْتُلَ العَاصِيَ والهُمَامَا
وأنْ نُزيلَ من رِجَالٍ هَامَا
الحُرُّ بن الصَّبَّاح النَّخَعِيّ
(1)
شَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليٍّ رضي الله عنه، ورَوَى شَيئًا من خَبَرها. رَوَى عنهُ عُمَرُ بن سَعْد الأسَدِيّ.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الحَسَن بن مُحَمَّد الأَمِين كتابةً، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الله بن أحْمَد بن الخَشَّاب، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَرَّاء، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر البَاقِلَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ بن شَاذَان، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن بن نِيْخَاب، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن الحُسَينِ بن دِيْزِيْل، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سُلَيمان، قال:
(a) وقعة صفين: الحُزونَ، الأغاني: الأجواز.
(b) الأغاني: وقاتلي.
(c) وقعة صفين والأغاني: لما.
_________
(1)
كان حيًا سنة 37 هـ، وله ذكر في أخبار صفين عند نصر بن مزاحم والطبري، في الرواية التي أوردها ابن العديم تاليًا، كما ذكره الطبري في رواية أخرى اتصل سنده بها. انظر: تاريخ الطبري 5: 22، 125. ويشتبه اسمه مع محدث آخر اسمه: الحر بن الصيَّاح النخعي، بمثناة تحتانية، وهو متأخِّر على المترجم له، روى عن مالك بن أنس وطبقته. انظر: طبقات ابن سعد 6: 330، الجرح والتعديل 3: 277، تهذيب الكمال 5: 514 - 516، تاريخ الإسلام 3: 222، الكاشف 1: 211، تهذيب التهذيب 2: 221، تقريب التهذيب 1:156.
حَدَّثَني نَصْرٌ
(1)
، قال: حدَّثني عُمَر بن سَعْد، في الحُرّ بن الصَّبَّاح النّخَعِيّ: أنَّ الأشْتَر كان يُقَاتِل على فَرَس له، في يَده صَفِيْحةٌ يَمَانيَّةٌ إذا طَأطَأها خِلْتَ فيها ماءً مُنْصَبًّا، وإذا رَفَعَها كاد يُغْشى (a) البَصَر شُعَاعها، فجَعَلَ يَضْرب بسَيْفهِ (b) وهو يَقُول:[من الرجز]
الغَمَرَات ثمّ تَنْجَلِينا
…
ويَكْشِفهنَّ (c)
فبَصُرَ به الحَارِثُ بن جُمْهَان (d) الجُعْفِيّ، فلَم يَعْرفهُ حتَّى دَنَا منه، فقال الأشْتَر: جَزَاك الله عن أَمِير المُؤْمنِيْن وجَمَاعَةِ المُسْلمِيْن خَيْرًا، فقال له الأشْتَر: ابن جُمْهَان؟ قال: نَعَم، مثْلك يتَخَلَّف عن مثْل مَوْقفي هذا؟ فقال: ما عَلَمْتُ بمَكَانكَ إلّا السَّاعَة؛ لا أُفارقكم حتَّى أَمُوت.
الحُرُّ بن يُوسُف بنِ يَحْيَى بن الحَكَم بن أبي العَاص بن أُمَيَّة بن عَبْد شَمْس
(2)
كان مع هِشَام بن عَبْد المَلِك بالرُّصَافَة في سَنَة ستٍّ ومائة، فولَّاهُ مِصْر، ثمّ وَفَدَ عليه سَنة ثَمانٍ، وقيل: سنَة تسع، فعَزَلَهُ عن مِصْر، وقيل: إنَّهُ وَلِىَ المَوْصِل.
أنْبَأنَا أبو الحَسَنِ بن أبي عَبْد الله بن المُقَيِّر، عن مُحَمَّد بن نَاصِر، قال: أجازَ لنا إبْراهيم بن سَعيد الحَبَّال، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرّحْمن بن عُمَر بن النَّحَّاس
(a) الطبري: يُعْشي.
(b) وقعة صفين: بسيفه قدمًا.
(c) بياض في الأصل قدر كلمتين، ولم يرد في كتاب نصر سوى رجزه الأول، وقد سار على مجرى المثل، والشعر ينسب أيضًا للأغلب العجلي. انظر: الأوائل لأبي هلال العسكري 431، الإصابة 250:1.
(d) مهملة في الأصل، والإعجام من كتابي نصر والطبري.
_________
(1)
وقعة صفين 254 - 355، والطبري 5: 22 وفي روايتهما طول وبعض اختلاف.
(2)
توفي سنة 113 هـ، وترجمته في: ولاة مصر للكندي 95 - 96، تاريخ ابن عساكر 12: 356 - 357، ابن الأثير: الكامل 5: 132، 176 (أرخ لوفاته)، النجوم الزاهرة 1: 258 - 264، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 119.
إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر مُحَمَّد بن يُوسُف بن يَعْقُوبَ التُّجِيْبِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزِيْز أبو الرَّقْرَاق، قال: حَدَّثَنا يَحْيَى بن عَبْد اللَّه بن بُكَيْر، قال: حَدَّثَني ابن لَهِيْعَة، عن مُوسَى بن أيُّوبَ أنَّ الحُرَّ بن يُوسُفَ أَمير مِصْر سَأل عبد الرَّحْمن بن عُتْبَة عن أَمَةٍ اشْتَراها رَجُلان فوَطئاها في طُهْر واحدٍ فحَمَلَتْ، فقال: سَل ابن خِدَام - يعني عبْدَ الله بن يَزِيد - وهو قاضي المِصْر (a)، فسَألَهُ، فقال: كَتَبتُ إلى عُمَر بن عَبْد العَزِيْز في مثْل ذلك فكَتَبَ إليِّ عُمَر، قال: يَرثُهُما الوَلَد وَيَرِثانه، وعَاقِبْهُما.
أنْبَأنَا عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، عن أبي غَالِب بن البَنَّاء، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر بن المُسْلِمَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّص، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن بَكَّار، قال: فمِنْ وَلد يُوسُف بن يَحْيَى - يعني ابن الحَكَم بن أبي العَاص - الحُرّ بن يُوسُف بن يَحْيَى ولِيَ المَوْصِل.
أخْبَرَنا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله كتابةً، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن بن أبي الحُسَين
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو الفَرَج غَيْثُ بن عليّ، قال: أخْبَرَنا سَهْل بن بِشْر، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن عِيسَى السَّعْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن الحُسَين بن جَعْفَر النُّخَالِيّ (b)، قال: حَدَّثَنَا أبو الحَسَن أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن مُوسَى الحَضْرَميّ، قال: أخْبَرني أحْمَد بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عَبْد الله بن بُكَيْر، قال: أخْبَرَنا اللَّيْثُ بن سَعْدٍ، قال: وفيها - يعني سَنَة ستٍّ ومائة - أُمِّرَ الحُرّ بن يُوسُف على أهل مِصْر، ونُزعَ مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك. قال: ووفَدَ الحُرُّ بن يُوسُف إلى أَمِير المُؤْمنِيْن - يعني سَنَة ثمانِ ومائة - فنُزعَ عن (c) مِصْر. وذَكَر أبو عُمَر بن يُوسُف الكِنْدِيّ
(2)
: أنَّ وِلَايَةَ الحُرّ كَانت على مِصْر ثلاث سنين سَوَاءً
(a) كذا في الأصل بالتعريف، وعلّم فوقه بالرمز "صـ".
(b) الأصل: النحالي، وكتب ابن العديم فوقها "صـ"، والمثبت موافق لما في تاريخ ابن عساكر.
(c) ابن عساكر: من.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 356.
(2)
ولاة مصر 96.
أنْبَأنَا ابنُ طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن السَّمَرْقَنْديّ، إجَازَهً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن الطَّبَريّ، قال: أحْبَرَنا أبو الحُسَين بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قال: قال ابنُ بُكَيْر قال اللَّيْثُ: وفي سَنَة ستٍّ ومائة أُمِّرَ الحُرّ بن يُوسُف على أهْلِ مِصْر، ونُزعَ مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك. وفيها - يعني سَنَة ثمانٍ ومائة - وَفَدَ الحُرُّ بن يُوسُف إلى هِشَامٍ أَمِير المُؤْمنِيْن فنُزِعَ من مِصْر.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش في نَسِيم، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَةِ الله
(1)
، قال: الحُرّ بن يُوسُف بن يَحْيَى بن الحَكَم بن أبي العَاص بن أُمَيَّة أَمَّرَهُ هِشَام بن عَبْد المَلِك على مِصْر سَنَة ستٍّ ومائة، فلَم يَزَل عليها إلى أنْ وفَدَ عليهِ سَنَة ثمانٍ ومائة، فعَزَلهُ عنها، ويقال: وَفَدَ عليه في شَوَّال سَنَة سَبْعٍ ومائة.
الحُرُّ العَبْسِيّ
(2)
له ذِكْرٌ. ذَكَرَ البَلاذُرِيّ في كتاب البُلْدان
(3)
، قال: وحَدَّثَني أبو صالح الفَرَّاءُ، عن رَجُلٍ من أهْلِ دِمَشْق يُقال له عَبْد الله بن الوَلِيد، عن هِشَام بن الغَاز، عن عُبَادَة بن نُسَيّ - فيما يَحْسبُهُ أبو صالِح - قال: لمَّا غَزَا مُعاوِيَة غَزْوَتهُ عَمُّورِيَّة في سَنَة خَمْسٍ وعشرين، وجَدَ الحُصُونَ فيما بين أنْطَاكِيَة وطَرَسُوس خاليَةً، فوَقَفَ
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 356.
(2)
هكذا قيَّد ابن العديم اسمه، والصواب: يزيد بن الحر العبسي، فإنه نقله عن فتوح البلدان للبلاذري وأسقط اسمه الأول، أو أنه وجده في أصل نسخة الفتوح على هذا النحو، والذي في مطبوعة كتاب البلاذري: يزيد بن الحر، وحقّ هذا الترجمة أن تُنقل إلى حرف الياء لو كان الجزء الضامّ لتراجم هذا الحرف قد وصلنا، وترجمة ين يد وأخباره في: تاريخ خليفة 180، تاريخ اليعقوبي 2: 166، تاريخ الطبري 5: 54، تاريخ ابن عساكر 65: 151 - 153، ياقوت: معجم البلدان 2: 80، ابن الأثير: الكامل 2: 460، 671، البداية والنهاية لابن كثير 7:277.
(3)
فتوح البلدان 225.
عندها (a) جَمَاعَةً من أهْل الشَّام والجَزِيْرَة وقِنَّسْرِيْن، ثمّ انْصَرَف (b) من غَزَاته، ثمّ أغْزَى بعد ذلك بسَنة أو سَنَتين الحُرَّ (c) العَبْسِيّ الصَّائِفَة، ففَعَل مثْل ذلك، وكانت الوُلَاةُ تفعَلهُ.
حَزْنُ بن عَبْد عَمْرو
غَزَا الرُّوم مع يَزِيد بن مُعاوِيَة حين غَزَا الطُّوَانَة، وحَكَى حِكايَة وَقَعَت في تلك الغَزْوة. روى عنهُ مُحَمَّد بن إسْحَاق.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، وأبو حَفْصِ عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، إذْنًا من كُلِّ وَاحدٍ منهما، قالا: أَخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن عليّ بن مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر مُحَمَّد بن العبَّاس بن زَكَرِيَّاء بن حَيَّوْيَه، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين أحْمَد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن المُنَادِيّ، قال: حَدَّثَني أبو مُوسَى هَارُون بن عليّ بن الحَكَم المُزَوِّق، قال: حَدَّثَنَا حَمَّاد بن المُؤَمَّل أبو جَعْفَر الضَّرِيْر، قال: حَدَّثَنَا مُسْلِم بن عِيسَى، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سَلَمَة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ إسْحَاق، عن حَزْن بن عَبْد عَمْرو، قال: اكْتَتَبْتُ في غَزْوة طُوَانَة، فخَرَجْنا حتَّى دَخَلْنا أرْضَ الرُّوم، فخرجْتُ أنا وأصْحَابٌ لي نتَعَلَّفُ فانْتَهَيْنا إلى قَرْيَةٍ، فقال لي بعضُ أصْحَابي: مَنْ يأخُذ برُؤوس دَوَابّنا فيُطَوِّل لها في هذا المَرْجِ حتَّى تَرْعَى، ونَنْطَلِقُ نحنُ إلى القَرْيَةِ فنتَعَلَّف؟ فقُلتُ: أنا، فأخَذْتُ برُؤوس دوَابّ أصْحَابي، فطَوَّلْتُ لها في المَرْج وخَلَّيْت، وانْطَلَق أصْحَابي، فبينما أنا كذلك إذ سَمِعْتُ تَسْليمًا السَّلامُ عَليْكم ورَحْمَة الله، فالْتَفَتُّ فإذا رَجُل عليه ثِيَاب بَياض ليسَتْ بالغَلِيْظَة ولا الرَّقِيْقةَ،
(a) في الأصل: عندهما، والتصويب من كتاب البلاذري.
(b) البلاذري: حتى انصرف.
(c) البلاذري: يزيد بن الحر.
فقُلتُ: وعليكُم السَّلام ورَحْمَة الله، فقال لي: أمِنْ أُمَّة مُحَمَّد أنْتَ؟ قُلتُ: نَعَم، قال: إنِّي أرَاكُم تَلْقَوْنَ من أُمَرائكم هؤلاء شِدَّة، قُلتُ: أجَل. قال: فاصْبرُوا؛ فإنَّ هذه الأُمَّة أُمَّةُ مَرْحُومةٌ؛ كَتَبَ اللهُ عليها خَمْسَ صَلَواتٍ، وخَمْسَ فِتَن، أوَلَا أُسَمِّيها لكَ؟ قُلتُ: بلى قال: أَمْسِكْ، إحْدَيْها (a) مَوْتُ نَبِيّكم صلى الله عليه وسلم، واسْمُها في كتاب الله بَغْتَة، ثمّ قَتْل عُثْمان واسْمُها في كتاب اللهِ الصَّمَّاء، ثمّ فِتْنَة ابن الزُّبَيْر واسْمُها في كتاب الله العَمْيَاء، ثمّ فِتْنَة ابن الأشْعَث واسْمُها في كتاب الله البَتْراء، ثمّ تَوَلَّى وهو يَقُول: بَقِيَت الصَّيْلَم، بَقِيَت الصَّيْلَم، بَقِيَت الصَّيْلَم! قالها ثلاث مَرَّات، ثمّ انْطَلق، فلم أرَ لهُ أثرًا.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن الحُسَين بن هِلالَة إذْنًا، قال: أخْبَرَتْنا الحُرَّة عَفِيفَةُ بنتُ أحْمَد، قالت: أخْبَرَتْنا فاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اله الجُوزْدَانِيِّة، قالت: أخْبَرَنا أبو بَكْر بنُ رِيْذَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الطَّبَرَانِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن حَاتِم المُرَاديّ، قال: حَدَّثَنَا نُعَيْم بن حَمَّاد
(1)
، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بن سَلَمَة الحَرَّانيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ إسْحَاق، عن حَزْن بن عَبْدِ عَمْرو، قال: دَخَلْنَا أرْضَ الرُّوم في غَزْوةِ الطُّوَانَة، فنَزَلْنا مَرْجًا، فأخَذْتُ أنا برُؤوس دَوَابِّ أصْحَابنا (b)، فطَوَّلْتُ لها، وانْطَلَقَ أصْحَابي يتَعَلَّفُونَ، فبينا أنا كذلك، إذْ سَمِعْتُ: السَّلام عَليْكم ورَحْمَة اللهِ، فالْتفَتُّ فإذا أنا برَجُلٍ عليه ثِيَابٌ بَيَاضٌ، فقُلتُ: السَّلام عَليْك ورَحْمَة الله، فقال: من (c) أُمَّةِ أحْمَد؟ قال: قُلتُ: نَعَم، قال: فاصْبرُوا؛ فإنَّ هذه الأُمَّة أُمَّةٌ مَرْحُومةٌ، كَتَبَ الله عليها خَمْسَ فِتَنٍ، وخَمْس صَلَواتٍ، قال: قُلتُ: سَمِّهِنَّ لي، قال: أَمْسِكْ؛ إحْدَيْهُنَّ مَوْتُ نَبِيّهم، واسْمُها في كتابِ اللهِ بَغْتَةٌ، ثُمّ قَتْل عُثْمان، واسْمُها في كتاب
(a) كذا في الأصل، والجادة: إحداهما، وقد تكرر عند ابن العديم استثناء "إحدى" عند اتصالها بالضمير من أن تكتب بالألف.
(b) كتاب الفتن: أصحابي.
(c) كتاب الفتن: أمن.
_________
(1)
كتاب الفتن لابن حماد 51 - 52.
اللّهِ الصَّمَّاء، ثمّ فِتْنَة ابن الزُّبَيْر، واسْمُها في كتاب اللّهِ العَمْيَاء، ثمَّ فِتْنَة ابن الأشْعَث واسْمُها في كتابِ اللّه البُتَيْراء، ثمّ تولَّى وهو يَقُول: وبَقِيَت الصَّيْلَمُ، وبَقِيَت الصَّيْلَمُ، فذَهَبَ فلم أدرِ كيفَ ذَهَب.
حُسَام بن غُزِّي بن يُونُس المَحَلِّيُّ، أبو المَنَاقِب الشَّافِعيّ، المِصْرِيّ الفَقِيْه
(1)
رَجُلٌ فَاضِلٌ أدِيبٌ، فَقِيْهٌ كَيِّسٌ، دَمِثُ الأخْلَاق، كَثِيْر المُرُوءَة، مَطْبُوع النَّادِرَة، خَفِيْف الرُّوْح، جَيِّد الشِّعْر، حَسَن المُحاضَرَة.
وكان له وَجَاهَة بدِمَشْق، وسَيَّرَةُ المَلِكُ العادِل أبو بَكْر مُحَمَّد بن أَيُّوب رَسُولًا إلى حَلَب إلى المَلِك الظَّاهِر غَازِي بن يُوسُف بن أَيُّوب، واجْتَمَعْتُ بَهْ بَهْا في مَجْلِسٍ شَيْخنا قاضِي القُضَاة أبي المحاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم بمَدْرَسَته بحَلَب، ولم يَتَّفق لي سَمَاع شيء منه.
ثمّ اجْتَمَعْتُ بهِ بدِمَشْق في جَامِعها سَنَة ثَلاثٍ وعشرين وسِتّمائة عند تَوَجُّهي إلى الحَجِّ، وأنْشَدَني عدَّة مَقَاطِيع من شِعْره. وسَألتُه عن مَولده، فقال: في حُدُود السِّتِّين وخَمْسِمائَة
(2)
، وبَلَغَني أنَّهُ وُلِدَ بقُوْصَ، ورَبِيَ بالمَحَلَّة.
وسَمِعَ الحَدِيْث من الشَّيْخ أبي الفَتْح محود بن الصَّابُونِيّ، ومن أبي عَبْد اللّه مُحَمَّد بن يُوسُف بن عليّ الغَزْنَوِيّ، ومن شَيْخَينا أبي القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن
(1)
توفي سنة 639 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن الساعي 331، المنذري: التكملة 3: 303، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 22: 314 - 315، وذكره ابن خلكان (6: 251 - 253) في ترجمة يَحْيَى بن نزار المنبجي ولم يترجم له وسماه حسام بن عزيّ، ذيل الروضتين لأبي شامة 343، تاريخ الإسلام 13: 879، ابن كثير: البداية والنهاية 15: 133 - 134، الوافي بالوفيات 11: 349، المقريزي: المقفى الكبير 3: 271 - 272.
(2)
ومثل هذا، في تقدير سنة مولده، ما ارتضاه ابن الساعي في تاريخه 331.
الحَرَسْتَانِيّ، وأبي البَرَكات دَاوُد بن أحْمَد بن مُلاعِب، وحَدَّثَ عن أبي القَاسِم البُوْصِيرِيّ بشيءٍ من حَدِيْثه.
أنْشَدَني عِمَاد الدِّين حُسَام بن غُزِّي المَحَلِّيّ لنَفْسِه
(1)
: [من الخفيف]
قيل لي مَنْ هَويتَهُ (a) عَبَثَ الشَّعْرُ
…
بخدَّيهِ قُلتُ: ما ذاكَ عَارُهْ
جَمْرَة الخَدّ (a) أحْرَقَتْ عَنْبَر
…
الخَالِ فمن ذلك الدُّخَان عِذَارُهْ
وأنْشَدَني لنَفْسِه ممَّا كَتَبَهُ إلى المَلِك العادِل أَبي بَكْر بن أيُّوب: [من السريع]
قُل للمَليْكِ العَادِل المُرْتَجي
…
مَقَالَ صِدْقٍ ليْسَ بالزُّوْرِ
مَمْلُوكُكَ العَبْدُ المَحَلِّيُّ قد
…
شَارَفَ أَنْ يَقْرا على الدُّوْرِ
وكُلَّ ما جمَّعَ في يُوسُفٍ
…
أنْفَقَهُ في سُوْرةِ النُّورِ
في قَوْله:
شَارَفَ أنْ يَقْرَا على الدُّوْرِ
تَوْريَة بالقراءةِ على أبي عُمَر الدُّوْرِيّ صَاحِب أبي عَمْرو بن العَلَاءِ المُقْرِئ.
وأنْشَدَني أبو المَنَاقِب حُسَام بن غُزِّي المَحَلِّيّ لنَفْسِه مَدْحًا في جَمال الدِّين يَحْيَى بن يُوسُف ابن شَيْخ السَّلَّامِيَّة: [من الطّويل]
وقَائلةٍ مَنْ بَعْدَ يَحْيَى بن بَرْمَكٍ
…
مَلَاذٌ لَمِلْهُوف وكَنْزٌ لِمُعْتَفِ
فقُلْتُ لها: إنْ ماتَ يَحْيَى فعِنْدَنا الـ
…
ـوَزِيرُ جَمَالُ الدِّين يَحْيَى بنُ يُوسُفِ
أنْشَدَني عِمَادُ الدِّين حُسَام بن غُزِّي لنَفْسِه: [من مجزوء الكامل]
أنا شَاكِرٌ لمُعَاشِري
…
إذْ سَاءَ في أخْلَاقِهِ
(a) تاريخ الإسلام والوافي: من تحبه، المقفى: من هويت.
(b) تاريخ الإسلام والوافي: خديه.
_________
(1)
البيتان في تاريخ الإسلام 13: 879 والوافي بالوفيات 11: 349، والبداية والنهاية 13: 134، والمقفى 3:271.
لو كانَ يُحْسِنُ عِشْرَتي
…
لهلكْتُ عِنْدَ فِرَاقِهِ
وأنْشَدَني لنَفْسِه
(1)
: [من السريع]
شَوْقي إليْكُم دُوْنَ أشْوَاقِكم
…
لنُكْتَةٍ (a) لا بُدّ ما تُشْرَحُ
لأنَّنى عن قَلْبكُم غَائِبٌ
…
وأنْتُم في القَلْب لن تَبْرَحُوا
سَمِعْتُ الشَّيْخ شَرَف الدِّين الحُسَين بن إبْراهيم بن الحُسَين الإرْبِلِيّ، قال: سَمِعْتُ العِمَاد المَحَلِّيّ يَقُول: النَّاسُ يَسْتَحْقرُونَ الفَلْسَ، والفَلْسُ يَنْتَفِع بهِ الإنْسانُ يَوْمًا، ويَنْتَفعُ به شَهْرًا، ويَنْتَفعُ به سَنَةً، ويَنتفِعُ به طُوْل العُمُر، أمَّا مَنْفَعَتُهُ اليَوْم فيَشْتَري به حِمَّصًا يَأكُلُهُ، فيَكْفيهِ لقُوْت يَوْمِهِ، وأنا أكْتَفي بهِ، وأمَّا مَنْفَعَتُه شَهْرًا فيَشْتَري به باقَةَ كِبْرِيت يَنْتَفِعُ بها جَمِيعَ الشَّهْر، وأمَّا مَنْفَعَتُهُ سَنةً فيَشْتَري به إبْرَةً يَخيْطُ بها سَنَةً، وأمَّا مَنْفعَتُهُ لجميع العُمر فيَشْتَري به مِسْمَارًا يَضْرِبُه في الحائطِ ويَنْتَفعُ به طُولَ عُمُره.
وكان مُموّلًا رحمه الله، ويُحْكَى عنه حِكَايَات في البُخْل كان يَتَنادَرُ بها، وكان يَقْرض من ماله مَنْ يَحْتاجُ إلى القَرْض من غير فَائِدَةٍ، ويَصْبر بمالِهِ على المُعْسِر ويُنْظِرهُ.
وبَلَغَني أنَّ العِمَاد حُسَام بن غُزِّي المَحَلِّيّ تُوفِّي بدِمَشْقَ في شَهْر رَبِيع الآخر من سَنَة تِسْعٍ وعشرين وسِتّمائة في لَيْلَة الأرْبَعَاء عاشِر الشَّهْر المَذْكُور، ودُفِن بمَقَابِر الصُّوْفيَّةِ خارج باب النَّصْرِ.
==
(a) في البداية والنهاية: لكن لا بد أن، المقفى: لكنه.
(1)
البيتان في البداية والنهاية 13: 134، والمقفى 3:272.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبِهِ تَوْفِيْقي
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ حَسَّان
حَسَّانُ بن الحُبَاب بن الوَلِيدِ القُشَيْريّ، أبو النَّدَى الشَّطِّيّ
شَاعِرٌ مُتَوسِّط الشِّعْر، أعْرَابيٌّ وتنْدُر له أبياتٌ فَائِقةٌ، من شُعَرَاءِ الأَمِير شِبْل الدَّولَةِ أبي كامِل نَصْر بن صالح بن مِرْدَاس، وممَّن وفَدَ عليه إلى حَلَب وأجَازَهُ. روَى عنهُ أبو عَبْد اللّه أحْمَد بن مُحَمَّد بن الخَيَّاط الشَّاعِرُ الدِّمَشقيُّ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن بن زَيْد الكِنْدِيُّ، عن أبي عَبْدِ اللّهِ مُحَمَّد بن نَصْر بن صَغِير القَيْسَرَانِيّ، قال: أنْشَدَني أبو مُحَمَّد هِبَةُ اللّه بن الأكْفانِيّ سَنَة سَبْع عَشْرة وخَمْسِمائَة من خَطِّه، قال: أنْشَدَني أبو عَبْدِ اللّهِ أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن الخَيَّاطِ، قال: أنْشَدَني الأَمِيرُ حَسَّان بن الحُبَاب الكِنَانِيّ، وكان يُعْرَف بشَاعِر آل صالِح يُخاطِب نَصْر بن مَحْمُود:[من الكامل]
ما لي إلى ابنِ أبي عليٍّ حَاجَةٌ
…
دُوْنَ الأَنامِ ولا لهُ عنْدِي يَدُ
إلَّا يَدٌ غَمَرَت فكُنْتُ كواحدٍ
…
مِمَّن يُعانُ على الزَّمانِ ويُسْعَدُ
قال القَيْسَرَانِيّ: وأنْشَدَني ابن الأكْفانِيّ، قال: أنْشَدَني ابنُ الخَيَّاطِ، قال: أنْشَدَني ابن الحُبَاب لنَفْسِه
(1)
: [من البسيط]
واللّهِ لولا قُيُودٌ في قَوَائمنا
…
من الجَمِيْلِ وفي الأعْنَاقِ أغْلَالُ
(1)
الأبيات في كتاب البديع لابن منقذ 207 - 208 بلا عزو.
لكانَ لي في بِلَادِ اللّه مُضْطَربٌ (a)
…
وفي المُلُوك لُبَاناتٌ وأشْغَالُ (b)
لي حُرْمَةُ الضَّيْفِ والجَارِ القَدِيمِ ومَنْ
…
أتاكُمُ وكُهُولُ الحَيِّ أطْفَالُ
أتَيْتُكُم وجَلَابيْبُ الصِّبَا قُشُبٌ
…
فكيفَ أرْحَلُ عنها (c) وَهْيَ أسْمَالُ
قال القَيْسَرَانِيُّ: والبَيْتُ الآخر أجْوَد من بَيْت البُحْتُرِيّ
(1)
: [من الطّويل]
وشَرْخَ شَبَابٍ قد نَضَوتُ جَدِيْدَهُ
…
إليكم كما يَنْضُو الّذي (d) سَمَل البُرْدِ
قال: وكان ابنُ الحُبَاب شَاعِرًا بَدَوِيًّا (e)، مُتَأدِبٌ بالطَّبْع، له أشْعَارٌ مَشْهُورةٌ في بَني صَالح.
قُلتُ: قَوْل ابن الخَيَّاط: يُخَاطب نَصْر بن محمُود، أظنُّه واللّهُ أعْلَمُ خَطأ، وإنَّما هو نَصْر بن صالح، وما أظُنُّ ابن الحُبَاب بَقِيَ إلى أيَّام نَصْر بن محمُود، والّذي يَدُلُّ على ذلك قَوْله:
مَا لي إلى ابن أبي عليّ حَاجَةٌ
وابن أبي عليّ هو: نَصْر بن صَالِح، وأبو عليّ كُنْيَة صحالح بن مِرْدَاسٍ، وكُنْيَة مَحْمُود بن نَصْر أبو سَلامَة.
قَرأتُ بخَطِّ أبي النَّجْم بن بَدِيْع في جُزءٍ وَقَعَ إليَّ من كتابه الَّذي جَمَعَهُ في الشُّعَراء؛ ذَكَرَ فيه جَمَاعَة من شُعَرَاء حَلَب، وذَكَرَ فيه حَسَّان هذا ولَم يَذْكُر نَسَبَهُ، وقال: حسَّان الشَّطِّيّ، شَاعِرٌ بَنِي صالح، تُوفِّي بحَلَب وقد جازَ ثَمانين سَنَةً، وقال فيه: مُتَوسِّط الشِّعر، وندر له أبيات، وأوْرَد له هذه الأبيات الأرْبَعة الّتي ذكرناها:
باللّهِ لولا قُيُودٌ في قَوَائمنا
إلى آخرها.
(a) ابن منقذ: متسع.
(b) ابن منقذ: وآمال.
(c) ابن منقذ: عنكم.
(d) الديوان: الفتى.
(e) في الأصل: شاعر بدويّ، وكتب فوقه "صـ".
_________
(1)
ديوان البُحْتُرِيّ 1: 494.
وَقَفْتُ في مَدَائِح نَصْر بن صالح الّتي جَمَعَها أحْمَدُ بن خَلَف المُمْتِع المَعَرِّيّ على قَصَائِد من شِعْره فيه بخَطِّ المُمْتِع، منها قَوْله:[من البسيط]
قَلْبٌ تَصَدَّعَ مِن وَجْدٍ وبَلْبَالِ
…
وعَبْرَةٌ ذَاتُ تَسْكابٍ وتَهْطَالِ
كأنَّ دَمْعِي وقد فَاضَتْ بَوادِرُهُ
…
مَاءُ الغَمَامِ جَرَى من رُوْسِ أَجْبَالِ
صَدَّ الحبَيْبُ الّذي ما كُنْتُ أحْسِبُهُ
…
يَصُدُّ فازْدَاد تَسْهِيْدِي وتَعْوَالي
لئن نَأَى وسَلَا عنِّي وأرَّقَني
…
فلَسْتُ عنهُ وإنْ سُلِّيْتُ بالسَّالِي
يا لَيْلَةً جَمَعَتْنا تَحْتَ حِنْدِسِهَا
…
وكشَّفَتْ سِتْرَها من بَعْدِ إسْدَالِ
عُوْدِي عَلينا فقَدْ عَادَتْ شَقَاوَتُنا
…
وإنَّ جِسْميَ مِن تَذْكارها بَالِ
قال فيها:
قَتَّالةٌ لا تَزَال الدَّهْر جَانيةً
…
لا تأْتَلي من هَوَانِي بَعْدَ إجْلَالي
خُمْصَانَةُ الكَشْحِ مِعْطَارٌ مُنَعَّمةٌ
…
كأنَّها ظبْيَةٌ بالأمْعَزِ الخَالِ
تَسْبي الحَلِيْمَ بألْحاظٍ مُفَتَّنةٍ
…
مَغْنُوجةٍ كُحلَتْ من غير إكْحَالِ
تَمْشِي إذا برَزَتْ من بَيْتِ جَارَتها
…
مَشْيَ البَخَاتِيِّ في وعْثٍ وأوْحَالِ
تُصْغي إذا عُذِلَت فينا فتهجُرُنا
…
ذَاتُ الدَّلال ولا أُصْغِي لعُذَّالِ
يا مَنْ شَغُفْتُ بها حتَّى ذللْتُ لها
…
كأنَّني مُجْرِمٌ يُدْعَى إل وَالِ
جُوْدِي علينا فقد جَادَ المَلِيْكُ لنا
…
بمفضِلٍ عَمَّنا منهُ بأفْضَالِ
وممَّا نَقَلْتُهُ من خَطِّ المُمْتِع من مَدَائِح نَصْر بن صالح قول حَسَّان في الحُبَاب أيضًا من قَصِيدَة: [من البسيط]
شَمْسٌ بألْحاظِ عَيْنيهَا ظُبا البُتُرِ
…
مَشْهُورةٌ وَكَّلَتْ عَيْنَيَّ بالسَّهَرِ
فَتَّانَةٌ فتنَتْ قَلْبيَ إذِ احْتَكَمَتْ
…
في مُهْجَتي فتَنَاهَتْ شِدَّةُ الضَّرَرِ
ووَرَّدَ الدَّمْعَ في خَدِّي تَوَرُّدَ ما
…
في صَحْنِ وجْنَتِها الزَّاهِي مع الأُزُرِ
ما قَلَّبَ القَلْبَ في نارٍ وأحْرَقَهُ
…
إلَّا تقَلُّبُ ما يَبْدُو من الأُزُرِ
لَهْفِي على دِعْصِ رَمْلٍ حازَ مِئْزَرَها
…
من تَحْتِ غُصْنٍ كغُصْنِ البَانةِ النَّضِرِ
أَسْتَوْدِعُ اللّهَ قَلْبي يَوْمَ ودَّعَها
…
فقد نَأَى إذ نَأت والرُّوْحُ في الأثَرِ
لَم أنْسَهَا والنَّوَى حَلَّتْ بسَاحَتِها
…
وقد بَدَتْ بين أتْرَابٍ لها غُرَرِ
بَدَتْ لنا بجَبِيْنٍ كالهِلَال سَنًا
…
من تَحْت أَسْوَدَ حُلْكُوكٍ من الشَّعَرِ
تَرْنُو بعَيْنَيْ ليَاحٍ لاحَ قانصُهُ
…
فظَلّ يَرمُقُهُ من شِدَّةِ الذُّعُرِ
لمَّا تراءَتْ رأيْتُ الشَّمْسَ طَالِعَةً
…
وَقْتَ الضُّحَى ورأيْتُ البَدْر في السَّحَرِ
حَسَّانُ بن كُمُشْتُكِيْن التُّرْكِيّ
(1)
صَاحِبُ مَنْبِج وأعْمَالها.
كان أميرًا مَذْكُورًا شُجَاعًا، له صَدَقَةٌ ومَعْرُوف، وابْتَنى بمَنْبِج مَدْرَسَةً وَقَفَها على أصْحَاب الإمَام أبي حَنِيْفَة رضي الله عنه، ووقَف عليها أوْقَافًا حَسَنةً، وكان قد بَلَغَ بَلَك بن بَهْرَام بن أُرْتُق عنه كَلَامٌ أوْجَب تغيُّره عليه، فسَيَّر ابن عَمّه تَمُرْتَاش بن إيلْغَازِي بن أُرْتُق بقِطْعَةٍ من عَسْكَره، وأمَرَهُ بالمُرُور بمَنْبِج والتَّقَدُّم إلى حَسَّان بالمسير معهم إلى تَلَّ بَاشِر، فإذا خرَجَ قبضُوه، فتوَجَّه تَمُرتاش إليهِ في صَفَر من سَنة ثمان عشرة وخَمْسِمائَة، وفَعَل ما أمَره بهِ، وقَبَضَ على حَسَّان، ودَخَلُوا مَنْبِج، وعَصَى عليه الحِصْن فلم يُسَلَّم إليهِ، وسيَّرَهُ إلى خَرْتَبِرْب
(2)
، وحَبَسَهُ في جُبٍّ، ودامَ على حَصْر مَنْبِج، ووصَل بَلَكُ بنَفْسه، فضَرَبَهُ سَهْمٌ من الحِصْن
(1)
كان موضع هذه الترْجَمَة في الأصل بعد تَرْجَمَة حسان بن نُمَيْر، فكتب ابن العديم عندها:"تقدَّم هذه التَّرْجَمَة إلى ما قبل حسان بن مَالِك"، فوضعناها حسبما أشار وأبقينا على ترقيم أوراق الأصل كيفما اتَّفقت.
وتوفي حسان التركي سنة 549 هـ، وانظر أخباره عند ابن القلاني: ذيل تاريخ دِمَشْق 341، 385، 315، ابن الأثير: الكامل. 10: 619، 11: 57، وفيه: حسان البعْلَبَكّيّ، زبدة الحلب 1: 414 - 416، 2: 470، ابن خلدون: العبر 9: 641، وفيه: حسان التغلبي.
(2)
خرتبرت: هي المعروفة بحصن زياد، تقع في أعلى ديار بَكْر، بينها وبين ملطية مسيرة يومن، ويفصل بينهما نَهْر الفرات. ياقوت: معجم البلدان 2: 355 - 356.
فقَتَلَهُ، وأُخْرج حَسَّان من الجُبِّ، وعاد إلى مَنْبج، ودام في ولايتها إلى أنْ تُوفِّي سَنَة تِسْعٍ وأرْبعين وخَمْسِمائَة، وقد ذَكَرنا قِصَّة حَسَّان مع بَلَك مُسْتَقْصَاةً في تَرْجَمَةِ بَلَك
(1)
من هذا الكتاب.
قَرأتُ بخَطِّ مُرْهَف بن أُسامَة بن مُنْقِذ في مُدْرَج عَلَّق فيه شَيئًا من التَّاريِخ، قال: فيها قَبَضَ بَلَك على حَسَّان البَعْلَبَكِّيّ، ونَزَلَ على قَلْعَة مَنْبِج، وكان فيها عِيسى أخُو حَسَّان، وعَذَّبَ حَسَّانَ أنْوَاع العَذَاب ليُسَلِّم إليه مَنْبج، فلم يَفْعَل أخُوه عِيسَى، وأنْفَذَ إلى جُوسْلِين وأطْمَعَهُ بتَسْليم مَنْبج إليه، فجَمَعَ جَمْعًا كَثِيْرًا، وجاءَ فنَصَر الله بَلَكًا عليه، فكَسَرهُ، وعاد إلى حِصَار منْبج، فأصَابه سهْمُ في تَرْقُوَته فماتَ، وكان قد جَعَل سِجْن حَسَّان في قَلْعَة بَالُو
(2)
، فلمَّا قُتِلَ بَلَك نَزَل ابن عَمّه دَاوُد بن سُكْمَان على بالُو فأخَذَها وأفْرَج عن حَسَّان، وقيل إنَّ ذلك كان في رَبيع الأوَّل.
حَسَّان بن مَالِك بن بَجْدَل بن أُنَيْف بن دَلَجَة بِن قُنَافَة بن عَدِيّ بن زُهَيْرِ بن جَنَاب بن هُبَل بن عَبْد الله بن كِنَانَة بن بَكْر بِن عَوْف بن عُذْرَة بن زَيْد اللَّات بن رُفَيْدَة بن ثَوْر بن كَلْب بن وَبْرَة بن تَغْلِب بن حُلْوَان بن عِمْرانِ بن الْحَاف بن قُضاعَة بن مَالك بن زَيْد بن مُرَّة بن عَمْرو بن مَالِك بن حِمْيَر، أبو سُليْمان الكَلْبيِّ
(3)
كان لهُ وَجَاهَةٌ ومَنْزِلةٌ عندي أُمَيَّة، وكان مُقَدَّمَ بني كَلْب ورَئيسَهم، وعَمَّته مَيْسُون بنت بَحْدَل زَوْج مُعاوِيَة، وهي أُمُّ يَزِيد بن مُعاوِيَة، وشَهِدَ مع
(1)
في الضائع من أجزاء الكتاب، وتأتي بعض أخباره فيما يلي، في ترجمة زنكي بن آق سنقر في الجزء الثامن.
(2)
بالو: قلعة حصينة وبلدة من نواي أرمينية بين أرزن الروم وخلاط. ياقوت: معجم البلدان 1: 330.
(3)
توفي سنة 69 هـ، وترجمته في: كتاب وقعة صفين لابن مزاحم 207، ولاة مصر للكندي 65، الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري 172 (وفيه: حسان بن بحدل)، تاريخ الطبري 5: 531 - 537، 543، 610، 6: 141 - 143، المسعودي: مروج الذهب 3: 383 - 388، التنبيه =
مُعاوِيَةَ صِفِّيْن، وكان على قُضاعَة دِمَشْق يَوْمئذٍ، وهو الّذي قام بأمْر البَيْعَة لمَرْوَان بن الحَكَم، وكان يُسَلّم عليه بالإمْرة قبل ذلك.
وذَكَر أبو بَكْر أحْمَد بن يَحْيَى بن جَابِر البَلاذُرِيّ، قال: حَدَّثَني عبَّاسُ بن هِشَامٍ الكَلْبيُّ، عن أَبِيهِ، عن جَدِّه، قال: سُلِّم على حَسَّان بن مَالِك بن بَحْدَل أرْبَعيْن لَيْلَةً بالخِلَافَة ثمّ سَلَّها إلى مَرْوَان، وقال:[من الطويل]
فألَّا يكُن منَّا الخلَيفَة نَفْسُه
…
فما نالها إلَّا ونحنُ شُهُودُ
وقال بعضُ الكَلْبيِّيْنَ: [من الطويل]
نَزَلنا لكُم عن مِنْبَر الملكِ بَعْدَما
…
ظَلَلْتُم وما إنْ تَسْتَطيْعُون مِنْبَرا
أنْبَأنَا أبو نصْر مُحَمَّد بن هِبَة الله القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(1)
، قال: حَسَّان بن مَالِك بن بَحْدَل بن أُنَيْف بن دَلَجَة بن قُنَافَة بن عَدِيّ بن زُهَيْر بن جَنَاب بن هُبَل بن عَبْد الله بن كِنَانَة بن بَكْر بن عَوْف بن عُذْرَة بن زَيْد اللَّات بن رُفَيْدَة بن ثَوْر بن كَلْب بن وَبْرَة، أبو سُليْمان الكَلْبيُّ، زَعيم بني كَلْب ومُقَدَّمهم، شَهِدَ صِفِّيْنَ مع مُعاوِيَةَ، وكان على قُضاعَة دِمَشْق يَوْمئذٍ، وكان له مِقْدَار ومنْزِلة عندي أُمَيَّة، وهو الّذي قام بأمْر البَيْعَة لمَرْوَان بن الحَكَم، وقد كان يُسَلّم عليه بالإمْرَة قبل ذلك أرْبَعيْن ليلةً، وكان له شِعْرٌ، ودَارهُ بدِمشْق، وهي قَصْرُ البَحَادِلَة الّتي تُعْرف اليَوْم بقَصْر ابن أبي الحَدِيْد، وأقْطَعَهُ إيَّاها مُعاوِيَة.
= والإشراف 211، 307 - 308، تاريخ ابن عساكر 13: 448 - 450، ابن الأثير: الكامل 4: 145 - 152، 398 - 399، 539، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 8: 359، تاريخ الإسلام 3: 627، سير أعلام النبلاء 3: 537، الوافي بالوفيات 11: 359 (أرخ وفاته في حدود 70 هـ)، ابن كثير: البداية والنهاية 8: 313، المقريزي: المقفى الكبير 3: 376 - 379، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 148 - 149.
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 448.
قال الحافِظُ
(1)
: أخْبَرَنا أبو غَالِب مُحَمَّد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن إسْحَاق، قال: حَدَّثَنا أحْمَدُ بن عِمْران، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَةُ بن خَيَّاطٍ
(2)
، قال: ماتَ يَزِيد - يعني ابن مُعاوِيَة - وعلى الأُرْدُنّ حَسَّان بن مَالِك بن بَحْدَل، وضَمَّ إليه فِلَسْطين، فولَّى حَسَّانُ بن مالك رَوْح بن زِنْبَاعٍ فِلَسْطين.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الوَهَّاب بن المُبارَك الأنْمَاطِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن الحَسَن بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن بِشْرَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ مُحَمَّد بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُثْمان بن أبي شَيْبَة، قال: حَسَّان بن مَالِك بن بَحْدَل الكَلْبِيّ، أبو سُليْمان.
أنْبَأنَا عبد الرَّحْمن بن نَجْم الحنبَلِيّ، قال: أخْبَرَتْنا شُهدَةُ بنْت ابن الإِبَرِيّ، قالت: أخْبَرَنا طَرَّاد بن مُحَمَّد أبو الفَوَارِس الزَّيْنَبيِّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ بن الحُسَين بن البَادَا، قال: أخْبَرَنا حَامِد بن مُحَمَّد بن عَبْد الله الرَّفَّاء، قال: أخْبَرَنا عليّ بن عَبْد العَزِيْز، قال: حَدَّثَنَا أبو عُبَيْد، قال
(3)
: حَدَّثَني نُعَيْم بن حَمَّاد، عن ضَمْرَة بن رَبِيْعَة، عن رَجَاءِ بن أبي سَلَمَة، قال: خَاصَمَ حَسَّانَ بن مالك عَجَمُ أهْل دِمَشْق إلى عُمَر بن عَبْد العَزِيْز في كَنِيْسَة كان فُلَان - وسَمَّى رَجُلًا من الأُمَرَاءِ - أقْطَعَهُ إيَّاها، فقال عُمَرُ: إنْ كانت من الخَمْس العَشرة كَنِيْسَة الّتي في عَهْدهم فلا سَبِيْل إليها.
(1)
تاريخ ابن عساكر 12: 449.
(2)
لم أقف عليه في تاريخه، وذكره عرضًا ص 196 منسوبًا إلى جده: حسان بن بحدل، وأنه على قيس دمشق.
(3)
أورد البلاذري رواية أبي عبيد في فتوح البلدان 169.
حَسَّان بن مَاهُوَيْه الأنْطَاكيِّ
(1)
كان من صحَابةِ هِشَام بن عَبْد المَلِك، وذَكَرَ أحْمَدُ بن يَحْيَى البَلاذُرِيّ
(2)
، فيما حَدَّثَهُ بهِ مُحَمَّد بن سَهْم الأنْطَاكيِّ، عن مَشَاغَ الثَّغْر، قال: وكان الّذي بَنَى حِصْن (a) المُثَقَّب هِشَام بن عَبْد المَلِك على يَد حَسَّان بن مَاهُوَيْه الأنْطَاكيِّ، ووُجِدَ في خَنْدَقه حين حُفِرَ عَظْم سَاق مُفْرِط الطُّوْل، فبَعَثَ بهِ إلى هِشَام.
حَسَّان بن مُحَمَّد
(3)
شَهِدَ صِفِّيْنَ مع مُعاوِيَةَ، وجَعَلَهُ أمِيْرًا على قَيْس دِمَشْق فيما حَكَاهُ أبو عُبَيْدَة.
أنْبَأنَا بذلك القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هبَة الله بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(4)
، قال: أَخْبَرَنا أبو غَالِب المَاوَرْديّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن إسْحَاق، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عِمْران، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا خَلِيفَة
(5)
، قال: قال أبو عُبَيْدَة: وكان على قَيْس دِمَشْق حَسَّان بن مُحَمَّد.
قال أبو القَاسِم الحافِظُ: كَذَا قال خَلِيفَةُ، وصَكَلِ جَابِر بن يَزِيد الجُعْفِيِّ، عن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عليّ، وزَيْد بن الحَسَن بن عليّ، ورجُل آخر أنَّهُ حَسَّان بن
(a) في نشرة البلاذري: الذي حَصَّن.
_________
(1)
له ذكر في فتوح البلدان للبلاذري 228، وكتاب الخراج لقدامة 309، ومعجم البلدان لياقوت 5: 54، وضبط ياقوت 31 والده: ماهَوَيه.
(2)
فتوح البلدان 228، وتقدم نقله عن البلاذري في الجزء الأول عند الكلام على حصن المُثقَّب.
(3)
كان حيًا سنة 37 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 12: 448.
(4)
تاريخ ابن عساكر 12: 448.
(5)
تاريخ خليفة 196، وفيه: وعلى قيس دمشق حسان بن بحدل الكلي.
بَحْدَل الكَلْبيُّ، وهو الصَّوَاب، وهو: حَسَّان بن مَالِك بن بَحْدَل الكَلْبيّ، يَعْني المُقَدَّم ذِكْرهُ.
قُلتُ: الّذي ذَكَرهُ جَابِر بن يَزِيد، عن مُحَمَّد بن عليّ، وزَيْد بن الحَسَن، ومُحَمَّد بن المُطَّلِب أنَّ حَسَّان بن بَحْدَل، كان على قُضاعَة دِمَشْق، وذَكَروا أنَّ الّذي كان على قَيْس دِمَشْق هَمَّام بن قَبِيْصَة، وسَيأتي ذِكْرهُ
(1)
إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى، وقد ذَكَر الحافِظ أبو القَاسِم
(2)
في تَرْجَمَةِ حَسَّان بن مَالِك بن بَحْدَل، ما حَكَيناهُ عنه، أنَّهُ كان على قُضاعَة دِمَشْق، وجَعَل في هذه التَّرْجَمَة أنَّ الصَّوَاب أنَّهُ كان على قَيْس دِمَشْق، وهذا وَهْمٌ. وقد ذَكَرَ أبو البَخْتَرِيّ وَهْب بن وَهْب بن كَثِيْر فيما رَوَاهُ عن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عن أَبيِهِ، وابن أخي الزُّهْرِيّ، عن عَمِّه، ومُحَمَّد بن إسْحَاق، عن يَزِيد بن رُوْمَان، وابن سَمْعَان، عن الزُّهْرِيّ، ومُحَمَّد بن إبْراهيم بن الحَارِث، وسَعِيْد بن عَبْد العَزِيْز الدِّمَشقيّ، عن مَكْحُول وغيره، وغير هؤلاء، قال: وبعضُهم يَزِيد على بعض، قالُوا: وجعل - يعني مُعاوِيَة - على مُضَر دِمَشْق؛ وهي الجُنْد الثَّاني: الضَّحَّاك بن قَيْس القُرَشِيّ، وعلى قُضَاعَتها حَسَّان بن مالك القُضاعيّ.
قُلتُ: وهو ابن بَحْدَل.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ
(3)
، قال: حَسَّان بن مُحَمَّد ممَّن شَهِدَ مع مُعاوِيَةَ صِفِّيْن، وجَعَلَهُ على بعض العَسْكَر.
(1)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
(2)
تاريخ ابن عساكر 12: 448، والذي فيه أنه على قضاعة دمشق، ولم يصوبه بقيس دمشق!.
(3)
تاريخ ابن عساكر 12: 448.
حَسَّان بن مَخْدُوج الذُّهْلِيُّ
(1)
كان سَيِّد رَبيعَة، وشَهِدَ صِفِّيْنَ مع عليٍّ رضي الله عنه، وكان على ذُهْل الكُوفَة وقيل: على الذُّهْلِيِّيْن مع رئاسة الحَيَّيْن؛ يعْني حَيَّ كِنْدَة ورَبيعَة، وقيل: إنَّ عليًّا عليه السلام عَزَل الأشْعث بن قَيْس واسْتَعْمَل عليها حَسَّان بن مَخْدُوج الذُّهْلِيّ، وكان فَاضِلًا نَاسِكًا.
قَرأتُ في كِتاب صِفّين وقد سَقَط اسْم مُؤلِّفه، وأظُنُّه عن المَدَائِنِيّ، قال: لمَّا أرَادَ عليٌّ المَسير إلى صِفَّيْن، بلَغَهُ عن الأشْعَث تَثَاقُل عن المسير من غير أنْ يُصَرِّح، وكانت له رئاسة رَبِيْعَة مع كِنْدَة، فلَّا بلغَ ذلك عليًّا بَعَثَ إليه فقال: يا أشْعَث، إنّي أتْرك عتَابكَ اسْتِبقاءً لِمَا بَيْني وبينكَ، ولستُ أُرِيْدُ أنْ أمْشِي بكَ القَهْقَرَى، إنَّهُ قد بَدَا لي فيك رأيٌ وسَتَعْلمه، فانْصَرف الأشْعَث، ودعا عليٌّ حَسَّانَ بن مَخْدُوج الذُّهْلِيّ، وهو يومئذٍ سَيِّدُ رَبيْعَة نُسْكًا وفَضْلًا، فجمَع لهُ رَاية كِنْدَة ورَبيعَة، وجَعَل رئاسَة الأشْعث له، فتكلَّم في ذلك رجال من أهْلِ اليَمَن، فتكلَّم جَابِر بن حُرَيْث الحَنَفِيّ، فقال: يا هؤلاءَ، لا تَجْزعُوا فإنَّهُ إنْ كان صَاحبكُم مَلِكًا في الجاهِلِيَّةِ، وسَيِّدًا في الإسْلَام، فإنَّ صَاحِبَنا أهْلٌ لهذه الرِّئَاسَة، قال: وغَضِبَ الأشْعَثُ بن قَيْس، قال: وقال حَسَّان للأشْعَث: يا أبا مُحَمَّد، أَنا عند ما يَسرُّكَ، لكَ رايَةُ كِنْدَةَ، ولي رَايةُ رَبيعَة، فقال الأشْعَث: مَعَاذ الله أنْ أفرقَ بينَهُما، ما كان لي فهو لكَ، وما كان لك فهو لي. فقال شَقِيْقُ بنُ عَبْدِ الله المُرَاديّ، وقال بَعْضُهُم: شَقِيقُ بن ثَوْر الكِنْدِيّ
(2)
: [من البسيط]
قد أكْمَلَ اللهُ للحَيَّيْن نِعْمَتَهُ
…
إذ قَامَ بالأمْر حَسَّانُ بنُ مَخْدُوج
(1)
كان حيًا سنة 37 هـ، وترجمته في: كتاب وقعة صفين لابن مزاحم 137 - 139، تاريخ الطبري 6: 25 (وفيه: ابن محدوج)، الفتوح لابن أعثم 3: 171، 3: 105، محسن الأمين: أعيان الشيعة 4: 633 - 634.
(2)
الأبيات في الفتوح لابن أعثم 3: 107، ونسبها لشريح بن هانئ المذحجي.
مَنْ كان يَطْمَعُ فينا أنْ يُفَرِّقَنا
…
بَعْد الوَلَاءِ ووُدّ غير مَمْزُوج
فالنَّجْم أقْرَب منهُ في تنَاولهِ
…
ممَّا أرَاهُ فلا يوْلَع بتَهْييج
ليسَتْ رَبيعَةُ أوْلَى بالَّتي حدثَت
…
من حَيّ كِنْدَة حَيّ غير مَحْجُوج
يَأبَى لنا الله أنْ نَرْضَى نقيصَتَكُم
…
حتَّى تفَتّح يَأجُوْج بمَأْجُوج
قال: فسَكَنَ القَوْمُ.
وقال مَالِك بن هُبَيْرَة من أصْحَاب مُعاوِيَة وبَعَثَ إلى الأشْعَث شِعْرًا فيهِ
(1)
: [من البسيط]
مَنْ أَصْبَحَ اليَوْم مَثْلُوجًا بأُسْرَتهِ
…
فاللهُ يَعْلَم أنِّي غَيْر مَثْلُوج
زالَتْ عن الأشْعَثِ الكِنْدِيّ رَايَتُه
…
وقُلِّد الأمْرُ حَسَّانُ بنُ مَخْدُوج
فتَرَكَ الأشْعَث أجابَتَهُ.
قال: وإنَّ حَسَّان في مَخْدُوج حَيْثُ بَلَغَهُ قَوْل مَالِك بن هُبَيْرَة، مَشَى برَايَتِهِ إلى الأشْعَث، فرَكَزها على دَاره، ومَشَى مع حَسَّان وُجُوه قَوْمهِ، فقال الأشْعَثُ: أُتَرى هذه الرِّئَاسَةُ عَظُمَتْ على عليٍّ، والله لَهِي أَخَفّ عليَّ من زَفّ النَّعَام، ومَعَاذ اللهِ أنْ تُغَيّرَني عن حَالي. فعَرَضَ عليه عليّ أنْ يُعِيْدُها عليه، فقال الأشْعَثُ: يا أَمِير المؤمنِيْن، إنْ يكُن أوّلها شَرًّا فليس آخرها بعَارٍ، قال عليّ: لسْت بالَّذي نَتْركُكَ حتَّى تَلي، فقال الأشْعَثُ: ذلكَ إليك، قال: ثمّ إنَّ عليًّا كَتَّبَ الكَتَائِبَ، قال: وجَعَلَ على ذُهْلِ الكُوفَة حَسَّان بن مَخْدُوج الذُّهْلِيّ، فوَلَّاها حَسَّان أخاهُ الحَسَنَ بن مَخْدُوج.
(1)
البيتان في كتاب وقعة صفين 139.
حَسِّان بن المُفَرِّجِ بن دَغْفَل بن الجرَاح بن شَبِيْب بن مسْعُوِد بن أسعد بن مزرّ (a) بن سَالِم بن سَعْد بن سُمَيْع بن حَوْط بن مَعْبَد بِن عِيسَى بن أَفْلت بن سلْسِلَة بن عَمْرو بن سِلْسِلَة بن غَنْم بن ثوْر بن مَعْن الطَّائِيّ
(1)
أميرٌ كَبِيرٌ من آل الجَرَّاح، وكان قد لُقِّبَ من جِهَة مِصْر بعُدَّة الدَّوْلَة ورَضِيْعها، وقَدِمَ إلى حَلَب مُحَالفًا صالح بن مِرْدَاس الكِلابيِّ، واتَّفَقا على مُحَارَبة العَسَاكِر المِصْرِيَّة في أيَّام الظَّاهر ومُقَدَّمُها أمير الجيُوش الدِّزْبِرِيّ
(2)
، وحَسَّان هو الّذي هَرَبَ إليه أبو القَاسِم الحُسَين بن عليّ بن المغرِبيّ حين قَتَلَ الحاكِمُ أباهُ وعَمّه وإخْوَته، وحَصَل عند حَسّان واسْتَجاره فأجارَهُ.
(a) كذا في الأصل، ولم نجد مَن ساق في نسبه هذا الاسم.
_________
(1)
توفي بعد سنة 420 هـ، وترجمته في: أخبار مصر للمسبحي 37 وما بعدها (وانظر فهرس الأعلام 313)، التاريخ الباهر لابن الأثير 74 الكامل 8: 638، 9: 133 - 133، 331 - 332، 430، 449، 501 - 503، 10: 443، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 18: 58، زبدة الحلب 1: 190 - 300، ابن ميسر: المنتقى من أخبار مصر 311، ابن خلدون: العبر 7: 187 - 189، 838 - 841، المقريزي: اتعاظ الحنفا 2: 130، 143، 150 - 180 وسماه في بعض المواضع: حسان بن علي بن مفرج.
(2)
هو أنوشتكين الدزبري (ت 433 هـ)، وورد اسمه محرفًا في بعض المصادر، فعند ابن الجوزي: المنتظم 15: 303: التزبري، وفي أخبار الدول المنقطعة لابن ظافر الأزدي 1: 204، 205: الدرزي، وفي تاريخ ابن القلانسي 71: التزبري، وفي التاريخ المجموع لابن بطريق 2: 245 - 253: البربري، وفي الكامل لابن الأثير 9: 230، 231: البربري، والبريدي، وفي أصول تاريخ ابن خلدون 7: 182، 187 - 188، 838: الزريري، والوزيري، والدريدي، والذريري، وفي اتعاظ الحنفا للمقريزي 3: 118: الدرزي، بينما جاء صحيحًا في ترجمته ضمن كتابه المقفى الكبير 2: 302 - 306.
والضبط أعلاه من ابن خلكان (وفيات الأعيان 2: 487) والمقريزي (المقفى 3: 306)، ضبطه كل منهما بالحرف وذكرا أنها نسبة لدزبر بن أوتيم الديلمي، وانظر أخباره في تاريخ المسبحي: أخبار مصر 53 - 58 وما بعدها، ولدزبر ترجمة تأتي في الجزء السابع من هذا الكتاب وسمَّاه ابن العديم: دزبر بن أونيم الديلمي.
وقدَّمَ الحاكِمُ يَارخْتِكِيْن، وقلَّدَهُ الشَّام، وأمَرَ النَّاس بالتَّرجُّل له، منهم عليّ ومَحْمُود ابْنَا المُفَرِّج، فشقَّ عليهما ذلك، وأبَيَا الصَّبْر على هذه المَذَلَّة، وكَتَبا بذلك إلى أبيهما وأخيهما حَسَّان، فلمَّا توَسَّط يَارخْتِكِيْن الجِفَار أشار أبو القَاسِم بن المَغْرِبيّ على حَسَّان بلقائه، وانْتِهَاز الفُرْصَة فيه، فسَار حَسَّان إلى أبيهِ، وأجْمعَ رأيهما على لقائهِ، فَخَرَج يَارخْتِكِيْن من غَزَّة، وكان حَسَّان قد عَرَف خَبَره، وبَثَّ الخَيْل من كُلِّ جانب، ووَقَعَت الوَقْعَة بين الفَرِيْقَين، وكانت الغَلَبَة فيها لحَسَّان والعَرَب، فأُسِرَ يارخْتِكِيْن وحُرَمه وأوْلَاده، واسْتُولِي على أمْوَاله، وحَصَل أكْثَر ذلك في يَد حَسَّان، وعاد حسَّان وأبُوه إلى الرَّمْلَة وهَجَمُوها واسْتَولوا عليها، وبَالَغُوا في الفَتْك والهَتْك بأهْلها.
وكَتَبَ الحاكِم إلى المُفَرِّج يُعَاتِبُه، وطَالَبَهُ بانْتزَاع يَارخْتِكِيْن من يد حَسَّان، وحَمْله إليهِ إلى مِصْر ووَعَدهُ على ذلك بخمسِين ألف دِيْنار، فاجْتَمع أبو القَاسِم بن المَغْرِبيّ بحَسَّان، وقال: إنَّ وَالدك سَيْركَب إليك ويُثْقل عليك في أمر يَارخْتِكِيْن وما يَبْرحُ إلَّا به، ومتى أفْرَجتُم عنه عادَ إلى الحاكِم فردَّهُ إليكم في العَسَاكِر الكَثِيْرة، فلمَّا سَمِع حَسَّان ذلك منه، وكانت في رَأْسه نَشْوَة، أحْضَر يَارخْتِكِيْن في قُيُوده وأمَرَ بضرْب عُنُقه، وأنْفَذَ رأسَهُ إلى أبيه المُفَرِّج، فشقّ عليه.
ثُمَّ أشار ابن المَغْرِبيّ على المُفَرِّج وحَسَّان بمُرَاسَلَة أبي الفُتُوحِ الحَسَن بن جَعْفَر العَلَويّ أَمِيْر مَكَّة ومُبَايعته، وسَار رَسُولًا عنهما، وبَايَعَ وتلَقَّب بالرَّاشِد، وخَرَجَ من مَكَّة حتَّى اجْتَمع بحَسَّان وأبيهِ، ودَخَل الرَّمْلَة، وتلقَّاهُ حَسَّان وأبُوه وآل الجَرَّاح، وقبَلُوا الأرْض بينَ يَدَيْهِ
(1)
.
(1)
انظر مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي 18: 58.
وكَتَبَ الحاكِم إلى حَسَّان وأبيهِ
(1)
، وبَذَل لهما بذُولًا كَثِيْرةً، واستمال آل الجَرَّاح، فمالُوا إلى الحاكِم، وقَوي أمْرُه وضَعُفَ أمر أبي الفُتُوح، فاجْتَمع بالمُفَرِّج وقال: قد خفْتُ من غدْر حَسَّان، فأبْلِغْني مَأمني وسيِّرني إلى وَطَني، فأعْطَاهُ ذِمَامَهُ، وسَيَّرَهُ إلى مَكَّة.
ثُمَّ إنَّ المُفَرِّج ماتَ بعد ذلك
(2)
، واسْتَقلَّ حَسَّان ابنه بالإمَارة على طَيِّء، وتجَدَّدَت بينَهُ وبين الظَّاهر بن الحاكِم الوَحْشَةُ، وتحَالَفَ هو وصَالِح بن مِرْدَاس الكِلابيِّ صاحب حَلَب على الانْفراد بالشَّام جَمِيْعه
(3)
، وقَدِمَ حَسَّان على صالح بن مِرْدَاس ومعه سِنَان بن عليان إلى حَلَب، واتَّفقُوا على قَصْد العَسَاكِر المِصْرِيَّة ومُقَدَّمها أمير الجيُوش أَنُوشْتِكِيْن الدِّزْبِرِيّ، والْتَقُوا بالأُقْحُوَانَة
(4)
، فكُسِرَت العَرَب، وقُتِلَ صالح، وانْهَزَم حَسَّان على ما نَذكرهُ في تَرْجَمَةِ صَالِح
(5)
إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.
(1)
بقيت نماذج من هذه المراسلات مما كتبه أبو سعد العميدي (ت 433 هـ) الكاتب البليغ ومتولي ديوان الإنشاء للفاطميين، منها كتاب وعيد إلى حسان لما نهب الرملة، ورسالة إلى صالح بن مرداس، ورسائل أخرى في ذات الغرض. انظر رسائل العميدي 248، 267.
(2)
توفي الفرج سنة 403 هـ.
(3)
انظر أخبار تحالفه مع صالح بن مرداس الكلابي، وسنان بن عليان بن البناء الكلبي لاقتسام بلاد الشام فيما بينهم، فتكون المنطقة الممتدة من حلب إلى عانة لابن مرداس، والمنطقة الممتدة من الرملة حتى حدود مصر لحسان بن الجراح، ودمشق لسنان عبد ابن ظافر الأزدي: أخبار الدول المنقطعة 1: 214، ابن بطريق: التاريخ المجموع 2: 244، ابن العديم: زبدة الحلب 1: 196، ابن الأثير: الكامل 9: 230، النويري: نهاية الأرب 28: 196، 204، ابن تغري يردي: النجوم الزاهرة 4: 248، القريزي: اتعاظ الحنفا 2: 147.
(4)
انظر رسالة العميدي التي تشرح خبر وقعة الأقحوانة، بعنوان:"كتاب فتح الشام وقتل صالح بن مرداس وهزيمة العرب قيسيهم وطائيهم" في كتاب رسائله 308 - 320، وسمَّاها العميدي "الأقحوانة الصغرى"، ولا يوجد في بلاد الشام سواها بهذا الاسم إلا أن يكون أراد التمييز بينها وبين الإقحوانة التي في الحجاز بنواحي مكة، وأقحوانة الشام هي ضيعة على شاطئ طبرية قرب عقبة فيق، وحدد العميدي موضعها في شرقي النهر. وانظر عنها: البكري: معجم ما استعجم 1: 179، ياقوت: معجم البلدان 1: 234، والمشترك وضعًا 29، ابن خلكان: وفيات الأعيان 2: 488.
(5)
ترجمته في الضائع من الكتاب، وله أخبار مفرقة في العديد من التراجم، فيما يلي من الكتاب.
قَرأتُ في مَجْمُوع لبعض الأُدَبَاء من المَعَريِّيْن، أو غيرهم من الشَّامِيِّين، لعَبْد المُحْسِن الصُّوْرِي يمدَحُ زُهَيْر وحَسَّان، ووصَلَهُما وهما في خيْمَةٍ نَازِلَان في أطْرَاف بَلَد حَلَب
(1)
: [من الخفيف]
ما سَمِعْنا بخيمَةٍ تسَعُ البَحْـ
…
ـر وقد حَلَّ هذِهِ بَحْرَانِ
عقَدَتْ من يَدي الأَمِيرين في عِزٍّ
…
زُهَيْرٍ وفي عُلًا حَسَّانِ
فلمَّاذا فَخْرُ السَّماء عليها
…
وهي فيها النُّجُومُ والقَمَرَانِ
وطلَبَ جَاِئِزَة القَصِيدَة، فَمطلَ بها، فَمضىَ وقال:[من الطويل]
زَففتُ إلى حَسَّانَ من حُسْنِ مَنْطقى
…
عَرُوسًا غَدَا بَطْنُ الكتاب لها خدْرًا
فَقَبَّلها (a) عَشرًا وهَامَ بحُبِها
…
فلمَّا طلبْتُ المَهْرَ طَلَّقَها (b) عَشْرا
حَسَّانُ بن نُمَيْر، أبو النَّدَى الكَلْبيُّ الدِّمَشقيُّ المعرُوف بالعَرْقَلَة
(2)
شَاعِرٌ حَسَن الشِّعْر، كَتَبَ عنه شَيئًا من شِعْره أبو الخَطَّاب عُمَر بن مُحَمَّد العُليْمِيِّ، وأنْشِدَنا عنه الشَّريفُ أبو المحاسِن الفَضْل بن عَقِيل بن عُثْمان
(a) الأصل: فقبتها.
(b) الأصل: طلقتها.
_________
(1)
البيت الأول في ديوان ابن غلبون الصوري 3: 90، وفيه أنه قال الأبيات في خيمة ضربها نبهان وربيب ابنا أبي رمادة.
(2)
توفي بعد سنة 570 هـ، وترجمته في: خريدة القصر (قسم الشام) 11: 178 - 229، فوات الوفيات 1: 313 - 318، أبو شامة: الروضتين 2: 84 وما بعدها، وفيه نماذج عديدة من شعره، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 21: 174 - 177 (ترجم له في وفيات سنة 567 هـ)، الوافي بالوفيات 11: 364 - 368 (وأرخ وفاته سنة 567 هـ)، العيني: عقد الجمان 1: 102 - 103، الزركشي: عقود الجمان ورقة 88 أ - 89 ب، النجوم الزاهرة 6: 64 - 65، شذرات الذهب 6: 365، البغدادي: هدية العارفين 1: 265، معجم المؤلفين 3: 192، الزركلي: الأعلام 2: 177.
العبَّاسيّ الدِّمَشقِيّ، وقَدِمَ حلَبَ وقال عند مَسِيره إليها، ونَقَلتُها من دِيْوان شِعْره
(1)
: [من البسيط]
ذَرِ المقامَ إذا ما سَاءَكَ الطَّلَبُ
…
وسِرْ فعزمُكَ فيهِ الحَزْمُ والأَرَبُ
لا تقعُدَنَّ بأرْضٍ قد عُرِفْتَ بها
…
فليسَ تقطَعُ في أَغْمادها القُضُبُ
ألَم تكُن لكَ أرْضُ الله وَاسِعَةً
…
إنْ أقْفَرَتْ جِلَّقٌ ما أقْفَرَتْ حَلَبُ
ولمَّا كان بحَلَب، عَبَرَ على قَوْم يَرْتَمُونَ بالحِجَارَة، فضَرَبَهُ حَجَرٌ طَائِحٌ في عَيْنهِ فقلَعَها، وعاد إلى دِمَشْق مُخلًّا، فقال
(2)
: [من الطويل]
جَفَانِي صَدِيْقي حين أصْبَحْتُ مُعْدمًا
…
وأَخَّرني دَهْري وكُنْتُ مُقَدَّما
وسَافَرْتُ جَهْلًا فانْعَوَرْتُ وإنْ أَعُدْ
…
إلى سَفْرَة أُخْرى قدمتُ على العَمَى
وكَم من طَبِيْبٍ قال تَبْرَا أَجَبْتُهُ
…
كَذَبْتَ ولو كُنْتَ المَسِيْحَ ابن مَرْيمَا
اسْتَغْفِرُ الله من قَوْل مثْل هذا الكَلَام لِمَا فيه من التَّنْقُّص بالمَسِيْح عليه السلام.
سَمِعْتُ شَيْخنا الصَّاحِب قاضِي القُضَاةِ أبا المَحَاسِن يُوسف بن رَافِع بن تميْم يَقُول: كان العَرْقَلَة صَاحِبَ نَادِرَة، وكان طَيِّبًا، وكان السُّلْطان المَلِك النَّاصِر يَضْحَكُ منه، ومَدَحَهُ قَديْمًا قبل أنْ يَلي مِصْرَ وبَشَّرَهُ في القَصِيدَة بأخْذه مِصْر، فوَعَدَهُ إنْ صَارَتْ إليه أنْ يُعْطيَهُ ألفَ دِيْنارٍ، فلمَّا وَلي مِصْر جاءهُ العَرْقَلَةُ وامْتَدَحهُ بقَصِيْدَتهِ الرَّائِيَّةِ الّتي يقُول فيها مُقْتَضيًا ما وَعَدهُ به
(3)
: [من البسيط]
يا ألْفَ مَوْلايَ أينَ الألفُ دِيْنارِ
= وديوان شعره مطبوع بتحقيق أحمد الجندي (دار صادر، 1992 م)، وعليه مستدرك وتصويبات لمحمود عبد الله أبي الخير بعنوان:"المستدرك على ديوان عرقلة الكلبي ومزالق الاعتماد على نسخة واحدة في التحقيق"، مجلة دراسات، الجامعة الأردنية، ج 33، ع 3، 2006 م، ص 569 - 590.
(1)
ديوان عرقلة 11، والبيتان الأول والثاني في الخريدة 11:186.
(2)
ديوان عرقلة 93، الأبيات في الوافي بالوفيات 11:366.
(3)
وهر عجز بيت وصدره: قل للصَّلاح مُعيني عند إعساري.
فأمَرَ له السُّلْطان المَلِكُ النَّاصِر بألف دِيْنار، فقال: ما آخذُها إلَّا تحْتَ النَّسْر بدِمَشْق وإلَّا فأيْشٍ يُوْصلني بألف دِيْنار إلى دِمَشْقَ وأُخَاطِرُ بها مع الفِرِنْج في الطَّريق! فضَحِكَ منه السُّلْطان وأطْلَقَها له بدِمَشْقَ.
أنْشدَنا الشَّريفُ أبو المحاسِن الفَضْل بنُ عَقِيل بن عُثْمان بن عَبْدِ القَاهِر بن سُلَيمان العبَّاسيّ الدِّمَشقيِّ بها، قال: أنشدَني العَرْقَلَةُ حَسَّانُ بن نُمَيْر الكَلْبي لنَفْسِه
(1)
: [من الطويل]
يقُولُونَ: لِم أرْخَصْتَ شِعْركَ في الوَرَى
…
فقُلتُ لهم: إذْ مَاتَ أهْلُ المَكَارِم
أُجَازُ (a) على الشِّعْر الشَّعِيرَ وإنَّهُ
…
كَثِيْرٌ إذا خلَّصْتُه (b) من بَهَائِم
أنْشِدَنا قاضِي القُضَاة أبو المحاسِن يُوسُف بن رَافع بن تَمِيْم، قال: أنْشَدَنا السُّلْطان المَلِكُ النَّاصِر يُوسُف بن أيُّوب هذين البَيْتَيْن للعَرْقَلَةِ.
أنْشَدَنا الشَّريفُ أبو المحاسِن العبَّاسيّ، قال: أنْشَدَنا العَرْقَلَةُ لنَفْسِه
(2)
: [من الكامل]
يا صَاحِ قد صَاحَ الحَمَامُ وغَرَّدَا
…
مَنْ (c) في المُدَام وشُرْبها قَدْ فنَّدَا
أوَ مَا تَرَى شَجَر الخَرِيْف كأنَّما
…
أوْرَاقُها ذَهَبًا (d) وكُنَّ زَبَرْجَدَا
والكَأسُ تُعْطِيْها لُجَيْنا كُلَّما
…
غُنِّيتَ من طَرَبٍ فتأخُذ عَسْجَدَا
(a) الديوان: أُجازَى.
(b) الديوان والخريدة: استخلصته.
(c) الديوان: دع.
(d) الديوان: ذهب.
_________
= وانظر الأبيات التي خاطب عرقلة بها السلطان صلاح الدين في ديوانه 49، والخريدة للأصفهاني 11: 178 - 179، والروضتين 2: 85، ومرآة الزمان 21: 175 والوافي بالوفيات 11: 364.
(1)
ديوان عرقلة 94، وأوردها ابن العديم في تذكرته 82، وانظ أيضًا: الخريدة 11: 182، ومرآة الزمان 21: 176، وفوات الوفيات 1: 317، والوافي بالوفيات 11:368.
(2)
ديوان عرقلة 21، والبيان الأول والثاني في الخريدة 11:220.
أنْشَدَنا الفَضْل بن عَقِيل العبَّاسيّ، قال: أنْشَدَنا العَرْقَلَةُ لنَفْسِه
(1)
: [من البسيط]
مِيْلُوا على الدَّار من ذاتِ اللَّمى مِيْلُوا
…
كَحْلاء ما جَال في أجْفَانِها مِيْلُ
هذا بُكَائي عليها وهى حَاضِرة
…
لا فَرْسَخٌ بيننا يَوْمًا ولا مِيْلُ
جَارَتْ (a) عليَّ يد السَّاقي ومُقْلَتُهُ
…
كذاكَ جارَ على هَابِيْل وقَابِيْلُ
أنْ يَحْسُدُوني عليها لا أَلُومَهُم
…
لكنَّني بزِمَام العَقْل مَعْقُولُ
أنْشَدَنا أبو المحاسِن الهاشميِّ، قال: أنْشَدَنا العَرْقَلَةُ لنفسِه، وكتَبَ بها إلى المُؤيَّد بن السَّدِيْدِ إلى بَغْدَاد يَطْلُبُ منه نِصْفِيَّةً
(2)
: [من الخفيف]
عَرِّجا بالنَّجِيْب نَجْل (b) السَّدِيْدِ
…
تلقَيا منهُ بَحْرَ عِلْمٍ وجُوْدِ
ثُمَّ قُولًا له ببَغْدَاد يا مَنْ ظَلَّ
…
كَهْفًا لقَاصِدٍ وقَصِيْدِ
حَاجَتِي شُقَّة تَشُقُّ على
…
كُلِّ بَغِيْضٍ من الوَرَى وحَسُودِ
فاجْعَلنْها طَوِيلَةً مثْل قَرْنِي
…
ولسَانِي لا مثْل قَدِّي وجيْدِي
واجْعَلنْها (c) صَفِيْقَةً مثْل وَجْهي
…
جَلَّ مَنْ صَاغَ جلْدَهُ من حَدِيْدِ
كي تَرَى (d) في الشَّام شَيْخًا خَلِيْعًا
…
في قَميْصٍ من العِرَاق جَدِيدِ
قال شَيْخُنا الشَّريفُ أبو المحاسِن: أظُنُّ العَرْقَلَة ماتَ بعد السَّبْعين، يعني: والخَمْسمائة.
(a) الديوان: جاءت، ووقع في رواية الديوان تبديل عجز البيت بالذي يليه.
(b) تذكرة ابن العديم: نسْل.
(c) الديوان والخريدة: فابعثنها.
(d) الديوان: أرَى، وفي تذكرة ابن العديم: يُرَى.
_________
(1)
ديوان عرقلة 76 - 77، وبيتان منها في فوات الوفيات 1:315.
(2)
الأبيات من 3 - 6 في ديوان عرقلة 35 ومثله في الخريدة 11: 301، وأوردها ابن العديم في تذكرته 84.
حَسَّانُ السَّلَمَانِيُّ البَدَوِيُّ
(1)
من أهْلِ سَلَمْيَة، وكان يَدْخُل البَادِيَة مع العَرَب، وقَدِمَ حَمَاة ومَدَح مَلِكها المَلِك المُظَفَّر مَحُمُود بن مُحَمَّد بن عُمَر بن شَاهَانْشَاه، وكان في عَصْرِنا، ولَم أجْتَمع بهِ، وأُنْشْدت من شِعْره قَوْله:[من الكامل]
قَسَمًا بأطْرَاف الرِّمَاح الشُّرَّعَ
…
والعَادِيَاتِ بكُلِّ رَبعٍ بَلقَعِ
وثَنيَّةٍ مُلِئَتْ بكُلِّ مُهَنَّد
…
يَرتَاعُ منهُ كُلُّ ليثٍ أرْوعِ
لأُهَاجِمَنَّ اللَّيْلَ بين خِيَامِكُم
…
بفُؤَادِ مُرتاعٍ لهَوْلِ المَطلعِ
مِثْلي يَهَابُ إذا يهمُّ بزوْرة
…
ظُلْمٍ الحَوَادِثِ في الظَّلَام الأدْرَعِ
يا رَبَّةَ البيت الّذي أَطْنَاُبهُ
…
أبَدًا على غَيْر القَنَا لَم تُرفَعِ
وعَقِيْلةَ الحَيِّ الأُلَى غَارَاتُهُمْ
…
سَتَرَتْ سَنَا شَمسِ النَّهَارِ ببُرقُعِ
هل تَعْلَمينَ لمَنْ قتَلتِ إعادَةً
…
نَحْوَ الحَيَاةِ فما لَهُ مِن مَطْمَع
بَلَغَني أنَّ حَسَّان السَّلَمَانِيّ تُوفِّي ما بين العشْرين والثَّلاثين والسِّتّمائة.
ذكرُ مَن اسمُهُ الحَسَن
ذِكرُ مَنْ اسم أبيهِ إبْراهيم ممَّن اسمُه الحَسَن
الحَسَن بن إبْراهيم بن الحَسَن التَّنُوخِيّ، أبو مُحَمَّد الحَلبِيّ
(2)
شَاعِرٌ حَسَن الشِّعْر، سَمعَ بحَلَب إنشادَ أبي الفَتْح الحَسَن بن عَبْد اللّه بن أبي حَصِيْنَة، رَوَى عنهُ أبو الفَضْل عبد الرَّحيم بن أحْمَد بن الإخْوَة، والحافِظُ أبو
(1)
توفي في عشر الثلاثينيات من القرن السابع الهجري (630 - 630 هـ).
(2)
كان حيًا بعد سنة 500 هـ، وترجمته في: خريدة القصر (قسم الشام) 12: 160 - 161، الوافي بالوفيات 11: 273، الطباخ: إعلام النبلاء 4: 204.
طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ الأصْبَهَانِيّ.
أخبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلب بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، قال: أَنْشَدَنا أبو الفَضْل عبد الرَّحيم بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الإخْوَة المخُلَّطِيّ بأصْبَهَان، من لَفظه، وكَتَبَ لي بخَطِّه، قال: أنْشَدَنا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن إبراهيم الحَلبِيّ لنَفْسِه
(1)
: [من مجزوء الرمل]
شَرُفَتْ نَفْسُ كَرِيْم
…
هيَ للذُّلّ تُنَافي
وتَصُوْن النَّفْسَ عن تَطْ
…
لَابِ ما فَوْقَ الكَفَافِ
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد اللّه بنُ الحُسَين بن عَبْد اللّه بن رَوَاحَة الحَمَوِيّ بحَلَب، وأبو يَعْقُوب يُوسُف بن مَحمُود بن الحُسَين السَّاوِيّ بالقَاهِرَة، قالا: أنبَأنَا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ، قال: أنْشَدَنا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن إبراهيم بن الحَسَن التَّنُوخِيّ الحَلبِي، ببَغْدَاد في مَجْلِس أبي زكَرِيَّاء التَّبريزِيّ اللُّغَويّ، قال: أنْشَدَني الأَمِير أبو الفَتْح بن أَبي حَصِيْنَة بحَلَب لنَفْسِه من قَصِيدَة
(2)
: [من الطويل]
كأنَّ الفَتَى يَرقَى من العُمْر سُلَّمًا
…
إلى أنْ يَجُوزَ الأرْبَعِين ويَنحَط
قال الحافِظُ أبو طَاهِر: أبو مُحَمَّد هذا له شِعْرٌ جَيِّد، وممَّا أنْشَدَني لنفَسِه:[من الطويل]
أَرَى النَّاس والدُّنْيا كَلَابًا وجِيَفةً
…
وفي نَهْشِها بَعْضٌ يَهِرُّ على بَعْضِ
جَرَى حُبُّها بينَ المَفَاصِل منهُمُ
…
وقد طُبِعَتْ بالصَّدِّ منهم على البُغْضِ
إذا رفعَتْ قَدْر امرئٍ ومحَلَّهُ
…
تَغُرُّ به حتَّى تَعُودَ إلى الخَفضِ
وإنْ طَالَ عُمرُ المَرْءِ في الدَّهْرِ بُرهَةً
…
فلا بُدَّ أنْ تأتي المَنِيَّةُ بالعَرْضِ
_________
(1)
البيتان في الخريدة 12: 161.
(2)
ديوان ابن أبي حصينة 1: 10، وترد الرواية بأكملها فيما يلى من هذا الجزء في ترجمة الشاعر ابن أبي حصينة.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل، قال: أنْشَدَنا عَبْدُ الكَريم بن مُحَمَّد الإمَام، قال: أنْشَدَنا أبو الفَضْل بن أبي العبَّاسِ الوَكِيل، قال: أنْشَدَنا أبو مُحَمَّد التَّنُوخِيّ لنفسِه
(1)
: [من المجتث]
يا مَنْ كَسَاني سَقَامًا
…
وجِسْمُهُ منهُ عَارِ
رضيْتُ لو كُنْتَ تَرضَى
…
فيهِ بذُلِّي وعَارِي
قَرأتُ بخَطِّ بعض الأُدَبَاء على ظَهْر كتابٍ: للشَّيْخ السَّيِّد الأخ أبي مُحَمَّد حَسَن بن إبْراهيم التَّنُوخِيّ الحَلبِي أدَامَ اللّه حراسَتَهُ: [من المتقارب]
كأنَّ الّذي نلْتُ من أجلِكُم
…
ومُذْ كان لي زَاجِرُ قد كَفَاني
لقد كُنْتُ آمُلُ في قُرْبكُم
…
وحُبِّيكَ تَرفَعُني في زَمَاني
فقاسَيْتُ ضَدّ الّذي رُمْتُهُ
…
وهل خَبَرُ المَرْءَ مثْلُ العَيَانِ
لَحى اللّهُ مَنْ تَرتَضِي نفسُهُ
…
بعَيْشٍ ولو سَاعةً في هَوَانِ
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْلِ بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن منْصُور السَّمْعَانيّ، قال: الحَسَن بن إبْراهيم التَّنُوخِيّ الحَلبيّ أبو مُحَمَّد كان شَاعِرًا مُجَوِّدًا من أهْل الأدَب والفَضْل من أهْلِ الشَّام، وَرَدَ بغدَادَ، وكَتَبَ عنهُ أبو الفَضْل بن أبي العبَّاس بن الإخْوَة.
الحَسَنُ بن إبْراهيم بن سَعيد بن يَحْيَى بن مُحَمَّد بن الخَشَّاب، أبو مُحَمَّد الحَلبِيّ
(2)
القَاضِي الرَّئِيس الفَاضِل، أحَدُ الصُّدُور الّذين تُعْقَد عليهم الخَنَاصِرِ، وتَفخَر بذِكْر مَحَاسِنهم الدَّفَاتِر، كان لي صَدِيْقًا صَادِقًا، ورَفِيْقًا مُوَافقًا، وكان رحمه الله
(1)
البيتان في خريدة القصر 12: 161، والوافي بالوفيات 11:372.
(2)
توفي سنة 648 هـ، وترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني 1: 225، تاريخ الإسلام 14: 600، محسن الأمين: أعيان الشيعة 4: 626، الطباخ: إعلام النبلاء 4: 398 - 399.
حَسَنَ الصُّوِرَة، تَامّ الخِلْقَة، دَمِثَ الأخلَاق، جَمِيلَ الصُّحْبَة، صَحِيحَ المَوَدَّة، حَسَن المحاضرَة، حُلو المُحاوَرَة، كَثِيْر المَحفُوظ عند المُذَاكَرَة، وَجِيْهًا عند الَمَلِك الظَّاهِر غَازِي، خَصِيْصًا به.
رَوَى لنا عن القَاضِي مُحْيي الدِّين أبي المَعَالِي مُحَمَّد بن عليّ القُرَشِيّ، قاضي دِمَشْق، وعن أبيه القَاضِي أبي طَاهِر، وأبي زكرى يَحْيَى بن سَعْد بن ثَابِت بن المِرَاوِيّ، وعليّ بن الحَكَم الحَلبِيّ، وجَمَاعَة من شُعَرَاء عَصْره.
وسَمعَ الحَدِيْث من شُيُوخنا: قاضِي القُضَاة أبي المَحَاسِن يُوسُف بن رَاِفِع بن تميم، وأبي هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ، وأبي حَفْص عمُر بن مُحَمَّد بن طَبرزَد البَغْدَاديّ، وغيرهم.
صَحِبْتُهُ حَضَرًا وسَفَرًا، وعلَّقتُ عنه فَوَائِد وأنَاشِيْد، وكان شِيْعِيّ المَذْهَب لا يقدح في أصحَاب رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم.
سَألتُه عن مَوْلدِه فقال: في ثامن عَشر شهر رَمَضَان من سَنَة ثمانٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة بحَلَب، وجَمَعَ تاريخًا ابتدأهُ من سَنة خمسمائة إلى أنْ تُوفِّي.
أخْبَرَنا القَاضِي أبو مُحَمَّد الحَسَن بن أبي طَاهِر بن سَعيد، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو المَعَالِي مُحَمَّد بن عليّ [
…
] (a).
تُوفِّي أبو مُحَمَّد الحَسَن بن إبْراهيم بن الخَشَّاب، رحمه الله، ليلَة السَّبْت الثَّامن عشر من جُمَادَى الآخرة من سَنَة ثمانٍ وأرْبَعين وستّمائة بحَلَب، ودُفِنَ ليلًا في التُّرْبَة المَعرُوفة بسَلَفه داخل مَدِينَة حَلَب بمَجَلَّة الجُرْن الأَصفَر، ودُفِنَ على وَالدِه أبي طَاهِر، وصَلَّيتُ عليهِ.
(a) لم يستكمل ابن العديم بقية الرواية، وأبقي فراغًا طويلًا لإدراج الرواية وما يتحصّل له من ترجمة الخشاب ولم يتهيأ له ذلك، ويستغرق هذا الفراغ بقية الصفحة وهو تقدير ثلثيها، وكامل التي تليها، ونصف الصفحة الثالثة.
وكان قد طَلَبَني قبل وَفاته بثلاثة أيَّام، وقال لي: أنا رَاحِل إلى الآخرة، وواللّه لا أكتُمُكُ شيئًا، أنا أشهَدُ أنْ لا إلَه إلَّا اللّه، وأَشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رسُول اللّه، ولا أُقَدِّمُ أحدًا من الصَّحَابَة على عليّ عليه السلام، وما تَنَقَّصْتُ أحدًا من الصَّحَابَةِ في بَاطِني ولا في ظَاهِري ولا بخَطِّي، وإنَّني أعْتَقدُ أنَّهم سادَةٌ أئمَّةٌ قُدْوَةٌ، ذَكَرَ لي هذا أو قريبًا من مَعْنَاهُ، رحمه الله.
الحَسَنُ بن إبْراهيم، أبو مُحَمَّد
رَوَى بحَلَب عن عليّ بن أحْمَد الجُرجَانِيّ، رَوَى عنهُ مُحَمَّد بن عليّ الهَمَذَانيّ.
أخْبَرَنا أبو طَالِب أحْمَد بن حَديد في كِتَابِهِ إليْنَا من الإسْكَنْدَرِيَّة، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أَبو طَاهِر خَالِد بن عَبْد الوَاحِد بن أحْمَد الخَالديُّ، بقِرَاءَتي عليه، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عَبْدُ المَلك بن سِيَاوُش الكَازَرُونِيّ، قال: أخبَرَنا مُحَمَّد بن علي الهَمَذَانيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن إبْراهيم بحَلَبَ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن أحْمَد الجُرجَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا بُندَار، قال: سَمِعْتُ أبا عَاصِم النَّبِيْل يقُول: دُعَاءُ أصحَابِ الحَدِيثِ للمُحَدِّث بمنَزِلةِ تَكْبير الحارِس.
ذِكرُ مَنْ اسمُ أبيْهِ أحْمَد ممَّن اسمُه الحَسَن
الحَسَن بن أحْمَد بن إبراهيم بن إبراهيم بن فِيْل الأسَدِيّ، أبو طَاهِر البَالِسِيِّ
(1)
إمَام مَسْجِد أنْطَاكِيَة.
أصْلُ آبائه من الكُوفَة، وسَكَنُوا بَالِس، وانتَقَلَ أبُوه منها، ونَزَل أنْطَاكِيَة،
(1)
توفي سنة 311 هـ، وترجمته في: تاريخ الإسلام 7: 385، سير أعلام النبلاء 14: 526 - 527.
وسَكَنَها ابنُه أبو طَاهِر، وصارَ إمَام جَامِعها، وكان يَتَنقَلُ قبل ذلك في بلاد الشَّام، وسَمعَ بها الحَدِيث، وبحَلَب.
حَدَّثَ عن أبيه أحْمَد بن إبْراهيم، وعن حَاجِب بن سُلَيمان المَنبِجِيّ، وعامر بن سَيَّار الحَلبِي النِّحليِّ، وأحمد بن بَكْر، وعَمْرو بن هِشَام البَالسيَّيْن، وإبْراهيم بن سَعيد الجَوهَرِيّ، وسهل بن صَالِح الأنْطَاكِيّ، وعُمَر بن يَزيد السَّيَّارِيّ، وأبي أُمَيَّة مُحَمَّد بن إبْراهيم الطَّرَسُوسيِّ، وأحمد بن أبي رَجَاء، ومُحَمَّد بن سُلَيمان لُوَين، ويُوسُف بن سَعيد بن مُسَلَّم، وعليّ بن بَكَّار المِصِّيْصيّين، ومُحَمَّد بن مُصَفَّى، ومالك بن سُلَيمان الأَلْهَانِيّ، وكَثِير بن عُبَيْد الحِمصِيّين، وسَعِيْد بن عَمْرو السَّكُونِيّ، ويَحْيَى بن عُثْمان بن سَعيد، وأبي كُرَيْب مُحَمَّد بن العَلَاء الهَمْدانِيّ، ووَهْب بن بَيَان المِصْرِيّ، ومُحَمَّد بن عَمْرو البَصْرِيّ، وإسحَاق بن مُوسَى الأنْصَاريّ، وعبد اللّه بن الحُسَين البَزَّاز (a)، وهَارُون بن مُوسَى الفَرْوِيّ، وسُفْيان بن وَكِيعِ بن الجرَّاح، ومُحَمَّد بن إبْراهيم الصُّوْرِيّ، وهاشِم بن الوَلِيد البَيرُوتِيّ، ومُسلم بن عَمْرو الأَسْلميّ، وأبي حُمَيْد عَبْد اللّه بن مُحَمَّد، وعُمَر بن زِيَادٍ البَاهِلِيّ، وعَبْد الجَبَّار بن العَلَاء، ومُؤَمَّل بن يِهَاب المَكّيَّينْ، وصالح بن زِيَاد المُقرِئ، وعُقْبَة بن مُكْرَم العَمِّيّ، ومُحَمَّد بن عَمْرو بن العَبّاس البَاهِلِيّ، وأبي مُعَاذ عَامِر بن إسمَاعِيْل البَغْدَاديّ، وهارون بن دَاوُد، ونُوح بن حَبِيْب القُوْمسِيّ، وإِسحَاق بن مُوسَى بن عَبد اللّه الأنْصَاريّ، وأحمد بن سَعيد الكِنْدِيّ، ومُسلِم بن عَمْرو الحَذَّاء، وعِيسَى بن عَبْد اللّهِ العَسْقَلانِيّ، وسَعِيْد بن نُصَيْر، وأبي مُحَمَّد عبْد الوَاحِد بن عَبْد المَلِك بن صالح، وأحمد بن المُبارَك البَغْدَاديِّيْن.
رَوَى عنهُ آباء بَكْر: مُحَمَّد بن الحُسَين السَّبِيْعِيِّ الحَلبِيّ، ومُحَمَّد بن إبْراهيم بن علي بن المُقرِئ، وأحمد بن مُحَمَّد بن إسحَاق السُّنِّيّ الحُفَّاظ، وأبَوَا عليّ: الحَسَن بن
(a) الأصل: البزار.
حَجَّاج الطَّبَرَانِيّ، نَزِيلُ أنْطَاكِيَة، والحَسَن بن جَعْفَر الأنْطَاكِيّ، وأبو حَفْص عُمَر بن عليّ العَتَكِيّ الأنْطَاكِيّ، وأبو عُمَر أحْمَد بن مُحَمَّد بن الجِلِّيّ الطَّرَسُوسِيّ، وأبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن عُبيد اللّه بن بُندَار قاضي أذَنَة، وأبو حَاتِم مُحَمَّد بن حِبَّان البُسْتِيّ، وأبو القَاسِم سُليْمان بن أحْمَد الطَّبَرَانِيّ، وأبو أحْمَد عَبْد الله بن عَدِيّ الحَفَّاظ، وحُمَيْد بن سُنَيْح، والحُسَين بن أَيُّوب بن عَبْد العَزِيْز الهاشِميّ.
أخْبرَنا عَمِّي أبو غَانِم مُحَمَّد بن هِبَة اللّه بن مُحَمَّد بن أبي جَرَادَة، وأبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللّه بن عُلْوَان الأسَدِيّ، وابنُهُ القَاضِي أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن، وأبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الطَّرَسُوسِيّ، قالوا: أخْبَرَنا أبو سَالِم أحْمَدُ بن عَبْد القَاهِر بن الموصُول الحَلبِيّ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن عَبْد اللّه بن أبي جَرَادَة الحَلبِيّ، قال: حَدَّثني أبو الفَتْح عَبْدُ الله بن إسمَاعِيْلِ بن الجِلِّيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُبيد الله (a) بن أبي نُمير العَابِد الحَلبِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحمَّد بن الحُسَين بن صالح السَّبِيْعيِّ بحَلَب، قال: حَدَّثَنَا أبو طَاهِر الحَسَنُ بن أحْمَد بن إبرهيم بن إبراهيم بن فِيْل الأنْطَاكِيّ البَالِسِيِّ إمَامُ مَسْجِد جَامع أنْطَاكيَة، قال: حدَّثَنَا نُوْح بن حَبِيب القُوْمسِيِّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعيد، قال: حَدَّثَني عبدُ الرَّحْمن بنُ حَرمَلَة عن سَعيد بن المُسَيَّب، قال: سَمِعْتُ سَعْدَ بن أبي وَقَّاص يقُول: لقد جَمَعَ لي رسُول اللّه يَوْم أُحُد أبوَيهِ.
وأخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلم المُؤيَّد بن عبد الرَّحيم بن الإخْوَة، وصَاحِبتُهُ عَيْنُ الشَّمْسِ بنتُ أبي سَعيد، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَرَج سَعيدُ بن أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِيّ - قالت: إجَازةً، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مَحمُود الثَّقَفِيّ، وأبو الفَتْح مَنْصُور بن الحُسين - قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقرِئ
(1)
، قال:
(a) في الأصل: عبد اللّه، وصوابه المثبت كما تقدم ويأتي في مواضع عديدة.
_________
(1)
معجم ابن المقرئ 243.
حَدَّثَنَا الحَسَن بن أحْمَد بن فِيْل البَالِسِيّ، أبو الطَّاهِر الأنْطَاكيَّ بها، قال: حَدَّثنا نُوح بن حَبِيْب، فذَكَرَ بإسْنَادِه نَحْوَهُ.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الله السِّنْجِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن حَمْد بن الحَسَن الدُّونِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو نَصْر أحْمَد بن الحُسَين الكَسَّار، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن إسْحَاق السُّنِّيّ الحافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو عبد الرَّحْمن، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عَبْد الأعْلَى والحُسَين بن مُحَمَّد الذَّارع (a)، ح.
قال الحافِظُ أبو بَكْر وأخْبَرَنا أبو الطَّاهِر مُحَمَّد (b) بن أحْمَد بن إبْراهيم بن فِيْل، قال: حَدَّثَنَا عُمَر بن يَزِيد السَّيَّارِيّ، قالوا: حَدَّثَنَا عَثَّام بن عليّ العَامِرِي، قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عن عَطَاء بن السَّائِب، عن أَبيِهِ، عن عَبْدِ الله بن عَمْرو، قال
(1)
: رأيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُ (c) التَّسْبِيْح. زادَ عُمَر بن يَزِيد: بأصَابعِهِ.
قُلتُ: كَذَا وقَعَ في أصْل سَمَاع شَيْخنا: أبو الطَّاهِر مُحَمَّد، وهو خَطَأ؛ صَحَّف الحَسَن بمُحَمَّد.
أخْبَرَنا أبو الغَنائِم مُحَمَّدُ بن أبي طَالِب بن شَهْرَيَار الأصْبَهَانِيّ، في كِتَابِهِ إليْنَا منها، قال: أخْبَرَتْنا أُمُّ البَهَاء فاطِمَةُ بنتُ أبي الفَضْل البَغْدَاديّ، قالت (d): أَخْبَرَنا
(a) في الأصل بإهمال الذال وتقديم الراء: الدراع، والمثبت من: الثقات لابن حبان 8: 190، تهذيب الكمال للمزي 6: 469، تهذيب التهذيب 3:366.
(b) وضع ابن العديم فوقها حرف "صـ"، ونبه على وجه الصواب فيه بعد انتهاه النقل.
(c) الأصل: يُعدِّد، والمثبت من مصادر تخريج الحديث باتفاقها.
(d) الأصل: قال.
_________
(1)
أخرجه أبو داود في سننه 2: 170 (رقم 1502)، سنن النسائي 3: 79 (رقم 1355)، الجامع الكبير للترمذي 5: 414 (رقم 3411)، المستدرك على الصحيحين 1: 547، السنن الكبرى للبيهقي 2: 253، صحيح ابن حبان 3: 123 (رقم 843).
أبو طَاهِر الثَّقَفِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن أحْمَد بن إبْراهيم بن فِيْل - وكان يُقالُ إنَّهُ من الأبْدَالِ - قال: حَدَّثَنَا أبو كُرَيْب، قال: حَدَّثَنَا خَالِد بن عَمْرو، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان، عن عَمْرو، عن جَابِر
(1)
، قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: الحَرْبُ خَدْعَةٌ".
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد البَغْدَاديّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن طَرَّاد بن مُحَمَّد الزَّيْنَبِيّ الوَزِير، قِراءَةً عليهِ، وأبو القَاسِم إسمَاعيْل بن السَّمَرْقَنْديّ وأبو السُّعُود بن المُجْلِي وغيرهما، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا منهم أو من أحَدِهِم، قالُوا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن مَسْعَدَة الإسْمَاعِيْليِّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم حَمْزَة بن يُوسُف السَّهْمِيّ، قال: وسَألتُه - يعني الدَّارَقُطْنيَّ - عن أبي الطَّاهِر الحَسَن بن أحْمَد بن إبْراهيم بن فِيْل البَالِسِيّ بأنْطَاكِيَة، فقال: ثِقَةٌ.
أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر عبد الرَّحيم ابن الإمَامِ أبي سَعْد بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ في كِتَابِهِ إليْنَا من مَرْو، عن أَبِيِهِ أبي سَعْد، قال: أبو طَاهِر الحَسَن بن أحْمَد بن فِيْل الأَنْطَاكِيُّ، أصْلُهُ من الكُوفَة، وكان يَتَنَقَّلُ في بلادِ الشَّام، سَكَنَ بَالِس مُدَّةً، وأنْطَاكِيَة مُدَّةً، حتَّى سَكَنَ قَرْقِيسِيا. رَوَى عنهُ أبو حَاتِم بن حِبَّان، وسُليْمان بن أحْمَد الطَّبَرَانِيّ، وأبو أحْمَد بن عَدِيّ، وأبو بَكْر بن المُقْرِئ، وتُوفِّي بعد سَنَة عَشْر وثَلاثِمائة.
كذا قال أبو سَعْد: حتَّى سَكَنَ قَرْقِيِسِيا، وفي ذلك نَظَرٌ، فإنَّهُ تُوفِّي بأنْطَاكِيَة ولا أعْلَم أنَّهُ سَكَنَ بَالِس، فإنَّ النَّاقِلَ من بَالِس أبُوه أبو الحَسَن أحْمَد بن إبْراهيم، وإنَّما نُسِبَ أبو طَاهِر إلى بَالِس لأنَّ أصْلهُ منها.
(1)
مسند الحميدي 2: 519 (رقم 1237)، سنن سعيد بن منصور 3/ 2: 317 (رقم 2889)، صحيح مسلم 3: 1361 (رقم 1739)، سنن أبي داود 3: 99 (رقم 2636)، جامع الترمذي 3: 302 (رقم 1675)، صحيح ابن حبان 11: 78 - 79 (رقم 4763)، شرح السنة للبغوي 11: 40 (رقم 2690)، فتح الباري 6: 158 (رقم 3030).
أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحُسَين بن هِبَة الله الشَّاهِدُ، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْلَى بن كَرَوَّس، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح المَقْدِسِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو المُعَمَّر الأمْلُوكيّ، قال: حَدَّثَنا أبو حَفْص العَتَكِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الطَّاهِر الحَسَن بن أحْمَد بن إبْراهيم بن فِيْل، وهو ابنُ أخي أبي علي الحُسَين بن إبْراهيم بن فِيْل، وكان إمَام جَامِعنا بأنْطَاكِيَة سَنَة ثلاثمائة، وتُوفِّيَ بها سنة إحْدَى عَشْرة وثَلاثِمائة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سُلَيمان لُوَيْن، قال: حَدَّثَنَا الفَرَج بن فَضَالَة، عن عَبْد الله بن عَامِر، عن نَافِع، عن ابن عُمر
(1)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ من الشِّعْر حِكْمَةً.
الحَسَنُ بن أحْمَد بن إبْراهيم البَحْريُّ الفَقِيهُ، أبو مُحَمَّد الحَلَبِيُّ
وقيل فيه: الحُسَين، والصَّحيح: الحَسَن.
سَمِعَ بحَلَب مُحَمَّد بن مُعَاذ بن المُسْتَهلِ الحَلَبِيّ المَعْرُوف بِدُرَّان، وحَدَّثَ بها عنه، وعن أبي مُحَمَّد حَفْص بن أحمد، ومُحَمَّد بن عَبْد الله بن عبد الرَّحْمن الأسَدِيّ الحَلَبِيّ المَعْرُوف بالأَسِيْر، رَوَى عنهُ أبو النِّمر أحْمَدُ بن عبد الرَّحْمن بن قَابُوس الأدِيْبُ، والوَلِيد بن أحْمَد بن مُحَمَّد الزَّوْزَنِيّ، وأبو الفَتْح مُحَمَّد بن الحَسَن بن رَوْح.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن أبي عَبْد الله بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل مُحَمَّد بن نَاصِر، قال: كَتَبَ إليَّ أبو مُحَمَّد الحَسَن بن أحْمَد بن السَّمَرْقَنْديِّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد الوَادِعِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو حَامِد أحْمَدُ بن الوَلِيد بن أحْمَد الزَّوْزنِيّ، قال: أخْبَرَنا أبي، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن إبْراهيم البَحْرِيِّ، بحَلَبَ، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عبد الرَّحْمن، المَعْرُوف بالأَسِيْر، قال: حَدَّثنِي جَدِّي عبد الرَّحْمن بن عُبَيْدِ الله، قال: حَدَّثني عُبَيْد الله بن عَمْرو، قال:
(1)
لم أقف على تخريجه من حديث ابن عمر بهذا اللفظ، والحديث من طرقه المختلفة في مجمع الزوائد 8: 123، وانظر: المسند الجامع 12: 55 (رقم 9198).
حَدَّثَنا عَبْدُ الكَريم، عن أبي عُبَيْدَة بن مُحَمَّد بن عَمَّار بن يَاسِر، قال
(1)
: أخَذَ المُشْرِكون عَمَّارًا، ولَم يَتْركُوه حتَّى سَبَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم، وذَكَر آلهتَهُم بخَيْر، فلمَّا جاءَ إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما وراءك يا عَمَّار؟ قال: بشَرٍّ يا رسُول اللهِ، ما تُرِكْتُ حتَّى نلْتُ منكَ، وذَكَرتُ آلهَتَهُم بخَيْر، قال: فكيفَ وَجَدْتَ قَلْبَكَ؟ قال: مُطْمَئنٌ بالإيْمان، قال: فإنْ عَاوَدُوا فعُدْ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عِيسَى بن عَبْد العَزِيْز بن عِيسَى بن عَبْد الوَاحِد في كِتَابِهِ إليْنَا من الإسْكَنْدَرِيَّة، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المُبارَكُ بن عَبْد الجَبَّار بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا الصُّوْرِيّ، قال: أخْبرَني أبو النِمَّر أحْمَدُ بن عبد الرَّحْمن بن قَابُوس بن مُحَمَّد بن قَابُوس بن خَلَف الأدِيْب، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن أحْمَد بن إبْراهيم البَحْريّ الفَقِيِه الحَلَبِيّ، قال: حَدّثَنا مُحَمَّد بن مُعَاذ بن المُسْتَهل بن أبي جَامعِ دُرَّان، قال: حَدَّثَنَا عَمْرو بن مَرْزُوق، قال: حَدَّثَنا المَسْعُودِيّ، عن الحَسَن بن سعْد، عن عبد الرَّحْمن بن عَبْد الله، قال: قال عَبْد الله: إنِّي لأحْسبُ الرَّجُل ينسَى العِلْم بالخَطِيْئَة يَعْمَلُها.
الحَسَن بن أحْمَد بن إبْراهيم، أبو عليّ الحَلَبِيُّ
(2)
حَدَّثَ عن عبد الصَّمَد بن [
…
] (a) بحَلَب، رَوَى عنهُ شَيْخ الإسْلَام أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن الهَكَّارِيّ، فقال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحَسَنُ بن أحْمَد بن إبْراهيم الحَلَبِيّ بحَلَب، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَد بن [
…
] وذَكَرَ حَدِيثًا في فَضَائِل الأعْمَال.
(a) ما بين الحاصرتين بياض في الأصل قدر كلمة، ولم نهتد لاسم شيخ المترجم له.
_________
(1)
حلية الأولياء للأصبهاني 1: 140، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 12: 312، نصب الراية للزيلعي 4: 158 (رقم 6930).
(2)
من أهل القرن الخامس الهجري، فتلميذه شيخ الإسلام الهكاري ولد سنة 409 هـ، وتوفي سنة 5486. انظر: تاريخ الإعلام 41: 338.
الحَسَنُ بن أحْمَد بن بُكَيْر
سَمِعَ بحَلَب أبا بَكْر مُحَمَّدَ بن الحُسَين السَّبِيْعيِّ الحَلَبيّ، رَوَى عنهُ أبو سَعْد عبد الرَّحْمن بن الحَسَن بن عَليك الجَوْهَرِيّ.
أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر عبدُ الرّحيم بن عَبْد الكَريم السَّمْعَانيّ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الله السِّنْجِيّ المُؤذِّنُ، قِراءَةً عليهِ بمَرْو، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ الله إسْمَاعِيْلُ بن عَبْد الغَافِر الفَارسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عبدُ الرَّحْمن بن الحَسَن بن عَليك الجَوْهَرِيّ، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن أحْمَد بن بُكَيْر، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن الحُسَين المُعَدَّلُ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا المُنْذِرُ بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَني أبي، قال: حَدَّثَنَا حُصَيْن بن مُخَارِق، عن مَالِك بن مِغْوَل، عن عَبْدِ الله بن عُمَيْر، عن أنَس بن مَالِك، قال
(1)
: قيل: يا رسُول الله، لو سعَّرْتَ لنا؟ قال: إنَّ الله هو المُسَعِّرُ والقَابِضُ والبَاسِطُ، وإنِّي لأرْجُو أنْ ألْقَى الله ولا يُطَالبُني أحَدٌ بمَظْلَمَةٍ.
الحَسَنُ بن أحْمَد بن حَبِيْب، أبو عليّ الكَرْمَانيُّ
(2)
نَزِيلُ طَرَسُوس، سَمِعَ أبا بَكْر بن أبي شَيْبَةَ، وأبا الرَّبِيعْ الزَّهْرَانِيّ، وأبا كُرَيْب مُحَمَّد بن العَلَاء الهَمْدانِيّ، ومُحَمَّد بن نُمَيْر، وأبا كَامِلٍ الحَجْدَرِيّ، ومُحَمَّد بن عُبَيْد بن حِسَابٍ، وهُدْبَة بن خَالِد، وأبا سَعيد الأَشَجّ، ومُحَمَّد بن خَالِد
(1)
رواه من حديث أنس: ابن ماجة 2: 741 - 742 (رقم 2200)، وسنن أبي داود 3: 731 (رقم 3451)، وجامع الترمذي الكبير 2: 582 (رقم 1314)، ومسند أبي يعلى 6: 444 (رقم 3830)، والزيلعي: نصب الراية 4: 362 - 263 (رقم 7417)، وكنز العمال 4: 184، كلهم من طريق قتادة وحميد وثابت عن أنس بن مالك، وانظر أيضًا: المسند الجامع 2: 44 (رقم 779).
(2)
توفي سنة 291 هـ، وترجمته في: الأنساب للسمعاني 11: 91، تهذيب الكمال 6: 47 - 48، تاريخ الإسلام 6: 928، الكاشف 1: 217، تهذيب التهذيب 2: 253 - 254، تقريب التهذيب 1:162.
العَبْدِيّ، ومُحَمَّد بن عَمْرو بن مَسْعَدَة البَيْرُوتِيّ، ومُسَدَّد بن مُسَرْهَد، وشَيْبَان بن [فَرُّوخ](a)، والمُقَدَّمِيِّ.
رَوَى عنهُ أبو القَاسِم سُليْمانُ بن أحْمَد الطَّبَرَانِيّ، وأبو عبد الرَّحْمن النَّسَائِيُّ، وقال: لا بَأْسَ به، ويَحْيَى بن طَالِب اللِّكَّاف، وأحمد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن الجَّلِّي الطَّرَسُوسِيّ، وأبو الفَضْل العبَّاسُ بن أحْمَد بن الأزْهَر الخَوَاتِيمِيّ، قاضي طَرَسُوس.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن الحُسَين بن هِلالَة الأنْدَلَسِيّ، قِرَاءَةً عليْنَا من لَفْظه، قال: أخْبَرَنا أَسْعَد بن أبي سَعيد الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَتْنا فاطِمَةُ بِنْتُ عَبْد الله الجُوزْدَانِيَّة، قالت: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد الله بن رِيْذَة، قال: أَخْبَرَنا أبو القَاسِم سُليْمان بن أحْمَد الطَّبَرَانيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن أحْمَد بن حَبِيْب الكَرْمَانيّ بطَرَسُوس، قال: حَدَّثَنَا أبو الرّبِيْعْ الزَّهْرَاني، قال: حَدَّثَنَا عَمَّار بن مُحَمَّد، عن سُفْيان الثَّوْرِيّ، عن أبي الحَجَّاف دَاود بن أبَي عَوْف، عن عَطِيَّة العَوْفِيّ، عن أبي سَعيد الخُدْرِيّ في قَوْله عز وجل {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا]
(2)
نَزَلَت في خَمْسة: في رسُول الله، وعليّ، وفاطِمَة، والحَسَن، والحُسَين صَلَواتُ الله عليهم.
لَم يَرْوه عن سُفْيان إلَّا عمَّار بن مُحَمَّد ابن أُخْت سُفْيان، تفرَّدَ به أبو الرَّبيع.
أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر عبد الرَّحيمِ بن أبي سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، في كِتَابِهِ إليْنَا من مَرْو، قال: أخْبْرَنا وَالدي الإمَامُ أبو سَعْد السَّمْعَانيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال في كتاب الأنْسَاب
(3)
: الكَرْوَانِيُّ، بفَتْح الكَاف والواو
(a) موضعها بياض قدر كلمة، والتعويض من مصادر الترجمة.
_________
(1)
المعجم الأوسط 2: 380 (رقم 3456).
(2)
سورة الأحزاب، الآية 33.
(3)
السمعاني: الأنساب 11: 91.
بينهما الرَّاءُ السَّاكنةُ ثُمَّ الألفُ والنُّون، هذه النِّسْبَةُ إلى كَرْوَان، وظَنِّي أنَّها قَرْيَةً من قُرَى طَرَسُوس، والمَشْهُور بهذه النِّسْبَة الحَسَن بن أحْمَد بن حَبِيْب الكَرْوَانِيّ، حدَّثَ بطَرَسُوس عن أبي الرَّبِيعْ سُليْمان بن دَاوُد الزَّهْرَانِيّ، رَوَى عنهُ أبو القَاسِم سُليْمان بن أحْمَد بن أيُّوب الطَّبَرَانِيّ.
كذا قال أبو سَعْد في كتاب الأنْسَاب، وضَبَطَهُ هكذا، وهذا وَهْم فَاحِش؛ وإنَّما هو الكَرْمَانِيّ من أهْلِ كَرْمَان ونَزَل طَرَسُوس، فوقَعَ التَّصْحِيف والغَلَط في كتاب أبي سَعْد فظَنَّ أنَّهُ الكَرْوَانِيّ، وظَنَّ أنَّ كَرْوَان قَرْيَة من قُرَى طَرَسُوس لمقام أبي عليّ بها وتَحْدِيثهِ فيها، واللهُ أعْلَمُ.
أنْبَأنَا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل، قال: أخْبَرَنا نَاصِر بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا جَعْفَر بن عَبْد الوَاحِد الثَّقَفِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزَّاق بن أحْمَد الخَطِيبُ، قال: أحْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ الله بن مُحَمَّد بن حَيَّان، قال: وفي هذه السَّنَة مات الكَرْمَانيّ بطَرَسُوس، يعني سَنَة إحْدَى وتِسْعِين ومَائتَيْن.
أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَد بن أحْمَد البَنْدَنِيِجْيّ كتابةً، قال: أخْبَرَنا مَنُوجَهر بن مُحَمَّد بن تُرْكَانْشَاه، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، قال: أنْبَأنَا أبو عُمَر بن حَيَّوْيَه الخَزَّاز (a)، قال: قُرئ على أبي الحُسَين أحْمَد بن جَعْفَر بن المُنَادِيّ، قال سِيَاق حال مَقْبُوضي سَنَة إحْدَى وتِسْعِين ومَائَتَيْن، قال: وجاءَنا الخَبَرُ من طَرَسُوس بَمْوت أبي عليّ الكَرْمَانيّ في رَجَب، سَمِعَ النَّاس منه مُسْنَدَ مُسَدَّد، وغير ذلك، ثِقَة صالِح، مَذْكُور بالخَيْر.
(a) الأصل: الحزار، وتقدم صحيحًا في العديد من المواضع.
الحَسَنُ بن أحْمَد بن الحَسَنِ - وقيل: ابن الحُسَين - أبو علي الوَرَّاق الخَّواص المِصِّيْصيُّ
(1)
سَمعَ بطَرَسُوس أبا عَبْد اللّه مُحمَد بن عمُر الغُلْفِيّ، ورَوَى عنهُ وعن سُليْمان بن مُحَّمد الخُزَاعِيّ. رَوى عنهُ تمَام بن مُحَد الرَّازِيّ.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ الله بن مُحمَّد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن أبي مُحمَّد
(2)
، قال: أنبأنَا أبو مُحمَّد بن الأكْفانِيّ، ونَقَلْتُه منِ خَطِّهِ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن أحْمَد بن صصْرَى، قال: أخْبَرَنا تمام بنُ مُحمَّد الرَّازِيّ، قال: حَدَّثنا أبو عليّ الحَسَن بن أحْمَد بن الحُسَين الخَوَّاص المصّيْصيّ في مَسْجِد باب الجابيَةِ، قال: حَدَّثنا أبو عَبد اللّه محمَّد بن عُمَر الغُلفِيّ بجامع طَرَسُوس، قال: حَدَّثنا أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد اللّه الهاشميّ الرَّقِّيّ بالرَّمْلَة، قال: دَخلتُ في بلادِ الهِنْد إلى بعض قُرَاها، فرأيْتُ شَجَر وَرْد أسْوَد، يتفَتَّح عن وَرْدَةٍ كبيرة طَيِّبَة الرَّائِحَة، سَوْدَاء عليها مَكْتُوب كما يَدُور بخَطٍّ أبيض: لا إلَه إلّا الله مُحمَّد رسُول اللّه، أبو بَكْر الصِّدِّيْق، عمُر الفَارُوق. فشَكَكْتُ في ذلك وقلتُ إنَّهُ عَملُ مَعْمُول، فعَمَدْتُ إلى جُنْبُذَة لم تفْتَح، ففَتَحْتُها، فكان فيها وَرْدَةٌ سَوْداء، فيها مَكْتُوب بخَطٍّ أبيضَ كما رِأيتُ في سَائر الوَرْد، وفي البَلَدِ منه شيء كَثِيْرٌ عظيم، وأهْل تلك القَرْيَة يَعْبدُون الحجارة، لا يَعْرفُون اللّه عز وجل.
الحَسَن بن أحْمَد بن الحسَن بن عَبْد الله بن الحَسَن بن الحُسين التَّميْمِيّ، أبو طَاهِر بن أبي العبَّاس بن أبي طَاهِر بن وَاصِل
(3)
أصْلُهُ من مَعَرَّة النعْمَان، وانتقل سَلَفه منها عندما هَجَمَ الفِرنْج المَعَرَّة إلى
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 9 - 10، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 153.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 9.
(3)
توفي سنة 656 هـ، وترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني 1: 380، تاريخ الإسلام 14: 801، وفيه: المعري التميمي الدمشقي الطبيب.
دِمَشْق، وأُمُّهُ من بني أبي الوَقَار، ويُعْرَفُ بابن أبي الوَقَار لذلك، مَوْلدُهُ بدِمَشْق، وسَألتُه عنه فقال لي تخميْنًا: في سَنَة سَبع وسَبْعِين، أو ثَمانٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة.
شَيْخ حَسَن صالح مَسْتُور، عليه سيمَاء الخَير، سَمعَ بدِمَشْق أبا سَعْد عَبْد الوَاحِد بن عليّ بن حَمُّوْيَه الجُوينَيّ، وأبا طَاهِر الخشُوعيِّ، والعِمَاد أبا عَبْد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِدٍ الأصبَهَانِيّ الكاتِبَ، وأبا تُرَاب الكَرْخِيّ البَغْدَاديّ، وذكرَ أنَّهُ سمعَ أبا المُظَفَّر أُسامَة بن مُرشِد بن مُنْقِذ.
وحدَّثَ بدِمَشْقَ والقَاهِرَة، وذكَرَ لي أنهُ دَخَلَ حَلَب مَرَّتَين، وأنَّهُ دَخَل بلاد المغرب وأقام بتُونُس مُدَّة خَمْسة عَشَر سَنة، سَمعْتُ منه شيئًا يَسِيْرًا بدِمَشْق.
أخْبَرَنا أبو طَاهِر الحَسَن بن أحْمَد بن الحَسَن التمِّيْمِيّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمعُ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْدُ الوَاحِد بن عليّ بن محمُد بنِ حَمُّوْيَه الجُوينَيّ شَيْخِ الشُّيُوخ، قِراءَةً عليهِ بدِمَشْق وأنا أسمعُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكر وجِيْهُ بن طَاهِر بن مُحمَّد الشَّحَّاميِّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي الإمَامُ أبو نَصْر مُحمَّد بنُ عليّ بن عُبَيْدِ اللّه بن أحْمَد بن وَدْعَان، قال: حَدَّثَنا أبو عَبْد اللّه الحُسين بن مُحمَّد الصَّيْرَفِيّ البَغْدَاديّ، قال: حَدَّثنا الحسين بن عِصمة الأهوازِي، قال: حَدَّثنا أبو بكر محمَّد بن بشار الأنبارِيُّ، قال: حَدَّثنا أبي، قال: حَدَّثنا أبو سَلمة مُوسَى بن إسْمَاعِيلْ المنقَري، قال: حَدَّثنا حَمَّادُ بن سَلمَة، عن ثَابِت البُنَانِيّ، عن أنسَ بن مالِك، قال
(1)
: خَطَبَنا رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم على نَاقَته الجَدْعَاء، فقال: أيُها النَّاسُ، كأنَّ المَوْتَ على غيرنا كُتِب، وكأنَّ الحقَّ فيها على غيرنا وَجَب، وكأنَّ الذين نُشَيِّع من الأمْوَاتِ سفرٌ عمَّا قريبٍ إلينا رَاجعُون، نُبَوِّئُهِم أجْدَاثَهم، ونأكُلُ تراثَهُم كأنَّا مخلَّدُونَ بعدَهُم، نسيْنا كُلَّ وَاعظةٍ، وأَمِنَّا كُلّ جَائِحةٍ، طُوْبَى لمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عن عُيُوب النَّاسِ، طُوْبَى لمَن أنْفَقَ مَالًا اكْتسَبَهُ من
(1)
أخرجه ابن عدي في الكامل 1: 384، والقضاعي في مسند الشهاب 1: 358 - 359، كلاهما من طريق عبد العزيز بن عبد الصمد، عن أبان بن أبي عياش، عن أنس.
غير مَعْصِيَةٍ، وجَالَسَ أهْلَ الفِقْه والحِكمة، وخَالَطَ أهْلَ الذُّلِّ والمَسْكَنة، طُوْبَى لمَن ذَلَّ في نفسِه، وحَسُنتْ خليْقَتُه، وطابَتْ سَرِيرتُه، وعَزلَ عن النَّاسِ شَرَّهُ، طُوْبَى لمن أنْفَقَ الفَضْل من مَالِه، وأمْسَكَ الفَضْل من قَوْله، ووسعَتْهُ السُّنَّةُ، ولَم تستَهوه البِدْعَة.
الحَسَنُ بن أحْمَد بن صالح بن إسماعِيْل بن عُمَر بن حَمَّاد بن حَمْزَة السَّبِيْعي، أبو محمَّد الكُوْفيّ، ثم الحلِبي الحافظُ
(1)
رَحَلَ وسَمِعَ الكَثير، وأصلهُ من الكُوفَة، وانتقَلَ أهْلُه إلى حَلَب، وأقامُوا بها، ومنهم جَمَاعة من أهْل الحَديِث مثل أبي بَكْر مُحمَّد بن الحُسَين بن صالح، وأبيه الحُسَين، وإلى بعضهم ينسَبُ دَرْب السَّبِيعْيِّ بحَلَب.
وأبو مُحَمَّد هذا كان حَافِظًا مُتْقِنًا، حَدَّثَ عن أبي عُثْمان سَعيد بن عُثْمان الوَرَّاق، وعليّ بن أحْمَد الجُرْجَانِيّ، وعبد اللّه بن إسْحَاق بن أبي مُسْلِم الصفْرِيّ، ومُحَمَّد بن الفَضْل بن العبَّاس نزيلُ حَلَب، وعليّ بن عَبْد الحمَيْد الغَضَائرِيّ، وأبي بَكْر أحْمَد بن هَارُون البردِيْجِيّ، ومُحمَّد بن حُبَّان (a) البَصْرِيّ، وأبي جَعْفَر مُحمَّد بن
(a) ضبطه المؤلف في هذا الموضع بضم الحاء في أوله ودرج على الكسر حيثما يرد ذكر محمد بن حبان الباهلي البصري. وقيَّده بالضم أيضًا الخطيب البغدادي في تاريخه 3: 117، والذهبي في تاريخه 8: 357 وابن ناصر الدين في توضيح المشتبه 3: 164.
_________
(1)
توفي سنة 371 هـ، وترجمته في: تاريخ بغداد 8: 213 - 215، تاريخ ابن عساكر 13: 10 - 16، ابن الجوزي: المنتظم 14: 282 (وجاء فيه منسوبًا إلى جده: الحسن بن صالح)، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 17: 545 - 546، الذهبي: تاريخ الإسلام 8: 356 - 358، سير أعلام النبلاء 16: 296 - 299، العبر في خبر مَن غبر 2: 134 (أرخ وفاته سنة 370 هـ)، تذكرة الحفاظ 3: 953 - 954، الوافي بالوفيات 11: 379 - 380، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 298 (وفيه: الحسن بن صالح)، النجوم الزاهرة 4: 140، شذرات الذهب 4: 377 - 378، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 153 - 154، إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء 4: 59 - 60، محسن الأمين: أعيان الشيعة 5: 6 - 7، مجم المؤلفين 3:199.
جَريرِ الطَّبَريّ، وعبد اللّه بن مُحمَّد بن نَاجِيَة أبي عَبْد اللّه، وأحمد بن الحسَن بن عَبْد الجبَار الصُّوْفيّ، وعُمَر بن أيوبَ السَّقَطِيّ، وعبد اللّه بن ثَابِت بن يَعْقوب، ومُحمَّد بن مُحمَّد بن نَصْر الكاغَدِيّ، ويَمُوْت بن المُزرِّع العَبْدِيّ، وأبى مَعْشَر الدَّارِميّ، وقَاسِم بن زَكَرِيَّاء المُطَرِّز، والحَسَن بن مُحَمَّد بن عَنْبَر الوَشَّاء، وأبي الحَسَن عليِّ بن إسْمَاعِيْل الشَّعِيريِّ، وجَعْفَر بن مُحمَّد بن مُوسَى الحافِظ، وأبي بَكْر البَاغَنْدِيّ، وجَمَاعَة سِوَاهُم من الحلبِيِّيْن، وغيرهم.
رَوَى عنهُ الحافظُ أبو الحَسَن عليِّ بن عُمَر الدَّارَقُطْنِيّ، وأبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن عَبْد اللّه، وأبو نُعيَم أحمَدُ بن عَبْد الله الحافظان الأصْبَهَانيِّان، وأبَوَا بَكْر البرقَانِيِّ، وعبد اللّه بن مُحمَّد بن عَبْد الحمَيْدِ القطَّان، وأَبو طَالِب مُحمَّد بن الحُسَين بن أحْمَد بن عَبْد اللّه بن بُكَير التَّاجرُ.
وكانَ مَوْلدُهُ قبل الثَّلاثمائة.
أخْبَرَنا الشَّيْخ الإمَام أبو مُحمَّد عبدُ الرَّحْمن بن عَبْد اللّهِ بن عُلْوَان، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحمَّد بن عليِّ الأنْصَاريِّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد المِهْرَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور مُحمَّد بن مُحَمَّد المنصُورِيّ، قال: حَدَّثنا أبو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيِّ، ح.
قال شَيخُنا عبد الرَّحْمن: وأخْبَرَنا السَّيِّد حَمْزهُ بن هِبَةِ اللّه الحَسَنيّ كتابة، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور مُحمَّد بن مُحمَّد المنصُورِيِّ، قال: حَدَّثنا أبو الحَسَن، ح.
قال عبدُ الرَّحْمن: وأنبأنَا مَسْعُود بن الحَسَن الثَّقَفِيّ، عن أبي الحُسَين بن المُهتَدي، عن أبي الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، ح.
وأخْبَرَنا أبو الحجَّاج يُوسُف بن خلِيل بن عَبْد اللّه الدِّمَشقيّ، قَال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح نَاصِر بن مُحَمَّد بن أبي الفَتْح القَطَّان الأصْبَهَانيِّ بها، قال: حَدَّثنا أبو الفَتْح إسْمَاعِيْل بن الفَضْل بن أحْمَد بن الإخْشِيْد السَّرَّاج، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمعُ، قال:
أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحمَّد بن عبد الرَّحيم، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عُمَر بن أحْمَد الدَّارَقُطْنِيّ الحافِظ، قال: حَدَّثنا الحَسَنُ بن أحْمَد بن صالح الحلِبيّ، قال: حَدَّثنا سَعيد بن عُثْمان الوَرَّاق، قال: حَدَّثنا أبو التُّقَى هِشَام بن عَبد المَلِك، قال: حَدَّثنا بَقِيَّة، عن إسْمَاعِيل، عن عُبيدِ الله بن عُمَر، عن نَافع، عن ابن عُمَر
(1)
، قال: قال رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: لا زَكَاةَ في مال امرئٍ حتَّى يَحُول عليه الحولُ.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْد اللّه بن عُمَر، وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر، في كِتابيهما، قالا: أخْبَرَنا أبو الخير القَزْوينِي، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بن طَاهِر أنَّ أبَوَي عُثْمان الصَّابُونِيّ والبَحِيْرِيّ، وأبَوَي بَكْر البهيَقِيّ والحِيْرِيّ كَتَبُوا إليه، قالوا: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن عَبْد اللّه الحاكم الحافِظ، قال: حَدَّثني أبو مُحمَّد الحَسَن بن أحْمَد بن صالح السَّبِيْعيِّ الحافِظ، قال: حَدَّثنا جَعفَر بن مُحمَّد بن مُوسَى النَّيْسَابُوِرِيِّ بحَلَب، قال: حدثنَا عَبْدُ اللّه بن هاشمِ بن حِبَّان الطُّوْسيّ، باتخاب صَالح جَزَرَة، قال: حَدَّثنا يَحْيَى بن سَعيد القَطَّان، عن مالك
(2)
، قال: حدَّثني الزُّهْرِيّ، عن عَطَاء بن يسَار: أنَّ مُعاوية باعَ سقَايةً من فِضَّة بأقَلّ أو أكْثَر من وَزْنها، فقال أبو الدَّرْدَاء: سَمِعْتُ رسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم ينهي عن مثْل هذا إلَّا وَزْنًا بوَزْن.
قال الحاكِم أبو عَبْد اللّه الحافِظ: ذَاكَرَني عليّ بن عمر الحافِظُ بهذا الحَدِيْث، فتحَيَّرتُ فيه وقُلتُ: يا سُبْحَان اللّهِ، الرُّوَاةُ كلّهم ثِقَات، والسَّبِيْعيِّ إمامٌ، فسَألتُ أبا الحَسَن أنْ يَحْتال لي حتَّى أسْمعهُ، فسَألَ أبا مُحمَّد ولم يُجِبْهُ، فسَمِعْتُه من أبي
(1)
الترمذي: الجامع الكبير 2: 19 (رقم 632)، الدارقطني: السنن 1: 90، ابن شيرويه الديلي: الفردوس 3: 393، المتقي الهندي: كنز العمال 6: 333 (رقم 15859)، ورواه البغوي: شرح السنة 6: 28 (رقم 1576) من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر، ومثله في المسند الجامع 10: 244 (رقم 7484).
(2)
الموطأ لمالك 2: 31 (رقم 33).
الحَسَن إلى أنْ قَرُب خُرُوجُنا، فقَصَدْناهُ معًا فأجَابني إليه، وحَدَّثني به لفظًا، ثمّ بعد ذلك كُلّه وَجَدْتُ الحَديِث في المُوَطَّأ مرسَلًا.
أخْبَرَنا أبو اليمن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: قال لنا القَاضِي أبو العَلَاء مُحمَّدُ بن عليّ الوَاسِطيّ: رأيت أبا الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ جالِسًا بين يَدي أبي محمَّد بن السَّبِيْعيِّ كجلُوس الصَّبيّ بين يَدي المُعَلّم هَيْبَةً له.
أخْبَرَنا أبو المُظَفّر عبدُ الرَّحيم بن عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السّمْعَانيّ في كِتابِه إليَّ من مرو، والقَاسِم بن عَبْد الله بن عُمر الصّفَّار في كِتابِه إليَّ من نيسَابُور - قال أبو المُظَفَّر: أخْبَرَنا أبو البَرَكَاتِ عَبْد اللّه بن مُحَمد بن الفَضْل الفَرَاوِيّ، وقال القَاسِم: أخْبَرَتْنا عَمَّةُ وَالدِي عائشَةُ بنت أحْمَد بن مَنْصُور الصَّفَّار - قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن خلف الشِّيْرَازيّ الأديب، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه مُحَمَّدُ بن عَبْد اللّه الحافِظ الحاكمِ
(2)
، قال: سَألتُ أَبا مُحمَّد الحسَن بن أحْمد (a) بن صالح السَّبِيعيّ الحافِظ بالكُوفَة عن حَديِث إسْمَاعِيْل بن رجَاء، عن الشَّعبْيّ، عن فاطِمَةَ بنت قيسٍ، فقال: لهذا الحَدِيث قِصَّة تدلُّ، على عُوَارِ مَنْ لا يصْدق في المُذَاكَرَة: قَرأ علينا عَبْدُ الله بن مُحمَّد بن نَاجِيَة مُسْنَدَ فاطِمَةَ بنت قيس سَنَة ثلاثمائة، فدخلتُ على أبي بَكْر البَاغَنْدِيّ، عند مُنْصَرَفي من مَجْلِس ابن نَاجيَةَ، فسَألني: من أين جِئْتُهُ (b)؟ فقلتُ: من مَجْلِسِ ابن نَاجِيَةَ، وقال: أَيْشٍ قَرأَ عليكم اليَوْم؟ فقُلتُ: أحَاديث الشّعبْي عن فاطِمَة بنت قيسٍ، فقال: مرّ لكُم عن إسْمَاعِيْل بن رجَاء الزُّبيدِيّ عن الشَّعبْي؟ فنَظَرْتُ في الجُزء، فلم أجد شيئا، فقال: اكتُب: ذكر أبو
(a) الحاكم: محمد، وضُبطت فيه نسبته على وجه خاطئ بالضم: السبيعي.
(b) الحاكم: جئت.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 214.
(2)
الحاكم: معرفة علوم الحديث 428 - 431.
بَكْر بن أبي شَيْبَة، فقلتُ: عن مَنْ؟ فمنَعْتُهُ من التَّدْلِيْس، وطَالبتُه بالسَّمَاع، فقال: حَدَّثني مُحمَّد بن عُبَيْدةَ الحافِظ، قال: حَدَّثني مُحمَّد بن المُعَلَّى الأثرَم، قال: حَدَّثني أبو بَكْر بن أبي شَيْبَة، قال: حَدَّثنا مُحَمَّدُ بن بِشْر العَبْدِيّ، عن مَالِك بن مغْوَل، عن إسمْاعيل بن رَجاء، عن الشَّعبْي، عن فاطِمَة بنت قيسٍ، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قِصَّةَ الطَّلَاق والسُّكْنَى والنَّفَقَة.
ثُمَّ انْصَرَفْتُ إلى حَلَب، وكان عندنا بحَلَب بَغْدَادِيّ يَحْفَظ يعرَفُ بابن سهلٍ، فذكَرتُ له هذا الحَدِيْث، فخرَجَ إلى الكُوفَة فذَاكَرَ أبا العبَّاس بن سعيد، فقَال أبو العبَّاس: ليس عند إسْمَاعِيْل بن رَجَاء عن الشَّعبْي. قال: ثُمَّ وجَد أبو العبَّاس لإسْمَاعِيْل بن رجَاء عن الشَّعبْي، فقال: قد وجَدْتُ عن إسْمَاعِيْل بن رَجَاء عن الشَّعبْي حَرْفَين، قال السَّبِيعْيُّ: قد كَتَبَ ابنُ عُقْدَةَ هذا الحَديث عن ابن سَهْل عنِّي، عن البَاغَنْدِيّ، قال السَّبِيعْيُّ: فاجْتَمَعْتُ مع فُلَانٍ - وسَمَّى شَيْخًا من أكَابر حُفَّاظ الحَديِث بحَلَب
(1)
- سَنَة ستّ عَشرة وثَلاثِمائة فذَاكَرتُهُ به في جُمْلَةِ أبْوَاب ذكَرناها، فلَم يَعْرفهُ. ثُمَّ اجْتَمَعْنا بالرَّمْلَةِ، فذَاكَرْتُهُ به، فلَم يعْرفهُ. ثمّ اجْتَمَعْنا بعد ذلك بدِمَشْق فاسْتَعَادَنى إسْنَادَهُ تعَجُّبًا، ولم يعْرفه. ثمّ اجْتَمَعْنا ببغْدَاد بعد ذلك بسنين، وذَكَرنا هذا الباب، فقال لي: حَدَّثنا أبو القَاسِم عليّ بن إسمْاعِيْل الصَّفَّار، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر الأثرَم، قال: حَدَّثنا أبو بَكْر بن أبي شَيْبَة - ولَم يَعْلم أنَّ هذا الأثرَم غير ذاك - قال السَّبِيعْيُّ: فذكَرتُ قصَّتي لفُلَان المُفِيد وأتَى عليه سنُون، فحدَّثَ بالحَدِيْث عن البَاغَنْدِيِّ، وحَكَى أنَّهُ دخَلَ الكُوفَة، وأنَّ أبا العبَّاس بن سَعيد سَألَهُ عنه فذكرَ القِصَّة كما وقع لى، أضافَها إلى نَفسِه، ثمّ قال السَّبِيعْيُّ: المُذَاكَرَة تكْشفُ عن مثْل هذا، فقال لي السَّبِيْعيُّ: تَذكر هذا البابَ؟ فقُلتُ: عن قُرَّة بن خَالِد، عن سَيَّارٍ، عن الشَّعبْي، فقال: حُدِّثنا عن
(1)
سماه الذهبي في تاريخه 8: 357 وسير أعلام النبلاء 16: 298: الجِعَابي.
يَحْيَى بن حَكِيم، عن خَالِد بن الحارِث، عن قُرَّة. ثمّ قال: تَحْفَظ (a) عن سَعْد الكَاتِب عن الشَّعْبِيّ؟ قُلتُ: لا، فقال: حُدِّثنا عن نَصْر بن عليّ، عن عَبْد اللهِ بن دَاوُد الخُرَيْبِيّ، قال: حَدَّثَنَا سَعْدٌ الكَاتِب عن الشَّعْبِيّ، قُلتُ: ابن نَاجِيَة حَدَّثَكَم؟ قال: لا أدْري، فقال أبو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ: نعم ابن نَاجِيَة حدَّثَهُم به، والسَّبِيْعِيّ سَاكِتٌ، قُلْتُ له: عَبْد الله بن حَبِيْب بن أبي ثَابِت عن أَبِيهِ (b) عن الشَّعْبِيّ؟ فقال: لا أعْرِفُه، ثمّ قال لي: تَعْرف عن عَبْد الله بن حبِيْب بن أبي ثَابِت، عن أَبِيهِ، عن سَعيد بن جُبير، عن ابن عبَّاس: أُوْحِيَ إلى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم في يَحْيَى بن رَكَرِيَّا؟ فقُلتُ: حدَّثناه الشَّافِعيّ عن المِسْمَعِيِّ عن أبي نُعَيْم؟ فقال: المِسْمَعِيِّ لا يُذْكر، حُدِّثْنِا عن حُمَيْدِ بن رَبِيعِ الخَزَّاز، قال: حَدَّثنا أبو نُعَيْم، قُلتُ: وقد تُكُلِّم في حُمَيْد بن الرَّبِيْع، فقال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن إبْراهيم بن جَابِر الفَقيه، قال: حَدَّثَني عَبْدُ الله بن أحْمَد بن حَنْبَل، قال: سَألْتُ أبي عن حُمَيْد بن الرَّبِيْع فقال: دَعُوا المِسْكِين (c) وعن ماذا يُسْأل عن (d) أمره؟ ثمّ قال لي السَّبِيْعِيُّ: تحفَظُ عن خَالِد الحذَاء، عن رَجُلٍ، عن الشَّعْبي فقَط (e)؟ قُلتُ: لا. قال: حُدِّثْنا عن مُحَمَّد بن يَحْيَى القُطَعِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الأعْلَى عن خَالِد (f)، فقال له أبو الحَسَن: ما كَتبتُه في الدُّنْيا إلَّا عَنْك عن ابن نَاجِيَةَ.
قال الحاكِم أبو عَبْدِ الله
(1)
: هذا مَجْلِسٌ كبيرٌ مَكْتُوبٌ عندي، ولي معَهُ على هذا النَّحو مَجَالِس.
(a) الحاكم: أتحفظ.
(b) قوله: "عن أبيه" لم يرد عند الحاكم في كتابه.
(c) في المتن: المسلمين، وفوقه "صـ"، وصحَّحه في الهامش بالمثبت، وهو موافق لما عند الحاكم وابن عساكر في تاريخه 13:14.
(d) الحاكم: وعن ماذا يُسئل من أمره، وفي بعض نسخه ما يوافق المثبت.
(e) ليست في كتاب الحاكم.
(f) في الأصل: أبي خالد، والمثبت من كتاب الحاكم: معرفة علوم الحديث 431، وتاريخ ابن عساكر 14:13.
_________
(1)
معرفة علوم الحديث للحاكم 431.
أنْبَأنَا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ الله، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي مُحَمَّد عَبْد الغَنِيّ بن سعيد، ثمّ أنْبَأنيهِ أبو طَاهِر بن الحِنّائِيّ، وأخْبَرنيهِ أبو التَّمَّام كَامِل بن أحْمَد بن أبي جَمِيل عنهُ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُحَمَّد بنُ أَحْمَد بن عِيسَى السَّعْدِيّ في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الغَنِيّ بن سَعيد، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن عليّ بن عُمَر رحمه الله يقُول: سَمِعْتُ أبا مُحَمَّد الحَسَن بن أحْمَد بن صالِح السّبِيْعِيّ يقُول: كُنْتُ بمِصْر في مَجْلِس حَمْزَة بن مُحَمَّد الكِنَانِيّ، وفي المجلِس جَمَاعَة من أصْحَاب الحَديْث، وجَرَت المُذَاكَرَة، فذَكَرتُ لحَمْزَة بن مُحَمَّد هذا الحَدِيْث، يعني حَديثَ عبد الصَّمَد بن عَبْد الوَارِث، عن شُعْبَة، عن زَائِدَة، عن أبي حَصِيْن، عن أبي صالح، عن عائِشَة، قال صلَّى النَّبِي صلى الله عليه وسلم في ثَوْبٍ بَعْضُه عليّ، فأنْكَره غايةَ النَّكِيْر، ولحقَني من ذلك أمرٌ عظيمٌ، وكان في المَجْلِس رَجُل قد كَتَبَ عن أبي العبَّاسِ بن عُقْدَة جَمْعَهُ حَدِيث أبي حَصِيْن، فقال: أنا آتيكم بحديث أبي حصِيْن لابن عُقْدَة، فمَضَى وأتَى بهِ، فنَظَرُوا فيه فلم يَجدُوهُ، وإذا هم ينظرُونَهُ في حَديث أبي صالح عن أبي هُرَيْرَة، فأخَذْتُ الكتاب فأخْرجته من تَرْجَمةِ أبي صالح عن عائِشَة، قد حَدَّث به ابن عُقْدَة عن عليّ بن حُسَيْن بن حِبَّان، فسُرِّيَ عنِّي.
قال عَبْدُ الغَنِيّ: وكان هذا الحَديْثُ عند حَمْزَة، عن أبي يَعْلَى، عن أبي خَيْثَمة، عن عبد الصَّمَد، عن زَائِدَة نَفْسهِ، ليسَ فيه شُعْبَة (a).
قُلْتُ أنا: وابن حِبَّان رَوَاهُ عن أحْمَد بن إبْراهيم الدَّوْرَقيّ، عن عبد الصَّمَد، عن شُعْبَة، عن زَائِدَة.
(a) لم يرد في تاريخ ابن عساكر: شعبة عن زائدة.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 14 - 15.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، ونَقَلْتُه أنا من خَطِّ السَّمْعانيّ من أصْل سَمَاع شَيْخنا منه، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللهِ الحُسَين بن عَبْد المَلِك بن الحَسَن الخَلَّال الأدِيْب في داره بقِرَاءَتي عليه، قال: سَمِعْتُ أبا عليّ الحَسَن بن أحْمَد بن الحَسَن الدَّقَّاق يقُول: سَمِعْتُ أبا عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن فُتُوح بن عَبْدِ الله الحافِظ بوَاسِط، يَقُول: سَمِعْتُ أبا زَكَرِيَّاء عبد الرَّحيم بن أحْمَد البُخاريّ، وأبا الحَسَن عليّ بن بَقَاء بن مُحَمَّد الوَرَّاق، قالا: سَمِعْنا الشَّيْخ أبا مُحَمَّد عَبْد الغَنِيّ بن سَعيد بن عليّ بن سَعيد بن بَشِير يقُول: سَمِعْتُ أبا الحَسَن عليّ بن عُمَر الحافِظ يَقُول: سَمِعْتُ أبا مُحَمَّد الحَسَن بن أحْمَد بن صالح السَّبِيْعِيّ يقُول: قَدِمَ علينا حَلَب الوَزِير أبو الفَتْح الفَضْل بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الفُرَات، فتَلَقَّاهُ أهل البَلَد وكنتُ منهم، فقيل له: إنِّي من أصْحَاب الحَديْث، فقال لي: تعرف إسْنَادًا اجْتَمعَ فيه أربعةٌ من أصْحَاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم، كُلّ واحدٍ منهم يَرْوي عن صاحبهِ؟ فقُلتُ: نعم، وذَكَرَتُ له حديثَ السَّائِب بن يَزِيد، عن حُوَيْطِب بن عَبْد العُزَّى، عن عَبْد الله بن السَّعْدِيّ، عن عُمَر بن الخَطَّاب رَضِىَ اللهُ عنهُم في العُمَالَة، فقال لي: صَدَقْتَ وعَرفَ لي ذلك، وصَارَتْ لي بهِ مَنْزِلةٌ عنده.
وقَد رُوِي أنَّ هذه الوَاقِعَة [الّتي](a) حَكَاها أبو مُحَمَّد السَّبِيْعِيّ أنَّها جَرَتْ لهُ مع الوَزِير جَعْفَر بن الفَضْل، أنْبَأنَا بذلك أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيب
(1)
، قال: حُدِّثْتُ عن أبي الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا مُحَمَّد الحَسَن بن أحْمَد بن صالح السَّبِيْعِيّ يقول:
(a) إضافة ليستقيم الكلام.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 214.
قَدِمَ علينا الوَزِير جَعْفَر بن الفَضْل أبو الفَضْل (a) إلى حَلَب، فتَلَقَّاهُ النَّاسُ، فكُنْتُ فيمَن تلقَّاهُ، فعُرِّفَ أنِّي من أصْحَاب الحَدِيْث، فقال: تَعْرفُ إسْنَادًا فيه أربعةٌ من الصَّحَابَةِ كُلّ واحدٍ منهم عن صَاحِبهِ؟ فقُلتُ: نعم، وذَكَرتُ له حَديثَ السَّائِب بن يَزِيد، عن حُوَيْطِب بن عَبْد العُزَّى، عن عَبْد الله بن السَّعْدِيِّ، عن عُمَر بن الخَطَّابِ في العُمَالَة، قال: فعَرِفَ لي ذلك، وصَار لي به عندَهُ مَنْزِلةٌ.
(a) كناه الخطيب البغدادي بأبي الفتح، وهي كنية أبيه لا كنية جعفر المعروف بابن الفرات وابن حِنْزابة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور الفَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيبُ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن أحْمَد بن صالح، أبو مُحَمَّد السَّبِيْعِيّ، سَمِعَ مُحَمَّد بن حُبَّان البَصْرِيّ، وعبد الله بن نَاجِيَةَ، وأحمد بن هَارُون البَرْدِيْجِيّ، ومُحَمَّد بن جَرِير الطَّبَريِّ، والحَسَن بن مُحَمَّد بن عَنْبَر الوَشَّاء، ويَمُوت بن المُزَرِّع العَبْدِيّ، وعُمَر بن أيُوبَ السَّقَطِيّ، وقاسمِ بن زَكَرِيَّاء المُطَرِّز، وأبا مَعْشَر الدَّارِميِّ، وعُمَر بن مُحَمَّد بن نَصْر الكَاغَدِيّ، وجَمَاعةً من الغُرَبَاءِ بحَلَب.
رَوَى عنهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وحَدَّثنا عنهُ أبو بَكْر البَرْقَانِيّ، وأبو نُعَيْم الأصْبَهَانِيّ، وأبو طَالِب مُحَمَّد بن الحُسَين بن بُكَيْر وغيرهم.
وكانَ ثِقَةً حَافِظًا مُكْثِرًا، وكان عَسِرًا في الرِّوَايَة، ولمَّا كان بأخَرةٍ عَزَم على التَّحْدِيث والإمْلَاء في مَجْلِسٍ عام، فتهيَّأ لذلك ولم يَبْقَ إلَّا تَعْيينُ (a) يَوْم المَجْلِس، فماتَ.
أخْبَرَنا أبو الوَحْش بن نَسِيم في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظُ
(2)
، قال: الحَسَن بن أحْمَد بن صالح، أبو مُحَمَّد السَّبِيْعِيّ الكُوْفيّ الحافِظ، حَدَّثَ عن مُحَمَّد بن حُبَّان البَصْرِيّ، وعبد الله بن مُحَمَّد بن نَاجِيَة، وأبي بَكْر البَرْدِيْجِيّ، وأبي جَعْفَر الطَّبَريّ، والحَسَن بن مُحَمَّد بن عَنْبَر الوَشَّاء، ويَمُوْت بن المُزَرِّع، وعُمَر بن أيُّوب السَّقَطِيّ، وقاسم المُطَرِّز، وأبي مَعْشَر الدَّارِيِّ، وعُمَر بن
(a) الأصل: يعني، والتصويب من تاريخ بغداد.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 213 - 214.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 10.
مُحَمَّد بن نَصْر الكَاغَدِيّ، وأبي عُثْمان سَعيد بن عُثْمان الوَرَّاق، وجَعْفَر بن مُحَمَّد النَّيْسَابُوريّ، ومُحَمَّد بن الفَضْل في العبَّاس نَزِيلُ حَلَب، وعليّ بن عَبْد الحَميْد الغَضَائِريّ، وعبد الله بن ثَابِت بن يَعْقُوب.
رَوَى عنهُ أبو الحَسَن الدّارَقُطْنِيّ، وأبو عَبْد الله الحافِظ، وأبو نُعَيْم الأصْبَهَانِيّ، وأبو طَالِب مُحَمَّد بن الحُسَن بن أحْمَد بن بُكَيْر، وقَدِمَ دِمَشْق وذَاكَر بها.
أنْبَأنَا زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن عليّ
(1)
، قال: قال مُحَمَّد بن أبي الفَوَارِس: تُوفِّي أبو مُحَمَّد السَّبِيْعِيّ (a) يَوْم الاثْنَين السَّابِع عَشر من ذِي الحِجَّة سَنَة إحْدَى وسَبعِين وثَلاثِمائة، وكانَ ثِقَةً، قد كَتَبَ كِتَابًا كَثِيرًا، وكان يَحْفَظُ حِفْظًا حَسَنًا، ويُذَاكِر، وكان عَسِرًا في الحَدِيْثِ، وكان له أخْلَاقٌ غير مَرْضِيَّةٍ.
الحَسَنُ بن أحْمَد بن عَبْد الغَفَّار بن سُلَيمان بن أَبَان الفَسَوِيّ، أبو عليّ الفَارسِيّ النَّحْوِيّ اللُّغَويّ
(2)
أخَذَ عن أبي إسْحَاق الزَّجَّاجِ، وأبي بَكْر بن السَّرَّاج، وأبي بَكْر بن دُرَيْد، وأبي الحَسَن عليّ بن سُلَيمان الأخفش، ورَوَى عن عليّ بن الحُسين بن مَعْدَان، وأبي بَكْر بن مُجَاهِد.
(a) في تاريخ الخطيب: ابن السبيعي.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 215.
(2)
توفي سنة 377 هـ، وترجمته في: الفهرست للنديم 1/ 1: 189 - 190، الزبيدي: طبقات النحويين 130، الإمتاع والمؤانسة 1: 129 - 132، تاريخ بغداد 8: 217 - 218، ابن الأنباري: نزهة الألباء 232 - 233، ابن الجوزي: المنتظم 14: 324 - 325، القفطي: إنباه الرواة 1: 308 - 310، معجم الأدباء 2: 811 - 821، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 18: 27 - 28، ابن الساعي: الدر الثمين 319 - 321، ابن خلكان: وفيات الأعيان 2: 80 - 82، الذهبي: تاريخ الإسلام 8: 438 - 439، =
قَرَأ عليه عَضُد الدَّوْلَة فنَّاخُسْرُو بن بُوَيْه الأدَب وحَظِيَ عنده، ورَوَى عنهُ، وكانت مكانَتُه عندَهُ جَلِيْلَة، وصنَّف له الإيْضَاح العَضُدِيّ والتّكْمِلَة، وقرأ عليه عليّ بن عِيسَى بن الفَرَج بن صالح الرَّبَعِيّ، وأبو الفَتْح عُثْمان بن جِنِّي، وأبو طَالِب أحْمَد بن بَكْر العَبْدِيّ.
ورَوَى عنهُ القَاضِي أبو القَاسِم عليّ بن المُحَسِّن التَّنُوخِيّ، وأبو الحَسَن مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد، وعليّ بن مُحَمَّد بن الحَسَن المالِكِيّ، وأبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، وأبو القَاسِم الأزْهَريّ، وأبو عَبْد اللهِ الحُسَين بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الخَالِعُ، وأحمد بن فَارِس الأدِيْب المَنْبِجِيّ، وأبو الحَسَن الزَّعْفَرَانيّ.
قَدِمَ حلَبَ على سَيْف الدَّوْلَة أبي الحَسَن عليّ بن عَبْد الله بن حَمْدَان، وأقام بها عنده مُدَّة، واجْتَمع بأبي عَبْد الله الحُسَين بن خَالَوَيْه، وأبي سَعيد السِّيْرَافيّ بحَضْرته، وجَرَت بينهما وبينَهُ بُحُوثٌ ومُنَاظَراتٌ ومَسَائِل، وكان يُسَمِّي ابن خَالَوَيْه الجاهِل، وذَكَرَ ذلك في غير مَوضِع من كتاب التّذْكِرَة.
وأمْلَى بحَلَب المَسَائِل الحَلبِيَّة، وهي المَسَائِل الّتي وَقَعَت له بحَلَب وتكلَّم عليها، وكان بحَلَب في سَنَة سَبع وأرْبَعين وثَلاثِمائة؛ فإنَّني وقَفْتُ على سَمَاع أحمَد بن فَارِس الأدِيْب منه في جُمَادَى الأُوْلَى من هذه السَّنَة بحَلَب، وقيل: إنَّهُ وَرَدَ حَلَب رَسُولًا إلى سَيْف الدَّوْلَة، وكان حَسَن الكَلَام، مَاهِرًا في عِلْم العَرَبِيَّة، حَسَن الغَوْص على المَعَاني الدَّقِيْقَة.
= العبر في خبر مَن غبر 2: 149، الإعلام بوفيات الأعلام 160، سير أعلام النبلاء 16: 379 - 380، تذكرة الحفاظ 3: 973 (ذكر عارض)، ميزان الاعتدال 1: 480، ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار 7: 110 - 111، اليافعي: مرآة الجنان 2: 305 - 306، ابن حجر: لسان الميزان 3: 195، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 306، الفيروزابادي: البلغة 80 - 81، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 206 - 207، النجوم الزاهرة 4: 151، السيوطي: بغية الوعاة 1: 496 - 498، شذرات الذهب 4: 407، الخوانساري: روضات الجنات 3: 73 - 78، محسن الأمين: أعيان الشيعة 5: 7 - 13، معجم المؤلفين 3: 200 - 201، الزركلي: الأعلام 3: 179 - 180.
ولهُ من الكُتُب المُؤَلَّفَة: كتابٌ رَدَّ فيه على أبي إسْحَاق الزَّجَّاج في كتاب مَعَاني القُرآن مَسَائِل؛ لقَّبَهُ كتاب الإغْفَال
(1)
، وله كتاب الحُجَّة، تكلَّم فيه على مَذَاهِب القُرَّاءِ السَّبْعَة الّذين ثَبَتَتْ قراءتهم في كتاب أبي بَكْر بن مُجَاهِد، ووُجُوهها في العَرَبِيَّة، واحْتَجَّ لكُلِّ واحدٍ منهم، وله كتاب الإيْضَاح والتَّكْمِلَة، المُلَقَّب بالعَضُدِيّ؛ عَملهُ للمَلِك عَضُد الدَّوْلَة فَنَّاخُسْرُو، وكتاب يُعْرَفُ بالعَوَامِل، وكتاب المَقْصُور والمَمْدُود، وكتاب التَّذْكِرَة؛ وهو كتابٌ عَزِيزٌ كبير الفَائِدَة، تكلَّم فيه على مَعَاني آياتٍ من القُرآن وأحَادِيْث عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ومَعَاني أبْياتٍ من أشْعَار العَرَب، ومَسَائِل من النَّحو والتَّصْرِيْف، أبْدَعَ فيه، وهو كَثِيْر الفَائِدَة، وكتاب الإيْضَاح الشِّعْريّ، وله كتاب المَسَائِل الحَلَبِيَّة الّتي ذَكَرناهَا، والمَسَائِل القَصْرِيَّات، والمَسَائِل البَغْدَاديَّات، والمَسَائِل البَصْرِيَّات، والمَسَائِل العَسْكَريَّة، والمَسَائِل الشِّيْرَازيَّة، وكتاب نَقْض الهَاذُوْر.
وذكَرَ أبو حَيَّان التَّوْحِيْدِيّ
(2)
أنَّهُ كان يَشْرَب ويَتَخَالع، ويُفارِق هَدْي أهْل العِلْم.
أخْبَرَنا أبو الفَضْل المُرَجَّى بن أبي الحَسَن بن هِبَة الله الوَاسِطِيّ التَّاجر، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو طَالِب مُحَمَّد بن عليّ بن أحْمَد (a) بن الكَتَّانِيّ (b) الوَاسِطِيّ، قال:
(a) في الأصل: مُحَمَّدُ، وصوابه المثبت حسبما يأتي ذكره في عشرات المواضع من هذا الكتاب، إلا أن يكون قد نسبه تجوّزًا إلى جد أبيه واسمه محمد.
(b) مهملة في الأصل.
_________
(1)
ذكر النديم (الفهرست 1/ 1: 189) أنه يُعرف بهذا العنوان وبـ"المسائل المُصلَحَة"، وفي إنباه الرواة:"الإغفال فيما أغفله الزجاجي [كذا] من المعاني"، وفي الدر الثمين لابن الساعي 321: الإغفال، وفي تاريخ الذهبي 8: 439: "كتاب ما أغفله الزجاج في معاني القرآن"، وانظر مناقشة الخلاف في عنوان الكتاب في مقدمة تحقيق نشرة الكتاب المطبوعة، باعتناء عبد الله بن عمر الحاج إبراهيم 1: 27 - 29 (دبي: مركز جمعة الماجد، 2003 م).
(2)
الإمتاع والمؤانسة 1: 132، وفيه: يُفارق هدي أهل العلم وطريقة الربانيين وعادة المتنسِّكين.
أخْبَرَنا أبو غَالِب مُحَمَّد بن أحْمَد في طَاهِر، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن المحسِّن بن عليّ التَّنُوخِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن أحْمَد بن عَبْد الغَفَّار النَّحْوِيّ، قِراءَةً عليهِ وأنا أسْمَعُ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن الحُسَين بن مَعْدَان، قال: حَدَّثَنَا إسْحَاق بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزَّاق
(1)
، قال: حَدَّثَنَا مَعْمَر، عن قَتَادَة، عن زُرَارَة بن أوْفَى: أنَّ سَعْد بن هِشَام بن عَامِر كان جارًا له، فأخْبَره أنَّهُ طلَّق امْرأتَهُ، ثمّ ارْتَحَل إلى المَدِينَة ليبيْعَ عَقَارًا له ومَالًا فيَجْعَله في الكُرَاع والسِّلاح، ثمّ يُجَاهِد الرُّوم حتَّى يَمُوتَ، فلَقِيَهُ رَهْطٌ من قَوْمهِ فنهوهُ عن ذلك، وأخْبَروه أنَّ رهْطًا من قَوْمه أرادوا ذلك على عَهْد رسُول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أليسَ لكم فيَّ أُسْوَةٌ؟، فراجَعَ امْرأتَهُ. فلمَّا أنْ قَدِمَ علينا أخْبَرَنا أنَّهُ أتى ابن عبَّاس فسَأله عن وِتْرِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألَا أدُلُّكَ، ألَا أُنبئُكَ بأعْلَمِ أهْل الأرْضٍ بوِتْرِ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قُلتُ: مَنْ؟ قال: عائِشَةُ، فذهَبْتُ إليها، ومَرَرْتُ بحَكِيم بن أفْلَح فاسْتَلحقْتُهُ إليها، فقال: ما أنا بقَارِبِها؛ إنِّي نَهَيْتُها أنْ تقُولَ بين الشِّيْعَتَين شيئًا فأبَتْ إلَّا مُضِيًّا، فأقْسَمْتُ عليه، فقامَ معي، فأتَيْناها فسلَّمْنا عليها، ودَخَلْنا، فعَرفتْ حَكِيمًا، فقالت: مَنْ هذا معَك؟ قال: سَعْدُ بنُ هِشَام، فقالت: مَنْ هِشَامٌ؟ قال: ابنُ عامر، فقالت: نِعْم المَرْء كان عَامِرًا، قُتِلَ (a) مع رسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم أُحُدٍ. فقُلتُ: يا أُمّ المُؤْمنِيْنَ، أنْبِئيني عن خُلُق رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت: أمَا تقرأ القُرْآن؟ قُلتُ: بَلى، قالت: فإنَّ خُلُقُه كان القُرْآنَ، فهَمَمْتُ أنْ أقُومَ فبَدَا لي فسَألْتُها، فقُلتُ: أنْبِئيني عن قيامِ رسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: أمَا تَقْرَأ هذه السُّورة: المُزَمِّل؟ قُلتُ: نعم، قالتْ: فإنَّ الله افْتَرضَ قيامَ اللَّيْل في أوَّلِ هذه السُّورةِ، فقامَ رسُولُ الله صَلَّى اللهُ
(a) كذا في الأصل، وفي صحيح مسلم: أصيب.
_________
(1)
المصنف عبد الرزاق 3: 39 (رقم 4714)، وأخرجه مسلم في صحيحه 1: 512 - 513.
عليه وسلَّم بأصْحَابه حَوْلًا حتَّى انتَفَخت أقْدامُهُم، وأمْسَكَ الله خَاتِمَتها اثْنَى عَشَر شَهْرًا، ثُمَّ أنْزَل اللهُ تعالَى التَّخْفيفَ في آخر هذه السُّورة، فصَار قيامُ اللَّيْل تَطوُّعًا بعد إذ كانت فَرِيْضَةً، فهَمَمْتُ أنْ أقومَ فبَدا لي فسَألتُها، فقُلتُ: أنْبئيْني عن وِتْرِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كُنَّا نُعِدُّ له سِوَاكَهُ وطَهُورَهُ، فيَبْعَثهُ الله عز وجل لِمَا شاء أنْ يَبْعثه من اللَّيْل، فيَتَسَوَّكُ وهو يَتَوَضَّأ (a)، ثمّ يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعاتٍ، لا يقعُد فيهنَّ إلَّا في الثَّامِنَةِ، فيَحْمد الله ويَذْكُره ويَدْعُو، ثمّ يَنْهض ولا يُسَلِّم، ويُصَلِّي التَّاسِعَة فيَجْلس فيَحْمد الله ويَذْكُره ويَدعُو، ثمّ يسُلّم تَسْليمًا يُسْمِعُنا، ثمّ يُصَلِّي رَكْعَتين وهو جَالِسٌ بعدما يُسَلِّم؛ فتلك إحْدَى عَشر رَكْعَةً. أي بُنَيَّ، فلمَّا أسَنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم وأخَذَ اللَّحْم، أوْتَر بسَبْعٍ، ثمّ صلَّى رَكْعَتَين وهو جَالِسٌ بعدما يسُلِّم، فتلك تِسْع. أي بُنَيّ، وكان رسُول الله صلى الله عليه وسلم إذا صَلَّى صَلَاةً أحبَّ أنْ يُدَاومِ عليها، وكان إذا غَلَبَهُ عن قيام اللَّيْل شيءٌ؛ نَوْمٌ أو وَجعٌ، صَلَّى من النَّهَار اثْنَى عَشر رَكْعَةً، ولا أعْلَم نَبيّ الله صلى الله عليه وسلم قرأ القُرآن في لَيْلَة، ولا قام ليلَةً حتَّى أصْبَح، ولا صَام شَهْرًا كَامِلًا غير شَهْر رَمَضَان، قال: فرَجَعتُ من عندها فأتيْتُ على ابن عبَّاسٍ فأنْبَأته بحديثها، فقال: صَدَقَت، أمَا أنِّي لو كُنْتُ أدخُل عليها لشَافَهْتُها به مُشَافهةً، فقال حَكِيم بن أفْلَح: أمَا أنِّي لو كُنْتُ أعْلَم أنَّك لا تدخُل عليها ما أنبأتُكَ بحَدِيْثها.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ الخَطِيبُ
(1)
، قال: قال لي التَّنُوخِيّ
(2)
: وُلِدَ أبو عليّ الحَسَنُ بن أحْمَد بن عَبْد الغَفَّار النَّحْوِيّ الفَارسِيّ بفَسَا، وقَدِمَ بَغْدَادَ فاسْتَوْطَنها، وسَمِعْنا منه في رَجَب من سَنَة خَمْسٍ وسَبْعِين وثَلاثِمائة. وعَلَتْ مَنْزِلتُه في النَّحو،
(a) في صحيح مسلم: فيتسوك ويتوضأ.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 217 - 218.
(2)
نشوار المحاضرة 4: 43 - 44.
حتَّى قال قَوْمٌ من تَلامذَته: هو فَوْق المُبَرَّد، وأعْلَم منه. وصَنَّفَ كُتُبًا عَجِيْبَةً حَسَنَةً، لم يُسْبَق إلى مثْلها، واشْتُهِر ذِكْرُهُ في الآفاق. وبَرَع له غِلْمَانٌ حُذَّاق مثل: عُثْمان بن جِنّي، وعليّ بن عِيسَى الشِّيْرَازيّ وغيرهما. وخَدَمَ المُلُوك، ونَفَقَ عليهم، وتقَدَّم عند عَضد الدَّوْلَة، فسَمِعْتُ أبي يَقُول: سَمِعْتُ عَضُد الدَّوْلَة يَقُول: أنا غُلَام أبي عليّ النَّحْوِيّ الفَسَوِيّ في النَّحو، وغُلَام أبي الحُسَين الرَّازِيّ الصُّوْفيّ في النُّجُوم.
أخْبَرَنا أبو يَعْقُوب يُوسُف بن مَحْمُود بن الحُسَين السَّاوِيّ بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد الأصْبَهَانِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: سَمعْتُ القَاضِي أبا مَنْصُور العِمْرَانِيّ بآمِد يَقُول: سَمِعْتُ أبا الحَسَن عليَّ بن فَضَّالٍ النَّحْوِيّ يَقُول: كان عَضُد الدَّوْلَة يَقرأ الأدَبَ على أبي عليّ الفَارسِيّ، ويُبَالغ في إكْرَامِه، ويُحْضره معهُ المَائِدَة، فلمَّا كَبُرَ وأضَرَّ كان يُحْضِرهُ أيضًا على العَادَة المُسْتَمرَّة، وكان مِن رَسْمه أنَّهُ إذا فَرغ من الأكْلِ يلْتَفِتُ والفَرَّاش قائمٌ فيقْلب الماء على يَدِه، فاتَّفَقَ يوْمًا أنْ كان الفَرَّاشُ مَشْغُولًا، فلمَّا التْفَتَ الشَّيْخُ ليَغْسِلَ يَدَهُ اختلَسَهُ عَضُد الدَّوْلَةِ، وجاءَ فنَحَّى (a) الفَرَّاش فأخَذَ الإبْرِيْق وقلَبَ على يَده الماءَ، فجاءَ الفَرَّاش، فأوْمَأ إليه أنْ امْسك إلى أنْ فرَغَ، وأعْطاهُ المِنْدِيل فمسَح يَدَهُ، ورجَعَ إلى مكانِهِ، فقال الفَرَّاشُ: يا سَيِّدنا، تَعْلم مَنْ قَلَب على يدكَ الماءَ؟ فقال: أنْتَ، فقال: إنَّمَا كان مَوْلَانا عَضُد الدَّوْلَة، فقام الشّيْخ أبو عليّ قائمًا وقال: لو لم أجد من حَلَاوة العِلْم إلَّا هذا لكان فَضْلًا كَثيْرًا، ثمّ رَفَع يَدَيه نحو السَّماء وقال: أكْرَمَكَ اللهُ الّذي أكْرَمْتَني لأجْلِهِ، أكْرَمَكَ الله الّذي أكْرَمْتني لأجْلهِ، وجَعَل يُكَرِّرُه.
قَرأتُ بخَطِّ أبي مَنْصُور مَوهُوب بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الجَوَالِيْقِيّ، رحمه الله، في تَعْلِيقٍ له نقلَهُ من خَطِّ ابن بَرْهَان، وأنْبَأنَا به شَيْخُنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ عنه،
(a) في الأصل: مجيُّ، ولعل الأظهر ما أثبتناه.
قال فيما نقَله من خَطِّ ابن يهَان: قال أبو الفَتْحِ بعد أنْ دَعَا لأبي عليّ: كان إذا قَعَدَ على سَرِيره الّذي كان يَقْعُدَ عليه أوْقَاتَ درْسهِ لا يَرى العَالَم إلَّا دُوْنَهُ، وما كان يُفَكِّرُ في أحدٍ، حتَّى إنَّهُ كان إذا جَرَى حَدِيث عَضُدِ الدَّوْلَةِ قال: صَاحِبُ السَّطْح فعَلَ كذا، وصَاحِبُ السَّطْح قال كذا، وذلك لأنَّ المَلِك بشِيْرَاز كان يَقْعد في أكْثَر أوْقَاتهِ على سَطْحٍ له كان فيه مَجْلِسُه، فكان أبو عليّ يَجْري على ذلك ويقول: صَاحِبُ السَّطْح.
ثمّ قال أبو الفَتْح: وما كان مع ذلك إلَّا بحيثُ يَضَعُ نَفْسَهُ؛ فإنَّهُ كان فَوْق كُلِّ مَنْ نَظَر في هذا العِلْم، ولو عاشَ أبو العبَّاس وأبو بَكْرٍ وطَبَقَتُهما لأخَذُوا عنه بلا أَنَفَة، ولو أدْرَكه الخَلِيلُ وسِيْبَوَيْه لكانا يُقرَّان له ويَتَجمَّلان به. وقَرَأتُ عليهِ بالشَّام كتاب تَصْريف المَازِنِيّ، وكُنْتُ قليل المَعْرفَة إذ ذاك باللُّغَة، فسَأَلتُه عن شيءٍ من تَفْسِير اللُّغَة فيه، فنَظَر إليَّ مُغْضَبًا وعَبَّسَ وَجْهَهُ. قال أبو الفَتْح: وكَذَا طَرِيقةُ النَّحْوِيِّيْن.
قال
(1)
: وذَاكَرْتُ بكتاب العَيْن يَوْمًا شَيْخَنا أبا عليّ، فأعْرَضَ عنه، ولَم يَرْضَهُ لِمَا فيهِ من القَوْل المَرْذُول، والتَّصْرِيْف الفَاسِد، فقُلْتُ له كالمُحْتَجِّ عليه: فإنَّ في تَصْنِيفه رَاحَة لطَالبِ الحَرْف؛ لأنَّهُ مُنْسَاقٌ مُتَوَجِّهٌ، وليس فيه التَّعَسُف الّذي في كتاب الجَمْهَرَة، فقال: أرَأيْتَ لو أنَّ رَجُلًا صَنَّف لُغَةً بالتُّرْكِيَّةِ تَصْنِيفًا حَسَنًا، هل كُنَّا نَقْبلُها منه ونَسْتَعملها!؟ أو كَلَامًا هذا نحوه؛ قد بَعُدَ عَهْدِي به.
وحَدَّثَنَا قال: حَدَّثَني أبو بَكْر، قال: ما رَأينا (a) كتاب العَيْن بسُرَّ مَنْ رَأى مع بعض أصْحَاب حُنَيْن، وكان أبو عليّ يَقُول
(2)
: لمَّا هَمَمْتُ بقراءةِ رِسَالة هذا الكتاب على مُحَمَّد بن الحَسَن، قال لي: يا أبا عليّ، لا تَقْرَأ هذا المَوضِع عليَّ، فأنْتَ أعْلَم به منِّي!
(a) كذا في الأصل وفوقه "صـ"، ولعل الصواب: لما رأينا، أو: قد رأينا.
_________
(1)
أورد ابن جني شبيهه في كتاب الخصائص 3: 288.
(2)
ذكره ابن جني في كتاب الخصائص 3: 288، والإشارة فيه إلى كتاب العين وليس للجمهرة.
مُحَمَّد بن الحَسَن هو: ابن دُرَيْد.
وممَّا نقلَهُ من خَطِّ ابن بَرْهَان: قال ابنُ جِنّي
(1)
: وحَدَّثَني أبو عليّ أنَّهُ وَقَع حَرِيقٌ بمَدِينَة السَّلام، فذَهَبَ له جميع عِلْم البَصْرِيِّيْن، قال: وكُنْتُ كَتَبتُ ذلك كُلّه بخَطِّي وقَرَأتُه على أصْحَابنا، فم أَجد من الصُّنْدُوق الّذى احْتَرق شيئًا البَتَّة إلَّا نصف كتاب الطَّلَاق، فسَألتُه عن سَلْوَتَهِ وعَزَائهِ عن ذلك، فنَظَر إليَّ مُعْجبًا، ثمّ قال: بَقِيْتُ شَهْرين لا أُكَلِّم أحدًا حُزْنًا وهَمًّا، وانْحَدَرْتُ إلى البَصْرَهَ لغَلَبَة الفِكْر عليَّ، وأقَمْتُ مُدَّهً ذَاهِلًا مُتَحيِّرًا.
وممَّا نقلَهُ من خَطِّ ابن بَرْهَان، وذَكَر ابن بَرْهَان أنَّهُ نقلَهُ من خَطِّ أبي الحَسَن الزَّعْفَرَانيّ، ممَّا حَكَاهُ عن أبي عليّ: قال أبو عليّ: من كَثْرة احْتِشَامي وتَقَبُّضِي ما كُنْتُ أسْمعَ السَّمَاعات الكَثِيْرة، فلا أقول: سَمِعُوا لي، وإلَّا لو كُنْت ممَّن لا يَحْتَشم لقد كان من السَّمَاع لي بيد النَّاس غيرِ قليل. وكان أبو عليّ إذا عَبَّرَ عن لَفْظٍ ما، فلَم يَفْهَمه القَارِئة عليه وأعاد ذلك المَعْنَى عَيْنَهُ بلَفْظٍ غيره ففَهِمه، يَقُول: هذا إذا رأى ابنَهُ في قَمِيْصٍ أحْمَر عرفَهُ، وإذا رآه في قَمِيْصٍ كُحْلِيّ لَم يَعْرفه.
وكان رحمه الله خَشِنَ المَلْمَس، حَزْنَ المُتَنفَّس، يُريد من مُبْتَدِئي أصْحَابهِ أنْ يَفْهمُوا اللَّفْظَة من العِلْم بالكَشْف من القَوْل، وكان رُبَّما تَوقَّفَ بعضُهُم عن فَهْم ما يَقُوله، فيَنْبُو عنه، ويقُول له: يا هذا، ألَيْسَ قد مَضَى في ذلك اليَوْم لنا شيءٌ يُشْبِهُ هذا؟ ووالله ما نعلم (a) إلى شيءٍ يومي ولا كم بعد ذلك اليَوْم من يَوْم مَجْلسِهما، ولعلَّه أنْ يكُون منذ ذلك اليَوْم إلى وَقْتهما من الأُصُول والفُرُوع ما لا يُحِيْطُ بعِلْمه إلَّا الله خَالِقُهما.
(a) مهملة في الأصل، وفوقها "صـ"، ولا يخلو الكلام بعده من اضطراب.
_________
(1)
أورده ياقوت في معجم الأدباء 2: 819.
وممَّا نقَلَهُ من خَطِّ ابن بَرْهَان: قال أبو الفَتْحِ: وكان أبو عليّ، رحمه الله، كَثِيْرًا ما يَرُومُ إبرازَ الشَّيء إلى لَفْظه وهو نَصْبُ عَيْنه، ونَجِيُّ فِكْره، وسَاتِرُ بينِه وبين كُلّ مَرئيّ غيره، إلَّا أنَّهُ مع ذلك مُعَازِلُه مُتَأبٍّ عليه غير مُسْمِح ولا مُنْقادٍ معه، فإنْ لم يَكُن إلَّا آخِذُ عنه سَهْلَ المَذْهَب سُرْحَهُ، طَيِّع الطَّبْع سُجَحَهُ
(1)
، قد جَاوَدَهُ (a) إلى الأمَد، وقاوَدَهُ إلى الخَبَار والجَدَد
(2)
، وفَاتَشَهُ الأنْقَاب، وصَحِبَهُ في كُلِّ أوْبٍ وباب، أَجْبَلَا فلم يُنْبطا، وكانا (b) حريّ أنْ يُحْتذَى ويخْتَلِطا، ثمّ كيف لنا بعْدُ بساعةٍ من سَاعاته، ونَفْثَةٍ من رَقَياته، وعَفَا اللهُ عنهُ فَما أقَلّ العَوَض في هذا السَّوَاد منه.
قَرأتُ بخَطِّ سَعيد بن المُبارَك بن الدَّهَّان النَّحْوِيّ: ذَكَرَ أبو الفَتْحِ في النَّوَادر
(3)
أنَّ كُتُب أبي علَيّ الفَارسِيّ احْتَرَقت بالبَصْرَة في رَبِيع الأوَّل سَنَة خمْسٍ وثَلاثِمائة بدار أبي الرَّيَّان الأهْوَازِيّ الكَاتِب، وكان قد أسْكَنه إيَّاها، ولَم يكُن بالدَّار تلك السَّاعَة، فلمَّا عَلِمَ جاء إلى الدَّار فوقَع من غُلَامه المِفْتاح، وكان الخَشَب سَاجًا فلم يَنْكَسر، فصَعَدُوا إلى السُّطُوح، وكان للدَّرَجة بابٌ مُغْلَقٌ فلَم يَنْفَتح، وقَويَت النَّار فحالَتْ بينه وبين الكُتُب، وكان في الدّار أثاثٌ كَثِيْر لصَاحِبها، فغُشِيَ على الشَّيْخ، وحُمِلَ على الظَّهْر إلى دَارٍ أُخرى لأبي الرَّيَّان، فبقي يَوْمًا وليلة لا يَنْطق، وثلاثة أيَّام لا يَأكُل ولا يشرب إلَّا اليَسِير بالكَرَاهيَّة، وبقي وَاجِمًا سَنَةً لا يُقْرئ ولا يَقْرأ. وكان أبو الرّيَّان يَخْدمه ويُسليه بكُلِّ ما يَقْدر عليه، وكانت الكُتُب أرْبَعمائة
(a) كذا في الأصل مجردًا.
(b) كذا في الأصل، والجادة أن يقال: كان.
_________
(1)
خُلُق سجيحٌ: لين سهل. لسان العرب، مادة: سجح.
(2)
الخَبَار: الأرض الرخوة، تهوَّر فيما قوائم الدواب. والجَدَدُ: ما استوى من الأرض وأصحر، ويقال للصحراء: جَدَد. لسان العرب، مادتي: خبر، جدد.
(3)
كتاب النوادر الممتعة في العربية، من كتب ابن جني التي لم تصلنا.
مُجَلَّدٍ، فأعْطَاه ثلاثمائة دِيْنار مَغْربيَّة وأرْبَعين حُزْمة كاغَد، وكان يَستحثّه (a) ويقُول له: النَّاس يقُولُون عنك صَحَفيٌّ لأنَّكَ عَجَزت عن العِلْم بعد مضي الكُتُب، وكان قد سَلَّم له المُجَلَّد الأوَّل من كتاب سِيْبَوَيْه لأنَّهُ كان معه، وكان لأبي الرَّيَّان نُسْخَة بخَطِّ السِّيْرَافيّ فوَهَبها له وعَادَ إلى القراءة.
قَرأتُ في تاريخِ أبي غَالِب هَمَّام بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ، قال
(1)
: وحَدَّثَني الشَّيْخ أبو العَلَاء، رحمه الله، أنَّ أبا عليّ كان صَدِيْقًا لجذه القَاضِي أبي الحَسَن سُليْمان بن مُحَمَّد، وكان صَادقَهُ بأنْطَاكِيَة، ثمّ إنَّ أبا عليِّ مَضَى إلى العِراق، وصَار له جاة عَظِيمُ من المَلِك فنَّاخُسْرُو، وأنَّ بعضَ النَّاسِ وقَعَت له حاجةُ في العِرَاق احْتَاج فيها إلى كتابٍ من القَاضِي أبي الحَسَن سُليْمان إلى أبي عليّ الفَارسِيّ، فلمَّا وَقَف على الكتاب قال: إنِّي نَسيْتُ الشَّامَ وأهْلَهُ.
قال: وكان أهْلُ بَغْدَاد يقُولُون: في زَمانه لو عاشَ سِيْبَوَيْه لاحْتَاج إليهِ.
أنبأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيْبُ
(2)
، قال: الحَسَن بن أحْمَد بن عَبْد الغَفَّار بن سُلَيمان، أبو عليّ الفَارسِيُّ النَّحْوِيُّ، سَمع عليّ بن الحُسَين بن مَعْدَان صاحب إسْحَاقَ بن رَاهَوَيْه، وكان عنده عنه جُزءٌ واحدٌ. حَدَّثَنَا عنه الأزْهَريّ، والجوهَرِيّ، وأبو الحَسَن مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد، وعليّ بن مُحَمَّد بن الحَسَن المالِكيِّ، والقَاضِي أبو القَاسِم التَّنُوحيّ. ومن مُصَنَّفاته: كتابُ الإيْضَاح في النَّحو، وكتاب المقصُور والمَمْدُود، وكتاب الحُجَّة في القِرَاءات.
قَرأتُ بخَطِّ أبي طَاهِر السِّلَفِيِّ، وأنْبَأنَا به أبو القَاسِم بن الطُّفَيْل وابن رَوَاحَة وغيرهما، قال: أبو عليّ الحَسَن بن أحْمَد بن عَبْد الغَفَّار الفَارسِيّ النَّحْوِيّ، رَوَى عن
(a) مهملة في الأصل برسم قريب من هذا.
_________
(1)
نقله ياقوت في معجم الأدباء 2: 819، وانظر التعريف بتاريخ ابن المهذب في الجزء الأول من بغية الطلب.
(2)
تاريخ بغداد 8: 217.
أبي إسْحَاق الزَّجَّاج، وأبِي بَكْر السَّرَّاج، وأبي بَكْر بن مُجَاهِد المُقرِئ، وأبي الحَسَن الأخْفَش ونُظَرَائهِم، وروى عن عليّ بن الحُسَين ابن عَمّ إسْحَاق بن رَاهَوَيْه فَوَائِد، رَوَى عنهُ عَبْد السَّلام البَصْرِيّ ببَغْدَاد، وعُثْمان بن جِنِّي بالمَوْصِل، وابنه العَلَاء بن عُثْمان بِصُوْر، وأبو الحَسَن مُحَمَّد بن [
…
] (a) بمِصْر، وأبو نَصْر الكِسَائِيّ بأصْبَهَان.
وقد رَوَى عنهُ عليّ بن عيسَى الرَّبَعيِّ، وأبو مُحَمَّد المَدَائني، وعُبَيْد الله (a) بن جرْو، وهِلِّل بن إبْراهيم الصَّابِئ، وأبو مُحَمَّد الجَوْهَرِيّ، ومن توالِيفه: كتاب الحُجَّة، وكتاب الإيْضَاح، وغيرهما.
قَرأتُ بخَطِّ بهاءَ الشَّرَف أبي عليّ الحَسَن بن جَعْفَر بن المُتَوَكِّل الهاشميِّ، وأنْبَأنَا به أبو الحَسَن بن المُقَيِّر عنه، قال: حَدَّثَني أبو الحَسَن عليّ بن أبي زيْد الفَصِيْحِيّ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن عَبْد الله الخَطِيب، قال: قيل إنَّهُ دَخَل أبو عليّ الفَارسِيّ إلى عَضُد الدَّوْلَة وقد عَزَم على التَّوَجُّه إلى الأهْوَاز، فقال: خَارَ الله للملِكِ في عَزِيْمَته، وبلَّغهُ الأمَل في طَلِبَتِهِ، أنشدَنا شَيْخ لنا
(1)
: [من المنسرح]
وَدَّعْتُهُ حين لا تُودِعُه
…
نَفْسُ ولكنَّها تَسِيرُ مَعَه
ثُمَّ تولَّى وفي الفُؤَادِ له
…
ضيْق مَحلٍّ وفي الدُّمُوع سَعَه
فقال له: أحْسَنَ اللهُ جَزَاءَ الشّيْخ، وأطَالَ بَقَاءَهُ، وأنْشَدَنا بعضُ أشْيَاخنا
(2)
: [من السريع]
قالُوا لَهُ قد سَار أحْبَابُهُ
…
وبدَّلوه البُعْدَ بالقُرْبِ
(a) كلمة غير مقروءة في الأصل، صورتها: عسل، ولعله: أبو الحسن مُحَمَّد بن عبد الواحد، كما تقدم ذكره فيمن روى عنه.
(b) في الأصل: عبد الله، وهو عبيد الله بن مُحَمَّد بن جرو الأسدي، أبو القاسم النحوي الموصلي (ت 387 هـ). ياقوت: معجم الأدباء 4: 1577 - 1579، الوافي بالوفيات 19: 402 - 404، بغية الوعاة 3: 127 - 128.
_________
(1)
البيتان في معجم الأدباء 2:، 812، والبلغة للفيروزابادي 80.
(2)
في معجم الأدباء 2: 813.
تاللهِ ما سَارَتْ نَوَى ظَاعِنٍ
…
سَار من العَيْن إلى القَلْبِ
فقال أبو عليِّ: أبَتْ مَكَارِمُ مَوْلَانا أنْ تُخْلي خَادِمَهَا من فَائِدَة.
قلتُ: وذَكَرَ أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الله بن العبَّاس بن عَبْد الحَميْد الحَرَّانيّ في كتاب رَوْضَة الأُدَبَاء
(1)
أنَّ أبا عليّ دعا لعَضُد الدَّوْلَة وقال: أيَأْذن مَوْلَانا في نَقْل هذين البَيْتَيْن؟ فأذِنَ له، فاسْتَملاهما منه وكتبهما عنه.
وذَكَرَ أبو عَبْد الله أيضًا أنّ عَضُد الدَّوْلَة عَرَضَ عليه أنْ يكُون في صُحْبَتهِ، فقال: أنا من رجالِ الدُّعَاءَ لا اللِّقَاء، فخَارَ الله للمَلِك في نَهْضَته، وبارَك له في عَزِيْمتهِ، وجَعَل الفَتْح تُجاءَهُ (a) والمَلائِكَة أنْصَاره، فقال له عَضُد الدَّوْلَةِ: بارَكَ الله فِيكَ؛ فإنّي أثقُ بطَاعتكَ، وأتَيَقَّنُ صَفَاءَ طويَّتكَ.
قَرَأتُ في تاريخٍ سيَّرَهُ إليّ بعض الشِّرَاف الهاشِميِّيْن بحَلَب، جَمْعُ أبي غَالِب همَام بن الفَضْل بن المُهذَّب المَعَرِّيّ
(2)
، قال: وفيها يعني سَنَة اثْنَتَيْن وسَبْعِين وثَلاثِمائة تُوفِّيَ أبو عليّ الحَسَن بن عَبْد الغَفّار الفَارسِيّ النّحْوِيِّ ببَغْدَاد.
وقَرأتُ بخَطِّ القَاضِى أبي المَحَاسِن المُفَضَّل بن مُحَمَّد بن مِسْعَرٍ النَّحْوِيِّ المَعَرِّيّ في كتابه الَّذي جَمَعَهُ في أخْبَار النَّحْوِيّين، قال: تُوفِّي - يعنى أبا عليّ - سَنَة سَبع وسَبْعين وثَلاثِمائةٍ.
(a) كذا في الأصل، وفي معجم الأدباء لياقوت 3: 813: جعل الظفر تجاهه.
_________
(1)
كتاب روضة الأدباء لمحمد بن جد الله الحراني الأزجي المعدل، أدب من الحنابلة (ت 560 هـ)، وهو كتاب ضائع لم يصلنا. سير أعلام النبلاء 20: 353 - 353، الوافي بالوفيات 3: 330، 340 - 341، هدية العارفين 2: 94، الأعلام للزركلي 6:230.
(2)
تقدم التعريف بالكتاب في الجزء الأول.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: قال مُحَمَّد بن أبي الفَوَارِس: في سَنَة سَبع وسَبْعِين وثَلاثِمائة تُوفِّيَ أبو عليّ الفَسَوِيّ النَّحْوِيّ، ولم أسْمَعْ منه شيئًا، وكان مُتّهَمًا بالاعْتِزَال.
وقال الخَطِيبُ
(2)
: حَدَّثَني أحْمَدُ بن عليّ بن (a) التّوّزِيّ، قال: تُوفِّيَ أبو عليّ الفَارسِيّ النَّحْوِيِّ في يَوْم الأَحَد السَّابِع عَشر من شهر رَبيع الأوَّل سَنَة سَبعٍ وسَبْعِين وثَلاثِمائة.
قَرَأتُ في دِيْوان شِعْر الشّريف الرَّضِيّ مُحَمَّد بن الحُسَين العَلَويّ
(3)
: قال يَرْثِي أبا عليِّ الحَسَن بن أحْمَد الفَارسِيّ النَّحويّ، وتُوفّي ليْلَة الأحَدِ السَّابع عَشر من شَهْر رَبيع الأوَّل سَنَة سَبْعٍ وسَبْعِين وثَلاثِمائة، ودُفِنَ بالشُّوْنِيْزِيَّة عند قَبْر أبي بَكْر الرَّازيّ الفَقِيْه، وكان قد نيَّف على التِّسْعين.
وقَراتُ بخَطِّ الحافِظ السِّلَفِيِّ، وذَكَرَ أنَّهُ نَقَلهُ من خطِّ عليِّ بن عَبْد المَلِك بن الحُسَين بن عَبْد المَلِك الدَّبِيْقيّ: وماتَ أبو عليّ الفَارِسِيُّ سَنَةَ سَبعْ وسَبْعين وثَلاثمائة.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن عليّ بن المُفَضَّلِ المَقْدِسِيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو طَاهِر السِّلَفيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المبُارك بن عَبْد الجَبَّار الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد العَتِيْقِيّ، قال: ذِكْرُ وَفَاة بعض الشُّيُوخ الّذين أدْرَكتهم، وكَتبتُ عنهم، وسَمِعْتُ منهم سَنَة سَبع وسَبْعِين وثَلاثِمائة، وفيها تُوفِّيَ أبو عليّ الحَسَنُ بن أحْمَد بن عَبْد الغَفَّار الفَسَوِيّ الفَارسِيّ النَّحْوِيِّ.
(a) ليست في نشرة تاريخ الخطيب البغدادي.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 218.
(2)
تاريخ بغداد 8: 218.
(3)
ديوان الشريف الرضي 1: 535، وهذا الكلام كُتب في طالع مرثية الشريف الرَّضيّ له.
الحَسَنُ بن أحْمَد بن علي بن مهْرَان القُهُسْتَانِيّ، أبو القَاسِم الأدِيْبُ
(1)
سَمِعَ بالمِصِّيْصَة مُحَمَّد بن عُمَر بن يَحْيَى المُقْرِئ، رَوَى عنهُ الحاكِم أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الله الحافِظُ، ووَفَدَ على سَيْف الدَّوْلَة أبي الحَسَن عليّ بن عَبْد الله بن حَمْدَان، وكان يَغْشَى مَجْلسَهُ، وكان أَدِيبًا فَاضِلًا، شَاعِرًا.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْد الله بن عُمَر القُرَشِيّ وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر الغَزَّال في كتَابَيْهما، قالا: أخْبَرَنا أبو الخَيْرِ القَزْوِينيّ، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بن طَاهِر: أنَّ أبَوَي عُثْمان الصّابُونِيّ والبَحِيْرِيّ، وأبَوَي بَكْر البَيْهَقِيّ والحِيْرِيّ كَتَبُوا إليه: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الله الحافظ
(2)
، قال: حَدَّثَني أبو القَاسِم - يعني الدِّهِسْتَانيّ (a) - قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُمَر بن يَحْيَى المُقرِئ بالمِصّيْصَة، قال: حَدَّثَنَا يوسف بن سَعيد بن مُسَلَّم، قال: حَدَّثَنَا حَجَّاج بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا شُعْبَة، عن سَهْل بن أبي صالح، عن أَبِيهِ، عن أبي هُريرَة
(3)
، قال: قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ كان في حاجة أخيهِ، كان الله في حاجَتِه، والله تعالَى في عَوْن العَبْدِ ما كان العَبْدُ في عَوْن أخيه.
(a) كذا قيَّده المصنِّف مجوَّدًا؛ منسوبًا إلى دِهستان خلافًا لما اعتمده في سياقة نسبه أول الترجمة! ودهستان بلد مشهور في طرف مازندران بالقرب من خوارزم وجرجان. أما قوهستان - ومعناه: موضع الجبل - فهي مواضع كثيرة ببلاد العجم، أشهرها البلدة الواقعة بنواحي هراة، ذكرهما ياقوت: معجم البلدان 3: 492، 4:416.
_________
(1)
توفي سنة 393 هـ.
(2)
هذا الخبر والذي يليه من كتاب الحافظ: تاريخ نيسابور، وهو مفقودٌ، ولم يرد في تلخيص الكتاب سوى ذكره باسمه، انظر: تلخيص تاريخ نيسابور 85.
(3)
أخرجه مسلم في محيحه 4: 2074 (رقم 2699)، والمستدرك للحاكم 4: 383، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 10: 450، نصب الراية للزيلعي 3: 307، كنز العمال 15: 904 (رقم 43560).
قال الحاكِم: سَمِعْتُ أبا القَاسِم الزَّاهِد يقُول: رأيت في المنام مُنْشدًا يُنْشد هذا البيت: [من الطويل]
أتفرَحُ بالأيَّام تَمْضِي وتَنْقَضِي
…
وعمرُكَ فيها لا مَحَالَة تذْهَبُ
قال: فلمَّا اسْتَيْقَظتُ أضَفْتُ إليه بَيْتًا آخر:
عَجَبْتُ لمُخْتَار الغِنَى وَهْوَ فقرُهُ
…
وعَامِرِ دَارٍ وَهْوَ في الدَّارِ يخرَبُ
قال الحاكِم: وسَمِعْتُ أبا القَاسِم يَقُول: كُنَّا نَخْتَلفُ إلى مَجَالِس سَيْفِ الدَّوْلَةِ بالشَّام، فكاد أنْ يقَعَ في نفَسِي ما ليسَ من مَذْهَبي، فقُلْتُ:[من البسيط]
الدَّهْرُ سَاوَمني عُمْرى فقُلْتُ له
…
لا بعْتُ عُمْري بالدُّنْيا وما فيها
ثُمَّ اشْتراهُ تَفَارِيقًا بلا ثَمَنٍ
…
تَبَّتْ يدا صَفْقهٍ قد خابَ شَارِيْهَا
ذَلَّتْ صعَابُ المَعَاني لي فأدْركها
…
فهمي ونفسي أعْيتني مَعَانِيْها
قال: وأنْشَدَني لنَفْسِه في المحْبَرَة: [من الطويل]
له قلبُ زنْدِيق ووَجْهُ مُؤَخّدٍ
…
وآذَان مُرْجيءٍ وحُلْقُومُ مُجْبِرِ
وقَسْوَةُ مَعْشُوقٍ وذلَّةُ عَاشِقٍ
…
وظَاهِرُ كَافُورٍ وبَاطِنُ عَنْبَرِ
أنْبأنا أبو المُظَفَّر عبد الرَّحيمِ بن أبي سَعْد عَبْد الكَرِيْم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: أخْبَرَني أبي أبو سعْد، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال في كتاب الأنْسَاب
(1)
: وأبو القَاسِم الحَسَنُ بن أحْمَد بن عليّ بن عِهْرَان القُهُسْتَانِيّ الأدِيْب، كان أَدِيبًا فَاضِلًا، شَاعِرًا بَارِعًا، دَخَل بلاد الشَّام، وسَمعَ بها بالمِصِّيْصَة مُحَمَّد بن عُمَر بن يَحْيَى المُقْرِئ. سَمِعَ منه الحاكِم أبو عَبْد الله الحافِظ، وذَكَرَهُ في التَّاريخ، فقال: أبو القَاسِم الأدِيب الفَقِيه الزَّاهِد، ح.
(1)
السمعاني: الأنساب 10: 520.
وأنْبَأنَا أبو بَكْر بن عُمَر وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر، قالا: أخْبَرَنا أبو الخَيْر القَزْوِيني، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الشَّحَّاميِّ عن أبَوَي بَكْر البيهَقيِّ والحِيْرِيّ، وأبَوَي عُثْمان الصَّابُونيِّ والبَحِيْرِيّ، قالوا: أخْبَرَنا أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد الله الحافِظُ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن أحْمَد بن عليّ بن مِهْرَان القُهُسْتَانِيّ أبو القَاسم الأدِيْبُ الفَقيه الزَّاهِدُ، سَمِعَ الحَدِيْثَ بالعِرَاقَيْن والحَجاز ومِصْر والشَّام، وكانت رِحْلَتُه فِي التَّصَوَّف، وكان الأَمِيرُ أبو عليّ بن نَاصِر الدَّوْلَة جَالَسَهُ وتلْمْذَ له، وتخَرَّج به، وَردَ نَيْسَابُور غير مَرَّة فلم يُحَدِّث، ثُمّ سَألتُه فحدَّث بنَيْسَابُور سَنَة إحْدَى واثْنَتَيْن وتِسْعِين وثَلاثِمائة، وتُوفِّيَ بقَاين في ذِي الحَّجِة سَنَة ثَلاثٍ وتِسْعِين وثَلاثِمائة.
الحَسَنُ بن أحْمَد بن عليّ بن المُعَلِّم، أبو علي الحَلَبيّ
(2)
فَقِيْة من فُقَهَاء الشِّيْعَة، أدِيبٌ شَاعرٌ مُتَكلِّم، قَرأ الفِقْه على أبي الصَّلَاح الحَلَبيّ، واشْتَغَل بعِلْم الأُصُول والأدَب وعِلْم العَرَب، وصَنَّف للشِّيْعَة كتابين، أحدهما يُعْرَفُ بالتّاجِيّ، والآخر يُعْرَفُ بمَعَالِم الدِّين، ولهُ كتابٌ في الأُصُول شَرَحَ فيه المُلَخَّص.
ولَازَمَ المَسْجِد الجامع بحَلَب، وقرأ عليه الحَلْبِيُّون الفِقْه والأدَبَ، وكان له شِعْرٌ جَيِّدٌ فَصِيح، ورَسَائِل حَسَنة، وكَتَبَ في صِبَاهُ لسُبُكْتُكِيْن مَمْلُوك أمير الجيُوش الدِّزْبِرِي، وكان وَلَّاهُ مَوْلاهُ قلعَة حَلَب حين مَلكها - أعني سُبكْتُكِين - وكانَ مَوْلدُ أبي عليّ الحَلَبي بمَعَرّة النُّعْمَان في حُدُود الأرْبَعمائة قَبْلَها، وانتقَلَ مع أبيهِ إلى حَلَب.
(1)
اقتصر في تلخيص تاريخ الحاكم 85 على ذكر اسمه.
(2)
كان حيًّا سنة 453 هـ.
قرأ عليه الأدَب جَدُّ أبي؛ أبو غَانِم مُحَمَّد بن هِبَة الله بن أبي جَرَادَة، والوَزِير أبو نَصْر بن النَّحَّاس، وقَرأ عليه الفِقْه والأُصُول أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن سَعيد الخَفَاجِيّ الحَلَبِيِّ، وإيَّاهُ عَنَى أبو مُحَمَّد بقَوْله في القَصِيدَة الّتي كَتَبَها من القُسْطَنْطِينِيَّة يعتب فيها أهْله وأصْدِقَاءَهُ
(1)
: [من الكامل]
واقْرَ السَّلامَ على الفَقِيهِ وقُلْ له
…
وهو (4) العتادُ لدَفْعِ كُلّ مُلِمَّة
حاشَاكَ أنْ تَصِفَ الوِدَادَ وأهْلَهُ
…
ويكُون حبُّكَ كُلُّه بالقُوَّة
ماكان ضَرَّكَ لو بَعَثْتَ تحيَّةً
…
وكَتَبْتَ خَمْسَة أسْطُرٍ في رُقْعَة
أَبمثل هذا يَخْصِبُ البُسْتَان أو
…
يَزْدَاد حُسْنُ الدَّار في السَّهْلِيَّة
السهلِيَّةُ: مَحَلَّةٌ من مَحَالِّ حَلَب، كانت دار أبي عليّ بها. والبُسْتَان: هو بُسْتَان المَيْدَان خارج باب قِنَّسْرِيْن.
وكان قد مَدَح أبو عليّ بن المُعِلّم سَدِيْد الدَّوْلَة ابن الرَّعْبَانِيّ بقَصِيدَةٍ حَسَنة أوَّلُها: [من الطويل]
دَعَاني فتلكَ الدَّار دانٍ بَعِيْدُها
…
أُرَاجعُ أشْوَاقي لها وأُعِيْدُها
فكان ثَوَاب أبي عليّ من سَدِيْد الدَّوْلَة أنْ تَنَجَّزَ لهُ تَوْقيعًا من صَاحِب حَلَب مُعِزّ الدَّولَة ثِمَال بن صالح صاحب صَلَب ببُسْتَان المَيْدَان هذا المَذْكُور.
وأبياتُ الخَفَاجِيّ أنْشَدَنا إيَّاها الحطِيبُ أبو عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن هاشِم بن أحْمَد بن هاشِم، قال: أنْشَدَني أبي هاشِمٌ، قال: أنْشَدَني أبي أحْمَدُ، قال: أنْشَدَني أبو مُحَمَّد الخَفَاجِيّ لنَفْسِه، أو قال: أنْشَدنيها أخي أبو نَصْر بن هَاشِم، قال: أنْشَدَني الخَفَاجيّ إنْ لَم أكُن سَمِعْتُها منه.
(a) الديوان: أنت.
_________
(1)
ديوان ابن سنان الخفاجي 668 - 669.
وقَرأتُ بخَطِّ أبي البَيَان نَبَأَ بنِ مَحْفُوظٍ الأدِيْب الدِّمَشقيّ، وذَكَرَ أنَّهُ نَقَلَهُ من نُسْخَةٍ نُقِلَت من خَطِّ عَبْد الوَدُود بن عِيسَى النَّحْوِيّ منِ شِعْر أبي مُحَمَّد الخَفَاجِيّ، وعليها بخَطِّ عَبْد الوَدُود النَّحْوِيّ عند ذِكْر أبيات أبي مُحَمَّد عند قَوْله: وأقر السَّلام على الفَقيه إلى آخر الأبْيَات الأرْبَعة: هذا هو الشَّيْخ الفَاضِل أبو عليّ المَعْرُوفُ بابنِ المُعَلّم ولم يكن فَقِيهًا فقَط، لكن كان ذا فَضَائِل، من جُمْلتها شِعْر وكتابة، وهو ممَّن تحمَّل بهِ الشِّيْعَةُ.
قَرأتُ بخَطِّ أبي المَكَارِم مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك بن أحْمَد بن أبي جَرَادَة في أوَّل جُزء يتضمَّن قَصَائِد وأقْطَاعًا من شِعْر أبي عليّ بن المُعَلّم: وُلد بمَعَرَّة النُّعْمَان، وانْتَقَلَ أبُوه إلى حَلَب وهو معه، ولَزِمَ المَسْجِد الجامع، وقَرَأ عِلْم الأُصُول ومَذْهَب أهْل البيت عليهم السلام، والأدَب وعِلْم العَرَب، فمالَ إليه النَّاس، وأحبُّوه لوَاضِح طَرِيقَته، وتَنَقَّلَت بهِ الحالُ، وكَتَبَ لسُبُكْتُكِين في عُنْفُوَان شَبَابهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلى اللُّزُوم للجَامِع.
قَرأتُ بخَطِّ أُسامَة بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ في كتابه الّذي عَلَّقَه للرَّشِيْد بن الزُّبَيْر (a)، وأنْبَأنَا بهِ أبو عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر عنه، قال: ومن شُعَرَاءِ الشَّام الفَقِيه أبو عليّ الحَسَنُ بن أحْمَد المُعَلّم، وُلد بمَعَرَّة النُّعْمَان، وانْتَقَلَ أبُوه إلى صَلَب وهو معه، ولَزِمَ الجَامع، وقَرَأ عِلْم الأُصُول، ومَذْهَبَ أهْل البَيْت عليهم السلام، والأدَب وعِلْم العَرَب، وتَنَقَّلَتْ بهِ الحالُ ثُمَّ لَزِمَ الجامِعَ.
قَرأتُ بخَطِّ أبي الحَسَن عليّ بن عَبْد الله بن أبي جَرَادَة الحَلَبِيِّ، في شِعْر جَدِّ جَدِّي أبي الفَضْل هِبَة الله بن أحْمَد بن أبي جَرَادَة الّذي رَوَاهُ عنه، أبْيَاتًا كَتَبَها إلى الفَقِيه أبي عليّ بن المُعلِّم في غَرَضٍ له، وأخْبَرَنا بها المُؤيَّد بن مُحَمَّد بن عليّ بن
(a) في الأصل: للرشيد بن الرشيد، وهو سهو، انظر ترجمته في خريدة القصر 14: 200 - 202، ويأتي قريبًا على الوجه الصحيح.
الحَسَن الطُّوْسيّ كتابةً، قال: أنْبَأنَا أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد اللهِ بن أبي جَرَادَة، قال: أنْشَدَنا القَاضِي أبو الفَضْل هِبَةُ الله بن أبي جَرَادَة، وكتَبها إلى أبي عليّ بن المُعَلّم يسْتَنْهضهُ في ولده أبي غَانِم مُحَمَّد، وكان يُعَلِّمه الأدَبَ
(1)
: [من البسيط]
أبا عليٍّ هو الدَّهْرُ الخَؤُونُ وما
…
يَحْظَى بجَدْواهُ إلَّا الجاهِلُ الغُمُرُ
ولسْتُ أُنْكِر إنْ عُرِّيْتَ من نَشَبٍ
…
وقد أطَافَتْ بك الآدَابُ والفقَرُ
كالطَّوْد لا يَرْتَقي يَوْمًا أعاليَهُ
…
سَيْلٌ وإنْ كان مَحْفُوفًا بهِ الزَّهْرُ
أَغْنَاكَ فَضْلُكَ عن مالٍ تُجَمِّعُهُ
…
لقد تنَوَّقَ في تَعْويضكَ القَدرُ
من كُلِّ قافيةٍ كالنّجْم سَاِئِرَة
…
ما عاقَ إدْلَاجَها أَين ولا ضَجَرُ
نتِاج فِكْرٍ خلَا ممَّا يُقَسِّمُهُ
…
كأنَّ ألْفَاظَها مِن حُسْنِها دُرَرُ
تُطوَّفُ الأرْضَ من سَهْلٍ إلى جَبَلٍ
…
حتَّى لقد مَلَّ من تَطْوافِها السَّفَرُ
أو خُطْبَةٍ لضُرُوبِ العِلْم جَامِعَةٍ
…
وللفَصَاحَةِ في تَأليفِها أَثَرُ
جَعَلتها حُجَّةً للدِّين قاهِرةً
…
لمَعْشَرٍ أظْهَرُوا ضدَّ الّذي سَتَرُوا
غَلُّوا النِّفَاقَ ولولا الخَوْف كانَ لَهُمْ
…
إلى التَّظَاهُرِ إسْرَاعٌ ومُبْتَدَر
تحْيى القُلُوبُ بذِكْريْها إذا تُلِيَتْ
…
كالأرْض أحيَتْ بها العَرَّاصَةُ الهُمُرُ
أَغْنَى كلامُكَ عن عَبْد الحَميْد كما
…
أغْنَى عن النَّجْم يُسْتَضْوى بِهِ القَمَرُ
تَقُومُ كُتْبُكَ في إصْلَاحَ مُنْحَرفٍ
…
ما لا تَقُومُ بهِ الخَطيَّةُ السُّمُرُ
كم موْقفٍ لكَ في القُرْآنِ قد شَهِدَتْ
…
به المَحَارِيْبُ والآياتُ والسُّوَرُ
ومن يَدٍ لكَ لم تَقْصِدْ بها عوَضًا
…
ولا تخلَّلَها مَنّ ولا كَدَرُ
أسْدَيتَها طَلَبًا للأجْرِ في نَفَرٍ
…
فبَعْهُم شَكَرُوا وبَعْضُهم كَفَرُوا
حَقًّا فما أنتَ إلَّا رَوْضَةٌ أُنُفٌ
…
وما لسَانُكَ إلَّا الصَّارِمُ الذكَرُ
ومَنْ يُجَاربْكَ يَكْبُو دُوْنَ مَطْلَبِهِ
…
أَنَّى يُسَاوِي الحَضِيضَ الأنْجُمُ الزُّهُرُ
(1)
أورد ابن العديم في كتابه الدراري 59 - 60 أبياتًا أخرى من القصيدة مع البيت الأول منها.
أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد الله بن عُلْوَان وغيره، عن أبي المُظَفَّر أُسامَة بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ في ما اخْتَاره من شِعْر أبي عليّ بن المُعَلّم وكَتَبَهُ للرَّشِيْد بن الزُّبَيْر، ووَقَعَ إليَّ أيضًا في جُرء من شِعْر أبي عليّ بن المُعَلّم بخَطِّ أبي المَكَارِم مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك بن أبي جَرَادَة:[من الكامل]
خُذْ مِن زمانِكَ واغْتَنم إمْكانَهُ
…
ودَعِ التَّعَلُّلَ والأمَانِيَ جَانِبَا
واصْبِر لأحْكَامِ الزَّمانِ فإنَّها
…
نُوَبٌ تَجيءُ نَوَائِبًا ومَوَاهِبا
ماذا أفَدْتَ بما جمَعْتَ وما الّذي
…
أغْنَاكَ صنْعُكَ إنْ بكيتَ الذَّاهِبَا
فتعَمَّدِ الحُسْنَى ومَالِ على التُّقَى
…
وسُمِ النَّجَاةَ وكُنْ مُجِدًّا طَالِبا
ما مرَّ مرَّ وما تَبَقَّى فُرصَةٌ
…
وهيَ اللَّيالِي تَسْتَجِدُّ مَذَاهِبا
قَدْ أنْذَرَتْكَ الحادِثَاتُ وبَصَّرتْ
…
وأرَتكَ فيكَ منَ الزَّمانِ عَجَائِبا
حَالًا تَحُول وعِيْشَةً مَرْبُوبةً
…
ونَوىً تَشُطُّ وشَعْرَ فَوْدٍ شَائِبَا
فعَلَام تَخْتَالُ اللَّيالِي ضلَّةً
…
وتَعُدُّ أحْكَامَ الوُجُود نَوَائِبا
فتَغَنَّم الأيَّامَ غيرَ مُرَاجعٍ
…
أسَفًا ولا مُبْقٍ لديْكَ مَآربا
قالا: وكان له صَدِيْقان تُوفِّيَا في يَوْمٍ واحدٍ، فقال فيهما
(1)
: [من البسيط]
تَقَاسَما العَيْشَ رَغْدًا والرَّدَى رنَقًا
…
وما عَلِمْتُ المَنَايا قبلُ تُقْتَسَمُ
وحَافَظا الوُدّ حتَّى في حِمَامِهما
…
وقَلّ ما في المَنَايا تُحْفَظُ الذِّمَمُ
نَقَلْتُ من خَطِّ الرَّئِيس حَمْدَان بن عبد الرَّحيم الأثارِبيّ: لأبي عليّ بن المُعِلّم: [من الطويل]
ومِن عَجَبٍ أَنّي عليْكَ مُحَسَّدٌ
…
وأنِّي على دَعْوَى هَوَاكَ مُلَامُ
ولَم تُسْلِني الأَيَّامُ عنْكَ بِمَرِّها
…
ولا كَفَّ من وجْدٍ عليْك مَلَامُ
(1)
البيتان في وفيات الأعيان 6: 209 دون عزو، وذكر بعده أنه وجدهما في كتاب جنان الجنان للرشيد بن الزبير وأنه نسبهما لأبي علي الحسن بن أحمد المعلم المعري.
غَرَامٌ على عَهْد الصِّبَا وإلى النُّهَى
…
وشَوْقٌ على شَيْب العِذَارِ علَامُ
حُلُومٌ تَوَقَّاها الهَوَى وبَقِيَّةٌ
…
مِنَ الصَّبْر عفَّاها جَوَىً وغَرَامُ
ويُسْتَام رُشْدِي فيكَ لو كُنْتُ وَاجِدًا
…
سَبِيْلًا إلى ما في هَوَاكَ أُسَامُ
وقَرأتُ بخَطِّ حَمْدَان بن عبْد الرَّحيم في تَعْلِيقٍ له: لأبي عليّ الحَسَن بن أحْمَد بن المُعِلّم الحَلَبِيِّ: [من الكامل]
أَسْتَأثِرُ الحُسْنَى بعَزْمٍ صَادِقٍ
…
وإذا قَدَرتُ فعَلْتُ فِعْل الجَاهِلِ
لا العِلْمُ رَادِعيَ الغدَاةَ ولا التُّقَى
…
أبدًا قَرين الإثْم حلْف البَاطِلِ
أتَبَصَّرُ الأمْرَ الجَليَّ وأنْثَني
…
عنهُ بصُوْرَةِ جَاهِلٍ أو غَافِلِ
وأَلُومُ إنْ بَخِلَ الصِّحَابُ وإنَّني
…
من بينِهِمْ نفسُ الضَّنِيْنِ البَاخِلِ
يا لَلِرِّجَالِ وللطِّبَاعِ تحكَّمَتْ
…
فتملَّكَتْ قَوْدَ اللَّبِيْب العَاقِلِ
فدَعِ التَّعَلُّلَ واقْتَبِلْها عَزْمةً
…
فالسَّيْفُ يقطَعُ عندَ قَصْدِ الحَامِلِ
وتَعَمَّدِ الصُّنْعَ الجَمِيْل مُوَاصلًا
…
عَمَلَ العَلِيْم بهِ وعِلْمَ العَامِلِ
لا عُذْرَ إنْ أنصَفْتَ نَفْسَك جَاهِدًا
…
وطلَبْتَ وَاضحَةَ الطَّريق السَّابِلِ
وقَرأتُ بخَطِّه لأبي عليّ أيضًا [من الكامل]
أمَّا غَرَاميَ فَهْوَ حيثُ تَرَيْنَهُ
…
من سُقْمِ جِسْمي واخْتِلَاف عَوَائدِي
أَصْبُو لعَارِضَة النَّسِيم وأنْثَني
…
ظمآنَ أشْرَقُ بالزُّلَالِ البَارِدِ
وعَجِبتُ من لَيْلي وزَعْمِي طُولَهُ
…
عَجَبَ الحُلِّيّ (a) من المُعَنَّى الوَاجِدِ
ما طَالَ لَيْلي فيكِ لكن خَالَفَتْ
…
حَالُ المُسَهَّد فيهِ حَالَ الرَّاقِدِ
(a) كذا في الأصل، ولعل الصواب: الخَليِّ.
وَقَعَ إليَّ بخَطِّ بعض الحَلَبِيِّيْن كُرَّاسَةٌ من شِعْر أبي عليّ بن المُعَلّم، فاخْتَرتُ منها قَوْله، وكَتَب به إلى الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عَبْد الله بن سِنَانٍ الخَفَاجِيّ يُعَاتبُهُ:[من الكامل]
يا صَاحِبَيَّ وما عَرفْتُ مُصَاحِبًا
…
إلَّا قضيَّة دَهْره نتَقلَّبُ
أمَّا نَظَرْتَ نظرْتَ صَوْبَ غَمامةٍ
…
وإذا انْتَجَعْتَ حَيًّا فبرق خُلَّبُ
كالرَّوْضَةِ الغَنَّاءِ عاقَرها النَّدَى
…
وإذا ظللْتَ بهِ فقَفْر سَبْسَبُ
لا للجميْل ولا لدَفْع مُلمَّة
…
يوْمًا ولا لسَمَاعِ شَكْوى تَقْرُبُ
لا تَذْكُرَنَّ لي الصَّدِيْقِ فإنَّه
…
قَوْلٌ يُقَال ومذْهَبٌ مُسْتَغربُ
غزَّتْ مطَالبهُ فأعْوَز نَيْلُه
…
إلَّا مُنَىً من ضَلّةٍ تتَطَلّبُ
وإذا جَهلْتَ النَّاسَ لَم أَكُ
…
جَاهِلًا نفسِي ولا من حالها أَسْتَصْعِبُ
عُجَمَاءُ عن فَهْم الجِمِيل وإنَّها
…
عجْمَاء تُعْربُ في القَبِيْح وتُغْربُ
ومَرِيْضَة الآرَاءِ طَوْع ضلَالها
…
لا تَعْرْعَوِي جَهْلًا ولا تَسْتَعْتِبُ
وأخٍ على حُكْم الصّفَاءِ تخذتهُ
…
للأمْر عرف للَّيَالي يعْزُبُ
ضَاقتْ عن الحُسْنَى عَوَارف طَوْله
…
وثَنَاهُ طَوْعَ هَوَاه قَلْبٌ قُلَّبُ
تَبع اللَّيالِي شِيْمةً وخَلِيْقَةً
…
وعلى مَذَاهِبها يَجيءُ ويَذْهَبُ
مُتَمرِّض طَوْعَ الحَفِيْظة عَاتِب
…
ما بتُّ من هَفَواته أتَعَتَّبُ
أُضْحى أَسِيْرَ هَوَاهُ وهو طَليْقُه
…
وأُجِدُّ وهو بوُدِّه مُتَطرِّبُ
وإذا هَزَزْتَ هَزَزْتَ مَنْ لا يَرْعَوي
…
وإذا عتَبْت عتَبْت مَنْ لا يُعْتِبُ
أحْنُو عليه بعزَّة مَأْثُورة
…
عندِي وعَاطِفَةٍ ترقّ وتَعْذُبُ
فإذا جَفَا واصلْتُه وإذا هَفَا
…
أوجَدْتُه أنّي المُسِيءُ المُذْنِبُ
هذي لعَمْرُكَ يا أُخيَّ سَجِيَّةٌ
…
فينا ودِينٌ للزَّمَان ومَذْهَبُ
فاعْدِلْ إذا جَارَ الزَّمان وكُن
…
على حُكْم البَصِيْرة عاذرًا مَنْ تَصْحَبُ
وَسُم الصَّدِيْق مسَام نَفْسكَ واقْتصِد
…
فالأمْرُ أيْسَرُ والمنَيَّة أقْرَبُ
ما أجْهَل الأقْوَام جَدُّوا في السُّرَى
…
طَلَبًا لمَن لا يُسْتَبان فيُطْلَبُ
وأقَلّ تَوْفِيْق الفَتَى مع طَوْلهِ
…
لا مَوْردٌ عَذْبٌ ولا مُسْتَعذبُ
فإذا عَجِبْت من الزَّمان وأهْلِهِ
…
فانْظُر بأمْركَ فالقَضِيَّة أعْجَبُ
تَدْعُو إلى الحُسْنَى وأنْتَ مُجانبٌ
…
أبَدًا لها ولأهْلِها تَتَجَنَّبُ
فاعْذر أخاكَ وكُن بما هذَّبتَهُ
…
ورجَوْتَ صَالِحَهُ بهِ يتهَذَّبُ
سِيَّان ما أصْبَحْتُما تَرَيانِهِ
…
شَرَّقْت وهو على هَوَاه مُغَرِّبُ
ومن شِعْره أيضًا [من الطويل]
خَلِيلَيَّ هَلْ مَاءُ العُذَب كعَهْدِهِ
…
بَرُودٌ وهَل ظِلُّ الأرَاكِ عَلِيْلُ
وكيفَ أعَالي الرَّملِ منذُ تقابَلَتْ
…
تَمُرُّ عليه شَمْأَلٌ وقَبُولُ
فقَدْ طَالَ عَهْدِي بالدِّيَارِ وأهْلِها
…
فعَهْدِي ولَيْلي والسِّقَامُ طَويلُ
قِفَا تَعْلَما صَوْبَ الغَمَام فإنَّني
…
أميْلُ معَ الأشْوَاق حيثُ تَمِيْلُ
ولا تُنْكِرَا أَنَّ الدِّيَار تَنَكَّرَتْ
…
فَللِشَّوْق فيها والنِّزَاعَ دَلِيْلُ
رسُومٌ تَبقَّاهَا البِلَى لصَبَابَةٍ
…
تَراجَعُ فيها أو يُبَلُّ غَلِيْلُ
مَوَاثلُ قد عَرَّى الزَّمانُ عِرَاصَها
…
فما يخْتَفي سُقْمٌ بها ونحُولُ
فيا سَاكني أرْضَ الحِمَى إنَّ جَوَّهُ
…
رَطِيْبٌ وإنَّ الرِّيحَ فيْهِ بَلِيْلُ
فما لعُيُونٍ تَجتَلِيْهِ مَرِيْضَةٌ
…
وما لفُؤَادٍ يَطّبِيْهِ عَلِيْلُ
وما لدُمُوع العَاشِقينَ تَجُوْدُهُ
…
وأقْذَاؤُهَا طَوْع الغَرَام محُولُ
وممّا نَقَلْتُهُ من الجُزءِ المَذْكُور من شِعره: [من البسيط]
عَلَاقَةٌ تَسْتَجِدُّ الشَّوْقَ عارضَةً
…
وصَبْوَةٌ تَسْتَزِلُّ الحِلْمَ والرّشَدَا
ظللتُ منها على عِلْم وبَيِّنَةٍ
…
أرَى الغَوَايةَ رُشْدًا والضَّلَال هُدَى
ومن شِعْره أيضًا منه: [من الطويل]
أَهَجْرًا وقد مالَتْ بكُم غَرْبةُ النَّوَى
…
وباتَ غُرَابُ البَيْنِ للبَيْنِ يَنْعَبُ
دَعُوا للنَّوَى هِجْرَانَكُمْ وتجنَّبُوا
…
معَ القُرْبِ منكُمْ أنْ يكُونَ تجنُّبُ
وقال وقد سار مُعِزُّ الدَّولَةِ ثِمَال بن صالح إلى مِصْر ثمّ عاد إلى حَلَب: [من الطويل]
مَضَيْتَ وخلَّفتَ المَطَامِعَ جَمَّةً
…
تَفِيْضُ وأَبْنَاء الأمَانِي ظَوَامِيَا
وأقبلْتَ إقْبَال السَّحَاب تَبَسَّمَتْ
…
بَوَارقهُ ثُم انْثَنَيْن بَوَاكِيَا
فما كان ذاكَ العَيْشُ إلَّا تَعِلَّةً
…
ولا كانت الأيَّامُ إلَّا لَيَالِيا
ولمَّا اسْتَبانَ الرَّأيَ فيها إمَامُها
…
ولَم يَرَ في كَفّ الحَوَادِثِ كَافِيَا
أعَادَ إلى الطَّرْف المُسَهَّد غُمْضَهُ
…
وردَّ على مَرْضَى البِلَاد العَوَافِيَا
كان أبو عليّ بن المُعِلّم حيًّا في سَنَة ثَلاثٍ وخَمْسِين وأرْبَعِمائة؛ فإنَّ مُعِزّ الدَّولَة ثِمَالًا عاد إلى حَلَب من مِصْر في هذه السَّنَة، فقد تُوفِّي بعد ذلك.
وَقَعَ إليَّ رسالة للوَزِير أبي نَصْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن النَّحَّاس الحَلَبِيّ، كَتَبَها إلى أبي طَاهِر مُحَمَّد بن الحَسَن المَعْرُوف بالجديّ، وذَكَر فيها أبا عليّ بن المُعَلّم، وقال بعد ذِكْره: وعلى ذِكْره، نَضَّرَ اللّهُ وَجْهَهُ، فعندَ اللّه نحْتَسبُ ذلك الشَّيْخ الجامِعَ لأشْتَاتِ الفَضائِل، وضَرَائِر المَحَاسِن، فلقَد كان أثْبَتَ شُيُوخَ زَمانِهِ فَهْمًا، وإنْ لم يفُتْهُم علمًا، وأقْوَاهُم تَصَوُّرًا ونَفْسًا، وإنْ أَوْفَوا عليه مُطَالعةً ودرْسًا، وأَنَّى لإخْوَانه الغَابِرين بعدَهُ، الّذين لا بُدَّ أنْ يَرِدُوا - وإنْ أنْظَرَهُم الأجَلُ - وردَهُ مثْله، ولا مِثْلَ له طِيْبَ مُعَاشَرةٍ، وحُسْنَ مُذَاكَرَةٍ، وحِفْظًا للغَيْب، ومُثَابرةً على سَتْرِ العَيْب:[من الطويل]
سَقَاهُ ولولا دِيْنهُ وعَفَافُهُ
…
لقُلْتُ شَآبِيْبَ الشَّرَاب المُشَعْشَعِ
الحَسَنُ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الحَلَبِيِّ
(1)
المعرُوف وَالدُهُ بالعَرِيْف الصَّنَادِيْقِيّ، كان ينزل بُسوق الصّنَادِيْقِيِّيْن بحَلَب، وسَمِعَ بها أبا الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن الطُّيُوريّ العَدْل الحَلبيّ، والشَّيخ أبا عُبيد اللّهِ عَبْد الرَّزَّاق بن عبد السَّلام بن أبي نُمَيْر العَابِد، وسَعِيْد بن يَحْيَى بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن الرّبيع بن سِنَان الخَفَاجِيّ، وصالح بن جَعْفَر بن عَبد الوَهَّاب العبَّاسيّ القَاضِي الحَلَبِيّين. وحدَّثَ بشيءٍ يَسِيْر، سَمِعَ منه الشَّيْخُ الفَقِيهُ مُشْرِق بن عَبْدِ اللّهِ العَابِدُ الحَنَفِيّ، والحَسَن بن دَاوُد بن بَابْشَاذ، والحُسَين بن الحَسَن الطَّرَسُوسِيّ وغيرهم، وتُوفِّيَ سَنَة ثمانٍ وعشرين وأرْبَعِمائة أو بعدَها؛ فإنَّهُ حدَّث في هذه السَّنَة.
الحَسَنُ بن أحْمَد بن المُؤَمَّل، أبو مُحَمَّد الكَفْرطَابِيّ
(2)
ذَكَرَهُ الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن في تاريخ دِمَشْق
(3)
، بما أنْبَأنَا بهِ القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللّه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ، قال: الحَسَن بن أحْمَد بن المُؤَمَّل أبو مُحَمَّد بن الكَفْرطَابِيّ، له ذِكْرٌ.
توفِّي أبو مُحَمَّد بن الكَفْرطَابِيّ، فيما بَلَغَني
(4)
، في الثُّلُث من لَيْلَة الأرْبَعَاء (a) لأرْبَع عَشرة لَيْلَةٍ بَقِيَت من رَجَب سَنَة أرْبَعٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة.
(a) ابن عساكر: ليلة الثلاثاء.
_________
(1)
توفي بعد سنة 428 هـ.
(2)
توفي سنة 444 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 23.
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 23.
(4)
فيما بلغ ابن عساكر، والنقل متتابع عنه.
حَسَنُ بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ، أبو عليّ الصُّوْفيّ
(1)
مَنْسُوبٌ إلى أَوَه
(2)
، شَيْخٌ صَالِحٌ وَرِعٌ تَقِيٌّ، مُجْتَهدٌ في العِبَادَةِ، اجْتَمَعْتُ به في البَيْت المُقَدَّس، وشَاهَدْتُ منه وَليًّا من أوْلِيَاءِ الله تعالَى، قد أجْمعَ النَّاسُ كُلُّهُم قَاطِبَةً على خَيْره وصَلَاحهِ، صَائم النَّهَار، قائم اللَّيْل، قد أثَّرت العِبَادَةُ وقيام اللَّيْل في بَدَنهِ، نَحِيْل البَدَن، مُصْفَّر اللَّوْن، ذَابِل الشَّفَتين، مُنْقَطِع إلى اللَّه، مُسْتَغْن عن النَّاس، مُعْرِض عن الدُّنْيا وزُخْرُفها.
دَخَلَ الشّام، ومرَّ بحَلَب مُجْتازًا في طَريقِهِ إلى الدِّيَار المِصْرِيَّة في سَنَة سَبْعِين وخَمْسِمائَة، في دَوْلة المَلِك الصَّالِح إسْمَاعِيْل بن مَحْمُود بن زَنْكِي.
وأقامَ بالإسْكَنْدَرِيَّةِ، وصَحِبَ بها الحافِظ أبا طَاهِر السِّلَفِيّ، وخَدَمهُ، وسَمِعَ منهُ الكثير، وسَمِعَ من غيره من شُيُوخ الإسْكَندريَّةِ مثل أبي الجُيُوش عَسَاكِر بن عليّ بن نَصْر المُقْرِئ، وأبي المَحَاسِن المُشَرَّف بن مُؤيَّد بن عليّ الهَمْدانِيّ وغيرهم، وكان سَمِعَ بمَكَّة أبا الفَضْل يُونُس بن مُحَمَّد بن بُنْدَار، ورَابَط بعد ذلك بعَكَّا مُدَّةً، ونَزل بالخَضْرَاِء وهي دُوَيْرَة بناها المَلِك النَّاصِر صَلاح الدِّين يُوسُف بن أَيُّوب بعَسْقَلان، ووقَفَ بها الأجْزاء الّتي سَمِعَها، وأقام بها إلى أنْ خُرِّبت، فانْتَقَلَ إلى البَيْت المُقَدَّس، ولَزِمَ المَسْجِد الأقْصَى، وأقام بدُوَيْرَة الصُّوْفيَّة الّتي قِبْليّ المَسْجد إلى جانب المحرَاب، وانْقَطَعَ إلى اللّه تعالَى إلى أنْ سُلّم البَيْت المُقَدَّسِ إلى الفِرِنْج في سَنَة ستٍّ وعشرين، وانْتَقَلَ منه النَّاس، فلم يَبْرح مكانَهُ، ولَزِمَ موضِعَهُ ذلك وعبادَته إلى أنْ أدْرَكَهُ أجَلُهُ، رحمه الله.
(1)
توفي سنة 630 هـ، وترجمته في: التكملة للمنذري 3: 334 - 335، العبر في خبر مَن غبر 3: 206، تاريخ الإسلام 13: 916 - 917، سير أعلام النبلاء 22: 349 - 350، المقريزي: المقفى الكبير 3: 365 - 366، النجوم الزاهرة 6: 281 (ووقع فيه الخلط في اسْمُه وكنيته: أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد
…
)، شذرات الذَّهب 7:238.
(2)
تقدّم التعريف بها فيما مرّ.
قرَأتُ عليه الكَثِيْر من مَسْمُوعَاته مُدَّة مقَامي بالبَيْت المُقَدَّس، وكان
وَالدِيّ، رحمه الله، يَحْضُر معي مَجْلِس السَّمَاع بالمَسْجِد، وذلك في سَنَة تِسْعٍ
وسِتمائة، وكانت تُعْجبُهُ قِرَاءتي الحَدِيْث؛ أوَّل ما حَضَرتُ عنده وطَلبتُ السَّمَاع
منه قال لي: هَاهُنا مَنْ يُحَدِّث غيريّ، فأعَدْتُ الطَّلَب منهُ، فأخْرَج إليَّ جُزءًا، فلمَّا
قرأتهُ مالَ إليَّ وأخْرَج إليَّ جميعَ ما كان عندَهُ من مَسْمُوعَاته، وتطفَّل (a) بذلكَ،
وكان يَجْتَمع معي جَمْعٌ وَافِرٌ للسَّمَاع منهُ، رحمه الله.
أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَنُ بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ بالمَسْجِد الأقْصَى، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد الأصْبَهَانِيّ بالإسْكَنْدَرِيَّة، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللّه القَاسِم بن الفَضْل بن أحْمَد بن أحْمَد بن مَحْمُودٍ الثَّقَفِيّ رَئيس أصْبَهَان، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمَش الزِّيَادِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن يَعْقُوب الكَرْمَانيّ، قال: حَدَّثَنَا بَحْرُ (b) بن بَحْر الكَرْمَانيّ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زَيْد، عن مُجَالِد، عن الشَّعْبِيّ، عن جَابِر بن عَبْد اللّهِ
(1)
رضي الله عنهما، قال: قال رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: إنَّكُم اليَوْم على دِيْن، وإنِّي مُكاثرٌ بكمُ الأُمَمَ، فلا تَمْشُوا القَهْقَرَى بَعْدي.
أخْبَرَنا أبو عليّ الأَوَقِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر الحافِظ، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخان: أبو الفَتْحِ مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد بن عليّ الوَكِيل، وعُمَر بن مُحَمَّد بن عِلْكُوَيْه الزَّاهِد، قالا: حدَّثنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عبد الرَّحْمن المُعَدَّل إمْلاءً، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللّه بن جَعْفَر، قال: حَدَّثَنَا هَارُون، قال: حَدَّثَنَا أبو عَامِر العَقَدِيّ، قال: حَدَّثَنَا
(a) كذا في الأصل، ولعل الأظهر: وتفضَّل.
(b) كذا في الأصل، وتقدم ذكره (الجزء الرابع) باسم: يَحْيَى.
_________
(1)
تقدّم الحَديث بالسند أعلاه في الجزء الرابع من الكتاب.
مُحَمَّدُ بن هِلالٍ، عن أَبِيهِ، قال: قال أبو هُرَيْرَة وهو يُحَدِّثنا
(1)
: كان رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ مَعَنا في المَسْجِد (a) يُحَدِّثُنا، وإذا قامَ قمنَا قيامًا حتَّى نَرَيه قد دخَل بعض بُيُوت أزْوَاجِه، قال: فحَدَثَنا يَوْمًا فقُمْنا حين (b) قام، فنَظَر إلى أعْرَابيّ قد أدْرَكَهُ فَجَبَذَهُ
(2)
بردَائهِ فحمَّرَ رَقَبَتهُ. قال أبو هُرَيْرَة: وكان ردَاؤه خَشِنًا، فالْتَفَتَ إلى الأعْرَابيّ فقال له الأعْرَابِيّ: احْمل لي على بَعِيْريَّ هذين، فإنَّك لا تَحْمِل من مالكَ ولا من مال أبيْكَ، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لا، واسْتَغْفِرُ اللّه؛ ثلاثًا، حتَّى تُقِيدَني في جَبْذَتِكَ الّتي جَبَذْتني. قال: فكُلّ ذلك يقُول له الأعْرَابِيّ: لا واللّه لا أُقيدُكَها، قال: فالْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلينا، ونحنُ مثل الخَيْل سُرَاعًا كُلّنا نُبادِر الأعْرَابِيّ أنْ نأخُذَهُ، فقال: عَزَمْت على كُلّ رجُلٍ سَمِعَ صَوْتي وقَوْلي أنْ لا يَبْرَح مقَامَهُ حتَّى آذَنَ لهُ، فقال عُمَرُ: يا رسُول اللّه، ائذَن لي فيه، فقال: لا تَعْجَل يا أبا حَفْصٍ، ثمّ دَعَا رَجُلًا فقال: احْمِلَ له على بَعِيْرَيهِ هذَيْن؛ على بَعِيْر شَعِيْرًا وعلى بَعِيْر تَمْرًا، ثمّ الْتَفَتَ إلينا فقال: انْصَرفُوا على بَرَكَةِ اللّه عز وجل.
أخْبَرَنا حَسَن بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو طَاهِر، قال: قرأتُ على أبي عليّ الحَسَن بن حَمْزةِ بن مُحَمَّد بن عليّ الحَجاليّ بالكُوفَة سَنَة ثمانٍ وتِسْعِين وأرْبَعِمائة، عن أبي الحُسَين مُحَمَّد بن عليّ بن خُشَيْش التَّمِيْمِيّ المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن عليّ بن دُحَيْم الشّيْبَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بنُ أحْمَد بن أبي حِكْمَة التَّمَّار، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عِمْران، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن أبي سُلَيم، عن الحَسَن
(a) سنن أبي داود: بالمجلس.
(b) الأصل: حتَّى، وفوقها "صـ"، والمثبت من سنن أبي داود.
_________
(1)
أخرجه أبو داود في سننه 5: 133 - 134 (رقم 4775)، عن هارون بن عَبْد اللهِ، به. وانظر: المسند الجامع 17: 337 - 338 (رقم 13733).
(2)
الجَبْذُ لغة في الجذب. لسان العَرَب، مادة: جبذ.
البَصْرِيّ أنَّهُ قال ذات يَوْم لجُلَسَائهِ: يا مَعْشَرَ الشُّيُوخِ، ما يُنْتَظَرُ بالزَّرْع إذا بَلَغ؟ قالوا: الحَصَاد، قال: يا مَعْشَرَ الشَّبَاب، إنَّ الزَّرْعَ قد تُدْركه العَاهَةُ قبل أنْ يَبْلُغَ.
أخْبَرَنا حَسَن بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل يُونُس بن مُحَمَّد بن بُنْدَار السِّيْسِيّ بمَكَّة، قال: أخْبَرَنا أبو عبد الرَّحْمن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بنِ عبد الرَّحْمن المَرْوَزيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْد الوَاحِد بن الفَضْل بن مُحَمَّد الفَارَمَذِيّ رحمه الله، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ اللّه بن عليّ بن عَبْد اللّه الطُّوْسيّ، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخان أبو مَنْصُور بن طَاهِر بن العبَّاس، وأبو حَفْص عُمَر بن الخَضر بن مُحَمَّد الثَّمَانِيْنِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو الحَسَن المُغِيرَةُ بن عَمْرو بن الوَليِد، قال: حَدَّثَنَا أبو سَعيد المُفَضَّل بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الجَنَدِيّ، قال: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بن شَبِيْب، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّه بن بَكْر السَّهْمِيّ، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَر بنُ سُلَيمان الضُّبَعِيِّ، عن مَالِك بن دِيْنارٍ، قال: بينا أنا أطُوْفُ ذات ليلةٍ، إذ أنا بجُوَيْرِيَّةٍ صَغِيرَةٍ تَطُوفُ بالبَيْت، وهي تقُول: يا رَبّ، كم من شَهْوَة قد ذَهَبَتْ لذَّتُها، وبَقِيَتْ تَبِعَتها، يا رَبّ، ما كان لك عُقُوبَة ولا أدَبٌ إلَّا بِالنَّار؟! قال مالكٌ: فلم ينَل ذلك حَالي وحالها حتَّى طَلَعَ الفَجْر، قال مَالِك: ثمّ وَضَعْتُ يَدي على رَأْسِي فقُلتُ: ثَكَلتكَ أُمّكَ يا مالكُ، جُوَيْرِيَّة صَغِيرَةٌ غَلَبَتْكَ منذُ اللَّيْلة!
أنْشَدَنا أبو عليّ حَسَنُ بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ بالمَسْجِد الأقْصَى، قال: أخْبَرَنا الفَقِيه أبو الجُيُوش عَسَاكِر بن عليّ بن نَصْر المُقْرِئ، قال: أنْشَدَني الشَّيْخُ أبو الحُسَين عَبْد الكَريم التِّكَكِيُّ رحمه الله، قال: أنْشَدَني الصِّقِلِّيّ
(1)
بالإسْكَنْدَرِيَّة من شِعْره لنَفْسِه: [من البسيط]
مُزَرْفَنُ الصُّدْغ يَسْطُو لَحْظُهُ عَبَثًا
…
بالخَلْق جذلانَ أنْ يَشْكو الهَوَى ضحكا
لا تَعْبَثَنَّ بوردٍ فَوْقَ وَجْنَتِه
…
فإنَّما نَصَبَتْهُ عَيْنه شَرَكَا
(1)
هو الشَّاعِر ابن حمديس، والبيت الأوّل منهما في ذيل ديوانه 556.
تُوفِّي أبو عليّ حَسَن بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ بالبَيْت المُقَدَّس، في لَيْلَة الجُمُعَة عاشِر صَفَر سنَة ثلاثين وسِتِّمائة؛ أخْبَرَني بذلك أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بن يُوسُف البِرْزَاليّ الإشْبِيلِيّ، ودُفِنَ بمَقَابِر مَامِلَّا ظَاهِر القُدْس الشَّريف، وزُرْتُ قَبْره بمَقْبَرَةٍ دُفِنَ فيها الشَّيْخُ رَبِيع بن مَحْمُود المَارِدِيْنِيّ وغيره من الصَّالِحين حين تَوَجَّهْتُ إلى الدِّيَار المِصْرِيَّة رَسُولًا في سَنَة سَبْعٍ وثَلاثين وستمائة.
الحَسَنُ بنُ أحْمَد بن أبي الحُسَين، أبو عليّ الكَاتِب الدِّيْبَاجِيّ المِصْرِيّ
(1)
أصْلُهُ من طَرابُلُس، ووُلِدَ بالدِّيَار المصْرِيَّة ونَشَأ بها، واشْتَغَل بالأدَب والعَرَبيِّة والكتابةِ ونَظْم الشِّعْر، وكان يَكْتُبُ كتابةً حَسَنة؛ خَطًّا ولَفْظًا، وكَتَبَ الإنْشَاءَ للمَلِك الكَامِل أبي المَعَالِي مُحَمَّد بن أبي بَكْر بن أيُّوب، وحَظي عنده، وعَلَت مَنْزِلتُه، واعْتَمد عليه في أمْر دَوْلَته، وكان سَدِيْدًا عَاقِلًا، ذا رَأي وسَدَادٍ ونَبَاهَةٍ ورئاسَةٍ، وَرَدَ حَلَب رَسُولًا إلى المَلِك الظَّاهِر غَازِي بن يُوسُف بن أَيُّوب، رَوَى عنهُ ولدُهُ أبو عَبْد اللّه مُحَمَّدُ بن الحَسَن الدِّيْبَاجِيّ شَيئًا من شِعْره.
أنْشَدَنا أبو السَّعَادَات المُبارَك بن حَمْدَان المَعْرُوفُ بابنِ المُرَحّل، قال: أنْشَدَني أبو عَبْد الله مُحَمَّدُ بن الحَسَنِ الدِّيْبَاجِيّ، قال: سَمِعْتُ وَالدِي يُنْشد لنَفْسِه، وكان جالِسًا بين يَدَي الأَسْعَد بن مَمَّاتِيّ يَلْتَمِسُ منه تَوْقِيعًا برَاتبٍ له، فقال يُخَاطبُهُ:[من الكامل]
أَثِّلْ وأَثِّرْ في الأنامِ مآثرًا
…
تَبْقى على الأيَّام مُوْثَرُ شَرْحِها
وافْتَحْ دَواتكَ لي ووَقِّع إنَّنِي
…
أَتَوقَّعُ النَّصْرَ القَرِيْب بفَتْحِها
(1)
توفي سنة 617 هـ، وترجمته في: التكملة للمنذري 3: 18 - 19، تاريخ الإسلام 13: 494، الوافي بالوفيات 11: 398، المقريزي: المقفى الكبير 3: 365 وأرخ وفاته سنة 619 هـ، حسن المحاضرة 2:216.
قال: ومن شِعْره أيضًا يَمْدَح شَرَف الدِّين بن الأشْرَف بن الجَبَّان من قَصِيدَة أوَّلُها: [من مجزوء الرجز]
أَمَا وسحْرِ المُقَلِ
…
وحُسْنِ ذاكَ الكَحَلِ
ووَرْدِ خَدَّيهِ الّذي
…
صَاغَتْهُ أيْدِي الخَجَلِ
وما حَوَى ثَغْرُكَ مِن
…
ذاكَ الرَّحِيْقِ السَّلْسَلِ
لأخْدَعنَّ في هَوَا
…
كَ رقيةً للعُذَّلِ
أنْبَأنَا الحافِظُ أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْم بن عَبْد القَوِيّ بن عَبْدِ الله المُنْذِريّ
(1)
، قال في ذِكْر مَنْ ماتَ سَنَة سَبْع عَشرة وستِّمائة في كتاب التَّكْمِلَة لوَفَيَاتِ النَّقَلَة: وفي لَيْلَةِ الثَّامن والعشرين من رَجَب تُوفِّي القَاضِي الأجَلُّ أبو عليّ الحَسَن بن أبي المَكَارِم أحْمَد بن أبي الحُسَين، المَنْعُوت بالمُوَفَّق ابن الدِّيْبَاجِيّ الكَاتِبُ، بدِمَشْق، وكان فَاضِلًا مُتأدِّبًا، وكَتَبَ الخَطّ الحَسَن، وكَتَبَ في دِيْوَانِ الإنْشَاءِ الكَامِليّ مُدَّةً، وتَوَجَّه رَسُولًا إلى الشَّرْق وعَادَ، فأدْرَكَهُ أجَلُهُ بدِمَشْق، وله شِعْرٌ، ورَأيْتُهُ ولم يَتَّفق لي السَّمَاعُ منه، وكَتَبْتُ شَيئًا من شِعْره عمَّن سَمِعَهُ منهُ.
كان قد بَلَغَني أنَّ الحَسَن بن أحْمَد الدِّيْبَاجِيّ الكَاتِب تُوفِّي بدِمَشْق في شْهر رَجَب سَنَة سَبْع عَشرة وستِّمائة، أخْبَرَني بذلك أبو السَّعَادَاتِ بن المُرَحّل، عن وَلده أبي عَبْد الله مُحَمَّد، قال: وكان المَلِك الكَامِلُ يَعْتَمد عليه في مُهمَّات الأُمُور، فحسَدَهُ على مكانَتهِ الوَزِير يَوْمئذٍ، وهو الصَّفِيّ أبو مُحَمَّد عَبْدُ الله بن عليّ بن شُكْر الدَّمِيْرِيّ، ودَسَّ إليه مَنْ سَقَاهُ سُمًّا فقَتَلَهُ في التَّاريخ.
(1)
التكملة لوفيات النقلة 3: 18.
الحَسَنُ بن أحْمَد البَالِسِيُّ
حَدَّثَ عن أبي أُمَيَّة مُحَمَّد بن إبْراهيم الطَّرَسُوسِيّ، وعُبَيْد بن أسْبَاط، وفَرَج بن جُبَيْر.
ورَوَى عنهُ أبو بَكْر الحَسَن بن الحُسَين بن بُنْدَار، فإنْ لم يَكُن أبا طَاهِر بن فِيْل فهو غَيْرُهُ.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن أبي عَبْد الله بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل مُحَمَّد بن نَاصِر، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل جَعْفَر بن يَحْيَى الحَكَّاكُ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر عُبَيْد الله بن سَعيد بن حَاتِم الوَائِلِيّ، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن بَقَاء بن مُحَمَّد الهَمْدانِيّ، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن الحُسَين بن بُنْدَار أبو بَكْرٍ، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن أحْمَد البَالِسِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إبْراهيم، وهو أبو أُمَيَّة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَابِق، قال: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عن أبي قَيْس عبد الرَّحْمن بن مَرْوَان، عن عَمْرو بن مَيْمُون، عن أبي مَسْعُود الأنْصَاريّ، عن رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بنَحْوه، يعني: حَدِيثًا ذَكَره؛ وهو قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
: أيَعْجِزُ أحَدُكُم أنْ يَقْرأ ثُلُثَ القُرْآن في ليلةٍ، فكَبُر ذلك في أنفُسهم، فقال:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ}
(2)
ثُلُثُ القُرْآن.
الحَسَنُ بن أحْمَد، أبو أحْمَد الإمَام
سَمِعَ بحَلَب أبا مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عُبَيْدِ الله ابن أخي الإمَام الحَلَبِيّ، وأبا الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد بن هَارُون الرَّشِيْدِيّ.
(1)
أخرجه النسائي: عمل اليوم والليلة 211 (رقم 698)، والطبراني: المعجم الكبير 17: 254 - 255 (رقم 706 - 709)، والأصفهاني: حلية الأولياء 7: 168، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 15: 290 (وانظر بهامشه التعليقات الضافية عليه لمحقق الكتاب الدكتور بشار عواد)، الهيثمي: مجمع الزوائد 7: 148، وانظر: المسند الجامع 13: 114 (رقم 9954).
(2)
سورة الإخلاص، الآيتان 1، 2.
رَوَى عنهُ أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبي شُرَيْح.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو شُجاع عُمَرُ بن أبي مُحَمَّد البِسْطَامِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو الفَتْح عَبْدُ السَّلام بن أحْمَد بن إسْمَاعِيْل يُعْرَفُ ببَكْبَرَة (a)، ح.
وأخْبَرَنا أبو سَعْد ثَابِتُ بن مُشَرَّف بن أبي سَعْد البَنَّاء بحَلَبَ، وأبو عَبْد الله الحَسَنُ بن المُبارَك الزَّبِيْدِي بمَكَّة، قالا: أخْبَرَنا أبو الوَقْت عَبْد الأوَّل بن عِيسَى بن شُعَيْب السِّجْزِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو عَاصِم الفَضْلُ بن يَحْيَى بن الفَضْل الفُضَيْلِيّ، قال: أخْبَرَنا (b) أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن أبي شُرَيْح، قال: حَدَّثَنَا أبو أحْمَد الإمَامُ - يعني الحَسَن بن أحْمَد - قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمن بن عُبَيْدِ الله ابن أخي الإمَام، بحَلَب، قال: حَدَّثَنَا سُلَيمان بنُ سَيْف، قال: حَدَّثَنَا سَعيدُ بن سَلَّامٍ، قال: حَدَّثَنَا عُمَر بن مُحَمَّد، عن صَفْوَان بن سُلَيم، عن أبي سَلَمَة بن عبدِ الرَّحْمن، عن أبي هُرَيْرَة
(1)
، قال: قال رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: لقِّنُوا مَوْتَاكم لا إلَه إلَّا اللهُ، وقُولُوا: الثَّبَاتَ، الثَّبَاتَ، ولا قُوَّة إلَّا باللهِ.
الحَسَنُ بن أحْمَد التَّنُوخِيُّ
أنْشَدَ عن وَهْب بن نَاجِيَة المُرِّيّ إنْشَادًا بحَلَب، رَوَاهُ عنه أبو القَاسِم عليّ بن مُحَمَّد بن عُبْدُوْسٍ الكُوْفيّ.
(a) ضبطه في الأصل بضم الموحدة الأولى، والمثبت - بموحدتين مفتوحتين - من توضيح المشتبه لابن ناصر الدين 1: 596، والزبيدي: تاج العروس، مادة: بكبر.
(b) قوله: "قال أخبرنا" مكررٌ في الأصل.
_________
(1)
صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 7: 271، ومجمع الزوائد للهيثمي 3: 323، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف 2: 446 (رقم 108) وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه 2: 631 (رقم 917) من طريق أبي حازم عن أبي هريرة.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عِيسَى بن عَبْد العَزِيْز بن عِيسَى اللَّخْمِيّ في كتابه، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أَبو مُحَمَّد جَعْفَر بن أحْمَد بن الحُسَين السَّرَّاجُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم المُحَسِّن بن حَمْزَة بن عَبْد اللَّه الوَرَّاق، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن جَعْفَر الدَّبِيْلِيّ، قال: أنْشَدَنا ابنُ عُبْدُوْس، قال: أنْشَدَني الحَسَنُ بن أحْمَد التَّنُوخِيّ بحَلَب، قال: أنْشَدَني وَهْبُ بن نَاجِيَة المُرِّيّ
(1)
: [من الخفيف]
كُنْ لِمَا لا تَرْجُو من الأمْرِ أرْجَى
…
منكَ يَوْمًا لِمَا لَهُ أنْتَ رَاجِ
إنَّ مُوسَى مَضَى ليَقْبِسَ نارًا
…
من ضِيَاءٍ رَآهُ واللَّيْلُ دَاجِ
فأتَى أهْلَهُ وقد كلَّمَ اللَّـ
…
ـهَ وناجَاهُ وهْوَ خَيْرُ مُنَاجِ
وكَذَا الأمْرُ رُبَّما ضَاقَ بالمَرْ
…
ءِ فتَتْلُوهُ سرْعةُ الإِنْفِرَاجِ
الحَسَنُ بن أحْمَد المَعَرِّيُّ، الشَّاعِرُ المَعْرُوف بالوَامِق
(2)
وقَرأتُ بخَطِّه على ظَهْر قَصِيدَة من شِعْره: الوَامِقيّ.
هو شَاعِرٌ من أهْلِ مَعَرَّة النُّعْمَان حَسَن الشِّعْر.
رأيتُ بخَطِّ أبي العَلَاء المُحَسِّن بن أبي النَّدَى المَعَرِّيّ في جُزءٍ ذَكَر فيه جَمَاعَةً [من](a) شُعَرَاء المَعَرَّة فقال في ذِكْره: الوَامِقُ شَاعِرٌ خَلِيْعٌ مُتَهَتِّكٌ، سَهْلُ الألْفَاظ بالمَرَّة.
(a) إضافة ليستقيم الكلام.
_________
(1)
الأبيات الأربعة في بهجة المجالس للقرطبي 1: 178 بلا عزو.
(2)
ترجمته في: سر الفصاحة لابن سنان الخفاجي 169، ابن فضل اللَّه العمري: مسالك الأبصار 15: 475 - 476، ذكره بلقبه ولم يسمه، وترجم ابن العديم في الجزء العاشر في الكنى لشاعر كناه بأبي الحسين الوامق، وذكر في ترجمته بعض الذي أثبته هنا، غير أنه أورد أشعارًا ومقاطيع أخرى غير التي أوردها هنا. وترجم في الألقاب من الجزء نفسه لشاعر لقبه الوامق المعري.
أخْبَرَني شِهَاب الدِّين أحْمَد بن مُدْرِك بن سَعيد بن مُدْرِك بن عليّ بن سُلَيمان، أبو المَعَالِي قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان يَأْثِرهُ عن المَعَرِّيِّيْن، قالوا: كان النَّاظِرُ والوَامِقُ وابن الدُّوَيْدَة أضَافُوا قاضي حِمْص، فأنْزَلَهم بحِمْص بمكانٍ يَخْتصُّ به، وأمَرَ مَنْ يأتيهم بما يَسْتَدْعُونه من الضِّيَافَة، فأحْضَر لهم ما طَلبُوه حتَّى الشَّرَاب، وأحْضَر لهم فُرشًا نامُوا فيها، فبَالُوا في الفُرش، وأصْبَحُوا خَجِليْن من القَاضِي أنْ يبلُغَه ذلك، فأنْشَأ النَّاظِرُ فقال:[من الخفيف]
لا تَلُمْنَا ولُمْ شَرَابكَ واصْفَحْ
…
يا مُعَرًّى من كُلِّ عَيْبٍ ونَقْصِ
فقال الوَامِق:
أنْتَ أصْلُ الفَسَادِ والذَّنْبُ للخَيَّـ
…
ـاطِ عندَ التَّفْصِيْل لا للمِقَصِّ
فقال ابنُ الدُّوَيْدَة:
وإذا نحنُ في الحَقَائق عُدْنا
…
فَهْيَ خَمْرٌ ونحنُ في أرْض حِمْصِ
وأخْبَرَني غيرُ قاضي المَعَرَّة من المَعَرِّيِّيْن أنَّ قاضي حِمْصَ حَضَر عندَهُم، وهُمْ على تلك الحالِ ليُشَاهِدَ أَدَبَهم، فحملهُم السُّكْر على أنْ كَلَّمُوه بكَلامٍ قَبِيْح، فعَملُوا هذه الأبْيَات اعْتِذَارًا إليهِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
وقيل إنَّ قاضي حِمْص المُشَار إليه هو ابنُ مَهْدِي، وقد ذَكَرْنا ذلك بإسْنَادٍ آخر في تَرْجَمَةِ أبي الحُسَين أحْمَد بن مُحَمَّد بن الدُّوَيْدَة
(1)
.
وَقَعَتْ إليَّ أبياتٌ بخَطِّ الوَامِق من شِعْره، كَتَبَ بها إلى أبي مُحَمَّد عَبْدِ اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّه المَعَرِّيّ، قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان، يَسْتَشْفِعُ به إلى عَبْدِ
(1)
في الأجزاء الضائعة من الكتاب.
العَزِيْز بن عليّ كاتب الأَمِير ابن جَبْهَان (a)، وقد أطْلَقَ لهُ ابنُ جَبْهَان غَلَّةً (b)، فمطلَهُ عَبْد العَزِيْز الكَاتِب:[من مجزوء الرجز]
يا حَاكِمًا أيَّامُنَا
…
مُشْرِقَةٌ مُنْذُ وَلِي
يا قَاضِيًا ألْفَاظُهُ
…
تَفْعَلُ فعْلَ الأَسَلِ
لي صِلَةُ ما وَصَلَت
…
قَدْ ضَاقَ فيها حِيَلِي
جَادَ ابنُ جَبْهَانَ بها
…
أَكْرَمُ أَهْلِ الدّوَلِ
فانْظُرْ إليَّ نَظْرةً
…
تكشِفُ عنِّي غلَلِي
صَدِّقْ ظُنُوني كُلَّها
…
فيْكَ وحَقِّقْ أَمَلِي
إليْكَ أشْكُو المطْلَ من
…
عَبْدِ العَزِيْز بنِ علي
أُرِيْدُ ما صَاحِبُهُ
…
بخَطِّه وَقَّعَ لي
إذا اغْتَدَى مُمْتَثلًا
…
لأَمْرِكَ المُمْتَثَلِ
فَوَصِّ للكَيَّال بي
…
وَصَاةَ شَهْمٍ بَطَلِ
كذا بخَطِّه ويَنْبَغي أنْ يكُون: فَوَصِّ لي الكَيَّالَ بي.
في هَزِّهِ قِرْطَالَه
…
والرَّدّ حتَّى يَمْتَلِي
القِرْطَالُ: الكَيْل.
وقُلْ له: إنَّ الوَفَا
…
في الكَيْلِ خَيْرُ العَمَلِ
وسَلْ جُريًّا بَعْدَهُ
…
يَسْمَحُ لي بالجَمَلِ
(a) قيَّده في هذا الموضع بالباء الموحدة، وأهمل نقطه فيما يلي، وذكر ابن العديم في كتابه زبدة الحلب (1: 249) اسم الأمير شهم الدولة خليفة بن جبهان، وكان بمعرة النعمان.
(b) في الأصل: علة.
فلَم يَزَلْ بي مُحْسِنًا
…
وهَكَذَا لَمْ تَزَلِ
دُعَائي أنْ تَبْقَى
…
وأنْ تُمْنَحَ طُوْلَ الأجَلِ
الحَسَنُ بن أحْمَد، أبو عليّ السَّامِيّ
شَاعِرٌ أَظُنُّ أنَّه من أهْلِ حَلَبَ، أو من أهْلِ مَعَرَّة النُّعْمَان، سَمِعَ بحَلَب أبا الحُسَين أحْمَدَ بن عليّ بن أبي أُسامَة الحَلَبِيّ في سَنَة ستٍّ وأرْبَعِمائة، وأبا الحَسَن مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّه بن سَعْد النَّحْوِيّ الحَلَبِيّ بها أيضًا.
الحَسَنُ بن أحْمَد المُهَلَّبيُّ العَزِيْزِيُّ
(1)
رَجُلٌ فَاضِلٌ كان مُتَّصِلًا بالعَزِيز الفَاطِميّ، المُسْتَولِي على مِصْر، ووَضَعَ له كتابَ المَسَالكِ والمَمَالِك: العَزِيْزِيّ؛ وهو كِتَابٌ حَسَنٌ في فَنِّهِ، يُوجَدُ فيهِ ما لا يُوجَدُ في غيره من أخْبَار البِلادِ وفُتُوحها وخَوَاصِّها، ذَكَر في كتابهِ هذا أنَّهُ دَخَلَ حَلَبَ، ولَحِقَ بَقِيَّةً من وَلدِ صالح بن عليّ، يُقال لهم: بنُو القَلَنْدَر، وأنَّهُ شَاهَدَ لهم نِعَمًا ضَخْمَةً، ورَأى لهم مَنَازِلَ في نِهَايَة السَّرْوِ
(2)
.
قُلتُ: وهؤلاء بنو القَلَنْدَر كانت مَنَازِلهم بحَلَب بالقُرْبِ من باب قِنَّسْرِيْن والرَّحْبَةِ من مَدِينَة حَلَب حَرَسَها اللَّهُ تعالَى.
(1)
توفي سنة 352 هـ، وترجمته في: العبر في خبر مَن غبر 2: 90، كراتشكوفسكي: تاريخ الأدب الجغرافي 1: 230، 393، 420.
(2)
تقدم ذكر ذلك أثناء الكلام على حلب في الجزء الأول من الكتاب، ونقل فيه نصوصًا طويلة من كتاب المهلبي.
ذِكْرُ مَن اسْمُ أبْيهِ إسْحَاق ممَّن اسْمُه الحَسَن
الحَسَنُ بن إسْحَاق بن إبْراهيم بن زَيْد، أبو مُحَمَّد المُعَدَّل
(1)
دَخَلَ الشَّامَ، وسَمعَ بمَنْبجِ أحْمَدَ بن يُوسُفَ بن إسْحَاق المَنْبِجِيَّ، وببَيْتِ المقدِسِ الفَضْلَ بن مُهاجِر، وروى عن مُحَمَّد بن سَعيد البُرْجُمِيّ، وعُمَر بن سَهْل، رَوَى عنهُ أبو نُعَيْم أحْمَد بن عَبْد اللَّه الأصْبَهَانِيّ الحافِظُ.
أخْبَرَنا يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد اللَّهِ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا مَسْعُود بن الجَمَّال، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَدَّاد، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْمِ الحافِظُ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن إسْحَاق بن إبْراهيم بن زَيْد، قال: حَدَّثَنَا الفَضْلِ بن مُهاجِر، ببَيْت المقدِس، قال: حَدَّثَنَا مَسْعُودُ بن مُحَمَّد بن مَسْعُود، قال: حَدَّثَنَا يزِيد بن مَوْهَب، قال: حَدَّثَنَا أبو حَازِم الزَّاهِد، عن سُفْيان الثَّوْرِيّ، عن إبْراهيم الهَجَرِيّ، عن أبي الأحْوَص، عن عَبْد اللَّه
(3)
، قال: قال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: على كُلِّ مُسْلِم في كُلِّ يَوْم صَدَقَة، قُلْنا: ومَن يُطِيق ذلكَ يا رسُول اللَّه؟ قال: السَّلام على المُسلِم صَدَقَةٌ، وعِيَادتُكَ المَرِيْضَ صَدَقَةٌ، وصَلَاتُكَ على الجنَازَة صَدَقَةٌ، وإمَاطتُكَ الأذَى عن (a) الطَّريق صَدَقَةٌ، وعَوْنُكَ الضَّعِيْفَ صَدَقَةٌ.
وقال أبو نُعَيْم
(4)
: الحَسَن بن إبْراهيم بن زَيْد أبو مُحَمَّد المُعَدَّل، تُوفِّي غُرَّة ذِي
(a) في الأصل: على، والمثبت من تاريخ أصبهان (مصدر النقل) ومن مصادر تخريجه المتقدمة.
_________
(1)
توفي سنة 370 هـ، وترجمته في: ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم الأصفهاني 1: 324 - 325، تاريخ ابن عساكر 13: 28 - 29، تاريخ الإسلام 8: 319 - 320، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 156.
(2)
تاريخ أصبهان 1: 324.
(3)
أخرجه أبو نعيم الأصبهاني أيضًا في حلية الأولياء 7: 108 - 109، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10: 151 (وبهامشه كلام مفيد في بيان وجه تضعيفه لمحقق الكتاب)، وينظر: المتقي الهندي: كنز العمال 6: 595 (رقم 17042).
(4)
تاريخ أصبهان 1: 324.
الحِجِّة من سَنة سَبْعِين وثَلاثِمائة، حَدَّثَ عن الشَّامِيِّين والعِرَاقِيِّين، كَثِيْر الحَدِيْث، صاحب أُصُول وإتْقَان (a).
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسمِ الدِّمَشقِيّ
(1)
، قال: الحَسَن بن إسْحَاق بن إبْراهيم بن زَيْد، أبو محمد الأصْبَهَانيّ المُعَدَّل، رحَّالٌ، سمع الفضل بن المُهاجِر ببَيْت المَقْدِسِ، ومُحَمَّد بن سعيد البُرْجُمِيّ بحْمِص، وعُمَر بن سهل، واجْتازَ بدِمَشْق أو بسَاحِلها، روَى عنهُ أبو نُعَيْم الأصْبَهَانِيّ (b).
(a) تاريخ أصبهان: صاحب أصول ومعرفة وإتقان.
(b) بقية الصفحة -وهو تقدير ثلثيها- وكامل التي تليها بياض في الأصل.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 38.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحَسَنُ بن إسْحَاق بن بُلْبُل، أبو سَعيد النَّيْسَابُوريّ، ثمّ المَعَرِّيّ
(1)
قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان، أصْلُهُ من نَيْسَابُور، وقَدِمَ مَعَرَّة النُّعْمَان وتولَّى بها القَضَاء، وحَدَّثَ بها.
سَمعَ بحَلَب عبد الرَّحْمن بن عُبَيْد اللَّه الأسَدِيّ، وبحَمَاة أبا المُغِيْث مُحَمَّد بِن عَبْد اللَّه بن العبَّاس البَهْرَانِيّ، وبمصْر أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُوسى السَّوَانيطِيّ، وأبا عبد الرَّحْمن النَّسَائِيَّ، وأبا جَعْفَر الطَّحَاوِيِّ، وأبا الحَسَن بَسَّامِ بن أحْمَد المَعَافِرِيّ، وببَيْت المَقْدِس أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أيُّوب بن مُشْكان، وبدِمشْق أبا مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن إسْحَاق بن إبْراهيم بن إسْمَاعِيْل الضَّامِدِيّ، وأبا بكر مُحَمَّد بن خُرَيْم، وأبا الحَسَن مُحَمَّد بن عَوْن بن الحَسَن بن عَوْن الوَحِيْدِيّ، وأبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن شَيْبَة بن الوَلِيد، وبالكُوفَة أحْمَد بن عليّ الخَلَّال، وبالرَّيِّ أبا جَعْفَر أحْمَد بن مُحَمَّد بن سُلَيمان القَطَّان.
وحَدَّثَ عنهُم وعن أبي سُليْمان مُحَمَّد بن يَحْيَى بن المُنْذر، ويُوسُف بن يَعْقُوبَ القَاضِي، وأبي الخير وَقَار بن الحُسَين بن عُقْبَة الكِلابِيّ الرَّقِّيّ، وأبي الحسُين مُسَبِحّ بن حَاتِم، وأبي مَيْسَرة أحْمَد بن عَبْد اللَّه بن مَيْسَرهَ الحَرَّانيّ، وأبي مُحَمَّد القَاسِم بن عَبَّاد، وأبي بَكْر مُوسَى بن إسْحَاق بن مُوسَى الأنْصَاريّ القَاضِي، وأبي
(1)
توفي سنة 351 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 30 - 33، تاريخ الإِسلام 8: 29، القرشي: الجواهر المضية 3:47، (وفيه: الحسن بن إسحاق بن نبيل)، ابن قطلوبغا: تاج التراجم 84 (ترجمة مقتضبة، اقتبسها عن ابن العديم مصرحًا به)، الغزي: الطبقات السنية 3: 47 (وفيه: ابن نبيل)، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 157.
عبد اللَّه مُحَمَّد بن أَيُّوب بن الضُّرَيْس الرَّازِيّ، وأبي عبد اللَّه مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء الغَلَابِيّ، والسَّرِيّ بن سَهْل، ومُطَيَّن.
رَوَت عنهُ ابنتُهُ أُمّ سَلَمَة آمنَةُ بنت الحَسَن، وأبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن الطُّيُورِيّ الحَلَبِيّ، والقّاضِي أبو مُحَمَّد عبد اللَّه بن سُلَيمان بن مُحَمَّد المَعَرِّيّ، والدُ أبي العَلَاء، وأبو الحُسَين عليّ بن المُهَذَّب بن مُحَمَّد بن هَمَّام بن عَامِر التَّنُوخِيّ، وأبو الفَتْح مُحَمَّد بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن رَوْح، ومُحَمَّد بن عُمَر بن سِمَاك بن حُبَيْش، ومُحَمَّد بن مِسْعَر بن مُحَمَّد المَعَرِّيُّونَ، وأبو مُحَمَّد عبد اللَّه بن مُحَمَّد بن حَيَّان (a) القَطَّان الحافظ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن جَعْفَر الخَرَائِطِيّ، وأبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن ذَكْوَان البَعْلَبَكّيّ.
ولهُ كتابٌ مُصَنَّفٌ في الرَّدّ على الإمَامِ الشَّافِعيّ، وبيان ما خَالَف فيه القُرْآن، وكان يَذْهَبُ إلى رأي الإمَام أَبي حَنِيْفَة رضي الله عنه.
أخْبَرَنا المُؤيَّدُ بن مُحَمَّد بن عليّ النَّيْسَابُوريّ في كتّابِه إليَّ منها، قال: أنْبَأنَا أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد اللَّهِ بن مُحَمَّد بن أبي جَرَادَة، قال: حَدَّثَني أبو الفَضْل أحْمَدُ بنُ عليّ بن عَبْد اللَّطِيْف المَعَرِّيّ إمْلاءً بحَلَب، قال: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أبو العَلَاء أحْمَدُ بن عبدِ اللَّه بن سُلَيمان التَّنُوخيّ، قال: حدَّثتْنا جدَّتي أُمُّ سَلَمَة ابْنَة الحَسَن بن إسْحَاق بن بُلْبُل القَاضِى، قالت: حَدَّثَني أبي أبو سَعيد الحَسَنُ بن إسْحَاق بقرَاءته عليَّ من لَفْظه، قال: حَدَّثَنَا أبو عبد اللَّه السَّوانِيْطِي مُحَمَّد بنِ أحمد بن مُوسَى بمِصْر، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُعاوِيَة القُرَشيِّ، قال: حَدَّثَنَا روْحُ بن صَلَاح، عن سُفْيان الثَّوْرِيّ، عن مَنْصُور بن المُعْتَمِر، عن رِبْعيِّ بن حِرَاش، عن حُذَيْفة
(1)
، قال: قال
(a) قيَّده في الأصل بضم الحاء وإهمال المثناة التحتية، ويأتي قريبًا على هذا الوجه.
_________
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 1: 96 (رقم 88)، وأبو نعيم في حلية الأولياء 4: 370، 7: 127، وينظر الفردوس لابن شيرويه 2: 320 (رقم 3449)، مجمع الزوائد 1: 172، كنز العمال 11: 126 (رقم 30886).
رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: سَيْأتي عليكُم زَمَانٌ لا يكُون فيه أعَزّ من ثَلاثةٍ: أخ يُسْتَأْنَسُ بهِ، أو سُنَّة يُعْمَل بها، أو دِرْهَم حَلَال.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكنْدِيّ، عن أبي البَيَان مُحَمَّد بن عَبد الرَّزَّاق بن أبي حَصِيْن التَّنُوخِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبي أبو غَانِم عَبدُ الرَّزَّاق بن عَبْد اللَّهِ، قال: حَدَّثَنِي أبي أبو حَصِيْن عَبْدُ اللَّه بن المُحَسِّن بن عَمْرو التَّنُوخِيّ، قال: حَدَّثَتني جَدَّتي أُمُّ سَلَمَة ابْنَة القَاضِي الحَسَن بن إسْحَاق بن بُلْبُل، قالت: حَدَّثَني أبي الحَسَنُ، فذَكَرَ الحَدِيْثَ بإسْنَادِهِ مثْلَه.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِمِ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عبدُ الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه، قال: أخْبَرَنا جدِّي الحَسَن بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر الحُسَينُ بن مُحَمَّد بن الحُسَين الأيْلِيّ، إمَام جَامع دِمَشْق، قال: حَدَّثَنَا القَاضِي أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن ذَكْوَان البَعْلَبَكِّيّ، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن إسْحَاق بن بُلْبُلِ، قال: حَدَّثَنَا السَّرِيّ بن سَهْل، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بن رُشَيْد، قال: حَدَّثَنَا مُجَّاعَة بن الزُّبَيْر، عن قَتَادَةَ، عن أبي إسْحَاق، عن الحَارِث، عن عليِّ
(2)
، قال: قال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: مَنْ اشْتَاق إلى الجَنَّة سَارَع إلى الخَيْراتِ، ومِنْ أشْفَق من النَّار لَهَى عن الشَّهَواتِ، ومَنْ تَرَقَّب المَوْت هَانَتْ عليه اللَّذَّاتُ، ومن زَهِدَ في الدُّنْيا هانَتْ عليه المُصِيْبَاتُ.
أخْبَرَنا أبو نَصْر بن الشِّيْرَازيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا الحافظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَةِ اللَّهِ الحافِظُ
(3)
، قال: الحَسَن بن إسْحَاق بن بُلْبُل أبو سَعيد المَعَرِّيّ
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 31.
(2)
القضاعي: مسند الشهاب 1: 336 (رقم 348)، الأصبهاني: حلية الأولياء 5: 10، ابن شيرويه الديلمي: الفردوس 3: 603 (رقم 5886)، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 7: 298 - 299، المناوي: فيض القدير 6: 63 (رقم 8442)، كنز العمال 15: 864 (رقم 43440).
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 30.
القاضي، سَمعَ بدِمَشْق أبا بَكْر مُحَمَّد بن خُرَيْم، وأبا مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن إسْحَاق بن إبْراهيم بن إسْمَاعِيْل الضَّامِدِيّ (a)، وأبا الحَسَن مُحَمَّد بن عَوْن بن الحَسَن الوَحِيْدِيّ، وأبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن شَيْبَة بن الوَلِيدِ، وبغيرها أبا سُليْمان مُحَمَّد بن يَحْيَى بن المُنْذِر، ويُوسُف بن يَعْقُوب القَاضِي، وابا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أَيُّوب بن مُشْكَان ببَيْت المَقْدس، وأحمد بن عليّ الخَلَّال بالكُوفَة، وأبا الخَيْر وَقَار (b) بن الحُسَين بن عُقْبَة الكِلابِيّ الرَّقِّيّ، وأبا بَكْر مُوسَى بن إسْحَاق بن مُوسَى الأنْصَاريّ القَاضِي، ومُطَيَّنًا، وأبا مَيْسَرة أحْمَدَ بن عَبْدِ اللَّه بن مَيْسَرة الحَرَّانيّ، وأبا الحُسَين مُسَبّحَ بن حَاتِم العُكْليِّ، وأبا عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ، وأبا مُحَمَّد القَاسِم بن عَبَّاد، وأبا جَعْفَر أحْمَدَ بن مُحَمَّد بن سُلَيمان القَطَّان بالرَّيّ، وأبا المُغِيْث مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ بن العبَّاس البَهْرَانِيّ بحَمَاة، وأبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُوسَى بمِصْر.
رَوَتْ عنهُ ابنَتُهُ آمنَةُ، ورَوَى عنهُ أبو الفَتْحِ مُحَمَّد بن الحَسَن بن مُحَمَّد بن رَوْح المَعَرِّيّ، وأبو الحُسَين عليّ بن المُهَذَّب بن مُحَمَّد بن همَام بن عَامِر التَّنُوخِيّ، وأبو مُحَمَّد عبد اللَّهِ بن مُحَمَّد بن حَيَّان القَطَّان الحافِظ، ومُحَمَّد بن عُمَر بن سِمَاك بن حُبيش المَعَرِّيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن جَعْفَر الخَرَائِطِيّ، وهو أكْبَر منهُ، وأبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن سُلَيمانَ بن مُحَمَّد المَعَرِّيّ.
وقال الحافِظُ
(1)
: كان ابن بُلْبُل حيًّا سَنَة إحْدَى وخَمْسِين وثَلاثِمائة.
سَيَّرَ إليَّ بعضُ الشّرَاف الهاشِميِّيْنَ بحَلَب تاريخًا جَمَعَهُ أبو غَالِب هَمَّام بن الفَضْلْ بن المُهَذَّب المَعَرِّيَّ
(2)
، ممّا وَجَدَهُ بخَطِّ جَدّ أبيهِ أبي الحُسَين عليّ بن المُهَذَّب، وأخَذه عن أبي العَلَاء بن سُليْمان وغيره من أهْل بلدهِ، قال: وفيها -يعني سَنَة ثَمانٍ
(a) ابن عساكر: الغامدي، تصحيف، وانظر تهذيب الكمال 1:372.
(b) ابن عساكر: داود.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 31.
(2)
تقدم التعريف بالكتاب في الجزء الأول.
وأرْبَعين وثَلاثِمائة- تُوفِّي القَاضِي أبو سَعيد الحَسَنِ بن إسْحَاق بن بُلْبُل النَّيْسَابُوريّ، بمَعَرَّة النُّعْمان، وبَقيَ قَاضِيَها أرْبعين سَنةً، يُعْزَل ويعُودُ، وبها دُفِنَ.
الحَسَنُ بن إسْحَاق الأنْطَاكِيّ
وقيل فيه: الحُسَين بن إسْحَاق.
حَدَّثَ عن الوَلِيد بن مُسْلِم، رَوَى عنهُ الفَضْل بن مُحَمَّد الأنْطَاكيّ الأَحْدَبُ.
الحَسَنُ بن أسَد، أبو نَصْر الفَارِقِيّ، الأَمِيرُ
(1)
شَاعِرٌ مجُيْدٌ بَليْغٌ، من أهْل مَيَّافَارِقِين، وكان قد رَأسَ بها وتأمَّرَ على جَمَاعَة من سُوْقَتها، فرَاسَلَهُ نَاصر الدَّوْلَة ابن مَرْوَان فملَّكه إيَّاها فاسْتَوْزَرَهُ، فلمَّا قَدِمَ (a) السُّلْطان تُتُش إليها، سَلَّمها أهلُها إليه، فهَرَبَ من مَيَّافَارقِين ووَصَل إلى حَلَب، ثمّ عاد منها إلى حَرَّان فقُتِلَ لِمَا وقَعَ منه.
وهو شَاعِرٌ مُجِيْدٌ فَصِيحٌ، حَسَنُ الشِّعْر، فَاضِلُ، أدِيبٌ، عَارِفٌ بالعَرَبِيَّةِ، حَكَى عن الوَزِير أبي القَاسِم بن المَغْربيّ. رَوَى عنهُ أبو المَعَالِي الفَضْل بن سَهْل الإسْفَرَاينِيّ الحَلَبِيّ المَعْرُوف بالأَثِيْر، وأبو مَنْصُور أحْمَد بن مُحَمَّد بن طَاهِر بن نُبَاتَة،
(a) في الأصل: قدمها، ويأتي بعده: إليها.
_________
(1)
توفي سنة 487 هـ، وترجمته في: خريدة القصر (قسم الشام) 12: 416 - 430، وأورد له مقاطيع كثيرة من شعره، ياقوت: معجم الأدباء 3: 841 - 847، القفطي: إنباه الرواة 1: 339 - 333، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 19: 459 - 463، ابن شداد: الأعلاق الخطيرة 3/ 1: 398 - 339، ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات 1: 331 - 324، تاريخ الإِسلام 10: 575 - 576، العبر في خبر مَن غبر 3: 354، الوافي بالوفيات 11: 401 - 404، الفيروزابادي: البلغة 81 - 83، الزركشي: عقود الجمان ورقة 90 أ - 91 أ، النجوم الزاهرة 5: 140 - 141، بغية الرعاة 1: 500، شذرات الذهب 5: 373، معجم المؤلفين 3:206.
وأبو الحَسَن عليّ بن السَّنَد الشُّرُوطِيّ الفَارِقِيَّان، وعُثْمان بن عِيسَى البَلَطِيّ النَّحْوِيّ.
قَرأتُ بخَطِّ الحَسَن بن جَعْفَر ابن المتُوَكِّل على اللَّه، وأخْبَرَنَا أبو الحَسَن بن أبي عَبْد اللَّه بن المُقَيِّر إجَازَةً عنه، قال: حَدَّثَني الفَضْلُ بن سَهْل الإسْفَرَاينِيّ الحَلَبِيِّ -يعني المَعْرُوف بالأَثِيْر- قال: اجْتَمَعْتُ بابن أسَد بحَلَب، فقال لي: مَرَّ بي الوَزير المَغْرِبيّ، فوقَفَ عليَّ، وقال: نحنُ بالأشْوَاق إلى لقائكَ لِمَا يَنْتَهي إلينا من تلقائكَ، فلو زُرْتَنا لأَنْسِنا بكَ، فقُلتُ لَهُ: قد كَفَفْتُ ذَيْل مَطَامِعي ببيْتٍ قُلْتُه، فقال: وما هو؟ فأنْشَدتُهُ
(1)
: [من الطويل]
إذا شِئْتَ أنْ تَحْيَا عَزيزًا فلا تكُن
…
على حالةٍ إلَّا رضيْتَ بدُوْنها
قال: فصَفَّق المَغْرِبيُّ وقال: أيُّها الشَّيْخُ، هذا بَيْتُ تِبْرٍ لا بَيْتُ شِعْرٍ!
قُلتُ: ووَجَدْتُ هذا البيتَ في بَعْض الكُتُب مَنْسُوبًا إلى شَاعِرٍ قَدِيم.
أخْبَرَنا أبو يَعْقُوب يُوسُف بن مَحْمُود بن الحُسَين بالقَاهِرَة، عن الحافِظ أبي طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ، قال: أنْشَدَني أبو مَنْصُور أحْمَد بن مُحَمَّد بن طَاهِر بن نُبَاتَة، أحد الخُطَبَاء بمَيَّافَارقِين، قال: أنْشَدَنا أبو نَصر الحَسَنُ بن أسَد النَّحْوِيّ الفَارِقِيّ لنَفْسِه
(2)
: [من المتقارب]
أيا لَيْلَةً زارَ فيها الحَبِيْبُ
…
أعيدِي لنا منهُ (a) وَصْلًا وعُوْدي
فإنِّي شَهِدْتُكِ مُسْتَمتعًا بهِ
…
بين رَنَّةِ نايٍ وعُوْدِ
وطِيْب حَدِيثٍ كزَهْر الرِّيَاضِ
…
تَضَوَّعَ ما بين مسْكٍ وعُوْدِ
(a) العماد وياقوت: منك.
_________
(1)
البيت في وفيات الأعيان 3: 328، أنشده أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، ولعله من قيل غيره.
(2)
الأبيات -باستثناء الأخير منها- في خريدة القصر 12: 423، وفي معجم الأدباء 2: 845 وفيه زيادة بيت.
سَقَتْلكِ الرَّوَاعدُ من لَيْلَةٍ
…
بها اخْضَرَّ يَابِسُ عَيْشِي وعُوْدِي
فلمَّا تَقَضّيْتِ أمْرَضْتَني
…
فزُورِي مَرِيْضَكِ يَوْمًا وعُودِي
أخْبَرَنا يُوسُف بن أبي الثَّنَاءِ الصُّوْفيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن أبي أحْمَد الإمَام إذْنًا، قال: أنْشَدَني أبو الحَسَن عليّ بن السَّنَد الفَارِقِيّ الشُّرُوطِيّ بمَيَّافَارقِين، قال: أنْشَدَنا أبو نَصْر الحَسَنُ بن أسَد الفَارِقِيّ النَّحْوِيّ لنَفْسِه
(1)
: [من المجتث]
يا مَنْ هَوَاهُ بقَلْبي
…
مِقْدَارهُ ما يُحَدُّ
طَرْفي حَنَا ففُؤادِي
…
لأيِّ شيءٍ يُحَدُّ
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عُمَر بن شُحَانَة الحَرَّانيّ بها، قال: قَرأتُ بخَطِّ الشَّيْخ حَمَّاد الحَرَّانيّ، قال: أنْشَدَني الحافِظُ أبو الخَطَّاب عُمَر بن مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّه بن الحَسَن بن مَعْمَر العُلَيْمِيّ الدِّمَشقيّ، ح.
وأنْبَأنَا أبو المَعَالِي عبد الرَّحْمن بن عليّ بن عُثْمان المَخْزُوميّ، عن أبي الخَطَّاب العُلَيْمِيِّ، قال: أنشدَنا أبو العبَّاسِ أحْمَدُ بن عليّ بن أحْمَد الخُوارَزْمِيِّ بدِمَشْق للحَسَن بن أسَد الفَارِقِيّ
(2)
: [من البسيط]
لو أنَّ قَلْبكَ لمَّا قيْلَ قد بَانُوا
…
يَوْم النَّوَى صَخْرةً صَمَّاءُ صَوَّانُ
لعيْلَ صَبْرُكَ مَغْلُوبًا ونَمَّ بما
…
أُخفَيْته مَدْمعِ للسِّرِّ صَوَّانُ
زَجَرْتُ أشْيَاءَ فيِ أشْيَاء تُشْبُهها
…
إذ بينَهُنَّ رضَاعَاتٌ وألْبَانُ
فقال لي الطَّلْحُ يَوْمٌ طَاِلحٌ ونَوًى
…
وحقَّق البَيْنَ عندي ما وَأَى البَانُ
واسْتَحْلَبَتْ حَلبٌ جَفْنَيَّ فانحَلَبا
…
وبَشَّرتْنِي بحَرِّ القَتْل حَرَّانُ
فالجَفْنُ من حَلبٍ ما انْفَكَّ من حَلَبٍ
…
والقَلْب بعدَكَ من حَرَّانَ حَرَّانُ
(1)
البيت الأوّل في إنباه الرواة للقفطي 1: 330.
(2)
الأبيات في إنباه الرواة 1: 331 - 332.
قال: وذَكَرَ لي رحمه الله أنَّ ابنَ أسَد عَبَرِ من مَيَّافَارقِين طَالِبًا حَلَب، ثمّ عاد منها، فلمَّا وصَل إلى حَرَّان أخَذَهُ المُتَوَلِّي بها يوْمئذٍ بحَرَّان فصَلَبَهُ لِمَا بلَغَهُ عنه من أشْيَاءَ نَقِمَها عليه، وكان يَقُول: عَجِبْنا منه كيفَ جَرَى على لِسَانه في شِعْره مثْل ما جَرَى له.
أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن أبي الحَجَّاج المقدِسِيّ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا عِمَاد الدِّين أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الأصْبَهَانيّ في خَرِيْدَة القَصْر
(1)
، قال: الحَسَنُ بن أَسَد، حَسَنُ القَوْل أَسَدُّهُ، فَارِسُ النَّظْم أشَدُّه (a)، ذو اللَّفْظ البَليغْ، والمَعْنَى البَدِيْع، والخَاطِرِ السَّرِيْعِ، والكَلَام الصَّنِيعْ، فلَفْظُه [عَقْدُ](b) عِقْد، ومَعْناهُ ليسَ بمُعَقَّد، وجوْهَر صنْعَته في سلْك الفَضْل غيرُ مُبَدَّد، فللَّه دَرُّ ذا الصَّانعِ، ذي الدُّرِّ النَّاصعِ، الّذي تُنصعُ جُلُودُ الحُسَّاد منه في المَنَاصع، اليَوْمَ عَدُوُّ ابن أسَدٍ سَاءَ نَبَأ، ودَعمَ وَيْلًا (c)، وحَسُودُهُ جَرَّ من الخَجَل ذَيْلًا، وفَرَّ من الوَجَل ليْلًا، حيثُ أَحْيَيْتُ ذِكْرَهُ بإطْرائي إيَّاهُ، وكَدُر ماؤهُ (d) الصَّافِي في مَنْبع الفَضْلِ فأَجْرَيناهُ، وفي مَعِيْن عَيْن هذا الكتاب أَنبعْنَاهُ، وفي سُوْق الكَسَادِ ما بِعْناهُ.
أقْدَمُ أهْل العَصْر زَمَانًا، وأقْومُهُم بهذا الشِّعْر صَنْعَةً وبيانًا، كان في زَمان نِظَام المُلْك ومَلِكْشاه، وشَملَهُ منهما الجاه، بعد أَنْ قُبِضَ عليه وأُسِيءَ إليهِ، فإنَّهُ كان مُتَولِّيًا على آمِدَ وأعْمَالها، مُسْتَبدًّا باسْتِيْفاء أمْوَالها، فخلَّصَهُ الكَامِل الطَّبِيْب
(2)
، وقَضى أربَهُ ذلك الأريْب.
(a) الخريدة: أسَدُه.
(b) إضافة من الخريدة.
(c) كتب ابن العديم إزاءه: "يقرأ مقلوبًا". وهو يأتي صحيحًا سواء.
(d) مكررة في الأصل، وفي الخريدة: وكان ركد وكدر ماؤه.
_________
(1)
خريدة القصر 12: 416 - 418.
(2)
سماه العماد الأصفهاني في موضع آخر من الخريدة (10: 198): الكامل الطبيب اليزدي الأصفهاني.
فنَشْرعُ في الإشْعَار بأشْعَاره، ونَشْرَحُ فيها بعضَ شعَاره، ولا نَدَع هذا المُهِمَّ لا مُهْملًا ولا مُجْملًا، ونُمْلِي من فَوَائِده ما يَمْلأُ المَلأَ مُفَصَّلًا، أُوْدِعَ فَصَّ الفَصَاصَة خاتِمُ كَلِمِه، ونُشِرِ مَعَالِم عِلْمِه خَافِق عَلَمِه، وَشَتْ عِبَارَتُه بالطِّيْب وَشْيَ العَبِيْر، ووشَّتْ في الحُسْن وشْيَ التَّعْبير، ورَعَتْ كَلَاَمه الأفْهَام، وهامَتْ في اسْتِحْسَانه الأَوْهَام.
وكان يَنْظِمُ الشِّعْرَ طَبْعًا، ويتكلَّف الصَّنْعَةَ فيه، ويَلْتَرم ما لا يَلْزَمُ في رَوِيِّهِ وقَوَافيْهِ، وكانتَ له نَفْسٌ كُلُّ نفسٍ بَكْرمها مُعْتَدّ، ونَفَسٌ طَويْلٌ في النَّظْم مُمْتَدّ، سائرٌ شِعْرُه، شَائعٌ ذِكْرُه، يَقَعُ في مَنْظُومِهِ التَّجْنِيسُ الوَاقِع، الرَّائِقُ الرَّائع، وكان من فُحُول الشُّعَراءِ في زَمَانِه، ومن المُغَبِّرِين في وُجُوه أقْرَانه (a) .
قَرَأتُ في تاريخ مَيَّافَارِقينِ، تأليف أحْمَد بن يُوسُف بن عليّ ابن الأزْرَقَ
(1)
، قال: لمَّا ماتَ السُّلْطان مَلِكْشاه، ووَلى بَرْكْيَارُق السَّلْطَنَة بعدَ مَوْت أبيهِ، وَصَل مَوْتُ مَلِكْشاه إلى مَيَّافَارِقين (b)، فاخْتَبَطَ النَّاس واخْتلفُوا، ثمّ وقَع اتِّفَاقهُم أنْ نَفَّذُوا إلى السُّلْطان بَرْكْيَارُق يَسْتَدعُونه، وكَتَبُوا إليهِ يقُولونَ: إنَّ هذه بلاد أبيْكَ وما نُريد غيركم، فتَصِل لتأخُذَهَا، أو تُسَيِّر نائبًا عنْكَ، فطَالَ الأمرُ ووعَدَهُم بالحُضُور، واشْتَغَل بتلك البِلَادِ، وأجْمَع رأيُهُم على أنْ قدَّمُوا أبا سَالَم يَحْيَى بن الحَسَن بن المُحَوَّر على أنْ يَحْفَظ البَلَدَ للسُّلْطَانِ، وسَلَّمُوا إليهِ مَفَاتيح مَيَّافَارقين وأجْلَسُوه
(2)
.
فلمَّا تعَذَّر وُصُول السُّلْطان، اخْتَلَفَ النَّاسُ ومَاجُوا، فقال قَوْمٌ: نَسْتَدعي ناصِر الدَّوْلَة ابن مَرْوَان، وكان عند مَوْت السُّلْطان في أعْمَال بَغْدَاد (c)، فصَعدَ
(a) بقية الصفحة قدر ثلاثة أرباعهما بياض في الأصل.
(b) في الأصل: مفارقين.
(c) ابن الأزرق: في قرية حربى من العراق.
_________
(1)
التاريخ الفارقي 230 - 238، وفي نقل ابن العديم تصرّف وحوْصلة واختصار.
(2)
يذكر ابن الأزرق أنه أبى تسلمها فأجلسوه بغير اختياره ورضاه.
إِلى الجَزِيْرَة ومَلكها، فعَزَم بعضُ النَّاس على اسْتِدْعائهِ، وكَرِه بعضُهُم دَوْلَة بَنِي مَرْوَان لِمَا رَأوهُ من عَدْل السُّلْطان، وسَارَ بَعْضُهُم إلى السُّلْطان تاج الدَّوْلَة تُتُش إلى نَصِيبِيْن يَسْتَدعونَهُ، وقالوا: قد حَفِظْنا البَلَد لكمِ وأنْتَ أخُو السُّلْطان (a)، وكان ابن أسَد في المَدينَة رَأس الجُهَّالِ وِالسُّوقَة والرَّعَاع يدُور في المَدِينَة ويَحْفَظُ السُّور، فانْفَذ ناصِر الدَّولَة إلى ابن أسَد ووَعَدَهُ الجَيل، وطَيَّب قلبَهُ، فأجابَهُ إلى ما أرادَ، فاسْتَدْعاهُ، واتَّفَقت مَيَّافَارقين خَاليَة منِ الكبار وأهْل البَلَد والمُقَدّمِين لتَوَجُّههم إلى تُتُش، فوصلَها ابن مَرْوَان في أوّل سَنة ستٍّ وثمانين وأرْبَعِمائة، وسَلَّمها إليهِ ابن أسَد، ودَخَل ناصِرُ الدَّوْلَة، ومَلكها واسْتَوزَر ابنَ أسَد، ولُقِّبَ مُحيى الدّوْلَةِ، ثُمَّ سَارَ تُتُش إلى مَيّافَارقِين، فرَاسَلَهُم وخَوّفَهُم، لحينَ رآهُ النَّاس صَاحُوا بأسْرهم، وسُلّم (b) البلَد إليهِ، ودَخَلَهُ من يوْمهِ في شهر رَبِيع الأوَّل سَنَة ستٍّ وثمانين وأرْبَعمائة، واسْتَقَرّ السُّلْطان بمَيَّافَارقِين، وسَار عنها إلى حَرَّان يَجْمَعُ العَسَاكِر ليَمْضِي إلى بَرْكْيَارُق يُصَافّه (c)، وكان ابن أسَد لمَّا مَلَك السُّلْطان [مَيَّافارقِيْن](d)، انْهَزَم واخْتَفَى ببعض البِلاد، ثمّ قَصَد السُّلْطان وامْتَدَحَهُ بقَصِيدَةٍ يقُول فيها بَيْتًا عَجَيْبًا:[من البسيط]
واسْتَحْلَبت (e) حَلَبٌ جَفْنَيَّ فانْهَمَلَتْ
…
وبشَّرتني بحَرِّ الشَّوْق (f) حَرَّان
ويُقالُ: إنَّهُ قال: بحَرِّ القَتْل (g) حَرَّان، فكان فَأْلًا عليه.
فلمَّا لَقِي السُّلْطان وامْتَدَحه، وأُعْجب النّاسُ بشِعْره، قال بعضُ النَّاسِ: يا مَوْلَانا، تَعْرفُ هذا؟ فقال: مَنْ هو؟ قال: هو الّذي نفَّذ [و] أَحْضَر ابن مَرْوَان
(a) بقيته عند ابن الأزرق: "وأحق من غيركم وما نريد سواكم".
(b) ابن الأزرق: وسلَّموا.
(c) عند ابن الأزرق بفك الإدغام: يصاففه.
(d) إضافة من تاريخ ابن الأزرق، والأعلاق الخطيرة لابن شداد 3/ 1:398.
(e) في الأصل: واستحليت، وقد تقدم بالموحدة عوض المثناة.
(f) ابن الأزرق: بحر القتل.
(g) ابن الأزرق: بحر الشوق.
إلى مَيَّافَارقِين، وسَلَّمَها إليهِ قَبْلِ وُصُولك، وغَلَب على رَأي أهل مَيَّافَارقِين، فأمَرَ بضَرْب عُنُقه، فقُتِلَ بحَرَّان سَنة سَبْعْ وثمانين وأرْبَعِمائة.
ذِكْرُ مَن اسْمُ أبيْهِ إسْمَاعِيْل ممَّن اسْمهُ الحَسَن
حَسَنُ بن إسْمَاعِيْل بن الحَسَن بن كَاسيْبَوَبه، أبو عليّ
(1)
وقيل: عليّ بنُ مُحَمَّد، أبو الحَسَن المُلَقَّب بالقَاضِي المُؤْتَمَن الكَاتِب المِصْرِيّ.
كان من كُتَّاب الدَّوْلَة الفَاطِميَّة، فلعَّا تولَّى المَلِك النَّاصِر صَلاح الدِّين يُوسُف بن أيُّوب اسْتكتَبَ القَاضِي الفَاضِل عبد الرَّحيم بن عليّ البَيْسَانِيّ، واسْتَقَلَّ القَاضِي المُؤْتَمَن بكتابة العَاضِد إلى أنْ عُزِلَ العَاضِد وخُطِبَ لبَنِي العبَّاس، ثُمَّ إنَّ المَلِك النَّاصِر أضَافَهُ إلى ابْنِه المَلِك الظَّاهر، واسْتَكْتَبهُ له، وسَيَّرهُ معهُ إلى حَلَب مُدَبِّرًا لأمْره وكَاتِبًا، لخَدَمه بحَلَب، وصار له عنده وَجَاهَة زَائِدَة، وحُرْمَة وَافِرَة، وملَّكَهُ قَرْيَةً من قُرَى حَلَب تُعْرَف بالفهيْدِيَّة
(2)
من النَّهْريَّاتِ القِبْليَّة.
وكان له نَثْرٌ جَيِّد، ونَظْمٌ حَسَنٌ، وَقَفْتُ له على كتاب وَضَعَهُ في الجَوَارِي
(3)
، نَحَا فيه وَضْع الثَّعالِبِي أبِي مَنْصُور في كتاب الغِلْمَان، ذَكَرَ فيه مائة جَارِيَةٍ، وأوْرَدَ فيه شَيئًا من شِعْره، ووجَدْتُه مُتَرْجَمًا بتأليْف: حَسَن بن إسْمَاعِيْل بن الحَسَن بن كَاسيْبَوَيه، والصَّحيحُ أنَّ اسْمَهُ عليّ بن مُحَمَّد، وَسَنَذْكُره في باب من اسْمُه عليّ
(4)
إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى.
(1)
توفي سنة 588 هـ، ترجمته في: تذكرة ابن العديم 367 - 370، خريدة القصر (قسم مصر) 14: 54 - 56، والسيل والذيل، ورقة 30 أ - 31 أ، ابن ميسر: أخبار مصر 189، صبح الأعشى للقلقشندي 1:96.
(2)
لم أهتد لمعرفتها.
(3)
لم أقف فيما بين يدي من المصادر على مَن ذكر هذا الكتاب، ولم يذكره حاجي خليفة ولا مَن ذيَّل على كتابه.
(4)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
قَرَأتُ في كتاب الجَوَارِي لحَسَن بن إسْمَاعِيْل بن كَاسيْبَوَبه ما أوْرَدَهُ من شِعْره في جَارِيَةٍ تَتْلُو القُرْآن
(1)
: [من الطويل]
وجَارِيَةٍ مثْل الهِلَال بها أُنْسِي
…
وتَرْبُو (a) على البَدْر المُنِير مع الشَّمْسِ
إذا تَلَتِ القُرآنَ أحْسَبُ أنَّنِي
…
أرَى الحُور تَشْدُوني به في ذُرى القُدْسِ
مُكَرَّمةٌ أَمْسَى وأَصْبَح حُبُّها
…
بقَلْبِي فيَوْمِي في هَوَاها كما أَمْسِي
وهَان لها قَتْلي كأنْ لَم تكُن تَلَتْ
…
كما النَّصُّ أنَّ النَّفْسَ تُقْتَل بالنَّفْسِ
وممَّا أوْردَ في هذا الكتاب من شِعْره في جَارِيَةٍ تَرْوي حَدِيث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(2)
: [من مجزوء الكامل]
رَوَت الحَدِيْثَ عن النَّبِيِّ
…
ظَرِيْفَةٌ في القَلْب تَاوِي
وأَتَتْ بما عندَ الرِّجَالِ
…
منَ المَحَاسِنِ والمَسَاوِي
أَخْبَار تلْدَغُنا بِمَا
…
تَحْوي ولَيْسَ لَهُنَّ حَاوِي
في تَارَة بالقَوْل تَجْـ
…
ــرَحُنا وفي الأُخْرَى تُدَاوِي
يا لَيْتَها في الوَصْل والـ
…
ــهِجْرَان أَنْفُسَنَا تُسَاوِي
اجْتَمَعْتُ بالقَاهِرَة يَجُلٍ اسْمُه عليّ، ذَكَرَ لي أنَّهُ وَلد القَاضِي المُؤْتَمَن، فذَكَرَ لي أنَّ أباهُ المُؤْتَمَن ماتَ بدِمَشْق في مُسْتَهَلّ شَهْر رَمَضَان من سَنَة ثمانٍ وثمانين وخَمْسِمائَة.
قال لي شَيْخُنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ: ماتَ القَاضِي المُؤتَمَن في دَارِي هذه، وهي بالقُرْبِ من جَيْرُون في زُقَاق العَجَم.
(a) تذكرة ابن العديم: تزهو.
_________
(1)
تذكرة ابن العديم 366.
(2)
تذكرة ابن العديم 367.
الحَسَن بن إسْمَاعِيْل المُجَالِدِيّ المِصِّيْصيّ
(1)
حدَّثَ [. . .](a). رَوَى عنهُ أبو عُثْمان سَعيد بن عَبْد العَزِيْز الحَلَبِيُّ الزَّاهِد، وأبو عبد الرَّحْمن أحْمَدُ بن شُعَيْب النَّسَائِيّ، وقال: مِصِّيْصيٌّ ثِقَةٌ.
الحَسَنُ بن الأشْعَث بن مُحَمَّد بن عليّ، أبو عليّ المَنْبِجِيُّ الشَّافِعيُّ
(2)
من أهْل مَنْبِج، حَدَّثَ بها عن صالح بن الأصْبَغ أبي الفَضْل المَنْبِجِيّ، وأبي عَمْرو عُثْمان بن عَبْد اللَّه بن إبْراهيم الطَّرَسوسِيّ القَاضِي، وأبي عليّ الحَسَن بن عَبْد اللَّه بن سَعيد الحِمْصِيّ، وأبي إسْحَاق إبْراهيم بن إسْحَاق، وأبي عَبْدِ اللَّه الحُسَين بن عَبد الوَهَّاب.
رَوَى عنهُ أبو القَاسِم عليّ بن مُحَمَّد بن أبي العَلَاء، وأبو صالح أحْمَد بنُ عَبْد المَلِك المُؤذِّن، وأبو عليّ الحَسَن بن عليّ بن الحُسَين بن أبي شَيْبَة المَنْبِجِيّ، وأبو الفَتْح عَبْد الجَبَّار بن عَبْد اللَّه بن إبْراهيم الَأرْدسْتَانيّ، وعَبْد الرَّحمن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن سَعيد البُخاريّ، وأبو مَعْشَر الطَّبَريّ المُقْرِئ، وأبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن عليّ الرَّازِيّ السَّمَّانُ.
(a) ما بين الحاصرتين بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات، ومشايخه كُثر -وكذا مَن روى عنه- انظر تعدادهم في تهذيب الكمال وغيره من مصادر ترجمته.
_________
(1)
توفي بعد سنة 240 هـ، وترجمته في: الثقات لابن حبان 8: 176، تهذيب الكمال 6: 56 - 58، الكاشف 1: 218، وفيه: الكلبي المصيصي، تاريخ الإسلام 5: 1113، تهذيب التهذيب 3: 355 (وفيه: الحسن بن إسماعيل بن سليمان بن المجالد)، تقريب التهذيب 1:163.
(2)
توفي بعد سنة 417 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 38، تاريخ الإسلام 9: 337 - 328، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 158.
أخْبَرَنا القَاضِي أبو القَاسِم الحُسَينُ بن هِبَةِ اللَّه بن صَصْرَى الدِّمَشقيّ بها، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليِّ بن مُحَمَّد بن عليّ بن أبي العَلَاء المِصِّيْصيّ، قال: قَرأتُ على أبي عليّ الحَسَن بن الأشْعَث بن مُحَمَّد بن عليّ المَنْبِجِيّ بها في مَسْجِده يَوْم النِّصْف من رَبيع الأوَّل سَنَة سَبعْ عَشرة وأرْبَعِمائة، قُلْتُ له: أخْبركمُ أبو عليّ الحَسَنُ بن عَبْدِ اللَّهِ بن سَعيد الكِنْدِيّ الحِمْصِيّ ببَعْلَبَكَ في مَسْجِد الجامع، يَوْم الجُمُعَة، قال: حَدَّثَنَا أبو عُثْمان سَعيدُ بن عَبْد العَزِيْز بن مَرْوَان الحَلَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو نُعَيْم، قال: حَدَّثَنَا أبو خَالِدٍ الأحْمَرُ، عن عَوْف الأعْرَابِيّ، عن زُرَارَة بن أوْفَى، عن عَبْدِ اللَّهِ بن سَلَام، قال
(1)
: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَة فانْجَفَل النَّاسُ إليهِ، وكُنْتُ فيمَن انْجَفَل إليهِ، فلمَّا رَأيْتُ وَجْهَهُ عَرفْتُ أنَّهُ ليسَ بوَجْهِ كَذَّابٍ، فأوَّل ما سَمِعْتُه يَقُول: يا أيُّها النَّاسُ، أفْشُوا السَّلَامَ، وَصِلُوا الأرْحَام، وصَلَّوا والنَّاسُ نِيَام، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بسَلَام.
أخْبَرَنا أبو نَصْر بن هِبَةِ اللَّه بن مُحَمَّد القَاضِي إذْنًا، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: الحَسَنُ بن أشْعَث بن مُحَمَّد بن عليّ، أبو عليّ المَنْبِجِيّ، سَمعَ ببَعْلَبَك أبا عليّ الحَسَن بن عَبْدِ اللَّه بن سَعيدٍ البَعْلَبَكِّيَّ الحِمْصِيَّ، وأبا الفَضْل صَالِحَ بن الأصْبغَ المَنْبِجِيَّ، وأبا إسْحَاق إبْراهيم بن إسْحَاق، وأبا عَبْد اللَّه الحُسَين (a) بن عَبد الوَهَّاب.
رَوَى عنهُ أبو القَاسِم بن أبي العَلَاءِ، وسَمعَ منه بَمْنبج سَنَة سَبعْ عَشرة وأرْبَعِمائة، وأبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن الحُسَين بن أبي شَيْبَة المَنْبِجِيّ، وعَبْد
(a) تاريخ ابن عساكر: الحسن.
_________
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنَّفه 5: 218 (رقم 25380)، 7: 257 (رقم 35836)، وسنن الدارمي 1: 340 - 341، وسنن ابن ماجة 1: 423 (رقم 1334)، 2: 1083 (رقم 3251)، ومسند الشهاب للقضاعي 1: 418 (رقم 472)، الجامع الكبير للترمذي 4: 264 (رقم 2485)، المستدرك للحاكم 4: 159 - 160، دلائل النبوة للبيهقي 2: 531 - 532، شرح السنة للبغوي: 4: 39 - 40 (رقم 926).
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 38.
الرَّحمن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أحْمَد (a) بن سَعيد البُخَارِيّ، وأبو الفَتْح عَبْد الجَبَّار بن عَبْد اللَّه بن إبْراهيم الأَرْدِسْتَانِيّ.
أنْبَأنَا عبد الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد بن أبي الحُسَين
(1)
، قال: حَدَّثَني أبو بَكْر يَحْيَى بن إبْراهيم بن أحْمَد السَّلَمَاسِيّ، عن أَبِيهِ أبي طَاهِر، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن عليّ بن أحْمَد الشَّهْرَزُورِيّ -قال يَحْيَى: وأجَازَنيه أبو الحَسَن الشَّرزُورِيّ- قال: كان بمَنْبج شَيْخٌ يُقال له أبو عليّ بن الأشْعَث، كان مُؤَاخِيًا للشَّرِيْف الحَرَّانيّ، يعني أبا القَاسِمِ الزَّيْدِيّ
(2)
، وكان الشَّريفُ إذا قَصَدَ مَنْبج مُسْتَمِيْحًا، نَزَل عليه، فأكْرَمهُ، وأصْلَح أحْوَالَهُ، قال: ثمّ إنَّ هذا الشَّيْخ نُعِيَ إليه أخٌ من إخْوانهِ فقال: هَاه، ومات!.
قُلتُ: حدَّث الحَسَن بن الأشْعَث يَوْم النِّصْف من شَهْر رَبيع الأوَّل سَنَة سَبعْ عَشْرة وأرْبَعِمائة، كما رَوَيناهُ في الحَدِيْث المُتَقدِّم، فقد تُوفِّي بعد ذلك.
الحَسَنُ بن إلْيَاس، أبو علّي
(3)
سَمعَ أبا أُمَيَّةَ مُحَمَّد بن إبْراهيم الطَّرَسُوسِيّ بها، رَوَى عنهُ أبو بَكْر أحْمَد بن عَبْد الده بن الفَرَج بن البِرَامِيّ.
أنْبَأنَا القَاضِي أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الكَرِيْم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، عن أبي مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد الكَنَّانِيّ، قال:
(a) سقط من تاريخ ابن عساكر.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 38.
(2)
اسمه علي بن عبد بن علي الزيدي أبو القاسم الشريف الحراني، ترجم له ابن العديم في الكنى، وذكر أنه ترجم له أيضًا في الأسماء، وهي ترجمة تقع ضمن الضائع من أجزء الكتاب.
(3)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 39، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 158، (وفي: أبو يعلى).
أخْبَرَنا تَمَّام بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو بْكَر أحْمَد بن عبد اللَّه بن الفَرَج، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحَسَنُ بن إلْيَاس، قال: حَدَّثَنَا أبو أُمَيَّة، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن أبي الحَوَارِيّ، قال: حَدَّثَنَا الوَلِيد بن مُسْلِم، عن ابن ثَوْبَان، قال: ما يَنْبَغي أنْ يكُون أحَدٌ أشَدّ شَوْقًا إلى الجَنَّة من أهْل دِمَشْق لِمَا يَرَون من حُسْن مَسْجِدهم.
أنْبَأنَا أبو نَصْر القَاضِي، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن إلْيَاس أبو عليّ، حَدَّثَ عن أبي أُمَيَّة مُحَمَّد بن إبْراهيم، رَوَى عنهُ أبو بَكْر بن البِرَاميِّ.
الحَسَنُ بن أَيُّوبَ الهاشِميُّ
سَمعَ بحَلَب يَحْيَى بن عليّ بن مُحَمَّد (a) بن هاشِم الخفَاف الحَلَبِيّ، رَوَى عنهُ أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحمد.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: قَرأتُ بخَطِّ هِبَة اللَّه بن عَبد الرَّزَّاق الحافظ الشِّيْرَازيّ في مُعْجَم شُيُوخه: أخْبَرَنا أبو غَالب المُقْرِئ بوَاسِط، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن أَيُّوب الهاشمِيّ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عليّ بن مُحَمَّد (b) بن هاشِم الخَفَّاف، قال: حَدَّثَنَا الضَّحَّاك بن حَجْوَة المَنْبِجِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يُوسُف الفِرْيَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيّ، عن عَلْقَمَة بن مَرْثَد، عن أبي هُريرَة رضي الله عنه
(2)
، قال: قال رسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ
(a) في الأصل: يحيى بن محمد بن علي، وتقدم صحيحًا فيما مرّ، ولعل ابن العديم نقله كما وجده في معجم شيوخ الشيرازي -حسبما يأتي في الرواية التالية- بتقديم اسم الجد على الأب، وانظر: الكامل لابن عدي 1: 33، 5: 188، تاريخ ابن عساكر 59: 387، 71:312.
(b) الأصل: يحيى بن محمد بن علي.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 39.
(2)
لم أقف على تخريجه، وفي إسناده الضحاك بن حجوة، قال ابن عدي في الكامل 4: 99: "وكل رواياته مناكير إما متنًا أو إسنادًا".
عليه وسلَّم: يُؤتى بالعَابِد يَوْم القِيامَة، فيقال له: أُدْخل الجَنَّة بعبادتَكَ، ويُقال للعَالَم: قِفْ قَليلًا، فلا يشفَعُ في شيءٍ إلّا شَفَع فيه.
حَرْفُ الباءِ في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن بِشْر الطَّرَسُوسِيّ
حَدَّثَ عن مُحمّد بن حِمْيَر. رَوَى عنهُ مُحَمَّد بن الحَسَن بن كَيْسَان المِصِّيْصيّ.
أنْبَأنَا أبو الحَجَّاج بُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد اللَّه، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أبي زَيْد الكَرَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا مَحْمُودُ بن إسْمَاعِيل الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن فَاذْشَاه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الطَّبَرَانِيِّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الحَسَن بن كَيْسَان المِصِّيْصيّ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن بِشْر الطَّرَسُوسِيِّ، ح.
قال الطَّبَرَانِيّ: وحَدَّثنا عُمَر بن إسْحَاقَ بن إبْراهيم بن المُعَلَّى بن زُرَيْق الحِمْصِيّ، قال: حَدَّثَنا عَمِّي مُحَمَّد بن إبْراهيم، ح.
قال: وحدَّثنا مُوسَى بن هَارُون، قال: حَدَّثَنَا هَارُون بن دَاوُد النَّجَّار الطَّرَسُوسِيّ، قالوا: حَدَّثَنَا مُحمّد بن حِمْيَر، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن زِيَاد الأَلْهَانِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا أُمَامَةَ يقُول: قال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: مَنْ قرأ آية الكُرْسِيّ دُبُر كُلّ صَلَاةٍ مَكْتُوبةٍ لَم يَمْنَعْهُ من دخُول الجَنَّة إلَّا المَوْت. زادَ مُحَمَّد بن إبْراهيم في حَدِيْثِه: و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
(2)
.
(1)
الطبراني: المعجم الكبير 8: 134 (رقم 7532)، وانظر حديث أبي أمامة في فيض القدير للمناوي 6: 197 (رقم 8926)، وكنز العمال 1: 562، 569 (رقم 2534، 2568).
(2)
سورة الإخلاص، الآية 1.
حَرْف التَّاء
فَارغ
حَرْفُ الثَّاء في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن ثَوَاب
(1)
حدَّثَ [عن يَزِيد بن هَارُون الوَاسِطيّ، وعَبْد الرَّحْمن بن عَمْرو بن جَبَلة البَصْرِيّ، وإبْرَاهيْم بن حَمْزَة المَدينيّ، وعَمَّار بن عُثْمان الحَلَبِيّ](a). رَوَى عنهُ [عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن إسْحَاق المَرْوَزِيّ، وجَعْفَر بن عَبْد اللَّه بن مُجَاشع، وإسْمَاعيْل بن مُحَمَّد الصَّفَّار، ومُحَمَّد بن عَمْرو الرّزَاز](b).
كَتَبَهُ لي أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد اللَّه، في تَذْكِرةٍ ذَكَرَ فيها مَنْ دَخَلَ حَلَبَ من المُحَدِّثِيْن، ولم يُسَيِّر لي شَيئًا من حَدِيْثهِ.
حَرْفُ الجِيْم في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن جَعْفَر الأنْطَاكِيّ، أبو عليّ
حَدَّثَ بحَلَب عن أبي طَاهِر الحَسَن بن أحْمَد بن فِيْل البَالِسِيّ الأنْطَاكِيّ. رَوَى عنهُ القَاضِي أبو عَبْد اللَّه الحُسَين بن أحْمَد بن سَلَمَة الرَّبَعِيّ.
(a) ما بين الحاصرتين بياض في الأصل قدر كلمتين، تركه المصنف لتعميره باستكمال مشايخ المترجَم له، وقد وجدنا ذكرهم على هذه الصورة في تاريخ بغداد 8:243.
(b) ما بين الحاصرتين بياض قدر كلمتين في الأصل، والاستكمال عن تاريخ بغداد 8:343.
_________
(1)
توفي سنة 268 هـ، وترجمته في: الإكمال لابن ماكولا 1: 562 - 563 (وزاد في نسبته: أبو علي التغلبي البغدادي)، تاريخ بغداد 8: 242 - 243، وسماه: أبو علي التغلبي ولم يذكر في ترجمته أنه دخل الشام أو حلب، الذهبي: تاريخ الإسلام 6: 312.
قَرأتُ بخَطِّ نَصْر بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن صَفْوَان القَطَّان المَوْصِلِيّ: أخْبَرَنا الشَّيْخُ أبو الفَتْح المُفَضَّل بن الحُسَين بن عليّ الطَّيَّان، قال: حَدَّثَنَا القَاضِي أبو عَبْد اللَّه الحُسَين بن أحْمَد بن سَلَمَة بن عَبْدِ اللَّه المالِكِيّ الرَّبَعِيّ، قال: حَدّثَنَا أبو عليّ الحَسَنُ بن جَعْفَر الأنْطَاكِيّ بحَلَبَ، قال: حَدَّثَنَا أبو طَاهِر الحَسَنُ بن أحْمَد بن إبْراهيمَ بن فِيْل البَالِسِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أبو كُرَيْب، قال: حَدَّثَنَا طَلْقُ بن غَنَّام، عن شرِيكٍ، وقيس بن الرَّبِيعْ، عن أبي حَصِيْن، عن أبي صَالِح، عن أبي هُرَيْرَة
(1)
، قال: قال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أَدِّي الأمَانَة إلى مَنْ ائتمنَكَ، ولا تَخُن مَنْ خَانَك.
حَرْفُ الحَاء في آباءِ مَن اسْمه الحَسَن
الحَسَن بن حَبِيْب بن عَبْد المَلِك بن حَبِيْب، أبو عليّ الحَصَائِرِيُّ (a)، الفَقِيهُ الشَّافِعيُّ
سَمعَ بطَرَسُوس أبا أُمَيَّة مُحَمَّد بن إبْراهيم بن مُسْلِم الطَّرَسُوسِيّ، وبأنْطَاكِيَة (b)
(a) في الأصل: الحضائري ومثله حيثما يرد في ترجمته هذه، وتقدم لابن العديم تقييده بالضاد في مرات سابقة ويأتي كذلك حيثما يرد، ومئله في العبر للذهبي 2: 55، وهو تحريف صوابه المثبت، وصوَّبناه في مواضعه أينما ورد. وكانت وفاة الحصائري سنة 338 هـ، وترجمته في: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم لابن زبر 225، 279، معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي 244 - 245، تاريخ ابن عساكر 13: 49 - 51، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 17: 270، تاريخ الإسلام 7: 716 - 717، معرفة القراء الكبار 2: 569 - 570، سير أعلام النبلاء 15: 383 - 384، طبقات القراء 1: 360 - 361، الإعلام بوفيات الأعلام 143، الوافي بالوفيات 11: 415، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 3: 255 - 256، الأسنوي: طبقات الشافعية 1: 417 - 418، تبصير المنتبه لابن حجر العسقلاني 2: 506، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 209 - 210، المقريزي: المقفى الكبير 3: 353 - 354، النعيمي: الدارس في تاريخ المدارس 2: 257 - 258 (وفيه: الحظايري)، شذرات الذهب 4: 204 (وفي أصوله: الخضائري فأُصلح)، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 162.
(b) جوّده المصنف في هذا الموضع بتشديد المثناة التحتية، وتقدم في المجلد الأول من الكتاب الكلام عليه.
_________
(1)
ابن الجوزي: العلل المتناهية 2: 592 (رقم 973)، المناوي: فيض القدير 1: 223 (رقم 208).
العبَّاسَ بن السِّنْدِيّ الأنْطَاكِيّ، وبمَكَّة أبا جَعْفَر مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل الصَّائِغ، وأبا يَحْيَى عَبْد اللَّه بن أحْمَد بن أبي مَسَرَّة، وأبا عَبْد اللَّه أحْمَد بن دَاوُد، وببَيْرُوت العبَّاس بن الوَلِيد البَيْرُوتِيّ، وبدِمَشْق أبا زُرْعَة الدِّمَشقيّ، وبَدْر بن الهَيْثَم، وأبا بَكْر أحْمَد بن عليّ بن يُوسُف الخَرَّاز (a)، ويَزِيْد بن مُحَمَّد بن عبد الصَّمَد الدِّمَشقيّين، وبحِمْص أبا العَطَّاف طَارِق بن مُطَرِّف الطَّائيّ الحِمْصِيّ، وبمِصْر بَكَّار بن قُتَيْبَة، والرَّبِيْع بن سُلَيمان المُرَاديّ، وأبا الحَسَن حَبَشِيّ بن الرَّبيعْ بن طَارِق، وأبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّه بن عَبْد الحَكَم، وإبْراهيمِ بن مَرْزُوق، وأبا مُحَمَّد أزْهَر بن زُفَر الوَرَّاق، وعبد اللَّه بن مُحَمَّد بن سَعيد بن أبي مَرْيَم، وفَهْد بن سُليَمان، وأبا زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن أَيُّوب العَلَّاف، وأبا غَسَّان مَالِك بن يَحْيَى، وعليّ بن عبد الرَّحْمن بن المُغيْرَة، وبَكْر بن سَهْل، وجَعْفَر بن مُحَمَّد بن عُبَيْدِ اللَّه الطَّائِفِيّ، وأبا يَعْقُوب إسْحَاق بن الحَسَن الطَّحَّان، وجَمَاعَة غيرهم.
رَوَى عنهُ آباء بَكْر مُحَمَّد بن إبْراهيم بن المُقْرِئ، ومُحَمَّد بن أحْمَد بن عِمْران المُطَرِّز، وأحمد بن مُحَمَّد بن إسْحَاق السُّنِّيّ، وابن أبي الحَدِيْد، وابن أبي دُجَانَة، وأبَوَا القَاسمِ عُبَيْدُ اللَّه بن عليّ بن عُبَيْد اللَّه الدَّاوُديّ، وعليّ بن الحَسَن بن طُغَان، وأبَوَا عليّ الحَسَن بن عليّ الصِّقِلِّيّ النَّحْوِيّ، وابنُ مُهنَّا، وأبَوَا الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن شَيْبَان، وابن دَاوُد الدَّارَانِيّ المُقْرِئ، وآباءُ الحُسَين: مُحَمَّد بن أحْمَد بن جُمَيعْ الصَّيْدَاوِيّ، ومُحَمَّد بن عَبْد اللَّه الرَّازِيّ، ومُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب الحَجَّاجِيّ الحافِظ النَّيْسَابُوريّ، وأبو مُسْلم البَغْدَاديّ الكَاتِب، وأبو الفَتْح المُظَفَّر بن أحْمَد بن إبْراهيم بن الحَسَن بن بُرْهَان المُقْرِئ، وأبو حَفْص عُمَر بن شَاهِين الحافِظ، وأبو سُلَيْمان بن زَبْر، وأبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عُثْمان بن أبي نَصْر، وأبو القَاسِمِ تَمَّام بن مُحَمَّد الرَّازِيّ، ومُحَمَّد بن سُلَيمان بن يُوسُف الرَّبَعِيّ، وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر بن نَصْر، وعُثْمان بن عِمْران بن
(a) في الأصل: الخرار، وعند ابن عساكر 13: 50: الخزاز، والمثبت من ابن ماكولا: الإكمال 2: 186.
الحَارِث المَقْدِسِيّ، وصَدَقَة بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن مَرْوَان القُرَشِيّ، وحُمَيْد بن الحَسَن الوَرَّاق، وعَبدُ الوَهَّاب بن الحُسَين الكِلابِيّ، وحَدِيْد بن جَعْفَر، وغيرهم.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل الأنْصَاريّ، قِراءَةً عليهِ في مَقْصُورة الخَضِر بجامع دِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليِّ بن المُسَلَّم السُّلَمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر بن طَلَّاب، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن جُمَيْع، [. . .](a).
أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُكْرَم بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الدَّارَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل بن الفُرَات، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن مَعْرُوف، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَن بن حَبِيْب، قال: حَدَّثَنا أبو أُمَيَّة، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن دَاوُد، عن شَرِيكٍ، عن مُحَمَّد بن زَيْدٍ، عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَر
(1)
: أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن قَتْلِ النِّسَاءِ والوِلْدَان يَوْم فَتْح مَكَّة.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد اللَّه الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلم المُؤيَّد بن عبد الرَّحيم بن الإخْوَة، وصَاحِبتُهُ عَيْنُ الشَّمْس بنتُ أبي سَعيد، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَرَج سَعيد بن أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِيّ -قالت إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مَحْمُود الثَّقَفِيّ، وأبو الفَتْح مَنْصُور بن الحُسَين-
(a) ما بين الحاصرتين في الأصل بياض قدر ثلاثة أسطر، وأورد له ابن جميع الصيدواي في معجم شيوخه 244 حديثًا واحدًا، ولعل المؤلف أبقى له هذا الفراغ، قال:"أخبرني أبو علي الحسن بن حبيب، حدثنا علان بن المغيرة المخزوميّ، حدّثنا منجاب بن المحرث، حدثنا أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي، حدثنا عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أكثروا ذكر هادم اللّذات فإنه لا يكون في كثير إلَّا قلله، ولا في قليل إلا كثَّره".
_________
(1)
صحيح مسلم 3: 1364 (رقم 25)، موطأ الإمام مالك 2: 447 (رقم 9)، سنن ابن ماجة 2: 947 (رقم 2841)، فتح الباري 6: 148 (رقم 3015)، الجامع الكبير للترمذي 3: 228 (رقم 1569)، المعجم الكبير للطبراني 12: 382 - 383 (رقم 13416)، السنن الكبرى للبيهقي 9: 77، صحيح ابن حبان 1: 344 (رقم 135)، 11: 107 (رقم 4785).
قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن إبْراهيم بن عَاصِم بن زَاذَان المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا حَسَن بن حَبِيْب بن عَبْد المَلِك، إِمام مَسْجِد باب الجابِيَةِ بدِمَشْقَ، قال: حَدَّثَنَا عَلَّان بن المُغِيرَة، قال: حَدَّثَنَا نُعَيْم بن حَمَّاد، قال: سَمِعْتُ أبا بَكْر بن عَيَّاش يَقُول: سَخَاءُ الحَدِيْثِ كسَخَاءِ المال.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه، فيما أَذِنَ لَنا أنْ نَرْويَهُ عنْهُ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظُ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن حَبِيْب بن عَبْد المَلِك بن حَبِيْب، أبو عليّ الفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ المَعْرُوف بالحَصَاِئِريّ، أمام مَسْجِد باب الجابِيَة، أحَدُ الثِّقَاتِ الأثْبَاتِ.
سَمِعَ بمِصْرَ أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن عَبْد الحَكَم، وأبا مُحَمَّد الرَّبيعْ بن سُلَيْمان المُرَاديّ المُؤذِّن، وإبْراهيم بن مَرْزُوق البَصْرِيّ، وبَكَّار بن قُتَيْبَة، وأبا مُحَمَّد (a) أزْهَر بن زُفَر الوَرَّاق، وأبا غَسَّان مَالِك بن يَحْيَى، وعبد اللَّه بن مُحَمَّد بن سَعيد بن أبي مَرْيَم، وعَلَّان عليّ بن عبد الرَّحْمن بن المُغِيرَة، وفَهْد بن سُلَيْمان، وبَكْر بن سَهْل، وأبا يَعْقُوب إسْحَاق بن الحَسَن الطَّحَّان، وجَعْفَر بن مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّهِ الطَّائِفِيّ، وأبا زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن أَيُّوب العَلَّاف، وأبا الحَسَن حَبَشِيّ بن الرَّبِيْع بن طَارِق.
وسَمِعَ بالشَّام العبَّاس بن الوَلِيد بن مَزْيَد البَيْرُوتِيّ، وأبا أُمَيَّة مُحَمَّد بن إبْراهيم بن مُسْلِم الطَّرَسُوسِيّ، وأبا جَعْفَر مُحَمَّد بن هِشَام بن مَلَّاس، وأبا عليّ أحْمَد بن مُحَمَّد بن أبي الخَنَاجِر، وأحْمد بن كَعْب بن خُرَيْم المُرِّيّ (b)، وأبا العَطَّاف طَارِق بن
(a) جاءت كنيته في هذا الموضع من تاريخ ابن عساكر أبو بكر، ويأتي في موضع آخر من تاريخ ابن عساكر (22: 358) موافقًا للكنية أعلاه.
(b) ابن عساكر: ابن حزيم المزي، وقد وقع عنده مرارًا تقييد اسمه على الصواب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 49 - 50.
مُطَرِّف الطَّائيّ الحِمْصِيّ، وبَدْر بن الهَيْثَم الدِّمَشقيّ، وأبا بَكْر أحْمَد بن عليّ بن يُوسُف الخَرَّاز (a) الدِّمَشقيّ، وأبا عِمْرَان مُوسَى بن الحَسَن السَّقَلِّيّ (b)، وإبْراهيم بن أبي سُفْيان القَيْسَرَانِيّ، وصالح بن أحْمَد بن حَنْبَل، وأبا هُبَيْرَة مُحَمَّد بن الوَلِيد، وهارُون بن مُوسَى الأخْفَشَ، وأبا الجَهْم عَمْرو بن حَازِم القُرَشِيّ، وحجَّاج بن الرَّيَّان، وعُمَر بن مُضَر العَبْسِيّ، ويَزِيْد بن مُحَمَّد بن عبد الصَّمَد، وزَكَرِيَّاء بن يَحْيَى السِّجْزِيّ، ومَنْصُور بن عَبْد اللَّه الوَرَّاق، وأحمد بن عليّ المَرْوَزيّ القَاضِي، وأبا جَعْفَر أحْمَد بن عَمْرو الفَارسِيّ، وأبا عَبْد المَلِك البُسْرِيَّ، وحُمَيْد بن هِشَام الدَّارَانِيّ، وأبا زُرْعَة الدِّمَشقيّ، وجَعْفَر القَلَانِسِيّ، والعبَّاس بن السِّنْدِيّ (c)، وأبا عَبْد اللَّه بن أبي الزَّبْر الصُّوْرِيّ، وأبا العبَّاس عَبْد اللَّه بن عُبَيْد بن يَحْيَى بن حَرْب. وبمَكَّة أبا جَعْفَر مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل الصَّائِغ، وأبا يَحْيَى عَبْد اللَّه بن أحْمَد بن أبي مَسَرَّة، وأبا عَبْد اللَّه أحْمَد بن دَاوُد المَكِّيِّيْن.
رَوَى عنهُ تَمَّام بن مُحَمَّد، وأبو عليّ الحَسَن بن عليّ الصِّقِلِّيّ النَّحْوِيّ، وأبو عليّ بن مُهَنَّا، وأبو الحَسَن بن دَاوُد الدَّارَانِيّ المُقْرِئ، وأبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، ومُحَمَّد بن سُلَيمان بن يُوسُف الرَّبَعِيّ، وأبو بَكْر بن أبي دُجَانَة، وأبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن طُغَان، وأبو بَكْر بن المُقْرِئ، وأبو مُسْلم البَغْدَاديّ الكَاتِب، وأبو سُليْمان بن زَبْر، وأبو الحُسَين الرَّازِيّ، وأبو الحُسَين بن جُمَيعْ، وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر بن نَصْر، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن عِمْران الجُشَمِيّ المُطَرِّز، وحَديْد بن جَعْفَر، وأبو بَكْر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن إسْحَاق السُّنِّيّ، وأبو القَاسِم عُبيَد اللَّه بن عليّ بن عُبَيْد اللَّه الدَّاوُودِيّ المِصْرِيّ، وعُثْمان بن عِمْران بن الحَارِث المَقْدِسِيّ، وحُمَيْد بن الحَسَن الوَرَّاق، وأبو حَفْص بن شَاهِين، وأبو الحُسَين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب الحَجَّاجِيّ النَّيْسَابُوريّ الحافِظُ، وأبو بَكْر بن أبي الحَدِيْد، وأبو الفَتْح المُظَفَّر بن أحْمَد بن
(a) الأصل: الخرار، وتقدم التعليق عليه.
(b) تقدم بالصاد: الصقلي.
(c) ابن عساكر: العباس السندي.
إبْراهيم بن الحَسَن بن بُرْهَان المُقْرِئ، وصَدَقَة بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن مَرْوَان القُرَشِيّ، وعَبدُ الوَهَّاب الكِلابِيّ، وأبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن شَيْبَان.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ: أبو عليّ الحَسَنُ بن حَبِيْب بن عَبْد المَلِك الحَصَاِئِرِيّ. رَوَى عن زَكَرِيَّاء بن يَحْيَى السِّجْزِيّ، والعبَّاس البَيْرُوتِيّ، وأبي أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيِّ، والرَّبِيْع بن سُلَيمان وابن عَبْد الحَكَم، وأبي زُرْعَة النَّصْرِيّ، وابن أبي مَسَرَّة المَكِّيّ، والأخْفَش المُقْرِئ، ذُو رِحْلةٍ، رَوَىِ عنهُ أبو مُحَمَّد عبدُ الرَّحْمن بن أبي نَصْر التَّمِيْمِيّ، وآخرونَ من الدِّمَشقيِّيْنَ، وقد روَى عنهُ أبو بَكْر بنُ المُقْرِئ الحافِظُ بأصْبَهَان.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْلِ الأنْصَاريُّ، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة السُّلَمِيّ، عن عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن مُحَمَّد بن الغَمْر، قال: أخْبَرَنا أبو سُليْمان بن زَبْر
(1)
، قال: سَنَة ثَمانٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة، فيها تُوفِّي أبو عليّ الحَسَن بن حَبِيْب. قال ابنُ زَبْر
(2)
: وقال لي الحَسَن بن حَبِيْب، أبو عليّ: وُلدْتُ في سَنَة اثْنَتَيْن وأرْبَعين ومَائتَيْن.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم الدِّمَشقيّ
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن عُثْمان بن أبي نَصْر، قال: تُوفِّي أبو عليّ الحَسَن بن حَبِيْب بن عَبْد المَلِك الفَقِيه الحَصَائِرِيُّ بدِمَشْق في سَنَة (a) ثمانٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة. قال عَبْدُ العَزِيْز: يرَوَى عن الرَّبيْع بن سُلَيمان المُرَاديّ، ومُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن عَبْد الحَكَم، وإبْراهيم بن مُنْقِذ،
(a) مكررة في الأصل.
_________
(1)
تاريخ مولد العلماء 279.
(2)
تاريخ مولد العلماء 225.
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 51.
والعبَّاس بن الوَلِيد بن مَزْيَد، وغيرهم من المِصْرِيِّين والشَّامِيِّين، ثِقَةٌ، نَبِيْلٌ، حافِظٌ لمَذْهَب الشَّافِعيّ رحمه الله، حدَّثَ بكتَاب الأُمّ كُلِّهِ.
وكانَ مَوْلدُهُ في سَنَة اثْنَتَيْن وأرْبَعين ومَائتَيْن، فيما أخْبَرَنا مَكِّيّ بن مُحَمَّد بن الغَمْر، قال: أخْبَرنا أبو سُليمان مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن زَبْر الرَّبَعِيّ الحافِظُ
(1)
، قال: كانَ مَوْلدُ الحَسَن بن حَبِيْب في سَنة اثْنَتَيْن وأرْبَعين ومَائتَيْن. قال عَبْدُ العَزِيْز: حَدَّثَنَا عنه أبو القَاسِم تَمَّام بن مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّه الرَّازِيّ، وعَبْدُ الرَّحمن بن عُمَر بن نَصْر، وعَبْدُ الرَّحمن بن عُثْمان بن أبي نَصْر، وغيرهم.
قال الحافظُ أبو القَاسِم
(2)
: قَرأتُ بخَطِّ أبي الحَسَن نَجَا بن أحمد، وذَكَرَ أنَّهُ نَقَلَهُ من خَطِّ أَبي الحُسَين الرَّازِيّ، في تَسْمِيَةِ مَنْ كَتَبَ عنهُ بدِمَشْق: أبو عليّ الحَسَن بن حَبِيْب بن عَبْد المَلِك بن حَبِيْب، ماتَ في ذي القَعْدَة سَنَة ثمانٍ وثَلاثين وثَلاثِمائة.
ذِكْرُ مَن اسْمُ أبيْهِ الحَجَّاج ممَّن اسْمُه الحَسَن
الحَسَنُ بن حَجَّاج بن غَالِب بن عِيسَى بن جَرِير بن حَيْدَرة الطَّبَرَانِيّ، أبو عليّ الزَّيَّات
(3)
نَزِيلُ أنْطَاكِيَة. سَمِعَ بها أبا طَاهِر الحَسَن بن أحْمَد بن إبْراهيم بن فِيْل، وابنه أبا بَكْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن أحمد، وأبا العبَّاس الفَضْل بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه
(1)
تاريخ مولد العلماء 225.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 51.
(3)
كان حيًا سنة 347 هـ، وسلكه الذهبي في تاريخه ضمن وفيات سنة 374 هـ، نقلًا عن تمام الرازي في قوله:"قدم علينا سنة أربع وسبعين" وعلق الذهبي عقبه: "وكأنَّ هذا غلط وتصحيف ولعله سنة أربع وأربعين"، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 52 - 53، تاريخ الإسلام 8: 399 - 400، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 162 - 163.
الأَحْدَب الأنْطَاكِيِّيْن، ومُحَمَّد بن عِمْران بن سَعيد الأشْقَائِيّ، ومُوسَى بن مُحَمَّد بن هاشِم الدَّيْلَمِيّ.
ورَوَى عنهُم وعن أبي عبد الرّحْمن أحْمَد بن شُعَيْب النَّسَائِيّ، ومُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن إبْراهبم، وأبي القَاسِم الحُسَين بن مُحَمَّد بن دَاوُد مَأمُون المِصْريّ، وأحمد بن مُحَمَّد بن هَارُون بن أبي الدِّلْهَاث، وأبي الدُّنْيا الأَشَجّ صاحب عليّ بن أبي طَالِب.
رَوَى عنهُ أبو الحَسَن عليّ بن عَبْد اللَّه بن الحَسَن بن جَهْضَم، وأبو العبَّاس مُحَمَّد بن مُوسَى بن السِّمْسَار، وأبو القَاسِم تَمَّام بن مُحَمَّد الرَّازِيّ، وأبو عَبْد اللَّه الحُسَين بن عَبْد اللَّه بن أحْمَد بن عَبْدَان، وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر بن نَصْر.
أنْبَأنَا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ اللَّه، قال: أخْبَرَنا الحافظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن المُسَلَّم، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن السِّمْسَار، قال: أخْبَرَني أخي أبو العبَّاس مُحَمَّد بن مُوسِى بن السِّمْسَار، قال: حَدَّثَني أبو عليّ الحَسَن بن حَجَّاج بن غَالِب بن عِيسَى بن جَرِير بن حَيْدَرة الطَّبَرَانِيّ الزَّيَّات، ح.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
: وأنْبَأنَا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن أحْمَد بن صَصْرَى بقِرَاءَتي عليه، قال: أخْبَرَنا تَمَّام بن مُحَمَّد، قال: أخْبرَني أبو عليّ الحَسَن بن حَجَّاج بن غَالب بن عِيسَى بن جَرِير بن حَيْدَرة الطَّبَرَانِيّ -ومَسْكَنهُ أنْطَاكِيَة، قَدِمَ دِمَشْقَ- قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن شَبُّوَيْه، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مَسْلَمَة -وقال
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 53، وكان موضع هذه الرواية في الأصل بعد الرواية التي تليها، فكتب ابن العديم عندها "يُقدَّم"، وعند التالية لها "يؤخر"، فأجريناه بحسب ما أجراه.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 52.
ابنُ السِّمْسَار: ابن سَلَمَة- قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن هَارُون، عن حَمَّاد بن سَلَمَة، عن أَيُّوبَ، عن عَطَاء، عن ابن عبَّاسٍ
(1)
، قال: قال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: حُبُّ عليٍّ يَأكُل الذُّنُوبَ كما تَأكُل النَّار الحَطَبَ.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا تَمَّام بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن حَجَّاج بن غَالب، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عِمْران بن سَعيد الأشْقَاثِيّ بأنْطَاكِيَة، قال: حَدَّثَني عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن عُمَر الطَّرَسُوسِيّ، قال: حَدَّثَني الحُسَين بن هَارُون، قال: حَدَّثَني أحْمَدُ بن عَبْد اللَّه العَامِرِيّ، قال: سَألْتُ رَاهِبًا على عَمُود فقُلتُ لَهُ: يا رَاهِب، ما أقْعَدَك على هذا العَمُود، في قَفْر على عَمُود صَخْر لا أنيسَ لك؟ قال: فقال لي: يا عَرَبِيّ، بل اللَّه سَاكِن السَّماء هو يَعْلَم مَوضِع المُذْنبين من خَلْقه، أوَلَيْسَ هو صَاحِب يُوسُف في قَعْر الجُبِّ، وصَاحِب إبْراهيم في النَّار، يَنْظُر إليها الجُهَّال نارًا تأجَّج، وأهْلُ السَّماء ينظُرون إليها رَوْضَة خَضْرَاء، ثمّ سَكَتَ!
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسمِ عليّ بن الحَسَن الحافِظُ
(2)
، قال: الحَسَنُ بن حَجَّاج بن غالب بن عِيسَى بن جَرِير بن حَيْدَرة، أبو عليّ الطَّبَرَانِيّ الزَّيَّات، سَكَنَ أنْطَاكِيَة، وحَدَّثَ بدِمشْقَ ومِصْر عن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن إبْراهيم، ومُحَمَّد بن عِمْران بن سَعيد الأشْقَاثِيّ، وأَحمد بن مُحَمَّد بن هَارُون بن أبي الدِّلْهَاث، ومُحَمَّد بن أبى طَاهِر [بن](a) أبي بَكْر، وأبي طَاهِر الحَسَن بن أحْمَد بن
(a) إضافة من تاريخ ابن عساكر.
_________
(1)
ابن حجر العسقلاني: لسان الميزان 1: 185 (رقم 588)، ابن عراق الكتاني: تنزيه الشريعة المرفوعة 355 (رقم 44)، المتقي الهندي: كنز العمال 11: 621 (33021)، الشوكاني: الفوائد المجموعة 367 (رقم 58).
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 52.
إبْراهيم بن فِيْل، وأبي العبَّاس الفَضْل بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه الأنْطَاكِيّ الأَحْدَب، وأبي القَاسِم الحُسَين بن مُحَمَّد بن دَاوُد مَأمُون المِصْرِيّ، وأبي الدُّنْيا الأَشَجّ صَاحِب عليّ بن أبي طَالِب، وأبي عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ صَاحب السُّنَن.
رَوَى عنهُ أبو العبَّاس بن السِّمْسَار، وتَمَّامُ بن مُحَمَّد، وعَبْدُ الرَّحمن بن عُمَر بن نَصْر، وأبو عَبْد اللَّه الحُسَيْن بن عُبَيدِ اللَّه بن أحْمَد بن عَبْدَان، وأبو الحَسَن عليّ بن عَبْد اللَّه بن الحَسَن بن جَهْضَم.
وقال الحافِظُ
(1)
: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْز الطَّبَرَانِيّ، قال: أخْبَرَنا تَمَّام بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا أبو عليِّ الحَسَنُ بن حَجَّاج بن غالب الطَّبَرَانِيّ الزَّيَّات، قَدِمَ علينا دِمَشْق من أنْطَاكِيَة سَنَة سَبْعٍ وأرْبَعين وثَلاثِمائة بحَدِيثٍ ذَكَرهُ.
الحَسَنُ بن الحَجَّاج، أبو مُحَمَّد البَغْدَاديُّ
حَدَّثَ بحَلَب عن أبي مُوسَى مُحَمَّد بن المُثَنَّى، رَوَى عنهُ أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحُسَين السَّبِيْعِيِّ الحَلَبيُّ الحافِظُ.
أخْبرَنا عَمِّي أبو غَانِم مُحَمَّد بن هِبَةِ اللَّه بن أبي جَرَادَة، وأبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه بن عُفوَان، وابنُه القَاضِي أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الطَّرَسُوسِيّ، قالوا: أخْبَرَنا أبو سَالِم أحْمَدُ بن عَبْد القَاهِر بن المَوْصُول، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن عَبْدِ اللَّه بن مُحَمَّد بن أبي جَرَادَة، قال: حَدَّثَني أبو الفَتْح عَبْدُ اللَّه بن إسْمَاعِيْل بن الجِلِّيّ الحَلَبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُبيد اللَّه عَبد الرَّزَّاق بن أبي نُمَيْر الأسَديّ القُطْبِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحسين السَّبِيْعِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن الحَجَّاج البَغْدَاديّ بحَلَبَ،
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 53.
قال: حَدَّثَنَا أبو مُوسَى الزَّمِنُ مُحَمَّد بن المُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا أبو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَة، عن زِيَاد بن كُسَيْب (a) العَدَوِيّ، قال
(1)
: خَرَجَ عَبْدُ اللَّه بن عَامِر في يَوْم جُمُعَة، وهو أمير البَصْرَة فصَعدَ المِنْبَر ليَخْطُبَ، وعليه ثِيَابٌ رقَاق، قال: فقام رَجُلٌ من بين يَدي المِنْبَر فقال: انْظُروا إلى أميركم هذا، يَلْبَسُ ثِيَابَ الفُسَّاق! وقال أبو بَكْر صاحب رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: سَمِعْتُ رسُول اللَّه يقُول: مَنْ أهَانَ سُلْطان اللَّه في الأرْض أهَانَهُ اللَّه.
ذِكْرُ مَن اسْمُ أبيْهِ الحَسَن ممَّن اسْمُه الحَسَن
الحَسَن بن الحَسَن بن رَجَاء بن أبي الضَّحَّاك الحَضارِيّ (b) الكَاتِب
(2)
وأصْلُهم من جَرْجَرَايا، وقيل فيه: الحَسَن بن الحُسَين، والصَّحيحُ: الحَسَن.
وَلي حَلَب
(3)
، وتُوفِّيَ بها في جُمَادَى الأُوْلَى من سَنَة إحْدَى وثَلاثِمائة، وَسَنَذْكُره فيمَنْ اسْمُ أبيْهِ الحُسَين
(4)
إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى.
(a) في الأصل: كُثير، والمثبت -وهو الصحيح- من مصادر تخريج الحديث، وانظر ترجمته في: الكنى لمسلم 2: 724، الجرح والتعديل 3: 543، تهذيب الكمال 9:504.
(b) كذا في الأصل، ولم نقف على نسبته هذه، وفي تاريخ ابن عساكر في ترجمة والده (13: 84): الحصاري.
_________
(1)
أخرجه ابن أبي عاصم الشيباني: كتاب السنة 2: 489 (رقم 1018)، الترمذي: الجامع الكبير 4: 81 (رقم 2224)، البيهقي: السنن الكبرى 8: 164، وينظر: المزي: تهذيب الكمال 7: 399، كنز العمال 1: 184، 214 - 315 (رقم 933، 1072 - 1073)، وانظر أيضًا: المسند الجامع 15: 586 - 587 (رقم 11967).
(2)
توفي سنة 301 هـ، وترجمته في: صلة تاريخ الطبري لعريب القرطبي (المنشور بذيل تاريخ الطبري 11: 46)، الصولي: أخبار المقتدر باللَّه العباسي من كتاب الأوراق 168، ابن العديم: زبدة الحلب 1: 100، أبو الفداء: اليواقيت والضرب 80.
(3)
ذكر القرطبي (صلة تاريخ الطبري 11: 46) أنه كان يتقلد أعمال الخراج والضياع بحلب.
(4)
تأتي فيما يلي من هذا الجزء، وهي ترجمة مقتضبة لا تزيد على الذي هنا.
قَرأتُ بخَطِّ مُحَمَّد بن عليّ العُظَيْميّ
(1)
، وانْبَأنَا به عنه المؤيد بن مُحَمَّد الطُّوْسِيّ وغيرُه، قال: وِفي سَنَة إحْدَى وثَلاثِمائة في جُمَادَى مَاتَ بحَلَب وَاليها الحَسَن بن الحَسَن بن رَجَاء بن أبي الضَّحَّاك، ودُفِنَ بها، وكان وَاليًا من قبل المُكْتَفِي ابن المُعْتَضِد.
الحَسَن بن الحَسَن بن عليّ بن عَبْد مَنَاف أبي طَالِب بن عَبْد المُطَّلِب بن هاشِم، أبو مُحَمَّد الهاشِميّ المَدَنِيّ
(2)
وأُمُّهُ بنتُ أبي مَسْعُود الأنْصَاريّ، وقيل: خَوْلَة بنت مَنْظُور، وهو الصَّحيْح.
قَدِمَ الرُّصَافَة على هِشَام بن عَبْد الَملِك بن مَرْوَان يُخَاصِم زَيْد بن عليّ، ومُحَمَّد بن عُمَر بن عليّ في صَدَقَة رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقد ذَكَرنا ذلك في تَرْجَمَةِ إبْراهيم بن سَعْد الزُّهْرِيّ
(3)
، فيما تَقَدَّم من كتابنا هذا.
حَدَّثَ عن أَبِيهِ الحَسَن بن عليّ، وفاطِمَة بنت الحُسَين بن عليّ، وعبد اللَّه بن جَعْفَر بن أبي طَالِب.
(1)
النقل من كتاب العظيمي الكبير: "المُؤصّل على الأصل الموصَّل"، المفقود أصله، ولم يرد ذكره في مختصره المسمى تاريخ حلب.
(2)
توفي نحو سنة 90 هـ، وترجمته في: نسب قريش لمصعب الزبيري 46 - 56، طبقات ابن سعد 5: 319 - 330، طبقات خليفة 240، تاريخ البخاري الكبير 3: 289، العجلي: تاريخ الطبري 117، تاريخ الطبري 5: 469، 7: 569، الجرح والتعديل 3: 5، ابن قتيبة: المعارف 212، الثقات لابن حبان 4: 121 - 132، تاريخ ابن عساكر 13: 61 - 71، ابن الجوزي: المنتظم 6: 301 - 302، المزي: تهذيب الكمال 6: 89 - 95، سير أعلام النبلاء 4: 483 - 487 (أرخ وفاته سنة 99 هـ، وقيل: 97 هـ)، تاريخ الإسلام 2: 1079 - 1081 (وفاته 97 هـ)، الكاشف 1: 219 (وفاته سنة 97 هـ)، الوافي بالوفيات 11: 416 - 418، ابن كثير: البداية والنهاية 9: 170 - 171، ابن المرتضى: طبقات المعتزلة 17، تهذيب التهذيب 2: 263، تقريب التهذيب 1: 165، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 165 - 169.
(3)
في جزءٍ ضائع من أجزاء الكتاب الأولى.
رَوَى عَنْهُ ابنُه عَبْدُ اللَّه بن الحَسَن بن الحَسَن، وابن عَمّهُ الحَسَن بن مُحَمَّد ابن الحَنَفِيَّة، وإبْراهيم بن الحَسَن، والوَلِيد بن كَثِيْر، وإسْحَاق بن يَسَار، وسُهَيْلُ بن أبِي صالح، وسعِيْد بن أبي سَعيْد، وأبو بَكْر بن حَفْص بن عُمَر بن سَعْد بن أبي وقَّاصٍ، وحُمَيْد بن أبي زَيْنَب، والفُضَيْل بن مَرْزُوق.
أخْبَرَنا أبو سَعْد ثَابِتُ بن مُشرَّف بن أبي سَعْد البَنَّاء البَغْدَاديّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم نَصْرُ بن نَصْر بن عليّ بن يُونس العُكْبَرِيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن عُبيد اللَّه بن نَصْر بن الزَّاغُونِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن أحْمَد البُسْرِيّ (a)، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّصُ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن هَارُون، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن صالح بن النَّطَّاح، قال: حَدَّثَنَا المُنْذِر بن زِيَاد، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بن الحَسَن بن الحَسَن بن عليّ بن أبي طَالِب، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ
(1)
، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قال: مَنْ أجْرَى اللَّهُ على يَدَيهِ فرَجًا لمُسْلم فَرَّج اللَّهُ عنه كَرْبَ الدُّنْيا والآخرة.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو البَرَكات الأنْمَاطِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا عُمَر بن أحْمَد بن إسْحَاق، قال: حَدَّثَنَا خَليفَة بن خَيَّاط
(2)
، قال: حَسَن بن حَسَن بن عليّ بن أبي طَالِب، أُمُّهُ خَوْلَةُ بنت مَنظُور بن زَبَّان بن سَيَّار من بني فَزَارَةَ.
أنْبَأنَا عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو غَالِب بن البَنَّاء، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن،
(a) تقدم ذكره في العديد من الأسانيد: ابن البسري.
_________
(1)
المناوي: فيض القدير 6: 28 (رقم 8405)، كنز العمال 15: 781 (رقم 43083).
(2)
طبقات خليفة 339.
قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا الزُّبير بن بَكَّار
(1)
، قال: فوَلَد الحَسَن بن عليّ بن أبي طَالِب: الحَسَن بن الحَسَن، وأُمُّه خَوْلَة بنت مَنْظُور بن زَبَّان بن سَيَّار بن عَمْرو بن جابر بن عَقِيل بن هلال بن سُمَيِّ بن مَازِن بن فَزَارَة بن ذُبْيَان بن بَغِيض بن رَيْث بن غَطَفَان، وأُمُّها مُلَيْكَة بنتُ خارِجَة بن سِنَان بن أبي حَارِثَة بن نُشْبَة بن غَيْظ بن مُرَّة بن عَوْف بن سَعْد بن ذُبْيَانَ، وأُمُّها تُمَاضِر بنتُ قَيْس بن زُهَيْر بن جَذِيْمَة بن رَوَاحَة بن رَبِيْعَة بن مَازِن بن الحارث بن قُطَيْعَة بن عَبْس بن بَغِيض.
وإخْوَتُه لأُمِّه: إبْراهيم (a)، ودَاوُد، وأُمُّ القَاسِم، بنو مُحَمَّد بن طَلْحَة بن عُبَيْد اللَّه. وكان الحَسَنُ بن عليّ خلَفَ على خَوْلَة بنت مَنْظُور حين قُتِلَ مُحَمَّد بن طَلْحَة.
قال: وحَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ
(2)
، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن الضَّحَّاك بن عُثْمان الحِزَامِيّ، عن أَبيهِ، قال: زَوَّجَهُ إِيَّاها عَبْدُ اللَّه بن الزُّبَيْر، وكانت عنده أخْتُها لأُمِّها وأبيها تُمَاضِر بنتُ مَنْظُور بن زَبَّان، وهي أُمُّ بَنِيْه: خُبَيْب، وحَمْزَة، وعَبَّاد، وثَابت؛ بني عَبْد اللَّه بن الزُّبَيْر، فبلَغَ ذلك مَنْظُور بن زَبَّان فقال: مثْلي تَفْتأتُ عليه بُنَيَّتُهُ! فقَدِمَ المَدِينَة، فركَزَ رايةً سَوْداء في مَسْجِد رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلَم يَبْقَ قَيْسِيٌّ بالمَدينَة إلَّا دَخَل تَحْتها، فقيل لمَنَظُور: أينَ يُذْهَبُ بكَ، تَزَوّجَها الحَسَنُ بن عليّ، وزَوَّجَهَا عبد اللَّه بن الزُّبَيْر؟ وملَّكَهُ الحَسَنُ أمرها، فأمْضَى ذلك التَّزْويجَ. وفي ذلك يقول حُفَيْز العَبْسِيّ
(3)
: [من البسيط]
إن النَّدي من بني ذُبْيَانَ قد علمُوا
…
والجُوْدَ في آل مَنْظُور بن سَيَّارِ
(a) في نسب قريش: إبراهيم الأعْرج.
_________
(1)
بعضه عند ابن بكار: جمهرة نسب قريش 1: 143، ونسب قريش لمصعب الزبيري 46.
(2)
لم أقف عليه في جمهرة نسب قريش لابن بكار، وانظر قريبًا منه في نسب قريش لمصعب الزبيري 239، وهو بنصه في تاريخ ابن عساكر 13:63.
(3)
الأبيات الأربعة عند ابن بكار: جمهرة نسب قريش 1: 89، وابن عساكر 13: 63 (وتحرف اسم الشاعر فيه إلى حفير)، وهذه الأبيات مما يُنسب إلى جرير، انظر ديوانه 163 - 164.
الماطِرينَ بأيْديهِمْ نَدًى دِيمًا
…
وكُلَّ غَيْثٍ من الوَسْمِيِّ مِدْرَارِ
تَزورُ جارتَهُمْ وَهْنًا هديَّتُهُمْ
…
وما فَتَاهُمْ لها وَهْنًا بزوَّارِ
تَرْضَى قُرَيْشٌ بهم صِهْرًا لأنفُسِهِمْ
…
وهُم رضًى لبني أُخْتٍ وأصْهَارِ
أنْبَأنَا زَيْدُ بن الحَسَن، عن أبي البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين بن الطُّيُورِيّ وثَابِت بن بُنْدَار، قالا: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه الحُسَين بن جَعْفَر، وأبو نَصْر مُحَمَّد بن الحَسَن، قالا: حَدَّثَنَا الوَلِيد بن بَكْرٍ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن أحْمَد بن زَكَرِيَّاء، قال: أخْبَرَنا صالح بن أحْمَد، قال: حَدَّثَني أبي
(1)
، قال: وابنُهُ حَسَن بن حَسَن بن عليّ بن أبي طَالِب، وأُمُّه ابنَةُ أبي مَسْعُود الأنْصَاريّ.
وهكذا قال أحْمَد بن عَبْد اللَّه بن صالح العِجْلِيّ فيما رَوَاهُ صالح ابنه عنهُ، وبنتُ أبي مَسْعُود أُمُّ أخيهِ زَيْد بن الحَسَن بن عليّ، وأمَّا الحَسَن بن الحَسَن فأُمُّه خَوْلَة بنت مَنْظُور كما رَوَيناهُ.
أنْبَأنَا ابن طَبَرْزَد، عن أبي غَالِب أحْمَد بن الحَسَن بن البَنَّاءِ، عن الحَسَن بن عليّ، قال: أخْبَرنا أبو عُمَر بن حَيَّوَيه، قال: أخْبرَنا سُلَيمان بن إسْحَاق بن إبْرَاهيم الجَلَّاب، قال: حَدَّثَنَا حَارِثُ بن أبي أُسامَة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بنُ سَعْد
(2)
، قال: في الطَّبَقَةِ الثَّالثَة من أهْلِ المَدِينَة حَسَن بن حَسَن بن عليّ بن أبي طَالِب بن عَبْد المُطَّلِب، وأُمُّه خَوْلَة بنتُ مَنْظُور بن زَبَّان بن سَيَّار بن عَمْرو بن جَابِر بن عَقِيل بن هِلال بن سُمَيّ بن مَازِن بن فَزَارَة.
أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه الحُسَين بن عُمَر بن بَاز في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الحَقّ بن عَبْد الخَالِق، قال: أخْبَرَنا أبو الغَنائِم بن النَّرْسِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد الغُنْدجَانِيّ، قالا: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عَبْدَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ سَهْل، قال: أخْبَرَنا
(1)
العجلي: تاريخ الثقات 117.
(2)
طبقات ابن سعد 5: 319.
مُحَمَّد بن إسْمَاعيْل البُخاريّ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن الحَسَن بن عليّ بن أبي طَالِب الهاشِميّ، عن أَبِيهِ الحَسَن، رَوَى عنهُ الحَسَن بن مُحَمَّد، وإبْراهيم بن الحَسَن، ورَوَى خَالِد عن سُهَيْل بن أبي صالح، عن حَسَن بن حَسَن، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مُرْسَل.
أنْبَأنَا القَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة اللَّه
(2)
، قال: الحَسَنُ بن الحَسَن بن عليّ بن أبي طَالِب بن عَبْد المُطَّلِب بن هاشِم، أبو مُحَمَّد الهاشِميّ المَدِيْنِيّ.
رَوَى عن أَبِيهِ الحَسَن، وفاطِمَة بنت الحُسَين، وعبد اللَّه بن جَعْفَر بن أبي طَالِب.
رَوَى عَنْهُ ابنُهُ عَبْدُ اللَّه بن الحَسَن، وابن عَمّه الحَسَن بن مُحَمَّد ابن الحَنَفِيَّة، وإبْراهيم بن الحَسَن، وسُهَيْل بن أبي صالح، وأبو بَكْر بن حَفْص بن عُمَر بن سَعْد بن أبي وَقَّاص، وحُمَيْد بن أبي زَيْنَب، وسَعِيْد بن أبي سَعيد مَوْلَى المَهْرِيّ، وإسْحَاق بن يَسَار والد مُحَمَّد بن إسْحَاق، والوَلِيد بن كَثِيْر.
وقَدِمَ دِمَشْق وَافِدًا على عَبْد المَلِك بن مَرْوَان.
وقال الحافِظُ
(3)
: أخْبَرَنا أبو الحُسَيْن بن الفَرَّاء، وأبو غَالِب، وأبو عَبْد اللَّه ابْنَا البَنَّاء، قالوا: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر بن المُسْلِمَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخِلِّصُ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بن بَكَّار
(4)
، قال: وكان الحَسَن بن الحَسَن وَصِيَّ أبيهِ، ووَليَ صَدَقَة عليّ بن أبي طَالِب في عَصْره. وكان جَجَّاج بن يُوسُف قال
(1)
تاريخ البخاري الكبير 2: 289.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 61.
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 65.
(4)
لم يرد عند ابن بكار في جمهرة نسب قريش، وهو بنصه عند عمه مصعب الزبيري: نسب قريش 46 - 47.
له يَوْمًا، وهو يُسَايرُه في مَوْكِبهِ (a) بالمَدِينَة، وحَجَّاج يَوْمئذٍ أمير المَدِينَة: أَدْخِلْ عمَّكَ عُمَرَ بن عليّ معك في صَدَقَة عليّ، فإنَّهُ عمُّكَ وبَقِيَّةُ أهْلكَ! قال: لا أُغَيِّرُ شَرْطَ عليّ، ولا أُدْخِلُ فيها مَنْ لم يُدْخِلْ، قال: إذًا أُدْخِلَهُ معك، فنكصَ عنه الحَسَنُ حين غفَل الحَجَّاج. ثمّ كان وَجْهُهُ إلى عَبْد المَلِك حتَّى قَدِمَ عليه، فوَقَف ببابهِ يطلُب الأذنَ، فمرَّ به يَحْيَى بن الحَكَم، فلمَّا رآه يَحْيَى، عَدل إليهِ فسَلَّم عليه وسَأله عن مَقْدَمه وخَبره وتَحَفَّى بهِ، ثُمَّ قال: إنِّي سَأنفعُكَ عند أَمِير المُؤْمنِيْن -يعني عَبْد المَلِك- فدخَل الحَسَنُ على عَبْد المَلِكِ، فرحَّب به، وأحْسَن مُسَاءَلتَهُ، وكان الحَسَنُ بنُ الحَسَن قد أسْرَع إليَه الشَّيْبُ، فقال له عَبْد المَلِك: لقد أسْرَع إليكَ الشَّيْبُ! ويَحْيَى بن الحَكَم في المَجْلِسِ، فقال له يَحْيَى: وما يمنَعُه يا أَمِيرَ المُؤْمنِيْن، شَيَّبَهُ أمَانِيَ أهْلِ العِرَاق، كُلَّ عام يَقْدم عليه منهم رَكْبٌ يُمَنُّونَهُ الخِلَافَة، فأقْبَلَ عليه الحَسَنُ بن الحَسَن فقال: بئسَ واللَّه الرِّفْدُ رَفَدْتَ! وليس كما قُلْتَ؛ ولكنَّا أهْلَ بيتٍ (b) يُسْرِع إلينا الشَّيْبُ، وعَبْد المَلِك يَسْمَعُ، فأقْبَل عليه عَبْد المَلِك فقال: هَلُمَّ ما قَدِمْتَ له، فأخْبره بقول الحَجَّاج، فقال: ليس ذلك له، اكْتُبُوا له كِتَابًا لا يُجاوِزهُ (c)، فوصَلَهُ، وكَتَبَ له. فلمَّا خَرَجَ من عنده، لقيَهُ يَحْيَى بن الحَكَم، فعاتَبَهُ الحَسَنُ على سُوءِ مَحْضَره، وقال: ما هذا بالَّذي (d) وَعَدْتَني، فقال له يَحْيَى: إيْهًا عنكَ، واللَّه لا يَزَالُ يَهَابُكَ، ولولا هَيْبَتُهُ إيَّاكَ ما قَضَى لكَ حاجةً، وما ألُوْتُكَ رِفْدًا.
قال الحافِظُ
(1)
: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن عُمَر بن حَفْص الحَمَّامِيّ المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن سَلْمَان بن الحَسَن الفَقِيه، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ
(a) الزبيري: مركبه.
(b) الزبيري: أهل البيت.
(c) في الأصل: لا يجاوره.
(d) الزبيري وابن عساكر: الذي.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 65 - 66.
اللَّه بن مُحَمَّدُ بن عُبَيْد، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن الحُسَين (a)، قال: حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن سَعْد -وصَوَابُهُ: سَعيد- قال: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عن عَبْد المَلِك بن عُمَيْر، قال: كَتَبَ الوَلِيدُ بن عَبْد المَلِك إلىِ عُثْمان بن حَيَّان المُرِّيّ: انظُر الحَسَن بن الحَسَن فاجلدْهُ مائة ضَرْبةٍ، وقِفْهُ للنَّاس يوْمًا، ولا أرَاني إلَّا قاتِلهُ، قال: فبَعَثَ إليهِ فجيءَ به والخُصُوم بينَ يَدَيْهِ، قال: فقام إليهِ عليّ بن حُسَيْن، فقال: يا أخي تكلَّمّ بكَلِمَات الفَرَج؛ يُفَرِّجُ اللَّهُ عنكَ: لا إلَه إلَّا اللَّه الحَلِيم الكَرِيْم، سُبْحَان اللَّه رَبّ السَّمَوَات السَّبعْ، ورَبّ العَرْش العَظِيم، الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالَمِين، قال: فقالَها، قال: فانْفَرَجت فرْجَةٌ من الخُصُوم، فرآهُ فقال: أَرَى وَجْهَ رَجُل قد قُرِفَ (b) عليه كذْبَة؛ خَلُّوا سَبِيْله، أنا كاتبٌ إلى أَمِير المُؤْمنِيْن بعُذْره؛ فإنَّ الشَّاهِد يَرَى ما لا يَرَى الغائب.
قال الحافظُ
(1)
: كَذَا في كتابي، والصَّوَاب مُحَمَّد بن سعيد، وهو ابن الأصْبَهَانِيّ، وقد أَخْبَرَنا بالحِكايَة على الصَّوَاب أبو القَاسِم مَحْمُود بن أحْمَد بن الحَسَن بِتبْرِيز، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضائِل مُحَمَّد بن أحمد بن عُمَر بن الحَسَن بن يُونسُ، قال: حَدَّثَنَا أبو نُعَيْم الحافِظ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّدُ بن حَيَّان، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الحُسَين (c)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سَعيْد، فذكَرَها، إلَّا أنَّهُ قال: عُثْمان بن سَعيد المُرِّيّ، وذلك وَهْمٌ، والصَّوَاب عُثْمان بن حَيَّان كما تقدَّم، وكان وَالي الوَلِيد على المَدِينَة.
ورُويت من وَجْهٍ آخر عن عَبْد المَلِك فزيْدَ في إسْنَادهِا رَجُل، وذكَر أنَّ الوَالي كان هِشَام بن إسْمَاعِيْل.
(a) ابن عساكر: الحسن.
(b) ابن عساكر: قرفت.
(c) ابن عساكر: الحسن، وتقدم مثله في الرواية الأولى.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 66.
قال
(1)
: أخْبَرَنا بها أبو القَاسِم زَاهِر بن طَاهِر، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن الحُسَين الحافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه الحافِظ (a)، ومُحَمَّد بن مُوسَى، قالا: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن عليّ بن عَفَّان، قال: حَدَّثَنَا حُسَيْن بن عليّ، عن زَائِدَة، عن عَبْد المَلِك بن عُمَيْر، قال: حَدَّثَني أبو مُصْعَب: أنَّ عَبْد المَلِك بن مَرْوَان كَتَبَ إلى عَامِلِه بالمَدِينَة هِشَام بن إسْمَاعِيْل: إنَّهُ بَلَغَني أنَّ الحَسَن بن الحَسَن يُكَاتِبُ أهل العِرَاق، فإذا جاءكَ كتَابي هذا فابْعَثْ إليه، فلْيُؤْتَ بهِ، قال: فجيءَ به إليه، وشَغَلَهُ شيءٌ، قال: فقام إليه عليّ بن حُسَيْن، فقال: يا ابن عَمّ، قُلْ كلمات الفَرَج: لا إلَه إلَّا اللَّه الحَلِيمُ الكريمُ، لا إلَه إلَّا اللَّه العَليُّ العَظِيم، سُبْحَان اللَّه رَبّ السَّمَوَات السَّبعْ، ورَبّ العَرْشِ العَظيْم، الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالَمِين. قال: فَخَلا للآخر وَجْهُهُ، فنَظر إليه وقال: أرَى وَجْهًا قد قُشِبَ بكذْبةٍ، خَلُّوا سَبِيلَهُ، وليُرَاجَع فيه أَمِير المُؤْمنِيْن.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه يَحْيَى بن الحَسَن بن البَنَّاء، إجَازَةً إنْ لم يكن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر بن المُسْلِمَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّصُ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن سُليَمان، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن بَكَّار
(2)
، قال: وكان عَبْد المَلِك بن مَرْوَان قد غَضِبَ غَضْبةً له (b)، فكَتَبَ إلى هِشَام بن إسْمَاعِيْل بن هِشَام بن الوَلِيد (c) بن المُغِيرَة، وهو عَامِلُهُ على المَدِينَة، وكانتُ بنتُ هِشَام بن إسْمَاعِيْل زَوْجةَ عَبْد المَلِك، وأُمَّ ابنه هِشَام، فكَتَبَ إليه: أنْ أَقِمْ آلَ عليّ يَشْتِمُون عليَّ بن أبي طالِب، وأقِمْ آل عَبْد اللَّه بن الزُّبَيْر يَشْتِمُون عَبْدَ اللَّه بن الزُّبَيْر،
(a) سقط من نشرة ابن عساكر سند أبي عبد اللَّه الحافظ.
(b) ليست في كتاب الزبيري.
(c) كرر في الأصل اسم الوليد.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 66.
(2)
لم يرد في كتاب ابن بكار، وهو عند عمه مصعب الزبيري: نسب قريش 47 - 48، وابن عساكر 13:68.
فقَدِمَ كتابُه على هِشَام، فأبَى آلُ عليٍّ وآلُ عَبْد اللَّه بن الزُّبَيْر [ذلك](a)، وكَتَبُوا وَصَايَاهُم، فركبتْ أُخْتٌ لهِشَام إليه، وكانت جَزْلَةً عَاقِلةً، فقالت: يا هِشَامُ، أَتُرَاكَ الّذي يُهْلك (b) عَشِيْرَته على يَدِه! راجع أَمِير المُؤْمنِيْن، قال: ما أنا بفاعِلٍ، قالت: فإنْ كان لا بُدَّ من أمْر، فمُرْ آل عليٍّ يَشْتِمُون آلَ الزُّبَيْر، ومُرْ آل الزُّبَيْر يَشْتِمُون آلَ عليّ، قال: هذه أفْعَلُها، فاسْتَبْشَر النَّاسُ بذلك، وكانت أهْونَ عليهم. فكان أوَّلَ مَنْ أُقِيْمَ إلى جانب المَرْمَر الحَسَنُ بن الحَسَن، وكان رَجُلًا رَقِيْق البَشَرَة، عليه يَوْمئذٍ قَمِيْص كَتَّان رقيقهُ (c)، فقال له هِشَام: تكَلَّم بسَبّ آل الزُّبَيْر، فقال: إنَّ لآل الزُّبَيرْ رَحِمًا أَبُلُّهًا ببِلَالها، وأرُبُّها برِبَابها، {وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ}
(1)
، فقال هِشَام لحَرَسيٍّ عندهُ: اضْرُبْ، فضَرَبَهُ سوْطًا واحدًا من فَوْق قَمِيْصه فخلصَ إلى جلْدِه فشَرَخَهُ حتَّى سَال دَمُهُ تحْتَ قَدمِهِ في المَرْمَر، فقام أبو هاشِم عُبَيْدُ اللَّه بن مُحَمَّدُ بن عليّ فقال: أنا دُوْنَهُ، اكفيْكَ أيُّها الأَمِيرُ، فقال في آل الزُّبَيْر، وشَتَمهُم، ولم يَحْضُر عليّ بن الحُسَين؛ كان مَرْيْضًا، أو تَمَارَضَ، ولم يَحْضُر عَامِر بن عبد اللَّه بن الزُّبَيْر، فهَمَّ هِشَام أنْ يُرْسِل إليهِ فقيل له: إنَّهُ لا يَفْعل أفنقْتُلُه؟ فأمْسَكَ عنْهُ، وحَضَر من آل الزُّبَيْر مَنْ كَفَاهُ، وكان عَامِر يَقُول: إنَّ اللَّه لم يَرْفَع شيئًا فاسْتَطاع النَّاسُ خَفْضَهُ، انظرُوا إلى ما يَصْنعُ بنو أُمَيَّةَ، يخْفضُون [عليًّا](d) ويُغْرُون بشَتْمه وما يُزيدُه اللَّه بذلك إلَّا رفْعَة (e).
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، إذْنًا أو سَمَاعًا، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد الحَسَن بن عليّ إمْلاءً، قال: أخْبَرَنا عليّ بن عُمَر بن أحْمَد الحافِظُ، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل
(a) زيادة من كتاب الزبيري.
(b) الزبيري: تهلك.
(c) الزبيري: رقيق.
(d) من كتاب الزبيري.
(e) الزبيري: يريد اللَّه. . . رفْعَهُ، والمثبت موافق لرواية ابن عساكر.
_________
(1)
سورة غافر، الآية 41.
الأَدَمِيّ، قال: حَدَّثَنَا الفَضْلِ بنُ سَهْلِ، قال: حَدَّثَنَا أبو أحْمَد الزُّبَيْرِيّ، قال: حَدَّثَنَا فُضَيْل بن مَرْزُوق، قال: سَمِعْتُ حَسَن بن حَسَن يقُول لرَجُل من الرَّافِضَة: واللَّه لئن أمْكَن اللَّهُ منكُم لتقَطعن أيْديكم وأرجْلَكم من خِلَاف ولا تُقْبل منكُم تَوْبَة.
قال ابنُ طَبَرْزَد: أخْبَرَنا أبو غَالِب أحْمَد بن الحَسَن بن البَنَّاء، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن عليّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل عُبيدُ اللَّه بن عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه بن إسْحَاق المَدَائِنِيّ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن هَارُون، عن فُضَيْل، قال: سَمِعْتُ الحَسَن بن الحَسَن يقول لرَجُل من الرَّافضَة: إنَّ قَتْلكَ لقُرْبةٌ إلى اللَّهِ عز وجل، فقال له الرَّجُل: إنَّك تَمْزَحُ، فقال: واللَّه ما هذا بمُزَاحٍ، ولكنَّه منِّي الجِدّ.
أخْبَرَنا أبو الوَحْش بن نَسِيم في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه الفَرَاوِيّ، قال: أخْبَرَنا أَبو بَكْر البَيْهَقِيِّ، قال: أخْبَرَنا يَحْيَى بن إبْراهيم بن مُحَمَّد بن يَحْيَى، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن يعْقُوب، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبد الوَهَّاب، قال: أخْبَرنا جَعْفَر بن عَوْن، قال: أخْبَرَنا فُضَيْل بن مَرْزُوق، قال: سَمِعْتُ الحَسَن بن الحَسَن، وسَأله رَجُلٌ: ألَم يقُلْ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم
(2)
: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فعِليٌّ مَوْلَاهُ؟ قال لي: بلَى، واللَّه لو يَعْني بذلك رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الإمَارة والسُّلْطان لأفْصَح لهم بذلك، فإنَّ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان أنْصَح للمُسْلِمين، لقال: يا أيُّها النَّاسُ، هذا وَليُّ أمْركُم، والقَائِم عليكم من بَعْدِي، فاسْمَعُوا له وأطيعُوا، واللَّه لئن كان اللَّه ورَسُوله اخْتار عَليًّا لهذا الأمر وجَعَلَهُ القَائِم للمُسْلِمين من بَعْدِه، ثمّ تركَ عليّ أمرَ اللَّه ورسُوله، لكان عليٌّ أوَّل منْ تَرَكَ أمْرَ اللَّهِ وأمْرَ رَسُولهِ.
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 69.
(2)
أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 5: 319 من طريق الفضيل بن مرزوق، به.
قال البَيْهَقِيُّ
(1)
: ورَوَاهُ شَبَابَةُ بن سَوَّار، عن الفُضَيْل بن مَرْزُوق، قال: سَمِعْتُ الحَسَن بن الحَسَن أخا عَبْد اللَّه بن الحَسَن وهو يَقُول لرَجُل ممَّن يتولَّاهُم، فذَكَر قِصَّةً، ثُمَّ قال: ولو كان الأَمْر كما يقُولُون إنَّ اللَّه ورسُوله اخْتَار عليًّا لهذا الأمر وللقيام على النَّاسِ بعد رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، إنْ كان عليٌّ لأعْظَم النَّاس خَطِيْئَةً وجُرْمًا في ذلك إذ تَرَك أمْرَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يعني فلَم يَمْضِ لِمَا أمَرَهُ أو يعذر فيه إلى النَّاسِ، قال: فقال له الرَّافِضِيُّ: ألم يَقُل رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فعليٌّ مَوْلَاهُ؟ فقال: أمَا واللَّهِ إنَّ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لو كان يعني بذلك الإمْرَةَ والسُّلْطانَ والقيامَ على النَّاس بَعْدَهُ لأفْصَح لهم بذلك، كما أفْصَحَ لهم بالصَّلاةِ، والزَّكَاة، وصِيَام رمَضَان، وحَجِّ البَيْت، ولقال لهم: إنَّ هذا وَليّ أمْركُم من بَعْدِي فاسْمَعُوا له وأطِيْعُوا، فما كان من وراء هذا شيء، فإنَّ أفْصَح (a) النَّاس كان للمُسْلِمين رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
قال البَيْهَقِيّ
(2)
: وأخْبرناهُ أبو بَكْر أحْمَدُ بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس الأصَمُّ، [قال] (b): حَدَّثَنَا يَحْيَى بن أبي طَالِب، قال: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بن سَوَّار، قال: أخْبَرَنا الفُضَيْل بن مَرْزُوق، فذَكَرهُ.
أخْبَرَنا أبو عليّ حَسَن بن إبْراهيمِ بن هِبَة اللَّه بن دِيْنار المِصْرِيّ بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو مُطِيع مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن أبي عليّ القَاضِي، وأخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أبي عَبْد اللَّه بن عليّ بن مُشَرَّف، والشَّريف أبو الفَضْل يَحْيَى بن عَبْد اللَّه بن هاشِم الحَلَبِيَّان بها، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَرَج يَحْيَى بن مَحْمُود الثَّقَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَدَّاد، قِراءَةً
(a) عند البيهقي في الاعتقاد: أنصح.
(b) ساقطة من الأصل.
_________
(1)
كتاب الاعتقاد للبيهقي 355.
(2)
كتاب الاعتقاد 355.
عليهِ وأنا حَاضِرٌ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو نُعَيْم أحْمَد بن عَبْد اللَّه الأصْبَهَانِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّه بن جَعْفَر بن فَارِس، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَاصِم، قال: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، قال: حَدَّثَنَا الفُضَيْل بن مَرْزُوق، قال: سَمِعْتُ الحَسَن بن الحَسَن أخا عَبْد اللَّه بن الحَسَن وهو يَقُول رَجُل ممَّن يَغْلُو فيهم: وَيْحَكُمُ! أحبُّونا للَّه عز وجل، فإنْ أطَعنا اللَّه عز وجل فأحبُّونا، وإنْ عَصينا اللَّه عز وجل فأبغضُونا، قال: فقال له الرَّجُل: ذوو قَرَابَة من رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأهْل بيته، فقال: وَيْحَكُم! لو كانَ اللَّه نَافعًا بقَرَابَةٍ من رَسُوله بغير عَمل بطَاعَته لنَفَع بذلك مَنْ هو أقْرَب إليهِ منَّا؛ أباهُ وأمُّهُ، واللَّه إنِّي لأخاف أنْ يُضَاعف للعَاصِي منَّا العَذَاب ضِعْفَين، واللَّه إنِّي لأرجُو أنْ يُؤْتَي المُحْسن منَّا أجْرَه مَرَّتَين. قال: ثُمَّ قال: لقد أساءَ بنا أباؤنا وأُمَّهاتنا إنْ كان ما تقُولُون في دِيْن اللَّه حَقًّا، ثمّ لَم يُخبرونا به، ولم يُطْلعُونا عليه، ولم يُرَغِّبُونا فيه، فنحنُ واللَّه أقْرب منهم قَرَابَةً منكم، وأوْجَب عليهم حَقًّا، وأحقّ بأنْ يُرَغِّبُوا فيه منكم، ولو كان الأمر كما تَزْعمُون، وأنَّ اللَّه اخْتارَ عليًّا لهذا الأمْر والقيام على النَّاس بعده، إنْ كان عليّ أعْظَم النَّاس في ذلك خَطِيْئَة وجُرْمًا إذ تَرَك أمْرَ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنْ يقُوم فيه، لما أمَرَهُ، أو يعذر (a) فيه إِلى النَّاس، قال: فقال له الرَّافِضِيُّ: ألَم يقُلْ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعليّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فعليٌّ مَوْلَاهُ؟ قال: أَمَ واللَّه لو عَنَى رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك الإمارة والسُّلْطان والقيام على النَّاس، لأفْصَح لهم بذلك، كما أفْصَح لهم بالصَّلاةِ، والزَّكَاةِ، وصِيَامِ رَمَضَان، وحَجَّ البَيْت، ولقال لهم: أيُّها النَّاسُ، إنَّ هذا وليّ أمْركم من بعديّ، فاسْمَعُوا وأطيعُوا، فإنَّ أنْصَح النَّاسِ كان للمُسْلِمين رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم. اللَّفْظُ لأبي بَكْر بن أبي عليّ القَاضِي.
(a) الأصل: يعدل، والتصويب من ابن عساكر 13:71.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر بن المُسْلِمَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر المُخَلِّصُ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن بَكَّار، قال: حَدَّثَني عَمِّي مُصْعَب
(1)
، قال: وتُوفِّيَ الحَسَن بن الحَسَن فأوْصَى إلى إبْراهيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة وهو أخُوه لأُمِّه.
الحَسَنُ بن الحَسَن بن عليّ بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريُّ، الإمَام أبو المَجْد المَعْرُوفُ بابنِ النَّحَّاس
(2)
كان فَقِيهًا فَاضِلًا، شَافِعيَّ المَذْهَب، دَرَّس الفِقْه على مَذْهَب الإمَام الشَّافِعيّ رضي الله عنه، سَمِعَ بالإسْكَنْدَرِيَّة الحافِظ أبا طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ، وسَمعَ أبا المُظَفَّر سَعيد بن سَهْل الفَلَكِيّ، وأبا سَعْد بن أبي عُصْرُون بدِمَشْق، وحَدَّثَ بدِمَشْقَ بشيءٍ من حَدِيثه، وكان يَنْظِمُ الشِّعْر، وذَكَرَ لي ابنُه الشَّيْخ الصَّالِح أبو بَكْر بن الحَسَن أنَّ أباهُ دَخَلَ حَلَب، ورَوَى لنا عنْهُ أبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد القُوصِيّ، وأخْبَرَني أنَّ مَوْلدَ هذا الإمَام -يعني ابن النَّحَّاس- في شُهُور سَنَة ثلاثين وخَمْسِمائَة.
أخْبَرَنا أبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد بن عبد الرّحْمن القُوصِيّ، وكان مُجَالِسًا حَسَنًا، قال: أخْبَرَنا الفَقِيهُ الإمَامُ مَجْدُ الدِّين أبو المَجْد الحَسَن المَذْكُور بن الحَسَن بن علِيّ أبي الحَسَن، رحمه الله، بقِرَاءَتي عليه في شُهُور سَنَة سَبْع وتِسْعِين وخَمْسمائَة بدِمَشْق المَحْرُوسَة، قلتُ له: أخْبَرك الإمَام قاضِي القُضَاة أبو سَعْد عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن أبي عُصْرُون، وكان حَاكِمًا حَسَنًا، قال: أخْبَرَنا تاج الإسْلَام
(1)
مصعب الزبيري: نسب قريش 49.
(2)
توفي سنة 600 هـ، وترجمته في: التكملة للمنذري 2: 69 (أرخ وفاته سنة 601 هـ)، تاريخ الإسلام 13: 34 - 35 (أرخ وفاته 601 هـ).
أبو عَبْد اللَّه الحُسَينُ بن نَصْر بن مُحَمَّد بن خَمِيْس، وكان مُفْتِيًا حَسَنًا، قال: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الثِّقَةُ أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ الطُّرَيْثِيثِيّ، بقِرَاءَتي عليه وهو يسْمَعُ في العشر الأخير من رَبيع الأوَّل سَنَة إحْدَى وتِسْعِين وأرْبَعِمائة يَغْدَاد، بجانبها الشَّرْقيّ، في مَسْجِد الرِّباطِ، وكان إمَامًا حَسَنًا، قال: حَدَّثَنَا الشَّيْخ أبو سَعْد فَضْل اللَّه بن مُحَمَّد نبَيْسَابُور، في سَنَة خَمْسٍ وثَلاثين وأرْبَعِمائة، وجَميعْ حَالِة حَسَن، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس المُسْتَغْفِرِيّ بحَدِيثٍ حَسَن، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس بن أبي الحُسَين بن أبي الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن زَكرِيَّاء الغَلَابِيّ، رجُلٌ حَدِيثُه حَسَن، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن، قال: حَدَّثَنا الحَسَن، عن الحَسَن بن أبي الحَسَن، عن الحَسَن
(1)
أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: أحْسَن الحَسَن الخُلْق الحَسَن.
قال أبو العبَّاس بن أبي الحُسَين: أمَّا الحَسَن الأوَّل، فهو الحَسَن بن زِيَاد، وأمَّا الحَسَنُ الثَّاني فهو الحَسَنُ بن حَسَّان، وأمَّا الحَسَنُ الثَّالثُ فهو الحَسَنُ بن أبي الحَسَن البَصْرِيّ، وأمَّا الحَسَنُ الرَّابِع فهو الحَسَنُ بن عليّ بن أبي طَالِب عليه السلام وعلى أبائهِ الكِرَام.
قال أبو المَحَامِد القُوصِيّ: وتُوفِّيَ هذا الإمَام مَجْدُ الدِّين رحمه الله بدِمَشْق في شهر رَبيع الأوَّل سَنَة ستمائة، رَحْمَةُ اللَّهِ عليهِ.
(1)
أخرجه القضاعي في مسند الشهاب 2: 108 - 109 (رقم 986)، وينظر: المناوي: فيض القدير 2: 417 (رقم 2183)، المتقي: كنز العمال 3: 7 (رقم 5153)، العجلوني: كشف الخفاء 1: 261 (رقم 691).
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبِهِ تَوْفِيقِي
الحَسَنُ بن الحَسَن بن عليّ بن نَاهِض الرَّبَعِيّ ثمّ الشَّيْبَانِيّ الصَّعيْديّ، أبو عليّ المَعْرُوف بالمُعْتَمد القَفْطِيّ المِصْرِيّ
(1)
من أهْل قَفْط بَلْدَةٍ من بِلَادِ الصَّعِيْد، شَاعِرٌ مُجِيْدٌ فَاضِلٌ، حَسَنُ المُحاضَرَة.
قَدِمَ حلَبَ وأقام بها مُدَّةً، واجْتَمَعْتُ به مِرَارًا مُتَعدِّدة، وأنْشَدَني أشْعَارًا كَثِيْرة لم أكْتُب منها شيئًا، وسَمِعْتُه في بعض الأوْقَات في مَجْلِس المَلِك الظَّاهِر غَازِي بن يُوسُف بن أَيُّوب ينشدُهُ من شِعْره مَدِيْحًا فيه لا أَتَحقَقُهُ الآن، وكتَبَ عنهُ صَاحِبُنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن شُحَانَة الحَرَّانيّ، وقال لي ابن شُحَانَة: كان أبو عليّ الرّبَعِيِّ عَالِمًا بالأدَب، وأيَّام النّاس، وعِلْم النَّسَب، حَسَن الشِّعْر جَيِّدَهُ، كَثِيْر المَحْفُوظ، حُلْو النَّادِرَة.
تُوفِّي بالرُّهَا في مُنْتَصَف شَوَّال سَنَة ثَمان عَشرة وستِّمائة، ودُفِنَ بمَقْبَرَة باب شَاع بكَرْم الدُّوْد (a) .
الحَسَنُ بن الحَسَن المِصِّيْصيُّ
شَاعِرٌ مُتَقَادِمُ العَصْر، من أهْل المِصِّيْصَة.
(a) في التكملة للمنذري: باب شاع بكوم الدود.
_________
(1)
توفي سنة 618 هـ، وترجمته في: التكملة للمنذري 3: 62، المقريزي: المقفى الكبير 3: 360 (أرخ وفاته سنة 617 هـ).
قَرأتُ بخَطِّ المُحَسِّن بن عَبْدِ اللَّه بن عَمْرو أبي القَاسِم التَّنُوخِيّ المَعَرِّيّ في كتابه الّذي وَسَمَهُ بالنَّائِب عن الإخْوَان
(1)
: للحَسَن بن الحَسَن المِصِّيْصيّ: [من البسيط]
قد كُنْتُ أرْجُوكَ لي إنْ فاقَةٌ نَزَلَتْ
…
وأَنْ تُحقِقَ فيكَ الظَّنَّ والأَمَلَا
حتَّى وَرَدْتُ فلَوْ أظْفَرْ بفَائِدَةٍ
…
ورحْتُ أُنْشِدُ بيتًا سَائِرًا مَثَلا
ما زلتُ أسْمعُ كم من وَاثقٍ خَجِلٍ
…
حتَّى ابتُلِيْتُ فكُنْت الوَاثِق الخَجِلا
ذِكْرُ مَن اسم أبيْهِ الحُسَين ممَّن اسْمُه الحَسَن
الحَسَنُ بن الحُسَين بن بُنْدَار بن عُبيد اللَّه بن خَيْر، أبو بَكْر الأنْطَاكِيّ
حَدَّثَ عن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن الفَضْل الأدِيْب، والحَسَن بن أحْمَد البَالِسِيّ. رَوَى عنهُ عَبْد الجَبَّار بن أحْمَد المُقْرئ الطَّرَسُوسِيّ، والحَسَنُ بن بَقَاء بنُ مُحَمَّد الهَمْدَانيّ.
أخْبَرَنا أبو عُمَر لؤلُؤ بن عَبْدِ اللَّه الفُنُونِيّ بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَةُ اللَّه بن عليّ البُوْصِيرِيّ قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّدُ بن بَرَكات بن هِلَال السَّعْدِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُنَ سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّد بنُ سَلامَة بن جَعْفَر القُضاعيّ
(2)
، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الجَبَّار بن أحْمَد المُقْرِئ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بنُ الحُسَين بن بندَار الأنْطَاكِيّ، قال: حَدَّثَنا مَحْمُود بن مُحَمَّد الأدِب، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس عبْدُ اللَّه بن عَبْد الحَمِيْد القُرَشيّ، قال: حَدَّثَنَا ابنُ أبي فُدَيْك، قال: حَدَّثَنَا
(1)
لم أقف على ذكر له سوى عند ابن العديم، ونقل عنه أيضًا في كتابه الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) 4:89.
(2)
مسند الشهاب 1: 174 (رقم 177)، وينظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 11: 339، المناوي: فيض القدير 5: 534 (رقم 8187)، كنز العمال 15: 677 (رقم 43696)، العجلوني: كشف الخفاء 2: 279 (رقم 2319).
إبْراهيم بن الفَضْل بن سُلَيمان، عن المَقْبُريّ، عن أبي هُرَيْرَة، قال: قال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: مُعْتَرَكُ المَنَايا ما بينن السِّتِّين إلى السَّبْعين.
الحَسَنُ بن الحُسَين بن جَعْفَر بن أحْمَد بنِ دَاوُد ابن المُطَهَّر بن زيَاد بن رَبِيْعَة بن الحَارِث بن رَبِيْعَة بن أنْوَر ابن أرْقَم بن أَسْحَمِ -وقيلَ: أنْوَر بن أَسْحَم- ابن النُّعْمان، وهو السَّاطِع ابن عَدِيّ بن عَبْد غَطَفَان بن عَمْرو بن بَرِيْح ابن جَذِيْمة بن تَيْم اللَّات، أبو الرَّجَاء التَّنُوخِيّ المَعَرِّيّ
حدَّثَ بمَعَرَّة النُّعْمَان عن آمِنَة بنْت الحَسَن بن إسْحَاق بن بُلْبُل. كَتَبَ عنهُ أبو الفِتْيَان عُمَر بن عَبْد الكَريم الدِّهِسْتَانِيّ.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ اللَّه بن الشِّيْرَازيّ، فيما أجَازَهُ لي، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي الفِتْيان عُمَر بن عَبْد الكَريم الدِّهِسْتانيّ: أخْبَرنا أبو الرَّجَاء الحَسَن بن الحُسَين بن جَعْفَر بن أحْمَد بن دَاوُد بن المُطَهَّر التَّنُوخِيّ بمَعَرَّة النُّعْمَان، قال: أخْبَرَتْنا آمِنَةُ بنْتُ الحَسَن بن إسْحَاق بن بُلْبُل (a)، قالت: حَدَّثَنَا أبي القَاضِي أبو سَعِيد الحَسَن بن إسْحَاق بن بُلْبُل سنة إحْدَى وخَمْسِين وثَلاثِمائة، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن شَيْبَة بن الوَلِيد بن سَعيد بن خَالِد بن يَزِيد بن تَمِيْم بن مالك -وتَمِيْم قُتِلَ يَوْم الدَّار مع عُثْمان- الدِّمَشقيّ، بدِمَشْق، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن أبي الحَوَارِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الكَريم بن يَزِيد الغَسَّانِيّ، عن أبي الحَارِث الخُشَنِيّ (b)، عن أَبِيهِ الحَسَن بن يَحْيَى الخُشَنِيّ، عن ابن جُرَيْج (c)، عن
(a) تاريخ ابن عساكر في هذا السند والذي يليه: ابن يليل!.
(b) في تاريخ ابن عساكر في هذا الموضع وتاليه: الحسني، تحريف.
(c) الأصل وتاريخ ابن عساكر: ابن جريح، وتقدم التعليق عليه.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 36: 471.
ابن أبي رَبَاح، عن أبي هُرَيْرَة
(1)
، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قال: مَنْ صَلَّى بعد المَغْرب اثنتي عَشْرة رَكْعَة، يقرأُ في كُلِّ رَكْعَةٍ بفَاتِحَة الكِتَابِ وسُوْرة، حتَّى إذا كان آخر رَكْعَةٍ قرأ بين السَّجْدَتَيْن بفَاتِحَة الكِتَاب سَبعْ مَرَّاتٍ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
(2)
سَبعْ مَرَّات، وبآية الكُرْسِيّ سَبعْ مَرَّاتٍ، ويقُول: لا إلَه إلَّا اللَّه، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْك وله الحَمْدُ، بَيدهِ الخَيْرُ، وهو على كُلّ شيءٍ قَدِيْرٌ، عَشْر مَرَّاتٍ، ثمّ سَجَد آخر سَجْدَة، فيقُول في سُجُوده بعد تَسْبيحِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بمَعَاقِد العِزّ من عَرْشِكَ، ومُنْتَهى الرَّحْمَة من كِتَابِكَ، وباسْمكَ العَظِيْم، وبجَدِّكَ الأعْلَى، وكَلِمَاتكَ التَّامَّة، ثمّ يَسْأل اللَّه. فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: لو كان عليهِ من الذُّنُوب عَدَد رَمْل عَالِج، وأيّام الدُّنْيا، لغَفَر اللَّه -يعني له- فقال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تُعَلِّمُوها سُفَهاءَكم فيَدْعُون بها لأمرٍ بَاطِلٍ فيُسْتَجاب لهم.
الحَسَنُ بن الحُسَين بن الحَسَن بن عَبْد اللَّه بن حَمْدَان ابن حَمْدُوِن بن الحَارِث بن لُقْمَان، أبو مُحَمَّد بنِ أبي عَبْد اللَّه ابن أبي مُحَمَّد بن أبي الهَيْجَاء التَّغْلبِيّ، الأمِيرُ المُلَقَّب ناصِر الدَّوْلَة وسَيْفها ابن ناصِر الدَّوْلَة ابن ناصِر الدَّوْلَة
(3)
وَلِيَ إمْرَة دِمَشْق في أيَّامِ المُسْتَنْصِر الفَاطِميّ بعد أمير الجُيُوش أَنُوشْتِكِيْن الدِّزْبِرِيّ في جُمَادَى الآخرة سَنة ثَلاثٍ وثَلاثين وأرْبَعِمائة.
(1)
تفرّد ابن عساكر في تاريخه بإخراجه من حديث أبي هريرة، وأورده السيوطيّ في اللآلى المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 2: 57 - 58 من طريق ابن عساكر، به.
(2)
سورة الإخلاص، آية 1.
(3)
توفي سنة 460 هـ، وقيل: 465 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 77، الهمذاني: قطع تاريخية من عنوان السير 115 - 116، ابن الأثير: الكامل 10: 80 - 87، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 19: 363 - 365، زبدة الحلب 1: 333 وما بعدها، ابن ميسر: المنتقى من أخبار مصر 7 - 8، تاريخ الإسلام 9: 588 - 589، سير أعلام النبلاء 17: 630 - 631، تحفة ذوي الألباب للصفدي =
وكان مُعِزّ الدَّولَة ثِمَال بن صالح بن مِرْدَاس الكِلابِيّ أمير حَلَب، قد عَصَى بحَلَب على المُسْتَنْصِر، فسَيَّرَ ناصِرَ الدَّوْلَة إلى حَلَب في سَنَة تِسْعٍ وثلاثين
(1)
، ومعه عَبْد العَزِيْز بن حَمْدَان، فوَصَلُوا حَلَب بعد أنْ فَتَحُوا في طَريقهم حَمَاة ومَعَرَّة النُّعْمَان، فخَرَجَ أهْل حَلَب لقِتَاله فهَزَمَهُم، واخْتَنق منهم في الباب سَبْعة عَشر ألْفَ نَفْسٍ، ونَزَل بصِلْدِي؛ قَرْيَة قريبةٍ من حَلَب على نَهْر قُوَيْق، وكان معه شُجاع الدَّوْلَة جَعْفَر بن كِلِّيْد، فجاءَهُم سَيْلٌ في اللَّيْل فأهْلَكَ العَسْكَر، وانْهَزَم ناصِرُ الدَّوْلَة من صِلْدِي إلى دِمَشْق، فقَبَض عليه بدِمَشْق الأَمِيرُ مُنِير الدَّوْلة، وسَيَّرَهُ إلى مِصْر في يَوْم الجُمُعَة مُسْتَهَلّ شَهْر رَجَب من سَنَة أرْبَعيْن وأرْبَعِمائة، ووَلِيَ بعده دِمَشْق طَارِق الصَّقْلَبِيّ.
ثُمَّ رَضِيَ عنه المُسْتَنْصِر فاسْتَوْلَى على أُمُور الدَّوْلَة بالدِّيَار المِصْرِيَّة وهَمَّ بزَوَالها، وحَصَر المُسْتَنْصِر بمُوَافَقَة جَمَاعَة من القُوَّاد، فلم يتمّ له ما أرَاد، وظُفِرَ به فقُتِلَ.
أنْبَأنَا أبو نَصْر بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الشَّافِعيّ
(2)
، قال: الحَسَن بن الحُسَين بن عَبْد اللَّه بن حَمْدَان بن حَمْدُون، أبو مُحَمَّد التَّغْلِبِيّ الأَمِير المَعْرُوف بناصِر الدَّوْلَة وسَيْفها، وَلِيَ إمْرَة دِمَشْق في أيَّام المُلَقَّب بالمُسْتَنْصِر، بعدَ أمير الجُيُوش الدِّزْبِرِيّ في جُمَادَى الآخرة سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثين وأرْبَعِمائة، فلم يَزَل وَاليًا بها إلى أنْ قُبِضَ عليه وسُيِّر إلى مِصْر مُسْتَهَلّ رَجَب سَنَة أرْبَعيْن وأرْبَعِمائة، ووَلِيَ بعدَهُ طَارِق الصَّقْلَبِيّ المُسْتَنْصِرِيّ.
= 2: 30 - 32، الوافي بالوفيات 11: 419 (أرخ وفاته سنة 440 هـ)، النجوم الزاهرة 5: 90 - 91، المقريزي: المقفى الكبير 3: 354 - 360، المقريزي: اتعاظ الحنفا 2: 201 - 310، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 173، محسن الأمين: أعيان الشيعة 5: 52 - 53.
(1)
أرخه ابن ميسر في كتابه أخبار مصر 7 في سنة 440 هـ.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 77.
قلتُ: أسْقَطَ الحافِظ ذِكْرَ جَدّه الأَمِير ناصِر الدَّوْلَة أبي مُحَمَّد الحَسَن بن عَبْد اللَّه أخي سَيْف الدَّوْلَة، وهو صاحب المَوْصِل.
أنْبَأنَا عبد الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: قرأتُ بخَطِّ شَيْخنا أبي مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ: الأَمِير المُظَفَّر ذُو المَجْدَين حَسَن بن حُسَيْن بن حَمْدَان أبو مُحَمَّد، وَصَل إلى دِمَشْق في جُمَادى الآخرة من سَنَة ثلاثٍ وثَلاثين وأرْبَعِمائة في يَوْم الأرْبَعَاء السَّادِس عَشر منه، ووَصَل معه الشَّريفُ القَاضِي نَقِيْبُ الطَّالِبيِّيْن أبو يَعْلَى حَمْزَة بن الحَسَن بن العبَّاس، وقبضَ عليه الأَمِير مُنِير الدَّوْلَة بدِمَشْق في يَوْم الجُمُعَة مُسْتَهَلّ رَجَب سَنَة أرْبَعيْن وأرْبَعِمائة.
قَرَأتُ في كتاب عُنْوَان السِّيَر، تأليف مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك الهَمَذَانيّ
(2)
، قال: وماتَ أبو عَبْد اللَّه الحُسَين ابن ناصِر الدَّوْلَة أبي مُحَمَّد بن حَمْدَان بِصُوْر وهو وَاليها من قِبَل المِصْرِيِّيْن، فقَام مَقَامَهُ ابنُه أبو مُحَمَّد الحَسَن، واسْتَولَى على دِمَشْق، فنفَّذَ إليه المُسْتَنْصِر خَادِمًا له في سَنَة أرْبَعيْن وأرْبَعِمائة، فقَبَضَ عليهِ، ونفَّذَ بهِ إلى مِصْر. ثمّ رَضِيَ عنه، فاسْتَوْلَى على أُمُور الدَّوْلَةِ هُناكَ، ثُمَّ أرَادَ أنْ يُزيْل أمْرَهم، فقَتَلُوه في سَنَة ستٍّ وسِتِّين وأرْبَعِمائة.
هذا وَهْمٌ في قَتْل ناصِر الدَّوْلَة الحَسَن؛ فإنَّهُ قُتِلَ على ما يأتي ذِكْره في سَنة ستِّين، وقُتِلَ ابنُه الحُسَين في سَنَة خَمْسٍ وسِتِّين.
قَرأتُ بخَطِّ بعض الحَلَبِيِّيْنِ: كان الشَّيْخُ ناصِرُ الدَّوْلَة ابن حَمْدَان وَصَل من مِصْر في عَسَاكِر كَثيْرة، ونَزَلَ على حَلَب، وحَاصَرها أيَّامًا، ومَالِكها إذ ذاكَ مُعِزّ الدَّولَةِ ثِمَال بن صالح، فأرْسَل اللَّه تعالَى عليه سَيْلًا لَم يُسْمَع بمثْلهِ، غَرَّق أكْثَرَ المضَارب، وأَتْلَفَ الرِّجالَ، وأهْلَكَ الدَّوَابّ المَشْبُوحةَ، فانْهَزَم عن
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 77.
(2)
قطع تاريخية من كتاب عنوان السير 115 - 116.
حَلَب، وعاد إلى مِصْر في شُهُور سَنَة إحْدَى وأرْبَعين وأرْبَعِمائة وفي ذلك يقُول مَنْصُور بن تَمِيْم بن الزَّنْكَل من قَصِيدةٍ يَذْكُرُ فيها ما لبني كِلَاب من الوَقَائِع والمآثِر
(1)
: [من الطويل]
ألَيْسَ هُمُ ردُّوا ابنَ حَمْدَان عَنْوَةً
…
على عقْبِهِ لا يَتَّقُونَ العَوَاقِبا
وَجَاءَ ابن كِلِّيْد بكَيْدٍ وقُوَّةٍ
…
فكِدْنَاهُ كَيْدًا لم نُمَهِّلهُ ثَاقِبَا
غَدَا مُوْقِدًا نارًا فأمْسَى وقُوْدَها
…
وباتَ لكأسِ الحَتْف بالبَغْي شَارِبَا
ولقى مُقَلَّد بن كَامِل جَعْفَر بن كِلِّيْد بكَفَرْ طَاب ففَتَلَهُ، وقد ذَكَرنا ذلك في تَرْجَمَةِ جَعْفَر
(2)
.
نَقَلْتُ من تاريخ أبي الحَسَن عليّ بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ بخَطِّه: سَنَة ستِّين وأرْبَعِمائة، وفيها وثَبَ ناصِرُ الدَّوْلَة الحَسَن بن الحُسَين بن الحَسَن ناصِر الدَّوْلَة ابن عَبْد اللَّه بن حَمْدَان، وجَمَاعَةُ قُوَّادِ الأتْرَاك بمِصْر وحَصَرُوا المُسْتَنْصِر. حَدَّثني أبي، قال: نظَرَ نَاصِرُ الدَّوْلَة ابن حَمْدَان إلى أخيهِ المُهَذَّب، وقد وَفَر له وَفْرةً من شَعره، فقال له: يا مُهَذَّب، نحنُ قَوْمٌ خَوَارِج عَرَب، أينَ أنْتَ وهذا الشَّعرُ الّذي قد تَرَكْتَهُ!؟ فقال له المُهَذَّبُ: يا مَوْلَانا، نحنُ قَوْمٌ خَوَارِجُ، وقَلَّما ماتَ الخَارِجِيّ إلَّا مَقْتُولًا فيكُون حَمْل المَقْتُول بشَعَره المَضْفُور خَيْرٌ من أنْ يُخْرق شِدْقُهُ ويُحْمَل به أو بلِحْيَته. فقال ناصِرُ الدَّوْلَة: ذَخِيْرَة سَوءٍ ليَوْم مَيْشُوم
(3)
. قال: فحَدَّثَني جَمَاعَةٌ بعد ذلك أنَّهم رَأوا نَاصِر الدَّوْلَة حين قُتِلَ والمُهَذَّب في جَمَاعَة الأُمَرَاءِ، ورَأس المُهَذَّب مَحْمُول بدَبُّوقَته المَضْفُورة، وناصِر الدَّوْلَة قد ثُقِبَ شِدْقُهُ، وقد حُمِلَ بهِ.
(1)
البيت الأول وبيت آخر في زبدة الحلب 1: 239.
(2)
في الضائع من أجزاء الكتاب.
(3)
من كلام العوام، وصوابه: مشئوم. انظر الصفدي: تصحيح التصحيف 503.
الحَسَنُ بن الحُسَين بن رَجَاء بن أبي الضَّحَّاك
(1)
وقيل فيه: الحَسَن بن الحَسَن بن رَجَاء بن الضَّحَّاك.
وَلِيَ حَلَب وأكْثر أعْمَال الشَّام، وتُوفِّيَ بها في جُمَادَى الأُوْلَى من سَنَة إحْدَى وثَلاثِمائة، ووَليها بعدَهُ وَصِيْف البَكْتَمُرِيّ؛ قَرَأتُه في تَعْلِيقٍ وَقَعَ إليَّ لبعض الحَلَبِيِّيْن.
والصَّحيحُ أنَّ اسْم أبيه الحَسَن
(2)
، وكان يتقلَّد فَارِس.
الحَسَنُ بن الحُسَين بن عليّ بن عُبَيْدِ اللَّه بن مُحَمَّد، أبو عليّ الرُّهَاوِيّ المُقْرِئَ
(3)
اجْتازَ بحَلَب أو بعَملها في طَرِيقِه من الرُّهَا إلى دِمَشْق.
وذَكَرَهُ الحَافِظُ أبو القَاسِم الدِّمَشقيّ في تاريخ دِمَشْق
(4)
، بما أنْبَأنَا بهِ القَاضِي أبو نَصْر الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظُ، قال: الحَسَن بن الحُسَين بن عليّ بن عُبَيْد اللَّه (a) بن مُحَمَّد، أبو عليّ الرُّهَاوِيّ المُقْرِئ، حَدَّثَ عن أبي مُحَمَّد بن أبي نَصْر.
(a) ابن عساكر: عبد اللَّه.
_________
(1)
توفي سنة 301 هـ، وترجمته في: صلة تاريخ الطبري لعريب القرطبي 11: 46، الصولي: أخبار المقتدر باللَّه العباسي من كتاب الأوراق 168، ابن العديم: زبدة الحلب 1: 100، أبو الفداء: اليواقيت والضرب 80.
(2)
تقدمت الترجمة له تحت هذا الاسم فيما سلف.
(3)
توفي سنة 455 هـ، وترجمته في: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم لابن زبر (ذيوله) 361، تاريخ ابن عساكر 13: 77 - 78 وكل الترجمة منه، لسان الميزان 2: 201، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 173 - 174.
(4)
تاريخ ابن عساكر 13: 77.
أخْبَرَنا
(1)
أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: تُوفِّي الحَسَنُ بن الحُسَين الرُّهَاوِيّ المُقْرِئ في جُمَادَى الآخرة سَنَة خَمْسٍ وخَمْسِين وأرْبَعِمائة، وكان فيه تَخْليطٌ عَظِيم؛ كان يُحَدِّث بما لَم يَسْمَع، ويُركِّب على الشُّيُوخ بغير مَعْرفَة، فإذا قيل له أنْكَر ذلك. حَدَّثَ عن أبي مُحَمَّد بن أبي نَصْر، عن القَاضِي أبي الحَسَن بن صَخْر برسَالة أبي بَكْر، وكُلّ واحدٍ منهما لم يَلْق الآخر، وتُوفِّيَ أبو الحَسَن بن صَخْر بعد الأرْبَعِين وأرْبَعِمائة -قال ابنُ الأكْفانِيّ: في سَنَة ثَلاثٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة- وقد وَجَدْتُ أنا نُسْخَة الرُّهَاوِيّ بهذه الرِّسَالَة، وقد كَتَبَ فيها سَمَاعَهُ من أبي مُحَمَّد بن أبي نَصْر سَنَة عَشْر وأرْبَعِمائة، وذَكَرَ أنَّ سَمَاعَهُ بقراءته (a) بخَطِّ أبي نَصْر بن الجَبَّان، وليس الخَطّ خَطّ ابن الجَبَّان؛ فإنَّهُ لا يَخْفَى على مَنْ يَعْرفه! ونَسَبَ ابن الجَبَّان إلى غير أبيهِ؛ فإنَّهُ قال: وكَتَبَ أبو نَصْر عَبدُ الوَهَّاب بن إبْراهيم، المَعْرُوف بابنِ الجَبَّان بحَضْرَة الشَّيْخ، وابن الجَبَّان اسْم أبيهِ عَبْد اللَّه بن عُمَر بن أَيُّوب، لا يُعْرف في نَسَبه مَن اسْمُه إبْراهيم، وهذا أدَلُّ على تَخْلِيْطه وافْتِضَاحِه. واللَّه يَعْصمنا من الكَذِب والتَّزْوِيْر برَحْمته ومَنِّه.
الحَسَنُ بن الحُسَين بن مُحَمَّد بن عِجْل، أبو مُحَمَّد العِجْلِيّ الكِلابِيّ
(2)
المَعْرُوف أبُوه بالصُّوْفيّ. وقيل: إنَّ اسم أبيهِ: الحَسَن، وإنَّما لُقِّبَ بالصُّوْفيّ لأنَّهُ كان يُقَصِّرُ ثِيَابه.
(a) ابن عساكر: بقراءتي.
_________
(1)
الكلام لابن عساكر والنقل متتابع عنه.
(2)
توفي سنة 497 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 79 - 80، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 19: 533 (سلكه في وفيات سنة 495 هـ)، تاريخ الإسلام 10: 789، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 174.
وتوَلَّى ابنهُ الحَسَنِ هذا رئاسة دِمَشْق، وكان من أهْلِ حَلَب، وله بها دارٌ، وهي الدَّارُ الّتي وقَفها قاضِي القُضَاة أبو المَحَاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم مَدْرَسَةً على أصْحَاب الشَّافِعيّ، وكان له أمْلَاكٌ بحَلَب ومَعَرَّة مَصْريْن، وكان أبُوه مُقِيْمًا بسَرْمِيْن، وهو جَدُّ سَدِيْد المُلْك عليّ بن مُنْقِذ صاحب شَيْزَر لأُمِّه، وانْتَقَلَ إلى دمَشْق، وسَكَنَها، وحدَّثَ ولده الحَسَن هذا عن أبي الحَسَن بن عَوْف، وسَمِعَ منه أَبو مُحَمَّد بن صَابِر.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليِّ بن الحَسَن
(1)
، قال: الحَسَنُ بن الحُسَين بن مُحَمَّد، أبو مُحَمَّد ابن الصُّوْفِيّ الكِلابِيّ، رئيس دِمَشْق، سَمِعَ أبا الحَسَن بن عَوْف، وحدَّثَ بشيءٍ يَسِيْر. سَمِعَ منهُ شَيْخُنا أبو مُحَمَّد بن صَابِر، وكان أصْلهُ من حَلَبَ، سَكَنَ أبوه دِمشْق، وكان يُقَصِّرُ ثِيَابه فَلُقِّبَ الصُّوْفيّ.
قال الحافِظُ
(2)
: بَلَغَني أنَّ الرَّئِيسِ أبا مُحَمَّد تُوفِّي سَنَة سَبْعٍ وتِسْعِين وأرْبَعِمائة يَوْم الثّلاثَاءِ الحَادِي والعشْرين من رَجَب، ويقال: سَنَة ستٍّ.
الحَسَنُ بن الحُسَين بن مَنْدَل، أبو عليّ النَّحْوِيّ
(3)
قَدِمَ مَعَرَّة النُّعْمَان، ولَقِيَ بها أبا العَلَاء بن سُلَيمان، قَرَأ عليهِ خَمِيْس بن عليّ الحَوْزِيّ.
قَرأتُ بخَطِّ أبي الكَرَم خَمِيْس بن عليّ بن أحْمَد الحَوْزِيّ الوَاسِطِيّ على فَصِيح ثَعْلَب، في تَسْمِيْعٍ ذَكَرَ فيه إسْنَادَهُ، ثمّ قال: إلَّا أنَّي لَم أقْرأه على أحدٍ
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 79.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 80.
(3)
من أهل القرن الخامس الهجري فإن الحوزي القارئ عليه توفي سنة 510 هـ.
أعْلَم بهِ من شَيْخنا أبي عليّ الحَسَن بن الحُسَين بن مَنْدَل النَّحْوِيّ، ولكن لم يُسْنِدْهُ، وكان يَغْضَبُ إذا قيل له: على مَنْ قَرَأتَهُ؟ مع أنَّهُ قد لَقِيَ أبا العَلَاء المَعَرِّيّ وغيره.
الحَسَن بن الحُسَين بن وَاسَانَة بن مُحَمَّد -وقيل: اسْمُهُ الحُسَين بن الحَسَن- أبو القَاسِم التَّمِيْمِيّ الوَاسَانِيّ
(1)
شَاعِرٌ مُجِيْدٌ، حَسَن الشِّعْر، خَبِيْث اللِّسَان هَجَّاءٌ، قيل إنَّ مَوْلدَهُ بحَلَب، ومَسْكَنه دِمَشْق، وقَدِمَ حلَبَ من دِمَشْق، ومَدَحَ بها أبا الفَضائِل سَعيد بن شَرِيْف بن عليّ بن حَمْدَان، وإليهِ تُنْسَبُ (a) حَمَّام الوَاسَانِيّ، وكان له دارٌ إلى جانبها بالقُرْبِ من البلَاط، وكانت الحَمَّام والدَّار قد قُبِضَتا في أيَّام بَني حَمْدَان، فقَدِمَ حلَبَ على أبي الفَضائِل ومَدَحَهُ فأطْلَقَهُما، أو سَلَّمَهُما إليه.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن السَّمَرْقَنْديّ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْقُوب الأدِيْبُ في كتابهِ، عن أبي مَنْصُور الثَّعالِبِيّ
(2)
، قال: أبو القَاسِم الحُسَين (b) بن الحَسَن بن وَاسَانَة بن مُحَمَّد الوَاسَانِيّ، أُعْجُوبَة الزَّمان ونَادِرَتُه، وفَرْد عَصْره ونَابِغَتُه (c)، وهو أحَدُ المُجِيْدين (d) في الهِجَاء، وكان في زَمَانِهِ كابن الرُّوميّ في أوَانِهِ، فمن
(a) كذا في الأصل، جعل الحمَّام مؤنثًا.
(b) كذا نقله كما هو في كتاب الثعالبي، وفوقه "صـ"، ونبّه على وجه الصواب فيه بعد انتهاء النقل عن الثعالبي.
(c) في اليتيمة: وباقعته، والباقعة: الداهية من الرجال. لسان العرب، مادة: بقع.
(d) اليتيمة: الفضلاء المجيدين.
_________
(1)
توفي نحو سنة 390 هـ، وترجمته في: يتيمة الدهر للثعالبي 1: 335 - 355، سماه: الحسين، وأورد قصائد كثيرة وطويلة من شعره في مناسبات عديدة، الباخرزي: دمية القصر 1: 136، ياقوت: معجم الأدباء 3: 1049 - 1061 وسماه: الحسين بن الحسن وأورد له قصائد طويلة.
(2)
يتيمة الدهر 1: 335.
شِعْره قَوْلُه يَهْجُو ابن أبي أُسامَة: [من الكامل]
يا سَاكِني حَلَبَ العَوَاصِم
…
جَادَهَا صَوْبُ الغَمَامَه
أَنَا في مَدِينتِكم غَرِيْب
…
لَسْتُ منِ أهْلِ الإقَامَه
والخَانُ يُحْدَثُ للغَرِيْب
…
إذا أَبَنَّ بهِ سَآمَه
فغَرِضْتُ (a) من طُول المَقَام
…
بها وأعْوَزَت المُدَامَه
فَخَرَجْتُ في بَعْضِ اللَّيَالي
…
قَاصِدًا بابَ السَّلامَه
بابُ السَّلامَة: باب كان جَدَّده سْمَّا الطَّويل على جِسْرِ باب أنْطَاكِيَة الرَّاكِب على نَهْر قُوَيْق عند الدَّادَين، وسَمَّاه باب السَّلامَة، ورَكَّب عليه بابًا أخَذَهُ من قَصْرٍ من قُصُور الهاشِميِّين يُعْرَفُ بقَصْر البَنَات.
وشَرِبْتُ من بئر بهِ
…
مَنْ يَأْته (b) يَنْقَعْ أُوَامَه
ورتَعْت في فلَوَاتها (c)
…
وعَلوتُ مُرْتَقيًا أكَامَه
فلَمَحْتُ في بَعْضِ الوِهَا
…
دِ وقد بَعُدْت سَوَادَ هَامَه
فسَعَيْتُ أحْسِبُها قَطَا
…
ةً (d) أو حدَاةً أو حَمَامَه
وذَكَرَ تَمَام القَصِيدَة
(1)
، أضْرَبْتُ عن ذِكْرِها تحَوُّبًا من إيْرَادها لِمَا فيها من الهَجْو الفَاحِش، والقَذْف الشَّنِيع.
وهكدا سَمَّاهُ الثَّعالِبي: الحُسَين بن الحَسَن، والأصَحَّ عندي: الحَسَن بن الحُسَين؛ فإنَّني نَقَلْتُ من خَطِّ أبي عَمْرو عُثْمان بن عَبْد اللَّه بن إبْراهيم الطَّرَسُوسيِّ، قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان، وكان فَاضِلًا مُسْندًا ثَبْتًا، وكان في عَصْر الوَاسَانِيّ، ولعلَّهُ اجْتَمع به بحَلَب، وسَمعَ منه ما صُوْرته: لأبي القَاسِم الحَسَن بن
(a) اليتيمة: فقرضت.
(b) اليتيمة: يأتها.
(c) اليتيمة: فلواته.
(d) اليتيمة: غرابًا.
_________
(1)
انظر القصيدة بتمامها عند الثعالبي: يتيمة الدهر 1: 335 - 336.
الحُسَين التَّمِيْمِيِّ الوَاسَانِيّ يمدَحُ الأَمِيرَ أبا الفَضائِل سَعيد بن شَرِيْف بن سَيْف الدَّوْلَة ابن حَمْدَان، ويَسْأله في رَدِّ حَمَّامِهِ ودَاره بحَلَب، وكانا مَقْبُوضَتَين مُقْطَعَتَيْن لبَعْض الجُنْد
(1)
: [من مجزوء الكامل]
لو كُنْتُ أمْدَحُ للجُدَا
…
لشَرَعْتُ في بَحْر النَّدَى
وأَمَمْتُ بالتَّأْميْل مَوْ
…
لَانا الأَمِيرَ السَّيِّدا
أوْلَى المُلُوك بأنْ يُنَا
…
طَ بهِ الرَّجَاءُ ويُقْصَدَا
وأحقَّ أنْ يَهَبَ الطَّرِيـ
…
ـفَ لسَائلٍ والمتْلَدَا
مَنْ لو رآه حَاتِمٌ
…
في مَجْلِسٍ صَخِبِ الصَّدَا
بَادِي الوَقَارِ يَهَابُ فـ
…
ـيْهِ جَلِيْسُهُ أنْ يَعْنَدَا
يقري البُدُورَ إذا قَرَى الـ
…
ـقَوْمُ السَّديْفَ مُسَرْهَدا
أو طَلْحَةُ الطَّلحاتِ أو
…
كَعْبٌ لَخَرُّوا سُجَّدَا
لكنَّني أنْحي مَطَا
…
لِبيَ السَّبِيْلَ الأقْصَدَا
وأرَى التَّجَمُّلَ والتَّصَـ
…
ـوُّنَ منذُ كُنتُ الأَمْرَدَا
ولكُلّ طَالِب بُغْيَةٍ
…
من دَهْره ما عُوِّدَا
ورَأيْتُ مَوْلَانا أقَا
…
مَ اليَوْمَ أَعْلَامَ الهُدَى
وأَشَاعَ عَدْلًا قد أعَا
…
دَ لنا الزَّمانَ كما بَدَا
عَمَّ القَرِب بِهِ وأَسْـ
…
ـهَمَ في السُّرُورِ الأبْعَدَا
وكذاكَ مَذْهبُ مثْلهِ
…
ما جَمارَ فيهِ ولا اعْتَدَى
فعَلِمْتُ أنِّي لا أُرَى
…
بين الشَّرِيْد مُصَرَّدَا
أأبا الفَضائِل لو رأيْـ
…
ـتَ لَدَى الصَّلاةِ المَسْجِدَا
ولَحَظْتَ فيه يدًا تُطَا
…
وِل كُلمَّا رفَعَتْ يَدَا
(1)
القصيدة في تذكرة ابن العديم 18 - 21.
وسَمِعْتَ أصْوَاتًا تُعَا
…
لي بالدُّعَاءِ ليَصْعَدَا
تَدْعُو لمُلْكِكَ بالدَّوَا
…
م على اللَّيالِي سَرْمَدَا
وعلى عِداكَ بأنْ يَصُوْ
…
لَ عليهِمُ سَيْفُ الرَّدَى
ويُردَّ طَرْفُ الدَّهْرِ عن
…
أيَّام عِزَّكَ أرْمَدَا
لعَلمْتَ أنَّكَ ما سَمِحْـ
…
ـتَ بما سَمِحْتَ بهِ سُدَى
لكن أَعشْتَ بذاكَ عَدْ
…
لًا لا يَزَال مُجَدَّدَا
وغَرَسْتَ فيهِ اليَوْمَ غَرْ
…
سًا تسْتَظِلُّ به غَدَا
وفَرَضْتَ جُنْدًا لا يَزَا
…
لُ على العَدُوِّ مُجَنَّدَا
فَمَلَكْتَ أفْئِدةَ العَبِيْـ
…
ـدِ ورُعْتَ أَفْئِدَة العِدَا
وحَوَيْتَ أَجْرًا باقيًا
…
بَعْدَ القُرُون مُخَلَّدَا
ما زلَتْ عَضْبًا مُغْمَدًا
…
زَمَنًا ولَيْثًا مُلْبِدَا
وحَيًا حَمَتْهُ يَدُ اللَّيَا
…
لي أنْ يَصُوْبَ (a) ويُرْعِدَا
حتَّى أتاكَ المُلْكُ عَفْـ
…
ـوا ما مَدَدْتَ لَهُ يَدَا
وَافَاكَ مُشْتَاقًا يَجْـ
…
ـرُّ إلى ذُرَاكَ المِقْوَدَا
فسَلَلْتَ فيه مُهَنَّدًا
…
عَضْبًا ورَأيًا مُحْصِدَا
وعَزِيْمَةً مثْل الشِّهَا
…
ب تجُوبُ خَطْبًا أسْوَدَا
حتَّى اسْتَقَام الأمْرُ في
…
لُطفٍ وكان تَأوَّدَا
فغَدَا مَرِير المُلْك مُنْـ
…
ـزَعِجًا ورَاحَ مُمَهَّدَا
فاسْعَعَدْ بأنَّكَ لا تَزَا
…
لُ على الزَّمانِ مُؤيَّدا
يا أكْرَمَ الأمْلَاك آ
…
بَاءً وأبْعَدَهُم مَدَى
وأجَلَّهُم هِمَممًا وأَشْـ
…
ـرَفَهُم جَمِيعًا مَحْتِدَا
(a) كتب ابن العديم في هامش الأصل: "كي يصوب، أجود".
ما جئتُ مُجْتَدِيًا وإنْ
…
كُنْتَ الأجَلَّ الأمْجَدَا
والأجْوَدَ الوهَّابَ إنْ
…
عَدَّ الرِّجالُ الأجْوَدَا
بَلْ جِئْتُ لَمَّا أنْ رَأيْـ
…
ـتُكَ في المُلُوك الأوْحَدَا
ورَأيْتُ رأيَكَ بينَهُمْ
…
يُدْعَى الأسَدَّ الأرْشَدَا
فحَثَثْتُ أمالِي إلى
…
مَلِكٍ يُسامِي الفَرْقَدَا
يَهَبُ اللُّجَيْنَ لسَائِليـ
…
ـهِ لاهِيًا والعَسْجَدَا
والخملَ بالحُلَلِ (a) الفَوَا
…
خِرِ والإِمَا والأَعْبُدَا
فسَألْتُهُ من عَدْلِهِ
…
ما لسْتُ فيهِ مُفْرَدَا
فأكُون بينَ النَّاسِ في
…
طَلَبِ الكَثِيْرِ مُفَنَّدَا
دَارِي وحَمَّامي أقَلُّ
…
لدَيْكَ من أَنْ يوجَدَا
فهُما الغَدَاةَ كقَطرَةٍ
…
مَدَّتْ خَلِيْجًا مُزْبِدَا
والأرْضُ أوْسَعُ للأَنَا
…
م وأنْتَ أوْسَعُهُم يَدَا
وأحَقهُم طُرًّا بأنْ
…
تَهَبَ الجَزِيْلَ لتُحْمَدَا
فاقْطَعْ لأَهْيَفَ عنهُما
…
من بَحْرِ جُوْدِكَ مَوْرِدَا
واجْعَل لهُ عَيْشًا تُوَ
…
سِّعُهُ عليهِ أرْغَدَا
واشْغَلْهُ عنِّيِ يا سَعِيْـ
…
ـدُ لقِيْتَ جَدًّا أسْعَدَا
إنْ كان مَوْقِعُهُ يُهَا
…
بُ إذا انْتَمَى وتَشَدَّدَا
فأنَا الّذي أُطْبي القُلُو
…
بَ إذا وَقفتُ لأُنْشدَا
أَرْمي عِدَاكَ إذا طَغَوْا
…
بأَمَضَّ من حَزِّ المُدَى
عن مِقْوَلٍ يَهِضُ الجَنَا
…
دِلَ أو يعَضُّ الجَلْمَدَا
(a) في تذكرة ابن العديم: والحلل.
وأزْيَنُ مَجْدَكَ في المَحَا
…
فِلِ رَاجِزًا ومُقَصِّدَا
ويَسِيْرُ شِعْري غَائِرًا
…
بين الكِرَام ومُنْجِدَا
قال: فوعَدَهُ أبو الفَضائِل بإطْلَاقهما، فكَتَبَ إليه يتنَجَّزُ تَوْقيعًا بذلكَ
(1)
: [من مجزوء الكامل]
يا أيُّها المَلِكُ الجَلِيْلُ
…
ظنِّي بكَ الحَسَنُ الجَمِيلُ
وأنا المُقِيْمُ على رَجا
…
ئكَ لا أحُوْلُ ولا أَزُولُ
إذ أَنْتَ (a) تفْعَلُ ما يَضِيْـ
…
ـقُ بهِ المُلُوكُ ولا تَقُولُ
وإذا وَعَدْتَ بفِيْكَ وَعـ
…
ـدًا فالنَّجَاحُ لَهُ كَفيْلُ
وإذا أمرْتَ فما لأَمْـ
…
ـركَ حينَ تُبْرِمُهُ حَوِيْلُ
تمضِي كما يَمْضِي السِّنَا
…
نُ الحَشْر والسَّيْف الصَّقِيْلُ
ولعَبْدِكَ المِسْكِينِ في
…
حَمَّامِهِ خَطْبٌ جَلِيْلُ
ما لي إليهِ بغَيْرِ تَوْ
…
قيْعٍ أَرُوْحُ بهِ سَبِيْلُ
والعُمْر بالأيَّام يَفْـ
…
ــنَى والحَوَادِثُ تَسْتَديْلُ
وبَقَاءُ مِثْلي بعدَ أقْـ
…
ـرَاني الّذين مَضَوا قَلِيلُ
وإذا نَظَرْتُ إلى مَشِيْـ
…
ـبي قُلْتُ قد أزَفَ الرَّحِيْلُ
وإذا اسْتَقَلَّ سِوَاي يَوْ
…
مًا هَاجَ من صَدْري غَليْلُ
فامْنُنْ بتَوقيعٍ بِهِ
…
يأمَنْ لهُ المَجْدُ الأثِيْلُ
يا مَنْ يُقَصِّرُ عن نَوَ
…
افِل كَفِّهِ الغَيْثُ الهَطُولُ
قد طال تَعْلِيلي بهِ
…
لكَ بَعْدَنا العُمْرُ الطَّويْلُ
(a) تذكرة ابن العديم: كنت.
_________
(1)
القصيدة في تذكرة ابن العديم 21 - 22.
قال: فأطْلَقَ له ذلك، وسَلَّمَهُ إليه، فقال يَشْكُرُه لمَّا تَسَلَّم ذلك
(1)
: [من الخفيف]
أيُّها السَّيِّدُ اسْتَمِع قَوْلَ عَبْدٍ
…
لَمِ يَشُبْهُ بالزُّوْرِ والبُهْتَانِ
بل هُوَ الحَقُّ أشْهِدُ اللَّه والنَّا
…
س وآتِي عليهِ بالبُرْهَانِ
أنْتَ واللَّهِ فَهْيَ بالغَةُ الأَيـ
…
ـمان أهْلٌ لليُمْن والإيْمَانِ
وحَقِيْقٌ بأنْ يُبْلِغك اللَّـ
…
ــهُ برَغْمِ الأعْدَاءِ أقْصَى الأمَانِي
وبأنْ لا تَزَالَ ما حَنَّتِ النِّيْـ
…
ـبُ وغنَّى الحَمَامُ في الأغْصَانِ
عَالِيَ الجَدِّ نافِذَ الأمْر والنَّهْـ
…
ـي مُعانًا (a) مُؤيَّدَ السُّلْطانِ
وذَلِيْلَ الأعْدَاءِ في حَيْث ما كا
…
نُوا عَزِيزَ الأنْصَار والأعْوَانِ
وإذا عِشْتَ عُمْر نُوْح قَرِيرَ الـ
…
ـعَيْن جَمَّ السُّرُورِ أو لُقْمَانِ
صِرْتَ منْهُ إلى الجنَانِ وقُوْبِلْـ
…
ـتَ بِمَحْو الذُّنوبِ والغُفْرَانِ
يا أميرَ القُلُوب قادَ هَوَاها
…
واشْتَراها بأوفَر الأَثْمانِ
فَهْيَ تَعْنُو لَهُ وتَمْحَضُهُ النُّصْـ
…
ـحَ بلا رِيْبَةٍ ولا إِدْهَانِ
ذاكَ أنَّ القُلُوبَ تُمْلَكُ بالإحْـ
…
ـسَانِ والخَوْفُ مَالِكُ الأبْدَانِ
والمُطِيعُ الرَّاضِي بقيْمَةِ ما با
…
يَعَ غَيرُ المُسْتَكرَهِ الغَضْبانِ
يا فَتًى ما لَهُ إذا عُد أهْلُ الـ
…
ـفَضْلِ مِن مُشْبِهٍ ولا مِن مُدَانِ
في اتِّسَاعِ الأخْلَاق أو كَرَم الأعْـ
…
ـرَاقِ أو هَيْبَةٍ وقُوَّةِ شَانِ
أو سَمَاحٍ بالمال يُرْغَبُ والأدْ
…
رَاعِ والخَيْل والقُرى والقِيَانِ
كُلّ جَرْدَاءَ كالهِرَاوَة أو أجْـ
…
ـرَدَ كالسَّوَذْنيقِ زَاوي العِنَانِ
(a) الأصل: معافى، والمثبت من تذكرة ابن العديم.
_________
(1)
القصيدة في تذكرة ابن العديم 22 - 30.
لَاحِقِ الأَيْطَلَيْنِ يَحْسِبُهُ النَّا
…
ظِرُ سِمْعًا يَخُوْتُ بينَ رعَانِ
أوْ قَفَاهُ حَسْنَاءَ كالظَّبْيَةِ الأدْ
…
مَاءِ نُورًا والشَّادِنِ الوَسْنَانِ
كَاسِيَاتٍ مُحَلَّياتٍ عُقُودَ الـ
…
ـدُّرِّ فَوْقَ النُّحُورِ والمَرْجَانِ
أَوْهَبُ النَّاس كُلّهِمْ لكَعَابٍ
…
ذات دَلٍّ أو حُلّةٍ أو حِصَانِ
لا يَرَى أنْ يَقُولَ لا أبدًا لَفْـ
…
ـظًا بها أو إشَارَةً ببَنَانِ
وكَرِيمُ المُزَاح إنْ حَضَر الزَّا
…
دُ لبَسْطِ الأكيَل والنّدْمانِ
أَقْرَبُ القَوْم منهُ مَنْ جَاءَ للحَا
…
جَةِ غَرْثَانَ عندَ وضْعِ الخِوَانِ
وحَفيٌّ بفتْيَةٍ ليسَ منهُمْ
…
غَيْرُ ماضي العَزِيْم ثَبْتِ الجَنَانِ
ووَفيٌّ بعَهْدِه طَاهِرُ القَلْـ
…
ـبِ جَدُودٍ في نُصْحِهِ غيْرُ وَانِ
يفتَدِيهِ بنَفْسِهِ دونَ ما تَحْـ
…
ـوي يَدَاهُ في المَأزِق المُتَدَاني
بهِمِ أُثْبِتَتْ قَوَاعدُ مُلْكٍ
…
تَامِكِ الفَرْعِ وَاطِدِ الأرْكَانِ
فتَسَلَّتْ عنهُ المُلُوكُ وحَادَتْ
…
عنِ ضِرَابٍ مِن دُوْنهِ وطِعَانِ
فَهُمُ عندَهُ بمَنْزِلة الإخْـ
…
ـوة دُونَ الأَتْرَابِ والأخْدَانِ
يُكْرِمُ الشَّيْخَ منهُمُ حينَ يلقَـ
…
ـاهُ ويَحْنُو عَطْفًا على الفِتْيَانِ
وَهْو في أعْيُنِ الجَمَاعَةِ كالشَّمَّـ
…
ـاءِ من هَضْبٍ يَلْبُنٍ أو أبَانِ
مَلِكٌ لا يَرى العتَادَ (a) لرَيْب الـ
…
ـدَّهْرِ غيرَ الصِّفَاحِ والأبْدَانِ
وجِيَادٍ جُرْدِ الهوَادِي وسُمُرٍ
…
عَاسِلَاتِ الكُعُوبِ كالأَشْطَانِ
وَاقِفٌّ هَمَّهُ على رَبِّ أحْوَا
…
لِ حُمَاةِ الرِّجالِ والشُّجْعَانِ
وانْتِخابِ البِيْضِ الصَّوَارِم والسُّمْـ
…
ـرِ العَوَالي لكُلِّ حَرْبٍ عَوَانِ
دَهْرُهُ بينَ نَثْرةٍ وحُسَامٍ
…
وجَوَادٍ ذي مَيْعَةٍ وسِنَانِ
(a) الأصل: العناد، والمثبت من تذكرة ابن العديم أوفق للسياق.
غيرُ صَاغٍ إلى سَمَاعِ أغَانٍ
…
مُطْرِباتٍ ولا كَعَابِ غَوَانِ
فَهْوَ والمَجْدُ مِثْل طِرْفَيْ رِهَانٍ
…
أو شَقِيْقَيْن أُرْضِعَا بلِبَانِ
إنْ هُما أُجْرِبا لغَايةِ سَبْقٍ
…
بين غُرٍّ من المُلُوك هِجَانِ
أَقْبَلا أوَّلَيْن شَدًّا وَجَاءَ الـ
…
ـقَوْمُ مِن بَعْدُ في الرَّعِيْل الثَّاني
ما تَكَنَّى أبا الفَضَائِل حتَّى
…
فَضَلَ النَّاسَ بين قَاصٍ ودَانِ
وتَسَمَّى باسْم السَّعَادَةِ والأسْـ
…
ـمَاءُ مَوْصُولَةُ العُرَى بالمَعَاني
هُوَ واللَّهِ مُشْتَري فَلَكٍ أصْـ
…
ـبَحَ باليُمْنِ دَائمَ الدَّوَرَانِ
سَارَ في بُرْجِهِ فأَطْفَأ بالسَّعْـ
…
ـدَ نُحُوسَ المرِّيْخ والدَّبَرَانِ
طَرَفَ اللَّهُ عن عُلَاهُ وإنْ شَا
…
ءَ عَدُوًّا ما قُلْتُ عَيْنَ الزَّمانِ
وكَفَانَا فيه المُلِمَّات ما صَـ
…
ـوَّبَ نَجْمٌ أو لَاحَ بَرْقُ يَمَانِ
فوَحَقِّ الأَنْعام والكَهْف والطُّوْ
…
ر وطَه وسُورَةِ الرَّحْمنِ
لو تُركْنَا نَخْتَارُ بين الأمَانِيّ
…
ونَقْتَادُهُنَّ بالأَرْسَانِ
ما بَلَغْنَا في الحَدْسِ والظَّنِّ مِعَشَا
…
رَ سُرُورٍ نَرَاهُ رَأيَ العِيَانِ
يا كَرِيْمًا آباؤُه أُمَرَاءُ الـ
…
ـعُرْبِ والعُجْمِ من بَني سَاسَانِ
آلُ حَمْدَانَ سَادَةُ النَّاس مُذْ كَا
…
نُوا قَدِيْمًا فى سَالِفِ الأَزْمانِ
وأَحقُّ المُلُوكِ بالفَخْرِ من أضْحَـ
…
ـى أَمِيْرًا عَلَى بَني حَمْدَانِ
سَيِّدٌ يَشْتَرِي الثَّنَاءَ ويَخْشَى الـ
…
ـلَّه في سِرِّهِ وفي الإعْلَانِ
أَيْمَنُ النَّاسِ طَائِرًا يَوْمَ يَلْـ
…
ـقَاكَ بوَجْهٍ من مَائهِ رَيَّانِ
آثَرَ الحَمْدَ والثَّوَابَ على الأَمْـ
…
ـوَالِ يَحْبُو بهِنَّ والبُلْدَانِ
لَم يَدَع آسِفًا يُبَكِّي على مَا
…
لٍ ولا ضَيْعَةٍ ولا دُكَّانِ
لا ولا ظَامِئًا يُعَلَّلُ بالنُّغْـ
…
ـبَةِ بينَ الشَّرِيْبِ في الأحْيَانِ
فكأنَّا كُنَّا مِنَ الضُّرِّ مَوْتَى
…
أُدْرجُوْا مُذ سنُونَ في الأَكْفَانِ
أو أُسَارَى بينَ الكُبُولِ بأرْضِ الـ
…
ـرُّوْم لا يَسْمعُون صَوْتَ الأَذَانِ
فأتَاهُمْ من رَأفةِ اللَّهِ مَا أنْـ
…
ـشَرَ مَيْتًا وفَكَّ رِبْقَةَ عَانِ
لا بَقِيْنَا لغَيْر أيَّامِكَ الغُرِّ
…
الرّحَاب السَّاحَاتِ والأَعْطَانِ
الَّتي أظْهَرَتْ لنا سُنَّةَ العَدْ
…
لِ وأَلْوَتْ بالظُّلْم والعُدْوَانِ
وفَدَيْنَاكَ بالنُّفُوس وبالأَهْـ
…
ـلِيْنَ طَوْعًا مِن طَارِق الحدَثَانِ
فلأَنْتَ الأحَقُّ قد عَلمَ اللَّـ
…
ـهُ بأنْ تُصْطَفَى لهذَا المَكَانِ
باتِّفَاقٍ من سَائِر النَّاسِ من حَـ
…
ـيَّي مَعَدٍّ مَعًا ومِنْ قَحْطَانِ
نحنُ ما دُمْتَ آخِذًا بزِمَام الـ
…
ـمُلْكِ مِن رَيْبِ دَهْرِنا في أَمَانِ
لا يَخَافُ البَرِئُ منَّا ولا يَأْ
…
يَسُ جَانٍ مِن رَأْفةٍ وامْتِنَانِ
أحْمَدُ اللَّهَ يا سَعِيْدُ عَلَى أَنَّـ
…
ـكَ كَهْفي مِن كُلِّ إنْسٍ وجَانِ
وعلى أنَّني بجُوْدِكَ في ظِـ
…
ـلٍّ منَ العَيْشِ نَاضِرٍ فيْنَانِ
أسْحَبُ اليَوْمَ في فِنَائِكَ أَذْيا
…
لَ بُرُودٍ نَوَاعِمَ الأَرْدَانِ
لا أُبَالي بعِزّ مُلْككَ مَنْ صَدَّ
…
بوَجْهٍ عَنِّي ولا مَن عنَانِي
ولقَدْ عِشْتُ قبَل ذَاكَ زَمَانًا
…
بينَ ثَوْبَي مَذَلَّةٍ وهَوَانِ
أَرْهَبُ الصَّوْتَ من بَعيْدٍ كما يرْ
…
هَبُ أعْدَاءَهُ المُرِيْبُ الجَانِي
وإذا ما دُعِيْتَ للضَّيْم أَذْعَنْـ
…
ـتَ لدَاعيهِ أَيَّما إذْعَانِ
فأنَا اليَوْمَ كالمُدِلِّ منَ الآ
…
سَادِ أو كالعَصْمَاءِ بينَ القِنَانِ
قد تحيَّرت والمُهَيْمِنِ في شُكْـ
…
ـرِكَ ما لي بما يَدَيْتَ يَدَانِ
أيُّ شيءٍ يَجْزيْكَ عنِّي وما لي
…
غَيْرُ وُدِّي وغيرُ شُكْرِ لسَانِي
وهُما يَقْصُرانِ عنهُ ولو كُنْـ
…
ـتُ كقُسٍّ في النُّطْقِ أو سَحْبَان
غَيْر أنِّي قد بعْتُ نَفْسِيَ مَوْلا
…
نا وإنْ لَم أُسَاوِ ما أوْلَاني
فَخُذِ الآنَ عُهْدتي وَارْضَ مِنْ عَبْـ
…
ـدِكَ ما يَسْتَطيْعُهُ إمْكَاني
لأَكُونَ امْرَأً تَقَصَّيْتُ جُهْدِي
…
في جَزَاءَ الإحْسَانِ بالإحْسانِ
ذَكَرَ أبو الطَّيِّب البَاخَرْزِيّ في كتاب دُمْيَةِ القَصْر
(1)
، قال: أنْشَدَني الشَّريفُ أبو طَالِب مُحَمَّدُ بن عَبْد اللَّه الأنْصَاريِّ له -يعني للوَاسَانِيّ-: [من الطّويل]
فلو كان لي بَيتٌ يَحِلُّ دُخُولهُ
…
لأمْتَعْتُكم بالعَزْف والقَصْف والسُّكْرِ
ولكنَّما لي بَيْتُ سوءٍ كأنَّهُ
…
بَقِيَّةُ نَاوُوسٍ على سَاحِل البَحْرِ
تُوفِّي الوَاسَانِيّ في حُدُودِ التِّسْعِين والثَّلاثمائة.
ذِكْرُ مَن اسْمُ أبيْهِ حُمَيْد ممَّن اسْمُه الحَسَن
الحَسَنُ بن حُمَيْد المَنْبِجِيُّ
وقيل: الحُسَنِ بن حُمَيْد المَنْبِجِيّ التُّجِيْبِيّ، وَسَنَذْكُره في مَن اسْمُه الحُسَين
(2)
إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى.
وهو شَاعِرٌ مُجِيْدٌ تُنْسَبُ إليهِ القَصِيدَة اليَتِيْمَة، والأقْرَبُ أنَّها له
(3)
، واللَّهُ أعْلَمُ.
رَوَى أبو القَاسِم مَنْصُور بن النُّعْمان، قال: أنْشَدَنا القَاضِي أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن إسْحَاق الحَلَبِيّ، قال: أنْشَدَنا أبو سَعيد النَّصِيْبِيُّ، عن أبي الحَسَن عليّ بن
(1)
الباخرزي: دمية القصر 1: 136.
(2)
في الجزء الضائع من أجزاء الكتاب موضعه بعد هذا الجزء مباشرة.
(3)
تقدَّم التعليق على هذه القصيدة في الترجمة المقتضبة لأحمد بن الحُسَيْن المنبجي (الجزء الثاني)، وهو أحدُ مَن تُنسب القصيدة إليهم. وما رجَّحه ابن العديم أعلاه، من نسبة القصيدة اليتيمة لمحسن المنبجي هو ما يميل إليه من المعاصرين الأُستاذ عد العزين الميمنيّ، انظر: الميمني: بحوث وتحقيقات 1: 455، 2:217.
سُلَيمان الأخْفَش، قال: أُنْشِدت هذه القَصِيدَة المَعْرُوفة باليَتِيْمَة، ولم تُعْرَف لأحدٍ فلذلك سُمِّيَت اليَتِيْمَة، ثُمَّ أُنْشدْتُها للحَسَن بن حُمَيْد المَنْبِجِيّ، وهي:[من أحذّ الكامل]
هل بالطُّلُول لسَائِلٍ رَدُّ
…
أم هَل لَهَا بتَكَلُّمٍ عَهْدُ
فذكَرَها، وسنُوردها في تَرْجَمةِ دَوْقَلَة
(1)
بكَمَالها إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى.
الحَسَنُ بنُ حُمَيْد المَرْعَشِيُّ
حَكَى عن بعض الغُزَاة في الثُّغُور. رَوَى عنهُ حَيْدَرهَ بن عُبَيْد.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن أبي بَكْر السَّمْعَانيُّ، قال: أخْبَرَنا سَعْدُ بن عليّ الرَّزَّازُ بمَرْو في قَدْمَتهِ الأُوْلَى، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد مُحَمَّد بن أبي عَبْدِ اللَّه المُطَرِّز بأصْبَهَان، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم أحْمَد بنُ عَبْد اللَّه الحافِظ، قال: حَدَّثَنَا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن زَيْد الجُرْجَانِيِّ، قال: سَمِعْتُ أحْمَد بن مُحَمَّد بن عِيسَي يقُول: سَمِعْتُ حَيْدَرة بن عُبَيْدٍ يقُول: قال الحَسَنُ بنُ حُميد المَرْعَشِيّ: دَخَلْنا على رجُلٍ من الغُرَبَاءِ في بعضِ الثُّغُور وهو يَكيْدُ بنَفْسه، فقيل له: كيفَ تَرَاكَ؟ فقال: [من الطويل]
غَرِيْبٌ وَحِيْدٌ والمَنَايا تَحُثُّهُ
…
إلى مَنْزِل قَفْرٍ بغَيْر أَنيْسِ
فقُلْنا: أبْشِر رَحمكَ اللَّهُ؛ فإنَّ الغُرْبَةَ شَهَادةٌ، ولا سِيَّما وأنْتَ مُرَابطٌ في سَبِيْل اللَّه، فبَكَى طَوِيْلًا، ثُمّ قال: واللَّه لولا طَمَعي في كَرَمِهِ وعَفْوه لتقَطَّعَتْ نَفْسِي من شِدَّة الغُصَص والحَسَرات، فما برحْنَا من عندَهُ حتَّى فَاظَتْ نَفْسُه، رحمه الله.
(1)
اسمه أحمد بن الحسين، وقد أفرده ابن العديم بترجمة مُقْتضبة في مرضعه من حرف الألف (الجزء الثاني)، وآثرٌ أن يتوسَّع بترجمته في حرف الدال لغلبة لقب دوقلة عليه وشُهرته به، فضاعت هذه الرحمة بضياع الجزء الضام لها. وانظر القصيدة اليتيمة ضمن كتابه بحوث وتحقيقات لعبد العزيز الميمنيّ 2: 218 - 221، وبعض أبياتها في بلوغ الأرب للألوسي 2: 20 - 21 (أورد منها 21 بيتًا).
حَرْفُ الخَاء في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن الخَلِيل، أبو عليّ الحَلَبِيُّ
(1)
ويُنْسَبُ أيضًا الأنْطَاكِيّ.
حَدَّثَ عن عُبَيْد بن جَنَّاد الحَلَبِيّ، وأبي نُعَيْمِ الفَضْل بن دُكَينْ، رَوَى عنهُ أبو عَمْرو بن حَكِيم، ومُحَمَّد بن المُنْذِر بن سَعِيد، وخَيْثَمَة بن سُلَيمان الأطْرَابُلُسِيّ، وكانَ ثِقَةً.
أخْبَرَنا زَيْن الأُمَناء أبو البَرَكَات الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا عَمِّي الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أخْبَرَنا يُوسُف بن عَبْد الوَاحِد، قال: أخْبَرَنا شُجاع بنُ عليّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه بن مَنْدَة، قال: أخْبَرَنا أبو عَمْرو أحْمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن الخَلِيل الأنْطَاكِيّ، قال: حَدَّثَنا عُبَيْد بن جَنَّاد (a)، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن حُمَيْد الرُّوَاسِيّ، قال: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيْلُ بن [أبي](b) خَالِد، قال: سَألْتُ ابنَ أبي أوْفَى: هل رأيْتَ إبْرَاهيم ابن رسُول اللَّه؟ قال: نَعَم، كان أشْبَه النَّاس بهِ، ماتَ وهو صَغِيرٌ، ولو قُضِيَ نَبيّ (c) لعاشَ إبْرَاهِيمُ.
قَرَأتُ في كتاب تاريخ الثِّقَات، تأليفُ أبي حَاتِم مُحَمَّد بن حِبَّان البُسْتِيّ
(3)
، قال في الطَّبَقَة الرَّابعة منهم: الحَسَن بن الخَلِيل الحَلَبِيّ، يَرْوي عن أبي نُعَيْم الفَضْل بن دُكَيْن، حَدَّثَنَا عنه مُحَمَّد بن المُنْذِر بن سَعِيد.
(a) تاريخ ابن عساكر: عُبَيْدَة بن جنادة.
(b) ساقطة من الأصل، والمثبت كما هو عند ابن عساكر، وهو: إسماعيل بن أبي خالد البجلي الكوفي (ت 145 هـ)، معروفٌ بالرواية عن ابن أبي أوفى. انظر ترجمته في تهذيب الكمال للمزي 3: 69 - 70، تاريخ الإسلام 3:816.
(c) عند ابن عساكر: لو قضي أن يكون نبي.
_________
(1)
ترجمته في: الثّقات لابن حبَّان 8: 179.
(2)
تاريخ ابن عساكر 3: 135.
(3)
كتاب الثّقات 8: 179.
حَرْفُ الدَّال في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن دَاوُد بن بَابْشَاذ بن دَاوُد بن سُلَيمان بن إبْراهيم، أبو سَعْد -وقيل: أبو سَعيد- المِصْرِيّ
(1)
قَدِمَ حلَبَ سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثين وأرْبَعِمائة، وسَمِعَ بها الحَسَن بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن إبْراهيم الحَلَبِيّ، وسَمِعَ ببَغْدَاد أبا مُحَمَّد الحَسَنَ بن عليّ الجَوْهَرِيّ، وأبا الحُسَين مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد بن رِزْمَة، والخَطِيب أبا بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت، وقَرَأ الفِقْه بها على القَاضِي أبي عَبْدِ اللَّه الصَّيْمَرِيّ، وكان سَمِعَ بمِصْرَ أبا مُحَمَّد بن النَّحَّاس، وعليّ بن مُنِير الخَلَّال، وتُرَاب بن عُمَر الكَاتِب، وإسْمَاعِيْل بن عَمْرو بن رَاشِد، وغيرهم (a). كَتَبَ عنه أبو بَكْر أحْمَد بن علِيّ بن ثَابِت الخَطِيب، وكان يُدَرِّسُ الفِقْهَ ببَغْدَاد على مَذْهَب الإمَام أبي حَنِيْفَة رضي الله عنه.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، وأنْبَأنَا به عنه أبو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه بن عُلْوَان وغيره، قال: ابن بَابْشَاذ هو الحَسَن بن دَاوُد بن بَابْشَاذ بن دَاوُد بن سُلَيمان المِصْرِيّ، مَعْرُوف بالأدَب والطَّلَب، وقد كتَبَ الحَدِيْث الكَثِيْر عن عبد الرَّحْمن بن عُمَر بن النَّحَّاس، وعليّ بن مُنِير الخَلَّال، وتُرَاب بن عُمَر الكَاتِب، وآخرين ورَحَلَ في العِلْم. وهو ابنُ أخي أبي الفَتْح أحْمَد بن بَابْشَاذ الوَاعِظ الجَوْهَرِيّ، وقد رَوَى عنهُ الخَطِيبُ وغَيْرُه.
(a) في الأصل: "وغيره"، وكان المؤلف قد أضات في الهامش عددًا من أسماء شيوخه الذين رَوَى عنهم، وهم: ابن منير وتراب وابن راشد، ولم يُعدِّل سياق الكلام.
_________
(1)
توفي سنة 439 هـ، وترجمته في: تاريخ بغداد 8: 265 - 266، ابن الجوزي: المنتظم 14: 81 (أرخ وفاته سنة 339 هـ، وهو بعيدٌ)، تاريخ الإسلام 9: 580 - 581، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 223 (أرخ وفاته سنة 339 هـ).
وقرأت أيضًا بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر: أبو سَعْد الحَسَن بن دَاوُد بن بَابْشَاذ بن دَاوُد بن سُلَيمان بن إبْراهيم بن شَهْرَيَار بن أَبْزُون بن نُورْكُوْبَه، كَذَا رَأيْتُ نَسَبَهُ بخَطِّ عليّ بن بَقَاء الوَرَّاق على غير جُزءٍ ممّا كَتَبَهُ له من فَوَائِد إسْمَاعِيْل بن عَمْرو بن رَاشِد المُقْرِئ الزَّاهِد المَعْرُوف بالحَدَّاد، انْتِقَاء الصُّوْرِيّ عليه وقَرَأهُ أبو سَعْد بنَفْسِهِ على إسْمَاعِيْل سَنَهَ عشرين وأرْبَعِمائة بمِصْر.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيِّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن دَاوُد بن بَابْشَاذ بن دَاوُد بن سُلَيمان، أبو سَعْد (a) المِصْريّ، قَدِمَ بَغْدَادَ، ودَرَسَ فِقْه أبي حَنيْفَة على القاضي أبي عَبْدِ اللَّه الصَّيْمَرِيّ، وتَوَجَّه فيه حتَّى دَرَّسَ، وكان مُفْرِط الذَّكَاءِ، حَسَن الفَهْم، يَحْفَظُ القُرآنَ بقِرَاءاتٍ عدَّة، ويَحْفَظُ طَرَفًا من عِلْم الأدَب، والحِسَاب، والجَبْر، والمُقَابَلَة، والنَّحو. وكَتَبَ الحَدِيْثَ بمِصْر عن أبي مُحَمَّد بن النَّحَّاس وطَبَقَتهِ.
قال الخَطِيبُ
(2)
: كَتَبْتُ عنهُ أحَادِيْث، وكَتَبَ عنِيّ. وكانَ ثِقَةً، حَسَنَ الخُلْقِ، وَافِرَ العَقْل. وكان أبُوه يَهُودِيًّا، ثمّ أَسْلَم وحَسُنَ إسْلَامُهُ، وذُكِرَ بالعِلْم، وهو فَارِسيُّ الأصْلِ. وأقام أبو سَعْدٍ (b) ببَغْدَادَ إلى أنْ أدْرَكهُ أجَلُهُ، فتُوفِّي لَيْلَة السَّبْت، ودُفِنَ صَبِيْحَة تلك اللَّيْلة في يَوْم السَّبْت لعَشْرٍ بَقِينَ من ذي القَعْدَة سَنَة تِسْعٍ وثَلاثين وأَرْبَعِمائة، ودُفِنَ في مَقْبَرَة الشُّوْنِيْزِيّ، ولم تكُن سنُّهُ بلغَت الأرْبَعِين.
أنْبَأنَا أبو الحَسَن بن أبي عبدِ اللَّه بن المُقَيِّر، عن أبي الفَضْل مُحَمَّد بن نَاصِر، قال: أنْبَأنَا أبو إسْحَاق الحَبَّال، قال: سَنَة تِسْعٍ وثَلاثين أبو سَعيد الحَسَن بن بَابْشَاذ في ذي القَعْدَة، تُوفِّي ببَغْدَاد.
(a) في تاريخ بغداد: أبو سعيد، وتقدم في سياقة اسمه الإشارة إلى الاختلاف في كنيته بين سعد وسعيد.
(b) في تاريخ بغداد: أبو سعيد.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 265.
(2)
تاريخ بغداد 8: 266.
حَرْفُ الرَّاء في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن الرَّبْيع البَجَليُّ، أبو عليّ البُوْرَائِيّ الكُوْفيّ
(1)
صَحِبَ عَبْد اللَّه بن المُبارَك في غَزَاة بلادِ الرُّوم، وكان معهُ بطَرَسُوس، وعادَ في صُحْبَتهِ، وشَهِدَ مَوْتَهُ بهِيْت، ورَوَى عنهُ وعن أحْمَد بن حَنْبَل، وعَبْد الجَبَّار بن الوَرْد، وأبي عَوَانَة، ومَهْدِي بن مَيْمُون، وأبي إسْحَاق الفَزَارِيّ، وحَمَّاد بن زَيْد، وعَبْثَر (a) بن القَاسِم، وعبد اللَّه بن إِدْرِيس.
رَوَى عنهُ أبو أُسامَة الكَلْبيّ، وبَعْقُوب بن سُفْيان الفَسَوِيّ، ومُحَمَّد بن أحْمَد بن الحُسَين، وحَنْبَل بن إسْحَاق، وخَلَفُ بن عَمْرو العُكْبَرِيّ، وعبَّاس بن مُحَمَّد
(a) قيَّده المصنف حيثما يرد في الترجمة بالتاء: عبتر، وصوابه بالمثلثة، وهو المعروف بأبى زبيد الزُّبيديّ (ت 179 هـ)، انظر ترجمته في تاريخ بغداد 14: 258 - 260، المزي: تهذيب الكمال 14: 269 - 371، سير أعلام النبلاء 8: 202 - 203.
_________
(1)
توفي نحو سنة 230 هـ، وقيل: في السنة بعدها، وترجمته في: طبقات ابن سعد 6: 409، تاريخ البخاري الكبير 2: 294، والتاريخ الصغير 2: 311، تاريخ الثقات للعجلي 114، الثقات لابن حبان 8: 172 (وفيه بالنون عوض الهمزة: البوراني)، الجرح والتعديل 3: 13 - 14 (البوراني)، الولاة مصر للكندي 336، تاريخ بغداد 8: 266 - 269، (البوراني)، السمعاني: الأنساب 3: 350 - 351 (وفيه: البوراني، ويقال بالراق له: البورائي أيضًا)، ابن الجوزي: المنتظم 13: 309 - 310، المزي: تهذيب الكمال 6: 147 - 151 (الوراني)، الذهبي: تاريخ الإسلام 5: 554 (البوراني)، سير أعلام النبلاء 10: 399 - 400 (البواري)، تذكرة الحفاظ 2: 458 - 459 (البوراني)، الكاشف 1: 221 وفيه: البوراني، العبر في خبر من غبر 1: 301 (البوراني)، الوافي بالوفيات 12: 9 وفيه: البواري، تهذيب التهذيب 2: 277 - 278، تقريب التهذيب 1: 166، ابن ناصر الدين: توضيح المشتبه 1: 643 (ونبه أن الصواب في نسبته هو: البُوْرَائيّ، فارسيّ معرّب وهي الحُصُر التي من القصب)، السيوطي: طبقات الحفاظ 303 (البوراني)، شذرات الذهب 3: 99 (الوراني).
الدُّوْرِيّ، وأحمد بن يُوسُف التُّجِيْبِيّ، وإسْحَاق بن الحَسَن الحَرْبِيّ، وجَعْفَر الصَّائِغُ، وأحْمدُ بن عُبَيْدِ اللَّه النَّرْسِيّ، وكَتَبَ عنهُ أحْمَد بن حَنْبَل (a).
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحُسَين صَاحِبُ العبَّاسيّ، قال: أخْبَرنا عبدُ الرَّحمن بن عُمَرَ الخلَّالُ، قال: حدَّثنا مُحمَّدُ بن إسْمَاعيل الفَارسيّ، قال: حدَّثَنَا بَكْر بن سَهْل، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ الخَالِق بن مَنْصُور، قال: وسُئِلَ يَحْيَى بن مَعِيْن، وأنا أسْمَعُ، عن الحَسَن بن الرَّبِيْع، فقال: لو كان يتَّقي اللَّه لم يكُن يُحَدِّث بالمغَازِي؛ ما كان يُحْسِنُ يَقْرؤها! فقال له ابنُ بنْتٍ لأبي أُسامَة: إنَّهُ يُحَدِّثُ عن ابن المُبارَك، عن حُمَيْد، عن أنَس أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقْرأ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
(2)
؟ فقال يَحْيَى: كُلّ مَنْ يُحَدِّثهُ (b) عن حُمَيْد فقَد كَذَبَ.
قال أبو بَكْر الخطيبُ
(3)
: لَم يَعِبْهُ يَحْيَى إلَّا بأنَّهُ كان لا يُحْسِنُ قراءَةَ المَغازِي وما فيها من الأشْعَارِ، وذلك لا يُوجبُ ضَعْفَهُ، وما ذَكَرَهُ ابنُ بنْت أبي أُسامَة عنه من رِوَايتِهِ الحَدِث عن حُمَيْد إنَّما هو حكايَةٌ بلَغَتْهُ، وليسَ كُلُّ حِكايَةٍ تكُون حَقًّا، وقد كان الحَسَنُ بن الرَّبيعْ ثقةً، صَالِحًا، مُتَعَبِّدًا.
وقال
(4)
: أخْبَرَنا حَمْزَة بن مُحَمَّد بن طَاهِر الدَّقَّاق، ومُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد الأكْبَر -قال حَمْزَة: حدَّثَنا، وقال مُحَمَّد: أخْبَرَنا- الوَلِيدُ بن بَكْر الأنْدَلُسِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن أحْمَد بن زَكَرِيَّاءَ الهاشِميّ، قال: حَدّثَنَا أبو مُسْلم صَالِح بن أحْمَد بن
(a) بعده في الأصل بياض قدر نصف الصفحة.
(b) في تاريخ بغداد: يحدث به.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 267 - 268.
(2)
سورة الفاتحة، الآية 4.
(3)
تاريخ بغداد 8: 268.
(4)
تاريخ بغداد 8: 268.
عَبْد اللَّهِ العِجْلِيّ، قال: حَدَّثَني أبي
(1)
، قال: حَسَن بن الرَّبِيْع البُوْرَائِيّ (a) يَبيع البَوَاري، كُوْفيّ، ثِقَةٌ، رَجُلٌ صَالِحٌ، مُتَعَبِّدٌ.
وقال الخَطِيبُ
(2)
: أخْبَرَنا عليّ بن طَلْحَة المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن إبْراهيم الغَازِي، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن دَاوُد الكَرْجِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمن بن يُوسُف بن خِرَاش، قال: الحَسَن بن الرَّبْيع كُوْفيٌّ ثِقَةٌ، يقال: الخَشَّاب، ويُقال: البُوْرَائِيّ (b)؛ يَبْيعُ القَصَبَ.
قال أبو بَكْر الخَطِيبُ
(3)
: الحَسَنُ بن الرَّبِيْع، أبو عليّ البَجَليُّ البُوْرَائِيُّ (c)، سَمِعَ مَهْدِي بن مَيْمُون، وعَبْد الجَبَّار بن الوَرْد، وحَمَّاد بن زَيْد، وأبا عَوَانَة، وعَبْثَر (d) بن القَاسِم، وعَبْد اللَّه بن المُبَارَك، وعبد اللَّه بن إدْريس، وأبا إسْحَاق الفَزَاريّ.
رَوَى عنهُ عَبَّاس الدُّوْرِيّ، وحَنْبَل بن إسْحَاق، وأحمدُ بن عُبَيْدِ اللَّه النَّرْسِيّ، وجَعْفَر الصَّائِغ، وإسْحَاق بن الحَسَن الحَرْبِيّ، وخَلَف بن عَمْرو العُكْبَرِيّ. وهو من أهْلِ الكُوفَة، قَدِمَ بَغْدَادَ، وحَدَّثَ بها.
قال الخَطِيبُ
(4)
: أخْبَرَني مُحَمَّد بن أحْمَد بن يَعْقُوبَ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن نُعَيْم الضَّبِّيُّ، قال: أخْبرَني أبو مُحَمَّد بن زِيَاد، قال: حَدَّثَنَا أبو نُعَيم -يعني ابن عَديّ- قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن يُوسُف التُّجِيْبِيّ بجُرْجَان، قال: سَمِعْتُ الحَسَن بن الرَّبِيْع يَقُول: قَدِمْتُ بَغْدَادَ، فلمَّا خرجْتُ سَبَقني (e) أصْحَابُ الحَدِيْث، فلمَّا برزْتُ إلى خارج، قال لي أصْحَابُ الحَدِيْث: تَوقَّفْ؛ فإنَّ أحْمَد بن حَنْبَل يَجيءُ، فتوَقَفْتُ،
(a) في تاريخ الثقات للعجلي وتاريخ بغداد: البوراني.
(b) تاريخ بغداد: البوراني.
(c) تاريخ بغداد: البوراني.
(d) الأصل: عبتر، وتقدم التعليق على وجه الصواب فيه.
(e) في تاريخ بغداد: شَيَّعني، وهو الأظهر.
_________
(1)
العجلي: تاريخ الثقات 114.
(2)
تاريخ بغداد 8: 268.
(3)
تاريخ بغداد 8: 266.
(4)
تاريخ بغداد 8: 267.
فجاءَ أحْمَد بِن حَنْبل، فقَعَدَ، فأخْرَجَ ألْوَاحَهُ فقال: يا أبا عليّ، أَمْلِ عليَّ وَفَاةَ عَبْدِ اللَّه بن المبُارك؛ في أيّ سنَة ماتَ؟ فقُلتُ: سَنَة إحْدَى وثمانين، فقيل له: ما تريدُ بهذا؟ فقال: أُريدُ الكَذَّابين.
أنْبَأنَا أبو الفُتُوح نَصْرُ بن أبي الفَرَج الحُصْرِيّ، وأبو مُحَمَّد عَبْد القَادِر بن عَبْد اللَّه الرُّهَاوِيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو الخَيْر القَزْوِينيّ، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بن طَاهِر الشَّحَّاميِّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُثْمان الصَّابُونِيّ، وأبو بَكْر البَيْهَقِيّ وأبو عُثْمان البَحِيْرِيّ، وأبو بَكْر الحِيْرِيّ، إجَازَةً منهم، قالوا: أخْبَرَنا الحاكِم أبو عَبْد اللَّه الحافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر الخَفَّاف، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن المُنْذِر، قال: حَدَّثني مُحَمَّدُ بن أحْمَد بن الحُسَين، قال: سَمِعْتُ الحَسَنَ بن الرَّبِيْع يَقُول: رأيْتُ ابنَ المُبارك يُقاتِلُ بأرْض الرُّوم في يَوْمٍ شَدِيدِ الحَرَّ قد رفع قَلنْسُوَتَهُ عن رَأسِه.
أخْبَرَنا الكِنْدِيّ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا الخَطيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ الحُسَين القَطَّان، قال: أخْبَرَنا عليّ بن إبْراهيم المُسْتَمْلِيَّ، قال: حَدَّثَنَا أبو أحْمَد بن فَارِس، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ
(2)
، قال: الحَسَن بن الرَّبِيْع أبو عليّ الكُوْفيّ مات سَنَة عشرين ومَائتَيْن أو نَحْوها.
حَرفُ الزَّاي في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن زَمَّام بن يُوسُف بن يَعقُوب، أبو عليّ الحَدِيْثيّ المَعَرِّيّ ثمّ الحَلَبِيّ
(3)
أصْلُهُ من حَدِيْثَه بني سُليْمان، قَرْيَةٌ من قُرَى مَعَرَّة النُّعْمَان، ووُلِدَ بحَلَب، ونَشَأ بها، واشْتَغَل بالأدَب وسَمَاع الحَدِيث، وسَمعَ معنا على مَشَايخنا:
(1)
تاريخ بغداد 8: 269.
(2)
التاريخ الكبير 2: 294.
(3)
توفي سنة 632 هـ أو في السنة بعدها.
قاضِي القُضَاة أبي المَحَاسِنِ يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم، وأبي هاشِم عَبْد المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، وأبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه بن عُلْوَان، وأبي مُحَمَّد عَبْد اللَّطِيْف بن يُوسُف البَغْدَاديّ، وغيرهم، وكان يُوَرِّقُ حَسَنًا، ويَنْظِم شِعْرًا لا بَأْسَ بهِ.
كَتَبَ عنهُ أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبي الغَرِيْب عَبْد اللَّه بن عليّ التِّمِيْمِيّ المَوْصِلِيِّ شَيئًا من شِعْره، وكان يَحْضُر معنا كَثِيْرًا، ولم أسْمَعْ منه شَيئًا من شِعْره، لكنَّه كَتَبَ إليَّ أبْيَاتًا من شِعْره، قرأتها بخَطِّه يَسْتَعير منِّي كتاب المُذَيَّل لأبي سَعْد السَّمْعَانيّ، وهي:[من الخفيف]
أيُّها السَّيِّدُ الإمَام فُلَان الـ
…
ـــدّيْن يا ذَا الإنْعَام والإحْسَانِ
والّذي نالَ مِن مَعَاني المَعَالِي
…
أشْرَفَ الذِّكر بالسَّجَايا الحِسَانِ
والّذي فَضْلُهُ المُفَضَّل أَسْمَى
…
في سَمَاءَ السَّنَاءِ مِن كَيْوَانِ
والّذي أيَّد الإلَهُ بهِ مَذْ
…
هَبَ فَخْرِ الأئمَّةِ النُّعْمانِ
والّذي لو رآهُ نَجْلُ هِلَالٍ
…
كانَ في بابهِ منَ الغِلْمَانِ
والّذي ليسَ مِثْلُهُ في البَرَايا
…
في جَميْعِ الأوْقَاتِ والأزْمَان
في عَلاءٍ سَامٍ وفَهْمِ عُلُومٍ
…
مُشْكلاتٍ عَصَتْ على الأذْهَانِ
عَبْدُ نعْمائكَ العَمِيْمَةِ يُنْهِي
…
ما بِهِ من مُذَيَّل السَّمْعَاني
من غَرَامِ وَافٍ وشَوْقٍ شَدِيْدٍ
…
وارْتِياحٍ إليهِ مُنْذُ زَمَانِ
وإلى ما حَوَاهُ جَرْحًا وعَدْلًا
…
عن رُوَاةِ الحَدِيْثِ بالإتْقَان
وإلى ما حَوَاهُ من سِيَر النَّا
…
سِ وما فيهِ من لِطَافِ المَعَانِي
فلَعَلَّ الآراءَ زِيْدَتْ عُلُوًّا
…
وَجَلالًا ينْمي بلا نُقْصَانِ
يُسْعِفُ العَبْدَ منهُ جُزْءًا فُجُزْءًا
…
كُلّما مَرَّ أوُّلٌ جَاءَ ثَانِ
كَتَبَ إلينا أبو البَرَكَات ابن المُسْتَوفِيّ من إرْبِل
(1)
، قال: أنْشَدَني، يعني: أبا مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن أبي الغَرِيْب عَبْد اللَّه بن عليّ التَّمِيْمِيّ المَوْصِلِيِّ الصَّيْقَل، قال: أنْشَدَني ابنُ زَمَّام الحَلَبِيُّ لنَفْسِه في غُلَامٍ عليه قَبَاءٌ أخْضَرُ، وفي وَسَطه منْطَقَةُ فِضَّةٍ:[من الكامل]
عَاينْتُهُ لمَّا تدرَّع أخْضَرًا
…
ولَهُ منَ الوَرِقِ الأنيقِ نطَاقُ
فظَنَنْتُهُ غُصنًا تفتَّحَ نَوْرُهُ
…
وتكنَّفَتْهُ بظِلِّها الأوْرَاقُ
تُوفِّي رَفِيْقُنا الحَسَن بن زَمَّام بحَلَبَ سَنَة اثْنَتَيْن أو ثلاث وثَلاثين وستمائة.
الحَسَنُ بن زُهْرَة بن الحَسَن بن زُهْرَة بن عليّ بن مُحَمَّد ابن مُحَمَّد أبي إبْراهيم بن أحْمَدِ بن مُحَمَّد بن الحُسَين بن إسْحَاق المُؤْتَمَن ابن جَعْفَر الصَّادِق ابن مُحَمَّد البَاقِر ابن عليّ زَيْن العَابِدِين ابن الحُسَين بن عليّ بن أبي طَالِب بن عَبْد المُطَّلِب، أبو عليّ بن أبي المَحَاسِن بن أبي عليّ بن أبي الحَسَن بن أبي سَالِم بن أبي إبْراهيم الكَلْبيّ العَلَويّ الحُسَيْني الإسْحَاقيُّ النَّقِيْبُ الكَاتِبُ
(2)
كَتَبَ الإنْشَاء للمَلك الظَّاهر غَازِي بن يُوسُف بن أَيُّوب، وتقدَّمَ ووَلَّاهُ نِقَابَة العَلَوِيّيْن بحَلَب، وكان يَكْتُب خَطًّا حَسَنًا، وعندَهُ فَضْلٌ وأدَبٌ، وتَفَنَّن في عُلُوم شَتَّى، ولهُ مَعْرفَةٌ بالقِرَاءَات والفِقْه والحَدِيْث والتَّوَاريخ وأخْبَار النَّاس، وعندَهُ من
(1)
لم يرد في المتبقي من كتابه تاريخ إربل.
(2)
توفي سنة 620 هـ، وترجمته في: تاريخ الإسلام 13: 596 - 597، العبر في خبر مَن غبر 3: 189، الوافي بالوفيات 12: 18 - 20، ابن كثير: البداية والنهاية 13: 103، العيني: عقد الجمان 4: 96، لسان الميزان 2: 208 (وأرخ وفاته سنة 640 هـ)، تكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 188 - 189، شذرات الذهب 7: 155، محسن الأمين: أعيان الشيعة 5: 73 - 74، الطباخ: إعلام النبلاء 4: 323.
العَرَبِيَّة واللُّغَة طَرَفٌ حَسَنٌ، وله شِعْرٌ حَسَنٌ ورَسَائِل، وكان جَمِيل الصُّورَة، دَيِّنًا، حُلو الحَدِيْث، لَبِق الرِّئَاسَة، سَيَّرهُ المَلِكُ الظَّاهِر غَازِي رَسُولًا إلى أماكن مُتَعدِّدة.
سَمِعَ بحَلَب مُحَمَّد بن أسْعَد الجَوَّانِيّ النَّسَّابَة، وشَيْخنا أبا المَحَاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم، وغيرهما، وحَاضَرْتُه كَثِيْرًا، ولَم أكْتُب عنه شيئًا.
وأخْبَرَني ولدُه عليّ، النَّقِيْبُ بَعْدهُ، أنَّ ولادتَهُ بحَلَب سَنَة أرْبعٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة.
ومن شِعْره ما قالَهُ وقد نَزَل بالمَعْشُوق مُقابل سُرَّ مَنْ رَأى، وكان قد حَجَّ في تلك السَّنَة، وأنْشَدنيها وَلده عليّ عنهُ
(1)
: [من الخفيف]
قد رَأيْتُ المَعْشُوقَ وَهْوَ من الهَجْـ
…
ـــرِ بحَالٍ تَنْبُو النَّوَاظِرُ عَنْهُ
أثَّرَ الدَّهْرُ فيهِ آثار سَوْءٍ
…
وأَدَالَتْ يَدُ الحَوَادِثِ مِنْهُ
عَادَ مُسْتَبْذَلًا ومُسْتَبْدِلًا عـ
…
ــزًّا بذُلٍّ كأنَّهُ لم يَصُنْهُ
وأنْشَدَني أيضًا قال: أنْشَدَني أبي لنَفْسِه وقد نَزَل بحَاجِر
(2)
: [من المنسرح]
مَنْ شَاقَهُ حَاجِرٌ وبقعَتُها
…
فلَسْتُ أشْتَاقُ حَاجِرًا أبَدَا
ولا زَرُوْدًا والثَّعْلَبِيَّة والـ
…
ــجَفْرَ ونَجْدًا وذلكَ البَلَدَا
فَلا سَقَى حَيَّهَا ولا جِيْدَ مَغْـ
…
ـــنَاها وأضْحَتْ طَرَائقًا قِدَدَا
تُوفِّي الشَّريفُ النَّقِيْبُ أبو عليّ الحَسَنُ بن زُهْرَة في جُمَادَى الأُوْلَى من سَنَة عشرين وستمائة بعد وُصُوله من الحَجِّ، ودُفِنَ بسَفْح جَبَل جَوْشَنَ، وحَضرْتُ دَفْنَهُ والصَّلاةَ عليه.
(1)
الأبيات الثلاثة في البداية والنهاية 13: 103، وعقد الجمان 4:96.
(2)
الحاجر: منزل من منازل الحاج بطريق مكة على درب زبيدة، يقع قبل معدن النقرة. ابن خرداذبة: المسالك 127، البكري: معجم ما استعجم 1: 416 - 417، ياقوت: معجم البلدان 3: 304.
الحَسَنُ بن زَيْد
نَزَل مَلَطْيَّة (a)، وحَدَّثَ بها عن حُمَيْد الطَّوِيْل. رَوَى عنهُ أبو يَعْلَى مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَبْد اللَّه بن مَرْوَان المَلَطِيّ، وقيل: أبو يَعْلَى الحُسَين بن مُحَمَّد المَلَطِيّ.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْدُ الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي الفِتْيَان عُمَر بن أبي الحَسَن الرَّوَّاسِيّ الحافِظ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّه بن أحْمَد السِّنْجِيّ أبو الحَسَن البَغْدَاديّ، قال: أخْبَرَنا أَبو الحَسَن عليّ بن عَبْد العَزِيْز بن الحَسَن الطَّاهِريّ، قال: حَدَّثَنَا جَابِر بن عُبَيْد اللَّه المَوْصِلِيّ في مَسْجِد ابن مَالِك من حِفْظِهِ، قال: حَدَّثَنَا أبو يَعْلَى مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَبْد اللَّه بن مَرْوَان المَلَطِيّ بمَلَطْيَّة سَنَة ستٍّ وثَلاثِمائة، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن زَيْد، ح.
وأنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا إبْراهيمِ بن مَخْلَد إجَازَهً، قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم جَابِرُ بن عَبْدِ اللَّه بن المُبارَك الجلَّابُ المَوْصِليّ، من حِفْظِهِ ببَغْدَاد، قال: حَدَّثَنَا أبو يَعْلَى الحُسَينِ بن مُحَمَّد المَلَطِيّ بها، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن زَيْد، قال جابر: سَألتُ أبا يَعْلَى عنهُ؟ فقال: كان رَجُلًا حلَّ عندنا على جِهَة الجِهَادِ، فكَتَبْنا عنه، قال: حَدَّثَنَا حُمَيْد الطَّويل، عن أنَس بن مالِك
(2)
، قال: قال رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا أحَبَّ أحَدُكُم أنْ يُحَدِّث رَبَّهُ تعالَى فليَقْرَأ.
(a) قيَّدها المصنف في هذا الموضع وتاليه بتشديد المثناة التحتية، وتقدم في المجلد الأول الكلام على أوجه ضبطها.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 165 في ترجمة جابر بن عبد اللَّه بن المبارك.
(2)
الديلي: الفردوس 1: 302 (رقم 1195)، وعنده في آخره بلفظ:"فليقرأ القرآن"، وإليه وللخطيب البغدادي عزاه السيوطي في جامع الأحاديث 2: 186 (رقم 1117).
حَرْفُ السِّيْن في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن سَعيد بن عَبْد اللَّه بن بُنْدَار بن إبْراهيم، أبو عليّ الشَّاتَانِيّ الدِّيَار بَكْرِيّ المَعْرُوف بالعَلَم
(1)
وكان يُنْبَزُ بِقَاع، وشَاتَان قَلْعَة من نَوَاحِي دِيَار بَكْر.
كان فَقِيهًا، أَدِيْبًا، شَاعِرًا، جَيِّد الشِّعْر ظَريفًا، رَحَلَ إلى بغداد وتَفَقَّهَ بها على مَذْهَب الإمَام الشَّافِعيّ، بالمَدْرَسَة النِّظَاميَّة، على أبي الحَسَن عليّ بن سَلمان الأصْبَهَانِيّ، ثمّ قَرَأ الفِقْه من بعده على أبي عليّ الحَسَن بن إبْراهيم الفَارِقِيّ، وأبي مَنْصُور سَعِيْد بن مُحَمَّد الرَّزَّاز.
واشْتَغَل بالأدَب على الشَّريف أبي السَّعَادَات ابن الشَّجَرِيّ، وأبي مَنْصُور ابن الجَوَالِيقِيّ، وسَمِعَ بها الحَدِيْث من القَاضِي أبي بَكْرٍ مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، وأبي مَنْصُور عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد القَزَّاز، وأبي البَرَكَات عَبد الوَهَّاب بن المُبارَك الأنْمَاطِيّ، وأبي القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن السَّمَرْقَنْديّ، وأبي الحَسَن عليّ بن هِبَة اللَّه بن عَبْد السَّلام، وأبي القَاسِمِ هِبَة اللَّه بن الحُصَيْن الشَّيْبَانِيّ، وأبي الفَضْل مُحَمَّد بن نَاصِر السَّلَامِيّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن القَاسِم الشَّهْرَزُورِيّ.
(1)
توفي سنة 579 هـ، وترجمته في: البرق الشامي للعماد الأصفهاني 3: 29 - 31، خريدة القصر (قسم الشام) 12: 361 - 384، ابن الدبيثي: ذيل تاريخ بغداد 3: 89 - 90، تاريخ ابن عساكر 13: 96 - 97، سنا البرق الشامي للبنداري 126 - 127، الروضتين لأبي شامة 2: 300 - 301، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 212 - 213، وفيات الأعيان 2: 113 - 114، ابن الفوطي: مجمع الآداب 1: 514 - 515، تاريخ الإسلام 12: 627، المختصر المحتاج إليه 1: 279 - 380، الوافي بالوفيات 12: 28 - 29، وترجم له الصفدي أيضًا باسم: الحسن بن علي بن سعيد 12: 175 - 178، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 7: 61 - 62، الأسنوي: طبقات الشافعية 2: 111 - 112، النجوم الزاهرة 6: 58 (ذكر عارض)، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 180 - 181.
كَتَبَ عنهُ الحافِظ أبو القَاسِم ابن عَسَاكِر، والحافِظ أبو المَوَاهِب الحَسَن بن صَصْرَى، والعِمَاد أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الأصْبَهَانِيّ.
رَوَى لنا عنْهُ شَيئًا من الشِّعْر أبو مُحَمَّد المُعَافَى بن إسْمَاعِيْل بن الحَدَوْس، والفَقِيه أبو مُحَمَّد إسْمَاعِيْل بن هِبَةِ اللَّه بن بَاطِيْش.
وقَدِمَ الشَّامَ سَنَة إحْدَى وثَلاثين وخَمْسمائَة، وعَقَدَ بها مَجْلِسَ الوَعْظ، وعاد إلى شَاتَان، ثُمَّ انْتَقَلَ إلى المَوْصِل وسَكَنَها مُدَّةً، وسَيَّرَهُ أتَابِك زَنْكِي بن آقْ سُنْقُر، وكان صاحب المَوْصِل، رَسُولًا منه إلى دار الخِلَافَة، وإلى عدَّة أطْرَاف مِرَارًا مُتَعدِّدةً، وأقْبل عليه الوَزِير أبو المُظَفَّر يَحْيَى بن هُبَيْرَة، وأكْرَمَهُ، ومَدَحَ الوَزِير بقَصِيدَةٍ حَسَنةٍ، وكان بالمَوْصِل في كَنَف الوَزِير جَمال الدِّين مُحَمَّد بن عليّ، وَجِيْهًا عندَهُ، وتولَّى البِيْمَارِسْتان بالمَوْصِل، وتصرَّف في وَقْفه، فلمَّا نُكِبَ الوَزِير جَمال الدِّين، اخْتَلَّ أمْرُه فارْتَحل إلى الشَّام، وقَدِمَ حَلَب، وأقامَ بها مُدَّةً يَغْشَى القَاضِي مُحْيى الدِّين أبا حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الشَّهْرَزُورِيّ الحاكمِ بها يَوْمئذٍ.
ثُمَّ انْتَقَلَ إلى دِمَشْقِ، وأكْرَمَهُ المَلِكُ العادِل نُور الدِّين مَحمُود بن زَنْكِي، وجَعَل له مَعْلُومًا من البرِّ، وكان يَغْشَى بها قاضِي القُضَاةِ كَمَال الدِّين أبا الفَضْل مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن الشَّهْرَزُورِيّ، ولم يَزَل كذلك حتَّى ماتَ نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي، فقَطَعَ وَزِيرُهُ أبو صالح عبدُ الرَّحيم بن عبد الرَّحْمن بن الحَسَن بن العَجَمِيِّ مَعْلُومَه فهَجَاهُ، وقصَدَ المَلِكَ النَّاصِر صَلاحِ الدِّين يُوسُف بن أيُّوب ومَدَحَهُ، فنَفَقَ عليه، وأكْرَمَهُ، وزَادَ في إكْرَامِه وبرِّه، ثمّ رجع إلى المَوْصِل، وحدَّث بشيءٍ يسَيْر من مَسْمُوعَاته، وكان بينَهُ وبين العِمَاد الكَاتِب مَوَدَّةً أكيْدَة، ومُؤَانَسَةً، ومُكَاتَبةٌ بالشِّعْر والنَّثْر.
قال لي الفَقِيه عِمَاد الدِّين إسْمَاعِيْل بن بَاطِيْش: إنَّ مَوْلد العَلَم الشَّاتَانِيّ في سَنَة خَمْس عَشرة وخَمْسِمائَة.
وأنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّدُ بن هِبَة اللَّه بن الشّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة اللَّه الحافِظ
(1)
، قال: ذَكَر لي -يعني الشَّاتَانِيّ- أنّ مَوْلده سَنَة عَشْرٍ وخَمْسِمائَة بقَلْعَة شَاتَان.
سَمِعْتُ شَيْخَنا أبا الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الكَريم الجَزَرِيّ
(2)
، قال: أخْبَرني أبي، قال: كان العَلَم الشّاتَانِيّ يَمْدَحُ مُجَاهِدَ الدِّين قَايْمَاز، وكان مُحْسِنًا إليه، فلمَّا قُبِضَ على مُجَاهِد الدِّين هَجَاهُ الشَّاتَانِيُّ، فأُطْلِق مُجَاهِد الدِّين من الاعْتِقَال، فقَطَعَ جَارِي العَلَم الشَّاتَانِيّ الّذي كان له على جَامع المَوْصِل، فدَخَلَ عليه وأنْشَدَهُ أوَّل قَصِيدَة عَملها:[من الطويل]
كَفَاني عِقَابًا ما جَنَيْتُ على نَفْسِي
فقال له مُجَاهِد الدِّين قَايْمَاز: حَسْبُكَ لا تَزد على هذا؛ فلو أنَّك امْرُؤ القَيْس ما أتَيْتَ في الاعْتِذَار بأبْلَغَ من هذا، ثمّ عَفَا عنه، وأطْلَق جَارِيَهُ على ما كان.
أنْشَدَني أبو مُحَمَّد المُعَافَى بن إسْمَاعِيْل بن الحَدَوْس المَوْصِلِيّ، قال: أنْشَدَنا عَلَم الدِّين الحَسَن بن سَعيد الشَّاتَانِيّ لنَفْسِه: [من الخفيف]
قُلْتُ: ثَقَّلْتُ إذ أتيْتُ مِرَارًا
…
قال: أثْقَلْتَ كَاهِلي بالأيَادِي
قُلْتُ: طوَّلْتُ، قالَ: أَوْلَيْتَ طَوْلًا
…
قُلتُ: أَبْرَمْتُ، قال: حَبْلَ الوِدَادِ
وأنْشَدَني أبو مُحَمَّد ابنُ الحَدَوْس الفَقِيه، قال: أنْشَدَني الشَّاتَانِيّ أيضًا لنَفْسِه: [من الرمل]
عَمَّ بالمَعْرُوف حتَّى لَم يَدَع
…
أحَدًا ينْفَكُّ عن مِنَّتِهِ
صَدَقَتْ نِيّتُهُ في فعْلِهِ
…
فاهْتَدَى بالصِّدْقِ مِن نيَّتِهِ
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 96.
(2)
لم يورده ابن الأثير في كتبه.
أنْشَدَني عِمَاد الدِّين أبو المَجْد إسْمَاعِيْل بن هِبَة اللَّه بن سَعيد الشَّافِعيّ الفَقِيه، قال: أنْشَدَنا عَلَم الدِّين الشَّاتَانِيّ بالمَوْصِل بالجامع النُّوْرِيّ، قَبْل وَفاتِهِ بقَلِيل، وأحْضَر دوَاةً ورُقْعَةً وكَتَبْتُهما من لَفْظه في ذلك المَجْلِس، ولم يُسَمّ قَائلًا
(1)
: [من الخفيف]
مِلْ مَعي ما عليكَ ضرِّي ونَفْعِي
…
نَسْأل الجَزْعَ عن ظباءِ الجزْع
فعليَّ السُّؤَالُ ليسَ عليَّ الـ
…
ــعارُ إنْ ضَنَّتِ الغَوَاني (a) برَجْعِ
أنْبْأنَا القَاضِي أبو نَصْر ابن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ
(2)
، قال: الحَسَنُ بن سَعيد بن عَبْدِ اللَّه بن بُنْدَار، أبو عليّ الدِّيَار بَكْرِيّ الشَّاتَانِيّ، قَلْعَةٌ من دِيَار بَكْر، ذَكَرَ أنَّهُ سَمِعَ ببَغْدَاد أبا القَاسِم بن الحُصَيْن، وأبا بَكْر ابن صِهْر هِبَة
(3)
، وأبا مَنْصُور بن زُرَيْق، وأبا الحَسَن بن عَبْد السّلام الكَاتِب، وأبا البَرَكَات الأنْمَاطِيّ، وأبا الفَضْل بن نَاصِر، وأبا بَكْر مُحَمَّد بن القَاسِم بن الشَّهْرَزُورِيّ.
وتَفَقَّهَ على أبي عليّ الحَسَن بن سَلْمَان، وأبي مَنْصُور ابن الرَّزَّاز ببَغْدَاد، وعلى أبي عليّ الحَسَن بن إبْراهيم بن بُرْهُون الفَارِقِيّ، وتَأدَّبَ على الشَّريف ابن الشَّجَرِيّ، وأبي مَنْصُور ابن الجَوَالِيْقِيّ، وقال الشِّعْرَ، وأنْشأ الرَّسَائِل، وقَدِمَ دِمَشْق في سَنَة إحْدَى وثَلاثين وخَمْسِمائَة، وعَقَدَ مَجْلِسَ الوَعْظ، وعَاد إلى وَطَنِهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلى المَوْصِل، وخَدَمَ دَوْلة أتَابِك زَنْكِي ووَلده رحمه الله، ورُسِّلَ إلى الخَلَيفَة المُقْتَفِي، وإلى عدَّة أطْرَاف، وعاد إلى دِمَشْق سَنَة ثمانٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة.
(a) ديوان مهيار: المغاني.
_________
(1)
البيتان من طالع قصيدة طويلة لمهيار الديلمي، ديوانه 2:232.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 96.
(3)
هو القاضي أبو بكر في عبد الباقي الأنصاري، شهر بابن صهر هبة. انظر: ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 1: 303.
فممَّا أنْشَدَني
(1)
لنَفْسِه ممَّا كَتَبَ به إلى خَطِيْب خُوارَزْم أحْمَد بن مَكِّيّ، وكان مَشْهُورًا بالفَضْلِ، جَوَابًا له عن أبْياتٍ كَتَبَ بها إليه:[من الطويل]
سَلَامٌ كنَشْرِ الرَّوْض تَسْري (a) بهِ الصَّبَا
…
فتَعْبَقُ مِن أنْفَاسِهِ وتَطِيْبُ
على منْ يَرَاهُ القَلْبُ مَعْ بُعْدِ دَارِهِ
…
قَرِيْبًا ويَدْعُو وُدَّهُ فيُجِيْبُ
إمِامٌ لهُ في الفَضْلِ أَشْرَفُ رُتْبَةٍ
…
إذا رَامَهَا خَلْقٌ سِوَاهُ يَخِيْبُ
وَقُورٌ إذا طَاشَ الحَلِيمُ حَيَاؤُهُ
…
على نَفْسِهِ فيما يَرُومُ رَقِيْبُ
تَفُلّ (b) غرَارَ السَّيْف حِدَّةُ عَزْمِهِ
…
فيَرْتاعُ منها الرَّوْعُ وَهْوَ مَهِيْبُ
إذا ما عَلَا صَدْرَ الأئمَّةِ مِنْبَرًا
…
فقُسٌّ عليهِ بالبَيَانِ خَطِيْبُ
حَبِيْبٌ حَبَاني مِن جَوَاهِرِ لَفْظِهِ
…
بما قَلّ عنه (c) جَرْوَلٌ وحَبِيْبُ
فحَلَّى بها جِيْدِي وقد كان عَاطِلًا
…
وجَدَّد بُرْدًا أنْهَجَتْهُ (d) خُطُوبُ
وصَفَّى ليَ العَيْشَ الّذي هُوَ دَائمًا
…
بتَكْدير أحْدَاثِ الزَّمانِ مَشُوْبُ
يُلقّح أبْكَارَ القَرَائِح فِكْرُهُ
…
نَسِيْبٌ لأرْوَاحِ الأنامِ نَسِيْبُ
ألَا هَلْ أرَى نَادِي نَداهُ فأرْتَوي
…
فقد كدْتُ مِن بَرْحِ الغَرَام أَذُوْبُ
والأبْيَاتُ الّتي كَتَبَ بها خَطِيْبُ خُوارَزْم ابتَداءً
(2)
: [من الطويل]
هُدَى عَلَمِ الدِّين المُفَخَّمِ شَأنُهُ
…
له في عِظَامِي والعُرُوقِ دَبِيْبُ
تُشُوِّقني الذِّكْرَى إليهِ فأَنْثَني
…
وأَيْسَرُ ما بينَ الضُّلُوعِ لَهِيْبُ
أَحِنُّ إليه حَنَّةً كُلَّما دَعَتْ
…
شَآبيْبُ دَمْعِ العَينْ فَهْي تَجِيْبُ
(a) ابن عساكر: يسري.
(b) ابن عساكر: يفل.
(c) ابن عساكر: عندي.
(d) ابن عساكر: أبهجته.
_________
(1)
مما أنشده لابن عساكر، انظر النقل عنه في تاريخه 13:97.
(2)
الأبيات الأربعة الأولى في تاريخ ابن عساكر (مصدر النقل) 13: 97.
بَعِيدٌ (a) إذا قلَّبْتُ طَرْفيَ نَازِحٌ
…
وإنْ لحظَتْهُ فِكْرتي فقَرِيْبُ
يَشِيْمُ لكَشْفِ الغَامِضَاتِ مُهَنَّدًا
…
يُطَبّقُ في أوْصَالها ويُصِيْبُ
أتَاني كتَابٌ منه عَمَّ سُرُورُهُ
…
يَهَشُّ لَهُ دَامِي الجُفُون كَئِيْبُ
أرَاهُ افْتِخَارًا للفَرَزْدقِ زَانَهُ
…
بطَبعْ جَرِيرٍ مَدْحُهُ ونَسِيْبُ
تَخَيَّرَهُ عَذْبَ الكَلَامِ كأنَّهُ
…
رضيْعُ هُذَيْلٍ بالعُذَيْبِ رَبِيْبُ
(a) ابن عساكر: يعيد، ولا معنى له.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن أبي الحَجَّاج إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الأصْبَهَانِيّ الكَاتِبُ
(1)
، قال: عَلَم الدِّين الشَّاتَانِيّ أبو عليّ الحَسَنُ بن سَعيد بن عَبْدِ اللَّه، وشَاتَان من نَوَاحِي دِيَار بَكْرٍ، مقَامُهُ بالمَوْصِل، ومَقَرُّ أهْلِهِ، ومَطَارُ فَضْله، ووَكْرُ فِراخِهِ، ووِرْدُ نُقَاحِهِ، ومُنَاخُ أشْيَاخِهِ، ومَرْمَى مَرَامِهِ، ومَرْعَى سَوَامِهِ، ومَرَادُ مُرَادِهِ، ومَرْيَضُ جَوَادِه، ومَرَاحُ مِرَاحِهِ، ومَغْدَى (a) فَلاحِهِ، ومَرْبَع اغْتباقِهِ واصْطباحِهِ، ومَرْتَعُ اغْتباطِهِ واصْطِلَاحِهِ، ومَنْبَت (b) عَملِهِ، ومُثْبت (c) أمَلِهِ، ومَغْنَى غِنَاه، ومَبْنى بُنَاه (d)، وأرْض رِضاهُ، ورَوْض هَوَاهُ، ووَطَن وَطَره، وحَضِيرة (e) حَضَرِه، وبُقْعَة شَاتِه، ورُقْعَة شَاهِهِ، وقَلْعَة (f) نَجاتهِ، وبُلْغَة (g) جَاهِهِ، وهو في مَارَسْتَانها مُتَوَلٍّ، وعلى ضَبْطِ (h) الأوْقَافِ مُسْتَول.
وله شِقْشِقةٌ في الأدَب تَهْدِر فَصَاحَةً (i)، وحَمْلَقةٌ في النَّظَر للعجب يُسَمِّيها حُسَّادُهُ حَمَاقَة، قد وفَّر اللَّهُ حَظَّهُ من النَّطْق فما يرى السُّكُوت، ويَسْتَلذُّ بالاسْتِكْثَار من الكَلَامِ ومُوَاصَلَته ولو هَجَر القُوْت، إذا حَضَر أدَبًا (j) لَم يَرْضَ إِلَّا بأنْ يَنْفَرد (k) بالقَوْل وغَيْره يَسْتَمِع (l)، ويُرْفَع (m) بالفَضْل والكُلُّ مُتَّضِع، لا جَرَمَ تَرْشُقُهُ سِهَامُ الإيْذَاءِ، وتَطْرقُه قَوَارضُ الطُّرَقاء (n).
(a) الخريدة: ومعدى.
(b) الخريدة: ومبيت.
(c) الخريدة: ومنبت.
(d) الخريدة: مُناه.
(e) الخريدة: وحظيرة، والحضيرة: الجماعة من الناس.
(f) الخريدة: وتلعة.
(g) الخريدة: وقلعة.
(h) الخريدة: حفظ.
(i) بعده في الأصل بياض قدر كلمتين، والنص متصل في نشرة الخريدة.
(j) الخريدة: ناديًا.
(k) الخريدة: يتفرَّد.
(l) الخريدة: مستمع.
(m) الخريدة: ويترفع.
(n) الخريدة: قوارص الظرفاء.
_________
(1)
خريدة القصر 12: 361 - 366.
ولقد كانَ في أمَانٍ من الطَّيْشِ، وضَمَان من طِيْب العَيْش، وفَرَاغٍ ورَفاغة، وبُلْغَةٍ من بَلَاغة، ورَفاهيَةٍ بغير كَرَاهِية، ونِعْمَةٍ لقَدْر فَضْله مُضَاهيَة، وبَضَائع نَافِقَة، وذَرَائع مُوَافقة، ونُقُودٍ رَائجة، وعُقُود مُتَناسِقة، ذلك والصَّدْرُ الوَزِيرُ جَمالُ الدِّين بالمَوْصِل في صَدْرِ وزَارتهِ مُشْرق الجَمَال، مُتألِّق الإقْبَالِ، فَائِضُ السِّجَال، مُسْتَفِيض النَّوَال، غَامرُ أُولي الفَضْلِ بالإفْضَالِ، وهُمْ في ظلِّهِ يَقِيْلُونَ، وإلى نَيْلِهِ يَميْلُونَ، وبطَوْلهِ يَطُوْلُونَ، وبصَوْله يصُولُونَ، وإلى فَيْضهِ يُوْفِضُون، وفي رَوْضهِ يَرْتَاضُونَ، ولنَدَاهُ يُنَادُونَ، ولجَدَاهُ يَجْتَدُونَ، وبَنْجمِهِ يَهْتَدُونَ، ولهَدْيهِ يَسْتَهْدُونَ، وعَلَمُ العَلَم في العِلْم عندَهُ عالٍ، وسِعْر الشِّعْر في سُوق الرَّجَاء رَائِجٌ غَالٍ.
فلمَّا نُكِبَ الوَزِير، نَضَبَ الغَدِيرُ، وفاضَ الجَهْلُ، وباضَ الجَوْر، وغَاضَ الماءُ، وقُضِيَ الأمْرُ، وانْهَزَّ (a) جُوْدِيُّ الجُوْد، وذَوَى عُوْدُ الوُعُود، وابْتُليَتْ بالحُزْن النُّهَى، وبالخَزْن اللُّهَى، وصِيْنَ العَرَضُ، وبُذِلَ العِرْضُ، وقَصُرَ الطُّوْلُ، وضَاقَ العَرْضُ، وحَال الجَرِيْض دونَ القَرِيْض، وأغْنَى التَّصْريح بردِّ ذَوي الحَاجَاتِ عن التَّعْريض، وانْقَطَعَ الوَاصلُونَ إلى المَوْصِل، وتفَرَّق الفَاصِلُونَ (b) عن المَحْفِل، وغَلَبَ اليأسُ علِى الرَّجَاءِ، والبُخْل على السَّخَاءِ، وأظْلَم الجَوُّ، وعُدِمَ الضَّوُّ، وشَتَّا الشَّاتَانِيّ بعدَهُ وَصَاف، ففَقَد الإنْصَاف، وحُرِمَ الإسْعَاف، ووقَف أَمْرُه في الوَقْف، وعُوِّض بدَفْعه (c) بالعُنْف، ونُفي حقُّه ونُسِي، وأُرْجي رَجَاؤُه وأُنْسِي، ورَأى المُوْصِل مُقْطعًا والمَفْزَغَ مُفْزعًا، والمَوْلَى مُوَلِّيًا، والسَّابِق مُصَلِّيًا، والمعْرَفة نَكِرَة، والمَغْرَفَةَ (d) مُنْكَسِرة، والمَرَقَةُ مُرَاقَة، والوَرَقَة مُتَخَرِّقَة (e)، ورِفْقَة الأدَب عن المَأْدُبَةِ مُتَفَرِّقَة، وطلَب إِسْفَار صُبْح حَالِهِ، وسُفُور وُدّ (f) جَمَالِهِ، في أَسْفَاره وحَلِّهِ وتَرْحَالهِ.
(a) الخريدة: وانهدَّ.
(b) كذا في الأصل مؤكدًا بحرف صاد تحته، وفي الخريدة: الفاضلون.
(c) الخريدة: برفعه.
(d) الخريدة: المعزفة.
(e) الخريدة: منخرقة.
(f) الخريدة: وجه.
فلمَّا سَارَ آنَسَ بالشَّام (a) من نُور الدِّين نارًا بل نُوْرًا، {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}
(1)
، فاتَّخَذَ دِمَشْقِ دَارَ هِجْرَتهِ، وغَار أُسْرَتِهِ، ومَبْرَك مَبرَّتهِ، ومَسْرَح مَسَرَّتهِ، ومَجْثَمَ رُبُوضِه، ومَوْسِم سُنَنِه وفرُوضِهِ، ومَرْح مَرَحِه، وبُرْج فَرَحهِ، وبَيْت قَصْدِه، وبَيْت قَصِيْدَته، فأَشْرَقَ عند النُّورِ نُوْره، وانْتَظمَتْ بأمْرِه أُمُوره، ودَرَّتْ أنْوَاءُ إدْرَاره، وذَرَّتْ أنْوار أبْدَاره (b)، فلمَّا خَبَا ذلك النُّور، طُوِيَ المَنْشُور، وأطْبَق الدُّسْتُور، وتَوَلَّى أبو صَالِح
(2)
، مُلْكَ المَلِك الصَّالِح، بَدَأ بتَبْطِيْل المَصَالِح، وتَعْطِيل المَنَائِح، ومَنعْ الصِّلَات، ورَفْعِ الصَّدَقَاتِ، وقال للشَّاتَانِيّ: غِبْ وخِبْ، وإذا دُعِيْتَ فلا تُجِبْ، فما لأريبٍ عندنا أَرَب، وما لأدِيْبٍ لدينا إلَّا الدَّأَبْ، والفَضْلُ فضُول، والعِلْم غُلُول، وما عَلمَ العَلَمُ حينئذٍ كيفَ العَمَلُ، وفِيْم الأمَل؛ أيحْتَمل أم يتحَمَّل، أيُغَرِّبُ أم يُشَرِّق، أيُنْجِد أم يُعْرِق، حتَّى تَدَاركَ اللَّهُ ذَماء الفَضْل، ورَعَى ذِمَام أهْلِهِ، بإنَاره صُبْح الحَقّ، وإيْضَاح (c) سُبلهِ، وإعْلَاءِ أعْلَام النَّدَى، وإحْكَام أحْكَام الهُدَى، ووُصُول الرَّايَاتِ المَلكِيَّة النَّاصِرِيَّة إلى الشَّام، وقيامه بنَصْر الإسْلَام، انْتَعَش جَدُّ الكَرم (d) العَاثِر، وحَيي رَسْمُ الجُوْد الدَّاثِرِ، وفَرَّ ذلك الشَّيْطان من ظِلِّ عُمَر، وغَمَّ ذلك الغَمّ (e) ما أفاضَ من البِرِّ وغَمَر، وصَار الشَّام بيُوسُفَ مِصْرَ مِصْرًا آخر بإحْسَانه، قد فَرَّ عَوْن فِرْعَونه وهَامَانه، وبَسَط المَكْرُمَاتِ، وأدَرَّ المَبَرَّات، ورَدَّ الصِّلَات والصَّدَقَات،
(a) ليست في الخريدة.
(b) الخريدة: أبراره.
(c) الخريدة: واتِّضاح.
(d) الخريدة: الكرام.
(e) الخريدة: وغمر ذلك الغمر.
_________
(1)
سورة الأحزاب، الآية 38.
(2)
هو الوزير أبو صالح القطب عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن بن العجمي (ت بعد 573 هـ)، ذكره العماد الأصفهاني في ترجمته للشاتاني وهجاه وعرَّض به، (الخريدة 12: 369 - 372)، وانظر أخباره لأول سلطنة الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين في الروضتين لأبي شامة 2: 208، 217، 250، 272، 308.
وعادَتْ حالُ هذا الفَاضِل حَالِيَة، وقِيْمته غَالِيَة، ودِيْمَةُ حَظِّه هَامِيَة، وحِظْوَة فَضِيْلَته نَامِيَة، ومَدَحَهُ بقَصِيدَةٍ أوَّلُها
(1)
: [من الطويل]
أرَى النَّصْرَ مَعْقُودًا برايتك الصَّفْرا
…
فَسِرْ وافْتَح الدُّنْيا فأنْتَ بها أَحْرَى
ومنها:
يَمِيْنُكَ فيها اليُمْن واليُسْرُ في اليُسْرَى
…
فبُشْرَى لمَنْ يَرْجُو النَّدَى بهما (a) بُشْرَى
وهذا عَلَمُ الدِّين ذو العِلْم الغَزِير، والفَضْل الكَثِيْر، والمَحْفُوظ (b) الوَافِر من كُلّ فَنّ، وهو المَحْظُوظ بكُلّ قَبُول ومَنِّ، قد وَفَدَ في رَبْعَان عُمْره إلى عَمِّي العَزِيز ببَغْدَاد، واتَّخَذَهُ المَعَاذ، ومَدَحَهُ، فأجازهُ ومَنَحه، وسلَّمَهُ إلى ابن سَلْمَان
(2)
، فقرأ عليه الفِقْه، وبلغَ من مَعْرفَته الكُنْهَ، واكْتَسَبَ خُلُقه الظّرْفَ، واكْتَسَى شِعْره الرِّقَّة واللُّطْفَ، حَاوِي المَحَاسِن، صَافِي البَاطِنِ، سَلِيْم القَلْب، قَويم اللُّبَ، حُلْو الفُكَاهَة، خلْو من السَّفَاهَة (c)، بَدِيْع الفِقْرة، سرِيع النَّفْرَة، عَجِل الأوْبَةِ، طَويْلُ الفِكْرِة، قليلُ العَثْرَة، مُسْتَجيب العَبْرة، مُسْتَريب بالكَرَّة، وإذا أرَدْت أَنْ تغيْظَهُ فتَعَرَّضْ له أو اعْتَرض عليهِ، وتحدَّث بينَ يَدَيْهِ، وقُلُوب الفُضَلَاء مَغْسُوِلة، وحِكْمتُهم مَعْسُولة، وحِدَّتُهمِ مَقْبُولة، وشِدَّتُهم لِيْنٌ، وغَثُّهُم سَمِيْن، ومُقَارَنتهم (d) فَضِيْلة، ومُجَانَبتُهم رَذِيلة، وشَرَفهُم عَتيْد، وأنَفُهم شَدِيد.
(a) الخريدة والوافي بالوفيات: منهما.
(b) الخريدة: وله المحفوظ.
(c) لم ترد هذه العبارة في نشرة الخريدة.
(d) الخريدة: ومقاربتهم، ولعله الأصوب.
_________
(1)
البيتان في الروضتين لأبي شامة 2: 300، ووفيات الأعيان 2: 113، والوافي بالوفيات 13: 176، والأول منهما عند العماد الأصفهاني: البرق الشامي 3: 29، وتاريخ الإسلام 12:901.
(2)
هو مدرس النظامية أبو عليّ الحسن بن سلمان النهرواني الأصفهاني المعروف بابن الفَتَى (ت 525 هـ). انظر ترجمته في: المنتظم 17: 366، والوافي بالوفيات 12: 33 - 34، والسبكي: طبقات الشافعية الكبرى 7: 62 - 63، والبداية والنهاية 12:202.
قد تَوَجَّه من المَوْصِل (a) إلى دار الخِلَافَة مِرَار [ا]، ووَجَد برِّها (b) وكَرَامتها على الأغْيَار إبْرَارًا، وأقْبَل عليه الوَزِير الهُبَيْرِيّ لشَغَفه بأمْثَاله من أهْلِ الفَضْل، وعَاد نجيْح السَّعْي مَوْفُور المَحَلّ.
أنْشَدَني لنَفْسِه من قَصِيدَة وازَنَ بها قَصِيدَةً لي نَظَمْتُها في ابن هُبَيْرَة الوَزِير
(1)
: [من الكامل]
أهْدَى إلى جِسْمي (c) الضَّنَى فأعَلَّهُ
…
وعَسَى يرقّ لعَبْدِه ولعَلَّهُ
ما كُنْتُ أحْسبُ أنَّ عَقْدَ تَجَلُّدِي
…
يَنْحَلُّ بالهِجْرَان حتَّى حَلَّهُ
يا وَيْحَ قَلْبي أين أطْلبُهُ وقد
…
نَادَى به دَاعِي الهَوَى فأضَلَّهُ
إنْ لَم تَجدُ بالعَطْف منه على الّذي
…
قد ذَاب من بَرْح الغَرَام فَمْنْ لَهُ
وأشَدُّ ما يَلْقَاهُ من ألَم الهَوَى
…
قَوْلُ العَوَاذِل أنَّهُ قد مَلَّهُ
قال العِمَاد
(2)
: وعَتِب عليَّ ونحنُ بدِمَشْق مُتَجَنِّيًا، وضَنَّ بمُوَاصَلَته مُتَظَنِّيًا؛ فإنَّهُ كان يَسْتَشِيطُ من كُلّ كَلمة فيها قَاع
(3)
، حتَّى يَغْضَبَ من ذكْر الفُقّاعَ، فعُمِلَتْ أبياتٌ لا يَخْلُو بَيْتٌ فيها من هذه اللَّفْظَة، في مَعَان حِكَمِيَّةَ ليسَ فيها ذِكْره (d)، وكانت تُنْشَدُ وهو يَغْضَبُ ويَحْرَدُ، ونَسَبَها مَنْ أراد إغْرَاءَهُ بي إليَّ، فعَتَب لأجْل ذلك عليَّ، وكَتَبْتُ إليه:[من المنسرح]
لا أوْحَشَ اللَّهُ منكَ يا عَلَم الدِّ
…
يْن نَدِيَّ الكِرَام والفُضَلَا
أَعَنْ قِلًى ذا الصُّدُود أم مَلَلٍ
…
حَاشَى العُلَى مَلَالةٍ وقِلَى
هَلْ حَالةٌ (e) في العُلَى لرَبِّ عُلى
…
إنْ يَغْتَدي هَاجِرًا لرَبّ عُلَى
(a) في الخريدة: من الموصل سفيرًا.
(b) الخريدة: ببرها.
(c) الخريدة: جسدي.
(d) الخريدة: ذكر.
(e) الخريدة: جائز.
_________
(1)
الأبيات -إضافة للخريدة- في الوافي بالوفيات 12: 28، 176، وطبقات الشافعية للأسنوي 2:112.
(2)
خريدة القصر 12: 379 - 381.
(3)
تقدم في طالع الترجمة أنه كان يُنبز بقاع!
كُنْتَ أخًا إنْ جَفَا الزَّمان وَفَى
…
أو قَطَعَ الوُدَّ أهْلُهُ وَصَلَا
إنْ أظْلَمَتْ خُطَّةٌ أضَاءَ لها (a)
…
أو ظَلَمَ الخَطْبُ جَائرًا عَدَلَا
رفيقُ رِفْقٍ لنا إذا عَنفَ الدَّ
…
هْرُ وخلًّا يُسَددُ الخلَلَا
صَدِيقُ صِدْقٍ ما زال إنْ كذَبَ السُّـ
…
ــعَاةُ للأصْدِقَاءِ مُحْتَمِلا
فما الّذي كدَّر الصَّفَاء مِنَ الـ
…
ــوُدِّ ولم يُرْوِ وِرْدُهُ الغُلَلَا
فَضْلُكَ رُوْح العُلَى وهَل بَدَنٌ
…
من رُوحهِ الدَّهْرَ واجِدٌ بَدَلَا
عَذِّبْ بما شِئْتَ من مُعَاتَبةٍ
…
أمَّا بهذا الهَجْر المُمضِّ فَلَا
في العُمْر ضِيْقٌ فصُنْهُ مُنْتَهِزًا
…
في سَعَة الصَّدْر فُرْصَةُ العُقَلَا
أمَا كَفَى نائبُ الزَّمانِ على
…
تَفْريقِ شَمْل الأُلَّافِ مُشْتَملا
ما بَالنُا ماشَى ما نَرى وإنْ كَرُمُوا
…
إلَّا منَ الأصْدِقَاء كُلَّ بَلَا
إذِا شُعِفْنا بقُرْب ذِي شَعَفٍ
…
بقُرْبنا (b) قيل قد نَأىْ وَسَلَا
زهِدْتَ فينا وسَوْفَ تطْلُبُنا
…
رُبَّ رَخيْصٍ بعدَ الكَسَادِ غَلَا
إنْ كان في طَبْعِكَ المَلَالُ من الشَّـ
…
ــيء فهَلَّا أقْلَلْتَ (c) ذا المَلَلَا
بعدَ كَمَال الإخاءِ تنقُضُهُ
…
فَخاذِرِ النّقْصَ بَعْدَما كَمَلَا
كم صَاحبٍ قالَ لي: ألَسْتَ على
…
بَلَاءِ وُدِّي تُقِيْمُ قُلْتُ بَلَى
كَفَى لخِلِّى بدَيْنِ خُلَّتِهِ
…
مَجْدِي وفَضْلي ومَحْتَدِي كُفَلَا
وكُلُّ عِلْمٍ لَم يَكْسُ صَاحِبَهُ
…
حِلْمًا تَرَاهُ عُطْلًا بغَيْر حُلَى
لحفْظِ قَلْب الصَّدِيْق أَجْتَرعُ الصَّـ
…
ــابَ وأُبْقي لكأسهِ العَسَلَا
إنْ أنْكَرَ الحَقَّ كُنْتُ مُعْتَرفًا
…
به أوِ اعْوَجَّ كُنْتُ مُعْتَدِلَا
أو قالَ ما قال كُنْتُ مُسْتَمِعًا
…
إليه بالقَول منهُ مُحْتَفِلَا
(a) الخريدة: لنا.
(b) في الأصل: تقربنا، والمثبت من الخريدة.
(c) الخريدة: مللت.
فَضْلُكَ في العَالَميْنَ ليسَ لهُ
…
مِثْلٌ وقد سَارَ في الوَرَى مَثَلا
فأَوْلِنَا الفَضْلَ يا وَلِيَّ أُولِي الـ
…
ـــفَضْل ولا تَبْغ حَلَّ عَقْدِ وَلَا
يا عَلَمَ الدِّين أنْتَ عَلَّامَةُ الـ
…
ــعِلْم الجَليُّ الأوْصَاف وابنُ جَلَا
عَرَّفنيَ العُذْرَ في اجْتِرَاحِكَ ذَنْـ
…
ــبَ العَبْد (a) واحْضُر مُسْتَحْيِيًا خَجِلَا
وافْصِل جَمِيلًا هذي القَضِيَّة بالـ
…
ـــعَدْل وخَلِّ التَّفْصِيْلَ والجُمَلَا
واعْذُر جَهُولًا إذا حُسِدْتَ فما
…
صَار حَسُودًا إلَّا لِمَا جَهِلَا
وجِلْتُ من هَجْركَ المَخُوف فَصِلْ
…
واجْلُ عن القَلْب ذلكَ الوَجَلَا
وابْخَل بوُدِّي يا سَمْحُ فالسُّمَحَا
…
ءُ الغُرُّ صُبْرٌ (b) بوُدِّهم بُخَلَا
إنَّ الكِرَام الّذين أعرفُهم
…
قد أوْضَحُوا لي من عُرْفِهِمْ سُبُلَا
يُسَامحُونَ الصَّدِيْقَ إنْ زَلَّت النَّـ
…
ــعْلُ ويُغْضُونَ إنْ رَأوا زَلَلَا
وهُمْ خِفَافٌ إلى المَكَارِم لي
…
لكنَّهُم عن مَكَارِهي ثُقَلَا
فكُنْ مِنَ المُرْتَجى غَنَاؤُهُمُ
…
في صدْق وُدِّي وحَقِّقِ الأَمَلَا
قال
(1)
: فكَتَبَ إليَّ مُتَعَتِّبًا (c)، ووَصَل مُتَقَرِّبًا:[من المنسرح]
قُلْ لعِمَادِ الدِّين الّذي رَقَمَتْ
…
أقْلَامُهُ في طُرُوسهِ الحُلَلَا
تَزِيدُ أبْصَارَنا إذا نُشِرَتْ
…
نُوْرًا فتَجْلُو بحُسْنِها المُقَلَا
فابنُ هِلَالٍ ونَجْلُ مُقْلَةَ لو
…
رَامَا مَدَاهُ في الخَطِّ ما وَصَلَا
فكُلُّ تَالٍ لها ومُسْتَمِعٍ
…
يهُزُّ عِطْفًا مِن رَاحها ثَمِلَا
يا بَحْرَ عِلْم عَذْبًا لوَاردِهِ
…
كَيْفَ أُسَاوِي بفَضْلِهِ (d) وَشَلَا
لكَ اليَرَاعُ الّذي تَفُلُّ بهِ الـ
…
ــبِيْضَ المَوَاضِي وتَعْزِلُ الأسَلَا
(a) الخريدة: الصَّدّ.
(b) الخريدة: صيد.
(c) الخريدة: معتبًا.
(d) الخريدة: بفيضه.
_________
(1)
خريدة القصر 12: 382 - 383.
أوْدَعَهُ اللَّه ذُو الجَلَالِ كما
…
أرادَ رزْقَ العِبَادِ والأجَلَا
عَمُّكَ عَمَّ الأنَامَ نَائلُهُ
…
فصَيَّرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ خَوَلَا
وسَادَ كُلَّ الوَرَى بسُؤْدَدِهِ
…
وشَادَ مَجْدًا سَامَى بهِ زُحَلَا
مَنْ كُنْتُ قِدْمًا رَبيْبَ نِعْمَتِهِ
…
نَشْوًا وغُصْنُ الشَّبَابِ ما ذَبَلَا
فلو رَأى حَاتِمٌ مَوَاهِبَهُ
…
لصَارَ مِن جُوْدِ كفِّهِ خَجِلَا
أرَاهُ مَوْلَاهُ ما أَعَدَّ لهُ
…
في الخُلْدِ فانْقَادَ للرَّدَى جَذِلَا
وارْتَاحَ للرَّاحَةِ الّتي امْتَزَجَتْ
…
بالرُّوْح فيها وعَافَ دَارَ بَلَا
حَيَّا الحَيَا قَبْرَهُ وأنْبَتَ ما
…
علَيهِ مِن رَوْضِهِ الأنيْقَ حُلَى
تَاللَّهِ ما حُلْتُ عن وَلائكُمُ
…
يَوْمًا ولا اعْتَضْتُ عنْكُمُ بَدَلَا
لكن رأيْتُ الخُمُولَ أَرْوَحَ لي
…
ممَّا (a) أُعَانِي الخِصَامَ والجَدَلَا
في دَار مَوْلًى تُقِيْمُ لي أبَدًا
…
جُمُوعَهُ في خُصُومَتِي رُسُلَا
يُشِيرُ إلى قاضِيِ القُضَاة كمال الدِّين ابن الشَّهْرَزُورِيّ، فإنَّ الجَمَاعَة كانوا يُدَاعبُونَهُ بحَضْرته، ويَعْضَهُونه (b) بكَلمته.
مَنْ كُنْتُ لَيْثَ الشَّرَى فغَادَرَني
…
بحَمْلِ أثْقَالِ جَوْرِهِ جَمَلَا
أَرَى نَهِيْقَ الحِمَار يُطْربُهُمْ
…
ويُنْكِرُونَ الجَوَادَ إنْ صَهَلَا
يُجْحَدُ فَضْلي وكُلُّ ذي أدَبِ
…
يَمْتَارُ ممَّا أصُوغ مُرْتَجِلَا
مَنْ لي بخِلٍّ تَدُومُ خُلَّتُهُ
…
ولا أَرَى في خِلَالهِ خَلَلَا
تَرَى ميَاهًا عَيْنْي وبي ظَمَأٌ
…
وما أُرَوِّي بوِرْدها الغُلَلَا
وهذه قِصَّتي مُخَمَّرةً (c)
…
نَظَمْتُ تَفْصِيلَهُ (d) له جُمَلَا
(a) الخريدة: فما.
(b) في الخريدة: يغضبونه، والعضيهة: الإفك والبهتان والنميمة، والقالة القبيحة. لسان العرب، مادة: عضه.
(c) الخريدة: محرَّرة.
(d) الخريدة: تفصيلها، وفي نسخة منه ما يوافق الرواية أعلاه، وعَود الضمير على القصة يوجب تأنيثه.
أنْشَدَنا إبْراهيمُ بن سُلَيمان بن النَّجَّار الكاتِبُ الدِّمَشقيّ بها، قال: أنْشَدَني شِهَابُ الدِّين فِتْيَان الشَّاغُورِيّ لنَفْسِهِ، وذَكرَ أنَّهُ أنْشَدها صَفِيّ الدِّين أبا الفَضْل بن القَابِض وكان في مَجْلِسه العَلَم الشَّاتَانِيّ وكان يُنْبَزُ بِقَاع، ويَغْضَبُ إذا ذُكِرت هذه الكَلِمَة بحَضْرته
(1)
: [من الدوبيت]
هَاجتْكَ رُسُومٌ عَفَتْ لزَيْنَبَ بالقَاع
…
أَمْسَتْ دُرُسًا بَعْدَها مُعَطَّلَةً قَاعْ
لا جَادَ عليها من السَّماءِ مُلِثٌّ
…
يَنْهَلُّ بمُثْعَنْجِرِ الوَدِيْقَةِ وَقَّاع (a)
إنْ كُنْتَ كَرِيْمًا على الجَمِيْل مُسِفًّا
…
لم تُمْسِ على هَامَةِ الدَّنَاءَة وقَّاع
فاسْلُك سَنَنَ الفَضْل مَادِحًا لأبي
…
الفَضْل تكُن عندَهُ ابن شَوْذَب قَعْقَاع (b)
واسْمَع مثلًا هَلْ يُقَاسُ شَارِبُ خَمْر
…
[في النَّاس](c) إذا مَا انْتَشَى بشَارب فُقَّاع
قال: فغَضِبَ لذلك واسْتَشَاط غَيْظًا، والأبْيَاتُ أكْثر من ذلك لَم يكُن على خَاطِره غير هذه الخَمْسة منها.
أخْبَرَني مُوَفَّق الدِّين عليّ بن مُحَمَّد البَغْدَاديّ الشَّاعر بسِنْجَار مُذَاكَرَةً، قال: كان البَهَاء السِّنْجَارِيّ في خِدْمَة تَقِيّ الدِّين عُمَر بن شَاهَنْشَاه، فقال له يَوْمًا أُرِيْدُ أنْ أصِيْح على العَلَمِ الشَّاتَانِيّ: قَاع، بحَضْرَة السُّلْطان المَلِك النَّاصِر، وكان الشَّاتَانِيّ يُنْبَزُ بِقَاع، ويَغْضَبُ من ذلك، قال: وكان يَجْلسُ إلى جَانِب المَلِك النَّاصِر في المَجْلِس، ويُظْهر تيْهًا على غيره من الشُّعَراء، فقال له تَقِيّ الدِّين: لا تَفْعَل، فما يُعْجب السُّلْطان هذا، فقال له البَهَاء السِّنْجَارِيّ: بلى ولا أقُول ذلك إلَّا على وَجْهٍ لَطِيْفٍ يُعْجِبُ السُّلْطان، فحَضَر اليَوْم الثَّاني والعَلَم إلى جانب
(a) الديوان: نقَّاع.
(b) الديوان: ابن شور القعقاع.
(c) ما بين الحاصرتين إضافة من الديوان.
_________
(1)
ديوان فتيان الشاغوري 263 - 264.
السُّلْطان، فوقَف بين يَدَي السُّلْطان فأمَرَهُ بالجُلُوس، فقال: معي خدْمةٌ، فأمَرَهُ بالإنْشَاد، فابْتَدأ وقال:[من السريع]
ما للصَّدى إلَّا لديك انْتِقَاعْ
…
مَلَّكَكَ اللَّهُ جَمِيْع البِقَاعْ
وذَكَرَ قَصِيدَةً طَوِيلَةً على هذه القَافِيَة يمدَحُه فيها، قال: فتَبَرَّم العَلَمُ، وجَعَل يَكْظم غَيْظه، والسُّلْطان قد اسْتَغرق في الضَّحك وجَعَل يَسْتَتر في البُرْج (a) المَنْصُوب في الخَيْمَة عن العَلَم، ويَجْتَهدُ أنْ لا يَرَاه، وأهْل المَجْلِس منهم مَنْ خَرَج إلى خارج الخَيْمَة، ومنهم مَنْ جَعَل يَضْحَكُ ويُخْفِي ذلك جُهْدَهُ، فلمَّا فَرَغ من الإنْشَادِ، جَلَس إلى جانب العَلَم وسَكَت سَاعةً، ثمّ الْتَفَتَ إليه وقال له: يا مَوْلَانا عَلَم الدِّين، قال اللَّهُ تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا}
(1)
، يا عَلَم الدِّين، قاع على أيّ شيءٍ انْتَصَبَ؟ فصَاحَ فيه، وقال: على كذَا وكَذَا من عِيَالك، وشَتَمهُ شَتْمًا قَبِيْحًا.
أخْبَرَني عِزّ الدِّين أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الكَريم الجَزَرِيّ
(2)
، قال: كان العَلَم الشَّاتَانِيّ طَرِيفًا، وكان كَثِيْر المُخَالَطة لكَمَال الدِّين ابن الشَّهْرَزُورِيّ، وكان يُدَاعبُه كَمَال الدَّين، فَحَضَر يَومًا عنده وسَبَّ الإسْمَاعيليَّة وكَفَّرَهُمِ وسَخَّفَ آراءَهُم، فسَيَّرَ كَمَال الدِّين رَجُلين من أصْحَابه ليُفَزِّعَاهُ، ونَزَلا عليه ليلًا، وجذَبَا عليه سِكِّيْنَتَيْن، وقالا له: نحنُ قد سَيَّرَنا سِنَانٌ
(3)
إليكَ لنَقْتُلَكَ، وهو يَقُولُ لك: وَيْلك كَمْ تَتَجَرَّأ علينا وتَشْتِمُنا وتَتَسَمَّج في حَقِّنا؟ قال: فطَارَ عَقْلُهُ، وجَعَل يتَضَرَّعُ إليهما
(a) في الأصل: البرح!.
_________
(1)
سورة طه، الآيتان 105، 106.
(2)
لم يورده ابن الأثير في مؤلفاته.
(3)
سنان بن سلمان بن محمد البصري، راشد الدين الإسماعيلي (ت 589 هـ)، كبير الإسماعيلية ومقدم الباطنية في بلاد الشام. ترجمته في: مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي 22: 9 - 10، الوافي بالوفيات 15: 463 - 470، عقد الجمان للعيني 3: 255، النجوم الزاهرة 6: 117، 133.
ويَسْألهما أنْ لا يَقْتُلاه ويقُولُ: يُكْذَبُ عليَّ، وما قلتُ شيئًا، ومع هذا فأنا تائبٌ، ولا أعُودُ إلى شيءٍ من ذلك أبدًا، فقالا له بعد الجُهْد: فما يُمْكنُنا أنْ نَمْضي إليه إلَّا بعَلَامَةٍ أَمَرَنا بها ليَعْلَم أنَّنا وَصَلْنا إليك، وقَدَرْنا على قَتْلك، ولا بُدَّ من قُفْلٍ نَقْفِلُهُ على أُنْثَيَيْكَ، فقال لهما العَلمٌ: افْعَلا ما شِئْتُما، ولا تُبْطِئا عليَّ أكْثر من يوْمَيْن، فأخَذَا قُفْلًا وقَفَلَاهُ على أُنْثَيَيْهِ، ومَضَيَا.
فلهَّا أصْبَحَ، أرْسَل كَمَال الدِّين ابن الشَّهْرَزُورِيّ إلى العَلَم يَطْلبُه إليه، فاعْتَذَر عن الحُضُور وكَتَمه أمْره، وقال: قد طَلعَ لي دُمَّلٌ ولا سَبِيل لي إلى المجيّ إليكَ، فأرْسَل إليه: لا بُدَّ من حُضُوركَ، فاعْتَذَرَ، وقال: لا أُطِيْقُ، فأرْسَل إليه مِحَفَّةً، وقال: تَحْضُر في المحَفَّة، فُحمِلَ في مِحَفَّة، وأحْضر عند القَاضِي كَمَال الدِّين وهو على غايةٍ من الألم لأنَّ القُفْل يَنْحَدر على أنْثَييْهِ فيُؤلمُه، وهو بين فَخِذَيهِ لا يُطِيْقُ المَشْي منه، فقال: ما بكَ؟ فقال: دُمَّل، فقال: نَدْعُو لك طَبِيْبًا يَبْصرُكَ، فقال: لا حاجَة لي إليه، فألَحَّ كمال الدِّين عليه في إِحْضَار الطَّبِيْب فصَدَقَهُ الحالَ، وقال: إنَّهُ حَضَر عندي رَجُلان ليلًا وذَكرَ له ما جرَى عليه، فقال له كَمَال الدِّين كالجَاهِل بالقَضِيَّة: ألَم أنْهَكَ وأَقُلْ لك لا تَتعَرَّض لهم ولا تَذْكُرهم بسُوْءٍ؛ فإنَّكَ لا تَأْمَنُ غَائِلَتَهم، ثمّ قال له: فنحنُ نَسْتَدْعي رَئيْسَ البَاطِنِيَّة هَا هُنا ونَسْألهُ في أَمْرك، فقال: افْعَل، فأرْسَل إلى رَجُل من أصْحابهِ وأحْضَرَهُ على أنَّهُ رئيسُ البَاطِنِيَّة، وخَاطَبَهُ في مَعْناهُ، فقال: مِفْتاحُ القُفْل عندي وقد تَرَكَهُ عندي الرَّجُلان ومَضَيَا، فإنْ شَرَطْتَ عليه أنَّهُ لا يَعُودُ إلى ذِكْرنا بسوءٍ أطْلَقْناهُ، فشَرَطُوا عليه ذلك، وفُتحَ القُفْلُ وأُطْلِقَ. وكانت هذه من مُطَايَبَاتِ كَمَالِ الدِّين له.
سَمِعْتُ القَاضِي نَجْم الدِّين الحَسَن بن عَبْدِ اللَّه بن حَمْزَة بن أبي الحَجَّاج العَدَوِيَّ، قاضي حَلَب يَقُول: كان بدِمَشْق رَجُلٌ يُقال له البَدْر الأُرْمَوِيّ، وكان بينه وبين العَلَم الشَّاتَانِيّ شيءٌ، فحضَرا يَوْمًا ولِيْمَةً عند القَاضِي كَمَال الدِّين ابن الشَّهْرَزُورِيّ، وكان
البَدْر الأُرْمَوِيّ يَجْعَل في كُمِّه قِدْرًا صَغِيرَةً مَرْبُوطة في زَنْده ليَجْعَل فيها طَعَامًا يُزِلّه من الوَلِيْمَة الّتي يَحْضُرها، وكان وَاسِع الأكْمَام، فراقَبَهُ العَلَمُ الشَّاتَانِيّ إلى أنْ وَضَعَ فيها الطَّعَام، ومَلَأها، وغَافَلَهُ وضَرَب القِدْر على كُمِّه فانْكَسَرت، وتبدَّد جميع ما فيها من الطَّعَام وسَال في كُمِّه وامْتَلأ كُمُّهُ به، نجعَل البَدْر الأُرْمَوِيّ يَنْفُضُ كُمَّهُ ويُلوَّث به ثِيَاب النَّاس حتَّى وَصَل من ذلك إلى كَمَال الدِّين وجميع مَنْ في المَجْلِس.
قال لي الفَقِيه عِمَاد الدِّين أبو المجد إسْمَاعِيْل بن بَاطِيْش: ماتَ العَلَمُ الشَّاتَانِيّ في حُدُود سَنَة تسْعين وخَمْسمائَة بالموصِل، وهذا وَهْمٌ؛ والصَّحيحُ ما أنْبَأنَا به أبو الوَحْش عبد الرَّحْمن بن أَبي مَنْصُور بن نَسِيمِ، قال: أخْبَرَنا الحافظُ أبو المَوَاهِب الحَسَن بن هِبَة اللَّه بن صَصْرَى، قال: بَلَغَني وفَاته -يعني الشَّاتَانِيَّ- في شَهْر شَعْبان سَنَة تِسْعٍ وسَبْعِين، وقد جاوز السَّبْعِيْنَ، وقرأتُ ذلك بخَطِّ الحافِظ أبي المَوَاهِب في مُعْجَم شُيُوخه.
وكَتَبَ إلينا أبو عَبْد اللَّه ابن الدُّبَيْثِيّ
(1)
من بغداد أنَّ العَلَم الشَّاتَانِيّ تُوفِّي في شَعْبان سَنَة تِسْعٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة، قال: وبَلَغَني أنَّهُ تَغَيَّر في آخر عُمْرِه.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ سُفْيان في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن سُفْيان بن عَامِر بن عَبْد العَزِيْز بن النُّعْمان بن عَطَاءٍ الشَّيْبَانِيُّ، أبو العبَّاس النَّسَوِيّ البَالُوزِيُّ الحافِظُ
(2)
صَاحِبُ مُسْنَد الحَسَن بن سُفْيان.
حَافِظٌ كَبيرٌ، رَحَلَ رِحْلَةً وَاسِعَة دَخَل فيها الشَّام، وسَمِعَ بحَلَب أبا نُعَيْم
(1)
ابن الدبيثي: ذيل تاريخ بغداد 3: 90.
(2)
توفي سنة 303 هـ، وترجمته في: تلخيص تاريخ نيسابور للحاكم 45، الجرح والتعديل 3: 16، تاريخ =
عُبَيْد بن هِشَام، وعَبْد الرَّحمن بن عُبَيْد اللَّه أخَا الإمَام الحَلَبِيَّيْن، وسَمِعَ بَتلّ مَنَّس المُسَيَّب بن وَاضِح السُّلَمِيّ التَّلْمَنَّسيّ.
ورَوَى عنهُم، وعن هِشَام بن عَمَّار، وهِشَام بن خَالِد، ومُحَمَّد بن رُمْح، وإبْراهيم بن هِشَام بن يَحْيَى، وإبْراهيم بن أيُّوب الحَوْرَانيّ، وأبي بَكْر بن أبي شَيْبة، وإسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وإبْراهيم بن يُوسُف البَلْخِيّ، وأحمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل، وإبْراهيم بن الحَجَّاج، وإبْراهيم بن المُنْذِر الحِزَامِيّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن الحُسَين الأَعْيَنَ، وحِبَّان بن مُوسى، وسُوَيْد بن سَعيد، وأبي الرَّبِيْع الزَّهْرَانِيّ، وسَهْل بن عُثْمان العَسْكَريّ، وشَيْبَان بن فَرُّوخ، وعِيسَى بن حَمَّاد، وعَبْد الرَّحمن بن سَلَّام الجُمَحِيّ، وعَمْرو النَّاقِد، وعليّ بن حُجْر، وعَمْرو بن زُرَارَة، والعبَّاس بن عُثْمان المُعَلِّم، وصَفْوَان بن صالح، وعبَّاس بن الوَلِيدِ الخلَّال، وقُتَيْبَة بن سَعِيْد، ويَحْيَى بن مَعِيْن، وهارُون بن سَعيد، وعبد اللَّه بن مُحَمَّد بن أسْماء، ومُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن عَمَّار المَوْصِليّ، وأبي كَامِل الجَحْدَرِيّ، وأبي خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب، وهُدْبَة بن خَالِد، ودُحَيْم الدِّمَشقيّ، وعُبَيْدِ اللَّه بن عُمَر القَوَارِيرِيّ، وأبي مُصْعَب، وحَرْمَلَة بن يَحْيَى، وأبي الطَّاهِر، وغيرهم.
رَوَى عنهُ حَفِيْدَاهُ إسْحَاق بن سَعْد بن الحَسَنِ بن سُفْيان، وأبو مُحَمَّد سُفْيان بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن سُفْيان، وأبو عَمْرو مُحَمَّد بن أحْمَد بن حَمْدَان،
= ابن عساكر 13: 99 - 106، ابن الجوزي: المنتظم 13: 157 - 163، التقييد لابن نقطة 1: 445 - 449، ابن الأثير: الكامل 8: 96، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 16: 431 - 433، سير أعلام النبلاء 14: 157 - 162، تذكرة الحفاظ 3: 703 - 705، ميزان الاعتدال 1: 492، الإعلام بوفيات الأعلام 131، العبر في خبر مَن غبر 1: 445، الوافي بالوفيات 13: 33 - 33، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 3: 263 - 265، البداية والنهاية 11: 124 - 125، لسان الميزان 2: 211 (وأرخ وفاته سنة 353 هـ)، اليافعي: مرآة الجنان 2: 181، ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 1: 92، المقريزي: المقفى الكبير 3: 318 - 323، النجوم الزاهرة 3: 189، شذرات الذهب 4: 18، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 181 - 185، الزركلي: الأعلام 2: 192.
ومُحَمَّد بن يَعْقُوب بن يُوسُف الشَّيْبَانِيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن إسْحَاق بن خُزَيْمَة، وأبو الحُسَين مُحَمَّد بن عبد اللَّه بن جَعْفَر الرَّازِيّ، وآباء بَكْر: مُحَمَّد بن الحَسَن النَّقَّاش، وأحمد بن إبْراهيم الإسْمَاعِيْليّ، ومُحَمَّد بن دَاوُد بن سُلَيمان الزَّاهد، وعبد اللَّه بن مُحَمَّد بن مُسْلِم الإسْفَرَاينِيّ، ومُحَمَّد بن جَعْفَر البُسْتِيّ، وأبو عليّ الحُسَين بن عليّ الحافِظ، وأبو عَمْرو أحْمَد بن المُبارَك المُسْتَمْلِيّ، وأبو حَاتِم مُحَمَّد بن حِبَّان البُسْتِيّ، وجَعْفَر بن مُحَمَّد بن سَوَّار، وأحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن ابن الشَّرْقيّ أبو حَامِد، وأبو جَعْفَر مُحَمَّد بن عليّ الجَوْسَقَانِيّ، وعليّ بن بندَار الزَّاهِد، وإبْراهِيْم بن إسْمَاعِيْل القارئ، وإبْراهِيْم بن مُحَمَّد بن عَبْدَك.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد اللَّه، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مَسْعُودُ بن أبي مَنْصُور بن مُحَمَّد بن الحَسَن الخيَّاط، قِراءَةً عليهِ بأصْبَهَان، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَن بن أحْمَد بن الحَسَن الحدَادُ، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم أحْمَدُ بن عَبْد اللَّه الحافِظُ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عليّ اليَقْطِينيّ، ومُحَمَّد بن عليّ بن إبْراهيم، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن عَبْدِ اللَّه القَطَّان، قال: حَدَّثَنَا حَكِيم بن سَيْف، ح.
قال أبو نُعَيْم: وحَدَّثَنَا أبو عَمْرو بن حَمْدَان، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن سُفْيان، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمن بن عُبَيْدِ اللَّه الحَلَبِيّ، وحَكِيم بن سَيْف، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه، عن عَبْد الكَريم، عن مُحَمَّد بن المُنْكَدِر، ح.
قال: وأخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن حَيَّان، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عَبْد اللَّه بن سَابُور، قال: حَدَّثَنَا أبو نُعَيْم الحَلَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا عُبيدُ اللَّه بن عَمْرو، عن عَبْد الكَريم، عن مُحَمَّد بن المُنْكَدِر، عن جَابِر، قال: جِيءَ بأبي يَوْمَ أُحُد مُجَدَّعًا، فَجَعَلتُ أبْكي عليه، وأكشفُ عن وَجْههِ، ولا يَنْهَاني رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: فلمَّا رُفِعَ قال: ما زَالَتِ المَلائِكَةُ حَافَّةً بأجْنِحَتها حتَّى رُفِعَ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم هِبَةُ اللَّه بن مُحَمَّد بن الحُسَيْن المَقْدِسِيّ بمَكَّة، وأبو الفَضْل أحْمَد بن مُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز بن الحُبَاب، بالحَجَر تجاه الكَعْبَة المُعَظَّمة، وأبو عليّ حَسَن بن أحْمَد بن يُوسُف الأَوَقِيّ، بالمَسْجِد الأقْصَى، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن دَاوُد بن عُثْمان الدَّربَنْدِيّ بحِبْرَى عند تُرْبَة الخَلِيل عليه السلام، وأبو الخَطَّاب عُمَر بن أَيْلمَلِك بن الأَرْدَعَانِسِيّ (a) بالبَيْت المُقَدَّس، وأبو القَاسِم عَبْد اللَّه بن الحُسَين بن رَوَاحَة الأنْصَاريّ بحَلَب، والخَطِيبُ أبو الحَسَن عليّ بن عبد الرَّحْمن بن هِبَة اللَّه بمَنْبِج وآخرون، قالُوا: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد السِّلَفِيّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم مَيْمُون بن عُمَر بن مُحَمَّد الفَقِيه البَابِيّ بباب الأبْوَاب، قال: أخْبَرَنا أبو حَفْصٍ عُمَر بن الحَسَن اللَّارجِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو حَامِد أحْمَدُ بن أبي طَاهِر الإسْفَرَاينِيّ، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن مُحَمَّد بن عَبْدَك الشَّعْرَانيّ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن سُفْيان النَّسَوِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن الحُسَين الأَعْيَن، قال: حَدَّثَنَا نُعَيْم بن حَمَّاد، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّاب بن عَبْد المَجِيْد الثَّقَفِيّ، عن هِشَام بن حَسَّان، عن مُحَمَّد بن سِيْرِيْن، عن عُقْبَة بن أَوْس، عن عَبْد اللَّه بن عَمْرو بن العَاص رضي الله عنهما
(2)
، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا يُؤْمِنُ أحَدُكم حتَّى يكُونَ هَوَاه تبَعًا لِمَا جِئْتُ بهِ.
أنْبَأنَا أبو نَصْر القَاضِي، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم زَاهِر بن طَاهِر، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أحْمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن حِبَّان البُسْتِيّ، قال: أخْبَرَنا
(a) مهملة في الأصل، وتقدمت في ترجمة أخيه إسحاق بن أيلملك فيما مر في الجزء الثالث.
_________
(1)
السلفي: معجم السفر 375.
(2)
أخرجه ابن أبي عاصم الشيباني في كتاب السنة 12 (رقم 15)، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 6: 21، والبغوي: شرح السنة 1: 212 - 213 (رقم 104).
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 100.
الحَسَنُ بن سُفْيان بن عَامِر بن عَبْد العَزِيْز بن النُّعْمان بن عَطَاء الشَّيْبَانِيّ أبو العبَّاس بحَدِيثٍ ذَكَره.
أنْبَأنَا أبو بَكْر عَبْدُ اللَّه بن عُمَر بن عليّ وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر بن أبي نَصْر، قالا: أخْبَرَنا أبو الخَيْر أحْمَدُ بن إسْمَاعِيْل القَزْوِينيّ، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بن طَاهِر أنَّ أبَوَي عُثْمان الصَّابُونِيّ والبَحِيْرِيّ، وأبَوَي بَكْر البَيْهَقِيّ والحِيْرِيّ كَتَبُوا إليه، قالوا: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّدُ بن عَبْد اللَّه الحاكِم
(1)
، قال: الحَسَنُ بن سُفْيان بن عَامِر بن عَبْد العَزِيْز بن النُّعْمان بن عَطَاءٍ الشَّيْبَانِيّ أبو العبَّاس النَّسَوِيّ؛ من قَرْيَة بَالُوْز، وهي على ثلاث فَرَاسِخ من البَلَدَ بنَسَا، وهو مُحَدِّث خُرَاسَان في عَصْره، مُقَدَّم في التَّثَبُّت والكَثْرة والرِّحْلَة والفَهْم والفِقْه والأدَب، تَفَقَّهَ عند أبي ثَوْر إبْراهيم بن خَالدٍ، وكان يُفْتي على مَذْهَبهِ، سَمِعَ بخُرَاسان حسَّان بن مُوسَى، وإسْحَاق بن إبْراهيم الحَنْظَلِيّ، وعَمْرو بن زُرَارَة، وقُتَيْبَة بن سَعيد، وإبْراهيم بن يُوسُف، وعليّ بن حُجْر، وإبْراهيم بن عَبْد اللَّهِ الخَلَّال، وأقْرَانهم.
وسَمِعَ ببَغْدَاد أحْمَد بن حَنْبَل، ويَحْيَى بن مَعِيْن، وعَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد، وسُوَيْد بن سعِيد، وأبا خَيْثَمَة، والقَوَارِيرِيّ، وأقْرَانهم.
وسَمِعَ بالبَصْرَة إبْراهيم بن الحَجَّاج الشَّامِيّ، وأبا الرَّبِيْع الزَّهْرَانِيّ، وسَهْل بن عُثْمان العَسْكَريّ، وعَبْد الرَّحمن بن سَلَّام الجُمَحِيّ، وأبا كَامِل الحَجْدَرِيّ، وهُدْبَة بن خَالِد، وشَيْبَان بن فَرُّوخ، وأقْرَانهم.
وسَمِعَ بالكُوفَة كُتُب الأُمَّهاتِ عن آخرها من أبي بَكْر بن أبي شَيْبَةَ فيمن بَعْدَهُ في عَصْره.
وسَمِعَ بالحِجَاز إبْراهيم بن المُنْذِر الحِزَامِيّ، وأبا مُصْعَب الزُّهْرِيّ، وأقْرَانهما.
(1)
بعضه في تلخيص تاريخ نيسابور للحاكم 45.
وسَمِعَ بمِصْرَ هَارُون بن سَعيد الأيْلِيّ، وعِيسَى بن حَمَّاد، ومُحَمَّد بن الرُّمْح، وأبا الطَّاهِر، وحَرْمَلَة بن يَحْيَى، وأقْرَانهم.
وسَمِعَ بالشَّام صَفْوَان بن صالح، وهِشَام بن خَالِد، والمُسَيَّب بن وَاضِح، وهِشَام بن عَمَّار، ودُحَيْم بن اليَتِيْم، وأقْرَانهم.
وصَنَّفَ المُسْنَد الكبير، والجَامِع، والمُعْجَم، وغير ذلك.
وهو رَاوية خُرَاسَان لمُصَنَّفات الأئمَّة؛ فإنَّهُ سَمِعَ مُصَنَّفات عَبْد اللَّه المُبارَك عن آخرها من حِبَّان بن مُوسَى، وسَمِعَ أكثر المُسْنَد من إسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وسَمِعَ السُّنَن من أبي ثَوْر، وسَمِعَ الكُتُب عن آخرها من أبي بَكْر بن أبي شَيْبَة، والسِّيَرَ من المُسَيَّب بن وَاضِح، والمُوَطَّأ الكَبِيْر من حَرْمَلَة بن يَحْيَى، والتَّيْسِير من مُحَمَّد بن أبي بَكْر المُقَدَّمِيّ.
وكان مُحَدِّث عَصْره؛ حدَّثَ بنَيْسَابُور غير مَرَّة آخرها سَنَة اثْنَتَيْن وثَمانِيْن ومَائتَيْن، وعاشَ بعد ذلك عشْرين سَنة، والرِّحْلَة إليه بخُرَاسَان.
رَوَى عنهُ أبو بَكْر مُحَمَّد بن إسْحَاق بن خُزَيْمَة، وجَعْفَر بن أحْمَد بن سَوَّار، وعُمَر بن المُبارَك، وأحمد بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن الشَّرْقيّ، وأبو بَكْر أحْمَد بن عليّ الرَّازِيّ، والصَّدْر الأوَّل من مَشَايخِنا.
أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ
(1)
، قال: الحَسَن بن سُفْيان بن عَامِر بن عَبْد العَزِيْز بن النُّعْمان بن عَطَاء، أبو العبَّاس الشَّيْبَانِيّ النَّسَوِيّ الحافِظ، صَاحِبُ المُسْنَد، سَمِعَ بدِمَشق هِشَام بن خَالِدٍ، ودُحَيْمًا، وإبْراهيم بن هِشَام بن يَحْيَى بن يَحْيَى،
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 99 - 100.
وصَفْوَان بن صالح، وهِشَام بن عَمَّار، وإبْراهيم بن أَيُّوبَ الحَوْرَانيّ، عبَّاس بن الوَلِيدِ الخَلَّال، والعبَّاس بن عُثْمان المُعَلِّم.
ورَوَى عنهُم وعن هُدْبَةَ بن خَالِد، وأبي بَكْر بن أبي شَيْبَة، وحِبَّان بن مُوسَى، وإسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وعَمْرو بن زُرَارَة، وقُتَيْبَة، وإبْراهيم بن يُوسُفَ البَلْخِيّ، وعليّ بن حُجْر، وأحمد بن حَنْبَل، ويَحْيَى بن مَعِيْن، وعَمْرو النَّاقِد، وسُوَيْد بن سَعيد، وأبي خَيْثَمَة، والقَوَارِيرِيّ، وإبْراهيم بن الحَجَّاج، وأبي الرَّبِيْع الزَّهْرَانِيّ، وسَهْل بن عُثْمان العَسْكَريّ، وعَبْد الرَّحمن بن سَلَّام الجُمَحِيّ، وأبي كَامِلٍ الجَحْدَرِيّ، وشَيْبَان بن فَرُّوخ، وإبْراهيم بن المُنْذِر الحِزَامِيّ، وأبي مُصْعَب، وهارُون بن سَعيد، وعِيسَى بن حَمَّاد، ومُحَمَّد بن رُمْح، وأبي الطَّاهِر، وحَرْمَلَة، والمُسَيَّب بن وَاضِح.
رَوَى عنهُ مُحَمَّد بن يَعْقُوبَ بن يُوسُف الشَّيْبَانِيّ الحافِظَ، والحُسَين بن عليّ أبو عليّ الحافِظ، وأبو بَكْر مُحَمَّدُ بن إسْحَاق بن خُزَيْمَة، وهو من أقْرَانهِ، وجَعْفَر بن مُحَمَّد بن سَوَّار، وأبو عَمْرو أحمد بن المُبارَك المُسْتَمْلِيّ، وأبو الحُسَين مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن جَعْفَر الرَّازِيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن الحَسَن النَّقَّاش المُقْرِئ، وأبو حَامِد ابن الشَّرْقيّ، وأبو عَمْرو بن حَمْدَان، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن دَاوُد بن سُلَيمان الزَّاهِد، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن جَعْفَر البُسْتِيّ (a)، وأبو بَكْر عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن مُسْلِم الإسْفَرَاينِيّ، وأبو بَكْر أحْمَد بن إبْراهيم الإسْمَاعِيْليّ الجُرْجَانِيّ، وأبو جَعْفَر مُحَمَّد بن عليّ الجَوْسَقَانِيّ، وأبو حَاتِم مُحَمَّدُ بن حبَّان البُسْتِيّ، وإبْراهيم بن إسْمَاعِيْل القَارئ، وعليّ بن بُنْدَار الزَّاهِد، وابْنا ابْنَيْهِ إسْحَاقُ بن سَعْد بن الحَسَن، وأبو مُحَمَّد سُفْيان بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن سُفْيان.
(a) في تاريخ ابن عساكر: بالشين المعجمة، البشتي.
أنْبَأنَا أبو نَصْر بن هِبَة اللَّه، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: في نُسْخَة ما شَافَهني به أبو عَبْدِ اللَّه الحُسَين بن عَبْد المَلِك، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن إسْحَاق، قال: أخْبَرَنا الحُسَين بن سَلَمَة، قال: أخْبَرَنا عليّ بن مُحَمَّد، ح.
قال: وأخْبَرَنا حَمْدُ بن عَبْد اللَّه إجَازَةً، قالا: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن أبي حَاتِم
(2)
، قال: الحَسَنُ بن سُفْيان النَّسَائِيّ، روَى عن حِبَّان بن مُوسَى، وقُتَيْبَة بن سَعيْد، وإسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وأبي بَكْر بن أبي شَيْبَة، كَتَبَ إليَّ وهو صَدُوقٌ.
أنْبَأنَا أبو بَكْر عَبْدُ اللَّه بن عُمَر وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر، قالا: أخْبَرَنا أبو الخَيْر أحْمَد بن إسْمَاعِيْل القَزْوِينيّ، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بن طَاهِر أنَّ أبَوَي عُثْمان الصَّابُونِيّ والبَحِيْرِيّ، وَأبَوَي بَكْر البَيْهَقِيّ والحِيْرِيّ كَتَبُوا إليه، قالوا: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّه الحاكِم، قال: سَمِعْتُ أبا الوَلِيد الفَقِيه يقُول: كان الحَسَنُ بن سُفْيان أَدِيْبًا فَقِيهًا، أخَذَ الأدَبَ عن أصْحَاب النَّضْر بن شُمَيْلٍ، والفِقْه عن أبي ثَوْر، وكان يُفْتي على مَذْهَب أبي ثَور.
وقال الحاكِمُ: سَمِعْتُ أبا عَمْرو بن أبي جَعْفَر يَقُول: سَمِعْتُ أبا بَكْر بن عليّ الرَّازِيّ يقول في حَيَاة الحَسَن بن سُفْيان: ليسَ للحَسَن في الدُّنْيا نَظِيْرٌ.
وقال: سَمِعْتُ أبا الوَلِيد يقُول: سَمِعْتُ الحَسَن بن سُفْيان يَقُول: لمَّا قَدِمْتُ على عليّ بن حُجْر، وكان من آدَب النَّاسِ، وكان لا يَرْضَى قراءةَ أصْحَاب الحَدِيْث، فغَابَ القَارِئ عنه يَوْمًا، فقال: هَاتُوا مَنْ يَقْرأ، فقُمْت فقُلتُ: أنا، فقال: اجْلِس، ثمّ قال في الثَّانيَة: مَنْ يَقرأ؟ قُلتُ: أنا، فقال: اجْلِس، وزَبَرَني إلى أنْ قال الثَّالثَة، فقُلتُ: أنا، فقال كالمُغْضَب: هَات، فقَرَأتُ ذلك المَجْلِس وهو ذا يتأمَّل، ويَجْهَد أنْ يأخُذ عليَّ شيئًا في النَّحو واللُّغَة فلم يقدر عليه، فلمَّا فَرَغْت قال لي: يا فَتَى،
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 101.
(2)
الجرح والتعديل 3: 16.
ما اسْمُكَ؟ قُلتُ: الحَسَن، قال: ما كُنْيَتُكَ؟ قُلتُ: لم أبْلُغ رُتْبَةَ الكُنْيَة، فاسْتَحْسَن قَوْلي، قال: كَنَّيْتُكَ أبا العبَّاس. قال: فكان الحَسَنُ بن سُفْيان يَفْتَخرُ أنَّ عليّ بن حُجْر كَنَّاهُ.
وقال الحاكِم: سَمِعْتُ أبا بَكْر مُحَمَّد بن دَاوُد بن سُلَيمان يَقُول: كُنَّا عند الحَسَن بن سُفْيان ببَالُوز، دَخَل عليهِ أبو بَكْر مُحَمَّد بن إسْحَاق بن خُزَيْمَة، وأبو عَمْرو أحْمَد بن مُحَمَّد الحِيْرِيّ، وأبو بَكْر أحْمَد بن عليّ الرَّازِيّ الحافِظُ في جَمَاعَة أصْحَاب أبي بَكْر المُطَّوِّعَة، وهم مُتَوَجِّهون إلى فَرَاوَة، فقال له أبو بَكْر بن عليّ: قد كتَبْتُ للأُسْتَاذ أبي بَكْر مُحَمَّد بن إسْحَاق هذا الطَّبق من حَدِيثك، فقال: هَات واقْرأ، فأخَذَ يَقْرأ، فلمَّا قرأ أحَادِيْثَ أدْخَل إسْنَادًا منها في إسْنَادٍ، فردَّهُ الحَسَنُ إلى الصَّوَاب، فلمَّا كان بعد سَاعةٍ أدْخَل أيضًا إسْنَادًا في إسْنَادٍ، فردَّهُ إلى الصَّوَاب، فلمَّا كان في الثَّالثَةِ قال له الحَسَنُ: ما هذا؟ لا تَفْعل؛ فقد احْتَمَلْتُك مَرَّتَين، وهذه الثَّالثَة وأنا ابن تِسْعين سَنَةً، فاتَّق اللَّه في المَشَايخ فرُبَّما اسْتُجِيْبَتْ فيك دَعْوَة، فقال له أبو بَكْر مُحَمَّد بن إسْحَاق: مَهْ؛ لا تُؤْذِي الشَّيْخَ، قال أبو بَكْر بن عليّ: إنَّما أرَدْتُ أنْ يَعْلم الأُسْتَاذ أنَّ أبا العبَّاس يَعْرف حَدِيثَهُ.
أنْبَأنَا أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، عن زَاهِر بن طَاهِر، عن أبي بَكْر أحْمَد بن الحُسَين، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه الحافِظُ، قال: سَمِعْتُ أبا عليّ الحُسَين بن عليّ الحافِظ يَقُول: سَمِعْتُ الحَسَن بن سُفْيان يَقُول: أنا فاتَني يَحْيَى بن يَحْيَى بالوَالدَة؛ لَم تَدَعني أخْرج إليه، فعَوَّضَنِي اللَّه بأبي خَالِد الفَرَّاء، وكان أسْنَد من يَحْيَى بن يَحْيَى.
قال: وأخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه، قال: سَمِعْتُ أبا بَكْر مُحَمَّد بنِ جَعْفَر البُسْتِيّ يقُول: سَمِعْتُ الحَسَن بن سُفْيان يَقُول: لولا اشْتِغَالي بحبَّان بن مُوسَى، وسَمَاع مُصَنَّفات ابن المُبارَك منه لجئْتُكم بأبي الوَلِيدِ وسُليْمان بن حَرْب.
أخْبَرَنا أبو نَصْر القَاضِي في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو سَعد هِبَةُ اللَّه بن القَاسِم بن عَطَاء المِهْرَانِيّ، إجَازَةً فيما أُرى، قال: أخْبَرَنا أبو نُعَيْمِ المَعْقِلِيّ (a)، قال: حَدَّثَني الفَقِيهُ أبو نَصْر أحْمَدُ بن جَعْفَر الإسْفَرَاينِيّ بها، قال: حَدَّثَنَا الفَقِيه أبو الحَسَن الصَّفَّارُ، قال: كُنَّا عند الشَّيْخ الإمَام الزَّاهِد الحَسَن بن سُفْيان النَّسَوِيّ (b)، وقد اجْتَمع لديه طَائِفَةٌ من أهْلِ الفَضْل، ارْتَحلوا إليه من أطْبَاق الأرْض والبِلَادِ البَعِيْدة، مُخْتَلفين إلى مَجْلسِهِ لاقْتِباسِ العِلْم، وكَتْبِهِ الحَدِيْثَ، فخرَجَ يَوْمًا إلى مَجْلسِهِ الّذي كان يُمْلِي فيه الحَدِيْثَ، فقال: اسْمَعُوا ما أقُول لكُم قبل أنْ نَشْرع في الإمْلَاءِ، قد عَلِمنا أنَّكُم طَائِفَةٌ من أبْناءِ النِّعِم وأهْل الفَضْل، هَجَرْتُم أوْطَانكُم، وفارَقْتُم دِيَاراكُم وأصْحَابكم في طَلَب العِلْم واسْتِفَادَةِ الحَدِيْثِ، فلا يَخْطُرنَّ ببالكم أنَّكُم قَضَيْتُم بهذا التَّجَشُّمِ للعِلْم حَقًّا، أو أدَّيْتُم بما تحمَّلْتُم من الكُلَفِ والمَشَاقِّ من فُرُوضه فَرْضًا، فإنِّي أُحَدِّثكُم ببَعْض ما تحمَّلْتُهُ في طَلَب العِلْم من المَشَقَّةِ والجَهْدِ، وما كَشَفَ اللَّهُ سبحانه وتعالى عنِّي وعن أصْحَابي ببَرَكَةِ العِلْم وصَفْوة العَقِيْدَة من الضِّيْق والضَّنْك:
اعْلَمُوا أنِّي كُنْتُ في عُنْفُوَان شَبَابي ارْتَحَلْتُ من وَطَني لطَلَب العِلْم واسْتِمْلاءِ الحَدِيْث، فاتَّفَقَ حُصُولي بأقْصَى المَغْرب، وحُلُولي بمِصْر في تِسْعَة نَفَرٍ من أصْحَابي طَلبةٍ للعِلْم وسَامِعِي الحَدِيْث، وكُنَّا نَخْتَلفُ إلى شَيْخٍ كان أرْفع أهْلِ عَصْره في العِلْم مَنْزلةً، وأدْرَاهم للحَدِيث، وأعْلَاهُم إسْنَادًا، وأصَحّهُم رِوَايَةً، فكان يُمْلي علينا كُلَّ يَوْمٍ مِقْدَارًا يَسِيْرًا من الحَدِيْثِ، حتَّى طالَت المُدَّةُ، وخَفَّت النَّفَقَةُ، ودفَعَت
(a) في تاريخ ابن عساكر وسير أعلام النبلاء 14: 161: المُغفليّ، وهو تصحيف صوابه المثبت، واسمه بشرويه بن محمد بن إبراهيم المعقلي النيسابوريّ. انظر: ابن ماكولا: الإكمال 1: 305 - 306، ابن ناصر الدين: توضيح المشتبه 1: 533، الزبيدي: تاج العروس، مادة: بشر.
(b) ابن عساكر: النسفي.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 103 - 105.
الضَّرُورِةُ إلى بَيْع ما صَحِبَنا من ثَوْبٍ وخِرْقَةٍ إلى أنْ لَم يَبْقَ لنا ما كُنَّا نَرْجُو حُصُول قُوْت يَوْم منهُ، وطَوَيْنا ثلاثة أيَّامٍ بلَيَاليها جُوْعًا وسُوءَ حالٍ، ولم يَذُق أحَدٌ منَّا فيها شيئًا، وأصْبَحْنا بُكْرة اليَوْم الرَّابِع بحيث لا حَرَاك بأحَدٍ من جُمْلتنا من الجُوْع وضَعْف الأطْرَاف، وأحْوَجَت الضَّرُورَة إلى كَشْف قِنَاعَ الحِشْمَةِ، وبَذْلِ الوَجْهِ للسُّؤَال، فلَم تَسْمَح أنْفُسُنَا بذلك، ولم تَطبْ قُلُوبُنا بهِ، وأَنِفَ كُلُّ واحدٍ منَّا عن ذلك، والضَّرُورةُ تُحْوِجُ إلى السُّؤَال على كُلِّ حالٍ، فوغَ اخْتِيَار الجَمَاعَة على كَتبَةِ رِقَاعٍ بأسَامِي كُلّ واحدٍ منَّا، وأرْسَالها قُرْعةً، فَن ارْتَفَع اسْمُه عن (a) الرِّقَاعَ كان هو القَائِم بالسُّؤَال واسْتِماحَةِ القُوْت لنَفْسِه ولجَيعْ أصْحَابهِ، فارْتَفَعَت الرُّقْعَة الّتي اشْتَملتْ على اسْمي، فتَحَيَّرَتُ ودُهِشْتُ، ولَم تُسَامحْني نَفْسِي بالمَسْألَةِ واحْتِمَال المَذَلَّةِ، فعَدَلْتُ إلى زَاوِيَةٍ من المَسْجِد أُصَلِّي رَكْعَتَين طَوِيْلتَيْن؛ قد اقْتَرن الاعْتِقَادُ فيها بالإخْلَاص، أدْعُو اللَّهَ سُبْحَانهُ بأسْمائهِ العِظَام، وكَلِمَاته الرَّفِيْعَة، لكَشْف الضُّرّ، وسيَاقَة الفَرَج، فلم أفْرغُ بَعْدُ عن إتْمام الصَّلاة حتَّى دَخَل المَسْجِدَ شَابٌّ حَسَن الوَجْهِ، نَظِيْف الثَّوب، طَيِّبُ الرَّائِحَة، يتبَعُه ضَادِئم في يَده منْدِيلٌ، فقال: مَنْ منْكُم الحَسَنُ بن سُفْيان؟ فرَفَعْتُ رَأسِي من السَّجْدَة، فقُلتُ: أَنا الحَسَنُ بن سُفْيان، فما الحاجَةُ؟ فقال: إنَّ الأَمِيرَ ابن طُوْلُون صَاحبي يُقْرئكُم السَّلامُ والتَّحِيَّة، ويَعْتَذرِ إليكم في الغَفْلَة (b) عن تَفَقُّد أحْوَالكم، والتَّقْصِير الوَاقِع في رعايةِ حُقُوقكُم، وقد بَعثَ بما يَكْنِي نَفَقَة الوَقْت، وهو زَائِركُم غَدًا بنَفْسه، ويَعْتَذر بلفْظه إليْكُم، ووَضَعَ بين يَدَي كُلّ واحدٍ منَّا صُرَّةً فيها مائةُ دِيْنارٍ.
فتَعَجَّبْنا من ذلك جدًّا، وقُلْنا للشَّابِّ: ما القِصَّةُ في هذا؟ فقال: أنا أحَدُ خَدَم الأَمِير ابن طُوْلُون المُخْتَصِّين بهِ والمُتَّصِليْن بأقْربائه (c) وخَوَاصّ أصْحَابهِ،
(a) كذا في الأصل، وفوقها حرف "صـ"، والمثبت موافق لما في تاريخ ابن عساكر.
(b) ابن عساكر: الفضلة!.
(c) كذا رسمها في الأصل، والباء مهملة، ويحتمل أن يكون الراد: أقرانه، وعند ابن عساكر: بإقرائه.
دَخَلْتُ عليه بُكرة يَوْمي هذا مُسَلِمًّا في جُمْلَةِ أصْحَابي، فقال لي وللقَوْم: أنا أُحبُّ أنْ أخْلُوَ يَوْمي هذا، فانْصَرفُوا أنتُم إلى مَنَازِلكم، فانْصَرَفْتُ أنا والقَوْم، فلمَّا عُدْتُّ إلى مَنْزِلي لم يَتَّسق قُعُودِي حتَّى أتَاني رَسُول الأَمِير مُسْرِعًا مُسْتَعْجلًا يَطْلبُني حَثِيْثًا، فأجَبْتُه مُسْرِعًا، فوجَدْتُه مُنْفَردًا في بيتٍ، وَاضِعًا يِمِيْنَهُ على خَاصِرتهِ لوَجَع مُمضٍّ اعْتَراهُ في داخِل جَسَده، فقال لي: أتَعْرف الحَسَن بن سُفْيان وأصْحَابَهُ؟ فقُلتُ: لا، فقال: اقْصِد المَحَلَّة الفُلَانِيَّة والمَسْجِدَ الفُلَانيّ واحْمِلْ هذه الصُّرَر وسَلِّمها في الحين إليه وإلى أصْحَابهِ، فإنَّهُم منذُ ثلاثة أيَّام جيَاع بحالَةٍ صَعْبَة، ومَهِّدْ عُذْرِي لدَيهم، وعَرِّفْهم أنِّي صَبِيْحَة الغَد زَائِرُهم، ومعْتَذر شفَاهًا إليهم، فقال الشَّابُّ: سَألتُه عن السَّبَب الّذي دَعَاهُ إلى هذا، فقال: دَخَلْتُ هذا البَيْتَ مُنْفردًا على (a) أنْ أسْتَريحَ سَاعةً، فلمَّا هَدَأَتْ عَيْني رَأَيْتُ في المَنَام فَارِسًا في الهَوَاءِ، مُتَمكِّنًا تَمَكُّن مَنْ يَمْشِي على بسَاط الأرْض، ويده رُمْحٌ، نقَضَيْتُ العَجَبَ من ذلك، وكُنْتُ انْظُر إليه مُتَعجِّبًا حتَّى نَزَل إلى باب هذا البَيْت، ووَضَعَ سَافِلَة رُمْحه على خَاصِرَتي، فقال: قُمْ فأدْرِكِ الحَسَنَ بن سُفْيان وأصْحَابَهُ، قُم وأدْركْهم، قُمْ وأَدْركهُم، قُم وأدْركهم! فإنَّهُم منذُ ثلاثةٍ جيَاع في المَسْجِد الفُلَانيّ، فقُلتُ لَهُ: مَنْ أنتَ؟ فقال: أنا رِضْوَان صاحبُ الجَنَّة. ومنذُ أصَابَ سَافِلة رُمْحه خَاصِرَتي أصَابني وَجَعٌ شَدِيدٌ لا حَرَاكَ بي له، فعَجِّل إيْصَال هذا المال ليَزُول هذا الوَجَع عنِّي.
فقال الحَسَنُ: فتَعَجَّبنا من ذلك، وشَكَرنا اللَّه سبحانه وتعالى، وأصْلَحنا أُمُورنا، ولم تَطب أنْفُسنا بالمقام حتَّى لا فيُورنا الأَمِيرُ، ولا يَطّلِعُ النّاس على أسْرَارنا، فيكُون ذلك سبَبَ ارْتِفَاعِ اسْم وانْبِسَاط جاهٍ، ويَتَّصِلُ ذلك بنَوعٍ منِ الرِّيَاءِ والسُّمْعَة، وخَرَجْنا تلك اللَّيْلة من مِصْر، وأصْبَح كُلّ واحدٍ منَّا واحِد عَصْره، وقَرِيْعَ دَهْره في العِلْم والفَضْل.
(a) ابن عساكر: عَلِّي.
فلمَّا أصْبَح الأَمِيرُ ابن طُوْلُون، أتَى المَسْجِدَ لزيَارتنا، وطَلَبنا وأحَسَّ بخُرُوجِنا، أمرَ بابْتياعِ تلك المَحَلَّة بأسْرها ووَقَفها على ذلك المَسْجد وعلى مَن يَنْزل به من الغُرَبَاءِ وأهَل الفَضْل وطَلَبةِ العِلْم؛ نَفَقَةً لهم حتَّى لا تَخْتَلّ أُمُورهم، ولا يُصِيْبُهِم من الخَلَل ما أصَابنا، وذلك كُلّه بقُوَّة الدِّين وصَفْوَة الاعْتِقَادِ، واللَّه سُبْحَانهُ وَلي التَّوْفِيق.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(1)
: كان في الأصْل في المواضع كُلّها: طُوْلُون، والصَّوَاب: ابن طُوْلُون.
أنْبَأنَا أبو بَكْر بن عُمَر وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر، قالا: أخْبَرَنا أبو الخَيْر القَزْوِينيّ، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بن طَاهِر أنَّ أبَوَي عُثْمان الصَّابُونِيّ والبَحِيْرِيّ، وأبَوَي بَكْر البَيْهَقِيّ والحِيْرِيّ كَتَبُوا إليه، قالوا: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه الحافظ، قال: سَمِعْتُ إسْحَاق بن سَعْد بن الحَسَن بن سُفْيان بنَسَا يَقُول: تُوفِّي جَدِّي أَبو العبَّاس رضي الله عنه سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثِمائة.
أخْبَرَنا أبو الوَحْشِ بن نَسِيم في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم
(2)
، قال: أنْبَأنَا أبو سَعْد مُحَمَّد بن مُحَمَّد، وأبو عليّ الحَسَن بن أحمد، وأبو القَاسِم غَانِم بن عُبَيْد اللَّه، ثمّ أخْبَرَنا أبو المَعَالِي عَبْدُ اللَّه بن أحْمَد بن مُحَمَّد (a) البَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو عليِّ الحَسَن بن أحْمَد، قالوا: أخْبَرَنا أبو نُعَيْم، قال: سَمِعْتُ عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن جَعْفر يَقُول: وفيها -يعني سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثِمائة- ماتَ الحَسَنُ بن سُفْيان النَّسَائِيّ.
(a) في تاريخ ابن عساكر: عبد اللَّه بن محمد بن أحمد، ويأتي في مواضع عديدة أخرى من تاريخه بما يوافق المثبت.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 105.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 106.
أنْبَأنَا أبو المُظَفَّر عبد الرَّحيم بن أبي سَعْد السَّمْعَانِيّ، والقَاسِم بن عَبْد اللَّه بن عُمَر الصَّفَّار -قال أبو المُظَفَّر أخْبَرَنا أبو البَرَكَات عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن الفَضْل الفَرَاوِيّ، وقال القَاسِم: أخْبَرَتْنا عَمَّةُ وَالدِي عائِشَةُ بنتُ أحْمَد بن مَنْصُور الصَّفَّار- قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن خَلَف الشِّيْرَازيُّ الأدِيْبُ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عبد اللَّه، قال: سَمِعْتُ أبا بَكْر مُحَمَّد بن عبد اللَّه بن الجَرَّاح المَرْوَزيّ العَدْلَ يقُول: تُوفِّي أبو صالح الحُسَين بن الفَرَج المَرْوَزيّ وأبو العبَّاس الحَسَنُ بن سُفْيان النَّسَوِيُّ سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثِمائة.
الحَسَن بن سُفْيان المِصِّيْصيّ
حدَّثَ [عن مُحمَّد بن أدَم](a)، رَوَى عنهُ أبو بَكْر أحْمَد بن مُحَمَّد بن هَارُون الخَلَّالُ.
الحَسَنُ بن السَّلْم الحَرَّانيّ
(1)
قَدِمَ دِمَشْق، وسَمِعَ بها هِشَام بن عَمَّار، واجْتازَ بحَلَب في طَرِيقِه، ورَوَى عنهُ من أهْلها أبو أيُّوب سُليمان بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس الحَلَبِيِّ.
أنْبَأنَا أبو نَصْر القَاضِي، قال: أخْبَرَنا الحَافظُ أبو القَاسِم
(2)
قال: الحَسَن بن السَّلْم الحَرَّانيّ، حَمعَ هِشَام بن عَمَّار بدِمَشْق، رَوَى عنهُ أبو أَيُّوبَ سُليْمان بن مُحَمَّد بن إِدْرِيس الحَلَبِيّ.
(a) ما بين الحاصرتين بياض في الأصل قدر خمس كلمات، وقد اتصل إسناده بابن آم في رواية أوردها الخلال في كتاب السنة 3:556.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 106.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 106.
الحَسَن بن سَلْمان بن القَاسِم
شَاِعرٌ كان بَمَعَرَّة النُّعْمَان، وَقَفْتُ لهُ على أبياتٍ في مَرَاثِي بني المُهَذَّب يَرْثِي بها الشَّيْخ أبا القَاسِم جَعْفَر بن عليّ بن المُهَذَّب، وهي:[من المنسرح]
صَبْرًا على دَهْرنا ومِحْنَتهِ
…
حين رَمَانا عن قَوْسِ نَكْبتِهِ
وابْتَزَّ منَّا فَتًى لغيْبَته
…
غَابَ سُرُورُ الوَرَى ومَيتتِهِ
لو كان يُفْدَى مَيْتٌ لكان فدا
…
جَعْفَرَ فَرْضًا على عَشِيْرتهِ
لكنَّها سَاعةٌ مُؤقَّتةٌ
…
فكُلُّ خَلْقٍ آتٍ بوَحْدَتِهِ
فكُلّنا للفَنَاءَ مَوْردُنا
…
نَشْربُ كأسًا نَفْنى بجَرْعَتهِ
وكُلّ حَيٍّ يَسْعَى إلى جَدَثٍ
…
في الأرْض يَهْوَى في قَعْر حُفْرتِهِ
فلو تَدُومُ الدُّنْيَا على أحَدٍ
…
دَامَتْ على المُصْطَفَى وعِتْرَتِهِ
فالغِرُّ منْ يَغْتَررْ بلَذَّتها
…
وهو غَدًا وَاقِفٌ بحَسْرَتِهِ
لا يَنْفَعُ المالُ والبَنُونَ ولا
…
يَفُوزُ خَلْقٌ إلَّا برَحْمَتِهِ
يا جَعْفرٌ قد حَبَاك رَبُّكَ بالـ
…
ـفَضْلِ وشُرِّفْتَ في بَرِيَّتِهِ
إنْ كان قد ضمَّك الثَّرَى فلقَدْ
…
خَلَّفْتَ قَرْمًا نَزْهُو برفعَتِهِ
ومن حَقِّ هذا الشِّعْر أنْ لا يُذْكَر، لكنِّي رَأيتُه مَذْكُورًا في كتابٍ جُمعَ فيه مَرَاثِي بني المُهَذَّب المَعَرِّيِّيْنْ، فأحْببتُ أنْ لا أُخِلَّ بذِكْره، لأنَّ لنَاظِمه ذِكْرًا في الجُمْلَة.
ذِكْر مَن اسْمُهُ سُليْمان في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن سُلَيمان بن الخَيِّر، أبو عليّ الأنْطَاكيِّ المُقْرِئ المَعْرُوف بالنَّافِعِيِّ
(1)
من أهْل أنْطَاكِيَة، وسَكَنَ مِصْر، وتَصَدَّرَ بها لإقْراءِ القُرآن، وكان قَرَأَهُ على أبي الفَرَج مُحَمَّد بن أحْمَد الشَّنَبُوذِيّ، وأبي الفَتْح أحْمَد بن عَبْد العَزِيْز بن جَعْفَر بن جَعْفَر المُقْرِئ المَعْرُوف بابنِ بُدُهْنٍ (a)، وأبي القَاسِم المُظَفَّر بن عَبْد اللَّه المَعْرُوف بنَ بزَعْزَاع، صَاحِب ابن الأخْرَم، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن عليّ المِصْرِيّ، وعليّ بن مُحَمَّد البرزَنْدِيّ.
قرأ عليه أبو العبَّاس أحْمَد بن عليّ بن هاشِم المُقْرِئ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن الحَسَن بن عليّ السُّوْسِيّ القرِئ، وكان يُؤدِّبُ أوْلَادَ الوَزِير أبي الفَضْل جَعْفَر بن الفَضْل بن الفُرَات ولهُ مَعْرفَةٌ بالعَرَبِيَّة.
أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عليّ بن أحْمَد الأنْدَلُسِيُّ بحَلَبَ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن خَلَف بن صَافٍ اللَّخْمِيّ، وعَبْد الرَّحمن بن غَالِب الشَّرَّاط، وأبو الوَلِيد جَابِر بن أبي أيُّوب، قالوا: أَخْبَرَنا أبو الحَسَن شُرَيْح بن مُحَمَّد بن شُرَيْح الرُّعَيْنِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: قَرأتُ بها -يعني برِوَايةِ الدُّوْرِيّ عن الكِسَائِيّ- على أبي العبَّاس
(a) هكذا جوَّده المصنف، بضمتين ثم سكون، وجاء ضبطه في نشرة ابن عساكر وتاريخ الذهبي: بضم فسكون ثم ضم الهاء.
_________
(1)
توفي مقتولًا سنة 399 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 106 - 107، تاريخ الإسلام 8: 797، طبقات القراء 1: 478 - 479، ميزان الاعتدال 1: 493، معرفة القراء الكبار 2: 712 - 713، الوافي بالوفيات 13: 34، لسان الميزان 3: 311، طبقات المفسرين للداوودي 1: 137 - 138، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 315، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 185 - 187، محسن الأمين: أعيان الشيعة 5: 104.
أحْمَد بن عليّ بن هاشِم المُقْرِئ، وقرأ ابنُ هاشِم على أبي عليّ الحَسَن بن سُلَيمان الأنْطَاكيّ، وقَرأ أبو عليّ الأنْطَاكِيّ على أبي الفَتْح أحْمَد بن عَبْد العَزِيْز المُقْرِئ المَعْرُوف بابنِ بُدُهْن، وقَرَأ أبو الفَتْح على أبي عُثْمان سَعيد بن عبد الرَّحيم المُقْرِئ، وقرأ أبو عُثْمان على الدُّوْرِيّ.
قَرأتُ بخَطِّ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ رحمه الله: أبو عليّ الحَسَنُ بن سُلَيمان النَّافِعِيِّ ثمّ الأنْطَاكيّ، مُقْرئٌ قد قَرَأ القُرْآن على أبي الفَتْح أحْمَد بن عَبْد العَزِيْز بن بُدُهْن المُقْرِئ، قَرأ عليه أبو بكر مُحَمَّد بن الحسن بن علي السُّوْسِيّ المُقْرِئ بمِصْر.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّدُ بن هِبَة اللَّه بن مُحَمَّد، فيما أَذِنَ لَنا أنْ نَرْويَهُ عنْهُ، قال: أخْبَرَنا الحافظُ أبو القَالمِ عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: الحَسَنُ بن سُلَيمان بن الخَيِّر، أبو عليّ الأنْطَاكيِّ المُقْرِئ المَعْرُوف بالنَّافِعِيّ، سَكَنَ مِصْر، وقرَأ بدِمَشْقَ على أبي القَاسِم المُظَفَّر بن عَبْدِ اللَّه المَعْرُوف بزَعْزَاع، صَاحِب ابن الأخْرَم وبغيرها على أبي الفَتْح عَبْد العَزِيْز بن جَعْفَر بن بُدُهْن، وأبي الفَرَج مُحَمَّد بن أحْمَد الشَّنَبُوذِيّ، وعليِّ بن مُحَمَّد البَرْزَنْدِيّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن عليّ المِصْرِيّ، وكان يُؤدِّبُ أوْلَادَ الوَزِير جَعْفَر بن الفَضْل بن حِنْزَابَة (a).
وقال
(2)
: ذَكَر أبو عَمْرو عُثْمان بن سَعيد بن عُثْمان الدَّانِيّ أنَّ أبا عليّ كان من أحْفَظ أهْل عَصْره للقِراءَاتِ والغَرَائِب من الرِّوَايَات، والشَّاذّ من الحُرُوف، ومع ذلك يَحْفَظُ تَفْسيرًا كَثِيْرًا، ومَعَاني وإعْرَابًا وعِلَلًا، واخْتِلَاف النَّاس في ذلك، يَنُصُّ ذلك نَصًّا بطَلَاقة لسَانٍ، وحُسْن مَنْطِقٍ، ولا يَلْحَنُ. وكانت له إشَارَاتٌ يُشِيرُ بها لمَنْ قَرَأ عليه تُفْهَم (b) عنه في الكَسْر والفَتْح والمَدِّ والقَصْر
(a) ابن عساكر: جنزابة، تصحيف.
(b) ابن عساكر: يفهم.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 106.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 107.
والوَقْف، ورُبَّما كان يَبْتدئُ بالمَسْألَةِ من غَير أنْ يُسْأل عنها فيَنُصُّ (a) أقْوالَ العُلَمَاء فيها ليُرَى حِفْظَهُ، وكان يُظْهِرُ مَذْهَبَ الرَّوَافِض، ويُشِيْرُ إلى القَوْل بِالتَّشَيُّع بسَبَب السُّلْطان، شَاهَدْتُ ذلك منه، وذَاكَرْتُ به فَارِس بن أحْمَد غيرَ مَرَّة، وكان لا يرضَاهُ في دِيْنِهِ.
قال أبو عَمْرو: وبَلَغَني أنَّهُ قال لمحمَّد بن عليّ حين خَتَم عليه القُرْآن: يا أبا بَكْر، إنَّما قَرأتُ عليك للرِّوَايَةِ لا للدِّرَايَة.
قال: وسَمِعْتُ فَارِس بن أحْمَد يقُول، وقد ذَاكَرْتُهُ بأبي عليّ: كان أبو عليّ لا يقرُّ بقراءتهِ على الشَّنَبُوذِيّ ما دامَ حيًّا، فلمَّا تُوفِّي قال: قَرأتُ على الشَّنَبُوذِيّ، وأسْنَدَ عنهُ.
وقال أبو عَمْرو: قُتِلَ أبو عليّ سَنَة تِسْعٍ وتِسْعِين وثَلاثِمائة، قَتَلَهُ صَاحِبُ مِصْر
(1)
.
قَرَأتُ في مُخْتَار من أخْبَار مِصْر للأمير المُخْتَار عِزّ المُلْك مُحَمَّد بن عُبَيْدِ اللَّه بن أحْمَد المُسَبِّحيّ
(2)
في حَوَادِث سَنَة تِسْعٍ وتِسْعِين وثَلاثِمائة، قال: وفي اليَوْم الثَّالث عَشر منهُ -يعني من ذي الحِجَّة- وهو يَوْم الأَحَدِ، قُتِلَ أبو عليّ الحَسَنُ بن سُليمان الأنْطَاكيِّ المقرِئ النَّحوِيّ. وفي هذا اليَوْم بعَيْنِهِ قُتِلَ أبو أُسَامة العَجَمِيِّ اللُّغَويّ، قُتِلَا جميعًا في يَومٍ وَاحدٍ، واسْتَتَرَ بسَبَبِ قتلِهما أبو مُحَمَّد عَبْدُ الغَنِيّ بن سَعيدٍ الأزْدِيّ، وخَافَ على نفسِه بسَبَب اجْتِمَاعِهِم في دَار العِلْم وجُلُوسهم فيها.
(a) ابن عساكر: بنصّ.
_________
(1)
كان وقتها الحاكم بأمر اللَّه الفاطمي.
(2)
تقدم التعريف بتاريخ المسبحي في الجزء الثاني، وانظر المستدرك على كتابه أخبار مصر من النصوص الضائعة 168.
قُلتُ: وهذا يَدُلُّ على أنَّ ما ذَكَرَهُ أبو عَمْرو الدَّانِيّ عن أبي عليّ الأنْطَاكيِّ من إظْهار مَذْهَب الرَّوَافِض أنَّهُ كان خَوْفًا من الحاكِم الفَاطِميّ صَاحب مِصْر أنْ يقَع فيما وَقَعَ فيهِ، فكان يَسْتُر مَذْهَبَهُ ويُظْهرُ التَّشَيُّعَ لِمَا يَعْلَمُه من تَهَوُّر الحاكِم وإقْدَامه على إراقَةِ دِمَاءَ المُسْلمِيْنَ، ووَقَعَ أبو عليّ فيما خَاف منهُ.
الحَسَنُ بن سُلَيمان بن دَاوُد بن عبد الرَّحْمن بن يَنُوْسَ، أبو مُحَمَّد البَعْلَبَكِّيّ
(1)
سَمِعَ بأنْطَاكيَة وَصِيْفَ بن عَبْد اللَّه الأنْطَاكيِّ الحافِظ، و [أبا الحُسَيْن](a) عُثْمان بن مُحَمَّد الذَّهَبيّ، ورَوَى عنهُما وعن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه البَيْرُوتِيّ المَعْرُوف بمَكْحُول، وأبَوَي بَكْرٍ مُحَمَّد بن جَعْفَر الخُوارَزْيّ، وأحمد بن مَرْوَان المالِكيِّ. روى عنهُ مَكِّيّ بن مُحَمَّد بن الغَمْر أبو الحَسَن.
أخْبَرَنا أبو نَصْر بن الشِّيْرَازيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: قَرَأتُ على أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة، ح.
وأنْبَأنَا أبو القَاسِمٍ عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن حَمْزَة، إجَازَةً إنْ لم يمُن سَمَاعًا، عن عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن مَكّيِّ بن مُحَمَّد بن الغَمْر المُؤدِّبُ، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بنُ سُلَيمان بن دَاوُد بن عبد الرَّحْمن بن يَنُوْس ببَعْلَبَكَ، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ وَصِيْف بن عَبْدِ اللَّه الأنْطَاكِيّ، قال: حَدَّثَنا أحْمَدُ بن حَرْب، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه بن إِدْرِيس، قال: حَدَّثَنَا سُهَيْل بن
(a) ما بين الحاصرتين بياض في الأصل قدر كلمة، أبقاه لاستكمال كنيته، والمثبت من الإكمال لابن ماكولا 3: 396، تاريخ بغداد 16: 303، تاريخ ابن عساكر 24:31.
_________
(1)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 107 - 108، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 187.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 107.
أبِي صالحِ، عن أَبِيهِ، عن أبي هُرَيْرَة
(1)
، قال: قال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: منْ كان منكُم مُصَلِّيًا بعد الجُمُعَة فليُصَلِّ أرْبعًا.
الحَسَنُ بن سُلَيمان بن سَلَّام، أبو عليّ الفَزَارِيّ المِصْرِيّ المَعْرُوف بقُبَّيْطَة الحافِظ
(2)
من وَلد عُيَيْنَة بن حِصْن الفَزَارِيّ، أصْلُهُ من البَصْرَة، ونَزَل مِصْر، وجَالَ في ديار الشَّام وثُغُورها، وسَمِعَ بحَلَب أو بأنْطَاكِيَة يَعْقُوب بن كَعْب بن حَامِد الحَلَبيِّ الأنْطَاكيّ، وسَمعَ بالثَّغْر مَحْبُوب بن مُوسَى الفَرَّاء، وبالِجَاز إبْراهيم بن المنذِر الحِزَايّ، وببَيْت الممَدِس المُعَلَّى بن الوَلِيِد بن عَبْد العَزِيْز بن القَعْقَاع، وبعَسْقَلان مُحَمَّد بن أبي السَّرِيِّ العَسْقَلانِيّ، وبحِمْص إبْراهيم بن العَلَاء، وأبا يَحيَى سُليْمان بن عَبْدِ الحَميْد، وبدِمَشْق سُليْمان بن عبد الرَّحْمن، ومُحَمَّد بن المُبارَك الصُّوْرِيّ، وهِشَام بن عَمَّار، وصَفْوَان بن صالح، وبحَرَّان أحْمَد بن أبي شُعَيْب الحَرَّانيّ، وعبد اللَّه بن مُحَمَّد بن نُفَيْل، وبنَصِيْبين عَبْد المَلِك بن مُعَاذ النَّصِيْبيّ، وبمِصْر أبا بِشْر إسْمَاعِيْل بن مَسْلَمَة القَعْنَبِيّ، وأبا الأسْوَد النَّضْر بن عَبْد الجَبَّار، وأحمد بن صالح، وعَبْد اللَّه بن صَالح، وعبد اللَّه بن يُوسُف، وسَعِيْد بن عُفَيْر، وسَعِيْد بن أبي مَرْيَم، ويُوسُف بن عَدِيّ، وبالعِرَاق أبا غَسَّان مَالِك بن إسْمَاعِيْل، وعبد اللَّه بن
(1)
مسند الحميدي 3: 431 (رقم 976)، صحيح مسلم 3: 600 (رقم 881)، حلية الأولياء لأبي نعيم 7: 334، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 6: 330 (رقم 3480)، شرح السنة للبغوي 3: 449 (رقم 879)، كنز العمال للمتقي 7: 735 (رقم 21165)، وانظر: المسند الجامع 16: 787 (رقم 13127).
(2)
توفي سنة 261 هـ، وترجمته في: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم لابن زبر 340، تاريخ ابن يونس الصدفي (قسم الغرباء) 2: 60، تاريخ ابن عساكر 13: 108 - 110، تاريخ الإسلام 6: 313، سير أعلام النبلاء 12: 508، الوافي بالوفيات 13: 34، لسان الميزان 3: 313، السيوطي: حسن المحاضرة 1: 348، شذرات الذهب 3: 368، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 187.
عَبد الوَهَّاب الحَجَبِيّ، ومُحَمَّد بن سَعيد بن الأصْبَهَانِيّ، وأبا نُعَيْم ضِرَار بن صُرَد، ويَحْيَى بن عَبْد الحَميْد، وأحمد بن يُونُس، ومُسلم بن إبْراهيم، وموسَى بن إسْمَاعِيْل، وعَفَّان بن مُسْلِم، وحَرَمِيّ بن حَفْصٍ، وأبا نُعَيْم المُلَائِيّ.
رَوَى عنهُ أبو بَكْر بن خُريْمَة النَّيْسَابُوريّ، وأبو بَكْر عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن زِيَادٍ النَّيسَابُوريّ الحافظ، وأبو الحَسَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بَدْر بن النَّفَاّخَ البَاهِلِيّ، ومُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل المِصْريّ (a).
أخْبَرَنا أبو الفَضْل ذَاكِرُ بن إسْحَاق بن مُحَمَّد بن المُؤيَّد بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو سَهْل عَبْدُ السَّلام بن أبي الفَرَج بن مَكِّيّ الهَمَذَانيّ بأبَرْقُوة، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور شَهْرَدَار بن شِيْرَوُيه (b) بن شَهْرَدَار الدَّيْلَمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عُمَر البيع، قال: أخْبَرَنا أبو غَانِم حُمَيْد بن المأْمُون، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عبد الرَّحْمن بن أحْمَد الشِّيْرَازيّ في ألْقَاب المُحَدِّثِيْن: قُبَّيْطَة، الحَسَنُ بن سُلَيمان البَصْرِيّ، سَكَنَ مِصْرَ.
أنْبَأْنَا أبو المَحَاسِن سُليْمان بن الفَضْل بن سُلَيمان بن البَانِياسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الحافِظ الدِّمَشقيّ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن سُليَمان بن سَلَّام، أبو عليّ الفَزَارِيّ المِصْرِيّ المَعْرُوف بقُبَّيْطَة، أصْلُهُ من البَصْرَة، وسَكَن العَسْكَر بمِصْر.
سَمِعَ بدِمَشْق هِشَام بن عَمَّار، وسُليْمان (c) بن عبد الرَّحْمن، وصَفْوَان بن صالح، ومُحَمَّد بن مبارك الصُّوْرِيّ، وبمِصْر عَبْد اللَّه بن يُوسُف، وأبا بِشر إسْمَاعِيْل بن مَسْلَمَة القَعْنَبِيّ، وأبا الأسْوَد النَّضْر بن عَبْد الجَبَّار، وسَعِيْد بن أبي مَرْيَم، وسَعِيْد بن عُفَيْر،
(a) بعده في الأصل بياض قدر ثلث الصفحة.
(b) في الأصل بالسين المهملة.
(c) ابن عساكر: سلمان، وصوابه المثبت، وهو الحافظ الدمشقي المعروف.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 108 - 109.
وعبْد اللَّه بن صالح، ويُوسُف بن عَدِيّ، وأحمد بن صالح، وبِحِمْص إبْراهيم بن العَلَاء (a)، وأبا يَحْيَى سُليْمان بن عَبْد الحَميْد، وبالعِرَاق مُحَمَّد بن سَعيد بن الأَصْبَهَانِيّ، ويَحْيَى بن عَبْد الحَميد، وأبَوَي نُعَيْم: المُلَائِيّ وضِرَار بن صُرَد، وسَعْدُوَيْه، وأبا غَسَّان مَالِك بن إسْمَاعِيْل، وأحمد بن يُونُس، ومُوسَى بن إسْمَاعِيْل، ومُسْلِم بن إبْراهيم، وحَرَميِّ بن حَفْص، وعبد اللَّه بن عَبد الوَهَّاب الحَجَبِيّ، وعَفَّان بن مُسْلِم، وبالجَزِيْرة عبد اللَّه بن مُحَمَّد بن نُفَيْل، وأحمد بن أبي شُعَيْب الحَرَّانيّ، ومُعَافَى بن سُلَيمان، وعَبْد المَلِك بن مُعَاذ النَّصِيْبيّ، وصُبْح (b) بن دِيْنار البَلَدِيّ، وبالثُّغُور يَعْقُوب بن كَعْب، ومَحْبُوب بن مُوسَى الفَرَّاء، وإبْراهيم بن المُنْذِر الحِزَامِيّ بالحَجِاز، والمُعَلَّى بن الوَلِيد بن عَبْد العَزِيْز بن القَعْقَاع ببَيْت المَقْدِس، ومُحَمَّد بن أبي السَّرِيّ بعَسْقَلان.
رَوَى عنهُ مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل المِصْرِيّ، والد أبي بَكْر المُهَنْدِس، وأبَوَا بَكْر بن خُزَيْمَة، وعبدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن زِيَاد النَّيْسَابُوريّ (c)، وأبو الحَسَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بَدْر بن النَّفَّاخ البَاهِلِيِّ.
أنْبَأنَا عبدُ الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: كَتَبَ إليَّ أبو مُحَمَّد حَمْزَةُ بن العبَّاس بن عليّ، وأبو الفَضْل أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن، ثمّ حَدَّثَني أبو بَكْر مُحَمَّد بن شُجَاع، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل أحْمَدُ بن مُحَمَّد، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَاطِرْقَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه بن مَنْدَة، قال: قال لنا
(a) ابن عساكر: ابن المعلى! خطأ، وهر المعروف بالزبيدي الحمصي، انظر: تهذيب الكمال 3: 161.
(b) ذا في الأصل، ويوافق ما عند عبد الغني الأزدي في المؤتلف والمختلف 1: 93، وجاء عند ابن عساكر: صبيح. ومثله ما وقع عند بعضهم بتقييده مصغرًا كابن حبان في ثقاته 8: 334، والذهبي في ميزان الاعتدال 3:307.
(c) ابن عساكر: النيسابوريان، وهو خطأ فمحمد بن إسماعيل مصري ليس في سياقة نسبه النيسابوري.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 110.
أبو سَعيد بن يُونُس
(1)
: الحَسَن بن سُلَيمان بن سَلَّام الفَزَارِيّ الحافِظ المَعْرُوف بقُبَّيْطَة، يُكْنَى أبا عليّ، تُوفِّي يَوْم السَّبْت للَيْلَتَيْن بَقِيَتا من جُمَادَى الآخرة سَنَة إحْدَى وسِتِّين ومَائتَيْن. وقال لي ابنُه أبو العَلَاء: نحنُ من وَلَد عُيَيْنَة بن حِصْن الفَزَارِيّ، كانَ ثِقَةً حَافِظًا.
أنْبَأنَا أبو القَاسِم الحَرَسْتَانِيّ، عن أبي مُحَمَّد السُّلَمِيّ، عن أبي مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا مَكِّيّ بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو سُليْمان بن زَبْر
(2)
، قال: قال أبو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ: وفي سَنَة إحْدَى وسِتِّين ومَاتَيْن ماتَ أبو عليّ الحَسَنُ بن سُلَيمان قَبَيْطَة في جُمَادَى الآخرة.
الحَسَنُ بن سَهْل بن عَبْد اللَّه، أبو مُحَمَّد
(3)
أخُو الفَضْل بن سَهْل، وَزِير المَأْمُون، اسْتَوْزَرَهُ بعدَ مَوْت أخيهِ الفَضْل بن سَهْل، وفَوَّضَ إليهِ أُمُوره، وقَدِمَ معَهُ حَلَب حينَ قَدِمَها غَازِيًا، وتَزَّوَّج المأمُون ابنتَهُ
(1)
تاريخ ابن يونس الصدفي 2: 60.
(2)
تاريخ مولد العلماء 240.
(3)
توفي سنة 236 هـ، وترجمته في: تاريخ خليفة 468 - 469، 470، ابن طيفور: كتاب بغداد 22 - 23، 244 - 260، 265، 269، الجاحظ: البيان والتبيين 1: 103، تاريخ الطبري 8: 377 وما بعدها، 9: 24، 151، 184 - 185، 233، 348، المحبر 489، الأزدي: تاريخ الموصل 334 - 335، 339، 341 - 343، المسعودي: مروج الذهب 4: 323 - 327، التنبيه والإشراف 259، 306، 322، 349 - 351، الثعالبي: برد الأكباد 35، تاريخ بغداد 8: 284 - 288، ابن الجوزي: المنتظم 10: 73 - 75، 11: 239 - 241، ابن الأثير: الكامل 6: 197 وما بعدها 7: 52 (وانظر فهرس الأعلام 13: 94)، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 15: 39 - 41، ابن الأبار: إعتاب الكُتَّاب 107 - 109، ابن خلكان: وفيات الأعيان 2: 120 - 123، الفخري في الآداب السلطانية لابن الطقطقا 222 - 223، الذهبي: تاريخ الإسلام 5: 808، سير أعلام النبلاء 11: 171 - 172، العبر في خبر مَن غير 1: 332، الإعلام بوفيات الأعلام 106، الوافي بالوفيات 12: 37 - 41، البداية والنهاية 10: 244، 315، ابن خلدون: العبر 6: 74، النجوم الزاهرة 2: 287، شذرات الذهب 3: 167، محسن الأمين: أعيان الشيعة 5: 107 - 113.
بُوْرَان بنتَ الحَسَن، وأهْدَى الحَسَن أبوها معها من الأمْوَال والجَوَاهِر شيئًا عَظيْمًا، وكان أبُوه مَجُوْسِيًّا، فأسْلَم وأسْلَم ابناهُ: الفَضْل والحَسَن زمَن الرَّشِيْد، وكان كَرِيْمًا جَوَادًا، حَسَنَ السِّيَاسَة والتَّدْبِير، وجِيْهًا عند المَأْمُون، عَظِيم المَنْزلة عنده.
رَوَى عن عَبْد اللَّه المَأْمُون، رَوَى عنهُ وُرَيْزَة بن مُحَمَّد الغَسَّانِيّ، وأبو العَلَاء، ويَحْيَى بن خَاقَان.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيبُ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن سَهْل بن عَبْد اللَّهِ، أبو مُحَمَّد، وهو أخُو ذي الرِّيَاسَتَيْن الفَضْل بن سَهْل، كانا من أهْل بيت الرِّئَاسَةِ في المَجُوس، وأسْلَما، همُا وأبُوهما سَهْل في أيَّام هَارُون الرَّشِيْدِ، واتَّصَلُوا بالبَرَامِكَة، وكان سَهْل يتقَهْرَمُ ليَحْيَى بن خَالِد بن بَرْمَك، وضمَّ يَحْيَى الحَسَن والفَضْل ابْنَي سَهْل إلى ابْنَيْهِ: الفَضْل وجَعْفر، يكُونان معهُما، فضمَّ جَعْفَر الفَضْل بن سَهْل إلى المَأْمُون، وهو وَليُّ عَهْد فغَلَبَ عليه، ولَم يَزَل معه إلى أنْ قُتِلَ الفَضْلُ بخُرَاسَان، فكتَب المَأْمُون إلى الحَسَن بن سَهْل، وهو يَغْدَاد، يُعَزِّيهِ بأَخيْهِ، ويُعْلمه أنَّهُ قد اسْتَوْزَرَهُ، ويأمُرُه بإجْرَائهِ الأمْرَ مَجْرَاهُ، فلَم يكُن أحَدٌ من بني هاشِم ولا من سَائر القُوَّادِ يُخَالفُ للحَسَن أمْرًا، ولا يَخْرج له عن طاعةٍ، إلى أنْ بايَعَ المَأْمُونُ لعليِّ بن مُوسَىِ الرِّضَا بالعَهْد، فغَضِبَ بنو العبَّاسِ وخَلَعُوا المَأْمُونَ، وبايَعُوا إبْراهيم بن المهدِيّ، فحاربَهُ الحَسَنُ بن سَهْل، ثمّ ضَعُفَ عنهُ، فانْحَدَر الحَسَنُ إلى فَمِ الصِّلْح فأقامَ بها، وأقْبَل المَأْمُون من خُرَاسَان، فقَوِي لذلك الحَسَنُ بن سَهْلٍ، ووجَّه من فَم الصِّلْح مَنْ يُحَارِبُ (a) إبْراهيم بن المهدِيّ، فضَعُفَ أَمْرُ إبْراهيم واسْتَتَر، ثمّ دخَلَ
(a) تاريخ بغداد: من حارب.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 284 - 285.
المَأْمُون بَغْدَادَ، وكَتَبَ إلى الحَسَن بن سَهْل، فقَدِمَ عليه، فزادَ المَأْمُون في كَرَامَتِهِ وتَشْريفهِ عند تَسْليْمه عليه، وذلك في سَنَة أرْبَعٍ ومَائتَيْن.
ثُمَّ إنَّ المَأْمُونَ تزوَّجَ بُوْرَان بنتَ الحَسَن بن سَهْل، وانْحَدَرَ إلى فَم الصِّلْح للبنَاءِ على بُوْرَان بها في شَهْر رَمَضَان من سَنَة عَشرٍ ومَائتَيْن، فدَخَلَ بها، ثمّ انْصَرَفَ وخلَّف بُوْرَان عند أُمّها إلى أنْ حُمِلَتْ إليهِ.
قال الخَطِيبُ
(1)
: أخْبَرَني أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن يَعْقُوب الوَزَّان، قال: حَدَّثَني جَدِّي أبو بَكْر مُحَمَّد بن عُبَيْدِ اللَّه بن الفَضْل بن قَفَرْجَل، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَوْن بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه بن أبي سَهْلٍ، قال: لمَّا بَنَي المَأْمُون على بُوْرَان بنْت الحَسَن بن سَهْل، وانْحَدَر إِليهم إلى نَاحِيَةِ وَاسِط، فُرِشَ له يَوْم البِنَاءِ حَصِيْرٌ من ذَهَب مَسْفُوف، ونُثِرَ عليه جَوْهَرٌ كَثِيْر، فجعَلَ بياضُ الدُّرّ يُشْرِفُ (a) على صُفْرة الذَّهَب وما مَسَّهُ أحدٌ، فوَجَّهَ الحَسَنُ إلى المَأْمُون: هذا نثارٌ يَجبُ أن يُلْقَطَ، فقال المَأْمُون لَمْن حَوْلَه من بناتِ الخُلَفَاء: شَرِّفْن أبا مُحَمَّد، فمدَّت كُلّ واحدةٍ منهنَّ يدَها فأخَذَتْ دُرَّةً، وبقي باقي الدُّرّ يلُوحُ على الحَصِير الذَّهَب، فقال المَأْمُون: قَاتَل اللَّه أبا نُوَاس! لقد شَبَّهَ بشيءٍ وما رآهُ قَطّ، فأحْسَنَ في وَصْف الخَمْر والحبَاب الّذي فَوْقها، فقال
(2)
: [من البسيط]
كأنَّ صُغْرَى وكُبْرى من فَوَاقعها
…
حَصْبَاءُ دُرٍّ على أرْضٍ من الذَّهَبِ
(a) في تاريخ بغداد: يشرق.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 385، وانظر خبر زواج المأمون من بوران وما قيل في الحفل وما كان فيه من سرف وأبهة عند ابن طيفور: كتاب بغداد 143 - 147، الطبري 8: 606 - 608، ابن الأعثم: الفتوح 8: 331 - 333، الشابشتي: الديارات 157 - 159، والتحف والذخائر للرشيد بن الزبير 98 - 101، وابن الجوزي: المنتظم 10: 316 - 317، ووفيات الأعيان 1: 387 - 390، وتاريخ ابن الوردي 1: 336، والبداية والنهاية 10: 365، 11: 49 - 50.
(2)
ديوان أبي نواس 39.
فكيف لو رَأى هذا مُعايَنةً؟! وكان أبو نُوَاسٍ في هذا الوَقْت قد مات.
قال أبو بَكْر الخَطِيْبُ
(1)
: وقيل إنَّ الحَسَن نَثَرَ على المَأْمُون ألفَ حَبَّةِ جَوْهَر، وأشْعَل بينَ يَدَيْهِ شَمْعَةَ عَنْبَر (a) وزنُها مائة رِطْل، ونَثَر على القُوَّاد رِقَاعًا فيها أسْماء ضِيَاعٍ، فَمنْ وَقَعَتْ بيَده رُقْعَةٌ، أَشْهَد له الحَسَنُ بالضَّيْعَة الّتي فيها، وأنْفَق الحَسَنُ في وَلِيْمَتِهِ أرْبَعةُ آلافِ ألف دِيْنار، وكان يُجْري مُدَّةَ إقامة المَأْمُون عنده على ستَّة وثَلاثين ألف مَلَّاح، ولمَّا أرادَ المَأْمُون أنْ يُصَاعِدَ، أمَرَ له بألْف ألف دِيْنار، وأَقْطَعَهُ مَدِينَة الصِّلْح. وعاشَ الحَسَنُ إلى أيَّام جَعْفَر المُتَوَكِّل.
أخْبَرَنا أبو الفَضْل ذَاكِرُ بن إسْحَاق، قال: أخْبَرَنا أبو سَهْل عَبْد السَّلام بن أبي الفَرَج، قال: أخْبَرَنا شَهْرَدَار بن شِيْرَوُيه، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عُمَر البَيِّع، قال: أخْبَرَنا أبو غَانِم حُمَيْد بن المَأْمُون، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عبد الرَّحمْن الشِّيْرَازيّ، قال في كتاب الألْقَاب: ذو الرِّيَاسَتَيْن الحَسَن بن سَهْل، سَمِعْتُ أبا إسْحَاق إبْراهيم بن أحْمَد المُسْتَمْلِيّ يقُول: سَمِعْتُ أبا عَبْد اللَّه عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد الحُدَّانِيّ، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن جَعْفَر الكَرَابِيْسِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا العَلَاء يقُول: سَمِعْتُ ذو الرِّيَاسَتَيْن يقول: ما أُحِبُّ أنْ يكُون لي بدَل تجاربي شَبَابي.
وبإسْنَادِه قال: وسَمِعْتُ ذو الرِّيَاسَتَيْن يَقُول: ما اسْتَقْصَيْتُ في أمْرٍ قَطُّ إلَّا أبْداني منه مَكْرُوهٌ.
هكذا قال أبو بَكْر الشِّيْرَازيّ: ذو الرِّيَاسَتَيْن الحَسَن بن سَهْل، وكَذَا قال وُرَبْزَة بن مُحَمَّد الغَسَّانِيّ: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن سَهْل ذو الرِّيَاستَيْن، وسَيَأتي ذِكْرُ ذلك
(2)
، والمَعْرُوف بذي الرِّيَاسَتَيْن الفَضْل بن سَهْل أخو الحَسَن، ويُحْتَمل أَنَّهُ لُقِّبَ بذلك حين تَوَلَّى الوِزَارَة بعدَ مَوْت أخيهِ الفَضْل، واللَّهُ أعْلَمُ.
(a) الأصل: عنبتر!.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 386.
(2)
في الرواية التي بعد التالية.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أنْبَأنَا زَيْد بن الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت
(1)
، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن أبي جَعْفَر القَطِيعْيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ عَبْدِ اللَّه بن مُحَمَّد بن هَمَّام الشَّيْبَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عُزَاحِم مُوسَى بن عُبَيْد اللَّه بن يَحْيَى بن خَاقَان المُقْرِئ الخَاقَانِيّ، قال: حَدَّثني أبي، عن أَبِيهِ، قال: حَضَرْتُ الحَسَنَ بن سَهْل وجاءَهُ رَجُلٌ يَسْتَشْفعُ به في حَاجةٍ فقَضَاهَا، فأقْبَل الرَّجُلُ يَشْكُرُهُ، فقال له الحَسَنُ بن سَهْل: على ما تَشْكُرُنا ونحنُ نَرَى أنَّ للجَاه زَكَاةً، كما أنَّ للمَال زَكَاةً؟ ثُمَّ أنْشَأ الحَسَنُ يقُولُ:[من الكامل]
فُرِضَتْ عليَّ زَكَاةُ ما ملكَتْ يَدِي
…
وزَكَاةُ جَاهي أنْ أُعِيْن وأَشْفَعا
فإذا ملَكْتَ فَجُدْ فإنْ لم تَسْتَطْع
…
فاجْهَد بُوسْعك كُلّه أنْ تَنْفَعا
أخْبَرَنا أبو الفَضْل ذَاكِرُ بن إسْحَاق بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو سَهْل عَبْد السَّلام بن أبي الفَرَج، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور شَهْرَدَار بن شِيْرَوُيه، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عُمَر البَيِّع، قال: أخْبَرَنا أبو غَانِم حُمَيْد بن المَأْمُون، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عبدِ الرَّحْمن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عُمَر مُحَمَّد بن الحُسَين البَغْدَاديّ، قال: حدَّثنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمد بن إسْماعِيل بن مَحْمُوَيْه العَسْكَريّ، قال: حَدَّثَنَا وُرَيْزَة بن مُحَمَّد الغَسَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا الحَسَن بن سَهْل ذو الرِّيَاسَتَيْن، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّه أَمِير المُؤْمنِيْن المَأْمُون، قال: حَضَر إِمْلَاك رَجُل من بني هاشِم، تمسُّ
(1)
تاريخ بغداد 8: 286 - 287، وانظر مرآة الزمان 15: 40 ووفيات الأعيان 2: 120.
قَرَابتُه قَرَابَة أَمِير المُؤْمنِيْن الرَّشِيْد، فجَلَسَ (a) أَمِير المُؤْمنِيْن فقال لمُحَمَّد بن الحَسَن: اخْطُب يا مُحَمَّد لفُلَان ابن فُلَان على فُلَانة بنت فُلَان على صَدَاق كَذَا في مال أَمِيرِ المُؤْمنِيْن، فقال مُحَمَّد بن الحَسَن: يا أَمِير المُؤْمنِيْن، بلَغَنا أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال
(1)
: قَدِّمُوا قُرَيْشًا ولا تَتَقَدَّمُوها. فإنْ رَأى أَمِير المُؤْمنِيْن أنْ يأمُر الشَّافِعيّ أنْ يخطبَ وأتْبَعهُ، فقال الرَّشِيْد: اخطُب يا شَافِعيّ، فقال الشَّافِعيّ مُرْتَجلًا الحَمْدُ للَّهِ بَاعِث الأمْوَات، وجَامِع الأشْتَاتِ، ومُنْشر الرّفاتِ، ومُقِيْل العَثَراتِ، ومُنْجح الطَّلَبات، ومُنْزل البَرَكَاتِ، وفَاطِر الأرْض والسَّمَوَات، وخَالِق البَرياتِ، على ألْسُن مُخْتلفات اللُّغَات، وأشْهَدُ، أنَّ لا إلَه إلَّا اللَّه، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، شَهَادة حَقٍّ من الشَّهَاداتِ، وكَلمَة إخْلَاصٍ من الكَلمَات، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُوله؛ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ بالرِّسَالاتِ، ودَلَّ على صِدْقهِ بالدَّلَالاتِ، وأثْبتَ حُجَّتَهُ بالآياتِ المُبيّنات، صَلَّى اللَّهُ عليه وعلى آلهِ من المُؤْمنِيْن والمُؤْمِنات، أمَّا بَعْدُ:
فإنَّ اللَّه جَعَل النِّكَاح زِيْنَة للبَنَاتِ، وستْرًا للعَوْراتِ، وسَبَبًا للمْصَاهَرَات، جَمَعَ اللَّهُ بهِ بين الأرْحَام المُتَباعدَات، وجَعَل القُلُوبَ المُتَباغضَات مُتَحابِبَات، والنُّفُوس المُتَنَافِرَات مُتَآلفَات، والوُجُوه المُنَكَّرَات مَعْرُوفات، فقال عَزَّ من قَائِل {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}
(2)
.
(a) الأصل: مجلس، ولا يستقيم الكلام معها، إلا أن يكون قد وقع فيه نقص.
_________
(1)
كتاب السنة لابن أبي عاصم الشيباني 3: 637 (رقم 1519) من حديث عبد اللَّه بن السائب، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني 9: 64 من حديث أنس بن مالك، ويروى من وجوه أخرى ذكرها الحافظ ابن حجر العسقلاني في تلخيص الحبير 3: 36 (رقرم 579)، والسيوطي في الدرر المنتثرة 151، والمناوي في فيض القدير 4: 511 - 512 (رقم 6108، 6110)، وكنز العمال 13: 33 (رقم 33789 - 33791).
(2)
سورة الفرقان، الآية 54.
وهذا فُلَان ابن فُلَانٍ أتَاكُم خَاطِبًا، وفي مُصَاهرتكم رَاغِبًا، يَذْكر فَتَاتكمُ فُلَانة بنت فُلَانٍ، وقد بذَلَ لها من الصَّدَاق كَذَا وكَذَا في مال أَمِير المُؤْمنِيْن، فأجِيْبُوا خِطْبَتَهُ، وشَفِّعُوا مَسْألتَهُ. أقُول قَوْلي هذا واسْتَغْفِرُ اللَّه لي ولكم.
ثمّ قال للزَّوْج: قَبِلْتَ النِّكَاح؟ قُلْ: نَعَم، قال: نعم، قال قد زَوَّجْتُكَ بأمْر أَمِير المُؤْمنِيْنَ.
قال الرَّشِيْدُ: أخْطُبْ يا مُحَمَّد، فقال مُحَمَّد بن الحَسَن: الحَمْدُ للَّهِ الّذي وَكَّلَ بالخَلْقِ حَفَظَتَهُ، وبالعَرْش حَمَلَتهُ، وبالبَيْتِ سَدَنَتَهُ، وبالجَنَّة والنَّار خَزَنَتَهُ، واخْتَار مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم صفْوتَهُ، وجَعَل الإسْلَام مِلَّتَهُ، والكَعْبَة قِبْلَتَهُ، وخَيْر النَّاس أُمَّتَهُ، وأُمَّهات المُؤْمنِيْن نسْوَتَهُ، وفاطِمَة الزَّهْرَاءَ ابْنَتَهُ، والحَسَن والحُسَين سَيِّدَي شَبَاب أهْل الجَنَّة ذرِّيَّتَهُ، وأتَمَّ عليه نِعْمَتَهُ، وهَنَّاهُ كَرَامتَهُ، واصْطَفَى آدَمَ وجَعَل نُوحًا إسْوَتَهُ، وأسْجَدَ له مَلَائكَتَهُ، وخَلَق منهُ زَوْجَتَهُ، وأسْكَنهُ جنَّتَهُ، ووَهَبَ لإبْراهيم خلَّتَهُ، وِأجابَ دَعْوتَهُ، وأسْكَن بوادٍ غير ذي زَرْع ذُرِّيَّتَهُ، وجَعَل الحَجَّ أفْئدتَهُ، ورَزَقهُم ثَمَرتَهُ، وكَشَفَ عن أيُّوبَ بليَّتَهُ، ورَفَع ضَرعتَهُ، وشَفع بحُسْن الآيات زلْفَتَهُ، وجَعَل يُوسُفَ آيةً للسَّائلين وإخْوته، وآنسَ في الجُبِّ وحْدَتَهُ، وِرَدَّ غُرْبتَهُ، ونَزَع من قَلْب يَعْقُوبَ حَسْرَتَهُ، وأخْرَجَ من فُؤَادِه غُصَّتَهُ، وردَّ على وَجْهه مُقْلَتَهُ، وعلى قَلْبهِ مُهْجَتَهُ، وألْقَى على مُوسَى مَحَبَّتَهُ، وحَلَّ من لِسَانه عقْدَتَهُ، وذَكَّر السَّامِريّ قبْضَتهُ، والعِجْل وحلْيتَهُ، وأسَفَ مُوسَى وغَضْبَتَهُ، حينَ ألْقَى على هَارُون حدتَهُ، وأخَذَ رَأسَهُ ولحيْتَهُ، وطَلَب رقَّته، وذكر أخوّتَهُ، وذَكرَ اللَّه في القَصَص قِصَّتَهُ، فوجد عدُوَّه وشِيْعَته، وذَكَر اللَّه وَكْزَتَهُ، وزوَّجَهُ العَبْد ابْنَتَهُ، فقضَى بأوْفَى الأجلَين أُجرَتَهُ، وأحْمَدَ في الطَّريق رَجْعَتَهُ، وصدَّق الطّلقُ حرْمتَهُ، واقْتَبس النَّار لَيْلَتَهُ، وآتى دَاوُد مُلكَهُ وحِكْمَته وعَلَّمه صَنْعَتَهُ، وجَعَلَهُ خَليْفَتَهُ، وآتى عِيسَى كتابَهُ ونبوَّتَهُ، وجَعَلَهُ رُوْحَهُ وكَلِمَتَهُ، وأنْطَقَهُ في المَهْد ولو شَاءَ أَسْكَته،
وأوْصَاهُ بالصَّلاةِ والزَّكَاةِ وثَبَّتَه، وكُلًّا رَفَعَ اللَّه دَرَجَتَه، وشَرَّف مَنْزِلتَهُ، وجَعَل عليهِ صَلَواته ورَحْمَتَهُ.
وأشْهَدُ أنَّ لا إله إلَّا اللَّه، وَحْدَهُ لا شرِيك له، شَهَادة مَنْ اعْتَرفَ بحَقِّه، وعَلِمَ أنَّهُ مَالِك رِقِّه، وقد فَرَغَ اللَّه من خَلْقِه وخُلْقِه وأجَلِهِ ورِزْقه، وأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُوله؛ أرْسَلَهُ وقد صبَّ البَلَاءُ رَأسَه، وعَمّ الضَّلَالُ ناسَهُ، وضَرَبَ العَجْزُ أجْرَاسَهُ، وبَثَّ المَكْرُوه أجْنَاسَهُ، فللَّه دَرُّ النَّبِيّ المُنْتَخَب، وسَيِّد العَجَم والعَرَب، وجَامع الدِّيْن والأدَب، ومُنْتَهى الشّرَف والحَسَب، وابن عَبْد اللَّه بن عَبْدِ المُطَّلِب، لقد أقامَ من الدِّين أوَدًا، وشَدَّ من الحَقِّ عَضُدًا، وَادَعَ الده في اللَّهِ جلَدًا، وللَّهِ دَرُّ خَلِيْفَته الصِّدِّيق؛ لقد كان للحَقِّ سَنَدًا، وللدِّين عمَدًا، ولَم يَعْط في العقَالِ قَودًا، واسْتَخْلَفَ الفَارُوقَ ففرَّق شَمْل الكُفْر بدَدًا، وفَتَح بَلَدًا بَلَدًا، حتَّى عَبَدَ النَّاسُ أحَدًا صَمَدًا، لم يتَّخِذ صَاحِبَةً ولا وَلَدًا، فوالَّذي مَرَجَ البَحْرَين، وجَعَل مع العُسْر يُسْرَين، لقد شقّ في قَبْر نَبيّه لهما قَبْرَين، ووَلى الختَنين بعد الصّهرين، فاللَّه ذُو النُّورَيْن، وللَّهِ أبو الحَسَنِ والحُسَين، شَفع اللَّهُ ما وَهَبَ لهما بالإتْمام، وكافأهُما على النَّقْضِ والإبْرام.
واعْلَمُوا، رَحمَكمُ اللَّه، أنَّ الّذي أحْصَاكُم وعَدَّكُم عَدًّا، وجَعَلكُم أَمَةً وعَبْدًا، جَعَلَ لكُم النِّكَاحُ رشدًا، ورَسَمَ فيه مَهْرًا ونقْدًا، فاقْبَلُوا، رَحمَكم اللَّه، من العَزِيز الغَفُور، ومَنْ خَلَفَ بالنَّجْمِ والطُّور، وقال:{هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ}
(1)
، وجَنَّبَكُم عِبَادةَ الأوْثَان وقَوْل الزُّور، ما حَدَّ لكُم في سُوْرة النُّور، إذ قال عَزَّ من قَائِل:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
(2)
.
(1)
سورة الملك، الآية 3.
(2)
سورة النور، الآيتان 31 - 33.
وهذا فُلَانُ ابن فُلَان أتَاكُم خَاطِبًا، وفي مُصَاهَرَتِكم رَاغِبًا، يَذْكُر فَتَاتكُم فُلَانة بنتَ فُلَانٍ، وفد بَذَل لها من الصَّدَاق كذا وكَذا، فأَجِيْبُوه إذ خَطَب، وشَفِّعُوه إذ رَغِبَ.
أقُول قَوْلي هذا، واسْتَغْفِرُ اللَّه لي ولكُم.
فقال الرَّشِيْدُ: أوْجَزت يا شَافعِيّ، وأَجَدْت يا مُحَمَّد، وكلاكما مُحْسِنٌ (a).
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَني أَبو القَاسِم الأزْهَريّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن إبْراهيم بن الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة، قال: سَنَة ستٍّ وثَلاثين -يعني ومَائتَيْن- فيها ماتَ الحَسَنُ بن سَهْل، وقد أَتَتْ له سَبْعُون سَنَةً. وكان من أسْمَحِ النَّاس وأكْرَمِهِم، فحَدَّثَني بعضُ وَلَده أنَّهُ رَأى سَقَّاءً يَمُرُّ في دَاره، فدَعَا بهِ، فقال: ما حَالتُكَ؟ فشَكَا ضِيْقَهُ، وذَكَر أنَّ له ابنةً يُرِيدُ زِفَافَها، فأخَذَ ليُوَقَّعَ له بألف دِرْهَم فأخْطَأ فوقَّع له بألْف ألف دِرْهَمٍ، فأتَى بها السَّقَّاءُ وَكِيْلَهُ، فأنْكَرَ ذلك، وتَعَجَّبَ أهْلُهُ منهُ، واسْتَعْظَمُوه، وتَهَيَّبُوا مُرَاجَعَتَهُ، فأتوا غَسَّان بن عَبَّاد بن عَبَّاد، وكان غَسَّان أيضًا من الكُرَمَاء، فأتَى الحَسَن بن سَهْل فقال له: أيُّها الأَمِير، إنَّ اللَّه لا يُحب المُسْرفين
(2)
، فقال له الحَسَنُ: ليسَ في الخَيْر إسْرَافٌ، ثمّ ذَكَرَ أمْرَ السَّقَّاء، فقال: واللَّهِ لا رَجَعْتُ عن شيءٍ خَطَّتْهُ يَدِي، فصُوْلِح السَّقَّاء على جُمْلَةٍ منها، ودُفِعَتْ إليهِ.
وقال أبو بَكْر الخَطِيْبُ
(3)
: أخْبَرَنا القَاضِي أبو القَاسِم التَّنُوخِيّ
(4)
، قال: حَدَّثَنَا
(a) بعده في الأصل بياض قدر نصف الصفحة.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 288.
(2)
إشارة إلى الآية الكريمة {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} سورة الأنعام 141، وسورة الأعراف: 31
(3)
تاريخ بغداد 8: 287.
(4)
التنوخي: نشوار المحاضرة 6: 58.
مُحَمَّد بن عبد الرَّحيم المَازِنِيّ، قال: حَدَّثَنَا الحُسَين بن القَاسِم الكَوْكَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَر بن أبي العَيْنَاءِ، قال: لمَّا ماتَ الحَسَنُ بن سَهْل، قال أبي: واللَّهِ لئن أتْعَبَ المَادِحين، لقد أطالَ بُكَاءَ البَاكِيْن، ولقد أُصِيْبَتْ بهِ الأيَّامُ، وخرِسَتْ بمَوْتِه الأقْلَامُ، ولقد كان بَقِيَّةً [وفي النَّاس بَقِيَّة](a)، فيكفَ اليَوْم وقد بادَتِ البَرِيَّة؟.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ سَلامَة في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن سَلامَة بن سَاعِد، أبو عليّ المَنْبِجِي الفَقِيهُ الحَنَفِيُّ
(1)
تَفَقَّهَ ببَغْدَاد على القَاضِي أبي عَبْد اللَّه الدَّامَغَانِيّ، وسَمِعَ الحَدِيْث بها من الشَّريف أبي نَصْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد الزَّيْنيّ. رَوَى عنهُ الإمَام أبو سَعْد السَّمْعَانيّ، وهو من بَيْت مَذْكُور من مَنْبِج.
وتَفَقَّهَ عليه أبو الفَتْح نَصْرُ اللَّه بن عليّ بن مَنْصُور الوَاسِطِيُّ الحَنَفِيُّ.
أخْبَرَنا الشَّريفُ افْتِخار الدِّين أبو هاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بنُ الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: أخْبَرَنا الحَسَنُ بن سَلامَةَ بن سَاعِد الحَنَفِيّ، من أهْل مَنْبج؛ بَلْدَة بالشَّام، بقِرَاءَتي عليه، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عليّ الزَّيْنَبِيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن المُخَلِّصُ الذَّهَبِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد يَحْيَى بن مُحَمَّد بن
(a) إضافة من تاريخ بغداد ونشوار المحاضرة.
_________
(1)
توفي سنة 533 هـ، وترجمته في: الأنساب للسمعاني 12: 442، تاريخ الإسلام 11: 590، الوافي بالوفيات 12: 43، لسان الميزان 2:212.
(2)
المخلِّصيّات 2: 173 (رقم 281)، وأخرجه العقيلي في الضعفاء 1: 124، وابن عدي في الكامل 1: 410، من طريق أبي عمار الحسين في حريث المروزي، به. ويروى من وجره أخرى ذكرها الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير 4: 97 - 98.
صَاعِد، قال: حَدَّثَنَا أبو عَمَّار الحُسَينُ بن حُرَيْث المَرْوَزيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَوْسُ بن عَبْد اللَّهِ، قال: حَدَّثَنَا الحُسَينُ بن وَاقِد، عن عَبْد اللَّه بن بُرَيْدَةَ، عن أَبِيهِ، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: اللَّهُمَّ بَارِك لأُمَّتِي في بُكُورها.
أخْبَرَنا أبو هاشِم بن أبي المَعَالِي الحَلَبِيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو سَعْد السَّمْعَانيّ ونَقَلْتُه أنا من خَطِّ السَّمْعَانيّ بعد سَمَاعِي من شَيْخنا أبي هاشِم، قال: الحَسَنُ بن سَلامَة بن سَاعِد المَنْبِجِيّ، أبو عليّ، من أهْل مَنْبج، إحْدَى بلادِ الشَّام، ورَدَ بغداد، وتَفَقَّهَ بها على قاضِي القُضَاة أبي عَبْد اللَّهِ الدَّامَغَانِيّ على مَذْهَب أبي حَنِيْفَة رحمه الله، وبَرَعَ فيه، وسَكَنَ بَغْداد، وتَوَطَّنَها، ثمّ عُدِّلَ، وقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.
وكان له يَدٌ بَاسِطةٌ في المُتَّفِقِ والمُخْتَلِف، لَقِيتُه في رِباطِ شَيْخنا إسْمَاعِيْل بن أبي سَعْد شَيْخ الشُّيُوخ، أوَّل ما وَردْتُ بغدَاد نَوْبةً وَاحدةً، وقَرَأتُ عليهِ أحَادِيْثَ من الجُزءِ السَّادِسِ من حَدِيْث المُخَلِّصِ عن الشَّريف أبي نَصْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عليّ الزَّيْنَبِيّ، وما أَعْرفُ من حَالِه إِلَّا الخَيْر، غيرَ أنِّي سَمِعْتُ بعضَ النَّاسِ يَنْسُبُهُ إلى رَأي الاعْتِزَال، واللَّهُ أعْلَمُ.
قَرأتُ بخَطِّ أبي سَعْد السَّمْعَانيّ، وأخْبَرَنا بهِ أبو هاشِم، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد، قال: تُوفِّي أبو عليّ الحَسَنُ بن سَلَامَة المَنْبِجِيّ في جُمَادَى الآخرة سَنَة ثَلاثٍ وثَلاثين وخَمْسِمائَة ببَغْدَاد.
الحَسَنُ بن سَلامَة بن مُحَمَّد، المعرُوف بابنِ الحَلَبِيّ أبو عليّ
الحَرَّانيّ الدَّار، المِصْرِيّ المَوْلد، وإنَّما عُرِفَ بابن الحَلَبِيّ، لأنَّ بعض أجْدَادِهِ خَرَجَ صُحْبَة الحَاجّ على الشَّام، فأقَامَ بحَلَب إلى أنْ عادَ الحَاجُّ، فقَدِمَ حَرَّان معهم، فعُرِفَ بالحَلَبِيّ.
سَكَنَ أبوه سَلامَة مِصْرَ، ووُلد أبو عليّ الحَسَن هذا له بها، ثمّ خَرَجَ بوَلده هذا إلى بَلْدتِه حَرَّان، فسَكَنَها إلى أنْ ماتَ، واجْتازَ في طَرِيقِه بحَلَب، وسَافَرَ إلى بغدَاد وخُرَاسَان.
وسَمِعَ ببَغْدَاد من أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ قاضي المَارَسْتَان، ومن أبي بَكْرِ مُحَمَّد بن الحَسَن الحَاجِيّ، وغيرهما، رَوَى عنهُ الشَّيْخُ أبو الثَّنَاء حَمَّاد بن هِبَةِ اللَّهِ الحَرَّانيُّ.
حَرْفُ الشِّيْن
فَارِغ
حَرْفُ الصَّادِ في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بنُ صَاحِب بن حُمَيْد الشَّاشِيُّ، أبو عليّ
(1)
رَحَلَ إلى الشَّام، والجَزِيْرَة، والعِرَاق، والجِبَال، والأهْوَاز، والحِجَاز، وخُرَاسَان، رحلةً وَاسِعَةً، وسَمِعَ الكَثِيْر؛ سَمِعَ بأنْطَاكِيَةَ دَاوُد بن أحْمَد بن حَيَّان الأنْطَاكِيّ، وقد سُقْنا عنهُ حَدِيثًا في تَرْجَمَةِ دَاوُد بن أحْمَد
(2)
فيما يأتي من كتَابنا هذا.
وسَمِعَ إسْحَاق بن مَنْصُور، وعَبْدَة بن سُلَيمان، والحَسَن بن مُحَمَّد بن الصَّبَّاح، وأبا زُرْعَة الرَّازِيّ، وعليّ بن خَشْرَم، وعَمْرو بن عَبْد اللَّه الأوْدِيّ، ومُحَمَّد بن
(1)
توفي سنة 314 هـ، وترجمته في: تاريخ بغداد 8: 303 - 304، السمعاني: الأنساب 8: 14 - 15، ابن الجوزي: المنتظم 13: 257 (وفيه: الشاسي)، الذهبي: تاريخ الإسلام 7: 280، تذكرة الحفاظ 3: 780 - 781، سير أعلام النبلاء 14: 431 - 432.
(2)
ستأتي ترجمة داود بن أحمد بن حيان الأنطاكي، في موضعها من الترتيب على حروف المعجم (الجزء السابع).
عَوْف الحِمْصِيّ، وهُبَيْرَة بن الحَسَن الزَّاهِد، ومُحَمَّد بن عبد اللَّه بن يَزِيد المُقْرِئ، ومُحَمَّد بن عَبْد العَزِيْز الدِّيْنَورِيّ، ويُونُس بن عَبْد الأعْلَى الصَّدَفِيّ، وعِيسَى بن غَيْلان، وغيرهم.
رَوَى عنهُ أبو عليّ النَّيْسَابُوريّ الحافِظ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن عُمَر الجِعَابِيّ الحافِظ، ومُحَمَّد بن المُظَفَّر الحافِظ، ومُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل الوَرَّاق، وإبْراهيم بن مُحَمَّدُ بن حَمْزَة الأصْبَهَانِيّ، وعُمَر بن مُحَمَّد بن سَبَنْك (a)، وكان رَجُلًا صَالِحًا ثِقَةً.
أخْبَرَنا أبو بَكْر عَبْد اللَّه بن عُمَر، وعَبْد الرَّحمن بن عُمَر في كِتَابَيْهما، قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر القَزْوِينيّ، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بن طَاهِر أنَّ أبَوَي عُثْمان الصَّابُونِيّ والبَحِيْرِيّ، وأبَوَي بَكْر البَيْهَقِيّ والحِيْرِيّ كَتَبُوا إليه، قالوا: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه الحافِظُ، قال: الحَسَنُ بن صَاحِب بن حُمَيْد، أبو عليّ الشَّاشِيّ، الرَّجُل الصَّالِح، كَثِيْر السَّمَاع والرِّحْلَة، كتَبَ ببلادِ خُرَاسَان، والجِبَال، والأهْوَاز، والعِرَاقَيْن، والحِجَاز، والشَّام، والجَزِيرَة، عن مثْل عليّ بن خَشْرَم، وإسْحَاق بن مَنْصُور، وأبي زُرْعَة، والحَسَن بن مُحَمَّد بن الصَّبَّاح، وعَمْرو بن عَبْد اللَّه الأوْدِيّ، ومُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن يَزِيد المُقْرِئ، ويونُس بن عَبْد الأعْلَى، ومُحَمَّد بن عَوْف الحِمصِيّ، وكُلِّ من هؤلاءَ من ناحيةٍ أُخْرى، رَوَى عنهُ أبو عليّ النَّيْسَابُوريّ، وإبْراهيم بن مُحَمَّد بن حَمْزَة الأصْبَهَانِيّ، ومُحَمَّد بن عُمَر الجِعَابِيّ، وهُم حُفَّاظُ الدُّنْيا.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن صَاحِب بن حُمَيْد، أبو عليّ الشَّاشِيُّ، أحَدُ الرَّحَّالينَ، كَتَبَ ببلادِ خُرَاسَان، والجِبَالِ، والعِرَاق، والحِجَاز، والشَّام،
(a) في الأصل بتقديم النون على الباء، وتقدم الكلام عليه في الجزء الثاني.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 303.
وقَدِمَ بَغْدَادَ في سَنَهَ إحْدَى عَشْرة وثَلاثِمائة، وحَدَّثَ بها عن عليّ بن خَشْرَم، وإسْحَاقَ بن مَنْصُور، وأبي زُرْعَة الرَّازِيّ، وعَمْرو بن عَبْد اللَّه الأوْدِيّ، ومُحَمَّد بن عَوْف الحِمْصِيّ، وعَبْدَة بن سُلَيمان البَصْرِيّ، نَزِيلُ مِصْر، وعِيسَى بن غَيْلان، وهُبَيْرَة بن الحَسَن الزَّاهِد، ومُحَمَّد بن عبد العزِيْز الدِّيْنَورِيّ، وغيرهم. رَوَى عنهُ أبو بَكْر ابن الجِعَابِيّ، ومُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل الوَرَّاق، وعُمَر بن مُحَمَّد بن سَبَنْك (a)، ومُحَمَّد بن المُظَفَّر، وكانَ ثِقَةً.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد المُؤدِّبُ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ
(1)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عليّ المقرِئ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه النَّيْسَابُوريّ الحافِظُ، قال: سَمِعْتُ عليّ بن بُنْدَار الزَّاهِد يقُول: تُوفِّي الحَسَن بن صَاحِب بالشَّاش سَنَة أرْبَع عَشرة وثَلاثِمائة.
الحَسَنُ بن صَافي بن عَبْد اللَّه، أبو نِزَار بن أبي الحَسَن النَّحْوِيَّ البَغْدَاديّ، مَوْلَى حُسَيْن ابن الأُرْمَوِيّ التَّاجر، ويُعْرَفُ بمَلِك النُّحَاةِ
(2)
فَقِيْهٌ، نَحْويٌّ، لُغَويٌّ، شَاعِرٌ، نَاثِرٌ، حَسَن الشِّعْر والرَّسَائِل، عَارِفٌ بالنَّحو واللُّغَة، وله مُصَنَّفات في كُلِّ فَنّ منها، وله مَسَائِل أَمْلَاها في عِلْم النَّحو وغيره.
(a) وقع في الأصل مجودًا سُنْبُك، والمثبت تقييد الخطيب البغدادي وتجويده، وتقدم التعلق عليه.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 304.
(2)
توفي سنة 568 هـ، وترجمته في: خريدة القصر (قسم العراق) 3: 89 - 137، تاريخ ابن عساكر 13: 71 - 76، ابن الدبيثي: ذيل تاريخ بغداد 3: 92 - 94، القفطي: إنباه الرواة 1: 340 - 345، ياقوت: معجم الأدباء 2: 866 - 873، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 21: 188 - 190، ابن الساعي: الدر الثمين 358 - 359، ابن خلكان: وفيات الأعيان 2: 92 - 94، ابن الفوطي: مجمع الآداب 5: 491 - 492، تاريخ الإسلام 12: 392 - 393، المختصر المحتاج اليه 1: 281، العبر في خبر مَن غبر 3: =
كان أبوه مَوْلَى حُسَين المَذْكُور، ووُلد أبو نِزَارِ ببَغْدَاد، ونَشَأ بها، واشْتَغَلِ بالفِقْه على الشَّيْخ أحْمَد الأَشْنَهِيّ، وعلى أبي الفَتْح بن بَرْهَان، وأسْعَد المِيْهَنِيّ، وسَمِعَ الحَدِيْث من أبي طَالِب الزَّيْنَبِيّ.
وقَرأ النَّحو على أبي الحَسَن عليّ بن أبي زَيْد الفَصِيْحِيّ، ومَهَرَ فيه، ولَقَّبَ نَفْسَهُ مَلِك النُّحَاة، وتَصَدَّر للإِفَادة ببَغْدَاد، وأخْبَرَني مَنْ أثقُ به أنَّهُ قَرَأ بخَطِّه على كتابٍ بوَقْف المَدْرَسَة النِّظَاميَّة: وكَتَبَ أبو نِزَار ملكُ العُلَمَاء عُمُومًا، والنُّحَاة خُصُوصًا.
وسَافر من بغداد إلى خُرَاسَان، وكَرْمَان، وغَزْنَة، ودَخَل إلى مَلِك غَزْنَة وأكْرَمَهُ واحْتَرَمَهُ، ثمّ قَدِمَ حلَبَ، وأقام بها مُدَّةً، وكان يُقْرئ بها الأدَبَ بالمَسْجِد الجامع، وقرأ عليه بهِا أبو المَكَارِم مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك بن أبي جَرَادَة الحَلَبِيّ، وأَبو طَالِب الحُسَين بن مُحَمَّد بن أَسْعَد بن الحَلِيم وغيرهما.
وكان بينه وبين أبي الحُسَين بن مُنِير بها مُهَاجَاة ومُهَاتَرَة، واتَّصَل بالمَلِك العَادل أبي القاسِم مَحْمُود بن زَنْكِي وكان يُكْرمهُ ويُحْسن إليهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلى دِمَشْق، وسَكَنَها إلى أنْ ماتَ بها.
رَوَى عنهُ الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن، وذَكَرَهُ في تَارِيْخهِ
(1)
، ورَوَى عنهُ أبو بَكْر عَبْد اللَّه بن مَنْصُور بن عِمْران البَاقِلّانِيّ الوَاسِطِيّ، وقرأ عليه عليّ بن
= 55، الإعلام بوفيات الأعلام 334، سير أعلام النبلاء 20: 512 (ذكر عارض أرخ فيه لوفاته)، ابن فضل اللَّه العمري: مسالك الأبصار 7: 126 - 132، اليافي: مرآة الجنان 2: 291، الوافي بالوفيات 12: 56 - 59، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 7: 63 - 64، الأسنوي: طبقات الشافعية 2: 496 - 497، البلغة للفيروزابادي 84 - 86، تاريخ ابن الوردي 3: 125، ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية 2: 7 - 8، العيني: عقد الجمان 1: 132 - 133، الزركشي: عقود الجمان ورقة 106 أ -107 ب، النجوم الزاهرة 6: 68، بغية الوعاة 1: 504 - 505، شذرات الذهب 6: 376، الخوانساري: روضات الجنات 3: 80 - 82، محسن الأمين: أعيان الشيعة 5: 115 - 118.
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 71 وسيورد ابن العديم فيما بعد بعض النقول من تاريخ ابن عساكر.
الحَسَن بن عَنْتَر المَعْرُوف بشُمَيْم الحِلِّيّ، وسَلَكَ طَرِيقَتَهُ في التَّرَفُّع على النَّاس والتَّعَظُّم.
رَوَى لنا عنْهُ الشَّريف أبو المحاسِن الفَضْل بن عَقِيل بن عُثْمان العبَّاسيّ، والقَاضِي أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه بن الشِّيْرَازيّ الدِّمَشقيَّان شَيئًا من شِعْره بدِمَشْق. وكان شَرِيْف النَّفْس، صَحِيْح العَقِيْدَة، عَفِيْفًا، نَزِهًا عن الدَّنَايَا.
قال لي القَاضِيِ شَمْس الدِّين أبو نَصْر (a) مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه بن مُحَمَّد بن مَمِّيْل الشِّيْرَازيّ، قاضي دِمَشْق
(1)
: كان مَلِكُ النُّحَاةِ حَسَن العَقِيْدَة، عَفِيْفًا، وسَمِعْته يقُول وأشَارَ إلى لحيَتهِ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَم أنِّي زَنَيْتُ زَنْيَةً في الإسْلَام فلا تَغْفِر لهذه الشَيْبَةِ.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلب بن الفَضْل الهاشِمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن أبي بَكْر السَّمْعَانيّ، قال: الحَسَنُ بن أبي الحَسَن أبو نِزَار المُلَقَّب بحُجَّة العَرَب ومَلِك النُّحَاةِ، من أهْلِ بَغْدَادَ، وأظُنُّ أنَّه وَاسِطِيٌّ، واللَّهُ أعْلَمُ، أحَدُ الفُضَلَاء المُبرّزين، وكان حَسَن الشِّعْر، مَتِيْن اللَّفْظ، سَافر عن بَغْدَاد، وتَغَرَّب، وانْتَشَر ذِكْرُه في الآفاق، ودَخَل بلاد: غَزْنَة (b)، وكَرْمَان، ولم يَدْخُل بلاد خُرَاسَان، وانْصَرَفَ إلى كَرْمَان وخَرَجَ منها إلى الشَّام، وقيل: إنَّهُ بها السَّاعَة، ولَقِيَ الأكَابِر، ولُقِّي مَوْردُه بالإكْرَام.
أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن سُليْمان بن الفَضْل بن سُلَيمان ابن البَانِياسِيّ كتابةً، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: الحَسَنُ بن أَبي الحَسَن،
(a) تقدم لابن العديم الرواية عنه في ترجمة أحمد في عبد العزيز المقدسي (الجزء الثاني) وكناه هناك بأبي عبد اللَّه.
(b) في الأصل: بلاد دغرا، وليس ثمة بلاد بهذا الاسم، ولعلها تحرفت من غزنة والمصادر تجمع على دخوله غزنة واجتماعه بملكها.
_________
(1)
أورده ابن العديم في تذكرته 395.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 71 - 73.
واسْمُ أبي الحَسَن صَافِي، مَوْلَى حُسَيْن ابن الأُرْمَوِيّ التَّاجر، أبو نِزَار البَغْدَاديّ المَعرُوف بمَلِكِ النُّحَاةِ.
ذَكَرَ لي أنَّهُ وُلِدَ ببَغْدَاد في سَنَة تِسْعٍ وثمانين وأرْبَعِمائة، في الجانب الغَرْبيّ، في مَحَلّةٍ تعرف بشَارِع (a) دَار الرَّقِيْق، ثمّ نقل إلى الجانب الشَّرْقيّ من بغداد إلى جوار الخِلَافَة (b) المُعَظَّمة، وهناك قَرَأ العِلْم (c)، وسَمِعَ الحَدِيْث من أبي طَالِب (d) الزّيْنَبِيّ، وقَرَأ عِلْم المَذْهَب على الشَّيْخ أحْمَد الأَشْنهِيّ، وقَرا عِلْم أُول الدِّين على الشَّيْخ أبي عَبْد اللَّهِ المَغْرِبيّ القَيْرَوانِيّ، وقَرأ أُصُول الفِقْه على الشّيْخ أبي الفَتْح بن بَرْهَان، وقَرَأ عِلْم الخِلَاف على الشَّيْخ الإمَامِ أَسْعَد المِيْهَنيّ، وقَرأ النَّحو على الشَّيْخ أبي الحَسَن عليّ بن أبي زَيْد الفَصيْحِيّ الإِسْتِرَابَاذِيّ، وقرأ الفَصِيْحِيُّ على عَبْد القَاهِر الجُرْجَانِيّ، وفُتِحَ له الجَامعُ ودرَّس فيه، ثُمَّ سَافَرَ إلى بِلَادِ خُرَاسَان وكَرْمَان وغَزْنَة، ثمّ دخَل إلى الشَّام، وقَدِمَ دِمشْق ثمّ خَرَج منها، ثمّ عاد إليها، واسْتَوْطَنها إلى أنْ ماتَ بها.
وذَكَرَ لي أسْماء مُصَنَّفاته: الحَاوِي في عِلْم النَّحو، مُجَلَّدَتان، العُمَد (e) في عِلْم النَّحو؛ مُجَلَّدة، المُنْتَخَب في عِلْم النَّحو، وهو كتابٌ نَفِيْسٌ، مُجَلَّدة، المُقْتَصِد في عِلْم التَّصْرِيْف، مُجَلَّدةٌ ضَخْمةٌ، أُسْلُوب الحَقّ في تَعْلِيل القِرَاءَات العَشْر وشَيء من الشَّوَاذّ؛ مُجَلَّدتان، التَّذْكِرَة السَّفريَّة، انْتَهَتْ إلى أرْبعمائة كُرَّاسَة، العَرُوض؛ مُخْتَصرٌ مُحَرَّر، مُصَنَّفٌ في الفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعيّ حَمَّاهُ الحاكِم، مُجَلَّدَتان، مُخْتَصرٌ في أُصُول الفِقْه، مُخْتَصرٌ في أُصُول الدِّين، دِيْوَانُ مَجْمُوعٌ من شِعْره
(1)
، من جُمْلَته ما أنْشَدَني لنفسِه يَمْدَحُ سَيِّدنا مُحَمَّدًا رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
(a) ألحقها ابن العديم في الهامش بمخرج عيَّن موضعها.
(b) ابن عساكر: جرار حرم الخلافة.
(c) ابن عساكر: العلوم.
(d) ابن عساكر: من الشريف أبي طالب.
(e) في الدر الثمين لابن الساعي 358: العمدة.
_________
(1)
زاد ياقوت وابن الساعي وابن تغري بردي على مؤلفاته كتابًا عنوانه المقامات، على غرار مقامات الحريري.
قُلْتُ: وقَرَأتُ هذه الأبْيَات بخَطِّ أبي نِزَار مع المُقَطَّعات الأرْبَعة الّتي تأتي بَعْدها، في مَدْح النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
(1)
: [من البسيط]
للَّه أخْلَاقُ مَطْبُوع على كَرَم
…
ومَنْ به يَشرُف العَلْيَاءُ والكَرَمُ
أَغَرَّ أبْلَجُ يَسْمُو عن مُسَاجَلةٍ
…
إذا تُذُوْكِرَت الأخْلَاق والشِّيَمُ
سَمَتْ عُلَاكَ رسُولَ اللَّهِ فارْتَفَعَت
…
عن أنْ يُشِيْر إلى إثْبَاتها قَلَمُ
يا مَنْ رَأى المَلأَ الأَعْلَى فَرَاعَهُمُ
…
وعَادَ وهو على الكَوْنَين يَحْتَكمُ
يا مَنْ لهُ دَانَت الدُّنْيا وزُخْرِفَت
…
الأُخْرى ومَنْ بعُلَاه تَفْخَر النّسَمُ
يا مَنْ به عادَ وَجْهُ الحَقّ مُتَّضحًا
…
من بَعْد أنْ ظُوْهرَتْ بالبَاطِل الظُّلَمُ
ومَنْ تواضَعَ جِبْريل الأَمِينُ لهُ
…
ودُوْنَ حَقّ نُهَاه هذه القسَمُ
عَلَوْتَ عن كُلّ مَدْح يُسْتَفاض
…
فما الجَلَال إلَّا الّذي تَنْحُوه العِظَمُ
على عُلَاكَ سَلَامُ اللَّه مُتَّصِلًا
…
ما شِئْتَ والصَّلَوَاتُ الغُرّ تَبْتَسِمُ
وقَرأتُ بخَطِّه، وقال الحافِظُ
(2)
: وأنْشدَني في مَدْحهِ صلى الله عليه وسلم: [من البسبط]
يا قَاصِدًا يَثْرِب الفَيْحَاء مُرْتَجيًا
…
أنْ يَسْتَجِيْر بعَلْيَا خَاتِم الرُّسُلِ
خُذْ عن أخيْك مَقَالًا إنْ صَدَعْتَ
…
بهِ مُدحْتَ في آخر الأعْصَار والأُوَلِ
قُلْ يا مَن الفَخْر مَوْقُوفٌ عليهِ فإنْ
…
تُذُوْكِرَ الفَخْرُ لَم يَصْدفْ ولَم يَمِلِ
صِيْتٌ إذا طُلبَتْ غَايَاتُهُ خَرَقَتْ
…
سَبْعًا طِبَاقًا فبذَّت كُلّ ذي أمَلِ
عَلَوْتَ وازْدَدْتَ حتَّى عادَ مُمْتَدِحًا (a)
…
جِبريل عمَّا له قد كان لَمْ يَطلِ
(a) في معجم الأدباء: مبتذخًا.
_________
(1)
الأبيات في مسالك الأبصار لابن فضل اللَّه العمري 7: 130.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 73، وانظر الأبيات في معجم الأدباء 2: 867 - 868.
وعُدْتَ والكِبْرُ قد نَافَى عُلَاكَ فَما
…
عدَوْتَ شِيْمة سَبْطِ الخَلْق مُبْتَهِلِ
أتَتْكَ غرُّ قَوَافي المَدْح خَاضِعَةً
…
لدَيْكَ فاقْبَل ثَنَاءً غيرَ مُنْتَحَلِ
ثَنَاءَ مَنْ لَم يَجِدْ وَجْنَاءَ تَحْمِلُه
…
إليكَ أو صَدَّ بالاقتَارِ عن جَمَلِ
صَلَّى عليكَ إلَهُ العَرْش مُشْتَملًا
…
عليكَ يا خَيْرَ ما حافٍ ومُنْتَعِلِ
قال
(1)
: وأَنْشَدَنا يَمْدَحُهُ صلى الله عليه وسلم، وهِي أيضًا ممَّا قَرأتُه بخَطِّ أبي نِزَار:[من البسيط]
مَنْ حَامِل عن أخيه بَسْطَ (a) مَألُكةٍ
…
يهُذُّها (b) أنْ أُفيْضَ القَالُ والقيْلُ
يقُولُ والحُجُراتُ الغُرُّ تَسْمَعُهُ
…
والوَفْد كُلٌّ بما يَعْنِيْه مَشْغُولُ
هل سَامِعٌ يا رسُولَ اللَّهِ أنْتَ لمن
…
ولاؤُهُ لكَ مَرْويٌّ ومَنْقُولُ
بلَغْتَ من غايةِ الإكْرَام مَنْزِلةً
…
عنها أُعِيْدَ الأَمِينُ الرُّوْحُ جِبْرِيلُ
فعَادَ مَنْ رَام كُفْوًا من مَدَائِحِهِ
…
يَزْهَى ومِقْوَلُهُ بالعَجْزِ مَفْلُولُ
فاقبَلْ إليكَ اخْتِصَارًا عُذْرَ قَائلِهِ
…
إِنَّ حَقُّ مَدْحِكَ لَم يَبْلُغْهُ تَطْويلُ
وَلْتُرضِكَ الصَّلَوَاتُ الغُرُّ دَائمةً
…
يَزِيْنُ أَمْرَاطَها ما شِئْتَ تَرْفيلُ
قال
(2)
: وأنْشَدَنا في مَدْحِهِ صلى الله عليه وسلم، وهي مما نَقَلْتُهُ من خَطِّه:[من المنسرح]
يا خَاتِم الأنْبِياء قَاطِبَةً
…
أتَاكَ لفْظُ الثَّنَاءِ يَسْتَبقُ
كُنْت نَبِيًّا وطينْ آدَمَ مَجْبُولٌ
…
وتلك الأنْوَار تَأتلِقُ
وعُدْتَ فينا تَدْعُو (c) إلى سُبُلِ الحَقِّ
…
فقَدْ أُوْضِحَتْ بكَ الطُّرُقُ
(a) ابن عساكر: بسبط، وينكسر بها الوزن.
(b) ابن عساكر: يهزها.
(c) ابن عساكر: تهدي.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 73.
(2)
ابن عساكر 13: 74، وانظر ثلاثة من الأبيات في مرآة الزمان 21:188.
فارْقَ عليك السَّلَامُ مَرْقبةً
…
مصْبَحُها في العَلَاءِ تغْتَبَقُ
واشْفَعْ لمَنْ عَادَ في وَلائكَ مَشْـ
…
ــفُوعَ القَوَافي تُتْلَى فَتَتَّسِقُ
مِرْطُ (a) أُلَيْفَاظِهِ الَّتي انْتَظَمَتْ
…
يطِيْب علْيَاك في الوَرَى عَبِقُ
تَضُوع من مَجْدِك الأَثيل إذا
…
اسْتُقبِض ذِكْر أطْيب فيُنْتَشَقُ
قال
(1)
: وأَنْشَدَنا في مَدْحِهِ صلى الله عليه وسلم، وهي ممَّا نَقَلْتُه من خَطِّ أبي نِزَار:[من الطويل]
رَأى البَرْقَ عُلْويَّ (b) الوَمِيْضِ فأنْجَدَا
…
وأصْدَرَ ركبٌ بالعَقِيْق فأنْجَدَا (c)
وما بَرحَتْ أنْبَاءُ ميَّةَ غضَّةً
…
لديهِ إلى أنْ جَارَ بالرَّكْب (d) واعْتَدَى
رَأى الشِّيْحَ مَمْطُورًا فَمَالَ بِظِلِّهِ
…
ومَدَّ إلى أطْرَاف طُرَّتِهِ يَدَا
أمَالَ إلى خَفْقِ النَّسِيم بِجَانِبي
…
عُطَالَةَ لمَّا مَرَّ فاسْتَنْزلَ النَّدَى
أُشَيْعِثُ (e) مِقْلَاقُ الوَضِيْن يَهُزُّهُ
…
إلى البَانِ وَجْدٌ لا يَزَالُ مُؤَبَّدَا
تَذَكَّر عَهْدًا كاظِميًّا وقَلَّ ما (f)
…
تَذَكَّر مَجْهُولُ المَعَارِف مَعْهَدَا
ولكنَّهُ ممَّن إذا انتسَبَ احْتَبَى
…
لفَخْرٍ وإنْ جَاثَاهُ (g) ذو القُوَّةِ انْتَدَى
ومَوَّارُ رَحْلِ النِّضْوِ مُنْتَصِبُ القَرَا
…
تَرَاهُ كما أفضَيْتَ (h) سَهْمًا مُسَدَّدا
تُنَاقِضُهُ معرُوبَةٌ (i) كُلَّمَا ونَتْ
…
أرَاهَا مُلَوَّى الجَانِبَيْنِ مُقَدَّدَا
يَهُزُّ إلى أعْلَامِ يَثْرِبَ هِمَّةً
…
كما هَزَّ ذِمْرٌ (j) يَوْمَ حَرْبٍ مُهَنَّدا
إذا زارَ مَفْتُونٌ بدُنْياه مَالِكًا
…
يُؤَمِّلُهُ زَارَ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا
(a) ابن عساكر: ملك.
(b) ابن عساكر: غوري.
(c) ابن عساكر: فأوردا.
(d) ابن عساكر: بالعقل.
(e) ابن عساكر: لشبعته، ولا يستقيم بها الوزن.
(f) ابن عساكر: وطالما.
(g) ابن عساكر: حاشاه.
(h) ابن عساكر: أمضيت، وكتب ابن العديم في الهامش:"في رواية الحافظ: أمضيت".
(i) ابن عساكر: معروفة.
(j) ابن عساكر: زمر.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 74 - 75، وفيه زيادة بيت عليها.
ألَا دَيِّمُوا مُوْقَ الهُدَى بَاهِرَ العُلَى
…
كَرِيمَ العُرَى طَلْقَ النَّقِيْبَةِ أَوْحَدا
إذا المَلَأُ الأعْلَى تَنَاجُوا بذِكْرِه
…
ورَامُوا هُدَاهُ كان منهُ لهُمْ هُدَى
إِلَيكَ رسُولَ اللَّهِ (a) يَمَّمْتُ نَاظِمًا
…
قَوَافيَ ما يَمَّمْنَ غيرَكَ مَقْصَدَا
تَعَاوَضْنَ (b) ممَّن لم يَزَل مُتَقَرِّبًا
…
إليكَ بمَدْحٍ لا يَزَالُ مُخَلَّدا
وحَاشَاكَ يا رَبَّ العُلَى أنْ تَرُدَّهُ
…
بغَيرِ الّذي سَامَى لَهُ وتَرَدَّدَا
وقد وَأَبيْكَ الخَيْرِ شرَّفْتُ مَنْطِقي
…
بذِكْرِكَ واسْتَبْقَيْتُ (c) مَجْدًا وسُؤدَدَا
فصَلَّى عليك اللَّهُ ما شِئْتَ هَادِيًا
…
وشَاءَ وما اسْتَصْرفْتَ عن مُؤْمِنٍ رَدى
أخْبَرَنا أبو هاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْدُ الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانِيّ، قال: أَنْشَدَنِي أبو بَكْر عَبْدُ اللَّه بن مَنْصُور بن عِمْران البَاقِلَّانِيّ بوَاسط من لَفْظه، قال: أَنْشَدَنِي أبو نِزَار النَّحْوِيّ لنَفْسِه يَرْثِي أَمِيرَ المُؤْمنِيْن المُسْترشِد باللَّه: [من الطويل]
مَنِ النَّافضُ البَيْدَاءَ واللَّيْلُ دَامِسٌ
…
عليهِ كُلُوْحٌ ظَاهِرٌ (d) وقُطُوبُ
يَغَارُ إذا لَم تَهْجُر الشَّمْسُ ضَوْءَها
…
ولم تَبْدُ منها رَنَّةٌ ونَحِيْبُ
نَعَى مِن بَنِي العبَّاسِ أَرْوَعَ مَاجِدًا
…
كَفَاهُ تُرَاثًا بُرْدَةٌ وقَضيْبُ
أَنْشَدَنِي الشَّريفُ أبو المَحَاسِن الفَضْل بن عَقِيل الدِّمَشقيّ العبَّاسيّ، قال: أَنْشَدَنِي مَلِكُ النُّحَاةِ أبو نِزَار الحَسَنُ بن أبي الحَسَن البَغْدَاديّ الشَّافِعِيّ لنَفْسِه
(1)
: [من الرجز]
أَتُنْكرينَ الحقَّ أُخْتَ دَارِم
…
إذا أَصَخْتِ لمَقَالِ عَالِمِ
(a) كتب ابن العديم فوقها: "صلى الله عليه وسلم".
(b) ابن عساكر: تقاوض.
(c) ابن عساكر: واستيقنت.
(d) الأصل: طاهر، والمثبت أوفق للمعنى.
_________
(1)
انظر القصيدة -بأتم مما أورد ابن العديم- عند ابن عساكر 13: 75 - 76.
سَألْتِني عنِ العُلَى وأَهْلِها
…
فلم أكُنْ يا هَنَتَا بكَاتِمِ
لِلعَرَبِ الفَخْرُ القَدِيمُ في الوَرَى
…
فأَعْرِضي عن نَبَأ الأعَاجِمِ
هُم الّذينَ سَبَقُوا إلى العُلَى (a)
…
فَهْوَ لَدَيْهمْ قَائمُ المَوَاسِمِ
وإنَّهُم إنْ نَهَضُوا لغَارَةٍ
…
شَنُّوا على أُسْدِ الشَّرَى الضَّرَاغِمِ
وزَحْزحُوا كِسْرَاهُمْ عن مُلكِهِ
…
بالمشْرَفيَّاتِ وباللَّهَاذِمِ (b)
أَنْشَدَنِي القَاضِي شَمْس الدِّين أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه بن الشِّيْرَازي بدَارهِ بدِمَشْق، قال: أَنْشَدَنِي مَلِكُ النُّحَاةِ لِنَفْسِه أَبْيَاتًا يَصِفُ فيها امْرأةً، قال: وشَذَّ بَعضُها عن خَاطِري منها
(1)
: [من المنسرح]
جَارِيَةٌ كُلَّما خَضَعْتُ لها
…
قالَتْ عَدِمْتُ النُّحَاةَ والشُّعَرَا
طَوِيلَة القَدِّ واللِّسَانِ فما
…
أدْرِي أَأَهْجُو أم أمْدَحُ القِصَرَا
أَحْسَنُ منها عندي مُدَقَّقَةٌ
…
سَاذِجَةٌ لوْزُها قد انْقَشَرَا
فاللّبَنُ الفَارسِيُّ أضْرَسَنِي
…
والكَشْكُ في ذَا الدِّيَار قد كَثُرَا
أَنْشَدَنِي الشَّريفُ أبو المَحَاسِن العبَّاسيّ إمْلاءً من لَفْظه، بمَنْزِله بدِمَشْق، قال: أَنْشَدَنِي مَلِكُ النُّحَاةِ لنَفْسِه في عَلَم المُلْك ابن النَّحَّاس، وقد قَدِمَ دِمَشْق رَسُولًا إلى المَلِك العادِل نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي من المِصْرِيِّيْن، فقُتِلَ الصَّالِح بن رُزَّيْك، وبقي عَلَم المُلك ابن النَّحَّاس مُدَّةً بدِمَشْقَ ليسَ له شيءٌ ونُور الدِّين يقُومُ به، فسَألَ في تلك المُدَّة مَلِكَ النُّحَاةِ أنْ جمعَ له مُقدِّمَةً في النَّحو، فَجَمَعَها وأنْفَذَها إليهِ، وكَتَبَ على وَجْهها:[من مجزوء الرجز]
يا عَلَمَ المُلْك افْتَخِرْ
…
بهذِهِ المُقدِّمَهْ
ولا تَقُلْ فيما أَمَرْ
…
تُ لِافْتِخَارٍ وَلِمَهْ
(a) ابن عساكر: الندى.
(b) ابن عساكر: اللهازم، واللهاذم: السيوف الماضية.
_________
(1)
تذكرة ابن العديم 395.
فإنَّني أفصَحُ
…
مَنْ فَاهَ وأَجْرَى قَلَمَهْ
قُسٌّ إذا عَايَنني
…
خَيَّطَ بالعِيّ فَمَهْ
ولو رَأيْتُ سِيْبَوَيْـ
…
ـــهِ قُلْتُ: يَا نَحْوِيُّ مَهْ
والشِّعْرُ لا يَسْتَطِيعْ ما
…
أقُولُ منهُ علْقَمَهْ
والفِقْه قد فُقْتُ لعَمْـ
…
ـرو اللَّهِ فيهِ أُمَمَهْ
أَنْشَدَنِي رَجُل من أهْلِ الأدَب، وقال: كان مَلِكُ النُّحَاة يَهْوى امْرأة كانت له، فطلَّقها، فسُئِلَ: كيفَ حَالَهُ بعدَها؟ فأنْشَدَ لنَفْسِه
(1)
: [من الطويل]
سَلَوتُ بحَمْدِ اللَّه عنها وأصْبَحت
…
دَوَاعي الهَوَى من نَحْوها لا أجيْبُها
على أنَّنِي لا شَامِتٌ إنْ أصَابَها
…
بَلَاءٌ ولا رَاضٍ بوَاشٍ يَعِيْبها
سَمِعْتُ قاضِي القُضَاة أبا المَحَاسِن يُوسُف بن رَافِع بن تَمِيْم، بقَرْيَة المِزَّة، قال: كان شَيْخُنا ابن المُنَقِّي رَجُلًا يُنَقِّيِ الحِنْطَة، فاشْتَغَل بالنَّحو وحَفِظَ سِيْبَوَيْه، ومَهَرَ في عِلْم النَّحو وبرَّزَ فيه حتَّى تَصَدَّر لإفَادته، وكان بينَهُ وبين مَلِك النُّحَاةِ مُنَاظَراتٌ في عِلْم الأدَب، وعند كُلّ واحِدٍ منهما من التَّعْظِيم والتَّفْخيم لأمْره شيءٌ كَثِيْرٌ، فأدَّى ذلك إلى أنْ صار بينهما عَدَاوَةٌ وإحَنٌ ومُهَاجَاةٌ، قال: فعَمِل مَلِكُ النُّحَاة في ابن المُنَقِّي: [من المنسرح]
ابن المنُقِّي نَقَاوَةَ السِّفَلِ
…
خُزِيْتَ يا ابنَ اللِّئَامِ من رَجُلِ
قال: وكان ابنُ المُنَقِّي ضَخْمًا أَيَّدًا، وكان مَلِكُ النُّحَاةِ يَخَافُ منه أنْ يَضْربَهُ، فَجَمعَ بينهما تَاجُ الدِّين ابن الشَّهْرَزُورِيّ وأصْلَح بينهما، وتَعَانَقا، وقَبَّل كُلُّ واحِدٍ منهما صَاحِبَهُ، وجَلَسَا عندَهُ بعد الصُّلْح، فقال ابنُ الشَّهرَزُورِيّ، أو غيره: مِمَّن
(1)
البيتان في وفيات الأعيان 2: 93 - 94، وتاريخ الإسلام 12: 393، ومرآة الجنان لليافعي 3:291.
نَأْكُل حَلَاوةَ الصُّلْح؟ فقال مَلِكُ النُّحَاة: منهُ، وأشَارَ إلى ابن المُنَقِّي، فقال ابنُ المُنَقِّي في الحال: نَعَم
(1)
: [من السريع]
هَدِيَّةٌ منِّي لمَلِك النُّحَاة
…
رِيْح شُنَاج يَحْتَويها خُصَاهْ
لا عَسَلٌ عندي ولا سُكَّر
…
فليعْذر الشَّيْخ ويَأكُل خَرَاه
قال: فلمَّا قال: ويَأكُل، صَاح فيه مَلِكُ النُّحَاةِ وقال: بَسّ! لا تَزِد على هذا.
أخْبَرَني تَاج الدِّين أبو المَعَالِي الفَضْل ابن شَيْخنا أبي هاشِم بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَني الوَجِيْهُ بن عِيسَى المُحَنَّك، ح.
وأخْبَرَني بَهَاء الدِّين أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن إبْراهيم بن الخَشَّاب، قال: أخْبَرَني الشَّريفُ أبو جَعْفَر عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد الهاشِميّ، قال: كان لمَلِك النُّحَاة بحَلَب تِلْمِيْذ يقال له الذُّبَابُ، وكان رَاويَة شِعْره، وكان أبو الحُسَين بن مُنِير كَثِيْرًا ما يَمْزَحُ معه إذا لَقِيَهُ ويقُول له: أيْش خَرِيَ المَلِكُ على لسَانك اليَوْم وما يُشْبه ذلك! وكان بين مَلِك النُّحَاة وبين ابن مُنِير مُهَاجَاةٌ، فمَرَّ الذُّبَاب يَوْمًا بابن مُنِير وهو جَالِسٌ على حَانُوْت بباب الجامع الغَرْبيّ تجاه مَدْرَسَة الحَلاوِيِّين، وكان يَجْلِسُ بها كَثِيْرًا عند خَيَّاطٍ بها، وبيَده قَضِيْبٌ يَعْبَثُ بهِ، فقال ابنُ مُنِير لرَاويةِ مَلِك النُّحَاة: إيْهٍ، أيْش عَمِل المَلِكُ اليَوْم؟ فقال له: ما تُريد أنْ تَسْمَع؟! فقال: لا بُدَّ، فقال: اتْركني باللَّهِ، فقال: لا بُدَّ أنْ تقُول، فقال: قال فيك: [من السريع]
لبُغْضِكَ الصِّدِّيْقَ يا ذَا الخَنَا
…
تَقْدَحُ في كُلِّ أبي بَكْرِ
يُعَرِّضُ بأَنَّهُ يَهْجُو مَجْد الدِّين أبا بَكْر ابن الدَّايَة، وكان نائب نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي بحَلَب، وكان مَبْسُوط اليد فيها، قال: فألْقَى ابن مُنِير القَضِيْبَ
(1)
البيتان في معجم الأدباء 4: 1758 (باختلاف في بعض الألفاظ، في ترجمة ابن المنقَّى)، والوافي بالوفيات 21:81.
من يَده وقال: لَعَنَهُ اللَّهُ، ولعَنَ سَاعةً عَرَفْناهُ فيها، وقامَ من وَقْته. وكان ابن مُنِير شِيْعِيّ المَذْهَب.
أخْبَرَني الشَّريفُ أبو الحُسَين عليّ بن مُحَمَّد بن دَاوُد بن النَّاصر الحُسَيْنيّ الحَلَبِيّ بها
(1)
، قال: أخْبَرَني جَدِّي لأُمِّي الشَّريفُ أبو جَعْفَر عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك الهاشِميّ العبَّاسيّ، والحَاجِيّ أبو غَانِم النَّجَّار الحَلَبِيّ، قالا: اجْتَمَع أبو الحُسَين بن مُنِير ومَلِكُ النُّحَاة أبو نِزَار بحَلَب، وقد خَمَشَ قِطٌّ مَلِكَ النُّحَاةِ في يَدِه، فسَألَهُ ابن مُنِير، فقال: ما هذا في يَدك؟ فقال: خَمَشَنِي قِطٌّ، فأنْشَدَه ابنُ مُنِير
(2)
: [من المتقارب]
عَتَبْتُ على قِطّ مَلِك النُّحَاةِ
…
وقُلْتُ أتَيْتَ بغير الصَّوَاب
جَرَحْتَ يَدًا خُلقَتْ للنَّدَى
…
وبَذْلِ الهِبَاتِ وضَرْب الرِّقَاب
قالا: فهَشَّ أبو نِزَار لهذين البَيْتَيْن، وجَعَل يَشْكُر ابنَ مُنِير، فأنْشَدَه بَيْتًا ثالثًا وهو:
فقال لي القِطُّ (a): وَيْكَ اتَّئِدْ
…
ألَيْسَ القِطَاطُ عُدَاةُ الكِلَاب
قالا: فلمَّا سَمِعَ مَلِكُ النُّحَاة البَيْتَ الثَّالث شَتَمهُ، وأخَذَ السَّيْفَ وقامَ إليه ليَضْربه فانْهَزَم من بين يَدَيْهِ.
ويُرْوَى أوّل البَيْت الثَّاني:
خَمَشْتَ يَدًا خُلِقَتْ للنَّدَى
(a) في تذكرة ابن العديم: الهرُّ.
_________
(1)
أورد ابن العديم الخبر والشعر في تذكرته 110.
(2)
ديوان ابن منير 124، وتنسب الأبيات الثلاثة لفتيان الشاغوري، انظر ديوانه 30، وأورد ابن فضل اللَّه العمري والصفدي الخبر والشعر منسوبًا للشاغوري، انظر: مسالك الأبصار 7: 130 - 131، والوافي بالوفيات 12:58.
وذَكَرَ لي بعضُ الأُدَبَاءِ أنَّ هذه الأبْيَات الثَّلاثَة لوُحَيْش الشَّاعِر الدِّمَشقيّ في مَلِك النُّحَاةِ، قال: ولمَّا أنْشَدَهُ البَيْت الثَّالثَ قامَ إليه بالسَّيْف، فقال له وُحَيْشٌ وهو مُنْهزمٌ بينَ يَدَيْهِ: أنا ما قُلْتُ، القِطُّ قال!.
وقال لي نَجِيْبُ الدِّين أبو الفَتْح نَصْر اللَّه بن أبي العِزّ بن الصَّفَّار: إنَّ فِتْيَان الشَّاغُورِيّ ذَكَرَ له أنَّ هذه الأبْيَات له في مَلِك النُّحَاةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
أخْبَرَنا الشَّريفُ أبو المَحَاسِن الفَضْل بن عَقِيل بن عُثْمان العبَّاسيّ الدِّمَشقيّ قال: كُنْتُ أصْحَبُ مَلِك النُّحَاة، وكان قد قَرأ الفِقْه على الشَّيْخ أَسْعَد المِيْهَنِيّ، وكان بدِمَشْقَ رَجُلٌ يُقال له بسْخَاذ، فحَبَسهُ القَاضِي كمال الدِّين أبو الفَضْل ابن الشَّهْرَزُورِيّ، فمَضَى مَلِكُ النُّحَاة وأنا معه ليَشْفَع في بسْخَاذ إليه، وكان قد صَحِبَ ابن الشَّهْرزُوريّ في القرَاءة على أَسْعَد المِيْهَنِيّ، فلم يَقْبَل شَفَاعَتَهُ، فاتَّكَأَ مَلِكُ النُّحَاة على يَدي وهو خارج وقد غَضِبَ لردِّه شَفَاعَته، وقال وهو خَارِجٌ: لَسْتَ واللَّه رَفِيْقي، وحَرِمَ الشَّيْخ أَسْعَد
(1)
.
سَمِعْتُ كَمَال الدِّين مُحَمَّد بن طَلْحَة النَّصِيْبِيّ قال: سَمِعْتُ شُمَيْم الحِلَّوِيّ (a)، يَقُول: كُنْتُ أقْرأُ على مَلِك النُّحَاةِ، فاتَّفَقَ يَوْمًا أنْ كان عندَهُ جَمَاعَة يَقْرأون عليه شَيئًا من النَّحو، فَجَرَى بَحْثٌ، فقُلتُ: قال أبو عليّ الفَارسِيّ فيها كذا، وقال ابنُ جِنِّي كذا، فقال: وأيْش كان ذلك الكَلْب أبو عليّ الفَارسِيّ، وأيْش كان ذلك الكَلْب ابن جِنِّي؟! قال شُمَيْمٌ: فتقدَّمْتُ إليه وقُلْتُ له: يا سَيِّدنا، هؤلاءِ هُمْ عُلَماء
(a) كذا نسبه في هذا الموضع، وتقدم بلفظ: الحلي.
_________
(1)
لا يستقيم الوزن فيه إن قاله شعرًا، فصدره "لست واللَّه رفيقي" يزن على مجزوء الرمل، وبقيته لا وزن له، ولعله نثرٌ استقام فيه وزن الأول صدفةً. وجاء ضبط كلمة "حَرِمّ" بالفتح والكسر والميم المشددة، ومُراده من القول كما يفهم من سياق الحكاية: لم تكن صاحب دراستي على الشيخ أسعد الذي امتنع عليك بسلوكك معي.
النَّحو وكُبَرَاؤُه، فإذا قُلْتَ إنَّهم كِلَابٌ، وأنْتَ تُدْعَى مَلِكَ النُّحَاة؛ فتَصِيْر إذًا ملكَ الكِلَاب لا مَلِك النُّحَاةِ! قال: فقال لي: واللَّه صَدَقْتَ؛ هؤلاءِ هُم عُلَماءُ النَّحو، قال: فلم أسْمَع منه بعدَ ذلك مثْل هذا الكَلَام.
سَمِعْتُ شَيْخ الشُّيُوخِ شَرَف الدِّين عَبْد العَزِيْز بن مُحَمَّد الأنْصَاريّ يَقُول: سَافرَ مَلِكُ النُّحَاةِ إلى غَزْنَة، وأرادَ أنْ يجتمع بمَلِك غَزْنَة، فقيل له: إنَّ مَلِك غَزْنَة يَجْلِسُ على سَرِيرٍ عالٍ، ويَجْلِسُ وَزِيره بجنْب السَّريْر، ولا يَقْعُد أحدٌ إلَّا تحتَ الوَزِير، فقال: مُبَارَك، فأُذِنَ له فدَخَل إلى مَلِك غَزْنَة، وجاءَ إلى السَّريْر وكان طَويْل القَامَة، فوَضَع رِجْلَهُ على المَسْنَد الّذي إلى جانب الوَزِير وتعلَّق في السَّريْر ليُقَبِّل يَدَ مَلك غَزْنَة، فتحرَّكَ له مَلِكُ غَزْنَة، فقال: أيُّها المَلِكُ، يَنْبَغي للمَلِك أنْ يقُومَ للمَلِك، فقَامَ له مَلِكُ غَزْنَة فجلَسَ فَوْق السَّريْر إلى جَانبهِ.
وذَكَرَ لي بعضُ مَنْ كُنْتُ أُحَاضِرُه، ويَغْلِبُ على ظَنِّي أنَّهُ القَاضِي شَمْس الدِّين أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن يُوسُف بن الخَضِر، أو إبْراهيم بن سُلَيمان النَّجَّار الكَاتِب، أنَّ مَلِك النُّحَاة خَلَع عليهِ المَلِكُ العادِلُ نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي خلعةً سَنِيَّةً، فلَبِسَها يَوْمًا واجْتازَ بها على حَلْقَة عَظِيمَة، فمالَ إليها لينظُر ما هي، فوجَد رَجُلًا قد عَلَّم تَيْسًا له اسْتِخْرَاجِ الخَبَايا، وتَعْريفَهُ مَنْ يُرِيْد أنْ يُعَرِّفه به من الحَلْقَة بإشَارة لا يَفْهَمُها غير ذلك التَّيْس المُعَلَّم، فوقفَ مَلِكُ النُّحَاة وهو رَاكِبٌ بالخلعَة، فقال الرَّجُل: في حَلْقَتي رَجُلٌ عَظيمُ القَدْر، شَائِعُ الذِّكْر، مَلِكٌ في زيّ سُوقَة، أعْلَمُ النَّاس، وأكْرَمُ النَّاس، وأجْمَلُ النَّاس؛ فأرني إيَّاهُ، فشَقَّ ذلك التَّيْس الحَلقَة، وخَرَج حتَّى وضَعَ يَدُه على مَلِك النُّحَاةِ، فلم يَتَمالك مَلِكُ النُّحَاة أنْ نَزَع الخلعَة ووَهَبَها لصَاحِب التَّيْس، فبلَغَ ذلك نُور الدِّين، فعَاتبَهُ على ما فَعَلَ، فقال: يا مَوْلَانا، عُذْري في ذلك وَاضِحٌ، لأنْ في هذه المَدِينَة مائة ألْف تَيْس ما فيهم مَنْ عَرِفَ قَدْري غير ذلك التَّيْس! فضَحِكَ نُور الدِّين منه.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ
(1)
، قال، ح.
وقَرأتُ بخَطِّ عُثْمان بن جَلْدَك المَوْصِلِيّ، قال: سَمِعْتُ الحافِظ أبا مُحَمَّد -يعني القَاسِم ابن الحافِظ أبي القَاسِم- يَقُول: تُوفِّي أبو نِزَار يَوْم الثّلاثَاء، ودُفِنَ يَوْم الأرْبَعَاء التَّاسِع من شَوَّال سَنَة ثَمانٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة، ودُفِنَ بمَقْبَرَة الباب الصَّغير، رحمه الله. وقال القَاسِم: ودُفِنَ في مَقْبَرَة باب الصَّغير رحمه الله، قالا: وكان صَحِيْحَ الاعْتِقَاد، كَريم النَّفْس.
قال شَيْخُنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه بن الشِّيْرَازيّ القَاضِي، وأخْبَرَنا بذلك ولده أبو الحَسَن عليّ، قال: أخْبَرَني أبي، قال: رُؤي مَلِك النُّحَاة في النَّوْم بعد وَفَاته، فقيل له: ما فَعَلَ اللَّهُ بكَ؟ فقال: وَقفني بينَ يَدَيْهِ فأنْشَدته القَصِيدَة اللَّامِيَّة، فقيل له: ما هي؟ فقال
(2)
: [من المنسرح]
يا رَبّ ها قد أتَيْتُ مُعْتَر
…
فًا بما جَنَته يَدَايَ من زَلَلِ
ملآنَ كَفٍّ من كُلّ (a) مَأثَمةٍ
…
صِفْرَ يَدٍ من مَحَاسِن العَمَلِ
فكيفَ أخْشَى نارًا مُسَعَّرةً
…
وأنْتَ يا رَبِّ في القِيامَة لي
قال: فقال تعالَى: اذْهَبُوا به إلى الجَنَّة. قال: ولم يَعْرف أحدٌ هذه الأبْيَات له إلَّا في المَنَام.
(a) الخريدة والمرآة: بكل.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 76.
(2)
الأبيات في خريدة القصر 3: 137، ومعجم الأدباء 2: 873، ومرآة الزمان 21: 190، وتاريخ الإسلام 12: 393، والوافي بالوفيات 12: 59، والبلغة للفيروزابادي 85، وعقد الجمان للعيني 1: 133، الزركشي: عقود الجمان ورقة 106 أ، وبغية الوعاة 1:505.
قَرَأتُ في كتاب عَجَائِب الأشْعَار وغَرَائِب الأخْبار
(1)
، جَمْعُ مُسْلِم بن مَحْمُود بن نِعْمة الشَّيْزَرِيّ
(2)
، قال: حَدَّثَني الشَّيْخُ الإمَامُ العَالِمُ مُهَذَّب الدِّين (a) أبو السَّخَاء فِتْيَان البَانيِاسِيّ في سَنَة تِسْعٍ وسِتِّين وخَمْسِمائَة، قال: رأيْتُ مَلِك النُّحَاة أبا نِزَار في النَّوْم، فسَألتُه ما لَقي من رَبِّه، فقال: دَعْ هذا واسْمَعَ منِّي، ثمّ أنْشَدَني أبْيَاتًا لَم أحْفَظ منها سوى هذين البَيْتَيْن وهما المَعْنَى:[من الكامل]
فإنْ نحنُ أجْتَمعنا بعْدَ بُعْدٍ
…
شَفينا النَّفْسَ من ألَمِ العِتَاب
وإنْ ألْوى بنا صرفُ اللَّيالِي
…
فكُم من حَسْرة تحتَ التُّراب
الحَسَنُ بن الصَّبَّاح بن مُحَمَّد البَزَّارُ، أبو عليّ البَغْدَاديّ الوَاسِطِيّ
(3)
قَدِمَ في المِحْنَة إلى طَرَسُوس على المَأْمُون، فلمَّا ماتَ المَأْمُون أُطْلِق.
(a) في كتاب الشيزري: شهاب الدين.
_________
(1)
سمَّاهُ ابن خلكان (وفيات الأعيان 2: 524) واليافعي (مرآة الجنان 3: 360) وحاجي خليفة (2: 1125): عجائب الأسفار وغرائب الأخبار، وكانت وفاة مؤلفه بعد سنة 622 هـ، ويقع الكتاب في جزأين، حُقق الأول منهما -في إطار رسالة دكتوراه- واعتمد فيه العنوان الذي ذكره ابن العديم أعلاه. انظر: كتاب عجائب الأسفار وعجائب الأخبار، دراسة وتحقيق إسماعيل بن عمارة العقلاوي، الجامعة الإسلامية العالمية، إسلام آباد - باكستان، 2007 م.
(2)
الشيزري: عجائب الأشعار 1: 147.
(3)
توفي سنة 249 هـ، وترجمته في: تاريخ البخاري الكبير 2: 295، والتاريخ الصغير 2: 357، المسعودي: مروج الذهب 5: 79 (أرخ لوفاته)، الثقات لابن حبان 8: 176، الجرح والتعديل 3: 19، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم 231، تاريخ بغداد 8: 299 - 301، السمعاني: الأنساب 2: 195، ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة 1: 133 - 135، ابن الجوزي: المنتظم 12: 25 - 26، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 15: 261، المزي: تهذيب الكمال 6: 191 - 195 (وفيه: الضباح، ولعله من أخطاء الطبع)، الذهبي: تاريخ الإسلام 5: 1117 - 1118، العبر في خبر مَن غبر 1: 357، الإعلام بوفيات الأعلام 111، سير أعلام النبلاء 12: 192 - 195، الكاشف 1: 222، ميزان الاعتدال 1: 499 - =
حَدَّثَ عن حَجَّاجِ بن مُحَمَّد الأعْوَر، وسُفْيان بن عُيَيْنَة، وجَعْفَر بن عَوْن، وأبي مُعاوِيَة الضَّرِيْر، ومَعْن بن عِيسَى، ورَوْح بن عُبَادَة، وأبي المُنْذِر إسْمَاعِيْل بن عُمَر، وأبي عبد الرَّحْمن المُقْرِئ، وشَبَابَة بن سَوَّار، ومُؤَمَّل بن إسْمَاعِيْل، وغيرهم.
رَوَى عنهُ الإِمَامُ مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ، وعَبْد اللَّه بن أحْمَد بن حَنْبَل، ومُحَمَّد بن إسْحَاق الصَّاغَانِيّ، وأبو بَكْر عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن أبي الدُّنْيا، وعبدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن نَاجِيَة، وأبو مُحَمَّد يَحْيَى بن مُحَمَّد بن صاعِد، وإبْراهيم الحَرْبِيّ، وأبو إسْمَاعِيْل التِّرْمِذيّ، وجَعْفَر بن مُحَمَّد بن المُسْتَفَاض الفِرْيَابِيّ، وقاسم بن زَكَرِيَّاء المُطَرِّز، والقَاضِي أبو عَبْد اللَّه الحُسَين بن إسْمَاعِيْل المَحَامِلِيّ، وأبو القَاسِم البَغَويّ.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، بقِرَاءَتي عليه بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن الحُصَيْن، قال: أخْبَرَنا أبو طَالِب بن غَيْلان، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه الشَّافِعيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا القَاسِم بن زَكَرِيَّاء، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن الصَّبَّاح البَزَّار، قال: حَدَّثَنَا مُؤَمَّل بن إسْمَاعِيْل، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان وشُعْبَةُ، عن أبي إسْحَاق، عن رَجُلٍ من آل أبي بَكْر، عن القَاسِم، قال: قال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ للفَمِ، مَرْضَاةٌ للَّه تعالَى.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن ثَابِت
(2)
، قال: الحَسَنُ بن الصَّبّاح بن مُحَمَّد،
= 500، تذكرة الحفاظ 2: 476 - 477، الوافي بالوفيات 12: 60، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 4، تهذيب التهذيب 2: 289 - 290، تقريب التهذيب 1: 167، السيوطي: طبقات الحفاظ 210، شذرات الذهب 3:227.
(1)
الغيلانيات (فوائد أبي بكر الشافعي) 297، وانظر حلية الأولياء 7: 94، ويروى من وجوهٍ أخرى أوردها الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير 1:60.
(2)
تاريخ بغداد 8: 299.
أبو عليّ البَزَّارُ، سَمِعَ سُفْيان بن عُيَيْنَة، ومَعْن (a) بن عِيسَى، وأبا مُعاوِيَة الضَّرِيْر، ورَوْح بن عُبَادَةَ، وجَعْفَر بن عَوْن، وحجَّاج بن مُحَمَّد الأعْوَر، وأبا المُنْذِر إسْمَاعِيْل بن عُمَر، وشَبَابَة بن سَوَّار، وأبا عبد الرَّحْمن المُقْرِئ.
رَوَى عنهُ مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل البُخاريّ، ومُحَمَّد بن إسْحَاق الصَّاغَانِيّ، وإبْراهيم الحَرْبِيّ، وعبد اللَّه بن أحْمَد بن حَنْبَل، وأبو إسْمَاعِيْل التِّرْمِذيّ، وأبو بَكْر بن أبي الدُّنْيا، وجَعْفَر بن مُحَمَّد الفِيْريَابِيّ، وعبد اللَّه بن مُحَمَّد بن نَاجِيَة، وقاسم بن زَكَرِيَّاء المُطَرِّز، وأبو القَاسِم البَغَويّ، ويَحْيَى بن مُحَمَّد بن صَاعِد. وآخرُ مَنْ حَدَّثَ عنهُ القَاضِي المَحَامِلِيّ.
وقال الخَطِيبُ
(1)
: أخْبَرَنا البَرْقَانِيّ، قال: قُرِئ على الحُسَين بن عليّ التَّمِيْمِيّ وأنا أسْمَعُ: حَدَّثكُم أبو قُرَيْشْ مُحَمَّد بن جُمْعَة الحافِظ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن الصَّبَّاح، وكان من أحَد الصَّالِحين.
قال الخَطِيبُ
(2)
: وقال ابنُ أبي حَاتِم
(3)
: سُئِلِ أبي عنه، فقال: صَدُوقٌ، وكان له جَلَالَةٌ عَجِيْبَةٌ ببَغْدَاد، وكان أحْمَدُ بن حَنْبَل يَرْفَعُ من قَدْره ويُجِلُّهُ.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد كتابةً، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور ابن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عليّ الحافِظ
(4)
، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بنُ عليّ الصُّوْرِيّ، قال: أخْبَرَنا الخَصِيْب بن عَبْد اللَّه القَاضِي بمِصْر، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن أبي عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ، قال: أخْبَرَنا أبيّ، قال: أبو عليّ الحَسَن بن الصَّبَّاح بن مُحَمَّد البَزَّار ليسَ بالقَوِيّ.
(a) في الأصل: قطن، والمثبت من تاريخ بغداد وتاريخ الإسلام، وهو معن بن عيسى القزاز.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 300.
(2)
تاريخ بغداد 8: 299.
(3)
الجرح والتعديل 3: 19.
(4)
تاريخ بغداد 8: 299.
قال أحْمَد بن عليّ الحافِظ
(1)
: هكذا ذَكَرهُ النَّسَائِيّ في كتاب الأسْماءِ والكُنَى، وذَكَرَهُ في تَسْمِيَةِ شُيُوخه، فقال ما أخْبَرَنا البرقَانِيّ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن عُمَر الحافِظ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن رَشِيْق بمِصْر، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الكَريم بن أبي عبد الرَّحْمن النَّسَائِيّ، عن أبيهِ، قال: ثمّ أخْبَرَني الصُّوْرِيّ، قال: أخْبَرَني الخَصِيْبُ بن عَبْد اللَّه، قال: نَاوَلَني عَبْد الكَريم، وكَتَبَ لي بخَطِّه، قال: سَمِعْتُ أبي يَقُول: الحَسَن بن الصَّبَّاح بَغْدَاديٌّ صَالِحٌ.
وقال أحْمَد بن عليّ
(2)
: حُدِّثْتُ عن عَبْد العَزِيْز بن جَعْفَر الحَنْبَلِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَلَّالُ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن جَعْفَر (a)، قال: سَمِعْتُ ابنَ أحْمَد بن حَنْبَل يَقُول: سَمِعْتُ أبي يَقُول: ما يأتي على ابن البزَّار يَوْمٌ إلَّا وهو يَعْمَل فيه خَيْرًا، ولقد كُنَّا نَخْتَلِفُ إلى فُلَانٍ المُحَدِّث، وسمَّاهُ، قال: فكُنَّا نقعُدُ نتَذَاكَرُ الحَدِيْثَ إلى خُرُوج الشَّيْخ، وابنُ البَزَّار قائم يُصَلِّي إلى خُرُوج الشَّيْخ، وما يأتي عليه يَوْمٌ إلَّا وهو يَعْمل فيه أكْثر (b).
أخْبَرَنا أبو حَفْص المُؤدِّبُ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ المَلِك بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر البَغْدَاديّ
(3)
، قال: قَرَأتُ على البَرْقَانِيّ، عن أبي إسْحَاق المُزَكِّيّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بن إسْحَاق السَّرَّاج، قال: سَمِعْتُ الحَسَنَ بن الصَّبَّاح يقُول: دَخَلْتُ (C) على المَأْمُون ثلاثَ مَرَّات؛ رُفِعَ إليهِ أوَّلُ مرَّةٍ: أنَّهُ يأمرُ بالمَعْرُوف -وكان نَهَى أنْ يأمُر أحَدٌ بمَعْرُوف- فأُخِذْتُ فأُدْخِلتُ عليه، فقال لي: أنت الحَسَنُ البَزَّار؟ قُلتُ:
(a) في تاريخ بغداد: ابن خضر. ويرد في أسماء من يروي عن ابن حنبل وابنه: محمد بن جعفر ومحمد بن خضر!.
(b) في تاريخ بغداد: يعمل فيه الخير.
(c) في تاريخ بغداد: أُدْخلت.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 299 - 300.
(2)
تاريخ بغداد 8: 300.
(3)
تاريخ بغداد 8: 300 - 301.
نعم يا أَمِير المُؤْمنِيْن، قال: وتأمر بالمَعْرُوف؟ قُلتُ: لا ولكنِّي أنْهَى عن المُنْكَر، قال: فرَفَعَني على ظَهْر رَجُلٍ وضَرَبني خَمْسَ دِرَر، وخَلَّى سَبِيْلي. وأُدْخِلتُ عليه المَرَّةُ الثَّانيَة؛ رُفِعَ إليهِ أنِّي أشْتُمُ عليّ بن أبي طَالِب، قال: فلمَّا قُمْتُ بينَ يَدَيْهِ قال لي: أنْتَ الحَسَنُ؟ قُلتُ؟ نعم يا أَمِير المُؤْمنِيْن، قال: وتَشْتمُ عليَّ بن أبي طَالِب، فقُلتُ: صَلَّى اللَّه على مَوْلاي وسَيِّدِي عليّ، يا أَمِير المُؤْمنِيْن، أنا لا أشْتمُ يَزِيدَ بن مُعاوِيَة لأنَّهُ ابنُ عَمِّكَ، فكيفَ أَشْتمُ مَوْلاي وسَيِّدِي؟ قال: خَلُّوا سَبِيْلَهُ.
وذَهَبْتُ مرَّة إلى أرْض الرُّوم إلى بَذَنْدُون (a) في المِحْنَة، فدُفِعْتُ إلى أَشْنَاس، فلمَّا ماتَ خَلّى (b) سَبِيلي.
قال السَّرَّاج: ماتَ الحَسَنُ بن الصَّبَّاح بن مُحَمَّد أبو عليّ الوَاسِطِيّ، وكان لا يَخْضِبُ، من خِيَار النَّاس، ببَغْدَاد يَوْم الاثْنَين لثمانٍ خَلَتْ من رَبِيع الآخر سَنَة تِسْعٍ وأرْبَعين ومَائتَيْن.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(1)
، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن رِزْق، قال: أخْبَرنا أحمدُ بن عيسَى بن الهَيْثَم التَّمَّار، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْد بن مُحَمَّد بن خَلَف البَزَّازُ (c)، قال: ماتَ الحَسَنُ بن الصَّبَّاح البَزَّار في رَبيع الأوَّل سَنَة تِسْعٍ وأرْبَعين ومَائتَيْن.
(a) في تاريخ بغداد للخطيب وتاريخ الإسلام للذهبي بدالين مهملتين، وهو موضع في أقصى الثغور الشامية، فيه توفي المأمون. وتقدم التعريف به وذكره مرارًا في الجزء الأول من هذا الكتاب.
(b) هكذا مجوّدًا في الأصل، وفي تاريخ بغداد: خُلِّيَ.
(c) في تاريخ بغداد: البزّار، وجاء بزايين في ترجمته من التاريخ نفسه 12:394.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 301.
الحَسَنُ بنُ صَفْوَان الأنْطَاكِيُّ
حَكَى عن طُرَّة المُوَسْوس.
قَرَأتُ في كتاب عُقَلَاءِ المَجَانِيْن
(1)
، قال: وحدَّث الحَسَنُ بن صَفْوَان الأنْطَاكِيّ، قال: كُنْتُ في دَعْوَة، ومَضَى طُرَّة المُوَسْوس فأَسْمعنا من شِعْره وطَريف فَوَائِده، ولعْبهِ بيَدَيه ورِجْلَيهِ، وازْدَدْنا سرُورًا، ولمَّا أكَلْنا وحصَلْنا على الشَّرَاب، أقْبل عليه بعضُ مَنْ كان جالِسًا، فأخذَ يوْلَع به، ويَصِيْحُ: السِّلاحَ السِّلاحَ. قال: هذا أوَّلُ الجُنُون والحَرْب وأخَذَ يوْلع به، ويَرْميهِ بشيءٍ من الفَاكِهَة، فقال له طُرَّةُ: يا فَتَى، أنتَ مَجْنُون! فأخَذَ يَقْرأ عليه ويُعوِّذهُ وهو يَزِيدُ عليه في الولَع، ثمّ رَمَاهُ بأُتْرُجَّةٍ فوَقَعَتْ في فُؤَادهِ فدَ أنْ يَهْلَك، فَخشِيْتُ منه فطَفَر
(2)
عليه، ونَطَحَهُ نَطْحَةً كَسَرَ فيها أنْفَهُ، فَخشِيتُ منه، فطَفَرَ عليه ثانيةً ونَطَحَهُ نَطْحَةً كاد أنْ يَذْهَبَ باقي أنْفَهُ فيها، وَهَمَّ أنْ يَخْنُقَهُ، فقُمنا إليهِ ولَم نَزَل نَسْألهُ إلى أنْ خلَّاهُ، وشاغَلْناهُ عنه إلى أنْ شَدَدْنا ما كَسَر منه، وطَرَحْنا عليه شَيئًا من الثِّيَاب، وهَمَّ طُرَّةُ بالخُرُوج، فقُلْنا له: اجْلس نَعْمل الآن ما جَرَى، فقال: لا أفْعَل، فقُلْتُ: فإنَّهُ قد نفَّذَ يَسْتَعْدي عليكَ، فاللَّهَ اللَّهَ أنْ تَخْرُجَ فتُؤْخَذ فتُحْبَس وتُقَيَّد وتُشَدَّ، فأخَذَهُ ما كان يأَخُذُه، ثمّ قام وقال: لي يُقال هذا؟! واللَّهِ لو خَاطَبَني الوَالي لسَمِعَ منِّي الجَوَابَ، فقُلْنا: ماذا يكُون جَوَابُكَ وقد فَعَلْتَ ما فعَلْتَ؟ قال: يكُون ما تَسْمَعُ، ثمّ أخَذَ في إنْشَادِ هذه الأبْيَات:[من الكامل]
ومُعَرْبَدٍ نَادَمْتُهُ في مَجْلِسٍ
…
رَأَتِ العَشِيْرَةُ عِفَّتي في المَجْلِسِ
صَاح: السِّلاحَ، فقُلْتُ: شَرًّا وَاقِعًا
…
وذَكَرتُ بَيْتًا للفَتَى المُتَلَمِّسِ
(1)
نقل منه ابن العديم في مواضع آتية من هذا الكتاب، وذكر هناك بأنه لم يقف على اسم جامعه، وهو غير كتاب عقلاء المجانين لابن حبيب (ت 406 هـ).
(2)
الطَّفَرُ: الوثوب. لسان العرب، مادة: طفر.
الشَّرُّ لا يُطْفيْهُ إلَّا مثْلُهُ
…
فَاطْفِ الشُّرُورَ بكُلِّ عَضْبٍ أَمْلَسِ
فنَطَحْتُهُ لمَّا تَغَطْرَسَ نَطْحَةً
…
فإذا أَخُونا في مثَالِ الأفْطَسِ
فتَعَلَّقُوا بي كي أُتِمَّ مدَامَتِي
…
فأَجَبْتُهم منِّي بقَلْب مُؤْيَسِ
لو أنَّ جِبْرِيلًا أتَاني قَاصِدًا
…
برِسَالةٍ من ربِّه لَمْ أَجْلِسِ (a)
قالُوا: فتُحْبَسُ، قُلتُ: ذاكَ هُوَ المُنَى
…
الحَبْسُ خَيْرٌ من ذَهَابِ الأنْفُسِ
حَرْف الضَّاد
فَارغ
حَرْف الطَّاء
الحَسَنُ بنُ طَارِق بن الحَسَن بن عَوْف، أبو عليّ الحَلَبِيِّ التَّاجر، المَعْرُوف بابنِ الوَحْشِ، ويُلَقَّب بالزَّكِيّ
(1)
تَاجِرٌ من أهْلِ حَلَب، وأُولي النُّهَى والوَقَار، وذوي المَال واليَسَار، انْقَرَضَ بَيْتُهُم، ولَم يَبْقَ منه أحدٌ إلَّا من ذُرِّيَّةِ البَنَاتِ، وكان لهُ شِعْرٌ حَسَنٌ، وعندَهُ فَضْلٌ وأدَبٌ، وكان سَافَرَ إلى خُرَاسَان، وسَمِعَ بها الحَدِيْث من السَّيِّد أبي الرِّضَا فَضْل اللَّه بن عليّ بن عُبَيْد اللَّه الحَسَنيّ الرَّاوَنْدِيّ الأدِيْب، وحَدَّثَ عنهُ بحَلَب، ورَوَى عن أبي نَمْر المُسَلَّم بن أبي الخُرْجَين الدُّمَيْك الحَلَبِيّ.
رَوَى عنهُ الشَّريفُ أبو المَكَارِم حَمْزَةُ بن عليّ بن زُهْرَة الحَلَبِيّ شَيئًا من الحَدِيْث، وسَمِعَ منه بحَلَب، ورَوَى عنهُ شَيْخُهُ أبو الرِّضَا فَضْل اللَّه الرَّاوَنْدِيّ
(a) كُتِبَ في الهامش بخطٍّ مغاير لخط المتن: "صرَّح أئمَّتنا بأن هذا كفرٌ، فلا جزى اللَّه قائله خيرًا".
_________
(1)
ترجمته في: خريدة القصر (قسم الشام) 12: 158 - 109.
شَيئًا من شِعْره سَمِعَهُ منه بقَاشَان (a)، وأبو الخَطّاب عُمَر بن مُحَمَّد العُلَيْمِيّ، وسَمِعَ منه بالمَوْصِل.
أنْبَأنَا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن أبي الحَجَّاج المِصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الكَاتِب في كتابهِ المَوْسُوم بخَرِيْدَة القَصْر
(1)
، قال: الشَّيْخُ الزَّكِيّ أبو عليّ الحَسَنُ بن طَارِق الحَلَبِيّ، من المُتَأخِّرِين، ذو نَظْمٍ كاسْمه حَسَنٍ حَالٍ، وعِلْمٍ عالٍ، وذَكَاء ذكيّ، وأصْل زَكِيّ، سَافَرَ إلى بلادنا تَاجِرًا ببضَاعَتَيْ أَدَبِه ونَسَبِه (a)، عَارِضًا في سُوق الفَضْل عُقُودَ دُرَره وغُرَره، ذَكَرَهُ السَّيِّدُ الشَّريفُ أبو الرِّضَا الرَّاوَنْدِيّ، فقال: أنْشَدَني ابن طَارِق الحَلَبِيّ لنَفْسِه، في الدَّاَر الّتي بناها بَهَاء الدِّين عَبْدُ اللَّه بن الفَضْل بن مَحْمُود بقَاشَان، ومن العَجِيْب أنَّ ابن طَارِق لَمْ يَخْرُج من قَاشَان إلَّا بعدَ مَوْته، وكان بين نَظْمه هذه الأبْيَات ومَوْت بَهَاء الدِّين أشْهُرٌ قَرِيبةٌ:[من البسيط]
عَمَرْتَ دَارَ فَنَاءٍ لا بقَاءَ لها
…
ظَنًّا بأنَّكَ عنها غَيْرُ مُنْتَقِلِ
أتْعَبْتَ نفسَكَ لا الدُّنْيا ظَفِرتَ بها
…
وأنْتَ لا شَكَّ في الأُخْرَى على وَجَلِ
دارُ الإقَامَة أوْلَى بالعِمَارةِ مِنْ
…
دارِ نَعِيْمُكَ فيها غَيرُ مُتَّصِلِ
فاعْمَلْ لنَفْسِكَ ما تَرْجُو النَّجَاةَ بِهِ
…
فلَيْسَ يُنجيكَ إلَّا صَالِحُ العَمَلِ
أنْبَأنَا بهذه الأبْيَات أبو حَفْص عُمَرِ بن عليّ بن مُحَمَّد بن قُشَام الحَلَبِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الرِّضَا فَضْل اللَّه الرَّاوَنْدِيّ إجَازةً، قال: أنْشَدَني ابن طَارِق لنَفْسِه، وذَكَرَها.
(a) في الأصل: قاسان، وتأتي تاليًا بالمعجمة. وقاسان بالمهملة: مدينة من مدن ما وراء. النهر، وتسمى أيضًا كاسان. (معجم البلدان 4: 295)، وقاشان بالمعجمة: مديخة قرب أصبهان، تشتهر بصناعة الغضائر المعروفة بالقاشاني. (معجم البلدان 4: 396).
(b) الخريدة: ونشبه.
_________
(1)
خريدة القصر 12: 158.
قَرأتُ بخَطّ أبي الخَطَّاب عُمَر بن مُحَمَّد العُليمِيّ، وأخْبَرَنَا أبو عَبْد اللَّه مُحَمّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الحَسَن النَّسَّابَةُ الدِّمَشقّي بها، عن العُلَيْمِيّ، قال: أَنْشَدَني أبو عليّ الحَسَنُ بن طَارِق بن الحَسَن التَّاجر لنَفْسِه بالمَوْصِل وكَتَبَهُ لي بخَطِّه: [من الكامل]
ولقد أقُول لمَعْشَر ودَّعْتُهم
…
يَوْمَ الفِرَاقِ ودَمْعُ عَيْني يَسْكُبُ
لو كانَ لي حَزْمٌ وعَزْمٌ صَادِقٌ
…
لعَرَفْتُ ما آتي وما أَتَجَنَّبُ
لَهْفي على شَرْخِ الشَّبَابِ وعَصْرِهِ
…
وَلَّى ففَارَقَنا الزَّمانُ المُذْهَبُ
هل بعدَ شَيْبِ الرَّأسِ إلَّا رِحْلَةٌ
…
عمَّن صَحِبْنَاهُ ودَارٌ تَخْرَبُ
والمَرْءُ يَأمُلُ أنْ يَعِيْشَ مُخَلَّدًا
…
والعُمْرُ يَذْهَبُ والمَنِيَّةُ تَقْرُبُ
فتَغَنَّمُوا السَّاعَات إنْ سَمَحَت بما
…
تَرْجُونَهُ أو بعضِ ما تَتَطَلَّبُ
فَلَخَيْرُ زَادِكُمٌ التُّقَى لمَعَادِكُمْ
…
يَوْمٌ مَهُولُ وليسَ منهُ مَهْرَبُ
ونَقَلْتُ من خَطِّ العُلَيْمِيّ ما أخْبَرَنا به أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد ابن تَاج الأُمَناء ابن عَسَاكِر، قِراءَةً عليهِ بدِمَشْق عنه، قال: أنْشَدَنا أبو عليّ الحَسَن بن طَارِق بن الحَسَن الحَلَبِيِّ من لَفْظه لنَفْسِه بالمَوْصِل، وكَتَبَهُ لي بلَفْظه:[من المنسرح]
لمَّا رَأيْتُ المَشِيْبَ قد نَزَلَا
…
وأنَّ شَرْخَ الشَّبَابِ قد رَحَلَا
عَاتَبْتُ نَفْسِي وقُلْتُ: وَيْكِ أمَا
…
يَكْفيكِ أنَّ المَشِيْب قد نَزَلَا
وقد مَضَتْ دَوْلَة الشَّبَابِ فهَلْ
…
آمُلُ مِن بَعْدِهِ بهِ بَدَلَا
وقَرأتُ بخَطِّ العُلَيْمِيّ، وأخْبَرَنَا به أبو عَبْد اللَّه بن أحْمَد عنه، قال: أنْشَدَني أبو عليّ الحَسَنُ بن طَارِق بن الحَسَن المُجَهِز لنَفْسِه، وكَتبَهُ لي بخَطِّه:[من مجزوء البسيط]
لم أَسْتُر الشَّيْبَ بالخِضَابِ
…
لأبْتَغِي صَبْوَةَ التَّصَابي
ولا تَزَيَّنْتُ للغَوَاني
…
أَسْتُرُ عن مِثْلِهِنَّ ما بِي
لكن لَبسْتُ السَّوَادَ لمَّا
…
سُلِّطَ شَيْبي على شَبَابي
قَرأتُ بخَطِّ الشَّريف أبي الرِّضَا فَضْل اللَّه بن عليّ بن عُبَيْدِ اللَّه الحَسَنيّ الرَّاوَنْدِيّ في دِيْوان شِعْره، وأنْبَأنَا عنه أبو حفْص عُمَر بن عليّ بن قُشَام الحَلَبِيّ، قال: وكَتَبَ إليَّ الشَّيْخُ الأجَلُّ زَكيِّ الدِّين أبو عليّ الحَسَنُ بن طَارِق بن الحَسَن الحَلَبِيّ، أدَامَ اللَّهُ نِعْمتهُ، وقد بَعَثَ إليَّ طَبَقًا من الحَلْوَى القَاهِرِيَّة وشَيئًا من السَّعْتَريَّةِ:[من مجزوء الرمل]
قد أتَى الصَّعْتَرُ يَسْعَى
…
خَادِمًا للقَاهِرِيَّهْ
هُوَ مِن صَحْرَاءِ حِمْصٍ
…
وأرَاضِي سَلَمْيَّهْ
وَهْيَ مِن أكْرَم أرْضٍ
…
في البِلَادِ السَّاحِلِيَّهْ
صُنِعَتْ من كُلِّ فَنٍّ
…
فَهْيَ حَلْوَاءُ هَنِيَّهْ
وَهْيَ مِن أَجْمَلِ شيءٍ
…
يُهَادَى في الهَدِيَّهْ
والهَدَايا سُنَّةٌ قد
…
سَنَّهَا خَيْرُ البَرِيَّهْ
صلى الله عليه وآله وسلم.
فكَتَبْتُ إليه: [من مجزوء الرمل]
مَرحَبًا بالقَاهِرِيَّهْ
…
خَدَمَتْهَا السَّعْتَرِيَّهْ
بينَ هَاضُومٍ لَطِيْفٍ
…
وحَلَاوَاتٍ شَهِيَّهْ
لِزَكِيِّ الدِّينِ فيها
…
صَنْعَةٌ جِدُّ سَوِيَّهْ
أصْبَحَتْ تحكي حُلَاهُ
…
وسَجَاياهُ الرَّضِيِّهْ
سَيِّدٌ بَذَّ جَمِيْعَ النَّـ
…
ـــاسِ جُوْدًا وحَمِيَّهْ
حَاطَهُ اللَّهُ إلَهِي
…
من أَذَى كُلِّ بَلِيِّهْ
قَرأتُ بخَطِّ أبي المَكَارِم مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك بن أحْمَد بن أبي جَرَادَة الحَلَبِيّ، في جُزءٍ أحْضَرَهُ إليَّ رَفِيقُنا أبو الفَتْح ابن الصَّفَّار، ذَكَرَ فيهِ جَمَاعَةً من شُيُوخ حَلَب وأحْوَالهم ومَوَالِيدهمِ ووَفَآتِهم، فقَراتُ فيه بخَطِّه: الشَّيْخُ أبو عليّ الحَسَنُ بن طَارِق بن الحَسَن، رَحَلَ في التِّجَارَة، وأقامَ بخُرَاسَان ثلاثين سَنَةً أو أكْثَر من ذلك، وسَمِعَ شَيئًا من الحَدِيْث.
مَوْلدُه سَنَة أرْبَعٍ وسَبْعِين وأرْبَعِمائة، وتُوفِّيَ في عَامِنَا هذا لَيْلَةَ الاثْنَين الثَّالث عَشر من المُحَرَّم سَنَة سَبْعٍ وخَمْسِين -يعني وخَمْسِمائَة- واللَّه سبحانه وتعالى المَسْؤُول حُسْنَ الخَاتِمَة، وصَلَاح العَاقِبَةِ، وإجْزال الثَّوَاب، والعَفْو والصَّفْح عن الزَّلل والتَّوْبَة.
سَمِعْتُ القَاضِي أبا مُحَمَّد الحَسَن بن إبْراهيم بن الخَشَّاب يقُولُ: أخْبَرَني القَاضي ابنُ اليَحْمُولِيّ أنَّ سَبَبَ مَوْت الحَسَن بن طَارِق أنَّهُ كان نائمًا فانْتَبَه فوَجَد على صَدْره حَيَّةً فماتَ.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ طاهر في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن طَاهِر بن الحُسَن، أبو عليّ الصُّوْرِيُّ الفَقِيه
فَقِيْهٌ من فُقَهَاء الشِّيْعَة ومُتَكَلِّمِيْهم، ولهُ مُصَنَّف في مَذْهَبهم، وتَصَدَّرَ في حَلَب لإقْرَاء الفِقْه والأُصُول، قرأ عليه أبو المَكَارِم حَمْزَة بن عليّ بن زُهْرَة الحُسَيْنيّ، ومُحَمَّد بن عَبْد المَلِك بن أبي جَرَادَة الحَلَبِيَّان.
الحَسَنُ بن طَاهِر بن يَحْيَى بن الحَسَن بن جَعْفَر بن عُبَيْد اللَّه بن الحُسَين بن عليّ بن الحُسَين بن عليّ بن أبي طَالِب، أبو مُحَمَّد بن أبي القَاسِم بن أبي الحُسَين النَّسَّابَةِ العَلَويّ
(1)
شَرِيْفٌ حُسَيْنيٌّ، رئيسٌ، جَوَادٌ، كان مُخْتَصًّا بالإخْشِيْذ مُحَمَّد بن طُغْج، وسَيَّرَهُ إلى مُحَمَّد بن رَائِق وهو بحَلَب ليُصْلح بينهما، ثمّ تَوَجَّه صُحْبَة الإخْشِيْذ إلى حلَب، ومَضَى معه منها إلى المُتَّقِي وهو بالرَّقَّة وأكْرَمَهُ المُتَّقِيّ، ثمّ إنَّ الإخْشِيْذ سَيَّرَهُ بعد ذلك إلى سَيْف الدَّوْلَة أبي الحَسَن عليّ بن حَمْدَان، فأصْلَح بينهما، وزوَّجَ سَيْفَ الدَّوْلَة بابْنَة الإخْشِيْذ (a)، وكان مُثْرِيًا مُتَموِّلًا.
وذَكَرَ أبو الحَسَن الدَّيْلَمِيّ في سيْرَة سَيْف الدَّوْلَة
(2)
، في حَدِيث وَقْعَة قِنَّسْرين، قال: وسَار الأَمِيرُ سَيْف الدَّوْلَة فلم يتبَعْهُ أحَدٌ من عَسْكَر الإخْشِيْذ، وقَطَعَ الفُرَات من جِسْر مَنْبج، وسَارَ الإخْشِيْذ فنَزَل الرَّقَّة، ونَزَل سَيْف الدَّوْلَة مقابل عَسْكَر الإخْشِيْذ، ومَشَى الحَسَنُ بن طَاهِر في الصُّلْح بينهما، واسْتَقَرَّ على أنْ أفْرَج الإخْشِيْذُ لسَيْف الدَّوْلَة عن حَلَبَ وحِمْصَ وأنْطَاكِيَة، وكان ذلك في شَهْر رَبيع الأوَّل سَنَة أرْبَعٍ وثلاثين، يعني: وثَلاثِمائة.
قَرأتُ في كتاب نُزْهَة القَلْب المُعَنَّى، في نَسَب بَني المُهَنَّا، تأليف الشَّريف النَّقِيْب مُحَمَّد بن أَسْعَد الجوَانِيّ النَّسَّابَة
(3)
، قال: كان الحَسَن بن طَاهِر قد قَدِمَ
(a) قيَّده في هذا الموضع -وبعض المواضع التالية من الترجمة نفسها- بالدال المعجمة.
_________
(1)
توفي سنة 336 هـ.
(2)
تقدم العريف بالكتاب في الجزء الثاني.
(3)
كتاب لم يصلنا، مؤلفه نقيب النقباء محمد بن أسعد بن علي الحسيني الجواني النحوي النَّسَّابة، توفي بمصر سنة 588 هـ (تقدم التعريف به في الجزء الأول عند ذكر كتابه: الجوهر المكنون)، نقل عنه ابن خلدون وعنونه بكتاب: نزهة القلب المهنا في نسب الأشراف بني مهنا، ونقل عن مؤلفه أنه وضعه ليحيى بن الحسن بن جعفر الملقب بحجة اللَّه، انظر: العبر 7: 333.
على الإخْشِيْذ بمِصْر، وتوسَّطَ بينَهُ وبين مُحَمَّد بن رَائِق، وبينَهُ وبين سَيْف الدَّوْلَة ابن حَمْدَان، واتَّسَعَ أمرُ الحَسَن بن طَاهِر واخْتَصّ به الإخْشِيْذُ حتَّى بلَغَ ارْتِفَاع ضِيَاعهِ مائة ألف دِيْنار.
وَقَعَ إليَّ نُسْخَة كتاب منِ إنْشَاء البَخْتَرِيّ في الصُّلْح بين الإخْشِيْذ ومُحَمَّد بن رَائِق، كَتَبَهُ عن الإخْشِيْذ مُحَمَّد بن طُغْج وقال في أثْناءِ الكتاب: ويَسَّر لنا من أبي مُحَمَّد الحَسَن بن طَاهِر، أعَزَّهُ اللَّهُ، مَيْمُون النَّقِيْبةِ، مَأْمُون السِّفَارة، فسَعَى بيننا بحُسْن النِّيَّةِ، وصِدْق الرَّوِيَّة، وِعرْق النُّبُوَّة، وإرَادَة المَصْلَحة، فعَطَفَنا على فَضِيْلةِ السِّلْم، فتَسَابقنَا إليها تَسَابُقَ فَرَسَيْ رِهَانٍ اجْتَهَدا جَرْيًا، فوَرَدَا معًا فأحْرَزْنا غَايَتَها، وفُزْنا بشَرَفها، وحَوَيْنا مَزِيَّتَها، وَفِئْنا إلى أَمْرِ اللَّهِ، وتَعَاطَيْنَا السَّوَاءَ، وآثْرنا الوَفَاءَ. وذَكَرَ تَمَام الكتاب.
قَرَأتُ في سِيْرَة الإخْشِيْذ مُحَمَّد بن طُغْج، جَمْع الحَسَن بن إبْراهيم بن زُوْلَاق
(1)
، قال: وكان الإخْشِيْذ قد اخْتَصَّ من الأشْرَاف بعَبْد اللَّه بن أحْمَد بن طَبَاطَبا، وبالحَسَن بن طَاهِر بن يَحْيَى، وكانا لا يُفَارقانِهِ، هذا حَسَنيٌّ وهذا حُسَيْنيٌّ، وبينهما عَدَاوَةُ الرِّئَاسَةِ والاخْتِصَاص، إلَّا أنَّ الحَسَنَ بن طَاهِر نَابَ عنهُ وسَافرَ في صحَابه، وتوسَّطَ بينَه وبين مُحَمَّد بن رَائِق مَرَّتَين، وتوسَّطَ بينَهُ وبين ابن حَمْدَان، وذَكَرَ
(2)
أنَّ سِفَارَة الحَسَن بن طَاهِر بين الإخْشِيْذِ ومُحَمَّد بن رَائِق في الصُّلْح كانت في سَنَة ثَمانٍ وعشرين، وذَكَرَ
(3)
أنَّ الإخْشِيذ رَدَّ مُزَاحِم بن مُحَمَّد بن رَائِق
(1)
كتاب سيرة محمد بن طغج الإخشيذ كتاب مفقود، ذكره ابن الساعي ضمن مؤلفات ابن زولاق، وأثبت ابن سعيد المغربي منه نصوصًا طويلة تشكل جزءًا كبيرًا من الكتاب مع ديباجته، وبعض النصوص التي يوردها ابن العديم تاليًا، وهي مما لم يرد في كتاب المغرب. الدر الثمين في أسماء المصنفين 318، وانظر النقل أعلاه عن ابن زولاق في كتاب المغرب لابن سعيد 1: 166، وراجع دراسة أيمن فؤاد سيد في مقدمته للجزء الثاني من كتاب المواعظ والاعتبار للمقريزي 2: 33 * -34 *.
(2)
انظره في كتاب المغرب لابن سعيد 1: 174.
(3)
المغرب لابن سعيد 1: 178.
حين سَيَّرَهُ ابن رَائِق إليه بعد أنْ أحْسَنَ إليه مع الحَسَنِ بن طَاهِر إلى أبيهِ، وزوَّجَ الإخْشِيْذُ ابنتَهُ فاطِمَة من مُزَاحِمِ بن مُحَمَّد بن رَائِق، تَوَلَّى ذلك أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن طَاهِر، وأنَّ الحَسَنِ بن طَاهِر سَفَرَ في الصُّلْح بينهما، وقَرَّر الأمْرَ، وسَيَأتي ذِكْرُ ذلك مُسْتَوفًى في موضِعهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى.
وذكَرَ ابن زُوْلَاق أيضًا في سِيْرَة الإخْشِيْذ هذه
(1)
، قال: ووَرَدَ في سَنَة تِسْعٍ وعشرين نَعِيُّ أبي عليّ عُبَيْدِ اللَّه بن طَاهِر والد مُسَلَّم، فلَم يتأخَّر عن تَعْزِيَتهِ أحَدٌ، وكان الحَسَنُ بن طَاهِر أخُوهُ عَلِيْلًا، فكُتِمَ ذلك عنه، فرَكِبَ الإخْشِيذْ إلى أبي جَعْفَر مُسَلَّم فعَزَّاهُ، وسَقَاهُ الشَّرَابَ، ثمّ سَأل: هل عَلمَ أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن طَاهِر بوَفَاة أخيهِ؟ فقالُوا: لا، فرَكِبَ إليه عَائِدًا، وعَزَّاهُ.
قال ابنُ زُوْلَاقٍ
(2)
: وكان الحَسَنُ بن طَاهِر قد خَدَم الإخْشِيْذَ ونَابَ عنهُ، وكان السَّفِيْر بينَهُ وبين مُحَمَّد بن رَائِق، وانْتَفَع معَهُما، حتَّى بلَغَ ارْتِفَاع أمْلَاكِهِ مائة ألف دِيْنار سِوَى أرْزَاقه وأرْزَاوَ بَنِيْهِ وعَبِيْدِه ومَوَالِيهِ، وكان أيضًا هو السَّفِيْر بين الإخْشِيْذ وبين مَنْ نَازَعَهُ.
قال ابنُ زُوْلَاق
(3)
: وحَدَّثني بعضُ الكُتَّب، قال: كان مُحَمَّد بنُ رَائِق لمَّا سارَ لقِتَال الإخْشِيْذ، رَاسَلَهُ الإخْشِيْذ بأبي مُحَمَّد الحَسَن بن طَاهِر بن يَحْيَى الحُسَيْنيّ، وكانت كُتُب الحَسَن بن طَاهِر تَرِد من الشَّام إلى أخيهِ الحُسَين بن طَاهِر شَقِيْقه، وكان يَنُوبُ عنه ويُوْقِفُ الإخْشِيْذ على ما يَرِدُ عليه، ويُوْقفه على كُتُبه، وكان إذا كَتَب إلى الإخْشِيْذ كَتَبَ مع الطَّائِر، ويَكْتب كَثِيْرًا إلى أخيهِ الحُسَين، فقال أبو عَبْد اللَّه الحُسَين بن طَاهِر: فوَرَد عليَّ كتابُ أخي الحَسَن بن طَاهِر من الشَّام يقُول فيهِ: وتَسْأل الإخْشِيْذ أنْ يُعْفيَني من ضَمَان
(1)
لم ينقله ابن سعيد في كتابه المغرب.
(2)
لم ينقله ابن سعيد في كتابه المغرب.
(3)
كلام ابن زولاق في المغرب لابن سعيد 1: 188 - 189.
بُلْبَيْس وفَاقُوْس، فإنِّي قد عَجزتُ عنهما لقلَّة فَائِدَتهما وكَثْرة غِشْيَان البَوَادِي لهما (a)، ولَم تكُن هاتان الضَّيْعَتان في يَد أخي! فَحَملتُ الكتاب وجئْتُ به إلى الإخْشِيْذ وقَرَأتُه عليه، فقال: هاتُوا حَدِيد بن الحَصَّان؛ يعني: كاتِب دِيْوَان الخَرَاج، فقال: في يَد أبي مُحَمَّد الحَسَن بن طَاهِر ضَمَان بلبيسِ وفَاقُوْس؟ قال: لا، قال: فأطْرَقَ، ثمّ قال: ما قَصَّرَ أبو مُحَمَّد فيما قالَهُ، عَزَم مُحَمَّد بن رَائِق يَجيْئنا على غَفْلَةٍ إلى مِصْر، فأشارَ أبو مُحَمَّد بحِفْظ فَاقُوْس وبُلْبَيْس، يَخْرج السَّاعَة إلى فَاقُوْس ثلاثة آلاف فارس ورَاجِل، وإلى بُلْبَيْس مثْلها، وتُزْاح عِلَلهم (b)، ويكُونُون على غَايةِ اليَقَظَة ولا يَنامُونَ اللَّيْل، ويَحْفظُونَ هذه المَوَاضعَ.
قال الحُسَينُ بن طَاهِر: فعَجِبْتُ من فِطْنَته، وكَتَبْتُ إلى أخي: قد أعْفَاك من ضَمَان فَاقُوْس وبُلْبَيْس وضَمَّنَهما ممَّن يَقْدر عليهما. لأنَّ الحَسَن بن طَاهِر كان يَتَّقي مُحَمَّدُ بن رائِق أنْ تقَع كُتبه في يَدِيهِ، فإنَّها وَقَعَتْ في يَديه مرَّةً، فحَدَّثني سُلَيمان بن الحَسَن (c) بن طَاهِر، قال: أرْسَل مُحَمَّد بن رَائِق إلى أبي فركبَ وأخَذَني معه، فدَخَلَ عليه وهو مُقَطّب، فلمَّا جَلَسَ لِمَ يكُن منه إليهِ الانْبِسَاط الّذي يَعْرفُه، فقال له: أيْشٍ خَبَر الأَمِير؟ فقال: قد وَقَعَتْ في أيْدينا كُتبُكَ إلى مُحَمَّد بن طُغْج، قال: مع مَنْ؟ قال: مع صَاحِبكَ المَعْرُوف بالزُّطِّيّ، فقال: سُبْحَان اللَّه، ما أصَابَ الأَمِير الدِّين ولا السِّيَاسَة! فأمَّا الدِّين؛ فنَهَى جَدِّي رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنْ يَطَّلع أحدٌ في كتاب أخيهِ بغير أَمْره (d)، والسِّيَاسَة، انْخِرَاق الهَيْبَة، أَفَلَيْسَ يَعْلمِ الأَمِيرُ أنّي جئْتُه من قِبَل مُحَمَّد بن طُغْج، أَفَلِي بُدٌّ من مُكَاتبَته وتَعْظيم أمْره في غَيْبَتهِ، وأنْ أُطْلعَهُ على ما يَحْتَاجُ إليه، فهذه رُسُل الأرْض،
(a) الأصل: لها، والمثبت من المغرب لابن سعيد.
(b) المغرب لابن سعيد: عليهم.
(c) المغرب لابن سعيد: الحسين، وصوابه ما عند ابن العديم فإن الحسن بن طاهر هو من كان يُعْمل الحيلة لئلَّا تقع كتبه ورسائله في يد ابن رائق.
(d) المغرب لابن سعيد: إذنه.
فأيْشٍ يقُول (a) الأمِير في رُسُل السَّماءِ؟ قد واللَّه كَتَبْتُ (b) مع الطَّائِر أكْثَر من هذا، وأسْتَوْدِعُ اللَّه الأَمِير، ما يَرَاني بَعْدها! فأخَذَ بذَيْلِهِ وما زالَ يرْفُقُ به ويَتَرضَّاهُ ويقُول له: أنْتَ أوْلَى من احْتمل.
وكان شَرِيْفًا، قَوِيّ النَّفْس، جَرِيْئًا في خِطَابهِ، وأكْثَر نِعْمَته اكْتَسَبها في هذه الوَسَاطَة بين هذين الرّجُلين.
وذَكَرَ ابنُ زُوْلَاق في هذا الكتاب
(1)
، في حَديث اجْتِمَاعَ الإخْشيْذ والمُتَّقِيّ على الرَّقَّةِ، قال
(2)
: وطَلَب منه المُتَّقِيّ الحَسَن بن طَاهِر الحُسَيْنيّ فأدْخَله إليه، وكَنَّى المُتَّقِي الحَسَن (c) بن طَاهِر في مَجْلِسهِ، وعَطَسَ المُتَّقِيّ فشَمَّتهُ الحَسَنُ بن طَاهِر، فقال المُتَّقِيّ: يَرْحَمكُ اللَّه أبا مُحَمَّد.
قُلتُ: وهذا من المُتَّقِيّ زِيَادَةٌ عَظِيمَةٌ في الحُرْمَة، فإنَّ الخلَيفَة كان لا يُكْنِي أحَدًا، حتَّى أنَّهُ بَلَغَني أنَّهُ قال في هذه النَّوْبَة للإخْشِيْذ: كيفَ أنْتَ يا أبا بَكْر، فاسْتَعْظَم الإخْشِيْذ ذلك، وكَتَب إلى نَائبهِ بمِصْر، وقال له: أكْرَمَني أمِير المُؤْمنِيْن وكَنَاني وقال لي: كيف أنْتَ يا أبا بَكْر؟.
وذَكَرَ ابنُ زُوْلَاق
(3)
في مَسِيْر الإخْشِيْذ إلى قِنَّسْرِيْن، والْتِقَائهِ مع سَيْف الدَّوْلَة، واسْتِظْهار سَيْف الدَّوْلَةِ على الإخْشِيْذ، وأنَّ الإخْشِيْذ عاد واسْتَظْهر على سَيْف الدّوْلَة، وأنَّ الأَمِير سَيْف الدَّوْلَةِ عَسْكَر مُوَاجهًا للإخْشِيْذ، فاخْتَار الإخْشذ المُسَالَمة ورَاسَلَهُ بالحَسَن بن طَاهِر على مَالٍ يَحْملُه إليه، وأنْ يكُونَ لسَيْفِ
(a) المغرب لابن سعيد: يعمل.
(b) المغرب لابن سعيد: كتب.
(c) في الأصل: للحسن، وفوقها "ص".
_________
(1)
كلام ابن زولاق في المغرب لابن سعيد 1: 191.
(2)
المغرب لابن سعيد 1: 192.
(3)
كلام ابن زولاق نقله ابن سعيد في المغرب 1: 191 - 194.
الدَّوْلَةِ من خَرْشَنَة
(1)
إلى حِمْص، وزوَّجَهُ ابنَتَهُ فاطِمَة، وكان الوَليُّ الحَسَن بن طَاهِر بتَوكْيل الإخْشِيْذ، فسُرَّ سَيْفُ الدَّوْلَة بذلك، وعقد النِّكَاح، ونَثَر سَيْفُ الدَّوْلَة في مَضْربه على الحاضِريْن ثلاثين ألف دِيْنارٍ، ونَثَر خَارِجَ المَضْرب أرْبَعمائة ألف دِرْهَم، وحَمَل إلى الحَسَن بن طَاهِر مَالًا كَثِيْرًا وخلَعًا وحُمْلَانًا.
قُلتُ: والحَسَن بن طَاهِر هذا هو وَالد طَاهِر بن الحَسَن بن طَاهر الّذي مَدَحَهُ المُتَنَبِّي
(2)
بقَوْله: [من الطويل]
أعيدُوا صَبَاحي فهو عندَ الكَوَاعِبِ
وَسَنَذْكُره في حَرْف الطَّاء
(3)
إنْ شاء اللَّه تعالَى.
ولمَّا زُرْت الخَلِيل صلى الله عليه وسلم في سَنَة سَبْعٍ وثَلاثين وستمائة، مَضَيْتُ من زِيَارته إلى مَشْهَد اليَقِيْن فزُرْته
(4)
، ورَأيْتُ في مَغَارة عند باب المَشْهَد قَبْرًا يَزُوره النَّاسُ مَكْتُوب عنده على لَوْح من الرُّخَام نَقْشًا هذا قَبْرُ فاطِمَة بنت الحَسَن بن طَاهِر بن يَحْيَى بن الحَسَن، وعلى لَوْحٍ آخر من الرُّخَام لذلك القَبْر مَكْتُوب نَقْشًا في الحَجَر:[من البسيط]
أسكنتَ مَنْ كان في الأحْشَاء مَسْكنُه
…
بالرَّغم منِّي بين التُّرْبِ والحَجَرِ
يا قَبْر فاطِمَةٍ بنت ابن فاطِمَةٍ
…
بنْت الأئمَّة بنْتِ الأنْجُم الزُّهُرِ
(1)
في نقل ابن سعيد لكلام ابن زولاق: جوسية، وخرشنة: بلد قرب ملطية من أرض الروم، ويسمى عمل خريسون، وعليه تمر الطريق المعروفة بدرب الحدث. ابن خرداذبة: المسالك 108، قدامة: الخراج 192، الإدريسي: نزهة المشتاق 2: 651، ياقوت: معجم البلدان 2: 359، لسترنج: بلدان الخلافة 165.
(2)
ديوان المتنبي بشرح العكبري 1: 147، وعجز البيت: ورُدُّوا رُقَادي فهو لَحظ الحَبَائِب.
(3)
ترجمة طاهر بن الحسن بن طاهر في الضائع من أجزاء الكتاب.
(4)
مثله في كلام ابن بطوطة على المغارة التي بجانب مسجد اليقين، وأورد صورة النقش والأبيات، ولم يذكر البيت الثالث منها، انظر: تحفة النظار في غرائب الأمصار (التازي، أكاديمية المملكة المغربية) 1: 243 - 244.
يا قَبْرَ بنْت الزَّكِيّ الطَّاهِر
…
الحَسَن بن طَاهِرٍ من نَماه أطْهَرُ البَشَرِ
يا قَبْر كَم فيك من دِيْن ومن وَرَع
…
ومن حَيَاءٍ ومن صَوْن ومن خَفَرِ
وعلى اللَّوْح بخَطِّ النَّقَّاش الّذي نَقَش اللَّوْحَيْن: صَنَعَهُ مُحَمَّد بن أبي سَهْل النَّقَّاش بمِصْر، وصَاحِبة القَبْر هي بنْتُ الحَسَن بن طَاهِر هذا، واللَّهُ أعْلَمُ.
وقال أبو الغَنائِم الزَّيْدِيّ النَّسَّابَة في كتاب نُزْهَة عُيُون المُشْتاقِيْن
(1)
: أنَّ الحَسَن بن طَاهِر تُوفِّي بمِصْر في شَوَّال سَنَة ستٍّ وثَلاثين وثَلاثِمائة، وذَكَرَ أنَّ أُمّهُ أُمّ وَلدٍ.
وقال ابنُ خِدَاع (a) في كتاب المُعَقِّبين من وَلَد الحَسَن والحُسَين
(2)
، ووَقَعَ إليَّ بخَطِّه: وكان لأبي مُحَمَّد الحَسَن حَظٌّ من الدُّنْيا، وتقدُّمٌ عند السُّلْطان، تُوفِّي بمِصْر سَنَة ستٍّ وثَلاثين وثَلاثِمائة.
ذَكَرَ مُحَمَّد بن أَسْعَد الجَوَّانِيّ النَّسَّابَة في كتابه المَوْسُوم بنُزْهَة القَلْب المُعَنَّى في نَسَب بني المُهَنَّا، أنَّ أبا مُحَمَّد الحَسَن بن طَاهِر تُوفِّي بمِصْر سَنة ستٍّ وثَلاثين وثَلاثِمائة.
(a) الضبط من المصنف في موضع غير هذا، جوَّده في ترجمة الحسين بن عبيد اللَّه النصيبي العلوي (الجزء السادس)، ومثله في كتاب الشجرة المباركة للفخر الرازي 28 وما بعدها وكتاب المجدي للعمري 348 وما بعدها، وورد في كتاب الدر الثمين في أسماء المصنفين لابن الساعي 350 بالجيم: ابن جداع!.
_________
(1)
تقدم التعريف بالكتاب في الجزء الثاني.
(2)
كتاب ألفه أبو القاسم الحسين بن جعفر بن الحسين بن جعفر المصري الحسيني النسابة المعروف بابن خداع (ت 375 هـ)، وورد عنوان الكتاب عند ابن الساعي: كتاب المعقبين من آل أبي طالب. انظر: تاريخ ابن عساكر 14: 45، ابن الساعي: الدر الثمين 350.
وكتابه مفقود نقل عنه الفخر الرازي في كتابه الشجرة المباركة والنسابة العمري في مواضع كثيرة من كتابه المجدي في الأنساب، واختصره أبو الفتح محمد بن علي الكراكجي (ت 449 هـ)، انظر: مكتبة العلامة الكراكجي، مجلة تراثنا، ع 43 - 44، 1416 هـ، ص 389.
وقال القُضاعيُّ: تُوفِّي في شَوَّال من سَنة ستٍّ وثَلاثين وثَلاثِمائة. أنْبَأنَا بذلك أحْمَد بن أزْهَر، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي، عنه.
الحَسَنُ بن طَاهِر الوَزِير
(1)
وَزِيرُ سُليْمان بن قُطَلْمش صَاحِب أنْطَاكِيَة، كان معه وَزِيرًا له بأنْطَاكِيَة، وأُسِرَ في الوَقْعَة الّتي قُتِلَ فيها سُليْمان بالنَّاعُورَة، ثمّ أطْلَقَهُ تاج الدَّوْلَة تُتُش بن أَلْب أَرَسْلَان في صَفَر سَنَة تِسْعٍ وسَبْعِين وأرْبَعِمائة، فسَارَ إلى أنْطَاكِيَة، ولم يَزَل بها إلى أنْ وَصَل السُّلْطان مَلِكْشاه إلى حَلَب وتَسَلَّمها في شَعْبان من السَّنَة المَذْكُورَة، ثمّ سارَ إلى أنْطَاكِيَة فسَلَّمها إليه الحَسَنُ بن طَاهِر الوَزِير المَذْكُور، واسْتَخْدَمَهُ مَلِكْشاه في الأمْوَال بأنْطَاكِيَة، ووَلَّى البَلَد يَغِي سغَان بن أَلْب، وتَرَكَهُ في عَسْكَرٍ معه.
(1)
كان حيًا سنة 479 هـ، وترجمته في: زبدة الحلب 1: 319 - 324.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
حَرْفُ العَيْن في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن عَامِر بن الحَسَن، أبو عليّ الكِلابِيّ البَابِيّ الحَنَفِيّ القَاضِي
(1)
من وَلدِ العبَّاس بن الوَلِيد.
قاضي باب بُزَاعَا، من أهْلِ البَاب هو وسَلَفه، ومَوْلدُه ومَنْشَأهُ بها، أقامَ بها قَاضِيًا بعد أبيه عَامِر سِنِين عِدَّةً، وسَمِعَ الحَدِيْث بحَلَب من أبي الفَرَج يَحْيَى بن مَحْمُود بن سَعْد الثَّقَفِيّ الأصْبَهَانِيّ، وحَدَّثَنَا عنه بالبَاب، وكان شَيْخًا حَسَنًا، جَمِيل السِّيْرَة، مَسْتُورًا، عَفِيْفًا، وله أمْلَاكٌ بتلك النَّاحِيَةِ. سَألتُه عن مَوْلدِه فقال: في سَنَة تِسْعٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة.
أخْبَرَنا القَاضِي أبو عليّ الحَسَنُ بن عَامِر بن الحَسَن البَابِيّ بمَنْزِله بباب بُزَاعَا، قراءةً منِّي عليه، قال: أخْبَرَنا أبو الفَرَج يَحْيَى بن مَحْمُود بن سَعْد الثَّقَفِيّ بحَلَب، قال: أخْبَرَنا أَبو عليّ الحَسَنُ بن أحْمَد بن الحَسَن الحَدَّادُ، قِراءَةً عليهِ وأنا حَاضِرٌ، قال: حَدَّثَنَا أبو نُعَيْم أحْمَدُ بن عَبْد اللَّه الحافظ، قال: حَدَّثَنَا إبْرَاهيم بن عبد اللَّه بن علِيّ، المَعْرُوف بابنِ أبي العَزَائِم، قال: حَدَّثَنَا أبو عَمْرو أحْمَدُ بن حَازِم بن أبي غَرَزَة، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بن مُوسَى، عن بُكَيْر بن عَامِر، عن عبد الرَّحْمن بن أبي
(1)
توفي سنة 626 هـ، وترجم ابن العديم لابنه الخضر بن الحسن البابي في الجزء السابع من هذا الكتاب.
نُعْم (a)، عن مُغِيرَة بن شُعْبَةَ، قال
(1)
: رأيْتُ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ تَوَضَّأ، ومَسَح على خُفَّيْهِ، فقلتُ: نَسِيْتَ يا رَسُول اللَّه، لَم تَخْلَعْهُما، قال: بل أنْتَ نَسِيْتَ، بهذا أمَرَني ربِّي عز وجل.
تُوفِّي القَاضِي حَسَنُ بن عَامِر البَابِيّ بباب بُزَاعَا يَوْم الأَحَد السَّادِس عَشر من صَفَر سَنَة ستٍّ وعشرين وستمائة، وكُنْتُ بعد وَفَاته بيَومٍ واحدٍ قد قَدِمْتُ البَابَ مُتَوَجِّهًا في رِسَالَةٍ.
الحَسَنُ بن العبَّاس بن الحَسَن بن الحُسَين أبي الجِنّ ابن عليّ بن مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد بن عليّ بن إسْمَاعِيْل بن جَعْفَر ابن مُحَمَّد بن عِليّ بن الحُسَين بن عليّ بن أبي طَالِب، أبو مُحَمَّد الحُسَيْنيّ، القَاضِي القُمِّيّ
(2)
انْتَقَلَ أبُوه العبَّاس بن الحَسَن من قُمّ إلى حَلَب، وانْتَقَلَ معه ابنهُ الحَسَن وإخْوَته البَاقُونَ في أيَّام سَيْف الدَّوْلَة ابن حَمْدَان، ثُمَّ انْتَقَلَ أبو مُحَمَّد وإخْوَته إلى دِمَشْق، ووَلِيَ أبو مُحَمَّد قَضاء دِمَشْق، ثمّ إنَّ الحاكِم أرْسَلَهُ عنه إلى حَلَب إلى أبي نصْر مَنْصُور بن لُؤْلُؤ السَّيْفِيّ، فتُوفِّي بها وكان رَئيسًا، نَبِيْلًا، جَوَادًا، مُمَدَّحًا.
(a) الأصل: ابن أبي نُعَيم، خطأ، وهو البجلي الكوفي العابد، أبو الحكم. انظر ترجمته في: الكنى والأسماء لمسلم 1: 240، الجرح والتعديل 5: 295، تهذيب الكمال 17: 456 - 457.
_________
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 20: 411 (رقم 985)، وينظر: المستدرك للحاكم 1: 170، وحلية الأولياء 7:335.
(2)
توفي سنة 400 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 119 - 120، المجدي في أنساب الطالبيين للعمري 297، تاريخ الإسلام 8: 813، الوافي بالوفيات 12: 61 - 62، المقريزي: المقفى الكبير 3: 337، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 189 - 190.
قَرأتُ بخَطِّ الشَّريف أبي الحَسَن إِدْرِيس بن الحَسَن الإِدْرِيسِيّ الحَسَنيّ: قال لي الشَّريفُ نِظَام الدِّين أبو العبَّاس بن أبي الجِنّ الحُسَيْنيّ: كانت نَقْلَتنا إلى حَلَب -يريدُ نَقْلَة الحَسَن أبي مُحَمَّد القَاضِي وأخيْهِ مع أبيهما، إلى حَلَب من بَلَد العَجَم- أيَّام سَيْف الدَّوْلَةِ.
قَرأتُ بخَطِّ الشَّريف أبي الغَنائِم عَبْد اللَّه بن الحَسَن بن مُحَمَّد الزَّيْدِيّ في كتابه المُجَرَّد في النَّسَب
(1)
، قال: والعَقِبُ من أبي الفَضْل العبَّاس بن الحَسَن بن الحُسَين بن عليّ بن مُحَمَّد بن عليّ بن إسْمَاعِيْل: أبو مُحَمَّد الحَسَن القَاضِي، كان بدِمَشْق، وأبو طَالِب مُحَمَّد، وأبو عَبْد اللَّه الحُسَين، وأبو الحَسَن عليّ القَاضِي كان ببَعْلَبَك، أُمُّهُم مُرِّيَّةٌ من العَرَب اسْمُها تَقِيَّة. قال أبو الغَنائِم: كان القَاضِي أبو مُحَمَّد الحَسَن مُقَدَّم أهْل بَيْتهِ ورَئيسَهُم، وكان جَوَادًا، وُصُولًا، بارًّا بأهْله، رضي الله عنه.
ونَقَلْتُ من كتاب المَجْدِيّ في أنْسَابِ الطَّالِبيِّيْن، تأليف الشَّريف أبي الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن عليّ العَلَويّ العُمَرِيّ، المَعْرُوفُ بابنِ الصُّوْفيّ
(2)
، جَمَعَهُ للشَّرِيْف مَجْد الدَّوْلَة أبي الحَسَن بن فَخْر الدَّوْلَة أبي يَعْلَى حَمْزَة بن حَاكِم الدَّوْلَة، صَاحِب هذه التَّرْجَمَة الحَسَن بن العبَّاس. وذَكَرَ في أثناء الكتاب شَيئًا من نَسَب أبي الحَسَن، فقال
(3)
: ومنهم، يعني من ولد العبَّاس بن الحَسَن بن الحُسَين أبي الجِنّ الشَّريفُ القَاضِي بدِمَشْق هو: الحَسَنُ بن العبَّاس بن الحَسَن بن الحُسَين أبي الجِنّ، ماتَ
(1)
لم أقف على ذكر للكتاب في المتاح من المصادر.
(2)
المجدي في أنساب الطالبيين 296، وفي سياقة نسبه ". . . ابن الحسين بن أبي الجن"، وهي كنية الحسين وليست اسمًا لوالده. وقد ذكر اسمه صحيحًا في مقدمة كتابه (184) وأنه اجتمع به في مجلس نقيب نقباء الطالبيين أبي يعلى ابن حاكم الدولة، وأن ذلك كان في شهور سنة 443 هـ، ووفاة الحسن بن العباس كانت في سنة 400 هـ!، وذكره في موضع آخر (297): الحسن بن العباس بن الحسن (كذا) بن أبي الجن.
(3)
المجدي في الأنساب 297.
عن أوْلَادٍ سَادة وَلُوا نِقَابَةَ النُّقَبَاءِ بمِصْر، والنِّقَابَةَ والقَضَاءَ بدِمَشْق، وذَكَرَ من عَقِبهِ من صَنَّف له الكتابَ.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ اللَّه بن الشِّيْرَازيّ، فيما أَذِنَ لنا في روَايَته عنْهُ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن العبَّاس بن الحَسَن بن الحُسَين أبي الجِنّ بن عليّ بن مُحَمَّد بن عليِّ بن إسْمَاعِيْل بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عليّ بن الحُسَين بن عليّ بن أبي طَالِب، أبو مُحَمَّد الحُسَيْنيّ، وَلِيَ القَضَاءَ بدِمَشْق خِلَافَة أبي عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بن النُّعْمان قاضي أبي عليّ مَنْصُور، المُلَقَّب بالحاكِم، وكان أصْلُهُم من قُمّ، فانْتَقَلَ أبُوهُ العبَّاس إلى حَلَب، وانْتَقَلَ الحَسَنُ وإخْوَته إلى دِمَشْق، ووَلي قضَاءَها، ثمّ أرْسَله المُلَقَّبُ بالحاكِم رَسُولًا إلى أمير حَلَب، فقال أبو الحَسَن ابن الدُّوَيْدَة المَعَرِّيّ فيه، لمَّا أنْ قَدِمَ إلى حَلَب
(2)
: [من الطويل]
رَأَى الحاكِمُ المَنْصُور غَايَةَ رُشْده
…
فأرْسَلَهُ للعَالَمين دَلِيْلا
أَتَى ما أَتَى اللَّهُ العَلِيُّ مَكَانُهُ
…
فأرْسَل من آلِ الرَّسُولِ رَسُولًا
فماتَ، فلمَّا تُوفِّي رَثَاهُ الشُّعَراءُ، فقال فيه الشَّريفُ أبو الغَنائِم عَبْدُ اللَّهِ بن الحَسَن بن مُحَمَّد الحُسَيْنيّ (a) النَّسَّابَة:[من الوافر]
فُرُوعُكَ يا شَرِيْفُ شَهِدْنَ حَقًّا
…
بأنَّ الطَّاهِرينَ لها أُصُولُ
على حَالِ الرِّسَالَة في صَلَاحٍ
…
فُقِدْتَ وهكذا فُقِدَ الرَّسُولُ
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(3)
: قَرأتُ بخَطِّ عَبْد المُنْعِم بن عليّ بن النَّحْوِيّ: وفي لَيْلَة الأرْبَعَاء لاثْنتَين (b) وعشرين لَيْلَةً خَلَتْ من جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة أرْبَعمائة،
(a) في تاريخ ابن عساكر: الحسني، وصوابه المثبت كما في المجدي 152، وهو المعروف بابن أخي المبرقع الزيدي.
(b) الأصل: لاثنين.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 119.
(2)
البيتان في الوافي بالوفيات 12: 62.
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 120.
وَرَد من حَلَب فَيْجٌ بكتاب أبي تُرَاب مُحَسِّن بن أبِي الجِنّ يَذْكُر فيه أنَّ عَمَّهُ أبا مُحَمَّد بن أبي الجِنّ الشَّريف القَاضِي ماتَ بحَلَب يَوْم الاثْنَين لأرْبَع عَشرة لَيْلَة خَلَتْ من جُمَادَى الأُوْلَى سَنَة أرْبعمائة.
أنْبَأنا أبو الوَحْش بن نسِيْم، قال: أخْبَرنا عليّ بن أبي مُحَمَّد الدِّمَشْقيّ
(1)
، قال: ذَكَرَ أبو مُحَمَّد بن الأكْفَانيّ أنَّ أبا مُحَمَّد تُوفِّي في جُمَادَى الأُوْلى سَنَة أرْبَعمائة. قال غيرُه: بحَلَب، وحُمِلَ إلى دِمَشق فدُفِنَ فيها.
قَرَأتُ بخَطِّ أبي الغنائم الزَّيْديّ، قال: وتُوفِّي القَاضِي أبو مُحَمَّد بحلَب سَنَة أرْبَعمائة، ونُقِلَ إلى دِمَشْق.
وقَرأتُ بخَطِّ أبي الخَطَّاب عُمَر بن مُحَمَّد العُلَيْميّ، وذَكَرَ أنّهُ نَقَلَهُ من خَطِّ عَبْد المُنْعم بن عليّ النَّحوِيّ، قال: وفي جُمَادَى الآخرَة وصَل تَابُوتُ الشَّرِيف أبي مُحَمَّد بن أبي الجِنّ من حَلَب، فدَفَنُوهُ ببُسْتَانه الّذي [. . .](a) في قَصْرِه.
ذِكْرُ مَن اسْمُ أبيْهِ عَبْدِ اللَّه ممَّن اسْمُه الحَسَن
الحَسَنُ بن عَبْدِ اللَّه بن أحْمَد بن عَبْد الجَبَّار بن أبي حَصِيْنَة (b) السُّلَمِيّ، الأَمِير أبو الفَتْح المعَرِّيُّ
(2)
شَاعِرٌ مُجُيْدٌ بَليْغٌ، كَثِيْرُ الشِّعْر، أقَامَ بحَلَب في أيَّام بني مِرْدَاس، وكان
(a) كلمة غير مقروءة في الأصل، صورتها: سمعه.
(b) هكذا ضبطه ابن العديم حيثما يرد، وجاء ضبطه في الديوان وعند ابن عساكر مضمومًا بالتصغير: حُصَيْنة.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 120.
(2)
توفي سنة 456 هـ وقيل: 457 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 120 - 122، ياقوت: معجم الأدباء 3: 1118 - 1128، بسط ابن الجوزي: مرآة الزمان 19: 170 - 171، ابن فضل اللَّه العمري: مسالك الأبصار 15: 476 - 502، ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات 1: 333 - 334 =
وَجِيْهًا عندَهم، وتأمَرَّ في زَمنِهِم، رَوَى عنهُ شَيئًا من شِعْره أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن إبْراهيمِ بن الحَسَن التَّنُوخِيّ الحَلَبِيّ، وابن ابنهِ نَصْرُ بن مَنْصُور بن الحَسَن بن أبي حَصِيْنَة، وأبو العَلَاء أحْمَد بن عَبْد اللَّه بن سُلَيمان المَعَرِّيّ التَّنُوخِيّ.
وجَمعَ أبو العَلَاء دِيْوان شِعْره وشَرَح غَرِيْبَهُ ومَعَانيَهُ
(1)
، وقال في مُقدِّمَة الدِّيْوَان
(2)
: الدَّهْرُ مَديدٌ طَويْلٌ، يَجُوزُ أنْ يَحْدُثَ في آخره كما حَدَث في أوَّلهِ، لأنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ قَدِيرٌ على المُمْتَنِعاتِ، كُلّ ما حَكَم به فهو آت، تَقَدَّسَتْ أسْماؤُهُ، وجَلَّتْ نَعْماؤُهُ، ولا يَمْتَنِعُ أنْ يُنْشِئَ في هذا العَصْر من الشُّعَراءِ مَنْ هو لَاحِقٌ بالمُتَقدِّمين، وشَبِيهُ مَنْ سَلَفَ من الفُحُول الأوَّلين.
وكان مَوْلاي الأَمِير الجلِيْل أبو الفَتْحِ الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن أبي حَصِيْنَة سَألَني أنْ أجْمَعَ (a) شِعْرَهُ، فقُرئ عليّ (b) ما أنْشَأهُ من أنْوَاعَ القَرِيْض، فوَجَدْتُ لَفْظَهُ غير مَرِيْض، ومَعَانيه صحَاصًا مُخْتَرعة، وأغْرَاضَهُ بعِيْدةً مُبْتَدَعة، وهو وإنْ كان مُتَأخِّرًا في الزَّمان، فكأنَّهُ ممَّن (c) فَرَط في عَهْد النُّعْمان، ومَنْ سَمعَ كَلَامَهُ عَلِمَ أنَّهُ لم يُعَرْ (d) شَهَادة، ولا حُرِمَ في إبْداع الكَلِم سِيَادة.
وكَفَاهُ شَهَادةُ هذا العَالِم النِّحْرِير له بما شَهِدَ، وتَصَدِّيه لجَمْع شِعْره، وعَاشَ أبو الفَتْح بعد أبي العَلَاء مُدَّة سنين.
(a) مقدمة الديوان: أن أسمع.
(b) في الأصل: فقرئ عليه، والمثبت من مقدمة الديوان التي أنشأها أبو العلاء المعري، وهي تنسق مع تتمة الكلام بعده.
(c) مقدمة الديوان: من.
(d) مقدمة الديوان: يغير.
_________
= (وأرخ وفاته في حدود سنة 500 هـ)، الوافي بالوفيات 13: 82 - 85، تاريخ ابن الوردي 1: 550 - 551، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 190 - 191، الطباخ: إعلام النبلاء 4: 180 - 183.
(1)
نُشر ديوان شعره بشرح أبي العلاء المعري في جزأين عن المجمع العلمي العربي بدمشق ودار صادر، بتحقيق محمد أسعد طلس، ط 3، 1999 م.
(2)
ديوان ابن أبي حصينة 1: 3.
أنْبَأنَا أبو المَحَاسِن سُليْمان بن الفَضْل بن سُلَيمان، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن عَبْدِ اللَّه بن أحْمَد بن عَبْد الجَبَّار بن أبي حَصِيْنَة، أبو الفَتْح السُّلَمِيّ المَعَرِّيّ الشَّاعِرُ ذَكَرَ لنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّدُ بن المُحَسِّن بن المِلْحِيُّ أنَّهُ قَدِمَ دِمشْق، وله في وَصْفها أبياتٌ من قَصِيْدَة ذَكَرَها ابنُ ابنهِ أبو المُظَفَّر نَصْر بن مَنْصُور بن الحَسَن بدِمَشْق عنه، منها
(2)
: [من الكامل]
لو أنَّ دَارًا أخْبَرَتْ عن نَاسِها
…
لسَأَلْتُ رَامَةَ عن ظِبَاءَ كِنَاسِها
بل كَيْفَ تَسْألُ دِمْنَةً ما عِنْدَها
…
عِلْمٌ بوَحْشَتِها ولا إينَاسِها
مَمْحُوُّة العَرَصَات يَشْغَلُها البِلَى
…
عن سَاحِبَات الرَّبْطِ فَوْق دهَاسِها
بِيْضٌ إذا انْضَاِع النَّسِيمُ من الصَّبَا
…
خِلْنَاهُ ما يَنْضَاعُ من أَنْفَاسِها
يا صَاحِبَيَّ سَقَى مَنَازِلَ جِلَّقٍ
…
غَيْثٌ يُرَوِّي مُمْحِلَات طِسَاسِها
فرِوَاقَ جَامِعها فبابَ بَرِيْدهًا
…
فَمسَارِبَ (a) القَنَوات من بَانَاسِها
فلقَدْ قَطَعْتُ بها زَمانًا للصِّبَا
…
واللَّهْو مُحْضَرًا كخُضْرَة آسِهَا
قَبْلَ النَّوَى وسِهَامُهُ مَشْغُولةُ
…
الأفْوَاق لم تَبْلغُ إلى بِرْجاسِها
مَن لي برَدِّ شَبِيْبةٍ قَضَّيْتُها
…
فيها وفي حِمْصٍ وفي مِيْمَاسِها
وزمَان لَهْو بالمَعَرَّةً مُوْنَقٍ
…
بسِيَاثِهَا وبجانِبَيْ هِرْمَاسِهَا
قَرأتُ بخَطِّ مُؤَيَّد الدَّوْلَة أُسامَة بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ، وأنْبَأنَا به أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عليّ عنه، قال: الَأمِيرُ أبو الفَتْح بن أبي حَصِيْنَة، هو الحَسَنُ بن عَبْد اللَّهِ بن أحْمَد بن عبد الجبَّار بن أَبي حَصِيْنَة، وهو غَزِير القَرِيْحَة،
(a) ابن عساكر: فمشارب.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 120.
(2)
لم ترد القصيدة في أصل ديوانه، وألحقها المحقق نقلًا عن ابن عساكر (13: 120 - 121) وعن غيره من المصادر التي أوردتها، انظر الديوان 1: 354 - 355، ومعجم الأدباء 3:1127.
كَثِيْر الشِّعْر، مُجِيْد بَلِيْغ، وكان مَدَحَ الأَمِير أسَدَ الدَّولَة أبا صالح عَطِيَّة بن صالح بن مِرْدَاس بقَصِيدَة أوَّلُها
(1)
: [من الطويل]
سَرَى طَيْفُ هِنْدٍ والمَطِيُّ بنا تَسْرِي
…
فأَخْفَى دُجَى لَيْلٍ وأبْدَى سَنَا فَجْر
فيها:
خَلِيلَيَّ فُكَّاني من الهَمِّ وارْكَبا
…
فِجَاجَ المَوَامِي الغُرّ (a) في النُّوَب الغُبْر
إلى مَلِك من عَامرٍ لو تَمَثَّلَتْ
…
مَنَاقِبهُ أغْنَتْ عن الأنْجُمِ الزُّهْرِ
إذا نحنُ أثْنَيْنا عليه تلَفَّتَتْ
…
إلينا المَطَايَا مُصْغِيَاتٍ إلى قُتْرِ (b)
منها:
وفَوق سَرِير المُلْكِ من آل صالِحٍ
…
فَتًى وَلدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةَ القَدْرِ
فَتَى وَجْهُهُ أبْهَى من البَدْر مَنْظَرًا
…
وأخْلَاقُهُ أشْهَى من الماءِ والخَمْرِ
فيها:
أبَا صالحٍ أشْكُو إليك نَوَائبًا
…
عَرَتْني كما يَشْكُو النَّبَاتُ إلى القَطْرِ
لتَنْظُرَ نحوي نَظْرةً لو نَظَرْتَها
…
إلى الصَّخْر فَجَّرْتَ العُيُونَ من الصَّخْرِ
وفي الدَّار خَلْفِي صِبْيَةٌ قد تَرَكتُهم
…
يُطِلُّون إطْلَال (c) الفِرَاخِ من الوَكْرِ
لعَلَّ بَشِيرًا منكَ يأتي إليهِمِ
…
بأنَّكَ قد آمنْتُهم عَضَّة الدَّهْرِ
ومنها:
جَنَيْتُ على رُوْحِي برُوْحِي جِنَايةً
…
فأثقلْتُ ظَهْري بالَّذي شَبَّ (d) من ظَهْرِي
(a) مستدرك الديوان: الغبر.
(b) في الديوان: إلى جبر، وعند ياقوت: إلى الشكر.
(c) في الأصل: يظلون إظلال. والمثبت من المستدرك على الديوان 1: 351، والوافي بالوفيات 12:83.
(d) في الديوان والوافي بالوفيات: خفَّ.
_________
(1)
ديوان ابن أبي حصينة 1: 350 - 351، والقصدة استدركها المحقق مما أورده ياقوت في معجم الأدباء 3: 1120، وابن العديم في زبدة الحلب 1: 230 - 231، والصفدي في الوافي بالوفيات 13:84.
عِدَاد الثُّرَيَّا مثْل نِصْفِ عِدَادِهم
…
ومن نَسْلُه ضِعْفُ الثُّرَيَّا مَتَى يُثْرِي
فهَبْ هِبَةً يَبْقَى عليكَ ثَنَاؤُها
…
بَقَاء النُّجُوم الطَّالعات الّتي تَسْري
فلمَّا فَرَغَ من إنْشَادها، أحْضَر الأَمِيرُ أسَدُ الدَّولَةِ القَاضِيَ والشُّهُودَ، وكَتَبَ له، وأَشْهدَ على نَفْسه بتَمْلِيك ابن أبي حَصِيْنَة ضَيْعَتَيْن من مُلكِه لها ارْتِفَاعٌ كَثِيْرٌ، وأجازَهُ، وأحْسَنَ إليه، فأثْرَى وتَمَوَّل، وعَمَّر بحَلَب دَارًا خَسِرَ عليها مَالًا كَثِيْرًا، وكَتَبَ على إزَار رَوْشَنها
(1)
: [من السريع]
دَارٌ بَنَيْناها وعِشْنَا بها
…
في نِعْمَةٍ (a) من آل مِرْدَاسِ
قَوْمٌ مَحَوْا بُؤْسي ولم يَتْركُوا
…
عليَّ للأيَّام (b) من بَاسِ
قُلْ لبني الدُّنْيا أَلَا هكذا
…
فليَفْعَلِ النَّاسُ مع النَّاسِ
هكَذا نَقَلْتُهُ من خَطِّ أبي المُظَفَّر أُسامَة في تَعْلِيقه الّذي عَلَّقَهُ لابن الزُّبَيْر، وقد ذَكَرَ أُسامَة بن مُنْقِذ في مَوضع آخر هذه الحِكايَة أنَّها وقَعَت لابن أبي حَصِيْنَة مع مُعِزّ الدَّولَة ثِمَال بن صالح، وهو أصَحُّ؛ أخْبَرَنا بذلك الأَمِينُ أبو القَاسِم الحُسَيْن بن هِبَة اللَّه بن مَحْفُوظ بن الحَسَن بن صَصْرَى، فيما أَذِنَ لنا في روَايَتِهِ عنْهُ، وسَمِعْتُ منه بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو المُظَفَّر أُسامَة بن مُرْشِد بن عليّ بن مُقَلَّد بن نَصْر بن مُنْقِذ، قال: كان ابن أبى حَصِيْنَة مَدَّاحًا للأميرِ تاج الأُمَرَاءِ مُعِزّ الدَّولَة أبي العُلْوَان ثِمَال ابن أسَد الدَّولَة صالح بن مِرْدَاس، فامْتَدَحَهُ بقَصِيدَة شَكَا فيها كَثْرة أوْلَادِهِ، وكان له أرْبَعة عَشر ولدًا، أوَّلُها:[من الطويل]
سَرَى طَيْفُ هِنْدٍ والمَطِيُّ بنا تَسْرى
…
[فأَخْفَى دُجَى لَيْلٍ وأبْدَى سَنَا فَجْر](c)
(a) في المستدرك على الديوان: دعة، وهي رواية تأتي فيما بعد.
(b) في المستدرك: في الأيام.
(c) لم يورد ابن العديم عجزه المدرج بين الحاصرتين، واستكملناه من رواية الأبيات المتقدمة.
_________
(1)
الأبيات الثلاثة في المستدرك على الديوان 1: 360 - 361 نقلًا عن معجم الأدباء 3: 1122 وابن العديم في زبدة الحلب 1: 231، والوافي بالوفيات 84.
جَنَيْتُ على نَفْسِي بنَفْسِي جنايةً
…
فأثْقَلْتُ ظَهْري بالَّذي شَبَّ من ظَهْري
عِدَادُ الثُّرَيَّا مثْل نِصْفِ عِدَادِهم
…
ومَنْ نَسْله ضِعْفُ الثُّريَّا مَتَى يُثْري
وأخْشَى اللَّيالِي الغَادِرات عليهم
…
لأنَّ اللَّيالِي غيرُ مَأمُونة الغَدْرِ
ولي منْكَ إقْطَاعٌ قَدِيم وحَادِثٌ
…
تقلَّبْتُ فيهِ تحت ظلّكَ من عُمْري
وما أنا بالمَمْنُوع منْهُ ولا الّذي
…
أخَافُ عليه منْكَ حَادِثَةً تَجْري
ولكنَّني أَبْغِيْهِ مُلْكًا مُخَلَّدًا
…
خُلُود القَوَافي البَاقِيَات على الدَّهْرِ
والقَصِيدَةُ طَوِيلَةٌ.
فلمَّا سَمِعَها مُعِزّ الدَّولَةِ، أمَرَ بإحْضَار شُهُودٍ أشْهَدَهُم بَتْملِيكهِ أبا الفَتْح الحَسَن بن عَبْد اللَّه بن أحْمَد بن عَبْد الجَبَّار بن أبي حَصِيْنَة ضَيْعَتَيْن من أعْمَال حَلَب ومَنْبج، فأَثْرَى، وحَسُنَتْ حَالهُ، وعَمَّر بحَلَب دَارًا، وكَتَبَ على إزَار رَوْشَنها:[من السريع]
دَارٌ بَنَيْنَاها وعِشْنَا بها
…
في نِعْمَةٍ من آل مِرْدَاسِ
وذَكَرَ الأبْيَات الثَّلاثة كما نَقَلتُها من خَطِّ أُسامَة.
سَمِعْتُ الأَمِيرَ بَدْرَان ابن جَنَاح الدَّوْلَة حُسَيْن بن مالك العُقَيْلِيّ، قال: قال لي الخَطِيبُ هاشِم خَطِيْبُ حَلَب: لمَّا بَني ابنُ أبي حَصِيْنَة دَارَهُ وكَتَبَ على إزَار سَقْفها: [من السريع]
دَارٌ بَنَيْنَاها وعِشْنَا بها
…
في نِعْمَةٍ من آل مِرْدَاسِ
المَانِعي بُؤْسِي فلَم يتْركُوا
…
عليَّ للأيَّام من بَاسِ
قُلْ لبَني الدُّنْيا ألَا هَكَذا
…
فليَفْعَلِ النَّاسُ مع النَّاسِ
بَلَغَ نَصْر بن مَحْمُود ذلك، فكَتَبَ له دَارًا إلى جانبها، وكانت خَربةً، وهي الآن لبعض الشِّرَاف بحَضرَة البلَاط شَرْقيّ الدَّار الّتي كان كَتَبَ على رَوْشَنها
الأبْيَات، وهي الآن لبعض الهاشِميِّيْن، وبَابُهَا في الزَّاويَةِ الّتي هي مُقَابِل مَسْجِد الشَّريف الزَّاهِد، قال: وأطْلَقَ له ألفَ دِيْنارٍ.
قال: وقال لي الخَطيْبُ: والدَّارُ الّتي عَمَّرها هي الدَّار الّتي تجاه حَمَّام الوَاسَانِيّ، ولها سَابَاط رَاكِبٌ على حَمَّام الوَاسَانِيّ، وهي في زَمَاننا هذا لولد قُطْب الدِّين الحَسَن بن العَجَمِيّ.
كذا قال لي بَدْرَان: بَلَغَ نَصْر بن مَحْمُود! ولَم يَعِشْ أبو الفَتْح بن أبي حَصِيْنَة إلى أيَّام نَصْر بن مَحْمُود.
وقد قيل إنَّ الحِكايَة جَرَت مع نَصْر بن صاع أخي ثِمَال بن صالح؛ فإنَّني قَرأتُ في كتاب نُزْهَة النَّاظِر ورَوْضَة الخَاطِر، تأليف عَبْد القَاهِر بن عَلَوِي المَعَرِّيّ، المَعْرُوف بابنِ خُصَا البَغْل، قال
(1)
: قيل: امْتَدَح أبو الفَتْح بن [أبي](a) حَصِيْنَة المَعَرِّيّ، رحمه الله، نَصْر بن صالِح بحَلَب، فقال له: تَمَنَّ، فقال: أتَمَنَّى أنْ أكُونَ أميْرًا، فَجَعَلهُ أميرًا يَجْلِسُ مع الأُمَرَاء، ويُخَاطَب بالَأمِير، وقَرَّبَهُ، وصَارَ يَحْضرُ في مَجْلِسه وفي زُمْرَة الأُمَرَاء، ثمّ وَهَبَهُ أرْضًا بحَلَب قِبْليّ حَمَّام الوَاسَانِيّ، فعَمَّرها دَارًا وزَخْرَفَها وقَرْنَصَها، وتَمَّمَ بُنْيانَها، وكمل زَخَارفها، ثمّ نَقَشَ على دَائر الدَّرَابْزِين:[من السريع]
دَارٌ بَنَيْنَاها وعِشْنَا بها
…
في دَعَةٍ من آل مِرْدَاسِ
قَوْمٌ مَحَوْا بُؤْسِي ولم يَتْركُوا
…
عليَّ للأيَّام من بَاسِ
قُلْ لبَني الدُّنْيا أَلَا هَكَذا
…
فليَفْعَلِ النَّاس مع النَّاسِ
(a) أسقطه ابن العديم كما وجده في الأصل مكتوبًا، ونبَّه عل الخطأ فيه بكتب "صـ" فوقه.
_________
(1)
نقل اليونيني هذه الحكاية عن ابن العديم في كتابه ذيل مرآة الزمان 1: 199 - 200.
قال: فلمَّا أنْهَى العَمَل بالدَّار، عمَل دَعْوَةً، وأحْضَر نَصْر بن صالح بن مِرْدَاسٍ، فلمَّا أكل الطَّعَام، رَأى الدَّار وحُسْنَها وحُسْنَ بُنْيانها ونُقُوشها، ورَأى الأبْيَات فقَرأها، فقال: يا أمير، كمَ خَسِرْتَ على بناءَ الدَّار؟ فقال: واللَّه يا مَوْلَانا ما للمَمْلُوك عِلْم بل هذا الرَّجُل تَولِّى عِمَارتَها، فأحْضَر مِعْمَارَها، وقال له: كم قد لَحقكمُ غرامَةٌ على بناءَ هذه الدَّار؟ فقال له المِعْمار: غَرِمْنا ألْفي دِيْنَارٍ مِصْريَّة، فأحْضَرَ من سَاعته ألفي دِيْنَارٍ مِصْرِيَّة، وثَوْبَ أَطْلَس، وعِمَامَةً مُذْهَبَة، وحِصَانًا بطَوْق ذَهَب، وسَخْت (a) ذَهَب، وسَرَفْسَار ذَهَب، ودَفَع ذلك جَميعَهُ إلى الأَمِير أبي الفَتْح، وقال له:[من السريع]
قُلْ لبَني الدُّنْيا ألَا هَكَذا
…
فليَفْعَل النَّاسُ مع النَّاسِ
ووَقَعَ إليَّ مَدَائِح نَصْر بن صالح مُدَوَّنَةً، وفيها قَصَائِد مَدَحَهُ بها أبو الفَتْح ابن أبي حَصِيْنَة وليس فيها القَصِيدَة الرَّائيَّة، ولا الأبْيَات السِّيْنيَّة، والصَّحيح أنَّهُ مَدَحَ بهما مُعِزّ الدَّولَة ثِمَال بن صالح، وأكْثَر مَدِيْحه فيه.
وقَرأتُ بخَطِّ أبي سَالَم أحْمَد بن عَبْد القَاهِر بن المَوْصُول هذه الأبْيَات الثَّلاثة، وذَكَرَ أنَّهُ كَتَبَها في دَاره على حَيْط مَجْلسه، وقالها في أيَّام مُعِزّ الدَّولَة، يعني ثِمَال بن صالح، وقد أطْلَق شيئًا في عِمَارتها له.
وقَرأتُ بخَطِّ رَجُل من الفُضَلَاءِ في بعض الكُتُب أنَّ ابن صالِح لمَّا بَلَغَتْهُ هذه الأبْيَات نفَّذَ إليه مَالًا، قيل: مِقْدَاره ألف دِيْنار، وقيل: ثلاثة آلاف دِينْار عِوَضًا عمَّا غَرِمَهُ على الدَّار.
(a) كذا في الأصل، وفي ذيل مرآة الزمان: وسرج ذهب، وفي الوافي بالوفيات 12: 84: سحب ذهب.
وممَّا يَدُلُّ أنَّ هذه الوَاقِعَة كانت مع مُعِزّ الدَّولَة، أنِّي قَرَأتُ في دِيْوان شِعْر أبي الفَتْحِ بن أبي حَصِيْنَة، الَّذي جَمَعَهُ أبو العَلَاء بن سُلَيمان أبْيَاتًا مَدَحَ بها أبا العُلْوَان ثِمَال بن صالح، يَذْكُر فيها غَيْبَةً غابها في عِمارَة دَاره الّتي عَمَّرها بحَلَب، وكان قد تأخَّر عن الخِدْمَة في الحُضُور بحَضْرته أيَّامًا عدَّةً
(1)
: [من الطويل]
وَقَفْنَا فكم هاجَ الوقُوفُ على المَغْنى
…
غَلِيْلًا دَخِيْلًا من لُبَيْنَى ومن لُبْنَى
وعُجْنَا عليه منذُ عِشْرِينَ حِجَّةً
…
تَقَضَّتْ فما عُجْنا على الحِلْم مُذْ عُجْنَا
أرَبْعَ التَّصَابي قد فَنيْتَ وحُبُّنا
…
لأهْلِكَ لا يَبْلَى بلَاكَ (a) ولا يَفْنَى
كأنَّكَ تَلْقى ما لَقِيْنا من الهَوَى
…
وتَضْنَي لفَقْد الظَّاعِنِيْن كما نَضْنَى
سَألناكَ لو أخْبَرتَنا أين يَمَّمُوا
…
أَوَعْسَ الحِمَى الأقْصَى أم الأوْعَسَ الأدْنَى
أم الحَيُّ لما أكْدَتِ المُزْن يَمَّمُوا
…
ثِمَالًا فشَامُوا من أنَامِلِهِ المُزْنَا
لقد نَجَعُوا رَبْعًا خَصِيْبًا من النَّدَى
…
وصَارُوا إلى مَنْ يَمْنَحُ المُدْنَ لا البُدْنا
فَتَى كَرَمٍ أفْنَى الصَّوَارِمَ في الوَغَى
…
ضِرَابًا وأَفْنَى بالطِّعَان القَنَا اللُّدْنَا
يدُلُّكَ من كلتَا يَدَيهِ علِىِ الغِنَى
…
فيُسْرُكَ في اليُسْرى ويُمْنُكَ في اليُمْنَى (b)
هو البَحْرُ إلَّا أنَّنا لا نَرَى له
…
سِوَى مُوْقَراتِ العِيْس من ماله سُفْنَا
نَظَمْتُ لأَسْنَى الخَلْقَ مَدْحًا وَجَدْتُهُ
…
سَنِيًّا فأهْدَيْتُ السَّنِىَّ إلى الأَسْنَى
أبا صالحٍ إنْ كُنْتُ في القَوْل مُحْسِنًا
…
فإنَّكَ قد جَازَيْتَني عنه بالحُسْنَى
وأعْدَيْتَني بالجُوْدِ حتَّى تَرَكْتَني
…
أجُودُ فأُفْنِي مَكْسَبي قبْلَ أنْ أَفْنَى
تَشَاغَلْتُ أبْني فيك مَدْحًا وأَبْتَني
…
ففيْكَ الّذي أَبْني ومنْكَ الّذي يُبْنَى
إذا نحنُ جُدْنا أو بَجَحْنا (c) بنِعْمَةٍ
…
فمنْكَ وممَّا جُدْتَّ ذاكَ الّذي جُدْنَا
(a) الديوان: فناك.
(b) الديوان: فيسرك لليسرى ويمنك لليمنى.
(c) الديوان: نفحنا.
_________
(1)
ديوان ابن أبي حصينة 1: 50 - 51.
ومَنْ (a) شكر القَوْم الأُلَى منْكَ رِزْقُهُم
…
فإنَّكَ بالشُّكْر الّذي شَكَرُوا تُعْنَى
إذا المَرْءُ أوْلَى الفَضْل من فَضْل غيره
…
فمُوْليْهِ أَوْلَى بالثَّنَاءِ الّذي يُثْنَى
أخْبَرَنا أبو يَعْقُوب يُوسُف (b) بن مَحُمود السَّاوِيّ بالقَاهِرَة، قِراءَةً عليهِ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو طاهر السِّلَفِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أنْشَدَنا أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن إبْراهيم بن الحَسَن التَّنُوخِيّ الحَلَبِيّ ببَغْدَاد في مَجْلِس أبي زَكَرِيَّاء التَّبْرِيْزِيّ اللُّغَويّ، قال: أنْشَدَني الأَمِيرُ أبو الفَتْح بن أبي حَصِيْنَة بحَلَب لنَفْسِه من قَصِيدَة
(1)
: [من الطويل]
كأنَّ الفَتَى يَرْقَى من العُمْر سُلَّمًا
…
إلى أنْ يَجُوز الأرْبَعِين فيَنْحَطُّ
وهذا البَيْت من قَصِيدَةٍ من غُرِّ قَصَائِده
(2)
.
وهذه أرْبَعُ قَصَائِد قالها في مَدْح مُعِزّ الدَّولَةِ ثِمَال بن صالِح، ذَكَرَ أبو العَلَاء بنِ عَبْد اللَّه بن سُلَيمان أنَّهُ عَمِلهُنَّ في لَيْلَةٍ واحدةٍ باقْتِرَاحِهِ ذلك عليه لغَرَضٍ جَرَى منه، ولمَّا أصْبَح وأنْشَدهُنَّ بحَضْرتهِ، أجْزَل له من العَطَاءِ، وأحْضَر له في جُمْلَته سفَطًا من مَلَابسهِ السَّنِيَّة، فلَبسَ ما فيه بينَ يَدَيْهِ، وأَقْطَعَهُ قَرْيَةً تُعْرَفُ بأَعْزَال
(3)
زِيَادَةً على ما كان معَهُ من الإقْطَاعِ في ذلك الوَقْت، وذلك في سَنَة ثَلاثٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة، وهذه الأُوْلَى منهُنَّ
(4)
: [من الطويل]
أبَى قَلْبُهُ من لَوْعَة الحُبِّ أنْ يَخْلُو
…
فلا تَعْذِلُوا من ليسَ يَرْدَعُهُ العَذْلُ
(a) الديوان: وإن.
(b) في الأصل: أبو يوسف يعقوب، ويرد صحيحًا في كثير من المواضع، وقد تقدمت ذات الرواية فيما مضى من هذا الجزء، وانظر ترجمة الساوي في تاريخ الإسلام للذهبي 14: 588، والنجوم الزاهرة 6:363.
_________
(1)
ديوان ابن أبي حصينة 1: 10.
(2)
بعده في الأصل بياض قدر نصف صفحة، ولعله أبقاه لإدراج أبيات من القصيدة، وانظر القصيدة بتمامها في ديوانه 1: 10 - 13.
(3)
لم أهتد للتعريف بها.
(4)
ديوان ابن أبي حصينة 1: 176 - 178.
ولا تطْلُبُوا منِّي مَدى الدَّهْر سَلْوِةً
…
فما يَرْعَوي عنكمُ فُؤادِي ولا يَسْلُو
ضَنِيْتُ فلَوْ أنِّي على رَأسِ شَعْرةٍ
…
حُمِلْتُ ومَالَتْ لم يُنْمِها بي (a) الحَمْلُ
كأنَّ اللَّيالِي طَالبَتْني لقُرْبكُم
…
بتَبْلٍ فلمَّا بِنْتُم ذَهَبَ التَّبْلُ
خَلِيلَيَّ ما للرَّبْع يَخْلُو وليسَ لي
…
فُؤَادٌ من التَّبْرِيْجْ يَخْلُو كما يَخْلُو
وما لي إذا ما لاحَ إيْماضُ بَارِقٍ
…
من العَلَم النَّجْدِيِّ دَاخَلَنِي خَبْلُ (b)
لئن كان جَهْلًا ما بقَلْبي من الهَوَى (c)
…
فَمنْ لي بقَلْبٍ لا يُفَارِقُهُ الجَهْلُ
ومَنْ لي بوَصْل من أُمَامَةَ بَعْدَما
…
تقَطَّعَ منها اليَأسُ أنْ يَرجع (d) الوَصْلُ
أيَا قَلْبُ كم لا تَسْتَفيقُ من الجَوَى
…
وكم أنْتَ لا يَجْلُو غَرَامَك ما تَجْلُو (e)
تَحِنُّ إلى نُعْمٍ وجُمْلٍ كِلّيْهما
…
وما أَنْعَمَتْ نُعْمٌ ولا أجْمَلَتْ جُمْلُ
فأُقْسِم لولا أنْتَ لم يُخْلَقِ الجَوَى
…
ولوْلَا أبو العُلْوَان لم يُخْلَقَ الفَضْلُ
فَتًى أَتْعَبَ البيْضَ الصَّوَارِمَ في العُلَى
…
وجَرَّبَ فيها ما يَمُرُّ وما يَحْلُو
فلا تَحْسَبُوا أنَّ المَعَالِي رَخِيْصَةٌ
…
ولا أنَّ إدْرَاكَ العُلَى هيِّنٌ سَهْلُ
فما كُلُّ مَنْ يَسْعَى إلى المَجْد مُدْرِكًا
…
ولا كُلُّ مَنْ تَهْوَى (f) العُلَى نَفْسُه تَعْلُو
وفَوْقَ سَرِير المَجْد من آل صَالِحٍ
…
فَتًى ما لهُ عن شُغْلهِ بالعُلَى شُغْلُ (g)
له نَصْلُ سَيْفٍ يَقْطَعُ الهامَ حَدُّهُ
…
وأقْطَعُ منه حَامِلُ النَّصْل لا النَّصْلُ
إذا سَلَّهُ سَلَّ العَزِيْمَةَ قبلَهُ
…
فلم يُدْرَ أيّ الصَّارِمَيْن (h) له الفِعْلُ
فَتًى خُلْقُهُ خُلْقُ الغَمَام فعندَهُ
…
لطَالِبهِ إمَّا الوَبَالُ أو الوَبْلُ
أبَا صَالِح حَمَّلتَني كُلَّ مِنَّةٍ
…
فرِفْقًا بما تُسْدِي فقد ثَقُل
(1)
الحِمْلُ
(a) الديوان: لا ينوء بها.
(b) الديوان: الخبل.
(c) الديوان: الجوى.
(d) الديوان: منع.
(e) الديوان: يخلو. . . ما يخلو.
(f) الديوان: يهوى.
(g) بعده في الديوان: حَليمٌ إذا وَازَنْتَ بالهَضْبِ عَقْلَهُ هَفَا الهَضْبُ من ميزَانِهِ وَرَسا العَقْلُ.
(h) الديوان: الضاربين
_________
(1)
الديوان: أُثْقِل.
نَظَمْتُ لكَ الدُّرَّ الّذي ليسَ مثْلُهُ
…
وأنْتَ الّذي ما في المُلُوك له مِثْلُ
بلَوْتَ القَوَافي عندَ مَنْ لَوْ بَلَوْتَهُ
…
بغير القَوَافي لابْتَهَجْتَ
(1)
بما تَبْلُو
ولمَّا تَخَيَّرْتُ المَدِيْحَ أو الكَرَى
…
حَلَا في فَمِي مثل الرُّقَادِ الّذي يَحْلُو
وكادَتْ قَوَافي الشِّعْر لمَّا دَعَوْتُها
…
إليكَ تُوَافي قَبْلَ أَنْ وَافَت الرُّسُلُ
لك الفَضْلُ لا للغَيْثِ إنَّكَ دَائِمٌ
…
وما دَامَ سَحٌّ للغُيُوث ولا هَطْلُ
وَهَبْتَ لغَالِي المَدْحَ (a) مَالَكَ كُلَّهُ
…
كأنَّكَ لا يَغْلُو عليكَ الّذي يَغْلُو
وأنْتَ الّذي لولَاكَ لم يُعْرَف النَّدَى
…
وأنتَ الّذي لوْلَاك لَم يُعْرَفُ
(2)
العَدْلُ
وهذه هي القَصِيدَةُ الثَّانيةُ من القَصَائِد الأرْبعَ
(3)
: [من البسيط]
عُوْجًا نُحَيِّ رُبُوعًا غيرَ أدْرَاسِ
…
بَيْن اللَّوَى وهِضَاب الأَرْعَنِ الرَّاسِي
إلى الأبَارِقِ حيثُ العيْنُ رَاتِعَةٌ
…
من الِحَمى بينَ أَنْقَاءٍ وأدْهَاسِ
سَقَى الدِّيَارَ بحيْثُ الخَبْتُ من هَجْرٍ
…
شؤْبُوبُ كُلِّ مُلِثِّ الوَبْل رَجَاسِ
دِيَار نَاسٍ صَحِبْناهُم بها زَمَنًا
…
يا حَبَّذا ناسُ تلكَ الدَّار من نَاسِ
إنْ أَوْحَشُوني فما أَنْسىِ بقُرْبهم
…
أُنْسِي فأَمزُجُ إيْحَاشِي بإينَاسِي
يا صَاحِبَيَّ أَبَرْقٌ لاحَ مُبْتَسِمًا
…
من دُون شَمَّاءَ (b) أم مَشْكَاةُ نِبْرَاسِ
أم نَحْنُ لمَّا جَعَلْنا قَصْدَنا حَلَبًا
…
بَدَا لنا النُّور من وَجْهِ ابنِ مِرْدَاس
مُتَوَّجٌ من بَني الشَّدَّادِ قد جُمِعَتْ
…
فيهِ المَحَامِدُ من جُوْدٍ ومن نَاسِ
مَنْ فَتَّشَ النَّاسَ من بَدْوٍ ومن حَضَرٍ
…
لم يَلْقَ مثْلَ أبي العُلْوَان في النَّاسِ
مُرَدَّدٌ في أُصُولٍ غير ذَاوِيَةٍ
…
من النَّدَى بينِ مِرْدَاس ومَيَّاسِ
ما زلْتُ أُفْرغُ في أوْصَافِهِ هِمَمي
…
دَهْرًا وأُتْعِبُ أقْلَامي وقِرْطَاسِي
(a) الديوان: الحمد.
(b) الديوان: تيماء.
_________
(1)
الديوان: لابْتَهَجن.
(2)
الديوان: يظهر.
(3)
الديوان 1: 178 - 179.
حتَّى أخَذْتُ أمانًا من مَكَارِمِهِ
…
أنْ لا يُقَلْقِلَ في الآفاق أَفْرَاسِي
يَشِيْبُ (a) وَفْري ولي من سَيْب (b) رَاحَتِهِ
…
وَفْرٌ وأعْرى وَلِي من فَضْلِهِ كَاسِي
قَسَا عليَّ زَمَاني فاسْتَجْرتُ بهِ
…
فبَاتَ لي غير قَاسٍ قَلْبُهُ القَاسِي
يا مَنْ مَكَارِمُه اللَّاتي عُرِفْتُ بها
…
مَكَارِمٌ أنْبَتَتْ شَعْري على رَاسِي
جَمِيْل فِعْلك فَخْري في بَني زَمَني
…
وحُسْنُ وَصْفِكَ فَخْرِي بينَ جُلَّاسِي
وطيْبُ ذِكْركَ لا ينْفَكُّ من (c) خَلَدِي
…
كأنَّ ذِكْرَكَ مَقْرُونٌ بأنْفَاسِي
وهذه هي القَصِيدَةُ الثَّالثَةُ من جُمْلَةِ القَصَائِد الأرْبَع الّتي عَمِلهُنَّ في تلك اللَّيْلة
(1)
: [من البسيط]
هَاجَ الوقُوفُ برَسْم المَنْزل الخالي
…
صَبَابةً لم تَكُن منِّي على بَالِ
لولا ظِبَاءُ رِمَاحٍ (b) لَم أَمُتْ شَغَفًا
…
بظَبْيَةٍ من ظِبَاءٍ السِّرْب معْطَالِ
لو شِئْتَ نَجَّتْكَ منها كُلُّ نَاجِيَةٍ
…
مِرْقَالة بنْت سَامِيِ الطَّرْف مِرْقَالِ
صَهبَاءَ مَالَ من التَّأوِيْب رَاكِبُها
…
مَيْل (e) المُعَلَّل من صَهْبَاءَ جِرْيَالِ
تَطْوِي البَعِيْدَ ويَطْوِيها فقد جُدِلَتْ
…
جَدْلَ المَرِيْرَة من حَلٍّ (f) وتَرْحَالِ
إلى فَتًى من بَني الشَّدَّادِ هِمَّتُهُ
…
مَقْرُونَةٌ بشُعَاعِ الكَوْكَب التَّالي
مُبَارَك الوَجْه لا يَخْفى تَهلُّلُهُ
…
مِثْلُ الحُسَام جَلَاهُ الصَّيْقَلُ الجَالِي
تلْقَى المُعِزَّ وتَلْقَى النَّاس كُلَّهُمُ
…
فتَزْدَري الوَهْدَ عند البَاذِخ العَالي
صَحِبْتُهُ غير ذي مالٍ فصَيَّرَني
…
من جُود كفَّيْه ذا جَاهٍ وذا مَالِ
وبَاتَ يُرْدِفُ لي من سَيْب رَاحَتهِ
…
جُوْدًا بجُوْدٍ وإفْضَالًا بإفْضَالِ
(a) الديوان: يشتُّ.
(b) الديوان: وفر.
(c) الديوان: عن.
(d) الأصل: رياح، والمثبت من ديوانه.
(e) الديوان: مثل.
(f) الديوان: حطٍّ.
_________
(1)
الديوان 1: 179 - 181.
سَجِيَّةٌ من كَرِيْم الخِيْمِ مَنْصِبُهُ
…
مُرَكّبٌ في كِرَامٍ غَير بُخَّالِ
أبْطَالُ حَرْبٍ وإنْ حَاوَلْتَ فَضْلَهُمُ
…
في السِّلْم ألفَيْتَ منهم غيرَ أبْطَالِ
أَمْحَلْتُ قِدْمًا فما زالَتْ غَمَائِمُهُم
…
تَجُودُ مَغْنَايَ حتَّى زَال إمْحَالي
واللَّهُ يَكْلَؤُهُم ممَّا أُحَاذِرُهُ
…
إنَّ المُهَيْمنَ نِعْمَ الحافِظُ الكَالِي
وهذه هي القَصِيدَةُ الرَّابعةُ ممَّا عَمِلَهُ في تلك اللَّيْلة، وأنْشَدَها معَهُنَّ بحَضْرتِه في ذلك اليَوْم
(1)
: [من الرجز]
هَلْ تَعْرفُ الرَّبْعَ الّذي تَنَكَّرَا
…
بين المَوَاعِيْسِ إلى وَادِي القُرَى
إلى الشَّرَى يا حَبَّذا ذاكَ الشَّرَى
…
حَيْثُ تَرَى منْهُ الكَثِيْبَ الأعْفَرَا
مُعَمَّمًا بنَورِهِ مُؤَزَّرًا
…
يفْشِي (a) نَسِيمَ الرِّيح ذاكَ العَبْهَرَا
والرَّنْد فَيَّاحَ الشَّذَا والعَرْعَرا
…
حتَّى تَسُوْفَ بالوِهَادِ والذُّرَى
عُوْدًا قُمَارِيًّا ومِسْكًا أذْفَرًا
…
مَنَازِلًا ذَكَّرْنَ مَنْ تَذَكَّرَا
عَيْشًا هَنِيْئًا وزَمَانًا أنْضَرَا
…
يا صَاحِبَيَّ غلِّسًا أو هَجِّرَا
وقَبِّلَا العِيْسَ المَخُوفَ الأغْبَرَا (b)
…
طَلَائِحًا تَنْفُخُ في صُفْرِ البُرَى
كأنَّها من الوَجِيْفِ والسُّرَى
…
قِسِيُّ رَامٍ أو جَرِيْدٌ حُسِّرَا
قَلائِصًا باتَتْ لُغُوبًا حُسَّرًا
…
يَكْتُبْنَ بالأيْدِي على وَجْهِ الثَّرَى
من الذَّمِيْل أَحْرُفًا وأَسْطُرًا
…
قُلْنا لها والنَّجْم قد تَغَوَّرَا
والصُّبْحُ قد أَسْفَرَ أو ما أَسْفَرَا
…
وهي من الإدْلَاج تَخْفَى أنْ تُرَى
يا عِيْسُ أُميِّ المَلِكَ المُؤَمَّرَا
…
وانْتَجِعي ذَاكَ الجَنَابَ الأخْضَرَا
فإنْ أزَرْنَاكِ المُعِزَّ الأزْهَرَا
…
فما تَرَيْنَ نَصَبًا ولا نَرَى
(a) الديوان: يَغْشى.
(b) الديوان: الأكدرا.
_________
(1)
الديوان 1: 181 - 182.
يا خَيْرَ قَيْسٍ مَحْتِدًا وعُنْصُرَا
…
دُوْنَك هذا الكَلِمَ المُسَيَّرَا
أَرَّقَنِي تأليْفُهُ وأسْهَرَا
…
وبتُّ لا أُطْعِمُ أجْفَاني الكَرَى
حتَّى نَظَمْتُ المُؤْنَّقَ المُحَبَّرَا
…
قَلائِدًا من القَرِيْض نُدَّرَا
كأنَّما أنْظِمُ منها جَوْهَرًا
…
تِجَارَةٌ قد أَرْبحَتْ مَنْ تَجَرَا (a)
فاسْلَم ولازلْتَ الأَعَزَّ الأكْبَرَا
…
مُؤيَّدًا مُسَدَّدًا مُظَفّرا
مُعَمَّرًا أو لا نَرَى مُغَمَّرا (b)
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ اللَّه بن الشِّيْرَازيّ كتابةً، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(1)
، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي الفَرَج غَيْثِ بن عليّ الأرْمَنازِيّ ممَّا عَلَّقَهُ عن أبي الحَسَن يَحْيَى بن عليّ بن عَبْدِ اللَّطِيْف بن زُرَبْق المَعَرِّيّ أنَّ أبا الفَتْح بن أبي حَصِيْنَة كانت وفاتُهُ سَنة ستٍّ وخَمْسِين وأرْبَعِمائة، أو في سَنَة سَبْعٍ بحَلَب، ويقتَضى أنْ يكُون مَوْلدُه قبل التِّسْعِين وثَلاثِمائة.
الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن بَرَكات بن شَافِع القُرَشِيُّ، أبو الفَوَارِس الدِّمَشقيّ
(2)
حَدَّثَ بحَلَب عن أبِي بَكْر مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه ابن الزَّاغُونِيّ في شْهر رَبِيع الآخر من سَنَة خَمْسٍ وأرْبعين وخَمْسِمائَة، وبغَيْرها عن أبي عليّ الحُسَين بن مُحَمَّد العَلَويّ الطَّبَريّ، والقَاضِي أبي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن المُظَفَّر السَّرَّاج، وأبي الحَسَن عليّ بن حَمْزَة المُوْسَويّ، وأبي سَعيد مُحَمَّد بن نُوح الرَّصَاصِيّ، وأبي القَاسِم عُود بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن المَرْوَزيّ، وأبي الفَتْح سَالَم بن عَبْدِ اللَّهِ العُمَرِيّ، وأبي مُحَمَّد عَبْد الجَبَّار بن عَبْدِ الخَالِق بن أبي القَاسِم الشَّحَّاميِّ.
(a) الديوان: أتجرا.
(b) في الأصل: معمرا، والمثبت من الديوان.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 132.
(2)
كان حيًا سنة 545 هـ.
وسَمعَ أبا الفَضْل مُحَمَّد بن الحُسَلى الرَّفَّاء الوَاعِظ خَطِيْب سَمَرْقَنْد، وسَمِعَ بدمَشْق الحافِظَ أبا الحُسَين هِبَةَ اللَّه بن الحَسَن بن عَسَاكِر المَعْرُوف بالصَّائِن، وَأبا القَاسِم الخَضِر بن الحُسَيْن بن عَبْدَان، وبالمَوْصل أبا بَكْر مُحَمَّد بن عليّ بن يَاسِر الجَيَّانِيّ، وبالجَزِيْرَة أبا عَبْد اللَّه بن سُبَيْع.
رَوَى لنا عنْهُ أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الكَريم الجَزَرِيّ، وكان له شِعْرٌ حَسَنٌ.
أخْبرَنا عِزّ الدِّين أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد الكَريم الجَزَرِيّ، قِراءَةً عليهِ بحَلَب، وكَتَبَهُ لي بخَطِّه، قال: أخْبَرَنا أبو الفَوَارِس الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن شَافِعٍ الدِّمَشقيّ، بقِرَاءَتي عليه بها، قال: أخْبَرَنا السّيِّدُ أبو عليّ الحُسَين بن مُحَمَّد العَلَويّ الطَّبَريّ، والقَاضِي أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن مُحَمَّد بن المُظَفَّر المُتَوَلِّي السَّرَّاجُ قاضي بَغْ
(1)
، وأبو القَاسِمِ مَحْمُود بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن المَرْوَزيّ المَعْرُوف بأُوْلبة، وأبو مُحَمَّد عَبْد الجَبَّار بن عبْد الخَالِق بن أبي القَاسِم الشَّحَّامِيّ، قالوا: أخْبَرَنا أبو بَكْر الشِّيْرُوِيّ، ح.
قال أبو الفَوَارِس: وأخْبَرَنا السَّيِّدُ أبو الحَسَن عليّ بن حَمْزَة المُوْسَويّ، وأبو الفَتْح سَالِم بن عَبْدِ اللَّه العُمَريّ، وأبو سَعيد مُحَمَّدُ بن نُوح الرَّصَاصِيّ، قالوا: أخْبَرَنا أبو سَعيد مُحَمَّدُ بن مُوسَى بن الفَضْل الصَّيْرَفِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس الأصَمُّ، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بنُ هشَام بن مَلَّاس، قال: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بن مُعاوِيَة، قال: حَدَّثَنَا حُمَيْد، عن أنَسٍ
(2)
أنَّ رسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال: لغَدْوةٌ أو رَوْحَةٌ في سَبِيْل
(1)
بَغ: وهي -حسب ياقوت- بلدة بغشور الواقعة بين هراة ومرو الروذ، والنسبة إليها بَغويّ. معجم البلدان 1: 467 - 468.
(2)
مصنف ابن أبي شيبة 4: 207 (رقم 19303) من طريق حماد بن سلمة عن أنس، سنن ابن ماجة 2: 921 (رقم 2757)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6: 13 (رقم 2792)، كنز العمال 4: 304 (رقم 10616).
اللَّه خَيْرٌ من الدُّنْيا وما فيها، ولَقَابُ قَوْس أحَدِكُم في الجَنَّةِ خَيْرٌ من الدُّنْيا وما فيها، ولو اطَّلَعَت امْرَأةٌ من نسَاءِ أهْلِ الجَنَّةِ إلى الأرْض لأضَاءَت ما بينهما، ولمَلَأَتْ ما بينهما رِيْحًا، ولنَصِيْفُها على رَأسِها خَيْرٌ من الدُّنْيا وما فيها.
أنْشَدَنا أبو السَّعَادَات المُبارَكُ بن أبي بَكْر بن حَمْدَان، قال: أنْشَدَنا أبو القَاسِم ابن أبي الفَرَج بن أبي مَنْصُور اليَعْقُوبيّ، قال: أنْشَدَنا أبو الفَوَارِس الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن شَافِع الدِّمَشقيّ لنَفْسِه: [من الوافر]
إذا سَدَّ اللَّئِيْمُ الباب دُوْني
…
وكَلْبٌ عَضَّنِي منهُ بنَابِ
فبابي للوَرَى أَبَدًا وُلُوجٌ
…
ونابي عن عضَاض الكَلْب نَابِ
وكَيْفَ ولي نجارٌ من قُرَيْش
…
ولي فَضْل إلى العَلْيَاءِ نَابِ
الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن الحَسَن بن سَعيد بن عَبْد السَّلام، أبو سَعيد الخزاعيُّ المِصِّيْصيّ المَعْرُوف بابنِ الدَّقِيْقِيّ
(1)
سَمِعَ بالمِصِّيْصَة أبا حَفْصٍ عُمَر بن سُلَيمان الشَّرَابِيّ مَوْلَى المُعْتَزّ باللَّه، سَنَة إحْدَى وثَلاثين وثَلاثِمائة، رَوَى عنهُ أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر.
أنْبَأْنَا أبو المَحَاسِن سُليْمانُ بن الفَضْل بن سُلَيمان البَانِياسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن
(2)
، قال: أنْبَأنَا أبو القَاسِمِ عليّ بن إبْراهيم، قال: أنْشَدنَا أبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أنْشَدَني أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر، قال: أنْشَدَني أبو سَعيد الحَسَنُ بن عَبْد اللَّهِ بن سَعيد بن عَبْد السَّلامِ الخُزَاعِيّ، المَعْرُوفُ بابنِ الدَّقِيْقِيّ المِصِّيْصيّ، بدِمَشْق في شهر رَبيع الآخر سَنَة خَمْسِين وثَلاثِمائة، قال:
(1)
كان حيًا سنة 353 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 133 - 133، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 191.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 122 - 123.
أنْشَدَني أبو حَفْص عُمَر بن سُلَيمان الشَّرَابِيّ مَوْلَى المُعْتَزّ باللَّه في المِصِّيْصَة سَنَة إحْدَى وثَلاثين وثَلاثِمائة، قال: أنْشَدَنا أبو العبَّاس عَبْدُ اللَّه ابن المُعْتَزّ باللَّهِ لنفسِه في مَنْزِلهِ ببَغْدَاد
(1)
: [من البسيط]
يا مَنْ أَعِزُّ بذُلِّي في الخُطُوْبِ لَهُ
…
إذا تَعَزَّزَ مَخْلُوقٌ بمَخْلُوقِ
يا رَازِقَ الخَلْقِ صُنّي بانْفِرَادِكَ لي
…
بالرِّزْقِ عن كُلِّ مَرْزُوقٍ بمَرْزُوقِ
لم يَعْصِهِ أحَدٌ إلَّا بتَخليةٍ
…
منهُ ولَم يُرْضِهِ إلَّا بتَوفِيقِ
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسيمِ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم الدِّمَشقيّ
(2)
، قال: الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن الحَسن بن سَعيد بن عَبْد السّلام، أبو سَعيد الخُزَاعِيّ المِصِّيْصيّ المَعْرُوف بابنِ الدّقِيْقِيّ، قَدِمَ دِمَشْق سَنَة ثَلاثٍ وخَمْسِينِ وثَلاثِمائة، وحدَّثَ عن أبي حَفْصٍ عُمَر بن سُلَيمان الشَّرَابِيّ مَوْلَى المُعْتز، رَوى عنهُ أبو مُحَمَّد بن أبي نَصْر.
الحَسَنُ بن عَبْد اللَّهِ بن الحَسَن بن عبد الرَّحْمن بن طَاهِر ابن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحُسَين بن عليّ، أبو عليّ بن العَجَميّ، المُلَقَّب قُطْب الدِّين
(3)
أخْبَرَني ابنُ عَمِّي أبو الفَضْل هِبَة اللَّه بن مُحَمَّد بن هِبَةِ اللَّه بن أبي جَرَادَة أنَّه حَدَّثَ بحَلَب، قال: وسَمِعْتُ منه جُزءًا من الحَدِث مع بعض الطَّلَبَةِ للحَدِيْث بحَلَب، وكان أبو عليّ هذا له وَجَاهَةٌ بحَلَب، وعنده فَضْل وأدَبٌ، ووَلِيَ أوْقَاف المَسْجِد الجامع، وتَمَوَّل، وحَجَّ على طَرِيق بَغْدَاد، فاحْترم من دَار الخِلَافَة، وصارَ
(1)
لم ترد في ديوانه.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 122.
(3)
توفي سنة 588 هـ.
في الطَّريق بينَهُ وبين طَاشْتكِيْن أمير الحَاجّ مَوَدَّةٌ ومُؤانَسَةٌ ومُكَاتَبةٌ، ووَقَف على الفُقَرَاء وعلى أوْلَاده وُقُوفًا كَثِيرة.
أخْبَرَني ولدُه بَهَاء الدِّين أبو القَاسِم عَبْد المَجِيْد بن الحَسَنِ، قال: سَمِعْتُ وَالدِي يقُول إنَّهُ كان يَقْرأ القُرْآن في صِبَاه بالمَسْجِد الجَامع على رجُلٍ من القُرَّاء يُقال له ابنُ الضُّرَيْبَة، وكان يَقْرأ معه أخُوه أبو الفَضْل بن عَبْد اللَّه بن الحَسَن، قال: وكان أخي ذَكِيًّا فَطِنًا يحفظُ سَرِيْعًا، وكنتُ بَطِيء الحِفْظ، وَاقِف الخَاطِر، حتَّى أنَّني تَعبتُ أيَّامًا في حِفْظ قَوْله تعالَى:{سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُوم}
(1)
ولا أحْفَظُها! فقال ابنُ الضُّرَيبة يَوْمًا: لا إلَه إلَّا اللَّهُ، هذا أخُو أبي الفَضْل، فأخَذَتني الأنَفَة على نفسِي وصغرت (a) عندي لذلك، ودَعْوتُ اللَّه تعالَى أنْ يُسَهِّلَ لي حِفْظَ القُرْآن، ثم اجْتهَدْتُ حتَّى بلَغَ من أمْري أنَّني كُنْتُ آخُذ ستِّين آيةً وسَبْعِين آيةً وأحْفَظها.
حَدَّثَّني وَالدِي رحمه الله، قال: كان للقُطْب أبي عليّ بن العَجَمِيّ جبٌّ فيه حِنْطَة، في دَاره، فأمَرَ بفَتْحه وبيعَ ما فيهِ من الحِنْطَة، ففُتِحَ لتُبَاع الحِنْطَة عند تحرُّك السِّعْر، فوجَدُوا الماء في رَأس الجُبّ فَوْقَ الحِنْطَة، فجاؤُوا إليه وأخْبَرُوه بذلك، فقال: في سَبِيْل اللَّه. ثمّ نَزحُوا الماء، فوَجَدُوه قد جَرَى من قناةٍ إلى رَأس الجُبّ، ولم يَصِل منه إلى الحِنْطَة إلَّا القليل، وفسَد شَيءٌ يَسِيْرٌ من الحِنْطَة، فأُخْبِر بذلك فقال: الحَمْدُ للَّهِ، وقد جَعَلْتُه في سَبِيْل اللَّهِ، لا أرْجِعُ فيه، فأخَذَ ثَمنَهُ، وصَرَفَهُ في ملكٍ اشْتَراهُ بحَلَب، ووَقَفَهُ على فُقَراءِ المُسْلمِيْن.
وحَدَّثَني شَرَف الدِّين أبو حَامِد عَبْدُ اللَّه بن عبد الرَّحْمن بن الحَسَن بن العَجَمِيّ، قال: لمَّا وَقَعَت الفِتْنَة بحَلَب بين السُّنَّة والشِّيْعَة، وهي الفِتْنَة الّتي قُتِلَ ابن
(a) رسْمها في الأصل أقرب لأن تكون: ضفرت.
_________
(1)
سورة القلم، من الآية 16.
الخَشَّاب بسَبَبها، نَهَبَ الشِّيْعَةُ دَارَ القُطْب ابن عمِّي بالقُرْبِ من الزَّجَّاجِين، ونُهِبَتْ دَار الشَّيْخ أبي يَعْلَى ابن أمِيْن الدَّولَة، وكانت بالقُرْبِ من دار القُطْب بالجُرْن الأصْفَر، وكان عنده أمْوَال الأيْتَام بحَلَب مُوْدَعةً، وكان القُطْب في القَرْيَة، فلمَّا قُتِلَ ابن الخَشَّابِ وسَكَنت الفِتْنَة، ظَفروا بشيءٍ من الذَّهَب المَنْهُوب، فأرْسَلَهُ الوَالي إلى القُطْب، وقال له: هذا قد خَلَّصْنَاهُ من ذَهَبكَ، فقال: قد نُهِبَتْ دَارُ ابن أمِيْن الدَّولَة، وفيها أمْوَالُ الأيْتَامِ، ولا أتحَقَّقُ يَقِيْنًا أنَّ هذا عَيْن مالي، وأخَاف أنْ يكُون للأيْتَام، فأرْسِلوهُ إلى الشَّيْخ أبي يَعْلَى فلا حاجَةَ لي فيه!.
أخْبرَني أبو القَاسِم عَبْدُ المَجِيْد بن الحَسَن بن العَجَمِيّ أنَّ أباهُ تُوفِّي في ذي القَعْدَة من سَنَة ثمانٍ وثمانين وخَمْسِمائَة، ودُفِنَ في دَاره الّتي انْتَقل إليها بعد النَّهْب بالبلَاط، فأقام بها دَفِينًا إلى أنْ نقَلَهُ ابنُ ابنهِ منها إلى تُرْبَةٍ جُدِّدَت له ولابنِه ظَاهِر باب النَّصْر بالقُرْبِ من الهَزَّازَة
(1)
، في سَنَة خَمْسٍ وخَمْسِين وستمائة.
الحَسَنُ بنُ عَبْد اللَّه بن الحَسَن الخُتَّلِيّ، أبو عليّ بن أبي طَاهِر الفَقِيه الشَّافِعيّ
(2)
إمَام جَامع دِمَشْق، قَدِمَ حلَبَ حَاجًّا مع إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونِيّ، حين قَدمَ الشَّامَ، ومرَّ معه بحَلَب، وحَدَّثَ عنهُ وعن أبي سَعيد فَضْل اللَّه بن أبي الخَيْر المِيْهَنِيّ.
(1)
الهزازة: ذكرها الغزي إحدى حارات حلب القديمة، وتوسع في ذكرها وتعداد سكانها وبيان أعراقهم وديانتهم مما كان في وقته. انظر: نهر الذهب 2: 374.
(2)
توفي سنة 460 هـ، ترجم له ابن عساكر في تاريخه في موضعين باسم: الحسن بن أبي طاهر 13: 116 - 117، واسم الحسن بن عبد اللَّه 13: 123 - 124، تاريخ الإسلام 10: 118، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 191.
رَوَى عنهُ أبو مُحَمَّد هِبَهُ اللَّه بن أحْمَد بن الأكْفانِيّ، وعَبْد العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانِيّ، وسَمعَ منه أبو طَاهِر إبْراهيم بن حَمْزَة الجَرْجَرَائيّ.
أنْبَأنَا أبو المحاسِن سُليْمان بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَن بن أبي طَاهِر الخُتَّلِيّ الفَقِيه، قَدِمَ علينا، قال: حَدَّثَنَا أبو سَعيد فَضْل اللَّه بن أحْمَد، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس المُسْتَغْفِرِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس بن أبي الحَسَن، قال: أخْبَرَنا أبي أبو الحَسَن، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن زّكَرِيَّاء الغَلَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن، عن الحَسَن (a)، عن الحَسَن بن أبي الحَسَن البَصْرِيّ، عن الحَسَن أنّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ أحْسَنَ الحَسَن الخُلُق الحَسَن.
أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمنِ بن أبي مَنْصُور في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(2)
، قال: أنْبَأنَا أبو مُحَمَّد هِبَةُ اللَّه بن أحمد، ونَقَلْتُه من خَطِّه، قال: أخْبَرَنا أبو عليِّ الحَسَن بن عَبْد اللَّه بن الحَسَن الخُتَّلِيّ، الشَّيْخ الفَقِيه الشَّافِعيّ، إمَام الجَامِع بدِمشْق، قال: حَدَّثَنَا أبو عُثْمان إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونِيّ إمْلاءً بدِمَشْق، فذَكَرَ حَدِيثًا.
أنْبَأْنَا أبو نَصْر بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم الدِّمَشقِيِّ
(3)
، قال: الحَسَنُ بن أبي طَاهِر بن الحَسَن، أبو عليّ الخُتَّلِيِّ الفَقِيه، سَكَنَ دِمَشْقَ،
(a) سقط هذا السند من نشرة ابن عساكر، وعدد القضاعيُّ الأسماء: فالحسن الأول هو ابن سهل، والثاني ابن دينار، والثالث البصري، والرابع ابن علي.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 116، والحديث أخرجه القضاعي في مسند الشهاب 2: 108 - 109 (رقم 986)، وإليه عزاه السيوطي في الدر المنثور 2:324.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 123.
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 116.
وحَدّثَ بها عن أبي سَعيد بن [أبي](a) الخَيْر المِيْهَنِيّ، وإسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونِيّ، ومعهُ قَدِمَ دِمَشْق حَاجًّا. حَدَّثَ عنهُ عَبْد العَزِيْز.
أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن بن الفَضْل بن البَانِياسِيّ كتابةً، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظُ
(1)
، قال: الحَسَن بن عَبْد اللَّه بن الحَسَن، أبو عليّ الخُتَّلِيّ الشَّافِيّ الفَقِيه، إمَام جَامع دِمَشْق، سَمِعَ أبا عُثْمان الصَّابُونِيّ، سَمِعَ منهُ شَيْخُنا (b) أبو طَاهِر إبْرَاهيْم بن حَمْزَة الجَرْجَرائيّ، وأبو مُحمَّد بن الأكْفَانيّ. وهو الحَسَن بن أبي طَاهِر الّذي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
: قَرأتُ بخَطِّ أبي مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ: تُوفِّي شَيْخُنا أبو عليّ الحَسَن بن عَبْد اللَّه بن الحَسَن الخُتَّلِيّ الإِمَام، رحمه الله، يَوْم الأرْبَعَاء ضُحَى نَهار لتسْع بَقِينَ من شَعْبان من سَنَة ستِّين وأرْبَعِمائة، وصُلِّي عليه العَصْر يَوم الأرْبَعَاء في الجَامِع بدِمَشْق، ودُفِنَ في باب الفَرَادِيسْ، رحمه الله ورَضِي عنهُ.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحافِظ
(3)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: تُوفِّي أبو عليّ الحَسَنُ بن أبي طَاهِر الخُتَّلِيّ الشَّافِعيّ القَاضِي الفَقِيه، إمَام الجاَمع بدِمَشْق، يَوْم الأرْبَعَاء الحَادِي والعشْرين من شَعْبان سنَة ستِّين وأرْبَعِمائة، وكان يُحَدِّثُ بحَديِثٍ واحدٍ عن فَضْل اللَّه بن أحمد، وحَدَّثَ عن إسْمَاعِيْل بن عبد الرَّحْمن الصَّابُونِيّ.
(a) ساقطة من الأصل، والتعويض من تاريخ ابن عساكر، مصدر النقل.
(b) ابن عساكر: شيخانا.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 123.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 124.
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 117.
الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بِن حَمْدانِ بن حَمْدُون بن الحَارِث بن لُقْمَان ابن رَاشِد -وتَمَامُ نَسَبهِ قد مَرَّ في تَرْجَمَةِ أبي فِرَاس
(1)
ابن عَمّه- أبو مُحَمَّد بن أبي الهَيْجَاء التَّغْلِبيّ، الأَمِير ناصِر الدَّوْلَة، صَاحِب المَوْصِل
(2)
قَدِمَ حلَبَ هو وأوْلَادُه إلى أخيهِ الأَمِير سَيْف الدَّوْلَة أبي الحَسَن عند قَصْد مُعِزّ الدَّولَة ابن بُوَيْه بلادَهُ مُسْتَنْجِدًا به في سَنَة سَبْعٍ وأرْبَعين وثَلاثِمائة، فأكْرَمهُ سَيْف الدَّوْلَة، وأعْظَم له ولأوْلَاده الأَنْزَال والضِّيَافَهَ، وأجْلَسَهُ على السَّريْر وجَلَسَ دُوْنه إعْظَامًا له، ومَدَّ يَدَهُ ليَنْزَع خُفَّهُ، فأعْطاهُ ناصِر الدَّوْلَة رِجْله ومَكَّنَهُ من ذلك فنَزَعه، وكان ناصِر الدَّوْلَة هو الأكْبَر، فسَلَك معه ما كان يَسْلُكُه أوَّلًا قبل أنْ يَرْتَفع شَأن الأَمِير سَيْف الدَّوْلَة، وشقَّ ذلك على سَيْف الدَّوْلَة في البَاطِن واحْتَمَلَهُ ولَم يُظْهرهُ.
(1)
ترجمة أبي فراس الحمداني الحارث بن سعيد التغلبي في جزءٍ ضائع من أجزاء الكتاب. وسياقة نسبه كما يورده ابن العديم في ترجمة حمدان بن حمدون (الجزء السادس) وكما أورده ابن خلكان في ترجمته، وابن نغري بردي في ترجمة ابن عمه سيف الدولة ابن حمدان، هو: الحسن بن عبد اللَّه بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث بن غُطيف بن محربة بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدي بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب التغلبي. انظر: وفيات الأعيان 2: 114، والنجوم الزاهرة 4:16.
(2)
توفي سنة 357 هـ، وترجمته في: أخبار الراضي للمصولي 65 - 66، 70 - 71، 88، 108 - 114، 122، 128 - 133، 139، 198 - 200، 225 - 228، 284، الهمذاني: قطع تاريخية من عنوان السير 110 - 111، ابن الأثير: الكامل 8: 163 وما بعدها (انظر فهرس الأعلام 13: 369)، زبدة الحلب 1: 223 وما بعدها، ابن خلكان: وفيات الأعيان 114 - 117، أبو الفداء: المختصر في أخبار البشر 2: 108 - 109، تاريخ الإسلام 8: 124 (وفاته 358 هـ)، العبر في خبر مَن غبر 2: 102، (وسماه: الحسين، وأرخ وفاته سنة 358 هـ)، الإعلام بوفيات الأعلام 153 (وفاته 358 هـ)، سير أعلام النبلاء 16: 186 - 187، النجوم الزاهرة 4: 19 - 20، محسن الأمين: أعيان الشيعة 5: 136 - 145.
قرأتُ في آخر كتاب البَديع في القِرَاءَاتِ لابن خَالَوَيْه، بخَطِّ أبي القَاسِم الحُسَين بن عليّ بن عُبَيْدِ اللَّه بن أبي أُسامَة الحَلَبِيّ الأدِيْب: تَمَّ كتاب البَدِيْع، وذلك في شَوَّال سَنَة سَبْعٍ وأرْبَعين وثَلاثِمائة بحَلَب، أيَّام زَارَ سَيِّدُنا الأَمِيرُ ناصِر الدَّوْلَةِ، سَيِّدَنا الأَمِيرَ سَيْفَ الدَّوْلَة، أطالَ اللَّهُ بَقَاءَهُما، مع سَائرِ الأُمَرَاءِ أوْلَاده، أدَامَ اللَّهُ عِزَّهُم.
وإيَّاهُ -أعْني ناصِر الدَّوْلَة- عَنَى أبو فِرَاس بقَوْله في قَصِيْدَتهِ الرَّائِيَّة الّتي يَفْخرُ فيها بقَوْمِهِ
(1)
: [من الطويل]
وفِيْنَا لدِيْن اللَّه عِزٌّ ومَنْعَةٌ
…
ومنَّا (a) لدِيْن اللَّه سَيْفٌ ونَاصِرُ
هُما وأَمِيرُ المُؤْمنيْنَ مُشَرِّدٌ
…
أجَارَاهُ لمَّا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُجَاوِرُ
وردَّاهُ حتَّى مَلَّكَاهُ سَرِيْرَهُ
…
بسَبْعِين ألْفًا (b) بينها المَوْتُ سَافِرُ
وسَاسَا أُمُورَ المُسْلميْن سِيَاسَةً
…
لها اللَّهُ والإِسْلَامُ والدِّيْنُ شَاكِرُ
أرادَ بذلك أنَّ ناصر الدَّوْلَة وأخاهُ سَيْف الدَّوْلَة أجَارَا المُتَّقِيّ من البَرِيْدِيِّيْنَ، وكان سَيْفُ الدَّولة بين يَدَي نَاصِر الدّوْلَة وذلك أنَّ المُتَّقِي خَرَجَ هَارِبًا من البَرِيْديِّيْنَ ومعه مُحَمَّدُ بن رَائِق والوَزيِرُ ابن مُقْلَة، فتَلقَّاهُم سَيْفُ الدَّوْلَة بتَكْرِيت، وحَمَل إليهم الأمْوَالَ والكُسَى والدَّوَابّ، وسَارَ بهم إلى أخيهِ ناصِر الدَّوْلَة
(2)
.
قال أبو عَبْد اللَّه بن خَالَوَيْه في شَرْح هذه الأبْيَات لأبي فِرَاس: وقد كان يُرْوَى قَديْمًا في خُطْبَةٍ لأَمِير المُؤْمنِيْن صَلَواتُ اللَّه عليه، يعني عليًّا عليه السلام:
(a) الديوان: وفينا.
(b) الديوان: بعشرين ألفًا.
_________
(1)
ديوان أبي فراس الحمداني 111 - 112.
(2)
انظر أخبار استيلاء أبي عبد اللَّه البريدي على بغداد وصعود المتقي إلى الموصل سنة 300 هـ مستوفاة عند ابن الأثير: الكامل 8: 380 وما بعدها.
كأنِّي بأبْناءِ الخِلَافَة من بني العبَّاسِ على مُتُون الأفْرَاسِ يَسْتَنْجِدُونَ العَرَبَ وسَائِر النَّاس؛ قد غَلَبَهُم عَبِيْدٌ أغْتَامٌ
(1)
غَصَبُوهُم الكَرَامَةَ، فما يُجيْرُهُم أحَدٌ إلَّا هُم.
قال: وكان سَيْفُ الدَّوْلَة يَقُول: صَدَق أَمِيرُ المؤمنِيْن واللَّه، لقد اجْتَهَدْتُ بالمُتَّقِيّ وابنهِ أنْ يَرْكَبا العَمَارِيَّات والشَّهَارِيّ (a) علىِ كَثْرة ما قُدْتُ إليهما، فأَبَيا أنْ يُغَيِّرا فَرَسَيْهما أو ثَوْبَيْهما إلى المَوْصِل، فقام أبو مُحَمَّد الحَسَن بن عَبْد اللَّه بنُصْرَتهِ، فلَقيهُ نَاصِرُ الدَّولة.
قال: ولمَّا لَقَّبَ المُتَقِي الحَسَن بن عبْد اللَّه ناصِرَ الدَّوْلَة، قال الشَّاعرُ فيهِ:[من البسيط]
مَن كانَ شَرَّفَهُ فيما مَضَى لَقَبٌ
…
فنَاصِرُ الدِّينِ ممَّن شَرَّفَ اللَّقَبَا
دَعَوْكَ نَاصِرَهُمْ لمَّا نصَرْتَهُمُ
…
وأَعْجَزَ العُجْمَ ما حَاوَلْتَ والعَرَبَا
قال ابنُ خَالَوَيْه: قال لي الأَمِيرُ أبو فِرَاسٍ: سَمِعْتُ الأمِيرَ سَيْفَ الدَّوْلَةِ يَقُول: أنْفَقَ أخي في مُدَّة أحَدَ عَشَر شَهْرًا اثْنَتين وسَبْعِين ألفَ ألفِ دِرْهَمٍ، أكْثَرُها من ذَخَائِره.
وقال أبو عَبْدِ اللَّه بن خَالَوَيْه: ولِم يَزَل -يعني ناصِر الدَّوْلَة- مَشْهُورًا بالبَأْس، مَوْصُوفًا بالشَّجَاعَة والإقْدَام، حدَّثني من سَمِعَهُ، قال: كُنْتُ مع أبي صَبِيًّا قد زَحَف إلينا عَمِّي الحُسَين ليستَقْيد من وَقْعَتنا كانت به، فطلَبْتُ من أبي جَوْشَنًا، فمنَعَني لصبَاي، وكان معنا ابنُ خال أبي مُحَمَّد عليّ بن دَاوُد بن وُهْزَاد الكُرْدِيّ، فقال لي: يا أبا مُحَمَّد، حُسَيْن حَمُوكَ، وهو الّذي تَعْرفُ وواللَّه لئن لَم يَرَ قِتَالك لأدْفَع
(a) الأصل: الشهاريات، وأصلحها المؤلف بالمثبت.
_________
(1)
الغُتْمَةُ: العجمة في المنطق. لسان العرب، مادة: غتم.
إليكَ ابنتَهُ، فما التقَت الخَيْلَان حتَّى ضَرَبتُ فَارِسًا فيهم، وجئتُ إلى أبي وأَرَيْتُهُ الدَّمَ يَقْطُرُ من كُمِّي.
قَرَأتُ في كتاب المَأْثُور في مُلَح الخُدُور، تأليف أبي القَاسِم الحُسَين بن عليّ بن الحُسَين الوَزِير المَغْرِبيّ، ورَأيتُهُ بخَطِّهِ، قال: ومن وَلد أبي الهَيْجَاءِ أبو مُحَمَّد الحَسَن، وأبو الحَسَن عليّ ناصِر الدَّوْلَة وسَيْفُها رَحمَهُما اللَّه، المُتَجَاذِبَان مُلاءَة المَجْدِ، والجَارِيَان على سَاقَة الكَرَم والفَضْل، وفي مَدْحِهما يقُول أبو العبَّاس أحْمَدُ بن مُحَمَّد الدَّارِمِيِّ النَّامِيّ المِصِّيْصيّ رحمه الله
(1)
: [من الرجز]
بجَبَلَيْ وَائِلٍ ورُكْنَي عِزِّها
…
وعَارِضَيْ أُفْقِ نداهَا المُنْهَمِلْ
تَوَازنَ القِسْمان في المَجْد اعْتَلَى
…
تَسَاوِيَ العَيْنَيْن في اللَّحْظ اتَّصَلْ
يا حَسَنُ بنَ المُحْسِنين دَعْوَةً
…
للمَجْد تُدْعَاهَا وأُخْرَى للوَهَلْ
ويا عليُّ كم دُعَاءٍ بكَ مِن
…
ثَغْرٍ مَحُوفٍ ورَجَاءٍ مُبْتَهَلْ
هذا مَقَامي بين بَحْرَيْن فلا
…
ثَمْدًا مَنَحْتُ ظَمَئي ولا وَشَلْ
ذَكَرَ مُحَمَّدُ بن عَبْد المَلِك الهَمَذَانيّ، في كتاب عُنْوَانِ السِّيَر في مَحَاسِن البَدْو والحَضَر
(2)
، وقَرَأتُه فيه، قال: ناصِرُ الدَّوْلَة أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن أبي الهَيْجَاء عَبْد اللَّه بن حَمْدَان، لَقَّبهُ المُتَّقِيّ للَّه بهذا اللَّقَب، وهو ثاني من لُقِّبَ في الدَّوْلةِ. ولَقَّبَ أخاهُ أبا الحَسَن سَيْف الدَّوْلَة، ووَلي ناصِر الدَّوْلَةِ إمارَة الأُمَرَاءِ ببَغْدَاد ووَاسِط في سَنَة ثلاثين وثَلاثِمائة، وضَرَبَ دَنَانِيْر سَمَّاها الإبْرِيْزيَّة، وبيْعَ الدُّنْيار منها باثْنَى عَشر دِرْهَمًا، وزوَّجَ ابنَتَهُ عَدَوِيَّة من الأَمِير أبي مَنْصُور ابن المُتَّقِيّ للَّه على صَدَاق تعجَّل منه مائة ألف دِيْنارٍ، وكانت إمارَتهُ ببَغْدَاد ثلاثة عَشَر شهرًا وثلاثة أيَّام.
(1)
لم ترد في مجموع شعره.
(2)
قطع تاريخية من كتاب عنوان السير 110.
وَجَدْتُ في بعض تَعَالِيْقي أنَّ ناصِر الدَّوْلَةِ الحَسَنَ بن عَبْد اللَّه بن حَمْدَان، سخطَ على كاتبٍ له، وألْزَمَهُ مَنْزِلَهُ، فاسْتُؤْمِر في إسْقَاطِ المُقَرَّر له، فقال: إنَّ المُلُوكَ يُؤَدِّبُونَ بالهِجْرَان ولا يُعَاقِبُونَ بالحِرْمانِ.
ووقَّعَ في رُقْعَة صَدِيْق كَتَبَ إليه يَعْتَذرُ من التَّأخُّر عن حَضْرته: أنْتَ في أوْسَع العُذْر عند ثِقَتي بكَ، وفىِ أَضْيَقِه عندَ شَوْقي إليكَ.
أنْبَأنَا أبو رَوْح عَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل، قال: أخْبَرَنا زَاهِر بن طَاهِر الشَّحَّامِيِّ إذْنًا، عن أبي القَاسِم بن أحْمَد، عن أبي أحْمَد المُقْرِئ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّدُ بن يَحْيَى الصُّوْلِيّ
(1)
إجَازَةً، قال: وكان النَّاسُ يَكْتُبونَ على الدَّنَانِيْر (a): مُحَمَّد رسُول اللَّه، فزادَ ناصِر الدَّوْلَة: صَلَّى اللَّهُ عليهِ، فكانت هذه مَنْقَبَة لآل حَمْدَان ما كانت لغيرهم؛ تفرَّدَ بها ناصِرُ الدَّوْلَة.
قال: ورَأيتُ له تَوْقِيعًا على قِصَّة مُتَظَلِّم: قد نَصَبَ اللَّه الحُكَّام، وأنْفَذَ أوامرهُم على الوُلَاةِ كما أنْفَذَها على الرَّعِيَّةِ، ولو كان إلينا تَصْريفهم في الحُكَّام على مُرَادِنا، لكفَفْناهُم عمَّا نَكْره من الأُمُور المُعِيْنَة علينا، لكن لا وِلَايَةَ لنا عليهم إلَّا في الاسْتِبْدَالِ بالمُتَسمِّح منهم، فإنْ أعَادَك إلينا ضَعْفًا لا افْتتَنانًا عضَدْناه بالإمْدَاد، وأغْنَيْنَاهُ عن الاسْتِنْجَادِ.
قال مُحَمَّد بن عَبْد الَمَلِك بن الهَمَذَانيّ، في كتاب عُنْوَان السِّيَر
(2)
: ولَم أَيَزَل -يعني ناصِر الدَّوْلَة- مُسْتَوليًا على ديار المَوْصِل وغيرها حتَّى قَبَضَ عليه ابنُهُ أبو تَغْلِب
(a) في كتاب الصولي: يكتبون على الدينار: لا إله إلا اللَّه من جانب، محمد رسول اللَّه؛ من الجانب الآخر.
_________
(1)
الصولي: أخبار الراضي باللَّه والمتقي 231.
(2)
قطع تاريخية من كتاب عنوان السير 110 - 111.
في سَنَة ستٍّ وخَمْسِين وثَلاثِمائة، وكانت إمَارتُه هناك اثنتَيْن وثَلاثين سَنَةً، وتُوفِّيَ يَوْم الجُمُعَة الثَّاني عَشر من شَهْر رَبيع الأوَّل سَنَة سَبْعٍ وخَمْسِين وثَلاثِمائة.
قَرأتُ بخَطِّ ثَابِت بن سِنَان بن ثَابِت في جُزءٍ وَقَعَ إليَّ بخَطِّه؛ جَمَعَ فيه وَفَاءات الأعْيَان، قال في ذِكْر مَنْ ماتَ سَنَة سَبْعٍ وخَمْسِين وثَلاثِمائة: الأَمِيرُ ناصِرُ الدَّوْلَة أبو مُحَمَّد الحَسَن بن عَبْدِ اللَّه بن حَمْدَان، ماتَ وهو مُعْتَقَلٌ في القَلْعَة؛ اعْتَقَلَهُ ابنُهُ أبو تَغْلِب فيها، بذَرَبٍ عَرَضَ له بعَقب قُوْلَنْج، وكانت وَفاتُهُ يَوْم الجُمُعَةِ لاثْنتي عَشْرة لَيْلَة خَلَتْ من شَهْر رَبيع الأوَّل، وقد تجاوزَ في السِّنِّ ثَمانين سَنَةً.
الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن حَمْزَة بن أبي الحَجَّاج العَدَوِيّ الشَّافِعيّ، أبو المَكَارِم الدِّمَشقيّ القَاضِي
(1)
قاضي حَلَب، فَقِيْهٌ فَاضِلٌ، حَسَنُ السَّمْت، كَثِيْرُ الصَّلَاح والخَيْر، وَلي القَضَاءَ بحَلَب خِلَافَةً عن شَيْخنا قاضِي القُضَاةِ أبي المَحَاسِن يُوسف بن رَافِع بن تَمِيْم، وكان سَمِعَ الحَدِيْث بدِمَشْق من الفَقِيه أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عليّ بن المُسَلَّم الخِرَقِيّ، وحَدَّثَ بحَلَب بشيءٍ يَسِيْر، ولم يَتَّفق لي سَمَاع شيءٍ منه، وِرَوى لنا عنْهُ أبو المَحَامِد إسْمَاعيْل بن حَامِدٍ القُوصِيّ، وكان يُدَرِّسُ بدِمَشْق، بالمَدْرسَة الظَّاهِريَّةِ على الشَّرْف الأَعْلَى ظَاهِر دِمَشْق، واسْتَدعاهُ شَيْخُنا قاضِي القُضَاة أبو المَحَاسِن واسْتَنابهُ في القَضَاء بحَلَب، وفوَّضَ إليه تَدْرِيس الفِقْه على مَذْهَب الإمَام الشَّافِعيّ بالمَدْرَسَة النُّورِيَّة الشَّافعيَّة المَعْرُوفة بمَدْرَسَة النِّفَّرِيّ، وتقدَّم عند المَلِكِ الظَّاهِر غَازِي بن يُوسُف بن أَيُّوبَ، وسَيَّرَهُ رَسُولًا عنه إلى عَمِّه المَلِك العادِل أبي بَكْر بن أَيُّوب، وكان يُحْضره المَشُورَة في آخر أمْرِه.
(1)
توفي سنة 623 هـ.
وأخْبَرَني قاضِي القُضَاة زَيْن الدِّين أبو مُحَمَّد ابن شَيْخنا عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه بن عُلْوَان أنَّ مَوْلد القَاضِي أبي المَكَارِم بن أبي الحَجَّاج في سَنَة تِسْعٍ وخَمْسِين وخَمْسِمائَة، وذَكَرَ لي أنَّهُ أخْبَره بذلك.
أخْبَرَنا أبو المَحَامِد إسْمَاعِيْل بن حَامِد القُوصِيّ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي نَجْم الدِّين أبو المَكَارِم الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن حَمْزَة بِظَاهِر دِمَشْق، قال: أخْبَرَنا الفَقِيه أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عليّ الخِرَقِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن المُسَلَّم السُّلَمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَد بن عَبْد الوَاحِد بن أبي الحَدِيْد السُّلَمِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر جَدِّي مُحَمَّد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَرَائِطِيّ
(1)
، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن عَرَفَة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن خَازِم أبو مُعاوِيَة الضَّرِيْر، عن سَلَّام أبي شُرحْبِيل، عن حَبَّة بن خَالِد، وسَوَاء بن خَالِد
(2)
، قالا: دَخَلنا على رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يُعَاِلجُ شيئًا فأعَنَّاهُ، فقال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تَيْأَسَا من الرِّزْق ما تَهَزْهَزَتْ رُؤوسكما؛ فإنَّ الإنْسان تَلدهُ أُمُّه أحْمَرَ ليسَ عليه قِشْر ثُمَّ يَرْزقُه اللَّهُ تعالَى.
تُوفِّي القَاضِي أبو المَكَارِم بنُ أبي الحَجَّاج بحَلَب يَوْم السَّبْت ثالث عَشر شَهْر رَبِيع الأوَّل من سَنَة ثَلاثٍ وعشرين وستمائة، ودُفِنَ خارج مَدِينَة حَلَب بالقُرْبِ من مقام إبْراهيم عليه السلام، في تُرْبَةٍ مَعْرُوفةٍ به.
(1)
لم أقف عليه في كتب الخرائطي الثلاثة: اعتلال القلوب، ومكارم الأخلاق، ومساوئ الأخلاق.
(2)
ابن ماجة: السنن 3: 1394 (رقم 4165)، الطبراني: المعجم الكبير 4: 7 (رقم 3479)، 7: 162 - 163 (رقم 6610)، صحيح ابن حبان 8: 34 (رقم 3243)، ابن شيرويه الديلمي: الفردوس 1: 200 (رقم 757) ولم يسنده، المتقي الهندي: كنز العمال 3: 703 (رقم 8514)، وانظر: المسند الجامع 5: 59 (رقم 3346).
وحَدَّثني شَيْخُنا ضِيَاء الدِّين صَقْر بن يَحْيَى بن صَقْر الشَّافِعيّ أنَّهُ حَضَر وَفَاتَهُ، وأنَّهُ الْتَفَت إليه قبل مَوْته، وقال:{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}
(1)
، قال: فقَرأتُ أنا بعْدَها: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
(2)
. قال: فَجَعَل يُكَرِّرها معي مِرَارًا وماتَ. قال: وكان يقُول عند موْته في كُلِّ وقْتٍ: لا إلَه إلَّا اللَّه، تَقَوَّى بها فَاهُ من قَلْبٍ مُخْلصٍ.
الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن سَعيد الحَرَّانيُّ
(3)
حَدّثَ بحَلَب [. . .](a)، سَمِعَ منه بها، ورَوَى عنهُ أبو القَاسِم عَبْدُ العَزِيْز بن عليّ بن الحَسَن الشَّهْرَزُورِيّ المالِكِيّ عَابِر الأحْلَام.
الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن صالح، أبو الفَتْح الأصْبَهَانِيّ الكَاتِب الكِيَا
(4)
كاتبُ بَليْغُ، وَقَفْتُ له على رسالة إلى أبي المُظَفَّر الأذْرِيّ، ذَكَرَ له مَوْت سُلْطانه الّذي كان يَخْدمه، وأنَّهُ أُلْزمَ بعدَهُ بتولِّي أمْر الملك، فمن الرِّسَالَة ما قَرأتُه
(a) ما بين الحاصرتين في الأصل بياض قدر ثلاث كلمات، ولم نهتد لمعرفة شيخه الذي حدث عنه وسمعه بحلب.
_________
(1)
سورة المؤمنون، الآية 10.
(2)
سورة المؤمنون، الآية 11.
(3)
لم يرد ذكر الحراني صاحب الترجمة سوى عند ابن عساكر (تاريخه 36: 317) في معرض تعداد شيوخ الشهرزوري المذكور، وكانت وفاة الشهرزوري سنة 427 هـ، وتقدير وفاة الحراني قبلها على التخمين.
وكان موضع هذه الترجمة في الأصل قبل الترجمة المتقدمة، فأخَّرها المؤلف بالكَتْب عندها:"مؤخّر"، وعند المتقدمة:"مقدّم".
(4)
من أهل القرن الخامس الهجري، لقراءته على أحمد بن فارس (ت 395 هـ)، وإشارته إلى أبي العلاء المعري (ت 449 هـ)، ومكاتبته لأبي القاسم ابن المغربي (418 هـ)، وذكره ابن الأثير في خبر مصالحة وقعت بين أبناء علاء الدولة ابن كاكويه سنة 433 هـ. انظر: الكامل 9: 496.
بخَطِّ الحافِظ السِّلَفِيّ قال: واعْلَمَ أنَّهُ، أدَامَ اللَّهُ نِعْمَتَهُ، لَقي أَممًا وشاهَدَ عَرَبًا وعَجَمًا، لكنَّه يَلْق فيهم مثْل نَفْسه، ولم يُصَادِف إلَّا قاصرًا عن مَحَاسِنه، فَقِيْرًا إلى اقْتِبَاس فَضْله، ولَيْتَ شِعْري هل أعْجَبتهُ تلك الدِّيَار، وهل عَظُمَت في هِمَّته العَظِيمَة تلك الآثار، وهل تأمَّل وثَاقَة سُور حَلَب، وجَوْدَة مَوْقع الحِصْن من البَلْدَة، فما كان يَصْلح إلَّا له، وما كُنْت تصلح إلَّا لها
(1)
.
قال: وأعْظَم من ذلك كُلّه في نَفْسِي، وأشَدّها إتْعابًا لفِكْري، وأكْثَرها مَؤُونة ونَفَقَة بحَدسي، مَلْعَب أفَاميَة، ولقد دُرْتُ فيه مِرَارًا، وقلَّبْتُ فِكْري في المُرَاد منها صُعُودًا وانْحِدَارًا، وتأمَّلْتُ ذلك البنَاء الهَائِل تأمُّلًا شَافِيًا، وأرْسَلتُ طَرْفي في عَجَائِبهِ فعادَ حَائِرًا خَاسِئًا، ولَم يَنْكشِف لي إلى هذه الغاية حَقِيْقَة المَغْزَى منها وبها، نَعَم؛ هل انْجَذَب إلى مَغْنَاطِيْس فَضْله شُعَرَاء مَعَرَّة النُّعْمَان، فإنِّي لَم ألْقَ فيها إلَّا شَاعِرًا، حتَّى قَدَّرْتُ عَوَامّهم؛ لو شَاؤوا لخَرَج كَلَامهم في تَعَاملهم وتَحَاوُرهم مَوْزُونًا مُقَفًّى لوفُور عَدَدِ الشُّعَراءِ فيها، ومُوَاتَاةِ الوَزْن والمَعَاني الجَيِّدة طَبعْ أَهْليها، وأظُنُّها تُوَلِّد الشُّعَراء طَبْعًا وخِلْقةً، كما تُوَلِّد بعض التُّرب أحْرَار البُقُول خَلصةً فيها وجبلَّةً، وهل أدْرَك أبا العَلَاء المَعَرِّيّ المَحْجُوب، حَجَبَ اللَّهُ عنه السُّوء، وهو أَدِيْبهم الرَّاجحِ، وعَالمِهم الفَاضِل، وشاعِرهم البَارِع، وعَهْدِي به رَاجِعًا من بَغْدَاد ولم يَصْح بجَانبَي لَيْلَهِ النَّهار، ولَم يقَع على شَبَابِه لوَقَائِع الدَّهْر غُبَار. وذَكَرَ تَمَام الرِّسَالَة.
وكان أبو الفَتْح هذا قد قَرَأ على أبي الحُسَين أحْمَد بن فَارِس، وكان بينَهُ وبين أبي القَاسِمِ ابن المَغْرِبيّ مُكَاتَباتُ.
(1)
استمدَّه من شعر أبي العتاهية (ديوانه 375)، وقد تقدم في ترجمته في الجزء قبله، وهو قوله:
أَتَتْهُ الخِلَافَةُ مُنْقَادةً
…
إليهِ تُجَرِّرُ أَذْيَالَهَا
فلم تَكُ تَصْلُح إلَّا لهُ
…
ولا كانَ يَصْلحُ إلَّا لها
الحَسَنُ بن عَبْدِ اللَّه بن الفَضْل بن مُحَمَّد بن نَوْفَل الحَلَبِيّ، أبو المَحَاسِن بن أبي عَبْد اللَّه
(1)
من بَيْت الكتابة والرِّئَاسَة والتَّقَدُّم، وكان شَيْخًا حَسَنًا، بَهيَّ المَنْظَر، وله شِعْرٌ حَسَنٌ.
اجْتَمَعْتُ به بحَضْرَة وَالدِي، ولم أسْمَعْ منه شَيئًا من نَظْمه، وأنْشَدَنا عنه ابنُهُ أبو غَانِم.
أنْشَدَني كَمَال الدِّين أبو غَانِم الفَضْل بن الحَسَن بن عَبْد اللَّه بن الفَضْل بن نَوْفَل، بالرَّامُوْسَة
(2)
؛ قَرْيَة على باب حَلَب، قال: أنْشَدَني وَالدِي أبو المَحَاسِن لنَفْسِه، ثمّ سَيَّرَ إليَّ دَفْتَرًا بخَطِّ وَالدِه من شِعْره، فقَرَأتُ الأبْيَات -الّتي أنْشَدَني- فيه من خَطِّه
(3)
: [من الكامل]
مَنْ سَاءَهُ أنْ باتَ في أَسْرِ الهَوَى
…
قَلِقَ الجَوَانِح دَامِيَ الآمَاقِ
فلقَدْ غَدَوْتُ وقد سَبَتْني أعْيُنُ الـ
…
ــأتْرَاك مَسرورًا بشَدِّ (a) وثَاقِي
ها مُهْجَتي فلتَفْعل الأحْدَاق ما
…
شَاءَت فَمحْمُولٌ (b) على الأَحْدَاقِ
أَحْسِن بهنَّ إذا انتَقَبْن أهلَّةً
…
تَكْسُو البُدُورَ التِمَّ ثَوْبَ مُحَاقِ
وإذا أسفَرنَ فما الشُّمُوسُ طَوَالعًا
…
في الغايةِ القُصْوَى من الإشْرَاقِ
(a) الغصون اليانعة: أشدَّ.
(b) الغصون اليانعة: بمحمول.
_________
(1)
توفي سنة 602 هـ، وترجمته في: الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة لابن سعيد 86 - 88، ونقل عن ابن العديم أن وفاته كانت في سنة 603 هـ، والذي قيَّده ابن العديم هو سنة 602 هـ!.
وكان موضع هذه الترجمة في الأصل بعد التي تليها، فأعيدت إلى هذا الموضع بإشارة المصنف.
(2)
الراموسة: كانت في زمن ياقوت من ضياع حلب تلقاء قنسرين (معجم البلدان 3: 17)، وهي اليوم من ضواحي مدينة حلب التي تشتهر بكثرة المصانع.
(3)
ثلاثة أبيات منها في الغصون اليانعة 86.
ناهيْكَ من حُسْنٍ بغير تَصَنُّع
…
لكنَّهُ من صَنْعَة الحَلَّاقِ
وأنْشَدَني أبو غَانِم الفَضْل الكَاتِب لوَالدِه أيضًا: [من الطويل]
إذا ما سَألتَ المَرْءَ يَوْمًا فلا تكُنْ
…
لَجُوجًا فحِرْمانُ الفَتَى في لَجاجِهِ
وكُن قَائلًا ما تَسْمَعَنْ من مَعَاذِرٍ
…
ففَاعِلُ هذا مُدْركُ نَيْلَ حَاجِهِ
تُوفِّي أبو المَحَاسِن الحَسَنُ بن نوْفَل بحَلَبَ سَنَة اثْنَتَيْن وسِّتِمائة، ودُفِنَ في المَقَابِر خارج باب أنْطَاكِيَة.
الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بنِ عَمْرو بن سَعيد بن مُحَمَّد ابن دَاوُد بن المُطَهَّر بن زِيَاد بن رَبِيْعَة بن الحَارِث بن رَبِيْعَة ابن أنْوَر بن أرْقَم بن أسْحَم -وقيِل: أنْوَر بن أسْحَم- ابن النُّعْمان، وهو السَّاطِع ابن عَدِيّ بن عَبْد غَطَفَان بن عَمْرو بن بَرِيْح ابن جَذِيْمَة بن تَيْم اللَّات، أبو حَمْزَة الفَقِيه الحَنَفِيّ المَعَرِّيّ التَّنُوخِيّ القَاضِي
(1)
قاضي مَنْبِج، أخُو أبي القَاسِمِ المُحَسِّن بن عَبْد اللَّه.
وكان فَقِيهًا مُجِيْدًا، حَنَفِيّ المَذْهَب، رَاوِيًا للحَدِيْثِ، قَرَأتُ بخَطِّه لب كتاب خَلْقِ الإنْسان للأصْمَعِيّ
(2)
: حَدَّثني أبو الحَسَن عليّ بن نَصْر البَرْنيِقِيّ، قراءةً عليه، قال: حَدَّثَنَا إبْراهيم بن بَسَّام، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن سُلَيمان الأخْفَشُ، فذَكَرَ الكتابَ إلى آخره.
(1)
توفي قبل سنة 400 هـ، وترجمته في: الجواهر المضية للقرشي 2: 65 (لم يزد فيها على سياقة اسمه، ونعته بـ: قاضي منبج)، الغزي، الطبقات السنية 3: 68 - 69، وترجم له ابن العديم أيضًا في الكنى:"أبو حمزة الفقيه".
(2)
كتاب الأصمعي نشره أُغست هفنر ضمن كتاب "الكنز اللغوي في اللسان العربي" 158 - 232، وطبع بمطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت 1903 م، ولم يرد في أوله سند رواية الكتاب.
نَقَلْتُ من خَطِّ القَاضِي أبي البَيَان مُحَمَّد بن عَبد الرَّزَّاق بن أبي حَصِيْن قاضي حِمْص في أشْعَار جَدّ أبيهِ أبي القَاسِم المُحَسِّن بن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن عَمْرو، وأنْبَأنَا شَيْخُنا أبوِ اليُمْن الكِنْدِيّ عنه، قال: وكان أخُوهُ القَاضِي أبو حَمْزَة الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن عَمْرو، رحمهم الله، يتولَّى الحُكْم في مَنْبج، ويَسْتَنيب فيه، فوَصلَهُ قَومٌ منهم، يَسُومُونَهُ المسيرَ إليهم للنَّظَر في أُمُورهم، فقال:[من الخفيف]
يا أخي دَعْوَةً إذا غبْتَ عنِّي
…
لَم أَجِدْ مَنْ بلَفْظِها أَدْعُوهُ
إنَّ أمْرًا هو السَّبِيْل إلى الفُرْ
…
قَةِ أمْرُ مرضيُّهُ مَكْرُوهُ
كنتُ أرْجُوكَ للحَيَاة وللمَوْ
…
ت فَمن لي من بَعْدِ ذا أَرْجُوهُ
أنا أشْكُو الكُتْبَ الّتي أنا أَفْدي
…
كاتبِيْها من كُلِّ ما حَذِرُوهُ
مَنَعَتني مِنَ امْتِناعي من الفُرْ
…
قَة حتَّى رضِيْتُ ليْ ما رَضُوهُ
يُؤثِرُ النَّاسُ مَنْ يُعزِّون بالمَا
…
لِ إذا عزَّ في الوَرَى بَاذِلُوهُ
فيُسَمَّونَ مُؤثرين على أنفْـ
…
سُهِمْ مِن جَمِيل ما فَعَلُوهُ
وأنا مُؤثرُ أولئكَ بالنَّفْـ
…
_________
س جَزَاءً على الّذي قَدَّمُوهُ
لو سِوَاهُم دعَاكَ للبَيْن ما كا
…
نَ جَوَابي لَهُ سِوى فُضَّ فُوهُ
فامْضِ لا واحدًا ولكنَّ قلْبي
…
لكَ ثانٍ ومُهْجَتي تَتْلُوهُ
واقْضِ أوْطَارَهُم ولا تَنْسَ أوْطَا
…
نكَ لو ضَاعَفُوا الّذي أظْهَروهُ
فالفَتَى بَيّن الكآبة إمَّا
…
بانَ عَنهُ في عَيْشِهِ أَهْلُوهُ
كَيْفَ يلْتَذُّ بالمَسَرَّة من غُيِّـ
…
_________
بَ عن أَرْضِهِ وغابَ أَخُوهُ
إنَّني أَشْتَكي إلى اللَّهِ ما قَيَّـ
…
_________
ض من بَيْنِنا ولا أَشْكُوهُ
قَرَأتُ على الحَسَن بن عَمْرو ابن دُهْن الحَصَا المَوْصِلِيّ بالمَسْجِد الجامع بحَلَب، قال: أخْبَرَنا الخَطِيبُ أبو الفَضْل عَبْد اللَّه بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الطُّوْسيّ، قال:
أحْبَرَنا أبو زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن عليّ الخَطِيب التَّبْرِيْزِيّ، قال: أنْشَدَنا أبو العَلَاء أحْمَد بن عَبْد اللَّه بن سُلَيمان التَّنُوخِيّ المَعَرِّيّ لنَفْسِه في أبي حَمْزَة الفَقِيه
(1)
: [من الخفيف]
غَيْر مُجْدٍ في مِلَّتي واعْتِقَادي
…
نَوْحُ بَاكٍ ولا تَرَنُّمُ شَادِ
منها:
وقَبِيْحٌ بنا، وإنْ قَدُمَ العَهْدُ
…
هَوَان الآباءِ والأجْدَادِ
سِرْ إنْ اسْطَعْتَ في الهَوَاءِ رُوَيْدًا
…
لا اخْتِيالًا على رُفَاتِ العِبَادِ
رُبَّ لَحْدٍ قد صَارَ لَحْدًا مِرَارًا
…
ضَاحِكٍ من تَزَاحُمٍ الأضْدَادِ
ودَفِيْن على بَقَايا دَفِيْنٍ
…
في طَويْل الأزْمَانِ والآبَادِ
منها:
أبَناتِ الهَدِيْل أَسْعِدْن أو عِدْ
…
نَ قليلَ العَزَاءِ بالإسْعَادِ
إيهِ! للَّه دَرُّكُنَّ فأنْتُنَّ
…
اللَّوَاتي تُحْسِنَّ حِفْظَ الوِدَادِ
ما نَسِيْتُنَّ هَالكًا في الأوَان
…
الخالِ أوْدَى من قَبْل هُلْكِ إيادِ
بَيْدَ أنَّي لا أرْتَضِي ما فَعَلْتُنَّ
…
وأطْوَاقُكُنَّ في الأجْيَادِ
فتَسَلَّبْنَ واسْتَعرنَ جَمِيعًا
…
من قَمِيْص الدُّجَى ثِيَابَ حِدَادِ
ثُمّ غرِّدْنَ في المآتِم واندُبْن
…
بشَجْوٍ معٍ الغَوَاني الخِرَادِ
قَصَدَ الدَّهْرُ من أبي حَمْزَةَ الأوَّاب
…
مَوْلَى حجِى وخِدْنَ اقْتِصَادِ
وفَقِيهًا أفْكَارُهُ شِدْنَ للنُّعـ
…
ـــمَانِ ما لَم يَشِدْهُ شِعْرُ زِيَادِ
فالعِرَاقِيّ بَعْدَهُ للحِجَازِيّ
…
قَلِيْلُ الخلَافِ سَهْلُ القِيَادِ
وخَطِيْبًا لو قام بينَ وُحُوشٍ
…
عَلَّمَ الضَّارِيَات بِرَّ النِّقَادِ
رَاوِيًا للحَدِيْث لَم يُحْوج
…
المَعْرُوف من صِدْقِهِ إلى الإسْنَادِ
(1)
سقط الزند 7 - 11، وفيه أنها مرثية في فقيه حنفيّ.
أنْفَقَ العُمْرَ نَاسِكًا يَطْلُبُ
…
العِلْمَ بكَشْف عن أصْلِهِ وانْتِقَادِ
مُسْتَقِي الكَفِّ من قَليْبِ زُجَاجٍ
…
بغُرُوب اليَرَاعِ ماءَ مِدَادِ
ذا بنانٍ لا يَلْمَسُ الذَّهَب الأحْمرَ
…
زُهْدًا في العَسْجَد المُسْتَفَادِ
وَدِّعا أيُّها الحَفِيَّان ذاكَ
…
الشَّخْصَ إنَّ الوَدَاعَ أيْسَرُ زَادِ
واغْسِلَاهُ بالدَّمْعِ إنْ كان طُهْرًا
…
وادْفِنَاهُ بين الحَشَا والفُؤَادِ
واحْبُوَاهُ الأكْفان من وَرَقِ المُصْحَفِ
…
كِبْرًا في أنْفُسِ الأبْرَادِ
واتْلُوا النَّعْشَ بالقراءةِ والتَّسْبِيْح
…
لا بالنَّحِيْب والتَّعْدَادِ
أسَفٌ غيرُ نَافِعٍ واجْتِهَادٌ
…
لا يُؤدَّى إلى غَنَاءِ اجْتهادِ
منها:
كيفَ أصْبَحْتَ في مَحَلِّكَ بَعْدي
…
يا جَدِيْرًا منِّي بحُسْنِ افْتِقَادِ
قد أقَرَّ الطَّبِيْبُ عنكَ بعَجْزٍ
…
وتَقَضَّى تَرَدُّدُ العُوَّادِ
وانْتهَى اليأسُ منكَ واسْتَشْعَر
…
الواجدُ أنْ (a) لا مَعَادَ حتّى المَعَادِ
هَجَدَ السَّاهِرُونَ حَوْلَكَ للتَّمْـ
…
ــرِيْضِ وَيْحٌ لأعْيُن الهُجَّادِ
أنْتَ في أُسْرَة مَضَوْا غيرَ
…
مَغْرُورينَ من عِيْشَةٍ بذَاتِ ضِمَادِ
تُوفِّي أبو حَمْزَة الفَقِيه الحَنَفِيّ قبل الأرْبَعمائة.
تَمَّ الجُزءُ السَّابِعِ والأرْبَعون والمائة، ويَتْلُوه في أوَّل الثَّامن والأرْبعِين والمائة: الحَسَن بن عَبْد اللَّه بن المَرْزُبَان السِّيْرَافيّ، أبو سَعيد القَاضِي النَّحْوِيّ.
الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالَمِين، وصَلَّى اللَّه على سَيِّدنا مَحَمَّد المُصْطَفَى، وعلى آله الطَّاهِرين وأصْحَابه المُنْتَجبين، وسَلّم تَسْليمًا دَائمًا كَثيرًا.
(a) سقط الزند: الوجد بأن.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن المَرْزُبَان، أبو سَعيد السِّيْرَافيَّ، القَاضِي النَّحْوِيّ
(1)
كان أبُوه مَجُوْسِيًّا يُسَمَّى بَهْزَاد، فسمَّاهُ أبو سَعيد عَبْد اللَّه، وسَكَنَ أبو سَعِيْد بغداد، وتَوَلَّى بها قَضَاء الرُّبْع، وقَدِمَ حلَبَ على سَيْف الدَّوْلَة عليّ بن عَبْد اللَّه بن حَمْدَان، وجَمَعَ بينَهُ وبين أبي علِيّ الفَارسِيّ، وجَرَت بينهما مُبَاحَثَاتٌ في النَّحو بحَلَب، وقيل: هي كانت سَبَبَ وضْعِ أبي عليّ المَسَائِل الحَلَبِيَّة.
وكان أبو سَعيد مَاهِرًا في سَائر العُلُوم: عِلْوُ القُرْآن، والفِقْه، واللُّغَة، والنَّحو، والكَلَام، وعُلُوم الشِّعر، والمَنْطِق، والنُّجُوم، والحِسَاب. وكان حَنَفِيّ المَذْهَب، زَاهِدًا، وَرِعًا. وكان يُوَرِّق بالأُجْرَة، ويَكْتُب خَطًّا حَسَنًا.
(1)
توفي سنة 368 هـ، وترجمته في: الفهرست للنديم 1/ 1: 183 - 184، الزبيدي: طبقات النحويين واللغويين 129 - 130، تاريخ بغداد 8: 316 - 317، السمعاني: الأنساب 7: 339، ابن الأنباري: نزهة الألباء 227 - 229، ابن الجوزي: المنتظم 14: 264 - 265، معجم الأدباء 2: 876 - 910، ابن الأثير: الكامل 8: 698، القفطي: إنباه الرواة 1: 348 - 350، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 17: 524، ابن الساعي: الدر الثمين 332 - 335، وفيات الأعيان 3: 78 - 79، الذهبي: تاريخ الإسلام 8: 287 - 288، سير أعلام النبلاء 16: 247 - 249، الإعلام بوفيات الأعلام 156، العبر في خبر مَن غبر 2: 128 - 129، ابن فضل اللَّه العمري: مسالك الأبصار 7: 109 - 110، اليافعي: مرآة الجنان 2: 393 - 294، القرشي، الجواهر المضية 2: 66 - 67، الوافي بالوفيات 12: 74 - 75، تاريخ ابن الوردي 1: 454 - 455، ابن كثير: البداية والنهاية 11: 294، لسان الميزان 2: 218، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 218، البلغة للفيروزابادي 86، الدلجي: الفلاكة والمفلوكون 71، ابن قطلوبغا: تاج التراجم 85 - 86، السيوطي: بغية الوعاة 1: 507 - 509، الغزي: الطبقات السنية 3: 70 - 74، شذرات الذهب 4: 367، الخوانساري: روضات الجنات 3: 66 - 70.
قَرَأ القُرْآن على أبي بَكْر بن مُجَاهِد، وقرأ النَّحو على أبِي إسْحَاق الزَّجَّاج، وأبي بَكْر المَبْرَمَان، وأبي بَكْر بِن السَّرَّاج، ورَوَى عن مُحَمَّد بن مَنْصُور بن مَزْيَد بن أبي الأزهَر، وأبي بَكْر بن دُرَيْد، وأبي عُبَيْد بن حَرْبُوَيْه، وعبد اللَّه بن مُحَمَّد بن زِيَاد النَّيْسَابُوريّ، وأبي عليّ الكَوْكَبِيّ، قَرَأ عليه أبو بَكْر بن مُجَاهِد الحِسَاب، وأبو بَكْر المَبْرَمَان القُرْآن، وهمُا شَيْخاهُ، ورَوَى عنهُ مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد بن رِزْمَة، والحُسَين بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الخَالِعِ، وعليّ بن أيُّوب القُمِّيّ، وأبو حَيَّان التَّوْحِيْدِيّ. وشَرَحَ كتاب سِيْبَوَيْه، وكتاب الأَيْمان لمُحَمَّد بن الحَسَن.
أخْبَرَنا أبو جَعْفَر يَحْيَى بن أبي مَنْصُور بن عَبْد اللَّه بن الدَّامَغَانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور أبي، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن سَوَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين مُحَمَّد بن عَبْد الوَاحِد بن عليّ بن إبْرَاهيم بن رِزْمَة، قِال: أخْبَرنا أبو سَعِيْد الحسَنُ بن عَبْد اللَّه بن المَرْزُبان السِّيْرَافيّ، قال: حَدَّثَني مُحَمَّد بن مَنْصُور بن مَزْيَد بن أبي الأزْهَر، قال: حَدَّثَنَا الزُّبيرُ بن بَكَّار
(1)
، قال: حدَّثَني إبْرِاهيم الحِزَامِيّ، عن مُحَمَّد بن مَعْن الغِفَارِيّ، قال: أتَت امْرأةٌ عُمَر بن الخَطَّاب رحمه الله، فقالت: يا أَميرَ المُؤْمنِيْن، إنَّ زوْجي يَصُوم النَّهَارِ، ويقُوم اللَّيْل، وإنِّي أكْرَهُ أنْ أشْكُوهُ، وهو يَعْمَل بطَاعَة اللَّهِ، فقال: نِعْم الزَّوْج زوْجُكِ، فجعَلَتْ تُكَرِّرُ عليه القَوْل، وهو يُكَرِّرُ عليها الجَوَاب، فقال له كَعْبٌ الأسْدِيّ (a): يا أَمِيرَ المُؤْمنيْن، هذه المَرْأة تَشْكُو زَوْجَها في مُبَاعدَته إيَّاها عن فِرَاشه، فقال له عُمَرُ: كما فَهمْت كَلَامَها فاقْض بينهما، فقال كَعْبٌ: عليَّ بزَوْجها، فأُتِيَ بهِ، فقال له: إنَّ امْرَأتكَ هذه تَشْكُو، قال: أفي طَعَام أو شَرَاب؟ قال: لا، فقالت المَرْأةُ:[من الرجز]
يا أيُّها القَاضِي الحَكِيم رَشَدُه (b)
…
أَلْهَى خَلِيلي عن فِرَاشِي مَسْجِدُه
زَهَّدَهُ في مضْجعِي تَعَبّدُه
…
نَهَارهُ وليلُهُ ما يَرْقُدُه
(a) الأخبار الموفقيات: كعب بن سور الأزدي.
(b) الأخبار الموفقيات: أرشده.
_________
(1)
الأخبار الموفقيات 508 - 509 باختلاف يسير في الرواية.
فلَسْتُ في أَمْر النِّسَاء أَحْمَدُه
…
فاقْضِ القَضَا كَعْبُ ولا تُردِدُه
فقال زَوْجُها: [من الرجز]
زَهَّدَني في فَرْشِها وفي الحَجلْ
…
أنَّي امْرُؤٌ أذْهَلَنِي ما قَدْ نَزَلْ
في سُوْرة النَّمْل وفي السَّبْع الطُّوَل
…
وفي كِتَاب اللَّه تَخْوِيْفٌ جَلَلْ
فقال كَعْبٌ: [من الرجز]
إنَّ لها حَقًّا عليكَ يا رَجُل
…
نَصِيْبُها في أرْبَع لمَن عَقَلْ
فاعْطِها ذاكَ ودَعْ عنكَ العِلَل
ثُمَّ قال: إنَّ اللَّه عز وجل قد أحَلَّ لك من النِّسَاء مَثْنَى وثلاثَ ورُبَاع، فلكَ ثلاثة أيَّام ولياليهنَّ تَعْبُد فيهنَّ ربَّكَ ولها يَوْمٌ ولَيْلَةٌ، فقال عُمَرُ: واللَّه ما أدْري من أيّ أَمْرَيْكَ أعْجَبُ! أَمن فَهْمك أمْرهمُا، أم من حُكْمك بينهما، إذْهَب فقد وَلَيتُكَ قَضَاءَ البَصْرَة.
أخْبَرَنا أبو حَفْصٍ عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد البَغْدَاديّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور ابن خَيْرون، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيبُ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن المَرْزُبان، أبو سَعِيْد القاضي السِّيْرافيُّ النَّحَويُّ، سَكَن بغداد، وحدَّث بها عن مُحمَّد بن أبي الأزْهَر البُوْشَنْجيّ، وأبي عُبَيْد بن حَرْبُوَيْه (a) الفَقِيه، وعبد اللَّه بن مُحَمَّد بن زِيَاد النَّيْسَابُوريّ، وأبي بَكْر بن دُرَيْد، ونَحْوهم.
(a) في الأصل: خربويه، بالخاء المعجمة، وصوابه المثبت كما تقدم في طالع الترجمة، وكما هو عند الخطيب البغدادي، وهو: القاضي أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب المصري الحربوي، المعروف بابن حربويه (ت 319 هـ)، ذكره ابن العديم في الكنى (الجزء العاشر) وأحال على ترجمته في الأسماء، وهي في الضائع من أجزاء الكتاب. انظر ترجمته في تاريخ ابن يونس الصدفي (قسم الغرباء) 3: 151 - 152، السمعاني: الأنساب 4: 110، تاريخ الإسلام 7:356.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 316.
حدَّثَنا عنهُ الحُسَين بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الخَالِع، ومُحَمَّدُ بن عَبْد الوَاحِد بن رِزْمَة، وعليّ بن أَيُّوب القُمِّيّ، وكان يَسْكُن بالجانب الشَّرْقيّ، ووَلِيَ القَضَاءَ ببَغْدَاد، وكان أبُوه مَجُوْسِيًّا اسْمُه بَهْزَاد، فسمَّاهُ أبو سَعيد: عَبْد اللَّه.
قال الخَطِيبُ
(1)
: سَمِعْتُ رئيسَ الرُّؤَسَاء، شرَف الوُزَرَاءِ، جَمَالَ الوَرَى أبا القَاسِم عليِّ بن الحَسَن يَذْكُرُ أنَ أبا سَعيد السِّيْرَافيّ كان يُدَرِّسُ القُرْآنَ، والقِرَاءَات، وعُلُوم القُرْآن، والنَّحو، واللغَة، والفِقْه، والفَرَائِض، والكَلَام، والشِّعْر، والعَرُوض، والقَوَافي (a)، والحِسَاب، وذَكَرَ عُلُومًا سوى هذه. وكان من أعْلَم النَّاسِ بنَحْو البَصْرِيِّيْن، وينتَحلُ في الفِقْه مَذْهَبَ أهْل العِرَاق.
قال الخَطِيبُ
(2)
: قال رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ: وقَرأ على أبي بَكْر بن مُجَاهد القُرْآنَ، وعلى أبي بَكْرٍ [بن دُرَيْد اللغَة، ودَرَسَا عليه جَمعًا النَّحو، وقرأ على أَبي بَكْرِ ابن السَّرِّاج، وعلى أبي بَكْر](b) المَبْرَمَان النَّحو، وقرأ عليهما: أحَدُهمُا القُرْآنَ، ودَرسَ الآخرُ عليهِ الحِسَابَ. قال: وكان زَاهِدًا لا يَأكُل إلَّا من كَسْب يَده، فذكَرَ جَدِّي أبو الفَرَج عنه أنَّهُ كان لا يَخْرجُ إِلى مَجْلِس الحُكْم، ولا إلى مَجْلِس التَّدْرِيس في كُلِّ يَوْم إلَّا بَعْدَ أنْ يَنْسَخَ عَشْر ورَقاتٍ، يأخُذُ أُجْرَتها عَشرةَ دَرَاهِم، تكُون قَدْرَ مَؤُونَتهِ، ثُمَّ يَخْرجُ إلى مَجْلسِه.
قال الخَطِيبُ
(3)
: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ أبي الفَوَارِسِ أبا سَعيد، فقال: كان يُذْكَرُ عنه الاعْتِزَال، ولم يَكُن يُظْهِر من ذلك شيئًا. وكان نَزِهًا عَفِيْفًا، جَمِيْلَ الأَمْر، حَسَنَ الأخْلَاقِ.
(a) في تاريخ بغداد: والقواعد والقوافي.
(b) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل بانتقال النظر في اسم "بكر"، والمستدرك بين الحاصرتين من تاريخ بغداد.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 316.
(2)
تاريخ بغداد 8: 317.
(3)
تاريخ بغداد 8: 317.
قَرأتُ بخَطِّ أبي الحَسَن سَالَمِ بن عليّ بن تَمِيْم الحَلَبِيّ في مُخْتَصَر تَاريخ النَّحْوِيِّيْن لمُحَمَّد بن الحَسَن الزُّبَيْدِيّ
(1)
: أبو سَعيد الحَسَن بن عَبْد اللَّه بن المَرْزُبَان السِّيْرَافيّ، وهو الّذي فَسَّر كتاب سِيْبَوَيْه، وكان يَنْتَحل علم المَجَسْطِيّ، وأُقْلِيْدِس، والمَنْطِق، ويتفَقَّهُ لأبي (a) حَنِيْفَة، وهو من أصْحَاب الجُبَّائِيّ، وكان يَنْزل الرُّصَافَة.
قال لي تَاج الدِّين أحْمَدُ بن هِبَة اللَّه بن الجِبْرَانِيّ النَّحْوِيّ الحَلَبِيّ: قَدِمَ أبو سَعيد السِّيْرَافيّ حَلَب، وجَمَعَ سَيْفُ الدَّوْلَة ابن حَمْدَان بينَهُ وبين أبي عليّ الفَارسِيّ، وجَرَتْ بينهما مَسَائِل، وهي كانت سَبَب وَضْعِ أبي عليّ الفَارسِيّ المَسَائِل الحَلَبِيَّة. قال: وكان قاضِي الرُّبْع ببَغْدَاد.
قَرَأتُ في كتاب الانْتِصَار المُنْبِي عن فَضَائِل المُتَنَبِيّ، تأليف أبي الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد المغرِبيّ
(2)
، قال في أثْناءِ الكتاب في ذِكْر أبي سَعيد السِّيْرَافيّ، أنَّهُ كان مُؤَدِّبَ الأَمِير أبي إسْحَاق ابن مُعِزّ الدَّولَة أبي الحُسَين، وقال: يُوْشكُ أنْ يكُون حَدَّثَني المَعْرُوف بابنِ الخَزَّاز الوَرَّاق بالكَرْخ ببَغْدَاد، وأبو بَكْر القَنْطَريّ وأبو الحُسَين الخُرَاسَانيّ وهما وَرَّاقَان أيضًا من جلَّةِ أهْل هذه الصِّناعَة، أنَّ أبا سَعيد إذا أرادَ بَيْع كتاب اسْتَكْتَبَهُ بعضُ تَلَامِذَتِهِ حِرْصًا على النَّفْع منه، ونَظَرًا في دقِّ المَعِيْشَةِ كَتَبَ في آخره -وإنْ لَم يَنْظُر في حَرْف منه-: قال الحَسَنُ بنُ عَبْد اللَّه: قد قُرِئ هذا الكتابُ عليَّ وصَحَّ؛ ليُشْتَرى بأكْثَر من ثَمَن مثْلهِ.
(a) في طبقات الزبيدي: بأبي.
_________
(1)
الزبيدي: طبقات النحويين 129 - 130.
(2)
محمد بن أحمد بن محمد المغربي، أبو الحسن (ت 409 هـ)، وسماه الذهبي في السير 17: 288 والزركشي في عقود الجمان ورقة 62 أ: أحمد بن محمد بن أحمد، وهو المشهور بالمتيم الإفريقي، وذكر ابن الساعي الكتاب ضمن مؤلفاته. انظر: ابن الساعي: الدر الثمين 106 - 107، هدية العارفين 1: 72، الزركلي: الأعلام 5: 313.
قُلتُ: وهذا بَعِيدٌ من أبي سَعيد على زُهْدِهِ ووَرَعِهِ.
قَرَأتُ في رِسَالَةٍ في تَقْرِيْظ أبي عُثْمان عَمْرو بن بَحْر الجَاحِظ، تأليف أبي حَيَّان عليّ بن مُحَمَّد بن العبَّاس التَّوْحِيْدِيّ
(1)
، ذَكَرَ في أوَّلها أنَّهُ لَقي جَمَاعَة من الشُّيُوخ العُلَمَاء، وأنَّهم كانوا يُقَرِّظُونَ الجَاحِظ، فذَكَرَ منهم جَمَاعَة، وقال: ومنهم أبو سَعيد السِّيْرَافيّ، شَيْخ الشُّيُوخ، وإمام الأئمَّة مَعْرفَة بالنَّحو، والفِقْه، واللُّغَة، والشِّعْر، والغَرِيْب، والعَرُوض، والقَوَافي، والقُرْآن، والفَرَائض، والحَدِيْث، والشُّرُوط، والكَلَام، والحِسَاب، والهَنْدَسَة. أفْتَى في جامع الرُّصَافَة خَمْسِين سَنَة على مَذْهَب أبي حَنيْفَة، فما وُجِدَ له خَطَأ ولا عُثر منه على زَلَّةٍ، وقَضَى ببَغْدَاد، وشَرَحَ كتاب سِيْبَويه في ثلاثة آلاف وَرَقَة ومائتي وَرَقَة بخَطِّه في السُّلَيْمَانِيّ، فما جارَاهُ فيه أحَدٌ، ولا سَبَقَهُ إلى تَمَامه إنْسَانٌ، هذا مع الثِّقَة والأمَانَة والدِّيانَة والرَّزَانَة، صَامَ أرْبَعيْن سَنَة وأكْثر الدَّهْر كُلّه.
قال لنا الأنْدَلُسِيّ: فارَقتُ بَلَدِي في أقْصَى المَغْرب طَلَبًا للعِلْم ومُشَاهَدَة العُلَمَاء، فكنتُ -إلى أنْ دَخَلْتُ بغداد، ولَقِيْتُ أبا سَعيد، وقَرَأتُ عليهِ كتاب سِيْبَوَيْه- نَادِمًا سَادمًا في اغْترَابي عن أهْلي ووَطَني، من غير جَدْوى في عِلْم، أو حَظٍّ من دُنْيا، فلمَّا سَعدْتُ برُؤية هذا الشَّيْخ، عَلِمْتُ أنَّ سَعْيي قُرن بسَعْدي، وغُرْبَتي اتَّصَلت ببُغْيَتي، وأنَّ عنائي لَم يَذْهَب هَدْرًا، وأنَّ رَجَائي لَم يَنْقَطع يأسًا.
قُلتُ: هذا الأنْدَلُسِيّ كُنْيَتُهُ أبو مُحَمَّد.
قرأتُ بخَطِّ القَاضِي الفَاضِل عبد الرَّحيم بن عليّ البَيْسَانِيّ: قال أبو حَيَّان
(2)
: قد سَألَهُ الوَزِير فقال: أين أبو سَعيد السِّيْرَافيّ من أبي عليّ، وأينَ عليّ بنُ عِيسَى
(1)
كتاب تقريظ الجاحظ مفقود، اطلع عليه ياقوت وأخذ منه، ونقل النصّ أعلاه عن التوحيدي في معجم الأدباء 3: 878 - 879. وانظر: الزركلي: الأعلام 5: 74.
(2)
الإمتاع والمؤانسة 1: 129 - 130، ونقله ياقوت في معجم الأدباء 3: 888 وما بعدها.
منهما، وأين ابنُ المَرَاغيّ (a) أيضًا من الجَمَاعَة وفُلَان وفُلَان، فكان من الجَوَاب: أبو سَعيد أجْمعُ لشَمْل العِلْم، وأنْظَمُ لمَذَاهِب العَرَب، وأَدْخَلُ في كُلِّ بابٍ، وأخْرَج من كُلِّ طَرِيق، وألْزَم للجَادّةِ الوُسْطَى في الدِّيْن والخلُق، وأَرْوَى للحَدِيْث (b)، وأقْضَى في الأحْكَام، وأَفْقَهُ في الفَتْوَىِ، وأحْضَرُ بَرَكَةً على المُخْتَلفَة، وأظْهَرُ أثَرًا في المُقْتَبَسَة، ولقد كَتَب إليه نُوح بن نَصْرٍ -وكان من أُدَبَاء مُلُوك آل سَامَان (c)- سَنَة أرْبَعيْن، كِتَابًا خاطَبَهُ فيه بالإمَام، وسَأله عن مَسَائِلَ تَزيدُ على أرْبَعمائةٍ (d)، الغَالبُ عليها الحُرُوف وما أشْهَهَا، وباقي ذلك أمْثَالُ مَصْنُوعةُ عن العَرَب شَكَّ فيها، فسألَ [عنها](e)، وكان كتابُهُ مَقْرُونًا بكتابِ الوَزِير البَلْعَمِيّ (f)؛ خَاطبَهُ فيه بإمَام المُسْلهيْن، ضَمَّنَهُ مَسَائِل في القُرْآن، وأمْثَالًا للعَرَب مُشْكِلَةً، وذَكَرَ كُتُبًا كَثِيْرهً، وتَرَدَّدت إليه.
ثمّ قال
(1)
: وأبو عليّ فأَشَدُّ تَفَرُّدًا بِالكِتَاب، وأكْثَر إكبَبًا عليه، وأبْعَدُ من كُلِّ ما عَدَاهُ، ممَّا هو عِلْمُ الكُوْفيِّيْن وما تَجَاوَز في اللُّغَهَ كُتُبَ أبي زيْدٍ، وأطْرَافًا ممَّا لغيره، وهو يَتَّقِدُ (g) بالغَيْظ على أبي سَعيدٍ بالحَسَد (b) له كيْفَ تَمَّ له تَفْسِيرُ كتاب سِيْبَوَيْه من أوَّلهِ إلى آخرهِ بغَرِيبهِ وشَوَاهدِهِ وأمْثَالِه وأبْيَاتِهِ، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}
(2)
،
(a) الأصل: الراعي، والصواب ما في كتاب التوحيدي وياقوت ويأتي صحيحًا بعده، وهو أبو الفتح محمد بن جعفر الهمذاني النحوي (كان حيًا سنة 371 هـ)، له كتاب البهجة، وضعه على غرار كتاب الكامل في اللغة للمبرد. انظر ترجمته في تاريخ بغداد للخطيب 2: 534 - 535، ومعجم الأدباء لياقوت 6: 2473 - 2474.
(b) الإمتاع والمؤانسة: في الحدث.
(c) في الأصل: ساسان، وتصويبه من كتاب التوحيدي وياقوت.
(d) الإمتاع والمؤانسة: أربعمائة مسألة.
(e) إضافة من الإمتاع ومعجم الأدباء.
(f) في الأصل: التغلبي، وتشكَّك فيه ابن العديم فعلَّم عليه بكتابة رمز "صـ"، فوقه، وصوابه المثبت كما هو عند التوحيدي وياقوت، وهو الوزير أبو الفضل محمد بن عبيد اللَّه بن محمد بن رجاء (ت 329 هـ)، وزير صاحب ما وراء النهر. انظر: ابن الساعي: الدر الثمين 236 - 237، تاريخ الإسلام 7: 582، الوافي بالوفيات 4:5.
(g) الإمتاع والمؤانسة: متقد.
(h) الإمتاع والمؤانسة: وبالحسد.
_________
(1)
الإمتاع والمؤانسة 1: 131 - 132.
(2)
سورة المائدة، من الآية 54، وسورة الحديد، من الآية 21، وسورة الجمعة، من الآية 4.
لأنَّ هذا شيءٌ ما تَمَّ للمُبَرّد ولا للزَّجَّاج والسَّرَّاج (a) ولا لابن دَرَسْتَوَيْه مع سَعَة عِلْمهم، وفَيْض نَيْلِهم (b). ولأبي عليّ أطْرَاف من الكَلَام أجادَ فيها.
وحَدَّثَني بعضُ أصْحَابنا أنَّهُ اشْتَرى من شَرْح (c) أبي سَعيدٍ بالأهْوَاز في تَوَجُّهه إلى بَغْدَاد لَاحِقًا بالخِدْمَة المَوْسُومةِ (d) به، والنِّدَامَة المَوْقُوفة عليه، بألْفي دِرهَم، وكان أصْحَابُهُ يأبَوْنَ الإقْرَار به إلَّا مَنْ يَنْعُمُ أنَّهُ أرادَ النَّقْضَ عليه، وإظْهار الخَطَأ فيه.
وكان المَلِكُ السَّعِيْدُ، رضي الله عنه، هَمَّ بالجَمْع بينهما فلم يُقْضَ [له](e) ذلك؛ لأنَّ أبا سَعيد ماتَ في رَجَب سَنَة ثَمانٍ وسِتِّين وثَلاثِمائة.
وأبو عليّ يَشْرَبُ ويتَخَالَعُ، ويُفَارِقُ هَدْيَ أهْلِ العِلْم، وطَرِيْقة الدَّيَّانِيْن، وعِبَادَة (f) المُتَنَسِّكِين، وأبو سَعيد يَصُوم الدَّهْر، ولا يُصَلِّي إلَّا في جَمَاعَة (g)، ويُقِيم على مَذْهَب أبي حَنِيْفَة، ويَلِي لقَضَاء سِنِيْن، ويَتَألَّهُ ويتحرَّج، وغَيْرُه بمَعْزِلٍ من (h) هذا، ولولا الإبقاءُ لحُرْمَةِ العِلْم، لكان القَلَم يَجْري بما هو خَافٍ، ولكنَّ الأخْذَ بحُكْم المُرُؤَة أَوْلَى، والإعْرَاض عمَّا يُوْجُب (i) اللَّائِمَةَ أحْرَى.
وكان أبو سَعيد حَسَنَ الحَظّ، ولقد أرادَهُ الصَّيْمَرِيُّ أبو جَعْفَر على الإنْشَاءِ والتَّحْرِير، فاسْتَعْفَى، وقال هذا أمْرُ يُحْتاجُ فيه إلى دُرْبةٍ، وأنا عَارٍ منها، وإلى سِيَاسَةٍ وأنا غَريْبٌ فيها:[من أحذ الكامل]
ومن العَنَاء رِيَاضَةُ الهَرِمِ
(1)
(a) الإمتاع والمؤانسة: ولا لابن السراج.
(b) الإمتاع والمؤانسة: كلامهم.
(c) الإمتاع والمؤانسة: اشترى شرح.
(d) الإمتاع والمؤانسة: المرسومة.
(e) إضافة من الإمتاع ومعجم الأدباء.
(f) الإمتاع والمؤانسة: طريقة الربانيين وعادة.
(g) الإمتاع والمؤانسة: الجماعة.
(h) الإمتاع والمؤانسة: عن.
(i) الإمتاع والمؤانسة: يجلب.
_________
(1)
عجز بيت شعر جَرَى مجرى المثل، وضمنه العديد من الشعراء في أشعارهم.
قال
(1)
: وحَدَّثَنَا النَّصْريّ (a) أبو عَبْد اللَّه، وكان يَكْتُب النَّوْبَة للمُهَلَّبِيّ، بحَدِيثٍ مُفِيْدٍ (b) لأبي سَعيد؛ قال: كُنْتُ أَخُطُّ بين يَدَي الصَّيْمَرِيِّ أبي جَعْفر مُحَمَّد بن أحمد، فالْتَمَسَني يَوْمًا لأنْ أُجِيْبَ ابن العَمِيْد أبا الفَضْل عن كتاب فلم يَجْدني، وكان أبو سَعيد بحَضْرته، فبانَ أنَّهُ بفَضْل العِلْم أقْوَمُ بالجَوَاب من غَيْره، فتقَدَّم إليه أنْ يَكْتُبَ ويُجِيْبَ، فأطالَ في عَمَل نُسْخَة كَثُر فيها الضَّرْب والإصْلَاح، ثمّ أخَذَ يُحَرِّرُ، والصَّيْمَرِيُّ يَقْرأ ما يكتُبه، فوَجَدَهُ مُخالِفًا لجَارِي العَادَة لَفْظًا، مُبَاينًا لِمَا يُؤثره (c) تَرْتَيبًا، قال: ودَخَلْتُ في تلكَ الحالِ، فتَمَثَّلَ الصَّيْمَرِيُّ:[من البسيط]
يا بَارِيَ القَوس بَرْيًا ليسَ يُصْلِحُهُ
…
لا تَظْلم القَوْسَ واعْطِ القَوْسَ بَارِيها
ثُمَّ قال لأبي سَعِيْد: خَفِّفْ عليك أيُّها الشَّيْخ، وادْفَع الكتَابَ إلى أبي عَبْد اللَّه تِلْمِيْذِكَ ليُجِيْبَ عنه! فخَجِلَ من هذا القَوْل، فلمَّا ابتَدَأتُ من غير نُسْخَة تَحَيَّرَ منِّي أَبو سَعِيد، ثمّ قال للصَّيْمَرِيّ: أيُّها الأُسْتَاذ، ليس بمُسْتَنْكَر ما كان منِّي، ولا مُسْتَكْثَر ما كان منهُ، إنَّ مالَ الفَيءَ لا يَصِحُّ إلَّا من مُستَخرِج وجَهْبَذٍ في بَيْتِ المَالِ، والكُتَّابُ جَهَابذَةُ الكَلَام، والعُلَمَاء مُسْتَخْرجُوهُ، فتَبَسَّم الصَّيْمَريُّ وأعْجَبَهُ ما سَمع، وقال: على كُلِّ حالٍ ما أخْلَيْتَنا من فَائِدَة.
وكان أبو سَعيد بَعِيْدَ القَرِين؛ لأنَّهُ كان يُقْرَأ عليه القُرْآنُ والتَّفْسِيرُ (d) والفِقْه والفَرَائِضُ والشُّرُوط والنَّحو واللُّغَة والعَرُوض والقَوَافي والحِسَابُ والهَنْدَسَةُ والشِّعْرُ (e) والحَدِيْث والأخبار، وهو في كُلِّ هذا إمَّا في الغايةِ وإمَّا في الوَسَط.
(a) في الأصل: النفري والمثبت من الإمتاع (وفي أصوله: البقري)، ومعجم الأدباء 3:879.
(b) الإمتاع والمؤانسة: مُفَنّد.
(c) الإمتاع والمؤانسة: لما يريده.
(d) ليست في كتاب الإمتاع والمؤانسة.
(e) ليست في الإمتاع والمؤانسة.
_________
(1)
الإمتاع والمؤانسة 1: 133 - 134.
وأمَّا عليّ بن عِيسَى؛ فعَلى (a) الرُّتْبَة في النَّحو واللُّغَة والكَلَام والعَرُوض والمَنْطِق، بل أفْرَدَ صِنَاعَةً، وأظْهَرَ بَرَاعَةً، وقد عَمل في القُرْآن كِتَابًا نَفِيْسًا، هذا مع الدِّيْن المَتِيْن (b)، والعَقْل الرَّصِيْن (c).
وأمَّا ابن المَرَاغِيّ؛ ما يلحقُ هؤلاءِ مع بَرَاعَة اللَّفْظ، وسَعَة الحِفْظ، وقُوَّة (d) النَّفْس، وطل الدِّين (e)، وغَزَارَة النَّفْث، وكَثْرة الرِّوَايَةِ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ اللَّه بن الحُسَين بن رَوَاحَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر السِّلَفِيّ، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المُبارَكُ بن عَبْد الجبَّار الصَّيْرَفِيّ
(1)
، قال: سَمِعْتُ الصُّوْرِيّ -يعني أبا عَبْد اللَّه الحافِظ- يَقُول: حَدَّثَني مَنْ أثِقُ به، عن أبي سَعيد الحَسَن بن عَبْد اللَّهِ السِّيْرَافيَّ أنَّهُ قال: حَضَرْتُ مَجْلِسَ أبي بَكْر ابن مُجَاهِد أوَّل ما حَضرَتُهُ وهو يُمْلِي، فجلَسْتُ في أُخْرَيَات النَّاسِ، فقال المُسْتَمْلِيّ: واجْعَلها عليهم سِنِينَ كِسِنِّي يُوسُف
(2)
، فقُلْتُ: كَسِنِيْ يُوسُفَ، فلم يَفْهَم عنِّي، فقُمْتُ قائمًا فأعَدْتُ القَوْلَ، فقال ابنُ مُجَاهِد: مَنْ هذا؟ فأشَارُوا إليَّ، فتَطَاوَلتُ، وكان أبو سَعيد دَمِيْمًا (f) حَقِيْرَ المَنْظَر، فقُلتُ: كَسِنيْ يُوسُفَ، فاسْتَدْعَاني وقرَّبَني إليه، فتَحَصَّلْتُ في أعْلَى المَجْلِس بعد أنْ كُنْتُ في أدْنَاهُ.
وقال الصُّوْرِيّ في هذا المَعْنَى
(3)
: [من الطويل]
إذا المَرْءُ لم يُعْرَفْ له قَدْرُ مثْلِهِ
…
وأصْبَحَ مَغْمُوصًا (g) له حَقُّ فَضْلِهِ
(a) الإمتاع والمؤانسة: فعالي.
(b) الإمتاع والمؤانسة: الثخين.
(c) الإمتاع والمؤانسة: الرزين.
(d) الإمتاع والمؤانسة: وعزَّة.
(e) كذا في الأصل، وعند التوحيدي: وبلل الريق، ولم ترد في نص ياقوت.
(f) الطيوريات: ذميمًا.
(g) الأصل: مغمرضًا، والمثبت من الطيوريات.
_________
(1)
الطيوريات 4: 1340 - 1341.
(2)
من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على قريش، وهو من حديث عبد اللَّه بن مسعود، رواه البخاري في صحيحه 6: 334 (رقم 317)، ومسلم في صحيحه 4: 3156 - 3157 (رقم 2798).
(3)
لم أقف على البيتين في ديوان ابن غلبون الصوري، وهما في الطيوريات للصيرفي 4:1341.
فلا بأسَ أنْ يثنِى (a) بصَالِح فِعْلِهِ
…
وما خَصَّهُ ذو الفَضْل منهُ بفَضْلِهِ
قَرأتُ بخَطِّ أبي مُحَمَّد الحَسَن بن الحَسَن بن أحْمَد الخَمْكَرِيّ الأدِيْب، وكان من أصْحَاب أبي الحُسَيْن بن فَارِس بن زَكَرِيَّاء اللُّغَويّ، ممَّا أخَذَهُ عن أبي الحُسَين بن فَارِس، قال: وعُرِضَ على الشَّيْخ أبي الحُسَين تَفْسِير الأبْيَات في كتاب إصْلَاح المَنْطِق لابن السِّكِّيْت، من تَصْنِيف أبي مُحَمَّد بن أبي سَعيد السِّيْرَافيّ، فنَظَرَ فيه مَليًّا ثمّ ارْتَضاهُ، وأثْنَى على أبي مُحَمَّد، ثمّ قال: أنا أُفَضِّلُه في الغَرِيْب على أبيه أبي سَعيد رحمه الله، ومُدَّة مقَامي بمَدِينَة السَّلام كان عندي، فقيل للشَّيْخ أبي الحُسَين: يقال إنَّ أبا سَعيْد كان في الغَرِيْب يرجعُ إليه ولا يَأنَفُ، فقال الشَّيْخُ أبو الحُسَين: وليس ذلك بعَيْبٍ، ولكن في هذا الزَّمَن قَوْمٌ يُقَدِّرُونَ أنَّهُ لا يتَبَيَّن فَضْل الرَّجُل وعِلْمهُ وأدَبُهُ إلَّا بنَقْصِهِ الآخر.
ونَقَلْتُ من خَطِّه أيضًا: قُلْتُ للشَّيْخ أبي الحُسَين أيَّدَهُ اللَّهُ: لماذا لَم تُشَاهِد عليَّ بن عِيسَى حين دخَلْتَ بَغْدَادَ؟ فقال: إنَّما تَرَكْتُهُ لمكَان أبي سَعيد السِّيْرَافيّ، رحمه الله، كَرِهْتُ أنْ يَسْتَوْحِشَ منه مع أنَّ عليّ بن عِيسَى كان يَشْكُوني، وأبو سَعيد رحمه الله في النَّحو كان من الكِبَار المُتَقدِّمين، وأمَّا عليّ بن عِيسَى فقد نَظَرتُ في عِلْمه ولستُ أسْتَحْسِنُهُ، فقُلتُ لَهُ: قيل إنَّهُ هو أسَنُّ من أبي سَعيْد؟ فقال: نعم؛ كَذَا قيل والسَّلام.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن مُحَمَّد القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن عليّ الحافِظُ
(1)
، قال: حُدِّثْتُ عن أبي الحَسَن مُحَمَّد بن العبَّاس بن الفُرَات، قال: كان أبِو سَعيد السِّيْرَافيّ عَالِمًا فَاضِلًا، مُنْقَطعَ النَّظِيْر في عِلْم النَّحو خَاصَّةً، وكانت سِنُّه يوْم تُوفِّي ثَمانين سَنَةً.
(a) الطيوريات: ينبئ.
_________
(1)
تاريخ بغداد 8: 317.
قَرَأتُ في تاريخ أبي غَالِب هَمَّام بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ
(1)
: وفيها -يعني سَنَة أرْبعٍ وسِتِّين وثَلاثِمائة- تُوفِّي أبو سَعيد السِّيْرَافيّ ببَغْدَاد.
كَذَا قال أبو غَالِب، وقد حَكينا عن أبي حَيَّان التَّوْحِيْدِيّ أنَّهُ ماتَ سَنَة ثمانٍ وسِتِّين وثَلاثِمائة في رَجَب، وهو الصَّحيحُ، وقد تابَعَهُ على ذلك هِلِّل بن المُحَسِّن ابن الصَّابِئ، وأبو القَاسِم الأزْهَريّ.
أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد إذْنًا، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الثَّابِتِيُّ
(2)
، قال: حَدَّثَنى هِلِّلُ بن المُحَسِّن، قال: تُوفِّي القَاضِي أبو سَعيْد السِّيْرَافيّ في (a) يَوْم الاثْنَين الثَّاني من رَجَب سَنَة ثمانٍ وسِتِّين وثَلاثِمائة، عن أربع وثمانين سَنَةً.
وأخْبَرَنا أبو اليُمْن الكِنْدِيّ، فيما أجَازَهُ لي، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(3)
، قال: حَدَّثَني الأزْهَريّ، قال: تُوفِّي أبو سَعيد السِّيْرَافيّ بين صَلَاتَي الظُّهْر والعَصْر في يَوْم الاثْنَين الثَّاني من رَجَب سَنَة ثمانٍ وسِتِّين وثَلاثِمائة، ودُفِنَ في مَقْبَرَة الخَيْزُرَان بعد صَلَاة العَصْر من هذا اليوم.
وقَرأتُ بخَطِّ الحافِظ السِّلَفِيّ، وذَكَرَ أنَّهُ نَقَلَهُ من خَطِّ عليّ بن عَبْد المَلِك بن الحُسَين بن عَبْد المَلِك بن الفَضْل الدَّبيِقِيّ، قال: وماتَ أبو سَعيد السِّيْرَافيّ سَنَة خَمْسٍ وثمانين وثَلاثِمائة.
كذا قال والصَّحيحُ ما حَكَيناهُ عن أبي حَيَّان وابن الصَّابِئ والأزْهَريّ.
(a) ساقطة من تاريخ بغداد.
_________
(1)
تقدم التعريف بالكتاب في الجزء الأول.
(2)
تاريخ بغداد 8: 317.
(3)
تاريخ بغداد 8: 317.
الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن مَنْصُور ابن حَبِيْب بن إبْراهيم، أبو عليّ الأنْطَاكِيّ، المَعْرُوف بالبَالِسِيّ
(1)
من أهْلِ بَالِس، وسَكَنَ أنْطَاكِيَة، فَنُسِبَ إليها.
حَدَّثَ عن الهَيْثَم بن جَمِيل الأنْطَاكِيّ ومُحَمَّد بن كَثِيْر الصَّنْعانِيّ، ومُوسَى بن أَيُّوب النَّصِيْبِيّ، وإسْحَاق بن إبْراهيم الحُنَيْنِيّ، وأبي عبد الرَّحمن عبد اللَّه بن مُحَمَّد الكَرْمَانيّ، ومُوسَى بن دَاوُد القَاضِي، ومُحَمَّد بن المُبارَك الصُّوْرِيّ.
رَوَى عنهُ أبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن الوَلِيد بن أيي هِشَام، وأبو العبَّاس مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّدُ بن مَلَّاس النُّيْرِيّ، وابو العبَّاس أحْمَدُ بن الحُسَين بن عليّ بن زُبَيْدَة، وأبو بَكْر مُحَمَّدُ بن إسْحَاق بن خُزَيْمَةَ، وأبو عَبْد اللَّه الحُسَين بن مُحَمَّد بن غَوْث، وأبو العبَّاس أحْمَد بن عِيسَى بن مُحَمَّد المُكْتِب، وأبو الحَسَن يُوسُف بن عبد الأَحَد، وأبو العبَّاس القَاسِم بن عَبْد اللَّه بن إبْراهيم الكَلاعِيّ، ومَكْحُول البَيْرُوتِيّ، وأبو الجَهْم بن طَلَّاب، وِأبو القَاسِم عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن عَبْد الكَريم الرَّازِيّ، ومُوسَى بن عَبْد اللَّه بن وَرْدَان، والبَاهِلِيّ، وغَسَّان بن أبي غَسَّان القُلْزُمِيّ، وأبو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ الإمَام.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَات الحَسَنُ بن مُحَمَّد بن الحَسَن الشَّافِعيّ قِراءَةً عليه بدِمَشْق، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو القَاسمِ عليّ بن الحَسَن بن هِبَة اللَّه
(2)
، قال: أخْبَرَنا أبو العبَّاس أحْمَدُ بن الفَضْل بن أحْمَد سَمْكُوَيْه الخيَّاط، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن الفَضْل البَاطِرْقَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الحَسَن بن يُوسُف الإمَام، قال: حَدَّثَنا
(1)
توفي بعد سنة 258 هـ إذ قدم إلى مصر في هذه السنة، وترجمته في: تاريخ ابن يونس الصدفي (قسم الغرباء) 2: 61، تاريخ ابن عساكر 13: 125 - 127، السمعاني: الأنساب 3: 56، تاريخ الإسلام 6: 65، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 193.
(2)
تاريخ ابن عساكر 3: 68، مختصر ابن منظور 2:33.
أبو القَاسِم عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن عَبْد الكَريمِ الرَّازِيّ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن مَنْصُور الأنْطَاكِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بن دَاوُد، عن ابن لَهِيْعَة، عن خَالِد بن أبي عِمْران، عن حَنَش، عن ابن عبَّاس، قال: وُلد نبيُّكم صلى الله عليه وسلم يَوْم الاثْنَين، ونُبِّئ يَوْم الاثْنَين، وخَرَجَ من مَكَّة يَوْم الاثْنَين، ودَخَل المَدِينَة يَوْم الاثْنَين، وكان فَتْح بَدْر يَوْم الاثْنَين، وأُنْزِلَت المَائِدَة يَوْم الاثْنَين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}
(1)
، ورفع الرُّكْن يَوْم الاثْنَين، وقُبِضَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْم الاثْنَين.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(2)
: والمَحْفُوظ أنَّ نُزُول المَائِدَة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ووَقْعَة بَدْر كانا يَوْم الجُمُعَة.
أخْبَرَنا أبو الحَسَن بن أبي عَبْد اللَّه بن المُقَيِّر بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل مُحَمَّدُ بن نَاصِر السَّلَامِيِّ إجَازَةً، قال: أنْبَأنَا أبو إسْحَاق الحَبَّال، قال: أخَبَرَنا أبو الحَسَن أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن مَرْزُوق، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ بن جَابِر، قال: حَدَّثَنَا البَاهِلِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحَسَنُ بن عَبْد اللَّهِ البَالِسِيُّ، قال: حَدَثَّنَا الهَيْثَم بن جَمِيل، قال: حَدَّثَنَا أبو هِلالٍ الرَّاسِبيَّ، عن عَبْد اللَّه بن بُريْدَة، قال: قال عُمَر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: إحْيَاءُ العِلْم المُذَاكَرَة، وآفَتُهُ النِّسْيَان، وإضَاعَتُهُ أنْ يُحَدِّثَ به مَنْ ليسَ له بأهْلٍ.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد بن أبي الحُسَين
(3)
، قال: كَتَبَ إليَّ أبو زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن عَبد الوَهَّاب بن مَنْدَة، وأخْبَرَنا أبو بَكْر اللَّفْتُوانيّ عنه، قال: أخْبرَنا عَمِّي أبو القَاسِم، عنِ أَبيِهِ أبي عَبْد اللَّه، قال: قال لنا أبو سَعيد بن يُونُس
(4)
: الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن منْصُور يُعْرَفُ بالبَالِسِيّ، سَكَنَ
(1)
سورة المائدة، من الآية 3.
(2)
مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 2: 33.
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 127.
(4)
تاريخ ابن يونس الصدفي 2: 61.
أنْطَاكِيَةَ، وأصْلُهُ من أهْلِ بَالِس، قَدِمَ إلى مِصْر سَنَة ثمانٍ وخَمْسِين ومَائَتَيْن، فَحَدَّثَ (a) عن الهَيْثَم بن جَمِيل وغيره.
أنْبَأنَا عبد الرَّحيمِ بن عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد، عن أَبِيهِ أبي سَعْد عَبْد الكَريم السَّمْعَانيّ
(1)
، قال: والحَسَن بن عَبْد اللَّه بن مَنْصُور البَالِسِيّ سَكَنَ أنْطَاكِيَة، ذَكَرَهُ فيمَن هو من بَالِس.
أخْبَرَنا أبو المَحَاسِن سُليْمان بن الفَضْل بن سُلَيمان في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليَّ بن الحَسَن بن هِبَة اللَّه الدِّمَشقيّ
(2)
، قال: الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه بن مَنْصُور بن حَبِيْب بن إبْراهيم، أبو عليّ الأنْطَاكِيّ المَعْرُوف بالبَالِسِيّ، حَدَّثَ بدِمَشْقَ ومِصْر عن الهَيْثَم بن جَمِيل، وإسْحَاق بن إبْراهيم الحُنَيْنِيّ، ومُوسَى بن دَاوُد، وَأبي عبد الرَّحْمن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد الكَرْمَانيّ، ومُحَمَّد بن كَثِيْر الصَّنْعانِيّ، ومُوسَى بن أَيُّوب النَّصِيْبِيّ.
رَوَى عنهُ أبو العبَّاس بن مَلَّاس، وأبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن الوَلِيد بن أبي هِشَام، وأبو العبَّاس أحْمَدُ بن الحُسَين بن عليّ بن زُبَيْدَة، وأبو عَبْد اللَّه الحُسَينُ بن مُحَمَّد بن غَوْث (b)، وأبو العبَّاس القَاسِم بن عَبْد اللَّه بن إبْراهيم الكَلاعِيِّ، وأبو الجَهْم بن طَلَّاب، ومَكْحُول البَيْرُوتِيّ، وأبو العبَّاس أحْمَد بنُ عِيسَى بن مُحَمَّد المُكْتِب المَعْرُوف بالوَشَّاء، وأبو الحَسَن يُوسُف بن عبد الأَحَد، ومُحَمَّد بن إسْحَاق بن خُزَيْمَة.
(a) تاريخ ابن يونس: حدث، وفي تاريخ ابن عساكر: يحدث.
(b) في تاريخ ابن عساكر بالصغير: غويث، وهو وجه فيه، وقد أفرد له ابن العديم ترجمة تأتي في الجزء السادس بعده، وفيها: الحسين بن محمد بن غويث -وقيل: غوث- التنوخي الدمشقي.
_________
(1)
السمعاني: الأنساب 2: 56.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 125 - 126.
قَرأتُ بخَطِّ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، وأنْبَأنَا به عنه جَمَاعَة من شُيُوخنا، قال: الحَسَن بن عَبْد اللَّه بن مَنْصُور البَالِسِيّ حَدَّثَ عن مُحَمَّد بن المُبارَك الصُّوْرِيّ، والهَيْثَم بن جَمِيل، ومُوسَى بن دَاوُد، وغيرهم. رَوَى عنهُ أبو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ بمِصْر، وغَسَّان بن أبي كَسَّان القُلْزُميِّ بالقُلْزُم.
الحَسَنُ بن عَبْد اللَّه النَّهَاوَنْدِيّ
شَاعِرٌ، سَمِعَ بحَلَبَ أبا عَبْد اللَّه الحُسَين بن خَالَوَيْه، ورَوَى عنهُ أبْيَاتًا ذَكَرناها في تَرْجَمَةِ الصَّنَوْبَريّ
(1)
. رَوَى عنهُ أبو الجَوَائِز الوَاسِطِيّ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد المُحْسِن بن عَبْد اللَّه بن أحْمَد بن الطُّوْسيّ، في كِتَابِهِ إليْنَا من المَوْصِل غير مَرَّة، قال: أخْبَرَنا عَمِّي عبد الرَّحْمن بن أحْمَد بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو منْصُور عَبْد المُحْسِن بن عليّ بن مُحَمَّد البَغْدَاديّ، قال: أخْبَرَنا الخَطِيبُ أبو بَكْر أحْمَدُ بن عليّ بن ثَابِت
(2)
، قال: أنْشَدَنا أبو الجَوَائِز الوَاسِطِيّ، قال: أنْشَدَني أبو عليّ الحَسَن بن عَبْد اللَّه النَّهَاوَنْدِيّ الأدِيْب لنَفْسِه، في أمْرَدٍ نَصْرَانِيّ، واسْمُه عِيسَى
(3)
: [من مجزوء الكامل]
دَعْني أمُرُّ لطِيَّتي
…
لا تَعْقلَنَّ مَطِيَّتي
أَتُمِيْتُني عِشْقًا وأنْـ
…
ــتَ سَمِيُّ مُحْيي المَيِّتِ
تَقْبيل وَجْهكَ مُنْيَتي
…
ولو أنَّ فيه مَنَيِّتي
سَهْلٌ عليَّ مَنَالُهُ
…
لكن بَلَائي عفَّتي
(1)
ترجمة الشاعر أحمد بن محمد بن الحسن الصنوبري في الضائع من الكتاب، وذكره ابن العديم في الكنى (الجزء العاشر) وأحال على ترجمته الضائعة.
(2)
لم يذكره الخطيب البغدادي في تاريخه.
(3)
الأبيات في دمية القصر للباخرزي 1: 294، وإنباه الرواة 1: 370، والبلغة للفيروزآبادي 95، ونسبت عند ثلاثتهم لابن فورَّجَة البروجردي.
الحَسَنُ بن عَبْد الأعْلَى البَيَّاسيّ
(1)
من أهْل بَيَّاس؛ بَلْدَة من الثُّغُور الشَّامِيَّة.
حَدَّثَ عن عَبد الرَّزَّاق. رَوَى عنهُ أحْمَد بن شُعَيْب بن عَبْد الأكْرَم الأنْطَاكِيُّ.
أخْبَرَنا يُوسُف بن خَلِيلِ الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مُسْلم المُؤيَّد بن عبد الرَّحيم بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الإخْوَة، وصَاحِبتهُ عَيْن الشّمْس بنتُ أبي سَعيد [بن](a) الحَسَن بن مُحَمَّد بن سُلَيم، قالا: أخْبَرَنا أبو الفَرَج سَعيد بن أبي الرَّجَاء الصَّيْرَفِيّ -وقالت عين الشَّمْس: إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر الثَّقَفِيّ، وأبو الفَتْحِ الكَاتِب- قالا: أخْبَرَنا أبو بَكْر بن المُقْرِئ
(2)
، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بنُ شُعَيْب بن عَبْد الأكْرَم الأنْطَاكيَّ، وكان يُقالُ إنَّهُ من الابْدَال، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بن عَبْد الأعْلَى البَيَّاسيّ (b)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، عن عُبَيْدِ اللَّه، عن القَاسِم بن مُحَمَّد (c)، عن عائِشَة
(3)
: أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رَأَى الغَيْث قال: اللَّهُمَّ سَيْبًا (d) نَافِعًا.
(a) ساقطة من الأصل، وتقدم صحيحًا.
(b) معجم ابن المقرئ: النوسي.
(c) معجم ابن المقرئ: عن القاسم عن محمد، والصواب، المثبت، وهو القاسم بن محمد بن أبي بكر، من فقهاء المدينة، وهو يروي عن عمته عائشة بنت أبي بكر.
(d) معجم ابن المقرئ: صيبًا.
_________
(1)
توفي سنة 286 هـ، وترجمته في: اللباب في تهذيب الأنساب 1: 187، سير أعلام النبلاء 13: 351، الوافي بالوفيات 12: 62: 63، وفيهما: الأبناوي اليماني البوسيّ.
(2)
معجم ابن المقرئ 152.
(3)
الحميدي: المسند 1: 131 (رقم 270)، من طريق مسعر عن أبيه عن عائشة، ورواه ابن أبي شيبة: المصنف 6: 28 (رقم 29214)، وابن ماجة: السنن 2: 1280 (رقم 3889)، من طريق المقدام عن أبيه عن عائشة، وانظر: المسند الجامع 20: 226 (رقم 17074) من طريق شريح بن هانئ عن عائشة.
الحَسَنُ بن عبد الرَّحْمن بِن الحَسَن بن عليّ بن جُبَيْر، أبو مُحَمَّد البَزَّازُ النَّهَاوَنْدِيُّ
(1)
سَمِعَ بحَلَب صالح بن عليّ النَّوْفَلِيّ، ورَوَى عنه وعن عَبْد الَمِلك بن عَبْد الحَميْد المَيْمُونيّ الرَّقِّيّ، وسُليْمان بن عَبْد الحَميْد الحِمْصِيّ البَهْرَانِيّ.
رَوَى عنهُ القَاضِي أبوالحَسَن عليّ بن الحَسَن الجرَّاحِيّ.
أنْبَأنَا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن خَيْرُون، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ
(2)
، قال: الحَسَن بن عبد الرَّحْمن بن الحَسَن بن عليّ جُبَيْر، أبو مُحَمَّد البَزَّازُ النَّهَاوَنْدِيُّ، سَكَنَ بَغْدَاد، وحَدَّثَ بها عن صالح بن عليّ النَّوْفِليّ الحَلَبِيّ، وعَبْد المَلِك بن عَبْد الحَميْد المَيْمُونِيّ الرَّقِّيّ، وسُليْمان بن عَبْد الحَميْد البَهْرَانِيّ الحِمْصِيّ، رَوَى عنهُ القَاضِي أبو الحَسَن الجرَّاحِيّ.
الحَسَنُ بنُ عَبد الرَّزَّاق بن عَبد الوَهَّاب بن الخَضِر بن عَبد الوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عَجْلان البَالِسِيّ، القَاضِي، أبو مُسْلم
قاضي الرَّقَّة، حَدَّثَ عن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن الكُشْمَيْهِنيّ. رَوَى لنا عنْهُ أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد اللَّه الدِّمَشقيّ.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو مُسْلم الحَسَنُ بن عَبد الرَّزَّاق بن عَبد الوَهَّاب بن الخَضِر بن عَبد الوَهَّاب بن مُحَمَّد بن عَجْلان البَالِسِيّ، بقِرَاءَتي عليه بالرَّقَّة، قُلتُ لهُ: أخْبَركُم مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن الكُشْمَيْهَنيّ قِراءَةً عليهِ وأنت تَسْمَع، فأقَرَّ بهِ، ح.
(1)
ترجمته في: تاريخ بغداد 8: 310.
(2)
تاريخ بغداد 8: 310.
وأخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه بن عُلْوَان، قال: أخْبَرَنا مُحَمَّد بن مُحَمَّد الكُشْمَيْهَنِيّ بحَلَب، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَبْد الجبَّار السَّمْعَانيّ إمْلاءً، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد بن مَرْدَوَيْه بأصْبَهَان، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن عبد الرَّحْمن المُعَدَّل مع جَمَاعَة، قالوا: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه بن جَعْفَر بن أحْمَد بن فَارِس، قال: حَدَّثَنَا أبو مَسْعُود أحْمَد بن الفُرَات، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّه بن نُمَيْر، عن الأوْزَاعِيّ، عن حَسَّان بن عَطِيَّة، عن أبي كَبْشَة، عن عَبْد اللَّه بن عَمْرو
(1)
، عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: بلِّغُوا عنِّي ولو آيةً، وحَدِّثُوا عن بني إِسْرَائِيلَ ولا حَرَج، ومَنْ كَذَبَ عليَّ مُتعمِّدًا فليتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ من النَّارِ.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ عَبْد الكَريم في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بنُ عَبْد الكَريم بن جَعْفَر بن المُهَذَّب، أبو مُحَمَّد المَعَرِّيّ القَاضِي
(2)
وَلي قَضَاءَ سَرْمِيْن، وكان حَنَفِيِّ المَذْهَب فَقِيهًا.
نَقَلْتُ عن ظَهْر كتاب الشُّرُوط لأبي جَعْفَرِ الطَّحَاوِيّ؛ أظُنُّه بخَطِّ أبي صالِح مُحَمَّد بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ: وَصَل القَاضِي أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن عَبْد الكَريم بن جَعْفر بن المُهَذَّب إلى سَرْمِيْن مُسْتَهَلّ شَعْبان من سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة، وبيَده تَقْليْدُ القَضَاءِ بناحيةِ سَرْمِيْن وأعْمَالها، والعَلَامات السُّلْطانيَّة عليه، وهو مُؤَرَّخٌ في النِّصْف من رَجَب.
يُريدُ بالعَلامَات السُّلْطَانيَّة: عَلَامةُ السُّلْطان ألْب أَرَسْلَان المُلَقَّب بالعَادِل.
(1)
المصنف لعبد الرزاق 6: 109 (رقم 10157)، مسند الإمام أحمد 9: 200 (رقم 6486)، سنن الدارمي 1: 145 - 146 (رقم 542)، المعجم الصغير للطبراني 183 (رقم 453)، معجم ابن المقرئ 265 - 266 (رقم 889)، صحيح ابن حبان 14: 149 (رقم 6256).
(2)
من أهل القرن الخامس الهجري.
الحَسَنُ بن عَبْد الكَريم، أبو الرَّبِيْع السَّاحِليّ اليَمَامِيّ
(1)
غَزَا بلاد الرُّوم، واجْتازَ بحَلَب، أو ببَعْضِ عَمَلها في غَزَاتهِ.
حَدَّثَ عن أبي رَوْق الهِزَّانِيّ، وأبي عليّ الصَّحَّاف، والمُنْتَصر بن مُحَمَّد الدِّيْبَاجِيّ، ووَاهِب بن يَحْيَى المَازِنِيّ، وعليّ بن الحَسَن القَاضِي، ومُحَمَّد بن حَمْدَويْه.
رَوَى عنهُ أبو سَعْد عبد الرَّحْمن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن إِدْرِيس الإِسْتِرَابَاذِيّ الحافِظ، وذَكَرَهُ في تارِيخ سَمَرْقَنْد
(2)
، وقال: الحَسَنُ بن عَبْد الكَريم، أبو الرَّبِيْع اليَمَامِيِّ السَّاحِلِيُّ، كَهْلٌ وَردَ علينا سَمَرْقَنْد من ناحية أَسْفِيْجَاب مع الغُزَاةِ مُتَوجِّهًا إلى قِتَالِ الرُّومِ، كان فَاضِلًا من أصْحَاب الحَدِيْث، يَحْفَظ ويَعْلَم، ويروى عن وَاهِب بن يَحْيَى المَازِنِيّ البَصْرِيّ، وأبي عليّ أحْمَد بن مُحَمَّد بن إِبْراهيمَ الصَّحَّاف الأصْبَهَانيّ، وأبي رَوْق أحْمَد بن مُحَمَّد بن بَكْر الهِزَّانيّ البَصْرِيّ، ومُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه بن سَهْلٍ المَرْوزيّ، والمُنْتَصر بن مُحَمَّد بن المُنْتَصر الدِّيْبَاجِيّ، وعليّ بن الحَسَن القَاضِي الشَّاوْغَرِيّ. كَتَبْنا عنهُ، ماتَ بأَسْفِيْجَاب في رَجَب سَنَة تِسْعٍ وسِتِّين وثَلاثِمائة.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ عَبْد الوَاحِد في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن عَبْد الوَاحِد بن عبد الأَحَد بن مَعْدَان الحَرَّانيُّ، أبو عَبْد اللَّه الشَّاهِدُ
(3)
حَدَّثَ عن أبي بَكْر يُوسُف بن القَاسِم المَيَانِجِيّ، رَوَى عنهُ أبو مُحَمَّد عَبْد العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانِيّ.
(1)
توفي سنة 369 هـ.
(2)
كتاب مفقود، توفي مؤلفه سنة 405 هـ. الذهبي: تذكرة الحفاظ 3: 973، هدية العارفين 1:515.
(3)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 131 - 132، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 194.
وذَكَرَهُ أبو القَاسِم الدِّمَشقيّ في تاريخ دِمَشْق، ففي طَرِيقِه من حَرَّان إلى دِمَشْق، دَخَلَ حَلَب أو بَعْض عَملها.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه، فيما أَذِنَ لنَا أنْ نَرْويَهُ عنْهُ، قال: أخْبَرَنا عليّ بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد هِبَةُ اللَّه بنُ أحْمَد، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه الحَسَنُ بن عَبْد الوَاحِد بن عبد الأَحَد بن مَعْدَان الحرَانيّ قراءةً عليه، قال: حَدَّثَنَا القَاضِي أبو بَكْر يُوسُف بن القَاسِم المَيَانِجِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو خَلِيفَة الفضل بن الحُبَاب، قال: حَدَّثَنَا أبو الوَلِيد والحَوْضِيّ، قالا: حَدَّثَنَا شُعْبَة، قال: أخْبَرَني عَبْدُ اللَّه بن دِيْنار، قال: سَمِعْتُ ابنَ عُمَر يَقُول
(2)
: قال رسُول اللَّهِ: كُلّ بَيْعَيْن لا بَيْعَ بينهما حتَّى يَتَفرَّقا إلَّا بَيْع الخِيَار.
أنْبَأنَا أبو الوَحْش بن نَسِيم، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم الدِّمَشقيُّ
(3)
، قال: الحَسَنُ بن عَبْد الوَاحِد بن عبد الأَحدِ بن مَعْدَان، أبو عَبْد اللَّه الحَرَّانيّ الشَّاهِدُ، حَدَّثَ عن المَيَانِجِيَّ، روى عنهُ عَبْد العَزِيْز الكَتَّانِيّ.
الحَسَنُ بن عَبْد الوَاحِد بن أحمد، أبو مُحَمَّد الأنْصَاريّ العَيْن زَرْبِيّ
(4)
من أهْلِ عَيْنْ زُرْبَة.
فَقِيْهٌ له تَصَانِيْف على مَذْهَب الشِّيْعَة، منها عُيُون الأَدِلَّة، قَرَأ الفِقْه على ابن البَرَّاج، وعلى أبي جَعْفَر الطُّوْسيّ.
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 131.
(2)
صحيح مسلم 3: 1164 (رقم 46)، مسند الإمام أحمد 9: 39 (رقم 6193)، سنن النسائي 7: 250 (رقم 4475)، المعجم الكبير للطبراني 12: 448 - 449 (رقم 13629)، صحيح ابن حبان 11: 381 (رقم 4913)، فتح الباري 4: 333 - 334 (رقم 2113).
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 131.
(4)
توفي سنة 494 هـ، وترجمته في: محسن الأمين: أعيان الشيعة 5: 152.
مَوْلدُه سَنَة ستٍّ وعشرين وأرْبَعِمائة، وتُوفِّيَ ليلَة الاثْنَين السَّادِس من صَفَر سَنَة أرْبَعٍ وتِسْعِين وأرْبَعِمائة.
الحَسَنُ بن عَبد الوَهَّاب بن عليّ الصَّائِغ، أبو عليّ -وقيل: أبو مُحَمَّد- المُقْرِئُ الحَلَبِيُّ
حَدَّثَ بحَلَب عن أبي العبَّاس مُنِير بن أحْمَد بن الحَسَن الخَلَّال، سَمِعَهُ بمِصْر، وعن أبي عَمْرو عُثْمان بن عَبْد اللَّه بن إبْراهيم الطَّرسُوسِيّ، سَمِعَهُ بحَلَب، وعن أحْمَد بن مُحَمَّد بن القَاسِم الأنْمَاطِيّ.
رَوَى عنهُ شَيْخ الإسْلَام أبو الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن يُوسُفَ الهَكَّارِيّ، وأبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن عليّ السَّمَّان.
أنْبَأتْنا زَيْنَب بنتُ عبد الرَّحْمن الشَّعْرِيّ، عن أبي القَاسِم مَحْمُود بن عُمَر الزَّمَخْشَرِيّ، قال: حَدَّثَني أبو الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن مَرْدَك، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد السَّمَّان، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ الحَسَنُ بن عَبد الوَهَّابِ بن عليّ الصَّائِغ بحَلَب، بقِرَاءَتي عليه، قال: حَدَّثَنَا أبو عَمْرو عُثْمان بن عَبْدِ اللَّه بن إبْراهيم الطَّرَسُوسِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عُمَيْر عَدِيُّ بن أحْمَد بن عَبْد البَاقِي، قال: حَدَّثَنَا يوسُفُ بن سَعيْد بن مُسَلَّم، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه بن مُوسَى، عن مُبَارَك بن الحَسَن، عن مُحَمَّد بن سِيْرِيْن، عن سَعْد بن مَالك
(1)
، قال: قُلْتُ يا رسُول اللَّه، ادْعُ اللَّه أنْ يَسْتَجِيْبَ لي دَعْوَتي، قال: إنَّ اللَّه لا يَسْتَجِيْبُ دُعَاءَ عَبْدٍ حتَّى يُطَيِّبَ طِعْمَتَهُ.
(1)
أخرجه ابن عساكر في تاريخه 20: 339 - 340، من طريق جبير بن مطعم بن المقداد، عن سعد بن مالك وهو ابن أبي وقاص، ومن هذا الوجه أورده المحب الطبري في الرياض النضرة في مناقب العشرة 4: 322 - 323، وعزاه للفضائلي، وعندهما بسياق أتمّ.
الحَسَنُ بن عُبَيْد الهَمَذَانيّ
حَدَّثَ بطَرَسُوس عن عَبْد الحَميْد بن عِصَام الجُرْجَانِيّ. رَوَى عنهُ مُحَمَّد بن أَيُّوبَ بن المُعَافَى العُكْبَرِيّ.
أنْبَأنَا أبو اليُمن زَيْدُ بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، عن أبي القَاسِم هِبَة اللَّه بن أحْمَد بن عُمَر الحَرِيرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو إسْحَاق إبْراهيم بن عُمَر البَرْمَكِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن خَالِد بن بُخَيْت الدَّقَّاق، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أيُّوبَ بن المُعَافَى العُكْبَريّ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بن عُبَيْد الهَمَذَانيّ بطَرَسُوس، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحميد بن عِصام الجُرْجَانِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يوسف الفِريابِيّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيان الثَّوْرِيّ، عن سُفْيان بن عُيَيْنَة، عن ابن أبي نَجِيْح، عن مُجَاهِد، أنَّهُ سُئِلَ عن الصَّالِحين، قال: هم الصَّائِمُون.
ذِكْرُ مَن اسْمُهُ عليّ في آباءِ مَن اسْمُهُ الحَسَن
الحَسَنُ بن عليّ بن إبْراهيم بن علّى بن مُحَمَّد الجُوَيْنِيّ، أبو عليّ البَغْدَاديّ الكَاتِب، ويُعْرَفُ بابن اللُّعَيْبَة
(1)
ويُلَقَّب فَخْر الكُتَّاب.
قَدِمَ حلَبَ، وأقامَ بها مُدَّةً في أيَّام نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي بن آقْ سُنْقُر، وانْقَطَعَ إليه.
(1)
توفي سنة 586 هـ، وترجمته في: خريدة القصر (قسم العراق) 4: 58 - 63، معجم الأدباء 2: 940 - 941، المنذري: التكملة 1: 79 (وأرخ وقاته في سنة 584 هـ)، ابن خلكان: وفيات الأعيان 2: 131 - 132، تاريخ الإسلام 12: 776، 1237، سير أعلام النبلاء 21: 233 - 234، الوافي بالوفيات 12: 127 - 128.
وكان يَكْتُب خَطًّا حَسَنًا، وكتَبَ الكَثِيْر بخَطِّه، وتَبعَ عليّ بن هِلَالٍ في طَرِيْقته، وأحْسَن أقْلَامه قَلَم النَّسْخ، ويقَع في خَطِّه نَوَادر أجَادَ فيها، وكان كَتَبَ على عُمَر الخَطَّاط ببَغْدَاد في صَدْر عُمره، وكان خَطُّه وهو ببَغْدَاد يَمِيْل إلى طَريْقَة البَغْدَاديِّيْن، فلمَّا قَدِمَ الشَّامَ وأقَامَ بحَلَب، جَادَ خَطُّه، وكَتَبَ على طَريْقَة ابن البَوَّاب لكَثْرة نَقْله خَطّه، وأجْوَد كتابتهِ ما كَتَبهُ بحَلَب، ثمّ إنَّهُ سَافَرَ إلى الدِّيَار المِصْرِيَّة فمالَت كتابتُه إلى طَريْقَة المِصْرِيِّين، وأقام بمِصْر إلى أنْ ماتَ بها، وكان لهُ شِعْرٌ لا بَأْسَ بهِ.
رَوَى عن أبي مَنْصُور بن الجَوَالِيْقِيّ، وأبي البَرَكَات عَبْد القَاهِر بن عليّ بن عَبْد اللَّه بن أبي جَرَادَة.
كَتَبَ عنهُ أبو البَرَكَات عَبْد القَاهِر بن عليّ بن أبي جَرَادَة الحَلَبِيّ بها، ورَوَى عنهُ شَيْخُنا أبو القَاسِم عبد الرَّحيم بن يُوسُف بن الطُّفَيْل.
سَمِعْتُ الشَّيْخ أبا الحَسَن عليّ بن أبي بَكْر الهَرَويّ يُسِيءُ الثَّنَاءَ على أبي عليّ الجُوَيْنِيّ، ويَصِفُهُ بقلَّة الدِّين، وحَكَى لنا عنه أنَّهُ كان يكتُب المُصْحَف ورُبَّما يكون حَاضِرًا عنده شَرَابٌ مُسْكرٌ، خَمْرٌ أو نَبِيْذ، فإذا نَشَفَت الدَّوَاة واحْتَاج إلى أنْ يَسْقِيها ألْقَى عليها من ذلك الشَّرَاب، هذا مَعْنَى ما سَمِعتُه منه، نَسْأل اللَّه التَّوْبَة والعِصْمَة.
وأخْبرَني أبو عليّ الحَسَن بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل القِيْلَويّ (a)، قال: أخْبَرَني ظَهِيْرُ الدِّيْن أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمَد بن صَدَقَة، نائب الوِزَارَة كان ببَغْدَاد، قال: سَافَرْتُ مع أبي -يعني جَلَال الدِّين أبا الرِّضَا- لمَّا سَارَ رسُولًا عن الرَّاشِد إلى
(a) جوَّده في هذا الموضع بفتح القاف، والمعروف فيه الكسر. انظر: ياقوت: معجم البلدان 4: 433، الوافي بالوفيات 12:218.
حَلَب، وكان معنا ابن المُطَّلِب الكَاتِب، والحَسَن بن عليّ بن إبْراهيم الجُوَيْنِيّ، قال: فشَرِبا ليلةً، وخَرَجا من بين الخِيمَ، فتَعَثَّرا في أطْنَاب خَيْمَة زَنْكِي، فاضْطَرَبت الخَيْمَةُ، فأحَسَّ زَنْكِي بذلك، وسَأل عنه، فقيل له: هؤلاء سُكَارَى من أهْلِ بغداد، فأمَرَ بأنْ يُصْلَبا إذا طلَعَ الصُّبْح، فبَلغَ ذلك وَالدِي فركبَ قبل الصُّبْح، ووقفَ على ظَهْر دَابَّتهِ هو وأصْحَابهُ، فلمَّا اسْتَيْقَظ زَنْكِي رآهم فسَأل عن الحالِ، فقيل له: هذا جَلَال الدِّين يَشْفَعُ في أصْحَابه الّذين أخذُوا اللَّيْلة، وأمَرَ مَوْلَانا بصَلْبِهم، فقال: سَلِّمُوا إليه أصْحَابَهُ وأطْلقُوهم، قال: فأخَذناهُم ورَجعْنا إلى الخَيْمَة، فلمَّا عُدْنا لم يَرْجع الجُوَيْنِيّ معنا وأقام بقَلْعَة حَلَب من ذلك اليَوْم.
وأظُنُّ أنَّ الجُوَيْنِيّ تابَ في آخر عُمْرِه، وأقْلعَ عمَّا كان عليه، وله أشْعَارٌ تَدُلّ على ذلك سَنَذْكُر بعضها إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى.
قَرأتُ بخَطِّ العِمَاد أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الكَاتِب
(1)
، وأخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عَبْدُ اللَّه بن عُمَر بن عليّ بن حَمُّوْيَه، شَيْخُ الشُّيُوخ بدِمَشْق بها، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: فَخْر الكُتَّاب، الحَسَنُ بن عليّ الجُوَيْنِيّ، المُقِيْم بمِصْر، ذو الخَطّ الرَّائق، واللَّفْظ الشَّائق، والخُلُق العَذْب، والصَّدْر الرَّحْب، كَتَبَ إليَّ يَسْتَدْعي أقْلَامًا وَاسِطيَّةً:[من الكامل]
تقُولُ يَدِي عندَ افْتِقَادِ يَرَاعِها الأ
…
صَمِّ السَّمِيْعِ الأخْرَسِ المُتَكَلِّمِ
إلى كم أُمَنَّى بالجَوَادِ المُسَوَّمِ الأ
…
نيقِ لعَيْنِ النَّاظِرِ المُتَوسِّمِ
أُقَوِّمُ زَيْغَ الخَطِّ منه بحَاذِقٍ
…
صَبُورٍ جَلِيْدٍ وَاسِطِيّ مُقَوَّمِ
أَغَيْر الأجَلِّ العَالَم الصَّدْر أنْتَخي
…
بذاكَ عَزِيز الدَّوْلَة بنَ المُقَدَّمِ
أَغَيْرَ عِمَادِ الدِّين أرْجُوهُ سَيِّدًا
…
يشُيِّدُ مِن خَطِّي الصَّنيْعِ المُنَمنَمِ
(1)
بعض كلامه دون الشعر في الخريدة 4: 58.
قَرأتُ بخَطِّ أبي البَرَكَات بن أبي جَرَادَة: أنْشَدَني فَخْرُ الكُتابِ، حَرَس اللَّهُ عِزَّهُ، لبَعْض العِرَاقِيِّيْن
(1)
: [من الرمل]
يَنْدَم المَرْءُ على ما فاتَهُ
…
من لُبَاناتٍ إذا لَمْ يَقْضها
وتَرَاهُ فَرِحًا مُسْتبشِرًا
…
بالَّتي أَمْضَى كأن لم يُمْضِهَا
إنَّها عِنْدِي وأحْلَامُ الكَرَى
…
لقَرِيْبٌ بَعْضُها من بَعْضِها
وَجَدْتُ بخَطِّ الحَسَن بن إبْراهيم الجُوَيْنِيّ من شِعْره أبْيَاتًا حَمَلَها إليَّ بعضُ الأصْدِقَاء بدِمَشْق، فنَقَلتها، وهي:[من المنسرح]
ما ينفَعُ القُرْبُ وَهْوَ مُجْتنِبُ
…
فكم بَعِيْدٍ ودَارُهُ كَثَبُ
إذا الوِصَالُ أنتَأتْ مَطَالبُهُ
…
فما يَدٌ للدُّنُوِّ تُحْتَسبُ
يَشْجُو فُؤادِي الهَوَى وليسَ لَهُ
…
في مُخْلِصٍ مِن عَذَابهِ أَرَبُ
ما حِيْلَةُ الصَّبّ في هَوَى رَشَأ
…
تُبْعِدُهُ مِن وِصَالِهِ القُرَبُ
فلا نَوَالًا هَوَاهُ يَبْذُلُهُ
…
ولا مَزَارًا خَيَالُهُ يَهَبُ
ظَبْيٌّ هَوَاهُ للقَلْب مُجْتَذِبٌ
…
لكِنْ رضَاهُ للصَّبِّ مُجْتَنَبُ
لكُلِّ قَلْبٍ جَمَالُ صُوْرَتِهِ
…
على جَمِيل العَزَاءِ مُغْتَصبُ
كأنَّ في صَحْنِ خَدِّهِ قَبَسًا
…
بِأنْفُسِ العَاشِقينَ يَلْتَهبُ
نارٌ على القَلْبِ مِن تَوَرُّدِها
…
برْدٌ وفيهِ مِن بَعْدِها لَهَبُ
سُقْيًا لعَيْشٍ منَّ النَّعِيْم بهِ
…
كانَت ذُيولُ السُّرُورِ تَنْسَحبُ
أيَّام مَجْنى هَوَاي في ظِلِّها الـ
…
ــوصْل ومَرْعَى هُمُومي اللَّعِبُ
بينَ شُمُوسٍ تُظِلُّها سُدَفٌ
…
على غُصُونٍ تُقِلُّها كُثُبُ
في رَبْعِ لَهْوي بالكَرْخ يا حَبَّذَا الـ
…
ـــكَرْخ مَحَلًّا وحبَّذَا حَلَبُ
(1)
الأبيات في وفيات الأعيان 2: 132.
ونَقَلْتُ من خَطِّ أبي عليّ الجُوَيْنِيّ لنَفْسِه من أبْياتٍ مَدَحَ بها أبا الفَضْل غسْيان بن جِلْب رَاغِب بالدِّيَار المِصْرِيَّةِ: [من المجتث]
يَقُولُ وَفْدُ التَّهَاني
…
أَبْشِرْ بِنَيْلِ الأمَانِي
فَقْد أَتَتْكَ سُعُودٌ
…
تَبْقَى بَقَاءَ الزَّمانِ
وكُلُّ ماضٍ بَعِيْدٍ
…
ممَّا تُحَاوِلُ دَانِ
يا مَنْ يُجَرِّدُ عَزْمًا
…
كالصَّارِم الهُنْدُوَانِي
بحَدِّكَ الْقَ أَعادِيْـ
…
ـــكَ لا بحَدِّ اليَمَانِي
يا مَنْ لعُلْيَاهُ سَيْرُ الأ
…
مْثَال في البُلْدَانِ
يا وَاحِدًا لا يُدَانيـ
…
ــه في البَرَايَا مُدَانِ
يا مَنْ يَرَى الجُوْد حَتْمًا
…
فَرْضًا على الإنْسانِ
وفي النَّوَافل يأتي
…
بعَارِفاتٍ حِسَانِ
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عبدُ الرَّحيم بن يُوسُف بن هِبَةِ اللَّه بن الطُّفَيْل، إجَازَةً عندَ قراءتي عليه بدَار الوِزَارَة بالقَاهِرَة، قال: أنْشَدَنا فَخْرُ الكُتَّابِ الحَسَنُ بن عليّ بن إبْراهيم الجُوَيْنِيّ لنَفْسِه من قَصِيدَةٍ
(1)
: [من الطويل]
فإنْ قُلتَ لي صَبْرًا فلا صَبْر لامْرِئٍ
…
غَدًا بيَدِ الأيَّام تَقْتُلُهُ صَبْرَا
وإنْ قُلتَ لي عُذْرٌ فواللَّهِ ما أرَى
…
لمَنْ مَلَكَ الدُّنْيا إذا لم يَجُدْ عُذْرَا
وأنْشَدَنا أبو القَاسِم بن الطُّفَيْل في كتابه، قال: أنْشَدَنا فَخْر الكُتَّاب الحَسَنُ بن عليّ الجُوَيْنِيّ لنَفْسِه، وقال لنا: قُلتُ أُخاطِبُ نَفْسِي المِسْكِينَة المُوثَقَة الرَّهِيْنة: [من السريع]
أبا عليٍّ يا رَهِيْنَ الثَّرَى
…
كم فُرْصَةٍ أَهْمَلتَها فَاخِرَهْ
قد فاتت الدُّنْيا فبُعْدًا لها
…
بَادِرْ وقمْ فاسْتَدْرِكِ الآخِرَهْ
(1)
البيتان أوردهما الثعالبي في العديد من كتبه، ونسبهما لأبي القاسم بن أبي العلاء الأصبهاني، انظر: يتيمة الدهر 3: 378، خاص الخاص 174، لباب الآداب 1:206.
قال شَيْخُنا أبو القَاسِم: وأنْشَدَنا لنَفْسِه: [من مجزوء الكامل]
يا ابنَ الجُوَيْنيّ الّذي
…
يَجْنِي ويَنْسَى ما جَنَى
كم غَارِسٍ في جَنَّةٍ
…
تَعِبت يَدَاهُ وَما جَنَى
يا آمِنَ الدُّنْيا التّي
…
تَصِلُ المَنَايا بالمُنَى
كم حَلَّ في جِسْمٍ خُمَا
…
رُ الفَقْر مِن سُكْرِ الغِنَى
يا بائعًا دَارَ البَقَا
…
أتُقِيْمُ في دَارٍ الفَنَا
يا دَارَ دُنيانا الّتي
…
تُقْصِي وتُبْعِدُ منْ دَنَا
خَيْرُ القَنَايا أنْ يَجُو
…
دَ العَبْدُ فِيكِ بما اقْتَنَى
قال شَيْخُنا أبو القَاسِم: قال لنا الجُوَيْنِيّ: وقدُ أَعْني نَفْسِي على طَرِيق اللُّزُوم: [من مجزوء الكامل]
يا ليتَ شِعْري ما يُقا
…
لُ إذا الجُوَيْنِيُّ انْتَقَلْ
ما كانَ يِفْعَلُهُ يُقا
…
ل وما عَدَاهُ لَم يُقَلْ
مَنْ يَسْتَقِلْ من ذَنْبهِ
…
من قبلِ مَصْرَعِهِ يُقَلْ
قال أبو القَاسِم: قال لنا الجُوَيْنِيّ: وقلتُ بعَقْبِ إفاقَتي من مَرَض صَعبْ: [من السريع]
يا رَبّ عَافيتَ من العِلَّهْ
…
تَفَضُّلًا فاعْفُ عَنِ الزَّلَّهْ
الحَمْدُ للَّهِ الّذي عَمَّني
…
مِن فَضْلِهِ ما لَم أكُنْ أهْلَهْ
وصَانَني شُكْرًا لنُعْماهُ عن
…
مَوَاقِفِ الذِّلَّة والبذْلَهْ
فكَم لَهُ عنْديَ مِن نِعْمَةٍ
…
ديْمَتُها وَطْفَاءُ مُنْهَلَّهْ
أهْفُو ويَعْفُو فارْتَجُوا فَضْلَهُ
…
لَكنَّكُمْ لا تَأْمَنُوا عَدْلهْ
أخْبرَني أبو السَّعَادَات بن أبي بَكْر بن حَمْدَان أنَّ الجُوَيْنِيّ تُوفِّي سَنَة اثْنَتَيْن وثمانين وخَمْسِمائَة.
ثمّ قَرَأتُ بالقَاهِرَة في دَرْج وَقَعَ إليَّ بخَطِّ الجُوَيْنِيّ في آخره: كَتَبَهُ العَبْدُ الخائفُ من ذَنْبهِ، اللَّاجئُ إلى كَّنَف ربِّهِ عز وجل، حَسَن بن عليّ بن إبْراهيم الجُوَيْنِيّ، في سَنَة خَمْسٍ وثمانين وخَمْسِمائَة وله حينئذٍ من العُمر اثْنَتان وثَمانُون سَنَةً بَحْمد اللَّه ومَنِّه.
وأنْبَأنَا الحافِظُ أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْم بن عَبْد القَوِيّ المنذِريّ
(1)
، قال في ذِكْر مَنْ تُوفِّي سَنَة أرْبَعٍ وثمانين وخَمْسِمائَة من كتاب التَّكْمِلَة لوَفَيَات النَّقَلَه. وفىِ التَّاسِع من صَفَر تُوفِّي الشَّيْخ الفَاضِل أبو عِليّ الحَسَن بن عليّ بن إبْراهيم الجُوَيْنِيّ الكَاتِب، بالقَاهِرَة، حَدَّثَ عن أبي مَنْصُور مَوْهُوب بن أحْمَد الجَوَالِيْقِيّ، وهو مَشْهُورٌ بجَوْدَة الخَطِّ، وله أَدَبٌ وشِعْرٌ حَسَنٌ، أنْشَدَنا عنه غير واحدٍ من أصْحَابه، وقيل: إنَّهُ تُوفِّي سَنَة ستٍّ وثَمانين.
قُلْتُ: وهو الصَّحيْحُ.
الحَسَنُ بن عليّ بن إبْراهيم بن يَزْدَاد بن هُرْمُز بن شَاهُوْه، أبو عليّ الأهْوَازِيّ المُقْرِئ
(2)
وكان يُعْرَف بإمَام الحَرَمَيْن.
قَدِمَ حلَبَ في سَنَة ثَلاثٍ وعشرين وأرْبَعِمائة، وحَدَّثَ بها عن أبي القَاسِمِ تَمَّام بن مُحَمَّد الرَّازِيّ، وأبي الحُسَين عَبد الوَهَّاب بن الحَسَن الكِلابِيّ، وسَمعَ بمَعَرَّهَ
(1)
التكملة لوفيات النقلة 1: 79.
(2)
توفي سنة 446 هـ، وترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 143 - 147 وفيه: "ابن شاهو"،، ياقوت: معجم الأدباء 2: 936 - 938 وفيه: "ابن شاهويه"، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 18: 489، ابن الساعي: الدر الثمين 340، "ابن شاهويه"، تاريخ الإسلام 9: 677 - 681، ميزان الاعتدال 1: 512، طبقات القراء 2: 612 - 615، الإعلام بوفيات الأعلام 185، معرفة القراء الكبار 2: 766 - 771، العبر في خبر مَن غبر 2: 288، سير أعلام النبلاء 18: 13 - 18، الوافي بالوفيات =
النُّعْمَان أبا عَمْرو عُثْمان بن عَبْد اللَّه بن إبرْاهيم الطَّرَسُوسِيّ قَاضِيَها، وحدَّث بغيرها عن أبي القَاسِم نَصْر بن أحْمَد المَرْجِيّ، وأبيهِ عليّ بن إبْراهيم، وأبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عُثْمان بن القَاسِم بن مَعْرُوف، وأبي طَلْحَة عَبْد الجَبَّار بن مُحَمَّد بن الحَسَن الطَّلْحِيّ البَصْرِيّ، وأبي عليّ الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن القَاسِم بن دَرَسْتَوَيْه، والقَاضِي المُعَافَى بن زكَرِيَّاء بن طَرَارَا الجَرِيْرِيّ، وأبي الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد بن نَفِيْس الإمَام، وأبي الحَسَن عليّ بن الحَسَن بن القَاسِم بن عَبْد اللَّه الطَّرَسُوسِيّ، وأبي زُرْعَة أحْمَد بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه التُّسْتَرِيّ، وأبي الفَتْح مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عليّ بن النُّعْمان نَزِبلُ الرَّمْلَة، وأبي القَاسِم عَبْد العَزِيز بن عُثْمان بن مُحَمَّد الصُّوْفيّ، وأبي الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الرَّفَّاء السَّامُرِّيّ، وأبي الحَسَن أحْمَد بن إبْراهيم بن فِرَاس، وأبي العبَّاس أحْمَد بن مُحَمَّد بن أبي سَعيد الكَرْخِيّ قاضي مكَّة، وأبي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن يُوسُف الشَّيْبَانِيّ، وأبي القَاسِم عبد الرَّحْمن بن عُمَر بن نَصْر، وأبي مُحَمَّد طَلْحَة بن أسَد بن المُخْتَار الرَّقِّيّ، وأبي عليّ الحَسَن بن عليّ بن الحَسَن بن شَوَّاش الأرْتاحِيّ، وأبَوَي بَكْر: ابن هِلال الحِنَّائِيّ، ومُحَمَّد بن عبد الرَّحْمن بن أبي المُغِيْث، وأبي العبَّاس مُنِير بن أحْمَد بن الحَسَن المِصْرِيّ الخَلَّال، وأبي عَبْدِ اللَّه مُحَمَّد بن الحَسَن المَاوَرْدِيّ، وأبي الحُسَين جَعْفَر بن عَبد الرَّزَّاق بن عَبد الوَهَّاب، وهِبَة اللَّه بن مُوسَى بن الحُسَين المُزكِيّ المَوْصِليّ، وعَبد الوَهَّاب الميدانيّ، وأبي بَكْر بن أبي الحَدِيد، وأبي مُسْلِم الكَاتِب، وعليّ بن بُشْرَى العَطَّار، وأبَوَي نَصْر ابن الجَبَّان، وابن الجَنَدِيّ.
= 12: 122، اليافعي: مرآة الجنان 3: 49 - 50، لسان الميزان 3: 337 - 340، ابن الجزري: غاية النهاية 1: 330 - 323، النجوم الزاهرة 5: 56، شذرات الذهب 5: 199، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 197 - 198.
رَوَى عنهُ أبو الفَتْح عَبْد اللَّه بن إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن الجِلّيّ الحَلَبِيّ، والخَطِيبُ أبو بَكْر أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت، وأبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن عليّ الرَّازِيّ السَّمَّان، والحافِظ أبو مَنْصُور المُظَفَّر بن الحُسَين بن إِبْراهيم بن هَرْثَمَة الفَارسِيّ، وعليّ بن مُحَمَّد بن شُجاع الرَّبَعيّ، وأبو بَكْر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عليّ الهَرَويّ المقرِئ مُجَاوِر المَسْجِد الأقْصَى، وأبو زَكَرِيَّاء عبد الرَّحيم بن أحْمَد بن نَصْر البُخاريّ، وعَبْد العَزيْز بن أحْمَد الكَتَّانِيّ، وأبو عليّ الحَسَن بن الحُسَين التَّفْلِيْسِيّ، وعليّ بن الخَضِر السُّلمِيّ، والفَقِيه أبو الفَتْح نَصْرُ بن إبْراهيم المَقْدِسِيّ، ونَجَا بن أحْمَد العَطَّار، وصِهْرُه أبو الحَسَن عَبْد البَاقِي بن أحْمَد بن هبَة اللَّه وأبَوَا عَبْد اللَّهِ: ابن أبي الحَدِيْد السُّلمَيّ، ومُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحُسَين الطُّوْسيَّ، وأبو عليّ إسْمَاعِيْل بن العبَّاس بن أحْمَد الصَّيْدَلانيّ النَّيْسَابُوريّ، وأبو طَاهِر بن الحِنَّائيّ، وأبو القَاسِم عليّ بن إبْراهيم النَّسِيب العَلَويّ، وأبو القَاسِم بن أبي العَلَاء.
وله كُتُبٌ صَنَّفها في القِرَاءَات وفي غيرها، منها: المَوْجز في القِرَاءَاتِ السَّبْعَة، وكتاب في القِرَاءَات العَشَرة، وكتاب الوَجيْز في القِرَاءَات الثَّمانيَةِ، وكان يَطْعن على أبي الحَسَن الأشْعَرِيّ، ولهُ كتابُ في ذَمِّه، وَقفتُ عليه، ورَدَّ عليه الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ في كتابٍ سمَّاهُ: تَبْيين كَذب المُفْتَري فيما نَسَب إلى الإمَام أبي الحَسَن الأشْعَرِي.
أخْبرَنا عَمِيِّ أبو غَانِم مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه بن مُحَمَّد بن أبي جَرَادَة، قال: أخْبَرَني أبي أبو الفَضْل هِبَة اللَّه بن مُحَمَّد بن أبي جَرَادَة، قال: حَدَّثني الشَّيْخُ أبو الفَتْحِ عَبْد اللَّه بن إسْمَاعِيْل بن أحْمَد الجِلّيّ الحَلَبِيّ، قال: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن إبْراهيم الأهْوَازِيّ، إمْلاءً بحَلَب في شَوَّال سَنَة ثَلاثٍ وعِشْرين وأرْبَعِمائة، قال: حَدَّثَنَا أبو الحُسَين عَبدُ الوَهَّاب بن الحَسَن بن الوَلِيد الكِلابِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو أَيُّوبَ سُليْمان بن مُحَمَّد الخُزَاعِيّ، قال: حَدَّثَنَا هِشَام بن خَالِد الأزْرَق، قال:
حَدَّثَنَا بَقِيَّة بن الوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنَا ابنُ جُرَيْج، عن عَطَاء بن أبي رَبَاح، عن أبي هُريْرَة
(1)
، قال: دَخَل رسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَسْجِدَ فإذا النَّاس على رَجُلٍ، فقال: ما هذا؟ قالُوا: عَلَّامَةٌ يا رسُول اللَّه، قال: وما عَلَّامَةٌ؟ قالوا: أعْلَم النَّاسِ بالشِّعْر، وأعْلَم النَّاسِ بكَلَام العَرَب وما اخْتَلَفَ فيه العَرَبُ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: عِلْمٌ لا ينفَعُ، وجَهْل لا يَضُرُّ، العِلْمُ ثَلَاثٌ ما خَلَاهُنَّ فَضْلٌ: عِلْمُ آيةٍ مُحْكَمة، أو سُنَّة قَائِمة، أو فَرِيْضَة عَادِلَة.
أخْبَرَنا أبو المَعَالِي أحْمَد بن الخَضِر بن هِبَة اللَّه بن طَاوُس الدِّمَشقيّ بها، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْلَى حَمْزَة بن أحْمَد بن فَارِس بن كَرَوَّس السُّلمَيّ، قال: أخْبَرَنا الفَقِيه نَصْرُ بن إبْراهيم بن نَصْر المقدِسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن إبْراهيم بن يَزْدَاد المُقْرِئ بدِمَشْق سَنَة ثلاثين وأرْبَعِمائة، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين عَبد الوَهَّاب بن الحَسَن بن الوَلِيدِ الكِلابِيّ، قال: حَدَّثَنَا طَاهِرُ بن مُحَمَّد، قال: حَدَّثَنَا هِشَام بن عَمَّار، قال: حَدَّثَنَا عُثْمان بن عبد الرَّحْمن، قال: حَدَّثَنَا حَفْصُ بن سُلَيمان، عن كَثِيْر بن زَاذَان، عن عَاصِم بن ضَمْرَة، عنِ عليّ بن أبي طَالِب رضي الله عنه
(2)
، قال: قال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: منْ قَرأ القُرْآنَ بلفظه واسْتَظَهَرهُ، أدْخَلَهُ اللَّهُ الجنَّةَ، وشَفَّعَهُ في عَشرةٍ من أهْلِ بيتِهِ؛ كُلُّهُم قد وَجَبَتْ لهُ النَّارُ.
أخْبْرَنا أبو الوَحْش بن نَسِيم كتابةً، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(3)
، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي مُحَمَّد بن صَابِر (a): قال لي أبو مُحَمَّد مقَاتِل بن
(a) كرَّر في الأصل قوله "قرأت بخط أبي محمد بن صابر"، وضرب عليه.
_________
(1)
أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1: 753 (رقم 1385) من طريق عبد الوهاب بن الحسن الكلابي، به، وينظر: ابن شيرويه الديلمي: الفردوس 4: 334 (رقم 6968)، لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 3: 103 - 104، المناوي: فيض القدير 3: 252.
(2)
مسند أحمد 1: 312 - 313 (رقم 1367)، سنن ابن ماجة 1: 78 (رقم 216)، الجامع الكبير للترمذي 5: 28 (رقم 3905).
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 145.
مَطَّكُوْد: قال لي أبو عليّ: وُلدتُ يَوْم الأرْبَعَاء السَّابِع والعشْرين من المُحَرَّم سَنَة اثْنَتَيْن وسِتِّين وثَلاثِمائة.
أنْبَأنَا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه، قال: أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن الحافِظ
(1)
، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي عليّ الأهْوَازِيّ، وأنْبَأنَاه (a) أبو طَاهِر بن الحِنَّائِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ، قال: رأيْتُ رَبّ العِزَّة في النَّوْم وأنا بالأهْوَاز، وكأنّهُ يَوْم القِيامَة، فقال لي: بَقِي علينا شيءُ، اذْهَب فَمَضَيْتُ في ضَوْءٍ أشَدُّ بياضًا من الشَّمْس، وأنْوَر من القَمَر حتَّى انْتَهَيْتُ إلى طَاقة أمَام بابٍ، فلم أزَل أمْشي عليه، ثمّ انْتَبَهْتُ.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ اللَّه بن الحُسَين بن رَوَاحَة الأنْصَاريّ بحَلَب، وأبو يَعْقُوب يُوسُف بن مَحْمُود بن الحُسَين السَّاوِيّ الصُّوْفيّ بالقَاهِرَة، قالا: أخْبَرَنا الحافِظ أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ، إجَازَةً إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، قال: سَمِعْتُ أبا البَرَكَاتِ الخَضِرُ بن شِبْل بن الحَسَن الحَارِثِيّ صَاحِبُنا بدِمَشْق يَقُول: سَمِعْتُ الشَّريف النَّسِيب أبا القَاسِم عليّ بن إبْراهيم بن العبَّاس العَلَويّ المَعْرُوفُ بابنِ أبي الجِنّ يَقُول: أبو عليّ الأهْوَازِيّ المُقْرِئ ثِقَةٌ، ثِقَةٌ.
أنْبَأنَا أبو المَحَاسِن سُليْمان بن الفَضْل بن سُلَيمان، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسَن بن هِبَة اللَّه الدِّمَشقيُّ
(2)
، قال: الحَسَنُ بن عليِّ بن إبْراهيم بن يَزْدَاد بن هُرْمُز بن شَاهُوْه (b)، أبو عليّ الأهْوَازِيّ المُقْرِئ، سَكَنَ دِمَشْق، وقَدِمَها يَوْم الأَحَد الثَّالث عَشر من ذِي الحِجَّة سَنَة إحْدَى وتِسْعِين وثَلاثِمائة، قَرأ القُرْآن بروَاياتٍ كَثِيْرة، وأقْرَأَهُ، وصَنَّفَ كُتُبًا في القِرَاءَات.
(a) في الأصل: وأنبأنا، والمثبت من ابن عساكر.
(b) في ابن عساكر: شاهو.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 146.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 143 - 144.
وحَدَّثَ عن نَصْر بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن المَرْجِيّ، وأبي حَفْص الكَتَّانِيّ، وأبي طَلْحَة عَبْد الجَبَّار بن مُحَمَّد بن الحَسَن الطَّلْحِيّ البَصْرِيّ، وأبي الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن الرَّفَّاء السَّامُرِّيّ، وهِبَة اللَّه بن مُوسَى بن الحُسَين المُزَنِيّ المَوْصِلِيّ، وأبي الحَسَن أحْمَد بن إبْراهيم بن فِرَاسٍ، وأبي القَاسِم عَبْد العَزِيْز بن عُثْمان بن مُحَمَّد الصُّوْفيّ، وأبي مُسْلِم الكَاتِب، وأبي العبَّاس أحْمَد بن مُحَمَّد بن أبي سَعيد الكَرْخِيّ، قاضي مكَّة، وأبي الفَرَج المُعَافَى بن زَّكَرِيَّاء بن طَرَارَا، وأبي الحَسَن أحْمَد بن مُحَمَّد بن نَفِيْس الإمَام، وأبي الفَتْح مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عليّ بن مُحَمَّد بن النُّعْمان، نَزِيلُ الرَّمْلَة، وأبي العبَّاسِ مُنِير بن أحْمَد بن الحَسَن المِصْرِيّ الخَلَّال، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن الحَسَن المَاوَرْدِيّ، وأبي مُحَمَّد بن أبي نَصْر، وعَبد الوَهَّاب الكِلابِيّ، وعَبد الوَهَّاب المَيْدانيّ، وأبي بَكْر بن أبي الحَدِيْد، وأبي الحُسَين جَعْفَر بن عَبد الرَّزَّاق بن عَبد الوَهَّاب، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن عبدِ الرَّحْمن بن أبي المُغِيْث، وأبي عليّ الحَسَن بن مُحَمَّد بن الحَسَن بن القَاسِم بن دَرَسْتَوَيْه، وأبي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن يُوسُف الشَّيْبَانِيّ، وأبي القَاسِم عبد الرَّحْمن بن عُمَر بن نَصْر، وتَمَّام الرَّازِيّ، وعليّ بن بشرَى العَطَّار، وأبي نَصْر بن الجبَّان، وأبي نَصْر بن الجَنَدِيّ، وأبي بَكْر بن هِلَال الحِنَّائِيّ (a)، وأبي مُحَمَّد طَلْحَة بن أسَد بن المُخْتَار الرَّقِّيّ.
رَوَى عنهُ أبو بَكْر الخَطِيبُ، وعليّ بن مُحَمَّد بن شُجاعٍ الرَّبَعِيّ، وأبو سَعْد إسْمَاعِيْل بن عليّ الرَّازِيّ السَّمَّان، وأبو زَكَرِيَّاء عبد الرَّحيم بن أحْمَد بن نَصْر البُخاريّ وعَبْد العَزِيْز بن أحْمَد الكَتَّانِيّ، وأبو عَبْد اللَّه بن أبي الحَدِيْد، وعليّ بن
(a) في نشرة ابن عساكر: أبو بكير الحياني، وتكرر ذكره صحيحًا فيما تقدم -وما يأتي- من الكتاب. وانظر: ياقوت: معجم البلدان 1: 50، وسير أعلام النبلاء 17: 149 - 150.
الخَضِر السُّلَمِيّ، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الحُسَين (a) الطُّوْسيّ، وأبو عليّ إسْمَاعِيْلُ بن العبَّاس بن أحْمَد الصَّيْدَلانِيّ النَّيْسَابُوريّ، والفَقيه أبو الفَتْح نَصْرُ بن إبْراهيم، وأبو عليّ الحَسَنُ بن الحُسَين (b) التَّفْلِيْسيّ، ونَجَا بن أَحْمَد العَطَّار، وصِهْرُه أبو الحَسَن عَبْد البَاقِي بن أحْمَد بن هِبَة اللَّه، وأبو طَاهِر بن الحِنَّائِيّ.
وحدَّثَنَا عنه أبو القَاسِم النَّسِيبُ، وذَكرَ أنَّهُ ثِقَة، وذَكرَ أنَّهُ أخْبرَهُ أنَّهُ دخَلَ دِمَشْق سَنَة أرْبعٍ وتِسْعِين وثَلاثِمائة.
أنْبأنَا أبو نَصْر بن الشِّيْرَازيّ القَاضِي، قال: أخْبَرَنا الحافِظ أبو القَاسِم
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز الكَتَّانِيّ، قال: اجْتَمَعْتُ بهِبَة اللَّهِ بن الحَسَن بن مَنْصُور الطَّبَريّ الحافِظ ببَغْدَاد، فسَألني عن مَنْ بدِمَشْق من أهْل العِلْم، فذَكرتُ له جَمَاعَةً منهم: الحَسَنُ بن عليّ الأهْوَازِيّ المُقْرِئ فقال: لو سَلمَ من الرِّوَايَات في القِرَاءَات!.
قال الحافِظُ
(2)
: قال لنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيِّ: قال لنا الكَتَّانِيّ: وكان مُكْثِرًا من الحَدِيْث، وصَنَّف الكَثِيْر في القِرَاءَاتِ، وكان حَسَنَ التَّصْنِيف، وجَمَعَ في ذلك شيئًا كَثِيْرًا، وقي أسَانيد القِرَاءَات غَرَائِب، كان يَذْكُر في مُصَنَّفاته أنَّهُ أخذَها رِوَايَةً وتلَاوةً، وأنَّ شُيُوخَهُ أخَذُوها كذلك رِوَايَةً وتِلَاوةً.
قال الحافِظُ أبو القَاسِم
(3)
بعد حَدِيثٍ ذَكرهُ عنهُ: هذا حَدِيثٍ مُنْكَرٌ، وفي إسْنَادِهِ غيرُ واحدٍ من المَجْهُولين، وللأهْوَازِيّ أمْثَالُهُ في كتابٍ جَمَعَهُ في الصِّفَاتِ، سمَّاهُ: كتاب البَيَان في شَرْحِ عُقود أهْل الإيْمان، أوْدَعَهُ أحادِيث مُنْكَرَةً، كحَدِيْث:
(a) ابن عساكر: الحسن.
(b) ابن عساكر: الحسن.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 147.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 147.
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 145.
إنَّ اللَّه لمَّا أرادَ أنْ يَخْلقُ نَفْسَهُ، خَلَق الخَيْل فأجْرَاها حتَّى عَرِقَتْ، ثمّ خَلَق نَفْسَهُ من ذلك العَرَق! ممَّا لا يَجُوز أنْ يُرْوَى، ولا يَحِلُّ أنْ يُعتَقَد. وكان مَذْهَبُهُ مَذْهَب السَّالميَّة
(1)
؛ يقُول بالظَّاهِر ويَتَمسَّكُ بالأحادِيث الضَّعِيْفة، الّتي تُقَوِّي له رَأيَهُ. وحَدِيْثُ إجْرَاءِ الخيل مَوْضُوعٌ؛ وَضَعَهُ بعضُ الزَّنَادِقَة ليُشَنِّعَ به على أصْحَاب الحَدِيْث في رِوَايتهم المُسْتَحِيلَ، فيقْبَلَهُ بعضُ مَنْ لا عَقْل له، ورَوَاهُ، وهو ممَّا يُقْطَعُ ببُطْلَانِهِ شَرْعًا وعَقْلًا.
قال الحافظُ أبو القَاسِم
(2)
: سَمِعْتُ أبا الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن مَنْصُور يَحْكي عن أَبِيهِ أبي العَبَّاس، ح.
وأنْبَأنَا به أبو القَاسِم عبد الصَّمَد بن مُحَمَّد، عن أبي الحَسَن، عن أَبِيهِ أبي العبَّاس، قال: لمَّا ظَهَر من أبي عليّ الأهْوَازِيّ الإكْثار من الرِّوَايَاتِ في القِرَاءَات، اتُّهِمَ في ذلك، فسَار أبو الحَسَن رَشَاءُ بن نَظِيف، وأبو القَاسِمِ بن الضَّرَّاب (a)، وابن القَمَّاح إلى العرَاق لكَشْف ما وَقعَ في نُفُوسِهم منه، ووصَلُوا إلى بغداد، وقَرَأوا على بعض الشّيُوخ الّذين رَوَى عنهُم الأهْوَازِيّ، وجَاؤُوا بالإجَازَات عنهم وبخُطُوطِهِمِ، فَمضَى الأهْوَازِيّ إليهم وسَألَهُمِ أنْ يُرُوهُ تلك الخُطُوط الّتي معهم، ففَعَلُوا ودفَعُوها إليه، فأخَذَهَا وغيَّر أسْماءَ منْ سَمَّى لتَسْتَتر دَعْوَاهُ، فعَادَتْ عليه بَرَكَةُ القُرآن فلَم يفتَضِح. هذا مَعْنى ما سَمعْتُهُ يقُول، وبَلَغَني عنه أنَّهُم سَألُوا عنه بعضَ المُقْرِئين الّذين ذكَرَ أنَّهُ قرأ عليهم وحَلَّوْهُ له، فقال: هذا الّذي تَذْكُرونه قد قرأ عليَّ جُزْءًا أو نَحْوه.
(a) كذا مجوّدًا في الأصل، وفي كتاب ابن عساكر: الفرات.
_________
(1)
نسبة إلى الحسن بن محمد بن أحمد بن سالم السالمي، كان مذهبهم مشهورًا في البصرة وسوادها. الأنساب للسمعاني 7: 23 - 24.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 146.
قال أبو الحَسَن: وحَدَّثني وَالدِي أبو العبَّاس، قال: عاتَبْتُ -أو عُوْتِبَ- أبو طَاهِر الوَاسِطِيّ المُقْرِئ في القِرَاءةِ على أبي عليّ الأهْوَازِيّ، فقال: أقْرا عليه العِلْمَ، ولا أُصَدِّقُهُ في حَرْفٍ واحدٍ.
قال أبو الحَسَن: وحَدَّثَني أبو طَاهِر مُحَمَّدُ بن الحَسَن بن عليّ بن الملْحِيّ (a)، قال: كُنْتُ عند رَشَاء بن نَظِيف المُقْرِئ العَدْل (b) في دَارِه على باب الجامِع، وله طَاقَةٌ إلى الطَّريق فاطَّلعَ فيها، وقال: قد عَبَرَ رَجُل كذَّابٌ، فاطَّلَعْتُ فوَجدْتُه الأهْوَازِيَّ!.
قَرأتُ بخَطِّ الإمَام الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ رحمه الله، قال: وسَمِعْتُ أبا مُحَمَّد -يعني هِبَة اللَّه بن أحْمَد بن عَبْد اللَّه بن عليِّ بن طَاوُوس- يقُول: سَمِعْتُ أبا القَاسِم بن أبي العَلَاء المِصِّيْصيَّ يَقُول: قَدِمَ أبو علِيِّ الأهْوَازِيُّ دِمَشْق، وحَضَره رَشَاء بن نَظِيْف المُقْرِئُ، وحضَر ما عندَهُ، ثمّ خرج رَشَاء إلى العِرَاق وأوْدَعَ كُتُبه عنده، فلمَّا رجعَ رَأى أسَانيد أبي عليّ قد تَضَاعَفَتْ، فقال له: يا هذا، من أينَ لكَ هذه ولم تَرْحَل بعْدِي، ولا قَدِمَ دِمَشْقَ شَيْخٌ قَرأتَ عليه؟ فقَطَعَهُ وكان يَتَكلمَّ فيه.
وقرأت بخَطِّه بعده: سَمعْتُه يَقُول: سَمِعْتُ عليّ بن أبي العَلَاء المِصِّيْصيّ الفَقيه يقُول: ذكَرَ أبو عليَّ الأهْوَازِيُّ، قي جُمْلَهَ ما ذكَر، أنَّهُ قَرأ على أبي الحَسَن الحَمَّامِيّ، وأبو الحَسَن مُتَأخِّر لَم يكُن الأهْوَازِيّ مُحتاجًا إليه، فلمَّا اتُّهِمَ بادِّعَائه رِوَاياتٍ اسْتَغْرَبُوها كتبُوا إلى أبي الحَسَن الحَمَّامِيّ، فذكَرَ أنَّهُ لَم يقرأ عليه قَطّ، وأُخِذَ خَطّ الحَمَّامِيِّ بذلك وحُمِلَ إلى دِمَشْقَ.
(a) في تاريخ ابن عساكر ومعجم الأدباء 3: 938: المليحي، والمثبت موافق لما في سير أعلام النبلاء 18:17.
(b) ابن عساكر: المعدل.
وقَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أيضًا: أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن إبْراهيم بن يَنْ يَزدَاد بن هُرْمُز المُقْرِئ المَعْرُوف بالأهْوَازِيّ، قرأ القُرْآن بالأهْوَاز على أبي الحُسَينِ أحْمَد بن عَبْد اللَّهِ بن الحُسَين بن إسْمَاعِيْل الجُبِّيّ، صاحب أبي جَعْفَر بن جَرِير بن يَزِيد الطَّبَريّ، وأبِي الحَسَن مُحَمَّد بن أحْمَد بن أَيُّوب بن الصَّلْت بن شَنَبُوذ، وعلى أبي العبَّاس أحْمَد بن مُحَمَّد بن عُبَيْدِ اللَّهِ بن إسْمَاعيْل العِجْليّ التُّسْتَرِيّ، صاحِب أبي العبَّاس أحْمَد بن عبد الصَّمَد الرَّازِيّ، وأبي بَكْر أَحْمَد بن مُوسَى بن العبَّاس بن مُجَاهِد البَغْدَاديّ، وعلى أبي الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن عُبَيْد البَغْدَاديّ المَعْرُوف بالغَضَائِريّ صَاحِب ابن شَنَبُوذ أبي الحَسَن، وابن مُجَاهِد أبي بَكْر. وببَغْدَادَ على أبي الحَسَن عليّ بن إسْمَاعِيْل بن الحسن القَطَّان المَعْرُوف بالخَاشعِ، وأبي حَفْص عُمَر بن إبْراهيمِ بن كَثِيْر الكَتَّانِيّ، وأبي الفَرَج المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء بن يحْيَى بن عُبَيْد بن طَرَارَة (a) الجرِيْرِيّ، وأبي إسْحَاق إبْراهيم بن أحْمَد بن مُحَمَّد الطَّبَريّ، وأبي الفَرَج مُحَمَّد بن أحْمَد بن إبْراهيم الشَّنَبُوذِيّ، ونُظَرَائهِم، وبالبَصْرَة على أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه العِجْلِيّ اللَّالَكِيّ، صَاحِب الشَّذَائِيّ أبي بَكْر، وعلى أبي بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ البَاهِلِيّ النَّجَّار، صَاحِب القَاسِم بن زَكَرِيَّاء بن عِيسَى المُقْرِئ، وعلى أبي الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن عَبْد الحَميْد (b) الشِّمْشَاطِيّ، وعلى أقْرَانهم، وبالبَطاِئِح على أبي عُبَيْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن فيرُوز بن زَاذَان الكَرْجِيّ، صَاحِب أبي بَكْر مُحَمَّد بن هَارون بن نَافِع البَصْرِيّ المَعْرُوف بالتَّمَّار، وبدِمَشْق على أبي بَكر مُحَمَّد بن أحْمَد بن عَبْد اللَّه بن هِلال السُّلَمِيّ، بعد أنْ طَافَ مَمَالِك الإِسْلَام، وصَار عَلمًا من الأعْلَام يُرْحَلُ إليه للقِرَاءةِ عليه، وصنَّف وتَصَدَّى للإقْرَاء والرِّوَايَة، وشُهْرَتُه تُغْني عن الإطْنَاب في ذِكْره، والإسْهَاب في أمْرِه.
(a) تقدم بالألف في آخره، وبه ابن خلكان أن بعضهم يكتبه بالهاء. انظر: وفيات الأعيان 5: 224.
(b) في غاية النهاية لابن الجزري 1: 531: علي بن الحسن بن علي بن عبد الحميد.
وأمَّا الحَدِيْثُ فقد سَمعَ بالموصِل أبا القَاسِم المَرْجِيّ الرَّاوِي، عن أبي يَعْلَى، وبدِمَشْق عِمْران بن الحَسَن الخفَّاف، وعَبد الوَهَّاب بن الحَسَن الكِلابِيّ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن أبي الحَدِيْد، وتمَّام بن مُحَمَّد الرَّازِيّ، وبمَكَّة أبا العَبَّاس النَّسَوِيّ، وببَغْدَاد أبا حَفْص بن شَاهين، والمُعَافَى بن زَكَرِيَّاء الجَرِيْرِيّ، وأبا حَفْص الكَتَّانِيّ، وبالبَصْرَة مُحَمَّد بن المُعَلَّى الأزدِيّ، وابن وَصِيْف، وبمِصْر مُنِير بن الحَسَن، وأحْمَد بن عُمَر الجِهَازِيّ، والحَسَن بن عبد الرَّحْمن بن أبي عُرْوَة الحَطَّاب، وعَبْدَان بن أحْمَد الأصْبَهَانِيّ، وابن جُمَيعْ الصَّيْدَاوِيّ، وفَاتِك بن عَبْد اللَّهِ الصُّوْرِيّ، وخَلَف بن مُحَمَّد الحافِظ الوَاسِطِيّ، وغيرهم من شُيُوخ صَيْدَا، وأطْرَابُلُس، وقد تمَّ فيه رَشَاءُ بن نَظِيف بن مَا شَاء اللَّه، وهو مُقْرئٌ من أقْرَانه، سَمعَ أبا مُسْلِم الكاتب بمِصْر، ولَم يكُن من المُسْنديْن وجَرْحُ مثْل الأهْوَازِيّ في جَلَالته وعظم شَأنه يقُول بعض أقْرَانه ما لا سَبِيل إليه.
ونَقَلْتُ من خَطِّ الحافِظ: سَمِعْتُه -يعني القَاضِي أبا مَنْصُور سَالِم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور العِمْرَانِيّ- بآمِد يَقُول: سَمِعْتُ وَالدِي يقُول: لَم يكُن بعد ابن مُجَاهِد في القُرَّاءِ كأبي عليّ الأهْوَازِيّ بدِمَشْق، وتَصَانيفُهُ تَدُلُّ على فَضْله، وقال أبو مَنْصُور: وهو شَيْخ وَالدِي الّذي قَرَأ عليه.
أنْبَأنَا عبدُ الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور الدِّمَشقيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد بن أبي الحُسَين
(1)
، قال: أنْبَأنَا أبو الفَضائِل الحَسَنُ بن الحَسَن بن أحْمَد الكِلابِيّ، قال: حَدَّثني أخي لأُمِّي أبو الحَسَن عليّ بن الخَضِر بن الحَسَن العُثْمانيّ، قال: تُوفِّي أبو عليِّ الحَسَنُ بن عليّ الأهْوَازِيّ يَوْم الاثنين الرَّابع من ذِي الحِجَّة سَنَة ستٍّ وأرْبَعين، تَكَلَّمُوا فيهِ، وظَهَر له تَصَانيْف -زَعَمُوا- أنَّهُ كذَبَ فيها.
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 147.
أنْبَأنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ اللَّه، قال: أخْبَرَنا الحافِظ عليّ بن الحَسَن بن عَسَاكِر
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيْز بن أحْمَد، قال: تُوفِّي شَيْخُنا أبو عليّ الأهْوَازِيّ المُقْرِئ يَوْم الاثْنَيْن الرّابِع من ذِي الحِجَّة بعد الظُّهْر، سَنَة ستٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة، وكانت له جنَازَةٌ عَظِيمَةٌ، حَدَّثَ عن ابن المَرْجِيّ، وأبي حَفْص الكَتَّانِيّ، وعَبد الوَهَّاب بن الحَسَن بن الوَلِيد، وغيرهم، وانْتَهَت إليه الرِّئَاسَةُ في القِرَاءةِ في وَقْته، ما رَأيْتُ منهُ إلَّا خَيْرًا.
قال عليّ بن الحَسَن
(2)
: وذَكَرَ أبو مُحَمَّد بن صَابِر، عن أبي القَاسِم عليّ بن إبْراهيم أنَّهُ ماتَ يَوْم الاثْنَين الثاني عَشر من ذِي الحِجَّة. وذَكرَ عن مُقَاتِلٍ السُّوْسِيّ أنَّهُ تُوفِّي لستٍّ بَقِينَ من ذي القَعْدَة، وذَكرَ صهْرُهُ عَبْدُ البَاقِي بن أحْمَد أنَّهُ ماتَ يَوْم الثّلاثَاءِ، ودُفِنَ يَوْم الأرْبَعَاءِ في العَشْر الأُوَل منهُ. وذَكَرَ أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بنُ عليّ بن قُبَيْس فيما وَجَدتُه بخَطِّه مِثْل ذلك.
الحَسَنُ بن عليّ بن إبْراهيم، أبو القَاسِم الطَّرَسُوسِيّ
حَدَّثَ عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن إسْحَاق بن خُزَبْمَةَ، وطَاهِر بن يَحْيَى بن قَبِيْصَة الفِلَقِيّ، رَوَى عنهُ أبو عُثْمان البَحِيْرِيّ، وأبو سَعيد مُحَمَّد بن عليّ بن عَمْرو النَّقَّاشُ الحافِظُ.
أخْبَرَنا الشَّريفُ افْتِخار الدِّين أبو هاشِمِ عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل بن عَبْد المُطَّلِب الهاشِميُّ، قال: أخْبَرَنا تاج الإسْلَام أبو سعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ
(3)
، قال: أخْبَرَنا الأُسْتَاذُ أبو المُظَفَّر عَبْدُ المنعِم بن عَبْد الكَريم بن هَوَازِن القُشَيْريّ بنَيْسَابُور، قال: أخْبَرَنا أبو عُثْمان سَعيْدُ بن مُحَمَّد بن أحْمَد البَحِيْرِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم الحَسَنُ بن عليّ بن إبْراهيم الطَّرَسُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 147.
(2)
تاريخ ابن عساكر 13: 147.
(3)
السمعاني: أدب الإملاء والاستملاء 34، وانظر: تاريخ ابن عساكر 63: 258.
مُحَمَّد بن إسْحَاق بن خُزَيْمَة الإمَام، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن حُجْر، قال: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بنُ مُحَمَّد المُوَقَّرِيّ، عن الزُّهْرِيّ، عن أنَس بن مالِك
(1)
، قال: كان رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَمُرُّ بالغِلْمَان فيُسَلّم عليهم ويَدْعُو لهم بالبَرَكَةِ.
الحَسَنُ بن عليّ بن أحْمَد بن مَسْعُود، أبو مُحَمَّد الحلَبِيُّ المِلْحيُّ
(2)
من أهْلِ حَلَب، وسَكَنَ دِمَشْقَ وحَدَّثَ بها.
أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّحْمن بن أبي مَنْصُور بن نَسيمِ بن الحَسَن الدِّمَشقيّ، فيما كَتَبَهُ إلينا، قال: أخْبَرَنا الحافِظُ أبو القَاسِم عليّ بن الحَسن بن هِبَةِ اللَّه الشَّافِعِيّ
(3)
، قال: الحَسَنُ بن عليّ بن أحْمَد بن مَسْعُود أبو مُحَمَّد الحَلَبِيّ المِلْحيّ (a)، سَكَنَ دِمَشْقَ، وحَدَّث، سَمِعَ منه أبو مُحَمَّد بن الأكْفانِيّ، فيما أُرَى.
الحَسَنُ بن عليّ بن أحْمَد بن وَكِيع بن خَلَف بن وَكِيع، أبو مُحَمَّد التِّنِّيْسِيُّ
(4)
وقيل: الحَسَنِ بن عليّ بن الحَسَن بن أحْمَد بن وَكِيع، وبَعْضُهم سمَّاهُ: الحَسَن بن مُحَمَّد بن وكِيع، وكَنَّاهُ أبا مُحَمَّد، وبَعْضُهم سمَّاهُ عليّ بن الحَسَن بن وَكِيع، وكَنَّاهُ أبا الحَسَن.
(a) سقطت من نشرة تاريخ ابن عساكر.
_________
(1)
أخرجه ابن عدي في الكامل 7: 72، والطبراني في الأوسط 5: 228 (رقم 5164)، و 8: 43 (رقم 7905) من طريق الوليد بن محمد الموقري، به.
(2)
ترجمته في: تاريخ ابن عساكر 13: 141.
(3)
تاريخ ابن عساكر 13: 141.
(4)
ضبط ابن العديم نسبته بفتح التاء، ومثله عند ذكر تنيس في متن الترجمة، وصوابه الكسر كما عند ياقوت وغيره (معجم البلدان 3: 51)، وكانت وفاة التنيسي سنة 393 هـ، وترجمته في: يتيمة الدهر للثعالبي 1: 356 - 385 (وأورد له مقطوعات وقصائد وأراجيز كثيرة)، ابن زبر: تاريخ مولد العلماء =
ووَقَعَ إليَّ نُسْخَة من شِعْره صَحِيْحة ابْتدأ في أوَّل الدِّيْوَان
(1)
، وقال: قال أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن عليّ بن أحْمَد بن وَكِيع، وخَتَمَهُ بقَوْله: آخر شِعْر أبي مُحَمَّد الحَسَن بن عليّ بن وَكِيع، ثُمَّ إنَّهُ كَتَبَ بعدَهُ: نَقَلْتُهُ من نُسْخَة كان في آخرها مَكْتُوبًا: نَقَلْتُهُ من نُسْخَة كان في آخرها بخَطِّ ابن وَكِيع يقُول: عليّ بن الحَسَن بن عليّ بن وَكِيعِ بن خلف: إنَّني قَراتُ هذا الدِّيوَان، وهو جَمِيع شِعْري على أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد الجُوْرِيّ.
ولد أبو مُحَمَّد بتِنِّيس، وكان شَاعِرًا مُجِيْدًا، ويُلَقَّب بالعَاطِس، قَدِمَ حلَبَ ومَدَحَ بها الأَمِيرَ سَيْفَ الدَّوْلةَ أبا الحَسَن عليّ بن عَبْد اللَّه بن حَمْدَان، ورَوَى عنه شَيئًا من شِعْره أبو نَصْر المُهَنَّا بن عليّ بن المُهَنَّا المَعَرِّيّ المَعْرُوف بالنَّاظِر وسمَّاهُ عليًّا، وجَمعَ منه بمَعَرَّة النُّعْمَان، وأبو مُحَمَّد بن النَّحَّاس، وسمَّاهُ الحَسَن بن مُحَمَّد، ورَوَى عنهُ أبو القَاسِم الحَضْرَيّ المَعْرُوف بالطَّحَّان، وسمَّاهُ الحَسَن بن عليّ بن أحْمَد بن وَكِيع، وهو الصَّحيحُ، وأبو مُحَمَّد عبد الرَّحْمن بن عمر، وأبو سَعْد أحْمَد بن مُحَمَّد الهَرَويّ.
ذَكَرَهُ أبو القَاسِم الحَضْرَميّ الطَّحَّان في تَارِيخهِ
(2)
الّذي ذَيِّلَ به على تاريْخ أبي سَعيد بن يُونُس، فقال: الحَسَنُ بن عليّ بن أحْمَد بن وَكِيع بن خَلَف الشَّاعر أبو مُحَمَّد، أصْلُهُ بَغْدَاديّ، ومَوْلدُه هو بتِنِّيس، سَمِعْتُ منه.
= ووفياتهم (ذيوله) 313، وفيات الأعيان 2: 104 - 107، تاريخ الإسلام 8: 726، سير أعلام النبلاء 17: 64، ابن فضل اللَّه العمري: مسالك الأبصار 15: 361 - 366، الوافي بالوفيات 12: 114 - 119 وسياقة اسمه عنده: "الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن خلف الضبي التنيسي"، المقريزي: المقفى الكبير 3: 410 - 413 وسماه: "الحسن بن علي بن أحمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن زياد التنيسي"، الخوانساري: روضات الجنات 3: 60 - 61، محسن الأمين: أعيان الشيعة 5: 160 - 165.
(1)
لم يصلنا ديوان شعره، وجُمع مرّات عدّة، آخرها ما جمعه هلال ناجي استنادًا إلى مخطوطة صنعها بعض المغاربة وسماها:"عذر الخليع بشعر ابن وكيع"، تتبع فيها بعض أشعاره من المصادر.
(2)
تقدم التعريف بالكتاب في الجزء الثاني.
أنْبأنَا أبو القَاسِم بن الحَرَسْتَانِيّ، عنِ أبي القَاسِم بن السَّمَرْقنديّ، قال: أخْبَرَنا أبو يَعْقُوب الأديِب إذْنًا، قال: أخْبَرنَا أبو منْصُور الثَّعالِبيّ
(1)
، قال: أبو مُحَمَّد الحَسَن بن عليّ بن وَكِيِع التِّنِّيْسِيّ، شَاعِرٌ بَارعٌ، وعالِمٌ، جَامِعٌ؛ قد بَرَع على أهْل زَمَانهِ (a)، ولم يتقدَّمه أحَدٌ في أوَانهِ، وله كُلّ بَدِيْعةٍ تَسحر الأَوْهَام، وتَسْتَعْبد الأفْهَام.
قَرَأتُ في كتاب العَرُوس في فَضَائِل تِنِّيْس تأليف القَاضِي أبي القَاسِم عَبْد المُحْسِن بن عُثْمان بن غَانِم الخَطِيب
(2)
، قال: وأمَّا شُعَرَاءُ هذه المَدِينَة، من أهْلها ومَنْ قَطَنها منهم، ودَخَلَها، فمن أهْلها، ولو لَم أجِدْ سِوَاه لكَفَى كما قيل
(3)
: [من الرجز]
والنَّاسُ ألْفٌ نهم كوَاحِدٍ
…
ووَاحِدٌ كالألْف إنْ أَمرٌ عَنَى
فهو أبو مُحَمَّد الحَسَنُ بن عليّ بن وَكِيع، وقَبْره الآن بها في المَقْبَرَة الكُبْرَى، وله كتابٌ مُصنَّف في سَرقَات أبي الطَّيِّب المُتَنَي تَأليفه
(4)
، وهو يَجمَعُ فَضْلًا جَامِعًا، وعِلمًا كَثِيْرًا بَارِعًا، في عدَّة مُجَلَّدات، ودِيْوان شِعْر ابن وَكِيع هذا أيضًا عليه أرْبَعة مُجَلَّدات على حُرُوف المُعْجَم.
(a) اليتيمة: قد برع في إبانه على أهل زمانه.
_________
(1)
الثعالبي: يتيمة الدهر 1: 356.
(2)
كتاب ضائع ذكره السخاوي بالعنوان ذاته، ونقل عنه مغلطاي الحنفي في إكماله لتهذيب الكمال للمزي في مواضع عديدة وسمَّاه: تاريخ تنيس، ولقَّب مؤلفه بالمخلص، ولم أقف على ترجمته. انظر: مغلطاي: إكمال تهذيب الكمال 3: 19، 391، 10: 183، 12: 296، السخاوي: الإعلان بالتوبيخ 258 وفيه: ابن غنائم بدل: غانم.
(3)
بيت الشعر المتمثل به لابن دريد الأزدي من مقصورته المعروفة، انظر: شرح مقصورة ابن دريد لعبد اللَّه الصاوي 102 (الدار البيضاء: دار الكتاب، د. ت).
(4)
عنوانه: المُنصف في الدلالات على سرقات المتنبي، مطبوع باعتناء حمودي المشهداني (دار عالم الكتب، 1993 م).
أخْبَرَنا أبو الحَسَن عليّ بن أبي الفَتْح بن يَحْيَى الكُنَّارِيّ الموصِلِيّ الصَّفَّار، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل عَبْدُ اللَّه بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن عَبْدِ القَاهِر الطُّوْسيّ الخَطِيبُ، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر مُحَمَّد بنُ أحْمَد الشَّاشِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمَد عَبد الوَهَّاب بن مُحَمَّد المُقْرِئ التَّمِيْمِيّ، قال: أنشَدَنا أبو مُحَمَّد بن النَّحَّاسِ، قال: أنشَدَني أبو مُحَمَّد الحَسَن بن مُحَمَّد بن وَكِيع التِّنِّيْسِيّ لنَفْسِه
(1)
: [من السريع]
حَاسَبَني الدَّهْرُ على ما مَضَى
…
بدَّلَ فَرْحَاتِي بتَرْحَاتِ
فلَيْتَهُ جَازَى بما نِلْتُهُ
…
لكنَّه أضْعَفَ مرَّاتِ
أنْبَأنَا أبو حَامِد مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك الهاشمِيّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو مُحَمَّد عَبْدُ القَاهِر بن عَلَوِي بن عَبْد القَاهِر بن المُهَنَّا المَعَرِّيّ، قال: أنشَدَني وَالدِي رحمه الله، قال: أنشَدَني عَمِّي -يعني أبا نَصْر النَّاظِر- قال: أنشَدَني أبو الحَسَن عليّ بن وَكِيع التِّتِّيْسِيّ -وَفَدَ علينا المَعَرَّة- لنفسِه في الرَّوْض
(2)
: [من المنسرح]
أمَا تَرَى الرَّوْضَ كيفَ قد أظْهَرْ
…
بدَائِعًا كان حُسْنُها يُستَر
وابتسَمَت زَهْرَةُ الزَّمانِ لَنا
…
عنِ الرَّبِيِع المُحَبَّبِ الأزْهَرْ
حَاكَ لَنا مِن ثيَابهِ حُلَلًا
…
جَوَّدَ في نَسْجِهَا وما قَصَّرْ
صَوَّرَهُ اللَّهُ كي يشُوِّقَنا
…
إلى جِنَانِ النَّعِيْم إذ صَوَّرْ
كأنَّ طَرْفَ الزَّمانِ أبْصَرَهُ
…
فشَاقَهُ حُسْنُ ذلكَ المْنَظَرْ
فظَلَّ مُسْتَعْبَرَ الجُفُون هَوًى
…
لَهُ لَولا الهَوَى لَمَا اسْتَعْبر
أَخْجَلَ حُسْنَ السَّماءِ فاحْتَجَبَتْ
…
بِسُحْبِها خجْلَةً فما تَظْهَرْ
أَوْدَعَ أَسْرَارَهُ الثَّرَى زَمَنًا
…
ثُمَّ انثَنى مُعْلِنًا لِمَا أضْمَر
(1)
ديوانه 112، والوافي بالوفيات 13:116.
(2)
لم ترد في ديوانه ولا في المستدرك عليه، وانظرها في المقفى الكبير للمقريزي 3:412.
فالأرْضُ تُثني على السَّحَابِ بما
…
دَرْهَمَ مِن نَوْرِها وما دَنَّرْ
انْظُرْ بعَيْنَيكَ نَحْوَ نَرْجِسِهِ
…
فحُسْنُهُ فَوْقَ كُلِّ ما يَظْهَرْ
كأنَّهُ والعُيُونُ تَرمقُهُ
…
كَوَاكِبٌ في سَمَائها تَزْهَرْ
أحَاطَ مُبْيَضُّهُ بصُفْرَتهِ
…
فَرَاقَ بالحُسْن طَرْفَ مَنْ أبْصَرْ
حَاكَي خَوَاتيمَ فِضَّةٍ جُدُدٍ
…
مُفَضَّضَاتٍ بأصْفَرِ الجَوْهَرْ
انْظُرْ إلى روضَةِ البَنَفْسَج والآ
…
سِ على جَانِبَيْهِ قد خَطَّرْ
كمَطرَحٍ أزْرَقٍ أُحِيْطَ على
…
أرْجَائِهِ فَرْوَزُ لَهُ أخْضَرْ
يَشُقُّ تلك الرِّيَاضَ مُنْفَجِرًا
…
جَدْوَلُ ماءٍ بفَيْضِهِ يَزْخَرْ
كأنَّهُ والشَّقِيْقُ مُنْبَسِطٌ
…
عليهِ مِن جَانِبَيْهِ قد أزْهَرْ
سَاقٍ من الرُّوم شَقَّ مِن طَرَبٍ
…
عن يَقَقِ الصَّدْر قُرْطَقًا أحْمَرْ
فالرَّوْضُ يحكي لنا الجنَانَ وما
…
جَرَى مِن الماءِ فيهِ كالكَوْثَرْ
قُمْ تَغْتَنِمْ طِيْبَهُ وَلَذَّتَهُ
…
فليسَ في تَركِ ذا امرُؤٌ ويُعْذَرْ
وَاغْدُ إلى مَتْجَرِ الصِّبَا عجِلًا
…
فتَاجِرُ اللَّهْو مُربَحُ المَتْجَرْ
قَرَأتُ في تاريخ مُخْتَار الملكِ مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه بن أحْمَد المُسَبِّحيّ
(1)
في حَوَادِث سَنَة ثَلاثٍ وتسعِين وثَلاثِمائة، قال: وفيه -يعني شَهْر رَبِيع الآخر- تُوفِّي أبو مُحَمَّد ابن وَكِيع الشَّاعِر، ويُلقَبُ بالعَاطِس بتِنِّيْس يَوْم الثّلاثَاء لسَبعْ بَقِينَ منه، وكان شَاعِرًا مَلِيْح الشِّعْر، مَطْبُوعًا، حُلْو الألْفَاظ، وكان في كَلَامِهِ حُكْلَة
(2)
.
(1)
تقدم التعريف بتاريخ المسبحي في الجزء الثاني، وانظره ضمن النصوص الضائعة من كتابه أخبار مصر 159 - 160.
(2)
الحُكْلَة: اللثغة، وقيل: عجمة لا تبين الكلام. لسان العرب، مادة: حكل.
الحَسَنُ بن عليّ بن أحْمَد كِياءَك العَطَّار، أبو عليّ الطَّبَريّ
حَدَّثَ بحَلَب، وجَمعَ منه بها أبو مَعْشَر عَبْد الكَريم بن عبد الصَّمَد الطَّبَريّ، وعدَّهُ في جُمْلَة شُيُوخه.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ: نَفَرٌ من شُيُوخ أبي مَعْشَر الطَّبَريّ، فذكَرَ جَمَاعَة، ثم قال: قال أبو مَعْشَر الطَّبَريّ: سَمِعْتُ بمِصْر على إسْمَاعيْل الحدَاد. وذَكَرَ غيره، وقال: وسَمِعْتُ بحَلَب على أبي عليّ الحَسَن بن عليّ بن أحمَد كِيَأَكِي -كذا وبخَطِّه في الحاَشِيَة كِيَاءَك- العَطَّار الطَّبَريّ.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
الحَسَنُ بن عليّ بن إسْحَاق بن العبَّاس، أبو عليّ الطُّوْسيُّ، الوَزِير المَعْرُوف بنِظَام المُلْك
(1)
ويُعْرَفُ بخُوَاجَا بَزُرْك، وخُوَاجَا بالفَارسِيَّة: الوَزِير، وبَزُرْك: العَظِيم.
وَزَرَ للسُّلْطَان العَادِل ألْب أَرَسْلَان بن جَغْرِي بَك، وقَدِمَ معَهُ حَلَب في سَنَة ثَلاث وسِتِّين وأرْبَعِمائة حينَ قَدِمَها مُحَاصِرًا لها. ثُمَّ وَزَرَ بعدَهُ لولده السُّلْطان مَلِكْشَاه أبي الفَتْح، وقَدِمَ معَهُ حَلَب سَنَة تِسْعٍ وسَبْعِين وأرْبَعِمائة.
وسَمِعَ بحَلَب أبا الفَتْح عَبْد اللَّه بن إسْمَاعِيْل بن الجِلِّيّ الحَلَبِيَّ، ورَوَى عن أبي عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد الطُّوسيّ، وأبي بكر مُحَمَّد بن يحيى بن إبراهيم المُزَكِّي، وأبي القاسِم عَبْد الكَريم بن هَوَازِن القُشَيْريّ، وأبي حَامِد أحْمَد بن الحَسَن الأزْهَريّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد الصَّفَّار، وأبي بَكْر مُحَمَّد بن أحْمَد بن الحَسَن الطَّاهِريّ،
(1)
توفي مقتولًا سنة 485 هـ، ترجمته في: الإكمال لابن ماكولا 1: 268، 7: 357، الهمذاني: قطع تاريخية من عنوان السير 99 - 103، خريدة القصر 8: 60، ابن الجوزي: المنتظم 16: 267 - 268، 289، 298، 302 - 307، ابن الأثير: التاريخ الباهر 9 - 10، سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان 19: 435 - 443 (ونسبه إلى جده: الحسن بن إسحاق)، وفيات الأعيان 2: 128 - 131، أبو شامة: الروضتين 1: 141 - 143، الذهبي: تاريخ الإسلام. 1: 541 - 544، والعبر في خبر مَن غير 2: 349، الإعلام بوفيات الأعلام 199، سير أعلام النبلاء 19: 94 - 96، اليافعي: مرآة الجنان 3: 103 - 105، السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4: 309 - 328، تاريخ ابن الوردي 2: 12، ابن كثير: البداية والنهاية 12: 140 - 141، ابن خلدون: العبر 6: 465، 467 - 468، 9: 94 - 98، النجوم الزاهرة 5: 136 - 137، شذرات الذهب 5: 363، الخوانساري: روضات الجنات 3: 82 - 85، محسن الأمين: أعيان الشيعة 5: 165 - 169.
وأبَوَي مَنْصُور: شُجاع بن عليّ بن شُجاع المَصْقَلِيّ الشَّيْبَانِيّ، ومُحَمَّد بن أحْمَد بن عليّ القَاضِي، وأبي نَصْر عليّ بن عَبْد اللَّه الكَاغَدِيّ، وأبي بَكْر أحْمَد بن مَنْصُور بن خَلَف المُقْرِئ، وأبي القَاسِم إِسْمَاعِيْل بن زَاهِرِ الطُّوسيّ، وأبي الحُسَين عليّ بن عَبْدِ اللَّه بن أحمد، وأبي مُسْلِم مُحَمَّد بن عليّ بن مَهْرَبُزُد (a) الأدِيْب، وأميرك بن أحمد، وأحمد بن عبد الرَّحْمن الصَّائِغ، وأبي عَبْد اللَّه عبد الرَّحْمن بن عَبْد اللَّه المُذْكِر، وأبي الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن يَحْيَى المَرَنْدِيّ، وغيرهم.
رَوَى عنهُ أبو الفَضْلِ مُحَمَّد بن عُمَر بن يُوسُف بن عُمَر الأُرْمَوِيّ، وأبو الصَّمْصَام ذو الفَقَار بن مُحَمَّد بن مَعْبَد الحَسَنيّ، وأبو الفَتْح نَصْرُ اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبْد القَوِيّ اللَّاذقِيّ، وأبو نَصْرِ مُحَمَّد بن مَحْمُود الشُّجَاعِيّ، وأبو مُحَمَّد الحَسَن بن مَنْصُور السَّمْعَانِيّ، وأبو القَاسِم نصْر بن نَصْرِ الوَاعِظ العُكْبَرِيّ، وأبو مُحَمَّد رِزْق اللَّه بن عَبد الوَهَّاب التَّمِيْمِيّ، وأبو الفَتْح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه البِسْطَامِيّ، وأبو سُفْيان مُحَمَّد بن أحْمَد العُبْدُوْسي، وأبو بشْر مُصْعَبُ بن عَبد الرَّزَّاق المُصْعَبِيّ، وأبو الحُسَين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد السَّهْلِكيّ، وأبَوَا القَاسِم: عليّ بن طَرَّاد بن مُحَمَّد الزَّيْنَبِيّ، وإسْمَاعيْل بن مُحَمَّد بن الفَضْل الحافظ، وأبو الفَضْل مُحَمَّد بن أبي نَصْر بن المَسْعُودِيّ، وأبَو غَالِب مُحَمَّد بن إبْراهيم الصَّيْقَلِيّ، وأبو نَصْر عليّ بن هِبَة اللَّه بن مَاكُولا، وغيرهم.
وعَقَدَ مَجْلِس الإِمْلَاءِ لحَديث رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وكان وَزِيرًا عَادِلًا، سَائِسًا، قَيِّمًا بأُمُور المَمْلَكَة، فَاضِلًا، عَالمًا، جَوَادًا، حَلِيمًا، كَثِيْر الصَّدَقَة والمَعْرُوف، ووَقَفَ عدَّة مَدَارِس لطَلَبة العِلْم، وكان كَثِيْر المخُالَطة لأهْل العِلْم، مُكْرِمًا لهم، حَسَن الأخْلَاق.
(a) في تاريخ الإسلام 10: 542: مهريزد، والمثبت موافق لرسم سير أعلام النبلاء 19: 95، ويأتي فيما بعد على النحو المثبت.
أخْبَرَنا أبو البَرَكَات دَاوُد بن أحْمَد بن مُحَمَّد بن مُلاعِب البَغْدَاديّ، قِراءَةً عليهِ بدِمَشْقَ، قال: أخْبَرَنا القَاضِي أبو الفَضْل مُحَمَّد بن عُمَر بن يُوسُف الأُرْمَوِيّ، ح.
وأخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أبي المَعَالِي بن عَبْد اللَّه بن مَوْهُوب بن البَنَّاءِ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم نَصْرُ بن نَصْر الوَاعِظُ العُكْبَرِيّ، قالا: حَدَّثَنَا الصَّاحِبُ الأجَلُّ العَالِمُ العَادِلُ، نِظَام الملك، قَوَامِ الدِّين، غِيَاثُ الدَّولَةِ، وشَمْسُ المِلَّة، أتَابَك أبو عليّ الحَسَن بنُ عليّ بن إسْحَاق رَضِيّ أَمِير المُؤْمنِيْن، إمْلاءً في يَوْم الثّلاثَاءِ ثالث عَشر المحرَّم من سَنَة ثمانين وأرْبَعِمائة، بالمَدْرَسَة ببَغْدَاد، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ أبو بَكْر أحْمَد بن مَنْصُور بن خَلَف المُقْرِئ بنَيْسَابُور، قال: حَدَّثَنَا أبو طاهر مُحَمَّد بن الفَضْل بن مُحَمَّد بن إسْحَاق بن خُزَيْمَة، قال: حَدَّثَنَا أبو العبَّاس مُحَمَّد بنُ إسْحَاق السَّرَّاج، قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سَعيد، قال: حَدَّثَنَا مالِكُ بن أنَس، عن عَامِر بن عَبْد اللَّه بن الزُّبَيْر، عن عَمْرو بن سُلَيم الأنْصَاريّ، عن أبي قَتَادَةَ السَّلَمِيّ
(1)
: أنَّ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إذا جاء أحَدُكُم المَسْجِدَ فليَرْكَع رَكْعَتَيْن قبل أنْ يَجْلِس.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد المَرْوَزيّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَتْح نَصْرُ اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبْد القَوِيّ المِصِّيْصيُّ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن إسْحَاق الوَزِير بأصْبَهَان، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْدِ اللَّه أحْمَدُ بن مُحَمَّد الطُّوْسيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو عَبْد اللَّه مُحَمّد بن مُحَمَّد الخَازِميّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بن عُمَر بن عِلْك، قال: حَدَّثَنا عَبْدُان بن مُحَمَّد الزَّاهِدُ، قال: حَدَّثَنَا عليّ بن عِيسَى، قال: حَدَّثَنَا خَلَفُ بن تَمِيْم، قال: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّه بن السَّرِيّ، عن مُحَمَّد بن
(1)
موطأ الإمام مالك 1: 162 (رقم 57)، صحيح مسلم 1: 495 (رقم 70)، جامع الترمذي 1: 348 (رقم 316)، سنن النسائي 2: 53 (رقم 730)، المعجم الكبير للطبراني 3: 272 - 273 (رقم 3281)، شرح السنة للبغوي 2: 365 (رقم 480)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 1: 537 (رقم 444).
المُنْكَدِر، عن جَابِر بن عَبْد اللَّه رضي الله عنهما
(1)
، قال: قال رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إذا لعَنَ آخر هذه الأُمَّة أوَّلَها، فمن كان عندَهُ عِلْم فليُظْهره، فإنَّ كَاتِم العِلْم يَوْمئذٍ ككَاتِم ما أُنْزِل على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم.
أخْبرَنا عَمِّي أبو غَانِم مُحَمَّد بن هِبَةِ اللَّه بن أبي جَرَادَة بقِرَاءَتي عليه، قال: أخْبَرَنا وَالدِي أبو الفَضْل هِبَة اللَّه بن مُحَمَّد، ح.
وأخْبَرَنا أبو هاشِم الحَلَبِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن أبي المُظَفَّر، قالا: أخْبَرَنا أبو الصَّمْصَام ذو الفَقَار بن مُحَمَّد بن مَعْبَد الحَسَنيّ بقِرَاءَتي عليه بالمَوْصِل، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن إسْحَاق الوَزِيرُ بأصْبَهَان، قال: حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بن يَحْيَى بن إبْراهيم المُزَكِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن دَاوُد بن سُلَيمان، قال: حَدَّثَني إبْراهيمُ بن عَبْد الوَاحِد، قال: حَدَّثَنَا وُرَيْزَة بن مُحَمَّد الغَسَّانِيّ، قال: حَدَّثَنَا الفَضْل بن مُحَمَّد، عن أَبِيهِ، عن جَدِّه، قال: قيل لعَبْد اللَّه بن عبَّاسٍ: كَم تكتُب العِلْم؟ فقال: إذا نشَطْتُ فهو لَذَّتي، وإذا اغتمَمْتُ فهو سَلْوَتي.
قَرَأتُ في كتاب زِيْنَة الدَّهْر لأبي المَعَالِي سَعْد بن عليّ الحَظِيْرِيّ الكُتْبِيّ
(2)
، وذَكَرَ نِظَام المُلْك، وفال: وبَلَغَني أنَّهُ كان يَقُول الشِّعْر، والّذي وَقَعَ إليَّ من شِعْره، وهو بَدِيْع، وكان عند كبره يَتَّكئ على عَصَا
(3)
: [من المنسرح]
بَعْدَ الثَّمانيْن ليسَ قُوَّه
…
لَهْفي على قُوَّة الصُّبُوَّه
(1)
أخرجه ابن ماجة في السنن 1: 97 (رقم 263)، المعجم الأوسط للطبراني 1: 270 (رقم 432)، فيض القدير للمناوي 1: 436 (رقم 845)، كنز العمال 10: 316 (رقم 29141)، وانظر: المسند الجامع 4: 322 (رقم 2881).
(2)
كتاب زينة الدهر وعصرة أهل العصر في ذكر لطائف (محاسن) شعراء العصر، ذيَّل به على كتاب دمية العصر للباخرزي، وللحظيري ترجمة مفردة تأتي في الجزء التاسع، وكتابه زينة الدهر لا يزال مخطوطًا.
(3)
البيتان في خريدة القصر 8: 60، ومرآة الزمان 19: 440، وفيات الأعيان 2: 129 وتاريخ الإسلام 10: 543، والوافي بالوفيات 12:126.
كأنَّني والعَصَا بكَفِّي
…
مُوسَى ولكن بلا نُبُوَّه
قال الحَظِيْرِيّ: وله
(1)
: [من الوافر]
أتَذكُرُها وقد خَرَجَتْ عَشيًّا
…
بأَتْرَابٍ لها كالعِيْن رُوْدِ
فَمدَّتْ من أصَابِعِها وقالَتْ:
…
خَضَبْنَاهُنَّ مِن عَلِقِ الوَرِيْدِ
نَقَلْتُ من مَجْمُوع بخَطِّ وَلدِ أُسامَة بن مُرْشِد بن مُنْقِذ: وقال خُوَاجَه بَزُرْك رحمه الله: [من الطويل]
أأحْبَانَنا لا شتَّتَ الدَّهْرُ شَمْلكُمْ
…
ولا ذُقْتُمُ مِن لَوْعَةِ البَيْنِ ما عِنْدِي
تَحَمَّلْتُمُ لي كُلُّكُم شَوْقَ واحدٍ
…
وحَمَّلْتُموني شَوقَ كُلِّكُمُ وَحْدِي
أخْبَرَنا أبو هَاشِمِ عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد السَّمْعَانيّ، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن أحْمَد بن السَّمَرْقنديّ: مَوْلدُهُ -يعني الصَّاحِب نِظَام المُلْك- يَوْم الجُمُعَة الحاَدِي والعِشْرين من ذي القَعْدَة سَنَة ثمان وأرْبَعِمائة.
أنْبَأْنَا أبو القَاسِم عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد بن أبي الفَضْل القَاضِي، عن أبي مُحَمَّد عَبْد الكَريم بن حَمْزَة، عن أبي نَصْر عليّ بن هِبَةِ اللَّه بن مَاكُولا قال في كتاب الإكْمَال
(2)
: بَزُرْك بفَتْح البَاءِ، وبعدَها زَاي مَضْمُومَة، ثمّ رَاءٌ سَاكِنة، فهو نِظَام الملك، قَوَامِ الدِّين، غِيَاثُ الدَّوْلَة، رَضِيّ أَمِير المُؤْمنِيْن، أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن إسْحَاق، يُعْرفُ بين العَجَم بالبَزُرْك، ومَعْناهُ: العَظيم. سَمِعَ الكَثِيْر، وحدَّثَ، وأمْلَى بخُرَاسَان جَمْعًا (a)، وبالثُّغُور، وبقُوْهِسْتَان وغيرها من البِلَادِ، وسَمِعْتُ منه إِمْلاءً بالرَّيّ، وسَمِعْتُ منه بنَوَاحِي خَتٍّ
(3)
، وبقِرَاءة غيري، وكانَ ثِقَةً، ثبتًا، مُتَحرِّيًا، فَهِمًا، عَالِمًا.
(a) ابن ماكولا: جميعها.
_________
(1)
البيتان في خريدة القصر 8: 60، والوافي بالوفيات 12:137.
(2)
الإكمال 1: 368.
(3)
خَتّ: مدينة من نواحي جبال عمان. ياقوت: معجم البلدان 2: 346.
وقال ابنُ مَاكُولا في مَوضع آخر من الكتاب المَذْكُور
(1)
: أمَّا نِظَام المُلْك فهو نِظَام المُلْك، قِوَام الدِّين، غِيَاثُ الدَّوْلَة، وزَيْن (a) الوُزَرَاءِ، أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن إسْحَاق، وُلدَ بطُوس، وسَمِعَ الكَثِيْر، وحدَّث بمَرْو، ونَيْسَابُور، والرَّيّ، وأصْبَهَان، وبَغْدَاد، وجميع بِلَادِ خُرَاسَان، وبلاد أَرَّان؛ وهي: جَنْزَة، وبَرْذَعَة، وبَيْلَقان، وسَائر البِلَادِ.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن أبي بَكْر السّمْعَانيّ
(2)
، قال: الحَسَنُ بن عليّ بن إسْحَاق بن العبَّاس الطُّوْسيّ، أبو عليّ الوَزِير نِظَام الملك، العَالَمُ العَادِلُ، كَعْبَةُ المَجْد، ومَنْبَعُ الجُوْد، ومَعْدِن الكَرَم والأفْضَال، ذو القَلَم الماضي، واللِّسَان القَاضِي، والمَعْدَلَة والأمَانَة، والصَّلَاح والدِّيانَة.
وكان صَاحِبَ أنَاةٍ وحِلْم، ووَقَار، وصَفْحٍ، وصَمْت، وكان مَجْلِسُه عَامِرًا بالقُرَّاءِ والفُقَهَاء، وأئمَّة المُسْلمِيْن وأعْلَام الدِّين، وأهْل الخَيْر والسّتْر والصَّلَاح. وصَارَ مثْل الكَعْبَةِ؛ يَقصِدُه كُلّ أحدٍ من الأقْطَار. وأمَرَ ببنَاءِ المَدَارِس في الأمْصَار، ورَغَّبَ في العِلْم كُلَّ أحدٍ.
سَمِعَ الحَدِث الكَثِيْرَ، وأمْلَى في البِلَادِ، وحَضَرِ مَجْلسه أكْثَرُ الحُفَّاظ والمُحَدِّثِيْن، ورَغِبُوا في السَّمَاعَ منه لعُلوِ رُتْبَتِهِ، وارْتِفَاعَ دَرجَتِهِ.
وأمَّا ابْتداءُ حَالتهِ: فإنَّهُ كان من أوْلادِ الدَّهَاقِيْن، وأرْبَاب الضِّيَاعَ بناحية بيْهَق، وقَصَبة الرَّاذَكَان
(3)
من نَوَاحِي طُوْس، قيل إنَّهُ نُفي عن وَالدِته رَضِيعًا،
(a) ابن ماكولا: وزير.
_________
(1)
الإكمال 7: 357.
(2)
نقله الذهبي عن السمعاني في تاريخ الإسلام 10: 541.
(3)
انظر: معجم البلدان 3: 13 لياقوت، وفيه: قرية من قرى طوس، يقال: إن الوزير نظام الملك منها.
وأنَّ أباهُ كان يَطُوْف به على المُرْضعَات فيُرْضِعْنَهُ حِسْبَةً حتَّى شَبَّ، ولَم يَدر أحَدٌ مَكْنُون سِرّ اللَّه في أمْره، فنَشَأ، وسَاقَهُ التَّقْديُر إلى أنْ علقَ بهِ شيءٌ من العَرَبِيَّةِ، وقادَهُ ذلك إلى الشُّرُوع في رُسُوم الاسْتِيْفاء، فلَم يَزَل الدَّهْرُ يَعْلُو به ويَنْخَفِضُ حَضَرًا وسَفَرًا، وكان يَطُوفُ في بلادِ خُرَاسَان، ووقَعَ إلى غَزْنَة في صُحبَةِ بَعْض المُتَصَرِّفيْن إلى أنْ تَنبَه بَخْتُهُ، وحَانَ وَقْتُه، ووَقَعَ في شُغْل أبي عليّ بن شَاذَان المُعْتَمد عليه ببِلْخ من جِهَة الأَمِير جَغْرِي حتَّى حَسُنَ حَالُهُ عند ابن شَاذَان، وظَهَرَ أثَرُ خِدمتِهِ، ولَاحَتْ آثارُ كِفَايَتِهِ، وصَار مَعْرُوفًا عند ذي أمْره، إلى أنْ تُوفِّي أبو عليّ بن شَاذَان، فذكر أنَّهُ أوْصَى إلى المَلِك ألْب أَرَسْلَان به، وذَكَرَ له كِفَايَته وأمَانَتُه واسْتِصَلاحُهُ لشُغْله، فنَصَبَهُ مكانَهُ، وصَارَ وَزِيرًا له.
والحال بَعْدُ مَسْتُورة، والدَّوْلَة مَغْمُورة، إلى أنْ انتهَت الدَّوْلَة الرُّكْنِيَّةُ نِهَاِيتها، وكانت وِلَايَة مَرْو لألْب أَرَسْلَان مُلْكًا، وهو الوَزِيرُ المُتَمكِّنُ من الأمْر، فاتَّفَقَت وَفَاةُ طُغْرِلبَك، ولَم يكُن له من الأوْلَادِ مَنْ يَنُوبُ مَنَابَهُ، فتوَجَّه الأمْرُ إلى ألْب أَرَسْلَان، وتعيَّن للسَّلْطَنَة، فتحرَّكَ عن مَرْو، والوَزِيرُ يُرَتِّبُ أمْرَه، ويُرَتِّب قَوَاعِدَ مُلْكهِ حتَّى زحَفَ إلى نَيْسَابُور وإفى العِرَاق، وخُطِبَ له على مَنَابِر خُرَاسَان والعِرَاق.
وارْتَفَعَ أمْرُ الصَّاحِب، وصارَ سَيِّد الوُزَرَاء، صَافِيًا له الوِرْدُ من سَنَة خَمسٍ وخَمْسِين وأرْبَعِمائة، وانْقَضَتْ أيَّامُ فتْرَة المَذَاهِب والرُّسُوم المَمْقُوتة في الدَّوْلَةِ الماضِيَةِ، وأظْهَرَ اللَّهُ مَكْنُون سِرِّه في دَوْلةِ نِظَام المُلْك، فَجَرَى له من الرُّسُوم المُسْتَحْسَنَة، ونَفْي الظُّلْم، وإسْقَاط المُؤْن والقسم، وحُسْن النَّظَر في أُمُور الرَّعِيَّةِ، وتقدير المُعَامَلات على سَنَن الإنْصَاف والعَدْل، وضَبْط الأُمُور، واسْتَقَامَتِ الأحْوَالُ، ورُتِّبَت الدَّوَاوِيْن أحْسَنَ تَرْتيب، وتَزَيَّنَتِ الأقْطَارُ بآثار العَدْل والإنْصَاف.
وكان من أكْفَى الكُفَاةِ، والسُّلْطان من أعْدَل الوُلَاةِ، فصَفَى العَيْشُ، واطَّرَدَت التِّجَارَاتُ، وأهلت الطُّرُق، وقَلَّ أهْلُ العَيْث والفَسَادِ، وأخَذَ الوَزِير في بَذْلِ الصِّلَاتِ، وبناءَ المَدَارِس والمَسَاجِدِ والرِّباطَاتِ، وتَحْصِيْن العمَارات بالأوْقَاف الدَّارَّة، وتَزْييْن المَدَارِس بخَزَائن الكُتُب المُوْدَعَة فيها، المُشْتَملَة على نَفَائِس الأعْلَاق، ثمّ إسْكَان البِقَاعِ طَلَبة العِلْم والمُدَرِّسيْن في كُلِّ فَنٍّ من الفُنُون، وكُلّ ذلك من الأسْبَاب المُوثقَة للمُلكِ والبُذُور.
حتَّى انْقَضَت النَّوْبَةُ للسُّلْطَان أبْى أَرَسْلَان بعد اسْتِكْمَال عَشْر سِنِيْن، إلى سَنَة خَمْسٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة، وطَلعَ نَجْمُ الدَّوْلَةِ المَلِكْشَاهِيَّة، وظَهَرَت كفَايَةُ نِظَام المُلْكِ -بَعْدَ تَقْدير اللَّه- في تَقْرِير تلكَ المَمْلَكَة، مع اتِّفَاق الوَقْعَةِ الهَائِلَةِ للسُّلْطَانِ عند قَصْدِهم مَا وَرَاء النَّهْر، وطَغَاء الخُصُوم اللُّدّ من كلِّ ناحيةٍ، وتَزَاحمِ الأوْلَاد المُسْتَعْدِّين للمُلْك، حتّى توطَّدَتْ أسْبَاب الدَّولَهِ، واسْتَقَامَ الأمرُ، فصارَ المُلْكُ حَقِيْقَة لنِظَامهِ، ورَسْمًا واسْمًا للسُّلْطَانِ، فما كان له إلَّا إقامَة رسْم التَّخْت والاشْتِغَال باللَّهْو والصَّيْد، وكان يُحْمَل إليه الأحْمَال المَجْلُوبَة من الأقْطَار، والدَّهْر وَسْنَان، والسَّعْد جَذْلَان، والنَّحْسُ خَزْيَان.
واسْتَمرَّ على ذلك عِشْرُون سَنَةً، اتَّفَقَتْ لهم فيها غَزَواتُ إلى الرُّوم، وظَفر منها بطُرَف الدُّنْيا من الأمْوَال، والعَبِيْد، والدَّوَابّ وغيرها، ثمّ نَهْضَات إلى المَوْصِل وحَلَب وتلك الدِّيَار، وحَرَكَاتٌ إلى مَا وَرَاء النَّهْر، وكان في أثناءِ ذلك ظُهُور خصُوم من الأطْرَاف يَتَمنَّون أمَانيَّ فلا يُدْرِكُونها، ويَتَحرَّكُون عن مَوَاضِعهم، وكانت عَاقِبَتُهم تَؤُول إلى أنَّهم يتَرْكُونها، وكُلّ ذلك بكَمال كِفَايَةِ نِظَام المُلْك، وتَمْهِيده القَوَاعِد، وبَركَة أيَّامهِ، وسَعَادَة جَدِّه، إلى أنْ انْتَهى الحال إلى الكَمَال، فما رَضيَت تلك النَّوْبَة المُبارَكة، والدَّوْلة المَيْمُونَة إلَّا وأنْ تُخْتَم بعَاقبةٍ تليقُ بها، وما كانت إلَّا الشَّهَادَة؛ فأدْرَكَهُ قضاءُ اللَّهِ في شهر رَمَضَان صَائمًا شَهِيْدًا،
ووُجئَ في الطَّريق بين أصْبَهَان ومَدِينَهَ السَّلام ليْلةً، ومَضَى إلى رَحْمَة اللَّه سَنَة خَمْسٍ وثمانين وأرْبَعِمائة.
وما كانت إلَّا زَوال بَرَكَته وحِشْمَته حتَّى تغيَّرتِ الأُمُور، واضْطَرَبت المَمْلَكَة، وتَشَوَّشَت أُمُور العَالَم، ونُسِيَتْ تلك الرُّسُوم، وما رَكَدَتْ بعد سنين آثار تلك النَّائِرة، والظَّنّ أنَّها لا تَعُودُ إلى مثْل ذلك، واللَّهُ أعْلَمُ.
قال أبو سَعْد: سَمِعَ بأصْبَهَان أبا مُسْلِم مُحَمَّد بن عليّ بن مَهْرَبُزُد الأدِيْب، وأبا مَنْصُور شُجاع بن عليّ بنشُجاع المَصْقَلِيّ، وبنَيْسَابُور أبا القَاسِم عَبْد الكَريم بن هَوَازِن القُشَيْريّ، وأبا حَامِد أحْمَد بن الحَسَن الأزْهَريّ، وخَلقًا يَطُول ذِكْرهُم.
رَوَى لنا عنْهُ عمِّي الشَّهِيْد أبو مُحَمَّد الحَسَنِ بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، وأبو بشر مُصْعَبُ بن عَبد الرَّزَّاق المُصْعَبيِّ بمَرْو، وأبو نصْر مُحَمَّد بن مَحْمُّود الشُّجَاعِيّ بسَرْخَس، وأبو الحُسَين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن السَّهْلِكيّ ببِسْطَام، وأبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن مُحَمَّد بن الفَضْل الحافِظ بأصْبَهَان، وأبو القَاسِمِ عليّ بن طَرَّاد بن مُحَمَّد بن عليّ الزَّيْنَيِّ ببَغْدَاد، كَتَب عنهُ إمْلاءً بجامع الرُّصَافَة، وأبو الفَتْح نَصْر اللَّه بن مُحَمَّد بن عَبْد القَوِيّ اللَّاذِقيِّ بدِمشق، وأبو الفتح مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه البِسْطَامِيّ ببَلْخ.
أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْدُ بنُ الحَسَن، عن أبي مَنْصُور بن الجَوَالِيْقيّ، عن الخَطِيب أبي زَكَرِيَّاء التَّبْريْزِيّ أنَّ فَخْرَ المُلْك ابن نِظَامِ المُلْك حَدَّثَهُ أنَّ وَالدَهُ كان يَكْتُب للأَمِيْر يَاخُر صَاحِب بَلْخ، وفي رَأس كُلّ حوْل يُصَادره، ويأخُذ ما معه، ويقُول له: قد سَمِنْتَ، ويَدْفع إليه فَرَسًا ومِقْرَعَة، ويقُول: هذا يَكْفِيكَ، فلمَّا طال عليه هَرَبَ منه، ولَقِيَهُ أصْحَابُ يَاخُر فأخَذُوه وهو على فَرَسٍ بَطيء فلقي رِكَابيًّا فأعْطَاهُ فَرَسَهُ، فقَوِيت نَفْسُه، وهَرَبَ منهم، ودَخَل إلى دَاوُد بن مِيْكائِيِل، فلمَّا رآهُ أخَذَ
بيَده، وسَلَّمه إلى وَلدِه ألْب أَرَسْلَان وقال له: هذا حَسَنُ الطُّوْسيّ فتَسَلَّمُهُ، واتَّخَذَهُ وَالدًا، ودَخَل يَاخُر في الحال، وقال: هذا كَاتبي وقد أخَذَ أمْوَالي، وكان قد رَكِب خَلْفَه، فقال له دَاوُد: لا خِطَابَ لكَ معي، والخِطَابُ لوَلدِي مُحَمَّد، فلم يَتَمكَّن من خِطَابِه، ولمَّا خَاطَبَهُ فيه لَم يَسْمَح بهِ.
دَاوُد بن مِيْكائِيل هو: جَغْرِي بَك، ومُحَمَّد ابنُهُ هو: ألْب أَرَسْلَان، ولكُلِّ واحدٍ من مُلُوك السَّلْجُوقِيَّة اسْمَان: اسْمٌ عَرَبيٌّ، واسْمٌ تُرْكِيٌّ.
أخْبَرَنا عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد السَّمْعَانيّ، قال: سَمِعْتُ أبا مَنْصُور عليّ بن عليّ بن عَبْد اللَّه الأَمِين يقُولِ: سَمِعْتُ الأَمِير أبا الحُسَيْن العُبَّادِيّ يَقُول: حين جَاءَنا نَعِيُّ نِظَام المُلْك في شَهْر رَمَضَان سَنَة خَمْسٍ وثمانين، قال: كُنْتُ بسَرْخَس في مَجْلِس شَيْخي أبي عليّ الفَارَمَذِيّ فقال في أثْناء كَلَامِهِ: وهذا الحَسَن سَدٌّ للفِتَن، مُشْفِقٌ على المُسْلمِيْن، وكان يُشِيْرُ إليهِ، فنَظَرتُ فإذا النِّظَام جَالِسٌ تَحْتَ سَرِيْره، ثمّ قال الأَمِير العُبَّادِيّ: أخافُ بعد قَتْله ظُهُور الفِتَن؛ فإنَّ الشَّيْخ قال: هو سَدٌّ للفِتَن.
أخْبَرَنا عَبْدُ المُطَّلِب، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد بن أبي بَكْر بن أبي المُظَفَّر، قال: قَرأتُ بخَطِّ وَالدِي رحمه الله: سَمِعْتُ الفَقِيه الأجَلّ أبا القَاسِم -يعني عَبْد اللَّه بن عليّ بن إسْحَاق، أخا نِظَام المُلْك- يَقُول: كان أخي نِظَام المُلْك يُمْلِي بالرَّيّ، فلمَّا فَرَغ قال: إنِّي لأعْلِم أنِّي لسْتُ أهْلًا لِمَا أتَولَّاهُ من هذا الإمْلَاءِ، لكنِّي أُرِيْدُ أَرْبِطُ نَفْسِي على قِطَار نَقَلَة (a) حَدِيْث رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وقال: قال وَالدِيّ، رحمه الله، وحَمِعْتُه -يعني الفَقِيه الأجَلّ- يَقُول: سَمِعتُهُ -يعني نِظَام المُلْك- يقُول: مَذْهَبي في عُلُوّ الحَدِيْث غير مَذْهَب أصْحَابنا، إنَّهُم يَذْهبُونَ
(a) في الأصل: بغلة، وفي الهامش بخط مغاير لخط المتن:"تصويبه: نقلة"، والمثبت موافق لما عند ابن الجوزي المنتظم 16: 304، والسبكي: طبقات الشافعية الكبرى 4: 318.
إلى أنْ الحَدِيْث العَالِي ما قَلّ رُوَاتُهُ، وعندي: أنَّ الحَدِيْث العَالي ما صَحَّ عن رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإنْ بَلَغَتْ رُوَاتُهُ مائة.
قَرأتُ بخَطِّ الحَسَن بن جَعْفَر بن عبد الصَّمَد بن المُتَوَكِّل، وأنْبَأنَا به أبو الحَسَن ابن المُقَيِّر عنه، قال: حَدَّثَني الشَّيْخُ الإمَام أحْمَد بن محمُود بن إبْراهيم الضَّرِيْر الأَزَجِيّ المَعْرُوف بابنِ الصَّيَّادِ، صَاحِب الشَّيْخ أبي سَعْد المُعَمَّر بن عليّ بن المُعَمَّر الوَاعِظ المَعْرُوفُ بابنِ أبي عِمَامَة، قال: سَمِعْتُ من لَفْظ الشَّيْخ أبي سَعْد الوَاعِظ قال: لمَّا قَدِمَ السُّلْطانُ مَلِك شَاه إلى بَغْداد، كان وَزِيره الحَسَنَ بن عليّ بن إسْحَاق، نِظَام المُلْك، في سَنَة ثَمانين وأرْبَعمائة، قَصَدَ النَّاسُ نِظَام المُلْك، واسْتَجْدَوْهُ، وكَثُر عليه النَّاسُ والشُّعَراء، فلم يَرُدَّ أَحدًا ممَّن قَصَدَهُ، حتَّى قيل إنَّهُ لمَّا خَرَجَ إلى النَّهْرَوَان تقدَّم بأنْ يُثْبَت ما خَرَجَ منه مُدَّة مقامِهِ، فكان مائة ألف ونَيِّف وأرْبَعين ألف دِيْنار.
أخْبَرَنا أبو هاشِم بن أبي المَعَالِي الحَلَبِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور، قال: وقَرأتُ بخَطِّ وَالدِي: سَمِعْتُ الفَقِيه الأجَلّ -يعني أبا القَاسِم عَبْد اللَّه بن عليّ بن إسْحَاق- يَقُول: كُنْتُ بمَكَّة، وأَرَدْنا الخُرُوج إلى عَرَفَات، فأخْبَرَني رَجُلٌ أنَّ إنْسَانًا من الخُرَاسَانيَّة ماتَ في بعض الزَّوَايا، وأنَّهُ انْتَفَخَ وفَسَد، ولزمَني القيام بحَقِّه لمَّا أُدِّيَتِ الأمَانَةُ إليَّ فيه، فتَمَكَّثْتُ لذلك. قال: فرَآني بعضُ مَنْ كان يَأْتَمِنُهُ الصَّاحِبُ نِظَام المُلْك على أُمُور الحَاجّ، فقال لي: ما وقُوفكَ هَا هُنا والقَوْم قد ذَهَبُوا؟ فقُلتُ: أنا وَاقِفٌ لكَذا وكذا، فقال: اذْهَب ولا تَهْتَمّ لأمْر هذا المَيِّت؛ فإنَّ عندي خَمْسِين ألْف ذِرَاع من الكِرْبَاس لتَكْفين المَوْتى من جِهَة الصَّاحِب نِظَام المُلْك.
أخْبَرَنا أبو هاشِم بن أبي المَعَالِيّ، قال: أخْبَرَنا تاج الإِسْلَام أبو سَعْد السَّمْعَانيّ، قال: وكان أكْثَر مَيْله إلى الطَّائِفَة المُتَصَوِّفَة مع الإيْمان بما كانوا يَتَوسَّلُون بهِ إليهِ
من فُنُون الرُّؤْيا، فيَقْبَلهم على ذلك، ويُقَرِّبهم، ويُنْجِح حَوَائجِهم، ويُوْصل إليهم مآربَهُم، ويَقْضي دُيُونهم، ويُدرُّ عليهم الإدْرَارَات والمَرْسُومات.
وحُكي عن بُعْض المُعْتَمَديْن أنَّهُ قال: حَاسبْتُ مع نَفْسِي وطالعْتُ الجَرَائِد، فبَلغَ ما قضَاهُ الصَّدْر من دُيُون واحدٍ من المُتَنَمِّسيْن المقبُولينَ عنده في مُدَّة سنيْن يَسِيْرة ثمانين ألف دِيْنار حُمْر، وكان صَادِقًا فيما حَكاهُ.
نَقَلْتُ من خَطِّ عِمَاد الدِّين أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الكَاتِب، وأَنْبَأني عنه أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر وغيره، قال: ومَنَاقِبُ نِظَام المُلْك أكْثَر من أنْ تُحْصَى، وحَكَى مَنْ أحْضَر مُحَاسبَة ابن أسمحا (a) اليَهُودِيّ بإحَالاته وتَوْقِيعَاته، فوَجَدَها في أشْهُر قد اشْتَملت على ثلاثين ألف دِيْنارٍ، ليسَ فيها تَوْقيع إلَّا لفَقِيْه، أو فَقِيْر، أو شَرِيف، أو لرَجُلٍ من أهْلِ بيتٍ.
أخْبَرَنا أبو هاشِم، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد، قال: سَمِعْتُ أبا الفَضْل مَسْعُود بن مَحْمُود الطَّرَازِيّ ببُخَارَى يقُول: سَمِعْتُ شَيْخَنا الحَسَن بن الحُسَين الأنْدَقِيّ يَحْكي عن عَبْد اللَّه السَّاوجِيّ أنَّهُ قال: كان الوَزِير نِظَام المُلْك اسْتَأذن السُّلْطان مَلِك شَاه في سَفَر الحَجِّ، فأَذِنَ له، وكان ببَغْدَاد، فعَبَر الدجلَة، وعَبَرُوا بالقُمَاشَاتِ والآلَاتِ، وضُرِبَت الخِيَامُ على شَطِّ الدِجْلَةِ، فكُنْتُ أرِيْدُ أنْ أدْخُل إليهِ يَوْمًا، فرَأيتُ على باب الخَيْمَة واحدًا من الفُقَرَاء يَلُوح منِ جَبِيْنه سيماءُ القَوْم، فقال لي: يا شَيْخ، أمَانَةٌ تُوْصلها إلى الصَّاحِب، قُلْتُ: نَعَم، فأعْطَاني رُقْعَةً مَطْويَّة، فدَخَلْتُ، ولَمْ أنْشُر الرُّقْعَةَ، وما نَظَرتُ فيها، وحَفِظتُ الأمَانَة، فوضَعْتُ الرُّقْعَة بين يَدِي الوَزِير فنَظَر فيها، فبَكَى بُكَاءً كَثِيْرًا حتَّى نَدمْتُ، وقُلتُ في نفسِي: لَيْتَني كُنْتُ نَظَرْتُ فيها، فإنْ كان شيءٌ يَسُوءُه ما دفعْتُه إليهِ، ثمّ قال لي: يا شَيْخُ،
(a) كذا رسمه في الأصل، وفي المنتظم لابن الجوزي (16: 298) والكامل لابن الأثير (10: 186 - 187): أبو سعد بن سمحا اليهودي، توفي مقتولًا سنة 485 هـ.
أَدْخِلْ عليَّ صَاحِبَ الرُّقْعَة، فخرجتُ فلم أجدْهُ، فطلبتُه فم أظْفَر بهِ، فأَخْبَرْتُ الوَزِيرَ أنِّي لم أجدْهُ، فدَفعَ إليَّ الرُّقْعَةَ، فإذا فيها: رَأيْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في المَنَامِ، وقال لي: اذهَبْ إلى الحَسَن، وقُلْ له: أينَ تَذْهَب إلى مَكَّة، حَجُّكَ هَا هُنا، أمَا قُلْتُ لكَ أَقِم بين يَدَي هذا التُّرْكِيّ وأَغِثْ أصْحَابَ الحَوَائِج من أُمَّتِي؟ فرجَع النِّظَام، وما خَرَج.
قال: وكان يقُول لي الوَزِير مَرَّات: لو رَأيتَ ذلك الفَقِيْر حتَّى نَتَبرَّك بهِ؟ فرَأيتُهُ يَوْمًا على شَطِّ الدِجْلَة وهو يَغْسِل خرَيْقاتٍ له، فقُلتُ لَهُ: إنَّ الصَّاحِب يَطْلبُكَ، فقال: ما لي وللصَّاحِب؟! كانت عندي أمَانَةٌ فأدَّيْتُها.
قال أبو سَعْد: وعبدُ اللَّه السَّاوجِيّ هو: عَبْد اللَّه بن حَسْنُوَيْه بن إسْحَاق السّاوجِيّ من أهْلِ سَاوَة، نَفَقَ سُوْقُهُ على الوَزِير نِظَام المُلْك حتَّى أنْفَقَ عليه وعلى الفُقَرَاء بإشَارته واقْترَاحهِ في مُدَّة يَسِيْرة قَريبًا من ثَمانين ألف دِيْنارٍ حُمْر.
قَرأتُ بخَطِّ أبي غَالِب عَبْد الوَاحِد بن مَسْعُود بن الحُصَيْن
(1)
، وأنْبَأنَا عنه صَدِيْقُنا ورَفِيْقُنا الحافِظ أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مَحْمُود بن النَّجَّار، قال: وفيهِ -يعني مُحَرَّم سَنَة خَمْسٍ وثمانين وأرْبَعِمائة- مَرِضَ نِظَامُ المُلْك، فلَم يُدَاوِ نَفْسَهُ بغَيْرِ الصَّدَقَة، فعُوْفي.
أخْبَرَنا أبو هاشِم بن الفَضْل العبَّاسيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، قال: وأمَّا مَيْلُه -يعني نِظَام المُلْك- إلى أهْل العِلْم، ورَغْبته في أُولي الفَضْل فهو أنَّهُ لا يَخْلُو مَجْلسه عنهم في أيّ قُطْر كان، وكان بابُهُ مَجْمَع الأفَاضِل من الفُقَهَاء للمُنَاظَرة بينَ يَدَيْهِ، والشُّعَراءِ والمُتَرسِّلين؛ يَعْرضُونَ بضَائعَهُم عليه، فيُقَابل كُلّ أحدٍ بما يَلِيْقُ به من خلْعَةٍ أو صِلَةٍ، أو إدْرَار على قَدْر حَالهِ.
(1)
النقل عن تاريخ ابن الحصين الشيباني، مضى التعريف به في الجزء الثالث.
قال: سَمِعْتُ أبا مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن حَمَّاد الطَّحَّان بقَاسَان
(1)
، يَقُول: سَمِعْتُ عَبْد اللَّه بن هَارُون البَزَّاز يقُول: كان نِظَام المُلْك في مَجْلِس الشَّيْخ أبي عليّ الفَارَمَذِيّ، فبَكَى حتَّى ابتَلَّ شابه، فقال له: لا تَبْك كي تَرْشَويّ، يعني: تَصِير ثِيَابُك مَبْلُولة، ثمّ قال بعد سَاعة: لو كانت الدُّنْيا بحَذَافيْرها لإنْسَان وأنْفَقَها في المَصَالِح وسُبلِ الخَيْر لا يَصِل إلى اللَّه بها؛ ثمّ قال بعد سَاعة: يَنْتقل من الدَّسْت إلى مَوضِع الحِسَاب، وقال بالفَارسِيَّة: أرْبيشْكَاه بحِسَاب كاهَتْ خُوَاهَنْد بُرْد.
وقال أبو سَعْد السَّمْعَانيّ: سَمِعْتُ أبا البَرَكَات إسْمَاعِيْلَ بن أبي سَعْد الصُّوْفيّ ببَغْدَادَ مُذَاكَرَةً يقُول: سَمِعْتُ مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ، وكان مُخْتصًّا بنِظَام المُلْكِ، قال: كان النِّظَام إذا دَخَل عليهِ الأُسْتَاذ أبو القَاسِم القُشَيْريُّ والإمَام أبو المَعَالِي الجُوَيْنِيّ يقُومُ لهما ويَجْلِس في مَسْنَده كما هو، وإذا دَخَل عليهِ أبو عليّ الفَارَمَذِيّ يقُومُ إليهِ ويُجْلِسُه في مكانِهِ، ويَجْلسُ بينَ يَدَيْهِ، فقال لي أبو المَعَالِي الجُوَيْنِيّ يَوْمًا: قُلْ للصَّدْر عنِّي: يَدْخُل عليكَ الأُسْتَاذ أبو القَاسِم وهو إمامٌ في كَذَا وكَذَا عِلْم، لا تُكْرمهُ هذا الإكْرَام الّذي تُكْرِم به هذا الشَّيْخ؛ يعني: أبا عليّ الفَارَمَذِيّ؟! قال مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ: وفي ضَمْن هذا الكَلَام تَعْريض بنَفْسه أيضًا، فاغْتَنَمْتُ خَلْوةً من النِّظَام وقُلتُ: يا مَوْلَانا، إمَام الحَرَمَيْن قال لي كَذَا على كذَا، وحَكَيْتُ له ما قال ليّ، فقال النِّظَام: هو وأبو القَاسِم القُشَيْريّ وأمْثَالهما إذا دَخَلُوا عليَّ يقُولُون لي: أنتَ كَذَا وأنْتَ كَذا، ويُثْنُون عليَّ، ويُطْرُونَني بما ليسَ فيَّ، فيُزِيْدُني كَلَامهم عجبًا وتِيْهًا في نَفْسِي، وإذا دَخَل عليَّ هذا الشَّيْخ -يعني أبا عليّ الفَارَمَذِيّ- يَذْكُر لي عُيُوبَ نَفْسِي وما أنا فيه من الظُّلْم، فتَنْكَسر نَفْسِي وأرْجع عن كَثِيْر ممَّا أنا فيه؛ ذكر لي هذا أو مَعْناه؛ فإنِّي كَتَبْتُهُ من حِفْظي.
(1)
قاسان بالمهملة: من مدن ما وراء النهر، وهي غير قاشان التي قرب أصبهان. معجم البلدان 4: 295 - 296.
وقال السَّمْعَانيُّ: قَرَأتُ في بعض مُسْوَّدَاتِ وَالدِي رحمه الله بالرَّيّ بخَطِّه: سَمِعْتُ الفَقِيهَ الأجَلَّ أبا القَاسِم عَبْد اللَّه بن عليّ بن إسْحَاق يَقُول: سَمِعْتُ الصَّاحِب نِظَام المُلْك يُوْصي ابنِ ويقُول: إنَّك شَرَعْتَ في أمْرٍ -يَعْني الفِقْه- فلا تَقْنَع فيه بالاسْم، وإذا تَنَاهَيْتَ فيه، فلا تُغَرِّر بنَفْسكَ، وأيْقِن أنَّ ما لا تَعْلَم أكْثَر ممَّا تَعْلَم.
ثمّ حَكَى الصَّاحِبُ أنَّ الإمَام أبا حَامِد الغَزَّاليّ (a) الصُّوْفيّ كان رَحَلَ إلى أبي نَصْر الإسْمَاعِيْليِّ بجُرْجَان، وعَلَّق عنه، ثمّ رجَعَ إلى طُوْس، فقُطِع عليه الطَّريقُ، وأُخِذ تَعْلِقُه، فقال لمُقَدَّم قُطَّاعِ الطَّريق: ردُّوا عليَّ تَعْلِيْقَتِيّ، فقال: وما التَّعْلِيقَة؟ قال: مِخْلَاةٌ فيها كُتُب عِلْميّ، وقصَصْتُ عليه قِصَّتي، فقال لي: كيف تعلَّمْتَ وأنْتَ تأخُذ (b) هذه المِخْلَاة تتجرَّد عن عِلْمكَ، وبقيْتَ بلا عِلْم! ورَدَّهَا عليَّ. فقُلتُ: هذا مُسْتَنْطَقٌ أنْطَقَهُ اللَّهُ ليُرْشِدَني لأمْريّ، قال: فدَخَلْتُ طُوْسَ، وأَقْبَلْتُ على أمْري ثلاث سِنِيْن حتَّى تحَفَّظْتُ جميعَ ما علَّقت، فصِرْتُ بحِثُ لو قُطِعَ الطَّريق لا أُحْرَم عِلْمِي.
قال أبو سَعْد: قَرَأتُ في كتَاب سِرّ السُّرُور
(1)
لصَدِيْقنا القَاضِي أبي العَلَاءِ مُحَمَّد بن مَحْمُود الغَزْنَوِيّ أنَّ نِظَامَ الملك كان في بَعْضِ أَسْفَاره إذ صَادَفَ رَاجِلًا في زيِّ العُلَمَاءِ قد مَسَّهُ الكَلَالُ، وأضْجَرَهُ التَّعَب، فقال له نِظَام المُلْك: أيُّها الشَّيْخُ، أَعَيِيْتَ أم أُعْيَيْتَ؟ فقال الرَّجُلُ: أَعْيَيْتُ يا مَوْلَانا، فتقدَّم إلى حَاجِبِه ليُقَرِّبَ إليهِ
(a) هكذا جوَّده في الأصل، وهو وجه من وجوه ضبطه نسبة إلى عمل الغزل، كالقصَّار والزجَّاج ونحوه، ومن قال تخفيف الزاي فنسبة إلى غزالة، قرية من قرى طوس.
(b) هكذا في الأصل، ولعل الأظهر: كيف تعلمت وأنت إنْ تؤخذ. . .
_________
(1)
كتاب ضائع ترجم فيه مؤلفه لشعراء زمانه (حاجي خليفة: كشف الظنون 2: 987)، ويرد ذكر الكتاب والنقل عنه -من طريق أبي سعد السمعاني- في العديد من التراجم التالية.
بعضَ الجَنَائِبَ، ويَصْلح من شَأنه، وأخَذَ في اصْطِناعِهِ، وإنَّما أرادَ ليَمْتَحن فَضْلَهُ وعِلْمَهُ باللُّغَة، فإنَّ عَيِيَ في اللِّسَان وأَعْيَى في المَشْي.
قال: وذُكِرَ أنَّهُ وَلَّى رَجُلًا قَضاءَ سرْخَس، فلم يَرْتَض طَرَائقَهُ فيه، فصَرَفَهُ بآخر، وتَوَسَّل المَعْزُول بشَفَاعَةِ بعض الأكَابِر، فوقَّع نِظَام المُلْك على ظَهْر كتاب الشَّفَاعَة: قَلَّدْنَاهُ أمْرًا عَظِيم الخَطر، ليَوْم الفَزَع الأكْبَر، فاثَّاقَل وتقَاعَد عن حُسْن القِيَام بهِ، ولَم يُبَال بالتَّفْرِيطِ في جَنْب اللَّهِ، ألَم يَعْلَم أنَّهُ المُقَلَّدُ لا المُخَلَّد!.
أخْبَرَنا أبو هاشِم، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن عليّ بن أحْمَد بن الحُسَين اليَزْدِيّ الفَقِيه، قال: سَمِعْتُ أبا نَصْر مَحْمُود بن الفَضْل الأصْبَهَانِيّ يَقُول: سَمِعْتُ نِظَام المُلْك أَبا عليّ الحَسَن بن عليّ بنِ إسْحَاق الوَزِير، برَّدَ اللَّهُ مَضْجِعَهُ، يَقُول: رَأيْتُ في المَنَام إبْلِيْسَ في صُوْرة رجُلٍ طُوَال مصْفَار اللَّوْن كَوْسَجًا، فلمَّا وَقَع بَصَري عليه عَرَفتُ أنَّهُ إبْلِيْسُ، فمُلتُ: لا حَوْل ولا قُوَّةَ إلَّا باللَّه، فلم يَبْرح من مَوضِعِهِ فأعدْتُ هذه الكَلِمَة عليه مَرَّات بصَوْتٍ، وأنا أقُول في نَفْسِي: ما أعْجَبَ ذلك، هذا إبْلِيْسُ ولا يَهْربُ من قَوْل لا حَوْل ولا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، فكُنْتُ في ذلك وأنا رَافِع صَوْتي بها إذ تَرَآى لي بَيْتٌ خَلْفَ ظَهْره فدَخَلَ، فقُلتُ لَهُ: يا لَعِيْن، أنْتَ خَلَقَك اللَّهُ وأمَرَكَ بسَجْدةٍ واحدةٍ، فَخالفْتَهُ، حتَّى لعنَكَ ولَعَنَ مُتَابعِيْكَ، وأنا الحَسَن بن عليّ بن إسْحَاق أمَرَني بالسَّجْدَة، فأَسْجُد له كُلَّ يَوْم سَجْدَات، لا جَرَمَ ما من حَاجَةٍ أرْفَعُهَا عليه إلَّا ويَسْتَجِيْبُها لي وأنا في كُلِّ نِعْمَة ورَاحةٍ منه. فقال:[من مخلع البسيط]
مَنْ لَم يَكُنْ للوِصَالِ أهْلًا
…
فكُلُّ إحْسَانِهِ ذُنُوبُ
أخْبَرَنا أبو هاشِم، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد، قال: قَرأتُ بخَطِّ وَالدِي رحمه الله: سَمِعْتُ الفَقِيهَ الأجَلَّ أبا القَاسِم عَبْد اللَّه بن عليّ بن إسْحَاق يَذْكُر أنَّ الصَّاحِب
نِظَامَ المُلْكِ أخَاهُ كان يَقُول: كُنْتُ أتَمَنَّى أنْ يكُونَ لي قَرْيَةٌ خَالِصَةٌ ومَسْجِدٌ أتَّخذ فيه لطَاعِة ربِّي، ثُمَّ بعدَ ذلك تَمَنَّيْتُ أنْ يكُونَ لي قِطْعَةٌ من الأرْض بشِرْبها، أتَقَوَّتُ برَيْعِهَا، ومَسْجِد أتَخَلَّى فيه لعِبَادَة ربِّي في جَبَل، ثمّ الآن أتَمَنَّى أنْ يكُونَ لي رَغِيفٌ كُلّ يَوْم، ومَسْجِدٌ أتَعَبَّد فيه لرَبِّي.
قال أبو سَعْد: قال وَالدِي رحمه الله: وسَمِعْتُه يَقُول: كُنْتُ لَيْلَة من اللَّيالِي عندَهُ وأنا على أحَدِ جَانبَيْهِ، والعَمِيْد خَلِيفَة على الجانب الآخرِ، وبجَنْب العَمِيْد خَلِيفَة فَقِيْرٌ مَقْطُوع اليَدِ اليُمْنَى، قال: فشَرَّفني الصَّاحِب بالمُؤَاكَلَة، وجَعَل يلحَظُ العَمِيْدَ خَلِيفَة كيفَ يُؤَاكل الفَقِيْر، قال: فتَنَزَّه خَلِيفَةُ من مُؤَاكَلَةِ الفَقِيْر لَمَّا رَآهُ يَأكُل بيَسَارِه، فقال لخَلِيفَة: تَحَوَّل إلى هذا الجانب، وقال للفَقِير إنَّ خَلِيفَة رَجُلٌ كَبِيرٌ في نَفْسه يَسْتَنْكفُ من مُؤَاكَلَتِكَ، فتقدَّم إليَّ، وأخَذَ يُؤَاكِلُهُ!.
وقال: قَرأتُ بخَطِّ الإمَام وَالدِي رحمه الله: سَمِعْتُ الفَقِيه أبا القَاسِم عَبْد اللَّه بن عليّ بن إسْحَاق الطُّوْسيّ يَقُول: دَخَل أَخي نِظَامُ المُلْك على الإمَام أبي الحَسَن الدَّاوُودِيّ، وقَعَد بينَ يَدَيْهِ، وتَوَاضَعَ له غايةَ التَّوَاضُع، فقال له الإمَامُ أبو الحَسَن: أيُّها الرَّجُلُ، إنَّ اللَّه سَلَّطَكَ على عَبِيْده، فانْظُر كيف تُجِيْبُه إذا سَألكَ عنهم.
قُلتُ: هذا أبو الحَسَن الدَّاوُودِيّ هو: عبد الرَّحْمن بن مُحمّد بنِ المُظَفَّر بن مُحَمَّد بن دَاوُد بن أحْمَد البُوْشَنْجيّ؛ كان من العُلَمَاء الأبْرَار، وهو يَرْوي كتاب البُخاريّ عن الحَمُّوِيّ.
قَرأتُ بخَطِّ أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الكَاتِب، وأخْبَرَنَا أبو الحَسَن بن أبي جَعْفَر إجَازَةً عنه، قال: وكان نِظَام المُلْك من طُوْس، وأهْل طُوْسِ يُقال لهم في اصْطِلَاح النَّاس: بَقَر طُوْس، وكان للخِزَانَة صَائِغٌ يُقالُ له حُسَين، حَسَنُ الصِّناعَةِ في الصِّيَاغَة، قال: اسْتَدْعاني يَوْمًا نِظَام المُلْك، وقال:
احْضر لي قَوَالب لعَمَل سُخُوتٍ، فأحْضرْتُها له، فأوَّل ما وَقَعَتْ يَدُه على قَالبٍ فيه صُوْرَة البَقَر، وقد كُنْتُ غَفَلْتُ عن الحَدِيْثِ، فعَجِلَ وقال: يا أُسْتَاذُ، ما تُخَلِّينا من يَدكَ! فلَم يَتْرُك الظّرْفَ واللُّطْفَ مع جَلَالَة قَدْرِه، وكِبَر سِنِّهِ.
أخْبرَني أبو عليّ الحَسَنُ بن إسْمَاعِيْل (a) القيْلَويّ بحَلَب، قال: قَرَأتُ في بَعْض مُطَالَعاتي أنَّ الشَّريف أبا يَعْلَى ابن الهَبَّارِيَّة كان له رَسْم على الوَزِير نِظَام المُلْك، فنَظَم قِطْعَتَين من الشِّعْر، أحدَيْهُما يَمْدَحُهُ فيها ويَقْتَضيه رَسْمُه، والأُخْرى يَهْجُوه فيها، وتَرَك الوَرَقتَيْن اللَّتَيْن فيهما الشِّعْر في عِمَامَته، وحَضَر عندَ نِظَام المُلْك، وأرَادَ أنْ يَدْفَع إليهِ الرُّقْعَة الّتي فيها الاقْتِضَاءُ، فدَفَعَ إليهِ الأبْيَات الّتي هَجَاهُ فيها، وإذا فيها مَكْتُوبٌ
(1)
: [من الكامل]
لا غَرْوُ أنْ مَلَكَ ابن إسْـ
…
ـحَاق وسَاعَدَهُ القَدَرْ
وصَفَا لدَوْلَتِهِ وخَـ
…
ـصَّ أبا الغَنائِم (b) بالكَدَرْ
فالدَّهْر كالدُّوْلَاب لَيْـ
…
ـسَ يَدُورُ إلَّا بالبَقَرْ
يَعْني بأبي الغَنائِم تَاج المُلْك، وكان من أصْحَابِ السُّلْطان مَلِكْشَاه، وكان بين نِظَام المُلْك وبينه عَدَاوَة.
قال: فلمَّا قرأ نِظَام المُلْك الأبْيَات وقَّعَ على رَأسها: يُطْلَقُ لهذا القُوَّادِ رَسْمُهُ مُضَاعَفًا، ونَاولَهُ إيَّاها، فأخَذَ ابن الهَبَّارِيَّة الرُّقْعَة، فلمَّا نَظَرها أخَذَ يَعْتَذرِ، فقال له النِّظَام: لا تَقُلْ شيئًا، وخُذ الرُّقْعَةَ، وامْض إلى الدِّيْوَان، فمَضَى وأخَذَ رَسْمَهُ.
(a) كذا سمَّاه في هذا الموضع منسوبًا إلى جده، واسمه الحسن بن محمد بن إسماعل، تقدم ذكره. وانظر ترجمته في الوافي بالوفيات 12:218.
(b) الوافي والنجوم الزاهرة: أبا المحاسن، وأنه صهر نظام الملك.
_________
(1)
أبيات ابن الهبارية عند ابن خلكان: وفيات الأعيان 4: 454، والصفدي. الوافي بالوفيات 1: 130، وابن تغري بردي: النجوم الزاهرة 5: 210.
قال: إنَّ ابن الهَبَّارِيَّة هَجَاهُ بعد ذلك بقَوْله: [من مجزوء الكامل]
لا يَشْمَخَنَّ بأنْفِهِ
…
غَيْر الكريم المُفْضِلِ
أَهْوِنْ بفَقْري والكِلَا
…
بُ على عِيَال أبي عَلي
فأهْدَرَ دَمَهُ، ثمّ عَفَا عنه، والقِصَّة قد ذَكَرْناها في تَرْجَمَةِ أبي يَعْلَى بن الهَبَّارِيَّة
(1)
.
وقيل: إنَّ الأبْيات الرَّائِيِّة للأَبيوَرْدِيّ، والصَّحيحُ أنَّها لابن الهَبَّارِيَّة.
قَرأتُ بخَطِّ عَبْد المُنْعِم بن الحَسَن بن اللُّعَيْبَة في دُسْتُور جَمَعَهُ: قال الفَقِيه الأَبْيِوَرْدِيّ يَهْجُو خُوَاجَا بَزُرْك وَزِير السُّلْطان مَلِك شَاه رحمه الله، وهو الوَزِير أبو عليّ الحَسَن بن إسْحَاق:[من الكامل]
لا غَرْو أنْ وَزَرَ ابن إسْـ
…
ـحَاق وسَاعَدَهُ القَدَرْ
وصَفَتْ له الدُّنْيا وخُـ
…
ـصَّ أبو الغَنائِم بالكَدَر
فالدَّهْرُ كالدُّوْلَاب لَيْـ
…
ـسَ يَدُور إلَّا بالبَقَر
ولمَّا نَمَتْ هذه الأبْيَاتُ إلى الوَزِير رحمه الله، اسْتَدْعَى الأَبِيْوَرْدِيّ، وكانت أيَاديهِ عندَهُ جَمَّة، وله عليه رُسُومٌ في كُلِّ سَنَة لها قَيِّمةٌ كبيرةٌ، فلمَّا مَثَلَ بينَ يَدَيْهِ قال له: يا هذا، بِمَ اسْتَوْجَبْتُ منكَ أنْ تَهْجُوني تَعَصُّبًا لعَدُوِّي عليَّ؟ -وهذا أبو الغَنائِم الّذي ذَكَرهُ هو تَاجُ المُلْك عَدُوّ الوَزِير- فأنْكَر أنَّ هذا شِعْره، فقال له الوَزِير: إنْ لَزمْتَ الإنْكَار أحْضَرتُ مَنْ أنْشَدنيها، فَوَاقَفَكَ عليها، ومع هذا فأنْتَ تَعْلَم ما لي عندَكَ من الأيَادِي الّتي لا تُذْكر، وما كُنْتَ تَسْألُني فيه من الحَوَائِج الّتي تُؤخَذ عليها الأمْوَالُ مع الرُّسُومِ، فَلَاذَ الفَقِيهُ بالعُذْر، واعْتَرَفَ أَنَّها من جُمْلَةِ غلطَاته الّتي
(1)
أبو يعلى محمد بن محمد -وقيل: ابن صالح- الشريف العباسي، ترجمته في المحمدين، في جزء ضائع من أجزاء الكتاب.
لا تُسْتَقَالُ، وعَثَراته القَبِيْحَة، فقال له الوَزِير: لا شَكَّ أنَّ الرُّسُومَ الّتي لك لا تَكُفّ ولا تَكْفيّ، وقد تقدَّمْتُ بإضْعَافها لك، فاقْبضها ولا تَغْلَط بعد ذلك.
ونَقَلْتُ من خَطِّ العِمَاد الكَاتِب أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد، وذَكَر [قَوْل] (a) شُعَرَاء العَجَم فيه؛ يَعني في نِظَام المُلْك: إنَّ اللَّه أقامَ الأرْضَ على قرن ثَوْر وملَّكَها الثَّوْر.
أخْبَرَنا أبو هاشِم الصَّالِحِيّ، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن أبي بَكْر المَرْوَزيّ، قال: أنْشَدَني كَيْخُسْره بن يَحْيَى بن بَاكِيْرَ الفَارسِيّ من حِفْظه أمْلاهُ عليَّ، قال: أنْشَدَني أبو زَكَرِيَّاء يَحْيَى بنُ عليّ التَّبْرِيْزِيّ للسَّيِّدِ العَلَويّ البَلْخِيّ: [من الوافر]
تَوَلَّى الأرْضَ أَعْجَازٌ لِئَامٌ
…
وبَادَ سَوَالفٌ كَرُمَتْ وَهَامُوا (b)
كذاكَ الدُّوْرُ إنْ خَرِبَتْ وأقْوَت
…
تَوَلَّاهُنَّ أصْدَاءٌ وهَامُ
قال عَبْدُ الكَريم: قال لي كَيْخُسْره بن يَحْيَى (c): قال لي أبو زَكَرِيَّاء التَّبْرِيْزِيّ: قال له (d) السَّيِّدُ البَلْخِيُّ: لمَّا أفْضَت الوِزَارَةُ إلى نِظَام المُلْك في حَقِّه (e)، فلمَّا بَلَغَ البَيْتان إليهِ، أرْسَل بي إليهِ، واسْتَأذَنَ في زِيَارته، فأَذِنَ له فزَارَهُ وحَمَل معه بمائة ألف دِرْهَم أغْرَاضًا ودَنَانِيْر، واعْتَذَر إليهِ وكأنَّهُ هَجَاهُ بهذَين البَيْتَيْن، ثمّ تعاهَدَا على أنْ يَعُود على شُغْله في الاسْتِيْفاء، فوَفَيا بالعَهْد إلى أنْ مات.
أخْبَرَنا أبو هاشِم، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد، قال: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن يَحْيَى بن مَنْصُور الجَنْزِيّ الإمَام يقُول: سَمِعْتُ في حَيَاة وَالدِي رَجُلًا يَقُول: أقامَ وَالدِي في حُجْرة
(a) إضافة ليتسق الكلام.
(b) كُتب في الهامش بخط مغاير لخط المتن: "هام بلا واو؛ وكتابة الواو خطأ".
(c) في الأصل: علي، وتقدم الاسم قبل الشعر صحيحًا، ويأتي كذلك في ترجمة الحسين بن علي الطغرائي (الجزء السادس)، وانظر الوافي بالوفيات 4:390.
(d) في الأصل: قاله.
(e) كذا ولعل في النقل نقص.
النِّظَام الوَزِير ثلاثة أيَّام بلَيَاليها ما أكلَ فيها ولا شَرِبَ، وكان الفَرَّاشُ قد نَسِي أنْ يُقَدِّم له شيئًا إلى أنْ تَنبَه النِّظَام لذلك، فقام بنَفْسِهِ وحَمَل إليهِ الطَّعَام بنَفْسه.
قال الإمَام مُحَمَّد بن يَحْيَى: فحكَيْتُ هذه الحِيَة لوَالدِيّ، فسَكَتَ.
قَرأتُ بخَطِّ أبي الحَسَن عليّ بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقذٍ في تَارِيْخهِ، قال: حَدَّثَني أبي عنه -يعني عن نِظَام المُلْك- قال: كان رَجُلًا يَصُوم الدَّهْر، وله في أصْبَهَان أرْبَع نِسْوَة، يُعْمَل له في كُلِّ دَار طَعَام ولأصْحَابهِ ومنْ يكُون عندَهُ بقِيْمةٍ وَافيةٍ، فأيّ دَار أراد أنْ يَجْلسَ بها كان الطَّعَام الكَثِيْر مُعَدًّا كما قال: عَشرةً رُؤوس غَنَم مَشْوِيَّة، وعَشرة ألْوَان، وعَشر جَامَات حَلْوَاء.
سَمِعْتُ القَاضِي أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن يُوسُف بن الخَفِر الحَنَفِيّ قاضي العَسْكَر رحمه الله، وقد جَرَى ذِكْر نِظَام المُلْك ومَيْله إلى أهْل العِلْم، يَقُول: كان نِظَام المُلْك يتعَصَّب للشَّافِعِيَّة كَثِيْرًا، فكان يُولِّي الحنَفِيَّة القَضَاء، ويُولِّي الشَّافعيَّة المَدَارِس، وبقصد بذلك أنْ يتوفَّر الشَّافِعيَّة على الاشْتِغَال بالفقْه، فيَكْثُرَ الفُقَهَاءُ منهم، ويَشْتَغل القُضَاة بالقَضَاءَ، فيقلّ اشْتِغَالهم بالفِقْه ويَتَعَطَّلُون.
قَرأتُ بخَطِّ أبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الكَاتِب، وأنْبَأنَا عنهُ أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن عبد الرَّحْمن القَاضِي وغيرُه، قال: كان عُثْمان ابن جَمَال المُلْك ابن نِظَامِ المُلْك رَئيس مَرْو، وهناك شِحْنَة مَرْو مَمْلُوك السُّلْطان بردي فقَبَض عليه لأمْرٍ جَرى منه، ثمّ أطْلَقَهُ، فجاءَ مُسْتَغِيْثًا، فنفَذَ السُّلْطان تَاجَ المُلْك، ومَجْد المُلْك وجَمَاعَة أرْبَاب دَوْلتَه وقال لهم: أمضوا إلى خُوَاجَه حَسَن وقُولُوا: إنْ كُنْتَ شَرِيْكي في المُلْك فلذلك حُكْم، وإنْ كُنْتَ تَابِعي فيَجب أنْ تلزَم حدَّك، وهؤلاءِ أرَاذل قد اسْتَولَى كُلّ واحدٍ منهم على مَمْلَكَةٍ، فواحدٌ ببَلْخ، وواحدٌ بهَرَاة، وواحدٌ ببَلَد كَذا، ثمّ لا يُقْنعُهم ذلك حتَّى يَتجَاوَزُوا حُدُودهم في سَفْك الدِّماء. وقال
للأمِيْر بَكْبُرْد، وكان من خَوَاصِّهِ: كُنْ معهم حتَّى لا يُحَرِّفُوا ما يقُولُ. فأتَوا إلى نِظَام المُلْك وقَالُوا له، فقال: نعم، قولُوا له: أمَا عَلمَ أنَّني شَرِيكُه في المُلْك، أوَ مَا يَذْكُر حين قُتِلَ أبُوه كيفَ قُمْتُ بتَدْبِير أمْره، واعْلمُوا أنَّ ثباتَ القَلَنْسُوَة مَعْذُوق بفَتْح هذه الدَّوَاة، ومَتَى أطبقَت هذه، زالَتْ يك الّتي يقرّ. فقال له الرُّسُل: قد كَبِرْتَ يا مَوْلَانا وقد ضَجِرْتَ، وقد أثَّر فيك الأمْرَان وعَدَلَا بك عن الرَّأي الّذي ما زَالَتِ الآراءُ معه، فقال لهم: قُولُوا للسُّلطَان عنِّي ما أردْتُم، فقد دَهَمني ما لحَقَني من تَوْبيخهِ!
فلمَّا خَرَجُوا من عنده، قالوا: الصَّوَابُ أنْ لا نَذْكُر ما قالَهُ، وعَرَّفُوا بَكْبُرْد حُرْمَة مَكَانهِ، وسَألُوه أنْ لا يُخْبر بما جَرى، فلم يَفْعَل، ومَضَى بَكْبُرْد من حاله وأخْبَر السُّلْطان، وبَكَّر الجَمَاعَةُ، فوَجَدُوا السُّلْطان جالِسًا يَنْتظرهُم، فقال لهم: ما قال لكُم؟ قالوا: قال أنَا وأوْلَادِي عَبِيْد دَوْلتَه، فقال السُّلْطان: لَم يَقُل هكذا، ثمّ وقَع التَّدْبِير في أمْره.
وقال: في لَيْلَة السَّبْت عَاشِر شَهْر رَمَضَان قُتِلَ نِظَام المُلْك في نَهَاوَنْد، بين نَهَاوَنْد والسَّحْنَة
(1)
، وهو سَائِرٌ مع العَسْكَر إلى بَغْدَاد، وذلك بعد أنْ فَرغَ من إفْطَاره، وتفرُّق مَنْ كان على طَبَقه من العُلَمَاءِ والفُقَرَاءِ والأجْنَادِ، وحُمِلَ في محَفَّة إلى مَضْرب حُرَمهِ، فأتاهُ صَبيٌّ دَيْلَميٌّ في صُوْرة مُسْتَمِيْح ومُسْتَغِيْث، فضَرَبَهُ بِسِكِّين كانت معه فقَضَى عليه، وهَربَ، فوَقَع في عَثْرة عَثَرَها بطَنب خَيْمَة فأُدْرِكَ فقُتِلَ، ورَكِبَ السُّلْطان مَلِك شَاه إلى مُخَيَّم نِظَام المُلْك، وسَكَّنَ معَسْكَره.
وحُكي أنّ أحَدَ الصَّالحين قال لنِظَام المُلْك وهُم في الإفْطَار: رَأيْتُ في بَارِحَتنا كأنَّ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتاكَ وأخَذَكَ فتَبعْتُهُ، فقال: ارْجع أيُّها الرّجُل فلهذا أَبْغيّ، فأَوَّلَها.
(1)
السحنة: موضع قرب همذان. ياقوت: معجم البلدان 3: 195.
نَقَلْتُ من خَطِّ أبي غَالِب عَبْد الوَاحِد بن مَسْعُود بن الحُصَيْن، وأنْبَأنَا به عنه رَفِيقُنا الحافِظ أبو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بن مَحْمُود بن النَّجَّار، قال: وفي لَيْلَة السَّبْت عَاشر شَهْر رَمَضَان -يعني من سَنَة خَمْسٍ وثمانين- قُتِلَ نِظَام المُلْك، قَوَام الدِّين، أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن إسْحَاق رضي الله عنه قَريبًا من نَهَاوَنْد، وهو سَائِرٌ مع العَسْكَر في مِحَفَّة، فضَرَبَهُ صَبِيٌّ دَيْلمَيٌّ في صُوْرة مُسْتَمِيْح أو مُسْتَغِيْث بسِكِّين كانت معه، فقَضَى عليه، وأُدْرِكَ فقُتِلَ، وجَلَس لعَزَائهِ عَمِيْدُ الدَّوْلَة ابنُ جَهِيْر ببَغْدَاد.
وفَضَائِله المَشهُورة في كُلِّ مكان وزَمَان تَنُوب عن لسَان مَادحه، وأفْعَاله الصَّالِحة من المَدَارِس، والرُّبط، والقَنَاطِر، والجُسُور، والصَّدَقَات الدَّارَّة باقيةٌ على الأيَّام.
وتحدَّثَ النَّاسُ بأنَّ قتلَ نِظَام المُلْك كان برِضًى من السُّلْطانِ وتَدْبِير تَاج المُلْك أبي الغَنائِم، وإشَارة تُرْكَان خَاتُون؛ لأنَّهم كانُوا عَزَمُوا على تَشْعِيْث خَاطِر المُقْتَدِيّ، وكان نِظَام المُلْكِ يمنَعُهُم من ذلك.
قال ابنُ الحُصَيْن: وبَلَغَني أنَّ أبا نَصْر الكُنْدُرِيّ لمَّا عُزِلَ عن وِزَارَة السُّلْطان، وفُوِّضت الوِزَارَة إلى نِظَام المُلْك، وحُبِسَ وسَعَى نِظَامُ المُلْك في قَتْلهِ، فلمَّا هَمَّ الجَلَّادُ بفَتْلهِ، قال له: قُلْ للوَزِيْر نِظَام المُلْك: بئسَ ما فَعَلْتَ، عَلَّمْتَ الأتْرَاك قَتْل الوُزَرَاء وأصْحَاب الدَّوَاوِيْن، ومَنْ حَفَرَ مَغْواةً وَقَعَ فيها، ومَنْ سَنَّ سُنَّةً فَلَهُ وِزْرها ووِزْرُ مَنْ عَمِل بها إلى يَوْم القِيامة، ورِضًى بقَضَاءِ اللَّه المَحْتُوم، فكان الأمْرُ كما قال.
قَرأتُ بخَطِّ أبي الحَسَن عليّ بن مُرْشد بن عليّ بن مُنْقِذ في تَارِيْخهِ، قال: سَنَة خَمْسٍ وثمانين وأرْبَعمائة، فيها قَفَزَ بَاطِنِيَّةٌ على خُوَاجَا بَزُرْك ببَغْدَاد وهو مَحْمُولٌ في مِحَفَّتِهِ الّتي كان يُحْمَلُ فيها من ضَعْفِه وكِبَرِه في تَاسِع شَهْر رَمَضان، فجَرَحَهُ،
وحُمِلَ إلى دارهِ الّتي ببَغْدَاد، فجاءَ السّلطان مَلِكشَاه يَتَفَقَّدُهُ ويتَوَجَّع له، فقال له خُوَاجَا: يا سُلْطان العالَم، كَبرْتُ في دَوْلة أبيكَ ودَوْلتكَ، كُنْتَ تَمهَّلْتَ عليَّ فما بَقِيَ مِنْ عُمري إلَّا القليل، أو صَرَفْتَني ولا أمَرْتَ أنْ يُفعَلَ بي هكذا، فأَخْرَجَ السّلطانُ مصْحَفًا في تَقْليدِه، وحَلَفَ لهُ بما فيه أنَّه لَمْ يَأمُر، ولَمْ يَعْلَم ثُمَّ قال: وكيفَ أَسْتَجِيزُ هذا وأنتَ بَرَكَة دَوْلَتي، وبمَنْزِلة أبي، وكان الّذي اتُّهِم بذلك مُتَولِّي الخِزَانَة تَاج المُلْك أبا الغَنائم.
قال ابن مُنْقِذ: حَدَّثَني أبي عنه، قال: فماتَ خُوَاجَا، ومَضَى السّلطان فمات في العَشْر الأَخير من شوّال.
قال: وذُكِرَ أنَّ السُّلْطَان لمَّا ماتَ اجْتَمع مَمَالِيْك خُوَاجَا بَزُرْك، وكانُوا في سَبْعة آلاف مَمْلُوك مُزوَّجيْن إلى سَبْعة آلاف مَمْلُوكة، فقَتَلُوا تَاج المُلْك على ما نَذْكُر في تَرْجَمة تَاج المُلْك
(1)
.
كذا قال ابن مُنْقِذ: أنَّهُ قُتِلَ ببَغْدَاد وحُمِلَ إلى دَارِه الّتي ببَغْدَاد، وهو وَهْمٌ، والصَّحيحُ أنَّهُ قُتِلَ بقُرْب نَهَاوَنْد وهو مُتَوَجِّهٌ إلى العِرَاق.
نَقَلْتُ من كتاب الاسْتِظْهَار في التَّاريخ عِلى الشُّهُور
(2)
، تأليف القَاضِي أبي القَاسِم عليّ بن مُحَمَّد السِّمْنَانِيّ، قال: في شَهْر رَمَضان من سَنَة خَمْسٍ وثمانين وأرْبَعمائة قُتِل الشَّيْخُ الكَبير، قَوَام الدِّين، نِظَامُ المُلْك، أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن
(1)
ترجمته في الجزء العاشر (الكنى): أبو الغنائم تاج الملك.
(2)
كتاب الاستظهار في معرفة الدول والأخبار، تأليف علي بن محمد بن أحمد ابن السمناني الرحبي (ت 493 هـ) من الكتب الضائعة، وهو كتاب مرتب على الشهور، نقل عنه ابن العديم في هذا الموضع، كما نقل عنه ابن الفوطي في مجمع الآداب 2: 573، 5: 549، ولم يذكره حاجي خليفة، وسمى له كتابًا آخر عنوانه: العروة لأهل الخلوة والجلوة. كشف الظنون 2: 1133 (وأرخ وفاته سنة 499 هـ)، وانظر: القرشي: الجواهر المضية 2: 605 - 610، الزركلي: الأعلام 4: 329.
إسْحَاق، رَضِيُّ أميْر المُؤْمنِيْن رضي الله عنه، في ظَاهِر نَهَاوَنْد وهو سَاِئِرٌ إلى العِرَاق؛ قَتَلَهُ إنْسَانٌ دَيْلهَيٌّ غِيْلَةً بعد الفِطْر لَيْلَة الجُمُعَة حَادِي عَشر منه.
وكانَ مَوْلدُهُ في ذي القَعْدة من سَنَة ثمانٍ وأربعمائة، وبقي في الأمْر وَزِيْرًا، ونَاظِرًا، ومُشْرفًا نحو خَمْسِين سَنَةً، وبَلَغَ في الوِزَارَة ما لَم يَبْلُغْهُ أحَدٌ من وُزَرَاءِ الدَّوْلَتَيْن، وكان يُضْربُ له الطَّبْلُ والقِصَاعُ ثَلاثَ صَلَوات حَضَرًا وسَفَرًا، وهو الَّذي بَنى الدّوْلَة السَّلْجُوقيَّة وأَسَّس قَوَاعِدَها، وتَفَتَّحَت الدُّنيا على يَدَيهِ، وكان صَدُوقَ اللِّسَان، جَيِّدَ الرَّأي، كَبِيْرَ النَّفْس، حَلِيْمًا، وَقُورًا، يُصَلِّي باللَّيْلِ، ويَصُومُ في أكْثَر الأوْقَاتِ.
وهو أوَّلُ وَزِيرٍ بَنَى المَدَارِسَ في البلادِ، وأجْرَى على المُدَرِّسيْن، والمُتَفَقِّهَة، والأُدَبَاءِ والشُّعَراء، وأهْل البُيُوتاتِ، والرُّؤسَاء. ولم يَنْظُر قَطّ إلى ظَهر مَحْرُوم، وما قَصَدَهُ أصدٌ في أمْرٍ إلَّا نالَهُ أو مُعْظَمَهُ، فأمَّا الحِرْمان فلا. ولم يَبْقَ عليه من عَظيم المُلْك غير ما فَعَلَهُ وبَناهُ وخَلَّدَ بهِ ذِكْرَهُ في العَالَم، وفاقَ به على جميعِ مَنْ تَقَدَّم، رضي الله عنه وأرْضَاهُ، وأحْسَنَ له الجَزاءَ عنِّي، فلقد وَصَلني في سَبْع سَفرات بألْفٍ وأرْبَعمائة دِيْنارٍ مِنْ مَاله، غير الثِّيَاب والنُّزُل والإقامَة، وأَجْرَى عليَّ من مال بَيْت المَال سَبْعمائة دِيْنار وعِشْرين دِيْنارًا في كُلِّ سَنَةٍ، ووَلَّاني قَضَاءَ الرَّحْبَة والرَّقَّة وحَرَّان وسَرُوْج وحَلَب وأعْمَالِ ذلك كُلّه، وخَاطَبني بالقَاضِي السَّدِيْد العَالِم، بَحْر العُلَماءِ، عَيْن القُضَاة، في مُكَاتبته إليَّ، فأحْسَنَ اللَّهُ له عنِّي الجَزَاءَ.
وكان يُكْرِم العُلماءَ على اخْتِلَاف مَذَاهِبهم، وله فَضْلٌ وكَرَمٌ، وبَصِيْرةٌ بالرِّجَال، قَرِيبٌ مِن القُلُوب، لا يَتَشَاغَل إلَّا بتِلَاوَة القُرْآن وسَماعِ حَديث رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومُنَاظَرة الفُقَهَاء بينَ يَدَيْهِ، وتقَدَّم في زمَانِهِ مَن لَم يَكُن مُتَقَدِّمًا من الرِّجَال، وتأخّر مَنْ كان مُتَقدِّمًا، واسْتَرْجعَ المَمَالِكَ كُلّها، وقَبَضَها إلى السُّلطان.
وهو أوَّلُ مَنْ أقْطَع البلادَ والضِّيَاع للعَسَاكِر والأجْنَادِ، وكان يَرْعَى لأهْل البُيُوتَاتِ بُيُوتَهُم، وللعُلَماء عِلْمهم، وللشُّعَراءِ شِعْرَهُم، وللأُدَباءِ أدَبَهُم، وللأَشْرَاف شَرَفهم.
وكان أمْرُ الدَّوْلة في الزِّيادَةِ إلى أنْ شَارَكَهُ في الرَّأي غَيْرُه، ودَاخَلَ السُّلْطان سِوَاه، فهَلَكت الدَّولَةُ، ولم يَبْقَ السُّلطَانُ بعدَهُ إلَّا نَيّف وثَلاثُون يَوْمًا، رضي الله عنه.
ذكَرَ أبو الحَسَن مُحَمَّد بن عَبْد المَلِك الهَمَذَانيّ، في كتاب عُنْوَان السِّيَر في مَحَاسِن أهْلِ البَدْو والحَضَر
(1)
، وقال: نِظَام المُلْكُ، أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن إسْحَاق الطُّوْسيّ، وزَرَ للسُّلْطَان ألْب أرَسْلَان، ولوَلده السُّلطان مَلِك شَاه تِسْعًا وعِشْرين سَنَة، وقُتِلَ بالقُرْب من نَهَاوَنْد في اللَّيلة الحَادِيَة عَشرة من شَهْر رَمَضان سَنَة خَمْسٍ وثَمانين وأرْبَعمائة، وعُمرُهُ ستٌّ وسَبعُونَ سَنَةً وعَشرةُ أشْهُر، وتِسْعةَ عَشَرَ يَوْمًا، اغْتَالَهُ أحَدُ البَاطِنيَّة وقد فَرَغَ من فُطوره، وقيل إنَّ السُّلْطان مَلِك شَاه وَلَّفَ عليه مَنْ قَتَلَهُ لأنَّهُ سَئِمَ طُولَ عُمره، وماتَ بعدَهُ بشَهْر وخَمْسة أيَّامٍ.
وتقدَّم نِظَام المُلْك في الدُّنيا التَّقَدُّمَ العَظِيم، وأفْضَل على الخَلْق الإفْضَالَ الكَثِيرَ، وعَمَّ النَّاسَ بمَعْرُوفه، وبَنَى المَدَارِسَ لأصْحَاب الشّافِعيّ، ووَقَفَ عليهم الوُقُوفَ، وزَادَ في الحِلْمِ والدِّين على مَنْ تقَدَّمَهُ من الوُزَرَاءِ، ولم يَبْلُغْ أحدٌ منهم مَنْزِلَتَهُ في جميع أُمُوره، وعَبَر جَيْحُون فوَقَّع على العَامِل بأنْطَاكِيَة ما يُصْرفُ إلى (a) الملَّاحِيْنَ، ومَلَكَ من الغِلْمانِ الأتْرَاكِ ألُوفًا عدَةً، وكان جُمْهُور العَسَاكِر وشُجْعانهُم وفُتَّاكهُم من مَمَالِيْكِهِ.
وتحدَّث أبو مُحَمَّد رِزْقُ اللَّه بن عَبْد الوَهَّاب التَّمِيْميّ، قال: سَألتُه عن السَّبَب في تَعْظِيمه الصُّوْفيَّة، فقال: أتَاني صُوْفيٌّ وأنا أخْدِمُ ابن يَاخُر الأَميْر التُّرْكيّ،
(a) قطع تاريخية: فوقع إلى العامل. . . يصرف على، وفي موضع آخر من كتاب الهمذاني ما يوافق المثبت، انظر: قطع تاريخية 300.
_________
(1)
قطع تاريخية من كتاب عنوان السير 99 - 100.
فوَعَظَني وقال: اخْدم مَنْ تَنْفَعُك خِدْمَتُهُ، ولا تَشْتَغل بمَنْ تَأكُله الكِلَاب غَدًا، فلَم أَعْرف مَعْنى قَوْله، فاتَّفَقَ أنَّ ابن يَاخُر شَرِب من الغَدِ، واغْتَبَقَ، وكانت له كِلَابٌ كالسِّبَاع تَفْرسُ السِّبَاعَ باللَّيْل، فغَلَبهُ السُّكْرُ وخَرَجَ وَحْدَهُ، فلم تَعْرفه الكِلَاب، فمَزَّقَتْهُ، فعَلمْتُ أنَّ الرَّجُل كُوْشِفَ، فأنا أَطْلُبُ مثَالَهُ (a).
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْدُ اللَّه بن الحُسَين بن عَبْد اللَّه بن رَوَاحَة الحَمَوِيّ بحَلَب، وأبو يَعْقُوب يُوسُف بن مَحْمُود السَّاوِيّ بالقَاهِرَة، عن الحَافِظ أبي طَاهر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحْمد الأصْبَهانيّ نَزِيلُ الإسْكَنْدَرِيَّة، قال: سَمِعْتُ صَوَابَ بن عَبْد اللَّه الخَصِيَّ النِّظَامِيَّ ببَغْدَاد يَقُول: قُتِلَ مَوْلاي الوَزِيرُ أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن إسْحَاق شَهِيْدًا في رَمَضان سَنَة خَمْسٍ وثمانين وأرْبَعمائة، بقُرْب نَهَاوَنْد، وكان آخر كَلَامِهِ أنْ قال: قُلْ للعَسْكَر: لا تَقْتُلوا قَاتِلي فإنِّي قد عَفَوْتُ عنهُ، وتَشَهَّد وماتَ، فَمَضَيْتُ أنا فإذا هو قُتِلَ، ولو قُلْتُ لهم لَمَا قَبِلُوا قَوْلي.
أخْبَرَنا الشَّريفُ عَبْد المُطَّلب بن الفَضْل، قال: أخْبرَنا الإمَامُ تاج الإسْلَام أبو سَعْد السَّمْعانيّ، قال: سَمِعْتُ أبا الفَضْل مُحَمَّد بن نَاصِر بن مُحَمَّد بن عليَ السَّلَاميّ الحَافِظ يَقُول: اسْتُشْهِدَ أبو عليّ الحَسَن بن عليّ بن إسْحَاق الوَزِير وهو مُتَوَجِّهٌ إلى العِرَاق بقَرْيَةٍ يُقالُ لها سَحْنَة، وذلك في شَهْر رَمَضَان سَنَة خَمْسٍ وثَمانيْن وأرْبَعمائة. قُلت: وزُرْتُ قَبْره بأصْبَهَان.
وقال أبو سَعْد: قَرأتُ بخَطِّ وَالدِي، رحمه الله، بالرَّيّ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ الفَقِيْه الأجَلّ أبا القاسِم عَبْد اللَّه بن عليَ بن إسْحَاق يَقُول: حَكَى لي بَعْضُ مَنْ رَآهُ -يَعْني أخَاهُ نِظَام المُلْك- في المَنَام، فسَألَهُ عن حَالهِ، فقال: لقد كادَ أنْ يُعْرَضَ عليَّ جَمِيع عَمَلي لولا الحَدِيْدةُ الّتي أُصِبْتُ بها.
(a) قطع تاريخية: أمثاله.
أخْبَرَنا أبو يَعْقُوب يُوسُف بن مَحْمُود بن الحُسَين بالقَاهِرَة، قال: أنْبَأنَا الحافِظُ أبو طَاهِر أحْمد بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا مُسْلِم دَاوُد بن مُحَمَّد بن الحَسَن القَزْوِيْنيّ، بقَزْويْن، يَقُول: سَمِعْتُ أبا بَكْر الطَّحَّان الصُّوفيّ بهَمَذَان يَقُول: رَأى الشَّيْخُ أبو عَمْرو عُثْمانُ الكَرْجِيُّ الصَّاحِب أبا عليّ الحَسَن بن عليّ بن إسْحَاق الطُّوْسِيّ الوَزِيرَ في المَنَام، وكأنَّهُ في الجَنَّة، وهو مُتَوَّجٌ بتَاجٍ مُرَصَّع بالجَوَاهِر، قال: فقُلْتُ: بأيّ شيءٍ بلَغْتَ هذه المَنْزِلة؟ فقال: بفَضْلِ اللَّه وَحْدَهُ.
أخْبَرَنا عبْد المُطَّلب بن أبي المَعالي، قال: أخْبَرَنا عَبْدُ الكَريم بن مُحَمَّد، قال: أنْشَدَنا أبو مُضَر طَاهِر بن مَهْدِي الطَّبَريّ إمْلاءً بنَيْسَابُور، قال: وأنْشَدَني أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن الحُسَين الأرْزَنِيّ إمْلاءً من حِفْظه، قال أبو مُضَر: بمَرْو، وقال أبو عَبْد اللَّه: بجَبَل تَرْوَع - قالا: أنْشَدَني شِبْل الدَّوْلة أبو الهَيْجَاء مُقَاتِل بن عَطِيَّة البَكْريّ لنَفْسِه في مَرْثِيَّةِ نِظَام المُلْك
(1)
: [من البسيط]
كان الوَزيرُ نِظَام المُلْك لُؤلُؤةً
…
يَتِيْمَةً صَاغَها الرَّحْمنُ مِنْ شَرَفِ
عَزَّتْ ولَم تَعْرف الأيَّامُ قِيْمَتَها
…
فَرَدَّها غِيرةً مِنْهُ إلى الصَّدَفِ
الحَسَنُ بن عليّ بن الحَسَن بن أحمد بن وَكِيْع بن خَلَف بن وَكِيْع، أبو مُحَمَّد التِّنِّيْسِيّ
(2)
وقيل: الحَسَن بن عليّ بن أحْمَد بن وَكِيْع، وقيلِ: الحَسَن بن مُحَمَّد بن وَكيْع، وقيل: عليّ بن الحَسَن بن وَكيع أبو الحَسَن، وقد سَبَق ذِكْرُهُ.
(1)
البيتان في المنتظم 16: 307، ومرآة الزمان 19: 440، 20: 55، ووفيات الأعيان 2:130.
(2)
تقدَّمت ترجمته بأوعب من هذه فيما مرّ من هذا الجزء، باسم: الحسن بن علي بن أحمد.
الحَسَنُ بن عليّ بن الحَسَن بن حَرْب، أبو عليّ
(1)
قَاضِي الثُّغُور الشَّامِيَّة.
أخْبَرَنا أبو القَاسِم عَبْد الرّحيم بن يُوسُف بن هِبَةِ اللَّه بن الطُّفَيل بالقَاهِرَة، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد بن أحمد الحَافِظُ، قال: أخْبَرَنا أبو الحُسَين المُبَارَكُ بن عَبْد الجَبَّار الصَّيْرَفيّ، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّهِ الحُسَيْن (a) بن جَعْفَر السَّلَمَاسيّ، قال: أخْبَرَنا أبو أحْمد مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه بن أحمد الدَّهَّان، قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ مُحَمَّد بن سَعِيد بن عبْد الرَّحْمن في تَاريْخ الرَّقَّة
(2)
، قال: الحَسَنُ بن عليّ بن الحَسَن بن حَرْب، قَاضِي الثُّغُور، ولِدَ سَنة ثَلَاثين ومَائتَيْن، وماتَ سَنَة ثِنْتَين وثلاثمائة بطَرَسُوْس، يُكْنَى أبا عليّ.
الحَسَنُ بنُ عليّ بن رُشَيْد، أبو عليّ المُقْرِئ الرَّسْعَنِيّ الضَّريْر
من أهْلِ رَأس عَيْن.
رَوَى بحَلَب عن أبي زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن عَمّار بن أبي القَاسِم العَصَّار شَيئًا من شِعْره، كَتَبَ عنه أبو الخَطَّاب عُمَر بن مُحَمَّد العُلَيْمِيّ.
أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد بن الحَسَن الدِّمَشْقيّ بها، قال: أخْبَرَنا أبو الخَطَّاب عُمَر بن مُحَمَّد العُلَيْمِيّ، إجَازةً -قُلْتُ: ونَقَلْتُهُ أنا من خَطّ العُلَيْمِيّ- قال: أنْشَدَني أبو عليّ الحَسَن بن عليّ بن الحَسَن بن رُشَيْد المُقْرئ الرَّسْعَنِيُّ
(a) في الأصل: الحسن، وقد تقدم صحيحًا، ويرد أيضًا في العديد من الترجم فيما بعد.
_________
(1)
توفي سنة 302 هـ.
(2)
الحراني: تاريخ الرقة 184 - 185.
الضَّريرُ إمْلاءً من حِفْظِهِ بحَلَب، قال: أنْشَدَني أبو زَكَرِيَّاء يَحْيى بن عمَّار بن أبي القاسِم العَصَّار الرَّسْعَنِيّ الضَّرير إمْلاءً من حِفْظه بحلَب، قال: أنْشَدَني أبو زَكَرِيَّاء يحيى بن عَمَّار بن أبي القَاسِم العَصَّار الرَّسْعَنِيّ لنَفْسِه برَأسِ عَيْن: [من الطويل]
أَرَى قَلَمِي قَدْ زَلَّ عَن كَوْنِ وَصْفهِ
…
وزَلَّتْ يَدِي عَنْ قَصْدِ ما أنا طَالِبُهْ
حُسَامٌ نَبا مِنْ بَعدِ حَزْمٍ وحِدَّةٍ
…
فَكَلَّتْ غرارَاهُ وفُلَّتْ مَضَارِبُهْ
إذا رُمْتُ حرْفًا صَدَّني وأَعَاقَني
…
يُغالبُني طَوْرًا وطَوْرًا أُغَالِبُهْ
فلا خَيْرَ فيمَن خَانَ وُدَّ حَبِيْبِهِ
…
وأسْدَلَ دَيْجُورًا وغَابَتْ كَواكِبُهْ
فَذَرْهُ بقَاعٍ بَلْقَعٍ لا يَرَى بهِ
…
أَنِيْسًا ولا تُلْمِمْ بهِ فتُعَاتِبُهْ
الحَسَنُ بن عليّ بن الحَسَن بن شَوَّاش المُقْرِئ الأَرْتَاحِيُّ، أبو عليّ الكَتَّانِيُّ المُعَدَّل
(1)
من أرْتَاح؛ قَرْيَةٌ، من عَمَل حَلَب بالقُرْب من ثَغْر حَارِم.
انْتَقَلَ إِلى دِمَشْقَ وسَكَنَها، وتَوَلَّى بها الإشْرَاف على وَقْف الجَامِع، وأظُنُّ انْتِقَاله إلى دِمشْق عنها لغَلَبَةِ الرُّوم عليها.
حَدَّثَ عن أبي القَاسِم إسْمَاعيْل بن القاسِم بن إسْمَاعيْل الحَلَبيّ المُؤَدِّب، ويُوسُف بن القَاسِم المَيَانِجِيّ، وأبي العبَّاس أحْمد بن مُحَمَّد بن عليّ بن هَارُون البَرْدَعيّ، والفَضْل بن جَعْفَر التَّمِيْميّ، وأبي سُلَيمان بن زَبْر.
رَوَى عنهُ أبو عليّ الحَسَن بن عليّ الأهْوَازيّ، وأبو سَعد السَّمَّان، وأبو مُحَمَّد عَبْدُ العَزِيز بن أحْمد الكَتَّانيّ، وأبو طَاهِر مُحَمَّد بن الحُسَين الحِنَّائيُّ، وأبو طَاهِر بن أبي
(1)
توفي سنة 439 هـ، وترجمته في: تاريخ مولد العلماء ووفياتهم لابن زبر (ذيوله) 347، تاريخ ابن عساكر 13: 150 - 151، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 6: 353، تاريخ الإسلام 9: 581، بدران: تهذيب تاريخ ابن عساكر 4: 199.
الصَّقْر الأَنْبَارِيّ، وأبو نَصر أحمدُ بن مُحَمَّد بن سَعِيْد، ونَجَا بنُ أحْمد، وأبو الفَرَج سَهْل بن بِشْرٍ، وأبو القاسِم بن أبي العَلَاءِ.
أخْبَرَنا أبو عَبْدِ اللَّه مُحمَّدُ بنِ دَاوُد بن عُثمان الدَّرْبندِيّ بمَسْجِد الخَلِيْل عليه السلام بحِبْرَى، وأبو عليّ حَسنُ بن أحْمد بن يُوسُف الأَوَقِيّ، وأبو الخَطَّاب عُمَر بن أَيْمَلِك بن الأَرْدَعَانِسِيِّ بالبيَت المُقَدَّس، وأبو القَاسِم هِبَةُ اللَّه بن مُحَمَّد بن الحُسَين المَقْدِسيّ، وأبو الفَضْل أحمدُ بن مُحَمَّد بن عَبْدِ العَزيْز بن الجبَّابِ المِصْرِيّ بمَكَّة، حَرَسَها اللَّهُ، وأبو القاسِم عَبْدُ اللَّه بن الحُسَين بن رَوَاحة الحَموِيِّ بِحَلَب، وأبو الحَسَن عليّ بن عَبْد الرَّحمن بن هِبَهِ اللَّه بن مُسَاور الخَطيْب المنْبجيّ بها، قالوا: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحمدُ بن مُحَمَّد بن أحمد بن إبرَاهيم السِّلَفِيُّ، قال: أَخبَرَنا أبو طَاهِر مُحمَّدُ بن الحُسَين بن مُحَمَّد الحِنَّائيّ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن الشَّوَّاش، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بنُ عليّ بن سلْوَان المَازِنيّ، قالا: أخْبَرَنا أبو القاسِم الفَضْلُ بن جَعْفَر بن مُحَمَّد التَّيْميّ المُؤذِّنُ، قال: حدَّثنا أبو بَكْر عَبْدُ الرَّحمن بن القاسِم بن الفَرَج بن عَبْد الوَاحِد الهَاشِميّ، قال: حدَّثنا أبو مُسْهر عَبْدُ الأعْلَى بن مُسْهر الغَسَّانيّ، قال: حدَّثنا سَعيْدُ بن عَبْد العَزِيْز، عن رَبيعَةَ بن يَزِيد، عن أبي إدْرِيس الخولَانيّ، عن أبي ذَرّ رضي الله عنه
(1)
، عن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، عن جِبْرِيلِ عليه السلام، عن اللَّهِ عز وجل أنَّهُ قال: يا عِبَادِي، إنِّي حرَّمتُ الظُّلْم على نفسِي وجَعَلتُه بينكم مُحَرَّمًا فلا تَظالَمُوا.
يا عِبَادِي، إنَّكم الّذين تُخْطئُون باللَّيل والنَّهَار وأنا الّذىِ أغْفِر الذُّنُوبَ ولا أُبالي، فاسْتَغْفِرُوني أغْفِرُ لكُم.
يا عِبَادِي، كُلُّكم جَائِعٌ إلَّا مَنْ أطْعَمتهُ، فاسْتَطْعمُوني أُطْعِمكم.
(1)
صحيح مسلم 4: 1994 (رقم 2577)، حلية الأولاء لأبي نعيم 5: 125 - 126، شرح السنة للبغوي 5: 73 - 74 (رقم 1291)، صحيح ابن حبان 3: 385 (رقم 619)، وانظر: المسند الجامع 16: 190 - 191 (رقم 12366).
يا عِبَادِي، كُلُّكُمُ عَارٍ إلَّا مَنْ كَسَوْتُه، فاستَكْسُوني أَكْسِكُم.
يا عِبَادِي، لو أنَّ أوَّلَكُم وآخرَكُم، وإنْسِكُم وجِنِّكُمُ، كانُوا على أفْجَرِ قلبِ رَجُلٍ منكم لَم يَنْقُص ذلك مِنْ مُلْكي شَيْئًا.
يا عِبَادِي، لو أَنَّ أوَّلكُم وآخرَكُم، وإنسِكُم وجِنِّكُمُ، كانُوا على أتْقَى قَلْب رَجُل منكم لَم يَزد ذلك في مُلْكي شَيئًا.
يا عِبَادِي، لو أَنَّ أوَّلكُم وآخرَكُم، وإنسِكُم وجِنِّكُمُ، كانُوا في صَعِيْدٍ واحدةٍ، فسَألُوني، فأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَان منهم ما سَأل، لَم ينقُص ذلك من مُلْكِي شيئًا إلّا كما ينقُصُ المخْيَطُ غَمسَةً. وقال ابنُ شَوَّاش فيه: غَمْسَةً واحدةً.
يِا عِبَادِي، إنَّما هي أعمَالُكُم أحْفَظُها عليكم، فَمَن وَجَد خَيْرًا فليَحْمدَ اللَّه، ومَنْ وجَدَ غير ذلك فلا يلُومنَّ إلَّا نَفْسَهُ.
قال أبو مُسْهر: قال سَعِيد بن عَبْدِ العَزيز: كان أبو إدْرِيسْ الخولَانيُّ إذا حَدَّثَ بهذا الحَدِث جَثَا على رُكْبَتَيْه.
أنبأَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ اللَّهِ بن الشِّيْرَازيّ، قال: أخْبَرَنا الحافظُ أبو القاسِم الدِّمَشْقيّ
(1)
، قال: الحَسَنُ بن عليّ بن الحَسَن بن شَوَّاشِ، أبو عليّ الكَتَّانِيّ المُقْرئ المُعَدَّلُ، أصْلُهُ من أَرْتَاح، مَدِينَة من أعمَال حَلَب، وتَولّى الإشْرَاف على وُقُوف جَامع دِمَشْق.
حَدَّثَ عن الفَضْل بن جَعْفَر، ويُوسُفَ بن القَاسِم المَيَانِجِيّ، وإسمَاعيْل بن القَاسِم بن إسمَاعيْل، وأبي سُلَيمان بن زبْرٍ، وأبي العَبَّاس أحْمد بن مُحَمَّد بن عليّ بن هَارُون البَردَعي.
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 150.
رَوَى عنهُ أبو عليّ الأهْوَازِيُّ وهو من أقْرَانه، وأبو سَعْد إسمَاعيْل بن عليّ السَّمَّان، وعبْد العَزيز بن أحمد، وأبو نَصْر أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن سَعِيْد، وأبو الفَرَج سَهْل بن بِشْرٍ، وأبو طَاهِر مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد بن أبي الصَّقْر، وأبو القَاسِم بن أبي العَلَاء، ونَجَا بن أحْمَد، وأبو طَاهِر مُحَمَّد بن الحسُين الحِنَّائيّ.
أخْبَرَنا أبو الوَحْش بن نَسِيْم إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد
(1)
، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بنُ الأكْفَانيّ، قال: حدّثنا الكَتَّانيّ، قال: توفِّي شَيْخُنا أبو عليّ الحَسَنُ بن عليّ بن شَوَّاش في ذي القَعْدَة سَنَة تِسْعٍ وثَلاثين وأرْبَعمائة.
الحَسَنُ بن عليّ بن الحَسَن بن عليّ بن عُمَر بن عليّ بن الحَسَن الأنْصَاريُّ، أبو عليّ البَطَلْيَوْسِيُّ الأَنْدَلُسيُّ
(2)
ويُكْنَى أيضًا أبا مُحَمَّد. من أهْلِ بَطْلَيَوْس؛ بَلْدة بالأنْدَلُس نحو صِقِلِّيَة.
خَرَجَ من بِلَادِ المغرب فسَمعَ في طَرِيقِه بالإسْكَنْدَيَّة الحَافِظ أبا طَاهِر أحمد بن مُحَمَّد السِّلَفِيّ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بن الوَليدِ الطَّرْطُوشيّ (a)، وخَرَج إلى العِرَاق، ثُمَّ إلى خُرَاسَان، وسَكَن نَيْسَابُور واشْتَغَل بها بشيءٍ من عِلْم الكَلَام والفِقْه على أبي نصْرٍ عَبْد الرّحيم بن أبي القاسِم القُشَيْريّ، وعُمَر بن أحْمَد الصَّفَّار.
(a) بعده في الأصل: "ثم رحل إلى العراق"، وضرب عليه.
_________
(1)
تاريخ ابن عساكر 13: 151.
(2)
توفي سنة 568 هـ، وترجمته في: الأنساب للسمعاني 3: 259 - 360، ابن الدبيثي: ذيل تاريخ بغداد 3: 109 - 110، التقييد لابن نقطة 1: 463، ابن الأبار: التكملة لكتاب الصلة 1: 210، تاريخ الإسلام 13: 393 - 394، سير أعلام النبلاء 20: 511 - 513، المختصر المحتاج إليه 1: 284، الوافي بالوفيات 12: 145 - 146، المقري: نفح الطيب 2: 509.
وسَمعَ الحَدِيثَ من أبي نَصْر القُشَيْريّ، ومن أبي القاسِم زَاهِر بن طَاهِر الشَّحَّامِيّ، وسَهْل بن إبْرَاهيم المَسْجِدِيّ، وأبي عَبْدِ اللَّه مُحَمَّد بن الفَضْل الفَرَاوِيّ، وأحمد بن مُحَمَّد المَيْدَانيّ، وأبي القَاسِم الفَضْل بن مُحَمَّد بن الفَضْل العَطَّار.
وحَدَّث بنَيْسَابُور بشيءٍ من حَدِيثِهِ، ثُمَّ خَرَجَ من نيسَابُور، وعَادَ إلى بغداد، وحَدَّث بها في صَفَر سَنَةَ ستٍّ وخَمْسِين، وسَمعَ منهُ بها القَاضي عُمَر بن عليّ بن الخَضر القُرَشيّ الحَافظ، وخَرَّجَ عنهُ حَدِيثًا في مُعْجَم شُيُوخه.
وقَدِمَ دِمَشْق، فأقامَ بها مُدَّةً، وحَدَّث بها بشيءٍ من مَسْمُوعَاته. ثُمَّ تَوَجَّه إلى مكَّة، حَرَسَها اللَّهُ، فأقامَ بها مُدَّةً يَسِيْرةً، وحَمَلَهُ الشَّيْخُ عُلْوَان بن عَبْدِ اللَّه بن عُلْوَان الحَلَبِيّ أخُو شَيْخنا أبي مُحَمَّد عبد الرَّحمن إلى حَلَبَ، فَحدَّثَ في طَرِيقِه بالعِرَاق، وقَدِمَ حلَبَ وحَدَّثَ بها بكتاب صَحِيْح البُخَاريّ، وسُنَن أبي دَاوُد، وغيرهما، وأقَامَ بحَلَبَ إلى أنْ ماتَ.
رَوَى عنهُ أبو سَعْد عَبْد الكَريْم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، وخَرَّجَ عنهُ في مُعْجَم شُيُوخهِ المُسَمَّى بالتَّحْبِير وفي مُذَيَّله، والحَافِظ أبو المَوَاهِب الحَسَنُ بن هِبَة اللَّه بن صَصْرَى الدِّمشْقيّ، وخَرَّج عنهُ حَدِيثًا في مُعْجَم شُيُوخه، والقَاضِي أبو الحَسَن أحمد بن مُحَمَّد بن الطَّرَسُوسيّ.
رَوَى لنا عنْهُ عمِّي أبو غَانِم مُحَمَّد بن هِبَة اللَّه بن أبي جَرَادة، والشَّيْخ أبو مُحَمَّد عبد الرَّحمن بن عَبْد اللَّه بن عُلْوَان الأَسَدِيّ بحَلَب، وأبو مَنْصُور يُونُس بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الفَارِقِيّ بدِمَشْق.
أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلب بن الفَضْل الهَاشِمِيّ، قال: أخْبَرَنا تاجُ الإِسْلَام أبو سَعْد عَبْد الكَريمِ بن مُحَمَّد السَّمْعانيّ، قال: حدّثنا أبو عليّ المَغرِبيّ من لَفْظهِ بنَيْسَابُور، قال: أخْبَرَنا أبو نَصْر عَبْدُ الرَّحيم بن عبْد الكَريْم بن هَوَازِن القُشَيْريّ، قال: أخْبَرَنا
أبو نَصْر مُحَمَّد بن المُفَضَّل النَّسَوِيّ -قَدِمَ علينا- قال: حَدَّثَنَا أبو القَاسِم عَبْدُ اللَّه بن أحْمَد بن مُحَمَّد الفَقِيْه النَّسَوِيّ، قالْ حدّثنا الحَسَنُ بن سُفْيَان، قال: حدَّثنا مُحمَّدُ بن المُتَوكِّل العَسْقَلانيّ، قال: حدّثنا الوَليد بنُ [مُسْلم، قال: حدَّثنا رَوْح بن جَناح، عن الزُّهْرِيّ، عن سَعِيد بن](a) المُسَيَّب، عن أبي هُريرة رضي الله عنه
(1)
، قال: قال رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يُؤْمَرُ جِبْرِبل كُلّ غَدَاةٍ فَيَدخُل بَحْر النُّور فيَنْغَمِسُ فيه انْغِمَاسَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ فيَنتَفِضُ انْتِفَاضَة، فيَسْقط منه سَبعُون ألْفَ قَطْرَة، يَخْلُق اللَّه تعالَى من كُلِّ قَطْرَة مَلَكًا، فيُؤْمَر بهم إلى البَيْت المَعْمُور فيُصَلُّونَ فيه، ثُمَّ يُؤْمَرُ بهم إلى حَيثُ شَاءَ اللَّهُ يُسَبِّحُونَ إلى يَوْم القيَامَة.
أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد عبد الرَّحمن بن عَبْدِ اللَّه بن عُلْوَان الأَسَدِيُّ الحَلَبيُّ بها، قال: أخْبَرَنا الشَّيْخُ الصّالِحُ أبو عليّ الحَسَنُ بن عليِّ بن الحَسَن الأنْصَارِيّ البَطَلْيَوْسِيِّ بحَلَب في سَنة ستٍّ وسِتِّين وخمسمائة، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم زَاهِر بن طَاهر بن مُحَمَّد الشَّحَّامِيّ بنَيْسَابُور، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمن بن مُحَمَّد الكَنْجَرُودِيّ، قال: أخْبَرَنا الحَاكِم أبو أحْمَد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إسحَاق الحَافِظ، قال: أخْبَرَنا أبو عَرُوبَةَ الحُسَين بن أبي مَعْشَر السُّلمِيّ بحَرَّان، قال: حدَّثنا إسمَاعيل؛ يعني: ابن مُوسى الفَزَارِيّ، قال: أخْبَرَنا مَالك، يَعْني: ابن أَنسٍ، عن حُمَيْد، عن أنَسٍ، أنَّ أبا بَكْر وعُمَر وعُثْمان رَضِي اللَّه تعالَى عنهم كانوا يَفتتَحُون القِرَاءةَ بالحَمْد للَّهِ رَبّ العالَمِين.
(a) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل، واستكماله من تذكرة الموضوعات لابن الجوزي.
_________
(1)
أخرجه الديلمي في الفردوس 5: 486 (رقم 8842)، وابن الجوزي في الموضوعات 1: 147 من طريق الحسن بن سفيان النسوي، وأخرجه العقيلي في الضعفاء 3: 59، وابن عدي في الكامل 3: 144 من وجهٍ آخر عن أبي هريرة، وينظر: ميزان الاعتدال للذهبي 2: 57.
أخْبَرَنا يُونُس بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الفَارِقِيّ الخَطِيْبُ بدِمَشْق، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الحَسَن بن عليّ بن الحَسَن الأنْصَارِيّ البَطَلْيُوْسيّ بثَغْر حَلَب سَنَة ستٍّ وسِتِّين وخَمْسمَائة، قال: أخبَرنا زَاهِر بن طَاهِر الشَّحَّامِيّ، قال: أخْبَرنا أبو سَعْد مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحمن، قال: أخْبَرَنا الحَاكِم أبو أحْمد، قال: أخْبَرَنا أبو عَبْد الرّحمن مُحَمَّد بن عَبْد اللَّه البَيْرُوتيّ ببَيْرُوت، قال: حدَّثنا بَحْر بن نَصْر، قال: حدَّثنا خالِدُ بن عبد الرَّحمن الخُرَاسَانيّ، قال: حدَّثنا مَالِكٌ، عن الزُّهْرِيّ، عن عليّ بن الحُسَين، عن أَبِيهِ
(1)
، قال: قال رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من حُسْنِ إسْلَام المَرْءَ ترَكُهُ مَا لا يَعْنيهِ.
آخر الجُزءِ الخَمْسِين والمائة من تاريخ حَلَب
ويَتْلُوه في الحَادِي والخَمسِين: أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلب بن الفَضْل الهَاشِميّ
الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالَمِين، وصَلَّى اللَّه على سَيِّدنا مُحَمَّد النَّبيّ، وعلى آله الطَّاهِرين، وصَحبه الأكْرَمين، وسلَّم تَسليمًا كَثيرًا، وهو حَسبي.
(1)
موطأ الإمام مالك 3: 903 (رقم 3)، ومن طريقه الترمذي في الجامع الكبير 4: 148 (رقم 2318)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ 1: 360، وانظر: المسند الجامع 17: 616 (رقم 14207).